You are on page 1of 24

‫محمود شاكر‪ ،‬أبو فهر‬

‫مقدمة محمود شاكر لشرح الأشموني )‪(1418‬‬


‫‪ ١٤١٨‬هـ‬

‫رقم الكتاب في المكتبة الشاملة‪٥٥٣٨٠ :‬‬


‫الطابع الزمني‪٢٠٢١-٠٣-١٤-٠٢-٢٠-٥٣ :‬‬
‫المكتبة الشاملة رابط الكتاب‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١‬‬
‫المحتو يات‬

‫المحتو يات‬
‫‪٧‬‬ ‫‪ ١‬مقدمة في نشأة اللغة والنحو والطبقات الأولى من النحاة‬

‫‪٧‬‬ ‫‪ ٢‬مقدمة محمود شاكر لشرح الأشموني‬

‫‪٧‬‬ ‫‪ ٣‬مقدمة‬
‫‪١٠‬‬ ‫‪ ٤‬اللغة والإعراب وعلم النحو‬

‫‪١٢‬‬ ‫‪ ٥‬سبب وضع العربية‪:‬‬

‫‪١٧‬‬ ‫‪ ٦‬أبو الأسود الدؤلي‬

‫‪١٨‬‬ ‫‪ ٧‬الطبقة الأولى‬


‫‪١٨‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ (1) ٧.١‬عنبسة بن معدان ‪. .‬‬
‫‪١٨‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ (2) ٧.٢‬ميمون الأقرن ‪. . .‬‬
‫‪١٨‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ (3) ٧.٣‬نصر بن عاصم ‪. . .‬‬
‫‪١٨‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ (4) ٧.٤‬عبدالرحمن بن هرمز ‪.‬‬
‫‪١٨‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ (5) ٧.٥‬يحيى بن يعمر ‪. . . .‬‬
‫‪ (6) ٧.٦‬عبدالله بن أبي إسحاق ‪١٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫‪١٩‬‬ ‫‪ ٨‬الطبقة الثانية من النحاة‬


‫‪ (1) ٨.١‬أبو عمرو بن العلاء المازني التميمي ‪١٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ (2) ٨.٢‬عيسى بن عمر الثقفي ‪١٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫‪٢٠‬‬ ‫‪ ٩‬الطبقة الثالثة‬


‫‪ (1) ٩.١‬يونس بن حبيب البصري ‪٢٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ (2) ٩.٢‬الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري ‪٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫‪٢٢‬‬ ‫‪ ١٠‬الطبقة الرابعة‬

‫‪٢٣‬‬ ‫‪ ١١‬النحو في الـكوفة‬


‫‪ ١١.١‬الطبقة الأولى من الـكوفيين ‪٢٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫‪ ١١.٢‬الطبقة الثانية‪] :‬من الـكوفيين[ ‪٢٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢‬‬
‫المحتو يات‬

‫عن الكتاب‬
‫الكتاب‪ :‬مقدمة الشيخ محمود شاكر لشرح الأشموني )‪ ٩٢٩‬هـ( على ألفية بن مالك )‪ ٦٧٢‬هـ(‪.‬‬
‫المؤلف‪ :‬أبو فهر‪ ،‬محمود بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر )المتوفى‪ ١٤١٨ :‬هـ(‬
‫المحقق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪.‬‬
‫الناشر‪ :‬المطبعة المصر ية‪.‬‬
‫الطبعة‪ :‬الأولى ‪ ١٣٥٢‬هـ ‪ ١٩٣٣ -‬م‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬الشاملة الذهبية‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣‬‬
‫المحتو يات‬

‫عن المؤلف‬
‫محمود شاكر )‪ ١٤١٨ - ١٣٢٧‬هـ( = )‪ ١٩٩٧ - ١٩٠٩‬م(‬
‫أبو فهر‪ ،‬محمود بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر‬
‫• من أسرة أبي علياء الحسينية في جرجا بصعيد مصر‪.‬‬
‫• ولد في الإسكندر ية في المحرم ‪ ١٩٠١‬م‪ ،‬وانتقل إلى القاهرة في نفس العام إذ عُيّن والده وكيلا للجامع الأزهر‪ ،‬وكان قبل ذلك شيخا‬
‫لعلماء الإسكندر ية‪.‬‬
‫• تدرج في التعليم المدني إلى أن التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية ‪ ١٩٢٦‬م‬
‫• بعد السنة الثانية في الكلية توقف عن مواصلة دراسته على أثر خلاف نشب بينه وبين أستاذه في الجامعة طه حسين حول منهج‬
‫دراسة الشعر الجاهلي‪ .‬فسافر إلى جدة مهاجرا سنة ‪ ١٩٢٨‬م‪ ،‬وأنشأ هناك مدرسة جدة السعودية الابتدائية وعمل مديرا لها‪ ،‬حتى عاد‬
‫إلى القاهرة في أواسط سنة ‪ ١٩٢٩‬م‪.‬‬
‫• ثم انصرف إلى الأدب والكتابة وقراءة دواوين الشعراء‪ ،‬وبدأ ينشر في مجلتي »الفتح« و »الزهراء« لمحب الدين الخطيب‪ ،‬واتصل‬
‫بأعلام عصره من أمثال أحمد تيمور وأحمد زكي باشا والخضر حسين ومصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد الذي ارتبط بصداقة‬
‫خاصة معه‬
‫]مع طه حسين[‬
‫• بدأ صدامه مع طه حسين في الجامعة عندما استمع لمحاضرات طه عن الشعر الجاهلي‪ ،‬وفيها يزعم أن الشعر الجاهلي منتحل وأنه كذب‬
‫ملفق لم يقله أمثال امرئ القيس وزهير‪ ،‬وإنما ابتدعه الرواة في العصر الإسلامي‪ ،‬وكان محمود شاكر سبق له أن اطلع على هذا الزعم في‬
‫مقال للمستشرق اليهودي الحاقد مرجليوث في مجلة استشراقية‪ ،‬وتيقن أن طه قد سطا سطوا عريانا على مقال مرجليوث‪ .‬ورد شاكر‬
‫على طه‪ ،‬وانتهى هذا الخلاف بأن ترك شاكر الجامعة‪.‬‬
‫• ألف شاكر كتابه المشهور »المتنبي« عندما كلفه فؤاد صروف رئيس تحرير مجلة »المقتطف« أن يكتب دراسة عن المتنبي ما بين عشرين‬
‫إلى ثلاثين صفحة‪ ،‬ولـكن الأمر انتهى إلى كتاب مستقل عن المتنبي ونشرته مجلة المقتطف في عدد مستقل صدّره فؤاد صروف بقوله‪:‬‬
‫هذا العدد من المقتطف يختلف عن كل عدد صادر منذ سنتين إلى يومنا هذا‪ ،‬فهو في موضوع واحد ولكاتب واحد‪ .‬وتوصل شاكر في‬
‫كتابه إلى أشياء كثيرة لم يكتبها أحد من قبله استنتجها من خلال تذوقه لشعر المتنبي‪ ،‬فقال بعلو ية المتنبي وأنه ليس ولد أحد السقائين‬
‫بالـكوفة كما قيل‪ ،‬بل كان علو يا نشأ بالـكوفة وتعلم مع الأشراف في مكاتب العلم‪ ،‬وقال بأن المتنبي كان يحب خولة أخت سيف الدين‬
‫الحمداني واستشهد على ذلك من شعر المتنبي نفسه‪ ،‬واست ُقبل الكتاب بترحاب شديد وكتب عنه الرافعي مقالة رائعة أثنى عليه وعلى مؤلفه‬
‫صدر كتاب محمود شاكر عن المتنبي عام ‪ ١٩٣٦‬ثم صدر كتاب طه حسين »مع المتنبي« عام ‪ ،١٩٣٨‬وعلى الرغم من أن طه نقد في‬
‫كتابه كتاب شاكر إلا أنه لم يستطع أن يمنع نفسه من أن يسلك سبيلا ًيقلد فيها محمود شاكر‪ ،‬لذا فقد هاجم شاكر ما كتبه طه في ‪١٣‬‬
‫مقالة في جريدة )البلاغ(‪ ،‬تحت عنوان )بيني وبين طه( ذكر فيها أنه سطا على أفكاره وحذا حذوه‪ ،‬وقال‪ :‬أن كتاب طه حسين محشو‬
‫بأشياء كثيرة تدل دلالة قاطعة على أن الدكتور طه لم يسلك هذا الطر يق الجديد على كتبه في كتاب المتنبي إلا بعد أن قرأ كتابه! ‪.‬‬
‫]مع لويس عوض[‬
‫نشر لويس عوض )المستشار الثقافي للأهرام حينذاك( سنة ‪ ١٩٦٤‬مجموعة مقالات في الأهرام بعنوان )على هامش الغفران( وذهب‬
‫في كلامه إلى تأثر المعري باليونانيات‪ ،‬كما ألمح إلى أثر الأساطير اليونانية في الحديث النبوي‪ ،‬مما دفع شاكر إلي العودة إلى الكتابة بعد‬
‫عزلة فرضها على نفسه‪ ،‬فكتب سلسلة من المقالات المبهرة في مجلة الرسالة‪ ،‬بلغت ‪ ٢٣‬مقالة كشفت عما في كلام لويس عوض من‬
‫الوهم والخلط التار يخي والتحر يف والتهافت‪ ،‬ثم انتقل إلى الكلام عن الفكر والثقافة في العالم العربي والإسلامي وما طرأ عليها من‬
‫غزو فكري غربي‪ .‬واعتبرت مقالات شاكر في ذلك حدثا ثقافيا مدو يا كشفت عن علم غزير ومعرفة واسعة بالشعر وغيره من الثقافة‬
‫العربية‪ ،‬وقدرة باهرة على المحاجاة والبرهان‪ .‬لم يتوقف شاكر عند كتابة مقالاته حتى أغلقت مجلة الرسالة نفسها‪ ،‬وقد جمعت هذه‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤‬‬
‫المحتو يات‬

‫المقالات في كتابه »أباطيل وأسمار«‬


‫]تحقيقاته[‬
‫يعد شاكر على رأس قائمة محققي التراث العربي‪ ،‬وأطلق عليه العقاد المحقق الفنان‪ ،‬وإنجازاته في هذا المجال كثيرة‪ ،‬تمتاز بالدقة والإتقان‪،‬‬
‫وهو لا يحب أن يوصف بأنه محقق لنصوص التراث العربي‪ ،‬وإنما يحب أن يوصف بأنه قارئ وشارح لها‪ ،‬وهو يكتب على أغلفة الـكتب‬
‫التي يقوم بتحقيقها عبارة‪» :‬قرأه وعلق عليه« وهذه العبارة كما يقول الدكتور محمود الربيعي »هي الحد الفاصل بين طبيعة عمله وطبيعة‬
‫عمل غيره من شيوخ المحققين‪ ،‬إنه يوجه النص ويبېن معناه بنوع من التوجيه أو القراءة التي تجعله محررا؛ لأنها قراءة ترفدها خبرة نوعية‬
‫عميقة بطر يقة الكتابة العربية‪ ،‬وهو إذا مال بالقراءة ناحية معينة أتى شرحه مقاربا‪ ،‬وضبطه مقنعا‪ ،‬وأفق فهمه واسعا‪ ،‬فخلع على النص‬
‫بعض نفسه وأصبح كأنه صاحبه ومبدعه«‪.‬‬
‫‪ - ١‬تفسير الطبري )‪ ١٦‬جزءا(‪ :‬الأول والثاني ـ دار المعارف ‪ ١٩٥٤‬م ـ الثالث والرابع دار المعارف ‪ ١٩٥٥‬م ـ السادس والسابع‬
‫والثامن دار المعارف ‪ ١٩٥٦‬م‪ .‬ـ من التاسع إلى الثاني عشر دار المعارف ‪ ١٩٥٧‬م‪ .‬ـ الثالث عشر والرابع عشر دار المعارف ‪١٩٥٨‬‬
‫م‪ .‬ـ الخامس عشر دار المعارف ‪ ١٩٦٠‬م‪ .‬ـ السادس عشر دار المعارف ‪ ١٩٦٩‬م‪.‬‬
‫‪ - ٢‬تهذيب الآثار للطبري )‪ ٦‬مجلدات(‪ ،‬واسمه الكامل تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الل ّٰه )صلى الل ّٰه عليه وسلم( من‬
‫الأخبار‪:‬‬
‫• مسند علي بن أبي طالب ـ مسند عبد الل ّٰه ابن عباس ـ السفر الأول‪ .‬ـ منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الر ياض‬
‫‪ ١٤٠٢‬هـ‪ ١٩٨٢ /‬م‪.‬‬
‫• مسند عبد الل ّٰه بن عباس ـ السفر الثاني ـ مسند عمر بن الخطاب‪ .‬ـ منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الر ياض‬
‫‪ ١٤٠٣‬هـ ـ ‪ ١٩٨٢‬م‪.‬‬
‫‪ - ٣‬طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي )مجلدان( دار المعارف ط أولى ‪ ١٩٥٢‬م ـ ط ثانية ‪ ١٩٧٤‬م‬
‫‪ - ٤‬فضل العطاء على العسر لأبي هلال العسكري المطبعة السلفية ـ القاهرة ‪ ١٣٥٣‬هـ ‪ ١٩٣٤/‬م‪.‬‬
‫‪ - ٥‬إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع لتقي الدين المقريزي‪ .‬ـ لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ القاهرة‬
‫‪ ١٩٤٠‬م‪.‬‬
‫‪ - ٦‬المكافأة وحسن العقبى لأحمد بن يوسف بن الداية الكاتب ـ المكتبة التجار ية ‪ ١٣٥٩‬هـ ‪ ١٩٤٠/‬م‪.‬‬
‫‪ - ٧‬جمهرة نسب قريش وأخبارها للزبير بن بكار ـ جـ ‪ ١‬مكتبة دار العروبة ‪ ١٣٨١‬هـ السفر الأول‪.‬‬
‫‪ - ٨‬دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني ـ مكتبة الخانجي ـ القاهرة ‪ ١٩٨٩‬م‬
‫‪ - ٩‬أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني ـ دار المدني ـ جدة ‪ ١٤١٢‬هـ‪ ١٩٩١ /‬م‬
‫]مؤلفاته[‬
‫‪ - ١‬المتنبي ـ عدد خاص من المقتطف سنة ‪ ١٩٣٦‬م ـ ط‪ .‬ثانية في مجلدين القاهرة ‪ ١٩٧٧‬م ـ ط‪ .‬ثالثة مطبعة المدني ـ القاهرة ـ دار‬
‫المدني بجدة ‪ ١٤٠٧‬هـ ـ ‪ ١٩٨٧‬م‬
‫‪ - ٢‬القوس العذراء ـ قصيدة طو يلة‪ ،‬نشرت أول مرة في مجلة الكتاب ‪ ١٣٧١‬هـ‪ ١٩٥٢/‬م ـ ثم أعاد نشرها على هيئة كتاب في مكتبة‬
‫دار العروبة ـ القاهرة ‪ ١٣٨٤‬هـ ـ ‪ ١٩٦٤‬م ثم في مكتبة الخانجي ـ القاهرة ـ ‪ ١٣٩٢‬هـ ـ ‪ ١٩٧٢‬م‪.‬‬
‫‪ - ٣‬أباطيل وأسمار ـ الجزء الأول مكتبة دار العروبة ‪ ١٣٨٥‬هـ ـ ‪ ١٩٦٥‬م ـ الجزءان الأول والثاني مطبعة المدني ـ القاهرة ‪١٩٧٢‬‬
‫م ]وهي مقالات نشرت في مجلة »الرسالة« ردا على لويس عوض[‬
‫‪ - ٤‬برنامج طبقات فحول الشعراء مطبعة المدني القاهرة ‪ ١٩٨٠‬م‬
‫‪ - ٥‬نمط صعب ونمط مخيف دار المدني ـ جدة ‪ ١٩٩٦‬م ]وهو سبع مقالات نشرت في مجلة »المجلة« سنة ‪ ١٩٧٠ ،١٩٦٩‬م[‬
‫‪ - ٦‬قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام ـ دار المدني ـ جدة ‪ ١٤١٨‬هـ ـ ‪ ١٩٩٧‬م‬
‫صدّر بها كتابُ المتنبي في طبعته الثالثة ‪ ١٤٠٧‬هـ ـ ‪ ١٩٨٧‬م ثم صدرت في كتاب مستقل في سلسلة‬
‫‪ - ٧‬رسالة في الطر يق إلى ثقافتنا ُ‬
‫كتاب الهلال بالقاهرة‪ ،‬والطبعة الحديثة صدرت عن الخانجي بالقاهرة عام ‪ ٢٠٠٦‬وآخر طبعة صدرت عن الهيئة المصر ية العامة للكتاب‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥‬‬
‫المحتو يات‬

‫‪ ٢٠٠٩‬ضمن مشروع مكتبة الأسرة‪.‬‬


‫‪ - ٨‬مداخل إعجاز القرآن ‪ -‬مطبعة المدني ‪ -‬دار المدني بجدة ‪ -‬الطبعة الأولى _ سنة النشر ‪ ١٤٣٢‬هـ ‪ ٢٠٠٢‬م‪.‬‬
‫‪ - ٩‬رسالة )لا تسبوا أصحابي( ‪-‬مجلة المسلمون العدد الثالث ‪ -‬سنة النشر ‪.١٩٥١‬‬
‫‪ - ١٠‬وله ديوان عنوانه »اعصفي يا ر ياح وقصائد أخرى« ‪ -‬شرح وتقديم ‪ -‬عادل سليمان جمال ‪ -‬جمع وتحقيق ‪ -‬فهر محمود محمد شاكر‬
‫‪ -‬مطبعة المدني ‪ -‬القاهرة‪ ،‬دار المدني ‪ -‬جدة ‪٢٠٠١‬‬
‫‪ - ١١‬ونشرت له صحيفة السياسية الأسبوعية عدد ًا من القصائد‬
‫‪ - ١٢‬وله العديد من القصائد المخطوطة في حوزة ابنته‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦‬‬
‫مقدمة‬ ‫‪٣‬‬

‫مقدمة في نشأة اللغة والنحو والطبقات الأولى من النحاة‬ ‫‪١‬‬


‫مقدمة في نشأة اللغة والنحو والطبقات الأولى من النحاة‬

‫مقدمة محمود شاكر لشرح الأشموني‬ ‫‪٢‬‬


‫مقدمة‬ ‫‪٣‬‬
‫مقدمة‬
‫بسم الل ّٰه الرحمن الرحيم‬
‫والصّ لاة وال َ ّ‬
‫سلام على رسول الل ّٰه‪.‬‬ ‫الحمد ُ لل ّٰه‪َ ،‬‬
‫ح عن العلَ ّة في إصاختها حين تسم ُع صوتَ صاحبِها إذ يُناديها باسمها الذي اجتَباه لها‪ ،‬فما‬ ‫مس من َ‬
‫هر ّته الإفصا َ‬ ‫ن أحد َنا الت َ َ‬‫أترى لو أ َ ّ‬
‫يكون جوابها؟‬
‫ن َ‬
‫الهر ّة لم تفه َ ْم من نداء صاحبِها ما يفهَم ُ هو من معاني الن ِّداء‪ ،‬بل كل شأنها حين تصيخ في دربة أعصاب‬ ‫داخلن ّك ش ّ ٌ‬
‫َك في أ َ ّ‬ ‫لا ي ُ َ‬
‫ل ح ٍيّ تصيخ َ‬
‫والن ّب ْأة حين‬ ‫ن م َسام ِـع َ‬
‫الهر ّة كم َسامع ك ّ ِ‬ ‫صة دربت بها على التكرار والإعادة والمراجعة‪ ،‬وذلك أ َ ّ‬
‫أذنها‪ ،‬وتعودها حركة خا َ ّ‬
‫ن هذه َ‬
‫كل ّها من معاني الن ِّداء الذي‬ ‫رأت في حركة وجه المنادي ونظرته وإشارته ما تفهَم ُ به غريزة ً أ َ ّ‬
‫ْ‬ ‫تلقفُه ُما الأذن‪ ،‬فإذا ما الت َفت َْت‬
‫المر ّة الأولى والثانية تعير ُه سمع َها‪ ،‬وتمنحه بصر َها‪ ،‬وتكاد تفق َه ُ معنى إشارته لها بالمجَ ِيء إليه‪ ،‬فلا ي َزال هو ُ‬
‫يلحّ‬ ‫يُطلَب به الإجابة‪ ،‬فهي في َ‬
‫عليها‪ ،‬ولا ت َزال هي تطمئ ُ ّن إلى إشارته‪ ،‬وٺتد َرّب على نِدائه‪ ،‬حتى تَنقاد لذلك أعصابُ السمع‪ ،‬و يَهدِيها المقدار المشتر َك من الف َ ْه ِم في‬
‫الحيوان كل ّ ِه إلى الحركة نحوه‪ ،‬فما يُنادِيها بعد ُ بما تع َو ّدت عليه ُأذناها من النداء إلا أجابَت ْه سمع ًا وطاعة ً‪.‬‬
‫وكذلك الطفل حين ينمو على الأ َي ّام ‪ ..‬فهو لا يزال يسم ُع الكلمة إث ْر الكلمة من أمّ ِه وأبيه وعَشِيرته التي تُؤو يه لا يفهَم ُ لها معنى‪ ،‬وليست‬
‫وصوت‪ ،‬حتى إذا بلَغ مبلغ ًا ُ‬
‫يظنّ أهله َأن ّه بدء ُ انت ِباه ِه إلى الألفاظ والأشياء والمعاني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صوت منها‬
‫ٍ‬ ‫عنده إلا أصوات ًا م ُبه َمة لا يُفرِّق بين‬

‫مرة‪ ،‬فبذلك تبد ُأ أذنُه في التد ُرّب على هذه الأصوات‪،‬‬


‫مرة بعد َ ّ‬
‫أخَذ ُوا يَنط ِقون له اللفظ مُشِيرين إلى الشيء الذي تق ُع عليه عَي ْناه َ ّ‬
‫يعرف هذه الألفاظ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والتنب ّه له حين ح ُدوث هذا الصوت بعَي ْن ِه‪ ،‬فالطفل لا يكاد‬ ‫وتشترك ُ العين مع الأذن في إدراك الشيء المشار إليه‬
‫وم َعانيها بد ًي ّا إلا مقرونة في ذِهن ِه بالإشارة إلى الشيء الذي تد ُ ّ‬
‫ل عليه الكلمة أو المعنى الذي ي ُراد له اللفظ‪.‬‬
‫ولا ي َزال َ‬
‫يترب ّى على ذلك حتى يبلُغ درجة ً من العلم بمنط ِق الحروف‪ ،‬ثم لا يفتأ يُقلِّد صَواب ًا‬
‫ِبت بها أذناه إلا ما أرسَلت عليه من الأشياء‬
‫وخطأ حتى يَنقاد على الزمن ما تَعاص َى عليه أولاً‪ ،‬ولا يَكاد يفهم من الكلمات التي دُرّ ْ‬
‫أو المعاني ال ُأولى التي اقترنت في سمعه بصُورة ما ُأشير إليه في عَي ْنيه‪ ،‬ويَبقَى الطفل كذلك إلى مدى قبل أ ْن َ‬
‫ٺتنب ّه فيه الق َو ّة الإنسان َي ّة‬
‫العالية‪ :‬ق َو ّة إدراك ما ي ُ ّ‬
‫حس وما لا يسمع وما لا يرى‪ ،‬فإذا ما تن َبّهت فيه هذه الق َو ّة بدأ يُغنِي عن اقتران الإشارة بالأصوات المسموعة‬
‫من مخارج الكلام‪ ،‬وبد َأ ي ُراق ِبُ فيما يرى وما يسم ُع وما ي ُ ّ‬
‫حس خَصائص يهتدي إليها بف ِكره وعقله تقوم لديه مقام الإشارة غي فهمه‬
‫الأ َ ّول‪.‬‬
‫ل أو يقصر‪ ،‬ومنعت تس ُرّب أحاديث الناس إلى آذانهم ‪ -‬لرجعتَ‬ ‫شء ِ الصغار وحد َهم وأمهَلتَهم زمنًا يطو ُ‬ ‫ثم لو َأن ّك ترَكتَ جماعة ً من َ‬
‫الن ّ ْ‬
‫ل واحدٍ منها عن شيء ٍ بعين ِه‪ ،‬وهذه الألفاظ إ َمّا أ ْن تكون حكاية َ‬‫إليهم وقد أحدثوا لما تق ُع عليه أبصارهم من شيء ٍ ألفاظًا يُعب ِّرون بك ّ ِ‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٧‬‬
‫مقدمة‬ ‫‪٣‬‬

‫ل أو تقليد َ حركة ٍ إلى غير ذلك من أساليب التعبير‪ ،‬ولو َأن ّك انتزعت اله َمّة لمراقبة هؤلاء ِّ‬
‫الصغار في وطنهم هذا‬ ‫ل شك ٍ‬
‫صوت أو تمثي َ‬
‫ٍ‬
‫مرة ً وأخرى ولا يزال يُبدِئه و يعيد ُه على أسماع أترابه وهم يُقلِّدونه‬ ‫لرَأيتَ أ َ ّ‬
‫ن ما يُحدِثونه من الألفاظ يجري اللفظ منها على لسان أحدهم َ ّ‬
‫ق به ألسنتهم وتلينَ له حَناجرهم؛ فمن ث ََم ّ يجري هذا بينَهم لفظًا موضوعًا لمعنى خاص أو شيء بعين ِه‪ ،‬ولا ش َ‬
‫َكّ عندنا‬ ‫و يُحاكونه حتى تنذل َ‬
‫ن هذا النوع من التعبير َمم ّا يُهد َى إليه الطفل إلهام ًا وتوقيف ًا لا اجتهاد ًا ولا م ُواضعة‪.‬‬
‫أ َّ‬
‫أصوات بعينها تشير ُ إلى أشياء أو تد ُ ّ‬
‫ل على م َعانٍ‪ ،‬ولزوم الحاجة إلى الإشارة إلى هذه الأشياء أو الدلالة على‬ ‫ٍ‬ ‫فدربة أعْصاب ال َ ّ‬
‫سمع على‬
‫هذه المعاني هي الدرجة الأولى في نَشْأة اللغة على ألسنة البشر‪.‬‬
‫فعلى هذا الأساس نرى أ َ ّ‬
‫ن اللغة الأولى للإنسان كانت قليلة َ الحروف بسيطة التركيب‪ ،‬مصحوبة ً بالإشارة للدلالة على الشيء الذي‬
‫ُأرسِل عليه اللفظ‪ ،‬فما أرادت حاجة ُ الاجتماع أ ْن تم َ ّد من هذه اللغة وتبسط‪ ،‬انتقصت من الحاجة إلى الإشارة واستبد َلت م َكانها‬
‫تخالُف الأصوات على الحرف الواحد بانف ِراج الفم وز ِمّ الشفتين وفتحهما ومدهما وتحر يك اللسان وتقليبه وموقعه من الأسنان‪َ ،‬‬
‫فلم ّا‬
‫َأت في الألسنة م ُرونة ٌ تأ َت ّ ْ‬
‫ت لها من كثرة تقليبها وتحر يكها‬ ‫أحدث الاجتماع حاجة ً إلى المد والبسط أكثر من ذي قبلُ‪ ،‬كانت قد نش ْ‬
‫ض إلا الجرس في خَفائه وو ُضوحه وموقع‬
‫في الفم؛ فساعدت هذه المرونة على إنشاء حروف كثيرة م ُتقاربة المخارج لا يميز بعضها من بع ٍ‬
‫اللسان من َ‬
‫الث ّنايا والأسنان وغار الفم‪.‬‬
‫ل هذه الحروف الأولى التي لا نعرف ُها ولا نعرف عددها )‪ (١‬كانت هي الألفاظ التي ُ‬
‫يدل ّون بها على المعاني و يُوم ِئون بها إلى الأشياء‪،‬‬ ‫ولع َ ّ‬
‫ج ذلك على الأ َي ّام حتى رُكّ ِبَ الحرفان والثلاثة لأشياء حد َث َْت وم َعا ٍ‬
‫ن وقفوا عليها وأرادوا التعبير عنها‪.‬‬ ‫ثم تد َرّ َ‬
‫توقيف‬
‫ٌ‬ ‫وهنا اختلف العلماء اختلافا ًكبير ًا في نشأة اللغة على الألسنة الإنسان َي ّة‪ ،‬فرموا ال َحج ّة بال َحج ّة‪ ،‬واستفتَحُوا أبواب ًا من الجدل في أمر ِها؛‬
‫مجاه ِل من القول لا يهتَدِي فيها دليلٌ‪.‬‬
‫هي أم اصطلاح‪ ،‬فذهبت بهم ألسنتُهم مذاهب تستقيم ُ تارة ً وتلتوي أخرى‪ ،‬وانتهوا إلى َ‬
‫وما خرَجُوا منها إلا بالق َو ّة على الجدل‪ ،‬والق ُدرة على تشقيق الكلام وترقيعه وتلفيقه‪.‬‬
‫ل العلوم الإنسان َي ّة كلها من طبيعة ُ‬
‫الن ّبوغ في فردٍ من الأفراد أو أفراد‬ ‫ن نشأة اللغة لا ب ُ َ ّد أن ت ُر َ َدّ إلى ما ت ُر َ ُدّ إليه أصو ُ‬
‫والرأي عندنا أ َ ّ‬

‫ل يُشر ِقُ في ظَلام زمن ِه بما سوغ من د َِق ّة ٍ في‬ ‫َكّ ‪ ،‬وأ َ ّ‬
‫ن هناك معاني َ ٺت َساق َُط على عق ٍ‬ ‫ن ُ‬
‫الن ّبوغ إلهام ٌ ولا ش َ‬ ‫من الجماعة‪ ،‬ولا يفوت َن ّك هنا أ َ ّ‬
‫ن هذه المعاني لا يُجدِي في إ يجادها است ِجلاب ولا تحصيل ولا حشْد‪ ،‬ولا تحسب َ ّن‬
‫ورق ّة في الإحساس‪ ،‬وق ُدرة على التعبير‪ ،‬وأ َ ّ‬
‫التركيب‪َ ،‬‬
‫وضح لها ما لم يكن واضحًا‪،‬‬‫الن ّبوغ إشراقٌ في الإنسان َي ّة ي ُ ِ ّ‬
‫الن ّبوغ هذا لا يكون إلا في م َعاني الشعر أو آراء الفلسفة أو أحكام العلوم‪ ،‬بل ُ‬
‫ن ُ‬ ‫أ َّ‬
‫ل م ُبِين‪ ،‬فالاهتداء إلى لفظٍ واحد جديد للتعبير عن شيء ٍ كان مهملا ًلا َ‬
‫لفظ في طفولة الإنسان َي ّة؛‬ ‫ويهديها إلى ما كانت عنه من ضَلا ٍ‬
‫كالاهتداء إلى سِر ِّ سقوط الأشياء من أعلى إلى أسفل بالجاذب َي ّة في عصر شَباب العلم‪.‬‬

‫ن بق َدرِها‪ ،‬و ُأل ْهِم َ التعبير عنها بما يُس ِ ّر َ له‪ ،‬فنطَق باللفظِ المبتدأ‬
‫أشرقت عليه معا ٍ‬
‫ْ‬ ‫وأحس وف َك ّر‪،‬‬
‫َّ‬ ‫فآدم َ‬
‫الن ّوابغ حين كان في الأرض ورأى‬

‫المرتَج َل الذي ُألقِي إليه إلهام ًا لا اجتِهاد ًا واعت ِمالاً‪ ،‬وحمل هذا اللفظ ق َو ّة م ُستب َ ّدة من ر ُوح النابغة إلى م َن سمع منه وأشرق نُبوغه على‬
‫الشيء الذي يبتغون التعبير َ عنه‪ ،‬فلزمهم تقليد ُه وانصاعوا؛ فنطقوا بما نطَق به محاكاة ً لا إرادة َ فيها إلا قليلاً‪.‬‬
‫__________‬
‫ٍ‬
‫)‪ (١‬ولا تزال الدلالة على شيء أو معنى بالصوت أو الحركة أو الحرف الواحد مستعملة ً معروفة ً في لغات القبائل من همج إفر يقيا‬
‫وغيرها‪،‬‬
‫ن الحروف تد ُ ّ‬
‫ل على المعاني‪ ،‬وقد عق َد لذلك ف ُصولا ً في كتابيه‪:‬‬ ‫الباب انتهى الإمام ُ أبو الفتح عثمان بن جني إلى القول بأ َ ّ‬
‫ِ‬ ‫ومن هذا‬
‫"الخصائص"‪ ،‬و"سر العربية"‪ ،‬ونقل عنه من ذلك الباب كثير ٌ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٨‬‬
‫مقدمة‬ ‫‪٣‬‬

‫مهي ّأ ٍ للتأثير في غيره تأثير ًا كبير ًا‪ ،‬وكأ َ ّ‬


‫ن هذا‬ ‫قوي الروح‪َ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫ق التركيب‪،‬‬
‫حس‪ ،‬م ُشر ِق العقل‪ ،‬دقي ِ‬
‫ُرهف ال ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫فاللغة على ذلك إلهام ُ فردٍ م‬

‫ق بما ُألقي في روعه من اللفظ المعب ِّر عن الشيء أو عن المعنى المقصود يُوحِي إلى سام ِع ِيه استعمال هذا اللفظ؛ فيَنقادون‬
‫النابغة حين ينط ُ‬
‫محاكاته طائعين )‪(١‬‬ ‫مجاراته و ُ‬
‫غريزة ً وضَر ُورة ً إلى ُ‬
‫الناس يحتاجون إلى التعبير عنه‪ ،‬و يكون تعبيره هذا قو ًي ّا ج َ َ ّذاب ًا م ُستحكمًا‪ ،‬لا يلبث أ ْن‬
‫ُ‬ ‫وأنت ترى الشاعر الـكبير حين يُعب ِّر ُ عن شيء ٍ‬

‫ل أو يقصر ُ‪،‬‬
‫واضحًا زمنًا يطو ُ‬
‫ن من اللغة م ُشرفًا ِ‬
‫ل م َن قرأه ثم يجري على الألسنة اقت ِدار ًا حتى يذيع و يُصب ِح بمكا ٍ‬
‫ق هذا التعبير بذهن ك ّ ِ‬
‫يَعل َ َ‬

‫ولا يحد أهل العصر على ذلك مندوحة ً من إرساله في ك َلامهم وكُتبهم ورسائلهم‪ ،‬وما يم ُ ّ‬
‫سه من شُؤون حَياتهم واجتماعهم‪ ،‬فهذا هذا‬
‫كما تر َى‪.‬‬
‫ن اللغة إنما هي أداة ٌ للتعبير التي يتخذها كائ ٌن حي في الإشارة إلى شيءٍ‪ ،‬أو الإفصاح عن غ َرَضٍ‪ ،‬أو‬
‫ولا ي َذهَب َ ّن عنك بعد َ ما رأيت أ َ ّ‬
‫ٍ‬
‫تلويح بيد أو إيماء ٍ‬ ‫ل فيها‪ ،‬فهي على ذلك تجم ُع الإشارة بالجوارح أو الأعضاء من‬
‫الدعاء في طلب‪ ،‬أو الإعراب عن ضمير نفسه بما يجو ُ‬
‫تقطيب أو اهتزاز أو تصويت أو منطق‪ ،‬هذا عندنا هو الأصل في المعنى الذي ت ُراد له "اللغة"‪ ،‬ثم قام هذا اللفظ "أعنى اللغة"‬
‫ٍ‬ ‫برأس أو‬

‫ختلف‬
‫نت ُ‬ ‫خص بها‪ ،‬تد ُ ّ‬
‫ل على م َعا ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أوضاع ت ُ ّ‬ ‫كلمات على‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫وٺتأل ّف من هذه الأحرف‬ ‫ُف على هيئة ٍ بعينها‪،‬‬ ‫للكلام المنطوق َ‬
‫المركّ ب من أحر ٍ‬
‫باختلاف التركيب والوضع‪.‬‬
‫عم ّا يرى وما يسم ُع‬ ‫ن أداة التعبير الأولى إنما هي من آثار ُ‬
‫الن ّبوغ في فردٍ من الأفراد‪ ،‬وتساوق النبوغ بعد ُ في إحداث ما يُعب ِّر به َ‬ ‫قلنا‪ :‬إ َ ّ‬

‫وما ي ُ ّ‬
‫حس؛ فتكاثرت "الكلمات" التي يُع َب ّر بها عن الأشياء والمعاني‪ ،‬وتص َرّمت الأجيال على نماء أدوات التعبير وزِ يادتها‪ ،‬ثم تص َرّمت‬
‫الأجيال‬
‫__________‬
‫الناس من أهل عصره أو بعد ع َصر ِه‪ ،‬على هواهم‪ ،‬وتجري بهم‬
‫َ‬ ‫ك ق َو ّة م ُدب ّ ِرة م ُصر ِّفة لا يُقاومها شيءٌ‪ ،‬تغلب‬ ‫)‪ (١‬واعلم أ َ ّ‬
‫ن النابغة يمل ُ‬
‫ل بهم إلى غاية ٍ منصوبة‪ ،‬ولا يملك أحدٌ عن‬
‫يف عجيب وتدبيرٍ غريب‪ ،‬حتى تص َ‬
‫من م َذاهب المعاني والألفاظ والأساليب والعلوم بتصر ٍ‬

‫ل النابغة من هؤلاء بمنزلة المُوحَى إليهم يلُه ِمهم بما يُس ِ ّر َ؛ فلا يجدون ب ُ ً ّدا من التص ُرّف معه إلى غاية ٍ‬
‫ذلك معدلا ً ولا محيصً ا‪ ،‬فكان عق ُ‬
‫ل منهم كبير العقل صافي َ‬
‫الن ّفس قوي الأثر؛ حتى يُصبح‬ ‫لم يكونوا انتهَضُوا لها ولا أرادوها‪ ،‬وتلك هي العلَ ّة في أ َ ّ‬
‫ن الناس يعتنون برج ٍ‬
‫ل علة ٍ‬ ‫ل علَ ّة ٍ من ك ّ ِ‬
‫ل شيء ولا يرون في ك ّ ِ‬ ‫خطؤه الـكبير فوق صَواب الناس‪ ،‬في َأخ ُذون به مسلما ثم إذا ع ُوتِبوا فيه أخ َذوا يُول ِ ّدون له ك َ ّ‬
‫صح ّحوا؛ فيصرفهم َ‬
‫عم ّا كانوا‬ ‫يف ما َ‬
‫ل آخ َر يز ُ‬
‫حقٍ‪ :‬حتى يأتي العصر الذي يشرق فيه عق ٌ‬
‫ل ّ‬‫إلا صواب ًا فوق الصواب‪ ،‬وح ً ّقا يعلو على ك ّ ِ‬
‫مرة واحدة على م َدارج التاريخ كلها‪.‬‬
‫فيه من عماية وضَلالٍ‪ ،‬وهذا مرض قديم في العقل الإنساني‪ ،‬لم يبرأ منه َ ّ‬
‫ل‬ ‫واختصّ ت ك ُ ّ‬
‫ل لغة ٍ في جِي ٍ‬ ‫َ‬ ‫ورأينا لغات م ُت َقاربة أو م ُتَباينة‪ ،‬ثم تص َرّمت الأجيال وقيدت هذه اللغات ووضعت لها ضَوابط وق َواعد‪،‬‬

‫من الناس وأ َمّة ٍ من الأمم بق َواعد و ُأصول ت ُ‬


‫ختلف اخت ِلافًا ج َليلا ًأو د َقيق ًا عن سائر ُ‬
‫الل ّغات التي تُعاصِر ُها أو تُجاوِر ُها‪.‬‬

‫جعْنا‬
‫أحقاب م ُت َطاوِلة إلى أ ْن كانت لها ق َواعد وضَوابط وأصول يرج ُع إليها‪ ،‬فلو ر َ‬
‫ٍ‬ ‫ن ُ‬
‫الل ّغة من هذه اللغات نَم َْت في‬ ‫ونحن لا نَش ُُكّ في أ َ ّ‬

‫ِض بال ُ ّ‬
‫شبهة في‬ ‫هنا إلى القول الذي قلنا به في نشأة اللغة من طبيعة ُ‬
‫الن ّبوغ في فَرْدٍ من الأفراد‪ ،‬أو أفرادٍ من الجماعات‪ ،‬لاعتَرَضَنا م ُعتر ٌ‬
‫هذا القول والشك في أمره؛ إذ كيف ي َت ّفق طبيعة ُ‬
‫الن ّبوغ في أفرادٍ من أ َمّة على تطاو ُل الأحقاب ات ِّفاقًا مصمتًا يكون من أث َره أ ْن تق َع‬
‫ض َع الناس عليها أولا ً ثم صاغوا لها‬ ‫أنواع الكلمات في هذه القواعد والضوابط ولا ٺتع َ ّداها؟ و يلزمنا لذلك أن نقول بأ َ ّ‬
‫ن القواعد قد توا َ‬
‫الكلمات والأساليب‪.‬‬
‫نعرف كيف‬
‫َ‬ ‫ق أمام َنا إلا أ ْن‬
‫ل لا يقول به أحدٌ‪ ،‬فلم يب َ‬
‫محا ٌ‬ ‫أ َمّا تواضُع الناس على القواعد والأصول قب َ‬
‫ل أ ْن تكون لغة ٌ يت َفاهَمون بها فهذا ُ‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٩‬‬
‫‪ ٤‬اللغة والإعراب وعلم النحو‬

‫مت ّخذة أداة َ‬


‫للت ّفاه ُم والتراسُل‬ ‫ق منها إلا آثار ٌ وأطلالٌ‪ ،‬وأيضًا في هذه اللغات التي تحيا إلى اليوم َ‬
‫َات ّفق هذا في اللغات التي درست ولم يب َ‬
‫والتعليم والتع ُل ّم‪.‬‬

‫بالن ّطق قد جعلت في ألسنتهم‬ ‫ن الكلمات الأولى التي ُألقيت على لسان فردٍ من الجماعة‪ ،‬ودَع ِ‬
‫َت الناس إلى تقليدها ومحاكاتها ُ‬ ‫شكّ أ َ ّ‬
‫لا َ‬
‫فلم ّا اشت َ ّدت الحاجة بالناس إلى التعبير أو الإشارة لم يج ْد بعضهم محيصً ا عن تقليب الأحرف التي عرَف ُوها على‬ ‫م ُرونة ً وليان ًا ومطاوعة‪َ ،‬‬
‫مخالَفة‬
‫ألسنتهم بالتقديم والتأخير؛ فأحد َثُوا ألفاظًا مشابهة للأولى في بنائها‪ ،‬ولم تُواتِهِم ُ الألسنة والطبائع الناشئة منهم بالاعت ِياد والتكرار على ُ‬
‫ل المشرق الجديد كان قد تل َ ّقن في نَشْأته أصول لغته‬ ‫ل عهدهم بها‪ ،‬فمرنوا عليها‪َ ،‬‬
‫فلم ّا ظه َر بينهم العق ُ‬ ‫والصي َغ الأولى التي طا َ‬
‫ِّ‬ ‫الأوزان‬
‫فلم ّا أشرقت عليه أنوار ُ‬
‫الن ّبوغ اعتمد نبوغ ُه على التوليد من الأصول التي استوضحها عقلُه‬ ‫أ ًي ّا كانت بالعادة والمران‪ ،‬واست َقام لسانه عليها‪َ ،‬‬
‫الرحب وأدركها ح ُ ّ‬
‫سه المرهف‪ ،‬ووزنها وم َي ّزها بعضها من بع ٍ‬
‫ض تركيب ُه الدقيق‪ ،‬فكان يكث ُر منه ات ِّفاق ما يحدث من الأبنية والصيغ‪،‬‬
‫مع ما نشأ فيه ودر َج عليه وجاء من بعده أت ْباع ُه يزيدون على أصوله وفروعه لا يكادون يخر ُجون عليها‪ ،‬حتى يأتيهم م َن يلقون إليه بالمقادة‬
‫ن الات ِّفاق شيء غير ٍ‬
‫بدع في أمر الألسنة الإنسان َي ّة‪.‬‬ ‫في أمر لسانهم وتفكيرهم‪ ،‬فمن هذا ترى أ َ ّ‬
‫ٌ‬
‫تفر ّق الجماعات في الأرض على اختلاف طَبائعها‬ ‫ن هذا هو الشأن من بعد ُ‬‫ولا يفوتك أ َ ّ‬
‫استمر ّت الحال على ذلك حتى است ََقر ّت بعض اللغات على‬
‫َ‬ ‫وأجوائها وتغ ُي ّر طبائع الناس وعاداتهم وحاجاتهم تبع ًا لتغ ُي ّر أرضهم ومنازلهم‪،‬‬
‫طرا ٍز خاص؛ إذ ضُب ِطت بالقواعد والأصول التي نُسمِّيها على النحو وع ِلم الاشتقاق وال َص ّرف وعلم البيان‪.‬‬

‫ن النحو والاشتقاق والبَيان هي من اللغة بمنزلة م ُفر َداتها )‪(١‬؛ إذ كانت مرتبطة بها في تد ُرّجها وارتقائها أو‬
‫تعرف َمم ّا مضى أ َ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ولعل ّك‬
‫ضعفها وانح ِطاطها‪ ،‬فلو َأن ّك أردت أن تستغني مثلا ًعن الحركات التي سميت فيما بعد ُ حركات الإعراب في لغة ٍ من اللغات لكان ل ِزام ًا‬
‫عليك أ ْن تُدخِل التغيير والتبديل في مفردات اللغة نفسها وفي اشتقاقها وص َرفها وأساليب بيانها‪ ،‬أ َمّا أ ْن ت َ ّتخذ مفردات لغة ٍ من اللغات‬
‫ل‬
‫وتزوي وجهك عن حركات إعرابها وأساليب بيانها وطرق اشتقاقها وصرفها؛ استجلاب ًا لسهولة استعمالها وسرعة ذيوعها ‪ -‬فهذا قت ٌ‬
‫لكلتيهما‪ ،‬وإفساد ٌ في طبيعة الأشياء لا ُ‬
‫يقر ّه عقل ولا يُجار يه منطق‪.‬‬
‫وقد كتبنا هذه الكلمة ‪ -‬على قصرها وات ِّساع ميدان الكلام في أغراضها ‪ -‬لنتق َ ّدم بالكلام عن نشأة النحو في العرب َي ّة‪ ،‬فلو أتاح ْ‬
‫َت لنا‬
‫وعرفنا‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫الأي ّام بعد است ِيفاء الكلام كله في هذا الأصل أصدرنا ‪ -‬بعون الل ّٰه ‪ -‬كتاب ًا مستقلا ّ بنفسه لا نَدَع ُ فيه كلمة ً للرأي إلا قُلناها‪ّ َ ،‬‬
‫المبتدعة مكانَ النحو والاشتقاق والبيان من اللغات‪ ،‬وفتحنا طر يق ًا لمعرفة سرِّ الإعراب في العرب َي ّة‪ ،‬وأَ ب َن ّا عن معاني الحركات الأربعة‬
‫في م َواقعها من الكلام العربي‪ ،‬والل ّٰه المستعان‪.‬‬
‫__________‬
‫َ‬
‫ولـكن ّه أدمج‬ ‫)‪ (١‬أ َ ّول م َن نظر في العربية هذا النظر‪ ،‬وشرع في تفصيله والكلام عنه‪ ،‬هو الإمام الجليل أبو الفتح عثمان بن جني‪،‬‬
‫تكتنف تفكيره جانبًا‪ ،‬ومع هذا فهو‬
‫ُ‬ ‫القول فيه إدماجا يتعذر معه لطالب هذا العلم أ ْن يدرك مبهماته وخوافيه‪ ،‬وأ ْن يلقي الشبهات التي‬
‫أشتات في كتبه لم يجمعها باب قائم بنفسه يكون أهدي للقارئ وأقوم عليه‪.‬‬

‫اللغة والإعراب وعلم النحو‬ ‫‪٤‬‬


‫اللغة والإعراب وعلم النحو‬

‫قال شيخُنا أبو الفتح عثمان بن جني‪" :‬حضرَنِي قديمًا بالموصل أعرابيّ ٌ عقيلي جوثي تميمي يُقال له‪ :‬محمد بن العساف ال َ ّ‬
‫شجري‪َ ،‬‬
‫وقل ّما‬
‫رأيت بدَوِ ًي ّا أفص َ‬
‫ح منه‪ ،‬فقلت له ‪ -‬شغف ًا بفصاحته‪ ،‬والت ِذاذ ًا بِمُطاو َلته‪ ،‬وجري ًا على العادة معه في إيقاظ طَبع ِه‪ ،‬واقت ِداح زَند فطنته ‪:-‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٠‬‬
‫‪ ٤‬اللغة والإعراب وعلم النحو‬

‫كيف تقولُ‪" :‬أكرَم َ أخوك أباك" فقال‪ :‬كذاك‪ ،‬فقلت له‪ :‬أفتقول‪" :‬أخوك أبوك؟ " فقال‪ :‬لا أقول‪" :‬أبوك" أبد ًا‪ ،‬قلت‪ :‬فكيف تقول‪:‬‬
‫"أكرمني أبوك"؟ فقال‪ :‬كذاك‪ ،‬قلت‪ :‬أفلَسْتَ تزع ُم َأن ّك لا تقول‪" :‬أبوك" أبد ًا؟ فقال‪ :‬إيش هذا! اختلفت جهتا الكلام ‪ ...‬فهل قوله‪:‬‬
‫"اختلفت جهتا الكلام" إلا كقولنا نحن‪" :‬هو الآن فاعل وكان في الأ َ ّول مفعولاً"‪ ،‬فانظ ُر إلى ق ِيام معاني هذا الأمر ِ في أنفُس ِهم وإن لم‬
‫تطعْ به عِبارتهم‪.‬‬
‫الشجريّ صاحبَنا هذا الذي قد مض َى ذِكر ُه قلتُ له‪ :‬كيف يا أبا عبدالله تقول‪" :‬اليوم كان زيد‬ ‫َ‬ ‫وقال شيخُنا ‪ -‬رحمه الل ّٰه ‪ :-‬وسألتُ‬
‫ل فيما قبلها؛ لأنها إنما تأتي‬ ‫البت ّة‪ ،‬وذلك أ َ ّ‬
‫ن ما بعد "إن" لا يعم َ ُ‬ ‫ن زيد ًا قائم" فأباها َ‬
‫قائمًا"؟ فقال‪ :‬كذلك‪ ،‬فقلت‪ :‬فكيف تقول‪" :‬اليوم إ َ ّ‬
‫عم ّا بعدها وما بعدها َ‬
‫عم ّا قبلها‪.‬‬ ‫أبد ًا مستقبلة قاطعة لما قبلها َ‬
‫وقلت له يوم ًا ولابن ع َ ٍ ّم له يُقال له‪" :‬غصن" ‪ -‬وكان أصغر منه ً‬
‫سن ّا وألين لسان ًا ‪ :-‬كيف تحقران "حَم ْراء" فقالا‪" :‬حُمَيراء" قلت‪:‬‬
‫سسْت بين ذلك "علباء"؛‬ ‫سو ْداء" قالا‪" :‬سُو َيداء" واستمررت بهما في نحو هذا‪َ ،‬‬
‫فلم ّا استو يا عليه د َ‬ ‫صف َيراء"‪ ،‬قلت‪ :‬فـ" َ‬
‫صفْراء"؟ قالا‪ُ " :‬‬
‫فـ" َ‬
‫فلم ّا ه َ ّ‬
‫م بفتح الباء استرجع مستنكرًا فقال‪" :‬إه‬ ‫فقلت‪" :‬فعلياء"؟ فأسرع ابن عمه على طر يقته فقال‪" :‬عُلَيباء" وكاد الشجري بقولها معه‪َ ،‬‬
‫عليبى" وأش َ ّ‬
‫م الضمة رائمًا للحركة في الوقف‪ ،‬وتلك عادة ٌ له‪.‬‬
‫قال ابن جن ِ ّي‪ :‬وسألته يوم ًا‪ :‬يا أبا عبدالله‪ ،‬كيف تجم ُع محرنجمًا؟ وكان غرضي من ذلك أ ْن أعلم ما يقوله؛ أيُكس ِّر فيقول‪" :‬ح َراجم" أم‬
‫فر ّق َه حتى أجمع َه! وصد َق؛ وذلك أ َ ّ‬
‫ن المحرنجم هو المجتمِـع‪.‬‬ ‫صحِح فيقول‪" :‬محرنجمات"؟ فذهب هو مذهبًا غير ذَي ْ ِن فقال‪ :‬وإيش َ‬
‫يُ ّ‬
‫ِس لما أريد ُه منه‪ ،‬والجماعة معي على غاية الاست ِغراب لف َصاحته ‪...‬‬
‫مح ّ ٍ‬ ‫يقولها مرا ًرّا على َ‬
‫شكِيمته غير ُ‬
‫َّ‬
‫أحس الموضع‬ ‫ل محرنجمة وأخرى محرنجمة وأخرى محرنجمة تقول‪ :‬مررت بإبل ماذا؟ فقال ‪ -‬وقد‬
‫قلت له‪ :‬فد َ ْع هذا؛ إذا أنت م َرَرْتَ بإب ٍ‬
‫ل‬
‫‪ :-‬يا هذا‪ ،‬هكذا أقول‪" :‬مررت بإب ٍ‬
‫ل إلى تكسير ِها‪ ،‬لا َ‬
‫س ّيما‬ ‫محرنجمات"‪ ،‬وأقام َ على الصحيح َ‬
‫البت ّة‪ ،‬است ِيحاشًا من تكسير ذ َوات الأربع لمصاقبتها ذ َوات الخمسة التي لا سبي َ‬
‫إذا كان فيها ز يادة ٌ‪ ،‬والز يادة قد تعت ُ ّد في كثيرٍ من المواضع اعت ِداد الأصول حتى إنها لتَلزَم ُ لُزومها نحو‪ :‬كوكب‪ ،‬وحوشب‪ ،‬و َ‬
‫ضي ْو َن‪،‬‬
‫وه َزَن ْب َران‪ ،‬ود َ ْود َ َرّى‪ ،‬وقرنفل‪ ،‬وهذا موض ٌع يحتاج إلى إصغاء ٍ إليه‪ ،‬وإرعاء ٍ عليه‪ ،‬والوقت ‪ -‬لتَلاحُمه وتقار ُب أجزائه ‪ -‬مان ٌع منه‪ ،‬و يُع ِينُ‬
‫المنوي فيه بق ُدرته‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الل ّٰه فيما يلَِيه على المعتق َد‬
‫قال شيخُنا‪ :‬وسألته يوم ًا‪ :‬كيف تجم ُع سرحان ًا؟ فقال‪" :‬سراحين"‪ ،‬قلت فدكان ًا؟ قال‪" :‬دكاكين" قلت‪ :‬فقرطان ًا؟ قال‪" :‬قراطين"‪،‬‬
‫قلت"فعثمان"؟ قال‪" :‬عثمانون"؟ قلت‪ :‬هلا قلت‪" :‬عثامين" كما قلت‪" :‬سراحين وقراطين"؟ فأباها َ‬
‫البت ّة‪ ،‬وقال‪ :‬إيش ذا! أرأيت إنسان ًا‬
‫يتكلم بما ليس من لغته‪ ،‬والل ّٰه لا أقولها أبد ًا ‪ ...‬استوحش من تكسير العلم إكبار ًا له‪ ،‬لا َ‬
‫س ّيما ومنه الألف والنون اللتان بابهما فعلان‬
‫الذي لا يجوز ُ فيه فعالين نحو سكران وغضبان‪.‬‬
‫قد عرَضْ نا لسان هذا الإعرابي ولسان اب ِن عم ِّه لنر َدّك إليهما في سِياق كلامنا هذا عن اللغة والإعراب وعلم النحو؛ لئلا نقطع عليك‬
‫ل الكلام حين لا ب ُ َ ّد لك من الاستمرار‪.‬‬
‫سبي َ‬
‫ن حركات الإعراب من اللغة بمنزلة مفرداتها؛ وذلك إنهما درَج َا مع ًا على الألسنة وتَوافق َا على أمر ٍ من الز يادة ُ‬
‫والن ّقصان والإبقاء‬ ‫قلنا‪ :‬إ َ ّ‬
‫َت‪ ،‬وعملت فيهما الألسنة حتى ته َ ّذب منها ما َ‬
‫جف َا وما انتشر وما غلظ؛ لما في طبيعة‬ ‫والحذف‪ ،‬وعَم ِلا في الألسنة حتى مرنت واست َقام ْ‬
‫فلم ّا ت ََم ّ ذلك‬
‫ل‪ ،‬و يلين بعد صلابة‪ ،‬ويتشابَه بعد تناف ُر‪ ،‬ويستقر بعد اضطراب‪َ ،‬‬ ‫الإنسان َي ّة من م ُداورة ِ ما يجرى معها حتى ي َ ّ‬
‫خف بعد ثق ٍ‬
‫يتفر ّق بها‪ ،‬فترت َ ّد إلى الضعف والانحلال‪ ،‬وتباعد الأطراف‬ ‫ٍ‬
‫جامع لا َ‬ ‫لم يكن هناك محيص من أ ْن تقوم ألسنة القوم ولغتهم على أمر ٍ‬
‫والفساد واستحالة النماء؛ فكان ما نُسمِّيه نحن الآن من الإعراب والنحو والبيان بأسماء ٍ َاتّ خذناها أداة للتعبير عن سِرِّ م َعانيها في الكلام‪،‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١١‬‬
‫سبب وضع العربية‪:‬‬ ‫‪٥‬‬

‫كمخرج الحروف عن اللسان‬


‫ِ‬ ‫قائمًا في ألسنة القوم مقام َ القانون الطبيعي الراسخ الذي لا يتح َو ّل‪ ،‬فكان رف ُع الفاعل ونصبُ المفعول عندهم‬
‫وال َ ّ‬
‫شفتين واللهاة‪ ،‬ولا فرق‪.‬‬
‫وضحه لنفسك‪ ،‬فاضر ِب المثل بالحمار والفرس والبغل‪ ،‬فهذه الثلاثة على تقار ُب شيتها وتشابُه‬
‫ولو أردت أ ْن تُقرِّب هذا المعنى إلى فهمك وت ُ ِّ‬
‫ل منها بخصائص لا تُخط ِئها الطبيعة الإنسان َي ّة من طُفولتها إلى صِباها‬ ‫أعضائها وتناظُر بدنها وتركيبها مميزة في بص َر الإنسان‪ ،‬م َ‬
‫ُفر ّق بين ك ّ ٍ‬
‫إلى شَبابها إلى فت َو ّتها إلى هرمها‪ ،‬حتى تصل إلى قبر الأب َد‪ ،‬ولا ي َزال الحمار حمار ًا والفرس فرسًا‬
‫والبغل بغلاً‪ ،‬مهما اختلفت الألوان أو تغ َي ّرت البلدان‪ ،‬ولا تزال الخصائص الممي ِّزة قائمة ً فيها على هذا الاختلاف والتغ ُي ّر‪ ،‬فكذلك كانت‬
‫شِيَة ِ لها تُمي ِّزها عن أختها التي هي مثلُها في ح ُروفها‬
‫ح َركات الإعراب والنحو على الكلمة الواحدة على اخت ِلاف م َواقعها من الكلام كال ّ‬
‫ل قو ٍم على أصول لغتهم متمي ِّزة بفطرة الألسنة‪ ،‬وأ َمّا ما صار لها بالتكرار والعادة كالفطرة‬
‫وباقي ح َركاتها حتى أصبحت قائمة ً في ألسنة ك ُ ّ ِ‬

‫ل تمييزها‪ ،‬أو لا يضعف إحساسها بالخصائص الملازمة لشيء ٍ بعين ِه من بين الأشياء المتشابهة‪.‬‬
‫المرهفة الدقيقة التي لا يخت ُ ّ‬
‫دخيلات على الحروف التي تق ُع عليها في أ َ ّول الكلام وأوسطه وطرفه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ن الفتحة والـكسرة والض َمّة والسكون‬
‫ُولنّ بخاطرك أ َ ّ‬
‫فلا يَج َ‬
‫ق بلغة ٍ ولا َ‬
‫ٺتعل ّق بفهمه‪ ،‬أو َلا‬ ‫بقلب ناط ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ن هذه المعاني لا ُ‬
‫تلم ّ‬ ‫فجعلت بالوضع للتمييز بين أبنية الكلام أو م َعانيه التي يدور ُ عليها‪ ،‬واعلم أ َ ّ‬
‫ترى إلى صاحبنا الشجري حين سأله شيخُنا وأدار َه على أ ْن ينط ِق "أكرَم َ أخوك أبوك" بالرفع‪ ،‬فأباها واستوحش وقال‪ :‬لا أقولُ‪" :‬أبوك"‬
‫فلم ّا سأله أ ْن يقول‪ :‬أكرمني أبوك قال‪" :‬أبوك"‪ ،‬وذكر العلَ ّة التي يعرفها والتي هي الحقيقة الأولى في اللغة قبل أ ْن يُوضَع الاصطلاح‬
‫أبد ًا‪َ ،‬‬
‫النحوي المع َ ّقد فقال‪" :‬اختلفت جهتا الكلام"‪ ،‬فالحركات عند هذا الأعرابي وغيره َمم ّن كان ينطق اللغة سليقة ً لا اكتساب ًا وتع ُمّلاً‪،‬‬
‫ن من الفكر‪ ،‬فكأ َ ّ‬
‫ن الكلمة الواحدة عندنا هي عنده‬ ‫تق ُع على معاني الكلام وتص ُرّفه وو ُجوهه د ُون ك َ ٍدّ للذهن أو تصر ٍ‬
‫يف للسان بعنا ٍ‬
‫ن لا يتجاوَز ُها استعمالُه ولا يُط ِيع بغيرها في‬ ‫ل واحدة ٍ في حالتها معنى أو معا ٍ‬
‫أربع كلمات أو ثلاث وفق ًا للحركات التي تكونُ عليها‪ ،‬ولك ّ ِ‬
‫بدع في أمر الألسنة‪ ،‬فأنت ترى لكلمة "العين" مثلا ًعند العرب ِيّ المب َر ّأ معاني َ متباعدة وأخرى‬ ‫موقعها لسانُه ولا فكر ُه ولا ف ِطرتُه‪ ،‬وهذا غير ٍ‬

‫م ُتقاربة‪ ،‬وهو يميز ُ بينها و يفصل بين وجوهها من حقيقة ٍ ومجاز‪ ،‬ولا يكاد يخطئ وضع َها من الكلام حينَ تكونُ ال َض ّرورة لاستعمال هذا‬
‫اللفظ‪.‬‬
‫بقي ّة أبواب النحو والصرف والاشتقاق والبيان‪ ،‬فهذه ُ‬
‫كل ّها كانت جار ية ً في ألسنة القول مجرى قوانين الجاذب َي ّة‪ ،‬فما‬ ‫وكذلك القول في َ‬
‫ل قو ٍم على َ‬
‫سن ّة لغتهم لا‬ ‫يضبط ألسنة ك ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫تش ُ ّذ كلمة ٌ عن بابها الذي وُضِعت بعد ُ فيه من علم النحو أو غيره؛ لأ َ ّ‬
‫ن قانون الألفاظ الذي‬
‫ج من دائرة تأثيره أبد ًا مهما كان التشابُه قريبًا بين الكلمتين اللتين يسوغ ُ العقل إلى مَد َى اختلاط إحداهما بالأخرى في‬
‫يدع ُ الكلمة تخر ُ ُ‬
‫تصر يف ِها أو وضْ عها أو تقليبها على و ُجوه الجمع والتحقير وغير ذلك‪.‬‬

‫سبب وضع العربية‪:‬‬ ‫‪٥‬‬

‫فلم ّا َ ّ‬
‫دس له شيخنا أبو الفتح "عثمان" بين هذه المتشابهات‬ ‫ألا ترى إلى صاحبنا الشجري كيف جم َع سرحان ًا وأشباهها على سراحين‪َ ،‬‬
‫كا في ع ِلمه ومعرفته فقال‪:‬‬ ‫فلم ّا سُئ ِل عن العلَ ّة لم يكنْ جوابه إلا ت َ ُ‬
‫عجّ بًا من أمر سائله‪ ،‬وش ً ّ‬ ‫لم يقل إلا‪" :‬عثمانون" وأبَى "عثامين"‪َ ،‬‬
‫يتكل ّم بغير لُغته؟ فهذا الأعرابي لا يعرف ق ِياسًا ولا علمًا ولا ألف ًا ونون ًا‪ ،‬بل ك ُ ّ‬
‫ل ما يعرفه َأن ّه إذا رأى سرحان ًا‬ ‫إيش ذا! أرأيت إنسان ًا َ‬

‫ج إلى لفظٍ غير لفظ‬ ‫وسرحان ًا وسرحان ًا قال‪ :‬هذه س َراحين؛ وذلك لأ َ ّ‬
‫ن الفرد في طبيعة الإنسان ونظره وف ِكره غير الجماعة‪ ،‬فهو محتا ٌ‬

‫الشيء المفرد لي ُعب ِّر عن ع َ ّدة أفراد من هذا الشيء نفسه‪ ،‬فأختار له بالطبيعة لفظًا آخ َر يُقارب اللفظ الذي يد ُ ّ‬
‫ل به على المفرد‪ ،‬وهذا‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٢‬‬
‫سبب وضع العربية‪:‬‬ ‫‪٥‬‬

‫ما نُسمِّيه نحن بالجمع‪ ،‬وهذا المفرد وجمع ُه يض َمّان بين أحر ُفهما تاريخ َ نشأة هذه الكلمة وتاريخ تد ُرّجها في اللسان‪ ،‬والذي نسميه نحن‬
‫بالاشتقاق والأصل‪ ،‬وعثمان وعثمانون مفرد ٌ وجمع فيهما تاريخ نشأتهما وتد ُرّجهما في اللسان‪َ ،‬‬
‫فلم ّا اختلف تاريخ نشأة هذين اللفظين‬
‫المفردين "عثمان وسرحان" وتد ُرّجهما في اللسان خالَفت فطرة اللسان بين جمعيهما مخالفة ً ظاهرة؛ فاعل َ ْم من ذلك أ َ ّ‬
‫ن الحرفين إذا َات ّفق‬
‫تاريخ ُ نشأتهما وتد ُرّجهما في اللسان كان القانون الذي يجر يان عليه واحدًا في لسان أه ِ‬
‫ل اللغة‪ ،‬د ُون أ ْن يعرفوا لذلك علَ ّة ً م َ‬
‫ُقر ّرة‪ ،‬ما‬
‫العلَ ّة عندهم إلا أ َ ّ‬
‫ن هذه لغتهم وحسْب‪.‬‬
‫ج هذا الجزء من الأشموني في م ِيعاده الذي ضُرِبَ له‪ ،‬ونحن لا نفتات على‬
‫باب من القول لم نَست َوف ِه لضِ يق الوقت والت ِزام ِنا إخرا َ‬
‫وهذا ٌ‬
‫اللغة بما لا تَرْضاه ولا ُ‬
‫تقر ّه‪ ،‬ولا نذهب بها مذهبًا هي إلى غيره أميَلُ‪ ،‬ولا نضَع ُها موضعا هي في غيره أشرف وأنبل؛ فلذلك نَعِد ُ الق َُر ّاء‬
‫ل كلمة ٍ منه مع القارئ نُبې ِ ّن له ون ُ ِ ّ‬
‫وضح؛ حتى نُقرِّر‬ ‫ونقف عند ك ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫بكتاب واسع المضطرب‪ ،‬نزيد ُ فيه الرأي و ُضوح ًا‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بأ ْن نُوافِيَهم قريبًا‬
‫ن ارتضاه اعتقَد َه‪ ،‬وإ ْن أباه ر َدّ علينا فساد َه ونبَذ َه‪ ،‬والل ّٰه المستعان‪.‬‬
‫المذهب الذي نذهبُ إليه‪ ،‬فإ ِ‬
‫سبب وضع العربية‪:‬‬
‫ن والعقول والحاجات عملَها أيضًا‪ ،‬وكان‬
‫وعملت فيها الألس ُ ُ‬
‫ْ‬ ‫وعملت في الألسنة عمَلَها‪،‬‬
‫ْ‬ ‫َأت مضطربة ً على الألسنة‪،‬‬ ‫لأ َّ‬
‫ن اللغات نش ْ‬ ‫رأينا قب ُ‬
‫ل‪ ،‬و يلينَ بعد صلابة‪،‬‬ ‫ل الألسنة تهذيبًا وإدارة ً وتنقية ً وجمع ًا لما في طبيعة الإنسان َي ّة من م ُداورة ما يَجرِي معها حتى ي َ ّ‬
‫خف بعد ثق ٍ‬ ‫عم ُ‬

‫كل ّه ُلل ّغة النماء َ والق َو ّة والاستحكام؛‬


‫ل ذلك ُ‬ ‫َ‬
‫ويستقر ّ بعد اضطراب؛ ليكف ُ َ‬ ‫ويتشابه بعد تنافر‪،‬‬
‫واستمر ّ هذا التد ُرّج في الألسنة حتى وص ْ‬
‫َلت إلى حالة ٍ من الاستقرار وفق ًا‬ ‫َ‬ ‫لئلا تضع ُف وتنحل وتسقط وينتشر ما اجتمع من أمرها‪.‬‬
‫لتد ُرّج التم ُ ّدن في الارتقاء والنموِ ّ إلى درجة ٍ من الاستقرار َ‬
‫والث ّبات‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد كُنت أو ُدّ أ ْن أسير َ بالقارئ في الجزيرة العرب َي ّة من أ َ ّول ع ُهود التاريخ التي وصلَت ْنا إلى العهد الذي احتف ْ‬
‫َت فيه بنور إسماعيل‬
‫َ‬
‫استقر ّ اللسان العربي على حالة ٍ بَيْنَ بَيْنَ في القرنين السابقين؛‬ ‫ن‬
‫‪ -‬عليه الصلاة والسلام ‪ -‬وما كان من أمر هذه الجزيرة بعد َ ذلك إلى أ ِ‬

‫لإشراق نُور النب َو ّة فيها‪ ،‬وهبوط الوحي بالمعجزة الباقية أَ بَد َ الدهر على محمد رسول الل ّٰه وخاتم النبيِّين ‪ -‬صلَ ّى الل ّٰه عليه وس َل ّم ‪ -‬ولـكن ِ ّي ُأ ِّ‬
‫فضل‬
‫الآن لهذه الكلمة الموجزة أ ْن يكون بدء ُ القول في أمر لغة العرب من العهد الق َريب السابق لرسالة رسولنا ‪ -‬صلَ ّى الل ّٰه عليه وس َل ّم‪.‬‬

‫وأطراف مصر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ومشارف الشام‬
‫ُ‬ ‫ن هذه الجزيرة العرب َي ّة ‪ -‬التي تح ُ ّدها من الشر ِ‬
‫ق بلاد ُ فارس‪ ،‬ومن الغرب بحر ُ القلزم‬ ‫قال التاريخ‪ :‬إ َ ّ‬
‫ل َ‬
‫تفر ّقت في أوديتها‬ ‫أرض الشام وفيها غ َ ّ‬
‫سان والروم‪ ،‬ومن الجنوب بحر ُ الهند ‪ -‬قال‪ :‬كانت هذه الجزيرة منزلا ً لق َبائ َ‬ ‫ُ‬ ‫ومن ال َ ّ‬
‫شمال‬
‫ْث وان ِتجاع المرتع‪ ،‬والتص ُرّف في وجوه‬
‫ن إلى مكان في طلب الغَي ِ‬ ‫وح ُزونها وأباطحها وبَي ْدائها‪ ،‬وكان ج ُ ّ‬
‫ل اعت ِماد أهلها على الرحلة من مكا ٍ‬
‫ج الطوال‪ ،‬فكانت‬ ‫التجارة ما بين جَوانبها وبين مصر والشام وبلاد الروم وأرض الحبش وديار فارس‪ ،‬وتص َرّ ْ‬
‫مت على أمرها هذا الحِج َ َ‬
‫ن هذه القبائل ‪ -‬التي تسكُن جزيرة‬ ‫لهجات منها العرب َي ّة التي وصلتنا ‪ -‬والتي يُس ُمّونها لغة قريش ‪ -‬ولا ش َ‬
‫َكّ في أ َ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٺتكل ّم ع ِ َ ّدة َ‬
‫ل َ‬ ‫هذه القبائ ُ‬
‫العرب وتعمرها ‪ -‬كانت ٺتلاقي بالجوار والترحال والتجارة‪ ،‬فكان الرجل من قبيلة ٍ إذا نز َل بأرض قبيلة ٍ أخرى لم يعسر عليه أ ْن يكون‬

‫بينهم كأحدهم منطق ًا وإفهام ًا وتف ُهّم ًا‪ ،‬وإلا لت َداب ْ‬


‫َرت هذه القبائل وتق َ ّ‬
‫طعت الصلة بينها‪ ،‬ولكان التاريخ قد قذ َف بها جميع ًا من سجلِّه‪،‬‬
‫ن هذه اللهجات التي َاتّ خذتها القبائل كانت قليلة َ َ‬
‫الت ّخالُف‬ ‫ل على أ َ ّ‬
‫ولم يصلنا من شعرها ولا أخبارها ولا لهجاتها شيء ٌ أبد ًا‪ ،‬فهذا دلي ٌ‬
‫بأس به‬ ‫ق ذك َر َها التاريخ ووصَلَنا شيء ٌ لا َ‬
‫ل الإسلام على الاجتماع في أسوا ٍ‬
‫كثيرة التشابُه متدانية الأصول؛ فلذلك قام أمر العرب قب َ‬
‫من أخبارها‪ ،‬فكانت العرب تلتقي فيها للتجارة وإنشاد الشعر والتفاخ ُر والتحاكُم والتحالُف‪ ،‬وغير ذلك من شُؤونها وم َصالحها‪ ،‬وح َ ّدثَنا‬
‫التاريخ أ َ ّ‬
‫ن اللهجة التي كان‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٣‬‬
‫سبب وضع العربية‪:‬‬ ‫‪٥‬‬

‫ل الل ّٰه ‪ -‬صلَ ّى الل ّٰه‬


‫يرج ُع إليها العرب في أمر لسانهم هي لهجة قُريش التي نز َل بها الوحي على أمين الل ّٰه في أرضِه والشاهدِ على الناس رسو ِ‬
‫عف والانح ِلال‪ ،‬وبهذه الأسواق‬ ‫يتفر ّق بها إلى مذاهب َ‬
‫الضّ ِ‬ ‫عليه وس َل ّم ‪ -‬فكان ذلك مبدأَ ات ِّفاق اللهجات المختلفة على أمر ٍ جامع لا َ‬

‫ل وتلينُ بعد صلاة؛‬ ‫شع َرائها بدأت لهجات اللسان العربي ت ُ ّ‬


‫خف بعد ثق ٍ‬ ‫الجامعة لأشتات القبائل ون ِزاعها وأش ْرافها وصَم ِيمها وفُصَائحها و ُ‬
‫ُ‬
‫وتستقر ّ بعد اضطراب‪ ،‬حتى جاءتهم المعجزة التي ألقوا إليها بالمقادة وا َت ّبعوها كارهين وطائعين وتوافَد ُوا إليها وهم في‬ ‫وٺتشابه بعد تناف ُر‪،‬‬
‫حدب ينسلون‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ل‬
‫ك ِّ‬
‫شِقاق َ‬
‫والت ّناح ُر والع َداوة والب َغضاء‪ ،‬فلانت بالق ُرآن ألسِن َة ُ‬ ‫وأل ّف بينها كما َأل ّف بين قُلوب أهلها بعد ال ّ‬
‫وقام الق ُرآن على ألسنتهم فضبَطَها َ‬
‫ل واحد أحباء لا يتنابذون ولا يتداب َر ُون‪.‬‬
‫القبائل وزادت مطاوعة ً وليان ًا باجتماع رجالها في الج ِهاد وهم على قلب رج ٍ‬
‫كل ّها‪ ،‬خيرها وشرها‪ ،‬ومن تلك الق ُو َى التي تن َبّهت في‬
‫وكانت هذه الأسواق تجمع أفذاذ َ العرب ونوابغها‪ ،‬وتوقظ فيهم القوى الإنسان َي ّة َ‬
‫العرب الإدراك ُ اللغوي‪ ،‬فكان يقوم ُ هؤلاء الأفراد مقام َ القضاة على ق َضايا اللسان العربي‪ ،‬فمن هؤلاء النابغة ال ُذ ّبياني وغير ُه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أفرادٍ من‬

‫فكان يُعر َُض عليهم شِعر القبائل في ُز ي ِّفون منه ز يف َه وير ُدّون ساقطَه‪ ،‬و يعلُون عالي َه‪ ،‬ويشه َدون لجي ِّده‪ ،‬ولع َ ّ‬
‫ل نظرة َ هؤلاء القضاة كانت‬
‫نظرة ً شاملة في المعاني والألفاظ ومواقعها وق َو ّتها واختلالها‪ ،‬وكانوا قد عرف ُوا بما رُكّ ِبَ فيهم من أسباب ُ‬
‫الن ّبوغ أحكام ًا صحيحة عن‬ ‫َ‬
‫ح والوضع ولـك َنّها كانت‬
‫أساليب البَيان وأنواع الخطأ الذي يُدرِك اللسان على َقل ّته وخَفائه‪ ،‬وكانت أحكامُهم هذه لا تعرف الاصطلا َ‬
‫َ‬
‫يتكل ّم بما ليس‬ ‫أحكام ًا فطر َي ّة‪ ،‬كما رأيت من قول صاحبنا الشجري‪" :‬اختلفت جهتا الكلام"‪ ،‬وقوله في َ‬
‫المر ّة الأخرى‪" :‬أرأيت إنسان ًا‬
‫من لغته"‪ ،‬وغير هذا من الأمثلة الـكثيرة التي لم يُسع ِفنا الوقت بلم ِ ّ شَعثها وتقييد نُصوصها في هذا المكان‪ ،‬فكان ُ‬
‫تنب ّه هذه الق َو ّة في هؤلاء‬
‫الأفراد‪ ،‬وسيرورة ما يحكُمون به على ال ّ‬
‫شِعر والخَطابة‪ ،‬هو بدء وضع علم العرب َي ّة الذي سموه فيما بعد ُ نحو ًا وبيان ًا واشتقاقًا وتصر يف ًا‪.‬‬
‫َ‬
‫وتدف ّقت العرب في بلاد الل ّٰه‪ ،‬وأسلمت الأعاجم أو‬ ‫َ‬
‫الوثني ّة‪ ،‬وغلب الروم والفرس على أمرهم‪ ،‬واست َفاض الفتح‪،‬‬ ‫َ‬
‫فلم ّا ظه َر الإسلام على‬
‫سب‪ ،‬وتزاوج العرب من الأمم الأخرى‪ ،‬واختلطت الألسنة الفصيحة بألسنة العجم ُ‬
‫الر ّوم‬ ‫حجّ والتك ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫جل ّها‪ ،‬فاست َقبلت الجزيرة العرب َي ّة لل ِ‬
‫والنبط ‪ -‬تغ َي ّرت حاجة العرب َي ّة بعد َ است ِقرار لسانها‪ ،‬فبعد أ ْن كانت الأسواق التي تجم ُع العرب هي الحاجة‬
‫وهي ال َض ّرورة لتهذيب اللسان العربي‪ ،‬صارت الضرورة في أمر ٍ آخ َر يكونُ حاكمًا للسان العربي؛ لئلا ينزلق إلى مهوى من الضعف و يكون‬
‫َ‬
‫الإسلامي ّة‪،‬‬ ‫ن هذه الحاجة لم تشت َ ّد إلا بعد ات ِّساع الفتوح‬ ‫سور ًا منيع ًا لير َدّ ال ُد ّخ َلاء و يكون م َنار ًا ليهدي م َن ض َ ّ‬
‫ل عن سبيله‪ ،‬واعل َ ْم أ َ ّ‬
‫َ‬
‫استمر ّ‬ ‫وتوافُد الأعاجم على البلاد العرب َي ّة مسلمين‪ ،‬وذلك في عهد عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الل ّٰه عنه ‪ -‬وم َن تلاه من الخل َُفاء الراشدين‪ ،‬ثم‬
‫ل سموها النحو‪.‬‬
‫ل ضبطوا اللسان بأحكا ٍم وأصو ٍ‬
‫الأمر على ذلك إلى أ ْن ظهر رجا ٌ‬
‫ن أ َ ّول م َن وضع هذه الأحكام والأصول على بن أبي طالب ‪ -‬رض ِي الل ّٰه عنه ‪ -‬وذلك لما رُوِي عن أبي الأسود الدؤلي ‪-‬‬
‫قالوا‪ :‬إ َ ّ‬
‫رحمه الل ّٰه ‪َ -‬أن ّه قال‪ :‬دخ َلتُ على أمير المؤمنين عل ٍيّ ‪ -‬عليه السلام ‪ -‬فوجدت في يده رقعة ً فقلت‪ :‬ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال‪" :‬إني‬

‫تأ َمّلت كلام العرب فوجدته قد فسَد بمخالطة هذه الحمراء ‪ -‬يعنى‪ :‬الأعاجم ‪ -‬فأردت أ ْن أضع شيئًا يرجعون إليه ويتعمدون عليه"‪،‬‬
‫وفيها مكتوب‪ :‬الكلام كله‪ :‬اسم وفعل وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المس َمّى والفعل ما ُأنبِئ به‪ ،‬والحرف ما أفاد َ معنى غير هذين‪ ،‬وقال‬
‫ِف إليه ما وق َع إليك‪ ،‬واعل َ ْم يا أبا الأسود أ َ ّ‬
‫ن الأسماء ثلاثة‪ :‬ظاهر ومضمر واسمٌ لا ظاهر ولا مضمر‪ ،‬وإنما‬ ‫"انح ُ هذا النحو‪ ،‬وأض ْ‬
‫لي‪ْ :‬‬
‫ل الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهرٍ ولا مضمر‪ ،‬وأراد بذلك الاسم المبهم"‪.‬‬
‫ض ُ‬
‫يت َفا َ‬
‫قال‪ :‬ثم وضعت بابي العطف والنعت‪ ،‬ثم بابي التعجب والاستفهام‪ ،‬إلى أ ْن وصلت إلى باب "إن وأخواتها" ما خلا "لـكن"‪َ ،‬‬
‫فلم ّا‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٤‬‬
‫سبب وضع العربية‪:‬‬ ‫‪٥‬‬

‫م "لـكن" إليها‪ ،‬وكنت ك َل ّما وضعت باب ًا من أبواب النحو عرضته عليه ‪ -‬رضي الل ّٰه عنه ‪-‬‬
‫عرضتها على عل ٍيّ ‪ -‬عليه السلام ‪ -‬أمرني بض ِ ّ‬

‫ن هذا النحو َ الذي قد نحوت"؛ فلذلك سمي النحو‪.‬‬


‫إلى أ ْن حصلت ما فيه الـكفاية فقال‪" :‬ما أحسَ َ‬
‫ن سبب وضع عل ٍيّ ‪ -‬عليه السلام ‪ -‬لهذا العلم َأن ّه سمع أعراب ًي ّا يقرأ‪" :‬لا يأكله إلا الخاطئين"‪ ،‬فو َ َ‬
‫ض َع النحو‪.‬‬ ‫ورُوِيَ أ َ ّ‬

‫ل لا يقوم ُ بح َج ّة ولا يقع ُد‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وقد كث ُرت الر ِّوايات في سبب وضْ ع هذا العلم وأ َ ّول م َن و َ‬
‫ضع َه‪ ،‬وأكثر هذه الروايات باط ٌ‬
‫ن أ َ ّول م َن اهتَد َى إلى‬
‫وعل ّتُنا في تزييفها وردِّها وإقامة ال َحج ّة على صواب ما نذهب إليه من أ َ ّ‬
‫ل رواية‪َ ،‬‬
‫وهذه الكلمة لا تَكفِي لذِكر ك ّ ِ‬
‫ضع َه أبو‬ ‫وضْ ع ضابطٍ لبعض و ُجوه هذا اللسان العربي هو أبو الأسود الدؤلي ‪ -‬رض ِي الل ّٰه عنه ‪ -‬وكذلك اختلفت الر ِّواية في أ َ ّول ٍ‬
‫باب و َ‬
‫ق إلى ُ‬
‫التنب ّه له أبو الأسود هو‬ ‫الأسود من علم العرب َي ّة‪ ،‬والذي نذه َبُ إليه على ضَلال المذهب وتع ُ ّقده‪ ،‬وانتشار أمر ِه‪ ،‬أ َ ّ‬
‫ن أ َ ّول ما و ُف ِّ َ‬
‫باب الفاعل؛ وذلك لـكث ْرة‬
‫ن الض َمّة هي أثقل الحركات على اللسان العربي‪ .‬واعل َ ْم‬
‫الفعلي ّة على ل ِسانهم‪ ،‬وظُهور الرفع على طر َف الكلمة ظهور ًا بي ِّنًا؛ لأ َ ّ‬
‫َ‬ ‫دوران الجملة‬
‫ن هناك مذهبَي ْن للرأي في أ َ ّول ما وُضِـ َع من علم النحو‪:‬‬
‫أ َّ‬
‫ن أ َ ّول ما وضَع أبو الأسود من أبواب النحو ما وق َع فيه اللحن‪ ،‬وهذا ما ذه َب إليه جمهور ُ النحو يين أصحابُ كتب التراجم‬
‫أحدهما‪ :‬أ َ ّ‬
‫الذين ترجموا ُلل ّغو يين والنحاة‪.‬‬
‫س من التفكير في استنباط قواعد العرب َي ّة تضبط ُها وأصول يُبن َى عليها‪ ،‬فأ َ ّول ما يُوضَع من القواعد‬
‫ن علم النحو وُضِـ َع على أسا ٍ‬ ‫والآخ َر‪ :‬أ َ ّ‬
‫ما يكونُ أقرب إلى م ُتناو َل الفكر في الاستنباط‪.‬‬
‫ونحن لا نستطيع أ ْن ن ُز ي ِّف الرأي الأ َ ّول؛ إذ كان هو الذي ورد ْ‬
‫َت به الرواية الصحيحة مهما اختُل ِف في الذي وق َع فيه اللحن من أبواب‬
‫ن ً‬
‫علي ّا ‪ -‬رض ِي الل ّٰه عنه ‪ -‬سمع أعراب ًي ّا يقرأ‪" :‬لا يأكله إلا الخاطئين"‪.‬‬ ‫ن سبب وضع العرب َي ّة أ َ ّ‬
‫ل أ َّ‬
‫العربية‪ ،‬فقد رأيتَ قب ُ‬

‫الل ّه َ‬
‫ن َ‬ ‫ن أعراب ًي ّا قدم المدينة في زمان عمر ‪ -‬رضي الل ّٰه عنه ‪ -‬فقال‪ :‬م َن يُقرِئُني َمم ّا أنزل الل ّٰه؟ فأقرأه رجل )براءة( فقرأ‪ ? :‬أَ َ ّ‬ ‫وقالوا‪ :‬إ َ ّ‬
‫ن ال ْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه ُ ? ]التوبة‪ ،[٣ :‬بكسر اللام من ? رسوله ? فقال الإعرابي‪ :‬أو َق َ ْد بَر ِئ َ الل ّٰه من رسوله! إ ْن يكن الل ّٰه قد‬ ‫بَر ِيء ٌ م ِ َ‬
‫ق عمر من الخـبر‪َ ،‬‬
‫فلم ّا عرفه أم َرَ ألا يُقرِئ َ الق ُرآن إلا عالم باللغة‪ ،‬ودعا‬ ‫بَر ِئ َ من رسوله فأنا منه أبر َ ُأ‪ ،‬فبلغ ْ‬
‫َت م َقالة ُ الإعرابي عمر َ‪ ،‬فاستَو ْث َ َ‬
‫أبا الأسود فأم َرَه فوضَع النحو‪.‬‬
‫بني ّة! نجومُها‪ ،‬قالت‪ :‬إن ِ ّي لم ُأرِ ْد أي‬
‫أي َ‬‫ن السماء! فقال‪ْ :‬‬ ‫ن سبب الوضع أ َ ّ‬
‫ن ابنة أبي الأسود قالت له يوم ًا‪ :‬يا أبه‪ ،‬ما أحس ُ‬ ‫وقالوا‪ :‬إ َ ّ‬
‫ن السماء‪ ،‬فحينئذٍ وضع كتابا ‪ ...‬إلى غير ذلك من الروايات‪.‬‬ ‫شيء منها أحسن‪ ،‬إنما َ‬
‫تعجّ بت من حُسنها‪ ،‬قال‪ :‬إذ ًا فقولي‪ :‬ما أحس َ‬
‫ن على لسان المسلمين‬
‫أبواب منها إلا بعد أ ْن بدر اللح ُ‬
‫ٍ‬ ‫ل تُضب َُط بها العرب َي ّة أو‬ ‫ن َ‬
‫هم ّة أبي الأسود لم تنه َْض إلى الفكر في وضْ ع أصو ٍ‬ ‫شكّ أ َ ّ‬
‫ولا َ‬
‫من الأعاجم وم َن كث ُر ات ِّصاله بالأعاجم ولُغاتها من العر َب‪ ،‬حتى دخ َل َ‬
‫الضّ ي ْم على لسانه فأفلتت منه فطرته الفصيحة‪ ،‬وهذا نادر ٌ لا‬
‫تكاد تجد ُه في الزمن الأ َ ّول أبد ًا‪.‬‬
‫ن ما وق َع فيه ال َ ّلحن هو الذي دف َع أبا الأسود‬
‫ن أ َ ّول ما وُضِـ َع من أبواب العرب َي ّة هو ما وق َع فيه ال َ ّلحن‪ ،‬بل نقول‪ :‬إ َ ّ‬
‫غير أ َن ّنا لا نقول بأ َ ّ‬
‫إلى التفكير في وضْ ع ضوابط للعرب َي ّة‪ ،‬وقد جاء في الرواية عن ابن الأنباري قال‪ :‬ح َ ّدثنا يموتُ ‪ -‬يعنى‪ :‬ابن المُزَرِّع ‪ -‬ح َ ّدثنا أبو حاتم‬

‫الل ّه َ بَر ِيء ٌ‬


‫ن َ‬ ‫السجستاني‪ ،‬سمعت محمد بن عباد المهلبي‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬سمع أبو الأسود الدؤلي ‪ -‬رض ِي الل ّٰه عنه ‪ ? :-‬أَ َ ّ‬
‫ن هذا‪ ،‬أو كلام ًا هذا معناه‪.‬‬ ‫ن ال ْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه ُ ? ]التوبة‪ ،[٣ :‬بالجر فقال‪ :‬لا تطمئ ُ ّن نفسي إلا أ ْن أضع شيئًا أصلح به لح َ‬
‫مِ َ‬
‫ونحن ن ُرجِّ ح أ َ ّ‬
‫ن أبا الأسود إنما ع َن َى بكلمته هذه ما أشاروا إليه في روايتهم من أ َ ّ‬
‫ن أبا الأسود أتى بالمصحف واختار من عُق َلاء الرجال‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٥‬‬
‫سبب وضع العربية‪:‬‬ ‫‪٥‬‬

‫رجلا ً من عبدالقيس فقال له‪ :‬خُذِ المصحف وصبغ ًا يُخالف لون المِداد الذي كُت ِبَ به‪ ،‬فإذا أنا فتحت شفتي فانقط واحدة ً فوق‬
‫الحرف‪ ،‬وإ ْن ضم َمتُهما فأجعل ُ‬
‫الن ّقطة إلى جانب الحرف‪ ،‬وإذا كس َرتهما فاجعل النقطة في أسفله‪ ،‬فإن أتبعت شيئًا من هذه الحركات‬
‫غ َُن ّة فانقط نقطتين‪ ،‬فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخِره ‪ ...‬ثم إ َ ّ‬
‫ن أبا الأسود بد َأ يُفك ِّر في وضْ ع ق َواعد لضبط الكلام‪.‬‬
‫ن أ َ ّول ما وضع من أبواب‬
‫فالرأيُ عندنا أ ْن يكون ما وق َع فيه اللحن هو الذي استنهض أبا الأسود لوضْ ع العرب َي ّة‪ ،‬ولا يلزمنا أ ْن نقول‪ :‬إ َ ّ‬
‫العرب َي ّة هو الباب الذي وق َع فيه اللحن‪ ،‬ومن هنا تم َهّد سبيلُنا للمذهب الآخ َر الذي قُلنا به من أ َ ّ‬
‫ن أبا الأسود اجتهد في است ِنباط القواعد‪،‬‬
‫ن أ َ ّول ٍ‬
‫باب وضعه أبو الأسود هو باب‬ ‫أبواب وضع لها قاعدة ُ‬
‫تلم ّ ببعض ما فيه‪ ،‬وقد قُلنا قبلُ‪ :‬إ َن ّنا نذهبُ إلى القول بأ َ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫فوقعت له‬
‫ن السبب في وضْ ع العرب َي ّة َأن ّه م َ َّر بباب أبي الأسود سعدٌ الفارسي )هو سعد بن بالو يه‬
‫الفاعل‪ ،‬وقد رو َى الشيخ الجليل الإمام السيرافي أ َ ّ‬
‫الفارسي‪ ،‬شهد الر َدّة وأبلى بلاء حسنًا( وهو يقود ُ فرسه فقال له‪ :‬ما لك يا سعد لا تركب؟ فقال‪ :‬إ َ ّ‬
‫ن فرسي ضالع )أراد‪ :‬ظالع ًا( )‪(١‬‬
‫بعض م َن حضَر َه فقال أبو الأسود‪ :‬هؤلاء الموالي قد رغبوا في الإسلام ودخ َلوا فيه‪ ،‬فصاروا لنا إخوة ً‪ ،‬فلو َ‬
‫عل ّمناهم الكلام َ‪،‬‬ ‫ضحِك به ُ‬
‫ف َ‬
‫ن حجرٍ في "الإصابة" عن ابن أبي سعد‪.‬‬
‫فوضع باب الفاعل والمفعول به ولم يز ْد عليه‪ ،‬وذكر مثلَه اب ُ‬
‫وهذه الروايات وإ ْن كانت لا تقوم ُ دليلا ًعلى‬
‫__________‬
‫ُ‬
‫يستحقّ رفع ًا أو رف َع ما أمرُه‬ ‫ن الخطأ لم يكن في وضْ ع حركة ٍ من حركات الإعراب في غير موضعها بأ ْن نصَب ما‬ ‫)‪ (١‬وأنت ترى هنا أ َ ّ‬
‫حرف آخ َر يُشبِهه‪ ،‬فانظ ُر إلى قول أبي الأسود‬
‫ٍ‬ ‫حرف من حروف العرب َي ّة خلط بينه وبين‬
‫ٍ‬ ‫الـكسر‪ ،‬بل أخطَأَ سعد ُ بن بالو يه في منطق‬
‫َ‬
‫ولـكن ّه‬ ‫إعراب‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫عل ّمناه ُم الكلام"‪ ،‬ثم التعليق على ذلك بقول الراوي‪" :‬فوضَع باب الفاعل والمفعول" فإ َ ّ‬
‫ن سعدًا لم يلحَنْ في‬ ‫بعد ُ‪" :‬فلو َ‬
‫حرف من الحروف‪ ،‬وذلك لا يكون من ج َرّائه أ ْن يضع أبو الأسود بابَ الفاعل والمفعول به‪ ،‬إلا أ ْن يكون هذا الخطأ‬
‫ٍ‬ ‫لحن في مخرج‬
‫أبواب من النحو كانت دواعي َ في صدْر أبي الأسود تُح ّف ِزه للتفكير في وضْ ع ضابطٍ للسان قوم ِه يَق ِيهم مزل َ ّة‬
‫ٍ‬ ‫من أخطاء كثيرة قبله في‬
‫ق الصواب أو كيف ي َت ّقي الخطأ إذا أوشك أن يق َع فيه‪.‬‬
‫اللحن‪ ،‬ويتع َل ّم به الغريب عن لسانهم كيف ينط ُ‬
‫ح بنا إلى الاطمِئنان إلى الرأي الذي نذه َبُ إليه )‪ ،(١‬وذلك أ َن ّنا نظَر ْنا‬
‫مذهب بعينه؛ لـكث ْرة اختلافها وتباع ُد بين أطرافها‪ ،‬إلا أنها تجن ُ‬
‫ٍ‬
‫يعرض على ف ِكره صُوَر َ الكلام العربي؛ فأ َ ّول ما يعرض من ذلك أكثر‬
‫ُ‬ ‫فوجَدْنا أ َ ّ‬
‫ن أبا الأسود حِين خ َلا يُفك ِّر في ضب ْط الكلام أخ َذ‬
‫ن الذي يخـبر عنه َ‬
‫بأن ّه قد ركب أو‬ ‫فلم ّا وجد أ َ ّ‬
‫الفعلي ّة‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫الصي َِغ دوران ًا على اللسان كقولهم‪ :‬ركب سعدٌ الفرس‪ ،‬وكذا وكذا من الجمل‬
‫ِّ‬
‫ن م َن فع َل ُ‬
‫الر ّكوب أو غيره يجب أ ْن يقع في مثل هذه الصيغة مرفوعًا أبد ًا‪،‬‬ ‫فعل شيئًا ما يق ُع من الكلام أبد ًا مضموم ًا وق َع له الرأي بأ َ ّ‬
‫ل هذا الفاعل‪ ،‬فرآه منصوب ًا أبد ًا فأم َ َّره على ذلك‪ ،‬و يلَ ِي هذين بابُ المبتدأ والخـبر؛‬
‫ثم بدا له باب المفعول به‪ ،‬وهو الذي وقع عليه فع ُ‬
‫ل أبا الأسود وق َف عند هذه الأبواب الثلاثة ولم يزد عليها )‪.(٢‬‬ ‫شبه بينه وبين هذين البابين‪ ،‬ولع َ ّ‬
‫لت َدانِي ال َ ّ‬
‫ل من الع َر َِب‪ ،‬فأخفق كثير ٌ منهم في ز يادة شيء ٍ على ما تل َ ّقو ْه منه؛ فقد ذكر السيرافي أ َ ّ‬
‫ن أبا الأسود‬ ‫ثم تل َ ّقى هذا عن أبي الأسود رجا ٌ‬
‫ل من بني ليث أبواب ًا‪ ،‬ثم نظَر فإذا في كلام العرب ما لا يدخ ُل فيه‪ ،‬فأقصَر َ‬
‫الكتاب رج ٌ‬
‫ِ‬ ‫لَم ّا وضَع باب الفاعل والمفعول به زاد َ في ذلك‬
‫عنه‪ ،‬قال السيرافي‪ :‬ولع َ ّ‬
‫ل هذا الرجل هو يحيى بن يعمر‪.‬‬
‫وكانت الطبقة الأولى التي أخذت القراءة ‪ -‬قراءة الق ُرآن ‪ -‬عن أبي الأسود‪ ،‬وتل َ ّقت منه‬
‫__________‬
‫ن رجلا ًبمدينة الحديثة اسمه محمد بن الحسين و يُعرف بابن أبي بعرة قد‬‫)‪ (١‬روى ابن النديم صاحب "الفهرست" عن محمد بن إسحاق أ َ ّ‬
‫وقل ّبتها فرأيت عجبًا‪ ،‬إلا أ َ ّ‬
‫ن الزمان قد أخلقها وعمل‬ ‫ق له كان مشتهرًا بجمع الخطوط القديمة‪ ،‬قال ابن إسحاق‪" :‬فرأيتُها َ‬
‫ت إليه خِزانة صدي ٍ‬
‫آل َ ْ‬

‫فيها عملا ًأدرسها ‪ ،" ...‬ثم قال‪" :‬ورأيت )عنده( ما يد ُ ّ‬


‫ل على أ َ ّ‬
‫ن النحو عن أبي الأسود ما هذه حِكايته ‪ ...‬وهي أربعة أوراق أحسبها‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٦‬‬
‫أبو الأسود الدؤلي‬ ‫‪٦‬‬

‫خط يحيى بن يعمر‪ ،‬وتحت هذا الخط‬


‫من ورق الصين ترجمتها هذه‪ ،‬فيها كلام ٌ في الفاعل والمفعول من أبي الأسود ‪ -‬رحمة الل ّٰه عليه ‪ -‬ب ّ ِ‬
‫خط عتيق "هذا خط علان النحوي"‪ ،‬وتحته‪" :‬هذا خط النضر بن شميل"‪.‬‬
‫ب ٍّ‬
‫)‪ (٢‬ق َ ّدم سيبو يه في كتابه باب المبتدأ والخـبر )وهو المسند والمسند إليه( على باب الفاعل والمفعول به‪ ،‬وهذا عِندنا لعلَ ّة ٍ لم نجد أحدًا‬
‫َ‬
‫والاسمي ّة واختلاف حالي الفعل مع‬ ‫ذك َر َها َمم ّن تق َ ّدم َنا في هذا العلم؛ وذلك أ َ ّ‬
‫ن سيبو يه لما رأى ات ِّفاق حالي المسند والمسند إليه في الرفع‬
‫والاسمي ّة‪ ،‬ق َ ّدم ما َات ّفق على ما اختلف‪ ،‬وهذا ُ‬
‫صن ْ ٌع جي ِّد ونظر ٌ د َقيق من الإمام الـكبير‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫والفعلي ّة‬ ‫الفاعل والمفعول به بين الرفع والنصب‬
‫سيبو يه‪.‬‬

‫أبو الأسود الدؤلي‬ ‫‪٦‬‬

‫ٺتب ّع الكلام العربي جهد َ الطاقة لوضع القواعد التي بَن َى عليها ‪ -‬نفر ٌ يع ُ ّدون‪:‬‬
‫وسمت سمت َه في ُ‬
‫ْ‬ ‫ضع َها من النحو‪،‬‬
‫الكلام َ عن الأبواب التي و َ‬
‫ل منهم باختصا ٍر بعد الكلام عن أبي الأسود ‪ -‬رحمه الل ّٰه‪.‬‬
‫نترجم ُ لك ّ ٍ‬
‫أبو الأسود الدؤلي‬
‫ولـكنّ أكثرهم قال‪َ :‬إن ّه مات في الطاعون الجارف الذي وق َع بالبصرة‪ ،‬فأهلك أهلها‬
‫َ‬ ‫لم ي َذك ُر أصحابُ التاريخ وال َت ّراجم مولد َ أبي الأسود‪،‬‬
‫ل ذاك"‪ ،‬وهذا أشب َه ُ القوليَ ْن‬ ‫ن المدائني قال‪َ :‬‬
‫"إن ّه مات قب َ‬ ‫إلا قليلاً‪ ،‬وذلك سنة ‪ ٦٩‬من الهجرة‪ ،‬وكانت ُ‬
‫سن ّه خمسًا وثمانين سنة‪ ،‬غير أ َ ّ‬
‫بالصّ واب؛ لأ َن ّا لم نسم َعْ له في فتنة ِ مسعود وأمْر المختار بذِكرٍ‪ ،‬قال أبو الفرج في ترجمة أبي الأسود )ج‪ ١١‬ص‪ (١١٩‬وذكر مث َ‬
‫ل هذا‬ ‫َ‬
‫جارف أو لا؟ عن يحيى بن معين‪ ،‬أخبرني به الحسن بن علي‪ ،‬عن أحمد بن زهير‪ ،‬عن‬ ‫َ‬
‫والشكّ فيه‪ :‬هل أدرَك َ الطاعونَ ال َ‬ ‫القول بعينه‬
‫ل الهجرة بنحو عشرين سنة ً‪ ،‬فهو على ذلك مخضرم أدرك ال َ‬
‫جاهلي ّة والإسلام‪،‬‬ ‫المدائني و يحيى بن معين فلع َ ّ‬
‫ل م ِيلاد َ أبي الأسود كان قب َ‬
‫حظ برؤ ية الرسول ‪ -‬صلَ ّى الل ّٰه عليه وس َل ّم ‪ -‬وقد عدوه في ع ِداد ك ِبار َ‬
‫الت ّابعين ‪ -‬رضوان الل ّٰه عليهم‪.‬‬ ‫َ‬
‫ولـكن ّه على التحقيق لم ي َ‬
‫ِف من أمر أبي الأسود أ َ ّ‬
‫ن عمر‬ ‫ل زمن ع ُمر بن الخطاب ‪ -‬رض ِي الل ّٰه عنه ‪ -‬وأ َ ّول ما عُر َ‬
‫ولم يصلْ إلينا كثير ٌ من أخبار أبي الأسود قب َ‬

‫استعمله على البصرة خلاقة ً لابن عباسٍ‪ ،‬ثم است َعم َلَه عثمانُ بن ع َ ّفان وعليّ ٌ ‪ -‬رض ِي الل ّٰه عنهما ‪ -‬وكان ك ُ ّ‬
‫ل أمر ِه مع عل ٍيّ؛ فشهد معه‬

‫ل من‬ ‫فلم ّا نقل معاو ية ُ أمر المسلمين من الخ ِلافة ال َ ّ‬


‫سمحة إلى المُلك الع َضوض‪ ،‬وقام بأمر الدولة رجا ٌ‬ ‫المشاهد‪ ،‬وكان من و ُجوه شِيعته‪َ ،‬‬
‫الغرض من هذه‬
‫ُ‬ ‫شيعته لقي أبو الأسود عنتًا كثير ًا من ع َُم ّاله على البصرة والسواد‪ ،‬والأخبار ُ في ذلك كثيرة ٌ لا نطيل بذِكرها؛ إذ كان‬
‫الترجمة التعر يف بأبي الأسود تعر يف ًا موجز ًا‪.‬‬
‫مح ّدِثي التابعين يُح ّدِثُ عن عمر َ وعل ٍيّ وعثمان وابن عباس ومعاذ‬
‫وكان أبو الأسود من الشعراء المجيدين‪ ،‬وله شعر ٌ كثير جي ِّد‪ ،‬وكان من ُ‬

‫وأبي ذر وابن مسعود وغيرهم‪ ،‬وكان من أوائل الق َُر ّاء الذين ُأخِذت عنهم الق ِراءة وضَوابطها‪ ،‬روى عن ابنه أبو حزب‪ ،‬قال الجاحظ‪:‬‬
‫طبقات من الناس‪ ،‬وهو ‪ -‬في كل ّ ِها ‪ -‬مق َ ّدم مأثور عنه الفض ُ‬
‫ل في جميعها‪ ،‬كان معدود ًا في التابعين‪ ،‬والفقهاء‬ ‫ٍ‬ ‫"أبو الأسود معدود ٌ في‬
‫والشعراء‪ ،‬والمح ّدِثين‪ ،‬والأشراف‪ ،‬والفرسان والأمراء وال ُد ّهاة‪ ،‬والنحو يين‪ ،‬والحاضري الجواب‪ ،‬والشيعة والبخلاء‪ُ ،‬‬
‫والصّ لع الأشراف‪،‬‬
‫والب ُخْ رِ الأشراف"‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٧‬‬
‫الطبقة الأولى‬ ‫‪٧‬‬

‫الطبقة الأولى‬ ‫‪٧‬‬


‫)‪ (1‬عنبسة بن معدان‬ ‫‪٧.١‬‬
‫)‪ (2‬ميمون الأقرن‬ ‫‪٧.٢‬‬
‫)‪ (3‬نصر بن عاصم‬ ‫‪٧.٣‬‬

‫ذكي ّا نابغة َ‬
‫موف ّق الرأي‪ ،‬وهذه هي‬ ‫لتمث ّلت رجلا ً حكيم ًا فصيح ًا ً‬
‫وأنت إذا قرَأتَ ما ذُك ِر في كتب التراجم والأدب عن أبي الأسود َ‬
‫ل العلوم العرب َي ّة التي ضبطت اللسان وأبقَت ْه ً‬
‫حي ّا إلى يوم الناس هذا‪،‬‬ ‫سمت به إلى أ ْن يكون الواضع الأ َ ّول لأج ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫الصفات العالية التي‬
‫يف الغالين وان ِتحال المُبط ِلين‪.‬‬
‫ونفت عنه تحر َ‬
‫ْ‬ ‫وحفظت الق ُرآن من لحن اللاحِنين‪،‬‬
‫الطبقة الأولى‬
‫جم ُ لهم تراجم َ‬ ‫حم َل علم َ النحو عن أبي الأسود جماعة ٌ‪ ،‬يُع َ ُ ّدون في الطبقة الأولى من طبقات ُ‬
‫الن ّحاة واللغو يين‪ ،‬وسن َذك ُر أشهر َه ُم ونُت َر ِ‬
‫مختصرة ً‪.‬‬
‫)‪ (١‬عنبسة بن معدان‬
‫ل كان له فسُمِّي "معدان الفيل"‪،‬‬
‫كان أبوه "معدان" رجلا ًمن أهل ميسان‪ ،‬قدم البصرة وأقام بها‪ ،‬واست َعم َلَه عبدالله بن عامر على في ٍ‬
‫ولَم ّا نش َأ عنبسة لزم أبا الأسود‪ ،‬وعلم من ع ِلمه ورو َى الشعر واجتهد فبرع‪ ،‬قال أبو عبيدة معمر بن َ‬
‫المثن ّى‪" :‬اختلف الناس إلى أبي الأسود‬
‫يتعل ّمون منه العرب َي ّة‪ ،‬فكان أبرع أصحابه عنبسة بن معدان المهري‪ ،‬واخت َ َ‬
‫لف الناس إلى عنبسة فكان أبرعَ أصحاب ِه ميمون الأقرن"‪.‬‬ ‫َ‬
‫ولـكن ّه لقي الفرزدق وجرير ًا‪ ،‬فلع َ ّ‬
‫ل وفاته كانت في ح ُدود المائة الأولى من الهجرة قبلها‬ ‫َ‬ ‫ولم نصلْ إلى تاريخ مولد عنبسة هذا ولا وفاته‪،‬‬
‫ل أو بعدها‪.‬‬
‫بقلي ٍ‬
‫)‪ (٢‬ميمون الأقرن‬
‫لم نظفَر ْ له بعد ُ بترجمة ٍ ُ‬
‫يصحّ الاعتماد ُ عليها‪ ،‬مع أنهم زع َم ُوه أ َ ّو َ‬
‫ل م َن وضع علم النحو‪.‬‬
‫)‪ (٣‬نصر بن عاصم‬
‫قال السيوطي‪َ :‬إن ّه أخ َذ النحو عن يحيى بن يعمر‪ ،‬وقال ابن الأنباري‪" :‬قرأ الق ُرآن على أبي الأسود‪ ،‬وقرأ أبو الأسود على عل ٍيّ ‪ -‬رض ِي‬

‫الل ّٰه عنه ‪ -‬فكان أستاذ َه )يعني‪ :‬أبا الأسود( في القراءة والنحو"‪.‬‬
‫وهذا هو الأرجح؛ إذ إ َ ّ‬
‫ن نصر ًا هذا معدود ٌ فيم َن رو َى عن عمر بن الخطاب ‪ -‬رض ِي الل ّٰه عنه ‪ -‬فأخْذ ُه النحو َ عن أبي الأسود أشب َه ُ من‬
‫ن وفاته كانت في زمن الوليد بن عبدالملك‪ ،‬واختلَف ُوا ما بين ٍ‬
‫تسع وثمانين وتسعين‪.‬‬ ‫أخْذه النحو عن يحيى بن يعمر‪ ،‬وذكروا أ َ ّ‬
‫وكان نصر ٌ فقيهًا‪ ،‬وقارئًا مجيدًا‪ ،‬عالمًا بالعرب َي ّة‪ ،‬فصيح اللسان واضح البيان‪ ،‬قال عمرو‬

‫)‪ (4‬عبدالرحمن بن هرمز‬ ‫‪٧.٤‬‬


‫)‪ (5‬يحيى بن يعمر‬ ‫‪٧.٥‬‬

‫)‪ (6‬عبدالله بن أبي إسحاق‬ ‫‪٧.٦‬‬

‫فتكل ّم نصر فقال الزهري‪" :‬إنه ليقل ُع العرب َي ّة تقليع ًا"‪ ،‬وكان محدث ًا ثقة ً جيِّد َ الرأي‪.‬‬
‫َ‬ ‫بن دِينار‪ :‬اجتمعتُ والزهري ونصر بن عاصم‬
‫)‪ (٤‬عبدالرحمن بن هرمز‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٨‬‬
‫الطبقة الثانية من النحاة‬ ‫‪٨‬‬

‫ليس فيما بين أيدينا من ترجمة أبي داود عبدالرحمن بن هرمز الأعرج ما يُبې ِ ّن َ‬
‫سن ّه أو مولده‪ ،‬وكان عبدالرحمن مولى لمحمد بن ربيعة‬
‫بن الحارث بن عبدالمطلب‪ ،‬يع ُ ّد من الطبقة الثانية من التابعين المدنيِّېن‪ ،‬قال ابن سعد‪" :‬ثقة كثير الحديث"‪ ،‬و يع ُ ّد فيمن أخذ القراءة‬
‫عن أبي هريرة وابن عباس وعبدالبر بن عياش بن أبي ربيعة‪ ،‬وكان عالمًا بالعربية ومن أعلم الناس بأنساب العرب‪ُ ،‬‬
‫يظن ّون أ َ ّ‬
‫ن مالك بن‬
‫أنس أخ َذ عِلْم َ الأنساب عنه‪ ،‬ورح َل الأعرج إلى الإسكندر ية‪ ،‬ومات بها سنة ‪ ١١٧‬في أ َي ّام هشام بن عبدالملك‪ ،‬قال الزبيدي‪ :‬كان‬
‫من أ َ ّول م َن وضع العرب َي ّة‪.‬‬
‫)‪ (٥‬يحيى بن يعمر‬
‫ن ع ُمر‪ ،‬وجابر ًا‪ ،‬وأبا هريرة‪،‬‬ ‫الل ّيث ُيّ‪ ،‬وكان م ِن أهل البصرة‪ ،‬تابعيٌّ‪ ،‬قال الحاكمُ‪" :‬فقيه ٌ‪ ،‬أديب‪َ ،‬‬
‫نح ْوي م ُبَر ّز‪ ،‬سَم ِـع اب َ‬ ‫يح ْيى بن يَعْم ُر َ َ‬
‫هو َ‬
‫وأخذ َ‬
‫الن ّحو عن أبي الأَ سْ ود"‪.‬‬
‫ج أ ْن يُساكِن َه ببلد‪) ،‬وكان ال َحج ّا ُ‬
‫ج إ ْذ ذاك بواسط(‪،‬‬ ‫وكان من الفُصَحاء‪ ،‬عالم ًِا بالعرب َي ّة والحديث‪ ،‬وكان رجلا ًشديد ًا لا يُبالي‪ ،‬كَرِه َ ال َحج ّا ُ‬
‫ولا ّه قتيبة ُ بن مسلم ٍ القضاء َ بها‪ ،‬فقضى في كثيرٍ من بلادها؛ كنيسابور‪ ،‬وم َْرو‪ ،‬وه َراة‪ ،‬وكان يَطلُب‬ ‫فلم ّا حضَر َها‪َ ،‬‬
‫فن َفاه إلى خ ُراسان‪َ ،‬‬

‫محم ّد بن سلام‪ :‬أخبَر َني ُأبَيّ ٌ أ َ ّ‬


‫ن ي َزيد َ بن المُهل ِّب كتب إلى ال َحج ّاج‪" :‬إ َن ّا لَق ِينا العد َ ّو ففعلنا وفعلنا‪ ،‬واضْ طُرِرْنا إلى‬ ‫الغريبَ في كلامه‪ ،‬قال َ‬
‫عرعرة الجبل"‪ ،‬فقال ال َحج ّاج‪ :‬ما لابن المهل ِّب وهذا الكلام؟ فقيل له‪ :‬إ َ ّ‬
‫ن يحي َى بن يَعْمر عنده؛ فقال‪ :‬ذاك إذ ًا‪ .‬ومات يحيى بِ خ ُراسان‬
‫في أ َي ّام مروان بن محمد سنة ‪.١٢٩‬‬
‫خر َ أ َي ّامه‪ ،‬ولَم يأخذه عنه أحدٌ من أهل خراسان؛ لأ َن ّنا لَم نجد في ال َ ّ‬
‫طبقة الثانية‬ ‫ل قد هج َر َ‬
‫الن ّحو آ ِ‬ ‫هذا‪ ،‬ولع َ ّ‬
‫ل يحي َى بن يعمر كما ذكَر ْنا قب ُ‬
‫من ُ‬
‫الن ّحاة م َن كان م ِن أهل خراسان‪.‬‬
‫)‪ (٦‬عبدالله بن أبي إسحاق‬
‫هو عبدالله بن أبي إسحاق الحضرم ُيّ البصري‪ ،‬يُع ُ ّد من الق َُر ّاء‪ ،‬أخذ القراءة َ عن يحيى بن يعمر‪ ،‬ونَصْر ِ بن عاصم‪ ،‬وقد ع َ ّده ُ‬
‫بعض الك َُت ّاب‬
‫َت عن أبي الأسود‪ ،‬إلا أ َ ّ‬
‫ن هذا‬ ‫من ال َ ّ‬
‫طبقة التي أخذ ْ‬

‫الطبقة الثانية من النحاة‬ ‫‪٨‬‬


‫)‪ (1‬أبو عمرو بن العلاء المازني التميمي‬ ‫‪٨.١‬‬
‫)‪ (2‬عيسى بن عمر الثقفي‬ ‫‪٨.٢‬‬

‫ن أبي إسحاق‪ ،‬وعلا أمرُه‬ ‫خفِي ع ِلم ُه‪ ،‬ظه َر اب ُ‬ ‫ولـكن ّه أخ َذ عن يحيى بن يعمر أ َي ّام َ م ُقام ِه بالبصرة‪َ ،‬‬
‫فلم ّا نُفِ َي يحيى إلى خراسان‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يصحّ ‪،‬‬ ‫لم‬
‫أي‪ :‬في ال َ ّ‬
‫سنة التي مات فيها‬ ‫ن وثمانين سنة ‪١١٧‬؛ ْ‬ ‫ن ثما ٍ‬ ‫الن ّحاة‪ ،‬وأعانَه على ذلك عُل ُو ّ سِن ِّه؛ َ‬
‫فإن ّه مات اب َ‬ ‫في أ َي ّام أهل الطبقة الأولى من ُ‬

‫الن ّحاة‪ ،‬وهو أ َ ّول م َن مات من أهل هذه الطبقة من ُ‬


‫الن ّحاة‪.‬‬ ‫طبقة الثانية من ُ‬
‫ولكن ّا نع ُ ّده من كبار شيوخ ال َ ّ‬
‫الأعرج‪َ ،‬‬
‫الطبقة الثانية من النحاة‬
‫ن عمر الثقفي‪ ،‬ونكتفي‬
‫ن العلاء‪ ،‬وعيسى ب ُ‬
‫َت ترجمت ُه‪ ،‬وأبو عمرِو ب ُ‬ ‫شيوخ هذه ال َ ّ‬
‫طبقة ثلاثة م ُبَر ّزون‪ :‬عبدالله بن أبي إسحاق‪ ،‬وقد مض ْ‬
‫بالترجمة لِه َذين العلَمَي ْن د ُون غيرِهِما م َِم ّن أخذ النحو‪ ،‬ولَم يُبَر ّز فيه‪ ،‬ولَم يَعْلُ‪.‬‬
‫)‪ (١‬أبو عمرو بن العلاء المازني التميمي‬
‫ن بن ع ُمر بن تميم‪ ،‬وُلِد َ بم َك ّة سنة ‪ ٥٥‬أو ‪ ،٥٨‬وسكَن البصرة‪ ،‬وكان رفيق عبدالله بن أبي‬ ‫ن َ‬
‫عم ّارِ ب ِن عبدالله‪ ،‬من بني ماز ِ‬ ‫اسمه ز َ َب ّانُ ب ُ‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٩‬‬
‫الطبقة الثالثة‬ ‫‪٩‬‬

‫إسحاق‪ ،‬فتل َ ّقى النحو والقراءة معه عن يحيى بن يعمر‪ ،‬ونَصْر ِ بن عاصم‪ ،‬وعلا كعب ُه في القراءة والنحو‪ ،‬وع ُ َ ّد من الق َُر ّاء السبعة‪ ،‬وكان‬
‫كثير َ الرحلة‪ ،‬فاستكثر َ من الشيوخ؛ أخذ َ عن شيوخ م َك ّة والمدينة‪ ،‬والـكوفة ِ والبَص ْرة‪ ،‬وأعانَه ُ على الب َراعة فيما سل َك سبيلَه من العلم‬
‫يونس بن حبيب أبرع ُ تلامذت ِه‪" :‬لو‬
‫ُ‬ ‫رحلت ُه وذَكاؤه وطول عمره‪َ ،‬‬
‫فإن ّه ع ُم ِّر َ نحو ًا من مائة سنة ً ‪ -‬مات سنة ‪ ١٥٤‬في خِلافة المنصور ‪ -‬قال‬
‫ل شيء‪ ،‬كان ينبغي أ ْن يُؤخذ بقول أبي عمرِو بن العلاء كل ّ ِه في العرب َي ّة‪ ،‬ولـكن ليس من أحدٍ إلا‬
‫كان أحدٌ ينبغي أن يُؤخذ بقوله في ك ّ ِ‬
‫إلا ّ النب ِ َيّ ‪ -‬صلَ ّى الل ّٰه عليه وس َل ّم"‪ .‬وقال أبو عبيدة‪" :‬أبو عمرٍو أعلَم ُ الناس بالقراءات والعرب َي ّة وأ َي ّا ِم العرب‬
‫خذٌ من قوله وتارِك‪َ ،‬‬
‫وأنت آ ِ‬
‫ل العرب َي ّة ُ‬
‫كل ّهم‬ ‫حج ّة في القراءة"‪ .‬وقال إبراهيم الحرب ُيّ‪" :‬كان أه ُ‬
‫صد ُوق َ‬
‫ن م َعين وغير ُه‪ ،‬قالوا‪َ " :‬‬ ‫مح ّدِث ًا ثقة ً‪َ :‬‬
‫وث ّقه يحيى ب ُ‬ ‫شِعر"‪ ،‬وكان ُ‬
‫وال ّ‬
‫حبيب البصري‪ ،‬والأصمعي"‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يونس بن‬
‫ُ‬ ‫إلا ّ أربعة؛ فإ َ ّنهم كانوا أصحابَ س َُن ّة‪ :‬أبو عمرِو ب ُ‬
‫ن العلاء‪ ،‬والخليل بن أحمد‪ ،‬و‬ ‫أصحابَ أهواء‪َ ،‬‬
‫يونس بن حبيب‬
‫ُ‬ ‫ل بن أحمد‪ ،‬و‬ ‫سك فأحر َق َها‪ ،‬وأخ َذ َ‬
‫الن ّحو َ عن أبي عمرٍو الخلي ُ‬ ‫قالوا‪ :‬وكانت د َفاتر ُ أبي عمرٍو ملء َ بيته إلى السقف‪ ،‬ثم تن َ ّ‬

‫حروف "سيبو يه"‪.‬‬


‫الهر ّاء‪ ،‬وروى عنه ال َ‬ ‫ُ‬
‫اليزيديّ ‪ ،‬ومعاذ ُ بن مسلم َ‬ ‫البصري‪ ،‬وأبو محمد‬
‫)‪ (٢‬عيسى بن عمر الثقفي‬
‫ثقيف‪ ،‬فنُسِبَ إليهم‪ ،‬وكان أحد َ المحُ ّق ِقين لعلم‬
‫ٍ‬ ‫ل في‬
‫هو مولًى من م َوال ِي خالد بن الوليد‪ ،‬نز َ‬

‫الطبقة الثالثة‬ ‫‪٩‬‬


‫)‪ (1‬يونس بن حبيب البصري‬ ‫‪٩.١‬‬
‫نجِدْه أخذ َ َ‬
‫الن ّحو عن أحدٍ من نُحاة‬ ‫العرب َي ّة‪ ،‬اكتسبَ الف َصاحة من ثقيف‪ ،‬ثم نزل البصرة َ‪ ،‬فأخذ َ‬
‫الن ّحو عن عبدالله بن أبي إسحاق‪ ،‬ولَم َ‬
‫أي‪ :‬سنة ‪ ١٤٩‬في خِلافة المنصور ‪ -‬وعنه وعن أبي‬ ‫َ‬
‫ولـكن ّه برع وبُر ِّز في عهد أبي عمرٍو‪ ،‬ومات قبْلَه بخمس سنوات ‪ْ -‬‬ ‫ال َ ّ‬
‫طب َقة الأولى‪،‬‬
‫عمرٍو صدر َت الطبقة ُ الثالثة من أهل العرب َي ّة‪ ،‬وذكر المُبَر ِّد أ َ ّ‬
‫ن عيسى أخ َذ النحو عن أبي عمرِو بن الع َلاء أيضًا‪.‬‬
‫الأنباري‪" :‬كان ثقة ً عالم ًِا بالعرب َي ّة والنحوِ والقراءة‪ ،‬وقراءتُه مشهورة"‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ن‬
‫قال اب ُ‬
‫بالن ّحو‪ ،‬غير َأن ّه كان له اختيار ٌ في القراءة على مذاهب العرب َي ّة‪،‬‬
‫قال أبو عبيدٍ القاسم ُ بن سلام‪" :‬كان من ق َُر ّاء البصرة‪ ،‬وكان عالم ًِا َ‬

‫يُفارق قراءة العا َمّة‪ ،‬ويستنكر ُه الناس‪ ،‬وكان الغالب عليه ُ ّ‬


‫حب النصب إذا وج َد لذلك سبيلاً‪ ،‬منه‪" :‬ح ََم ّالة َ الحطب"‪" ،‬الزانية َ والزاني"‪،‬‬
‫"والسارقَ والسارقة"‪َ ،‬‬
‫"هنّ أطهر َ لـكم"‪.‬‬
‫جيب من عيسى بن ع ُمر‪ ،‬ولـكنه كان يت َق َع ّر في كلامه على فصاحته‪ ،‬فلا عجَب‪ ،‬ونوادر ُه في ذلك كثيرة؛ كقوله ‪ -‬لَم ّا‬
‫أقول‪ :‬وهذا ع ٌ‬
‫إلا ّ ُأثَي ّاب ًا في‬
‫ياب استَوْد َعها عنده خالد ُ بن عبدالله حين إمارته على العراق ‪" :-‬إن كانت َ‬
‫يوسف بن عمر ب ِن هبيرة في طلب ث ِ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ضربه‬

‫ُأ َ‬
‫سي ْفاط قب َض َها ع َ َ ّ‬
‫شاروك"‪ ،‬وكان عيسى ضرير ًا‪.‬‬
‫ل بن أحمد‪ ،‬ولع َ ّ‬
‫ل سيبو يه لَق ِي َه وأخ َذ عنه أيضًا‪.‬‬ ‫وأخ َذ َ‬
‫الن ّحو َ عن عيسى ب ِن عمر الخلي ُ‬
‫الطبقة الثالثة‬
‫ُ‬
‫البصريّ ‪ ،‬والآخ َر‬ ‫يونس بن حبيب‬
‫ُ‬ ‫الن ّاس عنه وهو‬ ‫حف َِظ ع ِلم الأوائل من ُ‬
‫الن ّحاة‪ ،‬وأخذه َ‬ ‫طب َقة رَج ُلان‪ :‬أحَد ُهُما َ‬ ‫أج َ ُ ّ‬
‫ل شيوخ هذه ال َ ّ‬

‫حت ّى أخصَب َْت‬ ‫الن ّحو بما ُأوتِي من ق َو ّة العقل‪ ،‬وعلُو ِّ ال َذ ّكاء‪ ،‬ومنه نب َع سيبو يه‪ ،‬فسَقى َ‬
‫الن ّحو َ‬ ‫حف َِظ علم الأوائل‪ ،‬وبرع في العرب َي ّة‪ ،‬وج َ ّدد علم َ‬
‫َ‬

‫خ ال ُ ّ‬
‫شيوخ جميع ًا‪.‬‬ ‫ل بن أحمد‪ ،‬شي ُ‬
‫أرضُه‪ ،‬ونَما نباتُه‪ ،‬وهو الخلي ُ‬
‫)‪ (١‬يونس بن حبيب البصري‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٠‬‬
‫الطبقة الثالثة‬ ‫‪٩‬‬

‫وتفر ّد بمذاه ِبَ في َ‬


‫الن ّحو والقياسِ‪ ،‬وعقد َ حلقة ً بالمسجد الجامع‬ ‫َ‬ ‫الن ّحو َ عن شيوخ ال َ ّ‬
‫طبقة الثانية‪ ،‬فب َرع‬ ‫يونس سنة تسعين‪ ،‬وأخذ َ‬
‫ُ‬ ‫وُلِد‬
‫الإعراب والبادية‪ ،‬وأكثر َ سيبو يه ِ في كتابه من الر ِّواية عن يُونس‪ ،‬وكان م ِن عُق َلاء الر ِّجال‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بالبصرة يَن ْتابُها أهل العلم والأد َب‪ ،‬وفُصحاء ُ‬
‫الل ّغو يِّين ُ‬
‫والن ّحاة؛ كالأصمع ِيّ‪ ،‬وعل ِيّ بن حمزة الـكسائي‪ ،‬وأبي زكر يا الف ََر ّاء‪ ،‬وكثير ٌ من أهل العلم في عصر الرشيد‪،‬‬ ‫ج عليه كثير ٌ من ُ‬
‫ت ََخر ّ َ‬

‫يونس ومات في خلافة هارون الرشيد سنة ‪.١٨٣‬‬


‫ُ‬ ‫وع ُم ِّر‬

‫)‪ (2‬الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري‬ ‫‪٩.٢‬‬


‫)‪ (٢‬الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري‬
‫خص بالبصرة‪ ،‬لا يقدر على فلسين‪ ،‬وتَلام ِذتُه يَكْسبون بع ِلمه الأموالَ"‪ ،‬وهذه حالُه في العلم أيضًا‪،‬‬
‫ل في ّ ٍ‬ ‫قال َ‬
‫الن ّضر ُ بن شُمَيل‪" :‬أقام الخلي ُ‬
‫ل مكان‪،‬‬
‫حشَا به كتابه الجليل‪ ،‬طار اسم ُ سيبو يه في ك ّ ِ‬
‫ل وكان سيبو يه‪ ،‬وأخ َذ ع ِلم َه عنه و َ‬ ‫ل لَم يكن سيبو يه‪َ ،‬‬
‫فلم ّا كان الخلي ُ‬ ‫فلولا الخلي ُ‬

‫إلا ّ قليلاً‪ ،‬و ُأهْم ِلت كتب ُه‪ ،‬وضاعَ أكثر ُها‪ ،‬وقد كان الخلي ُ‬
‫ل من نَواب ِـغ الرجال وأفذاذ العرب‪ ،‬شَهِد َ له‬ ‫وملأ ال ُد ّنيا‪ ،‬وانز َوى ذِك ْر ُ الخليل َ‬
‫َ‬
‫بأن ّه كان آية ً في ال َذ ّكاء‪ ،‬وكانوا يقولون‪" :‬لَم يكن في العرب بعد َ الصحابة أذكى منه"‪.‬‬
‫م ُعاصروه َ‬
‫تفر ّقا ق ِيل للخليل‪ :‬كيف رأيتَ ابن المق َ ّفع؟ فقال‪ :‬رجلا ً ع ِلم ُه أكثر ُ م ِن‬
‫فلم ّا َ‬
‫ل وعبدالله بن المق َ ّفع ليلة ً يتح َ ّدثان إلى الغداة‪َ ،‬‬
‫اجتمع الخلي ُ‬
‫ع َقله‪ ،‬وقيل لاب ِن المق َ ّفع‪ :‬كيف رأيتَ الخليل؟ قال‪" :‬رأيتُ رجلا ًعقله أكثر من ع ِلمه"‪.‬‬
‫ُ‬
‫وتفر ّده من است ِخراجه الع َر ُوض‪،‬‬ ‫ل على نُبوغ الخليل وعبقر َي ّته‬ ‫ُ‬
‫والتبحّ ر فيه‪ ،‬وليس أد َ ّ‬ ‫ل م ِن سَعة العلم‪،‬‬
‫هذا م َع ما شَهِد َ به له الأوائ ُ‬
‫ل قد تع َل ّم الإيقاع َ‬
‫والن ّغم‪ ،‬فم ِنهما أحد َثَ ع ِلم َالعروض‬ ‫ج منها الخمسة َ عشر بحرًا المعروفة‪ ،‬وكان الخلي ُ‬
‫حصْر ِه في خمسة دوائر )‪ ،(١‬استخر َ‬
‫و َ‬

‫بما ُأوتِي من صَفاء َ‬


‫الن ّفْس‪ ،‬وس ُرعة الخاطر‪ ،‬ود َِق ّة الفهم‪ ،‬وق َو ّة الضبط‪ ،‬ولَم يستَط ِـع أحدٌ إلى يو ِم الناس هذا أ ْن يَز ِيد على ما أتى به‬
‫فإن ّه اهتدى إلى بحرٍ واحد هو الذي يُس ُمّونه الخبب‪.‬‬
‫إلا ّ الأخفش؛ َ‬
‫ل بَحرًا واحدًا‪َ ،‬‬
‫الخلي ُ‬

‫ن أ َ ّول‬ ‫ُ‬
‫نشكّ في أ َ ّ‬ ‫ولولا ما ضاعَ م ِن كتب الخليل‪ ،‬لعر َف ْنا كيف نر ُدّ كتابَ سيبو يه إلى الأصل الذي أخ َذ عنه من الخليل‪ ،‬ونحن لا‬
‫كتاب وخيره وصَل إلينا من كتب المتق ّدِمين في َ‬
‫الن ّحو هو "كتاب سيبو يه"؛ إ ْذ هو الكتاب الذي وُضِـ َع على قواعِد َ معقودة ٍ للكتاب كل ّ ِه‪،‬‬
‫ل بن أحمد الذي عق َد علم َ‬ ‫ن الذي عق َد َ‬
‫الن ّحو هذا العقد َ الذي نراه في "الكتاب" ليس هو سيبو يه‪ ،‬بل هو الخلي ُ‬ ‫الر ّأي عندنا أ َ ّ‬
‫وأرجَ ح ُ َ‬
‫محك َم العقل‪ ،‬فاست َصْ فاه بع ِل ْمه وأد َب ِه‪ ،‬ومن َح َه وق ْت َه وراحت َه‪ ،‬فكان‬ ‫العروض هذا العَقْد الذي لَم يُنق َض‪ ،‬وقد رأى الخلي ُ‬
‫ل في سيبو يه رجلا ً ُ‬
‫ل يقول له حين يزور ُه‪:‬‬ ‫الخلي ُ‬
‫__________‬
‫خمس دوائر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫لأن ّه وضَع َها على شكل الدائرة التي هي الحل َ ْقة‪ ،‬وهي‬ ‫ل بها ال ُ ّ‬
‫شطور؛ َ‬ ‫)‪ (١‬ال َد ّائرة في ع ِلم الع َروض هي التي حص َر الخلي ُ‬
‫والر ّج َز َ‬
‫والر ّم َل‪،‬‬ ‫طو يل والمديد والبسيط‪ ،‬والثانية فيها بابان‪ :‬الواف ِر ُ والكامل‪ ،‬والثالثة فيها ثلاثة أبواب‪ :‬ال ْه َز َج َ‬
‫الأولى فيها ثلاثة أبواب‪ :‬ال َ ّ‬
‫ست ّة أبواب‪ :‬ال َس ّر يع والمُنسَر ِح‪ ،‬والخفيف‪ ،‬والمضارع‪ ،‬والمقتضب‪ ،‬والمُجت ُ َّث‪ ،‬والدائرة الخامسة فيها المتقارِب َ‬
‫حسْب‪.‬‬ ‫والرابعة فيها َ‬
‫ل"‪ ،‬قال أبو عمرٍو المخزوم ُيّ ‪ -‬وكان كثير َ المُجالسة للخليل ‪" :-‬ما سمعتُ الخلي َ‬
‫ل يقولُها لأحدٍ َ‬
‫إلا ّ لسيبو يه"‪.‬‬ ‫"مرحبًا بزائر ٍ لا يُم َ ُ ّ‬
‫ل قد َ‬
‫أسنّ ‪ ،‬فأراد أ ْن يُلقي علمه إلى م َن يَزْكو عنده‬ ‫الوقت شا ًب ّا لَم ت ُنه ِكه الأيام ُ والمصائب‪ ،‬وكان الخلي ُ‬
‫ِ‬ ‫شكّ أ َ ّ‬
‫ن سيبو يه كان في ذلك‬ ‫ولا َ‬
‫ويَنْمو‪ ،‬فألقاه إلى سيبو يه‪ ،‬فأخرج منه "الكتاب" )‪ ،(١‬وهذه الكلمة ُ لا تَكْفي لتحقيق القول في أمر الخليل وكتاب سيبو يه‪ ،‬فن ُؤجِّلها إلى‬
‫أوس َع م ِن هذه وأَ ب ْر َح‪.‬‬
‫إلا ّ َأن ّه وُلِد َ بالبصرة سنة مائة من الهجرة‪ ،‬وع ُم ِّر فبلغ أربع ًا وسبعين سنة ً‪ ،‬والذي يُفهم من تراجم‬
‫ونحن لا نعلم ُ كثير ًا عن م َنشَأ الخليل َ‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢١‬‬
‫الطبقة الرابعة‬ ‫‪١٠‬‬

‫هذا الإمام َأن ّه تل َ ّقى العلم صغير ًا‪ ،‬وانقطع له‪ ،‬وعُنِي به‪ ،‬فلم يُبا ِ‬
‫ل بغيره‪ ،‬ولَم يَطلب الر ِّزق بع ِل ْمه؛ لِما كان من وَرَع ِه‪ ،‬وطو ِ‬
‫ل صبره على‬
‫المَكاره‪ ،‬وش َ ّدة إبائه‬
‫__________‬
‫ن سيبو يه قد َأل ّف كتاب ًا في أَ ل ْف ورقة م ِن علم الخليل‪ ،‬قال يونس‪:‬‬
‫جمِه" قال‪" :‬قيل ليونس بن حبيب‪ :‬إ َ ّ‬
‫)‪ (١‬وقد ر َوى ياقوت في "م ُع َ‬
‫فلم ّا نظَر فيه رأى ك َ ّ‬
‫ل ما حكى )عنه( "يعني‪ :‬ما ح َكى سيبو يه عن يونس"‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫كل ّه من الخليل؟ جيئوني بكتابه‪َ ،‬‬
‫ومت َى سمع سيبو يه هذا َ‬
‫ل قد صد َق عن الخليل في جميع ما حكاه‪ ،‬كما صد َق فيما حكاه عن ِ ّي"‪ ،‬فهنا ترى الدليل على أ َ ّ‬
‫ن أكثر كتاب‬ ‫يج ِب أ ْن يكون هذا َ‬
‫الر ّج ُ‬ ‫َ‬
‫ل النحو َ‬
‫كل ّها‪،‬‬ ‫ن سيبو يه لَم يُع َمّر ْ أكثر من أربعين سنة ً‪ ،‬وقد جَم َع في كتابه هذا أصو َ‬
‫سيبو يه من ع ِلم الخليل وأدب ِه‪ ،‬وهذا هو المعقول؛ لأ َ ّ‬
‫ل قد امتلأ ع ِلمًا‪ ،‬أو جماعة ٍ قد أفر َغوا أنفسهم لِهذا‬ ‫ل وحد َه‪َ ،‬‬
‫إلا ّ مستعينًا برج ٍ‬ ‫ق إليه رج ٌ‬
‫وف ّ ُ‬ ‫إلا ّ ما ندر َ من شيءٍ‪ ،‬وهذا عم ٌ‬
‫ل لا يَكاد ُ ي ُ َ‬ ‫َ‬

‫تكل ّم في شيء ٍ من النحو م َِم ّا استنبطَه هو‬


‫ن الخليل كان إذا َ‬
‫ن هذا الكتاب من ع ِلم الخليل‪ ،‬لا من ع ِلم جماعة‪ :‬أ َ ّ‬ ‫وحد َه‪ ،‬والذي يد ُ ّ‬
‫ل على أ َ ّ‬
‫ُ‬
‫النحويّ الجليل البارع يُح ّدِث فيقول‪" :‬حضَرْتُ مجلس الخليل‪ ،‬فجاءه سيبو يه‪،‬‬ ‫لم يفه ْم ما يقول أحدٌ من نُحاة عصره! وهذا الأخفش‬
‫فسأله مسألة ً‪ ،‬وف َس ّر َها له الخليل‪ ،‬فلم أفه ْم ما قالا‪ ،‬فقمتُ وجلست له في الطر يق‪ ،‬فقلت‪" :‬جعَلنِي الل ّٰه فداءك! سألتَ الخليل عن‬
‫مسألة ٍ‪ ،‬فلم أفه ْم ما ر َدّ عليك‪ ،‬ففهِّمْن ِيه فأخبَرَنِي بها‪ ،‬فلم تقعْ لي ولا فَه ِمتُها‪ ،‬فقلتُ له‪ :‬لا ٺتو َه ّ ْم أن ِ ّي أسأل ُ َ‬
‫ك إعنات ًا‪ ،‬فإن ِ ّي لم أفهَمْها‪ ،‬ولَم‬
‫تَقعْ لي‪ ،‬فقال لي‪ :‬و يلك! ومت َى تو َه ّمتَ أن ِ ّي أتو َه ّم َأن ّك تُعن ِّتُنِي؟ ث ُم زجَر َني وتر َ‬
‫كنِي‪ ،‬ومضى"‪.‬‬
‫الن ّحو َ‬
‫إلا ّ‬ ‫ن سيبو يه تلميذ َ الخليل لَم يأخ ُذ َ‬
‫للن ّحو أبوابه وأقسام َه وإصلاحه ال َ ّذي نراه في كتاب سيبو يه؛ فإ َ ّ‬
‫فالخليل كما ترى هو الذي وضع َ‬
‫ن م ُعاص ِر يه الذين أخ َذوا َ‬
‫الن ّحو عن الخليل لَم‬ ‫حت ّى إ َ ّ‬
‫أبواب وأقسام واصطلاح‪َ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ن الخليل من َح َه ما وضَع َ‬
‫للن ّحو من‬ ‫عنه‪ ،‬وزاد على ذلك أ َ ّ‬
‫باب عظيم في تحقيق كتاب سيبو يه‪ ،‬نست َوف ِيه بعد ُ في كتابنا عن العرب َي ّة‬ ‫يفهموا ما كان يدور بينه وبين الخليل من الكلام في َ‬
‫الن ّحو‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫‪ -‬إن شاء الل ّٰه تعالى‪.‬‬

‫الطبقة الرابعة‬ ‫‪١٠‬‬


‫ُ‬
‫والتوسّ ع‬ ‫ُ‬
‫والتبحّ ر فيه‪،‬‬ ‫كام‪ ،‬ولا يَب ْتذِل نفسه بالتر ُدّد عليهم )‪ ،(١‬فكان ذلك سببًا في انقطاعه للعلم‪،‬‬
‫وتَع ُ ّففه؛ فكان يَم ْتن ُع على الأمراء والح َ ّ‬
‫ل رجلا ً‬
‫صف َه م َن رآه فقال‪" :‬كان الخلي ُ‬ ‫في ف ُروعه م َ ّدة ً طو يلة من حياته‪َ ،‬‬
‫حت ّى نب َغ وفاق أهل عصره؛ ع ِلمًا وأدب ًا‪ ،‬وو َرعًا وخ ُلق ًا‪ ،‬و َ‬
‫ل يقول‪" :‬إن ِ ّي ل ُأغلق عل َيّ بابي‪ ،‬فما يُجاوِز ُه هَم ِّي"‪ ،‬وهذا هو خ ُلق العلم؛‬ ‫صالِ حاً عاقلاً‪ ،‬حليم ًا و َقور ًا"‪ ،‬وقال َ‬
‫الن ّضر ُ بن شُمَيل‪ :‬سمعتُ الخلي َ‬
‫ل وبر َع‪ ،‬ث ُم تد َب ّر هذه الكلمة الحكيمة َ قال‪" :‬لا يَعلم الإنسانُ خَطأ م ُعل ِّمه َ‬
‫حت ّى يُجال َِس غير َه"‪.‬‬ ‫فتد َب ّر هذه الكلمة تَع ْ‬
‫ْرف كيف نب َغ الخلي ُ‬
‫الطبقة الرابعة‬
‫خ ُ‬
‫الن ّحاة في عصره وما بعد َ عصرِه‪ ،‬والبحر الذي أم َ ّد عُلوم العرب َي ّة‬ ‫الن ّحْ ُ‬
‫ويّ " سيبو يه‪ ،‬شي ُ‬ ‫"الن ّسر ُ َ‬
‫حي ْه َ‬ ‫لف هذه الطبقة َ َ‬
‫كل ّها تحت جنا َ‬ ‫َّ‬
‫ل عليه"‪.‬‬ ‫الن ّاس في َ‬
‫الن ّحو عِيا ٌ‬ ‫الن ّحو كتاب ًا مثله‪ ،‬وجمي ُع كتب َ‬
‫اس في َ‬ ‫جاحظ‪" :‬لَم يكت ُب َ‬
‫الن ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َت وتَلاطم َت‪ ،‬قال ال‬ ‫َ‬
‫حت ّى زخر ْ‬
‫ل ذلك كان ُ‬
‫وسن ّه إ ْذ ذاك ما بين‬ ‫بالن ّحو‪ ،‬ولع َ ّ‬
‫كان أ َ ّول أمر ِ سيبو يه في طلب العلم َأن ّه كان يطلُب علم الآثار والفقه‪ ،‬ولَم تكنْ له عناية ٌ َ‬

‫ل الل ّٰه ‪-‬‬ ‫البصري المحُ ّدِث الفقيه َ‬


‫الن ّحوي‪ ،‬فقال حماد ٌ‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الث ّلاثين‪ ،‬وكان يطلب الحديث من ح ََم ّاد بن سلمة بن دِينار‬
‫العشرين إلى َ‬
‫صلَ ّى الل ّٰه عليه‬
‫__________‬
‫صفْرة‪ ،‬وكان والِي َ فارس والأهواز‪ ،‬فكتب سليمانُ إلى‬
‫)‪ (١‬كان للخليل ‪ -‬رحمه الل ّٰه ‪ -‬راتبٌ على سليمانَ ب ِن حبيب بن المُهل ِّب بن أبي ُ‬
‫الخليل يست َدعِيه‪ ،‬فأجابه الخليل‪:‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٢‬‬
‫النحو في الـكوفة‬ ‫‪١١‬‬

‫ل‬
‫سعَة ٍ * * و َفِي غِن ًى غَيْر َ أَ ن ِ ّي لَسْتُ ذ َا م َا ِ‬
‫أَ بْلـِ ـغْ سُلَيْم َانَ أَ ن ِ ّي عَن ْه ُ فِي َ‬
‫شُ ًح ّا بنِ َ ْفسِيَ ‪ِ ..‬إن ِ ّي لا َأَ ر َى أَ حَدًا * * يَمُوتُ هَز ْلاً‪ ،‬و َلا َيَبْقَى عَلَى ح َا ِ‬
‫ل‬
‫ل‬
‫مح ْتَا ِ‬
‫ل ُ‬
‫حو ْ ُ‬
‫ْف يَنْقُصُه ُ * * و َلا َيَز ِيدُك َ ف ِيه ِ َ‬ ‫الر ِ ّزْقُ ع َنْ قَدَرٍ؛ لا َ‬
‫َالضّ ع ُ‬
‫ل‬
‫س لا َال ْمَا ِ‬ ‫ل ذ َاك َ الغ ِن َى فِي َ‬
‫الن ّ ْف ِ‬ ‫ل نَعْرِف ُه ُ * * وَمِث ْ ُ‬
‫س لا َفِي ال ْمَا ِ‬ ‫و َالفَقْر ُ فِي َ‬
‫الن ّ ْف ِ‬
‫فقطع عنه سليمانُ راتبِ َه‪ ،‬فقال الخليل‪:‬‬
‫ق ح ََت ّى يَت َو ََف ّانِي‬ ‫ن ال َ ّذ ِي ش ََقّ فمَ ِي ضَام ِ ٌ‬
‫ن * * لِلرِ ّ ْز ِ‬ ‫ِإ َ ّ‬
‫ح ْرم َانِي‬
‫ك ِ‬
‫حَرَمْتَنِي م َالا ًقَلِيلا ًفَمَا * * ز َادَك َ فِي م َال ِ َ‬
‫وأضعف له راتبِ َه‪.‬‬
‫َ‬ ‫فبلغ َت الأبياتُ سُليمان‪ ،‬فكتب إلى الخليل يَعتذر إليه‪،‬‬

‫النحو في الـكوفة‬ ‫‪١١‬‬

‫الطبقة الأولى من الـكوفيين‬ ‫‪١١.١‬‬


‫إلا ّ م َن لو شِئتُ لأخذتُ عليه عيبًا )‪ ،(١‬ليس أبا ال َد ّرداء((‪ ،‬فقال سيبو يه‪)) :‬ليس أبو ال َد ّرداء((‪،‬‬
‫وس َل ّم ‪)) :-‬ما م ِنْ أحدٍ من أصحابي َ‬
‫ل بن‬ ‫لحِنني فيه أبد ًا"‪ ،‬فطلبَ َ‬
‫الن ّحو‪ ،‬ولزم الخلي َ‬ ‫فقال له ح ََم ّاد‪" :‬لحن ْتَ يا سيبو يه؛ ليس أبا الدرداء"‪ ،‬فقال‪" :‬لا جرم‪ ،‬لأطلُب َ ّن علمًا لا ت ُ ّ‬
‫أحمد‪.‬‬
‫ن أصله من البيضاء بأرض فارس‪ ،‬ونشأ بالبصرة‪ ،‬ولَم يُع َمّر أكثر من أربعين‪ ،‬وانتقل في آخِر‬
‫وكانت في لسان سيبو يه لـكنة ٌ؛ وذلك لأ َ ّ‬
‫أ َي ّامه إلى الـكوفة؛ لم ُِناظرة الـكسائ ِيّ ‪ -‬وأمرُها مشهور ‪ -‬ثم رح َل إلى شيراز‪ ،‬ومات بها سنة ‪ ١٨٠‬تقريبًا‪ ،‬ونقتصر ُ على هذا م ِن ترجمة‬
‫هذا الإمام الجليل؛ فقد مضى ذِكر ُه في ترجمة الخليل‪ ،‬وليس في الوقت سع َة‪.‬‬
‫النحو في الـكوفة‬
‫أئم ّة العربية في زمانهم‪ ،‬وما نشأ َ‬
‫الن ّحو ُ في الـكوفة وكان مذهبًا‬ ‫ن ُ‬
‫الن ّحاة جميع ًا َإن ّما نَشؤوا بالبصرة‪ ،‬وكَث ُروا فيها وكانوا َ‬ ‫رأيتَ فيما مضى أ َ ّ‬
‫إلا ّ في أ َي ّام الخليل بن أحمد؛ وذلك لأ َ ّ‬
‫ن البصرة أقدَم ُ بناء ً من الـكوفة‪ ،‬وكان بها من صفوة الناس وأذكيائهم وعُلَمائهم من لَم يكن‬ ‫ضعيف ًا َ‬
‫الن ّحو بها م َ ّدة طو يلة‪.‬‬
‫خر ظهور ُ علم َ‬
‫مثلهم بالـكوفة؛ ولذلك تأ َ ّ‬
‫ن الخ ِلاف المشهور بين الـكوفيِّين والبصر يين لم يُح َ ّقق بعد ُ تحقيق ًا وافيًا شافيًا‪ ،‬وليس يمكن أن يُح َ ّدد في كلمة ٍ قصيرة موجزة كهذه؛‬
‫واعلم أ َ ّ‬
‫فنَكْتفي بالإشارة إلى وجود هذا الخ ِلاف ونشأته‪ ،‬وننتقل إلى ذِك ْر ال َ ّ‬
‫طبقة الأولى والثانية من علماء الـكوفة‪ ،‬ونختم ُ الكلام بهذا‪ ،‬والل ّٰه‬
‫المستعان‪.‬‬
‫الطبقة الأولى من الـكوفيين‬
‫خ هذه الطبقة من أهل الـكوفة هو "محمد بن الحسن بن أبي سارة" المل َ ّقب ُ‬
‫بالر ّؤاسي؛ لعِظَم رأسه‪ ،‬كان في زمن الخليل بن أحمد‪،‬‬ ‫شي ُ‬
‫وزعموا َأن ّه أ َ ّول م َن وضع من الـكوفيِّين كتاب ًا في النحو‪ ،‬وزعموا أنه قال‪" :‬بَعث إل َيّ الخليل يطلب كتابي‪ ،‬فبعثت به إليه‪ ،‬فقرأه ووضَع‬
‫ي؛ ولـكن َمم ّا لا َ‬
‫شكّ‬ ‫ل ما في كتاب سيبو يه من قوله "قال الـكوف ِ ُيّ"‪َ ،‬‬
‫فإن ّما يعني به الرؤاس َ ّ‬ ‫ن ك َّ‬
‫كتابه"‪ ،‬وزعموا أ َ ّ‬
‫__________‬
‫نجِدْه‪،‬‬ ‫)‪ (١‬في "معجم الأدباء"‪)) :‬لأخ َذتُ عنه ع ِلمًا((‪ ،‬ومعنى الحديث على هذه ُ‬
‫الصّ ورة فاسدٌ باطلٌ‪ ،‬وقد بَحَث ْنا عن هذا الحديث فلم َ‬
‫وتو َه ّم ْنا أن الصواب‪)) :‬لأخذت عليه عَي ْبًا((؛ ليستقيم المعن َى‪ ،‬وقد ورد مث ُ‬
‫ل هذا الحديث في المعنى بشأن أَ بِي ع ُبيدة ب ِن الْجَر ّاح‪ ،‬وفيه‬
‫هذا َ‬
‫الل ّفظ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٣‬‬
‫النحو في الـكوفة‬ ‫‪١١‬‬

‫الطبقة الثانية‪] :‬من الـكوفيين[‬ ‫‪١١.٢‬‬

‫ن‬ ‫ي كان إمام َ أهل الـكوفة في النحو‪ ،‬وعلى يديه نش َأ الـكسائ ُيّ والف ََر ّاء‪ ،‬شيخ َا نُحاة ِ الـكوفة بعده‪ ،‬ولا َ‬
‫شكّ أيضًا في أ َ ّ‬ ‫ن ُ‬
‫الر ّؤاس َ ّ‬ ‫فيه أ َ ّ‬
‫والفر ّاء انتسَبا إليه لَمَا عُر ِف ولا ُأب ِه َ به‪ ،‬وستعلم بعد ُ أ َ ّ‬
‫ن الـكسائي هو‬ ‫َ‬ ‫الرؤاسي كان ضعيف ًا لا خطر له في النحو‪ ،‬ولولا أ َ ّ‬
‫ن الـكسائي‬

‫نح ْو ًا امتازت به عن ُأختِها البصرة‪.‬‬


‫الذي جعل للـكوفة َ‬
‫الطبقة الثانية‪] :‬من الـكوفيين[‬
‫الفر ّاء تلميذ ُه ورفيقه‪ ،‬والـكسائ ُيّ هو أبو الحسن عل ُيّ بن حمزة َ ب ِن عبدالله بن عثمان من أص ٍ‬
‫ل فارسي‪،‬‬ ‫إمام هذه الطبقة الـكسائي‪ ،‬وتَلاه َ‬

‫القر ّاء السبعة‪ ،‬وأخذ الـكسائ ُيّ النحو َ‬


‫القر ّاء الذين ع ُ ّدوا بعد ُ في َ‬ ‫وكان ولاؤه في بني أسد‪ ،‬وتع َل ّم َ الـكسائ ُيّ َ‬
‫الن ّحو َ وقد أس ََنّ ‪ ،‬وكان أحد َ َ‬
‫ل بن أحمد‪ ،‬وجلس في حلقته ولَزِم َه م َ ّدة‪ ،‬ثم‬
‫َت هِمت ُه به إلى الرحلة‪ ،‬فنَز َل البصرة‪ ،‬ولقي الخلي َ‬ ‫والل ّغة عن معاذٍ الهراء ُ‬
‫والر ّؤاسي‪ ،‬ث ُم نهض ْ‬ ‫ُ‬
‫نج ْد‪ ،‬وتهامة ‪ -‬وهم أهل الفصاحة والبيان ‪ -‬فخر َج‪ ،‬وأخذ من الإعراب‬
‫ل من أين أخذ ع ِلم َه‪ ،‬فقال له‪ :‬م ِن بوادي الحجاز‪ ،‬و َ‬
‫سأل الخلي َ‬
‫يونس بن حبيب‪ ،‬فجر َْت‬ ‫ُ‬ ‫ل قد مات ‪ -‬رحمه الل ّٰه ‪ -‬وجلس مجلسَه‬ ‫ع ِلمًا كثير ًا‪ ،‬ثم عاد إلى البصرة ليرى الخليل ُ‬
‫والن ّحاة بها‪ ،‬فوج َد الخلي َ‬
‫يونس فيها‪ ،‬وص َ ّدر َه في موضعه‪ ،‬فكان هذا ابتداء ذ ُيوع أمر ِه في َ‬
‫الن ّحو‪ ،‬ثم رجَع إلى الـكوفة‪ ،‬ولقي بها ر ُف َقاءه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ل َ‬
‫أقر ّ له‬ ‫بينهما مسائ ُ‬
‫َ‬
‫فتتلمَذ ُوا له‪.‬‬
‫سببَ في الخ ِلاف‬ ‫صح ّحه على أصله‪ ،‬واستفاد منه‪ ،‬وخالَف سيبو يه في مسائل كانت هي ال َ ّ‬ ‫واعتنى الـكسائ ُيّ بكتاب سيبو يه‪ ،‬فقرَأه‪ ،‬و َ‬
‫ُ‬
‫الـكوفي ّون للبصر يِّين‪ ،‬ولولا رحلة ُالـكسائ ِيّ بإرشاد الخليل‬ ‫الـكبير الذي وقع بين البصر يِّين والـكوفيين في تلك العداوة ال َ ّ‬
‫شديدة التي حَمَلها‬
‫ل له بالبقاء مع نحو البصرة‪.‬‬ ‫ً‬
‫)رؤاسي ّا( ضعيف ًا‪ ،‬لا ق ِب َ َ‬ ‫بن أحمد‪ ،‬وكتاب سيبو يه‪ ،‬لَبَقِي َ‬
‫الن ّحو ُ في الـكوفة‬
‫الر ّشيد‪ ،‬وكان يعود ُه في مرضه؛ َ‬
‫لأن ّه كان م ُؤدِّبَ ولدَي ْه الأمين والمأمون‪.‬‬ ‫بالري في عهد هارون َ‬
‫ِّ‬ ‫ومات الـكسائ ُيّ سنة ‪١٩٧‬‬
‫*********‬
‫وكن ّا نو ُدّ أ ْن نَسْتقصي َ‬
‫بقي ّة الطبقات من علماء الـكوفة النحو يِّين ثم نُتب ِـ ُع ذلك بالكلام عن أسباب الخلاف بين المذهبين‪ ،‬وكيف‬ ‫هذا‪َ ،‬‬
‫ل من جَمع بين المذهبين‪ ،‬لكنا نعتذر عن هذا‪ ،‬وعن الإ يجاز الذي اضْ طُرِرنا إليه في الكتابة عن أهل‬ ‫اختلط المذهبان بعد ذلك‪ ،‬وم َن أ َ ّو ُ‬
‫الطبقات‪.‬‬
‫والل ّٰه الموف ِّق لإتمام ذلك وإخراجه على أكمل وجه ٍ في كتابنا عن العرب َي ّة ‪ -‬إن شاء الل ّٰه ‪ -‬وله الأمر من قبل ومن بعد‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٤‬‬

You might also like