Professional Documents
Culture Documents
الخبر الثابت = يوسف اللحياني
الخبر الثابت = يوسف اللحياني
الخبر الثابت = يوسف اللحياني
Shamela.org ١
المحتو يات
٥ الخـَب َر ُ َ
الث ّاب ِتُ ١
٥ تقديم فضيلة الشيخ عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد ٢
٢
المحتو يات
فصل على حسب القائل وموضوع الخـبر بتشدد في رواية الخـبر وكتابته ويتساهل ٧٠ . . . . . . . . . . . . ٧.٧
Shamela.org ٣
المحتو يات
عن الكتاب
الكتاب :الخـبر الثابت.
المؤلف :يوسف بن هاشم بن عابد اللحياني.
تقديم :عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد.
المصدر :الشاملة الذهبية
]ترقيم صفحات الكتاب غير موافق للمطبوع[
نبذه عن الكتاب:
Shamela.org ٤
المحتو يات
عن المؤلف
Shamela.org ٥
تقديم فضيلة الشيخ عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد ٢
الخـَب َر ُ َ
الث ّاب ِتُ ١
الخـَب َر ُ َ
الث ّاب ِتُ
قواعد ثبوته
مع أصول في علم الجرح والتعديل
وعلل الأحاديث
إعداد
يوسف بن هاشم بن عابد اللحياني
تقديم
فضيلة الشيخ عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد
م ُل ْتَقَى أهل الحديث
www.ahlalhdeeth.com
تقديم فضيلة الشيخ عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد ٢
Shamela.org ٦
المقدمة ٣
الأخ الشيخ /يوسف ،فجزاه الل ّٰه تعالى خيرا ً ووفقه لما يحبه ويرضاه .
وكتبه /عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد
٣٠/٤/١٤٢١هـ
+++++
كتاب الخـبر الثابت
مقدمة المؤلف
ما هو الخـبر الثابت ؟
الباب الأول :اتصال الإسناد وانقطاعه .
الباب الثاني :علم الجرح والتعديل .
الباب الثالث :علم علل الحديث .
خاتمة الكتاب .
المقدمة ٣
المقدمة
بسم الل ّٰه الرحمن الرحيم
الحمد لل ّٰه نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالل ّٰه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده الل ّٰه فلا مضل له ،ومن يضلل فلا
هادي له .وأشهد أن لا إله إلا الل ّٰه وحده لا شر يك له ،وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله .
أما بعد :
فالواجب أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدبا ً ،وأشد الخلق تواضعا ً ،وأعظمهم نزاهة وتدينا ً ،وأقلهم طيشا ًوغضبا ً ،لدوام قرع
أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاق رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم وآدابه ،وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه ،
وطرائق المحدثين ،ومآثر الماضيين ،فيأخذوا بأجملها وأحسنها ،و يصدفوا عن أرذلها وأدونها). (١
قال أبو عاصم :من طلب الحديث فقد طلب أعلى الأمور فيجب أن يكون خير الناس). (٢
فإن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة ،وأنفع العلوم النافعة ،يحبه ذكور الرجال وفحولهم ،و يعنى به محققو العلماء وكملتهم ،ولا
يكرهه من الناس إلا رذالتهم وسفلتهم). (٣
وقال الخطيب البغدادي :ولما كان ثابت السنن والآثار ،وصحاح الأحاديث المنقولة والأخبار ،ملجأ المسلمين في الأحوال ،ومركز
المؤمنين في الأعمال ؛ إذ لا قوام للإسلام باستعمالها ،ولا ثبات للإيمان إلا بانتحالها ،وجب الاجتهاد في علم أصولها ،ولزم الحث على
ما عاد بعمارة سبيلها). (٤
وقال الإمام الحافظ ابن رجب ـ رحمه الل ّٰه تعالى ـ :فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها ،
والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام
والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك ،والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولا ً ،ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيا ً
،وفي ذلك كفاية لمن عقل ،وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل). (٥
وقال :و يحتاج من أراد جمع كلامهم إلى معرفة صحيحه من سقيمه ،وذلك بمعرفة الجرح والتعديل والعلل ،فمن لم يعرف ذلك فهو
غير واثق بما ينقله و يلتبس حقه بباطل ولا يثق بما عنده من ذلك)(٦
قلت :وهذه رسالة جمعتها ـ بعون الل ّٰه وتوفيقه ـ في علم الجرح والتعديل والعلل .
وحاولت فيها إيضاح منهج النقاد من أهل الحديث المتقدمين في تصحيح الأحاديث وتعليلها ونقد الرجال وبيان القوي منهم والضعيف
.
واجتهدت في جمع كلامهم ،حتى يتضح هذا العلم بكلام مؤسسيه ،مكتفيا ً به عن شرحه لوضوحه ،ولم أتعرض لتزييف الأقوال
المخالفة لهم ،إلا بعض الإشارات اليسيرة .
Shamela.org ٧
الخـبر الثابت ٤
ي الفاضلين المحدثين ؛ الشيخ /عبد الل ّٰه بن عبد الرحمن السعد ،والشيخ /الشر يف أبي محمد حاتم بن عارف
وأتقدم بالشكر الجز يل لشيخ ّ
العبدلي ،وقد استفدت منهما كثيرا ً في تصنيف وجمع هذه الرسالة .
وليس لي فيها إلا ز يادات يسيرة على ما قالا ،واجتهادا ً في جمع كلام الأئمة المتقدمين ـ رحمهم الل ّٰه ـ في علم الحديث ،وقد سميتها :
الخـبر الثابت .
__________
) (١الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (١ (١).
) (٢المصدر السابق (٢ (٢).
) (٣مقدمة ابن الصلاح )(٣ (٣)(٣
) (٤الـكفاية في علم الرواية )(٤ (٤). (٣
) (٥بيان فضل علم السلف على علم الخلف ) ، (١٥٠تحقيق محمد بن ناصر العجمي (٥ (٥).
) (٦المصدر السابق )(٦ (٦)(١٤٨
قال الإمام الشافعي :ولا تقوم الحجة بخـبر الخاصة) (1حتى يجمع أمورا ً : ٤.١
قال الإمام الشافعي :ولا تقوم الحجة بخـبر الخاصة) (١حتى يجمع أمورا ً :
منها :أن يكون من حدث به ثقة في دينه ،معروفا ًبالصدق في حديثه ،عاقلا ًلما يحدث به ،عالما ًبما يحيل معاني الحديث من اللفظ
،وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع ،لا يحدث به على المعنى ؛ لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه
لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام .
وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه فيه إحالته الحديث ،حافظا ًإن حدث به من حفظه ،حافظا ًلكتابه إن حدث من كتابه ،إذا شرك أهل
الحفظ في الحديث وافق حديثهم ،بر يا ً أن يكون مدلسا ً :يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه ،يحدث عن النبي ما يحدث الثقات
خلافه عن النبي .
و يكون من فوقه ممن حدثه ،حتى ينتهي بالحديث موصولا ً إلى النبي أو إلى من انتهى به إلى دونه ؛ لأن كل واحد منهم مثبت لمن
حدثه ،ومثبت على من حدث عنه ،فلا يستغني في كل واحد منهم عما وصفت) . (٢ثم كلامه .
__________
Shamela.org ٨
٥الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه
) (١يعني الشافعي بـ )) خبر الخاصة (( كل ما روي بإسناد ،ولو رواه جمع كثير عن جمع كثير ،وأما خبر العامة عنده ،فهو ما
تناقله المسلمون قرنا ًبعد قرن مما هو معلوم من الدين بالضرورة (١ (١).
) (٢الرسالة )٣٧٠ـ(١ (١). (٣٧٢
قال الحميدي :فإن قال قائل :فما الحديث الذي يثبت عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم و يلزمنا الحجة ٤.٢
به ؟
قال الحميدي :فإن قال قائل :فما الحديث الذي يثبت عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم و يلزمنا الحجة به ؟
قلت :هو أن يكون الحديث ثابتا ًعن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،متصلا ًغير مقطوع معروف الرجال .
أو يكون حديثا ًمتصلا ًحدثنيه ثقة معروف عن رجل جهلته وعرفه الذي حدثني عنه فيكون ثابتا ًيعرفه من حدثنيه عنه حتى يصل
إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وإن لم يقل كل واحد ممن حدثه :سمعت أو حدثنا ،حتى ينتهي ذلك إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،
ولازم صحيح يلزمنا قبوله ممن حمله إلينا إذا كان صادقا ًمدركا ًلمن روى ذلك عنه). (١
__________
) (١الـكفاية )(٢ (٢). (٢٤
قال الذهلي :لا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث الموصول غير المنقطع الذي ليس فيه رجل مجهول ولا ٤.٣
رجل مجروح)(3
قال الذهلي :لا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث الموصول غير المنقطع الذي ليس فيه رجل مجهول ولا رجل مجروح). (١
__________
) (١الـكفاية )(٣ (٣). (٢٠
Shamela.org ٩
٥الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه
وقال عبد الل ّٰه بن عون :ذكر أيوب لمحمد حديث أبي قلابة ،فقال :أبو قلابة إن شاء الل ّٰه ثقة رجل صالح ،ولـكن عمن ذكره أبو
قلابة). (٤
وقال أبو إسحاق الطالقاني :سألت ابن المبارك قلت :الحديث الذي يروى ) من صلى على أبو يه ( فقال :من رواه ؟ قلت :شهاب
بن خراش .فقال :ثقة ،عمن ؟ قلت :عن الحجاج بن دينار ،فقال :ثقة ،عمن ؟ قلت عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم .فقال :إن
ما بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق الإبل).(٥
وقال شعبة :كل حديث ليس فيه حدثنا أخبرنا فهو خل وبقل).(٦
قلت :ولأجل ذلك فإن اتصال الإسناد من شروط صحة الحديث ،فلا تقوم الحجة إلا بالأسانيد المتصلة .
قال ابن أبي حاتم :سمعت أبي وأبا زرعة يقولان :لا يحتج بالمراسيل ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد المتصلة). (٧
وقال الإمام مسلم :المرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بالحجة). (٨
وقال الترمذي :والحديث إن كان مرسلا ًفإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث وقد ضعفه غير واحد منهم). (٩
وقال الحاكم :والمراسيل واهية عند جماعة أهل الحديث من فقهاء الحجاز غير محتج بها). (١٠
قال عبد الل ّٰه بن الزبير الحميدي :فإن قال قائل :فما الحجة في ترك الحديث المقطوع والذي في إسناده رجل ساقط وأكثر من ذلك ،
ولم يزل الناس يحدثون بالمقطوع وما كان في إسناده رجل ساقط أو أكثر ؟
قال عبد الل ّٰه :قلت :لأن الموصول وإن لم يقل فيه ) سمعت ( حتى ينتهي الحديث إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم فإن ظاهره كظاهر
السامع المدرك حتى يتبين فيه غير ذلك ،كظاهر الشاهد الذي يشهد على الأمر المدرك ،فيكون ذلك عندي كما يشهد لإدراكه من
شهد ،وما شهد عليه حتى أعلم منه غير ذلك ،والمقطوع العلم يحيط بأنه لم يدرك من حدث عنه ،فلا يثبت عندي حديثه لما أحطت
به علما ً ،وذلك كشاهد شهد عندي على رجل لم يدركه أنه تصدق وأعتق عبده فلا أجيز شهادته على من لم يدركه). (١١
وقال الترمذي :ومن ضعف المرسل فإنه ضعف من قبل أن هؤلاء الأئمة حدثوا عن الثقات وغير الثقات ،فإذا روى أحدهم حديثا ً
وأرسله لعله أخذه عن غير ثقة). (١٢
وقال أبو حاتم بن حبان :المرسل والمنقطع من الأخبار لا يقوم بها حجة ؛ لأن الل ّٰه جلا وعلا لم يكلف عباده أخذ الدين عمن لا يعرف
،والمرسل والمنقطع ليس يخلو ممن لا يعرف ،وإنما يلزم العباد قبول الدين الذي هو من جنس الأخبار إذا كان من رواية العدول ،
حتى يرو يه عدل من عدل إلى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم موصولاً). (١٣
وقال ابن رجب :تفاوت مراتب المرسلات بعضها على بعض يدور على أسباب :
أحدها :أن من عزى روايته عن الضعفاء ضعف مرسله بخلاف غيره .
الثاني :أن من عرف له إسناد صحيح على من أرسل عنه ،فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك ،وهذا معنى قول يحيى بن سعيد القطان
:مجاهد عن علي ليس به بأس ،قد أسند عن ابن أبي ليلى عن علي .
الثالث :أن من قوي حفظه يحفظ كل ما يسمعه وثبت في قلبه ،و يكون منه ما لا يجوز الاعتماد عليه ،بخلاف من لم يكن له قوة
في الحفظ .
وقد أنكر مرة يحيى بن معين على علي بن عاصم حديثا ًوقال :ليس هو من حديثك ،إنما ذوكرت به فوقع في قلبك ،فظننت أنك سمعته
ولم تسمعه .
الرابع :أن الحافظ إذا روى عن ثقة لا بكاد يترك اسمه بل يسميه فإذا ترك اسم الراوي دل على أنه غير مرضي ،وقد كان يقول ذلك
الثوري وغيره كثيرا ً يكنون عن الضعيف ولا يسمونه لا يقولون عن رجل وهذا معنى قول القطان :كان فيه إسناد لصح به ،يعني لو
كان أخذه عن ثقة لسماه وأعلن باسمه .
وخرّج البيهقي من طر يق أبي قدامة السرخسي قال :سمعت يحيى بن سعيد يقول :مرسل الزهري شر من مرسل غيره ؛ لأنه حافظ
Shamela.org ١٠
٥الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه
فصل وألفاظ الأداء من حيث دلالتها على الاتصال ثلاثة : ٥.٢
فصل وألفاظ الأداء من حيث دلالتها على الاتصال ثلاثة :
الأولى :صر يحة في السماع ،وهي سمعت وحدثنا وأخبرنا وقرأ علينا وسمعنا عليه وقال لنا وحكى لنا وذكر لنا وشافهنا وعرض علينا
وعرضنا عليه وناولنا وكتب لنا ،أو ما أشبهها من العبارات الدالة على الاتصال ،النافية للانفصال). (١
الثانية :محتملة للاتصال وعدمه ،وهي أنا وقال وحدث وذكر وغيرها .
الثالثة :صر يحة في الانقطاع ،وهي ح ُدثت و ُأخبرت وغيرهما مما في معناهما .
الرابعة :أن وعن وليست ألفاظا ًللأداء ،وسبب إدخالها ضمنها ؛ أنها تذكر في سياق الإسناد كألفاظ الأداء ونيابة عنها .
وهناك فرق دقيق بين )عن( و )أن() ، (٢وحاصل الفرق :أن الراوي إذا قال :عن فلان ،فلا فرق أن يضيف القول أو الفعل
في اتصال الإسناد .
وإذا قال :أن فلانا ً ،ففيه فرق ؛ وذلك أن ينظر ،فغن كان خبرها قولا ًلم يعتمد لمن لم يدركه
التحقت بحكم عن بلا خلاف .كأن يقول التابعي أن أبا هريرة قال :كذا وكذا .
وإن كان خبر )أن( فعلا ً ،نظر إن كان الراوي أدرك ذلك الفعل التحقت بحكم عن ،وإن كان لم يدركه لم تلتحق بحكمها ،إلا ممن
لازمه كقول عروة :قالت عائشة للنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم .
وكلمة )عن( خاصة أظهر في الاتصال عرفا ًفيمن أمكن لقاء أحدهما من الآخر إلا من مدلس ،واستعملها المتأخرون في الإجازة .
واقتصر رواة الأحاديث عن قولهم :حدثنا وأخبرنا بعن للتخفيف ،وقال الخطيب البغدادي :وإنما استجاز كتبه للحديث الاقتصار
على العنعنة لـكثرة تكررها ،ولحاجتهم إلى كتب الأحاديث المجملة بإسناد واحد ،فتكرار قول المحدث ) ثنا فلان ( عن سماعه من
فلان يشق و يصعب ،وفي كل حديث لو أورد مثل ذلك الإسناد ،لطال واضجر ،وربما كثر رجال الإسناد حتى يبلغوا العشرة وز يادة
على ذلك ،وفيه إضرار بكتبة الحديث وخاصة المقلين منهم والحاملين لحديثهم في الأسفار). (٣
قال الوليد بن مسلم :كان الأوزاعي إذا حدثنا يقول :ثنا يحيى قال :ثنا فلان قال :ثنا فلان حتى ينتهي ،فربما حدثتك حدثني
وربما قلت :عن عن تخففنا من الأخبار). (٤
Shamela.org ١١
٥الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه
قال المعلمي :كلمة )عن( ليست من لفظ الراوي الذي يذكر اسمه قبلها بل هي من لفظ من دونه ،كما لو قال همام :حدثنا قتادة عن
أنس ،فكلمة )عن( من لفظ همام ؛ لأنها متعلقة بكلمة حدثنا ،وهي من قول همام ،فبهذا يتضح أنه في قول همام :حدثنا قتادة
عن أنس ،لا يدري كيف قال قتادة فقد يكون قال :حدثني أنس أو قال أنس أو حدث أنس أو ذكر أنس أو سمعت أنسا ً ،أو غير
ذلك من الصيغ التصريح بالسماع أو تحتمله ،لـكن لا يحتمل أن يكون قال بلغني أنس ،إذ لو بال هكذا لزم هماما ًأن يحكي لفظة أو
معناه كأن يقول :حدثني قتادة عمن بلغه عن أنس وإلا كان همام مدلسا ًتدليس التسو ية وهو قبيح) . (٥انتهى .
قلت :وقد تأتي كلمة )عن( من قول الراوي الذي يذكر اسمه قبلها أحيانا ً .وقد تستعمل )عن( في التعبير عن القصة ؛ كرواية يحيى
بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة عن البهزي قال :إن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه
وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير ،فذكر ذلك لرسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم فقال رسول
الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم )) :دعوه فإنه يوشك ظلن يأتي صاحبه (( ،فجاء البهزي وهو صاحبه فقال :شأنكم به ...الحديث .
قال ابن حجر :وظاهر هذا يعطي أن عمير بن سلمة رواه عن البهزي ،وليس كذلك ،بل عمير بن
سلمة حضر القصة وشاهدها كلها .
فقد رواه الليث بن سعد أن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى ابن طلحة عن عمير بن سلمة ،قال :بينما نحن مع رسول الل ّٰه
صلى اله عليه وسلم ...فذكر الحديث .
قال ابن أبي حاتم :حديث ابن الهاد أشبه ؛ لأن في حديث ابن الهاد ذكر البهزي ،والحديث عن عمير وكان المجني على الحمار البهزي).(٦
قال موسى بن هارون :الظاهر أن قوله :عن البهزي من ز يادة يحيى بن سعيد كان أحيانا ًيقولها وأحيانا ًلا يقولها ،وكان هذا جائزا ً
عند المشيخة الأول أن يقولوا :عن فلان ،ولا يريدون ذلك الرواية وإنما معناه :عن قصة فلان).(٧
قال الحافظ بن حجر :وأمثلة ذلك كثيرة ،ومن ٺتبعها وجد سبيلا ً إلى التعقب على أصحاب المسانيد ومصنفي الأطراف ،في عدة
مواضع يتعين الحمل فيها على ما وصفناه من المراد بالعنعنة .والل ّٰه أعلم).(٨
__________
) (١السنن الأبين لابن رشيد )(٢ (٢). (١٧
) (٢شرح علل الترمذي ) (٢٢١،٢٢٢التقييد والإيضاح للعراقي )٨٥ـ (٨٦والنكت للحافظ ابن حجر )٢٢٨ـ(٣ (٣). (٢٢٩
) (٣الـكفاية )(١ (١). (٣٩٠
) (٤الـكفاية )(٢ (٢). (٣٩٠
) (٥التنكيل )(٣ (٣). (١/٨٢
) (٦علل أبي حاتم )(١ (١). (١/٢٩٩
) (٧التمهيد لابن عبد البر ) (٢٣/٣٤٣النكت على كتاب ابن الصلاح )(٢ (٢). (٢٢٧
) (٨النكت على كتاب ابن الصلاح )(٣ (٣). (٢٢٨
Shamela.org ١٢
٥الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه
وقال الإمام أحمد :في حديث زائدة عن السدي عن البهي قال :حدثتني عائشة في حديث الخمرة :كان عبد الرحمن قد سمعه من
زائدة فكان يدع فيه حدثتني عائشة ونكره). (٢
والثانية :إذا لم يصرح بالسماع من شيخه اشترط أن تطول معاصرة الروابين عرفا ًوألا يدل عللا
الانقطاع .
كرواية راشد بن سعد الحمصي عن ثوبان مولى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،ولم يصرح بالسماع منه في شئ من رواياته عنه فقال
الإمام أحمد :راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان .
والأرجح أنه سمع منه ،وجزم به البخاري في التاريخ الـكبير ،لأنه عاصره في حمص على أقل تقدير عشر سنوات ،فإنه لما توفي رسول
الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم خرج ثوبان إلى الشام فنزل الرملة ،ثم انتقل إلى حمص وابتنى بها دارا ً ولم يزل بها إلى أن مات سنة أربع
وخمسين ـ رضي الل ّٰه عنه ـ ،وقد شهد راشد معركة صفين سنة سبع وثلاثين ،فالغالب أنه سمع منه لأنه من طلبة العلم وثوبان من
الصحابة). (٣
قال الإمام مسلم ـ رحمه الل ّٰه ـ :القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما ًوحديثا ًأن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا ً
،وجائز ممكن له لقاءه والسماع منه لـكونهما كانا في عصر واحد وإن لم يأت خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام ؛ فالرواية ثابتة
والحجة بها لازمة ،ألا أن يكون دلالة بينه أن هذا الرواي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئا ً ،فأما والأمر مبهم على الإمكان
الذي فسرناه فالرواية على السماع أبدا ً حتى تكون الدلالة التي بينا). (٤
قال المعلمي :وجمعه بين جائز وممكن يشعر بأن المراد الإمكان الظاهر الذي يقرب في العادة ،والأمثلة الذي ذكرها مسلم واضحة في
ذلك .والمعنى يؤكد هذا فإنه قد ثبت أن الصيغة بحسب العرف ،ولا سيما عرف المحدثين وما جرى عملهم في السماع ،فهذا الظهور
يحتاج إلى دافع ،فمتى لم يعلم اللقاء فإن كان مع ذلك مستبعدا ً والظاهر عدمه فلا وجه للحمل على السماع لأن ظهور عدم اللقاء بدافع
الصيغة). (٥
قلت :وينبغي إذا نفى ناقد عالم بأخبار الرواة سماع رجل من راو عاصره ألا يرد نفيه بالمعاصرة فتدقيق من دقق في ذكر السماع إنما
هو لمآخذ عدة :
فمنها :أن يكون مدلسا ً .قال يحيى بن سعيد القطان :قال شعبة أو غيره :لم يسمع قتادة من حميد بن عبد الرحمن). (٦
ومنها :أن يروي أن يروي عن شيخ من غير أهل بلده ،ولم يعلم أنه دخل إلى بلده ،ولا أن الشيخ قدم إلى بلد كان الراوي عنه
فيها). (٧
قال أبو حاتم :في رواية ابن سيرين عن أبي الدرداء :لقد أدركه ولا أظنه سمع منه ،ذاك بالشام وهذا بالبصرة). (٨
ومنها :أن يدخل كثيرا ً بينه وبين شيخه واسطة). (٩
وقال أبو حاتم :الزهري لم يثبت له مساع من المسور ،يدخل بينه وبينه سليمان بن يسار وعروة بن الزبير). (١٠
فإن في هذه الأمور مما يدل على أن ارلاوي لم يسمع ممن حدث عنه .فإذا روى عمن لم يدركه زمنا ًكان ذلك دالا ًعلى إرساله بلا
شك .
ولذلك فإن من علامة كذب الراوي أن يصرح بالسماع من رجال لم يلحقهم زمناً). (١١
وقال سفيان الثوري :لما استعمل الرواة الـكذب استعملنا لهم التاريخ) . (١٢فإن ثبت سماعه من شيخه كان إسناده عنه متصلا ًوإن
لم يذكر السماع .
قال الحميدي :وإن لم يقل كل واحد ممن حدثه :سمعت أو حدثنا ،حتى ينتهي ذلك إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وإن أمكن أن
يكون بين المحدث والمحدث عنه وأحد أو أكثر ،لأن ذلك عندي على السماع ؛ لإدراك المحدث من حدث عنه ،حتى ينتهي ذلك
إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،ولازم صحيح يلزمنا قبوله ممن حمله إلينا إذا كان صادقا ًمدركا ًلمن روى ذلك عنه). (١٣
Shamela.org ١٣
٥الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه
وقال الشافعي :وكان قول الرجل :سمعت فلانا ً يقول سمعت فلانا ً ،وقوله حدثني فلان عن فلان سواء عندهم ،لا يحدث واحد
منهم عن من لقي إلا ما سمع منه ممن عنا بهذه الطر يق قبلنا منه حدثني فلان عن فلان). (١٤
وقال الخطيب البغدادي ـ رحمه الل ّٰه ـ :وأهل العلم بالحديث مجمعون على أن أقول المحدث حدثنا فلان صحيح معمول به ،إذا كان
شيخه الذي ذكره يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه ولقيه وسمع منه ،ولم يكن هذا المحدث ممن يدلس ،ولا يعلم أن يستجيز إذا
حدثه أحد شيوخه عن بعض من أدرك حديثا ًفلان عن فلان ـ أعني الذي لم يسمعه منه ـ لأنه الظاهر من الحديث السالم رواية
مما وصفنا الاتصال ،وإن كانت العنعنة هي الغالبة على الإسناد). (١٥
__________
) (١شرح علل الترمذي )٢١٧ـ(٤ (٤). (٢١٨
) (٢المراسيل لابن أبي حاتم )(١ (١). (١٨٨
) (٣التاريخ الـكبير ) ، (٣/٢٩٢وتهذيب الـكمال )(٢ (٢). (٤/٤١٤
) (٤مقدمة صحيح الإمام مسلم )(٣ (٣). (١/٢٩،٣٠
) (٥التنكيل ) (٤ (٤). ( ٨٠ ، ٧٩
) (٦المراسيل )(٢ (٢). (١٤٠
) (٧شرح علل الترمذي )(٣ (٣). (٢١٧
) (٨المراسيل )(٤ (٤). (١٥١
) (٩شرح علل الترمذي )(٥ (٥). (٢١٤
) (١٠المراسيل )(٦ (٦). (١٥٣
) (١١وانظر :الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي ) (١/١٣١وما بعدها (٧ (٧).
) (١٢الكامل )(٨ (٨). (١/٨٤
) (١٣الـكفاية )(٩ (٩). (٢٤
) (١٤الرسالة )(١ (١). (٣٧٩
) (١٥الـكفاية )ص(٢ (٢). (٢٩١
Shamela.org ١٤
٥الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه
وقال يحيى بن سعيد القطان :ابن جريج أثبت من مالك في نافع .
وقال الإمام أحمد :عمرو بن دينار وابن جريج أثبت في عطاء). (٥
والثاني :من أنواع التدليس ) وهو الإرسال بين المتعاصرين ( :
يشترط فيه التصريح بالسماع عمن عاصره ،ولو في حديث واحد ؛ لأنه حينئذ قد لقيه فلا يدلس
عنه ،وتحمل روايته عمن سمع منه على الاتصال .
…والمحدثون يسمون هذا الإرسال الخفي تدليسا ً ،وكثير ممن وصف بالتدليس تدليسه من هذا النوع ،ومنه :مكحول الشامي ،والحسن
البصري ،وسعيد بن أبي عروبة ،وأبو إسحاق السبيعي ،وإبراهيم النخعي ،و يحيى بن أبي كثير ،وقتادة ،وأبو الزبير المكي ،والزهري
،وهشيم .
…ولذلك اشترط الإمام مسلم ـ رحمه الل ّٰه ـ في قبول العنعنة في المتعاصرين ألا يكون الراوي عمن عاصره مدلسا ً ،حيث قال :وما علمنا
أحدا ً من أئمة السلف ممن يستعمل الأخبار ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها ،مثل أيوب السختياني وابن عون ومالك بن أنس وشعبة
بن الحجاج و يحي بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهم من أهل الحديث ،فتشوا عن موعد السماع في الأسانيد ،وإنما
كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس وشهر به ،فحينئذ يبحثون عن سماع
في روايته ويتفقدون ذلك منه ،كي تنزاح عنهم علة التدليس ،فمن ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي حكينا قوله فما سمعنا
ذلك عن أحد ممن سمينا ولم نسم من الأئمة). (٦
وقال الحاكم :الأحاديث المعنعنة وليس فيها تدليس ،هي متصلة بإجماع أئمة أهل النقل ،على تورع رواتها عن أنواع التدليس). (٧
والثالث ) :وهو تدليس التسو ية () (٨وهو لم يغلب على من اتصف به .
قال أبو حاتم بن حبان ـ رحمه الل ّٰه ـ :قد ظهر أقوم من المتأخرين يسوقون الأخبار ،فإذا كان بين الثقتين ضعيف ،واحتمل أن يكون
الثقتان رأى أحدهما الآخر ،أسقطوا الضعيف من بينهما حتى يتصل الخـبر ،
فإذا سمع المستمع خبر أسام رواته ثقات اعتمد عليه وتوهم أنه صحيح). (٩
وقال الخطيب البغدادي ـ رحمه الل ّٰه ـ :وربما لم يسقط المدلس اسم شيخه الذي حدثه ،لـكنه يسقط ممن بعده في الإسناد رجلا ًيكون
ضعيفا ً في الرواية أو صغير السن يحسن الحديث بذلك ،وكان سليمان الأعمش وسفيان الثوري وبقية بن الوليد يفعلون هذا). (١٠
انتهى .
كالحديث الذي رواه إسحاق بن راهو يه عن بقية قال :حدثني أبو وهب الأسدي قال :حدثنا نافع عن ابن عمر قال :لا تحمدوا
إسلام المرء حتى تعرفوا رأيه .
ل من يفهمها ،روى هذا الحديث عبيد الل ّٰه بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع عن
قال أبو حاتم الرازي :هذا الحديث له علة ق ّ
ابن عمر عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وعبيد الل ّٰه بن عمر وكنيته أبو وهب وهو أسدي ،فكأن بقية بن الوليد كنى عبيد الل ّٰه بن عمرو
ونسبه إلى بني أسد لكيلا يفطن به ،حتى إذا ترك إسحاق ابن أبي فروة من الوسط لا يهتدى إليه ،وكان بقية من أفعل الناس لهذا .
وأما ما قال إسحاق في روايته عن بقية عن أبي وهب :حدثنا نافع ،وهم .غير أن وجهه عندي أن إسحاق لعله حفظ عن بقية هذا
الحديث ،ولما يفطن لما عمل بقية من تركه إسحاق من الوسط وتكنيته عبيد الل ّٰه بن عمرو ،فلم يفتقد لفظة بقية في قوله حدثنا نافع أو
عن نافع). (١١
وقال عثمان بن سعيد الدارمي :سئل يحيى بن معين عن الرجب يلقي الرجل الضعيف من بين الثقتين يوصل الحديث ثقة عن ثقة ،
و يقول :أنقص من الحديث وأصل ثقة عن ثقة يحسن الحديث بذاك ؟ فقال :لا يفعل ،لعل الحديث عن كذاب ليس بشئ ،فإذا
هو قد حسنه وثبته ولـكن يحدث به كما روى .
قال عثمان :وكان الأعمش ربما فعل ذلك). (١٢
وقال الدار قطني :الوليد بن مسلم ،يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي
Shamela.org ١٥
٥الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه
؛ مثل نافع وعطاء والزهري ،فيسقط أسماء الضعفاء و يجعلها عن الأوزاعي عن نافع ،وعن الأوزاعي عن عطاء والزهري يعني :
مثل عبد الل ّٰه بن عامر الأسلمي وإسماعيل بن مسلم). (١٣
ولا يتوقف في قبول عنعنة المدلس إلا عند من غلب عليه التدليس .
قال يعقوب بن شيبة السدوسي :سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس أيكون حجة فيما لم يقل حدثنا ؟ قال :إذا كان الغالب عليه
التدليس فلا ،حتى يقول :حدثنا). (١٤
وقال أبو زرعة عن مبارك بن فضالة :يدلس كثيرا ً ،فإذا قال :حدثنا فهو ثقة).(١٥
وقال أبو حاتم الرازي في سويد الحدثاني :كان صدوقا ًوكان يدلس ،يكثر ذلك ،يعني التدليس)(١٦
قلت :فلا تهدر رواياته بالعنعنة ونحوها عمن سمع منهم كلها ،إذا كان قليل التدليس ،فإذا أكثر كان تدليسه قادحا ًضارا ً في الاتصال
إذا لم يذكر التحديث .
…ومما يستدل به على قلة تدليس الراوي نزوله في حديثه عن شيوخه الذين سمع منهم .كرواية ابن جريج ،قال :أخبرني عبيد الل ّٰه بن
حفص أن عمر بن نافع أخبره عن نافع مولى عبد الل ّٰه). (١٧
قال الحافظ ابن حجر :نزل ابن جريج في هذا الإسناد درجتين ،وفيه دلالة على قلة تدليسه). (١٨
وقال يعقوب بن شيبة :سألت يحيى بن معين عن التدليس ،فكرهه وعابه .قلت له :أيكون المدلس حجة فيما روى أو حتى يقول :
حدثنا وأخبرنا ؟ فقال :لا يكون حجة فيما دلس). (١٩
قلت :فإذا كان الراوي مكثرا ً من التدليس وروى بصيغة محتملة وأمن جانب تدليسه باستقامة حديثه سندا ً ومتنا ً قبلنا خبره ،وإن
كان مقلا ًوعلمنا تدليسه أو ارتبنا من سماعه من شيخه ،توقفنا فيه ،أو رددنا خبره إذا كانت الواسطة رجلا ًضعيفا ً.
قال الدار قطني :تجنب تدليس ابن جريج ؛ فإنه لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح ،مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة
وغيرهما ،وأما ابن عيينة فكان يدلس عن الثقات). (٢٠
قال يعقوب بن شيبة :التدليس ؛ جماعة من المحدثين لا يرون به بأسا ً ،وكرهه جماعة منهم ،ونحن نكرهه ،ومن رأى التدليس منهم
فإنما يجوزه عن الرجل الذي سمع منه ويسمع من غيره عنه ما لم يسمعه منه ،فيدلسه يرى أنه قد سمع منه ،ولا يكون ذلك أيضا ًعندهم
إلا عن ثقة،فأما من دلس عن غير ثقة وعمن لم يسمع هو منه فقد جاوز حد التدليس الذي رخص فيه من رخص من العلماء)(٢١
.
.انتهى .
وكذلك يدقق في ذكر الخـبر والسماع عندما يكون الحديث منكرا ً ،لا تحتمله حال الراوي .
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم :سئل أبو زرعة عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ؟ فقال :روى عن ثور بن يزيد حديثين ليسا من
حديث ثور ،ذكر عن يحيى بن معين هذين الحديثين ،فقال :لم يذكر فيها الخـبر). (٢٢
وقال صالح بن محمد الأسدي :أنكروا الخفاف حديثا ًرواه لثور بن زيد عن مكحول كريب عن ابن عباس ،حديثا ًفي فضل العباس ،
وما أنكروا عليه غيره ،فكان يحيى بن معين يقول :هذا موضوع وعبد الوهاب لم يقل فيه :حدثنا ثور ،ولعله دلس فيه وهو ثقة)(٢٣
.
قلت :ورواية الأئمة الحفاظ عن المدلس مما يقوي حديثه ،فإنهم ينتقون ويميزون وليسوا كحاطب ليل ؛ ولا يحدثون بكل ما سمعوا ،
فإنه لا يكون إماما ًفي العلم من حدث بكل ما سمع .
قال الحاكم :وأخبار المدلسين كثيرة ،وضبط الأئمة عنهم ما لم يدلسوا ،والتمييز بين ما دلسوا وما لم يدلسوا ظاهر في الأخبار). (٢٤
وقال أبو داود السجستاني :ربما يجئ الإسناد فيعلم من حديث غيره أنه غير متصل ،ولا يتنبه إلا بأن يعلم الأحاديث ،و يكون له فيه
معرفة ،فيقف عليه ،مثل ما يروى عن ابن جريج قال ُ :أخبرت عن الزهري ،ويرو يه البرساني عن ابن جريج عن الزهري ،فالذي
يسمع يظن أنه متصل ،ولا يصح بتة). (٢٥
__________
) (١الـكفاية )(٣ (٣). (٣٥٧
Shamela.org ١٦
٥الباب الأول في اتصال الإسناد وانقطاعه
Shamela.org ١٧
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ١٨
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ١٩
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
قال أبو حاتم بن حبان :لا يتهيأ إطلاق العدالة على من ليس نعرفه بها يقينا ً ،فيقبل ما انفرد به ،فعسى نحل الحرام ونحرم الحلال
برواية من ليس بعدل ،أو نقول على رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ما لم يقل اعتمادا ً منا على رواية من ليس بعدل عندنا .
كما لا يتهيأ إطلاق الجرح على من ليس يستحقه بإحدي أسبابه ،وعائذ بالل ّٰه من هذين الخصلتين أن نجرح العدل أو نعدل المجروح من
غير يقين .وتسأل الل ّٰه الستر). (٨
وقال :ولسنا ممن يطلق الكلام على الجزاف ،بل نعطي كل شيخ قسطه ،وكل راو حظه ،والل ّٰه الموفق لذلك المان بما يجب من
القول والفعل معاً). (٩
قال الإمام الشافعي رحمه الل ّٰه :من غرف من أهل العراق ومن أهل بلدنا بالصدق والحفظ قبلنا حديثه ،ومن عرف منهم ومن أهل
بلدنا بالغلط رددنا حديثه ،وما حابينا أحدا ً ولا حملنا عليه). (١٠
وقال أبو حاتم بن حبان :قد سئل علي بن المديني عن أبيه .فقال :أسألوا غيري .فقالوا :سألناك :فأطرق ثم رفع رأسه وقال :
هذا هو الدين ،أبي ضعيف). (١١
__________
) (١كتاب العلل الصغير ) ( ٧٣٩ ، ٧٣٨المطبوع بآخر الجامع ( (١ (١).
) (٢تقدمة الجرح والتعديل )(٢ (٢). (٥
) (٣كتاب الثقات لابن حبان )(٣ (٣). (١/٨
) (٤الـكفاية )(٤ (٤). (٤٥
) (٥مقدمة صحيح مسلم )(١ (١). (٢٦
) (٦الكامل لابن عدي ) . (١/٦٧وانظر له رواية أخرى في :مقدمة صحيح مسلم )(٢ (٢). (١٧
) (٧الـكفاية ) ، (٤٦وفي ذلك عبرة لمحدثي زماننا ؛ لأننا لا نعلم صحيح النقل من سقيمه إلا بالنظر في كلام أولئ كالجهابذة ،لا
بتمييز مكن منا ) فاعتبروا يأولي الألباب ( (٣ (٣).
) (٨كتاب المجروحين )(٤ (٤). (٢/٢٨
) (٩الثقات )(٥ (٥). (٦/٢١٨
) (١٠الكامل لابن عدي )(٦ (٦). (١/١١٥
) (١١كتاب المجروحين ) . (٢/١٥وانظر :كتاب علم الرجال وأهميته للعلامة المعلمي )(٧ (٧). (٣٠
Shamela.org ٢٠
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
قال يزيد بن هارون :لا يجوز حديث الرجل حتى تجوز شهادته). (٥
قلت :وأما عدالته الباطنة ـ التي لا يعلمها إلا الل ّٰه ـ فلسنا نبحث عنها .
قال ابن حبان :العدل من لم يعرف منه الجرح ضد التعديل ،فمن لم يعلم بجرح فهو عدل إذا لم يبېن ضده إذ لم يكلف الناس معرفة
ما غاب منهم وإنما كلفوا حكم الظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم). (٦
وقوله ) :فمن لم يعلم بجرح فهو عدل ( ،مقيد عنده بالمشاهير ،قال ابن حبان :إذ الناس أحوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين
منهم ما يوجب الجرح ،هذا حكم المشاهير من الرواة). (٧
وروى أبو زرعة عن ابن جابر قوله :لا يؤخذ هذا العلم إلا عمن شهد له بالطلب ،قال أبو زرعة :فسمعت أبا مسهر يقول :إلا جليس
العالم فإن ذلك طلبه .
قال الخطيب البغدادي : :أراد أبا مسهر بهذا القول أن من عرفت مجلسته للعلماء وأخذه عنهم أغنى ظهور ذلك من أمره أن يسأل
عن حاله .والل ّٰه أعلم). (٨
قال الوليد بن مسلم :اجتمعت أنا وابن المبارك ومروان الفزاري عند سفيان الثوري وسعيد بن سالم القداح إذ جاء سفيان بن عيينة
فتذاكرنا :من العدل في الإسلام ؟ فكلنا نظرنا إلى سفيان الثوري أن يتكلم فبادر عبد الل ّٰه بن المبارك فقال :من رضيه أهل العلم
فكتبوا عنه حديثه فهو عدل جائز الشهادة .فتبسم سفيان الثوري وقال :أحسن والل ّٰه أبو عبد الرحمن). (٩
وقد جرى على ذلك الإمام أبو عمر بن عبد البر ،فقال :كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدا ً على العدالة ،
حتى ٺتبين جرحته في حاله ،أو في كثرة غلطه). (١٠
أما الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخـبرة بعدالتهم فيكتفي فيهم بالعدالة الظاهرة ؛ وهي الإسلام وعدم العلم بالمفسق ؛ لأن
الأصل في المسلمين السلامة في العصور المتقدمة .
قال المعلمي رحمه الل ّٰه تعالى :وقد صرح ابن حبان بأن المسلمين على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح ،نص على
ذلك في الثقات وذكره ابن حجر في اللسان) (١١واستغربه ولو تدبر لوجد كثيرا ً من الأئمة يبنون عليه فإذا وجد أحدهم أحاديث الراوي
فوجدها مستقيمة تدل على صدق وضبط ولم يبلغ ما يوجب طعنا ً في دينه وثقة وربما تجاوز بعضهم هذا كما سلف وربما بنى بعضهم
على هذا حتى في أهل بلده) . (١٢انتهى كلامه .
قال ابن الصلاح :ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة ،في غير واحد من الرواة الذين تقادم
العهد بهم ،وتعذرت الخـبرة الباطنة بهم ،والل ّٰه أعلم) . (١٣انتهى .
قال إبراهيم النخعي :كان يقال العدل من المسلمين من لم تظهر منه ريبة). (١٤
وقال عطاف بن خالد :حدث زيد بن أسلم بحديث ،فقال له رجل :يا أبا أسامة عن من هذا ؟ قال :يا ابن أخي ما كنا نجالس
السفهاء). (١٥
وقال أبو العالية :كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام ،فأتفقد صلاته ،فإن أجده يحسنها و يقيمها ،أقمت عليه وكتبت عنه ،وإن
أجده يضيعها رحلت عنه ،وقلت :هذا لغير الصلاة أضيع). (١٦
وقال الإمام مالك بن أنس :لم يقدم علينا أحد من أهل العراق يشبه أيوب السختياني ،قدم بلادنا فلم يسمع إلا ممن عندنا ثقة مأمون
،وقد كان غيره يقدم فيسمع ممن لا تجوز شهادتهم على حزمة كرات ،فعلمنا أن علمه في الموضع الذي يعرف أنه نقي كما أنه في الموضع
الذي لا يعرف أنه نقي)(١٧
و يقدح في عدالة الراوي الفسق ،وهو على قسمين :
الأول :الفسق بالقول والعمل ـ كالزنا وشرب الخمر والعياذ بالل ّٰه ـ ومن تلبس به لا تقبل روايته مطلقا ً ،ولا يوثق .
قال ابن إدريس :لا يسمع الحديث ممن شرب المسكر ،ولا كرامة). (١٨
Shamela.org ٢١
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وقال الإمام مالك :لا يؤخذ العلم من أربعة ،وخذوا ممن سوى ذلك :لا يؤخذ من سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس ،ولا
من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ،ولا من كذاب يكذب في أحاديث الناس ،وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الل ّٰه
،ولا من شيخ له عبادة وفضل ،إذ كان لا يعرف ما يحدث). (١٩
قال أبو حاتم بن حبان :ومن المجروحين المعلن بالفسق والسفه وإن كان صدوقا ًغي روايته ،؛ لأن الفاسق لا يكون عدلا ً ،والعدل
لا يكون مجروحا ً ،ومن خرج عن حد العدالة لا يعتمد على صدقه ،وإن صدق في شئ بعينه في حاله من الأحوال إلا أن يظهر عليه
ضد الجرح حتى يكون أكثر أحواله طاعة الل ّٰه عز وجل ،فحينئذ يحتج به بخـبره ،فأما ظهور ذلك فعلاً). (٢٠
وقال أيضا ً :لأن العدل إذا ظهر عليه أكثر أمارات الجرح استحق الترك ،كما أن من ظهر عليه أكثر علامات التعديل استحق
العدالة). (٢١
وقال الحافظ الذهبي :ما كل أحد فيه بدعة أو هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه ،ولا من شرط الثقة أن يكون معصوماً)(٢٢
.
قال سعيد بن المسيب :ليس من شر يف ولا من عالم ولا ذي سلطان إلا وفيه عيب ولا بد ،ولـكن من الناس لا تذكر عيوبه ؛ من
كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله). (٢٣
وقال الإمام الشافعي :لا أعلم أحدا ً أعطى طاعة الل ّٰه حتى لم يخلطها بمعصية الل ّٰه إلا يحيى بن زكر يا عليه السلام ،ولا عصى الل ّٰه فلم
يخلطها بطاعة ،فإذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدل ،وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح). (٢٤
قلت :أما من وقع في المعصية وهو متأول فلا يجرح في عدالته ؛ لأن وقوعه في المحرم ليس من قبيل العناد واتباع الشهوات ،بل
بسبب خطئه في الاجتهاد .
قال أبو حاتم الرازي :جاريت أحمد بن حنبل من شرب النبيذ من محدثي الـكوفة وسميت له عددا ً منهم فقال :هذه زلات لهم ولا
تسقط بزلاتهم عدالتهم). (٢٥
__________
) (١معرفة علوم الحديث )(١ (١). (٥٣
) (٢الـكفاية )(٢ (٢). (٧٩
) (٣كتاب المجروحين )(٣ (٣). (٢٣ ، ١/٢١
) (٤الـكفاية ) ، (١٠١والجامع للخطيب )(٤ (٤). (١/١٢٨
) (٥الجرح والتعديل )(٥ (٥). (٢/٣١
) (٦الثقات )(٦ (٦). (١/١٣
) (٧كتاب المجروحين )(٧ (٧). (١٩٣ ، ٢/١٩٢
) (٨الـكفاية )(١ (١). (٨٨
) (٩الكامل لابن عدي )(٢ (٢). (١/١٠٤
) (١٠التمهيد )(٣ (٣). (١/٢٨
) (١١لسان الميزان )(٤ (٤). (١/٩٣
) (١٢التنكيل )(٥ (٥). (١/٦٧
) (١٣مقدمة ابن الصلاح )(٦ (٦). (٥٣
) (١٤السنن الـكبرى للبيهقي )(٧ (٧). (١٠/١٢٤
) (١٥الكامل لابن عدي )(٨ (٨). (١/١٥٨
) (١٦الكامل لابن عدي )(١ (١). (١/٥٤
) (١٧الكامل لابن عدي )(٢ (٢). (١/٦١
) (١٨كتاب المجروحين )(٣ (٣). (١/٢٣
) (١٩الكامل لابن عدي )(٤ (٤). (١/٩٢
) (٢٠كتاب المجروحين )(٥ (٥). (١/٧٩
) (٢١كتاب المجروحين )(٦ (٦). (٧٧ ، ١/٧٦
) (٢٢ميزان الاعتدال )(٧ (٧). (٣/١٤١
Shamela.org ٢٢
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ٢٣
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وقال علي بن المديني :قلت ليحيى بن سعيد القطان :إن عبد الرحمن بن مهدي قال :أنا أترك من أهل الحديث ممن كان رأسا ً في
البدعة ،فضحك يحيى بن سعيد فقال :كيف يصنع بعمر بن ذر الهمداني وبابن أبي رواد ؟ ! وع ّد يحيى قوما ًأمسكت عن ذكرهم ،
ثم قال يحيى :إن ترك عبد الرحمن بن مهدي هذا الضرب ترك خيرا ً كثيراً). (٩
وقال ابن المديني :لو تركت أهل البصرة لحال القدر ولو تركت أهل الـكوفة لذلك الرأي ـ يعني التشيع ـ لخربت الـكتب .قال
الخطيب :قوله خربت الـكتب يعني لذهب الحديث). (١٠
وقال أبو حاتم بن حبان :ولو عمدنا إلى ترك حديث الأعمش وأبي إسحاق وعبد الملك بن عمير وأضرابهم لما انتحلوا ،وإلى قتادة وسعيد
بن أبي عروبة وابن أبي ذئب وأشباههم بما تقلدوا ،وإلى عمر بم ذر وإبراهيم التيمي ومسعر ابن كدام وإخوانهم بما اختاروا ،فتركنا
حديثهم لمذاهبهم ،لكان ذلك ذر يعة إلى ترك السنن كلها حتى لا يحصل في أيدينا من السنن إلا الشئ اليسير ،وإذا استعملنا ما وصفنا
أعنا على دحض السنن وطمسها). (١١
قلت :والعلة في رد حديث المبتدع هي خشية ولوغه في الـكذب لنصرة رأيه ،وهذا منتف ـ ولل ّٰه الحمد ـ ممن وثقه العلماء .
قال الحاكم :وأصحاب الأهواء رواياتهم عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين ،واتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج
بأبي معاو ية محمد بن خازم وعبيد الل ّٰه بن موسى وقد اشتهر عنهما الغلو). (١٢
ووثق العلماء معبد الجهني وهو أول من دعا إلى القدر .قال يحيى بن معين :ثقة ،وقال الدار قطني :حديثه صالح ومذهبه ردئ .
وقال العجلي :تابعي ثقة كان لا يتهم بالـكذب). (١٣
وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وثقة الإمام يحيى بن معين وغيره وقال أبو داود :ثقة داعية إلى الإرجاء). (١٤
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه :عن عدي بن ثابت عن زر قال :قال علي :والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى اله عليه وسلم إلى أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلامنافق)(١٥
وقال ابن معين في عدي بن ثابت :شيعي مفرط .
قلت :ومع تأييد روايته لمذهبه ،صحح مسلم حديثه لعدم نكارته). (١٦
وقال المعلمي :والمقصود هنا أن من لا يؤمن منه تعمد التحر يف والز يادة والنقص على أي وجه كان فلم ٺثبت عدالته ،فإن كان كل
من اعتقد أمرا ً ورأى أنه الحق وأن القربة إلى الل ّٰه تعالى في ٺثبيته لا يؤمن منه ذلك فليس في الدنيا ثقة ،وهذا باطل قطعا ً ،فالحكم به
على المبتدع إن قامت الحجة على خلافه بثبوت عدالته وصدقه وأمانته فباطل ،وإلا وجب أن لا يحتج بخـبرة ألبتة ،سواء أوافق بدعته
أم خالفها) . (١٧انتهى .
لـكن إن كان الخـبر المؤي لبدعته منكرا ً فإنه يرد .
قال الحافظ الجوزجاني :ومنهم زائغ عن القصد صدوق اللهجة قد جرى في الناس حديثه إذ كان مخذولا ًفي بدعته مأمونا ًفي روايته
فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخذ منهم ما يعرف إذا لم يقوي بدعته فيتهم به عند ذلك). (١٨
وقال أيضا ً :فما روى من هؤلاء مما يقوي مذهبهم عن مشايخهم المغموزين وغير الثقات المعروفين ،فلا ينبغي أن يغتر بهم الضنين بدينه
،الصائن لمذهبه ،خيفة أن يختلط الحق المبين بالباطل الملتبس ،فلا لهؤلاء قولا ًهو أصدق من هذا). (١٩
وقال المعلمي :المروي المقوي لبدعة راو يه ،إما غير منكر ،فلا وجه لرده فضلا ً عن رد راو يه ،وإما منكر ،فحـكم المنكر معروف ،
وهو أنه ضعيف ،فأما راو يه فإنه اتجه الحمل عليه بما ينافي العدالة كرميه بتعمد الـكذب أو اتهامه به سقط ألبته ،وإن اتجه الحمل على
غير ذلك كالتدليس المغتفر والوهم والخطأ لم يجرح بذلك ،وإن تردد الناظر ـ وقد ثبتت العدالة ـ وجب القبول ،وإلا أخذ بقول من
هو أعرف منه وأوقف) . (٢٠انتهى .
ولا يمكن لرجل أن يدخل حديثا ًو يوثقه الحفاظ أبدا ً ،فمدار القبول في رواية المبتدع على التوثيق لا غير .
قال عمر الناقد :دين النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم لا يحتمل الدنس ـ يعني الـكذب) (٢١ـ .
Shamela.org ٢٤
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
قال سفيان الثوري رحمه الل ّٰه :لو هم الرجل أن يكذب في الحديث في جوف الليل لأظهر الل ّٰه عليه)(٢٢
وقال :من هم أن يكذب في الحديث سقط حديثه). (٢٣
وقال أيضا ً :إني لأحسب رجلا ًلو حدث نفسه بالـكذب في الحديث لعرف به). (٢٤
م أن يكذب
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين :قال سفيان الثوري :من كذب في الحديث افتضح .قال أبو نعيم :وأنا أقول :من ه ّ
افتضح). (٢٥
وقيل لابن المبارك :هذه الأحاديث المصنوعة ؟ قال :يعيش لها الجهابذة). (٢٦
م أن يكذب في الحديث أسقطه الل ّٰه عز وجل). (٢٧
وقال عبد الرحمن بن مهدي :لو أن رجلا ًه ّ
وقال المعلمي :ومن مارس أحوال الراو ية وأخبار رواة السنة وأئمتها علم أن عناية الأئمة بحفظها وحراستها ونفي الباطل عنها والـكشف
عن دخائل الـكذابين والمتهمين كانت أضعاف عناية الناس بأخبار دنياهم ومصالحها). (٢٨
__________
) (١مقدمة صحيح مسلم )(٤ (٤). (٩ ، ٨
) (٢كتاب المجروحين )(١ (١). (١/٨٢
) (٣سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين )(٢ (٢)(٨٦٩ ، ٥٥٩
) (٤يزن :يظن (٣ (٣).
) (٥أحوال الرجال )(٤ (٤). (١٨١
) (٦الـكفاية )(٥ (٥). (١٢٩
) (٧الـكفاية )(٦ (٦). (١٣٠
) (٨ميزان الاعتدال )(٧ (٧). (١/٥
) (٩الـكفاية )(١ (١). (١٢٩
) (١٠الـكفاية )(٢ (٢). (١٢٩
) (١١الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان )(٣ (٣). (١/١٦٠
) (١٢المدخل إلى كتاب الإكليل )(٤ (٤). (٤٢
) (١٣تهذيب الـكمال )(٥ (٥). (٢٨/٢٤٤
) (١٤ميزان الاعتدال )(٦ (٦). (٢/٦٤٨
) (١٥صحيح مسلم برقم )(١ (١). (٧٨
) (١٦وانظر التنكيل )(٢ (٢). (٥١ ، ١/٥٠
) (١٧التنكيل )(٣ (٣). (١/٤٨
) (١٨أحوال الرجال )(٤ (٤). (٣٢
) (١٩أحوال الرجال )(٥ (٥). (٨٢
) (٢٠التنكيل )(٦ (٦). (١/٥١
) (٢١الـكفاية )(١ (١). (٣٦
) (٢٢كتاب المجروحين لابن حبان )(٢ (٢). (١/٢٥
) (٢٣كتاب المجروحين لابن حبان )(٣ (٣). (١/٢١
) (٢٤الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع )(٤ (٤). (٢/٨
) (٢٥كتاب المجروحين لابن حبان )(٥ (٥). (١١٨ ، ١/١١٧
) (٢٦الجرح والتعديل ) ، (٢/١٨والكامل )(٦ (٦). (١/١٠٣
) (٢٧الجامع للخطيب )(٧ (٧). (٢/٨
) (٢٨التنكيل )(٨ (٨). (١/٤٧
Shamela.org ٢٥
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
الصفة الثانية :الضبط :وهو شرط في قبول خبر الراوي ،فإن ثبوت عدالته الدينية لا يكفي حتى يجمع بينهما .
قال أبو حاتم محمد بن حبان :وقد يكون العدل الذي يشهد له جيرانه وعدول بلده به وهو غير صادق فيما يروي من الحديث ؛ لأن هذ
شئ ليس يعرفه إلا من صناعته الحديث ،وليس كل معدّل يعرف صناعة الحديث حتى يعدل العدل على الحقيقة في الراو ية والدين
معاً). (١
وقال مالك بن أنس :إن هذا العلم دين ،فانظروا عمن تأخذون دينكم ،لقد أدركت في هذا المسجد سبعين ـ وأشار إلى مسجد رسول
الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ـ ممن يقول :قال فلان :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فما أخذت عنهم شيئا ً ،وإن أحدهم لو ائتمن
على بيت مال لكان
به أمينا ً؛ لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن). (٢
وقال أبو الزناد :أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ،لا يؤخذ عنهم العلم ،كان يقال :ليس هم من أهله). (٣
والضبط على نوعين :قال ابن معين رحمه الل ّٰه :هما ثبتان :ثبت حفظ وثبت كتاب) . (٤انتهى .
فأما ضبط الصدر :فهو أن يكون حافظا ًلما يحدث به ،أو عالما ًبما يحيل المعاني من الألفاظ إن حدث بالمعنى .
وأما ضبط الكتاب :فهو كون كتابه صحيحا ًبصيانته له حتى الأداء منه .
قال الحافظ بن حجر رحمه الل ّٰه :الرواة الذين للصحيح على قسمين :
قسم كانوا يعتمدون على حفظ حديثهم ،فكان الواحد منهم يتعاهد حديثه و يكرر عليه فلا يزال مبينا ً له ،وسهل ذلك عليهم قرب
الإسناد ،وقلة ما عند الواحد منهم من المتون ،حتى كان من يحفظ منهم ألف حديث يشار إليه بالأصابع ،ومن هنا دخل الوهم
والغلط على بعضهم لما جبل عليه الإنسان من السهو والنسيان .
وقسم كانوا يكتبون ما يسمعونه و يحافظون عليه ولا يخرجونه من أيديهم ،و يحدثون منه ،وكان الوهم في حديثهم أقل من القسم الأول
،إلا من تساهل منهم ،كمن حدث من غير كتابه ،أو أخرج كتابه من يده إلى غيره فزاد فيه ونقص وخفي عليه ،فتكلم الأئمة فيمن
وقع له ذلك منهم) . (٥انتهى .
قال مروان :ثلاثة ليس لصاحب حديث عنها غنى :الحفظ والصدق وصحة الـكتب ،فإن أخطأ واحدة وكانت فيه ثنتين لم يضره ،
إن أخطأ الضبط والحفظ ورجع إلى الـكتب لم يضره .
وقال :طال الإسناد وسيرجع إلى الـكتب). (٦
قال الخطيب البغدادي :الاحتياط للمحدث والأولى به أن يروي من كتابه ،ليسلم من الوهم والغلط و يكون جديرا ً بالبعد من الزلل)(٧
.
وقيل ليحيى بن معين :أيهما أحب إليك ثبت حفظ أو ثبت كتاب ؟ قال :ثبت كتاب). (٨
قال الإمام أحمد :حدثنا قوم من حفظهم وقم من كتبهم ،فكان الذين من حدثونا من كتبهم أتقن)(٩
قال الذهبي :الورع أن المحدث لا يحدث إلا من كتاب كمان كان يفعل و يوصي به إمام المحدثين أحمد بن حنبل). (١٠
وقال علي بن المديني :ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الل ّٰه أحمد بن حنبل ،وبلغني أنه لا يحدث إلا كم كتاب ،ولنا فيه أسوة)(١١
.
قال علي بن المديني :أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من كتاب). (١٢
قلت :والمعتبر في الثقة صحة أدائه للحديث كما هو ممن أخذ عنه ،بغض النظر عن طر يقة التحمل .
قال يحيى بن معين :سمعت عبد الل ّٰه بن وهب يقول لسفيان بن عيينة :يا أبا محمد ! الذي عرض عليك أمس فلان ،أجزها لي .
فقال :نعم .
وقال :رأيت عبد الل ّٰه بن وهب ،يعرض له على سفيان بن عيينة ،وهو قاعد ينعس .
وقال يحيى بن إسحاق :رأيت سفيان بن عيينة يحدث وابن وهب نائم). (١٣
قال أبو طالب :قال أحمد بن حنبل :عبد الل ّٰه بن وهب صحيح الحديث يفصل السماع من العرض ،والحديث من الحديث ،ما أصح
Shamela.org ٢٦
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
حديثه وأثبته ،قيل له :أليس كان سيئ الأخذ ؟ قال :قد كان سيئ الأخذ ولـكن إذا نظرت في حديثه وما روى عن مشايخه
وجدته صحيحاً). (١٤
قلت :ومن ذلك صحة الوجادة ،وهي :التحمل من الكتاب بدون سماع ولا إجازة ،كرواية الحسن عن سمرة بن جندب ،ومخرمة
بن بكير عن أبيه ،وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ،وغيرهم .
قال الحافظ ابن القيم رحمه الل ّٰه :ولم تزل الأمة تعمل قديما ً وحديثا ً ،وأجمع الصحابة على العمل بالـكتب ،وكذلك الخلفاء بعدهم ،
وليس اعتماد الناس في العلم إلا على الـكتب ،فإن لم يعمل بالـكتب تعطلت الشر يعة ،وقد كان النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم يكتب
كتبه إلى الآفاق والنواحي فيعمل بها من تصل إليه ،ولا يقول هذا كتاب !! فرد السنن بهذا الخيال البارد الفاسد من أبطل
الباطل ،والحفظ يخون والكتاب لا يخون). (١٥
__________
) (١الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان )(٩ (٩). (١/١٥٢
) (٢تهذيب الـكمال ) ، (٢٦/٤٣٨والكامل )(١ (١). (١/٩٢
) (٣مقدمة صحيح مسلم ) ، (١٥والكامل لابن عدي )(٢ (٢). (١/١٥٥
) (٤الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي )(٣ (٣). (٢/٣٨
) (٥النكت على كتاب ابن الصلاح )(٤ (٤). (٥٥
) (٦الكامل )(٥ (٥). (١/١٥٩
) (٧الجامع للخطيب )(٦ (٦). (٢/١٠
) (٨الجامع للخطيب )(١ (١). (٢/٣٨
) (٩شرح علل الترمذي )(٢ (٢). (٥٧
) (١٠سير أعلام النبلاء )(٣ (٣). (٩/٣٨٣
) (١١الجامع للخطيب )(٤ (٤). (٢/١٢
) (١٢سير أعلام النبلاء ) ، (١١/٢٠٠والجامع للخطيب )(٥ (٥). (٢/١٢
) (١٣تاريخ ابن معين برواية الدوري (٦ (٦). (٢/٣٣٦) :
) (١٤الجرح والتعديل )(٧ (٧). (١٨٩ ، ٥/١٩٠
) (١٥إعلام الموقعين )(١ (١). (٢/١٤٤
Shamela.org ٢٧
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وقال النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم )) :خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته
((). (٢
قال الإمام أحمد رحمه الل ّٰه :ومن انتقص أحدا ً من أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،أو أبغضه لحدث كان منه ،أو ذكر
مساوئه كان مبتدعا ً ،حتى يترحم عليهم جميعا ًو يكون قلبه لهم سليماً). (٣
قال أبو زرعة الرازي رحمه الل ّٰه :إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا ً من أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ،وذلك
أن الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ،وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،
وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ،والجرح بهم أولى ،وهم الزنادقة). (٤
وقال ابن عدي :فإن أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،لحق صحبتهم وتقادم قدمهم في الإسلام لكل واحد منهم في نفسه حق
وحرمة ،فهم أجل من أن يتكلم أحد فيهم). (٥
وقال ابن حاتم بن حبان رحمه الل ّٰه تعالى :فإن قال قائل :فكيف جرحت من بعد الصحابة وأبيت ذلك في الصحابة ،والسهو والخطأ
موجود في أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم كما وجد فيمن بعدهم من المحدثين ؟
يقال له :إن الل ّٰه ـ عز وجل ـ نزه أقدار أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم عن ثلب قادح ،وصان أقدارهم عن وقيعة منتقص
،وجعلهم كالنجوم يقتدى بهم ،فالثلب لهم غير حلال والقدح فيهم ضد الإيمان ،والتنقيص لأحدهم نفس النفاق ؛ لأنهم خير
الناس قرنا ًبعد رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،بحكم من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى الل ّٰه عليه وسلم .
…وإن من تولى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم إبداعهم ما ولاه الل ّٰه بيانه للناس ،لبالحري من أن لا يجرح ؛ لأن رسول الل ّٰه صلى
الل ّٰه عليه وسلم لم يودع أصحابه الرسالة وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب إلا وهم عنده صادقون جائز والشهادة ،ولو لم يكونوا كذلك لم
يأمرهم بتبليغ من بعدهم ما شهدوا منه ؛ لأنه لو كان كذلك لكان فيه قدح في الرسالة .وكفى بمن عدله الل ّٰه ورسوله صلى الل ّٰه عليه
وسلم شرفا ً ،وإن من بعد الصحابة ليسوا كذلك ،لأن الصحابي إذا أدى إلى من بعده يحتمل أن يكون المبلغ إليه منافقا ً ،أو مبتدعا ً
ضالا ًينقص من الخـير أو يزيد فيه ،ليضل به العالم من الناس ،فمن أجله فرقنا بينهم وبين الصحابة ،إذ صان الل ّٰه ـ عز وجل ـ أقدار
الصحابة عن البدع والضلال .جمعنا الل ّٰه وإياهم في مستقر رحمته بمنه) . (٦قلت :آمين .وقد كانوا ـ ولأجل عظيم عدالتهم ـ لا
يحدثون إلا بما يتقنون .
عن عبد الرحمن بن يزيد ،قال :كان عبد الل ّٰه يمكث السنة لا يقول :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فإذا قال :قال رسول
الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،أخذته الرعدة ،و يقول :أو هكذا أو نحوه أو شبهه). (٧
وعن عمرو بن ميمون ،قال :اختلفت إلى عبد الل ّٰه بن مسعود سنة فما سمعته يقول :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،إلا أنه جرى
على لسانه يوما ًفقال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فعلاه كرب حتى جعل يعرق ،ثم قال :إن شاء الل ّٰه ذا ،أو دون ذا أو
نحوه). (٨
وعن ابن أبي ليلى ،قال :كنا إذا أتينا زيد بن أرقم فنقول له :حدثنا عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم .يقول :إنا كبرنا ونسينا ،
والحديث عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم شديد). (٩
عن الشعبي،قال :جالسن ابن عمر سنة،فما سمعته يحدث عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم شيئاً)(١٠
قال عبدوس بن مالك العطار :سمعت أبا عبد الل ّٰه أحمد بن حنبل ذكر من أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم أهل بدر ،فقال :
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،القرن الذي بعث فيهم ،كل من صحبه سنة أو شهرا ً أو يوما ً أو
ساعة أو رآه ،فهو من أصحابه ،له من الصحبة على قدر ما صحبه ،وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه). (١١
Shamela.org ٢٨
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وقال أبو عبد الل ّٰه البخاري رحمه الل ّٰه :من صحب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه) . (١٢انتهى .
وٺثبت صحة الراوي بالشهرة ،كالعشرة البمشرين بالجنة وغيرهم ،وباتصال الإسناد سواء بالتصريح بالسماع عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم
أو المعاصرة بشرطها .
ومما يدل على صحبة الراوي رواية كبار التابعين عنه عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وعلى ذلك عمل أهل العلم بالحديث .
وآخر الصحابة موتا ًعامر بن وائلة ـأبو الطفيل ـ ومن مات بعده ليست له صحبة .
قال الإمام مسلم :مات أبو الطفيل سنة مائة وكان آخر من مات من أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم). (١٣
قلت :فكل من مات بعده فليس من الصحابة .ومما يشير إلى عدم صحبة الراوي الذي لم ٺثبت صحبته ،روايته عن الصحابة). (١٤
__________
) (١صحيح البخاري )(٢ (٢). (٣٦٧٣
) (٢صحيح البخاري )(٣ (٣). (٣٦٥١
) (٣شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة )(٤ (٤). (١/١٨٢
) (٤الـكفاية )(٥ (٥). (٤٩
) (٥الكامل في ضعفاء الرجال )(١ (١). (٣/٢٠٨
) (٦كتاب المجروحين )(٢ (٢). (٣٤ ، ١/٣٣
) (٧المحدث الفاصل )(٣ (٣). (٧٣٤
) (٨المحدث الفاصل ) ، (٧٣٤ونحوه عن ابن ماجه )(٤ (٤). (٧٣٧
) (٩سنن ابن ماجه ) ، (٢٥والمحدث الفاصل )(١ (١) . (٧٣٧
) (١٠سنن ابن ماجة ) ، (٢٦والمحدث الفاصل )(٢ (٢). (٧٣٩
) (١١شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي ) ، ، (١/١٨٠والـكفاية )(٣ (٣). (٥١
) (١٢فتح الباري ) ، (٧/٥والـكفاية )(٤ (٤). (٥١
) (١٣تهذيب الـكمال )(٥ (٥). (١٤/٨١
) (١٤الكامل لابن عدي )(٦ (٦). (٧/٢٨٨
Shamela.org ٢٩
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وقال ابن أبي حاتم :ومنهم الصدوق الورع في دينه الثبت الذي يهم أحيانا ً ،وقد قبله الجهابذة النقاد ،فهذا يحتج بحديثه أيضاً). (٦
وقد وردت آثار عن السلف وأئمة الحديث في الحث على طلب الحديث من الثقات :
فعن سليمان بن موسى ،قال :قلت لطاوس :حدثني فلان كيت وكيت .قال :إن كان صاحبك مليا ً فخذ عنه). (٧
قال سعد بن إبراهيم :كان يقال :خذوا الحديث من الثقات) . (٨وفي رواية :لا يحدث عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم إلا
الثقات). (٩
وقال الثوري :إذا حدثك ثقة عن غير ثقة فلا تأخذ ،وإذا حدث غير ثقة عن ثقة فلا تأخذ ،وإذا حدثك ثقة عن ثقة فخذه). (١٠
وقال الأوزاعي :خذ دينك عمن ٺثق به وترضى). (١١
وكان بهز بن أسد إذا ذكر له الإسناد الصحيح :هذه شهادات الرجال العدول المرضيين بعضهم على بعض ،وإذا ذكر له الإسناد فيه
شئ قال :هذا فيه عهدة ،و يقول :لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ،ثم جحده لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين ،فدين
الل ّٰه أحق أن يؤخذ من العدول)(١٢
القسم الثاني :مردودة روايتهم .وهم منزلتان :
الأولى :لا يحتج بحديثه إذا انفرد ولا يسقط و يعتبر به في الشواهد والمتابعات :
قال ابن أبي حاتم :ومنهم الصدوق الورع المغفل ،الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط ،فهذا يكتب من حديثه الترغيب
والترهيب والزهد والآداب ،ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام). (١٣
وقال ابن مهدي :الناس ثلاثة :من حفظ عن الرجل الحافظ المتقن فهذا لا يختلف فيه ،وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا
لا يترك حديثه ،لو ترك حديث مثل هذا لذهب حديث الناس ،وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه ـ يعني لا
يحتج) (١٤ـ .انتهى .
الثانية :شديد الضعف ،والمتهم بالـكذب ،فلا يعتبر بهم في الشواهد والمتابعات :
قال ابن أبي حاتم :ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلسا ًبينهم ،ممن قد ظهر كذبه للنقاد العلماء بالرجال ،فهذا يترك حديثه وتطرح
روايته ويسقط ولا يشتغل به). (١٥
قال عروة بن الزبير :إني لأسمع الحديث فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمع سامع فيقتدي به ؛ أسمعه من الرجل لا أثق به قد
حدثه عمن أثق ،وأسمعه من الرجل أثق به قد حدث عمن لا أثق به)(١٦
قال الإمام مسلم :فأما ما كان عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم ،فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم ،كعبد الل ّٰه
بن مسور أبي جعفر المدائني ،وعمرو بن خالد ،وعبد القدوس الشامي ،ومحمد بن سعيد المصلوب ،و غياث بن إبراهيم ،وسليمان بن
عمرو أبي داود النخعي ،وأشباههم ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار .
كذلك من كان الغالب على حديثه المنكر أو الغلط ،أمسكنا أيضا ًعن حديثهم .
وعلامة المنكر في حديث المحدث ،إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا ،خالفت روايته أو لم تكد
توافقها ،فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك ،كان مهجور الحديث غير مقبولة ولا مستعملة). (١٧
قال ابن مهدي :لا يترك حديث رجل إلا رجلا ًمتهما ًبالـكذب أو رجلا ًالغالب عليه الغلط). (١٨
وقال الترمذي :كل من كان متهما ًفي الحديث بالـكذب أو كان مغفلا ً يخطئ الـكثير ،فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة
أنه لا يشتغل بالرواية عنه). (١٩
قال ابن رجب :والذي يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين والذين كثر خطؤهم للغفلة وسوء الحفظ
و يحدث عمن دونهم في الضعف مثل من في حفظه شئ ،و يختلف الناس في تضعيف وتوثيقه .وكذلك كان أبو زرعة يفعل). (٢٠
وقال أبو حاتم بن حبان :إن الـكثرة اسم يشتمل على معان شتى ،ولا يستحق الإنسان ترك روايته حتى يكون منه الخطأ ما يغلب على
صوابه ،فإذا فحش ذلك منه وغلب على صوابه ،استحق مجانبة روايته ،وأما من كثر خطؤه ،ولم يغلب على صوابه ،فهو مقبول
Shamela.org ٣٠
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
الرواية فيما لم يخطئ فيه ،واستحق مجانبة ما أخطأ فيه فقط ،مثل شرك وهشيم وأبي بكر بن عياش ،وأضرابهم كانوا يخطئون فيكثرون
،فروى عنهم واحتج بهم كتابة ،وحماد واحد من هؤلاء). (٢١
قال الحميدي :فإن قال قائل :فما الحجة في الذي يغلط فيكثر غلطه ؟ قلت :مثل الحجة على الرجل الذي يشهد على من أدركه ،ثم يثبت
على تلك الشهادة فلا يرجع عنها ،ولأنه إذا أكثر ذلك من لم يطمأن إلى حديثه وإن رجع عنه ،لما يخاف أن يكون مما يثبت عليه من
الحديث مثل ما رجع عنه ،وليس هكذا الرجل يغلط في الشئ ،فيقال له فيه فيرجع ولا يكون معروفا ًبكثرة الغلط)(٢٢
قلت :وفائدة تقسيم الرواة إلى درجات هي قوة الاعتبار بهم ،وشد حديثهم إذا وهن ،وفيما إذا اختلفوا ترجح رواية الأقوى .
وأما الرواة المتأخرون ،فيتخفف في شروط الثقة لديهم .
قال ابن الصلاح :أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في الحديث ومشايخه ؛ فلم يتقيدوا
بها في رواياتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم ،وكان عليه ما تقدم .
ووجه ذلك :ما قدمناه في أول كتابنا هذا من كون المقصود المحافظة على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد والمحاذرة من انقطاع سلسلتها
.
فليعتبر من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض على تجرده ،وليكف في أهلية الشيخ بكونه مسلما ً بالغا ً عاقلا ً غير متظاهر بالفسق
والسخف ،وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتا ً بخط غير متهم ،وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه .
وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي رحمه الل ّٰه تعال ؛ فإنه ذكر فيما رويناه عنه توسع من توسع في السماع من
بعض محدثي زمانه الذي لا يحفظون حديثهم ،ولا يحسنون قراءته من كتبهم ،ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة من
أصل سماعهم .
ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقعت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز
أن يذهب شئ منها على جمعيهم ،وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشر يعة حفظها .
قال البيهقي :فمتى جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرو يه ينفرد بروايته ،
والحجة قائمة بحديثه برواية غيرة .والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث شرفا ًلنبينا المصطفى صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم .والل ّٰه
أعلم) . (٢٣انتهى كلام ابن الصلاح رحمه الل ّٰه .
__________
) (١تقدمه الجرح والتعديل )(١ (١). (١٠ ، ٦
) (٢سير أعلام النبلاء )(٢ (٢). (١٤/٥٠٤
) (٣مقدمة صحيح مسلم )(٣ (٣). (١١
) (٤الكامل لابن عدي )(٤ (٤). (١/٨٨
) (٥تقدمة الجرح والتعديل )(٥ (٥). (١٠ ، ٦
) (٦تقدمة الجرح والتعديل )(٦ (٦). (١٠ ، ٦
) (٧مقدمة صحيح مسلم )(٧ (٧). (١٥
) (٨الجرح والتعديل )(٨ (٨). (٢/٢٩
) (٩مقدمة صحيح مسلم )(٩ (٩). (١٥
) (١٠الجرح والتعديل )(١ (١). (٢/٢٩
) (١١الجرح والتعديل )(٢ (٢). (٢/٢٩
) (١٢الجرح والتعديل ) ، (٢/١٦والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي )، (١/١٤٨ومثله ورد عن أبي غسان بن عمرو الرازي .
أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع )(٣ (٣) . (١٢٨ ، ١/١٢٧
) (١٣تقدمة الجرح والتعديل )(٤ (٤). (١٠ ، ٦
) (١٤الجرح والتعديل )(٥ (٥). (٢/٣٨
Shamela.org ٣١
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ٣٢
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
ومنها :سكناه في بلد نائية كالبادية ؛ مثل مدلاج بن عمرو السلمي ،قال أبو حاتم :مجهول). (١٤
ومنها :تدليس الشيوخ ،وهو تعمية الراوي أمر شيخه ،فيذكره بغير ما اشتهر به .
قال الذهبي :علي بن سويد شيخ ليحيى الحماني لا يعرف فيقال :هو معلى بن هلال دلسه الحماني)(١٥
قال وكيع :من كنى من يعرف بالاسم وسمى من يعرف بالـكنية فقد جهل العلم). (١٦
ولهذه الأسباب وغيرها يقل الرواة عنه مما يؤدي إلى عدم شهرته .وهي أيضا ً نسبية فيكون معروفا ً عند قوم ،مجهولا ً عند آخرين ،
مثل :بيان بن عمرو البخاري العابد) ، (١٧روى عنه البخاري وأبو زرعة وجماعة ،قال ابن عدي :عالم جليل له غرائب ،وقال أبو
حاتم :مجهول). (١٨
ونعرف جهالة الراوي أيضا ًبعدم معرفته عند من كان مطلعا ًعلى الأسانيد ،مهتما ًبالرجال وسبر أحوالهم .
وقال عثمان بن سعيد الدارمي :قلت ليحي بن معين :مالك بن عبيدة الديلي ،تعرفه ؟ قال :ما أعرفه .
قال أبو محمد بن أبي حاتم :يعني مجهول). (١٩
وقال عثمان بن سعيد الدارمي :سألت يحيى عن عبد الرحمن بن آدم كيف هو ؟ فقال :لا أعرفه .
قال ابن عدي :وهذان الاسمان اللذان ذكرهما عثمان عن ابن معين ،فقال :لا أعرفهما ،وإذا قال مثل ابن معين :لا أعرفه ،فهو
مجهول غير معروف ،وإذا عرفه غيره ولا يعتمد على معرفة غيره ،لأن الرجال بابن معين تسبر أحوالهم). (٢٠
قلت :هذا الكلام يطرد فيمن كان من طبقة شيوخ ابن معين ومن فوقهم من القدماء ،ولا يطرد فيمن كان في طبقة يحيى ومن
دونه وخاصة من غير بلده ؛ كالمصر يين ونحوهم .
ومعنى قول ابن عدي لا يعتمد على معرفة غيره :ألا يصير معروفا ًعند أهل العلم ،بل يبقى على جهالته ،وإن عرف حكمه من حيث
الجرح والتعديل ؛ لأنه لا مخالفة بين الجرح والتعديل والجهالة .
وتقترن الجهالة بالتوثيق وبالتجريح مما يدل على أنه ليس المجهول من جهل ضبطه دائما ً ،ومنه قول أبي حاتم الرازي في محمد بن طهمان
:مجهول لا بأس به) . (٢١وقول الذهلي في عبد الل ّٰه بن ز ياد الرصافي :مجهول مقارب الحديث). (٢٢
وكقول البخاري في الحسن بن ميسرة :منكر الحديث مجهول) . (٢٣وقول أبي حاتم في الحسن بن شداد الجعفي :مجهول فيه
نظر) . (٢٤وقول أبي زرعة الرازي في أبي القاسم الضرير :لا أدري عنه وهو منكر الحديث) . (٢٥وبما سبق تعلم فساد تعر يف
المجهول بأنه من لا يعرف فيه جرح ولا تعديل .نعم ؛ كل من لا يعرف فيه جرح ولا تعديل فهذا قربنه على جهالته ،ولـكن لا
عكس .
وقال ابن عدي :حاجب لا ينسب ،وإن لم ينسب كان مجهولاً). (٢٦
وقال ابن معين :ربيع الغطفاني لا أعرفه .وقال ابن عدي :وأنا لا اعرفه ولا أدري من يروي عنه وعم ّن يروي ولم ينسب ابن من
؟ ،فهو مجهول من كل جهاته) . (٢٧وقال :وإذا لم يعرف الرجل وكان مجهولا ًكان حديثه مجهولاً). (٢٨
فالجهالة ليست بجرح ولا تعديل كما أن الشهرة ليست كذلك أيضا ً؛ فبعض الرواة مشهورون ولـكن بالـكذب ،ونخلص من ذلك أن
معناها عند النقاد على المعنى اللغوي مخصصا ًبالسياق الحديثي .
قال الحافظ الذهبي :والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح). (٢٩
وقال في محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب :ما علمت به بأسا ً ،ولا رأيت لهم فيه كلاما ً ،وقد روى له أصحاب السنن الأربعة فما
استنكر له حديث)(٣٠
قلت :شرط العدالة في قبول المجهول متوفر ،ليس كتوفرة في الرواة المشهورين ،وذلك بدلالة استقامة الأحاديث التي رواها مع
السلامة من قدحه). (٣١
وذلك مثل عبيد الل ّٰه بن عبد الل ّٰه بن موهب القرشي) . (٣٢قال الشافعي :لا نعرفه ، ،وقال أحمدبن حنبل :لا يعرف). (٣٣
Shamela.org ٣٣
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وقال أبو إسحاق السعدي :لا يعرف وأحاديث متقاربة من حديث أهل الصدق). (٣٤
وقال ابن حبان :روى عنه ابنه يحيى بن عبيد الل ّٰه وهو لا شئ ،وأبوه ثقة ،وإنما وقع المناكير في حديث أبيه من قبل ابنه يحيى)(٣٥
.
وأما قول الذهبي رحمه الل ّٰه ) روى عنه جماعة ( فهذا ليس شرطا ً.
قال الإمام أبو عبد الل ّٰه النيسابوري في كتابه المدخل إلى الإكليل :
القسم الثالث من الصحيح المتفق عليها :أخبار جماعة من التابعين عن الصحابة ،والتابعون ثقات ،إلا أنه ليس لكل واحد منهم إلا
الراوي الواحد ،مثل محمد بن حنين ،وعبد الرحمن بن فروخ ،وعبد الرحمن بن معبد ،وز ياد ابن الحرث ،وغيرهم ،ليس لهم راو
وإلا عمرو بن دينار وهو إمام أهل مكة .وكذلك الزهري محمد بن مسلم ،تفرد بالراو ية عن جماعة من التابعين ،منهم عمرو بن أبان بن
عثمان ،ومحمد بن عروة بن الزبير ،وعقبة بن سويد الأنصاري ،وسنان بن أبي سنان ،وغيرهم ،وتفرد يحيى بن سعيد الأنصاري
عن جماعة من التابعين بالرواية ،منهم يوسف بن مسعود الزرقي ،وعبد الل ّٰه بن أنيس الأنصاري ،وعبد الرحمن بن المغيرة ،وغيرهم .
وليس في الصحيح من هذه الروايات شئ ،وكلها صحيحة بنقل العدل عن العدل متداولة بين الفر يقين محتج بها) . (٣٦انتهى .
قال الذهبي في ترجمة أسقع بن الأسلع :ما علمت روى عنه سوى سويد بن حجير الباهلي وثقة مع هذا يحيى بن معين ،فما كل من لا
يعرف ليس بحجة لـكن هذا هو الأصل) . (٣٧انتهى .
قلت :فحديث المجهول الذي لا تعلم حاله يتوقف فيه إلى أن تدل القرائن على قبوله وإلا رد.
قال الثوري :إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه :أسمع الحديث من الرجل أتخذه دينا ً ،وأسمع من الرجل أقف فيه ،وأسمع من
الرجل لا أعبأ به وأحب معرفته). (٣٨
وقال الجوزجاني :أبو إسحاق ـ السبيعي ـ روى عن قوم لا يعرفون ،ولم ينتشر عنهم عند أهل العلم إلا ما حكى أبو إسحاق عنهم ،فإذا
روى تلك الأشياء التي إذا عرضتها الأمة على ميزان القسط الذي جرى عليه سلف المسلمين وأئمتهم الذين هم الموئل لم ٺتفق عليها ،
كان الوقف في ذلك عندي الصواب ؛ لأن السلف أعلم بقول رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم وتأو يل حديثه الذي لا
أصل عندهم). (٣٩والراوي الذي لم يشتهر ولـكن روى بعض الأحاديث التي استقامت يقبل حديثه .
وقال الخطيب البغدادي :من لم يرو عنه غير حديث أو حديثين ولم يعرف بمجالسة العلماء ،وكثرة
الطلب ،غير أنه ظاهر الصدق ،مشهود بالعدالة ،قبل حديثه ،حرا ً كان أو عبدا ً ،وكذلك إن لم يكن من أهل العلم بمعنى ما روى
لم يكن بذلك مجروحا ً؛ لأنه ليس يؤخذ عنه فقه الحديث ،وإنما يؤخذ منه لفظه). (٤٠
والمجهولون على درجات ،قال الذهبي رحمه الل ّٰه :أما المجهولون من الرواة ؛ فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل
حديثه وتلقي بحسن الظن ،إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ
وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره ،و يختلف ذلك باختلاف جلاله الراوي عنه ،وتجربة وعدم تجربة
ذلك .
وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم فهو أضعف لخـبره لا سيما إذا انفرد به). (٤١
وقال ابن أبي حاتم :باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنه تقو ية ،وعن المطعون عليه أنها لا تقو يه .
__________
) (١الـكفاية )(٢ (٢). (٨٨
) (٢جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر )(٣ (٣). (٢/١٢٨
) (٣تهذيب التهذيب )(٤ (٤). (١/٢٦٨
) (٤معرفة علوم الحديث )(٤ (٤). (٦٢
) (٥السنن الـكبرى )(٥ (٥). (١/٢٤٥
) (٦الـكفاية )(١ (١). (٩٨
) (٧الكامل في ضعفاء الرجال )(٢ (٢). (٣/٣٨٩
Shamela.org ٣٤
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ٣٥
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
قلت :وإن كان الراوي عن المجهول ممن لا يروي إلا عن ثق كان ذلك أرفع لحديثه وأوقى لعدالته .
وممن لا يروي إلا عن ثقة :عامر بن شراحيل الشعبي ،والحسن البصري ،ومحمد بن سيرين ،وعروة بن الزبير ،و يحيى بن أبي كثير
،وابن أبي ذئب ،وشعبة بن الحجاج ،وإسماعيل بن أبي خالد ،ومنصور بن المعتمر ،ومالك ابن أنس ،و يحيى بن سعيد القطان ،
وعبد الرحمن بن مهدي في آخر أمره ،وغيرهم .
وقال أبو حاتم الرازي :محمد بن أبي رزين شيخ بصري لا أعرفه ،لا أعلم من روى عنه غير سليمان بن حرب ،وكان سليمان بن
حرب قل أن يروي عن المشايخ ،فإذا رأيته قد روى عن شيخ فاعلم أنه ثقة). (٤
وقال الحميدي في وصفه للحديث الثابت :متصل غير مقطوع معروف الرجال ،أو يكون حديثا ًمتصلا ًحدثنيه ثقة معروف عن رجل
جهلته وعرفه الذي حدثني عنه فيكون ثابتا ًيعرفه من حدثنيه حتى يصل إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) . (٥انتهى المراد منه .
وقال المعلمي :والحكم فيمن روى عنه أولئك المحتاطون أن يبحث عنه ،فإن وجد أن الذي روى عنه قد جرحه تبېن أن روايته عنه
كانت على وجه الحكاية فلا تكون توثيقا ً ،وإن وجد غيره قد جرحه جرحا ً أقوى مما تقتضيه روايته عنه ترجح الجرح ،وإلا فظاهر
روايته عنه التوثيق). (٦انتهى .
قلت :وقد كانوا يكتبون أحاديث الضعفاء للمعرفة ،ويتساهلون في التحديث أثناء المذاكرة فيحدثون عن كل من رووا عنه ،ولذلك
فتحمل تساهلهم في التحديث عن الـكذابين وغيرهم ،على التحديث أثناء المذاكرة أو للتعجب .
قال سفيان الثوري :إذا جاءت المذاكرة جئنا بكل ،وإذا جاء التحصيل جئنا بمنصورين المعتمر). (٧
وقال أبو داود السجزي :حدث شعبة عن جماعة من الضعفاء :عن مسلم الأعور والعرزمي وعمرو بن عبيد وموسى بن عبيدة وجابر
الجعفي والحسن ابن عمارة ،وكان شعبة يقول :لا يحل لي أن أحدث عن احسن بن عمارة .
وقال :قد حدث يحيى ـ يعني القطان ـ عن مشايخ ضعفاء على نقده للرجال :أجلح ومجالد وجعفر بن ميمون صاحب الأنماط ،وكان
يحدث عن عمرو بن عبيد ثم تركه بآخره ،وحدث عن موسى الأسواري ثم تركه). (٨
وقال أبو حاتم بن حبان :وأما شعبة وغيره من شيوخنا فإنهم رأوا عند جابر الجعفي أشياء لم يصبروا عنه وكتبوها ليعرفوها ،فربما ذكر
أحدهم الشئ بعد الشئ على جهة التعجب فتداوله الناس بينهم ،والدليل على صحة ما ذكرنا أن وكيعا ًقال لشعبة :مالك تركت فلانا ً
وفلانا ًورويت عن جابر الجعفي ؟ قال :روى أشياء لم نصبر عنها .
وقال محمد بن أبي رافع :رأيت أحمد بن حنبل في مجلس يزيد بن هارون ومعه كتاب زهير عن جابر ر ،وهو يكتبه ،فقلت :يا أبا عبد
الل ّٰه تنهوننا عن حديث جابر وتكتبونه ؟! قال :نعرفه). (٩
وهم متفاوتون في انتقاء المشايخ فمنهم المتسمح ومنهم المتوقي والمتشدد .
قال القعنبي :سمعت مالكا ًيقول لسفيان الثوري :لا تكتب عن رجال فيهم ما فيهم ،فغضب .قال :فقال شعبة :لا تأخذوا عن
سفيان الثوري إلا عن رجل تعرفون،فإنه لا يبالي عمن حصّ ل الحديث)(١٠
قال الذهبي :مروان بن معاوي الفزاري ،ثقة عالم صاحب حديث لـكن يروي عمن ذهب ودرج ،فيستأنى في شيوخه .قال ابن
المديني :ثقة فيما روى عن المعروفين) . (١١وقال ابن نمير :كان يلتقط الشيوخ من السكك). (١٢
قلت :وإن كان الراوي عن المجهول موصوفا ًبتدليس الشيوخ ،فإن ذلك مما يوهنه .
قال أبو حاتم :إن محمدا ً بن سعيد صلب في الزندقة ،والناس يموهون في الرواية عنه ،فيقلبون اسمه حتى لا يفطن له ،مروان بن
معاو ية يسميه محمدا ً بن أبي قيس ،وعبد السلام بن حرب :يقول :محمد بن حسان ،ومنهم من يقول :أبو عبد الل ّٰه الشامي ،ومنهم
من يقول:أبو عبد الرحمن الأردني)(١٣
وقال ابن حبان رحمه الل ّٰه :فلا يجوز الاحتجاج بخـبر من في روايته كنية إنسان لا يدرى من هو ،وإن كان دونه ثقة ؛ لأنه يحتمل
أن يكون كذابا ًكنى عن ذكره) . (١٤انتهى .
Shamela.org ٣٦
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وممن يدلس الشيوخ :مروان بن معاو ية الفزاري ،وبقية بن الوليد ،والوليد بن مسلم ،وعبد الرحمن بن محمد المحاربي ،ومحمد بن إسحاق
،وهشيم بن بشير الواسطي .
وقال ابن المبارك :نعم الرجل بقية ،لولا أنه يكني الأسامي ويسمي الـكنى ،كان دهرا ً يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي ،فنظرنا فإذا
هو عبد القدوس). (١٥
ولـكن يلاحظ أن تدليس اشيوخ قد يكون سببه الإغراب والتكثر من الشيوخ .وإن لم يكن الذي
عمي في الإسناد ضعيفا ً .وكان يفعل ذلك سفيان الثوري .وأوهى مراتب المجهولين الذين لم يرو
عنهم إلا الضعفاء .
قال ابن حبان :أما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متركون على الأحوال كلها). (١٦
وقال) :…(١٧زعم ابن معين أن أبان بن عبد الل ّٰه الرقاشي ضعيف ،وهذا شئ لا يتهيأ لي الحكم به ؛ لأنه لا راوي له عنه إلا ابنه
يزيد ،ويزيد ليس بشئ في الحديث ،فلا أدري التخليط في خبره منه أم من أبيه ؟ على أنه لا يجوز الاحتجاج بخـبره على الأحوال
كلها ؛ لأنه لا راوي له غير ابنه .
قلت :ولما كانت الجهالة بهذا المعنى فإن جهابذة النقاد صيارفة الحديث تارة يصححون أحاديث المجاهيل ،وتارة يردونها ،وإليك
بعض الأمثلة المصرحة بذلك :
قال عبد الخالق بن منصور :سألت يحيى بن معين عن حاجب فقلت :أترى أن أكتب عنه ؟ فقال :ما أعرفه ،أما أحاديث
فصحيحة .فقلت :أترى أن أكتب عنه ؟ فقال :ما أعرفه وهو صحيح الحديث ،وأنت أعلم). (١٨
وسأل الدارمي ابن معين عنه أبي دراسة ما حاله ؟ فقال :إنما يروي حديثا ًواحدا ً ليس به بأس). (١٩
وقال ابن الجنيد :سألت يحيى عن حديث شر يك عن علي بن علي عن إبراهيم قال :سمع علقمة مؤذنا ً بليل ،فقال :خالف هذا
أصحاب محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم ،لو بات على فراشه كان خيرا ً له .
قلت ليحيى :من علي بن علي هذا ؟ قال :هذا علي بن السائب ،كوفي ثقة ،يحدث عن شر يك .قلت :من يحدث عنه غير شر يك
؟ قال :ما علمت أحدا ً يحدث عنه غير شر يك). (٢٠
وقال أحمد في خالد بن عمير :لا أحد روى عنه غير الأسود بن شيبان ولـكنه حسن الحديث .وقال مرة :حديثه عندي صحيح)(٢١
.
وقال في عبيد الل ّٰه بن موهب التيمي :أحاديث مناكير ولا يعرف هو ولا أبوه). (٢٢
وقال ابن أبي حاتم :أحمد بن المنذر بن الجارود القزاز ...سألت أبي عنه فقال :لا أعرفه وعرضت عليه حديث فقال :حديث
صحيح). (٢٣
وقال عن أحمد بن إبراهيم :أبو صالح الخراساني شيخ مجهول والحديث الذي رواه صحيح). (٢٤
وقال في مغيرة بن أمي البصري المنقري:لا أعلم روى عنه غير ابنه عبد العزيز وأرى حديثه مستقيماً)(٢٥
وقال أبو حاتم عبد الوهاب بن الحسن :أحاديث مناكير ولا أعرفه). (٢٦
وقال أبو داود السجستاني في يحيى بن عباد السعدي :لا أعرفه وحديثه منكر). (٢٧
وإني ممثل بمثالين يتضح بهما ـ إن شاء الل ّٰه ـ قبول حديث المجهول ورده :
المثال الأول :حديث أبي فزارة عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن ابن مسعود رضي الل ّٰه عنه قال :دعاني رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه
عليه وسلم ليلة الجن بوضوء ،فقلت :يا رسول الل ّٰه ما معي إلا نبيذ في إداوة ،فقال )) :ثمرة طيبة وماء طهور ((). (٢٨
قال أبو عيسى الترمذي :وإنما روى هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الل ّٰه عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وأبو زيد رجل مجهول عند
أهل الحديث ،لا تعرف له رواية غير هذا الحديث). (٢٩
وقال البخاري :أبو زيد رجل مجهول ،لا يعرف بصحبة عبد الل ّٰه ،وروى علقمة عن عبد الل ّٰه أنه قال :لم أكن ليلة الجن مع رسول
Shamela.org ٣٧
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ٣٨
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ٣٩
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ٤٠
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ٤١
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
ومنهم إسماعيل بن عياش ،قال البخاري :إذا حدث عن أهل بلده فصحيح ،وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر). (٣٩
الثالث :من حدث عنه أهل إقليم فحفظوا حديثه ،وحدث عنه غيرهم فلم يقيموا حديثه .
ومنهم زهير بن محمد الخراساني قال ابن عدي :لعل الشاميين حيث رووا عنه أحطأوا عليه ،فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فرواياتهم
عنه شبه المستقيم ،وأرجو أنه لا بأس به). (٤٠
ومنهم من ضعف حديثه إذا جمع الشيوخ دون ما إذا أفردهم). (٤١
قال الحافظ بن رجب :الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة ،فالظاهر أن لفظهم لم يتفق ،فلا يقبل هذا
الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه ،يعرف إتقان شيوخه واختلافهم ،كما كان الزهري يجمع بين الشيوخ له في حديث الإفك وغيره .
وكان الجمع بين الشيوخ ينكر على الواقدي وغيره ممن لا يضبط هذا ،كما أنكر على ابن إسحاق وغيره ،وقد أنكر شعبة أيضا ً على عوف
الأعرابي) . (٤٢انتهى .
وقال الإمام أحمد في رواية المروزي :ابن إسحاق حسن الحديث ،لـكن إذا جمع بين رجلين .قلت :كيف ؟ قال :يحدث عن
الزهري وآخر يحمل حديث هذا على هذا). (٤٣
__________
) (١شرح علل الترمذي )(٣ (٣). (٣٠٨
) (٢شرح علل الترمذي )(٤ (٤). (٣١٣
) (٣ميزان الاعتدال )(٥ (٥). (٤/٣٠١
) (٤كتاب المجروحين ) ، (١/٦٨والـكفاية في علم الرواية )(٦ (٦). (١٣٦
) (٥ميزان الاعتدال )(٧ (٧). (١/٦٥٩
) (٦الـكفاية )(٨ (٨). (١٣٦
) (٧كتاب المجروحين )(٩ (٩). (١/٦٨
) (٨تهذيب الـكمال ) ، (٢٠/٩٠والمراسيل لابن أبي حاتم )(٩ (٩). (١٣٠
) (٩تهذيب الـكمال )(١٠ (١٠). (١٣/١٠٠
) (١٠الكامل )(١ (١). (١/٣٩٢
) (١١انظر :التقييد والإيضاح )(٢ (٢). (٤٢٦
) (١٢الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان )(٣ (٣). (١/١٦١
) (١٣شرح علل الترمذي )(٤ (٤). (٣١٧
) (١٤الـكفاية )(٥ (٥). (١٣٧
) (١٥الجرح والتعديل )(١ (١). (٦/٣٣٤
) (١٦تهذيب الـكمال )(٢ (٢). (٤/٥٢٨
) (١٧ميزان الاعتدال )(٣ (٣). (١/٤٦٤
) (١٨شرح علل الترمذي )(٤ (٤). (٣١٨
) (١٩سير أعلام النبلاء )(٥ (٥). (١٠/٢٥٤
) (٢٠تهذيب الـكمال )(٦ (٦). (١١/١٠
) (٢١الـكفاية في علم الرواية )(٧ (٧). (١٣٦
) (٢٢هدي الساري )(٨ (٨). (٤٣٤
) (٢٣شرح علل الترمذي )(٩ (٩). (٣٢٠
) (٢٤سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي )(١ (١). (٢/٧٤٢
) (٢٥التنكيل )(٢ (٢). (١/٢٢٨
) (٢٦تهذيب الـكمال )(٣ (٣). (١٢/٢٥١
) (٢٧تهذيب الـكمال )(٤ (٤). (١٢/٢٥٠
) (٢٨الجرح والتعديل )(٥ (٥). (٢/٣٤
Shamela.org ٤٢
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ٤٣
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
تعديله ،كأبي الفتح الأزدي الموصلي ،فإن في لسانه رهقا ًفي الجرح و يجرح المجهولين ،و يكثر ذلك منه ،وضعفه البرقاني والخطيب
البغدادي وأهل الموصل .
وقال الذهبي :وعليه في كتابه في الضعفاء مؤاخذات ،فإنه ضعف جماعة بلا دليل ،وقد يكون غيره وثقهم). (٩
القاعدة الثالثة :النظر في كلام الناقد ،وكيف صدر ،وملابسات صدور هذا الحكم .
اعلم أن الأحكام على الرواة المنقولة عن النقاد على مراتب :
المرتبة الأولى :حكم لا يخالفه غيره إلا لتغير الاجتهاد .وهو ما قصد به الحكم على الراوي بالنظر
إلى جميع مرو ياته وحاله من الضبط وعدمه فيها .
المرتبة الثانية :حكم الأصل فيه على أنه على بابه ،ولـكن إذا نقل عن الناقد أو غيره ما يخالفه لم يعتد به ،و يكون في صور :
الصورة الأولى :أن يسأل الناقد عن روايين أحدهما دون الآخر في الحفظ ،فيحكم على أحدهما
بالضعف أو التوثيق ،أي :بالنسبة للآخر وقد يكونون ضعفاء ،وقد يكونون ثقات). (١٠
قال عثمان الدارمي :سألت ابن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه كيف حديثهما ؟ فقال :ليس به بأس .قلت :هو أحب
إليك من سعيد المقبري ؟ فقال :سعيد أوثق والعلاء ضعيف). (١١
قال ابن حجر :يعني بالنسبة إليه ،يعني كأنه لما قال :أوثق ،خشي أنه يظن أنه يشاركه في الصفة وقال :إنه ضعيف) . (١٢انتهى .
الصورة الثانية :أن يجمع الرواة في حكم كالتوثيق مثلا ً ،فإن اختلف هذا مع أحكامه الأخرى فيحمل على أن له حظا ًمن التوثيق)(١٣
،أو يكون حكما ًعلى التغليب .
وقال يحيى بن معين :معاو ية بن يحيى الصدفي ،روى عنه الزهري ،ومعاو ية بن يحيى الآخر الأطرابلسي ،ضعاف ليسوا بشئ .انتهى
.
ومعاو ية الصدفي ضعيف ،قال فيه ابن معين :هالك ليس بشئ). (١٤
وقال معاو ية الأطرابلسي :ليس به بأس .وقال مرة :هو أقوى من معاو ية بن يحيى الصدفي .وقال مرة أخرى :صالح ،ليس
بالقوي). (١٥
وحاصل ذلك :أن أبا مطيع فيه شئ من الضعف ولا ينزل إلى ضعف الصدفي ،ولـكنه لما جمعهما في حكم واحد كان حكمه ليس
على ظاهره وإنما أراد له حظا ًمن الضعف .
الصورة الثالثة :أن يحكم الناقد عليه في صدد النظر في حديث خاص من روايته .
قال عبد الرحمن بن القاسم :قيل لمالك :إن ناسا ًمن أهل العلم يحدثون .قال :من هم ؟ فقيل له :ابن عجلان يعرف هذه الأشياء
ولم يكن عالما ً.
قال الذهبي معقبا ً :قال مالك هذا لما بلغه أن ابن عجلان حدّث بحديث )) :خلق الل ّٰه آدم على صورته (( .ولابن عجلان فيه متابعون
،وخّرج في الصحيح). (١٦
وقال أحمد بن القاسم :رأيت أحمد ضعيف رواية عكرمة ولم ير روايته حجة .قال أبو بكر الخلال :هذا في حديث خصا ،وعكرمة عند
أبي عبد الل ّٰه ثقة يحتج بحديثه). (١٧
وقال المعلمي رحمه الل ّٰه :ينبغي أن تعلم أن كلام المحدث في الراوي يكون على وجهين :
الأول :أن يسأل عنه فيجيل فكره في حاله في نفسه وروايته ،ثم يستخلص من مجموع ذلك معنى يحكم به .
الثاني :أن يستقر في نفسه هذا المعنى ثم يتكلم في ذاك الراوي في صدد النظر في حديث خاص من روايته ،فالأول هو الحكم المطلق
الذي لا يخالفه حكم آخر مثله إلا لتغير الاجتهاد .
أما الثاني فإنه كثيرا ً ما ينحى به نحو حال الراوي في ذاك الحديث) . (١٨انتهى .
وقد قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني :قد يخطر على قلب المسؤول عن الرجل من حاله في الحديث وقتا ً :ما ينكره قلبه ،فيخرج
Shamela.org ٤٤
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
الجواب على حسب النكرة التي في قلبه ،و يخطر له ما يخالفه في وقت آخر ،فيجيب على ما يعرفه في الوقت منه ويذكره ،وليد ذلك
تناقضا ًولا إحالة ،ولـكنه قول صدر عن حالين مختلفين ،يعرض أحدهما في وقت والآخر في غيره). (١٩
المرتبة الثالثة :حكم لا يلتفت إليه بالنسبة لقبول رواية المحدث أو ردها .و يكون فيه الناقد متأثرا ً في حكمه بما لا يقدح في الراوي ،
وهذه الحالة نادرة ،وقد نبه العلماء عليها ،كقدح الساخط ومدح المحب .
قال المعلمي :والعالم إذا سخط على صاحبه فإنما يكون سخطه لأمر ينكره ،فيسبق إلى النفس ذاك الإنكار وتهوى ما يناسبه ،ثم ٺتبع ما
يشاكله وتميل عند الاحتمال والتعارض إلى ما يوافقه ،فلا يؤمن أن يقوى عند العالم جرح من هو ساخط عليه لأمر لولا السخط
لعلم أنه لا يوجب الجرح ،وأهل العلم يمثلون لجرح الساخط بكلام النسائي في أحمد بن صالح .
هذا وكل ما يخشى في الذم والجرح يخشى في الثناء والتعديل ؛ فقد يكون الرجل ضعيفا ًفي الرواية لـكنه صالح في دينه كابان بن أبي
عياش ،أو غيور على السنة كمؤمل بن إسماعيل ،أو فقيه كمحمد بن أبي ليلى ،فتجد أهل العلم ربما يثنون على الرجل من هؤلاء غير
قاصدين الحكم له بالثقة في روايته .وقد يرى العالم أن الناس بالغوا في الطعن فيبلغ في المدح ،كما يروى عن حماد بن سلمة أنه ذكر أنه
طعن شعبة في أبان بن أبي عياش ،فقال :أبان خير من شعبة) . (٢٠انتهى .
ويدخل فيه :كلام أهل المذاهب في مخالفيهم ؛ كقدح الجوزجاني في الـكوفيين .
ويدخل فيه :كلام الأقران بعضهم في بعض ،قال الذهبي رحمه الل ّٰه :محمد بن عبد الل ّٰه بن سليمان
حط عليه محمد بن عثمان بن أبي شيبة ،وحط على ابن أبي الحضرمي ،الحافظ ،محدث الـكوفة ّ ،
شيبة ،وآل أمرهما إلى القطيعة .ولا يعتد بحمد الل ّٰه بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض).(٢١
قلت :هذا فيمن ٺثبت عدالتهم بيقين فلا يقبل فيه الجرح إلا مفسراً) ، (٢٢أما فيمن لم ٺثبت ،وكان الجارح ورعا ً ـ وكذلك كان
أئمة السنة ـ فإنه يقبل ،وإلا رد كلام أهل السنة في أهل الرأي والبدعة والز يغ بحجة المعتقد والمنهج .
وقال المعلمي :ومع هذا كله فالصواب في الجرح والتعديل هو الغالب ،وإنما يحتاج إلى التثبت والتأمل فيمن جاء فيه تعديل وجرح ،
ولا يسوغ ترجيح التعديل مطلقا ً بأن الجارح كان ساخطا ً على المجروح ،ولا ترجيح الجرح مطلقا ً بأن المعدل كان صديقا ً له ،وإنما
يستدل بالسخط والصداقة على قوة احتمال الخطأ إذا كان محتملا ً ،فأما إذا لزم من اطراح الجرح أو التعديل نسبة من صدر منه ذلك
إلى افتراء الـكذب أو تعمد الباطل أو الغلط الفاحش الذي يندر وقوع من مثله ،فهذا يحتاج إلى بينة أخرى ،لا يكفي فيه إثبات أنه
كان ساخطا ًأو محباً). (٢٣
القاعدة الرابعة :الاستفادة من طر يقة الحفاظ العملية تجاه هذا الراوي ،حيث يفسر كلامهم بتطبيقهم العملي .
قال المعلمي :التحقيق أن كلا ًمن التعديل والجرح الذي لم يبن سببه يحتمل وقوع الخلل فيه ،والذي ينبغي أن يؤخذ به منهما هو ما
كان احتمال الخلل قيه أبعد من احتماله في الآخر ،وهذا يختلف ويتفاوت باختلاف الوقائع ،والناظر في زماننا لا يكاد يتبين له
الفضل في ذلك إلا بالاستدلال بصنيع الأئمة كما إذا وجدنا البخاري ومسلما ًقد احتجا أو أحدهما براو سبق ممن قبلهما فيه جرح غير
مفسر ،فإنه يظهر لنا رجحان التعديل غالبا ً ،وقس على هذا .
لـكن ينبغي النظر في كيفية رواية الشيخين عن الرجل فقد يحتجان أو أحدهما بالراوي في شئ وقد لا يحتاج به ،وإنما يخرجان له
ما توبع عليه ،ومن ٺتبع ذلك وأمعن فيه النظر علم أنهما في الغالب لا يهملان الجرح ألبتة ،بل يحملانه على أمر خاص أو على لين
في الراوي لا يحطه عن الصلاحية به فيما ليس مظنة الخطأ أو فيما توبع عليه ونحو ذلك ،راجع الفصل التاسع من مقدمة فتح
الباري). (٢٤
القاعدة الخامسة :معرفة الألفاظ التي يستخدمها الناقد وتفسيرها .
قال الذهبي :ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من العبارات المتحاذبة .
ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام :عرف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته
Shamela.org ٤٥
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
الـكثيرة). (٢٥
__________
) (١التنكيل )(٥ (٥). (١/٦٢
) (٢التنكيل ) ١/٦٤ـ (٦ (٦). (٦٥
) (٣ميزان الاعتدال )(٧ (٧). (١/١٦
) (٤سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني )(١ (١). (٩٥٦
) (٥سؤالات حمزة بن يوسف السهمي )(٢ (٢). (١٦٦
) (٦أدرجت عنوان القاعدة الثانية
) (٧التنكيل )(٣ (٣). (١/٦٢
) (٨ميزان الاعتدال )(٤ (٤). (٢٢٧ ، ٣/٢٢٦
) (٩سير أعلام النبلاء )(٥ (٥). (١٦/٣٤٨
) (١٠التنكيل )(١ (١). (١/٦٥
) (١١تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين )(٢ (٢). (٦٢٤ ، ٦٢٣
) (١٢تهذيب التهذيب )(٣ (٣). (٨/١٦١
) (١٣التنكيل )(٤ (٤). (١/٣٦٢
) (١٤تهذيب الـكمال )(٥ (٥). (٢٨/٢٢٢
) (١٥تهذيب الـكمال )(٦ (٦). (٢٨/٢٢٥
) (١٦ميزان الاعتدال )(١ (١). (٣/٣٢٦
) (١٧شرح علل الترمذي )(٢ (٢). (١٩٤
) (١٨التنكيل )(٣ (٣). (١/٣٦٣
) (١٩جواب الحافظ المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل )(٤ (٤). (٨٩
) (٢٠التنكيل ) ، (١/٥٦وانظر :ميزان الاعتدال )(١ (١). (١٠٤ ، ١/١٠٣
) (٢١ميزان الاعتدال )(١ (١). (٣/٦٠٧
) (٢٢السنن الـكبرى للبيهقي ) ، (١٠/١٢٤وجامع بيان العلم وفضله )(٢ (٢). (٢/١٦٢
) (٢٣التنكيل )(٣ (٣). (١/٥٧
) (٢٤التنكيل )(٤ (٤). (٧٤ ، ١/٧٣
) (٢٥الموقظة )(١ (١). (٨٢
قال المعلمي :صيغ الجرح والتعديل كثيرا ً ما تطلق على معان مغايرة لمعانيها المقررة في كتب المصطلح ،ومعرفة ذلك ٺتوقف على طول
الممارسة واستقصاء النظر). (١
قلت :وتفسر مصطلحاتهم بأمور ؛ كتفسير الناقد نفسه ،وتفسير غيره ـ من أهل الاستقراء ـ لكلامه ،وبمقارنة أقواله بأقواله الأخرى
في الراوي .ومقارنة أقواله بأقوال غيره في هذا الراوي ،ومن خلال الأحاديث التي رواها الراوي .
وقال ابن القطان الفاسي في كلمة ) شيخ ( :هذه اللفظة يطلقونها على الرجل إذا لم يكن معروفا ًبالراو ية ممن أخذ عنه ،وإنما وقعت
له رواية الحديث أو أحاديث فهو يرويها ،هذه الذي يقولون فيه شيخ .
وقد لا يكون من هذه صفته من أهل العلم ،وقد يقولونها للرجل باعتبار قلة ما يرو يه عن شخص مخصوص ،كما يقولون حديث المشايخ
عن أبي هريرة أو عن أنس ،فيسوقون في ذلك روايات لقوم مقلين عنهم ،وإن كانوا مكثرين عن غيرهم ،وكذلك إذا قالوا أحاديث
المشايخ عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فإنما يعنون من ليس له عنه إلا الحديث أو الحديثان ونحو ذلك) . (٢انتهى .
قال الذهبي في قول أحمد :كذا وكذا ؛ قال :هذه العبارة يستعملها عبد الل ّٰه ابن أحمد كثيرا ً فيما يجيبه به والده ،وهي بالاستقراء
كتابة عمن فيه لين). (٣
قال البخاري :كل من قلت فيه :منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه). (٤
وقال ابن أبي خيثمة :قلت ليحيى بن ميع :إنك تقول :فلان ليس به بأس وفلان ضعيف ؟ قال :إذا قلت لك :ليس به بأس فهو
ثقة ،وإذا قلت لك :هو ضعيف فليس هو بثقة ،لا تكتب حديثه .
Shamela.org ٤٦
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وقال حمزة بن يوصف السهمي للدار قطني :إذا قلت :فلان لين إيش تريد به ؟ قال :لا يكون ساقطا ًمتروك الحديث ولـكن مجروحا ً
بشئ لا يسقط عنه العدالة). (٥
قلت :وقد يطلق لفظ ) ثقة ( ويراد به في العدالة الدينية ،كقول يحيى ابن سعيد الأنصاري :عبد الرحمن بن ز ياد ثقة .وقال أبو
موسى محمد بن المثنى :ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان عنه .أي عن عبد الرحمن بن ز ياد بن أنعم الأفر يقي .
وقال عنه يعقوب بن شيبة :ضعيف الحديث ،وهو ثقة صدوق رجل ،وكان من الأمارين بالمعروف والناهين عن المنكر). (٦
وكذلك من خبايا كلامهم ونقدهم ،أنهم إذا سئلوا عن راو ،ثم حادوا عن الجواب كان هذا دليلا ًعلى ضعفه .
مثل مجاعة بن الزبير الأسدي ،قال عبد الصمد بن عبد الوارث :كان جارا ً لشعبة ،فكان يسأل عنه ،فكان لا يجـترئ عليه ؛ لأنه
كان من العرب ،فكان يقول :كثير الصوم والصلاة). (٧
وقال ابن الجنيد :سألت يحيى عن يحيى بن يعلى الأسلمي ؟ فقال :كان عابداً) . (٨ونقل الدورقي عنه :ليس بشئ ،وقد ضعفه
غيره). (٩
القاعدة السادسة :معرفة منهج الناقد .
فأبو حاتم بن حبان مثلا ًتشتد ألفاظه في المختلط وصاحب البدعة ،وأبو حاتم الرازي عسر في التعديل ولـكن يستخدم عبارات لينة في
الجرح فيظن أنه قواه وليس كذلك ،وكذلك إبراهيم الحربي والبزار والترمذي والبيهقي عباراتهم لينة في الجرح ،وابن عدي لا يبالغ
في التوثيق ولا في الجرح .
وقال المعلمي :ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة ،وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخـبره ،وإن
لم يكن الذي سمعه موجبا ً لرد الحديث ولا مسقطا ً للعدالة ،ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى رجاء إن كان الراوي حيا ً أن يحمله
على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة ،وإن كان ميتا ًأن ينزله من نقل عنه منزلته فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز ،ومنهم
من يرى أن من الاحتياط للدين إشاعة ما سمع من الأمر المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده حتى ينظر هل من أخوات
ونظائر ؟!). (١٠
وإن تضاربت أقوالهم ولم يمكن الجمع فالترجيح بقواعد غير ما سبق ،هي :
القاعدة السابعة :أن نتعامل مع أقوال العلماء عند تعارضها ،وكذا أقوال الناقد إذا اختلف النقل عنه كما نتعامل عند تعارض نصوص
الكتاب والسنة .
فنحاول الجمع أولا ًبين الأقوال المختلفة ما أمكن .
قال المعلمي :وإذا فصلوا أو أكثرهم الكلام في راو فثبتوه في حال وضعفوه في أخرى فالواجب أن لا
يؤخذ حكم ذاك الراوي إجمالا ًإلا في حديث لم يتبين من أي الضربين هو ،فالواجب معاملته بحسب
حاله). (١١
قلت :ومن طرق الجمع التوسط بين الأقوال في الراوي .
وقال المعلمي رحمه الل ّٰه :إذا اختلفوا في راو فوثقه بعضهم ولينه بعضهم ولم يأت في حقه تفصيل فالظاهر أنه وسط فيه لين مطلقاً)(١٢
.
فإن لم يكن الجمع نلجأ إلى النسخ ،إذا تبېن تغير اجتهاد الناقد بمعرفة المتقدم من المتأخر ،فإن لم نعرف من المتقدم لجأنا إلى المرجحات
وهي كثيرة ؛ ومنها تقديم نقل من لازمه ومن هو أعلم بأقواله
وإلا فقال المعلمي :وإذا اختلف النقل عن إمام أو اشتبه أو ارتيب فينظر في كلام غيره من الأئمة ،وقضي فيما روى عنه بما ثبت
عنهم). (١٣
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم :اختلفت الراو ية عن يحيى بن معين في مبارك بن فضالة والربيع بن صبيح ،وأولاهما أن يكون
مقبولا ًمنهما محفوظا ًعن يحيى ما وافق أحمد وسائر نظرائه). (١٤
القاعدة الثامنة :الجرح المفسر مقدم على التعديل بشرط أن يكون الجرح بجارح حقيقي ،وألا يظهر أن الجارح أخطأ كأن يرد المعدل
Shamela.org ٤٧
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ٤٨
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وقال علي :إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه ،فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن
لأنه أقصدهما ،وكان في يحيى تشدد). (٢٣
قال الحافظ الذهبي رحمه الل ّٰه :اعلم هداك الل ّٰه أن الذين قبل الناس قولهم في الجرح والتعديل ثلاثة أقسام :
قسم تكلموا في أكثر الرواة كابن معين وأبي حاتم الرازي .
وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة .
وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي .
والكل أيضا ًعلى ثلاثة أقسام :
*قسم متعنت في الجرح متثبت في التعديل ،يغمز الراوي بالغلطين والثلاث ،و يلين حديثه ،فهذا إذا وثق شخصا ُ فعض على قوله
بناحذبك ،وتمسك بتوثيقه .وإذا ضعف رجلا ً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه ،فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو
ضعيف ،وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه :لا يقبل تجر يحه إلا مفسرا ً ،يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلا ً :هو ضعيف ،
ولم يتضح سبب ضعفه وغيره قد وثقه ،فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه وهو إلى الحسن أقرب ،وابن معين وأبو حاتم والجوزجاني
متعنتون .
*وقسم في مقابلة هؤلاء ،كأبي عيسى الترمذي وأبي عبد الل ّٰه الحاكم وأبي بكر البيهقي متساهلون .
*وقسم كالبخاري وأحمد بن حنبل وأبي زرعة وابن عدي معتدلون منصفون). (٢٤
__________
) (١مقدمة المعلمي على الفوائد المجموعة للشوكاني )(٢ (٢). (٩
) (٢بيان الوهم والإيهام )(٣ (٣). (٣/٥٣٩
) (٣ميزان الاعتدال )(٤ (٤). (٤/٤٨٣
) (٤ميزان الاعتدال )(٥ (٥). (١/٦
) (٥سؤالات السهمي للدار قطني برقم )(٦ (٦). (١
) (٦تهذيب الـكمال ) ١٧/١٠٥٢ـ (١ (١). (١٠٧
) (٧الضعفاء الـكبير للعقيلي )(٢ (٢). (٤/٢٥٥
) (٨سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين )(٣ (٣). (٨٥٠
) (٩تهذيب الـكمال )(٤ (٤). (٣٢/٥٢
) (١٠التنكيل )(٥ (٥). (١/١٠٣
) (١١التنكيل )(١ (١). (٢/٣٣
) (١٢التنكيل )(٢ (٢). (٢/٣٢
) (١٣التنكيل )(٣ (٣). (١/٤١٥
) (١٤الجرح والتعديل )(٤ (٤). (٨/٣٣٩
) (١٥الجرح والتعديل )(٥ (٥). (٦/١٠٩
) (١٦انظر :تهذيب الـكمال )(٦ (٦). (٣٠٧ ، ٣٣/٣٠٦
) (١٧تهذيب التهذيب )(٧ (٧). (١١/٣٨٤
) (١٨الـكفاية )(١ (١). (١٠٦
) (١٩شرح علل الترمذي )(٢ (٢). (١٢٩
) (٢٠سؤالات ابن الجنيد برقم ) ، (٨٨٧وتهذي التهذيب ) ، (٤١٩ ، ٩/٤١٨وانظر :ترجمة محمد بن حميد الرازي (٣ (٣).
) (٢١انظر :التنكيل )(٤ (٤). (٢/١٣
) (٢٢تهذيب الـكمال )(١ (١). (٢٠/١٦٨
) (٢٣تهذيب الـكمال )(٢ (٢). (٧/٤٣٨
) (٢٤هذا ما قدم به كتابه ) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ( ) (٣ (٣). (١٥٩ ، ١٥٨
Shamela.org ٤٩
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وقال الذهبي أيضا ً :كان يحيى بن سعيد متعنتا ًفي نقد الرجال ،فإذا رأيته قد وثق شيخا ًفاعتمد عليه ،أما إذا لين أحدا ً فتأن في أمره
حتى ترى قول غيره فيه ،فقد لين إسرائيل وهمام وجماعة احتج بهم الشيخان). (١
لـكن المعلمي رحمه الل ّٰه :ما اشتهر أن فلانا ًمن الأئمة مسهل وفلانا ًمشدد ،ليس على إطلاقه فإن منهم من يسهل تارة ويشدد تارة أخرى
،بحسب أحوال مختلفة ،ومعرفة هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم ،لا تحصل إلا باستقراء بالغ مع التدبر). (٢
قلت :فيجب أن تحرر هذه المسألة .والل ّٰه أعلم .
القاعدة العاشرة :الحكم عليه بموجب الأحاديث التي رواها ،إذا ثبتت عنه أحاديث يعرف باعتبارها حالة من الضبط :
قال المعلمي رحمه الل ّٰه :ومن الأئمة من لا يوثق من تقدمه حتى يطلع على عدة أحاديث له تكون مستقيمة وتكثر حتى يغلب على ظنه
أن الاستقامة ملـكة لذلك الراوي ،وهذا يدل على أن جل اعتمادهم في التوثيق والرجح إنما هو على سبر حديث الراوي). (٣
قلت :وفي هذا العصر لا يمكن تطبيق ذلك إلا في حدود الترجيح بين أقوال الأئمة ،أو فيمن لم نجد فيه كلاما ًوروى حديثا ًظاهر
النكارة في إسناد نظيف فيضعف بذلك ،أو فيمن نص الأئمة على قلة حديثه ،أو ليس له إلا عدد مذكور من الأحاديث ،وبعد
سبرها تبېن منها أنه لم يرو منكرا ً فيقبل بذلك ،أما اختراع قول جديد فيمن تكلم فيهم فلا .
وقال المعلمي :استقامة الراوي ٺثبت عند المحدث بتتبعة حديث الراوي واعتبارها ،وتبېن أنها كلها مستقيمة تدل على أن هذا الراوي
كان من أهل الصدق والأمانة ،وهذا لا يتيسر لأهل عصرنا ؛ لـكن إذا كان القادحون في الراوي قد نصوا على ما أنكروه من حديثه
بحيث ظهر أن ما عدا ذلك من حديثه مستقيم فقد يتيسر لنا أن ننظر في تلك الأحاديث فإذا تبېن أن لها مخارج قو ية تدقع التهمة على
الراوي فقد ثبتت استقامة روايته). (٤
وقال :ودرجة الاجتهاد المشار إليها لا يبلغها أحد من أهل العصر فيما يتعلق بالرواة المتقدمين ،اللهم إلا أن يتهم بعض المتقدمين
رجلا ًفي حديث يزعم أنه تفرد فيجد له بعض أهل العضر متابعات صحيحة ،إلا حيث يختلف المتقدمون فيسعى في الترجيح .
فأما من وثقه إمام من المتقدمين أو أكثر ولم يتهمه أحد من الأئمة فيحاول بعض أهل العصر أن يكذبه أو يتهمه فهذا مردود ؛ لأنه
إن تهيأ له إثبات بطلان الخـبر وأنه ثابت عن ذلك الراوي ثبوتا ًلا ريب فيه فلا يتهيأ له الجزم لأنه تفرد به ،ولا أن شيخه لم يروه قط
ولا النظر الفني الذي يحق لصاحبه أن يجزم بتعمد الراوي للـكذب أو يتهمه به ،بل يتيسر بعض هذه الأمور فيمن كذبه المتقدمون
لـكن مع الإستناد إلى كلامهم). (٥
القاعدة الحادية عشرة :ينبغي على الباحث أن يكون دقيقا ًفي إعطاء الحكم على الرواة من غير تزي ّد ولا تقصير .
القاعدة الثانية عشرة :إذا تعارضت أقوالهم ولم يمكن الجمع ولا النسخ ولا الترجيح توقفنا عن قبول حديث هذا الراوي .
تنبيه :هذه الضوابط في الجرح والتعديل أمور أغلبية اجتهادية ،لا يعتمد عليها كليا ً في الترجيح بين أقوال الناقد ،فقد يظهر لباحث
ألا يعمل ببعضها في راو ما ،وقد يظهر له سبب آخر يقتضي الترجيح غير ما ذكر .والل ّٰه أعلم .
__________
) (١سير أعلام النبلاء )(٤ (٤). (٩/١٨٣
) (٢مقدمته على الفوائد )(١ (١). (٩
) (٣التنكيل )(٢ (٢). (١/٦٧
) (٤التنكيل )(٣ (٣). (١/٧٦
) (٥التنكيل )(١ (١). (١/٣٧
Shamela.org ٥٠
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
قال المعلمي :ليس نقد الرواة بالأمر الهين ؛ فإن الناد لا بد أن يكون واسع الإطلاع على الأخبار المرو ية ،عارفا ً بأحوال السابقين
وطرق الرواية ،خبيرا ً بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم وبلأسباب الداعية إلى التساهل والـكذب ،والموقعة في الخطأ ،ثم يحتاج
إلى أن يعرف أحوال الرواي متى ولد؟ وبأي وبلد؟ وكيف هو في الدين والأمانة والعقل والمروءة ؟ ومع من سمع ؟ وكيف كتابه ؟
ثم يعرف أحوال الشيوخ الذين يحدث عنهم وبلدانهم ووفياتهم وأوقات تحديثهم وعاداتهم في الحديث ،ثم يعرف مرو يات الناس عنهم
و يعرض عليها مرو يات هذا الراوي و يعتبر بها ،إلى غير ذلك مما يطول شرحه ،و يكون مع ذلك متيقظا ًمرهف الفهم ،دقيق الفطنة
،مالكا ًلنفسه لا يستميله الهوى ولا يستفزه الغضب ،ولا يستخفه بادر ظن ،حتى يستوفي النظر ويبلغ المقر ثم يحسن التطبيق في حكمه
فلا يجاوز ولا يقصر .
وهذه مرتبة بعيدة المرام عزيزة المنال لم يبلغها إلا الأفذاذ). (١
وقال :كان الرجل من أصحاب الحديث يرشح لطلب الحديث وهو طفل ،ثم ينشأ دائبا ًفي الطلب والحفظ والجمع ليلا ًونهارا ً ،ويرتحل
في طلبه إلى أقاصي البلدان ،و يقاسي المشاق الشديدة كما هو معروف في أخبارهم ،يصرف في ذلك زهرة عمره إلى نحو ثلاثين أو
أربعين سنة ،وتكون أمنيته من الدنيا أن يقصده أصحاب الحديث يسمعوا منه ويرووا عنه ...
فمن تدبر أحوال القوم بان له أنه ليس العجب ممن تحرز عن الـكذب منهم طول عمره ،وإنما العجب ممن اجترأ على الـكذب .
كما أنه من تدبر كثرة ما عندهم من الرواية وكثرة ما يقع من الالتباس والاشتباه ،وتدبر تعنت أئمة الحديث بان له أنه ليس العجب
ممن جرحوه بل العجب ممن وثقوه). (٢
وقال ابن معين :لست أعجب ممن يحدث فيخطئ ،وإنما أعجب ممن يحدث فيصيب). (٣
واعلم أن الراوي إذا روى الحديث إما أن ينفرد به ،أو يشاركه الرواة في رواية الحديث ،فإن شاركهم ؛ إما أن يوافقهم أو يخالفهم ،
وله في كل تلك الأحوال أحكام .
وقال المعلمي :وكثرة الغرائب إنما تضر الراوي في حالين :
الأولى :أن تكون مع غرابتها عن شيوخ ثقات بأسانيد جيده .
الثانية :أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب .
في الحالة الأولى تكون تبعة النكارة على الراوي نفسه ؛ لظهور براءة من فوقه عنها .
وفي الحالة الثانية يقال :من أين له هذه الغرائب مع قلة طلبه فيتهم بسرقة الحديث ،كما قال ابن نمير في أبي هشام الرفاعي :كان
أضعفنا وأكثرنا غرائب). (٤
وقال :ومن كثر حديثه لا بد أن يكون في حديثه غرائب ،وليس ذلك بموجب للضعف ،وإنما الذي يضر أن تكون تلك الغرائب
منكرة). (٥
وقال عبد الرحمن بن مهدي لشعبة :من الذي تترك الرواية عنه ؟ قال :إذا أكثر من المعروفين من الرواية ما لا يعرف). (٦
قلت :فإن لم ينفرد وشاركهم فموافقة الراوي لما رواه الثقات ولما ثبت في الكتاب والسنة دليل على صدقه .
قال الإمام الشافعي :ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ ،وبالكتاب والسنة). (٧
وقال :و يعتبر أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ له ،وعلى
خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له .
وإذا اختلفت الرواة استدللنا على المحفوظ منه والغلط بهذا ووجوه سواه تدل على الصدق والحفظ الغلط). (٨
وقال ابن الصلاح رحمه الل ّٰه :يعرف كون الراوي ضابطا ً بأن يعتبر روايته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان ،فإن وجدنا
رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو موافقة لها في الأغلب ،والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطا ً ثبتا ً ،وإن وجدناه
كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم يحتج بحديثه) . (٩انتهى .
فحـين يمعن في الموافقة فلا يتفرد ولا يخالف كثيرا ً ،فإن نقاد الحديث يصفونه بالصدق ،و يلحقونه برمزة الثقات .
Shamela.org ٥١
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
وقال الذهبي :إن إكثار الراوي من الحاديث التي لا يوافق عليها لفظا ًولا إسنادا ً يصيره متروك الحديث). (١٠
وقال أيضا ً :أكثر المتكلم فيهم ما ضعفهم الحفاظ إلا لمخالفتهم الأثبات). (١١
قلت :و يقدر خطئه وغفلته وجرم ذلك وفحشه تنزل درجته ؛ ولذلك تفاوت الرواة .
قال الترمذي :إنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع ،مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع
حفظهم). (١٢
وقال سفيان الثوري :ليس يكاد يفلت من الغلط أحد ،إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط ،وإن كان الغالب
عليه الغلط ترك). (١٣
وقال الشافعي :ومن كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه ،كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم
تقبل شهادته). (١٤
وقال سليمان بن أحمد الدمشقي لعبد الرحمن بن مهدي :أكتب عمن يغلط في عشرة ؟ قال :نعم ،قيل له :يغلط في عشرين ؟ قال :
نعم ،قلت :فثلاثين ؟ قال :نعم ،قلت :فخمسين ؟ قال :نعم). (١٥
وقال سليمان لعبد الرحمن :أكتب عمن يغلط في مائة ؟ قال :لا ،مائة كثير .قال ابن أبي حاتم :يعني مائة حديث). (١٦
وكثرة أخطاء الراوي وقلتها ٺتفاوت بقدر إكثار الراوي من الحديث وإقلاله .
وقال أبو مسعود :كتبوا إلىّ من أصبهان أبا داود أخطأ في تسمعائة ـ أو قالوا :ألف ـ فذكرت ذلك لأحمد بن حنبل فقال :يحتمل
لأبي داود)(١٧
وقال ابن عدي :ليس بعجب أن يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئ في أحاديث منها)(١٨
وقال الخطيب البغدادي :كان أبو داود يحدث من حفظه ،والحفظ خو ّان فكان يغلط مع أن غلطه يسير في جنب ما روى على
الصحة والسلامة). (١٩
وقال الذهبي :فمن يروي مائة ألف حديث ويندر المنكر في سعة ما روى فإليه المنتهى من الإتقان)(٢٠
و يعرف ضبط المحدث وإتقانه بأن يجري على وتيرة واحدة ،ولا يضطرب فيه ،فإن كثرة الاختلاف على الراوي مما يدل على اضطراب
حفظه ،إلا إذا كان من كبار الحفاظ ،فإن كثرة الوجوه عنه تدل على سعة حفظه .
قال عبد الرحمن بن مهدي :إنما يستدل على حفظ المحدث إذا لم يختلف عليه الحفاظ). (٢١
ومن أسباب سوء الحفظ ووهن الضبط الانشغال عن الحديث بغيره .
قال أبو عاصم :من استخف بالحديث استخف به الحديث)(٢٢
قال ابن رجب :الصالحون غير العلماء يغلب على حديثهم الوهم والغلط ...والحفاظ منهم القليل ،فإذا جاء الحديث من جهة واحد
منهم فليتوقف فيه حتى يتبين أمره). (٢٣
وقد قال أبو عبد الل ّٰه بن منده :إذا رأيت في حديث ) حدثنا فلان الزاهد ( فاغسل يدك منه). (٢٤
وقال أبو سعيد بن يونس في رشد بن سعد :وكان رجلا ً صالحا ً لا يشك في صلاحه وفضله ،فأدركته غفلة الصالحـين فخلط في
الحديث). (٢٥
وقال يحيى بن سعيد القطان :ما رأيت الصالحـين أكذب منهم في الحديث). (٢٦
قال مسلم :يقول :يجري الـكذب على لسانهم ولا يتعمدون الـكذب). (٢٧
وقال ابن عدي :الصالحون قد رسموا بهذا الرسم :أن يرووا في فضائل الأعمال موضوعة بواطيل ،ويتهم جماعة منهم بوضعها). (٢٨
وقال ابن رجب :الفقهاء المعتنون بالرأي حتى يغلب عليهم الانشغال به لا يكادون يحفظون الحديث كما ينبغي ،ولا يقيمون أسانيده
ومتونه ،و يخطئون في الأسانيد كثيرا ً ويروون بألفاظ تشبه ألفاظ الفقهاء المتداولة بينهم). (٢٩
قال الذهبي :وكذلك جماعة من القراء أثبات القراءة دون الحديث كنافع في الحديث والـكسائي وحفص ،فإنهم نهضوا بأعباء الحروف
وحرروها ولم يصنعوا ذلك في الحديث ،كما أن طائفة من الحفاظ أتقنوا الحديث ولم يحكموا القراءة ،وكذا شأن كل من برز في فن ،
Shamela.org ٥٢
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ٥٣
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
Shamela.org ٥٤
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
قال ابن حبان :علي بن عاصم كان ممن يخطئ وقيم على خطئه ،فإذا بين له لم يرجع ،والذي عندي في أمره :ترك ما انفرد به من
الأخبار والاحتجاج بما وافق لاثقات ؛ لأن له رحلة وسماعا ًوكتابة ،وقد يخطئ الإنسان فى يستحق الترك ،وأما ما بين له من خطئه
فلم يرجع فيشبه أن يكون في ذلك متوهما ًأنه كان كما حدث). (٩
وقال الإمام أحمد في محمد بن عبيد الطنافسي :يخطئ و يصر وهو ثقة). (١٠
وقال يحي بن سعيد القطان :إذا كان الشيخ يثبت على شئ واحد خطأ كان أو صوابا ًفلا بأس به ،وإذا كان الشيخ يقول كل شئ
يقال له ،فليس بشئ). (١١
قال الحميدي :فأما من اقتصر على ما في كتابه ،فحدث به ولم يزد ولم ينقص منه ما يغير معناه ،ورجع عما يخالف فيه ،بوقوف منه
عن ذلك الحديث ،أو عن الاسم الذي خولف فيه من الإسناد ،ولم يغره فلا يطرح حديثه ،فلا يكون ضارا ً في حديثه ،إذا لم
يقبل التلقين ؛ لأنني وجدت الشهود يختلفون في المعرفة بحد الشهادة ،ويتفاضلون فيها كتفاضل المحدثين ،ثم لا أجد بدا ً من إجازة
شهادتهم جميعا ً ،ولا يلزمني أن أرد شهادة من كان هكذا حتى يكون له من المعرفة ما لهذا ،فهكذا المحدثون على ما وصفت لك)(١٢
.
قلت :ينبغي التثبت في جرح الرواة ،وألا يجرح الراوي إلا بما صح الإسناد إليه من الأوهام ،ولا يوجد غيره في الإسناد ممن ينظر
فيه غيره أو أضعف منه .
وقال محمد بن إبراهيم الملطي :جاء يحيى بن معين إلى عفان ليسمع منه كتب حماد بن سلمة ،فقال له :ما سمعتها من أحد ؟ قال :
نعم حدثني سبعة عشر نفسا ًعن حماد بن سلمة ،فقال :والل ّٰه لا حدثتك .فقال :إنما هو درهم وأنحدر إلى البصرة وأسمع التبوذكي
.فقال :شأنك .فانحدر إلى البصرة وجاء إلى موسى بن إسماعيل ،فقال له موسى :لم تسمع هذه الـكتب عن أحد ؟ قال :سمعتها
على الوجه عن سبعة عشر نفسا ً وأنت الثامن عشر .فقال :وماذا تصنع بهذا ؟ فقال :إن حماد كان يخطئ فأردت أن أميز خطأه
من خطأ غيره ،فإذا رأيت أصحابه قد اجتمعوا على شئ علمت أن الخطأ من حماد نفسه ،إذا اجتمعوا على شئ عنه وقال واحد منهم
بخلافه علمت أن الخطأ منه لا من حماد ،فأميز بين ما أخطأ هو بنفسه وبين ما ُأخطئ عليه). (١٣
قال أبو حاتم بن حبان :الإنصاف في نقلة الأخبار استعمال الاعتبار فيما رووا ،وإني أمثل للاعتبار به ما وراءه ؛ وكأنا جئنا إلى
حماد بن سملة ،فرأيناه روى خبرا ً عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ،لم نجد ذلك الخـبر
عن غيره من أصحاب أيوب ،فالذي يلزمنا في التوقف عن جرحه والاعتبار بما روى غيره من أقرانه ،فيجب أن نبدأ فننظر هذا الخـبر
هل رواه أصحاب حماد عنه أو رجل منهم وحده ؟ فإن وجد أصحابه قد رووه علم أن هذا قد حدث به حماد ،وإن وجد ذلك من
رواية ضعيف عنه ألزق بذلك الراوي دونه ،فمتى صح أنه روى عن أيوب ما لم يتابع عليه ،يجب أن يتوقف فيه ولا يلزق به الوهن
،بل ينظر هل روى أحد هذا الخـبر من الثقات عن ابن سيرين غير أيوب ،فإن وجد ذلك علم أن الخـبر له أصل يرجع إليه ،وإن لم
يوجد ما وصفنا نظر حينئذ هل روى هاذ الخـبر عن أبي هريرة غير ابن سيرين من الثقات ؟ فإن وجد ذلك صح أن الخـبر له أصل ،وإن
لم يوجد ما قلنا نظر هل روى هذا الخـبر عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم غير أبي هريرة ؟ فإن وجد ذلك صح أن الخـبر له أصل ،
ومتى عدم ذلك ،والخـبر يخالف الأصول الثلاثة علم أن الخـبر موضوع لا شك فيه ،وأن ناقله الذي تفرد به هو الذي وضعه)(١٤
وقال :وإذا روى رجل مجهول لا يعرف بالعدالة ،عن ضعيف شيئا ًمنكرا ً ،لا يتهيأ إلزاق القدح بإحداهما دون الآخر إلا بعد السبر
،على أن مجانبة ما روى أحرى ،حتى توجد له رواية عن الثقاتن بما يوافق الأثبات ،متعر ية عن المناكير ،فحينئذ يدخب في جملة
أهل العدالة ،و يلزق ذلك الحديث المنكر الذي روى عنه ذلك الضعيف ،بالضعيف دونه ،هذا حكم ذلك الجنس من الناس)(١٥
.انتهى
وقال الحسين بن إدريس :سمعت محمد بن عبد الل ّٰه بن عمار الموصلي يقول في إبراهيم بن طهمان :ضعيف مضطرب الحديث ،قال :
فذكرته لصالح جزرة ،فقال :ابن عمار من أين يعرف حديث إبراهيم ؟! إنما وقع حديث إبراهيم في الجمعة ،يعني :الحديث الذي رواه
Shamela.org ٥٥
٦الباب الثاني في علم الجرح والتعديل
ابن عمار عن المعافى بن عمران عن إبراهيم عن محمد بن ز ياد عن أبي هريرة )) :أول جمعة جمعت بجواثا (( ...قال صالح :والغلط
فيه من غير إبراهيم ؛ لأن جماعة رووه عنه عن أبي جمرة عن ابن عباس ،وكذا هو في تصنيفه ،وهو الصواب ،وتفرد المعافى بذكر
محمد بن ز ياد فعلم أن الغلط منه لا من إبراهيم). (١٦
قلت :وأختم هذا الفصل ،بمثال يتضح منهج كبار النقاد في الحكم على الرواة ،فيه فوائدج وعبر كثيرة :
قال أبو العباس عبد الل ّٰه بن أحمد بن إبراهيم الدورقي :كنا نختلف إلى إبراهيم بن نصر بن أبي الليث سنة ست عشرة ومائتين أنا وأبي
أحمد و يحيى بن معين ومحمد بن نوح وأحمد بن حنبل في مجلس نسمع منه تفسير الأشجعي ،فكان يقرأه علينا من صحيفة كبيرة ،فأول
من فطن له ـ أي أنه كذاب ـ أبي ،فقال له يا أبا إسحاق هذه الصحيفة كأنها أصل الأشجعي ؟ قال :نعم ،كانت له نسختان فوهب
لي نسخة ،فسكت أبي .
فلما خرجنا من عنده ،قال لي :أي بُني عناؤنا إلى هذا الشيخ باطلا ً ،الأشجعي كان رجلا ًفقيرا ً وكان يوصل ،وقد رأيناه وسمعنا منه
،من أين كان يمكنه أن يكون له نسختان ؟ فلا نقل شيئا ًواسكت .
فلم يزل أمره مستورا ً حتى حدث بحديث أبي الزبير عن جابر في الرؤ ية ،وأقبل يتبع كل حديث فيه رؤ ية يدعيه ،فأنكر عليه ذلك
يحيى بن معين لـكثرة ما ادعى وتوقّى أن يقول فيه شيئا ً.
وحدّث بحديث عوف بن مالك أن الل ّٰه إذا تكلم بثلاثمائة لسان ،فقال يحيى :هذا الحديث أنكر على نعيم الفارض ،من أين سمع هذا
من الوليد بن مسلم ؟! فجاء رجل خراساني ،فقال :أنا دفعته إلى إبراهيم بن أبي الليث في رقعة في تلك الجمعة .فقال يحيى :لا يسقط
حديث رجل برجل واحد .
فلما كان بعد قليل حدذث بأحاديث حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين ،أين كان ربنا قبل أن
يخلق السموات والأرض ؟ وضحك ربنا من قنوط عباده ،حدّث بها عن هشيم عن يعلى ابن عطاء .
فقال يحيى بن معين :إبراهيم بن أبي الليث كذاب لا حفظه الل ّٰه ! سرق الحديث ،اذهبوا فقولوا له يخرجها من أصل عتيق ،فهذه
أحاديث حماد بن سلمة لم يشركه فيهه أحد ،ولو حدث بها عن هشيم عن يعلى بن عطاء ليس فيها خبر ،قلنا :لعل هشيما ًأن يكون
دلسها كما يدلس ! فقال :هشيم أخبرنا يعلى ابن عطاء علمنا أن إبراهيم كذاب .
وكان يحيى إذا ذكره ،قال :أبو عراجة ،وكان يجمع .
قال أحمد بن الدورقي :والذي أظن في أمر كتب الأشجعي أن إبراهيم بن الليث خرج إلى مكة مع ولد أحمد بن نصر فمر بالـكوفة ،
ومضى إلى عيال أبي عبيدة بن الأشجعي بعد موته ،فاشترى كتب الأشجعي وقعد يحدث بها). (١٧
***
__________
) (١الـكفاية ) ١١٧ـ (٤. (١٩٩
) (٢كتاب المجروحين )(٥. (١/٧٩
) (٣الجامع الخطيب للبغدادي )(٦. (٢/٤١
) (٤سؤالات السهمي للدار قطني برقم (٧. (١) :
) (٥كتاب المجروحين )(١. (٧٩ ، ١/٧٨
) (٦الجامع للخطيب البغدادي )(٢. (٢/٤٠
) (٧الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع )(٣. (٢/٤٠
) (٨طليعة التنكيل مطبوع ضمن التنكيل )(٤. (١/٤١
) (٩كتاب المجروحين )(٥. (٢/١١٣
) (١٠ميزان الاعتدال )(٦. (٣/٩٣٦
) (١١الكامل لابن عدي )(١. (١/٩٩
) (١٢الـكفاية )(٢. (٢٣٠
Shamela.org ٥٦
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
Shamela.org ٥٧
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
وقال الحاكم :إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط ،وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع ،وليس لهذا النوع من العلم أكثر من
مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ،ليظهر ما يخفى من علة الحديث). (٦
قلت :فينبغي الاهتمام بجمع الطرق الصحيحة للأحاديث ،ودراستها ومعرفة الطرق المسلوكة منها والغريبة .
وأما الطرق الضعيفة لا ينبغي الاهتمام بها كثيرا ً إلا في بيان الضعيف والتمييز بينه وبين الصحيح .
قال أبو داود :سمعت أحمد وذكر له بريد هذا فقال أحمد :يطلبون حديثا ً من ثلاثين وجها ً ،أحاديث ضعيفة ! وجعل ينكر طلب
الطرق نحو هذا ،قال :شئ لا ينتفعون به أو نحو هذا الكلام .
قال ابن رجب :وإنما كره أحمد تطلب الطرق الغريبة الشاذة المنكرة ،وأما الطرق الصحيحة المحفوظة فإنه كان يحث على طلبها). (٧
ورأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان بن أنس ،فإذا اطلع عليه إنسان كتمه ،فقال أحمد بن
حنبل له :تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس وتعلم أنها موضوعة ،فلو قال لك القائل :أنت ٺتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على
الوجه ؟! قال :رحمك الل ّٰه يا أبا عبد الل ّٰه ،أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر عن أبان عن أنس وأحفظها كلها وأعلم
أنها موضوعة ؛ حتى لا يحئ إنسان فيحعل بدل أبان ثابتا ً ،ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس ،فأقول له :كذبت إنما هي أبان لا
ثابت). (٨
__________
) (١علوم الحديث )(١. (٩٠
) (٢شرح علل الترمذي )(٢. (٤١٤
) (٣شرح علل الترمذي )ص(٣. (٢٥٧
) (٤الجامع لأخلاق الراوي )(٤. (٢/٢٩٥
) (٥معرفة علوم الحديث )(٥. (١٣
) (٦معرفة علوم الحديث )(١. (٥٩
) (٧شرح علل الترمذي )(٢. (٢٤٩
) (٨كتاب المجروحين )(٣. (٣٢ ، ١/٣١
Shamela.org ٥٨
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
قال الربيع بن خثيم رحمه الل ّٰه :إن من الحديث حديثا ً لو ضوء كضوء النهار نعرفه به ،وإن من الحديث حديثا ً له ظلمة كظلمة الليل
نعرفه به). (٥
كحديث )) أطفال المشركين خدم أهل الجنة (() ، (٦قال الل ّٰه عز وجل ) ولا تزر وزارة وز أخرى ( ] فاطر ، [١٨ :وقال ) :
ولدان مخلدون ( ] الواقعة . [١٧:
وقال ابن عباس رضي الل ّٰه عنه :سئل النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم عن أولاد المشركين فقال )) :الل ّٰه أعلم بما كانوا عاملين
((). (٧
وحديث سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن در يك عن عائشة :أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى
آله وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنه رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم وقال )) :يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم
يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا (( ،وأشار إلى وجهه وكفيه). (٨هذا الحديث مخالف للكتاب والسنة) (٩؛ حيث استثنى الوجه
والـكف ،وقال الل ّٰه عز وجل ) :وليضربن بخمرهن على جيوبهن ( ] النور ، [٣١:قالت عائشة رضي الل ّٰه عنها :لما نزلت هذه الآية
أخذن أزرهن فشققتها من قبل الحواشي فاختمرن بها). (١٠
وقال الل ّٰه تعالى أيضا ً ) :يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين
وكان الل ّٰه غفورا ً رحيما ً( ]الأحزاب. [٥٩:
العلة الثانية :الانقطاع بين خالد بن در يك وعائشة رضي الل ّٰه عنها ،قال أبو داود :هذا مرسل ؛ خالد بن در يك لم يدرك عائشة .
العلة الثالثة :تفرد خالد بن در يك عن عائشة ،فلم يرو هذا الحديث عنها غيره من أصحابها كعروة والأسود بن يزيد النخعي وعمرة بنت
عبد الرحمن ،وهو شامي وهي مدنية رضي الل ّٰه عنها .
العلة الرابعة :سعيد بن بشير ثقة وروايته عن قتادة خاصة ضعيفة منكرة .
قال محمد بن عبد الل ّٰه بن نمير :منكر الحديث ليس بشئ ،ليس بقوي الحديث ؛ يروي عن قتادة المنكرات). (١١
العلة الخامسة :تفرده عن قتادة ،ولم يرو هذا الحديث أحد من أصحاب قتادة غيره). (١٢
فتبين بذلك أن الحديث باطل سندا ً ومتنا ً .والل ّٰه أعلم .
ومن تلك المخالفات التي تقدح في صحة المتن اشتماله على مجازفات لا يقول مثلها الرسول صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم :
ومنها :تكذيب الحس له ،كحديث )) :أكذب الناس الصباغون والصو ّاغون (( .
ومنه :سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه ،كحديث )) :الجوز دواء والجـبن داء ،فإذا صار في الجوف صار شفاء (( ؛ فلعن الل ّٰه
واضعه على النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم .
ومنها :أن يكون كلاما ًلا يشبه كلام الأنبياء فضلا ًعن كلامه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ). (١٣
قال ابن رجب :حذاق النقاد من الحفاظ لـكثرة ممارستهم للحديث ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل واحد منهم ،لهم فهم خاص
يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان ،ولا يشبه حديث فلان فيعللون الأحاديث بذلك .وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحضره
،وإنما يرجع فيه أهله ألى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عن سائر أهل العلم). (١٤
وقال) : (١٥ومن ذلك أنهم يعرفون الكلام الذي يشبه كلام النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم من الكلام الذي لا يشبه كلامه .
قال ابن أبي حاتم الرازي :نعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه ،وأن يكون كلاما ًيصلح أن يكون مثله كلام النبوة ،ونعرف سقمه وإنكاره
بتفرد من لم تصح عدالته بروايته ،والل ّٰه أعلم). (١٦
__________
) (١وأشار إلى ذلك ابن حبان الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان )(٤. (١/١٥٥
) (٢الـكفاية )ص(١. (٤٣٣ ، ٤٣٢
) (٣مقدمته على الفوائد المجموعة للشوكاني )ص(٢. (٨
Shamela.org ٥٩
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
) (٤المنار المنيف للعلامة ابن القيم رحمه الل ّٰه )ص (٣٤تحقيق أبو غدة (٣ .
) (٥الكامل لابن عدي ) ، (١/٥٥ومعرفة علوم الحديث للحاكم ) ، (٦٢والـكفاية )(٤. (٤٣١
) (٦التاريخ الـكبير للبخاري )(٥. (٦/٤٠٨
) (٧أخرجه البخاري برقم )(٦. (٦٥٩٧
) (٨سنن أبي داود وبهامشه عون المعبود ) ، (١١/١٠٨ط دار الـكتب العلمية .
(٧
) (٩انظر :أضواء البيان للشنقيطي )(٨. (٦٠٢ ، ٦/٥٨٤
) (١٠صحيح البخاري )(١. (٤٧٥٩
) (١١الجرح والتعديل )(٢. (٤/٧
) (١٢انظر :شرح علل الترمذي )(٣. (٢٨٤ ، ٢٨١
) (١٣انظر :المنار المنيف لابن القيم ) (٤٣وما بعدها (٤.
) (١٤شرح علل الترمذي )(٥. (٣٩٠
) (١٥شرح علل الترمذي )(١. (٣٧٩
) (١٦مقدمة الجرح والتعديل )(٢. (٣٥١
Shamela.org ٦٠
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
فإن تفرد ـ شيخ ولو كان ثقة ـ عن مشهور له أصحاب ملازمين أتقنوا حديثه رد تفرده .
قال ابن رجب :والشيوخ في اصطلاح أهل هذا العلم :عبارة عمن دون الأئمة والحفاظ وقد يكون فيهم الثقة وغيره ،فأما ما تفرد
به الأئمة والحفاظ فقد سماه الخليلي فردا ً ،وذكر أن أفراد الحفاظ المشهورين الثقات أو أفراد إمام عن الحفاظ والأئمة صحيح متفق
عليه،ومثله بحديث مالك في المغفر)(١٠
و يطلق الشيخ أيضا ًعلى من ليس ثبتا ًبالنسبة لغيره في راو بعينه ،كما أطلقه الحافظ البرديجي على حماد بن سلمة وهمام وأبان والأوزاعي
في روايتهم عن قتادة). (١١
وقال ابن حبان :عاصم بن الوضاح الزبيدي من أهل خاس ،يروي عن مالك وفليح بن سليمان وعبد الحميد بن بهرام ـ المناكير ،لا
يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ؛ لم يظهر له كثير حديث وإنما كتب عنه جماعة من أهل بلده فقد). (١٢
أما الرواة المكثرون من الحديث أو المختصون بشيوخهم فيقبل تفردهم و يحتمل .
قال أبو أسامة :لو أن عبد الرحمن بن مهدي أغرب من سفيان الثوري ألف حديث ما أنكرته عليه ،وذلك أني دخلت على سفيان
الثوري في مرضه باليصرة فرأيت عبد الرحمن بوصية يلي سفلته بيده)(١٣
قال ابن المديني في شبابه بن سوار الفزاري :كان شيخا ً صالحا ً إلا أنه يرى الإرجاء ،ولا ننكر لرجل سمع من رجل ألفا ً وألفين أن
يجئ بحديث غريب). (١٤
وقال البخاري :محمد بن إسحاق ينبغي له أن يكون له ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد)(١٥
وقال البرديجي في الحسن بن علي بن المعمري الحافظ :ليس بعجب أن ينفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثا ًفي كثرة ما كتب)(١٦
.
وقال الحسن بن محمد الزعفراني :قلت لأحمد بن حنبل :من تابع عفان على حديث كذا وكذا ؟ فقال :وعفام يحتاج إلى أن يتابعه
أحد ؟! أو كما قال). (١٧
وقال الإمام مسلم :وللزهري نحو من تسعين حديثا ًعن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم لا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد). (١٨
وقال الذهبي :بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له ،وأكمل لرتبته ،وأدل على اعتنائه بعلم الأثر ،وضبطه دون أقرانه
لأشياء ما عرفوها ،اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشئ فيعرف ذلك ،فانظر إلى أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم
الكبار والصغار ،ما فيهم إلا وقد انفرد بسنة فيقال له :هذا الحديث لا يتابع عليه ! ،وكذلك التابعون ،كل واحد عده ما ليس عند
الآخر من العلم). (١٩
قلت :فإذا تفرد شيخ رد تفرده لأمور :
الأول :الأحاديث لا يصح قياسها على الفتاوى والمسائل العلمية حتى يقال :ز يادة علم يجب قبولها ؛ لأن الحديث ثابت لا يتغير ولا
يزاد عليه .
الثاني :أهل الحدي الملازمون لشيوخهم يأخذون كل حديث شيوخهم .
ومن شواهد ذلك :قول أبي صالح ذكوان وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج :ليس أحد يحدث عن أبي هريرة إلا علمنا أصداق أم
كاذب). (٢٠
قال المعلمي :يريدان أنه إذا حدث عن أبي هريرة بما لم يسماه منه علماأنه كاذب لإحاطتهما بحديث أبي هريرة) . (٢١والرواة
متفاوتون في هذا الحرص على الجمع .
قال يحيى بن سعيد :كان الثوري يشتد عليه إذا حدثته لما ليس عنده ،وكان مسعر لا يبالي أن أحدثه بخمسين حديثا ًليست عنده)(٢٢
.
الثالث :الثقات وغيرهم معرضين للخطأ والتفرد مظنته .
وقال ابن معين :من لم يخطئ في الحديث فهو كذاب). (٢٣
قال الحافظ الذهبي رحمه الل ّٰه تعالى :فهؤلاء الحفاظ الثقات ،إذا انفرد الرجل منهم من التابعين فحديثه صحيح .وإن كان من الأتباع
Shamela.org ٦١
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
فحديثه صحيح غريب ،وإن كان من أصحاب الأتبارع قيل :غريب فرد). (٢٤
قلت :نعم ؛ يقبل التفرد في الطبقات العليا عن الصحابة والتابعين ،إلا عمن كان له أصحاب جمعوا حديثه ولازموه .
قال الإمام مسلم :فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ لحديثه وحديث غيره ،أو لمثل هشام بن عروة ،
وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك ،فقد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره ،فيروي عنهما أو عن أحدهما
العدد من الحديث ،مما لا يعرفه أحد من أصحابهما ،وليس ممن قاد شاركهم في الصحيح مما عندهم ،فغير جائز قبول حديث هذا
الضرب من الناس .والل ّٰه أعلم) . (٢٥انتهى .
وأما التفرد عمن بعد الصحابة والتابعين فلم يحك الذهبي تصحيحه ،وقال :ويندر تفردهم فتجد الإمام منهم عنده مائتا ألف حديث ،
لا يكاد ينفرد بحديثين أو ثلاثة ،ومن كان بعدهم فأين ما ينفرد به ؟ ما علمته وقد يوجد ...
فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة ،أطلقوا النكارة على ما انفرد به مثل عثمان بن أبي شيبة وأبي سلمة التبوذكي ،وقالوا :هذا
منكر .
فإن روى حديثا ً من الأفراد المنكرة غمزوه ولينوا حديثه ،وتوقفوا في توثيقه ،فإن رجع عنها وامتنع من روايتها ،وجوز على نفسه
الوهم فهو خير له وأرجح لعدالته ،و ليس من شرط الثقة ،أنه لا يغلط ولا يخطئ فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يقر
على خطأ) . (٢٦انتهى .
ولا يصح للمتأخرين أن يستقلوا بالحكم على الحديث بالتفرد في الطبقات المتأخرة ؛ لأن من كتب الحديث ما فقد ،إلا إذا غلب على
ظن المتأهل الممارس للفن لما ظهر له من قرائن .والل ّٰه أعلم .
__________
) (١شرح علل الترمذي )(٣. (٢٣٤
) (٢الـكفاية ) ، (١٤١والكامل لابن عدي )(٤. (١/٦٨
) (٣الـكفاية )(٥. (١٤١
) (٤الـكفاية في علم الراو ية )(٦. (١٤٢
) (٥شرح علل الترمذي )(٧. (٢٣٧
) (٦الجرح والتعديل لابن أبي حاتم )(٨. (٢/١٩
) (٧الكامل في ضعفاء الرجال )(٩. (١/٢٩
) (٨شرح علل الترمذي )(١. (٢٠٨
) (٩صحيح الإمام مسلم )(٢. (١/٧
) (١٠شرح علل الترمذي )(٣. (٢٥٦
) (١١شرح علل الترمذي )(٤. (٢٨٣ ، ٢٨٢ ، ٢٥٢
) (١٢كتاب المجروحين )(٥. (٢/١٧٤
) (١٣الكامل لابن عدي )(٦. (١/١١٠
) (١٤تهذيب الـكمال )(٧. (١٢/٣٤٧
) (١٥تاريخ بغداد )(١. (١/٢٢٧
) (١٦ميزان الاعتدال )(٢. (١/٥٠٤
) (١٧تاريخ بغداد )(٣. (١٢/٢٧٤
) (١٨صحيح مسلم )(٤. (١٦٧٤
) (١٩ميزان الاعتدال )(٥. (٣/١٤٠
) (٢٠الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي )(٦. (١/٥٣
) (٢١التنكيل )(٧. (٢/١٠٠
) (٢٢الكامل لابن عدي )(١. (١/٨٤
) (٢٣التاريخ لابن معين رواية الدوري ) برقم (٢. (٤٣٤٢ ، ٢٦٨٢
Shamela.org ٦٢
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
Shamela.org ٦٣
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
قلت :وقد كان من التابعين من يقصر الأسانيد ،فلا يكون ذلك من باب الاختلاف في الز يادة وعدمها .
قال البغوي :كره قوم من الصحابة والتابعين إكثار الحديث عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم خوفا ًمن الز يادة والنقصان ،والغلط
فيه ،حتى إن من التابعين من كان يهاب رفع الحديث فيوقفه على الصحابي ،و يقول :الـكذب عليه أهون من الـكذب على رسول
الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ،ومنهم من يسند الحديث حتى إذا بلغ به النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم قال :قال ،ولم يقل :
رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ،ومنهم من يقول :رفعه ،ومنهم من يقول :رواية ،ومنهم من يقول :يبلغ به النبي صلى الل ّٰه
عليه وعلى آله وسلم ،وكل ذلك هيبة للحديث عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ،وخوفا ًمن الوعيد) . (١٧انتهى .
قلت :إذا كانت الطرق المختلفة قو ية فحينئذ يتجه ما قاله البغوي ،وإن كان في بعضها ضعف فيرجح بينها .فمثال الز يادة في المتن حديث
)) :استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا ً((). (١٨
قال الطبراني :ثنا عبد الل ّٰه بن أحمد بن حنبل ثني أبي ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن قارظ بن شيبة عن أبي غطفان عن ابن عباس
أن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم قال )) :استنشقوا مرتين ـ وزاد والأذنان من الرأس (( وهذه الز يادة تفرد بها الطبراني ،ولعلها
من أخطاء النساخ ؛ فإن أحدا ً من العلماء لم ينبه عليها .وعلى كل فهي ز يادة شاذة .
قال الإمام أحمد :ثنا يحيى عن ابن أبي ذئب )ح( وقال ابن أبي شيبة :ثنا وكيع وإسحاق الرازي عن ابن أبي ذئب )ح( ،وقال
البخاري :وقال آدم نا ابن أبي ذئب )ح( ،وقال أبو داود :ثنا إبراهيم بن موسى ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب )ح( ،وقال النسائي
:ثنا سويد بن نصر أنبأ عبد الل ّٰه عن ابن أبي ذئب )ح( ،وقال ابن ماجه :ثنا أبو بكر عن أبي شيبة عن إسحاق بن سليمان )ح( ،
وثنا علي بن محمد ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب )ح( ،وقال الحاكم :أنا بكر بن حمدان الصيرفي صنا عبد الصمد بن الفضل ثنا خالد بن
مخلد ثنا ابن أبي ذئب ثنى فارظ ابن شيبة عن أبي غطفان المري عن ابن عباس قال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ))
استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا ً(( .ولفظ بن أبي شيبة عن وكيع )) :استنشقوا (( .
ومثال الز يادة في الإسناد ،حديث )) :إذا مرض العبد أو سافر ،كتب له مثل ما كان يعمل مقيما ً صحيحا ً((). (١٩
رواه إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي ،واختلف عليه ،فرواه العوام بن حوشب عن إبراهيم عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري عن
النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم مسندا ً ،وروها مسعر بن كدام عن إبراهيم عن أبي بردة قوله .
قال الحافظ بن حجر :مسعر أحفظ من العوام بلا شك ،إلا أن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي ،فهو في حكم المرفوع ،وفي السياق
قصة تدل على أن العوام حفظه فإن فيه :سمعت أبا بردة وأصحابه هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر ،فكان يزيد يصوم في السفر ،فقال
له أبو بردة ؛ سمعت أبا موسى مرارا ً يقول :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ،فذكر الحديث .
ل على أن رواية حفظه والل ّٰه أعلم). (٢٠
قال أحمد بن حنبل :إذا كان في الحديث قصة ،د ّ
وقد يكون الاختلاف في السند في تسمية راو :
كحديث الزهري عن أبي بكر بن محمد بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا ً
فيه الفرائض والسنن والديات ،وبعث به مع عمرو بن حزم ،فقرأت على أهل اليمن هذه نسختها ،وذكره .
هذا الحديث اختلف فيه على يحيى بن حمزة في تسمية شيخه الراوي عن الزهري .
فرواه الحكم بن موسى قال :حدثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود قال :حدثني الزهري .
قال أبو داود :هذا وهم من الحكم بن موسى). (٢١
ورواه محمد بن بكار عن يحيى عن سليمان بن أرقم عن الزهري .
قال النسائي :وهذا أشبه بالصواب وسليمان بن أرقم متروك الحديث). (٢٢
قلت :الراجح فيه رواية محمد بن بكار ؛ لأنها مطابقة لأصل يحيى بن حمزة ،قال الإمام المزي رحمه الل ّٰه :وكذلك حكى غير واحد أنه
Shamela.org ٦٤
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
Shamela.org ٦٥
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
) (٢٤أخرجه الإمام أحمد ) ، (٤٠٤ ، ٦/٤٠٣البخاري ) ، (٢٦٩٢مسلم ) ، (٢٦٠٥أبو داود ) ، (٤٩٢٠والترمذي )(١٩٣٨
،وقال :حسن صحيح (١.
) (٢٥أخرجه الإمام مسلم ) ، (٢٦٠٥والنسائي في السنن الـكبرى )(٢. (٣٥٢ ، ٥/٣٥١
) (٢٦أخرجه الإمام أحمد ) ، (٦/٤٠٤وأبو داود ) ، (٤٩٢١والنسائي في السنن الـكبرى )(٣. ( ٣٥١ ، ٥/١٩٣
) (٢٧فتح الباري )(٤. (٥/٣٥٣
Shamela.org ٦٦
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
قلت :خالفخ زائد بن قدامة الثقفي وأبو إسحاق الفزاري وأبو زبيد عبثر ،و يؤيد رواية الجناعة أنه انفرد عن الأعمش بذلك وقد سلك
الجادة .
قال ابن رجب :إذا روى الحفاظ الأثبات حديثا ًبإسناد واحد ،وانفرد واحد منهم بإسناد آخر .فإن كان المنفرد ثقة حافظا ً فحكمه
قريب من حكم ز يادة الثقة في الأسانيد أو في المتون ...و يقوى قبول قوله إنكان المروي عنه أوسع الحديث ،يمكن أن يجعل الحديث
من طرق عديدة كالزهري والثوري وشعبة والأعمش .
ووما يستدل به الأئمة كثيرا ً على صة رواية ما انفرد بالإسناد إذا روى الحديث بالإسناد الذي رواه الجماعة). (٩
قلت :ولا سيما إذا جمعهما في سياق واحد .كحديث أبي هريرة أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم قال )) :من غسل ميتا ً
فليغتسل ومن حمله فيتوضأ (()(١٠
رواه الوليد بن مسلم وشبابة بن سوار وأسد بن موسى وحجاج المصيصي و يحيى القطان و يحيى بن أيوب وحسين بن محمد وابن أبي فديك
عن محمد ابن عبد الرحمن عن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة .
وأغرب محمد بن إسماعيل بن أبي فديك فيه بإسنادين آخرين قال :ثنى ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس بن عمير عن أبي هريرة .
قال محمد بن أحمد بن عبد الهادي :ثم قال ابن أبي فديك :وحدثني ابن أبي ذئب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة). (١١
قلت :وليس ذلك غريبا ًعليه .
قال يحيى بن معين :كان أروى الناس عن ابن أبي ذئب وهو ثقة) . (١٢فإن تعذر الترجيح صار الراوي مضطربا ً.
وقال المعلمي رحمه الل ّٰه :والاضطراب الضار :أن يكون الحديث حجة على أحد الوجهين مثلا ًدون الآخر ،ولا يتجه الجمع ولا الترجيح
،أو يكثر الاضطراب ويشتد بحيث إن ارلاوي الذي مدار الحديث عليه لم يضبط). (١٣
كحديث )) :ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد ،ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل ،أربعون في بطونها أولادها ((). (١٤
اضطرب فيه خالد الحذاء ؛ فرواه بشر ابن المفضل ويزيد بن زر يع عن خالد الحذاء عن القاسم عن ربيعة عن يعقوب بن أوس أن
رجلا ًمن أصحاب النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم حدثه .
ورواه الثوري وهشيم عن خالد عن القاسم عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم .
ورواه حماد بن زيد ووهيب بن خالد عن خالد عن القاسم عن عقبة بن أوس عن عبد بن عمرو .
ورواه ابن أبي عدي عن خالد عن القاسم عن عقبة بن أوس مرسلا ً.
فخالد ـ والل ّٰه أعلم ـ لم يحفظ الحديث فقد خالفه أيوب السختياني :رواه حماد بن زيد عن أيوب عن القاسم بن ربيعة مرسلا ً .وتابعه
حميد الطو يل ،وخالف شعبة حماد بن زيد فرواه عن أيوب عن القاسم عن عبد الل ّٰه بن عمرو ورواية حماد أرجح .
قال يحيى بن معين :ليس أحد في أيوب أثبت من حماد بن زيد) . (١٥واختلاف الثقات على الرجل الضعيف ليس محلا ًللجمع بين
رواياتهم .
قال الحافظ ابن رجب :فاختلاف الرجل الواحد في الإسناد إن كان متهما ً ،فإنه ينسب إلى الـكذب ،وإن كان سيئ الحفظ نسب
إلى الاضطراب وعدم الضبط ،وإنما مثل ذلك ممن كثر وقوي حفظه كالزهري وشعبة ونحوهما). (١٦
وقال :واعلم أن هذا كله إّا علم أن الحديث الذي اختلف في إسناده حديث واحد .فإن ظهر أنه حديثان لم يحكم بخطأ أحدهما ،
وعلامة ذلك :أن كون في أحدهما ز يادة على آخر أو نقص منه أو تغير يستدل على أنه حديث آخر ،فهذا يقول علي بن المديني وغيره
من أئمة الصنعة :هما حديثان بإسنادين إذا احتمل ذلك وكان متن الحديث يروي عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم من وجوه
متعددة كحديث الصلاة على النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ،فأما ما لا يعرف إلا بإسناد واحد فهذا يبعد فيه ذلك). (١٧
__________
) (١هدي الساري لابن حجر )ص(٥. (٤٤٩
) (٢العلل لابن المدين )(١. (٨٣
Shamela.org ٦٧
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
Shamela.org ٦٨
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
ليلى لا يحتج به ،إنما عنى إذا تفرد بالشئ ،وأشد ما يكون هذا لم يحفظ الإسناد فزاد في الإسناد أو نقص أو غير الإسناد أو جاء بما
يتغير فيه المعنى). (٤
قلت :من تكلم فيه من جهة حفظه غالبا ًلا ينزلون عن درجة الاعتبار ،وكلما اشتد ضعف الراوي في ضبطه احتاج إلى متابعة قو ية
،إلا إن جرح في عدالته فلا يعتبر به .
والثاني :المرسل ،فإنه يحتمل أن يكون الساقط من سنده و يحتمل أن يكون ضعيفا ً.
قال الشافعي :المنقطع مختلف ؛ فمن شاهد أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم من التابعين ،فحدث حديثا ً منقطعا ً عن
النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم اعتبر عليه بأمور :
منها :أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم بمثل معنى
ما روي كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه .
وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك .و يعتبر عليه بأن ينظر :هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل
العلم عنه من غير رجاله الي قبل عنهم ؟
فإن وجد ذلك كانتت دلالة يقوى له مرسله ،وهي أضعف من الأولى .وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب
رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم قولا ًله ،فإن وجد يوافق ما روي عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم كانت في هذه
دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح ،إن شاء الل ّٰه .
وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم .
ثم يعتبر عليه بأن يكوييني إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا ًولا مرغوبا ًعن الرواية عنه ،فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه .
و يكون إذا شرك أحدا ً من الحفاظ في حديث لم يخالفه ،فإن خالفه وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه .
ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه ،حتى لا يسع أحدا ً منهم قبول مرسله .وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا
أن نقبل مرسله .
ولا نسطتيع أن نزعم أن الحجة ٺثبت به ثبوتها بالمتصل ،وذلك أن معنى المنقطع يحتمل أن يكون حمل عم ّن يرغب عن الرواية عنها إذا
سمي ،وأن بعض المنقطعات ـ وإن وافقه مرسل مثله ـ فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدا ً من حيث لم سمي لم يقبل ،وإن قول
بعض أصحاب صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم إذا قال برأيه لو وافقه يدل على صحته مخرج الحديث ،دلالة إذا نظر فيها ويمكن أن يكون
إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب النبي يوافقه ،و يحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء .
فأما من بعد كبار التابعين الذين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم فلا أعلم منهم واحدا ً
يقبل مرسله لأمور :
أحدها :أنهم أشد تجوزا ً فيمن يروون عنه .
والآخر :كثرة الإحالة ،كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه). (٥
قال :ومن نظر في العلم بخـبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين ،بدلائل ظاهرة فيها) . (٦انتهى كلامه
رحمه الل ّٰه .
ومن الأخبار ماي يطرح ولا يتقوى ؛ كرواية الـكذابين والمتروكين وأهل الفسق ،فلا يعتبر بروايتهم ولا تقوى بها الأخبار .
قال المعلمي :زوال التهمة عن الراوي كان سند المتابعة مقبولا ً ،أما إذا كان ساقطا ًفلا يدفع التهمة بل يقال :بعضهم وضع وبعضهم
سرق أو وهم أو لقن أو أدخل عليه ،على أنه إن كان مقبولا ًوالمروي منكرا ً فإن الراوي يبرأ وتلصق التهمة بمن فوقه). (٧
وإن كان من المتابع واهما ًفي حديثه قلا يقوى به الحديث ،وإنما ينهض الحديث إذا كان ضعفه محتملا ًويرجى فيه السلامة من الوهم
.
Shamela.org ٦٩
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
كز يادة )) وبركاته (( ،قال :حدثنا الفضل بن الحباب ،حدثنا محمد بن كثير ،أخبرنا سفيان ،عن أبي إسحاق ،عن أبي الأحوص
،عن عبد الل ّٰه بن مسعود ،أن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده )) :السلام
عليكم ورحمة الل ّٰه ،السلام عليكم ورحمة الل ّٰه وبركاته (( .
وتابعه همام عن عطاء بن السائب ،عن عبد الرحمن بن الأسود ،عن عبد الل ّٰه بن مسعود). (٨
ولا طر يق آخر عن عبد الملك بن الوليد بن معدان ،عن عاصم بن بهدالة ،عن زر بن حبيش وأبي وائل ،عن عبد الل ّٰه بن مسعود ،
قال كأني أنظر إلى بياض خد رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم يسلم عن يمينه))السلام عليكم ورحمة الل ّٰه وبركاته ،وعن يساره
السلام عليكم ورحمة الل ّٰه)(٩
ولها طر يق آخر خرجه الدار قطني) ، (١٠من طر يق عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر عن أبيه حدثني ابن أبي ليلى وأبو مهمر قال :علمني
ابن مسعود التشهد وقال :علمنيه رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم كما يعلمنا السورة من القرآن ...وذكر وزاد في آخره )) :
السلام عليكم ورحمة الل ّٰه وبركاته (( .وقال الدار قطني :ابن مجاهد ضعيف الحديث .
ولها شاهد من حديث وائل بن حجر ،أخرجه أبو داود من طر يق موسى بن قيس الحضرمي ،عن سلمة بن كهيل ،عن علقمة بن
وائل ،عن أبيه قال :صليت مع النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ،فكان يسلم عن يمينه )) :السلام عليكم ورحمة الل ّٰه وبركاته (( ،
وعن شماله )) :السلام عليكم ورحمة الل ّٰه ((). (١١
ولـكن لا يفرح بكثرة هذه الطرق ؛ لأنها لا يقوي بعضها بعضا ً.
فأما رواية عطاء بن السائب ،فإنه اختلط اختلاطا ًشديدا ً ،وقال أبو حاتم الرازي :وفي حديث البصر يين الذين يحدثون عنه تخاليط
كثيرة ؛ لأنه قدم عيلهم في آخر عمره) . (١٢وهمام بم يحيى البصري رواه عنه بعد الاختلاط ،وخالف الناس في هذا الحديث
فوقفه وهو مرفوع ،وزاد ز يادة لم يذكرها الأثبات عن عبد الل ّٰه بن مسعود ،كما سيأتي .
وأما عبد الملك بن الوليد بن معدان) (١٣فهو ضعيف ،وله حديث آخر تفرد به عن عاصم بن بهدلة ووهم فيه ،كما وهم في هذا
الحديث ،فقد تفرد به عن عاصم بهذه الز يادة ولم يتابعه عليه أحد ،وخولف فقد روي هذا الحديث من طرق ولم تذكر هذه الز يادة
كما سيأتي .
وأما رواية الفضل بن الحباب ،وهو ثقة أخباري وله أوهام كما في لسان الميزان لابن حجر) ، (١٤وخالفه أبو داود ،وهو أثبت منه
وأحفظ ،فرواه عن محمد بن كثير بن ولم يذكر هذه الز يادة ورواه ابن مهدي ووكيع عن سفيان الثوري ولم يذكروها .
ورواه زائدة بن قدامة وأبو الأحوص وعمرو بن عبيد الطنافسي وشر يك وإسرائيل والحسين بن واقد وعلي بن صالح وزهير عن أبي
إسحاق السبيعي ،ولم يذكروها .
وروى هذا الحديث مسروق بن الأجدع وأبو الأحوص وعلقمة والأسود ابن يزيد النخعي عن عبد الل ّٰه بن مسعود ولم يذكروها). (١٥
وأما رواية عبد الوهاب بن مجاهد) ، (١٦فقد كذبه سفيان الثوري ،وقال ابن الجوزي :أجمعوا على ترك حديثه .
وحديث عبيد الل ّٰه بن مسعود في التشهد مشهور وروي من طرق عدة ولم تذكر هذه الز يادة فيه) (١٧فهي ز يادة شاذة .
وأما حديث وائل بن حجر ،فقد وهم فيه موسى بن قيس الحضرمي وخالفه شعبة ـ وشك فيه ـ وسفيان الثوري وعلي بن صالح والعلاء
بن صالح الأسدي فرووه عن سلمة بن حجر بن العنبس عن وائل ،ولم يذكروها ،وكذا الرواة عن وائل بن حجر لم يذكروا هذه الز يادة ،
ومنهم عبد الرحمن بن اليحصبي وعلقمة بن وائل). (١٨
__________
) (١أحوال الرجال )(٢. (٣٣
) (٢جامع العلوم والحكم )(٣. (٢/٢١٠
) (٣العلل الصغير )(٤. (٧٤٢
) (٤اعللل الصغير )(١. (٧٤٦
Shamela.org ٧٠
٧الباب الثالث في علم علل الحديث
فصل على حسب القائل وموضوع الخـبر بتشدد في رواية الخـبر وكتابته ويتساهل ٧.٧
فصل على حسب القائل وموضوع الخـبر بتشدد في رواية الخـبر وكتابته ويتساهل .
قال النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم )) :إن كذبا ً عليّ ليس ككذب على أحد ؛ من كذب عليّ متعمدا ً فليتبوأ مقعده من النار
((). (١
فمع أن الـكذب حرام مطلقا ً ،إلا أن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم فر ّق بين المذب عليه والـكذب على غيره ،فجعل الـكذب عليه
أشد تحريما ً ،وذلك صيانة للشر يعة .
تساهل أهل الحديث في كتابة الأحاديث عن الضعفاء والرواية عنهم ،لا سيما في الفضائل والترغيب والترهيب ونحو ذلك .
أما عن شديدي الضعف والـكذابين فكانوا يتشددون في ذلك ،وإنما يكتبون حديثهم للمعرفة ،وتساهل في ذلك طائفة من المتأخرين .
قال عبد الرحمن بن مهدي :خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن :الحكم ،والحديث .
وقال ابن أبي حاتم :يعني لا يستعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمرضي). (٢
وقال سفيان الثوري رحمه الل ّٰه :لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم يعرفون الز يادة والنقصان ،
فلا بأس بما سوى ذلك من المشايخ). (٣
وقال الإمام أحمد رضي الل ّٰه عنه :إذا روينا عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام في
الأسانيد ،وإذا روينا عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما ًولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد). (٤
وقال أيضا ً :أحاديث الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها ،حتى يجئ شئ فيه حكم). (٥
وقال أبو حاتم :أن عبدة بن سليمان :قيل لابن المبارك وقد روي عن رجل حديثا ً :هذا رجل ضعيف ،فقال :يحتمل أن يروى
عنه هذا القدر أو مثل هذه الأشياء .قلت لعبدة :مثل أي شئ كان ؟ قال :في أدب ،في موعظة ،في زهذ ،أو نحو هذا). (٦
Shamela.org ٧١
٨خاتمة
وقال البيهقي :من لا يكون متهما ًبالوضع ،غير أنه عرف بسوء الحفظ وكثرة الغلط في رواياته ،أو يكون مجهولا ًلم يثبت من عدالته
وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول .
فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملا ًفي الأحكام ،كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولة عند الحكام .وقد تستعمل
في الدعوات والترغيب والترهيب والتفسير والمغازي فيما لا يتعلق به حكم). (٧
وقال البيهقي :وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم ؛ لأن ما فسروا به ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب ،وإنما عملهم في ذلك الجمع
والتقريب فقط). (٨
__________
) (١أخرجه البخاري برقم )(٥. (١٢٩١
) (٢الجرح والتعديل )(١. (٢/٣٥
) (٣الـكفاية )(٢. (١٣٤
) (٤الـكفاية )(٣. (١٣٤
) (٥المصدر السابق (٤.
) (٦الجرح والتعديل لابن أبي حاتم )(٥. (٣١ ، ٢/٣٠
) (٧دلائل النبوة )(٦. (١/٣٤
) (٨دلائل النبوة )(٧. (٣/٣٧
خاتمة ٨
خاتمة
لقد علمت مما سبق أن النقد ليس سطحيا ًعلى ظاهر السند ،بل يفتقر إلى الممارسة والتتبع مع الفهم ،فليس من شرط الـكذاب إلا
يصدق ،ولا من شرط الثقة إلا يهم ولا يرد حديثه ،ولا من ديدن الضعيف إلا يحفظ وألا يصحح حديثه ،فينبغي إلا يعترض على
أطباء الحديث في علله بأشياء بديهية عند المبتدئين في هذا الفن .
قال عبد الرحمن بن مهدي :معرفة الحديث إلهام ،فلو قلت للعالم بعلل الحديث :من أين قلت هذا ؟ لم يكن له حجة). (١
وقال أبو حاتم الرازي :معرفة الحديث كمثل فص ثمنه مائة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم). (٢
وقال أحمد بن صالح المصري :معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب والشبه فإن الجوهر إنما يعرفه أهله ، ،وليس للبصير فيه حجة إذا قيل
له :كيف قلت :إن هذا ـ يعني الجيد أو الردي ـ). (٣
وقال الأوزاعي :كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما نعرض الدرهم الزائف على الصيارفة ،فما عرفوا منه أخذنا ،وما انكروا
منه تركنا). (٤
وقال علي بن المديني :جاء رجل إلى ابن مهدي ،فقال :يا أبا سعيد إنك تقول :هذا ضعيف ،وهذا قوي ،وهذا لا يحتج به ،فع ّم
م ذلك أو كنت
تقول ذلك ؟ فقال عبد الرحمن :لو أتيت الناقد فأريته دراهم ،فقال :هذا جيد ،وهذا نبهرج ،أكنت تسأله ع ّ
تسلم الأمر إليه ؟ فقال :بل كنت أسلم الأمر إليه .فقال عبد الرحمن :هذا كذلك ،هذا بطول المجالسة والمناظرة والمذاكرة والعلم
به ،قال علي :فذكرته لبعض أصحابنا فقال :أجاب جواب عالم). (٥
وربما أهل الحديث أعلم بحديث الراوي من علمه هو بحديثه .
قال زائدة :كنا نأتي الأعمش فيحدثنا فيكثر ،ونأتي سفيان الثوري فنذكر تلك الأحاديث له فيقول :ليس هذا من حديث الأعمش
،فنقول :هو حدثنا به الساعة ،فيقول :اذهبوا فقولوا له إن شئت ،فنأتي فنخبره بذلك ،فيقول :صدق سفيان ليس هذا من
حديثنا). (٦
وقال عبد الرحمن بن مهدي :ذاكرني أبو عوانة بحديث ،فقلت :ليس هذا من حديثك ،فقال :لا تفعل يا أبا سعيد ،هو عندي
مكتوب .قلت :فهاته .قال :يا سلامة هات الدرج ،ففتش فلم يجد شيئا ً ،فقال :من أين أتيت يا أبا سعيد ؟ فقلت :هذا
Shamela.org ٧٢
٨خاتمة
Shamela.org ٧٣
فهرس المراجع ٩
Shamela.org ٧٤
فهرس المراجع ٩
-٢١ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي ،تحقيق :عبدالفتاح أبو غدة ،مكتب المطبوعات الإسلامية ،الطبعة الخامسة
١٤٠٤هـ .
-٢٢الرسالة للإمام الشافعي ،تحقيق أحمد شاكر ،دار الـكتب العلمية .
-٢٣سؤالات أبي عبيدة الآجري أبا داود السجستاني ،تحقيق :عبدالعليم البستوي ،الطبعة الأولى .
-٢٤سؤالات ابن الجنيد لأبي زكر يا يحيى بن معين ،تحقيق :د /أحمد محمد نور سيف ،مكتبة الدار بالمدينة المنورة ،الطبعة الأولى
١٤٠٨هـ .
-٢٥سؤالات الحاكم النيسابوري للدار قطني ،تحقيق :موفق بن عبدالله بن عبدالقادر ،مكتبة المعارف ،الطبعة الأولى ١٤٠٤هـ .
-٢٦سؤالات السهمي للدار قطني ،تحقيق :موفق بن عبد الل ّٰه بن عبدالقادر ،مكتبة المعارف الر ياض ،الطبعة الأولى ١٤٠٤هـ .
-٢٧سنن أبي داود ،مراجعة وضبط وتعليق :محمد محي الدين عبد الحميد .
-٢٨سنن ابن ماجه ،تحقيق وترقيم :محمد فؤاد عبد الباقي .
-٢٩سنن الترمذي ،تحقيق :أحمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وإبراهيم عطة ،دار الحديث .
-٣٠سنن الدار قطني ،تحقيقي :السيد عبد الل ّٰه هاشم يماني ١٣٨٦ ،هـ .
-٣١السنن الصغرى للنسائي ) المجتبى ( بشرح الحافظ السيوطي وحاشية السندي ،دار القلم .
-٣٢السنن الـكبرى للبيهقي ،تحقيق :محمد عبد القادر عطا ،دار الـكتب العلمية ،الطعة الأولى .
-٣٣السنن الـكبرى للبيهقي ،تحقيق :عبد الغفار البتداري وسيد كسروي ،دار الـكتب العلمية ،الطبعة الأولى ١٤١١هـ .
-٣٤سير أعلام النبلاء للذهبي ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة السابعة ١٤١٠هـ .
-٣٥شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي ،تحقيق :د /أحمد بن سعد الغامدي ،دار طيبة ،الطبعة الرابعة ١٤١٦هـ .
-٣٦شرح السنة للبغوي ،تحقيق :شعيب الأرنؤوط ومحمد الشاويش ،المكتب الإسلامي ،الطبعة الأولى ١٣٩٠هـ .
-٣٧شرح علل الترمذي لابن رجب ،تحقيق :صبحي السامرائي ،عالم الـكتب ،الطبعة الثانية .
-٣٨شروط الأئمة الستة لأبي الفضل بن طاهر المقدسي ،اعتنى به :عبد الفتاح أبو غدة ،مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب ،
الطبعة الأولى ١٤١٧هـ .
-٣٩صحيح الإمام البخاري ،ترقيم :محمد فؤاد عبد الباقي .
-٤٠صحيح الإمام مسلم ،بترقيم :محمد فؤاد عبد الباقي ،دار الحديث بالقاهرة ،الطبعة الأولى
-٤١علل الحديث لابن أبي حاتم ،دار المعرفة ،طبعة عام ١٤٠٥هـ .
-٤٢العلل الصغير للترمذي ،أنظر :سنن الترمذي .
-٤٣العلل لابن المديني ،تحقيق محمد مصطفى الأعظمي ،الطبعة الثانية ،المكتب الإسلامي .
-٤٤العلل للدار قطني ،تحقيق :محفوظ الرحمن زين الل ّٰه السلفي .
-٤٥علوم الحديث لابن الصلاح ،تحقيق :نور الدين عتر ،دار الفكر بدمشق .
-٤٦فتح الباري لابن حجر ،تحقيق :محب الدين الخطيب ،دار الر يان للتراث ،الطبعة الأولى .
-٤٧فتح المغيث للسخاوي ،تحقيق :علي حسن علي ،نشر دار الإمام الطبري ،الطعة الثانية .
-٤٨الفوائد المجموعة ،تحقيق :المعلمي ،مطبعة السنة المحمدية .
-٤٩الكامل في ضعفاء الرجال لأحمد بن عدي الجرجاني ،تحقيق :يحيى مختار غزاوي ،دار الفكر بدمشق ،الطبعة الثالثة ١٤٠٥هـ
.
-٥٠كتاب الثقات لابن حبان ،داشرة المعارف العثمانية بحيد آباد ،الطبعة الأولى .
-٥١كتاب الضعفاء والمتروكين للدار قطني ،تحقيق :السيد صبحي السامرائي ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة الأولى ١٤٠٤هـ .
-٥٢كتاب المجروحين لابن حبان ،تحقيق :محمود فؤاد إبراهيم زايد .
-٥٣الـكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ،تحقيق :الممعلمي .
Shamela.org ٧٥
فهرس المراجع ٩
-٥٤لسان اميزان لابن حجر ،تحقيق :غنيم بن عباس غنيم ،الفاروق الحديثة للطباعة والنشر ،الطبعة الأولى ١٤١٦هـ .
-٥٥المحدث الفاصل بين الرواي والواعي للرامرزي ،تحقيق :د /محمج عجاج الخطيب ،دار الفكر ،الطبعة الثانية ١٤٠٤هـ .
-٥٦المدخل إلى كتاب الإكليل للحاكم النيسابوري ،تحقيق :فؤاد عبد المنعم أحمد .
-٥٧الرماسيل لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ،علق عليه :أحمد عصام الكاتب ،دار الـكتب العلمية ،الطبعة الأولى
١٤٠٣هـ .
-٥٨المستدرك على الصحيحين ،تحقيق :د /مصطفى عبد القادر عطا ،دار الـكتب العلمية ،الطبعة الأولى ١٤١١هـ .
-٥٩مسند أبي الجعد للقاسم البغوي ،مراجعة وتعليق :عامر أحمد حيدر مؤسسة نادر ،الطبعة الأولى ١٤١٠هـ .
-٦٠مسند الإمام أحمد بن حنبل ،تحقيق :سمير الجذوب وآخرون ،المكتب الإسلامي ،الطبعة الأولى ١٤١٦هـ .
-٦١المصنف في الحديث والآثار ،تحقيق :محمد عبد السلام شاهين ، ،دار الـكتب العلمية ،الطبعة الأولى ١٤١٦هـ .
-٦٢معرفة علوم الحديث للحاكم ،دار إحياء العلوم ،الطبعة الأولى ١٤٠٦هـ .
-٦٣المنار المنيف لابن القيم ،تحقيق :عبد الفتاح غدة ،مكتب المطبوعات الإسلامية ،الطبعة الثانية ١٤٠٣هـ .
-٦٤الموضع لأوهام الجمع والتفر يق ،تحقيق :عبد الرحمن بن يحيى المعلمي .
-٦٥الموقظة للذهبي بعناية :عبد الفتاح أبو غدة ،دار البشائر الإسلامية ،الطبعة الثانية .
-٦٦ميزان الاعتدال للطافظ الذهبي ،تحقيق :علي محمد البجاوي .
-٦٧النكت على كتاب ابن الصلاح ،لابن حجر ،تحقيق :مسعود السعدني ومحمد فارس ،دار الـكتب العلمية ،الطبعة الأولى
١٤١٤هـ .
م ُلتقى أهل الحديث
www.baljurashi.com
Shamela.org ٧٦