الخبر الثابت = يوسف اللحياني

You might also like

You are on page 1of 76

‫الخـبر الثابت‬

‫رقم الكتاب في المكتبة الشاملة‪١٤٧٧٨ :‬‬


‫الطابع الزمني‪٢٠٢١-٠٧-١٩-١٥-٥٦-١٤ :‬‬
‫المكتبة الشاملة رابط الكتاب‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١‬‬
‫المحتو يات‬
‫‪٥‬‬ ‫الخـَب َر ُ َ‬
‫الث ّاب ِتُ‬ ‫‪١‬‬

‫‪٥‬‬ ‫تقديم فضيلة الشيخ عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد‬ ‫‪٢‬‬

‫‪٦‬‬ ‫المقدمة‬ ‫‪٣‬‬

‫‪٧‬‬ ‫الخـبر الثابت‬ ‫‪٤‬‬


‫قال الإمام الشافعي ‪ :‬ولا تقوم الحجة بخـبر الخاصة)‪ (1‬حتى يجمع أمورا ً ‪٧ . . . . . . . . . . . . . . . . :‬‬ ‫‪٤.١‬‬
‫قال الحميدي ‪ :‬فإن قال قائل ‪ :‬فما الحديث الذي يثبت عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم و يلزمنا الحجة به ؟ ‪٨‬‬ ‫‪٤.٢‬‬
‫قال الذهلي ‪ :‬لا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث الموصول غير المنقطع الذي ليس فيه رجل مجهول ولا رجل‬ ‫‪٤.٣‬‬
‫مجروح)‪٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (3‬‬

‫‪٨‬‬ ‫الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬ ‫‪٥‬‬


‫‪٨‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في أهمية الإسناد للحديث ‪. . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٥.١‬‬
‫‪١٠‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل وألفاظ الأداء من حيث دلالتها على الاتصال ثلاثة ‪:‬‬ ‫‪٥.٢‬‬
‫‪١١‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في ثبوت الاتصال في السند ‪. . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٥.٣‬‬
‫‪١٣‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في التدليس ‪. . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٥.٤‬‬
‫‪١٦‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل حكم الحديث إذا علمنا الساقط من السند ‪. . . . . .‬‬ ‫‪٥.٥‬‬

‫‪١٧‬‬ ‫الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬ ‫‪٦‬‬


‫‪١٨‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في البحث عن أحوال الرواة ومعرفة ضبطهم وعدالتهم‬ ‫‪٦.١‬‬
‫‪١٩‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل عدالة الرواة ‪. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٦.٢‬‬
‫‪٢٢‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل الرواة الموصوفون بالبدعة ‪. . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٦.٣‬‬
‫‪٢٤‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل ضبط الرواة للحديث ‪. . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٦.٤‬‬
‫‪٢٦‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في الصحابة ‪. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٦.٥‬‬
‫‪٢٨‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل فيمن دون الصحابة ‪. . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٦.٦‬‬
‫‪٣١‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في المجهول ‪. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٦.٧‬‬
‫‪٣٨‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل من تقبل ورايته في بعض الأحوال دون بعض ‪. . . .‬‬ ‫‪٦.٨‬‬
‫‪٤٢‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في قواعد الجرح والتعديل ‪. . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٦.٩‬‬
‫‪٤٩‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل كيف كان الحفاظ ينتقدون الراوي في ضبطه ؟ ‪. . .‬‬ ‫‪٦.١٠‬‬

‫‪٥٦‬‬ ‫الباب الثالث في علم علل الحديث‬ ‫‪٧‬‬


‫‪٥٦‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في أهمية علم علل الحديث وطر يقة تعلمه‬ ‫‪٧.١‬‬
‫‪٥٧‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في نقد متن الحديث ‪. . . . . . . . .‬‬ ‫‪٧.٢‬‬
‫‪٥٩‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في التفرد والغرابة ‪. . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٧.٣‬‬
‫‪٦٢‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في الاختلاف بين الرواة ‪. . . . . . .‬‬ ‫‪٧.٤‬‬
‫‪٦٥‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في الجمع بين الروايات ‪. . . . . . . .‬‬ ‫‪٧.٥‬‬
‫‪٦٧‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فصل في المتابعة وتقو ية الخـبر ‪. . . . . . . .‬‬ ‫‪٧.٦‬‬

‫‪٢‬‬
‫المحتو يات‬

‫فصل على حسب القائل وموضوع الخـبر بتشدد في رواية الخـبر وكتابته ويتساهل ‪٧٠ . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪٧.٧‬‬

‫‪٧١‬‬ ‫خاتمة‬ ‫‪٨‬‬

‫‪٧٣‬‬ ‫فهرس المراجع‬ ‫‪٩‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣‬‬
‫المحتو يات‬

‫عن الكتاب‬
‫الكتاب‪ :‬الخـبر الثابت‪.‬‬
‫المؤلف‪ :‬يوسف بن هاشم بن عابد اللحياني‪.‬‬
‫تقديم‪ :‬عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬الشاملة الذهبية‬
‫]ترقيم صفحات الكتاب غير موافق للمطبوع[‬
‫نبذه عن الكتاب‪:‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤‬‬
‫المحتو يات‬

‫عن المؤلف‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥‬‬
‫تقديم فضيلة الشيخ عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد‬ ‫‪٢‬‬

‫الخـَب َر ُ َ‬
‫الث ّاب ِتُ‬ ‫‪١‬‬

‫الخـَب َر ُ َ‬
‫الث ّاب ِتُ‬
‫قواعد ثبوته‬
‫مع أصول في علم الجرح والتعديل‬
‫وعلل الأحاديث‬
‫إعداد‬
‫يوسف بن هاشم بن عابد اللحياني‬
‫تقديم‬
‫فضيلة الشيخ عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد‬
‫م ُل ْتَقَى أهل الحديث‬
‫‪www.ahlalhdeeth.com‬‬

‫تقديم فضيلة الشيخ عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد‬ ‫‪٢‬‬

‫بسم الل ّٰه الرحمن الرحيم‬


‫تقديم فضيلة الشيخ عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد‬
‫إن الحمد نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بالل ّٰه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪.‬‬
‫من يهد الل ّٰه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ‪ ،‬وأشهد أن لا إله إلا الل ّٰه وحده لا شر يك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله صلى‬
‫الل ّٰه عليه وسلم ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ ،‬فقد اطلعت على ما كتبه الأخ الشيخ يوسف بن هاشم اللحياني في مؤلفه المسمى بـ ‪ :‬الخـبر الثابت ‪.‬‬
‫فوجدته كتابا ًمفيدا ً في بابه جميلا ًفي معناه ‪ ،‬حاو يا ًعلى فوائد وفرائد ونكت ولطائف ‪ ،‬فجزاه الل ّٰه تعالى خيرا ً وكتب له التوفيق والسداد‬
‫‪ ،‬ولعلي أذكر بعض ما يتميز به هذا الكتاب ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫‪ -١‬إكثاره من النقل عن المتقدمين من أئمة هذا الفن وهم علم الحديث ‪ ،‬ولا يخفى لما في هذا من الأهمية الـكبيرة والفائدة العظيمة ‪.‬‬
‫‪ -٢‬رجوعه إلى المصادر الأصلية والسؤالات لابن معين ‪ ،‬والرسالة للشافعي ‪ ،‬ومقدمة مسلم ‪ ،‬والعلل الصغير للترمذي وغيرها ‪.‬‬
‫‪ -٣‬اهتمامه ببعض قضايا المصطلح المهمة التي ينبني عليه تصحيح الخـبر أو تضعيف ‪ ،‬كمسألة الجهالة فقد فصّ ل ـ وفقه الل ّٰه تعالى ـ فيها‬
‫وبين مذهب المتقدمين في الجهالة ‪ ،‬ثم ذكر أسباب الجهالة ‪ ،‬ثم بين أن الجهالة قد تقترن بالتوثيق أو بالتجريح أحيانا ً‪ ،‬وهذه الفائدة قد‬
‫تخفى على الـكثير ‪ ،‬بل ويستشكلها الـكثير ‪ ،‬وقد ذكر مثالا ً لخـبر في إسناده من ليس بمشهور ‪ ،‬ومع ذلك صححه كبار الحفاظ ‪ ،‬ومثالا ً‬
‫آخر لخـبر رده الحفاظ بسبب الجهالة مع توجيه ذلك ‪.‬‬
‫‪ -٤‬إيضاح بعض قضايا المصطلح ‪ ،‬وذلك باعتماده على التقسيم فيها وتفصيلها ‪ ،‬وهذا لا شك يؤدي إلى تبيينها وفهما وإزالة الإشكال‬
‫مر سابقا ًفي مسألة الجهالة والاختلاط حيث قسمه إلى قسمين ؛ ضار وغير ضار ـ ‪ ،‬وأيضا ًمسألة التلقين ومتى يكون جرحا ً‬ ‫فيها ‪ ،‬كما ّ‬
‫ومتى لا يكون ‪.‬‬
‫‪ -٥‬ذكره لـكثير من القواعد التي ٺتعلق بعلم الصناعة الحديثية وبالذات قواعد الجرح والتعديل ‪.‬‬
‫وغير ذلك مما تميزت به هذه الرسالة ‪ ،‬وإن كان هناك قضايا ذكرها المؤلف تحتاج إلى تحرير ‪ ،‬ومسائل تحتاج إلى شرح وتفصيل ‪ ،‬ولـكن‬
‫النقص من طبيعة البشر ‪ ،‬وكل يؤخذ من قوله ويرد إلى الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬وخاصة وأن هذه الرسالة لعلها أول مؤلفات‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦‬‬
‫المقدمة‬ ‫‪٣‬‬

‫الأخ الشيخ ‪ /‬يوسف ‪ ،‬فجزاه الل ّٰه تعالى خيرا ً ووفقه لما يحبه ويرضاه ‪.‬‬
‫وكتبه ‪ /‬عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد‬
‫‪٣٠/٤/١٤٢١‬هـ‬
‫‪+++++‬‬
‫كتاب الخـبر الثابت‬
‫مقدمة المؤلف‬
‫ما هو الخـبر الثابت ؟‬
‫الباب الأول ‪ :‬اتصال الإسناد وانقطاعه ‪.‬‬
‫الباب الثاني ‪ :‬علم الجرح والتعديل ‪.‬‬
‫الباب الثالث ‪ :‬علم علل الحديث ‪.‬‬
‫خاتمة الكتاب ‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫‪٣‬‬
‫المقدمة‬
‫بسم الل ّٰه الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لل ّٰه نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بالل ّٰه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الل ّٰه فلا مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فلا‬
‫هادي له ‪ .‬وأشهد أن لا إله إلا الل ّٰه وحده لا شر يك له ‪،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فالواجب أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدبا ً‪ ،‬وأشد الخلق تواضعا ً‪ ،‬وأعظمهم نزاهة وتدينا ً‪ ،‬وأقلهم طيشا ًوغضبا ً‪ ،‬لدوام قرع‬
‫أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاق رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم وآدابه ‪ ،‬وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه ‪،‬‬
‫وطرائق المحدثين ‪ ،‬ومآثر الماضيين ‪ ،‬فيأخذوا بأجملها وأحسنها ‪ ،‬و يصدفوا عن أرذلها وأدونها)‪. (١‬‬
‫قال أبو عاصم ‪ :‬من طلب الحديث فقد طلب أعلى الأمور فيجب أن يكون خير الناس)‪. (٢‬‬
‫فإن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة ‪ ،‬وأنفع العلوم النافعة ‪ ،‬يحبه ذكور الرجال وفحولهم ‪ ،‬و يعنى به محققو العلماء وكملتهم ‪ ،‬ولا‬
‫يكرهه من الناس إلا رذالتهم وسفلتهم)‪. (٣‬‬
‫وقال الخطيب البغدادي ‪ :‬ولما كان ثابت السنن والآثار ‪ ،‬وصحاح الأحاديث المنقولة والأخبار ‪ ،‬ملجأ المسلمين في الأحوال ‪ ،‬ومركز‬
‫المؤمنين في الأعمال ؛ إذ لا قوام للإسلام باستعمالها ‪ ،‬ولا ثبات للإيمان إلا بانتحالها ‪ ،‬وجب الاجتهاد في علم أصولها ‪ ،‬ولزم الحث على‬
‫ما عاد بعمارة سبيلها)‪. (٤‬‬
‫وقال الإمام الحافظ ابن رجب ـ رحمه الل ّٰه تعالى ـ ‪ :‬فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها ‪،‬‬
‫والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام‬
‫والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك ‪ ،‬والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولا ً‪ ،‬ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيا ً‬
‫‪ ،‬وفي ذلك كفاية لمن عقل ‪ ،‬وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل)‪. (٥‬‬
‫وقال ‪ :‬و يحتاج من أراد جمع كلامهم إلى معرفة صحيحه من سقيمه ‪ ،‬وذلك بمعرفة الجرح والتعديل والعلل ‪ ،‬فمن لم يعرف ذلك فهو‬
‫غير واثق بما ينقله و يلتبس حقه بباطل ولا يثق بما عنده من ذلك)‪(٦‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذه رسالة جمعتها ـ بعون الل ّٰه وتوفيقه ـ في علم الجرح والتعديل والعلل ‪.‬‬
‫وحاولت فيها إيضاح منهج النقاد من أهل الحديث المتقدمين في تصحيح الأحاديث وتعليلها ونقد الرجال وبيان القوي منهم والضعيف‬
‫‪.‬‬
‫واجتهدت في جمع كلامهم ‪ ،‬حتى يتضح هذا العلم بكلام مؤسسيه ‪ ،‬مكتفيا ً به عن شرحه لوضوحه ‪ ،‬ولم أتعرض لتزييف الأقوال‬
‫المخالفة لهم ‪ ،‬إلا بعض الإشارات اليسيرة ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٧‬‬
‫الخـبر الثابت‬ ‫‪٤‬‬

‫ي الفاضلين المحدثين ؛ الشيخ ‪ /‬عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد ‪ ،‬والشيخ ‪ /‬الشر يف أبي محمد حاتم بن عارف‬
‫وأتقدم بالشكر الجز يل لشيخ ّ‬
‫العبدلي ‪ ،‬وقد استفدت منهما كثيرا ً في تصنيف وجمع هذه الرسالة ‪.‬‬
‫وليس لي فيها إلا ز يادات يسيرة على ما قالا ‪ ،‬واجتهادا ً في جمع كلام الأئمة المتقدمين ـ رحمهم الل ّٰه ـ في علم الحديث ‪ ،‬وقد سميتها ‪:‬‬
‫الخـبر الثابت ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ‪(١ (١).‬‬
‫)‪ (٢‬المصدر السابق ‪(٢ (٢).‬‬
‫)‪ (٣‬مقدمة ابن الصلاح )‪(٣ (٣)(٣‬‬
‫)‪ (٤‬الـكفاية في علم الرواية )‪(٤ (٤). (٣‬‬
‫)‪ (٥‬بيان فضل علم السلف على علم الخلف )‪ ، (١٥٠‬تحقيق محمد بن ناصر العجمي ‪(٥ (٥).‬‬
‫)‪ (٦‬المصدر السابق )‪(٦ (٦)(١٤٨‬‬

‫الخـبر الثابت‬ ‫‪٤‬‬


‫الخـبر الثابت‬
‫اشترط علماء الحديث رحمهم الل ّٰه لثبوت الخـبر شروطا ً‪ ،‬وقصدنا هنا أن نذكر ضابطا ًبجمعها ‪.‬‬
‫فإنما يثبت الخـبر بضبط رواته له ‪ ،‬والضبط غالبا ًعليه مدار التصحيح والتعليل ‪ ،‬والجرح والتعديل ‪ ،‬وذلك لأن صحة الحديث لا تحصل‬
‫إلا بالعناية به من حين سماعه وحتى تبليغه ‪ ،‬وذلك هو الضبط ‪.‬‬
‫فيرد ما انقطع سنده وأرسله راو يه ‪ ،‬وليس لعدم الاتصال ؛ بل لأن الساقط من السند لا ندري هل هو ضابط للحديث أم لا ‪ .‬وقبول‬
‫الحديث المتصل سنده ليس لأنه متصل بل لأمر آخر ‪.‬‬
‫ولا تقبل أحاديث الضعفاء إذا انفردوا ؛ لأنهم ليسوا أهل ضبط ‪ ،‬وتفردهم وعدم مواطئة الثقات على ما رووه دليل على غلطهم‬
‫وغفلتهم ‪.‬‬
‫ولا تقبل أحاديث الثقات وممن تجاوز القنطرة إذا خالفوا من هو أوثق منهم ‪ ،‬وتبېن لنا خطؤهم فلم يضبطوا ‪.‬‬
‫ل ذلك على حفظه له ‪ ،‬وأن الساقط من السند ضابط‬
‫وإذا توبع الرجل الضعيف أو ورد الحديث المنقطع من وجه آخر معتبر به ‪ ،‬د ّ‬
‫لهذا الحديث ‪ ،‬والحديث الصحيح ما ضبطه رواته ‪.‬‬

‫قال الإمام الشافعي ‪ :‬ولا تقوم الحجة بخـبر الخاصة)‪ (1‬حتى يجمع أمورا ً ‪:‬‬ ‫‪٤.١‬‬

‫قال الإمام الشافعي ‪ :‬ولا تقوم الحجة بخـبر الخاصة)‪ (١‬حتى يجمع أمورا ً ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬أن يكون من حدث به ثقة في دينه ‪ ،‬معروفا ًبالصدق في حديثه ‪ ،‬عاقلا ًلما يحدث به ‪ ،‬عالما ًبما يحيل معاني الحديث من اللفظ‬
‫‪ ،‬وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع ‪ ،‬لا يحدث به على المعنى ؛ لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه‬
‫لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام ‪.‬‬
‫وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه فيه إحالته الحديث ‪ ،‬حافظا ًإن حدث به من حفظه ‪ ،‬حافظا ًلكتابه إن حدث من كتابه ‪ ،‬إذا شرك أهل‬
‫الحفظ في الحديث وافق حديثهم ‪ ،‬بر يا ً أن يكون مدلسا ً ‪ :‬يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه ‪ ،‬يحدث عن النبي ما يحدث الثقات‬
‫خلافه عن النبي ‪.‬‬
‫و يكون من فوقه ممن حدثه ‪ ،‬حتى ينتهي بالحديث موصولا ً إلى النبي أو إلى من انتهى به إلى دونه ؛ لأن كل واحد منهم مثبت لمن‬
‫حدثه ‪ ،‬ومثبت على من حدث عنه ‪ ،‬فلا يستغني في كل واحد منهم عما وصفت)‪ . (٢‬ثم كلامه ‪.‬‬
‫__________‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٨‬‬
‫‪ ٥‬الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬

‫)‪ (١‬يعني الشافعي بـ )) خبر الخاصة (( كل ما روي بإسناد ‪ ،‬ولو رواه جمع كثير عن جمع كثير ‪ ،‬وأما خبر العامة عنده ‪ ،‬فهو ما‬
‫تناقله المسلمون قرنا ًبعد قرن مما هو معلوم من الدين بالضرورة ‪(١ (١).‬‬
‫)‪ (٢‬الرسالة )‪٣٧٠‬ـ‪(١ (١). (٣٧٢‬‬

‫قال الحميدي ‪ :‬فإن قال قائل ‪ :‬فما الحديث الذي يثبت عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم و يلزمنا الحجة‬ ‫‪٤.٢‬‬
‫به ؟‬
‫قال الحميدي ‪ :‬فإن قال قائل ‪ :‬فما الحديث الذي يثبت عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم و يلزمنا الحجة به ؟‬
‫قلت ‪ :‬هو أن يكون الحديث ثابتا ًعن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬متصلا ًغير مقطوع معروف الرجال ‪.‬‬
‫أو يكون حديثا ًمتصلا ًحدثنيه ثقة معروف عن رجل جهلته وعرفه الذي حدثني عنه فيكون ثابتا ًيعرفه من حدثنيه عنه حتى يصل‬
‫إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬وإن لم يقل كل واحد ممن حدثه ‪ :‬سمعت أو حدثنا ‪ ،‬حتى ينتهي ذلك إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪،‬‬
‫ولازم صحيح يلزمنا قبوله ممن حمله إلينا إذا كان صادقا ًمدركا ًلمن روى ذلك عنه)‪. (١‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬الـكفاية )‪(٢ (٢). (٢٤‬‬

‫قال الذهلي ‪ :‬لا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث الموصول غير المنقطع الذي ليس فيه رجل مجهول ولا‬ ‫‪٤.٣‬‬
‫رجل مجروح)‪(3‬‬
‫قال الذهلي ‪ :‬لا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث الموصول غير المنقطع الذي ليس فيه رجل مجهول ولا رجل مجروح)‪. (١‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬الـكفاية )‪(٣ (٣). (٢٠‬‬

‫الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬ ‫‪٥‬‬


‫الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬
‫وفيه خمسة فصول‬
‫الأول ‪ :‬أهمية الإسناد للحديث ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ألفاظ الأداء ودلالتها على اتصال السند‬
‫الثالث ‪ :‬ثبوت اتصال الإسناد ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬التدليس في الإسناد ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬حكم الحديث إذا علمنا الساقط من السند ‪.‬‬

‫فصل في أهمية الإسناد للحديث‬ ‫‪٥.١‬‬


‫فصل في أهمية الإسناد للحديث‬
‫وقال ابن المبارك ‪ :‬طلب الإسناد المتصل من الدين)‪. (١‬‬
‫وقال ‪ :‬الإسناد من الدين ‪ ،‬ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)‪. (٢‬‬
‫وقال عتبة بن أبي حكيم ‪ :‬جلس إسحاق بن أبي فروة إلى الزهري فجعل يقول ‪ :‬قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬قال رسول الل ّٰه‬
‫صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬فقال له الزهري ‪ :‬مالك قاتلك الل ّٰه ؟! تحدث بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة)‪. (٣‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٩‬‬
‫‪ ٥‬الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬

‫وقال عبد الل ّٰه بن عون ‪ :‬ذكر أيوب لمحمد حديث أبي قلابة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أبو قلابة إن شاء الل ّٰه ثقة رجل صالح ‪ ،‬ولـكن عمن ذكره أبو‬
‫قلابة)‪. (٤‬‬
‫وقال أبو إسحاق الطالقاني ‪ :‬سألت ابن المبارك قلت ‪ :‬الحديث الذي يروى ) من صلى على أبو يه ( فقال ‪ :‬من رواه ؟ قلت ‪ :‬شهاب‬
‫بن خراش ‪ .‬فقال ‪ :‬ثقة ‪ ،‬عمن ؟ قلت ‪ :‬عن الحجاج بن دينار ‪ ،‬فقال ‪ :‬ثقة ‪ ،‬عمن ؟ قلت عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ .‬فقال ‪ :‬إن‬
‫ما بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق الإبل)‪.(٥‬‬
‫وقال شعبة ‪ :‬كل حديث ليس فيه حدثنا أخبرنا فهو خل وبقل)‪.(٦‬‬
‫قلت ‪ :‬ولأجل ذلك فإن اتصال الإسناد من شروط صحة الحديث ‪ ،‬فلا تقوم الحجة إلا بالأسانيد المتصلة ‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ‪ :‬لا يحتج بالمراسيل ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد المتصلة)‪. (٧‬‬
‫وقال الإمام مسلم ‪ :‬المرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بالحجة)‪. (٨‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬والحديث إن كان مرسلا ًفإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث وقد ضعفه غير واحد منهم)‪. (٩‬‬
‫وقال الحاكم ‪ :‬والمراسيل واهية عند جماعة أهل الحديث من فقهاء الحجاز غير محتج بها)‪. (١٠‬‬
‫قال عبد الل ّٰه بن الزبير الحميدي ‪ :‬فإن قال قائل ‪ :‬فما الحجة في ترك الحديث المقطوع والذي في إسناده رجل ساقط وأكثر من ذلك ‪،‬‬
‫ولم يزل الناس يحدثون بالمقطوع وما كان في إسناده رجل ساقط أو أكثر ؟‬
‫قال عبد الل ّٰه ‪ :‬قلت ‪ :‬لأن الموصول وإن لم يقل فيه ) سمعت ( حتى ينتهي الحديث إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم فإن ظاهره كظاهر‬
‫السامع المدرك حتى يتبين فيه غير ذلك ‪ ،‬كظاهر الشاهد الذي يشهد على الأمر المدرك ‪ ،‬فيكون ذلك عندي كما يشهد لإدراكه من‬
‫شهد ‪ ،‬وما شهد عليه حتى أعلم منه غير ذلك ‪ ،‬والمقطوع العلم يحيط بأنه لم يدرك من حدث عنه ‪ ،‬فلا يثبت عندي حديثه لما أحطت‬
‫به علما ً‪ ،‬وذلك كشاهد شهد عندي على رجل لم يدركه أنه تصدق وأعتق عبده فلا أجيز شهادته على من لم يدركه)‪. (١١‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬ومن ضعف المرسل فإنه ضعف من قبل أن هؤلاء الأئمة حدثوا عن الثقات وغير الثقات ‪ ،‬فإذا روى أحدهم حديثا ً‬
‫وأرسله لعله أخذه عن غير ثقة)‪. (١٢‬‬
‫وقال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬المرسل والمنقطع من الأخبار لا يقوم بها حجة ؛ لأن الل ّٰه جلا وعلا لم يكلف عباده أخذ الدين عمن لا يعرف‬
‫‪ ،‬والمرسل والمنقطع ليس يخلو ممن لا يعرف ‪ ،‬وإنما يلزم العباد قبول الدين الذي هو من جنس الأخبار إذا كان من رواية العدول ‪،‬‬
‫حتى يرو يه عدل من عدل إلى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم موصولاً)‪. (١٣‬‬
‫وقال ابن رجب ‪ :‬تفاوت مراتب المرسلات بعضها على بعض يدور على أسباب ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن من عزى روايته عن الضعفاء ضعف مرسله بخلاف غيره ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن من عرف له إسناد صحيح على من أرسل عنه ‪ ،‬فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك ‪ ،‬وهذا معنى قول يحيى بن سعيد القطان‬
‫‪ :‬مجاهد عن علي ليس به بأس ‪ ،‬قد أسند عن ابن أبي ليلى عن علي ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن من قوي حفظه يحفظ كل ما يسمعه وثبت في قلبه ‪ ،‬و يكون منه ما لا يجوز الاعتماد عليه ‪ ،‬بخلاف من لم يكن له قوة‬
‫في الحفظ ‪.‬‬
‫وقد أنكر مرة يحيى بن معين على علي بن عاصم حديثا ًوقال ‪ :‬ليس هو من حديثك ‪ ،‬إنما ذوكرت به فوقع في قلبك ‪ ،‬فظننت أنك سمعته‬
‫ولم تسمعه ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن الحافظ إذا روى عن ثقة لا بكاد يترك اسمه بل يسميه فإذا ترك اسم الراوي دل على أنه غير مرضي ‪ ،‬وقد كان يقول ذلك‬
‫الثوري وغيره كثيرا ً يكنون عن الضعيف ولا يسمونه لا يقولون عن رجل وهذا معنى قول القطان ‪ :‬كان فيه إسناد لصح به ‪ ،‬يعني لو‬
‫كان أخذه عن ثقة لسماه وأعلن باسمه ‪.‬‬
‫وخرّج البيهقي من طر يق أبي قدامة السرخسي قال ‪ :‬سمعت يحيى بن سعيد يقول ‪ :‬مرسل الزهري شر من مرسل غيره ؛ لأنه حافظ‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٠‬‬
‫‪ ٥‬الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬

‫‪ ،‬وكل ما يقدر أن يسمي سمى وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه)‪. (١٤‬‬


‫__________‬
‫)‪ (١‬الـكفاية ) ‪(١ (١). (٣٩٢‬‬
‫)‪ (٢‬مقدمة صحيح مسلم )‪(٢ (٢). (١٥‬‬
‫)‪ (٣‬معرفة علوم الحديث للحكم )‪ ، (٦‬والـكفاية للخطيب البغدادي )‪(٣ (٣). (٣٩١‬‬
‫)‪ (٤‬الكامل لابن عدي )‪(٤ (٤). (١/١٤٧‬‬
‫)‪ (٥‬الـكفاية )‪(٥ (٥). (٢٩٢‬‬
‫)‪ (٦‬الكامل في ضعفاء الرجال )‪(٦ (٦). (١/٣٤‬‬
‫)‪ (٧‬المراسيل لابن أبي حاتم )‪(٧ (٧). (١٥‬‬
‫)‪ (٨‬مقدمة الصحيح )‪(٨ (٨). (١/٣٠‬‬
‫)‪ (٩‬العلل الصغير )‪ (٧٥٣‬في آخر كتابه الجامع ‪(١ (١).‬‬
‫)‪ (١٠‬المدخل إلى كتاب الإكليل )‪(٢ (٢). (٣٧‬‬
‫)‪ (١١‬الـكفاية )‪٣٩٠‬ـ ‪(٣ (٣). (٣٩١‬‬
‫)‪ (١٢‬العلل الصغير )‪ (٥/٧٥٥‬آخر كتابه الجامع ‪(٤ (٤).‬‬
‫)‪ (١٣‬كتاب المجروحين )‪(٥ (٥). (٢/٧٢‬‬
‫)‪ (١٤‬شرح علل الترمذي )‪(١ (١). ( ١٧٦ ، ١٧٥‬‬

‫فصل وألفاظ الأداء من حيث دلالتها على الاتصال ثلاثة ‪:‬‬ ‫‪٥.٢‬‬
‫فصل وألفاظ الأداء من حيث دلالتها على الاتصال ثلاثة ‪:‬‬
‫الأولى ‪ :‬صر يحة في السماع ‪ ،‬وهي سمعت وحدثنا وأخبرنا وقرأ علينا وسمعنا عليه وقال لنا وحكى لنا وذكر لنا وشافهنا وعرض علينا‬
‫وعرضنا عليه وناولنا وكتب لنا ‪ ،‬أو ما أشبهها من العبارات الدالة على الاتصال ‪ ،‬النافية للانفصال)‪. (١‬‬
‫الثانية ‪ :‬محتملة للاتصال وعدمه ‪ ،‬وهي أنا وقال وحدث وذكر وغيرها ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬صر يحة في الانقطاع ‪ ،‬وهي ح ُدثت و ُأخبرت وغيرهما مما في معناهما ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬أن وعن وليست ألفاظا ًللأداء ‪ ،‬وسبب إدخالها ضمنها ؛ أنها تذكر في سياق الإسناد كألفاظ الأداء ونيابة عنها ‪.‬‬
‫وهناك فرق دقيق بين )عن( و )أن()‪ ، (٢‬وحاصل الفرق ‪ :‬أن الراوي إذا قال ‪ :‬عن فلان ‪ ،‬فلا فرق أن يضيف القول أو الفعل‬
‫في اتصال الإسناد ‪.‬‬
‫وإذا قال ‪ :‬أن فلانا ً‪ ،‬ففيه فرق ؛ وذلك أن ينظر ‪ ،‬فغن كان خبرها قولا ًلم يعتمد لمن لم يدركه‬
‫التحقت بحكم عن بلا خلاف ‪ .‬كأن يقول التابعي أن أبا هريرة قال ‪ :‬كذا وكذا ‪.‬‬
‫وإن كان خبر )أن( فعلا ً‪ ،‬نظر إن كان الراوي أدرك ذلك الفعل التحقت بحكم عن ‪ ،‬وإن كان لم يدركه لم تلتحق بحكمها ‪ ،‬إلا ممن‬
‫لازمه كقول عروة ‪ :‬قالت عائشة للنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪.‬‬
‫وكلمة )عن( خاصة أظهر في الاتصال عرفا ًفيمن أمكن لقاء أحدهما من الآخر إلا من مدلس ‪ ،‬واستعملها المتأخرون في الإجازة ‪.‬‬
‫واقتصر رواة الأحاديث عن قولهم ‪ :‬حدثنا وأخبرنا بعن للتخفيف ‪ ،‬وقال الخطيب البغدادي ‪ :‬وإنما استجاز كتبه للحديث الاقتصار‬
‫على العنعنة لـكثرة تكررها ‪ ،‬ولحاجتهم إلى كتب الأحاديث المجملة بإسناد واحد ‪ ،‬فتكرار قول المحدث ) ثنا فلان ( عن سماعه من‬
‫فلان يشق و يصعب ‪ ،‬وفي كل حديث لو أورد مثل ذلك الإسناد ‪ ،‬لطال واضجر ‪ ،‬وربما كثر رجال الإسناد حتى يبلغوا العشرة وز يادة‬
‫على ذلك ‪ ،‬وفيه إضرار بكتبة الحديث وخاصة المقلين منهم والحاملين لحديثهم في الأسفار)‪. (٣‬‬
‫قال الوليد بن مسلم ‪ :‬كان الأوزاعي إذا حدثنا يقول ‪ :‬ثنا يحيى قال ‪ :‬ثنا فلان قال ‪ :‬ثنا فلان حتى ينتهي ‪ ،‬فربما حدثتك حدثني‬
‫وربما قلت ‪ :‬عن عن تخففنا من الأخبار)‪. (٤‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١١‬‬
‫‪ ٥‬الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬

‫قال المعلمي ‪ :‬كلمة )عن( ليست من لفظ الراوي الذي يذكر اسمه قبلها بل هي من لفظ من دونه ‪ ،‬كما لو قال همام ‪ :‬حدثنا قتادة عن‬
‫أنس ‪ ،‬فكلمة )عن( من لفظ همام ؛ لأنها متعلقة بكلمة حدثنا ‪ ،‬وهي من قول همام ‪ ،‬فبهذا يتضح أنه في قول همام ‪ :‬حدثنا قتادة‬
‫عن أنس ‪ ،‬لا يدري كيف قال قتادة فقد يكون قال ‪ :‬حدثني أنس أو قال أنس أو حدث أنس أو ذكر أنس أو سمعت أنسا ً‪ ،‬أو غير‬
‫ذلك من الصيغ التصريح بالسماع أو تحتمله ‪ ،‬لـكن لا يحتمل أن يكون قال بلغني أنس ‪ ،‬إذ لو بال هكذا لزم هماما ًأن يحكي لفظة أو‬
‫معناه كأن يقول ‪ :‬حدثني قتادة عمن بلغه عن أنس وإلا كان همام مدلسا ًتدليس التسو ية وهو قبيح)‪ . (٥‬انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد تأتي كلمة )عن( من قول الراوي الذي يذكر اسمه قبلها أحيانا ً‪ .‬وقد تستعمل )عن( في التعبير عن القصة ؛ كرواية يحيى‬
‫بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة عن البهزي قال ‪ :‬إن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه‬
‫وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير ‪ ،‬فذكر ذلك لرسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم فقال رسول‬
‫الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ )) :‬دعوه فإنه يوشك ظلن يأتي صاحبه (( ‪ ،‬فجاء البهزي وهو صاحبه فقال ‪ :‬شأنكم به ‪ ...‬الحديث ‪.‬‬
‫قال ابن حجر ‪ :‬وظاهر هذا يعطي أن عمير بن سلمة رواه عن البهزي ‪ ،‬وليس كذلك ‪ ،‬بل عمير بن‬
‫سلمة حضر القصة وشاهدها كلها ‪.‬‬
‫فقد رواه الليث بن سعد أن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى ابن طلحة عن عمير بن سلمة ‪ ،‬قال ‪ :‬بينما نحن مع رسول الل ّٰه‬
‫صلى اله عليه وسلم ‪ ...‬فذكر الحديث ‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حديث ابن الهاد أشبه ؛ لأن في حديث ابن الهاد ذكر البهزي ‪ ،‬والحديث عن عمير وكان المجني على الحمار البهزي)‪.(٦‬‬
‫قال موسى بن هارون ‪ :‬الظاهر أن قوله ‪ :‬عن البهزي من ز يادة يحيى بن سعيد كان أحيانا ًيقولها وأحيانا ًلا يقولها ‪ ،‬وكان هذا جائزا ً‬
‫عند المشيخة الأول أن يقولوا ‪ :‬عن فلان ‪ ،‬ولا يريدون ذلك الرواية وإنما معناه ‪ :‬عن قصة فلان)‪.(٧‬‬
‫قال الحافظ بن حجر ‪ :‬وأمثلة ذلك كثيرة ‪ ،‬ومن ٺتبعها وجد سبيلا ً إلى التعقب على أصحاب المسانيد ومصنفي الأطراف ‪ ،‬في عدة‬
‫مواضع يتعين الحمل فيها على ما وصفناه من المراد بالعنعنة ‪ .‬والل ّٰه أعلم)‪.(٨‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬السنن الأبين لابن رشيد )‪(٢ (٢). (١٧‬‬
‫)‪ (٢‬شرح علل الترمذي )‪ (٢٢١،٢٢٢‬التقييد والإيضاح للعراقي )‪٨٥‬ـ‪ (٨٦‬والنكت للحافظ ابن حجر )‪٢٢٨‬ـ‪(٣ (٣). (٢٢٩‬‬
‫)‪ (٣‬الـكفاية )‪(١ (١). (٣٩٠‬‬
‫)‪ (٤‬الـكفاية )‪(٢ (٢). (٣٩٠‬‬
‫)‪ (٥‬التنكيل )‪(٣ (٣). (١/٨٢‬‬
‫)‪ (٦‬علل أبي حاتم )‪(١ (١). (١/٢٩٩‬‬
‫)‪ (٧‬التمهيد لابن عبد البر )‪ (٢٣/٣٤٣‬النكت على كتاب ابن الصلاح )‪(٢ (٢). (٢٢٧‬‬
‫)‪ (٨‬النكت على كتاب ابن الصلاح )‪(٣ (٣). (٢٢٨‬‬

‫فصل في ثبوت الاتصال في السند‬ ‫‪٥.٣‬‬


‫فصل في ثبوت الاتصال في السند‬
‫ويثبت اتصال الإسناد من جهتين ‪:‬‬
‫الأولى ‪ :‬أن يصرح بالسماع من شيخه في رواية من رواياته عنه ‪ ،‬و يكون طر يق السماع صحيحا ً‪.‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬وكان أحمد يستنكر دخول التحديث في كثير من الأسانيد و يقول هو خطأ ‪ ،‬يعني ذكر السماع ‪ ،‬قال في رواية هدبة‬
‫عن حماد عن قتادة ثنا خلاد الجهني وهو خطأ ؛ خلاد قديم ما رأى قتادة خلادا ً ‪.‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬وحينئذ ينبغي التفطن لهذه الأمور ولا يغتر بمجرد ذكر السماع والتحديث في الأسانيد ‪ ،‬فقد ذكروا أن شعبة وجدوا له‬
‫غير شئ يذكر فيه الإخبار عن شيوخه و يكون منقطعا)‪. ً(١‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٢‬‬
‫‪ ٥‬الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬

‫وقال الإمام أحمد ‪ :‬في حديث زائدة عن السدي عن البهي قال ‪ :‬حدثتني عائشة في حديث الخمرة ‪ :‬كان عبد الرحمن قد سمعه من‬
‫زائدة فكان يدع فيه حدثتني عائشة ونكره)‪. (٢‬‬
‫والثانية ‪ :‬إذا لم يصرح بالسماع من شيخه اشترط أن تطول معاصرة الروابين عرفا ًوألا يدل عللا‬
‫الانقطاع ‪.‬‬
‫كرواية راشد بن سعد الحمصي عن ثوبان مولى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬ولم يصرح بالسماع منه في شئ من رواياته عنه فقال‬
‫الإمام أحمد ‪ :‬راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان ‪.‬‬
‫والأرجح أنه سمع منه ‪ ،‬وجزم به البخاري في التاريخ الـكبير ‪ ،‬لأنه عاصره في حمص على أقل تقدير عشر سنوات ‪ ،‬فإنه لما توفي رسول‬
‫الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم خرج ثوبان إلى الشام فنزل الرملة ‪ ،‬ثم انتقل إلى حمص وابتنى بها دارا ً ولم يزل بها إلى أن مات سنة أربع‬
‫وخمسين ـ رضي الل ّٰه عنه ـ ‪ ،‬وقد شهد راشد معركة صفين سنة سبع وثلاثين ‪ ،‬فالغالب أنه سمع منه لأنه من طلبة العلم وثوبان من‬
‫الصحابة)‪. (٣‬‬
‫قال الإمام مسلم ـ رحمه الل ّٰه ـ ‪ :‬القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما ًوحديثا ًأن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا ً‬
‫‪ ،‬وجائز ممكن له لقاءه والسماع منه لـكونهما كانا في عصر واحد وإن لم يأت خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام ؛ فالرواية ثابتة‬
‫والحجة بها لازمة ‪ ،‬ألا أن يكون دلالة بينه أن هذا الرواي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئا ً‪ ،‬فأما والأمر مبهم على الإمكان‬
‫الذي فسرناه فالرواية على السماع أبدا ً حتى تكون الدلالة التي بينا)‪. (٤‬‬
‫قال المعلمي ‪ :‬وجمعه بين جائز وممكن يشعر بأن المراد الإمكان الظاهر الذي يقرب في العادة ‪ ،‬والأمثلة الذي ذكرها مسلم واضحة في‬
‫ذلك ‪ .‬والمعنى يؤكد هذا فإنه قد ثبت أن الصيغة بحسب العرف ‪ ،‬ولا سيما عرف المحدثين وما جرى عملهم في السماع ‪ ،‬فهذا الظهور‬
‫يحتاج إلى دافع ‪ ،‬فمتى لم يعلم اللقاء فإن كان مع ذلك مستبعدا ً والظاهر عدمه فلا وجه للحمل على السماع لأن ظهور عدم اللقاء بدافع‬
‫الصيغة)‪. (٥‬‬
‫قلت ‪ :‬وينبغي إذا نفى ناقد عالم بأخبار الرواة سماع رجل من راو عاصره ألا يرد نفيه بالمعاصرة فتدقيق من دقق في ذكر السماع إنما‬
‫هو لمآخذ عدة ‪:‬‬
‫فمنها ‪ :‬أن يكون مدلسا ً‪ .‬قال يحيى بن سعيد القطان ‪ :‬قال شعبة أو غيره ‪ :‬لم يسمع قتادة من حميد بن عبد الرحمن)‪. (٦‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن يروي أن يروي عن شيخ من غير أهل بلده ‪ ،‬ولم يعلم أنه دخل إلى بلده ‪ ،‬ولا أن الشيخ قدم إلى بلد كان الراوي عنه‬
‫فيها)‪. (٧‬‬
‫قال أبو حاتم ‪ :‬في رواية ابن سيرين عن أبي الدرداء ‪ :‬لقد أدركه ولا أظنه سمع منه ‪ ،‬ذاك بالشام وهذا بالبصرة)‪. (٨‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن يدخل كثيرا ً بينه وبين شيخه واسطة)‪. (٩‬‬
‫وقال أبو حاتم ‪ :‬الزهري لم يثبت له مساع من المسور ‪ ،‬يدخل بينه وبينه سليمان بن يسار وعروة بن الزبير)‪. (١٠‬‬
‫فإن في هذه الأمور مما يدل على أن ارلاوي لم يسمع ممن حدث عنه ‪ .‬فإذا روى عمن لم يدركه زمنا ًكان ذلك دالا ًعلى إرساله بلا‬
‫شك ‪.‬‬
‫ولذلك فإن من علامة كذب الراوي أن يصرح بالسماع من رجال لم يلحقهم زمناً)‪. (١١‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬لما استعمل الرواة الـكذب استعملنا لهم التاريخ)‪ . (١٢‬فإن ثبت سماعه من شيخه كان إسناده عنه متصلا ًوإن‬
‫لم يذكر السماع ‪.‬‬
‫قال الحميدي ‪ :‬وإن لم يقل كل واحد ممن حدثه ‪ :‬سمعت أو حدثنا ‪ ،‬حتى ينتهي ذلك إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬وإن أمكن أن‬
‫يكون بين المحدث والمحدث عنه وأحد أو أكثر ‪ ،‬لأن ذلك عندي على السماع ؛ لإدراك المحدث من حدث عنه ‪ ،‬حتى ينتهي ذلك‬
‫إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬ولازم صحيح يلزمنا قبوله ممن حمله إلينا إذا كان صادقا ًمدركا ًلمن روى ذلك عنه)‪. (١٣‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٣‬‬
‫‪ ٥‬الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬

‫وقال الشافعي ‪ :‬وكان قول الرجل ‪ :‬سمعت فلانا ً يقول سمعت فلانا ً ‪ ،‬وقوله حدثني فلان عن فلان سواء عندهم ‪ ،‬لا يحدث واحد‬
‫منهم عن من لقي إلا ما سمع منه ممن عنا بهذه الطر يق قبلنا منه حدثني فلان عن فلان)‪. (١٤‬‬
‫وقال الخطيب البغدادي ـ رحمه الل ّٰه ـ ‪ :‬وأهل العلم بالحديث مجمعون على أن أقول المحدث حدثنا فلان صحيح معمول به ‪ ،‬إذا كان‬
‫شيخه الذي ذكره يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه ولقيه وسمع منه ‪ ،‬ولم يكن هذا المحدث ممن يدلس ‪ ،‬ولا يعلم أن يستجيز إذا‬
‫حدثه أحد شيوخه عن بعض من أدرك حديثا ًفلان عن فلان ـ أعني الذي لم يسمعه منه ـ لأنه الظاهر من الحديث السالم رواية‬
‫مما وصفنا الاتصال ‪ ،‬وإن كانت العنعنة هي الغالبة على الإسناد)‪. (١٥‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬شرح علل الترمذي )‪٢١٧‬ـ‪(٤ (٤). (٢١٨‬‬
‫)‪ (٢‬المراسيل لابن أبي حاتم )‪(١ (١). (١٨٨‬‬
‫)‪ (٣‬التاريخ الـكبير )‪ ، (٣/٢٩٢‬وتهذيب الـكمال )‪(٢ (٢). (٤/٤١٤‬‬
‫)‪ (٤‬مقدمة صحيح الإمام مسلم )‪(٣ (٣). (١/٢٩،٣٠‬‬
‫)‪ (٥‬التنكيل ) ‪(٤ (٤). ( ٨٠ ، ٧٩‬‬
‫)‪ (٦‬المراسيل )‪(٢ (٢). (١٤٠‬‬
‫)‪ (٧‬شرح علل الترمذي )‪(٣ (٣). (٢١٧‬‬
‫)‪ (٨‬المراسيل )‪(٤ (٤). (١٥١‬‬
‫)‪ (٩‬شرح علل الترمذي )‪(٥ (٥). (٢١٤‬‬
‫)‪ (١٠‬المراسيل )‪(٦ (٦). (١٥٣‬‬
‫)‪ (١١‬وانظر ‪ :‬الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي )‪ (١/١٣١‬وما بعدها ‪(٧ (٧).‬‬
‫)‪ (١٢‬الكامل )‪(٨ (٨). (١/٨٤‬‬
‫)‪ (١٣‬الـكفاية )‪(٩ (٩). (٢٤‬‬
‫)‪ (١٤‬الرسالة )‪(١ (١). (٣٧٩‬‬
‫)‪ (١٥‬الـكفاية )ص‪(٢ (٢). (٢٩١‬‬

‫فصل في التدليس‬ ‫‪٥.٤‬‬


‫فصل في التدليس‬
‫وإذا لم يصرح المحدث بالتحديث والسماع ممن فوقه في الإسناد اشترط لاتصاله ألا يكون مدلسا ًغلب عليه التدليس في الإسناد ‪.‬‬
‫قال الخطيب البغدادي ‪ :‬إن الإرسال للحديث ليس بإبهام من المرسل كونه سامعا ً ممن لم يسمع منه وملاقيا ً لمن لم يلقه ‪ ،‬إلا أن‬
‫التدليس متضمن للإرسال لا محالة من حيث كان المدلس ممسكا ًعن ذكر من بينه وبين من دلس عنه ‪ ،‬وإنما يفارق حاله حال المرسل‬
‫بإبهامه السماع ممن لم يسمع منه فقط ‪ ،‬وهو الموهن لأمره ‪ ،‬فوجب كون هذا التدليس متضمنا ً للإرسال ‪ ،‬والإرسال لا يتضمن‬
‫التدليس ؛ لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه ‪ ،‬ولهذا المعنى لم يذم العلماء من أرسل الحديث وذموا من دلسه)‪. (١‬‬
‫قلت ‪ :‬والتدليس من الراوي هو أن يسقط الواسطة بينه وبين من لقيه ‪ ،‬أو الواسطة بينه وبين من عاصره ولم يلقه ‪ ،‬أو يسقط شيخ‬
‫شيخه ‪ ،‬ويسوي الإسناد بعن و يصير عاليا ً‪.‬‬
‫فالأول ‪ ) :‬وهو من دلس عمن سمع منه ( ‪ :‬يشترط فيه التصريح بالسماع في كل حديث ‪ ،‬وإلا توقف في روايته ‪.‬‬
‫ولـكن تحمل روايته لازمه متصلة)‪ . (٢‬كرواية هشيم عن حصين ‪ ،‬والوليد بن مسلم عن الأوزاعي ‪ ،‬وابن جريج عن عطاء ونافع ‪.‬‬
‫قال الإمام أحمد ‪ :‬هشيم لا يكاد يسقط عليه شئ من حديث حصين ولا يكاد يدلس عن حصين)‪(٣‬‬
‫وقال مروان بن محمد ‪ :‬إذا كتبت حديث الأوزاعي عن الوليد بن مسلم فما تبالي من فاتك ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬كان الوليد بن مسلم عالما ً بحديث الأوزاعي)‪. (٤‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٤‬‬
‫‪ ٥‬الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬

‫وقال يحيى بن سعيد القطان ‪ :‬ابن جريج أثبت من مالك في نافع ‪.‬‬
‫وقال الإمام أحمد ‪ :‬عمرو بن دينار وابن جريج أثبت في عطاء)‪. (٥‬‬
‫والثاني ‪ :‬من أنواع التدليس ) وهو الإرسال بين المتعاصرين ( ‪:‬‬
‫يشترط فيه التصريح بالسماع عمن عاصره ‪ ،‬ولو في حديث واحد ؛ لأنه حينئذ قد لقيه فلا يدلس‬
‫عنه ‪ ،‬وتحمل روايته عمن سمع منه على الاتصال ‪.‬‬
‫…والمحدثون يسمون هذا الإرسال الخفي تدليسا ً‪ ،‬وكثير ممن وصف بالتدليس تدليسه من هذا النوع ‪ ،‬ومنه ‪ :‬مكحول الشامي ‪ ،‬والحسن‬
‫البصري ‪ ،‬وسعيد بن أبي عروبة ‪ ،‬وأبو إسحاق السبيعي ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ ،‬و يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبو الزبير المكي ‪ ،‬والزهري‬
‫‪ ،‬وهشيم ‪.‬‬
‫…ولذلك اشترط الإمام مسلم ـ رحمه الل ّٰه ـ في قبول العنعنة في المتعاصرين ألا يكون الراوي عمن عاصره مدلسا ً‪ ،‬حيث قال ‪ :‬وما علمنا‬
‫أحدا ً من أئمة السلف ممن يستعمل الأخبار ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها ‪ ،‬مثل أيوب السختياني وابن عون ومالك بن أنس وشعبة‬
‫بن الحجاج و يحي بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهم من أهل الحديث ‪ ،‬فتشوا عن موعد السماع في الأسانيد ‪ ،‬وإنما‬
‫كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس وشهر به ‪ ،‬فحينئذ يبحثون عن سماع‬
‫في روايته ويتفقدون ذلك منه ‪ ،‬كي تنزاح عنهم علة التدليس ‪ ،‬فمن ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي حكينا قوله فما سمعنا‬
‫ذلك عن أحد ممن سمينا ولم نسم من الأئمة)‪. (٦‬‬
‫وقال الحاكم ‪ :‬الأحاديث المعنعنة وليس فيها تدليس ‪ ،‬هي متصلة بإجماع أئمة أهل النقل ‪ ،‬على تورع رواتها عن أنواع التدليس)‪. (٧‬‬
‫والثالث ‪ ) :‬وهو تدليس التسو ية ()‪ (٨‬وهو لم يغلب على من اتصف به ‪.‬‬
‫قال أبو حاتم بن حبان ـ رحمه الل ّٰه ـ ‪ :‬قد ظهر أقوم من المتأخرين يسوقون الأخبار ‪ ،‬فإذا كان بين الثقتين ضعيف ‪ ،‬واحتمل أن يكون‬
‫الثقتان رأى أحدهما الآخر ‪ ،‬أسقطوا الضعيف من بينهما حتى يتصل الخـبر ‪،‬‬
‫فإذا سمع المستمع خبر أسام رواته ثقات اعتمد عليه وتوهم أنه صحيح)‪. (٩‬‬
‫وقال الخطيب البغدادي ـ رحمه الل ّٰه ـ ‪ :‬وربما لم يسقط المدلس اسم شيخه الذي حدثه ‪ ،‬لـكنه يسقط ممن بعده في الإسناد رجلا ًيكون‬
‫ضعيفا ً في الرواية أو صغير السن يحسن الحديث بذلك ‪ ،‬وكان سليمان الأعمش وسفيان الثوري وبقية بن الوليد يفعلون هذا)‪. (١٠‬‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫كالحديث الذي رواه إسحاق بن راهو يه عن بقية قال ‪ :‬حدثني أبو وهب الأسدي قال ‪ :‬حدثنا نافع عن ابن عمر قال ‪ :‬لا تحمدوا‬
‫إسلام المرء حتى تعرفوا رأيه ‪.‬‬
‫ل من يفهمها ‪ ،‬روى هذا الحديث عبيد الل ّٰه بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع عن‬
‫قال أبو حاتم الرازي ‪ :‬هذا الحديث له علة ق ّ‬
‫ابن عمر عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬وعبيد الل ّٰه بن عمر وكنيته أبو وهب وهو أسدي ‪ ،‬فكأن بقية بن الوليد كنى عبيد الل ّٰه بن عمرو‬
‫ونسبه إلى بني أسد لكيلا يفطن به ‪ ،‬حتى إذا ترك إسحاق ابن أبي فروة من الوسط لا يهتدى إليه ‪ ،‬وكان بقية من أفعل الناس لهذا ‪.‬‬
‫وأما ما قال إسحاق في روايته عن بقية عن أبي وهب ‪ :‬حدثنا نافع ‪ ،‬وهم ‪ .‬غير أن وجهه عندي أن إسحاق لعله حفظ عن بقية هذا‬
‫الحديث ‪ ،‬ولما يفطن لما عمل بقية من تركه إسحاق من الوسط وتكنيته عبيد الل ّٰه بن عمرو ‪ ،‬فلم يفتقد لفظة بقية في قوله حدثنا نافع أو‬
‫عن نافع)‪. (١١‬‬
‫وقال عثمان بن سعيد الدارمي ‪ :‬سئل يحيى بن معين عن الرجب يلقي الرجل الضعيف من بين الثقتين يوصل الحديث ثقة عن ثقة ‪،‬‬
‫و يقول ‪ :‬أنقص من الحديث وأصل ثقة عن ثقة يحسن الحديث بذاك ؟ فقال ‪ :‬لا يفعل ‪ ،‬لعل الحديث عن كذاب ليس بشئ ‪ ،‬فإذا‬
‫هو قد حسنه وثبته ولـكن يحدث به كما روى ‪.‬‬
‫قال عثمان ‪ :‬وكان الأعمش ربما فعل ذلك)‪. (١٢‬‬
‫وقال الدار قطني ‪ :‬الوليد بن مسلم ‪ ،‬يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٥‬‬
‫‪ ٥‬الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬

‫؛ مثل نافع وعطاء والزهري ‪ ،‬فيسقط أسماء الضعفاء و يجعلها عن الأوزاعي عن نافع ‪ ،‬وعن الأوزاعي عن عطاء والزهري يعني ‪:‬‬
‫مثل عبد الل ّٰه بن عامر الأسلمي وإسماعيل بن مسلم)‪. (١٣‬‬
‫ولا يتوقف في قبول عنعنة المدلس إلا عند من غلب عليه التدليس ‪.‬‬
‫قال يعقوب بن شيبة السدوسي ‪ :‬سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس أيكون حجة فيما لم يقل حدثنا ؟ قال ‪ :‬إذا كان الغالب عليه‬
‫التدليس فلا ‪ ،‬حتى يقول ‪ :‬حدثنا)‪. (١٤‬‬
‫وقال أبو زرعة عن مبارك بن فضالة ‪ :‬يدلس كثيرا ً ‪ ،‬فإذا قال ‪ :‬حدثنا فهو ثقة)‪.(١٥‬‬
‫وقال أبو حاتم الرازي في سويد الحدثاني ‪ :‬كان صدوقا ًوكان يدلس ‪ ،‬يكثر ذلك ‪ ،‬يعني التدليس)‪(١٦‬‬
‫قلت ‪ :‬فلا تهدر رواياته بالعنعنة ونحوها عمن سمع منهم كلها ‪ ،‬إذا كان قليل التدليس ‪ ،‬فإذا أكثر كان تدليسه قادحا ًضارا ً في الاتصال‬
‫إذا لم يذكر التحديث ‪.‬‬
‫…ومما يستدل به على قلة تدليس الراوي نزوله في حديثه عن شيوخه الذين سمع منهم ‪ .‬كرواية ابن جريج ‪ ،‬قال ‪ :‬أخبرني عبيد الل ّٰه بن‬
‫حفص أن عمر بن نافع أخبره عن نافع مولى عبد الل ّٰه)‪. (١٧‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ :‬نزل ابن جريج في هذا الإسناد درجتين ‪ ،‬وفيه دلالة على قلة تدليسه)‪. (١٨‬‬
‫وقال يعقوب بن شيبة ‪ :‬سألت يحيى بن معين عن التدليس ‪ ،‬فكرهه وعابه ‪ .‬قلت له ‪ :‬أيكون المدلس حجة فيما روى أو حتى يقول ‪:‬‬
‫حدثنا وأخبرنا ؟ فقال ‪ :‬لا يكون حجة فيما دلس)‪. (١٩‬‬
‫قلت ‪ :‬فإذا كان الراوي مكثرا ً من التدليس وروى بصيغة محتملة وأمن جانب تدليسه باستقامة حديثه سندا ً ومتنا ً قبلنا خبره ‪ ،‬وإن‬
‫كان مقلا ًوعلمنا تدليسه أو ارتبنا من سماعه من شيخه ‪ ،‬توقفنا فيه ‪ ،‬أو رددنا خبره إذا كانت الواسطة رجلا ًضعيفا ً‪.‬‬
‫قال الدار قطني ‪ :‬تجنب تدليس ابن جريج ؛ فإنه لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح ‪ ،‬مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة‬
‫وغيرهما ‪ ،‬وأما ابن عيينة فكان يدلس عن الثقات)‪. (٢٠‬‬
‫قال يعقوب بن شيبة ‪ :‬التدليس ؛ جماعة من المحدثين لا يرون به بأسا ً‪ ،‬وكرهه جماعة منهم ‪ ،‬ونحن نكرهه ‪ ،‬ومن رأى التدليس منهم‬
‫فإنما يجوزه عن الرجل الذي سمع منه ويسمع من غيره عنه ما لم يسمعه منه ‪ ،‬فيدلسه يرى أنه قد سمع منه ‪،‬ولا يكون ذلك أيضا ًعندهم‬
‫إلا عن ثقة‪،‬فأما من دلس عن غير ثقة وعمن لم يسمع هو منه فقد جاوز حد التدليس الذي رخص فيه من رخص من العلماء)‪(٢١‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وكذلك يدقق في ذكر الخـبر والسماع عندما يكون الحديث منكرا ً ‪ ،‬لا تحتمله حال الراوي ‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن أبي حاتم ‪ :‬سئل أبو زرعة عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ؟ فقال ‪ :‬روى عن ثور بن يزيد حديثين ليسا من‬
‫حديث ثور ‪ ،‬ذكر عن يحيى بن معين هذين الحديثين ‪ ،‬فقال ‪ :‬لم يذكر فيها الخـبر)‪. (٢٢‬‬
‫وقال صالح بن محمد الأسدي ‪ :‬أنكروا الخفاف حديثا ًرواه لثور بن زيد عن مكحول كريب عن ابن عباس ‪ ،‬حديثا ًفي فضل العباس ‪،‬‬
‫وما أنكروا عليه غيره ‪ ،‬فكان يحيى بن معين يقول ‪ :‬هذا موضوع وعبد الوهاب لم يقل فيه ‪ :‬حدثنا ثور ‪ ،‬ولعله دلس فيه وهو ثقة)‪(٢٣‬‬
‫‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ورواية الأئمة الحفاظ عن المدلس مما يقوي حديثه ‪ ،‬فإنهم ينتقون ويميزون وليسوا كحاطب ليل ؛ ولا يحدثون بكل ما سمعوا ‪،‬‬
‫فإنه لا يكون إماما ًفي العلم من حدث بكل ما سمع ‪.‬‬
‫قال الحاكم ‪ :‬وأخبار المدلسين كثيرة ‪ ،‬وضبط الأئمة عنهم ما لم يدلسوا ‪ ،‬والتمييز بين ما دلسوا وما لم يدلسوا ظاهر في الأخبار)‪. (٢٤‬‬
‫وقال أبو داود السجستاني ‪ :‬ربما يجئ الإسناد فيعلم من حديث غيره أنه غير متصل ‪ ،‬ولا يتنبه إلا بأن يعلم الأحاديث ‪ ،‬و يكون له فيه‬

‫معرفة ‪ ،‬فيقف عليه ‪ ،‬مثل ما يروى عن ابن جريج قال ‪ُ :‬أخبرت عن الزهري ‪ ،‬ويرو يه البرساني عن ابن جريج عن الزهري ‪ ،‬فالذي‬
‫يسمع يظن أنه متصل ‪ ،‬ولا يصح بتة)‪. (٢٥‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬الـكفاية )‪(٣ (٣). (٣٥٧‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٦‬‬
‫‪ ٥‬الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه‬

‫)‪ (٢‬انظر ‪ :‬ميزان الاعتدال )‪(٤ (٤). (٢/٢٢٤‬‬


‫)‪ (٣‬شرح علل الترمذي )‪(٥ (٥). (٣١٢‬‬
‫)‪ (٤‬تهذيب بالـكمال )‪(١ (١). (٣١/٩٣‬‬
‫)‪ (٥‬تهذيب الـكمال )‪(٢ (٢). (١٨/٣٤٨‬‬
‫)‪ (٦‬مقدمة صحيح الإمام مسلم )‪(٣ (٣). (٣٣ ، ١/٣٢‬‬
‫)‪ (٧‬معرفة علوم الحديث للحاكم )‪(٤ (٤). (٣٤‬‬
‫)‪ (٨‬شرح علل الترمذي )‪(٥ (٥). (٣٦٦‬‬
‫)‪ (٩‬كتاب المجروحين )‪(١ (١). (١/٩٤‬‬
‫)‪ (١٠‬الـكفاية )‪(٢ (٢). (٣٦٤‬‬
‫)‪ (١١‬علل الحديث لابن أبي حاتم )‪(٣ (٣). (١٥٥ ، ١/١٥٤‬‬
‫)‪ (١٢‬تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي ‪ ،‬برقم )‪(٤ (٤). (٩٥٢‬‬
‫)‪ (١٣‬تهذيب الـكمال )‪ ، ( ٣١/٩٧‬وانظر كتاب الضعفاء والمتروكين )‪(٥ (٥). (١٨٧‬‬
‫)‪ (١٤‬الـكفاية )‪(١ (١). (٣٦٢‬‬
‫)‪ (١٥‬الجرح والتعديل )‪(٢ (٢). (٨/٣٣٩‬‬
‫)‪ (١٦‬الجرح والتعديل )‪(٣ (٣). (٤/٢٤٠‬‬
‫)‪ (١٧‬صحيح البخاري )‪(٤ (٤). (٥٩٢٠‬‬
‫)‪ (١٨‬فتح الباري )‪(٥ (٥). (١٠/٣٧٧‬‬
‫)‪ (١٩‬الكامل لابن عدي )‪ ، (١/٣٤‬والـكفاية )‪(٦ (٦). (٣٦٢‬‬
‫)‪ (٢٠‬سؤالات الحاكم )‪ ، (٢٦٥‬وتهذيب التهذيب )‪(٧ (٧). (٦/٣٥٥‬‬
‫)‪ (٢١‬الـكفاية )‪(٨ (٨). (٣٦٢‬‬
‫)‪ (٢٢‬الجرح والتعديل )‪(١ (١). (٦/٧٢‬‬
‫)‪ (٢٣‬تاريخ بغداد )‪(٢ (٢). (٢٤ ، ١١/٢٣‬‬
‫)‪ (٢٤‬المدخل إلى كتاب الإكليل )‪(٣ (٣). (٤٠‬‬
‫)‪ (٢٥‬رسالة إلى داود إلى أهل مكة )‪(٤ (٤). (٥٣‬‬

‫فصل حكم الحديث إذا علمنا الساقط من السند‬ ‫‪٥.٥‬‬


‫فصل حكم الحديث إذا علمنا الساقط من السند‬
‫فإن علمنا الواسطة المسقطة فبحسبها ‪ ،‬فإن كانت ثقة قبلنا الخـبر ؛ ولأجل ذلك قبلنا عنعنة من لا يدلس إلا عن الثقات ‪ ،‬كسفيان‬
‫بن عيينة ‪.‬‬
‫ومن ذلك صحة رواية أبي الزبير المكي عن جابر ‪ ،‬قيل ‪ :‬إنه يدلس ‪ ،‬فالواسطة ـ إن دلس ـ سليمان بن قيس وهو ثقة)‪. (١‬‬
‫وكما روى حصين بن عبد الرحمن ومنصور بن المعتمر وعمرو بن مرة كلهم عن سالم بن أبي الجعد ) مرسلا ً ( عن عمر بن الخطاب‬
‫رضي الل ّٰه عنه أنه خطب يوم الجمعة ‪ ،‬وذكر في خطبته ‪ :‬الخلافة والكلالة وكراهية الثوم والبصل ‪.‬‬
‫رواه شعبة وهشام وسعيد بن عروبة عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن عمر بن الخطاب)‪. (٢‬‬
‫وهذا الاختلاف ليس من قبيل الوهم ؛ إذ أن سالما ً كثر الإرسال ‪ ،‬فربما أرسل الحديث ‪ ،‬وربما وصله ‪ ،‬فبين قتادة الواسطة بين‬
‫سالم وبين عمر بن الخطاب ‪ ،‬وهي معدان بن أبي طلحة ‪ ،‬وهو ثقة ولذلك أخرج الحديث الإمام مسلم في طر يقه ‪.‬‬
‫قال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬وإنم قبلنا أخبار أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ما رووها عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم وإن لم يبينوا‬
‫السماع في كل ما رووا ‪ ،‬وبيقين نعلم أن أحدهم ربما سمع الخـبر عن صحابي آخر ورواه عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم من غير ذلك الذي‬
‫سمعه منه ؛ لأنهم رضي الل ّٰه عنهم أجمعين كلهم أئمة سادة قادة عدول نزه اله عز وجل أقدار أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٧‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وسلم عن أن يلزق بهم الوهن)‪. (٣‬‬


‫وعن حميد الطو يل أن أنس بن مالك ربما سئل إذا حدث فيقال له ‪ :‬أنت سمعت هذا من رسول الل ّٰه ؟ فيغضب ثم يقول ‪ :‬ما كل ما‬
‫نحدثكم سمعناه من رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم وما كان بعضنا يكذب على بعض)‪. (٤‬‬
‫وقال قتادة عن أنس فذكر حديثا ًفي تحريم الخمر ‪ ،‬فقال رجل لأنس ‪ :‬أنت سمعت من رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬نعم أو‬
‫حدثني من لا يكذب ‪ ،‬والل ّٰه ما كنا نكذب ولا ندري ما الـكذب)‪. (٥‬‬
‫قال الأثرم ‪ :‬قلت لأبي عبد الل ّٰه أحمد بن حنبل ‪ :‬إذا قال رجل من التابعين ‪ :‬حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم‬
‫فالحديث صحيح ؟ قال ‪ :‬نعم)‪. (٦‬‬
‫وقال الحسين بن إدريس ‪ :‬سألت محمد بن عبد الل ّٰه بن عمار ‪ ،‬إذا كان الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم أيكون‬
‫حجة ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وإن لم يسمه فإن جميع أصحاب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم كلهم حجة)‪. (٧‬‬
‫وقد روى البخاري عن الحميدي قال ‪ :‬إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم فهو حجة وإن لم يسم‬
‫ذلك الرجل)‪. (٨‬‬
‫وإذا لم يكن الرجل المبهم في الإسناد صحابيا ً‪ ،‬فهو في معنى المنقطع ؛ لجهالة الراوي)‪ ، (٩‬وهو ضعيف‬
‫وقال ابن رجب ‪ :‬إن الحافظ إذا روى عن ثقة لا يكاد يترك اسمه بل يسميه ‪ ،‬فإذا ترك اسم الراوي دل إبهامه على أنه غير مرضي ‪،‬‬
‫وقد كان يقول ذلك الثوري وغيره كثيرا ً يكون عن الضعيف ولا يسمونه ‪ ،‬بل يقولون عن الرجل ‪ ،‬وهذا معنى قول القطان ‪ :‬لو كان‬
‫فيه إسناد لصاح به ‪ ،‬يعني لو كان عن ثقة لسماه وأعلن باسمه)‪. (١٠‬‬
‫وإذا عرف المبهم فعلى حاله ‪ .‬والل ّٰه اعلم ‪.‬‬
‫***‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬الجرح والتعديل )‪(٥ (٥). (٤/١٣٦‬‬
‫)‪ (٢‬صحيح مسلم )‪ ، (٥٦٧‬وانظر التتبع للدار قطني )ص‪(١ (١). (٢٧٢،٢٧٣‬‬
‫)‪ (٣‬الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان )‪(٢ (٢). ( ١٦٢ ، ١/١٦١‬‬
‫)‪ (٤‬الكامل لابن عدي )‪(٣ (٣). (١/١٥٧‬‬
‫)‪ (٥‬الكامل لابن عدي )‪(٤ (٤). (١/١٥٩‬‬
‫)‪ (٦‬الـكفاية )‪(٥ (٥). (٤١٥‬‬
‫)‪ (٧‬الـكفاية )‪(٦ (٦). (٤١٥‬‬
‫)‪ (٨‬التقييد والإيضاح )‪(١ (١). (٧٤‬‬
‫)‪ (٩‬انظر ‪ :‬معرفة علوم الحديث للحاكم )‪(٢ (٢). (٢٨ ، ٢٧‬‬
‫)‪ (١٠‬شرح علل الترمذي )‪(٣ (٣). (١٧٦‬‬

‫الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬ ‫‪٦‬‬


‫الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬
‫وفيه عشرة فصول‬
‫…الأول ‪ :‬البحث عن أحوال الرواة ومعرفة ضبطهم وعدالتهم ‪.‬‬
‫…الثاني ‪ :‬عدالة الرواة ‪.‬‬
‫…الثالث ‪ :‬الرواة الموصوفون بالبدعة ‪.‬‬
‫…الرابع ‪ :‬ضبط الرواة للحديث ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٨‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫…الخامس ‪ :‬الصحابة رضي الل ّٰه عنهم ‪.‬‬


‫…السادس ‪ :‬فيمن دون الصحابة ‪.‬‬
‫…السابع ‪ :‬المجهول ‪.‬‬
‫…الثامن ‪ :‬من تقبل ورايته في بعض الأحوال دون بعض ‪.‬‬
‫…التاسع ‪ :‬قواعد الجرح والتعديل ‪.‬‬
‫…العاشر ‪ :‬كيف كان حال الحفاظ ينتقدون الراوي في ضبطه ؟‬

‫فصل في البحث عن أحوال الرواة ومعرفة ضبطهم وعدالتهم‬ ‫‪٦.١‬‬

‫فصل في البحث عن أحوال الرواة ومعرفة ضبطهم وعدالتهم‬


‫قال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬وقد عاب بعض من لا يفهم على أصحاب الحديث الكلام في الرجال ‪ ،‬وثد وجدنا غير واحد من الأئمة من‬
‫التابعين قد تكلموا في الرجل منهم الحسن البصري وطاوس تكلمنا في معبد الجهني ‪ ،‬وتكلم سعيد بن جبير في طلق بن حبيب وتكلم‬
‫إبراهيم النخعي والشعبي في الحارث الأعور ‪.‬‬
‫وهكذا روى عن أيوب السختياني وعبد الل ّٰه بن عون وسليمان التيمي وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي‬
‫وعبد الل ّٰه بن المبارك و يحي بن سعيد القطان ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬وغيرهم من أهل العلم ‪ ،‬أنهم تكلموا في الرجال‬
‫وضعفوا ‪.‬‬
‫وإنما حملهم على ذلك عندنا ـ والل ّٰه أعلم النصيحة للمسلمين لا يظن بهم إنهم أرادوا الطعن على الناس أو الغيبة ‪ ،‬إنما أرادوا عندنا أن‬
‫يبينوا ضعف هؤلاء لـكي يعرفوا لأن بعض الذين ضعفوا كان أصحاب بدعة ‪ ،‬وبعضهم كان متهما ًفي الحديث ‪ ،‬وبعضهم كانوا أصحاب‬
‫غفلة وكثرة خطأ ‪ ، ،‬فأراد هؤلاء الأئمة أن يبينوا أحوالهم شفقة على الدين وٺثبيتا ً ؛ لأن الشهادة في الدين أحق أن يثبت فيها من‬
‫الشهادة في الحقوق والأموال)‪. (١‬‬
‫وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ‪ :‬فلما لم نجد سبيلا ًإلى معرفة شئ من معاني كتاب الل ّٰه ولا من سنن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه‬
‫وسلم إلا من جهة النقل والرواية ؛ وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والتثبت والإتقان منهم ‪ ،‬وبين أهل‬
‫الغفلة والوهم وسوء الحفظ والـكذب واختراع الأحاديث الكاذبة)‪. (٢‬‬
‫وقال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬فالواجب على كل من انتحل العلم أو نسب إليه حفظ سسن المصطفى صلى الل ّٰه عليه وسلم والتفقه فيها ‪ ،‬ولا‬
‫حيلة لأحد في السبيل إلى حفظها إلا بمعرفة تاريخ المحدثين ومعرفة الضعفاء منهم من الثقات ؛ لأنه متى لم يعرف ذاك لم يحسن تمييز‬
‫الصحيح من السقيم ‪ ،‬ولا‬
‫عرف المسند من المرسل والموقوف من المنقطع)‪. (٣‬‬
‫قال أبو زرعة الدمشقي ‪ :‬سمعت أبا مسهر يُسأل عن الرجل يغلط ويهم و يصحف ؟ فقال ‪ :‬بين أمره ‪ .‬فقلت لأب مسهر ‪ :‬أترك ذلك‬
‫من غيبة ؟ قال ‪ :‬لا)‪. (٤‬‬
‫وقال عفان بن مسلم ‪ :‬كنا عند إسماعيل بن علية فحدث رجل عن رجل ‪ .‬فقلت ‪ :‬إن هذا ليس بثبت ‪ .‬فقال الرجل ‪ :‬اغتبته ‪ .‬قال‬
‫إسماعيل ‪ :‬ما اغتابه ولـكنه حكم أنه ليس بثبت)‪. (٥‬‬
‫وقال يحيى بن سعيد ‪ :‬سألت سفيان وشعبة ومالك وابن عيينة عن الرجل يتهم أو لا يحفظ ؟ قالوا ‪ :‬جميعا ً‪ :‬بين أمره)‪. (٦‬‬
‫وقال محمد بن بندار السباك الجرجاني ‪ :‬قلت لأحمد بن حنبل ‪ :‬إنه ليشتد على أن أقول ‪ :‬فلان ضعيف ‪ ،‬فلان كذاب ‪ ،‬فقال أحمد ‪:‬‬
‫إذا سكت أنت وسكت أنا ‪ ،‬فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم!؟)‪ . (٧‬انتهى ‪.‬‬
‫ولذلك فإن فرسان الحديث وحماة السنة متوقون ‪ ،‬يندر التجازف والتساهل في أحكامهم ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪١٩‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫قال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬لا يتهيأ إطلاق العدالة على من ليس نعرفه بها يقينا ً‪ ،‬فيقبل ما انفرد به ‪ ،‬فعسى نحل الحرام ونحرم الحلال‬
‫برواية من ليس بعدل ‪ ،‬أو نقول على رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ما لم يقل اعتمادا ً منا على رواية من ليس بعدل عندنا ‪.‬‬
‫كما لا يتهيأ إطلاق الجرح على من ليس يستحقه بإحدي أسبابه ‪ ،‬وعائذ بالل ّٰه من هذين الخصلتين أن نجرح العدل أو نعدل المجروح من‬
‫غير يقين ‪ .‬وتسأل الل ّٰه الستر)‪. (٨‬‬
‫وقال ‪ :‬ولسنا ممن يطلق الكلام على الجزاف ‪ ،‬بل نعطي كل شيخ قسطه ‪ ،‬وكل راو حظه ‪ ،‬والل ّٰه الموفق لذلك المان بما يجب من‬
‫القول والفعل معاً)‪. (٩‬‬
‫قال الإمام الشافعي رحمه الل ّٰه ‪ :‬من غرف من أهل العراق ومن أهل بلدنا بالصدق والحفظ قبلنا حديثه ‪ ،‬ومن عرف منهم ومن أهل‬
‫بلدنا بالغلط رددنا حديثه ‪ ،‬وما حابينا أحدا ً ولا حملنا عليه)‪. (١٠‬‬
‫وقال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬قد سئل علي بن المديني عن أبيه ‪ .‬فقال ‪ :‬أسألوا غيري ‪ .‬فقالوا ‪ :‬سألناك ‪ :‬فأطرق ثم رفع رأسه وقال ‪:‬‬
‫هذا هو الدين ‪ ،‬أبي ضعيف)‪. (١١‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬كتاب العلل الصغير )‪ ( ٧٣٩ ، ٧٣٨‬المطبوع بآخر الجامع ( ‪(١ (١).‬‬
‫)‪ (٢‬تقدمة الجرح والتعديل )‪(٢ (٢). (٥‬‬
‫)‪ (٣‬كتاب الثقات لابن حبان )‪(٣ (٣). (١/٨‬‬
‫)‪ (٤‬الـكفاية )‪(٤ (٤). (٤٥‬‬
‫)‪ (٥‬مقدمة صحيح مسلم )‪(١ (١). (٢٦‬‬
‫)‪ (٦‬الكامل لابن عدي )‪ . (١/٦٧‬وانظر له رواية أخرى في ‪ :‬مقدمة صحيح مسلم )‪(٢ (٢). (١٧‬‬
‫)‪ (٧‬الـكفاية )‪ ، (٤٦‬وفي ذلك عبرة لمحدثي زماننا ؛ لأننا لا نعلم صحيح النقل من سقيمه إلا بالنظر في كلام أولئ كالجهابذة ‪ ،‬لا‬
‫بتمييز مكن منا ) فاعتبروا يأولي الألباب ( ‪(٣ (٣).‬‬
‫)‪ (٨‬كتاب المجروحين )‪(٤ (٤). (٢/٢٨‬‬
‫)‪ (٩‬الثقات )‪(٥ (٥). (٦/٢١٨‬‬
‫)‪ (١٠‬الكامل لابن عدي )‪(٦ (٦). (١/١١٥‬‬
‫)‪ (١١‬كتاب المجروحين )‪ . (٢/١٥‬وانظر ‪ :‬كتاب علم الرجال وأهميته للعلامة المعلمي )‪(٧ (٧). (٣٠‬‬

‫فصل عدالة الرواة‬ ‫‪٦.٢‬‬


‫فصل عدالة الرواة‬
‫وأهل الحديث رحمهم الل ّٰه عندما تكلموا في الرجال بحثوا في صفتين ‪:‬‬
‫الأولى ‪ :‬العدالة ‪:‬‬
‫قال أبو عبد الل ّٰه الحاكم ـ رحمه الل ّٰه ـ ‪ :‬أصل عدالة المحدث أن يكون مسلما ًلا يدعو إلى بدعة ولا يعلن من أنواع المعاصي ما تسقط به‬
‫عدالته)‪. (١‬‬
‫وسئل ابن المبارك عن العدل فقال ‪ :‬من كان فيه خمس خصال ‪ :‬يشهد الجماعة ‪ ،‬ولا يشرب هذا الشراب ‪ ،‬ولا تكون في دينه خربة‬
‫‪ ،‬ولا يكذب ‪ ،‬ولا يكون في عقله شئ)‪. (٢‬‬
‫وروي عن أبي هريرة وابن عباس والحسن البصري وزيد بن أسلم وابن سيرين وإبراهيم النخعي والضحاك بن مزاحم أنهم قالوا ‪ :‬إن‬
‫هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه)‪. (٣‬‬
‫وقال يحيى بن معين ‪ :‬آلة الحديث الصدق ‪ ،‬والشهرة بالطلب ‪ ،‬وترك البدع ‪ ،‬واجتناب الكبائر)‪. (٤‬‬
‫وهي شرط في قبول حديث الراوي صيانة لحديث رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم عن الـكذب ‪ ،‬إذ الفاسق لا يوثق به لعدم تحرزه من‬
‫الـكذب ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٠‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫قال يزيد بن هارون ‪ :‬لا يجوز حديث الرجل حتى تجوز شهادته)‪. (٥‬‬
‫قلت ‪ :‬وأما عدالته الباطنة ـ التي لا يعلمها إلا الل ّٰه ـ فلسنا نبحث عنها ‪.‬‬
‫قال ابن حبان ‪ :‬العدل من لم يعرف منه الجرح ضد التعديل ‪ ،‬فمن لم يعلم بجرح فهو عدل إذا لم يبېن ضده إذ لم يكلف الناس معرفة‬
‫ما غاب منهم وإنما كلفوا حكم الظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم)‪. (٦‬‬
‫وقوله ‪ ) :‬فمن لم يعلم بجرح فهو عدل ( ‪ ،‬مقيد عنده بالمشاهير ‪ ،‬قال ابن حبان ‪ :‬إذ الناس أحوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين‬
‫منهم ما يوجب الجرح ‪ ،‬هذا حكم المشاهير من الرواة)‪. (٧‬‬
‫وروى أبو زرعة عن ابن جابر قوله ‪ :‬لا يؤخذ هذا العلم إلا عمن شهد له بالطلب ‪ ،‬قال أبو زرعة ‪ :‬فسمعت أبا مسهر يقول ‪ :‬إلا جليس‬
‫العالم فإن ذلك طلبه ‪.‬‬
‫قال الخطيب البغدادي ‪ : :‬أراد أبا مسهر بهذا القول أن من عرفت مجلسته للعلماء وأخذه عنهم أغنى ظهور ذلك من أمره أن يسأل‬
‫عن حاله ‪ .‬والل ّٰه أعلم)‪. (٨‬‬
‫قال الوليد بن مسلم ‪ :‬اجتمعت أنا وابن المبارك ومروان الفزاري عند سفيان الثوري وسعيد بن سالم القداح إذ جاء سفيان بن عيينة‬
‫فتذاكرنا ‪ :‬من العدل في الإسلام ؟ فكلنا نظرنا إلى سفيان الثوري أن يتكلم فبادر عبد الل ّٰه بن المبارك فقال ‪ :‬من رضيه أهل العلم‬
‫فكتبوا عنه حديثه فهو عدل جائز الشهادة ‪ .‬فتبسم سفيان الثوري وقال ‪ :‬أحسن والل ّٰه أبو عبد الرحمن)‪. (٩‬‬
‫وقد جرى على ذلك الإمام أبو عمر بن عبد البر ‪ ،‬فقال ‪ :‬كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدا ً على العدالة ‪،‬‬
‫حتى ٺتبين جرحته في حاله ‪ ،‬أو في كثرة غلطه)‪. (١٠‬‬
‫أما الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخـبرة بعدالتهم فيكتفي فيهم بالعدالة الظاهرة ؛ وهي الإسلام وعدم العلم بالمفسق ؛ لأن‬
‫الأصل في المسلمين السلامة في العصور المتقدمة ‪.‬‬
‫قال المعلمي رحمه الل ّٰه تعالى ‪ :‬وقد صرح ابن حبان بأن المسلمين على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح ‪ ،‬نص على‬
‫ذلك في الثقات وذكره ابن حجر في اللسان)‪ (١١‬واستغربه ولو تدبر لوجد كثيرا ً من الأئمة يبنون عليه فإذا وجد أحدهم أحاديث الراوي‬
‫فوجدها مستقيمة تدل على صدق وضبط ولم يبلغ ما يوجب طعنا ً في دينه وثقة وربما تجاوز بعضهم هذا كما سلف وربما بنى بعضهم‬
‫على هذا حتى في أهل بلده)‪ . (١٢‬انتهى كلامه ‪.‬‬
‫قال ابن الصلاح ‪ :‬ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة ‪ ،‬في غير واحد من الرواة الذين تقادم‬
‫العهد بهم ‪ ،‬وتعذرت الخـبرة الباطنة بهم ‪ ،‬والل ّٰه أعلم)‪ . (١٣‬انتهى ‪.‬‬
‫قال إبراهيم النخعي ‪ :‬كان يقال العدل من المسلمين من لم تظهر منه ريبة)‪. (١٤‬‬
‫وقال عطاف بن خالد ‪ :‬حدث زيد بن أسلم بحديث ‪ ،‬فقال له رجل ‪ :‬يا أبا أسامة عن من هذا ؟ قال ‪ :‬يا ابن أخي ما كنا نجالس‬
‫السفهاء)‪. (١٥‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ :‬كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام ‪ ،‬فأتفقد صلاته ‪ ،‬فإن أجده يحسنها و يقيمها ‪ ،‬أقمت عليه وكتبت عنه ‪ ،‬وإن‬
‫أجده يضيعها رحلت عنه ‪ ،‬وقلت ‪ :‬هذا لغير الصلاة أضيع)‪. (١٦‬‬
‫وقال الإمام مالك بن أنس ‪ :‬لم يقدم علينا أحد من أهل العراق يشبه أيوب السختياني ‪ ،‬قدم بلادنا فلم يسمع إلا ممن عندنا ثقة مأمون‬
‫‪ ،‬وقد كان غيره يقدم فيسمع ممن لا تجوز شهادتهم على حزمة كرات ‪،‬فعلمنا أن علمه في الموضع الذي يعرف أنه نقي كما أنه في الموضع‬
‫الذي لا يعرف أنه نقي)‪(١٧‬‬
‫و يقدح في عدالة الراوي الفسق ‪ ،‬وهو على قسمين ‪:‬‬
‫الأول ‪ :‬الفسق بالقول والعمل ـ كالزنا وشرب الخمر والعياذ بالل ّٰه ـ ومن تلبس به لا تقبل روايته مطلقا ً‪ ،‬ولا يوثق ‪.‬‬
‫قال ابن إدريس ‪ :‬لا يسمع الحديث ممن شرب المسكر ‪ ،‬ولا كرامة)‪. (١٨‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢١‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وقال الإمام مالك ‪ :‬لا يؤخذ العلم من أربعة ‪ ،‬وخذوا ممن سوى ذلك ‪ :‬لا يؤخذ من سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس ‪ ،‬ولا‬
‫من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ‪ ،‬ولا من كذاب يكذب في أحاديث الناس ‪ ،‬وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الل ّٰه‬
‫‪ ،‬ولا من شيخ له عبادة وفضل ‪ ،‬إذ كان لا يعرف ما يحدث)‪. (١٩‬‬
‫قال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬ومن المجروحين المعلن بالفسق والسفه وإن كان صدوقا ًغي روايته ‪ ،‬؛ لأن الفاسق لا يكون عدلا ً‪ ،‬والعدل‬
‫لا يكون مجروحا ً‪ ،‬ومن خرج عن حد العدالة لا يعتمد على صدقه ‪ ،‬وإن صدق في شئ بعينه في حاله من الأحوال إلا أن يظهر عليه‬
‫ضد الجرح حتى يكون أكثر أحواله طاعة الل ّٰه عز وجل ‪ ،‬فحينئذ يحتج به بخـبره ‪ ،‬فأما ظهور ذلك فعلاً)‪. (٢٠‬‬
‫وقال أيضا ً ‪ :‬لأن العدل إذا ظهر عليه أكثر أمارات الجرح استحق الترك ‪ ،‬كما أن من ظهر عليه أكثر علامات التعديل استحق‬
‫العدالة)‪. (٢١‬‬
‫وقال الحافظ الذهبي ‪ :‬ما كل أحد فيه بدعة أو هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه ‪ ،‬ولا من شرط الثقة أن يكون معصوماً)‪(٢٢‬‬
‫‪.‬‬
‫قال سعيد بن المسيب ‪ :‬ليس من شر يف ولا من عالم ولا ذي سلطان إلا وفيه عيب ولا بد ‪ ،‬ولـكن من الناس لا تذكر عيوبه ؛ من‬
‫كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله)‪. (٢٣‬‬
‫وقال الإمام الشافعي ‪ :‬لا أعلم أحدا ً أعطى طاعة الل ّٰه حتى لم يخلطها بمعصية الل ّٰه إلا يحيى بن زكر يا عليه السلام ‪ ،‬ولا عصى الل ّٰه فلم‬
‫يخلطها بطاعة ‪ ،‬فإذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدل ‪ ،‬وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح)‪. (٢٤‬‬
‫قلت ‪ :‬أما من وقع في المعصية وهو متأول فلا يجرح في عدالته ؛ لأن وقوعه في المحرم ليس من قبيل العناد واتباع الشهوات ‪ ،‬بل‬
‫بسبب خطئه في الاجتهاد ‪.‬‬
‫قال أبو حاتم الرازي ‪ :‬جاريت أحمد بن حنبل من شرب النبيذ من محدثي الـكوفة وسميت له عددا ً منهم فقال ‪ :‬هذه زلات لهم ولا‬
‫تسقط بزلاتهم عدالتهم)‪. (٢٥‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬معرفة علوم الحديث )‪(١ (١). (٥٣‬‬
‫)‪ (٢‬الـكفاية )‪(٢ (٢). (٧٩‬‬
‫)‪ (٣‬كتاب المجروحين )‪(٣ (٣). (٢٣ ، ١/٢١‬‬
‫)‪ (٤‬الـكفاية )‪ ، (١٠١‬والجامع للخطيب )‪(٤ (٤). (١/١٢٨‬‬
‫)‪ (٥‬الجرح والتعديل )‪(٥ (٥). (٢/٣١‬‬
‫)‪ (٦‬الثقات )‪(٦ (٦). (١/١٣‬‬
‫)‪ (٧‬كتاب المجروحين )‪(٧ (٧). (١٩٣ ، ٢/١٩٢‬‬
‫)‪ (٨‬الـكفاية )‪(١ (١). (٨٨‬‬
‫)‪ (٩‬الكامل لابن عدي )‪(٢ (٢). (١/١٠٤‬‬
‫)‪ (١٠‬التمهيد )‪(٣ (٣). (١/٢٨‬‬
‫)‪ (١١‬لسان الميزان )‪(٤ (٤). (١/٩٣‬‬
‫)‪ (١٢‬التنكيل )‪(٥ (٥). (١/٦٧‬‬
‫)‪ (١٣‬مقدمة ابن الصلاح )‪(٦ (٦). (٥٣‬‬
‫)‪ (١٤‬السنن الـكبرى للبيهقي )‪(٧ (٧). (١٠/١٢٤‬‬
‫)‪ (١٥‬الكامل لابن عدي )‪(٨ (٨). (١/١٥٨‬‬
‫)‪ (١٦‬الكامل لابن عدي )‪(١ (١). (١/٥٤‬‬
‫)‪ (١٧‬الكامل لابن عدي )‪(٢ (٢). (١/٦١‬‬
‫)‪ (١٨‬كتاب المجروحين )‪(٣ (٣). (١/٢٣‬‬
‫)‪ (١٩‬الكامل لابن عدي )‪(٤ (٤). (١/٩٢‬‬
‫)‪ (٢٠‬كتاب المجروحين )‪(٥ (٥). (١/٧٩‬‬
‫)‪ (٢١‬كتاب المجروحين )‪(٦ (٦). (٧٧ ، ١/٧٦‬‬
‫)‪ (٢٢‬ميزان الاعتدال )‪(٧ (٧). (٣/١٤١‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٢‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫)‪ (٢٣‬الـكفاية )‪(١ (١). (٧٩‬‬


‫)‪ (٢٤‬الـكفاية )‪(٢ (٢). (٧٩‬‬
‫)‪ (٢٥‬الجرح والتعديل )‪(٣ (٣). (٢/٢٦‬‬

‫فصل الرواة الموصوفون بالبدعة‬ ‫‪٦.٣‬‬


‫فصل الرواة الموصوفون بالبدعة‬
‫الثاني ‪ :‬الفسق بالاعتقاد ‪:‬‬
‫وهو أصحاب البدع ‪ ،‬من الخوارج والقدر ية والشيعة والمرجئة وغيرهم ‪ .‬فهؤلاء إن أخرجتهم بدعتهم عن حد العدالة فلا يقبل حديثه‬
‫‪ .‬والل ّٰه أعلم ‪.‬‬
‫قال الإمام مسلم بن الحجاج ‪ :‬واعلم ـ وفقك الل ّٰه تعالى ـ أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها ‪ ،‬وثقات‬
‫الناقلين لها من المتهمين ‪ ،‬أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه ‪ ،‬والستارة في ناقليه ‪ ،‬وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم‬
‫والمعاندين من أهل البدع ‪.‬‬
‫والدليل على أن الذي قلنا من هذا ‪ ،‬هو اللازم دون ما خالفه قول الل ّٰه عز وجل ذكره ‪ ) :‬يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ‬
‫فتبينوا أن تصيبوا قوما ً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ( ] الحجرات ‪ . (٦:‬وقال جل ثناؤه ‪ ) :‬ممن ترضون من الشهداء ( ] البقرة‬
‫‪ . [٢٨٢:‬وقال عز وجل ‪ ) :‬وأشهدوا ذوى عدل منكم ( ] الطلاق ‪. [٢:‬‬
‫فدل بما ذكرنا من هذه الآيات أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول ‪ ،‬وأن شهادة غير العدل مردودة ‪.‬‬
‫والخـبر وإن فارق معنى الشهادة ؛ فقد يجتمعان في اعظم معانيها ؛ إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عن أهل العلم كما أن شهادته مردودة‬
‫عن جميعهم)‪. (١‬‬
‫قال ابن حبان ‪ :‬ومن المجروحين ‪ ،‬المبتدع إذا كان داعية يدو الناس إلى بدعته حتى صار إماما ً يقتدى به في بدعته ويرجع إليه في‬
‫ضلالته كغيلان ‪ ،‬وعمرو بن عبيد ‪ ،‬وجبر الجعفي ‪ ،‬وذويهم)‪. (٢‬‬
‫قال ابن الجنيد ‪ :‬سأل رجل يحيى عن يونس بن خباب ؟ فقال ‪ :‬ليس بذاك ‪ ،‬كان يشتم أصحاب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬كان يشتم‬
‫عثمان ‪ ،‬ومن شتم أصحاب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم فليس بثقة)‪. (٣‬‬
‫فالبدعة قادحة في العدالة ؛ إلا أن التأول لا يجعله من المعاندين ‪ ،‬ومن ثبت صدقه لا يخشى منه الـكذب ‪ ،‬فلنا حديثه وعليه بدعته ‪.‬‬
‫فيقبل حديث الثقات ممن رمى ببدعة سواء كان داعية إلى بدعته أو غير داعية ‪ ،‬ما دام متأولا ًغير معاند ‪ ،‬إذا لم يرو حديثا ًمنكرا ً يؤيد‬
‫بدعته ‪.‬‬
‫قال الجوزجاني ‪ :‬وكان قوم يتكلمون في القدر منهم من يزن)‪ (٤‬ويتوهم عليه ‪ ،‬احتمل الناس حديثهم لما عرفوا من اجتهادهم في الدين‬
‫وصدق ألسنتهم وأمانتهم في الحديث ‪ ،‬لم يتوهم عليهم الـكذب ‪ ، ،‬وإن بلوا بسوء رأيهم)‪.(٥‬‬
‫وقال سليمان بن أحمد الواسطي ‪ :‬قلت لعبد الرحمن بن مهدي ‪ :‬سمعتك تحدث عن رجل ‪ ،‬أصحابنا يكرهون الحديث عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬من‬
‫هو ؟ قلت ‪ :‬محمد ابن راشد الدمشقي ‪ .‬قال ‪ :‬ولم ؟ قلت ‪ :‬كان قدر يا ً‪ .‬فغضب وقال ‪ :‬ما يضره)‪. (٦‬‬
‫وقال الحـين بن إدريس ‪ :‬وسألته ـ يعني محمد بن عبد الل ّٰه بن حماد الموصلي ـ عن علي بن غراب ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان صاحب حديث بصيرا ً‬
‫به ‪ ،‬قلت ‪ :‬أليس هو ضعيف ؟ قال ‪ :‬إنه كان يتشيع ولست أنا بتارك الرواية عن رجل صاحب حديث يبصر الحديث ‪ ،‬بعد أن‬
‫لا يكون كذوبا ًللتشيع أو القدر ‪ ،‬ولست براو عن رجل لا يبصر الحديث ولا يعقله ‪ ،‬ولو كان أفضل من فتح ـ يعني الموصلي)‪ (٧‬ـ‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لأن العبرة بضبطه للحديث ‪ ،‬وترك حديثه الصحيح رد للسنة النبو ية ‪ ،‬كما قال الذهبي في أبان بن تغلب ‪ :‬كوفي شيعي جلد ‪،‬‬
‫لـكنه صدوق ‪ ،‬قلنا صدقه وعليه بدعته)‪. (٨‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٣‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وقال علي بن المديني ‪ :‬قلت ليحيى بن سعيد القطان ‪ :‬إن عبد الرحمن بن مهدي قال ‪ :‬أنا أترك من أهل الحديث ممن كان رأسا ً في‬
‫البدعة ‪ ،‬فضحك يحيى بن سعيد فقال ‪ :‬كيف يصنع بعمر بن ذر الهمداني وبابن أبي رواد ؟ ! وع ّد يحيى قوما ًأمسكت عن ذكرهم ‪،‬‬
‫ثم قال يحيى ‪ :‬إن ترك عبد الرحمن بن مهدي هذا الضرب ترك خيرا ً كثيراً)‪. (٩‬‬
‫وقال ابن المديني ‪ :‬لو تركت أهل البصرة لحال القدر ولو تركت أهل الـكوفة لذلك الرأي ـ يعني التشيع ـ لخربت الـكتب ‪ .‬قال‬
‫الخطيب ‪ :‬قوله خربت الـكتب يعني لذهب الحديث)‪. (١٠‬‬
‫وقال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬ولو عمدنا إلى ترك حديث الأعمش وأبي إسحاق وعبد الملك بن عمير وأضرابهم لما انتحلوا ‪ ،‬وإلى قتادة وسعيد‬
‫بن أبي عروبة وابن أبي ذئب وأشباههم بما تقلدوا ‪ ،‬وإلى عمر بم ذر وإبراهيم التيمي ومسعر ابن كدام وإخوانهم بما اختاروا ‪ ،‬فتركنا‬
‫حديثهم لمذاهبهم ‪ ،‬لكان ذلك ذر يعة إلى ترك السنن كلها حتى لا يحصل في أيدينا من السنن إلا الشئ اليسير ‪ ،‬وإذا استعملنا ما وصفنا‬
‫أعنا على دحض السنن وطمسها)‪. (١١‬‬
‫قلت ‪ :‬والعلة في رد حديث المبتدع هي خشية ولوغه في الـكذب لنصرة رأيه ‪ ،‬وهذا منتف ـ ولل ّٰه الحمد ـ ممن وثقه العلماء ‪.‬‬
‫قال الحاكم ‪ :‬وأصحاب الأهواء رواياتهم عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين ‪ ،‬واتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج‬
‫بأبي معاو ية محمد بن خازم وعبيد الل ّٰه بن موسى وقد اشتهر عنهما الغلو)‪. (١٢‬‬
‫ووثق العلماء معبد الجهني وهو أول من دعا إلى القدر ‪ .‬قال يحيى بن معين ‪ :‬ثقة ‪ ،‬وقال الدار قطني ‪ :‬حديثه صالح ومذهبه ردئ ‪.‬‬
‫وقال العجلي ‪ :‬تابعي ثقة كان لا يتهم بالـكذب)‪. (١٣‬‬
‫وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وثقة الإمام يحيى بن معين وغيره وقال أبو داود ‪ :‬ثقة داعية إلى الإرجاء)‪. (١٤‬‬
‫وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه ‪ :‬عن عدي بن ثابت عن زر قال ‪ :‬قال علي ‪ :‬والذي فلق الحبة‬
‫وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى اله عليه وسلم إلى أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلامنافق)‪(١٥‬‬
‫وقال ابن معين في عدي بن ثابت ‪ :‬شيعي مفرط ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ومع تأييد روايته لمذهبه ‪ ،‬صحح مسلم حديثه لعدم نكارته)‪. (١٦‬‬
‫وقال المعلمي ‪ :‬والمقصود هنا أن من لا يؤمن منه تعمد التحر يف والز يادة والنقص على أي وجه كان فلم ٺثبت عدالته ‪ ،‬فإن كان كل‬
‫من اعتقد أمرا ً ورأى أنه الحق وأن القربة إلى الل ّٰه تعالى في ٺثبيته لا يؤمن منه ذلك فليس في الدنيا ثقة ‪ ،‬وهذا باطل قطعا ً‪ ،‬فالحكم به‬
‫على المبتدع إن قامت الحجة على خلافه بثبوت عدالته وصدقه وأمانته فباطل ‪ ،‬وإلا وجب أن لا يحتج بخـبرة ألبتة ‪ ،‬سواء أوافق بدعته‬
‫أم خالفها)‪ . (١٧‬انتهى ‪.‬‬
‫لـكن إن كان الخـبر المؤي لبدعته منكرا ً فإنه يرد ‪.‬‬
‫قال الحافظ الجوزجاني ‪ :‬ومنهم زائغ عن القصد صدوق اللهجة قد جرى في الناس حديثه إذ كان مخذولا ًفي بدعته مأمونا ًفي روايته‬
‫فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخذ منهم ما يعرف إذا لم يقوي بدعته فيتهم به عند ذلك)‪. (١٨‬‬
‫وقال أيضا ً‪ :‬فما روى من هؤلاء مما يقوي مذهبهم عن مشايخهم المغموزين وغير الثقات المعروفين ‪ ،‬فلا ينبغي أن يغتر بهم الضنين بدينه‬
‫‪ ،‬الصائن لمذهبه ‪ ،‬خيفة أن يختلط الحق المبين بالباطل الملتبس ‪ ،‬فلا لهؤلاء قولا ًهو أصدق من هذا)‪. (١٩‬‬
‫وقال المعلمي ‪ :‬المروي المقوي لبدعة راو يه ‪ ،‬إما غير منكر ‪ ،‬فلا وجه لرده فضلا ً عن رد راو يه ‪ ،‬وإما منكر ‪ ،‬فحـكم المنكر معروف ‪،‬‬
‫وهو أنه ضعيف ‪ ،‬فأما راو يه فإنه اتجه الحمل عليه بما ينافي العدالة كرميه بتعمد الـكذب أو اتهامه به سقط ألبته ‪ ،‬وإن اتجه الحمل على‬
‫غير ذلك كالتدليس المغتفر والوهم والخطأ لم يجرح بذلك ‪ ،‬وإن تردد الناظر ـ وقد ثبتت العدالة ـ وجب القبول ‪ ،‬وإلا أخذ بقول من‬
‫هو أعرف منه وأوقف)‪ . (٢٠‬انتهى ‪.‬‬
‫ولا يمكن لرجل أن يدخل حديثا ًو يوثقه الحفاظ أبدا ً ‪ ،‬فمدار القبول في رواية المبتدع على التوثيق لا غير ‪.‬‬
‫قال عمر الناقد ‪ :‬دين النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم لا يحتمل الدنس ـ يعني الـكذب)‪ (٢١‬ـ ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٤‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫قال سفيان الثوري رحمه الل ّٰه ‪ :‬لو هم الرجل أن يكذب في الحديث في جوف الليل لأظهر الل ّٰه عليه)‪(٢٢‬‬
‫وقال ‪ :‬من هم أن يكذب في الحديث سقط حديثه)‪. (٢٣‬‬
‫وقال أيضا ً‪ :‬إني لأحسب رجلا ًلو حدث نفسه بالـكذب في الحديث لعرف به)‪. (٢٤‬‬
‫م أن يكذب‬
‫وقال أبو نعيم الفضل بن دكين ‪ :‬قال سفيان الثوري ‪ :‬من كذب في الحديث افتضح ‪ .‬قال أبو نعيم ‪ :‬وأنا أقول ‪ :‬من ه ّ‬
‫افتضح)‪. (٢٥‬‬
‫وقيل لابن المبارك ‪ :‬هذه الأحاديث المصنوعة ؟ قال ‪ :‬يعيش لها الجهابذة)‪. (٢٦‬‬
‫م أن يكذب في الحديث أسقطه الل ّٰه عز وجل)‪. (٢٧‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن مهدي ‪ :‬لو أن رجلا ًه ّ‬
‫وقال المعلمي ‪ :‬ومن مارس أحوال الراو ية وأخبار رواة السنة وأئمتها علم أن عناية الأئمة بحفظها وحراستها ونفي الباطل عنها والـكشف‬
‫عن دخائل الـكذابين والمتهمين كانت أضعاف عناية الناس بأخبار دنياهم ومصالحها)‪. (٢٨‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬مقدمة صحيح مسلم )‪(٤ (٤). (٩ ، ٨‬‬
‫)‪ (٢‬كتاب المجروحين )‪(١ (١). (١/٨٢‬‬
‫)‪ (٣‬سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين )‪(٢ (٢)(٨٦٩ ، ٥٥٩‬‬
‫)‪ (٤‬يزن ‪ :‬يظن ‪(٣ (٣).‬‬
‫)‪ (٥‬أحوال الرجال )‪(٤ (٤). (١٨١‬‬
‫)‪ (٦‬الـكفاية )‪(٥ (٥). (١٢٩‬‬
‫)‪ (٧‬الـكفاية )‪(٦ (٦). (١٣٠‬‬
‫)‪ (٨‬ميزان الاعتدال )‪(٧ (٧). (١/٥‬‬
‫)‪ (٩‬الـكفاية )‪(١ (١). (١٢٩‬‬
‫)‪ (١٠‬الـكفاية )‪(٢ (٢). (١٢٩‬‬
‫)‪ (١١‬الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان )‪(٣ (٣). (١/١٦٠‬‬
‫)‪ (١٢‬المدخل إلى كتاب الإكليل )‪(٤ (٤). (٤٢‬‬
‫)‪ (١٣‬تهذيب الـكمال )‪(٥ (٥). (٢٨/٢٤٤‬‬
‫)‪ (١٤‬ميزان الاعتدال )‪(٦ (٦). (٢/٦٤٨‬‬
‫)‪ (١٥‬صحيح مسلم برقم )‪(١ (١). (٧٨‬‬
‫)‪ (١٦‬وانظر التنكيل )‪(٢ (٢). (٥١ ، ١/٥٠‬‬
‫)‪ (١٧‬التنكيل )‪(٣ (٣). (١/٤٨‬‬
‫)‪ (١٨‬أحوال الرجال )‪(٤ (٤). (٣٢‬‬
‫)‪ (١٩‬أحوال الرجال )‪(٥ (٥). (٨٢‬‬
‫)‪ (٢٠‬التنكيل )‪(٦ (٦). (١/٥١‬‬
‫)‪ (٢١‬الـكفاية )‪(١ (١). (٣٦‬‬
‫)‪ (٢٢‬كتاب المجروحين لابن حبان )‪(٢ (٢). (١/٢٥‬‬
‫)‪ (٢٣‬كتاب المجروحين لابن حبان )‪(٣ (٣). (١/٢١‬‬
‫)‪ (٢٤‬الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع )‪(٤ (٤). (٢/٨‬‬
‫)‪ (٢٥‬كتاب المجروحين لابن حبان )‪(٥ (٥). (١١٨ ، ١/١١٧‬‬
‫)‪ (٢٦‬الجرح والتعديل )‪ ، (٢/١٨‬والكامل )‪(٦ (٦). (١/١٠٣‬‬
‫)‪ (٢٧‬الجامع للخطيب )‪(٧ (٧). (٢/٨‬‬
‫)‪ (٢٨‬التنكيل )‪(٨ (٨). (١/٤٧‬‬

‫فصل ضبط الرواة للحديث‬ ‫‪٦.٤‬‬


‫فصل ضبط الرواة للحديث ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٥‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫الصفة الثانية ‪ :‬الضبط ‪ :‬وهو شرط في قبول خبر الراوي ‪ ،‬فإن ثبوت عدالته الدينية لا يكفي حتى يجمع بينهما ‪.‬‬
‫قال أبو حاتم محمد بن حبان ‪ :‬وقد يكون العدل الذي يشهد له جيرانه وعدول بلده به وهو غير صادق فيما يروي من الحديث ؛ لأن هذ‬
‫شئ ليس يعرفه إلا من صناعته الحديث ‪ ،‬وليس كل معدّل يعرف صناعة الحديث حتى يعدل العدل على الحقيقة في الراو ية والدين‬
‫معاً)‪. (١‬‬
‫وقال مالك بن أنس ‪ :‬إن هذا العلم دين ‪ ،‬فانظروا عمن تأخذون دينكم ‪ ،‬لقد أدركت في هذا المسجد سبعين ـ وأشار إلى مسجد رسول‬
‫الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ـ ممن يقول ‪ :‬قال فلان ‪ :‬قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬فما أخذت عنهم شيئا ً ‪ ،‬وإن أحدهم لو ائتمن‬
‫على بيت مال لكان‬
‫به أمينا ً؛ لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن)‪. (٢‬‬
‫وقال أبو الزناد ‪ :‬أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ‪ ،‬لا يؤخذ عنهم العلم ‪ ،‬كان يقال ‪ :‬ليس هم من أهله)‪. (٣‬‬
‫والضبط على نوعين ‪ :‬قال ابن معين رحمه الل ّٰه ‪ :‬هما ثبتان ‪ :‬ثبت حفظ وثبت كتاب)‪ . (٤‬انتهى ‪.‬‬
‫فأما ضبط الصدر ‪ :‬فهو أن يكون حافظا ًلما يحدث به ‪ ،‬أو عالما ًبما يحيل المعاني من الألفاظ إن حدث بالمعنى ‪.‬‬
‫وأما ضبط الكتاب ‪ :‬فهو كون كتابه صحيحا ًبصيانته له حتى الأداء منه ‪.‬‬
‫قال الحافظ بن حجر رحمه الل ّٰه ‪ :‬الرواة الذين للصحيح على قسمين ‪:‬‬
‫قسم كانوا يعتمدون على حفظ حديثهم ‪ ،‬فكان الواحد منهم يتعاهد حديثه و يكرر عليه فلا يزال مبينا ً له ‪ ،‬وسهل ذلك عليهم قرب‬
‫الإسناد ‪ ،‬وقلة ما عند الواحد منهم من المتون ‪ ،‬حتى كان من يحفظ منهم ألف حديث يشار إليه بالأصابع ‪ ،‬ومن هنا دخل الوهم‬
‫والغلط على بعضهم لما جبل عليه الإنسان من السهو والنسيان ‪.‬‬
‫وقسم كانوا يكتبون ما يسمعونه و يحافظون عليه ولا يخرجونه من أيديهم ‪ ،‬و يحدثون منه ‪ ،‬وكان الوهم في حديثهم أقل من القسم الأول‬
‫‪ ،‬إلا من تساهل منهم ‪ ،‬كمن حدث من غير كتابه ‪ ،‬أو أخرج كتابه من يده إلى غيره فزاد فيه ونقص وخفي عليه ‪ ،‬فتكلم الأئمة فيمن‬
‫وقع له ذلك منهم)‪ . (٥‬انتهى ‪.‬‬
‫قال مروان ‪ :‬ثلاثة ليس لصاحب حديث عنها غنى ‪ :‬الحفظ والصدق وصحة الـكتب ‪ ،‬فإن أخطأ واحدة وكانت فيه ثنتين لم يضره ‪،‬‬
‫إن أخطأ الضبط والحفظ ورجع إلى الـكتب لم يضره ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬طال الإسناد وسيرجع إلى الـكتب)‪. (٦‬‬
‫قال الخطيب البغدادي ‪ :‬الاحتياط للمحدث والأولى به أن يروي من كتابه ‪ ،‬ليسلم من الوهم والغلط و يكون جديرا ً بالبعد من الزلل)‪(٧‬‬
‫‪.‬‬
‫وقيل ليحيى بن معين ‪ :‬أيهما أحب إليك ثبت حفظ أو ثبت كتاب ؟ قال ‪:‬ثبت كتاب)‪. (٨‬‬
‫قال الإمام أحمد ‪ :‬حدثنا قوم من حفظهم وقم من كتبهم ‪،‬فكان الذين من حدثونا من كتبهم أتقن)‪(٩‬‬
‫قال الذهبي ‪ :‬الورع أن المحدث لا يحدث إلا من كتاب كمان كان يفعل و يوصي به إمام المحدثين أحمد بن حنبل)‪. (١٠‬‬
‫وقال علي بن المديني ‪ :‬ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الل ّٰه أحمد بن حنبل ‪ ،‬وبلغني أنه لا يحدث إلا كم كتاب ‪ ،‬ولنا فيه أسوة)‪(١١‬‬
‫‪.‬‬
‫قال علي بن المديني ‪ :‬أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من كتاب)‪. (١٢‬‬
‫قلت ‪ :‬والمعتبر في الثقة صحة أدائه للحديث كما هو ممن أخذ عنه ‪ ،‬بغض النظر عن طر يقة التحمل ‪.‬‬
‫قال يحيى بن معين ‪ :‬سمعت عبد الل ّٰه بن وهب يقول لسفيان بن عيينة ‪ :‬يا أبا محمد ! الذي عرض عليك أمس فلان ‪ ،‬أجزها لي ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬رأيت عبد الل ّٰه بن وهب ‪ ،‬يعرض له على سفيان بن عيينة ‪ ،‬وهو قاعد ينعس ‪.‬‬
‫وقال يحيى بن إسحاق ‪ :‬رأيت سفيان بن عيينة يحدث وابن وهب نائم)‪. (١٣‬‬
‫قال أبو طالب ‪ :‬قال أحمد بن حنبل ‪ :‬عبد الل ّٰه بن وهب صحيح الحديث يفصل السماع من العرض ‪ ،‬والحديث من الحديث ‪ ،‬ما أصح‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٦‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫حديثه وأثبته ‪ ،‬قيل له ‪ :‬أليس كان سيئ الأخذ ؟ قال ‪ :‬قد كان سيئ الأخذ ولـكن إذا نظرت في حديثه وما روى عن مشايخه‬
‫وجدته صحيحاً)‪. (١٤‬‬
‫قلت ‪ :‬ومن ذلك صحة الوجادة ‪ ،‬وهي ‪ :‬التحمل من الكتاب بدون سماع ولا إجازة ‪ ،‬كرواية الحسن عن سمرة بن جندب ‪ ،‬ومخرمة‬
‫بن بكير عن أبيه ‪ ،‬وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن القيم رحمه الل ّٰه ‪ :‬ولم تزل الأمة تعمل قديما ً وحديثا ً ‪ ،‬وأجمع الصحابة على العمل بالـكتب ‪ ،‬وكذلك الخلفاء بعدهم ‪،‬‬
‫وليس اعتماد الناس في العلم إلا على الـكتب ‪ ،‬فإن لم يعمل بالـكتب تعطلت الشر يعة ‪ ،‬وقد كان النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم يكتب‬
‫كتبه إلى الآفاق والنواحي فيعمل بها من تصل إليه ‪ ،‬ولا يقول هذا كتاب !! فرد السنن بهذا الخيال البارد الفاسد من أبطل‬
‫الباطل ‪ ،‬والحفظ يخون والكتاب لا يخون)‪. (١٥‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان )‪(٩ (٩). (١/١٥٢‬‬
‫)‪ (٢‬تهذيب الـكمال )‪ ، (٢٦/٤٣٨‬والكامل )‪(١ (١). (١/٩٢‬‬
‫)‪ (٣‬مقدمة صحيح مسلم )‪ ، (١٥‬والكامل لابن عدي )‪(٢ (٢). (١/١٥٥‬‬
‫)‪ (٤‬الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي )‪(٣ (٣). (٢/٣٨‬‬
‫)‪ (٥‬النكت على كتاب ابن الصلاح )‪(٤ (٤). (٥٥‬‬
‫)‪ (٦‬الكامل )‪(٥ (٥). (١/١٥٩‬‬
‫)‪ (٧‬الجامع للخطيب )‪(٦ (٦). (٢/١٠‬‬
‫)‪ (٨‬الجامع للخطيب )‪(١ (١). (٢/٣٨‬‬
‫)‪ (٩‬شرح علل الترمذي )‪(٢ (٢). (٥٧‬‬
‫)‪ (١٠‬سير أعلام النبلاء )‪(٣ (٣). (٩/٣٨٣‬‬
‫)‪ (١١‬الجامع للخطيب )‪(٤ (٤). (٢/١٢‬‬
‫)‪ (١٢‬سير أعلام النبلاء )‪ ، (١١/٢٠٠‬والجامع للخطيب )‪(٥ (٥). (٢/١٢‬‬
‫)‪ (١٣‬تاريخ ابن معين برواية الدوري ‪(٦ (٦). (٢/٣٣٦) :‬‬
‫)‪ (١٤‬الجرح والتعديل )‪(٧ (٧). (١٨٩ ، ٥/١٩٠‬‬
‫)‪ (١٥‬إعلام الموقعين )‪(١ (١). (٢/١٤٤‬‬

‫فصل في الصحابة‬ ‫‪٦.٥‬‬


‫فصل في الصحابة‬
‫فأما الصحابة رضوان الل ّٰه عليهم أجمعين ‪ ،‬فهؤلاء كما قال الل ّٰه عز وجل فيهم ‪ ) :‬والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين‬
‫اتبعوهم بإحسان رضي الل ّٰه عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ً ذلك الفوز العظيم ( ] التوبة ‪١٠٠ :‬‬
‫[‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ ) :‬لقد رضي الل ّٰه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا ً قريبا ً ( ]‬
‫الفتح ‪. [ ١٨ :‬‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا ً من الل ّٰه ورضوانا وينصرون الل ّٰه ورسوله أولئك هم‬
‫الصادقون * والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم‬
‫ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( ] الحشر ‪. [ ٩ ، ٨ :‬‬
‫وقال النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ )) :‬لا تسبوا أصحابي ‪ ،‬فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ًما أدرك مد أحدهم ولا نصفيه (()‪. (١‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٧‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وقال النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ )) :‬خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته‬
‫(()‪. (٢‬‬
‫قال الإمام أحمد رحمه الل ّٰه ‪ :‬ومن انتقص أحدا ً من أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬أو أبغضه لحدث كان منه ‪ ،‬أو ذكر‬
‫مساوئه كان مبتدعا ً‪ ،‬حتى يترحم عليهم جميعا ًو يكون قلبه لهم سليماً)‪. (٣‬‬
‫قال أبو زرعة الرازي رحمه الل ّٰه ‪ :‬إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا ً من أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ‪ ،‬وذلك‬
‫أن الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ‪ ،‬وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪،‬‬
‫وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ‪ ،‬والجرح بهم أولى ‪ ،‬وهم الزنادقة)‪. (٤‬‬
‫وقال ابن عدي ‪ :‬فإن أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬لحق صحبتهم وتقادم قدمهم في الإسلام لكل واحد منهم في نفسه حق‬
‫وحرمة ‪ ،‬فهم أجل من أن يتكلم أحد فيهم)‪. (٥‬‬
‫وقال ابن حاتم بن حبان رحمه الل ّٰه تعالى ‪ :‬فإن قال قائل ‪ :‬فكيف جرحت من بعد الصحابة وأبيت ذلك في الصحابة ‪ ،‬والسهو والخطأ‬
‫موجود في أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم كما وجد فيمن بعدهم من المحدثين ؟‬
‫يقال له ‪ :‬إن الل ّٰه ـ عز وجل ـ نزه أقدار أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم عن ثلب قادح ‪ ،‬وصان أقدارهم عن وقيعة منتقص‬
‫‪ ،‬وجعلهم كالنجوم يقتدى بهم ‪ ،‬فالثلب لهم غير حلال والقدح فيهم ضد الإيمان ‪ ،‬والتنقيص لأحدهم نفس النفاق ؛ لأنهم خير‬
‫الناس قرنا ًبعد رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬بحكم من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪.‬‬
‫…وإن من تولى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم إبداعهم ما ولاه الل ّٰه بيانه للناس ‪ ،‬لبالحري من أن لا يجرح ؛ لأن رسول الل ّٰه صلى‬
‫الل ّٰه عليه وسلم لم يودع أصحابه الرسالة وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب إلا وهم عنده صادقون جائز والشهادة ‪ ،‬ولو لم يكونوا كذلك لم‬
‫يأمرهم بتبليغ من بعدهم ما شهدوا منه ؛ لأنه لو كان كذلك لكان فيه قدح في الرسالة ‪ .‬وكفى بمن عدله الل ّٰه ورسوله صلى الل ّٰه عليه‬
‫وسلم شرفا ً‪ ،‬وإن من بعد الصحابة ليسوا كذلك ‪ ،‬لأن الصحابي إذا أدى إلى من بعده يحتمل أن يكون المبلغ إليه منافقا ً‪ ،‬أو مبتدعا ً‬
‫ضالا ًينقص من الخـير أو يزيد فيه ‪ ،‬ليضل به العالم من الناس ‪ ،‬فمن أجله فرقنا بينهم وبين الصحابة ‪ ،‬إذ صان الل ّٰه ـ عز وجل ـ أقدار‬
‫الصحابة عن البدع والضلال ‪ .‬جمعنا الل ّٰه وإياهم في مستقر رحمته بمنه)‪ . (٦‬قلت ‪ :‬آمين ‪ .‬وقد كانوا ـ ولأجل عظيم عدالتهم ـ لا‬
‫يحدثون إلا بما يتقنون ‪.‬‬
‫عن عبد الرحمن بن يزيد ‪ ،‬قال ‪ :‬كان عبد الل ّٰه يمكث السنة لا يقول ‪ :‬قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬فإذا قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬أخذته الرعدة ‪ ،‬و يقول ‪ :‬أو هكذا أو نحوه أو شبهه)‪. (٧‬‬
‫وعن عمرو بن ميمون ‪ ،‬قال ‪ :‬اختلفت إلى عبد الل ّٰه بن مسعود سنة فما سمعته يقول ‪ :‬قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬إلا أنه جرى‬
‫على لسانه يوما ًفقال ‪ :‬قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬فعلاه كرب حتى جعل يعرق ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إن شاء الل ّٰه ذا ‪ ،‬أو دون ذا أو‬
‫نحوه)‪. (٨‬‬
‫وعن ابن أبي ليلى ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا إذا أتينا زيد بن أرقم فنقول له ‪ :‬حدثنا عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ .‬يقول ‪ :‬إنا كبرنا ونسينا ‪،‬‬
‫والحديث عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم شديد)‪. (٩‬‬
‫عن الشعبي‪،‬قال ‪ :‬جالسن ابن عمر سنة‪،‬فما سمعته يحدث عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم شيئاً)‪(١٠‬‬
‫قال عبدوس بن مالك العطار ‪ :‬سمعت أبا عبد الل ّٰه أحمد بن حنبل ذكر من أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم أهل بدر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬القرن الذي بعث فيهم ‪ ،‬كل من صحبه سنة أو شهرا ً أو يوما ً أو‬
‫ساعة أو رآه ‪ ،‬فهو من أصحابه ‪ ،‬له من الصحبة على قدر ما صحبه ‪ ،‬وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه)‪. (١١‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٨‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وقال أبو عبد الل ّٰه البخاري رحمه الل ّٰه ‪ :‬من صحب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه)‪ . (١٢‬انتهى ‪.‬‬
‫وٺثبت صحة الراوي بالشهرة ‪ ،‬كالعشرة البمشرين بالجنة وغيرهم ‪ ،‬وباتصال الإسناد سواء بالتصريح بالسماع عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم‬
‫أو المعاصرة بشرطها ‪.‬‬
‫ومما يدل على صحبة الراوي رواية كبار التابعين عنه عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬وعلى ذلك عمل أهل العلم بالحديث ‪.‬‬
‫وآخر الصحابة موتا ًعامر بن وائلة ـأبو الطفيل ـ ومن مات بعده ليست له صحبة ‪.‬‬
‫قال الإمام مسلم ‪ :‬مات أبو الطفيل سنة مائة وكان آخر من مات من أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم)‪. (١٣‬‬
‫قلت ‪ :‬فكل من مات بعده فليس من الصحابة ‪ .‬ومما يشير إلى عدم صحبة الراوي الذي لم ٺثبت صحبته ‪ ،‬روايته عن الصحابة)‪. (١٤‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬صحيح البخاري )‪(٢ (٢). (٣٦٧٣‬‬
‫)‪ (٢‬صحيح البخاري )‪(٣ (٣). (٣٦٥١‬‬
‫)‪ (٣‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة )‪(٤ (٤). (١/١٨٢‬‬
‫)‪ (٤‬الـكفاية )‪(٥ (٥). (٤٩‬‬
‫)‪ (٥‬الكامل في ضعفاء الرجال )‪(١ (١). (٣/٢٠٨‬‬
‫)‪ (٦‬كتاب المجروحين )‪(٢ (٢). (٣٤ ، ١/٣٣‬‬
‫)‪ (٧‬المحدث الفاصل )‪(٣ (٣). (٧٣٤‬‬
‫)‪ (٨‬المحدث الفاصل )‪ ، (٧٣٤‬ونحوه عن ابن ماجه )‪(٤ (٤). (٧٣٧‬‬
‫)‪ (٩‬سنن ابن ماجه )‪ ، (٢٥‬والمحدث الفاصل )‪(١ (١) . (٧٣٧‬‬
‫)‪ (١٠‬سنن ابن ماجة )‪ ، (٢٦‬والمحدث الفاصل )‪(٢ (٢). (٧٣٩‬‬
‫)‪ (١١‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي )‪ ، ، (١/١٨٠‬والـكفاية )‪(٣ (٣). (٥١‬‬
‫)‪ (١٢‬فتح الباري )‪ ، (٧/٥‬والـكفاية )‪(٤ (٤). (٥١‬‬
‫)‪ (١٣‬تهذيب الـكمال )‪(٥ (٥). (١٤/٨١‬‬
‫)‪ (١٤‬الكامل لابن عدي )‪(٦ (٦). (٧/٢٨٨‬‬

‫فصل فيمن دون الصحابة‬ ‫‪٦.٦‬‬


‫فصل فيمن دون الصحابة ‪.‬‬
‫وأما من كان دون الصحابة ‪ ،‬من التابعين وأتباعهم ‪ ،‬وتبع الأتباع ومن دونهم فهم عل قسمين ‪:‬‬
‫القسم الأول ‪ :‬مقبولة روايتهم ‪ .‬وهم ثلاث طبقات ‪:‬‬
‫الأولى ‪ :‬كبار الحفاظ والأئمة النقاد ‪ :‬وفي روايتهم عن غيرهم ميزات وخصائص ترفع شأن حديثه ‪.‬‬
‫قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ‪ :‬منهم الثبت الحافظ الورع المتقن الجهبذ الناقد للحديث ‪ ،‬فهذا لا يختلف فيه ‪ .‬و يعتمد على‬
‫جرحه وتعديله ‪ ،‬و يحتج بكلامه في الرجال)‪. (١‬‬
‫وقال الحاكم ‪ :‬والفهم عندنا أجل من الحفظ)‪. (٢‬‬
‫وقال الإمام مالك ‪ :‬اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ‪ ،‬ولا يكون إماما ًأبدا ً ‪ ،‬وهو يحدث بكل ما سمع)‪. (٣‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن مهدي ‪ :‬الأئمة ممن أدركنا أربعة ‪ :‬الأوزاعي وحماد ابن زيد وسفيان الثوري ومالك بن أنس ‪ ،‬وليس بإمام من‬
‫حدث بكل ما سمع ‪ ،‬وحدث عن كل من لقي ‪ ،‬وحدث بكل ما يسأل عنه ‪ ،‬وحدث كل من يسأله)‪. (٤‬‬
‫الثانية ‪ :‬الثبت المتقن ‪:‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ومنهم العدل في نفسه ‪ ،‬الثبت في روايته ‪ ،‬الصدوق في نقله ‪ ،‬الورع في دينه ‪ ،‬الحافظ لحديثه ‪ ،‬المتقن فيه ‪ ،‬فذلك‬
‫العدل الذي يحتج بحديثه ‪ ،‬و يوثق في نفسه)‪. (٥‬‬
‫الثالثة ‪ :‬من تقبل روايته ولـكن دون سابقه ‪ :‬وهم ‪ :‬المشايخ من الثقات والصدوقين ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٢٩‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ومنهم الصدوق الورع في دينه الثبت الذي يهم أحيانا ً‪ ،‬وقد قبله الجهابذة النقاد ‪ ،‬فهذا يحتج بحديثه أيضاً)‪. (٦‬‬
‫وقد وردت آثار عن السلف وأئمة الحديث في الحث على طلب الحديث من الثقات ‪:‬‬
‫فعن سليمان بن موسى ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت لطاوس ‪ :‬حدثني فلان كيت وكيت ‪ .‬قال ‪ :‬إن كان صاحبك مليا ً فخذ عنه)‪. (٧‬‬
‫قال سعد بن إبراهيم ‪ :‬كان يقال ‪ :‬خذوا الحديث من الثقات)‪ . (٨‬وفي رواية ‪ :‬لا يحدث عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم إلا‬
‫الثقات)‪. (٩‬‬
‫وقال الثوري ‪ :‬إذا حدثك ثقة عن غير ثقة فلا تأخذ ‪ ،‬وإذا حدث غير ثقة عن ثقة فلا تأخذ ‪ ،‬وإذا حدثك ثقة عن ثقة فخذه)‪. (١٠‬‬
‫وقال الأوزاعي ‪ :‬خذ دينك عمن ٺثق به وترضى)‪. (١١‬‬
‫وكان بهز بن أسد إذا ذكر له الإسناد الصحيح ‪ :‬هذه شهادات الرجال العدول المرضيين بعضهم على بعض ‪ ،‬وإذا ذكر له الإسناد فيه‬
‫شئ قال ‪ :‬هذا فيه عهدة ‪ ،‬و يقول ‪ :‬لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ‪ ،‬ثم جحده لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين ‪ ،‬فدين‬
‫الل ّٰه أحق أن يؤخذ من العدول)‪(١٢‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬مردودة روايتهم ‪ .‬وهم منزلتان ‪:‬‬
‫الأولى ‪ :‬لا يحتج بحديثه إذا انفرد ولا يسقط و يعتبر به في الشواهد والمتابعات ‪:‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ومنهم الصدوق الورع المغفل ‪ ،‬الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط ‪ ،‬فهذا يكتب من حديثه الترغيب‬
‫والترهيب والزهد والآداب ‪ ،‬ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام)‪. (١٣‬‬
‫وقال ابن مهدي ‪ :‬الناس ثلاثة ‪ :‬من حفظ عن الرجل الحافظ المتقن فهذا لا يختلف فيه ‪ ،‬وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا‬
‫لا يترك حديثه ‪ ،‬لو ترك حديث مثل هذا لذهب حديث الناس ‪ ،‬وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه ـ يعني لا‬
‫يحتج)‪ (١٤‬ـ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬شديد الضعف ‪ ،‬والمتهم بالـكذب ‪ ،‬فلا يعتبر بهم في الشواهد والمتابعات ‪:‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلسا ًبينهم ‪ ،‬ممن قد ظهر كذبه للنقاد العلماء بالرجال ‪ ،‬فهذا يترك حديثه وتطرح‬
‫روايته ويسقط ولا يشتغل به)‪. (١٥‬‬
‫قال عروة بن الزبير ‪ :‬إني لأسمع الحديث فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمع سامع فيقتدي به ؛ أسمعه من الرجل لا أثق به قد‬
‫حدثه عمن أثق ‪،‬وأسمعه من الرجل أثق به قد حدث عمن لا أثق به)‪(١٦‬‬
‫قال الإمام مسلم ‪ :‬فأما ما كان عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم ‪ ،‬فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم ‪ ،‬كعبد الل ّٰه‬
‫بن مسور أبي جعفر المدائني ‪ ،‬وعمرو بن خالد ‪ ،‬وعبد القدوس الشامي ‪ ،‬ومحمد بن سعيد المصلوب ‪،‬و غياث بن إبراهيم ‪ ،‬وسليمان بن‬
‫عمرو أبي داود النخعي ‪ ،‬وأشباههم ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار ‪.‬‬
‫كذلك من كان الغالب على حديثه المنكر أو الغلط ‪ ،‬أمسكنا أيضا ًعن حديثهم ‪.‬‬
‫وعلامة المنكر في حديث المحدث ‪ ،‬إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا ‪ ،‬خالفت روايته أو لم تكد‬
‫توافقها ‪ ،‬فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك ‪ ،‬كان مهجور الحديث غير مقبولة ولا مستعملة)‪. (١٧‬‬
‫قال ابن مهدي ‪ :‬لا يترك حديث رجل إلا رجلا ًمتهما ًبالـكذب أو رجلا ًالغالب عليه الغلط)‪. (١٨‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬كل من كان متهما ًفي الحديث بالـكذب أو كان مغفلا ً يخطئ الـكثير ‪ ،‬فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة‬
‫أنه لا يشتغل بالرواية عنه)‪. (١٩‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬والذي يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين والذين كثر خطؤهم للغفلة وسوء الحفظ‬
‫و يحدث عمن دونهم في الضعف مثل من في حفظه شئ ‪ ،‬و يختلف الناس في تضعيف وتوثيقه ‪ .‬وكذلك كان أبو زرعة يفعل)‪. (٢٠‬‬
‫وقال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬إن الـكثرة اسم يشتمل على معان شتى ‪ ،‬ولا يستحق الإنسان ترك روايته حتى يكون منه الخطأ ما يغلب على‬
‫صوابه ‪ ،‬فإذا فحش ذلك منه وغلب على صوابه ‪ ،‬استحق مجانبة روايته ‪ ،‬وأما من كثر خطؤه ‪ ،‬ولم يغلب على صوابه ‪ ،‬فهو مقبول‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣٠‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫الرواية فيما لم يخطئ فيه ‪ ،‬واستحق مجانبة ما أخطأ فيه فقط ‪ ،‬مثل شرك وهشيم وأبي بكر بن عياش ‪ ،‬وأضرابهم كانوا يخطئون فيكثرون‬
‫‪ ،‬فروى عنهم واحتج بهم كتابة ‪ ،‬وحماد واحد من هؤلاء)‪. (٢١‬‬
‫قال الحميدي ‪ :‬فإن قال قائل ‪ :‬فما الحجة في الذي يغلط فيكثر غلطه ؟ قلت ‪ :‬مثل الحجة على الرجل الذي يشهد على من أدركه ‪ ،‬ثم يثبت‬
‫على تلك الشهادة فلا يرجع عنها ‪ ،‬ولأنه إذا أكثر ذلك من لم يطمأن إلى حديثه وإن رجع عنه ‪ ،‬لما يخاف أن يكون مما يثبت عليه من‬
‫الحديث مثل ما رجع عنه ‪ ،‬وليس هكذا الرجل يغلط في الشئ ‪ ،‬فيقال له فيه فيرجع ولا يكون معروفا ًبكثرة الغلط)‪(٢٢‬‬
‫قلت ‪ :‬وفائدة تقسيم الرواة إلى درجات هي قوة الاعتبار بهم ‪ ،‬وشد حديثهم إذا وهن ‪ ،‬وفيما إذا اختلفوا ترجح رواية الأقوى ‪.‬‬
‫وأما الرواة المتأخرون ‪ ،‬فيتخفف في شروط الثقة لديهم ‪.‬‬
‫قال ابن الصلاح ‪ :‬أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في الحديث ومشايخه ؛ فلم يتقيدوا‬
‫بها في رواياتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم ‪ ،‬وكان عليه ما تقدم ‪.‬‬
‫ووجه ذلك ‪ :‬ما قدمناه في أول كتابنا هذا من كون المقصود المحافظة على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد والمحاذرة من انقطاع سلسلتها‬
‫‪.‬‬
‫فليعتبر من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض على تجرده ‪ ،‬وليكف في أهلية الشيخ بكونه مسلما ً بالغا ً عاقلا ً غير متظاهر بالفسق‬
‫والسخف ‪ ،‬وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتا ً بخط غير متهم ‪ ،‬وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه ‪.‬‬
‫وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي رحمه الل ّٰه تعال ؛ فإنه ذكر فيما رويناه عنه توسع من توسع في السماع من‬
‫بعض محدثي زمانه الذي لا يحفظون حديثهم ‪ ،‬ولا يحسنون قراءته من كتبهم ‪ ،‬ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة من‬
‫أصل سماعهم ‪.‬‬
‫ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقعت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز‬
‫أن يذهب شئ منها على جمعيهم ‪ ،‬وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشر يعة حفظها ‪.‬‬
‫قال البيهقي ‪ :‬فمتى جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرو يه ينفرد بروايته ‪،‬‬
‫والحجة قائمة بحديثه برواية غيرة ‪ .‬والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث شرفا ًلنبينا المصطفى صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ‪ .‬والل ّٰه‬
‫أعلم)‪ . (٢٣‬انتهى كلام ابن الصلاح رحمه الل ّٰه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬تقدمه الجرح والتعديل )‪(١ (١). (١٠ ، ٦‬‬
‫)‪ (٢‬سير أعلام النبلاء )‪(٢ (٢). (١٤/٥٠٤‬‬
‫)‪ (٣‬مقدمة صحيح مسلم )‪(٣ (٣). (١١‬‬
‫)‪ (٤‬الكامل لابن عدي )‪(٤ (٤). (١/٨٨‬‬
‫)‪ (٥‬تقدمة الجرح والتعديل )‪(٥ (٥). (١٠ ، ٦‬‬
‫)‪ (٦‬تقدمة الجرح والتعديل )‪(٦ (٦). (١٠ ، ٦‬‬
‫)‪ (٧‬مقدمة صحيح مسلم )‪(٧ (٧). (١٥‬‬
‫)‪ (٨‬الجرح والتعديل )‪(٨ (٨). (٢/٢٩‬‬
‫)‪ (٩‬مقدمة صحيح مسلم )‪(٩ (٩). (١٥‬‬
‫)‪ (١٠‬الجرح والتعديل )‪(١ (١). (٢/٢٩‬‬
‫)‪ (١١‬الجرح والتعديل )‪(٢ (٢). (٢/٢٩‬‬
‫)‪ (١٢‬الجرح والتعديل )‪ ، (٢/١٦‬والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي )‪، (١/١٤٨‬ومثله ورد عن أبي غسان بن عمرو الرازي ‪.‬‬
‫أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع )‪(٣ (٣) . (١٢٨ ، ١/١٢٧‬‬
‫)‪ (١٣‬تقدمة الجرح والتعديل )‪(٤ (٤). (١٠ ، ٦‬‬
‫)‪ (١٤‬الجرح والتعديل )‪(٥ (٥). (٢/٣٨‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣١‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫)‪ (١٥‬تقدمة الجرح والتعديل )‪(٦ (٦). (١٠ ، ٧‬‬


‫)‪ (١٦‬الكامل )‪(٧ (٧). (١/٥٢‬‬
‫)‪ (١٧‬صحيح مسلم )‪(١ (١) . (١/٧‬‬
‫)‪ (١٨‬الـكفاية )‪(٢ (٢). (١٤٣‬‬
‫)‪ (١٩‬العلل الصغير )‪ (٥/٧٤٣‬آخر كتابه الجامع ‪(٣ (٣).‬‬
‫)‪ (٢٠‬شرح علل الترمذي )‪(٤ (٤). (٨٥‬‬
‫)‪ (٢١‬الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان )‪(٥ (٥). (١٥٤ ، ١/١٥٣‬‬
‫)‪ (٢٢‬الـكفاية )‪(٦ (٦). (١٤٤‬‬
‫)‪ (٢٣‬مقدمة ابن الصلاح )‪(١ (١). (٥٨ ، ٥٧‬‬

‫فصل في المجهول‬ ‫‪٦.٧‬‬


‫فصل في المجهول‬
‫عرف الخطيب البغدادي المجهول عند أصحاب الحديث بأنه ‪ :‬كل من لم يشتهر بطلب العمل في نفسه ‪ ،‬ولا عرفه العلماء به ‪ ،‬ومن لم‬
‫يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد)‪. (١‬‬
‫وهذا التعر يف جامع لمذاهب أهل الحديث في المجهول ‪.‬‬
‫فمنهم من قصر المجهول على من روى عنه واحد فقط ‪ ،‬واكتفى بروايتين عنه في رفع جهالته ‪ ،‬و يكون معروفا ً‪ ،‬وهو مذهب منسوب‬
‫إلى الذهلي ‪ ،‬والبزار)‪ ، (٢‬وموسى بن هارون الحمال)‪ ، (٣‬وابن عدي ‪ ،‬والدار قطني ‪ ،‬والحاكم)‪ ، (٤‬وابن منده ‪ ،‬والبيهقي)‪(٥‬‬
‫وغيرهم ‪.‬‬
‫قال الذهلي ‪ :‬إذا روى عن المحدث رجلان ارتفع عنه اسم الجهالة)‪(٦‬‬
‫وقال ابن عدي ‪ :‬ولا أعلم يروي عن سعيد غير مروان الفزاري ‪ ،‬وإذا روى عنه رجل واحد كان‬
‫شبه المجهول)‪. (٧‬‬
‫وقال الدار قطني ‪ :‬وارتفاع اسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلان فصاعدا ً ‪ ،‬فإذا كان هذه صفته ارتفع اسم الجهالة عنه وصار حينئذ‬
‫معروفاً)‪. (٨‬‬
‫وقال ابن منده ‪ :‬من حكم الصحابي أنه إذا روى عنه تابعي واحد وإن كان مشهورا ً مثل الشعبي وسعيد بن المسيب ينسب إلى الجهالة‬
‫‪ ،‬فإن روى عنه رجلان صار مشهوراًً)‪. (٩‬‬
‫ومنهم نظر إلى أن الشهرة لا تحصل بروايتهما عنه بل برواية أهل العلم ممن لا يروي عن المجاهيل ‪.‬‬
‫قال يعقوب بن شيبة ‪ :‬قلت لابن معين ‪ :‬متى يكون الرجل معروفا ً إذا روى عندكم ؟ قال ‪ :‬إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين‬
‫والشعبي وهؤلاء من أهل العلم فهو غير مجهول ‪ .‬قلت ‪ :‬فإذا روى عنه مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق ؟ قال ‪ :‬هؤلاء يروون عن‬
‫مجاهيل ‪.‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬وهو تفصيل حسن ‪ ،‬وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي الذي تبعه عليه المتأخرون)‪. (١٠‬‬
‫ومنهم من لا ينظر إلى ذلك بل إلى حصول شهرته وكثرة حديثه كعلي بن المديني وغيره)‪. (١١‬‬
‫قال ابن رجب رحمه الل ّٰه ‪ :‬وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة ‪ ،‬وإنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات)‪. (١٢‬‬
‫والظاهر أن هذا الاختلاف في تحديد معنى الجهالة ‪ ،‬إنما هو اختلاف تنوع ليس اختلاف تضاد ‪ ،‬فيعطى لكل صورة من الجهالة‬
‫حكمها ‪.‬‬
‫ولجهالة الراوي أسباب ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬قلة حديثه ؛ كقول ابن معين في عاصم بن سويد ‪ :‬لا أعرفه ‪ .‬وقال ابن عدي معلقا ً ‪ :‬وإنما لا يعرفه لأنه قليل الرواية جدا ً ‪،‬‬
‫ولعل ما يرو يه ولا يبلغ خمسة أحاديث)‪. (١٣‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣٢‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫ومنها ‪ :‬سكناه في بلد نائية كالبادية ؛ مثل مدلاج بن عمرو السلمي ‪ ،‬قال أبو حاتم ‪ :‬مجهول)‪. (١٤‬‬
‫ومنها ‪ :‬تدليس الشيوخ ‪ ،‬وهو تعمية الراوي أمر شيخه ‪ ،‬فيذكره بغير ما اشتهر به ‪.‬‬
‫قال الذهبي ‪ :‬علي بن سويد شيخ ليحيى الحماني لا يعرف فيقال ‪:‬هو معلى بن هلال دلسه الحماني)‪(١٥‬‬
‫قال وكيع ‪ :‬من كنى من يعرف بالاسم وسمى من يعرف بالـكنية فقد جهل العلم)‪. (١٦‬‬
‫ولهذه الأسباب وغيرها يقل الرواة عنه مما يؤدي إلى عدم شهرته ‪ .‬وهي أيضا ً نسبية فيكون معروفا ً عند قوم ‪ ،‬مجهولا ً عند آخرين ‪،‬‬
‫مثل ‪ :‬بيان بن عمرو البخاري العابد)‪ ، (١٧‬روى عنه البخاري وأبو زرعة وجماعة ‪ ،‬قال ابن عدي ‪ :‬عالم جليل له غرائب ‪ ،‬وقال أبو‬
‫حاتم ‪ :‬مجهول)‪. (١٨‬‬
‫ونعرف جهالة الراوي أيضا ًبعدم معرفته عند من كان مطلعا ًعلى الأسانيد ‪ ،‬مهتما ًبالرجال وسبر أحوالهم ‪.‬‬
‫وقال عثمان بن سعيد الدارمي ‪ :‬قلت ليحي بن معين ‪ :‬مالك بن عبيدة الديلي ‪،‬تعرفه ؟ قال ‪ :‬ما أعرفه ‪.‬‬
‫قال أبو محمد بن أبي حاتم ‪ :‬يعني مجهول)‪. (١٩‬‬
‫وقال عثمان بن سعيد الدارمي ‪ :‬سألت يحيى عن عبد الرحمن بن آدم كيف هو ؟ فقال ‪ :‬لا أعرفه ‪.‬‬
‫قال ابن عدي ‪ :‬وهذان الاسمان اللذان ذكرهما عثمان عن ابن معين ‪ ،‬فقال ‪ :‬لا أعرفهما ‪ ،‬وإذا قال مثل ابن معين ‪ :‬لا أعرفه ‪ ،‬فهو‬
‫مجهول غير معروف ‪ ،‬وإذا عرفه غيره ولا يعتمد على معرفة غيره ‪ ،‬لأن الرجال بابن معين تسبر أحوالهم)‪. (٢٠‬‬
‫قلت ‪ :‬هذا الكلام يطرد فيمن كان من طبقة شيوخ ابن معين ومن فوقهم من القدماء ‪ ،‬ولا يطرد فيمن كان في طبقة يحيى ومن‬
‫دونه وخاصة من غير بلده ؛ كالمصر يين ونحوهم ‪.‬‬
‫ومعنى قول ابن عدي لا يعتمد على معرفة غيره ‪ :‬ألا يصير معروفا ًعند أهل العلم ‪ ،‬بل يبقى على جهالته ‪ ،‬وإن عرف حكمه من حيث‬
‫الجرح والتعديل ؛ لأنه لا مخالفة بين الجرح والتعديل والجهالة ‪.‬‬
‫وتقترن الجهالة بالتوثيق وبالتجريح مما يدل على أنه ليس المجهول من جهل ضبطه دائما ً‪ ،‬ومنه قول أبي حاتم الرازي في محمد بن طهمان‬
‫‪ :‬مجهول لا بأس به)‪ . (٢١‬وقول الذهلي في عبد الل ّٰه بن ز ياد الرصافي ‪ :‬مجهول مقارب الحديث)‪. (٢٢‬‬
‫وكقول البخاري في الحسن بن ميسرة ‪ :‬منكر الحديث مجهول)‪ . (٢٣‬وقول أبي حاتم في الحسن بن شداد الجعفي ‪ :‬مجهول فيه‬
‫نظر)‪ . (٢٤‬وقول أبي زرعة الرازي في أبي القاسم الضرير ‪ :‬لا أدري عنه وهو منكر الحديث)‪ . (٢٥‬وبما سبق تعلم فساد تعر يف‬
‫المجهول بأنه من لا يعرف فيه جرح ولا تعديل ‪ .‬نعم ؛ كل من لا يعرف فيه جرح ولا تعديل فهذا قربنه على جهالته ‪ ،‬ولـكن لا‬
‫عكس ‪.‬‬
‫وقال ابن عدي ‪ :‬حاجب لا ينسب ‪ ،‬وإن لم ينسب كان مجهولاً)‪. (٢٦‬‬
‫وقال ابن معين ‪ :‬ربيع الغطفاني لا أعرفه ‪ .‬وقال ابن عدي ‪ :‬وأنا لا اعرفه ولا أدري من يروي عنه وعم ّن يروي ولم ينسب ابن من‬
‫؟ ‪ ،‬فهو مجهول من كل جهاته)‪ . (٢٧‬وقال ‪ :‬وإذا لم يعرف الرجل وكان مجهولا ًكان حديثه مجهولاً)‪. (٢٨‬‬
‫فالجهالة ليست بجرح ولا تعديل كما أن الشهرة ليست كذلك أيضا ً؛ فبعض الرواة مشهورون ولـكن بالـكذب ‪ ،‬ونخلص من ذلك أن‬
‫معناها عند النقاد على المعنى اللغوي مخصصا ًبالسياق الحديثي ‪.‬‬
‫قال الحافظ الذهبي ‪ :‬والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح)‪. (٢٩‬‬
‫وقال في محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ‪ :‬ما علمت به بأسا ً ‪ ،‬ولا رأيت لهم فيه كلاما ً ‪ ،‬وقد روى له أصحاب السنن الأربعة فما‬
‫استنكر له حديث)‪(٣٠‬‬
‫قلت ‪ :‬شرط العدالة في قبول المجهول متوفر ‪ ،‬ليس كتوفرة في الرواة المشهورين ‪ ،‬وذلك بدلالة استقامة الأحاديث التي رواها مع‬
‫السلامة من قدحه)‪. (٣١‬‬
‫وذلك مثل عبيد الل ّٰه بن عبد الل ّٰه بن موهب القرشي)‪ . (٣٢‬قال الشافعي ‪ :‬لا نعرفه ‪ ، ،‬وقال أحمدبن حنبل ‪ :‬لا يعرف)‪. (٣٣‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣٣‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وقال أبو إسحاق السعدي ‪ :‬لا يعرف وأحاديث متقاربة من حديث أهل الصدق)‪. (٣٤‬‬
‫وقال ابن حبان ‪ :‬روى عنه ابنه يحيى بن عبيد الل ّٰه وهو لا شئ ‪ ،‬وأبوه ثقة ‪ ،‬وإنما وقع المناكير في حديث أبيه من قبل ابنه يحيى)‪(٣٥‬‬
‫‪.‬‬
‫وأما قول الذهبي رحمه الل ّٰه ) روى عنه جماعة ( فهذا ليس شرطا ً‪.‬‬
‫قال الإمام أبو عبد الل ّٰه النيسابوري في كتابه المدخل إلى الإكليل ‪:‬‬
‫القسم الثالث من الصحيح المتفق عليها ‪ :‬أخبار جماعة من التابعين عن الصحابة ‪ ،‬والتابعون ثقات ‪ ،‬إلا أنه ليس لكل واحد منهم إلا‬
‫الراوي الواحد ‪ ،‬مثل محمد بن حنين ‪ ،‬وعبد الرحمن بن فروخ ‪ ،‬وعبد الرحمن بن معبد ‪ ،‬وز ياد ابن الحرث ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬ليس لهم راو‬
‫وإلا عمرو بن دينار وهو إمام أهل مكة ‪ .‬وكذلك الزهري محمد بن مسلم ‪ ،‬تفرد بالراو ية عن جماعة من التابعين ‪ ،‬منهم عمرو بن أبان بن‬
‫عثمان ‪ ،‬ومحمد بن عروة بن الزبير ‪ ،‬وعقبة بن سويد الأنصاري ‪ ،‬وسنان بن أبي سنان ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬وتفرد يحيى بن سعيد الأنصاري‬
‫عن جماعة من التابعين بالرواية ‪ ،‬منهم يوسف بن مسعود الزرقي ‪ ،‬وعبد الل ّٰه بن أنيس الأنصاري ‪ ،‬وعبد الرحمن بن المغيرة ‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬
‫وليس في الصحيح من هذه الروايات شئ ‪ ،‬وكلها صحيحة بنقل العدل عن العدل متداولة بين الفر يقين محتج بها)‪ . (٣٦‬انتهى ‪.‬‬
‫قال الذهبي في ترجمة أسقع بن الأسلع ‪ :‬ما علمت روى عنه سوى سويد بن حجير الباهلي وثقة مع هذا يحيى بن معين ‪ ،‬فما كل من لا‬
‫يعرف ليس بحجة لـكن هذا هو الأصل)‪ . (٣٧‬انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فحديث المجهول الذي لا تعلم حاله يتوقف فيه إلى أن تدل القرائن على قبوله وإلا رد‪.‬‬
‫قال الثوري ‪ :‬إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه ‪ :‬أسمع الحديث من الرجل أتخذه دينا ً ‪ ،‬وأسمع من الرجل أقف فيه ‪ ،‬وأسمع من‬
‫الرجل لا أعبأ به وأحب معرفته)‪. (٣٨‬‬
‫وقال الجوزجاني ‪ :‬أبو إسحاق ـ السبيعي ـ روى عن قوم لا يعرفون ‪ ،‬ولم ينتشر عنهم عند أهل العلم إلا ما حكى أبو إسحاق عنهم ‪ ،‬فإذا‬
‫روى تلك الأشياء التي إذا عرضتها الأمة على ميزان القسط الذي جرى عليه سلف المسلمين وأئمتهم الذين هم الموئل لم ٺتفق عليها ‪،‬‬
‫كان الوقف في ذلك عندي الصواب ؛ لأن السلف أعلم بقول رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم وتأو يل حديثه الذي لا‬
‫أصل عندهم)‪. (٣٩‬والراوي الذي لم يشتهر ولـكن روى بعض الأحاديث التي استقامت يقبل حديثه ‪.‬‬
‫وقال الخطيب البغدادي ‪ :‬من لم يرو عنه غير حديث أو حديثين ولم يعرف بمجالسة العلماء ‪ ،‬وكثرة‬
‫الطلب ‪ ،‬غير أنه ظاهر الصدق ‪ ،‬مشهود بالعدالة ‪ ،‬قبل حديثه ‪ ،‬حرا ً كان أو عبدا ً ‪ ،‬وكذلك إن لم يكن من أهل العلم بمعنى ما روى‬
‫لم يكن بذلك مجروحا ً؛ لأنه ليس يؤخذ عنه فقه الحديث ‪ ،‬وإنما يؤخذ منه لفظه)‪. (٤٠‬‬
‫والمجهولون على درجات ‪ ،‬قال الذهبي رحمه الل ّٰه ‪ :‬أما المجهولون من الرواة ؛ فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل‬
‫حديثه وتلقي بحسن الظن ‪ ،‬إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ‬
‫وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره ‪ ،‬و يختلف ذلك باختلاف جلاله الراوي عنه ‪ ،‬وتجربة وعدم تجربة‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم فهو أضعف لخـبره لا سيما إذا انفرد به)‪. (٤١‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنه تقو ية ‪ ،‬وعن المطعون عليه أنها لا تقو يه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬الـكفاية )‪(٢ (٢). (٨٨‬‬
‫)‪ (٢‬جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر )‪(٣ (٣). (٢/١٢٨‬‬
‫)‪ (٣‬تهذيب التهذيب )‪(٤ (٤). (١/٢٦٨‬‬
‫)‪ (٤‬معرفة علوم الحديث )‪(٤ (٤). (٦٢‬‬
‫)‪ (٥‬السنن الـكبرى )‪(٥ (٥). (١/٢٤٥‬‬
‫)‪ (٦‬الـكفاية )‪(١ (١). (٩٨‬‬
‫)‪ (٧‬الكامل في ضعفاء الرجال )‪(٢ (٢). (٣/٣٨٩‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣٤‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫)‪ (٨‬السنن )‪(٣ (٣). (٣/٤٧١‬‬


‫)‪ (٩‬شروط الأئمة الستة لابن طاهر المقدسي )‪(٤ (٤). (١٩‬‬
‫)‪ (١٠‬شرح علل الترمذي )‪(٥ (٥). (٨‬‬
‫)‪ (١١‬شرح علل الترمذي )‪(٦ (٦). (١٨ ، ٨‬‬
‫)‪ (١٢‬شرح علل الترمذي )‪(٧ (٧). (١٨‬‬
‫)‪ (١٣‬الكامل لابن عدي )‪(١ (١). (٥/٢٤٠‬‬
‫)‪ (١٤‬الجرح والتعديل )‪(٢ (٢). (٨/٤٢٨‬‬
‫)‪ (١٥‬ميزان الاعتدال )‪(٣ (٣). (٩/٥٨٥‬‬
‫)‪ (١٦‬الـكفاية )‪(٤ (٤). (٣٧١‬‬
‫)‪ (١٧‬ميزان الاعتدال )‪(٥ (٥). (٤/١٣٣‬‬
‫)‪ (١٨‬الجرح والتعديل )‪(٦ (٦). (٢/٤٢٥‬‬
‫)‪ (١٩‬الجرح والتعديل )‪(٧ (٧). (٨/٢١٣‬‬
‫)‪ (٢٠‬الكامل في ضعفاء الرجال )‪(٨ (٨). (٤/٢٩٨‬‬
‫)‪ (٢١‬ميزان الاعتدال )‪(١ (١). (٣/٥٨٨‬‬
‫)‪ (٢٢‬ميزان الاعتدال )‪(٢ (٢). (٣/٨‬‬
‫)‪ (٢٣‬ميزان الاعتدال )‪(٣ (٣). (١/٥٢٤‬‬
‫)‪ (٢٤‬ميزان الاعتدال )‪(٤ (٤). (١/٩٦٤‬‬
‫)‪ (٢٥‬الجرح والتعديل )‪(٥ (٥). (٩/٤٢٧‬‬
‫)‪ (٢٦‬الكامل في ضعفاء الرجال )‪(٦ (٦). (٢/٤٤٨‬‬
‫)‪ (٢٧‬الكامل في ضعفاء الرجال )‪(٧ (٧). (٣/١٣٧‬‬
‫)‪ (٢٨‬الكامل في ضعفاء الرجال )‪(٨ (٨). (٣/٧٦‬‬
‫)‪ (٢٩‬ميزان الاعتدال )‪(٩ (٩). (٣/٦٢٤‬‬
‫)‪ (٣٠‬ميزان الاعتدال )‪(١٠ (١٠). (٣/٦٦٨‬‬
‫)‪ (٣١‬التنكيل )‪(١ (١). (١/٧٦‬‬
‫)‪ (٣٢‬تهذيب الـكمال )‪ ، (٨٠ ، ٣١/٧٩‬وتهذيب التهذيب )‪(٢ (٢). (٧/٢٤‬‬
‫)‪ (٣٣‬الجرح والتعديل )‪(٣ (٣). (٩/١٦٨‬‬
‫)‪ (٣٤‬أحوال الرجال )‪(٤ (٤). (٢٣١‬‬
‫)‪ (٣٥‬كتاب الثقات )‪(٥ (٥). (٥/٧٢‬‬
‫)‪ (٣٦‬المدخل إلى كتاب الإكليل )‪(٦ (٦). (٣٤ ، ٣٣‬‬
‫)‪ (٣٧‬ميزان الاعتدال )‪(٧ (٧). (١/٢١١‬‬
‫)‪ (٣٨‬الـكفاية )‪ ، (٤٠٢‬والكامل لابن عدي )‪(١ (١). (١/٨٢‬‬
‫)‪ (٣٩‬أحوال الرجال )‪(٢ (٢). (٨١‬‬
‫)‪ (٤٠‬الـكفاية في علم الراو ية )‪(٣ (٣). (٩٣‬‬
‫)‪ (٤١‬ديوان الضعفاء )‪(٤ (٤). (٣٧٤‬‬
‫قال ‪ :‬سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة مما يقو يه ؟ قال ‪ :‬إذا كان معروفا ً بالضعف لم تقوه روايته عنه ‪ ،‬وإذا كان‬
‫مجهولا ًنفعه رواية الثقة عنه ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل مما يقوي حديثه ؟ قال ‪ :‬أي لعمري ‪ ،‬قلت ‪ :‬الكلبي روى عنه الثوري ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء وكان الكلبي يتكلم فيه)‪. (١‬‬
‫وقال عيسى بن يونس ‪ :‬كان سفيان لا يأخذ لا يأخذ عن أحد إلا أخذنا عنه ‪ ،‬فأخبرني أصحابنا أنهم كانوا مع سفيان ‪ ،‬ودخل على‬
‫محمد بن سعيد ‪ ،‬ونحن بالباب ‪ ،‬فخرج ‪ ،‬فقال ‪ :‬كذاب ـ يعني الذي قتله أبو جعفر)‪. (٢‬‬
‫وقال الذهبي ‪ :‬وإن كان المنفرد عنه من كبار الأثبات فأقوى لحاله و يحتج بمثله جماعة كالنسائي وابن حبان)‪. (٣‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣٥‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫قلت ‪ :‬وإن كان الراوي عن المجهول ممن لا يروي إلا عن ثق كان ذلك أرفع لحديثه وأوقى لعدالته ‪.‬‬
‫وممن لا يروي إلا عن ثقة ‪ :‬عامر بن شراحيل الشعبي ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬ومحمد بن سيرين ‪ ،‬وعروة بن الزبير ‪ ،‬و يحيى بن أبي كثير‬
‫‪ ،‬وابن أبي ذئب ‪ ،‬وشعبة بن الحجاج ‪ ،‬وإسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬ومنصور بن المعتمر ‪ ،‬ومالك ابن أنس ‪ ،‬و يحيى بن سعيد القطان ‪،‬‬
‫وعبد الرحمن بن مهدي في آخر أمره ‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬
‫وقال أبو حاتم الرازي ‪ :‬محمد بن أبي رزين شيخ بصري لا أعرفه ‪ ،‬لا أعلم من روى عنه غير سليمان بن حرب ‪ ،‬وكان سليمان بن‬
‫حرب قل أن يروي عن المشايخ ‪ ،‬فإذا رأيته قد روى عن شيخ فاعلم أنه ثقة)‪. (٤‬‬
‫وقال الحميدي في وصفه للحديث الثابت ‪ :‬متصل غير مقطوع معروف الرجال ‪ ،‬أو يكون حديثا ًمتصلا ًحدثنيه ثقة معروف عن رجل‬
‫جهلته وعرفه الذي حدثني عنه فيكون ثابتا ًيعرفه من حدثنيه حتى يصل إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم)‪ . (٥‬انتهى المراد منه ‪.‬‬
‫وقال المعلمي ‪ :‬والحكم فيمن روى عنه أولئك المحتاطون أن يبحث عنه ‪ ،‬فإن وجد أن الذي روى عنه قد جرحه تبېن أن روايته عنه‬
‫كانت على وجه الحكاية فلا تكون توثيقا ً ‪ ،‬وإن وجد غيره قد جرحه جرحا ً أقوى مما تقتضيه روايته عنه ترجح الجرح ‪ ،‬وإلا فظاهر‬
‫روايته عنه التوثيق)‪. (٦‬انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد كانوا يكتبون أحاديث الضعفاء للمعرفة ‪ ،‬ويتساهلون في التحديث أثناء المذاكرة فيحدثون عن كل من رووا عنه ‪ ،‬ولذلك‬
‫فتحمل تساهلهم في التحديث عن الـكذابين وغيرهم ‪ ،‬على التحديث أثناء المذاكرة أو للتعجب ‪.‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ :‬إذا جاءت المذاكرة جئنا بكل ‪ ،‬وإذا جاء التحصيل جئنا بمنصورين المعتمر)‪. (٧‬‬
‫وقال أبو داود السجزي ‪ :‬حدث شعبة عن جماعة من الضعفاء ‪ :‬عن مسلم الأعور والعرزمي وعمرو بن عبيد وموسى بن عبيدة وجابر‬
‫الجعفي والحسن ابن عمارة ‪ ،‬وكان شعبة يقول ‪ :‬لا يحل لي أن أحدث عن احسن بن عمارة ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬قد حدث يحيى ـ يعني القطان ـ عن مشايخ ضعفاء على نقده للرجال ‪ :‬أجلح ومجالد وجعفر بن ميمون صاحب الأنماط ‪ ،‬وكان‬
‫يحدث عن عمرو بن عبيد ثم تركه بآخره ‪ ،‬وحدث عن موسى الأسواري ثم تركه)‪. (٨‬‬
‫وقال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬وأما شعبة وغيره من شيوخنا فإنهم رأوا عند جابر الجعفي أشياء لم يصبروا عنه وكتبوها ليعرفوها ‪ ،‬فربما ذكر‬
‫أحدهم الشئ بعد الشئ على جهة التعجب فتداوله الناس بينهم ‪ ،‬والدليل على صحة ما ذكرنا أن وكيعا ًقال لشعبة ‪ :‬مالك تركت فلانا ً‬
‫وفلانا ًورويت عن جابر الجعفي ؟ قال ‪ :‬روى أشياء لم نصبر عنها ‪.‬‬
‫وقال محمد بن أبي رافع ‪ :‬رأيت أحمد بن حنبل في مجلس يزيد بن هارون ومعه كتاب زهير عن جابر ر‪ ،‬وهو يكتبه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أبا عبد‬
‫الل ّٰه تنهوننا عن حديث جابر وتكتبونه ؟! قال ‪ :‬نعرفه)‪. (٩‬‬
‫وهم متفاوتون في انتقاء المشايخ فمنهم المتسمح ومنهم المتوقي والمتشدد ‪.‬‬
‫قال القعنبي ‪ :‬سمعت مالكا ًيقول لسفيان الثوري ‪ :‬لا تكتب عن رجال فيهم ما فيهم ‪ ،‬فغضب ‪ .‬قال ‪ :‬فقال شعبة ‪:‬لا تأخذوا عن‬
‫سفيان الثوري إلا عن رجل تعرفون‪،‬فإنه لا يبالي عمن حصّ ل الحديث)‪(١٠‬‬
‫قال الذهبي ‪ :‬مروان بن معاوي الفزاري ‪ ،‬ثقة عالم صاحب حديث لـكن يروي عمن ذهب ودرج ‪ ،‬فيستأنى في شيوخه ‪ .‬قال ابن‬
‫المديني ‪ :‬ثقة فيما روى عن المعروفين)‪ . (١١‬وقال ابن نمير ‪ :‬كان يلتقط الشيوخ من السكك)‪. (١٢‬‬
‫قلت ‪ :‬وإن كان الراوي عن المجهول موصوفا ًبتدليس الشيوخ ‪ ،‬فإن ذلك مما يوهنه ‪.‬‬
‫قال أبو حاتم ‪ :‬إن محمدا ً بن سعيد صلب في الزندقة ‪ ،‬والناس يموهون في الرواية عنه ‪ ،‬فيقلبون اسمه حتى لا يفطن له ‪ ،‬مروان بن‬
‫معاو ية يسميه محمدا ً بن أبي قيس ‪ ،‬وعبد السلام بن حرب ‪ :‬يقول ‪ :‬محمد بن حسان ‪ ،‬ومنهم من يقول ‪:‬أبو عبد الل ّٰه الشامي ‪ ،‬ومنهم‬
‫من يقول‪:‬أبو عبد الرحمن الأردني)‪(١٣‬‬
‫وقال ابن حبان رحمه الل ّٰه ‪ :‬فلا يجوز الاحتجاج بخـبر من في روايته كنية إنسان لا يدرى من هو ‪ ،‬وإن كان دونه ثقة ؛ لأنه يحتمل‬
‫أن يكون كذابا ًكنى عن ذكره)‪ . (١٤‬انتهى ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣٦‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وممن يدلس الشيوخ ‪ :‬مروان بن معاو ية الفزاري ‪ ،‬وبقية بن الوليد ‪ ،‬والوليد بن مسلم ‪ ،‬وعبد الرحمن بن محمد المحاربي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق‬
‫‪ ،‬وهشيم بن بشير الواسطي ‪.‬‬
‫وقال ابن المبارك ‪ :‬نعم الرجل بقية ‪ ،‬لولا أنه يكني الأسامي ويسمي الـكنى ‪ ،‬كان دهرا ً يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي ‪ ،‬فنظرنا فإذا‬
‫هو عبد القدوس)‪. (١٥‬‬
‫ولـكن يلاحظ أن تدليس اشيوخ قد يكون سببه الإغراب والتكثر من الشيوخ ‪ .‬وإن لم يكن الذي‬
‫عمي في الإسناد ضعيفا ً‪ .‬وكان يفعل ذلك سفيان الثوري ‪ .‬وأوهى مراتب المجهولين الذين لم يرو‬
‫عنهم إلا الضعفاء ‪.‬‬
‫قال ابن حبان ‪ :‬أما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متركون على الأحوال كلها)‪. (١٦‬‬
‫وقال)‪ :…(١٧‬زعم ابن معين أن أبان بن عبد الل ّٰه الرقاشي ضعيف ‪ ،‬وهذا شئ لا يتهيأ لي الحكم به ؛ لأنه لا راوي له عنه إلا ابنه‬
‫يزيد ‪ ،‬ويزيد ليس بشئ في الحديث ‪ ،‬فلا أدري التخليط في خبره منه أم من أبيه ؟ على أنه لا يجوز الاحتجاج بخـبره على الأحوال‬
‫كلها ؛ لأنه لا راوي له غير ابنه ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ولما كانت الجهالة بهذا المعنى فإن جهابذة النقاد صيارفة الحديث تارة يصححون أحاديث المجاهيل ‪ ،‬وتارة يردونها ‪ ،‬وإليك‬
‫بعض الأمثلة المصرحة بذلك ‪:‬‬
‫قال عبد الخالق بن منصور ‪ :‬سألت يحيى بن معين عن حاجب فقلت ‪ :‬أترى أن أكتب عنه ؟ فقال ‪ :‬ما أعرفه ‪ ،‬أما أحاديث‬
‫فصحيحة ‪ .‬فقلت ‪ :‬أترى أن أكتب عنه ؟ فقال ‪ :‬ما أعرفه وهو صحيح الحديث ‪ ،‬وأنت أعلم)‪. (١٨‬‬
‫وسأل الدارمي ابن معين عنه أبي دراسة ما حاله ؟ فقال ‪ :‬إنما يروي حديثا ًواحدا ً ليس به بأس)‪. (١٩‬‬
‫وقال ابن الجنيد ‪ :‬سألت يحيى عن حديث شر يك عن علي بن علي عن إبراهيم قال ‪ :‬سمع علقمة مؤذنا ً بليل ‪ ،‬فقال ‪ :‬خالف هذا‬
‫أصحاب محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬لو بات على فراشه كان خيرا ً له ‪.‬‬
‫قلت ليحيى ‪ :‬من علي بن علي هذا ؟ قال ‪ :‬هذا علي بن السائب ‪ ،‬كوفي ثقة ‪ ،‬يحدث عن شر يك ‪ .‬قلت ‪ :‬من يحدث عنه غير شر يك‬
‫؟ قال ‪ :‬ما علمت أحدا ً يحدث عنه غير شر يك)‪. (٢٠‬‬
‫وقال أحمد في خالد بن عمير ‪ :‬لا أحد روى عنه غير الأسود بن شيبان ولـكنه حسن الحديث ‪ .‬وقال مرة ‪ :‬حديثه عندي صحيح)‪(٢١‬‬
‫‪.‬‬
‫وقال في عبيد الل ّٰه بن موهب التيمي ‪ :‬أحاديث مناكير ولا يعرف هو ولا أبوه)‪. (٢٢‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬أحمد بن المنذر بن الجارود القزاز ‪ ...‬سألت أبي عنه فقال ‪ :‬لا أعرفه وعرضت عليه حديث فقال ‪ :‬حديث‬
‫صحيح)‪. (٢٣‬‬
‫وقال عن أحمد بن إبراهيم ‪ :‬أبو صالح الخراساني شيخ مجهول والحديث الذي رواه صحيح)‪. (٢٤‬‬
‫وقال في مغيرة بن أمي البصري المنقري‪:‬لا أعلم روى عنه غير ابنه عبد العزيز وأرى حديثه مستقيماً)‪(٢٥‬‬
‫وقال أبو حاتم عبد الوهاب بن الحسن ‪ :‬أحاديث مناكير ولا أعرفه)‪. (٢٦‬‬
‫وقال أبو داود السجستاني في يحيى بن عباد السعدي ‪ :‬لا أعرفه وحديثه منكر)‪. (٢٧‬‬
‫وإني ممثل بمثالين يتضح بهما ـ إن شاء الل ّٰه ـ قبول حديث المجهول ورده ‪:‬‬
‫المثال الأول ‪ :‬حديث أبي فزارة عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن ابن مسعود رضي الل ّٰه عنه قال ‪ :‬دعاني رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه‬
‫عليه وسلم ليلة الجن بوضوء ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول الل ّٰه ما معي إلا نبيذ في إداوة ‪ ،‬فقال ‪ )) :‬ثمرة طيبة وماء طهور (()‪. (٢٨‬‬
‫قال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬وإنما روى هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الل ّٰه عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬وأبو زيد رجل مجهول عند‬
‫أهل الحديث ‪ ،‬لا تعرف له رواية غير هذا الحديث)‪. (٢٩‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬أبو زيد رجل مجهول ‪ ،‬لا يعرف بصحبة عبد الل ّٰه ‪ ،‬وروى علقمة عن عبد الل ّٰه أنه قال ‪ :‬لم أكن ليلة الجن مع رسول‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣٧‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪.‬‬


‫وقال ابن عدي ‪ :‬وهذا الحديث مداره على أبي فزارة عن أبي زيد عن ابن مسعود ‪ ،‬وأبو فزارة مشهور ‪ ،‬وأبو زيد مجهول ‪ ،‬ولا يصح‬
‫هذا الحديث عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬وهو خلاف القرآن)‪. (٣٠‬‬
‫وقال ابن حبان ‪ :‬أبو زيد يروي عن ابن مسعود ما لم يتابع عليه ‪ ،‬ليس يدري من هو ‪ ،‬لا يعرف أبوه ولا بلده ‪ .‬والإنسان إن كان‬
‫بهذا النعت ثم لم يرو إلا خبرا ً واحدا ً خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس والنظر والرأي يستحق مجانبته فيها ولا يحتج به)‪(٣١‬‬
‫‪.‬‬
‫والحاصل إن ردّ هذا الحديث من وجوه ‪:‬‬
‫الأول ‪ :‬تفرد أبي زيد عن ابن مسعود وليس من أصحابه ‪ .‬وابن مسعود له أصحاب كثر لازموه فما بالهم قد غفلوا عن هذا الحديث ؟!‬
‫وعندما تفرد خشف بن مالك عن عبد الل ّٰه بن مسعود ‪ ،‬قال الدار قطني ‪ :‬وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بخـبر ينفرد بروايته رجل‬
‫مجهول غير معروف ‪ ،‬وإنما يثبت العلم عندهم بالخـبر إذا كان راو يه عدلا ًمشهورا ً ‪ ،‬أو رجلا ًارتفع اسم الجهالة عنه)‪. (٣٢‬‬
‫الثاني ‪ :‬مخالفة هذا الخـبر لظاهر القرآن ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا ً طيبا ً( فلم تذكر الآية النبيذ ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬مخالفته لما هو ثابت عن ابن مسعود رضي الل ّٰه عنه من أنه لم يشهد ليلة الجن مع النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن هذه القصة رويت من طرق ‪ ،‬ولم تذكر النبيذ ‪ ،‬فهذه الز يادة مردودة منكرة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬الجرح والتعديل )‪(٥ (٥). (٢/٣٦‬‬
‫)‪ (٢‬سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي )‪(١ (١). (٢/٧٢٧‬‬
‫)‪ (٣‬الموقظة )‪(٢ (٢). (٧٩‬‬
‫)‪ (٤‬الجرح والتعديل )‪(٣ (٣). (٧/٢٥٥‬‬
‫)‪ (٥‬الـكفاية )‪(٤ (٤). (٢٤‬‬
‫)‪ (٦‬التنكيل )‪(٥ (٥). (١/٤٢٩‬‬
‫)‪ (٧‬تهذيب الـكمال )‪(٦ (٦). (٢٨/٥٥٣‬‬
‫)‪ (٨‬سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود السجستاني )‪(١ (١) . (٩٧٨ ، ٩٧٧‬‬
‫)‪ (٩‬كتاب المجروحين )‪(٢ (٢). (١/٢٠٩‬‬
‫)‪ (١٠‬الكامل في ضعفاء الرجال )‪(٣ (٣). (١/٦٨‬‬
‫)‪ (١١‬ميزان الاعتدال )‪(٤ (٤). (٩٤ ، ٤/٩٣‬‬
‫)‪ (١٢‬الجرح والتعديل )‪(٥ (٥). (٨/٢٧٣‬‬
‫)‪ (١٣‬سؤالات البرذعي لأبي زرعة )‪(٦ (٦). (٢/٧٢٦‬‬
‫)‪ (١٤‬كتاب المجروحين )‪(١ (١). (١/٩١‬‬
‫)‪ (١٥‬مقدمة صحيح مسلم )‪(٢ (٢). (٢٦‬‬
‫)‪ (١٦‬كتاب المجروحين )‪(٣ (٣). (٢/١٩٣‬‬
‫)‪ (١٧‬كتاب المجروحين )‪(٤ (٤). (١/٩٨‬‬
‫)‪ (١٨‬تاريخ بغداد )‪(٥ (٥). (٨/٢٧١‬‬
‫)‪ (١٩‬سؤالات الدارمي ليحيى بن معين )‪(٦ (٦). (٩٦١‬‬
‫)‪ (٢٠‬سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين )‪(١ (١). (٦٦‬‬
‫)‪ (٢١‬شرح علل الترمذي )‪(٢ (٢). (٨١‬‬
‫)‪ (٢٢‬ميزان الاعتدال )‪(٣ (٣). (٣/١١‬‬
‫)‪ (٢٣‬الجرح والتعديل )‪(٤ (٤). (٢/٧٨‬‬
‫)‪ (٢٤‬الجرح والتعديل )‪(٥ (٥). (٢/٣٩‬‬
‫)‪ (٢٥‬الجرح والتعديل )‪(٦ (٦). (٨/٢١٩‬‬
‫)‪ (٢٦‬ميزان الاعتدال )‪(٧ (٧). (٢/٦٧٥‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣٨‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫)‪ (٢٧‬ميزان الاعتدال )‪(٨ (٨). (٤/٣٨٨‬‬


‫)‪ (٢٨‬الكامل لابن عدي )‪(٩ (٩). (٧/٢٩١‬‬
‫)‪ (٢٩‬جامع الترمذي )‪(١٠ (١٠). (١/١٤٧‬‬
‫)‪ (٣٠‬الكامل )‪(١ (١). (٧/٢٩٢‬‬
‫)‪ (٣١‬كتاب المجروحين )‪(٢ (٢). (٣/١٥٨‬‬
‫)‪ (٣٢‬السنن )‪(٣ (٣). (٣/١٧٤‬‬
‫الخامس ‪ :‬أن أبا زيد لا يعرف له سماع من ابن مسعود ‪ ،‬وذلك لأن الغالب في المجهولين إلا تعرف سنة ولادتهم ووفاتهم ‪ ،‬فلم تتحقق‬
‫معاصرته لعبد الل ّٰه ابن مسعود ‪.‬‬
‫ووجه واحد من هذه الأوجه كاف في رد الحديث ‪.‬‬
‫المثال الثاني ‪ :‬حديث البحر ‪ )) :‬هو الطهور ماؤه الحل ميتته (( ‪ .‬رواه سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق أن المغيرة بن أبي بردة‬
‫أخبره أنه سمع أبا هريرة ‪ ...‬الحديث مرفوعاً)‪. (١‬‬
‫وسعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة فيهما جهالة ‪ ،‬وقال ابن المديني ‪ :‬المغيرة بن أبي بردة رجل من بني عبد الدار سمع من أبي هريرة‬
‫‪ ،‬ولم يسمع به إلا في هذا الحديث)‪. (٢‬‬
‫قلت ‪ :‬إن العلماء ٺتابعوا على تصحيح هذا الحديث)‪ (٣‬؛ وذلك لأنه موافق لظاهر القرآن وليس فيه تفرد منكر ‪ ،‬ولذلك وثق هذين‬
‫الروايتين النسائي رحمه الل ّٰه ‪.‬‬
‫وحديث حميدة بنت رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك ‪ ،‬وكانت عند عبد الل ّٰه بن أبي قتادة أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم‬
‫قال في الهرة ‪ )) :‬إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات (()‪. (٤‬‬
‫وحميدة وكبشة فيهما جهالة ‪ ،‬ولما كان الحديث موافقا ًلأصول الشر يعة وليس مخالفا ًللأحاديث الصحيحة ولم يكن طو يلا ًـ لأن الحديث‬
‫الطو يل يحتاج إلى حافظ ولا يمكن الوثوق بحفظهما ‪ ،‬ولم يرو يا إلا قليلا ًمن الأحاديث ـ صححه العلماء ‪ ،‬وقال عنه الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬جامع الترمذي )‪(٤ (٤). (١/١٠١‬‬
‫)‪ (٢‬تهذيب التهذيب )‪(٥ (٥) (١٠/٢٥٧‬‬
‫)‪ (٣‬جامع الترمذي )‪(١ (١). (١٥٤ ، ١/١٥٣‬‬
‫)‪ (٤‬جامع الترمذي )‪(٢ (٢). (١٥٤ ، ١/١٥٣‬‬

‫فصل من تقبل ورايته في بعض الأحوال دون بعض‬ ‫‪٦.٨‬‬


‫فصل من تقبل ورايته في بعض الأحوال دون بعض ‪.‬‬
‫ومن الرواة من تقبل روايته في بعض الأحوال دون بعض ‪.‬‬
‫ومنهم المختلط ‪ :‬وهو من ساء حفظه)‪ ، (١‬والأصل في الثقات عدم الاختلاط ما لم يفحش ‪ ،‬و يعرف الاختلاط الفاحش من‬
‫اليسير بأمور ‪:‬‬
‫الأول ‪ :‬أن يعرف بنص الأئمة ‪ ،‬قال الحسن ‪ :‬قلت لعلي بن المديني ‪ :‬حصين ؟ قال ‪ :‬حصين حديثه واحد وهو صحيح ‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫فاختلط ؟ قال ‪ :‬لا ‪ ،‬ساء حفظه ‪ ،‬وهو على ذلك ثقة)‪. (٢‬‬
‫وقال الذهبي ‪ :‬هشام بن عروة حجة إمام ‪ ،‬لـكن في الـكبر تناقص حفظه ولم يختلط أبدا ً ‪ ،‬تغير قليلا ً ولم يبق حفظه كهو في حال‬
‫الشبيبة ‪ ،‬فنسي بعض محفوظه أو وهم)‪ . (٣‬انتهى مختصرا ً ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬بأن تروى عنه أخبار تدل على اختلاط عقله تماما ً‪ ،‬كقول أبي عمر الحوضي ‪ :‬دخلنا على سعيد بن أبي عروبةأريد أن أسمع‬
‫منه وقد اختلط ‪ ،‬فسمعته يقول ‪ :‬الأزد أزد عريضة ‪ ،‬ذبحوا شاة مريضة ‪ ،‬أطعموني فأبيت ‪ ،‬ضربوني فبكيت ‪ ،‬فعلمت أنه مختلط ‪،‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٣٩‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫فلم أسمع منه)‪. (٤‬‬


‫ومثله ورد عن خلف بن خليفة الواسطي)‪ ، (٥‬وعارم السدوسي)‪ ، (٦‬وليث ابن أبي سليم)‪ (٧‬وعطاء بن السائب)‪ ، (٨‬وصالح مولى‬
‫التوأمة)‪. (٩‬‬
‫والثالث ‪ :‬بأن توجد له أحاديث منكرة ‪ ،‬فإن لم توجد دل ذلك على أن اختلاطه ليس بضار في حديثه ‪.‬‬
‫قال ابن عدي في أبان صمعة ‪ :‬إنما عيب عليه اختلاطه لما كبر ‪ ،‬ولم ينسب إلى الضعف ؛ لأن مقدار ما يرو يه مستقيم)‪. (١٠‬‬
‫والرابع ‪ :‬يعمل الحفاظ تجاه من وصف بالاختلاط ‪ ،‬كإخراج البخاري حديث أبي إسحاق السبيعي كثيرا ً في صحيحه عمن روى عنه‬
‫بعد اختلاطه ومنهم ابنه إسرائيل ‪ ،‬فعلم من هذا أن اختلاطه يسير وليس بضار)‪. (١١‬‬
‫قال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬وأما المختلطون في أواخر أعمارهم مثل الجريري وسعيد بن أبي عروبة وأشباههم ‪ ،‬فإنا نروي عنهم في كتابنا‬
‫هذا ونحتج بما رووا ‪ ،‬إلا أنا لا نعتمد من حديثهم إلا ما روي عنهم الثقات من القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم ‪،‬‬
‫وما وافقوا الثقات في الروايات التي لا نشك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى ؛ لأن حكمهم وإن اختلطوا في أواخر أعمارهم ‪ ،‬وحمل‬
‫عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم ‪ ،‬حكم الثقة إذا أخطأ أن الواجب ترك خطئه إذا علم ‪ ،‬والاحتجاج بما نعلم أنه لم يخطئ فيه‬
‫‪ ،‬وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات وما انفردوا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذين كان سماعهم منهو قبل‬
‫الاختلاط سواء)‪. (١٢‬‬
‫قلت ‪ :‬فإذا كان اختلاطه ضارا ً ‪ ،‬والراوي عنه سمع منه بعد الاختلاط فإنه لا يحتج به ‪.‬‬
‫قال ابن عمار الموصلي ‪ :‬سمع وكيع والمعافى بن عمران من سعيد بعد الاختلاط ‪ ،‬قال ‪ :‬وليس روايتهما عنه بشئ)‪. (١٣‬‬
‫وقال الخطيب البغدادي ‪ :‬وكان عطاء بن السائب قد اختلط في آخر عمره ‪ ،‬فاحتج أهل العلم برواية الأكابر عنه مثل سفيان الثوري‬
‫وشعبة ‪ ،‬لأن سماعهم منه كان في الصحة وتركوا الاحتجاج برواية من سمع منه أخيراً)‪. (١٤‬‬
‫وإذا لن يتميز حديثه ‪ ،‬أو كان الراوي عنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده ‪ ،‬يتوقف فيه ولا يحتج به ‪.‬‬
‫قال يحيى بن معين ‪ :‬وقد سمع أبو عوانة من عطاء في الصحة والاختلاط جميعا ً‪ ،‬ولا يحتج بحديثه)‪. (١٥‬‬
‫فأما من لم يحدث بعد اختلاطه فهو كغير المختلط ‪ ،‬واختلاطه ليس بضار ‪ .‬ومنهم جرير بن حازم البصري ‪ ،‬قال ابن مهدي ‪ :‬واختلط‬
‫‪ ،‬وكان له أولاد أصحاب حديث ‪ ،‬فلما أحسوا ذلك منه حجبوه ‪ ،‬فلم يسمع منه أحد في حال اختلاطه شيئاً)‪. (١٦‬‬
‫ومثل جير حجاج الأعور)‪ ، (١٧‬وعبد الوهاب الثقفي)‪. (١٨‬‬
‫وقال الذهبي ‪ :‬كل تغير يوجد في مرض الموت فليس بقادح في الثقة ‪ ،‬فإن غالب الناس يعتريهم في المرض الحاد نحو ذلك ‪ ،‬و يتم‬
‫لهم وقت السياق وقبله أشد من ذلك ‪ ،‬وإنما المحذور أن يقع الاختلاط بالثقة ‪ ،‬فيحدث في حال اختلاطه بما يضطرب في إسناده أو‬
‫متنه فيخالف فيه)‪ . (١٩‬انتهى ‪.‬‬
‫وقد تقبل أخبار المختلطين إذا كان الراوي عنهم من كبار الحفاظ ‪.‬‬
‫وقال وكيع ‪ :‬كنا ندخل على سعيد بن أبي عروبة فنسمع ‪ ،‬فما كان من صحيح حديثه أخذناه ‪ ،‬وما لم يكن صحيحا ًطرحناه)‪. (٢٠‬‬
‫قال ابن معين ‪ :‬قلت لوكيع بن الجراح ‪ :‬تحدث عن سعيد بن أبي عروبة وإنما سمعت منه في الاختلاط ؟ قال ‪ :‬رأيتني حدثت عنه‬
‫إلا بحديث مستو؟!)‪. (٢١‬‬
‫قال ابن حجر رحمه الل ّٰه تعالى في ترجمة عبد الل ّٰه بن صالح الجهني ‪ :‬ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيما ً‪ ،‬ثم طرأ‬
‫عليه فيه تخليط ‪ ،‬فمقتضى ذلك أن ما يجئ من روايته عند أهل الحذق كيحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم فهو من صحيح‬
‫حديثه ‪ ،‬وما يجئ من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه)‪. (٢٢‬‬
‫ومنهم من أضر آخر عمره وكان لا يحفظ جيدا ً فكان يتلقن)‪ . (٢٣‬وليس كل تلقين يضر ‪ ،‬ولا كل من تلقن يضعف حديثه ‪.‬‬
‫قال سفيان بن عيينة ‪ :‬إنما مثل التلقين لمن يحفظ رجل قيل له ‪ :‬تعرف فلانا ً؟ قال ‪ :‬لا ‪ .‬قيل له ‪ :‬ابن‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤٠‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫فلان ابن فلان ‪ ،‬منزله في موضع كذا ‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬


‫قال مسلم بن وارة ‪ :‬ومما يحقق قول ابن عيينة قول الل ّٰه يعني ‪ ) :‬فتذكر إحداهما الأخرى ( ] البقرة ‪ [ ٢٨٢ :‬فإنما هو من التذكير ‪،‬‬
‫فإذا ذك ّر ذكر)‪. (٢٤‬‬
‫قال المعلمي ‪ :‬التلقين القادح في الملقن هو أن يدفع الشيخ في الـكذب ولا يبېن ‪ ،‬فإن كان فإنما فعل ذلك امتحانا ًللشيخ وبيّن ذلك في‬
‫المجلس لم يضر ‪ ،‬وإما إن قبل التلقين وكثر منه فإنه يسقط)‪. (٢٥‬‬
‫قلت ‪ :‬وإنما يضر التلقين بالراوي إذا كثر منه وكان ما تلقنه ليس من حديثه ‪ ،‬ورواية كبار الحفاظ عنه من أرفع حديثه ‪.‬‬
‫وسئل يحيى بن معين عن سويد بن سعيد فقال ‪ :‬ما حدثك فكتب عنه ‪ ،‬وما حدث به تلقينا ًفلا)‪. (٢٦‬‬
‫وقال أبو القاسم البغوي ‪ :‬كان من كبار الحفاظ ‪ ،‬وكان أحمد بن حنبل ينتقي عليه لولديه صالح وعبد الل ّٰه يختلفان إليه فيسمعان‬
‫منه)‪. (٢٧‬‬
‫قال عبد الل ّٰه بن الزبير الحميدي ‪ :‬ومن تلقن فتلقن يرد حديثه الذي لقن فيه ‪ ،‬وأخذ عنه ما أتقن حفظه ‪ ،‬إذا علم أن ذلك التلقين‬
‫حادث في حفظه ‪ ،‬لا يعرف به قديما ً‪ ،‬فأما من عرف به قديما ًفي جميع حديثه فلا يقبل حديثه ‪ ،‬ولا يؤمن أن يكون ما حفظ مما‬
‫لقن)‪. (٢٨‬‬
‫قال أبو حاتم الرازي في محمد بن جابر اليمامي ‪ :‬ذهبت كتبه في آخر عمره ‪ ،‬وساء حفظه ‪ ،‬وكان يلقن ‪ ،‬وكان عبد الرحمن بن مهدي‬
‫يحدث عنه ثم تركه بعد ‪ ،‬وكان يروي أحاديث مناكير وهو معروف بالسماع جيد اللقاء ‪ ،‬رأوا في كتبه لحقاً)‪. (٢٩‬‬
‫ومنهم من كان ثقة في شيخ ضعيفا ًفي آخر)‪. (٣٠‬‬
‫مثل جرير بن حازم ‪ ،‬قال عبد الل ّٰه بن أحمد عن يحيى بن معين ‪ :‬ليس به بأس ‪ .‬قال عبد الل ّٰه ‪ :‬فقلت له ‪ :‬يحدث عن قتادة عن أنس‬
‫بأحاديث مناكير ؟ فقال ‪ :‬ليس بشئ عن قتادة وهو ضعيف)‪. (٣١‬‬
‫ومنهم من حفظه فيه شئ وكتابه صحيح)‪. (٣٢‬‬
‫مثل إبراهيم بن سعد الزهري ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬كان يحدث من حفظه فيخطئ ‪ ،‬وفي كتابه صواب)‪. (٣٣‬‬
‫و يعرف تحديث الراوي من كتابه بواحد من أمور ‪:‬‬
‫الأول ‪ :‬أن يصرح الراوي أن شيخه حدثه من كتابه ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يعرف من منهج الراوي ألا يحدث إلا من كتابه ‪ .‬ومنهم جرير ابن عبد الحميد الضبي)‪. (٣٤‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن يعرف من منهج الراوي ألا يأخذ من شيوخه إلا ما حدثوا به من كتبهم ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬يحيى بن معين قال ‪ :‬ما كتبت عن عبد الرزاق حديثا ًواحدا ً إلا من كتابه)‪. (٣٥‬‬
‫وكبار حفاظ أهل الحديث غالبا ًلا يأخذون من شيوخهم إلا ما حدثوا به من كتبهم ‪ ،‬وخاصة إن كان الراوي ممن يهم في حفظه ‪،‬‬
‫أو كان الحديث غريبا ً‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬إذا لم يؤخذ عليه خطأ ‪ ،‬أو كانت أخطاؤه قليلة ‪.‬‬
‫مثل ‪ :‬عبد الواحد بن واصل أبو عبيدة الحداد ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬لم يكن صاحب حفظ وكتابه صحيح ‪ .‬وقال ابن معين ‪ :‬كان من المتثبتين‬
‫‪ ،‬ما أعلم أنا أخذنا عليه خطأ ألبتة)‪. (٣٦‬‬
‫ومنهم من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض ‪ ،‬وهو ثلاثة)‪: (٣٧‬‬
‫الأول ‪ :‬من حدث في مكان لم تكن معه فيه كتبه فخلط وحدث في مكان آخر ومعه كتبه فاتقن ‪ ،‬أو سمع من شيخ في مكان فلم‬
‫يضبط ‪ ،‬وسمع منه في موضع آخر فضبط ‪.‬‬
‫كمعمر بن راشد ‪ ،‬قال يعقوب بن شيبة ‪ :‬سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب ؛ لن كتبه لم تكن معه)‪. (٣٨‬‬
‫الثاني ‪ :‬من حدث عن أهل إقليم فحفظ حديثهم ‪ ،‬وحدث عن غيرهم فلم يحفظ ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤١‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫ومنهم إسماعيل بن عياش ‪ ،‬قال البخاري ‪ :‬إذا حدث عن أهل بلده فصحيح ‪ ،‬وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر)‪. (٣٩‬‬
‫الثالث ‪ :‬من حدث عنه أهل إقليم فحفظوا حديثه ‪ ،‬وحدث عنه غيرهم فلم يقيموا حديثه ‪.‬‬
‫ومنهم زهير بن محمد الخراساني قال ابن عدي ‪ :‬لعل الشاميين حيث رووا عنه أحطأوا عليه ‪ ،‬فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فرواياتهم‬
‫عنه شبه المستقيم ‪ ،‬وأرجو أنه لا بأس به)‪. (٤٠‬‬
‫ومنهم من ضعف حديثه إذا جمع الشيوخ دون ما إذا أفردهم)‪. (٤١‬‬
‫قال الحافظ بن رجب ‪ :‬الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة ‪ ،‬فالظاهر أن لفظهم لم يتفق ‪ ،‬فلا يقبل هذا‬
‫الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه ‪ ،‬يعرف إتقان شيوخه واختلافهم ‪ ،‬كما كان الزهري يجمع بين الشيوخ له في حديث الإفك وغيره ‪.‬‬
‫وكان الجمع بين الشيوخ ينكر على الواقدي وغيره ممن لا يضبط هذا ‪ ،‬كما أنكر على ابن إسحاق وغيره ‪ ،‬وقد أنكر شعبة أيضا ً على عوف‬
‫الأعرابي)‪ . (٤٢‬انتهى ‪.‬‬
‫وقال الإمام أحمد في رواية المروزي ‪ :‬ابن إسحاق حسن الحديث ‪ ،‬لـكن إذا جمع بين رجلين ‪ .‬قلت ‪ :‬كيف ؟ قال ‪ :‬يحدث عن‬
‫الزهري وآخر يحمل حديث هذا على هذا)‪. (٤٣‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬شرح علل الترمذي )‪(٣ (٣). (٣٠٨‬‬
‫)‪ (٢‬شرح علل الترمذي )‪(٤ (٤). (٣١٣‬‬
‫)‪ (٣‬ميزان الاعتدال )‪(٥ (٥). (٤/٣٠١‬‬
‫)‪ (٤‬كتاب المجروحين )‪ ، (١/٦٨‬والـكفاية في علم الرواية )‪(٦ (٦). (١٣٦‬‬
‫)‪ (٥‬ميزان الاعتدال )‪(٧ (٧). (١/٦٥٩‬‬
‫)‪ (٦‬الـكفاية )‪(٨ (٨). (١٣٦‬‬
‫)‪ (٧‬كتاب المجروحين )‪(٩ (٩). (١/٦٨‬‬
‫)‪ (٨‬تهذيب الـكمال )‪ ، (٢٠/٩٠‬والمراسيل لابن أبي حاتم )‪(٩ (٩). (١٣٠‬‬
‫)‪ (٩‬تهذيب الـكمال )‪(١٠ (١٠). (١٣/١٠٠‬‬
‫)‪ (١٠‬الكامل )‪(١ (١). (١/٣٩٢‬‬
‫)‪ (١١‬انظر ‪ :‬التقييد والإيضاح )‪(٢ (٢). (٤٢٦‬‬
‫)‪ (١٢‬الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان )‪(٣ (٣). (١/١٦١‬‬
‫)‪ (١٣‬شرح علل الترمذي )‪(٤ (٤). (٣١٧‬‬
‫)‪ (١٤‬الـكفاية )‪(٥ (٥). (١٣٧‬‬
‫)‪ (١٥‬الجرح والتعديل )‪(١ (١). (٦/٣٣٤‬‬
‫)‪ (١٦‬تهذيب الـكمال )‪(٢ (٢). (٤/٥٢٨‬‬
‫)‪ (١٧‬ميزان الاعتدال )‪(٣ (٣). (١/٤٦٤‬‬
‫)‪ (١٨‬شرح علل الترمذي )‪(٤ (٤). (٣١٨‬‬
‫)‪ (١٩‬سير أعلام النبلاء )‪(٥ (٥). (١٠/٢٥٤‬‬
‫)‪ (٢٠‬تهذيب الـكمال )‪(٦ (٦). (١١/١٠‬‬
‫)‪ (٢١‬الـكفاية في علم الرواية )‪(٧ (٧). (١٣٦‬‬
‫)‪ (٢٢‬هدي الساري )‪(٨ (٨). (٤٣٤‬‬
‫)‪ (٢٣‬شرح علل الترمذي )‪(٩ (٩). (٣٢٠‬‬
‫)‪ (٢٤‬سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي )‪(١ (١). (٢/٧٤٢‬‬
‫)‪ (٢٥‬التنكيل )‪(٢ (٢). (١/٢٢٨‬‬
‫)‪ (٢٦‬تهذيب الـكمال )‪(٣ (٣). (١٢/٢٥١‬‬
‫)‪ (٢٧‬تهذيب الـكمال )‪(٤ (٤). (١٢/٢٥٠‬‬
‫)‪ (٢٨‬الجرح والتعديل )‪(٥ (٥). (٢/٣٤‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤٢‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫)‪ (٢٩‬الجرح والتعديل )‪(٦ (٦). (٧/٢١٩‬‬


‫)‪ (٣٠‬شرح علل الترمذي )‪(٧ (٧). (٣٣٦‬‬
‫)‪ (٣١‬شرح علل الترمذي )‪(٨ (٨). (٣٣٩‬‬
‫)‪ (٣٢‬شرح علل الترمذي )‪(١ (١). (٣٢٣‬‬
‫)‪ (٣٣‬شرح علل الترمذي )‪(٢ (٢). (٣٢٧‬‬
‫)‪ (٣٤‬تهذيب الـكمال )‪(٣ (٣). (١/٥٤٥‬‬
‫)‪ (٣٥‬شرح علل الترمذي )‪(٤ (٤). (٣٢١‬‬
‫)‪ (٣٦‬ميزان الاعتدال )‪(٥ (٥). (٢/٦٧٧‬‬
‫)‪ (٣٧‬شرح علل الترمذي )‪ ٣٢٩‬ـ ‪(٦ (٦). (٣٣٥‬‬
‫)‪ (٣٨‬شرح علل الترمذي )‪(٧ (٧). (٣٣‬‬
‫)‪ (٣٩‬ميزان الاعتدال )‪(٨ (٨). (١/١٤٢‬‬
‫)‪ (٤٠‬الكامل لابن عدي )‪(١ (١). (٣/٢٢٣‬‬
‫)‪ (٤١‬شرح علل الترمذي )‪(٢ (٢). (٣٥٨‬‬
‫)‪ (٤٢‬شرح علل الترمذي )‪(٣ (٣). (٣٥٨‬‬
‫)‪ (٤٣‬شرح علل الترمذي )‪(٤ (٤). (٣٥٩ ، ٣٥٨‬‬

‫فصل في قواعد الجرح والتعديل‬ ‫‪٦.٩‬‬


‫فصل في قواعد الجرح والتعديل‬
‫على المطلع على كتب الرجال ‪ ،‬الباحث عن أحوال الرواة مراعاة قواعد في الجرح والتعديل ‪ ،‬وهذا بعد التأكد من أن صاحب الترجمة‬
‫هو الواقع في السند ‪ ،‬وذلك بمعرفة اسمه كاملا ً وكنيته ولقبه وطبقته وتاريخ ولادته ووفاته وشيوخه وتلامذته ‪ ،‬حتى يتم التمييز بين‬
‫الرواة)‪ ، (١‬وبعد هذا كله ينبغي أن تطبق قواعد هي ‪:‬‬
‫القاعدة الأولى ‪ :‬يبحث عن رأي كل إمام فيه ‪ ،‬وينص عبارته إن أمكن)‪ ، (٢‬والتثبت من نسبة القول إليه ‪.‬‬
‫فقد روى الـكديمي عن علي بن المديني عن يحيى بن سعيد قوله ‪ :‬لا أروي عن أبن العطار ‪ .‬والـكديمي ليس بمتعمد ‪ ،‬وأبان ثبت في‬
‫كل المشايخ)‪. (٣‬‬
‫وقال أبو عبيد الآجري ‪ :‬قلت لأبي داود ‪ :‬حكى رجل عن شيبان الأبلي أنه سمع شعبة يقول ‪ :‬اكتبوا عن أبي أمية بن يعلى ؛ فإنه‬
‫شر يف لا يكذب ‪ .‬واكتبوا عن الحسن بن دينار ؛ فإنه صدوق ‪ .‬فكذب الذي حكى هذا ‪.‬‬
‫قال أبو عبيد ‪ :‬غلام خليل حكى هذا عن شيبان ‪ .‬فقال أبو داود ‪ :‬كذب الذي حكى هذا)‪. (٤‬‬
‫وقال حمزة بن يوسف السهمي ‪ :‬سألت أبا بكر عن عبدان عن ابن عقدة إذا حكى حكاية عن غيره في الشيوخ في الجرح ‪ ،‬هل يقبل‬
‫قوله ؟ قال ‪ :‬لا يقبل)‪. (٥‬‬
‫القاعدة الثانية ‪ :‬قلت ‪ :‬وينبغي الاعتناء بمسألة الجمع والتفر يق بين الرواة ؛ )‪ (٦‬فإنه يحصل بها اشتباه كثير ‪.‬‬
‫قال المعلمي ‪ :‬ليس ٺثبت أن تلك الكلمة في صاحب الترجمة ؛ فإن الأسماء ٺتشابه ‪ ،‬وقد يقول المحدث كلمة في راو فيظنها السامع في‬
‫آخر ‪ ،‬و يحكيها كذلك ‪ ،‬وقد يحكيها السامع فيمن قبلت فيه ‪ ،‬و يخطئ بعض من بعده فيحملها على آخر)‪. (٧‬‬
‫قال الحافظ الذهبي ‪ :‬ذكر عمر بن نافع مولى ابن عمر ابن عدي وروى عن يحيى بن معين قال ‪ :‬عمر بن نافع ليس حديثه بشئ ؛ فوهم‬
‫ابن عدي ؛ فإن آخر ‪ ،‬وهو عمر بن نافع الثقفي ‪ .‬وقال ابن معين في عمر بن نافع مولى ابن عمر ‪ :‬ليس به بأس)‪. (٨‬‬
‫القاعدة الثانية ‪ :‬نقد الرواة أمر خطير ‪،‬فلا يقبل إلا من ورع في الحكم على الناس ‪ ،‬عالم بإسباب الجرح والتعديل ‪ ،‬ومطلع على أحوال‬
‫الرواة ‪ ،‬وهذه صفة علماء الجرح والتعديل من أئمة السنة‬
‫ولـكن بعض من تكلم في هذا العلم قد أخطأ في كثير من أحكامه ‪ ،‬وهو في نفس الأمر ضعيف في النقل ؛ فلا يقبل منه جرحه ولا‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤٣‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫تعديله ‪ ،‬كأبي الفتح الأزدي الموصلي ‪ ،‬فإن في لسانه رهقا ًفي الجرح و يجرح المجهولين ‪ ،‬و يكثر ذلك منه ‪ ،‬وضعفه البرقاني والخطيب‬
‫البغدادي وأهل الموصل ‪.‬‬
‫وقال الذهبي ‪ :‬وعليه في كتابه في الضعفاء مؤاخذات ‪ ،‬فإنه ضعف جماعة بلا دليل ‪ ،‬وقد يكون غيره وثقهم)‪. (٩‬‬
‫القاعدة الثالثة ‪ :‬النظر في كلام الناقد ‪ ،‬وكيف صدر ‪ ،‬وملابسات صدور هذا الحكم ‪.‬‬
‫اعلم أن الأحكام على الرواة المنقولة عن النقاد على مراتب ‪:‬‬
‫المرتبة الأولى ‪ :‬حكم لا يخالفه غيره إلا لتغير الاجتهاد ‪ .‬وهو ما قصد به الحكم على الراوي بالنظر‬
‫إلى جميع مرو ياته وحاله من الضبط وعدمه فيها ‪.‬‬
‫المرتبة الثانية ‪ :‬حكم الأصل فيه على أنه على بابه ‪ ،‬ولـكن إذا نقل عن الناقد أو غيره ما يخالفه لم يعتد به ‪ ،‬و يكون في صور ‪:‬‬
‫الصورة الأولى ‪ :‬أن يسأل الناقد عن روايين أحدهما دون الآخر في الحفظ ‪ ،‬فيحكم على أحدهما‬
‫بالضعف أو التوثيق ‪ ،‬أي ‪ :‬بالنسبة للآخر وقد يكونون ضعفاء ‪ ،‬وقد يكونون ثقات)‪. (١٠‬‬
‫قال عثمان الدارمي ‪ :‬سألت ابن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه كيف حديثهما ؟ فقال ‪ :‬ليس به بأس ‪ .‬قلت ‪ :‬هو أحب‬
‫إليك من سعيد المقبري ؟ فقال ‪ :‬سعيد أوثق والعلاء ضعيف)‪. (١١‬‬
‫قال ابن حجر ‪ :‬يعني بالنسبة إليه ‪ ،‬يعني كأنه لما قال ‪ :‬أوثق ‪ ،‬خشي أنه يظن أنه يشاركه في الصفة وقال ‪ :‬إنه ضعيف)‪ . (١٢‬انتهى ‪.‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬أن يجمع الرواة في حكم كالتوثيق مثلا ً‪ ،‬فإن اختلف هذا مع أحكامه الأخرى فيحمل على أن له حظا ًمن التوثيق)‪(١٣‬‬
‫‪ ،‬أو يكون حكما ًعلى التغليب ‪.‬‬
‫وقال يحيى بن معين ‪ :‬معاو ية بن يحيى الصدفي ‪ ،‬روى عنه الزهري ‪ ،‬ومعاو ية بن يحيى الآخر الأطرابلسي ‪ ،‬ضعاف ليسوا بشئ ‪ .‬انتهى‬
‫‪.‬‬
‫ومعاو ية الصدفي ضعيف ‪ ،‬قال فيه ابن معين ‪ :‬هالك ليس بشئ)‪. (١٤‬‬
‫وقال معاو ية الأطرابلسي ‪ :‬ليس به بأس ‪ .‬وقال مرة ‪ :‬هو أقوى من معاو ية بن يحيى الصدفي ‪ .‬وقال مرة أخرى ‪ :‬صالح ‪ ،‬ليس‬
‫بالقوي)‪. (١٥‬‬
‫وحاصل ذلك ‪ :‬أن أبا مطيع فيه شئ من الضعف ولا ينزل إلى ضعف الصدفي ‪ ،‬ولـكنه لما جمعهما في حكم واحد كان حكمه ليس‬
‫على ظاهره وإنما أراد له حظا ًمن الضعف ‪.‬‬
‫الصورة الثالثة ‪ :‬أن يحكم الناقد عليه في صدد النظر في حديث خاص من روايته ‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن القاسم ‪ :‬قيل لمالك ‪ :‬إن ناسا ًمن أهل العلم يحدثون ‪ .‬قال ‪ :‬من هم ؟ فقيل له ‪ :‬ابن عجلان يعرف هذه الأشياء‬
‫ولم يكن عالما ً‪.‬‬
‫قال الذهبي معقبا ً‪ :‬قال مالك هذا لما بلغه أن ابن عجلان حدّث بحديث ‪ )) :‬خلق الل ّٰه آدم على صورته (( ‪ .‬ولابن عجلان فيه متابعون‬
‫‪ ،‬وخّرج في الصحيح)‪. (١٦‬‬
‫وقال أحمد بن القاسم ‪ :‬رأيت أحمد ضعيف رواية عكرمة ولم ير روايته حجة ‪ .‬قال أبو بكر الخلال ‪ :‬هذا في حديث خصا ‪ ،‬وعكرمة عند‬
‫أبي عبد الل ّٰه ثقة يحتج بحديثه)‪. (١٧‬‬
‫وقال المعلمي رحمه الل ّٰه ‪ :‬ينبغي أن تعلم أن كلام المحدث في الراوي يكون على وجهين ‪:‬‬
‫الأول ‪ :‬أن يسأل عنه فيجيل فكره في حاله في نفسه وروايته ‪ ،‬ثم يستخلص من مجموع ذلك معنى يحكم به ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يستقر في نفسه هذا المعنى ثم يتكلم في ذاك الراوي في صدد النظر في حديث خاص من روايته ‪ ،‬فالأول هو الحكم المطلق‬
‫الذي لا يخالفه حكم آخر مثله إلا لتغير الاجتهاد ‪.‬‬
‫أما الثاني فإنه كثيرا ً ما ينحى به نحو حال الراوي في ذاك الحديث)‪ . (١٨‬انتهى ‪.‬‬
‫وقد قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني ‪ :‬قد يخطر على قلب المسؤول عن الرجل من حاله في الحديث وقتا ً‪ :‬ما ينكره قلبه ‪ ،‬فيخرج‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤٤‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫الجواب على حسب النكرة التي في قلبه ‪ ،‬و يخطر له ما يخالفه في وقت آخر ‪ ،‬فيجيب على ما يعرفه في الوقت منه ويذكره ‪ ،‬وليد ذلك‬
‫تناقضا ًولا إحالة ‪ ،‬ولـكنه قول صدر عن حالين مختلفين ‪ ،‬يعرض أحدهما في وقت والآخر في غيره)‪. (١٩‬‬
‫المرتبة الثالثة ‪ :‬حكم لا يلتفت إليه بالنسبة لقبول رواية المحدث أو ردها ‪ .‬و يكون فيه الناقد متأثرا ً في حكمه بما لا يقدح في الراوي ‪،‬‬
‫وهذه الحالة نادرة ‪ ،‬وقد نبه العلماء عليها ‪ ،‬كقدح الساخط ومدح المحب ‪.‬‬
‫قال المعلمي ‪ :‬والعالم إذا سخط على صاحبه فإنما يكون سخطه لأمر ينكره ‪ ،‬فيسبق إلى النفس ذاك الإنكار وتهوى ما يناسبه ‪ ،‬ثم ٺتبع ما‬
‫يشاكله وتميل عند الاحتمال والتعارض إلى ما يوافقه ‪ ،‬فلا يؤمن أن يقوى عند العالم جرح من هو ساخط عليه لأمر لولا السخط‬
‫لعلم أنه لا يوجب الجرح ‪ ،‬وأهل العلم يمثلون لجرح الساخط بكلام النسائي في أحمد بن صالح ‪.‬‬
‫هذا وكل ما يخشى في الذم والجرح يخشى في الثناء والتعديل ؛ فقد يكون الرجل ضعيفا ًفي الرواية لـكنه صالح في دينه كابان بن أبي‬
‫عياش ‪ ،‬أو غيور على السنة كمؤمل بن إسماعيل ‪ ،‬أو فقيه كمحمد بن أبي ليلى ‪ ،‬فتجد أهل العلم ربما يثنون على الرجل من هؤلاء غير‬
‫قاصدين الحكم له بالثقة في روايته ‪ .‬وقد يرى العالم أن الناس بالغوا في الطعن فيبلغ في المدح ‪ ،‬كما يروى عن حماد بن سلمة أنه ذكر أنه‬
‫طعن شعبة في أبان بن أبي عياش ‪ ،‬فقال ‪ :‬أبان خير من شعبة)‪ . (٢٠‬انتهى ‪.‬‬
‫ويدخل فيه ‪ :‬كلام أهل المذاهب في مخالفيهم ؛ كقدح الجوزجاني في الـكوفيين ‪.‬‬
‫ويدخل فيه ‪ :‬كلام الأقران بعضهم في بعض ‪ ،‬قال الذهبي رحمه الل ّٰه ‪ :‬محمد بن عبد الل ّٰه بن سليمان‬
‫حط عليه محمد بن عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬وحط على ابن أبي‬ ‫الحضرمي ‪ ،‬الحافظ ‪ ،‬محدث الـكوفة ‪ّ ،‬‬
‫شيبة ‪ ،‬وآل أمرهما إلى القطيعة ‪ .‬ولا يعتد بحمد الل ّٰه بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض)‪.(٢١‬‬
‫قلت ‪ :‬هذا فيمن ٺثبت عدالتهم بيقين فلا يقبل فيه الجرح إلا مفسراً)‪ ، (٢٢‬أما فيمن لم ٺثبت ‪ ،‬وكان الجارح ورعا ً ـ وكذلك كان‬
‫أئمة السنة ـ فإنه يقبل ‪ ،‬وإلا رد كلام أهل السنة في أهل الرأي والبدعة والز يغ بحجة المعتقد والمنهج ‪.‬‬
‫وقال المعلمي ‪ :‬ومع هذا كله فالصواب في الجرح والتعديل هو الغالب ‪ ،‬وإنما يحتاج إلى التثبت والتأمل فيمن جاء فيه تعديل وجرح ‪،‬‬
‫ولا يسوغ ترجيح التعديل مطلقا ً بأن الجارح كان ساخطا ً على المجروح ‪ ،‬ولا ترجيح الجرح مطلقا ً بأن المعدل كان صديقا ً له ‪ ،‬وإنما‬
‫يستدل بالسخط والصداقة على قوة احتمال الخطأ إذا كان محتملا ً‪ ،‬فأما إذا لزم من اطراح الجرح أو التعديل نسبة من صدر منه ذلك‬
‫إلى افتراء الـكذب أو تعمد الباطل أو الغلط الفاحش الذي يندر وقوع من مثله ‪ ،‬فهذا يحتاج إلى بينة أخرى ‪ ،‬لا يكفي فيه إثبات أنه‬
‫كان ساخطا ًأو محباً)‪. (٢٣‬‬
‫القاعدة الرابعة ‪ :‬الاستفادة من طر يقة الحفاظ العملية تجاه هذا الراوي ‪ ،‬حيث يفسر كلامهم بتطبيقهم العملي ‪.‬‬
‫قال المعلمي ‪ :‬التحقيق أن كلا ًمن التعديل والجرح الذي لم يبن سببه يحتمل وقوع الخلل فيه ‪ ،‬والذي ينبغي أن يؤخذ به منهما هو ما‬
‫كان احتمال الخلل قيه أبعد من احتماله في الآخر ‪ ،‬وهذا يختلف ويتفاوت باختلاف الوقائع ‪ ،‬والناظر في زماننا لا يكاد يتبين له‬
‫الفضل في ذلك إلا بالاستدلال بصنيع الأئمة كما إذا وجدنا البخاري ومسلما ًقد احتجا أو أحدهما براو سبق ممن قبلهما فيه جرح غير‬
‫مفسر ‪ ،‬فإنه يظهر لنا رجحان التعديل غالبا ً‪ ،‬وقس على هذا ‪.‬‬
‫لـكن ينبغي النظر في كيفية رواية الشيخين عن الرجل فقد يحتجان أو أحدهما بالراوي في شئ وقد لا يحتاج به ‪ ،‬وإنما يخرجان له‬
‫ما توبع عليه ‪ ،‬ومن ٺتبع ذلك وأمعن فيه النظر علم أنهما في الغالب لا يهملان الجرح ألبتة ‪ ،‬بل يحملانه على أمر خاص أو على لين‬
‫في الراوي لا يحطه عن الصلاحية به فيما ليس مظنة الخطأ أو فيما توبع عليه ونحو ذلك ‪ ،‬راجع الفصل التاسع من مقدمة فتح‬
‫الباري)‪. (٢٤‬‬
‫القاعدة الخامسة ‪ :‬معرفة الألفاظ التي يستخدمها الناقد وتفسيرها ‪.‬‬
‫قال الذهبي ‪ :‬ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من العبارات المتحاذبة ‪.‬‬
‫ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام ‪ :‬عرف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤٥‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫الـكثيرة)‪. (٢٥‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬التنكيل )‪(٥ (٥). (١/٦٢‬‬
‫)‪ (٢‬التنكيل )‪ ١/٦٤‬ـ ‪(٦ (٦). (٦٥‬‬
‫)‪ (٣‬ميزان الاعتدال )‪(٧ (٧). (١/١٦‬‬
‫)‪ (٤‬سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني )‪(١ (١). (٩٥٦‬‬
‫)‪ (٥‬سؤالات حمزة بن يوسف السهمي )‪(٢ (٢). (١٦٦‬‬
‫)‪ (٦‬أدرجت عنوان القاعدة الثانية‬
‫)‪ (٧‬التنكيل )‪(٣ (٣). (١/٦٢‬‬
‫)‪ (٨‬ميزان الاعتدال )‪(٤ (٤). (٢٢٧ ، ٣/٢٢٦‬‬
‫)‪ (٩‬سير أعلام النبلاء )‪(٥ (٥). (١٦/٣٤٨‬‬
‫)‪ (١٠‬التنكيل )‪(١ (١). (١/٦٥‬‬
‫)‪ (١١‬تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين )‪(٢ (٢). (٦٢٤ ، ٦٢٣‬‬
‫)‪ (١٢‬تهذيب التهذيب )‪(٣ (٣). (٨/١٦١‬‬
‫)‪ (١٣‬التنكيل )‪(٤ (٤). (١/٣٦٢‬‬
‫)‪ (١٤‬تهذيب الـكمال )‪(٥ (٥). (٢٨/٢٢٢‬‬
‫)‪ (١٥‬تهذيب الـكمال )‪(٦ (٦). (٢٨/٢٢٥‬‬
‫)‪ (١٦‬ميزان الاعتدال )‪(١ (١). (٣/٣٢٦‬‬
‫)‪ (١٧‬شرح علل الترمذي )‪(٢ (٢). (١٩٤‬‬
‫)‪ (١٨‬التنكيل )‪(٣ (٣). (١/٣٦٣‬‬
‫)‪ (١٩‬جواب الحافظ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل )‪(٤ (٤). (٨٩‬‬
‫)‪ (٢٠‬التنكيل )‪ ، (١/٥٦‬وانظر ‪ :‬ميزان الاعتدال )‪(١ (١). (١٠٤ ، ١/١٠٣‬‬
‫)‪ (٢١‬ميزان الاعتدال )‪(١ (١). (٣/٦٠٧‬‬
‫)‪ (٢٢‬السنن الـكبرى للبيهقي )‪ ، (١٠/١٢٤‬وجامع بيان العلم وفضله )‪(٢ (٢). (٢/١٦٢‬‬
‫)‪ (٢٣‬التنكيل )‪(٣ (٣). (١/٥٧‬‬
‫)‪ (٢٤‬التنكيل )‪(٤ (٤). (٧٤ ، ١/٧٣‬‬
‫)‪ (٢٥‬الموقظة )‪(١ (١). (٨٢‬‬
‫قال المعلمي ‪ :‬صيغ الجرح والتعديل كثيرا ً ما تطلق على معان مغايرة لمعانيها المقررة في كتب المصطلح ‪ ،‬ومعرفة ذلك ٺتوقف على طول‬
‫الممارسة واستقصاء النظر)‪. (١‬‬
‫قلت ‪ :‬وتفسر مصطلحاتهم بأمور ؛ كتفسير الناقد نفسه ‪ ،‬وتفسير غيره ـ من أهل الاستقراء ـ لكلامه ‪ ،‬وبمقارنة أقواله بأقواله الأخرى‬
‫في الراوي ‪ .‬ومقارنة أقواله بأقوال غيره في هذا الراوي ‪ ،‬ومن خلال الأحاديث التي رواها الراوي ‪.‬‬
‫وقال ابن القطان الفاسي في كلمة ) شيخ ( ‪ :‬هذه اللفظة يطلقونها على الرجل إذا لم يكن معروفا ًبالراو ية ممن أخذ عنه ‪ ،‬وإنما وقعت‬
‫له رواية الحديث أو أحاديث فهو يرويها ‪ ،‬هذه الذي يقولون فيه شيخ ‪.‬‬
‫وقد لا يكون من هذه صفته من أهل العلم ‪ ،‬وقد يقولونها للرجل باعتبار قلة ما يرو يه عن شخص مخصوص ‪ ،‬كما يقولون حديث المشايخ‬
‫عن أبي هريرة أو عن أنس ‪ ،‬فيسوقون في ذلك روايات لقوم مقلين عنهم ‪ ،‬وإن كانوا مكثرين عن غيرهم ‪ ،‬وكذلك إذا قالوا أحاديث‬
‫المشايخ عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ‪ ،‬فإنما يعنون من ليس له عنه إلا الحديث أو الحديثان ونحو ذلك)‪ . (٢‬انتهى ‪.‬‬
‫قال الذهبي في قول أحمد ‪ :‬كذا وكذا ؛ قال ‪ :‬هذه العبارة يستعملها عبد الل ّٰه ابن أحمد كثيرا ً فيما يجيبه به والده ‪ ،‬وهي بالاستقراء‬
‫كتابة عمن فيه لين)‪. (٣‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬كل من قلت فيه ‪ :‬منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه)‪. (٤‬‬
‫وقال ابن أبي خيثمة ‪ :‬قلت ليحيى بن ميع ‪ :‬إنك تقول ‪ :‬فلان ليس به بأس وفلان ضعيف ؟ قال ‪ :‬إذا قلت لك ‪ :‬ليس به بأس فهو‬
‫ثقة ‪ ،‬وإذا قلت لك ‪ :‬هو ضعيف فليس هو بثقة ‪ ،‬لا تكتب حديثه ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤٦‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وقال حمزة بن يوصف السهمي للدار قطني ‪ :‬إذا قلت ‪ :‬فلان لين إيش تريد به ؟ قال ‪ :‬لا يكون ساقطا ًمتروك الحديث ولـكن مجروحا ً‬
‫بشئ لا يسقط عنه العدالة)‪. (٥‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد يطلق لفظ ) ثقة ( ويراد به في العدالة الدينية ‪ ،‬كقول يحيى ابن سعيد الأنصاري ‪ :‬عبد الرحمن بن ز ياد ثقة ‪ .‬وقال أبو‬
‫موسى محمد بن المثنى ‪ :‬ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان عنه ‪ .‬أي عن عبد الرحمن بن ز ياد بن أنعم الأفر يقي ‪.‬‬
‫وقال عنه يعقوب بن شيبة ‪ :‬ضعيف الحديث ‪ ،‬وهو ثقة صدوق رجل ‪ ،‬وكان من الأمارين بالمعروف والناهين عن المنكر)‪. (٦‬‬
‫وكذلك من خبايا كلامهم ونقدهم ‪ ،‬أنهم إذا سئلوا عن راو ‪ ،‬ثم حادوا عن الجواب كان هذا دليلا ًعلى ضعفه ‪.‬‬
‫مثل مجاعة بن الزبير الأسدي ‪ ،‬قال عبد الصمد بن عبد الوارث ‪ :‬كان جارا ً لشعبة ‪ ،‬فكان يسأل عنه ‪ ،‬فكان لا يجـترئ عليه ؛ لأنه‬
‫كان من العرب ‪ ،‬فكان يقول ‪ :‬كثير الصوم والصلاة)‪. (٧‬‬
‫وقال ابن الجنيد ‪ :‬سألت يحيى عن يحيى بن يعلى الأسلمي ؟ فقال ‪ :‬كان عابداً)‪ . (٨‬ونقل الدورقي عنه ‪ :‬ليس بشئ ‪ ،‬وقد ضعفه‬
‫غيره)‪. (٩‬‬
‫القاعدة السادسة ‪ :‬معرفة منهج الناقد ‪.‬‬
‫فأبو حاتم بن حبان مثلا ًتشتد ألفاظه في المختلط وصاحب البدعة ‪ ،‬وأبو حاتم الرازي عسر في التعديل ولـكن يستخدم عبارات لينة في‬
‫الجرح فيظن أنه قواه وليس كذلك ‪ ،‬وكذلك إبراهيم الحربي والبزار والترمذي والبيهقي عباراتهم لينة في الجرح ‪ ،‬وابن عدي لا يبالغ‬
‫في التوثيق ولا في الجرح ‪.‬‬
‫وقال المعلمي ‪ :‬ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة ‪ ،‬وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخـبره ‪ ،‬وإن‬
‫لم يكن الذي سمعه موجبا ً لرد الحديث ولا مسقطا ً للعدالة ‪ ،‬ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى رجاء إن كان الراوي حيا ً أن يحمله‬
‫على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة ‪ ،‬وإن كان ميتا ًأن ينزله من نقل عنه منزلته فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز ‪ ،‬ومنهم‬
‫من يرى أن من الاحتياط للدين إشاعة ما سمع من الأمر المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده حتى ينظر هل من أخوات‬
‫ونظائر ؟!)‪. (١٠‬‬
‫وإن تضاربت أقوالهم ولم يمكن الجمع فالترجيح بقواعد غير ما سبق ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫القاعدة السابعة ‪ :‬أن نتعامل مع أقوال العلماء عند تعارضها ‪ ،‬وكذا أقوال الناقد إذا اختلف النقل عنه كما نتعامل عند تعارض نصوص‬
‫الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫فنحاول الجمع أولا ًبين الأقوال المختلفة ما أمكن ‪.‬‬
‫قال المعلمي ‪ :‬وإذا فصلوا أو أكثرهم الكلام في راو فثبتوه في حال وضعفوه في أخرى فالواجب أن لا‬
‫يؤخذ حكم ذاك الراوي إجمالا ًإلا في حديث لم يتبين من أي الضربين هو ‪ ،‬فالواجب معاملته بحسب‬
‫حاله)‪. (١١‬‬
‫قلت ‪ :‬ومن طرق الجمع التوسط بين الأقوال في الراوي ‪.‬‬
‫وقال المعلمي رحمه الل ّٰه ‪ :‬إذا اختلفوا في راو فوثقه بعضهم ولينه بعضهم ولم يأت في حقه تفصيل فالظاهر أنه وسط فيه لين مطلقاً)‪(١٢‬‬
‫‪.‬‬
‫فإن لم يكن الجمع نلجأ إلى النسخ ‪ ،‬إذا تبېن تغير اجتهاد الناقد بمعرفة المتقدم من المتأخر ‪ ،‬فإن لم نعرف من المتقدم لجأنا إلى المرجحات‬
‫وهي كثيرة ؛ ومنها تقديم نقل من لازمه ومن هو أعلم بأقواله‬
‫وإلا فقال المعلمي ‪ :‬وإذا اختلف النقل عن إمام أو اشتبه أو ارتيب فينظر في كلام غيره من الأئمة ‪ ،‬وقضي فيما روى عنه بما ثبت‬
‫عنهم)‪. (١٣‬‬
‫وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ‪ :‬اختلفت الراو ية عن يحيى بن معين في مبارك بن فضالة والربيع بن صبيح ‪ ،‬وأولاهما أن يكون‬
‫مقبولا ًمنهما محفوظا ًعن يحيى ما وافق أحمد وسائر نظرائه)‪. (١٤‬‬
‫القاعدة الثامنة ‪ :‬الجرح المفسر مقدم على التعديل بشرط أن يكون الجرح بجارح حقيقي ‪ ،‬وألا يظهر أن الجارح أخطأ كأن يرد المعدل‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤٧‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫على هذا الجرح ردا ً في مكانه ‪.‬‬


‫وهذا كما في عمر بن ربيعة الإيادي ‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬سألت أبي عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬منكر الحديث ‪ .‬ونقل عن عثمان بن سعيد الدارمي أنه سأل يحيى بن معين عنه ‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫كوفي ثقة)‪. (١٥‬‬
‫فيقد ـ والل ّٰه أعلم ـ قول ابن أبي حاتم في هذا ‪ ،‬لا سيما وقد روى أحاديث منكرة في التشيع)‪. (١٦‬‬
‫وقال ابن أبي خيثمة ‪ :‬قلت لمصعب الزبير ‪ :‬إن ابن معين يقول في ابن كاسب أن حديثه لا يجوز ؛ لأنه محدود ‪ ،‬قال ‪ :‬بئس ما قال‬
‫‪ ،‬إنما حدّه الطالبيون في التحامل ‪ ،‬وليس حدود الطالبيين عندنا بشئ لجورهم ‪ ،‬وابن كاسب ثقة مأمون صاحب حديث ‪ ،‬وكان من‬
‫أمناء القضاء زماناً)‪. (١٧‬‬
‫القاعدة التاسعة ‪ :‬الجرح المبهم مقدم على التعديل ؛ لأن الجارح عنده ز يادة علم ومعرفة ليست عند المعدل ‪ ،‬إلا إذا لاحت قرائن ‪،‬‬
‫فيقدم التعديل ‪.‬‬
‫تقديم حكم من له معرفة بهذا الراوي ‪.‬‬
‫ومن ذلك تقديم أهل بلد الراوي على غيرهم ؛ لأنهم أعرف به ‪.‬‬
‫قال حماد بن زيد ‪ :‬كان الرجل يقدم علينا من البلاد ويذكر الرجل و يحدث عنه و يحسن الثناء عليه ‪ ،‬فإذا سألنا أهل بلده وجدناه غير‬
‫ما يقول ‪ .‬وكان يقول ‪ :‬بلدي الرجل أعرف بالرجل)‪. (١٨‬‬
‫وقال علي بن المديني ‪ :‬كل مدتي لم يحدث عنه مالك ففي حديثه شئ ‪ ،‬لا أعلم مالكا ًترك إنسانا ًإلا إنسانا ًفي حديث شئ)‪. (١٩‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد يتزين لغير أهل بلده الوافدين والنقاد منهم خاصة ‪.‬‬
‫قال ابن الجنيد ‪ :‬قلت ليحيى ‪ :‬محمد بن كثير الـكوفي ؟ قال ‪ :‬ما كان به بأس ‪ .‬قلت ‪ :‬إنه روى أحاديث مناكير ‪ .‬قال ‪ :‬ما هي ؟‬
‫قلت ‪ :‬عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن النعمان بن بشير يرفعه ‪ )) :‬نضر الل ّٰه عبدا ً سمع مقالتي فبلغ بها (( ‪ .‬وبهاذ الإسناد‬
‫المرفوع )) اقرأ القرآن ما نهاك ‪ ،‬فإذا لم ينهك فلست تقرؤه (( ‪ .‬فقال ‪ :‬من روى هذا ؟ فقلت ‪ :‬رجل من أصحابنا ‪ .‬أعني له ‪ :‬محمد‬
‫ابن عبد الحميد الحميدي ‪ .‬فقال ‪ :‬هذا عسى أن يكون سمعه من السندي بن شاهك ‪ ،‬وإن كان الشيخ روى هذا فهو كذاب ‪ ،‬وإلا‬
‫رأيت حديث الشيخ مستقيماً)‪. (٢٠‬‬
‫ومن ذلك تقديم توثيق القرين لقرينه ؛ لأن الأقران في الغالب لا يبالغون في مدح أقرانهم ‪.‬‬
‫وقد يقوي الحافظ راو يا ً على آخر ؛ لنه يعرف من قواه و يجهل من استضعفه ‪ ،‬مثل تقو ية يحيى بن سعيد القطان محمد بن عمرو وعلى‬
‫سهيل بن أبي صالح ‪ .‬وكتقو ية علي بن المديني سفيان بن عيينة على مالك بن أنس في الزهري وذلك لأن عليا ً تخرج على سفيان وجهل‬
‫مالكا ً‪.‬‬
‫وأعرف الناس بالشيخ تلاميذه النقاد ؛ لأنهم أدرى بحاله ‪ ،‬وأوعب لحديثه من غيرهم ‪.‬‬
‫و يقدم حكم المتأخر على حكم المعاصر للراوي ‪،‬إذا ظهر أن المتقدم لم يستوعب حديث الراوي)‪(٢١‬‬
‫ومن المرجحات أن يقدم قول المتمكن في علم الجرح والتعديل على غيره ‪.‬‬
‫فيقدم قول المكثر على المقل ؛ لأن إكثاره يدل على اهتمامه وتمكنه من هذا الفن ‪.‬‬
‫و يقدم قول المجتهد على المقلد ؛ لأن الأخير يقلد غيره فلا يجعل لأحكامه كبير أهمية ‪ ،‬وهذا قليل في المكثرين ‪ ،‬مثل العقيلي يقلد‬
‫البخاري ‪ ،‬ومسلمة بن قاسم يقلد النسائي ‪.‬‬
‫وكذا يقدم حكم المعتدل على المتشدد والمتساهل ‪ ،‬عند التعارض ‪.‬‬
‫قال علي بن المديني ‪ :‬أبو نعيم وعفان صدوقان ‪ ،‬لا أقبل كلامهما في الرجال ‪ ،‬هؤلاء لا يدعون‬
‫أحدا ً إلا وقعوا فيه)‪. (٢٢‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤٨‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وقال علي ‪ :‬إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه ‪ ،‬فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن‬
‫لأنه أقصدهما ‪ ،‬وكان في يحيى تشدد)‪. (٢٣‬‬
‫قال الحافظ الذهبي رحمه الل ّٰه ‪ :‬اعلم هداك الل ّٰه أن الذين قبل الناس قولهم في الجرح والتعديل ثلاثة أقسام ‪:‬‬
‫قسم تكلموا في أكثر الرواة كابن معين وأبي حاتم الرازي ‪.‬‬
‫وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة ‪.‬‬
‫وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي ‪.‬‬
‫والكل أيضا ًعلى ثلاثة أقسام ‪:‬‬
‫*قسم متعنت في الجرح متثبت في التعديل ‪ ،‬يغمز الراوي بالغلطين والثلاث ‪ ،‬و يلين حديثه ‪ ،‬فهذا إذا وثق شخصا ُ فعض على قوله‬
‫بناحذبك ‪ ،‬وتمسك بتوثيقه ‪ .‬وإذا ضعف رجلا ً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه ‪ ،‬فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو‬
‫ضعيف ‪ ،‬وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه ‪ :‬لا يقبل تجر يحه إلا مفسرا ً ‪ ،‬يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلا ً‪ :‬هو ضعيف ‪،‬‬
‫ولم يتضح سبب ضعفه وغيره قد وثقه ‪ ،‬فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه وهو إلى الحسن أقرب ‪ ،‬وابن معين وأبو حاتم والجوزجاني‬
‫متعنتون ‪.‬‬
‫*وقسم في مقابلة هؤلاء ‪ ،‬كأبي عيسى الترمذي وأبي عبد الل ّٰه الحاكم وأبي بكر البيهقي متساهلون ‪.‬‬
‫*وقسم كالبخاري وأحمد بن حنبل وأبي زرعة وابن عدي معتدلون منصفون)‪. (٢٤‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬مقدمة المعلمي على الفوائد المجموعة للشوكاني )‪(٢ (٢). (٩‬‬
‫)‪ (٢‬بيان الوهم والإيهام )‪(٣ (٣). (٣/٥٣٩‬‬
‫)‪ (٣‬ميزان الاعتدال )‪(٤ (٤). (٤/٤٨٣‬‬
‫)‪ (٤‬ميزان الاعتدال )‪(٥ (٥). (١/٦‬‬
‫)‪ (٥‬سؤالات السهمي للدار قطني برقم )‪(٦ (٦). (١‬‬
‫)‪ (٦‬تهذيب الـكمال )‪ ١٧/١٠٥٢‬ـ ‪(١ (١). (١٠٧‬‬
‫)‪ (٧‬الضعفاء الـكبير للعقيلي )‪(٢ (٢). (٤/٢٥٥‬‬
‫)‪ (٨‬سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين )‪(٣ (٣). (٨٥٠‬‬
‫)‪ (٩‬تهذيب الـكمال )‪(٤ (٤). (٣٢/٥٢‬‬
‫)‪ (١٠‬التنكيل )‪(٥ (٥). (١/١٠٣‬‬
‫)‪ (١١‬التنكيل )‪(١ (١). (٢/٣٣‬‬
‫)‪ (١٢‬التنكيل )‪(٢ (٢). (٢/٣٢‬‬
‫)‪ (١٣‬التنكيل )‪(٣ (٣). (١/٤١٥‬‬
‫)‪ (١٤‬الجرح والتعديل )‪(٤ (٤). (٨/٣٣٩‬‬
‫)‪ (١٥‬الجرح والتعديل )‪(٥ (٥). (٦/١٠٩‬‬
‫)‪ (١٦‬انظر ‪ :‬تهذيب الـكمال )‪(٦ (٦). (٣٠٧ ، ٣٣/٣٠٦‬‬
‫)‪ (١٧‬تهذيب التهذيب )‪(٧ (٧). (١١/٣٨٤‬‬
‫)‪ (١٨‬الـكفاية )‪(١ (١). (١٠٦‬‬
‫)‪ (١٩‬شرح علل الترمذي )‪(٢ (٢). (١٢٩‬‬
‫)‪ (٢٠‬سؤالات ابن الجنيد برقم )‪ ، (٨٨٧‬وتهذي التهذيب )‪ ، (٤١٩ ، ٩/٤١٨‬وانظر ‪ :‬ترجمة محمد بن حميد الرازي ‪(٣ (٣).‬‬
‫)‪ (٢١‬انظر ‪ :‬التنكيل )‪(٤ (٤). (٢/١٣‬‬
‫)‪ (٢٢‬تهذيب الـكمال )‪(١ (١). (٢٠/١٦٨‬‬
‫)‪ (٢٣‬تهذيب الـكمال )‪(٢ (٢). (٧/٤٣٨‬‬
‫)‪ (٢٤‬هذا ما قدم به كتابه ) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ( ) ‪(٣ (٣). (١٥٩ ، ١٥٨‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٤٩‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وقال الذهبي أيضا ً‪ :‬كان يحيى بن سعيد متعنتا ًفي نقد الرجال ‪ ،‬فإذا رأيته قد وثق شيخا ًفاعتمد عليه ‪ ،‬أما إذا لين أحدا ً فتأن في أمره‬
‫حتى ترى قول غيره فيه ‪ ،‬فقد لين إسرائيل وهمام وجماعة احتج بهم الشيخان)‪. (١‬‬
‫لـكن المعلمي رحمه الل ّٰه ‪ :‬ما اشتهر أن فلانا ًمن الأئمة مسهل وفلانا ًمشدد ‪ ،‬ليس على إطلاقه فإن منهم من يسهل تارة ويشدد تارة أخرى‬
‫‪ ،‬بحسب أحوال مختلفة ‪ ،‬ومعرفة هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم ‪ ،‬لا تحصل إلا باستقراء بالغ مع التدبر)‪. (٢‬‬
‫قلت ‪ :‬فيجب أن تحرر هذه المسألة ‪ .‬والل ّٰه أعلم ‪.‬‬
‫القاعدة العاشرة ‪ :‬الحكم عليه بموجب الأحاديث التي رواها ‪ ،‬إذا ثبتت عنه أحاديث يعرف باعتبارها حالة من الضبط ‪:‬‬
‫قال المعلمي رحمه الل ّٰه ‪ :‬ومن الأئمة من لا يوثق من تقدمه حتى يطلع على عدة أحاديث له تكون مستقيمة وتكثر حتى يغلب على ظنه‬
‫أن الاستقامة ملـكة لذلك الراوي ‪ ،‬وهذا يدل على أن جل اعتمادهم في التوثيق والرجح إنما هو على سبر حديث الراوي)‪. (٣‬‬
‫قلت ‪ :‬وفي هذا العصر لا يمكن تطبيق ذلك إلا في حدود الترجيح بين أقوال الأئمة ‪ ،‬أو فيمن لم نجد فيه كلاما ًوروى حديثا ًظاهر‬
‫النكارة في إسناد نظيف فيضعف بذلك ‪ ،‬أو فيمن نص الأئمة على قلة حديثه ‪ ،‬أو ليس له إلا عدد مذكور من الأحاديث ‪ ،‬وبعد‬
‫سبرها تبېن منها أنه لم يرو منكرا ً فيقبل بذلك ‪ ،‬أما اختراع قول جديد فيمن تكلم فيهم فلا ‪.‬‬
‫وقال المعلمي ‪ :‬استقامة الراوي ٺثبت عند المحدث بتتبعة حديث الراوي واعتبارها ‪ ،‬وتبېن أنها كلها مستقيمة تدل على أن هذا الراوي‬
‫كان من أهل الصدق والأمانة ‪ ،‬وهذا لا يتيسر لأهل عصرنا ؛ لـكن إذا كان القادحون في الراوي قد نصوا على ما أنكروه من حديثه‬
‫بحيث ظهر أن ما عدا ذلك من حديثه مستقيم فقد يتيسر لنا أن ننظر في تلك الأحاديث فإذا تبېن أن لها مخارج قو ية تدقع التهمة على‬
‫الراوي فقد ثبتت استقامة روايته)‪. (٤‬‬
‫وقال ‪ :‬ودرجة الاجتهاد المشار إليها لا يبلغها أحد من أهل العصر فيما يتعلق بالرواة المتقدمين ‪ ،‬اللهم إلا أن يتهم بعض المتقدمين‬
‫رجلا ًفي حديث يزعم أنه تفرد فيجد له بعض أهل العضر متابعات صحيحة ‪ ،‬إلا حيث يختلف المتقدمون فيسعى في الترجيح ‪.‬‬
‫فأما من وثقه إمام من المتقدمين أو أكثر ولم يتهمه أحد من الأئمة فيحاول بعض أهل العصر أن يكذبه أو يتهمه فهذا مردود ؛ لأنه‬
‫إن تهيأ له إثبات بطلان الخـبر وأنه ثابت عن ذلك الراوي ثبوتا ًلا ريب فيه فلا يتهيأ له الجزم لأنه تفرد به ‪ ،‬ولا أن شيخه لم يروه قط‬
‫ولا النظر الفني الذي يحق لصاحبه أن يجزم بتعمد الراوي للـكذب أو يتهمه به ‪ ،‬بل يتيسر بعض هذه الأمور فيمن كذبه المتقدمون‬
‫لـكن مع الإستناد إلى كلامهم)‪. (٥‬‬
‫القاعدة الحادية عشرة ‪ :‬ينبغي على الباحث أن يكون دقيقا ًفي إعطاء الحكم على الرواة من غير تزي ّد ولا تقصير ‪.‬‬
‫القاعدة الثانية عشرة ‪ :‬إذا تعارضت أقوالهم ولم يمكن الجمع ولا النسخ ولا الترجيح توقفنا عن قبول حديث هذا الراوي ‪.‬‬
‫تنبيه ‪ :‬هذه الضوابط في الجرح والتعديل أمور أغلبية اجتهادية ‪ ،‬لا يعتمد عليها كليا ً في الترجيح بين أقوال الناقد ‪ ،‬فقد يظهر لباحث‬
‫ألا يعمل ببعضها في راو ما ‪ ،‬وقد يظهر له سبب آخر يقتضي الترجيح غير ما ذكر ‪ .‬والل ّٰه أعلم ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬سير أعلام النبلاء )‪(٤ (٤). (٩/١٨٣‬‬
‫)‪ (٢‬مقدمته على الفوائد )‪(١ (١). (٩‬‬
‫)‪ (٣‬التنكيل )‪(٢ (٢). (١/٦٧‬‬
‫)‪ (٤‬التنكيل )‪(٣ (٣). (١/٧٦‬‬
‫)‪ (٥‬التنكيل )‪(١ (١). (١/٣٧‬‬

‫فصل كيف كان الحفاظ ينتقدون الراوي في ضبطه ؟‬ ‫‪٦.١٠‬‬


‫فصل كيف كان الحفاظ ينتقدون الراوي في ضبطه ؟‬
‫إن علم الجرح والتعديل علم عميق ‪ ،‬لا يستطيع إتقانه إلا من سار على نهج أولئك الحفاظ النقاد ‪ ،‬الذين على يدهم استقام هذا العلم ‪،‬‬
‫ولذلك فلا بد من معرفة منهجهم في انتقاد الرجال وتمييز الثوي والضعيف ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥٠‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫قال المعلمي ‪ :‬ليس نقد الرواة بالأمر الهين ؛ فإن الناد لا بد أن يكون واسع الإطلاع على الأخبار المرو ية ‪ ،‬عارفا ً بأحوال السابقين‬
‫وطرق الرواية ‪ ،‬خبيرا ً بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم وبلأسباب الداعية إلى التساهل والـكذب ‪ ،‬والموقعة في الخطأ ‪ ،‬ثم يحتاج‬
‫إلى أن يعرف أحوال الرواي متى ولد؟ وبأي وبلد؟ وكيف هو في الدين والأمانة والعقل والمروءة ؟ ومع من سمع ؟ وكيف كتابه ؟‬
‫ثم يعرف أحوال الشيوخ الذين يحدث عنهم وبلدانهم ووفياتهم وأوقات تحديثهم وعاداتهم في الحديث ‪ ،‬ثم يعرف مرو يات الناس عنهم‬
‫و يعرض عليها مرو يات هذا الراوي و يعتبر بها ‪ ،‬إلى غير ذلك مما يطول شرحه ‪ ،‬و يكون مع ذلك متيقظا ًمرهف الفهم ‪ ،‬دقيق الفطنة‬
‫‪ ،‬مالكا ًلنفسه لا يستميله الهوى ولا يستفزه الغضب ‪ ،‬ولا يستخفه بادر ظن ‪ ،‬حتى يستوفي النظر ويبلغ المقر ثم يحسن التطبيق في حكمه‬
‫فلا يجاوز ولا يقصر ‪.‬‬
‫وهذه مرتبة بعيدة المرام عزيزة المنال لم يبلغها إلا الأفذاذ)‪. (١‬‬
‫وقال ‪ :‬كان الرجل من أصحاب الحديث يرشح لطلب الحديث وهو طفل ‪ ،‬ثم ينشأ دائبا ًفي الطلب والحفظ والجمع ليلا ًونهارا ً ‪ ،‬ويرتحل‬
‫في طلبه إلى أقاصي البلدان ‪ ،‬و يقاسي المشاق الشديدة كما هو معروف في أخبارهم ‪ ،‬يصرف في ذلك زهرة عمره إلى نحو ثلاثين أو‬
‫أربعين سنة ‪ ،‬وتكون أمنيته من الدنيا أن يقصده أصحاب الحديث يسمعوا منه ويرووا عنه ‪...‬‬
‫فمن تدبر أحوال القوم بان له أنه ليس العجب ممن تحرز عن الـكذب منهم طول عمره ‪ ،‬وإنما العجب ممن اجترأ على الـكذب ‪.‬‬
‫كما أنه من تدبر كثرة ما عندهم من الرواية وكثرة ما يقع من الالتباس والاشتباه ‪ ،‬وتدبر تعنت أئمة الحديث بان له أنه ليس العجب‬
‫ممن جرحوه بل العجب ممن وثقوه)‪. (٢‬‬
‫وقال ابن معين ‪ :‬لست أعجب ممن يحدث فيخطئ ‪ ،‬وإنما أعجب ممن يحدث فيصيب)‪. (٣‬‬
‫واعلم أن الراوي إذا روى الحديث إما أن ينفرد به ‪ ،‬أو يشاركه الرواة في رواية الحديث ‪ ،‬فإن شاركهم ؛ إما أن يوافقهم أو يخالفهم ‪،‬‬
‫وله في كل تلك الأحوال أحكام ‪.‬‬
‫وقال المعلمي ‪ :‬وكثرة الغرائب إنما تضر الراوي في حالين ‪:‬‬
‫الأولى ‪ :‬أن تكون مع غرابتها عن شيوخ ثقات بأسانيد جيده ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب ‪.‬‬
‫في الحالة الأولى تكون تبعة النكارة على الراوي نفسه ؛ لظهور براءة من فوقه عنها ‪.‬‬
‫وفي الحالة الثانية يقال ‪ :‬من أين له هذه الغرائب مع قلة طلبه فيتهم بسرقة الحديث ‪ ،‬كما قال ابن نمير في أبي هشام الرفاعي ‪ :‬كان‬
‫أضعفنا وأكثرنا غرائب)‪. (٤‬‬
‫وقال ‪ :‬ومن كثر حديثه لا بد أن يكون في حديثه غرائب ‪ ،‬وليس ذلك بموجب للضعف ‪ ،‬وإنما الذي يضر أن تكون تلك الغرائب‬
‫منكرة)‪. (٥‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن مهدي لشعبة ‪ :‬من الذي تترك الرواية عنه ؟ قال ‪ :‬إذا أكثر من المعروفين من الرواية ما لا يعرف)‪. (٦‬‬
‫قلت ‪ :‬فإن لم ينفرد وشاركهم فموافقة الراوي لما رواه الثقات ولما ثبت في الكتاب والسنة دليل على صدقه ‪.‬‬
‫قال الإمام الشافعي ‪ :‬ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ ‪ ،‬وبالكتاب والسنة)‪. (٧‬‬
‫وقال ‪ :‬و يعتبر أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ له ‪ ،‬وعلى‬
‫خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له ‪.‬‬
‫وإذا اختلفت الرواة استدللنا على المحفوظ منه والغلط بهذا ووجوه سواه تدل على الصدق والحفظ الغلط)‪. (٨‬‬
‫وقال ابن الصلاح رحمه الل ّٰه ‪ :‬يعرف كون الراوي ضابطا ً بأن يعتبر روايته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان ‪ ،‬فإن وجدنا‬
‫رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو موافقة لها في الأغلب ‪ ،‬والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطا ً ثبتا ً ‪ ،‬وإن وجدناه‬
‫كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم يحتج بحديثه)‪ . (٩‬انتهى ‪.‬‬
‫فحـين يمعن في الموافقة فلا يتفرد ولا يخالف كثيرا ً ‪ ،‬فإن نقاد الحديث يصفونه بالصدق ‪ ،‬و يلحقونه برمزة الثقات ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥١‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫وقال الذهبي ‪ :‬إن إكثار الراوي من الحاديث التي لا يوافق عليها لفظا ًولا إسنادا ً يصيره متروك الحديث)‪. (١٠‬‬
‫وقال أيضا ً‪ :‬أكثر المتكلم فيهم ما ضعفهم الحفاظ إلا لمخالفتهم الأثبات)‪. (١١‬‬
‫قلت ‪ :‬و يقدر خطئه وغفلته وجرم ذلك وفحشه تنزل درجته ؛ ولذلك تفاوت الرواة ‪.‬‬
‫قال الترمذي ‪ :‬إنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع ‪ ،‬مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع‬
‫حفظهم)‪. (١٢‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬ليس يكاد يفلت من الغلط أحد ‪ ،‬إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط ‪ ،‬وإن كان الغالب‬
‫عليه الغلط ترك)‪. (١٣‬‬
‫وقال الشافعي ‪ :‬ومن كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه ‪ ،‬كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم‬
‫تقبل شهادته)‪. (١٤‬‬
‫وقال سليمان بن أحمد الدمشقي لعبد الرحمن بن مهدي ‪ :‬أكتب عمن يغلط في عشرة ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قيل له ‪ :‬يغلط في عشرين ؟ قال ‪:‬‬
‫نعم ‪ ،‬قلت ‪ :‬فثلاثين ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قلت ‪ :‬فخمسين ؟ قال ‪ :‬نعم)‪. (١٥‬‬
‫وقال سليمان لعبد الرحمن ‪ :‬أكتب عمن يغلط في مائة ؟ قال ‪ :‬لا ‪ ،‬مائة كثير ‪ .‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬يعني مائة حديث)‪. (١٦‬‬
‫وكثرة أخطاء الراوي وقلتها ٺتفاوت بقدر إكثار الراوي من الحديث وإقلاله ‪.‬‬
‫وقال أبو مسعود ‪ :‬كتبوا إلىّ من أصبهان أبا داود أخطأ في تسمعائة ـ أو قالوا ‪ :‬ألف ـ فذكرت ذلك لأحمد بن حنبل فقال ‪ :‬يحتمل‬
‫لأبي داود)‪(١٧‬‬
‫وقال ابن عدي ‪:‬ليس بعجب أن يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئ في أحاديث منها)‪(١٨‬‬
‫وقال الخطيب البغدادي ‪ :‬كان أبو داود يحدث من حفظه ‪ ،‬والحفظ خو ّان فكان يغلط مع أن غلطه يسير في جنب ما روى على‬
‫الصحة والسلامة)‪. (١٩‬‬
‫وقال الذهبي ‪ :‬فمن يروي مائة ألف حديث ويندر المنكر في سعة ما روى فإليه المنتهى من الإتقان)‪(٢٠‬‬
‫و يعرف ضبط المحدث وإتقانه بأن يجري على وتيرة واحدة ‪ ،‬ولا يضطرب فيه ‪ ،‬فإن كثرة الاختلاف على الراوي مما يدل على اضطراب‬
‫حفظه ‪ ،‬إلا إذا كان من كبار الحفاظ ‪ ،‬فإن كثرة الوجوه عنه تدل على سعة حفظه ‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن مهدي ‪ :‬إنما يستدل على حفظ المحدث إذا لم يختلف عليه الحفاظ)‪. (٢١‬‬
‫ومن أسباب سوء الحفظ ووهن الضبط الانشغال عن الحديث بغيره ‪.‬‬
‫قال أبو عاصم ‪ :‬من استخف بالحديث استخف به الحديث)‪(٢٢‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬الصالحون غير العلماء يغلب على حديثهم الوهم والغلط ‪ ...‬والحفاظ منهم القليل ‪ ،‬فإذا جاء الحديث من جهة واحد‬
‫منهم فليتوقف فيه حتى يتبين أمره)‪. (٢٣‬‬
‫وقد قال أبو عبد الل ّٰه بن منده ‪ :‬إذا رأيت في حديث ) حدثنا فلان الزاهد ( فاغسل يدك منه)‪. (٢٤‬‬
‫وقال أبو سعيد بن يونس في رشد بن سعد ‪ :‬وكان رجلا ً صالحا ً لا يشك في صلاحه وفضله ‪ ،‬فأدركته غفلة الصالحـين فخلط في‬
‫الحديث)‪. (٢٥‬‬
‫وقال يحيى بن سعيد القطان ‪ :‬ما رأيت الصالحـين أكذب منهم في الحديث)‪. (٢٦‬‬
‫قال مسلم ‪ :‬يقول ‪ :‬يجري الـكذب على لسانهم ولا يتعمدون الـكذب)‪. (٢٧‬‬
‫وقال ابن عدي ‪ :‬الصالحون قد رسموا بهذا الرسم ‪ :‬أن يرووا في فضائل الأعمال موضوعة بواطيل ‪ ،‬ويتهم جماعة منهم بوضعها)‪. (٢٨‬‬
‫وقال ابن رجب ‪ :‬الفقهاء المعتنون بالرأي حتى يغلب عليهم الانشغال به لا يكادون يحفظون الحديث كما ينبغي ‪ ،‬ولا يقيمون أسانيده‬
‫ومتونه ‪ ،‬و يخطئون في الأسانيد كثيرا ً ويروون بألفاظ تشبه ألفاظ الفقهاء المتداولة بينهم)‪. (٢٩‬‬
‫قال الذهبي ‪ :‬وكذلك جماعة من القراء أثبات القراءة دون الحديث كنافع في الحديث والـكسائي وحفص ‪ ،‬فإنهم نهضوا بأعباء الحروف‬
‫وحرروها ولم يصنعوا ذلك في الحديث ‪ ،‬كما أن طائفة من الحفاظ أتقنوا الحديث ولم يحكموا القراءة ‪ ،‬وكذا شأن كل من برز في فن ‪،‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥٢‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫ولم يعتن به عداه ‪ .‬والل ّٰه أعلم)‪ . (٣٠‬انتهى ‪.‬‬


‫والأخطاء التي تؤثؤ في الحكم على الراوي على درجات ‪ ،‬فمن الخطأ اليسير تغيير الأسماء سهوا ً ‪ ،‬كما كان شعبة يفعل أحيانا ً‪.‬‬
‫قال أبو داود ‪ :‬وشعبة يخطئ فيما لا يضره ولا يعاب عليه ‪ .‬يعني في الأسماء)‪ . (٣١‬وأيسر منه تغيير الأسماء الواردة في متن الحديث ‪.‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬وقد ذكر الأثرم لأحمد أن ابن المديني كان يحمل على عمرو بن يحيى ‪ ،‬وذكر له هذا الحديث ‪ :‬أن النبي صلى الل ّٰه عليه‬
‫وعلى آله وسلم على حمار ‪ ،‬وقال ‪ :‬إنما هو بعير ‪ .‬فقال أحمد ‪ :‬هذا سهل ‪ ،‬كان مالك من أثبت الناس وكان يخطئ ‪ ،‬وقال ‪ :‬حماد بن‬
‫زيد قد أخطأ في غير شئ)‪. (٣٢‬‬
‫وإنما يسقط الراوي عن الاعتبار بخـيره ولا يقبل حديثه أبدا ً إذا تعمد الـكذب ‪.‬‬
‫قال عبد الل ّٰه بن الزبير الحميدي ‪ :‬فإن قال قائل ‪ :‬فما الذي لا يقبل حديث الرجل أبدا ً ؟‬
‫قلت ‪ :‬هو أن يحدث عن رجل أنه سمعه ولم يدركه ‪ ،‬أو عن رجل أدركه ثم وجد عليه أنه لم يسمع منه ‪ ،‬أو بأمر يبېن عليه في ذلك‬
‫كذب ؛ فلا يجوز حديثه أبدا ً لما أدرك عليه من الـكذب فيما حدث به)‪. (٣٣‬‬
‫قال عبد الل ّٰه بن المبارك ‪ :‬من عقوبة الـكذاب أن يرد عليه صدقه)‪. (٣٤‬‬
‫قال الخطيب البغدادي ‪ :‬فأما إذا قال ‪ :‬كنت أحطأ فيما رويته ولم أتعمد الـكذب ‪ .‬فإن ذلك يقبل منه وتجوز روايته بعد توبته)‪(٣٥‬‬
‫‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد يفتضح الرجل بخـبر يرو يه منكر ليس له فيه معذرة ‪.‬‬
‫قال نعيم بن حماد ‪ :‬كان ابن المبارك لا يترك حديث الرجل حتى يبلغه عنه الشئ الذي لا يستطيع أن يدفعه)‪. (٣٦‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬مقدمة تحقيقه لكتاب الجرح والتعديل )‪ ،١‬ب ‪ ،‬ج( ‪(١.‬‬
‫)‪ (٢‬التنكيل )‪(٢. (٣٠ ، ١/٢٩‬‬
‫)‪ (٣‬الكامل لابن عدي )‪(٣. (١/١٠٢‬‬
‫)‪ (٤‬التنكيل )‪(١. (٩٩ ، ١/٩٨‬‬
‫)‪ (٥‬طليعة التنكيل ‪ ،‬وهو مطبوع ضمن التنكيل )‪(٢. (١/٤١‬‬
‫)‪ (٦‬كتاب المجورحين )‪(٣. (١/٧٤‬‬
‫)‪ (٧‬جماع العلم )‪(٤. (٣٠١‬‬
‫)‪ (٨‬الرسالة )‪(٥. (٣٨٣‬‬
‫)‪ (٩‬مقدمة ابن الصلاح )‪(١. (٥٠‬‬
‫)‪ (١٠‬الميزان )‪(٢. (٣/١٤١‬‬
‫)‪ (١١‬الموقظة )‪(٣. (٥٢‬‬
‫)‪ (١٢‬العلل الصغير للترمذي )‪(٤. (٧٤٨ ، ٥/٧٤٧‬‬
‫)‪ (١٣‬الـكفاية )‪(٥. (١٤٤‬‬
‫)‪ (١٤‬الرسالة )ص‪(٦. (٣٨٢‬‬
‫)‪ (١٥‬الجرح والتعديل )‪(٧. (٢/٢٨‬‬
‫)‪ (١٦‬تاريخ بغداد )‪(٨. (٩/٢٦‬‬
‫)‪ (١٧‬تاريخ بغداد )‪(١(٩/٢٦‬‬
‫)‪ (١٨‬الكامل لابن عدي )‪(٢. (٣/١٨٣‬‬
‫)‪ (١٩‬تاريخ بغداد )‪(٣. (٩/٢٦‬‬
‫)‪ (٢٠‬سير أعلام النبلاء )‪(٤. (٩/٢٢٨‬‬
‫)‪ (٢١‬الـكفاية )‪(٥. (٤٣٥‬‬
‫)‪ (٢٢‬معرفة علوم الحديث )‪(٦. (١٧‬‬
‫)‪ (٢٣‬شرح علل الترمذي )‪(٧. (٣٧٣ ، ٣٧٢‬‬
‫)‪ (٢٤‬شرح علل الترمذي )‪(٨. (٣٧٢‬‬
‫)‪ (٢٥‬تهذيب الـكمال )‪(٩. (٩/١٩٥‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥٣‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫)‪ (١٠ (٢٦‬الكامل )‪(١٠. (١/١٤٤‬‬


‫)‪ (٢٧‬مقدمة صحيح مسلم )‪(١. (١٨‬‬
‫)‪ (٢٨‬الكامل لابن عدي )‪(٢. (٣/٢١٧‬‬
‫)‪ (٢٩‬شرح علل الترمذي )‪(٣. (٣٧٣‬‬
‫)‪ (٣٠‬سير أعلام النبلاء )‪(٤. (١١/٥٤٣‬‬
‫)‪ (٣١‬سؤالات الآحري لأبي داود السجستاني )‪(٥. (١١٩٠‬‬
‫)‪ (٣٢‬شرح علل الترمذي )‪(٦. (١١٥‬‬
‫)‪ (٣٣‬الـكفاية )‪(٧. (١١٨‬‬
‫)‪ (٣٤‬الـكفاية )‪(١. (١١٧‬‬
‫)‪ (٣٥‬الـكفاية )‪(٢. (١١٨‬‬
‫)‪ (٣٦‬الجرح والتعديل )‪(٣. (٢/٣٣‬‬
‫وقال حسين بن حبان ‪ :‬قلت ليحيى بن معين ‪ :‬ما تقول في رجل حدث بأحاديث منكرة فردها عليه أصحاب الحديث ‪ ،‬إن هو رجح عنها‬
‫وقال ‪ :‬ظننتها ‪ ،‬فأما إذا أنكرتموها ورددتموها علي فقد رجعت عنها ؟ فقال ‪ :‬لا يكون صدوقا ً أبدا ً إنما ذلك الرجل يشتبه له الحديث‬
‫الشاذ والشئ فيرجع عنه ‪ ،‬فأما الأحاديث المنكرة التي لا تشتبه لأحد فلا ‪ ،‬فقلت ليحيى ‪ :‬ما يبرئه ؟ قال ‪ :‬يخرج أصلا ًعتيقا ًفيه هذه‬
‫الأحاديث ‪ ،‬فإذا أخرجها في كتاب عتيق فهو صدوق ‪ ،‬فيكون شبه له فيها وأخطأ كما يخطئ الناس فيرجع عنها ‪ ،‬قلت ‪ :‬فإن قال ‪:‬‬
‫قد ذهب الأصل وهي في النسخ ؟ قال ‪ :‬لا يقبل منه ‪ ،‬قلت ‪ :‬فإن قال ‪ :‬هي عندي في نسخة عتيقة وليس أجدها ؟ فقال ‪ :‬هو‬
‫كذاب أبدا ً حتى يجئ بتابه العتيق ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هذا دين لا يحل فيه غير هذا)‪ . (١‬انتهى ‪.‬‬
‫ومن أسباب سقوط الراوي عن حيز الاعتبار بخـبره أنه إذا ما بين له خطؤه لم يرجع عنه ‪ ،‬استكبارا ً وأنفا ً‪.‬‬
‫قال ابن مهدي ‪ :‬قلت لشعبة ‪ :‬من الذي يترك الرواية عنه ؟ قال ‪ :‬إذا تمادى في غلط مجمع عليه ‪ ،‬ولم يتهم نفسه عند اجتماعهم على‬
‫خلافه ‪ ،‬أو رجل يتهم بالـكذب)‪ . (٢‬انتهى ‪.‬‬
‫وقال يحيى بن معين ‪ :‬من قا لإني لا أخطئ في الحديث فهو كذاب)‪. (٣‬‬
‫وقال حمزه بن يوسف السهمي ‪ :‬وسألته ـ يعني ‪ :‬الدار قطني ـ عمن يكون كثير الخطأ ؟ قال ‪ :‬إن نبهوه عليه ورجع عنه فلا يسقط ‪،‬‬
‫وإن لم يرجع سقط)‪. (٤‬‬
‫وقال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬ومن المجروحين من أدخل عليه شئ من الحديث وهو لا يدري ‪ ،‬فلما تبېن له لم يرجع عنه وجعل يحدث به‬
‫آنفا ًمن الرجوع عما خرج منه ‪ ،‬وهذا لا يكون إلا من قلة الديانة والمبالاة بما هو مجروح في فعله ‪ ،‬فإن سلم في أول وهلة وهو لا يعلم بما‬
‫يحدث به ثم علم وحدث بعد العلم بما ليس من حديثه وإن كان شيئا ًيسيرا ً ؛ فقد دخل في جملة المتروكين لتعدية ما ليس الترك)‪. (٥‬‬
‫وسئل أبو بكر محمد بن إسحاق ‪ :‬لم رويت عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وتركت سفيان بن وكيع ؟‬
‫فقال ‪ :‬لأن أحمد بن عبد الرحمن لما أنكروا عليه تلك الأحاديث رجع عنها عن آخرها ‪ ،‬إلا حديث مالك عن الزهري عن أنس ‪)) :‬‬
‫إذا حضر العشاء ‪ ، (( ...‬فإنه ذكر أنه وجده في درج من كتب عمه في قرطاس ‪ ،‬وأما سفيان بن وكيع فإن وراقة أدخل عليه‬
‫أحاديث فرواها ‪ ،‬وكلمناه فيها فلم يرجع منها ‪ ،‬فاستهرت الل ّٰه وتركت الرواية عنه)‪. (٦‬‬
‫وقال الخطيب البغدادي ‪ :‬فيجب على المحدث الرجوع عما رواه إذا تبېن أنه أخطأ فيه ‪ ،‬فإذا لم يفعل كان آثما ً‪ .‬وعلى الطالب الإمساك‬
‫عن الاحتجاج له)‪. (٧‬‬
‫قال المعلمي ‪ :‬الخطأ الذي يضر الراوي الإصرار عليه هو ما يخشى أن تترتب عليه مفسدة ‪ ،‬و يكون الخطأ من المصر نفسه ‪ ،‬وذلك كمن‬
‫يسمع حديثا ًبسند صحيح فيغلط فيركب على ذاك السند متنا ًموضوعا ًفينبهه أهل العم فلا يرجع)‪. (٨‬‬
‫قلت ‪ :‬وإن كان متأكدا ً من قوله ومن صحة كتابه فالأولى أن يتوقف عن روايته لذلك الخطأ ‪ ،‬وإن رواه فيحفظ خطؤه ولا يسقط‬
‫حديثه ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥٤‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫قال ابن حبان ‪ :‬علي بن عاصم كان ممن يخطئ وقيم على خطئه ‪ ،‬فإذا بين له لم يرجع ‪ ،‬والذي عندي في أمره ‪ :‬ترك ما انفرد به من‬
‫الأخبار والاحتجاج بما وافق لاثقات ؛ لأن له رحلة وسماعا ًوكتابة ‪ ،‬وقد يخطئ الإنسان فى يستحق الترك ‪ ،‬وأما ما بين له من خطئه‬
‫فلم يرجع فيشبه أن يكون في ذلك متوهما ًأنه كان كما حدث)‪. (٩‬‬
‫وقال الإمام أحمد في محمد بن عبيد الطنافسي ‪ :‬يخطئ و يصر وهو ثقة)‪. (١٠‬‬
‫وقال يحي بن سعيد القطان ‪ :‬إذا كان الشيخ يثبت على شئ واحد خطأ كان أو صوابا ًفلا بأس به ‪ ،‬وإذا كان الشيخ يقول كل شئ‬
‫يقال له ‪ ،‬فليس بشئ)‪. (١١‬‬
‫قال الحميدي ‪ :‬فأما من اقتصر على ما في كتابه ‪ ،‬فحدث به ولم يزد ولم ينقص منه ما يغير معناه ‪ ،‬ورجع عما يخالف فيه ‪ ،‬بوقوف منه‬
‫عن ذلك الحديث ‪ ،‬أو عن الاسم الذي خولف فيه من الإسناد ‪ ،‬ولم يغره فلا يطرح حديثه ‪ ،‬فلا يكون ضارا ً في حديثه ‪ ،‬إذا لم‬
‫يقبل التلقين ؛ لأنني وجدت الشهود يختلفون في المعرفة بحد الشهادة ‪ ،‬ويتفاضلون فيها كتفاضل المحدثين ‪ ،‬ثم لا أجد بدا ً من إجازة‬
‫شهادتهم جميعا ً‪ ،‬ولا يلزمني أن أرد شهادة من كان هكذا حتى يكون له من المعرفة ما لهذا ‪ ،‬فهكذا المحدثون على ما وصفت لك)‪(١٢‬‬
‫‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ينبغي التثبت في جرح الرواة ‪ ،‬وألا يجرح الراوي إلا بما صح الإسناد إليه من الأوهام ‪ ،‬ولا يوجد غيره في الإسناد ممن ينظر‬
‫فيه غيره أو أضعف منه ‪.‬‬
‫وقال محمد بن إبراهيم الملطي ‪ :‬جاء يحيى بن معين إلى عفان ليسمع منه كتب حماد بن سلمة ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما سمعتها من أحد ؟ قال ‪:‬‬
‫نعم حدثني سبعة عشر نفسا ًعن حماد بن سلمة ‪ ،‬فقال ‪ :‬والل ّٰه لا حدثتك ‪ .‬فقال ‪ :‬إنما هو درهم وأنحدر إلى البصرة وأسمع التبوذكي‬
‫‪ .‬فقال ‪ :‬شأنك ‪ .‬فانحدر إلى البصرة وجاء إلى موسى بن إسماعيل ‪ ،‬فقال له موسى ‪ :‬لم تسمع هذه الـكتب عن أحد ؟ قال ‪ :‬سمعتها‬
‫على الوجه عن سبعة عشر نفسا ً وأنت الثامن عشر ‪ .‬فقال ‪ :‬وماذا تصنع بهذا ؟ فقال ‪ :‬إن حماد كان يخطئ فأردت أن أميز خطأه‬
‫من خطأ غيره ‪ ،‬فإذا رأيت أصحابه قد اجتمعوا على شئ علمت أن الخطأ من حماد نفسه ‪ ،‬إذا اجتمعوا على شئ عنه وقال واحد منهم‬
‫بخلافه علمت أن الخطأ منه لا من حماد ‪ ،‬فأميز بين ما أخطأ هو بنفسه وبين ما ُأخطئ عليه)‪. (١٣‬‬
‫قال أبو حاتم بن حبان ‪ :‬الإنصاف في نقلة الأخبار استعمال الاعتبار فيما رووا ‪ ،‬وإني أمثل للاعتبار به ما وراءه ؛ وكأنا جئنا إلى‬
‫حماد بن سملة ‪ ،‬فرأيناه روى خبرا ً عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪ ،‬لم نجد ذلك الخـبر‬
‫عن غيره من أصحاب أيوب ‪ ،‬فالذي يلزمنا في التوقف عن جرحه والاعتبار بما روى غيره من أقرانه ‪ ،‬فيجب أن نبدأ فننظر هذا الخـبر‬
‫هل رواه أصحاب حماد عنه أو رجل منهم وحده ؟ فإن وجد أصحابه قد رووه علم أن هذا قد حدث به حماد ‪ ،‬وإن وجد ذلك من‬
‫رواية ضعيف عنه ألزق بذلك الراوي دونه ‪ ،‬فمتى صح أنه روى عن أيوب ما لم يتابع عليه ‪ ،‬يجب أن يتوقف فيه ولا يلزق به الوهن‬
‫‪ ،‬بل ينظر هل روى أحد هذا الخـبر من الثقات عن ابن سيرين غير أيوب ‪ ،‬فإن وجد ذلك علم أن الخـبر له أصل يرجع إليه ‪ ،‬وإن لم‬
‫يوجد ما وصفنا نظر حينئذ هل روى هاذ الخـبر عن أبي هريرة غير ابن سيرين من الثقات ؟ فإن وجد ذلك صح أن الخـبر له أصل ‪ ،‬وإن‬
‫لم يوجد ما قلنا نظر هل روى هذا الخـبر عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم غير أبي هريرة ؟ فإن وجد ذلك صح أن الخـبر له أصل ‪،‬‬
‫ومتى عدم ذلك ‪ ،‬والخـبر يخالف الأصول الثلاثة علم أن الخـبر موضوع لا شك فيه ‪ ،‬وأن ناقله الذي تفرد به هو الذي وضعه)‪(١٤‬‬
‫وقال ‪ :‬وإذا روى رجل مجهول لا يعرف بالعدالة ‪ ،‬عن ضعيف شيئا ًمنكرا ً ‪ ،‬لا يتهيأ إلزاق القدح بإحداهما دون الآخر إلا بعد السبر‬
‫‪ ،‬على أن مجانبة ما روى أحرى ‪ ،‬حتى توجد له رواية عن الثقاتن بما يوافق الأثبات ‪ ،‬متعر ية عن المناكير ‪ ،‬فحينئذ يدخب في جملة‬
‫أهل العدالة ‪ ،‬و يلزق ذلك الحديث المنكر الذي روى عنه ذلك الضعيف ‪ ،‬بالضعيف دونه ‪ ،‬هذا حكم ذلك الجنس من الناس)‪(١٥‬‬
‫‪ .‬انتهى‬
‫وقال الحسين بن إدريس ‪ :‬سمعت محمد بن عبد الل ّٰه بن عمار الموصلي يقول في إبراهيم بن طهمان ‪ :‬ضعيف مضطرب الحديث ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فذكرته لصالح جزرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ابن عمار من أين يعرف حديث إبراهيم ؟! إنما وقع حديث إبراهيم في الجمعة ‪ ،‬يعني ‪ :‬الحديث الذي رواه‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥٥‬‬
‫‪ ٦‬الباب الثاني في علم الجرح والتعديل‬

‫ابن عمار عن المعافى بن عمران عن إبراهيم عن محمد بن ز ياد عن أبي هريرة ‪ )) :‬أول جمعة جمعت بجواثا ‪ (( ...‬قال صالح ‪ :‬والغلط‬
‫فيه من غير إبراهيم ؛ لأن جماعة رووه عنه عن أبي جمرة عن ابن عباس ‪ ،‬وكذا هو في تصنيفه ‪ ،‬وهو الصواب ‪ ،‬وتفرد المعافى بذكر‬
‫محمد بن ز ياد فعلم أن الغلط منه لا من إبراهيم)‪. (١٦‬‬
‫قلت ‪ :‬وأختم هذا الفصل ‪ ،‬بمثال يتضح منهج كبار النقاد في الحكم على الرواة ‪ ،‬فيه فوائدج وعبر كثيرة ‪:‬‬
‫قال أبو العباس عبد الل ّٰه بن أحمد بن إبراهيم الدورقي ‪ :‬كنا نختلف إلى إبراهيم بن نصر بن أبي الليث سنة ست عشرة ومائتين أنا وأبي‬
‫أحمد و يحيى بن معين ومحمد بن نوح وأحمد بن حنبل في مجلس نسمع منه تفسير الأشجعي ‪ ،‬فكان يقرأه علينا من صحيفة كبيرة ‪ ،‬فأول‬
‫من فطن له ـ أي أنه كذاب ـ أبي ‪ ،‬فقال له يا أبا إسحاق هذه الصحيفة كأنها أصل الأشجعي ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬كانت له نسختان فوهب‬
‫لي نسخة ‪ ،‬فسكت أبي ‪.‬‬
‫فلما خرجنا من عنده ‪ ،‬قال لي ‪ :‬أي بُني عناؤنا إلى هذا الشيخ باطلا ً‪ ،‬الأشجعي كان رجلا ًفقيرا ً وكان يوصل ‪ ،‬وقد رأيناه وسمعنا منه‬
‫‪ ،‬من أين كان يمكنه أن يكون له نسختان ؟ فلا نقل شيئا ًواسكت ‪.‬‬
‫فلم يزل أمره مستورا ً حتى حدث بحديث أبي الزبير عن جابر في الرؤ ية ‪ ،‬وأقبل يتبع كل حديث فيه رؤ ية يدعيه ‪ ،‬فأنكر عليه ذلك‬
‫يحيى بن معين لـكثرة ما ادعى وتوقّى أن يقول فيه شيئا ً‪.‬‬
‫وحدّث بحديث عوف بن مالك أن الل ّٰه إذا تكلم بثلاثمائة لسان ‪ ،‬فقال يحيى ‪ :‬هذا الحديث أنكر على نعيم الفارض ‪ ،‬من أين سمع هذا‬
‫من الوليد بن مسلم ؟! فجاء رجل خراساني ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا دفعته إلى إبراهيم بن أبي الليث في رقعة في تلك الجمعة ‪ .‬فقال يحيى ‪ :‬لا يسقط‬
‫حديث رجل برجل واحد ‪.‬‬
‫فلما كان بعد قليل حدذث بأحاديث حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين ‪ ،‬أين كان ربنا قبل أن‬
‫يخلق السموات والأرض ؟ وضحك ربنا من قنوط عباده ‪ ،‬حدّث بها عن هشيم عن يعلى ابن عطاء ‪.‬‬
‫فقال يحيى بن معين ‪ :‬إبراهيم بن أبي الليث كذاب لا حفظه الل ّٰه ! سرق الحديث ‪ ،‬اذهبوا فقولوا له يخرجها من أصل عتيق ‪ ،‬فهذه‬
‫أحاديث حماد بن سلمة لم يشركه فيهه أحد ‪ ،‬ولو حدث بها عن هشيم عن يعلى بن عطاء ليس فيها خبر ‪ ،‬قلنا ‪ :‬لعل هشيما ًأن يكون‬
‫دلسها كما يدلس ! فقال ‪ :‬هشيم أخبرنا يعلى ابن عطاء علمنا أن إبراهيم كذاب ‪.‬‬
‫وكان يحيى إذا ذكره ‪ ،‬قال ‪ :‬أبو عراجة ‪ ،‬وكان يجمع ‪.‬‬
‫قال أحمد بن الدورقي ‪ :‬والذي أظن في أمر كتب الأشجعي أن إبراهيم بن الليث خرج إلى مكة مع ولد أحمد بن نصر فمر بالـكوفة ‪،‬‬
‫ومضى إلى عيال أبي عبيدة بن الأشجعي بعد موته ‪ ،‬فاشترى كتب الأشجعي وقعد يحدث بها)‪. (١٧‬‬
‫***‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬الـكفاية )‪ ١١٧‬ـ ‪(٤. (١٩٩‬‬
‫)‪ (٢‬كتاب المجروحين )‪(٥. (١/٧٩‬‬
‫)‪ (٣‬الجامع الخطيب للبغدادي )‪(٦. (٢/٤١‬‬
‫)‪ (٤‬سؤالات السهمي للدار قطني برقم ‪(٧. (١) :‬‬
‫)‪ (٥‬كتاب المجروحين )‪(١. (٧٩ ، ١/٧٨‬‬
‫)‪ (٦‬الجامع للخطيب البغدادي )‪(٢. (٢/٤٠‬‬
‫)‪ (٧‬الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع )‪(٣. (٢/٤٠‬‬
‫)‪ (٨‬طليعة التنكيل مطبوع ضمن التنكيل )‪(٤. (١/٤١‬‬
‫)‪ (٩‬كتاب المجروحين )‪(٥. (٢/١١٣‬‬
‫)‪ (١٠‬ميزان الاعتدال )‪(٦. (٣/٩٣٦‬‬
‫)‪ (١١‬الكامل لابن عدي )‪(١. (١/٩٩‬‬
‫)‪ (١٢‬الـكفاية )‪(٢. (٢٣٠‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥٦‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫)‪ (١٣‬كتاب المجروحين )‪(٣. (١/٣٢‬‬


‫)‪ (١٤‬الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان )‪(١. (١/١٥٥‬‬
‫)‪ (١٥‬كتاب المجروحين )‪(٢. (٣/٩٥‬‬
‫)‪ (١٦‬تهذيب التهذيب )‪(٣. (١/١١٨‬‬
‫)‪ (١٧‬تاريخ بغداد )‪(١. (١٩٤ ، ٦/١٩٣‬‬

‫الباب الثالث في علم علل الحديث‬ ‫‪٧‬‬


‫الباب الثالث في علم علل الحديث‬
‫وفيه سبعة فصول‬
‫الأول ‪ :‬أهمية علم العلل وطر يقة تعلمه ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬نقد متن الحديث ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬التفرد والغرابة ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬الاختلاف بين الرواة ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬الجمع بين الروايات ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬المتابعة وتقو ية الخـير ‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬التشدد والتساهل في رواية الأخبار وكتابتها ‪.‬‬

‫فصل في أهمية علم علل الحديث وطر يقة تعلمه‬ ‫‪٧.١‬‬

‫فصل في أهمية علم علل الحديث وطر يقة تعلمه‬


‫قال ابن الصلاح ‪ :‬اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها ‪ ،‬وإنما يضطلع لذلك أهل الحفظ والخـبرة والفهم‬
‫الثاقب)‪. (١‬‬
‫وقال ابن رجب ‪ :‬أهل المعلم والمعرفة والسنة والجماعة ؛ إنما يذكرون علل الحديث نصيحة للدين وحفظا ً لسنة النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى‬
‫آله وسلم وصيانة لها ‪ ،‬وتمييزا ً مما يدخل على رواتها من الغلط والسهو والوهم ‪ ،‬ولا يوجب ذلك عندهم طعنا ً‪ ،‬وغير الأحاديث المعللة‬
‫بل يقوي بذلك الأحاديث السليمة عندهم لبراءتها من العلل وسلامتها من الآفات ‪.‬‬
‫فهؤلاء العارفون بسنة رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم حقا ًهم النقاد الجهابذة الذي ينتقدون الحديث انتقاد الصيرفي الحاذق‬
‫البهرج من الخالص ‪ ،‬وانتقاد الجوهري الحاذق للجوهر مما دلس به)‪. (٢‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬اعلم أن معرفة صحة الحديث وسقمه تحصل من وجهين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬معرفة رجاله وثقتهم وضعفهم ومعرفة هذا هين ؛ لأن الثقات والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف ‪ ،‬وقد اشتهرت‬
‫بشرح أحوالهم التآليف ‪.‬‬
‫الوجه الثاني ‪ :‬معرفة مراتب الثقات وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف إما في الإسناد وإما في الوصل والإرسال ‪ ،‬وإما في‬
‫الوقف والرفع ونحو ذلك ‪ ،‬وهذا الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث)‪. (٣‬‬
‫وقال الخطيب البغدادي ‪ :‬والسبيل على معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرفه وينظر في اختلاف رواته بمكانهم من الحفظ ‪ ،‬ومنزلتهم‬
‫في الاتقان والضبط)‪. (٤‬‬
‫وقال الحاكم ‪ :‬وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل ‪ ،‬فإن حديث المجروح ساقط واه ‪ ،‬وعلة الحدي تكثر في أحاديث‬
‫الثقات ‪ ،‬أن يحدثوا بحديث له علة فيخفى علمه فيصير الحديث معلولا ً‪ ،‬والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير)‪. (٥‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥٧‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫وقال الحاكم ‪ :‬إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط ‪ ،‬وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع ‪ ،‬وليس لهذا النوع من العلم أكثر من‬
‫مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ‪ ،‬ليظهر ما يخفى من علة الحديث)‪. (٦‬‬
‫قلت ‪ :‬فينبغي الاهتمام بجمع الطرق الصحيحة للأحاديث ‪ ،‬ودراستها ومعرفة الطرق المسلوكة منها والغريبة ‪.‬‬
‫وأما الطرق الضعيفة لا ينبغي الاهتمام بها كثيرا ً إلا في بيان الضعيف والتمييز بينه وبين الصحيح ‪.‬‬
‫قال أبو داود ‪ :‬سمعت أحمد وذكر له بريد هذا فقال أحمد ‪ :‬يطلبون حديثا ً من ثلاثين وجها ً ‪ ،‬أحاديث ضعيفة ! وجعل ينكر طلب‬
‫الطرق نحو هذا ‪ ،‬قال ‪ :‬شئ لا ينتفعون به أو نحو هذا الكلام ‪.‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬وإنما كره أحمد تطلب الطرق الغريبة الشاذة المنكرة ‪ ،‬وأما الطرق الصحيحة المحفوظة فإنه كان يحث على طلبها)‪. (٧‬‬
‫ورأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان بن أنس ‪ ،‬فإذا اطلع عليه إنسان كتمه ‪ ،‬فقال أحمد بن‬
‫حنبل له ‪ :‬تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس وتعلم أنها موضوعة ‪ ،‬فلو قال لك القائل ‪ :‬أنت ٺتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على‬
‫الوجه ؟! قال ‪ :‬رحمك الل ّٰه يا أبا عبد الل ّٰه ‪ ،‬أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر عن أبان عن أنس وأحفظها كلها وأعلم‬
‫أنها موضوعة ؛ حتى لا يحئ إنسان فيحعل بدل أبان ثابتا ً‪ ،‬ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس ‪ ،‬فأقول له ‪ :‬كذبت إنما هي أبان لا‬
‫ثابت)‪. (٨‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬علوم الحديث )‪(١. (٩٠‬‬
‫)‪ (٢‬شرح علل الترمذي )‪(٢. (٤١٤‬‬
‫)‪ (٣‬شرح علل الترمذي )ص‪(٣. (٢٥٧‬‬
‫)‪ (٤‬الجامع لأخلاق الراوي )‪(٤. (٢/٢٩٥‬‬
‫)‪ (٥‬معرفة علوم الحديث )‪(٥. (١٣‬‬
‫)‪ (٦‬معرفة علوم الحديث )‪(١. (٥٩‬‬
‫)‪ (٧‬شرح علل الترمذي )‪(٢. (٢٤٩‬‬
‫)‪ (٨‬كتاب المجروحين )‪(٣. (٣٢ ، ١/٣١‬‬

‫فصل في نقد متن الحديث‬ ‫‪٧.٢‬‬


‫فصل في نقد متن الحديث‬
‫لما انتقد أهل الحديث الأحاديث انتقدوا متنا ًوإسنادا ً ‪ ،‬والإسناد وسيلة لنقد الحديث وإثبات صحة متنه ‪ ،‬والمتن أهم شئ وجد الإسناد‬
‫لأجله ‪.‬‬
‫بل إن كثيرا ً من الجرح في الرواة كان بسبب ما رووه من المتون ‪ ،‬وكذلك التوثيق ‪ ،‬كما سبق في بحث المجهول ‪.‬‬
‫والمتن إّذا كان مشهورا ً عن الثقات والأمناء على الحديث ‪ ،‬لا يكون فيه ما يقدح في صحته ‪.‬‬
‫ولا يعرض حديث على الكتاب والسنة إلا إن كان فردا ً يستغرب)‪ ، (١‬أو كان في إسانيده ضعف ‪،‬‬
‫وإلا ؛ فإنه ليس هنالك حديث صحيح يخالف ما ثبت في الكتاب والسنة ‪ ،‬بل لا بد من الجمع بين النصوص ‪.‬‬
‫قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ‪ :‬لا أعرف أنهروي عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم حديثان بإسنادين صحيحين‬
‫متضادان ‪ ،‬فمن كان عنده فليأت به حتى أؤلف بينهما)‪. (٢‬‬
‫ولا يمكن أن يوجد متن سقيم بإسناد صحيح أبدا ً ‪ ،‬بل إن إنكاره المتن وبطلانه دليل على وجود اعلة الخفية في إسناده ‪.‬‬
‫وقال المعلمي رحمه الل ّٰه ‪ :‬إذا استنكر الأئمة المحققون المتن ‪ ،‬وكان ظاهر السند الصحة ؛ فإنه يتطلبون له علة ‪ ،‬فإّا لم يجدوا علة قادحة‬
‫مطلقا ً‪ ،‬حيث وقعت ‪ ،‬أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقا ًولـكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر ‪ ) ...‬وذكر أمثلة ()‪. (٣‬‬
‫وأشد ما يقدح في صحة المتن معارضته لموجب الكتاب والسنة الصحيحة)‪. (٤‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥٨‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫قال الربيع بن خثيم رحمه الل ّٰه ‪ :‬إن من الحديث حديثا ً لو ضوء كضوء النهار نعرفه به ‪ ،‬وإن من الحديث حديثا ً له ظلمة كظلمة الليل‬
‫نعرفه به)‪. (٥‬‬
‫كحديث )) أطفال المشركين خدم أهل الجنة (()‪ ، (٦‬قال الل ّٰه عز وجل ) ولا تزر وزارة وز أخرى ( ] فاطر ‪ ، [١٨ :‬وقال ‪) :‬‬
‫ولدان مخلدون ( ] الواقعة ‪. [١٧:‬‬
‫وقال ابن عباس رضي الل ّٰه عنه ‪ :‬سئل النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم عن أولاد المشركين فقال ‪ )) :‬الل ّٰه أعلم بما كانوا عاملين‬
‫(()‪. (٧‬‬
‫وحديث سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن در يك عن عائشة ‪ :‬أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى‬
‫آله وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنه رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم وقال ‪ )) :‬يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم‬
‫يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا (( ‪ ،‬وأشار إلى وجهه وكفيه)‪. (٨‬هذا الحديث مخالف للكتاب والسنة)‪ (٩‬؛ حيث استثنى الوجه‬
‫والـكف ‪ ،‬وقال الل ّٰه عز وجل ‪ ) :‬وليضربن بخمرهن على جيوبهن ( ] النور ‪ ، [٣١:‬قالت عائشة رضي الل ّٰه عنها ‪ :‬لما نزلت هذه الآية‬
‫أخذن أزرهن فشققتها من قبل الحواشي فاختمرن بها)‪. (١٠‬‬
‫وقال الل ّٰه تعالى أيضا ً ‪ ) :‬يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين‬
‫وكان الل ّٰه غفورا ً رحيما ً( ]الأحزاب‪. [٥٩:‬‬
‫العلة الثانية ‪ :‬الانقطاع بين خالد بن در يك وعائشة رضي الل ّٰه عنها ‪ ،‬قال أبو داود ‪ :‬هذا مرسل ؛ خالد بن در يك لم يدرك عائشة ‪.‬‬
‫العلة الثالثة ‪ :‬تفرد خالد بن در يك عن عائشة ‪ ،‬فلم يرو هذا الحديث عنها غيره من أصحابها كعروة والأسود بن يزيد النخعي وعمرة بنت‬
‫عبد الرحمن ‪ ،‬وهو شامي وهي مدنية رضي الل ّٰه عنها ‪.‬‬
‫العلة الرابعة ‪ :‬سعيد بن بشير ثقة وروايته عن قتادة خاصة ضعيفة منكرة ‪.‬‬
‫قال محمد بن عبد الل ّٰه بن نمير ‪ :‬منكر الحديث ليس بشئ ‪ ،‬ليس بقوي الحديث ؛ يروي عن قتادة المنكرات)‪. (١١‬‬
‫العلة الخامسة ‪ :‬تفرده عن قتادة ‪ ،‬ولم يرو هذا الحديث أحد من أصحاب قتادة غيره)‪. (١٢‬‬
‫فتبين بذلك أن الحديث باطل سندا ً ومتنا ً‪ .‬والل ّٰه أعلم ‪.‬‬
‫ومن تلك المخالفات التي تقدح في صحة المتن اشتماله على مجازفات لا يقول مثلها الرسول صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪:‬‬
‫ومنها ‪ :‬تكذيب الحس له ‪ ،‬كحديث ‪ )) :‬أكذب الناس الصباغون والصو ّاغون (( ‪.‬‬
‫ومنه ‪ :‬سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه ‪ ،‬كحديث ‪ )) :‬الجوز دواء والجـبن داء ‪ ،‬فإذا صار في الجوف صار شفاء (( ؛ فلعن الل ّٰه‬
‫واضعه على النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن يكون كلاما ًلا يشبه كلام الأنبياء فضلا ًعن كلامه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم )‪. (١٣‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬حذاق النقاد من الحفاظ لـكثرة ممارستهم للحديث ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل واحد منهم ‪ ،‬لهم فهم خاص‬
‫يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان ‪ ،‬ولا يشبه حديث فلان فيعللون الأحاديث بذلك ‪ .‬وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحضره‬
‫‪ ،‬وإنما يرجع فيه أهله ألى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عن سائر أهل العلم)‪. (١٤‬‬
‫وقال)‪ : (١٥‬ومن ذلك أنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم من الكلام الذي لا يشبه كلامه ‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم الرازي ‪ :‬نعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه ‪ ،‬وأن يكون كلاما ًيصلح أن يكون مثله كلام النبوة ‪ ،‬ونعرف سقمه وإنكاره‬
‫بتفرد من لم تصح عدالته بروايته ‪ ،‬والل ّٰه أعلم)‪. (١٦‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬وأشار إلى ذلك ابن حبان الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان )‪(٤. (١/١٥٥‬‬
‫)‪ (٢‬الـكفاية )ص‪(١. (٤٣٣ ، ٤٣٢‬‬
‫)‪ (٣‬مقدمته على الفوائد المجموعة للشوكاني )ص‪(٢. (٨‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٥٩‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫)‪ (٤‬المنار المنيف للعلامة ابن القيم رحمه الل ّٰه )ص‪ (٣٤‬تحقيق أبو غدة ‪(٣ .‬‬
‫)‪ (٥‬الكامل لابن عدي )‪ ، (١/٥٥‬ومعرفة علوم الحديث للحاكم )‪ ، (٦٢‬والـكفاية )‪(٤. (٤٣١‬‬
‫)‪ (٦‬التاريخ الـكبير للبخاري )‪(٥. (٦/٤٠٨‬‬
‫)‪ (٧‬أخرجه البخاري برقم )‪(٦. (٦٥٩٧‬‬
‫)‪ (٨‬سنن أبي داود وبهامشه عون المعبود )‪ ، (١١/١٠٨‬ط دار الـكتب العلمية ‪.‬‬
‫‪(٧‬‬
‫)‪ (٩‬انظر ‪ :‬أضواء البيان للشنقيطي )‪(٨. (٦٠٢ ، ٦/٥٨٤‬‬
‫)‪ (١٠‬صحيح البخاري )‪(١. (٤٧٥٩‬‬
‫)‪ (١١‬الجرح والتعديل )‪(٢. (٤/٧‬‬
‫)‪ (١٢‬انظر ‪ :‬شرح علل الترمذي )‪(٣. (٢٨٤ ، ٢٨١‬‬
‫)‪ (١٣‬انظر ‪ :‬المنار المنيف لابن القيم )‪ (٤٣‬وما بعدها ‪(٤.‬‬
‫)‪ (١٤‬شرح علل الترمذي )‪(٥. (٣٩٠‬‬
‫)‪ (١٥‬شرح علل الترمذي )‪(١. (٣٧٩‬‬
‫)‪ (١٦‬مقدمة الجرح والتعديل )‪(٢. (٣٥١‬‬

‫فصل في التفرد والغرابة‬ ‫‪٧.٣‬‬


‫فصل في التفرد والغرابة‬
‫الأصل في الحديث المقبول أن يكون مشهورا ً ‪ ،‬ولذلك ذك أهل العلم غرائب الأحاديث ‪.‬‬
‫قال ابن المبارك ‪ :‬العلم الذي يجيئك من هاهنا ومن هاهنا ـ يعني المشهور)‪. (١‬‬
‫وقال شعبة ‪ :‬لا يجيئك الشاذ إلا من الرجل الشاذ)‪. (٢‬‬
‫وقال الإمام أحمد ‪ :‬شر الحديث الغرائب التي لا يعمل ولا يعتمد عليها)‪. (٣‬‬
‫وقال أيضا ً ‪ :‬إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون ‪ :‬هذا الحديث غريب أو فائدة ‪ ،‬فاعلم أنه خطأ أو دخل حديث في حديث أ خطأ‬
‫من المحدث أو ليس له إسناد وإن روى شعبة وسفيان ‪ .‬وإذا سمعتهم يقولون ‪ :‬لا شئ فاعلم أنه صحيح)‪ . (٤‬قوله ‪ :‬وإن روى شعبة‬
‫وسفيان ‪ ،‬أي ‪ :‬وإن كان في الإسناد هذان ‪ ،‬لا أنهما المنفردان به ‪.‬‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬فإنه لا يحتج بحديث غريب ‪ ،‬ولو كان من رواية مالك و يحيى بن سعيد والثقات من ائمة العلم)‪. (٥‬‬
‫وقال يزيد بن أبي حبيب ‪:‬إذا سمعت بالحديث فانشده منا تنشد الضالة‪،‬فإن عرف فخذه وإلا فدعه)‪(٦‬‬
‫ولذلك فإن الثقات لا تكثر في أحاديثهم الغرائب ‪ ،‬بل تكثر الغرائب في أحاديث الضعفاء ‪.‬‬
‫وقال أحمد بن أبي يحيى ‪ :‬سمعت أبا عبد الل ّٰه أحمد بن حنبل يقول غير مرة ‪ :‬لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب ؛ فإنها مناكير وعامتها‬
‫عن الضعفاء)‪. (٧‬‬
‫وقال الحافظ بن رجب ‪ :‬أكثر الحفاظ المتقدمين يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد ‪ ،‬وإن لم يرو الثقات خلاف أن لا يتابع عليه ‪،‬‬
‫و يجعلون ذلك علة فيه ‪ ،‬اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري نحوه ‪ ،‬وربما يستنكرون بعض تفردات‬
‫الثقات الكبار أيضا ًولك في كل حديث نقد خاص ‪ ،‬وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه)‪. (٨‬‬
‫قلت ‪ :‬يعني قاعدة التفرد أغلبية ‪ ،‬وقد يخرج عنها لمآخذ أخرى ‪.‬‬
‫قال الإمام مسلم ‪ :‬حكم أهل العلم والذي يعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث ‪ ،‬أن يكون قد شارك الثقات‬
‫من أهل الحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم ‪ ،‬فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ًليس عند أصحابه قبلت‬
‫ز يادته)‪ . (٩‬انتهى ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦٠‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫فإن تفرد ـ شيخ ولو كان ثقة ـ عن مشهور له أصحاب ملازمين أتقنوا حديثه رد تفرده ‪.‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬والشيوخ في اصطلاح أهل هذا العلم ‪ :‬عبارة عمن دون الأئمة والحفاظ وقد يكون فيهم الثقة وغيره ‪ ،‬فأما ما تفرد‬
‫به الأئمة والحفاظ فقد سماه الخليلي فردا ً ‪ ،‬وذكر أن أفراد الحفاظ المشهورين الثقات أو أفراد إمام عن الحفاظ والأئمة صحيح متفق‬
‫عليه‪،‬ومثله بحديث مالك في المغفر)‪(١٠‬‬
‫و يطلق الشيخ أيضا ًعلى من ليس ثبتا ًبالنسبة لغيره في راو بعينه ‪ ،‬كما أطلقه الحافظ البرديجي على حماد بن سلمة وهمام وأبان والأوزاعي‬
‫في روايتهم عن قتادة)‪. (١١‬‬
‫وقال ابن حبان ‪ :‬عاصم بن الوضاح الزبيدي من أهل خاس ‪ ،‬يروي عن مالك وفليح بن سليمان وعبد الحميد بن بهرام ـ المناكير ‪ ،‬لا‬
‫يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ؛ لم يظهر له كثير حديث وإنما كتب عنه جماعة من أهل بلده فقد)‪. (١٢‬‬
‫أما الرواة المكثرون من الحديث أو المختصون بشيوخهم فيقبل تفردهم و يحتمل ‪.‬‬
‫قال أبو أسامة ‪ :‬لو أن عبد الرحمن بن مهدي أغرب من سفيان الثوري ألف حديث ما أنكرته عليه ‪ ،‬وذلك أني دخلت على سفيان‬
‫الثوري في مرضه باليصرة فرأيت عبد الرحمن بوصية يلي سفلته بيده)‪(١٣‬‬
‫قال ابن المديني في شبابه بن سوار الفزاري ‪ :‬كان شيخا ً صالحا ً إلا أنه يرى الإرجاء ‪ ،‬ولا ننكر لرجل سمع من رجل ألفا ً وألفين أن‬
‫يجئ بحديث غريب)‪. (١٤‬‬
‫وقال البخاري ‪:‬محمد بن إسحاق ينبغي له أن يكون له ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد)‪(١٥‬‬
‫وقال البرديجي في الحسن بن علي بن المعمري الحافظ ‪ :‬ليس بعجب أن ينفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثا ًفي كثرة ما كتب)‪(١٦‬‬
‫‪.‬‬
‫وقال الحسن بن محمد الزعفراني ‪ :‬قلت لأحمد بن حنبل ‪ :‬من تابع عفان على حديث كذا وكذا ؟ فقال ‪ :‬وعفام يحتاج إلى أن يتابعه‬
‫أحد ؟! أو كما قال)‪. (١٧‬‬
‫وقال الإمام مسلم ‪ :‬وللزهري نحو من تسعين حديثا ًعن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم لا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد)‪. (١٨‬‬
‫وقال الذهبي ‪ :‬بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له ‪ ،‬وأكمل لرتبته ‪ ،‬وأدل على اعتنائه بعلم الأثر ‪ ،‬وضبطه دون أقرانه‬
‫لأشياء ما عرفوها ‪ ،‬اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشئ فيعرف ذلك ‪ ،‬فانظر إلى أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم‬
‫الكبار والصغار ‪ ،‬ما فيهم إلا وقد انفرد بسنة فيقال له ‪ :‬هذا الحديث لا يتابع عليه ! ‪ ،‬وكذلك التابعون ‪ ،‬كل واحد عده ما ليس عند‬
‫الآخر من العلم)‪. (١٩‬‬
‫قلت ‪ :‬فإذا تفرد شيخ رد تفرده لأمور ‪:‬‬
‫الأول ‪ :‬الأحاديث لا يصح قياسها على الفتاوى والمسائل العلمية حتى يقال ‪ :‬ز يادة علم يجب قبولها ؛ لأن الحديث ثابت لا يتغير ولا‬
‫يزاد عليه ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أهل الحدي الملازمون لشيوخهم يأخذون كل حديث شيوخهم ‪.‬‬
‫ومن شواهد ذلك ‪ :‬قول أبي صالح ذكوان وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ‪ :‬ليس أحد يحدث عن أبي هريرة إلا علمنا أصداق أم‬
‫كاذب)‪. (٢٠‬‬
‫قال المعلمي ‪ :‬يريدان أنه إذا حدث عن أبي هريرة بما لم يسماه منه علماأنه كاذب لإحاطتهما بحديث أبي هريرة)‪ . (٢١‬والرواة‬
‫متفاوتون في هذا الحرص على الجمع ‪.‬‬
‫قال يحيى بن سعيد ‪ :‬كان الثوري يشتد عليه إذا حدثته لما ليس عنده ‪ ،‬وكان مسعر لا يبالي أن أحدثه بخمسين حديثا ًليست عنده)‪(٢٢‬‬
‫‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬الثقات وغيرهم معرضين للخطأ والتفرد مظنته ‪.‬‬
‫وقال ابن معين ‪ :‬من لم يخطئ في الحديث فهو كذاب)‪. (٢٣‬‬
‫قال الحافظ الذهبي رحمه الل ّٰه تعالى ‪ :‬فهؤلاء الحفاظ الثقات ‪ ،‬إذا انفرد الرجل منهم من التابعين فحديثه صحيح ‪ .‬وإن كان من الأتباع‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦١‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫فحديثه صحيح غريب ‪ ،‬وإن كان من أصحاب الأتبارع قيل ‪ :‬غريب فرد)‪. (٢٤‬‬
‫قلت ‪ :‬نعم ؛ يقبل التفرد في الطبقات العليا عن الصحابة والتابعين ‪ ،‬إلا عمن كان له أصحاب جمعوا حديثه ولازموه ‪.‬‬
‫قال الإمام مسلم ‪ :‬فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ لحديثه وحديث غيره ‪ ،‬أو لمثل هشام بن عروة ‪،‬‬
‫وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك ‪ ،‬فقد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره ‪ ،‬فيروي عنهما أو عن أحدهما‬
‫العدد من الحديث ‪ ،‬مما لا يعرفه أحد من أصحابهما ‪ ،‬وليس ممن قاد شاركهم في الصحيح مما عندهم ‪ ،‬فغير جائز قبول حديث هذا‬
‫الضرب من الناس ‪ .‬والل ّٰه أعلم)‪ . (٢٥‬انتهى ‪.‬‬
‫وأما التفرد عمن بعد الصحابة والتابعين فلم يحك الذهبي تصحيحه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ويندر تفردهم فتجد الإمام منهم عنده مائتا ألف حديث ‪،‬‬
‫لا يكاد ينفرد بحديثين أو ثلاثة ‪ ،‬ومن كان بعدهم فأين ما ينفرد به ؟ ما علمته وقد يوجد ‪...‬‬
‫فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة ‪ ،‬أطلقوا النكارة على ما انفرد به مثل عثمان بن أبي شيبة وأبي سلمة التبوذكي ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬هذا‬
‫منكر ‪.‬‬
‫فإن روى حديثا ً من الأفراد المنكرة غمزوه ولينوا حديثه ‪ ،‬وتوقفوا في توثيقه ‪ ،‬فإن رجع عنها وامتنع من روايتها ‪ ،‬وجوز على نفسه‬
‫الوهم فهو خير له وأرجح لعدالته ‪،‬و ليس من شرط الثقة ‪ ،‬أنه لا يغلط ولا يخطئ فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يقر‬
‫على خطأ)‪ . (٢٦‬انتهى ‪.‬‬
‫ولا يصح للمتأخرين أن يستقلوا بالحكم على الحديث بالتفرد في الطبقات المتأخرة ؛ لأن من كتب الحديث ما فقد ‪ ،‬إلا إذا غلب على‬
‫ظن المتأهل الممارس للفن لما ظهر له من قرائن ‪ .‬والل ّٰه أعلم ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬شرح علل الترمذي )‪(٣. (٢٣٤‬‬
‫)‪ (٢‬الـكفاية )‪ ، (١٤١‬والكامل لابن عدي )‪(٤. (١/٦٨‬‬
‫)‪ (٣‬الـكفاية )‪(٥. (١٤١‬‬
‫)‪ (٤‬الـكفاية في علم الراو ية )‪(٦. (١٤٢‬‬
‫)‪ (٥‬شرح علل الترمذي )‪(٧. (٢٣٧‬‬
‫)‪ (٦‬الجرح والتعديل لابن أبي حاتم )‪(٨. (٢/١٩‬‬
‫)‪ (٧‬الكامل في ضعفاء الرجال )‪(٩. (١/٢٩‬‬
‫)‪ (٨‬شرح علل الترمذي )‪(١. (٢٠٨‬‬
‫)‪ (٩‬صحيح الإمام مسلم )‪(٢. (١/٧‬‬
‫)‪ (١٠‬شرح علل الترمذي )‪(٣. (٢٥٦‬‬
‫)‪ (١١‬شرح علل الترمذي )‪(٤. (٢٨٣ ، ٢٨٢ ، ٢٥٢‬‬
‫)‪ (١٢‬كتاب المجروحين )‪(٥. (٢/١٧٤‬‬
‫)‪ (١٣‬الكامل لابن عدي )‪(٦. (١/١١٠‬‬
‫)‪ (١٤‬تهذيب الـكمال )‪(٧. (١٢/٣٤٧‬‬
‫)‪ (١٥‬تاريخ بغداد )‪(١. (١/٢٢٧‬‬
‫)‪ (١٦‬ميزان الاعتدال )‪(٢. (١/٥٠٤‬‬
‫)‪ (١٧‬تاريخ بغداد )‪(٣. (١٢/٢٧٤‬‬
‫)‪ (١٨‬صحيح مسلم )‪(٤. (١٦٧٤‬‬
‫)‪ (١٩‬ميزان الاعتدال )‪(٥. (٣/١٤٠‬‬
‫)‪ (٢٠‬الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي )‪(٦. (١/٥٣‬‬
‫)‪ (٢١‬التنكيل )‪(٧. (٢/١٠٠‬‬
‫)‪ (٢٢‬الكامل لابن عدي )‪(١. (١/٨٤‬‬
‫)‪ (٢٣‬التاريخ لابن معين رواية الدوري ) برقم ‪(٢. (٤٣٤٢ ، ٢٦٨٢‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦٢‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫)‪ (٢٤‬الموقظة )‪(٣. (٧٧‬‬


‫)‪ (٢٥‬صحيح الإمام مسلم في مقدمته )‪(٤. (١/٧‬‬
‫)‪ (٢٦‬الموقظة )‪ ٧٧‬ـ ‪(٥. (٧٨‬‬

‫فصل في الاختلاف بين الرواة‬ ‫‪٧.٤‬‬


‫فصل في الاختلاف بين الرواة‬
‫وليس ذلك الاختلاف من قبل رواية بالمعنى ‪ ،‬فإن رواية الحديث بالمعنى جائزة بشرط معرفته لما يحيل المعاني من الحديث إن حدث‬
‫بالمعنى ‪.‬‬
‫قال الترمذي ‪ :‬فأما من أقان الإسناد وحفظه وغي ّر اللفظ فإن هذا عندهم واسع إذا لم يغر المعنى)‪. (١‬‬
‫عن وائلة قال ‪ :‬إذا حدثناكم بالحديث على معناه فحسبكم)‪. (٢‬‬
‫وقال الزهري ‪ :‬إذا أصبت المعنى فلا بأس)‪. (٣‬‬
‫وقال ابن عون ‪ :‬كان القاسم بن محمد وابن سيرين ورجاء بن حيوة يحدثون الحديث على حروفه ‪ ،‬وكان الحسن وإبراهيم والشعبي يحدثون‬
‫بالمعاني)‪. (٤‬‬
‫قال أبو داود السجستاني ‪ :‬والاختلاف عندنا ما تفرد قوم على شئ وقوم على شئ)‪. (٥‬‬
‫والاختلاف بين الرواة في الحديث الواحد إن كان ناشئا ًمن الراوي المختلف عنه فقد اضطرب فيه ‪ ،‬وفي ذلك دلالة على أنه لم يحفظه‬
‫‪ ،‬فيرد الحديث لأجل ذلك ‪.‬‬
‫وإن كان من قبل الرواة فللترجيح بينهم فيما اختلفوا فيه طرق وقرائن ‪ ،‬ولكل حديث ذوق خاص)‪(٦‬‬
‫‪ ،‬وكثيرا ً ما تكون بالـكثرة والإتقان ‪.‬‬
‫قال الأثرم ‪ :‬الأحاديث إذا كثرت كانت أثبت من الواحد الشاذ ‪ ،‬وقد يهم الحافظ أحياناً)‪. (٧‬‬
‫وسئل الحافظ الدار قطني عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات ‪ ،‬فقال ‪ :‬ينظر ما اجتمع عليه ثقتان فيحكم بصحته أو ما جاء بلفظة‬
‫زائدة ‪ ،‬فتقبل تلك الز يادة من متقن و يحكم لأكثرهم حفظا ًوثبتا ًعلى من دونه)‪. (٨‬‬
‫وقد يكون الاختلاف بين الرواة بز يادة في المتن أو السند ‪.‬‬
‫وصورتها)‪ : (٩‬أن يروي جماعة حديثا ًواحدا ً بإسناد واحد ومتن واحد ‪ ،‬فيزيد بعض الرواة ز يادة ـ ليست من باب التفسير ـ لم يذكرها‬
‫بقية الرواة ‪ ،‬كز يادة راو في السند أو لفظ في المتن يوجب تقييدا ً أو تخصيصا ًأو ز يادة صفة أو حكم)‪. (١٠‬‬
‫ولا فرق في الو يادة بين السند والمتن)‪. (١١‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر ‪ :‬والذي يجري عليه على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد ‪ ،‬بل يرجحون‬
‫بالقرائن)‪. (١٢‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬ورب حديث يستغرب لز يادة تكون في الحديث‪،‬وإنما تقبل ممن يعتمد على حفظه)‪(١٣‬‬
‫وقال ابن خزيمة ‪ :‬لسنا ندفع أن تكون الز يادة مقبولة من الحفاظ ‪ ،‬ولـكننا نقول ‪ :‬إذا تكافأت الرواة في الحفظ والإتقان ‪ ،‬فروى‬
‫حافظ عالم بالأخبار ز يادة في خبر قبلت ز يادته ‪ ،‬فإذا تواردت الأخبار فزاد ـ وليس مثلهم في الحفظ ‪ ،‬ز يادة لم تكن تلك الز يادة‬
‫مقبولة)‪. (١٤‬‬
‫قال ابن حجر ‪ :‬فحاصل كلام هؤلاء الأئمة أن الز يادة إنما تقبل ممن يكون حافظا ًمتقنا ًحيث يستوي مع من زاد عليهم في ذلك ‪ ،‬فإن‬
‫كانوا أكثر عددا ً منه ‪ ،‬أو كان فيهم من هو أحفظ منه ‪ ،‬أو كان غير حافظ ولو كان في الأصل صدوقا ً‪ ،‬فإن ز يادته لا تقل ‪ ،‬وهذا‬
‫مغاير لقول من قال ‪ :‬ز يادة الثقة مقبولة وأطلق)‪. (١٥‬‬
‫وقال ابن رجب ‪ :‬فإن كان المنفرد عن الحفاظ سيئ الحفظ فإنه لا يعبأ بانفراده و يحكم عليه بالوهم ‪ ،‬وإن كان المنفرد مع سوء حفظه‬
‫قد سلك الطر يق المشهورة والحفاظ يخالفون فإنه لا يكاد يرتاب في وهمه وخطئه ؛ لأن الطر يق المشهورة تسبق إليها الألسنة والأوهام‬
‫كثيرا ً فيسلـكه من لا يحفظ)‪ . (١٦‬انتهى ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦٣‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫قلت ‪ :‬وقد كان من التابعين من يقصر الأسانيد ‪ ،‬فلا يكون ذلك من باب الاختلاف في الز يادة وعدمها ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬كره قوم من الصحابة والتابعين إكثار الحديث عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم خوفا ًمن الز يادة والنقصان ‪ ،‬والغلط‬
‫فيه ‪ ،‬حتى إن من التابعين من كان يهاب رفع الحديث فيوقفه على الصحابي ‪ ،‬و يقول ‪ :‬الـكذب عليه أهون من الـكذب على رسول‬
‫الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪ ،‬ومنهم من يسند الحديث حتى إذا بلغ به النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم قال ‪ :‬قال ‪ ،‬ولم يقل ‪:‬‬
‫رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪ ،‬ومنهم من يقول ‪ :‬رفعه ‪ ،‬ومنهم من يقول ‪ :‬رواية ‪ ،‬ومنهم من يقول ‪ :‬يبلغ به النبي صلى الل ّٰه‬
‫عليه وعلى آله وسلم ‪ ،‬وكل ذلك هيبة للحديث عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪ ،‬وخوفا ًمن الوعيد)‪ . (١٧‬انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إذا كانت الطرق المختلفة قو ية فحينئذ يتجه ما قاله البغوي ‪ ،‬وإن كان في بعضها ضعف فيرجح بينها ‪ .‬فمثال الز يادة في المتن حديث‬
‫‪ )) :‬استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا ً(()‪. (١٨‬‬
‫قال الطبراني ‪ :‬ثنا عبد الل ّٰه بن أحمد بن حنبل ثني أبي ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن قارظ بن شيبة عن أبي غطفان عن ابن عباس‬
‫أن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم قال ‪ )) :‬استنشقوا مرتين ـ وزاد والأذنان من الرأس (( وهذه الز يادة تفرد بها الطبراني ‪ ،‬ولعلها‬
‫من أخطاء النساخ ؛ فإن أحدا ً من العلماء لم ينبه عليها ‪ .‬وعلى كل فهي ز يادة شاذة ‪.‬‬
‫قال الإمام أحمد ‪ :‬ثنا يحيى عن ابن أبي ذئب )ح( وقال ابن أبي شيبة ‪ :‬ثنا وكيع وإسحاق الرازي عن ابن أبي ذئب )ح( ‪ ،‬وقال‬
‫البخاري ‪ :‬وقال آدم نا ابن أبي ذئب )ح( ‪ ،‬وقال أبو داود ‪ :‬ثنا إبراهيم بن موسى ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب )ح( ‪ ،‬وقال النسائي‬
‫‪ :‬ثنا سويد بن نصر أنبأ عبد الل ّٰه عن ابن أبي ذئب )ح( ‪ ،‬وقال ابن ماجه ‪ :‬ثنا أبو بكر عن أبي شيبة عن إسحاق بن سليمان )ح( ‪،‬‬
‫وثنا علي بن محمد ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب )ح( ‪ ،‬وقال الحاكم ‪ :‬أنا بكر بن حمدان الصيرفي صنا عبد الصمد بن الفضل ثنا خالد بن‬
‫مخلد ثنا ابن أبي ذئب ثنى فارظ ابن شيبة عن أبي غطفان المري عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ))‬
‫استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا ً(( ‪ .‬ولفظ بن أبي شيبة عن وكيع ‪ )) :‬استنشقوا (( ‪.‬‬
‫ومثال الز يادة في الإسناد ‪ ،‬حديث ‪ )) :‬إذا مرض العبد أو سافر ‪ ،‬كتب له مثل ما كان يعمل مقيما ً صحيحا ً(()‪. (١٩‬‬
‫رواه إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي ‪ ،‬واختلف عليه ‪ ،‬فرواه العوام بن حوشب عن إبراهيم عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري عن‬
‫النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم مسندا ً ‪ ،‬وروها مسعر بن كدام عن إبراهيم عن أبي بردة قوله ‪.‬‬
‫قال الحافظ بن حجر ‪ :‬مسعر أحفظ من العوام بلا شك ‪ ،‬إلا أن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي ‪ ،‬فهو في حكم المرفوع ‪ ،‬وفي السياق‬
‫قصة تدل على أن العوام حفظه فإن فيه ‪ :‬سمعت أبا بردة وأصحابه هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر ‪ ،‬فكان يزيد يصوم في السفر ‪ ،‬فقال‬
‫له أبو بردة ؛ سمعت أبا موسى مرارا ً يقول ‪ :‬قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪ ،‬فذكر الحديث ‪.‬‬
‫ل على أن رواية حفظه والل ّٰه أعلم)‪. (٢٠‬‬
‫قال أحمد بن حنبل ‪ :‬إذا كان في الحديث قصة ‪ ،‬د ّ‬
‫وقد يكون الاختلاف في السند في تسمية راو ‪:‬‬
‫كحديث الزهري عن أبي بكر بن محمد بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا ً‬
‫فيه الفرائض والسنن والديات ‪ ،‬وبعث به مع عمرو بن حزم ‪ ،‬فقرأت على أهل اليمن هذه نسختها ‪ ،‬وذكره ‪.‬‬
‫هذا الحديث اختلف فيه على يحيى بن حمزة في تسمية شيخه الراوي عن الزهري ‪.‬‬
‫فرواه الحكم بن موسى قال ‪ :‬حدثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود قال ‪ :‬حدثني الزهري ‪.‬‬
‫قال أبو داود ‪ :‬هذا وهم من الحكم بن موسى)‪. (٢١‬‬
‫ورواه محمد بن بكار عن يحيى عن سليمان بن أرقم عن الزهري ‪.‬‬
‫قال النسائي ‪ :‬وهذا أشبه بالصواب وسليمان بن أرقم متروك الحديث)‪. (٢٢‬‬
‫قلت ‪ :‬الراجح فيه رواية محمد بن بكار ؛ لأنها مطابقة لأصل يحيى بن حمزة ‪ ،‬قال الإمام المزي رحمه الل ّٰه ‪ :‬وكذلك حكى غير واحد أنه‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦٤‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫قرأه في أصل يحيى بن حمزة ‪ .‬انتهى ‪.‬‬


‫ومحمد بن بكار دمشقي كمان أن يحيى دمشقي ‪ ،‬وأما الحكم بن موسى فهو بغدادي ‪.‬‬
‫ومن تلك المخالفات الإدراج في المتن أو في الإسناد ‪:‬‬
‫والطر يق إلى معرفة كونه مدرجا ً أن تأتي رواية مفصلة للرواية المدرجة ‪ ،‬وٺتقوى الرواية المفصلة بأين يرو يه أحد الرواة مقتصرا ً على‬
‫إحدى الروايتين)‪. (٢٣‬‬
‫كحديث الزهري عن حميد بن عبد الحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة قالت ‪ :‬سمعت رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم يقول ‪:‬‬
‫)) ليس الـكذاب من يصلح بين الناس ‪ ،‬فقال خيرا ً أو نمى خيرا ً (( ‪.‬‬
‫رواه معمر وعبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري بدون ز يادة)‪. (٢٤‬‬
‫ورواه يونس بن يزيد الأيلي ومحمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري به ‪ ،‬وزاد فيه ‪ )) :‬ولم يرخص في شئ مما يقول الناس أنه مذب ‪،‬‬
‫إلا في ثلاث ‪ ،‬في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها (()‪. (٢٥‬‬
‫ولـكن أدرج هذه الز يادة صالح بن كيسان وابن جريج وعبد الوهاب بن أبي بكر ‪ ،‬فرووه عن الزهري ‪ ...‬أن أم كلثوم قالت ‪ :‬ولم‬
‫أسمعه يرخص في شئ مما يوقل الناس إلا في ثلاث ‪ ...‬الحديث)‪. (٢٦‬‬
‫وجزم بالإدراج موسى بن هارون والنسائي وغيرهما وتبعهم ابن حجر)‪ . (٢٧‬وذلك لأن يونس والزبيدي من أثبت الناس في الزهري ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬العلل الصغير )‪ (٥/٧٤٦‬من آخر الجامع ‪(١.‬‬
‫)‪ (٢‬كتاب العلم لأبي خيثمة النسائي )‪(٢. (٢٦‬‬
‫)‪ (٣‬كتاب العلم لأي خيثمة النسائي )‪(٣. (٢٦‬‬
‫)‪ (٤‬كتاب العلم لأبي خيثمة النسائي )‪(٤. (٣٢‬‬
‫)‪ (٥‬تهذيب الـكمال )‪(٥. (٢/٤٣١‬‬
‫)‪ (٦‬النكت على كتاب ابن الصلاح )‪(٦. (٢٩٦‬‬
‫)‪ (٧‬فتح المغيث للسخاوي )‪(٧. (١/٢٣‬‬
‫)‪ (٨‬سؤالات السهمي ‪(٨.‬‬
‫)‪ (٩‬شرح علل الترمذي )‪(١. (٢٤٢‬‬
‫)‪ (١٠‬النكت للحافظ ابن حجر )‪(٢. (٢٨١‬‬
‫)‪ (١١‬شرح علل الترمذي )‪(٣. (٢٤٣‬‬
‫)‪ (١٢‬النكت )‪(٤. (٢٨٢‬‬
‫)‪ (١٣‬العلل الصغير في آخر الجامع )‪(٥. (٥/٧٥٩‬‬
‫)‪ (١٤‬النكت )‪(٦. (٢٨٢‬‬
‫)‪ (١٥‬النكت )‪(٧. (٢٨٣‬‬
‫)‪ (١٦‬شرح علل الترمذي )‪(٨. (٢٧٧‬‬
‫)‪ (١٧‬شرح السنة )‪(١. (٢٥٦ ، ١/٢٥٥‬‬
‫)‪ (١٨‬أخرجه الإمام أحمد )‪ ، (١/٢٨٣‬والبخاري في التاريخ الـكبير )‪ ، (٧/٢٠١‬وأبو داود )‪ ، (١٤١‬والنسائي في الـكبرى )‪١/٨٣‬‬
‫‪ ، (٨٤ ،‬وابن ماجه )‪ ، (٤٠٨‬وابن أبي شيبة )‪ ، (١/٣٣‬والحاكم في الستدرك )‪(٢. (١/٢٤٩‬‬
‫)‪ (١٩‬أخرجه البخار في الصحيح )‪ ، (٢٩٩٦‬وانظر التتبع للدار قطني )ص‪(٣. (١٦٦ ، ١٦٥‬‬
‫)‪ (٢٠‬هدي الساري )ص‪(١. (٣٨٢‬‬
‫)‪ (٢١‬تهذيب الـكمال )‪(٢. (١١/٤١٨‬‬
‫)‪ (٢٢‬السنن الـكبرى )‪ ، (٢٤٦ ، ٤/٢٤٥‬دار الـكتب العلمية ( ‪(٣.‬‬
‫)‪ (٢٣‬النكت على كتاب ابن الصلاح )‪(٤. (٣٥٦‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦٥‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫)‪ (٢٤‬أخرجه الإمام أحمد )‪ ، (٤٠٤ ، ٦/٤٠٣‬البخاري )‪ ، (٢٦٩٢‬مسلم )‪ ، (٢٦٠٥‬أبو داود )‪ ، (٤٩٢٠‬والترمذي )‪(١٩٣٨‬‬
‫‪ ،‬وقال ‪ :‬حسن صحيح ‪(١.‬‬
‫)‪ (٢٥‬أخرجه الإمام مسلم )‪ ، (٢٦٠٥‬والنسائي في السنن الـكبرى )‪(٢. (٣٥٢ ، ٥/٣٥١‬‬
‫)‪ (٢٦‬أخرجه الإمام أحمد )‪ ، (٦/٤٠٤‬وأبو داود )‪ ، (٤٩٢١‬والنسائي في السنن الـكبرى )‪(٣. ( ٣٥١ ، ٥/١٩٣‬‬
‫)‪ (٢٧‬فتح الباري )‪(٤. (٥/٣٥٣‬‬

‫فصل في الجمع بين الروايات‬ ‫‪٧.٥‬‬


‫فصل في الجمع بين الروايات‬
‫فإن وقع اختلاف بين الرواة يصار إلى الجمع بدون تعسف إذا لاحت قرائن تدل على أن الوجوه محفوظة عن الراوي ‪ .‬وغالبا ًما يكون‬
‫ذلك إذا كان المختلفون ثقات وعن ثقة حافظ واسع الرواية ‪ ،‬يمكن أن يحمل الحديث من طرق عديدة كالزهري والثوري وشعبة‬
‫والأعمش ‪.‬‬
‫وقال ابن هبيرة ‪ :‬قدم علينا عكرمة مصر فجعل يحدثنا بالحديث عن الرجل من الصحابة ثم يحدثنا بذلك الحديث عن غيره ‪ ،‬فأتينا‬
‫إسماعيل بن عبيد الأنصاري وكان قد سمع من ابن عباس ‪ ،‬فذكرنا ذلك له ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا أخبره لـكم ‪ ،‬فأتاه فسأله عن أشياء كان سمعها‬
‫من ابن عباس فأخبره بها على مثل ما سمع ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم أتيناه فسألناه ‪ ،‬فقال ‪ :‬الرجل صدوق ولـكنه سمع من العلم فأكثر ‪ ،‬فكلما سنح‬
‫له طر يق سلـكه)‪. (١‬‬
‫قال الإمام علي بن المديني رحمه الل ّٰه ‪ :‬حديث أبي هريرة ‪ :‬مثل الهجرة على الجمعة ‪ ،‬رواه معمر وأصحاب الزهري عن الأغر عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬إلا أن ابن عيينة رواه عن أبي سعيد عن أبي هريرة وجميعا ً صحيح)‪. (٢‬‬
‫وكحديث‪)):‬بينا رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة(()‪(٣‬‬
‫رواه الزهري وجرير بن زيد عن سالم بن عبد الل ّٰه واختلفا عليه ‪ ،‬فقال الزهري ‪ :‬عن ابن عمر ‪ ،‬وقال جرير ‪ :‬عن أبي هريرة ‪ ،‬وكلا‬
‫الحديثين صحيح ‪.‬‬
‫قال ابن حجر ‪ :‬قوي عند البخاري أنه عن سالم عن أبيه وعن أبي هريرة معا ً لشدة إتقان الزهري ومعرفته بحديث سالم ‪ ،‬ولقول جرير‬
‫بن زيد في روايته ‪ :‬كنت مع سالم على باب داره فقال ‪ :‬سمعت أبا هريرة ‪ .‬فإنه قرينة في أنه حفظ ذلك عنه)‪. (٤‬‬
‫قلت ‪ :‬وروى قصته الإمام أحمد مفصلة بلفظ ‪ :‬كنت جالسا ًمع سالم بن عبد الل ّٰه على باب المدينة فمر شاب من قريش كأنه مسترخي‬
‫الإزار ‪ ،‬قال ‪ :‬ارفع إزارك فجعل يعتذر ‪ ،‬قال ‪ :‬إنه استرخى ‪ ،‬وإنه من كتان فلما مضى قال ‪ :‬سمعت أبا هريرة يقول ‪ ... :‬الحديث)‪(٥‬‬
‫‪.‬‬
‫وقد يكون الاختلاف على حافظ واسع الرواية ولا يمكن أن يصار إلى الجمع بتعدد الطرق ؛ لأن مأخذ الترجيح كان قو يا ً‪ .‬فلا ينبغي‬
‫حينئذ سلوك الطرق المتعسفة في الجمع ‪.‬‬
‫كحديث محمد بن فضيل ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا ً‪ )) :‬إن للصلاة أولا ًوآخرا ً ‪ (( ...‬الحديث)‪. (٦‬‬
‫قال الدوري ‪ :‬سمعت يحيى بن معين يقول ‪ :‬محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ـ أحسب يحيى يريد ‪ )) :‬إن‬
‫للصلاة أولا ًوآخرا ً (( ـ وقال ‪ )) :‬وإنما يروى عن الأعمش عن مجاهد)‪. (٧‬‬
‫وقال أبو حاتم الرازي ‪ :‬هذا خطأ وهم فيه ابن فضيل يرو يه أصحاب الأعمش عن الأعمش عن نجاهد قوله)‪. (٨‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬سمعت محمدا ً يقول ‪ :‬حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش ‪ ،‬وحديث‬
‫محمد بن فضيل ‪ ،‬أخطأ في محمد بن فضيل ‪.‬‬
‫وقال الدار قطني ‪ :‬هذا لا يصح مسندا ً ‪ ،‬وهم في إسناده ابن فضيل ‪ ،‬وغيره يرو يه عن الأعمش عن مجاهد مرسلا ً‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦٦‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫قلت ‪ :‬خالفخ زائد بن قدامة الثقفي وأبو إسحاق الفزاري وأبو زبيد عبثر ‪ ،‬و يؤيد رواية الجناعة أنه انفرد عن الأعمش بذلك وقد سلك‬
‫الجادة ‪.‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬إذا روى الحفاظ الأثبات حديثا ًبإسناد واحد ‪ ،‬وانفرد واحد منهم بإسناد آخر ‪ .‬فإن كان المنفرد ثقة حافظا ً فحكمه‬
‫قريب من حكم ز يادة الثقة في الأسانيد أو في المتون ‪ ...‬و يقوى قبول قوله إنكان المروي عنه أوسع الحديث ‪ ،‬يمكن أن يجعل الحديث‬
‫من طرق عديدة كالزهري والثوري وشعبة والأعمش ‪.‬‬
‫ووما يستدل به الأئمة كثيرا ً على صة رواية ما انفرد بالإسناد إذا روى الحديث بالإسناد الذي رواه الجماعة)‪. (٩‬‬
‫قلت ‪ :‬ولا سيما إذا جمعهما في سياق واحد ‪ .‬كحديث أبي هريرة أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم قال ‪ )) :‬من غسل ميتا ً‬
‫فليغتسل ومن حمله فيتوضأ (()‪(١٠‬‬
‫رواه الوليد بن مسلم وشبابة بن سوار وأسد بن موسى وحجاج المصيصي و يحيى القطان و يحيى بن أيوب وحسين بن محمد وابن أبي فديك‬
‫عن محمد ابن عبد الرحمن عن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫وأغرب محمد بن إسماعيل بن أبي فديك فيه بإسنادين آخرين قال ‪ :‬ثنى ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس بن عمير عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫قال محمد بن أحمد بن عبد الهادي ‪ :‬ثم قال ابن أبي فديك ‪ :‬وحدثني ابن أبي ذئب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة)‪. (١١‬‬
‫قلت ‪ :‬وليس ذلك غريبا ًعليه ‪.‬‬
‫قال يحيى بن معين ‪ :‬كان أروى الناس عن ابن أبي ذئب وهو ثقة)‪ . (١٢‬فإن تعذر الترجيح صار الراوي مضطربا ً‪.‬‬
‫وقال المعلمي رحمه الل ّٰه ‪ :‬والاضطراب الضار ‪ :‬أن يكون الحديث حجة على أحد الوجهين مثلا ًدون الآخر ‪ ،‬ولا يتجه الجمع ولا الترجيح‬
‫‪ ،‬أو يكثر الاضطراب ويشتد بحيث إن ارلاوي الذي مدار الحديث عليه لم يضبط)‪. (١٣‬‬
‫كحديث ‪ )) :‬ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد ‪ ،‬ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل ‪ ،‬أربعون في بطونها أولادها (()‪. (١٤‬‬
‫اضطرب فيه خالد الحذاء ؛ فرواه بشر ابن المفضل ويزيد بن زر يع عن خالد الحذاء عن القاسم عن ربيعة عن يعقوب بن أوس أن‬
‫رجلا ًمن أصحاب النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم حدثه ‪.‬‬
‫ورواه الثوري وهشيم عن خالد عن القاسم عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪.‬‬
‫ورواه حماد بن زيد ووهيب بن خالد عن خالد عن القاسم عن عقبة بن أوس عن عبد بن عمرو ‪.‬‬
‫ورواه ابن أبي عدي عن خالد عن القاسم عن عقبة بن أوس مرسلا ً‪.‬‬
‫فخالد ـ والل ّٰه أعلم ـ لم يحفظ الحديث فقد خالفه أيوب السختياني ‪ :‬رواه حماد بن زيد عن أيوب عن القاسم بن ربيعة مرسلا ً‪ .‬وتابعه‬
‫حميد الطو يل ‪ ،‬وخالف شعبة حماد بن زيد فرواه عن أيوب عن القاسم عن عبد الل ّٰه بن عمرو ورواية حماد أرجح ‪.‬‬
‫قال يحيى بن معين ‪ :‬ليس أحد في أيوب أثبت من حماد بن زيد)‪ . (١٥‬واختلاف الثقات على الرجل الضعيف ليس محلا ًللجمع بين‬
‫رواياتهم ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن رجب ‪ :‬فاختلاف الرجل الواحد في الإسناد إن كان متهما ً‪ ،‬فإنه ينسب إلى الـكذب ‪ ،‬وإن كان سيئ الحفظ نسب‬
‫إلى الاضطراب وعدم الضبط ‪ ،‬وإنما مثل ذلك ممن كثر وقوي حفظه كالزهري وشعبة ونحوهما)‪. (١٦‬‬
‫وقال ‪ :‬واعلم أن هذا كله إّا علم أن الحديث الذي اختلف في إسناده حديث واحد ‪ .‬فإن ظهر أنه حديثان لم يحكم بخطأ أحدهما ‪،‬‬
‫وعلامة ذلك ‪ :‬أن كون في أحدهما ز يادة على آخر أو نقص منه أو تغير يستدل على أنه حديث آخر ‪ ،‬فهذا يقول علي بن المديني وغيره‬
‫من أئمة الصنعة ‪ :‬هما حديثان بإسنادين إذا احتمل ذلك وكان متن الحديث يروي عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم من وجوه‬
‫متعددة كحديث الصلاة على النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪ ،‬فأما ما لا يعرف إلا بإسناد واحد فهذا يبعد فيه ذلك)‪. (١٧‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬هدي الساري لابن حجر )ص‪(٥. (٤٤٩‬‬
‫)‪ (٢‬العلل لابن المدين )‪(١. (٨٣‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦٧‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫)‪ (٣‬صحيح البخاري )‪(٢. (٥٧٩٠‬‬


‫)‪ (٤‬فتح الباري )‪(٣. (١٠/٢٧٣‬‬
‫)‪ (٥‬مسند الإمام أحمد )‪(٤. (٢/٣٩٠‬‬
‫)‪ (٦‬مسند الإمام أحمد )‪(٥. (٢/٢٣٢‬‬
‫)‪ (٧‬تاريخ ابن معين برواية الدوري )‪(٦. (١٩٠٩‬‬
‫)‪ (٨‬علل الحديث )‪(٧. (١/١٠١‬‬
‫)‪ (٩‬شرح علل الترمذي )‪(١. (٣٧٦ ، ٣٧٥‬‬
‫)‪ (١٠‬أخرجه أبو داود )‪ ، (٣١٦١‬وابن أبي شيبة )‪ ، (٢/٤٧٠‬والإمام أحمد )‪ (١٩/٥٩) ، (١٨/١٧٣‬والبغوي في شرح السنة‬
‫)‪ ، (٢/١٦٨‬وأبو القاسم البغوي في الجعديات )‪ ، (٧٢٥٤‬والبيهقي في السنن الـكبرى )‪ ، (١/٣٠٣‬والخطيب البغدادي في الموضح‬
‫)‪ ، (١/١٧٢‬وتكلم عليه الدار قطني في العلل )‪(٢. (٣٧٩ ، ١٠/٣٧٨‬‬
‫)‪ (١١‬تنقيح التحقيق )‪(٣. (١/٥٠٩‬‬
‫)‪ (١٢‬تاريخ يحيى بن معين برواية الدوري )‪(٤. (٢/٥٠٥‬‬
‫)‪ (١٣‬التنكيل )‪(١. (٢/٩‬‬
‫)‪ (١٤‬السنن الـكبرى )‪(٢. (٢٣٣ ، ٤/٢٣١‬‬
‫)‪ (١٥‬تهذيب الـكمال )‪(٣. (٢٤٨ ، ٧/٢٤٧‬‬
‫)‪ (١٦‬شرح علل الترمذي )‪(٤. (١٠٨‬‬
‫)‪ (١٧‬شرح علل الترمذي )‪ (٣٨٠‬مختصرا ً ‪(١.‬‬

‫فصل في المتابعة وتقو ية الخـبر‬ ‫‪٧.٦‬‬


‫فصل في المتابعة وتقو ية الخـبر‬
‫المتابعة تفيد تقو ية الضعيف غير المنكر ‪ ،‬بوروده من جهة أخرى صالحة للاعتبار ‪ ،‬إن غلب على الظن أن تعدد الطرق يفيد صحته ‪،‬‬
‫وهي على قسمين ‪:‬‬
‫الأول ‪ :‬تقو ية لفظ الحديث ‪ ،‬إذا كانت تلك الأسانيد لحديث واحد ‪ ،‬وبذلك يكون الحديث صحيحا ً ‪ ،‬وكلما عظمت أهمية الحديث‬
‫احتاج إلى متابعة قو ية ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬تقو ية معنى الحديث ‪ ،‬بورود أخارى بمعناه ‪ ،‬و يكون المعنى صحيحا ً‪ ،‬وهذا لا يفيد في تصحيح لفظ الحديث ‪ ،‬ونسبته إلى النبي‬
‫صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪.‬‬
‫واعلم أن الذي يحتاج إلى متابعة ثلاثة أشياء ‪ :‬الراوي الضعيف المعتبر به غير المتروك ‪ ،‬والحديث المرسل ‪ ،‬والشيخ حينما يكون تفرده‬
‫منكرا ً ـ وسبق شرحه ـ والكل على درجات في الضعف أيضا ً‪.‬‬
‫فأما الأول ‪ :‬وهو الضعيف الذي يقبل في الشواهد ولم يسقط ‪ ،‬وذلك لجـبر حديثه ؛ فإن تفردات الضعفاء لا يحتج به ‪.‬‬
‫قال الجوزجاني ‪ :‬ومنهم الضعيف في حديثه غير سائغ لذي دين أن يحتج بحديثه وحده إلا أن تقو ية من هو أقوى منه فحينئذ يعتبر‬
‫به)‪. (١‬‬
‫وقال ‪ :‬إذا كان الحديث المسند من رجل غير مقنع ـ يعني لا يقنع برواته ـ وش ّد أركانه المراسيل بالطرق المقبولة عند ذوي الاختيار ‪،‬‬
‫استعمل واكتفى به ‪ ،‬وهذا إذا لم يعارض المسند الذي هو أقوى منه)‪. (٢‬‬
‫قال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬كل من روي عنه حديث ممن يتهم بالـكذب أو يضعف لغفلته وكثرة خطئه ‪ ،‬ولا يعرف ذلك الحديث إلا‬
‫من حديثه فلا يحتج به)‪. (٣‬‬
‫وقال ‪ :‬وكذلك من تكلم من أهل العلم في مجالد بن سعيد وعبد الل ّٰه بن لهيعة وغيرهم ‪ ،‬إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم وكثرة خطئهم‬
‫‪ ،‬وقد روى عنهم غير واحد من الأئمة فإذا تفرد أحد من هؤلاء يحدث ولم يتابع عليه لم يحتج به ‪ ،‬كما قال أحمد بن حنبل ‪ :‬ابن أبي‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦٨‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫ليلى لا يحتج به ‪ ،‬إنما عنى إذا تفرد بالشئ ‪ ،‬وأشد ما يكون هذا لم يحفظ الإسناد فزاد في الإسناد أو نقص أو غير الإسناد أو جاء بما‬
‫يتغير فيه المعنى)‪. (٤‬‬
‫قلت ‪ :‬من تكلم فيه من جهة حفظه غالبا ًلا ينزلون عن درجة الاعتبار ‪ ،‬وكلما اشتد ضعف الراوي في ضبطه احتاج إلى متابعة قو ية‬
‫‪ ،‬إلا إن جرح في عدالته فلا يعتبر به ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬المرسل ‪ ،‬فإنه يحتمل أن يكون الساقط من سنده و يحتمل أن يكون ضعيفا ً‪.‬‬
‫قال الشافعي ‪ :‬المنقطع مختلف ؛ فمن شاهد أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم من التابعين ‪ ،‬فحدث حديثا ً منقطعا ً عن‬
‫النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم اعتبر عليه بأمور ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم بمثل معنى‬
‫ما روي كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه ‪.‬‬
‫وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك ‪ .‬و يعتبر عليه بأن ينظر ‪ :‬هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل‬
‫العلم عنه من غير رجاله الي قبل عنهم ؟‬
‫فإن وجد ذلك كانتت دلالة يقوى له مرسله ‪ ،‬وهي أضعف من الأولى ‪ .‬وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب‬
‫رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم قولا ًله ‪ ،‬فإن وجد يوافق ما روي عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم كانت في هذه‬
‫دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح ‪ ،‬إن شاء الل ّٰه ‪.‬‬
‫وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪.‬‬
‫ثم يعتبر عليه بأن يكوييني إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا ًولا مرغوبا ًعن الرواية عنه ‪ ،‬فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه ‪.‬‬
‫و يكون إذا شرك أحدا ً من الحفاظ في حديث لم يخالفه ‪ ،‬فإن خالفه وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه ‪.‬‬
‫ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه ‪ ،‬حتى لا يسع أحدا ً منهم قبول مرسله ‪ .‬وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا‬
‫أن نقبل مرسله ‪.‬‬
‫ولا نسطتيع أن نزعم أن الحجة ٺثبت به ثبوتها بالمتصل ‪ ،‬وذلك أن معنى المنقطع يحتمل أن يكون حمل عم ّن يرغب عن الرواية عنها إذا‬
‫سمي ‪ ،‬وأن بعض المنقطعات ـ وإن وافقه مرسل مثله ـ فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدا ً من حيث لم سمي لم يقبل ‪ ،‬وإن قول‬
‫بعض أصحاب صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم إذا قال برأيه لو وافقه يدل على صحته مخرج الحديث ‪ ،‬دلالة إذا نظر فيها ويمكن أن يكون‬
‫إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب النبي يوافقه ‪ ،‬و يحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء ‪.‬‬
‫فأما من بعد كبار التابعين الذين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم فلا أعلم منهم واحدا ً‬
‫يقبل مرسله لأمور ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أنهم أشد تجوزا ً فيمن يروون عنه ‪.‬‬
‫والآخر ‪ :‬كثرة الإحالة ‪ ،‬كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه)‪. (٥‬‬
‫قال ‪ :‬ومن نظر في العلم بخـبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين ‪ ،‬بدلائل ظاهرة فيها)‪ . (٦‬انتهى كلامه‬
‫رحمه الل ّٰه ‪.‬‬
‫ومن الأخبار ماي يطرح ولا يتقوى ؛ كرواية الـكذابين والمتروكين وأهل الفسق ‪ ،‬فلا يعتبر بروايتهم ولا تقوى بها الأخبار ‪.‬‬
‫قال المعلمي ‪ :‬زوال التهمة عن الراوي كان سند المتابعة مقبولا ً‪ ،‬أما إذا كان ساقطا ًفلا يدفع التهمة بل يقال ‪ :‬بعضهم وضع وبعضهم‬
‫سرق أو وهم أو لقن أو أدخل عليه ‪ ،‬على أنه إن كان مقبولا ًوالمروي منكرا ً فإن الراوي يبرأ وتلصق التهمة بمن فوقه)‪. (٧‬‬
‫وإن كان من المتابع واهما ًفي حديثه قلا يقوى به الحديث ‪ ،‬وإنما ينهض الحديث إذا كان ضعفه محتملا ًويرجى فيه السلامة من الوهم‬
‫‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٦٩‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫كز يادة )) وبركاته (( ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا الفضل بن الحباب ‪ ،‬حدثنا محمد بن كثير ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الأحوص‬
‫‪ ،‬عن عبد الل ّٰه بن مسعود ‪ ،‬أن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده ‪ )) :‬السلام‬
‫عليكم ورحمة الل ّٰه ‪ ،‬السلام عليكم ورحمة الل ّٰه وبركاته (( ‪.‬‬
‫وتابعه همام عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن الأسود ‪ ،‬عن عبد الل ّٰه بن مسعود)‪. (٨‬‬
‫ولا طر يق آخر عن عبد الملك بن الوليد بن معدان ‪ ،‬عن عاصم بن بهدالة ‪ ،‬عن زر بن حبيش وأبي وائل ‪ ،‬عن عبد الل ّٰه بن مسعود ‪،‬‬
‫قال كأني أنظر إلى بياض خد رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم يسلم عن يمينه))السلام عليكم ورحمة الل ّٰه وبركاته ‪ ،‬وعن يساره‬
‫السلام عليكم ورحمة الل ّٰه)‪(٩‬‬
‫ولها طر يق آخر خرجه الدار قطني)‪ ، (١٠‬من طر يق عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر عن أبيه حدثني ابن أبي ليلى وأبو مهمر قال ‪ :‬علمني‬
‫ابن مسعود التشهد وقال ‪ :‬علمنيه رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم كما يعلمنا السورة من القرآن ‪ ...‬وذكر وزاد في آخره ‪)) :‬‬
‫السلام عليكم ورحمة الل ّٰه وبركاته (( ‪ .‬وقال الدار قطني ‪ :‬ابن مجاهد ضعيف الحديث ‪.‬‬
‫ولها شاهد من حديث وائل بن حجر ‪ ،‬أخرجه أبو داود من طر يق موسى بن قيس الحضرمي ‪ ،‬عن سلمة بن كهيل ‪ ،‬عن علقمة بن‬
‫وائل ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬صليت مع النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪ ،‬فكان يسلم عن يمينه ‪ )) :‬السلام عليكم ورحمة الل ّٰه وبركاته (( ‪،‬‬
‫وعن شماله ‪)) :‬السلام عليكم ورحمة الل ّٰه (()‪. (١١‬‬
‫ولـكن لا يفرح بكثرة هذه الطرق ؛ لأنها لا يقوي بعضها بعضا ً‪.‬‬
‫فأما رواية عطاء بن السائب ‪ ،‬فإنه اختلط اختلاطا ًشديدا ً ‪ ،‬وقال أبو حاتم الرازي ‪ :‬وفي حديث البصر يين الذين يحدثون عنه تخاليط‬
‫كثيرة ؛ لأنه قدم عيلهم في آخر عمره)‪ . (١٢‬وهمام بم يحيى البصري رواه عنه بعد الاختلاط ‪ ،‬وخالف الناس في هذا الحديث‬
‫فوقفه وهو مرفوع ‪ ،‬وزاد ز يادة لم يذكرها الأثبات عن عبد الل ّٰه بن مسعود ‪ ،‬كما سيأتي ‪.‬‬
‫وأما عبد الملك بن الوليد بن معدان)‪ (١٣‬فهو ضعيف ‪ ،‬وله حديث آخر تفرد به عن عاصم بن بهدلة ووهم فيه ‪ ،‬كما وهم في هذا‬
‫الحديث ‪ ،‬فقد تفرد به عن عاصم بهذه الز يادة ولم يتابعه عليه أحد ‪ ،‬وخولف فقد روي هذا الحديث من طرق ولم تذكر هذه الز يادة‬
‫كما سيأتي ‪.‬‬
‫وأما رواية الفضل بن الحباب ‪ ،‬وهو ثقة أخباري وله أوهام كما في لسان الميزان لابن حجر)‪ ، (١٤‬وخالفه أبو داود ‪ ،‬وهو أثبت منه‬
‫وأحفظ ‪ ،‬فرواه عن محمد بن كثير بن ولم يذكر هذه الز يادة ورواه ابن مهدي ووكيع عن سفيان الثوري ولم يذكروها ‪.‬‬
‫ورواه زائدة بن قدامة وأبو الأحوص وعمرو بن عبيد الطنافسي وشر يك وإسرائيل والحسين بن واقد وعلي بن صالح وزهير عن أبي‬
‫إسحاق السبيعي ‪ ،‬ولم يذكروها ‪.‬‬
‫وروى هذا الحديث مسروق بن الأجدع وأبو الأحوص وعلقمة والأسود ابن يزيد النخعي عن عبد الل ّٰه بن مسعود ولم يذكروها)‪. (١٥‬‬
‫وأما رواية عبد الوهاب بن مجاهد)‪ ، (١٦‬فقد كذبه سفيان الثوري ‪ ،‬وقال ابن الجوزي ‪ :‬أجمعوا على ترك حديثه ‪.‬‬
‫وحديث عبيد الل ّٰه بن مسعود في التشهد مشهور وروي من طرق عدة ولم تذكر هذه الز يادة فيه)‪ (١٧‬فهي ز يادة شاذة ‪.‬‬
‫وأما حديث وائل بن حجر ‪ ،‬فقد وهم فيه موسى بن قيس الحضرمي وخالفه شعبة ـ وشك فيه ـ وسفيان الثوري وعلي بن صالح والعلاء‬
‫بن صالح الأسدي فرووه عن سلمة بن حجر بن العنبس عن وائل ‪ ،‬ولم يذكروها ‪ ،‬وكذا الرواة عن وائل بن حجر لم يذكروا هذه الز يادة ‪،‬‬
‫ومنهم عبد الرحمن بن اليحصبي وعلقمة بن وائل)‪. (١٨‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬أحوال الرجال )‪(٢. (٣٣‬‬
‫)‪ (٢‬جامع العلوم والحكم )‪(٣. (٢/٢١٠‬‬
‫)‪ (٣‬العلل الصغير )‪(٤. (٧٤٢‬‬
‫)‪ (٤‬اعللل الصغير )‪(١. (٧٤٦‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٧٠‬‬
‫‪ ٧‬الباب الثالث في علم علل الحديث‬

‫)‪ (٥‬الرسالة برقم ‪(١. (١٢٧٧ ، ١٢٦٣) :‬‬


‫)‪ (٦‬الرسالة برقم ‪(٢. (١٢٨٤) :‬‬
‫)‪ (٧‬التنكيل )‪(٣. (١/١٧٥‬‬
‫)‪ (٨‬مسند الطيالسي )‪(٤. (٢٨٦‬‬
‫)‪ (٩‬أخرجه الطبراني )‪ (٦/١٢٧‬وأبو يعلى )‪(٥. (٨/٤٦٤‬‬
‫)‪ (١٠‬سنن الدار قطني )‪(١. (١/٣٥٤‬‬
‫)‪ (١١‬سنن أبي داود )‪(٢. (٩٩٧‬‬
‫)‪ (١٢‬الجرح والتعديل )‪(٣. (٦/٣٣٤‬‬
‫)‪ (١٣‬تهذيب الـكمال )‪ ١٨/٤٣١‬ـ ‪(٤. (٤٣٣‬‬
‫)‪ (١٤‬لسان الميزان )‪(٥. (١٩ ، ١٨ /٦‬‬
‫)‪ (١٥‬أخرجه الإمام أحمد )‪ (٤٤٨ ، ٤٢٧ ، ٤١٨ ، ٤٠٨ ، ٤٠٦ ، ١/٣٨٦‬وأبو داود )‪ ، (٩٩٦‬والترمذي )‪ ، (٢٩٥‬والنسائي‬
‫)‪ ، (٦٣ ، ٣/٦٢‬وابن ماجه )‪ ، (٩١٤‬وأبو بكر بن أبي شيبة في المصنف )‪ ، (٢٦٦ ، ١/٢٦٥‬والدار قطني في السنن )‪، ١/٣٥٦‬‬
‫‪ ، (٣٥٧‬والبيهقي )‪. (٢٥٢ ، ٢/٢٥١‬‬
‫‪(١‬‬
‫)‪ (١٦‬تهذيب التهذيب )‪(٢. (٦/٣٩٥‬‬
‫)‪ (١٧‬أخرجه البخاري )‪ ، (٨٣١‬ومسلم )‪ (٤٠٢‬وغيرهما ‪(٣.‬‬
‫)‪ (١٨‬أخرجه الإمام أحمد )‪ ، (٣١٧ ، ٤/٣١٦‬وأبو بكر بن أبي شيبة في المصنف )‪ ، (٢٦٦ ، ١/٢٦٥‬والترمذي )‪(٢٤٩ ، ٢٤٨‬‬
‫‪ ،‬والبيهقي )‪(٤. (٢/٢٥٤‬‬

‫فصل على حسب القائل وموضوع الخـبر بتشدد في رواية الخـبر وكتابته ويتساهل‬ ‫‪٧.٧‬‬
‫فصل على حسب القائل وموضوع الخـبر بتشدد في رواية الخـبر وكتابته ويتساهل ‪.‬‬
‫قال النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪ )) :‬إن كذبا ً عليّ ليس ككذب على أحد ؛ من كذب عليّ متعمدا ً فليتبوأ مقعده من النار‬
‫(()‪. (١‬‬
‫فمع أن الـكذب حرام مطلقا ً‪ ،‬إلا أن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم فر ّق بين المذب عليه والـكذب على غيره ‪ ،‬فجعل الـكذب عليه‬
‫أشد تحريما ً‪ ،‬وذلك صيانة للشر يعة ‪.‬‬
‫تساهل أهل الحديث في كتابة الأحاديث عن الضعفاء والرواية عنهم ‪ ،‬لا سيما في الفضائل والترغيب والترهيب ونحو ذلك ‪.‬‬
‫أما عن شديدي الضعف والـكذابين فكانوا يتشددون في ذلك ‪ ،‬وإنما يكتبون حديثهم للمعرفة ‪ ،‬وتساهل في ذلك طائفة من المتأخرين ‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن مهدي ‪ :‬خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن ‪ :‬الحكم ‪ ،‬والحديث ‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬يعني لا يستعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمرضي)‪. (٢‬‬
‫وقال سفيان الثوري رحمه الل ّٰه ‪ :‬لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم يعرفون الز يادة والنقصان ‪،‬‬
‫فلا بأس بما سوى ذلك من المشايخ)‪. (٣‬‬
‫وقال الإمام أحمد رضي الل ّٰه عنه ‪ :‬إذا روينا عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام في‬
‫الأسانيد ‪ ،‬وإذا روينا عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما ًولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد)‪. (٤‬‬
‫وقال أيضا ً‪ :‬أحاديث الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها ‪ ،‬حتى يجئ شئ فيه حكم)‪. (٥‬‬
‫وقال أبو حاتم ‪ :‬أن عبدة بن سليمان ‪ :‬قيل لابن المبارك وقد روي عن رجل حديثا ً‪ :‬هذا رجل ضعيف ‪ ،‬فقال ‪ :‬يحتمل أن يروى‬
‫عنه هذا القدر أو مثل هذه الأشياء ‪ .‬قلت لعبدة ‪ :‬مثل أي شئ كان ؟ قال ‪ :‬في أدب ‪ ،‬في موعظة ‪ ،‬في زهذ ‪ ،‬أو نحو هذا)‪. (٦‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٧١‬‬
‫‪ ٨‬خاتمة‬

‫وقال البيهقي ‪ :‬من لا يكون متهما ًبالوضع ‪ ،‬غير أنه عرف بسوء الحفظ وكثرة الغلط في رواياته ‪ ،‬أو يكون مجهولا ًلم يثبت من عدالته‬
‫وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول ‪.‬‬
‫فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملا ًفي الأحكام ‪ ،‬كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولة عند الحكام ‪ .‬وقد تستعمل‬
‫في الدعوات والترغيب والترهيب والتفسير والمغازي فيما لا يتعلق به حكم)‪. (٧‬‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم ؛ لأن ما فسروا به ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب ‪ ،‬وإنما عملهم في ذلك الجمع‬
‫والتقريب فقط)‪. (٨‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬أخرجه البخاري برقم )‪(٥. (١٢٩١‬‬
‫)‪ (٢‬الجرح والتعديل )‪(١. (٢/٣٥‬‬
‫)‪ (٣‬الـكفاية )‪(٢. (١٣٤‬‬
‫)‪ (٤‬الـكفاية )‪(٣. (١٣٤‬‬
‫)‪ (٥‬المصدر السابق ‪(٤.‬‬
‫)‪ (٦‬الجرح والتعديل لابن أبي حاتم )‪(٥. (٣١ ، ٢/٣٠‬‬
‫)‪ (٧‬دلائل النبوة )‪(٦. (١/٣٤‬‬
‫)‪ (٨‬دلائل النبوة )‪(٧. (٣/٣٧‬‬

‫خاتمة‬ ‫‪٨‬‬
‫خاتمة‬
‫لقد علمت مما سبق أن النقد ليس سطحيا ًعلى ظاهر السند ‪ ،‬بل يفتقر إلى الممارسة والتتبع مع الفهم ‪ ،‬فليس من شرط الـكذاب إلا‬
‫يصدق ‪ ،‬ولا من شرط الثقة إلا يهم ولا يرد حديثه ‪ ،‬ولا من ديدن الضعيف إلا يحفظ وألا يصحح حديثه ‪ ،‬فينبغي إلا يعترض على‬
‫أطباء الحديث في علله بأشياء بديهية عند المبتدئين في هذا الفن ‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن مهدي ‪ :‬معرفة الحديث إلهام ‪ ،‬فلو قلت للعالم بعلل الحديث ‪ :‬من أين قلت هذا ؟ لم يكن له حجة)‪. (١‬‬
‫وقال أبو حاتم الرازي ‪ :‬معرفة الحديث كمثل فص ثمنه مائة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم)‪. (٢‬‬
‫وقال أحمد بن صالح المصري ‪ :‬معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب والشبه فإن الجوهر إنما يعرفه أهله ‪ ، ،‬وليس للبصير فيه حجة إذا قيل‬
‫له ‪ :‬كيف قلت ‪ :‬إن هذا ـ يعني الجيد أو الردي ـ)‪. (٣‬‬
‫وقال الأوزاعي ‪ :‬كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما نعرض الدرهم الزائف على الصيارفة ‪ ،‬فما عرفوا منه أخذنا ‪ ،‬وما انكروا‬
‫منه تركنا)‪. (٤‬‬
‫وقال علي بن المديني ‪ :‬جاء رجل إلى ابن مهدي ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا سعيد إنك تقول ‪ :‬هذا ضعيف ‪ ،‬وهذا قوي ‪ ،‬وهذا لا يحتج به ‪ ،‬فع ّم‬
‫م ذلك أو كنت‬
‫تقول ذلك ؟ فقال عبد الرحمن ‪ :‬لو أتيت الناقد فأريته دراهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذا جيد ‪ ،‬وهذا نبهرج ‪ ،‬أكنت تسأله ع ّ‬
‫تسلم الأمر إليه ؟ فقال ‪ :‬بل كنت أسلم الأمر إليه ‪ .‬فقال عبد الرحمن ‪ :‬هذا كذلك ‪ ،‬هذا بطول المجالسة والمناظرة والمذاكرة والعلم‬
‫به ‪ ،‬قال علي ‪ :‬فذكرته لبعض أصحابنا فقال ‪ :‬أجاب جواب عالم)‪. (٥‬‬
‫وربما أهل الحديث أعلم بحديث الراوي من علمه هو بحديثه ‪.‬‬
‫قال زائدة ‪ :‬كنا نأتي الأعمش فيحدثنا فيكثر ‪ ،‬ونأتي سفيان الثوري فنذكر تلك الأحاديث له فيقول ‪ :‬ليس هذا من حديث الأعمش‬
‫‪ ،‬فنقول ‪ :‬هو حدثنا به الساعة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬اذهبوا فقولوا له إن شئت ‪ ،‬فنأتي فنخبره بذلك ‪ ،‬فيقول ‪ :‬صدق سفيان ليس هذا من‬
‫حديثنا)‪. (٦‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن مهدي ‪ :‬ذاكرني أبو عوانة بحديث ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ليس هذا من حديثك ‪ ،‬فقال ‪ :‬لا تفعل يا أبا سعيد ‪ ،‬هو عندي‬
‫مكتوب ‪ .‬قلت ‪ :‬فهاته ‪ .‬قال ‪ :‬يا سلامة هات الدرج ‪ ،‬ففتش فلم يجد شيئا ً ‪ ،‬فقال ‪ :‬من أين أتيت يا أبا سعيد ؟ فقلت ‪ :‬هذا‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٧٢‬‬
‫‪ ٨‬خاتمة‬

‫ذوركرت به وأنت شاب فعلق بقلبك فظننت أنك قد سمعت)‪. (٧‬‬


‫وقال عباس بن محمد الدوري ‪ :‬سمعت يحيى بن معين يقول ‪ :‬حضرنا نعيم ابن حماد بمصر فجعل يقرأ كتابنا من تصنيفه قال ‪ :‬فقرأ ساعة‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا ابن المبارك عن ابن عون بأحاديث قال يحيى ‪ :‬قلت له ‪ :‬ليس هذا عن ابن المبارك ‪ ،‬فغضب وقال ‪ :‬ترد علي ؟ قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬أي والل ّٰه أرد عليك أريد زينك ‪ .‬فأبى أن يرجع ‪ ،‬فلما رأيته هكذا لا يرجع ‪ ،‬قلت ‪ :‬لا والل ّٰه ما سمعت أنت هاذ من ابن المبارك‬
‫قط ‪ ،‬ولا سمعها ابن ابن المبارك من ابن عون قط ‪ .‬فغضب ‪ ،‬وغضب من كان عنده من أصحاب الحديث ‪ ،‬وقام فدخل البيت‬
‫فأخرج صحائف فجعل يقول وهي بيده ‪ :‬أين الذين يزعمون أن يحيى بن معين ليس أمير المؤمنين في الحديث ؟! نعم يا أبا زكر يا غلطت ‪،‬‬
‫وكانت صحائف فغلطت فجعلت أكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون وإنما روى هذه عن ابن عون غير ابن المبارك)‪. (٨‬‬
‫وعندما قال الشاقعي ‪ :‬ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه إلا في الخاص القليل من الحديث ‪.‬‬
‫علق البيهقي عليه بقوله ‪ :‬وهذا الذي استثناه الشافعي لا يقف عليه إلا الحذاق من أهل الحفظ ‪ ،‬فقد يزل الصدوق فيما يكتبه ‪ ،‬فيدخل‬
‫له حديث في حديث ‪ ،‬فيصير حديث روي بإسناد ضعيف مركبا ًعلى إسناد صحيح ‪.‬‬
‫وقد يزل القلم ‪ ،‬و يخطئ السمع و يخون الحفظ فيروي الشاذ من الحديث من غير قصد ‪ ،‬فيعرفه أهل الصنعة الذين قيضهم الل ّٰه تعالى‬
‫لحفظ سنن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ‪ ،‬على عباده بكثرة سماعه وطول مجالسته أهل العلم به ومذاكرته إياهم)‪. (٩‬‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬ما اختلف أهل العلم بالحديث في ثبوته ؛ فمنهم من يضعفه بجرح ظهر له من بعض رواته خفي ذلك عن غيره ‪ ،‬أو لم‬
‫يقف من حاله على ما يوجب قبول خبره ‪ ،‬وقد وقف عليه غيره ‪ ،‬أو المعنى الذي يجرحه به لا يراه غيره جرحا ً‪ ،‬أو وقف على انقطاعه‬
‫‪ ،‬أو انقطاع بعض ألفاظه ‪ ،‬أو إدراج بعض رواته قول رواته في متنه ‪ ،‬أو دخول إسناد حديث في حديث خفي ذلك على غيره ‪.‬‬
‫فهذا الذي يجب على أهل العلم بحديث بعدهم أن ينظروا في اختلافهم ‪ ،‬و يجتهدوا في معرفة معانيهم في القبول والرد ثم يختاروا من‬
‫أقاو يلهم أصحها ‪ .‬وبالل ّٰه التوفيق)‪. (١٠‬‬
‫قال العلائي ‪ :‬وبهذه النكتة يتبين أن التعليل أمر خفي لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون الفقهاء الذين لا اطلاع لهم على طرقه‬
‫وخفاياها)‪. (١١‬‬
‫وقال الحافظ بن حجر ‪ :‬وبهذا التقرير يتبين عظم كلام الأئمة المتقدمين وشدة فحصهم وقوة بحثهم وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم‬
‫في ذلك والتسليم لهم فيه)‪. (١٢‬‬
‫وقال ‪ :‬وقد تقصر عبارة العلل منهم ‪ ،‬فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى ‪ ،‬كما في نقد الصيرفي‬
‫سواء ‪ ،‬فمتى وجدنا حديثا ًقد حكم إمام من الأئمة المرجوح إليهم بتعليله فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه ‪.‬‬
‫وهذا الشافعي مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول ‪ :‬وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ‪.‬‬
‫وهذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل ‪ ،‬وحيث يصرح بإثبات العلة فإما إن وجد غيره صححه فينبغي حينئذ توجه النظر إلى‬
‫الترجيح بين كلاميهما ‪.‬‬
‫وكذلك إذا أشار المعلل إلى العلة إشارة ولم يتبين منه ترجيح لأحد الروايتين فإن ذلك يحتاج إلى الترجيح ‪ .‬والل ّٰه أعلم)‪. (١٣‬‬
‫قلت ‪ :‬وإذا نص على العلة وتبېن أنها ليست بعلة يجتهد فيه أيضا ً‪.‬‬
‫وقال المعلمي ‪ :‬أئمة الحديث قد يتبين لهم في حديث من رواية الثقة الثبت المتفق عليه أنه ضعيف ‪ ،‬وفي حديث من رواية من هو ضعيف‬
‫عندهم أنه صحيح ‪ ،‬والواجب على من دونهم التسليم لهم ‪ ،‬وأولى من ذلك إذا كان الراوي وسطا ً كالنهشلي وابن أبي الزناد)‪. (١٤‬‬
‫والل ّٰه تعالى أعلم ‪.‬‬
‫تم ّ والحمد لل ّٰه الذي بنعمته تتم الصالحات ‪ ،‬وصلى الل ّٰه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (١‬علل الحديث لابن أبي حاتم )‪ ، (١/٩‬ومعرفة علوم الحديث )‪(١. (١٣‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٧٣‬‬
‫فهرس المراجع‬ ‫‪٩‬‬

‫)‪ (٢‬علل الحديث لابن أبي حاتم )‪(٢. (١/٩‬‬


‫)‪ (٣‬علل الحديث لابن أبي حاتم )‪(٣. (١/٩‬‬
‫)‪ (٤‬شرح علل الترمذي )‪(٤. (١٣٠‬‬
‫)‪ (٥‬تهذيب الـكمال )‪ ، (١٧/٤٣٩‬ونحوه في الكامل لابن عدي )‪(٥. (١/١٠٩‬‬
‫)‪ (٦‬الجرح والتعديل )‪(٦. (٢/٧١‬‬
‫)‪ (٧‬كتاب المجروحين )‪(١. (١/٥٤‬‬
‫)‪ (٨‬الـكفاية في علم الرواية )‪(٢. (١٤٦‬‬
‫)‪ (٩‬دلائل النبوة للبيهقي )‪(٣. (١/٣٠‬‬
‫)‪ (١٠‬دلائل النبوة )‪(١. (١/٣٨‬‬
‫)‪ (١١‬النكت على كتاب ابن الصلاح )‪(٢. (٢٩٧‬‬
‫)‪ (١٢‬النكت على كتاب ابن الصلاح )‪(٣. (٣٠٤‬‬
‫)‪ (١٣‬النكت على كتاب ابن الصلاح )‪(٤. (٢٩٦ ، ٢٩٥‬‬
‫)‪ (١٤‬التنكيل )‪(٥. (٢/٣٢‬‬

‫فهرس المراجع‬ ‫‪٩‬‬


‫فهرس المراجع‬
‫‪ -١‬أحوال الرجال للجوزجاني ‪ :‬تحقيق ‪ :‬السيد صبحي السامرائي ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬الطبعة الأولى‬
‫‪ -٢‬أضواء البيان ‪ :‬لمحمد الأمين الشنقيطي ‪ ،‬عالم الـكتب ببېروت ‪.‬‬
‫‪ -٣‬بيان الوهم والإيهام ‪ :‬لابن القطان الفاسي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‪ /‬الحسين آيت سعيد ‪ /‬دار طيبة ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤١٨‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٤‬تاريخ ابن معين رواية الدوري ‪ :‬تحقيق د‪ /‬أحمد محمد نور سيف ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٣٩٩‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٥‬التاريخ الـكبير للبخاري ‪ :‬تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي ‪.‬‬
‫‪ -٦‬تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ ،‬مكتبة الخانجي ‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬
‫‪ -٧‬تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‪ ،‬أحمد محمد نور سيف ‪ ،‬دار المأمون للتراث ‪.‬‬
‫‪ -٨‬تقدمة الجرح والتعديل ‪ ،‬انظر ‪ :‬كتاب الجرح والتعديل ‪.‬‬
‫‪ -٩‬التقييد والإيضاح للحافظ العراقي ‪ ،‬مؤسسة الـكتب الثقافيه ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪١٤١٥‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -١٠‬التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬مصطفى العلوي ومحمد البكري ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪١٤٠٢‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -١١‬تنقيح التحقيق لمحمد عبد الهاديث ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‪ /‬عامر حسن صبري ‪ ،‬المكتبة الحديثة ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤٠٩‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -١٢‬التنكيل بما في تأنيب الـكوثري من الأباطيل ‪ ،‬للعلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي ‪ ،‬مكتبة المعارف ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪١٤٠٦‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -١٣‬تهذيب التهذيب لابن حجر ‪ ،‬حققه مصطفى عبدالقادر عطا ‪ ،‬دار الـكتب العلمية ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤١٥‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -١٤‬تهذيب الـكمال للحافظ المزي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬بشار عواد معروف ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫‪ -١٥‬جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر ‪ ،‬إدارة الطباعة المنبر ية ‪١٣٩٨ ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -١٦‬الجامع في أخلاق الراوي وآداب السامع ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‪ /‬محمود الطحان ‪ ،‬مكتبة المعارف ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤٠٣‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -١٧‬الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ‪ ،‬تحقيق عبدالرحمن المعلمي ‪.‬‬
‫‪ -١٨‬جماع العلم للإمام الشافعي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أحمد شاكر ‪ ،‬مكتبة ابن تيمية ‪.‬‬
‫‪ -١٩‬دلائل النبوة للبيهقي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‪ /‬عبدالمعطي قلعجي ‪ ،‬دار الـكتب العلمية ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪.‬‬
‫‪ -٢٠‬ديوان الضعفاء والمتروكين وخلق من المجهولين وثقات فيهم لين للحافظ الذهبي ‪ ،‬تحقق ‪ :‬حماد الأنصاري ‪ ،‬مكتبة النهضة الحديثة‬
‫‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٧٤‬‬
‫فهرس المراجع‬ ‫‪٩‬‬

‫‪ -٢١‬ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبدالفتاح أبو غدة ‪ ،‬مكتب المطبوعات الإسلامية ‪ ،‬الطبعة الخامسة‬
‫‪١٤٠٤‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٢٢‬الرسالة للإمام الشافعي ‪ ،‬تحقيق أحمد شاكر ‪ ،‬دار الـكتب العلمية ‪.‬‬
‫‪ -٢٣‬سؤالات أبي عبيدة الآجري أبا داود السجستاني ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبدالعليم البستوي ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪.‬‬
‫‪ -٢٤‬سؤالات ابن الجنيد لأبي زكر يا يحيى بن معين ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‪ /‬أحمد محمد نور سيف ‪ ،‬مكتبة الدار بالمدينة المنورة ‪ ،‬الطبعة الأولى‬
‫‪١٤٠٨‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٢٥‬سؤالات الحاكم النيسابوري للدار قطني ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬موفق بن عبدالله بن عبدالقادر ‪ ،‬مكتبة المعارف ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤٠٤‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٢٦‬سؤالات السهمي للدار قطني ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬موفق بن عبد الل ّٰه بن عبدالقادر ‪ ،‬مكتبة المعارف الر ياض ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤٠٤‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٢٧‬سنن أبي داود ‪ ،‬مراجعة وضبط وتعليق ‪ :‬محمد محي الدين عبد الحميد ‪.‬‬
‫‪ -٢٨‬سنن ابن ماجه ‪ ،‬تحقيق وترقيم ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي ‪.‬‬
‫‪ -٢٩‬سنن الترمذي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أحمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وإبراهيم عطة ‪ ،‬دار الحديث ‪.‬‬
‫‪ -٣٠‬سنن الدار قطني ‪ ،‬تحقيقي ‪ :‬السيد عبد الل ّٰه هاشم يماني ‪١٣٨٦ ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٣١‬السنن الصغرى للنسائي ) المجتبى ( بشرح الحافظ السيوطي وحاشية السندي ‪ ،‬دار القلم ‪.‬‬
‫‪ -٣٢‬السنن الـكبرى للبيهقي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد عبد القادر عطا ‪ ،‬دار الـكتب العلمية ‪ ،‬الطعة الأولى ‪.‬‬
‫‪ -٣٣‬السنن الـكبرى للبيهقي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبد الغفار البتداري وسيد كسروي ‪ ،‬دار الـكتب العلمية ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤١١‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٣٤‬سير أعلام النبلاء للذهبي ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬الطبعة السابعة ‪١٤١٠‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٣٥‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‪ /‬أحمد بن سعد الغامدي ‪ ،‬دار طيبة ‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪١٤١٦‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٣٦‬شرح السنة للبغوي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬شعيب الأرنؤوط ومحمد الشاويش ‪ ،‬المكتب الإسلامي ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٣٩٠‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٣٧‬شرح علل الترمذي لابن رجب ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬صبحي السامرائي ‪ ،‬عالم الـكتب ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.‬‬
‫‪ -٣٨‬شروط الأئمة الستة لأبي الفضل بن طاهر المقدسي ‪ ،‬اعتنى به ‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة ‪ ،‬مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب ‪،‬‬
‫الطبعة الأولى ‪١٤١٧‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٣٩‬صحيح الإمام البخاري ‪ ،‬ترقيم ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي ‪.‬‬
‫‪ -٤٠‬صحيح الإمام مسلم ‪ ،‬بترقيم ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي ‪ ،‬دار الحديث بالقاهرة ‪ ،‬الطبعة الأولى‬
‫‪ -٤١‬علل الحديث لابن أبي حاتم ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬طبعة عام ‪١٤٠٥‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٤٢‬العلل الصغير للترمذي ‪ ،‬أنظر ‪ :‬سنن الترمذي ‪.‬‬
‫‪ -٤٣‬العلل لابن المديني ‪ ،‬تحقيق محمد مصطفى الأعظمي ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬المكتب الإسلامي ‪.‬‬
‫‪ -٤٤‬العلل للدار قطني ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محفوظ الرحمن زين الل ّٰه السلفي ‪.‬‬
‫‪ -٤٥‬علوم الحديث لابن الصلاح ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬نور الدين عتر ‪ ،‬دار الفكر بدمشق ‪.‬‬
‫‪ -٤٦‬فتح الباري لابن حجر ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محب الدين الخطيب ‪ ،‬دار الر يان للتراث ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪.‬‬
‫‪ -٤٧‬فتح المغيث للسخاوي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬علي حسن علي ‪ ،‬نشر دار الإمام الطبري ‪ ،‬الطعة الثانية ‪.‬‬
‫‪ -٤٨‬الفوائد المجموعة ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬المعلمي ‪ ،‬مطبعة السنة المحمدية ‪.‬‬
‫‪ -٤٩‬الكامل في ضعفاء الرجال لأحمد بن عدي الجرجاني ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬يحيى مختار غزاوي ‪ ،‬دار الفكر بدمشق ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪١٤٠٥‬هـ‬
‫‪.‬‬
‫‪ -٥٠‬كتاب الثقات لابن حبان ‪ ،‬داشرة المعارف العثمانية بحيد آباد ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪.‬‬
‫‪ -٥١‬كتاب الضعفاء والمتروكين للدار قطني ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬السيد صبحي السامرائي ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤٠٤‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٥٢‬كتاب المجروحين لابن حبان ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمود فؤاد إبراهيم زايد ‪.‬‬
‫‪ -٥٣‬الـكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬الممعلمي ‪.‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٧٥‬‬
‫فهرس المراجع‬ ‫‪٩‬‬

‫‪ -٥٤‬لسان اميزان لابن حجر ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬غنيم بن عباس غنيم ‪ ،‬الفاروق الحديثة للطباعة والنشر ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤١٦‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٥٥‬المحدث الفاصل بين الرواي والواعي للرامرزي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‪ /‬محمج عجاج الخطيب ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪١٤٠٤‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٥٦‬المدخل إلى كتاب الإكليل للحاكم النيسابوري ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬فؤاد عبد المنعم أحمد ‪.‬‬
‫‪ -٥٧‬الرماسيل لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ‪ ،‬علق عليه ‪ :‬أحمد عصام الكاتب ‪ ،‬دار الـكتب العلمية ‪ ،‬الطبعة الأولى‬
‫‪١٤٠٣‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٥٨‬المستدرك على الصحيحين ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‪ /‬مصطفى عبد القادر عطا ‪ ،‬دار الـكتب العلمية ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤١١‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٥٩‬مسند أبي الجعد للقاسم البغوي ‪ ،‬مراجعة وتعليق ‪ :‬عامر أحمد حيدر مؤسسة نادر ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤١٠‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٦٠‬مسند الإمام أحمد بن حنبل ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬سمير الجذوب وآخرون ‪ ،‬المكتب الإسلامي ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤١٦‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٦١‬المصنف في الحديث والآثار ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد عبد السلام شاهين ‪ ، ،‬دار الـكتب العلمية ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤١٦‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٦٢‬معرفة علوم الحديث للحاكم ‪ ،‬دار إحياء العلوم ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪١٤٠٦‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٦٣‬المنار المنيف لابن القيم ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبد الفتاح غدة ‪ ،‬مكتب المطبوعات الإسلامية ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪١٤٠٣‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -٦٤‬الموضع لأوهام الجمع والتفر يق ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبد الرحمن بن يحيى المعلمي ‪.‬‬
‫‪ -٦٥‬الموقظة للذهبي بعناية ‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة ‪ ،‬دار البشائر الإسلامية ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.‬‬
‫‪ -٦٦‬ميزان الاعتدال للطافظ الذهبي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬علي محمد البجاوي ‪.‬‬
‫‪ -٦٧‬النكت على كتاب ابن الصلاح ‪ ،‬لابن حجر ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬مسعود السعدني ومحمد فارس ‪ ،‬دار الـكتب العلمية ‪ ،‬الطبعة الأولى‬
‫‪١٤١٤‬هـ ‪.‬‬
‫م ُلتقى أهل الحديث‬
‫‪www.baljurashi.com‬‬

‫‪Shamela.org‬‬ ‫‪٧٦‬‬

You might also like