You are on page 1of 463

‫َّ ا ا ا ا ا ا‬

‫الَقابةُ‬ ‫الصَحبةُ و‬
‫يِف‬
‫عنوان الكتاب ‪ :‬الصحابة والقرابة يف القرآن الكريم ‪.‬‬
‫اسم املؤلف ‪ :‬عمرو صبحي علي حممد ‪.‬‬
‫عدد الصفحات ‪462 :‬‬ ‫ــ‬ ‫نوع املطبوع ‪ :‬كتاب ـ ـ الطبعة ‪ :‬األوىل‬
‫السلسلة ‪ :‬قضايا التوعية اإلسالمية (‪)21‬‬
‫الناشر ‪ :‬مربة اآلل واألصحاب‬
‫ص‪ .‬ب‪ 12421 .‬الشامية ـ الرمز الربيدي ‪ 71655‬ـ ـ ت ‪2560203 :‬‬

‫ردمك‪ 5 :‬ـ ‪ 46‬ـ ‪ 64‬ـ ‪ 99966‬ـ ‪ISBN 978‬‬

‫م‬
‫حقوق الطبع حقوظة لمبرة الآل والآصحاب‬
‫إال لمن أراد التوزيع الخيري بشرط عدم التصرف في المادة العلمية‬

‫ا‬ ‫َّلط ا‬
‫ُ‬ ‫ا ُبُ ُعةُ الُ ُ‬
‫ول‬
‫‪ 1440‬ـه ـ ‪2019‬م‬

‫هاتف‪ 22560203 :‬ــ ‪ 22552340‬فاكس‪22560346 :‬‬


‫ص‪ .‬ب‪ 12421 :‬الشامية الرمز البريدي ‪ 71655‬الكويت‬
‫‪ mail: almabarrh@gmail. com‬ــ ‪E‬‬
‫‪www. almabarrah. net‬‬
‫ُ ُّ‬
‫ال جيتمع حب األصحاب واآلل‪،‬‬
‫إال يف قلوب عقالء الرجال‬
‫ابن الوزير‬
‫فهرس الكتاب‬

‫فهرس الكتاب‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‪13 .....................................‬‬


‫مقدمة ‪17 ......................................................‬‬
‫* الفصل األول‪ :‬التعريف مبفهوم الصحابة والقرابة ‪23 ...............‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف الصحابة ‪23 ...............................‬‬
‫أوًل‪ :‬اًلشتقاق اللغوي ‪23 ....................................‬‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬التعريف اًلصطالحي ‪27 ................................‬‬ ‫ا‬
‫األولى‪ :‬طريقة أهل الحديث ‪28 ............................‬‬
‫الثانية‪ :‬طريقة أهل األصول ‪34 .............................‬‬
‫ثال اثا‪ :‬يعرف الصحابي بأمور ‪36 ................................‬‬
‫راب اعا‪ :‬طبقات الصحابة ‪37 .................................‬‬
‫خام اسا‪ :‬الصحبة العامة والخاصة ‪39 .............................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تعريف القرابة ‪44 ................................‬‬
‫مرادنا بالقرابة ‪46 ...........................................‬‬
‫األولى‪ :‬تعريف اآلل في اللغة ‪46 .............................‬‬
‫الثانية‪ :‬آل البيت في اًلصطالح ‪52 ............................‬‬
‫‪5‬‬
‫فهرس الكتاب‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫* الفصل الثاني‪ :‬أسباب النزول‪ ..‬تعريفها‪ ..‬أهميتها‪ ..‬أهم مصادرها ‪57 ..‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف سبب النزول‪60 ............................‬‬
‫أوًل‪ :‬تعريف السيوطي ‪60 ....................................‬‬
‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف الدكتور خالد المزيني‪69 ...........................‬‬
‫ا‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أهمية المعرفة بسبب النزول ‪77 ......................‬‬
‫ألسباب النزول عدة فوائد ‪80 .................................‬‬
‫‪ 1‬ــ اإلعانة على فهم المراد من اآلية‪80 .......................‬‬
‫‪ 2‬ــ تصور أحوال من نزل فيهم القرآن ‪87 ......................‬‬
‫‪ 3‬ــ إبراز حكم التشريع الباهرة ‪88 ...........................‬‬
‫‪ 4‬ــ الكشف عن الظرفين المكاني والزماني لنزول اآليات ‪89 .......‬‬
‫‪ 5‬ــ إزالة اإلشكال الناشئ عن الجهل بسبب النزول ‪90 ...........‬‬
‫‪ 6‬ــ بيان أخصية السبب بالحكم ‪91 ..........................‬‬
‫‪ 7‬ــ معرفة التاريخ ‪91 .....................................‬‬
‫‪ 8‬ــ توسعة علم الشريعة بمعرفة األحكام بأسبابها ‪91 .............‬‬
‫‪ 9‬ــ التأسي واًلقتداء بما وقـع للسـلف مـن حـواد فـي الصـبر‬
‫على المكاره واحتمال األقدار المؤلمة ‪91 ......................‬‬
‫‪ 10‬ــ تعيين المبهم ‪92 ....................................‬‬
‫كالم جامع لبعض األئمة في أهمية العلم بسبب النزول‪92 ............‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أهم مصادر أسباب النزول ‪94 .......................‬‬

‫‪6‬‬
‫فهرس الكتاب‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫* الفصل الثالث‪ :‬اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة ‪99 ...‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك ‪106.................................‬‬
‫‪ 1‬ــ أنهم ًل يرقبون في مؤمن اإًل وًل ذمة ‪106.....................‬‬
‫‪ 2‬ــ إظهار ما ًل يضمرون ‪107 .................................‬‬
‫قليال‪108 ........................‬‬ ‫‪ 3‬ــ أنهم يشترون بآيات اهلل ثم انا ا‬
‫‪ 4‬ــ أنهم يمنعون أهل اإليمان من اتباع الحق ‪109..................‬‬
‫‪ 5‬ــ نقض العهود‪ ،‬والطعن فـي ديـن اإلسـالم اكراهيـة مـا جـاء بـ‬
‫الرسول) ‪109.............................................‬‬
‫‪ 6‬ــ اًلستهانة بحكم اهلل ورسول ‪ ،‬وعدم إقامة وزن ل ‪110 ...........‬‬
‫‪ 7‬ــ كراهية اإلسالم‪ ،‬واًلجتماع على محاربة الدين ‪114 .............‬‬
‫‪ 8‬ــ أكـل أمـوال النـاا بالباطـل‪ ،‬وقبـول الرشـوة‪ ،‬وكنـز األمـوال‪،‬‬
‫وترك النفقة في سبيل اهلل ‪115 .................................‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬أهل اإليمان‪118 ..................................‬‬
‫‪ 1‬ــ المجاهدون في سبيل اهلل ‪119 ..............................‬‬
‫‪ 2‬ــ الهجرة ‪122 ...........................................‬‬
‫‪ 3‬ــ ًل عصمة لهم ‪123 ......................................‬‬
‫‪ 4‬ــ نصرة النبي ‘‪135 .....................................‬‬
‫‪ 5‬ــ طاعة اهلل ورسول ‪ ،‬والوًلء ألهل اإلسالم‪ ،‬واألمر بالمعروف‪،‬‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬والجود بالمال‪ ،‬وإنفاق في سبيل اهلل ‪137 .........‬‬
‫‪ 6‬ــ الحزن على فوات الطاعة‪139 ..............................‬‬
‫‪7‬‬
‫فهرس الكتاب‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 7‬ــ اًلعتراف بالذنب‪ ،‬والتوبة من ‪140..........................‬‬
‫‪ 8‬ــ التطهر ‪142 ............................................‬‬
‫‪ 9‬ــ اًلستبشار والفرح بآيات اهلل ‪146 ...........................‬‬
‫الصنف الثالث‪ :‬األعراب ‪147 ....................................‬‬
‫‪ 1‬ــ أهل جفاء ‪147 .........................................‬‬
‫‪ 2‬ــ أهل إيمان وبر‪150......................................‬‬
‫الصنف الرابع‪ :‬أهل النفاق‪155 ...................................‬‬
‫‪ 1‬ــ التخلف عن نصرة الدين‪ ،‬وجهـاد أعـداء اهلل‪ ،‬وكثـرة اًلعتـذار‬
‫عن شهود مواقف الحق‪ ،‬واًلرتياب والشك‪159 ...................‬‬
‫‪ 2‬ــ الكذب‪ ،‬واستباحة اإلقسام علي ‪167 ........................‬‬
‫‪ 3‬ــ الحرص على رضا الناا ‪169 .............................‬‬
‫‪ 4‬ــ اجتماعهم على إرادة الشر بأهل اإلسالم‪ ،‬ومواًلة أهل الكفـر‪،‬‬
‫وبث الفرقة بين المسلمين‪ ،‬ونشر الفساد في األرض ‪170 ............‬‬
‫‪ 5‬ــ الفرح بما يصيب أهل اإلسالم من شدة‪ ،‬وتمني الهزيمة لهم ‪176 ...‬‬
‫‪ 6‬ــ التكاسل عن الطاعات‪ ،‬وكراهيتها ‪177 .......................‬‬
‫‪ 7‬ــ الجبن ‪178 ............................................‬‬
‫‪ 8‬ــ عدم الرضا وترك القناعة‪ ،‬مع البخل ‪179 .....................‬‬
‫‪ 9‬ــ أذية النبي ‘ ولمزه عياذاا باهلل ‪183 .........................‬‬
‫‪ 10‬ــ اًلسـتهزاء والسـخرية باإلسـالم‪ ،‬ورسـول ‪ ،‬وأهـل اإلسـالم‪،‬‬
‫والخوف من أن يفضح أمرهم ‪184 ..............................‬‬
‫‪8‬‬
‫فهرس الكتاب‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 11‬ــــ الخــوف والحــذر مــن آيــات اهلل‪ ،‬واًلنصــراف عــن ســماعها‬
‫والعمل بها ‪188 ............................................‬‬
‫الخالصة ‪193 ................................................‬‬
‫* الفصل الرابع‪ :‬اآليات اليت نزلت يف الصحابة والقرابة‪ ..‬إمجاالً ‪197 ...‬‬
‫إجماال ‪199 ........‬‬
‫ً‬ ‫المبحث األول‪ :‬اآليات التي نزلت في تزكية الصحابة‬
‫أوًل‪ :‬السابقون األولون‪199 ...................................‬‬ ‫ا‬
‫ــ المهاجرون األُ َول ‪206 ..................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬أهل بدر‪222 .........................................‬‬ ‫ا‬
‫ثال اثا‪ :‬أهل أحد ‪226 ........................................‬‬
‫ــ واهلل وليهما‪230 .......................................‬‬
‫ــ ليطهركم ب ‪231 ........................................‬‬
‫ــ الذين استجابوا هلل والرسول ‪234 ..........................‬‬
‫ــ شهداء أحد‪237........................................‬‬
‫ــ وربما صحت األجسام بالعلل ‪248 ........................‬‬
‫راب اعا‪ :‬المبايعون تحت الشجرة ‪255 ............................‬‬
‫خام اسا‪ :‬أنهم خيار الناا وأعدلهم ‪277..........................‬‬
‫ساد اسا‪ :‬محبتهم هلل ومحبة اهلل لهم‪285 ..........................‬‬
‫ساب اعا‪ :‬الرحماء األشداء ‪289..................................‬‬
‫ثام انا‪ :‬ليستخلفنهم في األرض ‪295 .............................‬‬
‫تاس اعا‪ :‬وهم الرجال الصادقون المتحققون باإليمان ‪300 .............‬‬
‫‪9‬‬
‫فهرس الكتاب‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫إجماال ‪316 ..........‬‬
‫ً‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬اآليات التي نزلت في تزكية القرابة‬
‫‪ 1‬ــ آيات سورة األحزاب‪ ..‬وفضل أزواج الرسول ‪316 ..............‬‬
‫ــ آية التطهير‪324 ..........................................‬‬
‫‪ 2‬ــ الصالة عليهم ‪332......................................‬‬
‫‪ 3‬ــ آية المحاجة‪333........................................‬‬
‫‪ 4‬ــ آية المودة ‪334.........................................‬‬
‫‪ 5‬ــ الغنيمة ‪338...........................................‬‬
‫* تنبيه ‪340 ................................................‬‬
‫* الفصل اخلامس‪ :‬الصحابة الذين نزلت فيهم آيات خمصوصة ‪341 ....‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الصديق األكبر (أبو بكر) ‪343......................‬‬
‫‪ 1‬ــ الصاحب ‪343..........................................‬‬
‫‪ 2‬ــ الصديق‪352 ..........................................‬‬
‫‪ 3‬ــ الصالح ‪355 ..........................................‬‬
‫‪ 4‬ــ األتقى‪356............................................‬‬
‫‪ 5‬ــ الوقاف عند كتاب اهلل ‪ /‬ذا الفضل ‪358.......................‬‬
‫‪ 6‬ــ آية معاتبة يشترك فيها عمر بن الخطاب ‪360 ...............‬‬
‫المبحثثث الثثثاني‪ :‬سثثعد بثثن أبثثي و ثثا ‪ ،‬ويشــترك مع ـ جماعــة مــن‬
‫الصحابة‪ ،‬منهم‪ :‬اابن مسعود‪ ،‬وبـالل‪ ،‬وصـهيب‪ ،‬وعمـار‪ ،‬وخبـاب‪،‬‬
‫وغيرهم)‪362............................................... .‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الزبير بن العوام ‪365.......................... ‬‬
‫‪10‬‬
‫فهرس الكتاب‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المبحث الرابع‪ :‬عبد اهلل بن مسعود ‪366.........................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬عمار بن ياسر ‪367.......................... ‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬زيد بن حارثة ‪368.......................... ‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬أبو طلحة زيد بن سهل األنصاري ‪370 ........... ‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع ‪372. ‬‬
‫المبحث التاسع‪ :‬عبداهلل بن أم مكتوم ‪382...................... ‬‬
‫المبحث العاشر‪ :‬المجادلة (خولة بنت ثعلبة) ‪386................. ‬‬
‫المبحث الحادي عشر‪ :‬رجل يقال له ضمرة من بني بكر ‪388........ ‬‬
‫المبحث الثاني عشر‪ :‬حاطب بن أبي بلتعة ‪389................... ‬‬
‫المبحث الثالث عشر‪ :‬العرباض بن سارية ‪392................... ‬‬
‫* الفصل السادس‪ :‬القرابة الذين نزلت فيهم آيات خمصوصة ‪393......‬‬
‫المبحث األول‪ :‬علي بن أبي طالب ‪394........................ ‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬عائشة ‪398.................................. ‬‬
‫الخاتمة‪408 ...................................................‬‬
‫ملحق فيه‪ :‬ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة ‪415 ..............‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أبو بكر ‪416 .................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬عمر بن الخطاب ‪420 .........................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬عثمان بن عفان ‪421 .......................... ‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬علي بن أبي طالب ‪425 ....................... ‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬أبو عبيدة بن الجراح ‪431 ..................... ‬‬
‫‪11‬‬
‫فهرس الكتاب‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المبحث السادا‪ :‬حمزة ‪432 ............................... ‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬عمار بن ياسر ‪434 .......................... ‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬عبداهلل بن مسعود ‪436 ........................ ‬‬
‫المبحث التاسع‪ :‬سلمان الفارسي ‪437.......................... ‬‬
‫المبحث العاشر‪ :‬عبداهلل بن سالم ‪438......................... ‬‬
‫المبحث الحادي عشر‪ :‬صهيب ‪440 .......................... ‬‬
‫المبحث الثاني عشر‪ :‬ثوبان ‪ ‬مولى رسول اهلل ‘ ‪441..............‬‬
‫المبحث الثالث عشر‪ :‬عمير بن الحمام ‪443 .................... ‬‬
‫المبحث الرابع عشر‪ :‬أبو جندل ‪444 .......................... ‬‬
‫المبحث الخامس عشر‪ :‬رفاعة القرظي ‪445 ..................... ‬‬
‫المبحث السادا عشر‪ :‬معاوية بن أبي سفيان ‪446 ............... ‬‬
‫المبحث السابع عشر‪ :‬النجاشي ‪447 .......................... ‬‬
‫المبحث الثامن عشر‪ :‬زينب بنت جحش ‪449 ................... ‬‬
‫المبحث التاسع عشر‪ :‬أم شريك ‪451 ........................... ‬‬
‫أهم مراجع البحث ‪453...........................................‬‬

‫‪12‬‬
‫مقدمة مربة اآلل واألصحاب‬

‫مقدمة مبرة الآل والآصحاب‬

‫ًل شك أن للصحابة والقرابة منزل اة خاصة عند المسلمين على‬


‫مستويات ع َّدة‪ .‬فمن الناحية السلوكية التربوية؛ ًل يستغني المسلمون في‬
‫فضال عن المسلك العام والهدي الدائم؛ عن‬ ‫عمل يومهم وليلتهم‪ ،‬ا‬
‫خير جي ٍل تم ّثل‬
‫األسوات وال ُقدى‪ ،‬التي على رأسها النبي ‘‪ ،‬ثم أتى ُ‬
‫الهدي النبوي‪ ،‬وهم الصحابة رضوان اهلل عليهم‪ ،‬ومن ضمنهم الجيل‬ ‫َ‬
‫اله َدى من سلف‬ ‫أئمة ُ‬
‫األول من أهل البيت الكرام‪ ،‬ثم َم ْن َتبِعهم من َّ‬
‫األئمة المرضيين في القرون المفضلة وما بعدها‪ ،‬ومن ضمنهم أئمة‬
‫السلف من أهل البيت‪ .‬وكذلك من الناحية العلمية المعرفية؛ فال ريب‬
‫أن الصحابة ومن تبعهم من أئمة الهدى يمثلون المرجعية العلمية‬
‫الصحيحة في فهم نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬فيستقى من طريقتهم معرف ُة‬
‫األصول والفروع‪ ،‬وفا اقا وخال افا‪.‬‬
‫اهتم‬
‫ولما كان هذا الموضوع على ذلك القدر من األهمية؛ فقد ّ‬ ‫ّ‬
‫كبيرا بدارسة‬
‫اهتماما ا‬
‫ا‬ ‫العلماء من جميع اًلتجاهات والمدارا والعلوم؛‬
‫ذلك الموضوع‪ ،‬وأَ ْول َ ْو ُه العناي َة الالئقة ب ‪ ،‬على ُص ُع ٍد ش َّتى‪ ،‬سواء من‬
‫‪13‬‬
‫مقدمة مربة اآلل واألصحاب‬

‫ناحية التأسيس النظري لمفهوم الصحابة والقرابة‪ ،‬وما يتعلق بهم من‬
‫وخصائص مميزة‪ ،‬أم من ناحية التطبيق والتفريع‪ ،‬سواء في‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫صفات‬
‫االعتقاد أم الفقه أم األصول أم التفسير أم الحديث أم السلوك‪ ،‬وغير ذلك‪،‬‬
‫وحر ُروا مبانيهم االجتهادية‪ ،‬وبحثوا ُح َّج َّية اتفاقِهم‬
‫فجمعوا أقوالهم‪َّ ،‬‬
‫وأهل العلم الم َّطلِعون‬‫كثير مما يعلم الباحثون ُ‬ ‫ِ‬
‫واختالفهم‪ ،‬وغير ذلك ٌ‬
‫على ذلك الباب‪.‬‬
‫خضم ذلك الترا الواسع مترامي األطراف‪ ،‬من أبحا أهل‬ ‫ِّ‬ ‫وفي‬
‫العلم المتعلقة بموضوع الصحابة وأهل البيت؛ ًلحظت مبرة اآلل‬
‫والوسطي‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫البحثي الجا ُّد‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫واألصحاب أنه من المطلوب أن يخوض العمل‬
‫المجال‪ ،‬بهدف مزيد الترشيد والتنقيح لتراثنا الزاخر حول هذه‬ ‫َ‬ ‫ذلك‬
‫القضية‪ .‬وارتأى مركز البحو والدراسات في المبرة أن يسهم بتوجيه‬
‫الطاقة البحثية‪ ،‬من خالل استكتاب أحد الباحثين األ ْكفاء المتخصصين في‬
‫التفسير والدراسات القرآنية؛ إلى األساس النظري لقضية الصحابة وأهل‬
‫البيت‪ ،‬الذي هو الجوهر الحقيقي لذلك الموضوع‪ ،‬وهو ما يتعلق‬
‫اًلنطالق‬
‫ُ‬ ‫نفس ‪ ،‬بحيث يكون‬ ‫النص القرآني ِ‬
‫بالصحابة والقرابة في بيئة ِّ‬
‫في تأسيس الموضوع من القرآن الكريم‪ ،‬ثم ينبني علي سائر األبحا ‪،‬‬
‫ًل العكس بحيث يكون اًلنطالق من األبحا ثم النظر فيما يدعمها من‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬كما يحد في بعض الكتابات‪ .‬فإن هذا في رأينا‪ ،‬بما‬
‫يمثِّلُ القرآ ُن الكريم من مرجعيةٍ متف ٍق عليها بين جميع أهل القبلة؛‬
‫مجاًلت الخالف التي تقع بين‬ ‫ِ‬ ‫كثيرا من الحقائق‪ ،‬ويضيِّق‬
‫سيجلّي ا‬
‫‪14‬‬
‫مقدمة مربة اآلل واألصحاب‬

‫العلماء حول قضايا الصحابة وأهل البيت‪.‬‬


‫الكثير من اآليات المتعلقة بالصحابة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫لقد ورد في القرآن الكريم‬
‫سواء بالعموم‪ ،‬أم في أصناف خاصة منهم‪ ،‬كالسابقين األولين‪ ،‬أو أهل‬
‫بيعة الرضوان‪ ،‬أو بدر‪ ،‬أو أحد‪ ،‬وكذلك وردت آيات متعلقة بأهل‬
‫صا كبعض أعيانهم وكأمهات المؤمنين‪ .‬وذلك‬ ‫عموما‪ ،‬وخصو ا‬
‫ا‬ ‫البيت‪،‬‬
‫فضال عن اآليات األخرى التي تتعلق ببعض أصناف الناا الذين‬ ‫ا‬
‫النبي ‘‪ ،‬كالمنافقين والمشركين‪ .‬تناولت اآليات الكريمة‬ ‫َّ‬ ‫عاصروا‬
‫منازل هؤًلء األصناف جمي اعا‪ ،‬وصفاتِهم‪ ،‬وأنواع سلوكهم‪ ،‬من اهلل عالم‬
‫السر وأخفى‪ ،‬بصورة تبرز صفاتِهم البشرية والدينية على حد سواء‪ ،‬في‬
‫صد ٍق وتوازن‪ ،‬وعد ٍل مطلق‪.‬‬
‫يتوخى البحث الذي بين يديك أن ينظر نظرة‬ ‫ومن هذا المنطلق‪ّ :‬‬
‫فاحصة في تلك الحصيلة النصية الكبيرة من آيات القرآن الكريم‪،‬‬
‫ويحللها بصورة موضوعية‪ ،‬معتم ادا على التفاسير المقبولة المعروفة‪،‬‬
‫ويرجح ما يحتاج منها إلى ترجيح‪ ،‬ويبين الفهم الصحيح لها‪ ،‬وير ّد‬
‫الدًلًلت الباطلة التي ًل تحتملها اآليات‪ ،‬ويناقش ما يحتمل فيها من‬
‫وجوه‪ ،‬كما يعرض ألسباب نزول القرآن التي تتعلق بالصحابة وأهل‬
‫ثبوتها‪ ،‬ودًلًلتِها‪.‬‬
‫البيت‪ ،‬باح اثا َ‬
‫توس ٍط بين‬
‫الكتاب حاو ايا تلك المضامين‪ ،‬في ُّ‬
‫ُ‬ ‫وقد خرج هذا‬
‫اًلختصار والتطويل‪ ،‬وبلغة رصينة‪ ،‬ومناقشات علمية جادة‪ ،‬تتجافى عن‬
‫‪15‬‬
‫مقدمة مربة اآلل واألصحاب‬

‫ٍ‬
‫لقراءة‬ ‫الغلظة والتعنيف‪ ،‬وتتر ّفع عن الخطابة والتهويل‪ ،‬في محاولة جادة‬
‫قدر الطاقة لموضوع الصحابة وأهل البيت‪ ،‬من خالل القرآن‪،‬‬ ‫موضوعيةٍ َ‬
‫الباطل من بين‬
‫ُ‬ ‫وانطال اقا من القرآن‪ ،‬استهدا اء بكتاب اهلل الذي ًل يأتي‬
‫يدي وًل من خلف ‪ ،‬تنزيل من حميد مجيد‪ .‬نسأل اهلل أن يوفقنا لما يحب‬
‫ويرضى‪ ،‬وأن ينفع بهذا الكتاب‪.‬‬
‫وألن لم يشكر اهللَ َمن ْلم يشكر الناا‪ ،‬فإننا نود التوج بالشكر‬
‫والتقدير لإلخوة األعزاء في جمعية الشيخ عبد اهلل النوري الخيرية على‬
‫تبنيهم طباعة هذا الكتاب‪ ،‬وتكفلهم بتكلفت المالية‪ ،‬فهذا ليس بأول‬
‫مساعيهم الطيبة لنشر الدعوة اإلسالمية الوسطية‪ ،‬والشيء من مع ِدن ًل‬
‫مثال َح َس ٌن على تعاون الجمعيات والمبرات األهلية في‬
‫يستغرب‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫مجال الدعوة ونشر الثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫صا لوجه‬
‫نرجو من اهلل ‪ ‬أن يوفقنا في مسعانا‪ ،‬وأن يجعل خال ا‬
‫الكريم‪ ،‬وأن يجمع لنا األجرين‪ :‬أجر اًلجتهاد وأجر الصواب‪ ،‬إن ولي‬
‫ذلك والقادر علي ‪.‬‬

‫مبرة الآل والآصحاب‬

‫‪16‬‬
‫مقدمة‬

‫‪‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء‬
‫والمرسلين‪ ،‬وعلى آل وصحب أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن لصحابة رسول اهلل ‘‪ ،‬ولقرابته الكرام من الفضائل ما سارت‬
‫ب الركبان‪ ،‬وصنفت في التصانيف‪ ،‬ولما كان أعظم الكتب عند أهل‬
‫اإلسالم كتاب اهلل الكريم‪ ،‬كان تتبع اآليات التي نزلت في الصحابة‬
‫والقرابة من العمل المبرور‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق؛ فقد أحببت أن أشارك في جمع هذه اآليات‪،‬‬
‫تفسيريا محررا‪ ،‬يجمع المباحث العقدية واألصولية‬
‫ًّ‬ ‫تحليال‬
‫ا‬ ‫وتحليلها‬
‫التي تتضمنها‪ ،‬من جهة دًللتها على فضائل الصحابة والقرابة‪ ،‬ودفع‬
‫التهم عنهم‪ ،‬بالخصوص‪ ،‬والتعمق في إيضاح نفس مفهوم االصحابة‬
‫والقرابة) وسمات وخصائص وأحوال في التصوير القرآني‪ ،‬بالعموم‪.‬‬
‫وسيطرح هذا البحث بعنون‪> :‬الصحابة والقرابة في القرآن الكريم‪..‬‬
‫دراسة تحليلية موضوعية<‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫‪17‬‬
‫مقدمة‬

‫‪ c‬إجراءات البحث‪:‬‬
‫جعلت فصول البحث‪ ،‬وما أؤمل أن يصل إلي عبر التالي‪:‬‬
‫* الفصل األول‪ :‬التعريف بمفهوم الصحابة والقرابة‪.‬‬
‫وجاء هذا الفصل لبيان المفاهيم األساسية عن مصطلحي >الصحابة<‪،‬‬
‫و>القرابة<‪ ،‬وذلك عبر مبحثين‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الصحابة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم القرابة‪.‬‬
‫وسأعرض لبحث المفهومين وفق األدلة الشرعية المعتبرة‪ ،‬وكالم‬
‫أهل العلم المحققين عليها‪ ،‬مع المقارنة والترجيح بينها وفق القواعد‬
‫جاعال ذلك الفصل بمثابة التقدمة النظرية‪،‬‬
‫ا‬ ‫المعروفة في هذا المجال‪.‬‬
‫تفصيال في موضوع البحث األساسي‪.‬‬‫ا‬ ‫التي سيأتي بحث أسسها القرآنية‬
‫* الفصل الثاني‪ :‬أسباب النزول‪ ..‬تعريفها‪ ..‬أهميتها‪ ..‬أهم‬
‫مصادرها‪.‬‬
‫ويتعلق هذا الفصل تعل اقا جوهر ايا بموضوع البحث؛ حيث إن‬
‫أسباب النزول معينة على فهم النص القرآني بعموم‪ ،‬وما يتعلق من‬
‫بالصحابة والقرابة بخصوص‪.‬‬
‫فمن المعروف أن جل آيات الذكر الحكيم النازلة في أجناا‬
‫‪18‬‬
‫مقدمة‬

‫معينة من الناا في زمن الوحي؛ ًل تخلو من سبب نزول معين‬


‫مخصوص‪ ،‬ومن ثَ َّم ينبغي البحث في القيمة العلمية والمعرفية ألسباب‬
‫النزول من الجهة التاريخية بعامة‪ ،‬ومن جهة العلم بالتفسير بخاصة‪ ،‬ثم‬
‫من جهة موضوع البحث وهو الصحابة والقرابة‪ ،‬وعالقات العموم‬
‫والخصوص بين أسباب النزول والحواد ‪ ،‬والنص القرآني‪ ،‬وبيان وج‬
‫الصواب األدق في كل حالة‪ ،‬قدر اإلمكان‪.‬‬
‫وقسمت هذا الفصل إلى عدة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف أسباب النزول‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أهمية أسباب النزول‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التعريف بأهم مصادر أسباب النزول‪.‬‬
‫* الفصل الثالث‪ :‬المجتمع في عهد الرسول ‘ كما تصوره‬
‫سورة التوبة‪.‬‬
‫وهو بمثابة التقدمة لما كان علي حال المجتمع‪ ،‬وكيف كانت‬
‫أقسام آنذاك‪ ،‬لتتبين أصناف الناا وقتئذ‪ ،‬ويظهر تميز الصحابة ‪‬‬
‫على غيرهم من سائر أصناف الناا‪.‬‬

‫إجماال)‪.‬‬
‫* الفصل الرابع‪ :‬اآليات التي نزلت في الصحابة والقرابة ( ً‬
‫وهذا هو الفصل الجوهري الذي يمثل أطروحة هذا البحث‪ ،‬وفيها‬
‫‪19‬‬
‫مقدمة‬

‫يتم االنطالق من النص القرآني بصورة مركزية باعتباره األساس اًلستدًللي‬


‫والحجي لمفهوم الصحبة والصحابة‪ .‬فنتناول في اآليات العامة المتناولة‬
‫للصحابة والقرابة‪ ،‬محاولين في الكشف عن أقرب الصور صحة وصدقا‬
‫إلى المراد القرآني‪ ،‬ومن ثَ َّم محاكمة األساا النظري لهذين المفهومين‬
‫إلى ذلك التصور القرآني‪.‬‬
‫كذلك نتناول في ذلك المبحث اآليات العامة المتناول لشؤون‬
‫مجتمع الصحابة‪ ،‬وصفاتهم السلوكية والعلمية‪ ،‬لرسم صورة شاملة‬
‫وموضوعية لهذا المجتمع‪ .‬مع الفحص عن آيات التعديل والتزكية‬
‫لجنس الصحابة‪ ،‬لبيان األساا النظرية واًلستدًللي قرآنيا لعدالة‬
‫الصحابة‪ ،‬وبيان دًللتها اللغوية والتفسيرية‪ ،‬وما يكشف عن معاني من‬
‫أسباب النزول والحواد ‪ ،‬وما يعرض لذلك المفهوم من توهمات‬
‫وأخطاء مختلفة‪ ،‬إفرا اطا وتفري اطا‪ .‬واألمر نفس فيما يتعلق باآليات‬
‫المتناولة للقرابة‪ ،‬من حيث المفهوم والتحديد‪ ،‬والتعديل والتزكية‪ ،‬مع‬
‫بيان دًللتها اللغوية والتفسيرية‪.‬‬
‫وفي مبحثان‪:‬‬
‫إجماًل‪.‬‬
‫ا‬ ‫المبحث األول‪ :‬اآليات التي نزلت في تزكية الصحابة‬
‫إجماًل‪.‬‬
‫ا‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬اآليات التي نزلت في تزكية القرابة‬

‫‪20‬‬
‫مقدمة‬

‫* الفصل الخامس‪ :‬الصحابة الذين نزلت فيهم آيات مخصوصة‪.‬‬


‫وفي نعرض لآليات التي ثبت نزولها في أعيان مخصوصة من‬
‫الصحابة‪ ،‬وبيان جهة الفضل أو غير ذلك من الجهات؛ فيها؛ بيانا‬
‫تحليليا‪.‬‬
‫ًّ‬
‫* الفصل السادس‪ :‬القرابة الذين نزلت فيهم آيات مخصوصة‪.‬‬
‫وفي نعرض لآليات التي ثبت نزولها في أعيان مخصوصة من قرابة‬
‫النبي ‘‪ ،‬وبيان جهة الفضل أو غير ذلك من الجهات؛ فيها؛ بيانا‬
‫تحليليا‪.‬‬
‫ًّ‬
‫محاوًل‬
‫ا‬ ‫وسأقتصر في هذه المباحث على ما صح دون غيره‪،‬‬
‫تجنب ذكر الخالف ما استطعت ليكون البحث صال احا لعموم القراء‪،‬‬
‫ولن أتعرض لذكر آيات األحكام‪ ،‬وإن نزلت بسبب خاص‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫مراجع البحث‬
‫وألحقت بالبحث ما ال يثبت من فضائل اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫وأسأل اهلل ‪ ‬أن يوفقنا إلبراز دًلًلت القرآن على فضل هذه الثلة‬
‫المباركة من اآلل واألصحاب‪ ،‬وإبراز نقاط منهجية في حديث القرآن‬
‫عنهم‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫مقدمة‬

‫وفي ختام هذه المقدمة أحمد اهلل تعالى وأشكره‪ ،‬وأتوب إلي‬
‫وأستغفره‪ ،‬فلل الحمد رب السماوات ورب األرض رب العالمين أن‬
‫وفقني إلتمام البحث‪ ،‬وأشكر من أعطاني الفكرة األولى لهذا البحث‪،‬‬
‫وهو الشيخ الفاضل‪ ،‬واألخ الكريم‪ ،‬األستاذ‪ /‬عمرو بسيوني‪ ،‬وأسأل‬
‫اهلل أن يجمعني وأهلي ومشايخي وإخواني في زمرة من رضي عنهم من‬
‫أصحاب نبي وآل ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫وكتبه‬
‫عمرو صبيح عيل الرشقاوي‬

‫‪22‬‬
‫َّ ا ا ا ا ا ا‬ ‫ا‬ ‫َّ‬
‫الَق ُابةُ‬
‫ة ُو ُ‬ ‫لص ُ‬
‫َح ُب ِ ُ‬‫ما ُ‬
‫بفُهُ ِ ُ‬
‫ريف ِ ُ‬
‫العُ ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫تعريف الصحابة‬

‫‪5‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫أوال‪ :‬االشتقاق اللغوي‪:‬‬


‫ً‬
‫الصحابة كلمة تدل في األصل على مقارنة الشيء ومقاربت ‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫> َص ِح َب ُ يَ ْص َح ُب ُ ُص ْح َب اة بالضم‪َ ،‬‬
‫وصحابة‪ ،‬بالفتح‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصاحب َص ْح ٌب مثل راكب وركب‪ ،‬وصحبة بالضم مثال‬ ‫وجمع‬
‫فاره وفرهة‪ ،‬وصحاب مثل جائع وجياع‪....‬‬
‫واألصحاب‪ :‬جمع صحب‪ ،‬مثل فرخ وأفراخ‪.‬‬
‫مصدر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫والصحابة بالفتح‪ :‬األصحاب‪ ،‬وهي في األصل‬
‫أصاحيب<ا‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫األصحاب‬
‫ِ‬ ‫وجمع‬
‫الص ِ‬
‫اح ُب‪ :‬المالزم إنسا انا كان أو حيوا انا‪ ،‬أو‬ ‫يقول الراغب‪َّ > :‬‬
‫مكا انا‪ ،‬أو زما انا‪.‬‬
‫اح َب ُت ُ بالبدن ــ وهو األصل واألكثر ــ‪،‬‬
‫وًل فرق بين أن تكون ُم َص َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬العين‪ :‬ا‪ ،)124/3‬تهذيب اللغة‪ :‬ا‪ ،)153/4‬الصحاح‪ :‬ا‪ ،)161/1‬لسان‬
‫العرب‪ :‬ا‪.)519/1‬‬
‫‪25‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫والهمة‪ ...‬وًل يقال في العرف إًل لمن كثرت مالزمت ‪،‬‬


‫َّ‬ ‫أو بالعناية‬
‫ويقال للمالك للشيء‪ :‬هو صاحب ‪ ،‬وكذلك لمن ملك التصرف في ‪.‬‬
‫[التوبة‪{ ،]40 :‬ﱛ ﱜ‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ}‬
‫ﱝ ﱞ ﱟ} [الكهف‪{ ،]34 :‬ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ’}‬
‫[الكهف‪...]9 :‬‬
‫اب أبلغ من اًلجتماع‪ ،‬ألجـل أ َّن المصـاحبة‬ ‫واًل ْص ِط َح ُ‬
‫احب ُة ِ‬
‫وا ْل ُم َص َ َ‬
‫كــل اجتمــاع‬
‫اب اجتمــاع‪ ،‬ولــيس ّ‬ ‫اصــ ِط َح ٍ‬
‫فكــل ْ‬
‫تقتضــي طــول لبثــ ‪ّ ،‬‬
‫اصطحابا‪<...‬ا‪.)1‬‬
‫ويقول ابن فارا‪> :‬الصاد والحاء والباء أصل واحد يدل على‬
‫مقارنة شيء ومقاربت ‪.‬‬
‫من ذلك الصاحب‪ ،‬والجمع‪ :‬الصحب‪ ،‬كما يقال‪ :‬راكب وركب‪.‬‬
‫ومن الباب‪ :‬أصحب فالن‪ ،‬إذا انقاد‪.‬‬
‫وأصحب الرجل‪ ،‬إذا بلغ ابن ‪.‬‬
‫وكل شيء ًلءم شيئا فقد استصحب ‪.‬‬
‫ويقال لألديم إذا ترك علي شعره‪ :‬مصحب‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬أصحب الماء‪ ،‬إذا عاله الطحلب<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬للراغب األصفهاني‪ :‬ا‪ 475‬ــ ‪ ،)476‬بتصرف‪.‬‬
‫ا‪ )2‬مقاييس اللغة‪ :‬ا‪.)335/3‬‬
‫‪26‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫وروى الخطيب البغدادي عن أبي بكر الباقالني أن الصحبة عند‬


‫أهل اللغة جارية على كل من صحب غيره قليلة كانت الصحبة أو كثيرة‪،‬‬
‫قال‪> :‬قال‪ً :‬ل خالف بين أهل اللغة في أن القول‪ :‬صحابي‪ ،‬مشتق من‬
‫الصحبة‪ ،‬وأن ليس بمشتق من قدر منها مخصوص‪ ،‬بل هو جار على كل‬
‫من صحب غيره‪ ،‬قليال كان أو كثيرا‪ ،‬كما أن القول مكلم ومخاطب‬
‫وضارب مشتق من المكالمة والمخاطبة والضرب‪ ،‬وجار على كل من‬
‫وقع من ذلك‪ ،‬قليال كان أو كثيرا‪ ،‬وكذلك جميع األسماء المشتقة من‬
‫ويوما‬
‫وشهرا ا‬
‫ا‬ ‫ودهرا وسنة‬
‫ا‬ ‫حوًل‬
‫األفعال‪ ،‬وكذلك يقال‪ :‬صحبت فال انا ا‬
‫وساعة‪ ،‬فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها وكثيره‪ ،‬وذلك يوجب‬
‫في حكم اللغة إجراء هذا على من صحب النبي ‘ ولو ساعة من‬
‫نهار‪ ،‬هذا هو األصل في اشتقاق اًلسم‪ ،‬ومع ذلك فقد تقرر لألمة‬
‫عرف في أنهم ًل يستعملون هذه التسمية إًل فيمن كثرت صحبت واتصل‬
‫لقاؤه‪ ،‬وًل يجرون ذلك على من لقي المرء ساعة‪ ،‬ومشى مع خطى‪،‬‬
‫وسمع من حدي اثا‪ ،‬فوجب لذلك أن ًل يجرى هذا اًلسم في عرف‬
‫اًلستعمال إًل على من هذه حال <ا‪.)1‬‬

‫ثانيا‪ :‬التعريف االصطالحي‪:‬‬


‫ً‬
‫معرفة الصحابة فن جليل معتبر عند أهل الحديث والعلماء قاطبة‪،‬‬
‫وقد صنف األئمة عد ادا من المصنفات في معرفة الصحابة‪ ،‬وفي ذلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الكفاية‪ :‬ا‪.)51‬‬
‫‪27‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫يقول اإلمام العراقي‪> :‬هذا علم كبير قد ألف الناا في كتبا كثيرة‪ ،‬ومن‬
‫أحالها وأكثرها فوائد كتاب >اًلستيعاب< ًلبن عبد البر‪ ،‬لوًل ما شان‬
‫ب من إيراده كثيرا مما شجر بين الصحابة‪ ،‬وحكايات عن األخباريين ًل‬
‫المحدثين‪ ،‬وغالب على األخباريين اإلكثار والتخليط فيما يروون <ا‪.)1‬‬
‫ولتعلم أيها القاريء الكريم ان للعلماء طر اقا في تعريف الصحابة‪،‬‬
‫ونحن نجملها لك في اآلتيا‪:)2‬‬
‫* األولى‪ :‬طريقة أهل الحديث‬
‫ويعرفون الصحابي بأنه‪> :‬من رأى النبي ‘ مسل ًما<‪ ،‬يقول‬
‫السخاوي‪> :‬وممن نص على اًلكتفاء بها أحمد؛ فإن قال‪ :‬امن صحب‬
‫يوما أو ساعة‪ ،‬أو رآه فهو من أصحاب )‪.‬‬
‫شهرا أو ا‬
‫سنة أو ا‬
‫وكذا قال ابن المديني‪ :‬امن صحب النبي ـ ‘ ـ أو رآه ولو ساعة‬
‫من نهار‪ ،‬فهو من أصحاب النبي ـ ‘ ـ)‪ ،‬وتبعهما تلميذهما البخاري<ا‪.)3‬‬
‫قال اإلمام البخاري‪> :‬ومن صحب النبي ‘‪ ،‬أو رآه من‬
‫المسلمين‪ ،‬فهو من أصحاب <ا‪ ،)4‬يقول ابن حجر شار احا قول البخاري‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مقدمة ابن الصالح = معرفة علوم الحديث‪ ،‬ت‪ :‬عتر‪ :‬ا‪.)292‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬مقدمة ابن الصالح‪ :‬ا‪ ،)292‬التقريب والتيسير‪ ،‬للنووي‪ :‬ا‪ ،)92‬تحقيق‬
‫منيف الرتبة لمن ثبت ل شريف الصحبة‪ ،‬للعالئي‪ :‬ا‪ ،)29‬فتح المغيث‪ :‬ا‪.)78/4‬‬
‫ا‪ )3‬فتح المغيث‪ :‬ا‪.)78/4‬‬
‫ا‪ )4‬صحيح البخاري‪ :‬ا‪.)2/5‬‬
‫‪28‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫>يعني‪ :‬أن اسم صحبة النبي ‘ مستحق لمن صحب أقل ما يطلق علي‬
‫اسم صحبة لغة‪ ،‬وإن كان العرف يخص ذلك ببعض المالزمة‪ ،‬ويطلق‬
‫ضا على من رآه رؤية ولو على بعد‪.‬‬
‫أي ا‬
‫وهذا الذي ذكره البخاري هو الراجح‪....‬‬
‫والذي جزم ب البخاري هو قول أحمد والجمهور من المحدثين‪.‬‬
‫وقول البخاري‪ :‬امن المسلمين) قيد يخرج ب من صحب أو من‬
‫رآه من الكفار‪.‬‬
‫حاًل =‬
‫فأما من أسلم بعد موت منهم؛ فإن كان قول من المسلمين ا‬
‫خرج من هذه صفت ‪ ،‬وهو المعتمد‪.‬‬
‫ويرد على التعريف من صحب أو رآه مؤمنا ب ثم ارتد بعد ذلك‬
‫صحابيا اتفاقا‪ ،‬فينبغي أن يزاد في ومات‬
‫ا‬ ‫ولم يعد إلى اإلسالم فإن ليس‬
‫على ذلك<ا‪)1‬ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬فتح الباري‪ً ،‬لبن حجر‪ :‬ا‪ 3/7‬ــ ‪.)4‬‬
‫ا‪ )2‬وًل يرد على أهل الحديث ما يورده بعضهم على هذا التعريف بدخول األعرابي الذي‬
‫بال في المسجد‪ ،‬ونحوهم من األعراب في التعريف المختار عند أهل الحديث‪،‬‬
‫وذلك ألمور‪:‬‬
‫وبينّا‬
‫بي ـ ‘ ـ؛ فإ ّن عدل ما لم يعلم جرح ‪ّ ،‬‬ ‫كل مسلم ممن عاصر النّ ّ‬ ‫‪ 1‬ــ أ ّن ّ‬
‫وبينّا أ ّن مما ا ّدعي في اإلجماع‪،‬‬
‫الحجج على هذا‪ ،‬وأ ّن مذهب جلّة علماء اإلسالم‪ّ ،‬‬
‫وهذا األعرابي من جملة من دخل تحت عموم تلك األدلّة‪ ،‬فيسأل المعترض‪ :‬ما‬
‫الموجب لتخصيص بالذّكر؟ فإ ّن الخصم ملتزم لعدالت ‪ ،‬فيطالب بإبداء المانع منها‪= .‬‬
‫‪29‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫قال ابن تيميةا‪> :)1‬وهذا قول جماهير العلماء من الفقهاء وأهل‬


‫الكالم وغيرهم‪ :‬يعدون في أصحاب من قلت صحبت ومن كثرت‪ ،‬وفي‬
‫ذلك خالف ضعيف<‪ ،‬ثم ذكر عدة أدلة لقول الجمهور‪ ،‬منها حديث‬
‫أبي سعيد ‪> :‬يأتي على الناا زمان‪ ،‬يبعث منهم البعث فيقولون‪:‬‬
‫انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب النبي ‘؟ فيوجد الرجل‪،‬‬
‫فيفتح لهم ب ‪ ،‬ثم يبعث البعث الثاني فيقولون‪ :‬هل فيهم من رأى‬
‫أصحاب النبي ‘؟ فيفتح لهم ب ‪ ،‬ثم يبعث البعث الثالث فيقال‪:‬‬
‫انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النبي ‘؟ ثم يكون‬
‫البعث الرابع فيقال‪ :‬انظروا هل ترون فيهم أحدا رأى من رأى أحدا رأى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ‪ 2‬ــ أ ّن الجرح بذلك غير صحيح أل ّن ًل دليل على أن فعل وهو يعلم بال ّتحريم‪،‬‬
‫حرم‬
‫درت ولو كان في فعل ًلرتكاب ما ّ‬ ‫بي ـ ‘ ـ منع من قطع ّ‬ ‫ويقوي هذا أ ّن ال ّن ّ‬
‫ّ‬
‫الرفق العظيم‪.‬‬
‫اهلل مجتر ائا معان ادا لم يكن يستحق هذا ّ‬
‫فإن قال المعترض‪ :‬أ ّن البول في المسجد يدلّ على الجرح من حيث إ ّن يدلّ على‬
‫السوق‪.‬‬‫الخسة وقلّة الحياء‪ ،‬إذ البول في حضرة النّاا يدلّ على ذلك كاألكل في ّ‬ ‫ّ‬
‫الخسة‪ ،‬وقلّة الحياء يختلف بحسب اختالف‬ ‫قلنا‪ :‬ليس كما تو ّهم‪ ،‬فإ ّن ما يدل على ّ‬
‫الزمان وفي غيره ًل‬‫عرف أهل بلد الفاعل لذلك وأهل زمان ‪ ،‬واألعراب في ذلك ّ‬
‫الصيانة يفعلون من المباحات في بلد‬‫وكل ما كان أهل ّ‬ ‫غالبا‪ّ ،‬‬
‫تستنكر ذلك في باديتها ا‬
‫أو زمان‪ ،‬لم يقدح في عدالة أحد من أهل تلك البلد وذلك الزمان‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ لو ق ّدرنا أ ّن هذا مما يجرح ب لكان مما يحتمل النّظر واًلختالف‪ ،‬وًل يعاب‬
‫على من جرح ب وًل على من لم يجرح‪ .‬انظر‪ :‬الروض الباسم‪ :‬ا‪ 121/1‬ــ ‪،)124‬‬
‫وانظر تكملة كالم عن األعراب‪ ،‬ودخولهم في حد الصحبة‪ ،‬في الروض الباسم‪،‬‬
‫ًلبن الوزير‪ ،‬بعد هذا الموضع الذي نقلناه‪.‬‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬منهاج السنة‪ :‬ا‪ 383/8‬ــ ‪ ،)390‬ا‪.)470/8‬‬
‫‪30‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫أصحاب النبي ‘؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم ب <ا‪ ،)1‬ثم قال‪> :‬ولفظ‬
‫البخاري ثال مرات كالرواية األولى؛ لكن لفظ ‪ :‬يأتي على الناا زمان‬
‫يغزو فئام من الناا‪ ،‬وكذلك قال في الثانية والثالثة‪ ،‬وقال فيها كلها‪:‬‬
‫اصحب)‪ ،‬واتفقت الروايات على ذكر الصحابة والتابعين وتابعيهم وهم‬
‫القرون الثالثة وأما القرن الرابع فهو في بعضها؛ وذكر القرن الثالث‬
‫ثابت في المتفق علي من غير وج <‪.‬‬
‫>ففي الحديث األول‪> :‬هل فيكم من رأى رسول اهلل ‘؟<‪ ،‬ثم‬
‫قال‪> :‬هل فيكم من رأى من صحب رسول اهلل ‘؟<‪ ،‬فدل على أن‬
‫الرائي هو الصاحب‪ ،‬وهكذا يقول في سائر الطبقات في السؤال‪> :‬هل‬
‫فيكم من رأى من صحب من صحب رسول اهلل ‘؟<‪ ،‬ثم يكون‬
‫المراد بالصاحب الرائي‪.‬‬
‫وفي الرواية الثانية‪> :‬هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)3594‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن النبي ‘‪ ،‬قال‪> :‬يأتي على‬
‫الناا زمان يغزون‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬فيكم من صحب الرسول ‘‪ ،‬فيقولون نعم‪ ،‬فيفتح‬
‫عليهم‪ ،‬ثم يغزون‪ ،‬فيقال لهم هل فيكم من صحب من صحب الرسول ‘؟‬
‫فيقولون نعم‪ ،‬فيفتح لهم<‪.‬‬
‫ورواه مسلم‪ :‬ا‪ ،)2532‬وفي لفظ‪> :‬يأتي على الناا زمان‪ ،‬يغزو فئام من الناا‪،‬‬
‫فيقال لهم‪ :‬فيكم من رأى رسول اهلل ‘؟ فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فيفتح لهم‪ ،‬ثم يغزو فئام‬
‫من الناا‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬فيكم من رأى من صحب رسول اهلل ‘؟ فيقولون‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فيفتح لهم‪ ،‬ثم يغزو فئام من الناا‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬هل فيكم من رأى من صحب من‬
‫صحب رسول اهلل ‘؟ فيقولون‪ :‬نعم فيفتح لهم<‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫اهلل ـ ‘ ـ؟ ثم يقال في الثالثة‪> :‬هل فيكم من رأى من رأى أصحاب‬


‫رسول اهلل ‘؟<‪.‬‬
‫ومعلوم إن كان الحكم لصاحب الصاحب معل اقا بالرؤية؛ ففي‬
‫الذي صحب رسول اهلل ـ ‘ ـ بطريق األولى واألحرى‪.‬‬
‫ولفظ البخاري قال فيها كلها‪> :‬صحب<‪ ،‬وهذه األلفاظ إن كانت‬
‫كلها من ألفاظ رسول اهلل ـ ‘ ـ فهي نص في المسألة؛ وإن كان قد‬
‫قال بعضها والراوي مثل أبي سعيد يروي اللفظ بالمعنى؛ فقد دل على‬
‫أن معنى أحد اللفظين عندهم هو معنى اآلخر‪ ،‬وهم أعلم بمعاني ما‬
‫سمعوه من كالم رسول اهلل ـ ‘ ـ‪.‬‬
‫ضا فإن كان لفظ النبي ـ ‘ ـ ارأى) فقد حصل المقصود‪،‬‬ ‫وأي ا‬
‫وإن كان لفظ >صحب< في طبقة أو طبقات؛ فإن لم يرد ب الرؤية لم‬
‫يكن قد بين مراده؛ فإن الصحبة اسم جنس ليس لها حد في الشرع وًل‬
‫في اللغة‪ ،‬والعرف فيها مختلف‪.‬‬
‫والنبي ـ ‘ ـ لم يقيد الصحبة بقيد وًل قدرها بقدر؛ بل علق‬
‫الحكم بمطلقها‪ ،‬وًل مطلق لها إًل الرؤية‪.‬‬
‫وشهرا‪ ،‬فتقع على‬
‫ً‬ ‫ضا فإنه يقال‪ :‬صحبه ساعة‪ ،‬وصحبه سنة‬ ‫وأي ً‬
‫القليل والكثير‪ ،‬فإذا أطلقت من غير قيد لم يجز تقييدها بغير دليل؛ بل‬
‫تحمل على المعنى المشترك بين سائر موارد اًلستعمال‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫وًل ريب أن مجرد رؤية اإلنسان لغيره ًل توجب أن يقال‪ :‬قد‬


‫صحبه‪ ،‬ولكن إذا رآه على وجه االتباع له‪ ،‬واالقتداء به دون غيره‪،‬‬
‫واالختصاص به‪ ،‬ولهذا لم يعتد برؤية من رأى النبي ـ ‘ ـ من الكفار‬
‫والمنافقين فإنهم لم يروه رؤية من قصده ألن يؤمن ب ‪ ،‬ويكون من‬
‫أتباع وأعوان المصدقين ل فيما أخبر‪ ،‬المطيعين ل فيما أمر‪ ،‬الموالين‬
‫ل ‪ ،‬المعادين لمن عاداه‪ ،‬الذي هو أحب إليهم من أنفسهم وأموالهم‬
‫وكل شيء<‪.‬‬
‫ثم أورد حديث أبي هريرة ‪ ،‬وفي ‪> :‬أن رسول اهلل ‘ أتى‬
‫المقبرة‪ ،‬فقال‪> :‬السالم عليكم دار قوم مؤمنين‪ ،‬وإنا إن شاء اهلل بكم‬
‫ًلحقون‪ ،‬وددت أنا قد رأينا إخواننا< قالوا‪ :‬أولسنا إخوانك؟ يا رسول‬
‫اهلل قال‪> :‬أنتم أصحابي‪ ،‬وإخواننا الذين لم يأتوا بعد<ا‪.)1‬‬
‫قال‪> :‬ومعلوم أن قول ‪> :‬إخواني< أراد ب ‪ :‬إخواني الذين ليسوا‬
‫بأصحابي‪ ،‬وأما أنتم فلكم مزية الصحبة‪ ،‬ثم قال‪> :‬قوم يأتون بعدي‬
‫ال بين إخوان الذين ود أن‬
‫يؤمنون بي ولم يروني<؛ فجعل هذا ح ادا فاص ا‬
‫يراهم وبين أصحاب ؛ فدل على أن من آمن ب ورآه‪ ،‬فهو من أصحاب ًل‬
‫من هؤًلء اإلخوان الذين لم يرهم ولم يروه‪.‬‬
‫فإذا عرف أن الصحبة اسم جنس تعم قليل الصحبة وكثيرها‪،‬‬
‫قليال‪ ،‬فمعلوم أن الصديق في ذروة سنام‬
‫وأدناها أن يصحب زم انا ا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه مسلم‪ :‬ا‪.)249‬‬
‫‪33‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫الصحبة‪ ،‬وأعلى مراتبها فإن صحب من حين بعث اهلل إلى أن مات‪.<...‬‬

‫* الثانية‪ :‬طريقة أهل األصول‬


‫وهم على خالف في حد الصحبة‪ 1 ،‬ــ فاشترط بعضهم >طول‬
‫الصحبة‪ ،‬وكثرة المجالسة والرؤية<ا‪ ،)1‬قال العالئي‪> :‬القول الثالث‪ :‬إن‬
‫الصحابي أنما يطلق على من رأى النبي ‘ واختص ب اختصاص‬
‫المصحوب‪ ،‬وطالت مدة صحبت ‪ ،‬وإن لم يرو عن ‪.‬‬
‫حكاه هكذا اآلمدي واألرموي عن جماعة ولم يسموهما‪.)2‬‬
‫ونقله ابن الصالح عن أبي المظفر بن السمعاني أنه ذكر أن اسم‬
‫الصحابي من حيث اللغة‪.‬‬
‫والظاهر إنما يقع على من طالت صحبته للنبي ‘ وكثرت مجالست‬
‫ل على طريق التتبع ل واألخذ عن ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬وبعضهم زاد اشتراط الرواية‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬انظر‪ :‬فتح المغيث‪ :‬ا‪ ،)88/4‬حيث‬
‫قال‪> :‬واشترط بعضهم مع طول الصحبة األخذ‪ ،‬حكاه اآلمدي عن عمرو بن يحيى‪.‬‬
‫والظاهر أن الجاحظ أحد األئمة المعتزلة‪ ،‬الذي قال في ثعلب‪ :‬إن غير ثقة وًل‬
‫مأمون‪ .‬وتسميت ألبي بيحيى تصحيف من بحر‪ ،‬وعبارت ‪ :‬ذهب عمرو بن يحيى إلى‬
‫أن هذا اًلسم إنما يسمى ب من طالت صحبت للنبي ـ ‘ ـ وأخذ عن العلم‪.‬‬
‫وحكاه ابن الحاجب أيضا قوًل غير معزو ألحد‪ ،‬لكن بإبدال األخذ بالرواية‪ .‬وبينهما‬
‫فرق قال المصنف‪ ،‬قال‪ :‬ولم أر هذا القول لغير عمرو‪.‬‬
‫وكأن ابن الحاجب أخذه من كالم اآلمدي<‪.‬‬
‫ا‪ )2‬اإلحكام‪ :‬ا‪.)92/2‬‬
‫‪34‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫قال‪ :‬وهذا طريق األصوليين<ا‪.)1‬‬


‫وقد نسب هذا المذهب إلى سعيد بن المسيب‪ ،‬وهو مذهب‬
‫عاصم األحول‪ ،‬فإن قال في عبد اهلل بن سرجس >إن عبد اهلل بن‬
‫سرجس رأى رسول اهلل ـ ‘ ـ ولم يكن ل صحبة<‪ ،‬قال الذهبي‪> :‬فإن‬
‫أراد الصحبة التي يذهب إليها سعيد بن المسيب‪ ،‬وغيره من طول‬
‫المصاحبة ــ واهلل أعلم ــ<ا‪.)2‬‬
‫‪ 2‬ــ ًل بد مما يطلق علي اسم الصحبة‪ ،‬ولو ساعة‪:‬‬
‫وقد عبر عنها العالئي بقول ‪> :‬والقول الثاني‪ ...:‬أن ًل يكتفي‬
‫بمجرد الرؤية‪ ،‬لكن ًل بد مما يطلق علي اسم الصحبة ولو ساعة‪.‬‬
‫ناقال ل عن أكثر أصحابنا‪:‬‬
‫وهكذا قال اآلمدي في اإلحكام ا‬
‫>أن الصحابي من رأى النبي ‘ وصحب ولو ساعة‪ ،‬وإن لم‬
‫يختص ب اختصاص المصحوب‪ ،‬وًل روى عن وًل طالت مدة‬
‫صحبت <‪ ،‬وعبارة الشيخ صفي الدين األرموي في نهاية الوصول نحو‬
‫هذا‪ ،‬وهي أعم من قول الواقدي المتقدم آن افا من جهة أن ذاك اشترط‬
‫في البلوغ‪ ،‬ولم يقيد اآلمدي واألرموي كالمهما بذلك‪ ،‬بل يدخل في‬
‫ضا الصبي المميز كمحمود بن الربيع الذي عقل عن النبي ‘ مجة‬ ‫أي ا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تحقيق منيف الرتبة‪ :‬ا‪.)33‬‬
‫ا‪ )2‬سير أعالم النبالء‪ :‬ا‪.)426/3‬‬
‫‪35‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫مجها في وجه وهو ابن خمس سنين‪ ،‬وعده البخاري وغيره من‬
‫الصحابة لذلك‪ ،‬فيمكن لذلك أن يجعل الكالمان قولين متباينين‪ ،‬وأما‬
‫أوًل عن‬
‫ابن الحاجب فإن اختار في مختصري القول الذي نقلناه ا‬
‫أحمد بن حنبل والجمهور من اًلكتفاء بمجرد الرؤية<ا‪.)1‬‬
‫وثم أقوال أخرى في تعريف الصحابي‪ ،‬بعضها يرجع إلى ما‬
‫ذكرناه‪ ،‬وبعضها ًل نحتاج إلى حكايت إما لضعف ‪ ،‬وإما ألن المعول‬
‫على غيرها‪.)2‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬يعرف الصحابي بأمور(‪:)3‬‬


‫‪ 1‬ــ التواتر أو الشهرة‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ الشهادة ل بالصحبة من قبل بعض الصحابة‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ اإلخبار عن نفس مع ثبوت عدالت ‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ صحة اإلسناد إلى من قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‘‪.‬‬
‫صحابيا تارة يعرف‬
‫ًّ‬ ‫يقول العراقي‪> :‬ثم إن كون الواحد منهم‬
‫بالتواتر‪ ،‬وتارة باًلستفاضة القاصرة عن التواتر‪ ،‬وتارة بأن يروى عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تحقيق منيف الرتبة‪ :‬ا‪.)32‬‬
‫ا‪ )2‬انظر هذه األقوال والمناقشات حولها في كتاب‪ :‬تحقيق منيف الرتبة‪ ،‬للحافظ‬
‫العالئي ‪.‬‬
‫ا‪ )3‬انظر‪ :‬تحقيق منيف الرتبة‪ :‬ا‪.)50‬‬
‫‪36‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫آحاد الصحابة أن صحابي‪ ،‬وتارة بقول وإخباره عن نفس ــ بعد ثبوت‬


‫عدالت ــ بأن صحابي‪ ،‬واهلل أعلم<ا‪.)1‬‬

‫راب ًعا‪ :‬طبقات الصحابة(‪:)2‬‬


‫إذا أمعنا النظر في الكتب التي ذكرت طبقات الصحابة وجدنا أن‬
‫أصحاب تلك المصنفات قد سلكوا في ذكر طبقات الصحابة مسلكين‪،‬‬
‫وكال هذين المسلكين يحتمل معنى الطبقة في لغة العرب‪ ،‬وكذلك‬
‫اصطالح المحدثين‪:‬‬
‫المسلك األول‪ :‬جعلهم كلهم طبقة واحدة‪ ،‬وممن سلك هذا‬
‫المسلك‪:‬‬
‫العصفري ات ‪ 240‬هـ) في كتاب >الطبقات<‪،‬‬ ‫>خليفة بن خياط ُ‬
‫وأسلم بن سهل الواسطي المعروف ببحشل ات ‪ 292‬هـ) في كتاب‬
‫>تاريخ واسط<‪ ،‬وأبي حاتم محمد بن حبان البستي ات ‪ 354‬هـ) في‬
‫كتاب >الثقات<‪ ،‬وأبي عبد اهلل محمد بن عبد اهلل الحاكم النيسابوري‬
‫ات ‪405‬هـ) في كتاب >تاريخ نيسابور<<‪.‬‬
‫وقد راعى هؤًلء المصنفون في جعلهم الصحابة >طبقة واحدة<‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مقدمة ابن الصالح‪ :‬ا‪.)294‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬علم الرجال نشأت وتطوره من القرن األول إلى نهاية القرن التاسع‪ ،‬للزهراني‪:‬‬
‫ا‪.)95‬‬
‫‪37‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫اشتراك الصحابة في الصحبة لرسول اهلل ‘‪ ،‬واعتبار الطبقة في هذه‬


‫المصنفات بمعنى >الجيل أو القرن<‪.‬‬
‫المسلك الثاني‪ :‬تقسيم الصحابة إلى عدة طبقات‪ ،‬وممن سلك‬
‫هذا المسلك‪:‬‬
‫>محمد بن سعد كاتب الواقدي ات ‪ 230‬هـ) في كتاب >الطبقات‬
‫الكبرى<‪ ،‬وأبي عبد اهلل الحاكم ات ‪ 405‬هـ) في كتاب >معرفة علوم‬
‫الحديث<‪ ،‬وجمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن‬
‫الجوزي ات ‪ 597‬هـ) في كتاب >صفة الصفوة<<‪.‬‬
‫وقد راعى هؤًلء المصنفون في تقسيمهم الصحابة إلى عدة طبقات‬
‫ضا معنى الطبقة في لغة العربا‪ ،)1‬وهو حال‬ ‫معنى آخر يحتمل أي ا‬
‫الصحابي ومنزلت في اإلسالم من حيث فضل وسابقت في اإلسالم‪.‬‬
‫وقد اختلفت اجتهادات هؤًلء المصنفين في عدد طبقات الصحابة‬
‫بهذا اًلعتبار‪ ،‬حيث جعلهم محمد بن سعد خمس طبقات في حين‬
‫جعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة‪ ،‬بينما قلد الحافظ أبو الفرج بن‬
‫الجوزي ابن سعد في تقسيم لهم إلى خمس طبقات‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬وقد ورد في لغة العرب‪ :‬الطبق‪ :‬القرن من الزمن‪ ،‬والطبق من الناا‪ :‬الجماعة‪،‬‬
‫والطبقة‪ :‬القوم المتشابهون‪ .‬انظر‪ :‬الصحاح للجوهري‪ :‬ا‪ 1511/4‬ــ ‪ ،)1512‬تاج‬
‫العروا‪ :‬ا‪ 414/6‬ــ ‪.)417‬‬
‫‪38‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫خام ًسا‪ :‬الصحبة العامة والخاصة(‪:)1‬‬


‫قال ابن تيمية‪> :‬ومما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم‪،‬‬
‫كالوًلية والمحبة واإليمان وغير ذلك من الصفات التي يتفاضل فيها‬
‫الناا في قدرها ونوعها وصفتها ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي‬
‫سعيد الخدري ‪ ‬قال‪ :‬كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن‬
‫عوف ‪ ‬شيء فسب خالد فقال رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ً> :‬ل تسبوا أح ادا من‬
‫ذهبا ما أدرك مد أحدهم وًل‬ ‫أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ا‬
‫نصيف <ا‪ .)2‬انفرد مسلم بذكر خالد وعبد الرحمن دون البخاري‪ ،‬فالنبي‬
‫‘ يقول لخالد ونحوه‪ً> :‬ل تسبوا أصحابي<‪ ،‬يعني عبد الرحمن بن‬
‫عوف وأمثال ؛ ألن عبد الرحمن ونحوه هم السابقون األولون‪ ،‬وهم‬
‫الذين أسلموا قبل الفتح وقاتلوا‪ ،‬وهم أهل بيعة الرضوان‪ ،‬فهؤًلء‬
‫أفضل وأخص بصحبت ممن أسلم بعد بيعة الرضوان‪ ،‬وهم الذين‬
‫أسلموا بعد الحديبية‪ ،‬وبعد مصالحة النبي ـ ‘ ـ أهل مكة ومنهم خالد‬
‫وعمرو بن العاص وعثمان بن أبي طلحة وأمثالهم‪.‬‬
‫وهؤًلء أسبق من الذين تأخر إسالمهم إلى أن فتحت مكة‪ ،‬وسموا‬
‫الطلقاء‪ ،‬مثل سهيل بن عمرو‪ ،‬والحار بن هشام‪ ،‬وأبي سفيان بن‬
‫حرب‪ ،‬وابني يزيد ومعاوية‪ ،‬وأبي سفيان بن الحار ‪ ،‬وعكرمة بن أبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مجموع الفتاوى‪ :‬ا‪ ،)58/35‬ومنهاج السنة‪ :‬ا‪.)431/8‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)3673‬ومسلم‪ :‬ا‪.)2541‬‬
‫‪39‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫جهل‪ ،‬وصفوان بن أمية‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬مع أنه قد يكون في هؤالء من برز بعلمه‬
‫كثيرا كالحارث بن هشام‪ ،‬وأبي سفيان بن الحارث‪،‬‬ ‫على بعض من تقدمه ً‬
‫وسهيل بن عمرو‪ ،‬وعلى بعض من أسلم قبلهم ممن أسلم قبل الفتح وقاتل‬
‫وكما برز عمر بن الخطاب على أكثر الذين أسلموا قبل ‪.‬‬
‫آخرا يسب من صحب أو اًل؛‬‫ا‬ ‫والمقصود هنا أن نهى لمن صحب‬
‫ًلمتيازهم عنهم في الصحبة بما ًل يمكن أن يشركهم في ‪ ،‬حتى قال‪:‬‬
‫ذهبا ما بلغ مد أحدهم وًل نصيف <‪.‬‬
‫>لو أنفق أحدكم مثل أحد ا‬
‫فإذا كان هذا حال الذين أسلموا من بعد الفتح وقاتلوا‪ ،‬وهم من‬
‫أصحابه التابعين للسابقين‪ ،‬مع من أسلم من قبل الفتح وقاتل‪ ،‬وهم‬
‫أصحابه السابقون‪ ،‬فكيف يكون حال من ليس من أصحابه بحال مع‬
‫أصحاب ؟!<‪.‬‬
‫فالصحابة ‪ ‬متفاوتون في الفضل‪ ،‬ومن أظهر اآليات الدالة‬
‫{ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬ ‫على هذا المعنى‪ ،‬قول ‪:‬‬
‫ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﳋ ﳌ ﳍ‬

‫ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ}‬
‫[الحديد‪.]10 :‬‬

‫قال الطبري‪> :‬وأولى األقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال‪:‬‬


‫معنى ذلك ًل يستوي منكم أيها الناا من أنفق في سبيل اهلل من قبل‬
‫‪40‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫فتح الحديبية للذي ذكرنا من الخبر عن رسول اهلل ‘‪ ،‬الذي رويناه‬


‫عن أبي سعيد الخدري عن ‪ ،‬وقاتل المشركين‪ ،‬بمن أنفق بعد ذلك‪،‬‬
‫وقاتل‪ ،‬وترك ذكر من أنفق بعد ذلك‪ ،‬وقاتل استغناء بدًللة الكالم‬
‫الذي ذكر علي من ذكره {ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ}‬
‫[الحديد‪ ]10 :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬هؤالء الذين أنفقوا في سبيل اهلل من قبل فتح‬
‫الحديبية‪ ،‬وقاتلوا المشركين أعظم درجة في الجنة عند اهلل من الذين أنفقوا‬
‫من بعد ذلك وقاتلوا‪ ..‬وكل هؤًلء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا‪،‬‬
‫والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا‪ ،‬وعد اهلل الجنة بإنفاقهم في سبيل ‪،‬‬
‫وقتالهم أعداءه<ا‪.)1‬‬
‫قال ابن تيمية‪> :‬ففضل المنفقين المقاتلين قبل الفتح‪ ،‬والمراد بالفتح‬
‫هنا صلح الحديبية‪ ..‬وهذه اآلية نص في تفضيل المنفقين المقاتلين قبل‬
‫الفتح على المنفقين المقاتلين بعده‪ ،‬ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن‬
‫السابقين في قول تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ}‬
‫[سورة التوبة‪ ]100 :‬هم هؤًلء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا‪ ،‬وأهل بيعة‬
‫الرضوان كلهم منهم‪ ،‬وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة<ا‪.)2‬‬
‫وقال ابن تيمية‪> :‬وأما تفضيل أهل الصفة على العشرة وغيرهم‬
‫فخطأ وضالل‪ ،‬بل خير هذه األمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر‪ ،‬كما تواتر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)395/22‬‬
‫ا‪ )2‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)26/2‬‬
‫‪41‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب موقو افا ومرفو اعا‪ ،‬وكما دل‬
‫على ذلك الكتاب والسنة‪ ،‬واتفق علي سلف األمة وأئمة العلم والسنة‪،‬‬
‫وبعدهما عثمان وعلي‪ ،‬وكذلك سائر أهل الشورى‪ ،‬مثل طلحة‪،‬‬
‫والزبير‪ ،‬وسعد‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وهؤًلء مع أبي عبيدة بن‬
‫الجراح أمين هذه األمة‪ ،‬ومع سعيد بن زيد هم العشرة المشهود لهم‬
‫بالجنة‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى في كتاب ‪{ :‬ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ‬
‫ﳉﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ}‪،‬‬
‫ففضل السابقين قبل فتح الحديبية إلى الجهاد بأنفسهم وأموالهم على‬
‫التابعين بعدهم‪ ،‬وقال اهلل تعالى‪{ :‬ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬
‫ﲆ ﲇ} وقال تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ}‪.‬‬
‫وقد ثبت في فضل البدريين ما تميزوا ب على غيرهم‪ ،‬وهؤًلء‬
‫الذين فضلهم اهلل ورسول ‪ ،‬فمنهم من هو من أهل الصفة‪ ،‬والعشرة لم‬
‫يكن فيهم من هو من أهل الصفة إًل سعد بن أبي وقاص‪ ،‬فقد قيل إن‬
‫أقام بالصفة مرة‪ ،‬وأما أكابر المهاجرين واألنصار مثل الخلفاء األربعة‪،‬‬
‫ومثل سعد بن معاذ‪ ،‬وأسيد بن الحضير‪ ،‬وعباد بن بشر‪ ،‬وأبي أيوب‬
‫األنصاري‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬ونحوهم لم يكونوا من‬
‫أهل الصفة‪ ،‬بل عامة أهل الصفة إنما كانوا من فقراء المهاجرين‪،‬‬
‫واألنصار كانوا في ديارهم‪ ،‬ولم يكن أحد ينذر ألهل الصفة وًل‬

‫‪42‬‬
‫تعريف الصحابة‬

‫لغيرهم<ا‪.)1‬‬
‫وهذه اآلية نص في تفضيل أصحاب النبي ‘ جملة‪ ،‬فإن اهلل‬
‫كال من الفريقين الجنة‪.‬‬
‫وعد ًّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مجموعة الرسائل والمسائل‪ ،‬رشيد رضا‪ :‬ا‪.)38/1‬‬
‫‪43‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫‪5‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫مصدر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫>القرابة‪ :‬ال ُقربى في الرحم‪ ،‬وهو في األصل‬
‫وم ْقرِبَة‪ ،‬وقُ ْربَة‪،‬‬
‫وم ْق ُربَة َ‬
‫تقول‪ :‬بيني وبين قرابة‪ ،‬وقرب‪ ،‬وقربى َ‬
‫وقُ ُربةٌ بضم الراء‪ .‬وهو قريبي وذو قرابتي‪ ،‬وهم أ ْقرِبائي وأقاربي‪ .‬والعامة‬
‫تقول‪ :‬هو قرابتي وهم قراباتي<ا‪.)1‬‬
‫يقول ابن فارا‪> :‬القاف والراء والباء أصل صحيح يدل على‬
‫خالف البعد‪ .‬يقال قرب يقرب قر ابا‪ .‬وفالن ذو قرابتي‪ ،‬وهو من يقرب‬
‫منك رح اما‪ .‬وفالن قريبي‪ ،‬وذو قرابتي‪ .‬والقربة والقربى‪ :‬القرابة<ا‪.)2‬‬
‫وعلي فإن أقارب الرجل‪ ،‬وأقربوه‪ :‬عشيرت األدنون‪ ،‬وقد جاء‬
‫بهذا لسان الشرع‪ ،‬فعن ابن عباا ‪ ‬قال‪ :‬لما نزلت‪{ :‬ﱯ ﱰ‬
‫ﱱ} [الشعراء‪ ،]214 :‬صعد النبي ‘ على الصفا‪ ،‬فجعل ينادي‪> :‬يا‬
‫بني فهر‪ ،‬يا بني عدي< ــ لبطون قريش ــ حتى اجتمعوا فجعل الرجل‬
‫إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسو اًل لينظر ما هو‪ ،‬فجاء أبو لهب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الصحاح‪ :‬ا‪.)200/1‬‬
‫ا‪ )2‬مقاييس اللغة‪ :‬ا‪.)80/5‬‬
‫‪44‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫ال بالوادي تريد أن تغير‬


‫وقريش‪ ،‬فقال‪> :‬أرأيتكم لو أخبرتكم أن خي ا‬
‫عليكم‪ ،‬أكنتم مصدقي؟< قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬ما جربنا عليك إًل صد اقا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫>فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد< فقال أبو لهب‪ًّ :‬تبا لك سائر‬
‫اليوم‪ ،‬ألهذا جمعتنا؟ فنزلت‪{ :‬ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ‬
‫ﲂ ﲃ} [المسد‪]2 :‬ا‪.)1‬‬
‫وعن الزهري‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني سعيد بن المسيب‪ ،‬وأبو سلمة بن‬
‫عبد الرحمن‪ ،‬أن أبا هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قام رسول اهلل ‘ حين أنزل اهلل‪:‬‬
‫{ﱯ ﱰ ﱱ} [الشعراء‪ ]214 :‬قال‪> :‬يا معشر قريش ــ أو كلمة‬
‫نحوها ــ اشتروا أنفسكم ًل أغني عنكم من اهلل شي ائا‪ ،‬يا بني عبد مناف‬
‫ًل أغني عنكم من اهلل شي ائا‪ ،‬يا عباا بن عبد المطلب ًل أغني عنك‬
‫من اهلل شي ائا‪ ،‬ويا صفية عمة رسول اهلل ًل أغني عنك من اهلل شي ائا‪ ،‬ويا‬
‫فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي‪ً ،‬ل أغني عنك من اهلل‬
‫شي ائا<ا‪.)2‬‬
‫{ﱯ ﱰ‬ ‫وعن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬لما أنزلت هذه اآلية‬
‫ﱱ} [الشعراء‪ ،]214 :‬دعا رسول اهلل ‘ قري اشا‪ ،‬فاجتمعوا فعم‬
‫وخص‪ ،‬فقال‪> :‬يا بني كعب بن لؤي‪ ،‬أنقذوا أنفسكم من النار‪ ،‬يا بني‬
‫مرة بن كعب‪ ،‬أنقذوا أنفسكم من النار‪ ،‬يا بني عبد شمس‪ ،‬أنقذوا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)4770‬ومسلم‪ :‬ا‪.)208‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)4771‬ومسلم‪ :‬ا‪.)206‬‬
‫‪45‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫أنفسكم من النار‪ ،‬يا بني عبد مناف‪ ،‬أنقذوا أنفسكم من النار‪ ،‬يا بني‬
‫هاشم‪ ،‬أنقذوا أنفسكم من النار‪ ،‬يا بني عبد المطلب‪ ،‬أنقذوا أنفسكم‬
‫من النار‪ ،‬يا فاطمة‪ ،‬أنقذي نفسك من النار‪ ،‬فإني ًل أملك لكم من اهلل‬
‫شي ائا‪ ،‬غير أن لكم رح اما سأبلها بباللها<ا‪.)1‬‬
‫[الشعراء‪]214 :‬‬‫وعن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬لما نزلت {ﱯﱰﱱ}‬
‫قام رسول اهلل ‘ على الصفا‪ ،‬فقال‪> :‬يا فاطمة بنت محمد‪ ،‬يا صفية‬
‫بنت عبد المطلب‪ ،‬يا بني عبد المطلب‪ً ،‬ل أملك لكم من اهلل شي ائا‪،‬‬
‫سلوني من مالي ما شئتم<ا‪.)2‬‬

‫مرادنا بالقرابة‪:‬‬
‫إن مرادنا في هذا البحث بالقرابة هم آل النبي ‘‪ ،‬وعلي ‪ :‬فال بد‬
‫لنا من التعريف باآلل‪ ،‬ونحن نسوق هذا في مسائل‪:‬‬
‫* األولى‪ :‬تعريف اآلل في اللغة‪:‬‬
‫اختلف علماء اللغة في اآلل‪ 1 ،‬ــ فقال الراغب‪> :‬اآلل‪ :‬مقلوب‬
‫خص باإلضافة إلى األعالم‬ ‫ّ‬ ‫من األهل‪ ،‬ويص ّغر على أهيل إًل أ ّن‬
‫الناطقين دون النكرات‪ ،‬ودون األزمنة واألمكنة‪ ،‬يقال‪ :‬آل فالن‪ ،‬وًل‬
‫يقال‪ :‬آل رجل وًل آل زمان كذا‪ ،‬أو موضع كذا‪ ،‬وًل يقال‪ :‬آل الخياط‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه مسلم‪ :‬ا‪.)204‬‬
‫ا‪ )2‬رواه مسلم‪ :‬ا‪.)205‬‬
‫‪46‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫بل يضاف إلى األشرف األفضل‪ ،‬يقال‪ :‬آل اهلل وآل السلطان‪.‬‬
‫واألهل يضاف إلى الكل‪ ،‬يقال‪ :‬أهل اهلل وأهل الخياط‪ ،‬كما‬
‫يقال‪ :‬أهل زمن كذا وبلد كذا<ا‪.)1‬‬
‫وقد ضعف اإلمام ابن القيم ألسباب كثيرة‪ ،‬ليس هذا موضع‬
‫بسطهاا‪.)2‬‬
‫يقول العالمة الفراهي‪> :‬هو صورة لألهل‪ .‬ويطلق على العشيرة‬
‫والقوم واألنصار‪.‬‬
‫قال النابغة الذبياني‪:‬‬

‫عــن آ ِل نُ ْعــ ٍم أَمو انــا َع َ‬


‫بــر أســفا ِر‬ ‫ـت فيهــا َســرا َة اليــومِ أســألُها‬
‫وقفـ ُ‬
‫ضا‪:‬‬
‫وقال أي ا‬
‫ــــز َّودِ‬
‫ــــر ُمـ َ‬ ‫ٍ‬ ‫رائــــح أو ُم ْغ َتــــ ِد‬ ‫ِمــــن آ ِل َم َّيــــ َة‬
‫عجـــــال َن َذا َزاد و َغيـ َ‬ ‫ٌ‬
‫{ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﳋ ﳌ} [األعراف‪ ،]130 :‬وقبل ذلك‪{ :‬ﲨ ﲩ ﲪ}‬
‫[األعراف‪ ،]103 :‬و{ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} [األعراف‪ ،]127[ ]109 :‬مرتين‪،‬‬
‫ولم يذكر لفرعون أوًل ادا‪ ،‬والظاهر أن لم يكن ل ولد‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬المفردات‪ :‬ا‪.)98‬‬
‫ا‪ )2‬انظرها في جالء األفهام‪ :‬ا‪.)203‬‬
‫‪47‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫{ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬ ‫‪ ...‬اآلل‪ :‬للقوم‪ ،‬في سورة المؤمن‪:‬‬


‫ﲌ} [سورة المؤمن اغافر)‪.]45 :‬‬
‫{ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ‬ ‫وفي سورة األعراف‪:‬‬
‫ﳊ ﳋ ﳌ‪{ }...‬ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬
‫ﳂ ﳃ} [األعراف‪ 130 :‬ــ ‪.]137‬‬
‫وكل ما ذكر في هذه اآليات من العذاب وقع على جميع قوم‬
‫فرعون‪ .‬ومثل قول تعالى‪{ :‬ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬
‫ﱷ} [األعراف‪.]140 :‬‬
‫{ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬ ‫ضا‪:‬‬
‫وأي ا‬
‫ﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿ‬

‫ﳀ ﳁ} [البقرة‪.]248 :‬‬
‫أي قوم موسى وقوم هارون ‪ ،‬وحين كلّمهم صموئيل النبي‬
‫وأقواما‪ ،‬وكان قوم هارون ‪‬‬
‫ا‬ ‫‪ ‬بهذا الكالم كان بنو إسرائيل ِف َر اقا‬
‫قلت‪ :‬لِ َم ًل تأخذه بمعنى أوًلد موسى ‪‬‬ ‫صا بخدمة البيت‪ .‬فإن َ‬ ‫مخت ا‬
‫قلت‪ :‬آل موسى وآل هارون يحتوي موسى وهارون‬ ‫وأوًلد هارون ‪‬؟ ُ‬
‫ضا‪ ،‬كما أن احتوى جميع بني إسرائيل‪ .‬ولذلك جاء في‬ ‫‪ ‬أي ا‬
‫الحديث‪> :‬أُع ِط َي ِمزما ارا من مزامير آل داود<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬متفق علي ‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫فهذا يحتوي داود والمغنين مع ‪.‬‬


‫{ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ‬ ‫ضا‪:‬‬
‫أي ا‬
‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ} [القصص‪.]8 :‬‬
‫وفي التوراة أن بنت فرعون أرسلت أمتها‪ ،‬فأخذت ‪ ،‬ودعت ل‬
‫بمرضعة ثم أخذت اب انا‪.‬‬
‫الصحيح ــ أن هذه امرأة فرعون‪ .‬فإن اآلية‬
‫ُ‬ ‫وفي القرآن ــ ول َ ُه َو‬
‫المتصلة بالتي سبقت تبين ذلك‪ .‬فقال تعالى‪{ :‬ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬
‫ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ}‬
‫[القصص‪<]8 :‬ا‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ــ والراجح أن >آل< مشتقة من األول‪ ،‬قال ابن فارا‪> :‬وآل‬
‫يؤول‪ ،‬أي‪ :‬رجع<ا‪.)2‬‬
‫قال ابن تيمية‪> :‬لفظ >اآلل< أصل أول‪ ،‬تحركت الواو وانفتح ما‬
‫قبلها فقلبت ألفا فقيل‪ :‬آل ومثل باب وناب‪ .‬وفي األفعال قال وعاد‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫ومن قال أصل أهل فقلبت الهاء ألفا فقد غلط؛ فإن قال ما ًل‬
‫دليل علي وادعى القلب الشاذ بغير حجة مع مخالفت لألصل‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مفردات القرآن‪ ،‬للفراهي‪ :‬ا‪.)121‬‬
‫ا‪ )2‬مقاييس اللغة‪ :‬ا‪.)159‬‬
‫‪49‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫ضا فإن لفظ األهل يضيفون إلى الجماد وإلى غير المعظم كما‬‫وأي ا‬
‫يقولون‪ :‬أهل البيت‪ ،‬وأهل المدينة‪ ،‬وأهل الفقير‪ ،‬وأهل المسكين‪ ،‬وأما‬
‫اآلل فإنما يضاف إلى معظم من شأن أن يؤول غيره أو يسوس فيكون‬
‫مآل إلي ‪.‬‬
‫ومن اإليالة‪ :‬وهي السياسة‪.‬‬
‫فآل الشخص هم من يؤول ويؤول إلي ويرجع إلي ‪ ،‬ونفس هي‬
‫متناوًل ل ‪،‬‬
‫ا‬ ‫أول وأولى من يسوس ويؤول إلي ؛ فلهذا كان لفظ آل فالن‬
‫وًل يقال هو مختص ب ‪ ،‬بل يتناول ويتناول من يؤول <ا‪.)1‬‬
‫هذا هو التعريف اللغوي للفظ >آل< أما لفظ >أهل<‪ ،‬فذكر أهل‬
‫وأخص الناا ب ‪ .‬وال َّتأَ ُّهل‪ :‬ال َّتز ُّوج‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اللغة أن‪> :‬أَ ْه ُل َ‬
‫الرجل‪ :‬زوج ُ‪،‬‬
‫وأهل البيت‪ :‬سكان <ا‪.)2‬‬
‫ــ والصحيح أن اآلل واألهل يطلقان على معان مشتركة‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪ :‬أنهما يطلقان على الزوجة والعيالا‪ ،)3‬فهما يطلقان على آل‬
‫البيت‪ ،‬وأخص آل البيت نساء الرجل‪ ،‬يقول الفراهي‪> :‬أهل البيت عبارة‬
‫عن النساء‪ ،‬الواحد والجمع في سواء‪.‬‬
‫ولكن الضمير الذي يرجع إلي يكون جم اعا ومذ ّك ارا اجتنا ابا عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مجموع الفتاوى‪ :‬ا‪.)463/22‬‬
‫ا‪ )2‬العين‪ :‬ا‪ ،)89/4‬تهذيب اللغة‪ :‬ا‪.)220/6‬‬
‫ا‪ )3‬انظر‪ :‬تفسير القرطبي‪ :‬ا‪.)80/16‬‬
‫‪50‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫التصريح‪ ،‬ألجل حرمة النساء‪.‬‬


‫{ﱂ ﱃ‬ ‫ٍ‬
‫بشهادات من القرآن وكالم العرب‪:‬‬ ‫وعلى ذلك آتيك‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ‬
‫ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ}‬
‫[سورة القصص‪.]29 :‬‬
‫{ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬ ‫‪...‬‬
‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ}‬ ‫ﲵﲶﲷﲸﲹﲺ‬

‫{ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫[سورة القصص‪ 12 :‬ــ ‪...]13‬‬


‫ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ} [سورة هود‪.]73 :‬‬
‫فترى في هذه األمثلة أن المراد من كلمة >األهل< امرأة واحدة‬
‫ولكن استعمل لها صيغة الجمع المذكر‪ ،‬ومع ذلك ترى أن ضمير‬
‫الجمع المذكر استعمل للمرأة الواحدة في {ﱤ ﱥ}‪{ ،‬ﲵ‬
‫تبين لك‬
‫عام في كالم العرب ّ‬
‫ﲶ} فإذا علمت أن هذا استعمال ّ‬
‫معنى هذا اللفظ في القرآن حيث استعمل في ذكر أزواج النبي عليهم‬
‫الصلوات<ا‪)1‬ا‪.)2‬‬
‫* * *‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬المفردات‪ :‬ا‪.)259‬‬
‫ا‪ )2‬انظر للمزيد‪ :‬المفردات في غريب القرآن؛ للراغب األصفهاني‪ ،‬ا‪ ،)29‬ولسان‬
‫العرب‪ :‬ا‪ 29/11‬ــ ‪ ،)30‬وتاج العروا‪ :‬ا‪.)217/7‬‬
‫‪51‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫* الثانية‪ :‬آل البيت في االصطالح‪:‬‬


‫أما أهل البيت في لسان الشرعا‪ ،)1‬فقال ابن القيم‪> :‬واختلف في‬
‫آل النبي ـ ‘ ـ على أربعة أقوال‪:‬‬
‫فقيل‪ :‬هم الذين حرمت عليهم الصدقة‪ ،‬وفيهم ثالثة أقوال‬
‫للعلماء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنهم بنو هاشم‪ ،‬وبنو المطلب‪ ،‬وهذا مذهب الشافعي‬
‫وأحمد في رواية عن ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنهم بنو هاشم خاصة‪ ،‬وهذا مذهب أبي حنيفة ـ ‪ ‬ـ‬
‫ورواية عن أحمد ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬واختيار ابن القاسم صاحب مالك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب‪ ،‬فيدخل فيهم بنو‬
‫المطلب‪ ،‬وبنو أمية‪ ،‬وبنو نوفل‪ ،‬ومن فوقهم إلى بني غالب‪ ،‬وهو‬
‫اختيار أشهب من أصحاب مالك‪ ..‬إلى أن قال‪ :‬وهذا القول في اآلل‬
‫ــ أعني‪ :‬أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة ــ هو منصوص الشافعي ـ ‪ ‬ـ‬
‫وأحمد واألكثرين‪ ،‬وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعي‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن آل النبي ـ ‘ ـ هم ذريت وأزواج خاصة‪ ،‬حكاه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬أهل البيت بين مدرستين‪ :‬محمد سالم الخضر‪ ،‬مبرة اآلل واألصحاب‪:‬‬
‫ا‪ ،)15‬جهود الصحابة في جمع القرآن ألحمد سالم‪ :‬ا‪ ،)123‬أهل البيت عند شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬للقرموشي‪ :‬ا‪.)48‬‬
‫‪52‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫ابن عبد البر في >التمهيد<‪ :‬قال في باب عبد اهلل بن أبي بكر في شرح‬
‫حديث أبي حميد الساعدي‪> :‬استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد‬
‫هم أزواجه وذريته خاصة لقوله في حديث مالك عن نعيم المجمر‪ ،‬وفي‬
‫حديث مالكا‪> :)1‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد<‪ ،‬وفي هذا‬
‫الحديث ــ يعني‪ :‬حديث أبي حميدا‪ )2‬ــ‪:‬‬
‫>اللهم صل على محمد وأزواج وذريت <‪ ،‬قالوا‪ :‬فهذا يفسر ذلك‬
‫الحديث ويبين أن آل محمد هم أزواج وذريت <‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن آل ـ ‘ ـ أتباع إلى يوم القيامة‪ ،‬حكاه ابن‬
‫عبد البر عن بعض أهل العلم‪ ،‬وأقدم من روي عن هذا القول جابر بن‬
‫عبد اهلل‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬أن آل ـ ‘ ـ هم األتقياء من أمت ‪ ،‬حكاه القاضي‬
‫حسين والراغب وجماعة<‪.‬‬
‫{ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬ ‫ونحن إذا تأملنا قول تعالى‪:‬‬
‫ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ‬
‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [األحزاب‪،]33 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرجه في الموطأ‪ :‬رقم‪ ،)67( :‬ومن طريقه اإلمام أحمد‪ ،118/4( :‬وغيره)‪ ،‬ومسلم‪:‬‬
‫رقم‪ :‬ا‪ ،)405‬والترمذي‪ :‬رقم‪ :‬ا‪.)3220‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج اإلمام مالك‪ :‬رقم‪ :‬ا‪ ،)66‬ومن طريق اإلمام أحمد‪ :‬ا‪ ،)424/5‬والبخاري‪:‬‬
‫رقم‪ :‬ا‪ ،)6360‬ومسلم‪ :‬رقم‪ :‬ا‪.)407‬‬
‫‪53‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫وجدنا هذه اآلية ظاهرة الدًللة على أن زوجات ـ ‘ ـ من أهل بيت ‪،‬‬
‫ولهذا قال ابن كثير‪> :‬الذي ًل يشك في من تدبر القرآن أن نساء‬
‫النبي ـ ‘ ـ داخالت في قول ـ تعالى ـ‪{ :‬ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬
‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [األحزاب‪]33 :‬؛ فإن سياق الكالم معهن‪،‬‬
‫ولهذا قال ــ تعالى ــ بعد هذا كل ‪{ :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬
‫ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ} [األحزاب‪<]34 :‬ا‪ ،)1‬وروى‬
‫اإلمام مسلم في صحيح ا‪ )2‬عن زيد بن أرقم قال‪ :‬قام رسول اهلل ـ ‘ ـ‬
‫خطيبا‪ ،‬وذكر الحديث وفي ‪> :‬أذكركم اهلل في أهل بيتي< ـ ثال اثا ـ‬
‫ا‬ ‫يوما‬
‫ا‬
‫فقال حصين بن سبرة‪> :‬ومن أهل بيت يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل‬
‫بيت ؟<‪ ،‬قال‪> :‬إن نساءه من أهل بيت ‪ ،‬ولكن أهل بيت من حرم الصدقة‬
‫بعده<‪ ،‬قال‪> :‬ومن هم؟<‪ ،‬قال‪> :‬هم آل علي‪ ،‬وآل عقيل‪ ،‬وآل جعفر‪،‬‬
‫وآل العباا<‪ ،‬قال‪> :‬أكل هؤًلء حرم الصدقة؟<‪ ،‬قال‪> :‬نعم<‪.‬‬
‫وفي حديث كعب بن عجرةا‪ )3‬قال‪ :‬سألنا رسول اهلل ـ ‘ ـ فقلنا‪:‬‬
‫>يا رسول اهلل! كيف الصالة عليكم أهل البيت؟<‪ ،‬قال‪> :‬قولوا‪ :‬اللهم‬
‫صل على محمد وعلى آل محمد<‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪ ،)506/3‬وتفسير القرطبي‪ :‬ا‪ 182/14‬ــ ‪ ،)184‬والبحر‬
‫المحيط؛ ًلبن حيان‪ :‬ا‪ ،)232/7‬والكشاف؛ للزمخشري‪ :‬ا‪ ،)260/3‬وتفسير أبي‬
‫السعود‪ :‬ا‪ ،)417/4‬ومفاتيح الغيب‪ :‬ا‪.)209/25‬‬
‫ا‪ )2‬رقم‪ :‬ا‪ ،)2408‬وأخرج اإلمام أحمد‪ :‬ا‪.)366/4‬‬
‫ا‪ )3‬أخرج اإلمام أحمد‪ :‬ا‪ ،241/4‬وغيره)‪ ،‬والبخاري‪ :‬رقم‪ :‬ا‪ ،])6357‬ومسلم‪:‬‬
‫رقم‪ :‬ا‪ ،)406‬وأبو داود‪ :‬رقم‪ :‬ا‪.)976‬‬
‫‪54‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫وعن أبي حميد الساعديا‪ )1‬أنهم قالوا‪> :‬يا رسول اهلل! كيف‬
‫نصلي عليك؟<‪ ،‬فقال رسول اهلل ـ ‘ ـ قولوا‪> :‬اللهم صل على محمد‬
‫وأزواج وذريت <‪.‬‬
‫فهذا تفسير ذلك الحديث الذي قبل ‪ ،‬ويبين أن آل محمد هم‬
‫أزواج وذريت ا‪.)2‬‬
‫وروى البخاريا‪ )3‬بإسناده إلى أنس بن مالك في قصة زواج‬
‫ـ ‪ ‬ـ بزينب بنت جحش‪ ،‬وفي ‪ :‬أن خرج فانطلق إلى حجرة عائشة‬
‫فقال‪> :‬السالم عليكم أهل البيت ورحمة اهلل<‪ ،‬فقالت‪> :‬وعليك السالم‬
‫ورحمة اهلل‪ ،‬كيف وجدت أهلك بارك اهلل لك؟<‪ ،‬فتقرى حجر نسائ‬
‫كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة‪ ،‬ويقلن ل كما قالت عائشة‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلما‪ )4‬أن عائشة ـ ‪ ‬ـ قالت‪> :‬خرج النبي ـ ‘ ـ‬
‫غداة‪ ،‬وعلي مرط مرحل من شعر أسود‪ ،‬فجاء الحسن بن علي فأدخل ‪،‬‬
‫ثم جاء الحسين فدخل مع ‪ ،‬ثم جاءت فاطمة فأدخلها‪ ،‬ثم جاء علي‬
‫فأدخل ‪ ،‬ثم قال‪{ :‬ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲀ} [األحزاب‪ ،]33 :‬قال القرطبي‪> :‬فهذه دعوة من النبي ـ ‘ ـ لهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخرج اإلمام مالك‪ :‬رقم‪ :‬ا‪ ،)66‬ومن طريق اإلمام أحمد‪ :‬ا‪ ،)424/5‬والبخاري‪:‬‬ ‫ا‪)1‬‬
‫رقم‪ :‬ا‪ ،)6360‬ومسلم‪ :‬رقم‪ :‬ا‪.)407‬‬
‫انظر‪ :‬جالء األفهام‪ ،‬ا‪.)211‬‬ ‫ا‪)2‬‬
‫رقم‪ :‬ا‪ ،)4793‬وأخرج اإلمام أحمد‪ :‬ا‪ ،)195/3‬ومسلم‪ :‬رقم‪ :‬ا‪.)1428‬‬ ‫ا‪)3‬‬
‫رقم ا‪ ،)2424‬وأخرج اإلمام أحمد‪ :‬ا‪.)162/6‬‬ ‫ا‪)4‬‬
‫‪55‬‬
‫تعريف القرابة‬

‫بعد نزول اآلية‪ ،‬أحب أن يدخلهم في اآلية التي خوطب بها األزواج<ا‪.)1‬‬
‫فعلى هذا تشمل اآلية الزوجات وأصحاب الكساء >فمن جعل اآلية‬
‫خاصة بأحد الفريقين فقد أعمل بعض ما يجب إعماله‪ ،‬وأهمل ما ال يجوز‬
‫إهمال <ا‪.)2‬‬
‫ــ فبتأمل هذه النصوص والجمع بين دًلًلتها يتخرج أن مفهوم‬
‫أهل البيت في لسان الشرع يصدق على ثالثة فئات‪:‬‬
‫األولى‪ :‬زوجات ــ رضوان اهلل عليهن ــ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أقارب ممن تحرم عليهم الصدقةا‪.)3‬‬
‫الثالثة‪ :‬ذريت ـ ‘ ـ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪> :‬فبذلك يجمع بين األحاديث<ا‪.)4‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر‪ :‬تفسير القرطبي‪ :‬ا‪.)184/4‬‬ ‫ا‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬فتح القدير‪ :‬ا‪.)180/4‬‬ ‫ا‪)2‬‬
‫والذين حرمت عليهم الصدقة‪ ،‬هم‪ :‬بنو هاشم‪ ،‬وأزواج النبي ‘‪ ،‬فال يدخل بنو المطلب‬ ‫ا‪)3‬‬
‫فيهم‪ ،‬انظر‪ :‬أهل البيت عند شيخ اإلسالم‪ :‬ا‪.)53‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري‪ :‬ا‪.)160/11‬‬ ‫ا‪)4‬‬
‫‪56‬‬
‫ا‬
‫ُّ‬ ‫ا‬
‫أْسابُ انلزولُ‬

‫تعريفها‪ ..‬أهميتها‪ ..‬أهم مصادرها‬


‫تعريف سبب النزول‬

‫العلم بسبب النزول ضرب من ضروب علوم القرآن‪ ،‬وهو من أهم‬


‫ضروب ‪ ،‬وعلى أهميت أطبق السلف والخلف‪ ،‬فأسباب النزول‪> :‬هي‬
‫أوفى ما يجب الوقوف عليها‪ ،‬وأولى ما تصرف العناية إليها‪ً ،‬لمتناع‬
‫معرفة تفسير اآلية وقصد سبيلها‪ ،‬دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها‪.‬‬
‫وًل يحل القول في أسباب نزول الكتاب‪ ،‬إًل بالرواية والسماع‬
‫ممن شاهدوا التنزيل‪ ،‬ووقفوا على األسباب‪ ،‬وبحثوا عن علمها‪،‬‬
‫وج ُّدوا في الطالب‪ ،‬وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في‬
‫العلم بالنار<ا‪.)1‬‬
‫ونزول القرآن ًل يخرج عن قسمينا‪:)2‬‬
‫األول‪ :‬أن ال يكون له سبب مباشر‪ ،‬بل ينزل حسب الحاجة‬
‫والمصلحة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يقع حد فينزل قرآن بشأن ‪ ،‬وهذا هو المراد بأسباب‬
‫النزول‪.‬‬
‫وهذا الحد يشمل كل قول أو فعل‪ ،‬أو سؤال وقع ممن عاصروا‬
‫التنزيل‪ ،‬ونزل القرآن بسببهم‪.‬‬
‫وسنبدأ بتعريف سبب النزول كمدخل ألهميت ‪ ،‬ومصادره‪..‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أسباب النزول‪ ،‬للواحدي‪ :‬ا‪.)8‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬المحرر في علوم القرآن‪ :‬ا‪.)124‬‬
‫‪59‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫‪5‬‬
‫تعريف سبب الزنول‬
‫تعددت تعاريف العلماء ألسباب النزول‪ ،‬ونحن نذكر هنا ما يقوم‬
‫ب البيان لتصور ماهية أسباب النزول؛‬

‫أوالً‪ :‬تعريف السيوطي‪:‬‬


‫يقول اإلمام السيوطي في تعريف سبب النزول‪> :‬قلت‪ :‬والذي‬
‫يتحرر في سبب النزول‪ :‬أن ما نزلت اآلية أيام وقوع ؛ ليخرج ما ذكره‬
‫الواحدي في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة ب ‪ ،‬فإن ذلك‬
‫ليس من أسباب النزول في شيء‪ ،‬بل هو من باب اإلخبار عن الوقائع‬
‫الماضية؛ كذكر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك‪،‬‬
‫وكذلك ذكره في قول ‪{ :‬ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ} [النساء‪ ]125 :‬سبب‬
‫ال ليس ذلك من أسباب نزول القرآن كما ًل يخفى<ا‪.)1‬‬
‫اتخاذه خلي ا‬
‫ومراد اإلمام السيوطي أنه مما قد يلتبس بسبب النزول قصص القرآن‪،‬‬
‫إذ اآليات قد تكون قصة‪ ،‬وقد تكون بسبب قصة حدثت‪ ،‬لكن ليس‬
‫لكل قصص القرآن سبب نزول‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬اإلتقان‪ :‬ا‪.)116/1‬‬
‫‪60‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫ومن أمثلة ما كان قصة في سبب النزول حادثة اإلفك التي نزل‬
‫بشأنها قرآن‪ ،‬لكن قصة آدم في سورة البقرة لم يكن لها سبب نزول‬
‫مباشر كما هو الحال في قصة اإلفك‪ ،‬فهي من قصص القرآن وليست‬
‫من أسباب النزول‪.‬‬
‫وقد ذكر الواحدي ات‪468‬هـ) في كتاب اأسباب النزول) في‬
‫سورة الفيل ما نص ‪> :‬نزلت في قصة أصحاب الفيل‪ ،‬وقصدهم تخريب‬
‫الكعبة‪ ،‬وما فعل اهلل تعالى بهم‪ :‬من إهالكهم وصرفهم عن البيت‪ ،‬وهي‬
‫معروفة<ا‪.)1‬‬
‫فاعترض علي السيوطي كما سبق ونقلناه‪ ،‬لكن تعقب العالمة‬
‫الفراهيا‪ ،)2‬فقال‪> :‬ليس المراد من سبب النزول ما ألجل نزل الوحي‪.‬‬
‫إنما هو شأن الناا وأمرهم والحاًلت والواقعات التي بينها وبين ما نزل‬
‫نسبة وهذا هو معنى السبب في الصحيح من كالم العرب‪ .‬ولذلك كانت‬
‫القدماء يذكرون كل ما يتعلق بمضمون اآلية‪ ،‬ولكن المتأخرين لم‬
‫يفهموا من إًل معناه المولد فضاق عندهم فحواه<‪.‬‬
‫قائال‪ :‬افأراد‬
‫ثم أورد عبارة السيوطي السابقة‪ ،‬وعلق عليها ا‬
‫السيوطي ‪ ‬أن ًل يذكر من األسباب إًل ما ألجل نزل الوحي‪ .‬وأراد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أسباب النزول للواحدي‪ :‬ا‪ ،)464‬ت‪ :‬الحميدان‪.‬‬
‫ا‪ )2‬من مذكرة ل في أسباب النزول لم تطبع بعد‪ ،‬وقد نقلتها بواسطة د‪ .‬عبدالرحمن‬
‫الشهري‪ ،‬نشرها بملتقى أهل التفسير‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫محال ومطم ًحا للوحى‪.‬‬


‫كل ما كان ً‬
‫دخل فيه َّ‬
‫الواحدى أن يوسع السبب ُفي ُ‬
‫وهذا اًلختالف إنما نشأ ًلختالفهم في مراد لفظ السبب وإني‬
‫أرى الصواب مع السلف؛ فإن المقصود من هذا العلم إنما هو فهم‬
‫تفصيال لعلم‬
‫ا‬ ‫الكالم وتأويل مجمل ‪ ،‬فإن القصة ربما ًل تفصل‬
‫المخاطبين بها‪ .‬فال بد للمتأخرين أن يعلموا شي ائا من تفصيل ‪ ،‬كما ترى‬
‫في قصة أصحاب الفيل إنما ألمع إليها إلما اعا‪ ،‬وهذا كثير في القرآن‪ .‬ثم‬
‫غير المتأخرون معنى السبب وقعوا في إشكال‪ ،‬فإنهم وجدوا‬ ‫لما َّ‬
‫الصحابة والتابعين ك ُثر اختالفهم في بيان أسباب النزول‪ ،‬وًل بأا ب‬
‫إذا كان المراد من معناه الوسيع‪ .‬ولكن المتأخرين لما وجدوهم يذكرون‬
‫أمورا متباعدة في الزمان والمكان‪ ،‬والشيء الواحد ًل يكون معلوًل لعلل‬
‫مختلفة ًل سيما بهذا اًلختالف المتباعد لم يمكنهم الخروج عن‬
‫اإلشكال إًل بأحد الطريقين‪:‬‬
‫ــ إما بتعدد النزول‪.‬‬
‫ــ وإما بإجراء الجرح والتعديل في روايات صحيحة مسلمة‪.‬‬
‫وكال الطريقين بادي الخلل‪ ،‬وفطن ب بعض العلماء فاجتهد في‬
‫إزاحة اًلختالف بقول متين يدل على دقة نظره وسالمة ذوق ‪ .‬وهو اإلمام‬
‫بدر الدين محمد بن عبد اهلل الزركشي الشافعي ‪ .‬فقال في كتابه المسمى‬
‫بالبرهان في علوم القرآن كما نقل العالمة السيوطي ‪ ‬في اإلتقان‪> :‬قد‬
‫ُعرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال‪ :‬نزلت هذه اآلية‬
‫‪62‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫في كذا فإن يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم‪ً ،‬ل أن هذا كان السبب‬
‫في نزولها‪ .‬فهو من جنس اًلستدًلل على الحكم باآلية‪ً ،‬ل من جنس‬
‫النقل لما وقع<ا‪.)1‬‬
‫اًلختالف فيما يذكرون من أسباب النزول‪ .‬ولكن‬
‫َ‬ ‫فرفع بهذا القول‬
‫‪ ‬لم يتعرض لما ًل اختالف في ‪ ،‬والمسألة مهمة ألمر أرفع من ذلك‪،‬‬
‫وهو فهم القرآن وتعيين مراده‪ .‬ومداره على معرفة أسباب النزول‪ ،‬فإنها‬
‫تبين المجمل‪ ،‬وتعين بعض المحتمل‪ .‬ومن نظر في كتب التفسير علم‬
‫مما يذكرون في األسباب يبدل المعنى الظاهر‪ ،‬فكأن أسباب‬ ‫أن كثيرا ّ‬
‫النزول ملكت أزمة التأويل فتصرف حيث تشاء‪.‬‬
‫والعاقل المتقي الذي يرى القرآن أوثق عراه ويفر إلي عما سواه‬
‫يرجف فؤاده أن يعدل عن ظاهر الكتاب وواضح معناه‪ ،‬فيترك ما أقام‬
‫اهلل ب حجت وأبان محجت إلى أمر مشتب وروايات ضعيفة‪ .‬وقال اهلل‬
‫تعالى‪{ :‬ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ} [النجم‪ ]28 :‬فإن الحق أبلج والباطل‬
‫لجلج‪.‬‬
‫فلزم اًلعتناء البليغ بالبحث والتنقيب في هذا العلم العزيز‪،‬‬
‫ووجب أن تؤسس أصول وتشيد قواعده‪ ،‬فيجمع من األسباب ما كان‬
‫باطال‪.‬‬
‫حقا ويبطل ما كان ا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬البرهان‪ :‬ا‪ ،)31/1‬واإلتقان‪ :‬ا‪.)116/1‬‬
‫‪63‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫فنقول أوًل ما هو المراد من أسباب النزول‪ ،‬ونعود إلى تفسير‬


‫معناها وتحديدها‪ ،‬لتتضح شدة الحاجة إليها‪.‬‬

‫* تعريف أسباب النزول‪:‬‬


‫‪ 1‬ــ إنما أنزل اهلل القرآن نجما نجما ليطابق حالهم‪ ،‬فيكون أقرب‬
‫إليهم فهما وأبلغ فيهم تأثيرا‪ .‬فإن القول كالمطر والبذر ل وقت وموسم‪.‬‬
‫بل للقول مناسبة بالمخاطبين‪ .‬فإن شئت فاسأل الحرا والخطباء‬
‫وشاهد حالهم‪ .‬وقد أخبرنا اهلل تعالى في كتاب أن هذا كتاب عنده‬
‫مكتوب مجموع قديم في لوح محفوظ‪ ،‬وإنما نزل حسب مقتضيات‬
‫الوقت‪ .‬وقد حكى القرآن قيل الكفار‪{ :‬ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ}‬
‫[الفرقان‪ ]32 :‬فجاء جوابهم من اهلل تعالى‪{ :‬ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﳌ}‬
‫[الفرقان‪ ]32 :‬فكما أن الشجر يسقى بالماء حي انا بعد حين ليثبت ب أصل‬
‫ويغلظ ويرسخ تحت الثرى فينمو وينتشر‪ .‬فإن أكثر السقي فسد األصل‬
‫وربما يجعل األرض رخصا فيسقط الشجر‪ .‬وأي تعليم أو تربية تأتي‬
‫جملة واحدة‪ ،‬فكذلك األمر في الوحي للنبي وأمت التي تستقى بماء‬
‫الوحي‪ .‬وهذا مثل المطر للوحي جاء في القرآن والكتب المقدسة‪.‬‬
‫{ﱼ ﱽ ﱾ‬ ‫فمن آمن بأن هذا الكتاب قديم‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ} [الزخرف‪ ]4 :‬وقال تعالى‪{ :‬ﱌ ﱍ}‬
‫[اإلسراء‪ ]106 :‬وإنما نُزل حسب المواقع التمس المواقع وصورها في ذهن‬
‫‪64‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫ليعلم المراد ووجهة القول‪.‬‬


‫ولذلك اعتنى العلماء بهذا العلم وسموه علم أسباب النزول‪ ،‬ولم‬
‫يريدوا باألسباب العلة فإن معنى مولد‪ ،‬والسبب عند العرب ما يتعلق‬
‫بالشيء ويهدى إلي ويتصل ب ‪ .‬في سورة الكهف‪{ :‬ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬

‫{ﲂ ﲃ ﲄ‬ ‫ﱌ ﱍ} [‪ 84‬ــ ‪ ]85‬وفي سورة المؤمن‪:‬‬ ‫ﱊﱋ‬


‫ﲅ ﲆ ﲇ} [‪ 36‬ــ ‪ ]37‬وهذا كثير في كالم العرب‪.‬‬
‫فذكروا في هذا الفن كل ما يتعلق بالكالم‪.‬‬
‫وأشهر الكتب في أسباب النزول كتاب الشيخ اإلمام أبى الحسن‬
‫علي بن أحمد الواحدى المفسر المتوفى ‪468‬هـ وقد طبع‪ ،‬ورأيت ‪ .‬فقد‬
‫جمع في األقوال ولم يشدد في النقد وترك للناظر في ‪ ،‬وهذا أحوط‬
‫للمؤرخ‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ ولما أن تتضح وجهة الكالم من علم موقع ومحل وما ينطبق‬
‫علي جمع العلماء ما وصل إليهم من جماعة الصحابة الذين شاهدوا‬
‫نزول القرآن من قولهم نزل كذا في كذا‪ .‬أي هذا هو محل هذه اآلية‪.‬‬
‫وإذ قد اختلفت الروايات في هذا الباب اختالفا كثيرا أشكل على‬
‫العلماء التوفيق بينها‪ .‬وأكبر اإلشكال أن سبق إلى أكثر الظنون أن واقعة‬
‫خاصة كانت علة لنزول آية خاصة‪ ،‬ويضيق في ذلك نطاق التوفيق‪.‬‬
‫فبعض الروايات تذكر أمرا وقع بمكة وبعضها يذكر ما وقع بالمدينة بعد‬
‫‪65‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫زمان‪ .‬فأزاح هذا اإلشكال اإلمام بدر الدين محمد بن عبداهلل الزركشي‬
‫الشافعي المتوفى ‪794‬هـ في كتاب ‪ :‬البرهان‪ ،‬فقال‪> :‬قد عرف من عادة‬
‫الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه اآلية في كذا‪ ،‬فإن يريد‬
‫بذلك أنها تتضمن هذا الحكم‪ً ،‬ل أن هذا كان السبب في نزولها‪ .‬فهو‬
‫من جنس االستدالل على الحكم باآلية ال من جنس النقل لما وقع<‪.‬‬
‫فجلى بهذا البيان المحكم شبهات كثيرة نشأت من الظن بأن‬
‫قولهم نزلت كذا في كذا نقل واقعة وشهادة حادثة ًلبد أن يقبلوا الرواية‬
‫فيها‪ .‬فتلقى العلماء هذا القول البين بالقبول وعولوا علي عند اختالف‬
‫الروايات‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ كان في قول الزركشي كفاية للماهر‪ ،‬ولكن صاحب اإلتقان‬
‫أحب أن يفصل األمر‪ ،‬فذكر سبعة وجوه لرفع اًلختالف في ذكر‬
‫األسباب‪ .‬واآلن نوردها‪ ،‬ثم نبحث عن مدار األمر ومركزه‪:‬‬
‫‪ )1‬كونها من جنس اًلستدًلل‪ ،‬وهو ما قال الزركشي ‪.‬‬
‫‪ )2‬ترجيح المصرح على المجمل‪ .‬فإن الذي يصرح فعلمه أتم‬
‫وأحفظ‪.‬‬
‫‪ )3‬ترجيح األصح على األضعف صحة‪.‬‬
‫‪ )4‬ترجيح ما كان راوي حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه‬
‫الترجيح‪ ،‬وهذا علت كما ذكرنا في الوج الثاني‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫‪ )5‬توفيق بين األسباب بنزول اآلية عقيبها‪ ،‬وذلك حين يحتمل‬


‫قرب األزمنة‪.‬‬
‫‪ )6‬تعدد النزول إذا تباعدت أوقات الواقعات‪.‬‬
‫‪ )7‬رد بعض الروايات إلى أن الراوي إنما سمع النبي أن تال وظن‬
‫أن نزل حينئذ‪.‬‬
‫وذكر صاحب اإلتقان هذا الوج السابع تحت تنبي ولم يجعل‬
‫وجها برأس ‪ ،‬لما أن ‪ ‬عول في ذلك على رواية ذكرت أن تال‪ ،‬ومثل‬
‫هذه الرواية قليل ج ادا‪ .‬وًل يخفى عليك أن حينئذ يدخل في التصريح‪.‬‬
‫وجعل آخر الوجوه تعدد النزول‪ ،‬فإن لبعده كما تعلم ًل يصار إلي إًل‬
‫بعد ما انسدت جميع األبواب‪ .‬فإن أمعنت النظر في الروايات كنت في‬
‫مندوحة عن هذا أضعف الوجوه ورددت إلى وجوه أخر‪ .‬واآلن نذكر ما‬
‫يدور علي األمر في هذا البحث‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ فاعلم أن صاحب اإلتقان نظر في هذه المسألة من جهة رفع‬
‫اًلختالف إذا وقع في روايات سبب النزول‪ .‬ولكن هذه المسألة في‬
‫غاية األهمية سواء وقع اًلختالف في سبب النزول أم لم يقع‪ ،‬ألن بيده‬
‫زمام التأويل‪ .‬ومعنى القرآن ًلبد أن يكون مأخوذا من مآخذ مسلمة وإًل‬
‫كيف يصح اًلعتصام ب وكيف تتفق كلمة األمة في مدار أمرهم‪ .‬أًل‬
‫ترى الناا لم يختلفوا في شيء كاختالفهم في تأويل القرآن‪ ،‬أفليس‬
‫‪67‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫هذا دا اء عظي اما‪ .‬فإن كان داء فماذا دواؤه؟ وًل أرى ذلك إًل شدة‬
‫اًلحتياط في ذلك‪ ،‬فليكن اًلعتماد على أصلين‪:‬‬
‫أ) ًل يعتمد إًل على رواية صحيحة‪.‬‬
‫ب) يستخرج شأن النزول من سياق الكالم ونظم ‪...‬‬
‫وإذ قد علمنا أن الروايات في هذا الباب أكثرها من جنس اًلستدًلل‬
‫رددنا األمر إلى هذين األصلين سواء كان هناك اختالف في الروايات أو‬
‫لم يكن‪ ،‬وسواء كان في الباب رواية أو لم يكن‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬كيف بك حين تجد التصريح بواقعة مع بيان أن اآلية‬
‫نزلت حينئذ؟‬
‫قلنا‪ :‬إذا كانت الرواية ثابتة أخذنا بها‪ ،‬وهذا هو األصل األول‬
‫وذلك ًل يخالف األصل الثاني أب ادا‪ .‬وعلى فرض خالف لألصل الثاني‬
‫فإن وجد فذلك ربما يؤول إلى ظن من سمع النبي يتلو اآلية فظن نزولها‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬لما أن سمعها أول مرة‪ .‬وذلك هو الوج السابع الذي‬
‫ذكره السيوطي ‪ ‬وعول في على الرواية‪ .‬ولكنك إن تأملت في أكثر‬
‫األمثلة علمت أنها من وإن لم تصرح ب رواية‪<...‬ا‪.)1‬‬
‫كالما مه اما نفيسا‬
‫وقد ذكر ولي اهلل الدهلوي في كتاب الفوز الكبير ا‬
‫قريبا مما ذكره الفراهي‪ ،‬حيث قال‪> :‬وقد ينقل المتقدمون‬
‫في هذا الجانب ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬وإنما نقلت كالمه‪ ،‬وهو طويل كما ترى‪ ،‬لنفاسته‪ ،‬وهو حري بالتأمل والترجيح‪ ،‬فلتتنبه‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫من المفسرين في مثل هذه المواضع أمثال هذه القصص والحواد بغية‬
‫استيعاب اآلثار المناسبة الواردة حول تلك اآلية‪ ،‬أو لبيان ما يصدق‬
‫عليه العموم اللفظي من المعاني‪ ،‬وليس من الضروري ذكر هذه القصص‬
‫والحواد كأسباب النزول؛ ألن فهم معنى اآلية ًل يتوقف عليها‪.‬‬
‫وقد تحقق لدى الفقير أن الصحابة والتابعين رضي اهلل عنهم أجمعين‬
‫كثيرا ما يقولون‪ :‬نزلت اآلية في كذا‪ ،‬وًل يكون غرضهم إًل تصوير ما‬
‫تصدق عليه اآلية من األحداث والمعاني‪ ،‬وذكر بعض القصص والوقائع‬
‫التي تشملها اآلية الكريمة لعموم لفظها‪ ،‬سواء كانت القصة متقدمة على‬
‫نزول اآلية أو متأخرة عنها‪ ،‬إسرائيلية كانت أو جاهلية أو إسالمية‪،‬‬
‫تنطبق على جميع قيود اآلية أو بعضها‪.‬‬
‫وقد تبين من هنا أن لالجتهاد مدخال في هذا القسم الثاني من أسباب‬
‫النزول‪ ،‬وأنه يتسع إليراد القصص المتعددة‪ ،‬فكل من يستحضر هذه‬
‫النكتة‪ ،‬يستطيع أن يعالج اختالفات أسباب النزول بأدنى نظرة وتأمل<ا‪.)1‬‬

‫ثانيًا‪ :‬تعريف الدكتور خالد املزيين‬


‫يقول‪> :‬أما التعريف الذي خلصت إلي بعد التتبع واًلستقراء فهو‪:‬‬
‫>كل قول أو فعل نزل بشأن قرآن عند وقوع <‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الفوز الكبير في أصول التفسير لولي اهلل الدهلوي‪ :‬ا‪ 175‬ــ ‪.)176‬‬
‫‪69‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫وإنما اخترت التعبير عن السبب‪ :‬بالقول والفعل ألن أعمال المكلفين‬


‫ًل تعدو ثالثة‪ :‬النية والقول والفعل‪.‬‬
‫فالنية المجردة عن معمولها ًل يترتب عليها أثرها‪ ،‬ولهذا ًل صلة‬
‫لها بأسباب النزول وًل بغيرها من سائر األحكام‪.‬‬
‫فلم يبق إًل األقوال واألفعال‪ ،‬وهذان يتناوًلن جميع أحوال المرء‬
‫الظاهرة‪ ،‬وعليها يترتب األثر في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وقولي‪( :‬كل قول)‪ :‬هذا يتناول السؤال‪ ،‬والدعاء‪ ،‬والتعجب‪،‬‬
‫والعرض‪ ،‬والتمني والخبر‪ ،‬والطلب‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وسواء أكان ذلك من رسول اهلل ـ ‘ ـ أم من أصحاب أم من‬
‫المنافقين‪ ،‬أم من اليهود‪ ،‬أم من المشركين‪.‬‬
‫ولم َأر من ّنب إلى أن قول رسول اهلل ـ ‘ ـ أو قول الشهداء‪ ،‬أو‬
‫سببا لنزول اآلية مع وجود األدلة على ذلك‪.‬‬
‫قول الجن يكون ا‬
‫سؤاًل وجه أحد الحاضرين إلى‬ ‫ا‬ ‫بل من كتب في هذا إنما يذكر‬
‫رسول اهلل ـ ‘ ـ فنزلت اآلية مع أن األسئلة ًل تمثل إًل نسبة يسيرة‬
‫من األقوال‪.‬‬
‫وقولي‪( :‬أو فعل) أي كل فعل‪ ،‬ويتناول ذلك األفعال في العبادات‬
‫والعادات والمعامالت في السفر والحضر‪ ،‬والسلم والحرب‪ ،‬واألمن‬
‫والخوف‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫وسواءٌ أكان ذلك من رسول اهلل ـ ‘ ـ أم من أصحاب أم من‬


‫المنافقين‪ ،‬أم من اليهود‪ ،‬أم من المشركين‪.‬‬
‫وأول من وقفت على قول في إشارة إلى أن فعل رسول اهلل ـ ‘ ـ‬
‫سببا للنزول هو الرومي حيث قال‪ :‬اوالحادثة التي ينزل‬
‫قد يكون ا‬
‫القرآن ألجلها قد تكون من الرسول ـ ‘ ـ كما حد في سبب نزول‬
‫عبس‪)...‬ا‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫والمقروء‪ ،‬فلو قرأ النبي ـ ‘ ـ‬ ‫وقولي‪ :‬انزل) احترا ازا من المتلو‬
‫اآلية عند حد ما‪ ،‬لما كان هذا من أسباب النزول‪ ،‬بل كان هذا من‬
‫باب اًلستشهاد باآلية على الحد ‪.‬‬
‫مثاله ما روى الشيخان عن علي بن أبي طالب أن رسول اهلل ـ ‘ ـ‬
‫طرق وفاطم َة بنت النبي ـ ‪ ‬ـ ليل اة‪ ،‬فقال‪ :‬اأًل تصليان) فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أنفسنا بيد اهلل‪ ،‬فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا‪ ،‬فانصرف حين قلنا‬
‫إلي شي ائا‪ ،‬ثم سمعت وهو مو ٍل‪ ،‬يضرب فخذه وهو‬ ‫ذلك‪ ،‬ولم يرجع َّ‬
‫يقول‪{ :‬ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ} [الكهف‪]54 :‬ا‪.)2‬‬
‫وقولي‪ :‬ابشأن ) أي بسبب وألجل ‪ ،‬وقد اقتضت حكمة اهلل البالغة‬
‫بالمسب َبات‪ ،‬ورتب على وجودها أثرها‪ ،‬فمن اآليات ما‬
‫َ‬ ‫ربط األسباب‬
‫ًل ينزل من السماء حتى يقع السبب في األرض‪ ،‬ومنها ما ليس ل سبب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬دراسات في علوم القرآن‪ :‬ا‪ 153‬ــ ‪.)154‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)1127‬ومسلم‪ :‬ا‪.)775‬‬
‫‪71‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫دوما‪ ،‬بل يكون أحيا انا ب ‪،‬‬


‫حاضر‪ ،‬فليس النزول موقو افا على السبب ا‬
‫وأحيا انا أخرى بغيره وهذا أكثر‪.‬‬
‫وقولي‪ :‬اقرآن) هذا يتناول السورة وبعضها‪ ،‬واآلية وبعضها‪،‬‬
‫مستقال بالمعنى‪ ،‬كما في أكثر اآليات النازلة‪ ،‬أو ًل‬ ‫ا‬ ‫وسواءٌ أكان النازل‬
‫جرِ) ضمن قول تعالى‪{ :‬ﱁ‬ ‫يستقل بالمعنى كقول تعالى‪ :‬ا ِم َن ا ْل َف ْ‬
‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ} وقول تعالى‪{ :‬ﱆ ﱇ ﱈ}‬
‫ضمن قول تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ}‪ ،‬فإن هذا يتناول لفظ‬
‫القرآن‪.‬‬
‫وقولي‪ :‬اعند وقوع ) وج التعبير بـاعند) ألمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنها تدل على الزمن والدليل على هذا ما روى الشيخان‬
‫عن أبي هريرة ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬قال رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬ليس الشديد بالصرعة‬
‫إنما الشديد الذي يملك نفس عند الغضب<ا‪.)1‬‬
‫ومثل ما روى البخاري عن عمرو بن الحار ـ ‪ ‬ـ قال‪> :‬ما‬
‫ترك رسول اهلل ـ ‘ ـ عند وفات دره اما‪ ،‬وًل دينا ارا‪ ،‬وًل عب ادا‪ ،‬وًل أَمة‬
‫ضا جعلها صدقة<ا‪.)2‬‬ ‫وًل شي ائا إًل بغلت البيضاء‪ ،‬وسالح ‪ ،‬وأر ا‬
‫الثاني‪ :‬أنها تدل على المقاربة لما روى الشيخان عن ابن عمر ـ ‪ ‬ـ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪ ،)5763‬ومسلم‪ :‬ا‪.)2609‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪.)2588‬‬
‫‪72‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت‬


‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬ما ُّ‬
‫ليلتين إًل ووصيت مكتوبة عنده<ا‪.)1‬‬
‫ومثل ما روى البخاري عن أبي بكر ـ ‪ ‬ـ أن رسول اهلل ـ ‘ ـ‪:‬‬
‫بنت لبون وليست عنده‪ ،‬وعنده بنت مخاض‪،‬‬ ‫صدقت َ‬
‫ُ‬ ‫قال >ومن بلغت‬
‫فإنها تقبل من بنت مخاض ويعطي معها عشرين دره اما أو شاتين<ا‪.)2‬‬
‫وبهذه األمثلة تتبين دًللة اعند) على الزمن والمقاربة كما قال ابن‬
‫هشاما‪ )3‬والذي دعاني ًلستعمال الظرف الدال على المقاربة دون‬
‫لدي سببين تأخر النزول فيهما وهما قصة اإلفك في أم‬ ‫التحديد أن َّ‬
‫شهرا‪ ،‬وقصة كعب بن مالك‬ ‫المؤمنين ـ ‪ ‬ـ حيث تأخر نزول براءتها ا‬
‫وصاحبي ـ ‪ ‬ـ حيث تخلفوا عن رسول اهلل ـ ‘ ـ في خروج إلى‬
‫غزوة تبوك فأرجأ اهلل التوبة عليهم خمسين ليل اة‪.‬‬
‫عبرت بقولهم‪ :‬زمن وقوع ‪ ،‬أو أيام وقوع فربما فُهم من هذا‬‫ُ‬ ‫ولو‬
‫المبادرة والمباشرة وهذا ما ًل أُريده وًل أَعني ‪.‬‬
‫فالمقاربة المستفادة من الظرف نسبية فمن اآليات ما قرب نزول‬
‫قليال ومنها ما بين ذلك‪.‬‬
‫كثيرا ومنها ما بَ ُع َد ا‬
‫من سبب ا‬
‫وسأذكر بعض األمثلة الدالة على التفاوت في زمن النزول على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪ ،)2587‬ومسلم‪ :‬ا‪.)1627‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪.)1385‬‬
‫ا‪ )3‬مغني اللبيب‪ :‬ا‪ 155/1‬ــ ‪.)156‬‬
‫‪73‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫سبيل اًلختصار‪.‬‬
‫فمن اآليات التي نزلت مباشرة‪:‬‬
‫قوله تعالى‪( :‬غ ْي ُر أُولِي َّ‬
‫الضر ِر) فما فرغ ابن أم مكتوم من شكايته حتى‬
‫نزل الوحي‪ ،‬وإن فخذ النبي ـ ‘ ـ على فخذ زيد بن ثابت ــ ‪‬ا‪.)1‬‬
‫يسيرا‪:‬‬
‫ومن اآليات التي تأخر نزولها ا‬
‫قضية نزول الحجاب‪ ،‬ومكثهم في بيت رسول اهلل ـ ‘ ـ يتحدثون‬
‫حتى أحرجوه فأنزل اهلل اآليةا‪.)2‬‬
‫كثيرا‪ :‬قضية اإلفك‪.‬‬
‫ومن اآليات التي تأخر نزولها ا‬
‫ومن األسباب ما يكون زمن نزول بين ذلك وفق ما تقتضي‬
‫الحكمة اإلةيهل واهلل أعلم<ا‪.)3‬‬
‫ويختل‬
‫ُّ‬ ‫ويرتكز سبب النزول على أربعة أركان ينضبط باجتماعها‪،‬‬
‫باختاللها أو بعضها وهي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫أوال‪ :‬الحد الجديد‪ ،‬فال بد من تصو ِر أم ٍر جديد قد وقع سواءٌ‬
‫ً‬
‫فعال‪ ،‬والغالب الكثير من األسباب أن يقع ذلك بعد بعثة‬
‫قوًل أم ا‬‫أكان ا‬
‫النبي ـ ‘ ـ حتى إني لم أجد إًل ستة أسباب‪ ،‬كان الحد فيها قبل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج الترمذي‪ :‬ا‪ ،)3032‬والنسائي‪ :‬ا‪.)11117‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪ ،)5916‬ول أطراف كثيرة‪ ،‬ومسلم‪ :‬ا‪.)1428‬‬
‫ا‪ )3‬انظر‪ :‬المحرر في أسباب النزول‪ :‬ا‪ 104‬ــ ‪ ،)109‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫البعثة ومع هذا فقد أنزل اهلل بشأنها قرآ انا‪.‬‬


‫والسبب في ذلك‪ ،‬ــ واهلل أعلم ــ أنها كانت تتجدد بعد رسالته ـ ‘ ـ‬
‫إما سنو ًيا‪ ،‬وإما أقل من ذلك‪ ،‬فلما كانت تتجدد أصبحت كالحد‬
‫الجديد‪ ،‬فالسبب المصطلح علي ينقسم إلى قسمين من حيث النشأة‪:‬‬
‫قوًل بعد الرسالة‪ ،‬وهذا‬
‫فعال أم ا‬
‫األول‪ :‬أن ينشأ السبب سواء أكان ا‬
‫الغالب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون السبب موجو ادا قبل الرسالة لكن يتجدد بعدها‬
‫أصال‪.‬‬
‫فيكون كالجديد ا‬
‫ثانيا‪ :‬الموافقة بين اللفظين‪ ،‬لفظ اآلية‪ ،‬ولفظ الحديث فال بد أن‬
‫ً‬
‫يكون بينهما قدر مشترك في األلفاظ والمعاني‪ ،‬ولهذا يقال‪ :‬السؤال‬
‫معاد في الجواب وذلك لما بينهما من الصلة‪ ،‬فالسؤال سبب الجواب‪،‬‬
‫وكذلك الحديث سبب لنزول اآلية‪ ،‬وإذا كان بينهما توافق في األلفاظ‬
‫فال بد أن يتوافقا في المعاني‪ ،‬وأسباب النزول مع اآليات تشهد بهذا‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬سياق اآليات وأعني ب اآليات التي تسبق موضع النزول‬
‫وتتبع ‪ ،‬فهذه اآليات ًل بد أن تكون في موضوعها وخطابها غير مخالفة‬
‫للسبب في أصل وخطاب فلو كان سياق اآليات في أهل الكتاب ما صح‬
‫أن يكون السبب في آيةٍ من ا‬
‫نازًل في المشركين وكذلك أصل الموضوع‬
‫فلو كان السياق القرآني في موضوع يخالف موضوع السبب قطعنا بأن‬
‫‪75‬‬
‫تعريف سبب النزول‬

‫ليس بينهما صلة‪ ،‬وإن كان الحديث صحي احا صري احا في النزول‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬مراعاة التاريخ بين السبب والنزول‪ ،‬وقد ًلحظت من تتبعي‬
‫لألسباب أن السبب ًل يتأخر عن النزول إًل لحكمة إةيهل وفي أمثلة‬
‫معروفة‪ ،‬فإذا وقعت المباعدة بينهما علمنا أنها ليست مما نحن في ‪،‬‬
‫وسواءٌ أكانت المباعدة الزمنية بين مكي ومدني أو بين المدني المتقدم‬
‫أوائل الهجرة والمدني النازل في أواخرها‪.‬‬
‫وثم أمران آخران ليسا كهذه األركان في المنزلة وإن كانا مؤثرين‬
‫َّ‬
‫وهما‪ :‬صحة اإلسناد والتعبير بالنزول‪.‬‬
‫فأما صحة الحديث فهي قرينة قوية في صحة السبب وثبوت ‪ ،‬ومع‬
‫هذا فمراسيل التابعين الذين تلقوا التفسير عن كبار الصحابة كانت وًل‬
‫زالت تحظى بالقبول من العلماء‪ ،‬واالحتجاج بها في المعاني واألسباب‪.‬‬
‫وأما التعبير بالنزول فال ريب أن ينفي التردد‪ ،‬ويجرئ القلب على‬
‫اإلقدام‪ ،‬والحكم بالسببية‪ ،‬فوجوده قرينة قوية في الداللة على األسباب‪،‬‬
‫واهلل الموفق للصوابا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬المحرر في أسباب النزول‪ :‬ا‪ 110‬ــ ‪ ،)112‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫‪5‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب الزنول‬
‫ألسباب النزول أهمية كبيرة‪ ،‬وكان للسلف اهتمام كبير بشأن ‪،‬‬
‫وتعلم ‪ ،‬فعن إبراهيم التيمي‪ ،‬قال خال عمر بن الخطاب ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬ذات‬
‫يوم يحد نفس ‪ ،‬فأرسل إلى ابن عباا‪ ،‬فقال‪ :‬كيف تختلف هذه‬
‫األمة ونبيها واحد‪ ،‬وكتابها واحد‪ ،‬وقبلتها؟ فقال ابن عباا‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬إنا أنزل علينا القرآن‪ ،‬فقرأناه‪ ،‬وعلمنا فيم أنزل‪ ،‬وإن سيكون‬
‫بعدنا أقوام يقرأون القرآن‪ ،‬وًل يعرفون فيم نزل‪ ،‬فيكون لكل قوم في‬
‫ا‪)1‬‬
‫رأي‪ ،‬فإذا كان لكل قوم في رأي اختلفوا‪ ،‬فإذا اختلفوا اقتتلوا‪ ،‬فزبره‬
‫عمر وانتهره‪ ،‬فانصرف ابن عباا‪ ،‬ثم دعاه بعد‪ ،‬فعرف الذي قال‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬إي أعد علي<ا‪.)2‬‬
‫وقال عبد اهلل بن مسعود ‪> :‬واهلل الذي ًل إل غيره‪ ،‬ما أنزلت‬
‫سورة من كتاب اهلل إًل أنا أعلم أين أنزلت‪ ،‬وًل أنزلت آية من كتاب‬
‫اهلل إًل أنا أعلم فيم أنزلت‪ ،‬ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب اهلل‪ ،‬تبلغ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أي‪ :‬انتهره وأغلظ ل في القول والرد‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث‪ :‬ا‪.)293/2‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج سعيد بن منصور في سنن ‪ :‬ا‪ ،]42[ )176/1‬والبيهقي في شعب اإليمان‪:‬‬
‫ا‪.]2283[ )425/2‬‬
‫‪77‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫اإلبل لركبت إلي <ا‪.)1‬‬


‫وكان السلف يستخدمون سبب النزول إلزالة اللبس واإلشكال عن‬
‫السائل‪ ،‬فعن الزهري‪ ،‬قال عروة‪ :‬سألت عائشة ‪ ‬فقلت لها‪ :‬أرأيت‬
‫قول اهلل تعالى‪{ :‬ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ‬
‫ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ} [البقرة‪ ،]158 :‬فواهلل ما على أحد جناح أن ًل‬
‫يطوف بالصفا والمروة‪ ،‬قالت‪ :‬بئس ما قلت يا ابن أختي‪ ،‬إن هذه لو‬
‫كانت كما أولتها علي ‪ ،‬كانت‪ً :‬ل جناح علي أن ًل يتطوف بهما‪ ،‬ولكنها‬
‫أنزلت في األنصار‪ ،‬كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية‪ ،‬التي‬
‫كانوا يعبدونها عند المشلل‪ ،‬فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا‬
‫والمروة‪ ،‬فلما أسلموا‪ ،‬سألوا رسول اهلل ‘ عن ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل‪ ،‬إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى‪{ :‬ﱵ‬
‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ} [البقرة‪ .]158 :‬اآلية قالت عائشة ‪> :‬وقد‬
‫سن رسول اهلل ‘ الطواف بينهما‪ ،‬فليس ألحد أن يترك الطواف‬
‫بينهما<‪ ،‬ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال‪ :‬إن هذا لعلم ما كنت‬
‫سمعت ‪ ،‬ولقد سمعت رجاًل من أهل العلم يذكرون‪ :‬أن الناا‪ ،‬ــ إًل‬
‫من ذكرت عائشة ــ ممن كان يهل بمناة‪ ،‬كانوا يطوفون كلهم بالصفا‬
‫والمروة‪ ،‬فلما ذكر اهلل تعالى الطواف بالبيت‪ ،‬ولم يذكر الصفا والمروة‬
‫في القرآن‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬كنا نطوف بالصفا والمروة وإن اهلل أنزل‬
‫الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا‪ ،‬فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا‬
‫والمروة؟ فأنزل اهلل تعالى‪{ :‬ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ} [البقرة‪]158 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)5002‬‬
‫‪78‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫اآلية قال أبو بكر‪> :‬فأسمع هذه اآلية نزلت في الفريقين كليهما‪ ،‬في‬
‫الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة‪ ،‬والذين‬
‫يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في اإلسالم‪ ،‬من أجل أن اهلل تعالى‬
‫أمر بالطواف بالبيت‪ ،‬ولم يذكر الصفا‪ ،‬حتى ذكر ذلك‪ ،‬بعد ما ذكر‬
‫الطواف بالبيت<ا‪.)1‬‬
‫وعن أسلم أبي عمران التجيبي‪ ،‬قال‪> :‬كنا بمدينة الروم‪ ،‬فأخرجوا‬
‫إلينا صفا عظيما من الروم‪ ،‬فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر‪،‬‬
‫وعلى أهل مصر عقبة بن عامر‪ ،‬وعلى الجماعة فضالة بن عبيد‪ ،‬فحمل‬
‫رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم‪ ،‬فصاح الناا‬
‫وقالوا‪ :‬سبحان اهلل يلقي بيدي إلى التهلكة‪ .‬فقام أبو أيوب األنصاري‬
‫فقال‪ :‬يا أيها الناا إنكم لتؤولون هذه اآلية هذا التأويل‪ ،‬وإنما أنزلت‬
‫هذه اآلية فينا معشر األنصار لما أعز اهلل اإلسالم وكثر ناصروه‪ ،‬فقال‬
‫بعضنا لبعض سرا دون رسول اهلل ‘‪ :‬إن أموالنا قد ضاعت‪ ،‬وإن اهلل‬
‫قد أعز اإلسالم وكثر ناصروه‪ ،‬فلو أقمنا في أموالنا‪ ،‬فأصلحنا ما ضاع‬
‫منها‪ .‬فأنزل اهلل تعالى على نبي ‘ يرد علينا ما قلنا‪{ :‬ﲐ ﲑ ﲒ‬
‫ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ}‪ ،‬فكانت التهلكة اإلقامة على األموال‬
‫وإصالحها‪ ،‬وتركنا الغزو فما زال أبو أيوب‪ ،‬شاخصا في سبيل اهلل‬
‫حتى دفن بأرض الروم<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪ ،)1643‬ومسلم‪ :‬ا‪.)1277‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج الترمذي‪ :‬ا‪ ،)2972‬والنسائي في الكبرى‪ :‬ا‪.)10962‬‬
‫‪79‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫وكانت لهذا العلم أصول عن النبي ‘‪ ،‬عن عبد اهلل بن مسعود‪،‬‬


‫قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي ‘‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل إني عالجت امرأة‬
‫في أقصى المدينة‪ ،‬وإني أصبت منها ما دون أن أمسها‪ ،‬فأنا هذا‪ ،‬فاقض‬
‫في ما شئت‪ ،‬فقال ل عمر‪ :‬لقد سترك اهلل‪ ،‬لو سترت نفسك‪ ،‬قال‪ :‬فلم‬
‫يرد النبي ‘ شيئا‪ ،‬فقام الرجل فانطلق‪ ،‬فأتبع النبي ‘ رجال دعاه‪،‬‬
‫وتال علي هذه اآلية‪{ :‬ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ‬
‫ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} [هود‪ ]114 :‬فقال رجل‬
‫من القوم‪ :‬يا نبي اهلل هذا ل خاصة؟ قال‪> :‬بل للناا كافة<ا‪.)1‬‬
‫يقول اإلمام الواحدي في سبب تأليف لكتاب أسباب النزول‪:‬‬
‫>‪ ...‬وذلك الذي حدا بي إلى إمالء هذا الكتاب الجامع لألسباب‪،‬‬
‫لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن‪ ،‬فيعرفوا الصدق‬
‫ويستغنوا عن التمويه والكذب ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب<ا‪.)2‬‬
‫وألسباب النزول عدة فوائد ويمكن إبرازها في النقاط اآلتية(‪:)3‬‬

‫‪ 1‬ــ اإلعانة على فهم المراد من اآلية‪:‬‬


‫إن سبب النزول يعين على معرفة المراد وتعيين ا‪ ،)4‬إذ قد ترد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه مسلم‪ :‬ا‪.)2763‬‬ ‫ا‪)1‬‬
‫أسباب النزول‪ ،‬للواحدي‪ :‬ا‪.)9‬‬ ‫ا‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المحرر في أسباب النزول‪ :‬ا‪ 19‬ــ ‪ ،)25‬المحرر في علوم القرآن‪ :‬ا‪.)132‬‬ ‫ا‪)3‬‬
‫ومن أمثلت ما رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)4534‬ومسلم‪ :‬ا‪ )539‬عن زيد بن أرقم‪ ،‬قال‪=:‬‬ ‫ا‪)4‬‬
‫‪80‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫علي احتماًلت صحيحة من حيث هي‪ ،‬لكن سبب النزول يحدد أحد‬
‫هذه المعاني‪ ،‬ويكون هو المراد دون غيره‪.‬‬
‫وقد نقل السيوطي بعض أقوال العلماء في أهمية أسباب النزول‪،‬‬
‫منها‪> :‬قال ابن دقيق العيد‪ :‬بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني‬
‫القرآن‪.‬‬
‫وقال ابن تيمية‪ :‬معرفة سبب النزول يعين على فهم اآلية؛ فإن‬
‫العلم بالسبب يور العلم بالمسبب<ا‪.)1‬‬
‫وقد أفاض الشاطبي في هذا المعنى‪ ،‬فقال‪> :‬وجاء رجل إلى ابن‬
‫مسعود فقال‪ :‬تركت في المسجد رجال يفسر القرآن برأي ؛ يفسر هذه‬
‫اآلية‪{ :‬ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ} [الدخان‪ ]10 :‬قال‪ :‬يأتي الناا يوم‬
‫القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم من كهيئة الزكام‪.‬‬
‫فقال ابن مسعود‪ :‬من علم علما فليقل ب ‪ ،‬ومن لم يعلم‪ ،‬فليقل‪:‬‬
‫اهلل أعلم‪ ،‬فإن من فق الرجل أن يقول لما ًل علم ل ب ‪ :‬اهلل أعلم‪.‬‬
‫إنما كان هذا ألن قريشا استعصوا على النبي ‘‪ ،‬دعا عليهم‬
‫بسنين كسني يوسف‪ ،‬فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام‪ ،‬فجعل‬
‫الرجل ينظر إلى السماء فيرى بين وبينها كهيئة الدخان من الجهد‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= >كنا نتكلم في الصالة يكلم الرجل صاحب وهو إلى جنب في الصالة حتى نزلت‬
‫{ﱆ ﱇ ﱈ} [البقرة‪ ]238 :‬فأمرنا بالسكوت‪ ،‬ونهينا عن الكالم<‪.‬‬
‫ا‪ )1‬اإلتقان‪ :‬ا‪.)108/1‬‬
‫‪81‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫فأنزل اهلل‪{ :‬ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ} [الدخان‪ ]10 :‬اآلية إلى‬


‫آخر القصةا‪.)1‬‬
‫وهذا شأن أسباب النزول في التعريف بمعاني المنزل بحيث لو‬
‫فقد ذكر السبب لم يعرف من المنزل معناه على الخصوص دون تطرق‬
‫اًلحتماًلت وتوج اإلشكاًلت وقد قال ‘‪> :‬خذوا القرآن من أربعة<‬
‫وذكر منهم عبد اهلل بن مسعود ‪‬ا‪.)2‬‬
‫وقد قال في خطبة خطبها‪> :‬واهلل لقد علم أصحاب النبي ‘ إني‬
‫من أعلمهم بكتاب اهلل<ا‪.)3‬‬
‫وقال في حديث آخر‪> :‬والذي ًل إل غيره ما أنزلت سورة من‬
‫كتاب اهلل إًل أنا أعلم أين أنزلت‪ ،‬وًل أنزلت آية من كتاب اهلل إًل وأنا‬
‫أعلم فيمن أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب اهلل مني تبلغ اإلبل‬
‫لركبت إلي <ا‪.)4‬‬
‫وهذا يشير إلى أن علم األسباب من العلوم التي يكون العالم بها‬
‫عالما بالقرآن‪.‬‬
‫وعن الحسن أن قال‪> :‬ما أنزل اهلل آية إًل وهو يحب أن يعلم فيم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫البخاري برقم ا‪)4774‬؛ ومسلم برقم ا‪ )2798‬واللفظ ل ‪.‬‬ ‫أخرج‬ ‫ا‪)1‬‬
‫البخاري برقم ا‪)3808‬؛ ومسلم برقم ا‪ )2464‬عن عبد اهلل بن عمرو ‪.‬‬ ‫أخرج‬ ‫ا‪)2‬‬
‫البخاري برقم ا‪.)5000‬‬ ‫أخرج‬ ‫ا‪)3‬‬
‫البخاري برقم ا‪)5002‬؛ ومسلم برقم ا‪.)2463‬‬ ‫أخرج‬ ‫ا‪)4‬‬
‫‪82‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫أنزلت وما أراد بها<‪.‬‬


‫وهو نص في الموضوع مشير إلى التحريض على تعلم علم األسباب‪.‬‬
‫وعن ابن سيرين قال‪ :‬سألت عبيدة عن شيء من القرآن فقال‪:‬‬
‫>اتق اهلل وعليك بالسداد؛ فقد ذهب الذين يعلمون فيم أنزل القرآن‪.‬‬
‫وعلى الجملة‪ ،‬فهو ظاهر بالمزاولة لعلم التفسير<ا‪.)1‬‬
‫وهذا األمر ظاهر ًل يحتاج إلى تقرير‪ ،‬لكن أضرب لك مثاًل في‬
‫ذلك‪:‬‬
‫ما رواه البخاري بسنده عن أبي إسحاق قال‪ :‬سمعت البراء ‪‬‬
‫يقول‪> :‬نزلت هذه اآلية فينا‪ ،‬كانت األنصار إذا حجوا فجاؤوا لم‬
‫يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم‪ ،‬ولكن من ظهورها‪ ،‬فجاء رجل من‬
‫األنصار‪ ،‬فدخل من قبل باب ‪ ،‬فكأن عير بذلك فنزلت‪{ :‬ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ}‬
‫[البقرة‪<]189 :‬ا‪.)2‬‬
‫وكون البيوت في اآلية هي البيوت المسكونة مما أجمع عليه السلف‪،‬‬
‫وإن اختلفوا في سبب النزول على أقوال‪ ،‬قول البراء هو أصوبها؛ ألن قول‬
‫صحابي شاهد التنزيل‪ ،‬وهو عارف بعادات قومه التي نزل القرآن بشأنها‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الموافقات‪ :‬ا‪ 152/4‬ــ ‪.)153‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج البخاري برقم ا‪ )1803‬واللفظ ل ‪ ،‬وأخرج أيضا مسلم برقم ا‪.)3026‬‬
‫‪83‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫وقد ذهب بعض المتأخرين بتفسير هذه الجملة إلى مذاهب عجيبة‬
‫تخالف سبب النزول وًل تتناسب مع سياق اآلية‪ ،‬فمنهم من قال‪> :‬أي‬
‫اطلبوا البر من أهل ووجه ‪ ،‬وًل تطلبوه عند الجهلة المشركين<ا‪.)1‬‬
‫وهذا القول مخالف لسبب النزول‪ ،‬وإن كان جائزا من جهة‬
‫اًلحتمال اللغوي‪ ،‬فالقائل ب ربط هذا المقطع بالسؤال عن األهلة في‬
‫قول تعالى‪{ :‬ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ‬
‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ} [البقرة‪ ،]189 :‬وجعل أن السؤال عن‬
‫األهلة إنما هو سؤال عن سبب بدوها هالًل حتى تصير بدرا‪ ،‬وأن اهلل‬
‫أرشدهم إلى ما هو أهم من مسألتهم‪ ،‬وهو بيان الفائدة المتعلقة بالشرع‬
‫بالنسبة لألهلة‪ ،‬وهذا التخريج في نظر؛ ألنهم إنما سألوا عن عالقتها‬
‫بالشرع‪ ،‬فجاء الجواب مطابقا‪{ :‬ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ}‪.‬‬
‫وذهب آخر إلى أن البيوت كناية عن النساء‪ ،‬ويكون المعنى‪ :‬وأتوا‬
‫النساء من حيث أمركم اهلل‪ ،‬والعرب تسمي المرأة بيتا‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫أكبــــــــر غيرنــــــــي أم بيــــــــت‬ ‫مــــا لــــي إذا أنزعهــــا صــــأيت‬
‫أراد بالبيت المرأةا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مجاز القرآن‪ :‬ا‪.)68/1‬‬
‫ا‪ )2‬أمالي الشريف المرتضى‪ :‬ا‪ ،)378/1‬وهو يكثر من المحتمالت الضعيفة‪ ،‬لغوية أو‬
‫غيرها‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫وهذا التفسير مخالف للسياق‪ ،‬فالسياق ًل عالقة ل بكيفية إتيان‬


‫النساء‪ ،‬ولو حملت اآلية علي لكان في النظم تفككا ملحوظا ينبو عن‬
‫نظم القرآن المعجز‪ ،‬إذ يكون المعنى‪> :‬يسألونك عن فائدة األهلة لهم‪،‬‬
‫قل هي مواقيت يوقتون بها عددهم من بلوغ الدين واإلجارة وغيرها‪،‬‬
‫ومواقيت للحج الذي هو من أركان اإلسالم‪ ،‬وليس البر بأن تأتوا النساء‬
‫من أدبارهن‪ ،‬ولكن البر من اتقى وأتاهن من قبلهن<‪ .‬وهذا التفسير في‬
‫تفكيك للنظم ًل يحتاج األمر في إلى خبير‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫وكل هذا إنما أوقع في الجهل بسبب النزول الذي حدد المراد‬
‫بالبيوت‪ ،‬ولم يدع لالحتمال مجاًل‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫فاًلعتماد على اللغة وحدها ًل يكفي في معرفة المعنى‪ ،‬بل ًل بد‬
‫من معرفة أسباب النزول‪> ،‬والمقصود أن المفسر إذا جهل سبب النزول‪،‬‬
‫فإن قد يحمل اآلية على محتمل لغوي‪ ،‬ويكون المعنى اللغوي الذي‬
‫فسر ب غير مقصود‪ ،‬ودليل عدم قصده سبب النزول‪ ،‬أو قصة اآلية‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫{ﱢ ﱣ‬ ‫ما ورد في تفسير تثبيت األقدام من قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯ‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ} [األنفال‪ ،]11 :‬قال أبو‬
‫عبيدة‪> :‬مجازه‪ :‬يفرغ عليهم الصبر‪ ،‬وينزل عليهم‪ ،‬فيثبتون لعدوهم<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مجاز القرآن‪ :‬ا‪.)242/1‬‬
‫‪85‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫وقصة نزول اآلية تدل على أن المعنى اللغوي الذي ذكره غير‬
‫مراد‪ ،‬وأن المراد‪ :‬يثبت أقدامهم التي يمشون بها على الرمل كي ًل‬
‫تسوخ في ‪ ،‬كما وردت بذلك الرواية عن السلف‪ ،‬منها ما قال ابن‬
‫عباا‪> :‬وذلك أن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا‬
‫عنها‪ ،‬نزلوا على الماء يوم بدر‪ ،‬فغلبوا المؤمنين علي فأصاب المؤمنين‬
‫الظمأ‪ ،‬فجعلوا يصلون مجنبين محدثين‪ ،‬حتى تعاظم ذلك في صدور‬
‫أصحاب رسول ‘‪ ،‬فأنزل اهلل من السماء ماء حتى سال الوادي‪ ،‬فشرب‬
‫المسلمون‪ ،‬ومألوا األسقية‪ ،‬وسقوا الركاب‪ ،‬واغتسلوا من الجنابة‪،‬‬
‫فجعل اهلل في ذلك طهورا‪ ،‬وثبت األقدام وذلك أن كانت بينهم وبين‬
‫القوم رملة‪ ،‬فبعث اهلل عليها مطرا‪ ،‬فضربها حتى اشتدت‪ ،‬وثبتت عليها‬
‫األقدام<ا‪.)1‬‬
‫قال الطبري‪> :‬وقد زعم بعض أهل العلم بالغريب من أهل‬
‫البصرة‪ ،‬أن مجاز قول ‪{ :‬ﱵ ﱶ ﱷ}‪ :‬ويفرغ عليهم الصبر‪ ،‬وينزل‬
‫عليهم‪ ،‬فيثبتون لعدوهم‪ .‬وذلك قول خالف لقول جميع أهل التأويل من‬
‫الصحابة والتابعين‪ ،‬وحسب قول خطأ أن يكون خالفا لقول من ذكرنا‪.‬‬
‫وقد بينا أقوالهم في ‪ ،‬وأن معناه‪ :‬ويثبت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر‬
‫الرمل حتى ًل تسوخ في أقدامهم وحوافر دوابهم<ا‪)<)2‬ا‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير الطبري‪ ،‬ت‪ :‬شاكر‪ :‬ا‪.)424/13‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير الطبري‪ ،‬ت‪ :‬شاكر‪ :‬ا‪ 427/13‬ــ ‪.)428‬‬
‫ا‪ )3‬التفسير اللغوي‪ ،‬د‪ .‬مساعد الطيار‪ :‬ا‪ 638‬ــ ‪.)639‬‬
‫‪86‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫‪ 2‬ــ تصور أحوال من نزل فيهم القرآن‪:‬‬


‫أسباب النزول في غالبها حكايات وقصص‪ ،‬منها ما هو مختصر‬
‫ومنها ما هو طويل مبسوط‪ ،‬وهذه القصص تصور العصر اإلسالمي‬
‫األول‪ ،‬وتصور واقع الذين كانت تتنزل عليهم اآليات القرآنية لتعليمهم‪،‬‬
‫وتوجيههم‪ ،‬وتربيتهم‪ ،‬وتصور بيئتهم العامة‪ ،‬ومفاهيمهم التي كانت‬
‫جليال في فهم المعنى‪ ،‬إذ هي‬‫سائدة بينهم‪ ،‬من األمور التي تقدم نف اعا ا‬
‫المفسر في الخطأ؛‬
‫ِّ‬ ‫وكثيرا ما يقع‬
‫ا‬ ‫تبصرة بالمناخ الذي نزل في النص‪،‬‬
‫ألن فهم النص وهو يضع في اعتباره واقع المجتمع الذي يعيش في ‪ً ،‬ل‬
‫واقع البيئة والمجتمع الذي نزل النص لمعالجت بالتعليم والتوجي‬
‫والتربية‪.‬‬
‫تصور‬
‫مثال فإنها ِّ‬
‫وإذا أردت أن تتحقق من هذا فانظر في قصة اإلفك ً‬
‫لك البيئة العامة‪ ،‬والخاصة‪ ،‬وتكشف لك األنماط السائدة ذلك‬
‫الوقت‪.‬‬
‫كما أن أسباب النزول تبين الحال النفسية والفكرية واًلجتماعية‬
‫التي كان عليها الذين أُنزلت عليهم اآليات‪ ،‬وهذا يفيد المفسر في فهم‬
‫المعنى‪ ،‬أو في استنباط الفوائد من اآليات‪.‬‬
‫ويدخل في ذلك تصور حاالت السلم والحرب‪ ،‬واألمن والخوف‪،‬‬
‫وسعة الرزق والجوع‪ ،‬والنصر والهزيمة‪ ،‬واإليمان والكفر والنفاق ونحو‬
‫كل منها ما يالئم من التعليم‬
‫ذلك من األحوال النفسية التي يستدعي ٌ‬
‫‪87‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫والتوجي والتربية‪.‬‬
‫ويدخل في ذلك تصور الحاًلت اًلجتماعية كالبداوة والتحضر‪،‬‬
‫والرفعة والضعة والقوة والضعف‪ ،‬والقيادة واًلنقياد وغيرها من‬
‫األحوال التي تتطلب ما يالئمها من البيان‪.‬‬
‫وكل هذا إنما ينكشف ويتبين بمعرفة أسباب النزول‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ إبراز حكم التشريع الباهرة‪:‬‬


‫ومما يبرز أهمية أسباب النزول ومكانتها احتواؤها على ِحكم‬
‫التشريع البالغة وأسرارها الباهرة التي هي من أكبر الشواهد على كمال‬
‫علم الرب تعالى‪ ،‬وحكمت ‪ ،‬ورحمت وبره بعباده‪ ،‬ولطف بهم‪ ،‬وما‬
‫اشتملت علي من بيان مصالح الدارين واإلرشاد إليها‪ ،‬وبيان مفاسد‬
‫الدارين والنهي عنها‪ ،‬وأن سبحان لم يرحمهم في الدنيا برحمة‪ .‬ولم‬
‫يحسن إليهم إحسا انا أعظم من إحسان إليهم بهذا الدين القيم وهذه‬
‫الشريعة الكاملة‪.‬‬
‫وليس يخفى على كل منصف أن العلم بالحكمة الداعية إلى‬
‫التشريع‪ ،‬يزيد اإليمان واليقين في قلوب المكلفين‪ ،‬وتطمئن ب نفوسهم‪،‬‬
‫وتقر ب عيونهم‪.‬‬
‫يقول الزركشي‪> :‬وأخطأ من زعم أن ًل طائل تحت لجريان مجرى‬
‫‪88‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫التاريخ وليس كذلك بل ل فوائد‪:‬‬


‫منها‪ :‬وج الحكمة الباعثة على تشريع الحكم<ا‪.)1‬‬
‫قال الزرقاني مبي انا فائدة العلم بحكمة التشريع‪> :‬وفي ذلك نفع‬
‫للمؤمن وغير المؤمن‪ .‬أما المؤمن فيزداد إيما انا على إيمان ‪ ،‬ويحرص‬
‫كل الحرص على تنفيذ أحكام اهلل‪ ،‬والعمل بكتاب لما يتجلى ل من‬
‫المصالح والمزايا التي نيطت بهذه األحكام‪ ،‬ومن أجلها جاء هذا‬
‫التنزيل‪ ،‬وأما الكافر فتسوق تلك الحكم الباهرة إلى اإليمان إن كان‬
‫منص افا حين يعلم أن هذا التشريع اإلسالمي قام على رعاية مصالح‬
‫صا إذا ًلحظ‬ ‫اإلنسان‪ً ،‬ل على اًلستبداد‪ ،‬والتحكم‪ ،‬والطغيان؛ خصو ا‬
‫سير ذلك التشريع وتدرج في موضوع واحد‪ .‬وحسبك شاه ادا على هذا‬ ‫َ‬
‫ا‪)2‬‬
‫تحريم الخمر وما نزل في < ‪.‬‬

‫‪ 4‬ــ الكشف عن الظرفين المكاني والزماني لنزول اآليات‪:‬‬


‫جليال‪ ،‬ويهدي إلى مفهوم أدق وأقرب إلى‬
‫وهذا يقدم للمفسر نف اعا ا‬
‫المراد‪ ،‬وذلك أن من اآليات ما يالئم ظر افا من الظروف في حين أن قد‬
‫ًل يالئم ظر افا آخر‪ ،‬إذ ما يالئم في مواسم األعياد قد ًل يالئم في‬
‫أوقات التحريض على الجهاد‪ ،‬وما يالئم حال المناسك قد ًل يالئم في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬البرهان‪ :‬ا‪.)22/1‬‬
‫ا‪ )2‬مناهل العرفان‪ :‬ا‪.)109/1‬‬
‫‪89‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫مواضع البيع والشراء‪.‬‬

‫‪ 5‬ــ إزالة اإلشكال الناشيء عن الجهل بسبب النزول‪:‬‬


‫ومن اآلثار الحسنة ألسباب النزول‪ ،‬والتي تظهر فيها مكانتها وتسمو‬
‫بها منزلتها إزالتها لإلشكاًلت التي قد تنشأ عند بعض الناا من فهم‬
‫غير سديد آليات القرآن فيفهم منها ما ًل يُفهم‪ ،‬ويظن فيها ما ًل يُظن‪،‬‬
‫وما ذاك إًل لخفاء أسباب نزول اآليات على أولئك‪ ،‬وعدم علمهم بها‪،‬‬
‫ولو علموا هذه األسباب وفيما كانت‪ ،‬لتحولت أفهامهم‪ ،‬واستقامت‬
‫على الصواب نظرتهم وإذا كانت المعاني القرآنية قد تشكل على بعض‬
‫الصحابة كما وقع لقدامة بن مظعون ـ ‪ ‬ـ حين ظن أن شرب الخمر‬
‫اـ‪‬ـ‬ ‫عبا ٍ‬
‫جائز واستدل على ذلك بالكتاب‪ ،‬حتى ّبين ل عمر وابن َّ‬
‫أن اآلية التي استدل بها هي حجة علي ‪ ،‬وعذ ارا لمن مات من الصحابة‬
‫ـ ‪ ‬ـ وهم يشربون الخمر قبل تحريمهاا‪.)1‬‬
‫فإذا كانت هذه اإلشكاًلت تقع من هؤًلء األكابر مع رسوخهم في‬
‫الدين والعلم‪ ،‬فكيف الظن بمن بعدهم من الذين لم يدركوا ما أدرك‬
‫هؤًلء السابقون من الخير والدين‪ ،‬ولم تسعفهم علومهم في فهم شيء‬
‫من أسباب النزول بتة‪ ،‬ولم تنطلق ألسنتهم بلغة القرآن والسنةا‪)2‬؟‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه النسائي في الكبرى‪ :‬ا‪.)5288‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬المحرر في اسباب النزول‪ :‬ا‪ 19‬ــ ‪.)25‬‬
‫‪90‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫‪ 6‬ــ بيان أخصية السبب بالحكم‪:‬‬


‫قال الطوفي‪> :‬أي أن السبب أخص بالحكم من غيره من صوره‬
‫ألن اللفظ ورد بيا انا لحكم السبب فكان مقطو اعا ب في فيمتنع تخصيص‬
‫باًلجتهاد<ا‪.)1‬‬
‫‪ 7‬ــ معرفة التاريخ‪:‬‬
‫قال الطوفي‪> :‬معرفة تاريخ الحكم بمعرفة سبب ‪ ،‬مثل أن يقال‪:‬‬
‫قذف هالل بن أمية امرأت في سنة كذا فنزلت آية اللعان فيعرف تاريخها‬
‫بذلك‪ ،‬وفي معرفة التاريخ فائدة معرفة الناسخ من المنسوخ<ا‪.)2‬‬
‫‪ 8‬ــ توسعة علم الشريعة بمعرفة األحكام بأسبابها‪:‬‬
‫قال الطوفي‪> :‬ومنها توسعة علم الشريعة بمعرفة األحكام‬
‫بأسبابها‪ ،‬فيكثر ثواب المصنفين‪ ،‬كالذين صنفوا أسباب نزول القرآن‪،‬‬
‫والمجتهدين بسعة محل اجتهادهم<ا‪.)3‬‬
‫‪ 9‬ــ التأسي واال تداء بما و ع للسلف من حوادث في الصبر على‬
‫المكاره واحتمال األ دار المؤلمة‪:‬‬
‫قال الطوفي‪> :‬ومنها‪ :‬التأسي بوقائع السلف وما جرى لهم‪ ،‬فيخف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬شرح مختصر الروضة‪ ،‬للطوفي‪ :‬ا‪.)506/2‬‬
‫ا‪ )2‬شرح مختصر الروضة‪ ،‬للطوفي‪ :‬ا‪.)506/2‬‬
‫ا‪ )3‬شرح مختصر الروضة‪ ،‬للطوفي‪ :‬ا‪.)506/2‬‬
‫‪91‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫حكم المكاره على الناا‪ ،‬كمن زنت زوجت فالعنها‪ ،‬فهو يتأسى بما‬
‫جرى لهالل بن أُمية‪ ،‬وعويمر العجالني في ذلك‪ ،‬ويقول‪ :‬هؤًلء خير‬
‫مني‪ ،‬وقد جرى لهم هذا فلي أُسوة بهم<ا‪.)1‬‬

‫‪ 10‬ــ تعيين المبهم‪:‬‬


‫قال السيوطي‪> :‬ومنها معرفة اسم النازل في اآلية وتعيين المبهم‬
‫فيها<ا‪.)2‬‬
‫ونختم هنا بذكر كالم جامع لبعض األئمة في أهمية العلم بسبب‬
‫النزول‪:‬‬
‫يقول ابن تيمية‪> :‬ومعرفة >سبب النزول< يعين على فهم اآلية فإن‬
‫العلم بالسبب يور العلم بالمسبب<ا‪.)3‬‬
‫وقال اإلمام الشاطبي في الموافقات‪> :‬معرفة أسباب التنزيل ًلزمة‬
‫لمن أراد علم القرآن‪ ،‬والدليل على ذلك أمران‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬شرح مختصر الروضة‪ ،‬للطوفي‪ :‬ا‪.)507/2‬‬
‫ا‪ )2‬اإلتقان‪ :‬ا‪ ،)86/1‬ومن أمثلت ‪ :‬عن سعد‪ ،‬قال‪> :‬كنا مع النبي ‘ ستة نفر‪ ،‬فقال‬
‫المشركون للنبي ‘‪ :‬اطرد هؤًلء ًل يجترئون علينا‪ .‬قال وكنت أنا وابن مسعود‪،‬‬
‫ورجل من هذيل‪ ،‬وبالل‪ ،‬ورجالن لست أسميهما‪ ،‬فوقع في نفس رسول اهلل ‘ ما‬
‫شاء اهلل أن يقع فحد نفس فأنزل اهلل ‪ :‬وًل تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة‬
‫والعشي يريدون وجه <‪ ،‬رواه مسلم‪ :‬ا‪.)2413‬‬
‫ا‪ )3‬مجموع الفتاوى‪ :‬ا‪.)339/13‬‬
‫‪92‬‬
‫أهمية املعرفة بسبب النزول‬

‫أحدهما‪ :‬أن علم المعاني والبيان الذي يعرف ب إعجاز نظم القرآن‬
‫فضال عن معرفة مقاصد كالم العرب؛ إنما مداره على معرفة مقتضيات‬
‫األحوال‪ :‬حال الخطاب من جهة نفس الخطاب‪ ،‬أو المخاطب‪ ،‬أو‬
‫المخاطب‪ ،‬أو الجميع؛ إذ الكالم الواحد يختلف فهم بحسب حالين‪،‬‬
‫وبحسب مخاطبين‪ ،‬وبحسب غير ذلك؛ كاًلستفهام‪ ،‬لفظ واحد‪،‬‬
‫ويدخل معان أخر من تقرير وتوبيخ وغير ذلك وكاألمر يدخل معنى‬
‫اإلباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها وًل يدل على معناها المراد إًل‬
‫األمور الخارجة‪ ،‬وعمدتها مقتضيات األحوال‪ ،‬وليس كل حال ينقل‬
‫وًل كل قرينة تقترن بنفس الكالم المنقول‪ ،‬وإذا فات نقل بعض القرائن‬
‫الدالة؛ فات فهم الكالم جملة‪ ،‬أو فهم شيء من ‪ ،‬ومعرفة األسباب‬
‫رافعة لكل مشكل في هذا النمط؛ فهي من المهمات في فهم الكتاب‬
‫بال بد‪ ،‬ومعنى معرفة السبب هو معنى معرفة مقتضى الحال‪ ،‬وينشأ عن‬
‫هذا الوج ‪:‬‬
‫الوج الثاني‪ :‬وهو أن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشب‬
‫واإلشكاًلت‪ ،‬ومورد للنصوص الظاهرة مورد اإلجمال حتى يقع‬
‫اًلختالف‪ ،‬وذلك مظنة وقوع النزاع<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الموافقات‪ :‬ا‪.)146/4‬‬
‫‪93‬‬
‫أهم مصادر أسباب النزول‬

‫‪5‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أهم مصادر أسباب الزنول‬

‫كانت أسباب النزول ــ وال زالت ــ مبثوثة في كتب الحديث‬


‫الجوامع‪ ،‬وفي كتب التفسير كذلك‪ ،‬وفي كتب علوم القرآن‪ ،‬ولكنها ــ مع‬
‫ذلك ــ أفردت بالتصنيف‪ ،‬وسأذكر المؤلفات التي أفردت أسباب‬
‫النزول بشكل مستقل حسب الوفاة‪ ،‬وهي على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ اتفصيل ألسباب التنزيل) عن ميمون بن مهران ت ا‪ 117‬هـ)‬
‫مخطوط‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ اأسباب النزول) لعلي بن المديني ت ا‪ 234‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ االقصص واألسباب التي نزل من أجلها القرآن) للمحد‬
‫القاضي عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس ت ا‪ 402‬هـ) في‬
‫نحو مائة جزء ونيف‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ اأسباب النزول) ألبي الحسن علي بن أحمد الواحدي ت‬
‫ا‪ 468‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ اأسباب النزول والقصص الفرقانية) ألبي المظفر محمد بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬العجاب في بيان األسباب‪ ،‬تحقيق الدكتور عبدالحكيم األنيس‪ :‬ا‪ 80‬ــ ‪.)92‬‬
‫‪94‬‬
‫أهم مصادر أسباب النزول‬

‫أسعد العراقي الحنفي الحكيمي ت ا‪ 567‬هـ) وهو كتاب يخلو من‬


‫تماما‪.‬‬
‫األسانيد ا‬
‫‪ 6‬ــ ااألسباب والنزول على مذهب آل الرسول) ألبي جعفر‬
‫محمد بن علي بن شهر آشوب الطبري الشيعي ت ا‪ 588‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ اأسباب النزول) ألبي الفرج ابن الجوزي ت ا‪ 597‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 8‬ــ اأسباب نزول اآلي) لألرتقي ت ا‪ 619‬هـ)‪ .‬وهو مختصر‬
‫كتاب الواحدي‪.‬‬
‫‪ 9‬ــ اعجائب النقول في أسباب النزول) ألبي إسحاق إبراهيم بن‬
‫عمر الجعبري ت ا‪ 732‬هـ) ذكر السيوطي أن اختصره من كتاب‬
‫الواحدي‪ ،‬فحذف أسانيده ولم يزد علي شي ائا‪.‬‬
‫‪ 10‬ــ اسبب النزول في تبليغ الرسول) ًلبن الفصيح‪ :‬فخر الدين‬
‫أحمد بن علي بن أحمد الكوفي ت ا‪ 755‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ ارسالة في أسباب النزول) لعلي بن شهاب الدين حسن بن‬
‫محمد الهمذاني ت ا‪ 786‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ االعجاب في بيان األسباب) للحافظ ابن حجر العسقالني‬
‫ت ا‪ 852‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 13‬ــ امدد الرحمن في أسباب نزول القرآن) للقاضي زين الدين‬
‫‪95‬‬
‫أهم مصادر أسباب النزول‬

‫عبد الرحمن بن علي بن إسحاق التميمي الداري الخليلي المقدسي‬


‫الشافعي ت ا‪ 876‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 14‬ــ الباب النقول في أسباب النزول) للحافظ جالل الدين‬
‫السيوطي ت ا‪ 911‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 15‬ــ اإرشاد الرحمن ألسباب النزول والنسخ المتشاب وتجويد‬
‫القرآن) لعطية اهلل بن عطية البرهاني الشافعي األجهوري ت (‪ 1190‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 16‬ــ اأسباب التنزيل) ألحمد بن علي بن أحمد بن محمود‬
‫الحنفي امجهول الوفاة)‪.‬‬
‫‪ 17‬ــ اأسباب النزول) لعبد الجليل النقشبندي‪.‬‬
‫أما الكتب الحديثة التي تناولت أسباب النزول فمنها‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ اأسباب النزول عن الصحابة والمفسرين) تأليف عبد الفتاح‬
‫القاضي‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ االصحيح المسند من أسباب النزول) للشيخ مقبل الوادعي‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ اأسباب النزول القرآني) للدكتور غازي عناية‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ اأسباب نزول القرآن) للدكتور حماد عبد الخالق حلوة‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ اأسباب النزول وأثرها في بيان النصوص) للدكتور عماد‬
‫الدين محمد الرشيد‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫أهم مصادر أسباب النزول‬

‫‪ 6‬ــ اتسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول) الجامع بين‬


‫روايات الطبري والنيسابوري وابن الجوزي‪ ،‬والقرطبي وابن كثير‬
‫والسيوطي‪ ،‬تصنيف الشيخ خالد عبد الرحمن العك‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ اأسباب النزول وأثرها في التفسير) رسالة جامعية لم تطبع‬
‫بعد للدكتور عصام الحميدان‪.‬‬
‫‪ 8‬ــ اأسباب النزول) للدكتور الشيخ جمعة سهل‪ .‬رسالة جامعية‬
‫لم تطبع بعد‪.‬‬
‫‪ 9‬ــ المحرر في أسباب النزول‪ ،‬للدكتور خالد بن سليمان‬
‫المزيني‪ ،‬رسالة جامعية‪ ،‬وهي من أنفس ما كتب في أسباب النزول‪.‬‬
‫‪ 10‬ــ اًلستيعاب في بيان األسباب‪ ،‬سليم بن عيد الهاللي ــ‬
‫محمد بن موسى آل نصر‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة‬

‫املجتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة اتلوبة‬


‫لقد ذكر اهلل أصناف الناا في عهد الرسول صلوات اهلل وسالم‬
‫علي ‪ ،‬ولكل صنف صفات تميزه عن غيره‪ ،‬ومعرفة هذه األصناف مهم‬
‫لتمييز أصحاب الرسول ‪ ‬عن غيرهم من األصناف التي كانت‬
‫تشاركهم الوجود في هذه الحقبة الزمنية‪.‬‬
‫وقــد وقــع اختيارنــا لســورة التوبــة لكونهــا مــن الســور المدنيــة‬
‫ــ باتفاقا‪ )1‬ـــ المتـأخرة فـي النـزولا‪ ،)2‬وهـي إحـدى السـور التـي قيـل‬
‫عنها‪ :‬إنها آخر سورة نزلت في المدينةا‪ ،)3‬ولهـا عـدة أسـماء تـدل علـى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬قال النحاا‪ً> :‬ل أعلم خالفا أنها من آخر ما نزل بالمدينة<‪ ،‬الناسخ والمنسوخ‪:‬‬
‫ا‪ ،)477‬وقال الطاهر‪> :‬وهي مدنية باًلتفاق<‪ ،‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)97/10‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬تفسير ابن عطية‪ :‬ا‪.)3/3‬‬
‫عن البراء‪> ،‬أن آخر سورة أنزلت تامة‪ :‬سورة التوبة‪ ،‬وأن آخر آية أنزلت‪ :‬آية‬
‫الكاللة<‪ ،‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)4364‬ومسلم‪ :‬ا‪.)1618‬‬
‫نزوًل عند الجميع‪ ،‬نزلت بعد سورة الفتح‪،‬‬‫ا‪ )3‬قال ابن عاشور‪> :‬وهذه السورة آخر السور ا‬
‫في قول جابر بن زيد‪ ،‬فهي السورة الرابعة عشرة بعد المائة في عداد نزول سور القرآن‪.‬‬
‫وروي‪ :‬أنها نزلت في أول شوال سنة تسع‪ ،‬وقيل آخر ذي القعدة سنة تسع‪ ،‬بعد‬
‫خروج أبي بكر الصديق من المدينة للحجة التي أمره عليها النبيء ‘‪ ،‬وقيل‪ :‬قبيل‬
‫=‬ ‫خروج ‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة‬

‫مكانتها‪ ،‬قال الزمخشري‪> :‬لها عدة أسـماء‪ :‬بـراءة‪ ،‬التوبـة‪ ،‬المقشقشـة‪،‬‬


‫المبعثرة‪ ،‬المشردة‪ ،‬المخزيـة‪ ،‬الفاضـحة‪ ،‬المثيـرة‪ ،‬الحـافرة‪ ،‬المنكلـة‪،‬‬
‫المدمدمة‪ ،‬سورة العذاب‪ ،‬أل َّن فيها التوبة على المؤمنين‪ ،‬وهي تقشـقش‬
‫مـن النفــاق أى تبــرئ منـ ‪ ،‬وتبعثــر عــن أســرار المنــافقين تبحــث عنهــا‪،‬‬
‫وتثيرها‪ ،‬وتحفر عنها‪ ،‬وتفضـحهم‪ ،‬وتـنكلهم‪ ،‬وتشـرد بهـم‪ ،‬وتخـزيهم‪،‬‬
‫وتدمدم عليهم<ا‪ ،)1‬وعن سعيد بن جبير‪ ،‬قال‪ :‬قلت ًلبن عباا‪ :‬سورة‬
‫التوبة‪ ،‬قال‪> :‬التوبة هي الفاضحة‪ ،‬ما زالت تنزل‪ ،‬ومنهم ومـنهم‪ ،‬حتـى‬
‫ظنوا أنها لن تبقي أحدا منهم إًل ذكر فيها<ا‪.)2‬‬
‫ونحن إذا تأملنا الكتاب العزيز‪ ،‬بان لنا أن الناا أصناف ثالثة‪،‬‬
‫ًل يخرج واحد عن كون أحد هذه األصناف‪:‬‬
‫* الصنف األول‪ :‬أهل اإليمان‪.‬‬
‫* الصنف الثاني‪ :‬أهل اإلشراك والكفر‪ ،‬ويشمل‪> :‬أهل الكتاب ــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= والجمهور على أنها نزلت دفعة واحدة‪ ،‬فتكون مثل سورة األنعام بين السور‬
‫الطوال<‪ ،‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪ ،)97/10‬وًل يسلم ل حكاية اإلجماع على أنها آخر‬
‫نزوًل‪ ،‬وقد قال هو في موضع آخر‪ ،‬ا‪> :)255/6‬فإن سورة المائدة من آخر‬‫السور ا‬
‫نزوًل<‪.‬‬
‫نزوًل إن لم تكن آخرها ا‬‫السور ا‬
‫وانظر‪ :‬جمال القراء‪ ،‬للسخاوي‪ :‬ا‪ ،)116/1‬والبرهان‪ ،‬للزركشي‪ :‬ا‪.)194/1‬‬
‫ا‪ )1‬الكشاف‪ :‬ا‪ ،)241/2‬وانظر‪ :‬زاد المسير‪ :‬ا‪ ،)230/2‬جمال القراء‪ :‬ا‪،)198/1‬‬
‫معترك األقران‪ :‬ا‪.)197/3‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4882‬‬
‫‪100‬‬
‫اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة‬

‫عبدة األصنام من مشركي العرب وغيرهم<‪.‬‬


‫* الصنف الثالث‪ :‬أهل النفاق‪.‬‬
‫ضا في فواتح سورة البقرة‪ ،‬وقد‬
‫وهذه األصناف هي المذكور أي ا‬
‫أخرج الطبري عن مجاهد‪ ،‬قول ‪> :‬أربع آيات من سورة البقرة في نعت‬
‫المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثال عشرة في المنافقين<ا‪.)1‬‬
‫قال الطبري‪> :‬لما جمع لرسول محمد ‘ أمره في دار هجرت‬
‫واستقر بها قراره وأظهر اهلل بها كلمت ‪ ،‬وفشا في دور أهلها اإلسالم‪،‬‬
‫وقهر بها المسلمون من فيها من أهل الشرك من عبدة األوثان‪ ،‬وذل بها‬
‫من فيها من أهل الكتاب؛ أظهر أحبار يهودها لرسول اهلل ‘ الضغائن‬
‫وأبدوا ل العداوة والشنآن حسدا وبغيا إًل نفرا منهم‪ ،‬هداهم اهلل‬
‫لإلسالم فأسلموا‪ ،‬كما قال اهلل جل ثناؤه‪{ :‬ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬
‫ﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏ‬
‫ﲐ ﲑ ﲒ} [البقرة‪ ]109 :‬وطابقهم سرا على معاداة النبي ‘‬
‫وأصحابه وبغيهم الغوائل قوم من أراهط األنصار الذين آووا رسول اهلل ‘‬
‫ونصروه وكانوا قد عتوا في شركهم وجاهليتهم قد سموا لنا بأسمائهم‪،‬‬
‫كرهنا تطويل الكتاب بذكر أسمائهم وأنسابهم‪ .‬وظاهروهم على ذلك في‬
‫خفاء غير جهار حذار القتل على أنفسهم والسباء من رسول اهلل ‘‬
‫وأصحاب ‪ ،‬وركونا إلى اليهود‪ ،‬لما هم علي من الشرك وسوء البصيرة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪.)245/1‬‬
‫‪101‬‬
‫اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة‬

‫باإلسالم‪ .‬فكانوا إذا لقوا رسول اهلل ‘ وأهل اإليمان ب من أصحاب ‪،‬‬
‫قالوا لهم حذارا على أنفسهم‪ :‬إنا مؤمنون باهلل وبرسول وبالبعث‪،‬‬
‫وأعطوهم بألسنتهم كلمة الحق ليدرءوا عن أنفسهم حكم اهلل فيمن اعتقد‬
‫ما هم علي مقيمون من الشرك لو أظهروا بألسنتهم ما هم معتقدوه من‬
‫شركهم‪ ،‬وإذا لقوا إخوانهم من اليهود وأهل الشرك والتكذيب بمحمد ‘‬
‫وبما جاء ب فخلوا بهم‪ ،‬قالوا‪{ :‬ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ} فإياهم‬
‫عنى جل ذكره بقول ‪{ :‬ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬
‫ﱦ} [البقرة‪<]8 :‬ا‪.)1‬‬
‫وقال ابن تيمية‪> :‬وذلك أن اهلل تعالى منذ بعث محم ادا ‘ وأعزه‬
‫بالهجرة والنصرة صار الناا ثالثة أقسام‪:‬‬
‫ظاهرا وباط انا‪.‬‬
‫ا‬ ‫قس اما مؤمنين وهم الذين آمنوا ب‬
‫وقس اما كفارا وهم الذين أظهروا الكفر ب ‪.‬‬
‫وقس اما منافقين وهم الذين آمنوا ظاهرا ًل باط انا‪.‬‬
‫ولهذا افتتح >سورة البقرة< بأربع آيات في صفة المؤمنين‪ ،‬وآيتين‬
‫في صفة الكافرين‪ ،‬وثال عشرة آية في صفة المنافقين‪.‬‬
‫وكل واحد من اإليمان والكفر والنفاق ل دعائم وشعب<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)278/1‬‬
‫ا‪ )2‬مجموع الفتاوى‪ :‬ا‪.)433/28‬‬
‫‪102‬‬
‫اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة‬

‫وقال ابن كثير في كالم نفيس له‪ ...> :‬فإذا تقرر هذا صار الناس‬
‫أقساما‪:‬‬
‫ً‬
‫مؤمنون خلص‪ ،‬وهم الموصوفون باآليات األربع في أول البقرة‪.‬‬
‫وكفار خلص‪ ،‬وهم الموصوفون باآليتين بعدها‪.‬‬
‫ومنافقون‪ ،‬وهم قسمان‪ :‬خلص‪ ،‬وهم المضروب لهم المثل‬
‫الناري‪ ،‬ومنافقون يترددون‪ ،‬تارة يظهر لهم لمع من اإليمان وتارة يخبو‬
‫وهم أصحاب المثل المائي‪ ،‬وهم أخف حاًل من الذين قبلهم‪.‬‬
‫وهذا المقام يشبه من بعض الوجوه ما ذكر في سورة النور‪ ،‬من ضرب‬
‫مثل المؤمن وما جعل اهلل في قلبه من الهدى والنور‪ ،‬بالمصباح في الزجاجة‬
‫التي كأنها كوكب دري‪ ،‬وهي قلب المؤمن المفطور على اإليمان‬
‫واستمداده من الشريعة الخالصة الصافية الواصلة إلي من غير كدر وًل‬
‫تخليط‪....‬‬
‫ثم ضرب مثل العباد من الكفار‪ ،‬الذين يعتقدون أنهم على شيء‪،‬‬
‫وليسوا على شيء‪ ،‬وهم أصحاب الجهل المركب‪ ،‬في قول ‪{ :‬ﱥ‬
‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲ} اآلية [النور‪.]39 :‬‬
‫ثم ضرب مثل الكفار الجهال الجهل البسيط‪ ،‬وهم الذين قال اهلل‬
‫فيهم‪{ :‬ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ‬

‫‪103‬‬
‫اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة‬

‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬
‫ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ} [النور‪ ،]40 :‬فقسم الكفار هاهنا إلى قسمين‪ :‬داعية‬
‫ومقلد‪ ،‬كما ذكرهما في أول سورة الحج‪{ :‬ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬
‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ} [الحج‪ ]3 :‬وقال بعده‪{ :‬ﱜ ﱝ‬
‫ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ} [الحج‪.]8 :‬‬
‫وقد قسم اهلل المؤمنين في أول الواقعة وآخرها‪ ،‬وفي سورة اإلنسان‪،‬‬
‫إلى قسمين‪ :‬سابقون وهم المقربون‪ ،‬وأصحاب يمين وهم األبرار‪.‬‬
‫فتلخص من مجموع هذه اآليات الكريمات‪:‬‬
‫أن المؤمنين صنفان‪ :‬مقربون وأبرار‪.‬‬
‫ضا ــ‬
‫وأن الكافرين صنفان‪ :‬دعاة ومقلدون‪ ،‬وأن المنافقين ــ أي ا‬
‫صنفان‪ :‬منافق خالص‪ ،‬ومنافق في شعبة من نفاق<ا‪.)1‬‬
‫وهذه األصناف ــ كما قدمنا ــ أصناف عامة تتناول البشر جمي ًعا‪ ،‬غير‬
‫أن سورة التوبة فصلت هذه األصناف‪ ،‬وذكرت من نعوتهم ما يتميزون به‪،‬‬
‫وهذه األصناف على اإلجمال‪ ،‬وسيأتيك التفصيل بعد‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ المشركون‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أهل اإليمان‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)192/1‬‬
‫‪104‬‬
‫اجملتمع يف عهد الرسول كما تصوره سورة التوبة‬

‫‪ 3‬ــ األعراب‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ المنافقون‪.‬‬
‫وبغية التعرف عن كثب على هذه األصناف‪ ،‬سأفرد كل صنف من‬
‫هذه األصناف بما ورد في نعت في هذه السورة الكريمة‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلرشاك‬

‫بدأ اهلل سبحان بذكر هذا الصنف‪ ،‬وذكر براءت منهم‪ ،‬وذكر أن‬
‫رسول كذلك بريء منهم‪ ،‬فتعين على كل مسلم أن يبرأ منهم كذلك‪.‬‬
‫وذكر اهلل من صفاتهم‪:‬‬

‫‪ 1‬ــ أنهم ال ير بون في مؤمن ًإال وال ذمة‪.‬‬


‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫كما قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬
‫ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬
‫ﱢ ﱣ ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ‬
‫ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬
‫ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐﲑ ﲒ ﲓ ﲔ‬

‫ﲕ ﲌ} [سورة‪ :‬التوبة‪ 7 :‬ــ ‪.]11‬‬


‫أي‪ً :‬ل يراعون اهلل سبحان ‪ ،‬وًل يحافظون على عهد وًل قرابةا‪،)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬المحرر الوجيز‪ :‬ا‪.)10/3‬‬
‫‪106‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫قال ابن كثير‪> :‬يقول تعالى محرضا للمؤمنين على معاداة المشركين‬
‫والتبري منهم‪ ،‬ومبينا أنهم ًل يستحقون أن يكون لهم عهد لشركهم باهلل‬
‫وكفرهم برسول اهلل ولو أنهم إذ ظهروا على المسلمين وأديلوا عليهم‪،‬‬
‫لم يبقوا ولم يذروا‪ ،‬وًل راقبوا فيهم إًل وًل ذمة<ا‪.)1‬‬
‫ضا في هذه اآليات الكريمة‪:‬‬
‫ومن الصفات المذكورة أي ا‬

‫‪ 2‬ــ إظهار ما ال يضمرون‪:‬‬


‫قال الرازي‪> :‬أما قول ‪{ :‬ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ} أي‪:‬‬
‫طيبا‪ ،‬والذي في قلوبهم بخالف ذلك‪،‬‬‫حلوا ا‬
‫كالما ا‬
‫يقولون بألسنتهم ا‬
‫فإنهم ًل يضمرون إًل الشر واإليذاء إن قدروا علي <ا‪.)2‬‬
‫يقول السعدي‪{> :‬ﱛ} يكون للمشركين عند اهلل عهد وميثاق‬
‫{و} الحال أنهم {ﱜ ﱝ ﱞ} بالقدرة والسلطة‪ً ،‬ل‬
‫يرحموكم‪ ،‬و{ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ} أي‪ً :‬ل ذمة وًل قرابة‪ ،‬وًل‬
‫يخافون اهلل فيكم‪ ،‬بل يسومونكم سوء العذاب‪ ،‬فهذه حالكم معهم لو‬
‫ظهروا‪.‬‬
‫وًل يغرنكم منهم ما يعاملونكم ب وقت الخوف منكم‪ ،‬فإنهم‬
‫{ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ} الميل والمحبة لكم‪ ،‬بل هم األعداء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)115/4‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير الرازي‪ :‬ا‪.)532/15‬‬
‫‪107‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫ﱫ} ًل ديانة لهم وًل‬ ‫{ﱪ‬ ‫حقا‪ ،‬المبغضون لكم صدقا‪،‬‬


‫مروءة<ا‪.)1‬‬

‫ليال‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ أنهم يشترون بآيات اهلل ثم ًنا ً‬
‫يعني‪ :‬أنهم اعتاضوا عن اتباع آيات اهلل بما التهوا به من أمور الدنيا‬
‫الخسيسةا‪.)2‬‬
‫يقول الطاهر‪> :‬وهذه اآلية وصف القرآن فيها المشركين بمثل ما‬
‫وصف ب أهل الكتاب في سورة البقرةا‪ :)3‬من اًلشتراء بآيات اهلل ثمنا‬
‫قليال‪ ،‬ثم لم يوصفوا بمثل هذا في آية أخرى نزلت بعدها ألن نزولها‬ ‫ا‬
‫كان في آخر عهد المشركين بالشرك إذ لم تطل مدة حتى دخلوا في دين‬
‫اهلل أفوا اجا‪ ،‬سنة الوفود وما بعدها‪ ،‬وفيها دًللة على هؤًلء الذين بقوا‬
‫على الشرك من العرب‪ ،‬بعد فتح مكة وظهور اإلسالم على معظم بالد‬
‫العرب‪ ،‬ليس لهم افتراء في صحة اإلسالم ونهوض حجت ‪ ،‬ولكن بقوا‬
‫على الشرك لمنافع يجتنونها من عوائد قومهم‪ :‬من غارات يشنها بعضهم‬
‫على بعض‪ ،‬ومحبة األحوال الجاهلية من خمر وميسر وزنى‪ ،‬وغير‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير السعدي‪ :‬ا‪.)329‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)116/4‬‬
‫ا‪ )3‬كما قال تعالى‪{ :‬ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬

‫ﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲ‬

‫ﲳ ﲴ} [سورة‪ :‬البقرة]‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫ذلك من المذمات واللذات الفائدة‪ ،‬وذلك شيء قليل آثروه على الهدى‬
‫والنجاة في اآلخرة‪ ،‬فلكون آيات صدق القرآن أصبحت ثابتة عندهم‬
‫جعلت مثل مال بأيديهم‪ ،‬بذلوه وفرطوا في ألجل اقتناء منافع قليلة‪،‬‬
‫فلذلك مثل حالهم بحال من اشترى شي ائا بشيء‪....‬‬
‫والمراد بـ>اآليات< الدًلئل‪ ،‬وهي دًلئل الدعوة إلى اإلسالم‪،‬‬
‫وأعظمها القرآن لما اشتمل علي من البراهين والحجاج واإلعجاز<ا‪.)1‬‬
‫‪ 4‬ــ أنهم يمنعون أهل اإليمان من اتباع الحق‪.‬‬
‫يقول الطاهر‪> :‬وجملة‪{ :‬ﱲ ﱳ ﱴﱵ} مفرعة على جملة‬
‫{ﱭ ﱮ ﱯ} ألن إيثارهم البقاء على كفرهم يتسبب علي أن‬
‫يصدوا الناا عن اتباع اإلسالم‪ ،‬فمثل حالهم بحال من يصد الناا عن‬
‫السير في طريق تبلغ إلى المقصود‪.‬‬
‫ومفعول {ﱲ} محذوف لقصد العموم‪ ،‬أي‪ :‬صدوا كل‬
‫قاصد<ا‪.)2‬‬
‫‪ 5‬ــ نقض العهود‪ ،‬والطعن في دين اإلسالم (كراهية ما جاء به‬
‫الرسول)‪.‬‬
‫{ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬ ‫كما قال تعالى‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)125/10‬‬
‫ا‪ )2‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)126/10‬‬
‫‪109‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫ﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩ‬
‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ‬
‫ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ}‬
‫[سورة‪ :‬التوبة‪ 12 :‬ــ ‪.]13‬‬
‫>يقول تعالى ذكره‪ :‬فإن نقض هؤًلء المشركون الذين عاهدتموهم‬
‫من قريش عهودهم من بعد ما عاقدوكم‪ ،‬أن ًل يقاتلوكم وًل يظاهروا‬
‫عليكم أحدا من أعدائكم {ﲝ ﲞ ﲟ} [التوبة‪ ]12 :‬يقول‪ :‬وقدحوا‬
‫في دينكم اإلسالم‪ ،‬فثلموه وعابوه‪{ .‬ﲠ ﲡ ﲢ} [التوبة‪]12 :‬‬

‫يقول‪ :‬فقاتلوا رؤساء الكفر باهلل‪{ .‬ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ} [التوبة‪ ]12 :‬يقول‪:‬‬


‫إن رؤساء الكفر ًل عهد لهم‪{ .‬ﲧ ﲨ} [التوبة‪ ]12 :‬لكي ينتهوا‬
‫عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم<ا‪.)1‬‬
‫>وهذه [اآليات] نزلت في كفار مكة لما صالحهم النبي ‘ عام‬
‫الحديبية‪ ،‬ثم نقضوا العهد بإعانة بني بكر على خزاعة<ا‪.)2‬‬

‫‪ 6‬ــ االستهانة بحكم اهلل ورسوله‪ ،‬وعدم إ امة وزن له‪.‬‬


‫{ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)363/11‬‬
‫ا‪ )2‬القواعد النورانية‪ :‬ا‪.)267‬‬
‫‪110‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬

‫ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽ‬

‫ﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉ‬

‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ‬

‫ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢﲣ ﲤ‬

‫ﲥﲦ ﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮ‬

‫ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﲼ‬

‫{ﱁ‬ ‫ﲽ ﲾ ﲿ} [سورة‪ :‬التوبة‪ 28 :‬ــ ‪ ،]31‬وقال تعالى‪:‬‬


‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬
‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ‬
‫ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [سورة‪ :‬التوبة‪.]37 :‬‬
‫فهذه اآلية تعم جميع الكفار‪ ،‬فتشمل‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ أهل الشرك من عباد األصنام‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أهل الكتاب‪ ،‬فإن حكم الشرك يعمهم‪.‬‬
‫وقد اتفقوا على الشرك باهلل تعالى‪ ،‬وأنهم ًل يدينون دين الحق‬
‫الذي هو اإلسالم‪ ،‬وًل يحرمون ما حرم اهلل ورسول ‪ ،‬وهم مع ذلك‬
‫يعظمون البشر‪ ،‬ويعبدونهم من دون اهلل رب العالمين‪.‬‬
‫{ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫>فلفظ الشرك في مثل قوله‪:‬‬
‫‪111‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ} [التوبة‪ ،]28 :‬يدخل في جميع الكفار‪ ،‬أهل‬


‫الكتاب وغيرهم عند عامة العلماء ألن أفرده وجرده‪ ،‬وإن كانوا إذا قرن‬
‫بأهل الكتاب كانا صنفين<ا‪> ،)1‬والمقصود‪ :‬أن الشرك لما كان أظلم‬
‫الظلم‪ ،‬وأقبح القبائح‪ ،‬وأنكر المنكرات‪ ،‬كان أبغض األشياء إلى اهلل‬
‫تعالى وأكرهها ل ‪ ،‬وأشدها مقتا لدي ‪.‬‬
‫ورتب علي من عقوبات الدنيا واآلخرة ما لم يرتب على ذنب‬
‫سواه‪ ،‬وأخبر أن ًل يغفره‪ ،‬وأن أهل نجس‪ ،‬ومنعهم من قربان حرم ‪،‬‬
‫وحرم ذبائحهم ومناكحتهم‪ ،‬وقطع المواًلة بينهم وبين المؤمنين‪،‬‬
‫وجعلهم أعداء ل سبحان ولمالئكت ورسل وللمؤمنين‪ ،‬وأباح ألهل‬
‫التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم‪ ،‬وأن يتخذوهم عبي ادا‪ ،‬وهذا ألن‬
‫الشرك هضم لحق الربوبية‪ ،‬وتنقيص لعظمة اإلةيهل‪ ،‬وسوء ظن برب‬
‫العالمين‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐ ﲑ ﲒ ﲓﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬
‫ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ} [الفتح‪.]6 :‬‬
‫فلم يجمع على أحد من الوعيد والعقوبة ما جمع على أهل‬
‫اإلشراك‪ ،‬فإنهم ظنوا ب ظن السوء‪ ،‬حتى أشركوا ب ‪ ،‬ولو أحسنوا ب‬
‫لوحدوه حق توحيده‪ ،‬ولهذا أخبر سبحان عن المشركين أنهم ما‬
‫الظن ّ‬
‫قدروه حق قدره في ثالثة مواضع من كتاب وكيف يقدره حق قدره من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح‪ :‬ا‪.)119/3‬‬
‫‪112‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫عدًل وندا‪ ،‬يحب ‪ ،‬ويخاف ‪ ،‬ويرجوه‪ ،‬ويذل ل ‪ ،‬ويخضع ل ‪،‬‬


‫ا‬ ‫جعل ل‬
‫ويهرب من سخط ‪ ،‬ويؤثر مرضات ؟ قال تعالى‪{ :‬ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬
‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ} [البقرة‪.]165 :‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﱉﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ} [األنعام‪.]1 :‬‬
‫أي يجعلون ل َع ْدًل في العبادة والمحبة والتعظيم‪ ،‬وهذه هي‬
‫التسوية التي أثبتها المشركون بين اهلل وبين آلهتهم‪ ،‬وعرفوا‪ ،‬وهم في‬
‫وباطال‪ ،‬فيقولون آللهتهم وهم في النار معهم‪:‬‬
‫ا‬ ‫ضالًل‬
‫ا‬ ‫النار‪ ،‬أنها كانت‬
‫{ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ} [الشعراء‪ 97 :‬ــ ‪<]98‬ا‪.)1‬‬
‫وأما اتخاذهم األحبار والرهبان أربا ابا من دون اهلل‪ ،‬فمعناه‪:‬‬
‫اتخاذهم سادة لهم من دون اهلل يطيعونهم في معاصي اهلل‪ ،‬فيحلون ما‬
‫أحلوه لهم مما قد حرم اهلل عليهم‪ ،‬ويحرمون ما يحرمون عليهم مما قد‬
‫أحل اهلل لهم‪ ،‬وفي حديث عدي بن حاتم ‪ ،‬قال‪ :‬أتيت النبي ‘‬
‫وفي عنقي صليب من ذهب‪ .‬فقال‪> :‬يا عدي اطرح عنك هذا الوثن<‪،‬‬
‫وسمعت يقرأ في سورة براءة‪{ :‬ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬

‫ﲬ ﲭ} [التوبة‪ ،]31 :‬قال‪> :‬أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم‪ ،‬ولكنهم‬


‫كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه‪ ،‬وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬إغاثة اللهفان‪ :‬ا‪.)59/1‬‬
‫ا‪ )2‬رواه الترمذي‪ :‬ا‪ ،)3095‬وأخرج الطبري في التفسير‪ :‬ا‪ ،)417/11‬ولفظ ‪=:‬‬
‫‪113‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫‪ 7‬ــ كراهية اإلسالم‪ ،‬واالجتماع على محاربة الدين‪.‬‬


‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ} [سورة‪ :‬التوبة‪.]32 :‬‬
‫{ﱂ‬ ‫>يقول تعالى‪ :‬يريد هؤًلء الكفار من المشركين وأهل الكتاب‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ} أي‪ :‬ما بعث ب رسول من الهدى ودين الحق‪ ،‬بمجرد‬
‫جدالهم وافترائهم‪ ،‬فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع‬
‫الشمس‪ ،‬أو نور القمر بنفخ ‪ ،‬وهذا ًل سبيل إلي ‪ ،‬فكذلك ما أرسل اهلل‬
‫مقابال لهم فيما راموه‬
‫ب رسول ًل بد أن يتم ويظهر؛ ولهذا قال تعالى ا‬
‫وأرادوه‪{ :‬ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ}<ا‪.)1‬‬
‫ضا؛ إخراج الرسول من مكة‪ ،‬والتآمر‬
‫ومن كراهيتهم لإلسالم أي ا‬
‫حول ‪ ،‬كما قال سبحان ‪{ :‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ‬
‫ﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷ‬
‫ﲸﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ} [التوبة‪.]40 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= >عن عدي بن حاتم‪ ،‬قال‪ :‬أتيت رسول اهلل ‘ وفي عنقي صليب من ذهب‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫>يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك< قال‪ :‬فطرحت وانتهيت إلي وهو يقرأ في سورة‬
‫براءة‪ ،‬فقرأ هذه اآلية‪{ :‬ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ} [التوبة‪:‬‬
‫‪ ]31‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل إنا لسنا نعبدهم‪ ،‬فقال‪> :‬أليس يحرمون ما أحل اهلل‬
‫فتحرمون ‪ ،‬ويحلون ما حرم اهلل فتحلون ؟< قال‪ :‬قلت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪> :‬فتلك عبادتهم<<‪.‬‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)136/4‬‬
‫‪114‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫‪ 8‬ــ أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬و بول الرشوة‪ ،‬وكنز األموال‪،‬‬
‫وترك النفقة في سبيل اهلل‪.‬‬
‫{ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬ ‫يقول تعالى‪:‬‬
‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳ‬
‫ﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿ‬
‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ‬
‫ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ} [سورة‪ :‬التوبة‪ 34 :‬ــ ‪.]35‬‬
‫يقول الطبري‪> :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬يا أيها الذين صدقوا اهلل ورسول‬
‫وأقروا بوحدانية ربهم‪ ،‬إن كثيرا من العلماء والقراء من بني إسرائيل من‬
‫اليهود والنصارى {ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ} [التوبة‪ ]34 :‬يقول‪:‬‬
‫يأخذون الرشى في أحكامهم‪ ،‬ويحرفون كتاب اهلل‪ ،‬ويكتبون بأيديهم‬
‫كتبا ثم يقولون‪ :‬هذه من عند اهلل‪ ،‬ويأخذون بها ثمنا قليال من سفلتهم‪.‬‬
‫{ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ} [األنفال‪ ]47 :‬يقول‪ :‬ويمنعون من أراد الدخول‬
‫في اإلسالم الدخول في بينهم إياهم عن <ا‪.)1‬‬
‫وقال السعدي‪> :‬هذا تحذير من اهلل تعالى لعباده المؤمنين عن كثير‬
‫من األحبار والرهبان‪ ،‬أي‪ :‬العلماء والعباد الذين يأكلون أموال الناا‬
‫بالباطل‪ ،‬أي‪ :‬بغير حق‪ ،‬ويصدون عن سبيل اهلل‪ ،‬فإنهم إذا كانت لهم‬
‫رواتب من أموال الناس‪ ،‬أو بذل الناس لهم من أموالهم فإنه ألجل علمهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)424/11‬‬
‫‪115‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫وعبادتهم‪ ،‬وألجل هداهم وهدايتهم‪ ،‬وهؤًلء يأخذونها ويصدون الناا‬


‫عن سبيل اهلل‪ ،‬فيكون أخذهم لها على هذا الوج سحتا وظلما‪ ،‬فإن‬
‫الناا ما بذلوا لهم من أموالهم إًل ليدلوهم إلى الطريق المستقيم‪.‬‬
‫ومن أخذهم ألموال الناس بغير حق‪ ،‬أن يعطوهم ليفتوهم أو يحكموا‬
‫لهم بغير ما أنزل اهلل‪ ،‬فهؤًلء األحبار والرهبان‪ ،‬ليحذر منهم هاتان‬
‫الحالتان‪ :‬أخذهم ألموال الناس بغير حق‪ ،‬وصدهم الناس عن سبيل اهلل‪.‬‬
‫{ﱶ‬ ‫{ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ} أي‪ :‬يمسكونها‬
‫ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ} أي‪ :‬طرق الخير الموصلة إلى اهلل‪ ،‬وهذا هو‬
‫الكنز المحرم‪ ،‬أن يمسكها عن النفقة الواجبة‪ ،‬كأن يمنع منها الزكاة أو‬
‫النفقات الواجبة للزوجات‪ ،‬أو األقارب‪ ،‬أو النفقة في سبيل اهلل إذا وجبت‪.‬‬
‫{ﱻ ﱼ ﱽ} ثم فسره بقول ‪{ :‬ﱿ ﲀ ﲁ} أي‪:‬‬
‫على أموالهم‪{ ،‬ﲂ ﲃ ﲄ} فيحمى كل دينار أو درهم على حدت ‪.‬‬
‫{ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ} في يوم القيامة‬
‫كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة‪ ،‬ويقال لهم‬
‫توبيخا ولوما‪{ :‬ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ} فما‬
‫ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم وعذبتموها بهذا الكنز‪.‬‬
‫وذكر اهلل في هاتين اآليتين‪ ،‬انحراف اإلنسان في ماله‪ ،‬وذلك بأحد‬
‫أمرين‪:‬‬
‫‪116‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلشراك‬

‫إما أن ينفق في الباطل الذي ًل يجدي علي نف اعا‪ ،‬بل ًل ينال من‬
‫إًل الضرر المحض‪ ،‬وذلك كإخراج األموال في المعاصي والشهوات‬
‫التي ًل تعين على طاعة اهلل‪ ،‬وإخراجها للصد عن سبيل اهلل‪.‬‬
‫وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات‪ ،‬و>النهي عن الشيء‪،‬‬
‫أمر بضده<<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير السعدي‪ :‬ا‪.)335‬‬
‫‪117‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫الصنف اثلاين‪ :‬أهل اإليمان‬

‫أما أهل اإليمان فقد ذكر اهلل أنهم عمار المساجد المؤمنون باهلل‬
‫واليوم اآلخر‪ ،‬المجاهدون في سبيل اهلل‪ ،‬الموالون أولياء اهلل‪ ،‬المعادون‬
‫ألعداء اهلل‪ ،‬وقد ذكر اهلل تعالى جملة من صفاتهم في هذه السورة‬
‫الكريمة في سياق واحد‪ ،‬فقال سبحان ‪{ :‬ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬
‫ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ‬
‫ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ‬
‫ﳏ ﳐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬
‫ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ} [سورة‪ :‬التوبة‪ 111 :‬ــ ‪]112‬ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬والمعنى‪> :‬ومن صفات هؤًلء المؤمنين الذين لهم البشارة بدخول الجنة أنهم التائبون‬
‫الراجعون عما كره اهلل إلى ما يحب ويرضاه‪ ،‬الذين أخلصوا العبادة هلل وحده وجدوا‬
‫في طاعت ‪ ،‬الذين يحمدون اهلل على كل ما امتحنهم ب من خير أو شر‪ ،‬الصائمون‪،‬‬
‫الراكعون في صالتهم‪ ،‬الساجدون فيها‪ ،‬الذين يأمرون الناا بكل ما أمر اهلل ورسول‬
‫ب ‪ ،‬وينهونهم عن كل ما نهى اهلل عن ورسول ‪ ،‬المؤدون فرائض اهلل المنتهون إلى‬
‫وبشر ــ أيها النبي ــ هؤًلء‬
‫أمره ونهي ‪ ،‬القائمون على طاعت ‪ ،‬الواقفون عند حدوده‪ِّ .‬‬
‫المؤمنين المتصفين بهذه الصفات برضوان اهلل وجنت <‪ ،‬انظر‪ :‬التفسير الميسر‪:‬‬
‫ا‪ ،)205‬والمختصر في التفسير‪ :‬ا‪.)205‬‬
‫‪118‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫ونحن نذكر شي ًئا من التفصيل في صفاتهم بعد الوصف العام‬


‫ااإليمان)‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ اجملاهدون يف سبيل اهلل‪.‬‬

‫{ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬


‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬
‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ} [التوبة‪ 19 :‬ــ ‪.]21‬‬
‫وسبب نزول اآلية الكريمةا‪ ،)1‬ما رواه مسلم عن النعمان بن‬
‫بشير‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند منبر رسول اهلل ‘‪ ،‬فقال رجل‪ :‬ما أبالي أن ًل‬
‫أعمل عمال بعد اإلسالم إًل أن أسقي الحاج‪ ،‬وقال آخر‪ :‬ما أبالي أن ًل‬
‫أعمل عمال بعد اإلسالم إًل أن أعمر المسجد الحرام‪ ،‬وقال آخر‪:‬‬
‫الجهاد في سبيل اهلل أفضل مما قلتم‪ ،‬فزجرهم عمر‪ ،‬وقال‪ً :‬ل ترفعوا‬
‫أصواتكم عند منبر رسول اهلل ‘ وهو يوم الجمعة‪ ،‬ولكن إذا صليت‬
‫الجمعة دخلت فاستفتيت فيما اختلفتم في ‪ ،‬فأنزل اهلل ‪{ :‬ﲣ ﲤ‬
‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ} [التوبة‪]19 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر في تحرير كون هذا الحديث هو السبب في نزول اآليات‪ ،‬المحرر في أسباب‬
‫النزول‪ ،‬للمزيني‪ :‬ا‪.)581/1‬‬
‫‪119‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫اآلية إلى آخرهاا‪.)1‬‬


‫قال ابن عاشور‪> :‬ظاهر هذه اآلية يقتضي أنها خطاب لقوم سووا‬
‫بين سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام‪ ،‬وبين الجهاد والهجرة‪ ،‬في‬
‫أن كل ذلك من عمل البر‪ ،‬فتؤذن بأنها خطاب لقوم مؤمنين قعدوا عن‬
‫الهجرة والجهاد‪ ،‬بعلة اجتزائهم بالسقاية والعمارة‪.‬‬
‫ومناسبتها لآليات التي قبلها‪ :‬أن لما وقع الكالم على أن المؤمنين‬
‫هم األحقاء بعمارة المسجد الحرام من المشركين دل ذلك الكالم على‬
‫أن المسجد الحرام ًل يحق لغير المسلم أن يباشر في عمال من األعمال‬
‫الخاصة ب ‪ ،‬فكان ذلك مثار ظن بأن القيام بشعائر المسجد الحرام مساو‬
‫للقيام بأفضل أعمال اإلسالم‪.‬‬
‫وأحسن ما روي في سبب نزول هذه اآلية‪<..‬ا‪ ،)2‬وساق الحديث‬
‫الذي أوردناه‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪> :‬فأخبر ‪ ‬أنه ال يستوي عنده عمار المسجد الحرام‪،‬‬
‫وهم عماره باًلعتكاف والطواف والصالة‪ ،‬هذه هي عمارة مساجده‬
‫المذكورة في القرآن‪ ،‬وأهل سقاية الحاج ًل يستوون هم وأهل الجهاد‬
‫في سبيل اهلل‪ ،‬وأخبر أن المؤمنين المجاهدين أعظم درجة عنده وأنهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه مسلم‪ :‬ا‪.)1879‬‬
‫ا‪ )2‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)142/10‬‬
‫‪120‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫هم الفائزون‪ ،‬وأنهم أهل البشارة بالرحمة والرضوان والجنات فنفى‬


‫التسوية بين المجاهدين وعمار المسجد الحرام مع أنواع العبادة مع ثنائ‬
‫على عمارة [المساجد] بقول تعالى‪{ :‬ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬
‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ ﲜ‬
‫ِ‬
‫فهؤًلء هم عمار المساجد‪ ،‬ومع هذا‬ ‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ} [التوبة‪،]18 :‬‬
‫فأهل الجهاد أرفع درجة عند اهلل منهم‪.‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬
‫ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬
‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ} [النساء‪ 95 :‬ــ ‪ ،]96‬فنفى ‪‬‬
‫التسوية بين المؤمنين القاعدين عن الجهاد وبين المجاهدين‪ ،‬ثم أخبر‬
‫عن تفضيل المجاهدين على القاعدين درجة ثم أخبر عن تفضيلهم‬
‫عليهم درجات<ا‪.)1‬‬
‫{ﱤ ﱥ‬ ‫وقد أمرهم اهلل بالنفير وترك التثاقل‪ ،‬فقال سبحان ‪:‬‬
‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ‬
‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲀﲁﲂ ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋ‬
‫ﲌ ﲍﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ} [التوبة‪ 38 :‬ــ ‪.]39‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬طريق الهجرتين‪ :‬ا‪ 355‬ــ ‪.)356‬‬
‫‪121‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫{ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬ ‫وقال سبحان ‪:‬‬


‫ﲁ ﲂ ﲃﲄ ﲅ ﲆ ﲇ} [التوبة‪.]44 :‬‬

‫{ﱍ ﱎ ﱏ‬ ‫وقال سبحان في مدحهم بهذه الصفة‪،‬‬


‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ‬

‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ‬

‫ﱪ ﱫ} [التوبة‪ 88 :‬ــ ‪.]89‬‬

‫{ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬


‫ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬

‫ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ‬

‫ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ} [التوبة‪.]111 :‬‬

‫ومن صفاتهم المذكورة في اآليات الكريمة‪:‬‬


‫‪ 2‬ـ اهلجرة‪.‬‬
‫قال ابن عطية‪> :‬لما حكم اهلل تعالى في اآلية المتقدمة بأن الصنفين‬
‫ًل يستوون َّبين ذلك في هذه اآلية األخيرة وأوضح ‪ ،‬فعدد اإليمان‬
‫والهجرة والجهاد بالمال والنفس‪ ،‬وحكم أن أهل هذه الخصال أعظم‬
‫درجة عند اهلل من جميع الخلق‪ ،‬ثم حكم لهم بالفوز برحمت ورضوان ‪،‬‬
‫والفوز بلوغ البغية إما في نيل رغبت أو نجاة من مهلكة‪ ،‬وينظر إلى‬
‫‪122‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫معنى هذه اآلية الحديث الذي جاء >دعوا لي أصحابي‪ ،‬فلو أن أحدكم‬
‫ذهبا ما بلغ مد أحدهم‪ ،‬وًل نصيف <ا‪.)1‬‬
‫أنفق مثل أحد ا‬
‫قال القاضي أبو محمد‪ :‬ألن أصحاب هذه الخصال على سيوفهم‬
‫انبنى اإلسالم وهم ردوا الناا إلى الشرع<ا‪.)2‬‬
‫والهجرة ثابتة ألصحاب النبي ‘‪ ،‬فهذه اآلية نص في فضلهم‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ ال عصمة هلم(‪.)3‬‬


‫فقد عاتبهم اهلل تعالى على نسيانهم التوكل على اهلل في النصر‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)3673‬ومسلم‪ :‬ا‪ ،)2541‬ولفظ البخاري‪ :‬عن أبي سعيد‬
‫الخدري ‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي ‘‪ً> :‬ل تسبوا أصحابي‪ ،‬فلو أن أحدكم أنفق مثل‬
‫أحد‪ ،‬ذهبا ما بلغ مد أحدهم‪ ،‬وًل نصيف <‪ ،‬ومسلم‪ :‬ا‪ ،)2540‬ولفظ ‪ :‬عن أبي‬
‫هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪ً> :‬ل تسبوا أصحابي‪ً ،‬ل تسبوا أصحابي‪ ،‬فوالذي‬
‫نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا‪ ،‬ما أدرك مد أحدهم‪ ،‬وًل نصيف <‪.‬‬
‫ا‪ )2‬المحرر الوجيز‪ :‬ا‪.)17/3‬‬
‫ا‪ )3‬قال ابن تيمية عن معتقد أهل السنة‪> :‬وهم مع ذلك ًل يعتقدون أن كل واحد من‬
‫الصحابة معصوم عن كبائر اإلثم وصغائره<‪ ،‬العقيدة الواسطية‪ :‬ا‪ ،)120‬ت‪ :‬أشرف‬
‫عبدالمقصود‪.‬‬
‫واعلم أن المراد بعدالة الصحابة‪> :‬أن اهلل ‪ ‬وفا اء بما تكفَّل ب ِم ْن ِح ْفظ دين‬
‫أحد منهم‬
‫يتعمد ٌ‬ ‫هيأ من األسباب ما حفظهم ب وبتوفيق سبحان من أن َّ‬ ‫وشريعت َّ‬
‫الكذب على رسول اهلل ـ ‘ ـ<‪ ،‬آثار المعلمي‪ :‬ا‪ ،)374/12‬وأن ًل عصمة‬
‫ألحدهم عن كبائر الذنوب وًل صغيرها‪ ،‬فأما من تعمد الكبائر منهم‪ ،‬فإن خارج عن‬
‫الصحابة عدول في الظّاهر=‬ ‫حد الصحبة‪ ،‬قال ابن الوزير‪> :‬وإ ّنما قال المحدثون‪ :‬إ ّن ّ‬
‫‪123‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫‪.......................... ................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كما ق ّدمنا ليخرج من ذلك من فعل الكبائر من غير تأويل كالوليد بن عقبة‪ ،‬وإ ّنما‬ ‫=‬
‫ذكروا أ ّن الصحابة كلّهم عدول على اإلطالق؛ أل ّن ذلك هو الكثير‪ ،‬وليس يخرج من‬
‫السوداء‬‫كالشعرة ّ‬
‫الصدر ّ‬ ‫إًل النّادر اليسير‪ ،‬فالفاسق الذي لم يظهر ال ّتأويل في ذلك ّ‬
‫بي ـ ‘ ـ‪ ،‬أو بعدالة من‬ ‫كل من رأى ال ّن ّ‬ ‫في ال ّثور األبيض<‪> ،‬وأ ّما القول بعصمة ّ‬
‫قوًل صري احا‪ ،‬وإن كان‬ ‫تعمد الكبائر من أهل ذلك العصر؛ فلم يقل بذلك أحد منهم ا‬ ‫ّ‬
‫واوي‬
‫العام‪ ،‬وقد ذكر ال ّن ّ‬‫يخصص اللّفظ ّ‬ ‫الصريح ّ‬ ‫عموم كالم بعضهم يقتضي فال ّن ّص ّ‬
‫الشروح وال ّتاريخ أ ّن ارت ّد عن اإلسالم‬ ‫ـ ‪ ‬ـ في >شرح مسلم<‪ ،‬وغيره من أهل ّ‬
‫الصحبة‪.‬‬‫جماعة ممن يطلق علي اسم ّ‬
‫وبين كالم أئمة الحديث فيهم‪.‬‬ ‫جرحهم ّ‬ ‫البر في >اًلستيعاب< جماعة ّ‬ ‫وذكر ابن عبد ّ‬
‫البر‪ ،‬وذكر‬‫منهم‪ :‬الوليد وقد ّمر كالم األئمة في ‪ ،‬ومنهم بسر بن أرطأة ذكره ابن عبد ّ‬
‫ارقطني‪ :‬بسر بن أرطأة ل‬
‫ّ‬ ‫ما ل من األفعال القبيحة‪ ،‬وقال في ‪> :‬قال أبو الحسن ال ّد‬
‫بي ـ ‘ ـ وهو الذي قتل طفلين لعبيد اهلل بن‬ ‫صحبة‪ ،‬ولم يكن ل استقامة بعد ال ّن ّ‬
‫العباا<‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ...‬قال‪> :‬وكان ابن معين يقول في ‪ :‬إ ّن رجل سوء<‪.‬‬
‫البر‪> :‬وذلك ألمور عظام ركبها في اإلسالم<‪ ،‬وذكر أ ّن أغار‬ ‫قال أبو عمر بن عبد ّ‬
‫فكن ّأول مسلمات سبين في اإلسالم‪.‬‬ ‫على همدان‪ ،‬وقتل وسبى نساءهم ّ‬
‫ولما ذكر هذا أبو عمر استشعر سؤال سائل يَر ُِد علي ‪ ،‬فإ ّن ق ّدم في ّأول الكتاب أ ّن‬
‫الصحابة كلّهم عدول‪ ،‬وهذا يناقض ذلك؛ فأراد أن يرفع هذا اإلشكال بتخصيص من‬ ‫ّ‬
‫الصحابة‪ ،‬وخالف ما كانوا علي من ال ّديانة أو الدخول في الفتن مع ال ّتأويل‬ ‫شذّ عن ّ‬
‫البر في هذا الموضع حديث ابن عباا مرفو اعا‪> :‬إنكم‬ ‫حري‪ ،‬فروى ابن ّ‬ ‫وال ّت ّ‬
‫رب أصحابي‪ ،‬فيقول‪ :‬إ ّنك‬ ‫محشورون إلى اهلل ‪ ،<‬وذكر الحديث وفي ‪> :‬فأقول يا ّ‬
‫ًل تدري ما أحدثوا بعدك<‪.‬‬
‫تقصيتها في ذكر االحوض)=‬ ‫قال أبو عمر‪ :‬واآلثار في هذا المعنى كثيرة ج ادا قد َّ‬
‫‪124‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫‪.......................... ................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫في باب‪ :‬خبيب من كتاب >التمهيد< والحمد هلل تعالى<‪ .‬انتهى لفظ ‪.‬‬ ‫=‬
‫تعرض في >اًلستيعاب< لذكر ما‬ ‫البر ّ‬
‫وقد نقم بعض أهل الحديث على ابن عبد ّ‬
‫الصحابة‪ ،‬ولم يريدوا نقم هذا الجنس‪ ،‬إ ّنما نقموا ذكر ما شجر بينهم مما‬ ‫شجر بين ّ‬
‫وقع بين أهل الفضل على سبيل ال ّتأويل الذي ًل يقدح ب في رواية الحديث‪ّ ،‬أما‬
‫ارتكاب الكبائر عم ادا؛ فذكره واجب ألجل الجرح ب فاعلم ذلك‪.‬‬
‫الصحابة كلّهم عدول‬ ‫البر ذكر في خطبة >اًلستيعاب< أ ّن ّ‬ ‫قلت‪ :‬هذا مع أ ّن ابن عبد ّ‬
‫الصحابة ما ق ّدمت من عدالتهم‬ ‫بتعديل اهلل تعالى‪ ،‬وهذا يدلّ على أ ّنهم أرادوا بعدالة ّ‬
‫وعدم اًلعتداد بال ّنادر‪.‬‬
‫الروض الباسم‪ :‬ا‪ 215/1‬ــ ‪.)255‬‬
‫وقال المعلمي اليماني‪> :‬وهذا الوليد بن ُعقبة بن أبي ُم َعيط يقول المشنِّعون‪ :‬ليس من‬
‫المهاجرين وًل األنصار‪ ،‬إنما هو من الطُّلَقاء‪ .‬ويقولون‪ :‬إ ّن ّ‬
‫النبي ـ ‘ ـ لما أمر‬
‫فمن ِ‬
‫للص ْب َية؟ يعني بني ‪ .‬فقال النبي ـ ‘ ـ‪> :‬لهم‬ ‫بقتل أبي عقب بدر قال‪ :‬يا محمد َ‬
‫النار<‪ .‬ويقولون‪ :‬إن هو الذي أنزل اهلل تعالى في ‪{ :‬ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬
‫التبين في خبره‪ .‬ويقولون‪ :‬إن‬
‫فنص القرآ ُن أن فاسق يجب ُّ‬ ‫ﱖ} [الحجرات‪ّ ]6 :‬‬
‫أميرا على الكوفة فشهدوا علي أن شرب الخمر‪ ،‬وكلَّم ٌّ‬
‫علي‬ ‫في زمن عثمان كان ا‬
‫علي عبد اهلل بن جعفر فجلده‪ .‬ومنهم َم ْن يزيد‪:‬‬
‫عثما َن في ذلك‪ ،‬فأمره أن يجلده فأمر ٌّ‬
‫أن صلى بهم الصبح سكران فصلى أرب اعا ثم التفت فقال‪ :‬أزيدكم؟ وكان الوليد أخا‬
‫عثمان ألم ‪ ،‬فلما قُ ِتل عثمان صار الوليد ينشئ األشعار ي ّتهم ًّ‬
‫عليا بالمماألة على قتل‬
‫علي‪.‬‬
‫ويحرض معاوي َة على قتال ّ‬ ‫عثمان ِّ‬
‫هذا الرجل أش ّد ما يشنِّع ب المعترضون على إطالق القول بعدالة الصحابة‪ ،‬فإذا‬
‫وولي نعمت‬
‫ِّ‬ ‫نظرنا إلى روايت عن النبي ـ ‘ ـ لنرى كم حدي اثا روى في فضل أخي ‪،‬‬
‫عثمان؟ وكم حدي اثا روى في ذ َّم الساعي في جلده الممالئ على قتل أخي في ظن‬
‫علي؟ وكم حدي اثا روى في فضل نفس ليدافع ما لحق من الشهرة بشرب الخمر؟=‬ ‫ٍّ‬
‫‪125‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫{ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ‬ ‫واعتمادهم على كثرتهم‪ ،‬فقال اهلل تعالى‪:‬‬


‫ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ‬
‫ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﲴﲵ ﲶ ﲷ ﲸ} [التوبة‪ 25 :‬ــ ‪.]26‬‬
‫قال ابن كثير‪> :‬يذكر تعالى للمؤمنين فضل عليهم وإحسان لديهم‬
‫في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسول وأن ذلك من‬
‫عنده تعالى‪ ،‬وبتأييده وتقديره‪ً ،‬ل بعددهم وًل بعددهم ونبههم على أن‬
‫النصر من عنده‪ ،‬سواء قل الجمع أو كثر‪ ،‬فإن يوم حنين أعجبتهم‬
‫كثرتهم‪ ،‬ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئا فولوا مدبرين إًل القليل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ِي عن حديث في غير ذلك ًل يصح‬ ‫هالنا أننا ًل نجد ل رواي اة البتة‪ ،‬اللهم إًل أن ُرو َ‬ ‫=‬
‫عن ‪ ،‬وهو ما رواه أحمد وأبو داود من طريق رجل يقال ل ‪ :‬أبو موسى عبد اهلل‬
‫النبي ـ ‘ ـ مكة جعل أهل مكة يأتون‬ ‫اله ْمداني عن الوليد بن عقبة قال‪> :‬لما فتح ُّ‬ ‫َ‬
‫مطيب بال َخلُوق فلم‬ ‫بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم‪ ،‬فجيء بي إلي وأنا َّ‬
‫يمسح رأسي‪ ،‬ولم يمنع من ذلك إًل أن أمي خلَّقتني بال َخلُوق‪ ،‬فلم يمسني من أجل‬
‫ال َخلُوق<‪.‬‬
‫وجدت غير‬‫َ‬ ‫النبي ـ ‘ ـ وأنت إذا تفق َّْد َت السند‬
‫هذا جميع ما وجدناه عن الوليد عن ّ‬
‫منكرا وًل في ما يمكن أن يُ ّتهم‬ ‫اله ْمداني‪ ،‬وإذا تأملت المتن لم تجده ا‬ ‫صحيح لجهالة َ‬
‫النبي ـ ‘ ـ دعا ل ‪ ،‬وذكر أن لم‬ ‫َّ‬ ‫في الوليد‪ ،‬بل األمر بالعكس فإن لم يذكر أ ّن‬
‫النبي‬
‫ِّ‬ ‫فح َر َم بركة يَ ِد‬
‫يمسح رأس ‪ ،‬ولذلك قال بعضهم‪ :‬قد علم اهلل تعالى حال َ‬
‫ـ ‘ ـ ودعائ ‪ .‬أفال ترى معي في هذا دًللة واضحة على أن كان بين القوم وبين‬
‫الكذب على النبي ـ ‘ ـ ِح ْج ٌر محجور؟<‪ ،‬آثار المعلمي‪ :‬ا‪.)372/12‬‬

‫‪126‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫منهم مع رسول اهلل ‘‪ ،‬ثم أنزل اهلل نصره وتأييده على رسول وعلى‬
‫مفصال ليعلمهم أن‬
‫ا‬ ‫المؤمنين الذين مع ‪ ،‬كما سنبين إن شاء اهلل تعالى‬
‫النصر من عنده تعالى وحده وبإمداده وإن قل الجمع‪ ،‬فكم من فئة قليلة‬
‫غلبت فئة كثيرة بإذن اهلل‪ ،‬واهلل مع الصابرين<ا‪.)1‬‬
‫وقال ابن عاشور‪> :‬وتخصيص يوم حنين بالذكر من بين أيام‬
‫الحروب‪ :‬ألن المسلمين انهزموا في أثناء النصر ثم عاد إليهم النصر‪،‬‬
‫فتخصيص بالذكر لما في من العبرة بحصول النصر عند امتثال أمر اهلل‬
‫ورسول ـ ‪ ‬ـ وحصول الهزيمة عند إيثار الحظوظ العاجلة على‬
‫اًلمتثال‪ ،‬ففي مثل وشاهد لحالتي اإليثارين المذكورين آنفا في قول‬
‫تعالى‪{ :‬ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ} [التوبة‪،]24 :‬‬
‫ليتنبهوا إلى أن هذا اإليثار قد يعرض في أثناء إيثار آخر‪ ،‬فهم لما‬
‫خرجوا إلى غزوة حنين كانوا قد آثروا محبة الجهاد على محبة أسبابهم‬
‫وعالقاتهم‪ ،‬ثم هم في أثناء الجهاد قد عاودهم إيثار الحظوظ العاجلة‬
‫على امتثال أمر اهلل ورسول ‘ الذي هو من آثار إيثار محبتها‪ ،‬وهي‬
‫عبرة دقيقة حصل فيها الضدان ولذلك كان موقع قول ‪{ :‬ﲖ ﲗ‬
‫ﲘ} بدي اعا ألن تنبي على خطئهم في األدب مع اهلل المناسب‬
‫لمقامهم أي‪ :‬ما كان ينبغي لكم أن تعتمدوا على كثرتكم‪.‬‬
‫وحنين اسم واد بين مكة والطائف قرب ذي المجاز‪ ،‬كانت في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)125/4‬‬
‫‪127‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫وقعة عظيمة عقب فتح مكة بين المسلمين مع النبيء ‘‪ ،‬وكانوا اثني‬
‫عشر ألفا‪ ،‬وبين هوازن وثقيف وألفافهما‪ ،‬إذ نهضوا لقتال النبيء ‘‬
‫حمية وغضبا لهزيمة قريش ولفتح مكة‪ ،‬وكان على هوازن مالك بن‬
‫عوف‪ ،‬أخو بني نصر‪ ،‬وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي‪ ،‬وكانوا‬
‫في عدد كثير وساروا إلى مكة فخرج إليهم النبيء ‘ حتى اجتمعوا‬
‫بحنين فقال المسلمون‪ :‬لن نغلب اليوم من قلة‪ ،‬ووثقوا بالنصر لقوتهم‪،‬‬
‫إلهيا على نسيانهم‬
‫فحصلت لهم هزيمة عند أول اللقاء كانت عتا ابا ا‬
‫التوكل على اهلل في النصر‪ ،‬واعتمادهم على كثرتهم<ا‪.)1‬‬
‫ومع هذا العتاب الكريم‪ ،‬إًل أن اهلل تعالى أثبت لهم اإليمان‪،‬‬
‫وسماهم المؤمنينا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)154/10‬‬
‫ا‪ )2‬وًل يسلم لطاعن أن يطعن على أصحاب النبي ‘ بالفرار يومي أحد وحنين‪ ،‬حتى‬
‫نفرا من بني هاشم!! والرد عليهم من وجوه‪:‬‬‫إن بعضهم ادعى أنهم فروا جمي اعا إًل ا‬
‫‪ 1‬ــ أن اهلل أثبت عفوه عنهم يوم أحد‪ ،‬وهو الغفور الرحيم‪ً ،‬ل راد لحكم ‪ ،‬وًل‬
‫معقب لقضائ وأمره‪ ،‬بيده خزائن الرحمة ًل بيد خلق ! ــ كما سبق ــ‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أنهم إنما فروا يوم حنين ًل بقصد اإلصرار‪ ،‬فقد كانوا أسرع الناا فيئة كما‬
‫شهد لهم عم النبي ‘‪ ،‬وأحد بني هاشم‪> ،‬قال عباا‪ :‬شهدت مع رسول اهلل ‘‬
‫يوم حنين‪ ،‬فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحار بن عبد المطلب رسول اهلل ‘ فلم‬
‫نفارق ‪ ،‬ورسول اهلل ‘ على بغلة ل بيضاء أهداها ل فروة بن نفاثة الجذامي‪ ،‬فلما‬
‫التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين‪ ،‬فطفق رسول اهلل ‘ يركض بغلت‬
‫قبل الكفار‪ ،‬قال عباا‪ :‬وأنا آخذ بلجام بغلة رسول اهلل ‘ أكفها إرادة أن ًل تسرع‪،‬‬
‫وأبو سفيان آخذ بركاب رسول اهلل ‘‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪> :‬أي عباا‪ ،‬ناد‬
‫أصحاب السمرة<‪ ،‬فقال عباا‪ :‬وكان رجال صيتا‪ ،‬فقلت بأعلى صوتي‪ :‬أين=‬
‫‪128‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫{ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ‬ ‫وقال اهلل تعالى‪:‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أصحاب السمرة؟ قال‪ :‬فواهلل‪ ،‬لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على‬ ‫=‬
‫أوًلدها‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا لبيك‪ ،‬يا لبيك‪ ،‬قال‪ :‬فاقتتلوا والكفار‪ ،‬والدعوة في األنصار‬
‫يقولون‪ :‬يا معشر األنصار‪ ،‬يا معشر األنصار‪ ،‬قال‪ :‬ثم قصرت الدعوة على بني‬
‫الحار بن الخزرج‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا بني الحار بن الخزرج‪ ،‬يا بني الحار بن‬
‫الخزرج‪ ،‬فنظر رسول اهلل ‘ وهو على بغلت كالمتطاول عليها إلى قتالهم‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل ‘ >هذا حين حمي الوطيس< قال‪ :‬ثم أخذ رسول اهلل ‘ حصيات‬
‫فرمى بهن وجوه الكفار‪ ،‬ثم قال‪> :‬انهزموا ورب محمد< قال‪ :‬فذهبت أنظر فإذا‬
‫القتال على هيئت فيما أرى‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل‪ ،‬ما هو إًل أن رماهم بحصيات فما زلت أرى‬
‫حدهم كليال‪ ،‬وأمرهم مدبرا<‪ ،‬رواه مسلم‪ :‬ا‪.)1775‬‬
‫فتأمل نداء الرسول لهم >يا أصحاب السمرة< أفيجوز علي أن ينادي أهل النفاق‬
‫والردة؟!!‬
‫وتأمل قول العباا‪> :‬فواهلل‪ ،‬لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على‬
‫أوًلدها‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا لبيك‪ ،‬يا لبيك‪ ،‬قال‪ :‬فاقتتلوا والكفار<!‬
‫قال النووي‪> :‬قال العلماء‪ :‬في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا‪.‬‬
‫وأن لم يحصل الفرار من جميعهم‪.‬‬
‫وإنما فتح عليهم من في قلب مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة‪ ،‬ومشركيها الذين لم‬
‫يكونوا أسلموا<‪ ،‬شرح النووي على مسلم‪ :‬ا‪.)115/12‬‬
‫وًل بد أن تعلم كذب من زعم أن النبي ‘ لم يبق مع إًل جماعة من بني هاشم‪،‬‬
‫فإن أهل السير ذكروا أن جماعة كانوا مع النبي ‘‪ ،‬فذكروا أن >فيمن ثبت مع من‬
‫المهاجرين أبو بكر وعمر‪ ،‬ومن أهل بيت علي بن أبي طالب والعباا بن‬
‫عبد المطلب‪ ،‬وأبو سفيان بن الحار ‪ ،‬وابن ‪ ،‬والفضل بن العباا‪ ،‬وربيعة بن‬
‫الحار ‪ ،‬وأسامة بن زيد‪...‬‬
‫قال ابن هشام‪ :‬اسم ابن أبي سفيان بن الحار جعفر‪ ،‬واسم أبي سفيان المغيرة‪،‬‬
‫وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس‪ ،‬وال يعد ابن أبي سفيان<‪ ،‬السيرة‪ :‬ا‪.)443/2‬‬
‫‪129‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫ﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬
‫ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬
‫ﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗ‬
‫ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ} [التوبة‪ 117 :‬ــ ‪.]118‬‬
‫قال الطبري‪> :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬لقد رزق اهلل اإلنابة إلى أمره‬
‫وطاعت نبي محمدا ‘‪ ،‬والمهاجرين ديارهم وعشيرتهم إلى دار‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأنصار رسول في اهلل‪ ،‬الذين اتبعوا رسول اهلل في ساعة‬
‫العسرة منهم من النفقة والظهر والزاد والماء {ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ‬
‫ﲺ ﲻ} [التوبة‪ ]117 :‬يقول‪ :‬من بعد ما كاد يميل قلوب بعضهم عن‬
‫الحق ويشك في دين ويرتاب بالذي نال من المشقة والشدة في سفره‬
‫وغزوه {ﲼ ﲽ ﲾﲿ} [التوبة‪ ]117 :‬يقول‪ :‬ثم رزقهم جل ثناؤه اإلنابة‬
‫والرجوع إلى الثبات على دين وإبصار الحق الذي كان قد كاد يلتبس‬
‫عليهم {ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ} يقول‪ :‬إن ربكم بالذين خالط قلوبهم‬
‫ذلك لما نالهم في سفرهم من الشدة والمشقة‪{ ،‬ﳂ} بهم‪،‬‬
‫{ﳃ} [التوبة‪ ]117 :‬أن يهلكهم‪ ،‬فينزع منهم اإليمان بعد ما قد أبلوا في‬
‫اهلل ما أبلوا مع رسول وصبروا علي من البأساء والضراء<‪ ..‬والثالثة‬
‫الذين خلفوا‪ :‬رهط منهم‪ :‬كعب بن مالك‪ ،‬وهو أحد بني سلمة‪ ،‬ومرارة بن‬
‫ربيعة‪ ،‬وهو أحد بني عمرو بن عوف‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬وهو من بني‬
‫واقف‪ .‬وكانوا تخلفوا عن رسول اهلل ‘ في تلك الغزوة في بضعة‬
‫وثمانين رجال؛ فلما رجع رسول اهلل ‘ إلى المدينة‪ ،‬صدق أولئك‬
‫‪130‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫حديثهم واعترفوا بذنوبهم‪ ،‬وكذب سائرهم‪ ،‬فحلفوا لرسول اهلل ‘ ما‬


‫حبسهم إًل العذر‪ ،‬فقبل منهم رسول اهلل وبايعهم‪ ،‬ووكلهم في سرائرهم‬
‫إلى اهلل‪ .‬ونهى رسول اهلل ‘ عن كالم الذين خلفوا‪ ،‬وقال لهم حين‬
‫حدثوه حديثهم واعترفوا بذنوبهم‪> :‬قد صدقتم فقوموا حتى يقضي اهلل‬
‫فيكم< فلما أنزل اهلل القرآن تاب على الثالثةا‪.)1‬‬
‫وسنذكر قصة كعب بتمامها في موضعها بإذن اهلل تعالى‪.‬‬
‫ووصف المهاجرين واألنصار في هذه اآلية يشمل أهل المدينة‬
‫جمي اعا‪ ،‬كما قال ابن عاشور‪> :‬والمهاجرون واألنصار‪ :‬هم مجموع أهل‬
‫المدينة‪ ،‬وكان جيش العسرة منهم ومن غيرهم من القبائل التي حول‬
‫المدينة ومكة‪ ،‬ولكنهم خصوا بالثناء ألنهم لم يترددوا ولم يتثاقلوا وًل‬
‫شحوا بأموالهم‪ ،‬فكانوا أسوة لمن اتسى بهم من غيرهم من القبائل<ا‪.)2‬‬
‫وقد عاتب القرآن الصحابة في غير موضع‪ ،‬وبين أنهم ًل عصمة‬
‫لهم‪ ،‬لكنهم يرجعون للحق‪ ،‬ويعملون ب ‪ ،‬ومن اآليات التي نزلت في‬
‫عتابهم‪ ،‬قول تعالى‪{ :‬ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ‬
‫ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ}‬
‫[النساء‪ ،]88 :‬عن مجاهد‪{ :‬ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ} [النساء‪ ]88 :‬قال‪:‬‬
‫>قوم خرجوا من مكة حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون‪ ،‬ثم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪ 49/12‬ــ ‪.)58‬‬
‫ا‪ )2‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)50/11‬‬
‫‪131‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫ارتدوا بعد ذلك‪ ،‬فاستأذنوا النبي ‘ إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم‬
‫يتجرون فيها‪ .‬فاختلف فيهم المؤمنون‪ ،‬فقائل يقول‪ :‬هم منافقون‪ ،‬وقائل‬
‫يقول‪ :‬هم مؤمنون‪ .‬فبين اهلل نفاقهم‪ ،‬فأمر بقتالهم<ا‪.)1‬‬

‫{ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬ ‫وعن ابن عباا ‪ :‬في قول تعالى‪:‬‬


‫ﲢ ﲣ ﲤ} [النساء‪ ]94 :‬قال‪ :‬قال ابن عباا‪> :‬كان رجل في‬
‫غنيمة ل فلحق المسلمون‪ ،‬فقال‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬فقتلوه وأخذوا‬
‫غنيمت ‪ ،‬فأنزل اهلل في ذلك إلى قول ‪{ :‬ﲥ ﲦ ﲧ‬

‫ﲨ} [النساء‪ ]94 :‬تلك الغنيمة<ا‪.)2‬‬


‫{ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬ ‫وقال سبحان ‪:‬‬
‫ﱲﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الطبري‪ :‬ا‪ ،)282/7‬ثم قال‪> :‬قال أبو جعفر‪ :‬وأولى هذه األقوال بالصواب في ذلك‬
‫قول من قال‪ :‬نزلت هذه اآلية في اختالف أصحاب رسول اهلل ‘ في قوم كانوا‬
‫ارتدوا عن اإلسالم بعد إسالمهم من أهل مكة‪ .‬وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب؛ ألن‬
‫اختالف أهل ذلك إنما هو على قولين‪ :‬التأويل في أحدهما أنهم قوم كانوا من أهل‬
‫مكة على ما قد ذكرنا الرواية عنهم‪ ،‬واآلخر أنهم قوم كانوا من أهل المدينة‪ ،‬وفي‬
‫قول اهلل تعالى ذكره‪{ :‬ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ} [النساء‪ ]89 :‬أوضح‬
‫الدليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة ألن الهجرة كانت على عهد رسول اهلل‬
‫‘ إلى داره ومدينت من سائر أرض الكفر‪ ،‬فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة‬
‫مقيما من المنافقين وأهل الشرك‪ ،‬فلم يكن علي فرض هجرة؛ ألن في دار الهجرة‬
‫كان وطن ومقام <‪ ،‬ا‪.)287/7‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4591‬‬
‫‪132‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ‬
‫ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬
‫ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬
‫ﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫ‬
‫[آل عمران‪:‬‬‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ}‬
‫‪ 152‬ــ ‪ ،]153‬عن الضحاك؛ قال‪> :‬إن نبي اهلل أمر يوم أحد طائفة من‬
‫المسلمين؛ فقال‪ :‬كونوا مسلحة للناا بمنزلة أمرهم أن يثبتوا بها‪،‬‬
‫وأمرهم أن ًل يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم‪ ،‬فلما لقي نبي اهلل ـ ‘ ـ‬
‫يوم أحد أبا سفيان ومن مع من المشركين؛ هزمهم نبي اهلل ـ ‘ ـ‪،‬‬
‫فلما رأى المسلحة أن اهلل ـ ‪ ‬ـ هزم المشركين؛ انطلق بعضهم وهم‬
‫يتنادون‪ :‬الغنيمة الغنيمة! ًل تفتكم‪ ،‬وثبت بعضهم مكانهم‪ ،‬وقالوا‪ً :‬ل‬
‫نريم موضعنا؛ حتى يأذن لنا نبي اهلل ـ ‘ ـ؛ ففي ذلك نزل‪{ :‬ﲂ‬

‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ} [آل عمران‪ ،]152 :‬فكان ابن‬


‫مسعود يقول‪ :‬ما شعرت أن أح ادا من أصحاب النبي ـ ‘ ـ كان يريد‬
‫الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد<ا‪.)1‬‬

‫{ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬


‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ} [الجمعة‪ ،]11 :‬قال‬
‫ابن كثير‪> :‬يعاتب ‪ ‬على ما كان وقع من اًلنصراف عن الخطبة يوم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪ ،)134/2‬واًلستيعاب في بيان األسباب‪ :‬ا‪.)308/1‬‬
‫‪133‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫{ﱨ ﱩ‬ ‫الجمعة إلى التجارة التي قدمت المدينة يومئذ‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ} أي‪ :‬على المنبر تخطب‪ .‬هكذا‬
‫ذكره غير واحد من التابعين‪ ،‬منهم‪ :‬أبو العالية‪ ،‬والحسن‪ ،‬وزيد بن‬
‫أسلم‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وزعم مقاتل بن حيان‪ :‬أن التجارة كانت لدحية بن خليفة قبل أن‬
‫يسلم‪ ،‬وكان معها طبل‪ ،‬فانصرفوا إليها وتركوا رسول اهلل ‘ قائما‬
‫على المنبر إًل القليل منهم<ا‪.)1‬‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل‪> ،‬أن النبي ‘‪ ،‬كان يخطب قائما يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬فجاءت عير من الشام‪ ،‬فانفتل الناا إليها‪ ،‬حتى لم يبق إًل‬
‫اثنا عشر رجال‪ ،‬فأنزلت هذه اآلية التي في الجمعة‪{ :‬ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬
‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ} [الجمعة‪<]11 :‬ا‪)2‬ا‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)123/8‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)2064‬ومسلم‪ :‬ا‪.)863‬‬
‫ا‪ )3‬ولتعلم أن هذه اآلية ًل تصلح حجة لمن طعن في الصحابة رضوان اهلل تعالى عليهم‪،‬‬
‫وذلك ألمور‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ أن هذه القصة حصلت في بداية زمن الهجرة ولم يكونوا ‪ ‬قد علموا جميع‬
‫اآلداب الشرعية‪ ،‬فال بأا أن يحصل منهم بعض ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر لم ينفضوا بل ظلوا مع الرسول صلوات اهلل‬
‫وسالم علي ‪.‬‬
‫يقول اآللوسي‪> :‬وطُعن بهذه اآلية [في] الصحابة رضي اهلل تعالى عنهم بأنهم آثروا‬
‫دنياهم على آخرتهم حيث انفضوا إلى اللهو والتجارة ورغبوا عن الصالة التي هي=‬
‫‪134‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫ومع عدم ثبوت العصمة لهم إًل أن قد ثبت أنهم أسرع الناا فيئة‬
‫للحق‪ ،‬وتوبة إلى اهلل تعالى وإنابة إلي كما يعرف المطالع لسيرتهم‪ ،‬بل‬
‫كما أثبت اهلل تعالى كما سيأتي معنا‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ـ نصرة النيب ‘‪.‬‬


‫{ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬ ‫وذلك كما قال اهلل سبحان ‪:‬‬
‫ﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧ‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬
‫ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ‬
‫ﳂ} [التوبة‪.]40 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عماد الدين وأفضل من كثير من العبادات ًل سيما مع رسول اهلل ‘‪ ،‬وروي أن‬ ‫=‬
‫مرارا منهم‪.‬‬
‫ذلك قد وقع ا‬
‫وفي أن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وسائر العشرة المبشرة لم ينفضوا والقصة‬
‫كانت في أوائل زمن الهجرة‪.‬‬
‫ولم يكن أكثر القوم تام التحلي بحلية آداب الشريعة بعد وكان قد أصاب أهل المدينة‬
‫جوع وغالء سعر‪ ،‬فخاف أولئك المنفضون اشتداد األمر عليهم بشراء غيرهم ما‬
‫يقتات ب لو لم ينفضوا‪.‬‬
‫ولذا لم يتوعدهم اهلل تعالى على ذلك بالنار أو نحوها بل قصارى ما فعل ــ سبحان ــ‬
‫أن عاتبهم ووعظهم ونصحهم‪.‬‬
‫‪ ...‬وبالجملة‪ ،‬فالطعن بجميع الصحابة لهذه القصة التي كانت من بعضهم في أوائل‬
‫أمرهم وقد عقبها منهم عبادات ًل تحصى سف ظاهر وجهل وافر<‪ ،‬روح المعاني‪:‬‬
‫ا‪ ،)107/28‬بتصرف‪ ،‬والدر المنثور‪ :‬ا‪ ،)166/8‬وعقيدة أهل السنة في الصحابة‪:‬‬
‫ا‪.)952/3‬‬
‫‪135‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫وهذه اآلية في فضل صاحب النبي ‘ الصديق األكبر‪ ،‬وهو أبو‬


‫بكر ‪ ‬باتفاق المسلمين‪ ،‬قال الطبري‪> :‬وهذا إعالم من اهلل أصحاب‬
‫رسول ‘ أن المتوكل بنصر رسول على أعداء دين وإظهاره عليهم‬
‫دونهم‪ ،‬أعانوه أو لم يعينوه‪ ،‬وتذكير من لهم فعل ذلك ب ‪ ،‬وهو من‬
‫العدد في قلة والعدو في كثرة‪ ،‬فكيف ب وهو من العدد في كثرة والعدو‬
‫في قلة؟ يقول لهم جل ثناؤه‪ :‬إًل تنفروا أيها المؤمنون مع رسولي إذا‬
‫استنفركم فتنصروه‪ ،‬فاهلل ناصره ومعين على عدوه ومغني عنكم وعن‬
‫معونتكم ونصرتكم‪ ،‬كما نصره إذ أخرج الذين كفروا باهلل من قريش من‬
‫وطن وداره وإنما عنى جل ثناؤه بقول ‪{ :‬ﲞ ﲟ} رسول اهلل ‘ وأبا‬
‫بكر ‪‬؛ ألنهما كانا اللذين خرجا هاربين من قريش؛ إذ هموا بقتل‬
‫رسول اهلل ‘ واختفيا في الغار‪ .‬وقول ‪{ :‬ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ} يقول إذ‬
‫رسول اهلل ‘ وأبو بكر رحمة اهلل علي في الغار‪ ،‬والغار‪ :‬النقب العظيم‬
‫يكون في الجبل‪.‬‬
‫{ﲤ ﲥ ﲦ} يقول‪ :‬إذ يقول رسول اهلل لصاحب أبي بكر‪:‬‬
‫{ﲧ ﲨ} وذلك أن خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهما‪ ،‬فجزع من‬
‫ذلك‪ ،‬فقال ل رسول اهلل ‘‪ً> :‬ل تحزن ألن اهلل معنا‪ ،‬واهلل ناصرنا‪،‬‬
‫فلن يعلم المشركون بنا‪ ،‬ولن يصلوا إلينا< يقول جل ثناؤه‪ :‬فقد نصره‬
‫اهلل على عدوه وهو بهذه الحال من الخوف وقلة العدد‪ ،‬فكيف يخذل‬
‫ويحوج إليكم وقد كثر اهلل أنصاره‪ ،‬وعدد جنوده؟<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪ 463/11‬ــ ‪.)464‬‬
‫‪136‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫‪ 5‬ـ ـ طاعة اهلل ورسوله‪ ،‬والوالء ألهل اإلسالم‪ ،‬واألمر‬


‫باملعروف‪ ،‬والنهي عن املنكر‪ ،‬واجلود باملال‪ ،‬وإنفاقه يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫يقول ربنا سبحانه‪{ :‬ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅﲆ ﲇ‬
‫ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐ‬
‫ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ} [التوبة‪.]71 :‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وأما المؤمنون والمؤمنات‪ ،‬وهم المصدقون باهلل‬
‫ورسول وآيات كتاب ‪ ،‬فإن صفتهم أن بعضهم أنصار بعض وأعوانهم‪.‬‬
‫{ﲇ ﲈ} يقول‪ :‬يأمرون الناا باإليمان باهلل ورسول ‪ ،‬وبما‬
‫جاء ب من عند اهلل‪{ .‬ﲌ ﲍ} يقول‪ :‬ويؤدون الصالة‬
‫المفروضة {ﲎ ﲏ} يقول‪ :‬ويعطون الزكاة المفروضة أهلها‪.‬‬
‫{ﲐ ﲑ ﲒﲓ} فيأتمرون ألمر اهلل ورسول وينتهون عما‬
‫نهيناهم عن ‪{ .‬ﲔ ﲕ ﲖ} يقول‪ :‬هؤًلء الذين هذه صفتهم‬
‫الذين سيرحمهم اهلل‪ ،‬فينقذهم ممن عذاب ويدخلهم جنت ‪ً ،‬ل أهل‬
‫النفاق والتكذيب باهلل ورسول ‪ ،‬الناهون عن المعروف‪ ،‬اآلمرون‬
‫بالمنكر‪ ،‬القابضون أيديهم عن أداء حق اهلل من أموالهم‪{ .‬ﲘ ﲙ ﲚ‬
‫ﲛ} يقول‪ :‬إن اهلل ذو عزة في انتقام ممن انتقم من خلق على‬
‫معصيت وكفره ب ‪ً ،‬ل يمنع من اًلنتقام من مانع وًل ينصره من ناصر‪،‬‬
‫حكيم في انتقام منهم في جميع أفعال ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪ 556/11‬ــ ‪.)557‬‬
‫‪137‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫قال الواحدي‪> :‬وقال بعض أهل المعاني‪ :‬ذكر اهلل المنافقين‪،‬‬


‫فقال‪{ :‬ﲖ ﲗ ﲘﲙ} وذكر المؤمنين فقال‪{ :‬ﲃ ﲄ ﲅﲆ}‬
‫وذلك أن المعنى في المنافقين‪ :‬أن بعضهم يضاف إلى بعض باًلجتماع‬
‫على النفاق‪ ،‬وًل يكون بينهم مواًلة؛ ألن قلوبهم تكون مختلفة‪ ،‬وًل‬
‫تكون كقلوب المؤمنين في التواد والتعاطف<ا‪.)1‬‬
‫وقال الرازي‪> :‬اعلم أن تعالى لما بالغ في وصف المنافقين‬
‫باألعمال الفاسدة واألفعال الخبيثة‪ ،‬ثم ذكر عقيب أنواع الوعيد في‬
‫حقهم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ذكر بعده في هذه اآلية كون المؤمنين‬
‫موصوفين بصفات الخير وأعمال البر‪ ،‬على ضد صفات المنافقين‪ ،‬ثم‬
‫ذكر بعده في هذه اآلية أنواع ما أعد اهلل لهم من الثواب الدائم والنعيم‬
‫المقيم<ا‪.)2‬‬
‫وقال‪> :‬واعلم أن تعالى لما وصف المؤمنين بكون بعضهم أولياء‬
‫بعض‪ ،‬ذكر بعده ما يجري مجرى التفسير والشرح ل فقال‪ :‬يأمرون‬
‫بالمعروف وينهون عن المنكر‪ ،‬ويقيمون الصالة‪ ،‬ويؤتون الزكاة‪،‬‬
‫ويطيعون اهلل ورسول ‪ ،‬فذكر هذه األمور الخمسة التي بها يتميز المؤمن‬
‫من المنافق‪ ،‬فالمنافق على ما وصف اهلل تعالى في اآلية المتقدمة يأمر‬
‫بالمنكر‪ ،‬وينهى عن المعروف‪ ،‬والمؤمن بالضد من ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)548/10‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير الرازي‪ :‬ا‪.)100/16‬‬
‫‪138‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫والمنافق ال يقوم إلى الصالة إال مع نوع من الكسل والمؤمن بالضد‬


‫منه‪.‬‬
‫{ﲟ‬ ‫والمنافق يبخل بالزكاة وسائر الواجبات كما قال‪:‬‬
‫ﲠﲡ} والمؤمنون {ﱾ ﱿ}‪.‬‬
‫والمنافق إذا أمره اهلل ورسول بالمسارعة إلى الجهاد فإن يتخلف‬
‫بنفس ويثبط غيره كما وصف اهلل بذلك‪ ،‬والمؤمنون بالضد منهم<ا‪.)1‬‬
‫‪ 6‬ـ ـ احلزن على فوات الطاعة‪.‬‬
‫{ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬ ‫قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬
‫ﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲ‬
‫ﲳ} [التوبة‪ 91 :‬ــ ‪.]92‬‬
‫وفي اآلية‪ ،‬دليل على قوة رغبة الصحابة ـ ‪ ‬ـ في األعمال‬
‫الصالحة الموجبة للدرجات العلى والنعيم المقيم‪ ،‬فكانوا يحزنون على‬
‫العجز عن ٍ‬
‫شيء مما يقدر علي غيرهم من ذلكا‪.)2‬‬
‫>فلم يمدحوا على نفس الحزن‪ ،‬وإنما مدحوا على ما دل علي‬
‫الحزن من قوة إيمانهم‪ ،‬حيث تخلفوا عن رسول اهلل ‘ لعجزهم عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير الرازي‪ :‬ا‪.)101/16‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ً ،‬لبن رجب‪ :‬ا‪.)405/7‬‬
‫‪139‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫النفقة‪ ،‬ففي تعريض بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلفهم‪ ،‬بل‬


‫غبطوا نفوسهم ب <ا‪.)1‬‬

‫‪ 7‬ـ ـ االعرتاف بالذنب‪ ،‬والتوبة منه‪.‬‬


‫{ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬ ‫قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ} [التوبة‪.]102 :‬‬
‫قال ابن كثير‪> :‬لما بين تعالى حال المنافقين المتخلفين عن الغزاة‬
‫رغبة عنها وتكذيبا وشكا‪ ،‬شرع في بيان حال المذنبين الذين تأخروا‬
‫عن الجهاد كسال وميال إلى الراحة‪ ،‬مع إيمانهم وتصديقهم بالحق‪،‬‬
‫فقال‪{ :‬ﱶ ﱷ ﱸ} أي‪ :‬أقروا بها واعترفوا فيما بينهم وبين‬
‫ربهم‪ ،‬ولهم أعمال أخر صالحة‪ ،‬خلطوا هذه بتلك‪ ،‬فهؤًلء تحت عفو‬
‫اهلل وغفران ‪.‬‬
‫وهذه اآلية ــ وإن كانت نزلت في أناا معينين ــ إًل أنها عامة في‬
‫كل المذنبين الخاطئين المخلصين المتلوثين<ا‪.)2‬‬
‫قال الطبري بعد أن أورد عدة آثار في أسماء الذين اعترفوا بذنبهما‪،)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مدارج السالكين‪ :‬ا‪.)501/1‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)206/4‬‬
‫ا‪ )3‬من أمثلها‪ ،‬عن ابن عباا‪ ،‬قول ‪{> :‬ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬
‫ﱽ} [التوبة‪ ]102 :‬قال‪ :‬كانوا عشرة رهط تخلفوا عن النبي ‘ في غزوة تبوك‪=،‬‬
‫‪140‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫وهو التخلف عن غزوة تبوك‪> ،‬وأولى هذه األقوال بالصواب في ذلك‬


‫قول من قال‪ :‬نزلت هذه اآلية في المعترفين بخطأ فعلهم في تخلفهم عن‬
‫رسول اهلل ‘ وتركهم الجهاد مع والخروج لغزو الروم حين شخص‬
‫إلى تبوك‪ ،‬وأن الذين نزل ذلك فيهم جماعة أحدهم أبو لبابة وإنما قلنا‬
‫ذلك أولى بالصواب في ذلك‪ ،‬ألن اهلل جل ثناؤه قال‪{ :‬ﱶ ﱷ‬
‫ﱸ} فأخبر عن اعتراف جماعة بذنوبهم‪ ،‬ولم يكن المعترف بذنب‬
‫الموثق نفس بالسارية في حصار قريظة غير أبي لبابة وحده‪ .‬فإذ كان ذلك‬
‫كذلك‪ ،‬وكان اهلل ‪ ‬قد وصف في قول ‪{ :‬ﱶ ﱷ ﱸ}‬
‫باالعتراف بذنوبهم جماعة‪ ،‬علم أن الجماعة الذين وصفهم بذلك السبب‬
‫غير الواحد‪ ،‬فقد تبين بذلك أن هذه الصفة إذا لم تكن إال لجماعة‪ ،‬وكان ًل‬
‫جماعة فعلت ذلك فيما نقل أهل السير واألخبار‪ ،‬وأجمع علي أهل‬
‫التأويل إًل جماعة من المتخلفين عن غزوة تبوك؛ صح ما قلنا في ذلك‪،‬‬
‫وقلنا‪ :‬كان منهم أبو لبابة إلجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= فلما حضر رجوع النبي ‘ أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد‪ ،‬وكان ممر‬
‫النبي ‘ إذا رجع في المسجد عليهم‪ ،‬فلما رآهم قال‪> :‬من هؤًلء الموثقون أنفسهم‬
‫بالسواري؟< قالوا‪ :‬هذا أبو لبابة وأصحاب ل تخلفوا عنك يا رسول اهلل حتى تطلقهم‬
‫وتعذرهم‪ .‬فقال النبي ‪> :‬وأنا أقسم باهلل ًل أطلقهم وًل أعذرهم حتى يكون اهلل هو‬
‫الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين< فلما بلغهم ذلك‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫ونحن ًل نطلق أنفسنا حتى يكون اهلل الذي يطلقنا فأنزل اهلل تبارك وتعالى‪{ :‬ﱶ‬
‫ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ} [التوبة‪]102 :‬‬
‫وعسى من اهلل واجب‪ .‬فلما نزلت أرسل إليهم النبي ‘‪ ،‬فأطلقهم وعذرهم<‪.‬‬
‫=‬ ‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)658/11‬‬
‫‪141‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫{ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ‬ ‫وقال سبحان ‪ :‬وقال اهلل تعالى‪:‬‬


‫ﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺ‬
‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫ﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒ‬

‫[التوبة‪ 117 :‬ــ‬ ‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ}‬


‫‪ ،]118‬وقد سبق بيان معناها‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ ـ التطهر‪.‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬

‫ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬

‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ‬

‫ﱵﱶ ﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ‬

‫ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ومن العجيب أن يتم اًلستدًلل بهذه اآلية على ذم أصحاب النبي ‘‪ ،‬مع أنها‪:‬‬ ‫=‬
‫‪ 1‬ــ تتحد عن قوم بأعيانهم‪ ،‬فلو سلمنا دًللتها على الذم = فأنى بدًللتها على ذم‬
‫الجميع‪ ،‬كما يذكر من افترى الكذب؟‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أن اآلية تتحد عن قوم اعترفوا بذنوبهم‪ ،‬وتابوا إلى اهلل تعالى منها‪ ،‬فأي إثم‬
‫يلحقهم؟‬
‫‪ 3‬ــ وحتى إن ثبت أن اآلية في أهل النفاق‪ ،‬فأي ذنب يلحقهم‪ ،‬وقد تابوا ورجعوا‪..‬‬
‫‪142‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ‬

‫ﲡ ﲢ ﲣ} [التوبة‪ 107 :‬ــ ‪.]110‬‬


‫ومعنى هذه اآليات الكريمة‪> :‬والذين ابتنوا مسجدا ضرارا لمسجد‬
‫رسول اهلل ‘ وكفرا باهلل لمحادتهم بذلك رسول اهلل ‘ ويفرقوا ب‬
‫المؤمنين ليصلي في بعضهم دون مسجد رسول اهلل ‘‪ ،‬وبعضهم في‬
‫مسجد رسول اهلل ‘‪ ،‬فيختلفوا بسبب ذلك ويفترقوا‪{ .‬ﱉ ﱊ‬
‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ} يقول‪ :‬وإعدادا ل ‪ ،‬ألبي عامر الكافر الذي‬
‫خالف اهلل ورسول ‪ ،‬وكفر بهما وقاتل رسول اهلل‪{ .‬ﱎ ﱏﱐ} يعني من‬
‫قبل بنائهم ذلك المسجد‪.‬‬
‫وذلك أن أبا عامر هو الذي كان حزب األحزاب‪ ،‬يعني حزب‬
‫األحزاب لقتال رسول اهلل ‘‪ ،‬فلما خذل اهلل‪ ،‬لحق بالروم يطلب‬
‫النصر من ملكهم على نبي اهلل‪ ،‬وكتب إلى أهل مسجد الضرار يأمرهم‬
‫ببناء المسجد الذي كانوا بنوه فيما ذكر عن ليصلي في فيما يزعم إذا‬
‫رجع إليهم؛ ففعلوا ذلك‪ ،‬وهذا معنى قول اهلل جل ثناؤه‪{ :‬ﱉ ﱊ‬
‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ} يقول جل‬
‫ثناؤه‪ :‬وليحلفن بانوه إن أردنا إًل الحسنى ببنائنا إًل الرفق بالمسلمين‬
‫والمنفعة والتوسعة على أهل الضعف والعلة ومن عجز عن المسير إلى‬
‫مسجد رسول اهلل ‘ للصالة فيه‪ .‬وتلك هي الفعلة الحسنة‪{ .‬ﱗ ﱘ‬
‫ﱙ ﱚ} في حلفهم ذلك‪ ،‬وقيلهم ما بنيناه إال ونحن نريد الحسنى‪،‬‬
‫‪143‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫ولكنهم بنوه يريدون ببنائ السوأى ضرارا لمسجد رسول اهلل ‘ وكفرا‬
‫باهلل وتفريقا بين المؤمنين‪ ،‬وإرصادا ألبي عامر الفاسق<ا‪.)1‬‬
‫ثم نهى اهلل نبي عن القيام في هذا المسجد‪ ،‬وأن أحق مسجد‬
‫وسعيا في‬
‫ا‬ ‫بالقيام في هو المسجد الذي أسس على تقوى اهلل وطاعت ‪،‬‬
‫مرضات ‪ ،‬واختلف أهل العلم في هذا المسجد‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬هو مسجد‬
‫قباء‪ ،‬وقال كثير منهم‪ :‬هو مسجد رسول اهلل ‘ا‪)2‬ا‪ ،)3‬وذكر اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪.)674/11‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪ ،)685/11‬وابن عطية‪ :‬ا‪.)82/3‬‬
‫ا‪ )3‬وجمع اإلمام ابن كثير بين القولين‪ ،‬فقال‪> :‬وقد صرح بأن مسجد قباء جماعة من‬
‫السلف‪ ،‬رواه علي بن أبي طلحة‪ ،‬عن ابن عباا‪ .‬ورواه عبد الرزاق‪ ،‬عن معمر‪،‬‬
‫عن الزهري‪ ،‬عن عروة بن الزبير‪ .‬وقال عطية العوفي‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪ ،‬والشعبي‪ ،‬والحسن البصري‪ ،‬ونقل البغوي عن سعيد بن جبير‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث الصحيح‪ :‬أن مسجد رسول اهلل ‘ الذي هو في جوف‬
‫المدينة‪ ،‬هو المسجد الذي أسس على التقوى‪ .‬وهذا صحيح‪ .‬وًل منافاة بين اآلية‬
‫وبين هذا؛ ألن إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم‪ ،‬فمسجد‬
‫رسول اهلل ‘ بطريق األولى واألحرى‪ ..‬وقد قال بأن مسجد النبي ‘ جماعة من‬
‫السلف والخلف‪ ،‬وهو مروي عن عمر بن الخطاب‪ ،‬وابن عبد اهلل‪ ،‬وزيد بن ثابت‪،‬‬
‫وسعيد بن المسيب‪ .‬واختاره ابن جرير<‪ ،‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)214/4‬‬
‫وقال الطاهر‪> :‬ووج الجمع بين هذين عندي أن يكون المراد بقول تعالى‪ :‬لمسجد‬
‫أسس على التقوى من أول يوم المسجد الذي هذه صفت ًل مسجدا واحدا معينا‪،‬‬
‫فيكون هذا الوصف كليا انحصر في فردين المسجد النبوي ومسجد قباء‪ ،‬فأيهما‬
‫صلى في رسول اهلل ‘ في الوقت الذي دعوه في للصالة في مسجد الضرار كان‬
‫ذلك أحق وأجدر‪ ،‬فيحصل النجاء من حظ الشيطان في اًلمتناع من الصالة في‬
‫مسجدهم‪ ،‬ومن مطاعنهم أيضا<‪ ،‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)32/11‬‬
‫‪144‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫أوصاف الرجال الذين يقومون بحق هذا المسجد‪ ،‬وأنهم يحبون‬


‫الطهارة‪ ،‬فقد مدحوا‪ ،‬ألنهم كانوا يستنجون بالماء من الغائط والبول‪،‬‬
‫ًل خالف في هذا التفسير بين أهل التفسيرا‪.)1‬‬
‫ثم عقدت المقارنة بين الفريقين‪ ،‬أي هؤًلء الذين بنوا المساجد‬
‫خير أيها الناا عندكم‪ ،‬الذين ابتدءوا بناء مسجدهم على اتقاء اهلل‬
‫بطاعتهم في بنائ ‪ ،‬وأداء فرائض ورضا من اهلل لبنائهم ما بنوه من ذلك‪،‬‬
‫وفعلهم ما فعلوه خير‪ ،‬أم الذين ابتدءوا بناء مسجدهم على شفا جرف‬
‫هار يعني بقول ‪{ :‬ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ} على حرف‪ ،‬أي‪ :‬شفير‪{ ،‬ﲆ}‬
‫والجرف‪ :‬ما ينجرف بالسيول من األودية‪ ،‬وهو جانبها الذي ينحفر‬
‫واهيا‪ً ،‬ل يثبت‪ ،‬وينهار بصاحب في نار جهنم‪.‬‬
‫بالماء أصل ‪ ،‬فيبقى ا‬
‫>أي‪ :‬انهار البنيان بالباني {ﲊ ﲋ ﲌ}؛ ألن معصية وفعل لما‬
‫كره اهلل من الضرار والكفر والتفريق بين المؤمنين‪ ،‬وهذه اآلية بيان‬
‫عما يوجب تأسيس البنيان على التقوى من اهلل والرضوان من أن صاحب‬
‫هو األفضل‪ ،‬مما يجب ل من ثواب اهلل وكرامت ‪ ،‬خالف من أسس على‬
‫الفساد‪ ،‬فكان كمن بني على شفير النار<ا‪.)2‬‬
‫أي هذين الفريقين خير‪ ،‬وأي هذين البناءين أثبت‪ ،‬أمن ابتدأ‬
‫أساا بنائ على طاعة اهلل وعلم من بأن بناءه هلل طاعة واهلل ب راض‪،‬‬
‫أم من ابتدأه بنفاق وضالل وعلى غير بصيرة من بصواب فعل من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الهداية إلى بلوغ النهاية‪ :‬ا‪.)3158/4‬‬
‫ا‪ )2‬التفسير البسيط‪ ،‬للواحدي‪ :‬ا‪.)58/11‬‬
‫‪145‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل اإلميان‬

‫خطئ ‪ ،‬فهو ًل يدري متى يتبين ل خطأ فعل وعظيم ذنب فيهدم ‪.‬‬
‫{ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬ ‫وقول تعالى‪:‬‬
‫ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ} [التوبة‪ ]110 :‬يقول تعالى ذكره‪ً :‬ل يزال بنيان‬
‫هؤالء الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا {ﲙ} يقول‪ً :‬ل يزال مسجدهم‬
‫الذي بنوه ريبة في قلوبهم‪ ،‬يعني شكا ونفاقا في قلوبهم‪ ،‬يحسبون أنهم‬
‫كانوا في بنائ محسنين‪{ .‬ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ} يعني إًل أن تتصدع‬
‫قلوبهم فيموتوا‪ ،‬واهلل عليم بما علي هؤًلء المنافقون الذين بنوا مسجد‬
‫الضرار من شكهم في دينهم وما قصدوا في بنائهم وأرادوه وما إلي‬
‫صائر أمرهم في اآلخر وفي الحياة ما عاشوا‪ ،‬وبغير ذلك من أمرهم‬
‫وأمر غيرهم‪ ،‬حكيم في تدبيره إياهم وتدبير جميع خلق ‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ ـ االستبشار والفرح بآيات اهلل‪.‬‬
‫{ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ} [التوبة‪.]124 :‬‬
‫{ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ} بالعلم بها‪ ،‬وفهمها‪ ،‬واعتقادها‪،‬‬
‫والعمل بها‪ ،‬والرغبة في فعل الخير‪ ،‬واًلنكفاف عن فعل الشر‪.‬‬
‫{ﱤ ﱥ} أي‪ :‬يبشر بعضهم بعضا بما من اهلل عليهم‬
‫من آيات ‪ ،‬والتوفيق لفهمها والعمل بها‪ .‬وهذا دال على انشراح صدورهم‬
‫آليات اهلل‪ ،‬وطمأنينة قلوبهم‪ ،‬وسرعة انقيادهم لما تحثهم علي ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬تيسير الكريم الرحمن‪ :‬ا‪.)356‬‬
‫‪146‬‬
‫الصنف األول‪ :‬األعراب‬

‫الصنف اثلالث‪ :‬األعراب‬

‫لفظ‪ :‬ااألعراب) هو في األصل‪> :‬اسم لبادية العرب‪ ،‬فإن كل أمة‬


‫لها حاضرة وبادية‪ ،‬فبادية العرب‪ :‬األعراب‪ ،‬ويقال‪ :‬إن بادية الروم‪:‬‬
‫األرمن ونحوهم‪ ،‬وبادية الفرا‪ :‬األكراد ونحوهم‪ ،‬وبادية الترك التتار‪.‬‬
‫والتحقيق‪ :‬أن سائر سكان البوادي لهم حكم األعراب‪ ،‬سواء‬
‫دخلوا في لفظ األعراب أو لم يدخلوا‪ ،‬فهذا األصل يوجب أن يكون‬
‫جنس الحاضرة أفضل من جنس البادية‪ ،‬وإن كان بعض أعيان البادية‬
‫مثال<ا‪.)1‬‬
‫أفضل من أكثر الحاضرة‪ ،‬ا‬
‫وًل بد أن يعلم أن نفس األعرابية واألعجمية ليست مذمومة في‬
‫نفسها عند اهلل تعالى وعند رسول وعند عباده المؤمنين‪ ،‬بل األعراب‬
‫منقسمونا‪:)2‬‬
‫{ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬ ‫‪ 1‬ــ أهل جفاء‪ ،‬قال اهلل فيهم‪:‬‬
‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬اقتضاء الصراط المستقيم‪ :‬ا‪.)418/1‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬اقتضاء الصراط المستقيم‪ :‬ا‪.)410/1‬‬
‫‪147‬‬
‫الصنف األول‪ :‬األعراب‬

‫ﲫا‪[ })1‬التوبة‪ 97 :‬ــ ‪]98‬ا‪.)2‬‬


‫يقول الطبري‪> :‬األعراب أشد جحودا لتوحيد اهلل‪ ،‬وأشد نفاقا من‬
‫أهل الحضر في القرى واألمصار‪ ،‬وإنما وصفهم جل ثناؤه بذلك‬
‫لجفائهم وقسوة قلوبهم وقلة مشاهدتهم ألهل الخير‪ ،‬فهم لذلك أقسى‬
‫قلوبا وأقل علما بحقوق اهلل<ا‪.)3‬‬
‫{ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬ ‫وقال‪:‬‬
‫ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬
‫ﱳ ﱴ} [التوبة‪]101 :‬ا‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫>والمعنى‪ :‬ومن األعراب من يعد ما ينفق فيما ندب اهلل‪ ، ،‬إلي {ﲠ} ًل‬ ‫ا‪)1‬‬
‫ثواب ل في ‪{ ،‬ﲡ ﲢ ﲣ} أي‪ :‬ينتظر بكم ما تدور ب األيام والليالي من‬
‫المكروه والسوء‪{ ،‬ﲥ ﲦ ﲧﲨ}‪ ،‬أي‪ :‬عليهم يرجع المكرو والسوء<‪،‬‬
‫الهداية‪ ،‬لمكي‪ :‬ا‪.)3103/4‬‬
‫يقول المعلمي‪> :‬وأما األعراب‪ ،‬فإن اهلل تبارك وتعالى كشف أمرهم بموت رسول‬ ‫ا‪)2‬‬
‫بالنبي ـ ‘ ـ ما‬
‫ّ‬ ‫فيتبين أن لم يحصل لهم باًلجتماع‬
‫ـ ‘ ـ‪ ،‬فارت َّد المنافقون منهم‪َّ ،‬‬
‫يستقر لهم ب اسم الصحبة الشرعية‪ ،‬فمن أسلم بعد ذلك منهم فحكم حكم‬ ‫ُّ‬
‫التابعين<‪ ،‬آثار المعلمي‪ :‬ا‪.)367/12‬‬
‫جامع البيان‪ :‬ا‪.)632/11‬‬ ‫ا‪)3‬‬
‫وتنب إلى أن القدح في الصحابة بهذه اآلية ًل يرتد إًل على القادح‪ ،‬فإن إن قال‬ ‫ا‪)4‬‬
‫عدًل من هو كافر مجروح<‪ ،‬فإن الجواب‬ ‫صحابيا ا‬
‫ًّ‬ ‫>دلّت اآلية على أ ّن فيمن يع ّدون‬
‫عن ذلك من وجوه‪:‬‬
‫الزنادقة القادحة على أهل اإلسالم‪ً ،‬ل من شب من‬ ‫‪ 1‬ــ أن هذا يصلح من شب ّ‬
‫من ظا ِه ُر ُه العدالة=‬
‫ينتسب لإلسالم‪ ،‬ألن يمكن أن يقال‪ :‬إن اآلية دلت على أ َّن في ْ‬
‫‪148‬‬
‫الصنف األول‪ :‬األعراب‬

‫{ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬ ‫وقال‪:‬‬
‫ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬
‫ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕ‬
‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ} [الفتح‪ 11 :‬ــ ‪]12‬ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فيجب تر ُك حديث‬
‫ُ‬ ‫طريق إلى العلم ب ِ‪،‬‬
‫َ‬ ‫مجروح‪ ،‬وًل‬
‫ٌ‬ ‫الصحابة م ْن ُهو ِ‬
‫مناف ٌق‬ ‫= ِم َن َّ‬
‫َ َ‬
‫الصحابة ِ كلِّهم‪.‬‬‫َّ‬
‫‪ 2‬ــ أ ّن اإلجماع منعقد على اًلعتبار بالظّاهر دون الباطن‪ ،‬ومن نجم نفاق وظهر كفره‬
‫ترك حديث ‪ ،‬ومن ظهر إسالم وأمانت وصدق قبل وإن كان في الباطن خالف ما ظهر‬
‫من ‪ ،‬فقد علمنا لما وجب علينا وبذلنا في طلب الحق جهدنا‪ ،‬وقد كان رسول اهلل‬
‫ـ ‘ ـ يعمل بالظّاهر ويتبرأ من علم الباطن‪ .‬وإلى ذلك اإلشارة بقول في هذه اآلية‪:‬‬
‫{ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ} [التوبة‪ ،]101 :‬فلو كان في هذا قدح على المح ّدثين‬
‫لتوج مثل على رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ .‬انظر‪ :‬العواصم والقواصم‪ :‬ا‪ ،)293/3‬والروض‬ ‫ّ‬
‫الباسم‪ :‬ا‪ 294/1‬ــ ‪.)295‬‬
‫الصحابة ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬رأيت ذكر أسمائهم‬ ‫الرواة من ّ‬
‫ا‪ )1‬يقول ابن الوزير‪> :‬وهذا ذكر جلّة ّ‬
‫ليعرف أ ّن حديثهم هو الذي يدور علي الفق وينبني علي العلم‪ ،‬وأ ّن أحاديث جفاة‬
‫بن على حديث‬ ‫األعراب المجاهيل شيء يسير نادر على تقدير وقوع ‪ ،‬فيعلم أ ّن لم يُ َ‬
‫جفاة األعراب حكم شرعي‪ ،‬فإن ا ّتفق ذلك ففي نادر األحوال ممن يستجيز ذلك من‬
‫الرواية عنهم كان ل في‬ ‫أهل العلم من غير ضرورة إلى ذلك‪ .‬فإ ّن لو لم يستجز ّ‬
‫السنّة واإلجماع‪ ،‬وصحيح القياا غنية وكفاية‪.‬‬ ‫صح من ّ‬
‫القرآن وما ّ‬
‫احتج عليها الفقهاء‬
‫ّ‬ ‫أردت أن تعرف صدق هذا الكالم فأرنا المسائل التي‬ ‫ّ‬ ‫وإذا‬
‫والمح ّدثون بأحاديث الجفاة من األعراب من غير عموم من القرآن‪ ،‬وًل شاهد من‬
‫الرواة هم‬
‫سائر األدلّة‪ ،‬وفي عدم ذلك أو ندرت ما يدلّك على ما ذكرناه من أ ّن جلّة ّ‬
‫الضعيفة‪ ،‬والمسالك=‬ ‫الشب ّ‬ ‫عيون األصحاب ًل جفاة األعراب‪ ،‬فدع عنك هذه ّ‬
‫‪149‬‬
‫الصنف األول‪ :‬األعراب‬

‫{ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬ ‫‪ 2‬ــ أهل إيمان وبر‪ ،‬قال اهلل فيهم‪:‬‬


‫ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﲼ ﲽ ﲾ‬
‫ﲿ ﳀﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ} [التوبة‪.]98 :‬‬
‫وقد كان في أصحاب رسول اهلل ‘ ممن وفد علي ومن غيرهم‬
‫من األعراب‪ ،‬من هو أفضل من كثير من القرويين‪.‬‬
‫فهذا كتاب اهلل يحمد بعض األعراب‪ ،‬ويذم بعضهم‪ ،‬وكذلك فعل‬
‫بأهل األمصار‪ ،‬فقال سبحان ‪{ :‬ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬
‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ} [التوبة‪ ]101 :‬فبين أن المنافقين في األعراب‬
‫وذوي القرى‪ ،‬وعامة سورة التوبة فيها الذم للمنافقين من أهل المدينة‬
‫ومن األعراب‪ ،‬كما فيها الثناء على السابقين األولين من المهاجرين‬
‫واألنصار‪ ،‬والذين اتبعوهم بإحسان‪ ،‬وعلى األعراب الذين يتخذون ما‬
‫ينفقون قربات عند اهلل وصلوات الرسول‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية‪> :‬وإنما وج النهي عن مشابهة األعراب واألعاجم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وإما أن يكون من أهل العلم المج ّددين لما درا من آثاره‪ ،‬المجتهدين في‬
‫الوعرة‪ّ ،‬‬ ‫=‬
‫الر ّد على من أراد خفض ما رفع اهلل من مناره‪ ،‬وإًل فباهلل عليك أرحنا من تعفيتك‬
‫المطهرة‬
‫ّ‬ ‫لرسوم وتغييرك لوجوه ‪ ،‬فحديث رسول اهلل ـ ‘ ـ ركن الشريعة‬
‫يضر أهل اإلسالم جهالة بعض األعراب‪ ،‬فلنا من‬‫المحفوظة إلى يوم القيامة‪ ،‬وليس ّ‬
‫حديثهم غنية بما رواه عيون األصحاب<‪ ،‬الروض الباسم‪ :‬ا‪ 131/1‬ــ ‪.)132‬‬
‫‪150‬‬
‫الصنف األول‪ :‬األعراب‬

‫مع ما ذكرناه من الفضل فيهم‪ ،‬وعدم العبرة بالنسب والمكان مبني على‬
‫أصل‪ ،‬وذلك‪ :‬أن اهلل ‪ ‬جعل سكنى القرى يقتضي من كمال اإلنسان‬
‫في العلم والدين‪ ،‬ورقة القلوب‪ ،‬ما ًل يقتضي سكنى البادية‪ ،‬كما أن‬
‫البادية توجب من صالبة البدن والخلق‪ ،‬ومتانة الكالم ما ًل يكون في‬
‫القرى‪ ،‬هذا هو األصل‪.‬‬
‫وإن جاز تخلف هذا المقتضى لمانع‪ ،‬وكانت البادية أحيانا أنفع‬
‫من القرى‪ ،‬وكذلك جعل اهلل الرسل من أهل القرى‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ﲄ‬
‫ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ} [يوسف‪ ]109 :‬وذلك ألن‬
‫الرسل لهم الكمال في عامة األمور‪ ،‬حتى في النسب‪ ،‬ولهذا قال اهلل‬
‫سبحان ‪{ :‬ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬
‫ﲔ} [التوبة‪ ]97 :‬ذكر هذا بعد قول ‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ‬
‫ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬
‫ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬
‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬
‫ﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡ ﱢﱣ‬
‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ‬
‫ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ‬
‫ﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇ ﲈﲉﲊ‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ}‬
‫[التوبة‪ 93 :‬ــ ‪.]97‬‬
‫‪151‬‬
‫الصنف األول‪ :‬األعراب‬

‫فلما ذكر اهلل المنافقين الذين استأذنوه في التخلف عن الجهاد في‬


‫غزوة تبوك‪ ،‬وذمهم وهؤًلء كانوا من أهل المدينة‪ ،‬قال سبحان ‪:‬‬
‫{ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ}‬
‫[التوبة‪ ]97 :‬فإن الخير كل ــ أصل وفصل ــ منحصر في العلم واإليمان كما‬
‫قال سبحان ‪{ :‬ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ} [المجادلة‪]11 :‬‬

‫وقال تعالى‪{ :‬ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ} [الروم‪.]56 :‬‬


‫وضد اإليمان‪ :‬إما الكفر الظاهر‪ ،‬أو النفاق الباطن‪ ،‬ونقيض العلم‪:‬‬
‫عدم ‪.‬‬
‫فقال سبحان عن األعراب‪ :‬إنهم أشد كفرا ونفاقا من أهل المدينة‬
‫وأحرى منهم أن ًل يعلموا حدود الكتاب والسنة‪ ،‬والحدود‪ :‬هي حدود‬
‫األسماء المذكورة‪ ،‬فيما أنزل اهلل من الكتاب والحكمة‪ ،‬مثل‪ :‬حدود‬
‫الصالة والزكاة والصوم والحج‪ ،‬والمؤمن والكافر‪ ،‬والزاني والسارق‬
‫والشارب‪ ،‬وغير ذلك حتى يعرف من الذي يستحق ذلك االسم الشرعي‬
‫ممن ال يستحقه‪ ،‬وما تستحقه مسميات تلك األسماء‪ :‬من األحكام<ا‪.)1‬‬
‫فتبين من هذه النصوص‪ ،‬أن األعراب قوم يتميزون عن غيرهم من‬
‫األصناف بسمات وخصائص‪ ،‬وهي‪ :‬االجهل‪ ،‬مع الغلظة والجفاء)‪،‬‬
‫قوما من أهل اإليمان‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن منهم ا‬
‫فأخبر تعالى أن في األعراب كفارا ومنافقين ومؤمنين‪ ،‬وأن كفرهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬اقتضاء الصراط المستقيم‪ :‬ا‪ 415/1‬ــ ‪ ،)419‬بتصرف‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫الصنف األول‪ :‬األعراب‬

‫ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد‪ ،‬وأجدر‪ ،‬أي‪ :‬أحرى أًل يعلموا حدود‬
‫ما أنزل اهلل على رسول ا‪.)1‬‬
‫قال الطاهر‪> :‬وازديادهم في الكفر والنفاق هو بالنسبة لكفار‬
‫ومنافقي المدينة‪ ،‬ومنافقوهم أشد نفاقا من منافقي المدينة‪ ،‬وهذا‬
‫اًلزدياد راجع إلى تمكن الوصفين من نفوسهم‪ ،‬أي كفرهم أمكن في‬
‫النفوا من كفر كفار المدينة‪ ،‬ونفاقهم أمكن من نفوسهم كذلك‪ ،‬أي‬
‫أمكن في جانب الكفر من والبعد عن اإلقالع عن وظهور بوادر الشر‬
‫منهم‪ ،‬وذلك أن غلظ القلوب وجالفة الطبع تزيد النفوا السيئة وحشة‬
‫ونفورا‪ ...‬فإن األعراب لنشأتهم في البادية كانوا بعداء عن مخالطة أهل‬
‫العقول المستقيمة وكانت أذهانهم أبعد عن معرفة الحقائق وأمأل‬
‫باألوهام‪ ،‬وهم لبعدهم عن مشاهدة أنوار النبيء ‘ وأخالق وآداب وعن‬
‫تلقي الهدى صباح مساء أجهل بأمور الديانة وما ب تهذيب النفوا‪ ،‬وهم‬
‫لتوارثهم أخالق أسالفهم وبعدهم عن التطورات المدنية التي تؤثر سموا‬
‫في النفوا البشرية‪ ،‬وإتقانا في وضع األشياء في مواضعها‪ ،‬وحكمة‬
‫تقليدية تتدرج باألزمان‪ ،‬يكونون أقرب سيرة بالتوحش وأكثر غلظة في‬
‫المعاملة وأضيع للترا العلمي والخلقي‪....‬‬
‫فأما في األخالق التي تحمد فيها الخشونة والغلظة واًلستخفاف‬
‫بالعظائم مثل الشجاعة والصراحة وإباء الضيم والكرم فإنها تكون أقوى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)201/4‬‬
‫‪153‬‬
‫الصنف األول‪ :‬األعراب‬

‫في األعراب بالجبلة‪ ،‬ولذلك يكونون أقرب إلى الخير إذا اعتقدوه‬
‫وآمنوا ب <ا‪.)1‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد وفى اهلل المؤمنين من األعراب حقهم في الثناء‪ ،‬وهو‬
‫العليم الحكيم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)12/11‬‬
‫‪154‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫الصنف الرابع‪ :‬أهل انلفاق‬

‫>وأما النفاق‪ :‬فالداء العضال الباطن‪ ،‬الذي يكون الرجل ممتل ائا‬
‫من ‪ ،‬وهو ًل يشعر‪ ،‬فإن أمر خفي على الناا‪ ،‬وكثيرا ما يخفى على من‬
‫تلبس ب ‪ ،‬فيزعم أن مصلح وهو مفسد‪.‬‬
‫وهو نوعان‪ :‬أكبر‪ ،‬وأصغر‪.‬‬
‫فاألكبر يوجب الخلود في النار في دركها األسفل‪ ،‬وهو أن يظهر‬
‫للمسلمين إيمان باهلل ومالئكت وكتب ورسل واليوم اآلخر‪ ،‬وهو في‬
‫الباطن منسلخ من ذلك كل مكذب ب ‪ً ،‬ل يؤمن بأن اهلل تكلم بكالم أنزل‬
‫رسوًل للناا‪ ،‬يهديهم بإذن ‪ ،‬وينذرهم بأس ‪ ،‬ويخوفهم‬
‫ا‬ ‫على بشر جعل‬
‫عقاب ‪.‬‬
‫وقد هتك اهلل سبحان أستار المنافقين‪ ،‬وكشف أسرارهم في‬
‫القرآن‪ ،‬وجلى لعباده أمورهم‪ ،‬ليكونوا منها ومن أهلها على حذر‪ ،‬وذكر‬
‫طوائف العالم الثالثة في أول سورة البقرة‪ :‬المؤمنين‪ ،‬والكفار‪،‬‬
‫والمنافقين‪ ،‬فذكر في المؤمنين أربع آيات‪ ،‬وفي الكفار آيتين‪ ،‬وفي‬
‫المنافقين ثال عشرة آية‪ ،‬لكثرتهم وعموم اًلبتالء بهم‪ ،‬وشدة فتنتهم‬
‫على اإلسالم وأهل ‪ ،‬فإن بلية اإلسالم بهم شديدة جدا‪ ،‬ألنهم منسوبون‬
‫‪155‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫إلي ‪ ،‬وإلى نصرت ومواًلت ‪ ،‬وهم أعداؤه في الحقيقة‪ ،‬يخرجون عداوت‬


‫في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصالح‪ ،‬وهو غاية الجهل واإلفساد‪.‬‬
‫فلله كم من معقل لإلسالم قد هدموه؟! وكم من حصن له قد قلعوا‬
‫أساسه وخربوه؟! وكم من علم له قد طمسوه؟! وكم من لواء له مرفوع قد‬
‫وضعوه؟! وكم ضربوا بمعاول الشب في أصول غراس ليقلعوها؟! وكم‬
‫عموا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها؟!‪.‬‬
‫فال يزال اإلسالم وأهل منهم في محنة وبلية‪ ،‬وًل يزال يطرق من‬
‫شبههم سرية بعد سرية‪ ،‬ويزعمون أنهم بذلك مصلحون {ﲍ ﲎ ﲏ‬

‫ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ} [البقرة‪{ ،]12 :‬ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬


‫ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ} [الصف‪.]8 :‬‬
‫اتفقوا على مفارقة الوحي‪ ،‬فهم على ترك اًلهتداء ب مجتمعون‬
‫{ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ} [المؤمنون‪{ ،]53 :‬ﱡ‬
‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ} [األنعام‪ ]112 :‬وألجل ذلك {ﲬ‬
‫ﲭ ﲮ ﲯ} [الفرقان‪.]30 :‬‬
‫درست معالم اإليمان في قلوبهم فليسوا يعرفونها‪ ،‬ودثرت معاهده‬
‫عندهم فليسوا يعمرونها‪ ،‬وأفلت كواكب النيرة من قلوبهم فليسوا‬
‫يحبونها‪ ،‬وكسفت شمس عند اجتماع ظلم آرائهم وأفكارهم فليسوا‬
‫يبصرونها‪ ،‬لم يقبلوا هدى اهلل الذي أرسل ب رسول ‪ ،‬ولم يرفعوا ب‬
‫‪156‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫رأسا‪ ،‬ولم يروا باإلعراض عن إلى آرائهم وأفكارهم بأسا‪...‬‬


‫لبسوا ثياب أهل اإليمان على قلوب أهل الزيغ والخسران‪ ،‬والغل‬
‫والكفران‪ ،‬فالظواهر ظواهر األنصار‪ ،‬والبواطن قد تحيزت إلى الكفار‪،‬‬
‫فألسنتهم ألسنة المسالمين‪ ،‬وقلوبهم قلوب المحاربين‪ ،‬ويقولون {ﱠ‬
‫ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ} [البقرة‪.]8 :‬‬
‫رأا مالهم الخديعة والمكر‪ ،‬وبضاعتهم الكذب والختر‪ ،‬وعندهم‬
‫العقل المعيشي أن الفريقين عنهم راضون‪ ،‬وهم بينهم آمنون {ﱨ‬
‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ} [البقرة‪.]9 :‬‬
‫قد نهكت أمراض الشبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها‪ ،‬وغلبت‬
‫القصود السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها‪ ،‬ففسادهم قد ترامى إلى‬
‫الهالك‪ ،‬فعجز عن األطباء العارفون {ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ‬
‫ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ} [البقرة‪.]10 :‬‬
‫من علقت مخالب شكوكهم بأديم إيمان مزقت كل تمزيق‪ ،‬ومن‬
‫تعلق شرر فتنتهم بقلبه ألقاه في عذاب الحريق‪ ،‬ومن دخلت شبهات تلبيسهم‬
‫في مسامعه حال بين قلبه وبين التصديق‪ ،‬ففسادهم في األرض كثير‪ ،‬وأكثر‬
‫الناا عن غافلون {ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬
‫ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ} [البقرة‪ 11 :‬ــ ‪.]12‬‬
‫لكل منهم وجهان‪ ،‬وج يلقى ب المؤمنين‪ ،‬ووج ينقلب ب إلى‬
‫‪157‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫إخوان من الملحدين‪ ،‬ول لسانان‪ :‬أحدهما يقبل بظاهره المسلمون‪،‬‬


‫واآلخر يترجم ب عن سره المكنون {ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬
‫ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ} [البقرة‪<]14 :‬ا‪.)1‬‬
‫وقد سبق بيان كون هذه السورة هي الفاضحة ألهل النفاق‪ ،‬فقد‬
‫بينت أوصافهم أيما بيان‪ ،‬ونحن نذكر من ذلك ما هو ظاهر لمن تأمل‬
‫السورة الكريمة‪ ،‬فمن أوصافهما‪:)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مدارج السالكين‪ :‬ا‪ ،)354/1‬وما بعده‪.‬‬
‫صاحبا للمالبسة الظاهرة‪ ،‬وهذا من التوسع في إطالق‬ ‫ا‬ ‫ا‪ )2‬وتنب إلى أن المنافق قد يسمى‬
‫شير في على‬ ‫الحديث الذي أ ُ َ‬
‫ُ‬ ‫لفظ الصحبة‪ ،‬كما قال ابن الوزير‪ ...> :‬ومن ذلك‬
‫رأا المنافقين فقال ـ ‪ ‬ـ‪> :‬إنِّي أَ ْك َر ُه أَ ْن‬
‫بي َ‬‫النبي ـ ‘ ـ أن يقتل عبد اهلل بن أُ ٍّ‬ ‫ِّ‬
‫صاحبا مع العلم بالنِّفاق للمالبسة الظاهرة مع‬ ‫ا‬ ‫يُ َقال‪ :‬إ َّن ُم َح َّم ادا ي ْق ُت ُل أَ ْص َحابَ < َّ‬
‫فسماه‬
‫العلم ب ُكفرِه الذي يقتضي العداو َة‪ ،‬ويمحو اسم الصحبة في الحقيقة العرفية<‪،‬‬
‫العواصم والقواصم‪ :‬ا‪ ،)390/1‬وليس معنى هذا أن أهل النفاق يدخلون في حد‬
‫الصحبة‪ ،‬وذلك ألمور‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ أن أهل النفاق إنما أظهروا اإليمان‪ ،‬وأبطنوا الكفر‪ ،‬وهذا مفارق لحد الصحابي‪،‬‬
‫فإن اإليمان شرط في ‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أن التقييد بالموت على اإليمان يخرجهم كذلك‪.‬‬
‫ويتبين بمعرفة أوصاف المنافقين‪ ،‬وأحوالهم التي كانوا عليها‪ ،‬الفرق بينهم‪ ،‬وبين‬
‫ذليال‪ ،‬يحلف على الكذب أمام فريق‬ ‫أصحاب النبي ‘‪ ،‬فإن اآليات تذكر فري اقا ا‬
‫قوي ظاهر ل شوكة‪.‬‬
‫أوًل‪ :‬فال ريب أن المنافقين كانوا مغمورين أذًلء مقهورين‪ً ،‬ل سيما في آخر أيام‬ ‫ا‬
‫النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬وفي غزوة تبوك ؛ ألن اهلل تعالى قال‪{ :‬ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ‬
‫ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ}=‬
‫‪158‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫‪ 1‬ــ التخلف عن نصرة الدين‪ ،‬وجهاد أعداء اهلل‪ ،‬وكثرة االعتذار‬


‫عن شهود موا ف الحق‪ ،‬واالرتياب والشك‪.‬‬
‫فقد بين اهلل تعالى أن غاية المنافق إنما هي الدنيا‪ً ،‬ل يرفع لآلخرة‬
‫رأ اسا‪ ،‬وًل يقيم لها وز انا‪ ،‬فهو في أمور الدنيا مسارع‪ ،‬وفي أمر اآلخرة‬
‫قاعد‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬
‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬
‫ﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮ‬
‫ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫[سورة المنافقين‪ ،]8 :‬فأخبر أن العزة للمؤمنين ًل للمنافقين‪ ،‬فعلم أن العزة والقوة‬ ‫=‬
‫كانت في المؤمنين‪ ،‬وأن المنافقين كانوا أذًلء بينهم‪.‬‬
‫فيمتنع أن يكون الصحابة الذين كانوا أعز المسلمين من المنافقين‪ ،‬بل ذلك يقتضي‬
‫أن من كان أعز كان أعظم إيمانا‪ ،‬ومن المعلوم أن السابقين األولين من المهاجرين‬
‫واألنصار ــ الخلفاء الراشدين وغيرهم ــ كانوا أعز الناا‪ ،‬وهذا كل مما يبين أن‬
‫المنافقين كانوا ذليلين في المؤمنين‪ ،‬فال يجوز أن يكون األعزاء من الصحابة منهم<‪،‬‬
‫انظر‪ :‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)46/2‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن الصحابة كانوا يعرفون أهل النفاق‪ ،‬كما قال كعب بن مالك >فكنت إذا‬ ‫ا‬
‫خرجت في الناا بعد خروج رسول اهلل ‘ فطفت فيهم‪ ،‬أحزنني أني ًل أرى إًل‬
‫رجال مغموصا علي النفاق‪ ،‬أو رجال ممن عذر اهلل من الضعفاء<‪ ،‬فكانوا في أواخر‬
‫عهد النبي ‘ يتميزون‪ ،‬ويعرفون‪.‬‬
‫ومن تأمل الصفات التي نذكرها ألهل النفاق‪ ،‬وقارنها بما ذكره اهلل عن أهل اإليمان‪،‬‬
‫طالبا الهدى بان ل طريق الحق‪ ،‬وسنجيب بحول اهلل في ثنايا البحث‬ ‫وتدبر القرآن ا‬
‫عما قد يعترض ب معترض فيذكر أن اآليات ًل تشمل الصحابة جمي اعا‪ ،‬وإنما هي‬
‫مقصورة على قوم دون قوم!!!‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄ‬
‫ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬
‫ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ} [التوبة‪ 42 :‬ــ ‪.]45‬‬
‫يقول الطبري‪> :‬يقول جل ثناؤه للنبي ‘‪ ،‬وكانت جماعة من‬
‫أصحاب قد استأذنوه في التخلف عن حين خرج إلى تبوك فأذن لهم‪ :‬لو‬
‫كان ما تدعو إلي المتخلفين عنك والمستأذنيك في ترك الخروج معك‬
‫إلى مغزاك الذي استنفرتهم إلي {ﱔ ﱕ} يقول‪ :‬غنيمة حاضرة‬
‫{ﱖ ﱗ} يقول‪ :‬وموضعا قريبا سهال‪{ .‬ﱘ} ونفروا‬
‫معك إليهما‪ ،‬ولكنك استنفرتهم إلى موضع بعيد‪ ،‬وكلفتهم سفرا شاقا‬
‫عليهم؛ ألنك استنهضتهم في وقت الحر وزمان القيظ وحين الحاجة‬
‫إلى الكن‪.‬‬
‫{ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ} يقول تعالى‬
‫ذكره‪ :‬وسيحلف لك يا محمد هؤًلء المستأذنوك في ترك الخروج معك‬
‫اعتذارا منهم إليك بالباطل‪ ،‬لتقبل منهم عذرهم‪ ،‬وتأذن لهم في التخلف‬
‫عنك باهلل كاذبين‪ :‬لو استطعنا لخرجنا معكم‪ ،‬يقول‪ :‬لو أطقنا الخروج‬
‫معكم بوجود السعة والمراكب والظهور وما ًل بد للمسافر والغازي من ‪،‬‬
‫وصحة البدن والقوى‪ ،‬لخرجنا معكم إلى عدوكم‪{ .‬ﱤ ﱥ}‬
‫يقول‪ :‬يوجبون ألنفسهم بحلفهم باهلل كاذبين الهالك والعطب؛ ألنهم‬
‫يورثونها سخط اهلل ويكسبونها أليم عقاب ‪{ .‬ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ}‬
‫‪160‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫في حلفهم باهلل لو استطعنا لخرجنا معكم؛ ألنهم كانوا للخروج مطيقين‬
‫بوجود السبيل إلى ذلك بالذي كان عندهم من األموال مما يحتاج إليه‬
‫الغازي في غزوه والمسافر في سفره وصحة األبدان وقوى األجسام<ا‪.)1‬‬
‫>{ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬ ‫ثم قال‪:‬‬
‫ﱶ ﱷ} [التوبة‪]43 :‬ا‪ )2‬وهذا عتاب من اهلل تعالى ذكره عاتب‬
‫ب نبي ‘ في إذن لمن أذن ل في التخلف عن حين شخص إلى تبوك‬
‫لغزو الروم من المنافقين‪ .‬يقول جل ثناؤه‪{ :‬ﱫ ﱬ ﱭ} يا محمد ما‬
‫كان منك في إذنك لهؤًلء المنافقين الذي استأذنوك في ترك الخروج‬
‫معك‪ ،‬وفي التخلف عنك من قبل أن تعلم صدق من كذب ‪{ .‬ﱮ ﱯ‬
‫ﱰ} ألي شيء أذنت لهم‪{ .‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬
‫ﱷ} يقول‪ :‬ما كان ينبغي لك أن تأذن لهم في التخلف عنك؛‬
‫إذ قالوا لك‪ :‬لو استطعنا لخرجنا معك‪ ،‬حتى تعرف من له العذر منهم في‬
‫تخلفه ومن ال عذر له منهم‪ ،‬فيكون إذنك لمن أذنت له منهم على علم منك‬
‫بعذره‪ ،‬وتعلم من الكاذب منهم المتخلف نفاقا وشكا في دين اهلل<ا‪.)3‬‬
‫ثم ذكر اهلل سيما أهل النفاق‪ ،‬فقال‪{ :‬ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬
‫[التوبة‪]44 :‬‬ ‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄ ﲅ ﲆ ﲇ}‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪ 476/11‬ــ ‪.)477‬‬
‫ا‪ )2‬قال الطاهر‪> :‬وافتتاح العتاب باإلعالم بالعفو إكرام عظيم‪ ،‬ولطافة شريفة‪ ،‬فأخبره‬
‫بالعفو قبل أن يباشره بالعتاب<‪ ،‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)210/10‬‬
‫ا‪ )3‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)477/11‬‬
‫‪161‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫>وهذا إعالم من اهلل نبي ‘ سيما المنافقين أن من عالماتهم التي‬


‫يعرفون بها تخلفهم عن الجهاد في سبيل اهلل باستئذانهم رسول اهلل ‘‬
‫في تركهم الخروج مع إذا استنفروا بالمعاذير الكاذبة‪.‬‬
‫يقول جل ثناؤه لنبي محمد ‘‪ :‬يا محمد ًل تأذنن في التخلف‬
‫عنك إذا خرجت لغزو عدوك لمن استأذنك في التخلف من غير عذر‪،‬‬
‫فإن ًل يستأذنك في ذلك إًل منافق ًل يؤمن باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬فأما‬
‫الذي يصدق باهلل ويقر بوحدانيت وبالبعث والدار اآلخرة والثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬فإن ًل يستأذنك في ترك الغزو وجهاد أعداء اهلل بمال ونفس ‪.‬‬
‫{ﲅ ﲆ ﲇ} يقول‪ :‬واهلل ذو علم بمن خاف فاتقاه بأداء‬
‫فرائض واجتناب معاصي والمسارعة إلى طاعت في غزو عدوه وجهادهم‬
‫بمال ونفس ‪ ،‬وغير ذلك من أمره ونهي <ا‪.)1‬‬
‫>{ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬ ‫ثم قال‪:‬‬
‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ} [التوبة‪ ]45 :‬يقول تعالى ذكره‬
‫لنبيه ‘‪ :‬إنما يستأذنك يا محمد في التخلف خالفك‪ ،‬وترك الجهاد معك‬
‫من غير عذر بين الذين ال يصدقون باهلل‪ ،‬وال يقرون بتوحيده‪{ .‬ﲑ‬
‫ﲒ} يقول‪ :‬وشكت قلوبهم في حقيقة وحدانية اهلل‪ ،‬وفي ثواب أهل‬
‫طاعت ‪ ،‬وعقاب أهل معاصي ‪{ .‬ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ} يقول‪ :‬في‬
‫شكهم متحيرون‪ ،‬وفي ظلمة الحيرة مترددون‪ً ،‬ل يعرفون حقا من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)480/11‬‬
‫‪162‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫باطل‪ ،‬فيعملون على بصيرة‪ .‬وهذه صفة المنافقين<ا‪.)1‬‬


‫{ﳅ ﳆ‬ ‫ضا مبينا كراهيتهم وتخوفهم من الجهاد‪:‬‬
‫وقال تعالى أي ا‬
‫ﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓ‬
‫ﳔ ﳕ ﳖ} [سورة التوبة‪.]86 :‬‬
‫والمقصود بأولي الطول هنا‪ :‬ذوو الغنى والمال منهم‪ ،‬يقول‬
‫الرازي‪> :‬واعلم أنه تعالى بين في اآليات المتقدمة أن المنافقين احتالوا في‬
‫رخصة التخلف عن رسول اهلل ‘ والقعود عن الغزو‪ ،‬وفي هذه اآلية زاد‬
‫دقيقة أخرى‪ ،‬وهي أنه متى نزلت آية مشتملة على األمر باإليمان وعلى‬
‫األمر بالجهاد مع الرسول‪ ،‬استأذن أولو الثروة والقدرة منهم في التخلف‬
‫عن الغزو‪ ،‬وقالوا لرسول اهلل ذرنا نكن مع القاعدين أي مع الضعفاء من‬
‫الناا والساكنين في البلد<ا‪.)2‬‬
‫{ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ‬ ‫وجعل اهلل السبيل عليهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬
‫ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬
‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬
‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ} [التوبة‪ 93 :‬ــ ‪،]94‬‬
‫والمعنى‪ :‬إنما السبيل بالعقوبة على من استأذن في التخلف عن الغزو‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪ 480/11‬ــ ‪.)481‬‬
‫ا‪ )2‬مفاتيح الغيب‪ :‬ا‪.)118/16‬‬
‫‪163‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫وهو غني‪ ،‬ورضي بأن يخلف مع النساء اللواتي هن خوالف للرجال في‬
‫البيوتا‪.)1‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد ذكر اهلل تعالى عن أحد زعماء المنافقين أن استأذن في‬
‫غزوة تبوك‪ ،‬قال اهلل تعالى‪{ :‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ‬
‫ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [التوبة‪.]49 :‬‬
‫وأخرج الطبري عن جماعة أن رسول اهلل ‘ ذات يوم وهو في‬
‫جهازه قال للجد بن قيس أخي بني سلمة‪> :‬هل لك يا جد العام في‬
‫جالد بني األصفر؟< فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أو تأذن لي وًل تفتني؟ فواهلل‬
‫عجبا بالنساء مني‪ ،‬وإني أخشى إن رأيت‬ ‫لقد عرف قومي ما رجل أشد ا‬
‫نساء بني األصفر أن ًل أصبر عنهن‪ ،‬فأعرض عن رسول اهلل ‘‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫>أذنت لك<‪ ،‬ففي الجد بن قيس نزلت هذه اآلية {ﱒ ﱓ ﱔ‬
‫ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ} [التوبة‪ ]49 :‬اآلية‪ ،‬أي إن كان إنما يخشى الفتنة من‬
‫نساء بني األصفر‪ ،‬وليس ذلك ب ‪ ،‬فما سقط في من الفتنة بتخلف عن‬
‫رسول اهلل ‘ والرغبة بنفس عن نفس أعظما‪.)2‬‬
‫قال ابن تيمية‪> :‬ولما كان في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫والجهاد في سبيل اهلل من اًلبتالء والمحن ما يعرض ب المرء للفتنة‪،‬‬
‫صار في الناا من يتعلل لترك ما وجب علي من ذلك بأن يطلب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الهداية‪ ،‬لمكي‪ :‬ا‪.)3101/4‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪.)492/11‬‬
‫‪164‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫{ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫السالمة من الفتنة‪ ،‬كما قال عن المنافقين‪:‬‬


‫ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ} [التوبة‪ ،]49 :‬وقد ذكر في التفسير أنها نزلت في‬
‫الجد بن قيس لما أمره النبي ‘ بالتجهز لغزو الروم ــ وأظن قال‪> :‬هل‬
‫لك في نساء بني األصفر<؟ ــ فقال يا رسول اهلل‪ :‬إني رجل ًل أصبر‬
‫على النساء‪ ،‬وإني أخاف الفتنة بنساء بني األصفر‪ ،‬فأذن لي وًل تفتني‪،‬‬
‫وهذا الجد هو الذي تخلف عن بيعة الرضوان تحت الشجرة‪ ،‬واستتر‬
‫بجمل أحمر‪ ،‬وجاء في الحديث‪> :‬إن كلهم مغفور ل إًل صاحب‬
‫الجمل األحمر<‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى في ‪{ :‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬
‫ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ} [التوبة‪.]49 :‬‬
‫يقول‪ :‬إن طلب القعود ليسلم من فتنة النساء‪ ،‬فال يفتن بهن‪،‬‬
‫فيحتاج إلى اًلحتراز من المحظور ومجاهدة نفس عن فيتعذب بذلك أو‬
‫يواقع فيأثم‪ ،‬فإن من رأى الصور الجميلة وأحبها فإن لم يتمكن منها إما‬
‫لتحريم الشارع وإما للعجز عنها يعذب قلب ‪ ،‬وإن قدر عليها وفعل‬
‫المحظور هلك‪ ،‬وفي الحالل من ذلك من معالجة النساء ما في بالء‪،‬‬
‫فهذا وج قول ‪{ :‬ﱗ ﱘﱙ}‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪{ :‬ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ}‪ ،‬يقول نفس إعراض عن‬
‫الجهاد الواجب ونكول عن وضعف إيمان ومرض قلب الذي زين ل ترك‬
‫الجهاد‪ :‬فتنة عظيمة قد سقط فيها‪ ،‬فكيف يطلب التخلص من فتنة صغيرة‬
‫لم تصب بوقوع في فتنة عظيمة قد أصابت ؛ واهلل يقول‪{ :‬ﲤ ﲥ‬
‫ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ} [األنفال‪.]39 :‬‬
‫‪165‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫فمن ترك القتال الذي أمر اهلل ب لئال تكون فتنة‪ :‬فهو في الفتنة‬
‫ساقط بما وقع في من ريب قلب ومرض فؤاده‪ ،‬وترك ما أمر اهلل ب من‬
‫الجهاد<ا‪.)1‬‬
‫بل إنهم يفرحون بالتخلف عن رسول اهلل‪ ،‬ويرضون ألنفسهم‬
‫ذلك‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬
‫ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ‬
‫ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ} [التوبة‪.]81 :‬‬
‫قال ابن كثير‪> :‬يقول تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة‬
‫رسول اهلل ‘ في غزوة تبوك‪ ،‬وفرحوا بمقعدهم بعد خروج ‪{ ،‬ﱣ‬
‫ﱤ ﱥ} مع {ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ} أي‪ :‬بعضهم‬
‫لبعض‪{ :‬ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ}؛ وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في‬
‫شدة الحر‪ ،‬عند طيب الظالل والثمار‪ ،‬فلهذا قالوا {ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ} قال‬
‫اهلل تعالى لرسوله‪{ :‬ﱱ} لهم‪{ :‬ﱲ ﱳ} التي تصيرون إليها بسبب‬
‫مخالفتكم {ﱴ ﱵ} مما فررتم منه من الحر‪ ،‬بل أشد حرا من النار<ا‪،)2‬‬
‫وقال السعدي‪> :‬يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم وعدم‬
‫مباًلتهم بذلك‪ ،‬الدال على عدم اإليمان‪ ،‬واختيار الكفر على اإليمان‪.‬‬
‫{ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} وهذا قدر زائد على مجرد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬اًلستقامة‪ً ،‬لبن تيمية‪ :‬ا‪ ،)287/2‬ومجموع الفتاوى‪ :‬ا‪.)166/28‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)189/4‬‬
‫‪166‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫التخلف‪ ،‬فإن هذا تخلف محرم‪ ،‬وزيادة رضا بفعل المعصية‪ ،‬وتبجح‬
‫ب‪.‬‬
‫{ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ} وهذا بخالف‬
‫المؤمنين الذين إذا تخلفوا ــ ولو لعذر ــ حزنوا على تخلفهم وتأسفوا‬
‫غاية األسف‪ ،‬ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اهلل‪ ،‬لما‬
‫في قلوبهم من اإليمان‪ ،‬ولما يرجون من فضل اهلل وإحسان وبره‬
‫وامتنان ‪.‬‬
‫{ﱫ} أي‪ :‬المنافقون {ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ} أي‪ :‬قالوا إن النفير‬
‫مشقة علينا بسبب الحر‪ ،‬فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة األبدية‬
‫التامة‪.‬‬
‫وحذروا من الحر الذي يقي من الظالل‪ ،‬ويذهب البكر واآلصال‪،‬‬
‫على الحر الشديد الذي ًل يقادر قدره‪ ،‬وهو النار الحامية‪.‬‬
‫ولهذا قال‪{ :‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ} لما آثروا ما يفنى‬
‫على ما يبقى‪ ،‬ولما فروا من المشقة الخفيفة المنقضية‪ ،‬إلى المشقة‬
‫الشديدة الدائمة<ا‪.)1‬‬

‫‪ 2‬ــ الكذب‪ ،‬واستباحة اإل سام عليه‪.‬‬


‫{ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬ ‫وذلك كما قال اهلل تعالى عنهم‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تيسير الكريم الرحمن‪ :‬ا‪.)346‬‬
‫‪167‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫{ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫ﱢ ﱣ} في قول سبحان ‪:‬‬


‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬
‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ} [التوبة‪.]42 :‬‬
‫>هذه اآلية نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك‪،‬‬
‫قريبا ًلتبعوك طم اعا‬
‫ومعنى الكالم أن لو كانت المنافع قريبة والسفر ا‬
‫منهم في الفوز بتلك المنافع‪ ،‬ولكن طال السفر فكانوا كاآليسين من‬
‫الفوز بالغنيمة‪ ،‬بسبب أنهم كانوا يستعظمون غزو الروم‪ ،‬فلهذا السبب‬
‫تخلفوا‪.‬‬
‫ثم أخبر اهلل تعالى أن إذا رجع من الجهاد يجدهم يحلفون باهلل لو‬
‫استطعنا لخرجنا معكم‪ ،‬إما عند ما يعاتبهم بسبب التخلف‪ ،‬وإما ابتداء‬
‫على طريقة إقامة العذر في التخلف‪ ،‬ثم بين تعالى أنهم يهلكون أنفسهم‬
‫بسبب ذلك الكذب والنفاق‪ ،‬وهذا يدل على أن األيمان الكاذبة توجب‬
‫الهالك<ا‪.)1‬‬

‫{ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬


‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ‬
‫ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬

‫ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [التوبة‪.]74 :‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير الرازي‪ :‬ا‪.)57/16‬‬
‫‪168‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫على رضا الناس‪.‬‬ ‫‪ 3‬ــ الحر‬


‫فالحرص على إرضاء الناا حتى وإن غضب اهلل عليهم؛ يدفعهم‬
‫إلى الحلف كذ ابا وزو ارا‪.‬‬
‫{ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﱝ} [التوبة‪ ،]56 :‬والمعنى‪ ،‬أن هؤًلء المنافقين يحلفون لكم‪ ،‬أيها‬
‫المؤمنون‪{ ،‬ﱖ ﱗ}‪ ،‬يعني في الدين والملة‪ ،‬قال اهلل ‪ ،‬مكذبا‬
‫لهم‪{ :‬ﱘ ﱙ ﱚ}‪ ،‬أي‪ :‬ما هم من أهل ملتكم ودينكم‪{ ،‬ﱛ ﱜ‬
‫ﱝ}‪ ،‬أي‪ :‬يخافونكم‪ ،‬فيقولون بألسنتهم ما ًل يعتقدون خوفا‬
‫منكم‪ ،‬لئال تقتلوهما‪.)1‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ} [التوبة‪ ،]62 :‬يحلف لكم أيها المؤمنون هؤًلء‬
‫المنافقون باهلل ليرضوكم فيما بلغكم عنهم من أذاهم رسول اهلل ‘‪،‬‬
‫وذكرهم إياه‪ ،‬بالطعن علي والعيب ل ‪ ،‬ومطابقتهم سرا أهل الكفر عليكم‬
‫باهلل‪ ،‬واأليمان الفاجرة أنهم ما فعلوا ذلك وأنهم لعلى دينكم ومعكم‬
‫على من خالفكم‪ ،‬يبتغون بذلك رضاكم‪ .‬يقول اهلل جل ثناؤه‪{ :‬ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ} بالتوبة واإلنابة مما قالوا ونطقوا {ﱊ ﱋ‬
‫ﱌ} يقول‪ :‬إن كانوا مصدقين بتوحيد اهلل‪ ،‬مقرين بوعده ووعيده(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬الهداية‪ ،‬لمكي‪ :‬ا‪.)3030/4‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪.)539/11‬‬
‫‪169‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫{ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬ ‫وقال سبحان ‪:‬‬


‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ} [التوبة‪.]96 :‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬
‫ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ} [التوبة‪.]107 :‬‬

‫‪ 4‬ــ اجتماعهم على إرادة الشر بأهل اإلسالم‪ ،‬ومواالة أهل‬


‫الكفر‪ ،‬وبث الفر ة بين المسلمين‪ ،‬ونشر الفساد في األرض‪.‬‬
‫{ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬ ‫كما قال سبحان ‪:‬‬
‫ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﱁ‬
‫ﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎ‬
‫ﱏ ﱐ} [التوبة‪ 47 :‬ــ ‪.]48‬‬
‫>الخبال‪ :‬الفساد والشر في كل شيء‪ ،‬والمراد بالخبال هاهنا‪:‬‬
‫االضطراب في الرأي‪ ،‬وذلك بتزيين أمر لفريق‪ ،‬وتقبيحه عند فريق ليختلفوا‬
‫فتفترق كلمتهم وًل تنتظم‪ ،‬يقول‪ :‬لو خرجوا ألفسدوا عليكم أمركم<ا‪.)1‬‬
‫وقول تعالى‪{ :‬ﲰ ﲱ} المعنى‪ ،‬ألسرعوا فيما بينكم‬
‫باإلفسادا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)464/10‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير القرطبي‪ :‬ا‪.)157/8‬‬
‫‪170‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫ومعنى يبغونكم الفتنة‪ :‬يطلبون لكم ما تفتنون ب عن مخرجكم في‬


‫مغزاكم‪ ،‬بتثبيطهم إياكم عنه‪ ،‬وفيكم من يستمع لكالمكم‪ ،‬ويبلغ المنافقين‬
‫إياه‪.‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫وقول تعالى‪:‬‬
‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} [التوبة‪> ]48 :‬يقول تعالى ذكره‪:‬‬
‫لقد التمس هؤًلء المنافقون الفتنة ألصحابك يا محمد‪ ،‬التمسوا صدهم‬
‫عن دينهم‪ ،‬وحرصوا على ردهم إلى الكفر بالتخذيل عنه‪ ،‬كفعل عبد اهلل بن‬
‫أبي بك وبأصحابك يوم أحد حين انصرف عنك بمن تبع من قوم ‪،‬‬
‫وذلك كان ابتغاءهم ما كانوا ابتغوا ألصحاب رسول اهلل ‘ من الفتنة‬
‫من قبل‪ .‬ويعني بقول ‪{ :‬ﱄ ﱅ}‪ :‬من قبل هذا‪{ .‬ﱆ ﱇ ﱈ}‬
‫يقول‪ :‬وأجالوا فيك وفي إبطال الدين الذي بعثك ب اهلل الرأي بالتخذيل‬
‫عنك‪ ،‬وإنكار ما تأتيهم ب ‪ ،‬ورده عليك‪{ .‬ﱉ ﱊ ﱋ} يقول‪ :‬حتى‬
‫جاء نصر اهلل {ﱌ ﱍ ﱎ} يقول‪ :‬وظهر دين اهلل الذي أمر ب‬
‫وافترض على خلق وهو اإلسالم‪{ .‬ﱏ ﱐ} يقول‪ :‬والمنافقون‬
‫لظهور أمر اهلل ونصره إياك كارهون‪ ،‬وكذلك اآلن يظهرك اهلل ويظهر دين‬
‫على الذين كفروا من الروم وغيرهم من أهل الكفر ب وهم كارهون<ا‪.)1‬‬
‫ومن سعيهم التفريق بين أهل اإليمان‪ ،‬ما ذكره اهلل في قول ‪:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)488/11‬‬
‫‪171‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬
‫ﱚ} [التوبة‪.]107 :‬‬
‫قال ابن كثير‪> :‬سبب نزول هذه اآليات الكريمات‪ :‬أن كان‬
‫بالمدينة قبل مقدم رسول اهلل ‘ إليها رجل من الخزرج يقال ل ‪> :‬أبو‬
‫عامر الراهب<‪ ،‬وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب‪،‬‬
‫وكان في عبادة في الجاهلية‪ ،‬ول شرف في الخزرج كبير‪ .‬فلما قدم‬
‫رسول اهلل ‘ مهاجرا إلى المدينة‪ ،‬واجتمع المسلمون علي ‪ ،‬وصارت‬
‫لإلسالم كلمة عالية‪ ،‬وأظهرهم اهلل يوم بدر‪ ،‬شرق اللعين أبو عامر‬
‫بريق ‪ ،‬وبارز بالعداوة‪ ،‬وظاهر بها‪ ،‬وخرج فارا إلى كفار مكة من‬
‫مشركي قريش فألبهم على حرب رسول اهلل ‘‪ ،‬فاجتمعوا بمن وافقهم‬
‫من أحياء العرب‪ ،‬وقدموا عام أحد‪ ،‬فكان من أمر المسلمين ما كان‪،‬‬
‫وامتحنهم اهلل‪ ،‬وكانت العاقبة للمتقين‪.‬‬
‫وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين‪ ،‬فوقع في‬
‫إحداهن رسول اهلل ‘‪ ،‬وأصيب ذلك اليوم‪ ،‬فجرح في وجه وكسرت‬
‫رباعيت اليمنى السفلى‪ ،‬وشج رأس ‪ ،‬صلوات اهلل وسالم علي ‪.‬‬
‫وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قوم من األنصار‪ ،‬فخاطبهم‬
‫واستمالهم إلى نصره وموافقت ‪ ،‬فلما عرفوا كالم قالوا‪ً :‬ل أنعم اهلل بك‬
‫عينا يا فاسق يا عدو اهلل‪ ،‬ونالوا منه وسبوه‪ .‬فرجع وهو يقول‪ :‬واهلل لقد‬
‫أصاب قومي بعدي شر‪ .‬وكان رسول اهلل ‘ قد دعاه إلى اهلل قبل فراره‪،‬‬
‫‪172‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫وقرأ علي من القرآن‪ ،‬فأبى أن يسلم وتمرد‪ ،‬فدعا علي رسول اهلل ‘‬
‫أن يموت بعيدا طريدا‪ ،‬فنالت هذه الدعوة‪.‬‬
‫وذلك أن لما فرغ الناا من أحد‪ ،‬ورأى أمر الرسول‪ ،‬صلوات‬
‫اهلل وسالم علي في ارتفاع وظهور‪ ،‬ذهب إلى هرقل‪ ،‬ملك الروم‪،‬‬
‫يستنصره على النبي ‘‪ ،‬فوعده ومناه‪ ،‬وأقام عنده‪ ،‬وكتب إلى جماعة‬
‫من قوم من األنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أن سيقدم‬
‫بجيش يقاتل ب رسول اهلل ‘ ويغلب ويرده عما هو في ‪ ،‬وأمرهم أن‬
‫يتخذوا ل معقال يقدم عليهم في من يقدم من عنده ألداء كتب ويكون‬
‫مرصدا ل إذا قدم عليهم بعد ذلك‪ ،‬فشرعوا في بناء مسجد مجاور‬
‫لمسجد قباء‪ ،‬فبنوه وأحكموه‪ ،‬وفرغوا منه قبل خروج النبي ‘ إلى تبوك‪،‬‬
‫وجاءوا فسألوا رسول اهلل ‘ أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم‪ ،‬ليحتجوا‬
‫بصالت ‪ ، ،‬في على تقريره وإثبات ‪ ،‬وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء‬
‫منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية‪ ،‬فعصم اهلل من الصالة في فقال‪:‬‬
‫>إنا على سفر‪ ،‬ولكن إذا رجعنا إن شاء اهلل<‪.‬‬
‫فلما قفل‪  ،‬راجعا إلى المدينة من تبوك‪ ،‬ولم يبق بين وبينها‬
‫إًل يوم أو بعض يوم‪ ،‬نزل علي الوحي بخبر مسجد الضرار‪ ،‬وما‬
‫اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم‬
‫مسجد قباء‪ ،‬الذي أسس من أول يوم على التقوى‪ .‬فبعث رسول اهلل ‘‬
‫إلى ذلك المسجد من هدم قبل مقدم المدينة‪ ،‬كما قال علي بن أبي‬
‫‪173‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬ ‫طلحة‪ ،‬عن ابن عباا في قول ‪:‬‬


‫ﱆ ﱇ ﱈ} وهم أناا من األنصار‪ ،‬ابتنوا مسجدا‪ ،‬فقال لهم‬
‫أبو عامر‪ ،‬ابنوا مسجدا واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سالح‪،‬‬
‫فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم‪ ،‬فآتي بجند من الروم وأخرج محمدا‬
‫وأصحاب ‪ .‬فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي ‘ فقالوا‪ :‬قد فرغنا من‬
‫بناء مسجدنا‪ ،‬فنحب أن تصلي في وتدعو لنا بالبركة‪ .‬فأنزل اهلل‪: ،‬‬
‫{ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ} إلى {ﲎ ﲏ ﲐ‬

‫ﲑ ﲒ}‪.‬‬
‫وكذا روي عن سعيد بن جبير‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وعروة بن الزبير‪ ،‬وقتادة‬
‫وغير واحد من العلماء‪.‬‬
‫‪ ...‬وقول ‪{ :‬ﱑ} أي‪ :‬الذين بنوه {ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖ}‬
‫أي‪ :‬ما أردناه ببنيان إًل خيرا ورفقا بالناا‪ ،‬قال اهلل تعالى‪{ :‬ﱗ ﱘ‬

‫ﱙ ﱚ} أي‪ :‬فيما قصدوا وفيما نووا‪ ،‬وإنما بنوه ضرارا‬


‫لمسجد قباء‪ ،‬وكفرا باهلل‪ ،‬وتفريقا بين المؤمنين‪ ،‬وإرصادا لمن حارب‬
‫اهلل ورسول ‪ ،‬وهو أبو عامر الفاسق‪ ،‬الذي يقال ل ‪> :‬الراهب< لعن اهلل‪.‬‬
‫وقول ‪{ :‬ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ} نهي من اهلل لرسول ‪ ،‬صلوات اهلل وسالم‬
‫علي ‪ ،‬واألمة تبع ل في ذلك‪ ،‬عن أن يقوم في ‪ ،‬أي‪ :‬يصلي في أبدا‪.‬‬
‫ثم حث على الصالة في مسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنائ‬
‫‪174‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫على التقوى‪ ،‬وهي طاعة اهلل‪ ،‬وطاعة رسول ‪ ،‬وجمعا لكلمة المؤمنين‬
‫ومعقال وموئال لإلسالم وأهل ؛ ولهذا قال تعالى‪{ :‬ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬
‫ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ} والسياق إنما هو في معرض مسجد‬
‫قباء<ا‪.)1‬‬
‫وفي اآليات مواًلتهم للكافر أبي عامر الراهب‪ ،‬وهي صفة متأصلة‬
‫فيهم‪.‬‬
‫ومن ذلك ما وصف اهلل ب أهل النفاق من األمر بالمنكر والنهي‬
‫عن المعروف‪ ،‬كما في قول سبحان ‪{ :‬ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬
‫ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ‬
‫ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [التوبة‪.]67 :‬‬
‫>يقول‪ :‬هم صنف واحد‪ ،‬وأمرهم واحد‪ ،‬في إعالنهم اإليمان‬
‫واستبطانهم الكفر‪ ،‬يأمرون من قبل منهم بالمنكر‪ ،‬وهو الكفر باهلل‬
‫وبمحمد ‘‪ ،‬وبما جاء ب وتكذيب ‪{ .‬ﲜ ﲝ ﲞ} يقول‪:‬‬
‫وينهونهم عن اإليمان باهلل ورسول وبما جاءهم ب من عند اهلل‪ .‬وقول ‪:‬‬
‫{ﲟ ﲠﲡ} يقول‪ :‬ويمسكون أيديهم عن النفقة في سبيل اهلل‬
‫ويكفونها عن الصدقة‪ ،‬فيمنعون الذين فرض اهلل لهم في أموالهم ما فرض‬
‫من الزكاة حقوقهم<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)211/4‬‬
‫ا‪ )2‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)548/11‬‬
‫‪175‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫فإن أوامرهم التي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البالد والعباد‪،‬‬
‫ونواهيهم عما في صالحهم في المعاش والمعاد‪ ،‬وأحدهم تلقاه بين‬
‫جماعة أهل اإليمان في الصالة والذكر والزهد واًلجتهاد {ﱱ ﱲ‬
‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ}‬
‫[البقرة‪.]205 :‬‬
‫فهم جنس بعضه يشبه بعضا‪ ،‬يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه‪ ،‬وينهون‬
‫عن المعروف بعد أن يتركوه‪ ،‬ويبخلون بالمال في سبيل اهلل ومرضاته أن‬
‫ينفقوه‪ ،‬كم ذكرهم اهلل بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه؟ وكم كشف حالهم‬
‫لعباده المؤمنين ليجتنبوه؟ فاسمعوا أيها المؤمنين {ﲔ ﲕ‬
‫ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ‬
‫ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [التوبة‪]67 :‬ا‪.)1‬‬

‫‪ 5‬ــ الفرح بما يصيب أهل اإلسالم من شدة‪ ،‬وتمني الهزيمة لهم‪.‬‬
‫{ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ} [التوبة‪.]50 :‬‬
‫قال الطبري‪> :‬يقول تعالى ذكره لنبي محمد ‘‪ :‬يا محمد إن‬
‫يصبك سرور بفتح اهلل عليك أرض الروم في غزاتك هذه يسؤ الجد بن‬
‫قيس ونظراءه وأشياع من المنافقين‪ ،‬وإن تصبك مصيبة بفلول جيشك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مدارج السالكين‪ :‬ا‪.)360/1‬‬
‫‪176‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫فيها يقول الجد ونظراؤه‪{ :‬ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ} أي قد أخذنا‬


‫حذرنا بتخلفنا عن محمد وترك اتباع إلى عدوه‪{ .‬ﱰ ﱱ} يقول‪ :‬من‬
‫قبل أن تصيب هذه المصيبة‪{ .‬ﱲ ﱳ ﱴ} يقول‪ :‬ويرتدوا عن‬
‫محمد‪ ،‬وهم فرحون بما أصاب محمدا وأصحاب من المصيبة بفلول‬
‫أصحاب وانهزامهم عن وقتل من قتل منهم<ا‪.)1‬‬

‫‪ 6‬ــ التكاسل عن الطاعات‪ ،‬وكراهيتها‪.‬‬


‫{ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾ‬
‫ﲿ ﳀ ﳁ} [التوبة‪.]54 :‬‬
‫>يقول‪ً :‬ل يأتونها إًل متثاقلين بها؛ ألنهم ًل يرجون بأدائها ثوابا‬
‫وًل يخافون بتركها عقابا‪ ،‬وإنما يقيمونها مخافة على أنفسهم بتركها من‬
‫المؤمنين فإذا أمنوهم لم يقيموها‪.‬‬
‫{ﲿ ﳀ‬ ‫{ﲽ ﲾ} يقول‪ :‬وًل ينفقون من أموالهم شيئا‬
‫ﳁ} أن ينفقون في الوج الذي ينفقون في مما في تقوية‬
‫لإلسالم وأهل <ا‪.)2‬‬
‫* * *‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)494/11‬‬
‫ا‪ )2‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)499/11‬‬
‫‪177‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫‪ 7‬ــ الجبن‪.‬‬
‫{ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ}‬
‫[التوبة‪ 56 :‬ــ ‪.]57‬‬
‫ويحلف باهلل لكم أيها المؤمنون هؤًلء المنافقون كذبا وباطال‬
‫خوفا منكم‪ ،‬إنهم لمنكم في الدين والملة‪ .‬يقول اهلل تعالى مكذبا لهم‪:‬‬
‫{ﱘ ﱙ ﱚ} أي ليسوا من أهل دينكم وملتكم‪ ،‬بل هم أهل شك‬
‫ونفاق‪{ .‬ﱛ ﱜ ﱝ} يقول‪ :‬ولكنهم قوم يخافونكم‪ ،‬فهم‬
‫خوفا منكم يقولون بألسنتهم‪ :‬إنا منكم؛ ليأمنوا فيكم فال يقتلوا‪.‬‬
‫وإنما وصفهم اهلل بما وصفهم ب من هذه الصفة؛ ألنهم إنما أقاموا‬
‫بين أظهر أصحاب رسول اهلل ‘ على كفرهم ونفاقهم وعداوتهم لهم‪،‬‬
‫ولما هم علي من اإليمان باهلل وبرسول ؛ ألنهم كانوا في قومهم‬
‫وعشيرتهم وفي دورهم وأموالهم‪ ،‬فلم يقدروا على ترك ذلك وفراق ‪،‬‬
‫فصانعوا القوم بالنفاق ودافعوا عن أنفسهم وأموالهم وأوًلدهم بالكفر‬
‫ودعوى اإليمان‪ ،‬وفي أنفسهم ما فيها من البغض لرسول اهلل ‘ وأهل‬
‫اإليمان ب والعداوة لهم‪ ،‬فقال اهلل واصفهم بما في ضمائرهم‪{ :‬ﱟ‬
‫ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ} اآليةا‪.)1‬‬
‫قال ابن كثير‪> :‬يخبر اهلل تعالى نبي ‪ ،‬صلوات اهلل وسالم علي ‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)503/11‬‬
‫‪178‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫عن جزعهم وفزعهم وفرقهم وهلعهم أنهم {ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ}‬


‫يمينا مؤكدة‪{ ،‬ﱘ ﱙ ﱚ} أي‪ :‬في نفس األمر‪{ ،‬ﱛ ﱜ‬
‫ﱝ} أي‪ :‬فهو الذي حملهم على الحلف‪{ .‬ﱟ ﱠ ﱡ} أي‪:‬‬
‫حصنا يتحصنون ب ‪ ،‬وحرزا يحترزون ب ‪{ ،‬ﱢ ﱣ} وهي التي في‬
‫الجبال‪{ ،‬ﱤ ﱥ} وهو السرب في األرض والنفق‪ .‬قال ذلك في‬
‫الثالثة ابن عباا‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وقتادة‪{ :‬ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ} أي‪:‬‬
‫يسرعون في ذهابهم عنكم‪ ،‬ألنهم إنما يخالطونكم كرها ًل محبة‪،‬‬
‫وودوا أنهم ًل يخالطونكم‪ ،‬ولكن للضرورة أحكام؛ ولهذا ًل يزالون في‬
‫هم وحزن وغم؛ ألن اإلسالم وأهل ًل يزال في عز ونصر ورفعة؛ فلهذا‬
‫كلما سر المؤمنون ساءهم ذلك‪ ،‬فهم يودون أًل يخالطوا المؤمنين؛‬
‫ولهذا قال‪{ :‬ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬
‫ﱩ}<ا‪.)1‬‬

‫‪ 8‬ثث عدم الرضا وترك القناعة‪ ،‬مع البخل‪.‬‬


‫فإن الطمع والجشع من صفات أهل النفاق‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫{ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬

‫ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬

‫ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ} [التوبة‪ 58 :‬ــ ‪.]59‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)163/4‬‬
‫‪179‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫غضبا‬
‫أي‪ :‬من المنافقين من يعيب النبي ‘ في أمر الصدقة‪ ،‬ا‬
‫ألنفسهم‪ ،‬ولو أن هؤًلء الذين يلمزونك يا محمد في الصدقات رضوا‬
‫ما أعطاهم اهلل ورسول من عطاء وقسم لهم من قسم {ﲃ ﲄ‬
‫ﲅ} يقول‪ :‬وقالوا‪ :‬كافينا اهلل {ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ} يقول‪:‬‬
‫سيعطينا اهلل من فضل خزائن ورسول من الصدقة وغيرها {ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ﲎ} يقول‪ :‬وقالوا‪ :‬إنا إلى اهلل نرغب في أن يوسع علينا من فضل ‪،‬‬
‫فيغنينا عن الصدقة وغيرها من صالت الناا والحاجة إليهما‪.)1‬‬
‫هذه اآلية بيان عما يوجب الخلق الدني من الشره إلى الصدقة حتى‬
‫يعيب ما ًل عيب في إذا لم يعط ما يرضي ‪.‬‬
‫وقال جويبر عن الضحاك في هذه اآلية‪> :‬كان رسول اهلل ـ ‘ ـ‬
‫يقسم بينهم ما آتاه اهلل من قليل المال وكثيره‪ ،‬وكان المؤمنون يرضون‬
‫كثيرا فرحوا‪،‬‬
‫بما أعطوا ويحمدون اهلل علي ‪ ،‬وأما المنافقون فإن أعطوا ا‬
‫قليال سخطوا<ا‪.)2‬‬‫وإن أعطوا ا‬
‫وسبب نزول هذه اآلية‪ ،‬ما ثبت عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬بينا‬
‫نحن عند رسول اهلل ‘ وهو يقسم قسما‪ ،‬أتاه ذو الخويصرة‪ ،‬وهو‬
‫رجل من بني تميم‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬اعدل‪ ،‬قال رسول اهلل ‘‪:‬‬
‫>ويلك ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل< فقال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)508/11‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)500/10‬‬
‫‪180‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫عمر بن الخطاب ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ائذن لي في أضرب عنق ‪ ،‬قال‬


‫رسول اهلل ‘‪> :‬دع ‪ ،‬فإن ل أصحابا يحقر أحدكم صالت مع صالتهم‪،‬‬
‫وصيام مع صيامهم‪ ،‬يقرءون القرآن‪ً ،‬ل يجاوز تراقيهم‪ ،‬يمرقون من‬
‫اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية‪ ،‬ينظر إلى نصل فال يوجد في‬
‫شيء‪ ،‬ثم ينظر إلى رصاف فال يوجد في شيء‪ ،‬ثم ينظر إلى نضي فال‬
‫يوجد في شيء ــ وهو القدح ــ ثم ينظر إلى قذذه فال يوجد في شيء‪،‬‬
‫سبق الفر والدم‪ ،‬آيتهم رجل أسود‪ ،‬إحدى عضدي مثل ثدي المرأة‪،‬‬
‫أو مثل البضعة تتدردر‪ ،‬يخرجون على حين فرقة من الناا< قال أبو‬
‫سعيد‪> :‬فأشهد أني سمعت هذا من رسول اهلل ‘‪ ،‬وأشهد أن علي بن‬
‫أبي طالب ‪ ‬قاتلهم وأنا مع ‪ ،‬فأمر بذلك الرجل فالتمس‪ ،‬فوجد‪،‬‬
‫فأتي ب ‪ ،‬حتى نظرت إلي ‪ ،‬على نعت رسول اهلل ‘ الذي نعت<ا‪.)1‬‬
‫قال الطاهر‪> :‬عرف المنافقون بالشح‪ ..‬ومن شحهم أنهم يودون أن‬
‫الصدقات توزع عليهم‪ ،‬فإذا رأوها توزع على غيرهم طعنوا في إعطائها‬
‫بمطاعن يلقونها في أحاديثهم‪ ،‬ويظهرون أنهم يغارون على مستحقيها‪،‬‬
‫ويشمئزون من صرفها في غير أهلها‪ ،‬وإنما يرومون بذلك أن تقصر‬
‫عليهم<ا‪.)2‬‬
‫{ﲔ ﲕ‬ ‫وقال تعالى في وصف أهل النفاق بالبخل‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)3610‬ومسلم‪ :‬ا‪.)1064‬‬
‫ا‪ )2‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)231/10‬‬
‫‪181‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ‬
‫‪،]67‬‬ ‫ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ}‬
‫[التوبة‪:‬‬

‫فقبض األيدي عبارة عن البخل‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬


‫ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏ ﲐﲑﲒ‬
‫ﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙ ﲚﲛﲜﲝﲞﲟ‬
‫ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} [التوبة‪ 75 :‬ــ ‪.]77‬‬
‫>ومن المنافقين من أعطى اهلل عهده وميثاق ‪ :‬لئن أغناه من فضل‬
‫ليصدقن من ماله‪ ،‬وليكونن من الصالحين‪ .‬فما وفى بما قال‪ ،‬وال صدق‬
‫فيما ادعى‪ ،‬فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقون‬
‫اهلل‪ ، ،‬يوم القيامة‪ ،‬عياذا باهلل من ذلك<ا‪.)1‬‬
‫قال الطبري‪> :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬ومن هؤًلء المنافقين الذين‬
‫وصفت لك يا محمد صفتهم {ﲄ ﲅ ﲆ} يقول‪ :‬أعطى اهلل عهدا‬
‫{ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ} يقول‪ :‬لئن أعطانا اهلل من فضل ‪ ،‬ورزقنا ماًل‪،‬‬
‫ووسع علينا من عنده {ﲋ} يقول‪ :‬لنخرجن الصدقة من ذلك‬
‫المال الذي رزقنا ربنا {ﲌ ﲍ ﲎ} يقول‪ :‬ولنعملن فيها‬
‫بعمل أهل الصالح بأموالهم من صلة الرحم ب وإنفاق في سبيل اهلل‪.‬‬
‫يقول اهلل ‪ :‬فرزقهم اهلل وآتاهم من فضل ‪{ .‬ﲐ ﲑ} اهلل {ﲒ‬

‫ﲓ ﲔ ﲕ} بفضل اهلل الذي آتاهم فلم يصدقوا من ولم يصلوا من‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)183/4‬‬
‫‪182‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫قرابة ولم ينفقوا من في حق اهلل {ﲖ} يقول وأدبروا عن عهدهم‬


‫الذي عاهدوه اهلل {ﲗ ﲘ} عن {ﲚ} اهلل {ﲛ ﲜ‬

‫ﲝ} ببخلهم بحق اهلل الذي فرض عليهم فيما آتاهم من فضل‬
‫وإخالفهم الوعد الذي وعدوا اهلل ونقضهم عهده في قلوبهم {ﲞ ﲟ‬

‫ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ} من الصدقة والنفقة في سبيل {ﲦ‬

‫ﲧ ﲨ} في قيلهم وحرمهم التوبة من ألن جل ثناؤه اشترط في‬


‫نفاقهم أن أعقبهموه {ﲞ ﲟ ﲠ} وذلك يوم مماتهم وخروجهم من‬
‫الدنيا<ا‪.)1‬‬

‫‪ 9‬ــ أذية النبي ‘ ولمزه عياذًا باهلل‪.‬‬


‫{ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﲱ ﲲ ﲳ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﲾ‬
‫ﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆ ﱁﱂﱃﱄ‬
‫ﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍ ﱎﱏﱐﱑﱒ‬

‫[التوبة‪:‬‬ ‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ}‬
‫‪ 61‬ــ ‪.]73‬‬
‫يقول تعالى‪ :‬ومن المنافقين قوم يؤذون رسول اهلل ‘ بالكالم في‬
‫ويقولون‪{ :‬ﲯ ﲰ} أي‪ :‬من قال ل شيئا صدق ‪ ،‬ومن حدث فينا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)577/11‬‬
‫‪183‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫صدق ‪ ،‬فإذا جئنا وحلفنا ل صدقنا‪.‬‬


‫قال اهلل تعالى‪{ :‬ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ} أي‪ :‬هو أذن خير‪ ،‬يعرف‬
‫الصادق من الكاذب‪{ ،‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ} أي‪ :‬ويصدق‬
‫المؤمنين‪{ ،‬ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﲾ} أي‪ :‬وهو حجة على‬
‫الكافرين؛ ولهذا قال‪{ :‬ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ}ا‪.)1‬‬
‫قال الطاهر‪> :‬عطف ذكر في خلق آخر من أخالق المنافقين‪ :‬وهو‬
‫تعللهم على ما يعاملهم ب النبيء والمسلمون من الحذر‪ ،‬وما يطلعون‬
‫علي من فلتات نفاقهم‪ ،‬يزعمون أن ذلك إرجاف من المرجفين بهم إلى‬
‫النبيء ‘ وأن يصدق القالة فيهم‪ ،‬ويتهمهم بما يبلغ عنهم مما هم من‬
‫برآء يعتذرون بذلك للمسلمين‪ ،‬وفي زيادة في األذى للرسول ‘‬
‫وإلقاء الشك في نفوا المسلمين في كماًلت نبيئهم ‪<‬ا‪.)2‬‬

‫‪ 10‬ــ االستهزاء والسخرية باإلسالم‪ ،‬ورسوله‪ ،‬وأهل اإلسالم‪،‬‬


‫والخوف من أن يفضح أمرهم‪.‬‬
‫{ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ‬ ‫يقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬
‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير البغوي‪ :‬ا‪ ،)67/4‬وتفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)170/4‬‬
‫ا‪ )2‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)241/10‬‬
‫‪184‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ} [التوبة‪ 64 :‬ــ ‪.]66‬‬
‫فإن اهلل تعالى حكى في هذه اآلية خوف أهل النفاق من الفضيحة‬
‫والخزي‪ ،‬فأخبر اهلل أن سيفضح ضمائرهم‪ ،‬ويهتك أستارهم‪ ،‬ثم أخبر‬
‫اهلل أن من شأن أهل النفاق اًلستهزاء بآيات اهلل تعالى‪ ،‬كما ورد أن‬
‫رجال من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك‪ :‬ما لقرائنا هؤًلء‬
‫أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء‪ ،‬فقال ل عوف‪ :‬كذبت‪،‬‬
‫ولكنك منافق‪ ،‬ألخبرن رسول اهلل ‘‪ ،‬فذهب عوف إلى رسول اهلل ‘‬
‫ليخبره‪ ،‬فوجد القرآن قد سبق ‪ ،‬فقال زيد‪ :‬قال عبد اهلل بن عمر‪ :‬فنظرت‬
‫إلي متعلقا بحقب ناقة رسول اهلل ‘‪ ،‬تنكب الحجارة‪ ،‬يقول‪{ :‬ﱶ‬
‫ﱷ ﱸ ﱹﱺ} فيقول ل النبي ‘‪{> :‬ﱼ ﱽ ﱾ‬
‫ﱿ ﲀ} ما يزيده<ا‪.)1‬‬
‫قال السعدي‪> :‬كانت هذه السورة الكريمة تسمى >الفاضحة< ألنها‬
‫بينت أسرار المنافقين‪ ،‬وهتكت أستارهم‪ ،‬فما زال اهلل يقول‪ :‬ومنهم‬
‫ومنهم‪ ،‬ويذكر أوصافهم‪ ،‬إال أنه لم يعين أشخاصهم لفائدتين‪ :‬إحداهما‪:‬‬
‫أن اهلل ِستِّ ٌير يحب الستر على عباده‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أن الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين‪،‬‬
‫الذين توج إليهم الخطاب وغيرهم إلى يوم القيامة‪ ،‬فكان ذكر الوصف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه الطبري‪ :‬ا‪.)543/11‬‬
‫‪185‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫أعم وأنسب‪ ،‬حتى خافوا غاية الخوف‪.‬‬


‫{ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ‬ ‫قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﲻ‬
‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ} [األحزاب‪ 60 :‬ــ ‪.]61‬‬
‫{ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬ ‫وقال هنا‬
‫ﱩﱪ} أي تخبرهم وتفضحهم وتبين أسرارهم حتى تكون عالنية لعباده‬
‫ويكونوا عبرة للمعتبرين‪.‬‬
‫{ﱫ ﱬ} أي استمروا على ما أنتم عليه من االستهزاء والسخرية‬
‫{ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ} وقد وفَّى تعالى بوعده فأنزل هذه‬
‫السورة التي بينتهم وفضحتهم وهتكت أستارهم‪.‬‬
‫{ﱳ ﱴ} عما قالوه من الطعن في المسلمين وفي دينهم‬
‫يقول طائفة منهم في غزوة تبوك >ما رأينا مثل قرائنا هؤًلء ــ يعنون‬
‫النبي ‘ وأصحاب ــ أرغب بطونا وأكذب ألسنا وأجبن عند اللقاء<‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬ولما بلغهم أن النبي ‘ قد علم بكالمهم جاءوا يعتذرون‬
‫إلي ويقولون {ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ} أي نتكلم بكالم ًل قصد لنا ب‬
‫وًل قصدنا الطعن والعيب‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى ــ مبي انا عدم عذرهم وكذبهم في ذلك ــ {ﱻ} لهم‬
‫{ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ‬

‫‪186‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫ﲇ} فإن اًلستهزاء باهلل وآيات ورسول كفر مخرج عن الدين ألن‬
‫أصل الدين مبني على تعظيم اهلل وتعظيم دينه ورسله‪ ،‬واالستهزاء بشيء من‬
‫ذلك مناف لهذا األصل‪ ،‬ومناقض له أشد المناقضة‪ ،‬ولهذا لما جاءوا إلى‬
‫الرسول يعتذرون بهذه المقالة والرسول ال يزيدهم على قوله {ﱼ‬
‫ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ}‪.‬‬
‫وقول {ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ} لتوبتهم واستغفارهم وندمهم‬
‫{ﲎ ﲏ} منكم {ﲐ} بسبب أنهم {ﲑ ﲒ} مقيمين‬
‫على كفرهم ونفاقهم‪.‬‬
‫صا السريرة‬
‫وفي هذه اآليات دليل على أن من أسر سريرة خصو ا‬
‫التي يمكر فيها بدين ويستهزئ ب وبآيات ورسول فإن اهلل تعالى يظهرها‪،‬‬
‫ويفضح صاحبها ويعاقب أشد العقوبة‪ ،‬وأن من استهزأ بشيء من كتاب‬
‫اهلل أو سنة رسول الثابتة عن أو سخر بذلك أو تنقص أو استهزأ‬
‫بالرسول أو تنقص فإن كافر باهلل العظيم‪ ،‬وأن التوبة مقبولة من كل ذنب‬
‫وإن كان عظي اما<ا‪.)1‬‬
‫ومن هذا أنهم يلمزون أهل اإلنفاق من المؤمنين‪ ،‬ويسخرون‬
‫منهم‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬
‫ﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇ‬
‫ﳈ ﳉ} [التوبة‪.]75 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تيسير الكريم الرحمن‪ :‬ا‪.)342‬‬
‫‪187‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫أي‪ :‬يعيبون الذين تطوعوا بصدقاتهم على أهل المسكنة والحاجة‬


‫فيقولون لهم‪ :‬إنما تصدقون رياء وسمعة‪ ،‬ولم تريدوا وج اهلل ‪.‬‬
‫وقد نزلت هذه اآلية بسبب رواه البخاري ومسلم عن أبي مسعود‬
‫‪ ،‬قال‪> :‬لما نزلت آية الصدقة‪ ،‬كنا نحامل‪ ،‬فجاء رجل فتصدق‬
‫بشيء كثير‪ ،‬فقالوا‪ :‬مرائي‪ ،‬وجاء رجل فتصدق بصاع‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن اهلل‬
‫لغني عن صاع هذا‪ ،‬فنزلت‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬

‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ} [التوبة‪ ..]79 :‬اآلية<ا‪.)1‬‬


‫قال ابن كثير‪> :‬وهذه أيضا من صفات المنافقين‪ً :‬ل يسلم أحد من‬
‫عيبهم ولمزهم في جميع األحوال‪ ،‬حتى وًل المتصدقون يسلمون منهم‪،‬‬
‫إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا‪ :‬هذا مراء‪ ،‬وإن جاء بشيء يسير‬
‫قالوا‪ :‬إن اهلل لغني عن صدقة هذا<ا‪.)2‬‬

‫‪ 11‬ــ الخوف والحذر من آيات اهلل‪ ،‬واالنصراف عن سماعها‬


‫والعمل بها‪.‬‬
‫{ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)1415‬ومسلم‪ :‬ا‪.)1018‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)184/4‬‬
‫‪188‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲا‪ )1‬ﱳ ﱴ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬استدل بعض الناا بهذه اآلية‪ ،‬وأمثالها‪ ،‬من اآليات المكية التي تذكر االذين في‬
‫قلوبهم مرض) على وجود النفاق في مكة قبل الهجرة‪ ،‬وبتتبع اآليات التي ذكر فيها‬
‫االذين في قلوبهم مرض) نجد أنها ًل تخرج عن صنفين‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ أن المراد بهم أهل الكفر والنفاق‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أن المراد بهم أهل الميل للفواحش‪.‬‬
‫فإن اآليات كلها ًل تشكل إذ إنها في أهل النفاق‪ ،‬وهي في سور مدنية‪ ،‬ونحن ًل‬
‫ننفي وجود النفاق في المدينة ــ كما قررناه ــ‪ ،‬لكن المشكل في ذلك‪ ،‬قول تعالى‬
‫في سورة العنكبوت‪{ :‬ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ‬
‫ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ} [العنكبوت‪ 10 :‬ــ ‪ ،]11‬فإن‬
‫هذه اآلية هي األصرح في الدًللة ــ على حسب زعمهم ــ أن النفاق نجم في مكة‪،‬‬
‫ولعمري أي دًللة في اآلية مع صريح كالم أهل التفسير فيها كما سيأتي تقريره بإذن‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬فلتعلم أيها القارئ الكريم أن هذه السور [العنكبوت] سورة مكية باتفاق‬
‫أهل التفسير‪ ،‬غير أن هذه اآلية من اآليات المستثناة من القول بالمكية‪ ،‬فإن كما جاء‬
‫عن قتادة‪ ،‬ونسب إلى ابن عباا‪ ،‬وهو قول يحيى بن سالم‪ ،‬والحسن‪ ،‬والشعبي‪،‬‬
‫واختاره جماعة من المفسرين‪.‬‬
‫ودليل مدنيتها ما ورد عن ابن عباا‪ ،‬قال‪> :‬كان قوم من أهل مكة أسلموا‪ ،‬وكانوا‬
‫يستخفون بإسالمهم‪ ،‬فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم‪ ،‬فأصيب بعضهم وقتل‬
‫بعض‪ ،‬فقال المسلمون‪ :‬كان أصحابنا هؤًلء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم‪،‬‬
‫فنزلت‪{ :‬ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ} [النساء‪ ..]97 :‬إلى آخر‬
‫اآلية‪ ،‬قال‪ :‬فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه اآلية أن ًل عذر لهم‪،‬‬
‫فخرجوا‪ ،‬فلحقهم المشركون‪ ،‬فأعطوهم الفتنة‪ ،‬فنزلت فيهم هذه اآلية‪{ :‬ﱮ ﱯ‬

‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ} [العنكبوت‪=..]10 :‬‬


‫‪189‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫‪.........................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إلى آخر اآلية‪ ،‬فكتب المسلمون إليهم بذلك‪ ،‬فخرجوا وأيسوا من كل خير‪ ،‬ثم‬ ‫=‬
‫نزلت فيهم‪{ :‬ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬
‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ} [النحل‪ ]110 :‬فكتبوا إليهم بذلك‪ :‬إن اهلل قد جعل‬
‫لكم مخرجا‪ ،‬فخرجوا‪ ،‬فأدركهم المشركون‪ ،‬فقاتلوهم‪ ،‬حتى نجا من نجا‪ ،‬وقتل من‬
‫قتل<‪ ،‬عن الشعبي‪ ،‬قال‪> :‬إنها نزلت‪ ،‬يعني {ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ} [العنكبوت‪:‬‬
‫‪ ]2‬اآليتين في أناا كانوا بمكة أقروا باإلسالم‪ ،‬فكتب إليهم أصحاب محمد نبي‬
‫اهلل ‘ من المدينة‪ :‬إن ًل يقبل منكم إقرارا باإلسالم حتى تهاجروا‪ ،‬فخرجوا‬
‫عامدين إلى المدينة‪ ،‬فاتبعهم المشركون فردوهم‪ ،‬فنزلت فيهم هذه اآلية‪ ،‬فكتبوا‬
‫إليهم‪ :‬إن قد نزلت فيكم آية كذا وكذا‪ ،‬فقالوا‪ :‬نخرج‪ ،‬فإن اتبعنا أحد قاتلناه؛ قال‪:‬‬
‫فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم ثم فمنهم من قتل‪ ،‬ومنهم من نجا‪ ،‬فأنزل اهلل‬
‫فيهم‪{ :‬ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬
‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ} [النحل‪.<]110 :‬‬
‫وانظر‪ :‬جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪ ،)359/18‬وما بعدها‪ ،‬والمكي والمدني من السور‬
‫واآليات‪ ،‬لمحمد الفالح‪ :‬ا‪ 197‬ــ ‪.)200‬‬
‫أما آية سورة المدثر‪ ،‬فإنها ًل تدل على النفاق ــ وإن قيل ب ــ إنما تدل على‬
‫اًلضطراب‪ ،‬وضعف اإليمان‪ ،‬وهي قول تعالى‪{ :‬ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ} [المدثر‪> ،]31 :‬قال‬
‫الحسين بن الفضل‪ :‬السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق‪ ،‬فإنما المرض في هذه اآلية‬
‫اًلضطراب وضعف اإليمان<‪ ،‬انظر‪ :‬المحرر الوجيز‪ :‬ا‪ ،)396/5‬وقال الطاهر‪:‬‬
‫>والمرض في القلوب‪ :‬هو سوء النية في القرآن والرسول ‘‪ ،‬وهؤًلء هم الذين لم‬
‫يزالوا في تردد بين أن يسلموا وأن يبقوا على الشرك مثل األخنس بن شريق‬
‫والوليد بن المغيرة‪ ،‬وليس المراد بالذين في قلوبهم مرض المنافقون ألن المنافقين‬
‫ما ظهروا إًل في المدينة بعد الهجرة واآلية مكية<‪ ،‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪=.)317/29‬‬
‫‪190‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫ﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀ‬
‫ﲁﲂﲃﲄ ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ‬
‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ}‬
‫[التوبة‪ 124 :‬ــ ‪.]127‬‬
‫فبعد أن ذكر اهلل حال أهل اإليمان عند نزول اآليات‪ ،‬أتبع بذكر‬
‫حال أهل النفاق‪ ،‬فإن نزول اآليات ًل يزيدهم إًل رج اسا وبع ادا‪> ،‬يقول‬
‫تعالى ذكره‪ :‬وأما الذين في قلوبهم مرض‪ ،‬نفاق وشك في دين اهلل‪ ،‬فإن‬
‫السورة التي أنزلت زادتهم رجسا إلى رجسهم؛ وذلك أنهم شكوا في‬
‫أنها من عند اهلل‪ ،‬فلم يؤمنوا بها ولم يصدقوا‪ ،‬فكان ذلك زيادة شك‬
‫حادثة في تنزيل اهلل لزمهم اإليمان ب عليهم؛ بل ارتابوا بذلك‪ ،‬فكان‬
‫ذلك زيادة نتن من أفعالهم إلى ما سلف منهم نظيره من النتن والنفاق‪،‬‬
‫وذلك معنى قول ‪{ :‬ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ} يعني هؤًلء‬
‫المنافقين أنهم هلكوا‪{ ،‬ﱱ ﱲ} يعني وهم كافرون باهلل‬
‫وآيات <ا‪َ > ،)1‬أوًل يرى هؤًلء المنافقون أن اهلل يختبرهم في كل عام مرة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= بل إن بعض العلماء ذكر مدنية هذه اآلية‪ ،‬انظر‪ :‬زاد المسير‪ :‬ا‪ ،)364/4‬وذكر‬
‫القرطبي لآلية وج اها آخر‪ ،‬هو‪> :‬أي في صدورهم شك ونفاق من منافقي أهل‬
‫المدينة‪ ،‬الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة ولم يكن بمكة نفاق وإنما‬
‫نجم بالمدينة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنى‪ ،‬أي وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة<‪،‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن‪ :‬ا‪.)82/19‬‬
‫ا‪ )1‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪.)90/12‬‬
‫‪191‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أهل النفاق‬

‫أو مرتين‪ ،‬بمعنى أن يختبرهم في بعض األعوام مرة‪ ،‬وفي بعضها‬


‫مرتين‪{ .‬ﱾ ﱿ ﲀ} يقول‪ :‬ثم هم مع البالء الذي يحل بهم من‬
‫اهلل واًلختبار الذي يعرض لهم ًل يتوبون من نفاقهم‪ ،‬وًل يتوبون من‬
‫كفرهم‪ ،‬وًل هم يتذكرون بما يرون من حجج اهلل ويعاينون من آيات ‪،‬‬
‫فيتعظوا بها؛ ولكنهم مصرون على نفاقهم<ا‪> ،)1‬وقول تعالى‪{ :‬ﲅ ﲆ‬
‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ‬
‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} يقول تعالى ذكره‪ :‬وإذا ما‬
‫أنزلت سورة من القرآن فيها عيب هؤًلء المنافقين الذين وصف جل‬
‫ثناؤه صفتهم في هذه السورة‪ ،‬وهم عند رسول اهلل ‘ نظر بعضهم إلى‬
‫بعض‪ ،‬فتناظروا هل يراكم من أحد إن تكلمتم أو تناجيتم بمعايب القوم‬
‫يخبرهم ب ‪ ،‬ثم قام فانصرفوا من عند رسول اهلل ‘‪ ،‬ولم يستمعوا‬
‫قراءة السورة التي فيها معايبهم‪ .‬ثم ابتدأ جل ثناؤه قول ‪{ :‬ﲔ ﲕ‬
‫ﲖ} فقال‪ :‬صرف اهلل عن الخير والتوفيق واإليمان باهلل ورسول‬
‫قلوب هؤًلء المنافقين؛ ذلك {ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} يقول‪ :‬فعل اهلل‬
‫بهم هذا الخذًلن‪ ،‬وصرف قلوبهم عن الخيرات من أجل أنهم قوم ًل‬
‫يفقهون عن اهلل مواعظ ‪ ،‬استكبارا ونفاقا<ا‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬السابق‪ :‬ا‪.)91/12‬‬
‫ا‪ )2‬السابق‪ :‬ا‪.)94/12‬‬
‫‪192‬‬
‫اخلالصة‬

‫اخلالصة‬

‫تبين مما سبق تميز أصحاب رسول اهلل ‘ عن سائر أصناف‬


‫الناا غيرهم‪ ،‬فكانت لهم صفات ميزتهم عن اأهل الشرك‪ ،‬وأهل‬
‫النفاق)‪ ،‬قال ابن تيمية‪> :‬فال ريب أن المنافقين كانوا مغمورين أذًلء‬
‫مقهورين‪ً ،‬ل سيما في آخر أيام النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬وفي غزوة تبوك ؛ ألن‬
‫اهلل تعالى قال‪{ :‬ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ‬
‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ} [المنافقون‪،]8 :‬‬
‫فأخبر أن العزة للمؤمنين ًل للمنافقين‪ ،‬فعلم أن العزة والقوة كانت في‬
‫المؤمنين‪ ،‬وأن المنافقين كانوا أذًلء بينهم‪.‬‬
‫فيمتنع أن يكون الصحابة الذين كانوا أعز المسلمين من المنافقين‪،‬‬
‫بل ذلك يقتضي أن من كان أعز كان أعظم إيمانا‪ ،‬ومن المعلوم أن‬
‫السابقين األولين من المهاجرين واألنصار ــ الخلفاء الراشدين وغيرهم‬
‫ــ كانوا أعز الناا‪ ،‬وهذا كل مما يبين أن المنافقين كانوا ذليلين في‬
‫المؤمنين‪ ،‬فال يجوز أن يكون األعزاء من الصحابة منهم<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬منهاج السنة‪ :‬ا‪ 45/2‬ــ ‪.)46‬‬
‫وقال في موطن آخر‪ :‬ا‪> ،)322/6‬وقد أنزل اهلل سورة براءة‪ ،‬وكشف فيها حال=‬
‫‪193‬‬
‫اخلالصة‬

‫فتبين مما سبق في هذا الفصل أن أهل النفاق ًل يتداخلون مع‬


‫صحابة النبي ‘‪ ،‬وأن لكل فريق منهم ما يميزه عن اآلخرا‪:)1‬‬
‫‪ 1‬ــ فقد وصف اهلل الصحابة بصفات تميزهم عن المنافقين‪،‬‬
‫ووصف المنافقين بصفات يعرفون بها‪ ،‬كما سبق وذكرناه‪ ،‬وسيأتي مزيد‬
‫في أوصاف الصحابة ‪.‬‬
‫{ﲞ‬ ‫ومما يدل على المباعدة بين الفريقين‪ ،‬ما ذكره اهلل في قول ‪:‬‬
‫ﲟﲠﲡﲢﲣﲤ ﲥﲦﲧﲨﲩﲪ‬
‫ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬
‫ﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈ‬
‫ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= المنافقين‪ ،‬وعرفهم المسلمين‪ ،‬وكانوا مدحوضين مذمومين عند الرسول وأمت ‪.‬‬
‫وأبو بكر وعمر كانا أقرب الناا عنده‪ ،‬وأكرم الناا علي ‪ ،‬وأحبهم إلي ‪ ،‬وأخصهم‬
‫ب ‪ ،‬وأكثر الناا ل صحبة ليال ونهارا‪ ،‬وأعظمهم موافقة ل ومحبة ل ‪ ،‬وأحرص‬
‫الناا على امتثال أمره وإعالء دين ‪ .‬فكيف يجوز عاقل أن يكون هؤًلء عند الرسول‬
‫من جنس المنافقين؟‪ ،‬الذين كان أصحاب قد عرفوا إعراض عنهم وإهانت لهم ولم‬
‫يكن يقرب أحدا منهم بعد سورة براءة‪.‬‬
‫بل قال اهلل تعالى‪{ :‬ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬
‫ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ}‬
‫[سورة األحزاب‪ ]61 ،60 :‬فانتهوا عن إظهار النفاق وانقمعوا‪.‬‬
‫هذا وأبو بكر عنده أعز الناا وأكرمهم وأحبهم إلي <‪.‬‬
‫ا‪ )1‬انظر لمزيد من التفصيل‪ ،‬الصحابة والصحبة‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل القحطاني‪ ،‬ط‪ .‬دار‬
‫العاصمة‪ :‬ا‪.)57/1‬‬
‫‪194‬‬
‫اخلالصة‬

‫ﳗ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎ‬
‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ‬
‫ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬
‫ﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴ‬
‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ‬
‫ﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ ﲎﲏﲐﲑﲒﲓ‬
‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬
‫ﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬ ﲭﲮﲯ‬
‫ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ ﲺ‬
‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ} [النساء‪ 138 :‬ــ ‪.]146‬‬
‫ففي اآليات الكريمة ذكر فريقين‪ ،‬متربص‪ ،‬ومتربَّص به‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬
‫{ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ} [التوبة‪.]56 :‬‬
‫فهذه اآليات‪ ،‬وغيرها تدل على أن أهل النفاق قوم يتميزون عن‬
‫أهل اإليمان من أصحاب النبي ‘‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ ومما يدل على اختالف الفريقين‪ ،‬ما ذكره اهلل تعالى من كيد‬
‫المنافقين ألصحاب رسول اهلل ‘‪ ،‬كما قال سبحان ‪{ :‬ﱤ ﱥ ﱦ‬
‫ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬
‫ﱵﱶﱷﱸﱹ ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀ‬
‫ﲊ ﲋ}‬ ‫ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬
‫[المنافقون‪ 7 :‬ــ ‪.]8‬‬
‫‪195‬‬
‫اخلالصة‬

‫‪ 3‬ــ بل كان الصحابة ‪ ‬يعرفون أهل النفاق‪ ،‬كما قال كعب بن‬
‫مالك‪> ،‬فكنت إذا خرجت في الناا بعد خروج رسول اهلل ‘ فطفت‬
‫فيهم‪ ،‬أحزنني أني ًل أرى إًل رجال مغموصا علي النفاق‪ ،‬أو رجال‬
‫ممن عذر اهلل من الضعفاء<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)4418‬ومسلم‪ :‬ا‪.)2769‬‬
‫قال المعلمي‪> :‬وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك‪،‬‬
‫ثم تأكَّد ذلك بتخلُّفهم لغير عذر وعدم توبتهم‪ ،‬ثم نزلت سورة براءة ف َق ْش َق َش ْتهم‪،‬‬
‫النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬فأما قول اهلل‬ ‫مشارا إليهم بأعيانهم قبل وفاة ِّ‬
‫وبهذا يتضح أنهم قد كانوا ا‬
‫‪{ :‬ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ} [التوبة‪ ]101 :‬فالمراد ــ واهلل أعلم ــ بالعلم ظاهره‬
‫أي اليقين‪ ،‬وذلك ًل ينفي كونهم مغموصين أي ُم َّتهمين‪ ،‬غاية األمر أن يحتمل أن‬
‫يكون في الم َّتهمين َم ْن لم يكن مناف اقا في نفس األمر‪ ،‬وقد قال تعالى‪{ :‬ﱇ ﱈ‬
‫ونص في سورة براءة وغيرها على جماعةٍ منهم‬ ‫ﱉ ﱊ} [محمد‪َّ ]30 :‬‬
‫النبي ـ ‘ ـ جماع اة منهم‪ ،‬فمن المحتمل أن اهلل ‪ ‬بعد أن قال‪:‬‬ ‫وعين ُّ‬ ‫بأوصافهم‪َّ ،‬‬
‫{ﱨ ﱩﱪ} ْأعلَ َم بهم كلّهم‪.‬‬
‫عرف أصحابُ المنافقين يقي انا أو ظنًّا‬ ‫النبي ـ ‘ ـ إًل وقد َ‬ ‫كل حال فلم يمت ُّ‬ ‫وعلى ِّ‬
‫أو تهمة‪ ،‬ولم يبق أحد من المنافقين غير متهم بالنفاق‪ .‬ومما يدل على ذلك‪ ،‬وعلى‬
‫قِلَّتهم وذلّتهم وانقماعهم ونُ ْفرة الناا عنهم‪ :‬أن لم يحس لهم عند وفاة النبي ـ ‘ ـ‬
‫حراك‪ .‬ولما كانوا بهذه المثابة لم يكن ألحد منهم مجال في أن يح ِّد عن النبي‬
‫أهل‬‫سمى ُ‬ ‫عرض لزيادة التهمة ويَ ُج ُّر إلي ما يكره‪ .‬وقد َّ‬ ‫ـ ‘ ـ؛ ألن يعلم أن ذلك يُ ِّ‬
‫النبي‬
‫ِّ‬ ‫السير والتاريخ جماع اة من المنافقين ًل يُ ْع َرف عن أح ٍد منهم أن ح َّد عن‬
‫ـ ‘ ـ‪ ،‬وجميع الذين ح َّدثوا كانوا معروفين بين الصحابة أنهم من خيارهم<‪ ،‬آثار‬
‫المعلمي اليماني‪ :‬ا‪.)376/12‬‬
‫‪196‬‬
‫ا‬
‫اآلياتُ ُُ‬ ‫ُ‬
‫ً‬ ‫ااا‬
‫ا‬ ‫َّ ا ا ا ا ا ا‬
‫ج ُ‬
‫ال‬ ‫ة‪ُ ِ ..‬إ ُ‬
‫الَق ُاب ِ ُ‬
‫ة ُو ُ‬ ‫َح ُب ِ ُ‬‫لص ُ‬
‫ل يِف ا ُ‬ ‫الت ُن ُ‬
‫ز ُ‬ ‫ي‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫‪5‬‬
‫ً‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاال‬
‫لقد نطق القرآن العظيم بتزكية أصحاب رسول اهلل على سبيل‬
‫اإلجمال‪ ،‬والمتأمل للقرآن المجيد يجد أصنا ًفا من األوصاف التي وصف‬
‫بها األصحاب في القرآن‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫أوال‪ :‬السابقون األولون‬


‫لقد وصف اهلل تعالى األصحاب في القرآن المجيد بأنهم أهل‬
‫السبق والفضل‪ ،‬وأهل الهجرة والجهاد‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪{ :‬ﱪ ﱫ‬
‫ﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶ‬
‫ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬
‫ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ‬
‫ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ‬
‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬
‫ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ‬
‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ‬
‫ﳅ ﳆﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ‬
‫ﳕ} [األنفال‪ 72 :‬ــ ‪.]75‬‬
‫‪199‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫فذكر اهلل أصنا افا من الناا‪:‬‬


‫‪ 1‬ــ أهل اإليمان باهلل ورسول ‪ ،‬وهم المهاجرون واألنصار‪ ،‬وهم‬
‫أهل الهجرة‪ ،‬والجهاد في سبيل اهلل‪ ،‬وأهل اإليواء لمن هاجر إليهم =‬
‫وهؤًلء لهم الوًلء الكامل والنصرة التامة‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أهل اإليمان ممن ًل هجرة ل = فال وًلء ل ‪ ،‬فإن هاجر فل‬
‫الوًلء‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ والصنف اآلخر‪ :‬هم الذين كفروا = وهؤًلء ًل وًلء لهم‪.‬‬
‫و>هذا عقد مواًلة ومحبة‪ ،‬عقدها اهلل بين المهاجرين الذين آمنوا‬
‫وهاجروا في سبيل اهلل‪ ،‬وتركوا أوطانهم هلل ألجل الجهاد في سبيل اهلل‪،‬‬
‫وبين األنصار الذين آووا رسول اهلل ‘ وأصحاب وأعانوهم في ديارهم‬
‫وأموالهم وأنفسهم‪ ،‬فهؤًلء بعضهم أولياء بعض‪ ،‬لكمال إيمانهم وتمام‬
‫اتصال بعضهم ببعض‪.‬‬
‫{ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ} فإنهم‬
‫قطعوا وًليتكم بانفصالهم عنكم في وقت شدة الحاجة إلى الرجال‪ ،‬فلما‬
‫لم يهاجروا لم يكن لهم من وًلية المؤمنين شيء‪ .‬لكنهم {ﲉ ﲊ‬
‫ﲋ ﲌ} أي‪ :‬ألجل قتال من قاتلهم ألجل دينهم {ﲍ ﲎ}‬
‫والقتال معهم‪ ،‬وأما من قاتلوهم لغير ذلك من المقاصد فليس عليكم‬
‫نصرهم‪.‬‬
‫‪200‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وقول تعالى‪{ :‬ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} أي‪ :‬عهد بترك‬


‫القتال‪ ،‬فإنهم إذا أراد المؤمنون المتميزون الذين لم يهاجروا قتالهم‪،‬‬
‫فال تعينوهم عليهم‪ ،‬ألجل ما بينكم وبينهم من الميثاق‪.‬‬
‫{ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ} يعلم ما أنتم علي من األحوال‪ ،‬فيشرع‬
‫لكم من األحكام ما يليق بكم‪.‬‬
‫ولما عقد الوالية بين المؤمنين‪ ،‬أخبر أن الكفار حيث جمعهم الكفر‬
‫فبعضهم أولياء لبعض فال يواليهم إًل كافر مثلهم‪.‬‬
‫وقول ‪{ :‬ﲡ ﲢ} أي‪ :‬مواًلة المؤمنين ومعاداة الكافرين‪ ،‬بأن‬
‫واليتموهم كلهم أو عاديتموهم كلهم‪ ،‬أو واليتم الكافرين وعاديتم المؤمنين‪.‬‬
‫{ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} فإن يحصل بذلك من الشر ما‬
‫ًل ينحصر من اختالط الحق بالباطل‪ ،‬والمؤمن بالكافر‪ ،‬وعدم كثير من‬
‫العبادات الكبار‪ ،‬كالجهاد والهجرة‪ ،‬وغير ذلك من مقاصد الشرع‬
‫والدين التي تفوت إذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض‪.‬‬
‫اآليات السابقات في ذكر عقد المواالة بين المؤمنين من المهاجرين‬
‫واألنصار‪.‬‬
‫{ﲪ ﲫ ﲬ‬ ‫وهذه اآليات في بيان مدحهم وثوابهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ} أي‪ :‬المؤمنون من‬
‫المهاجرين واألنصار {ﲵ ﲶ ﲷﲸ} ألنهم صدقوا إيمانهم بما‬
‫‪201‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫قاموا به من الهجرة والنصرة والمواالة بعضهم لبعض‪ ،‬وجهادهم ألعدائهم‬


‫من الكفار والمنافقين‪.‬‬
‫{ﲹ ﲺ} من اهلل تمحى بها سيئاتهم‪ ،‬وتضمحل بها زًلتهم‪،‬‬
‫ِيم} أي‪ :‬خير كثير من الرب الكريم في جنات النعيم‪.‬‬
‫{و} لهم {ر ِْز ٌق كر ٌ‬
‫وربما حصل لهم من الثواب المعجل ما تقر ب أعينهم‪ ،‬وتطمئن ب‬
‫قلوبهم‪ ،‬وكذلك من جاء بعد هؤًلء المهاجرين واألنصار‪ ،‬ممن اتبعهم‬
‫بإحسان فآمن وهاجر وجاهد في سبيل اهلل‪{ .‬ﳅ ﳆﳇ} لهم ما لكم‬
‫وعليهم ما عليكم‪.‬‬
‫فهذه المواًلة اإليمانية ــ وقد كانت في أول اإلسالم ــ لها وقع‬
‫كبير وشأن عظيم‪ ،‬حتى إن النبي ‘ آخى بين المهاجرين واألنصار‬
‫أخوة خاصة‪ ،‬غير األخوة اإليمانية العامة‪ ،‬وحتى كانوا يتوارثون بها‪،‬‬
‫فأنزل اهلل {ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏﳐ} فال يرث إًل أقارب‬
‫من العصبات وأصحاب الفروض‪ ،‬فإن لم يكونوا‪ ،‬فأقرب قرابات من‬
‫ذوي األرحام‪ ،‬كما دل علي عموم هذه اآلية الكريمة‪ ،‬وقول ‪{ :‬ﳍ ﳎ‬
‫ﳏ} أي‪ :‬في حكم وشرع ‪.‬‬
‫{ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ} ومن ما يعلم من أحوالكم التي يجري من‬
‫شرائع الدينية عليكم ما يناسبها<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير السعدي‪ :‬ا‪ 327‬ــ ‪ )328‬وانظر‪ :‬جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪.)289/11‬‬
‫‪202‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬ ‫وقد قال ابن عباا ‪> :‬قول ‪:‬‬


‫ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} يقول‪ً :‬ل هجرة بعد الفتح‪ ،‬إنما هو‬
‫الشهادة بعد ذلك {ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ} إلى قول ‪:‬‬
‫{ﲆ ﲇﲈ} وذلك أن المؤمنين كانوا على عهد رسول اهلل ‘ على‬
‫ثال منازل‪ .‬منهم المؤمن المهاجر المباين لقوم في الهجرة‪ ،‬خرج‬
‫إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم‪ ،‬و{ﱵ ﱶ}‬
‫وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة‪ ،‬وشهروا السيوف على من كذب وجحد‪،‬‬
‫فهذان مؤمنان جعل اهلل بعضهم أولياء بعض‪ ،‬فكانوا يتوارثون بينهم إذا‬
‫توفي المؤمن المهاجر ورث األنصاري بالوًلية في الدين‪ ،‬وكان الذي‬
‫آمن ولم يهاجر ًل ير من أجل أن لم يهاجر ولم ينصر‪ .‬فبرأ اهلل‬
‫المؤمنين المهاجرين من ميراثهم‪ ،‬وهي الوًلية التي قال اهلل‪{ :‬ﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ} وكان حقا على المؤمنين الذين آووا ونصروا‬
‫إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قاتلوا إًل أن يستنصروا على‬
‫قوم بينهم وبين النبي ‘ ميثاق‪ ،‬فال نصر لهم عليهم إًل على العدو‬
‫الذين ًل ميثاق لهم‪ .‬ثم أنزل اهلل بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم‬
‫برحم من المؤمنين الذين هاجروا والذين آمنوا ولم يهاجروا‪ ،‬فجعل‬
‫ضا بقول ‪{ :‬ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ‬ ‫نصيبا مفرو ا‬
‫لكل إنسان من المؤمنين ا‬
‫ﳌ ﳍ ﳎ ﳏﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ}‪ ،‬وبقول ‪{ :‬ﲁ ﲂ‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ} [التوبة‪<]71 :‬ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬السابق‪ :‬ا‪ 290/11‬ــ ‪.)291‬‬
‫‪203‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وقد نقل جماعة من أهل التفسير اإلجماع على كون هذه اآليات في‬
‫المهاجرين واألنصارا‪ ،)1‬وانظر كيف أن اهلل وصفهم باإليمان على‬
‫الحقيقة‪ ،‬وأثابهم المغفرة والرزق الكريم‪.‬‬
‫والمراد بالهجرة في قول ‪{ :‬ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ} >يريد من‬
‫بعد الحديبية وبيعة الرضوان‪ .‬وذلك أن الهجرة من بعد ذلك كانت أقل‬
‫رتبة من الهجرة األولى‪ .‬والهجرة الثانية هي التي وقع فيها الصلح‪،‬‬
‫ووضعت الحرب أوزارها نحو عامين ثم كان فتح مكة<ا‪.)2‬‬
‫{ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬ ‫وفي سورة التوبة يقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ} [التوبة‪.]20 :‬‬
‫وفي هذه اآلية لطيفة ذكرها ابن الزبير الغرناطي‪ ،‬حيث قال‪> :‬قول‬
‫تعالى‪> :‬إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل‬
‫اهلل والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض< وفى سورة براءة‪:‬‬
‫>الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اهلل بأموالهم وأنفسهم أعظم‬
‫درجة عند اهلل< فتقدم في آية براءة قول ‪> :‬فى سبيل اهلل< على قول ‪:‬‬
‫>بأموالهم وأنفسهم< وفى األنفال عكس ذلك‪ ،‬فللسائل أن يسأل عن‬
‫وج ذلك وخصوص كل من السورتين بما خصت ب ؟‬
‫والجواب عن ذلك‪ :‬أن آية األنفال مقصود فيها مع المدحة تعظيم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)264/10‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير القرطبي‪ :‬ا‪.)85/8‬‬
‫‪204‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫الواقع منهم من اإليمان والهجرة والجهاد باألموال واألنفس وتغبيطهم‬


‫بما من اهلل عليهم به من ذلك وتفخيم فعلهم الموجب لمواالة بعضهم‬
‫ضا‪ ،‬فقدم ذكر األموال واألنفس تنبي ًها معر ًفا بموقع ذلك من النفوس‪،‬‬‫بع ً‬
‫وأنهم بادروا بها على حبها وشح الطباع بها كقوله‪> :‬وآتى المال على حب <‬
‫وليس تأخير هذا المجرور كتقديم ألن إنما يقدم حيث يقصد اعتناء‬
‫وتخصيص وتنبي على موقع ومن نحو هذا قول تعالى‪> :‬ولم يكن ل‬
‫وإعظاما لفعلهم‪.‬‬
‫ا‬ ‫كفوا أحد< وقد تقدم هنا فإنما قدم هذا تغبي اطا لهم‬
‫أما آية براءة فتعريف بأمر قد وقع مبني على التعريف بالمفاضلة‬
‫بين سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وبين من آمن وهاجر وجاهد‬
‫في سبيل اهلل بمال ونفس بقصد رد من ظن أن السقاية وعمارة المسجد‬
‫الحرام أفضل‪ ،‬وعرف أن اإليمان وما ذكر مع أعظم درجة عند اهلل‪،‬‬
‫فلم يعرض هنا داع إلى تقديم ما قدم في األخرى‪ ،‬فتمخضت فضيلة‬
‫ذلك المجرور هنا فأخر‪.‬‬
‫وقد نص سيبوي ‪ ‬على أن المجرور إنما يقدم حيث يكون‬
‫مستقرا ويعنى بذلك الخبر نحو‪ :‬عندك مال >ولكم في األرض مستقر<‬
‫والقصد تخصيص كناية اإلخالص‪ ،‬والتخصيص مقصود في آية األنفال‪،‬‬
‫ولم يقصد ذلك في براءة وًل وقع المجرور فيها خبرا‪ ،‬فوجب بمقتضى‬
‫اللسان أن يقدم في آية األنفال قول ‪> :‬بأموالهم وأنفسهم< ويؤخر في‬
‫سورة براءة وقد وقع في كل واحدة من اآليتين في كل من السورتين ما‬
‫‪205‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫استدعى اتصال ما بعده ب ‪ ،‬ولم يكن ليناسب لو ورد بالعكس‪ ،‬فوضح‬


‫وج تخصيص الواقع في كل من السورتين بموضع ‪ ،‬واهلل أعلم<ا‪.)1‬‬
‫ومن هذه اآليات يعلم أصناف الناا في ذلك الزمان‪ ،‬فإن >اهلل‬
‫‪ ‬أمر نبي ‘ والمؤمنين أن يهاجروا إلى المدينة النبوية حين آمن من‬
‫آمن من أكابر أهل المدينة من األوا والخزرج‪ ،‬وبايعهم بيعة العقبة‬
‫عند منى‪ ،‬وصار للمؤمنين دار عز ومنعة جعل المؤمنون من أهل مكة‬
‫وغيرهم يهاجرون إلى المدينة‪.‬‬
‫وكان المؤمنون السابقون بها صنفين‪ :‬المهاجرين الذين هاجروا‬
‫إليها من بالدهم‪ ،‬واألنصار الذين هم أهل المدينة‪ ،‬وكان من لم يهاجر‬
‫من األعراب وغيرهم من المسلمين لهم حكم آخر‪ .‬وآخرون كانوا ممنوعين‬
‫من الهجرة لمنع أكابرهم لهم بالقيد والحبس‪ ،‬وآخرون كانوا مقيمين بين‬
‫ظهراني الكفار المستظهرين عليهم‪ .‬فكل هذه >األصناف< مذكورة في القرآن‬
‫وحكمهم باق إلى يوم القيامة في أشباههم ونظرائهم<ا‪.)2‬‬

‫المهاجرون األ ُ َول‪:‬‬


‫لما ذكر تعالى أصناف المؤمنين‪ ،‬وقسمهم إلى مهاجرين‪ ،‬خرجوا‬
‫من ديارهم وأموالهم‪ ،‬وجاؤوا لنصر اهلل ورسول ‪ ،‬وإقامة دين ‪ ،‬وبذلوا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مالك التأويل‪ :‬ا‪.)581/1‬‬
‫ا‪ )2‬مجموع الفتاوى‪ :‬ا‪ 38/11‬ــ ‪.)39‬‬
‫‪206‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫أموالهم وأنفسهم في ذلك‪ .‬وإلى أنصار‪ ،‬وهم‪ :‬المسلمون من أهل‬


‫المدينة إذ ذاك‪ ،‬آووا إخوانهم المهاجرين في منازلهم‪ ،‬وواسوهم في‬
‫أموالهم‪ ،‬ونصروا اهلل ورسول بالقتال معهم‪ ،‬فهؤًلء بعضهم أولى ببعض‬
‫أي‪ :‬كل منهم أحق باآلخر من كل أحد؛ ولهذا آخى رسول اهلل ‘ بين‬
‫المهاجرين واألنصار‪ ،‬كل اثنين أخوان‪ ،‬فكانوا يتوارثون بذلك إرثا‬
‫مقدما على القرابة‪ ،‬حتى نسخ اهلل تعالى ذلك بالمواريث‪.‬‬
‫وقد أثنى اهلل ورسول على المهاجرين واألنصار في غير ما آية في‬
‫كتاب ‪ ،‬وذكر اهلل المهاجرين بالفضل والسبق‪ ،‬فقال‪{ :‬ﱁ ﱂ‬
‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍ‬
‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} اآلية [التوبة‪ ،]100 :‬لما ذكر ‪‬‬
‫أصناف األعراب ذكر المهاجرين واألنصار‪ ،‬وبين أن منهم السابقين إلى‬
‫الهجرة وأن منهم التابعين‪ ،‬أثنى عليهم‪ ،‬وذكر ما أعده لهم‪.‬‬
‫وروي عن أبي صخر حميد بن زياد أن قال‪> :‬قلت يوما لمحمد‬
‫ابن كعب القرظي‪ :‬أال تخبرني عن أصحاب رسول اهلل ـ ‘ ـ فيما كان‬
‫بينهم‪ ،‬وإنما أريد الفتن‪ ،‬فقال لي‪ :‬إن اهلل ـ ‪ ‬ـ قد غفر لجميع أصحاب‬
‫النبي ـ ‘ ـ وأوجب لهم الجنة‪ ،‬افي كتاب محسنهم ومسيئهم‪ ،‬قلت ل ‪:‬‬
‫وفي أي موضع أوجب اهلل لهم الجنة؟) قال‪ :‬سبحان اهلل! أًل تقرأ قول‬
‫تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ} إلى آخرها‪،‬‬
‫فأوجب اهلل لجميع أصحاب النبي ـ ‘ ـ الجنة والرضوان‪ ،‬وشرط‬
‫‪207‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫على التابعين شر اطا لم يشرط عليهم‪ ،‬قلت‪ :‬وما ذلك الشرط؟ قال‪:‬‬
‫اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان‪ ،‬يقول‪ :‬فاقتدوا بأعمالهم الحسنة وًل‬
‫تقتدوا بهم في غير ذلك‪ ،‬قال أبو صخر‪ :‬افواهلل لكأني لم أقرأها قط‪،‬‬
‫وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي محمد بن كعب)‪ ،‬فعلى هذا يراد‬
‫بالسابقين األولين جميع أصحاب محمد ـ ‘ ـ من المهاجرين واألنصار‪،‬‬
‫وهم أول هذه األمة‪ ،‬واألولية لجميعهم ثابتة بإدراكهم النبي ـ ‘ ـ‬
‫وصحبتهم مع <ا‪.)1‬‬
‫وقد اختلف الناا في هؤًلء السابقين على أقوال‪ ،‬أحدها‪ :‬أنهم‬
‫الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول اهلل ‘‪ ،‬قال أبو موسى األشعري‪،‬‬
‫وسعيد بن المسيب‪ ،‬وابن سيرين‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنهم الذين بايعوا رسول اهلل ‘ بيعة الرضوان‪ ،‬وهي‬
‫الحديبية‪ ،‬قال الشعبي‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أنهم أهل بدر‪ ،‬قال عطاء بن أبي رباح‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أنهم جميع أصحاب رسول اهلل ‘‪ ،‬حصل لهم السبق‬
‫بصحبت ا‪.)2‬‬
‫والصحيح في هذه اآلية أن المراد بهم‪> :‬الذين بايعوا تحت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪ 25/11‬ــ ‪ ،)26‬واألثر أخرج أبو الشيخ وابن عساكر كما‬
‫في الدر المنثور‪ 485/3( :‬ــ ‪ ،)486‬وذكره البغوي في تفسيره‪ )88/4( :‬بغير سند‪.‬‬
‫ا‪ )2‬انظرها في تفسير الطبري‪ :‬ا‪ ،)637/11‬وزاد المسير‪ :‬ا‪.)291/2‬‬
‫‪208‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫الشجرة‪ ،‬وهم الذين أنفقوا من قبل‪ ،‬وقاتلوا قبل الفتح‪ ،‬والفتح هو‬
‫الحديبية‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﳋ‬
‫ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ ﳛ‬
‫ﳜ ﳝ} [الحديد‪<]10 :‬ا‪.)1‬‬
‫{ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬ ‫* وقال‪:‬‬
‫ﲱ ﲲ ﲳ} اآلية‪[ .‬التوبة‪.]117 :‬‬
‫{ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ‬ ‫قال الجصاص‪> :‬وقول تعالى‪:‬‬
‫ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ} في مدح ألصحاب النبي ‘‬
‫الذين غزوا مع من المهاجرين واألنصار وإخبار بصحة بواطن‬
‫ضمائرهم وطهارتهم‪ ،‬ألن اهلل تعالى ًل يخبر بأن قد تاب عليهم إًل وقد‬
‫رضي عنهم ورضي أفعالهم‪ ،‬وهذا نص في رد قول الطاعنين عليهم‬
‫والناسبين لهم إلى غير ما نسبهم اهلل إلي من الطهارة‪ ،‬ووصفهم ب من‬
‫صحة الضمائر‪ ،‬وصالح السرائر ‪<‬ا‪.)2‬‬
‫{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬ ‫* وقال تعالى‪:‬‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﲴ ﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل اإلسالم واإليمان وعبادات أهل الشرك‬
‫والنفاق‪ً ،‬لبن تيمية‪ :‬ا‪.)31‬‬
‫ا‪ )2‬أحكام القرآن‪ :‬ا‪.)160/3‬‬
‫‪209‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ} اآلية‬
‫[الحشر‪ 8 :‬ــ ‪]9‬ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪> )1‬من المعلوم باًلضطرار‪ ،‬والمتواتر من األخبار‪ ،‬أن المهاجرين هاجروا من مكة‬
‫وغيرها إلى المدينة‪ ،‬وهاجر طائفة منهم كعمر وعثمان وجعفر بن أبي طالب‬
‫هجرتين‪ :‬هجرة إلى الحبشة‪ ،‬وهجرة إلى المدينة‪ ،‬وكان اإلسالم إذ ذاك قليال‪،‬‬
‫والكفار مستولون على عامة األرض‪ ،‬وكانوا يؤذون بمكة‪ ،‬ويلقون من أقاربهم‬
‫وغيرهم من المشركين من األذى ما ًل يعلم إًل اهلل‪ ،‬وهم صابرون على األذى‪،‬‬
‫متجرعون لمرارة البلوى‪ ،‬وفارقوا األوطان‪ ،‬وهجروا الخالن لمحبة اهلل ورسول ‪،‬‬
‫والجهاد في سبيل ‪ ،‬كما وصفهم اهلل تعالى بقول ‪{ :‬ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬
‫ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ}‬
‫[سورة الحشر‪.]8 :‬‬
‫وهذا كل فعلوه طوعا واختيارا من تلقاء أنفسهم لم يكرههم علي مكره‪ ،‬وًل ألجأهم‬
‫إلي أحد‪ ،‬فإن لم يكن لإلسالم إذ ذاك من القوة ما يكره ب أحد على اإلسالم‪ ،‬وكان‬
‫النبي ‘ إذ ذاك ــ هو ومن اتبع ــ منهيين عن القتال‪ ،‬مأمورين بالصفح والصبر فلم‬
‫يسلم أحد إًل باختياره‪ ،‬وًل هاجر أحد إًل باختياره‪.‬‬
‫ولهذا قال أحمد بن حنبل وغيره من العلماء‪ :‬إن لم يكن من المهاجرين من نافق‪،‬‬
‫وإنما كان النفاق في قبائل األنصار لما ظهر اإلسالم بالمدينة‪ ،‬ودخل في من قبائل‬
‫األوا والخزرج‪ ،‬ولما صار للمسلمين دار يمتنعون بها ويقاتلون دخل في اإلسالم‬
‫من أهل المدينة‪ ،‬وممن حولهم من األعراب من دخل خوفا وتقية‪ ،‬وكانوا منافقين‪.‬‬
‫كما قال تعالى‪{ :‬ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬
‫ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ} [سورة التوبة‪.]101 :‬‬
‫ولهذا إنما ذكر النفاق في السور المدنية‪ ،‬وأما السور المكية فال ذكر فيها للمنافقين‪،‬‬
‫فإن من أسلم قبل الهجرة بمكة لم يكن فيهم منافق‪ ،‬والذين هاجروا لم يكن فيهم‬
‫منافق‪ ،‬بل كانوا مؤمنين باهلل ورسول محبين هلل ولرسول ‪ ،‬وكان اهلل ورسول أحب‬
‫إليهم من أوًلدهم‪ ،‬وأهلهم‪ ،‬وأموالهم<‪ ،‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)476/7‬‬
‫‪210‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وهذه اآلية من المناقب العظيمة للمهاجرين‪ ،‬قال البخاري‪> :‬باب‬


‫مناقب المهاجرين وفضلهم‪ ،‬منهم أبو بكر عبد اهلل بن أبي قحافة التيمي‬
‫‪ ،‬وقول اهلل تعالى‪{ :‬ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬

‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ}‬
‫[الحشر‪ ]8 :‬وقال اهلل‪{ :‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ} [التوبة‪ ]40 :‬إلى قول‬
‫{ﲩ ﲪ ﲫ} [التوبة‪ ]40 :‬قالت عائشة‪ :‬وأبو سعيد‪ ،‬وابن عباا ‪:‬‬
‫>وكان أبو بكر مع النبي ‘ في الغار<<ا‪.)1‬‬
‫وعن سعد بن أبي وقاص قال‪> :‬الناا على ثال منازل‪ ،‬فمضت‬
‫منزلتان وبقيت واحدة‪ ،‬فأحسن ما أنتم علي كائنون أن تكونوا بهذه‬
‫المنزلة التي بقيت‪ ،‬ثم قرأ‪{ :‬ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬

‫ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ} هؤًلء المهاجرون وهذه منزلة قد‬


‫مضت‪.‬‬

‫{ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ‬ ‫ثم قرأ‪:‬‬


‫ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ}‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬هؤًلء األنصار وهذه منزلة قد مضت‪.‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬ ‫ثم قرأ‪:‬‬
‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ}‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬صحيح البخاري‪ :‬ا‪.)3/5‬‬
‫‪211‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫فقد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة‪ ،‬فأحسن ما أنتم علي كائنون أن‬
‫تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت أن تستغفروا اهلل لهم<ا‪.)1‬‬
‫{ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬ ‫يقول ابن كثير‪> :‬وأحسن ما قيل في قول ‪:‬‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ} أي‪ :‬ال يحسدونهم على فضل ما أعطاهم اهلل على هجرتهم‪،‬‬
‫فإن ظاهر اآليات تقديم المهاجرين على األنصار‪ ،‬وهذا أمر مجمع علي‬
‫بين العلماء‪ً ،‬ل يختلفون في ذلك<ا‪.)2‬‬
‫رجال أتى النبي ‘‪ ،‬فبعث إلى نسائ‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ،‬أن ا‬
‫فقلن‪ :‬ما معنا إًل الماء‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪> :‬من يضم أو يضيف‬
‫هذا<‪ ،‬فقال رجل من األنصار‪ :‬أنا‪ ،‬فانطلق ب إلى امرأت ‪ ،‬فقال‪ :‬أكرمي‬
‫ضيف رسول اهلل ‘‪ ،‬فقالت‪ :‬ما عندنا إًل قوت صبياني‪ ،‬فقال‪ :‬هيئي‬
‫طعامك‪ ،‬وأصبحي سراجك‪ ،‬ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء‪ ،‬فهيأت‬
‫طعامها‪ ،‬وأصبحت سراجها‪ ،‬ونومت صبيانها‪ ،‬ثم قامت كأنها تصلح‬
‫سراجها فأطفأت ‪ ،‬فجعال يريان أنهما يأكالن‪ ،‬فباتا طاويين‪ ،‬فلما أصبح‬
‫غدا إلى رسول اهلل ‘‪ ،‬فقال‪> :‬ضحك اهلل الليلة‪ ،‬أو عجب‪ ،‬من‬
‫فعالكما< فأنزل اهلل‪{ :‬ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬
‫ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ} [الحشر‪]9 :‬ا‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬منهاج السنة‪ :‬ا‪ ،)19/2‬ونسب ًلبن بطة‪ ،‬ولم أجده في ‪.‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)96/4‬‬
‫ا‪ )3‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪ ،)3798‬ومسلم‪ :‬ا‪ )2054‬ولفظ ‪ :‬عن أبي هريرة‪> ،‬أن رجال‬
‫من األنصار بات ب ضيف‪ ،‬فلم يكن عنده إًل قوت وقوت صبيان ‪ ،‬فقال ًلمرأت ‪=:‬‬
‫‪212‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬ ‫* وقال تعالى‪:‬‬


‫‪ ،]218‬وقال‪:‬‬ ‫[البقرة‪:‬‬ ‫ﲯ}‬ ‫ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ‬
‫{ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬
‫ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ‬
‫ﱱ ﱲ ﱳ} [الحج‪ 58 :‬ــ ‪.]59‬‬
‫إذاا ففي هذه اآليات السابقة تقسيم الناا إلى طبقات ودرجات‬
‫بحسب الهجرة والنصرة‪.‬‬
‫{ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬ ‫وفي تفسير قول تعالى‪:‬‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ‬
‫ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬
‫ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬
‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬
‫ﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏﳐ ﳑ ﳒ‬
‫ﳓ ﳔ ﳕ} [األنفال‪ 72 :‬ــ ‪.]75‬‬
‫يقول الرازي في كالم نفيس ل في تفسير نسوق بتصرف‪> :‬اعلم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نومي الصبية‪ ،‬وأطفئ السراج‪ ،‬وقربي للضيف ما عندك‪ ،‬قال‪ :‬فنزلت هذه اآلية‬ ‫=‬
‫{ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ} [الحشر‪.<]9 :‬‬
‫‪213‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫أن تعالى قسم المؤمنين في زمان الرسول ‘ إلى أربعة أقسام‪ ،‬وذكر‬
‫حكم كل واحد منهم‪ ،‬وتقرير هذه القسمة أن ‪ ‬ظهرت نبوت بمكة‬
‫ودعا الناا هناك إلى الدين‪ ،‬ثم انتقل من مكة إلى المدينة‪ ،‬فحين‬
‫هاجر من مكة إلى المدينة صار المؤمنون على قسمين منهم من وافق‬
‫في تلك الهجرة‪ ،‬ومنهم من لم يوافق فيها بل بقي هناك‪.‬‬
‫* أما القسم األول‪ :‬فهم المهاجرون األولون‪ ،‬وقد وصفهم بقول‪:‬‬
‫{ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ}‪ ،‬وإنما‬
‫قلنا إن المراد منهم المهاجرون األولون ألن تعالى قال في آخر اآلية‪:‬‬
‫{ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ} وإذا ثبت هذا ظهر أن هؤالء موصوفون‬
‫بهذه الصفات األربعة‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أنهم آمنوا باهلل ومالئكت وكتب ورسل واليوم اآلخر وقبلوا‬
‫جميع التكاليف التي بلغها محمد ‘ ولم يتمردوا‪ ،‬فقول ‪{ :‬ﱪ ﱫ}‬
‫يفيد هذا المعنى‪.‬‬
‫والصفة الثانية‪ :‬قول ‪{ :‬ﱭ} يعني‪ :‬فارقوا األوطان‪ ،‬وتركوا‬
‫األقارب والجيران في طلب مرضاة اهلل‪ ،‬ومعلوم أن هذه الحالة حالة‬
‫شديدة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ} [النساء‪]66 :‬‬
‫جعل مفارقة األوطان معادلة لقتل النفس‪ ،‬فهؤًلء في المرتبة األولى‬
‫تركوا األديان القديمة لطلب مرضاة اهلل تعالى‪ ،‬وفي المرتبة الثانية تركوا‬
‫األقارب والخالن واألوطان والجيران لمرضاة اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪214‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫والصفة الثالثة‪ :‬قول ‪{ :‬ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} أما‬


‫المجاهدة بالمال فألنهم لما فارقوا األوطان فقد ضاعت دورهم‬
‫ومساكنهم وضياعهم ومزارعهم‪ ،‬وبقيت في أيدي األعداء‪ ،‬وأيضا فقد‬
‫احتاجوا إلى اإلنفاق الكثير بسبب تلك العزيمة‪ ،‬وأيضا كانوا ينفقون‬
‫أموالهم على تلك الغزوات‪ ،‬وأما المجاهدة بالنفس فألنهم كانوا أقدموا‬
‫على محاربة بدر من غير آلة وًل أهبة وًل عدة مع األعداء الموصوفين‬
‫بالكثرة والشدة‪ ،‬وذلك يدل على أنهم أزالوا أطماعهم عن الحياة وبذلوا‬
‫أنفسهم في سبيل اهلل‪.‬‬
‫إقداما على هذه‬
‫ا‬ ‫وأما الصفة الرابعة‪ :‬فهي أنهم كانوا أول الناا‬
‫والتزاما لهذه األحوال‪ ،‬ولهذه السابقة أثر عظيم في تقوية الدين‪.‬‬
‫ا‬ ‫األفعال‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ‬
‫ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ} [الحديد‪ ]10 :‬وقال‪:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬

‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} [التوبة‪ ]100 :‬وإنما كان السبق موجبا للفضيلة‪ ،‬ألن‬


‫إقدامهم على هذه األفعال يوجب اقتداء غيرهم بهم‪ ،‬فيصير ذلك سببا‬
‫للقوة أو الكمال‪ ،‬ولهذا المعنى قال تعالى‪{ :‬ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬

‫ﱚ ﱛ} [المائدة‪ ..]32 :‬ومن عادة الناا أن دواعيهم تقوى بما يرون‬


‫من أمثالهم في أحوال الدين والدنيا‪ ،‬كما أن المحن تخف على قلوبهم‬
‫بالمشاركة فيها‪ ،‬فثبت أن حصول هذه الصفات األربعة للمهاجرين‬
‫‪215‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫األولين يدل على غاية الفضيلة ونهاية المنقبة‪ ،‬وأن ذلك يوجب اًلعتراف‬
‫بكونهم رؤساء المسلمين وسادة لهم‪.‬‬
‫* وأما القسم الثاني‪ :‬من المؤمنين الموجودين في زمان محمد ‘‬
‫فهم األنصار‪ ،‬وذلك ألنه ‪ ‬لما هاجر إليهم مع طائفة من أصحاب ‪ ،‬فلوًل‬
‫أنهم آووا ونصروا وبذلوا النفس والمال في خدمة رسول اهلل ‘ وإصالح‬
‫مهمات أصحاب لما تم المقصود البتة‪.‬‬
‫ويجب أن يكون حال المهاجرين أعلى في الفضيلة من حال األنصار‬
‫لوجوه‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أنهم هم السابقون في اإليمان الذي هو رئيس الفضائل وعنوان‬
‫المناقب‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أنهم تحملوا العناء والمشقة دهرا دهيرا‪ ،‬وزمانا مديدا من‬
‫كفار قريش وصبروا علي ‪ ،‬وهذه الحال ما حصلت لألنصار‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬أنهم تحملوا المضار الناشئة من مفارقة األوطان واألهل‬
‫والجيران‪ ،‬ولم يحصل ذلك لألنصار‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬أن فتح الباب في قبول الدين والشريعة من الرسول ‪‬‬
‫إنما حصل من المهاجرين‪ ،‬واألنصار اقتدوا بهم وتشبهوا بهم‪ ..‬فجملة‬
‫هذه األحوال توجب تقديم المهاجرين األولين على األنصار في الفضل‬
‫والدرجة والمنقبة‪ ،‬فلهذا السبب أينما ذكر اهلل هذين الفريقين قدم‬
‫‪216‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫المهاجرين على األنصار وعلى هذا الترتيب ورد ذكرهما في هذه اآلية‪.‬‬
‫* القسم الثالث‪ :‬من أقسام مؤمني زمان الرسول ‪ ‬وهم المؤمنون‬
‫الذين ما وافقوا الرسول في الهجرة وبقوا في مكة وهم المعنيون بقول‪:‬‬
‫{ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ} فبين تعالى حكمهم من وجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬قول ‪{ :‬ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ} وفي مسائل‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬اعلم أن الوالية المنفية في هذه الصورة‪ ،‬هي الوالية‬
‫المثبتة في القسم الذي تقدم‪ ،‬فمن حمل تلك الوالية على اإلر ‪ ،‬زعم‬
‫أن الوًلية المنفية هاهنا هي اإلر ‪ ،‬ومن حمل تلك الوًلية على سائر‬
‫اًلعتبارات المذكورة‪ ،‬فكذا هاهنا‪.‬‬
‫واحتج الذاهبون‪ ،‬إلى أن المراد من هذه الوًلية اإلر ‪ ،‬بأن‬
‫قالوا‪ً :‬ل يجوز أن يكون المراد منها الوًلية بمعنى النصرة والدليل علي‬
‫أن تعالى عطف علي قول ‪{ :‬ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ} وًل‬
‫شك أن ذلك عبارة عن المواًلة في الدين والمعطوف مغاير للمعطوف‬
‫علي ‪ ،‬فوجب أن يكون المراد بالوًلية المذكورة أمرا مغايرا لمعنى‬
‫النصرة وهذا اًلستدًلل ضعيف‪ ،‬ألنا حملنا تلك الوًلية على التعظيم‬
‫واإلكرام وهو أمر مغاير للنصرة‪ ،‬أًل ترى أن اإلنسان قد ينصر بعض‬
‫أهل الذمة في بعض المهمات وقد ينصر عبده وأمت بمعنى اإلعانة مع‬
‫أن ًل يوالي بمعنى التعظيم واإلجالل فسقط هذا الدليل‪.‬‬
‫‪217‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫المسألة الثانية‪ :‬قول تعالى‪{ :‬ﲆ ﲇ}‪.‬‬


‫واعلم أن قول تعالى‪{ :‬ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ} يوهم أنهم لما لم‬
‫يهاجروا مع رسول اهلل ‘ سقطت وًليتهم مطلقا‪ ،‬فأزال اهلل تعالى هذا‬
‫الوهم بقول ‪ :‬ما لكم من وًليتهم من شيء حتى يهاجروا يعني أنهم لو‬
‫هاجروا لعادت تلك الوًلية وحصلت‪ ،‬والمقصود من الحمل على‬
‫المهاجرة والترغيب فيها‪ ،‬ألن المسلم متى سمع أن اهلل تعالى يقول‪ :‬إن‬
‫قطع المهاجرة انقطعت الوًلية بين وبين المسلمين ولو هاجر حصلت‬
‫تلك الوًلية وعادت على أكمل الوجوه‪ ،‬فال شك أن هذا يصير مرغبا ل‬
‫في الهجرة‪ ،‬والمقصود من المهاجرة كثرة المسلمين واجتماعهم وإعانة‬
‫بعضهم لبعض‪ ،‬وحصول األلفة والشوكة وعدم التفرقة‪.....‬‬
‫{ﲉ‬ ‫والحكم الثاني‪ :‬من أحكام هذا القسم الثالث‪ ،‬قول تعالى‪:‬‬
‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ}‪.‬‬
‫واعلم أن تعالى لما بين الحكم في قطع الوًلية بين تلك الطائفة‬
‫من المؤمنين‪ ،‬بين أن ليس المراد من المقاطعة التامة كما في حق‬
‫الكفار بل هؤًلء المؤمنون الذين لم يهاجروا لو استنصروكم فانصروهم‬
‫وًل تخذلوهم‪....‬‬
‫ثم قال تعالى‪{ :‬ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} والمعنى‪ :‬أن ًل‬
‫يجوز لكم نصرهم عليهم إذ الميثاق مانع من ذلك‪.‬‬
‫‪218‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ثم قال تعالى‪{ :‬ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ} وفي مسائل‪:‬‬


‫المسألة األولى‪ :‬اعلم أن هذا الترتيب الذي اعتبره اهلل في هذه اآلية‬
‫في غاية الحسن ألنه ذكر هاهنا أقساما ثالثة‪ :‬فاألول‪ :‬المؤمنون من‬
‫المهاجرين واألنصار وهم أفضل الناا وبين أن يجب أن يوالي بعضهم‬
‫بعضا‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬المؤمنون الذين لم يهاجروا فهؤًلء بسبب إيمانهم‬
‫لهم فضل وكرامة وبسبب ترك الهجرة لهم حالة نازلة فوجب أن يكون‬
‫حكمهم حكما متوسطا بين اإلجالل واإلذالل وذلك هو أن الوالية المثبتة‬
‫للقسم األول‪ ،‬تكون منفية عن هذا القسم‪ ،‬إال أنهم يكونون بحيث لو‬
‫استنصروا المؤمنين واستعانوا بهم نصروهم وأعانوهم‪ .‬فهذا الحكم‬
‫متوسط بين اإلجالل واإلذًلل‪.‬‬
‫وأما الكفار فليس لهم البتة ما يوجب شيئا من أسباب الفضيلة‪.‬‬
‫فوجب كون المسلمين منقطعين عنهم من كل الوجوه فال يكون بينهم‬
‫والية وال مناصرة بوجه من الوجوه‪ ،‬فظهر أن هذا الترتيب في غاية‬
‫الحسن‪.‬‬
‫{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬ ‫‪ ...‬ثم إن تعالى لما بين هذه األحكام قال‪:‬‬
‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} والمعنى‪ :‬إن لم تفعلوا ما أمرتكم ب في هذه‬
‫التفاصيل المذكورة المتقدمة تحصل فتنة في األرض ومفسدة عظيمة‪،‬‬
‫وبيان هذه الفتنة والفساد من وجوه‪ :‬األول‪ :‬أن المسلمين لو اختلطوا‬
‫‪219‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫بالكفار في زمان ضعف المسلمين وقلة عددهم‪ ،‬وزمان قوة الكفار وكثرة‬
‫عددهم‪ ،‬فربما صارت تلك المخالطة سببا ًللتحاق المسلم بالكفار‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن المسلمين لو كانوا متفرقين لم يظهر منهم جمع عظيم‪،‬‬
‫فيصير ذلك سببا لجراءة الكفار عليهم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن إذا كان جمع المسلمين كل يوم في الزيادة في العدة‬
‫والعدة‪ ،‬صار ذلك سببا لمزيد رغبتهم فيما هم في ورغبة المخالف في‬
‫اًللتحاق بهم‪.‬‬
‫واعلم أن تعالى لما ذكر هذا القسم الثالث‪ ،‬عاد إلى ذكر القسم‬
‫األول والثاني مرة أخرى فقال‪{ :‬ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬
‫ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ}‪.‬‬
‫واعلم أن هذا ليس بتكرار وذلك ألن تعالى ذكرهم أوًل ليبين‬
‫ضا‪ ،‬ثم إن تعالى ذكرهم هاهنا لبيان‬
‫حكمهم وهو وًلية بعضهم بع ا‬
‫تعظيم شأنهم وعلو درجتهم‪ ،‬وبيان من وجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن اإلعادة تدل على مزيد اًلهتمام بحالهم وذلك يدل‬
‫على الشرف والتعظيم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬وهو أن تعالى أثنى عليهم هاهنا من ثالثة أوج ‪:‬‬
‫أولها‪ :‬قوله‪{ :‬ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ} فقول ‪{ :‬ﲴ ﲵ ﲶ}‬
‫يفيد الحصر وقوله‪{ :‬ﲷ} يفيد المبالغة في وصفهم بكونهم محقين‬
‫‪220‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫محققين في طريق الدين‪ ،‬واألمر في الحقيقة كذلك‪ ،‬ألن من لم يكن محقا‬


‫في دينه لم يتحمل ترك األديان السالفة‪ ،‬ولم يفارق األهل والوطن ولم‬
‫يبذل النفس والمال ولم يكن في هذه األحوال من المتسارعين المتسابقين‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬قول ‪{ :‬ﲹ ﲺ} وتنكير لفظ المغفرة يدل على الكمال‬
‫كما أن التنكير في قول ‪{ :‬ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [البقرة‪]96 :‬‬
‫يدل على كمال تلك الحياة‪ ،‬والمعنى‪ :‬لهم مغفرة تامة كاملة عن جميع‬
‫الذنوب والتبعات‪ .‬وثالثها‪ :‬قول ‪{ :‬ﲻ ﲼ} والمراد من الثواب‬
‫الرفيع الشريف‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن تعالى شرح حالهم في الدنيا وفي اآلخرة‪ ،‬أما في‬
‫الدنيا فقد وصفهم بقول ‪{ :‬ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ}‪ ،‬وأما في اآلخرة‬
‫فالمقصود إما دفع العقاب‪ ،‬وإما جلب الثواب‪ ،‬أما دفع العقاب فهو‬
‫المراد بقول ‪{ :‬ﲹ ﲺ}‪ ،‬وأما جلب الثواب فهو المراد بقول ‪:‬‬
‫{ﲻ ﲼ} وهذه السعادات العالية إنما حصلت ألنهم أعرضوا عن‬
‫اللذات الجسمانية‪ ،‬فتركوا األهل والوطن وبذلوا النفس والمال‪ ،‬وذلك‬
‫تنبي على أن ًل طريق إلى تحصيل السعادات إًل باإلعراض عن هذه‬
‫الجسمانيات‪.‬‬
‫* القسم الرابع‪ :‬من مؤمني زمان محمد ‘ هم الذين لم يوافقوا‬
‫الرسول في الهجرة إال أنهم بعد ذلك هاجروا إليه‪ ،‬وهو المراد من قوله‬
‫تعالى‪{ :‬ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﳇ} وفي‬
‫مسائل‪:‬‬
‫‪221‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫المسألة األولى‪ :‬اختلفوا في المراد من قول تعالى‪{ :‬ﳀ ﳁ} نقل‬


‫الواحدي عن ابن عباا‪ :‬بعد الحديبية وهي الهجرة الثانية‪ ،‬وقيل بعد‬
‫نزول هذه اآلية‪ ،‬وقيل‪ :‬بعد يوم بدر‪ ،‬واألصح أن المراد والذين‬
‫هاجروا بعد الهجرة األولى‪ ،‬وهؤًلء هم التابعون بإحسان كما قال‪:‬‬
‫{ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} [التوبة‪.]100 :‬‬
‫‪ ...‬المسألة الثالثة‪ :‬قول ‪{ :‬ﳅ ﳆﳇ} يدل على أن مرتبة هؤًلء‬
‫دون مرتبة المهاجرين السابقين ألن ألحق هؤًلء بهم وجعلهم منهم في‬
‫معرض التشريف‪ ،‬ولوًل كون القسم األول أشرف وإًل لما صح هذا‬
‫المعنى‪.‬‬
‫فهذا شرح هذه األقسام األربعة التي ذكرها اهلل تعالى في هذه‬
‫اآلية<ا‪.)1‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أهل بدر‬
‫لقد وصف اهلل ‪ ‬أهل بدر بأنهم يقاتلون في سبيل اهلل‪ ،‬وهذا‬
‫الوصف من اهلل تزكية لهم‪ ،‬يقول اهلل سبحان ‪{ :‬ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ‬
‫ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲀ ﲁﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ﲎ} [آل عمران‪.]13 :‬‬
‫{ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬ ‫عن ابن عباا‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مفاتيح الغيب‪ :‬ا‪ 515/15‬ــ ‪.)520‬‬
‫‪222‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﱺ ﱻ} >أصحاب رسول اهلل ‘ ببدر<‪{ ،‬ﱼ ﱽ} >فئة‬


‫قريش الكفار<ا‪.)1‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ‬ ‫ضا‪:‬‬
‫وقال اهلل سبحان أي ا‬
‫{ﱦ ﱧ‬ ‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} [األنفال‪ ،]62 :‬وقال سبحان ‪:‬‬
‫ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ} [األنفال‪ ]64 :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬وإن‬
‫يرد يا محمد هؤًلء الذين أمرتك بأن تنبذ إليهم على سواء‪ ،‬إن خفت‬
‫منهم خيانة‪ ،‬وبمسالمتهم إن جنحوا للسلم خداعك والمكر بك {ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ} [األنفال‪ ]62 :‬يقول‪ :‬فإن اهلل كافيكهم وكافيك خداعهم إياك؛‬
‫ألن متكفل بإظهار دينك على األديان ومتضمن أن يجعل كلمت العليا‬
‫وكلمة أعدائ السفلى‪{ .‬ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ} يقول‪ :‬اهلل الذي قواك‬
‫بنصره إياك على أعدائ {ﱍ} يعني باألنصارا‪ ،)2‬وقد‬
‫تظاهرت أقوال المفسرين أنها في األوا والخزرجا‪.)3‬‬
‫وقال مقاتل‪َّ > :‬قواك بنصره وبالمؤمنين من األنصار يوم بدر<ا‪،)4‬‬
‫يقول ابن تيمية‪> :‬وإنما أيده في حيات بالصحابة<ا‪.)5‬‬
‫{ﱁ ﱂ‬ ‫ومن الثناء على أهل بدر قول تعالى‪ :‬قول تعالى‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪.)241/5‬‬ ‫ا‪)1‬‬
‫جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪.)255/11‬‬ ‫ا‪)2‬‬
‫المحرر الوجيز‪ :‬ا‪.)548/2‬‬ ‫ا‪)3‬‬
‫زاد المسير‪ :‬ا‪.)222/2‬‬ ‫ا‪)4‬‬
‫مجموع الفتاوى‪ :‬ا‪.)33/2‬‬ ‫ا‪)5‬‬
‫‪223‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬
‫ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ} [األنفال‪> ،]17 :‬يقول تعالى ذكره‬
‫للمؤمنين ب وبرسول ممن شهد بدرا مع رسول اهلل ‘ فقاتل أعداء‬
‫دين مع من كفار قريش‪ :‬فلم تقتلوا المشركين أيها المؤمنون أنتم‪،‬‬
‫ولكن اهلل قتلهم‪.‬‬
‫وأما قول ‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} فإن معناه‪ :‬ولينعم‬
‫على المؤمنين باهلل ورسول بالظفر بأعدائهم‪ ،‬ويغنمهم ما معهم‪ ،‬ويثبت‬
‫لهم أجور أعمالهم وجهادهم مع رسول اهلل ‘‪ .‬وذلك البالء الحسن‬
‫رمي اهلل هؤًلء المشركين‪.‬‬
‫ويعني بالبالء الحسن النعمة الحسنة الجميلة<ا‪.)1‬‬

‫{ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ‬ ‫وفي بدر نزل قول اهلل تعالى‪:‬‬


‫ﱗﱘﱙﱚ ﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢ‬

‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬

‫ﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹ ﱺﱻﱼﱽﱾ‬

‫ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬

‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ} [آل عمران‪ 123 :‬ــ ‪.]127‬‬

‫يقول الطبري‪> :‬يعني تعالى ذكره‪{ :‬ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ}‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪ 82/11‬ــ ‪ ،)87‬بتصرف‪.‬‬
‫‪224‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬ ‫إذ تقول للمؤمنين بك من أصحابك‪:‬‬


‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ} وذلك يوم بدر<ا‪.)1‬‬
‫عن البراء‪ ،‬قال‪ :‬كنا أصحاب محمد ‘‪ ،‬نتحد ‪> :‬أن عدة‬
‫أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا مع النهر‪ ،‬ولم‬
‫يجاوز مع إًل مؤمن بضعة عشر وثال مائة<ا‪.)2‬‬
‫{ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬ ‫وقول اهلل تعالى‬
‫ﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴ‬
‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ‬
‫ﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏ‬

‫ﲐ} [األنفال‪ 11 :‬ــ ‪.]12‬‬


‫يذكرهم اهلل بما أنعم ب عليهم من إلقائ النعاا عليهم‪ ،‬أمانا من‬
‫خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عددهم‪ ،‬وكذلك فعل‬
‫تعالى بهم يوم أحد‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬

‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} [آل عمران‪.]154 :‬‬


‫قال ابن كثير‪> :‬قلت‪ :‬أما النعاا فقد أصابهم يوم أحد‪ ،‬وأمر ذلك‬
‫مشهور جدا‪ ،‬وأما يوم بدر في هذه اآلية الشريفة إنما هي في سياق قصة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)20/6‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)3958‬‬
‫‪225‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫بدر‪ ،‬وهي دالة على وقوع ذلك أيضا وكأن ذلك كان سجية للمؤمنين‬
‫عند شدة البأا لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر اهلل‪.‬‬
‫وهذا من فضل اهلل ورحمت بهم ونعم عليهم<ا‪.)1‬‬

‫ثالثًا‪ :‬أهل أحد‬


‫قال البخاري في صحيح ‪> :‬باب غزوة أحد<‪ ،‬وأورد تحت هذا‬
‫الباب عدة آيات‪ ،‬وهي‪> :‬وقول اهلل تعالى‪{ :‬ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ‬

‫ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ} [آل عمران‪َ ]121 :‬وقَ ْولِ ِ َج َّل ِذ ْك ُر ُه‪:‬‬


‫{ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬

‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﱁ ﱂ ﱃ‬

‫ﱄﱅﱆﱇ ﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐ‬
‫ﱑﱒﱓﱔﱕ ﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ‬
‫{ﱬ ﱭ ﱮ‬ ‫ﱟ ﱠ ﱡ} [آل عمران‪َ ]140 :‬وقَ ْولِ ِ‪:‬‬
‫ﱵ‬ ‫ﱯ ﱰ ﱱ} [آل عمران‪َ ]152 :‬ت ْس َت ْأ ِ‬
‫صلُونَ ُه ْم قَ ْت اال {ﱴ‬
‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ‬
‫ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)22/4‬‬
‫‪226‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ} [آل عمران‪:‬‬

‫‪َ ]152‬وقَ ْولِ ِ‪{ :‬ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ} اآلية<ا‪.)1‬‬


‫وكل هذه اآليات واردة في سياق غزوة أحد‪ ،‬ونحن نتعرض لها‬
‫ببيان دًللتها على فضل أصحاب رسول اهلل ‘ ممن شهد أح ادا‪.‬‬
‫{ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ‬ ‫فقول تعالى‪:‬‬
‫ﳐ ﳑ} [آل عمران‪ ،]121 :‬عنى بذلك يوم أحد على الصحيح من كالم‬
‫أهل العلم‪ ،‬وهو قول ابن عباس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وقتادة‪ ،‬ورجحه الطبري‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫>وأولى هذين القولين بالصواب قول من قال‪ :‬عنى بذلك يوم أحد؛ ألن‬
‫اهلل ‪ ‬يقول في اآلية التي بعدها‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ} [آل‬
‫عمران‪ ]122 :‬وال خالف بين أهل التأويل أنه عنى بالطائفتين بني سلمة وبني‬
‫حارثة‪ ،‬وال خالف بين أهل السير والمعرفة بمغازي رسول اهلل ‘ أن‬
‫الذي ذكر اهلل من أمرهما إنما كان يوم أحد دون يوم األحزاب<ا‪.)2‬‬
‫>فتأويل الكالم‪ :‬واذكر إذ غدوت يا محمد من أهلك تتخذ للمؤمنين‬
‫معسكرا وموضعا لقتال عدوهم‪ .‬وقوله‪{ :‬ﳏ ﳐ ﳑ} [آل عمران‪]121 :‬‬

‫يعني بذلك تعالى ذكره‪ :‬واهلل سميع لما يقول المؤمنون لك‪ ،‬فيما‬
‫شاورتهم في من موضع لقائك ولقائهم عدوك وعدوهم من قول من قال‪:‬‬
‫اخرج بنا إليهم حتى نلقاهم خارج المدينة‪ ،‬وقول من قال لك‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬صحيح البخاري‪ :‬ا‪.)93/5‬‬
‫ا‪ )2‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)7/6‬‬
‫‪227‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ًل تخرج إليهم وأقم بالمدينة حتى يدخلوها علينا‪ ،‬على ما قد بينا قبل‪،‬‬
‫ومما تشير ب عليهم أنت يا محمد‪ ،‬عليم بأصلح تلك اآلراء لك ولهم‪،‬‬
‫وبما تخفي صدور المشيرين عليك بالخروج إلى عدوك‪ ،‬وصدور‬
‫المشيرين عليك بالمقام في المدينة‪ ،‬وغير ذلك من أمرك وأمورهم<ا‪.)1‬‬
‫وقال الثعلبي‪> :‬وقال سائر المفسرين‪ :‬هو أحد‪ ،‬وهو أثبت<ا‪.)2‬‬
‫فانظر إلى وصف اهلل لهذه الثلة المباركة باإليمان‪ ،‬وهذه شهادة‬
‫اهلل الذي يعلم السر وأخفى‪ ،‬وكفى بها شهادة على رسوخ إيمان أصحاب‬
‫رسول اهلل ‘‪.‬‬
‫يقول ابن كثير‪> :‬المراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور‪ ،‬قال‬
‫ابن عباس‪ ،‬والحسن‪ ،‬وقتادة‪ ،‬والسدي‪ ،‬وغير واحد‪ .‬وعن الحسن‬
‫البصري‪ :‬المراد بذلك يوم األحزاب‪ .‬رواه ابن جرير‪ ،‬وهو غريب ال يعول‬
‫علي ‪.‬‬
‫وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوال سنة ثال من الهجرة‪،‬‬
‫قال قتادة إلحدى عشرة ليلة خلت من شوال‪ ،‬وقال عكرمة‪ :‬يوم السبت‬
‫للنصف من شوال‪ ،‬فاهلل أعلم‪.‬‬
‫وكان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪ 11/6‬ــ ‪.)12‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير الثعلبي = الكشف والبيان‪ :‬ا‪ ،)137/3‬وانظر‪ :‬الهداية‪ ،‬لمكي‪ :‬ا‪،)1110/2‬‬
‫والمحرر الوجيز‪ :‬ا‪.)499/1‬‬
‫‪228‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان‪ ،‬فلما رجع‬
‫قفلهم إلى مكة قال أبناء من قتل‪ ،‬ورؤساء من بقي ألبي سفيان‪ :‬ارصد‬
‫هذه األموال لقتال محمد‪ ،‬فأنفقوها في ذلك‪ ،‬وجمعوا الجموع‬
‫واألحابيش وأقبلوا في قريب من ثالثة آًلف‪ ،‬حتى نزلوا قريبا من أحد‬
‫تلقاء المدينة‪ ،‬فصلى رسول اهلل ‘ يوم الجمعة‪ ،‬فلما فرغ منها صلى‬
‫على رجل من بني النجار‪ ،‬يقال ل ‪ :‬مالك بن عمرو‪ ،‬واستشار الناا‪:‬‬
‫أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة؟ فأشار عبد اهلل بن أبي بالمقام‬
‫بالمدينة‪ ،‬فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوها قاتلهم الرجال في‬
‫وجوههم‪ ،‬ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم‪ ،‬وإن رجعوا‬
‫رجعوا خائبين‪.‬‬
‫وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدرا بالخروج إليهم‪،‬‬
‫فدخل رسول اهلل ‘ فلبس ألمت وخرج عليهم‪ ،‬وقد ندم بعضهم‬
‫وقالوا‪ :‬لعلنا استكرهنا رسول اهلل ‘‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن شئت أن‬
‫نمكث؟ فقال رسول اهلل ‘‪> :‬ما ينبغي لنبي إذا لبس ألمت أن يرجع‬
‫حتى يحكم اهلل ل <‪.‬‬
‫فسار‪  ،‬في ألف من أصحابه‪ ،‬فلما كان بالشوط رجع عبد اهلل بن‬
‫أبي في ثلث الجيش مغضبا؛ لكونه لم يرجع إلى قوله‪ ،‬وقال هو‬
‫وأصحاب ‪ :‬لو نعلم اليوم قتاًل ًلتبعناكم‪ ،‬ولكنا ًل نراكم تقاتلون اليوم‪.‬‬
‫واستمر رسول اهلل ‘ سائرا حتى نزل الشعب من أحد في عدوة‬
‫‪229‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫الوادي‪ .‬وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال‪ً> :‬ل يقاتلن أحد حتى‬
‫نأمره بالقتال<‪.‬‬
‫وتهيأ رسول اهلل ‘ للقتال وهو في سبعمائة من أصحاب ‪ ،‬وأمر‬
‫على الرماة عبد اهلل بن جبير أخا بني عمرو بن عوف‪ ،‬والرماة يومئذ‬
‫خمسون رجال فقال لهم‪> :‬انضحوا الخيل عنا‪ ،‬وًل نؤتين من قبلكم‪.‬‬
‫والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أو علينا‪ ،‬وإن رأيتمونا تخطفنا الطير‬
‫فال تبرحوا مكانكم<‪.‬‬
‫وظاهر رسول اهلل ‘ بين درعين‪ ،‬وأعطى اللواء مصعب بن‬
‫عمير أخا بني عبد الدار‪ .‬وأجاز رسول اهلل ‘ بعض الغلمان يومئذ‬
‫وأرجأ آخرين‪ ،‬حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من‬
‫سنتين‪.‬‬
‫وتعبأت قريش وهم ثالثة آًلف‪ ،‬ومعهم مائتا فرا قد جنبوها‬
‫فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد‪ :‬وعلى الميسرة عكرمة بن أبي‬
‫جهل‪ ،‬ودفعوا إلى بني عبد الدار اللواء< وحصل ما كان بين الفريقين‬
‫مما يعرف تفصيل في كتب السيرةا‪.)1‬‬
‫واهلل وليهما‪:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ‬ ‫اب‬
‫قال البخاري‪> :‬بَ ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪ 109/2‬ــ ‪ ،)110‬سيرة ابن هشام‪ :‬ا‪ 63/2‬ــ ‪.)64‬‬
‫‪230‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} [آل عمران‪ ...]122 :‬عن جابر ‪ ،‬قال‪ :‬نزلت‬


‫هذه اآلية فينا‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ} بني سلمة‪ ،‬وبني‬
‫حارثة‪ ،‬وما أحب أنها لم تنزل‪ ،‬واهلل يقول‪{ :‬ﱇ ﱈ}<ا‪.)1‬‬
‫يقول ابن حجر‪> :‬وإن اآلية وإن كان في ظاهرها غض منهم‪ ،‬لكن‬
‫في آخرها غاية الشرف لهم<ا‪.)2‬‬

‫ليطهركم به‪:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫اب‬
‫قال البخاري‪> :‬بَ ُ‬
‫ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ‬
‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ‬
‫ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬
‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬
‫ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ‬

‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ} [آل عمران‪ 154 :‬ــ ‪.]155‬‬


‫‪ ...‬عن أنس‪ ،‬عن أبي طلحة ‪ ،‬قال‪> :‬كنت فيمن تغشاه‬
‫النعاا يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وآخذه ويسقط‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬صحيح البخاري‪ :‬ا‪.)4053‬‬
‫ا‪ )2‬فتح الباري‪ :‬ا‪.)357/7‬‬
‫‪231‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫فآخذه<<ا‪.)1‬‬
‫قال الواحدي‪> :‬وغشيان النعاا أصحاب بدر‪ ،‬كغشيان إياهم يوم‬
‫أُحد‪ ،‬وقد ذكرنا الكالم في وفي قول {ﱇ}‪ ،‬في سورة آل عمران‪.‬‬
‫وقول تعالى‪{ :‬ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ} ذكر أهل‬
‫التفسير أن المسلمين لما بايتوا المشركين ببدر أصابت جماعة منهم جنابات‬
‫احتاجوا لها إلى الماء فساءهم عدم الماء عند فقرهم إليه‪ ،‬وكان المشركون‬
‫قد سبقوهم إلى الماء وغلبوهم علي ‪ ،‬فوسوا إليهم الشيطان أن ذلك‬
‫عون من اهلل للعدو‪ ،‬وقال لهم‪ :‬كيف ترجون الظفر عليهم وقد غلبوكم‬
‫على الماء وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين وتزعمون أنكم أولياء اهلل وفيكم‬
‫مطرا أسال منه الوادي حتى اغتسلوا وتطهروا‬ ‫نبيه؟! فأنزل اهلل تعالى ً‬
‫وزالت الوسوسة؛ فذلك قول ‪{ :‬ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬
‫ﱭ} أي من األحدا والجنابة‪{ ،‬ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ} أي‬
‫وسوست التي تكسب عذاب اهلل وغضب ‪ ،‬ولذلك سمى الوسوسة رج ازا‪،‬‬
‫ومن المفسرين من يحمل رجز الشيطان على الجنابة وهي من الشيطان‪،‬‬
‫ضا نوع من‬ ‫وقال عطاء‪ :‬رجز الشيطان‪ :‬تخويف إياهم بالعطش‪ ،‬وهذا أي ا‬
‫الوسوسة‪.‬‬
‫وقول تعالى‪{ :‬ﱲ ﱳ ﱴ} قال ابن عباا‪ :‬باليقين والعز‬
‫والنصر‪ ،‬والمعنى‪ :‬وليربط قلوبكم بالصبر وما أوقع فيها من اليقين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬صحيح البخاري‪ :‬ا‪ ،)99/5‬ح‪ :‬ا‪.)4068‬‬
‫‪232‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫فتثبت وًل تضطرب‪.‬‬


‫وقول ‪{ :‬ﱵ ﱶ ﱷ} قال المفسرون‪ :‬وذلك أن المسلمين‬
‫كانوا قد نزلوا على كثيب تغوص في أرجلهم‪ ،‬فلبده المطر حتى ثبتت‬
‫علي األقدام<ا‪.)1‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫فإن اهلل ‪ ‬يقول‪:‬‬
‫ﱊ ﱋ} يعني‪ :‬أهل اإليمان واليقين والثبات والتوكل الصادق‪،‬‬
‫وهم الجازمون بأن اهلل سينصر رسول وينجز ل مأمول ‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫{ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} يعني‪ً :‬ل يغشاهم النعاا من القلق‬
‫والجزع والخوف {ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ} كما قال في اآلية‬
‫األخرى‪{ :‬ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬
‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ} [الفتح‪ ]12 :‬وهكذا هؤًلء‪،‬‬
‫اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة وأن اإلسالم‬
‫قد باد وأهل ‪ ،‬هذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من األمور‬
‫الفظيعة‪ ،‬تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة‪.‬‬
‫{ﱙ ﱚ ﱛ‬ ‫ثم أخبر تعالى عنهم أنهم {ﱘ} في تلك الحال‪:‬‬
‫ﱜ ﱝ ﱞ} قال اهلل تعالى‪{ :‬ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬
‫ﱪ ﱫ ﱬ} ثم فسر ما أخفوه في أنفسهم بقول ‪{ :‬ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬
‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ} أي‪ :‬يسرون هذه المقالة عن رسول اهلل ‘‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪ ،)52/10‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪233‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬ ‫قال اهلل تعالى‪:‬‬


‫ﲄ} أي‪ :‬هذا قدر مقدر من اهلل ‪ ،‬وحكم حتم ًل يحاد عن ‪،‬‬
‫وًل مناص من ‪.‬‬
‫وقول ‪{ :‬ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ} أي‪:‬‬
‫يختبركم بما جرى عليكم‪ ،‬وليميز الخبيث من الطيب‪ ،‬ويظهر أمر‬
‫المؤمن والمنافق للناا في األقوال واألفعال‪{ ،‬ﲐ ﲑ ﲒ‬
‫ﲓ} أي‪ :‬بما يختلج في الصدور من السرائر والضمائر‪.‬‬
‫{ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬ ‫ثم قال‬
‫ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ} أي‪ :‬ببعض ذنوبهم السالفة‪.‬‬
‫{ﲨ‬ ‫ثم قال تعالى‪{ :‬ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ} أي‪ :‬عما كان منهم من الفرار‬
‫ﲩ ﲪ ﲫ} أي‪ :‬يغفر الذنب ويحلم عن خلقه‪ ،‬ويتجاوز عنهما‪)1‬ا‪.)2‬‬
‫الذين استجابوا هلل والرسول‪:‬‬
‫ولقد وصف اهلل أصحاب رسول اهلل باًلستجابة هلل والرسول على‬
‫ما أصابهم من شدة وجروح‪ ،‬قال البخاري‪> :‬باب {ﲴ ﲵ ﲶ‬

‫ﲷ} [آل عمران‪..]172 :‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪ 144/2‬ــ ‪.)146‬‬
‫ا‪ )2‬وًل يسلم لطاعن أن يطعن على أصحاب النبي ‘ بالفرار يوم أحد ألن اهلل أثبت‬
‫عفوه عنهم يوم أحد‪ ،‬وهو الغفور الرحيم‪ً ،‬ل راد لحكم ‪ ،‬وًل معقب لقضائ وأمره‪،‬‬
‫بيده خزائن الرحمة ًل بيد خلق !‪.‬‬
‫‪234‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫عن عائشة ‪{ ،‬ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ}‬


‫للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم‪ ،‬قالت لعروة‪ :‬يا ابن أختي‪ ،‬كان‬
‫أبواك منهم‪ :‬الزبير‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬لما أصاب رسول اهلل ‘ ما أصاب يوم‬
‫أحد‪ ،‬وانصرف عن المشركون‪ ،‬خاف أن يرجعوا‪ ،‬قال‪> :‬من يذهب في‬
‫إثرهم< فانتدب منهم سبعون رجال‪ ،‬قال‪ :‬كان فيهم أبو بكر‪ ،‬والزبير<ا‪،)1‬‬
‫وعد الطبري من هؤًلء السبعين‪> :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي‪،‬‬
‫والزبير‪ ،‬وسعد‪ ،‬وطلحة‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وعبد اهلل بن مسعود‪،‬‬
‫وحذيفة بن اليمان‪ ،‬وأبا عبيدة بن الجراح< يقول الطبري‪> :‬يعني بذلك‬
‫جل ثناؤه‪ :‬وأن اهلل ًل يضيع أجر المؤمنين‪ ،‬المستجيبين هلل والرسول‪،‬‬
‫من بعد ما أصابهم الجرح والكلوم‪ ،‬وإنما عنى اهلل تعالى ذكره بذلك‬
‫الذين اتبعوا رسول اهلل ‘ إلى حمراء األسد في طلب العدو أبي سفيان‪،‬‬
‫ومن كان مع من مشركي قريش منصرفهم عن أحد؛ وذلك أن أبا سفيان‬
‫لما انصرف عن أحد خرج رسول اهلل ‘ في أثره حتى بلغ حمراء‬
‫األسد وهي على ثمانية أميال من المدينة‪ ،‬ليري الناا أن ب وأصحاب‬
‫قوة على عدوهم<ا‪.)2‬‬
‫فوعد تعالى ذكره من ذكرنا أمره من أصحاب رسول اهلل ‘‪:‬‬
‫{ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ} إذا اتقى اهلل فخاف ‪،‬‬
‫فأدى فرائض وأطاع في أمره ونهي فيما يستقبل من عمره أجرا عظيما‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬صحيح البخاري‪ :‬ا‪ ،)102/5‬ح‪ :‬ا‪.)4077‬‬
‫ا‪ )2‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)239/6‬‬
‫‪235‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وذلك الثواب الجزيل‪ ،‬والجزاء العظيم‪ ،‬على ما قدم من صالح أعمال‬


‫في الدنيا‪.‬‬
‫{ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ‬ ‫وقول تعالى‪:‬‬
‫ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ} >يعني تعالى ذكره‪ :‬وأن‬
‫اهلل ًل يضيع أجر المؤمنين الذين قال لهم الناا‪ :‬إن الناا قد جمعوا‬
‫لكم‪ ،‬وهذه الصفة من صفة الذين استجابوا هلل والرسول والناا األول‬
‫هم قوم فيما ذكر لنا‪ ،‬كان أبو سفيان سألهم أن يثبطوا رسول اهلل ‘‬
‫وأصحاب الذين خرجوا في طلب بعد منصرف عن أحد إلى حمراء‬
‫األسد؛ والناا الثاني‪ :‬هم أبو سفيان وأصحاب من قريش الذين كانوا‬
‫مع بأحد يعني بقول ‪{ :‬ﳋ ﳌ ﳍ} قد جمعوا الرجال للقائكم‪،‬‬
‫والكرة إليكم لحربكم {ﳎ} يقول‪ :‬فاحذروهم‪ ،‬واتقوا لقاءهم‪،‬‬
‫فإن ًل طاقة لكم بهم‪{ ،‬ﳏ ﳐ} يقول‪ :‬فزادهم ذلك من تخويف‬
‫من خوفهم أمر أبي سفيان وأصحاب من المشركين يقينا إلى يقينهم‪،‬‬
‫وتصديقا هلل ولوعده ووعد رسول إلى تصديقهم‪ ،‬ولم يثنهم ذلك عن‬
‫وجههم الذي أمرهم رسول اهلل ‘ بالسير في ‪ ،‬ولكن ساروا حتى بلغوا‬
‫رضوان اهلل من ‪ ،‬وقالوا ثقة باهلل‪ ،‬وتوكال علي ‪ ،‬إذ خوفهم من خوفهم أبا‬
‫سفيان وأصحاب من المشركين {ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ} يعني‬
‫بقول ‪ :‬حسبنا اهلل‪ :‬كفانا اهلل‪ ،‬يعني‪ :‬يكفينا اهلل؛ ونعم الوكيل‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫ونعم المولى لمن ولي وكفل ؛ وإنما وصف تعالى نفس بذلك؛ ألن‬

‫‪236‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫الوكيل في كالم العرب‪ :‬هو المسند إلي القيام بأمر من أسند إلي القيام‬
‫بأمره؛ فلما كان القوم الذين وصفهم اهلل بما وصفهم ب في هذه اآليات‬
‫قد كانوا فوضوا أمرهم إلى اهلل‪ ،‬ووثقوا ب ‪ ،‬وأسندوا ذلك إلي وصف‬
‫نفس بقيام لهم بذلك‪ ،‬وتفويضهم أمرهم إلي بالوكالة‪ ،‬فقال‪ :‬ونعم‬
‫الوكيل اهلل تعالى لهم<ا‪.)1‬‬

‫شهداء أحد‪:‬‬
‫لقد أثنى اهلل على شهداء أحد أيما ثناء‪ ،‬ووصفهم بالحياة‪ ،‬فقال‬
‫سبحان ‪{ :‬ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬

‫ﲒ ﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞ‬

‫ﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦ ﲧﲨﲩﲪﲫﲬ‬

‫ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ} [آل عمران‪ 169 :‬ــ ‪ ،]171‬وممن قتل يوم‬


‫أحد حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬واليمان‪ ،‬وأنس بن النضر‪ ،‬ومصعب بن‬
‫عمير‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال‪ :‬ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أعز‬
‫يوم القيامة من األنصار قال قتادة‪ :‬وحدثنا أنس بن مالك أن قتل منهم‬
‫يوم أحد سبعون‪ ،‬ويوم بئر معونة سبعون‪ ،‬ويوم اليمامة سبعون‪ ،‬قال‪:‬‬
‫>وكان بئر معونة على عهد رسول اهلل ‘‪ ،‬ويوم اليمامة على عهد أبي‬
‫بكر‪ ،‬يوم مسيلمة الكذاب<ا‪ ،)2‬عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪ 244/6‬ــ ‪.)245‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4078‬‬
‫‪237‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫أن جابر بن عبد اهلل ‪ ،‬أخبره أن رسول اهلل ‘ كان يجمع بين‬
‫الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد‪ ،‬ثم يقول‪> :‬أيهم أكثر أخذا‬
‫للقرآن< فإذا أشير له إلى أحد قدمه في اللحد‪ ،‬وقال‪> :‬أنا شهيد على هؤالء‬
‫يوم القيامة< وأمر بدفنهم بدمائهم‪ ،‬ولم يصل عليهم ولم يغسلواا‪ ،)1‬عن أبي‬
‫موسى ‪ ،‬ـ أرى ـ عن النبي ‘‪ ،‬قال‪> :‬رأيت في رؤياي أني هززت‬
‫سيفا فانقطع صدره‪ ،‬فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد‪ ،‬ثم هززت‬
‫أخرى فعاد أحسن ما كان‪ ،‬فإذا هو ما جاء ب اهلل من الفتح واجتماع‬
‫المؤمنين‪ ،‬ورأيت فيها بقرا‪ ،‬واهلل خير‪ ،‬فإذا هم المؤمنون يوم‬
‫أحد<ا‪ ،)2‬وعن خباب ‪ ،‬قال‪ :‬هاجرنا مع النبي ‘ ونحن نبتغي‬
‫وج اهلل‪ ،‬فوجب أجرنا على اهلل‪ ،‬فمنا من مضى‪ ،‬أو ذهب‪ ،‬لم يأكل‬
‫من أجره شيئا‪ ،‬كان منهم مصعب بن عمير‪ ،‬قتل يوم أحد‪ ،‬فلم يترك‬
‫إًل نمرة‪ ،‬كنا إذا غطينا بها رأس خرجت رجاله‪ ،‬وإذا غطي بها رجاله‬
‫خرج رأس ‪ ،‬فقال لنا النبي ‘‪> :‬غطوا بها رأس ‪ ،‬واجعلوا على رجلي‬
‫اإلذخر< أو قال‪> :‬ألقوا على رجلي من اإلذخر< ومنا من أينعت ل‬
‫ثمرت فهو يهدبهاا‪.)3‬‬
‫أما معنى اآلية‪ ،‬فإن ‪> :‬وًل تظنن أن من قتل بأحد من أصحابكم‬
‫أموا اتا ًل يلتذون‪ ،‬وًل يحسون شي ائا بل هم أحياء بما آتاهم اهلل من فضل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4079‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4081‬‬
‫ا‪ )3‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4082‬‬
‫‪238‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬ ‫مستبشرين بثواب وعطائ ‪ ،‬وقول ‪:‬‬


‫ﲟ} أي‪ :‬يفرحون بهم وبكونهم على الجهاد في ذات اهلل ‪،‬‬
‫وأنهم إن قتلوا نالوا من الكرامة مثلما نال هؤًلء‪.‬‬
‫وقول ‪{ :‬ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ} اآلية أي‪ :‬يفرحون لما‬
‫عاينوه من وفاء الوعد‪ ،‬وعظيم الثواب ويستبشرون بأن اهلل تعالى ًل‬
‫يضيع أجر المؤمنين‪ :‬أي ًل يبطل جزاء أعمالهم<ا‪.)1‬‬
‫وقد ساق ابن القيم عد ادا من الحكم التي يحسن أن نسوق بعضها‬
‫بتصرف ليتبين فضل أصحاب رسول اهلل ومباينتهم للمنافقينا‪ ،)2‬وذلك‬
‫قول ‪> :‬وقد أشار اهلل ـ ‪ ‬ـ إلى أمهاتها‪ ،‬وأصولها في سورة اآل عمران)‬
‫حيث افتتح القصة بقول ‪{ :‬ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬
‫ﳍ} [آل عمران‪ ،]121 :‬إلى تمام ستين آية‪.‬‬
‫منها‪ :‬أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب‪ ،‬فإن المسلمين‬
‫لما أظهرهم اهلل على أعدائهم يوم بدر‪ ،‬وطار لهم الصيت دخل معهم في‬
‫اإلسالم ظاهرا من ليس معهم في باطنا‪ ،‬فاقتضت حكمة اهلل ‪ ‬أن‬
‫سبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق‪ ،‬فأطلع المنافقون رءوسهم‬
‫في هذه الغزوة‪ ،‬وتكلموا بما كانوا يكتمونه‪ ،‬وظهرت مخبآتهم‪ ،‬وعاد‬
‫تلويحهم تصريحا‪ ،‬وانقسم الناا إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬الهداية‪ ،‬لمكي‪ :‬ا‪ 1171/2‬ــ ‪ ،)1176‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪ )166/6‬وما بعدها‪،‬‬
‫ا‪ )2‬زاد المعاد‪ :‬ا‪ 196/3‬ــ ‪.)217‬‬
‫‪239‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ظاهرا‪ ،‬وعرف المؤمنون أن لهم عدوا في نفس دورهم‪ ،‬وهم معهم ًل‬
‫يفارقونهم‪ ،‬فاستعدوا لهم‪ ،‬وتحرزوا منهم‪ .‬قال اهلل تعالى‪{ :‬ﲚ ﲛ ﲜ‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬
‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ} [آل عمران‪.]179 :‬‬
‫أي ما كان اهلل ليذركم على ما أنتم علي من التباا المؤمنين‬
‫بالمنافقين حتى يميز أهل اإليمان من أهل النفاق كما ميزهم بالمحنة‬
‫يوم أحد {ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ} الذي يميز ب بين هؤًلء‬
‫وهؤًلء‪ ،‬فإنهم متميزون في غيب وعلم وهو سبحان يريد أن يميزهم‬
‫تمييزا مشهودا فيقع معلوم الذي هو غيب شهادة‪ .‬وقول ‪{ :‬ﲯ ﲰ‬
‫ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ} استدراك لما نفاه من اطالع خلق على الغيب‬
‫سوى الرسل‪ ،‬فإن يطلعهم على ما يشاء من غيب كما قال‪{ :‬ﳄ ﳅ‬
‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ} [الجن‪ ]26 :‬فحظكم‬
‫أنتم وسعادتكم في اإليمان بالغيب الذي يطلع علي رسل فإن آمنتم ب‬
‫وأيقنتم فلكم أعظم األجر والكرامة<‪.‬‬
‫>ومنها‪ :‬أن اهلل سبحان إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيض‬
‫لهم األسباب التي يستوجبون بها هالكهم ومحقهم‪ ،‬ومن أعظمها بعد‬
‫كفرهم بغيهم وطغيانهم‪ ،‬ومبالغتهم في أذى أوليائ ‪ ،‬ومحاربتهم وقتالهم‬
‫والتسلط عليهم‪ ،‬فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم‪ ،‬ويزداد‬
‫بذلك أعداؤه من أسباب محقهم وهالكهم‪ ،‬وقد ذكر ‪ ‬ذلك في قول ‪:‬‬
‫‪240‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬

‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ} [آل عمران‪ 139 :‬ــ ‪ ،]141‬فجمع لهم في هذا‬
‫الخطاب بين تشجيعهم وتقوية نفوسهم وإحياء عزائمهم وهممهم‪ ،‬وبين‬
‫حسن التسلية‪ ،‬وذكر الحكم الباهرة التي اقتضت إدالة الكفار عليهم‬
‫فقال‪{ :‬ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ}‪ ،‬فقد استويتم في‬
‫القرح واأللم‪ ،‬وتباينتم في الرجاء والثواب‪ ،‬كما قال‪{ :‬ﲢ ﲣ ﲤ‬
‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ} [النساء‪،]104 :‬‬
‫فما بالكم تهنون وتضعفون عند القرح واأللم‪ ،‬فقد أصابهم ذلك في‬
‫سبيل الشيطان‪ ،‬وأنتم أصبتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي‪.‬‬
‫ثم أخبر أن يداول أيام هذه الحياة الدنيا بين الناا‪ ،‬وأنها عرض‬
‫حاضر‪ ،‬يقسمها دوًل بين أوليائ وأعدائ ‪ ،‬بخالف اآلخرة‪ ،‬فإن عزها‬
‫ونصرها ورجاءها خالص للذين آمنوا‪.‬‬
‫ثم ذكر حكمة أخرى‪ ،‬وهي أن يتميز المؤمنون من المنافقين‬
‫فيعلمهم علم رؤية ومشاهدة بعد أن كانوا معلومين في غيب ‪ ،‬وذلك‬
‫العلم الغيبي ًل يترتب علي ثواب وًل عقاب‪ ،‬وإنما يترتب الثواب‬
‫والعقاب على المعلوم إذا صار مشاهدا واقعا في الحس‪.‬‬
‫ثم ذكر حكمة أخرى‪ ،‬وهي اتخاذه سبحانه منهم شهداء‪ ،‬فإنه يحب‬
‫‪241‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫الشهداء من عباده‪ ،‬وقد أعد لهم أعلى المنازل وأفضلها‪ ،‬وقد اتخذهم‬
‫لنفس ‪ ،‬فال بد أن ينيلهم درجة الشهادة‪.‬‬
‫وقول ‪{ :‬ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ}‪ ،‬تنبي لطيف الموقع جدا على‬
‫كراهت وبغض للمنافقين الذين انخذلوا عن نبي يوم أحد فلم يشهدوه‬
‫ولم يتخذ منهم شهداء‪ ،‬ألن لم يحبهم فأركسهم وردهم ليحرمهم ما‬
‫خص ب المؤمنين في ذلك اليوم‪ ،‬وما أعطاه من استشهد منهم‪ ،‬فثبط‬
‫هؤًلء الظالمين عن األسباب التي وفق لها أولياءه وحزب ‪.‬‬
‫ثم ذكر حكمة أخرى فيما أصابهم ذلك اليوم‪ ،‬وهو تمحيص‬
‫الذين آمنوا‪ ،‬وهو تنقيتهم وتخليصهم من الذنوب‪ ،‬ومن آفات النفوا‪،‬‬
‫وأيضا فإن خلصهم‪ ،‬ومحصهم من المنافقين‪ ،‬فتميزوا منهم‪ ،‬فحصل‬
‫لهم تمحيصان‪ :‬تمحيص من نفوسهم‪ ،‬وتمحيص ممن كان يظهر أن‬
‫منهم وهو عدوهم‪.‬‬
‫ثم ذكر حكمة أخرى وهي محق الكافرين بطغيانهم وبغيهم‬
‫وعدوانهم‪ ،‬ثم أنكر عليهم حسبانهم وظنهم أن يدخلوا الجنة بدون‬
‫الجهاد في سبيل والصبر على أذى أعدائ ‪ ،‬وإن هذا ممتنع بحيث ينكر‬
‫على من ظن وحسب ‪.‬‬
‫{ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬ ‫فقال‪:‬‬
‫ﱓ ﱔ}‪ ،‬أي ولما يقع ذلك منكم فيعلم ‪ ،‬فإن لو وقع لعلم‬
‫‪242‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫فجازاكم علي بالجنة‪ ،‬فيكون الجزاء على الواقع المعلوم‪ً ،‬ل على‬
‫مجرد العلم‪ ،‬فإن اهلل ًل يجزي العبد على مجرد علم في دون أن يقع‬
‫معلوم ‪ ،‬ثم وبخهم على هزيمتهم من أمر كانوا يتمنون ويودون لقاءه‪.‬‬

‫{ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ‬ ‫فقال‪:‬‬
‫ﱡ}‪.‬‬
‫قال ابن عباا‪ :‬ولما أخبرهم اهلل تعالى على لسان نبي بما فعل‬
‫بشهداء بدر من الكرامة رغبوا في الشهادة‪ ،‬فتمنوا قتاًل يستشهدون في ‪،‬‬
‫فيلحقون إخوانهم‪ ،‬فأراهم اهلل ذلك يوم أحد وسبب لهم‪ ،‬فلم يلبثوا أن‬
‫{ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬ ‫انهزموا إًل من شاء اهلل منهم‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ}<‪.‬‬
‫>ومنها‪ :‬أن وقعة أحد كانت مقدمة وإرهاصا بين يدي موت رسول‬
‫اهلل ‘‪ ،‬فثبتهم ووبخهم على انقالبهم على أعقابهم إن مات رسول‬
‫اهلل ‘ أو قتل‪ ،‬بل الواجب ل عليهم أن يثبتوا على دين وتوحيده‬
‫ويموتوا علي أو يقتلوا‪ ،‬فإنهم إنما يعبدون رب محمد‪ ،‬وهو حي ًل‬
‫يموت‪ ،‬فلو مات محمد أو قتل ًل ينبغي لهم أن يصرفهم ذلك عن‬
‫دين ‪ ،‬وما جاء ب ‪ ،‬فكل نفس ذائقة الموت‪ ،‬وما بعث محمد ‘ ليخلد‬
‫ًل هو وًل هم‪ ،‬بل ليموتوا على اإلسالم والتوحيد‪ ،‬فإن الموت ًل بد‬
‫من سواء مات رسول اهلل ‘ أو بقي‪ ،‬ولهذا وبخهم على رجوع من‬
‫‪243‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﱣ‬ ‫رجع منهم عن دين ‪ ،‬لما صرخ الشيطان إن محمدا قد قتل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬
‫ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲀ}‪ ،‬والشاكرون هم الذين عرفوا قدر النعمة‪ ،‬فثبتوا عليها حتى‬
‫ماتوا أو قتلوا‪ ،‬فظهر أثر هذا العتاب‪ ،‬وحكم هذا الخطاب يوم مات‬
‫رسول اهلل ‘‪ ،‬وارتد من ارتد على عقبي ‪ ،‬وثبت الشاكرون على‬
‫دينهم‪ ،‬فنصرهم اهلل وأعزهم‪ ،‬وظفرهم بأعدائهم‪ ،‬وجعل العاقبة لهم‪.‬‬
‫ثم أخبر سبحان أن جعل لكل نفس أجال ًل بد أن تستوفي ‪ ،‬ثم‬
‫تلحق ب ‪ ،‬فيرد الناا كلهم حوض المنايا موردا واحدا‪ ،‬وإن تنوعت‬
‫أسباب ويصدرون عن موقف القيامة مصادر شتى‪ ،‬فريق في الجنة‪،‬‬
‫وفريق في السعير‪.‬‬
‫ثم أخبر سبحان أن جماعة كثيرة من أنبيائ قتلوا وقتل معهم أتباع‬
‫لهم كثيرون فما وهن من بقي منهم لما أصابهم في سبيل وما ضعفوا‬
‫وما استكانوا وما وهنوا عند القتل‪ ،‬وًل ضعفوا وًل استكانوا‪ ،‬بل تلقوا‬
‫الشهادة بالقوة والعزيمة واإلقدام‪ ،‬فلم يستشهدوا مدبرين مستكينين‬
‫أذلة‪ ،‬بل استشهدوا أعزة كراما مقبلين غير مدبرين‪ ،‬والصحيح أن اآلية‬
‫تتناول الفريقين كليهما‪.‬‬
‫ثم أخبر سبحان عما استنصرت ب األنبياء وأممهم على قومهم من‬
‫اعترافهم وتوبتهم واستغفارهم وسؤالهم ربهم أن يثبت أقدامهم وأن‬
‫‪244‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬ ‫ينصرهم على أعدائهم‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇ ﳈﳉ‬
‫ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ ﳑ ﳒ} [آل عمران‪ 147 :‬ــ ‪.]148‬‬

‫لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم‪ ،‬وأن الشيطان‬
‫إنما يستزلهم ويهزمهم بها‪ ،‬وأنها نوعان‪ :‬تقصير في حق‪ ،‬أو تجاوز‬
‫لحد‪ ،‬وأن النصرة منوطة بالطاعة‪ ،‬قالوا‪ :‬ربنا اغفر لنا ذنوبنا‪ ،‬وإسرافنا‬
‫في أمرنا‪ ،‬ثم علموا أن ربهم ‪ ‬إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم‬
‫يقدروا هم على تثبيت أقدام أنفسهم ونصرها على أعدائهم‪ ،‬فسألوه ما‬
‫يعلمون أن بيده دونهم‪ ،‬وأن إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يثبتوا‬
‫ولم ينتصروا‪ ،‬فوفوا المقامين حقهما‪ :‬مقام المقتضي‪ ،‬وهو التوحيد‬
‫واًللتجاء إلي سبحان ‪ ،‬ومقام إزالة المانع من النصرة‪ ،‬وهو الذنوب‬
‫واإلسراف‪ ،‬ثم حذرهم سبحان من طاعة عدوهم‪ ،‬وأخبر أنهم إن‬
‫أطاعوهم خسروا الدنيا واآلخرة‪ ،‬وفي ذلك تعريض بالمنافقين الذين‬
‫أطاعوا المشركين لما انتصروا وظفروا يوم أحد‪.‬‬
‫ثم أخبر سبحان أن مولى المؤمنين‪ ،‬وهو خير الناصرين فمن‬
‫واًله فهو المنصور‪.‬‬
‫ثم أخبرهم أن سيلقي في قلوب أعدائهم الرعب الذي يمنعهم من‬
‫الهجوم عليهم واإلقدام على حربهم‪ ،‬وأن يؤيد حزب بجند من الرعب‬
‫ينتصرون ب على أعدائهم‪ ،‬وذلك الرعب بسبب ما في قلوبهم من‬
‫‪245‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫الشرك باهلل‪ ،‬وعلى قدر الشرك يكون الرعب‪ ،‬فالمشرك باهلل أشد شيء‬
‫خوفا ورعبا والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بالشرك لهم األمن والهدى‬
‫والفالح‪ ،‬والمشرك ل الخوف والضالل والشقاء‪.‬‬
‫ثم أخبرهم أنه صدقهم وعده في نصرتهم على عدوهم‪ ،‬وهو الصادق‬
‫الوعد‪ ،‬وأنهم لو استمروا على الطاعة ولزوم أمر الرسول ًلستمرت‬
‫نصرتهم‪ ،‬ولكن انخلعوا عن الطاعة‪ ،‬وفارقوا مركزهم‪ ،‬فانخلعوا عن‬
‫عصمة الطاعة‪ ،‬ففارقتهم النصرة‪ ،‬فصرفهم عن عدوهم عقوبة وابتالء‬
‫وتعريفا لهم بسوء عواقب المعصية‪ ،‬وحسن عاقبة الطاعة‪.‬‬
‫ثم أخبر أن عفا عنهم بعد ذلك كل ‪ ،‬وأن ذو فضل على عباده‬
‫المؤمنين‪ .‬قيل للحسن‪ :‬كيف يعفو عنهم وقد سلط عليهم أعداءهم حتى‬
‫قتلوا منهم من قتلوا‪ ،‬ومثلوا بهم ونالوا منهم ما نالوه؟ فقال‪ :‬لوًل عفوه‬
‫عنهم ًلستأصلهم‪ ،‬ولكن بعفوه عنهم دفع عنهم عدوهم بعد أن كانوا‬
‫مجمعين على استئصالهم‪.‬‬
‫ثم ذكرهم بحالهم وقت الفرار مصعدين أي جادين في الهرب‬
‫والذهاب في األرض‪ ،‬أو صاعدين في الجبل ًل يلوون على أحد من‬
‫نبيهم وًل أصحابهم‪ ،‬والرسول يدعوهم في أخراهم إل َّي عباد اهلل أنا‬
‫رسول اهلل‪.‬‬
‫فأثابهم بهذا الهرب والفرار غما بعد غم‪ :‬غم الهزيمة والكسرة‪،‬‬
‫‪246‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وغم صرخة الشيطان فيهم بأن محمدا قد قتل‪.‬‬


‫وقيل‪ :‬جازاكم غما بما غممتم رسول بفراركم عن وأسلمتموه إلى‬
‫عدوه‪ ،‬فالغم الذي حصل لكم جزاء على الغم الذي أوقعتموه بنبي ‪،‬‬
‫والقول األول أظهر لوجوه‪:‬‬
‫{ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬ ‫أحدها‪ :‬أن قول ‪:‬‬
‫ﲯ} [آل عمران‪ ]153 :‬تنبي على حكمة هذا الغم بعد الغم‪ ،‬وهو‬
‫أن ينسيهم الحزن على ما فاتهم من الظفر وعلى ما أصابهم من الهزيمة‬
‫والجراح‪ ،‬فنسوا بذلك السبب‪ ،‬وهذا إنما يحصل بالغم الذي يعقب غم‬
‫آخر‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن مطابق للواقع‪ ،‬فإن حصل لهم غم فوات الغنيمة‪ ،‬ثم‬
‫أعقب غم الهزيمة‪ ،‬ثم غم الجراح التي أصابتهم‪ ،‬ثم غم القتل‪ ،‬ثم غم‬
‫سماعهم أن رسول اهلل ‘ قد قتل‪ ،‬ثم غم ظهور أعدائهم على الجبل‬
‫فوقهم‪ ،‬وليس المراد غمين اثنين خاصة‪ ،‬بل غما متتابعا لتمام اًلبتالء‬
‫واًلمتحان‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن قول ‪> :‬بغم< من تمام الثواب‪ً ،‬ل أن سبب جزاء‬
‫الثواب‪ ،‬والمعنى‪ :‬أثابكم غما متصال بغم جزاء على ما وقع منهم من‬
‫الهروب‪ ،‬وإسالمهم نبيهم ‘ وأصحاب ‪ ،‬وترك استجابتهم ل ‪ ،‬وهو‬
‫يدعوهم‪ ،‬ومخالفتهم ل في لزوم مركزهم‪ ،‬وتنازعهم في األمر وفشلهم‪،‬‬
‫‪247‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وكل واحد من هذه األمور يوجب غما يخص ‪ ،‬فترادفت عليهم الغموم‪،‬‬
‫كما ترادفت منهم أسبابها وموجباتها‪ ،‬ولوًل أن تداركهم بعفوه لكان أمرا‬
‫آخر‪.‬‬
‫ومن لطف بهم ورأفت ورحمت أن هذه األمور التي صدرت منهم‬
‫كانت من موجبات الطباع‪ ،‬وهي من بقايا النفوا التي تمنع من النصرة‬
‫المستقرة‪ ،‬فقيض لهم بلطف أسبابا أخرجها من القوة إلى الفعل‪ ،‬فترتب‬
‫عليها آثارها المكروهة‪ ،‬فعلموا حينئذ أن التوبة منها‪ ،‬واًلحتراز من‬
‫أمثالها‪ ،‬ودفعها بأضدادها أمر متعين ًل يتم لهم الفالح والنصرة الدائمة‬
‫المستقرة إًل ب ‪ ،‬فكانوا أشد حذرا بعدها ومعرفة باألبواب التي دخل‬
‫عليهم منها‪.‬‬

‫وربما صحت األجسام بالعلل‬


‫ثم إن تداركهم سبحان برحمت ‪ ،‬وخفف عنهم ذلك الغم‪ ،‬وغيب‬
‫عنهم بالنعاا الذي أنزل عليهم أمنا من ورحمة‪ ،‬والنعاا في الحرب‬
‫عالمة النصرة واألمن‪ ،‬كما أنزل عليهم يوم بدر‪ ،‬وأخبر أن من لم يصب‬
‫ذلك النعاا فهو ممن أهمت نفس ًل دين وًل نبي وًل أصحاب ‪ ،‬وأنهم‬
‫يظنون باهلل غير الحق ظن الجاهلية‪.‬‬
‫وقد فسر هذا الظن الذي ال يليق باهلل بأنه سبحانه ال ينصر رسول ‪،‬‬
‫وأن أمره سيضمحل‪ ،‬وأن يسلم للقتل‪ ،‬وقد فسر بظنهم أن ما أصابهم‬
‫‪248‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫لم يكن بقضائ وقدره‪ ،‬وًل حكمة ل في ‪ ،‬ففسر بإنكار الحكمة‪ ،‬وإنكار‬
‫القدر‪ ،‬وإنكار أن يتم أمر رسول ‪ ،‬ويظهره على الدين كل ‪ ،‬وهذا هو ظن‬
‫السوء الذي ظن المنافقون والمشركون ب ‪ ‬في اسورة الفتح) حيث‬
‫يقول‪{ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ﲎ ﲏﲐ ﲑ ﲒ ﲓﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ‬
‫ﲝ ﲞ} [الفتح‪ ،]6 :‬وإنما كان هذا ظن السوء‪ ،‬وظن الجاهلية‬
‫المنسوب إلى أهل الجهل‪ ،‬وظن غير الحق ألن ظن غير ما يليق‬
‫بأسمائ الحسنى وصفات العليا وذات المبرأة من كل عيب وسوء‪،‬‬
‫بخالف ما يليق بحكمت وحمده وتفرده بالربوبية واإللهي ‪ ،‬وما يليق‬
‫بوعده الصادق الذي ًل يخلف وبكلمت التي سبقت لرسل أن ينصرهم‬
‫وًل يخذلهم‪ ،‬ولجنده بأنهم هم الغالبون‪ ،‬فمن ظن بأن ًل ينصر رسول ‪،‬‬
‫وًل يتم أمره‪ ،‬وًل يؤيده ويؤيد حزب ‪ ،‬ويعليهم ويظفرهم بأعدائ ‪،‬‬
‫ويظهرهم عليهم‪ ،‬وأن ًل ينصر دين وكتاب ‪ ،‬وأن يديل الشرك على‬
‫التوحيد‪ ،‬والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق‬
‫اضمحالًل ًل يقوم بعده أبدا‪ ،‬فقد ظن باهلل ظن السوء‪ ،‬ونسب إلى‬
‫خالف ما يليق بكمال وجالل وصفات ونعوت ‪ ،‬فإن حمده وعزت‬
‫وحكمت وإلهيت تأبى ذلك‪ ،‬وتأبى أن يذل حزب وجنده‪ ،‬وأن تكون‬
‫النصرة المستقرة والظفر الدائم ألعدائ المشركين ب العادلين ب ‪ ،‬فمن‬
‫ظن ب ذلك فما عرف وًل عرف أسماءه وًل عرف صفات وكمال ‪،‬‬
‫وكذلك من أنكر أن يكون ذلك بقضائ وقدره فما عرف وًل عرف‬
‫‪249‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ربوبيت وملك وعظمت ‪ ،‬وكذلك من أنكر أن يكون قدر ما قدره من ذلك‬


‫وغيره لحكمة بالغة وغاية محمودة يستحق الحمد عليها‪ ،‬وأن ذلك إنما‬
‫صدر عن مشيئة مجردة عن حكمة وغاية مطلوبة هي أحب إلي من‬
‫فوتها‪ ،‬وأن تلك األسباب المكروهة المفضية إليها ًل يخرج تقديرها عن‬
‫الحكمة إلفضائها إلى ما يحب‪ ،‬وإن كانت مكروهة ل فما قدرها‬
‫سدى‪ ،‬وًل أنشأها عبثا‪ ،‬وًل خلقها باطال‪{ ،‬ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ‬
‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} [ص‪ ]27 :‬وأكثر الناا يظنون باهلل غير الحق ظن‬
‫السوء فيما يختص بهم وفيما يفعل بغيرهم‪ ،‬وًل يسلم عن ذلك إًل من‬
‫عرف اهلل وعرف أسماءه وصفات ‪ ،‬وعرف موجب حمده وحكمت ‪ ،‬فمن‬
‫قنط من رحمت وأيس من روح ‪ ،‬فقد ظن ب ظن السوء‪.‬‬
‫{ﱍ ﱎ‬ ‫‪ ....‬والمقصود ما ساقنا إلى هذا الكالم من قول ‪:‬‬
‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ} [آل عمران‪ ،]154 :‬ثم‬
‫أخبر عن الكالم الذي صدر عن ظنهم الباطل وهو قولهم‪{ :‬ﱙ ﱚ ﱛ‬
‫ﱜ ﱝ ﱞ} [آل عمران‪ ،]154 :‬وقولهم‪{ :‬ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬
‫ﱷ} [آل عمران‪ ،]154 :‬فليس مقصودهم بالكلمة األولى والثانية إثبات‬
‫القدر ورد األمر كل إلى اهلل‪ ،‬ولو كان ذلك مقصودهم بالكلمة األولى‬
‫لما ذموا علي ‪ ،‬ولما حسن الرد علي بقول ‪{ :‬ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ} [آل‬
‫عمران‪ ،]154 :‬وًل كان مصدر هذا الكالم ظن الجاهلية‪ ،‬ولهذا قال غير‬
‫واحد من المفسرين‪ :‬إن ظنهم الباطل هاهنا‪ :‬هو التكذيب بالقدر وظنهم‬
‫أن األمر لو كان إليهم وكان رسول اهلل ‘ وأصحاب تبعا لهم يسمعون‬
‫‪250‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫منهم لما أصابهم القتل‪ ،‬ولكان النصر والظفر لهم فأكذبهم اهلل ‪ ‬في‬
‫هذا الظن الباطل الذي هو ظن الجاهلية‪ ،‬وهو الظن المنسوب إلى أهل‬
‫الجهل الذين يزعمون بعد نفاذ القضاء والقدر الذي لم يكن بد من نفاذه‬
‫أنهم كانوا قادرين على دفع ‪ ،‬وأن األمر لو كان إليهم لما نفذ القضاء‪،‬‬
‫فأكذبهم اهلل بقول ‪{ :‬ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ} [آل عمران‪ ،]154 :‬فال يكون إًل‬
‫ما سبق ب قضاؤه وقدره‪ ،‬وجرى ب علم وكتاب السابق‪ ،‬وما شاء اهلل‬
‫كان‪ ،‬وًل بد‪ ،‬شاء الناا أم أبوا‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬شاءه الناا أم‬
‫لم يشاءوه‪ ،‬وما جرى عليكم من الهزيمة والقتل فبأمره الكوني الذي ًل‬
‫سبيل إلى دفع ‪ ،‬سواء كان لكم من األمر شيء أو لم يكن لكم‪ ،‬وأنكم‬
‫لو كنتم في بيوتكم وقد كتب القتل على بعضكم لخرج الذين كتب‬
‫عليهم القتل من بيوتهم إلى مضاجعهم وًل بد‪ ،‬سواء كان لهم من األمر‬
‫شيء أو لم يكن‪ ،‬وهذا من أظهر األشياء إبطاًل لقول القدرية النفاة‬
‫الذين يجوزون أن يقع ما ًل يشاؤه اهلل‪ ،‬وأن يشاء ما ًل يقع<‪.‬‬
‫>ثم أخبر سبحانه عن حكمة أخرى في هذا التقدير هي ابتالء ما في‬
‫صدورهم‪ ،‬وهو اختبار ما فيها من اإليمان والنفاق‪ ،‬فالمؤمن ال يزداد‬
‫بذلك إًل إيمانا وتسليما‪ ،‬والمنافق ومن في قلب مرض ًل بد أن يظهر ما‬
‫في قلب على جوارح ولسان ‪.‬‬
‫ثم ذكر حكمة أخرى‪ :‬وهو تمحيص ما في قلوب المؤمنين وهو‬
‫تخليص وتنقيت وتهذيب ‪ ،‬فإن القلوب يخالطها بغلبات الطبائع‪ ،‬وميل‬
‫النفوا‪ ،‬وحكم العادة‪ ،‬وتزيين الشيطان‪ ،‬واستيالء الغفلة ما يضاد ما‬
‫‪251‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫أودع فيها من اإليمان واإلسالم والبر والتقوى‪ ،‬فلو تركت في عافية‬


‫دائمة مستمرة لم تتخلص من هذه المخالطة ولم تتمحص من ‪ ،‬فاقتضت‬
‫حكمة العزيز أن قيض لها من المحن والباليا ما يكون كالدواء الكري‬
‫لمن عرض له داء إن لم يتداركه طبيبه بإزالته وتنقيته من جسده‪ ،‬وإال خيف‬
‫عليه منه الفساد والهالك‪ ،‬فكانت نعمته سبحانه عليهم بهذه الكسرة‬
‫والهزيمة وقتل من قتل منهم تعادل نعمته عليهم بنصرهم وتأييدهم وظفرهم‬
‫بعدوهم‪ ،‬فل عليهم النعمة التامة في هذا وهذا‪.‬‬
‫ثم أخبر ‪ ‬عن تولي من تولى من المؤمنين الصادقين في ذلك‬
‫اليوم وأن بسبب كسبهم وذنوبهم‪ ،‬فاستزلهم الشيطان بتلك األعمال‬
‫حتى تولوا‪ ،‬فكانت أعمالهم جندا عليهم ازداد بها عدوهم قوة‪ ،‬فإن‬
‫األعمال جند للعبد وجند علي وًل بد‪ ،‬فللعبد كل وقت سرية من نفس‬
‫تهزم أو تنصره‪ ،‬فهو يمد عدوه بأعمال من حيث يظن أن يقاتل بها‪،‬‬
‫ويبعث إلي سرية تغزوه مع عدوه من حيث يظن أن يغزو عدوه‪ ،‬فأعمال‬
‫العبد تسوق قسرا إلى مقتضاها من الخير والشر‪ ،‬والعبد ًل يشعر أو‬
‫يشعر ويتعامى‪ ،‬ففرار اإلنسان من عدوه وهو يطيق إنما هو بجند من‬
‫عمل بعث ل الشيطان واستزل ب ثم أخبر سبحان أن عفا عنهم‪ ،‬ألن‬
‫هذا الفرار لم يكن عن نفاق وًل شك‪ ،‬وإنما كان عارضا عفا اهلل عن‬
‫فعادت شجاعة اإليمان وثبات إلى مركزها ونصابها‪.‬‬
‫ثم كرر عليهم سبحان أن هذا الذي أصابهم إنما أتوا في من قبل‬
‫أنفسهم‪ ،‬وبسبب أعمالهم‪ ،‬فقال‪{ :‬ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬

‫‪252‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ}‬
‫[آل عمران‪ ،]165 :‬وذكر هذا بعين فيما هو أعم من ذلك في السور المكية‪،‬‬
‫فقال‪{ :‬ﳌﳍﳎﳏﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ} [الشورى‪،]30 :‬‬
‫وقال‪{ :‬ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ}‬
‫[النساء‪ ،]79 :‬فالحسنة والسيئة هاهنا‪ :‬النعمة والمصيبة‪ ،‬فالنعمة من اهلل‬
‫من بها عليك‪ ،‬والمصيبة إنما نشأت من قبل نفسك وعملك‪ ،‬فاألول‬
‫فضل ‪ ،‬والثاني عدل ‪ ،‬والعبد يتقلب بين فضل وعدل ‪ ،‬جار علي فضل‬
‫ماض في حكم ‪ ،‬عدل في قضاؤه‪.‬‬
‫وختم اآلية األولى بقول ‪{ :‬ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ}‬
‫[آل عمران‪ ]165 :‬بعد قول ‪{ :‬ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ} [آل عمران‪ ]165 :‬إعالما‬
‫لهم بعموم قدرته مع عدله‪ ،‬وأنه عادل قادر‪ ،‬وفي ذلك إثبات القدر‬
‫والسبب‪ ،‬فذكر السبب وأضافه إلى نفوسهم‪ ،‬وذكر عموم القدرة وأضافها‬
‫إلى نفسه‪ ،‬فاألول ينفي الجبر‪ ،‬والثاني ينفي القول بإبطال القدر‪ ،‬فهو‬
‫يشاكل قول ‪{ :‬ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ‬
‫ﳌ} [التكوير‪ 28 :‬ــ ‪.]29‬‬
‫وفي ذكر قدرت هاهنا نكتة لطيفة‪ ،‬وهي أن هذا األمر بيده وتحت‬
‫قدرت ‪ ،‬وأن هو الذي لو شاء لصرف عنكم‪ ،‬فال تطلبوا كشف أمثال من‬
‫غيره‪ ،‬وًل تتكلوا على سواه‪ ،‬وكشف هذا المعنى وأوضح كل اإليضاح‬
‫بقول ‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ} [آل عمران‪ ،]166 :‬وهو‬
‫‪253‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﱯ ﱰ‬ ‫اإلذن الكوني القدري‪ً ،‬ل الشرعي الديني‪ ،‬كقول في السحر‪:‬‬


‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ} [البقرة‪.]102 :‬‬
‫ثم أخبر عن حكمة هذا التقدير‪ ،‬وهي أن يعلم المؤمنين من المنافقين‬
‫علم عيان ورؤية يتميز فيه أحد الفريقين من اآلخر تمييزا ظاهرا‪ ،‬وكان من‬
‫حكمة هذا التقدير تكلم المنافقين بما في نفوسهم فسمع المؤمنون‪،‬‬
‫وسمعوا رد اهلل عليهم وجواب لهم‪ ،‬وعرفوا مؤدى النفاق وما يئول إلي ‪،‬‬
‫وكيف يحرم صاحب سعادة الدنيا واآلخرة‪ ،‬فيعود علي بفساد الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬فلل كم من حكمة في ضمن هذه القصة بالغة ونعمة على‬
‫المؤمنين سابغة‪ ،‬وكم فيها من تحذير وتخويف وإرشاد وتنبي وتعريف‬
‫بأسباب الخير والشر‪ ،‬وما لهما وعاقبتهما!‬
‫ثم عزى نبيه وأولياءه عمن قتل منهم في سبيله أحسن تعزية وألطفها‪،‬‬
‫وأدعاها إلى الرضى بما قضاه لها‪ ،‬فقال‪{ :‬ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬

‫ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬

‫ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬

‫ﲥ} [آل عمران‪ 169 :‬ــ ‪ ،]170‬فجمع لهم إلى الحياة الدائمة منزلة القرب‬
‫من وأنهم عنده‪ ،‬وجريان الرزق المستمر عليهم‪ ،‬وفرحهم بما آتاهم من‬
‫فضل ‪ ،‬وهو فوق الرضى بل هو كمال الرضى‪ ،‬واستبشارهم بإخوانهم‬
‫الذين باجتماعهم بهم يتم سرورهم ونعيمهم واستبشارهم بما يجدد لهم‬
‫كل وقت من نعمت وكرامت <‪..‬‬
‫‪254‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫رابعًا‪ :‬املبايعون حتت الشجرة‬


‫{ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ‬ ‫يقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒ ﲓ‬
‫ﲔ ﲕﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [الفتح‪]19 :‬ا‪.)1‬‬
‫{ﲄ‬ ‫>يقول تعالى ذكره‪ :‬لقد رضي اهلل يا محمد عن المؤمنين‬
‫ﲅ ﲆ ﲇ} يعني بيعة أصحاب رسول اهلل ‘ ورسول اهلل‬
‫بالحديبية حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب‪ ،‬وعلى أن ًل يفروا‪،‬‬
‫وًل يولوهم الدبر تحت الشجرة‪ ،‬وكانت بيعتهم إياه هنالك فيما ذكر‬
‫تحت شجرة وكان سبب هذه البيعة ما قيل‪ :‬إن رسول اهلل ‘ كان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬يقول الجصاص في بيان عموم هذه اآلية‪ ،‬وشمولها لكل من بايع‪> :‬في الدًللة على‬
‫صحة إيمان الذين بايعوا النبي ‘ بيعة الرضوان بالحديبية وصدق بصائرهم‪ ،‬فهم‬
‫قوم بأعيانهم‪ ..،‬فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة‪ ،‬أولياء اهلل‪ ،‬إذ غير جائز‬
‫أن يخبر اهلل برضاه عن قوم بأعيانهم إًل وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق‬
‫اإليمان<‪ ،‬أحكام القرآن‪ :‬ا‪.)273/5‬‬
‫عليا‪،‬‬
‫وهذه اآلية تتناول أبي بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين واألنصار كما تتناول ا‬
‫عليا‪ ،‬إذ اللفظ عام ًل يجوز أن يدعى تخصيص إًل‬ ‫ليس في ظاهرها ما يخص ا‬
‫بقرينة‪ ،‬فأما إن ادعي تخصيص بغير قرينة فهو تحكم‪ ،‬والتحكم ًل يعجز عن أحد‪.‬‬
‫فإن جاز أن يدعي خروج هؤًلء منها‪ ،‬أو أنهم دخلوا فيها ثم خرجوا بالردة‪ ،‬أمكن‬
‫عليا أن يقولوا مثل ذلك‪.‬‬
‫الخوارج الذين يكفرون ا‬
‫وأما أهل السنة‪ ،‬فإنهم يترضون عن جميع أصحاب النبي ‘‪ ،‬ويعرفون لهم‬
‫فضلهم‪ ،‬وسابقتهم‪.‬‬
‫‪255‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫أرسل عثمان بن عفان ‪ ‬برسالت إلى المإل من قريش‪ ،‬فأبطأ عثمان‬


‫عليه بعض اإلبطاء‪ ،‬فظن أنه قد قتل‪ ،‬فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على‬
‫حربهم على ما وصفت‪ ،‬فبايعوه على ذلك‪ ،‬وهذه البيعة التي تسمى بيعة‬
‫الرضوان‪ ،‬وكان الذين بايعوه هذه البيعة فيما ذكر في قول بعضهم‪ :‬ألفا‬
‫وأربع مئة‪ ،‬وفي قول بعضهم‪ :‬ألفا وخمس مائة‪ ،‬وفي قول بعضهم‪ :‬ألفا‬
‫وثال مئة<ا‪.)1‬‬
‫يخبر تعالى بفضل ورحمت ‪ ،‬برضاه عن المؤمنين إذ يبايعون‬
‫الرسول ‘ تلك المبايعة التي بيضت وجوههم‪ ،‬واكتسبوا بها سعادة‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬وكان سبب هذه البيعة ــ التي يقال لها >بيعة الرضوان<‬
‫لرضا اهلل عن المؤمنين فيها‪ ،‬ويقال لها >بيعة أهل الشجرة< ــ أن رسول‬
‫اهلل ‘ لما دار الكالم بين وبين المشركين يوم الحديبية في شأن‬
‫مجيئ ‪ ،‬وأن لم يجئ لقتال أحد‪ ،‬وإنما جاء زائرا هذا البيت‪ ،‬معظما‬
‫ل ‪ ،‬فبعث رسول اهلل ‘ عثمان بن عفان لمكة في ذلك‪ ،‬فجاء خبر‬
‫غير صادق‪ ،‬أن عثمان قتل المشركون‪ ،‬فجمع رسول اهلل ‘ من مع‬
‫من المؤمنين‪ ،‬وكانوا نحوا من ألف وخمسمائة‪ ،‬فبايعوه تحت شجرة على‬
‫قتال المشركين‪ ،‬وأن ال يفروا حتى يموتوا‪ ،‬فأخبر تعالى أنه رضي عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪.)272/21‬‬
‫واعجب ــ وحق لك ــ إذا علمت أن أنا اسا يطعنون في الصحابة بهذه اآلية‪ ،‬وأنى لهم‬
‫أن يجدوا من يصدقهم‪ ،‬وهذا العدد كل محكوم ل بالرضى من اهلل سبحان ؟!! وكيف‬
‫سوغ لنفس أن يحكم بالردة والكفر والنفاق على الجم الغفير من أصحاب رسول اهلل!‬
‫‪256‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫المؤمنين في تلك الحال‪ ،‬التي هي من أكبر الطاعات وأجل القربات‪،‬‬


‫{ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ} من اإليمان‪{ ،‬ﲌ ﲍ ﲎ} شكرا لهم على‬
‫ما في قلوبهم‪ ،‬زادهم هدى‪ ،‬وعلم ما في قلوبهم من الجزع من تلك‬
‫الشروط التي شرطها المشركون على رسول ‪ ،‬فأنزل عليهم السكينة‬
‫تثبتهم‪ ،‬وتطمئن بها قلوبهم‪{ ،‬ﲏ ﲐ ﲑ} وهو‪ :‬فتح خيبر‪ ،‬لم يحضره‬
‫سوى أهل الحديبية‪ ،‬فاختصوا بخيبر وغنائمها‪ ،‬جزاء لهم‪ ،‬وشكرا على‬
‫ما فعلوه من طاعة اهلل تعالى والقيام بمرضات ‪.‬‬
‫{ﲓ ﲔ ﲕﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} أي‪ :‬ل العزة‬
‫والقدرة‪ ،‬التي قهر بها األشياء‪ ،‬فلو شاء النتصر من الكفار في كل وقعة‬
‫تكون بينهم وبين المؤمنين‪ ،‬ولكنه حكيم‪ ،‬يبتلي بعضهم ببعض‪ ،‬ويمتحن‬
‫المؤمن بالكافر‪.‬‬
‫{ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ} وهذا يشمل كل غنيمة غنمها‬
‫المسلمين إلى يوم القيامة‪{ ،‬ﲡ ﲢ ﲣ} أي‪ :‬غنيمة خيبر أي‪:‬‬
‫فال تحسبوها وحدها‪ ،‬بل ثم شيء كثير من الغنائم سيتبعها‪{ ،‬و} احمدوا‬
‫اهلل إذ {كف ﲥ ﲦ} القادرين على قتالكم‪ ،‬الحريصين علي‬
‫{ﲧ} فهي نعمة‪ ،‬وتخفيف عنكم‪.‬‬
‫{ﲨ} هذه الغنيمة {ﲩ ﲪ} يستدلون بها على خبر‬
‫اهلل الصادق‪ ،‬ووعده الحق‪ ،‬وثواب للمؤمنين‪ ،‬وأن الذي قدرها سيقدر‬
‫غيرها‪{ ،‬ﲫ} بما يقيض لكم من األسباب {ﲬ ﲭ}‬
‫‪257‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫من العلم واإليمان والعمل‪.‬‬


‫{ﲯ} أي‪ :‬وعدكم أيضا غنيمة أخرى {ﲰ ﲱ ﲲ} وقت‬
‫هذا الخطاب‪{ ،‬ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ} أي‪ :‬هو قادر عليها‪ ،‬وتحت تدبيره‬
‫وملك ‪ ،‬وقد وعدكموها‪ ،‬فال بد من وقوع ما وعد ب ‪ ،‬لكمال اقتدار اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ}ا‪.)1‬‬
‫وعن البراء ‪ ،‬قال‪> :‬تعدون أنتم الفتح فتح مكة‪ ،‬وقد كان فتح‬
‫مكة فتحا‪ ،‬ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية‪ ،‬كنا مع‬
‫النبي ‘ أربع عشرة مائة‪ ،‬والحديبية بئر‪ ،‬فنزحناها فلم نترك فيها‬
‫قطرة‪ ،‬فبلغ ذلك النبي ‘ فأتاها‪ ،‬فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من‬
‫ماء فتوضأ‪ ،‬ثم مضمض ودعا ثم صب فيها‪ ،‬فتركناها غير بعيد‪ ،‬ثم إنها‬
‫أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا<ا‪.)2‬‬
‫وعن جابر ‪ ،‬قال‪> :‬عطش الناس يوم الحديبية‪ ،‬ورسول اهلل ‘‬
‫بين يدي ركوة فتوضأ منها‪ ،‬ثم أقبل الناا نحوه‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪:‬‬
‫>ما لكم؟< قالوا يا رسول اهلل‪ :‬ليس عندنا ماء نتوضأ ب وًل نشرب‪،‬‬
‫إًل ما في ركوتك‪ ،‬قال‪> :‬فوضع النبي ‘ يده في الركوة‪ ،‬فجعل‬
‫الماء يفور من بين أصابع كأمثال العيون<‪ .‬قال‪ :‬فشربنا وتوضأنا‬
‫فقلت لجابر‪ :‬كم كنتم يومئذ؟ قال‪ :‬لو كنا مائة ألف لكفانا‪ ،‬كنا خمس‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر تفسير السعدي‪ :‬ا‪.)793‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4150‬‬
‫‪258‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫عشرة مائة<ا‪.)1‬‬
‫وعن المسور بن مخرمة‪ ،‬ومروان بن الحكم‪ ،‬يزيد أحدهما على‬
‫صاحب قاًل‪ :‬خرج النبي ‘ عام الحديبية في بضع عشرة مائة من‬
‫أصحاب ‪ ،‬فلما أتى ذا الحليفة‪ ،‬قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة‪،‬‬
‫وبعث عينا ل من خزاعة‪ ،‬وسار النبي ‘ حتى كان بغدير األشطاط أتاه‬
‫عين ‪ ،‬قال‪ :‬إن قريشا جمعوا لك جموعا‪ ،‬وقد جمعوا لك األحابيش‪،‬‬
‫وهم مقاتلوك‪ ،‬وصادوك عن البيت‪ ،‬ومانعوك‪ ،‬فقال‪> :‬أشيروا أيها الناا‬
‫علي‪ ،‬أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤًلء الذين يريدون أن‬
‫يصدونا عن البيت‪ ،‬فإن يأتونا كان اهلل ‪ ‬قد قطع عينا من المشركين‪،‬‬
‫وإًل تركناهم محروبين<‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬خرجت عامدا‬
‫لهذا البيت‪ً ،‬ل تريد قتل أحد‪ ،‬وًل حرب أحد‪ ،‬فتوج ل ‪ ،‬فمن صدنا‬
‫عن قاتلناه‪ .‬قال‪> :‬امضوا على اسم اهلل<ا‪.)2‬‬
‫وأما ما ورد في الحديبية فنذكر أطراف ‪> :‬فالحديبية اسم بئر تقع‬
‫كيال إلى الشمال الغربي من مكة وتعرف األن‬ ‫على بعد اثنين وعشرين ا‬
‫بالشميسي‪ ،‬وفيها حدائق الحديبية ومسجد الرضوان‪.‬‬
‫وأطرافها تدخل في حدود الحرم المكي ومعظمها من ال ِحل خارج ‪.‬‬
‫وقد سميت الغزوة بها ألن قري اشا منعت المسلمين من دخول مكة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4152‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4178‬‬
‫‪259‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وهم في الحديبية‪.‬‬
‫وكان خروج الرسول ‘ إلى الحديبية في يوم اًلثنين مستهل ذي‬
‫القعدة من السنة السادسة‪.‬‬
‫وقد قصد بخروجه العمرة‪ ،‬وفي ذلك إظهار لحقيقة مشاعر المسلمين‬
‫نحو البيت العتيق وتعظيمهم ل ‪ ،‬وإبطال لدعاية قريش المعادية التي‬
‫تريد إظهارهم وكأنهم ًل يعترفون بحرمة الكعبة‪.‬‬
‫وبلغ عدد المسلمين في الحديبية أل افا وأربعمائة رجل‪ ،‬ذكر ذلك‬
‫شهود العيان من الصحابة وهم جابر بن عبد اهلل والبراء بن عازب ومعقل بن‬
‫يسار وسلمة بن األكوع والمسيب بن حزن‪.‬‬
‫وقال جابر في رواية إنهم ألف وخمسمائة‪.‬‬
‫وقال الصحابي عبد اهلل بن أبي أوفى إنهم ألف وثالثمائة‪.‬‬
‫واتفاق خمسة من شهود العيان على أنهم ألف وأربعمائة أولى من‬
‫سواه من األقوال فهو أصح الصحيح‪ ،‬وإن كان الجمع ليس بمتعذر‬
‫واًلختالف ليس بكبير‪.‬‬
‫وقد صلى المسلمون بذي الحليفة وأحرموا بالعمرة وساقوا الهدي‬
‫سبعين بدنة‪ ،‬وبعث الرسول ‘ عي انا إلى مكة هو بسر بن سفيان‬
‫الخزاعي الكعبي‪.‬‬
‫‪260‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وقد بين الرسول ‘ لقريش عن طريق رجال محايدين أحيا انا‬


‫وبواسطة رسل أرسلهم لهذا الغرض أحيا انا أخرى أن ًل يريد حرب‬
‫أحد‪ ،‬وإنما يريد زيارة البيت الحرام وتعظيم ‪ ،‬وقد قدم علي بديل بن‬
‫ورقاء الخزاعي وب ّين أن قري اشا تعتزم صد المسلمين عن دخول مكة‪،‬‬
‫فأوضح ل الرسول ‘ موقف ‪ ،‬فقام بتوضيح لقريش‪ ،‬فأجابت قريش‪:‬‬
‫>وإن كان إنما جاء لذلك فال واهلل ًل يدخلها أبدا علينا وًل تتحد‬
‫بذلك العرب<‪.‬‬
‫سياسيا سواء دخلوا مكة‬
‫ا‬ ‫والحق أن المسلمين كسبوا الموقف‬
‫وتحدثت العرب عن ذلك‪ ،‬أو لم يدخلوا فتحدثت العرب عن صد‬
‫قريش لمن قصدوا تعظيم البيت العتيق‪ ،‬بعد أن كانت قريش تدعي أن‬
‫المسلمين ًل يحترمون المقدسات‪.‬‬
‫وقد سعى الرسول ‘ لبيان موقف أمام الناا جمي اعا‪ ،‬فأرسل‬
‫رسل تترى إلى قريش يعلنون مقصدهم‪ ،‬فأرسل خراش بن أمية‬
‫الخزاعي فأرادت قريش قتل لوًل أن منعهم األحابيش‪.‬‬
‫وأراد أن يرسل عمر بن الخطاب ثم عدل عن إلى عثمان بن عفان‬
‫عندما بين عمر شديد عداوت لقريش وأنها تعلم ذلك وأن بني عدي‬
‫قوم ًل يحمون ‪.‬‬
‫فذهب عثمان إلى قريش‪ ،‬فأجاره أبان بن سعيد بن العاص حتى‬
‫أبلغهم رسالة النبي ‘‪ .‬وقد سمحت ل قريش بالطواف فأبى أن يسبق‬
‫‪261‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫أخرت قريش فحسب المسلمون أنها قتلت ‪.‬‬


‫الرسول ‘ بالطواف‪ ،‬وقد َّ‬
‫فدعا رسول اهلل ‘ أصحاب للبيعة تحت شجرة سمرة فبايعوه‬
‫جمي اعا سوى الجد بن قيس ــ وكان مناف اقا ــ وكانت البيعة على الموت‪.‬‬
‫وفي روايات أخرى أنهم بايعوه على أًل يفروا وليس على الموت‪.‬‬
‫أو أنهم بايعوه على الصبر وًل تعارض في ذلك ألن المراد‬
‫بالمبايعة على الموت أًل يفروا‪.‬‬
‫وأول من بادر إلى البيعة أبو سنان عبد اهلل بن وهب األسدي‪.‬‬
‫ثم تتابع األصحاب وقد أثنى الرسول ‘ على موقف الصحابة‬
‫ومبادرتهم إلى البيعة‪ ،‬فقال‪> :‬أنتم خير أهل األرض<‪.‬‬
‫وقال‪ً> :‬ل يدخل النار إن شاء اهلل من أصحاب الشجرة أحد الذين‬
‫بايعوا تحتها<‪.‬‬
‫ولما كان عثمان محبو ًسا في قريش فقد قال النبي ‘ بيده اليمنى‪:‬‬
‫>هذه يد عثمان‪ ،‬فضرب بها على يده‪ ،‬فقال‪ :‬هذه لعثمان<‪.‬‬
‫فعد في المبايعين تحت الشجرة‪ ،‬ولكن عثمان رجع إلى المسلمين‬
‫بعد بيعة الرضوان مباشرة‪.‬‬
‫وأرسلت قريش عد ادا من الرسل للتفاوض‪ ،‬أولهم عروة بن مسعود‬
‫الثقفي‪ ،‬وقد ًلحظ تعظيم المسلمين للرسول ‘ وحبهم ل وتفانيهم‬
‫‪262‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫في طاعت ‪ ،‬فلما رجع إلى قريش قال‪> :‬أي قوم واهلل لقد وفدت على‬
‫الملوك‪ ،‬ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي واهلل إن رأيت مل اكا قط‬
‫يعظم أصحاب ما يعظم أصحاب محمد محم ادا<‪.‬‬
‫ثم أرسلت قريش الحليس بن علقمة الكناني سيد األحابيش‪ ،‬فلما‬
‫مقبال طلب من أصحاب أن يظهروا أمام اإلبل‬ ‫رآه الرسول ‘ ا‬
‫المشعرة‪ ،‬وأن يلبوا أمام ألن من قوم يعظمون ذلك‪ ،‬فلما رأى ذلك‬
‫رجع إلى قريش‪ ،‬فقال‪> :‬رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن‬
‫يصدوا عن البيت<‪ .‬فقالوا‪ :‬أجلس إنما أنت أعرابي ًل علم لك‪.‬‬
‫ثم أرسلت قريش مكرز بن حفص وأعقبت بسهيل بن عمرو فقال‬
‫متفائال‪> :‬لقد سهل لكم أمركم<‪ .‬وقال‪> :‬لقد أراد القوم‬
‫ا‬ ‫النبي ‘‬
‫الصلح حيث بعثوا هذا الرجل<‪ ،‬وكانت قريش قد ألزمت سهيل بن‬
‫عمرو أًل يكون في صلح إًل أن يرجع المسلمون دون عمرة في ذلك‬
‫العام‪ .‬وقد جرت مفاوضة طويلة بين الرسول ‘ وسهيل بن عمرو‬
‫وانتهت إلى عقد صلح الحديبية‪.‬‬
‫وقد وقع اختالف في مقدمة العقد حيث أراد الرسول ‘ إعطاءه‬
‫صبغة إسالمية فاعترض سهيل بن عمرو‪ ،‬وكان علي بن أبي طالب يكتب‬
‫العقد‪ ،‬فقال النبي ‘ أكتب‪> :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم< فقال سهيل‪ :‬أما‬
‫>الرحمن فو اهلل ما أدري ما هي ولكن أكتب >باسمك اللهم< كما كنت‬
‫تكتب‪ ،‬فقال المسلمون‪ :‬واهلل ًل نكتبها إًل >بسم اهلل الرحمن الرحيم<‬
‫‪263‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫فقال النبي ‘‪ :‬اكتب‪> :‬باسمك اللهم<‪ .‬ثم قال‪> :‬هذا ما قاضى عليه‬
‫محمد رسول اهلل< فقال سهيل‪ :‬واهلل لو كنا نعلم أنك رسول اهلل ما‬
‫صددناك عن البيت وال قاتلناك‪ ،‬ولكن اكتب >محمد بن عبد اهلل< فقال‬
‫النبي ‘‪> :‬واهلل إني لرسول اهلل وإن كذبتموني‪ ،‬اكتب‪> :‬محمد بن‬
‫عبد اهلل< فقال النبي ‘‪> :‬على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف ب <‬
‫فقال سهيل‪ :‬واهلل ًل تتحد العرب أنا أخذنا ضغطة‪ .‬ولكن ذلك من‬
‫العام المقبل فكتب‪.‬‬
‫فقال سهيل‪ :‬وعلى أن ًل يأتيك منا رجل ــ وإن كان على دينك ــ‬
‫إًل رددت إلينا‪ .‬قال المسلمون‪ :‬سبحان اهلل كيف يرد إلى المشركين وقد‬
‫جاء مسل اما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو‬
‫يرسف في قيوده‪ ،‬وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفس بين أظهر‬
‫المسلمين‪ .‬فقال سهيل‪ :‬هذا يا محمد أول ما أقاضيك علي أن ترده‬
‫إلي‪ ،‬فقال النبي ‘‪ :‬إنا لم نقض الكتاب بعد‪ .‬فقال‪ :‬واهلل إذاا لم‬
‫أصالحك على شيء أب ادا‪.‬‬
‫فقال النبي ‘‪ :‬فأجزه لي‪ .‬فقال‪ :‬ما أنا بمجيزه لك‪ .‬قال‪ :‬بلى‬
‫فافعل‪ .‬قال‪ :‬ما أنا بفاعل‪ .‬قال مكرز‪ :‬بل قد أجزناه لك‪.‬‬
‫وقد تم اًلتفاق على األمور التالية‪:‬‬
‫>على وضع الحرب عشر سنين‪ ،‬يأمن فيها الناا ويكف بعضهم‬
‫عن بعض‪ .‬على أن من أتى رسول اهلل ‘ من أصحاب بغير إذن ولي‬
‫‪264‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫رده عليهم‪ ،‬ومن أتى قري اشا ممن مع رسول اهلل ‘ لم يردوه علي ‪.‬‬
‫وأن بيننا عيبة مكفوفة‪ .‬وأن ًل إسالل وًل إغالل‪.‬‬
‫وأن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل في ‪ ،‬ومن‬
‫أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل في ‪.‬‬
‫فتواثبت خزاعة فقالوا‪ :‬نحن مع عقد رسول اهلل ‘ وعهده‪.‬‬
‫وتواثبت بنو بكر فقالوا‪ :‬نحن في عقد قريش وعهدهم‪.‬‬
‫وأنك ترجع عنا عامك هذا‪ ،‬فال تدخل علينا مكة‪ ،‬وأن إذا كان‬
‫عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك‪ .‬وأقمت فيها ثالثا معك‬
‫سالح الراكب ًل تدخلها بغير السيوف في القرب<‪.‬‬
‫وهكذا وقعت الهدنة لمدة عشر سنوات‪ ،‬على أال يدخل المسلمون‬
‫مكة إال بعد مرور عام فيقيموا بها ثالثة أيام معهم السيوف مغمودة فقط‪،‬‬
‫وال يقوم الطرفان بأي أعمال دعائية أو عدوانية‪ ،‬ويجوز للطرفين التحالف‬
‫مع القبائل العربية على قدم المساواة‪ ،‬ويلتزم المسلمون برد المسلمين‬
‫الفارين من قريش إليها‪ ،‬وًل تلتزم قريش برد المسلمين الفارين إليها‪.‬‬
‫والواقع أن المسلمين تذمروا من هذه اًلتفاقية وضاقوا بها ذر اعا‪،‬‬
‫خاصة بعد أن جرت التعديالت على الصياغة اإلسالمية للعقد‪ ،‬فقد‬
‫اعتذر علي بن أبي طالب عن مسح كلمة >رسول اهلل< فأخذ الرسول اهلل ‘‬
‫الكتاب فكتب ما أراد سهيل بن عمرو‪ .‬وغضب المسلمون لرد المسلمين‬
‫‪265‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫الفارين من قريش إليها فقالوا‪> :‬يا رسول اهلل تكتب هذا؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬إن‬
‫من ذهب إليهم فأبعده اهلل‪ ،‬ومن جاءنا منهم سيجعل اهلل ل فر اجا‬
‫ومخر اجا<‪.‬‬
‫وظهر الغضب الشديد على عمر بن الخطاب فراجع الرسول ‘‬
‫في ذلك قال‪> :‬فأتيت نبي اهلل ـ ‘ ـ فقلت‪ :‬ألست نبي اهلل ح اقا؟ قال‪:‬‬
‫بلى‪ .‬قلت‪ :‬ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قلت‪ :‬فلم‬
‫نعطي الدنية في ديننا إذاا؟ قال‪ :‬إني رسول اهلل ولست أعصي وهو‬
‫ناصري‪ .‬قلت‪ :‬أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف ب ؟ قال‪:‬‬
‫بلى فأخبرتك أنك تأتي العام؟ قال‪ :‬قلت‪ً :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فإنك آتي ومطوف‬
‫ب <‪ .‬لكن عمر لم يكتف بذلك بل أعاد الكالم أمام أبي بكر بمثل‬
‫كالم مع رسول اهلل ‘‪ ،‬فقال أبو بكر‪> :‬يا عمر الزم غرزه حيث كان‬
‫فإني أشهد أن رسول اهلل‪ .‬قال عمر‪ :‬وأنا أشهد<‪.‬‬
‫وقال عمر‪> :‬ما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت‬
‫خيرا<‪.‬‬
‫مخافة كالمي الذي تكلمت ب يومئذ حتى رجوت أن يكون ا‬
‫وكان عمر يراجع الرسول ‘ ليقف على الحكمة من موافقت على‬
‫شروط الصلح‪ ،‬وكان يرغب في إذًلل المشركين >فجميع ما صدر من‬
‫كان معذو ارا في بل هو مأجور ألن مجتهد في <ا‪)1‬ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬ألكرم العمري‪ ،)434/2( :‬ومرويات غزة الحديبية‪ ،‬لحافظ‬
‫الحكمي‪.‬‬
‫ا‪ )2‬ومن عجب أن بعض أهل الخذًلن ادعى على عمر ‪ ،‬وعلى كثير من الصحابة=‬
‫‪266‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬ ‫ويقول ابن تيمية‪> :‬وقال تعالى‪:‬‬


‫ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑ‬
‫ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ‬
‫ﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦ ﲧ ﲨﲩﲪ‬
‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ‬
‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ} [سورة الفتح‪ 18 :‬ــ ‪.]21‬‬
‫والذين بايعوه تحت الشجرة بالحديبية عند جبل التنعيم كانوا أكثر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــ على قول ــ أنهم لم يرضوا بحكم اهلل ورسول ‪ ،‬وانهم ارتابوا في دينهم وشكوا!!‬ ‫=‬
‫أإن سلمنا لهم بذلك فكيف نصنع بهذا المقطع‪> :‬عن أبي إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫البراء بن عازب ‪ ،‬قال‪ :‬لما صالح رسول اهلل ‘ أهل الحديبية‪ ،‬كتب علي بن‬
‫أبي طالب بينهم كتابا‪ ،‬فكتب محمد رسول اهلل‪ ،‬فقال المشركون‪ً :‬ل تكتب محمد‬
‫رسول اهلل‪ ،‬لو كنت رسوًل لم نقاتلك‪ ،‬فقال لعلي‪> :‬امح <‪ ،‬فقال علي‪ :‬ما أنا بالذي‬
‫أمحاه‪ ،‬فمحاه رسول اهلل ‘ بيده‪ ،‬وصالحهم على أن يدخل هو وأصحاب ثالثة‬
‫أيام‪ ،‬وًل يدخلوها إًل بجلبان السالح‪ ،‬فسألوه ما جلبان السالح؟ فقال‪ :‬القراب بما‬
‫في <‪ ،‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)2698‬ومسلم‪ :‬ا‪.)1783‬‬
‫ريبا؟!‬
‫أفكان هذا الصنيع من علي ‪ ‬عدم رضا بحكم اهلل ورسول ‪ ،‬أو كان ا‬
‫إن الذي نقطع ب ‪ ،‬أن ليس كذلك‪ ،‬وما كان جوا ابا لهم‪ ،‬فإن جواب لنا‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪> :‬فمعلوم أن تأخر علي وغيره من الصحابة عما أمروا ب حتى غضب‬
‫النبي ـ ‘ ـ‪ :‬إذا قال القائل‪ :‬هذا ذنب‪ ،‬كان جواب كجواب القائل‪ :‬إن عائشة أذنبت‬
‫في ذلك‪ ،‬فمن الناا من يتأول ويقول‪ :‬إنما تأخروا متأولين‪ ،‬لكونهم كانوا يرجون‬
‫تغيير الحال بأن يدخلوا مكة‪ :‬وآخر يقول‪ :‬لو كان لهم تأويل مقبول لم يغضب النبي‬
‫ـ ‘ ـ بل تابوا من ذلك التأخير ورجعوا عن ‪ ،‬مع أن حسناتهم تمحو مثل هذا الذنب‪،‬‬
‫وعلي داخل في هؤًلء ــ رضي اهلل عنهم ــ أجمعين<‪ ،‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)316/4‬‬
‫‪267‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫من ألف وأربعمائة‪ ،‬بايعوه لما صده المشركون عن العمرة‪ ،‬ثم صالح‬
‫المشركين صلح الحديبية المعروف‪ ،‬وذلك سنة ست من الهجرة في‬
‫ذي القعدة‪ ،‬ثم رجع بهم إلى المدينة وغزا بهم خيبر‪ ،‬ففتحها اهلل عليهم‬
‫في أول سنة سبع‪ ،‬وقسمها بينهم‪ ،‬ومنع األعراب المتخلفين عن‬
‫الحديبية من ذلك‪.‬‬
‫{ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬ ‫كما قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ‬

‫ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ} [سورة الفتح‪.]15 :‬‬


‫وقد أخبر سبحان أن رضي عنهم‪ ،‬وأن علم ما في قلوبهم‪ ،‬وأن‬
‫قريبا‪.‬‬
‫أثابهم فت احا ا‬
‫وهؤًلء هم أعيان من بايع أبا بكر وعمر وعثمان بعد موت‬
‫النبي ‘‪ ،‬لم يكن في المسلمين من يتقدم عليهم‪ ،‬بل كان المسلمون‬
‫كلهم يعرفون فضلهم عليهم ؛ ألن اهلل تعالى بين فضلهم في القرآن‬
‫بقول تعالى‪{ :‬ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﳋ ﳌ ﳍ‬
‫ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ} [سورة الحديد‪،]10 :‬‬
‫ففضل المنفقين المقاتلين قبل الفتح‪ ،‬والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية‪،‬‬
‫ولهذا سئل النبي ‘‪ :‬أو فتح هو؟ فقال >نعم<‪.‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬ ‫وأهل العلم يعلمون أن في أنزل اهلل تعالى‪:‬‬
‫‪268‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﱅﱆ ﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ‬
‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ} [سورة الفتح‪ 1 :‬ــ ‪ ،]3‬فقال بعض‬
‫المسلمين‪ :‬يا رسول اهلل! هذا لك فما لنا يا رسول اهلل؟ ؛ فأنزل اهلل‬
‫تعالى‪{ :‬ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ}‬
‫[سورة الفتح‪.]4 :‬‬
‫وهذه اآلية نص في تفضيل المنفقين المقاتلين قبل الفتح على‬
‫المنفقين المقاتلين بعده‪ ،‬ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن السابقين‬
‫في قول تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ} [التوبة‪]100 :‬‬

‫هم هؤًلء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا‪ ،‬وأهل بيعة الرضوان كلهم‬
‫منهم‪ ،‬وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة‪.‬‬
‫وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين األولين هم من صلى إلى‬
‫القبلتين‪ ،‬وهذا ضعيف‪ ،‬فإن الصالة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده‬
‫فضيلة ؛ وألن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون ب ؛ وألن التفضيل‬
‫بالصالة إلى القبلتين لم يدل علي دليل شرعي‪ ،‬كما دل على التفضيل‬
‫بالسبق إلى اإلنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة‪ ،‬ولكن في سبق‬
‫الذين أدركوا ذلك على من لم يدرك ‪ ،‬كما أن الذين أسلموا قبل أن‬
‫تفرض الصلوات الخمس‪ ،‬هم سابقون على من تأخر إسالم عنهم‪،‬‬
‫والذين أسلموا قبل أن تجعل صالة الحضر أربع ركعات هم سابقون‬
‫على من تأخر إسالم عنهم‪ ،‬والذين أسلموا قبل أن يؤذن في الجهاد‪،‬‬
‫‪269‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫أو قبل أن يفرض‪ ،‬هم سابقون على من أسلم بعدهم‪ ،‬والذين أسلموا‬
‫قبل أن يفرض صيام شهر رمضان‪ ،‬هم سابقون على من أسلم بعدهم‪،‬‬
‫والذين أسلموا قبل أن يفرض الحج‪ ،‬هم سابقون على من تأخر عنهم‪،‬‬
‫والذين أسلموا قبل تحريم الخمر هم سابقون على من أسلم بعدهم‪،‬‬
‫والذين أسلموا قبل تحريم الربا كذلك‪ ،‬فشرائع اإلسالم من اإليجاب‬
‫والتحريم كانت تنزل شيئا فشيئا‪ ،‬وكل من أسلم قبل أن تشرع شريعة‬
‫فهو سابق على من تأخر عن ‪ ،‬ول بذلك فضيلة‪ ،‬ففضيلة من أسلم قبل‬
‫نسخ القبلة على من أسلم بعده هي من هذا الباب‪.‬‬
‫وليس مثل هذا مما يتميز ب السابقون األولون عن التابعين‪ ،‬إذ‬
‫ليس بعض هذه الشرائع بأولى بجعل خيرا من بعض ؛ وألن القرآن‬
‫والسنة قد دًل على تقديم أهل الحديبية‪ ،‬فوجب أن تفسر هذه اآلية بما‬
‫يوافق سائر النصوص‪.‬‬
‫وقد علم باًلضطرار أن كان في هؤًلء السابقين األولين أبو بكر‬
‫وعمر وعلي وطلحة والزبير‪ ،‬وبايع النبي ـ ‘ ـ بيده عن عثمان ؛ ألن‬
‫كان غائبا قد أرسل إلى أهل مكة ليبلغهم رسالت ‪ ،‬وبسبب بايع النبي ‘‬
‫الناا لما بلغ أنهم قتلوه<ا‪.)1‬‬
‫ومن اآليات التي َّثب َتت فضل أصحاب النبي ‘ والذين شاركوا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬منهاج السنة‪ :‬ا‪ 24/2‬ــ ‪.)28‬‬
‫‪270‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬ ‫في بيعة الرضوان‪ ،‬قول تعالى‪:‬‬


‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬
‫ﱰﱱ ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻ‬
‫ﱼ ﱽ ﱾﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬
‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐ ﲑ‬
‫ﲒ ﲓﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ}‬
‫[الفتح‪ 4 :‬ــ ‪> ،]6‬يقول تعالى‪{ :‬ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ} أي‪ :‬جعل الطمأنينة‪.‬‬
‫قال ابن عباا‪ ،‬وعن ‪ :‬الرحمة‪.‬‬

‫وقال قتادة‪ :‬الوقار في قلوب المؤمنين‪ .‬وهم الصحابة يوم الحديبية‪،‬‬


‫الذين استجابوا هلل ولرسول وانقادوا لحكم اهلل ورسول ‪ ،‬فلما اطمأنت‬
‫قلوبهم لذلك‪ ،‬واستقرت‪ ،‬زادهم إيمانا مع إيمانهم‪.‬‬

‫وقد استدل بها البخاري وغيره من األئمة على تفاضل اإليمان في‬
‫القلوب‪.‬‬

‫{ﲠ ﲡ‬ ‫ثم ذكر تعالى أن لو شاء ًلنتصر من الكافرين‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫ﲢ ﲣ} أي‪ :‬ولو أرسل عليهم ملكا واحدا ألباد خضراءهم‪،‬‬
‫ولكن تعالى شرع لعباده المؤمنين الجهاد والقتال‪ ،‬لما ل في ذلك من‬
‫الحكمة البالغة والحجة القاطعة‪ ،‬والبراهين الدامغة؛ ولهذا قال‪:‬‬
‫{ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ}‪.‬‬
‫‪271‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬ ‫ثم قال تعالى‪:‬‬


‫ﱺ ﱻ}‪ ،‬قد تقدم حديث أنسا‪ :)1‬قالوا‪ :‬هنيئا لك يا رسول اهلل‪،‬‬
‫هذا لك فما لنا؟ فأنزل اهلل‪{ :‬ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬
‫ﱹ ﱺ ﱻ} أي‪ :‬ماكثين فيها أبدا‪{ .‬ﱼ ﱽ ﱾ}‬
‫أي‪ :‬خطاياهم وذنوبهم‪ ،‬فال يعاقبهم عليها‪ ،‬بل يعفو ويصفح ويغفر‪،‬‬
‫ويستر ويرحم ويشكر‪{ ،‬ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ}‪ ،‬كقول {ﲙ‬
‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬
‫ﲧ} [آل عمران‪.]185 :‬‬
‫{ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬ ‫وقول ‪:‬‬
‫ﲎ ﲏ} أي‪ :‬يتهمون اهلل في حكم ‪ ،‬ويظنون بالرسول وأصحاب أن‬
‫يقتلوا ويذهبوا بالكلية؛ ولهذا قال‪{ :‬ﲑ ﲒ ﲓﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬
‫ﲘ} أي‪ :‬أبعدهم من رحمت {ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ}‪.‬‬
‫ثم قال مؤكدا لقدرت على اًلنتقام من األعداء ــ أعداء اإلسالم‬
‫من الكفرة والمنافقين ــ‪{ :‬ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬
‫ﲨ}<ا‪.)2‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪{ ،‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ} [الفتح‪.]1 :‬‬
‫قال‪ :‬الحديبية قال أصحاب ‪ :‬هنيئا مريئا‪ ،‬فما لنا؟ فأنزل اهلل‪{ :‬ﱲ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪ ،)240/21‬وسيأتي تخريج ‪.‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪ 328/7‬ــ ‪.)329‬‬
‫‪272‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ} [الفتح‪ ]5 :‬قال شعبة‪ :‬فقدمت‬


‫الكوفة‪ ،‬فحدثت بهذا كل عن قتادة‪ ،‬ثم رجعت فذكرت ل فقال أما‪:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ} [الفتح‪]1 :‬ا‪ ،)1‬وعن أنس قال‪ :‬أنزلت على النبي ‘‬
‫{ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ} مرجع من الحديبية‪ ،‬فقال‬
‫النبي ‘‪ :‬لقد نزلت علي آية أحب إلي مما على األرض‪ ،‬ثم قرأها‬
‫النبي ‘ عليهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬هنيئا مريئا يا نبي اهلل‪ ،‬لقد بين اهلل لك ماذا‬
‫يفعل بك‪ ،‬فماذا يفعل بنا‪ ،‬فنزلت علي {ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ}‪ ،‬حتى بلغ‪{ ،‬ﲄ ﲅ}ا‪.)2‬‬
‫{ﱁ ﱂ‬ ‫ومن ثناء اهلل تعالى على أهل الحديبية‪ ،‬قول تعالى‪:‬‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬

‫ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ} [الفتح‪]10 :‬ا‪.)3‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج أحمد‪ :‬ا‪ ،)12226‬ا‪ ،)257/19‬والبخاري‪ :‬ا‪.)4172‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج أحمد‪ :‬ا‪ ،)12374‬ا‪ ،)13035‬والترمذي‪ :‬ا‪.)3263‬‬
‫ا‪ )3‬واعلم أن بعض من ًل خالق ل طعن في الصحابة بهذه اآلية‪ ،‬وأنهم إنما وعدوا‬
‫باألجر مع عدم النكث ًل على العموم‪ ،‬وأنهم نكثوا! وقد قال الطاهر ابن عاشور‬
‫فيما يصلح أن يكون جوا ابا عن هذا‪> :‬الكالم تحذير من نكث هذه البيعة وتفظيع ل ‪،‬‬
‫ألن الشرط يتعلق بالمستقبل‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولم ينكث أحد ممن بايع‪.‬‬
‫والظاهر عندي‪ :‬أن سبب المبايعة قد انعدم بالصلح الواقع بين النبيء ‘ وبين أهل‬
‫مكة وأن هذه اآلية نزلت فيما بين ساعة البيعة وبين انعقاد الهدنة وحصل أجر اإليفاء‬
‫=‬ ‫بالنية عدم لو نزل ما عاهدوا اهلل علي <‪ ،‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)160/26‬‬
‫‪273‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫قال المفسرون‪ :‬يعني بيعة الرضوان‪ ،‬وكانت بالحديبية تحت‬


‫الشجرة‪ ،‬وكان المسلمون يومئذ أل افا وأربعمائة رجل بايعوا النبي ـ ‘ ـ‬
‫على أن يقاتلوا وًل يفرواا‪.)1‬‬
‫قول تعالى‪{ :‬ﱄ ﱅ ﱆ} ألن تلك البيعة طاعة هلل وتقر ابا‬
‫إلي ‪ ،‬باعوا أنفسهم من اهلل تعالى بالجنة كما ذكر في قول ‪{ :‬ﲦ ﲧ‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ} اآلية [التوبة‪.]111 :‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ‬ ‫والعقد كان مع النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬وكذلك قول ‪:‬‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ} قال أكثر المفسرين‪ :‬يد اهلل‬
‫بالوفاء لهم بما وعدهم من الخير فوق أيديهم بالوفاء والعهد حين‬
‫بايعوك‪ ،‬ومعناه‪ :‬اهلل أوفى منهم كما قال‪{ :‬ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ}‬
‫[التوبة‪.]111 :‬‬
‫{ﱎ ﱏ‬ ‫قول تعالى‪{ :‬ﱌ ﱍ} أي‪ :‬نقض ما عقد من البيعة‬
‫ﱐ ﱑﱒ} أي‪ :‬يرجع ضرر ذلك النقض علي ‪{ ،‬ﱓ ﱔ} أي‪ :‬ثبت‬
‫على الوفاء‪{ ،‬ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ} من البيعة {ﱙ ﱚ ﱛ}‬
‫يعني‪ :‬الجنة‪ ،‬قال ابن عباا‪> :‬وال ِع َظم ًل يوصف<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= هذا وقد ثبت من وجوه متعددة أن ًل يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة إًل‬
‫صاحب الجمل األحمر‪ ،‬ولكنا نحب أن نجيب على الطعن من القرآن العظيم‪.‬‬
‫ا‪ )1‬وهذا ثابت في الحديث الصحيح عند مسلم من حديث جابر كما تقدم‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫الطبري‪ :‬ا‪ ،)76/13‬والبغوي‪ :‬ا‪.)299/7‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪ 290/20‬ــ ‪.)292‬‬
‫‪274‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫يقول السعدي‪> :‬هذه المبايعة التي أشار اهلل إليها هي >بيعة‬


‫الرضوان< التي بايع الصحابة ‪ ‬فيها رسول اهلل ‘‪ ،‬على أن ًل‬
‫يفروا عن ‪ ،‬فهي عقد خاص‪ ،‬من لوازم أن ًل يفروا‪ ،‬ولو لم يبق منهم‬
‫إًل القليل‪ ،‬ولو كانوا في حال يجوز الفرار فيها‪ ،‬فأخبر تعالى‪ :‬أن الذين‬
‫بايعوك حقيقة األمر أنهم {ﱅ ﱆ} ويعقدون العقد مع ‪ ،‬حتى‬
‫إن من شدة تأكده أن قال‪{ :‬ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋ} أي‪ :‬كأنهم بايعوا اهلل‬
‫وصافحوه بتلك المبايعة‪ ،‬وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية‪ ،‬وحملهم‬
‫على الوفاء بها‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬ﱌ ﱍ} فلم يف بما عاهد اهلل علي‬
‫{ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ} أي‪ :‬ألن وبال ذلك راجع إلي ‪ ،‬وعقوبت‬
‫واصلة ل ‪{ ،‬ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ} أي‪ :‬أتى ب كامال موفرا‪،‬‬
‫{ﱙ ﱚ ﱛ} ًل يعلم عظم وقدره إًل الذي آتاه إياه<ا‪.)1‬‬
‫ومن اآليات التي أثنى اهلل تعالى فيها على أهل البيعة‪ ،‬وأنهم أهل‬
‫التوحيد الخالص‪ ،‬قول تعالى‪{ :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ‬
‫ﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓ‬
‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ} [الفتح‪.]26 :‬‬
‫عن حمران بن أبان أن عثمان بن عفان قال‪> :‬سمعت رسول اهلل ‘‬
‫يقول‪> :‬إني ألعلم كلمة ًل يقولها عبد حقا من قلب إًل حرم على النار<‬
‫فقال ل عمر بن الخطاب‪ :‬أنا أحدثك ما هي؟ هي كلمة اإلخالص التي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تيسير الكريم الرحمن‪ :‬ا‪.)792‬‬
‫‪275‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ا‪)1‬‬
‫ألزمها اهلل ‪ ‬محمدا ‘ وأصحاب ‪ ،‬وهي كلمة التقوى التي أًلص‬
‫عليها نبي اهلل ‘ عم أبا طالب عند الموت‪ :‬شهادة أن ًل إل إًل‬
‫اهلل<ا‪.)2‬‬
‫{ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ‬ ‫ويعني تعالى ذكره بقول ‪:‬‬
‫ﲉ ﲊ} >حين جعل سهيل بن عمرو في قلب الحمية‪ ،‬فامتنع أن‬
‫يكتب في كتاب المقاضاة الذي كتب بين يدي رسول اهلل ‘‬
‫والمشركين‪ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬وأن يكتب في ‪ :‬محمد رسول‬
‫اهلل‪ ،‬وامتنع هو وقوم من دخول رسول اهلل ‘ عام ذلك‪.‬‬
‫وقول ‪{ :‬ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ} يقول تعالى‬
‫ذكره فأنزل اهلل الصبر والطمأنينة والوقار على رسول وعلى المؤمنين‪ ،‬إذ‬
‫حمي الذين كفروا حمية الجاهلية‪ ،‬ومنعوهم من الطواف بالبيت‪ ،‬وأبوا‬
‫أن يكتبوا في الكتاب بين وبينهم بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬ومحمد‬
‫رسول اهلل {ﲒ ﲓ ﲔ} يقال‪ :‬ألزمهم قول ًل إل إًل اهلل‬
‫التي يتقون بها النار‪ ،‬وأليم العذاب‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ} يقول تعالى ذكره‪ :‬وكان رسول اهلل ‘‬
‫والمؤمنون أحق بكلمة التقوى من المشركين وأهلها‪.‬‬
‫وقول ‪{ :‬ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ} يقول تعالى ذكره‪ :‬ولم يزل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬قول ‪> :‬التي أًلص عليها<‪ ،‬أي‪ :‬أداره عليها‪ ،‬وراوده فيها‪.‬‬
‫ا‪ )2‬رواه أحمد‪ :‬ا‪ ،)499/1‬ا‪.)447‬‬
‫‪276‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫اهلل بكل شيء ذا علم‪ً ،‬ل يخفى علي شيء هو كائن‪ ،‬ولعلم أيها الناا‬
‫بما يحد من دخولكم مكة وبها رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم‬
‫تعلموهم‪ ،‬لم يأذن لكم بدخولكم مكة في سفرتكم هذه<ا‪.)1‬‬
‫وما سبق كان في ذكر أوصاف أقوام مخصوصين من أصحاب‬
‫النبي ‘‪ ،‬وما يلي في ذكر أوصافهم على سبيل العموم‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫خامسًا‪ :‬أنهم خيار الناس وأعدهلم‬


‫{ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ‬ ‫يقول اهلل سبحان ‪:‬‬
‫ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬
‫ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ‬
‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ} [البقرة‪.]143 :‬‬
‫وهذه اآلية ــ وإن كانت عامة ــ إًل أن أولى من يدخل في خطاب‬
‫القرآن = من نزل فيهم خطاب القرآن‪ ،‬وهم أصحاب الرسول ‘‪.‬‬
‫وفي معنى هذه اآلية يقول اإلمام ابن جرير‪> :‬يعني جل ثناؤه‬
‫بقول ‪{ :‬ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ} كما هديناكم أيها المؤمنون‬
‫بمحمد ‪ ،‬وبما جاءكم ب من عند اهلل‪ ،‬فخصصناكم بالتوفيق لقبلة‬
‫إبراهيم وملت ‪ ،‬وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل؛ كذلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪ 307/21‬ــ ‪.)315‬‬
‫‪277‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل األديان بأن جعلناكم أمة‬


‫وسطا‪.‬‬
‫وقد بينا أن األمة هي القرن من الناا‪ ،‬والصنف منهم وغيرهم‪.‬‬
‫وأما الوسط فإن في كالم العرب‪ :‬الخيار‪ ،‬يقال من ‪ :‬فالن وسط‬
‫الحسب في قوم ‪ :‬أي متوسط الحسب‪ ،‬إذا أرادوا بذلك الرفع في‬
‫حسب ‪ ،‬وهو وسط في قوم ‪ ،‬وواسط‪...‬‬
‫قال‪ :‬وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى‬
‫الجزء الذي هو بين الطرفين‪ ،‬مثل >وسط الدار< محرك الوسط مثقل ‪،‬‬
‫غير جائز في سين التخفيف‪.‬‬
‫وأرى أن اهلل تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في‬
‫الدين‪ ،‬فال هم أهل غلو في ‪ ،‬غلو النصارى الذين غلوا بالترهب وقيلهم‬
‫في عيسى ما قالوا في ‪ ،‬وًل هم أهل تقصير في تقصير اليهود الذين بدلوا‬
‫كتاب اهلل وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا ب ؛ ولكنهم أهل‬
‫توسط واعتدال في ‪ ،‬فوصفهم اهلل بذلك‪ ،‬إذ كان أحب األمور إلى اهلل‬
‫أوسطها‪.‬‬
‫وأما التأويل فإن جاء بأن الوسط العدل‪ ،‬وذلك معنى الخيار؛ ألن‬
‫الخيار من الناا عدولهم‪..‬‬
‫والشهداء جمع شهيد‪ .‬فمعنى ذلك‪ :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا‬
‫‪278‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫عدوًل لتكونوا شهداء ألنبيائي ورسلي على أممها بالبالغ أنها قد بلغت‬
‫ما أمرت ببالغ من رساًلتي إلى أممها‪ ،‬ويكون رسولي محمد ‘‬
‫شهيدا عليكم بإيمانكم ب ‪ ،‬وبما جاءكم ب من عندي<ا‪.)1‬‬
‫ومما يدل على صحة اًلستشهاد بهذه اآلية في فضل الصحابة‪،‬‬
‫أمور منها‪:‬‬
‫أ ــ ما رواه البخاري‪ :‬عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل ‘‪> :‬يدعى نوح يوم القيامة‪ ،‬فيقول‪ :‬لبيك وسعديك يا رب‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬هل بلغت؟ فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬فيقال ألمت ‪ :‬هل بلغكم؟ فيقولون‪ :‬ما‬
‫أتانا من نذير‪ ،‬فيقول‪ :‬من يشهد لك؟ فيقول‪ :‬محمد وأمت ‪ ،‬فتشهدون‬
‫ﱥ} فذلك قول جل ذكره‪:‬‬ ‫{ﱢ ﱣ ﱤ‬ ‫أن قد بلغ‪:‬‬
‫{ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬

‫ﱤ ﱥ}<‪ ،‬والوسط‪ :‬العدلا‪.)2‬‬


‫فخاطبهم الرسول ‘ بتاء الخطاب‪ ،‬افتشهدون)‪ ،‬فدل ذلك على‬
‫أولوية دخولهم في اآلية‪.‬‬
‫ب ــ سياق اآلية‪ ،‬فإن اآليات قد تحدثت عن موقف السفهاء من‬
‫الناس الذي استهزؤوا بأمر القبلة وتحويلها من بيت المقدس إلى الكعبة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪ 626/2‬ــ ‪ )630‬بتصرف‪.‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4487‬‬
‫‪279‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫فثبت قوم واتبعوا أمر اهلل الذي بلغهم رسوله إياه‪ ،‬وفي البخاري عن‬
‫البراء ‪>> :‬أن رسول اهلل ‘ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا‪ ،‬أو‬
‫سبعة عشر شهرا‪ ،‬وكان يعجب أن تكون قبلت قبل البيت‪ ،‬وأن صلى‪ ،‬أو‬
‫صالها‪ ،‬صالة العصر وصلى مع قوم< فخرج رجل ممن كان صلى مع‬
‫فمر على أهل المسجد وهم راكعون‪ ،‬قال‪ :‬أشهد باهلل‪ ،‬لقد صليت مع‬
‫النبي ‘ قبل مكة‪ ،‬فداروا كما هم قبل البيت‪ ،‬وكان الذي مات على‬
‫القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا‪ ،‬لم ندر ما نقول فيهم‪ ،‬فأنزل‬
‫اهلل‪{ :‬ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ}<ا‪.)1‬‬
‫عن ابن عمر ‪ ،‬بينما الناا في الصبح بقباء‪ ،‬جاءهم رجل‬
‫فقال‪> :‬إن رسول اهلل ‘ قد أنزل علي الليلة قرآن‪ ،‬وأمر أن يستقبل‬
‫الكعبة‪ ،‬أال فاستقبلوها‪ ،‬وكان وجه الناس إلى الشأم‪ ،‬فاستداروا بوجوههم‬
‫إلى الكعبة<ا‪.)2‬‬
‫وكذلك وصفهم اهلل تعالى بأنهم خير أمة أخرجت للناا‪ ،‬فقال‬
‫سبحان ‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬
‫ﱗ ﱘ ﱙﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤ‬
‫ﱥ ﱦ} [آل عمران‪.]110 :‬‬
‫وقد ذكر الطبري وغيره اختالف الناا في المراد بهذه اآلية‪ ،‬وًل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4486‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4490‬‬
‫‪280‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫أوًل ثم اختلفوا في‬


‫تخرج األقوال عن كونها في أصحاب الرسول ‘ ا‬
‫تعميمها بعد ذلك‪ ،‬يقول الطبري‪> :‬اختلف أهل التأويل في قول ‪:‬‬
‫{ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} فقال بعضهم‪ :‬هم الذين هاجروا مع‬
‫رسول اهلل ‘‪ ،‬من مكة إلى المدينة‪ ،‬وخاصة من أصحاب رسول‬
‫اهلل ‘ا‪ ...)1‬وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬كنتم خير أمة أخرجت للناا‪،‬‬
‫إذ كنتم بهذه الشروط التي وصفهم جل ثناؤه بها‪ ،‬فكان تأويل ذلك‬
‫عندهم‪ :‬كنتم خير أمة تأمرون بالمعروف‪ ،‬وتنهون عن المنكر‪ ،‬وتؤمنون‬
‫باهلل أخرجوا للناا في زمانكم‪ ...‬وقال آخرون‪ :‬إنما قيل‪{ :‬ﱎ ﱏ‬
‫ﱐ ﱑ ﱒ} ألنهم أكثر األمم استجابة لإلسالم‪ ...‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬عنى بذلك أنهم كانوا خير أمة أخرجت للناا<ا‪.)2‬‬
‫وهذه األقوال ــ كما ترى ــ ًل تخرج عن دخول أصحاب الرسول‬
‫أوليا ثم يكون التعميم بعد‪ ،‬وقد نص كثير من السلف على‬
‫دخوًل ا‬
‫ا‬ ‫فيها‬
‫ذلك‪ ،‬فعن السدي‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬
‫ﱕ ﱖ ﱗ} قال عمر بن الخطاب‪> :‬لو شاء اهلل لقال‬
‫>أنتم<‪ ،‬فكنا كلنا‪ <،‬ولكن قال‪{ :‬ﱎ} >في خاصة من أصحاب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬قال ابن عطية‪> :‬فهذا كل قول واحد‪ ،‬مقتضاه أن اآلية نزلت في الصحابة‪ ،‬قيل لهم‬
‫كنتم خير أمة‪ ،‬فاإلشارة بقول أمة إلى أمة محمد معينة‪ ،‬فإن هؤًلء هم خيرها<‪،‬‬
‫المحرر الوجيز‪ :‬ا‪.)489/1‬‬
‫ا‪ )2‬جامع البيان‪ 671/5( :‬ــ ‪ )675‬بتصرف‪ ،‬وانظر‪ :‬التفسير البسيط‪،)495/5( :‬‬
‫والبغوي‪ :‬ا‪.)89/2‬‬
‫‪281‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫رسول اهلل ‘‪ ،‬ومن صنع مثل صنيعهم‪ ،‬كانوا خير أمة أخرجت للناا‬
‫يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر<ا‪.)1‬‬
‫عن الضحاك‪ ،‬في قول ‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} قال‪> :‬هم‬
‫أصحاب رسول اهلل ‘ خاصة‪ ،‬يعني وكانوا هم الرواة الدعاة الذين أمر‬
‫اهلل المسلمين بطاعتهم<ا‪.)2‬‬
‫يقول الزجاج‪> :‬هذا الخطاب أصله أنه خوطب به أصحاب النبي ـ ‘ ـ‬
‫وهو يعم سائر أمة محمد<ا‪.)3‬‬
‫وقال أبو حيان في تقرير أن الخطاب ألصحاب الرسول ‪:‬‬
‫أوًل وهم‪ :‬أصحاب‬
‫>والظاهر أن الخطاب هو لمن وقع الخطاب ل ا‬
‫رسول اهلل ‘‪ ،‬فتكون اإلشارة‪ ..‬إلى أمة معينة وهي أمة محمد ‘‪،‬‬
‫فالصحابة هم خيرها<ا‪.)4‬‬
‫>ومن استقرأ أخبار العالم في جميع الفرق تبين ل أن لم يكن قط‬
‫طائفة أعظم اتفاقا على الهدى والرشد‪ ،‬وأبعد عن الفتنة والتفرق‬
‫واًلختالف من أصحاب رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ ،‬الذين هم خير الخلق‬
‫بشهادة اهلل لهم بذلك‪ ،‬إذ يقول تعالى‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫جامع البيان‪ :‬ا‪.)671/5‬‬ ‫ا‪)1‬‬
‫جامع البيان‪ :‬ا‪.)673/5‬‬ ‫ا‪)2‬‬
‫معاني القرآن‪ :‬ا‪.)456/1‬‬ ‫ا‪)3‬‬
‫البحر المحيط‪ :‬ا‪.)299/3‬‬ ‫ا‪)4‬‬
‫‪282‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ}‪.‬‬
‫كما لم يكن في األمم أعظم اجتماعا على الهدى‪ ،‬وأبعد عن‬
‫التفرق واالختالف‪ ،‬من هذه األمة‪ ،‬ألنهم أكمل اعتصاما بحبل اهلل‪ ،‬الذي‬
‫هو كتابه المنزل‪ ،‬وما جاء به من نبيه المرسل‪ .‬وكل من كان أقرب إلى‬
‫اًلعتصام بحبل اهلل‪ ،‬وهو اتباع الكتاب والسنة‪ ،‬كان أولى بالهدى‬
‫واًلجتماع والرشد والصالح وأبعد عن الضالل واًلفتراق والفتنة‪.‬‬
‫واعتبر ذلك باألمم‪ ،‬فأهل الكتاب أكثر اتفاقا وعلما وخيرا من‬
‫الخارجين عن الكتب‪ ،‬والمسلمون أكثر اتفاقا وهدى ورحمة وخيرا من‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬فإن أهل الكتابين قبلنا تفرقوا وبدلوا ما جاءت ب‬
‫الرسل‪ ،‬وأظهروا الباطل‪ ،‬وعادوا الحق وأهل ‪.‬‬
‫‪ ....‬وخيار هذه األمة هم الصحابة‪ ،‬فلم يكن في األمة أعظم‬
‫اجتماعا على الهدى ودين الحق‪ ،‬وًل أبعد عن التفرق واًلختالف‬
‫منهم‪.‬‬
‫كل ما يذكر عنهم مما في نقص فهذا إذا قيس إلى ما يوجد في‬
‫غيرهم من األمة كان قليال من كثير‪.‬‬
‫وإذا قيس ما يوجد في األمة إلى ما يوجد في سائر األمم كان‬
‫قليال من كثير‪ .‬وإنما يغلط من يغلط أن ينظر إلى السواد القليل في‬
‫الثوب األبيض‪ ،‬وًل ينظر إلى الثوب األسود الذي في بياض‪ .‬وهذا من‬
‫‪283‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫الجهل والظلم‪ ،‬بل يوزن هؤًلء بنظرائهم‪ ،‬فيظهر الفضل والرجحان‬


‫وكما أن لم يكن في القرون أكمل من قرن الصحابة‪ ،‬فليس في‬
‫الطوائف بعدهم أكمل من أتباعهم‪ .‬فكل من كان للحديث والسنة وآثار‬
‫الصحابة أتبع كان أكمل‪ ،‬وكانت تلك الطائفة أولى باًلجتماع والهدى‬
‫واًلعتصام بحبل اهلل‪ ،‬وأبعد عن التفرق واًلختالف والفتنة‪ .‬وكل من‬
‫بعد عن ذلك كان أبعد عن الرحمة وأدخل في الفتنة<ا‪.)1‬‬
‫وأما الخلفاء والصحابة فكل خير في المسلمون إلى يوم القيامة من‬
‫اإليمان واإلسالم‪ ،‬والقرآن والعلم‪ ،‬والمعارف والعبادات‪ ،‬ودخول‬
‫الجنة‪ ،‬والنجاة من النار‪ ،‬وانتصارهم على الكفار‪ ،‬وعلو كلمة اهلل ــ‬
‫فإنما هو ببركة ما فعل الصحابة‪ ،‬الذين بلغوا الدين‪ ،‬وجاهدوا في سبيل‬
‫اهلل‪.‬‬
‫وكل مؤمن آمن باهلل فللصحابة ـ ‪ ‬ـ علي فضل إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وكل خير في أهل القبلة فهو ببركة الصحابة‪.‬‬
‫وخير الصحابة تبع لخير الخلفاء الراشدين‪ ،‬فهم كانوا أقوم بكل‬
‫خير في الدين والدنيا من سائر الصحابة‪ ،‬فكيف يكون هؤًلء منبع‬
‫الشر؟!‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬منهاج السنة النبوية‪ً ،‬لبن تيمية‪ :‬ا‪ 364/6‬ــ ‪.)369‬‬
‫‪284‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫سادسًا‪ :‬حمبتهم هلل وحمبة اهلل هلم‬


‫وهذا الوصف ثبت ألصحاب الرسول صلوات اهلل وسالم علي ‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪{ :‬ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗ ﲘ} [المائدة‪.]54 :‬‬
‫وقد نص غير واحد من السلف أن المراد بهم أصحاب الرسول‪،‬‬
‫عن الحسن‪ ،‬في قول ‪{ :‬ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ‬
‫ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ} قال‪> :‬هذا واهلل أبو بكر وأصحاب <ا‪.)1‬‬
‫{ﲋ‬ ‫يقول الطبري‪> :‬يقول تعالى ذكره للمؤمنين باهلل وبرسول ‪:‬‬
‫ﲌ ﲍ} أي >صدقوا اهلل ورسول ‪ ،‬وأقروا بما جاءهم ب نبيهم‬
‫محمد ‘ {ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ} يقول‪> :‬من يرجع منكم عن دين‬
‫الحق الذي هو علي اليوم‪ ،‬فيبدل ويغيره بدخول في الكفر‪ ،‬إما في‬
‫اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك من صنوف الكفر‪ ،‬فلن يضر اهلل‬
‫بدًل‬
‫شي ائا‪ ،‬وسيأتي اهلل بقوم يحبهم ويحبون ؛ يقول‪ :‬فسوف يجيء اهلل ا‬
‫منهم المؤمنين الذين لم يبدلوا ولم يغيروا ولم يرتدوا‪ ،‬بقوم خير من‬
‫الذين ارتدو وبدلوا دينهم‪ ،‬يحبهم اهلل ويحبون اهلل‪.‬‬
‫وكان هذا الوعيد من اهلل لمن سبق في علم أن سيرتد بعد وفاة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه أحمد في فضائل الصحابة‪ ،]613[ )400/1( :‬والطبري في جامع البيان‪:‬‬
‫(‪.)518/8‬‬
‫‪285‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫نبي محمد ‘‪ ،‬وكذلك وعده من وعد من المؤمنين ما وعده في هذه‬


‫اآلية‪ ،‬لمن سبق ل في علم أن ًل يبدل وًل يغير دين وًل يرتد‪ .‬فلما‬
‫قبض اهلل نبي ‘ ارتد أقوام من أهل الوبر وبعض أهل المدر‪ ،‬فأبدل‬
‫اهلل المؤمنين بخير منهم كما قال تعالى ذكره‪ ،‬ووفى للمؤمنين بوعده‪،‬‬
‫وأنفذ فيمن ارتد منهم وعيده<‪.‬‬
‫{ﲗ‬ ‫وقد ذكر الطبري اختالف الناا في أعيان المراد بقول‬
‫ﲘ}‪ ،‬فقال‪> :‬ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين أتى‬
‫اهلل بهم المؤمنين وأبدل المؤمنين مكان من ارتد منهم‪ ،‬فقال بعضهم‪:‬‬
‫هو أبو بكر الصديق وأصحاب الذين قاتلوا أهل الردة حتى أدخلوهم من‬
‫الباب الذي خرجوا من <‪.‬‬
‫وأورد عن الضحاك قول ‪> :‬هو أبو بكر وأصحاب ‪ ،‬لما ارتد من ارتد‬
‫من العرب عن اإلسالم‪ ،‬جاهدهم أبو بكر وأصحاب حتى ردهم إلى‬
‫اإلسالم<‪.‬‬
‫>{ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬ ‫وعن قتادة‪:‬‬
‫ﲘ} إلى قول ‪{ :‬ﲯ ﲰ ﲱ} أنزل اهلل هذه اآلية‪ ،‬وقد علم أن‬
‫سيرتد مرتدون من الناا‪ .‬فلما قبض اهلل نبي محمدا ‘‪ ،‬ارتد عامة‬
‫العرب عن اإلسالم إًل ثالثة مساجد‪ :‬أهل المدينة‪ ،‬وأهل مكة وأهل‬
‫البحرين من عبد القيس قالوا‪ :‬نصلي وال نزكي‪ ،‬واهلل ال تغصب أموالنا‪.‬‬
‫فكلم أبو بكر في ذلك‪ ،‬فقيل له‪ :‬إنهم لو قد فقهوا لهذا‪ ،‬أعطوها وزادوها‪:‬‬
‫‪286‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫فقال‪ً :‬ل واهلل‪ً ،‬ل أفرق بين شيء جمع اهلل بين ‪ ،‬ولو منعوا عقاًل مما‬
‫فرض اهلل ورسول ‪ ،‬لقاتلناهم علي ‪ .‬فبعث اهلل عصابة مع أبي بكر‪،‬‬
‫فقاتل على ما قاتل علي نبي اهلل ‘‪ ،‬حتى سبى وقتل وحرق بالنيران‬
‫أنا اسا ارتدوا عن اإلسالم ومنعوا الزكاة‪ ،‬فقاتلهم حتى أقروا بالماعون‬
‫وهي الزكاة صغرة أقمياء‪ .‬فأتت وفود العرب‪ ،‬فخيرهم بين خطة مخزية‬
‫أو حرب مجلية‪ ،‬فاختاروا الخطة المخزية‪ ،‬وكانت أهون عليهم‪ ،‬أن‬
‫يعتدوا أن قتالهم في النار وأن قتلى المؤمنين في الجنة‪ ،‬وأن ما أصابوا‬
‫من المسلمين من مال ردوه عليهم‪ ،‬وما أصاب المسلمون لهم من مال‬
‫فهو لهم حالل<‪.‬‬
‫ورجح الطبري هذا القول فقال‪> :‬وتأويل اآلية على قول من قال‪:‬‬
‫عنى اهلل بقول ‪{ :‬ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ} [المائدة‪ ]54 :‬أبا بكر‬
‫وأصحاب في قتالهم أهل الردة بعد رسول اهلل ‘‪ :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫من يرتد منكم عن دين فلن يضر اهلل شيئا‪ ،‬وسيأتي اهلل من ارتد منكم‬
‫عن دين بقوم يحبهم ويحبون ‪ ،‬ينتقم بهم منهم على أيديهم<ا‪.)1‬‬
‫وقد ثبت لكثير من الصحابة محبة اهلل ورسول لهم‪ ،‬فمنهم علي بن‬
‫أبي طالب في قول الرسول‪> ....> :‬ألعطين الراية غ ادا رجال يحب اهلل‬
‫ورسول ويحب اهلل ورسول < هو من أصح األحاديث وهو أصح حديث‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪ 517/8‬ــ ‪ ،)524‬وانظر‪ :‬البغوي‪ :‬ا‪ ،)169/3‬وابن‬
‫الجوزي في زاد المسير‪ :‬ا‪ ،)381/2‬والسيوطي في الدر المنثور‪ :‬ا‪.)517/2‬‬
‫‪287‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫روي في فضائل علي ـ ‪ ‬ـ أخرجاه في الصحيحينا‪....)1‬‬


‫وفي الصحيح أن لما قال ـ ‘ ـ‪> :‬ألعطين الراية رجال< قال‬
‫ٍ‬
‫يومئذ<ا‪ ،)2‬واستشرف لها عمر وغيره‪ ،‬ولو‬ ‫عمر‪> :‬ما أحببت اإلمارة إًل‬
‫منهزما لما استشرف لها‪ ،‬فهذا الحديث رد على الناصبة الواقعين‬
‫ا‬ ‫جاء‬
‫في علي ـ ‪ ‬ـ اتبا لهم؛ فإن مؤمن تقي يحب اهلل ورسول ‪ ،‬ويحب اهلل‬
‫ورسول ‪ ،‬ولكن ليس هذا من خصائص ‪ ،‬بل كل مؤمن كامل اإليمان‬
‫يحب اهلل ورسول ويحب اهلل ورسول ‪ ،‬وقد قال تعالى‪{ :‬ﲓ ﲔ ﲕ‬
‫ﲖ ﲗ ﲘ} وهؤًلء الذين قاتلوا أهل الردة وإمامهم أبو بكر‬
‫ـ ‪ ‬ـ وفي الصحيح أن قال ـ ‘ ـ لألنصار‪> :‬واهلل إني ألحبكم<ا‪.)3‬‬
‫أحب إليك؟‬
‫وفي الصحيح أن عمرو بن العاص سأل ‪ :‬أي الناا ّ‬
‫قال‪> :‬عائشة< قال‪ :‬فمن الرجال؟ قال‪> :‬أبوها<‪ .‬وهذا في أن أبا بكر‬
‫أحب الرجال إلي ‪ ،‬وهذا من خصائص ‪‬ا‪.)4‬‬‫ّ‬
‫لحب النبي ـ ‘ ـ ل‬
‫الحب ّ‬
‫ّ‬ ‫الحب ابن‬
‫ّ‬ ‫وكان أسامة بن زيد يسمى‬
‫وألبي <ا‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)2821‬ومسلم‪ :‬ا‪.)2407‬‬ ‫ا‪)1‬‬
‫رواه مسلم‪ :‬ا‪.)2405‬‬ ‫ا‪)2‬‬
‫رواه البخاري‪ :‬ا‪.)3574‬‬ ‫ا‪)3‬‬
‫رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)3662‬ومسلم‪ :‬ا‪.)3284‬‬ ‫ا‪)4‬‬
‫فضل أبي بكر الصديق ‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬منشور مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة‪،‬‬ ‫ا‪)5‬‬
‫امج ‪ ،13‬ع ‪ ،22‬ص ‪ ،1234‬ربيع األول‪ 1422 :‬ــ ‪.)2001‬‬
‫‪288‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫والصحابة أصدق من يصلح نعتهم بهذه الحال التي ذكرها اهلل‬


‫تعالى في قول ‪{ :‬ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬

‫ﲗﲘﲙ ﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣ‬

‫ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﲮ ﲯ ﲰ ﲱ} [المائدة‪.]54 :‬‬
‫فهذا حال من قاتل المرتدين وأولهم الصديق ومن اتبع إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬فهم الذين جاهدوا المرتدين كأصحاب مسيلمة الكذاب ومانعي‬
‫الزكاة وغيرهما‪ ،‬وهم الذين فتحوا األمصار وغلبوا فارا والروم‪،‬‬
‫وكانوا أزهد الناا‪.‬‬

‫سابعًا‪ :‬الرمحاء األشداء‬


‫لقد أثنى اهلل تعالى على أصحاب النبي ثنا ًء يحمل في طياته وصفهم‬
‫بجميل الخصال‪ ،‬ونعتهم برضي السجايا‪ ،‬وهذه آية عظيمة جليلة القدر‬
‫في وصف الرسول صلوات اهلل وسالم علي ‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪{ :‬ﲿ‬
‫ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﳋ ﳌ‬

‫ﳍ ﳎ ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ‬

‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬
‫ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬
‫ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ‬

‫‪289‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﱻ ﱼ} [الفتح‪ 28 :‬ــ ‪]29‬ا‪.)1‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المعية الكاملة‪ ،‬أي‬
‫َّ‬ ‫المراد‬
‫ُ‬ ‫ا‪ )1‬يقول الشيخ المعلمي اليماني‪> :‬قول ‪{ :‬ﲙ ﲚ}‬
‫باألبدان واإليمان وتوابع ‪ً ،‬ل باألبدان فقط‪ ،‬وإًلّ لدخل المشركون‪ ،‬وًل بالتظاهر‬
‫باإلسالم‪ ،‬وإًل لدخل المنافقون‪ ،‬والسياق يأباه؛ أل ّن المنافقين لم يكونوا أش َّداء على‬
‫الكفار رحماء بالمؤمنين‪ ،‬بل وصفهم اهلل ـ ‪ ‬ـ في مواضع من كتاب بعكس ذلك‪،‬‬
‫ولم يكونوا ممن يُ َر ْون ر َّك اعا ُس َّج ادا‪ ،‬بل وصفهم اهلل تعالى بأنهم ًل يأتون الصالة إًل‬
‫قليال‪ .‬وأوضح من هذا‪ :‬أنهم‬ ‫وهم كسالى يراؤون الناا‪ ،‬وأنهم ًل يذكرون اهلل إًل ا‬
‫فضال من اهلل ورضوا انا‪ ،‬كما هو واضح‪.‬‬ ‫لم يكونوا يبتغون ا‬
‫فتلخيص المعنى‪ :‬محمد رسول اهلل‪ ،‬والذين آمنوا مع مؤمنون يعملون‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ‪،‬‬
‫الصالحات‪.‬‬
‫يصح أن تكون ا ِم ْن) في‬
‫فقول ‪{ :‬ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‪ً }...‬ل ّ‬
‫تبعيضية‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬لم ال يُجعل معنى قوله‪{ :‬ﱅ} آمنوا {ﱆ}‪ :‬مؤمنون يعملون الصالحات‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫ض لدوام ذلك أو عدم ‪ ،‬فيدخل‬
‫تعر ٍ‬
‫أي في الجملة‪ ،‬أي يقع هذا منهم‪ ،‬بدون ُّ‬
‫{ﱳ ﱴ ﱵ‬ ‫جعل معنى قول ‪:‬‬
‫َمن آمن وعمل الصالحات ثم ارت ّد على عقب ‪ ،‬ثم يُ َ‬
‫يصح التبعيض؟‬ ‫ٍ‬
‫فحينئذ ّ‬ ‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ} أي ثبتوا على ذلك‪،‬‬
‫قلت‪ً :‬ل يخفى ما في هذا من التعجرف‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ أل ّن اهلل ـ ‪ ‬ـ وصف الذين مع بأنهم‪{ :‬ﱇ ﱈ ﱉ‪ ،}...‬وأطلق‬
‫وعبر باًلسم الدالّ على الثبات والدوام في اأشداء) وارحماء)‪ ،‬وجاء‬
‫الوصف‪َّ ،‬‬
‫مخاطبا لكل من يمكن من الرؤية‪ ،‬فيشمل كل زمان‪.‬‬
‫ا‬ ‫بقول ‪ :‬اتراهم)‬
‫‪ 2‬ــ قال تعالى‪{ :‬ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ}‪ .‬فجاء بلفظ الماضي الذي‬
‫يدل على وقوع ذلك فقط‪ ،‬فهو مناقض لغرض المعترض من الحمل على الثبات‪،‬‬
‫=‬ ‫وفي حكمة بالغة سيأتي التنبي عليها إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫‪.......................... ................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫لخاصة المؤمنين لم يلزم جواز ذلك‪ ،‬كما ًل يلزم من قول‬ ‫ّ‬ ‫بل لو ُج ِعل الخطاب في‬ ‫=‬
‫ـ ‪ ‬ـ لرسول ‪{ :‬ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [الزمر‪ ]65 :‬وأمثالها من اآليات‬
‫= جوا ُز ذلك علي ـ ‘ ـ‪ .‬بل إن خطاب ـ ‪ ‬ـ لرسول بذلك وأمثال هو من جملة‬
‫العصمة‪ .‬وهذه نكتة لطيفة ليس هذا محل إيضاحها‪.‬‬
‫وأما ما جاء في الحديث أن نا اسا يُحال بينهم وبين حوض ـ ‘ ـ‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ّ‬
‫>أصيحابي أصيحابي‪ ،‬فيقال‪ :‬إنك ًل تدري ما أحدثوا بعدك< = فنقول‪ :‬إن المراد‬
‫ضا جماعة ممن كانوا أسلموا ولم يدخل اإليمان في قلوبهم‪ ،‬وقد وعدهم‬ ‫بهؤًلء أي ا‬
‫{لما}‪،‬‬
‫اهلل ‪ ‬في كتاب بأن سيدخل اإليمان في قلوبهم‪ ،‬كما تقتضي كلمة ّ‬
‫خبر بأنهم أحدثوا بعده أشياء‬‫فيتمسك ـ ‘ ـ بظاهر ذلك‪ ،‬فيقول‪> :‬أصيحابي<‪ُ ،‬في َ‬
‫َمنعت دخول اإليمان في قلوبهم‪ .‬بل‪ ،‬وقد يقال‪ :‬إن من مات بعد أن أسلم وقبل أن‬
‫ممن تنال الرحمة ما لم يُح ِد ‪.‬‬
‫يدخل اإليمان في قلب = ّ‬
‫ومع هذا كل ‪ ،‬فليس في الحديث أن أولئك المردودين يخلَّدون في النار‪.‬‬
‫مما يدل أنهم ليسوا‬
‫ومما يرد اًلستدًلل بالحديث قول ‪> :‬أصيحابي< ــ بالتصغير ــ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫من أصحاب المرادين باآلية الكريمة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فما النكتة في العدول عن أن يقال‪ :‬اوعدهم اهلل)‪ ،‬إلى ما في النظم‬
‫الكريم؟‬
‫قلت‪ :‬قد علم اهلل ‪ ‬أن سيكون في هذه األمة من يطعن في أصحاب رسول‬
‫فربما يقول قائل‪ :‬إن قول تعالى‪{ :‬ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ‪}...‬‬ ‫ـ ‘ ـ‪ّ ،‬‬
‫يدل على الثبات والدوام ــ كما تقدم ــ‪ ،‬ويزعم أن منهم من لم يثبت‪ ،‬فيستدل‬ ‫إلخ ُّ‬
‫بذلك على أن لم يدخل في قول ‪{ :‬ﱅ ﱆ}؛ ألن اهلل وصف الداخلين في ذلك‬
‫بالثبات‪ ،‬وهذا لم يثبت‪.‬‬
‫فدحض اهلل ‪ ‬هذه الشبهة وأرغم أنف صاحبها بقول ‪{ :‬ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬
‫ثباتا‪ ،‬بل وهب لكل من وقع من إيمان=‬ ‫دواما وًل ا‬
‫ﱸ}‪ ،‬فلم يشترط في الوعد ا‬
‫‪291‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫‪.......................... ................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وعمل للصالحات‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫=‬
‫وعلِ َم بذلك ــ مع ما تقدم ــ أ ّن كل من وقع من إيمان وعمل صالح فهو ّ‬
‫ممن علم اهلل‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬أن ثابت على ذلك‪ ،‬حتى لو فُرض أن وقع من شيءٌ من المخالفات‪ ،‬فهو صادر‬
‫وتع ُق ُب التوبة النصوح‪ .‬وباإلجمال‪ ،‬قد غفره اهلل ‪،‬‬ ‫عن تأويل أو سه ٍو أو خطأ‪َ ،‬‬
‫مما تقدم‪.‬‬
‫يخل بالثبات المفهوم ّ‬ ‫فال ّ‬
‫تبعيضية‪ ،‬وًل يَر ُِد شيء مما تقدم‪ .‬وذلك بأن يقال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫على أن يمكن أن تكون ا ِم ْن)‬
‫كونها تبعيضية ًل يستلزم التبعيض‪ ،‬بل جيء بها لتحقيق انتفاء التبعيض‪ ،‬من باب‬
‫يسمون ‪ :‬تأكيد المدح بما‬ ‫نفي الشيء بإثبات ‪ ،‬وهو باب معروف في العربية‪ ،‬من ما ُّ‬
‫يشب الذم‪ ،‬كقول ‪:‬‬
‫وًل عيب فيهم‪ ...‬البيت‪.‬‬
‫ولكن هذا اإلثبات ُج ِع َل وسيلة إلى تحقيق النفي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فإن ظاهره إثبات العيب‪،‬‬
‫أصلية‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ومن قول تعالى‪{ :‬ﱐ ﱑ ﱒﱓ} [الشورى‪ ،]11 :‬على َج ْعل الكاف‬
‫ظاهره إثبات ال ِمثل‪ ،‬والمقصود تحقيق نفي ‪ ،‬كما هو َّ‬
‫موضح في محلِّ ‪.‬‬
‫بالمحال‪ ،‬كقول تعالى‪{ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬ ‫ومن التعليق ُ‬
‫ﲏ} [األعراف‪ .]40 :‬فظاهره إثبات دخولهم‪ ،‬والمقصود تأكيد نفي‬
‫وكقول ‪....:‬‬
‫فيقال هنا‪ :‬إ ّن ا ِم ْن) إذا ُج ِعلت للتبعيض كان ظاهرها أن منهم من لم يؤمن ولم يعمل‬
‫فعلم أن المراد بهذا اإلثبات تحقيق‬ ‫ولكن الثابت بالسياق انتفاء ذلك‪ُ ،‬‬‫ّ‬ ‫الصالحات‪،‬‬
‫النفي‪ ،‬وتبكيت َمن يزعم أ ّن ِمن أولئك َمن ًل يدخل الجنة‪.‬‬
‫ومثال ‪ :‬أن يثبت عند السلطان اشتراك جماعة في الجهاد‪ ،‬فيريد اإلنعام عليهم‪ ،‬فيقوم‬
‫بعض بطانة السوء يطعن في بعضهم ليحرمهم الملك‪ ،‬فيقول الملك‪ :‬سأُ ْن ِعم على من‬
‫جاهد منهم ــ وقد علم أن جميعهم جاهدوا ــ‪ .‬وإنما مل َّخص المعنى‪ :‬أن لن يحرم‬
‫منهم أح ادا‪ ،‬اللهم إًل إن كان فيهم من لم يجاهد‪ ،‬وقد ُعلِم أن ليس فيهم من لم‬
‫فعلِم أن لن يحرم منهم أح ادا البتة<‪ ،‬آثار الشيخ المعلمي‪ :‬ا‪ 27/25‬ــ ‪.)31‬‬ ‫يجاهد‪ُ ،‬‬
‫‪292‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫قال اإلمام مالك‪> :‬من أصبح في قلب غيظ على أحد من أصحاب‬
‫رسول اهلل ‘ فقد أصابت اآلية‪.‬‬
‫وقال‪ :‬من انتقص أحدا من أصحاب رسول اهلل ‘ فليس ل في‬
‫الفيء شيء<ا‪.)1‬‬
‫وقد ذكر اهلل في هذه اآلية وصف أصحاب محمد ‘‪ ،‬وما أودع‬
‫اهلل في قلوبهم من الشدة على الكافرين‪ ،‬والرحمة للمؤمنين‪ ،‬ترى‬
‫أصحاب محمد تارة رك اعا وتارة سج ادا يلتمسون بذلك من فعلهم في‬
‫فضال‬
‫ركوعهم وسجودهم وغلظتهم على الكفار‪ ،‬ورحمة بعضهم لبعض ا‬
‫من اهلل أن يدخلهم في رحمت ويرضى عنهم‪ ،‬أثر صالتهم تبدو في‬
‫وجوههم‪ ،‬ذلك مثلهم في التوراة‪ ،‬وشبههم اهلل في اإلنجيل بالزرع الذي‬
‫قليال‬
‫أخرج فراخ ‪ ،‬وذلك أنهم في أول دخولهم اإلسالم كانوا عد ادا ا‬
‫كالزرع في أول ما يخرج‪ ،‬ثم جعلوا يتزايدون ويكثرون‪ ،‬كالزرع إذا‬
‫أخرج فراخ فكثر وعظم بها‪ ،‬ونما‪ ،‬فيكون األصل ثالثين وأربعين‬
‫قليال ثم تزايدوا وكثروا‬
‫وأكثر بالفراخ فكذلك أصحاب النبي ‘‪ ،‬كانوا ا‬
‫فكانت هذه صفتهم في التوراة واإلنجيل من قبل أن يخلق اهلل‬
‫السماوات واألرض فكان مثلهم في التوراة غير مثلهم في اإلنجيل‪ ،‬هذا‬
‫قول أكثر المفسرين‪ ،‬وهو اختيار الطبري‪ ،‬وروى عن مجاهد أن قال‪:‬‬
‫المثالن منصوصان فيهم في التوراة واإلنجيل‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الموطأ‪ :‬ا‪.)255/1‬‬
‫‪293‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وقول ‪{ :‬ﱨ} أي‪ :‬قواه‪ ،‬يعني فقوى الشطء الزرع‪ ،‬وذلك أن‬
‫الزرع أول ما يخرج رقيق األصل ضعي افا‪ ،‬فإذا أخرج فراخ غلظ‪،‬‬
‫فكذلك أصحاب النبي ‘ كانوا قلة ضعفاء ومستضعفين‪ ،‬فلما كثروا‬
‫وتقووا قتلوا المشركين‪.‬‬
‫ثم قال‪{ :‬ﱩ} أي‪ :‬فاستوى الزرع على سوق لما غلظ‬
‫وتقوى بخروج الفراخ‪.‬‬
‫والسوق جمع ساق‪ ،‬وسوق ‪ :‬أصول ‪{ .‬ﱪ ﱫ ﱬ} أي‪:‬‬
‫تالحق الفراخ باألصول فاستوى جميع ذلك‪ ،‬كم تالحق من آمن من‬
‫أصحاب النبي ‘ بعضهم ببعض فاستوى جميعهم في اإليمان‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫{ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ} أي‪ :‬يعجب هذا الزارع حين استغلظ‬
‫واستوى على سوق ‪ ،‬فحسن عند زارعي ‪.‬‬
‫وقول ‪{ :‬ﱯ ﱰ ﱱﱲ} فالالم متعلقة بمحذوف‪ ،‬والتقدير‪:‬‬
‫فعل ذلك بهم ليغيظ بهم الكفار‪ ،‬والتقدير‪ :‬فعل ذلك ليغيظ بمحمد‬
‫وأصحاب الكفار‪ ،‬فالمعنى فعل ذلك بمحمد وأصحاب ليغيظ الكفار‪.‬‬
‫ثم قال‪{ :‬ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ} اآلية‪.‬‬
‫أي‪ :‬وعد اهلل الذين صدقوا محم ادا وعملوا األعمال الصالحات من‬
‫أجرا عظي اما ففضلهم بذلك على غيرهم‪ ،‬وقيل‪ :‬معنى‬
‫أصحاب محمد ا‬
‫أجرا عظي اما‪،‬‬
‫وعد اهلل الذين تثبتوا على اإليمان من أصحاب محمد ا‬
‫‪294‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وسترا على ذنوبهما‪.)1‬‬


‫ا‬
‫>و> ِم ْن< ها هنا لِبيان الجنس‪ ،‬ألن لفظة >بعض< ال تصلُ ُح مكانَها‪.‬‬
‫قوما ُذ ِكروا في ال َّتوراة واإلنجيل والقرآن‪َ ،‬و ُوصفوا‬ ‫أكرم ا‬‫َ‬ ‫فما‬
‫‪،‬‬ ‫أصحاب رسول اهلل‬
‫ُ‬ ‫بالسبق والهجرة والنُّ ْص َرة واإليمان‪ ،‬أولئك‬
‫َّ‬
‫وخير‬
‫ُ‬ ‫خير الناا‬
‫وسنَّ اة‪ ،‬بأنَّهم ُ‬
‫مادح الوحي قرآ انا ُ‬
‫عت َم ُ‬ ‫الذين َص َد ْ‬
‫وخير أُ َّمة<ا‪.)2‬‬
‫القرون‪ُ ،‬‬
‫فهذه اآلية‪> :‬شاملة لجميع الصحابة ‪ ،‬ألن كل من أقام‬
‫شامال‬
‫مع ‘ ساعة ثبت اتصاف بأن ممن مع فكان المدح في اآلية ا‬
‫للكل ‪<‬ا‪.)3‬‬

‫ثامنًا‪ :‬ليستخلفنهم يف األرض‬


‫قوما وصفهم باإليمان باًلستخالف في األرض‪ ،‬قال‬
‫لقد وعد اهلل ا‬
‫اهلل تعالى‪{ :‬ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬
‫ﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯ‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬الهداية‪ ،‬لمكي‪ :‬ا‪ ،)6974/11‬وتفسير البغوي‪ :‬ا‪ ،)323/7‬زاد المسير‪:‬‬
‫ا‪.)138/4‬‬
‫ا‪ )2‬العواصم والقواصم‪ :‬ا‪.)180/1‬‬
‫ا‪ )3‬تحقيق منيف الرتبة‪ :‬ا‪.)64‬‬
‫‪295‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ} [النور‪.]55 :‬‬
‫أخبر اهلل نبي ووعده أن سيمكن من آمن ب من ملك أرض العدو‪،‬‬
‫وأن سيستخلفهم في تلك آمنين‪ ،‬فكان ما وعد ب ‪ ،‬وهذا من أدل ما يكون‬
‫على صحة نبوة محمد ‪ ‬ألن أخبر بما يكون قبل أن يكون‪ ،‬فكان كما‬
‫أخبر ‘‪ ،‬فال يكون ذلك ِإًل عن وحي من اهلل إلي بذلك‪ ،‬وًل يجوز أن‬
‫ضا ويخطئ‬ ‫يكون هذا اإلخبار من متخرص يصيب ويخطئ‪ ،‬ويصيب بع ا‬
‫في بعض ألن قد كان كل ما وعدهم ب ‪ ،‬لم يمتنع من شيء‪ ،‬والمتخرص‬
‫يقع خبره كذ ابا في أكثر أقوال ‪ ،‬وربما وافق بعض ما أخبر ب ‪ ،‬وأخطأ في‬
‫بعض‪ ،‬وًل يصيب المتخرص في كل ما وعد ب ‪ ،‬فلما كان كل ما أخبر‬
‫ب النبي ‘ لم يمتنع من شيء علمنا أن بوحي‪ ،‬والوحي ًل يكون إًل‬
‫للنبي والرسول الصادق في أخباره‪ ،‬فكان في ذلك دًللة على نبوة‬
‫محمد ‪ .‬ألن اهلل تعالى ذكره قد أنجز ل وعدها‪.)1‬‬
‫وهذه اآلية ال تمتنع من العموم‪ ،‬لكنها دالة على أصحاب الرسول ‘‬
‫باألولويةا‪.)2‬‬
‫يقول ابن تيمية‪> :‬فقد وعد اهلل الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫باالستخالف‪ ،‬كما وعدهم في تلك اآلية مغفرة وأجرا عظيما‪ ،‬واهلل‬
‫ًل يخلف الميعاد‪ ،‬فدل ذلك على أن الذين استخلفهم كما استخلف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬الهداية‪ ،‬لمكي‪ :‬ا‪.)5142/8‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬المحرر الوجيز‪ :‬ا‪.)193/4‬‬
‫‪296‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫الذين من قبلهم ومكن لهم دين اإلسالم‪ ،‬وهو الدين الذي ارتضاه لهم‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪{ :‬ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ} [المائدة‪ ،]3 :‬وبدلهم من بعد‬
‫خوفهم أمنا‪ ،‬لهم من المغفرة واألجر العظيم‪.‬‬
‫وهذا يستدل به من وجهين‪ :‬يستدل به على أن المستخلفين مؤمنون‬
‫عملوا الصالحات؛ ألن الوعد لهم ًل لغيرهم‪ ،‬ويستدل ب على أن هؤًلء‬
‫مغفور لهم‪ ،‬ولهم مغفرة وأجر عظيم؛ ألنهم آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫فتناولتهم اآليتان‪ :‬آية النور وآية الفتح‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة على زمن أبي‬
‫بكر وعمر وعثمان‪ ،‬فإنه إذ ذاك حصل االستخالف‪ ،‬وتمكن الدين واألمن‬
‫بعد الخوف‪ ،‬لما قهروا فارس والروم‪ ،‬وفتحوا الشام والعراق ومصر‬
‫وخراسان وإفريقية‪ ،‬ولما قتل عثمان وحصلت الفتنة لم يفتحوا شيئا من‬
‫بالد الكفار‪ ،‬بل طمع فيهم الكفار بالشام وخراسان‪ ،‬وكان بعضهم‬
‫يخاف بعضا‪.‬‬
‫وحينئذ فقد دل القرآن على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان‪ ،‬ومن‬
‫كان معهم في زمن اًلستخالف والتمكين واألمن‪ .‬والذين كانوا في‬
‫زمن اًلستخالف والتمكين واألمن‪ ،‬وأدركوا زمن الفتنة ــ كعلي وطلحة‬
‫والزبير وأبي موسى األشعري ومعاوية وعمرو بن العاص ــ دخلوا في‬
‫اآلية ؛ ألنهم استخلفوا ومكنوا وأمنوا<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬منهاج السنة‪ :‬ا‪ 36/2‬ــ ‪.)39‬‬
‫‪297‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫يقول ابن كثير‪> :‬هذا وعد من اهلل لرسوله ‘ بأنه سيجعل أمته خلفاء‬
‫األرض‪ ،‬أي‪ :‬أئمة الناا والوًلة عليهم‪ ،‬وبهم تصلح البالد‪ ،‬وتخضع‬
‫لهم العباد‪ ،‬وليبدلن بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم‪ ،‬وقد فعل ‪‬‬
‫ذلك‪ .‬وله الحمد والمنة‪ ،‬فإنه لم يمت رسول اهلل ‘ حتى فتح اهلل عليه‬
‫مكة وخيبر والبحرين‪ ،‬وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها‪ .‬وأخذ‬
‫الجزية من مجوس هجر‪ ،‬ومن بعض أطراف الشام‪ ،‬وهاداه هرقل ملك‬
‫الروم وصاحب مصر واإلسكندرية ــ وهو المقوقس ــ وملوك عمان‬
‫والنجاشي ملك الحبشة‪ ،‬الذي تملك بعد أصحمة‪ ،‬رحمه اهلل وأكرم ‪.‬‬
‫ثم لما مات رسول اهلل ‘ واختار اهلل ل ما عنده من الكرامة‪ ،‬قام‬
‫باألمر بعده خليفت أبو بكر الصديق‪ ،‬فلم شعث ما وهى عند موت ‪‬‬
‫وأطد جزيرة العرب ومهدها‪ ،‬وبعث الجيوش اإلسالمية إلى بالد فارا‬
‫صحبة خالد بن الوليد‪ ، ،‬ففتحوا طرفا منها‪ ،‬وقتلوا خلقا من أهلها‪.‬‬
‫وجيشا آخر صحبة أبي عبيدة‪ ، ،‬ومن مع من األمراء إلى أرض‬
‫الشام‪ ،‬وثالثا صحبة عمرو بن العاص‪ ، ،‬إلى بالد مصر‪ ،‬ففتح اهلل‬
‫للجيش الشامي في أيام بصرى ودمشق ومخاليفهما من بالد حوران وما‬
‫واًلها‪ ،‬وتوفاه اهلل ‪ ،‬واختار ل ما عنده من الكرامة‪ .‬ومن على‬
‫اإلسالم وأهل بأن ألهم الصديق أن استخلف عمر الفاروق‪ ،‬فقام في‬
‫األمر بعده قياما تاما‪ ،‬لم يدر الفلك بعد األنبياء ‪ ‬على مثل ‪ ،‬في قوة‬
‫سيرت وكمال عدل ‪ .‬وتم في أيام فتح البالد الشامية بكمالها‪ ،‬وديار‬
‫‪298‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫مصر إلى آخرها‪ ،‬وأكثر إقليم فارا‪ ،‬وكسر كسرى وأهان غاية الهوان‪،‬‬
‫وتقهقر إلى أقصى مملكت ‪ ،‬وقصر قيصر‪ ،‬وانتزع يده عن بالد الشام‬
‫فانحاز إلى قسطنطينة‪ ،‬وأنفق أموالهما في سبيل اهلل‪ ،‬كما أخبر بذلك‬
‫ووعد ب رسول اهلل‪ ،‬علي من رب أتم سالم وأزكى صالة‪.‬‬
‫ثم لما كانت الدولة العثمانية‪ ،‬امتدت المماليك اإلسالمية إلى‬
‫أقصى مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬ففتحت بالد المغرب إلى أقصى ما‬
‫هنالك‪ :‬األندلس‪ ،‬وقبرص‪ ،‬وبالد القيروان‪ ،‬وبالد سبتة مما يلي البحر‬
‫المحيط‪ ،‬ومن ناحية المشرق إلى أقصى بالد الصين‪ ،‬وقتل كسرى‪،‬‬
‫وباد ملك بالكلية‪ .‬وفتحت مدائن العراق‪ ،‬وخراسان‪ ،‬واألهواز‪ ،‬وقتل‬
‫المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جدا‪ ،‬وخذل اهلل ملكهم األعظم‬
‫خاقان‪ ،‬وجبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين‬
‫عثمان بن عفان‪ . ،‬وذلك ببركة تالوت ودراست وجمع األمة على‬
‫حفظ القرآن؛ ولهذا ثبت في الصحيح عن رسول اهلل ‘ أن قال‪> :‬إن‬
‫اهلل زوى لي األرض‪ ،‬فرأيت مشارقها ومغاربها‪ ،‬وسيبلغ ملك أمتي ما‬
‫زوي لي منها<ا‪ )1‬فها نحن نتقلب فيما وعدنا اهلل ورسول ‪ ،‬وصدق اهلل‬
‫ورسول ‪ ،‬فنسأل اهلل اإليمان ب ‪ ،‬وبرسول ‪ ،‬والقيام بشكره على الوج‬
‫الذي يرضي عنا<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬صحيح مسلم برقم ا‪ )2889‬من حديث ثوبان‪. ،‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪ 77/6‬ــ ‪.)78‬‬
‫‪299‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫تاسعًا‪ :‬وهم الرجال الصادقون املتحققون باإلميان‬


‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬ ‫فقد وصفهم اهلل بذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ}‬
‫[األحزاب‪ ،]23 :‬وعن أنس ‪ ،‬قال‪ :‬غاب عمي أنس بن النضر عن قتال‬
‫بدر‪ ،‬فقال‪> :‬يا رسول اهلل غبت عن أول قتال قاتلت المشركين‪ ،‬لئن اهلل‬
‫أشهدني قتال المشركين ليرين اهلل ما أصنع<‪ ،‬فلما كان يوم أحد‪ ،‬وانكشف‬
‫المسلمون‪ ،‬قال‪> :‬اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤالء ــ يعني أصحاب ــ‬
‫وأبرأ إليك مما صنع هؤًلء‪ ،‬ــ يعني المشركين ــ ثم تقدم<‪ ،‬فاستقبل‬
‫سعد بن معاذ‪ ،‬فقال‪> :‬يا سعد بن معاذ‪ ،‬الجنة ورب النضر إني أجد‬
‫ريحها من دون أحد<‪ ،‬قال سعد‪ :‬فما استطعت يا رسول اهلل ما صنع‪،‬‬
‫قال أنس‪ :‬فوجدنا ب بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح‪ ،‬أو‬
‫رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل ب المشركون‪ ،‬فما عرف أحد إًل‬
‫أخت ببنان قال أنس‪> :‬كنا نرى أو نظن أن هذه اآلية نزلت في وفي‬
‫أشباه ‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} إلى آخر‬
‫اآلية<ا‪.)1‬‬
‫>{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫وقال يزيد بن رومان‪:‬‬
‫ﱈﱉ} أي وفوا اهلل بما عاهدوه علي {ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} أي فرغ من‬
‫عمل ‪ ،‬ورجع إلى رب ‪ ،‬كمن استشهد يوم بدر ويوم أحد {ﱎ ﱏ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)2805‬‬
‫‪300‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﱐ} ما وعد اهلل من نصره والشهادة على ما مضى علي أصحاب <ا‪.)1‬‬
‫وقال الطبري‪> :‬يقول تعالى ذكره {ﱁ ﱂ} باهلل ورسول‬
‫{ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} يقول‪ :‬أوفوا بما عاهدوه علي من‬
‫الصبر على البأساء والضراء‪ ،‬وحين البأا {ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} يقول‪:‬‬
‫فمنهم من فرغ من العمل الذي كان نذره اهلل وأوجب ل على نفس ‪،‬‬
‫فاستشهد بعض يوم بدر وبعض يوم أحد وبعض في غير ذلك من‬
‫المواطن {ﱎ ﱏ ﱐ} قضاءه والفراغ من ‪ ،‬كما قضى من مضى‬
‫منهم على الوفاء هلل بعهده‪ ،‬والنصر من اهلل‪ ،‬والظفر على عدوه<ا‪.)2‬‬

‫{ﲡ‬ ‫ومن وصفهم بالصدق ما وصفهم اهلل ب في قول ‪:‬‬


‫ﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬ‬
‫ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ} [الحشر‪ ،]8 :‬فهؤًلء قد >سمحت‬
‫نفوسهم ‪ ‬بالنفس والمال والولد واألهل والدار‪ ،‬ففارقوا األوطان‬
‫وهاجروا اإلخوان‪ ،‬وقتلوا اآلباء واإلخوان وبذلوا النفوا صابرين‪،‬‬
‫وأنفقوا األموال محتسبين وناصبوا من ناوأهم متوكلين فآثروا رضاء اهلل‬
‫على الغناء‪ ،‬والذل على العز‪ ،‬والغربة على الوطن<ا‪.)3‬‬
‫وقد سبق عدد من اآليات في وصف أصحاب رسول اهلل ‘‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪.)62/19‬‬
‫ا‪ )2‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)61/19‬‬
‫ا‪ )3‬اإلمامة‪ ،‬ألبي نعيم‪ :‬ا‪.)209‬‬
‫‪301‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﲪ ﲫ ﲬ‬ ‫باإليمان‪ ،‬وما يؤكد ذلك‪ ،‬ويعضده‪ ،‬قول تعالى‪:‬‬


‫ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ﲻ ﲼ} [األنفال‪ ،]74 :‬أي‪ :‬والذين صدقوا بمحمد ‪ ،‬وبما جاء‬
‫به‪ ،‬وهجروا أهلهم ودارهم‪ ،‬ومضوا إلى دار اإلسالم‪ ،‬وجاهدوا في سبيل‬
‫اهلل‪ ،‬والذين آووا النبي ‘‪ ،‬ومن معه من المهاجرين‪ ،‬ونصروهم‪ ،‬وهم‬
‫األنصار‪ ،‬أولئك هم المؤمنون حقا لهم ستر‪ ،‬ولهم في الجنة مطعم هني‬
‫كريما‪.)1‬‬
‫فعلمنا >أن اهلل تعالى قد ذكر أن المهاجرين المجاهدين في سبيل‬
‫كامال ح اقا وأن لهم‬
‫اهلل الناصرين لدين ونبي ‘ هم المؤمنون إيمانا ا‬
‫مغفرة من اهلل تعالى ورزقا كريما‪ ،‬وذلك بقول تعالى‪{ :‬ﲪ ﲫ‬
‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ‬
‫ﲺ ﲻ ﲼ}‪ ،‬فإن قول ‪{ :‬ﲵ ﲶ ﲷ} بالحصر يدل على‬
‫كمال إيمانهم بالنسبة إلى غيرهم‪ ،‬ألن الحصر إلفادة الكمال ًل لنفي‬
‫اإليمان عمن غيرهم بدليل قول ‪{ :‬ﲷ} أي إيمانا حقا كامال وقول ‪:‬‬
‫{ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ}<ا‪.)2‬‬

‫‪:U‬‬
‫إذا علمت ما سبق‪ ،‬فاعلم أن الثناء يشمل أصحاب النبي ‘‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬الهداية‪ ،‬لمكي‪ :‬ا‪.)2901/4‬‬
‫ا‪ )2‬النكت الشنيعة‪ :‬ا‪.)102‬‬
‫‪302‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫جملة‪ ،‬ألن اآليات عامة‪ً ،‬ل ينبغي تخصيصها بغير موجب‪ ،‬ونحن نعيد‬
‫ذكر هذه اآليات التي تدل على مدح الصحابة جملة‪ ،‬ليتبين الحق‪،‬‬
‫ويجاب بذلك عن بعض ما يتردد أن اآليات ًل تشمل الصحابة‪ ،‬بل هي‬
‫لقوم مخصوصين‪ ،‬وقد بينا عند ذكرنا لآليات دًللتها على العموم‪،‬‬
‫ونذكر طر افا من هذا لمزيد بيان وإيضاح‪ ،‬فنقولا‪:)1‬‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫‪ 1‬ــ فقول تعالى‪:‬‬


‫ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬

‫ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ‬

‫ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ‬

‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ} [الفتح‪.]29 :‬‬
‫فقول ‪{ :‬ﱅ ﱆ} دال على العموم‪ ،‬وًل يصح تخصيص ‪ ،‬ومع‬
‫هذا فإن الذي يطالع أحوال أصحاب النبي ‘ يعلم صدق تحققهم‬
‫بهذه األوصاف التي ذكرها في اآلية‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬واعلم أن المعترض ًل يستطيع إثبات عدالة واحد ممن يثبت عدالتهم إًل وفي إثبات‬
‫دليل لنا‪ ،‬فإن إن ادعى في واحد ممن لم يثبت نفاقهم بنص صريح ألمكن لغيره أن‬
‫يدعي النفاق في أي ممن يثبت عدالتهم‪.‬‬
‫وإن أراد إثبات إيمان وعدالت بنص القرآن علي ‪ ،‬قيل لهم‪ :‬القرآن عام‪ ،‬وتناول‬
‫لواحد ليس بأعظم من تناول لغيره‪ ،‬وما من آية يدعون اختصاصها‪ ،‬إًل أمكن أن يدعى‬
‫اختصاصها أو اختصاص مثلها في غير من يثبتون عدالت ‪ ،‬فباب الدعوى بال حجة‬
‫ممكنة‪.‬‬
‫‪303‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وًل ريب أن هذا مدح لهم بما ذكر من الصفات‪ :‬وهو الشدة على‬
‫الكفار والرحمة بينهم‪ ،‬والركوع والسجود يبتغون فضال من اهلل ورضوانا‪،‬‬
‫والسيما في وجوههم من أثر السجود‪ ،‬وأنهم يبتدئون من ضعف إلى‬
‫كمال القوة واًلعتدال كالزرع‪.‬‬
‫والوعد بالمغفرة واألجر العظيم ليس على مجرد هذه الصفات‪،‬‬
‫بل على اإليمان والعمل الصالح‪ ،‬فذكر ما ب يستحقون الوعد‪ ،‬وإن‬
‫كانوا كلهم بهذه الصفة‪ ،‬ولوًل ذكر ذلك لكان يظن أنهم بمجرد ما ذكر‬
‫يستحقون المغفرة واألجر العظيم‪ ،‬ولم يكن في بيان سبب الجزاء‪،‬‬
‫بخالف ما إذا ذكر اإليمان والعمل الصالح‪ ،‬فإن الحكم إذا علق باسم‬
‫مشتق مناسب‪ ،‬كان ما من اًلشتقاق سبب الحكم‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فالمنافقون كانوا في الظاهر مسلمين‪ ،‬قيل‪ :‬المنافقون لم‬
‫يكونوا متصفين بهذه الصفات‪ ،‬ولم يكونوا مع الرسول والمؤمنين‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا منهم‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬
‫ﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹ ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ‬
‫ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ} [المائدة‪ 52 :‬ــ ‪.]53‬‬
‫{ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬ ‫وقول تعالى‪:‬‬
‫ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈ‬
‫ﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔ‬
‫ﲕ} [العنكبوت‪ 10 :‬ــ ‪.]11‬‬
‫‪304‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﱁ‬ ‫وقال‪:‬‬
‫ﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏ‬
‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ‬
‫{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬ ‫ﱜ ﱝ ﱞﱟ} [النساء‪ 140 :‬ــ ‪ .]141‬إلى قول ‪:‬‬
‫ﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬ ﲭﲮﲯﲰﲱﲲ‬
‫ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬
‫ﲿ} [النساء‪ 145 :‬ــ ‪.]146‬‬
‫{ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﱝ} [التوبة‪.]56 :‬‬
‫{ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬
‫‪ ،]14‬فأخبر أن المنافقين‬ ‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ}‬
‫[المجادلة‪:‬‬

‫ليسوا من المؤمنين وًل من أهل الكتاب‪.‬‬


‫{ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ‬ ‫وقد قال تعالى‪:‬‬
‫ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ ﱭ‬
‫ﱮ ﱯ} [التحريم‪.]8 :‬‬
‫{ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ} [الحديد‪ ،]13 :‬فدل هذا على أن‬
‫المنافقين لم يكونوا داخلين في الذين آمنوا مع ‪ ،‬والذين كانوا منافقين‪،‬‬
‫منهم من تاب عن نفاق وانتهى عن ‪ ،‬بدليل قول تعالى‪{ :‬ﲦ ﲧ ﲨ‬

‫‪305‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴ‬
‫ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ}‬
‫[األحزاب‪ 60 :‬ــ ‪ ،]61‬فلما لم يغره اهلل بهم ولم يقتلهم تقتيال‪ ،‬بل كانوا‬
‫يجاورون بالمدينة‪ ،‬دل ذلك على أنهم انتهوا‪.‬‬
‫{ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬ ‫‪ 2‬ــ وقال تعالى‪:‬‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ‬
‫{ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬ ‫ﱿ} [األنفال‪ ]72 :‬إلى قول ‪:‬‬
‫ﳄ ﳅ ﳆ} [األنفال‪ ،]75 :‬فأثبت المواًلة بينهم مع أنهم هاجروا‬
‫وجاهدوا من بعد أولئك السابقين‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ وقال تعالى‪{ :‬ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ}‬
‫[األنفال‪ ،]64 :‬أي‪ :‬اهلل كافيك وكافي من اتبعك من المؤمنين‪ ،‬والصحابة‬
‫أفضل من اتبع من المؤمنين وأولهم‪.‬‬
‫{ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ‬ ‫‪ 4‬ــ وقال تعالى‪:‬‬
‫ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ‬
‫ﱵ ﱶ} [النصر]‪ ،‬والذين رآهم النبي ـ ‘ ـ يدخلون في دين اهلل‬
‫أفواجا هم الذين كانوا على عصره‪.‬‬
‫{ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫‪ 5‬ــ وقال تعالى‪:‬‬
‫ﱑ} [األنفال‪ 62 :‬ــ ‪ ،]63‬وإنما أيده في حيات بالصحابة‪.‬‬
‫‪306‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫{ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬ ‫‪ 6‬ــ وقال تعالى‪:‬‬


‫ﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭ‬
‫ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ‬
‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ} [النور‪ .]55 :‬فقد وعد اهلل الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات باالستخالف‪ ،‬كما وعدهم في تلك اآلية مغفرة وأجرا‬
‫عظيما‪ ،‬واهلل ال يخلف الميعاد‪ ،‬فدل ذلك على أن الذين استخلفهم كما‬
‫استخلف الذين من قبلهم ومكن لهم دين اإلسالم‪ ،‬وهو الدين الذي‬
‫ارتضاه لهم‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ} [المائدة‪،]3 :‬‬
‫وبدلهم من بعد خوفهم أمنا‪ ،‬لهم من المغفرة واألجر العظيم‪.‬‬
‫وهذا يستدل ب من وجهين‪ :‬يستدل ب على أن المستخلفين‬
‫مؤمنون عملوا الصالحات؛ ألن الوعد لهم ًل لغيرهم‪ ،‬ويستدل ب على‬
‫أن هؤًلء مغفور لهم‪ ،‬ولهم مغفرة وأجر عظيم؛ ألنهم آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات فتناولتهم اآليتان‪ :‬آية النور وآية الفتح‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة على زمن أبي‬
‫بكر وعمر وعثمان‪ ،‬فإن إذ ذاك حصل اًلستخالف‪ ،‬وتمكن الدين‬
‫واألمن بعد الخوف‪ ،‬لما قهروا فارا والروم‪ ،‬وفتحوا الشام والعراق‬
‫ومصر وخراسان وإفريقية‪ ،‬ولما قتل عثمان وحصلت الفتنة لم يفتحوا‬
‫شيئا من بالد الكفار‪ ،‬بل طمع فيهم الكفار بالشام وخراسان‪ ،‬وكان‬
‫بعضهم يخاف بعضا‪.‬‬
‫‪307‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫وحينئذ فقد دل القرآن على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان‪ ،‬ومن‬
‫كان معهم في زمن اًلستخالف والتمكين واألمن‪.‬‬
‫يقول العالمة الشيخ عبدالرحمن المعلمي اليماني في نص جامع‬
‫نفيس بعد إيراد عدة آيات في فضل الصحابة‪ ،‬وقد قدمناها جميعها‬
‫بحمد اهللا‪> :)1‬ومن تدبَّر هذه اآليات وغيرها من القرآن وج َد الثناء على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬وهي كما أوردها‪:‬‬
‫>أما اآليات فمنها‪:‬‬
‫{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬ ‫‪ 1‬ــ‬
‫ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬
‫ﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋ‬
‫ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫ﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒ‬
‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ} [الحشر‪ 8 :‬ــ ‪.]10‬‬
‫‪ 2‬ــ {ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬
‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ‬
‫ﱚ} [التوبة‪.]100 :‬‬
‫‪ 3‬ــ {ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬
‫ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ} [التوبة‪:‬‬
‫‪.]117‬‬
‫{ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬ ‫‪ 4‬ــ‬
‫ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ} [الفتح‪.]18 :‬‬
‫‪ 5‬ــ {ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ=‬
‫‪308‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ضا لم يجد ما‬


‫تتبع السنة أي ا‬
‫عاما سال اما من التخصيص‪ ،‬فإذا َّ‬
‫المهاجرين ًّ‬
‫ٍ‬
‫فلتات ربما كانت تقع من بعضهم فال تضرهم‪.‬‬ ‫ينافي ذلك‪ ،‬سوى‬

‫فمنها‪ :‬ما جرى منهم يوم بدر‪ِ ،‬م ْن ترجيح أخذ الفداء‪ّ ،‬‬
‫فأقرهم اهلل‬
‫‪ ‬علي وأنزل‪{ :‬ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ‬ ‫=‬
‫ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱫ ﱬ ﱭ‬

‫ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﱼ} [الفتح‪.]29 :‬‬


‫{ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬ ‫‪ 6‬ــ‬
‫ﳂﳃﳄ ﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ‬

‫ﳑﳒﳓﳔﳕﳖ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈ‬

‫ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} [آل عمران‪ 172 :‬ــ ‪.]174‬‬


‫‪ 7‬ــ {ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬
‫ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ} [الحديد‪.]10 :‬‬
‫{ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﱁ ﱂ‬ ‫‪ 8‬ــ‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} [آل عمران‪،121 :‬‬
‫‪.]122‬‬
‫‪ 9‬ــ {ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬
‫ﱘ ﱙ} [آل عمران‪.]110 :‬‬
‫{ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬ ‫‪ 10‬ــ‬
‫ﱤ ﱥ} [البقرة‪.<]143 :‬‬
‫‪309‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ}ا‪[ )1‬األنفال‪ 68 :‬ــ ‪]69‬‬

‫{ﲕ ﲖ ﲗ‬ ‫يوم أحد فأنزل اهلل ‪:‬‬


‫ومنها‪ :‬تولي بعضهم َ‬
‫ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ‬
‫ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ}ا‪[ )2‬آل عمران‪.]155 :‬‬
‫ومنها‪ :‬قصة ِم ْسطح بن أُثاثة لما خاض مع أهل اإلفك فكان ما كان‪،‬‬
‫وأقسم أبو بكر أن ًل ينفق علي ‪ ،‬فأنزل اهلل ‪{ :‬ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬
‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱷ ﱸ‬
‫ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄ}ا‪[ )3‬النور‪.]22 :‬‬
‫ومنها‪ :‬قصة حاطب بن أبي بلتعةا‪.)4‬‬
‫وأش ّد ما وقع من ذلك قصة عبد اهلل بن أبي سرح‪ ،‬مع أن ليس‬
‫من المهاجرين األولين‪ ،‬وإنما كان ممن أسلم قبيل الفتح‪ ،‬ثم ارتد‪،‬‬
‫يوم الفتح بقتل فلم يقتل وأسلما‪.)5‬‬ ‫فأمر النبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخرج مسلم ا‪ ،)1763‬وأحمد ا‪ )208‬من حديث عمر بن الخطاب ‪.‬‬ ‫ا‪)1‬‬
‫أخرج البخاري ا‪ )4066‬من حديث ابن عمر ‪ .‬وأحمد ا‪ )490‬في حكاية بين‬ ‫ا‪)2‬‬
‫عبد الرحمن بن عوف والوليد بن عقبة‪.‬‬
‫أخرج البخاري ا‪ )4750‬عن عبد اهلل بن عتبة عن عائشة‪ .‬وأخرج البخاري‬ ‫ا‪)3‬‬
‫ا‪ ،)2595‬ومسلم ا‪ )2770‬عن عروة عن عائشة‪.‬‬
‫علي ‪.‬‬‫أخرجها البخاري ا‪ ،)3007‬ومسلم ا‪ )2494‬من حديث ّ‬ ‫ا‪)4‬‬
‫أخرج أبو داود ا‪ ،)2685‬والنسائي في >الكبرى< ا‪ ،)3516‬والحاكم‪ :‬ا‪)47/3‬‬ ‫ا‪)5‬‬
‫وصححه على شرط مسلم‪ ،‬والبيهقي‪ )70/4( :‬من حديث مصعب بن سعد عن أبي ‪.‬‬
‫‪310‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫قال ابن عبد البرا‪> :)1‬فحسن إسالم ‪ ،‬فلم يظهر من شيء ينكر‬
‫علي بعد ذلك‪ ،‬هو أحد النجباء العقالء الكرماء من قريش<‪.‬‬
‫ثم ذكر وًليت مصر وفتح أفريقية والنوبة‪ ،‬ثم قال‪> :‬ودعا رب‬
‫فقال‪ :‬اللهم اجعل خاتمة عملي صالة الصبح‪ ،‬فتوضأ ثم صلى الصبح‪،‬‬
‫فقرأ في الركعة األولى بأم القرآن والعاديات‪ ،‬وفي الثانية بأم القرآن‬
‫وسورة‪ ،‬ثم سلّم عن يمين ‪ ،‬وذهب يسلم عن يساره‪ ،‬فقبض اهلل روح ‪.‬‬
‫ذكر ذلك كل يزيد بن أبي حبيب وغيره<‪.‬‬
‫ومع ذلك فلم يُ ْر َو عن من الحديث شيء إًل حديث واحد قد رواه‬
‫غيره من الصحابة‪ ،‬ومع ذلك لم يصح السند إلي ‪.‬‬
‫وأما األنصار فحالهم قريب من حال المهاجرين‪ ،‬إًل أن لم يعم‬
‫ّ‬
‫اإليمان جميع األوا والخزرج بل كان منهم أفراد منافقون‪.‬‬
‫قليال‪،‬‬
‫وقد ذكر اهلل ‪ ‬ذلك في كتاب ‪ ،‬لكن أولئك األفراد كانوا ا‬
‫كما يظهر من اآليات واألحاديث‪ ،‬وكما يُ ْعلَم ذلك بدًللة المعقول؛‬
‫كثيرا‪ ،‬لكانوا أظهروا ُك ْف َرهم‪ ،‬ولم يحتاجوا‬
‫فإنهم لو كانوا هم األكثر أو ا‬
‫والمسلمين‪،‬‬ ‫إلى النفاق‪ ،‬ومع ذلك فقد كانوا معروفين عند النبي‬
‫إن لم يكن ِع ْل َم اليقين فالظن‪ ،‬قال اهلل ‪{ :‬ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬
‫ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬في >اًلستيعاب< ا‪ 375/2‬ــ ‪ = 378‬بهامش اإلصابة)‪.‬‬
‫‪311‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱌ ﱍ ﱎ} [القتال‪ 29 :‬ــ ‪.]30‬‬

‫{ﲼ ﲽ ﲾ‬ ‫وكانوا مع ذلك خائفين كما قال اهلل ‪ ‬فيهم‪:‬‬


‫ﲿﳀ} [المنافقون‪.]4 :‬‬
‫وكانوا مع ذلك إلى نقص بالهالك أو التوبة واإلخالص‪ ،‬والغالب‬
‫يتعرض أح ٌد منهم‬‫لم َّ‬ ‫على الظن أ ّن من بقي منهم بعد وفاة النبي‬
‫شي ائا لخوفهم من المؤمنين‪ ،‬وعلمهم أ َّن‬ ‫ألن يذكر عن النبي‬
‫ف َك َذب في ألنكره علي المؤمنون‬ ‫أح َدهم لو أخبر بشيء عن النبي‬
‫غيره‬‫ألعلَمهم بنفاق حذيف ُة أو ُ‬
‫وفضحوه بما كانوا يظنون من نفاق ‪ ،‬أو ْ‬
‫بأسماء المنافقين‪.‬‬ ‫أسر إلي النبي‬
‫ممن كان قد َّ‬
‫{ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬ ‫وأما األعراب فقد قال اهلل ‪:‬‬
‫ّ‬
‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬
‫ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [الحجرات‪.]14 :‬‬
‫أهل هذه اآلية آمنوا بعد ذلك أو غالبهم‪ ،‬كما تقتضي‬
‫والظاهر أ َّن َ‬
‫كلمة > ّلما<‪.‬‬
‫وقد ذكر اهلل ‪ِ ‬فرقَ َهم في سورة التوبة [‪ 95‬ــ ‪ ]105‬فذكر أ ّن منهم‬
‫منافقين‪ ،‬ومنهم مؤمنون مخلصون‪ ،‬ومنهم مخلّطون يرجى لهم الخير‪،‬‬
‫وقال في آخر ذلك‪{ :‬ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﲴ}‬
‫[التوبة‪.]105 :‬‬
‫‪312‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫‪ ،‬فارت َّد‬ ‫الع ْسرة بوفاة رسول‬


‫ثم ابتالهم اهلل ‪ ‬بعد غزوة ُ‬
‫حق المعرفة‪.‬‬
‫أقوام من األعراب‪ ،‬فعرفهم المؤمنون ّ‬
‫ٌ‬
‫‪ ،‬وقد‬ ‫وأما ال ُّطلقاء من أهل مكة فلم يرت ّد منهم أحد بعده‬
‫ّ‬
‫المتقدمة كما يعلم بمراجعتها‪ ،‬وكذلك تشملهم‬
‫ّ‬ ‫بعض اآليات‬
‫ُ‬ ‫شملتهم‬
‫بعض األحاديث‪ ،‬كالحديث المشهور‪> :‬خير الناا قرني‪<...‬ا‪.)1‬‬
‫وبالجملة فتعديل اهلل ‪ ‬ورسول ثابت للمهاجرين عامة‪ ،‬ولم‬
‫يخصص ‪.‬‬
‫يجئ ما ِّ‬
‫وأما األنصار؛ فالثناء عليهم عام‪ ،‬ولكن قد كان من األوا‬ ‫ّ‬
‫والخزرج منافقون لكنهم قليل‪ ،‬ولم يحضر من المنافقين أح ٌد بيع َة‬
‫العقبة‪ ،‬وًل شهد بد ارا وًل أح ادا‪ ،‬فإ َّن كبيرهم اعتزل بهم‪ ،‬والظاهر أن‬
‫لم يبايع تحت الشجرة أح ٌد منهم‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن كان هناك واحد منهم‬
‫فلم يبايع وقد ُس ّميا‪.)2‬‬
‫{ﲟ ﲠ ﲡ‬ ‫وقول اهلل ‪ ‬في ذكر تخلُّفهم عن غزوة تبوك‪:‬‬
‫ﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨ ﲩﲪﲫﲬﲭﲮ‬
‫ﲯ} اآلية [التوبة‪ ]47 ،46 :‬يقتضي أن لم يشهد تبوك أح ٌد منهم‪.‬‬
‫َم ْر ِج َع من‬ ‫النبي‬
‫ولكن ُروي أن اثني عشر منهم اعترضوا َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البخاري ا‪ ،)2652‬ومسلم ا‪ )2533‬من حديث ابن مسعود ‪.‬‬
‫ا‪ )2‬هو الج ّد بن قيس أخو بني سلِمة‪ .‬انظر >السيرة النبوية<‪( :‬ق ‪ )316/3/2‬البن هشام‪.‬‬
‫‪313‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫تبوك‪ ،‬وأرادوا َت ْرديت من العقبةا‪.)1‬‬


‫لعل هؤًلء لم يشهدوا تبوك‪ ،‬وإ ّنما‬
‫وقد يقال ــ إن صح الخبر ــ‪ّ :‬‬
‫من تبوك‪ ،‬فالتقوه ببعض الطريق َّلما هموا ب ‪ .‬ومع‬ ‫قدوم‬
‫ترصدوا َ‬‫َّ‬
‫ذلك ففي الخبر أن حذيفة عرف هؤًلء‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد سبق أن الظاهر أ ّن من بقي من المنافقين لم يُ ْر َو عن‬
‫‪.‬‬ ‫أح ٍد منهم شيء عن النبي‬
‫‪ ،‬فَ َمن ثبت منهم‬ ‫وأما األعراب فقد ّتم امتحانهم بوفات‬
‫ّ‬
‫على ا ِإلسالم فقد ثبتت عدالت ‪ ،‬ومن ارت ّد فقد زالت‪ ،‬فمن عاد بعد‬
‫ذلك إلى ا ِإلسالم فيحتاج إلى عدالة جديدة‪.‬‬
‫عرفت‪ ،‬ولم تقع منهم‬
‫َ‬ ‫وأما الطُّلقاء فقد شملتهم بعض اآليات كما‬
‫ّ‬
‫ر ّدة‪.‬‬
‫إسالم‬
‫ُ‬ ‫تأخر‬
‫ولو اقتصر المخالف في المسألة على القول بأن َم ْن َّ‬
‫صحبت يحتاج إلى البحث عنهم لكان لقول وج ٌ في الجملة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وقلَّت‬
‫وأوج من ذلك َم ْن كان من األعراب‪ ،‬ويحتمل أ ّن ممن ارت ّد عقب وفاة‬
‫‪ ،‬فأما من ُعلِم أن ممن ارت ّد فاألمر في أظهر‪.‬‬ ‫النبي‬
‫يتحاشون من الكذب‪ ،‬وتأكَّد ذلك فيمن‬
‫َ‬ ‫هذا‪ ،‬وقد كان العرب‬
‫يبلغ ب أن يجترئ على الكذب‬ ‫أسلم‪ ،‬وكان أحدهم ــ وإن َّ‬
‫رق دينُ ــ ًل ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البيهقي في >الكبرى<‪ :‬ا‪ )23/9‬من مرسل عروة بن الزبير‪ ،‬وذكره الواقدي‬
‫في >المغازي< ا‪.)1042/3‬‬
‫‪314‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية الصحابة إمجاالً‬

‫متوافرون‪،‬‬ ‫أصحاب رسول اهلل‬


‫َ‬ ‫على اهلل ورسول ‪ ،‬وكانوا يرون أ ّن‬
‫تجرأ أح ٌد على الكذب ا ْف ُت ِضح‪.‬‬
‫وأن إن َّ‬
‫ولو قال قائل‪ :‬إ ّن اهلل ‪ ‬منع القوم ِمن ُّ‬
‫تعم ِد الكذب على نبيه ‪‬‬
‫سيما مع إخباره بعدالتهم ل َ َما ْأب َعد‪.‬‬
‫بمقتضى ضمان بحفظ دين ‪ ،‬وًل ّ‬
‫تدبر األحاديث المروية عمن يمكن أن يُتكلَّم في من الطلقاء‬ ‫وم ْن ّ‬
‫َ‬
‫المروي عن هؤًلء قليل‪ ،‬وًل‬‫ّ‬ ‫ونحوهم = ظهر ل ِص ْدق القوم؛ فإ َّن‬
‫صح بلفظ أو معناه عن‬ ‫يصح عن أح ٍد منهم إًل وقد َّ‬ ‫تكاد تجد حدي اثا ّ‬
‫إح ٌنا‪ )1‬بعد النبي‬
‫غيره من المهاجرين أو األنصار‪ .‬وقد كانت بين القوم َ‬
‫‪ ،‬فلو استساغ أح ٌد منهم الكذب ًلختلق أحاديث تقتضي ذ َّم‬
‫خصم ‪ ،‬ولم نجد من هذا شي ائا صحي احا صري احا‪.‬‬
‫وفوق هذا كل فأهل السنة لم ي َّدعوا عصم َة القوم‪ ،‬بل غاية ما‬
‫ا َّدعوه أن ثبت لهم أصل العدالة‪ ،‬ثم لم يثبت ما يزيلها‪ .‬والمخالف‬
‫حق بعضهم ما يزيل العدالة‪ ،‬فانحصر‬ ‫يزعم أن قد ثبت عنده في ِّ‬
‫الخالف في تلك األمور التي زعمها‪ ،‬فإذا أثبت أهل السنة أنها لم‬
‫فأما من‬
‫استتب األمر‪ّ .‬‬
‫َّ‬ ‫صح منها ًل يقتضي زوال العدالة‬
‫تصح‪ ،‬وأن ما َّ‬
‫ل بالمغفرة والجنة فقد تضمن ذلك تعديلهم‬ ‫النبي‬
‫ثبت شهاد ُة ّ‬‫َ‬
‫وآخرا‪ .‬واهلل الموفق<ا‪.)2‬‬
‫ّأو اًل ا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أي‪ :‬حقد وعداوة‪.‬‬
‫ا‪ )2‬مجموع آثار المعلمي اليماني‪ :‬ا‪ 19/15‬ــ ‪ ،)28‬مع التحقيق‪.‬‬
‫‪315‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫‪5‬‬
‫ً‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاال‬

‫إن كل اآليات التي سبقت في تزكية الصحابة على سبيل اإلجمال‬


‫يصلح أن نستشهد بها‪ ،‬إذ قرابة النبي ‘ صحبة وزيادة‪ ،‬ولكنا نذكر‬
‫هنا اآليات التي نزلت في تزكية القرابة ــ خاصة ــ على سبيل اإلجمال‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ آيات سورة األحزاب‪ ..‬وفضل أزواج الرسول‪.‬‬


‫ونبدأ هذا المبحث بذكر آيات جامعة في فضل آل البيت وردت‬
‫في سياق واحد في سورة األحزاب‪ ،‬وهي قول تعالى‪{ :‬ﲛ ﲜ ﲝ‬
‫ﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧ‬
‫ﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴ‬
‫ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ‬
‫ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﱁ ﱂ‬
‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎ‬
‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬
‫ﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪ‬
‫ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬

‫‪316‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬
‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ﲎ ﲏ ﲐ} [األحزاب‪ 28 :‬ــ ‪.]34‬‬
‫وهذه اآليات دالة على فضل أزواج النبي ‘ من وجوه‪:‬‬
‫{ﲛ ﲜ‬ ‫األول‪ :‬أنهن اخترن اهلل ورسول ‪ ،‬كما في قول تعالى‪:‬‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬
‫ﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲ‬
‫ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ}‪.‬‬
‫فهذا أمر من اهلل لرسول ‪ ،‬صلوات اهلل وسالم علي ‪ ،‬بأن يخير‬
‫نساءه بين أن يفارقهن‪ ،‬فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة‬
‫الدنيا وزينتها‪ ،‬وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال‪ ،‬ولهن عند اهلل‬
‫في ذلك الثواب الجزيل‪ ،‬فاخترن‪ ،‬رضي اهلل عنهن وأرضاهن‪ ،‬اهلل‬
‫ورسول والدار اآلخرة‪ ،‬فجمع اهلل لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة‬
‫اآلخرةا‪ ،)1‬واألزواج المعنيات في هذه اآلية هن أزواج التسع الالتي‬
‫توفي عليهن‪ ،‬وهن‪ :‬عائشة بنت أبي بكر الصديق‪ ،‬وحفصة بنت‬
‫عمر بن الخطاب‪ ،‬وأم حبيبة بنت أبي سفيان‪ ،‬وأم سلمة بنت أمية‬
‫المخزومية‪ ،‬وجويرية بنت الحار الخزاعية‪ ،‬وميمونة بنت الحار‬
‫الهاللية من بني عامر بن صعصعة‪ ،‬وسودة بنت زمعة العامرية القرشية‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)401/6‬‬
‫‪317‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫وزينب بنت جحش األسدية‪ ،‬وصفية بنت حيي النضيرية‪ .‬وأما زينب‬
‫بنت خزيمة الهاللية الملقبة أم المساكين فكانت متوفاة وقت نزول هذه‬
‫اآليةا‪.)1‬‬
‫وفي هذا فضيلة عظيمة ومنقبة كبيرة لهن‪ ،‬فإنهن اخترن اهلل ورسول‬
‫على الدنيا فاستحقوا موعود اهلل بالفوز والسعادة‪ ،‬فعن الزهري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن‪> ،‬أن عائشة ‪ ،‬زوج النبي ‘‪،‬‬
‫أخبرت أن رسول اهلل ‘ جاءها حين أمره اهلل أن يخير أزواج ‪ ،‬فبدأ بي‬
‫رسول اهلل ‘ فقال‪> :‬إني ذاكر لك أمرا‪ ،‬فال عليك أن ًل تستعجلي‬
‫حتى تستأمري أبويك< وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراق ‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ثم قال‪ :‬إن اهلل قال‪{ :‬ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ} إلى تمام اآليتين‪،‬‬
‫فقلت ل ‪ :‬ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد اهلل ورسول والدار‬
‫اآلخرة<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)315/21‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪ ،)4785‬ومسلم‪ :‬ا‪ ،)1475‬وفي لفظ للبخاري‪> :‬عن ابن‬
‫شهاب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن‪ ،‬أن عائشة زوج النبي ‘‪ ،‬قالت‬
‫لما أمر رسول اهلل ‘ بتخيير أزواج بدأ بي‪ ،‬فقال‪> :‬إني ذاكر لك أمرا فال عليك‬
‫أن ًل تعجلي حتى تستأمري أبويك< قالت‪ :‬وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني‬
‫بفراق ‪ ،‬قالت‪ :‬ثم قال‪ :‬إن اهلل جل ثناؤه قال‪{ :‬ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ‬
‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ} [األحزاب‪ ]28 :‬إلى {ﲷ ﲸ} [النساء‪]40 :‬‬
‫قالت‪ :‬فقلت‪ :‬ففي أي هذا أستأمر أبوي‪ ،‬فإني أريد اهلل ورسول والدار اآلخرة‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ثم فعل أزواج النبي ‘ مثل ما فعلت<‪ ،‬ح‪ :‬ا‪.)4786‬‬
‫‪318‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫وعن عائشة ‪ ،‬قالت‪> :‬خيرنا رسول اهلل ‘‪ ،‬فاخترنا اهلل‬


‫ورسول ‪ ،‬فلم يعد ذلك علينا شيئا<ا‪.)1‬‬
‫وذكر اهلل تعالى مضاعفة األجر والثواب لمن قنت هلل ورسول‬
‫وخضع ل بالطاعة‪ ،‬والعذاب لمن ابتعد عن أمر اهلل ورسول ‪ ،‬فقال في‬
‫مضاعفة العذاب‪{ :‬ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬
‫ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ}‪ ،‬وفي مضاعفة‬
‫الثواب‪{ :‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬
‫ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ} [األحزاب‪> ،]31 :‬وضمير أجرها عائد إلى من‬
‫باعتبار أنها صادقة على واحدة من نساء النبيء ‘‪.‬‬
‫وفي إضافة األجر إلى ضميرها إشارة إلى تعظيم ذلك األجر بأن‬
‫يناسب مقامها وإلى تشريفها بأنها مستحقة ذلك األجر‪.‬‬
‫ومضاعفة األجر لهن على الطاعات كرامة لقدرهن‪ ،‬وهذه المضاعفة‬
‫في الحالين من خصائص أزواج النبيء ‘ لعظم قدرهن‪ ،‬ألن زيادة‬
‫قبح المعصية تتبع زيادة فضل اآلتي بها‪ ،‬ودرجة أزواج النبيء ‘‬
‫عظيمة<ا‪.)2‬‬
‫{ﱑ ﱒ ﱓ‬ ‫وأخبر اهلل أنهن لسن كأحد من النساء‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪.)5262‬‬
‫ا‪ )2‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪ 5/22‬ــ ‪.)6‬‬
‫‪319‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫{ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬ ‫ﱢ ﱣ ﱤ}‪ ،‬وأمرهن بالقرار في بيوتهن‪،‬‬


‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬
‫ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲀ}‪.‬‬
‫>قول ‪{ :‬ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ}‪ ،‬يعني في الفضل والشرف فإنهن‬
‫وإن كن من اآلدميات فلسن كإحداهن‪ ،‬كما أن النبي ـ ‘ ـ وإن كان من‬
‫البشر جبلة‪ ،‬فليس منهم فضيلة ومنزلة‪ ،‬وشرف المنزلة ًل يحتمل‬
‫العثرات‪ ،‬فإن من يقتدى ب ‪ ،‬وترفع منزلت على المنازل جدير بأن يرتفع‬
‫فعل على األفعال‪ ،‬ويربو حال على األحوال‪.‬‬
‫وقول تعالى‪{ :‬ﱚ ﱛ ﱜ} أمرهن اهلل تعالى أن يكون قولهن‬
‫جزًل‪ ،‬وكالمهن فصال‪ ،‬وًل يكون على وج يحد في القلب عالقة‬
‫بما يظهر علي من اللين المطمع للسامع‪ ،‬وأخذ عليهن أن يكون قولهن‬
‫معروفا<ا‪.)1‬‬
‫يقول مكي‪> :‬أي‪ :‬لستن في الفضل والمجازاة كأحد من نساء هذه‬
‫األمة‪ ،‬إن اتقيتن اهلل بالطاعة ل ولرسول ‪ ،‬وقول ‪{ :‬ﱚ ﱛ ﱜ}‬
‫أي‪ً :‬ل ُتلِ َّن القول للرجال‪{ ،‬ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ} أي‪ :‬شك‬
‫ونفاق‪ ،‬أي يطمع في الفاحشة استخفا افا بحدود اهلل‪ ،‬ثم قال تعالى‪:‬‬
‫قوًل أَ ِذ َن اهلل لكن في وأباح لكن‪ ،‬قال ابن‬
‫{ﱢ ﱣ ﱤ} أي‪ :‬ا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أحكام القرآن‪ً ،‬لبن العربي‪ :‬ا‪.)568/3‬‬
‫‪320‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫جميال معرو افا في الخير‪ ،‬ثم قال‪{ :‬ﱦ ﱧ ﱨ}‬ ‫ا‬ ‫قوًل‬
‫زيد‪ :‬معناه‪ :‬ا‬
‫أي‪ :‬اثبتن في بيوتكن‪ ،‬ثم قال تعالى‪{ :‬ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ}‬
‫أي‪ :‬إذا خرجتن من بيوتكن‪ ،‬قال قتادة‪ :‬التبرج في هذا الموضع التبختر‬
‫والتكسر‪ ،‬وكانت الجاهلية األولى مشية فيها تكسير وتغنج فنهاهن اهلل‬
‫عن ذلك‪ ،‬وقيل التبرج إظهار الزينة للرجال‪ ،‬وحقيقتها إظهار ما ستر‬
‫اهلل‪ ،‬وهو مأخوذ من السعة<ا‪.)1‬‬
‫يقول الشيخ السعدي‪> :‬يقول تعالى‪{ :‬ﱑ ﱒ} خطاب لهن‬
‫كلهن {ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ} اهلل‪ ،‬فإنكن بذلك‪ ،‬تفقن‬
‫النساء‪ ،‬وًل يلحقكن أحد من النساء‪ ،‬فكملن التقوى بجميع وسائلها‬
‫ومقاصدها‪.‬‬
‫{ﱚ ﱛ‬ ‫فلهذا أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﱜ} أي‪ :‬في مخاطبة الرجال‪ ،‬أو بحيث يسمعون فَ َتلِ َّن في ذلك‪،‬‬
‫وتتكلمن بكالم رقيق يدعو ويطمع {ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ} أي‪ :‬مرض‬
‫شهوة الزنا‪ ،‬فإن مستعد‪ ،‬ينظر أدنى محرك يحرك ‪ ،‬ألن قلب غير‬
‫صحيح فإن القلب الصحيح ليس في شهوة لما حرم اهلل‪ ،‬فإن ذلك ًل‬
‫تكاد ُت ِميلُ وًل تحرك األسباب‪ ،‬لصحة قلب ‪ ،‬وسالمت من المرض‪.‬‬
‫بخالف مريض القلب‪ ،‬الذي ًل يتحمل ما يتحمل الصحيح‪ ،‬وًل‬
‫يصبر على ما يصبر علي ‪ ،‬فأدنى سبب يوجد‪ ،‬يدعوه إلى الحرام‪ ،‬يجيب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الهداية‪ ،‬لمكي‪ :‬ا‪ ،)5828/9‬وما بعده‪ ،‬بتصرف‪.‬‬
‫‪321‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫دعوت ‪ ،‬وًل يتعاصى علي ‪ ،‬فهذا دليل على أن الوسائل‪ ،‬لها أحكام‬
‫المقاصد‪ .‬فإن الخضوع بالقول‪ ،‬واللين في ‪ ،‬في األصل مباح‪ ،‬ولكن‬
‫لما كان وسيلة إلى المحرم‪ ،‬منع من ‪ ،‬ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة‬
‫الرجال‪ ،‬أن ًل تلِ َ‬
‫ين لهم القول‪.‬‬
‫ولما نهاهن عن الخضوع في القول‪ ،‬فربما توهم أنهن مأمورات‬
‫بإغالظ القول‪ ،‬دفع هذا بقول ‪{ :‬ﱢ ﱣ ﱤ} أي‪ :‬غير غليظ‪ ،‬وًل‬
‫جاف كما أن ليس بِلَيِّ ٍن خاضع‪.‬‬
‫وتأمل كيف قال‪{ :‬ﱚ ﱛ ﱜ} ولم يقل‪> :‬فال َتلِ َّن بالقول<‬
‫وذلك ألن المنهي عن ‪ ،‬القول اللين‪ ،‬الذي في خضوع المرأة للرجل‪،‬‬
‫وانكسارها عنده‪ ،‬والخاضع‪ ،‬هو الذي يطمع في ‪ ،‬بخالف من تكلم‬
‫كالما لي انا‪ ،‬ليس في خضوع‪ ،‬بل ربما صار في ترفع وقهر للخصم‪ ،‬فإن‬
‫ا‬
‫هذا‪ً ،‬ل يطمع في خصم ‪ ،‬ولهذا مدح اهلل رسول باللين‪ ،‬فقال‪{ :‬ﱉ‬
‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ} وقال لموسى وهارون‪{ :‬ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ}‪.‬‬
‫ودل قول ‪{ :‬ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ} مع أمره بحفظ الفرج وثنائ‬
‫على الحافظين لفروجهم‪ ،‬والحافظات‪ ،‬ونهي عن قربان الزنا‪ ،‬أن ينبغي‬
‫للعبد‪ ،‬إذا رأى من نفس هذه الحالة‪ ،‬وأن يهش لفعل المحرم عندما يرى‬
‫أو يسمع كالم من يهواه‪ ،‬ويجد دواعي طمع قد انصرفت إلى الحرام‪،‬‬
‫فَ ْل َي ْعر ِْف أن ذلك مرض‪.‬‬
‫‪322‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫فَ ْل َي ْج َته ِْد في إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية‪ ،‬ومجاهدة‬
‫نفس على سالمتها من هذا المرض الخطر‪ ،‬وسؤال اهلل العصمة‬
‫والتوفيق‪ ،‬وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور ب ‪.‬‬
‫{ﱩ‬ ‫{ﱦ ﱧ ﱨ} أي‪ :‬اقررن فيها‪ ،‬ألن أسلم وأحفظ ل َ ُك َّن‪،‬‬
‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ} أي‪ :‬ال تكثرن الخروج متجمالت أو‬
‫متطيبات‪ ،‬كعادة أهل الجاهلية األولى‪ ،‬الذين ًل علم عندهم وًل دين‪،‬‬
‫فكل هذا دفع للشر وأسباب ‪.‬‬
‫عموما‪ ،‬وبجزئيات من التقوى‪ ،‬نص عليها‬
‫ا‬ ‫ولما أمرهن بالتقوى‬
‫صا الصالة والزكاة‪،‬‬
‫لحاجة النساء إليها‪ ،‬كذلك أمرهن بالطاعة‪ ،‬خصو ا‬
‫اللتان يحتاجهما‪ ،‬ويضطر إليهما كل أحد‪ ،‬وهما أكبر العبادات‪ ،‬وأجل‬
‫الطاعات‪ ،‬وفي الصالة‪ ،‬اإلخالص للمعبود‪ ،‬وفي الزكاة‪ ،‬اإلحسان إلى‬
‫العبيد‪.‬‬
‫عموما‪ ،‬فقال‪{ :‬ﱳ ﱴ ﱵ} يدخل في‬ ‫ا‬ ‫ثم أمرهن بالطاعة‬
‫أمرا ب أمر إيجاب أو استحباب‪.‬‬
‫طاعة اهلل ورسول ‪ ،‬كل أمر‪َ ،‬‬
‫{ﱷ ﱸ ﱹ} بأمركن بما أَ َم َر ُك َّن ب ‪ ،‬ونهيكن بما نها ُك َّن عن ‪،‬‬
‫{ﱺ ﱻ ﱼ} أي‪ :‬األذى‪ ،‬والشر‪ ،‬والخبث‪ ،‬يا {ﱽ ﱾ‬
‫ﱿ ﲀ} حتى تكونوا طاهرين مطهرين‪.‬‬
‫أي‪ :‬فاحمدوا ربكم‪ ،‬واشكروه على هذه األوامر والنواهي‪ ،‬التي‬
‫‪323‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫أخبركم بمصلحتها‪ ،‬وأنها محض مصلحتكم‪ ،‬لم يرد اهلل أن يجعل‬


‫عليكم بذلك حر اجا وًل مشقة‪ ،‬بل لتتزكى نفوسكم‪ ،‬ولتتطهر أخالقكم‪،‬‬
‫وتحسن أعمالكم‪ ،‬ويعظم بذلك أجركم‪.‬‬
‫ولما أمرهن بالعمل‪ ،‬الذي هو فعل وترك‪ ،‬أمرهن بالعلم‪ ،‬وبين‬
‫لهن طريق ‪ ،‬فقال‪{ :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬
‫ﲊ} والمراد بآيات اهلل‪ ،‬القرآن‪ .‬والحكمة‪ ،‬أسراره‪ .‬وسنة رسول ‪.‬‬
‫وأمرهن بذكره‪ ،‬يشمل ذكر لفظ ‪ ،‬بتالوت ‪ ،‬وذكر معناه‪ ،‬بتدبره والتفكر‬
‫في ‪ ،‬واستخراج أحكام وحكم ‪ ،‬وذكر العمل ب وتأويل ‪{ .‬ﲌ ﲍ‬
‫ﲎ ﲏ ﲐ} يدرك أسرار األمور‪ ،‬وخفايا الصدور‪ ،‬وخبايا السماوات‬
‫واألرض‪ ،‬واألعمال التي تبين وتسر‪.‬‬
‫فلطفه وخبرته‪ ،‬يقتضي حثهن على اإلخالص وإسرار األعمال‪،‬‬
‫ومجازاة اهلل على تلك األعمال<ا‪.)1‬‬

‫آية التطهير‪:‬‬
‫ونحن نفرد الحديث عن هذه اآلية ألهميتها ومركزيتها في فضائل‬
‫آل بيت رسول اهلل ‘‪ ،‬وهي قول تعالى‪{ :‬ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬
‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [األحزاب‪.]33 :‬‬
‫واعلم أن >هذه اآلية منبع فضائل أهل البيت النبوي ًلشتمالها على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تيسير الكريم الرحمن‪ :‬ا‪ 663‬ــ ‪.)664‬‬
‫‪324‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫غرر من مآثرهم واًلعتناء بشأنهم حيث ابتدئت بإنما المفيدة لحصر‬


‫إرادت تعالى في أمرهم على إذهاب الرجس الذي هو اإلثم أو الشك فيما‬
‫يجب اإليمان به عنه وتطهيرهم من سائر األخالق واألحوال المذمومة<ا‪.)1‬‬
‫والصحيح أن الخالف الذي يحكى في المراد بهذه اآلية ينبغي أن‬
‫تحمل اآلية مع على عمومها‪ ،‬وأن يكون المراد بأهل البيت في هذه‬
‫اآلية ما ذكره ابن عطية بقول ‪> :‬والذي يظهر إلي أن زوجات ًل يخرجن‬
‫عن ذلك البتة‪ ،‬فأهل البيت زوجات وبنت وبنوها وزوجها‪ ،‬وهذه اآلية‬
‫تقضي أن الزوجات من أهل البيت ألن اآلية فيهن والمخاطبة لهن<ا‪،)2‬‬
‫والسياق يقضي بكون اآلية في نساء النبي ‘‪ ،‬ويقول الواحدي بعد‬
‫ذكر األحاديث التي فيها أهل الكساء‪> ،‬وهذا ًل يدل على أن هذه اآلية‬
‫خاصة فيهم؛ ألن هذه الرواية تدل على أن النبي ـ ‘ ـ دعا لهم بهذا‬
‫الدعاء‪ ،‬وسأل اهلل أن يطهرهم‪ً ،‬ل جرم أن استجيب ل فيهم بالتطهير‪،‬‬
‫ولقد أحسن أبو إسحاق في تفسير هذه اآلية‪ ،‬فقال‪ :‬اللغة تدل على أن‬
‫للنساء والرجال جمي اعا؛ لقول ‪{ :‬ﱻ} و{ﱿ} بالميم‪ ،‬ولو‬
‫كان للنساء لم يجز إًل عنكن ويطهركن‪ ،‬ودليل ‪{ :‬ﲂ ﲃ ﲄ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الصواعق المحرقة‪ً ،‬لبن حجر الهيتمي‪ :‬ا‪.)426/2‬‬
‫ا‪ )2‬المحرر الوجيز‪ :‬ا‪ ،)384/4‬قال القرطبي‪> :‬والذي يظهر من اآلية أنها عامة في‬
‫جميع أهل البيت من األزواج وغيرهم‪ .‬وإنما قال‪> :‬ويطهركم< ألن رسول اهلل ‘‬
‫وعليا وحسنا وحسينا كان فيهم‪ ،‬وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر‪،‬‬
‫فاقتضت اآلية أن الزوجات من أهل البيت‪ ،‬ألن اآلية فيهن‪ ،‬والمخاطبة لهن يدل‬
‫علي سياق الكالم‪ .‬واهلل أعلم<‪ ،‬ا‪.)183/14‬‬
‫‪325‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫ﲅ ﲆ} حين أفرد النساء بالخطاب‪ ،‬وعلى هذا هو خطاب‬


‫ألزواج النبي ـ ‘ ـ ورجال بيت <ا‪.)1‬‬
‫وقال ابن حجر الهيتمي‪> :‬والحاصل أن أهل بيت السكنى داخلون‬
‫في اآلية ألنهم المخاطبون بها‪ ،‬ولما كان أهل بيت النسب تخفى‬
‫إرادتهم منها بين ‘ بما فعل مع من مر أن المراد من أهل البيت هنا ما‬
‫يعم أهل بيت سكناه كأزواج وأهل بيت نسب وهم جميع بني هاشم‬
‫والمطلب<ا‪.)2‬‬
‫ومما يدل على دخول أهل بيت النسب في هذه اآلية‪ ،‬ما ثبت عن‬
‫صفية بنت شيبة‪ ،‬قالت‪ :‬قالت عائشة‪ :‬خرج النبي ‘ غداة وعلي مرط‬
‫مرحل‪ ،‬من شعر أسود‪ ،‬فجاء الحسن بن علي فأدخله‪ ،‬ثم جاء الحسين‬
‫فدخل معه‪ ،‬ثم جاءت فاطمة فأدخلها‪ ،‬ثم جاء علي فأدخله‪ ،‬ثم قال‪{ :‬ﱷ‬
‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [األحزاب‪]33 :‬ا‪.)3‬‬
‫وعن شداد أبي عمار‪ ،‬قال‪ :‬دخلت على واثلة بن األسقع‪ ،‬وعنده‬
‫قوم‪ ،‬فذكروا عليا‪ ،‬فلما قاموا قال لي‪ :‬أًل أخبرك بما رأيت من رسول‬
‫اهلل ‘؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أتيت فاطمة رضي اهلل تعالى عنها أسألها‬
‫عن علي‪ ،‬قالت‪ :‬توجه إلى رسول اهلل ‘‪ .‬فجلست أنتظره حتى جاء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)241/18‬‬
‫ا‪ )2‬الصواعق المحرقة‪ :‬ا‪.)425/2‬‬
‫ا‪ )3‬أخرج اإلمام أحمد‪ :‬ا‪ ،)162/6‬ورواه مسلم‪ :‬ا‪ ،)2424‬وأبو داود‪ :‬ا‪،)4032‬‬
‫والترمذي‪ :‬رقم‪ :‬ا‪.)2813‬‬
‫‪326‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫رسول اهلل ‘ ومع علي وحسن وحسين رضي اهلل تعالى عنهم‪ ،‬آخذ‬
‫كل واحد منهما بيده‪ ،‬حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة‪ ،‬فأجلسهما بين‬
‫يدي ‪ ،‬وأجلس حسنا‪ ،‬وحسينا كل واحد منهما على فخذه‪ ،‬ثم لف‬
‫عليهم ثوب ــ أو قال‪ :‬كساء ــ ثم تال هذه اآلية‪{ :‬ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ‬
‫ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} وقال‪ :‬اللهم هؤًلء أهل بيتي‪،‬‬
‫وأهل بيتي أحقا‪.)1‬‬
‫وعن هالل بن يساف‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الحسن بن علي وهو يخطب‬
‫وهو يقول‪> :‬يا أهل الكوفة‪ ،‬اتقوا اهلل فينا‪ ،‬فإنا أمراؤكم‪ ،‬وإنا‬
‫أضيافكم‪ ،‬ونحن أهل البيت الذين قال اهلل‪ِ > :‬إنَّما يُرِي ُد اهللُ لِ ُيذْ ِه َب‬
‫ِيرا<‪ ،‬قال‪ :‬فما رأيت يوما قط‬ ‫الر ْج َس أَ ْه َل ا ْلب ْي ِ‬
‫ت َويُطَ ِّه َر ُك ْم َت ْطه ا‬ ‫َع ْن ُك ُم ِّ‬
‫َ‬
‫أكثر باكيا من يومئذ<ا‪ ،)2‬وعن أبي جميلة‪> :‬أن الحسن بن علي لما‬
‫استخلف حين قتل علي فبينما هو يصلي إذ وثب علي رجل فطعن‬
‫بخنجر ــ وزعم حصين أن بلغ أن الذي طعن رجل من بني أسد ــ‬
‫وحسن ساجد قال حصين‪ :‬وعمي أدرك ذاك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيزعمون أن الطعنة وقعت في ورك فمرض منها أشهرا ثم‬
‫برئ‪ .‬فقعد على المنبر فقال‪ :‬يا أهل العراق اتقوا اهلل فينا فإنا أمراؤكم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج اإلمام أحمد‪ :‬ا‪ ،)107/4‬وابن حبان‪ :‬ا‪ ،)6976‬والحاكم‪ :‬ا‪،)416/2‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫ا‪ )2‬الجزء المتمم لطبقات ابن سعد [الطبقة الخامسة في من قبض رسول اهلل ‘‪ ،‬وهم‬
‫أحدا األسنان]‪ :‬ا‪.)318/1‬‬
‫‪327‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫وضيفانكم أهل البيت الذين قال اهلل‪ِ > :‬إنَّما يُرِي ُد اهللُ لِ ُيذْ ِه َب َع ْن ُك ُم >‪<3‬‬
‫ِيرا<‪ ،‬قال‪ :‬فما زال يقول ذاك حتى ما‬ ‫الر ْج َس أَ ْه َل ا ْلب ْي ِ‬
‫ت َويُ َط ِّه َر ُك ْم َت ْطه ا‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫يرى أحد من أهل المسجد إًل وهو يخن بكاءا<ا‪.)1‬‬
‫بقي أن نشير إلى أن بعض أهل العلم ذكر أن المراد باآلية اإلرادة‬
‫الشرعية‪ ،‬أي‪ :‬أن اهلل يحب من هؤًلء أن يتطهروا‪ ،‬يقول ابن تيمية‪:‬‬
‫>وتحقيق ذلك في مقامين أحدهما‪ :‬أن قول ‪{ :‬ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ‬
‫ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ}‪ ،‬كقول ‪{ :‬ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶ ﱷ ﱸ} [المائدة‪ ،]6 :‬وكقول ‪{ :‬ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ﲫ ﲬ} [البقرة‪ ،]185 :‬وكقول ‪{ :‬ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬
‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ}‬
‫[النساء‪ 26 :‬ــ ‪ .]27‬فإن إرادة اهلل في هذه اآليات متضمنة لمحبة اهلل لذلك‪،‬‬
‫المراد ورضاه ب ‪ ،‬وأن شرع للمؤمنين وأمرهم ب ‪ ،‬ليس في ذلك أن‬
‫خلق هذا المراد‪ ،‬وًل أن قضاه وقدره‪ ،‬وًل أن يكون ًل محالة‪ .‬والدليل‬
‫على ذلك أن النبي ـ ‘ ـ بعد نزول هذه اآلية قال‪> :‬اللهم هؤًلء أهل‬
‫بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا<‪ .‬فطلب من اهلل لهم إذهاب‬
‫الرجس والتطهير‪ ،‬فلو كانت اآلية تتضمن إخبار اهلل بأن قد أذهب عنهم‬
‫الرجس وطهرهم‪ ،‬لم يحتج إلى الطلب والدعاء<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬السابق‪ :‬ا‪.)323/1‬‬
‫ا‪ )2‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)72/7‬‬
‫‪328‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫ثم قال‪> :‬وإذا كانت اآلية دالة على وقوع ما أراده من التطهير‬
‫وإذهاب الرجس‪ ،‬لم يلزم بمجرد اآلية ثبوت ما ادعاه‪ .‬ومما يبين ذلك‬
‫أن أزواج النبي ـ ‘ ـ مذكورات في اآلية‪ ،‬والكالم في األمر بالتطهير‬
‫بإيجاب ‪ ،‬ووعد الثواب على فعل ‪ ،‬والعقاب على ترك ‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫{ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ‬

‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ}‪{ .‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬

‫ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ}‪{ .‬ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬

‫ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ} [األحزاب‪:‬‬

‫‪ 30‬ــ ‪ ]32‬إلى قول ‪{ :‬ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [األحزاب‪ .]33 :‬فالخطاب كل ألزواج‬


‫النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬ومعهن األمر والنهي والوعد والوعيد‪ .‬لكن لما تبين ما في‬
‫هذا من المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت‪ ،‬جاء التطهير‬
‫بهذا الخطاب وغيره‪ ،‬وليس مختصا بأزواج ‪ ،‬بل هو متناول ألهل البيت‬
‫كلهم‪ ،‬وعلي وفاطمة والحسن والحسين أخص من غيرهم بذلك؛‬
‫ولذلك خصهم النبي ـ ‘ ـ بالدعاء لهم‪ .‬وهذا كما أن قول ‪{ :‬ﱡ‬

‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ} [التوبة‪ ]108 :‬نزلت بسبب مسجد قباء‪ ،‬لكن‬


‫الحكم يتناول ويتناول ما هو أحق من بذلك‪ ،‬وهو مسجد المدينة‪...‬‬
‫وهكذا أزواج وعلي وفاطمة والحسن والحسين كلهم من أهل البيت‪،‬‬
‫لكن عليا وفاطمة‪ ،‬والحسن والحسين أخص بذلك من أزواج ‪ ،‬ولهذا‬
‫‪329‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫خصهم بالدعاء‪<.‬ا‪.)1‬‬
‫وقال‪> :‬فإن قيل‪ :‬فهب أن القرآن ًل يدل على وقوع ما أريد من‬
‫التطهير وإذهاب الرجس‪ ،‬لكن دعاء النبي ـ ‘ ـ لهم بذلك يدل على‬
‫وقوع ‪ ،‬فإن دعاءه مستجاب‪ .‬قيل‪ :‬المقصود أن القرآن ًل يدل على ما‬
‫ادعاه من ثبوت الطهارة وإذهاب الرجس‪ ،‬فضال عن أن يدل على‬
‫العصمة واإلمامة‪ .‬وأما اًلستدًلل بالحديث فذاك مقام آخر‪ .‬ثم نقول‬
‫في المقام الثاني‪ :‬هب أن القرآن دل على طهارتهم وإذهاب الرجس‬
‫عنهم‪ ،‬كما أن الدعاء المستجاب ًل بد أن يتحقق مع طهارة المدعو‬
‫لهم وإذهاب الرجس عنهم‪ ،‬لكن ليس في ذلك ما يدل على العصمة‬
‫من الخطأ‪ .‬والدليل علي أن اهلل لم يرد بما أمر ب أزواج النبي ـ ‘ ـ‬
‫أن ًل يصدر من واحدة منهن خطأ‪ ،‬فإن الخطأ مغفور لهن ولغيرهن‪،‬‬
‫وسياق اآلية يقتضي أن يريد ليذهب عنهم الرجس ــ الذي هو الخبث‬
‫كالفواحش ــ ويطهرهم تطهيرا من الفواحش وغيرها من الذنوب<ا‪.)2‬‬
‫ومن اآليات الدالة على فضل أزواج النبي ‘‪ ،‬قول تعالى‪:‬‬
‫{ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ} [األحزاب‪ ،]6 :‬قال‬
‫الواحدي‪> :‬قال جميع المفسرين‪ :‬أي في حرمة نكاحهن‪ ،‬فال يحل‬
‫ألحد التزوج بواحدة منهن كما ًل يحل التزوج باألم‪ .‬وهذه األمومة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬منهاج السنة‪ :‬ا‪ 74/7‬ــ ‪.)75‬‬
‫ا‪ )2‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)79/7‬‬
‫‪330‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫تعود إلى حرمة نكاحهن ًل غير؛ ألن لم يثبت شيء من أحكام األمومة‬
‫بين المؤمنين وبينهن سوى هذه الواحدة‪ ،‬أًل ترى أن ًل يحل رؤيتهن‬
‫وًل يرثن المؤمنين وًل يرثونهن‪ ،‬ولهذا قال الشافعي‪ :‬وأزواج أمهاتهم‬
‫في معنى دون معنى‪ ،‬وهو أنهن محرمات على التأبيد‪ ،‬وما كن محرمات‬
‫لهن‬
‫َّ‬ ‫في الخلوة والمسافرة وغير ذلك<ا‪ ،)1‬وقال الزمخشري‪> :‬تشبي‬
‫باألمهات في بعض األحكام‪ ،‬وهو وجوب تعظيمه َّن واحترامهن‪،‬‬
‫وتحريم نكاحهن<ا‪.)2‬‬
‫{ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬ ‫وقال ابن تيمية‪> :‬وقد قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﲫﲬ ﲭ ﲮ} [األحزاب‪ ]6 :‬وهذا أمر معلوم لألمة علما عاما‪،‬‬
‫وقد أجمع المسلمون على تحريم نكاح هؤًلء بعد موت على غيره‪،‬‬
‫وعلى وجوب احترامهن ؛ فهن أمهات المؤمنين في الحرمة والتحريم‪،‬‬
‫ولسن أمهات المؤمنين في المحرمية‪ ،‬فال يجوز لغير أقاربهن الخلوة‬
‫بهن‪ ،‬وًل السفر بهن‪ ،‬كما يخلو الرجل ويسافر بذوات محارم ‪.‬‬
‫{ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬ ‫ولهذا أمرن بالحجاب‪ ،‬فقال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬
‫{ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬ ‫[األحزاب‪]59 :‬‬ ‫ﲞ}‬
‫ﲴﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)176/18‬‬
‫ا‪ )2‬الكشاف‪ :‬ا‪.)523/3‬‬
‫‪331‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ}‬ ‫ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬
‫[األحزاب‪<]53 :‬ا‪.)1‬‬

‫‪ 2‬ــ الصالة عليهم‪.‬‬


‫ومن الدًلئل على فضل آل البيت الصالة عليهم‪ ،‬قول تعالى‪:‬‬
‫{ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬
‫ﱯ} [األحزاب‪ ،]56 :‬وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى‪ ،‬قال‪ :‬لقيني‬
‫كعب بن عجرة‪ ،‬فقال‪ :‬أًل أهدي لك هدية؟ إن النبي ‘ خرج علينا‪،‬‬
‫فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬قد علمنا كيف نسلم عليك‪ ،‬فكيف نصلي عليك؟‬
‫قال‪> :‬فقولوا‪ :‬اللهم صل على محمد‪ ،‬وعلى آل محمد‪ ،‬كما صليت‬
‫على آل إبراهيم‪ ،‬إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد‪ ،‬وعلى آل‬
‫محمد‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم‪ ،‬إنك حميد مجيد<ا‪.)2‬‬
‫وعن موسى بن طلحة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬أتى رجل النبي ‘‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫سمعت اهلل يقول‪{ :‬ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ} [األحزاب‪..]56 :‬‬
‫اآلية‪ ،‬فكيف الصالة عليك؟ فقال‪> :‬قل‪ :‬اللهم صل على محمد وعلى‬
‫آل محمد‪ ،‬كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك على‬
‫محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد<ا‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)369/4‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)6357‬ومسلم‪ :‬ا‪.)406‬‬
‫ا‪ )3‬أخرج البطبري‪ :‬ا‪.)175/19‬‬
‫‪332‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫‪ 3‬ــ آية المحاجة‪:‬‬


‫{ﲯ ﲰ‬ ‫ومن اآليات التي تحدثت عن أهل البيت‪ ،‬قول تعالى‪:‬‬
‫ﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬
‫ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ}‬
‫[آل عمران‪ ،]61 :‬عن عامر بن سعد بن أبي وقاص‪ ،‬عن أبي ‪ ،‬قال‪ :‬أمر‬
‫معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال‪ :‬ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال‪:‬‬
‫أما ما ذكرت ثالثا قالهن ل رسول اهلل ‘ فلن أسب ‪ ،‬ألن تكون لي‬
‫واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم‪ ،‬سمعت رسول اهلل ‘ يقول ل ‪،‬‬
‫خلف في بعض مغازي ‪ ،‬فقال ل علي‪ :‬يا رسول اهلل خلفتني مع النساء‬
‫والصبيان؟ فقال ل رسول اهلل ‘‪> :‬أما ترضى أن تكون مني بمنزلة‬
‫هارون من موسى؟ إًل أن ًل نبوة بعدي< وسمعت يقول يوم خيبر‬
‫>ألعطين الراية رجال يحب اهلل ورسول ‪ ،‬ويحب اهلل ورسول < قال‬
‫فتطاولنا لها فقال‪> :‬ادعوا لي عليا< فأتي ب أرمد‪ ،‬فبصق في عين ودفع‬
‫الراية إلي ‪ ،‬ففتح اهلل علي ‪ ،‬ولما نزلت هذه اآلية‪{ :‬ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬
‫ﲼ} دعا رسول اهلل ‘ عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال‪:‬‬
‫>اللهم هؤًلء أهلي<ا‪.)1‬‬
‫يقول الزمخشري‪> :‬وفي دليل ًل شيء أقوى من على فضل‬
‫أصحاب الكساء ‪<‬ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه مسلم‪ :‬ا‪ ،)2404‬والترمذي‪ :‬ا‪.)2999‬‬
‫ا‪ )2‬الكشاف‪ :‬ا‪.)370/1‬‬
‫‪333‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫‪ 4‬ــ آية المودة(‪:)1‬‬


‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉﱊ‬ ‫يقول تعالى‪:‬‬
‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬
‫ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ} [الشورى‪.]23 :‬‬
‫ومعنى اآلية على ما يقتضي نظمها‪ً :‬ل أسألكم على القرآن جزاء‬
‫إًل أن تودوني‪ ،‬أي أن تعاملوني معاملة الود‪ ،‬أي غير معاملة العداوة‪،‬‬
‫ألجل القرابة التي بيننا في النسب القرشيا‪.)2‬‬
‫يقول الطبري‪> :‬وأولى األقوال في ذلك بالصواب‪ ،‬وأشبهها بظاهر‬
‫التنزيل قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬قل ًل أسألكم علي أجرا يا معشر قريش‪،‬‬
‫إًل أن تودوني في قرابتي منكم‪ ،‬وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم‪.‬‬
‫وإنما قلت‪ :‬هذا التأويل أولى بتأويل اآلية لدخول >في< في قول ‪:‬‬
‫{ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} ولو كان معنى ذلك على ما قال من قال‪ :‬إًل أن‬
‫تودوا قرابتي‪ ،‬أو تقربوا إلى اهلل‪ ،‬لم يكن لدخول >في< في الكالم في‬
‫هذا الموضع وج معروف‪ ،‬ولكان التنزيل‪ :‬إًل مودة القربى إن عنى ب‬
‫األمر بمودة قرابة رسول اهلل ‘‪ ،‬أو إًل المودة بالقربى‪ ،‬أو ذا القربى‬
‫إن عنى ب التودد والتقرب وفي دخول >في< في الكالم أوضح الدليل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر في تأويل هذه اآلية‪ :‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)95/7‬‬
‫ا‪ )2‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)82/25‬‬
‫‪334‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫على أن معناه‪ :‬إال مودتي في قرابتي منكم‪ ،‬وأن األلف والالم في المودة‬
‫أدخلتا بدًل من اإلضافة‪ ،‬كما قيل‪{ :‬ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ} [النازعات‪]41 :‬‬

‫وقول ‪> :‬إًل< في هذا الموضع استثناء منقطع ومعنى الكالم‪ :‬قل ًل‬
‫أسألكم علي أجرا‪ ،‬لكني أسألكم المودة في القربى‪ ،‬فالمودة منصوبة‬
‫على المعنى الذي ذكرت وقد كان بعض نحويي البصرة يقول‪ :‬هي منصوبة‬
‫بمضمر من الفعل‪ ،‬بمعنى‪ :‬إًل أن أذكر مودة قرابتي<ا‪.)1‬‬
‫{ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬ ‫يقول ابن كثير‪> :‬وقول ‪:‬‬
‫ﱓ} أي‪ :‬قل يا محمد لهؤًلء المشركين من كفار قريش‪ً :‬ل أسألكم‬
‫على هذا البالغ والنصح لكم ما ًل تعطوني ‪ ،‬وإنما أطلب منكم أن تكفوا‬
‫شركم عني وتذروني أبلغ رساًلت ربي‪ ،‬إن لم تنصروني فال تؤذوني‬
‫بما بيني وبينكم من القرابة<ا‪.)2‬‬
‫وأورد عدة أحاديث منها حديث ابن عباا ‪ :‬أن سئل عن‬
‫قول ‪{ :‬ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} [الشورى‪ ]23 :‬ــ فقال سعيد بن جبير‪ :‬قربى آل‬
‫محمد ‘ ــ فقال ابن عباا‪ :‬عجلت إن النبي ‘ لم يكن بطن من‬
‫قريش‪ ،‬إًل كان ل فيهم قرابة‪ ،‬فقال‪> :‬إًل أن تصلوا ما بيني وبينكم من‬
‫القرابة<ا‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)502/20‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)199/7‬‬
‫ا‪ )3‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)4818‬‬
‫‪335‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫{ﱋ ﱌ‬ ‫ثم قال‪ ....> :‬عن ابن عباا قال‪ :‬لما نزلت هذه اآلية‪:‬‬
‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬من هؤًلء‬
‫الذين أمر اهلل بمودتهم؟ قال‪> :‬فاطمة وولدها‪.< ،‬‬
‫وهذا إسناد ضعيف‪ ،‬في مبهم ًل يعرف‪ ،‬عن شيخ شيعي متخرق‪،‬‬
‫وهو حسين األشقر‪ ،‬وًل يقبل خبره في هذا المحل‪ .‬وذكر نزول هذه‬
‫اآلية في المدينة بعيد؛ فإنها مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أوًلد‬
‫بالكلية‪ ،‬فإنها لم تتزوج بعلي إًل بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة‪.‬‬
‫والحق تفسير اآلية بما فسرها ب اإلمام حبر األمة‪ ،‬وترجمان‬
‫القرآن‪ ،‬عبد اهلل بن عباا‪ ،‬كما رواه عن البخاري ‪ ‬وًل تنكر الوصاة‬
‫بأهل البيت‪ ،‬واألمر باإلحسان إليهم‪ ،‬واحترامهم وإكرامهم‪ ،‬فإنهم من‬
‫ذرية طاهرة‪ ،‬من أشرف بيت وجد على وج األرض‪ ،‬فخرا وحسبا‬
‫ونسبا‪ ،‬وًل سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة‬
‫الجلية‪ ،‬كما كان علي سلفهم‪ ،‬كالعباا وبني ‪ ،‬وعلي وأهل بيت وذريت ‪،‬‬
‫رضي اهلل عنهم أجمعين<ا‪.)1‬‬
‫وذكر أهل التفسير >في المراد بال ُقربى خمسة أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن معنى الكالم‪ :‬إ ًّل أن َت َو ُّدوني لقرابتي منكم‪ ،‬قال ابن‬
‫بطن‬
‫عباا‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬ومجاهد في األكثرين‪ .‬قال ابن عباا‪ :‬ولم يكن ٌ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)201/7‬‬
‫‪336‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫من بطون قريش إ ًّل ولرسول اهلل ‘ فيهم قرابة‪.‬‬


‫علي بن الحسين‪ ،‬وسعيد بن‬
‫ّ‬ ‫والثاني‪ :‬إ ًّل أن َت َو ُّدوا قرابتي‪ ،‬قال‬
‫جبير‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫ثم في المراد بقرابت قوًلن‪:‬‬
‫علي وفاطمة وولدها‪ ،‬وقد رووه مرفو اعا إلى رسول‬
‫أحدهما‪ّ :‬‬
‫اهلل ‘‪.‬‬
‫الخ ُمس‬
‫والثاني‪ :‬أنهم الذين َت ْح ُرم عليهم الصدقة ويُ ْق َسم فيهم ُ‬
‫وهم بنو هاشم وبنو الم َّطلِب‪.‬‬
‫يقربكم إلي‬
‫والثالث‪ :‬أن المعنى‪ :‬إ ًّل أن َت َو َّددوا إلى اهلل تعالى فيما ِّ‬
‫من العمل الصالح‪ ،‬قال الحسن‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫قرابتكم‪ ،‬قال ابن زيد‪.‬‬
‫َ‬ ‫والرابع‪ :‬إ ًّل أن َت َو ُّدوني‪ ،‬كما َت َو ُّدون‬
‫أرحامكم‪ ،‬حكاه الماوردي‪.‬‬
‫َ‬ ‫قرابتكم ِ‬
‫وتصلوا‬ ‫والخامس‪ :‬إ ًّل أن َت َو ُّدوا َ‬
‫واألول‪ :‬أصح<ا‪.)1‬‬
‫فليعلم أن ما فسر ب بعض المفسرين أن المعنى‪> :‬إًل أن تودوا‬
‫أقاربي‪ ،‬تلفيق معنى عن فهم غير منظور في إلى األسلوب العربي‪ ،‬وًل‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬زاد المسير‪ :‬ا‪ 64/4‬ــ ‪.)65‬‬
‫‪337‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫تصح في رواية عمن يعتد بفهم ‪.‬‬


‫أما كون محبة آل النبي ‘ ألجل محبة ما ل اتصال ب خل اقا من‬
‫أخالق المسلمين فحاصل من أدلة أخرى<ا‪.)1‬‬

‫‪ 5‬ــ الغنيمة‪:‬‬
‫{ﱂ‬ ‫ومما يتعلق بآل البيت مما ذكر في القرآن‪ ،‬قول تعالى‪:‬‬
‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎ‬
‫ﱏ ﱐ} [األنفال‪.]41 :‬‬
‫قال ابن كثير‪> :‬يبين تعالى تفصيل ما شرع مخصصا لهذه األمة‬
‫الشريفة‪ ،‬من بين سائر األمم المتقدمة‪ ،‬من إحالل المغانم‪ .‬و>الغنيمة<‪:‬‬
‫هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب‪ .‬و>الفيء<‪ :‬ما‬
‫أخذ منهم بغير ذلك‪ ،‬كاألموال التي يصالحون عليها‪ ،‬أو يتوفون عنها‬
‫وًل وار لهم‪ ،‬والجزية والخراج ونحو ذلك‪ .‬هذا مذهب اإلمام‬
‫الشافعي في طائفة من علماء السلف والخلف‪.‬‬
‫ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق علي الغنيمة‪ ،‬والغنيمة‬
‫على الفيء أيضا؛ ولهذا ذهب قتادة إلى أن هذه اآلية ناسخة آلية‬
‫{ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬ ‫>الحشر<‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)83/25‬‬
‫‪338‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫ﲄ ﲅ} اآلية [الحشر‪ ،]7 :‬قال‪ :‬فنسخت آية >األنفال< تلك‪،‬‬


‫وجعلت الغنائم‪ :‬أربعة أخماسها للمجاهدين‪ ،‬وخمسا منها لهؤًلء‬
‫المذكورين‪ .‬وهذا الذي قال بعيد؛ ألن هذه اآلية نزلت بعد وقعة بدر‪،‬‬
‫وتلك نزلت في بني النضير‪ ،‬وًل خالف بين علماء السير والمغازي‬
‫قاطبة أن بني النضير بعد بدر‪ ،‬هذا أمر ًل يشك في وًل يرتاب‪ ،‬فمن‬
‫يفرق بين معنى الفيء والغنيمة يقول‪ :‬تلك نزلت في أموال الفيء وهذه‬
‫في المغانم‪ .‬ومن يجعل أمر المغانم والفيء راجعا إلى رأي اإلمام‬
‫يقول‪ً :‬ل منافاة بين آية الحشر وبين التخميس إذا رآه اإلمام‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقول تعالى‪{ :‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ} توكيد‬
‫لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط‪ ،‬قال اهلل تعالى‪{ :‬ﲇ‬
‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ}‬
‫[آل عمران‪.]161 :‬‬
‫‪ ...‬وأما سهم ذوي القربى فإن يصرف إلى بني هاشم وبني‬
‫المطلب؛ ألن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية وفي أول‬
‫اإلسالم ودخلوا معهم في الشعب غضبا لرسول اهلل ‘ وحماية ل ‪:‬‬
‫مسلمهم طاعة هلل ولرسول ‪ ،‬وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة ألبي‬
‫طالب عم رسول اهلل‪ .‬وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل ــ وإن كانوا أبناء‬
‫عمهم ــ فلم يوافقوهم على ذلك‪ ،‬بل حاربوهم ونابذوهم‪ ،‬ومالئوا بطون‬
‫‪339‬‬
‫اآليات اليت نزلت يف تزكية القرابة إمجاالً‬

‫قريش على حرب الرسول؛ ولهذا كان ذم أبي طالب لهم في قصيدت‬
‫الالمية أشد من غيرهم‪ ،‬لشدة قربهم<ا‪.)1‬‬
‫وانظر ما يتعلق باآلية من أحكام في مظان في كتب الفق ا‪.)2‬‬

‫‪:U‬‬
‫اعلم أن هذه اآليات هي اآليات التي وردت في فضائل آل البيت‬
‫دليال على التفضيل‬
‫جملة‪ ،‬وقد علمت أن بعضها ًل يصلح أن يكون ا‬
‫لعموم ‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وقد تركنا إيراد ما ًل يصح أن نعول علي ‪ ،‬إما‬
‫للتعسف في تأويل ‪ ،‬وإما لكون اآلية عامة‪ ،‬وتخصيصها بشخص أو‬
‫أشخاص غاية في الضعف‪ ،‬وإننا نشهد آلل البيت بالفضائل الثابتة‬
‫الصحيحة التي ًل نحتاج معها إلى تحميل للنصوص ما ًل تحتمل ‪،‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪ 59/4‬ــ ‪.)65‬‬
‫ا‪ )2‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪ :‬ا‪.)71/33‬‬
‫‪340‬‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا ااا‬ ‫َّ ا ا‬
‫ا‬
‫وصةُ‬
‫مصُ ُ‬
‫آياتُ ُ‬
‫يمُ ُ‬
‫ل ِ ُف ِ ُ‬
‫ز ُ‬
‫ين ُن ُ‬
‫ال ُ‬ ‫لص ُ‬
‫َح ُبةُ ِ ُ‬ ‫ا ُ‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫‪5‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬
‫هو خليفة رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ ،‬ومؤنس في الغار‪ِ ،‬‬
‫وص ِّديق األكبر‪،‬‬
‫أفضل األُ َّمة‪ ،‬وسيد المهاجرين‬
‫ُ‬ ‫وصديقه األشفق‪ ،‬ووزيره األحزم‪،‬‬
‫وخيرهم‪ ،‬وسابق الصحابة وشيخهم‪ ،‬عبد اهلل بن عثمان بن عامر بن‬
‫عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب‬
‫القرشي التيميا‪ ،)1‬ويلتقي مع النبي ـ ‘ ـ في النسب في الجد السادا‬
‫مرة بن كعب‪ ،‬ويكنى بأبي بكرا‪.)2‬‬
‫>وقد علم بالتواتر أن أبا بكر كان محبا للنبي ـ ‘ ـ مؤمنا ب ‪ ،‬من‬
‫أعظم الخلق اختصاصا ب ‪ ،‬أعظم مما تواتر من شجاعة عنترة‪ ،‬ومن‬
‫سخاء حاتم‪ ،‬ومن مواًلة علي ومحبت ل ‪ ،‬ونحو ذلك من التواترات‬
‫المعنوية فيها األخبار الكثيرة على مقصود واحد<ا‪.)3‬‬

‫‪ 1‬ــ الصاحب‪.‬‬
‫لقد ذكر اهلل تعالى فضل الصديق في عدد من اآليات الكريمة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬اإلصابة ًلبن حجر‪ :‬ا‪ 144/4‬ــ ‪.)145‬‬
‫ا‪ )2‬أبو بكر الصديق‪ ،‬علي الطنطاوي‪ ،‬ا‪.)46‬‬
‫ا‪ )3‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)434/8‬‬
‫‪343‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫ومنها تلقيب بالصاحب‪ ،‬قال البخاري‪> :‬باب مناقب المهاجرين وفضلهم‪،‬‬


‫منهم أبو بكر عبد اهلل بن أبي قحافة التيمي ‪ ،‬وقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬

‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ} [الحشر‪ ]8 :‬وقال اهلل‪:‬‬


‫{ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ} [التوبة‪ ]40 :‬إلى قول {ﲩ ﲪ ﲫ} [التوبة‪:‬‬

‫‪> ]40‬قالت عائشة‪ :‬وأبو سعيد‪ ،‬وابن عباا ‪> :‬وكان أبو بكر مع‬
‫النبي ‘ في الغار<<ا‪.)1‬‬
‫وقد حكى أبو بكر ‪ ‬قصة اآلية فعن البراء بن عازب‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫جاء أبو بكر الصديق إلى أبي في منزل ‪ ،‬فاشترى من رحال‪ ،‬فقال‬
‫لعازب‪ :‬ابعث معي ابنك يحمل معي إلى منزلي‪ ،‬فقال لي أبي‪ :‬احمل ‪،‬‬
‫فحملت ‪ ،‬وخرج أبي مع ينتقد ثمن ‪ ،‬فقال ل أبي‪ :‬يا أبا بكر حدثني‬
‫كيف صنعتما ليلة سريت مع رسول اهلل ‘؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أسرينا ليلتنا‬
‫كلها‪ ،‬حتى قام قائم الظهيرة‪ ،‬وخال الطريق فال يمر في أحد‪ ،‬حتى‬
‫رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل‪ ،‬لم تأت علي الشمس بعد‪ ،‬فنزلنا‬
‫عندها‪ ،‬فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكانا‪ ،‬ينام في النبي ‘ في‬
‫ظلها‪ ،‬ثم بسطت علي فروة‪ ،‬ثم قلت‪ :‬نم‪ ،‬يا رسول اهلل وأنا أنفض لك‬
‫ما حولك‪ ،‬فنام وخرجت أنفض ما حول ‪ ،‬فإذا أنا براعي غنم مقبل‬
‫بغنم إلى الصخرة‪ ،‬يريد منها الذي أردنا‪ ،‬فلقيت فقلت‪ :‬لمن أنت؟ يا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬صحيح البخاري‪ :‬ا‪.)3/5‬‬
‫‪344‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫غالم فقال‪ :‬لرجل من أهل المدينة‪ ،‬قلت‪ :‬أفي غنمك لبن؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قلت‪ :‬أفتحلب لي؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأخذ شاة‪ ،‬فقلت ل ‪ :‬انفض الضرع من‬
‫الشعر والتراب والقذى ــ قال‪ :‬فرأيت البراء يضرب بيده على األخرى‬
‫ينفض ــ فحلب لي‪ ،‬في قعب مع ‪ ،‬كثبة من لبن‪ ،‬قال‪ :‬ومعي إداوة‬
‫أرتوي فيها للنبي ‘‪ ،‬ليشرب منها ويتوضأ‪ ،‬قال‪ :‬فأتيت النبي ‘‪،‬‬
‫وكرهت أن أوقظ من نوم ‪ ،‬فوافقت استيقظ‪ ،‬فصببت على اللبن من‬
‫الماء حتى برد أسفل ‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل اشرب من هذا اللبن‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فشرب حتى رضيت‪ ،‬ثم قال‪> :‬ألم يأن للرحيل؟< قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فارتحلنا بعدما زالت الشمس‪ ،‬واتبعنا سراقة بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬ونحن في‬
‫جلد من األرض‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل أتينا‪ ،‬فقال‪ً> :‬ل تحزن إن اهلل‬
‫معنا< فدعا علي رسول اهلل ‘‪ ،‬فارتطمت فرس إلى بطنها‪ ،‬أرى فقال‪:‬‬
‫إني قد علمت أنكما قد دعوتما علي‪ ،‬فادعوا لي‪ ،‬فاهلل لكما أن أرد‬
‫عنكما الطلب فدعا اهلل‪ ،‬فنجا‪ ،‬فرجع ًل يلقى أحدا إًل قال‪ :‬قد كفيتكم‬
‫ما هاهنا‪ ،‬فال يلقى أحدا إًل رده‪ ،‬قال‪ :‬ووفى لناا‪ .)1‬وعن أنس‪ ،‬عن‬
‫أبي بكر ‪ ،‬قال‪ :‬قلت للنبي ‘‪ :‬وأنا في الغار‪ :‬لو أن أحدهم نظر‬
‫تحت قدمي ألبصرنا‪ ،‬فقال‪> :‬ما ظنك يا أبا بكر باثنين اهلل ثالثهما<ا‪.)2‬‬
‫وكفى بتلقيب اهلل ل في القرآن بالصاحب‪ ،‬كما في قول تعالى‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)3615‬ا‪ ،)3652‬ومسلم‪ :‬ا‪.)2009‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)3653‬‬
‫‪345‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫{ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬
‫ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ‬
‫ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ‬
‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ} [التوبة‪.]40 :‬‬
‫>شهد اهلل ــ جل وتعالى ــ ل بالصحبة والكينونة مع في الغار من‬
‫دون الناا‪ ،‬ولخروج من توبيخ الخطاب وترك النصرة بالمسابقة إلى‬
‫ما قعد عن غيره‪ ،‬والمشاركة ل فيما يحذر المطلوب‪ ،‬إذ ًل نصرة أنصر‬
‫ممن بذل نفس للمكروه وخرج مع المطلوب يؤنس في وحدت ويشارك‬
‫فيما يتقي من محذور عدوه<ا‪.)1‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪> :‬فإن المراد بصاحب هنا أبو بكر بال‬
‫منازع<ا‪.)2‬‬
‫عن عمرو بن الحار ‪ ،‬عن أبي ‪ :‬أن أبا بكر الصديق‪ ،‬رحمة اهلل‬
‫تعالى علي حين خطب قال‪> :‬أيكم يقرأ سورة التوبة؟< قال رجل‪ :‬أنا‪،‬‬
‫قال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فلما بلغ‪{ :‬ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} بكى أبو بكر وقال‪:‬‬
‫>أنا واهلل صاحب <ا‪.)3‬‬
‫>وال ريب أن الفضيلة التي حصلت ألبي بكر في الهجرة لم تحصل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬نكت القرآن‪ ،‬للقصاب‪ :‬ا‪.)535/1‬‬
‫ا‪ )2‬اإلصابة في تمييز الصحابة‪ :‬ا‪.)148/4‬‬
‫ا‪ )3‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)466/11‬‬
‫‪346‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫لغيره من الصحابة بالكتاب والسنة واإلجماع‪ ،‬فتكون هذه األفضلية ثابتة‬


‫ل دون عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة‪ ..‬يقول اهلل‪{ :‬ﲕ‬
‫ﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢ‬
‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ}‪.‬‬
‫ومثل هذه الفضيلة لم تحصل لغير أبي بكر قط اعا‪ ،‬بخالف الوقاية‬
‫بالنفس‪ ،‬فإنها لو كانت صحيحة فغير واحد من الصحابة وقى النبي ـ ‘ ـ‬
‫بنفس ‪.‬‬
‫وهذا واجب على كل مؤمن‪ ،‬ليس من الفضائل المختصة باألكابر‬
‫من الصحابة‪.‬‬
‫واألفضلية إنما تثبت بالخصائص ًل بالمشتركات‪.‬‬
‫وإن كثيرا من فضائل [أبي بكر] ــ وأكثرها ــ خصائص ل ‪ً ،‬ل‬
‫يشرك فيها غيره<ا‪.)1‬‬
‫يقول ابن تيمية‪> :‬وأيضا ففي المواضع التي ال يكون مع النبي ـ ‘ ـ‬
‫من أكابر الصحابة إًل واحد كان يكون هو ذلك الواحد‪ ،‬مثل سفره في‬
‫الهجرة ومقام يوم بدر في العريش‪ :‬لم يكن مع في إًل أبو بكر‪ ،‬ومثل‬
‫خروج إلى قبائل العرب يدعوهم إلى اإلسالم كان يكون مع من أكابر‬
‫الصحابة أبو بكر‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)121/7‬‬
‫‪347‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫وهذا اًلختصاص في الصحبة لم يكن لغيره باتفاق أهل المعرفة‬


‫بأحوال النبي ـ ‘ ـ‪ .‬وأما من كان جاهال أحوال النبي ـ ‘ ـ أو كذابا‬
‫فذلك يخاطب خطاب مثل ‪.‬‬
‫فقول تعالى في القرآن‪{ :‬ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} ًل يختص‬
‫بمصاحبت في الغار‪ ،‬بل هو صاحب المطلق الذي كمل في الصحبة‬
‫كماًل لم يشرك في غيره‪ ،‬فصار مختصا باألكملية من الصحبة‪.‬‬
‫كما في الحديث رواه البخاري عن أبي الدرداء عن النبي ـ ‘ ـ‬
‫أن قال‪> :‬أيها الناا اعرفوا ألبي بكر حق ؛ فإن لم يسؤني قط‪ ،‬أيها‬
‫الناا إني راض عن عمر وعثمان وعلي وفالن وفالن<‪.‬‬
‫فقد تبين أن النبي ـ ‘ ـ خص دون غيره مع أن قد جعل غيره‬
‫من أصحاب أيضا؛ لكن خص بكمال الصحبة‪.‬‬
‫ولهذا قال من قال من العلماء‪ :‬إن فضائل الصديق خصائص لم‬
‫يشرك فيها غيره‪.‬‬
‫ومن أراد أن يعرف فضائلهم ومنازلهم عند النبي ـ ‘ ـ فليتدبر‬
‫األحاديث الصحيحة التى صححها أهل العلم بالحديث الذين كملت‬
‫خبرتهم بحال النبي ـ ‘ ـ ومحبتهم ل ‪ ،‬وصدقهم في التبليغ عن وصار‬
‫هواهم تبعا لما جاء ب ‪ ،‬فليس لهم غرض إًل معرفة ما قال ‪ ،‬وتمييزه‬
‫عما يخلط بذلك من كذب الكاذبين وغلط الغالطين<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬منهاج السنة‪ :‬ا‪ 416/8‬ــ ‪ ،)417‬بتصرف‪.‬‬
‫‪348‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫ويقول‪> :‬ومما يبين من القرآن فضيلة أبي بكر في الغار أن اهلل‬


‫تعالى ذكر نصره لرسول في هذه الحال التي يخذل فيها عامة الخلق إًل‬
‫من نصره اهلل‪{ :‬ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ}‬
‫[التوبة‪ ]40 :‬أي‪ :‬أخرجوه في هذه القلة من العدد لم يصحبه إال الواحد؛ فإن‬
‫الواحد أقل ما يوجد فإذا لم يصحبه إال واحد دل على أنه في غاية القلة‪.‬‬
‫ثم قال‪{ :‬ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ}؛ وهذا يدل‬
‫على أن صاحب كان مشفقا علي محبا ل ناصرا ل حيث حزن‪ ،‬وإنما‬
‫يحزن اإلنسان حال الخوف على من يحب ‪ ،‬وأما عدوه فال يحزن إذا‬
‫انعقد سبب هالك ‪.‬‬
‫فلو كان أبو بكر مبغضا كما يقول المفترون لم يحزن ولم ين عن‬
‫الحزن‪ ،‬بل كان يضمر الفرح والسرور‪ ،‬وًل كان الرسول يقول ل ‪{ :‬ﲧ‬

‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ}‪.‬‬
‫فإن قال المفتري‪ :‬إن خفي على الرسول حال لما أظهر ل الحزن‪،‬‬
‫وكان في الباطن مبغضا‪.‬‬
‫قيل ل فقد قال‪{ :‬ﲩ ﲪ ﲫ}‪ ،‬فهذا إخبار بأن اهلل معهما‬
‫جميعا بنصره‪ ،‬وًل يجوز للرسول أن يخبر بنصر اهلل لرسول وللمؤمنين‬
‫وأن اهلل معهم ويجعل ذلك في الباطن منافقا فإن معصوم في خبره عن‬
‫اهلل ًل يقول علي إًل الحق؛ وإن جاز أن يخفى علي حال بعض الناا‬
‫‪349‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫{ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ‬ ‫فال يعلم أن منافق كما قال‪:‬‬


‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ} [التوبة‪ ]101 :‬فال يجوز أن‬
‫يخبر عنهم بما يدل على إيمانهم‪.‬‬
‫وأيضا فإن اهلل أخبر بهذا عن الرسول إخبار مقرر ل ‪ً ،‬ل إخبار منكر‬
‫ل فعلم أن قول ‪{ :‬ﲩ ﲪ ﲫ} من الخبر الصدق الذي أمر اهلل ب‬
‫ورضي ًل مما أنكره وعاب ‪.‬‬
‫وأيضا فمعلوم أن أضعف الناا عقال ًل يخفى علي حال من‬
‫يصحب في مثل هذا السفر الذي يعادي في المأل الذين هم بين أظهرهم‪،‬‬
‫ويطلبون قتل ‪ ،‬وأولياؤه هناك ًل يستطيعون نصره؛ فكيف يصحب واحدا‬
‫ممن يظهر ل مواًلت دون غيره‪ ،‬وقد أظهر ل هذا حزن ‪ ،‬وهو مع ذلك‬
‫عدو ل في الباطن‪ .‬والمصحوب يعتقد أن ولي ‪ ،‬وهذا ًل يفعل إًل‬
‫أحمق الناا وأجهلهم‪.‬‬
‫فقبح اهلل من نسب رسول الذي هو أكمل الخلق عقال وعلما وخبرة‬
‫إلى مثل هذه الجهالة والغباوة<ا‪.)1‬‬
‫ويقول‪> :‬واعلم أن ليس في المهاجرين منافق‪ ،‬وإنما كان النفاق‬
‫في قبائل األنصار‪ ،‬ألن أحدا لم يهاجر إًل باختياره‪ ،‬والكافر بمكة لم‬
‫يكن يختار الهجرة‪ ،‬ومفارقة وطن وأهل لنصر عدوه‪ ،‬وإنما يختارها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬منهاج السنة‪ :‬ا‪ 429/8‬ــ ‪.)430‬‬
‫‪350‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬ ‫الذين وصفهم اهلل تعالى بقول ‪:‬‬


‫ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ‬
‫ﲳ} [الحشر‪.]8 :‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬ ‫وقول ‪:‬‬
‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ} [الحج‪.]40 ،39 :‬‬
‫وأبو بكر أفضل هؤًلء كلهم‪.‬‬
‫وإذا كان هذا الكالم يستلزم إيمان فمعلوم أن الرسول ًل يختار‬
‫لمصاحبت في سفر هجرت الذي هو أعظم األسفار خوفا‪ ،‬وهو السفر‬
‫الذي جعل مبدأ التاريخ لجاللة قدره في النفوا ولظهور أمره‪ ،‬فإن‬
‫التاريخ ًل يكون إًل بأمر ظاهر معلوم لعامة الناا ًل يستصحب الرسول‬
‫في من يختص بصحبت إًل وهو من أعظم الناا طمأنينة إلي ووثوقا ب ‪.‬‬
‫ويكفي هذا في فضائل الصديق‪ ،‬وتمييزه على غيره‪ ،‬وهذا من‬
‫فضائل الصديق التي لم يشرك فيها غيره‪ ،‬ومما يدل على أن أفضل‬
‫أصحاب رسول اهلل ‘ عنده<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬منهاج السنة‪ :‬ا‪ ،)450/8‬وانظر في رد الشبهات حول هذه اآلية‪ ،‬وكونها مثبتة‬
‫لفضل الصديق‪ ،‬منهاج السنة‪ً ،‬لبن تيمية‪ :‬ا‪ )433/8‬إلى نهاية الكتاب‪.‬‬
‫وهذه اآلية دالة على فضل أبي بكر خال افا لما يذكره بعضهم أن هذه صحبة عامة ًل‬
‫فضل فيها!‬
‫ومن أوج دًللتها على الفضل سوى ما تقدم‪ ،‬أن المعية هنا معية اًلختصاص التي=‬
‫‪351‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫‪ 2‬ــ الصديق‪.‬‬
‫{ﱓ ﱔ‬ ‫لقد جاء وصف أبي بكر بالصدق في قول تعالى‪:‬‬
‫ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ‬
‫ﱢ ﱣ ﱤ} [الزمر‪ ،]34 :‬وهذه اآلية مما اختلف أهل التفسير‬
‫في معناهاا‪:)1‬‬
‫ــ فقال بعضهم‪ :‬الذي جاء بالصدق رسول اهلل ‘ قالوا‪ :‬والصدق‬
‫الذي جاء ب ‪ً :‬ل إل إًل اهلل‪ ،‬والذي صدق ب أيضا‪ ،‬هو رسول اهلل ‘‪.‬‬
‫ــ وقال آخرون‪ :‬الذي جاء بالصدق‪ :‬رسول اهلل ‘‪ ،‬والذي‬
‫صدق ب ‪ :‬أبو بكر ‪ ،‬وروي هذا عن علي ‪ ،‬في قول ‪{ :‬ﱓ‬
‫ﱔ ﱕ} قال‪> :‬محمد ‘‪ ،‬وصدق ب ‪ ،‬قال‪ :‬أبو بكر ‪<‬ا‪.)2‬‬
‫ــ وقال آخرون‪ :‬الذي جاء بالصدق‪ :‬رسول اهلل ‘‪ ،‬والصدق‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= تدل على أن معهم بالنصر والتأييد واإلعانة على عدوهم‪ ،‬فيكون النبي ـ ‘ ـ قد‬
‫أخبر أن اهلل ينصرني وينصرك يا أبا بكر على عدونا ويعيننا عليهم‪.‬‬
‫ومعلوم أن نصر اهلل نصر إكرام ومحبة‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬
‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ} [سورة غافر‪ ]51 :‬وهذا غاية المدح ألبي بكر؛ إذ دل‬
‫على أن ممن شهد ل الرسول باإليمان المقتضي نصر اهلل ل مع رسول ‪ ،‬وكان متضمنا‬
‫شهادة الرسول ل بكمال اإليمان المقتضي نصر اهلل ل مع رسول في مثل هذه الحال‬
‫التي بين اهلل فيها غناه عن الخلق فقال‪{ :‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ} [سورة التوبة‪.]40 :‬‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪ ،)204/20‬وما بعده‪ ،‬وزاد المسير‪ :‬ا‪.)18/4‬‬
‫ا‪ )2‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)204/20‬‬
‫‪352‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫القرآن‪ ،‬والمصدقون ب ‪ :‬المؤمنون‪.‬‬


‫ــ وقال آخرون‪ :‬الذي جاء بالصدق جبريل‪ ،‬والصدق‪ :‬القرآن الذي‬
‫جاء ب من عند اهلل‪ ،‬وصدق ب رسول اهلل ‘‪.‬‬
‫ــ وقال آخرون‪ :‬الذي جاء بالصدق‪ :‬المؤمنون‪ ،‬والصدق‪ :‬القرآن‪،‬‬
‫وهم المصدقون ب ‪.‬‬
‫ورجح الطبري القول األخير فقال‪> :‬والصواب من القول في ذلك‬
‫أن يقال‪ :‬إن اهلل تعالى ذكره عنى بقول ‪{ :‬ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬
‫ﱗ} كل من دعا إلى توحيد اهلل‪ ،‬وتصديق رسل ‪ ،‬والعمل بما ابتعث ب‬
‫رسول ‘ من بين رسل اهلل وأتباع والمؤمنين ب ‪ ،‬وأن يقال‪ :‬الصدق‬
‫هو القرآن‪ ،‬وشهادة أن ًل إل إًل اهلل‪ ،‬والمصدق ب ‪ :‬المؤمنون بالقرآن‪،‬‬
‫من جميع خلق اهلل كائنا من كان من نبي اهلل وأتباع وإنما قلنا ذلك‬
‫أولى بالصواب‪ ،‬ألن قول تعالى ذكره‪{ :‬ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ}‬
‫عقيب قول ‪{ :‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ}‬
‫وذلك ذم من اهلل للمفترين علي ‪ ،‬المكذبين بتنزيل ووحي ‪ ،‬الجاحدين‬
‫وحدانيت ‪ ،‬فالواجب أن يكون عقيب ذلك مدح من كان بخالف صفة‬
‫هؤًلء المذمومين‪ ،‬وهم الذين دعوهم إلى توحيد اهلل‪ ،‬ووصف بالصفة‬
‫التي هو بها‪ ،‬وتصديقهم بتنزيل اهلل ووحي ‪ ،‬والذي كانوا يوم نزلت هذه‬
‫اآلية رسول اهلل ‘ وأصحاب ومن بعدهم‪ ،‬القائمون في كل عصر‬
‫وزمان بالدعاء إلى توحيد اهلل‪ ،‬وحكم كتاب ‪ ،‬ألن اهلل تعالى ذكره لم‬
‫‪353‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫يخص وصف بهذه لصفة التي في هذه اآلية على أشخاص بأعيانهم‪ ،‬وًل‬
‫على أهل زمان دون غيرهم‪ ،‬وإنما وصفهم بصفة‪ ،‬ثم مدحهم بها‪ ،‬وهي‬
‫المجيء بالصدق والتصديق ب ‪ ،‬فكل من كان كذلك وصف فهو داخل‬
‫في جملة هذه اآلية إذا كان من بني آدم ومن الدليل على صحة ما قلنا‬
‫أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود‪> :‬والذين جاءوا بالصدق وصدقوا‬
‫ب < فقد بين ذلك من قراءت أن الذي من قول {ﱓ ﱔ ﱕ} لم‬
‫يعن بها واحد بعين ‪ ،‬وأن مراد بها جماع ذلك صفتهم‪ ،‬ولكنها أخرجت‬
‫بلفظ الواحد‪ ،‬إذ لم تكن مؤقتة<ا‪.)1‬‬
‫والصحيح في هذه اآلية العموم‪ ،‬لكن المقصود أن أهل التفسير‬
‫ذكروا هذه اآلية في فضائل أبي بكر‪ ،‬مما يدل على أولوية دخول في‬
‫هذه اآلية‪ ،‬وغيرها من اآليات الدالة على صدق ‪ ،‬وفي الجملة كل ما‬
‫في القرآن من خطاب االمؤمنين) واالمتقين) واالمحسنين) ومدحهم‬
‫فهو أول من دخل في ذلك من هذه األمة‪ ،‬وأفضل من دخل في ذلك‬
‫من هذه األمة‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية‪> :‬لفظ اآلية عام مطلق ال يختص بأبي بكر وال بعلي‪،‬‬
‫بل كل من دخل في عمومها دخل في حكمها‪ .‬وال ريب أن أبا بكر وعمر‬
‫وعثمان وعليا أحق هذه األمة بالدخول فيها‪ ،‬لكنها ًل تختص بهم<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪ 206/20‬ــ ‪.)207‬‬
‫ا‪ )2‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)190/7‬‬
‫‪354‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫‪ 3‬ــ الصالح‪.‬‬
‫{ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬ ‫في قول تعالى‪:‬‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ}‬
‫[التحريم‪ ،]4 :‬ذكر بعض أهل التفسير أن المراد بصالح المؤمنين أبو بكر‬
‫وعمر‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عثمان بن خثيم‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪ ،‬وعكرمة‪،‬‬
‫في قول ‪{ :‬ﲐ ﲑ}‪ ،‬قال‪ :‬أبو بكر وعمرا‪ ،)1‬وعن عبيد بن‬
‫سليمان قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قول ‪{ :‬ﲐ ﲑ}‪،‬‬
‫قال‪ :‬أخيار المؤمنين أبو بكر وعمرا‪.)2‬‬
‫وقد ذكر الطبري هذا القول في تفسيره عن مجاهد‪ ،‬والضحاكا‪،)3‬‬
‫ولكن رجح العموم‪ ،‬وهو الظاهرا‪.)4‬‬
‫لكن رجح غيره أن المراد باآلية الخصوص‪ ،‬يقول الواحدي‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فضائل الصحابة‪ ،‬لإلمام أحمد‪ :‬ا‪ ،)128/1‬ا‪.)98‬‬ ‫ا‪)1‬‬
‫السابق‪ :‬ا‪ ،)167/1‬ا‪.)161‬‬ ‫ا‪)2‬‬
‫جامع البيان‪ :‬ا‪.)97/23‬‬ ‫ا‪)3‬‬
‫جامع البيان‪ :‬ا‪ ،)98/23‬يقول ابن تيمية‪> :‬ومن المعلوم أن كل من كان صالحا من‬ ‫ا‪)4‬‬
‫المؤمنين كان مواليا للنبي ـ ‘ ـ قطعا‪ ،‬فإن لو لم يوال ‪ .‬لم يكن من صالح‬
‫المؤمنين‪ ،‬بل قد يوالي المؤمن وإن لم يكن صالحا‪ ،‬لكن ًل تكون مواًلة كاملة‪.‬‬
‫وأما الصالح فيوالي مواًلة كاملة‪ ،‬فإن إذا كان صالحا أحب ما أحب اهلل ورسول ‪،‬‬
‫وأبغض ما أبغض اهلل ورسول ‪ ،‬وأمر بما أمر ب اهلل ورسول ‪ ،‬ونهى عما نهى اهلل عن‬
‫ورسول ‪ .‬وهذا يتضمن المواًلة<‪ ،‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)294/7‬‬
‫‪355‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫>وأظهر هذه األقوال قول من قال‪ :‬إن المراد بصالح المؤمنين أبو بكر‬
‫وعمر؛ ألن الخطاب في هذه اآلية ًلبنتيهما عائشة وحفصة‪ ،‬وكأن قيل‬
‫لهما‪ :‬إن تعاونتما على إيذاء النبي ـ ‘ ـ فإن أبويكما ًل يوافقانكما وًل‬
‫يتظاهران معكما‪ ،‬فإنهما وليا رسول اهلل<ا‪.)1‬‬

‫‪ 4‬ــ األتقى‪.‬‬
‫ومن اآليات التي ذكر بعض أهل التفسير أنها نازلة في أبي بكر‬
‫قول تعالى‪{ :‬ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬
‫ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ} [الليل‪ 17 :‬ــ ‪.]21‬‬
‫قال ابن كثير‪> :‬وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه اآليات‬
‫نزلت في أبي بكر الصديق‪ ، ،‬حتى إن بعضهم حكى اإلجماع من‬
‫المفسرين على ذلك‪ .‬وًل شك أن داخل فيها‪ ،‬وأولى األمة بعمومها‪،‬‬
‫فإن لفظها لفظ العموم‪ ،‬وهو قول تعالى‪{ :‬ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬
‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ} ولكن مقدم األمة وسابقهم في‬
‫جميع هذه األوصاف وسائر األوصاف الحميدة؛ فإن كان صديقا تقيا‬
‫كريما جوادا بذاًل ألموال في طاعة موًله‪ ،‬ونصرة رسول اهلل‪ ،‬فكم من‬
‫دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وج رب الكريم‪ ،‬ولم يكن ألحد من الناا‬
‫عنده منة يحتاج إلى أن يكافئ بها‪ ،‬ولكن كان فضل وإحسان على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)18/22‬‬
‫‪356‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫السادات والرؤساء من سائر القبائل<ا‪ ،)1‬وقال ابن عاشور‪> :‬اتفق أهل‬


‫التأويل على أن أول مقصود بهذه الصلة أبو بكر الصديق ‪<‬ا‪.)2‬‬
‫قال شيخ اإلسالم‪> :‬وأئمة التفسير يقولون‪ :‬إن أبو بكر‪.‬‬
‫ونحن نبين صحة قولهم بالدليل فنقول األتقى قد يكون نو اعا‪ ،‬وقد‬
‫صا‪ ،‬فإن قيل‪ :‬إنهم ليس‬‫صا‪ ،‬وإذا كان نو اعا فهو يجمع أشخا ا‬
‫يكون شخ ا‬
‫باطال ؛ ألن ًل شك أن بعض الناا‬ ‫فيهم شخص هو أتقى كان هذا ا‬
‫أتقى من بعض‪.‬‬
‫‪ ...‬لكن أبا بكر أكمل في وصف التقوى‪ ،‬مع أن لفظ اآلية أن‬
‫ليس عنده قط لمخلوق نعمة تجزى‪ ،‬وهذا وصف من يجازي الناا‬
‫على إحسانهم إلي فال يبقى لمخلوق علي منة‪ ،‬وهذا الوصف منطبق‬
‫على أبي بكر انطباقا ًل يساوي في أحد من المهاجرين‪ ،‬فإن لم يكن في‬
‫المهاجرين ــ عمر وعثمان وعليا وغيرهم ــ رجل أكثر إحسانا إلى الناا‬
‫قبل اإلسالم‪ ،‬وبعده بنفس ‪ ،‬ومال من أبي بكر كان مؤلفا محببا يعاون‬
‫الناا على مصالحهم‪...‬‬
‫وما عرف قط أن أحدا كانت ل يد على أبي بكر في الدنيا ًل قبل‬
‫اإلسالم‪ ،‬وًل بعده فهو أحق الصحابة‪{ :‬ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ}‬
‫فكان أحق الناا بالدخول في اآلية‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير القرآن العظيم‪ :‬ا‪.)422/8‬‬
‫ا‪ )2‬التحرير والتنوير‪ :‬ا‪.)391/30‬‬
‫‪357‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫وإن كان >األتقى< اسم جنس فال ريب أنه يجب أن يدخل فيه أتقى‬
‫األمة‪ ،‬والصحابة خير القرون‪ ،‬فأتقاها أتقى األمة‪ ،‬وأتقى األمة أبو بكر‪.‬‬
‫وأيضا فالنبي ‘ إنما كان يقدم الصديق في المواضع التي ًل‬
‫تحتمل المشاركة كاستخالف في الصالة‪ ،‬والحج‪ ،‬ومصاحبت وحده في‬
‫سفر الهجرة‪ ،‬ومخاطبت ‪ ،‬وتمكين من الخطاب‪ ،‬والحكم‪ ،‬واإلفتاء‬
‫بحضرت ورضاه بذلك‪ ،‬إلى غير ذلك من الخصائص التي يطول وصفها‬
‫ومن كان أكمل في هذا الوصف كان أكرم عند اهلل فيكون أحب إلي فقد‬
‫ثبت بالدًلئل الكثيرة أن أبا بكر هو أكرم الصحابة في الصديقية‪،‬‬
‫وأفضل الخلق بعد األنبياء الصديقون‪ ،‬ومن كان أكمل في ذلك كان‬
‫أفضل<ا‪.)1‬‬
‫فهذه اآلية إذا قدر أن دخل فيها من دخل من الصحابة‪ ،‬فأبو بكر‬
‫أحق األمة بالدخول فيها فيكون هو األتقى من هذه األمة فيكون‬
‫أفضلهم‪ ،‬وذلك ألن اهلل تعالى وصف األتقى بصفات أبو بكر أكمل بها‬
‫من جميع األمة‪.‬‬

‫‪ 5‬ــ الو اف عند كتاب اهلل‪ /‬ذو الفضل‪.‬‬


‫عن عائشة ‪ ،‬قالت‪> :‬فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح‬
‫لقرابت من وفقره‪ :‬واهلل ًل أنفق علي شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬منهاج السنة‪ 376/7( :‬ــ ‪ ،)385‬بتصرف كثير‪ ،‬وانظر‪ ،)493/8( :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪358‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫فأنزل اهلل ‪{ :‬ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ} إلى‬


‫قول ‪{ :‬ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [النور‪ ،]22 :‬قال حبان بن موسى‪ :‬قال‬
‫عبد اهلل بن المبارك‪ :‬هذه أرجى آية في كتاب اهلل‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬واهلل‬
‫إني ألحب أن يغفر اهلل لي‪ ،‬فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق‬
‫علي ‪ ،‬وقال‪ً :‬ل أنزعها من أبدا<ا‪.)1‬‬
‫قال الطبري‪> :‬وًل يحلف باهلل ذوو الفضل منكم‪ ،‬يعني ذوي‬
‫التفضل والسعة؛ يقول‪ :‬وذوو الجدة‪.‬‬
‫‪ ...‬وإنما عني بذلك أبو بكر الصديق ‪ ‬في حلف باهلل‪ً ،‬ل‬
‫ينفق على مسطح‪ ،‬فقال جل ثناؤه‪ :‬وًل يحلف من كان ذا فضل من مال‬
‫وسعة منكم أيها المؤمنون باهلل‪ ،‬أًل يعطوا ذوي قرابتهم فيصلوا ب‬
‫أرحامهم‪ ،‬كمسطح‪ ،‬وهو ابن خالة أبي بكر {ﲵ} يقول‪:‬‬
‫وذوي خلة الحاجة‪ ،‬وكان مسطح منهم‪ ،‬ألن كان فقيرا محتاجا‪.‬‬
‫{ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ} وهم الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم في‬
‫جهاد أعداء اهلل‪ ،‬وكان مسطح منهم؛ ألن كان ممن هاجر من مكة إلى‬
‫المدينة‪ ،‬وشهد مع رسول اهلل ‘ بدرا {ﱸ} يقول‪ :‬وليعفوا عما‬
‫كان منهم إليهم من جرم‪ ،‬وذلك كجرم مسطح إلى أبي بكر في إشاعت‬
‫على ابنت عائشة ما أشاع من اإلفك {ﱹ} يقول‪ :‬وليتركوا عقوبتهم‬
‫على ذلك‪ ،‬بحرمانهم ما كانوا يؤتونهم قبل ذلك‪ ،‬ولكن ليعودوا لهم إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪ ،)4141‬ومسلم‪ :‬ا‪ ،)2770‬واللفظ ل ‪.‬‬
‫‪359‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫{ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬ ‫مثل الذي كانوا لهم علي من اإلفضال عليهم‪.‬‬


‫ﲀ} يقول‪ :‬أًل تحبون أن يستر اهلل عليكم ذنوبكم بإفضالكم عليهم‪،‬‬
‫فيترك عقوبتكم عليها‪{ .‬ﲂ ﲃ} لذنوب من أطاع ‪ ،‬واتبع أمره‪،‬‬
‫{ﲄ} رحيم بهم أن يعذبهم مع اتباعهم أمره‪ ،‬وطاعتهم إياه‪ ،‬على ما‬
‫كان لهم من زلة وهفوة قد استغفروه منها‪ ،‬وتابوا إلي من فعلها<ا‪.)1‬‬
‫وقد أجمع أهل التفسير على أن هذه اآلية نازلة في قصة أبي بكر‬
‫ومسطحا‪ ،)2‬غير أن اآلية تتناول األمة إلى يوم القيامة بأن ًل يغتاظ >ذو‬
‫فضل وسعة< فيحلف أن ًل ينفع من هذه صفت غابر الدهرا‪.)3‬‬

‫‪ 6‬ــ آية معاتبة يشترك فيها عمر بن الخطاب ‪:‬‬


‫{ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ‬ ‫وهي قول سبحان ‪:‬‬
‫ﲈ ﲉﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ‬
‫ﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰ‬
‫ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ} [الحجرات‪ 1 :‬ــ ‪.]3‬‬
‫عن ابن أبي مليكة‪ ،‬قال‪> :‬كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر ‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪ 223/14‬ــ ‪.)224‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)173/16‬‬
‫ا‪ )3‬المحرر الوجيز‪ :‬ا‪.)173/4‬‬
‫‪360‬‬
‫الصديق األكرب (أبو بكر)‬

‫رفعا أصواتهما عند النبي ‘ حين قدم علي ركب بني تميم‪ ،‬فأشار‬
‫أحدهما باألقرع بن حابس أخي بني مجاشع‪ ،‬وأشار اآلخر برجل آخر‬
‫ــ قال نافع ًل أحفظ اسم ــ فقال أبو بكر لعمر‪ :‬ما أردت إًل خالفي‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما أردت خالفك فارتفعت أصواتهما في ذلك‪ ،‬فأنزل اهلل‪{ :‬ﲐ‬
‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ} اآلية‪.‬‬
‫قال ابن الزبير‪> :‬فما كان عمر يسمع رسول اهلل ‘ بعد هذه اآلية‬
‫حتى يستفهم ‪ ،‬ولم يذكر ذلك عن أبي يعني أبا بكر<<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪ ،)4845‬ا‪.)7302‬‬
‫‪361‬‬
‫سعد بن أبي وقاص‬

‫‪5‬‬
‫سعد بن أيب وقاص‬

‫ويشترك مع جماعة من الصحابة‪ ،‬منهم‪ :‬اابن مسعود‪ ،‬وبالل‪،‬‬


‫وصهيب‪ ،‬وعمار‪ ،‬وخباب‪ ،‬وغيرهم)ا‪.)1‬‬

‫{ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬ ‫ونزل فيهم قول تعالى‪:‬‬


‫ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ‬

‫ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ} [األنعام‪.]52 :‬‬

‫عن سعد‪> ،‬في نزلت‪{ :‬ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ}‬


‫قال‪ :‬نزلت في ستة‪ :‬أنا وابن مسعود منهم‪ ،‬وكان المشركون قالوا ل ‪:‬‬
‫تدني هؤًلء<‪ ،‬وعن سعد‪ ،‬قال‪> :‬كنا مع النبي ‘ ستة نفر‪ ،‬فقال‬
‫المشركون للنبي ‘‪ :‬اطرد هؤًلء ًل يجترئون علينا‪ .‬قال وكنت أنا‬
‫وابن مسعود‪ ،‬ورجل من هذيل‪ ،‬وبالل‪ ،‬ورجالن لست أسميهما‪ ،‬فوقع‬
‫في نفس رسول اهلل ‘ ما شاء اهلل أن يقع فحد نفس فأنزل اهلل ‪:‬‬
‫{ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ}<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪ 258/9‬ــ ‪.)263‬‬
‫ا‪ )2‬رواهما مسلم‪ :‬ا‪.)2413‬‬
‫‪362‬‬
‫سعد بن أبي وقاص‬

‫ولم تكن هذه هي اآلية الوحيدة التي نزلت في سعد‪ ،‬فقد قال عن‬
‫نفس ‪> ،‬نزلت في أربع آيات‪ :‬أصبت سيفا‪ ،‬فأتى ب النبي ‘‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬نفلني ‪ ،‬فقال‪> :‬ضع <‪ ،‬ثم قام‪ ،‬فقال ل النبي ‘‪:‬‬
‫>ضع من حيث أخذت <‪ ،‬ثم قام‪ ،‬فقال‪ :‬نفلني يا رسول اهلل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫>ضع <‪ ،‬فقام‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬نفلني ‪ ،‬أؤجعل كمن ًل غناء ل ؟‬
‫فقال ل النبي ‘‪> :‬ضع من حيث أخذت <‪ ،‬قال‪ :‬فنزلت هذه اآلية‪:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} [األنفال‪<]1 :‬ا‪.)1‬‬
‫قال ابن األنباري‪> :‬عظم األمر في هذا على النبي ـ ‘ ـ وخوف‬
‫هم بتقديم الرؤساء وأُولي‬
‫الدخول في جملة الظالمين؛ ألن كان قد ّ‬
‫األموال على الضعفاء وذوي المسكنة‪ ،‬مق ّد ارا أن يستجر بإسالمهم‬
‫إسالم قومهم وحلفائهم ومن يلوذ بهم‪ ،‬وكان ‪ً ‬ل يقصد في ذلك إًل‬
‫قصد الخير‪ ،‬وًل ينوي ازدراء بالفقراء وًل احتقا ارا‪ ،‬فأعلم اهلل ‪ ‬أن‬
‫ذلك غير جائز<ا‪.)2‬‬
‫وعن مصعب بن سعد‪ ،‬عن أبي ‪ ،‬أن نزلت في آيات من القرآن‬
‫قال‪ :‬حلفت أم سعد أن ًل تكلم أبدا حتى يكفر بدين ‪ ،‬وًل تأكل وًل‬
‫تشرب‪ ،‬قالت‪ :‬زعمت أن اهلل وصاك بوالديك‪ ،‬وأنا أمك‪ ،‬وأنا آمرك‬
‫بهذا‪ .‬قال‪ :‬مكثت ثالثا حتى غشي عليها من الجهد‪ ،‬فقام ابن لها يقال‬
‫ل عمارة‪ ،‬فسقاها‪ ،‬فجعلت تدعو على سعد‪ ،‬فأنزل اهلل ‪ ‬في القرآن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه مسلم‪ :‬ا‪.)1748‬‬
‫ا‪ )2‬نقل الواحدي في التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)162/8‬‬
‫‪363‬‬
‫سعد بن أبي وقاص‬

‫هذه اآلية‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ} وفيها‬


‫{ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ} [لقمان‪ ]15 :‬قال‪ :‬وأصاب رسول اهلل ‘‬
‫غنيمة عظيمة‪ ،‬فإذا فيها سيف فأخذت ‪ ،‬فأتيت ب الرسول ‘‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫نفلني هذا السيف‪ ،‬فأنا من قد علمت حال ‪ ،‬فقال‪> :‬رده من حيث‬
‫أخذت < فانطلقت‪ ،‬حتى إذا أردت أن ألقي في القبض ًلمتني نفسي‪،‬‬
‫فرجعت إلي ‪ ،‬فقلت‪ :‬أعطني ‪ ،‬قال فشد لي صوت >رده من حيث أخذت <‬
‫قال فأنزل اهلل ‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ} [األنفال‪ ]1 :‬قال‪ :‬ومرضت فأرسلت‬
‫إلى النبي ‘ فأتاني‪ ،‬فقلت‪ :‬دعني أقسم مالي حيث شئت‪ ،‬قال فأبى‪،‬‬
‫قلت‪ :‬فالنصف‪ ،‬قال فأبى‪ ،‬قلت‪ :‬فالثلث‪ ،‬قال فسكت‪ ،‬فكان‪ ،‬بعد‬
‫الثلث جائزا‪ .‬قال‪ :‬وأتيت على نفر من األنصار والمهاجرين‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫تعال نطعمك ونسقك خمرا‪ ،‬وذلك قبل أن تحرم الخمر‪ ،‬قال فأتيتهم‬
‫في حش ــ والحش البستان ــ فإذا رأا جزور مشوي عندهم‪ ،‬وزق من‬
‫خمر‪ .‬قال فأكلت وشربت معهم‪ ،‬قال فذكرت األنصار والمهاجرين‬
‫عندهم‪ .‬فقلت‪ :‬المهاجرون خير من األنصار‪ .‬قال فأخذ رجل أحد‬
‫لحيي الرأا فضربني ب فجرح بأنفي فأتيت رسول اهلل ‘‪ ،‬فأخبرت‬
‫فأنزل اهلل ‪ ‬في ــ يعني نفس ــ شأن الخمر‪{ :‬ﳁ ﳂ ﳃ‬
‫ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ} [المائدة‪]90 :‬ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه مسلم‪ :‬ا‪.)1748‬‬
‫‪364‬‬
‫الزبري بن العوام‬

‫‪5‬‬
‫الزبري بن العوام‬

‫{ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬ ‫وقد نزل في وفي غيره‪ ،‬قول تعالى‪:‬‬


‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ} [آل عمران‪.]172 :‬‬
‫{ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬ ‫عن عائشة ‪،‬‬
‫ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ}‪ ،‬قالت لعروة‪ :‬يا ابن أختي‪،‬‬
‫كان أبواك منهم‪ :‬الزبير‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬لما أصاب رسول اهلل ‘ ما أصاب‬
‫يوم أحد‪ ،‬وانصرف عن المشركون‪ ،‬خاف أن يرجعوا‪ ،‬قال‪> :‬من يذهب‬
‫في إثرهم< فانتدب منهم سبعون رجال‪ ،‬قال‪ :‬كان فيهم أبو بكر‪،‬‬
‫والزبيرا‪.)1‬‬
‫مفصال‪.‬‬
‫ا‬ ‫وقد سبق الحديث عن هذه اآلية‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)4077‬وانظر‪ :‬صحيح مسلم‪ :‬ا‪.)2418‬‬
‫‪365‬‬
‫عبد اهلل بن الزبري‬

‫‪5‬‬
‫عبداهلل بن مسعود‬
‫{ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ‬ ‫نزل في قول تعالى‪:‬‬
‫ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬
‫ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ} [المائدة‪]93 :‬ا‪.)1‬‬
‫{ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ‬ ‫عن عبد اهلل‪ ،‬قال‪ :‬لما نزلت هذه اآلية‬
‫ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ} إلى آخر اآلية‪ ،‬قال لي‬
‫رسول اهلل ‘‪> :‬قيل لي أنت منهم<ا‪.)2‬‬
‫أي‪ :‬أن ابن مسعود من الذين آمنوا وعملوا الصالحات الموصوفين‬
‫بما في اآلية‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬وسبب نزولها ما رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)4620‬ومسلم‪ :‬ا‪ ،)1980‬ولفظ ‪> :‬عن أنس بن‬
‫مالك‪ ،‬قال‪ :‬كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة‪ ،‬وما شرابهم إًل‬
‫الفضيخ‪ :‬البسر والتمر‪ ،‬فإذا مناد ينادي‪ ،‬فقال‪ :‬اخرج فانظر‪ ،‬فخرجت‪ ،‬فإذا مناد‬
‫ينادي‪> :‬أًل إن الخمر قد حرمت<‪ ،‬قال‪ :‬فجرت في سكك المدينة‪ ،‬فقال لي أبو‬
‫طلحة‪ :‬اخرج فاهرقها‪ ،‬فهرقتها‪ ،‬فقالوا ــ أو قال بعضهم‪ :‬ــ قتل فالن‪ ،‬قتل فالن‪،‬‬
‫وهي في بطونهم‪ ،‬ــ قال‪ :‬فال أدري هو من حديث أنس ــ‪ ،‬فأنزل اهلل ‪{ :‬ﱦ ﱧ‬
‫ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ}‬
‫[المائدة‪.<]93 :‬‬
‫ا‪ )2‬رواه مسلم‪ :‬ا‪.)2459‬‬
‫‪366‬‬
‫عمار بن ياسر‬

‫‪5‬‬
‫عمار بن يارس‬
‫{ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬ ‫وفي نزل قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬
‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ} [النحل‪.]106 :‬‬
‫قال الطبري‪> :‬وذكر أن هذه اآلية نزلت في عمار بن ياسر وقوم‬
‫كانوا أسلموا ففتنهم المشركون عن دينهم‪ ،‬فثبت على اإلسالم بعضهم‬
‫وافتتن بعض<‪ ،‬واخرج عن ابن عباا قول ‪{> :‬ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ} إلى آخر اآلية وذلك أن‬
‫المشركين أصابوا عمار بن ياسر فعذبوه‪ ،‬ثم تركوه‪ ،‬فرجع إلى رسول اهلل‬
‫‘ فحدث بالذي لقي من قريش‪ ،‬والذي قال‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى ذكره‬
‫عذره‪{ :‬ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ} إلى قوله‪{ :‬ﲂ ﲃ‬
‫ﲄ}<ا‪.)1‬‬
‫قال الواحدي‪> :‬أكثر المفسرين على أن اآلية نزلت في عمار بن‬
‫ياسر<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)373/14‬‬
‫ا‪ )2‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)207/13‬‬
‫‪367‬‬
‫زيد بن حارثة‬

‫‪5‬‬
‫زيد بن حارثة‬
‫وقد نزلت في عدة آيات من سورة األحزاب‪ ،‬وذكر اسم الصريح‬
‫فيها‪ ،‬وهو االسم الوحيد الذي ذكر في القرآن من أصحاب رسول اهلل ‘‪،‬‬
‫وقد ذكرت عائشة ‪ ‬في سياق واحد هذه اآليات‪ ،‬فعن عائشة‪،‬‬
‫قالت‪> :‬لو كان رسول اهلل ‘ كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه اآلية‬
‫{ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [األحزاب‪ ]37 :‬بالعتق فأعتقت ‪،‬‬
‫{ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} ــ إلى قول ــ {ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ} [األحزاب‪ ]37 :‬وإن‬
‫رسول اهلل ‘ لما تزوجها قالوا‪ :‬تزوج حليلة ابن ‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى {ﲶ‬
‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ} [األحزاب‪]40 :‬‬

‫وكان رسول اهلل ‘ تبناه وهو صغير فلبث حتى صار رجال يقال ل ‪:‬‬
‫زيد بن محمد‪ ،‬فأنزل اهلل‪{ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬
‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ} [األحزاب‪ ]5 :‬فالن مولى فالن‪ ،‬وفالن‬
‫أخو فالن {ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ}‪ ،‬يعني‪ :‬أعدل<ا‪.)1‬‬
‫{ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬ ‫وعن أنس بن مالك ‪> :‬أن هذه اآلية‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج الترمذي‪ :‬ا‪.)3207‬‬
‫‪368‬‬
‫زيد بن حارثة‬

‫ﱭ} نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة<ا‪ ،)1‬وعن‬


‫أنس‪ ،‬قال‪ :‬جاء زيد بن حارثة يشكو‪ ،‬فجعل النبي ‘ يقول‪> :‬اتق‬
‫اهلل‪ ،‬وأمسك عليك زوجك<‪ ،‬قال أنس‪ :‬لو كان رسول اهلل ‘ كاتما‬
‫شيئا لكتم هذه‪ ،‬قال‪ :‬فكانت زينب تفخر على أزواج النبي ‘ تقول‪:‬‬
‫زوجكن أهاليكن‪ ،‬وزوجني اهلل تعالى من فوق سبع سموات‪ ،‬وعن‬
‫ثابت‪{ :‬ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ}‪> ،‬نزلت في شأن‬
‫زينب وزيد بن حارثة<ا‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪.)4787‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪.)4787‬‬
‫‪369‬‬
‫أبو طلحة زيد بن سهل األنصاري‬

‫‪5‬‬
‫أبو طلحة زيد بن سهل األنصاري‬

‫{ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ‬ ‫وفي نزل قول تعالى‪:‬‬


‫ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ} [الحشر‪.]9 :‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬أن رجال أتى النبي ‘‪ ،‬فبعث إلى نسائ‬
‫فقلن‪ :‬ما معنا إًل الماء‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪> :‬من يضم أو يضيف‬
‫هذا<‪ ،‬فقال رجل من األنصار‪ :‬أنا‪ ،‬فانطلق ب إلى امرأت ‪ ،‬فقال‪ :‬أكرمي‬
‫ضيف رسول اهلل ‘‪ ،‬فقالت‪ :‬ما عندنا إًل قوت صبياني‪ ،‬فقال‪ :‬هيئي‬
‫طعامك‪ ،‬وأصبحي سراجك‪ ،‬ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء‪ ،‬فهيأت‬
‫طعامها‪ ،‬وأصبحت سراجها‪ ،‬ونومت صبيانها‪ ،‬ثم قامت كأنها تصلح‬
‫سراجها فأطفأت ‪ ،‬فجعال يريان أنهما يأكالن‪ ،‬فباتا طاويين‪ ،‬فلما أصبح‬
‫غدا إلى رسول اهلل ‘‪ ،‬فقال‪> :‬ضحك اهلل الليلة‪ ،‬أو عجب‪ ،‬من‬
‫فعالكما< فأنزل اهلل‪{ :‬ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬

‫ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ}ا‪.)1‬‬
‫ورواه الطبري بتعيين الرجل فعن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬جاء رجل إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)3798‬‬
‫‪370‬‬
‫أبو طلحة زيد بن سهل األنصاري‬

‫النبي ‘ ليضيف ‪ ،‬فلم يكن عنده ما يضيف ‪ ،‬فقال‪> :‬أًل رجل يضيف‬
‫هذا ‪‬؟< فقام رجل من األنصار يقال ل أبو طلحة‪ ،‬فانطلق ب إلى‬
‫رحل ‪ ،‬فقال ًلمرأت ‪ :‬أكرمي ضيف رسول اهلل ‘ نومي الصبية‪،‬‬
‫وأطفئي المصباح وأري بأنك تأكلين مع ‪ ،‬واتركي لضيف رسول اهلل‬
‫‘ ففعلت فنزلت {ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ}ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪ ،)528/22‬وانظر‪ :‬اإلصابة‪ :‬ا‪.)194/7‬‬
‫‪371‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‬

‫‪5‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‬

‫{ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ‬ ‫وقد نزل فيهم قول تعالى‪:‬‬


‫ﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺ‬
‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫ﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ‬

‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ} [التوبة‪ 117 :‬ــ ‪.]118‬‬


‫يقول الواحدي‪> :‬قال ابن عباا وعامة المفسرين‪ :‬انزلت هذه‬
‫اآلية في ثالثة نفر‪ :‬كعب بن مالك من بني سلمة‪ ،‬وهالل بن أمية‬
‫الواقفي‪ ،‬ومرارة بن الربيع الزبيدي كانوا تخلفوا عن غزوة تبوك وكانوا‬
‫مياسير‪ ،‬ثم لم يتسع لهم العذر كما اتسع لآلخرين الذي ذكروا قبل‬
‫هذا‪ ،‬ولم يبالغوا في التنصل واًلعتذار كما فعل اآلخرون‪ ،‬ولم يوثقوا‬
‫أنفسهم بالسواري‪ ،‬فوقف رسول اهلل ـ ‘ ـ أمرهم‪ ،‬ونهى الناا عن‬
‫مكالمتهم ومخالطتهم‪ ،‬حتى نزل قول تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ}‬
‫اآليات بعد خمسين ليلة<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)24/11‬‬
‫‪372‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‬

‫وقد كفانا كعب سرد قصت ‪ ،‬فقد روى البخاري ومسلم عن ابن‬
‫شهاب‪ ،‬قال‪ :‬ثم غزا رسول اهلل ‘ غزوة تبوك‪ ،‬وهو يريد الروم‬
‫ونصارى العرب بالشام‪ ،‬قال ابن شهاب‪ :‬فأخبرني عبد الرحمن بن‬
‫عبد اهلل بن كعب بن مالك‪ ،‬أن عبد اهلل بن كعب كان قائد كعب‪ ،‬من‬
‫بني ‪ ،‬حين عمي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت كعب بن مالك يحد حديث حين‬
‫تخلف عن رسول اهلل ‘ في غزوة تبوك‪ ،‬قال كعب بن مالك‪ :‬لم‬
‫أتخلف عن رسول اهلل ‘ في غزوة غزاها قط‪ ،‬إًل في غزوة تبوك‪،‬‬
‫غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عن ‪ ،‬إنما‬
‫خرج رسول اهلل ‘ والمسلمون يريدون عير قريش‪ ،‬حتى جمع اهلل‬
‫بينهم وبين عدوهم‪ ،‬على غير ميعاد‪ ،‬ولقد شهدت مع رسول اهلل ‘‬
‫ليلة العقبة‪ ،‬حين تواثقنا على اإلسالم‪ ،‬وما أحب أن لي بها مشهد بدر‪،‬‬
‫وإن كانت بدر أذكر في الناا منها‪ ،‬وكان من خبري‪ ،‬حين تخلفت عن‬
‫رسول اهلل ‘ في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى وًل أيسر مني حين‬
‫تخلفت عن في تلك الغزوة‪ ،‬واهلل ما جمعت قبلها راحلتين قط‪ ،‬حتى‬
‫جمعتهما في تلك الغزوة‪ ،‬فغزاها رسول اهلل ‘ في حر شديد واستقبل‬
‫سفرا بعيدا ومفازا‪ ،‬واستقبل عدوا كثيرا‪ ،‬فجال للمسلمين أمرهم‬
‫ليتأهبوا أهبة غزوهم‪ ،‬فأخبرهم بوجههم الذي يريد‪ ،‬والمسلمون مع‬
‫رسول اهلل ‘ كثير‪ ،‬وًل يجمعهم كتاب حافظ ــ يريد بذلك الديوان ــ‬
‫قال كعب‪ :‬فقل رجل يريد أن يتغيب‪ ،‬يظن أن ذلك سيخفى ل ‪ ،‬ما لم‬
‫ينزل في وحي من اهلل ‪ ،‬وغزا رسول اهلل ‘ تلك الغزوة حين‬
‫‪373‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‬

‫طابت الثمار والظالل‪ ،‬فأنا إليها أصعر‪ ،‬فتجهز رسول اهلل ‘ والمسلمون‬
‫معه‪ ،‬وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم‪ ،‬فأرجع ولم أقض شيئا‪ ،‬وأقول في‬
‫نفسي‪ :‬أنا قادر على ذلك‪ ،‬إذا أردت‪ ،‬فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر‬
‫بالناس الجد‪ ،‬فأصبح رسول اهلل ‘ غاديا والمسلمون معه‪ ،‬ولم أقض من‬
‫جهازي شيئا‪ ،‬ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا‪ ،‬فلم يزل ذلك يتمادى بي‬
‫حتى أسرعوا وتفارط الغزو‪ ،‬فهممت أن أرتحل فأدركهم‪ ،‬فيا ليتني‬
‫فعلت‪ ،‬ثم لم يقدر ذلك لي‪ ،‬فطفقت‪ ،‬إذا خرجت في الناا‪ ،‬بعد‬
‫خروج رسول اهلل ‘‪ ،‬يحزنني أني ًل أرى لي أسوة إًل رجال مغموصا‬
‫علي في النفاق‪ ،‬أو رجال ممن عذر اهلل من الضعفاء‪ ،‬ولم يذكرني‬
‫رسول اهلل ‘ حتى بلغ تبوك فقال‪ :‬وهو جالس في القوم بتبوك >ما‬
‫فعل كعب بن مالك؟< قال رجل من بني سلمة يا رسول اهلل حبس برداه‬
‫والنظر في عطفي ‪ ،‬فقال ل معاذ بن جبل‪ :‬بئس ما قلت‪ ،‬واهلل يا رسول‬
‫اهلل ما علمنا علي إًل خيرا‪ ،‬فسكت رسول اهلل ‘‪ ،‬فبينما هو على‬
‫ذلك رأى رجال مبيضا يزول ب السراب فقال رسول اهلل ‘‪> :‬كن أبا‬
‫خيثمة< فإذا هو أبو خيثمة األنصاري‪ ،‬وهو الذي تصدق بصاع التمر‬
‫حين لمزه المنافقون‪ ،‬فقال كعب بن مالك‪ :‬فلما بلغني أن رسول اهلل ‘‬
‫قد توجه قافال من تبوك‪ ،‬حضرني بثي‪ ،‬فطفقت أتذكر الكذب وأقول‪ :‬بم‬
‫أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي‪ ،‬فلما‬
‫قيل لي‪ :‬إن رسول اهلل ‘ قد أظل قادما‪ ،‬زاح عني الباطل‪ ،‬حتى عرفت‬
‫أني لن أنجو منه بشيء أبدا‪ ،‬فأجمعت صدقه‪ ،‬وصبح رسول اهلل ‘‬
‫‪374‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‬

‫قادما‪ ،‬وكان إذا قدم من سفر‪ ،‬بدأ بالمسجد فركع في ركعتين‪ ،‬ثم‬
‫جلس للناا‪ ،‬فلما فعل ذلك جاءه المخلفون‪ ،‬فطفقوا يعتذرون إلي ‪،‬‬
‫ويحلفون ل ‪ ،‬وكانوا بضعة وثمانين رجال‪ ،‬فقبل منهم رسول اهلل ‘‬
‫عالنيتهم‪ ،‬وبايعهم واستغفر لهم‪ ،‬ووكل سرائرهم إلى اهلل‪ ،‬حتى جئت‪،‬‬
‫فلما سلمت تبسم تبسم المغضب‪ ،‬ثم قال‪> :‬تعال< فجئت أمشي حتى‬
‫جلست بين يدي ‪ ،‬فقال لي‪> :‬ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟<‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل إني‪ ،‬واهلل لو جلست عند غيرك من أهل‬
‫الدنيا‪ ،‬لرأيت أني سأخرج من سخط بعذر‪ ،‬ولقد أعطيت جدًل‪،‬‬
‫ولكني واهلل لقد علمت‪ ،‬لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى ب عني‬
‫ليوشكن اهلل أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي في ‪،‬‬
‫إني ألرجو في عقبى اهلل‪ ،‬واهلل ما كان لي عذر‪ ،‬واهلل ما كنت قط أقوى‬
‫وًل أيسر مني حين تخلفت عنك‪ ،‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬أما هذا‪ ،‬فقد‬
‫صدق‪ ،‬فقم حتى يقضي اهلل فيك< فقمت‪ ،‬وثار رجال من بني سلمة‬
‫فاتبعوني‪ ،‬فقالوا لي‪ :‬واهلل ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا‪ ،‬لقد عجزت‬
‫في أن ًل تكون اعتذرت إلى رسول اهلل ‘‪ ،‬بما اعتذر ب إلي‬
‫المخلفون‪ ،‬فقد كان كافيك ذنبك‪ ،‬استغفار رسول اهلل ‘ لك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فواهلل ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع إلى رسول اهلل ‘‪ ،‬فأكذب‬
‫نفسي‪ ،‬قال ثم قلت لهم‪ :‬هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬لقي‬
‫معك رجالن‪ ،‬قاًل مثل ما قلت‪ ،‬فقيل لهما مثل ما قيل لك‪ ،‬قال قلت‪:‬‬
‫من هما؟ قالوا‪ :‬مرارة بن الربيعة العامري وهالل بن أمية الواقفي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪375‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‬

‫فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا‪ ،‬فيهما أسوة‪ ،‬قال‪ :‬فمضيت‬


‫حين ذكروهما لي‪ ،‬قال ونهى رسول اهلل ‘ المسلمين عن كالمنا‪ ،‬أيها‬
‫الثالثة‪ ،‬من بين من تخلف عن ‪ ،‬قال‪ :‬فاجتنبنا الناا‪ ،‬وقال‪ :‬تغيروا لنا‬
‫حتى تنكرت لي في نفسي األرض‪ ،‬فما هي باألرض التي أعرف‪ ،‬فلبثنا‬
‫على ذلك خمسين ليلة‪ ،‬فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما‬
‫يبكيان‪ ،‬وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم‪ ،‬فكنت أخرج فأشهد‬
‫الصالة وأطوف في األسواق وًل يكلمني أحد‪ ،‬وآتي رسول اهلل ‘‬
‫فأسلم علي ‪ ،‬وهو في مجلس بعد الصالة‪ ،‬فأقول في نفسي‪ :‬هل حرك‬
‫شفتي برد السالم‪ ،‬أم ًل؟ ثم أصلي قريبا من وأسارق النظر‪ ،‬فإذا‬
‫أقبلت على صالتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني‪ ،‬حتى إذا‬
‫طال ذلك علي من جفوة المسلمين‪ ،‬مشيت حتى تسورت جدار حائط‬
‫أبي قتادة‪ ،‬وهو ابن عمي‪ ،‬وأحب الناا إلي‪ ،‬فسلمت علي ‪ ،‬فواهلل ما‬
‫رد علي السالم‪ .‬فقلت ل ‪ :‬يا أبا قتادة أنشدك باهلل هل تعلمن أني أحب‬
‫اهلل ورسول ؟ قال‪ :‬فسكت‪ ،‬فعدت فناشدت ‪ ،‬فسكت‪ ،‬فعدت فناشدت ‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اهلل ورسول أعلم‪ ،‬ففاضت عيناي‪ ،‬وتوليت‪ ،‬حتى تسورت‬
‫الجدار‪ ،‬فبينا أنا أمشي في سوق المدينة‪ ،‬إذا نبطي من نبط أهل الشام‪،‬‬
‫ممن قدم بالطعام يبيع بالمدينة‪ ،‬يقول‪ :‬من يدل على كعب بن مالك‪،‬‬
‫قال‪ :‬فطفق الناا يشيرون ل إلي‪ ،‬حتى جاءني فدفع إلي كتابا من ملك‬
‫غسان‪ ،‬وكنت كاتبا‪ ،‬فقرأت فإذا في ‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإن قد بلغنا أن صاحبك‬
‫قد جفاك‪ ،‬ولم يجعلك اهلل بدار هوان وًل مضيعة‪ ،‬فالحق بنا نواسك‪،‬‬
‫‪376‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‬

‫قال فقلت‪ :‬حين قرأتها‪ :‬وهذه أيضا من البالء فتياممت بها التنور‬
‫فسجرتها بها‪ ،‬حتى إذا مضت أربعون من الخمسين‪ ،‬واستلبث الوحي‪،‬‬
‫إذا رسول رسول اهلل ‘ يأتيني‪ ،‬فقال‪ :‬إن رسول اهلل ‘ يأمرك أن‬
‫تعتزل امرأتك‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال‪ً :‬ل‪ ،‬بل اعتزلها‪،‬‬
‫فال تقربنها‪ ،‬قال‪ :‬فأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فقلت ًلمرأتي‪:‬‬
‫الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي اهلل في هذا األمر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فجاءت امرأة هالل بن أمية رسول اهلل ‘‪ ،‬فقالت ل ‪ :‬يا رسول اهلل إن‬
‫هالل بن أمية شيخ ضائع ليس ل خادم‪ ،‬فهل تكره أن أخدم ؟ قال‪:‬‬
‫>ًل‪ ،‬ولكن ًل يقربنك< فقالت‪ :‬إن ‪ ،‬واهلل ما ب حركة إلى شيء‪ ،‬وواهلل‬
‫ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان‪ ،‬إلى يوم هذا‪ ،‬قال‪ :‬فقال لي‬
‫بعض أهلي‪ :‬لو استأذنت رسول اهلل ‘ في امرأتك؟ فقد أذن ًلمرأة‬
‫هالل بن أمية أن تخدم ‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ً :‬ل أستأذن فيها رسول اهلل ‘‪،‬‬
‫وما يدريني ماذا يقول رسول اهلل ‘‪ ،‬إذا استأذنت فيها‪ ،‬وأنا رجل‬
‫شاب‪ ،‬قال‪ :‬فلبثت بذلك عشر ليال‪ ،‬فكمل لنا خمسون ليلة من حين‬
‫نهي عن كالمنا‪ ،‬قال ثم صليت صالة الفجر صباح خمسين ليلة‪ ،‬على‬
‫ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر اهلل ‪ ‬منا‪ ،‬قد‬
‫ضاقت علي نفسي وضاقت علي األرض بما رحبت‪ ،‬سمعت صوت‬
‫صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوت ‪ :‬يا كعب بن مالك أبشر‪،‬‬
‫قال‪ :‬فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج‪ ،‬قال‪ :‬فآذن رسول اهلل‬
‫‘ الناا بتوبة اهلل علينا‪ ،‬حين صلى صالة الفجر‪ ،‬فذهب الناا‬
‫‪377‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‬

‫يبشروننا‪ ،‬فذهب قبل صاحبي مبشرون‪ ،‬وركض رجل إلي فرسا‪،‬‬


‫وسعى ساع من أسلم قبلي‪ ،‬وأوفى الجبل‪ ،‬فكان الصوت أسرع من‬
‫الفرا‪ ،‬فلما جاءني الذي سمعت صوت يبشرني‪ ،‬فنزعت ل ثوبي‬
‫فكسوتهما إياه ببشارت ‪ ،‬واهلل ما أملك غيرهما يومئذ‪ ،‬واستعرت ثوبين‬
‫فلبستهما‪ ،‬فانطلقت أتأمم رسول اهلل ‘‪ ،‬يتلقاني الناا فوجا فوجا‪،‬‬
‫يهنئوني بالتوبة ويقولون‪ :‬لتهنئك توبة اهلل عليك حتى دخلت المسجد‪،‬‬
‫فإذا رسول اهلل ‘ جالس في المسجد وحول الناا‪ ،‬فقام طلحة بن‬
‫عبيد اهلل يهرول حتى صافحني وهنأني‪ ،‬واهلل ما قام رجل من المهاجرين‬
‫غيره‪ ،‬قال فكان كعب ًل ينساها لطلحة‪ .‬قال كعب‪ :‬فلما سلمت على‬
‫رسول اهلل ‘ قال‪ :‬وهو يبرق وجه من السرور ويقول‪> :‬أبشر بخير‬
‫يوم مر عليك منذ ولدتك أمك< قال فقلت‪ :‬أمن عندك؟ يا رسول اهلل أم‬
‫من عند اهلل فقال‪ً> :‬ل‪ ،‬بل من عند اهلل< وكان رسول اهلل ‘‪ ،‬إذا سر‬
‫استنار وجه ‪ ،‬كأن وجه قطعة قمر‪ ،‬قال‪ :‬وكنا نعرف ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فلما‬
‫جلست بين يدي قلت‪ :‬يا رسول اهلل إن من توبتي أن أنخلع من مالي‬
‫صدقة إلى اهلل وإلى رسول ‘‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪> :‬أمسك بعض‬
‫مالك‪ ،‬فهو خير لك< قال‪ :‬فقلت‪ :‬فإني أمسك سهمي الذي بخيبر‪،‬‬
‫قال‪ :‬وقلت‪ :‬يا رسول اهلل إن اهلل إنما أنجاني بالصدق‪ ،‬وإن من توبتي‬
‫أن ًل أحد إًل صدقا ما بقيت‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل ما علمت أن أحدا من‬
‫المسلمين أباله اهلل في صدق الحديث‪ ،‬منذ ذكرت ذلك لرسول اهلل ‘‬
‫إلى يومي هذا‪ ،‬أحسن مما أبالني اهلل ب ‪ ،‬واهلل ما تعمدت كذبة منذ‬
‫‪378‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‬

‫قلت ذلك لرسول اهلل ‘‪ ،‬إلى يومي هذا‪ ،‬وإني ألرجو أن يحفظني اهلل‬
‫فيما بقي‪ ،‬قال‪ :‬فأنزل اهلل ‪{ :‬ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ‬
‫ﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺ‬
‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ} حتى بلغ‪:‬‬
‫{ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ} [التوبة‪ ،]119 :‬قال‬
‫كعب‪ :‬واهلل ما أنعم اهلل علي من نعمة قط‪ ،‬بعد إذ هداني اهلل لإلسالم‪،‬‬
‫أعظم في نفسي‪ ،‬من صدقي رسول اهلل ‘‪ ،‬أن ًل أكون كذبت فأهلك‬
‫كما هلك الذين كذبوا‪ ،‬إن اهلل قال للذين كذبوا‪ ،‬حين أنزل الوحي‪ ،‬شر‬
‫ما قال ألحد‪ .‬وقال اهلل‪{ :‬ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ‬
‫ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ} [التوبة‪ ،]96 :‬قال كعب‪ :‬كنا خلفنا أيها الثالثة‬
‫عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول اهلل ‘ حين حلفوا ل ‪ ،‬فبايعهم‬
‫واستغفر لهم وأرجأ رسول اهلل ‘ أمرنا حتى قضى اهلل في ‪ ،‬فبذلك قال‬
‫اهلل ‪ :‬وعلى الثالثة الذين خلفوا‪ ،‬وليس الذي ذكر اهلل مما خلفنا‪،‬‬
‫تخلفنا عن الغزو‪ ،‬وإنما هو تخليف إيانا‪ ،‬وإرجاؤه أمرنا‪ ،‬عمن حلف ل‬
‫واعتذر إلي فقبل من ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)4418‬مسلم‪ :‬ا‪ ،)2769‬واللفظ ل ‪ ،‬ورواه البخاري ا‪)4677‬‬
‫مختصرا‪ ،‬وفيه‪> :‬عبد الرحمن بن عبد اهلل بن كعب بن مالك‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬سمعت=‬
‫ً‬
‫‪379‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‬

‫وهؤًلء الثالثة الذين وصفهم اهلل في هذه اآلية بما وصفهم ب فيما‬
‫قبل‪ ،‬هم اآلخرون الذين قال جل ثناؤه‪{ :‬ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬

‫ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﳈ ﳉ ﳊ ﳋ} [التوبة‪ ]106 :‬فتاب عليهم عز‬


‫ذكره وتفضل عليهما‪.)1‬‬
‫>فتأويل الكالم إذاا‪ :‬ولقد تاب اهلل على الثالثة الذين خلفهم اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أبي كعب بن مالك ــ وهو أحد الثالثة الذين تيب عليهم‪ ،‬أن لم يتخلف عن رسول‬ ‫=‬
‫اهلل ‘ في غزوة غزاها قط‪ ،‬غير غزوتين غزوة العسرة‪ ،‬وغزوة بدر ــ قال‪ :‬فأجمعت‬
‫صدقي رسول اهلل ‘ ضحى‪ ،‬وكان قلما يقدم من سفر سافره إًل ضحى‪ ،‬وكان يبدأ‬
‫بالمسجد فيركع ركعتين‪ ،‬ونهى النبي ‘ عن كالمي‪ ،‬وكالم صاحبي‪ ،‬ولم ين عن‬
‫كالم أحد من المتخلفين غيرنا‪ ،‬فاجتنب الناا كالمنا‪ ،‬فلبثت كذلك حتى طال علي‬
‫األمر‪ ،‬وما من شيء أهم إلي من أن أموت فال يصلي علي النبي ‘‪ ،‬أو يموت‬
‫رسول اهلل ‘ فأكون من الناا بتلك المنزلة فال يكلمني أحد منهم‪ ،‬وًل يصلي وًل‬
‫يسلم علي فأنزل اهلل توبتنا على نبي ‘‪ ،‬حين بقي الثلث اآلخر من الليل‪ ،‬ورسول‬
‫اهلل ‘ عند أم سلمة‪ ،‬وكانت أم سلمة محسنة في شأني معنية في أمري‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل ‘‪> :‬يا أم سلمة تيب على كعب< قالت‪ :‬أفال أرسل إلي فأبشره؟ قال‪:‬‬
‫>إذا يحطمكم الناا فيمنعونكم النوم سائر الليلة< حتى إذا صلى رسول اهلل ‘‬
‫صالة الفجر آذن بتوبة اهلل علينا‪ ،‬وكان إذا استبشر استنار وجه ‪ ،‬حتى كأن قطعة من‬
‫القمر‪ ،‬وكنا أيها الثالثة الذين خلفوا عن األمر الذي قبل من هؤًلء الذين اعتذروا‪،‬‬
‫حين أنزل اهلل لنا التوبة‪ ،‬فلما ذكر الذين كذبوا رسول اهلل ‘ من المتخلفين‬
‫واعتذروا بالباطل‪ ،‬ذكروا بشر ما ذكر ب أحد‪ ،‬قال اهلل سبحان ‪{ :‬ﱁ ﱂ‬
‫ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ‬
‫ﱕ ﱖ} [التوبة‪ ]94 :‬اآلية<‪.‬‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)53/12‬‬
‫‪380‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‬

‫عن التوبة‪ ،‬فأرجأهم عمن تاب علي ممن تخلف عن رسول اهلل ‘‪.‬‬
‫{ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ} يقول‪ :‬بسعتها غما وندما‬
‫على تخلفهم عن الجهاد مع رسول اهلل ‘ {ﱌ ﱍ ﱎ}‬
‫بما نالهم من الوجد والكرب بذلك {ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} يقول‪ :‬وأيقنوا‬
‫بقلوبهم أن ًل شيء لهم يلجئون إلي مما نزل بهم من أمر اهلل من البالء‬
‫بتخلفهم خالف رسول اهلل ‘ ينجيهم من كرب ‪ ،‬وًل مما يحذرون من‬
‫عذاب اهلل إًل اهلل‪ .‬ثم رزقهم اإلنابة إلى طاعت ‪ ،‬والرجوع إلى ما يرضي‬
‫عنهم‪ ،‬لينيبوا إلي ويرجعوا إلى طاعت واًلنتهاء إلى أمره ونهي ‪{ .‬ﱜ ﱝ‬
‫ﱞ ﱟ ﱠ} يقول‪ :‬إن اهلل هو الوهاب لعباده اإلنابة إلى طاعت‬
‫الموفق من أحب توفيق منهم لما يرضي عن ‪ ،‬الرحيم بهم أن يعاقبهم‬
‫بعد التوبة‪ ،‬أو يخذل من أراد منهم التوبة واإلنابة وًل يتوب علي <ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)54/12‬‬
‫‪381‬‬
‫عبداهلل بن أم مكتوم‬

‫‪5‬‬
‫عبد اهلل بن أم مكتوم‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫وأشهر ما نزل في قول تعالى‪:‬‬


‫ﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘ‬
‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ}‬
‫[عبس‪ 1 :‬ــ ‪.]10‬‬
‫عن عائشة قالت‪> :‬أنزل‪{ :‬ﱁ ﱂ} في ابن أم مكتوم األعمى‪،‬‬
‫أتى رسول اهلل ‘ فجعل يقول‪ :‬يا رسول اهلل أرشدني‪ ،‬وعند رسول اهلل ‘‬
‫رجل من عظماء المشركين‪ ،‬فجعل رسول اهلل ‘ يعرض عن ويقبل‬
‫على اآلخر‪ ،‬ويقول‪> :‬أترى بما أقول بأسا؟< فيقول‪ :‬ال‪ ،‬ففي هذا أنزل<ا‪.)1‬‬
‫قال الطبري‪> :‬وذكر أن األعمى الذي ذكره اهلل في هذه اآلية‪ ،‬هو‬
‫ابن أم مكتوم‪ ،‬عوتب النبي ‘ بسبب <‪ ،‬وأخرج عن ابن عباا‪ ،‬قول ‪:‬‬
‫>{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ} قال‪ :‬بينا رسول اهلل ‘ يناجي‬
‫عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباا بن عبد المطلب‪ ،‬وكان‬
‫يتصدى لهم كثيرا‪ ،‬ويحرص عليهم أن يؤمنوا‪ ،‬فأقبل إلي رجل أعمى‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج الترمذي‪ :‬ا‪.)3331‬‬
‫‪382‬‬
‫عبداهلل بن أم مكتوم‬

‫يقال له عبد اهلل بن أم مكتوم‪ ،‬يمشي وهو يناجيهم‪ ،‬فجعل عبد اهلل يستقرئ‬
‫النبي ‘ آية من القرآن‪ ،‬وقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬علمني مما علمك اهلل‪،‬‬
‫فأعرض عن رسول اهلل ‘‪ ،‬وعبس في وجه وتولى‪ ،‬وكره كالم ‪،‬‬
‫وأقبل على اآلخرين؛ فلما قضى رسول اهلل ‘‪ ،‬وأخذ ينقلب إلى أهل ‪،‬‬
‫أمسك اهلل بعض بصره‪ ،‬ثم خفق برأس ‪ ،‬ثم أنزل اهلل‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ}‪ ،‬فلما نزل في‬
‫أكرم رسول اهلل ‘ وكلم ‪ ،‬وقال ل ‪> :‬ما حاجتك‪ ،‬هل تريد من‬
‫شيء؟< وإذا ذهب من عنده قال ل ‪> :‬هل لك حاجة في شيء؟< وذلك‬
‫لما أنزل اهلل‪{ :‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ}<ا‪.)1‬‬
‫قال القرطبي‪> :‬روى أهل التفسير أجمع أن قوما من أشراف قريش‬
‫كانوا عند النبي ‘ وقد طمع في إسالمهم‪ ،‬فأقبل عبد اهلل بن أم‬
‫مكتوم‪ ،‬فكره رسول اهلل ‘ أن يقطع عبد اهلل علي كالم ‪ ،‬فأعرض‬
‫عن ‪ ،‬ففي نزلت هذه اآلية<ا‪.)2‬‬
‫وقال ابن كثير‪> :‬ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول اهلل ‘‬
‫كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش‪ ،‬وقد طمع في إسالم ‪ ،‬فبينما هو‬
‫يخاطب ويناجي إذ أقبل ابن أم مكتوم ــ وكان ممن أسلم قديما ــ فجعل‬
‫يسأل رسول اهلل ‘ عن شيء ويلح علي ‪ ،‬وود النبي ‘ أن لو كف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪ 102/24‬ــ ‪.)103‬‬
‫ا‪ )2‬الجامع ألحكام القرآن‪ :‬ا‪.)211/19‬‬
‫‪383‬‬
‫عبداهلل بن أم مكتوم‬

‫ساعت تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل؛ طمعا ورغبة في هدايت ‪.‬‬
‫وعبس في وج ابن أم مكتوم وأعرض عن ‪ ،‬وأقبل على اآلخر‪ ،‬فأنزل‬
‫اهلل ‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ}؟ أي‪:‬‬
‫يحصل ل زكاة وطهارة في نفس ‪{ .‬ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} أي‪ :‬يحصل‬
‫ل اتعاظ وانزجار عن المحارم‪{ ،‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ} أي‪:‬‬
‫أما الغني فأنت تتعرض ل لعل يهتدي‪{ ،‬ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ}؟ أي‪ :‬ما‬
‫أنت بمطالب ب إذا لم يحصل ل زكاة‪{ .‬ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ}‬
‫أي‪ :‬يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول ل ‪{ ،‬ﱧ ﱨ ﱩ} أي‪:‬‬
‫تتشاغل‪ .‬ومن هاهنا أمر اهلل ‪ ‬رسول ‘ أًل يخص باإلنذار أحدا‪،‬‬
‫بل يساوي في بين الشريف والضعيف‪ ،‬والفقير والغني‪ ،‬والسادة‬
‫والعبيد‪ ،‬والرجال والنساء‪ ،‬والصغار والكبار‪ .‬ثم اهلل يهدي من يشاء‬
‫إلى صراط مستقيم‪ ،‬ول الحكمة البالغة والحجة الدامغة<ا‪.)1‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬ ‫ضا‪ ،‬قول تعالى‪:‬‬
‫ــ ومما نزل في أي ا‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬
‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬
‫ﱢ ﱣ ﱤ} [النساء‪.]95 :‬‬
‫{ﱁ ﱂ‬ ‫عن أبي إسحاق‪ ،‬أن سمع البراء‪ ،‬يقول في هذه اآلية‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ}‪> :‬فأمر رسول اهلل ‘ زيدا‪ ،‬فجاء بكتف يكتبها‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)319/8‬‬
‫‪384‬‬
‫عبداهلل بن أم مكتوم‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬ ‫فشكا إلي ابن أم مكتوم ضرارت ‪ ،‬فنزلت‪:‬‬


‫ﱆ ﱇ ﱈ}<ا‪.)1‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫ويعني جل ثناؤه بقول ‪:‬‬
‫ﱉ} ًل يعتدل المتخلفون عن الجهاد في سبيل اهلل من أهل‬
‫اإليمان باهلل وبرسول ‪ ،‬المؤثرون الدعة والخفض والقعود في منازلهم‬
‫على مقاساة حزونة األسفار والسير في األرض ومشقة مالقاة أعداء اهلل‬
‫بجهادهم في ذات اهلل وقتالهم في طاعة اهلل‪ ،‬إًل أهل العذر منهم بذهاب‬
‫أبصارهم‪ ،‬وغير ذلك من العلل التي ًل سبيل ألهلها للضرر الذي بهم‬
‫إلى قتالهم وجهادهم في سبيل اهلل والمجاهدون في سبيل اهلل‪ ،‬ومنهاج‬
‫دين ‪ ،‬لتكون كلمة اهلل هي العليا‪ ،‬المستفرغون طاقتهم في قتال أعداء‬
‫اهلل وأعداء دينهم بأموالهم‪ ،‬إنفاقا لها فيما أوهن كيد أعداء أهل اإليمان‬
‫باهلل وبأنفسهم‪ ،‬مباشرة بها قتالهم‪ ،‬بما تكون ب كلمة اهلل العالية‪ ،‬وكلمة‬
‫الذين كفروا السافلةا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪ ،)2831‬ومسلم‪ :‬ا‪ ،)1898‬واللفظ ل ‪ ،‬وفي لفظ للبخاري‪:‬‬
‫ا‪> :)4990‬عن البراء‪ ،‬قال‪ :‬لما نزلت‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬
‫ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ} [النساء‪ ،]95 :‬قال النبي ‘‪> :‬ادع لي زيدا وليجئ‬
‫باللوح والدواة والكتف ــ أو الكتف والدواة ــ< ثم قال‪> :‬اكتب {ﱁ ﱂ ﱃ}‬
‫[النساء‪ <]95 :‬وخلف ظهر النبي ‘ عمرو بن أم مكتوم األعمى‪ ،‬قال‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل فما تأمرني‪ ،‬فإني رجل ضرير البصر؟ فنزلت مكانها‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫ﱅ} [النساء‪{ ]95 :‬ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ} [النساء‪{ ]95 :‬ﱆ ﱇ ﱈ}‬
‫[النساء‪.<]95 :‬‬
‫ا‪ )2‬جامع البيان‪ ،‬للطبري‪ :‬ا‪.)366/7‬‬
‫‪385‬‬
‫اجملادلة (خولة بنت ثعلبة)‬

‫‪5‬‬
‫املجادلة (خولة بنت ثعلبة)‬
‫عن عائشة قالت‪> :‬الحمد هلل الذي وسع سمع األصوات‪ ،‬لقد‬
‫جاءت المجادلة إلى النبي ‘ تكلم وأنا في ناحية البيت‪ ،‬ما أسمع ما‬
‫تقول‪ :‬فأنزل اهلل ‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} [المجادلة‪]1 :‬‬
‫إلى آخر اآلية<ا‪.)1‬‬
‫عن يوسف بن عبد اهلل بن سالم‪ ،‬عن خولة بنت ثعلبة قالت‪ :‬في‬
‫ـ واهلل ـ وفي أوا بن صامت أنزل اهلل ‪ ‬صدر سورة المجادلة قالت‪:‬‬
‫كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلق وضجر‪ ،‬قالت‪ :‬فدخل علي‬
‫يوما فراجعت بشيء فغضب‪ ،‬فقال‪ :‬أنت علي كظهر أمي‪ ،‬قالت‪ :‬ثم‬
‫خرج فجلس في نادي قوم ساعة‪ ،‬ثم دخل علي‪ ،‬فإذا هو يريدني على‬
‫نفسي‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬كال والذي نفس خويلة بيده‪ً ،‬ل تخلص إلي وقد‬
‫قلت ما قلت حتى يحكم اهلل ورسول فينا بحكم ‪ ،‬قالت‪ :‬فواثبني‬
‫وامتنعت من ‪ ،‬فغلبت بما تغلب ب المرأة الشيخ الضعيف‪ ،‬فألقيت عني‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابها‪ ،‬ثم خرجت‬
‫حتى جئت رسول اهلل ‘ فجلست بين يديه‪ ،‬فذكرت له ما لقيت منه‪،‬‬
‫فجعلت أشكو إليه ‘ ما ألقى من سوء خلقه‪ ،‬قالت‪ :‬فجعل رسول اهلل ‘‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج أحمد‪ :‬ا‪ ،)228/40‬ا‪،)24195‬‬
‫‪386‬‬
‫اجملادلة (خولة بنت ثعلبة)‬

‫يقول‪> :‬يا خويلة‪ ،‬ابن عمك شيخ كبير فاتقي اهلل في <‪ ،‬قالت‪ :‬فواهلل ما‬
‫برحت حتى نزل في القرآن‪ ،‬فتغشى رسول اهلل ‘ ما كان يتغشاه‪ ،‬ثم‬
‫سري عن فقال لي‪> :‬يا خويلة‪ ،‬قد أنزل اهلل فيك وفي صاحبك<‪ ،‬ثم قرأ‬
‫علي‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬
‫ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} [المجادلة‪ ]1 :‬إلى قول ‪{ :‬ﲣ ﲤ ﲥ}‬
‫[المجادلة‪ ،]4 :‬فقال لي رسول اهلل ‘‪> :‬مري فليعتق رقبة<‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫واهلل يا رسول اهلل ما عنده ما يعتق‪ ،‬قال‪> :‬فليصم شهرين متتابعين<‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬واهلل يا رسول اهلل إنه شيخ كبير ما به من صيام‪ ،‬قال‪> :‬فليطعم ستين‬
‫مسكينا‪ ،‬وسقا من تمر<‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬واهلل يا رسول اهلل ما ذاك عنده‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فقال رسول اهلل ‘‪> :‬فإنا سنعينه بعرق من تمر<‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫وأنا يا رسول اهلل سأعينه بعرق آخر‪ ،‬قال‪> :‬قد أصبت وأحسنت‪ ،‬فاذهبي‬
‫فتصدقي عنه‪ ،‬ثم استوصي بابن عمك خيرا<‪ ،‬قالت‪ :‬ففعلت<ا‪.)1‬‬
‫قال الطبري بعد ذكر اًلختالف في اسمها‪> :‬وكانت مجادلتها‬
‫رسول اهلل ‘ في زوجها‪ ،‬وزوجها أوا بن الصامت‪ ،‬مراجعتها إياه‬
‫في أمره‪ ،‬وما كان من قول لها‪ :‬أنت علي كظهر أمي‪ .‬ومحاورتها إياه‬
‫في ذلك‪ .‬وبذلك قال أهل التأويل‪ ،‬وتظاهرت ب الرواية<ا‪.)2‬‬
‫قال البغوي‪> :‬نزلت في خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن‬
‫الصامت<ا‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج أحمد‪ :‬ا‪ ،)300/45‬ا‪.)27319‬‬
‫ا‪ )2‬جامع البيان‪ :‬ا‪ ،)446/22‬وانظر‪ :‬التفسير البسيط‪ :‬ا‪.)325/21‬‬
‫ا‪ )3‬تفسير البغوي‪ :‬ا‪.)47/8‬‬
‫‪387‬‬
‫رجل يقال له ضمرة من بين بكر‬

‫‪5‬‬
‫رجل يقال هل ضمرة من بين بكر‬

‫قال الحافظ ابن حجر‪> :‬اختلف في اسم واسم أبي على أكثر من‬
‫عشرة أوج <ا‪> ،)1‬واسم ضمرة على الصحيح<ا‪.)2‬‬
‫عن عبد اهلل بن عباا ـ ‪ ‬ـ؛ قال‪ :‬خرج ضمرة بن جندب من‬
‫مهاجرا؛ فقال ألهل ‪ :‬احملوني؛ فأخرجوني من أرض المشركين‬ ‫ا‬ ‫بيت‬
‫إلى رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ ،‬فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي ـ ‘ ـ؛‬
‫فنزل الوحي‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ}‬
‫حتى بلغ‪{ :‬ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ} [النساء‪]100 :‬ا‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬اإلصابة‪ً :‬لبن حجر ا‪ 515/1‬ــ ‪ 516‬رقم ‪ ،)1235‬وا‪ 491/3‬ــ ‪ 492‬رقم‬
‫‪.)4194‬‬
‫ا‪ )2‬فتح الباري‪ :‬ا‪.)18/6‬‬
‫ا‪ )3‬أخرج أبو يعلى في المسند‪ :‬ا‪ ،)2679‬وأبي نعيم في معرفة الصحابة‪ :‬ا‪،)1548/3‬‬
‫وانظر‪ :‬اًلستيعاب في بيان األسباب‪ :‬ا‪.)481/1‬‬
‫وأخرج الطبري عن ابن عباا‪ ،‬قال‪ :‬نزلت هذه اآلية‪{ :‬ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬
‫ﱵ} [النساء‪ ]97 :‬وكان بمكة رجل يقال ل ضمرة من بني بكر وكان مريضا‪،‬‬
‫فقال ألهل ‪ :‬أخرجوني من مكة‪ ،‬فإني أجد الحر‪ .‬فقالوا‪ :‬أين نخرجك؟ فأشار بيده‬
‫نحو المدينة‪ .‬فنزلت هذه اآلية‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ} [النساء‪:‬‬
‫‪ ]100‬إلى آخر اآلية‪ ،‬جامع البيان‪ :‬ا‪.)398/7‬‬
‫‪388‬‬
‫حاطب بن أبي بلتعة‬

‫‪5‬‬
‫حاطب بن أيب بلتعة‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫وقد نزل في قول تعالى‪:‬‬


‫ﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕ‬

‫ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ‬

‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬

‫ﱲ} [الممتحنة‪]1 :‬ا‪.)1‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬وهذه اآلية دليل على فضل من وقع بينهم قتال من أصحاب النبي ‘‪ ،‬مع تخطئة‬
‫حاطبا بالمؤمن‪> ،‬وهذه القصة مما اتفق أهل‬
‫بعض‪ ،‬وتصويب آخرين‪ ،‬فإن اهلل سمى ا‬
‫العلم على صحتها‪ ،‬وهي متواترة عندهم‪ ،‬معروفة عند علماء التفسير‪ ،‬وعلماء‬
‫الحديث وعلماء المغازي والسير والتواريخ‪ ،‬وعلماء الفق ‪ ،‬وغير هؤًلء‪ .‬وكان علي‬
‫ـ ‪ ‬ـ يحد بهذا الحديث في خالفت بعد الفتنة‪ ،‬وروى عن كاتب عبد اهلل بن أبي‬
‫رافع ليبين لهم أن السابقين مغفور لهم‪ ،‬ولو جرى منهم ما جرى‪.‬‬
‫فإن عثمان وعليا وطلحة والزبير أفضل باتفاق المسلمين من حاطب بن أبي بلتعة‪،‬‬
‫وكان حاطب مسيئا إلى مماليك ‪ ،‬وكان ذنب في مكاتبة المشركين وإعانتهم على النبي‬
‫ـ ‘ ـ وأصحاب أعظم من الذنوب التي تضاف إلى هؤًلء‪ ،‬ومع هذا فالنبي ـ ‘ ـ‬
‫نهى عن قتل ‪ ،‬وكذب من قال‪ :‬إن يدخل النار‪ ،‬ألن شهد بدرا والحديبية‪ ،‬وأخبر‬
‫بمغفرة اهلل ألهل بدر‪ .‬ومع هذا فقد قال عمر ـ ‪ ‬ـ‪ :‬دعني أضرب عنق هذا‬
‫المنافق‪ .‬فسماه منافقا‪ ،‬واستحل قتل ‪ ،‬ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما‪ ،‬وًل‬
‫في كون من أهل الجنة<‪ ،‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)332/4‬‬
‫‪389‬‬
‫حاطب بن أبي بلتعة‬

‫عن الحسن بن محمد‪ ،‬أخبرني عبيد اهلل بن أبي رافع‪ ،‬وهو كاتب‬
‫علي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عليا ‪ ،‬وهو يقول‪ :‬بعثنا رسول اهلل ‘ أنا‬
‫والزبير والمقداد فقال‪> :‬ائتوا روضة خاخ‪ ،‬فإن بها ظعينة معها كتاب‪،‬‬
‫فخذوه منها< فانطلقنا تعادى بنا خيلنا‪ ،‬فإذا نحن بالمرأة‪ ،‬فقلنا‪ :‬أخرجي‬
‫الكتاب‪ ،‬فقالت‪ :‬ما معي كتاب‪ ،‬فقلنا‪ :‬لتخرجن الكتاب أو لتلقين‬
‫الثياب‪ ،‬فأخرجت من عقاصها‪ ،‬فأتينا ب رسول اهلل ‘‪ ،‬فإذا في ‪ :‬من‬
‫حاطب بن أبي بلتعة إلى ناا من المشركين‪ ،‬من أهل مكة‪ ،‬يخبرهم‬
‫ببعض أمر رسول اهلل ‘‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪> :‬يا حاطب ما هذا؟<‬
‫قال‪ً :‬ل تعجل علي يا رسول اهلل إني كنت امرأ ملصقا في قريش ــ قال‬
‫سفيان‪ :‬كان حليفا لهم‪ ،‬ولم يكن من أنفسها ــ وكان ممن كان معك من‬
‫المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم‪ ،‬فأحببت إذ فاتني ذلك من‬
‫النسب فيهم‪ ،‬أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي‪ ،‬ولم أفعل كفرا وًل‬
‫ارتدادا عن ديني‪ ،‬وًل رضا بالكفر بعد اإلسالم‪ ،‬فقال النبي ‘‪:‬‬
‫>صدق< فقال عمر‪ :‬دعني‪ ،‬يا رسول اهلل أضرب عنق هذا المنافق‪،‬‬
‫فقال‪> :‬إن قد شهد بدرا‪ ،‬وما يدريك لعل اهلل اطلع على أهل بدر فقال‪:‬‬
‫اعملوا ما شئتم‪ ،‬فقد غفرت لكم< فأنزل اهلل ‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫ﱅ ﱆ ﱇ}ا‪.)1‬‬
‫قال ابن كثير‪> :‬كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة‬
‫حاطب بن أبي بلتعة‪ ،‬وذلك أن حاطبا هذا كان رجال من المهاجرين‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البخاري‪ :‬ا‪ ،)4274‬ومسلم‪ :‬ا‪ ،)2494‬وهذا لفظ مسلم‪.‬‬
‫‪390‬‬
‫حاطب بن أبي بلتعة‬

‫وكان من أهل بدر أيضا‪ ،‬وكان ل بمكة أوًلد ومال‪ ،‬ولم يكن من‬
‫قريش أنفسهم‪ ،‬بل كان حليفا لعثمان‪ .‬فلما عزم رسول اهلل ‘ على‬
‫فتح مكة لما نقض أهلها العهد‪ ،‬فأمر النبي ‘ المسلمين بالتجهيز‬
‫لغزوهم‪ ،‬وقال‪> :‬اللهم‪ ،‬عم عليهم خبرنا<‪ .‬فعمد حاطب هذا فكتب‬
‫كتابا‪ ،‬وبعث مع امرأة من قريش إلى أهل مكة‪ ،‬يعلمهم بما عزم علي‬
‫رسول اهلل ‘ من غزوهم‪ ،‬ليتخذ بذلك عندهم يدا‪ ،‬فأطلع اهلل رسول‬
‫على ذلك استجابة لدعائ ‪ .‬فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها‪،‬‬
‫وهذا بين في هذا الحديث المتفق على صحت <ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)82/8‬‬
‫‪391‬‬
‫العرباض بن سارية‬

‫‪5‬‬
‫العرباض بن سارية‬
‫{ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ‬ ‫وهو ممن نزل في قول تعالى‪:‬‬
‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [التوبة‪.]92 :‬‬
‫عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي‪ ،‬وحجر بن حجر‪ ،‬قاًل‪> :‬أتينا‬
‫العرباض بن سارية وهو ممن نزل في {ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ‬
‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [التوبة‪ ]92 :‬فسلمنا‪ ،‬وقلنا‪:‬‬
‫أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين‪ .‬فقال عرباض‪ :‬صلى بنا رسول اهلل ‘‬
‫الصبح ذات يوم‪ ،‬ثم أقبل علينا‪ ،‬فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون‪،‬‬
‫ووجلت منها القلوب‪ ،‬فقال قائل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬كأن هذه موعظة‬
‫مودع‪ ،‬فماذا تعهد إلينا؟ فقال‪> :‬أوصيكم بتقوى اهلل‪ ،‬والسمع والطاعة‪،‬‬
‫وإن كان عبدا حبشيا‪ ،‬فإن من يعش منكم بعدي فسيرى اختالفا كثيرا‪،‬‬
‫فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين‪ ،‬تمسكوا بها‪ ،‬وعضوا‬
‫عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات األمور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة‪ ،‬وكل‬
‫بدعة ضاللة<<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه أحمد‪ ،)17145( :‬وأبي داود‪ ،)4607( :‬وابن ماجه (‪ ،)996‬وابن خزيمة‬
‫(‪.)1558‬‬
‫‪392‬‬
‫القرابة الذين نزلت فيهم آيات خمصوصة‬

‫(‪)1‬‬
‫القرابة اذلين نزلت فيهم آيات خمصوصة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬اعلم أن ‪> :‬لم يثن اهلل على أحد في القرآن بنسب أصال‪ً :‬ل على ولد نبي‪ ،‬وًل على‬
‫أبي نبي‪ ،‬وإنما أثنى على الناا بإيمانهم وأعمالهم‪ .‬وإذا ذكر صنفا وأثنى عليهم ؛‬
‫فلما فيهم من اإليمان والعمل‪ً ،‬ل لمجرد النسب‪.‬‬
‫ولما ذكر األنبياء ــ ذكرهم في سورة األنعام ــ وهم ثمانية عشر قال‪{ :‬ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} [سورة األنعام‪ .]87 :‬فبهذا‬
‫حصلت الفضيلة باجتبائ ‪ ،‬وهدايت إياهم إلى صراط مستقيم‪ً ،‬ل بنفس القرابة‪.‬‬
‫وقد يوجب النسب حقوقا‪ ،‬ويوجب ألجل حقوقا‪ ،‬ويعلق في أحكاما من اإليجاب‬
‫والتحريم واإلباحة‪ ،‬لكن الثواب والعقاب والوعد والوعيد على األعمال ًل على‬
‫األنساب‪.‬‬
‫ولما قال تعالى‪{ :‬ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ}‬
‫[سورة آل عمران‪ ،]33 :‬وقال‪{ :‬ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤ‬
‫ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ} [سورة النساء‪ ،]54 :‬كان هذا مدحا‬
‫لهذا المعدن الشريف‪ ،‬لما فيهم من اإليمان والعمل الصالح‪.‬‬
‫ومن لم يتصف بذلك منهم لم يدخل في المدح‪ ،‬كما في قول تعالى‪{ :‬ﱠ ﱡ‬
‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ}‬
‫[سورة الحديد‪ ،]26 :‬وقال تعالى‪{ :‬ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬
‫ﱾ ﱿ} [سورة الصافات‪.<]113 :‬‬
‫>وأما النسب ففي القرآن إثبات حق لذوي القربى كما ذكروا هم في آية الخمس‬
‫والفيء‪ .‬وفي القرآن أمر لهم بما يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا‪ .‬وفي القرآن‬
‫األمر بالصالة على النبي ـ ‘ ـ وقد فسر ذلك بأن يصلى علي وعلى آل ‪ .‬وفي=‬
‫‪393‬‬
‫علي بن أبي طالب‬

‫‪5‬‬
‫عيل بن أيب طالب‬
‫لقد ادعي نزول آيات كثيرة في علي ‪ ،‬ونحن نقتصر على ما‬
‫صح مما نزل في ‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫قول تعالى‪{ :‬ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} [الحج‪.]19 :‬‬
‫عن قيس بن عباد‪ ،‬قال‪ :‬قال علي ‪ :‬فينا نزلت هذه اآلية‪:‬‬
‫{ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ}ا‪ ،)1‬وعن قيس بن عباد‪ ،‬عن علي بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= القرآن األمر بمحبة اهلل ومحبة رسول ‪ ،‬ومحبة أهل من تمام محبت ‪ .‬وفي القرآن أن‬
‫أزواج أمهات المؤمنين‪.‬‬
‫وليس في القرآن مدح أحد لمجرد كون من ذوي القربى وأهل البيت‪ ،‬وًل الثناء‬
‫عليهم بذلك‪ ،‬وًل ذكر استحقاق الفضيلة عند اهلل بذلك‪ ،‬وًل تفضيل على من يساوي‬
‫في التقوى بذلك‪.‬‬
‫وإن كان قد ذكر ما ذكره من اصطفاء آل إبراهيم واصطفاء بني إسرائيل‪ ،‬فذاك أمر‬
‫ماض‪ ،‬فأخبرنا ب في جعل عبرة لنا‪ ،‬فبين مع ذلك أن الجزاء والمدح باألعمال‪.‬‬
‫ولهذا ذكر ما ذكره من اصطفاء بني إسرائيل‪ ،‬وذكر ما ذكره من كفر من كفر منهم‬
‫وذنوبهم وعقوبتهم‪ ،‬فذكر فيهم النوعين‪ :‬الثواب والعقاب‪.‬‬
‫وهذا من تمام تحقيق أن النسب الشريف قد يقترن ب المدح تارة إن كان صاحب من‬
‫أهل اإليمان والتقوى‪ ،‬وإًل فإن ذم صاحب أكثر‪ ،‬كما كان الذم لمن ذم من بني‬
‫إسرائيل وذرية إبراهيم‪ ،‬وكذلك المصاهرة<‪ ،‬منهاج السنة‪ :‬ا‪ 219/8‬ــ ‪.)220‬‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)3967‬‬
‫‪394‬‬
‫علي بن أبي طالب‬

‫أبي طالب ‪ ،‬أن قال‪> :‬أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة‬
‫يوم القيامة< وقال قيس بن عباد‪ :‬وفيهم أنزلت‪{ :‬ﲐ ﲑ ﲒ‬
‫ﲓ ﲔ} قال‪> :‬هم الذين تبارزوا يوم بدر‪ :‬حمزة‪ ،‬وعلي‪ ،‬وعبيدة‪ ،‬أو‬
‫أبو عبيدة بن الحار ‪ ،‬وشيبة بن ربيعة‪ ،‬وعتبة بن ربيعة‪ ،‬والوليد بن‬
‫عتبة<ا‪ ،)1‬وعن قيس بن عباد‪ ،‬عن أبي ذر ‪ ،‬قال‪> :‬نزلت‪{ :‬ﲐ‬
‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} في ستة من قريش‪ :‬علي‪ ،‬وحمزة‪ ،‬وعبيدة بن‬
‫الحار ‪ ،‬وشيبة بن ربيعة‪ ،‬وعتبة بن ربيعة‪ ،‬والوليد بن عتبة<ا‪.)2‬‬
‫ومع أن الطبري ‪ ‬قد رجح عموم هذه اآلية‪ ،‬إًل أن ذكر هذا‬
‫السبب كسبب لنزول اآلية الكريمة‪ ،‬قال‪> :‬وأولى هذه األقوال عندي‬
‫بالصواب‪ ،‬وأشبهها بتأويل اآلية قول من قال‪ :‬عني بالخصمين جميع‬
‫الكفار من أي أصناف الكفر كانوا‪ ،‬وجميع المؤمنين‪ .‬وإنما قلت ذلك‬
‫أولى بالصواب‪ ،‬ألن تعالى ذكره ذكر قبل ذلك صنفين من خلق ‪:‬‬
‫أحدهما أهل طاعة ل بالسجود ل ‪ ،‬واآلخر‪ :‬أهل معصية ل قد حق علي‬
‫العذاب‪ ،‬فقال‪{ :‬ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬
‫ﱱ ﱲ} ثم قال‪{ :‬ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ} ثم‬
‫أتبع ذلك صفة الصنفين كليهما وما هو فاعل بهما‪ ،‬فقال‪{ :‬ﲖ‬
‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ} وقال اهلل‪{ :‬ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬ا‪.)3965‬‬
‫ا‪ )2‬رواه البخاري‪ :‬ا‪ ،)3966‬ومسلم‪ :‬ا‪ ،)3033‬وانظر‪ :‬معرفة الصحابة‪ ،‬ألبي نعيم‪:‬‬
‫ا‪ ،)672/2‬ا‪.)1914/4‬‬
‫‪395‬‬
‫علي بن أبي طالب‬

‫ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ} فكان بينا بذلك أن ما بين‬


‫ذلك خبر عنهما‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فما أنت قائل فيما روي عن أبي ذر في قول ‪ :‬إن‬
‫ذلك نزل في الذين بارزوا يوم بدر؟‬
‫قيل‪ :‬ذلك إن شاء اهلل كما روي عنه‪ ،‬ولكن اآلية قد تنزل بسبب من‬
‫األسباب‪ ،‬ثم تكون عامة في كل ما كان نظير ذلك السبب‪ ،‬وهذه من‬
‫تلك‪.‬‬
‫وذلك أن الذين تبارزوا إنما كان أحد الفريقين أهل شرك وكفر‬
‫باهلل‪ ،‬واآلخر أهل إيمان باهلل وطاعة ل ‪ ،‬فكل كافر في حكم فريق‬
‫الشرك منهما في أن ألهل اإليمان خصم‪ ،‬وكذلك كل مؤمن في حكم‬
‫فريق اإليمان منهما في أن ألهل الشرك خصم‪.‬‬
‫فتأويل الكالم‪ :‬هذان خصمان اختصموا في دين ربهم‪،‬‬
‫واختصامهم في ذلك معاداة كل فريق منهما الفريق اآلخر‪ ،‬ومحاربت إياه‬
‫على دين <ا‪.)1‬‬
‫وقد علمت أن يشترك في هذه اآلية مع علي ‪:‬‬
‫حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬وأبي عبيدة بن الحارث ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬جامع البيان‪ :‬ا‪ 493/16‬ــ ‪ ،)494‬وانظر‪ :‬مجموع الفتاوى‪ً ،‬لبن تيمية‪:‬‬
‫ا‪ ،)473/27‬وتفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)406/5‬‬
‫‪396‬‬
‫علي بن أبي طالب‬

‫ولم يثبت ــ حسب بحثي ــ نزول غير هذه اآلية في علي ‪،‬‬
‫وقد ادعى بعضهم أن نزل في قرابة ثالثين آية‪ ،‬وقد راجعتها جمي اعا فلم‬
‫تثبت عند النقد‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬إما لعمومها الذي ًل يصح تخصيص ‪ ،‬وإما‬
‫لضعفها‪ ،‬وروايتها عمن ًل يوثق ب ‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫عائشة ‪‬‬

‫‪5‬‬
‫اعئشة ‪‬‬
‫{ﱁ ﱂ‬ ‫وقد أنزل اهلل في براءتها مما نسب إليها قول تعالى‪:‬‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬
‫ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬
‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ‬
‫ﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛ‬
‫ﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪ‬
‫ﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸ‬
‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬
‫ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ‬
‫ﳠ}‬ ‫ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ‬
‫[سورة‪ :‬النور]‪.‬‬
‫هذه اآليات أنزلت في عائشة أم المؤمنين ‪ ‬وما اتصل بذلك‬
‫من أمر >اإلفك<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬المحرر الوجيز‪ :‬ا‪.)168/4‬‬
‫‪398‬‬
‫عائشة ‪‬‬

‫وقد ساقت عائشة ‪ ،‬قصتها بنفسها قالت‪> :‬كان رسول اهلل ‘‬


‫إذا أراد أن يخرج سفرا‪ ،‬أقرع بين نسائ ‪ ،‬فأيتهن خرج سهمها خرج بها‬
‫رسول اهلل ‘ مع ‪ .‬قالت عائشة‪ :‬فأقرع بيننا في غزوة غزاها‪ ،‬فخرج‬
‫فيها سهمي‪ ،‬فخرجت مع رسول اهلل ‘‪ ،‬وذلك بعدما أنزل الحجاب‪،‬‬
‫فأنا أحمل في هودجي‪ ،‬وأنزل في مسيرنا حتى إذا فرغ رسول اهلل ‘‬
‫من غزوه‪ ،‬وقفل‪ ،‬ودنونا من المدينة‪ ،‬آذن ليلة بالرحيل فقمت حين‬
‫آذنوا بالرحيل‪ ،‬فمشيت حتى جاوزت الجيش‪ ،‬فلما قضيت من شأني‬
‫أقبلت إلى الرحل‪ ،‬فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد‬
‫انقطع‪ ،‬فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين‬
‫كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب‬
‫وهم يحسبون أني في ‪ ،‬قالت‪ :‬وكانت النساء إذ ذاك خفافا‪ ،‬لم يهبلن‬
‫ولم يغشهن اللحم‪ ،‬إنما يأكلن العلقة من الطعام‪ ،‬فلم يستنكر القوم ثقل‬
‫الهودج حين رحلوه ورفعوه‪ ،‬وكنت جارية حديثة السن‪ ،‬فبعثوا الجمل‬
‫وساروا‪ ،‬ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش‪ ،‬فجئت منازلهم وليس‬
‫بها داع وًل مجيب‪ ،‬فتيممت منزلي الذي كنت في ‪ ،‬وظننت أن القوم‬
‫سيفقدوني فيرجعون إلي‪ ،‬فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني‬
‫فنمت‪ ،‬وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرا من‬
‫وراء الجيش فأدلج‪ ،‬فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم‪ ،‬فأتاني‬
‫فعرفني حين رآني‪ ،‬وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي‪،‬‬
‫فاستيقظت باسترجاع حين عرفني‪ ،‬فخمرت وجهي بجلبابي‪ ،‬وواهلل ما‬
‫‪399‬‬
‫عائشة ‪‬‬

‫يكلمني كلمة وًل سمعت من كلمة غير استرجاع ‪ ،‬حتى أناخ راحلت ‪،‬‬
‫فوطئ على يدها فركبتها‪ ،‬فانطلق يقود بي الراحلة‪ ،‬حتى أتينا الجيش‪،‬‬
‫بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة‪ ،‬فهلك من هلك في شأني‪ ،‬وكان‬
‫الذي تولى كبره عبد اهلل بن أبي ابن سلول‪ ،‬فقدمنا المدينة فاشتكيت‪،‬‬
‫حين قدمنا المدينة شهرا‪ ،‬والناس يفيضون في قول أهل اإلفك‪ ،‬وال أشعر‬
‫بشيء من ذلك‪ ،‬وهو يريبني في وجعي أني ال أعرف من رسول اهلل ‘‬
‫اللطف‪ ،‬الذي كنت أرى من حين أشتكي‪ ،‬إنما يدخل رسول اهلل ‘‬
‫فيسلم‪ ،‬ثم يقول‪> :‬كيف تيكم؟< فذاك يريبني‪ ،‬وًل أشعر بالشر‪ ،‬حتى‬
‫خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع‪ ،‬وهو‬
‫متبرزنا‪ ،‬وًل نخرج إًل ليال إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا‬
‫من بيوتنا‪ ،‬وأمرنا أمر العرب األول في التنزه‪ ،‬وكنا نتأذى بالكنف أن‬
‫نتخذها عند بيوتنا‪ ،‬فانطلقت أنا وأم مسطح‪ ،‬وهي بنت أبي رهم بن‬
‫المطلب بن عبد مناف‪ ،‬وأمها ابنة صخر بن عامر‪ ،‬خالة أبي بكر‬
‫الصديق‪ ،‬وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب‪ ،‬فأقبلت أنا وبنت‬
‫أبي رهم قبل بيتي‪ ،‬حين فرغنا من شأننا‪ ،‬فعثرت أم مسطح في مرطها‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬تعس مسطح فقلت لها‪ :‬بئس ما قلت‪ ،‬أتسبين رجال قد شهد‬
‫بدرا‪ ،‬قالت‪ :‬أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟ قلت‪ :‬وماذا قال؟ قالت‪:‬‬
‫فأخبرتني بقول أهل اإلفك فازددت مرضا إلى مرضي‪ ،‬فلما رجعت إلى‬
‫بيتي‪ ،‬فدخل علي رسول اهلل ‘‪ ،‬فسلم ثم قال‪> :‬كيف تيكم؟< قلت‪:‬‬
‫أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت‪ :‬وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من‬
‫‪400‬‬
‫عائشة ‪‬‬

‫قبلهما‪ ،‬فأذن لي رسول اهلل ‘‪ ،‬فجئت أبوي فقلت ألمي‪ :‬يا أمتاه ما‬
‫يتحد الناا؟ فقالت‪ :‬يا بنية هوني عليك فواهلل لقلما كانت امرأة قط‬
‫وضيئة عند رجل يحبها‪ ،‬ولها ضرائر‪ ،‬إًل كثرن عليها‪ ،‬قالت قلت‪:‬‬
‫سبحان اهلل وقد تحد الناا بهذا؟ قالت‪ :‬فبكيت تلك الليلة حتى‬
‫أصبحت ًل يرقأ لي دمع وًل أكتحل بنوم‪ ،‬ثم أصبحت أبكي‪ ،‬ودعا‬
‫رسول اهلل ‘ علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث‬
‫الوحي‪ ،‬يستشيرهما في فراق أهل ‪ ،‬قالت فأما أسامة بن زيد فأشار على‬
‫رسول اهلل ‘ بالذي يعلم من براءة أهل ‪ ،‬وبالذي يعلم في نفس لهم‬
‫من الود‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل هم أهلك وًل نعلم إًل خيرا‪ ،‬وأما علي بن‬
‫أبي طالب‪ ،‬فقال‪ :‬لم يضيق اهلل عليك والنساء سواها كثير‪ ،‬وإن تسأل‬
‫الجارية تصدقك‪ ،‬قالت‪ :‬فدعا رسول اهلل ‘ بريرة فقال‪> :‬أي بريرة‬
‫هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟< قالت له بريرة‪ :‬والذي بعثك بالحق‬
‫إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها‪ ،‬أكثر من أنها جارية حديثة السن‪،‬‬
‫تنام عن عجين أهلها‪ ،‬فتأتي الداجن فتأكله‪ ،‬قالت‪ :‬فقام رسول اهلل ‘‬
‫على المنبر‪ ،‬فاستعذر من عبد اهلل بن أبي ابن سلول‪ ،‬قالت‪ :‬فقال‬
‫رسول اهلل ‘ وهو على المنبر‪> :‬يا معشر المسلمين من يعذرني من‬
‫رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي فواهلل ما علمت على أهلي إًل خيرا‪،‬‬
‫ولقد ذكروا رجال ما علمت علي إًل خيرا‪ ،‬وما كان يدخل على أهلي‬
‫إًل معي< فقام سعد بن معاذ األنصاري‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أعذرك من ‪ ،‬يا رسول‬
‫اهلل إن كان من األوا ضربنا عنق وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا‬
‫‪401‬‬
‫عائشة ‪‬‬

‫ففعلنا أمرك‪ ،‬قالت‪ :‬فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج‪ ،‬وكان رجال‬
‫صالحا‪ ،‬ولكن اجتهلت الحمية‪ ،‬فقال لسعد بن معاذ‪ :‬كذبت لعمر اهلل ًل‬
‫تقتل ‪ ،‬وًل تقدر على قتل فقام أسيد بن حضير ــ وهو ابن عم سعد بن‬
‫معاذ ــ‪ ،‬فقال لسعد بن عبادة‪ :‬كذبت لعمر اهلل لنقتلن فإنك منافق‬
‫تجادل عن المنافقين فثار الحيان األوا والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا‬
‫ورسول اهلل ‘‪ ،‬قائم على المنبر‪ ،‬فلم يزل رسول اهلل ‘ يخفضهم‬
‫حتى سكتوا وسكت‪ ،‬قالت‪ :‬وبكيت يومي ذلك ًل يرقأ لي دمع وًل‬
‫أكتحل بنوم‪ ،‬ثم بكيت ليلتي المقبلة ًل يرقأ لي دمع وًل أكتحل بنوم‬
‫وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي‪ ،‬فبينما هما جالسان عندي وأنا‬
‫أبكي استأذنت علي امرأة من األنصار‪ ،‬فأذنت لها فجلست تبكي‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول اهلل ‘‪ ،‬فسلم‪ ،‬ثم‬
‫جلس‪ ،‬قالت‪ :‬ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل‪ ،‬وقد لبث شهرا ًل‬
‫يوحى إلي في شأني بشيء‪ ،‬قالت‪ :‬فتشهد رسول اهلل ‘ حين جلس‪،‬‬
‫ثم قال‪> :‬أما بعد يا عائشة‪ ،‬فإن قد بلغني عنك كذا وكذا‪ ،‬فإن كنت‬
‫بريئة‪ ،‬فسيبرئك اهلل وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اهلل وتوبي إلي ‪،‬‬
‫فإن العبد إذا اعترف بذنب‪ ،‬ثم تاب تاب اهلل علي < قالت‪ :‬فلما قضى‬
‫رسول اهلل ‘‪ ،‬مقالت قلص دمعي حتى ما أحس من قطرة‪ ،‬فقلت‬
‫ألبي‪ :‬أجب عني رسول اهلل ‘‪ ،‬فيما قال فقال‪ :‬واهلل ما أدري ما أقول‬
‫لرسول اهلل ‘ فقلت ألمي‪ :‬أجيبي عني رسول اهلل ‘‪ ،‬فقالت‪ :‬واهلل‬
‫ما أدري ما أقول لرسول اهلل ‘‪ ،‬فقلت وأنا جارية حديثة السن ًل أقرأ‬
‫‪402‬‬
‫عائشة ‪‬‬

‫كثيرا من القرآن إني واهلل لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر‬
‫في نفوسكم وصدقتم ب ‪ ،‬فإن قلت لكم إني بريئة واهلل يعلم أني بريئة‬
‫ًل تصدقوني بذلك‪ ،‬ولئن اعترفت لكم بأمر واهلل يعلم أني بريئة‬
‫لتصدقونني وإني‪ ،‬واهلل ما أجد لي ولكم مثال إًل كما قال أبو يوسف‬
‫{ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ} [يوسف‪ ]18 :‬قالت‪ :‬ثم‬
‫تحولت فاضطجعت على فراشي‪ ،‬قالت‪ :‬وأنا‪ ،‬واهلل حينئذ أعلم أني‬
‫بريئة وأن اهلل مبرئي ببراءتي‪ ،‬ولكن‪ ،‬واهلل ما كنت أظن أن ينزل في‬
‫شأني وحي يتلى‪ ،‬ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم اهلل ‪ ‬في‬
‫بأمر يتلى‪ ،‬ولكني كنت أرجو أن يرى رسول اهلل ‘ في النوم رؤيا‬
‫يبرئني اهلل بها‪ ،‬قالت‪ :‬فواهلل ما رام رسول اهلل ‘ مجلس ‪ ،‬وًل خرج‬
‫من أهل البيت أحد حتى أنزل اهلل ‪ ‬على نبي ‘‪ ،‬فأخذه ما كان‬
‫يأخذه من البرحاء عند الوحي‪ ،‬حتى إن ليتحدر من مثل الجمان من‬
‫العرق‪ ،‬في اليوم الشات‪ ،‬من ثقل القول الذي أنزل علي ‪ ،‬قالت‪ :‬فلما‬
‫سري عن رسول اهلل ‘‪ ،‬وهو يضحك‪ ،‬فكان أول كلمة تكلم بها أن‬
‫قال‪> :‬أبشري يا عائشة أما اهلل فقد برأك< فقالت لي أمي‪ :‬قومي إلي ‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬واهلل ًل أقوم إلي ‪ ،‬وًل أحمد إًل اهلل‪ ،‬هو الذي أنزل براءتي‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فأنزل اهلل ‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ} عشر آيات فأنزل‬
‫اهلل ‪ ‬هؤًلء اآليات براءتي‪ ،‬قالت‪ :‬فقال أبو بكر وكان ينفق على‬
‫مسطح لقرابت من وفقره‪ :‬واهلل ًل أنفق علي شيئا أبدا بعد الذي قال‬
‫لعائشة فأنزل اهلل ‪{ :‬ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ}‬
‫‪403‬‬
‫عائشة ‪‬‬

‫إلى قول ‪{ :‬ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [النور‪ ،]22 :‬قال حبان بن موسى‪:‬‬


‫قال عبد اهلل بن المبارك‪ :‬هذه أرجى آية في كتاب اهلل‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬واهلل‬
‫إني ألحب أن يغفر اهلل لي‪ ،‬فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ال أنزعها منه أبدا‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬وكان رسول اهلل ‘ سأل زينب بنت‬
‫جحش‪ ،‬زوج النبي ‘ عن أمري >ما علمت؟ أو ما رأيت؟< فقالت‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل أحمي سمعي وبصري‪ ،‬واهلل ما علمت إال خيرا‪ .‬قالت عائشة‪:‬‬
‫وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي ‘‪ ،‬فعصمها اهلل بالورع‪،‬‬
‫وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها‪ ،‬فهلكت فيمن هلك قال‬
‫الزهري‪ :‬فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤًلء الرهط<ا‪.)1‬‬
‫{ﳆ‬ ‫‪ c‬ومن اآليات التي نزلت في شأن عائشة ‪ ،‬قول تعالى‪:‬‬
‫ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ} [آل عمران‪:‬‬

‫‪ ،]121‬يقول الرازي‪> :‬يروى أن ‪ ‬غدا من منزل عائشة ‪ ‬فمشى‬


‫على رجلي إلى أحد‪ ،‬وهذا قول مجاهد والواقدي‪ ،‬فدل هذا النص على‬
‫أهال للنبي ‘ وقال تعالى‪{ :‬ﲯ ﲰ‬ ‫أن عائشة ‪ ‬كانت ا‬
‫ﲱ ﲲﲳ} [النور‪ ]26 :‬فدل هذا النص على أنها مطهرة مبرأة عن‬
‫كل قبيح‪ ،‬أًل ترى أن ولد نوح لما كان كافرا قال‪{ :‬ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ}‬
‫[هود‪ ]46 :‬وكذلك امرأة لوط<ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج البخاري في مواضع‪ :‬ا‪ ،)2661‬ا‪ ،)4141‬ا‪ ،)4750‬ومسلم‪ :‬ا‪،)2770‬‬
‫واللفظ ل ‪.‬‬
‫ا‪ )2‬تفسير الرازي‪ :‬ا‪.)346/8‬‬
‫‪404‬‬
‫عائشة ‪‬‬

‫‪ c‬آيات تشترك فيهن عائشة وحفصة ‪:‬‬


‫ومن اآليات التي نزلت بسبب عائشة وحفصة ‪ ،‬آيات سورة‬
‫التحريم‪ ،‬فعن أنس‪ ،‬أن رسول اهلل ‘ كانت ل أمة يطؤها‪ ،‬فلم تزل ب‬
‫عائشة وحفصة حتى حرمها على نفس ‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى {ﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} [التحريم‪ ]1 :‬إلى آخر اآليةا‪.)1‬‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ‬ ‫وًل تثريب عليهن رضوان اهلل عليهن‪ ،‬بقول تعالى‪:‬‬


‫ﱌﱎﱏﱐﱑ ﱒﱓﱔﱕ‬
‫ﱍ‬ ‫ﱈﱊﱋ‬
‫ﱄﱅﱆﱇ ﱉ‬
‫ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬
‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬
‫ﲆﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ‬
‫ﲔﲕﲖﲗ ﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡ‬
‫ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} [التحريم]‪.‬‬
‫وذلك أن بعضهم ثرب على زوجات النبي ‘ بإذاعة سره‪ ،‬وأن‬
‫اهلل تعالى ذكر أنهما تظاهرتا على نبي ‪ ،‬والجواب عن ذلك من عدة‬
‫أوج ا‪:)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه النسائي في السنن الكبرى‪ :‬ا‪ ،)157/8‬ا‪ ،)8857‬وفي المجتبى‪ :‬ا‪،)71/7‬‬
‫ا‪.)3959‬‬
‫ا‪ )2‬منهاج السنة النبوية‪ :‬ا‪.)314/4‬‬
‫‪405‬‬
‫عائشة ‪‬‬

‫‪ 1‬ــ أن بتقدير أن يكون هناك ذنب لعائشة وحفصة‪ ،‬فيكونان قد‬


‫تابتا من ‪ ،‬وهذا ظاهر لقول تعالى‪{ :‬ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ}‬
‫فدعاهما اهلل تعالى إلى التوبة‪ ،‬فال يظن بهما أنهما لم يتوبا‪ ،‬مع ما ثبت‬
‫من علو درجتهما‪ ،‬وأنهما زوجتا نبينا في الجنة‪ ،‬وأن اهلل خيرهن بين‬
‫الحياة الدنيا وزينتها وبين اهلل ورسول والدار اآلخرة‪ ،‬فاخترن اهلل‬
‫ورسول والدار اآلخرة‪ ،‬ولذلك حرم اهلل علي أن يتبدل بهن غيرهن‪،‬‬
‫وحرم علي أن يتزوج عليهن‪ ،‬واختلف في إباحة ذلك ل بعد ذلك‪،‬‬
‫ومات عنهن وهن أمهات المؤمنين بنص القرآن‪.‬‬
‫ثم إن الذنب يغفر ويعفى عنه بالتوبة وبالحسنات الماحية وبالمصائب‬
‫المكفرة‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ المذكور عن أزواج كالمذكور عمن شهد ل بالجنة من أهل‬
‫بيت وغيرهم من الصحابة‪ ،‬كخطبة علي ًلبنة أبي جهل‪ ،‬فال يظن بعلي‬
‫ـ ‪ ‬ـ أن ترك الخطبة في الظاهر فقط‪ ،‬بل تركها بقلب وتاب بقلب عما‬
‫كان طلب وسعى في ‪.‬‬
‫وكتأخره في كتابة اسم النبي ‘ في صلح الحديبية‪ ،‬وكتأخر‬
‫الصحابة عن أمر الرسول ‘‪.‬‬
‫فمعلوم أن تأخر علي وغيره من الصحابة عما أمروا ب حتى غضب‬
‫النبي ـ ‘ ـ‪ :‬إذا قال القائل‪ :‬هذا ذنب‪ ،‬كان جواب كجواب القائل‪ :‬إن‬
‫عائشة أذنبت في ذلك‪ ،‬فمن الناا من يتأول ويقول‪ :‬إنما تأخروا‬
‫‪406‬‬
‫عائشة ‪‬‬

‫متأولين‪ ،‬لكونهم كانوا يرجون تغيير الحال بأن يدخلوا مكة‪ :‬وآخر‬
‫يقول‪ :‬لو كان لهم تأويل مقبول لم يغضب النبي ـ ‘ ـ بل تابوا من‬
‫ذلك التأخير ورجعوا عن ‪ ،‬مع أن حسناتهم تمحو مثل هذا الذنب‪،‬‬
‫وعلي داخل في هؤًلء ــ رضي اهلل عنهم ــ أجمعين‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫اخلامتة‬

‫‪A‬‬
‫وفي هذه الخاتمة‪ ،‬يحسن بنا أن ننثر خالصة هذا البحث الذي‬
‫طوفنا في فيما ورد من آيات في فضل أصحاب رسول اهلل ‘‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ لقد أثنى اهلل تعالى على أصحاب رسول اهلل ‘ جمل اة‪ ،‬وهذا‬
‫الثناء ورد بصيغة العموم‪ ،‬كما قال سبحان ‪{ :‬ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ‬
‫ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ‬
‫ﳛ ﳜ ﳝ} [الحديد‪.]11 :‬‬
‫فإن هؤالء الطلقاء مسلمة الفتح‪ :‬هم ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل‬
‫وقد وعدهم اهلل الحسنى‪ ،‬فإنهم أنفقوا بحنين والطائف وقاتلوا فيهما ‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬فإنهم شهدوا غزوة‬
‫وقد دخل مسلمة الفتح في آيات أخرى أي ا‬
‫حنين‪ ،‬وفيها أنزل اهلل‪{ :‬ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠ‬
‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬
‫ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﲵ ﲶ ﲷ ﲸ}‬
‫[التوبة‪ 25 :‬ــ ‪]26‬ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬مجموع الفتاوى‪ :‬ا‪.)458/4‬‬
‫‪408‬‬
‫اخلامتة‬

‫ضا غزوة تبوك‪ ،‬وقد علمت أن اهلل فرق بين أهل‬ ‫وقد شهدوا أي ا‬
‫النفاق‪ ،‬وأهل اإليمان في تلك الغزوة‪ ،‬وذكر من أحوال أهل النفاق ما‬
‫فارقوا ب أهل اإليمان‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ وقد أثنى اهلل على السابقين األولين من المهاجرين واألنصار‪،‬‬
‫وهم الذين بايعوا تحت الشجرة‪ ،‬وأثنى كذلك على من اتبعهم بإحسان‪،‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬

‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ‬

‫ﱘ ﱙ ﱚ} [التوبة‪]100 :‬ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪> )1‬فالسابقون األولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من الذين أسلموا عام‬
‫الفتح‪ ،‬وفي هؤًلء خلق كثير أفضل من معاوية‪ ،‬وأهل الشجرة أفضل من هؤًلء كلهم‪،‬‬
‫وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة‪ ،‬بل هو أفضل منهم كلهم إًل الثالثة‪،‬‬
‫فليس في أهل السنة من يقدم علي أحدا غير الثالثة‪ ،‬بل يفضلون على جمهور أهل‬
‫بدر وأهل بيعة الرضوان‪ ،‬وعلى السابقين األولين من المهاجرين واألنصار‪ ،‬وما في‬
‫أهل السنة من يقول‪ :‬إن طلحة والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف أفضل من ‪ ،‬بل‬
‫غاية ما قد يقولون السكوت عن التفضيل بين أهل الشورى‪ ،‬وهؤًلء أهل الشورى‬
‫عندهم أفضل السابقين األولين‪ ،‬والسابقون األولون أفضل من الذين أنفقوا من بعد‬
‫الفتح وقاتلوا‪ ،‬وهم على أصح القولين الذين بايعوا تحت الشجرة عام الحديبية‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬من صلى إلى القبلتين‪ ،‬وليس بشيء‪.‬‬
‫وممن أسلم بعد الحديبية خالد بن الوليد‪ ،‬وعمرو بن العاص‪ ،‬وشيبة الحجبي وغيرهم‪.‬‬
‫وأما سهيل بن عمرو‪ ،‬وعكرمة بن أبي جهل‪ ،‬وأبو سفيان بن حرب‪ ،‬وابناه يزيد‬
‫ومعاوية‪ ،‬وصفوان بن أمية‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬فهؤًلء مسلمة الفتح‪.‬‬
‫ومن الناس من يقول‪ :‬إن معاوية ـ ‪ ‬ـ أسلم قبل أبيه‪ ،‬فيجعلونه من الصنف األول‪= .‬‬
‫‪409‬‬
‫اخلامتة‬

‫‪ 3‬ــ وأثنى اهلل تعالى على أصناف معينة منهم‪ ،‬كثنائ على اأهل‬
‫بدر ــ أحد ــ أصحاب بيعة الرضوان)‪ ،‬وكذلك أثنى على االمهاجرين‬
‫ــ األنصار)‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقد ثبت في الصحيح أن كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كالم‪،‬‬ ‫=‬
‫فقال النبي ـ ‘ ـ‪> :‬يا خالد ًل تسبوا أصحابي‪ ،‬فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا‬
‫ما أدرك مد أحدهم وًل نصيف <‪ ،‬فنهى خالدا ونحوه‪ ،‬ممن أنفق من بعد الفتح‬
‫وقاتل‪ ،‬أن يتعرضوا للذين صحبوه قبل ذلك‪ ،‬وهم الذين أنفقوا من قبل الفتح‬
‫وقاتلوا‪ ،‬وبين أن الواحد من هؤًلء لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم وًل‬
‫نصيف فإذا كان هذا نهي لخالد بن الوليد وأمثال من مسلمة الحديبية‪ ،‬فكيف مسلمة‬
‫الفتح الذين لم يسلموا إًل بعد فتح مكة؟ مع أن أولئك كانوا مهاجرين ؛ فإن خالدا‬
‫وعمرا ونحوهما ممن أسلم بعد الحديبية‪ ،‬وقبل فتح مكة‪ ،‬وهاجر إلى المدينة‪ ،‬هو‬
‫من المهاجرين وأما الذين أسلموا بعد فتح مكة فال هجرة لهم ؛ فإن النبي ـ ‘ ـ‬
‫قال‪ً> :‬ل هجرة بعد الفتح‪ ،‬ولكن جهاد ونية‪ ،‬وإذا استنفرتم فانفروا<‪ ،‬ولهذا كان إذا‬
‫أتي بالواحد من هؤًلء ليبايع بايع على اإلسالم وًل يبايع على الهجرة‪ .‬ومن هؤًلء‬
‫أكثر بني هاشم‪ ،‬كعقيل بن أبي طالب‪ ،‬وأبي سفيان بن الحار بن عبد المطلب‬
‫وربيعة بن الحار بن عبد المطلب‪ ،‬وكذلك العباا؛ فإن أدرك النبي ـ ‘ ـ في‬
‫الطريق وهو ذاهب إلى مكة‪ ،‬لم يصل إلى المدينة‪ ،‬وكذلك أبو سفيان بن‬
‫الحار بن عبد المطلب ابن عم النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬وهذا غير أبي سفيان بن حرب‪،‬‬
‫وكان شاعرا يهجو النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬وأدرك في الطريق‪ ،‬وكان ممن حسن إسالم ‪،‬‬
‫وكان هو والعباا مع النبي ـ ‘ ـ يوم حنين لما انكشف الناا آخذين ببغلت ‪ ،‬فإذا‬
‫كانت هذه مراتب الصحابة عند أهل السنة‪ ،‬كما دل علي الكتاب والسنة‪ ،‬وهم‬
‫متفقون على تأخر معاوية وأمثال من مسلمة الفتح عمن أسلم بعد الحديبية‪ ،‬وعلى‬
‫تأخر هؤًلء عن السابقين األولين أهل الحديبية‪ ،‬وعلى أن البدريين أفضل من غير‬
‫البدريين‪ ،‬وعلى أن عليا أفضل من جماهير هؤًلء ــ لم يقدم علي أحد غير الثالثة<‪،‬‬
‫منهاج السنة‪ :‬ا‪ ،)396/4‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪410‬‬
‫اخلامتة‬

‫‪ 4‬ــ ومن اآليات التي أثنى اهلل فيها على عموم الصحابة‪ ،‬قول‬
‫{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬ ‫تعالى‪:‬‬
‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬

‫ﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅ‬

‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬

‫ﳔﳕ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊ‬

‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ}‬
‫[الحشر‪ 8 :‬ــ ‪.]10‬‬
‫فهذه اآليات‪ :‬تتناول من دخل فيها بعد السابقين األولين إلى يوم‬
‫القيامة؛ فكيف ًل يدخل فيها أصحاب رسول اهلل ‘ الذين آمنوا ب‬
‫وجاهدوا مع ؟!‬
‫‪ 5‬ــ ومن اآليات التي دخل فيها أصحاب النبي ‘ مطل اقا‪ ،‬قول‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ‬ ‫تعالى‪:‬‬
‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ‬

‫ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬

‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬

‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ} [الفتح‪.]29 :‬‬
‫‪ 6‬ــ أن اهلل تعالى ذكر في سورة التوبة أوصاف المنافقين‪ ،‬وذكر‬
‫‪411‬‬
‫اخلامتة‬

‫أوصاف أهل اإليمان من أصحاب رسول اهلل ‘‪ ،‬وقد تميز كل فريق‬


‫بحيث ًل يتداخل مع اآلخر عند من نور اهلل بصيرت ‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ أن قد ثبتت جملة فضائل عامة وخاصة آلل بيت النبي ‘‪.‬‬
‫‪ 8‬ــ أن زوجات النبي ‘ من آل بيت كما نص القرآن على ذلك‪.‬‬
‫‪ 9‬ــ أن الواجب على المؤمن المتبع بإحسان‪ ،‬أن يترضى عن سائر‬
‫أصحاب النبي ‘‪ ،‬وآل بيت ‪.‬‬
‫وختاما‪ ،‬فلست أزعم أني بهذا البحث أوفيت على الغاية‪ ،‬في هذا‬ ‫ا‬
‫الموضوع المهم‪ ،‬وًل قاربت‪ ،‬بل إن باب مشرع لكل من يريد الولوج‬
‫في ‪ ،‬والتشرف ببحث َّإما تدقي اقا وتحقي اقا‪ ،‬أو جم اعا واستقصا اءا‪ ،‬أو‬
‫تصحي احا وتزيي افا‪ ،‬وأسأل اهلل أن يوفقنا لما يحب ويرضى‪ ،‬وأن يحشرنا‬
‫في زمرة من أنعم عليهم من النبيين‪ ،‬والصديقين‪ ،‬والشهداء‬
‫والصالحين‪ ،‬وحسن أولئك رفي اقا‪.‬‬
‫ورضوان اهلل وبركات على أصحاب نبي وآل بيت ‪ ،‬فَ َر ِض َي اهللُ َعن‬
‫والمتبوعين منهم والتابعين‪ ،‬من أه ِل‬ ‫َ‬ ‫السابقين منهم وال َّالحقين‪،‬‬
‫الحرمين‪ ،‬واله ِْج َر ْتي ِن‪ ،‬والمسج َد ْي ِن‪ ،‬والقبلتين‪ ،‬وال ِكتابين‪ ،‬والبيعتين‪،‬‬
‫تبوؤا الدار واإليمان‪،‬‬ ‫واألربعةِ والعشرة‪ ،‬وأه ِل بد ٍر البررة‪ ،‬والذين َّ‬
‫وأه ِل العشرين الغزوة والثمان‪.‬‬

‫وعن البعو ِ والجنودِ‪ ،‬وأه ِل ِح َّجةِ َ‬


‫الوداع والوفود‪.‬‬
‫‪412‬‬
‫اخلامتة‬

‫من بعدهم يقولون‪ :‬ربَّنا ْاغ ِف ْر لنا وإلخواننا‬ ‫وعن الذين جاؤوا ْ‬
‫ذين سبقونا باإليمان وًل َت ْج َع ْل في قلوبنا ِغ اال للذين آمنوا ربَّنا إنك‬
‫ال َّ َ‬
‫رؤوف رحيما‪.)1‬‬

‫وكتبه‬
‫عمرو صبيح عيل الرشقاوي‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬من خطبة اإلمام ابن الوزير في العواصم والقواصم‪ :‬ا‪ 181/1‬ــ ‪.)182‬‬
‫‪413‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫ا‬
‫حقُ‬
‫مُلُ ُ‬
‫فيه‪ :‬ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫في هذا الملحق نذكر ما اختل شرط مما لم ندخل في فضائل‬


‫اآلل واألصحاب‪ ،‬وهذا اًلختالل راجع إلى أمور‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ إما لعدم ثبوته‪ ،‬لضعف‪ ،‬أو علة قادحة‪ ،‬وهي مسألة اجتهادية‪،‬‬
‫وعلي فعامة ما هو في هذا الملحق ًل يثبت في وجهة نظر الباحث‪.‬‬
‫سببا للنزول‪ ،‬فإن سبب النزول ًل بد‬
‫‪ 2‬ــ أو لفقدان ما يشترط لعده ا‬
‫ل من شروط‪ ،‬فإن اختل شرط فإن يخرج هذا السبب ــ وإن صح ــ عن‬
‫السببية‪ ،‬وسوف ننب على بعض ذلك بحول اهلل ــ حال مروره معنا في‬
‫هذا الملحق ــا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬اعتمدنا في استخراج هذا الملحق على عدة كتب‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ أسباب النزول‪ ،‬للواحدي‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ العجاب في بيان األسباب‪ً ،‬لبن حجر‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ لباب النقول في أسباب النزول‪ ،‬للسيوطي‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ اًلستيعاب في بيان األسباب‪ ،‬لسليم الهاللي‪ ،‬ومحمد آل نصر‪ ،‬وقد استفدت‬
‫كثيرا‪ ،‬ألن القصد من اًلستيعاب‪ ،‬وقد جمع من عدة مصادر متنوعة‪.‬‬‫من ا‬
‫‪ 5‬ــ المحرر في أسباب النزول‪ ،‬لخالد المزيني‪.‬‬
‫=‬ ‫كما اعتمدنا على تفسير اإلمام ابن كثير‪.‬‬
‫‪415‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫أبو بكر ‪‬‬

‫{ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ} [البقرة‪.]224 :‬‬
‫>{ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬ ‫* عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬حدثت أن قول ‪:‬‬
‫ﳇ} اآلية‪ ،‬نزلت في أبي بكر في شأن مسطح<ا‪.)1‬‬
‫* قال مقاتل بن حيان‪> :‬نزلت هذه اآلية في أبي بكر الصديق‬
‫ا‪ )‬حين حلف أًل يصل ابن عبد الرحمن حتى يسلم<ا‪.)2‬‬
‫{ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ‬ ‫‪ 2‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ} [البقرة‪.]271 :‬‬
‫{ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ‬ ‫عن عامر الشعبي في قول ‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وننب إلى أن هذا البحث انتقائي ًل يتمتع باًلستقراء‪ ،‬ولذا؛ فإن للباحث أن يستدرك‬
‫علي ‪ ،‬ولم نعرج على سبب استبعادنا لهذه األسباب‪ ،‬ولم نتوسع في تخريجها؛ وليس‬
‫في هذا الملحق إًل أثر ضعيف أو ضعيف ج ادا‪ ،‬إًل ما نبهنا على صحت ‪ ،‬وهو قليل‪.‬‬
‫ا‪ )1‬أخرج الطبري‪ :‬ا‪ ،)10/4‬وأورده الثعلبي‪ :‬ا‪.)163/2‬‬
‫ا‪ )2‬ذكره الثعلبي في الكشف والبيان‪ :‬ا‪.)163/2‬‬
‫وانظر‪ :‬زاد المسير‪ :‬ا‪ ،)194/1‬والعجاب‪ً ،‬لبن حجر‪ :‬ا‪.)576/1‬‬
‫‪416‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ} قال‪> :‬أنزلت في أبي‬


‫بكر وعمر‪ ،‬أما عمر فجاء بنصف مال ‪ ،‬حتى دفع إلى النبي ‘‪ ،‬فقال‬
‫ل النبي ‘‪ :‬ما خلفت وراءك ألهلك يا عمر؟ قال‪ :‬خلفت لهم نصف‬
‫مالي‪ .‬وأما أبو بكر فجاء بمال كل ‪ ،‬يكاد أن يخفي من نفس ‪ ،‬حتى دفع‬
‫إلى النبي ‘‪ ،‬فقال ل النبي ‘‪ :‬ما خلفت وراءك ألهلك يا أبا بكر؟‬
‫قال‪ :‬عدة اهلل وعدة رسول ‪ .‬فبكى عمر‪ ،‬وقال‪ :‬بأبي أنت وأمي يا أبا‬
‫بكر‪ ،‬ما استبقنا إلى باب خير قط‪ ،‬إًل كنت سابقنا إلي <ا‪.)1‬‬
‫{ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬ ‫‪ 3‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬
‫ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﲲ ﲳ ﲴﲵ ﲶﲷ ﲸ‬
‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ}‬
‫[النساء‪.]43 :‬‬
‫عن عكرمة‪{> :‬ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ}‪ ،‬نزلت في أبي بكر‪،‬‬
‫وعمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وسعد‪ ،‬صنع علي لهم طعاما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج ابن أبي حاتم‪ :‬ا‪ ،)536/2‬وًل يصح‪ ،‬لكن قال الحافظ ابن كثير‪> :‬وهذا‬
‫الحديث مروي من وج آخر‪ ،‬عن عمر‪ . ،‬وإنما أوردناه هاهنا لقول الشعبي‪ :‬إن‬
‫اآلية نزلت في ذلك‪ ،‬ثم إن اآلية عامة في أن إخفاء الصدقة أفضل‪ ،‬سواء كانت‬
‫مفروضة أو مندوبة<‪ ،‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪ ،)703/1‬وقال ابن حجر‪> :‬وقصة إتيان أبي‬
‫بكر وعمر بالمال وردت من طريق موصولة‪ ،‬ولكن ليس فيها ذكر نزول اآلية أخرجها‬
‫أبو داود‪ ،‬وصححها الترمذي‪ ،‬والحاكم من رواية زيد بن أسلم عن أبي عن عمر‬
‫ب <‪ ،‬العجاب‪ :‬ا‪.)628/1‬‬
‫‪417‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫وشرابا‪ ،‬فأكلوا وشربوا حتى قال ابن جريج‪ :‬وقال غير عكرمة‪ :‬صلى‬
‫بهم المغرب علي‪ ،‬فقال‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ} حتى خاتمتها‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ليس لي دين‪ ،‬وليس لكم دين‪ ،‬فنزلت‪{ :‬ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ‬
‫ﲚ}<ا‪.)1‬‬
‫‪ 4‬ــ قول تعالى‪{ :‬ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ} [الرحمن‪.]46 :‬‬
‫* عن عطاء الخراساني‪> :‬أن أبا بكر ـ ‪ ‬ـ ذكر ذات يوم وفكر‬
‫في يوم القيامة والموازين والجنة حيث أزلفت وفي النار حين أبرزت‪،‬‬
‫وصفوف المالئكة وطي السماوات واألرض‪ ،‬ونسف الجبال وتكوير‬
‫الشمس وانتثار الكواكب‪ ،‬فقال‪ :‬وددت أني كنت خضر اا من هذه‬
‫علي بهمة فتأكلني وأني لم أخلق؛ فنزلت هذه اآلية‪:‬‬
‫الخضراء تأتي ّ‬
‫{ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ}<ا‪.)2‬‬
‫* عن ابن شوذب؛ قال‪> :‬نزلت في أبي بكر الصديق ـ ‪ ‬ـ<ا‪.)3‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫‪ 5‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﱊ ﱋ ﱌ} [المجادلة‪.]22 :‬‬
‫قال ابن جريج‪> :‬حدثت أن أبا قحافة سب النبي ـ ‘ ـ فصك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج ابن المنذر‪ :‬ا‪ ،)720/2‬وأورده السيوطي في الدر المنثور‪ :‬ا‪ ،)545/2‬وهو‬
‫مرسل‪.‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬تفسير الماوردي‪ :‬ا‪ ،)437/5‬والدر المنثور‪ :‬ا‪.)706/7‬‬
‫ا‪ )3‬انظر‪ :‬السابق‪ ،‬وتفسير ابن كثير‪ :‬ا‪.)501/7‬‬
‫‪418‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫أبو بكر صكة شديدة سقط منها‪ ،‬ثم ذكر ذلك للنبي ـ ‘ ـ قال‪> :‬أو‬
‫فعلت ؟< قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪> :‬فال تعد إلي <‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬واهلل لو كان‬
‫السيف قريبا مني لقتلت ‪ ،‬فأنزل اهلل ‪ ‬هذه اآلية<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أورده الثعلبي‪ :‬ا‪ ،)264/9‬والسيوطي في الدر‪ :‬ا‪.)86/8‬‬
‫‪419‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫عمر بن اخلطاب ‪‬‬

‫{ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗ} [فاطر‪.]8 :‬‬

‫عن الضحاك؛ قال‪> :‬أنزلت هذه اآلية‪{ :‬ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ}‬


‫اآلية‪ ،‬حيث قال النبي ـ ‘ ـ‪> :‬اللهم أعز دينك بعمر بن الخطاب أو‬
‫بأبي جهل بن هشام<؛ فهدى اهلل عمر وأضل أبا جهل؛ ففيهما أنزلت<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الدر المنثور‪ :‬ا‪ ،)7/7‬ونسب ًلبن جرير‪ ،‬وليس في ‪ ،‬وفي لباب النقول‪ :‬ا‪،)165‬‬
‫نسب لجويبر عن الضحاك عن ابن عباا‪.‬‬
‫‪420‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫{ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ}‬
‫[البقرة‪.]262 :‬‬
‫الكلبي‪ :‬في قول {ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ}‬ ‫ّ‬ ‫* قال‬
‫اآلية‪> :‬نزلت في عثمان بن ع ّفان ا‪ )‬وعبد الرحمن بن عوف‪ّ ،‬أما‬
‫عبد الرحمن فإ ّن جاء إلى رسول اهلل ‘ بأربعة آًلف درهم صدقة‬
‫فقال‪ :‬كانت عندي ثمانية آًلف فأمسكت منها لنفسي وعيالي أربعة‬
‫ربي ‪<‬ا‪.)1‬‬
‫آًلف‪ ،‬وأربعة آًلف أقرضتها ّ‬
‫{ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬ ‫* عن ابن المسيب‪:‬‬
‫ﲱ}‪ ،‬قال‪> :‬اآلية كلها في عبد الرحمن بن عوف وعثمان في‬
‫نفقتهما أو في جيش العسرة<ا‪.)2‬‬
‫* وقال أبو سعيد الخدري‪> :‬رأيت رسول اهلل ـ ‘ ـ رافعا يده‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬ذكره الثعلبي‪ :‬ا‪.)258/2‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج ابن المنذر‪ :‬ا‪.)94/1‬‬
‫‪421‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫يدعو لعثمان ويقول‪> :‬يا رب إن عثمان بن عفان رضيت عن فارض‬


‫عن < فما زال رافعا يده حتى طلع الفجر‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى في ‪{ :‬ﲈ‬
‫ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ} اآلية<ا‪.)1‬‬
‫* وقال ابن ظفر‪> :‬نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي‬
‫وعبد الرحمن‪ ،‬أما أبو بكر فأنفق جميع مال ‪ ،‬وأما الباقون فأنفق نصف‬
‫ما عنده وكذا ابن عوف وأما عثمان فاشترى بئر رومة وجهز جيش‬
‫العسرة وأما علي فباع حائطا ل باثني عشر ألفا فتصدق بجميعها وأصبح‬
‫يوما وليس عنده سوى أربعة دراهم فتصدق بها وكان كثير اإليثار على‬
‫نفس <ا‪.)2‬‬
‫{ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬ ‫‪ 2‬ــ‬
‫ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕ‬
‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ} [النحل‪.]76 :‬‬
‫عن ابن عباا‪ ،‬في قول ‪{ :‬ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ}‬
‫[النحل‪ ]75 :‬قال‪> :‬نزلت في رجل من قريش وعبده‪ ،‬وفي قول ‪{ :‬ﱿ‬
‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ} إلى قول ‪{ :‬ﲖ ﲗ ﲘ‬
‫ﲙ} قال‪> :‬هو عثمان بن عفان< قال‪> :‬واألبكم الذي أينما يوج‬
‫ًل يأت بخير‪ ،‬ذاك مولى عثمان بن عفان‪ ،‬كان عثمان ينفق علي ويكفل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬ذكره الواحدي هكذا في أسباب النزول‪ :‬ا‪.)87‬‬
‫ا‪ )2‬العجاب‪ً ،‬لبن حجر‪ :‬ا‪.)622/1‬‬
‫‪422‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫ويكفي المئونة‪ ،‬وكان اآلخر يكره اإلسالم ويأباه وينهاه عن الصدقة‬


‫والمعروف‪ ،‬فنزلت فيهما<ا‪.)1‬‬
‫{ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬ ‫‪ 3‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﲹ} [األنبياء‪.]101 :‬‬
‫{ﲱ‬ ‫* عن محمد بن حاطب‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عليا‪ ،‬يخطب يقول‪:‬‬
‫ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ} قال‪> :‬عثمان‬
‫منهم<ا‪.)2‬‬
‫علي بن أبي طالب أنه قرأ هذه اآلية‪ ،‬فقال‪ :‬أنا منهم‪،‬‬
‫* وروي عن ّ‬
‫وأبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وطلحة‪ ،‬والزبير‪ ،‬وسعد‪ ،‬وعبد الرحمنا‪.)3‬‬

‫{ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬ ‫‪ 4‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج الطبري في جامع البيان‪ :‬ا‪،)312/14‬‬
‫سببا لنزول اآلية‪ ،‬واألشب أن‬
‫ومع صالحية إسناد هذا األثر إًل أن الصحيح أن ليس ا‬
‫يكون من باب تنزيل اآلية لما تصلح ل فحسب‪ ،‬وانظر‪ :‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪،)312/14‬‬
‫والمحرر الوجيز‪ :‬ا‪ ،)410/3‬حيث قال‪> :‬وذكر الطبري عن ابن عباا أن قال‪ :‬نزلت‬
‫هذه اآلية في عثمان بن عفان‪ ،‬وعبد كان ل ‪ ،‬وروي تعيين غير هذا وًل يصح إسناده‪.‬‬
‫قال القاضي أبو محمد‪ :‬والمثل ًل يحتاج إلى تعيين أحد<‪.‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج ابن أبي شيبة‪ :‬ا‪ ،)363/6‬ا‪ ،)32052‬والطبري‪ :‬ا‪ ،)415/16‬وغيرهم‪،‬‬
‫وهو صحيح‪.‬‬
‫ا‪ )3‬أخرجه ابن أبي حاتم‪ ،)2469/8( :‬وهو ضعيف‪ ،‬وال بأس باالستشهاد به‪ ،‬ولكن الظاهر‬
‫أن المراد أن هؤًلء من الذين سبقت لهم الحسنى من اهلل‪ً ،‬ل أنهم سبب نزول اآلية‪.‬‬
‫‪423‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫ﳍ} [الزمر‪.]9 :‬‬

‫{ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬ ‫عن يحيى البكاء‪ ،‬أن سمع ابن عمر قرأ‪:‬‬


‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ}؛ قال ابن عمر‪> :‬ذاك عثمان بن‬
‫عفان‪< ،‬ا‪.)1‬‬
‫ﱢ}‬ ‫{ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬ ‫‪ 5‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫[الفجر‪ 27 :‬ــ ‪.]28‬‬
‫عن ابن عباا ‪ ‬أن النبي ‘ قال‪> :‬من يشتري بئر رومة‬
‫نستعذب بها غفر اهلل ل ‪ ،‬فاشتراها عثمان‪ ،‬فقال النبي ‘‪ :‬هل لك أن‬
‫تجعلها سقاية للناا؟ قال‪ :‬نعم فأنزل اهلل في عثمان يا أيتها النفس‬
‫المطمئنة اآلية<ا‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أسباب النزول‪ ،‬للواحدي‪ :‬ا‪ ،)368‬ورواه ابن أبي حاتم‪ :‬ا‪ ،)3248/10‬وقال ابن‬
‫كثير‪> :‬وإنما قال ابن عمر ذلك؛ لكثرة صالة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءت ‪،‬‬
‫حتى إن ربما قرأ القرآن في ركعة<‪ ،‬فهو من قبيل اًلستشهاد ًل السببية‪ ،‬هذا ــ إن‬
‫صح ــ ففي إسناده نظر‪ ،‬وانظر‪ :‬الدر المنثور‪ :‬ا‪.)214/7‬‬
‫ا‪ )2‬رواه ابن أبي حاتم‪ :‬ا‪ ،)3430/10‬وانظر‪ :‬الدر المنثور‪ :‬ا‪ ،)513/8‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫‪424‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫عيل بن أيب طالب ‪‬‬
‫{ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﲱ} [البقرة‪.]274 :‬‬
‫{ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬ ‫عن ابن عباا‪ ،‬في قول تعالى‪:‬‬
‫ﲯ ﲰ ﲱ} قال‪> :‬نزلت في علي‪ ،‬كانت مع أربعة‬
‫دراهم‪ ،‬فأنفق بالليل درهما‪ ،‬وبالنهار درهما‪ ،‬وسرا درهما‪ ،‬وعالنية‬
‫درهما<ا‪.)1‬‬
‫{ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ‬ ‫‪ 2‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ} [آل عمران‪.]173 :‬‬
‫عن محمد بن عبيد اهلل الرافعي‪ ،‬عن أبي ‪ ،‬عن جده أبي رافع‪> :‬أن‬
‫النبي ‘ وج عليا في نفر مع في طلب أبي سفيان‪ ،‬فلقيهم أعرابي من‬
‫خزاعة فقال‪ :‬إن القوم قد جمعوا لكم قالوا‪ :‬حسبنا اهلل ونعم الوكيل‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج عبدالرزاق في التفسير‪ :‬ا‪ ،)371/1‬وابن المنذر في تفسيره‪ :‬ا‪،)48/1‬‬
‫وانظر‪ :‬تفسير ابن أبي حاتم‪ :‬ا‪ ،)543/2‬وتفسير الثعلبي‪ :‬ا‪ ،)279/2‬وإن صح هذا‬
‫األثر‪ ،‬فإن يحمل على اًلستشهاد ًل النزول‪ ،‬وسبق أن هذه اآلية نزلت في عثمان‪،‬‬
‫وقد ضعف الحافظ ابن كثير في تفسير اآلية‪.‬‬
‫‪425‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫فنزلت فيهم هذه اآلية<ا‪.)1‬‬


‫{ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬ ‫‪ 3‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ} [المائدة‪.]55 :‬‬
‫جاء عن غير واحد منهم‪ :‬ابن عباا‪ ،‬وعتبة بن أبي حكيم‪،‬‬
‫ومجاهد‪ ،‬وسلمة بن كهيل‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬أن هذه اآلية نزلت في علي بن‬
‫أبي طالبا‪.)2‬‬
‫{ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬ ‫‪ 4‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ} [التوبة‪.]19 :‬‬
‫* >افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار‪ ،‬وعباا بن‬
‫عبد المطلب‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ .‬فقال طلحة‪ :‬أنا صاحب البيت‪،‬‬
‫معي مفتاح ‪ ،‬لو أشاء بت في ‪ ،‬وقال عباا‪ :‬أنا صاحب السقاية والقائم‬
‫عليها‪ ،‬ولو أشاء بت في المسجد‪ ،‬وقال علي‪ :‬ما أدري ما تقوًلن‪ ،‬لقد‬
‫صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناا‪ ،‬وأنا صاحب الجهاد‪ ،‬فأنزل‬
‫اهلل‪{ :‬ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} اآلية كلها<ا‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج ابن مردوي كما في تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪ ،)170/2‬والدر المنثور‪ :‬ا‪.)389/2‬‬
‫ا‪ )2‬انظر‪ :‬اًلستيعاب في بيان األسباب‪ :‬ا‪ 65/2‬ــ ‪ ،)69‬وانظر مناقشة ابن تيمية ل في‬
‫منهاج السنة‪ :‬ا‪ ،)5/7‬وما بعدها‪.‬‬
‫ا‪ )3‬أخرج الطبري‪ :‬ا‪.)380/11‬‬
‫وروي عن غير واحد‪ ،‬كما رواه عبدالرزاق في التفسير‪ :‬ا‪ ،)283/2‬وابن أبي حاتم‪:‬‬
‫ا‪ ،)1767/6‬واًلستيعاب في بيان األسباب‪ :‬ا‪ 267/2‬ــ ‪.)269‬‬
‫‪426‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫‪ 5‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﱈ ﱉ} [مريم‪.]96 :‬‬
‫عن البراء بن عازب قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘ لعلي بن أبي طالب‪ :‬يا‬
‫علي قل‪> :‬اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في صدور المؤمنين‬
‫مو ّدة‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ} اآلية<ا‪.)1‬‬
‫{ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬ ‫‪ 6‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﲹ} [األنبياء‪.]101 :‬‬
‫علي بن أبي طالب أنه قرأ هذه اآلية‪ ،‬فقال‪ :‬أنا منهم‪،‬‬
‫* وروي عن ّ‬
‫وأبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وطلحة‪ ،‬والزبير‪ ،‬وسعد‪ ،‬وعبد الرحمنا‪.)2‬‬
‫‪ 7‬ــ قول تعالى‪{ :‬ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ ﲨ} [السجدة‪.]18 :‬‬
‫ذكر أن هذه اآلية نزلت في علي بن أبي طالب رضوان اهلل علي ‪،‬‬
‫والوليد بن عقبة‪.‬‬
‫عن عطاء بن يسار‪ ،‬قال‪> :‬نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب‪،‬‬
‫والوليد بن عقبة بن أبي معيط‪ ،‬كان بين الوليد وبين علي كالم‪ ،‬فقال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الثعلبي في الكشف‪ ،)233/6( :‬وزاد المسير‪ ،)148/3( :‬والدر المنثور‪،)544/5( :‬‬
‫وهو موضوع‪ ،‬وانظر‪ :‬منهاج السنة‪ :‬ا‪.)135/7‬‬
‫ا‪ )2‬أخرج ابن أبي حاتم‪ :‬ا‪ ،)2469/8‬وهو ضعيف‪ ،‬وًل بأا باًلستشهاد ب ‪ ،‬ولكن‬
‫الظاهر أن المراد أن هؤًلء من الذين سبقت لهم الحسنى من اهلل‪ً ،‬ل أنهم سبب نزول‬
‫اآلية‪.‬‬
‫‪427‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫الوليد بن عقبة‪ :‬أنا أبسط منك لسانا‪ ،‬وأحد منك سنانا‪ ،‬وأرد منك‬
‫للكتيبة‪ ،‬فقال علي‪ :‬اسكت‪ ،‬فإنك فاسق‪ ،‬فأنزل اهلل فيهما‪{ :‬ﲠ ﲡ‬
‫ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ ﲨ} إلى قول {ﳋ ﳌ} [السجدة‪<]20 :‬ا‪.)1‬‬
‫‪ 8‬ــ قوله تعالى‪{ :‬ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ} [الزخرف‪.]41 :‬‬
‫عن جابر ـ ‪ ‬ـ عن النبي ـ ‘ ـ في قوله‪{ :‬ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬
‫ﲑ}‪> :‬نزلت في علي بن أبي طالب‪ ،‬أن ينتقم من الناكثين‬
‫والقاسطين بعدي<ا‪.)2‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫‪ 9‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﱊ ﱋ} [المجادلة‪.]12 :‬‬
‫جاء من غير وج أن هذه اآلية لم يعمل بها سوى علي ‪.‬‬
‫{ﱁ ﱂ‬ ‫ومن ذلك‪ ،‬عن علي بن أبي طالب‪ ،‬قال‪> :‬لما نزلت‪:‬‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ} قال لي النبي ‘ ما‬
‫ترى؟ دينار؟ قلت‪ :‬ال يطيقونه‪ ،‬قال‪ :‬فنصف دينار؟‪ ،‬قلت‪ :‬ال يطيقون ‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكم؟ قلت‪ :‬شعيرة‪ .‬قال‪ :‬إنك لزهيد‪ .‬قال‪ :‬فنزلت {ﱚ ﱛ‬
‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ} اآلية‪ .‬قال‪ :‬فبي خفف اهلل عن هذه األمة<‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪ ،)652/18‬وابن أبي حاتم‪ :‬ا‪ ،)3109/9‬وذكره السيوطي في‬
‫الدر‪ :‬ا‪ )553/6‬عن ابن عباا‪ ،‬وإسناده ضعيف‪ ،‬وانظر‪ :‬اًلستيعاب في بيان‬
‫األسباب‪ :‬ا‪ 73/3‬ــ ‪.)74‬‬
‫ا‪ )2‬الدر المنثور‪ :‬ا‪ ،)380/7‬وإسناده موضوع‪.‬‬
‫‪428‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫وقول علي ‪> :‬آية من كتاب اهلل لم يعمل بها أحد قبلي‪ ،‬وًل‬
‫يعمل بها أحد بعدي‪ ،‬كان عندي دينار فصرفت بعشرة دراهم‪ ،‬فكنت‬
‫إذا جئت إلى النبي ‘ تصدقت بدرهم‪ ،‬فنسخت فلم يعمل بها أحد‬
‫قبلي {ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ}<ا‪.)1‬‬
‫‪ 10‬ــ قول تعالى‪{ :‬ﱚ ﱛ ﱜ} [الحاقة‪.]12 :‬‬
‫عن علي بن حوشب‪ ،‬قال‪ :‬سمعت مكحوًل‪ ،‬يقول‪ :‬قرأ رسول‬
‫اهلل ‘‪{ :‬ﱚ ﱛ ﱜ} ثم التفت إلى علي‪ ،‬فقال‪> :‬سألت اهلل أن‬
‫يجعلها أذنك< قال علي ‪ :‬فما سمعت شيئا من رسول اهلل ‘‬
‫فنسيت ‪ ،‬وعبد اهلل بن رستم‪ ،‬قال‪ :‬سمعت بريدة‪ ،‬يقول‪ :‬سمعت رسول‬
‫اهلل ‘ يقول لعلي‪> :‬يا علي إن اهلل أمرني أن أدنيك وًل أقصيك‪ ،‬وأن‬
‫أعلمك وأن تعي‪ ،‬وحق على اهلل أن تعي<‪ .‬قال‪ :‬فنزلت {ﱚ ﱛ‬

‫ﱜ}ا‪.)2‬‬

‫‪ 11‬ــ قول تعالى‪{ :‬ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ} [اإلنسان‪.]8 :‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر هذه اآلثار في االستيعاب في بيان األسباب‪ 345/3( :‬ــ ‪ ،)347‬ومنهاج السنة‪:‬‬
‫ا‪ ،)159/7‬والمحرر في أسباب النزول‪ :‬ا‪ ،)98/1‬ا‪.)970/2‬‬
‫ا‪ )2‬أخرجه الطبري‪ ،)222/23( :‬وابن أبي حاتم‪ ،)3369/10( :‬والدر المنثور‪:‬‬
‫(‪.)267/8‬‬
‫وانظر‪ :‬حلية األولياء‪ :‬ا‪ ،)67/1‬ومنهاج السنة‪ :‬ا‪ ،)170/7‬وما بعدها‪ ،‬وتفسير ابن‬
‫كثير‪ :‬ا‪ ،)211/8‬فقد ضعف ‪ ،‬وتكلم علي ‪.‬‬
‫‪429‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫{ﱑ ﱒ ﱓ‬ ‫عــن عبــد اهلل بــن عبــاا ‪ -  -‬فــي قولــ ‪:‬‬


‫ﱔ}؛ قال‪> :‬نزلت هذه اآليـة فـي علـي بـن أبـي طالـب وفاطمـة بنـت‬
‫رسول اهلل ـ ‘ ـ<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الثعلبي‪ :‬ا‪ ،)101/10‬والدر المنثور‪ :‬ا‪ ،)371/8‬وتكلم علي ابن تيمية‬
‫في منهاج السنة‪ :‬ا‪.)174/7‬‬
‫‪430‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫أبو عبيدة بن اجلراح ‪‬‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖ ﱗ‬

‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬

‫ﱥ} اآلية [المجادلة‪.]22 :‬‬


‫عن عبد اهلل بن شوذب قال‪ :‬جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت‬
‫ل اآللهة يوم بدر‪ ،‬وجعل أبو عبيدة يحيد عن ‪ ،‬فلما أكثر الجراح قصده‬
‫ابن أبو عبيدة فقتل ‪ ،‬فأنزل اهلل في هذه اآلية‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ} اآليةا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬ذكره الثعلبي في الكشف‪ :‬ا‪ ،)264/9‬والبيهقي في السنن‪ :‬ا‪ ،)27/9‬والدر‬
‫المنثور‪ :‬ا‪ ،)86/8‬وانظر في الكالم علي ‪ ،‬فتح الباري‪ :‬ا‪ ،)93/7‬والتلخيص‬
‫الحبير‪ :‬ا‪ ،)113/4‬واًلستيعاب في بيان األسباب‪ :‬ا‪.)351/3‬‬
‫‪431‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫محزة ‪‬‬

‫{ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬
‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ} [الفتح‪.]26 :‬‬
‫ال حسن‬‫عن األجلح؛ قال‪> :‬كان حمزة بن عبد المطلب رج ا‬
‫الشعر‪ ،‬حسن الهيئة‪ ،‬صاحب صيد‪ ،‬وإن رسول اهلل ـ ‘ ـ مر على‬
‫أبي جهل فولع ب وآذاه‪ ،‬فرجع حمزة من الصيد وامرأتان تمشيان خلف ؛‬
‫فقالت إحداهما‪ :‬لو علم ذا ما صنع بابن أخي ؛ أقصر عن مشيت ؛‬
‫فالتفت إليهما‪ ،‬فقال‪ :‬وما ذاك؟ قالت‪ :‬أبو جهل فعل بمحمد كذا‬
‫وكذا‪ ،‬فدخلت الحمية‪ ،‬فجاء حتى دخل المسجد وفي أبو جهل فعال‬
‫رأس بقوس ‪ ،‬ثم قال‪ :‬ديني دين محمد إن كنتم صادقين‪ ،‬فامنعوني؛‬
‫فقامت إلي قريش‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا يعلى؛ فأنزل اهلل ــ تعالى ــ‪{ :‬ﲂ ﲃ‬
‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ} إلى قول ‪{ :‬ﲒ ﲓ ﲔ}؛‬
‫قال‪ :‬حمزة بن عبد المطلب<ا‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ــ قول تعالى‪{ :‬ﱜ ﱝ ﱞ} [الفجر‪.]27 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الدر المنثور‪ :‬ا‪ ،)536/7‬اًلستيعاب في بيان األسباب‪ :‬ا‪.)250/3‬‬
‫‪432‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫عن بريدة في قوله ـ تعالى ـ‪{ :‬ﱜ ﱝ ﱞ}؛ قال‪> :‬نزلت‬


‫في حمزة<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الدر المنثور‪ :‬ا‪ ،)514/8‬اًلستيعاب في بيان األسباب‪ :‬ا‪.)511/3‬‬
‫‪433‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫عمار بن يارس ‪‬‬
‫{ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬
‫ﲞ ﲟ} [األنعام‪.]122 :‬‬
‫{ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬ ‫عن عكرمة‪:‬‬
‫ﲑ} قال‪> :‬نزلت في عمار بن ياسر<‪ ،‬وعن عكرمة‪{> :‬ﲇ ﲈ‬
‫ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ}‪ :‬عمار بن ياسر‪{ .‬ﲒ‬
‫ﲓ ﲔ ﲕ}‪ :‬أبو جهل بن هشام<ا‪.)1‬‬
‫{ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬ ‫‪ 2‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﲜ} [العنكبوت‪.]2 :‬‬
‫عن عبد اهلل بن عبيد بن عمير‪ ،‬يقول‪> :‬نزلت‪ ،‬يعني هذه اآلية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه الطبري‪ :‬ا‪ ،)533/9‬وابن أبي حاتم‪ :‬ا‪ ،)1381/4‬واًلستيعاب في بيان‬
‫األسباب‪ :‬ا‪ ،)1137/3‬قال ابن كثير‪> :‬وزعم بعضهم أن المراد بهذا المثل رجالن‬
‫معينان‪ ،‬فقيل‪ :‬عمر بن الخطاب هو الذي كان ميتا فأحياه اهلل‪ ،‬وجعل ل نورا يمشي ب‬
‫في الناا‪ .‬وقيل‪ :‬عمار بن ياسر‪ .‬وأما الذي في الظلمات ليس بخارج منها‪ :‬أبو جهل‬
‫عمرو بن هشام‪ ،‬لعن اهلل‪ .‬والصحيح أن اآلية عامة‪ ،‬يدخل فيها كل مؤمن وكافر<‪،‬‬
‫ا‪.)330/3‬‬
‫‪434‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫{ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ}‪ ..‬إلى قول‬


‫{ﲨ ﲩ} [العنكبوت‪ ]3 :‬في عمار بن ياسر‪ ،‬إذ كان يعذب في‬
‫اهلل<ا‪.)1‬‬

‫{ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬ ‫‪ 3‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ‬

‫ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ} [الزمر‪.]9 :‬‬
‫قال مقاتل وغيره‪> :‬نزلت في عمار بن ياسر<ا‪.)2‬‬
‫‪ 4‬ــ قول تعالى‪{ :‬ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ}‬
‫[فصلت‪.]40 :‬‬
‫عن بشر بن تيم‪ ،‬قال‪> :‬نزلت هذه اآلية في أبي جهل‪ ،‬وعمار بن‬
‫ياسر {ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ} أبو جهل {ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ}‬
‫عمار بن ياسر<ا‪.)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه الطبري‪ :‬ا‪ ،)358/18‬وابن أبي حاتم‪ :‬ا‪.)3033/9‬‬
‫ا‪ )2‬الكشف والبيان‪ :‬ا‪ ،)224/8‬وتاريخ ابن دمشق‪ :‬ا‪ ،)377/42‬والدر المنثور‪:‬‬
‫ا‪ ،)214/7‬واًلستيعاب في بيان األسباب‪ :‬ا‪.)168/3‬‬
‫ا‪ )3‬أخرج عبدالرزاق في التفسير‪ :‬ا‪ ،)157/3‬والثعلبي في الكشف‪ :‬ا‪،)298/8‬‬
‫وتاريخ دمشق‪ :‬ا‪ ،)378/43‬والدر المنثور‪ :‬ا‪.)330/7‬‬
‫‪435‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫عبد اهلل بن مسعود ‪‬‬

‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} [آل عمران‪.]110 :‬‬


‫قال عكرمة ومقاتل‪> :‬نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ‬
‫وسالم مولى أبي حذيفة‪ ،‬وذلك أن ابن الصيف ووهب بن يهود‬
‫اليهوديين قاًل لهم‪ :‬إن ديننا خير مما تدعوننا إلي ونحن خير وأفضل‬
‫منكم‪ .‬فأنزل اهلل تعالى هذه اآلية<ا‪.)1‬‬

‫{ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬ ‫‪ 2‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ‬

‫ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ} [الزمر‪.]9 :‬‬
‫عن ابن عباا ‪ ‬قال‪> :‬نزلت هذه اآلية في ابن مسعود وعمار‬
‫وسالم مولى أبي حذيفة ‪<‬ا‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬ذكره الثعلبي في الكشف‪ ،)126/3( :‬والدر المنثور‪ ،)293/2( :‬والعجاب‪:‬‬
‫(‪.)733/2‬‬
‫ا‪ )2‬ذكره في الدر المنثور‪ ،)214/7( :‬ولباب النقول‪ ،)168( :‬عن جويبر عن ابن عباس‪،‬‬
‫وفي انقطاع‪ ،‬وجويبر متروك‪.‬‬
‫‪436‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫سلمان الفاريس ‪‬‬

‫{ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ} [الزمر‪ 17 :‬ــ ‪.]18‬‬
‫قال ابن زيد‪ ،‬في قول ‪{> :‬ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‪}...‬‬
‫[الزمر‪ ]17 :‬اآليتين‪ ،‬حدثني أبي أن هاتين اآليتين نزلتا في ثالثة نفر كانوا‬
‫في الجاهلية يقولون‪ً :‬ل إل إًل اهلل‪ :‬زيد بن عمرو‪ ،‬وأبي ذر الغفاري‪،‬‬
‫وسلمان الفارسي‪ ،‬نزل فيهم<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج الطبري‪ :‬ا‪ ،)185/20‬والثعلبي‪ :‬ا‪.)228/8‬‬
‫‪437‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫عبد اهلل بن سالم ‪‬‬

‫{ﲜ ﲝﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ} [آل عمران‪.]113 :‬‬
‫عن ابن عباا‪ ،‬قال‪> :‬لما أسلم عبد اهلل بن سالم‪ ،‬وثعلبة بن‬
‫سعية‪ ،‬وأسيد بن سعية‪ ،‬وأسد بن عبيد‪ ،‬ومن أسلم من يهود معهم‪،‬‬
‫فآمنوا وصدقوا ورغبوا في اإلسالم ومنحوا في ‪ ،‬قالت أحبار يهود وأهل‬
‫الكفر منهم‪ :‬ما آمن بمحمد وًل تبع إًل أشرارنا‪ ،‬ولو كانوا من خيارنا‬
‫ما تركوا دين آبائهم‪ ،‬وذهبوا إلى غيره‪ ،‬فأنزل اهلل ‪ ‬في ذلك من‬
‫قولهم‪{ :‬ﲜ ﲝﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ} إلى‬
‫قول ‪{ :‬ﲹ ﲺ ﲻ} [آل عمران‪<]114 :‬ا‪.)1‬‬
‫{ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ‬ ‫‪ 2‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ} [آل عمران‪.]199 :‬‬
‫عن ابن جريج‪ ،‬قال‪> :‬نزلت يعني هذه اآلية في عبد اهلل بن سالم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه الطبري‪ :‬ا‪ ،)691/5‬وابن المنذر‪ :‬ا‪ ،)329/1‬وابن أبي حاتم‪ :‬ا‪،)737/3‬‬
‫والعجاب‪ :‬ا‪.)735/2‬‬
‫‪438‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫ومن مع <ا‪.)1‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫‪ 3‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} [الرعد‪]43 :‬ا‪.)2‬‬

‫{ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬ ‫وقول تعالى‪:‬‬


‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ}‬
‫[األحقاف‪.]10 :‬‬
‫ذكر نزول هاتين اآليتين في عبداهلل بن سالما‪.)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه الطبري‪ :‬ا‪ ،)329/6‬وابن المنذر‪ :‬ا‪ ،)542/2‬وتفسير ابن كثير‪ :‬ا‪،)105/2‬‬
‫ومنهاج السنة‪ :‬ا‪.)117/5‬‬
‫ا‪ )2‬أما هذه اآلية‪ ،‬فإن بعض أهل التفسير ذكر نزولها في ابن سالم‪ ،‬ورجح جماعة‪،‬‬
‫واعترض علي جماعة بكون اآلية مكية‪ ،‬ومنهم سعيد بن جبير‪ ،‬انظر‪ ،‬الطبري‪:‬‬
‫ا‪ ،)586/13‬والشعبي‪ ،‬كما في الهداية‪ ،‬لمكي‪ :‬ا‪ ،)6820/11‬وقال ابن عطية‪:‬‬
‫>وهذان القوًلن األخيران ًل يستقيمان إًل أن تكون اآلية مدنية‪ ،‬والجمهور على أنها‬
‫مكية<‪ ،‬المحرر‪ :‬ا‪ ،)320/3‬وقال ابن كثير‪> :‬وهذا القول غريب؛ ألن هذه اآلية‬
‫مكية‪ ،‬وعبد اهلل بن سالم إنما أسلم في أول مقدم رسول اهلل ‘ المدينة‪ .‬واألظهر‬
‫في هذا ما قال العوفي‪ ،‬عن ابن عباا قال‪ :‬هم من اليهود والنصارى<‪ ،‬التفسير‪:‬‬
‫ا‪.)473/4‬‬
‫ا‪ )3‬انظر‪ :‬المحرر في أسباب النزول‪ ،‬للمزيني‪ :‬ا‪ ،)637/2‬ا‪ ،)886/2‬فقد استوفى‬
‫الكالم عليهما‪.‬‬
‫‪439‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫صهيب ‪‬‬
‫{ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﲗ} [البقرة‪.]207 :‬‬
‫عن عكرمة‪{> :‬ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ}‬
‫قال‪ :‬نزلت في صهيب بن سنان‪ ،‬وأبي ذر الغفاري جندب بن السكن؛‬
‫أخذ أهل أبي ذر‪ ،‬أبا ذر‪ ،‬فانفلت منهم‪ ،‬فقدم على النبي ‘‪ ،‬فلما‬
‫رجع مهاجرا عرضوا ل ‪ ،‬وكانوا بمر الظهران‪ ،‬فانفلت أيضا حتى قدم‬
‫على النبي ‪ .‬وأما صهيب فأخذه أهل ‪ ،‬فافتدى منهم بمال ‪ ،‬ثم خرج‬
‫مهاجرا فأدرك منقذ بن عمير بن جدعان‪ ،‬فخرج ل مما بقي من مال ‪،‬‬
‫وخلى سبيل <ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه الطبري‪ :‬ا‪ ،)591/3‬وقال‪> :‬والذي هو أولى بظاهر هذه اآلية من التأويل‪ ،‬ما‬
‫روي عن عمر بن الخطاب‪ ،‬وعن علي بن أبي طالب‪ ،‬وابن عباا‪ ، ،‬من أن‬
‫يكون عنى بها اآلمر بالمعروف والناهي عن المنكر‪ .‬وذلك أن اهلل جل ثناؤه وصف‬
‫صفة فريقين‪ :‬أحدهما منافق يقول بلسان خالف ما في نفس وإذا اقتدر على معصية‬
‫اهلل ركبها وإذا لم يقتدر رامها وإذا نهي أخذت العزة باإلثم بما هو ب آثم‪ ،‬واآلخر‬
‫منهما بائع نفس طالب من اهلل رضا اهلل‪ .‬فكان الظاهر من التأويل أن الفريق‬
‫الموصوف بأن شرى نفس هلل وطلب رضاه‪ ،‬إنما شراها للوثوب بالفريق الفاجر طلب‬
‫رضا اهلل‪ .‬فهذا هو األغلب األظهر من تأويل اآلية‪ .‬وأما ما روي من نزول اآلية في=‬
‫‪440‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫ثوبان ‪ ‬موىل رسول اهلل ‘‬
‫{ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ}‬
‫[النساء‪.]69 :‬‬
‫>نزلت في ثوبان مولى رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ ،‬وكان شديد الحب‬
‫لرسول اهلل ـ ‘ ـ قليل الصبر عن ‪ ،‬فأتاه ذات يوم وقد تغير لون ‪،‬‬
‫ونحل جسم ؛ فعرف الحزن في وجه ‪ ،‬فقال ل ‪> :‬يا ثوبان! ما غير‬
‫بي مرض وًل وجع‪ ،‬غير أني إذا لم‬ ‫لونك؟<‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل! ًل َ‬
‫أرك؛ اشتقت إليك‪ ،‬واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك‪ ،‬ثم ذ َك ْرت‬
‫اآلخرة؛ فأخاف أن ًل أراك هناك؛ ألني عرفت أنك ُترفع مع النبيين‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أمر صهيب‪ ،‬فإن ذلك غير مستنكر‪ ،‬إذ كان غير مدفوع جواز نزول آية من عند اهلل‬ ‫=‬
‫على رسول ‘ بسبب من األسباب‪ ،‬والمعني بها كل من شمل ظاهرها‪ .‬فالصواب‬
‫من القول في ذلك أن يقال‪ :‬إن اهلل عز ذكره وصف شار ايا نفس ابتغاء مرضات ‪ ،‬فكل‬
‫من باع نفس في طاعت حتى قتل فيها أو استقتل وإن لم يقتل‪ ،‬فمعني بقول ‪{ :‬ﲐ‬
‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ} [البقرة‪ ]207 :‬في جهاد عدو‬
‫المسلمين كان ذلك من أو في أمر بمعروف أو نهي عن منكر<‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ :‬ا‪ ،)564/1‬والعجاب‪ :‬ا‪ ،)524/1‬واًلستيعاب في بيان‬
‫األسباب‪ :‬ا‪ 145/1‬ــ ‪ ،)148‬فقد ذكروا عدة روايات في نفس المعنى‪.‬‬
‫‪441‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك‪ ،‬وإن لم‬


‫أدخل الجنة؛ فذاك حين ًل أراك أبد اا؛ فأنزل اهلل ــ تعالى ــ هذه اآلية‪،‬‬
‫ثم قال رسول اهلل ـ ‘ ـ عن ذلك‪> :‬والذي نفسي بيده‪ً ،‬ل يؤمن عبد‬
‫حتى أكون أحب إلي من نفس وأبوي وأهل والناا أجمعين<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬الواحدي في أسباب النزول‪ :‬ا‪ ،)165‬وزاد المسير‪ :‬ا‪ ،)429/1‬والعجاب‪:‬‬
‫ا‪ ،)914/2‬واًلستيعاب في بيان األسباب‪ :‬ا‪.)434/1‬‬
‫‪442‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫عمري بن احلمام ‪‬‬

‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ}‬


‫[البقرة‪.]154 :‬‬
‫عن عبد اهلل بن عباا ـ ‪ ‬ـ؛ قال‪ :‬قتل تميم ــ والصواب‪:‬‬
‫عمير ــ بن الحمام ببدر‪ ،‬وفي وفي غيره نزلت‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ}<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬معرفة الصحابة‪ ،‬ألبي نعيم‪ :‬ا‪ ،)2361/4‬واًلستيعاب في بيان األسباب‪ :‬ا‪.)84/1‬‬
‫‪443‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫أبو جندل ‪‬‬

‫{ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﳈ ﳉ} [النحل‪.]41 :‬‬
‫{ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬ ‫عن داود بن أبي هند‪ ،‬قال‪> :‬نزلت‬
‫ﳄ ﳅ} إلى قول ‪{ :‬ﳕ ﳖ ﳗ} [النحل‪ ]42 :‬في أبي جندل بن‬
‫سهيل<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه عبدالرزاق في تفسيره‪ :‬ا‪ ،)268/2‬والطبري‪ :‬ا‪ ،)225/14‬وابن أبي حاتم‪:‬‬
‫ا‪.)2283/7‬‬
‫‪444‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫رفاعة القريظ ‪‬‬

‫{ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} [القصص‪.]52 :‬‬
‫عن رفاعة القرظي‪ ،‬قال‪> :‬نزلت هذه اآلية في عشرة أنا أحدهم‬
‫{ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ}<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬رواه الطبري‪ :‬ا‪ ،)276/18‬وابن أبي حاتم‪ :‬ا‪ ،)29888/9‬وغيرهما‪ ،‬وهو صحيح‪،‬‬
‫لكن قال ابن كثير‪> :‬قال مجاهد وغيره‪{ :‬ﱃ ﱄ} يعني‪ :‬قريشا‪ .‬وهذا هو الظاهر‪،‬‬
‫لكن قال حماد بن سلمة‪ ،‬عن عمرو بن دينار‪ ،‬عن يحيى بن جعدة‪ ،‬عن رفاعة ــ‬
‫رفاعة هذا هو ابن قرظة القرظي‪ ،‬وجعل ابن منده‪ :‬رفاعة بن سموأل‪ ،‬خال صفية بنت‬
‫حيي‪ ،‬وهو الذي طلق تميمة بنت وهب التي تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير بن‬
‫باطا‪ ،‬كذا ذكره ابن األثير ــ قال‪ :‬نزلت {ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ} في عشرة أنا‬
‫أحدهم‪ .‬رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث <‪ ،‬التفسير‪ :‬ا‪.)243/6‬‬
‫‪445‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫معاوية بن أيب سفيان ‪‬‬
‫{ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬
‫ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚ ﱛ‬

‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬

‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬

‫ﱹ ﱺ} [البقرة‪.]253 :‬‬
‫عن عبد اهلل بن عباا ـ ‪ ‬ـ؛ قال‪ :‬كنت عند النبي ـ ‘ ـ‪،‬‬
‫وعنده أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية؛ إذ أقبل علي‪ ،‬فقال النبي ـ ‘ ـ‬
‫لمعاوية‪> :‬أتحب علي اا؟!<‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪> :‬إنها ستكون بينكم هنيهة<‪،‬‬
‫قال معاوية‪ :‬فما بعد ذلك يا رسول اهلل؟! قال‪> :‬عفو اهلل ورضوان <‪،‬‬
‫قال‪ :‬رضينا بقضاء اهلل ورضوان ؛ فعند ذلك نزلت هذه اآلية‪{ :‬ﱛ ﱜ‬

‫ﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩ‬

‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬

‫ﱺ}<ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تاريخ دمشق‪ :‬ا‪ ،)140/59‬والدر المنثور‪ :‬ا‪ ،)4/2‬واًلستيعاب في بيان األسباب‪:‬‬
‫ا‪.)193/1‬‬
‫‪446‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫انلجايش ‪‬‬

‫{ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ} [آل عمران‪.]199 :‬‬
‫عن قتادة‪> :‬أن النبي ‘ قال‪> :‬إن أخاكم النجاشي قد مات‬
‫فصلوا علي < قالوا‪ :‬نصلي على رجل ليس بمسلم‪ .‬قال‪ :‬فنزلت‪{ :‬ﲘ‬
‫ﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥ‬
‫{ﲄ‬ ‫ﲦ} قال قتادة‪ :‬فقالوا إن كان ًل يصلي إلى القبلة‪ ،‬فأنزل اهلل ‪:‬‬
‫ﲅ ﲆﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ} [البقرة‪<]115 :‬ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج عبدالرزاق في تفسيره‪ :‬ا‪ ،)431/1‬والطبري‪ :‬ا‪ ،)455/2‬وانظر من ‪:‬‬
‫ا‪ )327/6‬فقد نقل عدة آثار في نزول اآلية في النجاشي‪ ،‬وقال في ا‪...> :)300/6‬‬
‫عن مجاهد‪{ :‬ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ} [آل عمران‪:‬‬
‫‪> ]199‬من اليهود والنصارى‪ ،‬وهم مسلمة أهل الكتاب< وأولى هذه األقوال بتأويل‬
‫اآلية ما قال مجاهد‪ ،‬وذلك أن اهلل جل ثناؤه عم بقول ‪{ :‬ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ} [آل‬
‫عمران‪ ]199 :‬أهل الكتاب جميعا‪ ،‬فلم يخصص منهم النصارى دون اليهود‪ ،‬وًل‬
‫اليهود دون النصارى‪ ،‬وإنما أخبر أن من أهل الكتاب من يؤمن باهلل‪ ،‬وكال الفريقين‪،‬‬
‫أعني اليهود والنصارى‪ ،‬من أهل الكتاب‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬فما أنت قائل في الخبر‬
‫الذي رويت عن جابر وغيره أنها نزلت في النجاشي وأصحاب ؟ قيل‪ :‬ذلك خبر في‬
‫إسناده نظر‪ ،‬ولو كان صحيحا ًل شك في لم يكن لما قلنا في معنى اآلية بخالف‪=،‬‬
‫‪447‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫{ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬ ‫‪ 2‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﲙ‬
‫ﲡ}‬ ‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ‬
‫[المائدة‪.]82 :‬‬
‫عن عبد اهلل بن الزبير‪ ،‬قال‪> :‬نزلت في النجاشي وأصحاب ‪:‬‬
‫{ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ}‬
‫[المائدة‪<]83 :‬ا‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وذلك أن جابرا ومن قال بقول إنما قالوا‪ :‬نزلت في النجاشي‪ ،‬وقد تنزل اآلية في‬
‫الشيء ثم يعم بها كل من كان في معناه‪ ،‬فاآلية وإن كانت نزلت في النجاشي‪ ،‬فإن‬
‫اهلل تبارك وتعالى قد جعل الحكم الذي حكم ب للنجاشي حكما لجميع عباده الذين‬
‫هم بصفة النجاشي في اتباعهم رسول اهلل ‘ والتصديق بما جاءهم ب من عند اهلل‪،‬‬
‫بعد الذي كانوا علي قبل ذلك من اتباع أمر اهلل فيما أمر ب عباده في الكتابين‪ :‬التوراة‬
‫واإلنجيل‪ ،‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ،‬فتأويل اآلية‪ :‬وإن من أهل الكتاب التوراة واإلنجيل‬
‫لمن يؤمن باهلل‪ ،‬فيقر بوحدانيت ‪ ،‬وما أنزل إليكم أيها المؤمنون‪ ،‬يقول‪ :‬وما أنزل‬
‫إليكم من كتاب ووحي ‪ ،‬على لسان رسول محمد ‘‪ ،‬وما أنزل إليهم‪ ،‬يعني‪ :‬وما‬
‫أنزل على أهل الكتاب من الكتب‪ ،‬وذلك التوراة واإلنجيل والزبور‪ ،‬خاشعين هلل‪،‬‬
‫يعني‪ :‬خاضعين هلل بالطاعة‪ ،‬مستكينين ل بها متذللين<‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬المحرر في أسباب النزول‪ :‬ا‪ ،)97/1‬ا‪ ،)355/1‬فقد تعرض بالنقد لهذا‬
‫السبب‪.‬‬
‫ا‪ )1‬روي من غير وج ‪ ،‬فانظر‪ :‬تفسير الطبري‪ :‬ا‪ ،)601/8‬وما بعدها‪ ،‬وتفسير ابن أبي‬
‫حاتم‪ :‬ا‪ ،)1184/4‬واًلستيعاب في بيان األسباب‪ :‬ا‪.)80/2‬‬
‫>والصواب ــ واللَّ أعلم ــ أن يقال‪ :‬إن أُريد بقول نزلت هذه اآلية في النجاشي‬
‫وأصحاب أنها تقص قصصهم وتتحد عنهم فهذا صحيح ولهذا اروى ابن إسحاق‬
‫عن أم سلمة ـ ‪ ‬ـ في قصة الهجرة قالت‪ :‬فقرأ اأي جعفر) علي صدر اا من=‬
‫‪448‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫زينب بنت جحش ‪‬‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬ ‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪:‬‬


‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ}‬
‫[األحزاب‪.]36 :‬‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫عن ابن عباا‪ ،‬قول ‪:‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اكهيعص) قالت‪ :‬فبكى واللَّ النجاشي حتى اخضلَّت لحيت ‪ ،‬وبكت أساقفت حتى‬ ‫=‬
‫أخضلوا مصاحفهم‪ ،‬حين سمعوا ما تال عليهم) اهـ‪.‬‬
‫وإن أُريد بالنزول هنا ما اصطلح علي العلماء فليس بصحيح ولهذا قال ابن كثير‪:‬‬
‫عبااٍ‪ :‬نزلت هذه اآليات في النجاشي وأصحاب‬ ‫اقال علي بن أبي طلحة عن ابن َّ‬
‫حين تال عليهم جعفر بن أبي طالب القرآن بكوا حتى أخضلوا لحاهم‪ ،‬وهذا القول‬
‫في نظر ألن هذه اآلية مدنية وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة) اهـ‪.‬‬
‫وما ذكره ابن كثير صحيح فإن ًل يعهد في القرآن أن يتأخر النزول عن السبب على‬
‫هذا النحو ًل سيما إذا عرفنا أن المائدة من آخر القرآن نزو اًل‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إن نزولها كان بسبب وفد بعثهم النجاشي‪ ،‬إلى النبي ـ ‘ ـ ليسمعوا‬
‫كالم ‪ ،‬ويروا صفات فلما رأوه وقرأ عليهم القرآن أسلموا‪ ،‬وبكوا وخشعوا ثم رجعوا‬
‫إلى النجاشي فأخبروه وهو المروي عن سعيد بن جبير‪ .‬فاهلل أعلم‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن قصة النجاشي وبكاءه ليست سبب اا لنزول اآلية لما بينهما من الزمن الطويل‬
‫واألمد البعيد واهلل أعلم<‪ ،‬انظر‪ :‬المحرر في أسباب النزول‪ :‬ا‪ 495/1‬ــ ‪.)498‬‬

‫‪449‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫ﱊ}‪ ...‬إلى آخر اآلية‪> ،‬وذلك أن رسول اهلل ‘ انطلق يخطب على‬
‫فتاه زيد بن حارثة‪ ،‬فدخل على زينب بنت جحش األسدية فخطبها‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬لست بناكحت ‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪> :‬فانكحي <‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل أؤامر في نفسي فبينما هما يتحدثان أنزل اهلل هذه اآلية على‬
‫رسول ‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ}‪ ..‬إلى قول ‪{ :‬ﱘ ﱙ} قالت‪:‬‬
‫قد رضيت لي يا رسول اهلل منكحا؟ قال‪> :‬نعم<‪ ،‬قالت‪ :‬إذن ًل أعصي‬
‫رسول اهلل‪ ،‬قد أنكحت نفسي<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬أخرج الطبري‪ :‬ا‪ ،)112/19‬ا‪ ،)113‬وابن أبي حاتم‪ :‬ا‪ ،)3135/9‬قال ابن كثير‪:‬‬
‫>هذه اآلية عامة في جميع األمور‪ ،‬وذلك أن إذا حكم اهلل ورسول بشيء‪ ،‬فليس‬
‫ألحد مخالفت وًل اختيار ألحد هاهنا‪ ،‬وًل رأي وًل قول<‪ ،‬ا‪.)423/6‬‬
‫‪450‬‬
‫ملحق فيه ما ال يثبت من فضائل الصحابة والقرابة‬

‫‪5‬‬
‫أم رشيك ‪‬‬

‫‪ 1‬ــ قول تعالى‪{ :‬ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [األحزاب‪.]50 :‬‬


‫عن هشام ابن عروة‪ ،‬عن أبي قال‪> :‬قد كنا نتحد أن أم شريك‬
‫كانت وهبت نفسها للنبي ‪ ،‬وكانت امرأة صالحة<ا‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ا‪ )1‬تفسير القرآن من الجامع ًلبن وهب‪ :‬ا‪ ،)93/1‬وقد ذكر الطبري اختالف الناا في‬
‫تعيين هذه الواهبة ‪ ‬في تفسيره‪ :‬ا‪ ،)134/19‬وما بعده‪.‬‬
‫‪451‬‬
‫أهم مراجع البحث‬

‫أهم مراجع ابلحث‬


‫* اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الترا ــ القاهرة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1405/‬هـ‪.‬‬
‫* اإلحسان في تقريب صحيح ابن حبان‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة ــ‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1408/‬هـ ‪1987 /‬م‪.‬‬
‫* أحكام القرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬ابن العربي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫علي بن محمد البجاوي‪.‬‬
‫* أحكام القرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد الصادق قمحاوي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء الترا العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫* أسباب نزول القرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار القبلة ــ جدة‪ ،‬تحقيق‪ :‬سيد أحمد صقر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1404/‬هـ‪.‬‬
‫* اًلستقامة‪ً ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬محمد رشاد سالم‪ ،‬جامعة اإلمام‬
‫محمد بن سعود ــ المدينة المنورة‬
‫* االستيعاب في تمييز األصحاب‪ ،‬تأليف‪ :‬يوسف بن عبد اهلل بن عبد البر‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الجيل ــ بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد الجباوي‪ ،‬الطبعة‪1412 :‬هـ‪.‬‬
‫* اإلصابة في تمييز الصحابة‪ ،‬تأليف‪ :‬أحمد بن علي بن حجر العسقالني‬

‫‪453‬‬
‫أهم مراجع البحث‬

‫الشافعي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الجيل ــ بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪/‬‬
‫‪1412‬هـ ‪1992 /‬م‪.‬‬
‫* أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد األمين بن‬
‫محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع بيروت ــ لبنان‪ ،‬عام النشر‪ 1415 :‬هـ ــ ‪ 1995‬م‪.‬‬
‫* أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد األمين بن‬
‫محمد المختار الجكني الشنقيطي‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة المدني‪ ،‬على نفقة‪ :‬محمد‬
‫عوض بن ًلدن‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1386/‬هـ‪.‬‬
‫* إعراب القرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي جعفر النحاا‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة النهضة‬
‫الحديثة‪ ،‬تحقيق‪ :‬زهير غازي زاهد‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1405/‬هـ‪.‬‬
‫* إغاثة اللهفان في حكم طالق الغضبان‪ً ،‬لبن القيم‪ ،‬ت‪ :‬محمد‬
‫عفيفي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫* اإلكليل في استنباط التنزيل‪ ،‬تأليف‪ :‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫* البحر المحيط‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد بن يوسف أبي حيان األندلسـي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1403/‬هـ‪.‬‬
‫* البرهان في علوم القرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد بن بهادر بن عبد اهلل الزركشي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬المكتبة العصرية ــ بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪.‬‬
‫* التحرير والتنوير من التفسير‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد الطاهر ابن عاشور‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬الطبعة‪1984 :‬م‪.‬‬
‫‪454‬‬
‫أهم مراجع البحث‬

‫* تحقيق منيف الرتبة‪ ،‬في شرف من ثبتت ل الصحب‪ ،‬للعالئي‪ ،‬ت‪:‬‬


‫القشقري‪ ،‬ط‪ .‬دار العاصمة‪.‬‬
‫* التسهيل لعلوم التنزيل‪ ،‬ألبي القاسم‪ ،‬محمد بن جزي الكلبي الغرناطي‬
‫ات‪ ،)741 :‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد اهلل الخالدي‪ ،‬ط‪ .‬شركة دار األرقم بن أبي‬
‫األرقم ــ بيروت ‪ 1416‬هـ‪.‬‬
‫* التفسير البسيط‪ ،‬لإلمام الواحدي‪ ،‬ت‪ :‬مجموعة‪ ،‬نشر عمادة البحث‬
‫العلمي جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ــ الطبعة‪ :‬األولى‪ 1430 ،‬هـ‪.‬‬
‫* تفسير البغوي‪ ،‬تأليف‪ :‬البغوي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار طيبةـ الرياض‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عثمان ضميرية‪.‬‬
‫* تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬لمحمد بن‬
‫جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي‪ ،‬أبو جعفر الطبري االمتوفى‪،)310 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬الدكتور عبد اهلل بن عبد المحسن التركي مع دار هجر‪ ،‬ط‪ .‬هجر‪.‬‬
‫* التفسير الكبير‪ ،‬تأليف‪ :‬فخر الدين محمد بن عمر الرازي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫إحياء الترا العربي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪.‬‬
‫* التفسير اللغوي‪ ،‬د‪ .‬مساعد الطيار‪ ،‬ط‪ .‬دار ابن الجوزي‪.‬‬
‫* تفسير النسائي‪ ،‬تأليف‪ :‬أحمد بن شعيب النسائي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة السنة‬
‫القاهرة‪ ،‬تحقيق‪ :‬سيد الجليمي‪ ،‬وصبري الشافعي‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1990/‬م‪.‬‬
‫* تهذيب اللغة‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي منصور محمد بن أحمد األزهري‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار إحياء الترا العربي ــ بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عوض مرعب‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪2001/‬م‪.‬‬
‫‪455‬‬
‫أهم مراجع البحث‬

‫* تهذيب اللغة‪ ،‬لمحمد بن أحمد بن األزهري الهروي‪ ،‬أبو منصور‪،‬‬


‫المحقق‪ :‬محمد عوض مرعب‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء الترا العربي ــ بيروت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫* جامع البيان عن تأويل القرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد بن جرير الطبري‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار المعرفة ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة باألوفست‪1400/‬هـ‪ ،‬وهي صورة‬
‫عن طبعة بوًلق سنة ‪1323‬هـ‪.‬‬
‫* الجامع الصحيح‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫المطبعة السلفية‪ ،‬طبع مع فتح الباري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫* الجامع الصحيح‪ ،‬تأليف‪ :‬مسلم بن الحجاج النيسابوري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫إحياء الترا العربي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫* الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد بن أحمد القرطبي‪ ،‬تصحيح‪:‬‬
‫أحمد عبد العليم البردوني وزمالئ ‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1372/‬هـ‪.‬‬
‫* جمال القراء وكمال اإلقراء‪ ،‬تأليف‪ :‬علم الدين السخاوي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مكتبة الترا ــ مكة ــ مطبعة المدني‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي حسين البواب‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1408/‬هـ‪.‬‬
‫* جهود الصحابة في جمع القرآن ألحمد سالم‪ ،‬ط‪ .‬وزارة األوقاف‬
‫الكويتية‪.‬‬
‫* الجواب الصحيح لمن بدل ين المسيح‪ً ،‬لبن تيمية‪ ،‬ط‪ .‬دار الوطن‪.‬‬
‫* حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ :‬ألبي نعيم‪ ،‬عام النشر ا‪1394‬هـ =‬
‫‪1974‬م)‪ ،‬دار السعادة‪ ،‬محافظة مصر‪ .‬وتصوير‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ودار‬
‫الفكر‪ ،‬ودار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪456‬‬
‫أهم مراجع البحث‬

‫* الدر المنثور في التفسير بالمأثور‪ ،‬تأليف‪ :‬جالل الدين السيوطي‪،‬‬


‫الناشر‪ :‬دار الفكر ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1403/‬هـ‪.‬‬
‫* روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي‬
‫الفضل شهاب الدين محمود األلوسي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة‪1398 :‬هـ‪.‬‬
‫* سنن ابن ماج ‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد بن يزيد القزويني ابن ماج ‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار إحياء الترا العربي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬الطبعة‪1395 :‬هـ‪.‬‬
‫* سنن أبي داود‪ ،‬تأليف‪ :‬سليمان بن األشعث السجستاني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الحديث‪ ،‬إعداد وتعليق‪ :‬عزيت عبيد الدعاا‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1388/‬هـ‪.‬‬
‫* سنن أبي داود‪ ،‬ألبي داود سليمان بن األشعث بن إسحاق بن‬
‫مح َّمد‬ ‫الس ِج ْستاني‪ ،‬ت‪َ :‬‬
‫شعيب األرنؤوط ــ َ‬ ‫بشير بن شداد بن عمرو األزدي ِّ‬
‫كا ِمل قره بللي‪ ،‬دار الرسالة العالمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1430 ،‬هـ ــ ‪ 2009‬م‪.‬‬
‫* سنن البيهقي الكبرى‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة دار الباز ــ مكة المكرمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫‪1414‬هـ ‪1994 /‬م‪.‬‬
‫* سنن الترمذي‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد بن عيسى الترمذي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء‬
‫الترا العربي ــ بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد شاكر اج ‪ ،)2 ،1‬ومحمد فؤاد‬
‫عبد الباقي اج‪ ،)3‬وإبراهيم عطوة اج‪.)5 ،4‬‬
‫* السنن الكبرى‪ :‬للنسائي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسن عبدالمنعم شلبي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ا‪1421‬هـ = ‪2001‬م)‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* سنن النسائي‪ ،‬تأليف‪ :‬أحمد بن شعيب النسائي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء‬
‫الترا العربي‪.‬‬
‫‪457‬‬
‫أهم مراجع البحث‬

‫* سنن‪ :‬ابن ماج ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار إحياء الكتب‬
‫العربية‪ ،‬فيصل عيسى البابي الحلبي‪.‬‬
‫* سنن‪ :‬أبي داود‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبدالحميد‪ ،‬المكتبة‬
‫العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* سنن‪ :‬الترمذي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬ومحمد فؤاد عبدالباقي‪،‬‬
‫وإبراهيم عطوة عوض‪ ،‬الطبعة الثانية ا‪ 1395‬هـ = ‪1975‬م)‪ ،‬شركة مكتبة‬
‫ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫* سنن‪ :‬سعيد بن منصور‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ا‪1403‬هـ = ‪1982‬م)‪ ،‬الدار السلفية‪ ،‬الهند‪.‬‬
‫* سير أعالم النبالء‪ :‬للذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجموعة من المحققين‪ ،‬بإشراف‬
‫الشيخ شعيب األرناؤوط‪ ،‬الطبعة الثالثة ا‪ 1405‬هـ = ‪1985‬م)‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* سير أعالم النبالء‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي عبد اهلل الذهبي الدمشقي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة ــ بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬ومحمد العرقسوسي‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬التاسعة‪1413/‬هـ‪.‬‬
‫* شرح صحيح مسلم = المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪:‬‬
‫للنووي‪ ،‬الطبعة الثانية ا‪1392‬هـ)‪ ،‬دار إحياء الترا العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* الصحاح في اللغة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العلم للماليين ــ بيروت‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫أحمد العطار‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1399/‬هـ ‪1979 /‬م‪.‬‬
‫المسنَد الصحيح المختصر من أمور‬
‫* صحيح البخاري = الجامع ُ‬
‫رسول اهلل ‘ وسنن وأيام ‪ :‬لإلمام البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر‬
‫‪458‬‬
‫أهم مراجع البحث‬

‫الناصر‪ ،‬الطبعة األولى ا‪1422‬هـ)‪ ،‬دار طوق النجاة‪.‬‬


‫* صحيح البخاري‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد بن إسماعيل أبي عبد اهلل البخاري‬
‫الجعفي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن كثير‪ ،‬اليمامة ــ بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬مصطفى ديب‬
‫البغا‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1407/‬هـ ‪1987 /‬م‪.‬‬
‫* الطبعة‪ :‬األولى‪.1403 ،‬‬
‫* العجاب في بيان األسباب‪ ،‬تحقيق الدكتور عبدالحكيم األنيس‪،‬‬
‫ط‪ .‬دار ابن الجوزي‪.‬‬
‫* العقيدة الواسطية‪ :‬اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل‬
‫السنة والجماعة‪ً ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬أشرف عبد المقصود‪ ،‬أضواء السلف‪.‬‬
‫* علم الرجال نشأت وتطوره من القرن األول إلى نهاية القرن التاسع‪،‬‬
‫للزهراني‪ ،‬ط‪ .‬دار الوطن‪.‬‬
‫* فتح الباري بشـرح صحيح البخاري‪ ،‬تأليف‪ :‬أحمد بن علي بن حجر‬
‫العسقالني‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة السلفية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد العزيز بن باز اج ‪ 1‬ــ ‪،)3‬‬
‫ترتيب وترقيم‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫* فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ً :‬لبن حجر‪ ،‬رقَّم كتب وأبواب‬
‫وأحاديث ‪ :‬محمد فؤاد عبدالباقي‪ ،‬وقام بإخراج وص َّحح ‪ :‬محب الدين‬
‫الخطيب‪ ،‬عام النشر ا‪1379‬هـ)‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* فتح الباري‪ ،‬تأليف‪ :‬زيد الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب‬
‫الحنبلي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الغرباء األثرية ــ المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1996/‬م‪.‬‬
‫* فتح الباري‪ ،‬تأليف‪ :‬زيد الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن رجب‬
‫الحنبلي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن الجوزي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1422/‬هـ‪.‬‬
‫‪459‬‬
‫أهم مراجع البحث‬

‫* فضائل القرآن للقاسم بن سالم‪ ،‬ألبي ُعبيد القاسم بن س ّالم بن عبد اهلل‬
‫الهروي البغدادي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مروان العطية‪ ،‬ومحسن خرابة‪ ،‬ووفاء تقي الدين‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار ابن كثير ادمشق ــ بيروت)‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1415 ،‬هـ ــ ‪ 1995‬م‪.‬‬
‫* فضل أبي بكر الصديق ‪ً ،‬لبن تيمية‪ ،‬منشور مجلة جامعة أم القرى‬
‫لعلوم الشريعة‪ ،‬امج ‪ ،13‬ع ‪ ،22‬ص ‪ ،1234‬ربيع األول‪ 1422 :‬ــ ‪.)2001‬‬
‫* الفوز الكبير في أصول التفسير لولي اهلل الدهلوي‪ ،‬ط‪ .‬دار الغوثاني‪.‬‬
‫* قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل اإلسالم واإليمان وعبادات‬
‫أهل الشرك والنفاق‪ً ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬سليمان بن صالح الغصن‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫العاصمة ــ الرياض‪.‬‬
‫* كتاب العين‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن‬
‫تميم الفراهيدي البصري‪ ،‬المحقق‪ :‬د مهدي المخزومي‪ ،‬د إبراهيم السامرائي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪.‬‬
‫* الكشف والبيان عن تفسير القرآن‪ ،‬للثعلبي‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫* لسان العرب ا‪ 6‬مجلدات)‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد بن مكرم بن منظور‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار المعارف ــ القاهرة‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجموعة‪ ،‬الطبعة‪1406 :‬هـ ‪1981 /‬م‪.‬‬
‫* مجموع الفتاوى‪ً :‬لبن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبدالرحمن بن محمد بن‬
‫قاسم‪ ،‬عام النشر ا‪1416‬هـ = ‪1995‬م)‪ ،‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف‬
‫الشريف‪ ،‬المدينة المنورة‪.‬‬
‫* مجموع الفتاوى‪ ،‬تأليف‪ :‬أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الثانية‪.‬‬
‫‪460‬‬
‫أهم مراجع البحث‬

‫* المحرر في أسباب النزول‪ ،‬د‪ .‬خالد المزيني‪ ،‬ط‪ .‬دار ابن الجوزي‪.‬‬
‫* المحرر في علوم القرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬مساعد الطيار‪ ،‬الناشر‪ :‬مركز‬
‫الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد اإلمام الشاطبي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1429/‬هـ‪.‬‬
‫المسنَد‪ :‬لإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬وحمزة‬‫* ُ‬
‫أحمد الزين‪ ،‬الطبعة األولى ا‪ 1416‬هـ = ‪ 1995‬م)‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫المسنَد‪ :‬لإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬وعادل‬
‫* ُ‬
‫مرشد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬تحت إشراف‪ :‬د عبداهلل بن عبدالمحسن التركي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬ا‪ 1421‬هـ = ‪ 2001‬م)‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي بكر عبد اهلل بن محمد بن أبي شيبة‬
‫الكوفي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد ــ الرياض‪ ،‬تحقيق‪ :‬كمال يوسف الحوت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1409/‬هـ‪.‬‬
‫* مصنف عبد الرزاق‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪.‬‬
‫المصنَّف في األحاديث واآلثار‪ :‬البن أبي شيبة‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمد بن عبداهلل‬
‫* ُ‬
‫الجمعة‪ ،‬ومحمد بن إبراهيم اللحيدان‪ ،‬الطبعة األولى ا‪1425‬هـ = ‪2004‬م)‪،‬‬
‫مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫* الُمصنَّف‪ :‬لعبدالرزاق الصنعاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ا‪1403‬هـ)‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* معاني القرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي زكريا يحيى بن زياد الفراء‪ ،‬الناشر‪ :‬عالم‬
‫الكتب ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1980/‬م‪.‬‬

‫‪461‬‬
‫أهم مراجع البحث‬

‫* مفردات القرآن ــ نظرات جديدة في تفسير ألفاظ قرآنية‪ ،‬عبد الحميد‬


‫الفراهي الهندي‪ ،‬ت‪ :‬د‪ /‬محمد أجمل أيوب اإلصالحي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪.‬‬
‫* مقاييس اللغة‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي الحسين أحمد بن فارا بن زكريا‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار الجيل ــ بيروت ــ لبنان‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪.‬‬
‫* مناهل العرفان في علوم القرآن‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد عبد العظيم الزرقاني‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الفكر ــ لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1416 /‬هـ ‪1996 /‬م‪.‬‬
‫* الموافقات في أصول الشريعة‪ ،‬تأليف‪ :‬أبي إسحاق الشاطبي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار ابن عفان ــ القاهرة‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ‪ /‬مشهور حسن سلمان‪.‬‬
‫* الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬عام النشر‪1399 :‬هـ ــ ‪1979‬م‪.‬‬
‫* النهاية في غريب الحديث واألثر‪ً :‬لبن األثير‪ ،‬تحقيق‪ :‬طاهر أحمد‬
‫الزاوي‪ ،‬محمود محمد الطناحي‪ ،‬عام النشر ا‪1399‬هـ = ‪1979‬م)‪ ،‬المكتبة‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬تأليف‪ :‬ابن األثير‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لصاحبها الحاج رياض الشيخ‪ ،‬تحقيق‪ :‬طاهر أحمد الزاوي‪ ،‬ومحمود‬
‫محمد الطناحي‪.‬‬
‫* الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره‪ ،‬وأحكام ‪،‬‬
‫وجمل من فنون علوم ‪ ،‬لمكي بن أبي طالب‪ ،‬ت‪ :‬مجموعة‪ ،‬بإشراف الشاهد‬
‫البوشيخي‪ ،‬ط‪ .‬مجموعة بحو الكتاب والسنة ــ كلية الشريعة والدراسات‬
‫اإلسالمية ــ جامعة الشارقة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1429 ،‬هـ ــ ‪ 2008‬م‪.‬‬

‫‪462‬‬

You might also like