Professional Documents
Culture Documents
98e4d910de4b195cd9323a023d4d5e1d
98e4d910de4b195cd9323a023d4d5e1d
َ ُ َّ ْ َ
أدبالتر ِبي ِة
َ ْ َ ُ
اب
ِ ح األصو اآلل
ِ اث
ِ رت ِي
ف
عنوان الكتاب :أدب الرتبية يف تراث اآلل واألصحاب .
اسم املؤلف :أمحد إبراهيم حممود اجلابري .
عدد الصفحات 214 : ــ نوع املطبوع :كتاب ـ ـ الطبعة :األوىل
السلسلة :تراث اآلل واألصحاب ()4
الناشر :مربة اآلل واألصحاب
ص .ب 12421 .الشامية ـ الرمز الربيدي 71655ـ ـ ت 2560203 :
ردمك 3 :ـ 40ـ 64ـ 99966ـ ISBN 978
م
حقوق الطبع حقوظة لمبرة الآل والآصحاب
إال لمن أراد التوزيع الخيري بشرط عدم التصرف في المادة العلمية
َّ ْ َ ُ ُ َ
الطبعة األول
1439يـهييـي2017م ي
َ
َ ُ َّ ْ َ
أدب التر ِبي ِة
َْ َ ُ
اب
ِ حاألصو اآلل
ِ اث
ِ رت ي
ف ِ
لصحاب مع صعارهم نماذج من تعامل ا آ
لل وا آ
َ ْ َ
أْحداجلابري
ِ
5
الصفحة الموضوع
حرصهم على بقاء الطفل على فطرة اإلسالم ،ومنع العبث
بهذه العقيدة 64 .......................................
حرصهم على أن تكون المرضعة مسلمة 65 ..................
تلقينهم الصغار كلمة التوحيد في أول نطقهم 66 ...............
دفع االعتقادات الخاطئة من قلوبهم ،ونهيهم عن أفعال الشرك 67 ...
ترسيخ محبة رسول اهلل ‘ في قلوبهم ،وتعظيمه وتوقيره في
نفوسهم 68 ..........................................
الفصل الثاني :التربية التعبدية 75 ..................................
قبس نبوي77 ............................................
التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب 82 ....................
الوضوء84 ...........................................
الصالة 87 ...........................................
الصيام 100..........................................
الزكاة 102...........................................
الحج والعمرة 105.....................................
قراءة القرآن 109......................................
الدعاء112 ...........................................
الجهاد 114 ..........................................
الفصل الثالث :التربية األخالقية117 ................................
قبس نبوي119 ...........................................
التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب 124 ..................
أو ًال :خلق التأدب مع الكبار126 ..........................
6
الصفحة الموضوع
ثانيا :خلق الصدق ،والبعد عن الكذب129 .................. ً
ثال ًثا :خلق حفظ األسرار 132 ............................
راب ًعا :خلق الرحمة ،ومراعاة مشاعر اآلخرين 135 .............
خام ًسا :خلق األمانة ،وعدم التعدي على حقوق الناس 137 ......
ساد ًسا :الخصال واألخالق الحسنة بصفة عام 138 ............
7
الصفحة الموضوع
حلقهم شعر المولود في اليوم السابع173 ....................
تعويذهم الصغار بالرقى والمعوذات؛ لدفع العين والحسد
عنهم174 ............................................
تعليمهم الرياضة التي تناسبهم ،وتقوي مهاراتهم؛ مثل:
السباحة ،والرمي 176 ..................................
خاصة في الصغر179 ...... تعويدهم النوم المبكر ،وعدم السهرَّ ،
ثانيا :التربية النفسية العاطفية 182 ...........................
ً
الحاجة إلى المحبة 184 .................................
الحاجة إلى التقدير االجتماعي واحترام الشخصية 186 ..........
1ــ تقديمهم من يصلح لإلمامة من الصغار لهذا المكان 187 .....
2ــ تخييرهم في أمر معيشتهم ،إذا انفصل الوالدان 187 ........
3ــ السماح لهم بحضور بعض اللقاءات والزيارات للكبار 191 ..
الحاجة إلى الرعاية الوالدية والتوجيه191 ....................
الخاتمة194 ....................................................
المصادر والمراجع 196 ...........................................
8
مقدمة مبرة اآلل واألصحاب
9
مقدمة مبرة اآلل واألصحاب
12
املقدمة
J
محمد إلى ِ
باعث َّ الحمد هلل من ِّز ِل القرآن ،معلِّمِ اإلنسان البيان،
وخ َّط ٌ
كًلم بقلم س وجان ،نحمده ما تعاقبت األزمانُ ، كافَّة الخلق من إن ٍ
أزمة اللغة
وبنان ،والصًلة والسًلم على خير رسل بني اإلنسان ،من ملك َّ
وخطُم البيان ،أفصح من تكلَّم وبلَّغ وأبان ،وعلى آل بيته وأصحابه ُ
الضاربين بسهام الخير في كل سباق وميدان.
وبعد؛
أهم مراحل الحياة اإلنسانية ،إن
فتع ُّد مرحلة الطفولة والصغر من ِّ
لم تكن أهمها على اإلطالق ،لما لها من أثر بالغ في حياة األمة
ِنات يقوم عليها بناء المستقبل؛
والمجتمعات في المستقبل ،فالصغار لَب ٌ
عتمد عليها في البناء الحضاري ،لذا
ألنهم سيمثلون القوة البشرية التي يُ َ
أصبح من مسلَّمات عصرنا الحاضر :االهتمام بهذه المرحلة العمرية،
والعناية بها ،والرغبة األكيدة في الوصول إلى أفضل السبل التي تساعد
على وضع األسس السليمة لتربية الصغار.
13
املقدمة
سن الرشد؛ كحقه في الرضاعة ،والحضانة ،والوالية ،كما ما دام لم يبلغ َّ
خص الطفل المحروم؛ كاليتيم ،واللقيط ،وذي العاهة ،بحقوق إضافية، َّ
وأحاطه بأنواع من الكفالة المادية ،والمعنوية ،لتضمن تربيته تربية صالحة.
وبالرغم مما صدر حتى اآلن من اهتمامات خاصة بحقوق الطفل،
حاليا
على الصعيدين الدولي والمحلي؛ إال أن الطفولة اإلسًلمية تمر ا
بمرحلة ال ُتحس ُد عليها ،حيث تمر بأزمات تربوية نتيجة للتغيرات الثقافية
والحضارية الجديدة السريعة والمتًلحقة ،ونتيجة للتغيرات في األدوار
داخل األسرة والمجتمع ،ولقد جاءت النتائج تؤ ِّكد صحة هذا ،فقد
أوضحت أبحاث الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية أن الطفولة
المعاصرة تعاني من مشكًلت مختلفة؛ مصدرها :تواجد هذه الطفولة في
مجتمع ينغمس في موجة زاحفة من التبدل المادي السريع والمستعار ،وما
يصاحب ذلك من تحوالت نفسية وأخالقية(.)1
ومن هنا :وجب على اآلباء والمربين والقائمين على أمر تربية
اهتماما أكبر ،وعناية أوفر ،وذلك
ا األوالد والصغار أن يُولوا هذا الموضوع
باالطًلع على ما يستجد من دراسات ،وما تناله اليد من أطروحات
س رسيخة ،نرجو متمما على قواع َد متينة ،وأس ٍ
وإحصائيات؛ ليكون األمر َّ
من ورائه بنا اء سام اقا ،وشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء؛ فتؤتي أكلها
كل حين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1محمد جواد رضا> ،الطفولة في مجتمع عربي متغير< (ص.)5/
16
املقدمة
عقول
ُ ومن جوانب الفخر واالعتزاز أن نقول :إنه مع ما بلغته
األمة
تطور في الفكر وأدواته ووسائله؛ فال يزال تراث َّ البشر من ُّ
يجتر منه أهله المنتسبون إليه ،وينهل منه
ال ُّ اإلسالمية يُشكِّل مخزون ًا هائ ً
المحبون له ،ليس في األفكار فحسب؛ بل أيض ًا في طريقة التربية، ُّ
والتوجيه ،والتعليم ،ووسائل ذلك.
لذا فالدعوة إلى االنقطاع عن تراث األمة وأصولها ،ليست دعو ًة
مقبولة ،ال في السياق العقلي وال الشرعي ،كما أن نقيضتها على الطرف
وغض الطرف عن آخر ما توصل إليه
ِّ اآلخر من دفن الرأس في الرمال،
المتخص ُصون في هذه األبواب؛ تشابهها في الحكم عليها ،واالنفضاض
ِّ
التوسط في األمر ،عن طريق مواكبة
ُّ عنها ،وإنما الدعوة التي نرجوها:
صغارنا الثمار.
ُ العصر بأصولنا اإلسالمية ،لتتالقح األفكار ،ويجني
والحكمة ضالُّة المؤمن ،أنَّى وجدها؛ فهو ُّ
أحق بها.
الص ْحب
ثم سؤال قد يراود األذهان؛ وهو :هل َد َر َس َّ
لكنَّ :
والسلف علوم التربية هذه ووسائلها التي نتح َّدث عنها ،حتى
واآلل َّ
نأخذ عنهم ،ونستفيد من تجاربهم؟!
والجواب :أنهم حققوا النموذج العملي الراقي في كل مجاالت
الحياة ،وليس فقط في مجال التربية ،لكن األمر كما في علم النحو
السلف لم يدرسوا النحو
والصرف ،واللغة والبيان والبديع ،وغيرها ،أن َّ
والصرف وغيره ،ومع ذلك كانوا أفصح الناس؛ ألن ذلك كان عندهم
17
املقدمة
أْحداجلابري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة الشعراء ( 88ــ .)89
24
ويشتمل على مبحثين:
١9
اتلعريف بمصطلحات العنوان
ً
أول:
اتلعريف باآلداب
الناس إلى المحامد ،وينهاهم عن المقابح .وأصل األَد ِب :ال ُّدعاء،
ومأدبة(.)1
دعى إليه الناسَ :مدعاةُ ،
للصنيع يُ َ
ومنه قيل َّ
يقع على كل رياضة محمودةوقال أبو زيد األنصاري :األَ َد ُب ُ
يتخرج بها اإلنسان في فضيلة من الفضائل .وقال األزهري نحوه.
َّ
اسم لذلك ،والجمع :آداب ،مثل :سبب وأسباب ،وأ َّدبته فاألَ َد ُب ٌ
تأديبا إذا عاقبته على إساءته؛ ألنه
تأديبا مبالغة وتكثير ،ومنه قيل :أ َّدبته ً
ً
()2
سبب يدعو إلى حقيقة األدب .
ً
ثانيا:
اتلعريف بالرتبية
لغة:
تعريف التربية ً
يتضمن مصطلح التربية دالالت لُغوية متعددة ،تشير جميعها إلى
َّ
تتضمنه العملية التربوية من أنشطة؛ كما يلي:
َّ ما ينبغي أن
رب الشيء :إذا أصلحه .والربيبة :الحاضنة،
1ــ اإلصالح :يُقالَّ :
ُس ِّميت بذلك ألنها تصلح الشيء ،وتقوم به ،وتجمعه(.)1
رب المعروف والصنيعة والنعمة :يربُّها
2ــ النَّماء والزيادة :يُقالَّ :
ربا وربابا وربابة ،وربَّبهاَّ :نماها ،وزادها ،وأتمها ،وأصلحها(.)2
ًّ
وت في بني فالن ،أَربُو:
3ــ النشأة والترعرع :قال األصمعيَ > :ربَ ُ
نشأت فيهم ،وربَّي ُت فال ًنا أُ َربِّيه َتربية<(.)3
ُ
القومُ :سس ُتهم،
َ 4ــ سياسة الناس ووالية أمرهم :يُقالَ :ربَب ُت
أي :كنت فوقهم .والعرب تقول :ألن يَ ُربَّني فًلن أحب إلي من أن يَ ُربَّني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن منظور> ،لسان العرب< ( 404/1ــ .)405
( )2ابن فارس> ،مقاييس اللغة< ( ،)483/2ابن منظور> ،لسان العرب< (.)405/1
( )3ابن منظور> ،لسان العرب< ( ،)307/14الفيروز آبادي> ،القاموس المحيط<
(ص.)1286/
30
التعريف بالتربية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الراغب األصفهاني> ،المفردات في غريب القرآن< (ص.)336/
( )2البيضاوي> ،أنوار التنزيل وأسرار التأويل< (.)28/1
( )3محمد نور بن عبد الحفيظ سويد> ،منهج التربية النبوية للطفل< (ص 27/ــ .)28
32
التعريف بالتراث
ً
ثاثلا:
ر
اتلعريف بالرتاث
لغة:
تعريف ال ُّتراث ً
قال ابن فارس(> :ورث) الواو والراء والثاء :كلمة واحدة ،هي
الورث .والميراث أصله الواو ،وهو :أن يكون الشيء لقوم ثم يصير
إلى آخرين بنسب أو سبب .قال:
()1
ونورثهـــــا إذا متنـــــا بنينـــــا< ورثنــــاه َّن عــــن آبــــاء صــــدق
وال ِو َراثَ ُة وا ِإلر ُث :انتقال قُنية إليك عن غيرك من غير عقد ،وال ما
الميت فيقال للقنيةِ
وس ّمي بذلك المنتقل عن ّ يجري مجرى العقدُ ،
الموروثَةِ :م ٌ
يراث و ِإر ٌث(.)2
راث :واحد. اث والت ُاث واإل َر ُ
والو ْر ُث واإلرث والو َر ُ
والو ْر ُث َ
والميراث أصله ِموراث ،انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ،وال ُّتراث
أصل التاء فيه واو.
والورث واإلرث والتراث والميراث :ما ُورث؛ وقيل :الورث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن فارس> ،مقاييس اللغة< (.)105/6
( )2األصفهاني> ،المفردات في غريب القرآن< (ص.)863/
33
التعريف بالتراث
وهذا النوع ال يمكن لعاقل أن ينكر أهمية االستفادة منه والبناء عليه
أو العمل به ،فكم من نظريات فكرية ،أو علمية ،أو تربوية ما زالت
ؤسس عليها معرفة أو َتبنى منها األجيال حتى اآلن تتبعها منه ًجا ،أو ُت ِّ
حضارة ،بل مازالت بعض الحضارات الحديثة ُت َم ِّجد ثُلَّ ًة من أصحاب
تلك النظريات واألفكار لسبقهم ونتاجهم الذي أضاف لإلنسانية ما
يصلحها ويزيد في تقدمها(.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1د .معاوية أحمد سيد أحمد> ،الفقه وأصوله ،بين التراث والمعاصرة< (ص 4/ــ .)5
36
التعريف باآلل
ً
رابعا:
()1
اتلعريف باآلل
لغة(:)2
تعريف >اآلل< ً
يدور كالم أهل اللغة في تفسير هذه الكلمة حول معنيين؛ هما:
األهل ،واألتباع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اختصرت الكالم عن مصطلحي (اآلل ،واألصحاب) بما يتناسب مع طبيعة البحث،
كتبا وأبحا ًثا قد
إذ أن التعريج عليهما من نافلة القول ،ال من فرضه ،كما أن هناك ً
أسهبت وأفادت في الكالم عن هذين المصطلحين ،سيأتي ذكر بعضها واإلشارة إليه
في حواشي الكالم عن كل مصطلح.
اشتقَّت منه كلمة >اآلل< على قولين:
اختلف في األصل الذي ُ (ُ )2
األول :أنها مشتقة من كلمة أهل.
واختار هذا :الراغب األصفهاني في >المفردات في غريب القرآن< (ص ،)98/وابن
قدامة في >المغني< ( ،)232/6وابن منظور في >لسان العرب< (،)30/11
والفيروز آبادي في >القاموس المحيط< (ص ،)963/ور َّده ابن تيمية كما في
>مجموع الفتاوى< ( ،)463/22وابن القيِّم في >جالء األفهام< (ص.)203/
الثاني :أنها مشتقة من كلمة أَول.
واختار هذا :الجوهري في >الصحاح< ( ،)1627/4وابن فارس في >مقاييس اللغة<
( ،)160/1وابن الجوزي في >نزهة األعين النواظر< (ص ،)122/وابن تيمية كما في
>مجموع الفتاوى< ( ،)463/22ومال إليه الحافظ في >فتح الباري< (،)160/11
ور َّجحه الشيخ محمد سالم الخضر في >أهل البيت بين مدرستين< (ص.)18/
37
التعريف باآلل
أتباعه .قال
ضاُ : قال الجوهري> :آل الرجل :أهله وعيالُه ،وآل ُ ُه أي ا
األعشى:
والس ـلَعا آ ِل َح َّســا َن يُزجــي َ
السـ َّـم َ فَ َك َّذبوها بمـا قالـت َ
فص َّـب َح ُهم ذو
يعني :جيش ُت َّب ٍع<(.)1
وقال ابن فارس> :آل الرجل أهل بيته ،ألنه إليه مآلهم وإليهم
مآله .وهذا معنى قولهم يال فالن .وقال ط ََرفَة:
ِ ()2
يال قـومي للشـباب المس َـبكر< َ ــب الطـــر َف عليهـــا نجـــد ًة ِ
تحسـ ُ
ضا :ابن الجوزي(،)3
وممن أشار إلى الجمع بين المعنيين أي ً
والعز بن عبد السالم(.)4
ضاف إال إلى َمتبو ٍع ُمع َّظم ،وإلى
ضا :أنها ال ُت ُ
ومن خصائصها أي ً
األشرف واألفضل؛ ُفيقال :آل اهلل ،وآل السلطان ،وال يُقال :آل الحائك،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجوهري> ،الصحاح< (.)1627/4 ()1
ابن فارس> ،مقاييس اللغة< (.)160/1 ()2
قال ابن الجوزي في >نزهة األعين النواظر< (ص> :)121/قال شيخنا علي بن ()3
عبيداهلل :اآلل :اسم لكل من رجع إلى معتمد عليه فيما رجع فيه إليه ،فتارة يكون
بالنسب ،وتارة يكون بالسبب<.
وذكر هنالك تقسيم المفسرين لمعنى >اآلل< في القرآن الكريم إلى أربعة أقسام،
رجع إليه.
فلي َ
وشواهد كل قسمُ .
قال العز بن عبد السالم في >تفسير القرآن< (> :)124/1آل الرجل :هم الذين تؤول ()4
أمورهم إليه في نسب أو صحبة ،واآلل واألهل سواء<.
38
التعريف باآلل
ً
خامسا:
اتلعريف باألصحاب
لغة:
تعريف >األصحاب< ً
جمع
والص ْحب :جماعة الصاحب ،ويُ َ
الص ْحبَ ،
األصحاب :جماعة َ
والصحاب ،وهذا كله عائد لمادة (صحب)(.)1
ضا بالصحبان ،والصحبةِّ ،
أي ا
أصل واحد ُّ
يدل على ٌ يقول ابن فارس> :الصاد والحاء والباء
الصحب<(.)2
احب ،والجمعَّ :الص ِ
مقارنة شيء ومقاربته ،من ذلكَّ :
ويقول الجوهري> :األصحاب :جمع َصحب ،مثل :فَرخ وأفراخ.
مصدر .وجمع األصحاب:
ٌ والصحابة بالفتح :األصحاب ،وهي في األصل َّ
أصاحيب .وقولهم في النداء :يا صاح ،معناه يا صاحبي<(.)3
ُ
قال ابن ُدريد> :فَ ِإذا قَالُوا ِصحابة فهم األص َحاب ،وإذا قَالوا
َصحابة فهم القوم الَّذين يصحبونه .وربما كانت َّ
الصحابة مصد ًرا؛
الصحبة<(.)4
الص َحابَة؛ أَيُّ :يقولون :فالن حسن َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عباد> ،المحيط في اللغة< ( ،)467/2ابن منظور> ،لسان العرب< (.)519/1
ابن َّ ()1
ابن فارس> ،مقاييس اللغة< (.)335/3 ()2
الجوهري> ،الصحاح< (.)161/1 ()3
ابن دريد> ،جمهرة اللغة< (.)280/1 ()4
42
التعريف باألصحاب
ضا على:
ويُطلق أي ً
ــ المنع والحفظ ،ومنه قوله تعالى{ :ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ}
[األنبياء ،]43 :أي :يُمنَ ُعون( .)1ومنه قولهمَ > :ص ِحبك اهلل< أي :حفظك(.)2
ِ
المعاشر(.)3 والصاحب:
المعاشرة ،يُقالَ > :صح َبه< أي :عاشرهَّ ،
َ ــ
ٍ
شيء الزم شي ًئا فقد استصحبه ،ومنه قولهم: فكل
ــ المال َزمةُّ ،
>استصحبت الحال< إذا تمسكت بما كان ثاب ًتا ،كأنك جعلت تلك
الحالة مصاحبة غير مفارقة(.)4
ــ ويُطلق ــ مجا ًزا ــ على من تمذهب بمذهب من مذاهب األئمة؛
ُفيقال :أصحاب الشافعي ،وأصحاب أبي حنيفة(.)5
مشتق من
هنا فر ٌع عن االختالف اللغوي السابق ،هل لفظ >الصحابي< ٌّ
رط طول مجالسة ومعاشرة ،أم أنه شت ُ
الصحبة مطل ًقاُ ،فيفهم منه أنه ال يُ َ
رط طول مجالسة، شت ُ
يُطلق على المعاشرة والمجالسة؛ ُفيفهم منه أنه يُ َ
واختصاص مصحوب ،ومدة صحبة()1؟
ويمكن اختزال هذه المذاهب واألقوال في قولين مشهورين(،)2
وإليهما ُترجع باقي األقوال:
الصحابي هو :من لقي النبي ‘ مؤم ًنا به،
* القول األول :أن َّ
وصحبه ولو ساعة ،ومات على ذلك اإليمان ،سواء روى عنه أو لم يرو
عنه ،وسواء اختص به اختصاص المصحوب ،أو لم يختص به.
األصوليين والفقهاء.
َّ وهذا مذهب جمهور المح ِّدثين ،وبعض
قال البخاري> :من صحب النبي ‘ أو رآه من المسلمين؛ فهو من
أصحابه<(.)3
قال الحافظ ابن حجر> :والذي جزم به البخاري هو قول أحمد،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1د .عبد الكريم النملة> ،مخالفة الصحابي للحديث النبوي< (ص.)33/
( )2النووي> ،المجموع< (.)76/1
وقد أوصل د .عبد الكريم النملة هذه األقوال إلى سبعة ،وذكر أدلة كل قول،
والقائلين به ،واالعتراضات الواردة عليه ،واإلجابة عنها ،ور َّجح القول الثاني
المذكور هنا .انظر> :مخالفة الصحابي للحديث النبوي< (ص 35/ــ .)74
(> )3صحيح البخاري< ( 3/7ــ مع فتح الباري).
44
التعريف باألصحاب
قال أبو الخطَّاب الحنبلي> :وقال أكثر العلماء :ال يقع هذا االسم
إال على من أطال المكث معه على وجه التتبع له ،وشرط الجاحظ
ضا<(.)1
وغيره مع ذلك أن يأخذ عنه العلم أي ً
والخالف في هذه المسألة وإن كان آيال إلى النزاع في اإلطالق
اللفظي؛ فاألرجح القول األول ،واهلل أعلم(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو الخطاب ال َكل َوذاني الحنبلي> ،التمهيد في أصول الفقه< (.)173/3
( )2قال اآلمدي في >اإلحكام في أصول األحكام< (> :)92/2ويدل على ذلك ثالثة
أمور:
األول :أن الصاحب اسم مشتق من الصحبة ،والصحبة تعم القليل والكثير ،ومنه يقال
وشهرا ،وأكثر من ذلك.
ً يوما
صحبته ساعة ،وصحبته ً
يبر ويحنثالثاني :أنه لو حلف أنه ال يصحب فال ًنا في السفر ،أو ليصحبنَّه ،فإنه ُّ
بصحبته ساعة.
يوما أو
الثالث :أنه لو قال قائل :صحبت فالنا ،فيصح أن يقال :صحبته ساعة أو ً
أكثر من ذلك ،وهل أخذت عنه العلم ورويت عنه ،أو ال ،ولوال أن الصحبة شاملة
لجميع هذه الصور ،ولم تكن مختصة بحالة منها ،لما احتيج إلى االستفهام<.
46
عناية مبكرة
٢ِّ 9
عناية مبكرة
النظر لهذا
الموجه لآلباء ،الالفت َ ِّ لهذا كله :جاء اإلرشاد النبوي
تخيروا لِنُطَ ِفكم<( ،)1أي :اطلبوا
الجانب المبكِّر الهام في قوله ‘َّ > :
لها ما هو خير المناكح وأزكاها(.)2
باب إلى من
وبوب البخاري في >صحيحه< بهذا المعنى؛ فقالٌ > : َّ
يتخير لنُ َط ِفه من غير إيجاب< .
()3
ستحب أن َّ
ُّ ينكح ،وأي النساء خير ،وما ُي
ويتخير قبل االستيالد منهن
َّ الولَد :أن ينتقي أُ َّمه،
حق َفمن َّأول ِّ
المرضية في
َّ الجميلة ،الشريفة ،الديِّنة ،العفيفة ،العاقلة ألمورها،
بحس ِن العقل وكماله ،المواتية لزوجها في أحواله. المجربة ُ
َّ أخالقها،
قال اهلل في جملة هذه القضايا{ :ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ
ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ}(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إسناده ضعيف :أخرجه ابن ماجه ( ،)1968والحاكم ( ،)176/2وغيرهما من طريق ()1
هشام بن عروة ،عن أبيه ،عن عائشة؛ مرفو ًعا.
صححه الحاكم ،واأللباني في >سلسلة األحاديث الصحيحة< َّ ومع أن الحديث
وصححه
َّ ( ،)56/3وقال الحافظ في >فتح الباري< (> :)125/9أخرجه بن ماجه
ضا ،وفيالحاكم من حديث عائشة مرفو ًعا ،وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أي ً
قوى أحد اإلسنادين باآلخر<؛ لكن أعلَّه ــ قبلهما ــ أبو حاتم الرازي إسناده مقال ،ويُ َّ
كما في >العلل< البن أبي حاتم ( ،)1219 ،1208والدارقطني في >العلل<
مرسال ،بدون ذكر عائشة.ً ( ،)3833ور َّجح األخير أن الصواب فيه عن عروة
وقولهما أرجح وأولى ،واهلل أعلم.
نور الدين السندي> ،حاشية السندي على سنن ابن ماجه< (.)607/1 ()2
>صحيح البخاري< ( 125/9ــ مع الفتح). ()3
سورة التحريم (.)5 ()4
48
عناية مبكرة
وتتحمل َّ
مشاق حملها ،ووضعها ،قبل رضاعها وتربيتها. َّ
لم تتوقف العناية المبكِّرة عند حد االختيار فحسب؛ بل إنها تمتد
لفترة البناء والحمل ،إلى ما قبل الوضع ،وخروج الولد إلى سعة الحياة
بعد ضيق الرحم.
استخ ِدمت في ذلك :الدعاء بالبركة
ومن أهم الوسائل التي ُ
والصالح لهم ،قبل مجيئهم ،كما وقع من:
{ﲖ ﲗ يقول عبد اهلل بن عباس في تأويل هذه اآلية> :قوله:
فتقر بهم
ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ} يعنون :من يعمل لك بالطاعة؛ ّ
أعيننا في الدنيا واآلخرة<(.)1
ُخالصة ما ُذكر:
الصحب واآلل باألوالد قبل خروجهم إلى هذه الحياة
ّ ظهر اهتمام
تحسسهم الختيار أزواجهم ،وأمهات أوالدهم ،وكذا في الرغبة إلى في ُّ
تقر به أعينهم.
اهلل بأن يهبهم ما ُّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الطبري> ،جامع البيان عن تأويل آي القرآن< (.)318/19
54
َّ ْ َ ُ َ َ َّ
التر ِبية العق ِدية
قبس نبوي
ٌََ ََ
قبس نبوي
ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ}(.)1
عباس إفراد اهلل وحده بالسؤال
عمه الفتى الصغير ابن َّ
ويُعل ِّم ابن ِّ
والضر بيده وحده ،وأن كل شيء سيتعرض له َّ واالستعانة ،وأن النفع
في حياته قد قُ ِّدر عند اهلل ؛ فيقول له> :يا غالم! إني أعل ِّمك
كلمات ،احفظ اهلل يحفظْك ،احفظ اهلل تجده تجاهك ،إذا سألت فاسأل
اهلل ،وإذا استعنت فاستعن باهلل ،واعلم أ َّن األمة لو اجتمعت على أن
ينفعوك بشيء لم ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهلل لك ،ولو اجتمعوا على
أن يضروك بشيء لم يضروك إال بشيء قد كتبه اهلل عليكُ ،رفعت
الص ُحف<(.)2األقالم ،وجفَّت ُ
كفيال بأن تهواه األفئدة ،وتنقاد إليه القلوب ،ويق ِّدم َمن حوله طاعته
ً
ال عن آيات القرآن التي كانت على طاعة أقرب الناس إليهم؛ وهذا فض ً
تحضهم على محبته ،والتسليم لحكمه ،واتباع هديه. ُّ
ومع ذا :فكان يعلمهم هو بنفسه ثمرة محبته ،وأنها من دالئل كمال
اإليمان( ،)1وأن صاحبها يبلغ بهذه المحبة مبل ًغا عظي ًما في اآلخرة،
سمع هذا الصبيان فيفرحون به.
ويَ ُ
هذا أنس بن مالك ،الغالم الصغير الذي خدم النبي ‘ عشر
()2
قائال :متى الساعة؟
أعرابيا أتى النبي ‘ فسأله ً
ًّ يشهد ، سنين
أعددت لها<؟
َ قال ‘> :وماذا
أحب اهلل ورسوله ‘.
قال :ال شيء ،إال أني ُّ
أحببت<.
َ فقال> :أنت مع من
قال أنس :فما فرحنا بشيء ،فَ َر َحنا بقول النبي ‘> :أنت مع من
أحببت<.
َ
أحب النبي ‘ وأبا بكر ،وعمر ،وأرجو أن أكون
قال أنس :فأنا ُّ
معهم بحبي إياهم ،وإن لم أعمل بمثل أعمالهم(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1كما في الحديث الذي أخرجه البخاري ( )15ومسلم ( )44أن النبي ‘ قال> :ال
أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين<.
يؤمن أحدكم ،حتى أكون َّ
( )2م َّتفق عليه :أخرجه البخاري ( ،)6038ومسلم (.)2309
( )3م َّتفق عليه :أخرجه البخاري ( ،)3688ومسلم (.)2639
60
قبس نبوي
يتفرع عنهماَ :د َر َج الصحب واآلل علىعلى هذين األصلين ،وما َّ
تربية صغارهم ،بالفعل والقول ،وفيما يلي ــ إن شاء اهلل ــ نستعرض صو ارا
من هذه النماذج التطبيقية التي وصلت إلينا من سيرهم وأخبارهم.
61
التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب
ََ
الرتبية العقدية يف تراث اآلل واألصحاب
إجماال،
ً لجانب العقيدة أهمية كبيرة في شأن التربية األخالقية
وقد أكَّدت على هذا الدراسات الغربية المعاصرة ،ففي تقرير لجنة
المؤتمر االنجليزي للتحقيق الدولي في التربية األدبية ،والذي ُع ِقد في
انجلترا سنة 1908م ،واشترك فيه آنذاك أكثر من سبعمائة من مشاهير
العلماء والفًلسفة ورجال األدب والسياسة ،وذلك للبحث عن الوازع
األساسي الذي يجب الرجوع إليه دائ اما في مجال التربية األخًلقية بصفة
عامة؛ كانت المفاجأة:
إذ أجمع أعضاء المؤتمر على أنه ال يمكن اإلحاطة بمواضيع
التربية األخالقية ،دون الرجوع إلى :األساس االعتقادي(.)1
عامة؛ فهو
هما في مجال التربية األخالقية َّ وإذا كان هذا األساس ُم ًّ
في مجال التربية األخالقية اإلسالمية أهم ،ذلك ألنه إلى جانب غيره
شامال للتربية
متكامال ً
ً يتضمن بنا ًء
َّ من األسس النفسية ،واالجتماعية،
خاصة ،ولهذا كان المحتوى العقدي عامة ،وللصغار َّ األخالقية لإلنسان َّ
الميسر هو أول ما ينبغي أن يُق َّدم للصغير في أوائل تعلُّمه.
َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مقداد يالجن> ،التربية األخالقية اإلسالمية< (ص 191/ــ .)192
62
التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب
حرصهم على بقاء الطفل على فطرة اإلسالم ،ومنع العبث بهذه
العقيدة:
نصرانيا
ًّ يهوديا وال
ًّ في خالفة عمر بن الخ َّطاب :كان ال يد ُع
هوده في ملك العرب(.)1
نصر ولده ،وال يُ ِّ
يُ ِّ
لم يكن عمر ليمنع اآلباء واألمهات من حرية تربية أبنائهم على ما
يعتقدونه ويدينون به ،لكن ليكن ذلك في خارج حدود بالد المسلمين،
أما َو ُهم في ظالل خالفة إسالمية :فقد كان عمر يرى أن من حقهم على
شب
المسلمين أن يُحافظوا على فطرتهم التي فطرهم اهلل عليها ،فإذا ما َّ
تأثير عليه في تلويث فطرته. ٍ
الغالم وبلغ وعقل ال يكون ألحد ٌ
عمر أهليهم وترك لهم شي ًئا مما فُرض عليهم لتطيب
ولربما صالح ُ
رجل من تغلب ،فقال له عمر> :إنه قد أنفسهم بذلك ،فقد قدم عليه ٌ
كان لكم نصيب في الجاهلية فخذوا نصيبكم من اإلسالم< ،فصالحه
ينصروا األبناء(.)2
على أن أضعف عليهم الجزية ،وال ِّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إسناده ضعيف :أخرجه عبد الرزاق ( )19389 ،19230 ،9971من طريق
عمرو بن شعيب؛ به .وهذا منقطع ،بل معضل ،فعمرو من صغار التابعين ،لكنه
يرتقي شي ًئا ما عن شدة الضعف بما يأتي بعده إن شاء اهلل.
( )2إسناده ضعيف :أخرجه عبد الرزاق ( )19392 ،9974من طريق كردوس التغلبي؛
= به.
64
التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب
5ــ تعظيم أمر النبي ‘ ونهيه في نفوسهم ،حتى لو كان على غير
هواهم:
الصغير ال يميز بين الحالل والحرام ،وشهوته وميله لفعل شيء
يحبه ال ضابط له عنده ،لكن المربي يزرع في نفسه منذ الصغر توقير
النبي ‘ وتعظيم أمره ونهيه ،بربط ذلك بأفعاله وميوله ،حتى يشب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أبو الفتح األشبيهي> ،المستطرف في كل فن مستطرف< (ص.)471/
72
التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب
على االمتثال لما يأتيه الح ًقا بعد ذلك من أوامر ،وإن خالفت هواه.
يوما،
أتى عبد اهلل بن عمر لزيارة يحيى بن سعيد بن العاص ً
فدخل عليه وغالم من بنيه رابط دجاجة يرميها ،فمشى ابن عمر إلى
الدجاجة فحلَّها ،ثم أقبل بها وبالغالم ،وقال ليحيى :ازجروا غالمكم
هذا عن أن يصبر هذا الطير على القتل ،فإني سمعت رسول اهلل ‘:
صبر بهيمة أو غيرها لقتل ،وإن أردتم ذبحها فاذبحوها<(.)1
>ينهى أن ُت َ
طيرا ،وهم يرمونه ،وقد
ومر ذات يوم بفتيان من قريش قد نصبوا ً َّ
جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم ،فلما رأوا ابن عمر تفرقوا،
فقال ابن عمر> :من فعل هذا؟ لعن اهلل من فعل هذا ،إن رسول اهلل ‘
لعن من اتخذ شي ًئا فيه الروح غرضا<(.)2
لن تفارق كلمات ابن عمر ،وفعله ،وحالته من التأثر والغضب
ذهن غالم يحيى بن سعيد ،وال أذهان فتية قريش ،بل ستنطبع في
قادما في حياتهم للتعامل
ذاكرتهم ،و ُتحفر في عقولهم ،لتشكل مسا ًرا ً
مع األوامر والنواهي النبوية.
فإذا ما أراد أح ٌد أن يعترض على األمر النبوي بعقله دون تقدير له؛
كبيرا
جاءه الرد من ُمربِّيه ووليه عني افا ،والتوبيخ شدي ادا ،ال سيما إن كان ً
عاقال.
ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إسناده صحيح :أخرجه أحمد (.)5682
(> )2صحيح مسلم< (.)1958
73
التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال َّد َغل :هو الفساد والخداع والريبة. ()1
أي :نَ َه َره. ()2
>صحيح مسلم< (.)442 ()3
ابن حجر> ،فتح الباري< (.)349/2 ()4
74
َّ ْ َ ُ َّ َ ُّ َّ ُ
التر ِبية اتلعب ِدية
قبس نبوي
ٌََ ََ
قبس نبوي
مكم ًال لبناء العقيدة ،فاألولى تغذي الثانية ِّ بناء العبادة
يُع ُّد ُ
بروحها ،بل> :البُ َّد لكي يظل غرس العقيدة قويًّا في النفس ،من أن
يُس َقى بماء العبادة ،بمختلف صورها وأشكالها ،وبذلك تنمو العقيدة
في الفؤاد ،وتترعرع ،وتثبت أمام عواصف الحياة وزعازعها<( .)1فالعبادة
جسمها ،والطفل عندما يتوجه هي المنعكس الذي يعكس صورة العقيدة ويُ ِّ
لنداء ربه ،ويستجيب ألوامره؛ فإنما يلبي غريزة فطرية في نفسه،
فيشبعها ويرويها.
وتكوين العادة في الصغر أيسر بكثير من تكوينها في الكبر ،ذلك أن
حفرا على
الجهاز العصبي الغض للطفل أكثر قابلية للتشكيل ،وأيسر ً
مسطحه.
ففضًل عن اشتغال الجهاز العصبي بكثير من المشاغل،
أما في الكبر :ا
ووجود مئات أو ألوف من القنوات المتشابكة على سطحه ،التي ال تترك
كبيرا لإلضافة؛ فإن الجهاز العصبي ذاته يفقد مع
مجاال ً
ً من ازدحامها
كثيرا من مرونته األولى ،فيصبح الحفر عليه أشق!
الكبر ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1محمد البوطي> ،تجربة التربية اإلسالمية في ميزان البحث< (ص.)40/
77
قبس نبوي
فحولني ،فجعلني عن يمينه ،فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة يسارهَّ ،
أذني ،ثم صلَّى ما شاء اهلل ،ثم اضطجع ،فنام حتى نفخ ،فأتاه المنادي
يأذنه بالصالة ،فقام معه إلى الصالة ،فصلَّى ولم يتوضأ(.)1
التعليم بالمثل والقدوة ،وقد أعانه النبي ‘
َ س
عبا ٍ ابن َّ
لقد طلب ُ
على ذلك ،فأيقظه ،وأقامه بجواره ،وجعل يؤنسه ويوقظه بفتل أذنه،
وقد قيل إن المتعلم إذا ُت ُعو ِهد بفتل أذنه كان أذكى لفهمه(.)2
ومن نفس الباب ،باب التعليم بالقدوة والمثال ،ومع نفس الصبي
الصغير؛ يُريه النبي ‘ كيف يكون تقديم الموعظة في يوم العيد
للرجال ،ثم للنساء إذا لم يسمعن ولم يصلهن كالم اإلمام وخطبته.
عباس وقال له رجل: ابن َّ
سمعت َ
ُ يقول :عبد الرحمن بن عابس:
أشهدت العيد مع النبي ‘؟ قال :نعم ،ولوال منزلتي منه ،ما شهدته
الصلت ،ثم خطب ،ثم العلَ َم الذي عند دار كثير بن َّ
من الصغر ،فأتى َ
أتى النساء فوعظه َّن ،وذكَّره َّن ،وأمره َّن أن يتصدقن ،فجعلت المرأة ُته ِوي
بيدها إلى حلقها ،تلقي في ثوب بالل ،ثم أتى هو وبالل البيت(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1م َّتفق عليه :أخرجه البخاري ( ،)859ومسلم (.)763
والسياق المذكور هنا بعض ألفاظه في مسلم دون البخاري ،ولكن أصل الحديث
ِّ
فق عليه بينهما.
م َّت ٌ
( )2ابن حجر> ،فتح الباري< (.)485/2
(> )3صحيح البخاري< (.)863
80
قبس نبوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1محمد قطب> ،منهج التربية اإلسالمية< (.)384/2
81
التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب
ر
الرتبية اتلعبدية يف تراث اآلل واألصحاب
ـــو َد ُه أبُــــوه
علــــى مــــا كــــا َن َعـ ّ ـــىء الفتيــــا ِنِ ،م ّنــــا
ويَنشــــأُ ناشـ ُ
أقربُــــــــوه
ـــــــه ال ّتــــــــ َد ّي َن َ
يُ َعل ُّمـ ُ ومــا دا َن الفتــى ب ِح ًجــا( ،)1ولكــن
يقول البيهقي> :وهذا شعار الصالحين ومن سلف من المسلمين،
يتعودوا ذلك<(.)2
يعودون صبيانهم الصوم والصالة والخير ،حتى َّ
وقال المهلَّب> :في هذا الباب وضوء الصبيان وصًلتهم ،وشهودهم
الجماعات في النوافل والفرائض ،وتدريبهم عليها قبل وجوبها عليهم؛
ليبلغوا إليها وقد اعتادوها وتمرنوا فيها<(.)3
وإلى هذا المعنى أشار عبد اهلل بن مسعود في نصيحته الثمينة
لآلباء والمربين> :حافظوا على أوالدكم في الصالة ،وعلموهم الخير،
فإنما الخير عادة<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال ِحجا :العقل والفطنة. ()1
والمراد :أن تدين الطفل والتزامه بالعبادة وأداءه لها ليس عن ذكائه واختياره ،وإنما
بتربية آبائه له.
البيهقي> ،معرفة السنن واآلثار< (.)359/6 ()2
ابن بطال> ،شرح صحيح البخاري< (.)469/2 ()3
إسناده صحيح :أخرجه عبد الرزاق ( ،)7299وابن أبي شيبة ( ،)3497والبيهقي ()4
()120/3؛ من طريق عمارة بن عمير ،والطبراني في >المعجم الكبير< (/9رقم
،)9155والبيهقي ( :)119/3من طريق علي بن األقمر.
كالهما (عمارة ،واألقمر) عن أبي األحوص عوف بن مالك ،عن ابن مسعود؛ به.
ورواية عمارة بذكر الشطر األول فقط من األثر.
خالف يسير على طريق األقمر عند البيهقي أشار هو إليه في الموطن المذكور، ٌ وثم
َّ
لكنه ال يضر إن شاء اهلل.
83
التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب
طريق
ٌ فتعويد األطفال على العبادة من الصغر ،وتدريبهم عليها؛
منصوح به من الصحب والسلف.
ٌ مجرب
َّ
بل فوق ذلك :كان عمر بن الخطاب يرى أن الصغير الذي لم
كت ُب حسناته ،وال ُتكتب عليه سيئاته(.)1
يجرِ عليه القلم ُت َ
دافع آخر لآلباء والمربين لإلقدام على تعويد الصغير على
وهذا ٌ
العبادة وممارستها قبل البلوغ.
وسيرا من الصحب واآلل الكرام ،على منهاج خير األنام ،عليه ا
تدريبا وتعلي ًما،
الصًلة والسًلم ،فقد عنوا بتنشئة صغارهم على العبادة ،ا
ونهيا ،إشها ًدا وتلقي ًنا ،كما يتضح من هذه النماذج التي بين أيدينا
أمرا ً
ً
في أصناف العبادة المختلفة؛ ومنها:
ضوُُ ُ
ال
نص عليه بصيغة األمر كما وقع في شأن الصالة؛ مع أن تعليمه لم يُ َّ
عذر بتركه.
ثم ٌإال أنه مما يُفهم بداهة ،لكونها ال ُتقبل إال به ،ما لم يكن َّ
وقد سلك الصحب واآلل في تعليمه صغارهم كًل الطريقين:
النظري ،والعملي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إسناده صحيح :أخرجه ابن عبد البر في >التمهيد< (.)105/1
وسيأتي الح ًقا في ثنايا النماذج المذكورة تأكيد النبي ‘ على جواز أفعال العبادات
من الصغار.
84
التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب
ولننتقل اآلن إلى عمود اإلسالم ،والتي كان الوضوء تمهي ًدا لها،
لنرى كيف اهتم بها الصحب واآلل تعلي ًما وتربية مع صغارهم:
َّ َ
الصلة
عمل معين في وقت معين ،وتلك إحدى وسائل الضبط .كما أنها تعود
ضا إحدى وسائل الضبط. النفس على التزام الجد فترة من الوقت ،وتلك أي ا
فوق ما ينبغي لها من خشوع وتطهر وتنظف ورعاية .وكلها ضوابط تعود
النفس من الداخل على ضبط الشهوات<(.)1
ولقد َّمر بنا آن ًفا نصيحة ابن مسعود للوالدين والمربين> :حافظوا
على أوالدكم في الصالة ،وعلموهم الخير ،فإنما الخير عادة<(.)2
وعقد البيهقي با ابا في كتابه >السنن الكبرى< ألجل هذا المعنى
بعنوان> :باب ما على اآلباء واألمهات من تعليم الصبيان أمر الطهارة
والصالة<(.)3
ولعظم هذا الركن من أركان اإلسالم؛ فقد أواله الصحب واآلل
مزيد اهتمام ورعاية ،وتوجيه وعناية ،فتارة يأمرون ،وتارة يصححون،
وقد يجمعون صغارهم ليدربوهم ،وربما إلى المساجد اصطحبوهم .وها
هي آثارهم على ذلك شاهدة ،ولألنظار ماثلة ،ومن ذلك أنهم:
سن معين:
1ــ يعلمون صغارهم الصالة ،ويأمرونهم بها في ٍّ
َّمر معنا آن افا في صدر هذا الفصل التوقيت الزمني الذي ح َّده النبي ‘
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1محمد قطب> ،منهج التربية اإلسالمية< (.)120/1
( )2إسناده صحيح :سبق تخريجه.
( )3البيهقي> ،السنن الكبرى< (.)119/3
88
التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب
ألمر الصبي بالصالة ،وما كان ألصحابه وآله أن يخالفوه ،بل هم أولى
الناس باتباعه وتنفيذ أمره.
حوار بين اثنين من آل بيته ‘ ،وناقله من نسلهما ،يُبين
ٌ هذا
التزامهم بالتوقيت النبوي المحدد لتعليم الصغير الصالة:
يقول حسين بن علي بن الحسين :دخل علينا أبي علي بن حسين
ومعه محمد بن علي أبو جعفر ،وأنا وجعفر في حائط لنا نلعب ،فقال
فم ْره
أبي لمحمد> :كم أتى على ابنك جعفر؟< قال :سبع سنين .قالُ > :
بالصالة<(.)1
المتخصصين في التربية أن الصغير ال
َّ وقد ذكر بعض األطباء
يكون مستع ًّدا لاللتزام بالصالة ــ وهي الكتاب الموقوت ــ قبل بلوغه
سبع سنوات ،حيث يبلغ عندها مفهوم الزمن لديه درجة من النضج
كافية للبدء في أمره بالصالة خمس مرات في اليوم ،مضيفين أن الصغير
واضح للزمن يعيش يومه وكأنه يعيش في
ٌ الذي لم يتكون لديه مفهوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إسناده حسن :أخرجه الدوالبي في >الكنى واألسماء< ( ،)743من طريق أبي سعيد
عبد الرحمن بن عبد اهلل مولى بني هاشم ،عن عبد الرحمن بن أبي الموالي ،عن
حسين؛ به.
وأبو سعيد ،وابن أبي الموالي ،كالهما :حكم عليهما الحافظ في >التقريب< (،3918
)4021بحكم واحد؛ وهو> :صدوق ربما أخطأ<.
والحديث أخرجه أبو بكر الشافعي في >الغيالنيات< ( )94من طريق آخر ،لكن فيه
من ال يُعرف.
89
التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب
فالة بال معالم تحدد االتجاهات فيها ،نعم ،يعيش فيها سعي ًدا ،لكنه
كالتائه ،وهكذا بالنسبة للزمن يعيش فيه ،لكنه تائه ،فإن أُمر بالصالة في
أوقاتها :لم يستطع استيعاب عالقة كل صالة بوقتها ،ولم يدرك سبب
اختالف كل واحدة عن األخرى من حيث اسمها (الفجر ،الظهر،
أساس في إعطائها
ٌ ملمح
ٌ العصر ،المغرب ،العشاء) ،فوقت كل صالة
هويتها المميِّزة لها(.)1
لكن صيغة األمر تختلف عن مطلق التعليم ،نعم ،كانوا ينتظرون
هذا العمر لألمر ،أما مطلق التعليم نفسه :فكانوا يبتدؤونه قبل ذلك.
الصبي الصال َة إذا
ُ فهذا عبد اهلل بن عمر كان يقول> :يُعلَّم
عرف يمينه من شماله<( .)2وهذا من باب التعويد كما َّمر معنا آن ًفا.
الحسين بن علي كان يأمر الصبيان أن يصلوا الظهر والعصر جمي ًعا،
والمغرب والعشاء جمي ًعاُ ،فيقال له :يصلون الصالة لغير وقتها؟!
فيقول> :هذا خير من أن يناموا عنها<(.)1
فلما قضى صالته أقبل إلى قومه بوجهه ،فقال> :احفظوا تكبيري،
وتعلموا ركوعي وسجودي؛ فإنها صالة رسول اهلل ‘ التي كان يصلي
لنا كذي الساعة من النهار<(.)1
قائال> :ما
وهي صالة ركعتي الفجر؛ ليعطي وص ًفا بعد ذلك لمن بعده ً
رأيت أبي يصليهما قط ،إال وكأنه يبادر حاجة<(.)1
ضا صالة والده
وهذا مصعب بن سعد بن أبي وقَّاص ،يراقب أي ً
سعد ،فيلحظ اختال ًفا في الهيئة بين حالها في المسجد ،وحالها
بينهم في بيته؛ فيسأل ليتعلَّم.
يقول مصعب :كان أبي إذا صلى في المسجد تجوز وأتم الركوع
والسجود ،وإذا صلى في البيت أطال الركوع والسجود والصالة! قلت:
جوزت ،وإذا خلوت في البيت أطلت؟ يا أبتاه! إذا صليت في المسجد َّ
قال> :يا بني! إننا أئمة يقتدى بنا<(.)2
وظاهر من هذين األثرين أن اآلباء كانت لهم عبادة في بيوتهم ،ال
ٌ
يراها إال صغارهم وآل بيتهم ،فيتعلمونها منهم ،عن طريق القدوة
والمشاهدة.
ولربما غفل الصغار عن المتابعة؛ فيحاول الوالد أن يلفت االنتباه
لفعله ،دون أن يناديهم أو يكلمهم.
كما كان يفعل عبد اهلل بن مسعود في بيته ،إذ كان >يُسمع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أخرجه ابن أبي شيبة ( )6355عن وكيع ،عن أبي حميد ،سمعه من جعفر؛ به.
وأبو حميد هذا لم أهت ِد إليه!
( )2إسناده صحيح :أخرجه عبد الرزاق ( ،)3729وابن أبي شيبة ( ،)4665والطبراني
في >الكبير< (/1رقم .)317
94
التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب
قدم قال :جئتكم ــ واهلل ــ من عند النبي ‘ حقا ،فقال> :صلوا صالة
كذا في حين كذا ،وصلوا صالة كذا في حين كذا ،فإذا حضرت الصالة
فليؤذن أحدكم ،وليؤمكم أكثركم قرآنا<.
قال عمرو> :فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني ،لما كنت أتلقى
من الركبان ،فقدموني بين أيديهم ،وأنا ابن ست أو سبع سنين ،وكانت
علي بردة ،كنت إذا سجدت تقلصت عني ،فقالت امرأة من الحي :أال
تغطوا عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصا ،فما فرحت بشيء
فرحي بذلك القميص<(.)1
خاصا بقبيلة عمرو وحدها ،بل حتى في
ولم يكن هذا الفعل ًّ
المدينة النبويةُ ،وجد أمثال هذا الصنيع.
تقول أ ُّم المؤمنين عائشة > :كنا نأخذ الصبيان من الكتاب
ليقوموا بنا في شهر رمضان ،فنعمل لهم القلية( ،)2والخشكنانج(.)4(<)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
>صحيح البخاري< (.)4302 ()1
القلية :مرقة تتخذ من لحم الجزور وأكبادها. ()2
الخشكنانج :معرب من ُخشك نَانَك ،وهو خبز يعمل من دقيق البر ،ويعجن بزيت ()3
السمسم ،كما في محيط أعظم.
إسناده ضعيف :أخرجه البيهقي ( ،)495/2وابن المنذر في >األوسط< (،)152/4 ()4
كالهما من طريق الحكم بن أبان ،عن عكرمة ،عن عائشة .لكن في صحة اإلسناد
إلى الحكم بن أبان نظر.
فعند البيهقي :الراوي عنه حفص بن عمر العدني ،ذكر ابن عدي في ترجمته في
>الكامل< هذا الحديث مع أحاديث أخر ثم قال> :وهذه األحاديث عن الحكم بن=
96
التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب
()1
أثناء فعل خاطئ صنعه االبن ،وهو :أن رأسه معقوص
انتباه عمر ٌ
الصالة؛ وقد نهى النبي ‘ عن مثل هذا(.)2
فما كان من عمر إال أن بادر بتغيير هذا الفعل ،وتعديل هذا
الخطأ؛ فجبذه حتى صرعه(.)3
وشبيه بموقف عمر مع ولده ،موقف حذيفة بن اليمان مع
ولده ،فعن مجاهد أنه قال :مر حذيفة بابنه وهو يصلي ،وله ضفرتان قد
عقصهما ،فدعا بشفرة فقطع بإحداهما ،ثم قال> :إن شئت فاصنع
األخرى كذا ،وإن شئت فدعها<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعرهاَ :ضفرته ،ولوته ،أو فتلته ،فجعلت منه ضفير ًة مستدير ًة يُقال :ع َقص ِ
ت المرأ ُة َ ()1
مؤخرته.
الرأس أو في ّ على َّ
منشورا سقط على األرض عند السجود ،فيعطي صاحبه ثواب ً أراد أنه إذا كان شعره
صا صار في معنى ما لم يسجد .لذلك شبهه في الحديث السجود به ،وإذا كان معقو ً
قريبا ــ بالمكتوف ،وهو المشدود اليدين ،ألنهما ال يقعان على األرض في ــ اآلتي ً
السجود.
في >صحيح مسلم< ( )492أن ابن عباس رأى عبد اهلل بن الحارث ،يصلي ورأسه ()2
معقوص من ورائه ،فقام فجعل يحله ،فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس ،فقال :ما
لك ورأسي؟ فقال :إني سمعت رسول اهلل ‘ قال> :إنما مثل هذا ،مثل الذي
يصلي وهو مكتوف<.
إسناده ضعيف :أخرجه عبد الرزاق ( )2992من طريق مجاهد بن جبر ،عن عمر، ()3
وهو منقطع؛ فمجاهد لم يسمع من عمر!
إسناده صحيح إلى مجاهد :أخرجه عبد الرزاق ( ،)2995لكن يبقى االنقطاع بين ()4
مجاهد وحذيفة ،إذ لم يسمع منه!
98
التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب
الص َيام
يُع ُّد الصيام ــ بصفة خاصة من بين العبادات ــ عملية ضبط قوية
ف َّعالة ،تتمثل فيها بشكل بارز إحدى وسائل اإلسالم في التربية عن
طريق الضبط .ففي الصيام يمتنع اإلنسان ــ مختا ًرا ــ عن كثير من
لذائذه المباحة ،ويتعود ــ في إصرار وقوة ــ أن يرتفع على الرغبة،
ويحقق كيانه بذلك االرتفاع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن حجر> ،فتح الباري< (.)202/2
(> )2صحيح مسلم< ( ،)1136وما بين القوسين في >مستخرج أبي عوانة< (،)2970
و>صحيح ابن حبان< (.)3620
سم! ( )3إسناده ضعيف :أخرجه ابن أبي شيبة ( ،)4170وفي إسناده را ٍو ٌ
مبهم لم يُ َّ
100
التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب
كما أ َّن الصوم عبادة روحية جسدية في وقت واحد ،يتعلم منها
الصغير اإلخالص الحقيقي هلل ،ومراقبته وحده في السر ،وتتربى إرادة
الطفل بالبعد عن الطعام رغم الجوع ،وعن الماء رغم العطش(.)1
وعبادة ٌ بهذا القدر في اإلسالم ،مع كونها أحد أركانه؛ لم يكن
الصحب واآلل ليفوتهم محاولة تدريب أبنائهم وصغارهم عليها ،وقد
َعن َون البخاري في صحيحه لما ورد في هذا الباب بقوله> :باب صوم
الصبيان<(.)2
الر َب ِّيع بنت ُم َع ِّوذ اب ِن
ومن أشهر ما ورد في هذا الباب :ما حكته ُّ
َع ْفراء في شأن صيام عاشوراء؛ حيث قالت> :أرسل رسول اهلل
‘ غداة عاشوراء إلى قرى األنصار ،التي حول المدينة> :من كان
أصبح صائما ،فليتم صومه ،ومن كان أصبح مفطرا ،فليتم بقية يومه<
صوم صبياننا الصغار منهم إن شاء اهلل، فكنا بعد ذلك نصومه ،ونُ ِّ
ونذهب إلى المسجد ،فنجعل لهم اللعبة من العهن ،فإذا بكى أحدهم على
الطعام أعطيناها إياه عند اإلفطار (أي :حتى يكون عند اإلفطار)<(.)3
احتج به عمر بن الخطَّاب على
بل من شهرة هذا األمر عندهمَّ :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1محمد قطب> ،منهج التربية اإلسالمية< ( ،)120/1محمد نور سويد> ،منهج التربية
النبوية للطفل< (ص.)265/
(> )2صحيح البخاري< ( 200/4ــ مع الفتح).
( )3م َّتفق عليه :أخرجه البخاري ( ،)1960ومسلم ( )1136واللفظ له ،وما بين القوسين
من رواية البخاري.
101
التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب
َ َ ُّ َ ُ ْ
الجوالعمرة
ُليعلَم ابتدا ًء :أن أئمة الفتوى اتفقوا على سقوط فرض الحج عن
الصبى حتى يبلغ ،إال أنه إذا ُح َّج به كان له تطو اعا عند جمهور العلماء(.)1
عود عليه ،ليتهيأ
فالحج شأنه في حق الصبي شأن الصوم والصًلة ،يُ َّ
صعبا أو شاقًّا عليه ،وإنما
للتكليف الذي ينتظره عند بلوغه؛ فال يجده ً
سهال مألو ًفا لديه.
يجده ً
والحج ــ كما هو معروف ــ يجمع مشقَّات العبادات كلها ،باإلضافة
إلى أنه يجمع لذتها جمي ًعا.
حج الصبي؛ فهذه
وهو عبادة بدنية ومالية في آن واحد ،فإذا ما َّ
مستقبال إن شاء اهلل تعالى.
ً بشارة على سلوك الطاعة
وألن هذه العبادة تختلف عن سابقتها في الزمان ،والمكان،
واألعمال ،والتنظير فيها ال يجدي كبير نف ٍع؛ فكان سبيل التعليم األنجع
ثم اصطحب الصحب واآلل صغارهم فيها :الممارسة والتطبيق ،ومن َّ
ليعودوهم ،ويعل ِّموهم.
معهم ِّ
حج
البخاري في >صحيحه< لمثل هذا بقوله> :باب ِّ
ُّ وقد َّبوب
الصبيان<(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن بطال> ،شرح صحيح البخارى< (.)528/4
(> )2صحيح البخاري< ( 71/4ــ مع الفتح).
105
التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب
إذا كان هذا شأ َن امرأة لم تكن من سكَّان المدينة ،وال أكثرت من
صحبة النبي ‘ ،فكيف سيكون حال أصحابه وآله ،ممن شاهدوه
وصحبوه وتعلموا منه؟!
هذا أحد صغار آل بيته في زمانه ،خرج به أهله في حجة النبي ‘
عمه
ليشهدها معهم ،يقول عن نفسه ،واص ًفا بعض مشاهده مع ابن ِّ
رسول اهلل ‘:
راكبا على حمار أتان وقد ناهزت االحتالم ــ أي :قاربت
>أقبلت ً
البلوغ ــ ،ورسول اهلل ‘ يصلي بمنى إلى غير جدار ،فمررت بين يدي
بعض الصف ،وأرسلت األتان ترتع ،فدخلت في الصف ،فلم ينكر
ذلك علي<(.)1
عاما في
تعرض له مع أهله ،وصار َّ
خاص َّ
ضا عن حك ٍم ِّ
ويقول أي ً
شأن من شابههم:
الض َع َفةِ ــ ()2
>بعثني ــ أو :قدمني ــ النبي ‘ في ال َّث َقل ــ أو :في َّ
من َجم ٍع بليل<(.)3
إنه الغالم الفقيه :عبد اهلل بن عباس .
ومن أصحابه ‘ من حرص على صغاره كحرص آل العباس على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1م َّت َف ٌق عليه :أخرجه البخاري ( ،)76ومسلم (.)504
( )2الثَّ َقل :أتباع المسافر ،وحشمه ،وآالت السفر ،وأمتعة المسافرين.
( )3م َّت َف ٌق عليه :أخرجه البخاري ( ،)1856ومسلم (.)1293
107
التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب
ابن عباس ،وإن لم يذكروا هم فعلهم ويحدثوا به؛ إال أن الصغير افتخر
به لما كبر ،وصار يحكيه؛ فقال عن نفسه:
> ُح َّج( )1بي مع رسول اهلل ‘ وأنا ابن سبع سنين<(.)2
إنه :السائب بن يزيد .
ولم يكن حفاظهم على هذا ألجل وجود رسول اهلل ‘ فقط
بينهم ،بدليل أنهم واظبوا عليه بعد رحيله عليه الصالة والسالم ،كما
وقع مع عبد اهلل بن عمر .
يصحبه نافع مواله في مشهد حجه مع صبيانه وصغاره؛ فيرى
مشه ًدا ينقله عنه ،يقول> :كان ابن عمر يحج بصبيانه ،فمن استطاع
منهم أن يرمي رمى ،ومن لم يستطع رمى عنه<(.)3
فمــا أحســن تعلــيمهم لصــبيانهم ،ومــا أجمــل شــفقتهم ورحمــتهم
بصغارهم!
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1قال الحافظ في >فتح الباري< (> :)72/4قولهُ > :ح َّج بي< بضم أوله على البناء لما
>ح َّجت بي
لم يسم فاعله ،وقال ابن سعد ،عن الواقدي ،عن حاتم بن إسماعيلَ :
>ح َّج بي أبي<،
أمي< ،وللفاكهي من وجه آخر عن محمد بن يوسف ،عن السائبَ :
ويجمع بينهما بأنه كان مع أبويه<.
(> )2صحيح البخاري< (.)1858
( )3إسناده صحيح :أخرجه ابن أبي شيبة (.)13843
108
التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب
ْ َ َ ُ ُ
ِقراوةالقرآن
قبل أن نذكر تربية الصحب واآلل لصغارهم على حفظ القرآن،
ينبغي علينا أن نُشير إشارة هامة إلى أمر قد يغيب عن بعض أذهان
اآلباء والمربين؛ أال وهو :أن للصغير مراحل معينة يجب علينا أن نتركه
ليعيشها بتفاصيلها وطبيعتها ،دون أن نقيِّده بشيء يصيبه بالملل ،أو
يجعله ينفر منه؛ ومن أمثلة ذلك :إجبار الصغار على حفظ القرآن في
سن صغي ٍر ال يميزون معه ،وإن كانت هناك حاالت تختلف باختالف
طبيعة أصحابها.
يقول سعيد بن ُجبير متح ِّد ًثا عن طائفة الصحابة واآلل> :كانوا
يحبون أن يكون يقرأ الصبي بعد حين<(.)1
وعلَّق الحافظ ابن حجر على أثر سعيد بقوله> :وكالم سعيد بن
ستحب أن يُ َترك الصبي أ َّو ًال ُمرفَّ ًها ،ثم يؤخذ بالجد
ُّ جبير يدل على أنه يُ
على التدريج .والحق أن ذلك يختلف باألشخاص ،واهلل أعلم<(.)2
وممن كان يترك صغاره دون تعلُّمِ القرآن حتى يميزوا :عمر بن
الخطاب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1هذا األثر نقله الحافظ في >فتح الباري< ( ،)83/9وعزاه البن أبي داود ،ولم أجده
طبع،
في كتاب >المصاحف< المطبوع له ،فلعله في كتابه >فضائل القرآن< الذي لم يُ َ
واهلل أعلم.
( )2ابن حجر> ،فتح الباري< ( 83/9ــ .)84
109
التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب
يقول عنه ولده عاصم بن عمر> :كان عمر ال يأمر بنيه بتعليم
المفصل فإنه أيسر<(.)1
َّ القرآن ،إن كان أحد منكم متعل ِّ ًما فليتعلم من
فاستفيد من ذلك :أن الصبي كان يُعلَّم القرآن عند التمييز ،ويُبدأ
المفصل ،وهو الذي تقل آياته ،ويكثر الفصل بين سوره لقصرها، َّ معه من
كما فُعل مع أحد آل البيت؛ وهو:
عبد اهلل بن عباس .يقول عن نفسه> :توفي رسول اهلل ‘
قرأت المح َكم< .فقال له سعيد بن جبير :وما
وأنا ابن عشر سنين ،وقد ُ
المفصل<(.)2
المحكم؟ قالَّ > :
والعلة في البدء معهم حال التمييز وعدم االنتظار حتى البلوغ؛ أنه
أدعى إلى ثبوته ورسوخه عنده ،كما يُقال> :التعلُّم في الصغر؛ كالنقش
في الحجر<(.)3
وبوب
ولذا حرص الصحب واآلل على تعليم الصبيان القرآنَّ ،
البخاري في >صحيحه< لهذا المعنى؛ فقال> :باب تعليم الصبيان القرآن<(.)4
ومن هنا تع َّددت أساليبهم في تعليم الصبيان القرآن:
يحضون على ذلك بالثناء والتشجيع؛ كقول ابن عباس
فتارة ُّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إسناده صحيح :أخرجه عبد الرزاق (.)6030 ()1
>صحيح البخاري< (.)5036 ،5035 ()2
ابن حجر> ،فتح الباري< (.)83/9 ()3
>صحيح البخاري< ( 83/9ــ مع الفتح). ()4
110
التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب
في الصغير الذي قرأ القرآن قبل بلوغه> :من قرأ القرآن قبل أن يحتلم؛
صبيا<(.)1
فقد أوتي الحكم ًّ
وتارة يستخدمون التلقين والتحفيظ إذا َّميز الطفل ،كما َّمر معنا قبل
قليل ،ويوصون اآلباء ببعض السور خاصة من القرآن ،ليعلموها صغارهم.
هذا عكرمة مولى ابن عباس ،يشهد وصية من هذه الوصايا وينقلها؛
فيقول:
قال عبد اهلل بن عباس لرجل> :أال أطرفك بحديث تفرح به<؟
قال الرجل :بلى ،يا أبا عباس ،رحمك اهلل.
قال> :اقرأ {ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ} ،واحفظها ،وعل ِّمها أهلك،
وجميع ولدك ،وصبيان بيتك ،وجيرانك .فإنها المنجية ،وهي المجادلة
تجادل وتخاصم يوم القيامة عند ربها لقارئها ،وتطلب إلى ربها أن ينجيه
من النار إذا كانت في جوفه ،وينجي اهلل بها صاحبها من عذاب القبر<(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إسناده ضعيف :أخرجه البيهقي في >المدخل إلى السنن< ( ،)639و>شعب اإليمان<
( )1798من طريق الحسن بن أبي جعفر ،حدثنا أبو الصهباء ،عن سعيد بن جبير،
>الشعب< :مرفوعة.
عن ابن عباس؛ به .ورواية ُّ
والحسن هذا ضعيف ،كما في >التقريب< ( ،)1222وأبو الصبهاء الكوفي :مقبول،
كما في >التقريب< (.)8180
المنت َخب) عن إبراهيم بن الحكم بن
( )2إسناده ضعيف :أخرجه عبد بن حميد ( 603ــ َ
أبان ،عن أبيه ،عن عكرمة؛ به .وإبراهيم هذا قال عنه الحافظ في >التقريب<
(> :)166ضعيف ،وصل المراسيل<.
111
التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب
ولربما عمدوا إلى تلقينهم الدعاء وتحفيظهم إياه ،كما كان يفعل
سعد بن أبي وقاص .
يقول عمرو بن ميمون األودي :كان سعد يعلم بنيه هؤالء الكلمات
يتعو ُذ
كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ،ويقول :إن رسول اهلل ‘ كان َّ
منهن دبر الصالة> :اللهم إني أعوذ بك من الجبن ،وأعوذ بك أن أرد
إلى أرذل العمر ،وأعوذ بك من فتنة الدنيا ،وأعوذ بك من عذاب
القبر<(.)1
الج َهاد
ِ
يرى والده وهو يتجهز للخروج مع النبي ‘ للجهاد والغزو،
جل صغار الصحب ولربما ساعد أمه في تجهيز أبيه ،هذا ديد ٌن مشترك بين ِّ
واآلل ،الذين عاصروا جزءا من حياة النبي ‘ ،لكن بعض اآلباء لم
يكتفوا بهذه المشاهدة ،أو المشاركة على استحياء ،فوصلوا لمرحلة
أكبر من هذا؛ وهي :اصطحابهم معهم إلى المعارك! ومن أوائل هؤالء:
عمر بن الخطاب .
يقول ولده عبد اهلل> :جاء بي أبي يوم أحد إلى النبي ‘ وأنا ابن
أربع عشرة ،فلم يجزني النبي ‘!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= جعفر بن ميمون ،قال عنه الحافظ في التقريب (> :)961صدوق يخطئ<.
(> )1صحيح البخاري< (.)2822
114
التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب
ثم جاء بي يوم الخندق ،وأنا ابن خمس عشرة ففرض لي رسول
اهلل ‘<(.)1
ضا :الزبير بن العوام .
ومنهم أي ً
يقول عروة ولده :إن أصحاب رسول اهلل ‘ ،قالوا للزبير يوم
اليرموك :أال تشد( )2فنشد معك؟ فقال> :إني إن شددت كذبتم(،<)3
فقالوا :ال نفعل ،فحمل عليهم حتى شق صفوفهم ،فجاوزهم وما معه
مقبال ،فأخذوا بلجامه ،فضربوه ضربتين على عاتقه،
أحد ،ثم رجع ً
بينهما ضربة ضربها يوم بدر.
قال عروة> :كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا
صغير<.
قال عروة> :وكان معه عبد اهلل بن الزبير يومئذ ،وهو ابن عشر
سنين ،فحمله على فرس ووكَّل به رج ًال<(.)4
وهذه الطريقة في التربية والتعويد على الجهاد ليست متاح ًة لكل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في إسناده ضعف :أخرجه عبد الرزاق ( ،)9716عن عبد اهلل بن عمر العمري ،عن ()1
نافع ،عن ابن عمر؛ به .والعمري ضعيف عابد ،كما في >التقريب< (.)3489
واألثر عند البخاري ( ،)2664ومسلم ()1868؛ بذكر العرض على الرسول ‘
دون ذكر عمر.
أي :تحمل على الكفار وتهجم عليهم. ()2
أي :أخلفتم ولم تشدوا معي. ()3
>صحيح البخاري< (.)3975 ()4
115
التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب
الصغار ،وإنما األمر يختلف باختالف طبائعهم ،لكن الالفت هنا في
فعل الزبير مع ولده :أنه خشي عليه أن تحرضه نفسه على الهجوم على
رجال!
العدو وتقليد والده وهو في هذه السن؛ لذلك وكَّل به ً
يقول الحافظ> :وكأن الزبير آنس من ولده عبد اهلل شجاعة وفروسية
فأركبه الفرس ،وخشي عليه أن يهجم بتلك الفرس على ما ال يطيقه؛
رجال ليأمن عليه من كيد العدو إذا اشتغل هو عنه بالقتال<(.)1
فجعل معه ً
ومن شابه أباه فما ظلم!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن حجر> ،فتح الباري< (.)300/7
116
َ ْ َّ ُ َ
َّ ْ َ
التر ِبية األخل ِِقة
قبس نبوي
ٌََ ََ
قبس نبوي
بأم سلمة ،كانت ابنتها زينب صغيرة معها ،فلربما لما تز َّوج ِّ
جاءت َّأمها والنبي ‘ عندها يغتسل في بيتها ،فتصرفها أم سلمة عنها
بإرسالها للنبي ‘ ،فتذهب الصغيرة لتدخل عليه وهو يغتسل ،فال تمنعه
شفقته عليها ،ورحمته بها ،من أن يعلمها ويؤدبها على ُخلُق الحياء،
وهي في هذه السن؛ فينضح الماء في وجهها ،ويقول لها> :ارجعي<(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المفرد< ( ،)273من
( )1إسناده حسن :أخرجه أحمد ( ،)8952والبخاري في >األدب َ
حديث أبي هريرة .
وفي إسناده محمد بن عجالن ،حكم عليه الحافظ في >التقريب< ( )6136بأنه:
صححه األلباني في
>صدوق ،إال أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة< .والحديث َّ
>السلسلة الصحيحة< (.)45
( )2إسناده حسن :أخرجه ابن منيع كما في >إتحاف الخيرة< ( ،)67/7والطبراني في=
119
قبس نبوي
نعم ،لم تكن لتمنعه عاطفة المحبة والشفقة على الصغار ،من
ووسمهم ببعض ما يُشعرهم بخطئهم ،حتى ال
نصحهم ،وتوجيههم ،بل َ
يصير ذلك النقص ُخلُ ًقا لهم بعد بلوغهم ،وهذا عكس ما يقع فيه بعض
المربِّين؛ من إيثار ما يهواه صغارهم ،ولو على سبيل أخالقهم!
عنب من الطائف ،وصادف هذا ها هو ‘ يُه َدى إليه ذات يومٍ ٌ
أن كان عنده صغير من صغار الصحابة ،وهو :النعمان بن بشير ،
فأعطاه النبي ‘ قِط ًفا له ،وأرسل معه بآخر ألمه َعمرة ،وذاق الصبي
العنب فأعجبه ،فأكل نصيبه وأنهاه قبل أن يصل إلى ِّأمه ،فح َّدثته نفسه
أن يأكل اآلخر ،واستحضر شفقة أُ ِّمه ،ولم يستحضر وصية نبيِّه!
بعد أيام ،لقي رسول اهلل ‘ َع ْمرة أ َّم النعمان ،فسألها عما أرسل
إليها مع ابنها ،ففاجأته بأنها لم يصلها شيء!
ولعل له عذ ًرا فيخبر به؛ فقال له:
النبي ‘ ليستوثق منهَّ ،
فسأله ُّ
>هل بلَّ َ
غت<؟
فأجابه الصغير ــ على استحياء ــ وقد ذهبت عنه شفقة أمه ،ولم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيح غريب<.
ٌ حسن
ٌ حديث
ٌ ( ،)2622والترمذي ( ،)1288وقال> :هذا =
وللحديث طريقان في كل منهما مقال ،ولذلك ض َّعفه األلباني في >ضعيف أبي داود<
( 327/2ــ .)328
قابل للتحسين ،وهو كما قالوا ،واهلل
وحكم عليه ُمح ِّققو المسنَد ( )452/33أنه ٌ
أعلم.
122
قبس نبوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1من الغدر ،وهو :ترك الوفاء.
( )2إسناده ضعيف :أخرجه ابن ماجه ( ،)3368وفي إسناده عبد الرحمن بن ِعرق ،قال
عنه الحافظ في >التقريب< (> :)3951مقبول<.
وأخرجه الطبراني في >مسند الشاميين< ( )1487من طريق آخر ،وفي إسناده
سليمان بن سلمة الخبائري ،متروك ،وله ترجمة سيئة في >لسان الميزان<
(.)209/2
123
التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب
بعض المعنيين بشؤون التربية بأنها> :تنشئة الصغير على ُ عرفها
يُ ِّ
المبادئ األخالقية المستمدة من القرآن والسنة ،حتى يُصبح مفتا ًحا
للخير ،مغال ًقا للشر ،في كل الظروف واألحوال ،وذلك في إطار
تكوين الشخصية اإلسالمية المتكاملة والمتوازنة<(.)1
وهي في الوقت نفسه> :توجيه مستمر ألعمال اإلنسان على سنن
االستقامة ،حتى تتكون العادات الصالحة ،واألخًلق الحميدة الراسخة<(.)2
الصغر؛ فهو أجدى وأنفع ،فالتعديل واالهتمام بها إذا كان من ِّ
فضال عن الغرس ــ ال يتأتى مع الكبير كما يتأ َّتى مع الصغير،
والتقويم ــ ً
وقد تتابع على هذا العلماء ،على اختالف عصورهم:
فهذا أبو حامد الغزالي يقول> :إن الصبي إذا أُهمل في ابتداء نشوه؛
خرج في األغلب رديء األخالقَّ ،
كذا ًبا ،حسو ًدا ،سرو ًقاَّ ،نم ًاما،
لحو ًحا ،ذا فضول وضحك ،وكياد ومجانة ،وإنما يحفظ عن جميع ذلك
بحسن التأديب<(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مقداد يالجن> ،التربية األخالقية اإلسالمية< (ص.)13/
( )2محمد عبد اهلل دراز> ،كلمات في مبادئ علم األخالق< (ص.)39/
( )3الغزالي> ،إحياء علوم الدين< (.)72/3
124
التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب
وبعده ابن القيِّم بقرنين من الزمان يؤ ِّكد على نفس المعنى بقوله:
>ومما يحتاج إليه الطفل غاية االحتياج :االعتناء بأمر خلقه ،فإنه
ٍ
وغضب ،ولجا ٍج، عوده المربي في صغره ،من َحر ٍد، ينشأ على ما َّ
ش ،وح َّد ٍة ،وجش ٍع ،فيصعب عليه في وعجلةٍ ،وخفَّة مع هواه ،وطي ٍ
كبره تالفي ذلك ،وتصير هذه األخالق صفات وهيئات راسخ ًة له ،فلو
يوما ما ،ولهذا تجد أكثر الناسالتحرز؛ فضحته وال ب َّد ً
ُّ تحرز منها غاية
َّ
()1
منحرفة أخالقهم ،وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها< .
ومن المعاصرين :الشيخ محمد الخضر حسين؛ يُعيد الصياغة،
ويسهل العبارة؛ فيقول> :إ َّن الصبي يولد على الفطرة الخالصة ،والطبع
ِّ
البسيط ،فإذا قُوبلت نفسه الساذجة بخلق من األخالق؛ انتقشت صورته
في لوحها ،ثم لم تزل تلك الصورة تمتد شي ًئا فشي ًئا إلى أن تأخذ بجميع
أطراف النفس ،وتصير كيفية راسخة فيها ،حائل ًة لها عن االنفعال
بضدها.
يؤيِّد هذا أنَّا إذا رأينا من الغرباء من هو لطيف الخطاب ،جميل
اللقاء ،مهذب األلمعية ،ال نرتاب في دعوى أنه ممن أنبته اهلل في البيوت
الفاضلة نبا ًتا حس ًنا<(.)2
وقد راعى الصحب واآلل في هذا النوع من التربية بعض األسس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن القيِّم> ،تحفة المودود بأحكام المولود< (ص.)240/
( )2محمد الخضر حسين> ،السعادة العظمى< (ص.)60/
125
التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب
العلم
األبوةُ :
ويزداد االحترام وجو ًبا ،والتوقير تأكي ًدا إذا ُجمع مع َّ
والفضل.
ُ
هذا عبد اهلل بن عمر ،يشهد مع صغر سنه مجل ًسا لرسول اهلل
سؤاال ،وبدأ بعض الصحابة في ً ‘ ،فيسمعه يُلقي على الحاضرين
حسن للسؤال،
ٌ جواب
ٌ اإلجابة ،وأحجم آخرون ،ووقع في نفس ابن عمر
بل قد علم الح ًقا ــ لما حسم النبي ‘ نزاعهم بجوابه ــ أنه الجواب
يتفوه به؛ فلماذا؟!
الصحيح ،لك َّن ابن عمر احتفظ بالجواب لنفسه ،ولم َّ
لما أخبر والده بعد انفضاض المجلس؛ سأله عمر :ما منعك أن
تكلم؟ فقال :لم أرك وال أبا بكر تكلمتما ،ولم أركم تكلمون ،فكرهت
أن أتكلم أو أقول شي ًئا ،قال عمر :ألن تكون قلتها؛ أحب إلي من كذا
وكذا(.)1
لقد تعلَّم ابن عمر ،ولسنا في حاجة إلى أن نسمي من علَّمه ،أ َّن
لكنللكبار مكانتهم ،فإذا سكتوا؛ كان من هو دونهم أولى بالسكوتَّ ،
أباه عمر يع َّدل شي ًئا من ذلك األدب ،ويُضيف إليه ما يُعزز ثقة الصغير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الكالعي ،عن أبي غسان؛ به.
قال الهيثمي في >مجمع الزوائد< (> :)137/8رواه الطبراني في األوسط ،وأبو
غسان وأبو غنم الراوي عنه لم أعرفهما ،وبقية رجاله ثقات<
( )1م َّتفق عليه :أخرجه البخاري ( ،)6144ومسلم (.)2811
وسيأتي مزيد تفصيل عن هذا الحديث في الفصل القادم (التربية االجتماعية) إن شاء
اهلل.
127
التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب
بنفسهُ ،مبيِّ ًنا له أن ذلك ال يتنافى مع احترام الكبير؛ وهو :جواز اإلجابة
والرد باحترامٍ وأدب.
ابن القيِّم ُمعلِّ ًقا على هذا الموقف> :وفيه ما كان عليه الصحابة
قال ُ
من الحياء ،من أكابرهم ،وإجاللهم ،وإمساكهم عن الكالم بين أيديهم.
كره للولد أن يجيب بما يعرف بحضرة أبيه ،وإن لم
وفيه :أنه ال يُ َ
يعرفه األب ،وليس في ذلك إساءة أدب عليه<(.)1
وقال الحافظ ابن حجر> :وفيه توقير الكبير ،وتقديم الصغير أباه
في القول ،وأنه ال يبادره بما فهمه؛ وإن ظ َّن أنه الصواب<.
وقال> :وفيه استحباب الحياء ما لم يؤ ِّد إلى تفويت مصلحة،
ولهذا تمنى عمر أن يكون ابنه لم يسكت<(.)2
واحترام عند الصحب واآلل ،إذ لهم
ٌ توقير
وللعلماء بشك ٍل خاص ٌ
األبوة الدينية ،وهذه األبوة محل تقدير وثناء عند السلف ،كما
نوع من َّ
قال النووي عنهم> :إنهم كالوالدين لنا ،وأجدى علينا في مصالح آخرتنا
التي هي دار قرارنا ،وأنصح لنا فيما هو أعود علينا<(.)3
ومن نماذج هذه التربية على توقير أهل العلم والتأ ُّدب معهم :ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابن القيم> ،الطب النبوي< (ص.)302/
( )2ابن حجر> ،فتح الباري< (.)147 ،146/1
( )3النووي> ،تهذيب األسماء واللغات< (.)11/1
128
التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب
تبت عليك
فقال لها رسول اهلل ‘> :أما إنك لو لم تعطه شي ًئا؛ ُك ْ
كذبة<(.)1
فتأمل وعد المرأة بما تستطيع أن تفي به ،ومراقبة الصغير للموقف
َّ
كله ،وانتفاعه به بعد بلوغه وكبره ،فيطبقه ،ويح ِّدث به َمن بعده.
يقول السندي> :قوله> :لو لم تفعلي< ،أي :لو لم تعطي شي ًئا،
فيدل الحديث على أن من لم يف بالوعد فهو كاذب ،وعلى أ َّن الوعد
بالصغير كالوعد بالكبير<(.)2
أسلوب آخر من ترسيخ هذا الخلق ،خلق الصدق وذم ٌ ثم
لكن َّ
الحث عليه ،والترهيب
ُّ الكذب ،كانوا يستخدمونه مع صغارهم؛ وهو:
ضار بصاحبه ،دي ًنا ودنيا.
من ضده ،وأنه ٌّ
هذا أحد آل البيت الكرام ،وهو عم النبي ‘ ،إنه العباس بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1حسن لغيره :أخرجه أحمد ( ،)15702وأبو داود ( ،)4991من طريق محمد بن
رجال من موالي عبد اهلل بن عامر ،حدثه عن عبد اهلل بن عامر؛ به. عجالن ،أن ً
إسناد ضعيف إلبهام الراوي عن ابن عامر.
ٌ وهذا
وأخرجه البيهقي ( 198/10ــ )199وسمى مولى عبد اهلل بن عامر زيادا ،ولم أقف
ضا!
عليه أي ً
وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفو ًعا ،أخرجه أحمد ( ،)9836إال أنه من
رواية الزهري عن أبي هريرة ،ولم يسمع منه .ولفظه> :من قال لصبي :تعال هاك ،ثم
لم يعطه فهي كذبة<.
صححه األلباني في >السلسلة الصحيحة< (.)748 والحديث َّ
( )2السندي> ،حاشية على مسنَد أحمد< ( 471/24ــ مع المسنَد).
131
التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب
عليه ،وحثهم على التمسك به ،حتى لو كان ذلك بكتم السر عنهم هم
أنفسهم.
كثيرا من حوائجه ،ويرسله في طلبات
ألنه كان خادمه ،ويقضي له ً
له وآلل بيته ،ا َّطلع أنس بن مالك الصبي الصغير على بعض
أسراره ‘ ،لكن إلى أي مدى يكتم أنس هذه األسرار؟ وحتى متى ال
يُح ِّدث بها؟ لِنَدع الجواب ألنس نفسه:
يوما ،حتى إذا رأيت أني قد فرغت
يقول :خدمت رسول اهلل ‘ ً
من خدمته ،قلت :يقيل رسول اهلل ‘ ،فخرجت متوجها إلى أهلي،
فمررت بغلمان يلعبون ،فأعجبني لعبهم ،فقمت على الغلمان ،فانتهى
إلي رسول اهلل ‘ وأنا قائم على الغلمان ،فسلَّم على الغلمان ،ثم
َّ
أرسلني رسول اهلل ‘ في حاجة له .وجلس رسول اهلل ‘ ،في فيء
حتى أتيته ،فرجعت إلى أهلي بعد الساعة التي كنت أرجع إليهم فيها،
فقالت لي أمي :ما حبسك اليوم يا بني؟
فقلت> :أرسلني رسول اهلل ‘ في حاجة له<.
فقالت :أي حاجة يا بني؟
فقلت> :يا أ َّماه! إنها ِسر<.
فقالت :يا بني! احفظ على رسول اهلل ‘ ِس َّره.
بأم سليم من أُ ٍّم تربي صغيرها على حفظ السر ،حتى عن نفسها،
أ ْنعم ِّ
133
التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب
فعلمنا بهذا إلى أي مدى حفظ الصبي السر ،لكن حتى متى؟ أيفشيه
بعد وفاة صاحب السر؟ أم بعد وفاة أمه؟
البناني تلميذ أنس بن مالك هذا الحديث منه، لقد سمع ثابت ُ
فانتابه الفضول لمعرفة هذا الذي كتمه عن أمه؛ فقال له :يا أبا حمزة،
أتحفظ تلك الحاجة اليوم أو تذكرها؟
قال أنس> :إي واهلل ،وإني ألذكرها ،ولو كنت مح ِّد ًثا بها أح ًدا
من الناس لحدثتك بها يا ثابت<( !)1فانقطع األمل عن ثابت أن يعرف
السر ،الذي ُدفن مع أنس يوم مات!
هذا َّ
يقول الحافظ ابن حجر> :قال بعض العلماء :كأن هذا السر كان
يختص بنساء النبي ‘ ،وإال فلو كان من العلم ما وسع أنسا كتمانه<(.)2
يرب الصحب واآلل صغارهم على حفظ سر رسول اهلل ‘ لم ِّ
عموما ،مع كل من يختصهم
ً السر
وحده ،وإنما كان ذلك على حفظ ِّ
به ،ويعلمونهم بأثر هذا في الدنيا قبل اآلخرة.
في وصية العباس بن عبد المطلب البنه عبد اهلل ،التي سقنا
طر ًفا منها منذ قليل ،بعد أن ذكَّره بنعمة اهلل عليه ،أن فتح له قلب أمير
المؤمنين عمر ،فصار األخير يدنيه ويقربه ،وينزله منزلة ليست لغيره؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1م َّتفق عليه :أخرجه البخاري ( ،)6289ومسلم ( ،)2482وأحمد (،13022
،)13380وهذا لفظ أحمد.
( )2ابن حجر> ،فتح الباري< (.)82/11
134
التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب
قال له> :فاحفظ عني ثال ًثا< ،ثم أوصاه بثالث؛ كان أولها> :اتق اهلل،
سرا<(.)1
وال تفشي َّن له ًّ
يقول مواله وخادمه خالد بن سعد> :كان أبو مسعود إذا نُ ِث َر ــ أي:
السكر ،وما يُشابهه من الحلوى ــ على الصبيان( )1منع صبيانه ،واشترى
لهم<(.)2
وهذه الرحمة والعاطفة ال يتوقَّف ح ُّدها على البشر فقط ،بل تمتد
ضا ،فال ُتر َّوع ،وال تؤذى بغير وجه حق،لتشمل الطيور والحيوانات أي ً
خاصة إذا كانت في الحرم.
َّ
يخرج جعفر الصادق في صغره إلى بعض طرقات المدينة ،فيمسك
عصفو ًرا ،ويلعب به كعادة األطفال ،وفي محاولة منه للهو :جعل ينتف
صدغي العصفور!
رآه زين العابدين علي بن الحسين وهو على تلك الحالة ،فأحب
عمليا حتى ال ينساه ،فأخذ بصدغي جعفر فنتفه ،ثم قال:
أن يُلقنه الدرس ًّ
>يوجعك؟< قال جعفر :نعم.
خل سبيله ،هذا حرم
علي> :فإن هذا يوجعه كما يوجعكِّ ،
قال ٌّ
رسول اهلل ‘<(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العرس واألفراح والحفالت.
( )1كما يحدث في ُ
( )2إسناده صحيح :أخرجه ابن أبي شيبة (.)21126
( )3في إسناده من لم أعرف :أخرجه أبو بكر الشافعي في >الغيالنيات< ( )92من طريق
عبيد اهلل بن محمد بن عبد اهلل بن علي بن حسين ،عن أبيه ،عن جعفر بن محمد؛
به .وعبيد اهلل وأبوه لم أقف لهما على ترجمة!
136
التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب
()1
خل سبيله ،هذا
ورآه مر ًة أخرى وهو يصيد يَع ُسو ًبا ؛ فقال لهِّ > :
والب ّق(.)4(<)3
َ
()2
ينفع وال يضر ،يأكل الذ َِّّبان
صدقت ،انطلق<.
َ فلما رآه عمر؛ قال له> :
َّ
عجيبا ،ندر أن يطلبه من هو مثله،ً طلبا
هنا طلب سنا ٌن من عمر ً
انطلقت
َ ممن هو مثل عمر؛ قال له> :ترى هؤالء الصبيان؟ ولَّ ْوا ،ولو
وتواريت أخذوا ما معي<!
َ
عرض بطلب التأمين من
لم يطلب سنا ٌن ما يريد صراح ًة ،لكنه َّ
عمر له من هؤالء الغلمان ،فكافأه عمر على أمانته ،وشجاعته وصدقه،
فانطلق معه حتى بلَّغه أُ َّمه ومأمنه(!)1
وهذا أحد أفاضل آل البيت ،وأئمتهم وعلمائهم ،ينصح ابنه ذات
التعرض لحقوق الغير ،وأن يصبر على ما يصيبه من نوائب؛ يومٍ بعدم ُّ
إنه :زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ،يقول البنه:
>يا بني اصبر على النوائب ،وال تتعرض للحقوق ،وال ُتجب أخاك إلى
األمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له<(.)2
به صاحب ،يستطيعون الوصاية به؛ إال فعلوا ،وما ق َّدمناه كان عيِّنة
وأخالق أخرى نصحوا بها؛ فيما يلي ٌ ثم صفات
ومثاال على ذلك ،لكن َّ
ً
سردها ،مع اإلشارة إلى شيء من مواقفهم حولها:
وقد انتبه الصغار تلك الوصية وانتفعوا بها ،وهذا أحدهم يشهد له
أقرانه بالهمة والجد ،إنه :عبد اهلل بن الحسن بن علي بن أبي طالب،
يقول عنه الليث بن أبي سليم> :إن كنت ألغدو إلى عطاء؛ فأجد عبد اهلل بن
الحسن قد سبقني إليه<(!)1
يا بني! إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك ،وإياك والدخول فيما
ال يعنيك فتذل لذلك.
يا بني! قل الحق لك أو عليك تستشان بين أقرانك.
آمرا،
فاشيا ،وبالمعروف ًتاليا ،وللسالم ً
يا بني! كن لكتاب اهلل ً
واصًل ،ولمن سكت عنك مبتد ائا ،ولمن
ا ناهيا ،ولمن قطعك
وعن المنكر ا
معطيا ،وإياك والنميمة؛ فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال،
ا سألك
وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة التعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف.
يا بني! إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه؛ فإن للجود معادن،
ثمرا ،وال يطيب ثمر إال
أصوال ،ولألصول فرو ًعا ،وللفروع ً
ً وللمعادن
بأصول ،وال أصل ثابت إال بمعدن طيب.
يا بني إن زرت فزر األخيار ،وال تزر الفجار ،فإنهم صخرة ال
يتفجر ماؤها ،وشجرة ال يخضر ورقها ،وأرض ال يظهر عشبها<.
قال علي بن موسى :فما ترك هذه الوصية إلى أن توفي(!)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إسناده ضعيف ج ًدا :أخرجه أبو نعيم في >حلية األولياء< ( 195/3ــ )196عن
أحمد بن محمد بن مقسم ،حدثني أبو الحسين علي بن الحسن الكاتب حدثني أبي،
حدثني الهيثم ،حدثني بعض أصحاب جعفر؛ به.
وابن مقسم تق َّدم أنه لم يكن ثقة في الحديث ،ومن فوقه ما بين مجهول ،ومبهم.
والوصية ذكرها الذهبي في >سير أعالم النبالء< ( ،)263/6في ترجمة جعفر
الصادق.
142
َّ ْ َ َّ ْ َ ُ
التر ِبية ِاِلج ِتَم ِِعة
قبس نبوي
ٌََ ََ
قبس نبوي
فضال عن أن يعاتب
إال أنه ‘ ال يبدي َض َج ًرا ،وال يُظهِر تأفُّ ًفا؛ ً
أو يلوم ،بل في تواض ٍع ولي ٍن >يدعو بماء ،فينضح مكان بول الصبي،
وال يغسله<(!)1
بثياب فيها
ٍ ؤتى
وفي مجلس آخر من مجالسه ‘ مع أصحابه ،يُ َ
خميصة سوداء صغيرة ،فيقول> :من ترون أن نكسو هذه؟< فسكت
القوم ،وترقبوا من سيدعو؟ هل سيدعو أحد أقاربه ،وينحله هذه
الخميصة البنته؟ أو يلبسها هو إلحدى بناته؟
ال ،لم يفعل ،وإنما فاجأهم بقوله:
بأم خالد<.
>ائتوني ِّ
ليكسوها
َ وقد كان بإمكانه ‘ أن يعطيها وال َدها خالد بن سعيد
إيَّاها ،لكنه طلب إحضارها في مجلسه ،فأُتي بها ُت َ
حمل ،وانتظر الجميع
أن تنال الصغيرة شرف تسليم النبي ‘ لها الخميصة بيده ،وأن تنال
كرمه النبوي كان فوق ما ينتظرون، ابتسامة ونظرة ودعوة منه ،لك َّن َ
وعطاءه فوق ما يطمحون!
َ
لقد فاجأهم أخرى فأخذ الخميصة بيده ،فألبسها ألم خالد ،وقال:
>أ َ ْبلِي وأ َ ْخلِ ِقي ،ثم أ َ ْبلِي وأ َ ْخلِ ِقي ،ثم أ َ ْبلِي وأ َ ْخلِ ِقي< ،وكان فيها علم
أخضر أو أصفر ،فقال> :يا أ َّم خالد ،هذا سناه ،هذا سناه< ــ وسناه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ُ )1م َّتفق عليه :أخرجه البخاري ( ،)223ومسلم (.)287
146
قبس نبوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أي :أمة من األمم في الخير.
( )2حسن بطرقه :أخرجه أحمد ( ،)17561والبخاري في >األدب المفرد< (،)364
حديث حسن<.
ٌ صرا ــ ،وقال> :هذا
مخت ً
وابن ماجه ( ،)144والترمذي ( )3775ــ َ
وحسنه األلباني في >السلسلة الصحيحة< (.)1227
َّ
149
التربية االجتماعية في تراث اآلل واألصحاب
ويتدرج روي ًدا روي ًدا ،بتدريب والده له .وما يُذ َكر عن الصبي مع والده؛
يُذ َكر عن البنت مع أمها(.)1
هذا أحد الصحب الكرام ،كانت له عادة في شهود مجلس رسول
اهلل ‘ ،وهي :أن يصحب ابنه الصغير معه ،وكان هذا االبن يأتيه من
خلف ظهره ،فيقعده بين يديه ،والنبي ‘ ال ينهاه عن إحضار صغيره،
وال ينهى الصغير عن لعبه.
ومرت األيام ،وهلك الصبي ،فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر
ابنه ،فحزن عليه!
فقده النبي ‘ فقال> :مالي ال أرى فالنا؟< قالوا :يا رسول اهلل،
بنيه الذي رأيته هلك ،فلم يعل ِّق النبي ‘ بشيء ،وإنما انتظر حتى
لقيه ،فسأله عن بنيه ،فأخبره أنه هلك ،فع َّزاه عليه ،ثم قال> :يا فالن!
أيما كان أحب إليك :أن تمتع به عمرك؟ أو ال تأتي غدا إلى باب من
أبواب الجنة إال وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟< قال :يا نبي اهلل ،بل
يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي ،قال> :فذاك لك<(.)2
ولم يكن هذا الصحابي الذي لم تذكر الرواية اسمه فري ادا بين إخوانه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1محمد نور بن عبد الحفيظ سويد> ،منهج التربية النبوية للطفل< (ص.)272/
( )2إسناده صحيح :أخرجه أحمد ( ،)15595والنسائي ( ،)2088وابن حبان
وصححه األلباني في >صحيح الترغيب<
َّ ( ،)2947من حديث قرة بن إياس .
(.)2007
151
التربية االجتماعية في تراث اآلل واألصحاب
في إحضار ولده معه لهذه المجالس النبوية الشريفة ،بل كان هناك من
أمر لم يكن بعي ًدا
ذكرا ،يفعل فعله ،لنعلم أنه ٌ
هو أظهر اس ًما ،وأرفع ً
عن تربيتهم لصغارهم ،هذا الرجل هو :عمر بن الخطاب .
اصطحب ولده الصغير عبد اهلل معه ذات يوم إلى المجلس
بج َّمار( ،)1فقال> :إن من
النبوي ،وبينما هم عند النبي ‘ إذ أُتي ُ
الشجر شجرة ال يسقط ورقها ،مثلها كمثل المسلم ،فحدثوني ماهي؟<
فوقع الناس في شجر البوادي ،قال ابن عمر :فأردت أن أقول :هي
النخلة ،فإذا أنا أصغر القوم ،فَ َس َك ُّت ،قال النبي ‘> :هي النخلة<.
فقص
في طريق العودة :تحدث عبد اهلل الصغير مع والده عمر؛ َّ
عليه ما وقع في نفسه ،فقال :يا أبتاه ،واهلل لقد كان وقع في نفسي أنها
النخلة ،فقال :ما منعك أن تكلم؟ قال :لم أرك وال أبا بكر تكلمتما،
ولم أركم تكلمون ،فكرهت أن أتكلم أو أقول شي ًئا ،قال عمر :ألن
تكون قلتها؛ أحب إلي من كذا وكذا(.)2
إن هذا المشهد ليعكس بوضوح أثر هذه المجالس على التربية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1جمع جمارة ،وهي قلب النخلة وشحمتها.
( )2م َّتفق عليه :أخرجه البخاري ( ،)6144 ،4698 ،61ومسلم (.)2811
قال ابن القيم في >الطب النبوي< (صُ )302/معلِّ ًقا على هذا الحديث:
>وفيه فرح الرجل بإصابة ولده ،وتوفيقه للصواب.
وفيه أنه ال يكره للولد أن يجيب بما يعرف بحضرة أبيه ،وإن لم يعرفه األب ،وليس
في ذلك إساءة أدب عليه<.
152
التربية االجتماعية في تراث األل واألصحاب
خاص بالفتيات ،أشار إليه بعض الصحابة ،من وراءنفع آخر ٌّوثم ٌ
َّ
هذه االجتماعيات للصغار ،وهو في قول عمر بن الخطَّاب > :أبرزوا
الجارية التي لم تبلغ؛ لعل بني عمها أن يرغبوا فيها<(.)1
وبوب عبد الرزاق في >مصنَّفه< على هذا بقوله> :باب إبراز َّ
()2
الجواري ،والنظر عند النكاح< .
ضا :أن أبا ظبيان حصين بن جندب أرسل ذاتومن هذا الباب أي ً
يوم امرأة إلى ِّأم المؤمنين عائشة ،واصطحبت المرأة معها جاري ًة
لها ُج َّمة ،فلما رأتها عائشة قالت:
>لو استترت هذه كان أخير<.
فقالت المرأة لها :إنها لم تحض ،وال بدا بعد الحيض(.)3
فنفت المرأة عن الجارية ما كانت تظنه فيها أم المؤمنين من البلوغ،
وإال فعائشة ال تلزمها بشيء قبل ذلك ،ويدل على هذا قولها> :إذا
احتلمت الجارية وجب عليها ما وجب على أمها< يعني من التستر(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إسناده ضعيف :أخرجه عبد الرزاق ( )10334عن ابن ُجريج ،قال :أُخبرت أن عمر ()1
إسناد ضعيف لجهالة الواسطة بين ابن جريج ،وعمر.
ٌ قال ،وهذا
>مصنَّف عبد الرزاق< (.)156/6 ()2
في إسناده ضعف :أخرجه ابن أبي شيبة ( )6214من طريق قابوس بن أبي ظبيان، ()3
عن أبيه؛ به.
وقابوس هذا قال عنه الحافظ في >التقريب< (> :)5445فيه لين<.
إسناده صحيح :أخرجه ابن أبي شيبة (.)6222 ()4
154
التربية االجتماعية في تراث األل واألصحاب
وما ورد في هذا الباب يدل على أن إبراز الصغيرات دون البلوغ
كان شي ًئا مبا ًحا عندهم.
وبهذه الطريقة يعرف الناس أ َّن فًل انا لديه بنت للزواج ،وهم يعرفونها
في صغرها ،فيرغب أحدهم في تزويجها لولده ،أو أن الصبي نفسه
وقعت تلك الفتاة في نفسه ،فيجهز نفسه في الكبر لزواجه منها ،وقد
يكون هذا من أبواب تقليل مفاسد الرؤية الكاسرة لقلوب الفتيات.
علي
علي بن أبي طالب؛ فيذهب لزيارته ،وهو األكبر سنًّا ،فيدخل ٌّ
قائال له> :ما غدا بك
عليه فيجده عنده ،فيسأله عن سبب هذه الزيارةً ،
أيها الشيخ؟<
فيجيبه أبو موسى> :سمعت بوجع ابن أخي ،فأحببت أن أعوده<(.)1
إن أمير المؤمنين ال يفرض لمولود حتى يُفطم ،وإني قد فطمته ،فقال
عمر> :إن كدت ألن أقتله! أرضعيه ،فإن أمير المؤمنين سوف يفرض
له ،ثم فرض بعد ذلك للمولود حين يولد<(.)1
عمر للمولود ،وللصبي قبل أن يبلغ ،فكان لهذا أثره على
ف َف َرض ُ
الصغير ،ووالديه ،والمجتمع.
* وأخي ًرا:
إن هذه األساليب والوسائل التي ُذكرت هنا ــ وغيرها مما لم
صحي االجتماعية،
ِّ يُذ َكر ــ قد أسهمت بشكل واض ٍح في إخراج جيل
بعي ًدا إلى حد كبي ٍر عن آفات كثي ٍر من المجتمعات المعاصرة ،التي تنحو
تقصيرا!
ً نحو أحد طرفي المعادلة الصحيحة؛ إما ُغلُ ًّوا ،أو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إسناده صحيح :أخرجه عبد الرزاق (.)9717
164
َّ ْ َ ُ َ َ َّ
التر ِبية ابلد ِبية
قبس نبوي
ٌََ ََ
قبس نبوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1م َّتفق عليه :أخرجه البخاري ( ،)2351ومسلم ( ،)2030من حديث سهل بن سعد
.
171
التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب
ً
أول :الرتبية اجلسدية
عرف التربية الجسدية بأنها> :ذلك النشاط الذي تقوم به التربية ُت َّ
في سبيل تنمية الجسم تنمية سليمة ،في إطار تكوين الشخصية
المتكاملة ،والمتوازنة ،والعابدة هلل تعالى<(.)1
ضا بأنها> :العناية بكل ما يؤدي إلى صحة البدن،
عرف أي ً
كما ُت َّ
وصحة العقل ذاته ،وإلى صيانتهما من األضرار والضعف<(.)2
وقد بدأ الصحب واآلل العناية بهذا النوع من التربية من وقت
مبكِّر ،اقتدا ًء بنبيهم ‘ ،ونستطيع تلمس تلك العناية من خالل المظاهر
التالية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1علي خليل أبو العينين> ،فلسفة التربية اإلسالمية في القرآن الكريم< (ص.)167/
( )2أمين مرسي قنديل> ،أصول التربية وفن التدريس< (ص.)31/
172
التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب
التي يُصاب بها الصغار :داء العين والحسد! وذلك لما يحبوهم اهلل به من
جمال خلقة ،أو بهاء طلعة ،أو ُحسن نطق ،أو غير ذلك ،مع ضعف
تحصينهم أنفسهم ،إذ هم ال يحفظون األذكار ،وال يحسنون الرقى،
وهنا يتدخل اآلباء في محاولة لدفع هذا الداء عنهم.
س هذا الفصل :أن أسماء بنت عميس كانت
وقد َّمر معنا في قَ َب ِ
ترقي صغارها ،لدفع العين عنهم.
وكان هناك من الصحابة وآل البيت من يختارون طريقة أخرى لدفع
هذا الداء عن الصغار ،وهي :تعليق التعاويذ ،أو آيات القرآن عليهم.
ومن هؤالء:
2ــ الرمي:
لما أعلم النبي ‘ أصحابه بأهمية الرمي ،وأنه مما يُستعد به
للجهاد في سبيل اهلل ،إذ صعد المنبر أمامهم ذات يومٍ فقال{> :ﲥ
جمة ،ال تلبث أن تنمو وتكبر ،حتى تظهر في الحال ،أو المستقبل في
أي شك ٍل من أشكال الهزال الجسدي ،أو االنهيار الدخلي ،والنفسي(.)1
إال أنه ينبغي الحذر من أن يفضي بهم هذا اللعب والترفيه ،ولو
كان الرمي الذي أُمر الصحابة بتعليمه أبناءهم ،إلى ارتكاب محرم!
عندها ال بد من التدخل واإلرشاد ،كما فعلوا.
وتق َّدم معنا أن عبد اهلل بن عمر َّمر ذات يوم بفتيان من قريش قد نصبوا
طيرا ،وهم يرمونه ،وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم ،فلما ً
رأوا ابن عمر تفرقوا ،فقال ابن عمر> :من فعل هذا؟ لعن اهلل من فعل
هذا ،إن رسول اهلل ‘ لعن من اتخذ شي ًئا فيه الروح غرضا<(.)2
خاصة في الصغر:
تعويدهم النوم المبكر ،وعدم السهرَّ ،
ُتشير عدد من الدراسات الطبية المعاصرة إلى أن للسهر أضرا ًرا
على صحة اإلنسان ،خاصة الصغار ،وأنه يؤثِّر على مناعتهم ،وعلى
نموهم كذلك(.)3
ِّ
القيم ــ قدي ًما ــ إلى ضرر االستعاضة بنوم النهار
وقد أشار ابن ِّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1محمد نور بن عبد الحفيظ سويد> ،منهج التربية النبوية للطفل< (ص.)343/
(> )2صحيح مسلم< (.)1958
( )3مقال عن السهر وأضراره ،على هذا الرابط:
http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=143358
179
التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب
ً
ثانيا :الرتبية انلفسية العاطفية
تكون ُتشك ُِّل العاطفة مساحة واسعة في نفس الصغير الناشئ ،فهي ِّ
نفسه ،وتبني شخصيته ،ولذا إن أخذها بشكل متواز ٍن؛ خرج إنسا ًنا
سويًّا في مستقبله ،بل في حياته كلها ،وإن أخذها بغير ذلك ــ زياد ًة أو
نقصا ًنا ــ تشكَّلت لديه ُع َق ٌد ال ُتحمد عقباها ،فكال طرفي األمور ذميم.
فالزيادة تجعله مدل َّ ًال ،ال يقوم بتكاليف الحياة بجد ونشاط ،ونقصانها
قاسيا عني ًفا على كل من حوله ،ومن هنا :فالبناء العاطفي له يجعله ً
أهمية خاصة في بناء نفس الصغير وتكوينه ،وهذا البناء يلعب فيه الدور
األكبر :الوالدان ،إذ هما المصدر األساسي ألشعة العاطفة التي تبني
نفسه ،وهما الركن الشديد الذي يأوي إليه ،لينعم بحرارة العاطفة،
ونعمة األبوة واألمومة(.)1
وقد الحظ الشيخ محمد الخضر حسين الميل الذي يقع لبعض
اآلباء في هذا النوع من التربية في أحد طرفيهَّ ،
وحذر من الركون إليه،
مغبته وعاقبته؛ فقال:
وبين َّ
َّ
>ومن الناس من يدرك أن التقام األطفال لثدي التربية ،مما يؤثر
في نفوسهم إصال ًحا عظي ًما ،ولكن فرط الرأفة الذي ينشأ من التغالي
كثيرا ،فيدفعهم عن مكافحة
في حبهم ،يكسر من صالبة اآلباء شي ًئا ً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1محمد نور بن عبد الحفيظ سويد> ،منهج التربية النبوية للطفل< (ص.)310/
182
التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب
طباع أبنائهم الرديئة ومقاومتها بالتأديب ،وينفض بهم ذلك اإلهمال إلى
التنقل في مراتع الشهوات الزائغة.
كال ،هذه رأفة غير ممزوجة بحكمة ،فالتنقل في مراتع الشهوات، ّ
تتولد عنه نتائج وخيمة ،تثير بين اآلباء واألبناء من النفرة والتباعد
بمقدار ما كان بينهما من الحنان والمقاربة ،وتصير بهم إلى أن تضرسهم
أنياب االضطهاد ،وتدوسهم أقدام االمتهان.
ال نريد بكراهة هذه الرأفة المفرطة أن يُفتك من الصبي سائر
إرادته ،ويُسلب منه جميع عزائمه ،كما يفعله الجاهلون بأساليب
اإلصالح والتهذيب .إن ذلك مما يحول بينه وبين عزة النفس وما يتبعها
من قوة الجأش ،وأصالة الرأي ،واإلقدام على إرسال كلمة الحق عندما
يقتضيها المقام ،فيكون ألعوبة بيد معاشريه ،كالكرة المطروحة بينهم
يتلقفونه رِج ًال رِج ًال ،أو آلة يستعملونها فيما يشتهون ،...،التربية النافعة
أثرا لمحبة ،يطفئ البأس شي ًئا من حرارتها ،وصرامة تلطِّف ما كانت ً
الشفقة من شدتها ،وهي التي يستوجب الوالدان دعاء الولد بقوله{ :ﲩ
ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ}(.)2(<)1
عود على بدء:
الصح ُب واآلل ما تحتاج إليه نفسية الصغير ،فعملوا على
أدرك َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سورة اإلسراء (.)24
( )2محمد الخضر حسين> ،السعادة العظمى< (ص.)10/
183
التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب
،يهتم بهذه العاطفة ويظهرها ،فيدخل ذات يومٍ على زوجه أم
كلثوم بنت علي بن أبي طالب ،فيجد عندها أخاها محمد ابن الحنفية،
فيضمه عمر ،ويقول لزوجه> :ألطفيه بالحلواء<(.)1
ُّ
ولم يقتصر إظهار عمر لهذه العاطفة للصغار في بيته وأمام زوجه
فقط ،بل أظهره أمام رعيته وعماله ،فلما رآه أحد عماله؛ قال له :إن لي
لت واح ًدا منهم!
كذا وكذا من الولد ،ما َّقب ُ
فقال عمر> :إن اهلل ال يرحم من عباده إال أبرهم<(.)2
وفي رواية :أن ذلك العامل قال لعمر :تقبله وأنت أمير المؤمنين؟!
لو كنت أنا ما فعلته.
فقال عمر > :فما ذنبي إن كان قد ُنزِع من قلبك الرحمة؟! إن
اهلل ال يرحم من عباده إال الرحماء<.
ونزعه عمر عن عمله ،وقال> :أنت ال ترحم ولدك؛ فكيف ترحم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إسناده حسن :أخرجه ابن عساكر في >تاريخ دمشق< ( )330/54من طريق زيد بن
الحباب ،ثنا الربيع بن المنذر المؤدب ،حدثنا أبي قال سمعت ابن الحنفية؛ فذكره.
وهذا إسناد رجاله ثقات ،سوى ابن الحباب ،فقد قال عنه الحافظ في >التقريب<
(> :)2124صدوق ،يخطئ في حديث الثوري<.
ورواية ابن عساكر ليس فيها لفظة> :ألطفيه< ،وإنما هي من طريق الذهبي في >سير
أعالم النبالء< (.)115/4
المفرد< (.)99
( )2إسناده صحيح :أخرجه البخاري في >األدب َ
185
التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب
الناس؟!<(.)1
تعلَّم عب ُد اهلل بن عمر من والده ونبيه هذا التعامل اللطيف مع
الصغار ،فمارسه مع الصغار ،فأُتي ذات يوم بصبي عليه أوضاح(،)2
>فجعل يهازله<(.)3
188
التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب
حامًل ،وال وال ادا ،وال مرض اعا ،وال بعد ذلك ،وال ابنه ،حتى أنشأ الناس
ا
مرة في الحج ،فقال رجل من القوم واألب في الرفقة :يا فًلن أترى ابنك
في الرفقة ،أتعرفه إن رأيته؟ قال :ال واهلل ،قال :هذا ابنك .فجبذ
بخطامه فانطلق.
فلما قدما لعمر احتجزت أمه بردائها ،ثم ارتجزت فقالت:
الحمــل حــول والفصــال حــوالن خلــوا إلــيكم يــا عبيــد الــرحمن
فخير
فسمع عمر قولها فقال> :خلوا عنها< ،فقصت عليه القصةَّ ،
الفتى؛ فاختار أمه ،فانطلقت به(.)1
وألن الصبي هنا أكثر تميي ًزا من الصبي األول؛ انتقل به عمر إلى
المرحلة الثانية :االختيار ،فاختار ،فأمضى عمر اختياره ،وأمام الجميع.
وفي هذا من إشعار الصبي بنفسه واحترام رأيه ما يغني عن التعليق.
السخاب
وقد ترجم البخاري لهذا الحديث وأشباهه بقوله> :باب ِّ
للصبيان<( ،)1إشارة منه إلى االهتمام بمظهر الصبيان ،وجواز تحليتهم
بمثل هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(> )1صحيح البخاري< ( 332/10ــ مع الفتح).
193
الخاتمة
E
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= نمير بن أوس ،عن أبيه؛ به.
والوليد ترجم له الحافظ في >التقريب< ( )7460وقال عنه> :مقبول<.
( )1محمد الخضر حسين> ،األعمال الكاملة ــ جمع علي الرضا الحسيني< (.)12/2
195
املصادرواملراجع
املصادر واملراجع
القرآن الكريم.
1ــ إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة :للبوصيري ،تقديم:
د .أحمد معبد عبد الكريم ،تحقيق :دار المشكاة للبحث العلمي بإشراف أبي
تميم ياسر بن إبراهيم ،الطبعة األولى1420 ،هـ= 1999م ،دار الوطن للنشر،
الرياض.
2ــ إتحاف أولي األلباب ،بحقوق الطفل وأحكامه في سؤال وجواب:
أحمد بن أحمد العيسوي ،الطبعة األولى1422 ،هـ= 2001م ،دار البيان
الحديثة ،الطائف.
3ــ اإلحكام في أصول األحكام :ألبي الحسن اآلمدي ،تحقيق :عبد الرزاق
عفيفي ،المكتب اإلسالمي ،بيروت ،دمشق ،لبنان.
4ــ إحياء علوم الدين :ألبي حامد الغزالي ،دار المعرفة ،بيروت.
5ــ أدب االمالء واالستمالء :للسمعاني المروزي ،تحقيق :ماكس فايسفايلر،
الطبعة األولى1401 ،ه= 1981م ،دار الكتب العلمية ،بيروت.
6ــ األدب المفرد :للبخاري ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي ،الطبعة
الثالثة ( 1409ه= 1989م) ،دار البشائر اإلسالمية ،بيروت.
7ــ أساس البالغة :للزمخشري ،تحقيق :محمد باسل عيون السود ،الطبعة
األولى1419 ،هـ= 1998م ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان.
197
املصادرواملراجع
8ــ االستيعاب في معرفة األصحاب :البن عبد البر ،تحقيق :علي محمد
البجاوي ،الطبعة األولى (1412هـ = 1992م) ،دار الجيل ،بيروت.
9ــ أصول التربية اإلسالمية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع:
عبد الرحمن النحالوي ،الطبعة الخامسة والعشرون1428 ،هـ= 2007م ،دار
الفكر ،بيروت.
10ــ أصول التربية اإلسالمية :د .خالد بن حامد الحازمي ،الطبعة األولى،
1420هـ= 2000م ،دار عالم الكتب ،الرياض.
11ــ أصول التربية وفن التدريس :أمين مرسي قنديل ،الطبعة الرابعة،
1306هـ= 1937م ،مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر.
12ــ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن :للشنقيطي ،عام النشر
( 1415هـ = 1995م) ،دار الفكر ،بيروت.
13ــ االعتقاد ،والهداية إلى سبيل الرشاد ،على مذهب السلف وأصحاب
الحديث :للبيهقي ،تحقيق :أحمد عصام الكاتب ،الطبعة األولى (1401هـ)،
دار اآلفاق الجديدة ،بيروت.
14ــ األمالي :ألبي علي القالي ،عني بوضعها وترتيبها :محمد عبد الجواد
األصمعي ،الطبعة الثانية1344 ،هـ= 1926م ،دار الكتب المصرية.
سالم ،تحقيق :خليل محمد هراس،
15ــ األموال :ألبي ُعبيد القاسم بن ّ
دار الفكر ،بيروت.
16ــ أنباء نجباء األبناء :ابن ظفر المكي ،الطبعة األولى ،بدون تاريخ،
مطبعة التقدم ،مصر.
198
املصادرواملراجع
17ــ أهل البيت بين مدرستين :محمد سالم الخضر1432 ،هـ= 2011م،
مبرة اآلل واألصحاب ،الكويت.
18ــ األوسط في السنن واإلجماع واالختالف :البن المنذر ،تحقيق :أبي
حماد صغير أحمد بن محمد حنيف ،الطبعة األولى1405 ،هـ= 1985م ،دار
طيبة ،الرياض ،السعودية.
19ــ الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث :البن كثير ،تأليف:
أحمد محمد شاكر ،الطبعة األولى ،دار الكتب العلمية ،بيروت
20ــ تاريخ اإلسالم ووفيات المشاهير واألعالم :للذهبي ،تحقيق :عمر
عبد السالم التدمري ،الطبعة الثانية ( 1413هـ = 1993م) ،دار الكتاب
العربي ،بيروت.
21ــ التاريخ الكبير :للبخاري ،تحقيق :السيد هاشم الندوي ،دار الفكر،
بيروت.
22ــ تاريخ بغداد = تاريخ مدينة السالم :للخطيب البغدادي ،تحقيق:
د .بشار عواد معروف ،الطبعة األولى (1422هـ = 2002م) ،دار الغرب
اإلسالمي ،بيروت.
23ــ تجربة التربية اإلسالمية في ميزان البحث :د .محمد سعيد رمضان
البوطي ،الطبعة األولى1415 ،ه= 1995م ،مكتبة الفارابي ،دمشق.
24ــ تحرير تقريب التهذيب البن حجر :لشعيب األرنؤوط ،و د .بشار
عواد ،الطبعة األولى (1417هـ = 1997م) ،مؤسسة الرسالة ،بيروت
25ــ تحفة المودود بأحكام المولود :البن القيم ،تحقيق :عبد القادر
األرناؤوط ،الطبعة األولى1391 ،هـ= 1971م ،مكتبة دار البيان ،دمشق.
199
املصادرواملراجع
عبد اهلل جولم النبالي ،وبشير أحمد العمري ،دار البشائر اإلسالمية ،بيروت.
44ــ التمهيد في أصول الفقه :ألَبي الخطاب ال َكل َو َذاني الحنبلي ،تحقيق:
مفيد محمد أبو عمشة (الجزء 1ــ ،)2ومحمد بن علي بن إبراهيم (الجزء 3ــ
،)4الطبعة األولى 1406 ،هـ= 1985م ،دار المدني للطباعة والنشر
والتوزيع.
45ــ التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد :البن عبد البر،
تحقيق :مصطفى بن أحمد العلوي ،محمد عبد الكبير البكري1387 ،هـ ،وزارة
عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية ،المغرب.
46ــ تنزيه الشريعة المرفوعة عن األخبار الشنيعة الموضوعة :البن عراق
الكناني ،تحقيق :عبد الوهاب عبد اللطيف ،عبد اهلل محمد الصديق الغماري،
الطبعة األولى1399 ،هـ ،دار الكتب العلمية ،بيروت.
47ــ تهذيب اآلثار وتفصيل الثابت عن رسول اهلل من األخبار :للطبري،
تحقيق :محمود محمد شاكر ،مطبعة المدني ،القاهرة.
48ــ تهذيب األسماء واللغات :للنووي ،عنيت بنشره وتصحيحه والتعليق
عليه :شركة العلماء ،بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية ،يطلب من :دار الكتب
العلمية ،بيروت.
49ــ تهذيب التهذيب :البن حجر ،الطبعة األولى (1404هـ = 1984م)،
دار الفكر ،بيروت.
50ــ التوقيف على مهمات التعاريف :زين الدين المناوي ،الطبعة
األولى1410 ،هـ= 1990م ،عالم الكتب ،القاهرة.
51ــ جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم:
202
املصادرواملراجع
الطبعة األولى1416 ،هـ= 1996م ،دار ابن عفان للنشر والتوزيع ،المملكة
العربية السعودية.
60ــ روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب اإلمام
أحمد بن حنبل :البن قدامة المقدسي ،الطبعة الثانية1423 ،هـ= 2002م،
الريان للطباعة والنشر والتوزيع.
مؤسسة ّ
السرِي ،تحقيق :عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي،
61ــ ال ُّزهدَ :لهنَّاد بن َّ
الطبعة األولى (1406هـ) ،دار الخلفاء للكتاب اإلسالمي ،الكويت.
62ــ زوائد األصول على منهاج الوصول إلى علم األصول :لجمال الدين
اإلسنوي ،دراسة وتحقيق :محمد سنان سيف الجاللي.
63ــ سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها :لأللباني،
الطبعة األولى ،األجزاء األربعة األولى (1415هـ = 1995م) ،الجزء السادس
(1416هـ = 1996م) ،الجزء السابع (1422هـ = 2002م) ،مكتبة المعارف،
الرياض.
64ــ سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في األمة:
لمحمد ناصر الدين األلباني ،الطبعة األولى (1412هـ = 1992م) ،دار
المعارف ،الرياض.
65ــ السنن الكبرى :للبيهقي ،الطبعة األولى (1344هـ) ،مجلس دائرة
المعارف النظامية ،حيدر آباد ،الهند.
66ــ سنن :ابن ماجه ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء الكتب
العربية ،فيصل عيسى البابي الحلبي.
204
املصادرواملراجع
67ــ سنن :أبي داود ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد ،المكتبة
العصرية ،صيدا ،بيروت.
68ــ سنن :الترمذي ،تحقيق :أحمد محمد شاكر ،ومحمد فؤاد
عبد الباقي ،وإبراهيم عطوة عوض ،الطبعة الثانية ( 1395هـ = 1975م)،
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ،مصر.
69ــ سنن :الدارقطني ،حققه وضبط نصه وعلق عليه :شعيب االرنؤوط،
حسن عبد المنعم شلبي ،عبد اللطيف حرز اهلل ،أحمد برهوم ،الطبعة األولى،
1424هـ= 2004م ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان.
70ــ سنن :سعيد بن منصور ،تحقيق :حبيب الرحمن األعظمي ،الطبعة
األولى (1403هـ = 1982م) ،الدار السلفية ،الهند.
71ــ سير أعالم النبالء :للذهبي ،تحقيق :مجموعة من المحققين،
بإشراف الشيخ شعيب األرناؤوط ،الطبعة الثالثة ( 1405هـ = 1985م)،
مؤسسة الرسالة ،بيروت.
72ــ شرح تنقيح الفصول :للقرافي ،تحقيق :طه عبد الرؤوف سعد،
الطبعة األولى1393 ،هـ= 1973م ،شركة الطباعة الفنية المتحدة.
73ــ شرح صحيح البخارى :البن بطال ،تحقيق :أبي تميم ياسر بن
إبراهيم الطبعة الثانية1423 ،هـ= 2003م ،مكتبة الرشد ،الرياض ،السعودية.
74ــ شرح صحيح مسلم للنووي= المنهاج شرح صحيح مسلم بن
الحجاج :للنووي ،الطبعة الثانية (1392هـ) ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت.
75ــ شرح مختصر الروضة :للطوفي ،تحقيق :عبد اهلل بن عبد المحسن
التركي ،الطبعة األولى1407 ،هـ= 1987م ،مؤسسة الرسالة.
205
املصادرواملراجع
76ــ شرح مشكل اآلثار = بيان ما أشكل من أحاديث رسول اهلل ‘:
للطحاوي ،تحقيق :شعيب األرنؤوط ،الطبعة األولى (1415هـ = 1994م)،
مؤسسة الرسالة ،بيروت.
77ــ شعب اإليمان :للبيهقي ،تحقيق :د .عبد العلي عبد الحميد حامد،
أشرف على تحقيقه :مختار أحمد الندوي ،الطبعة األولى (1423هـ =
2003م) ،مكتبة الرشد ،الرياض .بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي ،الهند.
78ــ صحاح تاج اللغة وصحاح العربية :ألبي نصر الجوهري ،تحقيق:
أحمد عبد الغفور عطار ،الطبعة الرابعة1407 ،هـ= 1987م ،دار العلم
للماليين ،بيروت.
79ــ صحيح ابن حبان = اإلحسان في تقريب صحيح ابن حبان:
ترتيب :األمير عالء الدين علي بن بلبان الفارسي ،تحقيق :شعيب األرنؤوط،
الطبعة األولي (1408هـ = 1988م) ،مؤسسة الرسالة ،بيروت.
المسنَد الصحيح المختصر من أمور
80ــ صحيح البخاري = الجامع ُ
رسول اهلل ‘ وسننه وأيامه :لإلمام البخاري ،تحقيق :محمد زهير بن ناصر
الناصر ،الطبعة األولى (1422هـ) ،دار طوق النجاة.
يح ال َّت ْر ِغيب َوال َّت ْر ِهيب :لأللباني ،الطبعة األولى1421 ،هـ=
81ــ َص ِح ُ
المعارف للنشر والتوزيع ،الرياض ،المملكة العربية السعودية. مكتبة َ 2000مَ ،
82ــ صحيح الجامع الصغير وزياداته :لأللباني ،الطبعة الثالثة (1408هـ
= 1988م) ،المكتب اإلسالمي ،بيروت.
83ــ صحيح سنن أبي داود (األم) :لأللباني ،الطبعة األولى1423 ،هـ=
2002م ،مؤسسة غراس للنشر والتوزيع ،الكويت
206
املصادرواملراجع
92ــ العيال :البن أبي الدنيا ،تحقيق :د .نجم عبد الرحمن خلف،
الطبعة األولى1410 ،هـ= 1990م ،دار ابن القيم ،الدمام ،السعودية.
93ــ الغيالنيات= الفوائد :ألبي بكر الشافعي الب َّزاز ،تحقيق :حلمي كامل
أسعد عبد الهادي ،الطبعة األولى (1417هـ = 1997م) ،دار ابن الجوزي،
الرياض.
94ــ فتح الباري شرح صحيح البخاري :البن حجر ،رقَّم كتبه وأبوابه
وأحاديثه :محمد فؤاد عبد الباقي ،وقام بإخراجه وص َّححه :محب الدين
الخطيب ،عام النشر (1379هـ) ،دار المعرفة ،بيروت.
95ــ فضائل الصحابة :ألحمد بن حنبل ،تحقيق :د .وصي اهلل محمد
عباس ،الطبعة األولى (1403هـ = 1983م) ،مؤسسة الرسالة ،بيروت.
96ــ فضائل القرآن وما أنزل من القرآن بمكة وما أنزل بالمدينة :البن
الضريس ،تحقيق :غزوة بدير ،الطبعة األولى1408 ،هـ= 1987م ،دار الفكر،
دمشق ،سورية.
97ــ فضائل القرآن :ألبي بكر ال ِفريابِي ،تحقيق وتخريج ودراسة:
يوسف عثمان فضل اهلل جبريل ،الطبعة األولى1409 ،هـ= 1989م ،مكتبة
الرشد ،الرياض.
98ــ فقه اآلل ،بين دعوى اإلهمال وتهمة االنتحال :أمين بن صالح
الحداء ،الطبعة الثانية1432 ،هـ= 2011م ،مركز المتفوق للطباعة والنشر،
اليمن.
99ــ الفقه وأصوله ،بين التراث والمعاصرة :د .معاوية أحمد سيد
أحمد ،بحث منشور على صفحات اإلنترنت.
208
املصادرواملراجع