Professional Documents
Culture Documents
الَقابةُ الصَحبةُ و
يِف
عنوان الكتاب :الصحابة والقرابة يف القرآن الكريم .
اسم املؤلف :عمرو صبحي علي حممد .
عدد الصفحات 462 : ــ نوع املطبوع :كتاب ـ ـ الطبعة :األوىل
السلسلة :قضايا التوعية اإلسالمية ()21
الناشر :مربة اآلل واألصحاب
ص .ب 12421 .الشامية ـ الرمز الربيدي 71655ـ ـ ت 2560203 :
م
حقوق الطبع حقوظة لمبرة الآل والآصحاب
إال لمن أراد التوزيع الخيري بشرط عدم التصرف في المادة العلمية
ا َّلط ا
ُ ا ُبُ ُعةُ الُ ُ
ول
1440ـه ـ 2019م
فهرس الكتاب
الصفحة الموضوع
الصفحة الموضوع
* الفصل الثاني :أسباب النزول ..تعريفها ..أهميتها ..أهم مصادرها 57 ..
المبحث األول :تعريف سبب النزول60 ............................
أوًل :تعريف السيوطي 60 ....................................
ا
ثانيا :تعريف الدكتور خالد المزيني69 ...........................
ا
المبحث الثاني :أهمية المعرفة بسبب النزول 77 ......................
ألسباب النزول عدة فوائد 80 .................................
1ــ اإلعانة على فهم المراد من اآلية80 .......................
2ــ تصور أحوال من نزل فيهم القرآن 87 ......................
3ــ إبراز حكم التشريع الباهرة 88 ...........................
4ــ الكشف عن الظرفين المكاني والزماني لنزول اآليات 89 .......
5ــ إزالة اإلشكال الناشئ عن الجهل بسبب النزول 90 ...........
6ــ بيان أخصية السبب بالحكم 91 ..........................
7ــ معرفة التاريخ 91 .....................................
8ــ توسعة علم الشريعة بمعرفة األحكام بأسبابها 91 .............
9ــ التأسي واًلقتداء بما وقـع للسـلف مـن حـواد فـي الصـبر
على المكاره واحتمال األقدار المؤلمة 91 ......................
10ــ تعيين المبهم 92 ....................................
كالم جامع لبعض األئمة في أهمية العلم بسبب النزول92 ............
المبحث الثالث :أهم مصادر أسباب النزول 94 .......................
6
فهرس الكتاب
الصفحة الموضوع
* الفصل الثالث :اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة 99 ...
الصنف األول :أهل اإلشراك 106.................................
1ــ أنهم ًل يرقبون في مؤمن اإًل وًل ذمة 106.....................
2ــ إظهار ما ًل يضمرون 107 .................................
قليال108 ........................ 3ــ أنهم يشترون بآيات اهلل ثم انا ا
4ــ أنهم يمنعون أهل اإليمان من اتباع الحق 109..................
5ــ نقض العهود ،والطعن فـي ديـن اإلسـالم اكراهيـة مـا جـاء بـ
الرسول) 109.............................................
6ــ اًلستهانة بحكم اهلل ورسول ،وعدم إقامة وزن ل 110 ...........
7ــ كراهية اإلسالم ،واًلجتماع على محاربة الدين 114 .............
8ــ أكـل أمـوال النـاا بالباطـل ،وقبـول الرشـوة ،وكنـز األمـوال،
وترك النفقة في سبيل اهلل 115 .................................
الصنف الثاني :أهل اإليمان118 ..................................
1ــ المجاهدون في سبيل اهلل 119 ..............................
2ــ الهجرة 122 ...........................................
3ــ ًل عصمة لهم 123 ......................................
4ــ نصرة النبي ‘135 .....................................
5ــ طاعة اهلل ورسول ،والوًلء ألهل اإلسالم ،واألمر بالمعروف،
والنهي عن المنكر ،والجود بالمال ،وإنفاق في سبيل اهلل 137 .........
6ــ الحزن على فوات الطاعة139 ..............................
7
فهرس الكتاب
الصفحة الموضوع
7ــ اًلعتراف بالذنب ،والتوبة من 140..........................
8ــ التطهر 142 ............................................
9ــ اًلستبشار والفرح بآيات اهلل 146 ...........................
الصنف الثالث :األعراب 147 ....................................
1ــ أهل جفاء 147 .........................................
2ــ أهل إيمان وبر150......................................
الصنف الرابع :أهل النفاق155 ...................................
1ــ التخلف عن نصرة الدين ،وجهـاد أعـداء اهلل ،وكثـرة اًلعتـذار
عن شهود مواقف الحق ،واًلرتياب والشك159 ...................
2ــ الكذب ،واستباحة اإلقسام علي 167 ........................
3ــ الحرص على رضا الناا 169 .............................
4ــ اجتماعهم على إرادة الشر بأهل اإلسالم ،ومواًلة أهل الكفـر،
وبث الفرقة بين المسلمين ،ونشر الفساد في األرض 170 ............
5ــ الفرح بما يصيب أهل اإلسالم من شدة ،وتمني الهزيمة لهم 176 ...
6ــ التكاسل عن الطاعات ،وكراهيتها 177 .......................
7ــ الجبن 178 ............................................
8ــ عدم الرضا وترك القناعة ،مع البخل 179 .....................
9ــ أذية النبي ‘ ولمزه عياذاا باهلل 183 .........................
10ــ اًلسـتهزاء والسـخرية باإلسـالم ،ورسـول ،وأهـل اإلسـالم،
والخوف من أن يفضح أمرهم 184 ..............................
8
فهرس الكتاب
الصفحة الموضوع
11ــــ الخــوف والحــذر مــن آيــات اهلل ،واًلنصــراف عــن ســماعها
والعمل بها 188 ............................................
الخالصة 193 ................................................
* الفصل الرابع :اآليات اليت نزلت يف الصحابة والقرابة ..إمجاالً 197 ...
إجماال 199 ........
ً المبحث األول :اآليات التي نزلت في تزكية الصحابة
أوًل :السابقون األولون199 ................................... ا
ــ المهاجرون األُ َول 206 ..................................
ثانيا :أهل بدر222 ......................................... ا
ثال اثا :أهل أحد 226 ........................................
ــ واهلل وليهما230 .......................................
ــ ليطهركم ب 231 ........................................
ــ الذين استجابوا هلل والرسول 234 ..........................
ــ شهداء أحد237........................................
ــ وربما صحت األجسام بالعلل 248 ........................
راب اعا :المبايعون تحت الشجرة 255 ............................
خام اسا :أنهم خيار الناا وأعدلهم 277..........................
ساد اسا :محبتهم هلل ومحبة اهلل لهم285 ..........................
ساب اعا :الرحماء األشداء 289..................................
ثام انا :ليستخلفنهم في األرض 295 .............................
تاس اعا :وهم الرجال الصادقون المتحققون باإليمان 300 .............
9
فهرس الكتاب
الصفحة الموضوع
إجماال 316 ..........
ً المبحث الثاني :اآليات التي نزلت في تزكية القرابة
1ــ آيات سورة األحزاب ..وفضل أزواج الرسول 316 ..............
ــ آية التطهير324 ..........................................
2ــ الصالة عليهم 332......................................
3ــ آية المحاجة333........................................
4ــ آية المودة 334.........................................
5ــ الغنيمة 338...........................................
* تنبيه 340 ................................................
* الفصل اخلامس :الصحابة الذين نزلت فيهم آيات خمصوصة 341 ....
المبحث األول :الصديق األكبر (أبو بكر) 343......................
1ــ الصاحب 343..........................................
2ــ الصديق352 ..........................................
3ــ الصالح 355 ..........................................
4ــ األتقى356............................................
5ــ الوقاف عند كتاب اهلل /ذا الفضل 358.......................
6ــ آية معاتبة يشترك فيها عمر بن الخطاب 360 ...............
المبحثثث الثثثاني :سثثعد بثثن أبثثي و ثثا ،ويشــترك مع ـ جماعــة مــن
الصحابة ،منهم :اابن مسعود ،وبـالل ،وصـهيب ،وعمـار ،وخبـاب،
وغيرهم)362............................................... .
المبحث الثالث :الزبير بن العوام 365..........................
10
فهرس الكتاب
الصفحة الموضوع
المبحث الرابع :عبد اهلل بن مسعود 366.........................
المبحث الخامس :عمار بن ياسر 367..........................
المبحث السادس :زيد بن حارثة 368..........................
المبحث السابع :أبو طلحة زيد بن سهل األنصاري 370 ...........
المبحث الثامن :كعب بن مالك ،وهالل بن أمية ،ومرارة بن الربيع 372.
المبحث التاسع :عبداهلل بن أم مكتوم 382......................
المبحث العاشر :المجادلة (خولة بنت ثعلبة) 386.................
المبحث الحادي عشر :رجل يقال له ضمرة من بني بكر 388........
المبحث الثاني عشر :حاطب بن أبي بلتعة 389...................
المبحث الثالث عشر :العرباض بن سارية 392...................
* الفصل السادس :القرابة الذين نزلت فيهم آيات خمصوصة 393......
المبحث األول :علي بن أبي طالب 394........................
المبحث الثاني :عائشة 398..................................
الخاتمة408 ...................................................
ملحق فيه :ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة 415 ..............
المبحث األول :أبو بكر 416 .................................
المبحث الثاني :عمر بن الخطاب 420 .........................
المبحث الثالث :عثمان بن عفان 421 ..........................
المبحث الرابع :علي بن أبي طالب 425 .......................
المبحث الخامس :أبو عبيدة بن الجراح 431 .....................
11
فهرس الكتاب
الصفحة الموضوع
المبحث السادا :حمزة 432 ...............................
المبحث السابع :عمار بن ياسر 434 ..........................
المبحث الثامن :عبداهلل بن مسعود 436 ........................
المبحث التاسع :سلمان الفارسي 437..........................
المبحث العاشر :عبداهلل بن سالم 438.........................
المبحث الحادي عشر :صهيب 440 ..........................
المبحث الثاني عشر :ثوبان مولى رسول اهلل ‘ 441..............
المبحث الثالث عشر :عمير بن الحمام 443 ....................
المبحث الرابع عشر :أبو جندل 444 ..........................
المبحث الخامس عشر :رفاعة القرظي 445 .....................
المبحث السادا عشر :معاوية بن أبي سفيان 446 ...............
المبحث السابع عشر :النجاشي 447 ..........................
المبحث الثامن عشر :زينب بنت جحش 449 ...................
المبحث التاسع عشر :أم شريك 451 ...........................
أهم مراجع البحث 453...........................................
12
مقدمة مربة اآلل واألصحاب
ناحية التأسيس النظري لمفهوم الصحابة والقرابة ،وما يتعلق بهم من
وخصائص مميزة ،أم من ناحية التطبيق والتفريع ،سواء في َ ٍ
صفات
االعتقاد أم الفقه أم األصول أم التفسير أم الحديث أم السلوك ،وغير ذلك،
وحر ُروا مبانيهم االجتهادية ،وبحثوا ُح َّج َّية اتفاقِهم
فجمعوا أقوالهمَّ ،
وأهل العلم الم َّطلِعونكثير مما يعلم الباحثون ُ ِ
واختالفهم ،وغير ذلك ٌ
على ذلك الباب.
خضم ذلك الترا الواسع مترامي األطراف ،من أبحا أهل ِّ وفي
العلم المتعلقة بموضوع الصحابة وأهل البيت؛ ًلحظت مبرة اآلل
والوسطي:
ُّ البحثي الجا ُّد،
ُّ واألصحاب أنه من المطلوب أن يخوض العمل
المجال ،بهدف مزيد الترشيد والتنقيح لتراثنا الزاخر حول هذه َ ذلك
القضية .وارتأى مركز البحو والدراسات في المبرة أن يسهم بتوجيه
الطاقة البحثية ،من خالل استكتاب أحد الباحثين األ ْكفاء المتخصصين في
التفسير والدراسات القرآنية؛ إلى األساس النظري لقضية الصحابة وأهل
البيت ،الذي هو الجوهر الحقيقي لذلك الموضوع ،وهو ما يتعلق
اًلنطالق
ُ نفس ،بحيث يكون النص القرآني ِ
بالصحابة والقرابة في بيئة ِّ
في تأسيس الموضوع من القرآن الكريم ،ثم ينبني علي سائر األبحا ،
ًل العكس بحيث يكون اًلنطالق من األبحا ثم النظر فيما يدعمها من
القرآن الكريم ،كما يحد في بعض الكتابات .فإن هذا في رأينا ،بما
يمثِّلُ القرآ ُن الكريم من مرجعيةٍ متف ٍق عليها بين جميع أهل القبلة؛
مجاًلت الخالف التي تقع بين ِ كثيرا من الحقائق ،ويضيِّق
سيجلّي ا
14
مقدمة مربة اآلل واألصحاب
ٍ
لقراءة الغلظة والتعنيف ،وتتر ّفع عن الخطابة والتهويل ،في محاولة جادة
قدر الطاقة لموضوع الصحابة وأهل البيت ،من خالل القرآن، موضوعيةٍ َ
الباطل من بين
ُ وانطال اقا من القرآن ،استهدا اء بكتاب اهلل الذي ًل يأتي
يدي وًل من خلف ،تنزيل من حميد مجيد .نسأل اهلل أن يوفقنا لما يحب
ويرضى ،وأن ينفع بهذا الكتاب.
وألن لم يشكر اهللَ َمن ْلم يشكر الناا ،فإننا نود التوج بالشكر
والتقدير لإلخوة األعزاء في جمعية الشيخ عبد اهلل النوري الخيرية على
تبنيهم طباعة هذا الكتاب ،وتكفلهم بتكلفت المالية ،فهذا ليس بأول
مساعيهم الطيبة لنشر الدعوة اإلسالمية الوسطية ،والشيء من مع ِدن ًل
مثال َح َس ٌن على تعاون الجمعيات والمبرات األهلية في
يستغرب ،وهذا ٌ
مجال الدعوة ونشر الثقافة اإلسالمية.
صا لوجه
نرجو من اهلل أن يوفقنا في مسعانا ،وأن يجعل خال ا
الكريم ،وأن يجمع لنا األجرين :أجر اًلجتهاد وأجر الصواب ،إن ولي
ذلك والقادر علي .
16
مقدمة
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على أشرف األنبياء
والمرسلين ،وعلى آل وصحب أجمعين ،وبعد:
فإن لصحابة رسول اهلل ‘ ،ولقرابته الكرام من الفضائل ما سارت
ب الركبان ،وصنفت في التصانيف ،ولما كان أعظم الكتب عند أهل
اإلسالم كتاب اهلل الكريم ،كان تتبع اآليات التي نزلت في الصحابة
والقرابة من العمل المبرور.
ومن هذا المنطلق؛ فقد أحببت أن أشارك في جمع هذه اآليات،
تفسيريا محررا ،يجمع المباحث العقدية واألصولية
ًّ تحليال
ا وتحليلها
التي تتضمنها ،من جهة دًللتها على فضائل الصحابة والقرابة ،ودفع
التهم عنهم ،بالخصوص ،والتعمق في إيضاح نفس مفهوم االصحابة
والقرابة) وسمات وخصائص وأحوال في التصوير القرآني ،بالعموم.
وسيطرح هذا البحث بعنون> :الصحابة والقرابة في القرآن الكريم..
دراسة تحليلية موضوعية<.
* * *
17
مقدمة
cإجراءات البحث:
جعلت فصول البحث ،وما أؤمل أن يصل إلي عبر التالي:
* الفصل األول :التعريف بمفهوم الصحابة والقرابة.
وجاء هذا الفصل لبيان المفاهيم األساسية عن مصطلحي >الصحابة<،
و>القرابة< ،وذلك عبر مبحثين:
المبحث األول :مفهوم الصحابة.
المبحث الثاني :مفهوم القرابة.
وسأعرض لبحث المفهومين وفق األدلة الشرعية المعتبرة ،وكالم
أهل العلم المحققين عليها ،مع المقارنة والترجيح بينها وفق القواعد
جاعال ذلك الفصل بمثابة التقدمة النظرية،
ا المعروفة في هذا المجال.
تفصيال في موضوع البحث األساسي.ا التي سيأتي بحث أسسها القرآنية
* الفصل الثاني :أسباب النزول ..تعريفها ..أهميتها ..أهم
مصادرها.
ويتعلق هذا الفصل تعل اقا جوهر ايا بموضوع البحث؛ حيث إن
أسباب النزول معينة على فهم النص القرآني بعموم ،وما يتعلق من
بالصحابة والقرابة بخصوص.
فمن المعروف أن جل آيات الذكر الحكيم النازلة في أجناا
18
مقدمة
إجماال).
* الفصل الرابع :اآليات التي نزلت في الصحابة والقرابة ( ً
وهذا هو الفصل الجوهري الذي يمثل أطروحة هذا البحث ،وفيها
19
مقدمة
20
مقدمة
وفي ختام هذه المقدمة أحمد اهلل تعالى وأشكره ،وأتوب إلي
وأستغفره ،فلل الحمد رب السماوات ورب األرض رب العالمين أن
وفقني إلتمام البحث ،وأشكر من أعطاني الفكرة األولى لهذا البحث،
وهو الشيخ الفاضل ،واألخ الكريم ،األستاذ /عمرو بسيوني ،وأسأل
اهلل أن يجمعني وأهلي ومشايخي وإخواني في زمرة من رضي عنهم من
أصحاب نبي وآل ،والحمد هلل رب العالمين.
وكتبه
عمرو صبيح عيل الرشقاوي
22
َّ ا ا ا ا ا ا ا َّ
الَق ُابةُ
ة ُو ُ لص ُ
َح ُب ِ ُما ُ
بفُهُ ِ ُ
ريف ِ ُ
العُ ُ
ُ
ِ
تعريف الصحابة
5
تعريف الصحابة
يقول اإلمام العراقي> :هذا علم كبير قد ألف الناا في كتبا كثيرة ،ومن
أحالها وأكثرها فوائد كتاب >اًلستيعاب< ًلبن عبد البر ،لوًل ما شان
ب من إيراده كثيرا مما شجر بين الصحابة ،وحكايات عن األخباريين ًل
المحدثين ،وغالب على األخباريين اإلكثار والتخليط فيما يروون <ا.)1
ولتعلم أيها القاريء الكريم ان للعلماء طر اقا في تعريف الصحابة،
ونحن نجملها لك في اآلتيا:)2
* األولى :طريقة أهل الحديث
ويعرفون الصحابي بأنه> :من رأى النبي ‘ مسل ًما< ،يقول
السخاوي> :وممن نص على اًلكتفاء بها أحمد؛ فإن قال :امن صحب
يوما أو ساعة ،أو رآه فهو من أصحاب ).
شهرا أو ا
سنة أو ا
وكذا قال ابن المديني :امن صحب النبي ـ ‘ ـ أو رآه ولو ساعة
من نهار ،فهو من أصحاب النبي ـ ‘ ـ) ،وتبعهما تلميذهما البخاري<ا.)3
قال اإلمام البخاري> :ومن صحب النبي ‘ ،أو رآه من
المسلمين ،فهو من أصحاب <ا ،)4يقول ابن حجر شار احا قول البخاري:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1مقدمة ابن الصالح = معرفة علوم الحديث ،ت :عتر :ا.)292
ا )2انظر :مقدمة ابن الصالح :ا ،)292التقريب والتيسير ،للنووي :ا ،)92تحقيق
منيف الرتبة لمن ثبت ل شريف الصحبة ،للعالئي :ا ،)29فتح المغيث :ا.)78/4
ا )3فتح المغيث :ا.)78/4
ا )4صحيح البخاري :ا.)2/5
28
تعريف الصحابة
>يعني :أن اسم صحبة النبي ‘ مستحق لمن صحب أقل ما يطلق علي
اسم صحبة لغة ،وإن كان العرف يخص ذلك ببعض المالزمة ،ويطلق
ضا على من رآه رؤية ولو على بعد.
أي ا
وهذا الذي ذكره البخاري هو الراجح....
والذي جزم ب البخاري هو قول أحمد والجمهور من المحدثين.
وقول البخاري :امن المسلمين) قيد يخرج ب من صحب أو من
رآه من الكفار.
حاًل =
فأما من أسلم بعد موت منهم؛ فإن كان قول من المسلمين ا
خرج من هذه صفت ،وهو المعتمد.
ويرد على التعريف من صحب أو رآه مؤمنا ب ثم ارتد بعد ذلك
صحابيا اتفاقا ،فينبغي أن يزاد في ومات
ا ولم يعد إلى اإلسالم فإن ليس
على ذلك<ا)1ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1فتح الباريً ،لبن حجر :ا 3/7ــ .)4
ا )2وًل يرد على أهل الحديث ما يورده بعضهم على هذا التعريف بدخول األعرابي الذي
بال في المسجد ،ونحوهم من األعراب في التعريف المختار عند أهل الحديث،
وذلك ألمور:
وبينّا
بي ـ ‘ ـ؛ فإ ّن عدل ما لم يعلم جرح ّ ، كل مسلم ممن عاصر النّ ّ 1ــ أ ّن ّ
وبينّا أ ّن مما ا ّدعي في اإلجماع،
الحجج على هذا ،وأ ّن مذهب جلّة علماء اإلسالمّ ،
وهذا األعرابي من جملة من دخل تحت عموم تلك األدلّة ،فيسأل المعترض :ما
الموجب لتخصيص بالذّكر؟ فإ ّن الخصم ملتزم لعدالت ،فيطالب بإبداء المانع منها= .
29
تعريف الصحابة
أصحاب النبي ‘؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم ب <ا ،)1ثم قال> :ولفظ
البخاري ثال مرات كالرواية األولى؛ لكن لفظ :يأتي على الناا زمان
يغزو فئام من الناا ،وكذلك قال في الثانية والثالثة ،وقال فيها كلها:
اصحب) ،واتفقت الروايات على ذكر الصحابة والتابعين وتابعيهم وهم
القرون الثالثة وأما القرن الرابع فهو في بعضها؛ وذكر القرن الثالث
ثابت في المتفق علي من غير وج <.
>ففي الحديث األول> :هل فيكم من رأى رسول اهلل ‘؟< ،ثم
قال> :هل فيكم من رأى من صحب رسول اهلل ‘؟< ،فدل على أن
الرائي هو الصاحب ،وهكذا يقول في سائر الطبقات في السؤال> :هل
فيكم من رأى من صحب من صحب رسول اهلل ‘؟< ،ثم يكون
المراد بالصاحب الرائي.
وفي الرواية الثانية> :هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه البخاري :ا ،)3594عن أبي سعيد ،عن النبي ‘ ،قال> :يأتي على
الناا زمان يغزون ،فيقال لهم :فيكم من صحب الرسول ‘ ،فيقولون نعم ،فيفتح
عليهم ،ثم يغزون ،فيقال لهم هل فيكم من صحب من صحب الرسول ‘؟
فيقولون نعم ،فيفتح لهم<.
ورواه مسلم :ا ،)2532وفي لفظ> :يأتي على الناا زمان ،يغزو فئام من الناا،
فيقال لهم :فيكم من رأى رسول اهلل ‘؟ فيقولون :نعم ،فيفتح لهم ،ثم يغزو فئام
من الناا ،فيقال لهم :فيكم من رأى من صحب رسول اهلل ‘؟ فيقولون :نعم،
فيفتح لهم ،ثم يغزو فئام من الناا ،فيقال لهم :هل فيكم من رأى من صحب من
صحب رسول اهلل ‘؟ فيقولون :نعم فيفتح لهم<.
31
تعريف الصحابة
الصحبة ،وأعلى مراتبها فإن صحب من حين بعث اهلل إلى أن مات.<...
مجها في وجه وهو ابن خمس سنين ،وعده البخاري وغيره من
الصحابة لذلك ،فيمكن لذلك أن يجعل الكالمان قولين متباينين ،وأما
أوًل عن
ابن الحاجب فإن اختار في مختصري القول الذي نقلناه ا
أحمد بن حنبل والجمهور من اًلكتفاء بمجرد الرؤية<ا.)1
وثم أقوال أخرى في تعريف الصحابي ،بعضها يرجع إلى ما
ذكرناه ،وبعضها ًل نحتاج إلى حكايت إما لضعف ،وإما ألن المعول
على غيرها.)2
جهل ،وصفوان بن أمية ،وغيرهم ،مع أنه قد يكون في هؤالء من برز بعلمه
كثيرا كالحارث بن هشام ،وأبي سفيان بن الحارث، على بعض من تقدمه ً
وسهيل بن عمرو ،وعلى بعض من أسلم قبلهم ممن أسلم قبل الفتح وقاتل
وكما برز عمر بن الخطاب على أكثر الذين أسلموا قبل .
آخرا يسب من صحب أو اًل؛ا والمقصود هنا أن نهى لمن صحب
ًلمتيازهم عنهم في الصحبة بما ًل يمكن أن يشركهم في ،حتى قال:
ذهبا ما بلغ مد أحدهم وًل نصيف <.
>لو أنفق أحدكم مثل أحد ا
فإذا كان هذا حال الذين أسلموا من بعد الفتح وقاتلوا ،وهم من
أصحابه التابعين للسابقين ،مع من أسلم من قبل الفتح وقاتل ،وهم
أصحابه السابقون ،فكيف يكون حال من ليس من أصحابه بحال مع
أصحاب ؟!<.
فالصحابة متفاوتون في الفضل ،ومن أظهر اآليات الدالة
{ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ على هذا المعنى ،قول :
ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﳋ ﳌ ﳍ
ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ}
[الحديد.]10 :
ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب موقو افا ومرفو اعا ،وكما دل
على ذلك الكتاب والسنة ،واتفق علي سلف األمة وأئمة العلم والسنة،
وبعدهما عثمان وعلي ،وكذلك سائر أهل الشورى ،مثل طلحة،
والزبير ،وسعد ،وعبد الرحمن بن عوف ،وهؤًلء مع أبي عبيدة بن
الجراح أمين هذه األمة ،ومع سعيد بن زيد هم العشرة المشهود لهم
بالجنة ،وقد قال اهلل تعالى في كتاب { :ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ
ﳉﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ}،
ففضل السابقين قبل فتح الحديبية إلى الجهاد بأنفسهم وأموالهم على
التابعين بعدهم ،وقال اهلل تعالى{ :ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ
ﲆ ﲇ} وقال تعالى{ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ
ﱆ ﱇ ﱈ}.
وقد ثبت في فضل البدريين ما تميزوا ب على غيرهم ،وهؤًلء
الذين فضلهم اهلل ورسول ،فمنهم من هو من أهل الصفة ،والعشرة لم
يكن فيهم من هو من أهل الصفة إًل سعد بن أبي وقاص ،فقد قيل إن
أقام بالصفة مرة ،وأما أكابر المهاجرين واألنصار مثل الخلفاء األربعة،
ومثل سعد بن معاذ ،وأسيد بن الحضير ،وعباد بن بشر ،وأبي أيوب
األنصاري ،ومعاذ بن جبل ،وأبي بن كعب ،ونحوهم لم يكونوا من
أهل الصفة ،بل عامة أهل الصفة إنما كانوا من فقراء المهاجرين،
واألنصار كانوا في ديارهم ،ولم يكن أحد ينذر ألهل الصفة وًل
42
تعريف الصحابة
لغيرهم<ا.)1
وهذه اآلية نص في تفضيل أصحاب النبي ‘ جملة ،فإن اهلل
كال من الفريقين الجنة.
وعد ًّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1مجموعة الرسائل والمسائل ،رشيد رضا :ا.)38/1
43
تعريف القرابة
5
تعريف القرابة
مصدر.
ٌ >القرابة :ال ُقربى في الرحم ،وهو في األصل
وم ْقرِبَة ،وقُ ْربَة،
وم ْق ُربَة َ
تقول :بيني وبين قرابة ،وقرب ،وقربى َ
وقُ ُربةٌ بضم الراء .وهو قريبي وذو قرابتي ،وهم أ ْقرِبائي وأقاربي .والعامة
تقول :هو قرابتي وهم قراباتي<ا.)1
يقول ابن فارا> :القاف والراء والباء أصل صحيح يدل على
خالف البعد .يقال قرب يقرب قر ابا .وفالن ذو قرابتي ،وهو من يقرب
منك رح اما .وفالن قريبي ،وذو قرابتي .والقربة والقربى :القرابة<ا.)2
وعلي فإن أقارب الرجل ،وأقربوه :عشيرت األدنون ،وقد جاء
بهذا لسان الشرع ،فعن ابن عباا قال :لما نزلت{ :ﱯ ﱰ
ﱱ} [الشعراء ،]214 :صعد النبي ‘ على الصفا ،فجعل ينادي> :يا
بني فهر ،يا بني عدي< ــ لبطون قريش ــ حتى اجتمعوا فجعل الرجل
إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسو اًل لينظر ما هو ،فجاء أبو لهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1الصحاح :ا.)200/1
ا )2مقاييس اللغة :ا.)80/5
44
تعريف القرابة
أنفسكم من النار ،يا بني عبد مناف ،أنقذوا أنفسكم من النار ،يا بني
هاشم ،أنقذوا أنفسكم من النار ،يا بني عبد المطلب ،أنقذوا أنفسكم
من النار ،يا فاطمة ،أنقذي نفسك من النار ،فإني ًل أملك لكم من اهلل
شي ائا ،غير أن لكم رح اما سأبلها بباللها<ا.)1
[الشعراء]214 :وعن عائشة ،قالت :لما نزلت {ﱯﱰﱱ}
قام رسول اهلل ‘ على الصفا ،فقال> :يا فاطمة بنت محمد ،يا صفية
بنت عبد المطلب ،يا بني عبد المطلبً ،ل أملك لكم من اهلل شي ائا،
سلوني من مالي ما شئتم<ا.)2
مرادنا بالقرابة:
إن مرادنا في هذا البحث بالقرابة هم آل النبي ‘ ،وعلي :فال بد
لنا من التعريف باآلل ،ونحن نسوق هذا في مسائل:
* األولى :تعريف اآلل في اللغة:
اختلف علماء اللغة في اآلل 1 ،ــ فقال الراغب> :اآلل :مقلوب
خص باإلضافة إلى األعالم ّ من األهل ،ويص ّغر على أهيل إًل أ ّن
الناطقين دون النكرات ،ودون األزمنة واألمكنة ،يقال :آل فالن ،وًل
يقال :آل رجل وًل آل زمان كذا ،أو موضع كذا ،وًل يقال :آل الخياط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه مسلم :ا.)204
ا )2رواه مسلم :ا.)205
46
تعريف القرابة
بل يضاف إلى األشرف األفضل ،يقال :آل اهلل وآل السلطان.
واألهل يضاف إلى الكل ،يقال :أهل اهلل وأهل الخياط ،كما
يقال :أهل زمن كذا وبلد كذا<ا.)1
وقد ضعف اإلمام ابن القيم ألسباب كثيرة ،ليس هذا موضع
بسطهاا.)2
يقول العالمة الفراهي> :هو صورة لألهل .ويطلق على العشيرة
والقوم واألنصار.
قال النابغة الذبياني:
ﳀ ﳁ} [البقرة.]248 :
أي قوم موسى وقوم هارون ،وحين كلّمهم صموئيل النبي
وأقواما ،وكان قوم هارون
ا بهذا الكالم كان بنو إسرائيل ِف َر اقا
قلت :لِ َم ًل تأخذه بمعنى أوًلد موسى صا بخدمة البيت .فإن َ مخت ا
قلت :آل موسى وآل هارون يحتوي موسى وهارون وأوًلد هارون ؟ ُ
ضا ،كما أن احتوى جميع بني إسرائيل .ولذلك جاء في أي ا
الحديث> :أُع ِط َي ِمزما ارا من مزامير آل داود<ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1متفق علي .
48
تعريف القرابة
ضا فإن لفظ األهل يضيفون إلى الجماد وإلى غير المعظم كماوأي ا
يقولون :أهل البيت ،وأهل المدينة ،وأهل الفقير ،وأهل المسكين ،وأما
اآلل فإنما يضاف إلى معظم من شأن أن يؤول غيره أو يسوس فيكون
مآل إلي .
ومن اإليالة :وهي السياسة.
فآل الشخص هم من يؤول ويؤول إلي ويرجع إلي ،ونفس هي
متناوًل ل ،
ا أول وأولى من يسوس ويؤول إلي ؛ فلهذا كان لفظ آل فالن
وًل يقال هو مختص ب ،بل يتناول ويتناول من يؤول <ا.)1
هذا هو التعريف اللغوي للفظ >آل< أما لفظ >أهل< ،فذكر أهل
وأخص الناا ب .وال َّتأَ ُّهل :ال َّتز ُّوج.
ّ اللغة أن> :أَ ْه ُل َ
الرجل :زوج ُ،
وأهل البيت :سكان <ا.)2
ــ والصحيح أن اآلل واألهل يطلقان على معان مشتركة ،ومن
ذلك :أنهما يطلقان على الزوجة والعيالا ،)3فهما يطلقان على آل
البيت ،وأخص آل البيت نساء الرجل ،يقول الفراهي> :أهل البيت عبارة
عن النساء ،الواحد والجمع في سواء.
ولكن الضمير الذي يرجع إلي يكون جم اعا ومذ ّك ارا اجتنا ابا عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1مجموع الفتاوى :ا.)463/22
ا )2العين :ا ،)89/4تهذيب اللغة :ا.)220/6
ا )3انظر :تفسير القرطبي :ا.)80/16
50
تعريف القرابة
ابن عبد البر في >التمهيد< :قال في باب عبد اهلل بن أبي بكر في شرح
حديث أبي حميد الساعدي> :استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد
هم أزواجه وذريته خاصة لقوله في حديث مالك عن نعيم المجمر ،وفي
حديث مالكا> :)1اللهم صل على محمد وعلى آل محمد< ،وفي هذا
الحديث ــ يعني :حديث أبي حميدا )2ــ:
>اللهم صل على محمد وأزواج وذريت < ،قالوا :فهذا يفسر ذلك
الحديث ويبين أن آل محمد هم أزواج وذريت <.
القول الثالث :أن آل ـ ‘ ـ أتباع إلى يوم القيامة ،حكاه ابن
عبد البر عن بعض أهل العلم ،وأقدم من روي عن هذا القول جابر بن
عبد اهلل.
القول الرابع :أن آل ـ ‘ ـ هم األتقياء من أمت ،حكاه القاضي
حسين والراغب وجماعة<.
{ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ونحن إذا تأملنا قول تعالى:
ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ
ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [األحزاب،]33 :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرجه في الموطأ :رقم ،)67( :ومن طريقه اإلمام أحمد ،118/4( :وغيره) ،ومسلم:
رقم :ا ،)405والترمذي :رقم :ا.)3220
ا )2أخرج اإلمام مالك :رقم :ا ،)66ومن طريق اإلمام أحمد :ا ،)424/5والبخاري:
رقم :ا ،)6360ومسلم :رقم :ا.)407
53
تعريف القرابة
وجدنا هذه اآلية ظاهرة الدًللة على أن زوجات ـ ‘ ـ من أهل بيت ،
ولهذا قال ابن كثير> :الذي ًل يشك في من تدبر القرآن أن نساء
النبي ـ ‘ ـ داخالت في قول ـ تعالى ـ{ :ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ
ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [األحزاب]33 :؛ فإن سياق الكالم معهن،
ولهذا قال ــ تعالى ــ بعد هذا كل { :ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ
ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ} [األحزاب<]34 :ا ،)1وروى
اإلمام مسلم في صحيح ا )2عن زيد بن أرقم قال :قام رسول اهلل ـ ‘ ـ
خطيبا ،وذكر الحديث وفي > :أذكركم اهلل في أهل بيتي< ـ ثال اثا ـ
ا يوما
ا
فقال حصين بن سبرة> :ومن أهل بيت يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل
بيت ؟< ،قال> :إن نساءه من أهل بيت ،ولكن أهل بيت من حرم الصدقة
بعده< ،قال> :ومن هم؟< ،قال> :هم آل علي ،وآل عقيل ،وآل جعفر،
وآل العباا< ،قال> :أكل هؤًلء حرم الصدقة؟< ،قال> :نعم<.
وفي حديث كعب بن عجرةا )3قال :سألنا رسول اهلل ـ ‘ ـ فقلنا:
>يا رسول اهلل! كيف الصالة عليكم أهل البيت؟< ،قال> :قولوا :اللهم
صل على محمد وعلى آل محمد<.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :تفسير ابن كثير :ا ،)506/3وتفسير القرطبي :ا 182/14ــ ،)184والبحر
المحيط؛ ًلبن حيان :ا ،)232/7والكشاف؛ للزمخشري :ا ،)260/3وتفسير أبي
السعود :ا ،)417/4ومفاتيح الغيب :ا.)209/25
ا )2رقم :ا ،)2408وأخرج اإلمام أحمد :ا.)366/4
ا )3أخرج اإلمام أحمد :ا ،241/4وغيره) ،والبخاري :رقم :ا ،])6357ومسلم:
رقم :ا ،)406وأبو داود :رقم :ا.)976
54
تعريف القرابة
وعن أبي حميد الساعديا )1أنهم قالوا> :يا رسول اهلل! كيف
نصلي عليك؟< ،فقال رسول اهلل ـ ‘ ـ قولوا> :اللهم صل على محمد
وأزواج وذريت <.
فهذا تفسير ذلك الحديث الذي قبل ،ويبين أن آل محمد هم
أزواج وذريت ا.)2
وروى البخاريا )3بإسناده إلى أنس بن مالك في قصة زواج
ـ ـ بزينب بنت جحش ،وفي :أن خرج فانطلق إلى حجرة عائشة
فقال> :السالم عليكم أهل البيت ورحمة اهلل< ،فقالت> :وعليك السالم
ورحمة اهلل ،كيف وجدت أهلك بارك اهلل لك؟< ،فتقرى حجر نسائ
كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة ،ويقلن ل كما قالت عائشة.
وفي صحيح مسلما )4أن عائشة ـ ـ قالت> :خرج النبي ـ ‘ ـ
غداة ،وعلي مرط مرحل من شعر أسود ،فجاء الحسن بن علي فأدخل ،
ثم جاء الحسين فدخل مع ،ثم جاءت فاطمة فأدخلها ،ثم جاء علي
فأدخل ،ثم قال{ :ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ
ﲀ} [األحزاب ،]33 :قال القرطبي> :فهذه دعوة من النبي ـ ‘ ـ لهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخرج اإلمام مالك :رقم :ا ،)66ومن طريق اإلمام أحمد :ا ،)424/5والبخاري: ا)1
رقم :ا ،)6360ومسلم :رقم :ا.)407
انظر :جالء األفهام ،ا.)211 ا)2
رقم :ا ،)4793وأخرج اإلمام أحمد :ا ،)195/3ومسلم :رقم :ا.)1428 ا)3
رقم ا ،)2424وأخرج اإلمام أحمد :ا.)162/6 ا)4
55
تعريف القرابة
بعد نزول اآلية ،أحب أن يدخلهم في اآلية التي خوطب بها األزواج<ا.)1
فعلى هذا تشمل اآلية الزوجات وأصحاب الكساء >فمن جعل اآلية
خاصة بأحد الفريقين فقد أعمل بعض ما يجب إعماله ،وأهمل ما ال يجوز
إهمال <ا.)2
ــ فبتأمل هذه النصوص والجمع بين دًلًلتها يتخرج أن مفهوم
أهل البيت في لسان الشرع يصدق على ثالثة فئات:
األولى :زوجات ــ رضوان اهلل عليهن ــ.
الثانية :أقارب ممن تحرم عليهم الصدقةا.)3
الثالثة :ذريت ـ ‘ ـ.
قال الحافظ ابن حجر> :فبذلك يجمع بين األحاديث<ا.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر :تفسير القرطبي :ا.)184/4 ا)1
انظر :فتح القدير :ا.)180/4 ا)2
والذين حرمت عليهم الصدقة ،هم :بنو هاشم ،وأزواج النبي ‘ ،فال يدخل بنو المطلب ا)3
فيهم ،انظر :أهل البيت عند شيخ اإلسالم :ا.)53
انظر :فتح الباري :ا.)160/11 ا)4
56
ا
ُّ ا
أْسابُ انلزولُ
5
تعريف سبب الزنول
تعددت تعاريف العلماء ألسباب النزول ،ونحن نذكر هنا ما يقوم
ب البيان لتصور ماهية أسباب النزول؛
ومن أمثلة ما كان قصة في سبب النزول حادثة اإلفك التي نزل
بشأنها قرآن ،لكن قصة آدم في سورة البقرة لم يكن لها سبب نزول
مباشر كما هو الحال في قصة اإلفك ،فهي من قصص القرآن وليست
من أسباب النزول.
وقد ذكر الواحدي ات468هـ) في كتاب اأسباب النزول) في
سورة الفيل ما نص > :نزلت في قصة أصحاب الفيل ،وقصدهم تخريب
الكعبة ،وما فعل اهلل تعالى بهم :من إهالكهم وصرفهم عن البيت ،وهي
معروفة<ا.)1
فاعترض علي السيوطي كما سبق ونقلناه ،لكن تعقب العالمة
الفراهيا ،)2فقال> :ليس المراد من سبب النزول ما ألجل نزل الوحي.
إنما هو شأن الناا وأمرهم والحاًلت والواقعات التي بينها وبين ما نزل
نسبة وهذا هو معنى السبب في الصحيح من كالم العرب .ولذلك كانت
القدماء يذكرون كل ما يتعلق بمضمون اآلية ،ولكن المتأخرين لم
يفهموا من إًل معناه المولد فضاق عندهم فحواه<.
قائال :افأراد
ثم أورد عبارة السيوطي السابقة ،وعلق عليها ا
السيوطي أن ًل يذكر من األسباب إًل ما ألجل نزل الوحي .وأراد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أسباب النزول للواحدي :ا ،)464ت :الحميدان.
ا )2من مذكرة ل في أسباب النزول لم تطبع بعد ،وقد نقلتها بواسطة د .عبدالرحمن
الشهري ،نشرها بملتقى أهل التفسير.
61
تعريف سبب النزول
في كذا فإن يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكمً ،ل أن هذا كان السبب
في نزولها .فهو من جنس اًلستدًلل على الحكم باآليةً ،ل من جنس
النقل لما وقع<ا.)1
اًلختالف فيما يذكرون من أسباب النزول .ولكن
َ فرفع بهذا القول
لم يتعرض لما ًل اختالف في ،والمسألة مهمة ألمر أرفع من ذلك،
وهو فهم القرآن وتعيين مراده .ومداره على معرفة أسباب النزول ،فإنها
تبين المجمل ،وتعين بعض المحتمل .ومن نظر في كتب التفسير علم
مما يذكرون في األسباب يبدل المعنى الظاهر ،فكأن أسباب أن كثيرا ّ
النزول ملكت أزمة التأويل فتصرف حيث تشاء.
والعاقل المتقي الذي يرى القرآن أوثق عراه ويفر إلي عما سواه
يرجف فؤاده أن يعدل عن ظاهر الكتاب وواضح معناه ،فيترك ما أقام
اهلل ب حجت وأبان محجت إلى أمر مشتب وروايات ضعيفة .وقال اهلل
تعالى{ :ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ} [النجم ]28 :فإن الحق أبلج والباطل
لجلج.
فلزم اًلعتناء البليغ بالبحث والتنقيب في هذا العلم العزيز،
ووجب أن تؤسس أصول وتشيد قواعده ،فيجمع من األسباب ما كان
باطال.
حقا ويبطل ما كان ا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1البرهان :ا ،)31/1واإلتقان :ا.)116/1
63
تعريف سبب النزول
زمان .فأزاح هذا اإلشكال اإلمام بدر الدين محمد بن عبداهلل الزركشي
الشافعي المتوفى 794هـ في كتاب :البرهان ،فقال> :قد عرف من عادة
الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه اآلية في كذا ،فإن يريد
بذلك أنها تتضمن هذا الحكمً ،ل أن هذا كان السبب في نزولها .فهو
من جنس االستدالل على الحكم باآلية ال من جنس النقل لما وقع<.
فجلى بهذا البيان المحكم شبهات كثيرة نشأت من الظن بأن
قولهم نزلت كذا في كذا نقل واقعة وشهادة حادثة ًلبد أن يقبلوا الرواية
فيها .فتلقى العلماء هذا القول البين بالقبول وعولوا علي عند اختالف
الروايات.
3ــ كان في قول الزركشي كفاية للماهر ،ولكن صاحب اإلتقان
أحب أن يفصل األمر ،فذكر سبعة وجوه لرفع اًلختالف في ذكر
األسباب .واآلن نوردها ،ثم نبحث عن مدار األمر ومركزه:
)1كونها من جنس اًلستدًلل ،وهو ما قال الزركشي .
)2ترجيح المصرح على المجمل .فإن الذي يصرح فعلمه أتم
وأحفظ.
)3ترجيح األصح على األضعف صحة.
)4ترجيح ما كان راوي حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه
الترجيح ،وهذا علت كما ذكرنا في الوج الثاني.
66
تعريف سبب النزول
هذا دا اء عظي اما .فإن كان داء فماذا دواؤه؟ وًل أرى ذلك إًل شدة
اًلحتياط في ذلك ،فليكن اًلعتماد على أصلين:
أ) ًل يعتمد إًل على رواية صحيحة.
ب) يستخرج شأن النزول من سياق الكالم ونظم ...
وإذ قد علمنا أن الروايات في هذا الباب أكثرها من جنس اًلستدًلل
رددنا األمر إلى هذين األصلين سواء كان هناك اختالف في الروايات أو
لم يكن ،وسواء كان في الباب رواية أو لم يكن.
فإن قلت :كيف بك حين تجد التصريح بواقعة مع بيان أن اآلية
نزلت حينئذ؟
قلنا :إذا كانت الرواية ثابتة أخذنا بها ،وهذا هو األصل األول
وذلك ًل يخالف األصل الثاني أب ادا .وعلى فرض خالف لألصل الثاني
فإن وجد فذلك ربما يؤول إلى ظن من سمع النبي يتلو اآلية فظن نزولها
في ذلك الوقت ،لما أن سمعها أول مرة .وذلك هو الوج السابع الذي
ذكره السيوطي وعول في على الرواية .ولكنك إن تأملت في أكثر
األمثلة علمت أنها من وإن لم تصرح ب رواية<...ا.)1
كالما مه اما نفيسا
وقد ذكر ولي اهلل الدهلوي في كتاب الفوز الكبير ا
قريبا مما ذكره الفراهي ،حيث قال> :وقد ينقل المتقدمون
في هذا الجانب ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1وإنما نقلت كالمه ،وهو طويل كما ترى ،لنفاسته ،وهو حري بالتأمل والترجيح ،فلتتنبه.
68
تعريف سبب النزول
من المفسرين في مثل هذه المواضع أمثال هذه القصص والحواد بغية
استيعاب اآلثار المناسبة الواردة حول تلك اآلية ،أو لبيان ما يصدق
عليه العموم اللفظي من المعاني ،وليس من الضروري ذكر هذه القصص
والحواد كأسباب النزول؛ ألن فهم معنى اآلية ًل يتوقف عليها.
وقد تحقق لدى الفقير أن الصحابة والتابعين رضي اهلل عنهم أجمعين
كثيرا ما يقولون :نزلت اآلية في كذا ،وًل يكون غرضهم إًل تصوير ما
تصدق عليه اآلية من األحداث والمعاني ،وذكر بعض القصص والوقائع
التي تشملها اآلية الكريمة لعموم لفظها ،سواء كانت القصة متقدمة على
نزول اآلية أو متأخرة عنها ،إسرائيلية كانت أو جاهلية أو إسالمية،
تنطبق على جميع قيود اآلية أو بعضها.
وقد تبين من هنا أن لالجتهاد مدخال في هذا القسم الثاني من أسباب
النزول ،وأنه يتسع إليراد القصص المتعددة ،فكل من يستحضر هذه
النكتة ،يستطيع أن يعالج اختالفات أسباب النزول بأدنى نظرة وتأمل<ا.)1
سبيل اًلختصار.
فمن اآليات التي نزلت مباشرة:
قوله تعالى( :غ ْي ُر أُولِي َّ
الضر ِر) فما فرغ ابن أم مكتوم من شكايته حتى
نزل الوحي ،وإن فخذ النبي ـ ‘ ـ على فخذ زيد بن ثابت ــ ا.)1
يسيرا:
ومن اآليات التي تأخر نزولها ا
قضية نزول الحجاب ،ومكثهم في بيت رسول اهلل ـ ‘ ـ يتحدثون
حتى أحرجوه فأنزل اهلل اآليةا.)2
كثيرا :قضية اإلفك.
ومن اآليات التي تأخر نزولها ا
ومن األسباب ما يكون زمن نزول بين ذلك وفق ما تقتضي
الحكمة اإلةيهل واهلل أعلم<ا.)3
ويختل
ُّ ويرتكز سبب النزول على أربعة أركان ينضبط باجتماعها،
باختاللها أو بعضها وهي:
ٍ
أوال :الحد الجديد ،فال بد من تصو ِر أم ٍر جديد قد وقع سواءٌ
ً
فعال ،والغالب الكثير من األسباب أن يقع ذلك بعد بعثة
قوًل أم اأكان ا
النبي ـ ‘ ـ حتى إني لم أجد إًل ستة أسباب ،كان الحد فيها قبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج الترمذي :ا ،)3032والنسائي :ا.)11117
ا )2أخرج البخاري :ا ،)5916ول أطراف كثيرة ،ومسلم :ا.)1428
ا )3انظر :المحرر في أسباب النزول :ا 104ــ ،)109بتصرف يسير.
74
تعريف سبب النزول
ليس بينهما صلة ،وإن كان الحديث صحي احا صري احا في النزول.
راب ًعا :مراعاة التاريخ بين السبب والنزول ،وقد ًلحظت من تتبعي
لألسباب أن السبب ًل يتأخر عن النزول إًل لحكمة إةيهل وفي أمثلة
معروفة ،فإذا وقعت المباعدة بينهما علمنا أنها ليست مما نحن في ،
وسواءٌ أكانت المباعدة الزمنية بين مكي ومدني أو بين المدني المتقدم
أوائل الهجرة والمدني النازل في أواخرها.
وثم أمران آخران ليسا كهذه األركان في المنزلة وإن كانا مؤثرين
َّ
وهما :صحة اإلسناد والتعبير بالنزول.
فأما صحة الحديث فهي قرينة قوية في صحة السبب وثبوت ،ومع
هذا فمراسيل التابعين الذين تلقوا التفسير عن كبار الصحابة كانت وًل
زالت تحظى بالقبول من العلماء ،واالحتجاج بها في المعاني واألسباب.
وأما التعبير بالنزول فال ريب أن ينفي التردد ،ويجرئ القلب على
اإلقدام ،والحكم بالسببية ،فوجوده قرينة قوية في الداللة على األسباب،
واهلل الموفق للصوابا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :المحرر في أسباب النزول :ا 110ــ ،)112بتصرف يسير.
76
أهمية املعرفة بسبب النزول
5
أهمية املعرفة بسبب الزنول
ألسباب النزول أهمية كبيرة ،وكان للسلف اهتمام كبير بشأن ،
وتعلم ،فعن إبراهيم التيمي ،قال خال عمر بن الخطاب ـ ـ ،ذات
يوم يحد نفس ،فأرسل إلى ابن عباا ،فقال :كيف تختلف هذه
األمة ونبيها واحد ،وكتابها واحد ،وقبلتها؟ فقال ابن عباا :يا أمير
المؤمنين ،إنا أنزل علينا القرآن ،فقرأناه ،وعلمنا فيم أنزل ،وإن سيكون
بعدنا أقوام يقرأون القرآن ،وًل يعرفون فيم نزل ،فيكون لكل قوم في
ا)1
رأي ،فإذا كان لكل قوم في رأي اختلفوا ،فإذا اختلفوا اقتتلوا ،فزبره
عمر وانتهره ،فانصرف ابن عباا ،ثم دعاه بعد ،فعرف الذي قال ،ثم
قال :إي أعد علي<ا.)2
وقال عبد اهلل بن مسعود > :واهلل الذي ًل إل غيره ،ما أنزلت
سورة من كتاب اهلل إًل أنا أعلم أين أنزلت ،وًل أنزلت آية من كتاب
اهلل إًل أنا أعلم فيم أنزلت ،ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب اهلل ،تبلغ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أي :انتهره وأغلظ ل في القول والرد ،انظر :النهاية في غريب الحديث :ا.)293/2
ا )2أخرج سعيد بن منصور في سنن :ا ،]42[ )176/1والبيهقي في شعب اإليمان:
ا.]2283[ )425/2
77
أهمية املعرفة بسبب النزول
اآلية قال أبو بكر> :فأسمع هذه اآلية نزلت في الفريقين كليهما ،في
الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة ،والذين
يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في اإلسالم ،من أجل أن اهلل تعالى
أمر بالطواف بالبيت ،ولم يذكر الصفا ،حتى ذكر ذلك ،بعد ما ذكر
الطواف بالبيت<ا.)1
وعن أسلم أبي عمران التجيبي ،قال> :كنا بمدينة الروم ،فأخرجوا
إلينا صفا عظيما من الروم ،فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر،
وعلى أهل مصر عقبة بن عامر ،وعلى الجماعة فضالة بن عبيد ،فحمل
رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ،فصاح الناا
وقالوا :سبحان اهلل يلقي بيدي إلى التهلكة .فقام أبو أيوب األنصاري
فقال :يا أيها الناا إنكم لتؤولون هذه اآلية هذا التأويل ،وإنما أنزلت
هذه اآلية فينا معشر األنصار لما أعز اهلل اإلسالم وكثر ناصروه ،فقال
بعضنا لبعض سرا دون رسول اهلل ‘ :إن أموالنا قد ضاعت ،وإن اهلل
قد أعز اإلسالم وكثر ناصروه ،فلو أقمنا في أموالنا ،فأصلحنا ما ضاع
منها .فأنزل اهلل تعالى على نبي ‘ يرد علينا ما قلنا{ :ﲐ ﲑ ﲒ
ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ} ،فكانت التهلكة اإلقامة على األموال
وإصالحها ،وتركنا الغزو فما زال أبو أيوب ،شاخصا في سبيل اهلل
حتى دفن بأرض الروم<ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج البخاري :ا ،)1643ومسلم :ا.)1277
ا )2أخرج الترمذي :ا ،)2972والنسائي في الكبرى :ا.)10962
79
أهمية املعرفة بسبب النزول
علي احتماًلت صحيحة من حيث هي ،لكن سبب النزول يحدد أحد
هذه المعاني ،ويكون هو المراد دون غيره.
وقد نقل السيوطي بعض أقوال العلماء في أهمية أسباب النزول،
منها> :قال ابن دقيق العيد :بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني
القرآن.
وقال ابن تيمية :معرفة سبب النزول يعين على فهم اآلية؛ فإن
العلم بالسبب يور العلم بالمسبب<ا.)1
وقد أفاض الشاطبي في هذا المعنى ،فقال> :وجاء رجل إلى ابن
مسعود فقال :تركت في المسجد رجال يفسر القرآن برأي ؛ يفسر هذه
اآلية{ :ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ} [الدخان ]10 :قال :يأتي الناا يوم
القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم من كهيئة الزكام.
فقال ابن مسعود :من علم علما فليقل ب ،ومن لم يعلم ،فليقل:
اهلل أعلم ،فإن من فق الرجل أن يقول لما ًل علم ل ب :اهلل أعلم.
إنما كان هذا ألن قريشا استعصوا على النبي ‘ ،دعا عليهم
بسنين كسني يوسف ،فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام ،فجعل
الرجل ينظر إلى السماء فيرى بين وبينها كهيئة الدخان من الجهد،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= >كنا نتكلم في الصالة يكلم الرجل صاحب وهو إلى جنب في الصالة حتى نزلت
{ﱆ ﱇ ﱈ} [البقرة ]238 :فأمرنا بالسكوت ،ونهينا عن الكالم<.
ا )1اإلتقان :ا.)108/1
81
أهمية املعرفة بسبب النزول
وقد ذهب بعض المتأخرين بتفسير هذه الجملة إلى مذاهب عجيبة
تخالف سبب النزول وًل تتناسب مع سياق اآلية ،فمنهم من قال> :أي
اطلبوا البر من أهل ووجه ،وًل تطلبوه عند الجهلة المشركين<ا.)1
وهذا القول مخالف لسبب النزول ،وإن كان جائزا من جهة
اًلحتمال اللغوي ،فالقائل ب ربط هذا المقطع بالسؤال عن األهلة في
قول تعالى{ :ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ
ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ
ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ} [البقرة ،]189 :وجعل أن السؤال عن
األهلة إنما هو سؤال عن سبب بدوها هالًل حتى تصير بدرا ،وأن اهلل
أرشدهم إلى ما هو أهم من مسألتهم ،وهو بيان الفائدة المتعلقة بالشرع
بالنسبة لألهلة ،وهذا التخريج في نظر؛ ألنهم إنما سألوا عن عالقتها
بالشرع ،فجاء الجواب مطابقا{ :ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ}.
وذهب آخر إلى أن البيوت كناية عن النساء ،ويكون المعنى :وأتوا
النساء من حيث أمركم اهلل ،والعرب تسمي المرأة بيتا ،قال الشاعر:
أكبــــــــر غيرنــــــــي أم بيــــــــت مــــا لــــي إذا أنزعهــــا صــــأيت
أراد بالبيت المرأةا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1مجاز القرآن :ا.)68/1
ا )2أمالي الشريف المرتضى :ا ،)378/1وهو يكثر من المحتمالت الضعيفة ،لغوية أو
غيرها.
84
أهمية املعرفة بسبب النزول
وقصة نزول اآلية تدل على أن المعنى اللغوي الذي ذكره غير
مراد ،وأن المراد :يثبت أقدامهم التي يمشون بها على الرمل كي ًل
تسوخ في ،كما وردت بذلك الرواية عن السلف ،منها ما قال ابن
عباا> :وذلك أن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا
عنها ،نزلوا على الماء يوم بدر ،فغلبوا المؤمنين علي فأصاب المؤمنين
الظمأ ،فجعلوا يصلون مجنبين محدثين ،حتى تعاظم ذلك في صدور
أصحاب رسول ‘ ،فأنزل اهلل من السماء ماء حتى سال الوادي ،فشرب
المسلمون ،ومألوا األسقية ،وسقوا الركاب ،واغتسلوا من الجنابة،
فجعل اهلل في ذلك طهورا ،وثبت األقدام وذلك أن كانت بينهم وبين
القوم رملة ،فبعث اهلل عليها مطرا ،فضربها حتى اشتدت ،وثبتت عليها
األقدام<ا.)1
قال الطبري> :وقد زعم بعض أهل العلم بالغريب من أهل
البصرة ،أن مجاز قول { :ﱵ ﱶ ﱷ} :ويفرغ عليهم الصبر ،وينزل
عليهم ،فيثبتون لعدوهم .وذلك قول خالف لقول جميع أهل التأويل من
الصحابة والتابعين ،وحسب قول خطأ أن يكون خالفا لقول من ذكرنا.
وقد بينا أقوالهم في ،وأن معناه :ويثبت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر
الرمل حتى ًل تسوخ في أقدامهم وحوافر دوابهم<ا)<)2ا.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير الطبري ،ت :شاكر :ا.)424/13
ا )2تفسير الطبري ،ت :شاكر :ا 427/13ــ .)428
ا )3التفسير اللغوي ،د .مساعد الطيار :ا 638ــ .)639
86
أهمية املعرفة بسبب النزول
والتوجي والتربية.
ويدخل في ذلك تصور الحاًلت اًلجتماعية كالبداوة والتحضر،
والرفعة والضعة والقوة والضعف ،والقيادة واًلنقياد وغيرها من
األحوال التي تتطلب ما يالئمها من البيان.
وكل هذا إنما ينكشف ويتبين بمعرفة أسباب النزول.
حكم المكاره على الناا ،كمن زنت زوجت فالعنها ،فهو يتأسى بما
جرى لهالل بن أُمية ،وعويمر العجالني في ذلك ،ويقول :هؤًلء خير
مني ،وقد جرى لهم هذا فلي أُسوة بهم<ا.)1
أحدهما :أن علم المعاني والبيان الذي يعرف ب إعجاز نظم القرآن
فضال عن معرفة مقاصد كالم العرب؛ إنما مداره على معرفة مقتضيات
األحوال :حال الخطاب من جهة نفس الخطاب ،أو المخاطب ،أو
المخاطب ،أو الجميع؛ إذ الكالم الواحد يختلف فهم بحسب حالين،
وبحسب مخاطبين ،وبحسب غير ذلك؛ كاًلستفهام ،لفظ واحد،
ويدخل معان أخر من تقرير وتوبيخ وغير ذلك وكاألمر يدخل معنى
اإلباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها وًل يدل على معناها المراد إًل
األمور الخارجة ،وعمدتها مقتضيات األحوال ،وليس كل حال ينقل
وًل كل قرينة تقترن بنفس الكالم المنقول ،وإذا فات نقل بعض القرائن
الدالة؛ فات فهم الكالم جملة ،أو فهم شيء من ،ومعرفة األسباب
رافعة لكل مشكل في هذا النمط؛ فهي من المهمات في فهم الكتاب
بال بد ،ومعنى معرفة السبب هو معنى معرفة مقتضى الحال ،وينشأ عن
هذا الوج :
الوج الثاني :وهو أن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشب
واإلشكاًلت ،ومورد للنصوص الظاهرة مورد اإلجمال حتى يقع
اًلختالف ،وذلك مظنة وقوع النزاع<ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1الموافقات :ا.)146/4
93
أهم مصادر أسباب النزول
5
()1
أهم مصادر أسباب الزنول
97
اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة
باإلسالم .فكانوا إذا لقوا رسول اهلل ‘ وأهل اإليمان ب من أصحاب ،
قالوا لهم حذارا على أنفسهم :إنا مؤمنون باهلل وبرسول وبالبعث،
وأعطوهم بألسنتهم كلمة الحق ليدرءوا عن أنفسهم حكم اهلل فيمن اعتقد
ما هم علي مقيمون من الشرك لو أظهروا بألسنتهم ما هم معتقدوه من
شركهم ،وإذا لقوا إخوانهم من اليهود وأهل الشرك والتكذيب بمحمد ‘
وبما جاء ب فخلوا بهم ،قالوا{ :ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ} فإياهم
عنى جل ذكره بقول { :ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ
ﱦ} [البقرة<]8 :ا.)1
وقال ابن تيمية> :وذلك أن اهلل تعالى منذ بعث محم ادا ‘ وأعزه
بالهجرة والنصرة صار الناا ثالثة أقسام:
ظاهرا وباط انا.
ا قس اما مؤمنين وهم الذين آمنوا ب
وقس اما كفارا وهم الذين أظهروا الكفر ب .
وقس اما منافقين وهم الذين آمنوا ظاهرا ًل باط انا.
ولهذا افتتح >سورة البقرة< بأربع آيات في صفة المؤمنين ،وآيتين
في صفة الكافرين ،وثال عشرة آية في صفة المنافقين.
وكل واحد من اإليمان والكفر والنفاق ل دعائم وشعب<ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا.)278/1
ا )2مجموع الفتاوى :ا.)433/28
102
اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة
وقال ابن كثير في كالم نفيس له ...> :فإذا تقرر هذا صار الناس
أقساما:
ً
مؤمنون خلص ،وهم الموصوفون باآليات األربع في أول البقرة.
وكفار خلص ،وهم الموصوفون باآليتين بعدها.
ومنافقون ،وهم قسمان :خلص ،وهم المضروب لهم المثل
الناري ،ومنافقون يترددون ،تارة يظهر لهم لمع من اإليمان وتارة يخبو
وهم أصحاب المثل المائي ،وهم أخف حاًل من الذين قبلهم.
وهذا المقام يشبه من بعض الوجوه ما ذكر في سورة النور ،من ضرب
مثل المؤمن وما جعل اهلل في قلبه من الهدى والنور ،بالمصباح في الزجاجة
التي كأنها كوكب دري ،وهي قلب المؤمن المفطور على اإليمان
واستمداده من الشريعة الخالصة الصافية الواصلة إلي من غير كدر وًل
تخليط....
ثم ضرب مثل العباد من الكفار ،الذين يعتقدون أنهم على شيء،
وليسوا على شيء ،وهم أصحاب الجهل المركب ،في قول { :ﱥ
ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ
ﱲ} اآلية [النور.]39 :
ثم ضرب مثل الكفار الجهال الجهل البسيط ،وهم الذين قال اهلل
فيهم{ :ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ
103
اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة
ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ
ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ} [النور ،]40 :فقسم الكفار هاهنا إلى قسمين :داعية
ومقلد ،كما ذكرهما في أول سورة الحج{ :ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ
ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ} [الحج ]3 :وقال بعده{ :ﱜ ﱝ
ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ} [الحج.]8 :
وقد قسم اهلل المؤمنين في أول الواقعة وآخرها ،وفي سورة اإلنسان،
إلى قسمين :سابقون وهم المقربون ،وأصحاب يمين وهم األبرار.
فتلخص من مجموع هذه اآليات الكريمات:
أن المؤمنين صنفان :مقربون وأبرار.
ضا ــ
وأن الكافرين صنفان :دعاة ومقلدون ،وأن المنافقين ــ أي ا
صنفان :منافق خالص ،ومنافق في شعبة من نفاق<ا.)1
وهذه األصناف ــ كما قدمنا ــ أصناف عامة تتناول البشر جمي ًعا ،غير
أن سورة التوبة فصلت هذه األصناف ،وذكرت من نعوتهم ما يتميزون به،
وهذه األصناف على اإلجمال ،وسيأتيك التفصيل بعد ،هي:
1ــ المشركون.
2ــ أهل اإليمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير ابن كثير :ا.)192/1
104
اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة
3ــ األعراب.
4ــ المنافقون.
وبغية التعرف عن كثب على هذه األصناف ،سأفرد كل صنف من
هذه األصناف بما ورد في نعت في هذه السورة الكريمة.
105
الصنف األول :أهل اإلشراك
بدأ اهلل سبحان بذكر هذا الصنف ،وذكر براءت منهم ،وذكر أن
رسول كذلك بريء منهم ،فتعين على كل مسلم أن يبرأ منهم كذلك.
وذكر اهلل من صفاتهم:
قال ابن كثير> :يقول تعالى محرضا للمؤمنين على معاداة المشركين
والتبري منهم ،ومبينا أنهم ًل يستحقون أن يكون لهم عهد لشركهم باهلل
وكفرهم برسول اهلل ولو أنهم إذ ظهروا على المسلمين وأديلوا عليهم،
لم يبقوا ولم يذروا ،وًل راقبوا فيهم إًل وًل ذمة<ا.)1
ضا في هذه اآليات الكريمة:
ومن الصفات المذكورة أي ا
ليال.
3ــ أنهم يشترون بآيات اهلل ثم ًنا ً
يعني :أنهم اعتاضوا عن اتباع آيات اهلل بما التهوا به من أمور الدنيا
الخسيسةا.)2
يقول الطاهر> :وهذه اآلية وصف القرآن فيها المشركين بمثل ما
وصف ب أهل الكتاب في سورة البقرةا :)3من اًلشتراء بآيات اهلل ثمنا
قليال ،ثم لم يوصفوا بمثل هذا في آية أخرى نزلت بعدها ألن نزولها ا
كان في آخر عهد المشركين بالشرك إذ لم تطل مدة حتى دخلوا في دين
اهلل أفوا اجا ،سنة الوفود وما بعدها ،وفيها دًللة على هؤًلء الذين بقوا
على الشرك من العرب ،بعد فتح مكة وظهور اإلسالم على معظم بالد
العرب ،ليس لهم افتراء في صحة اإلسالم ونهوض حجت ،ولكن بقوا
على الشرك لمنافع يجتنونها من عوائد قومهم :من غارات يشنها بعضهم
على بعض ،ومحبة األحوال الجاهلية من خمر وميسر وزنى ،وغير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير السعدي :ا.)329
ا )2تفسير ابن كثير :ا.)116/4
ا )3كما قال تعالى{ :ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ
ﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲ
ﲳ ﲴ} [سورة :البقرة].
108
الصنف األول :أهل اإلشراك
ذلك من المذمات واللذات الفائدة ،وذلك شيء قليل آثروه على الهدى
والنجاة في اآلخرة ،فلكون آيات صدق القرآن أصبحت ثابتة عندهم
جعلت مثل مال بأيديهم ،بذلوه وفرطوا في ألجل اقتناء منافع قليلة،
فلذلك مثل حالهم بحال من اشترى شي ائا بشيء....
والمراد بـ>اآليات< الدًلئل ،وهي دًلئل الدعوة إلى اإلسالم،
وأعظمها القرآن لما اشتمل علي من البراهين والحجاج واإلعجاز<ا.)1
4ــ أنهم يمنعون أهل اإليمان من اتباع الحق.
يقول الطاهر> :وجملة{ :ﱲ ﱳ ﱴﱵ} مفرعة على جملة
{ﱭ ﱮ ﱯ} ألن إيثارهم البقاء على كفرهم يتسبب علي أن
يصدوا الناا عن اتباع اإلسالم ،فمثل حالهم بحال من يصد الناا عن
السير في طريق تبلغ إلى المقصود.
ومفعول {ﱲ} محذوف لقصد العموم ،أي :صدوا كل
قاصد<ا.)2
5ــ نقض العهود ،والطعن في دين اإلسالم (كراهية ما جاء به
الرسول).
{ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ كما قال تعالى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1التحرير والتنوير :ا.)125/10
ا )2التحرير والتنوير :ا.)126/10
109
الصنف األول :أهل اإلشراك
ﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩ
ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ
ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ}
[سورة :التوبة 12 :ــ .]13
>يقول تعالى ذكره :فإن نقض هؤًلء المشركون الذين عاهدتموهم
من قريش عهودهم من بعد ما عاقدوكم ،أن ًل يقاتلوكم وًل يظاهروا
عليكم أحدا من أعدائكم {ﲝ ﲞ ﲟ} [التوبة ]12 :يقول :وقدحوا
في دينكم اإلسالم ،فثلموه وعابوه{ .ﲠ ﲡ ﲢ} [التوبة]12 :
ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ
ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽ
ﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉ
ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ
ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢﲣ ﲤ
ﲥﲦ ﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮ
ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﲼ
8ــ أكل أموال الناس بالباطل ،و بول الرشوة ،وكنز األموال،
وترك النفقة في سبيل اهلل.
{ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ يقول تعالى:
ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳ
ﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿ
ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ
ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ} [سورة :التوبة 34 :ــ .]35
يقول الطبري> :يقول تعالى ذكره :يا أيها الذين صدقوا اهلل ورسول
وأقروا بوحدانية ربهم ،إن كثيرا من العلماء والقراء من بني إسرائيل من
اليهود والنصارى {ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ} [التوبة ]34 :يقول:
يأخذون الرشى في أحكامهم ،ويحرفون كتاب اهلل ،ويكتبون بأيديهم
كتبا ثم يقولون :هذه من عند اهلل ،ويأخذون بها ثمنا قليال من سفلتهم.
{ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ} [األنفال ]47 :يقول :ويمنعون من أراد الدخول
في اإلسالم الدخول في بينهم إياهم عن <ا.)1
وقال السعدي> :هذا تحذير من اهلل تعالى لعباده المؤمنين عن كثير
من األحبار والرهبان ،أي :العلماء والعباد الذين يأكلون أموال الناا
بالباطل ،أي :بغير حق ،ويصدون عن سبيل اهلل ،فإنهم إذا كانت لهم
رواتب من أموال الناس ،أو بذل الناس لهم من أموالهم فإنه ألجل علمهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا.)424/11
115
الصنف األول :أهل اإلشراك
إما أن ينفق في الباطل الذي ًل يجدي علي نف اعا ،بل ًل ينال من
إًل الضرر المحض ،وذلك كإخراج األموال في المعاصي والشهوات
التي ًل تعين على طاعة اهلل ،وإخراجها للصد عن سبيل اهلل.
وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات ،و>النهي عن الشيء،
أمر بضده<<ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير السعدي :ا.)335
117
الصنف األول :أهل اإلميان
أما أهل اإليمان فقد ذكر اهلل أنهم عمار المساجد المؤمنون باهلل
واليوم اآلخر ،المجاهدون في سبيل اهلل ،الموالون أولياء اهلل ،المعادون
ألعداء اهلل ،وقد ذكر اهلل تعالى جملة من صفاتهم في هذه السورة
الكريمة في سياق واحد ،فقال سبحان { :ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ
ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ
ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ
ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ
ﳏ ﳐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ
ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ
ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ} [سورة :التوبة 111 :ــ ]112ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1والمعنى> :ومن صفات هؤًلء المؤمنين الذين لهم البشارة بدخول الجنة أنهم التائبون
الراجعون عما كره اهلل إلى ما يحب ويرضاه ،الذين أخلصوا العبادة هلل وحده وجدوا
في طاعت ،الذين يحمدون اهلل على كل ما امتحنهم ب من خير أو شر ،الصائمون،
الراكعون في صالتهم ،الساجدون فيها ،الذين يأمرون الناا بكل ما أمر اهلل ورسول
ب ،وينهونهم عن كل ما نهى اهلل عن ورسول ،المؤدون فرائض اهلل المنتهون إلى
وبشر ــ أيها النبي ــ هؤًلء
أمره ونهي ،القائمون على طاعت ،الواقفون عند حدودهِّ .
المؤمنين المتصفين بهذه الصفات برضوان اهلل وجنت < ،انظر :التفسير الميسر:
ا ،)205والمختصر في التفسير :ا.)205
118
الصنف األول :أهل اإلميان
ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ
ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ
ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ} [التوبة.]111 :
معنى هذه اآلية الحديث الذي جاء >دعوا لي أصحابي ،فلو أن أحدكم
ذهبا ما بلغ مد أحدهم ،وًل نصيف <ا.)1
أنفق مثل أحد ا
قال القاضي أبو محمد :ألن أصحاب هذه الخصال على سيوفهم
انبنى اإلسالم وهم ردوا الناا إلى الشرع<ا.)2
والهجرة ثابتة ألصحاب النبي ‘ ،فهذه اآلية نص في فضلهم.
.......................... ................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما ق ّدمنا ليخرج من ذلك من فعل الكبائر من غير تأويل كالوليد بن عقبة ،وإ ّنما =
ذكروا أ ّن الصحابة كلّهم عدول على اإلطالق؛ أل ّن ذلك هو الكثير ،وليس يخرج من
السوداءكالشعرة ّ
الصدر ّ إًل النّادر اليسير ،فالفاسق الذي لم يظهر ال ّتأويل في ذلك ّ
بي ـ ‘ ـ ،أو بعدالة من كل من رأى ال ّن ّ في ال ّثور األبيض<> ،وأ ّما القول بعصمة ّ
قوًل صري احا ،وإن كان تعمد الكبائر من أهل ذلك العصر؛ فلم يقل بذلك أحد منهم ا ّ
واوي
العام ،وقد ذكر ال ّن ّيخصص اللّفظ ّ الصريح ّ عموم كالم بعضهم يقتضي فال ّن ّص ّ
الشروح وال ّتاريخ أ ّن ارت ّد عن اإلسالم ـ ـ في >شرح مسلم< ،وغيره من أهل ّ
الصحبة.جماعة ممن يطلق علي اسم ّ
وبين كالم أئمة الحديث فيهم. جرحهم ّ البر في >اًلستيعاب< جماعة ّ وذكر ابن عبد ّ
البر ،وذكرمنهم :الوليد وقد ّمر كالم األئمة في ،ومنهم بسر بن أرطأة ذكره ابن عبد ّ
ارقطني :بسر بن أرطأة ل
ّ ما ل من األفعال القبيحة ،وقال في > :قال أبو الحسن ال ّد
بي ـ ‘ ـ وهو الذي قتل طفلين لعبيد اهلل بن صحبة ،ولم يكن ل استقامة بعد ال ّن ّ
العباا<.
ّ
...قال> :وكان ابن معين يقول في :إ ّن رجل سوء<.
البر> :وذلك ألمور عظام ركبها في اإلسالم< ،وذكر أ ّن أغار قال أبو عمر بن عبد ّ
فكن ّأول مسلمات سبين في اإلسالم. على همدان ،وقتل وسبى نساءهم ّ
ولما ذكر هذا أبو عمر استشعر سؤال سائل يَر ُِد علي ،فإ ّن ق ّدم في ّأول الكتاب أ ّن
الصحابة كلّهم عدول ،وهذا يناقض ذلك؛ فأراد أن يرفع هذا اإلشكال بتخصيص من ّ
الصحابة ،وخالف ما كانوا علي من ال ّديانة أو الدخول في الفتن مع ال ّتأويل شذّ عن ّ
البر في هذا الموضع حديث ابن عباا مرفو اعا> :إنكم حري ،فروى ابن ّ وال ّت ّ
رب أصحابي ،فيقول :إ ّنك محشورون إلى اهلل ،<وذكر الحديث وفي > :فأقول يا ّ
ًل تدري ما أحدثوا بعدك<.
تقصيتها في ذكر االحوض)= قال أبو عمر :واآلثار في هذا المعنى كثيرة ج ادا قد َّ
124
الصنف األول :أهل اإلميان
.......................... ................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في باب :خبيب من كتاب >التمهيد< والحمد هلل تعالى< .انتهى لفظ . =
تعرض في >اًلستيعاب< لذكر ما البر ّ
وقد نقم بعض أهل الحديث على ابن عبد ّ
الصحابة ،ولم يريدوا نقم هذا الجنس ،إ ّنما نقموا ذكر ما شجر بينهم مما شجر بين ّ
وقع بين أهل الفضل على سبيل ال ّتأويل الذي ًل يقدح ب في رواية الحديثّ ،أما
ارتكاب الكبائر عم ادا؛ فذكره واجب ألجل الجرح ب فاعلم ذلك.
الصحابة كلّهم عدول البر ذكر في خطبة >اًلستيعاب< أ ّن ّ قلت :هذا مع أ ّن ابن عبد ّ
الصحابة ما ق ّدمت من عدالتهم بتعديل اهلل تعالى ،وهذا يدلّ على أ ّنهم أرادوا بعدالة ّ
وعدم اًلعتداد بال ّنادر.
الروض الباسم :ا 215/1ــ .)255
وقال المعلمي اليماني> :وهذا الوليد بن ُعقبة بن أبي ُم َعيط يقول المشنِّعون :ليس من
المهاجرين وًل األنصار ،إنما هو من الطُّلَقاء .ويقولون :إ ّن ّ
النبي ـ ‘ ـ لما أمر
فمن ِ
للص ْب َية؟ يعني بني .فقال النبي ـ ‘ ـ> :لهم بقتل أبي عقب بدر قال :يا محمد َ
النار< .ويقولون :إن هو الذي أنزل اهلل تعالى في { :ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ
التبين في خبره .ويقولون :إن
فنص القرآ ُن أن فاسق يجب ُّ ﱖ} [الحجراتّ ]6 :
أميرا على الكوفة فشهدوا علي أن شرب الخمر ،وكلَّم ٌّ
علي في زمن عثمان كان ا
علي عبد اهلل بن جعفر فجلده .ومنهم َم ْن يزيد:
عثما َن في ذلك ،فأمره أن يجلده فأمر ٌّ
أن صلى بهم الصبح سكران فصلى أرب اعا ثم التفت فقال :أزيدكم؟ وكان الوليد أخا
عثمان ألم ،فلما قُ ِتل عثمان صار الوليد ينشئ األشعار ي ّتهم ًّ
عليا بالمماألة على قتل
علي.
ويحرض معاوي َة على قتال ّ عثمان ِّ
هذا الرجل أش ّد ما يشنِّع ب المعترضون على إطالق القول بعدالة الصحابة ،فإذا
وولي نعمت
ِّ نظرنا إلى روايت عن النبي ـ ‘ ـ لنرى كم حدي اثا روى في فضل أخي ،
عثمان؟ وكم حدي اثا روى في ذ َّم الساعي في جلده الممالئ على قتل أخي في ظن
علي؟ وكم حدي اثا روى في فضل نفس ليدافع ما لحق من الشهرة بشرب الخمر؟= ٍّ
125
الصنف األول :أهل اإلميان
126
الصنف األول :أهل اإلميان
منهم مع رسول اهلل ‘ ،ثم أنزل اهلل نصره وتأييده على رسول وعلى
مفصال ليعلمهم أن
ا المؤمنين الذين مع ،كما سنبين إن شاء اهلل تعالى
النصر من عنده تعالى وحده وبإمداده وإن قل الجمع ،فكم من فئة قليلة
غلبت فئة كثيرة بإذن اهلل ،واهلل مع الصابرين<ا.)1
وقال ابن عاشور> :وتخصيص يوم حنين بالذكر من بين أيام
الحروب :ألن المسلمين انهزموا في أثناء النصر ثم عاد إليهم النصر،
فتخصيص بالذكر لما في من العبرة بحصول النصر عند امتثال أمر اهلل
ورسول ـ ـ وحصول الهزيمة عند إيثار الحظوظ العاجلة على
اًلمتثال ،ففي مثل وشاهد لحالتي اإليثارين المذكورين آنفا في قول
تعالى{ :ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ} [التوبة،]24 :
ليتنبهوا إلى أن هذا اإليثار قد يعرض في أثناء إيثار آخر ،فهم لما
خرجوا إلى غزوة حنين كانوا قد آثروا محبة الجهاد على محبة أسبابهم
وعالقاتهم ،ثم هم في أثناء الجهاد قد عاودهم إيثار الحظوظ العاجلة
على امتثال أمر اهلل ورسول ‘ الذي هو من آثار إيثار محبتها ،وهي
عبرة دقيقة حصل فيها الضدان ولذلك كان موقع قول { :ﲖ ﲗ
ﲘ} بدي اعا ألن تنبي على خطئهم في األدب مع اهلل المناسب
لمقامهم أي :ما كان ينبغي لكم أن تعتمدوا على كثرتكم.
وحنين اسم واد بين مكة والطائف قرب ذي المجاز ،كانت في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير ابن كثير :ا.)125/4
127
الصنف األول :أهل اإلميان
وقعة عظيمة عقب فتح مكة بين المسلمين مع النبيء ‘ ،وكانوا اثني
عشر ألفا ،وبين هوازن وثقيف وألفافهما ،إذ نهضوا لقتال النبيء ‘
حمية وغضبا لهزيمة قريش ولفتح مكة ،وكان على هوازن مالك بن
عوف ،أخو بني نصر ،وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي ،وكانوا
في عدد كثير وساروا إلى مكة فخرج إليهم النبيء ‘ حتى اجتمعوا
بحنين فقال المسلمون :لن نغلب اليوم من قلة ،ووثقوا بالنصر لقوتهم،
إلهيا على نسيانهم
فحصلت لهم هزيمة عند أول اللقاء كانت عتا ابا ا
التوكل على اهلل في النصر ،واعتمادهم على كثرتهم<ا.)1
ومع هذا العتاب الكريم ،إًل أن اهلل تعالى أثبت لهم اإليمان،
وسماهم المؤمنينا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1التحرير والتنوير :ا.)154/10
ا )2وًل يسلم لطاعن أن يطعن على أصحاب النبي ‘ بالفرار يومي أحد وحنين ،حتى
نفرا من بني هاشم!! والرد عليهم من وجوه:إن بعضهم ادعى أنهم فروا جمي اعا إًل ا
1ــ أن اهلل أثبت عفوه عنهم يوم أحد ،وهو الغفور الرحيمً ،ل راد لحكم ،وًل
معقب لقضائ وأمره ،بيده خزائن الرحمة ًل بيد خلق ! ــ كما سبق ــ.
2ــ أنهم إنما فروا يوم حنين ًل بقصد اإلصرار ،فقد كانوا أسرع الناا فيئة كما
شهد لهم عم النبي ‘ ،وأحد بني هاشم> ،قال عباا :شهدت مع رسول اهلل ‘
يوم حنين ،فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحار بن عبد المطلب رسول اهلل ‘ فلم
نفارق ،ورسول اهلل ‘ على بغلة ل بيضاء أهداها ل فروة بن نفاثة الجذامي ،فلما
التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين ،فطفق رسول اهلل ‘ يركض بغلت
قبل الكفار ،قال عباا :وأنا آخذ بلجام بغلة رسول اهلل ‘ أكفها إرادة أن ًل تسرع،
وأبو سفيان آخذ بركاب رسول اهلل ‘ ،فقال رسول اهلل ‘> :أي عباا ،ناد
أصحاب السمرة< ،فقال عباا :وكان رجال صيتا ،فقلت بأعلى صوتي :أين=
128
الصنف األول :أهل اإلميان
ﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ
ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ
ﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗ
ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ} [التوبة 117 :ــ .]118
قال الطبري> :يقول تعالى ذكره :لقد رزق اهلل اإلنابة إلى أمره
وطاعت نبي محمدا ‘ ،والمهاجرين ديارهم وعشيرتهم إلى دار
اإلسالم ،وأنصار رسول في اهلل ،الذين اتبعوا رسول اهلل في ساعة
العسرة منهم من النفقة والظهر والزاد والماء {ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ
ﲺ ﲻ} [التوبة ]117 :يقول :من بعد ما كاد يميل قلوب بعضهم عن
الحق ويشك في دين ويرتاب بالذي نال من المشقة والشدة في سفره
وغزوه {ﲼ ﲽ ﲾﲿ} [التوبة ]117 :يقول :ثم رزقهم جل ثناؤه اإلنابة
والرجوع إلى الثبات على دين وإبصار الحق الذي كان قد كاد يلتبس
عليهم {ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ} يقول :إن ربكم بالذين خالط قلوبهم
ذلك لما نالهم في سفرهم من الشدة والمشقة{ ،ﳂ} بهم،
{ﳃ} [التوبة ]117 :أن يهلكهم ،فينزع منهم اإليمان بعد ما قد أبلوا في
اهلل ما أبلوا مع رسول وصبروا علي من البأساء والضراء< ..والثالثة
الذين خلفوا :رهط منهم :كعب بن مالك ،وهو أحد بني سلمة ،ومرارة بن
ربيعة ،وهو أحد بني عمرو بن عوف ،وهالل بن أمية ،وهو من بني
واقف .وكانوا تخلفوا عن رسول اهلل ‘ في تلك الغزوة في بضعة
وثمانين رجال؛ فلما رجع رسول اهلل ‘ إلى المدينة ،صدق أولئك
130
الصنف األول :أهل اإلميان
ارتدوا بعد ذلك ،فاستأذنوا النبي ‘ إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم
يتجرون فيها .فاختلف فيهم المؤمنون ،فقائل يقول :هم منافقون ،وقائل
يقول :هم مؤمنون .فبين اهلل نفاقهم ،فأمر بقتالهم<ا.)1
ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ
ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ
ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ
ﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫ
[آل عمران:ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ}
152ــ ،]153عن الضحاك؛ قال> :إن نبي اهلل أمر يوم أحد طائفة من
المسلمين؛ فقال :كونوا مسلحة للناا بمنزلة أمرهم أن يثبتوا بها،
وأمرهم أن ًل يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم ،فلما لقي نبي اهلل ـ ‘ ـ
يوم أحد أبا سفيان ومن مع من المشركين؛ هزمهم نبي اهلل ـ ‘ ـ،
فلما رأى المسلحة أن اهلل ـ ـ هزم المشركين؛ انطلق بعضهم وهم
يتنادون :الغنيمة الغنيمة! ًل تفتكم ،وثبت بعضهم مكانهم ،وقالواً :ل
نريم موضعنا؛ حتى يأذن لنا نبي اهلل ـ ‘ ـ؛ ففي ذلك نزل{ :ﲂ
{ﱨ ﱩ الجمعة إلى التجارة التي قدمت المدينة يومئذ ،فقال تعالى:
ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ} أي :على المنبر تخطب .هكذا
ذكره غير واحد من التابعين ،منهم :أبو العالية ،والحسن ،وزيد بن
أسلم ،وقتادة.
وزعم مقاتل بن حيان :أن التجارة كانت لدحية بن خليفة قبل أن
يسلم ،وكان معها طبل ،فانصرفوا إليها وتركوا رسول اهلل ‘ قائما
على المنبر إًل القليل منهم<ا.)1
وعن جابر بن عبد اهلل> ،أن النبي ‘ ،كان يخطب قائما يوم
الجمعة ،فجاءت عير من الشام ،فانفتل الناا إليها ،حتى لم يبق إًل
اثنا عشر رجال ،فأنزلت هذه اآلية التي في الجمعة{ :ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ
ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ} [الجمعة<]11 :ا)2ا.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير ابن كثير :ا.)123/8
ا )2رواه البخاري :ا ،)2064ومسلم :ا.)863
ا )3ولتعلم أن هذه اآلية ًل تصلح حجة لمن طعن في الصحابة رضوان اهلل تعالى عليهم،
وذلك ألمور:
1ــ أن هذه القصة حصلت في بداية زمن الهجرة ولم يكونوا قد علموا جميع
اآلداب الشرعية ،فال بأا أن يحصل منهم بعض ذلك.
2ــ أن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر لم ينفضوا بل ظلوا مع الرسول صلوات اهلل
وسالم علي .
يقول اآللوسي> :وطُعن بهذه اآلية [في] الصحابة رضي اهلل تعالى عنهم بأنهم آثروا
دنياهم على آخرتهم حيث انفضوا إلى اللهو والتجارة ورغبوا عن الصالة التي هي=
134
الصنف األول :أهل اإلميان
ومع عدم ثبوت العصمة لهم إًل أن قد ثبت أنهم أسرع الناا فيئة
للحق ،وتوبة إلى اهلل تعالى وإنابة إلي كما يعرف المطالع لسيرتهم ،بل
كما أثبت اهلل تعالى كما سيأتي معنا.
ﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒ
8ـ ـ التطهر.
{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ قال تعالى:
ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ
ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ
ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ
ﱵﱶ ﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ
ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن العجيب أن يتم اًلستدًلل بهذه اآلية على ذم أصحاب النبي ‘ ،مع أنها: =
1ــ تتحد عن قوم بأعيانهم ،فلو سلمنا دًللتها على الذم = فأنى بدًللتها على ذم
الجميع ،كما يذكر من افترى الكذب؟.
2ــ أن اآلية تتحد عن قوم اعترفوا بذنوبهم ،وتابوا إلى اهلل تعالى منها ،فأي إثم
يلحقهم؟
3ــ وحتى إن ثبت أن اآلية في أهل النفاق ،فأي ذنب يلحقهم ،وقد تابوا ورجعوا..
142
الصنف األول :أهل اإلميان
ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ
ولكنهم بنوه يريدون ببنائ السوأى ضرارا لمسجد رسول اهلل ‘ وكفرا
باهلل وتفريقا بين المؤمنين ،وإرصادا ألبي عامر الفاسق<ا.)1
ثم نهى اهلل نبي عن القيام في هذا المسجد ،وأن أحق مسجد
وسعيا في
ا بالقيام في هو المسجد الذي أسس على تقوى اهلل وطاعت ،
مرضات ،واختلف أهل العلم في هذا المسجد ،فقال بعضهم :هو مسجد
قباء ،وقال كثير منهم :هو مسجد رسول اهلل ‘ا)2ا ،)3وذكر اهلل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير الطبري :ا.)674/11
ا )2انظر :تفسير الطبري :ا ،)685/11وابن عطية :ا.)82/3
ا )3وجمع اإلمام ابن كثير بين القولين ،فقال> :وقد صرح بأن مسجد قباء جماعة من
السلف ،رواه علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباا .ورواه عبد الرزاق ،عن معمر،
عن الزهري ،عن عروة بن الزبير .وقال عطية العوفي ،وعبد الرحمن بن زيد بن
أسلم ،والشعبي ،والحسن البصري ،ونقل البغوي عن سعيد بن جبير ،وقتادة.
وقد ورد في الحديث الصحيح :أن مسجد رسول اهلل ‘ الذي هو في جوف
المدينة ،هو المسجد الذي أسس على التقوى .وهذا صحيح .وًل منافاة بين اآلية
وبين هذا؛ ألن إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم ،فمسجد
رسول اهلل ‘ بطريق األولى واألحرى ..وقد قال بأن مسجد النبي ‘ جماعة من
السلف والخلف ،وهو مروي عن عمر بن الخطاب ،وابن عبد اهلل ،وزيد بن ثابت،
وسعيد بن المسيب .واختاره ابن جرير< ،تفسير ابن كثير :ا.)214/4
وقال الطاهر> :ووج الجمع بين هذين عندي أن يكون المراد بقول تعالى :لمسجد
أسس على التقوى من أول يوم المسجد الذي هذه صفت ًل مسجدا واحدا معينا،
فيكون هذا الوصف كليا انحصر في فردين المسجد النبوي ومسجد قباء ،فأيهما
صلى في رسول اهلل ‘ في الوقت الذي دعوه في للصالة في مسجد الضرار كان
ذلك أحق وأجدر ،فيحصل النجاء من حظ الشيطان في اًلمتناع من الصالة في
مسجدهم ،ومن مطاعنهم أيضا< ،التحرير والتنوير :ا.)32/11
144
الصنف األول :أهل اإلميان
خطئ ،فهو ًل يدري متى يتبين ل خطأ فعل وعظيم ذنب فيهدم .
{ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ وقول تعالى:
ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ} [التوبة ]110 :يقول تعالى ذكرهً :ل يزال بنيان
هؤالء الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا {ﲙ} يقولً :ل يزال مسجدهم
الذي بنوه ريبة في قلوبهم ،يعني شكا ونفاقا في قلوبهم ،يحسبون أنهم
كانوا في بنائ محسنين{ .ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ} يعني إًل أن تتصدع
قلوبهم فيموتوا ،واهلل عليم بما علي هؤًلء المنافقون الذين بنوا مسجد
الضرار من شكهم في دينهم وما قصدوا في بنائهم وأرادوه وما إلي
صائر أمرهم في اآلخر وفي الحياة ما عاشوا ،وبغير ذلك من أمرهم
وأمر غيرهم ،حكيم في تدبيره إياهم وتدبير جميع خلق .
9ـ ـ االستبشار والفرح بآيات اهلل.
{ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ قال تعالى:
ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ} [التوبة.]124 :
{ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ} بالعلم بها ،وفهمها ،واعتقادها،
والعمل بها ،والرغبة في فعل الخير ،واًلنكفاف عن فعل الشر.
{ﱤ ﱥ} أي :يبشر بعضهم بعضا بما من اهلل عليهم
من آيات ،والتوفيق لفهمها والعمل بها .وهذا دال على انشراح صدورهم
آليات اهلل ،وطمأنينة قلوبهم ،وسرعة انقيادهم لما تحثهم علي ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :تيسير الكريم الرحمن :ا.)356
146
الصنف األول :األعراب
{ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ وقال:
ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ
ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ
ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕ
ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ} [الفتح 11 :ــ ]12ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيجب تر ُك حديث
ُ طريق إلى العلم ب ِ،
َ مجروح ،وًل
ٌ الصحابة م ْن ُهو ِ
مناف ٌق = ِم َن َّ
َ َ
الصحابة ِ كلِّهم.َّ
2ــ أ ّن اإلجماع منعقد على اًلعتبار بالظّاهر دون الباطن ،ومن نجم نفاق وظهر كفره
ترك حديث ،ومن ظهر إسالم وأمانت وصدق قبل وإن كان في الباطن خالف ما ظهر
من ،فقد علمنا لما وجب علينا وبذلنا في طلب الحق جهدنا ،وقد كان رسول اهلل
ـ ‘ ـ يعمل بالظّاهر ويتبرأ من علم الباطن .وإلى ذلك اإلشارة بقول في هذه اآلية:
{ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ} [التوبة ،]101 :فلو كان في هذا قدح على المح ّدثين
لتوج مثل على رسول اهلل ـ ‘ ـ .انظر :العواصم والقواصم :ا ،)293/3والروض ّ
الباسم :ا 294/1ــ .)295
الصحابة ـ ـ ،رأيت ذكر أسمائهم الرواة من ّ
ا )1يقول ابن الوزير> :وهذا ذكر جلّة ّ
ليعرف أ ّن حديثهم هو الذي يدور علي الفق وينبني علي العلم ،وأ ّن أحاديث جفاة
بن على حديث األعراب المجاهيل شيء يسير نادر على تقدير وقوع ،فيعلم أ ّن لم يُ َ
جفاة األعراب حكم شرعي ،فإن ا ّتفق ذلك ففي نادر األحوال ممن يستجيز ذلك من
الرواية عنهم كان ل في أهل العلم من غير ضرورة إلى ذلك .فإ ّن لو لم يستجز ّ
السنّة واإلجماع ،وصحيح القياا غنية وكفاية. صح من ّ
القرآن وما ّ
احتج عليها الفقهاء
ّ أردت أن تعرف صدق هذا الكالم فأرنا المسائل التي ّ وإذا
والمح ّدثون بأحاديث الجفاة من األعراب من غير عموم من القرآن ،وًل شاهد من
الرواة هم
سائر األدلّة ،وفي عدم ذلك أو ندرت ما يدلّك على ما ذكرناه من أ ّن جلّة ّ
الضعيفة ،والمسالك= الشب ّ عيون األصحاب ًل جفاة األعراب ،فدع عنك هذه ّ
149
الصنف األول :األعراب
مع ما ذكرناه من الفضل فيهم ،وعدم العبرة بالنسب والمكان مبني على
أصل ،وذلك :أن اهلل جعل سكنى القرى يقتضي من كمال اإلنسان
في العلم والدين ،ورقة القلوب ،ما ًل يقتضي سكنى البادية ،كما أن
البادية توجب من صالبة البدن والخلق ،ومتانة الكالم ما ًل يكون في
القرى ،هذا هو األصل.
وإن جاز تخلف هذا المقتضى لمانع ،وكانت البادية أحيانا أنفع
من القرى ،وكذلك جعل اهلل الرسل من أهل القرى ،فقال تعالى{ :ﲄ
ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ} [يوسف ]109 :وذلك ألن
الرسل لهم الكمال في عامة األمور ،حتى في النسب ،ولهذا قال اهلل
سبحان { :ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ
ﲔ} [التوبة ]97 :ذكر هذا بعد قول { :ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ
ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ
ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ
ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ
ﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡ ﱢﱣ
ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ
ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ
ﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇ ﲈﲉﲊ
ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ}
[التوبة 93 :ــ .]97
151
الصنف األول :األعراب
ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد ،وأجدر ،أي :أحرى أًل يعلموا حدود
ما أنزل اهلل على رسول ا.)1
قال الطاهر> :وازديادهم في الكفر والنفاق هو بالنسبة لكفار
ومنافقي المدينة ،ومنافقوهم أشد نفاقا من منافقي المدينة ،وهذا
اًلزدياد راجع إلى تمكن الوصفين من نفوسهم ،أي كفرهم أمكن في
النفوا من كفر كفار المدينة ،ونفاقهم أمكن من نفوسهم كذلك ،أي
أمكن في جانب الكفر من والبعد عن اإلقالع عن وظهور بوادر الشر
منهم ،وذلك أن غلظ القلوب وجالفة الطبع تزيد النفوا السيئة وحشة
ونفورا ...فإن األعراب لنشأتهم في البادية كانوا بعداء عن مخالطة أهل
العقول المستقيمة وكانت أذهانهم أبعد عن معرفة الحقائق وأمأل
باألوهام ،وهم لبعدهم عن مشاهدة أنوار النبيء ‘ وأخالق وآداب وعن
تلقي الهدى صباح مساء أجهل بأمور الديانة وما ب تهذيب النفوا ،وهم
لتوارثهم أخالق أسالفهم وبعدهم عن التطورات المدنية التي تؤثر سموا
في النفوا البشرية ،وإتقانا في وضع األشياء في مواضعها ،وحكمة
تقليدية تتدرج باألزمان ،يكونون أقرب سيرة بالتوحش وأكثر غلظة في
المعاملة وأضيع للترا العلمي والخلقي....
فأما في األخالق التي تحمد فيها الخشونة والغلظة واًلستخفاف
بالعظائم مثل الشجاعة والصراحة وإباء الضيم والكرم فإنها تكون أقوى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير ابن كثير :ا.)201/4
153
الصنف األول :األعراب
في األعراب بالجبلة ،ولذلك يكونون أقرب إلى الخير إذا اعتقدوه
وآمنوا ب <ا.)1
هذا ،وقد وفى اهلل المؤمنين من األعراب حقهم في الثناء ،وهو
العليم الحكيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1التحرير والتنوير :ا.)12/11
154
الصنف األول :أهل النفاق
>وأما النفاق :فالداء العضال الباطن ،الذي يكون الرجل ممتل ائا
من ،وهو ًل يشعر ،فإن أمر خفي على الناا ،وكثيرا ما يخفى على من
تلبس ب ،فيزعم أن مصلح وهو مفسد.
وهو نوعان :أكبر ،وأصغر.
فاألكبر يوجب الخلود في النار في دركها األسفل ،وهو أن يظهر
للمسلمين إيمان باهلل ومالئكت وكتب ورسل واليوم اآلخر ،وهو في
الباطن منسلخ من ذلك كل مكذب ب ً ،ل يؤمن بأن اهلل تكلم بكالم أنزل
رسوًل للناا ،يهديهم بإذن ،وينذرهم بأس ،ويخوفهم
ا على بشر جعل
عقاب .
وقد هتك اهلل سبحان أستار المنافقين ،وكشف أسرارهم في
القرآن ،وجلى لعباده أمورهم ،ليكونوا منها ومن أهلها على حذر ،وذكر
طوائف العالم الثالثة في أول سورة البقرة :المؤمنين ،والكفار،
والمنافقين ،فذكر في المؤمنين أربع آيات ،وفي الكفار آيتين ،وفي
المنافقين ثال عشرة آية ،لكثرتهم وعموم اًلبتالء بهم ،وشدة فتنتهم
على اإلسالم وأهل ،فإن بلية اإلسالم بهم شديدة جدا ،ألنهم منسوبون
155
الصنف األول :أهل النفاق
ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄ
ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ
ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ} [التوبة 42 :ــ .]45
يقول الطبري> :يقول جل ثناؤه للنبي ‘ ،وكانت جماعة من
أصحاب قد استأذنوه في التخلف عن حين خرج إلى تبوك فأذن لهم :لو
كان ما تدعو إلي المتخلفين عنك والمستأذنيك في ترك الخروج معك
إلى مغزاك الذي استنفرتهم إلي {ﱔ ﱕ} يقول :غنيمة حاضرة
{ﱖ ﱗ} يقول :وموضعا قريبا سهال{ .ﱘ} ونفروا
معك إليهما ،ولكنك استنفرتهم إلى موضع بعيد ،وكلفتهم سفرا شاقا
عليهم؛ ألنك استنهضتهم في وقت الحر وزمان القيظ وحين الحاجة
إلى الكن.
{ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ} يقول تعالى
ذكره :وسيحلف لك يا محمد هؤًلء المستأذنوك في ترك الخروج معك
اعتذارا منهم إليك بالباطل ،لتقبل منهم عذرهم ،وتأذن لهم في التخلف
عنك باهلل كاذبين :لو استطعنا لخرجنا معكم ،يقول :لو أطقنا الخروج
معكم بوجود السعة والمراكب والظهور وما ًل بد للمسافر والغازي من ،
وصحة البدن والقوى ،لخرجنا معكم إلى عدوكم{ .ﱤ ﱥ}
يقول :يوجبون ألنفسهم بحلفهم باهلل كاذبين الهالك والعطب؛ ألنهم
يورثونها سخط اهلل ويكسبونها أليم عقاب { .ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ}
160
الصنف األول :أهل النفاق
في حلفهم باهلل لو استطعنا لخرجنا معكم؛ ألنهم كانوا للخروج مطيقين
بوجود السبيل إلى ذلك بالذي كان عندهم من األموال مما يحتاج إليه
الغازي في غزوه والمسافر في سفره وصحة األبدان وقوى األجسام<ا.)1
>{ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ثم قال:
ﱶ ﱷ} [التوبة]43 :ا )2وهذا عتاب من اهلل تعالى ذكره عاتب
ب نبي ‘ في إذن لمن أذن ل في التخلف عن حين شخص إلى تبوك
لغزو الروم من المنافقين .يقول جل ثناؤه{ :ﱫ ﱬ ﱭ} يا محمد ما
كان منك في إذنك لهؤًلء المنافقين الذي استأذنوك في ترك الخروج
معك ،وفي التخلف عنك من قبل أن تعلم صدق من كذب { .ﱮ ﱯ
ﱰ} ألي شيء أذنت لهم{ .ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ
ﱷ} يقول :ما كان ينبغي لك أن تأذن لهم في التخلف عنك؛
إذ قالوا لك :لو استطعنا لخرجنا معك ،حتى تعرف من له العذر منهم في
تخلفه ومن ال عذر له منهم ،فيكون إذنك لمن أذنت له منهم على علم منك
بعذره ،وتعلم من الكاذب منهم المتخلف نفاقا وشكا في دين اهلل<ا.)3
ثم ذكر اهلل سيما أهل النفاق ،فقال{ :ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ
[التوبة]44 : ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄ ﲅ ﲆ ﲇ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا 476/11ــ .)477
ا )2قال الطاهر> :وافتتاح العتاب باإلعالم بالعفو إكرام عظيم ،ولطافة شريفة ،فأخبره
بالعفو قبل أن يباشره بالعتاب< ،التحرير والتنوير :ا.)210/10
ا )3جامع البيان :ا.)477/11
161
الصنف األول :أهل النفاق
وهو غني ،ورضي بأن يخلف مع النساء اللواتي هن خوالف للرجال في
البيوتا.)1
هذا ،وقد ذكر اهلل تعالى عن أحد زعماء المنافقين أن استأذن في
غزوة تبوك ،قال اهلل تعالى{ :ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ
ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [التوبة.]49 :
وأخرج الطبري عن جماعة أن رسول اهلل ‘ ذات يوم وهو في
جهازه قال للجد بن قيس أخي بني سلمة> :هل لك يا جد العام في
جالد بني األصفر؟< فقال :يا رسول اهلل ،أو تأذن لي وًل تفتني؟ فواهلل
عجبا بالنساء مني ،وإني أخشى إن رأيت لقد عرف قومي ما رجل أشد ا
نساء بني األصفر أن ًل أصبر عنهن ،فأعرض عن رسول اهلل ‘ ،وقال:
>أذنت لك< ،ففي الجد بن قيس نزلت هذه اآلية {ﱒ ﱓ ﱔ
ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ} [التوبة ]49 :اآلية ،أي إن كان إنما يخشى الفتنة من
نساء بني األصفر ،وليس ذلك ب ،فما سقط في من الفتنة بتخلف عن
رسول اهلل ‘ والرغبة بنفس عن نفس أعظما.)2
قال ابن تيمية> :ولما كان في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والجهاد في سبيل اهلل من اًلبتالء والمحن ما يعرض ب المرء للفتنة،
صار في الناا من يتعلل لترك ما وجب علي من ذلك بأن يطلب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1الهداية ،لمكي :ا.)3101/4
ا )2انظر :تفسير الطبري :ا.)492/11
164
الصنف األول :أهل النفاق
فمن ترك القتال الذي أمر اهلل ب لئال تكون فتنة :فهو في الفتنة
ساقط بما وقع في من ريب قلب ومرض فؤاده ،وترك ما أمر اهلل ب من
الجهاد<ا.)1
بل إنهم يفرحون بالتخلف عن رسول اهلل ،ويرضون ألنفسهم
ذلك ،قال تعالى{ :ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ
ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ
ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ} [التوبة.]81 :
قال ابن كثير> :يقول تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة
رسول اهلل ‘ في غزوة تبوك ،وفرحوا بمقعدهم بعد خروج { ،ﱣ
ﱤ ﱥ} مع {ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ} أي :بعضهم
لبعض{ :ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ}؛ وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في
شدة الحر ،عند طيب الظالل والثمار ،فلهذا قالوا {ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ} قال
اهلل تعالى لرسوله{ :ﱱ} لهم{ :ﱲ ﱳ} التي تصيرون إليها بسبب
مخالفتكم {ﱴ ﱵ} مما فررتم منه من الحر ،بل أشد حرا من النار<ا،)2
وقال السعدي> :يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم وعدم
مباًلتهم بذلك ،الدال على عدم اإليمان ،واختيار الكفر على اإليمان.
{ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} وهذا قدر زائد على مجرد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1اًلستقامةً ،لبن تيمية :ا ،)287/2ومجموع الفتاوى :ا.)166/28
ا )2تفسير ابن كثير :ا.)189/4
166
الصنف األول :أهل النفاق
التخلف ،فإن هذا تخلف محرم ،وزيادة رضا بفعل المعصية ،وتبجح
ب.
{ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ} وهذا بخالف
المؤمنين الذين إذا تخلفوا ــ ولو لعذر ــ حزنوا على تخلفهم وتأسفوا
غاية األسف ،ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اهلل ،لما
في قلوبهم من اإليمان ،ولما يرجون من فضل اهلل وإحسان وبره
وامتنان .
{ﱫ} أي :المنافقون {ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ} أي :قالوا إن النفير
مشقة علينا بسبب الحر ،فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة األبدية
التامة.
وحذروا من الحر الذي يقي من الظالل ،ويذهب البكر واآلصال،
على الحر الشديد الذي ًل يقادر قدره ،وهو النار الحامية.
ولهذا قال{ :ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ} لما آثروا ما يفنى
على ما يبقى ،ولما فروا من المشقة الخفيفة المنقضية ،إلى المشقة
الشديدة الدائمة<ا.)1
ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ
ﱚ} [التوبة.]107 :
قال ابن كثير> :سبب نزول هذه اآليات الكريمات :أن كان
بالمدينة قبل مقدم رسول اهلل ‘ إليها رجل من الخزرج يقال ل > :أبو
عامر الراهب< ،وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب،
وكان في عبادة في الجاهلية ،ول شرف في الخزرج كبير .فلما قدم
رسول اهلل ‘ مهاجرا إلى المدينة ،واجتمع المسلمون علي ،وصارت
لإلسالم كلمة عالية ،وأظهرهم اهلل يوم بدر ،شرق اللعين أبو عامر
بريق ،وبارز بالعداوة ،وظاهر بها ،وخرج فارا إلى كفار مكة من
مشركي قريش فألبهم على حرب رسول اهلل ‘ ،فاجتمعوا بمن وافقهم
من أحياء العرب ،وقدموا عام أحد ،فكان من أمر المسلمين ما كان،
وامتحنهم اهلل ،وكانت العاقبة للمتقين.
وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين ،فوقع في
إحداهن رسول اهلل ‘ ،وأصيب ذلك اليوم ،فجرح في وجه وكسرت
رباعيت اليمنى السفلى ،وشج رأس ،صلوات اهلل وسالم علي .
وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قوم من األنصار ،فخاطبهم
واستمالهم إلى نصره وموافقت ،فلما عرفوا كالم قالواً :ل أنعم اهلل بك
عينا يا فاسق يا عدو اهلل ،ونالوا منه وسبوه .فرجع وهو يقول :واهلل لقد
أصاب قومي بعدي شر .وكان رسول اهلل ‘ قد دعاه إلى اهلل قبل فراره،
172
الصنف األول :أهل النفاق
وقرأ علي من القرآن ،فأبى أن يسلم وتمرد ،فدعا علي رسول اهلل ‘
أن يموت بعيدا طريدا ،فنالت هذه الدعوة.
وذلك أن لما فرغ الناا من أحد ،ورأى أمر الرسول ،صلوات
اهلل وسالم علي في ارتفاع وظهور ،ذهب إلى هرقل ،ملك الروم،
يستنصره على النبي ‘ ،فوعده ومناه ،وأقام عنده ،وكتب إلى جماعة
من قوم من األنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أن سيقدم
بجيش يقاتل ب رسول اهلل ‘ ويغلب ويرده عما هو في ،وأمرهم أن
يتخذوا ل معقال يقدم عليهم في من يقدم من عنده ألداء كتب ويكون
مرصدا ل إذا قدم عليهم بعد ذلك ،فشرعوا في بناء مسجد مجاور
لمسجد قباء ،فبنوه وأحكموه ،وفرغوا منه قبل خروج النبي ‘ إلى تبوك،
وجاءوا فسألوا رسول اهلل ‘ أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ،ليحتجوا
بصالت ، ،في على تقريره وإثبات ،وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء
منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية ،فعصم اهلل من الصالة في فقال:
>إنا على سفر ،ولكن إذا رجعنا إن شاء اهلل<.
فلما قفل ،راجعا إلى المدينة من تبوك ،ولم يبق بين وبينها
إًل يوم أو بعض يوم ،نزل علي الوحي بخبر مسجد الضرار ،وما
اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم
مسجد قباء ،الذي أسس من أول يوم على التقوى .فبعث رسول اهلل ‘
إلى ذلك المسجد من هدم قبل مقدم المدينة ،كما قال علي بن أبي
173
الصنف األول :أهل النفاق
ﲑ ﲒ}.
وكذا روي عن سعيد بن جبير ،ومجاهد ،وعروة بن الزبير ،وقتادة
وغير واحد من العلماء.
...وقول { :ﱑ} أي :الذين بنوه {ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖ}
أي :ما أردناه ببنيان إًل خيرا ورفقا بالناا ،قال اهلل تعالى{ :ﱗ ﱘ
على التقوى ،وهي طاعة اهلل ،وطاعة رسول ،وجمعا لكلمة المؤمنين
ومعقال وموئال لإلسالم وأهل ؛ ولهذا قال تعالى{ :ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ
ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ} والسياق إنما هو في معرض مسجد
قباء<ا.)1
وفي اآليات مواًلتهم للكافر أبي عامر الراهب ،وهي صفة متأصلة
فيهم.
ومن ذلك ما وصف اهلل ب أهل النفاق من األمر بالمنكر والنهي
عن المعروف ،كما في قول سبحان { :ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ
ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ
ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [التوبة.]67 :
>يقول :هم صنف واحد ،وأمرهم واحد ،في إعالنهم اإليمان
واستبطانهم الكفر ،يأمرون من قبل منهم بالمنكر ،وهو الكفر باهلل
وبمحمد ‘ ،وبما جاء ب وتكذيب { .ﲜ ﲝ ﲞ} يقول:
وينهونهم عن اإليمان باهلل ورسول وبما جاءهم ب من عند اهلل .وقول :
{ﲟ ﲠﲡ} يقول :ويمسكون أيديهم عن النفقة في سبيل اهلل
ويكفونها عن الصدقة ،فيمنعون الذين فرض اهلل لهم في أموالهم ما فرض
من الزكاة حقوقهم<ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير ابن كثير :ا.)211/4
ا )2جامع البيان :ا.)548/11
175
الصنف األول :أهل النفاق
فإن أوامرهم التي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البالد والعباد،
ونواهيهم عما في صالحهم في المعاش والمعاد ،وأحدهم تلقاه بين
جماعة أهل اإليمان في الصالة والذكر والزهد واًلجتهاد {ﱱ ﱲ
ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ}
[البقرة.]205 :
فهم جنس بعضه يشبه بعضا ،يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه ،وينهون
عن المعروف بعد أن يتركوه ،ويبخلون بالمال في سبيل اهلل ومرضاته أن
ينفقوه ،كم ذكرهم اهلل بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه؟ وكم كشف حالهم
لعباده المؤمنين ليجتنبوه؟ فاسمعوا أيها المؤمنين {ﲔ ﲕ
ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ
ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [التوبة]67 :ا.)1
5ــ الفرح بما يصيب أهل اإلسالم من شدة ،وتمني الهزيمة لهم.
{ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫ قال تعالى:
ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ} [التوبة.]50 :
قال الطبري> :يقول تعالى ذكره لنبي محمد ‘ :يا محمد إن
يصبك سرور بفتح اهلل عليك أرض الروم في غزاتك هذه يسؤ الجد بن
قيس ونظراءه وأشياع من المنافقين ،وإن تصبك مصيبة بفلول جيشك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1مدارج السالكين :ا.)360/1
176
الصنف األول :أهل النفاق
7ــ الجبن.
{ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ قال تعالى:
ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ}
[التوبة 56 :ــ .]57
ويحلف باهلل لكم أيها المؤمنون هؤًلء المنافقون كذبا وباطال
خوفا منكم ،إنهم لمنكم في الدين والملة .يقول اهلل تعالى مكذبا لهم:
{ﱘ ﱙ ﱚ} أي ليسوا من أهل دينكم وملتكم ،بل هم أهل شك
ونفاق{ .ﱛ ﱜ ﱝ} يقول :ولكنهم قوم يخافونكم ،فهم
خوفا منكم يقولون بألسنتهم :إنا منكم؛ ليأمنوا فيكم فال يقتلوا.
وإنما وصفهم اهلل بما وصفهم ب من هذه الصفة؛ ألنهم إنما أقاموا
بين أظهر أصحاب رسول اهلل ‘ على كفرهم ونفاقهم وعداوتهم لهم،
ولما هم علي من اإليمان باهلل وبرسول ؛ ألنهم كانوا في قومهم
وعشيرتهم وفي دورهم وأموالهم ،فلم يقدروا على ترك ذلك وفراق ،
فصانعوا القوم بالنفاق ودافعوا عن أنفسهم وأموالهم وأوًلدهم بالكفر
ودعوى اإليمان ،وفي أنفسهم ما فيها من البغض لرسول اهلل ‘ وأهل
اإليمان ب والعداوة لهم ،فقال اهلل واصفهم بما في ضمائرهم{ :ﱟ
ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ} اآليةا.)1
قال ابن كثير> :يخبر اهلل تعالى نبي ،صلوات اهلل وسالم علي ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :جامع البيان :ا.)503/11
178
الصنف األول :أهل النفاق
ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ
غضبا
أي :من المنافقين من يعيب النبي ‘ في أمر الصدقة ،ا
ألنفسهم ،ولو أن هؤًلء الذين يلمزونك يا محمد في الصدقات رضوا
ما أعطاهم اهلل ورسول من عطاء وقسم لهم من قسم {ﲃ ﲄ
ﲅ} يقول :وقالوا :كافينا اهلل {ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ} يقول:
سيعطينا اهلل من فضل خزائن ورسول من الصدقة وغيرها {ﲋ ﲌ ﲍ
ﲎ} يقول :وقالوا :إنا إلى اهلل نرغب في أن يوسع علينا من فضل ،
فيغنينا عن الصدقة وغيرها من صالت الناا والحاجة إليهما.)1
هذه اآلية بيان عما يوجب الخلق الدني من الشره إلى الصدقة حتى
يعيب ما ًل عيب في إذا لم يعط ما يرضي .
وقال جويبر عن الضحاك في هذه اآلية> :كان رسول اهلل ـ ‘ ـ
يقسم بينهم ما آتاه اهلل من قليل المال وكثيره ،وكان المؤمنون يرضون
كثيرا فرحوا،
بما أعطوا ويحمدون اهلل علي ،وأما المنافقون فإن أعطوا ا
قليال سخطوا<ا.)2وإن أعطوا ا
وسبب نزول هذه اآلية ،ما ثبت عن أبي سعيد الخدري ،قال :بينا
نحن عند رسول اهلل ‘ وهو يقسم قسما ،أتاه ذو الخويصرة ،وهو
رجل من بني تميم ،فقال :يا رسول اهلل ،اعدل ،قال رسول اهلل ‘:
>ويلك ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل< فقال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا.)508/11
ا )2انظر :التفسير البسيط :ا.)500/10
180
الصنف األول :أهل النفاق
ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ
،]67 ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ}
[التوبة:
ﲝ} ببخلهم بحق اهلل الذي فرض عليهم فيما آتاهم من فضل
وإخالفهم الوعد الذي وعدوا اهلل ونقضهم عهده في قلوبهم {ﲞ ﲟ
[التوبة: ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ}
61ــ .]73
يقول تعالى :ومن المنافقين قوم يؤذون رسول اهلل ‘ بالكالم في
ويقولون{ :ﲯ ﲰ} أي :من قال ل شيئا صدق ،ومن حدث فينا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا.)577/11
183
الصنف األول :أهل النفاق
ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ
ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ} [التوبة 64 :ــ .]66
فإن اهلل تعالى حكى في هذه اآلية خوف أهل النفاق من الفضيحة
والخزي ،فأخبر اهلل أن سيفضح ضمائرهم ،ويهتك أستارهم ،ثم أخبر
اهلل أن من شأن أهل النفاق اًلستهزاء بآيات اهلل تعالى ،كما ورد أن
رجال من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك :ما لقرائنا هؤًلء
أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء ،فقال ل عوف :كذبت،
ولكنك منافق ،ألخبرن رسول اهلل ‘ ،فذهب عوف إلى رسول اهلل ‘
ليخبره ،فوجد القرآن قد سبق ،فقال زيد :قال عبد اهلل بن عمر :فنظرت
إلي متعلقا بحقب ناقة رسول اهلل ‘ ،تنكب الحجارة ،يقول{ :ﱶ
ﱷ ﱸ ﱹﱺ} فيقول ل النبي ‘{> :ﱼ ﱽ ﱾ
ﱿ ﲀ} ما يزيده<ا.)1
قال السعدي> :كانت هذه السورة الكريمة تسمى >الفاضحة< ألنها
بينت أسرار المنافقين ،وهتكت أستارهم ،فما زال اهلل يقول :ومنهم
ومنهم ،ويذكر أوصافهم ،إال أنه لم يعين أشخاصهم لفائدتين :إحداهما:
أن اهلل ِستِّ ٌير يحب الستر على عباده.
والثانية :أن الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين،
الذين توج إليهم الخطاب وغيرهم إلى يوم القيامة ،فكان ذكر الوصف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه الطبري :ا.)543/11
185
الصنف األول :أهل النفاق
186
الصنف األول :أهل النفاق
ﲇ} فإن اًلستهزاء باهلل وآيات ورسول كفر مخرج عن الدين ألن
أصل الدين مبني على تعظيم اهلل وتعظيم دينه ورسله ،واالستهزاء بشيء من
ذلك مناف لهذا األصل ،ومناقض له أشد المناقضة ،ولهذا لما جاءوا إلى
الرسول يعتذرون بهذه المقالة والرسول ال يزيدهم على قوله {ﱼ
ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ}.
وقول {ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ} لتوبتهم واستغفارهم وندمهم
{ﲎ ﲏ} منكم {ﲐ} بسبب أنهم {ﲑ ﲒ} مقيمين
على كفرهم ونفاقهم.
صا السريرة
وفي هذه اآليات دليل على أن من أسر سريرة خصو ا
التي يمكر فيها بدين ويستهزئ ب وبآيات ورسول فإن اهلل تعالى يظهرها،
ويفضح صاحبها ويعاقب أشد العقوبة ،وأن من استهزأ بشيء من كتاب
اهلل أو سنة رسول الثابتة عن أو سخر بذلك أو تنقص أو استهزأ
بالرسول أو تنقص فإن كافر باهلل العظيم ،وأن التوبة مقبولة من كل ذنب
وإن كان عظي اما<ا.)1
ومن هذا أنهم يلمزون أهل اإلنفاق من المؤمنين ،ويسخرون
منهم ،كما قال تعالى{ :ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ
ﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇ
ﳈ ﳉ} [التوبة.]75 :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تيسير الكريم الرحمن :ا.)342
187
الصنف األول :أهل النفاق
ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲا )1ﱳ ﱴ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1استدل بعض الناا بهذه اآلية ،وأمثالها ،من اآليات المكية التي تذكر االذين في
قلوبهم مرض) على وجود النفاق في مكة قبل الهجرة ،وبتتبع اآليات التي ذكر فيها
االذين في قلوبهم مرض) نجد أنها ًل تخرج عن صنفين:
1ــ أن المراد بهم أهل الكفر والنفاق.
2ــ أن المراد بهم أهل الميل للفواحش.
فإن اآليات كلها ًل تشكل إذ إنها في أهل النفاق ،وهي في سور مدنية ،ونحن ًل
ننفي وجود النفاق في المدينة ــ كما قررناه ــ ،لكن المشكل في ذلك ،قول تعالى
في سورة العنكبوت{ :ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ
ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ
ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ} [العنكبوت 10 :ــ ،]11فإن
هذه اآلية هي األصرح في الدًللة ــ على حسب زعمهم ــ أن النفاق نجم في مكة،
ولعمري أي دًللة في اآلية مع صريح كالم أهل التفسير فيها كما سيأتي تقريره بإذن
اهلل تعالى ،فلتعلم أيها القارئ الكريم أن هذه السور [العنكبوت] سورة مكية باتفاق
أهل التفسير ،غير أن هذه اآلية من اآليات المستثناة من القول بالمكية ،فإن كما جاء
عن قتادة ،ونسب إلى ابن عباا ،وهو قول يحيى بن سالم ،والحسن ،والشعبي،
واختاره جماعة من المفسرين.
ودليل مدنيتها ما ورد عن ابن عباا ،قال> :كان قوم من أهل مكة أسلموا ،وكانوا
يستخفون بإسالمهم ،فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم ،فأصيب بعضهم وقتل
بعض ،فقال المسلمون :كان أصحابنا هؤًلء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم،
فنزلت{ :ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ} [النساء ..]97 :إلى آخر
اآلية ،قال :فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه اآلية أن ًل عذر لهم،
فخرجوا ،فلحقهم المشركون ،فأعطوهم الفتنة ،فنزلت فيهم هذه اآلية{ :ﱮ ﱯ
.........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى آخر اآلية ،فكتب المسلمون إليهم بذلك ،فخرجوا وأيسوا من كل خير ،ثم =
نزلت فيهم{ :ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ
ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ} [النحل ]110 :فكتبوا إليهم بذلك :إن اهلل قد جعل
لكم مخرجا ،فخرجوا ،فأدركهم المشركون ،فقاتلوهم ،حتى نجا من نجا ،وقتل من
قتل< ،عن الشعبي ،قال> :إنها نزلت ،يعني {ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ} [العنكبوت:
]2اآليتين في أناا كانوا بمكة أقروا باإلسالم ،فكتب إليهم أصحاب محمد نبي
اهلل ‘ من المدينة :إن ًل يقبل منكم إقرارا باإلسالم حتى تهاجروا ،فخرجوا
عامدين إلى المدينة ،فاتبعهم المشركون فردوهم ،فنزلت فيهم هذه اآلية ،فكتبوا
إليهم :إن قد نزلت فيكم آية كذا وكذا ،فقالوا :نخرج ،فإن اتبعنا أحد قاتلناه؛ قال:
فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم ثم فمنهم من قتل ،ومنهم من نجا ،فأنزل اهلل
فيهم{ :ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ
ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ} [النحل.<]110 :
وانظر :جامع البيان ،للطبري :ا ،)359/18وما بعدها ،والمكي والمدني من السور
واآليات ،لمحمد الفالح :ا 197ــ .)200
أما آية سورة المدثر ،فإنها ًل تدل على النفاق ــ وإن قيل ب ــ إنما تدل على
اًلضطراب ،وضعف اإليمان ،وهي قول تعالى{ :ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ
ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ} [المدثر> ،]31 :قال
الحسين بن الفضل :السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق ،فإنما المرض في هذه اآلية
اًلضطراب وضعف اإليمان< ،انظر :المحرر الوجيز :ا ،)396/5وقال الطاهر:
>والمرض في القلوب :هو سوء النية في القرآن والرسول ‘ ،وهؤًلء هم الذين لم
يزالوا في تردد بين أن يسلموا وأن يبقوا على الشرك مثل األخنس بن شريق
والوليد بن المغيرة ،وليس المراد بالذين في قلوبهم مرض المنافقون ألن المنافقين
ما ظهروا إًل في المدينة بعد الهجرة واآلية مكية< ،التحرير والتنوير :ا=.)317/29
190
الصنف األول :أهل النفاق
ﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀ
ﲁﲂﲃﲄ ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ
ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ}
[التوبة 124 :ــ .]127
فبعد أن ذكر اهلل حال أهل اإليمان عند نزول اآليات ،أتبع بذكر
حال أهل النفاق ،فإن نزول اآليات ًل يزيدهم إًل رج اسا وبع ادا> ،يقول
تعالى ذكره :وأما الذين في قلوبهم مرض ،نفاق وشك في دين اهلل ،فإن
السورة التي أنزلت زادتهم رجسا إلى رجسهم؛ وذلك أنهم شكوا في
أنها من عند اهلل ،فلم يؤمنوا بها ولم يصدقوا ،فكان ذلك زيادة شك
حادثة في تنزيل اهلل لزمهم اإليمان ب عليهم؛ بل ارتابوا بذلك ،فكان
ذلك زيادة نتن من أفعالهم إلى ما سلف منهم نظيره من النتن والنفاق،
وذلك معنى قول { :ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ} يعني هؤًلء
المنافقين أنهم هلكوا{ ،ﱱ ﱲ} يعني وهم كافرون باهلل
وآيات <اَ > ،)1أوًل يرى هؤًلء المنافقون أن اهلل يختبرهم في كل عام مرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= بل إن بعض العلماء ذكر مدنية هذه اآلية ،انظر :زاد المسير :ا ،)364/4وذكر
القرطبي لآلية وج اها آخر ،هو> :أي في صدورهم شك ونفاق من منافقي أهل
المدينة ،الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة ولم يكن بمكة نفاق وإنما
نجم بالمدينة.
وقيل :المعنى ،أي وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة<،
الجامع ألحكام القرآن :ا.)82/19
ا )1تفسير الطبري :ا.)90/12
191
الصنف األول :أهل النفاق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1السابق :ا.)91/12
ا )2السابق :ا.)94/12
192
اخلالصة
اخلالصة
ﳗ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎ
ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ
ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ
ﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴ
ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ
ﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ ﲎﲏﲐﲑﲒﲓ
ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ
ﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬ ﲭﲮﲯ
ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ ﲺ
ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ} [النساء 138 :ــ .]146
ففي اآليات الكريمة ذكر فريقين ،متربص ،ومتربَّص به ،وقال تعالى:
{ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ} [التوبة.]56 :
فهذه اآليات ،وغيرها تدل على أن أهل النفاق قوم يتميزون عن
أهل اإليمان من أصحاب النبي ‘.
2ــ ومما يدل على اختالف الفريقين ،ما ذكره اهلل تعالى من كيد
المنافقين ألصحاب رسول اهلل ‘ ،كما قال سبحان { :ﱤ ﱥ ﱦ
ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ
ﱵﱶﱷﱸﱹ ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀ
ﲊ ﲋ} ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ
[المنافقون 7 :ــ .]8
195
اخلالصة
3ــ بل كان الصحابة يعرفون أهل النفاق ،كما قال كعب بن
مالك> ،فكنت إذا خرجت في الناا بعد خروج رسول اهلل ‘ فطفت
فيهم ،أحزنني أني ًل أرى إًل رجال مغموصا علي النفاق ،أو رجال
ممن عذر اهلل من الضعفاء<ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه البخاري :ا ،)4418ومسلم :ا.)2769
قال المعلمي> :وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك،
ثم تأكَّد ذلك بتخلُّفهم لغير عذر وعدم توبتهم ،ثم نزلت سورة براءة ف َق ْش َق َش ْتهم،
النبي ـ ‘ ـ ،فأما قول اهلل مشارا إليهم بأعيانهم قبل وفاة ِّ
وبهذا يتضح أنهم قد كانوا ا
{ :ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ} [التوبة ]101 :فالمراد ــ واهلل أعلم ــ بالعلم ظاهره
أي اليقين ،وذلك ًل ينفي كونهم مغموصين أي ُم َّتهمين ،غاية األمر أن يحتمل أن
يكون في الم َّتهمين َم ْن لم يكن مناف اقا في نفس األمر ،وقد قال تعالى{ :ﱇ ﱈ
ونص في سورة براءة وغيرها على جماعةٍ منهم ﱉ ﱊ} [محمدَّ ]30 :
النبي ـ ‘ ـ جماع اة منهم ،فمن المحتمل أن اهلل بعد أن قال: وعين ُّ بأوصافهمَّ ،
{ﱨ ﱩﱪ} ْأعلَ َم بهم كلّهم.
عرف أصحابُ المنافقين يقي انا أو ظنًّا النبي ـ ‘ ـ إًل وقد َ كل حال فلم يمت ُّ وعلى ِّ
أو تهمة ،ولم يبق أحد من المنافقين غير متهم بالنفاق .ومما يدل على ذلك ،وعلى
قِلَّتهم وذلّتهم وانقماعهم ونُ ْفرة الناا عنهم :أن لم يحس لهم عند وفاة النبي ـ ‘ ـ
حراك .ولما كانوا بهذه المثابة لم يكن ألحد منهم مجال في أن يح ِّد عن النبي
أهلسمى ُ عرض لزيادة التهمة ويَ ُج ُّر إلي ما يكره .وقد َّ ـ ‘ ـ؛ ألن يعلم أن ذلك يُ ِّ
النبي
ِّ السير والتاريخ جماع اة من المنافقين ًل يُ ْع َرف عن أح ٍد منهم أن ح َّد عن
ـ ‘ ـ ،وجميع الذين ح َّدثوا كانوا معروفين بين الصحابة أنهم من خيارهم< ،آثار
المعلمي اليماني :ا.)376/12
196
ا
اآلياتُ ُُ ُ
ً ااا
ا َّ ا ا ا ا ا ا
ج ُ
ال ةُ ِ ..إ ُ
الَق ُاب ِ ُ
ة ُو ُ َح ُب ِ ُلص ُ
ل يِف ا ُ الت ُن ُ
ز ُ ي
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
5
ً
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاال
لقد نطق القرآن العظيم بتزكية أصحاب رسول اهلل على سبيل
اإلجمال ،والمتأمل للقرآن المجيد يجد أصنا ًفا من األوصاف التي وصف
بها األصحاب في القرآن ،ومن ذلك:
وقد نقل جماعة من أهل التفسير اإلجماع على كون هذه اآليات في
المهاجرين واألنصارا ،)1وانظر كيف أن اهلل وصفهم باإليمان على
الحقيقة ،وأثابهم المغفرة والرزق الكريم.
والمراد بالهجرة في قول { :ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ} >يريد من
بعد الحديبية وبيعة الرضوان .وذلك أن الهجرة من بعد ذلك كانت أقل
رتبة من الهجرة األولى .والهجرة الثانية هي التي وقع فيها الصلح،
ووضعت الحرب أوزارها نحو عامين ثم كان فتح مكة<ا.)2
{ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ وفي سورة التوبة يقول اهلل تعالى:
ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ} [التوبة.]20 :
وفي هذه اآلية لطيفة ذكرها ابن الزبير الغرناطي ،حيث قال> :قول
تعالى> :إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل
اهلل والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض< وفى سورة براءة:
>الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اهلل بأموالهم وأنفسهم أعظم
درجة عند اهلل< فتقدم في آية براءة قول > :فى سبيل اهلل< على قول :
>بأموالهم وأنفسهم< وفى األنفال عكس ذلك ،فللسائل أن يسأل عن
وج ذلك وخصوص كل من السورتين بما خصت ب ؟
والجواب عن ذلك :أن آية األنفال مقصود فيها مع المدحة تعظيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1التفسير البسيط :ا.)264/10
ا )2تفسير القرطبي :ا.)85/8
204
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
على التابعين شر اطا لم يشرط عليهم ،قلت :وما ذلك الشرط؟ قال:
اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان ،يقول :فاقتدوا بأعمالهم الحسنة وًل
تقتدوا بهم في غير ذلك ،قال أبو صخر :افواهلل لكأني لم أقرأها قط،
وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي محمد بن كعب) ،فعلى هذا يراد
بالسابقين األولين جميع أصحاب محمد ـ ‘ ـ من المهاجرين واألنصار،
وهم أول هذه األمة ،واألولية لجميعهم ثابتة بإدراكهم النبي ـ ‘ ـ
وصحبتهم مع <ا.)1
وقد اختلف الناا في هؤًلء السابقين على أقوال ،أحدها :أنهم
الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول اهلل ‘ ،قال أبو موسى األشعري،
وسعيد بن المسيب ،وابن سيرين ،وقتادة.
والثاني :أنهم الذين بايعوا رسول اهلل ‘ بيعة الرضوان ،وهي
الحديبية ،قال الشعبي.
والثالث :أنهم أهل بدر ،قال عطاء بن أبي رباح.
والرابع :أنهم جميع أصحاب رسول اهلل ‘ ،حصل لهم السبق
بصحبت ا.)2
والصحيح في هذه اآلية أن المراد بهم> :الذين بايعوا تحت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :التفسير البسيط :ا 25/11ــ ،)26واألثر أخرج أبو الشيخ وابن عساكر كما
في الدر المنثور 485/3( :ــ ،)486وذكره البغوي في تفسيره )88/4( :بغير سند.
ا )2انظرها في تفسير الطبري :ا ،)637/11وزاد المسير :ا.)291/2
208
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
الشجرة ،وهم الذين أنفقوا من قبل ،وقاتلوا قبل الفتح ،والفتح هو
الحديبية ،كما قال تعالى{ :ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﳋ
ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ ﳛ
ﳜ ﳝ} [الحديد<]10 :ا.)1
{ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ * وقال:
ﲱ ﲲ ﲳ} اآلية[ .التوبة.]117 :
{ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ قال الجصاص> :وقول تعالى:
ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ} في مدح ألصحاب النبي ‘
الذين غزوا مع من المهاجرين واألنصار وإخبار بصحة بواطن
ضمائرهم وطهارتهم ،ألن اهلل تعالى ًل يخبر بأن قد تاب عليهم إًل وقد
رضي عنهم ورضي أفعالهم ،وهذا نص في رد قول الطاعنين عليهم
والناسبين لهم إلى غير ما نسبهم اهلل إلي من الطهارة ،ووصفهم ب من
صحة الضمائر ،وصالح السرائر <ا.)2
{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ * وقال تعالى:
ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ
ﲴ ﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل اإلسالم واإليمان وعبادات أهل الشرك
والنفاقً ،لبن تيمية :ا.)31
ا )2أحكام القرآن :ا.)160/3
209
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ} اآلية
[الحشر 8 :ــ ]9ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا> )1من المعلوم باًلضطرار ،والمتواتر من األخبار ،أن المهاجرين هاجروا من مكة
وغيرها إلى المدينة ،وهاجر طائفة منهم كعمر وعثمان وجعفر بن أبي طالب
هجرتين :هجرة إلى الحبشة ،وهجرة إلى المدينة ،وكان اإلسالم إذ ذاك قليال،
والكفار مستولون على عامة األرض ،وكانوا يؤذون بمكة ،ويلقون من أقاربهم
وغيرهم من المشركين من األذى ما ًل يعلم إًل اهلل ،وهم صابرون على األذى،
متجرعون لمرارة البلوى ،وفارقوا األوطان ،وهجروا الخالن لمحبة اهلل ورسول ،
والجهاد في سبيل ،كما وصفهم اهلل تعالى بقول { :ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ
ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ}
[سورة الحشر.]8 :
وهذا كل فعلوه طوعا واختيارا من تلقاء أنفسهم لم يكرههم علي مكره ،وًل ألجأهم
إلي أحد ،فإن لم يكن لإلسالم إذ ذاك من القوة ما يكره ب أحد على اإلسالم ،وكان
النبي ‘ إذ ذاك ــ هو ومن اتبع ــ منهيين عن القتال ،مأمورين بالصفح والصبر فلم
يسلم أحد إًل باختياره ،وًل هاجر أحد إًل باختياره.
ولهذا قال أحمد بن حنبل وغيره من العلماء :إن لم يكن من المهاجرين من نافق،
وإنما كان النفاق في قبائل األنصار لما ظهر اإلسالم بالمدينة ،ودخل في من قبائل
األوا والخزرج ،ولما صار للمسلمين دار يمتنعون بها ويقاتلون دخل في اإلسالم
من أهل المدينة ،وممن حولهم من األعراب من دخل خوفا وتقية ،وكانوا منافقين.
كما قال تعالى{ :ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ
ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ} [سورة التوبة.]101 :
ولهذا إنما ذكر النفاق في السور المدنية ،وأما السور المكية فال ذكر فيها للمنافقين،
فإن من أسلم قبل الهجرة بمكة لم يكن فيهم منافق ،والذين هاجروا لم يكن فيهم
منافق ،بل كانوا مؤمنين باهلل ورسول محبين هلل ولرسول ،وكان اهلل ورسول أحب
إليهم من أوًلدهم ،وأهلهم ،وأموالهم< ،منهاج السنة :ا.)476/7
210
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ}
[الحشر ]8 :وقال اهلل{ :ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ} [التوبة ]40 :إلى قول
{ﲩ ﲪ ﲫ} [التوبة ]40 :قالت عائشة :وأبو سعيد ،وابن عباا :
>وكان أبو بكر مع النبي ‘ في الغار<<ا.)1
وعن سعد بن أبي وقاص قال> :الناا على ثال منازل ،فمضت
منزلتان وبقيت واحدة ،فأحسن ما أنتم علي كائنون أن تكونوا بهذه
المنزلة التي بقيت ،ثم قرأ{ :ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ
فقد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة ،فأحسن ما أنتم علي كائنون أن
تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت أن تستغفروا اهلل لهم<ا.)1
{ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ يقول ابن كثير> :وأحسن ما قيل في قول :
ﳃ ﳄ ﳅ} أي :ال يحسدونهم على فضل ما أعطاهم اهلل على هجرتهم،
فإن ظاهر اآليات تقديم المهاجرين على األنصار ،وهذا أمر مجمع علي
بين العلماءً ،ل يختلفون في ذلك<ا.)2
رجال أتى النبي ‘ ،فبعث إلى نسائ وعن أبي هريرة ،أن ا
فقلن :ما معنا إًل الماء ،فقال رسول اهلل ‘> :من يضم أو يضيف
هذا< ،فقال رجل من األنصار :أنا ،فانطلق ب إلى امرأت ،فقال :أكرمي
ضيف رسول اهلل ‘ ،فقالت :ما عندنا إًل قوت صبياني ،فقال :هيئي
طعامك ،وأصبحي سراجك ،ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء ،فهيأت
طعامها ،وأصبحت سراجها ،ونومت صبيانها ،ثم قامت كأنها تصلح
سراجها فأطفأت ،فجعال يريان أنهما يأكالن ،فباتا طاويين ،فلما أصبح
غدا إلى رسول اهلل ‘ ،فقال> :ضحك اهلل الليلة ،أو عجب ،من
فعالكما< فأنزل اهلل{ :ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ
ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ} [الحشر]9 :ا.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1منهاج السنة :ا ،)19/2ونسب ًلبن بطة ،ولم أجده في .
ا )2تفسير ابن كثير :ا.)96/4
ا )3أخرج البخاري :ا ،)3798ومسلم :ا )2054ولفظ :عن أبي هريرة> ،أن رجال
من األنصار بات ب ضيف ،فلم يكن عنده إًل قوت وقوت صبيان ،فقال ًلمرأت =:
212
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
أن تعالى قسم المؤمنين في زمان الرسول ‘ إلى أربعة أقسام ،وذكر
حكم كل واحد منهم ،وتقرير هذه القسمة أن ظهرت نبوت بمكة
ودعا الناا هناك إلى الدين ،ثم انتقل من مكة إلى المدينة ،فحين
هاجر من مكة إلى المدينة صار المؤمنون على قسمين منهم من وافق
في تلك الهجرة ،ومنهم من لم يوافق فيها بل بقي هناك.
* أما القسم األول :فهم المهاجرون األولون ،وقد وصفهم بقول:
{ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} ،وإنما
قلنا إن المراد منهم المهاجرون األولون ألن تعالى قال في آخر اآلية:
{ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ} وإذا ثبت هذا ظهر أن هؤالء موصوفون
بهذه الصفات األربعة:
أولها :أنهم آمنوا باهلل ومالئكت وكتب ورسل واليوم اآلخر وقبلوا
جميع التكاليف التي بلغها محمد ‘ ولم يتمردوا ،فقول { :ﱪ ﱫ}
يفيد هذا المعنى.
والصفة الثانية :قول { :ﱭ} يعني :فارقوا األوطان ،وتركوا
األقارب والجيران في طلب مرضاة اهلل ،ومعلوم أن هذه الحالة حالة
شديدة ،قال تعالى{ :ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ} [النساء]66 :
جعل مفارقة األوطان معادلة لقتل النفس ،فهؤًلء في المرتبة األولى
تركوا األديان القديمة لطلب مرضاة اهلل تعالى ،وفي المرتبة الثانية تركوا
األقارب والخالن واألوطان والجيران لمرضاة اهلل تعالى.
214
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
األولين يدل على غاية الفضيلة ونهاية المنقبة ،وأن ذلك يوجب اًلعتراف
بكونهم رؤساء المسلمين وسادة لهم.
* وأما القسم الثاني :من المؤمنين الموجودين في زمان محمد ‘
فهم األنصار ،وذلك ألنه لما هاجر إليهم مع طائفة من أصحاب ،فلوًل
أنهم آووا ونصروا وبذلوا النفس والمال في خدمة رسول اهلل ‘ وإصالح
مهمات أصحاب لما تم المقصود البتة.
ويجب أن يكون حال المهاجرين أعلى في الفضيلة من حال األنصار
لوجوه:
أولها :أنهم هم السابقون في اإليمان الذي هو رئيس الفضائل وعنوان
المناقب.
وثانيها :أنهم تحملوا العناء والمشقة دهرا دهيرا ،وزمانا مديدا من
كفار قريش وصبروا علي ،وهذه الحال ما حصلت لألنصار.
وثالثها :أنهم تحملوا المضار الناشئة من مفارقة األوطان واألهل
والجيران ،ولم يحصل ذلك لألنصار.
ورابعها :أن فتح الباب في قبول الدين والشريعة من الرسول
إنما حصل من المهاجرين ،واألنصار اقتدوا بهم وتشبهوا بهم ..فجملة
هذه األحوال توجب تقديم المهاجرين األولين على األنصار في الفضل
والدرجة والمنقبة ،فلهذا السبب أينما ذكر اهلل هذين الفريقين قدم
216
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
المهاجرين على األنصار وعلى هذا الترتيب ورد ذكرهما في هذه اآلية.
* القسم الثالث :من أقسام مؤمني زمان الرسول وهم المؤمنون
الذين ما وافقوا الرسول في الهجرة وبقوا في مكة وهم المعنيون بقول:
{ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ} فبين تعالى حكمهم من وجهين:
األول :قول { :ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ} وفي مسائل:
المسألة األولى :اعلم أن الوالية المنفية في هذه الصورة ،هي الوالية
المثبتة في القسم الذي تقدم ،فمن حمل تلك الوالية على اإلر ،زعم
أن الوًلية المنفية هاهنا هي اإلر ،ومن حمل تلك الوًلية على سائر
اًلعتبارات المذكورة ،فكذا هاهنا.
واحتج الذاهبون ،إلى أن المراد من هذه الوًلية اإلر ،بأن
قالواً :ل يجوز أن يكون المراد منها الوًلية بمعنى النصرة والدليل علي
أن تعالى عطف علي قول { :ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ} وًل
شك أن ذلك عبارة عن المواًلة في الدين والمعطوف مغاير للمعطوف
علي ،فوجب أن يكون المراد بالوًلية المذكورة أمرا مغايرا لمعنى
النصرة وهذا اًلستدًلل ضعيف ،ألنا حملنا تلك الوًلية على التعظيم
واإلكرام وهو أمر مغاير للنصرة ،أًل ترى أن اإلنسان قد ينصر بعض
أهل الذمة في بعض المهمات وقد ينصر عبده وأمت بمعنى اإلعانة مع
أن ًل يوالي بمعنى التعظيم واإلجالل فسقط هذا الدليل.
217
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
بالكفار في زمان ضعف المسلمين وقلة عددهم ،وزمان قوة الكفار وكثرة
عددهم ،فربما صارت تلك المخالطة سببا ًللتحاق المسلم بالكفار.
الثاني :أن المسلمين لو كانوا متفرقين لم يظهر منهم جمع عظيم،
فيصير ذلك سببا لجراءة الكفار عليهم.
الثالث :أن إذا كان جمع المسلمين كل يوم في الزيادة في العدة
والعدة ،صار ذلك سببا لمزيد رغبتهم فيما هم في ورغبة المخالف في
اًللتحاق بهم.
واعلم أن تعالى لما ذكر هذا القسم الثالث ،عاد إلى ذكر القسم
األول والثاني مرة أخرى فقال{ :ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ
ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ}.
واعلم أن هذا ليس بتكرار وذلك ألن تعالى ذكرهم أوًل ليبين
ضا ،ثم إن تعالى ذكرهم هاهنا لبيان
حكمهم وهو وًلية بعضهم بع ا
تعظيم شأنهم وعلو درجتهم ،وبيان من وجهين:
األول :أن اإلعادة تدل على مزيد اًلهتمام بحالهم وذلك يدل
على الشرف والتعظيم.
والثاني :وهو أن تعالى أثنى عليهم هاهنا من ثالثة أوج :
أولها :قوله{ :ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ} فقول { :ﲴ ﲵ ﲶ}
يفيد الحصر وقوله{ :ﲷ} يفيد المبالغة في وصفهم بكونهم محقين
220
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ
ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ} [األنفال> ،]17 :يقول تعالى ذكره
للمؤمنين ب وبرسول ممن شهد بدرا مع رسول اهلل ‘ فقاتل أعداء
دين مع من كفار قريش :فلم تقتلوا المشركين أيها المؤمنون أنتم،
ولكن اهلل قتلهم.
وأما قول { :ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} فإن معناه :ولينعم
على المؤمنين باهلل ورسول بالظفر بأعدائهم ،ويغنمهم ما معهم ،ويثبت
لهم أجور أعمالهم وجهادهم مع رسول اهلل ‘ .وذلك البالء الحسن
رمي اهلل هؤًلء المشركين.
ويعني بالبالء الحسن النعمة الحسنة الجميلة<ا.)1
ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ
ﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹ ﱺﱻﱼﱽﱾ
ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ
بدر ،وهي دالة على وقوع ذلك أيضا وكأن ذلك كان سجية للمؤمنين
عند شدة البأا لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر اهلل.
وهذا من فضل اهلل ورحمت بهم ونعم عليهم<ا.)1
ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﱁ ﱂ ﱃ
ﱄﱅﱆﱇ ﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐ
ﱑﱒﱓﱔﱕ ﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ
{ﱬ ﱭ ﱮ ﱟ ﱠ ﱡ} [آل عمرانَ ]140 :وقَ ْولِ ِ:
ﱵ ﱯ ﱰ ﱱ} [آل عمرانَ ]152 :ت ْس َت ْأ ِ
صلُونَ ُه ْم قَ ْت اال {ﱴ
ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ
ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ ﲌ ﲍ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير ابن كثير :ا.)22/4
226
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
يعني بذلك تعالى ذكره :واهلل سميع لما يقول المؤمنون لك ،فيما
شاورتهم في من موضع لقائك ولقائهم عدوك وعدوهم من قول من قال:
اخرج بنا إليهم حتى نلقاهم خارج المدينة ،وقول من قال لك:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1صحيح البخاري :ا.)93/5
ا )2جامع البيان :ا.)7/6
227
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ًل تخرج إليهم وأقم بالمدينة حتى يدخلوها علينا ،على ما قد بينا قبل،
ومما تشير ب عليهم أنت يا محمد ،عليم بأصلح تلك اآلراء لك ولهم،
وبما تخفي صدور المشيرين عليك بالخروج إلى عدوك ،وصدور
المشيرين عليك بالمقام في المدينة ،وغير ذلك من أمرك وأمورهم<ا.)1
وقال الثعلبي> :وقال سائر المفسرين :هو أحد ،وهو أثبت<ا.)2
فانظر إلى وصف اهلل لهذه الثلة المباركة باإليمان ،وهذه شهادة
اهلل الذي يعلم السر وأخفى ،وكفى بها شهادة على رسوخ إيمان أصحاب
رسول اهلل ‘.
يقول ابن كثير> :المراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور ،قال
ابن عباس ،والحسن ،وقتادة ،والسدي ،وغير واحد .وعن الحسن
البصري :المراد بذلك يوم األحزاب .رواه ابن جرير ،وهو غريب ال يعول
علي .
وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوال سنة ثال من الهجرة،
قال قتادة إلحدى عشرة ليلة خلت من شوال ،وقال عكرمة :يوم السبت
للنصف من شوال ،فاهلل أعلم.
وكان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا 11/6ــ .)12
ا )2تفسير الثعلبي = الكشف والبيان :ا ،)137/3وانظر :الهداية ،لمكي :ا،)1110/2
والمحرر الوجيز :ا.)499/1
228
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان ،فلما رجع
قفلهم إلى مكة قال أبناء من قتل ،ورؤساء من بقي ألبي سفيان :ارصد
هذه األموال لقتال محمد ،فأنفقوها في ذلك ،وجمعوا الجموع
واألحابيش وأقبلوا في قريب من ثالثة آًلف ،حتى نزلوا قريبا من أحد
تلقاء المدينة ،فصلى رسول اهلل ‘ يوم الجمعة ،فلما فرغ منها صلى
على رجل من بني النجار ،يقال ل :مالك بن عمرو ،واستشار الناا:
أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة؟ فأشار عبد اهلل بن أبي بالمقام
بالمدينة ،فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوها قاتلهم الرجال في
وجوههم ،ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ،وإن رجعوا
رجعوا خائبين.
وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدرا بالخروج إليهم،
فدخل رسول اهلل ‘ فلبس ألمت وخرج عليهم ،وقد ندم بعضهم
وقالوا :لعلنا استكرهنا رسول اهلل ‘ ،فقالوا :يا رسول اهلل ،إن شئت أن
نمكث؟ فقال رسول اهلل ‘> :ما ينبغي لنبي إذا لبس ألمت أن يرجع
حتى يحكم اهلل ل <.
فسار ،في ألف من أصحابه ،فلما كان بالشوط رجع عبد اهلل بن
أبي في ثلث الجيش مغضبا؛ لكونه لم يرجع إلى قوله ،وقال هو
وأصحاب :لو نعلم اليوم قتاًل ًلتبعناكم ،ولكنا ًل نراكم تقاتلون اليوم.
واستمر رسول اهلل ‘ سائرا حتى نزل الشعب من أحد في عدوة
229
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
الوادي .وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقالً> :ل يقاتلن أحد حتى
نأمره بالقتال<.
وتهيأ رسول اهلل ‘ للقتال وهو في سبعمائة من أصحاب ،وأمر
على الرماة عبد اهلل بن جبير أخا بني عمرو بن عوف ،والرماة يومئذ
خمسون رجال فقال لهم> :انضحوا الخيل عنا ،وًل نؤتين من قبلكم.
والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أو علينا ،وإن رأيتمونا تخطفنا الطير
فال تبرحوا مكانكم<.
وظاهر رسول اهلل ‘ بين درعين ،وأعطى اللواء مصعب بن
عمير أخا بني عبد الدار .وأجاز رسول اهلل ‘ بعض الغلمان يومئذ
وأرجأ آخرين ،حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من
سنتين.
وتعبأت قريش وهم ثالثة آًلف ،ومعهم مائتا فرا قد جنبوها
فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد :وعلى الميسرة عكرمة بن أبي
جهل ،ودفعوا إلى بني عبد الدار اللواء< وحصل ما كان بين الفريقين
مما يعرف تفصيل في كتب السيرةا.)1
واهلل وليهما:
{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ اب
قال البخاري> :بَ ُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :تفسير ابن كثير :ا 109/2ــ ،)110سيرة ابن هشام :ا 63/2ــ .)64
230
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ليطهركم به:
{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ اب
قال البخاري> :بَ ُ
ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ
ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ
ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ
ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ
ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ
ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ
فآخذه<<ا.)1
قال الواحدي> :وغشيان النعاا أصحاب بدر ،كغشيان إياهم يوم
أُحد ،وقد ذكرنا الكالم في وفي قول {ﱇ} ،في سورة آل عمران.
وقول تعالى{ :ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ} ذكر أهل
التفسير أن المسلمين لما بايتوا المشركين ببدر أصابت جماعة منهم جنابات
احتاجوا لها إلى الماء فساءهم عدم الماء عند فقرهم إليه ،وكان المشركون
قد سبقوهم إلى الماء وغلبوهم علي ،فوسوا إليهم الشيطان أن ذلك
عون من اهلل للعدو ،وقال لهم :كيف ترجون الظفر عليهم وقد غلبوكم
على الماء وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين وتزعمون أنكم أولياء اهلل وفيكم
مطرا أسال منه الوادي حتى اغتسلوا وتطهروا نبيه؟! فأنزل اهلل تعالى ً
وزالت الوسوسة؛ فذلك قول { :ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ
ﱭ} أي من األحدا والجنابة{ ،ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ} أي
وسوست التي تكسب عذاب اهلل وغضب ،ولذلك سمى الوسوسة رج ازا،
ومن المفسرين من يحمل رجز الشيطان على الجنابة وهي من الشيطان،
ضا نوع من وقال عطاء :رجز الشيطان :تخويف إياهم بالعطش ،وهذا أي ا
الوسوسة.
وقول تعالى{ :ﱲ ﱳ ﱴ} قال ابن عباا :باليقين والعز
والنصر ،والمعنى :وليربط قلوبكم بالصبر وما أوقع فيها من اليقين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1صحيح البخاري :ا ،)99/5ح :ا.)4068
232
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
236
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
الوكيل في كالم العرب :هو المسند إلي القيام بأمر من أسند إلي القيام
بأمره؛ فلما كان القوم الذين وصفهم اهلل بما وصفهم ب في هذه اآليات
قد كانوا فوضوا أمرهم إلى اهلل ،ووثقوا ب ،وأسندوا ذلك إلي وصف
نفس بقيام لهم بذلك ،وتفويضهم أمرهم إلي بالوكالة ،فقال :ونعم
الوكيل اهلل تعالى لهم<ا.)1
شهداء أحد:
لقد أثنى اهلل على شهداء أحد أيما ثناء ،ووصفهم بالحياة ،فقال
سبحان { :ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ
ﲒ ﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞ
ﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦ ﲧﲨﲩﲪﲫﲬ
أن جابر بن عبد اهلل ،أخبره أن رسول اهلل ‘ كان يجمع بين
الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ،ثم يقول> :أيهم أكثر أخذا
للقرآن< فإذا أشير له إلى أحد قدمه في اللحد ،وقال> :أنا شهيد على هؤالء
يوم القيامة< وأمر بدفنهم بدمائهم ،ولم يصل عليهم ولم يغسلواا ،)1عن أبي
موسى ،ـ أرى ـ عن النبي ‘ ،قال> :رأيت في رؤياي أني هززت
سيفا فانقطع صدره ،فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ،ثم هززت
أخرى فعاد أحسن ما كان ،فإذا هو ما جاء ب اهلل من الفتح واجتماع
المؤمنين ،ورأيت فيها بقرا ،واهلل خير ،فإذا هم المؤمنون يوم
أحد<ا ،)2وعن خباب ،قال :هاجرنا مع النبي ‘ ونحن نبتغي
وج اهلل ،فوجب أجرنا على اهلل ،فمنا من مضى ،أو ذهب ،لم يأكل
من أجره شيئا ،كان منهم مصعب بن عمير ،قتل يوم أحد ،فلم يترك
إًل نمرة ،كنا إذا غطينا بها رأس خرجت رجاله ،وإذا غطي بها رجاله
خرج رأس ،فقال لنا النبي ‘> :غطوا بها رأس ،واجعلوا على رجلي
اإلذخر< أو قال> :ألقوا على رجلي من اإلذخر< ومنا من أينعت ل
ثمرت فهو يهدبهاا.)3
أما معنى اآلية ،فإن > :وًل تظنن أن من قتل بأحد من أصحابكم
أموا اتا ًل يلتذون ،وًل يحسون شي ائا بل هم أحياء بما آتاهم اهلل من فضل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه البخاري :ا.)4079
ا )2رواه البخاري :ا.)4081
ا )3رواه البخاري :ا.)4082
238
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ظاهرا ،وعرف المؤمنون أن لهم عدوا في نفس دورهم ،وهم معهم ًل
يفارقونهم ،فاستعدوا لهم ،وتحرزوا منهم .قال اهلل تعالى{ :ﲚ ﲛ ﲜ
ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ
ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ} [آل عمران.]179 :
أي ما كان اهلل ليذركم على ما أنتم علي من التباا المؤمنين
بالمنافقين حتى يميز أهل اإليمان من أهل النفاق كما ميزهم بالمحنة
يوم أحد {ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ} الذي يميز ب بين هؤًلء
وهؤًلء ،فإنهم متميزون في غيب وعلم وهو سبحان يريد أن يميزهم
تمييزا مشهودا فيقع معلوم الذي هو غيب شهادة .وقول { :ﲯ ﲰ
ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ} استدراك لما نفاه من اطالع خلق على الغيب
سوى الرسل ،فإن يطلعهم على ما يشاء من غيب كما قال{ :ﳄ ﳅ
ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ} [الجن ]26 :فحظكم
أنتم وسعادتكم في اإليمان بالغيب الذي يطلع علي رسل فإن آمنتم ب
وأيقنتم فلكم أعظم األجر والكرامة<.
>ومنها :أن اهلل سبحان إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيض
لهم األسباب التي يستوجبون بها هالكهم ومحقهم ،ومن أعظمها بعد
كفرهم بغيهم وطغيانهم ،ومبالغتهم في أذى أوليائ ،ومحاربتهم وقتالهم
والتسلط عليهم ،فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم ،ويزداد
بذلك أعداؤه من أسباب محقهم وهالكهم ،وقد ذكر ذلك في قول :
240
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
{ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ
ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ
ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﱁ ﱂ ﱃ
ﱄ ﱅ ﱆ} [آل عمران 139 :ــ ،]141فجمع لهم في هذا
الخطاب بين تشجيعهم وتقوية نفوسهم وإحياء عزائمهم وهممهم ،وبين
حسن التسلية ،وذكر الحكم الباهرة التي اقتضت إدالة الكفار عليهم
فقال{ :ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ} ،فقد استويتم في
القرح واأللم ،وتباينتم في الرجاء والثواب ،كما قال{ :ﲢ ﲣ ﲤ
ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ} [النساء،]104 :
فما بالكم تهنون وتضعفون عند القرح واأللم ،فقد أصابهم ذلك في
سبيل الشيطان ،وأنتم أصبتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي.
ثم أخبر أن يداول أيام هذه الحياة الدنيا بين الناا ،وأنها عرض
حاضر ،يقسمها دوًل بين أوليائ وأعدائ ،بخالف اآلخرة ،فإن عزها
ونصرها ورجاءها خالص للذين آمنوا.
ثم ذكر حكمة أخرى ،وهي أن يتميز المؤمنون من المنافقين
فيعلمهم علم رؤية ومشاهدة بعد أن كانوا معلومين في غيب ،وذلك
العلم الغيبي ًل يترتب علي ثواب وًل عقاب ،وإنما يترتب الثواب
والعقاب على المعلوم إذا صار مشاهدا واقعا في الحس.
ثم ذكر حكمة أخرى ،وهي اتخاذه سبحانه منهم شهداء ،فإنه يحب
241
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
الشهداء من عباده ،وقد أعد لهم أعلى المنازل وأفضلها ،وقد اتخذهم
لنفس ،فال بد أن ينيلهم درجة الشهادة.
وقول { :ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ} ،تنبي لطيف الموقع جدا على
كراهت وبغض للمنافقين الذين انخذلوا عن نبي يوم أحد فلم يشهدوه
ولم يتخذ منهم شهداء ،ألن لم يحبهم فأركسهم وردهم ليحرمهم ما
خص ب المؤمنين في ذلك اليوم ،وما أعطاه من استشهد منهم ،فثبط
هؤًلء الظالمين عن األسباب التي وفق لها أولياءه وحزب .
ثم ذكر حكمة أخرى فيما أصابهم ذلك اليوم ،وهو تمحيص
الذين آمنوا ،وهو تنقيتهم وتخليصهم من الذنوب ،ومن آفات النفوا،
وأيضا فإن خلصهم ،ومحصهم من المنافقين ،فتميزوا منهم ،فحصل
لهم تمحيصان :تمحيص من نفوسهم ،وتمحيص ممن كان يظهر أن
منهم وهو عدوهم.
ثم ذكر حكمة أخرى وهي محق الكافرين بطغيانهم وبغيهم
وعدوانهم ،ثم أنكر عليهم حسبانهم وظنهم أن يدخلوا الجنة بدون
الجهاد في سبيل والصبر على أذى أعدائ ،وإن هذا ممتنع بحيث ينكر
على من ظن وحسب .
{ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ فقال:
ﱓ ﱔ} ،أي ولما يقع ذلك منكم فيعلم ،فإن لو وقع لعلم
242
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
فجازاكم علي بالجنة ،فيكون الجزاء على الواقع المعلومً ،ل على
مجرد العلم ،فإن اهلل ًل يجزي العبد على مجرد علم في دون أن يقع
معلوم ،ثم وبخهم على هزيمتهم من أمر كانوا يتمنون ويودون لقاءه.
{ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ فقال:
ﱡ}.
قال ابن عباا :ولما أخبرهم اهلل تعالى على لسان نبي بما فعل
بشهداء بدر من الكرامة رغبوا في الشهادة ،فتمنوا قتاًل يستشهدون في ،
فيلحقون إخوانهم ،فأراهم اهلل ذلك يوم أحد وسبب لهم ،فلم يلبثوا أن
{ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ انهزموا إًل من شاء اهلل منهم ،فأنزل اهلل تعالى:
ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ}<.
>ومنها :أن وقعة أحد كانت مقدمة وإرهاصا بين يدي موت رسول
اهلل ‘ ،فثبتهم ووبخهم على انقالبهم على أعقابهم إن مات رسول
اهلل ‘ أو قتل ،بل الواجب ل عليهم أن يثبتوا على دين وتوحيده
ويموتوا علي أو يقتلوا ،فإنهم إنما يعبدون رب محمد ،وهو حي ًل
يموت ،فلو مات محمد أو قتل ًل ينبغي لهم أن يصرفهم ذلك عن
دين ،وما جاء ب ،فكل نفس ذائقة الموت ،وما بعث محمد ‘ ليخلد
ًل هو وًل هم ،بل ليموتوا على اإلسالم والتوحيد ،فإن الموت ًل بد
من سواء مات رسول اهلل ‘ أو بقي ،ولهذا وبخهم على رجوع من
243
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
{ﱣ رجع منهم عن دين ،لما صرخ الشيطان إن محمدا قد قتل ،فقال:
ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ
ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ
ﲀ} ،والشاكرون هم الذين عرفوا قدر النعمة ،فثبتوا عليها حتى
ماتوا أو قتلوا ،فظهر أثر هذا العتاب ،وحكم هذا الخطاب يوم مات
رسول اهلل ‘ ،وارتد من ارتد على عقبي ،وثبت الشاكرون على
دينهم ،فنصرهم اهلل وأعزهم ،وظفرهم بأعدائهم ،وجعل العاقبة لهم.
ثم أخبر سبحان أن جعل لكل نفس أجال ًل بد أن تستوفي ،ثم
تلحق ب ،فيرد الناا كلهم حوض المنايا موردا واحدا ،وإن تنوعت
أسباب ويصدرون عن موقف القيامة مصادر شتى ،فريق في الجنة،
وفريق في السعير.
ثم أخبر سبحان أن جماعة كثيرة من أنبيائ قتلوا وقتل معهم أتباع
لهم كثيرون فما وهن من بقي منهم لما أصابهم في سبيل وما ضعفوا
وما استكانوا وما وهنوا عند القتل ،وًل ضعفوا وًل استكانوا ،بل تلقوا
الشهادة بالقوة والعزيمة واإلقدام ،فلم يستشهدوا مدبرين مستكينين
أذلة ،بل استشهدوا أعزة كراما مقبلين غير مدبرين ،والصحيح أن اآلية
تتناول الفريقين كليهما.
ثم أخبر سبحان عما استنصرت ب األنبياء وأممهم على قومهم من
اعترافهم وتوبتهم واستغفارهم وسؤالهم ربهم أن يثبت أقدامهم وأن
244
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم ،وأن الشيطان
إنما يستزلهم ويهزمهم بها ،وأنها نوعان :تقصير في حق ،أو تجاوز
لحد ،وأن النصرة منوطة بالطاعة ،قالوا :ربنا اغفر لنا ذنوبنا ،وإسرافنا
في أمرنا ،ثم علموا أن ربهم إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم
يقدروا هم على تثبيت أقدام أنفسهم ونصرها على أعدائهم ،فسألوه ما
يعلمون أن بيده دونهم ،وأن إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يثبتوا
ولم ينتصروا ،فوفوا المقامين حقهما :مقام المقتضي ،وهو التوحيد
واًللتجاء إلي سبحان ،ومقام إزالة المانع من النصرة ،وهو الذنوب
واإلسراف ،ثم حذرهم سبحان من طاعة عدوهم ،وأخبر أنهم إن
أطاعوهم خسروا الدنيا واآلخرة ،وفي ذلك تعريض بالمنافقين الذين
أطاعوا المشركين لما انتصروا وظفروا يوم أحد.
ثم أخبر سبحان أن مولى المؤمنين ،وهو خير الناصرين فمن
واًله فهو المنصور.
ثم أخبرهم أن سيلقي في قلوب أعدائهم الرعب الذي يمنعهم من
الهجوم عليهم واإلقدام على حربهم ،وأن يؤيد حزب بجند من الرعب
ينتصرون ب على أعدائهم ،وذلك الرعب بسبب ما في قلوبهم من
245
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
الشرك باهلل ،وعلى قدر الشرك يكون الرعب ،فالمشرك باهلل أشد شيء
خوفا ورعبا والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بالشرك لهم األمن والهدى
والفالح ،والمشرك ل الخوف والضالل والشقاء.
ثم أخبرهم أنه صدقهم وعده في نصرتهم على عدوهم ،وهو الصادق
الوعد ،وأنهم لو استمروا على الطاعة ولزوم أمر الرسول ًلستمرت
نصرتهم ،ولكن انخلعوا عن الطاعة ،وفارقوا مركزهم ،فانخلعوا عن
عصمة الطاعة ،ففارقتهم النصرة ،فصرفهم عن عدوهم عقوبة وابتالء
وتعريفا لهم بسوء عواقب المعصية ،وحسن عاقبة الطاعة.
ثم أخبر أن عفا عنهم بعد ذلك كل ،وأن ذو فضل على عباده
المؤمنين .قيل للحسن :كيف يعفو عنهم وقد سلط عليهم أعداءهم حتى
قتلوا منهم من قتلوا ،ومثلوا بهم ونالوا منهم ما نالوه؟ فقال :لوًل عفوه
عنهم ًلستأصلهم ،ولكن بعفوه عنهم دفع عنهم عدوهم بعد أن كانوا
مجمعين على استئصالهم.
ثم ذكرهم بحالهم وقت الفرار مصعدين أي جادين في الهرب
والذهاب في األرض ،أو صاعدين في الجبل ًل يلوون على أحد من
نبيهم وًل أصحابهم ،والرسول يدعوهم في أخراهم إل َّي عباد اهلل أنا
رسول اهلل.
فأثابهم بهذا الهرب والفرار غما بعد غم :غم الهزيمة والكسرة،
246
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
وكل واحد من هذه األمور يوجب غما يخص ،فترادفت عليهم الغموم،
كما ترادفت منهم أسبابها وموجباتها ،ولوًل أن تداركهم بعفوه لكان أمرا
آخر.
ومن لطف بهم ورأفت ورحمت أن هذه األمور التي صدرت منهم
كانت من موجبات الطباع ،وهي من بقايا النفوا التي تمنع من النصرة
المستقرة ،فقيض لهم بلطف أسبابا أخرجها من القوة إلى الفعل ،فترتب
عليها آثارها المكروهة ،فعلموا حينئذ أن التوبة منها ،واًلحتراز من
أمثالها ،ودفعها بأضدادها أمر متعين ًل يتم لهم الفالح والنصرة الدائمة
المستقرة إًل ب ،فكانوا أشد حذرا بعدها ومعرفة باألبواب التي دخل
عليهم منها.
لم يكن بقضائ وقدره ،وًل حكمة ل في ،ففسر بإنكار الحكمة ،وإنكار
القدر ،وإنكار أن يتم أمر رسول ،ويظهره على الدين كل ،وهذا هو ظن
السوء الذي ظن المنافقون والمشركون ب في اسورة الفتح) حيث
يقول{ :ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ
ﲎ ﲏﲐ ﲑ ﲒ ﲓﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ
ﲝ ﲞ} [الفتح ،]6 :وإنما كان هذا ظن السوء ،وظن الجاهلية
المنسوب إلى أهل الجهل ،وظن غير الحق ألن ظن غير ما يليق
بأسمائ الحسنى وصفات العليا وذات المبرأة من كل عيب وسوء،
بخالف ما يليق بحكمت وحمده وتفرده بالربوبية واإللهي ،وما يليق
بوعده الصادق الذي ًل يخلف وبكلمت التي سبقت لرسل أن ينصرهم
وًل يخذلهم ،ولجنده بأنهم هم الغالبون ،فمن ظن بأن ًل ينصر رسول ،
وًل يتم أمره ،وًل يؤيده ويؤيد حزب ،ويعليهم ويظفرهم بأعدائ ،
ويظهرهم عليهم ،وأن ًل ينصر دين وكتاب ،وأن يديل الشرك على
التوحيد ،والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق
اضمحالًل ًل يقوم بعده أبدا ،فقد ظن باهلل ظن السوء ،ونسب إلى
خالف ما يليق بكمال وجالل وصفات ونعوت ،فإن حمده وعزت
وحكمت وإلهيت تأبى ذلك ،وتأبى أن يذل حزب وجنده ،وأن تكون
النصرة المستقرة والظفر الدائم ألعدائ المشركين ب العادلين ب ،فمن
ظن ب ذلك فما عرف وًل عرف أسماءه وًل عرف صفات وكمال ،
وكذلك من أنكر أن يكون ذلك بقضائ وقدره فما عرف وًل عرف
249
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
منهم لما أصابهم القتل ،ولكان النصر والظفر لهم فأكذبهم اهلل في
هذا الظن الباطل الذي هو ظن الجاهلية ،وهو الظن المنسوب إلى أهل
الجهل الذين يزعمون بعد نفاذ القضاء والقدر الذي لم يكن بد من نفاذه
أنهم كانوا قادرين على دفع ،وأن األمر لو كان إليهم لما نفذ القضاء،
فأكذبهم اهلل بقول { :ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ} [آل عمران ،]154 :فال يكون إًل
ما سبق ب قضاؤه وقدره ،وجرى ب علم وكتاب السابق ،وما شاء اهلل
كان ،وًل بد ،شاء الناا أم أبوا ،وما لم يشأ لم يكن ،شاءه الناا أم
لم يشاءوه ،وما جرى عليكم من الهزيمة والقتل فبأمره الكوني الذي ًل
سبيل إلى دفع ،سواء كان لكم من األمر شيء أو لم يكن لكم ،وأنكم
لو كنتم في بيوتكم وقد كتب القتل على بعضكم لخرج الذين كتب
عليهم القتل من بيوتهم إلى مضاجعهم وًل بد ،سواء كان لهم من األمر
شيء أو لم يكن ،وهذا من أظهر األشياء إبطاًل لقول القدرية النفاة
الذين يجوزون أن يقع ما ًل يشاؤه اهلل ،وأن يشاء ما ًل يقع<.
>ثم أخبر سبحانه عن حكمة أخرى في هذا التقدير هي ابتالء ما في
صدورهم ،وهو اختبار ما فيها من اإليمان والنفاق ،فالمؤمن ال يزداد
بذلك إًل إيمانا وتسليما ،والمنافق ومن في قلب مرض ًل بد أن يظهر ما
في قلب على جوارح ولسان .
ثم ذكر حكمة أخرى :وهو تمحيص ما في قلوب المؤمنين وهو
تخليص وتنقيت وتهذيب ،فإن القلوب يخالطها بغلبات الطبائع ،وميل
النفوا ،وحكم العادة ،وتزيين الشيطان ،واستيالء الغفلة ما يضاد ما
251
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
252
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ}
[آل عمران ،]165 :وذكر هذا بعين فيما هو أعم من ذلك في السور المكية،
فقال{ :ﳌﳍﳎﳏﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ} [الشورى،]30 :
وقال{ :ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ}
[النساء ،]79 :فالحسنة والسيئة هاهنا :النعمة والمصيبة ،فالنعمة من اهلل
من بها عليك ،والمصيبة إنما نشأت من قبل نفسك وعملك ،فاألول
فضل ،والثاني عدل ،والعبد يتقلب بين فضل وعدل ،جار علي فضل
ماض في حكم ،عدل في قضاؤه.
وختم اآلية األولى بقول { :ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ}
[آل عمران ]165 :بعد قول { :ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ} [آل عمران ]165 :إعالما
لهم بعموم قدرته مع عدله ،وأنه عادل قادر ،وفي ذلك إثبات القدر
والسبب ،فذكر السبب وأضافه إلى نفوسهم ،وذكر عموم القدرة وأضافها
إلى نفسه ،فاألول ينفي الجبر ،والثاني ينفي القول بإبطال القدر ،فهو
يشاكل قول { :ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ
ﳌ} [التكوير 28 :ــ .]29
وفي ذكر قدرت هاهنا نكتة لطيفة ،وهي أن هذا األمر بيده وتحت
قدرت ،وأن هو الذي لو شاء لصرف عنكم ،فال تطلبوا كشف أمثال من
غيره ،وًل تتكلوا على سواه ،وكشف هذا المعنى وأوضح كل اإليضاح
بقول { :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ} [آل عمران ،]166 :وهو
253
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ
ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ
ﲥ} [آل عمران 169 :ــ ،]170فجمع لهم إلى الحياة الدائمة منزلة القرب
من وأنهم عنده ،وجريان الرزق المستمر عليهم ،وفرحهم بما آتاهم من
فضل ،وهو فوق الرضى بل هو كمال الرضى ،واستبشارهم بإخوانهم
الذين باجتماعهم بهم يتم سرورهم ونعيمهم واستبشارهم بما يجدد لهم
كل وقت من نعمت وكرامت <..
254
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
عشرة مائة<ا.)1
وعن المسور بن مخرمة ،ومروان بن الحكم ،يزيد أحدهما على
صاحب قاًل :خرج النبي ‘ عام الحديبية في بضع عشرة مائة من
أصحاب ،فلما أتى ذا الحليفة ،قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة،
وبعث عينا ل من خزاعة ،وسار النبي ‘ حتى كان بغدير األشطاط أتاه
عين ،قال :إن قريشا جمعوا لك جموعا ،وقد جمعوا لك األحابيش،
وهم مقاتلوك ،وصادوك عن البيت ،ومانعوك ،فقال> :أشيروا أيها الناا
علي ،أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤًلء الذين يريدون أن
يصدونا عن البيت ،فإن يأتونا كان اهلل قد قطع عينا من المشركين،
وإًل تركناهم محروبين< ،قال أبو بكر :يا رسول اهلل ،خرجت عامدا
لهذا البيتً ،ل تريد قتل أحد ،وًل حرب أحد ،فتوج ل ،فمن صدنا
عن قاتلناه .قال> :امضوا على اسم اهلل<ا.)2
وأما ما ورد في الحديبية فنذكر أطراف > :فالحديبية اسم بئر تقع
كيال إلى الشمال الغربي من مكة وتعرف األن على بعد اثنين وعشرين ا
بالشميسي ،وفيها حدائق الحديبية ومسجد الرضوان.
وأطرافها تدخل في حدود الحرم المكي ومعظمها من ال ِحل خارج .
وقد سميت الغزوة بها ألن قري اشا منعت المسلمين من دخول مكة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه البخاري :ا.)4152
ا )2رواه البخاري :ا.)4178
259
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
وهم في الحديبية.
وكان خروج الرسول ‘ إلى الحديبية في يوم اًلثنين مستهل ذي
القعدة من السنة السادسة.
وقد قصد بخروجه العمرة ،وفي ذلك إظهار لحقيقة مشاعر المسلمين
نحو البيت العتيق وتعظيمهم ل ،وإبطال لدعاية قريش المعادية التي
تريد إظهارهم وكأنهم ًل يعترفون بحرمة الكعبة.
وبلغ عدد المسلمين في الحديبية أل افا وأربعمائة رجل ،ذكر ذلك
شهود العيان من الصحابة وهم جابر بن عبد اهلل والبراء بن عازب ومعقل بن
يسار وسلمة بن األكوع والمسيب بن حزن.
وقال جابر في رواية إنهم ألف وخمسمائة.
وقال الصحابي عبد اهلل بن أبي أوفى إنهم ألف وثالثمائة.
واتفاق خمسة من شهود العيان على أنهم ألف وأربعمائة أولى من
سواه من األقوال فهو أصح الصحيح ،وإن كان الجمع ليس بمتعذر
واًلختالف ليس بكبير.
وقد صلى المسلمون بذي الحليفة وأحرموا بالعمرة وساقوا الهدي
سبعين بدنة ،وبعث الرسول ‘ عي انا إلى مكة هو بسر بن سفيان
الخزاعي الكعبي.
260
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
في طاعت ،فلما رجع إلى قريش قال> :أي قوم واهلل لقد وفدت على
الملوك ،ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي واهلل إن رأيت مل اكا قط
يعظم أصحاب ما يعظم أصحاب محمد محم ادا<.
ثم أرسلت قريش الحليس بن علقمة الكناني سيد األحابيش ،فلما
مقبال طلب من أصحاب أن يظهروا أمام اإلبل رآه الرسول ‘ ا
المشعرة ،وأن يلبوا أمام ألن من قوم يعظمون ذلك ،فلما رأى ذلك
رجع إلى قريش ،فقال> :رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن
يصدوا عن البيت< .فقالوا :أجلس إنما أنت أعرابي ًل علم لك.
ثم أرسلت قريش مكرز بن حفص وأعقبت بسهيل بن عمرو فقال
متفائال> :لقد سهل لكم أمركم< .وقال> :لقد أراد القوم
ا النبي ‘
الصلح حيث بعثوا هذا الرجل< ،وكانت قريش قد ألزمت سهيل بن
عمرو أًل يكون في صلح إًل أن يرجع المسلمون دون عمرة في ذلك
العام .وقد جرت مفاوضة طويلة بين الرسول ‘ وسهيل بن عمرو
وانتهت إلى عقد صلح الحديبية.
وقد وقع اختالف في مقدمة العقد حيث أراد الرسول ‘ إعطاءه
صبغة إسالمية فاعترض سهيل بن عمرو ،وكان علي بن أبي طالب يكتب
العقد ،فقال النبي ‘ أكتب> :بسم اهلل الرحمن الرحيم< فقال سهيل :أما
>الرحمن فو اهلل ما أدري ما هي ولكن أكتب >باسمك اللهم< كما كنت
تكتب ،فقال المسلمون :واهلل ًل نكتبها إًل >بسم اهلل الرحمن الرحيم<
263
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
فقال النبي ‘ :اكتب> :باسمك اللهم< .ثم قال> :هذا ما قاضى عليه
محمد رسول اهلل< فقال سهيل :واهلل لو كنا نعلم أنك رسول اهلل ما
صددناك عن البيت وال قاتلناك ،ولكن اكتب >محمد بن عبد اهلل< فقال
النبي ‘> :واهلل إني لرسول اهلل وإن كذبتموني ،اكتب> :محمد بن
عبد اهلل< فقال النبي ‘> :على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف ب <
فقال سهيل :واهلل ًل تتحد العرب أنا أخذنا ضغطة .ولكن ذلك من
العام المقبل فكتب.
فقال سهيل :وعلى أن ًل يأتيك منا رجل ــ وإن كان على دينك ــ
إًل رددت إلينا .قال المسلمون :سبحان اهلل كيف يرد إلى المشركين وقد
جاء مسل اما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو
يرسف في قيوده ،وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفس بين أظهر
المسلمين .فقال سهيل :هذا يا محمد أول ما أقاضيك علي أن ترده
إلي ،فقال النبي ‘ :إنا لم نقض الكتاب بعد .فقال :واهلل إذاا لم
أصالحك على شيء أب ادا.
فقال النبي ‘ :فأجزه لي .فقال :ما أنا بمجيزه لك .قال :بلى
فافعل .قال :ما أنا بفاعل .قال مكرز :بل قد أجزناه لك.
وقد تم اًلتفاق على األمور التالية:
>على وضع الحرب عشر سنين ،يأمن فيها الناا ويكف بعضهم
عن بعض .على أن من أتى رسول اهلل ‘ من أصحاب بغير إذن ولي
264
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
رده عليهم ،ومن أتى قري اشا ممن مع رسول اهلل ‘ لم يردوه علي .
وأن بيننا عيبة مكفوفة .وأن ًل إسالل وًل إغالل.
وأن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل في ،ومن
أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل في .
فتواثبت خزاعة فقالوا :نحن مع عقد رسول اهلل ‘ وعهده.
وتواثبت بنو بكر فقالوا :نحن في عقد قريش وعهدهم.
وأنك ترجع عنا عامك هذا ،فال تدخل علينا مكة ،وأن إذا كان
عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك .وأقمت فيها ثالثا معك
سالح الراكب ًل تدخلها بغير السيوف في القرب<.
وهكذا وقعت الهدنة لمدة عشر سنوات ،على أال يدخل المسلمون
مكة إال بعد مرور عام فيقيموا بها ثالثة أيام معهم السيوف مغمودة فقط،
وال يقوم الطرفان بأي أعمال دعائية أو عدوانية ،ويجوز للطرفين التحالف
مع القبائل العربية على قدم المساواة ،ويلتزم المسلمون برد المسلمين
الفارين من قريش إليها ،وًل تلتزم قريش برد المسلمين الفارين إليها.
والواقع أن المسلمين تذمروا من هذه اًلتفاقية وضاقوا بها ذر اعا،
خاصة بعد أن جرت التعديالت على الصياغة اإلسالمية للعقد ،فقد
اعتذر علي بن أبي طالب عن مسح كلمة >رسول اهلل< فأخذ الرسول اهلل ‘
الكتاب فكتب ما أراد سهيل بن عمرو .وغضب المسلمون لرد المسلمين
265
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
الفارين من قريش إليها فقالوا> :يا رسول اهلل تكتب هذا؟ قال :نعم .إن
من ذهب إليهم فأبعده اهلل ،ومن جاءنا منهم سيجعل اهلل ل فر اجا
ومخر اجا<.
وظهر الغضب الشديد على عمر بن الخطاب فراجع الرسول ‘
في ذلك قال> :فأتيت نبي اهلل ـ ‘ ـ فقلت :ألست نبي اهلل ح اقا؟ قال:
بلى .قلت :ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال :بلى .قلت :فلم
نعطي الدنية في ديننا إذاا؟ قال :إني رسول اهلل ولست أعصي وهو
ناصري .قلت :أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف ب ؟ قال:
بلى فأخبرتك أنك تأتي العام؟ قال :قلتً :ل .قال :فإنك آتي ومطوف
ب < .لكن عمر لم يكتف بذلك بل أعاد الكالم أمام أبي بكر بمثل
كالم مع رسول اهلل ‘ ،فقال أبو بكر> :يا عمر الزم غرزه حيث كان
فإني أشهد أن رسول اهلل .قال عمر :وأنا أشهد<.
وقال عمر> :ما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت
خيرا<.
مخافة كالمي الذي تكلمت ب يومئذ حتى رجوت أن يكون ا
وكان عمر يراجع الرسول ‘ ليقف على الحكمة من موافقت على
شروط الصلح ،وكان يرغب في إذًلل المشركين >فجميع ما صدر من
كان معذو ارا في بل هو مأجور ألن مجتهد في <ا)1ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :السيرة النبوية ،ألكرم العمري ،)434/2( :ومرويات غزة الحديبية ،لحافظ
الحكمي.
ا )2ومن عجب أن بعض أهل الخذًلن ادعى على عمر ،وعلى كثير من الصحابة=
266
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
من ألف وأربعمائة ،بايعوه لما صده المشركون عن العمرة ،ثم صالح
المشركين صلح الحديبية المعروف ،وذلك سنة ست من الهجرة في
ذي القعدة ،ثم رجع بهم إلى المدينة وغزا بهم خيبر ،ففتحها اهلل عليهم
في أول سنة سبع ،وقسمها بينهم ،ومنع األعراب المتخلفين عن
الحديبية من ذلك.
{ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ كما قال اهلل تعالى:
ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ
ﱅﱆ ﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ
ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ} [سورة الفتح 1 :ــ ،]3فقال بعض
المسلمين :يا رسول اهلل! هذا لك فما لنا يا رسول اهلل؟ ؛ فأنزل اهلل
تعالى{ :ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ}
[سورة الفتح.]4 :
وهذه اآلية نص في تفضيل المنفقين المقاتلين قبل الفتح على
المنفقين المقاتلين بعده ،ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن السابقين
في قول تعالى{ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ} [التوبة]100 :
هم هؤًلء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا ،وأهل بيعة الرضوان كلهم
منهم ،وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.
وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين األولين هم من صلى إلى
القبلتين ،وهذا ضعيف ،فإن الصالة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده
فضيلة ؛ وألن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون ب ؛ وألن التفضيل
بالصالة إلى القبلتين لم يدل علي دليل شرعي ،كما دل على التفضيل
بالسبق إلى اإلنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة ،ولكن في سبق
الذين أدركوا ذلك على من لم يدرك ،كما أن الذين أسلموا قبل أن
تفرض الصلوات الخمس ،هم سابقون على من تأخر إسالم عنهم،
والذين أسلموا قبل أن تجعل صالة الحضر أربع ركعات هم سابقون
على من تأخر إسالم عنهم ،والذين أسلموا قبل أن يؤذن في الجهاد،
269
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
أو قبل أن يفرض ،هم سابقون على من أسلم بعدهم ،والذين أسلموا
قبل أن يفرض صيام شهر رمضان ،هم سابقون على من أسلم بعدهم،
والذين أسلموا قبل أن يفرض الحج ،هم سابقون على من تأخر عنهم،
والذين أسلموا قبل تحريم الخمر هم سابقون على من أسلم بعدهم،
والذين أسلموا قبل تحريم الربا كذلك ،فشرائع اإلسالم من اإليجاب
والتحريم كانت تنزل شيئا فشيئا ،وكل من أسلم قبل أن تشرع شريعة
فهو سابق على من تأخر عن ،ول بذلك فضيلة ،ففضيلة من أسلم قبل
نسخ القبلة على من أسلم بعده هي من هذا الباب.
وليس مثل هذا مما يتميز ب السابقون األولون عن التابعين ،إذ
ليس بعض هذه الشرائع بأولى بجعل خيرا من بعض ؛ وألن القرآن
والسنة قد دًل على تقديم أهل الحديبية ،فوجب أن تفسر هذه اآلية بما
يوافق سائر النصوص.
وقد علم باًلضطرار أن كان في هؤًلء السابقين األولين أبو بكر
وعمر وعلي وطلحة والزبير ،وبايع النبي ـ ‘ ـ بيده عن عثمان ؛ ألن
كان غائبا قد أرسل إلى أهل مكة ليبلغهم رسالت ،وبسبب بايع النبي ‘
الناا لما بلغ أنهم قتلوه<ا.)1
ومن اآليات التي َّثب َتت فضل أصحاب النبي ‘ والذين شاركوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1منهاج السنة :ا 24/2ــ .)28
270
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
وقد استدل بها البخاري وغيره من األئمة على تفاضل اإليمان في
القلوب.
ا)1
ألزمها اهلل محمدا ‘ وأصحاب ،وهي كلمة التقوى التي أًلص
عليها نبي اهلل ‘ عم أبا طالب عند الموت :شهادة أن ًل إل إًل
اهلل<ا.)2
{ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ويعني تعالى ذكره بقول :
ﲉ ﲊ} >حين جعل سهيل بن عمرو في قلب الحمية ،فامتنع أن
يكتب في كتاب المقاضاة الذي كتب بين يدي رسول اهلل ‘
والمشركين :بسم اهلل الرحمن الرحيم ،وأن يكتب في :محمد رسول
اهلل ،وامتنع هو وقوم من دخول رسول اهلل ‘ عام ذلك.
وقول { :ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ} يقول تعالى
ذكره فأنزل اهلل الصبر والطمأنينة والوقار على رسول وعلى المؤمنين ،إذ
حمي الذين كفروا حمية الجاهلية ،ومنعوهم من الطواف بالبيت ،وأبوا
أن يكتبوا في الكتاب بين وبينهم بسم اهلل الرحمن الرحيم ،ومحمد
رسول اهلل {ﲒ ﲓ ﲔ} يقال :ألزمهم قول ًل إل إًل اهلل
التي يتقون بها النار ،وأليم العذاب.
وقوله{ :ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ} يقول تعالى ذكره :وكان رسول اهلل ‘
والمؤمنون أحق بكلمة التقوى من المشركين وأهلها.
وقول { :ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ} يقول تعالى ذكره :ولم يزل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1قول > :التي أًلص عليها< ،أي :أداره عليها ،وراوده فيها.
ا )2رواه أحمد :ا ،)499/1ا.)447
276
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
اهلل بكل شيء ذا علمً ،ل يخفى علي شيء هو كائن ،ولعلم أيها الناا
بما يحد من دخولكم مكة وبها رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم
تعلموهم ،لم يأذن لكم بدخولكم مكة في سفرتكم هذه<ا.)1
وما سبق كان في ذكر أوصاف أقوام مخصوصين من أصحاب
النبي ‘ ،وما يلي في ذكر أوصافهم على سبيل العموم ،وهي:
عدوًل لتكونوا شهداء ألنبيائي ورسلي على أممها بالبالغ أنها قد بلغت
ما أمرت ببالغ من رساًلتي إلى أممها ،ويكون رسولي محمد ‘
شهيدا عليكم بإيمانكم ب ،وبما جاءكم ب من عندي<ا.)1
ومما يدل على صحة اًلستشهاد بهذه اآلية في فضل الصحابة،
أمور منها:
أ ــ ما رواه البخاري :عن أبي سعيد الخدري ،قال :قال رسول
اهلل ‘> :يدعى نوح يوم القيامة ،فيقول :لبيك وسعديك يا رب،
فيقول :هل بلغت؟ فيقول :نعم ،فيقال ألمت :هل بلغكم؟ فيقولون :ما
أتانا من نذير ،فيقول :من يشهد لك؟ فيقول :محمد وأمت ،فتشهدون
ﱥ} فذلك قول جل ذكره: {ﱢ ﱣ ﱤ أن قد بلغ:
{ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ
فثبت قوم واتبعوا أمر اهلل الذي بلغهم رسوله إياه ،وفي البخاري عن
البراء >> :أن رسول اهلل ‘ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ،أو
سبعة عشر شهرا ،وكان يعجب أن تكون قبلت قبل البيت ،وأن صلى ،أو
صالها ،صالة العصر وصلى مع قوم< فخرج رجل ممن كان صلى مع
فمر على أهل المسجد وهم راكعون ،قال :أشهد باهلل ،لقد صليت مع
النبي ‘ قبل مكة ،فداروا كما هم قبل البيت ،وكان الذي مات على
القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا ،لم ندر ما نقول فيهم ،فأنزل
اهلل{ :ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ}<ا.)1
عن ابن عمر ،بينما الناا في الصبح بقباء ،جاءهم رجل
فقال> :إن رسول اهلل ‘ قد أنزل علي الليلة قرآن ،وأمر أن يستقبل
الكعبة ،أال فاستقبلوها ،وكان وجه الناس إلى الشأم ،فاستداروا بوجوههم
إلى الكعبة<ا.)2
وكذلك وصفهم اهلل تعالى بأنهم خير أمة أخرجت للناا ،فقال
سبحان { :ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ
ﱗ ﱘ ﱙﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤ
ﱥ ﱦ} [آل عمران.]110 :
وقد ذكر الطبري وغيره اختالف الناا في المراد بهذه اآلية ،وًل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه البخاري :ا.)4486
ا )2رواه البخاري :ا.)4490
280
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
رسول اهلل ‘ ،ومن صنع مثل صنيعهم ،كانوا خير أمة أخرجت للناا
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر<ا.)1
عن الضحاك ،في قول { :ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} قال> :هم
أصحاب رسول اهلل ‘ خاصة ،يعني وكانوا هم الرواة الدعاة الذين أمر
اهلل المسلمين بطاعتهم<ا.)2
يقول الزجاج> :هذا الخطاب أصله أنه خوطب به أصحاب النبي ـ ‘ ـ
وهو يعم سائر أمة محمد<ا.)3
وقال أبو حيان في تقرير أن الخطاب ألصحاب الرسول :
أوًل وهم :أصحاب
>والظاهر أن الخطاب هو لمن وقع الخطاب ل ا
رسول اهلل ‘ ،فتكون اإلشارة ..إلى أمة معينة وهي أمة محمد ‘،
فالصحابة هم خيرها<ا.)4
>ومن استقرأ أخبار العالم في جميع الفرق تبين ل أن لم يكن قط
طائفة أعظم اتفاقا على الهدى والرشد ،وأبعد عن الفتنة والتفرق
واًلختالف من أصحاب رسول اهلل ـ ‘ ـ ،الذين هم خير الخلق
بشهادة اهلل لهم بذلك ،إذ يقول تعالى{ :ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جامع البيان :ا.)671/5 ا)1
جامع البيان :ا.)673/5 ا)2
معاني القرآن :ا.)456/1 ا)3
البحر المحيط :ا.)299/3 ا)4
282
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ}.
كما لم يكن في األمم أعظم اجتماعا على الهدى ،وأبعد عن
التفرق واالختالف ،من هذه األمة ،ألنهم أكمل اعتصاما بحبل اهلل ،الذي
هو كتابه المنزل ،وما جاء به من نبيه المرسل .وكل من كان أقرب إلى
اًلعتصام بحبل اهلل ،وهو اتباع الكتاب والسنة ،كان أولى بالهدى
واًلجتماع والرشد والصالح وأبعد عن الضالل واًلفتراق والفتنة.
واعتبر ذلك باألمم ،فأهل الكتاب أكثر اتفاقا وعلما وخيرا من
الخارجين عن الكتب ،والمسلمون أكثر اتفاقا وهدى ورحمة وخيرا من
اليهود والنصارى ،فإن أهل الكتابين قبلنا تفرقوا وبدلوا ما جاءت ب
الرسل ،وأظهروا الباطل ،وعادوا الحق وأهل .
....وخيار هذه األمة هم الصحابة ،فلم يكن في األمة أعظم
اجتماعا على الهدى ودين الحق ،وًل أبعد عن التفرق واًلختالف
منهم.
كل ما يذكر عنهم مما في نقص فهذا إذا قيس إلى ما يوجد في
غيرهم من األمة كان قليال من كثير.
وإذا قيس ما يوجد في األمة إلى ما يوجد في سائر األمم كان
قليال من كثير .وإنما يغلط من يغلط أن ينظر إلى السواد القليل في
الثوب األبيض ،وًل ينظر إلى الثوب األسود الذي في بياض .وهذا من
283
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
فقالً :ل واهللً ،ل أفرق بين شيء جمع اهلل بين ،ولو منعوا عقاًل مما
فرض اهلل ورسول ،لقاتلناهم علي .فبعث اهلل عصابة مع أبي بكر،
فقاتل على ما قاتل علي نبي اهلل ‘ ،حتى سبى وقتل وحرق بالنيران
أنا اسا ارتدوا عن اإلسالم ومنعوا الزكاة ،فقاتلهم حتى أقروا بالماعون
وهي الزكاة صغرة أقمياء .فأتت وفود العرب ،فخيرهم بين خطة مخزية
أو حرب مجلية ،فاختاروا الخطة المخزية ،وكانت أهون عليهم ،أن
يعتدوا أن قتالهم في النار وأن قتلى المؤمنين في الجنة ،وأن ما أصابوا
من المسلمين من مال ردوه عليهم ،وما أصاب المسلمون لهم من مال
فهو لهم حالل<.
ورجح الطبري هذا القول فقال> :وتأويل اآلية على قول من قال:
عنى اهلل بقول { :ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ} [المائدة ]54 :أبا بكر
وأصحاب في قتالهم أهل الردة بعد رسول اهلل ‘ :يا أيها الذين آمنوا
من يرتد منكم عن دين فلن يضر اهلل شيئا ،وسيأتي اهلل من ارتد منكم
عن دين بقوم يحبهم ويحبون ،ينتقم بهم منهم على أيديهم<ا.)1
وقد ثبت لكثير من الصحابة محبة اهلل ورسول لهم ،فمنهم علي بن
أبي طالب في قول الرسول> ....> :ألعطين الراية غ ادا رجال يحب اهلل
ورسول ويحب اهلل ورسول < هو من أصح األحاديث وهو أصح حديث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :جامع البيان ،للطبري :ا 517/8ــ ،)524وانظر :البغوي :ا ،)169/3وابن
الجوزي في زاد المسير :ا ،)381/2والسيوطي في الدر المنثور :ا.)517/2
287
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ﲗﲘﲙ ﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣ
ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﲮ ﲯ ﲰ ﲱ} [المائدة.]54 :
فهذا حال من قاتل المرتدين وأولهم الصديق ومن اتبع إلى يوم
القيامة ،فهم الذين جاهدوا المرتدين كأصحاب مسيلمة الكذاب ومانعي
الزكاة وغيرهما ،وهم الذين فتحوا األمصار وغلبوا فارا والروم،
وكانوا أزهد الناا.
ﳍ ﳎ ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ
ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ
ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ
ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ
289
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
290
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
.......................... ................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لخاصة المؤمنين لم يلزم جواز ذلك ،كما ًل يلزم من قول ّ بل لو ُج ِعل الخطاب في =
ـ ـ لرسول { :ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [الزمر ]65 :وأمثالها من اآليات
= جوا ُز ذلك علي ـ ‘ ـ .بل إن خطاب ـ ـ لرسول بذلك وأمثال هو من جملة
العصمة .وهذه نكتة لطيفة ليس هذا محل إيضاحها.
وأما ما جاء في الحديث أن نا اسا يُحال بينهم وبين حوض ـ ‘ ـ ،فيقول: ّ
>أصيحابي أصيحابي ،فيقال :إنك ًل تدري ما أحدثوا بعدك< = فنقول :إن المراد
ضا جماعة ممن كانوا أسلموا ولم يدخل اإليمان في قلوبهم ،وقد وعدهم بهؤًلء أي ا
{لما}،
اهلل في كتاب بأن سيدخل اإليمان في قلوبهم ،كما تقتضي كلمة ّ
خبر بأنهم أحدثوا بعده أشياءفيتمسك ـ ‘ ـ بظاهر ذلك ،فيقول> :أصيحابي<ُ ،في َ
َمنعت دخول اإليمان في قلوبهم .بل ،وقد يقال :إن من مات بعد أن أسلم وقبل أن
ممن تنال الرحمة ما لم يُح ِد .
يدخل اإليمان في قلب = ّ
ومع هذا كل ،فليس في الحديث أن أولئك المردودين يخلَّدون في النار.
مما يدل أنهم ليسوا
ومما يرد اًلستدًلل بالحديث قول > :أصيحابي< ــ بالتصغير ــّ ، ّ
من أصحاب المرادين باآلية الكريمة.
فإن قيل :فما النكتة في العدول عن أن يقال :اوعدهم اهلل) ،إلى ما في النظم
الكريم؟
قلت :قد علم اهلل أن سيكون في هذه األمة من يطعن في أصحاب رسول
فربما يقول قائل :إن قول تعالى{ :ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ}... ـ ‘ ـّ ،
يدل على الثبات والدوام ــ كما تقدم ــ ،ويزعم أن منهم من لم يثبت ،فيستدل إلخ ُّ
بذلك على أن لم يدخل في قول { :ﱅ ﱆ}؛ ألن اهلل وصف الداخلين في ذلك
بالثبات ،وهذا لم يثبت.
فدحض اهلل هذه الشبهة وأرغم أنف صاحبها بقول { :ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ
ثباتا ،بل وهب لكل من وقع من إيمان= دواما وًل ا
ﱸ} ،فلم يشترط في الوعد ا
291
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
.......................... ................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعمل للصالحات. ٌ =
وعلِ َم بذلك ــ مع ما تقدم ــ أ ّن كل من وقع من إيمان وعمل صالح فهو ّ
ممن علم اهلل ُ
أن ثابت على ذلك ،حتى لو فُرض أن وقع من شيءٌ من المخالفات ،فهو صادر
وتع ُق ُب التوبة النصوح .وباإلجمال ،قد غفره اهلل ، عن تأويل أو سه ٍو أو خطأَ ،
مما تقدم.
يخل بالثبات المفهوم ّ فال ّ
تبعيضية ،وًل يَر ُِد شيء مما تقدم .وذلك بأن يقال:
ّ على أن يمكن أن تكون ا ِم ْن)
كونها تبعيضية ًل يستلزم التبعيض ،بل جيء بها لتحقيق انتفاء التبعيض ،من باب
يسمون :تأكيد المدح بما نفي الشيء بإثبات ،وهو باب معروف في العربية ،من ما ُّ
يشب الذم ،كقول :
وًل عيب فيهم ...البيت.
ولكن هذا اإلثبات ُج ِع َل وسيلة إلى تحقيق النفي.
ّ فإن ظاهره إثبات العيب،
أصلية.
َّ ومن قول تعالى{ :ﱐ ﱑ ﱒﱓ} [الشورى ،]11 :على َج ْعل الكاف
ظاهره إثبات ال ِمثل ،والمقصود تحقيق نفي ،كما هو َّ
موضح في محلِّ .
بالمحال ،كقول تعالى{ :ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ومن التعليق ُ
ﲏ} [األعراف .]40 :فظاهره إثبات دخولهم ،والمقصود تأكيد نفي
وكقول ....:
فيقال هنا :إ ّن ا ِم ْن) إذا ُج ِعلت للتبعيض كان ظاهرها أن منهم من لم يؤمن ولم يعمل
فعلم أن المراد بهذا اإلثبات تحقيق ولكن الثابت بالسياق انتفاء ذلكُ ،ّ الصالحات،
النفي ،وتبكيت َمن يزعم أ ّن ِمن أولئك َمن ًل يدخل الجنة.
ومثال :أن يثبت عند السلطان اشتراك جماعة في الجهاد ،فيريد اإلنعام عليهم ،فيقوم
بعض بطانة السوء يطعن في بعضهم ليحرمهم الملك ،فيقول الملك :سأُ ْن ِعم على من
جاهد منهم ــ وقد علم أن جميعهم جاهدوا ــ .وإنما مل َّخص المعنى :أن لن يحرم
منهم أح ادا ،اللهم إًل إن كان فيهم من لم يجاهد ،وقد ُعلِم أن ليس فيهم من لم
فعلِم أن لن يحرم منهم أح ادا البتة< ،آثار الشيخ المعلمي :ا 27/25ــ .)31 يجاهدُ ،
292
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
قال اإلمام مالك> :من أصبح في قلب غيظ على أحد من أصحاب
رسول اهلل ‘ فقد أصابت اآلية.
وقال :من انتقص أحدا من أصحاب رسول اهلل ‘ فليس ل في
الفيء شيء<ا.)1
وقد ذكر اهلل في هذه اآلية وصف أصحاب محمد ‘ ،وما أودع
اهلل في قلوبهم من الشدة على الكافرين ،والرحمة للمؤمنين ،ترى
أصحاب محمد تارة رك اعا وتارة سج ادا يلتمسون بذلك من فعلهم في
فضال
ركوعهم وسجودهم وغلظتهم على الكفار ،ورحمة بعضهم لبعض ا
من اهلل أن يدخلهم في رحمت ويرضى عنهم ،أثر صالتهم تبدو في
وجوههم ،ذلك مثلهم في التوراة ،وشبههم اهلل في اإلنجيل بالزرع الذي
قليال
أخرج فراخ ،وذلك أنهم في أول دخولهم اإلسالم كانوا عد ادا ا
كالزرع في أول ما يخرج ،ثم جعلوا يتزايدون ويكثرون ،كالزرع إذا
أخرج فراخ فكثر وعظم بها ،ونما ،فيكون األصل ثالثين وأربعين
قليال ثم تزايدوا وكثروا
وأكثر بالفراخ فكذلك أصحاب النبي ‘ ،كانوا ا
فكانت هذه صفتهم في التوراة واإلنجيل من قبل أن يخلق اهلل
السماوات واألرض فكان مثلهم في التوراة غير مثلهم في اإلنجيل ،هذا
قول أكثر المفسرين ،وهو اختيار الطبري ،وروى عن مجاهد أن قال:
المثالن منصوصان فيهم في التوراة واإلنجيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1الموطأ :ا.)255/1
293
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
وقول { :ﱨ} أي :قواه ،يعني فقوى الشطء الزرع ،وذلك أن
الزرع أول ما يخرج رقيق األصل ضعي افا ،فإذا أخرج فراخ غلظ،
فكذلك أصحاب النبي ‘ كانوا قلة ضعفاء ومستضعفين ،فلما كثروا
وتقووا قتلوا المشركين.
ثم قال{ :ﱩ} أي :فاستوى الزرع على سوق لما غلظ
وتقوى بخروج الفراخ.
والسوق جمع ساق ،وسوق :أصول { .ﱪ ﱫ ﱬ} أي:
تالحق الفراخ باألصول فاستوى جميع ذلك ،كم تالحق من آمن من
أصحاب النبي ‘ بعضهم ببعض فاستوى جميعهم في اإليمان .ثم قال:
{ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ} أي :يعجب هذا الزارع حين استغلظ
واستوى على سوق ،فحسن عند زارعي .
وقول { :ﱯ ﱰ ﱱﱲ} فالالم متعلقة بمحذوف ،والتقدير:
فعل ذلك بهم ليغيظ بهم الكفار ،والتقدير :فعل ذلك ليغيظ بمحمد
وأصحاب الكفار ،فالمعنى فعل ذلك بمحمد وأصحاب ليغيظ الكفار.
ثم قال{ :ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ} اآلية.
أي :وعد اهلل الذين صدقوا محم ادا وعملوا األعمال الصالحات من
أجرا عظي اما ففضلهم بذلك على غيرهم ،وقيل :معنى
أصحاب محمد ا
أجرا عظي اما،
وعد اهلل الذين تثبتوا على اإليمان من أصحاب محمد ا
294
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ} [النور.]55 :
أخبر اهلل نبي ووعده أن سيمكن من آمن ب من ملك أرض العدو،
وأن سيستخلفهم في تلك آمنين ،فكان ما وعد ب ،وهذا من أدل ما يكون
على صحة نبوة محمد ألن أخبر بما يكون قبل أن يكون ،فكان كما
أخبر ‘ ،فال يكون ذلك ِإًل عن وحي من اهلل إلي بذلك ،وًل يجوز أن
ضا ويخطئ يكون هذا اإلخبار من متخرص يصيب ويخطئ ،ويصيب بع ا
في بعض ألن قد كان كل ما وعدهم ب ،لم يمتنع من شيء ،والمتخرص
يقع خبره كذ ابا في أكثر أقوال ،وربما وافق بعض ما أخبر ب ،وأخطأ في
بعض ،وًل يصيب المتخرص في كل ما وعد ب ،فلما كان كل ما أخبر
ب النبي ‘ لم يمتنع من شيء علمنا أن بوحي ،والوحي ًل يكون إًل
للنبي والرسول الصادق في أخباره ،فكان في ذلك دًللة على نبوة
محمد .ألن اهلل تعالى ذكره قد أنجز ل وعدها.)1
وهذه اآلية ال تمتنع من العموم ،لكنها دالة على أصحاب الرسول ‘
باألولويةا.)2
يقول ابن تيمية> :فقد وعد اهلل الذين آمنوا وعملوا الصالحات
باالستخالف ،كما وعدهم في تلك اآلية مغفرة وأجرا عظيما ،واهلل
ًل يخلف الميعاد ،فدل ذلك على أن الذين استخلفهم كما استخلف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :الهداية ،لمكي :ا.)5142/8
ا )2انظر :المحرر الوجيز :ا.)193/4
296
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
الذين من قبلهم ومكن لهم دين اإلسالم ،وهو الدين الذي ارتضاه لهم،
كما قال تعالى{ :ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ} [المائدة ،]3 :وبدلهم من بعد
خوفهم أمنا ،لهم من المغفرة واألجر العظيم.
وهذا يستدل به من وجهين :يستدل به على أن المستخلفين مؤمنون
عملوا الصالحات؛ ألن الوعد لهم ًل لغيرهم ،ويستدل ب على أن هؤًلء
مغفور لهم ،ولهم مغفرة وأجر عظيم؛ ألنهم آمنوا وعملوا الصالحات
فتناولتهم اآليتان :آية النور وآية الفتح.
ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة على زمن أبي
بكر وعمر وعثمان ،فإنه إذ ذاك حصل االستخالف ،وتمكن الدين واألمن
بعد الخوف ،لما قهروا فارس والروم ،وفتحوا الشام والعراق ومصر
وخراسان وإفريقية ،ولما قتل عثمان وحصلت الفتنة لم يفتحوا شيئا من
بالد الكفار ،بل طمع فيهم الكفار بالشام وخراسان ،وكان بعضهم
يخاف بعضا.
وحينئذ فقد دل القرآن على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان ،ومن
كان معهم في زمن اًلستخالف والتمكين واألمن .والذين كانوا في
زمن اًلستخالف والتمكين واألمن ،وأدركوا زمن الفتنة ــ كعلي وطلحة
والزبير وأبي موسى األشعري ومعاوية وعمرو بن العاص ــ دخلوا في
اآلية ؛ ألنهم استخلفوا ومكنوا وأمنوا<ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1منهاج السنة :ا 36/2ــ .)39
297
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
يقول ابن كثير> :هذا وعد من اهلل لرسوله ‘ بأنه سيجعل أمته خلفاء
األرض ،أي :أئمة الناا والوًلة عليهم ،وبهم تصلح البالد ،وتخضع
لهم العباد ،وليبدلن بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم ،وقد فعل
ذلك .وله الحمد والمنة ،فإنه لم يمت رسول اهلل ‘ حتى فتح اهلل عليه
مكة وخيبر والبحرين ،وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها .وأخذ
الجزية من مجوس هجر ،ومن بعض أطراف الشام ،وهاداه هرقل ملك
الروم وصاحب مصر واإلسكندرية ــ وهو المقوقس ــ وملوك عمان
والنجاشي ملك الحبشة ،الذي تملك بعد أصحمة ،رحمه اهلل وأكرم .
ثم لما مات رسول اهلل ‘ واختار اهلل ل ما عنده من الكرامة ،قام
باألمر بعده خليفت أبو بكر الصديق ،فلم شعث ما وهى عند موت
وأطد جزيرة العرب ومهدها ،وبعث الجيوش اإلسالمية إلى بالد فارا
صحبة خالد بن الوليد ، ،ففتحوا طرفا منها ،وقتلوا خلقا من أهلها.
وجيشا آخر صحبة أبي عبيدة ، ،ومن مع من األمراء إلى أرض
الشام ،وثالثا صحبة عمرو بن العاص ، ،إلى بالد مصر ،ففتح اهلل
للجيش الشامي في أيام بصرى ودمشق ومخاليفهما من بالد حوران وما
واًلها ،وتوفاه اهلل ،واختار ل ما عنده من الكرامة .ومن على
اإلسالم وأهل بأن ألهم الصديق أن استخلف عمر الفاروق ،فقام في
األمر بعده قياما تاما ،لم يدر الفلك بعد األنبياء على مثل ،في قوة
سيرت وكمال عدل .وتم في أيام فتح البالد الشامية بكمالها ،وديار
298
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
مصر إلى آخرها ،وأكثر إقليم فارا ،وكسر كسرى وأهان غاية الهوان،
وتقهقر إلى أقصى مملكت ،وقصر قيصر ،وانتزع يده عن بالد الشام
فانحاز إلى قسطنطينة ،وأنفق أموالهما في سبيل اهلل ،كما أخبر بذلك
ووعد ب رسول اهلل ،علي من رب أتم سالم وأزكى صالة.
ثم لما كانت الدولة العثمانية ،امتدت المماليك اإلسالمية إلى
أقصى مشارق األرض ومغاربها ،ففتحت بالد المغرب إلى أقصى ما
هنالك :األندلس ،وقبرص ،وبالد القيروان ،وبالد سبتة مما يلي البحر
المحيط ،ومن ناحية المشرق إلى أقصى بالد الصين ،وقتل كسرى،
وباد ملك بالكلية .وفتحت مدائن العراق ،وخراسان ،واألهواز ،وقتل
المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جدا ،وخذل اهلل ملكهم األعظم
خاقان ،وجبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين
عثمان بن عفان . ،وذلك ببركة تالوت ودراست وجمع األمة على
حفظ القرآن؛ ولهذا ثبت في الصحيح عن رسول اهلل ‘ أن قال> :إن
اهلل زوى لي األرض ،فرأيت مشارقها ومغاربها ،وسيبلغ ملك أمتي ما
زوي لي منها<ا )1فها نحن نتقلب فيما وعدنا اهلل ورسول ،وصدق اهلل
ورسول ،فنسأل اهلل اإليمان ب ،وبرسول ،والقيام بشكره على الوج
الذي يرضي عنا<ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1صحيح مسلم برقم ا )2889من حديث ثوبان. ،
ا )2تفسير ابن كثير :ا 77/6ــ .)78
299
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ﱐ} ما وعد اهلل من نصره والشهادة على ما مضى علي أصحاب <ا.)1
وقال الطبري> :يقول تعالى ذكره {ﱁ ﱂ} باهلل ورسول
{ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} يقول :أوفوا بما عاهدوه علي من
الصبر على البأساء والضراء ،وحين البأا {ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} يقول:
فمنهم من فرغ من العمل الذي كان نذره اهلل وأوجب ل على نفس ،
فاستشهد بعض يوم بدر وبعض يوم أحد وبعض في غير ذلك من
المواطن {ﱎ ﱏ ﱐ} قضاءه والفراغ من ،كما قضى من مضى
منهم على الوفاء هلل بعهده ،والنصر من اهلل ،والظفر على عدوه<ا.)2
:U
إذا علمت ما سبق ،فاعلم أن الثناء يشمل أصحاب النبي ‘
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :الهداية ،لمكي :ا.)2901/4
ا )2النكت الشنيعة :ا.)102
302
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
جملة ،ألن اآليات عامةً ،ل ينبغي تخصيصها بغير موجب ،ونحن نعيد
ذكر هذه اآليات التي تدل على مدح الصحابة جملة ،ليتبين الحق،
ويجاب بذلك عن بعض ما يتردد أن اآليات ًل تشمل الصحابة ،بل هي
لقوم مخصوصين ،وقد بينا عند ذكرنا لآليات دًللتها على العموم،
ونذكر طر افا من هذا لمزيد بيان وإيضاح ،فنقولا:)1
ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ
ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ
ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ} [الفتح.]29 :
فقول { :ﱅ ﱆ} دال على العموم ،وًل يصح تخصيص ،ومع
هذا فإن الذي يطالع أحوال أصحاب النبي ‘ يعلم صدق تحققهم
بهذه األوصاف التي ذكرها في اآلية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1واعلم أن المعترض ًل يستطيع إثبات عدالة واحد ممن يثبت عدالتهم إًل وفي إثبات
دليل لنا ،فإن إن ادعى في واحد ممن لم يثبت نفاقهم بنص صريح ألمكن لغيره أن
يدعي النفاق في أي ممن يثبت عدالتهم.
وإن أراد إثبات إيمان وعدالت بنص القرآن علي ،قيل لهم :القرآن عام ،وتناول
لواحد ليس بأعظم من تناول لغيره ،وما من آية يدعون اختصاصها ،إًل أمكن أن يدعى
اختصاصها أو اختصاص مثلها في غير من يثبتون عدالت ،فباب الدعوى بال حجة
ممكنة.
303
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
وًل ريب أن هذا مدح لهم بما ذكر من الصفات :وهو الشدة على
الكفار والرحمة بينهم ،والركوع والسجود يبتغون فضال من اهلل ورضوانا،
والسيما في وجوههم من أثر السجود ،وأنهم يبتدئون من ضعف إلى
كمال القوة واًلعتدال كالزرع.
والوعد بالمغفرة واألجر العظيم ليس على مجرد هذه الصفات،
بل على اإليمان والعمل الصالح ،فذكر ما ب يستحقون الوعد ،وإن
كانوا كلهم بهذه الصفة ،ولوًل ذكر ذلك لكان يظن أنهم بمجرد ما ذكر
يستحقون المغفرة واألجر العظيم ،ولم يكن في بيان سبب الجزاء،
بخالف ما إذا ذكر اإليمان والعمل الصالح ،فإن الحكم إذا علق باسم
مشتق مناسب ،كان ما من اًلشتقاق سبب الحكم.
فإن قيل :فالمنافقون كانوا في الظاهر مسلمين ،قيل :المنافقون لم
يكونوا متصفين بهذه الصفات ،ولم يكونوا مع الرسول والمؤمنين ،ولم
يكونوا منهم ،كما قال تعالى{ :ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ
ﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹ ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ
ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ} [المائدة 52 :ــ .]53
{ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ وقول تعالى:
ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈ
ﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔ
ﲕ} [العنكبوت 10 :ــ .]11
304
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
{ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﱁ وقال:
ﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏ
ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ
{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﱜ ﱝ ﱞﱟ} [النساء 140 :ــ .]141إلى قول :
ﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬ ﲭﲮﲯﲰﲱﲲ
ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ
ﲿ} [النساء 145 :ــ .]146
{ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ وقال تعالى:
ﱝ} [التوبة.]56 :
{ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ وقال تعالى:
،]14فأخبر أن المنافقين ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ}
[المجادلة:
305
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
ﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴ
ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ}
[األحزاب 60 :ــ ،]61فلما لم يغره اهلل بهم ولم يقتلهم تقتيال ،بل كانوا
يجاورون بالمدينة ،دل ذلك على أنهم انتهوا.
{ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ 2ــ وقال تعالى:
ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ
{ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﱿ} [األنفال ]72 :إلى قول :
ﳄ ﳅ ﳆ} [األنفال ،]75 :فأثبت المواًلة بينهم مع أنهم هاجروا
وجاهدوا من بعد أولئك السابقين.
3ــ وقال تعالى{ :ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ}
[األنفال ،]64 :أي :اهلل كافيك وكافي من اتبعك من المؤمنين ،والصحابة
أفضل من اتبع من المؤمنين وأولهم.
{ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ 4ــ وقال تعالى:
ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ
ﱵ ﱶ} [النصر] ،والذين رآهم النبي ـ ‘ ـ يدخلون في دين اهلل
أفواجا هم الذين كانوا على عصره.
{ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ 5ــ وقال تعالى:
ﱑ} [األنفال 62 :ــ ،]63وإنما أيده في حيات بالصحابة.
306
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
وحينئذ فقد دل القرآن على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان ،ومن
كان معهم في زمن اًلستخالف والتمكين واألمن.
يقول العالمة الشيخ عبدالرحمن المعلمي اليماني في نص جامع
نفيس بعد إيراد عدة آيات في فضل الصحابة ،وقد قدمناها جميعها
بحمد اهللا> :)1ومن تدبَّر هذه اآليات وغيرها من القرآن وج َد الثناء على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1وهي كما أوردها:
>أما اآليات فمنها:
{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ 1ــ
ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ
ﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋ
ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ
ﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒ
ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ} [الحشر 8 :ــ .]10
2ــ {ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ
ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ
ﱚ} [التوبة.]100 :
3ــ {ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ
ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ} [التوبة:
.]117
{ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ 4ــ
ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ} [الفتح.]18 :
5ــ {ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ=
308
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
فمنها :ما جرى منهم يوم بدرِ ،م ْن ترجيح أخذ الفداءّ ،
فأقرهم اهلل
علي وأنزل{ :ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ =
ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱫ ﱬ ﱭ
ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ
ﳑﳒﳓﳔﳕﳖ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈ
قال ابن عبد البرا> :)1فحسن إسالم ،فلم يظهر من شيء ينكر
علي بعد ذلك ،هو أحد النجباء العقالء الكرماء من قريش<.
ثم ذكر وًليت مصر وفتح أفريقية والنوبة ،ثم قال> :ودعا رب
فقال :اللهم اجعل خاتمة عملي صالة الصبح ،فتوضأ ثم صلى الصبح،
فقرأ في الركعة األولى بأم القرآن والعاديات ،وفي الثانية بأم القرآن
وسورة ،ثم سلّم عن يمين ،وذهب يسلم عن يساره ،فقبض اهلل روح .
ذكر ذلك كل يزيد بن أبي حبيب وغيره<.
ومع ذلك فلم يُ ْر َو عن من الحديث شيء إًل حديث واحد قد رواه
غيره من الصحابة ،ومع ذلك لم يصح السند إلي .
وأما األنصار فحالهم قريب من حال المهاجرين ،إًل أن لم يعم
ّ
اإليمان جميع األوا والخزرج بل كان منهم أفراد منافقون.
قليال،
وقد ذكر اهلل ذلك في كتاب ،لكن أولئك األفراد كانوا ا
كما يظهر من اآليات واألحاديث ،وكما يُ ْعلَم ذلك بدًللة المعقول؛
كثيرا ،لكانوا أظهروا ُك ْف َرهم ،ولم يحتاجوا
فإنهم لو كانوا هم األكثر أو ا
والمسلمين، إلى النفاق ،ومع ذلك فقد كانوا معروفين عند النبي
إن لم يكن ِع ْل َم اليقين فالظن ،قال اهلل { :ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ
ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1في >اًلستيعاب< ا 375/2ــ = 378بهامش اإلصابة).
311
اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً
5
ً
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاال
316
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ
ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ
ﲎ ﲏ ﲐ} [األحزاب 28 :ــ .]34
وهذه اآليات دالة على فضل أزواج النبي ‘ من وجوه:
{ﲛ ﲜ األول :أنهن اخترن اهلل ورسول ،كما في قول تعالى:
ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ
ﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲ
ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ}.
فهذا أمر من اهلل لرسول ،صلوات اهلل وسالم علي ،بأن يخير
نساءه بين أن يفارقهن ،فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة
الدنيا وزينتها ،وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ،ولهن عند اهلل
في ذلك الثواب الجزيل ،فاخترن ،رضي اهلل عنهن وأرضاهن ،اهلل
ورسول والدار اآلخرة ،فجمع اهلل لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة
اآلخرةا ،)1واألزواج المعنيات في هذه اآلية هن أزواج التسع الالتي
توفي عليهن ،وهن :عائشة بنت أبي بكر الصديق ،وحفصة بنت
عمر بن الخطاب ،وأم حبيبة بنت أبي سفيان ،وأم سلمة بنت أمية
المخزومية ،وجويرية بنت الحار الخزاعية ،وميمونة بنت الحار
الهاللية من بني عامر بن صعصعة ،وسودة بنت زمعة العامرية القرشية،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :تفسير ابن كثير :ا.)401/6
317
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
وزينب بنت جحش األسدية ،وصفية بنت حيي النضيرية .وأما زينب
بنت خزيمة الهاللية الملقبة أم المساكين فكانت متوفاة وقت نزول هذه
اآليةا.)1
وفي هذا فضيلة عظيمة ومنقبة كبيرة لهن ،فإنهن اخترن اهلل ورسول
على الدنيا فاستحقوا موعود اهلل بالفوز والسعادة ،فعن الزهري ،قال:
أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن> ،أن عائشة ،زوج النبي ‘،
أخبرت أن رسول اهلل ‘ جاءها حين أمره اهلل أن يخير أزواج ،فبدأ بي
رسول اهلل ‘ فقال> :إني ذاكر لك أمرا ،فال عليك أن ًل تستعجلي
حتى تستأمري أبويك< وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراق ،
قالت :ثم قال :إن اهلل قال{ :ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ} إلى تمام اآليتين،
فقلت ل :ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد اهلل ورسول والدار
اآلخرة<ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1التحرير والتنوير :ا.)315/21
ا )2أخرج البخاري :ا ،)4785ومسلم :ا ،)1475وفي لفظ للبخاري> :عن ابن
شهاب ،قال :أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ،أن عائشة زوج النبي ‘ ،قالت
لما أمر رسول اهلل ‘ بتخيير أزواج بدأ بي ،فقال> :إني ذاكر لك أمرا فال عليك
أن ًل تعجلي حتى تستأمري أبويك< قالت :وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني
بفراق ،قالت :ثم قال :إن اهلل جل ثناؤه قال{ :ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ
ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ} [األحزاب ]28 :إلى {ﲷ ﲸ} [النساء]40 :
قالت :فقلت :ففي أي هذا أستأمر أبوي ،فإني أريد اهلل ورسول والدار اآلخرة،
قالت :ثم فعل أزواج النبي ‘ مثل ما فعلت< ،ح :ا.)4786
318
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
جميال معرو افا في الخير ،ثم قال{ :ﱦ ﱧ ﱨ} ا قوًل
زيد :معناه :ا
أي :اثبتن في بيوتكن ،ثم قال تعالى{ :ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ}
أي :إذا خرجتن من بيوتكن ،قال قتادة :التبرج في هذا الموضع التبختر
والتكسر ،وكانت الجاهلية األولى مشية فيها تكسير وتغنج فنهاهن اهلل
عن ذلك ،وقيل التبرج إظهار الزينة للرجال ،وحقيقتها إظهار ما ستر
اهلل ،وهو مأخوذ من السعة<ا.)1
يقول الشيخ السعدي> :يقول تعالى{ :ﱑ ﱒ} خطاب لهن
كلهن {ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ} اهلل ،فإنكن بذلك ،تفقن
النساء ،وًل يلحقكن أحد من النساء ،فكملن التقوى بجميع وسائلها
ومقاصدها.
{ﱚ ﱛ فلهذا أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم ،فقال:
ﱜ} أي :في مخاطبة الرجال ،أو بحيث يسمعون فَ َتلِ َّن في ذلك،
وتتكلمن بكالم رقيق يدعو ويطمع {ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ} أي :مرض
شهوة الزنا ،فإن مستعد ،ينظر أدنى محرك يحرك ،ألن قلب غير
صحيح فإن القلب الصحيح ليس في شهوة لما حرم اهلل ،فإن ذلك ًل
تكاد ُت ِميلُ وًل تحرك األسباب ،لصحة قلب ،وسالمت من المرض.
بخالف مريض القلب ،الذي ًل يتحمل ما يتحمل الصحيح ،وًل
يصبر على ما يصبر علي ،فأدنى سبب يوجد ،يدعوه إلى الحرام ،يجيب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1الهداية ،لمكي :ا ،)5828/9وما بعده ،بتصرف.
321
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
دعوت ،وًل يتعاصى علي ،فهذا دليل على أن الوسائل ،لها أحكام
المقاصد .فإن الخضوع بالقول ،واللين في ،في األصل مباح ،ولكن
لما كان وسيلة إلى المحرم ،منع من ،ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة
الرجال ،أن ًل تلِ َ
ين لهم القول.
ولما نهاهن عن الخضوع في القول ،فربما توهم أنهن مأمورات
بإغالظ القول ،دفع هذا بقول { :ﱢ ﱣ ﱤ} أي :غير غليظ ،وًل
جاف كما أن ليس بِلَيِّ ٍن خاضع.
وتأمل كيف قال{ :ﱚ ﱛ ﱜ} ولم يقل> :فال َتلِ َّن بالقول<
وذلك ألن المنهي عن ،القول اللين ،الذي في خضوع المرأة للرجل،
وانكسارها عنده ،والخاضع ،هو الذي يطمع في ،بخالف من تكلم
كالما لي انا ،ليس في خضوع ،بل ربما صار في ترفع وقهر للخصم ،فإن
ا
هذاً ،ل يطمع في خصم ،ولهذا مدح اهلل رسول باللين ،فقال{ :ﱉ
ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ} وقال لموسى وهارون{ :ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ
ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ}.
ودل قول { :ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ} مع أمره بحفظ الفرج وثنائ
على الحافظين لفروجهم ،والحافظات ،ونهي عن قربان الزنا ،أن ينبغي
للعبد ،إذا رأى من نفس هذه الحالة ،وأن يهش لفعل المحرم عندما يرى
أو يسمع كالم من يهواه ،ويجد دواعي طمع قد انصرفت إلى الحرام،
فَ ْل َي ْعر ِْف أن ذلك مرض.
322
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
فَ ْل َي ْج َته ِْد في إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية ،ومجاهدة
نفس على سالمتها من هذا المرض الخطر ،وسؤال اهلل العصمة
والتوفيق ،وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور ب .
{ﱩ {ﱦ ﱧ ﱨ} أي :اقررن فيها ،ألن أسلم وأحفظ ل َ ُك َّن،
ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ} أي :ال تكثرن الخروج متجمالت أو
متطيبات ،كعادة أهل الجاهلية األولى ،الذين ًل علم عندهم وًل دين،
فكل هذا دفع للشر وأسباب .
عموما ،وبجزئيات من التقوى ،نص عليها
ا ولما أمرهن بالتقوى
صا الصالة والزكاة،
لحاجة النساء إليها ،كذلك أمرهن بالطاعة ،خصو ا
اللتان يحتاجهما ،ويضطر إليهما كل أحد ،وهما أكبر العبادات ،وأجل
الطاعات ،وفي الصالة ،اإلخالص للمعبود ،وفي الزكاة ،اإلحسان إلى
العبيد.
عموما ،فقال{ :ﱳ ﱴ ﱵ} يدخل في ا ثم أمرهن بالطاعة
أمرا ب أمر إيجاب أو استحباب.
طاعة اهلل ورسول ،كل أمرَ ،
{ﱷ ﱸ ﱹ} بأمركن بما أَ َم َر ُك َّن ب ،ونهيكن بما نها ُك َّن عن ،
{ﱺ ﱻ ﱼ} أي :األذى ،والشر ،والخبث ،يا {ﱽ ﱾ
ﱿ ﲀ} حتى تكونوا طاهرين مطهرين.
أي :فاحمدوا ربكم ،واشكروه على هذه األوامر والنواهي ،التي
323
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
آية التطهير:
ونحن نفرد الحديث عن هذه اآلية ألهميتها ومركزيتها في فضائل
آل بيت رسول اهلل ‘ ،وهي قول تعالى{ :ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ
ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [األحزاب.]33 :
واعلم أن >هذه اآلية منبع فضائل أهل البيت النبوي ًلشتمالها على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تيسير الكريم الرحمن :ا 663ــ .)664
324
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
رسول اهلل ‘ ومع علي وحسن وحسين رضي اهلل تعالى عنهم ،آخذ
كل واحد منهما بيده ،حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة ،فأجلسهما بين
يدي ،وأجلس حسنا ،وحسينا كل واحد منهما على فخذه ،ثم لف
عليهم ثوب ــ أو قال :كساء ــ ثم تال هذه اآلية{ :ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ
ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} وقال :اللهم هؤًلء أهل بيتي،
وأهل بيتي أحقا.)1
وعن هالل بن يساف ،قال :سمعت الحسن بن علي وهو يخطب
وهو يقول> :يا أهل الكوفة ،اتقوا اهلل فينا ،فإنا أمراؤكم ،وإنا
أضيافكم ،ونحن أهل البيت الذين قال اهللِ > :إنَّما يُرِي ُد اهللُ لِ ُيذْ ِه َب
ِيرا< ،قال :فما رأيت يوما قط الر ْج َس أَ ْه َل ا ْلب ْي ِ
ت َويُطَ ِّه َر ُك ْم َت ْطه ا َع ْن ُك ُم ِّ
َ
أكثر باكيا من يومئذ<ا ،)2وعن أبي جميلة> :أن الحسن بن علي لما
استخلف حين قتل علي فبينما هو يصلي إذ وثب علي رجل فطعن
بخنجر ــ وزعم حصين أن بلغ أن الذي طعن رجل من بني أسد ــ
وحسن ساجد قال حصين :وعمي أدرك ذاك.
قال :فيزعمون أن الطعنة وقعت في ورك فمرض منها أشهرا ثم
برئ .فقعد على المنبر فقال :يا أهل العراق اتقوا اهلل فينا فإنا أمراؤكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج اإلمام أحمد :ا ،)107/4وابن حبان :ا ،)6976والحاكم :ا،)416/2
وغيرهم.
ا )2الجزء المتمم لطبقات ابن سعد [الطبقة الخامسة في من قبض رسول اهلل ‘ ،وهم
أحدا األسنان] :ا.)318/1
327
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
وضيفانكم أهل البيت الذين قال اهللِ > :إنَّما يُرِي ُد اهللُ لِ ُيذْ ِه َب َع ْن ُك ُم ><3
ِيرا< ،قال :فما زال يقول ذاك حتى ما الر ْج َس أَ ْه َل ا ْلب ْي ِ
ت َويُ َط ِّه َر ُك ْم َت ْطه ا ِّ
َ
يرى أحد من أهل المسجد إًل وهو يخن بكاءا<ا.)1
بقي أن نشير إلى أن بعض أهل العلم ذكر أن المراد باآلية اإلرادة
الشرعية ،أي :أن اهلل يحب من هؤًلء أن يتطهروا ،يقول ابن تيمية:
>وتحقيق ذلك في مقامين أحدهما :أن قول { :ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ
ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} ،كقول { :ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ
ﱶ ﱷ ﱸ} [المائدة ،]6 :وكقول { :ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ
ﲫ ﲬ} [البقرة ،]185 :وكقول { :ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ
ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﱁ ﱂ ﱃ
ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ}
[النساء 26 :ــ .]27فإن إرادة اهلل في هذه اآليات متضمنة لمحبة اهلل لذلك،
المراد ورضاه ب ،وأن شرع للمؤمنين وأمرهم ب ،ليس في ذلك أن
خلق هذا المراد ،وًل أن قضاه وقدره ،وًل أن يكون ًل محالة .والدليل
على ذلك أن النبي ـ ‘ ـ بعد نزول هذه اآلية قال> :اللهم هؤًلء أهل
بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا< .فطلب من اهلل لهم إذهاب
الرجس والتطهير ،فلو كانت اآلية تتضمن إخبار اهلل بأن قد أذهب عنهم
الرجس وطهرهم ،لم يحتج إلى الطلب والدعاء<ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1السابق :ا.)323/1
ا )2منهاج السنة :ا.)72/7
328
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
ثم قال> :وإذا كانت اآلية دالة على وقوع ما أراده من التطهير
وإذهاب الرجس ،لم يلزم بمجرد اآلية ثبوت ما ادعاه .ومما يبين ذلك
أن أزواج النبي ـ ‘ ـ مذكورات في اآلية ،والكالم في األمر بالتطهير
بإيجاب ،ووعد الثواب على فعل ،والعقاب على ترك .قال تعالى:
{ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ
ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ}{ .ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ
ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ}{ .ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ
ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ} [األحزاب:
خصهم بالدعاء<.ا.)1
وقال> :فإن قيل :فهب أن القرآن ًل يدل على وقوع ما أريد من
التطهير وإذهاب الرجس ،لكن دعاء النبي ـ ‘ ـ لهم بذلك يدل على
وقوع ،فإن دعاءه مستجاب .قيل :المقصود أن القرآن ًل يدل على ما
ادعاه من ثبوت الطهارة وإذهاب الرجس ،فضال عن أن يدل على
العصمة واإلمامة .وأما اًلستدًلل بالحديث فذاك مقام آخر .ثم نقول
في المقام الثاني :هب أن القرآن دل على طهارتهم وإذهاب الرجس
عنهم ،كما أن الدعاء المستجاب ًل بد أن يتحقق مع طهارة المدعو
لهم وإذهاب الرجس عنهم ،لكن ليس في ذلك ما يدل على العصمة
من الخطأ .والدليل علي أن اهلل لم يرد بما أمر ب أزواج النبي ـ ‘ ـ
أن ًل يصدر من واحدة منهن خطأ ،فإن الخطأ مغفور لهن ولغيرهن،
وسياق اآلية يقتضي أن يريد ليذهب عنهم الرجس ــ الذي هو الخبث
كالفواحش ــ ويطهرهم تطهيرا من الفواحش وغيرها من الذنوب<ا.)2
ومن اآليات الدالة على فضل أزواج النبي ‘ ،قول تعالى:
{ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ} [األحزاب ،]6 :قال
الواحدي> :قال جميع المفسرين :أي في حرمة نكاحهن ،فال يحل
ألحد التزوج بواحدة منهن كما ًل يحل التزوج باألم .وهذه األمومة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1منهاج السنة :ا 74/7ــ .)75
ا )2منهاج السنة :ا.)79/7
330
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
تعود إلى حرمة نكاحهن ًل غير؛ ألن لم يثبت شيء من أحكام األمومة
بين المؤمنين وبينهن سوى هذه الواحدة ،أًل ترى أن ًل يحل رؤيتهن
وًل يرثن المؤمنين وًل يرثونهن ،ولهذا قال الشافعي :وأزواج أمهاتهم
في معنى دون معنى ،وهو أنهن محرمات على التأبيد ،وما كن محرمات
لهن
َّ في الخلوة والمسافرة وغير ذلك<ا ،)1وقال الزمخشري> :تشبي
باألمهات في بعض األحكام ،وهو وجوب تعظيمه َّن واحترامهن،
وتحريم نكاحهن<ا.)2
{ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ وقال ابن تيمية> :وقد قال اهلل تعالى:
ﲫﲬ ﲭ ﲮ} [األحزاب ]6 :وهذا أمر معلوم لألمة علما عاما،
وقد أجمع المسلمون على تحريم نكاح هؤًلء بعد موت على غيره،
وعلى وجوب احترامهن ؛ فهن أمهات المؤمنين في الحرمة والتحريم،
ولسن أمهات المؤمنين في المحرمية ،فال يجوز لغير أقاربهن الخلوة
بهن ،وًل السفر بهن ،كما يخلو الرجل ويسافر بذوات محارم .
{ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ولهذا أمرن بالحجاب ،فقال اهلل تعالى:
ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ
{ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ وقال تعالى: [األحزاب]59 : ﲞ}
ﲴﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1التفسير البسيط :ا.)176/18
ا )2الكشاف :ا.)523/3
331
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ} ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ
[األحزاب<]53 :ا.)1
على أن معناه :إال مودتي في قرابتي منكم ،وأن األلف والالم في المودة
أدخلتا بدًل من اإلضافة ،كما قيل{ :ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ} [النازعات]41 :
وقول > :إًل< في هذا الموضع استثناء منقطع ومعنى الكالم :قل ًل
أسألكم علي أجرا ،لكني أسألكم المودة في القربى ،فالمودة منصوبة
على المعنى الذي ذكرت وقد كان بعض نحويي البصرة يقول :هي منصوبة
بمضمر من الفعل ،بمعنى :إًل أن أذكر مودة قرابتي<ا.)1
{ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ يقول ابن كثير> :وقول :
ﱓ} أي :قل يا محمد لهؤًلء المشركين من كفار قريشً :ل أسألكم
على هذا البالغ والنصح لكم ما ًل تعطوني ،وإنما أطلب منكم أن تكفوا
شركم عني وتذروني أبلغ رساًلت ربي ،إن لم تنصروني فال تؤذوني
بما بيني وبينكم من القرابة<ا.)2
وأورد عدة أحاديث منها حديث ابن عباا :أن سئل عن
قول { :ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} [الشورى ]23 :ــ فقال سعيد بن جبير :قربى آل
محمد ‘ ــ فقال ابن عباا :عجلت إن النبي ‘ لم يكن بطن من
قريش ،إًل كان ل فيهم قرابة ،فقال> :إًل أن تصلوا ما بيني وبينكم من
القرابة<ا.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا.)502/20
ا )2تفسير ابن كثير :ا.)199/7
ا )3رواه البخاري :ا.)4818
335
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
{ﱋ ﱌ ثم قال ....> :عن ابن عباا قال :لما نزلت هذه اآلية:
ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} قالوا :يا رسول اهلل ،من هؤًلء
الذين أمر اهلل بمودتهم؟ قال> :فاطمة وولدها.< ،
وهذا إسناد ضعيف ،في مبهم ًل يعرف ،عن شيخ شيعي متخرق،
وهو حسين األشقر ،وًل يقبل خبره في هذا المحل .وذكر نزول هذه
اآلية في المدينة بعيد؛ فإنها مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أوًلد
بالكلية ،فإنها لم تتزوج بعلي إًل بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة.
والحق تفسير اآلية بما فسرها ب اإلمام حبر األمة ،وترجمان
القرآن ،عبد اهلل بن عباا ،كما رواه عن البخاري وًل تنكر الوصاة
بأهل البيت ،واألمر باإلحسان إليهم ،واحترامهم وإكرامهم ،فإنهم من
ذرية طاهرة ،من أشرف بيت وجد على وج األرض ،فخرا وحسبا
ونسبا ،وًل سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة
الجلية ،كما كان علي سلفهم ،كالعباا وبني ،وعلي وأهل بيت وذريت ،
رضي اهلل عنهم أجمعين<ا.)1
وذكر أهل التفسير >في المراد بال ُقربى خمسة أقوال:
أحدها :أن معنى الكالم :إ ًّل أن َت َو ُّدوني لقرابتي منكم ،قال ابن
بطن
عباا ،وعكرمة ،ومجاهد في األكثرين .قال ابن عباا :ولم يكن ٌ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير ابن كثير :ا.)201/7
336
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1زاد المسير :ا 64/4ــ .)65
337
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
5ــ الغنيمة:
{ﱂ ومما يتعلق بآل البيت مما ذكر في القرآن ،قول تعالى:
ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎ
ﱏ ﱐ} [األنفال.]41 :
قال ابن كثير> :يبين تعالى تفصيل ما شرع مخصصا لهذه األمة
الشريفة ،من بين سائر األمم المتقدمة ،من إحالل المغانم .و>الغنيمة<:
هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب .و>الفيء< :ما
أخذ منهم بغير ذلك ،كاألموال التي يصالحون عليها ،أو يتوفون عنها
وًل وار لهم ،والجزية والخراج ونحو ذلك .هذا مذهب اإلمام
الشافعي في طائفة من علماء السلف والخلف.
ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق علي الغنيمة ،والغنيمة
على الفيء أيضا؛ ولهذا ذهب قتادة إلى أن هذه اآلية ناسخة آلية
{ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ >الحشر<:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1التحرير والتنوير :ا.)83/25
338
اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً
قريش على حرب الرسول؛ ولهذا كان ذم أبي طالب لهم في قصيدت
الالمية أشد من غيرهم ،لشدة قربهم<ا.)1
وانظر ما يتعلق باآلية من أحكام في مظان في كتب الفق ا.)2
:U
اعلم أن هذه اآليات هي اآليات التي وردت في فضائل آل البيت
دليال على التفضيل
جملة ،وقد علمت أن بعضها ًل يصلح أن يكون ا
لعموم ،ونحو ذلك ،وقد تركنا إيراد ما ًل يصح أن نعول علي ،إما
للتعسف في تأويل ،وإما لكون اآلية عامة ،وتخصيصها بشخص أو
أشخاص غاية في الضعف ،وإننا نشهد آلل البيت بالفضائل الثابتة
الصحيحة التي ًل نحتاج معها إلى تحميل للنصوص ما ًل تحتمل ،
والحمد هلل رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير ابن كثير :ا 59/4ــ .)65
ا )2الموسوعة الفقهية الكويتية :ا.)71/33
340
ا ا ا ااا َّ ا ا
ا
وصةُ
مصُ ُ
آياتُ ُ
يمُ ُ
ل ِ ُف ِ ُ
ز ُ
ين ُن ُ
ال ُ لص ُ
َح ُبةُ ِ ُ ا ُ
الصديق األكرب (أبو بكر)
5
الصديق األكرب (أبو بكر)
هو خليفة رسول اهلل ـ ‘ ـ ،ومؤنس في الغارِ ،
وص ِّديق األكبر،
أفضل األُ َّمة ،وسيد المهاجرين
ُ وصديقه األشفق ،ووزيره األحزم،
وخيرهم ،وسابق الصحابة وشيخهم ،عبد اهلل بن عثمان بن عامر بن
عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب
القرشي التيميا ،)1ويلتقي مع النبي ـ ‘ ـ في النسب في الجد السادا
مرة بن كعب ،ويكنى بأبي بكرا.)2
>وقد علم بالتواتر أن أبا بكر كان محبا للنبي ـ ‘ ـ مؤمنا ب ،من
أعظم الخلق اختصاصا ب ،أعظم مما تواتر من شجاعة عنترة ،ومن
سخاء حاتم ،ومن مواًلة علي ومحبت ل ،ونحو ذلك من التواترات
المعنوية فيها األخبار الكثيرة على مقصود واحد<ا.)3
1ــ الصاحب.
لقد ذكر اهلل تعالى فضل الصديق في عدد من اآليات الكريمة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1اإلصابة ًلبن حجر :ا 144/4ــ .)145
ا )2أبو بكر الصديق ،علي الطنطاوي ،ا.)46
ا )3منهاج السنة :ا.)434/8
343
الصديق األكرب (أبو بكر)
> ]40قالت عائشة :وأبو سعيد ،وابن عباا > :وكان أبو بكر مع
النبي ‘ في الغار<<ا.)1
وقد حكى أبو بكر قصة اآلية فعن البراء بن عازب ،يقول:
جاء أبو بكر الصديق إلى أبي في منزل ،فاشترى من رحال ،فقال
لعازب :ابعث معي ابنك يحمل معي إلى منزلي ،فقال لي أبي :احمل ،
فحملت ،وخرج أبي مع ينتقد ثمن ،فقال ل أبي :يا أبا بكر حدثني
كيف صنعتما ليلة سريت مع رسول اهلل ‘؟ قال :نعم ،أسرينا ليلتنا
كلها ،حتى قام قائم الظهيرة ،وخال الطريق فال يمر في أحد ،حتى
رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل ،لم تأت علي الشمس بعد ،فنزلنا
عندها ،فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكانا ،ينام في النبي ‘ في
ظلها ،ثم بسطت علي فروة ،ثم قلت :نم ،يا رسول اهلل وأنا أنفض لك
ما حولك ،فنام وخرجت أنفض ما حول ،فإذا أنا براعي غنم مقبل
بغنم إلى الصخرة ،يريد منها الذي أردنا ،فلقيت فقلت :لمن أنت؟ يا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1صحيح البخاري :ا.)3/5
344
الصديق األكرب (أبو بكر)
غالم فقال :لرجل من أهل المدينة ،قلت :أفي غنمك لبن؟ قال :نعم،
قلت :أفتحلب لي؟ قال :نعم ،فأخذ شاة ،فقلت ل :انفض الضرع من
الشعر والتراب والقذى ــ قال :فرأيت البراء يضرب بيده على األخرى
ينفض ــ فحلب لي ،في قعب مع ،كثبة من لبن ،قال :ومعي إداوة
أرتوي فيها للنبي ‘ ،ليشرب منها ويتوضأ ،قال :فأتيت النبي ‘،
وكرهت أن أوقظ من نوم ،فوافقت استيقظ ،فصببت على اللبن من
الماء حتى برد أسفل ،فقلت :يا رسول اهلل اشرب من هذا اللبن ،قال:
فشرب حتى رضيت ،ثم قال> :ألم يأن للرحيل؟< قلت :بلى ،قال:
فارتحلنا بعدما زالت الشمس ،واتبعنا سراقة بن مالك ،قال :ونحن في
جلد من األرض ،فقلت :يا رسول اهلل أتينا ،فقالً> :ل تحزن إن اهلل
معنا< فدعا علي رسول اهلل ‘ ،فارتطمت فرس إلى بطنها ،أرى فقال:
إني قد علمت أنكما قد دعوتما علي ،فادعوا لي ،فاهلل لكما أن أرد
عنكما الطلب فدعا اهلل ،فنجا ،فرجع ًل يلقى أحدا إًل قال :قد كفيتكم
ما هاهنا ،فال يلقى أحدا إًل رده ،قال :ووفى لناا .)1وعن أنس ،عن
أبي بكر ،قال :قلت للنبي ‘ :وأنا في الغار :لو أن أحدهم نظر
تحت قدمي ألبصرنا ،فقال> :ما ظنك يا أبا بكر باثنين اهلل ثالثهما<ا.)2
وكفى بتلقيب اهلل ل في القرآن بالصاحب ،كما في قول تعالى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه البخاري :ا ،)3615ا ،)3652ومسلم :ا.)2009
ا )2رواه البخاري :ا.)3653
345
الصديق األكرب (أبو بكر)
{ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ
ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ
ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ
ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ} [التوبة.]40 :
>شهد اهلل ــ جل وتعالى ــ ل بالصحبة والكينونة مع في الغار من
دون الناا ،ولخروج من توبيخ الخطاب وترك النصرة بالمسابقة إلى
ما قعد عن غيره ،والمشاركة ل فيما يحذر المطلوب ،إذ ًل نصرة أنصر
ممن بذل نفس للمكروه وخرج مع المطلوب يؤنس في وحدت ويشارك
فيما يتقي من محذور عدوه<ا.)1
قال الحافظ ابن حجر> :فإن المراد بصاحب هنا أبو بكر بال
منازع<ا.)2
عن عمرو بن الحار ،عن أبي :أن أبا بكر الصديق ،رحمة اهلل
تعالى علي حين خطب قال> :أيكم يقرأ سورة التوبة؟< قال رجل :أنا،
قال :اقرأ ،فلما بلغ{ :ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} بكى أبو بكر وقال:
>أنا واهلل صاحب <ا.)3
>وال ريب أن الفضيلة التي حصلت ألبي بكر في الهجرة لم تحصل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1نكت القرآن ،للقصاب :ا.)535/1
ا )2اإلصابة في تمييز الصحابة :ا.)148/4
ا )3جامع البيان :ا.)466/11
346
الصديق األكرب (أبو بكر)
ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ}.
فإن قال المفتري :إن خفي على الرسول حال لما أظهر ل الحزن،
وكان في الباطن مبغضا.
قيل ل فقد قال{ :ﲩ ﲪ ﲫ} ،فهذا إخبار بأن اهلل معهما
جميعا بنصره ،وًل يجوز للرسول أن يخبر بنصر اهلل لرسول وللمؤمنين
وأن اهلل معهم ويجعل ذلك في الباطن منافقا فإن معصوم في خبره عن
اهلل ًل يقول علي إًل الحق؛ وإن جاز أن يخفى علي حال بعض الناا
349
الصديق األكرب (أبو بكر)
2ــ الصديق.
{ﱓ ﱔ لقد جاء وصف أبي بكر بالصدق في قول تعالى:
ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ
ﱢ ﱣ ﱤ} [الزمر ،]34 :وهذه اآلية مما اختلف أهل التفسير
في معناهاا:)1
ــ فقال بعضهم :الذي جاء بالصدق رسول اهلل ‘ قالوا :والصدق
الذي جاء ب ً :ل إل إًل اهلل ،والذي صدق ب أيضا ،هو رسول اهلل ‘.
ــ وقال آخرون :الذي جاء بالصدق :رسول اهلل ‘ ،والذي
صدق ب :أبو بكر ،وروي هذا عن علي ،في قول { :ﱓ
ﱔ ﱕ} قال> :محمد ‘ ،وصدق ب ،قال :أبو بكر <ا.)2
ــ وقال آخرون :الذي جاء بالصدق :رسول اهلل ‘ ،والصدق:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= تدل على أن معهم بالنصر والتأييد واإلعانة على عدوهم ،فيكون النبي ـ ‘ ـ قد
أخبر أن اهلل ينصرني وينصرك يا أبا بكر على عدونا ويعيننا عليهم.
ومعلوم أن نصر اهلل نصر إكرام ومحبة ،كما قال تعالى{ :ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ
ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ} [سورة غافر ]51 :وهذا غاية المدح ألبي بكر؛ إذ دل
على أن ممن شهد ل الرسول باإليمان المقتضي نصر اهلل ل مع رسول ،وكان متضمنا
شهادة الرسول ل بكمال اإليمان المقتضي نصر اهلل ل مع رسول في مثل هذه الحال
التي بين اهلل فيها غناه عن الخلق فقال{ :ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ
ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ} [سورة التوبة.]40 :
ا )1انظر :تفسير الطبري :ا ،)204/20وما بعده ،وزاد المسير :ا.)18/4
ا )2جامع البيان :ا.)204/20
352
الصديق األكرب (أبو بكر)
يخص وصف بهذه لصفة التي في هذه اآلية على أشخاص بأعيانهم ،وًل
على أهل زمان دون غيرهم ،وإنما وصفهم بصفة ،ثم مدحهم بها ،وهي
المجيء بالصدق والتصديق ب ،فكل من كان كذلك وصف فهو داخل
في جملة هذه اآلية إذا كان من بني آدم ومن الدليل على صحة ما قلنا
أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود> :والذين جاءوا بالصدق وصدقوا
ب < فقد بين ذلك من قراءت أن الذي من قول {ﱓ ﱔ ﱕ} لم
يعن بها واحد بعين ،وأن مراد بها جماع ذلك صفتهم ،ولكنها أخرجت
بلفظ الواحد ،إذ لم تكن مؤقتة<ا.)1
والصحيح في هذه اآلية العموم ،لكن المقصود أن أهل التفسير
ذكروا هذه اآلية في فضائل أبي بكر ،مما يدل على أولوية دخول في
هذه اآلية ،وغيرها من اآليات الدالة على صدق ،وفي الجملة كل ما
في القرآن من خطاب االمؤمنين) واالمتقين) واالمحسنين) ومدحهم
فهو أول من دخل في ذلك من هذه األمة ،وأفضل من دخل في ذلك
من هذه األمة.
يقول ابن تيمية> :لفظ اآلية عام مطلق ال يختص بأبي بكر وال بعلي،
بل كل من دخل في عمومها دخل في حكمها .وال ريب أن أبا بكر وعمر
وعثمان وعليا أحق هذه األمة بالدخول فيها ،لكنها ًل تختص بهم<ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا 206/20ــ .)207
ا )2منهاج السنة :ا.)190/7
354
الصديق األكرب (أبو بكر)
3ــ الصالح.
{ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈ ﲉ ﲊ في قول تعالى:
ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ}
[التحريم ،]4 :ذكر بعض أهل التفسير أن المراد بصالح المؤمنين أبو بكر
وعمر ،فعن عبد اهلل بن عثمان بن خثيم ،عن سعيد بن جبير ،وعكرمة،
في قول { :ﲐ ﲑ} ،قال :أبو بكر وعمرا ،)1وعن عبيد بن
سليمان قال :سمعت الضحاك يقول في قول { :ﲐ ﲑ}،
قال :أخيار المؤمنين أبو بكر وعمرا.)2
وقد ذكر الطبري هذا القول في تفسيره عن مجاهد ،والضحاكا،)3
ولكن رجح العموم ،وهو الظاهرا.)4
لكن رجح غيره أن المراد باآلية الخصوص ،يقول الواحدي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضائل الصحابة ،لإلمام أحمد :ا ،)128/1ا.)98 ا)1
السابق :ا ،)167/1ا.)161 ا)2
جامع البيان :ا.)97/23 ا)3
جامع البيان :ا ،)98/23يقول ابن تيمية> :ومن المعلوم أن كل من كان صالحا من ا)4
المؤمنين كان مواليا للنبي ـ ‘ ـ قطعا ،فإن لو لم يوال .لم يكن من صالح
المؤمنين ،بل قد يوالي المؤمن وإن لم يكن صالحا ،لكن ًل تكون مواًلة كاملة.
وأما الصالح فيوالي مواًلة كاملة ،فإن إذا كان صالحا أحب ما أحب اهلل ورسول ،
وأبغض ما أبغض اهلل ورسول ،وأمر بما أمر ب اهلل ورسول ،ونهى عما نهى اهلل عن
ورسول .وهذا يتضمن المواًلة< ،منهاج السنة :ا.)294/7
355
الصديق األكرب (أبو بكر)
>وأظهر هذه األقوال قول من قال :إن المراد بصالح المؤمنين أبو بكر
وعمر؛ ألن الخطاب في هذه اآلية ًلبنتيهما عائشة وحفصة ،وكأن قيل
لهما :إن تعاونتما على إيذاء النبي ـ ‘ ـ فإن أبويكما ًل يوافقانكما وًل
يتظاهران معكما ،فإنهما وليا رسول اهلل<ا.)1
4ــ األتقى.
ومن اآليات التي ذكر بعض أهل التفسير أنها نازلة في أبي بكر
قول تعالى{ :ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ
ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ} [الليل 17 :ــ .]21
قال ابن كثير> :وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه اآليات
نزلت في أبي بكر الصديق ، ،حتى إن بعضهم حكى اإلجماع من
المفسرين على ذلك .وًل شك أن داخل فيها ،وأولى األمة بعمومها،
فإن لفظها لفظ العموم ،وهو قول تعالى{ :ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ
ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ} ولكن مقدم األمة وسابقهم في
جميع هذه األوصاف وسائر األوصاف الحميدة؛ فإن كان صديقا تقيا
كريما جوادا بذاًل ألموال في طاعة موًله ،ونصرة رسول اهلل ،فكم من
دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وج رب الكريم ،ولم يكن ألحد من الناا
عنده منة يحتاج إلى أن يكافئ بها ،ولكن كان فضل وإحسان على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1التفسير البسيط :ا.)18/22
356
الصديق األكرب (أبو بكر)
وإن كان >األتقى< اسم جنس فال ريب أنه يجب أن يدخل فيه أتقى
األمة ،والصحابة خير القرون ،فأتقاها أتقى األمة ،وأتقى األمة أبو بكر.
وأيضا فالنبي ‘ إنما كان يقدم الصديق في المواضع التي ًل
تحتمل المشاركة كاستخالف في الصالة ،والحج ،ومصاحبت وحده في
سفر الهجرة ،ومخاطبت ،وتمكين من الخطاب ،والحكم ،واإلفتاء
بحضرت ورضاه بذلك ،إلى غير ذلك من الخصائص التي يطول وصفها
ومن كان أكمل في هذا الوصف كان أكرم عند اهلل فيكون أحب إلي فقد
ثبت بالدًلئل الكثيرة أن أبا بكر هو أكرم الصحابة في الصديقية،
وأفضل الخلق بعد األنبياء الصديقون ،ومن كان أكمل في ذلك كان
أفضل<ا.)1
فهذه اآلية إذا قدر أن دخل فيها من دخل من الصحابة ،فأبو بكر
أحق األمة بالدخول فيها فيكون هو األتقى من هذه األمة فيكون
أفضلهم ،وذلك ألن اهلل تعالى وصف األتقى بصفات أبو بكر أكمل بها
من جميع األمة.
رفعا أصواتهما عند النبي ‘ حين قدم علي ركب بني تميم ،فأشار
أحدهما باألقرع بن حابس أخي بني مجاشع ،وأشار اآلخر برجل آخر
ــ قال نافع ًل أحفظ اسم ــ فقال أبو بكر لعمر :ما أردت إًل خالفي،
قال :ما أردت خالفك فارتفعت أصواتهما في ذلك ،فأنزل اهلل{ :ﲐ
ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ} اآلية.
قال ابن الزبير> :فما كان عمر يسمع رسول اهلل ‘ بعد هذه اآلية
حتى يستفهم ،ولم يذكر ذلك عن أبي يعني أبا بكر<<ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج البخاري :ا ،)4845ا.)7302
361
سعد بن أبي وقاص
5
سعد بن أيب وقاص
ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ} [األنعام.]52 :
ولم تكن هذه هي اآلية الوحيدة التي نزلت في سعد ،فقد قال عن
نفس > ،نزلت في أربع آيات :أصبت سيفا ،فأتى ب النبي ‘،
فقال :يا رسول اهلل ،نفلني ،فقال> :ضع < ،ثم قام ،فقال ل النبي ‘:
>ضع من حيث أخذت < ،ثم قام ،فقال :نفلني يا رسول اهلل ،فقال:
>ضع < ،فقام ،فقال :يا رسول اهلل ،نفلني ،أؤجعل كمن ًل غناء ل ؟
فقال ل النبي ‘> :ضع من حيث أخذت < ،قال :فنزلت هذه اآلية:
{ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} [األنفال<]1 :ا.)1
قال ابن األنباري> :عظم األمر في هذا على النبي ـ ‘ ـ وخوف
هم بتقديم الرؤساء وأُولي
الدخول في جملة الظالمين؛ ألن كان قد ّ
األموال على الضعفاء وذوي المسكنة ،مق ّد ارا أن يستجر بإسالمهم
إسالم قومهم وحلفائهم ومن يلوذ بهم ،وكان ً ل يقصد في ذلك إًل
قصد الخير ،وًل ينوي ازدراء بالفقراء وًل احتقا ارا ،فأعلم اهلل أن
ذلك غير جائز<ا.)2
وعن مصعب بن سعد ،عن أبي ،أن نزلت في آيات من القرآن
قال :حلفت أم سعد أن ًل تكلم أبدا حتى يكفر بدين ،وًل تأكل وًل
تشرب ،قالت :زعمت أن اهلل وصاك بوالديك ،وأنا أمك ،وأنا آمرك
بهذا .قال :مكثت ثالثا حتى غشي عليها من الجهد ،فقام ابن لها يقال
ل عمارة ،فسقاها ،فجعلت تدعو على سعد ،فأنزل اهلل في القرآن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه مسلم :ا.)1748
ا )2نقل الواحدي في التفسير البسيط :ا.)162/8
363
سعد بن أبي وقاص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه مسلم :ا.)1748
364
الزبري بن العوام
5
الزبري بن العوام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه البخاري :ا ،)4077وانظر :صحيح مسلم :ا.)2418
365
عبد اهلل بن الزبري
5
عبداهلل بن مسعود
{ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ نزل في قول تعالى:
ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ
ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ} [المائدة]93 :ا.)1
{ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ عن عبد اهلل ،قال :لما نزلت هذه اآلية
ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ} إلى آخر اآلية ،قال لي
رسول اهلل ‘> :قيل لي أنت منهم<ا.)2
أي :أن ابن مسعود من الذين آمنوا وعملوا الصالحات الموصوفين
بما في اآلية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1وسبب نزولها ما رواه البخاري :ا ،)4620ومسلم :ا ،)1980ولفظ > :عن أنس بن
مالك ،قال :كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة ،وما شرابهم إًل
الفضيخ :البسر والتمر ،فإذا مناد ينادي ،فقال :اخرج فانظر ،فخرجت ،فإذا مناد
ينادي> :أًل إن الخمر قد حرمت< ،قال :فجرت في سكك المدينة ،فقال لي أبو
طلحة :اخرج فاهرقها ،فهرقتها ،فقالوا ــ أو قال بعضهم :ــ قتل فالن ،قتل فالن،
وهي في بطونهم ،ــ قال :فال أدري هو من حديث أنس ــ ،فأنزل اهلل { :ﱦ ﱧ
ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ}
[المائدة.<]93 :
ا )2رواه مسلم :ا.)2459
366
عمار بن ياسر
5
عمار بن يارس
{ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ وفي نزل قول اهلل تعالى:
ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ
ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ} [النحل.]106 :
قال الطبري> :وذكر أن هذه اآلية نزلت في عمار بن ياسر وقوم
كانوا أسلموا ففتنهم المشركون عن دينهم ،فثبت على اإلسالم بعضهم
وافتتن بعض< ،واخرج عن ابن عباا قول {> :ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ
ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ} إلى آخر اآلية وذلك أن
المشركين أصابوا عمار بن ياسر فعذبوه ،ثم تركوه ،فرجع إلى رسول اهلل
‘ فحدث بالذي لقي من قريش ،والذي قال ،فأنزل اهلل تعالى ذكره
عذره{ :ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ} إلى قوله{ :ﲂ ﲃ
ﲄ}<ا.)1
قال الواحدي> :أكثر المفسرين على أن اآلية نزلت في عمار بن
ياسر<ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا.)373/14
ا )2التفسير البسيط :ا.)207/13
367
زيد بن حارثة
5
زيد بن حارثة
وقد نزلت في عدة آيات من سورة األحزاب ،وذكر اسم الصريح
فيها ،وهو االسم الوحيد الذي ذكر في القرآن من أصحاب رسول اهلل ‘،
وقد ذكرت عائشة في سياق واحد هذه اآليات ،فعن عائشة،
قالت> :لو كان رسول اهلل ‘ كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه اآلية
{ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [األحزاب ]37 :بالعتق فأعتقت ،
{ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ
ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} ــ إلى قول ــ {ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ} [األحزاب ]37 :وإن
رسول اهلل ‘ لما تزوجها قالوا :تزوج حليلة ابن ،فأنزل اهلل تعالى {ﲶ
ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ} [األحزاب]40 :
وكان رسول اهلل ‘ تبناه وهو صغير فلبث حتى صار رجال يقال ل :
زيد بن محمد ،فأنزل اهلل{ :ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﲍ ﲎ ﲏ ﲐ
ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ} [األحزاب ]5 :فالن مولى فالن ،وفالن
أخو فالن {ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ} ،يعني :أعدل<ا.)1
{ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ وعن أنس بن مالك > :أن هذه اآلية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج الترمذي :ا.)3207
368
زيد بن حارثة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج البخاري :ا.)4787
ا )2أخرج البخاري :ا.)4787
369
أبو طلحة زيد بن سهل األنصاري
5
أبو طلحة زيد بن سهل األنصاري
ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ}ا.)1
ورواه الطبري بتعيين الرجل فعن أبي هريرة ،قال :جاء رجل إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه البخاري :ا.)3798
370
أبو طلحة زيد بن سهل األنصاري
النبي ‘ ليضيف ،فلم يكن عنده ما يضيف ،فقال> :أًل رجل يضيف
هذا ؟< فقام رجل من األنصار يقال ل أبو طلحة ،فانطلق ب إلى
رحل ،فقال ًلمرأت :أكرمي ضيف رسول اهلل ‘ نومي الصبية،
وأطفئي المصباح وأري بأنك تأكلين مع ،واتركي لضيف رسول اهلل
‘ ففعلت فنزلت {ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ}ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا ،)528/22وانظر :اإلصابة :ا.)194/7
371
كعب بن مالك ،وهالل بن أمية ،ومرارة بن الربيع
5
كعب بن مالك ،وهالل بن أمية ،ومرارة بن الربيع
ﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ
وقد كفانا كعب سرد قصت ،فقد روى البخاري ومسلم عن ابن
شهاب ،قال :ثم غزا رسول اهلل ‘ غزوة تبوك ،وهو يريد الروم
ونصارى العرب بالشام ،قال ابن شهاب :فأخبرني عبد الرحمن بن
عبد اهلل بن كعب بن مالك ،أن عبد اهلل بن كعب كان قائد كعب ،من
بني ،حين عمي ،قال :سمعت كعب بن مالك يحد حديث حين
تخلف عن رسول اهلل ‘ في غزوة تبوك ،قال كعب بن مالك :لم
أتخلف عن رسول اهلل ‘ في غزوة غزاها قط ،إًل في غزوة تبوك،
غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عن ،إنما
خرج رسول اهلل ‘ والمسلمون يريدون عير قريش ،حتى جمع اهلل
بينهم وبين عدوهم ،على غير ميعاد ،ولقد شهدت مع رسول اهلل ‘
ليلة العقبة ،حين تواثقنا على اإلسالم ،وما أحب أن لي بها مشهد بدر،
وإن كانت بدر أذكر في الناا منها ،وكان من خبري ،حين تخلفت عن
رسول اهلل ‘ في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى وًل أيسر مني حين
تخلفت عن في تلك الغزوة ،واهلل ما جمعت قبلها راحلتين قط ،حتى
جمعتهما في تلك الغزوة ،فغزاها رسول اهلل ‘ في حر شديد واستقبل
سفرا بعيدا ومفازا ،واستقبل عدوا كثيرا ،فجال للمسلمين أمرهم
ليتأهبوا أهبة غزوهم ،فأخبرهم بوجههم الذي يريد ،والمسلمون مع
رسول اهلل ‘ كثير ،وًل يجمعهم كتاب حافظ ــ يريد بذلك الديوان ــ
قال كعب :فقل رجل يريد أن يتغيب ،يظن أن ذلك سيخفى ل ،ما لم
ينزل في وحي من اهلل ،وغزا رسول اهلل ‘ تلك الغزوة حين
373
كعب بن مالك ،وهالل بن أمية ،ومرارة بن الربيع
طابت الثمار والظالل ،فأنا إليها أصعر ،فتجهز رسول اهلل ‘ والمسلمون
معه ،وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ،فأرجع ولم أقض شيئا ،وأقول في
نفسي :أنا قادر على ذلك ،إذا أردت ،فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر
بالناس الجد ،فأصبح رسول اهلل ‘ غاديا والمسلمون معه ،ولم أقض من
جهازي شيئا ،ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ،فلم يزل ذلك يتمادى بي
حتى أسرعوا وتفارط الغزو ،فهممت أن أرتحل فأدركهم ،فيا ليتني
فعلت ،ثم لم يقدر ذلك لي ،فطفقت ،إذا خرجت في الناا ،بعد
خروج رسول اهلل ‘ ،يحزنني أني ًل أرى لي أسوة إًل رجال مغموصا
علي في النفاق ،أو رجال ممن عذر اهلل من الضعفاء ،ولم يذكرني
رسول اهلل ‘ حتى بلغ تبوك فقال :وهو جالس في القوم بتبوك >ما
فعل كعب بن مالك؟< قال رجل من بني سلمة يا رسول اهلل حبس برداه
والنظر في عطفي ،فقال ل معاذ بن جبل :بئس ما قلت ،واهلل يا رسول
اهلل ما علمنا علي إًل خيرا ،فسكت رسول اهلل ‘ ،فبينما هو على
ذلك رأى رجال مبيضا يزول ب السراب فقال رسول اهلل ‘> :كن أبا
خيثمة< فإذا هو أبو خيثمة األنصاري ،وهو الذي تصدق بصاع التمر
حين لمزه المنافقون ،فقال كعب بن مالك :فلما بلغني أن رسول اهلل ‘
قد توجه قافال من تبوك ،حضرني بثي ،فطفقت أتذكر الكذب وأقول :بم
أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي ،فلما
قيل لي :إن رسول اهلل ‘ قد أظل قادما ،زاح عني الباطل ،حتى عرفت
أني لن أنجو منه بشيء أبدا ،فأجمعت صدقه ،وصبح رسول اهلل ‘
374
كعب بن مالك ،وهالل بن أمية ،ومرارة بن الربيع
قادما ،وكان إذا قدم من سفر ،بدأ بالمسجد فركع في ركعتين ،ثم
جلس للناا ،فلما فعل ذلك جاءه المخلفون ،فطفقوا يعتذرون إلي ،
ويحلفون ل ،وكانوا بضعة وثمانين رجال ،فقبل منهم رسول اهلل ‘
عالنيتهم ،وبايعهم واستغفر لهم ،ووكل سرائرهم إلى اهلل ،حتى جئت،
فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ،ثم قال> :تعال< فجئت أمشي حتى
جلست بين يدي ،فقال لي> :ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟<
قال :قلت :يا رسول اهلل إني ،واهلل لو جلست عند غيرك من أهل
الدنيا ،لرأيت أني سأخرج من سخط بعذر ،ولقد أعطيت جدًل،
ولكني واهلل لقد علمت ،لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى ب عني
ليوشكن اهلل أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي في ،
إني ألرجو في عقبى اهلل ،واهلل ما كان لي عذر ،واهلل ما كنت قط أقوى
وًل أيسر مني حين تخلفت عنك ،قال رسول اهلل ‘> :أما هذا ،فقد
صدق ،فقم حتى يقضي اهلل فيك< فقمت ،وثار رجال من بني سلمة
فاتبعوني ،فقالوا لي :واهلل ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا ،لقد عجزت
في أن ًل تكون اعتذرت إلى رسول اهلل ‘ ،بما اعتذر ب إلي
المخلفون ،فقد كان كافيك ذنبك ،استغفار رسول اهلل ‘ لك ،قال:
فواهلل ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع إلى رسول اهلل ‘ ،فأكذب
نفسي ،قال ثم قلت لهم :هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا :نعم ،لقي
معك رجالن ،قاًل مثل ما قلت ،فقيل لهما مثل ما قيل لك ،قال قلت:
من هما؟ قالوا :مرارة بن الربيعة العامري وهالل بن أمية الواقفي ،قال:
375
كعب بن مالك ،وهالل بن أمية ،ومرارة بن الربيع
قال فقلت :حين قرأتها :وهذه أيضا من البالء فتياممت بها التنور
فسجرتها بها ،حتى إذا مضت أربعون من الخمسين ،واستلبث الوحي،
إذا رسول رسول اهلل ‘ يأتيني ،فقال :إن رسول اهلل ‘ يأمرك أن
تعتزل امرأتك ،قال :فقلت :أطلقها أم ماذا أفعل؟ قالً :ل ،بل اعتزلها،
فال تقربنها ،قال :فأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك ،قال :فقلت ًلمرأتي:
الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي اهلل في هذا األمر ،قال:
فجاءت امرأة هالل بن أمية رسول اهلل ‘ ،فقالت ل :يا رسول اهلل إن
هالل بن أمية شيخ ضائع ليس ل خادم ،فهل تكره أن أخدم ؟ قال:
>ًل ،ولكن ًل يقربنك< فقالت :إن ،واهلل ما ب حركة إلى شيء ،وواهلل
ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان ،إلى يوم هذا ،قال :فقال لي
بعض أهلي :لو استأذنت رسول اهلل ‘ في امرأتك؟ فقد أذن ًلمرأة
هالل بن أمية أن تخدم ،قال :فقلتً :ل أستأذن فيها رسول اهلل ‘،
وما يدريني ماذا يقول رسول اهلل ‘ ،إذا استأذنت فيها ،وأنا رجل
شاب ،قال :فلبثت بذلك عشر ليال ،فكمل لنا خمسون ليلة من حين
نهي عن كالمنا ،قال ثم صليت صالة الفجر صباح خمسين ليلة ،على
ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر اهلل منا ،قد
ضاقت علي نفسي وضاقت علي األرض بما رحبت ،سمعت صوت
صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوت :يا كعب بن مالك أبشر،
قال :فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج ،قال :فآذن رسول اهلل
‘ الناا بتوبة اهلل علينا ،حين صلى صالة الفجر ،فذهب الناا
377
كعب بن مالك ،وهالل بن أمية ،ومرارة بن الربيع
قلت ذلك لرسول اهلل ‘ ،إلى يومي هذا ،وإني ألرجو أن يحفظني اهلل
فيما بقي ،قال :فأنزل اهلل { :ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ
ﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺ
ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ
ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ} حتى بلغ:
{ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ} [التوبة ،]119 :قال
كعب :واهلل ما أنعم اهلل علي من نعمة قط ،بعد إذ هداني اهلل لإلسالم،
أعظم في نفسي ،من صدقي رسول اهلل ‘ ،أن ًل أكون كذبت فأهلك
كما هلك الذين كذبوا ،إن اهلل قال للذين كذبوا ،حين أنزل الوحي ،شر
ما قال ألحد .وقال اهلل{ :ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ
ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ
ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ
ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ} [التوبة ،]96 :قال كعب :كنا خلفنا أيها الثالثة
عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول اهلل ‘ حين حلفوا ل ،فبايعهم
واستغفر لهم وأرجأ رسول اهلل ‘ أمرنا حتى قضى اهلل في ،فبذلك قال
اهلل :وعلى الثالثة الذين خلفوا ،وليس الذي ذكر اهلل مما خلفنا،
تخلفنا عن الغزو ،وإنما هو تخليف إيانا ،وإرجاؤه أمرنا ،عمن حلف ل
واعتذر إلي فقبل من ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه البخاري :ا ،)4418مسلم :ا ،)2769واللفظ ل ،ورواه البخاري ا)4677
مختصرا ،وفيه> :عبد الرحمن بن عبد اهلل بن كعب بن مالك ،عن أبيه ،قال :سمعت=
ً
379
كعب بن مالك ،وهالل بن أمية ،ومرارة بن الربيع
وهؤًلء الثالثة الذين وصفهم اهلل في هذه اآلية بما وصفهم ب فيما
قبل ،هم اآلخرون الذين قال جل ثناؤه{ :ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ
عن التوبة ،فأرجأهم عمن تاب علي ممن تخلف عن رسول اهلل ‘.
{ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ} يقول :بسعتها غما وندما
على تخلفهم عن الجهاد مع رسول اهلل ‘ {ﱌ ﱍ ﱎ}
بما نالهم من الوجد والكرب بذلك {ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} يقول :وأيقنوا
بقلوبهم أن ًل شيء لهم يلجئون إلي مما نزل بهم من أمر اهلل من البالء
بتخلفهم خالف رسول اهلل ‘ ينجيهم من كرب ،وًل مما يحذرون من
عذاب اهلل إًل اهلل .ثم رزقهم اإلنابة إلى طاعت ،والرجوع إلى ما يرضي
عنهم ،لينيبوا إلي ويرجعوا إلى طاعت واًلنتهاء إلى أمره ونهي { .ﱜ ﱝ
ﱞ ﱟ ﱠ} يقول :إن اهلل هو الوهاب لعباده اإلنابة إلى طاعت
الموفق من أحب توفيق منهم لما يرضي عن ،الرحيم بهم أن يعاقبهم
بعد التوبة ،أو يخذل من أراد منهم التوبة واإلنابة وًل يتوب علي <ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا.)54/12
381
عبداهلل بن أم مكتوم
5
عبد اهلل بن أم مكتوم
يقال له عبد اهلل بن أم مكتوم ،يمشي وهو يناجيهم ،فجعل عبد اهلل يستقرئ
النبي ‘ آية من القرآن ،وقال :يا رسول اهلل ،علمني مما علمك اهلل،
فأعرض عن رسول اهلل ‘ ،وعبس في وجه وتولى ،وكره كالم ،
وأقبل على اآلخرين؛ فلما قضى رسول اهلل ‘ ،وأخذ ينقلب إلى أهل ،
أمسك اهلل بعض بصره ،ثم خفق برأس ،ثم أنزل اهلل{ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ
ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} ،فلما نزل في
أكرم رسول اهلل ‘ وكلم ،وقال ل > :ما حاجتك ،هل تريد من
شيء؟< وإذا ذهب من عنده قال ل > :هل لك حاجة في شيء؟< وذلك
لما أنزل اهلل{ :ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ}<ا.)1
قال القرطبي> :روى أهل التفسير أجمع أن قوما من أشراف قريش
كانوا عند النبي ‘ وقد طمع في إسالمهم ،فأقبل عبد اهلل بن أم
مكتوم ،فكره رسول اهلل ‘ أن يقطع عبد اهلل علي كالم ،فأعرض
عن ،ففي نزلت هذه اآلية<ا.)2
وقال ابن كثير> :ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول اهلل ‘
كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش ،وقد طمع في إسالم ،فبينما هو
يخاطب ويناجي إذ أقبل ابن أم مكتوم ــ وكان ممن أسلم قديما ــ فجعل
يسأل رسول اهلل ‘ عن شيء ويلح علي ،وود النبي ‘ أن لو كف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1جامع البيان :ا 102/24ــ .)103
ا )2الجامع ألحكام القرآن :ا.)211/19
383
عبداهلل بن أم مكتوم
ساعت تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل؛ طمعا ورغبة في هدايت .
وعبس في وج ابن أم مكتوم وأعرض عن ،وأقبل على اآلخر ،فأنزل
اهلل { :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ}؟ أي:
يحصل ل زكاة وطهارة في نفس { .ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} أي :يحصل
ل اتعاظ وانزجار عن المحارم{ ،ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ} أي:
أما الغني فأنت تتعرض ل لعل يهتدي{ ،ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ}؟ أي :ما
أنت بمطالب ب إذا لم يحصل ل زكاة{ .ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ}
أي :يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول ل { ،ﱧ ﱨ ﱩ} أي:
تتشاغل .ومن هاهنا أمر اهلل رسول ‘ أًل يخص باإلنذار أحدا،
بل يساوي في بين الشريف والضعيف ،والفقير والغني ،والسادة
والعبيد ،والرجال والنساء ،والصغار والكبار .ثم اهلل يهدي من يشاء
إلى صراط مستقيم ،ول الحكمة البالغة والحجة الدامغة<ا.)1
{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ضا ،قول تعالى:
ــ ومما نزل في أي ا
ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ
ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ
ﱢ ﱣ ﱤ} [النساء.]95 :
{ﱁ ﱂ عن أبي إسحاق ،أن سمع البراء ،يقول في هذه اآلية
ﱃ ﱄ ﱅ}> :فأمر رسول اهلل ‘ زيدا ،فجاء بكتف يكتبها،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير ابن كثير :ا.)319/8
384
عبداهلل بن أم مكتوم
5
املجادلة (خولة بنت ثعلبة)
عن عائشة قالت> :الحمد هلل الذي وسع سمع األصوات ،لقد
جاءت المجادلة إلى النبي ‘ تكلم وأنا في ناحية البيت ،ما أسمع ما
تقول :فأنزل اهلل { :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} [المجادلة]1 :
إلى آخر اآلية<ا.)1
عن يوسف بن عبد اهلل بن سالم ،عن خولة بنت ثعلبة قالت :في
ـ واهلل ـ وفي أوا بن صامت أنزل اهلل صدر سورة المجادلة قالت:
كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلق وضجر ،قالت :فدخل علي
يوما فراجعت بشيء فغضب ،فقال :أنت علي كظهر أمي ،قالت :ثم
خرج فجلس في نادي قوم ساعة ،ثم دخل علي ،فإذا هو يريدني على
نفسي ،قالت :فقلت :كال والذي نفس خويلة بيدهً ،ل تخلص إلي وقد
قلت ما قلت حتى يحكم اهلل ورسول فينا بحكم ،قالت :فواثبني
وامتنعت من ،فغلبت بما تغلب ب المرأة الشيخ الضعيف ،فألقيت عني،
قالت :ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابها ،ثم خرجت
حتى جئت رسول اهلل ‘ فجلست بين يديه ،فذكرت له ما لقيت منه،
فجعلت أشكو إليه ‘ ما ألقى من سوء خلقه ،قالت :فجعل رسول اهلل ‘
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج أحمد :ا ،)228/40ا،)24195
386
اجملادلة (خولة بنت ثعلبة)
يقول> :يا خويلة ،ابن عمك شيخ كبير فاتقي اهلل في < ،قالت :فواهلل ما
برحت حتى نزل في القرآن ،فتغشى رسول اهلل ‘ ما كان يتغشاه ،ثم
سري عن فقال لي> :يا خويلة ،قد أنزل اهلل فيك وفي صاحبك< ،ثم قرأ
علي{ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ
ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} [المجادلة ]1 :إلى قول { :ﲣ ﲤ ﲥ}
[المجادلة ،]4 :فقال لي رسول اهلل ‘> :مري فليعتق رقبة< ،قالت :فقلت:
واهلل يا رسول اهلل ما عنده ما يعتق ،قال> :فليصم شهرين متتابعين< ،قالت:
فقلت :واهلل يا رسول اهلل إنه شيخ كبير ما به من صيام ،قال> :فليطعم ستين
مسكينا ،وسقا من تمر< ،قالت :فقلت :واهلل يا رسول اهلل ما ذاك عنده،
قالت :فقال رسول اهلل ‘> :فإنا سنعينه بعرق من تمر< ،قالت :فقلت:
وأنا يا رسول اهلل سأعينه بعرق آخر ،قال> :قد أصبت وأحسنت ،فاذهبي
فتصدقي عنه ،ثم استوصي بابن عمك خيرا< ،قالت :ففعلت<ا.)1
قال الطبري بعد ذكر اًلختالف في اسمها> :وكانت مجادلتها
رسول اهلل ‘ في زوجها ،وزوجها أوا بن الصامت ،مراجعتها إياه
في أمره ،وما كان من قول لها :أنت علي كظهر أمي .ومحاورتها إياه
في ذلك .وبذلك قال أهل التأويل ،وتظاهرت ب الرواية<ا.)2
قال البغوي> :نزلت في خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن
الصامت<ا.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج أحمد :ا ،)300/45ا.)27319
ا )2جامع البيان :ا ،)446/22وانظر :التفسير البسيط :ا.)325/21
ا )3تفسير البغوي :ا.)47/8
387
رجل يقال له ضمرة من بين بكر
5
رجل يقال هل ضمرة من بين بكر
قال الحافظ ابن حجر> :اختلف في اسم واسم أبي على أكثر من
عشرة أوج <ا> ،)1واسم ضمرة على الصحيح<ا.)2
عن عبد اهلل بن عباا ـ ـ؛ قال :خرج ضمرة بن جندب من
مهاجرا؛ فقال ألهل :احملوني؛ فأخرجوني من أرض المشركين ا بيت
إلى رسول اهلل ـ ‘ ـ ،فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي ـ ‘ ـ؛
فنزل الوحي{ :ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ}
حتى بلغ{ :ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ} [النساء]100 :ا.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :اإلصابةً :لبن حجر ا 515/1ــ 516رقم ،)1235وا 491/3ــ 492رقم
.)4194
ا )2فتح الباري :ا.)18/6
ا )3أخرج أبو يعلى في المسند :ا ،)2679وأبي نعيم في معرفة الصحابة :ا،)1548/3
وانظر :اًلستيعاب في بيان األسباب :ا.)481/1
وأخرج الطبري عن ابن عباا ،قال :نزلت هذه اآلية{ :ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ
ﱵ} [النساء ]97 :وكان بمكة رجل يقال ل ضمرة من بني بكر وكان مريضا،
فقال ألهل :أخرجوني من مكة ،فإني أجد الحر .فقالوا :أين نخرجك؟ فأشار بيده
نحو المدينة .فنزلت هذه اآلية{ :ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ} [النساء:
]100إلى آخر اآلية ،جامع البيان :ا.)398/7
388
حاطب بن أبي بلتعة
5
حاطب بن أيب بلتعة
ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ
ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ
عن الحسن بن محمد ،أخبرني عبيد اهلل بن أبي رافع ،وهو كاتب
علي ،قال :سمعت عليا ،وهو يقول :بعثنا رسول اهلل ‘ أنا
والزبير والمقداد فقال> :ائتوا روضة خاخ ،فإن بها ظعينة معها كتاب،
فخذوه منها< فانطلقنا تعادى بنا خيلنا ،فإذا نحن بالمرأة ،فقلنا :أخرجي
الكتاب ،فقالت :ما معي كتاب ،فقلنا :لتخرجن الكتاب أو لتلقين
الثياب ،فأخرجت من عقاصها ،فأتينا ب رسول اهلل ‘ ،فإذا في :من
حاطب بن أبي بلتعة إلى ناا من المشركين ،من أهل مكة ،يخبرهم
ببعض أمر رسول اهلل ‘ ،فقال رسول اهلل ‘> :يا حاطب ما هذا؟<
قالً :ل تعجل علي يا رسول اهلل إني كنت امرأ ملصقا في قريش ــ قال
سفيان :كان حليفا لهم ،ولم يكن من أنفسها ــ وكان ممن كان معك من
المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ،فأحببت إذ فاتني ذلك من
النسب فيهم ،أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ،ولم أفعل كفرا وًل
ارتدادا عن ديني ،وًل رضا بالكفر بعد اإلسالم ،فقال النبي ‘:
>صدق< فقال عمر :دعني ،يا رسول اهلل أضرب عنق هذا المنافق،
فقال> :إن قد شهد بدرا ،وما يدريك لعل اهلل اطلع على أهل بدر فقال:
اعملوا ما شئتم ،فقد غفرت لكم< فأنزل اهلل { :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ
ﱅ ﱆ ﱇ}ا.)1
قال ابن كثير> :كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة
حاطب بن أبي بلتعة ،وذلك أن حاطبا هذا كان رجال من المهاجرين،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج البخاري :ا ،)4274ومسلم :ا ،)2494وهذا لفظ مسلم.
390
حاطب بن أبي بلتعة
وكان من أهل بدر أيضا ،وكان ل بمكة أوًلد ومال ،ولم يكن من
قريش أنفسهم ،بل كان حليفا لعثمان .فلما عزم رسول اهلل ‘ على
فتح مكة لما نقض أهلها العهد ،فأمر النبي ‘ المسلمين بالتجهيز
لغزوهم ،وقال> :اللهم ،عم عليهم خبرنا< .فعمد حاطب هذا فكتب
كتابا ،وبعث مع امرأة من قريش إلى أهل مكة ،يعلمهم بما عزم علي
رسول اهلل ‘ من غزوهم ،ليتخذ بذلك عندهم يدا ،فأطلع اهلل رسول
على ذلك استجابة لدعائ .فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها،
وهذا بين في هذا الحديث المتفق على صحت <ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير ابن كثير :ا.)82/8
391
العرباض بن سارية
5
العرباض بن سارية
{ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ وهو ممن نزل في قول تعالى:
ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [التوبة.]92 :
عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ،وحجر بن حجر ،قاًل> :أتينا
العرباض بن سارية وهو ممن نزل في {ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ
ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [التوبة ]92 :فسلمنا ،وقلنا:
أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين .فقال عرباض :صلى بنا رسول اهلل ‘
الصبح ذات يوم ،ثم أقبل علينا ،فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون،
ووجلت منها القلوب ،فقال قائل :يا رسول اهلل ،كأن هذه موعظة
مودع ،فماذا تعهد إلينا؟ فقال> :أوصيكم بتقوى اهلل ،والسمع والطاعة،
وإن كان عبدا حبشيا ،فإن من يعش منكم بعدي فسيرى اختالفا كثيرا،
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ،تمسكوا بها ،وعضوا
عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات األمور ،فإن كل محدثة بدعة ،وكل
بدعة ضاللة<<ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه أحمد ،)17145( :وأبي داود ،)4607( :وابن ماجه ( ،)996وابن خزيمة
(.)1558
392
القرابة الذين نزلت فيهم آيات خمصوصة
()1
القرابة اذلين نزلت فيهم آيات خمصوصة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1اعلم أن > :لم يثن اهلل على أحد في القرآن بنسب أصالً :ل على ولد نبي ،وًل على
أبي نبي ،وإنما أثنى على الناا بإيمانهم وأعمالهم .وإذا ذكر صنفا وأثنى عليهم ؛
فلما فيهم من اإليمان والعملً ،ل لمجرد النسب.
ولما ذكر األنبياء ــ ذكرهم في سورة األنعام ــ وهم ثمانية عشر قال{ :ﲋ ﲌ ﲍ
ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} [سورة األنعام .]87 :فبهذا
حصلت الفضيلة باجتبائ ،وهدايت إياهم إلى صراط مستقيمً ،ل بنفس القرابة.
وقد يوجب النسب حقوقا ،ويوجب ألجل حقوقا ،ويعلق في أحكاما من اإليجاب
والتحريم واإلباحة ،لكن الثواب والعقاب والوعد والوعيد على األعمال ًل على
األنساب.
ولما قال تعالى{ :ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ}
[سورة آل عمران ،]33 :وقال{ :ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤ
ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ} [سورة النساء ،]54 :كان هذا مدحا
لهذا المعدن الشريف ،لما فيهم من اإليمان والعمل الصالح.
ومن لم يتصف بذلك منهم لم يدخل في المدح ،كما في قول تعالى{ :ﱠ ﱡ
ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ}
[سورة الحديد ،]26 :وقال تعالى{ :ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ
ﱾ ﱿ} [سورة الصافات.<]113 :
>وأما النسب ففي القرآن إثبات حق لذوي القربى كما ذكروا هم في آية الخمس
والفيء .وفي القرآن أمر لهم بما يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا .وفي القرآن
األمر بالصالة على النبي ـ ‘ ـ وقد فسر ذلك بأن يصلى علي وعلى آل .وفي=
393
علي بن أبي طالب
5
عيل بن أيب طالب
لقد ادعي نزول آيات كثيرة في علي ،ونحن نقتصر على ما
صح مما نزل في ،فمن ذلك:
قول تعالى{ :ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} [الحج.]19 :
عن قيس بن عباد ،قال :قال علي :فينا نزلت هذه اآلية:
{ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ}ا ،)1وعن قيس بن عباد ،عن علي بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= القرآن األمر بمحبة اهلل ومحبة رسول ،ومحبة أهل من تمام محبت .وفي القرآن أن
أزواج أمهات المؤمنين.
وليس في القرآن مدح أحد لمجرد كون من ذوي القربى وأهل البيت ،وًل الثناء
عليهم بذلك ،وًل ذكر استحقاق الفضيلة عند اهلل بذلك ،وًل تفضيل على من يساوي
في التقوى بذلك.
وإن كان قد ذكر ما ذكره من اصطفاء آل إبراهيم واصطفاء بني إسرائيل ،فذاك أمر
ماض ،فأخبرنا ب في جعل عبرة لنا ،فبين مع ذلك أن الجزاء والمدح باألعمال.
ولهذا ذكر ما ذكره من اصطفاء بني إسرائيل ،وذكر ما ذكره من كفر من كفر منهم
وذنوبهم وعقوبتهم ،فذكر فيهم النوعين :الثواب والعقاب.
وهذا من تمام تحقيق أن النسب الشريف قد يقترن ب المدح تارة إن كان صاحب من
أهل اإليمان والتقوى ،وإًل فإن ذم صاحب أكثر ،كما كان الذم لمن ذم من بني
إسرائيل وذرية إبراهيم ،وكذلك المصاهرة< ،منهاج السنة :ا 219/8ــ .)220
ا )1رواه البخاري :ا.)3967
394
علي بن أبي طالب
أبي طالب ،أن قال> :أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة
يوم القيامة< وقال قيس بن عباد :وفيهم أنزلت{ :ﲐ ﲑ ﲒ
ﲓ ﲔ} قال> :هم الذين تبارزوا يوم بدر :حمزة ،وعلي ،وعبيدة ،أو
أبو عبيدة بن الحار ،وشيبة بن ربيعة ،وعتبة بن ربيعة ،والوليد بن
عتبة<ا ،)1وعن قيس بن عباد ،عن أبي ذر ،قال> :نزلت{ :ﲐ
ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} في ستة من قريش :علي ،وحمزة ،وعبيدة بن
الحار ،وشيبة بن ربيعة ،وعتبة بن ربيعة ،والوليد بن عتبة<ا.)2
ومع أن الطبري قد رجح عموم هذه اآلية ،إًل أن ذكر هذا
السبب كسبب لنزول اآلية الكريمة ،قال> :وأولى هذه األقوال عندي
بالصواب ،وأشبهها بتأويل اآلية قول من قال :عني بالخصمين جميع
الكفار من أي أصناف الكفر كانوا ،وجميع المؤمنين .وإنما قلت ذلك
أولى بالصواب ،ألن تعالى ذكره ذكر قبل ذلك صنفين من خلق :
أحدهما أهل طاعة ل بالسجود ل ،واآلخر :أهل معصية ل قد حق علي
العذاب ،فقال{ :ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ
ﱱ ﱲ} ثم قال{ :ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ} ثم
أتبع ذلك صفة الصنفين كليهما وما هو فاعل بهما ،فقال{ :ﲖ
ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ} وقال اهلل{ :ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه البخاري :ا.)3965
ا )2رواه البخاري :ا ،)3966ومسلم :ا ،)3033وانظر :معرفة الصحابة ،ألبي نعيم:
ا ،)672/2ا.)1914/4
395
علي بن أبي طالب
ولم يثبت ــ حسب بحثي ــ نزول غير هذه اآلية في علي ،
وقد ادعى بعضهم أن نزل في قرابة ثالثين آية ،وقد راجعتها جمي اعا فلم
تثبت عند النقد ،واهلل أعلم ،إما لعمومها الذي ًل يصح تخصيص ،وإما
لضعفها ،وروايتها عمن ًل يوثق ب .
397
عائشة
5
اعئشة
{ﱁ ﱂ وقد أنزل اهلل في براءتها مما نسب إليها قول تعالى:
ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ
ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ
ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ
ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ
ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ
ﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛ
ﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪ
ﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸ
ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ
ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ
ﳠ} ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ
[سورة :النور].
هذه اآليات أنزلت في عائشة أم المؤمنين وما اتصل بذلك
من أمر >اإلفك<ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :المحرر الوجيز :ا.)168/4
398
عائشة
يكلمني كلمة وًل سمعت من كلمة غير استرجاع ،حتى أناخ راحلت ،
فوطئ على يدها فركبتها ،فانطلق يقود بي الراحلة ،حتى أتينا الجيش،
بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ،فهلك من هلك في شأني ،وكان
الذي تولى كبره عبد اهلل بن أبي ابن سلول ،فقدمنا المدينة فاشتكيت،
حين قدمنا المدينة شهرا ،والناس يفيضون في قول أهل اإلفك ،وال أشعر
بشيء من ذلك ،وهو يريبني في وجعي أني ال أعرف من رسول اهلل ‘
اللطف ،الذي كنت أرى من حين أشتكي ،إنما يدخل رسول اهلل ‘
فيسلم ،ثم يقول> :كيف تيكم؟< فذاك يريبني ،وًل أشعر بالشر ،حتى
خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع ،وهو
متبرزنا ،وًل نخرج إًل ليال إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا
من بيوتنا ،وأمرنا أمر العرب األول في التنزه ،وكنا نتأذى بالكنف أن
نتخذها عند بيوتنا ،فانطلقت أنا وأم مسطح ،وهي بنت أبي رهم بن
المطلب بن عبد مناف ،وأمها ابنة صخر بن عامر ،خالة أبي بكر
الصديق ،وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ،فأقبلت أنا وبنت
أبي رهم قبل بيتي ،حين فرغنا من شأننا ،فعثرت أم مسطح في مرطها،
فقالت :تعس مسطح فقلت لها :بئس ما قلت ،أتسبين رجال قد شهد
بدرا ،قالت :أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟ قلت :وماذا قال؟ قالت:
فأخبرتني بقول أهل اإلفك فازددت مرضا إلى مرضي ،فلما رجعت إلى
بيتي ،فدخل علي رسول اهلل ‘ ،فسلم ثم قال> :كيف تيكم؟< قلت:
أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت :وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من
400
عائشة
قبلهما ،فأذن لي رسول اهلل ‘ ،فجئت أبوي فقلت ألمي :يا أمتاه ما
يتحد الناا؟ فقالت :يا بنية هوني عليك فواهلل لقلما كانت امرأة قط
وضيئة عند رجل يحبها ،ولها ضرائر ،إًل كثرن عليها ،قالت قلت:
سبحان اهلل وقد تحد الناا بهذا؟ قالت :فبكيت تلك الليلة حتى
أصبحت ًل يرقأ لي دمع وًل أكتحل بنوم ،ثم أصبحت أبكي ،ودعا
رسول اهلل ‘ علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث
الوحي ،يستشيرهما في فراق أهل ،قالت فأما أسامة بن زيد فأشار على
رسول اهلل ‘ بالذي يعلم من براءة أهل ،وبالذي يعلم في نفس لهم
من الود ،فقال :يا رسول اهلل هم أهلك وًل نعلم إًل خيرا ،وأما علي بن
أبي طالب ،فقال :لم يضيق اهلل عليك والنساء سواها كثير ،وإن تسأل
الجارية تصدقك ،قالت :فدعا رسول اهلل ‘ بريرة فقال> :أي بريرة
هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟< قالت له بريرة :والذي بعثك بالحق
إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها ،أكثر من أنها جارية حديثة السن،
تنام عن عجين أهلها ،فتأتي الداجن فتأكله ،قالت :فقام رسول اهلل ‘
على المنبر ،فاستعذر من عبد اهلل بن أبي ابن سلول ،قالت :فقال
رسول اهلل ‘ وهو على المنبر> :يا معشر المسلمين من يعذرني من
رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي فواهلل ما علمت على أهلي إًل خيرا،
ولقد ذكروا رجال ما علمت علي إًل خيرا ،وما كان يدخل على أهلي
إًل معي< فقام سعد بن معاذ األنصاري ،فقال :أنا أعذرك من ،يا رسول
اهلل إن كان من األوا ضربنا عنق وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا
401
عائشة
ففعلنا أمرك ،قالت :فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ،وكان رجال
صالحا ،ولكن اجتهلت الحمية ،فقال لسعد بن معاذ :كذبت لعمر اهلل ًل
تقتل ،وًل تقدر على قتل فقام أسيد بن حضير ــ وهو ابن عم سعد بن
معاذ ــ ،فقال لسعد بن عبادة :كذبت لعمر اهلل لنقتلن فإنك منافق
تجادل عن المنافقين فثار الحيان األوا والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا
ورسول اهلل ‘ ،قائم على المنبر ،فلم يزل رسول اهلل ‘ يخفضهم
حتى سكتوا وسكت ،قالت :وبكيت يومي ذلك ًل يرقأ لي دمع وًل
أكتحل بنوم ،ثم بكيت ليلتي المقبلة ًل يرقأ لي دمع وًل أكتحل بنوم
وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي ،فبينما هما جالسان عندي وأنا
أبكي استأذنت علي امرأة من األنصار ،فأذنت لها فجلست تبكي،
قالت :فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول اهلل ‘ ،فسلم ،ثم
جلس ،قالت :ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل ،وقد لبث شهرا ًل
يوحى إلي في شأني بشيء ،قالت :فتشهد رسول اهلل ‘ حين جلس،
ثم قال> :أما بعد يا عائشة ،فإن قد بلغني عنك كذا وكذا ،فإن كنت
بريئة ،فسيبرئك اهلل وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اهلل وتوبي إلي ،
فإن العبد إذا اعترف بذنب ،ثم تاب تاب اهلل علي < قالت :فلما قضى
رسول اهلل ‘ ،مقالت قلص دمعي حتى ما أحس من قطرة ،فقلت
ألبي :أجب عني رسول اهلل ‘ ،فيما قال فقال :واهلل ما أدري ما أقول
لرسول اهلل ‘ فقلت ألمي :أجيبي عني رسول اهلل ‘ ،فقالت :واهلل
ما أدري ما أقول لرسول اهلل ‘ ،فقلت وأنا جارية حديثة السن ًل أقرأ
402
عائشة
كثيرا من القرآن إني واهلل لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر
في نفوسكم وصدقتم ب ،فإن قلت لكم إني بريئة واهلل يعلم أني بريئة
ًل تصدقوني بذلك ،ولئن اعترفت لكم بأمر واهلل يعلم أني بريئة
لتصدقونني وإني ،واهلل ما أجد لي ولكم مثال إًل كما قال أبو يوسف
{ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ} [يوسف ]18 :قالت :ثم
تحولت فاضطجعت على فراشي ،قالت :وأنا ،واهلل حينئذ أعلم أني
بريئة وأن اهلل مبرئي ببراءتي ،ولكن ،واهلل ما كنت أظن أن ينزل في
شأني وحي يتلى ،ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم اهلل في
بأمر يتلى ،ولكني كنت أرجو أن يرى رسول اهلل ‘ في النوم رؤيا
يبرئني اهلل بها ،قالت :فواهلل ما رام رسول اهلل ‘ مجلس ،وًل خرج
من أهل البيت أحد حتى أنزل اهلل على نبي ‘ ،فأخذه ما كان
يأخذه من البرحاء عند الوحي ،حتى إن ليتحدر من مثل الجمان من
العرق ،في اليوم الشات ،من ثقل القول الذي أنزل علي ،قالت :فلما
سري عن رسول اهلل ‘ ،وهو يضحك ،فكان أول كلمة تكلم بها أن
قال> :أبشري يا عائشة أما اهلل فقد برأك< فقالت لي أمي :قومي إلي ،
فقلت :واهلل ًل أقوم إلي ،وًل أحمد إًل اهلل ،هو الذي أنزل براءتي،
قالت :فأنزل اهلل { :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ} عشر آيات فأنزل
اهلل هؤًلء اآليات براءتي ،قالت :فقال أبو بكر وكان ينفق على
مسطح لقرابت من وفقره :واهلل ًل أنفق علي شيئا أبدا بعد الذي قال
لعائشة فأنزل اهلل { :ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ}
403
عائشة
متأولين ،لكونهم كانوا يرجون تغيير الحال بأن يدخلوا مكة :وآخر
يقول :لو كان لهم تأويل مقبول لم يغضب النبي ـ ‘ ـ بل تابوا من
ذلك التأخير ورجعوا عن ،مع أن حسناتهم تمحو مثل هذا الذنب،
وعلي داخل في هؤًلء ــ رضي اهلل عنهم ــ أجمعين.
407
اخلامتة
A
وفي هذه الخاتمة ،يحسن بنا أن ننثر خالصة هذا البحث الذي
طوفنا في فيما ورد من آيات في فضل أصحاب رسول اهلل ‘ ،فنقول:
1ــ لقد أثنى اهلل تعالى على أصحاب رسول اهلل ‘ جمل اة ،وهذا
الثناء ورد بصيغة العموم ،كما قال سبحان { :ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ
ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ
ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ
ﳛ ﳜ ﳝ} [الحديد.]11 :
فإن هؤالء الطلقاء مسلمة الفتح :هم ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل
وقد وعدهم اهلل الحسنى ،فإنهم أنفقوا بحنين والطائف وقاتلوا فيهما .
ضا ،فإنهم شهدوا غزوة
وقد دخل مسلمة الفتح في آيات أخرى أي ا
حنين ،وفيها أنزل اهلل{ :ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ
ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠ
ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ
ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﲵ ﲶ ﲷ ﲸ}
[التوبة 25 :ــ ]26ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1مجموع الفتاوى :ا.)458/4
408
اخلامتة
ضا غزوة تبوك ،وقد علمت أن اهلل فرق بين أهل وقد شهدوا أي ا
النفاق ،وأهل اإليمان في تلك الغزوة ،وذكر من أحوال أهل النفاق ما
فارقوا ب أهل اإليمان.
2ــ وقد أثنى اهلل على السابقين األولين من المهاجرين واألنصار،
وهم الذين بايعوا تحت الشجرة ،وأثنى كذلك على من اتبعهم بإحسان،
{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ
ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ
ﱘ ﱙ ﱚ} [التوبة]100 :ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا> )1فالسابقون األولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من الذين أسلموا عام
الفتح ،وفي هؤًلء خلق كثير أفضل من معاوية ،وأهل الشجرة أفضل من هؤًلء كلهم،
وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة ،بل هو أفضل منهم كلهم إًل الثالثة،
فليس في أهل السنة من يقدم علي أحدا غير الثالثة ،بل يفضلون على جمهور أهل
بدر وأهل بيعة الرضوان ،وعلى السابقين األولين من المهاجرين واألنصار ،وما في
أهل السنة من يقول :إن طلحة والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف أفضل من ،بل
غاية ما قد يقولون السكوت عن التفضيل بين أهل الشورى ،وهؤًلء أهل الشورى
عندهم أفضل السابقين األولين ،والسابقون األولون أفضل من الذين أنفقوا من بعد
الفتح وقاتلوا ،وهم على أصح القولين الذين بايعوا تحت الشجرة عام الحديبية،
وقيل :من صلى إلى القبلتين ،وليس بشيء.
وممن أسلم بعد الحديبية خالد بن الوليد ،وعمرو بن العاص ،وشيبة الحجبي وغيرهم.
وأما سهيل بن عمرو ،وعكرمة بن أبي جهل ،وأبو سفيان بن حرب ،وابناه يزيد
ومعاوية ،وصفوان بن أمية ،وغيرهم ،فهؤًلء مسلمة الفتح.
ومن الناس من يقول :إن معاوية ـ ـ أسلم قبل أبيه ،فيجعلونه من الصنف األول= .
409
اخلامتة
3ــ وأثنى اهلل تعالى على أصناف معينة منهم ،كثنائ على اأهل
بدر ــ أحد ــ أصحاب بيعة الرضوان) ،وكذلك أثنى على االمهاجرين
ــ األنصار).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد ثبت في الصحيح أن كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كالم، =
فقال النبي ـ ‘ ـ> :يا خالد ًل تسبوا أصحابي ،فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا
ما أدرك مد أحدهم وًل نصيف < ،فنهى خالدا ونحوه ،ممن أنفق من بعد الفتح
وقاتل ،أن يتعرضوا للذين صحبوه قبل ذلك ،وهم الذين أنفقوا من قبل الفتح
وقاتلوا ،وبين أن الواحد من هؤًلء لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم وًل
نصيف فإذا كان هذا نهي لخالد بن الوليد وأمثال من مسلمة الحديبية ،فكيف مسلمة
الفتح الذين لم يسلموا إًل بعد فتح مكة؟ مع أن أولئك كانوا مهاجرين ؛ فإن خالدا
وعمرا ونحوهما ممن أسلم بعد الحديبية ،وقبل فتح مكة ،وهاجر إلى المدينة ،هو
من المهاجرين وأما الذين أسلموا بعد فتح مكة فال هجرة لهم ؛ فإن النبي ـ ‘ ـ
قالً> :ل هجرة بعد الفتح ،ولكن جهاد ونية ،وإذا استنفرتم فانفروا< ،ولهذا كان إذا
أتي بالواحد من هؤًلء ليبايع بايع على اإلسالم وًل يبايع على الهجرة .ومن هؤًلء
أكثر بني هاشم ،كعقيل بن أبي طالب ،وأبي سفيان بن الحار بن عبد المطلب
وربيعة بن الحار بن عبد المطلب ،وكذلك العباا؛ فإن أدرك النبي ـ ‘ ـ في
الطريق وهو ذاهب إلى مكة ،لم يصل إلى المدينة ،وكذلك أبو سفيان بن
الحار بن عبد المطلب ابن عم النبي ـ ‘ ـ ،وهذا غير أبي سفيان بن حرب،
وكان شاعرا يهجو النبي ـ ‘ ـ ،وأدرك في الطريق ،وكان ممن حسن إسالم ،
وكان هو والعباا مع النبي ـ ‘ ـ يوم حنين لما انكشف الناا آخذين ببغلت ،فإذا
كانت هذه مراتب الصحابة عند أهل السنة ،كما دل علي الكتاب والسنة ،وهم
متفقون على تأخر معاوية وأمثال من مسلمة الفتح عمن أسلم بعد الحديبية ،وعلى
تأخر هؤًلء عن السابقين األولين أهل الحديبية ،وعلى أن البدريين أفضل من غير
البدريين ،وعلى أن عليا أفضل من جماهير هؤًلء ــ لم يقدم علي أحد غير الثالثة<،
منهاج السنة :ا ،)396/4وما بعدها.
410
اخلامتة
4ــ ومن اآليات التي أثنى اهلل فيها على عموم الصحابة ،قول
{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ تعالى:
ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ
ﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅ
ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ
ﳔﳕ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊ
ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ}
[الحشر 8 :ــ .]10
فهذه اآليات :تتناول من دخل فيها بعد السابقين األولين إلى يوم
القيامة؛ فكيف ًل يدخل فيها أصحاب رسول اهلل ‘ الذين آمنوا ب
وجاهدوا مع ؟!
5ــ ومن اآليات التي دخل فيها أصحاب النبي ‘ مطل اقا ،قول
{ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ تعالى:
ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ
ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ
ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ
ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ} [الفتح.]29 :
6ــ أن اهلل تعالى ذكر في سورة التوبة أوصاف المنافقين ،وذكر
411
اخلامتة
من بعدهم يقولون :ربَّنا ْاغ ِف ْر لنا وإلخواننا وعن الذين جاؤوا ْ
ذين سبقونا باإليمان وًل َت ْج َع ْل في قلوبنا ِغ اال للذين آمنوا ربَّنا إنك
ال َّ َ
رؤوف رحيما.)1
وكتبه
عمرو صبيح عيل الرشقاوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1من خطبة اإلمام ابن الوزير في العواصم والقواصم :ا 181/1ــ .)182
413
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
ا
حقُ
مُلُ ُ
فيه :ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
أبو بكر
وشرابا ،فأكلوا وشربوا حتى قال ابن جريج :وقال غير عكرمة :صلى
بهم المغرب علي ،فقال{ :ﱁ ﱂ ﱃ} حتى خاتمتها،
فقال :ليس لي دين ،وليس لكم دين ،فنزلت{ :ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ
ﲚ}<ا.)1
4ــ قول تعالى{ :ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ} [الرحمن.]46 :
* عن عطاء الخراساني> :أن أبا بكر ـ ـ ذكر ذات يوم وفكر
في يوم القيامة والموازين والجنة حيث أزلفت وفي النار حين أبرزت،
وصفوف المالئكة وطي السماوات واألرض ،ونسف الجبال وتكوير
الشمس وانتثار الكواكب ،فقال :وددت أني كنت خضر اا من هذه
علي بهمة فتأكلني وأني لم أخلق؛ فنزلت هذه اآلية:
الخضراء تأتي ّ
{ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ}<ا.)2
* عن ابن شوذب؛ قال> :نزلت في أبي بكر الصديق ـ ـ<ا.)3
{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ 5ــ قول تعالى:
ﱊ ﱋ ﱌ} [المجادلة.]22 :
قال ابن جريج> :حدثت أن أبا قحافة سب النبي ـ ‘ ـ فصك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج ابن المنذر :ا ،)720/2وأورده السيوطي في الدر المنثور :ا ،)545/2وهو
مرسل.
ا )2انظر :تفسير الماوردي :ا ،)437/5والدر المنثور :ا.)706/7
ا )3انظر :السابق ،وتفسير ابن كثير :ا.)501/7
418
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
أبو بكر صكة شديدة سقط منها ،ثم ذكر ذلك للنبي ـ ‘ ـ قال> :أو
فعلت ؟< قال :نعم ،قال> :فال تعد إلي < ،فقال أبو بكر :واهلل لو كان
السيف قريبا مني لقتلت ،فأنزل اهلل هذه اآلية<ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أورده الثعلبي :ا ،)264/9والسيوطي في الدر :ا.)86/8
419
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
عمر بن اخلطاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1الدر المنثور :ا ،)7/7ونسب ًلبن جرير ،وليس في ،وفي لباب النقول :ا،)165
نسب لجويبر عن الضحاك عن ابن عباا.
420
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
عثمان بن عفان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أسباب النزول ،للواحدي :ا ،)368ورواه ابن أبي حاتم :ا ،)3248/10وقال ابن
كثير> :وإنما قال ابن عمر ذلك؛ لكثرة صالة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءت ،
حتى إن ربما قرأ القرآن في ركعة< ،فهو من قبيل اًلستشهاد ًل السببية ،هذا ــ إن
صح ــ ففي إسناده نظر ،وانظر :الدر المنثور :ا.)214/7
ا )2رواه ابن أبي حاتم :ا ،)3430/10وانظر :الدر المنثور :ا ،)513/8وهو ضعيف.
424
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
عيل بن أيب طالب
{ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ 1ــ قول تعالى:
ﲱ} [البقرة.]274 :
{ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ عن ابن عباا ،في قول تعالى:
ﲯ ﲰ ﲱ} قال> :نزلت في علي ،كانت مع أربعة
دراهم ،فأنفق بالليل درهما ،وبالنهار درهما ،وسرا درهما ،وعالنية
درهما<ا.)1
{ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ 2ــ قول تعالى:
ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ} [آل عمران.]173 :
عن محمد بن عبيد اهلل الرافعي ،عن أبي ،عن جده أبي رافع> :أن
النبي ‘ وج عليا في نفر مع في طلب أبي سفيان ،فلقيهم أعرابي من
خزاعة فقال :إن القوم قد جمعوا لكم قالوا :حسبنا اهلل ونعم الوكيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج عبدالرزاق في التفسير :ا ،)371/1وابن المنذر في تفسيره :ا،)48/1
وانظر :تفسير ابن أبي حاتم :ا ،)543/2وتفسير الثعلبي :ا ،)279/2وإن صح هذا
األثر ،فإن يحمل على اًلستشهاد ًل النزول ،وسبق أن هذه اآلية نزلت في عثمان،
وقد ضعف الحافظ ابن كثير في تفسير اآلية.
425
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
الوليد بن عقبة :أنا أبسط منك لسانا ،وأحد منك سنانا ،وأرد منك
للكتيبة ،فقال علي :اسكت ،فإنك فاسق ،فأنزل اهلل فيهما{ :ﲠ ﲡ
ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ ﲨ} إلى قول {ﳋ ﳌ} [السجدة<]20 :ا.)1
8ــ قوله تعالى{ :ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ} [الزخرف.]41 :
عن جابر ـ ـ عن النبي ـ ‘ ـ في قوله{ :ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ
ﲑ}> :نزلت في علي بن أبي طالب ،أن ينتقم من الناكثين
والقاسطين بعدي<ا.)2
{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ 9ــ قول تعالى:
ﱊ ﱋ} [المجادلة.]12 :
جاء من غير وج أن هذه اآلية لم يعمل بها سوى علي .
{ﱁ ﱂ ومن ذلك ،عن علي بن أبي طالب ،قال> :لما نزلت:
ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ} قال لي النبي ‘ ما
ترى؟ دينار؟ قلت :ال يطيقونه ،قال :فنصف دينار؟ ،قلت :ال يطيقون .
قال :فكم؟ قلت :شعيرة .قال :إنك لزهيد .قال :فنزلت {ﱚ ﱛ
ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ} اآلية .قال :فبي خفف اهلل عن هذه األمة<.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير الطبري :ا ،)652/18وابن أبي حاتم :ا ،)3109/9وذكره السيوطي في
الدر :ا )553/6عن ابن عباا ،وإسناده ضعيف ،وانظر :اًلستيعاب في بيان
األسباب :ا 73/3ــ .)74
ا )2الدر المنثور :ا ،)380/7وإسناده موضوع.
428
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
وقول علي > :آية من كتاب اهلل لم يعمل بها أحد قبلي ،وًل
يعمل بها أحد بعدي ،كان عندي دينار فصرفت بعشرة دراهم ،فكنت
إذا جئت إلى النبي ‘ تصدقت بدرهم ،فنسخت فلم يعمل بها أحد
قبلي {ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ}<ا.)1
10ــ قول تعالى{ :ﱚ ﱛ ﱜ} [الحاقة.]12 :
عن علي بن حوشب ،قال :سمعت مكحوًل ،يقول :قرأ رسول
اهلل ‘{ :ﱚ ﱛ ﱜ} ثم التفت إلى علي ،فقال> :سألت اهلل أن
يجعلها أذنك< قال علي :فما سمعت شيئا من رسول اهلل ‘
فنسيت ،وعبد اهلل بن رستم ،قال :سمعت بريدة ،يقول :سمعت رسول
اهلل ‘ يقول لعلي> :يا علي إن اهلل أمرني أن أدنيك وًل أقصيك ،وأن
أعلمك وأن تعي ،وحق على اهلل أن تعي< .قال :فنزلت {ﱚ ﱛ
ﱜ}ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1انظر :تفسير الثعلبي :ا ،)101/10والدر المنثور :ا ،)371/8وتكلم علي ابن تيمية
في منهاج السنة :ا.)174/7
430
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
أبو عبيدة بن اجلراح
ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1ذكره الثعلبي في الكشف :ا ،)264/9والبيهقي في السنن :ا ،)27/9والدر
المنثور :ا ،)86/8وانظر في الكالم علي ،فتح الباري :ا ،)93/7والتلخيص
الحبير :ا ،)113/4واًلستيعاب في بيان األسباب :ا.)351/3
431
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
محزة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1الدر المنثور :ا ،)514/8اًلستيعاب في بيان األسباب :ا.)511/3
433
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
عمار بن يارس
{ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ 1ــ قول تعالى:
ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ
ﲞ ﲟ} [األنعام.]122 :
{ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ عن عكرمة:
ﲑ} قال> :نزلت في عمار بن ياسر< ،وعن عكرمة{> :ﲇ ﲈ
ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ} :عمار بن ياسر{ .ﲒ
ﲓ ﲔ ﲕ} :أبو جهل بن هشام<ا.)1
{ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ 2ــ قول تعالى:
ﲜ} [العنكبوت.]2 :
عن عبد اهلل بن عبيد بن عمير ،يقول> :نزلت ،يعني هذه اآلية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه الطبري :ا ،)533/9وابن أبي حاتم :ا ،)1381/4واًلستيعاب في بيان
األسباب :ا ،)1137/3قال ابن كثير> :وزعم بعضهم أن المراد بهذا المثل رجالن
معينان ،فقيل :عمر بن الخطاب هو الذي كان ميتا فأحياه اهلل ،وجعل ل نورا يمشي ب
في الناا .وقيل :عمار بن ياسر .وأما الذي في الظلمات ليس بخارج منها :أبو جهل
عمرو بن هشام ،لعن اهلل .والصحيح أن اآلية عامة ،يدخل فيها كل مؤمن وكافر<،
ا.)330/3
434
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ} [الزمر.]9 :
قال مقاتل وغيره> :نزلت في عمار بن ياسر<ا.)2
4ــ قول تعالى{ :ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ}
[فصلت.]40 :
عن بشر بن تيم ،قال> :نزلت هذه اآلية في أبي جهل ،وعمار بن
ياسر {ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ} أبو جهل {ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ}
عمار بن ياسر<ا.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه الطبري :ا ،)358/18وابن أبي حاتم :ا.)3033/9
ا )2الكشف والبيان :ا ،)224/8وتاريخ ابن دمشق :ا ،)377/42والدر المنثور:
ا ،)214/7واًلستيعاب في بيان األسباب :ا.)168/3
ا )3أخرج عبدالرزاق في التفسير :ا ،)157/3والثعلبي في الكشف :ا،)298/8
وتاريخ دمشق :ا ،)378/43والدر المنثور :ا.)330/7
435
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
عبد اهلل بن مسعود
ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ} [الزمر.]9 :
عن ابن عباا قال> :نزلت هذه اآلية في ابن مسعود وعمار
وسالم مولى أبي حذيفة <ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1ذكره الثعلبي في الكشف ،)126/3( :والدر المنثور ،)293/2( :والعجاب:
(.)733/2
ا )2ذكره في الدر المنثور ،)214/7( :ولباب النقول ،)168( :عن جويبر عن ابن عباس،
وفي انقطاع ،وجويبر متروك.
436
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
سلمان الفاريس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج الطبري :ا ،)185/20والثعلبي :ا.)228/8
437
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
عبد اهلل بن سالم
ومن مع <ا.)1
{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ 3ــ قول تعالى:
ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} [الرعد]43 :ا.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه الطبري :ا ،)329/6وابن المنذر :ا ،)542/2وتفسير ابن كثير :ا،)105/2
ومنهاج السنة :ا.)117/5
ا )2أما هذه اآلية ،فإن بعض أهل التفسير ذكر نزولها في ابن سالم ،ورجح جماعة،
واعترض علي جماعة بكون اآلية مكية ،ومنهم سعيد بن جبير ،انظر ،الطبري:
ا ،)586/13والشعبي ،كما في الهداية ،لمكي :ا ،)6820/11وقال ابن عطية:
>وهذان القوًلن األخيران ًل يستقيمان إًل أن تكون اآلية مدنية ،والجمهور على أنها
مكية< ،المحرر :ا ،)320/3وقال ابن كثير> :وهذا القول غريب؛ ألن هذه اآلية
مكية ،وعبد اهلل بن سالم إنما أسلم في أول مقدم رسول اهلل ‘ المدينة .واألظهر
في هذا ما قال العوفي ،عن ابن عباا قال :هم من اليهود والنصارى< ،التفسير:
ا.)473/4
ا )3انظر :المحرر في أسباب النزول ،للمزيني :ا ،)637/2ا ،)886/2فقد استوفى
الكالم عليهما.
439
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
صهيب
{ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ 1ــ قول تعالى:
ﲗ} [البقرة.]207 :
عن عكرمة{> :ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ}
قال :نزلت في صهيب بن سنان ،وأبي ذر الغفاري جندب بن السكن؛
أخذ أهل أبي ذر ،أبا ذر ،فانفلت منهم ،فقدم على النبي ‘ ،فلما
رجع مهاجرا عرضوا ل ،وكانوا بمر الظهران ،فانفلت أيضا حتى قدم
على النبي .وأما صهيب فأخذه أهل ،فافتدى منهم بمال ،ثم خرج
مهاجرا فأدرك منقذ بن عمير بن جدعان ،فخرج ل مما بقي من مال ،
وخلى سبيل <ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه الطبري :ا ،)591/3وقال> :والذي هو أولى بظاهر هذه اآلية من التأويل ،ما
روي عن عمر بن الخطاب ،وعن علي بن أبي طالب ،وابن عباا ، ،من أن
يكون عنى بها اآلمر بالمعروف والناهي عن المنكر .وذلك أن اهلل جل ثناؤه وصف
صفة فريقين :أحدهما منافق يقول بلسان خالف ما في نفس وإذا اقتدر على معصية
اهلل ركبها وإذا لم يقتدر رامها وإذا نهي أخذت العزة باإلثم بما هو ب آثم ،واآلخر
منهما بائع نفس طالب من اهلل رضا اهلل .فكان الظاهر من التأويل أن الفريق
الموصوف بأن شرى نفس هلل وطلب رضاه ،إنما شراها للوثوب بالفريق الفاجر طلب
رضا اهلل .فهذا هو األغلب األظهر من تأويل اآلية .وأما ما روي من نزول اآلية في=
440
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
ثوبان موىل رسول اهلل ‘
{ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ 1ــ قول تعالى:
ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ}
[النساء.]69 :
>نزلت في ثوبان مولى رسول اهلل ـ ‘ ـ ،وكان شديد الحب
لرسول اهلل ـ ‘ ـ قليل الصبر عن ،فأتاه ذات يوم وقد تغير لون ،
ونحل جسم ؛ فعرف الحزن في وجه ،فقال ل > :يا ثوبان! ما غير
بي مرض وًل وجع ،غير أني إذا لم لونك؟< ،فقال :يا رسول اهلل! ًل َ
أرك؛ اشتقت إليك ،واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ،ثم ذ َك ْرت
اآلخرة؛ فأخاف أن ًل أراك هناك؛ ألني عرفت أنك ُترفع مع النبيين،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمر صهيب ،فإن ذلك غير مستنكر ،إذ كان غير مدفوع جواز نزول آية من عند اهلل =
على رسول ‘ بسبب من األسباب ،والمعني بها كل من شمل ظاهرها .فالصواب
من القول في ذلك أن يقال :إن اهلل عز ذكره وصف شار ايا نفس ابتغاء مرضات ،فكل
من باع نفس في طاعت حتى قتل فيها أو استقتل وإن لم يقتل ،فمعني بقول { :ﲐ
ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ} [البقرة ]207 :في جهاد عدو
المسلمين كان ذلك من أو في أمر بمعروف أو نهي عن منكر<.
وانظر :تفسير ابن كثير :ا ،)564/1والعجاب :ا ،)524/1واًلستيعاب في بيان
األسباب :ا 145/1ــ ،)148فقد ذكروا عدة روايات في نفس المعنى.
441
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1الواحدي في أسباب النزول :ا ،)165وزاد المسير :ا ،)429/1والعجاب:
ا ،)914/2واًلستيعاب في بيان األسباب :ا.)434/1
442
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
عمري بن احلمام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1معرفة الصحابة ،ألبي نعيم :ا ،)2361/4واًلستيعاب في بيان األسباب :ا.)84/1
443
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
أبو جندل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه عبدالرزاق في تفسيره :ا ،)268/2والطبري :ا ،)225/14وابن أبي حاتم:
ا.)2283/7
444
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
رفاعة القريظ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1رواه الطبري :ا ،)276/18وابن أبي حاتم :ا ،)29888/9وغيرهما ،وهو صحيح،
لكن قال ابن كثير> :قال مجاهد وغيره{ :ﱃ ﱄ} يعني :قريشا .وهذا هو الظاهر،
لكن قال حماد بن سلمة ،عن عمرو بن دينار ،عن يحيى بن جعدة ،عن رفاعة ــ
رفاعة هذا هو ابن قرظة القرظي ،وجعل ابن منده :رفاعة بن سموأل ،خال صفية بنت
حيي ،وهو الذي طلق تميمة بنت وهب التي تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير بن
باطا ،كذا ذكره ابن األثير ــ قال :نزلت {ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ} في عشرة أنا
أحدهم .رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث < ،التفسير :ا.)243/6
445
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
معاوية بن أيب سفيان
{ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ 1ــ قول تعالى:
ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚ ﱛ
ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ
ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ
ﱹ ﱺ} [البقرة.]253 :
عن عبد اهلل بن عباا ـ ـ؛ قال :كنت عند النبي ـ ‘ ـ،
وعنده أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية؛ إذ أقبل علي ،فقال النبي ـ ‘ ـ
لمعاوية> :أتحب علي اا؟!< ،قال :نعم ،قال> :إنها ستكون بينكم هنيهة<،
قال معاوية :فما بعد ذلك يا رسول اهلل؟! قال> :عفو اهلل ورضوان <،
قال :رضينا بقضاء اهلل ورضوان ؛ فعند ذلك نزلت هذه اآلية{ :ﱛ ﱜ
ﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩ
ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ
ﱺ}<ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تاريخ دمشق :ا ،)140/59والدر المنثور :ا ،)4/2واًلستيعاب في بيان األسباب:
ا.)193/1
446
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
انلجايش
5
زينب بنت جحش
449
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
ﱊ} ...إلى آخر اآلية> ،وذلك أن رسول اهلل ‘ انطلق يخطب على
فتاه زيد بن حارثة ،فدخل على زينب بنت جحش األسدية فخطبها،
فقالت :لست بناكحت ،فقال رسول اهلل ‘> :فانكحي < ،فقلت :يا
رسول اهلل أؤامر في نفسي فبينما هما يتحدثان أنزل اهلل هذه اآلية على
رسول { :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ} ..إلى قول { :ﱘ ﱙ} قالت:
قد رضيت لي يا رسول اهلل منكحا؟ قال> :نعم< ،قالت :إذن ًل أعصي
رسول اهلل ،قد أنكحت نفسي<ا.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1أخرج الطبري :ا ،)112/19ا ،)113وابن أبي حاتم :ا ،)3135/9قال ابن كثير:
>هذه اآلية عامة في جميع األمور ،وذلك أن إذا حكم اهلل ورسول بشيء ،فليس
ألحد مخالفت وًل اختيار ألحد هاهنا ،وًل رأي وًل قول< ،ا.)423/6
450
ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة
5
أم رشيك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا )1تفسير القرآن من الجامع ًلبن وهب :ا ،)93/1وقد ذكر الطبري اختالف الناا في
تعيين هذه الواهبة في تفسيره :ا ،)134/19وما بعده.
451
أهم مراجع البحث
453
أهم مراجع البحث
الشافعي ،الناشر :دار الجيل ــ بيروت ،تحقيق :علي محمد ،الطبعة :األولى/
1412هـ 1992 /م.
* أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ،المؤلف :محمد األمين بن
محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي ،الناشر :دار الفكر للطباعة
والنشر والتوزيع بيروت ــ لبنان ،عام النشر 1415 :هـ ــ 1995م.
* أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ،تأليف :محمد األمين بن
محمد المختار الجكني الشنقيطي ،الناشر :مطبعة المدني ،على نفقة :محمد
عوض بن ًلدن ،الطبعة :األولى1386/هـ.
* إعراب القرآن ،تأليف :أبي جعفر النحاا ،الناشر :مكتبة النهضة
الحديثة ،تحقيق :زهير غازي زاهد ،الطبعة :الثانية1405/هـ.
* إغاثة اللهفان في حكم طالق الغضبانً ،لبن القيم ،ت :محمد
عفيفي ،المكتب اإلسالمي.
* اإلكليل في استنباط التنزيل ،تأليف :جالل الدين السيوطي ،الناشر:
دار الكتب العلمية.
* البحر المحيط ،تأليف :محمد بن يوسف أبي حيان األندلسـي،
الناشر :دار الفكر ،الطبعة :الثانية1403/هـ.
* البرهان في علوم القرآن ،تأليف :محمد بن بهادر بن عبد اهلل الزركشي،
الناشر :المكتبة العصرية ــ بيروت ،تحقيق :محمد أبو الفضل إبراهيم.
* التحرير والتنوير من التفسير ،تأليف :محمد الطاهر ابن عاشور،
الناشر :الدار التونسية للنشر ،الطبعة1984 :م.
454
أهم مراجع البحث
* سنن :ابن ماج ،تحقيق :محمد فؤاد عبدالباقي ،دار إحياء الكتب
العربية ،فيصل عيسى البابي الحلبي.
* سنن :أبي داود ،تحقيق :محمد محيي الدين عبدالحميد ،المكتبة
العصرية ،صيدا ،بيروت.
* سنن :الترمذي ،تحقيق :أحمد محمد شاكر ،ومحمد فؤاد عبدالباقي،
وإبراهيم عطوة عوض ،الطبعة الثانية ا 1395هـ = 1975م) ،شركة مكتبة
ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ،مصر.
* سنن :سعيد بن منصور ،تحقيق :حبيب الرحمن األعظمي ،الطبعة
األولى ا1403هـ = 1982م) ،الدار السلفية ،الهند.
* سير أعالم النبالء :للذهبي ،تحقيق :مجموعة من المحققين ،بإشراف
الشيخ شعيب األرناؤوط ،الطبعة الثالثة ا 1405هـ = 1985م) ،مؤسسة
الرسالة ،بيروت.
* سير أعالم النبالء ،تأليف :أبي عبد اهلل الذهبي الدمشقي ،الناشر:
مؤسسة الرسالة ــ بيروت ،تحقيق :شعيب األرناؤوط ،ومحمد العرقسوسي،
الطبعة :التاسعة1413/هـ.
* شرح صحيح مسلم = المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج:
للنووي ،الطبعة الثانية ا1392هـ) ،دار إحياء الترا العربي ،بيروت.
* الصحاح في اللغة ،الناشر :دار العلم للماليين ــ بيروت ،تحقيق:
أحمد العطار ،الطبعة :الثانية1399/هـ 1979 /م.
المسنَد الصحيح المختصر من أمور
* صحيح البخاري = الجامع ُ
رسول اهلل ‘ وسنن وأيام :لإلمام البخاري ،تحقيق :محمد زهير بن ناصر
458
أهم مراجع البحث
* فضائل القرآن للقاسم بن سالم ،ألبي ُعبيد القاسم بن س ّالم بن عبد اهلل
الهروي البغدادي ،تحقيق :مروان العطية ،ومحسن خرابة ،ووفاء تقي الدين،
الناشر :دار ابن كثير ادمشق ــ بيروت) ،الطبعة :األولى 1415 ،هـ ــ 1995م.
* فضل أبي بكر الصديق ً ،لبن تيمية ،منشور مجلة جامعة أم القرى
لعلوم الشريعة ،امج ،13ع ،22ص ،1234ربيع األول 1422 :ــ .)2001
* الفوز الكبير في أصول التفسير لولي اهلل الدهلوي ،ط .دار الغوثاني.
* قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل اإلسالم واإليمان وعبادات
أهل الشرك والنفاقً ،لبن تيمية ،ت :سليمان بن صالح الغصن ،الناشر :دار
العاصمة ــ الرياض.
* كتاب العين ،المؤلف :أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن
تميم الفراهيدي البصري ،المحقق :د مهدي المخزومي ،د إبراهيم السامرائي،
الناشر :دار ومكتبة الهالل.
* الكشف والبيان عن تفسير القرآن ،للثعلبي ،ط .دار إحياء التراث العربي.
* لسان العرب ا 6مجلدات) ،تأليف :محمد بن مكرم بن منظور،
الناشر :دار المعارف ــ القاهرة ،تحقيق :مجموعة ،الطبعة1406 :هـ 1981 /م.
* مجموع الفتاوىً :لبن تيمية ،تحقيق :عبدالرحمن بن محمد بن
قاسم ،عام النشر ا1416هـ = 1995م) ،مجمع الملك فهد لطباعة المصحف
الشريف ،المدينة المنورة.
* مجموع الفتاوى ،تأليف :أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني،
الناشر :مكتبة ابن تيمية ،تحقيق :عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ،الطبعة:
الثانية.
460
أهم مراجع البحث
* المحرر في أسباب النزول ،د .خالد المزيني ،ط .دار ابن الجوزي.
* المحرر في علوم القرآن ،تأليف :مساعد الطيار ،الناشر :مركز
الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد اإلمام الشاطبي ،الطبعة :الثانية1429/هـ.
المسنَد :لإلمام أحمد بن حنبل ،تحقيق :أحمد محمد شاكر ،وحمزة* ُ
أحمد الزين ،الطبعة األولى ا 1416هـ = 1995م) ،دار الحديث ،القاهرة.
المسنَد :لإلمام أحمد بن حنبل ،تحقيق :شعيب األرنؤوط ،وعادل
* ُ
مرشد ،وآخرون ،تحت إشراف :د عبداهلل بن عبدالمحسن التركي ،الطبعة
األولى ،ا 1421هـ = 2001م) ،مؤسسة الرسالة ،بيروت.
* مصنف ابن أبي شيبة ،تأليف :أبي بكر عبد اهلل بن محمد بن أبي شيبة
الكوفي ،الناشر :مكتبة الرشد ــ الرياض ،تحقيق :كمال يوسف الحوت،
الطبعة :األولى1409/هـ.
* مصنف عبد الرزاق ،تأليف :أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني،
الناشر :المكتب اإلسالمي ،تحقيق :حبيب الرحمن األعظمي.
المصنَّف في األحاديث واآلثار :البن أبي شيبة ،تحقيق :حمد بن عبداهلل
* ُ
الجمعة ،ومحمد بن إبراهيم اللحيدان ،الطبعة األولى ا1425هـ = 2004م)،
مكتبة الرشد ،الرياض.
* الُمصنَّف :لعبدالرزاق الصنعاني ،تحقيق :حبيب الرحمن األعظمي،
الطبعة الثانية ا1403هـ) ،المكتب اإلسالمي ،بيروت.
* معاني القرآن ،تأليف :أبي زكريا يحيى بن زياد الفراء ،الناشر :عالم
الكتب ــ بيروت ،الطبعة :الثانية1980/م.
461
أهم مراجع البحث
462