Professional Documents
Culture Documents
1028a6cda8133375b791bc63380b7dbe
1028a6cda8133375b791bc63380b7dbe
Shamela.org ١
المحتو يات
المحتو يات
٧ ١مقدمة في نشأة اللغة والنحو والطبقات الأولى من النحاة
٧ ٣مقدمة
١٠ ٤اللغة والإعراب وعلم النحو
Shamela.org ٢
المحتو يات
عن الكتاب
الكتاب :مقدمة الشيخ محمود شاكر لشرح الأشموني ) ٩٢٩هـ( على ألفية بن مالك ) ٦٧٢هـ(.
المؤلف :أبو فهر ،محمود بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر )المتوفى ١٤١٨ :هـ(
المحقق :محمد محيي الدين عبد الحميد.
الناشر :المطبعة المصر ية.
الطبعة :الأولى ١٣٥٢هـ ١٩٣٣ -م.
المصدر :الشاملة الذهبية
Shamela.org ٣
المحتو يات
عن المؤلف
محمود شاكر ) ١٤١٨ - ١٣٢٧هـ( = ) ١٩٩٧ - ١٩٠٩م(
أبو فهر ،محمود بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر
• من أسرة أبي علياء الحسينية في جرجا بصعيد مصر.
• ولد في الإسكندر ية في المحرم ١٩٠١م ،وانتقل إلى القاهرة في نفس العام إذ عُيّن والده وكيلا للجامع الأزهر ،وكان قبل ذلك شيخا
لعلماء الإسكندر ية.
• تدرج في التعليم المدني إلى أن التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية ١٩٢٦م
• بعد السنة الثانية في الكلية توقف عن مواصلة دراسته على أثر خلاف نشب بينه وبين أستاذه في الجامعة طه حسين حول منهج
دراسة الشعر الجاهلي .فسافر إلى جدة مهاجرا سنة ١٩٢٨م ،وأنشأ هناك مدرسة جدة السعودية الابتدائية وعمل مديرا لها ،حتى عاد
إلى القاهرة في أواسط سنة ١٩٢٩م.
• ثم انصرف إلى الأدب والكتابة وقراءة دواوين الشعراء ،وبدأ ينشر في مجلتي »الفتح« و »الزهراء« لمحب الدين الخطيب ،واتصل
بأعلام عصره من أمثال أحمد تيمور وأحمد زكي باشا والخضر حسين ومصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد الذي ارتبط بصداقة
خاصة معه
]مع طه حسين[
• بدأ صدامه مع طه حسين في الجامعة عندما استمع لمحاضرات طه عن الشعر الجاهلي ،وفيها يزعم أن الشعر الجاهلي منتحل وأنه كذب
ملفق لم يقله أمثال امرئ القيس وزهير ،وإنما ابتدعه الرواة في العصر الإسلامي ،وكان محمود شاكر سبق له أن اطلع على هذا الزعم في
مقال للمستشرق اليهودي الحاقد مرجليوث في مجلة استشراقية ،وتيقن أن طه قد سطا سطوا عريانا على مقال مرجليوث .ورد شاكر
على طه ،وانتهى هذا الخلاف بأن ترك شاكر الجامعة.
• ألف شاكر كتابه المشهور »المتنبي« عندما كلفه فؤاد صروف رئيس تحرير مجلة »المقتطف« أن يكتب دراسة عن المتنبي ما بين عشرين
إلى ثلاثين صفحة ،ولـكن الأمر انتهى إلى كتاب مستقل عن المتنبي ونشرته مجلة المقتطف في عدد مستقل صدّره فؤاد صروف بقوله:
هذا العدد من المقتطف يختلف عن كل عدد صادر منذ سنتين إلى يومنا هذا ،فهو في موضوع واحد ولكاتب واحد .وتوصل شاكر في
كتابه إلى أشياء كثيرة لم يكتبها أحد من قبله استنتجها من خلال تذوقه لشعر المتنبي ،فقال بعلو ية المتنبي وأنه ليس ولد أحد السقائين
بالـكوفة كما قيل ،بل كان علو يا نشأ بالـكوفة وتعلم مع الأشراف في مكاتب العلم ،وقال بأن المتنبي كان يحب خولة أخت سيف الدين
الحمداني واستشهد على ذلك من شعر المتنبي نفسه ،واست ُقبل الكتاب بترحاب شديد وكتب عنه الرافعي مقالة رائعة أثنى عليه وعلى مؤلفه
صدر كتاب محمود شاكر عن المتنبي عام ١٩٣٦ثم صدر كتاب طه حسين »مع المتنبي« عام ،١٩٣٨وعلى الرغم من أن طه نقد في
كتابه كتاب شاكر إلا أنه لم يستطع أن يمنع نفسه من أن يسلك سبيلا ًيقلد فيها محمود شاكر ،لذا فقد هاجم شاكر ما كتبه طه في ١٣
مقالة في جريدة )البلاغ( ،تحت عنوان )بيني وبين طه( ذكر فيها أنه سطا على أفكاره وحذا حذوه ،وقال :أن كتاب طه حسين محشو
بأشياء كثيرة تدل دلالة قاطعة على أن الدكتور طه لم يسلك هذا الطر يق الجديد على كتبه في كتاب المتنبي إلا بعد أن قرأ كتابه! .
]مع لويس عوض[
نشر لويس عوض )المستشار الثقافي للأهرام حينذاك( سنة ١٩٦٤مجموعة مقالات في الأهرام بعنوان )على هامش الغفران( وذهب
في كلامه إلى تأثر المعري باليونانيات ،كما ألمح إلى أثر الأساطير اليونانية في الحديث النبوي ،مما دفع شاكر إلي العودة إلى الكتابة بعد
عزلة فرضها على نفسه ،فكتب سلسلة من المقالات المبهرة في مجلة الرسالة ،بلغت ٢٣مقالة كشفت عما في كلام لويس عوض من
الوهم والخلط التار يخي والتحر يف والتهافت ،ثم انتقل إلى الكلام عن الفكر والثقافة في العالم العربي والإسلامي وما طرأ عليها من
غزو فكري غربي .واعتبرت مقالات شاكر في ذلك حدثا ثقافيا مدو يا كشفت عن علم غزير ومعرفة واسعة بالشعر وغيره من الثقافة
العربية ،وقدرة باهرة على المحاجاة والبرهان .لم يتوقف شاكر عند كتابة مقالاته حتى أغلقت مجلة الرسالة نفسها ،وقد جمعت هذه
Shamela.org ٤
المحتو يات
Shamela.org ٥
المحتو يات
Shamela.org ٦
مقدمة ٣
Shamela.org ٧
مقدمة ٣
ل أو تقليد َ حركة ٍ إلى غير ذلك من أساليب التعبير ،ولو َأن ّك انتزعت اله َمّة لمراقبة هؤلاء ِّ
الصغار في وطنهم هذا ل شك ٍ
صوت أو تمثي َ
ٍ
مرة ً وأخرى ولا يزال يُبدِئه و يعيد ُه على أسماع أترابه وهم يُقلِّدونه لرَأيتَ أ َ ّ
ن ما يُحدِثونه من الألفاظ يجري اللفظ منها على لسان أحدهم َ ّ
ق به ألسنتهم وتلينَ له حَناجرهم؛ فمن ث ََم ّ يجري هذا بينَهم لفظًا موضوعًا لمعنى خاص أو شيء بعين ِه ،ولا ش َ
َكّ عندنا و يُحاكونه حتى تنذل َ
ن هذا النوع من التعبير َمم ّا يُهد َى إليه الطفل إلهام ًا وتوقيف ًا لا اجتهاد ًا ولا م ُواضعة.
أ َّ
أصوات بعينها تشير ُ إلى أشياء أو تد ُ ّ
ل على م َعانٍ ،ولزوم الحاجة إلى الإشارة إلى هذه الأشياء أو الدلالة على ٍ فدربة أعْصاب ال َ ّ
سمع على
هذه المعاني هي الدرجة الأولى في نَشْأة اللغة على ألسنة البشر.
فعلى هذا الأساس نرى أ َ ّ
ن اللغة الأولى للإنسان كانت قليلة َ الحروف بسيطة التركيب ،مصحوبة ً بالإشارة للدلالة على الشيء الذي
ُأرسِل عليه اللفظ ،فما أرادت حاجة ُ الاجتماع أ ْن تم َ ّد من هذه اللغة وتبسط ،انتقصت من الحاجة إلى الإشارة واستبد َلت م َكانها
تخالُف الأصوات على الحرف الواحد بانف ِراج الفم وز ِمّ الشفتين وفتحهما ومدهما وتحر يك اللسان وتقليبه وموقعه من الأسنانَ ،
فلم ّا
َأت في الألسنة م ُرونة ٌ تأ َت ّ ْ
ت لها من كثرة تقليبها وتحر يكها أحدث الاجتماع حاجة ً إلى المد والبسط أكثر من ذي قبلُ ،كانت قد نش ْ
ض إلا الجرس في خَفائه وو ُضوحه وموقع
في الفم؛ فساعدت هذه المرونة على إنشاء حروف كثيرة م ُتقاربة المخارج لا يميز بعضها من بع ٍ
اللسان من َ
الث ّنايا والأسنان وغار الفم.
ل هذه الحروف الأولى التي لا نعرف ُها ولا نعرف عددها ) (١كانت هي الألفاظ التي ُ
يدل ّون بها على المعاني و يُوم ِئون بها إلى الأشياء، ولع َ ّ
ج ذلك على الأ َي ّام حتى رُكّ ِبَ الحرفان والثلاثة لأشياء حد َث َْت وم َعا ٍ
ن وقفوا عليها وأرادوا التعبير عنها. ثم تد َرّ َ
توقيف
ٌ وهنا اختلف العلماء اختلافا ًكبير ًا في نشأة اللغة على الألسنة الإنسان َي ّة ،فرموا ال َحج ّة بال َحج ّة ،واستفتَحُوا أبواب ًا من الجدل في أمر ِها؛
مجاه ِل من القول لا يهتَدِي فيها دليلٌ.
هي أم اصطلاح ،فذهبت بهم ألسنتُهم مذاهب تستقيم ُ تارة ً وتلتوي أخرى ،وانتهوا إلى َ
وما خرَجُوا منها إلا بالق َو ّة على الجدل ،والق ُدرة على تشقيق الكلام وترقيعه وتلفيقه.
ل العلوم الإنسان َي ّة كلها من طبيعة ُ
الن ّبوغ في فردٍ من الأفراد أو أفراد ن نشأة اللغة لا ب ُ َ ّد أن ت ُر َ َدّ إلى ما ت ُر َ ُدّ إليه أصو ُ
والرأي عندنا أ َ ّ
ل يُشر ِقُ في ظَلام زمن ِه بما سوغ من د َِق ّة ٍ في َكّ ،وأ َ ّ
ن هناك معاني َ ٺت َساق َُط على عق ٍ ن ُ
الن ّبوغ إلهام ٌ ولا ش َ من الجماعة ،ولا يفوت َن ّك هنا أ َ ّ
ن هذه المعاني لا يُجدِي في إ يجادها است ِجلاب ولا تحصيل ولا حشْد ،ولا تحسب َ ّن
ورق ّة في الإحساس ،وق ُدرة على التعبير ،وأ َ ّ
التركيبَ ،
وضح لها ما لم يكن واضحًا،الن ّبوغ إشراقٌ في الإنسان َي ّة ي ُ ِ ّ
الن ّبوغ هذا لا يكون إلا في م َعاني الشعر أو آراء الفلسفة أو أحكام العلوم ،بل ُ
ن ُ أ َّ
ل م ُبِين ،فالاهتداء إلى لفظٍ واحد جديد للتعبير عن شيء ٍ كان مهملا ًلا َ
لفظ في طفولة الإنسان َي ّة؛ ويهديها إلى ما كانت عنه من ضَلا ٍ
كالاهتداء إلى سِر ِّ سقوط الأشياء من أعلى إلى أسفل بالجاذب َي ّة في عصر شَباب العلم.
ن بق َدرِها ،و ُأل ْهِم َ التعبير عنها بما يُس ِ ّر َ له ،فنطَق باللفظِ المبتدأ
أشرقت عليه معا ٍ
ْ وأحس وف َك ّر،
َّ فآدم َ
الن ّوابغ حين كان في الأرض ورأى
المرتَج َل الذي ُألقِي إليه إلهام ًا لا اجتِهاد ًا واعت ِمالاً ،وحمل هذا اللفظ ق َو ّة م ُستب َ ّدة من ر ُوح النابغة إلى م َن سمع منه وأشرق نُبوغه على
الشيء الذي يبتغون التعبير َ عنه ،فلزمهم تقليد ُه وانصاعوا؛ فنطقوا بما نطَق به محاكاة ً لا إرادة َ فيها إلا قليلاً.
__________
ٍ
) (١ولا تزال الدلالة على شيء أو معنى بالصوت أو الحركة أو الحرف الواحد مستعملة ً معروفة ً في لغات القبائل من همج إفر يقيا
وغيرها،
ن الحروف تد ُ ّ
ل على المعاني ،وقد عق َد لذلك ف ُصولا ً في كتابيه: الباب انتهى الإمام ُ أبو الفتح عثمان بن جني إلى القول بأ َ ّ
ِ ومن هذا
"الخصائص" ،و"سر العربية" ،ونقل عنه من ذلك الباب كثير ٌ.
Shamela.org ٨
مقدمة ٣
ق بما ُألقي في روعه من اللفظ المعب ِّر عن الشيء أو عن المعنى المقصود يُوحِي إلى سام ِع ِيه استعمال هذا اللفظ؛ فيَنقادون
النابغة حين ينط ُ
محاكاته طائعين )(١ مجاراته و ُ
غريزة ً وضَر ُورة ً إلى ُ
الناس يحتاجون إلى التعبير عنه ،و يكون تعبيره هذا قو ًي ّا ج َ َ ّذاب ًا م ُستحكمًا ،لا يلبث أ ْن
ُ وأنت ترى الشاعر الـكبير حين يُعب ِّر ُ عن شيء ٍ
ل أو يقصر ُ،
واضحًا زمنًا يطو ُ
ن من اللغة م ُشرفًا ِ
ل م َن قرأه ثم يجري على الألسنة اقت ِدار ًا حتى يذيع و يُصب ِح بمكا ٍ
ق هذا التعبير بذهن ك ّ ِ
يَعل َ َ
ولا يحد أهل العصر على ذلك مندوحة ً من إرساله في ك َلامهم وكُتبهم ورسائلهم ،وما يم ُ ّ
سه من شُؤون حَياتهم واجتماعهم ،فهذا هذا
كما تر َى.
ن اللغة إنما هي أداة ٌ للتعبير التي يتخذها كائ ٌن حي في الإشارة إلى شيءٍ ،أو الإفصاح عن غ َرَضٍ ،أو
ولا ي َذهَب َ ّن عنك بعد َ ما رأيت أ َ ّ
ٍ
تلويح بيد أو إيماء ٍ ل فيها ،فهي على ذلك تجم ُع الإشارة بالجوارح أو الأعضاء من
الدعاء في طلب ،أو الإعراب عن ضمير نفسه بما يجو ُ
تقطيب أو اهتزاز أو تصويت أو منطق ،هذا عندنا هو الأصل في المعنى الذي ت ُراد له "اللغة" ،ثم قام هذا اللفظ "أعنى اللغة"
ٍ برأس أو
ختلف
نت ُ خص بها ،تد ُ ّ
ل على م َعا ٍ ٍ
أوضاع ت ُ ّ كلمات على
ٌ َ
وٺتأل ّف من هذه الأحرف ُف على هيئة ٍ بعينها، للكلام المنطوق َ
المركّ ب من أحر ٍ
باختلاف التركيب والوضع.
عم ّا يرى وما يسم ُع ن أداة التعبير الأولى إنما هي من آثار ُ
الن ّبوغ في فردٍ من الأفراد ،وتساوق النبوغ بعد ُ في إحداث ما يُعب ِّر به َ قلنا :إ َ ّ
وما ي ُ ّ
حس؛ فتكاثرت "الكلمات" التي يُع َب ّر بها عن الأشياء والمعاني ،وتص َرّمت الأجيال على نماء أدوات التعبير وزِ يادتها ،ثم تص َرّمت
الأجيال
__________
الناس من أهل عصره أو بعد ع َصر ِه ،على هواهم ،وتجري بهم
َ ك ق َو ّة م ُدب ّ ِرة م ُصر ِّفة لا يُقاومها شيءٌ ،تغلب ) (١واعلم أ َ ّ
ن النابغة يمل ُ
ل بهم إلى غاية ٍ منصوبة ،ولا يملك أحدٌ عن
يف عجيب وتدبيرٍ غريب ،حتى تص َ
من م َذاهب المعاني والألفاظ والأساليب والعلوم بتصر ٍ
ل النابغة من هؤلاء بمنزلة المُوحَى إليهم يلُه ِمهم بما يُس ِ ّر َ؛ فلا يجدون ب ُ ً ّدا من التص ُرّف معه إلى غاية ٍ
ذلك معدلا ً ولا محيصً ا ،فكان عق ُ
ل منهم كبير العقل صافي َ
الن ّفس قوي الأثر؛ حتى يُصبح لم يكونوا انتهَضُوا لها ولا أرادوها ،وتلك هي العلَ ّة في أ َ ّ
ن الناس يعتنون برج ٍ
ل علة ٍ ل علَ ّة ٍ من ك ّ ِ
ل شيء ولا يرون في ك ّ ِ خطؤه الـكبير فوق صَواب الناس ،في َأخ ُذون به مسلما ثم إذا ع ُوتِبوا فيه أخ َذوا يُول ِ ّدون له ك َ ّ
صح ّحوا؛ فيصرفهم َ
عم ّا كانوا يف ما َ
ل آخ َر يز ُ
حقٍ :حتى يأتي العصر الذي يشرق فيه عق ٌ
ل ّإلا صواب ًا فوق الصواب ،وح ً ّقا يعلو على ك ّ ِ
مرة واحدة على م َدارج التاريخ كلها.
فيه من عماية وضَلالٍ ،وهذا مرض قديم في العقل الإنساني ،لم يبرأ منه َ ّ
ل واختصّ ت ك ُ ّ
ل لغة ٍ في جِي ٍ َ ورأينا لغات م ُت َقاربة أو م ُتَباينة ،ثم تص َرّمت الأجيال وقيدت هذه اللغات ووضعت لها ضَوابط وق َواعد،
جعْنا
أحقاب م ُت َطاوِلة إلى أ ْن كانت لها ق َواعد وضَوابط وأصول يرج ُع إليها ،فلو ر َ
ٍ ن ُ
الل ّغة من هذه اللغات نَم َْت في ونحن لا نَش ُُكّ في أ َ ّ
ِض بال ُ ّ
شبهة في هنا إلى القول الذي قلنا به في نشأة اللغة من طبيعة ُ
الن ّبوغ في فَرْدٍ من الأفراد ،أو أفرادٍ من الجماعات ،لاعتَرَضَنا م ُعتر ٌ
هذا القول والشك في أمره؛ إذ كيف ي َت ّفق طبيعة ُ
الن ّبوغ في أفرادٍ من أ َمّة على تطاو ُل الأحقاب ات ِّفاقًا مصمتًا يكون من أث َره أ ْن تق َع
ض َع الناس عليها أولا ً ثم صاغوا لها أنواع الكلمات في هذه القواعد والضوابط ولا ٺتع َ ّداها؟ و يلزمنا لذلك أن نقول بأ َ ّ
ن القواعد قد توا َ
الكلمات والأساليب.
نعرف كيف
َ ق أمام َنا إلا أ ْن
ل لا يقول به أحدٌ ،فلم يب َ
محا ٌ أ َمّا تواضُع الناس على القواعد والأصول قب َ
ل أ ْن تكون لغة ٌ يت َفاهَمون بها فهذا ُ
Shamela.org ٩
٤اللغة والإعراب وعلم النحو
بالن ّطق قد جعلت في ألسنتهم ن الكلمات الأولى التي ُألقيت على لسان فردٍ من الجماعة ،ودَع ِ
َت الناس إلى تقليدها ومحاكاتها ُ شكّ أ َ ّ
لا َ
فلم ّا اشت َ ّدت الحاجة بالناس إلى التعبير أو الإشارة لم يج ْد بعضهم محيصً ا عن تقليب الأحرف التي عرَف ُوها على م ُرونة ً وليان ًا ومطاوعةَ ،
مخالَفة
ألسنتهم بالتقديم والتأخير؛ فأحد َثُوا ألفاظًا مشابهة للأولى في بنائها ،ولم تُواتِهِم ُ الألسنة والطبائع الناشئة منهم بالاعت ِياد والتكرار على ُ
ل المشرق الجديد كان قد تل َ ّقن في نَشْأته أصول لغته ل عهدهم بها ،فمرنوا عليهاَ ،
فلم ّا ظه َر بينهم العق ُ والصي َغ الأولى التي طا َ
ِّ الأوزان
فلم ّا أشرقت عليه أنوار ُ
الن ّبوغ اعتمد نبوغ ُه على التوليد من الأصول التي استوضحها عقلُه أ ًي ّا كانت بالعادة والمران ،واست َقام لسانه عليهاَ ،
الرحب وأدركها ح ُ ّ
سه المرهف ،ووزنها وم َي ّزها بعضها من بع ٍ
ض تركيب ُه الدقيق ،فكان يكث ُر منه ات ِّفاق ما يحدث من الأبنية والصيغ،
مع ما نشأ فيه ودر َج عليه وجاء من بعده أت ْباع ُه يزيدون على أصوله وفروعه لا يكادون يخر ُجون عليها ،حتى يأتيهم م َن يلقون إليه بالمقادة
ن الات ِّفاق شيء غير ٍ
بدع في أمر الألسنة الإنسان َي ّة. في أمر لسانهم وتفكيرهم ،فمن هذا ترى أ َ ّ
ٌ
تفر ّق الجماعات في الأرض على اختلاف طَبائعها ن هذا هو الشأن من بعد ُولا يفوتك أ َ ّ
استمر ّت الحال على ذلك حتى است ََقر ّت بعض اللغات على
َ وأجوائها وتغ ُي ّر طبائع الناس وعاداتهم وحاجاتهم تبع ًا لتغ ُي ّر أرضهم ومنازلهم،
طرا ٍز خاص؛ إذ ضُب ِطت بالقواعد والأصول التي نُسمِّيها على النحو وع ِلم الاشتقاق وال َص ّرف وعلم البيان.
ن النحو والاشتقاق والبَيان هي من اللغة بمنزلة م ُفر َداتها )(١؛ إذ كانت مرتبطة بها في تد ُرّجها وارتقائها أو
تعرف َمم ّا مضى أ َ ّ
ُ َ
ولعل ّك
ضعفها وانح ِطاطها ،فلو َأن ّك أردت أن تستغني مثلا ًعن الحركات التي سميت فيما بعد ُ حركات الإعراب في لغة ٍ من اللغات لكان ل ِزام ًا
عليك أ ْن تُدخِل التغيير والتبديل في مفردات اللغة نفسها وفي اشتقاقها وص َرفها وأساليب بيانها ،أ َمّا أ ْن ت َ ّتخذ مفردات لغة ٍ من اللغات
ل
وتزوي وجهك عن حركات إعرابها وأساليب بيانها وطرق اشتقاقها وصرفها؛ استجلاب ًا لسهولة استعمالها وسرعة ذيوعها -فهذا قت ٌ
لكلتيهما ،وإفساد ٌ في طبيعة الأشياء لا ُ
يقر ّه عقل ولا يُجار يه منطق.
وقد كتبنا هذه الكلمة -على قصرها وات ِّساع ميدان الكلام في أغراضها -لنتق َ ّدم بالكلام عن نشأة النحو في العرب َي ّة ،فلو أتاح ْ
َت لنا
وعرفنا ً َ
الأي ّام بعد است ِيفاء الكلام كله في هذا الأصل أصدرنا -بعون الل ّٰه -كتاب ًا مستقلا ّ بنفسه لا نَدَع ُ فيه كلمة ً للرأي إلا قُلناهاّ َ ،
المبتدعة مكانَ النحو والاشتقاق والبيان من اللغات ،وفتحنا طر يق ًا لمعرفة سرِّ الإعراب في العرب َي ّة ،وأَ ب َن ّا عن معاني الحركات الأربعة
في م َواقعها من الكلام العربي ،والل ّٰه المستعان.
__________
َ
ولـكن ّه أدمج ) (١أ َ ّول م َن نظر في العربية هذا النظر ،وشرع في تفصيله والكلام عنه ،هو الإمام الجليل أبو الفتح عثمان بن جني،
تكتنف تفكيره جانبًا ،ومع هذا فهو
ُ القول فيه إدماجا يتعذر معه لطالب هذا العلم أ ْن يدرك مبهماته وخوافيه ،وأ ْن يلقي الشبهات التي
أشتات في كتبه لم يجمعها باب قائم بنفسه يكون أهدي للقارئ وأقوم عليه.
قال شيخُنا أبو الفتح عثمان بن جني" :حضرَنِي قديمًا بالموصل أعرابيّ ٌ عقيلي جوثي تميمي يُقال له :محمد بن العساف ال َ ّ
شجريَ ،
وقل ّما
رأيت بدَوِ ًي ّا أفص َ
ح منه ،فقلت له -شغف ًا بفصاحته ،والت ِذاذ ًا بِمُطاو َلته ،وجري ًا على العادة معه في إيقاظ طَبع ِه ،واقت ِداح زَند فطنته :-
Shamela.org ١٠
٤اللغة والإعراب وعلم النحو
كيف تقولُ" :أكرَم َ أخوك أباك" فقال :كذاك ،فقلت له :أفتقول" :أخوك أبوك؟ " فقال :لا أقول" :أبوك" أبد ًا ،قلت :فكيف تقول:
"أكرمني أبوك"؟ فقال :كذاك ،قلت :أفلَسْتَ تزع ُم َأن ّك لا تقول" :أبوك" أبد ًا؟ فقال :إيش هذا! اختلفت جهتا الكلام ...فهل قوله:
"اختلفت جهتا الكلام" إلا كقولنا نحن" :هو الآن فاعل وكان في الأ َ ّول مفعولاً" ،فانظ ُر إلى ق ِيام معاني هذا الأمر ِ في أنفُس ِهم وإن لم
تطعْ به عِبارتهم.
الشجريّ صاحبَنا هذا الذي قد مض َى ذِكر ُه قلتُ له :كيف يا أبا عبدالله تقول" :اليوم كان زيد َ وقال شيخُنا -رحمه الل ّٰه :-وسألتُ
ل فيما قبلها؛ لأنها إنما تأتي البت ّة ،وذلك أ َ ّ
ن ما بعد "إن" لا يعم َ ُ ن زيد ًا قائم" فأباها َ
قائمًا"؟ فقال :كذلك ،فقلت :فكيف تقول" :اليوم إ َ ّ
عم ّا بعدها وما بعدها َ
عم ّا قبلها. أبد ًا مستقبلة قاطعة لما قبلها َ
وقلت له يوم ًا ولابن ع َ ٍ ّم له يُقال له" :غصن" -وكان أصغر منه ً
سن ّا وألين لسان ًا :-كيف تحقران "حَم ْراء" فقالا" :حُمَيراء" قلت:
سسْت بين ذلك "علباء"؛ سو ْداء" قالا" :سُو َيداء" واستمررت بهما في نحو هذاَ ،
فلم ّا استو يا عليه د َ صف َيراء" ،قلت :فـ" َ
صفْراء"؟ قالاُ " :
فـ" َ
فلم ّا ه َ ّ
م بفتح الباء استرجع مستنكرًا فقال" :إه فقلت" :فعلياء"؟ فأسرع ابن عمه على طر يقته فقال" :عُلَيباء" وكاد الشجري بقولها معهَ ،
عليبى" وأش َ ّ
م الضمة رائمًا للحركة في الوقف ،وتلك عادة ٌ له.
قال ابن جن ِ ّي :وسألته يوم ًا :يا أبا عبدالله ،كيف تجم ُع محرنجمًا؟ وكان غرضي من ذلك أ ْن أعلم ما يقوله؛ أيُكس ِّر فيقول" :ح َراجم" أم
فر ّق َه حتى أجمع َه! وصد َق؛ وذلك أ َ ّ
ن المحرنجم هو المجتمِـع. صحِح فيقول" :محرنجمات"؟ فذهب هو مذهبًا غير ذَي ْ ِن فقال :وإيش َ
يُ ّ
ِس لما أريد ُه منه ،والجماعة معي على غاية الاست ِغراب لف َصاحته ...
مح ّ ٍ يقولها مرا ًرّا على َ
شكِيمته غير ُ
َّ
أحس الموضع ل محرنجمة وأخرى محرنجمة وأخرى محرنجمة تقول :مررت بإبل ماذا؟ فقال -وقد
قلت له :فد َ ْع هذا؛ إذا أنت م َرَرْتَ بإب ٍ
ل
:-يا هذا ،هكذا أقول" :مررت بإب ٍ
ل إلى تكسير ِها ،لا َ
س ّيما محرنجمات" ،وأقام َ على الصحيح َ
البت ّة ،است ِيحاشًا من تكسير ذ َوات الأربع لمصاقبتها ذ َوات الخمسة التي لا سبي َ
إذا كان فيها ز يادة ٌ ،والز يادة قد تعت ُ ّد في كثيرٍ من المواضع اعت ِداد الأصول حتى إنها لتَلزَم ُ لُزومها نحو :كوكب ،وحوشب ،و َ
ضي ْو َن،
وه َزَن ْب َران ،ود َ ْود َ َرّى ،وقرنفل ،وهذا موض ٌع يحتاج إلى إصغاء ٍ إليه ،وإرعاء ٍ عليه ،والوقت -لتَلاحُمه وتقار ُب أجزائه -مان ٌع منه ،و يُع ِينُ
المنوي فيه بق ُدرته.
ِّ الل ّٰه فيما يلَِيه على المعتق َد
قال شيخُنا :وسألته يوم ًا :كيف تجم ُع سرحان ًا؟ فقال" :سراحين" ،قلت فدكان ًا؟ قال" :دكاكين" قلت :فقرطان ًا؟ قال" :قراطين"،
قلت"فعثمان"؟ قال" :عثمانون"؟ قلت :هلا قلت" :عثامين" كما قلت" :سراحين وقراطين"؟ فأباها َ
البت ّة ،وقال :إيش ذا! أرأيت إنسان ًا
يتكلم بما ليس من لغته ،والل ّٰه لا أقولها أبد ًا ...استوحش من تكسير العلم إكبار ًا له ،لا َ
س ّيما ومنه الألف والنون اللتان بابهما فعلان
الذي لا يجوز ُ فيه فعالين نحو سكران وغضبان.
قد عرَضْ نا لسان هذا الإعرابي ولسان اب ِن عم ِّه لنر َدّك إليهما في سِياق كلامنا هذا عن اللغة والإعراب وعلم النحو؛ لئلا نقطع عليك
ل الكلام حين لا ب ُ َ ّد لك من الاستمرار.
سبي َ
ن حركات الإعراب من اللغة بمنزلة مفرداتها؛ وذلك إنهما درَج َا مع ًا على الألسنة وتَوافق َا على أمر ٍ من الز يادة ُ
والن ّقصان والإبقاء قلنا :إ َ ّ
َت ،وعملت فيهما الألسنة حتى ته َ ّذب منها ما َ
جف َا وما انتشر وما غلظ؛ لما في طبيعة والحذف ،وعَم ِلا في الألسنة حتى مرنت واست َقام ْ
فلم ّا ت ََم ّ ذلك
ل ،و يلين بعد صلابة ،ويتشابَه بعد تناف ُر ،ويستقر بعد اضطرابَ ، الإنسان َي ّة من م ُداورة ِ ما يجرى معها حتى ي َ ّ
خف بعد ثق ٍ
يتفر ّق بها ،فترت َ ّد إلى الضعف والانحلال ،وتباعد الأطراف ٍ
جامع لا َ لم يكن هناك محيص من أ ْن تقوم ألسنة القوم ولغتهم على أمر ٍ
والفساد واستحالة النماء؛ فكان ما نُسمِّيه نحن الآن من الإعراب والنحو والبيان بأسماء ٍ َاتّ خذناها أداة للتعبير عن سِرِّ م َعانيها في الكلام،
Shamela.org ١١
سبب وضع العربية: ٥
ل تمييزها ،أو لا يضعف إحساسها بالخصائص الملازمة لشيء ٍ بعين ِه من بين الأشياء المتشابهة.
المرهفة الدقيقة التي لا يخت ُ ّ
دخيلات على الحروف التي تق ُع عليها في أ َ ّول الكلام وأوسطه وطرفه،
ٌ ن الفتحة والـكسرة والض َمّة والسكون
ُولنّ بخاطرك أ َ ّ
فلا يَج َ
ق بلغة ٍ ولا َ
ٺتعل ّق بفهمه ،أو َلا بقلب ناط ٍ
ٍ ن هذه المعاني لا ُ
تلم ّ فجعلت بالوضع للتمييز بين أبنية الكلام أو م َعانيه التي يدور ُ عليها ،واعلم أ َ ّ
ترى إلى صاحبنا الشجري حين سأله شيخُنا وأدار َه على أ ْن ينط ِق "أكرَم َ أخوك أبوك" بالرفع ،فأباها واستوحش وقال :لا أقولُ" :أبوك"
فلم ّا سأله أ ْن يقول :أكرمني أبوك قال" :أبوك" ،وذكر العلَ ّة التي يعرفها والتي هي الحقيقة الأولى في اللغة قبل أ ْن يُوضَع الاصطلاح
أبد ًاَ ،
النحوي المع َ ّقد فقال" :اختلفت جهتا الكلام" ،فالحركات عند هذا الأعرابي وغيره َمم ّن كان ينطق اللغة سليقة ً لا اكتساب ًا وتع ُمّلاً،
ن من الفكر ،فكأ َ ّ
ن الكلمة الواحدة عندنا هي عنده تق ُع على معاني الكلام وتص ُرّفه وو ُجوهه د ُون ك َ ٍدّ للذهن أو تصر ٍ
يف للسان بعنا ٍ
ن لا يتجاوَز ُها استعمالُه ولا يُط ِيع بغيرها في ل واحدة ٍ في حالتها معنى أو معا ٍ
أربع كلمات أو ثلاث وفق ًا للحركات التي تكونُ عليها ،ولك ّ ِ
بدع في أمر الألسنة ،فأنت ترى لكلمة "العين" مثلا ًعند العرب ِيّ المب َر ّأ معاني َ متباعدة وأخرى موقعها لسانُه ولا فكر ُه ولا ف ِطرتُه ،وهذا غير ٍ
م ُتقاربة ،وهو يميز ُ بينها و يفصل بين وجوهها من حقيقة ٍ ومجاز ،ولا يكاد يخطئ وضع َها من الكلام حينَ تكونُ ال َض ّرورة لاستعمال هذا
اللفظ.
بقي ّة أبواب النحو والصرف والاشتقاق والبيان ،فهذه ُ
كل ّها كانت جار ية ً في ألسنة القول مجرى قوانين الجاذب َي ّة ،فما وكذلك القول في َ
ل قو ٍم على َ
سن ّة لغتهم لا يضبط ألسنة ك ّ ِ
ُ تش ُ ّذ كلمة ٌ عن بابها الذي وُضِعت بعد ُ فيه من علم النحو أو غيره؛ لأ َ ّ
ن قانون الألفاظ الذي
ج من دائرة تأثيره أبد ًا مهما كان التشابُه قريبًا بين الكلمتين اللتين يسوغ ُ العقل إلى مَد َى اختلاط إحداهما بالأخرى في
يدع ُ الكلمة تخر ُ ُ
تصر يف ِها أو وضْ عها أو تقليبها على و ُجوه الجمع والتحقير وغير ذلك.
فلم ّا َ ّ
دس له شيخنا أبو الفتح "عثمان" بين هذه المتشابهات ألا ترى إلى صاحبنا الشجري كيف جم َع سرحان ًا وأشباهها على سراحينَ ،
كا في ع ِلمه ومعرفته فقال: فلم ّا سُئ ِل عن العلَ ّة لم يكنْ جوابه إلا ت َ ُ
عجّ بًا من أمر سائله ،وش ً ّ لم يقل إلا" :عثمانون" وأبَى "عثامين"َ ،
يتكل ّم بغير لُغته؟ فهذا الأعرابي لا يعرف ق ِياسًا ولا علمًا ولا ألف ًا ونون ًا ،بل ك ُ ّ
ل ما يعرفه َأن ّه إذا رأى سرحان ًا إيش ذا! أرأيت إنسان ًا َ
ج إلى لفظٍ غير لفظ وسرحان ًا وسرحان ًا قال :هذه س َراحين؛ وذلك لأ َ ّ
ن الفرد في طبيعة الإنسان ونظره وف ِكره غير الجماعة ،فهو محتا ٌ
الشيء المفرد لي ُعب ِّر عن ع َ ّدة أفراد من هذا الشيء نفسه ،فأختار له بالطبيعة لفظًا آخ َر يُقارب اللفظ الذي يد ُ ّ
ل به على المفرد ،وهذا
Shamela.org ١٢
سبب وضع العربية: ٥
ما نُسمِّيه نحن بالجمع ،وهذا المفرد وجمع ُه يض َمّان بين أحر ُفهما تاريخ َ نشأة هذه الكلمة وتاريخ تد ُرّجها في اللسان ،والذي نسميه نحن
بالاشتقاق والأصل ،وعثمان وعثمانون مفرد ٌ وجمع فيهما تاريخ نشأتهما وتد ُرّجهما في اللسانَ ،
فلم ّا اختلف تاريخ نشأة هذين اللفظين
المفردين "عثمان وسرحان" وتد ُرّجهما في اللسان خالَفت فطرة اللسان بين جمعيهما مخالفة ً ظاهرة؛ فاعل َ ْم من ذلك أ َ ّ
ن الحرفين إذا َات ّفق
تاريخ ُ نشأتهما وتد ُرّجهما في اللسان كان القانون الذي يجر يان عليه واحدًا في لسان أه ِ
ل اللغة ،د ُون أ ْن يعرفوا لذلك علَ ّة ً م َ
ُقر ّرة ،ما
العلَ ّة عندهم إلا أ َ ّ
ن هذه لغتهم وحسْب.
ج هذا الجزء من الأشموني في م ِيعاده الذي ضُرِبَ له ،ونحن لا نفتات على
باب من القول لم نَست َوف ِه لضِ يق الوقت والت ِزام ِنا إخرا َ
وهذا ٌ
اللغة بما لا تَرْضاه ولا ُ
تقر ّه ،ولا نذهب بها مذهبًا هي إلى غيره أميَلُ ،ولا نضَع ُها موضعا هي في غيره أشرف وأنبل؛ فلذلك نَعِد ُ الق َُر ّاء
ل كلمة ٍ منه مع القارئ نُبې ِ ّن له ون ُ ِ ّ
وضح؛ حتى نُقرِّر ونقف عند ك ّ ِ
ُ بكتاب واسع المضطرب ،نزيد ُ فيه الرأي و ُضوح ًا،
ٍ بأ ْن نُوافِيَهم قريبًا
ن ارتضاه اعتقَد َه ،وإ ْن أباه ر َدّ علينا فساد َه ونبَذ َه ،والل ّٰه المستعان.
المذهب الذي نذهبُ إليه ،فإ ِ
سبب وضع العربية:
ن والعقول والحاجات عملَها أيضًا ،وكان
وعملت فيها الألس ُ ُ
ْ وعملت في الألسنة عمَلَها،
ْ َأت مضطربة ً على الألسنة، لأ َّ
ن اللغات نش ْ رأينا قب ُ
ل ،و يلينَ بعد صلابة، ل الألسنة تهذيبًا وإدارة ً وتنقية ً وجمع ًا لما في طبيعة الإنسان َي ّة من م ُداورة ما يَجرِي معها حتى ي َ ّ
خف بعد ثق ٍ عم ُ
هذا ،وقد كُنت أو ُدّ أ ْن أسير َ بالقارئ في الجزيرة العرب َي ّة من أ َ ّول ع ُهود التاريخ التي وصلَت ْنا إلى العهد الذي احتف ْ
َت فيه بنور إسماعيل
َ
استقر ّ اللسان العربي على حالة ٍ بَيْنَ بَيْنَ في القرنين السابقين؛ ن
-عليه الصلاة والسلام -وما كان من أمر هذه الجزيرة بعد َ ذلك إلى أ ِ
لإشراق نُور النب َو ّة فيها ،وهبوط الوحي بالمعجزة الباقية أَ بَد َ الدهر على محمد رسول الل ّٰه وخاتم النبيِّين -صلَ ّى الل ّٰه عليه وس َل ّم -ولـكن ِ ّي ُأ ِّ
فضل
الآن لهذه الكلمة الموجزة أ ْن يكون بدء ُ القول في أمر لغة العرب من العهد الق َريب السابق لرسالة رسولنا -صلَ ّى الل ّٰه عليه وس َل ّم.
وأطراف مصر،
ُ ومشارف الشام
ُ ن هذه الجزيرة العرب َي ّة -التي تح ُ ّدها من الشر ِ
ق بلاد ُ فارس ،ومن الغرب بحر ُ القلزم قال التاريخ :إ َ ّ
ل َ
تفر ّقت في أوديتها أرض الشام وفيها غ َ ّ
سان والروم ،ومن الجنوب بحر ُ الهند -قال :كانت هذه الجزيرة منزلا ً لق َبائ َ ُ ومن ال َ ّ
شمال
ْث وان ِتجاع المرتع ،والتص ُرّف في وجوه
ن إلى مكان في طلب الغَي ِ وح ُزونها وأباطحها وبَي ْدائها ،وكان ج ُ ّ
ل اعت ِماد أهلها على الرحلة من مكا ٍ
ج الطوال ،فكانت التجارة ما بين جَوانبها وبين مصر والشام وبلاد الروم وأرض الحبش وديار فارس ،وتص َرّ ْ
مت على أمرها هذا الحِج َ َ
ن هذه القبائل -التي تسكُن جزيرة لهجات منها العرب َي ّة التي وصلتنا -والتي يُس ُمّونها لغة قريش -ولا ش َ
َكّ في أ َ ّ ٍ ٺتكل ّم ع ِ َ ّدة َ
ل َ هذه القبائ ُ
العرب وتعمرها -كانت ٺتلاقي بالجوار والترحال والتجارة ،فكان الرجل من قبيلة ٍ إذا نز َل بأرض قبيلة ٍ أخرى لم يعسر عليه أ ْن يكون
Shamela.org ١٣
سبب وضع العربية: ٥
فكان يُعر َُض عليهم شِعر القبائل في ُز ي ِّفون منه ز يف َه وير ُدّون ساقطَه ،و يعلُون عالي َه ،ويشه َدون لجي ِّده ،ولع َ ّ
ل نظرة َ هؤلاء القضاة كانت
نظرة ً شاملة في المعاني والألفاظ ومواقعها وق َو ّتها واختلالها ،وكانوا قد عرف ُوا بما رُكّ ِبَ فيهم من أسباب ُ
الن ّبوغ أحكام ًا صحيحة عن َ
ح والوضع ولـك َنّها كانت
أساليب البَيان وأنواع الخطأ الذي يُدرِك اللسان على َقل ّته وخَفائه ،وكانت أحكامُهم هذه لا تعرف الاصطلا َ
َ
يتكل ّم بما ليس أحكام ًا فطر َي ّة ،كما رأيت من قول صاحبنا الشجري" :اختلفت جهتا الكلام" ،وقوله في َ
المر ّة الأخرى" :أرأيت إنسان ًا
من لغته" ،وغير هذا من الأمثلة الـكثيرة التي لم يُسع ِفنا الوقت بلم ِ ّ شَعثها وتقييد نُصوصها في هذا المكان ،فكان ُ
تنب ّه هذه الق َو ّة في هؤلاء
الأفراد ،وسيرورة ما يحكُمون به على ال ّ
شِعر والخَطابة ،هو بدء وضع علم العرب َي ّة الذي سموه فيما بعد ُ نحو ًا وبيان ًا واشتقاقًا وتصر يف ًا.
َ
وتدف ّقت العرب في بلاد الل ّٰه ،وأسلمت الأعاجم أو َ
الوثني ّة ،وغلب الروم والفرس على أمرهم ،واست َفاض الفتح، َ
فلم ّا ظه َر الإسلام على
سب ،وتزاوج العرب من الأمم الأخرى ،واختلطت الألسنة الفصيحة بألسنة العجم ُ
الر ّوم حجّ والتك ُ ّ ُ
جل ّها ،فاست َقبلت الجزيرة العرب َي ّة لل ِ
والنبط -تغ َي ّرت حاجة العرب َي ّة بعد َ است ِقرار لسانها ،فبعد أ ْن كانت الأسواق التي تجم ُع العرب هي الحاجة
وهي ال َض ّرورة لتهذيب اللسان العربي ،صارت الضرورة في أمر ٍ آخ َر يكونُ حاكمًا للسان العربي؛ لئلا ينزلق إلى مهوى من الضعف و يكون
َ
الإسلامي ّة، ن هذه الحاجة لم تشت َ ّد إلا بعد ات ِّساع الفتوح سور ًا منيع ًا لير َدّ ال ُد ّخ َلاء و يكون م َنار ًا ليهدي م َن ض َ ّ
ل عن سبيله ،واعل َ ْم أ َ ّ
َ
استمر ّ وتوافُد الأعاجم على البلاد العرب َي ّة مسلمين ،وذلك في عهد عمر بن الخطاب -رضي الل ّٰه عنه -وم َن تلاه من الخل َُفاء الراشدين ،ثم
ل سموها النحو.
ل ضبطوا اللسان بأحكا ٍم وأصو ٍ
الأمر على ذلك إلى أ ْن ظهر رجا ٌ
ن أ َ ّول م َن وضع هذه الأحكام والأصول على بن أبي طالب -رض ِي الل ّٰه عنه -وذلك لما رُوِي عن أبي الأسود الدؤلي -
قالوا :إ َ ّ
رحمه الل ّٰه َ -أن ّه قال :دخ َلتُ على أمير المؤمنين عل ٍيّ -عليه السلام -فوجدت في يده رقعة ً فقلت :ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال" :إني
تأ َمّلت كلام العرب فوجدته قد فسَد بمخالطة هذه الحمراء -يعنى :الأعاجم -فأردت أ ْن أضع شيئًا يرجعون إليه ويتعمدون عليه"،
وفيها مكتوب :الكلام كله :اسم وفعل وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المس َمّى والفعل ما ُأنبِئ به ،والحرف ما أفاد َ معنى غير هذين ،وقال
ِف إليه ما وق َع إليك ،واعل َ ْم يا أبا الأسود أ َ ّ
ن الأسماء ثلاثة :ظاهر ومضمر واسمٌ لا ظاهر ولا مضمر ،وإنما "انح ُ هذا النحو ،وأض ْ
ليْ :
ل الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهرٍ ولا مضمر ،وأراد بذلك الاسم المبهم".
ض ُ
يت َفا َ
قال :ثم وضعت بابي العطف والنعت ،ثم بابي التعجب والاستفهام ،إلى أ ْن وصلت إلى باب "إن وأخواتها" ما خلا "لـكن"َ ،
فلم ّا
Shamela.org ١٤
سبب وضع العربية: ٥
م "لـكن" إليها ،وكنت ك َل ّما وضعت باب ًا من أبواب النحو عرضته عليه -رضي الل ّٰه عنه -
عرضتها على عل ٍيّ -عليه السلام -أمرني بض ِ ّ
ل لا يقوم ُ بح َج ّة ولا يقع ُد. هذا ،وقد كث ُرت الر ِّوايات في سبب وضْ ع هذا العلم وأ َ ّول م َن و َ
ضع َه ،وأكثر هذه الروايات باط ٌ
ن أ َ ّول م َن اهتَد َى إلى
وعل ّتُنا في تزييفها وردِّها وإقامة ال َحج ّة على صواب ما نذهب إليه من أ َ ّ
ل روايةَ ،
وهذه الكلمة لا تَكفِي لذِكر ك ّ ِ
ضع َه أبو وضْ ع ضابطٍ لبعض و ُجوه هذا اللسان العربي هو أبو الأسود الدؤلي -رض ِي الل ّٰه عنه -وكذلك اختلفت الر ِّواية في أ َ ّول ٍ
باب و َ
ق إلى ُ
التنب ّه له أبو الأسود هو الأسود من علم العرب َي ّة ،والذي نذه َبُ إليه على ضَلال المذهب وتع ُ ّقده ،وانتشار أمر ِه ،أ َ ّ
ن أ َ ّول ما و ُف ِّ َ
باب الفاعل؛ وذلك لـكث ْرة
ن الض َمّة هي أثقل الحركات على اللسان العربي .واعل َ ْم
الفعلي ّة على ل ِسانهم ،وظُهور الرفع على طر َف الكلمة ظهور ًا بي ِّنًا؛ لأ َ ّ
َ دوران الجملة
ن هناك مذهبَي ْن للرأي في أ َ ّول ما وُضِـ َع من علم النحو:
أ َّ
ن أ َ ّول ما وضَع أبو الأسود من أبواب النحو ما وق َع فيه اللحن ،وهذا ما ذه َب إليه جمهور ُ النحو يين أصحابُ كتب التراجم
أحدهما :أ َ ّ
الذين ترجموا ُلل ّغو يين والنحاة.
س من التفكير في استنباط قواعد العرب َي ّة تضبط ُها وأصول يُبن َى عليها ،فأ َ ّول ما يُوضَع من القواعد
ن علم النحو وُضِـ َع على أسا ٍ والآخ َر :أ َ ّ
ما يكونُ أقرب إلى م ُتناو َل الفكر في الاستنباط.
ونحن لا نستطيع أ ْن ن ُز ي ِّف الرأي الأ َ ّول؛ إذ كان هو الذي ورد ْ
َت به الرواية الصحيحة مهما اختُل ِف في الذي وق َع فيه اللحن من أبواب
ن ً
علي ّا -رض ِي الل ّٰه عنه -سمع أعراب ًي ّا يقرأ" :لا يأكله إلا الخاطئين". ن سبب وضع العرب َي ّة أ َ ّ
ل أ َّ
العربية ،فقد رأيتَ قب ُ
الل ّه َ
ن َ ن أعراب ًي ّا قدم المدينة في زمان عمر -رضي الل ّٰه عنه -فقال :م َن يُقرِئُني َمم ّا أنزل الل ّٰه؟ فأقرأه رجل )براءة( فقرأ ? :أَ َ ّ وقالوا :إ َ ّ
ن ال ْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه ُ ? ]التوبة ،[٣ :بكسر اللام من ? رسوله ? فقال الإعرابي :أو َق َ ْد بَر ِئ َ الل ّٰه من رسوله! إ ْن يكن الل ّٰه قد بَر ِيء ٌ م ِ َ
ق عمر من الخـبرَ ،
فلم ّا عرفه أم َرَ ألا يُقرِئ َ الق ُرآن إلا عالم باللغة ،ودعا بَر ِئ َ من رسوله فأنا منه أبر َ ُأ ،فبلغ ْ
َت م َقالة ُ الإعرابي عمر َ ،فاستَو ْث َ َ
أبا الأسود فأم َرَه فوضَع النحو.
بني ّة! نجومُها ،قالت :إن ِ ّي لم ُأرِ ْد أي
أي َن السماء! فقالْ : ن سبب الوضع أ َ ّ
ن ابنة أبي الأسود قالت له يوم ًا :يا أبه ،ما أحس ُ وقالوا :إ َ ّ
ن السماء ،فحينئذٍ وضع كتابا ...إلى غير ذلك من الروايات. شيء منها أحسن ،إنما َ
تعجّ بت من حُسنها ،قال :إذ ًا فقولي :ما أحس َ
ن على لسان المسلمين
أبواب منها إلا بعد أ ْن بدر اللح ُ
ٍ ل تُضب َُط بها العرب َي ّة أو ن َ
هم ّة أبي الأسود لم تنه َْض إلى الفكر في وضْ ع أصو ٍ شكّ أ َ ّ
ولا َ
من الأعاجم وم َن كث ُر ات ِّصاله بالأعاجم ولُغاتها من العر َب ،حتى دخ َل َ
الضّ ي ْم على لسانه فأفلتت منه فطرته الفصيحة ،وهذا نادر ٌ لا
تكاد تجد ُه في الزمن الأ َ ّول أبد ًا.
ن ما وق َع فيه ال َ ّلحن هو الذي دف َع أبا الأسود
ن أ َ ّول ما وُضِـ َع من أبواب العرب َي ّة هو ما وق َع فيه ال َ ّلحن ،بل نقول :إ َ ّ
غير أ َن ّنا لا نقول بأ َ ّ
إلى التفكير في وضْ ع ضوابط للعرب َي ّة ،وقد جاء في الرواية عن ابن الأنباري قال :ح َ ّدثنا يموتُ -يعنى :ابن المُزَرِّع -ح َ ّدثنا أبو حاتم
Shamela.org ١٥
سبب وضع العربية: ٥
رجلا ً من عبدالقيس فقال له :خُذِ المصحف وصبغ ًا يُخالف لون المِداد الذي كُت ِبَ به ،فإذا أنا فتحت شفتي فانقط واحدة ً فوق
الحرف ،وإ ْن ضم َمتُهما فأجعل ُ
الن ّقطة إلى جانب الحرف ،وإذا كس َرتهما فاجعل النقطة في أسفله ،فإن أتبعت شيئًا من هذه الحركات
غ َُن ّة فانقط نقطتين ،فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخِره ...ثم إ َ ّ
ن أبا الأسود بد َأ يُفك ِّر في وضْ ع ق َواعد لضبط الكلام.
ن أ َ ّول ما وضع من أبواب
فالرأيُ عندنا أ ْن يكون ما وق َع فيه اللحن هو الذي استنهض أبا الأسود لوضْ ع العرب َي ّة ،ولا يلزمنا أ ْن نقول :إ َ ّ
العرب َي ّة هو الباب الذي وق َع فيه اللحن ،ومن هنا تم َهّد سبيلُنا للمذهب الآخ َر الذي قُلنا به من أ َ ّ
ن أبا الأسود اجتهد في است ِنباط القواعد،
ن أ َ ّول ٍ
باب وضعه أبو الأسود هو باب أبواب وضع لها قاعدة ُ
تلم ّ ببعض ما فيه ،وقد قُلنا قبلُ :إ َن ّنا نذهبُ إلى القول بأ َ ّ ٌ فوقعت له
ن السبب في وضْ ع العرب َي ّة َأن ّه م َ َّر بباب أبي الأسود سعدٌ الفارسي )هو سعد بن بالو يه
الفاعل ،وقد رو َى الشيخ الجليل الإمام السيرافي أ َ ّ
الفارسي ،شهد الر َدّة وأبلى بلاء حسنًا( وهو يقود ُ فرسه فقال له :ما لك يا سعد لا تركب؟ فقال :إ َ ّ
ن فرسي ضالع )أراد :ظالع ًا( )(١
بعض م َن حضَر َه فقال أبو الأسود :هؤلاء الموالي قد رغبوا في الإسلام ودخ َلوا فيه ،فصاروا لنا إخوة ً ،فلو َ
عل ّمناهم الكلام َ، ضحِك به ُ
ف َ
ن حجرٍ في "الإصابة" عن ابن أبي سعد.
فوضع باب الفاعل والمفعول به ولم يز ْد عليه ،وذكر مثلَه اب ُ
وهذه الروايات وإ ْن كانت لا تقوم ُ دليلا ًعلى
__________
ُ
يستحقّ رفع ًا أو رف َع ما أمرُه ن الخطأ لم يكن في وضْ ع حركة ٍ من حركات الإعراب في غير موضعها بأ ْن نصَب ما ) (١وأنت ترى هنا أ َ ّ
حرف آخ َر يُشبِهه ،فانظ ُر إلى قول أبي الأسود
ٍ حرف من حروف العرب َي ّة خلط بينه وبين
ٍ الـكسر ،بل أخطَأَ سعد ُ بن بالو يه في منطق
َ
ولـكن ّه إعراب،
ٍ عل ّمناه ُم الكلام" ،ثم التعليق على ذلك بقول الراوي" :فوضَع باب الفاعل والمفعول" فإ َ ّ
ن سعدًا لم يلحَنْ في بعد ُ" :فلو َ
حرف من الحروف ،وذلك لا يكون من ج َرّائه أ ْن يضع أبو الأسود بابَ الفاعل والمفعول به ،إلا أ ْن يكون هذا الخطأ
ٍ لحن في مخرج
أبواب من النحو كانت دواعي َ في صدْر أبي الأسود تُح ّف ِزه للتفكير في وضْ ع ضابطٍ للسان قوم ِه يَق ِيهم مزل َ ّة
ٍ من أخطاء كثيرة قبله في
ق الصواب أو كيف ي َت ّقي الخطأ إذا أوشك أن يق َع فيه.
اللحن ،ويتع َل ّم به الغريب عن لسانهم كيف ينط ُ
ح بنا إلى الاطمِئنان إلى الرأي الذي نذه َبُ إليه ) ،(١وذلك أ َن ّنا نظَر ْنا
مذهب بعينه؛ لـكث ْرة اختلافها وتباع ُد بين أطرافها ،إلا أنها تجن ُ
ٍ
يعرض على ف ِكره صُوَر َ الكلام العربي؛ فأ َ ّول ما يعرض من ذلك أكثر
ُ فوجَدْنا أ َ ّ
ن أبا الأسود حِين خ َلا يُفك ِّر في ضب ْط الكلام أخ َذ
ن الذي يخـبر عنه َ
بأن ّه قد ركب أو فلم ّا وجد أ َ ّ
الفعلي ّةَ ،
َ الصي َِغ دوران ًا على اللسان كقولهم :ركب سعدٌ الفرس ،وكذا وكذا من الجمل
ِّ
ن م َن فع َل ُ
الر ّكوب أو غيره يجب أ ْن يقع في مثل هذه الصيغة مرفوعًا أبد ًا، فعل شيئًا ما يق ُع من الكلام أبد ًا مضموم ًا وق َع له الرأي بأ َ ّ
ل هذا الفاعل ،فرآه منصوب ًا أبد ًا فأم َ َّره على ذلك ،و يلَ ِي هذين بابُ المبتدأ والخـبر؛
ثم بدا له باب المفعول به ،وهو الذي وقع عليه فع ُ
ل أبا الأسود وق َف عند هذه الأبواب الثلاثة ولم يزد عليها ).(٢ شبه بينه وبين هذين البابين ،ولع َ ّ
لت َدانِي ال َ ّ
ل من الع َر َِب ،فأخفق كثير ٌ منهم في ز يادة شيء ٍ على ما تل َ ّقو ْه منه؛ فقد ذكر السيرافي أ َ ّ
ن أبا الأسود ثم تل َ ّقى هذا عن أبي الأسود رجا ٌ
ل من بني ليث أبواب ًا ،ثم نظَر فإذا في كلام العرب ما لا يدخ ُل فيه ،فأقصَر َ
الكتاب رج ٌ
ِ لَم ّا وضَع باب الفاعل والمفعول به زاد َ في ذلك
عنه ،قال السيرافي :ولع َ ّ
ل هذا الرجل هو يحيى بن يعمر.
وكانت الطبقة الأولى التي أخذت القراءة -قراءة الق ُرآن -عن أبي الأسود ،وتل َ ّقت منه
__________
ن رجلا ًبمدينة الحديثة اسمه محمد بن الحسين و يُعرف بابن أبي بعرة قد) (١روى ابن النديم صاحب "الفهرست" عن محمد بن إسحاق أ َ ّ
وقل ّبتها فرأيت عجبًا ،إلا أ َ ّ
ن الزمان قد أخلقها وعمل ق له كان مشتهرًا بجمع الخطوط القديمة ،قال ابن إسحاق" :فرأيتُها َ
ت إليه خِزانة صدي ٍ
آل َ ْ
Shamela.org ١٦
أبو الأسود الدؤلي ٦
ٺتب ّع الكلام العربي جهد َ الطاقة لوضع القواعد التي بَن َى عليها -نفر ٌ يع ُ ّدون:
وسمت سمت َه في ُ
ْ ضع َها من النحو،
الكلام َ عن الأبواب التي و َ
ل منهم باختصا ٍر بعد الكلام عن أبي الأسود -رحمه الل ّٰه.
نترجم ُ لك ّ ٍ
أبو الأسود الدؤلي
ولـكنّ أكثرهم قالَ :إن ّه مات في الطاعون الجارف الذي وق َع بالبصرة ،فأهلك أهلها
َ لم ي َذك ُر أصحابُ التاريخ وال َت ّراجم مولد َ أبي الأسود،
ل ذاك" ،وهذا أشب َه ُ القوليَ ْن ن المدائني قالَ :
"إن ّه مات قب َ إلا قليلاً ،وذلك سنة ٦٩من الهجرة ،وكانت ُ
سن ّه خمسًا وثمانين سنة ،غير أ َ ّ
بالصّ واب؛ لأ َن ّا لم نسم َعْ له في فتنة ِ مسعود وأمْر المختار بذِكرٍ ،قال أبو الفرج في ترجمة أبي الأسود )ج ١١ص (١١٩وذكر مث َ
ل هذا َ
جارف أو لا؟ عن يحيى بن معين ،أخبرني به الحسن بن علي ،عن أحمد بن زهير ،عن َ
والشكّ فيه :هل أدرَك َ الطاعونَ ال َ القول بعينه
ل الهجرة بنحو عشرين سنة ً ،فهو على ذلك مخضرم أدرك ال َ
جاهلي ّة والإسلام، المدائني و يحيى بن معين فلع َ ّ
ل م ِيلاد َ أبي الأسود كان قب َ
حظ برؤ ية الرسول -صلَ ّى الل ّٰه عليه وس َل ّم -وقد عدوه في ع ِداد ك ِبار َ
الت ّابعين -رضوان الل ّٰه عليهم. َ
ولـكن ّه على التحقيق لم ي َ
ِف من أمر أبي الأسود أ َ ّ
ن عمر ل زمن ع ُمر بن الخطاب -رض ِي الل ّٰه عنه -وأ َ ّول ما عُر َ
ولم يصلْ إلينا كثير ٌ من أخبار أبي الأسود قب َ
استعمله على البصرة خلاقة ً لابن عباسٍ ،ثم است َعم َلَه عثمانُ بن ع َ ّفان وعليّ ٌ -رض ِي الل ّٰه عنهما -وكان ك ُ ّ
ل أمر ِه مع عل ٍيّ؛ فشهد معه
وأبي ذر وابن مسعود وغيرهم ،وكان من أوائل الق َُر ّاء الذين ُأخِذت عنهم الق ِراءة وضَوابطها ،روى عن ابنه أبو حزب ،قال الجاحظ:
طبقات من الناس ،وهو -في كل ّ ِها -مق َ ّدم مأثور عنه الفض ُ
ل في جميعها ،كان معدود ًا في التابعين ،والفقهاء ٍ "أبو الأسود معدود ٌ في
والشعراء ،والمح ّدِثين ،والأشراف ،والفرسان والأمراء وال ُد ّهاة ،والنحو يين ،والحاضري الجواب ،والشيعة والبخلاءُ ،
والصّ لع الأشراف،
والب ُخْ رِ الأشراف".
Shamela.org ١٧
الطبقة الأولى ٧
ذكي ّا نابغة َ
موف ّق الرأي ،وهذه هي لتمث ّلت رجلا ً حكيم ًا فصيح ًا ً
وأنت إذا قرَأتَ ما ذُك ِر في كتب التراجم والأدب عن أبي الأسود َ
ل العلوم العرب َي ّة التي ضبطت اللسان وأبقَت ْه ً
حي ّا إلى يوم الناس هذا، سمت به إلى أ ْن يكون الواضع الأ َ ّول لأج ّ ِ
ْ الصفات العالية التي
يف الغالين وان ِتحال المُبط ِلين.
ونفت عنه تحر َ
ْ وحفظت الق ُرآن من لحن اللاحِنين،
الطبقة الأولى
جم ُ لهم تراجم َ حم َل علم َ النحو عن أبي الأسود جماعة ٌ ،يُع َ ُ ّدون في الطبقة الأولى من طبقات ُ
الن ّحاة واللغو يين ،وسن َذك ُر أشهر َه ُم ونُت َر ِ
مختصرة ً.
) (١عنبسة بن معدان
ل كان له فسُمِّي "معدان الفيل"،
كان أبوه "معدان" رجلا ًمن أهل ميسان ،قدم البصرة وأقام بها ،واست َعم َلَه عبدالله بن عامر على في ٍ
ولَم ّا نش َأ عنبسة لزم أبا الأسود ،وعلم من ع ِلمه ورو َى الشعر واجتهد فبرع ،قال أبو عبيدة معمر بن َ
المثن ّى" :اختلف الناس إلى أبي الأسود
يتعل ّمون منه العرب َي ّة ،فكان أبرع أصحابه عنبسة بن معدان المهري ،واخت َ َ
لف الناس إلى عنبسة فكان أبرعَ أصحاب ِه ميمون الأقرن". َ
ولـكن ّه لقي الفرزدق وجرير ًا ،فلع َ ّ
ل وفاته كانت في ح ُدود المائة الأولى من الهجرة قبلها َ ولم نصلْ إلى تاريخ مولد عنبسة هذا ولا وفاته،
ل أو بعدها.
بقلي ٍ
) (٢ميمون الأقرن
لم نظفَر ْ له بعد ُ بترجمة ٍ ُ
يصحّ الاعتماد ُ عليها ،مع أنهم زع َم ُوه أ َ ّو َ
ل م َن وضع علم النحو.
) (٣نصر بن عاصم
قال السيوطيَ :إن ّه أخ َذ النحو عن يحيى بن يعمر ،وقال ابن الأنباري" :قرأ الق ُرآن على أبي الأسود ،وقرأ أبو الأسود على عل ٍيّ -رض ِي
الل ّٰه عنه -فكان أستاذ َه )يعني :أبا الأسود( في القراءة والنحو".
وهذا هو الأرجح؛ إذ إ َ ّ
ن نصر ًا هذا معدود ٌ فيم َن رو َى عن عمر بن الخطاب -رض ِي الل ّٰه عنه -فأخْذ ُه النحو َ عن أبي الأسود أشب َه ُ من
ن وفاته كانت في زمن الوليد بن عبدالملك ،واختلَف ُوا ما بين ٍ
تسع وثمانين وتسعين. أخْذه النحو عن يحيى بن يعمر ،وذكروا أ َ ّ
وكان نصر ٌ فقيهًا ،وقارئًا مجيدًا ،عالمًا بالعرب َي ّة ،فصيح اللسان واضح البيان ،قال عمرو
فتكل ّم نصر فقال الزهري" :إنه ليقل ُع العرب َي ّة تقليع ًا" ،وكان محدث ًا ثقة ً جيِّد َ الرأي.
َ بن دِينار :اجتمعتُ والزهري ونصر بن عاصم
) (٤عبدالرحمن بن هرمز
Shamela.org ١٨
الطبقة الثانية من النحاة ٨
ليس فيما بين أيدينا من ترجمة أبي داود عبدالرحمن بن هرمز الأعرج ما يُبې ِ ّن َ
سن ّه أو مولده ،وكان عبدالرحمن مولى لمحمد بن ربيعة
بن الحارث بن عبدالمطلب ،يع ُ ّد من الطبقة الثانية من التابعين المدنيِّېن ،قال ابن سعد" :ثقة كثير الحديث" ،و يع ُ ّد فيمن أخذ القراءة
عن أبي هريرة وابن عباس وعبدالبر بن عياش بن أبي ربيعة ،وكان عالمًا بالعربية ومن أعلم الناس بأنساب العربُ ،
يظن ّون أ َ ّ
ن مالك بن
أنس أخ َذ عِلْم َ الأنساب عنه ،ورح َل الأعرج إلى الإسكندر ية ،ومات بها سنة ١١٧في أ َي ّام هشام بن عبدالملك ،قال الزبيدي :كان
من أ َ ّول م َن وضع العرب َي ّة.
) (٥يحيى بن يعمر
ن ع ُمر ،وجابر ًا ،وأبا هريرة، الل ّيث ُيّ ،وكان م ِن أهل البصرة ،تابعيٌّ ،قال الحاكمُ" :فقيه ٌ ،أديبَ ،
نح ْوي م ُبَر ّز ،سَم ِـع اب َ يح ْيى بن يَعْم ُر َ َ
هو َ
وأخذ َ
الن ّحو عن أبي الأَ سْ ود".
ج أ ْن يُساكِن َه ببلد) ،وكان ال َحج ّا ُ
ج إ ْذ ذاك بواسط(، وكان من الفُصَحاء ،عالم ًِا بالعرب َي ّة والحديث ،وكان رجلا ًشديد ًا لا يُبالي ،كَرِه َ ال َحج ّا ُ
ولا ّه قتيبة ُ بن مسلم ٍ القضاء َ بها ،فقضى في كثيرٍ من بلادها؛ كنيسابور ،وم َْرو ،وه َراة ،وكان يَطلُب فلم ّا حضَر َهاَ ،
فن َفاه إلى خ ُراسانَ ،
ن أبي إسحاق ،وعلا أمرُه خفِي ع ِلم ُه ،ظه َر اب ُ ولـكن ّه أخ َذ عن يحيى بن يعمر أ َي ّام َ م ُقام ِه بالبصرةَ ،
فلم ّا نُفِ َي يحيى إلى خراسان ،و َ َ َ
يصحّ ، لم
أي :في ال َ ّ
سنة التي مات فيها ن وثمانين سنة ١١٧؛ ْ ن ثما ٍ الن ّحاة ،وأعانَه على ذلك عُل ُو ّ سِن ِّه؛ َ
فإن ّه مات اب َ في أ َي ّام أهل الطبقة الأولى من ُ
Shamela.org ١٩
الطبقة الثالثة ٩
إسحاق ،فتل َ ّقى النحو والقراءة معه عن يحيى بن يعمر ،ونَصْر ِ بن عاصم ،وعلا كعب ُه في القراءة والنحو ،وع ُ َ ّد من الق َُر ّاء السبعة ،وكان
كثير َ الرحلة ،فاستكثر َ من الشيوخ؛ أخذ َ عن شيوخ م َك ّة والمدينة ،والـكوفة ِ والبَص ْرة ،وأعانَه ُ على الب َراعة فيما سل َك سبيلَه من العلم
يونس بن حبيب أبرع ُ تلامذت ِه" :لو
ُ رحلت ُه وذَكاؤه وطول عمرهَ ،
فإن ّه ع ُم ِّر َ نحو ًا من مائة سنة ً -مات سنة ١٥٤في خِلافة المنصور -قال
ل شيء ،كان ينبغي أ ْن يُؤخذ بقول أبي عمرِو بن العلاء كل ّ ِه في العرب َي ّة ،ولـكن ليس من أحدٍ إلا
كان أحدٌ ينبغي أن يُؤخذ بقوله في ك ّ ِ
إلا ّ النب ِ َيّ -صلَ ّى الل ّٰه عليه وس َل ّم" .وقال أبو عبيدة" :أبو عمرٍو أعلَم ُ الناس بالقراءات والعرب َي ّة وأ َي ّا ِم العرب
خذٌ من قوله وتارِكَ ،
وأنت آ ِ
ل العرب َي ّة ُ
كل ّهم حج ّة في القراءة" .وقال إبراهيم الحرب ُيّ" :كان أه ُ
صد ُوق َ
ن م َعين وغير ُه ،قالواَ " : مح ّدِث ًا ثقة ًَ :
وث ّقه يحيى ب ُ شِعر" ،وكان ُ
وال ّ
حبيب البصري ،والأصمعي".
ٍ يونس بن
ُ إلا ّ أربعة؛ فإ َ ّنهم كانوا أصحابَ س َُن ّة :أبو عمرِو ب ُ
ن العلاء ،والخليل بن أحمد ،و أصحابَ أهواءَ ،
يونس بن حبيب
ُ ل بن أحمد ،و سك فأحر َق َها ،وأخ َذ َ
الن ّحو َ عن أبي عمرٍو الخلي ُ قالوا :وكانت د َفاتر ُ أبي عمرٍو ملء َ بيته إلى السقف ،ثم تن َ ّ
ُأ َ
سي ْفاط قب َض َها ع َ َ ّ
شاروك" ،وكان عيسى ضرير ًا.
ل بن أحمد ،ولع َ ّ
ل سيبو يه لَق ِي َه وأخ َذ عنه أيضًا. وأخ َذ َ
الن ّحو َ عن عيسى ب ِن عمر الخلي ُ
الطبقة الثالثة
ُ
البصريّ ،والآخ َر يونس بن حبيب
ُ الن ّاس عنه وهو حف َِظ ع ِلم الأوائل من ُ
الن ّحاة ،وأخذه َ طب َقة رَج ُلان :أحَد ُهُما َ أج َ ُ ّ
ل شيوخ هذه ال َ ّ
حت ّى أخصَب َْت الن ّحو بما ُأوتِي من ق َو ّة العقل ،وعلُو ِّ ال َذ ّكاء ،ومنه نب َع سيبو يه ،فسَقى َ
الن ّحو َ حف َِظ علم الأوائل ،وبرع في العرب َي ّة ،وج َ ّدد علم َ
َ
خ ال ُ ّ
شيوخ جميع ًا. ل بن أحمد ،شي ُ
أرضُه ،ونَما نباتُه ،وهو الخلي ُ
) (١يونس بن حبيب البصري
Shamela.org ٢٠
الطبقة الثالثة ٩
إلا ّ قليلاً ،و ُأهْم ِلت كتب ُه ،وضاعَ أكثر ُها ،وقد كان الخلي ُ
ل من نَواب ِـغ الرجال وأفذاذ العرب ،شَهِد َ له وملأ ال ُد ّنيا ،وانز َوى ذِك ْر ُ الخليل َ
َ
بأن ّه كان آية ً في ال َذ ّكاء ،وكانوا يقولون" :لَم يكن في العرب بعد َ الصحابة أذكى منه".
م ُعاصروه َ
تفر ّقا ق ِيل للخليل :كيف رأيتَ ابن المق َ ّفع؟ فقال :رجلا ً ع ِلم ُه أكثر ُ م ِن
فلم ّا َ
ل وعبدالله بن المق َ ّفع ليلة ً يتح َ ّدثان إلى الغداةَ ،
اجتمع الخلي ُ
ع َقله ،وقيل لاب ِن المق َ ّفع :كيف رأيتَ الخليل؟ قال" :رأيتُ رجلا ًعقله أكثر من ع ِلمه".
ُ
وتفر ّده من است ِخراجه الع َر ُوض، ل على نُبوغ الخليل وعبقر َي ّته ُ
والتبحّ ر فيه ،وليس أد َ ّ ل م ِن سَعة العلم،
هذا م َع ما شَهِد َ به له الأوائ ُ
ل قد تع َل ّم الإيقاع َ
والن ّغم ،فم ِنهما أحد َثَ ع ِلم َالعروض ج منها الخمسة َ عشر بحرًا المعروفة ،وكان الخلي ُ
حصْر ِه في خمسة دوائر ) ،(١استخر َ
و َ
ن أ َ ّول ُ
نشكّ في أ َ ّ ولولا ما ضاعَ م ِن كتب الخليل ،لعر َف ْنا كيف نر ُدّ كتابَ سيبو يه إلى الأصل الذي أخ َذ عنه من الخليل ،ونحن لا
كتاب وخيره وصَل إلينا من كتب المتق ّدِمين في َ
الن ّحو هو "كتاب سيبو يه"؛ إ ْذ هو الكتاب الذي وُضِـ َع على قواعِد َ معقودة ٍ للكتاب كل ّ ِه،
ل بن أحمد الذي عق َد علم َ ن الذي عق َد َ
الن ّحو هذا العقد َ الذي نراه في "الكتاب" ليس هو سيبو يه ،بل هو الخلي ُ الر ّأي عندنا أ َ ّ
وأرجَ ح ُ َ
محك َم العقل ،فاست َصْ فاه بع ِل ْمه وأد َب ِه ،ومن َح َه وق ْت َه وراحت َه ،فكان العروض هذا العَقْد الذي لَم يُنق َض ،وقد رأى الخلي ُ
ل في سيبو يه رجلا ً ُ
ل يقول له حين يزور ُه: الخلي ُ
__________
خمس دوائر:
ُ لأن ّه وضَع َها على شكل الدائرة التي هي الحل َ ْقة ،وهي ل بها ال ُ ّ
شطور؛ َ ) (١ال َد ّائرة في ع ِلم الع َروض هي التي حص َر الخلي ُ
والر ّج َز َ
والر ّم َل، طو يل والمديد والبسيط ،والثانية فيها بابان :الواف ِر ُ والكامل ،والثالثة فيها ثلاثة أبواب :ال ْه َز َج َ
الأولى فيها ثلاثة أبواب :ال َ ّ
ست ّة أبواب :ال َس ّر يع والمُنسَر ِح ،والخفيف ،والمضارع ،والمقتضب ،والمُجت ُ َّث ،والدائرة الخامسة فيها المتقارِب َ
حسْب. والرابعة فيها َ
ل" ،قال أبو عمرٍو المخزوم ُيّ -وكان كثير َ المُجالسة للخليل " :-ما سمعتُ الخلي َ
ل يقولُها لأحدٍ َ
إلا ّ لسيبو يه". "مرحبًا بزائر ٍ لا يُم َ ُ ّ
ل قد َ
أسنّ ،فأراد أ ْن يُلقي علمه إلى م َن يَزْكو عنده الوقت شا ًب ّا لَم ت ُنه ِكه الأيام ُ والمصائب ،وكان الخلي ُ
ِ شكّ أ َ ّ
ن سيبو يه كان في ذلك ولا َ
ويَنْمو ،فألقاه إلى سيبو يه ،فأخرج منه "الكتاب" ) ،(١وهذه الكلمة ُ لا تَكْفي لتحقيق القول في أمر الخليل وكتاب سيبو يه ،فن ُؤجِّلها إلى
أوس َع م ِن هذه وأَ ب ْر َح.
إلا ّ َأن ّه وُلِد َ بالبصرة سنة مائة من الهجرة ،وع ُم ِّر فبلغ أربع ًا وسبعين سنة ً ،والذي يُفهم من تراجم
ونحن لا نعلم ُ كثير ًا عن م َنشَأ الخليل َ
Shamela.org ٢١
الطبقة الرابعة ١٠
هذا الإمام َأن ّه تل َ ّقى العلم صغير ًا ،وانقطع له ،وعُنِي به ،فلم يُبا ِ
ل بغيره ،ولَم يَطلب الر ِّزق بع ِل ْمه؛ لِما كان من وَرَع ِه ،وطو ِ
ل صبره على
المَكاره ،وش َ ّدة إبائه
__________
ن سيبو يه قد َأل ّف كتاب ًا في أَ ل ْف ورقة م ِن علم الخليل ،قال يونس:
جمِه" قال" :قيل ليونس بن حبيب :إ َ ّ
) (١وقد ر َوى ياقوت في "م ُع َ
فلم ّا نظَر فيه رأى ك َ ّ
ل ما حكى )عنه( "يعني :ما ح َكى سيبو يه عن يونس" ،فقال: كل ّه من الخليل؟ جيئوني بكتابهَ ،
ومت َى سمع سيبو يه هذا َ
ل قد صد َق عن الخليل في جميع ما حكاه ،كما صد َق فيما حكاه عن ِ ّي" ،فهنا ترى الدليل على أ َ ّ
ن أكثر كتاب يج ِب أ ْن يكون هذا َ
الر ّج ُ َ
ل النحو َ
كل ّها، ن سيبو يه لَم يُع َمّر ْ أكثر من أربعين سنة ً ،وقد جَم َع في كتابه هذا أصو َ
سيبو يه من ع ِلم الخليل وأدب ِه ،وهذا هو المعقول؛ لأ َ ّ
ل قد امتلأ ع ِلمًا ،أو جماعة ٍ قد أفر َغوا أنفسهم لِهذا ل وحد َهَ ،
إلا ّ مستعينًا برج ٍ ق إليه رج ٌ
وف ّ ُ إلا ّ ما ندر َ من شيءٍ ،وهذا عم ٌ
ل لا يَكاد ُ ي ُ َ َ
Shamela.org ٢٢
النحو في الـكوفة ١١
ل
سعَة ٍ * * و َفِي غِن ًى غَيْر َ أَ ن ِ ّي لَسْتُ ذ َا م َا ِ
أَ بْلـِ ـغْ سُلَيْم َانَ أَ ن ِ ّي عَن ْه ُ فِي َ
شُ ًح ّا بنِ َ ْفسِيَ ِ ..إن ِ ّي لا َأَ ر َى أَ حَدًا * * يَمُوتُ هَز ْلاً ،و َلا َيَبْقَى عَلَى ح َا ِ
ل
ل
مح ْتَا ِ
ل ُ
حو ْ ُ
ْف يَنْقُصُه ُ * * و َلا َيَز ِيدُك َ ف ِيه ِ َ الر ِ ّزْقُ ع َنْ قَدَرٍ؛ لا َ
َالضّ ع ُ
ل
س لا َال ْمَا ِ ل ذ َاك َ الغ ِن َى فِي َ
الن ّ ْف ِ ل نَعْرِف ُه ُ * * وَمِث ْ ُ
س لا َفِي ال ْمَا ِ و َالفَقْر ُ فِي َ
الن ّ ْف ِ
فقطع عنه سليمانُ راتبِ َه ،فقال الخليل:
ق ح ََت ّى يَت َو ََف ّانِي ن ال َ ّذ ِي ش ََقّ فمَ ِي ضَام ِ ٌ
ن * * لِلرِ ّ ْز ِ ِإ َ ّ
ح ْرم َانِي
ك ِ
حَرَمْتَنِي م َالا ًقَلِيلا ًفَمَا * * ز َادَك َ فِي م َال ِ َ
وأضعف له راتبِ َه.
َ فبلغ َت الأبياتُ سُليمان ،فكتب إلى الخليل يَعتذر إليه،
Shamela.org ٢٣
النحو في الـكوفة ١١
ن ي كان إمام َ أهل الـكوفة في النحو ،وعلى يديه نش َأ الـكسائ ُيّ والف ََر ّاء ،شيخ َا نُحاة ِ الـكوفة بعده ،ولا َ
شكّ أيضًا في أ َ ّ ن ُ
الر ّؤاس َ ّ فيه أ َ ّ
والفر ّاء انتسَبا إليه لَمَا عُر ِف ولا ُأب ِه َ به ،وستعلم بعد ُ أ َ ّ
ن الـكسائي هو َ الرؤاسي كان ضعيف ًا لا خطر له في النحو ،ولولا أ َ ّ
ن الـكسائي
Shamela.org ٢٤