You are on page 1of 216

‫َ‬

‫َ ُ َّ ْ َ‬
‫أدبالتر ِبي ِة‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اب‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫األص‬‫و‬ ‫اآلل‬
‫ِ‬ ‫اث‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫ت‬ ‫ِي‬
‫ف‬
‫عنوان الكتاب ‪ :‬أدب الرتبية يف تراث اآلل واألصحاب ‪.‬‬
‫اسم املؤلف ‪ :‬أمحد إبراهيم حممود اجلابري ‪.‬‬
‫عدد الصفحات ‪214 :‬‬ ‫ــ‬ ‫نوع املطبوع ‪ :‬كتاب ـ ـ الطبعة ‪ :‬األوىل‬
‫السلسلة ‪ :‬تراث اآلل واألصحاب (‪)4‬‬
‫الناشر ‪ :‬مربة اآلل واألصحاب‬
‫ص‪ .‬ب‪ 12421 .‬الشامية ـ الرمز الربيدي ‪ 71655‬ـ ـ ت ‪2560203 :‬‬
‫ردمك‪ 3 :‬ـ ‪ 40‬ـ ‪ 64‬ـ ‪ 99966‬ـ ‪ISBN 978‬‬

‫م‬
‫حقوق الطبع حقوظة لمبرة الآل والآصحاب‬
‫إال لمن أراد التوزيع الخيري بشرط عدم التصرف في المادة العلمية‬

‫َّ ْ َ ُ ُ َ‬
‫الطبعة األول‬
‫‪1439‬يـهييـي‪2017‬م ي‬

‫هاتف‪ 22560203 :‬ــ ‪ 22552340‬فاكس‪22560346 :‬‬


‫ص‪ .‬ب‪ 12421 :‬الشامية الرمز البريدي ‪ 71655‬الكويت‬
‫‪ mail: almabarrh@gmail.com‬ــ ‪E‬‬
‫‪www.almabarrah.net‬‬
‫سلسلة تراث اآلل واألصحاب (‪)4‬‬

‫َ‬
‫َ ُ َّ ْ َ‬
‫أدب التر ِبي ِة‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اب‬
‫ِ‬ ‫ح‬‫األص‬‫و‬ ‫اآلل‬
‫ِ‬ ‫اث‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫ت‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫ِ‬
‫لصحاب مع صعارهم‬ ‫نماذج من تعامل ا آ‬
‫لل وا آ‬

‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫أْحداجلابري‬
‫ِ‬

‫مراجعة مركز ابلحوث وادلراسات باملربة‬


‫‪‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‪9 ......................................‬‬
‫مقدمة المؤلف ‪13 ...............................................‬‬
‫تمهيد‪25 ......................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التعريف بمصطلحات العنوان ‪27 .......................‬‬
‫أو ًال‪ :‬التعريف باآلداب ‪27 ..................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬التعريف بالتربية ‪30 ...................................‬‬
‫ً‬
‫ثال ًثا‪ :‬التعريف بالتراث ‪33 ...................................‬‬
‫راب ًعا‪ :‬التعريف باآلل ‪37 ....................................‬‬
‫خام ًسا‪ :‬التعريف باألصحاب ‪42 ..............................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬عناية مبكرة‪47 .....................................‬‬
‫جابر بن عبد اهلل األنصاري ‪49 ........................... ‬‬
‫علي بن أبي طالب ‪52 .................................. ‬‬
‫خالصة ما ذكر‪53 .........................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬التربية العقدية ‪75 ...................................‬‬
‫قبس نبوي‪57 ............................................‬‬
‫في جانب توحيد اهلل عز وجل وحبه ومراقبته واالستعانة به ‪58 ....‬‬
‫في جانب محبة النبي ‘ وتعظيمه‪59 ......................‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‪62 .....................‬‬

‫‪5‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫حرصهم على بقاء الطفل على فطرة اإلسالم‪ ،‬ومنع العبث‬
‫بهذه العقيدة ‪64 .......................................‬‬
‫حرصهم على أن تكون المرضعة مسلمة ‪65 ..................‬‬
‫تلقينهم الصغار كلمة التوحيد في أول نطقهم ‪66 ...............‬‬
‫دفع االعتقادات الخاطئة من قلوبهم‪ ،‬ونهيهم عن أفعال الشرك ‪67 ...‬‬
‫ترسيخ محبة رسول اهلل ‘ في قلوبهم‪ ،‬وتعظيمه وتوقيره في‬
‫نفوسهم ‪68 ..........................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التربية التعبدية ‪75 ..................................‬‬
‫قبس نبوي‪77 ............................................‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب ‪82 ....................‬‬
‫الوضوء‪84 ...........................................‬‬
‫الصالة ‪87 ...........................................‬‬
‫الصيام ‪100..........................................‬‬
‫الزكاة ‪102...........................................‬‬
‫الحج والعمرة ‪105.....................................‬‬
‫قراءة القرآن ‪109......................................‬‬
‫الدعاء‪112 ...........................................‬‬
‫الجهاد ‪114 ..........................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التربية األخالقية‪117 ................................‬‬
‫قبس نبوي‪119 ...........................................‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب ‪124 ..................‬‬
‫أو ًال‪ :‬خلق التأدب مع الكبار‪126 ..........................‬‬
‫‪6‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫ثانيا‪ :‬خلق الصدق‪ ،‬والبعد عن الكذب‪129 ..................‬‬ ‫ً‬
‫ثال ًثا‪ :‬خلق حفظ األسرار ‪132 ............................‬‬
‫راب ًعا‪ :‬خلق الرحمة‪ ،‬ومراعاة مشاعر اآلخرين ‪135 .............‬‬
‫خام ًسا‪ :‬خلق األمانة‪ ،‬وعدم التعدي على حقوق الناس ‪137 ......‬‬
‫ساد ًسا‪ :‬الخصال واألخالق الحسنة بصفة عام ‪138 ............‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬التربية االجتماعية ‪143 ...............................‬‬


‫قبس نبوي‪145 ...........................................‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث اآلل واألصحاب ‪150.................‬‬
‫أو ًال‪ :‬اصطحابهم إلى مجالس الكبار ‪150....................‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعويدهم سنة السالم ‪155 ...........................‬‬‫ً‬
‫ثال ًثا‪ :‬عيادتهم في المرض ‪156 ............................‬‬
‫راب ًعا‪ :‬اصطحابهم للحفالت المشروعة واألعراس‪158 ..........‬‬
‫خام ًسا‪ :‬منحهم الحرية في اختيار أصدقائهم ‪159 ..............‬‬
‫ساد ًسا‪ :‬حرصهم على تكنيتهم من الصغر حتى ال يساء إليهم‬
‫بلقب ‪161 ...........................................‬‬
‫ساب ًعا‪ :‬القسمة لهم من بيت المال‪ ،‬واحتساب نفقة لهم‪163 ......‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬التربية البدنية ‪165 ................................‬‬
‫قبس نبوي‪167 ...........................................‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب ‪172 ....................‬‬
‫أو ًال‪ :‬التربية الجسدية ‪172 ................................‬‬
‫ترخيصهم للحامل والمرضع في اإلفطار في رمضان ‪173 ........‬‬

‫‪7‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫حلقهم شعر المولود في اليوم السابع‪173 ....................‬‬
‫تعويذهم الصغار بالرقى والمعوذات؛ لدفع العين والحسد‬
‫عنهم‪174 ............................................‬‬
‫تعليمهم الرياضة التي تناسبهم‪ ،‬وتقوي مهاراتهم؛ مثل‪:‬‬
‫السباحة‪ ،‬والرمي ‪176 ..................................‬‬
‫خاصة في الصغر‪179 ......‬‬ ‫تعويدهم النوم المبكر‪ ،‬وعدم السهر‪َّ ،‬‬
‫ثانيا‪ :‬التربية النفسية العاطفية ‪182 ...........................‬‬
‫ً‬
‫الحاجة إلى المحبة ‪184 .................................‬‬
‫الحاجة إلى التقدير االجتماعي واحترام الشخصية ‪186 ..........‬‬
‫‪ 1‬ــ تقديمهم من يصلح لإلمامة من الصغار لهذا المكان ‪187 .....‬‬
‫‪ 2‬ــ تخييرهم في أمر معيشتهم‪ ،‬إذا انفصل الوالدان ‪187 ........‬‬
‫‪ 3‬ــ السماح لهم بحضور بعض اللقاءات والزيارات للكبار ‪191 ..‬‬
‫الحاجة إلى الرعاية الوالدية والتوجيه‪191 ....................‬‬

‫الخاتمة‪194 ....................................................‬‬
‫المصادر والمراجع ‪196 ...........................................‬‬

‫‪8‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫مقدمة مبرة الآل والآصحاب‬


‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبيِّنا محم ٍد‬
‫وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين الغر الميامين‪ ،‬أما بعد؛‬
‫أثرا بالغ األهمية في االرتقاء بحياة‬
‫فال ريب أن للقدوات الصالحة ً‬
‫األمم والشعوب؛ وذلك أنهم هم الذين يقدمون الدليل الواقعي والتطبيق‬
‫العملي للتعاليم التي تم ّثل منظومة القيم واألخالق التي تشكّل هوية‬
‫تلك األمم‪ ،‬وتعتبر مثالها السامي الذي تستهدف احتذاء حذوه واالهتداء‬
‫بهديه‪.‬‬
‫وقد ّنبه القرآن الكريم على ذلك المعنى وأشاد به في آيات كثيرة‪،‬‬
‫فضل االقتداء باألنبياء والصالحين‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬ ‫مبي ًنا َ‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ} [األحزاب‪:‬‬
‫‪ ،]21‬وقال ‪{ :‬ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [الممتحنة‪،]4 :‬‬
‫وقال سبحانه‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ}‬
‫صفوة من رسله وأنبيائه‪{ :‬ﲻ ﲼ‬ ‫ٍ‬ ‫[الممتحنة‪ ،]6 :‬وقال عقب ذكر‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫{ﲺ ﲻ‬ ‫عز ِمن قائل‪:‬‬


‫ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ} [األنعام‪ ،]90 :‬وقال ّ‬
‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ} [األحقاف‪ ،]35 :‬وغير ذلك مما يفهم من‬
‫تأمل‪.‬‬
‫النصوص بأدنى ّ‬
‫والواجب على أمتنا اإلسالمية أن تصوغ رؤيتها األخالقية والقيمية‬
‫والحضارية انطال ًقا من الوحي قرآ ًنا وسن ًة‪ ،‬في تناغم مع معطيات العلم‬
‫في جميع المجاالت‪ ،‬ومواكبةٍ لمستجدات العصر الذي نعيش فيه وما‬
‫تحديات عظيمة‪ .‬فال يحسن أن نقتصر في تدبرنا للوحي‬ ‫ِ‬ ‫يزخز به من‬
‫على مجرد األمور الدينية العبادية المحضة‪ ،‬فإن الوحي قد أنزله اهلل هدى‬
‫ونو ًرا لإلنسانية تنتفع به في معاشها ومعادها‪ ،‬وإن كان مقصوده األساس‬
‫الفالح األخروي وما يقرب إليه؛ إال أنه ال شك في كونه يرشدنا بهداياته‬
‫في جميع مناحي الحياة العملية‪ ،‬ولو في صورة ضوابط ومعايير وقيم‬
‫كلية نافعة‪ ،‬نستلهم منه ما يرضي ربنا ويحقق فالحنا في الدنيا‪ ،‬مع عدم‬
‫إغفال البحث والعلم في جميع المجاالت بأدواتها ووسائلها‪.‬‬
‫ونحن إذا ذهبنا نستلهم قيم الوحي على مختلف األصعدة العلمية‬
‫خيرا مما نجده عن صحابة‬ ‫وتفعيًل؛ ا‬
‫ا‬ ‫امتثاال وتطبي اقا‬
‫والسلوكية؛ لم نجد ا‬
‫النبي ‘ األخيار وأهل بيته األطهار‪ ،‬فهم الذين انتهجوا الوحي كتا ابا وسنة‬
‫أعًلما هداة‪.‬‬
‫في جميع جوانب حياتهم‪ ،‬فسادوا وقادوا‪ ،‬وصاروا أئمة ا‬
‫وقد أخذت (مبرة اآلل واألصحاب) ــ كعادتها ــ على عاتقها مهم َة‬
‫تفعي ِل ذلك المعنى‪ ،‬وتقديمه في صورة بحثية توعوية منضبطة؛ لكونها‬
‫‪10‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫مؤسسة متخصصة في تراث اآلل واألصحاب حتى صار لها ــ بفضل‬


‫اهلل ــ الريادة في ذلك المجال‪.‬‬
‫وقد كان أصل هذا المشروع الذي بين أيدينا فكر ًة من قِبل رئيس‬
‫مجلس إدارة المبرة د‪ .‬عبدالمحسن الجاراهلل الخرافي تتضمن توسيع‬
‫لتضم مجاالت جديدة‬ ‫ّ‬ ‫نطاق األبحاث المتعلقة باآلل واألصحاب‬
‫ورحا ًبا أوسع وال تقتصر على الموضوعات الدينية المألوفة‪ ،‬ثم أوعز‬
‫بهذه الفكرة وبعض عناصرها إلى مركز البحوث والدراسات بالمبرة؛‬
‫فقام المركز مشكو ًرا مأجو ًرا بوضع خطة طموحة تتضمن العديد من‬
‫الموضوعات الهادفة‪ ،‬العلمية والعملية؛ التي نستهدف أن نستضيء فيها‬
‫بتراث اآلل واألصحاب‪ ،‬ونكشف عن مالمح تطبيقهم الوحي على‬
‫جميع األصعدة واألنحاء‪ ،‬بشكل يتجلّى فيه الجانب اإلبداعي من‬
‫تخصص المبرة في خدمة تراث اآلل واألصحاب‪ ،‬و>التخصص يقود‬
‫إلى اإلبداع< بحمد اهلل وتوفيقه‪ ،‬بحيث نقدم للمكتبة العلمية والدعوية‬
‫تجمي ًعا غير مسبوق لبعض الجوانب الدقيقة في تراث اآلل واألصحاب؛‬
‫و ِمن ثَ َّم َّنسق المركز مع مجموعة من الباحثين ليقدموا جهودهم في‬
‫تحويل تلك األفكار والموضوعات إلى أبحاث علمية وفق منهجية مركز‬
‫البحوث والدراسات المنضبطة‪ ،‬القائمة على التحقيق العلمي‪ ،‬واالستدالل‬
‫الصحيح‪ ،‬واالسترشاد بكتب أهل العلم السابقين والمعاصرين‪ ،‬واستمر‬
‫جهد المركز في متابعة األبحاث ومراجعتها وتعديل ما يحتاج منها إلى‬
‫تعديل‪ ،‬عبر خلية عمل تفرغت للمشروع تحت إشراف رئيس مركز‬
‫‪11‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫البحوث والدراسات الشيخ محمد سالم الخضر مباشرة‪ ،‬فالشكر‬


‫موصول لجميع الباحثين الكرام في المركز‪.‬‬
‫ثم تضافرت جهود أقسام المبرة األخرى كقسم اإلعًلم في إتمام‬
‫العمل بتنسيق الكتب وإخراجها؛ فكانت هذه السلسلة من الموضوعات‪،‬‬
‫التي تندرج في سلسلة (تراث اآلل واألصحاب)؛ ثمر ًة لهذا التعاون‬
‫المبارك‪.‬‬
‫وقد أرفقنا في ذيل هذا الكتاب قائم ًة بعناوين هذه المجموعة‬
‫المتكاملة من الموضوعات الدقيقة والمهمة في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫صا لوجهه‬‫نرجو من اهلل ‪ ‬أن يوفقنا في مسعانا‪ ،‬وأن يجعله خال ً‬
‫الكريم‪ ،‬وأن يجمع لنا األجرين‪ :‬أجر االجتهاد وأجر الصواب‪ ،‬إنه ولي‬
‫ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫مبرة الآل والآصحاب‬

‫‪12‬‬
‫املقدمة‬

‫‪J‬‬
‫محمد إلى‬ ‫ِ‬
‫باعث َّ‬ ‫الحمد هلل من ِّز ِل القرآن‪ ،‬معلِّمِ اإلنسان البيان‪،‬‬
‫وخ َّط ٌ‬
‫كًلم بقلم‬ ‫س وجان‪ ،‬نحمده ما تعاقبت األزمان‪ُ ،‬‬ ‫كافَّة الخلق من إن ٍ‬
‫أزمة اللغة‬
‫وبنان‪ ،‬والصًلة والسًلم على خير رسل بني اإلنسان‪ ،‬من ملك َّ‬
‫وخطُم البيان‪ ،‬أفصح من تكلَّم وبلَّغ وأبان‪ ،‬وعلى آل بيته وأصحابه‬ ‫ُ‬
‫الضاربين بسهام الخير في كل سباق وميدان‪.‬‬

‫وبعد؛‬
‫أهم مراحل الحياة اإلنسانية‪ ،‬إن‬
‫فتع ُّد مرحلة الطفولة والصغر من ِّ‬
‫لم تكن أهمها على اإلطالق‪ ،‬لما لها من أثر بالغ في حياة األمة‬
‫ِنات يقوم عليها بناء المستقبل؛‬
‫والمجتمعات في المستقبل‪ ،‬فالصغار لَب ٌ‬
‫عتمد عليها في البناء الحضاري‪ ،‬لذا‬
‫ألنهم سيمثلون القوة البشرية التي يُ َ‬
‫أصبح من مسلَّمات عصرنا الحاضر‪ :‬االهتمام بهذه المرحلة العمرية‪،‬‬
‫والعناية بها‪ ،‬والرغبة األكيدة في الوصول إلى أفضل السبل التي تساعد‬
‫على وضع األسس السليمة لتربية الصغار‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫املقدمة‬

‫ومما يزيد هذه المرحلة خطورة وأهمية‪ :‬أنها إحدى المحطات‬


‫رسم الخطوط الكبرى لما‬ ‫الهامة التي ُتبنى فيها شخصية الفرد‪ ،‬ففيها ُت َ‬
‫سيكون عليه اإلنسان في المستقبل‪ ،‬حيث أكَّدت الدراسات النفسية‬
‫هاما في‬
‫على أهمية السنوات األولى في حياة الفرد‪ ،‬لكونها تلعب دو ًرا ًّ‬
‫تشكيل شخصيته‪ ،‬وتكوين اتجاهاته‪ ،‬وميوله‪ ،‬ونظرته للحياة‪ ،‬ويتم فيها‬
‫وضع غالبية األسس للجوانب التربوية المختلفة‪ ،‬كما أكَّدت تلك‬
‫كثيرا من االنحرافات التي تظهر في الكبر ترجع إلى‬ ‫الدراسات على أ َّن ً‬
‫تعرض له الفرد في مواقف الحياة أثناء مرحلة الطفولة(‪!)1‬‬
‫ما َّ‬
‫وفي هذا المعنى يقول صالح بن عبد القدوس‪:‬‬
‫ـاء فــي غرســه‬
‫كــالعود يُســقى المـ َ‬ ‫الصـــــبا‬
‫وإن مـــــن أ َّد َبتـــــه فـــــي ِّ‬
‫أبصــرت مــن يبســه‬
‫َ‬ ‫بعــد الــذي‬ ‫حتـــــى تـــــراه ُم َونَّ ًقـــــا ناضـــــرا‬
‫ــو َارى فـــي ثـــرى رمســـه‬
‫حتـــى يُـ َ‬ ‫والشــــــيخ ال يتــــــرك أخالقــــــه‬
‫(‪)2‬‬
‫كــذا الصــبا عــاد إلــى نكســه‬ ‫إذا ارعــــوى عــــاد إلــــى جهلــــه‬
‫ومن هنا‪َ :‬غ َدت العناية بالصغار اليوم معيا ًرا من المعايير التي‬
‫يُقاس بها مدى تقدم األمم‪ ،‬فأُنشئت من َّظمات محلية‪ ،‬وإقليمية‪ ،‬ودولية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬عبد المحسن عبد العزيز حمادة‪> ،‬أسس تربية الطفل في الخليج العربي<‪ ،‬مجلة‬
‫دراسات الخليج والجزيرة العربية‪ ،‬العدد (‪ )28‬سنة ‪1981‬م‪( ،‬ص‪.)89/‬‬
‫(‪ )2‬ابن عبد البر‪> ،‬جامع بيان العلم وفضله< (‪ ،)370/1‬قال‪> :‬أنشدني غير واحد‬
‫لصالح بن عبد القدوس في شعر له‪ <:‬فذكره‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫املقدمة‬

‫لرعايتهم‪ ،‬وتوفير المقومات األساسية التي تكفل وقايتهم‪ ،‬وتغذيتهم‪،‬‬


‫ونموهم‪ ،‬وعالجهم‪.‬‬
‫اإلسالم أش ُّد عناي ًة بهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫وإذا كانت كل األمم ُتعنَى باألطفال؛ فإ َّن‬
‫فهو الدين الوحيد الذي نطق كتابه المق َّدس بأ َّن اهلل ‪ ‬قضى أن يجعل‬
‫وفضله‬
‫في األرض خليفة‪ ،‬وأ َّن هذا الخليفة هو اإلنسان الذي كرمه اهلل َّ‬
‫ور َس َم القرآن خطى حياته الجسدية‪ :‬نطفة‪،‬‬ ‫تفضيال‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫على كثير ممن خلق‬
‫سويا‪ ،‬ورسم خطى حياته النفسية‪ ،‬التي‬ ‫ثم علقة‪ ،‬ثم مضغة‪ ،‬ثم مخلو ًقا ًّ‬
‫تبدأ من حين إخراجه من بطن أمه ال يعلم شي ًئا‪ ،‬ثم يكتسب معارفه عن‬
‫طريق الحواس‪ ،‬ثم يرتد إلى أرذل العمر ال يعلم شي ًئا!‬
‫ولذا كانت حفاوة اإلسالم بالطفل عظيمة‪ ،‬من قبل أن يُولَد‪ ،‬ومن‬
‫بعد والدته‪ ،‬فكانت التشريعات التي ُتنظِّم حقوق الطفل من جميع‬
‫يشب على ما أراد له اإلسالم من أقصى درجات الكمال‬ ‫النواحي‪ ،‬حتى َّ‬
‫البشري الممكن؛ ليكون ــ بحق ــ لَبِن ًة في بناء صرح اإلسالم(‪.)1‬‬
‫آيات متع ِّد ٍ‬
‫دة حقو ًقا للطفل‪ ،‬ودعا إلى‬ ‫وقد ح َّدد القرآن الكريم في ٍ‬
‫احترامها وحمايتها؛ كح ِّقه في الحياة‪ .‬قال تعالى‪{ :‬ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ‬
‫(‪)2‬‬
‫وخصه بع َّدة حقوق‬
‫ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ} ‪َّ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أحمد العيسوي‪> ،‬إتحاف أولي األلباب‪ ،‬بحقوق الطفل وأحكامه في سؤال وجواب<‬
‫(ص‪.)9/‬‬
‫(‪ )2‬سورة اإلسراء (‪.)31‬‬
‫‪15‬‬
‫املقدمة‬

‫سن الرشد؛ كحقه في الرضاعة‪ ،‬والحضانة‪ ،‬والوالية‪ ،‬كما‬ ‫ما دام لم يبلغ َّ‬
‫خص الطفل المحروم؛ كاليتيم‪ ،‬واللقيط‪ ،‬وذي العاهة‪ ،‬بحقوق إضافية‪،‬‬ ‫َّ‬
‫وأحاطه بأنواع من الكفالة المادية‪ ،‬والمعنوية‪ ،‬لتضمن تربيته تربية صالحة‪.‬‬
‫وبالرغم مما صدر حتى اآلن من اهتمامات خاصة بحقوق الطفل‪،‬‬
‫حاليا‬
‫على الصعيدين الدولي والمحلي؛ إال أن الطفولة اإلسًلمية تمر ا‬
‫بمرحلة ال ُتحس ُد عليها‪ ،‬حيث تمر بأزمات تربوية نتيجة للتغيرات الثقافية‬
‫والحضارية الجديدة السريعة والمتًلحقة‪ ،‬ونتيجة للتغيرات في األدوار‬
‫داخل األسرة والمجتمع‪ ،‬ولقد جاءت النتائج تؤ ِّكد صحة هذا‪ ،‬فقد‬
‫أوضحت أبحاث الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية أن الطفولة‬
‫المعاصرة تعاني من مشكًلت مختلفة؛ مصدرها‪ :‬تواجد هذه الطفولة في‬
‫مجتمع ينغمس في موجة زاحفة من التبدل المادي السريع والمستعار‪ ،‬وما‬
‫يصاحب ذلك من تحوالت نفسية وأخالقية(‪.)1‬‬
‫ومن هنا‪ :‬وجب على اآلباء والمربين والقائمين على أمر تربية‬
‫اهتماما أكبر‪ ،‬وعناية أوفر‪ ،‬وذلك‬
‫ا‬ ‫األوالد والصغار أن يُولوا هذا الموضوع‬
‫باالطًلع على ما يستجد من دراسات‪ ،‬وما تناله اليد من أطروحات‬
‫س رسيخة‪ ،‬نرجو‬ ‫متمما على قواع َد متينة‪ ،‬وأس ٍ‬
‫وإحصائيات؛ ليكون األمر َّ‬
‫من ورائه بنا اء سام اقا‪ ،‬وشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء؛ فتؤتي أكلها‬
‫كل حين‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد جواد رضا‪> ،‬الطفولة في مجتمع عربي متغير< (ص‪.)5/‬‬
‫‪16‬‬
‫املقدمة‬

‫عقول‬
‫ُ‬ ‫ومن جوانب الفخر واالعتزاز أن نقول‪ :‬إنه مع ما بلغته‬
‫األمة‬
‫تطور في الفكر وأدواته ووسائله؛ فال يزال تراث َّ‬ ‫البشر من ُّ‬
‫يجتر منه أهله المنتسبون إليه‪ ،‬وينهل منه‬
‫ال ُّ‬ ‫اإلسالمية يُشكِّل مخزون ًا هائ ً‬
‫المحبون له‪ ،‬ليس في األفكار فحسب؛ بل أيض ًا في طريقة التربية‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫والتوجيه‪ ،‬والتعليم‪ ،‬ووسائل ذلك‪.‬‬
‫لذا فالدعوة إلى االنقطاع عن تراث األمة وأصولها‪ ،‬ليست دعو ًة‬
‫مقبولة‪ ،‬ال في السياق العقلي وال الشرعي‪ ،‬كما أن نقيضتها على الطرف‬
‫وغض الطرف عن آخر ما توصل إليه‬
‫ِّ‬ ‫اآلخر من دفن الرأس في الرمال‪،‬‬
‫المتخص ُصون في هذه األبواب؛ تشابهها في الحكم عليها‪ ،‬واالنفضاض‬
‫ِّ‬
‫التوسط في األمر‪ ،‬عن طريق مواكبة‬
‫ُّ‬ ‫عنها‪ ،‬وإنما الدعوة التي نرجوها‪:‬‬
‫صغارنا الثمار‪.‬‬
‫ُ‬ ‫العصر بأصولنا اإلسالمية‪ ،‬لتتالقح األفكار‪ ،‬ويجني‬
‫والحكمة ضالُّة المؤمن‪ ،‬أنَّى وجدها؛ فهو ُّ‬
‫أحق بها‪.‬‬
‫الص ْحب‬
‫ثم سؤال قد يراود األذهان؛ وهو‪ :‬هل َد َر َس َّ‬
‫لكن‪َّ :‬‬
‫والسلف علوم التربية هذه ووسائلها التي نتح َّدث عنها‪ ،‬حتى‬
‫واآلل َّ‬
‫نأخذ عنهم‪ ،‬ونستفيد من تجاربهم؟!‬
‫والجواب‪ :‬أنهم حققوا النموذج العملي الراقي في كل مجاالت‬
‫الحياة‪ ،‬وليس فقط في مجال التربية‪ ،‬لكن األمر كما في علم النحو‬
‫السلف لم يدرسوا النحو‬
‫والصرف‪ ،‬واللغة والبيان والبديع‪ ،‬وغيرها‪ ،‬أن َّ‬
‫والصرف وغيره‪ ،‬ومع ذلك كانوا أفصح الناس؛ ألن ذلك كان عندهم‬
‫‪17‬‬
‫املقدمة‬

‫بالسليقة‪ ،‬وباالستعدادات الفطرية‪ ،‬بجانب تهذيب الوحي الشريف‬


‫لهم‪ ،‬كذلك التربية‪ ،‬هم مارسوها بالفعل؛ لكن ضبط هذه األشياء وتبسيطها‬
‫وتقنينها ال يمكن أن يتصادم مع هذا(‪.)1‬‬
‫ومن شواهد هذا الجواب وأدلته‪ :‬ما نجده في سيرهم وتراجمهم‪،‬‬
‫من أقوال وأفعال وتقريرات‪ ،‬تدل على اهتمامهم باألمر؛ ومن ذلك‪:‬‬
‫قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ‬في تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫{ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ}(‪.)2‬‬
‫قال‪> :‬علموهم وأدبوهم<‪ ،‬وفي رواية‪> :‬علموا أنفسكم وأهليكم‬
‫الخير<(‪.)3‬‬
‫وترجم ابن أبي الدنيا لهذا األثر بقوله‪> :‬باب تعليم الرجل أهله‪،‬‬
‫وتعليم ولده‪ ،‬وتأديبهم<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مفرغة‪.‬‬
‫محمد إسماعيل المقدم‪> ،‬محو األمية التربوية<‪ ،‬سلسلة محاضرات َّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫سورة التحريم (‪.)6‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫في إسناده ضعف‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)4741‬والحسين بن حرب في >البر‬ ‫(‪)3‬‬
‫والصلة< (‪ ،)189‬من طريق منصور بن المعتمر‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن علي؛ به‪.‬‬
‫وهذا إسناد ضعيف‪ ،‬إلبهام الراوي عن علي‪.‬‬
‫وقد أخرجه الحاكم (‪ )3826‬ــ وعنه البيهقي في >شعب اإليمان< (‪ )8331‬ــ من‬
‫صح‪ :‬لكان‬‫طريق عبد الرزاق؛ فسمى ذلك المبهم‪ :‬ربعي بن حراش‪ ،‬وهذا لو َّ‬
‫مقبوال صحي ًحا‪.‬‬
‫اإلسناد ً‬
‫لكن الراجح عندي أن هذا وهم أو تصحيف‪ ،‬ألنه من غير طريق عبد الرزاق باإلبهام‬
‫ضا‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫أي ً‬
‫ابن أبي الدنيا‪> ،‬العيال< (‪.)491/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪18‬‬
‫املقدمة‬

‫وفي زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪> :‬كان بالمدينة‬


‫ثالثة معلمين يعلمون الصبيان‪ ،‬فكان عمر يرزق كل واحد منهم خمسة‬
‫عشر دره ًما كل شهر<(‪.)1‬‬
‫رجال ذات يومٍ مؤ ِّكدا على‬
‫وابنه عبد اهلل بن عمر ‪ ‬ينصح ً‬
‫أهمية التربية والتأديب؛ فيقول له‪> :‬أ ِّدب ابنك فإنك مسئول عن ولدك‪،‬‬
‫ما علمته؟ وهو مسئول عن ِّبرك وطاعته لك<(‪.)2‬‬
‫علمت ولدي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وكان سعيد بن العاص ‪ ‬يقول‪> :‬إذا‬
‫وأحجيته؛ فقد قضيت حقَّه‪ ،‬وبقي حقي عليه<(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫جته‪،‬‬
‫وز َّو ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)20835‬والبيهقي (‪ ،)206/6‬من طريق‬
‫صدقة بن عبد اهلل السمين الدمشقي‪ ،‬عن الوضين‪ ،‬عن عمر؛ به‪.‬‬
‫وصدقة هذا قال عنه الحافظ في >التقريب< (‪> :)2913‬ضعيف<‪ .‬كما أن شيخه‬
‫الوضين لم يدرك عمر!‬
‫(‪ )2‬صحيح لغيره‪ :‬أخرجه البيهقي (‪ ،)120/3‬والخطيب في >الفقيه والمتفقه<‬
‫(‪ ،)176/1‬من طريق عثمان بن إبراهيم الحاطبي‪ ،‬عن ابن عمر؛ به‪.‬‬
‫إسناد حسن ألجل بعض الكالم في عثمان‪ ،‬كما في >لسان الميزان<‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫خاصة وقد ُوجد له طريق آخر عند‬‫(‪ ،)373/5‬لكنه ال ينزل باألثر إلى الضعف‪َّ ،‬‬
‫ابن أبي الدنيا في >العيال< (‪ )334‬من طريق سعيد بن محمد الثقفي‪ ،‬عن عنبسة بن‬
‫عمار‪ ،‬عن ابن عمر؛ به‪ .‬والثقفي وإن كان ضعي ًفا‪ ،‬كما في >التقريب< (‪)2387‬؛‬
‫إال أنه يصلح هنا في تقوية الطريق األول‪.‬‬
‫(‪ )3‬إسناده حسن‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)26319‬وابن أبي الدنيا في >العيال<‬
‫(‪ ،)312 ،170‬من طريق طلحة بن يحيى بن طلحة‪ ،‬عن أبي بردة بن أبي موسى‪،‬‬
‫=‬ ‫قال‪ :‬قال سعيد؛ به‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫املقدمة‬

‫وظهر فيما بعد وظيفة باسم‪> :‬المؤ ِّدب<‪.‬‬


‫بل كان أحد أئمة الحديث‪ ،‬وهو اإلمام ابن أبي الدنيا يُلقَّب بـ‪:‬‬
‫>مؤ ِّدب أوالد الخلفاء<(‪.)1‬‬
‫وسيرد ــ إن شاء اهلل ــ في ثنايا هذه الفصول من اآلثار والنماذج ما‬
‫وتتمة‪.‬‬
‫يزيد هذه النتائج َّقوة‪ ،‬والشواهد إيضا ًحا َّ‬

‫عملي في هذا الكتاب‪:‬‬


‫قمت ــ بحمد اهلل ــ بجمع مادة هذا البحث من خالل استقراء‬ ‫ُ‬
‫بعض كتب المصنَّفات في آثار الصحابة والتابعين؛ مثل‪> :‬مصنَّف‬
‫المفردة في كتب السنة‪ ،‬والتي تتعلق بالتربية‬
‫َ‬ ‫عبد الرزاق<‪ ،‬واألبواب‬
‫والتعامل مع الصغار(‪ ،)2‬مع مطالعة بعض األبحاث والمؤلَّفات‬
‫وصل إليه في هذا الباب‪.‬‬
‫العصرية‪ ،‬المحتوية على آخر ما ُت ِّ‬
‫التخير‬
‫ُّ‬ ‫ومما يجب التنبيه عليه هنا‪ :‬أن هذه الدراسة قائمة على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وهذا إسناد رجاله ثقات؛ خال طلحة هذا‪ ،‬فقد قال عنه الحافظ في >التقريب<‬
‫(‪> :)3036‬صدوق يخطئ<‪.‬‬
‫(‪ )1‬الذهبي‪> ،‬سير أعالم النبالء< (‪.)400/13‬‬
‫(‪ )2‬بعض اآلثار والنماذج المذكورة هنا لم يتضح لي ــ بعد بحث في طرقها واالستدالل‬
‫كبيرا‪ ،‬فإن‬
‫صغيرا أم ً‬
‫ً‬ ‫عند العلماء بها ــ ما إذا كان س ُّن االبن المتعلِّم أو المخاطَب‬
‫كبيرا؛ فال ضرر إن شاء اهلل من إدراج‬
‫تبين للقارئ ــ بقرائن عنده ــ أن االبن كان ً‬ ‫َّ‬
‫هذا النموذج هنا‪ ،‬بجامع باب التربية بينهما‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫املقدمة‬

‫واالنتقاء‪ ،‬ال الحصر واالستقصاء‪ ،‬فإن ذلك أمر َّ‬


‫يتعذر كما يعلمه‬ ‫ٌ‬
‫العقالء‪ ،‬لكن المراد كشف ال ِّلثام‪ ،‬عن هذا الجزء من حياة الصحب‬
‫غفال‪ ،‬بل بلغ من وضوحه أنه كان‬‫مهمال وال ً‬‫ً‬ ‫واآلل‪ ،‬وأنه لم يكن‬
‫يدرس‪ ،‬فلما تباعد الزمان‪ ،‬واختلفت‬
‫يُمارس‪ ،‬وال يحتاج أن يُد َّون أو َّ‬
‫عقول الناس؛ احتيج إلى الكتابة والقرطاس‪.‬‬

‫قسمت الدراسة إلى خمسة فصول‪ ،‬وتمهيد‪:‬‬


‫َّأما التمهيد‪:‬‬
‫فقد قسمته إلى مبحثين‪:‬‬
‫* األول‪ :‬لبيان معاني المصطلحات والمفردات الواردة في عنوان‬
‫الدراسة (اآلداب‪ ،‬التربية‪ ،‬التراث‪ ،‬اآلل‪ ،‬األصحاب)‪ .‬وقد راعيت‬
‫في ذلك االختصار‪ ،‬بما يتناسب مع طبيعة الدراسة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬لبيان العناية المبكرة‪ ،‬واالهتمام البالغ بمرحلة الطفولة‬
‫والصغر قبل بدئها‪ ،‬من خالل نصوص الوحي‪ ،‬وتعامل اآلل والصحب‪،‬‬
‫بإيجاز بال ٍغ‪ ،‬إذ ليس مقصو ًدا لنا باألصالة هنا‪ ،‬وإنما ُوضع ليكون‬
‫بمثابة توطئة للفصول الالحقة‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ وأ َّما الفصل األول (التربية العقدية)‪:‬‬
‫فجاء لبيان أهمية العقيدة في حياة الصغار‪ ،‬واهتمام الصحب واآلل‬
‫‪21‬‬
‫املقدمة‬

‫المكون في التربية‪ ،‬ومظاهر ذلك‪ ،‬وأمثلته‪ ،‬ونماذجه‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫بهذا‬
‫‪ 2‬ــ وأ َّما الفصل الثاني (التربية التعبدية)‪:‬‬
‫فجاء لبيان دور العبادة في إصقال العقيدة في نفوس الصغار‪ ،‬وأهمية‬
‫تدريبهم عليها من الصغر‪ ،‬رغم أنهم غير مكلَّفين بها‪ ،‬ومظاهر ذلك عند‬
‫الصحب واآلل مع صغارهم‪ ،‬في أشكال العبادة المختلفة؛ من صالة‪،‬‬
‫وصيام‪ ،‬وزكاة‪ ،‬وحج وعمرة‪ ،‬وتعلُّم قرآن‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ وأ َّما الفصل الثالث (التربية األخالقية)‪:‬‬
‫أهم األخًلق األساسية الم َّتفق عليها‪ ،‬التي بناها الصحب‬
‫فجاء لبيان ِّ‬
‫واآلل في نفوس صغارهم‪ ،‬والوسائل التي استخدموها في إيصال تلك‬
‫األخالق‪ ،‬مع االستشهاد بالنماذج والمواقف التي أُثرت عنهم‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ وأ َّما الفصل الرابع (التربية االجتماعية)‪:‬‬
‫فجاء لبيان معنى هذه التربية وأهميتها‪ ،‬وكيف تعامل الصحب‬
‫اجتماعيا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫واآلل مع صغارهم لدمجهم في مجتمعهم‪ ،‬وجعلهم ناجحين‬
‫بعي ًدا عن أجواء العزلة واالنطوائية‪ ،‬واألساليب التي استخدموها ألجل‬
‫تحقيق هذا الغرض‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ وأ َّما الفصل الخامس (التربية البدنية)‪:‬‬
‫فجاء لبيان االهتمام بالبناء الجسدي الصحي‪ ،‬والبناء النفسي العاطفي‬
‫‪22‬‬
‫املقدمة‬

‫صحيح البدن‪ ،‬صحيح النفس‪ ،‬بال‬


‫َ‬ ‫الصغير‬
‫ُ‬ ‫في آ ٍن واحد‪ ،‬وذلك ليخرج‬
‫ستخدمت ألجل‬ ‫تشويه جسدي أو عاطفي‪ ،‬وبيان أهم الوسائل التي اُ ُ‬
‫الوصول لهذا الهدف‪.‬‬
‫س يسير من‬‫لكل فصل من فصول التربية المذكورة ب َق َب ٍ‬‫مت ِّ‬ ‫* ق َّد ُ‬
‫الموضح ألصله‪ ،‬إذ هو الضوء الذي أنار‬ ‫ِّ‬ ‫الهدي النبوي ال َّدالِّ عليه‪،‬‬
‫وشق لهم السبيل‪.‬‬
‫للصحب واآلل الطريق‪َّ ،‬‬
‫قمت بتخريج األحاديث واآلثار الواردة في الدراسة‪ ،‬وراعيت‬
‫* ُ‬
‫في ذلك االختصار بما يتناسب مع المقام‪ ،‬إال ما َد َعت الحاجة إلى‬
‫التوسع فيه بعض الشيء‪ ،‬مع تصدير ذلك بالحكم العام على الحديث‬ ‫ُّ‬
‫أو األثر‪.‬‬
‫لت البحث بقائمة المصادر والمراجع الواردة في الدراسة‪.‬‬
‫* ذيَّ ُ‬
‫مبر ُة اآلل واألصحاب بإخراج أمثال هذه‬ ‫وأخيرا‪ :‬فقد ُوفِّقت َّ‬
‫ً‬
‫األبحاث والدراسات التي تربط أبناء األمة بأسالفهم‪ ،‬وتم ُّدهم بما له‬
‫نافع من ماضيهم‪ ،‬في خطوة رائعة لتعريفهم بأهمية تراثهم‪ .‬كما تبيِّن‬ ‫أثر ٌ‬
‫ٌ‬
‫للشباب ما كان بين الصحب واآلل‪ ،‬من اتفا ٍق في المنهج واألسلوب‪،‬‬
‫إذ وردوا جمي ًعا مور ًدا واح ًدا؛ فال َغر َو أن تتشابه بعد ذلك تربيتهم‬
‫وطريقتهم‪.‬‬
‫فجزى اهلل مبرة اآلل واألصحاب‪ ،‬من إدارة‪ ،‬ومسؤولين‪ ،‬ومراجعين‪،‬‬
‫‪23‬‬
‫املقدمة‬

‫وعاملين بها‪ ،‬خير الجزاء‪ ،‬وجعل ذلك في صحائف حسناتهم‪ ،‬وأثابهم‬


‫وبيض وجوههم {ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬ ‫الحسنى َّ‬
‫ﱦ}(‪.)1‬‬
‫نعمه‪ ،‬ويكافئ‬
‫مبارك اا فيه‪ ،‬حمد اا يوافي َ‬
‫والحمد هلل حمد اا كثير اا طيِّب اا َ‬
‫نقمه‪.‬‬‫مزي َده‪ ،‬ويدفع عنَّا َ‬

‫أْحداجلابري‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الشعراء (‪ 88‬ــ ‪.)89‬‬
‫‪24‬‬
‫ويشتمل على مبحثين‪:‬‬

‫* المبحث األول‪ :‬التعريف بمصطلحات العنوان‬


‫(اآلداب‪ ،‬التربية‪ ،‬التراث‪ ،‬اآلل‪ ،‬األصحاب)‬

‫* المبحث الثاني‪ :‬عناية مبكِّرة‬


‫التعريف باآلداب‬

‫‪١9‬‬
‫اتلعريف بمصطلحات العنوان‬
‫ً‬
‫أول‪:‬‬
‫اتلعريف باآلداب‬

‫تعريف األ َ َدب لغة‪:‬‬


‫قال ابن فارس‪(> :‬أدب) الهمزة والدال والباء أصل واحد تتفرع‬
‫مسائله وترجع إليه‪ ،‬فاألَد ُب أن تجمع الناس إلى طعامك‪ .‬وهي‪:‬‬
‫والمأدبة‪ .‬واآل ِد ُب الداعي‪ .‬قال ط ََرفَ ُة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫المأدبة‬
‫َ‬
‫ال تـــــرى اآل ِد َب فينـــــا يَ َنت ِقـــــر‬ ‫الج َفلَـى‬
‫نحن فـي المشـتاة نـدعو َ‬
‫والمآدب‪ :‬جمع المأدبة‪ ،‬قال شاعر‪:‬‬
‫نوى ال َق ْسب ُمل اقى عند بعـض المـددب‬ ‫كأ َّن قلوب الطيـر فـي قَعـر ُع ِّشـها‬
‫مجم ٌع على استحسانه<(‪.)1‬‬ ‫ومن هذا القياس‪ :‬األَ َد ُب أي ً‬
‫ضا‪ ،‬ألنه َ‬
‫واألَ َدب‪ :‬الذي يتأ َّدب به األديب من الناس‪ُ ،‬س ِّمي أَ َد ابا‪ :‬ألنه يأ ِدب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن فارس‪> ،‬مقاييس اللغة< (‪.)74/1‬‬
‫‪27‬‬
‫التعريف باآلداب‬

‫الناس إلى المحامد‪ ،‬وينهاهم عن المقابح‪ .‬وأصل األَد ِب‪ :‬ال ُّدعاء‪،‬‬
‫ومأدبة(‪.)1‬‬
‫دعى إليه الناس‪َ :‬مدعاة‪ُ ،‬‬
‫للصنيع يُ َ‬
‫ومنه قيل َّ‬
‫يقع على كل رياضة محمودة‬‫وقال أبو زيد األنصاري‪ :‬األَ َد ُب ُ‬
‫يتخرج بها اإلنسان في فضيلة من الفضائل‪ .‬وقال األزهري نحوه‪.‬‬
‫َّ‬
‫اسم لذلك‪ ،‬والجمع‪ :‬آداب‪ ،‬مثل‪ :‬سبب وأسباب‪ ،‬وأ َّدبته‬ ‫فاألَ َد ُب ٌ‬
‫تأديبا إذا عاقبته على إساءته؛ ألنه‬
‫تأديبا مبالغة وتكثير‪ ،‬ومنه قيل‪ :‬أ َّدبته ً‬
‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫سبب يدعو إلى حقيقة األدب ‪.‬‬

‫تعريف األ َ َدب اصطال ًحا‪:‬‬


‫كل رياضة‬
‫األدب‪ :‬رياضة النفوس ومحاسن األخالق‪ ،‬ويقع على ِّ‬
‫يتخرج بها اإلنسان في فضيلة من الفضائل(‪.)3‬‬
‫محمودة َّ‬
‫حتر ُز به عن جميع أنواع الخطأ(‪.)4‬‬
‫وقيل‪ :‬هو عبارة عن معرفة ما يُ َ‬
‫وحسن‬
‫وفيما يتعلق بالسلوك؛ هو‪ُ :‬حسن األحوال في القيام والقعود‪ُ ،‬‬
‫األخالق‪ ،‬واجتماع الخصال الحميدة(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ابن منظور‪> ،‬لسان العرب< (‪.)206/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الفيومي‪> ،‬المصباح المنير< (‪.)9/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المناوي‪> ،‬التوقيف على مهمات التعاريف< (ص‪ ،)42/‬الكفوي‪> ،‬الكليات<‬ ‫(‪)3‬‬
‫(ص‪.)65/‬‬
‫الجرجاني‪> ،‬التعريفات< (ص‪.)15/‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫التهانوي‪> ،‬كشاف اصطالحات الفنون والعلوم< (‪.)127/1‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪28‬‬
‫التعريف باآلداب‬

‫والفرق بينه وبين التعليم‪ :‬أن التأديب يتعلق بالمروءات‪ ،‬والتعليم‬


‫بالشرعيات‪ ،‬أي‪ :‬أن األول عرفي‪ ،‬والثاني شرعي‪ ،‬أو‪ :‬األول دنيوي‪،‬‬
‫والثاني أخروي ديني(‪.)1‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬األدب مجالسة الخلق على بساط الصدق‪ ،‬ومطابقة‬
‫الحقائق(‪.)2‬‬
‫قال ابن القيم‪> :‬وحقيقة األدب‪ :‬استعمال الخلق الجميل‪ .‬ولهذا‬
‫كان األدب استخرا اجا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل<(‪.)3‬‬
‫وقيل‪ :‬األدب عند أهل الشرع‪ :‬الورع‪ .‬وعند أهل الحكمة‪ :‬صيانة‬
‫النفس(‪.)4‬‬
‫وقال أهل التحقيق‪ :‬األدب‪ :‬الخروج من صدق االختبار‪ ،‬والتضرع‬
‫على بساط االفتقار(‪.)5‬‬
‫وفعال‪.‬‬
‫قوال ً‬
‫حمد ً‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪> :‬األدب‪ :‬استعمال ما يُ َ‬
‫وعبر بعضهم عنه بأنه‪ :‬األخذ بمكارم األخالق‪.‬‬
‫َّ‬
‫وقيل‪ :‬الوقوف مع المستحسنات‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو تعظيم من فوقك‪ ،‬والرفق بمن دونك<(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الكرماني‪> ،‬الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري< (‪.)89/2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫التهانوي‪> ،‬كشاف اصطالحات الفنون والعلوم< (‪.)128/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابن القيم‪> ،‬مدارج السالكين< (‪.)361/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫التهانوي‪> ،‬كشاف اصطالحات الفنون والعلوم< (‪.)128/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪.)400/10‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫‪29‬‬
‫التعريف بالتربية‬

‫ً‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫اتلعريف بالرتبية‬

‫لغة‪:‬‬
‫تعريف التربية ً‬
‫يتضمن مصطلح التربية دالالت لُغوية متعددة‪ ،‬تشير جميعها إلى‬
‫َّ‬
‫تتضمنه العملية التربوية من أنشطة؛ كما يلي‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ما ينبغي أن‬
‫رب الشيء‪ :‬إذا أصلحه‪ .‬والربيبة‪ :‬الحاضنة‪،‬‬
‫‪ 1‬ــ اإلصالح‪ :‬يُقال‪َّ :‬‬
‫ُس ِّميت بذلك ألنها تصلح الشيء‪ ،‬وتقوم به‪ ،‬وتجمعه(‪.)1‬‬
‫رب المعروف والصنيعة والنعمة‪ :‬يربُّها‬
‫‪ 2‬ــ النَّماء والزيادة‪ :‬يُقال‪َّ :‬‬
‫ربا وربابا وربابة‪ ،‬وربَّبها‪َّ :‬نماها‪ ،‬وزادها‪ ،‬وأتمها‪ ،‬وأصلحها(‪.)2‬‬
‫ًّ‬
‫وت في بني فالن‪ ،‬أَربُو‪:‬‬
‫‪ 3‬ــ النشأة والترعرع‪ :‬قال األصمعي‪َ > :‬ربَ ُ‬
‫نشأت فيهم‪ ،‬وربَّي ُت فال ًنا أُ َربِّيه َتربية<(‪.)3‬‬
‫ُ‬
‫القوم‪ُ :‬سس ُتهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫‪ 4‬ــ سياسة الناس ووالية أمرهم‪ :‬يُقال‪َ :‬ربَب ُت‬
‫أي‪ :‬كنت فوقهم‪ .‬والعرب تقول‪ :‬ألن يَ ُربَّني فًلن أحب إلي من أن يَ ُربَّني‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن منظور‪> ،‬لسان العرب< (‪ 404/1‬ــ ‪.)405‬‬
‫(‪ )2‬ابن فارس‪> ،‬مقاييس اللغة< (‪ ،)483/2‬ابن منظور‪> ،‬لسان العرب< (‪.)405/1‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪> ،‬لسان العرب< (‪ ،)307/14‬الفيروز آبادي‪> ،‬القاموس المحيط<‬
‫(ص‪.)1286/‬‬
‫‪30‬‬
‫التعريف بالتربية‬

‫ربا فوقي‪ ،‬وسي ًدا يملكني(‪.)1‬‬


‫فالن؛ يعني‪ :‬أن يكون ًّ‬
‫الرب‪ ،‬بمعنى التربية‪ ،‬كانوا يربون‬
‫‪ 5‬ــ التعليم‪ :‬قيل‪ :‬الربَّاني‪ :‬من ِّ‬
‫المتعل ِّمين بصغار العلوم‪ ،‬قبل كبارها‪ .‬والرباني‪ :‬العالم الراسخ في‬
‫العلم والدين‪ ،‬أو الذي يطلب بعلمه وجه اهلل(‪.)2‬‬
‫وقد استنبط بعض المعاصرين من هذه األصول اللغوية أن التربية‬
‫تتكون من عناصر‪:‬‬
‫أولها‪ :‬المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬تنمية مواهبه واستعداداته كلها‪ ،‬وهي كثيرة متنوعة‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬توجيه هذه الفطرة‪ ،‬وهذه المواهب كلها نحو صًلحها‪،‬‬
‫وكمالها الالئق بها‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬التدرج في هذه العملية(‪.)3‬‬
‫تعريف التربية اصطال ًحا‪:‬‬
‫حاال‬
‫الرب في األصل‪ :‬التربية‪ ،‬وهو إنشاء الشيء ً‬
‫قال األصفهاني‪َّ > :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن منظور‪> ،‬لسان العرب< (‪.)400/1‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق (‪ ،)404/1‬خالد بن حامد الحازمي‪> ،‬أصول التربية اإلسالمية<‬
‫(ص‪.)17/‬‬
‫(‪ )3‬هو‪ :‬األستاذ عبد الرحمن الباني‪ ،‬انظر‪ :‬عبد الرحمن النحالوي‪> ،‬أصول التربية‬
‫اإلسالمية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع< (ص‪.)17/‬‬
‫‪31‬‬
‫التعريف بالتربية‬

‫فحاال إلى ح ّد التمام<(‪.)1‬‬


‫ً‬
‫وقال البيضاوي‪> :‬التربية‪ :‬هي تبليغ الشيء إلى كماله شي ائا فشي ًئا<(‪.)2‬‬
‫وعلى ذلك فيمكن تعريف التربية المرادة بالبحث هنا بأنها‪ :‬عملية‬
‫بناء الطفل شي ًئا فشي ًئا‪ ،‬إلى ح ِّد التمام والكمال‪.‬‬
‫وتم اختيار كلمة >بناء<‪ :‬ألنها تعني البذل والجهد‪ ،‬ووضع الشيء‬
‫في مكانه‪ ،‬ومتابعة النظر إليه؛ بالرعاية واإلصالح‪ ،‬بعي ًدا عن اإلهمال‪.‬‬
‫و>شي ًئا فشي ًئا<‪ :‬ليكون على سبيل التدرج‪ ،‬وأن ما يصعب تحقيقه‬
‫اليوم؛ يمكن أن يتحقَّق غ ًدا‪.‬‬
‫و>إلى حد التمام والكمال<‪ :‬يعني‪ :‬الحد الذي يصل فيه الطفل‬
‫إلى أن يتمسك بشرع اهلل من ذاته‪ ،‬ويحاسب نفسه بنفسه‪ ،‬ويراقبها‪،‬‬
‫ويتابع تربية نفسه بتالوة القرآن‪ ،‬والتمسك بالشرع الحنيف(‪.)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الراغب األصفهاني‪> ،‬المفردات في غريب القرآن< (ص‪.)336/‬‬
‫(‪ )2‬البيضاوي‪> ،‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل< (‪.)28/1‬‬
‫(‪ )3‬محمد نور بن عبد الحفيظ سويد‪> ،‬منهج التربية النبوية للطفل< (ص‪ 27/‬ــ ‪.)28‬‬
‫‪32‬‬
‫التعريف بالتراث‬

‫ً‬
‫ثاثلا‪:‬‬
‫ر‬
‫اتلعريف بالرتاث‬

‫لغة‪:‬‬
‫تعريف ال ُّتراث ً‬
‫قال ابن فارس‪(> :‬ورث) الواو والراء والثاء‪ :‬كلمة واحدة‪ ،‬هي‬
‫الورث‪ .‬والميراث أصله الواو‪ ،‬وهو‪ :‬أن يكون الشيء لقوم ثم يصير‬
‫إلى آخرين بنسب أو سبب‪ .‬قال‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ونورثهـــــا إذا متنـــــا بنينـــــا<‬ ‫ورثنــــاه َّن عــــن آبــــاء صــــدق‬
‫وال ِو َراثَ ُة وا ِإلر ُث‪ :‬انتقال قُنية إليك عن غيرك من غير عقد‪ ،‬وال ما‬
‫الميت فيقال للقنيةِ‬
‫وس ّمي بذلك المنتقل عن ّ‬ ‫يجري مجرى العقد‪ُ ،‬‬
‫الموروثَة‪ِ :‬م ٌ‬
‫يراث و ِإر ٌث(‪.)2‬‬
‫راث‪ :‬واحد‪.‬‬ ‫اث والت ُ‬‫اث واإل َر ُ‬
‫والو ْر ُث واإلرث والو َر ُ‬
‫والو ْر ُث َ‬
‫والميراث أصله ِموراث‪ ،‬انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها‪ ،‬وال ُّتراث‬
‫أصل التاء فيه واو‪.‬‬
‫والورث واإلرث والتراث والميراث‪ :‬ما ُورث؛ وقيل‪ :‬الورث‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن فارس‪> ،‬مقاييس اللغة< (‪.)105/6‬‬
‫(‪ )2‬األصفهاني‪> ،‬المفردات في غريب القرآن< (ص‪.)863/‬‬
‫‪33‬‬
‫التعريف بالتراث‬

‫والميراث في المال‪ ،‬وا ِإلرث في الحسب(‪ .)1‬مما يُشير إلى الميراث‬


‫وش َرف ال ِفعال التي يرثها األبناء‪،‬‬
‫الح َسب هو مفاخر اآلباء َ‬
‫الثقافي‪ ،‬ألن َ‬
‫ويتغنَّون بها(‪.)2‬‬
‫وهو على إ ٍ‬
‫رث من كذا‪ :‬أي‪ :‬على أمر قديم توارثه اآلخر عن األول‪.‬‬
‫وفي حديث الحج‪> :‬إنكم على ِإ ْرث من ِإ ْرث أبيكم إبراهيم<(‪،)3‬‬
‫يريد به ميراثهم ملته(‪.)4‬‬
‫وقد وردت كلمة >ال ُّتراث< في القرآن الكريم مر ًة واحد ًة بمعنى‬
‫الميراث؛ في قوله تعالى‪{ :‬ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ} [الفجر‪ .]19 :‬أي‪:‬‬
‫أكال شدي ًدا ال تتركون منه شي ًئا‪ ،‬وال تميزون‬
‫تأكلون أيها الناس الميراث ً‬
‫بين ما كان لكم‪ ،‬أو لغيركم(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الجوهري‪> ،‬الصحاح< (‪ ،)295/1‬ابن منظور‪> ،‬لسان العرب< (‪،)200/2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الفيومي‪> ،‬المصباح المنير< (‪.)655/2‬‬
‫اعتبر الزمخشري في >أساس البالغة< (‪ )327/2‬هذا االستعمال لكلمة >اإلرث< من‬ ‫(‪)2‬‬
‫قبيل المجاز‪.‬‬
‫أخرجه أحمد (‪ ،)17233‬وابن ماجه (‪ ،)3011‬وأبو داود (‪ ،)1919‬والترمذي‬ ‫(‪)3‬‬
‫(‪ ،)883‬والنسائي (‪ )3014‬من حديث ابن مربع األنصاري ‪.‬‬
‫حسن‪ ،‬ال نعرفه إال من‬
‫ٌ‬ ‫حديث‬
‫ٌ‬ ‫قال الترمذي عقبه‪> :‬حديث ابن مربع األنصاري‬
‫حديث ابن عيينة‪ ،‬عن عمرو بن دينار‪ ،‬وابن مربع‪ :‬اسمه يزيد بن مربع األنصاري‪،‬‬
‫وإنما يُعرف له هذا الحديث الواحد<‪.‬‬
‫ابن منظور‪> ،‬لسان العرب< (‪.)111/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الطبري‪> ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن< (‪.)414/24‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪34‬‬
‫التعريف بالتراث‬

‫تعريف ال ُّتراث اصطال ًحا‪:‬‬


‫يُمكن تعريف ال ُّتراث هنا بأنه‪ :‬ما تم وراثته عن اآلباء من عقيدة‪،‬‬
‫المنجزات األخرى‬
‫َ‬ ‫وثقافة‪ ،‬وقيم‪ ،‬وآداب‪ ،‬وفنون‪ ،‬وصناعات‪ ،‬وسائر‬
‫المعنوية والمادية(‪.)1‬‬
‫والواضح من االستعمال االصطالحي للفظ التراث أنه مأخوذ من‬
‫فغالبا ما يقصد به المتروك من الثقافة أو الفكر أو غير‬
‫المعنى اللغوي‪ً ،‬‬
‫ذلك مما تركه السلف واألجداد لألجيال التي َتلَتهم‪ ،‬ومع هذا‪ :‬فإنه‬
‫يصعب توصيف المراد بالتراث تحدي ًدا بناء على الفترة الزمنية‪ ،‬فالبعض‬
‫قد يعتبر ما ُترك من القرن السابق ترا ًثا‪ ،‬وآخرون قد يعتبرون التراث ما‬
‫مضى عليه أكثر من ذلك‪ ،‬وقد يجنح البعض إلى اعتبار أن ما ُترك قبل‬
‫سنوات قليلة ترا ًثا‪ ،‬وفي كل األحوال‪ :‬فإ َّن مفهوم التراث يدور حول ما‬
‫ُترك من عصور أو فترات زمنية سابقة‪.‬‬
‫* فالتراث نوعان‪ :‬تراث تاريخي‪ ،‬يروي أحدا ًثا مضت‪ ،‬ال يُستفاد‬
‫للتأمل واستنباط العبر والعظات‪ ،‬وهذا هي‬
‫منها إال القراءة التاريخية ُّ‬
‫الفائدة األساسية له‪.‬‬
‫والنوع الثاني‪ :‬التراث الفكري‪ ،‬وهو‪ :‬الثقافة والقيم واألفكار الفاضلة‬
‫عقال ورو ًحا‪.‬‬
‫والصالحة‪ ،‬التي ُورثت عن سلف متميز ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬أكرم العمري‪> ،‬التراث والمعاصرة< (ص‪.)27/‬‬
‫‪35‬‬
‫التعريف بالتراث‬

‫وهذا النوع ال يمكن لعاقل أن ينكر أهمية االستفادة منه والبناء عليه‬
‫أو العمل به‪ ،‬فكم من نظريات فكرية‪ ،‬أو علمية‪ ،‬أو تربوية ما زالت‬
‫ؤسس عليها معرفة أو َتبنى منها‬ ‫األجيال حتى اآلن تتبعها منه ًجا‪ ،‬أو ُت ِّ‬
‫حضارة‪ ،‬بل مازالت بعض الحضارات الحديثة ُت َم ِّجد ثُلَّ ًة من أصحاب‬
‫تلك النظريات واألفكار لسبقهم ونتاجهم الذي أضاف لإلنسانية ما‬
‫يصلحها ويزيد في تقدمها(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬معاوية أحمد سيد أحمد‪> ،‬الفقه وأصوله‪ ،‬بين التراث والمعاصرة< (ص‪ 4/‬ــ ‪.)5‬‬
‫‪36‬‬
‫التعريف باآلل‬

‫ً‬
‫رابعا‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫اتلعريف باآلل‬

‫لغة(‪:)2‬‬
‫تعريف >اآلل< ً‬
‫يدور كالم أهل اللغة في تفسير هذه الكلمة حول معنيين؛ هما‪:‬‬
‫األهل‪ ،‬واألتباع‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اختصرت الكالم عن مصطلحي (اآلل‪ ،‬واألصحاب) بما يتناسب مع طبيعة البحث‪،‬‬
‫كتبا وأبحا ًثا قد‬
‫إذ أن التعريج عليهما من نافلة القول‪ ،‬ال من فرضه‪ ،‬كما أن هناك ً‬
‫أسهبت وأفادت في الكالم عن هذين المصطلحين‪ ،‬سيأتي ذكر بعضها واإلشارة إليه‬
‫في حواشي الكالم عن كل مصطلح‪.‬‬
‫اشتقَّت منه كلمة >اآلل< على قولين‪:‬‬
‫اختلف في األصل الذي ُ‬ ‫(‪ُ )2‬‬
‫األول‪ :‬أنها مشتقة من كلمة أهل‪.‬‬
‫واختار هذا‪ :‬الراغب األصفهاني في >المفردات في غريب القرآن< (ص‪ ،)98/‬وابن‬
‫قدامة في >المغني< (‪ ،)232/6‬وابن منظور في >لسان العرب< (‪،)30/11‬‬
‫والفيروز آبادي في >القاموس المحيط< (ص‪ ،)963/‬ور َّده ابن تيمية كما في‬
‫>مجموع الفتاوى< (‪ ،)463/22‬وابن القيِّم في >جالء األفهام< (ص‪.)203/‬‬
‫الثاني‪ :‬أنها مشتقة من كلمة أَول‪.‬‬
‫واختار هذا‪ :‬الجوهري في >الصحاح< (‪ ،)1627/4‬وابن فارس في >مقاييس اللغة<‬
‫(‪ ،)160/1‬وابن الجوزي في >نزهة األعين النواظر< (ص‪ ،)122/‬وابن تيمية كما في‬
‫>مجموع الفتاوى< (‪ ،)463/22‬ومال إليه الحافظ في >فتح الباري< (‪،)160/11‬‬
‫ور َّجحه الشيخ محمد سالم الخضر في >أهل البيت بين مدرستين< (ص‪.)18/‬‬
‫‪37‬‬
‫التعريف باآلل‬

‫أتباعه‪ .‬قال‬
‫ضا‪ُ :‬‬ ‫قال الجوهري‪> :‬آل الرجل‪ :‬أهله وعيالُه‪ ،‬وآل ُ ُه أي ا‬
‫األعشى‪:‬‬
‫والس ـلَعا‬ ‫آ ِل َح َّســا َن يُزجــي َ‬
‫السـ َّـم َ‬ ‫فَ َك َّذبوها بمـا قالـت َ‬
‫فص َّـب َح ُهم ذو‬
‫يعني‪ :‬جيش ُت َّب ٍع<(‪.)1‬‬
‫وقال ابن فارس‪> :‬آل الرجل أهل بيته‪ ،‬ألنه إليه مآلهم وإليهم‬
‫مآله‪ .‬وهذا معنى قولهم يال فالن‪ .‬وقال ط ََرفَة‪:‬‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫يال قـومي للشـباب المس َـبكر<‬ ‫َ‬ ‫ــب الطـــر َف عليهـــا نجـــد ًة‬ ‫ِ‬
‫تحسـ ُ‬
‫ضا‪ :‬ابن الجوزي(‪،)3‬‬
‫وممن أشار إلى الجمع بين المعنيين أي ً‬
‫والعز بن عبد السالم(‪.)4‬‬
‫ضاف إال إلى َمتبو ٍع ُمع َّظم‪ ،‬وإلى‬
‫ضا‪ :‬أنها ال ُت ُ‬
‫ومن خصائصها أي ً‬
‫األشرف واألفضل؛ ُفيقال‪ :‬آل اهلل‪ ،‬وآل السلطان‪ ،‬وال يُقال‪ :‬آل الحائك‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الجوهري‪> ،‬الصحاح< (‪.)1627/4‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ابن فارس‪> ،‬مقاييس اللغة< (‪.)160/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫قال ابن الجوزي في >نزهة األعين النواظر< (ص‪> :)121/‬قال شيخنا علي بن‬ ‫(‪)3‬‬
‫عبيداهلل‪ :‬اآلل‪ :‬اسم لكل من رجع إلى معتمد عليه فيما رجع فيه إليه‪ ،‬فتارة يكون‬
‫بالنسب‪ ،‬وتارة يكون بالسبب<‪.‬‬
‫وذكر هنالك تقسيم المفسرين لمعنى >اآلل< في القرآن الكريم إلى أربعة أقسام‪،‬‬
‫رجع إليه‪.‬‬
‫فلي َ‬
‫وشواهد كل قسم‪ُ .‬‬
‫قال العز بن عبد السالم في >تفسير القرآن< (‪> :)124/1‬آل الرجل‪ :‬هم الذين تؤول‬ ‫(‪)4‬‬
‫أمورهم إليه في نسب أو صحبة‪ ،‬واآلل واألهل سواء<‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫التعريف باآلل‬

‫وال آل الحجام‪ ،‬بخالف كلمة >أهل<؛ فإنها ُتضاف إلى الكل(‪.)1‬‬

‫تعريف >اآلل< اصطال ًحا‪:‬‬


‫إذا أُطلق لفظ >اآلل< بالتعريف‪ ،‬ودون إضافة فإنه ينصرف إلى آل‬
‫بيت النبي ‘‪ ،‬إما باسمه‪ :‬آل محمد ‘‪ ،‬أو صفته‪ :‬آل النبي ‘‪ ،‬أو‬
‫مسكنه‪ :‬آل البيت‪ ،‬وقد يُستب َدل لفظ‪> :‬األهل< بلفظ‪> :‬اآلل<‪ ،‬وال‬
‫إشكال ــ كما تق َّدم في المعنى اللغوي ــ‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في تعيين هؤالء >اآلل< على أربعة أقوال(‪:)2‬‬
‫القول األول‪ :‬هم الذين َح ُر َمت عليهم الصدقة‪ ،‬وفيهم ثالثة أقوال‬
‫للعلماء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنهم بنو هاشم وبنو المطلب‪ ،‬والثاني‪ :‬أنهم بنو هاشم‬
‫خاصة‪ ،‬والثالث‪ :‬أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب‪ ،‬فيدخل فيهم‬
‫َّ‬
‫بنو المطلب‪ ،‬وبنو أمية‪ ،‬وبنو نوفل‪ ،‬ومن فوقهم إلى بني غالب‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬األصفهاني >المفردات في غريب القرآن< (ص‪ ،)98/‬ابن منظور >لسان العرب<‬
‫(‪ ،)30/11‬ابن القيم >جالء األفهام< (ص‪ ،)206/‬الحافظ ابن حجر >فتح الباري<‬
‫(‪.)160/11‬‬
‫تصر ٍ‬
‫ف‬ ‫مستفاد من كالم ابن القيم في >جالء األفهام< (ص‪ ،)210/‬مع ُّ‬‫ٌ‬ ‫(‪ )2‬هذا التقسيم‬
‫وقوى وض ّعف‪،‬‬‫واختصار‪ ،‬وقد عزا كل قو ٍل منها لقائليه‪ ،‬وذكر حججهم وأدلتهم‪َّ ،‬‬
‫وزيف ور َّجح‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪39‬‬
‫التعريف باآلل‬

‫القول الثاني‪ :‬هم ذريته وأزواجه خاصة‪.‬‬


‫القول الثالث‪ :‬هم أتباعه إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬هم األتقياء من أمته‪.‬‬
‫واألرجح من هذه األقوال ــ واهلل أعلم ــ‪ :‬القول األول‪ ،‬لقول‬
‫زيد بن أرقم ‪> :‬أهل بيته ‘ من ُحرم الصدقة بعده؛ وهم‪ :‬آل‬
‫علي‪ ،‬وآل عقيل‪ ،‬وآل جعفر‪ ،‬وآل عباس<(‪.)1‬‬
‫ضاف معهم‪ :‬أزواجه ‘‪ ،‬وذلك بداللة القرآن؛ لقول اهلل ‪:‬‬
‫ويُ ُ‬
‫{ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ}‬
‫[األحزاب‪.]33 :‬‬
‫فإنها نزلت فيهن‪ ،‬وقرينة السياق في اآليات صريحة في دخولهن؛‬
‫إذ اهلل قال في أولها‪{ :‬ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ‬
‫ﲣ} [األحزاب‪ ،]28 :‬ثم قال في نفس خطابه لهن‪{ :‬ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬
‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬
‫ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ}‬
‫[األحزاب‪ ،]33 :‬وقد أجمع جمهور علماء األصول على أن صورة سبب‬
‫النزول قطعية الدخول‪ ،‬فال يصح إخراجها بمخصص‪.‬‬
‫>وإنما دخل األزواج في اآلل تشبي ًها لذلك بالسبب‪ ،‬ألن اتصالهن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪> )1‬صحيح مسلم< (‪.)2408‬‬
‫‪40‬‬
‫التعريف باآلل‬

‫محرمات على غيره في حياته وبعد مماته‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫بالنبي ‘ غير مرتفع وه َّن‬
‫وه َّن زوجاته في الدنيا واآلخرة‪ ،‬فالسبب الذي لهن بالنبي ‘ قائم‬
‫ُ‬
‫مقام النسب‪.‬‬
‫وقد نص ‘ على الصالة عليهن‪ ،‬ولهذا كان القول الصحيح‬
‫ــ وهو منصوص اإلمام أحمد ــ إن الصدقة تحرم عليهن ألنها أوساخ‬
‫الناس‪ ،‬وقد صان اهلل سبحانه ذلك الجناب الرفيع وآله من كل أوساخ‬
‫بني آدم‪.‬‬
‫ويا هلل! العجب كيف يدخل أزواجه في قوله ‘‪> :‬اللهم اجعل‬
‫رزق آل محمد قو ًتا<‪ ،‬وقوله في األضحية‪> :‬اللهم هذا عن محمد وآل‬
‫محمد< وال يدخلن في قوله‪> :‬إن الصدقة ال تحل لمحمد وال آلل‬
‫محمد<؛ مع كونها من أوساخ الناس! فأزواج رسول اهلل ‘ أولى‬
‫بالصيانة عنها والبعد منها<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن القيِّم‪> ،‬جالء األفهام< (ص‪ 217/‬ــ ‪ ،)218‬وقد ذكره في حجج أصحاب القول‬
‫الثاني‪.‬‬
‫وانظر للمزيد في ذلك‪ :‬الطبري >جامع البيان عن تأويل آي القرآن< (‪ 101/19‬ــ‬
‫‪ ،)110‬الطحاوي >شرح مشكل اآلثار< (‪ 235/2‬ــ ‪ ،)248‬ابن عطية >المحرر‬
‫الوجيز< (‪ ،)384/4‬ابن تيمية >حقوق آل البيت< (ص‪ 26/‬ــ ‪ ،)29‬ابن كثير‬
‫>تفسير القرآن العظيم< (‪ 410/6‬ــ ‪ ،)415‬ابن القيم >جالء األفهام< (ص‪ 210/‬ــ‬
‫‪ ،)223‬القرطبي >الجامع ألحكام القرآن< (‪ 182/14‬ــ ‪ ،)183‬الشنقيطي >أضواء‬
‫البيان< (‪ 236/6‬ــ ‪ ،)237‬محمد سالم الخضر >أهل البيت بين مدرستين< (ص‪ 25/‬ــ‬
‫‪.)50‬‬
‫‪41‬‬
‫التعريف باألصحاب‬

‫ً‬
‫خامسا‪:‬‬
‫اتلعريف باألصحاب‬

‫لغة‪:‬‬
‫تعريف >األصحاب< ً‬
‫جمع‬
‫والص ْحب‪ :‬جماعة الصاحب‪ ،‬ويُ َ‬
‫الص ْحب‪َ ،‬‬
‫األصحاب‪ :‬جماعة َ‬
‫والصحاب‪ ،‬وهذا كله عائد لمادة (صحب)(‪.)1‬‬
‫ضا بالصحبان‪ ،‬والصحبة‪ِّ ،‬‬
‫أي ا‬
‫أصل واحد ُّ‬
‫يدل على‬ ‫ٌ‬ ‫يقول ابن فارس‪> :‬الصاد والحاء والباء‬
‫الصحب<(‪.)2‬‬
‫احب‪ ،‬والجمع‪َّ :‬‬‫الص ِ‬
‫مقارنة شيء ومقاربته‪ ،‬من ذلك‪َّ :‬‬
‫ويقول الجوهري‪> :‬األصحاب‪ :‬جمع َصحب‪ ،‬مثل‪ :‬فَرخ وأفراخ‪.‬‬
‫مصدر‪ .‬وجمع األصحاب‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫والصحابة بالفتح‪ :‬األصحاب‪ ،‬وهي في األصل‬ ‫َّ‬
‫أصاحيب‪ .‬وقولهم في النداء‪ :‬يا صاح‪ ،‬معناه يا صاحبي<(‪.)3‬‬
‫ُ‬
‫قال ابن ُدريد‪> :‬فَ ِإذا قَالُوا ِصحابة فهم األص َحاب‪ ،‬وإذا قَالوا‬
‫َصحابة فهم القوم الَّذين يصحبونه‪ .‬وربما كانت َّ‬
‫الصحابة مصد ًرا؛‬
‫الصحبة<(‪.)4‬‬
‫الص َحابَة؛ أَي‪ُّ :‬‬‫يقولون‪ :‬فالن حسن َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عباد‪> ،‬المحيط في اللغة< (‪ ،)467/2‬ابن منظور‪> ،‬لسان العرب< (‪.)519/1‬‬
‫ابن َّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫ابن فارس‪> ،‬مقاييس اللغة< (‪.)335/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الجوهري‪> ،‬الصحاح< (‪.)161/1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ابن دريد‪> ،‬جمهرة اللغة< (‪.)280/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪42‬‬
‫التعريف باألصحاب‬

‫ضا على‪:‬‬
‫ويُطلق أي ً‬
‫ــ المنع والحفظ‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪{ :‬ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ}‬
‫[األنبياء‪ ،]43 :‬أي‪ :‬يُمنَ ُعون(‪ .)1‬ومنه قولهم‪َ > :‬ص ِحبك اهلل< أي‪ :‬حفظك(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫المعاشر(‪.)3‬‬ ‫والصاحب‪:‬‬
‫المعاشرة‪ ،‬يُقال‪َ > :‬صح َبه< أي‪ :‬عاشره‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ــ‬
‫ٍ‬
‫شيء الزم شي ًئا فقد استصحبه‪ ،‬ومنه قولهم‪:‬‬ ‫فكل‬
‫ــ المال َزمة‪ُّ ،‬‬
‫>استصحبت الحال< إذا تمسكت بما كان ثاب ًتا‪ ،‬كأنك جعلت تلك‬
‫الحالة مصاحبة غير مفارقة(‪.)4‬‬
‫ــ ويُطلق ــ مجا ًزا ــ على من تمذهب بمذهب من مذاهب األئمة؛‬
‫ُفيقال‪ :‬أصحاب الشافعي‪ ،‬وأصحاب أبي حنيفة(‪.)5‬‬

‫تعريف >األصحاب< اصطال ًحا‪:‬‬


‫اختلف العلماء فيمن يُطلق عليه هذا اللقب >الصحابي<‪ ،‬واختالفهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ابن دريد‪> ،‬جمهرة اللغة< (‪ ،)280/1‬ابن منظور‪> ،‬لسان العرب< (‪.)520/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ابن منظور‪> ،‬لسان العرب< (‪.)520/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابن منظور‪> ،‬لسان العرب< (‪ ،)519/1‬الفيروز آبادي‪> ،‬القاموس المحيط<‬ ‫(‪)3‬‬
‫(ص‪)104/‬‬
‫الفيومي‪> ،‬المصباح المنير< (‪.)333/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫النووي‪> ،‬المجموع< (‪ ،)76/1‬الفيومي‪> ،‬المصباح المنير< (‪.)333/1‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫المفسرين أن‬
‫ِّ‬ ‫ابن الجوزي في >نزهة األعين النواظر< (ص‪ )392/‬عن بعض‬ ‫وذكر‬
‫راجع هناك‪.‬‬
‫فلت َ‬
‫الصاحب في القرآن على تسعة أوجه‪ُ ،‬‬
‫‪43‬‬
‫التعريف باألصحاب‬

‫مشتق من‬
‫هنا فر ٌع عن االختالف اللغوي السابق‪ ،‬هل لفظ >الصحابي< ٌّ‬
‫رط طول مجالسة ومعاشرة‪ ،‬أم أنه‬ ‫شت ُ‬
‫الصحبة مطل ًقا‪ُ ،‬فيفهم منه أنه ال يُ َ‬
‫رط طول مجالسة‪،‬‬ ‫شت ُ‬
‫يُطلق على المعاشرة والمجالسة؛ ُفيفهم منه أنه يُ َ‬
‫واختصاص مصحوب‪ ،‬ومدة صحبة(‪)1‬؟‬
‫ويمكن اختزال هذه المذاهب واألقوال في قولين مشهورين(‪،)2‬‬
‫وإليهما ُترجع باقي األقوال‪:‬‬
‫الصحابي هو‪ :‬من لقي النبي ‘ مؤم ًنا به‪،‬‬
‫* القول األول‪ :‬أن َّ‬
‫وصحبه ولو ساعة‪ ،‬ومات على ذلك اإليمان‪ ،‬سواء روى عنه أو لم يرو‬
‫عنه‪ ،‬وسواء اختص به اختصاص المصحوب‪ ،‬أو لم يختص به‪.‬‬
‫األصوليين والفقهاء‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وهذا مذهب جمهور المح ِّدثين‪ ،‬وبعض‬
‫قال البخاري‪> :‬من صحب النبي ‘ أو رآه من المسلمين؛ فهو من‬
‫أصحابه<(‪.)3‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪> :‬والذي جزم به البخاري هو قول أحمد‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬عبد الكريم النملة‪> ،‬مخالفة الصحابي للحديث النبوي< (ص‪.)33/‬‬
‫(‪ )2‬النووي‪> ،‬المجموع< (‪.)76/1‬‬
‫وقد أوصل د‪ .‬عبد الكريم النملة هذه األقوال إلى سبعة‪ ،‬وذكر أدلة كل قول‪،‬‬
‫والقائلين به‪ ،‬واالعتراضات الواردة عليه‪ ،‬واإلجابة عنها‪ ،‬ور َّجح القول الثاني‬
‫المذكور هنا‪ .‬انظر‪> :‬مخالفة الصحابي للحديث النبوي< (ص‪ 35/‬ــ ‪.)74‬‬
‫(‪> )3‬صحيح البخاري< (‪ 3/7‬ــ مع فتح الباري)‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫التعريف باألصحاب‬

‫والجمهور من المح ِّدثين<(‪.)1‬‬


‫ابن كثير‪> :‬والصحابي‪ :‬من رأى رسول اهلل ‘ في حال‬ ‫وقال ُ‬
‫إسالم الراوي‪ ،‬وإن لم تطل صحبته له‪ ،‬وإن لم يرو عنه شي ًئا‪ ،‬هذا قول‬
‫جمهور العلماء‪ ،‬خل ًفا وسل ًفا<(‪.)2‬‬
‫الهمام‪> :‬الصحابي‪ :‬عند المحدثين وبعض األصوليين‬‫وقال ابن ُ‬
‫من لقي النبي ‘ مسل ًما‪ ،‬ومات على إسالمه<(‪.)3‬‬
‫واختص به‬
‫َّ‬ ‫* القول الثاني‪ :‬الصحابي هو‪ :‬من رأى النبي ‘‬
‫ِ‬
‫الصاحب عليه‬ ‫اختصاص المصحوب‪ ،‬متب ًعا إيَّاه مدة يثبت معها إطالق‬
‫الصحبة‪ ،‬سواء روى عنه أو لم ير ِو عنه‪،‬‬
‫ُعر ًفا‪ ،‬بال تحديد لمقدار تلك ُ‬
‫تعلَّم منه أو لم يتعلَّم‪.‬‬
‫وهذا مذهب جمهور األصوليِّين‪ ،‬وأكثر الفقهاء(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ضا‪ :‬النووي في >المجموع< (‪)76/1‬‬ ‫ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪ .)4/7‬ور َّجحه أي ً‬ ‫(‪)1‬‬
‫ابن كثير‪> ،‬الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث< (ص‪.)179/‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الكمال ابن الهمام‪> ،‬التحرير< (‪ 261/2‬ــ مع التقرير والتحبير)‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ممن ذهب إلى ذلك من األصوليِّين‪ :‬ابن قدامة في >روضة الناظر< (‪،)346/1‬‬
‫واآلمدي في >اإلحكام< (‪ ،)92/2‬والطوفي في >شرح مختصر الروضة< (‪،)185/2‬‬
‫واإلسنوي في >زوائد األصول< (ص‪ ،)328/‬وابن النجار في >مختصر التحرير<‬
‫(‪.)465/2‬‬
‫من هؤالء‪ :‬إمام الحرمين في >التلخيص في أصول الفقه< (‪ ،)414/2‬والغزالي في‬ ‫(‪)4‬‬
‫>المستصفى< (ص‪ ،)131/‬وابن السمعاني في >قواطع األدلة< (‪ ،)392/1‬والصيمري‬
‫في >مسائل الخًلف< (ص‪ ،)182/‬والقرافي في >شرح تنقيح الفصول< (ص‪.)360/‬‬
‫‪45‬‬
‫التعريف باألصحاب‬

‫قال أبو الخطَّاب الحنبلي‪> :‬وقال أكثر العلماء‪ :‬ال يقع هذا االسم‬
‫إال على من أطال المكث معه على وجه التتبع له‪ ،‬وشرط الجاحظ‬
‫ضا<(‪.)1‬‬
‫وغيره مع ذلك أن يأخذ عنه العلم أي ً‬
‫والخالف في هذه المسألة وإن كان آيال إلى النزاع في اإلطالق‬
‫اللفظي؛ فاألرجح القول األول‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو الخطاب ال َكل َوذاني الحنبلي‪> ،‬التمهيد في أصول الفقه< (‪.)173/3‬‬
‫(‪ )2‬قال اآلمدي في >اإلحكام في أصول األحكام< (‪> :)92/2‬ويدل على ذلك ثالثة‬
‫أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن الصاحب اسم مشتق من الصحبة‪ ،‬والصحبة تعم القليل والكثير‪ ،‬ومنه يقال‬
‫وشهرا‪ ،‬وأكثر من ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫يوما‬
‫صحبته ساعة‪ ،‬وصحبته ً‬
‫يبر ويحنث‬‫الثاني‪ :‬أنه لو حلف أنه ال يصحب فال ًنا في السفر‪ ،‬أو ليصحبنَّه‪ ،‬فإنه ُّ‬
‫بصحبته ساعة‪.‬‬
‫يوما أو‬
‫الثالث‪ :‬أنه لو قال قائل‪ :‬صحبت فالنا‪ ،‬فيصح أن يقال‪ :‬صحبته ساعة أو ً‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬وهل أخذت عنه العلم ورويت عنه‪ ،‬أو ال‪ ،‬ولوال أن الصحبة شاملة‬
‫لجميع هذه الصور‪ ،‬ولم تكن مختصة بحالة منها‪ ،‬لما احتيج إلى االستفهام<‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫عناية مبكرة‬

‫‪٢ِّ 9‬‬
‫عناية مبكرة‬

‫لما كانت تربية األطفال والصغار بهذه المنزلة الهامة‪ ،‬والمكانة‬


‫السامقة التي َّتمت اإلشارة إليها في المق ِّدمة؛ فقد أوالها الشرع عناية‬
‫خاصة‪ ،‬بل ومبكِّرة‪ ،‬ال نعني من حين والدتهم وخروجهم إلى الحياة؛ بل‬ ‫َّ‬
‫من قبل ذلك‪ ،‬من وقت البحث عن شريكة الحياة‪ ،‬التي ستقاسم الرجل‬
‫المسؤولية والتربية‪ ،‬إذ هو مسؤول عنها وعن بيته‪ ،‬وهي مسؤولة عن‬
‫بيته وأوالده(‪> ،)1‬ومما صدر من الخواطر‪ :‬أن الرجل والمرأة كالبيت‬
‫الشعر أن يكون شطره محك ًما‪،‬‬ ‫الشعر‪ ،‬وال يحسن في البيت من ِّ‬ ‫من ِّ‬
‫متخاذال<(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫والشطر اآلخر‬
‫كثيرا ما تظهر في الولد‬
‫بل إن الشواهد تدل على أن ملكة التقوى ً‬
‫للعم‪ ،‬أو للخال‪.‬‬
‫تب ًعا ألبويه‪ ،‬أو ألحدهما‪ ،‬أو ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرج البخاري (‪ )893‬ومسلم (‪ )1829‬ــ واللفظ له ــ من حديث عبد اهلل بن عمر‪،‬‬
‫عن النبي ‘ أنه قال‪> :‬أال كلكم راع‪ ،‬وكلكم مسئول عن رعيته‪ ،‬فاألمير الذي على‬
‫الناس راع‪ ،‬وهو مسئول عن رعيته‪ ،‬والرجل را ٍع على أهل بيته‪ ،‬وهو مسئول عنهم‪،‬‬
‫والمرأة راعية على بيت بعلها وولده‪ ،‬وهي مسئولة عنهم‪ ،‬والعبد راع على مال سيده‬
‫وهو مسئول عنه‪ ،‬أال فكلكم راع‪ ،‬وكلكم مسئول عن رعيته<‪.‬‬
‫(‪ )2‬محمد الخضر حسين‪> ،‬األعمال الكاملة ــ جمع علي الرضا الحسيني< (‪.)111/2‬‬
‫‪47‬‬
‫عناية مبكرة‬

‫النظر لهذا‬
‫الموجه لآلباء‪ ،‬الالفت َ‬ ‫ِّ‬ ‫لهذا كله‪ :‬جاء اإلرشاد النبوي‬
‫تخيروا لِنُطَ ِفكم<(‪ ،)1‬أي‪ :‬اطلبوا‬
‫الجانب المبكِّر الهام في قوله ‘‪َّ > :‬‬
‫لها ما هو خير المناكح وأزكاها(‪.)2‬‬
‫باب إلى من‬
‫وبوب البخاري في >صحيحه< بهذا المعنى؛ فقال‪ٌ > :‬‬ ‫َّ‬
‫يتخير لنُ َط ِفه من غير إيجاب< ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ستحب أن َّ‬
‫ُّ‬ ‫ينكح‪ ،‬وأي النساء خير‪ ،‬وما ُي‬
‫ويتخير قبل االستيالد منهن‬
‫َّ‬ ‫الولَد‪ :‬أن ينتقي أُ َّمه‪،‬‬
‫حق َ‬‫فمن َّأول ِّ‬
‫المرضية في‬
‫َّ‬ ‫الجميلة‪ ،‬الشريفة‪ ،‬الديِّنة‪ ،‬العفيفة‪ ،‬العاقلة ألمورها‪،‬‬
‫بحس ِن العقل وكماله‪ ،‬المواتية لزوجها في أحواله‪.‬‬ ‫المجربة ُ‬
‫َّ‬ ‫أخالقها‪،‬‬
‫قال اهلل ‪ ‬في جملة هذه القضايا‪{ :‬ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬
‫ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ}(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)1968‬والحاكم (‪ ،)176/2‬وغيرهما من طريق‬ ‫(‪)1‬‬
‫هشام بن عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عائشة؛ مرفو ًعا‪.‬‬
‫صححه الحاكم‪ ،‬واأللباني في >سلسلة األحاديث الصحيحة<‬ ‫َّ‬ ‫ومع أن الحديث‬
‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫(‪ ،)56/3‬وقال الحافظ في >فتح الباري< (‪> :)125/9‬أخرجه بن ماجه‬
‫ضا‪ ،‬وفي‬‫الحاكم من حديث عائشة مرفو ًعا‪ ،‬وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أي ً‬
‫قوى أحد اإلسنادين باآلخر<؛ لكن أعلَّه ــ قبلهما ــ أبو حاتم الرازي‬ ‫إسناده مقال‪ ،‬ويُ َّ‬
‫كما في >العلل< البن أبي حاتم (‪ ،)1219 ،1208‬والدارقطني في >العلل<‬
‫مرسال‪ ،‬بدون ذكر عائشة‪.‬‬‫ً‬ ‫(‪ ،)3833‬ور َّجح األخير أن الصواب فيه عن عروة‬
‫وقولهما أرجح وأولى‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫نور الدين السندي‪> ،‬حاشية السندي على سنن ابن ماجه< (‪.)607/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫>صحيح البخاري< (‪ 125/9‬ــ مع الفتح)‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫سورة التحريم (‪.)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪48‬‬
‫عناية مبكرة‬

‫وقد َج َرت العادة في أهل كل دي ٍن وملَّة وجيل وأهل نحلة بطلب‬


‫الدين هذا شريع ًة من الشرائع؛‬
‫ُ‬ ‫وج َعل‬
‫ال ُكفاة في باب النكاح واإلنكاح‪َ ،‬‬
‫وضنا بالنجابة‬
‫وتخي ًرا للطروقة والفحل‪ّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫كل ذلك‪ :‬طل ًبا لنجابة النَّسل‪،‬‬
‫ُّ‬
‫التي في النِّجار(‪ )1‬أن تنتقل إلى غيره‪ ،‬وهر ًبا من تدنيس النسب(‪.)2‬‬
‫حب الكرام هذه المسألة‪ ،‬فاعتنوا بها‪ ،‬وأعطوها‬
‫الص ُ‬ ‫ولقد وعى َّ‬
‫العي َن ال تخطئ ذلك النموذج الفريد لهذا الشاب‬ ‫حقَّها‪ ،‬حتى أ َّن َ‬
‫األنصاري الذي ق َّدم االختيار بعقله على مشاعره وعواطفه‪ ،‬مراعاة ألمر‬
‫التربية والتنشئة؛ ذلك الشاب هو‪:‬‬

‫جابر بن عبد اهلل األنصاري ‪:‬‬


‫تحركت به‬
‫في أثناء عودته من إحدى الغزوات مع رسول اهلل ‘‪َّ ،‬‬
‫أشواقه‪ ،‬ولو ُترك العنان لها لسبقت جميع من حوله‪ ،‬لكن قعدت به‬
‫ناقته‪ ،‬حتى لحق به النبي ‘‪ ،‬فأصابت بركته الناقة؛ فسابقت أشواق‬
‫جابر إلى المدينة‪ ،‬فاستفسر منه النبي ‘ عن سر هذا الشوق واإلسراع؛‬
‫حديث عه ٍد ُبعرس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فأجابه جابر بأنه‪:‬‬
‫سأله النبي ‘ عن حالة من تز َّوجها‪> :‬بك ًرا؟ أم ِّثي ًبا؟<‬
‫قال جابر‪ :‬بل ثيِّ ًبا‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وبضمها ــ‪ :‬األصل‪ ،‬والحسب‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫(‪ )1‬النِّجار ــ بكسر النون‬
‫(‪ )2‬الماوردي‪> ،‬نصيحة الملوك< (ص‪.)164/‬‬
‫‪49‬‬
‫عناية مبكرة‬

‫فهال جارية تالعبها وتالعبك‪ ،‬وتضاحكها‬


‫فقال له النبي ‘‪ّ > :‬‬
‫وتضاحكك؟<(‪.)1‬‬
‫وكانت المفاجأة!‬
‫جابر بغاف ٍل عن مزايا البكر عن الثيِّب‪ ،‬لكنه كان يحمل‬
‫لم يكن ٌ‬
‫ٍ‬
‫صغيرات‪ ،‬ويعلم ما للثيِّب من مزيِّةٍ في هذه المهمة عن‬ ‫هم تربية ٍ‬
‫بنات‬ ‫َّ‬
‫البكر؛ فكان بين اختيارين‪ :‬إما أن يُق ِّدم متعته وعاطفته في االختيار‪،‬‬
‫ولو على حساب هؤالء الصغار‪ ،‬وإما أن يُق ِّدم األنفع لهن ولو على‬
‫حساب عاطفته‪ ،‬فماذا يفعل؟!‬
‫جابر أن يغالب عاطفته‪ُ ،‬ليق ِّدم المنفعة األكبر‪ ،‬واألثر‬
‫لقد اختار ٌ‬
‫جابر والده عبد اهلل‪ ،‬الذي ض َّحى برعاية بناته والبقاء‬
‫األعظم‪ ،‬ليشابه ٌ‬
‫األبوة الشديدة‪ ،‬في مقابل الخروج للجهاد والشهادة‬‫معه َّن‪ ،‬وهي عاطفة َّ‬
‫في سبيل اهلل يوم أحد(‪.)2‬‬
‫داخليا‬
‫ًّ‬ ‫نفسه من هذه الذكريات والنزاعات التي واجهها‬
‫جابر َ‬
‫انتزع ٌ‬
‫قائال‪:‬‬
‫في سالف وقته ليجيب رسول اهلل ‘ ً‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬إن أبي قُ ِتل يوم أُ ُحد وترك تِسع بنات‪ ،‬جواري‬
‫فكرهت أن أجمع إليهن جاري ًة ــ أي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫تسع أخوات‪،‬‬‫صغا ًرا‪ُ ،‬ك َّن لي َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪> )1‬صحيح البخاري< (‪.)5367‬‬
‫(‪> )2‬صحيح البخاري< (‪.)1351‬‬
‫‪50‬‬
‫عناية مبكرة‬

‫جت امرأ اة تقوم عليهن وتصلحه َّن(‪،)2‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫بكرا صغيرة ــ َخ ْرقاء مثلَه َّن ‪ ،‬فتز َّو ُ‬
‫ا‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ُتعلّمه َّن وتؤ ِّدبه َّن ‪ ،‬تمشطه َّن وتقوم عليه َّن ‪.‬‬
‫أصبت(‪ ،)5‬بارك اهلل لك<(‪.)6‬‬
‫النبي ‘ له‪َ > :‬‬
‫فقال ُّ‬
‫فيا لسعادة جابر‪ ،‬ال لتغلُّبه على شهوته وح ِّظ نفسه وإيثار اآلجل‬
‫على العاجل فحسب؛ بل إلقرار النبي ‘ له على فعله وتصويبه له‪.‬‬
‫يقول الحافظ ابن حجر‪> :‬وفي الحديث فضيلةٌ لجابر‪ ،‬لشفقته على‬
‫أخواته‪ ،‬وإيثاره مصلحتهن على ح ِّظ نفسه‪ .‬ويُوخذُ منه‪ :‬أنه إذا تزاحمت‬
‫صوب فعل جابر‪ ،‬ودعا له‬ ‫مصلحتان؛ قُ ِّدم أهمهما‪ ،‬ألن النبي ‘ َّ‬
‫ألجل ذلك<(‪.)7‬‬
‫الصحب في االختيار لتربية بنات‬
‫وإذا كان هذا شأ َن فتى من َّ‬
‫صغيرات‪ ،‬لَس َن من ُصلبه‪ ،‬ولن تقوم الزوجة بالحمل والرضاع‪ ،‬وإنما‬
‫ستتعاهد التربية والقيام بما يصلحهن؛ فلنا أن نتصور كيف سيكون‬
‫صا أش َّد الحرص على اختيار من ستحمل النُطفة في رحمها‪،‬‬
‫أحدهم حري ا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫>صحيح البخاري< (‪.)4052‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫>صحيح البخاري< (‪.)5367‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫>صحيح البخاري< (‪.)2406‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫>صحيح البخاري< (‪.)4052‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫>صحيح البخاري< (‪.)4052‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫>صحيح البخاري< (‪.)5367‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪.)123/9‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫‪51‬‬
‫عناية مبكرة‬

‫وتتحمل َّ‬
‫مشاق حملها‪ ،‬ووضعها‪ ،‬قبل رضاعها وتربيتها‪.‬‬ ‫َّ‬
‫لم تتوقف العناية المبكِّرة عند حد االختيار فحسب؛ بل إنها تمتد‬
‫لفترة البناء والحمل‪ ،‬إلى ما قبل الوضع‪ ،‬وخروج الولد إلى سعة الحياة‬
‫بعد ضيق الرحم‪.‬‬
‫استخ ِدمت في ذلك‪ :‬الدعاء بالبركة‬
‫ومن أهم الوسائل التي ُ‬
‫والصالح لهم‪ ،‬قبل مجيئهم‪ ،‬كما وقع من‪:‬‬

‫علي بن أبي طالب ‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫علي وأنا ُحبلى‪ ،‬فمسح‬
‫ٌّ‬ ‫دعاني‬ ‫‪:‬‬‫جعفر‬ ‫بن‬ ‫اهلل‬ ‫لعبد‬ ‫تقول ُس ِّرية‬
‫تقيا<‪ .‬قالت‪:‬‬
‫بطني‪ ،‬وقال‪> :‬اللهم اجعله ذك ًرا ميمو ًنا مبار ًكا‪ ،‬صال ًحا ًّ‬
‫غالما(‪.)2‬‬ ‫فولدت ً‬
‫ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سراري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬هي الجارية المملوكة‪ ،‬والجمع‪:‬‬
‫(‪ )2‬إسناده حسن إليها‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )29870‬عن شريك بن عبد اهلل بن أبي‬
‫نمر‪ ،‬وسعيد بن منصور (‪ 2171‬ــ األعظمي) عن ُهشيم بن بشير‪ ،‬وابن أبي الدنيا‬
‫في >مجابو الدعوة< (‪ )39‬ــ واللفظ له ــ من طريق جرير بن عبد الحميد‪.‬‬
‫جميعهم (شريك‪ ،‬وهشيم‪ ،‬وجرير) عن مغيرة بن مقسم الضبي‪ ،‬عنها؛ به‬
‫وصرح هشيم بتحديث‬ ‫َّ‬ ‫والسرية‪،‬‬
‫وفي رواية هشيم‪ :‬بزيادة أم موسى بين مغيرة ُّ‬
‫المغيرة له‪.‬‬
‫وأم موسى هذه ُسرية لعلي بن أبي طالب‪ ،‬ترجم لها الحافظ في >تهذيب التهذيب<‬
‫اعتبارا<‪.‬‬
‫ً‬ ‫يخرج حديثها‬ ‫(‪ ،)481/12‬ونقل قول الدارقطني عنها‪> :‬حديثها مستقيم‪َّ ،‬‬
‫=‬ ‫وقول العجلي‪> :‬كوفية تابعية ثقة<‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫عناية مبكرة‬

‫مستم ٌّد من فعل األنبياء قبله‪ ،‬الذين كانوا‬


‫وفعل علي ‪ ‬هذا َ‬
‫يدعون بالذرية الصالحة قبل خروجها؛ كدعاء نبي اهلل إبراهيم‪{ :‬ﲾ ﲿ‬
‫ﳀ ﳁ ﳂ}(‪.)1‬‬

‫{ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫ودعاء نبي اهلل زكريا‪:‬‬


‫{ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬ ‫ﱑ}(‪ .)2‬ودعائه‪:‬‬
‫ﱰﱱ ﱲ ﱳ ﱴ}(‪.)3‬‬
‫تقيا صال احا‪.‬‬ ‫فتضمنت أدعية هؤالء األنبياء‪ :‬طلب َّ‬
‫الذكر‪ ،‬وأن يكون ًّ‬ ‫َّ‬
‫وذكر اهلل ‪ ‬في شأن صفات عباد الرحمن أنهم يرغبون إلى اهلل‬
‫في دعائهم ومسألتهم بأن يقولوا‪ :‬ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا ما‬
‫تقر به أعيننا من أن تريناهم يعملون بطاعتك؛ فقال عنهم‪{ :‬ﲓ ﲔ‬ ‫ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ} ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقد أخرج رواية المغيرة عنها‪ :‬أبو داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬والبخاري في‬ ‫=‬
‫األدب المفرد‪.‬‬
‫وتبدو رواية ُهشيم أولى‪ ،‬وذلك لتصريحه بالتحديث‪ ،‬ولكونه أوثق من شريك‪،‬‬
‫وجرير‪ ،‬ولكونه زاد في اإلسناد زيادة مقبولة‪ .‬وقد يكون إسقاط أم موسى من‬
‫الطريقين اآلخرين من قِبل المغيرة نفسه‪ ،‬فقد ُوسم بالتدليس‪.‬‬
‫سورة الصافَّات (‪.)100‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سورة آل عمران (‪.)38‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سورة مريم (‪.)6 ،5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫سورة الفرقان (‪.)74‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪53‬‬
‫عناية مبكرة‬

‫{ﲖ ﲗ‬ ‫يقول عبد اهلل بن عباس ‪ ‬في تأويل هذه اآلية‪> :‬قوله‪:‬‬
‫فتقر بهم‬
‫ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ} يعنون‪ :‬من يعمل لك بالطاعة؛ ّ‬
‫أعيننا في الدنيا واآلخرة<(‪.)1‬‬

‫ُخالصة ما ُذكر‪:‬‬
‫الصحب واآلل باألوالد قبل خروجهم إلى هذه الحياة‬
‫ّ‬ ‫ظهر اهتمام‬
‫تحسسهم الختيار أزواجهم‪ ،‬وأمهات أوالدهم‪ ،‬وكذا في الرغبة إلى‬ ‫في ُّ‬
‫تقر به أعينهم‪.‬‬
‫اهلل بأن يهبهم ما ُّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبري‪> ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن< (‪.)318/19‬‬
‫‪54‬‬
‫َّ ْ َ ُ َ َ َّ‬
‫التر ِبية العق ِدية‬
‫قبس نبوي‬

‫ٌََ ََ‬
‫قبس نبوي‬

‫أَ َخ َذ َغر ُس العقيدة اإلسالمية في نفوس الصحابة‪ ،‬وتصفيتها من‬


‫كبيرا في الخطاب القرآني‬ ‫أدران الشرك ورواسب الجاهلية؛ حيِّ ًزا ً‬
‫أس الدين وقوامه‪ ،‬والدعامة الكبرى‬ ‫أمر مفهوم‪ ،‬إذ هي ُّ‬
‫والنبوي‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫لبنائه‪ ،‬كما أ َّن لها فاعليتها وقوتها اإليجابية على الفرد‪ ،‬وتأثيرها الف َّعال‬
‫في المجتمع‪ ،‬وفي المقابل‪ :‬فإن >االنحراف في العقيدة ال تقف آثاره‬
‫عند حدود العقيدة‪ ،‬بل يتمشى في أوضاع الحياة االجتماعية وتقاليدها‪.‬‬
‫المحرك األول للحياة‪ ،‬سواء ظهرت‪ ،‬أو كمنت<(‪.)1‬‬ ‫ِّ‬ ‫فالعقيدة هي‬
‫لكن الذي يسترعي االنتباه في هذا السياق‪ :‬هو االهتمام النبوي‬
‫بغرس العقيدة في نفوس الصغار‪ ،‬وتنشئتهم عليها‪ ،‬وبيان دور الوالدين‬
‫فيها!‬
‫ففي معرض الكالم عن أثر الوالدين في إفساد عقيدة الطفل‬
‫السويَّة؛ يقول ‘‪> :‬ما من مولود إال يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يهو َّدانه‪،‬‬
‫يمجسانه‪ ،‬كما ُت ْن َتج البهيم ُة(‪ )2‬بهيمة َج ْمعاء(‪ ،)3‬هل‬
‫ينصرانه‪ ،‬أو ِّ‬
‫أو َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سيد قطب‪> ،‬في ظالل القرآن< (‪.)2177/4‬‬
‫(‪ )2‬تلد الدابة العجماء‪.‬‬
‫(‪ )3‬تامة األعضاء‪ ،‬مستوية الخلق‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫قبس نبوي‬

‫ُت ِح ُّسون فيها من َج ْد َعاء(‪)1‬؟<(‪.)2‬‬


‫ومن هذا الباب‪ :‬نرى تأكيد اهلل ‪ ‬على اختيار ذات الدين‪ ،‬حتى‬
‫لو كانت أَ َمة؛ بقوله تعالى‪{ :‬ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ‬
‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ}(‪.)3‬‬
‫خير من المشركة مع ما لها من‬ ‫فالمؤمنة مع ما بها من ذلِّ ِّ‬
‫الرق‪ٌ ،‬‬
‫شرف الحرية‪ ،‬ورفعة الشأن(‪.)4‬‬
‫ثم نجد النبي ‘ بنفسه وفي سيرته يحرص على غرس العقيدة‬
‫الصحيحة في نفوس الصغار منذ نشأتهم وبدء نطقهم وفهمهم‪ ،‬بداية من‬
‫توحيد اهلل ‪ ،‬وإفراده بالسؤال والطلب واالستعانة‪ ،‬إلى تعظيم النبي‬
‫‘ وقَدره وأوامره في النفوس‪.‬‬

‫ففي جانب توحيد اهلل ‪ ‬وحبه ومراقبته واالستعانة به‪:‬‬

‫كان الغالم إذا أفصح من بني عبد المطلب؛ علَّ َم ُه ُّ‬


‫النبي ‘ هذه‬
‫اآلية سب ًعا‪{ :‬ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مقطوعة األذن‪ ،‬أو األنف‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫فق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)1358‬ومسلم (‪ ،)2658‬من حديث أبي هريرة‬ ‫م َّت ٌ‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬
‫سورة البقرة (‪.)221‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫القاسمي‪> ،‬محاسن التأويل< (‪.)116/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪58‬‬
‫قبس نبوي‬

‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ}(‪.)1‬‬
‫عباس إفراد اهلل وحده بالسؤال‬
‫عمه الفتى الصغير ابن َّ‬
‫ويُعل ِّم ابن ِّ‬
‫والضر بيده وحده‪ ،‬وأن كل شيء سيتعرض له‬ ‫َّ‬ ‫واالستعانة‪ ،‬وأن النفع‬
‫في حياته قد قُ ِّدر عند اهلل ‪‬؛ فيقول له‪> :‬يا غالم! إني أعل ِّمك‬
‫كلمات‪ ،‬احفظ اهلل يحفظْك‪ ،‬احفظ اهلل تجده تجاهك‪ ،‬إذا سألت فاسأل‬
‫اهلل‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن باهلل‪ ،‬واعلم أ َّن األمة لو اجتمعت على أن‬
‫ينفعوك بشيء لم ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهلل لك‪ ،‬ولو اجتمعوا على‬
‫أن يضروك بشيء لم يضروك إال بشيء قد كتبه اهلل عليك‪ُ ،‬رفعت‬
‫الص ُحف<(‪.)2‬‬‫األقالم‪ ،‬وجفَّت ُ‬

‫وفي جانب محبة النبي ‘ وتعظيمه‪:‬‬


‫كان تعامله معهم ــ كبا ًرا وصغا ًرا ــ ورأفته بهم‪ ،‬وشفقته عليهم؛‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرسل‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)7976‬وابن أبي شيبة (‪،3498‬‬ ‫(‪ )1‬إسناده ضعيف َ‬
‫‪ )30279‬عن سفيان بن عيينة‪ ،‬عن عبد الكريم أبي أمية‪ ،‬عن عمرو بن شعيب؛ به‪.‬‬
‫ورواية عبد الرزاق بإسقاط عمرو بن شعيب!‬
‫والمرسل ضعيف‪ ،‬خاصة من صغار‬
‫َ‬ ‫وعمرو من صغار التابعين‪ ،‬فروايته هنا مرسلة‪،‬‬
‫التابعين‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه أحمد (‪ ،)2669‬والترمذي (‪ .)2516‬وقال الترمذي‪> :‬هذا‬
‫حسن صحيح<‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حديث‬
‫ٌ‬
‫وقال ابن رجب في >جامع العلوم والحكم< (‪ )462/1‬عن طريق الترمذي‪> :‬حسنة‬
‫جيدة<‪.‬‬
‫صححه األلباني في >سلسلة األحاديث الصحيحة< (‪.)497/5‬‬ ‫والحديث َّ‬
‫‪59‬‬
‫قبس نبوي‬

‫كفيال بأن تهواه األفئدة‪ ،‬وتنقاد إليه القلوب‪ ،‬ويق ِّدم َمن حوله طاعته‬
‫ً‬
‫ال عن آيات القرآن التي كانت‬ ‫على طاعة أقرب الناس إليهم؛ وهذا فض ً‬
‫تحضهم على محبته‪ ،‬والتسليم لحكمه‪ ،‬واتباع هديه‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ومع ذا‪ :‬فكان يعلمهم هو بنفسه ثمرة محبته‪ ،‬وأنها من دالئل كمال‬
‫اإليمان(‪ ،)1‬وأن صاحبها يبلغ بهذه المحبة مبل ًغا عظي ًما في اآلخرة‪،‬‬
‫سمع هذا الصبيان فيفرحون به‪.‬‬
‫ويَ ُ‬
‫هذا أنس بن مالك‪ ،‬الغالم الصغير الذي خدم النبي ‘ عشر‬
‫(‪)2‬‬
‫قائال‪ :‬متى الساعة؟‬
‫أعرابيا أتى النبي ‘ فسأله ً‬
‫ًّ‬ ‫يشهد‬ ‫‪،‬‬ ‫سنين‬
‫أعددت لها<؟‬
‫َ‬ ‫قال ‘‪> :‬وماذا‬
‫أحب اهلل ورسوله ‘‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال شيء‪ ،‬إال أني ُّ‬
‫أحببت<‪.‬‬
‫َ‬ ‫فقال‪> :‬أنت مع من‬
‫قال أنس‪ :‬فما فرحنا بشيء‪ ،‬فَ َر َحنا بقول النبي ‘‪> :‬أنت مع من‬
‫أحببت<‪.‬‬
‫َ‬
‫أحب النبي ‘ وأبا بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وأرجو أن أكون‬
‫قال أنس‪ :‬فأنا ُّ‬
‫معهم بحبي إياهم‪ ،‬وإن لم أعمل بمثل أعمالهم(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كما في الحديث الذي أخرجه البخاري (‪ )15‬ومسلم (‪ )44‬أن النبي ‘ قال‪> :‬ال‬
‫أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين<‪.‬‬
‫يؤمن أحدكم‪ ،‬حتى أكون َّ‬
‫(‪ )2‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)6038‬ومسلم (‪.)2309‬‬
‫(‪ )3‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)3688‬ومسلم (‪.)2639‬‬
‫‪60‬‬
‫قبس نبوي‬

‫يتفرع عنهما‪َ :‬د َر َج الصحب واآلل على‬‫على هذين األصلين‪ ،‬وما َّ‬
‫تربية صغارهم‪ ،‬بالفعل والقول‪ ،‬وفيما يلي ــ إن شاء اهلل ــ نستعرض صو ارا‬
‫من هذه النماذج التطبيقية التي وصلت إلينا من سيرهم وأخبارهم‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ََ‬
‫الرتبية العقدية يف تراث اآلل واألصحاب‬

‫إجماال‪،‬‬
‫ً‬ ‫لجانب العقيدة أهمية كبيرة في شأن التربية األخالقية‬
‫وقد أكَّدت على هذا الدراسات الغربية المعاصرة‪ ،‬ففي تقرير لجنة‬
‫المؤتمر االنجليزي للتحقيق الدولي في التربية األدبية‪ ،‬والذي ُع ِقد في‬
‫انجلترا سنة ‪1908‬م‪ ،‬واشترك فيه آنذاك أكثر من سبعمائة من مشاهير‬
‫العلماء والفًلسفة ورجال األدب والسياسة‪ ،‬وذلك للبحث عن الوازع‬
‫األساسي الذي يجب الرجوع إليه دائ اما في مجال التربية األخًلقية بصفة‬
‫عامة؛ كانت المفاجأة‪:‬‬
‫إذ أجمع أعضاء المؤتمر على أنه ال يمكن اإلحاطة بمواضيع‬
‫التربية األخالقية‪ ،‬دون الرجوع إلى‪ :‬األساس االعتقادي(‪.)1‬‬
‫عامة؛ فهو‬
‫هما في مجال التربية األخالقية َّ‬ ‫وإذا كان هذا األساس ُم ًّ‬
‫في مجال التربية األخالقية اإلسالمية أهم‪ ،‬ذلك ألنه إلى جانب غيره‬
‫شامال للتربية‬
‫متكامال ً‬
‫ً‬ ‫يتضمن بنا ًء‬
‫َّ‬ ‫من األسس النفسية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬
‫خاصة‪ ،‬ولهذا كان المحتوى العقدي‬ ‫عامة‪ ،‬وللصغار َّ‬ ‫األخالقية لإلنسان َّ‬
‫الميسر هو أول ما ينبغي أن يُق َّدم للصغير في أوائل تعلُّمه‪.‬‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقداد يالجن‪> ،‬التربية األخالقية اإلسالمية< (ص‪ 191/‬ــ ‪.)192‬‬
‫‪62‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫يقول أبو حامد الغزالي‪> :‬اعلم أ َّن ما ذكرناه في ترجمة العقيدة‬


‫ينبغي أن يُق َّدم إلى الصبي في أول نشوئه‪ ،‬ليحفظه حف اظا‪ ،‬ثم ال يزال ينكشف‬
‫له معناه في كبره شي ائا فشي ائا‪ ،‬فابتداؤه الحفظ‪ ،‬ثم الفهم‪ ،‬ثم االعتقاد‬
‫واإليقان والتصديق به‪ ،‬وذلك مما يحصل في الصبي بغير برهان<(‪.)1‬‬
‫وعلى هذا المعنى يؤ ِّكد ابن القيِّم بقوله‪> :‬فإذا كان وقت نطقهم؛‬
‫محم ٌد رسول اهلل‪ ،‬وليكن أول ما يقرع‬ ‫َّ‬ ‫فليلقَّنوا‪ :‬ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫ُ‬
‫مسامعهم‪ :‬معرفة اهلل سبحانه‪ ،‬وتوحيده‪ ،‬وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر‬
‫إليهم‪ ،‬ويسمع كالمهم‪ ،‬وهو معهم أينما كانوا‪.‬‬
‫سمون أوالدهم بـ‪( :‬عمانويل) ومعنى‬ ‫كثيرا ما يُ ُّ‬
‫وكان بنو إسرائيل ً‬
‫هذه الكلمة‪ :‬إلهنا معنا‪ ،‬ولهذا كان أحب األسماء إلى اهلل‪ :‬عبد اهلل‬
‫وعبد الرحمن(‪ ،)2‬بحيث إذا وعى الطفل وعقل علم أنه عبد اهلل وأن اهلل هو‬
‫سيده ومواله<(‪.)3‬‬
‫هذه النصوص التي بين أيدينا تؤ ِّكد على أهمية غرس العقيدة في‬
‫وأال يُستهان بهذا األمر بدعوى صغر السن‪ ،‬وهذا ما‬ ‫نفوس الصغار‪َّ ،‬‬
‫ستصقله هذه النماذج العملية المنقولة عن الصحب واآلل في تعاملهم‬
‫وتربيتهم للصغار‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الغزالي‪> ،‬إحياء علوم الدين< (‪.)94/1‬‬
‫(‪> )2‬صحيح مسلم< (‪ ،)2132‬عن عبد اهلل بن عمر مرفو ًعا‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن القيم‪> ،‬تحفة المودود بأحكام المولود< (ص‪)231/‬‬
‫‪63‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫وأول ما يُطالعنا في هذا الباب‪:‬‬

‫حرصهم على بقاء الطفل على فطرة اإلسالم‪ ،‬ومنع العبث بهذه‬
‫العقيدة‪:‬‬
‫نصرانيا‬
‫ًّ‬ ‫يهوديا وال‬
‫ًّ‬ ‫في خالفة عمر بن الخ َّطاب ‪ :‬كان ال يد ُع‬
‫هوده في ملك العرب(‪.)1‬‬
‫نصر ولده‪ ،‬وال يُ ِّ‬
‫يُ ِّ‬
‫لم يكن عمر ليمنع اآلباء واألمهات من حرية تربية أبنائهم على ما‬
‫يعتقدونه ويدينون به‪ ،‬لكن ليكن ذلك في خارج حدود بالد المسلمين‪،‬‬
‫أما َو ُهم في ظالل خالفة إسالمية‪ :‬فقد كان عمر يرى أن من حقهم على‬
‫شب‬
‫المسلمين أن يُحافظوا على فطرتهم التي فطرهم اهلل عليها‪ ،‬فإذا ما َّ‬
‫تأثير عليه في تلويث فطرته‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫الغالم وبلغ وعقل ال يكون ألحد ٌ‬
‫عمر أهليهم وترك لهم شي ًئا مما فُرض عليهم لتطيب‬
‫ولربما صالح ُ‬
‫رجل من تغلب‪ ،‬فقال له عمر‪> :‬إنه قد‬ ‫أنفسهم بذلك‪ ،‬فقد قدم عليه ٌ‬
‫كان لكم نصيب في الجاهلية فخذوا نصيبكم من اإلسالم<‪ ،‬فصالحه‬
‫ينصروا األبناء(‪.)2‬‬
‫على أن أضعف عليهم الجزية‪ ،‬وال ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ )19389 ،19230 ،9971‬من طريق‬
‫عمرو بن شعيب؛ به‪ .‬وهذا منقطع‪ ،‬بل معضل‪ ،‬فعمرو من صغار التابعين‪ ،‬لكنه‬
‫يرتقي شي ًئا ما عن شدة الضعف بما يأتي بعده إن شاء اهلل‪.‬‬
‫(‪ )2‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ )19392 ،9974‬من طريق كردوس التغلبي؛‬
‫=‬ ‫به‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫حرصهم على أن تكون المرضعة مسلمة‪:‬‬


‫هذا مما استحبوه في تربية األطفال‪ ،‬أال ترضعه إال امرأة مسلمة‪،‬‬
‫وممن ورد عنه هذا‪ :‬علي ابن عبد اهلل بن عباس بن عبد المطلب‪ ،‬فقد‬
‫نصرانيا(‪.)1‬‬
‫ًّ‬ ‫كان ينهى المسلم أن يُ ِ‬
‫راضع‬
‫نص بتحريمه‬ ‫وهذا الفعل مع كونه في األصل مبا ًحا‪ ،‬إذ لم ِ‬
‫يأت ٌّ‬
‫أو منعه؛ إال أنهم كانوا حريصين على األطفال أن تتسرب إليهم عقيدة‬
‫المرضعة في أي شيء‪ ،‬إضافة إلى تعليل آخر ذكره أبو جعفر الباقر‪.‬‬
‫فعن غالب أبي الهذيل‪ ،‬عن أبي جعفر أنه كره أن ترضع اليهودية‬
‫والنصرانية الصبي‪ ،‬وقال‪> :‬إنها تشرب الخمر<(‪.)2‬‬
‫ضا عند اإلمامية‪ ،‬ففي‬
‫مقر ٌر أي ً‬
‫وهذا االستحباب إلسالم المرضعة‪َّ :‬‬
‫ستحب أن يختار للرضاع‪ :‬العاقلة‪ ،‬المسلمة‪ ،‬العفيفة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫>الشرائع<‪> :‬ويُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اختلف في كردوس هذا‪ ،‬هل هو‪ :‬كردوس بن عمرو الغطفاني‪ ،‬أم ابن عباس‬ ‫= وقد ُ‬
‫الثعلبي‪ ،‬أم ابن هانئ الثعلبي‪ ،‬فبعضهم جعلهم ثالثة‪ ،‬وبعضهم جعلهم واح ًدا‪.‬‬
‫وحكم عليه الحافظ في >التقريب< (‪ )5636‬أنه مقبول‪ ،‬يعني عند المتابعة‪ .‬ولكنه‬
‫لم يُتابع هنا؛ فحديثه ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)17626‬وفي إسناده أبو سالم الفهري‪ ،‬لم‬
‫أقف له على ترجمة!‬
‫(‪ )2‬إسناده صحيح إلى غالب‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)17627‬لكن يبقى النظر في‬
‫سماع غالب من أبي جعفر‪ ،‬فلم أقف على أحد نفاه أو أثبته‪ ،‬وغالب نفسه حكم عليه‬
‫الحافظ في >التقريب< (‪ )5350‬بأنه‪ :‬صدوق‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫الوضيئة‪ ،‬وال ُتسترضع الكافرة‪ ،‬ومع االضطرار‪ :‬يسترضع الذمية‪،‬‬


‫ويمنعها من شرب الخمر‪ ،‬وأكل لحم الخنزير<(‪.)1‬‬

‫تلقينهم الصغار كلمة التوحيد في أول نطقهم‪:‬‬


‫غالبا ما تكون الفواتيح عناوين الخواتيم كما يقولون‪ ،‬لذا كان‬
‫ً‬
‫الصحب واآلل يحبون أن يكون مستهل النطق عند صغارهم إذا أفصحوا‪:‬‬
‫ضا في سيرته ‘ مع‬ ‫مسطور أي ً‬
‫ٌ‬ ‫كلمة التوحيد‪ ،‬وقد تق َّدم أن مثل هذا‬
‫الصغار‪ .‬ومما ورد عن الصحب واآلل في ذلك‪:‬‬
‫قول إبراهيم التيمي‪> :‬كانوا يستحبون أول ما يفصح أن يعلموه‪ :‬ال‬
‫إله إال اهلل‪ ،‬سبع مرات‪ ،‬فيكون ذلك أول ما يتكلم به<(‪.)2‬‬
‫وكذا نقل جعفر الصادق‪ ،‬عن أبيه أبي جعفر البـاقر؛ أنـه قـال‪ :‬كـان‬
‫علــي بــن حســين(‪ )3‬يعلــم ولــده يقــول‪> :‬قولــوا‪ :‬آمنــت بــاهلل وكفــرت‬
‫بالطاغوت<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أمين بن صالح الحداء‪> ،‬فقه اآلل‪ ،‬بين دعوى اإلهمال وتهمة االنتحال<‬ ‫(‪)1‬‬
‫(ص‪.)625/‬‬
‫إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)7977‬وابن أبي شيبة (‪.)3500‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫هو‪ :‬زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب‪ ،‬وهو والد أبي جعفر‬ ‫(‪)3‬‬
‫الباقر المذكور‪.‬‬
‫إسناده حسن‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )3499‬عن حاتم بن إسماعيل‪ ،‬عن جعفر؛‬ ‫(‪)4‬‬
‫=‬ ‫به‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫د ْفع االعتقادات الخاطئة من قلوبهم‪ ،‬ونهيهم عن أفعال الشرك‪:‬‬


‫شك أن الولد قطعة من والديه‪ ،‬وحال إصابته بمكروه يو َّدان‬
‫ال َّ‬
‫دفعه عنه بأي وسيلة ُتتاح‪ ،‬بل قد يجرهما هذا الفزع ألجله إلى خارج‬
‫حدود المباحات؛ فيتق َّحم بهما المخاطر‪ ،‬ويوردهما المهالك‪ ،‬ويقتحم‬
‫بهما دائرة المحرمات!‬
‫وعندها يتدخل أولو النهى واألحًلم لرد الوالدين لرشدهما‪ ،‬وتعليم‬
‫األوالد من الصغر؛ أن العقيدة ال ينبغي أن تكون في ذيل األولويات‪،‬‬
‫بل هي على قُ َّبتها‪ ،‬مهما كانت العواقب‪.‬‬
‫فهذا بُكير بن الحارث‪ ،‬يُح ِّدث عمرو بن الحارث ذات يومٍ‪ ،‬أن‬
‫َّأمه ــ أي‪ :‬أم بكير ــ حدثته‪ :‬أنها أرسلت إلى عائشة ‪ ‬بأخيه مخرمة‪،‬‬
‫وكان يُداوى من قرحة(‪ )1‬تكون بالصبيان‪ ،‬فلما داوته عائشة وفرغت منه‬
‫رأت في رجليه خلخالي حديد(‪ )2‬فقالت عائشة‪> :‬أظننتم أن هذين‬
‫الخلخالين يدفعان عنه شيئا كتبه اهلل عليه؟! لو رأيتها ما تداوى عندي‪،‬‬
‫مس عندي‪ ،‬لعمري لخلخاالن من فضة أطهر من هذين<(‪.)3‬‬ ‫وما َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وحاتم هذا قال عنه الحافظ في >التقريب< (‪> :)994‬صدوق يهم<‪.‬‬
‫(‪ )1‬كذا في رواية ابن وهب‪ ،‬وفي رواية الحاكم‪> :‬وكانت ــ أي‪ :‬عائشة ــ ُتداوي من‬
‫قرحة<‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا في رواية ابن وهب‪ ،‬وفي رواية الحاكم‪> :‬خلخالين جديدين<‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن وهب في >الجامع< (‪ ،)668‬ومن طريقه الحاكم (‪ ،)7508‬وقال عقبه‪:‬‬
‫=‬ ‫يخرجاه<‪.‬‬
‫حديث صحيح اإلسناد‪ ،‬ولم ِّ‬
‫ٌ‬ ‫>هذا‬
‫‪67‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ترسيخ محبة رسول اهلل ‘ في قلوبهم‪ ،‬وتعظيمه وتوقيره في‬


‫نفوسهم‪:‬‬
‫أصل إيماني‪،‬‬
‫لما علم الصحب واآلل أن محبة رسول اهلل ‘ ٌ‬
‫وواجب شرعي‪ ،‬بدليل قوله عليه الصالة والسالم‪> :‬ال يؤمن أحدكم‪،‬‬
‫حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين<(‪)1‬؛ حرصوا‬
‫أشد الحرص على تعليم صغارهم هذا األصل العظيم‪ ،‬وغرسه في‬
‫نفوسهم منذ صغرهم‪ ،‬وقد سلكوا في هذا مسالك متعددة؛ منها‪:‬‬

‫‪ 1‬ــ تعليم سيرته ـ ‘ ـ العطرة‪:‬‬


‫وكان هذا شديد الظهور مع الجيل الذي أتى بعد وفاته ‘‪ ،‬أو‬
‫قل معاصرته له‪ ،‬فكانوا يعلمونهم سيرته ومغازيه كما يعلمونهم آيات‬
‫َّ‬
‫القرآن‪.‬‬
‫هذا أحد نجوم آل البيت‪ ،‬وهو‪ :‬زين العابدين علي بن الحسين بن‬
‫علي بن أبي طالب يقول‪> :‬كنا نُعلَّم مغازي النبي ‘ وسراياه كما نُعلَّم‬
‫السورة من القرآن<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إسناد صحيح إلى أم مخرمة‪ ،‬لكن يبقى النظر في حالها هي‪ ،‬فلم أقف لها على‬
‫ُ‬ ‫= وهذا‬
‫ترجمة فيما تحت يدي من الكتب‪ ،‬وعلى كل حال فهي في طبقة التابعين‪ ،‬وقد قال‬
‫علمت في‬
‫ُ‬ ‫الذهبي‪ :‬في >الميزان< (‪> :)604/4‬فصل في النسوة المجهوالت‪ :‬وما‬
‫النساء من اتهمت‪ ،‬وال من تركوها<‪.‬‬
‫فق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)15‬ومسلم (‪ )44‬من حديث أبي هريرة ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬م َّت ٌ‬
‫(‪ )2‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه الخطيب البغدادي في >الجامع ألخالق الراوي وآداب=‬
‫‪68‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫وهذا سليل بيت صحبة وشرف‪ ،‬وجده من السابقين‪ ،‬وأحد العشرة‬


‫المبشرين‪ ،‬إنه‪ :‬إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫>كان أبي يعلمنا مغازي رسول اهلل ‘‪ ،‬ويعدها علينا‪ ،‬وسراياه‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬يا بني! هذه مآثر آبائكم فال تضيعوا ذكرها<(‪.)1‬‬
‫ولربما حدثوهم بما فعل آباؤهم وأجدادهم وأسالفهم في غزواتهم‬
‫مع رسول اهلل ‘‪ ،‬وما بذلوه من تضحيات وبطوالت لفدائه ونصرته‪،‬‬
‫كما يقول غيالن بن جرير‪ :‬كنا ندخل على أنس بن مالك ‪ ،‬فيحدثنا‬
‫علي‪ ،‬أو على رجل من األزد(‪،)2‬‬
‫بمناقب األنصار‪ ،‬ومشاهدهم‪ ،‬ويقبل َّ‬
‫فيقول‪> :‬فعل قومك يوم كذا وكذا كذا وكذا<(‪.)3‬‬
‫ولذلك قال السمعاني‪> :‬واعلم أن فرض التعليم الذى على اآلباء‬
‫لألوالد‪ ،‬وذلك إذا بلغ الولد ستة‪ ،‬فينبغي لألب أن يذكره أن اهلل ‪‬‬
‫خالقه ومعبوده‪ ،‬وأن محمدا ‘ نبيه ورسوله‪ ،‬وأنه على دين اإلسالم‪،‬‬
‫ودفن بالمدينة<(‪.)4‬‬
‫وأنه ال نبي بعد نبينا محمد ‘‪ ،‬وأنه بُعث بمكة ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫السامع< (‪ ،)1591‬وفي إسناده محمد بن عمر الواقدي‪ ،‬مع كون اإلجماع استقر‬ ‫=‬
‫على توهينه؛ إال أنه كان لحفظه المنتهى في األخبار والسير والمغازي‪ ،‬كما قال‬
‫الذهبي في >الميزان< (‪.)666/3‬‬
‫إسناده ضعيف‪ :‬نفس المصدر السابق‪ ،‬بنفس اإلسناد‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫هم األنصار‪ ،‬ألن أزد اسم أبيهم‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫>صحيح البخاري< (‪.)3776‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أبو المظفر السمعاني‪> ،‬قواطع األدلة< (‪.)359/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪69‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫‪ 2‬ــ إحضارهم عند النبي ‘ لمبايعته‪:‬‬


‫وهذه كان يفعلها الصحابة ‪ ‬مع صغارهم الذين عاصروا النبي‬
‫‘‪ ،‬ومن هؤالء‪ :‬الزبير بن العوام ‪ ،‬فإنه أمر ولده عبد اهلل‪ ،‬أن يذهب‬
‫صغيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ليبايع رسول اهلل ‘‪ ،‬وهو ال يزال‬
‫هاجرت وأنا حبلى بعبد اهلل بن‬
‫ُ‬ ‫تقول زوجه أسماء بنت أبي بكر‪:‬‬
‫الزبير‪ ،‬فقدمت قباء‪ ،‬فنفست بعبد اهلل بقباء‪ ،‬ثم خرجت حين نفست‬
‫إلى رسول اهلل ‘ ليحنكه‪> ،‬فأخذه رسول اهلل ‘ مني‪ ،‬فوضعه في‬
‫حجره‪ ،‬ثم دعا بتمرة‪ ،‬فمضغها‪ ،‬ثم بصقها في فيه‪ ،‬فإن أول شيء دخل‬
‫وسماه عبد اهلل‪.‬‬
‫بطنه لريق رسول اهلل ‘‪ .‬ثم مسحه وصلى عليه َّ‬
‫ثم جاء‪ ،‬وهو ابن سبع سنين أو ثمان‪ ،‬ليبايع رسول اهلل ‘‪،‬‬
‫مقبال إليه‪ ،‬ثم‬
‫وأمره بذلك الزبير‪ ،‬فتبسم رسول اهلل ‘ حين رآه ً‬
‫بايعه<(‪.)1‬‬

‫ضا‪ :‬الحسن والحسين‬


‫وممن ُروي أنهم بايعوا النبي ‘ صغا ًرا أي ً‬
‫ابنا علي بن أبي طالب‪ ،‬وعبد اهلل بن عباس(‪.)2‬‬
‫وبيعة هؤالء الصغار جمي ًعا ــ كما يقول العلماء ــ بيعة تبريك‬
‫سن التكليف(‪.)3‬‬
‫وتشريف‪ ،‬ال بيعة تكليف‪ ،‬فإنهم كانوا دون ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪> )1‬صحيح مسلم< (‪.)2146‬‬
‫(‪ )2‬ابن ظفر المكي‪> ،‬أنباء نجباء األبناء< (ص‪.)81/‬‬
‫(‪ )3‬النووي‪> ،‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج< (‪ ،)126/14‬السيوطي‪=،‬‬
‫‪70‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫‪ 3‬ــ تطييبهم بآثار النبي ‘ رجاء لبركته‪:‬‬


‫طفل من أبناء الصحابة‪ُ ،‬تطيِّ ُبه ُّأمه‪ ،‬فيشم رائحة عطرة‪ ،‬ويجد‬
‫هذا ٌ‬
‫لهذا ال ِطيب بركة على جسده ونفسه‪ ،‬بل يراه مختل ًفا عن سائر الطِّيب‪،‬‬
‫بالسر عند أم ُسليم األنصارية‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫فيسأل عن سبب ذلك؛ فإذا‬
‫يقول ابنها أنس بن مالك‪ :‬كان النبي ‘ يدخل بيت ِّأم سليم‬
‫فينام على فراشها‪ ،‬وليست فيه‪ ،‬قال‪ :‬فجاء ذات يوم فنام على فراشها‪،‬‬
‫يت فقيل لها‪ :‬هذا النبي ‘ نام في بيتك‪ ،‬على فراشك‪ ،‬قال فجاءت‬ ‫فأُت ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫وقد عرق‪ ،‬واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش‪ ،‬ففتحت عتيدتها‬
‫فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها‪ ،‬ففزع النبي ‘ فقال‪:‬‬
‫>ما تصنعين يا أم سليم؟<‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول اهلل! نرجو بركته لصبياننا‪.‬‬
‫ِ‬
‫أصبت<(‪.)2‬‬‫قال‪> :‬‬

‫سمح ألحد بالمساس‬


‫‪ 4‬ــ تعظيم قدر النبي ‘ في نفوسهم‪ ،‬فال ُي َ‬
‫بجنابه الشريف‪:‬‬
‫الصغار آباءهم وسمعوا عن أجدادهم وهم يبذلون أرواحهم‬
‫ُ‬ ‫رأى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= >الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج< (‪.)175/5‬‬
‫(‪ )1‬أي‪ :‬كالصندوق الصغير تجعل المرأة فيه ما يعز من متاعها‪.‬‬
‫(‪> )2‬صحيح مسلم< (‪.)2331‬‬
‫‪71‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫مو منزلته‪ ،‬فلم تكن‬


‫وس َّ‬
‫علو قدره‪ُ ،‬‬
‫وأنفسهم فدا ًء لنبيهم‪ ،‬فعلموا بذلك َّ‬
‫نفسه‬
‫سولت ألحد ُ‬ ‫أنفسهم لتسمح ألحد بعد ذلك بأن يقع فيه‪ ،‬فإذا ما َّ‬
‫ِم َثل هذا السوء من الفعل؛ فوجئ بغضب هائج‪ ،‬وإعصار هادر؛ ال‬
‫يتوقَّف حتى يثأر لصاحب الجناب الشريف‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬أن غلما ًنا من أهل البحرين خرجوا يلعبون بالصوالجة‪،‬‬
‫وأسقف البحرين قاعد‪ ،‬فوقعت األكرة على صدره‪ ،‬فأخذها‪ ،‬فجعلوا‬
‫يطلبونها منه فأبى‪ ،‬فقال غالم منهم‪ :‬سألتك بحق محمد ‘ إال رددتها‬
‫وسب رسول اهلل ‘!‬ ‫َّ‬ ‫علينا‪ ،‬فأبى‪،‬‬
‫فأقبلوا عليه بصوالجهم‪ ،‬فما زالوا يخبطون حتى مات‪.‬‬
‫فرفع ذلك إلى عمر ‪ ،‬فواهلل ما فرح بفتح وال غنيمة كفرحته بقتل‬
‫الغلمان لذلك األسقف‪ ،‬وقال‪> :‬اآلن ع َّز اإلسالم‪ ،‬إن أطفاال صغارا‬
‫ُشتم نبيهم فغضبوا له وانتصروا<‪ .‬وأهدر دم األسقف(‪.)1‬‬

‫‪ 5‬ــ تعظيم أمر النبي ‘ ونهيه في نفوسهم‪ ،‬حتى لو كان على غير‬
‫هواهم‪:‬‬
‫الصغير ال يميز بين الحالل والحرام‪ ،‬وشهوته وميله لفعل شيء‬
‫يحبه ال ضابط له عنده‪ ،‬لكن المربي يزرع في نفسه منذ الصغر توقير‬
‫النبي ‘ وتعظيم أمره ونهيه‪ ،‬بربط ذلك بأفعاله وميوله‪ ،‬حتى يشب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو الفتح األشبيهي‪> ،‬المستطرف في كل فن مستطرف< (ص‪.)471/‬‬
‫‪72‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫على االمتثال لما يأتيه الح ًقا بعد ذلك من أوامر‪ ،‬وإن خالفت هواه‪.‬‬
‫يوما‪،‬‬
‫أتى عبد اهلل بن عمر لزيارة يحيى بن سعيد بن العاص ً‬
‫فدخل عليه وغالم من بنيه رابط دجاجة يرميها‪ ،‬فمشى ابن عمر إلى‬
‫الدجاجة فحلَّها‪ ،‬ثم أقبل بها وبالغالم‪ ،‬وقال ليحيى‪ :‬ازجروا غالمكم‬
‫هذا عن أن يصبر هذا الطير على القتل‪ ،‬فإني سمعت رسول اهلل ‘‪:‬‬
‫صبر بهيمة أو غيرها لقتل‪ ،‬وإن أردتم ذبحها فاذبحوها<(‪.)1‬‬
‫>ينهى أن ُت َ‬
‫طيرا‪ ،‬وهم يرمونه‪ ،‬وقد‬
‫ومر ذات يوم بفتيان من قريش قد نصبوا ً‬ ‫َّ‬
‫جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم‪ ،‬فلما رأوا ابن عمر تفرقوا‪،‬‬
‫فقال ابن عمر‪> :‬من فعل هذا؟ لعن اهلل من فعل هذا‪ ،‬إن رسول اهلل ‘‬
‫لعن من اتخذ شي ًئا فيه الروح غرضا<(‪.)2‬‬
‫لن تفارق كلمات ابن عمر‪ ،‬وفعله‪ ،‬وحالته من التأثر والغضب‬
‫ذهن غالم يحيى بن سعيد‪ ،‬وال أذهان فتية قريش‪ ،‬بل ستنطبع في‬
‫قادما في حياتهم للتعامل‬
‫ذاكرتهم‪ ،‬و ُتحفر في عقولهم‪ ،‬لتشكل مسا ًرا ً‬
‫مع األوامر والنواهي النبوية‪.‬‬
‫فإذا ما أراد أح ٌد أن يعترض على األمر النبوي بعقله دون تقدير له؛‬
‫كبيرا‬
‫جاءه الرد من ُمربِّيه ووليه عني افا‪ ،‬والتوبيخ شدي ادا‪ ،‬ال سيما إن كان ً‬
‫عاقال‪.‬‬
‫ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه أحمد (‪.)5682‬‬
‫(‪> )2‬صحيح مسلم< (‪.)1958‬‬
‫‪73‬‬
‫التربية العقدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ضا يح ِّدث أمام أوالده ذات يوم بحديث رسول اهلل‬


‫هذا ابن عمر أي ً‬
‫‘‪> :‬ال تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل< فقال ابن له‪:‬‬
‫ال ندعهن يخرجن فيتخذنه َد َغ ًال(‪ .)1‬عندها ضربه ابن عمر في صدره‪،‬‬
‫وزبره(‪ ،)2‬وقال‪> :‬أقول‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪ ،‬وتقول‪ :‬ال ندعهن<(‪!)3‬‬
‫عاقال‪ ،‬لكن أسلوب‬
‫نعم‪ ،‬قد يكون ابن عبد اهلل بن عمر بال ًغا ً‬
‫التربية هنا هو الذي يعنينا‪ ،‬وأنه إذا صدر هذا التعديل التقويم في حق‬
‫البالغ؛ فهو في حق من دونه أولى وأهم‪.‬‬
‫ولذلك قال الحافظ ابن حجر‪> :‬أُ ِخذ من إنكار عبد اهلل على ولده‪:‬‬
‫تأديب المعترض على السنن برأيه‪ ،‬وعلى العالم بهواه‪ ،‬وتأديب الرجل‬
‫ولده وإن كان كبي ًرا إذا تكلم بما ال ينبغي له‪ ،‬وجواز التأديب‬
‫بالهجران<(‪.)4‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ال َّد َغل‪ :‬هو الفساد والخداع والريبة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أي‪ :‬نَ َه َره‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫>صحيح مسلم< (‪.)442‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪.)349/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪74‬‬
‫َّ ْ َ ُ َّ َ ُّ َّ ُ‬
‫التر ِبية اتلعب ِدية‬
‫قبس نبوي‬

‫ٌََ ََ‬
‫قبس نبوي‬

‫مكم ًال لبناء العقيدة‪ ،‬فاألولى تغذي الثانية‬ ‫ِّ‬ ‫بناء العبادة‬
‫يُع ُّد ُ‬
‫بروحها‪ ،‬بل‪> :‬البُ َّد لكي يظل غرس العقيدة قويًّا في النفس‪ ،‬من أن‬
‫يُس َقى بماء العبادة‪ ،‬بمختلف صورها وأشكالها‪ ،‬وبذلك تنمو العقيدة‬
‫في الفؤاد‪ ،‬وتترعرع‪ ،‬وتثبت أمام عواصف الحياة وزعازعها<(‪ .)1‬فالعبادة‬
‫جسمها‪ ،‬والطفل عندما يتوجه‬ ‫هي المنعكس الذي يعكس صورة العقيدة ويُ ِّ‬
‫لنداء ربه‪ ،‬ويستجيب ألوامره؛ فإنما يلبي غريزة فطرية في نفسه‪،‬‬
‫فيشبعها ويرويها‪.‬‬
‫وتكوين العادة في الصغر أيسر بكثير من تكوينها في الكبر‪ ،‬ذلك أن‬
‫حفرا على‬
‫الجهاز العصبي الغض للطفل أكثر قابلية للتشكيل‪ ،‬وأيسر ً‬
‫مسطحه‪.‬‬
‫ففضًل عن اشتغال الجهاز العصبي بكثير من المشاغل‪،‬‬
‫أما في الكبر‪ :‬ا‬
‫ووجود مئات أو ألوف من القنوات المتشابكة على سطحه‪ ،‬التي ال تترك‬
‫كبيرا لإلضافة؛ فإن الجهاز العصبي ذاته يفقد مع‬
‫مجاال ً‬
‫ً‬ ‫من ازدحامها‬
‫كثيرا من مرونته األولى‪ ،‬فيصبح الحفر عليه أشق!‬
‫الكبر ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد البوطي‪> ،‬تجربة التربية اإلسالمية في ميزان البحث< (ص‪.)40/‬‬
‫‪77‬‬
‫قبس نبوي‬

‫ومن أجل هذه السهولة في تكوين العادة في الصغر يأمر الرسول‬


‫‘ بتعويد األطفال على الصالة قبل موعد التكليف بها بزمن كبير‪،‬‬
‫حتى إذا جاء وقت التكليف كانت قد أصبحت عادة بالفعل‪ ،‬ولم تكن‬
‫في حاجة إلى إنشائها ابتداء بما يستلزمه ذلك من جهد(‪.)1‬‬
‫هامة‪> :‬مروا‬
‫يقول الرسول ‘ ألصحابه في وصية تربوية إيمانية َّ‬
‫أوالدكم بالصالة وهم أبناء سبع سنين‪ ،‬واضربوهم عليها وهم أبناء‬
‫عشر<(‪.)2‬‬
‫فمنذ السابعة يبدأ تعويد األطفال على الصالة‪ ،‬مع أنهم لن يُكلَّ ُفوا‬
‫بها إال بعد سنوات قد تمتد إلى خمس أو ست‪ ،‬وذلك لتكون هناك فسحة‬
‫طويلة إلنشاء هذه العادة وترسيخها؛ حتى إذا بلغ الطفل العاشرة‪ ،‬وصار‬
‫تعودها بالفعل‪.‬‬ ‫على مقربة من موعد التكليف‪ ،‬فقد وجب أن يكون قد َّ‬
‫تعودها من تلقاء نفسه خالل سنوات التعويد الثالث؛‬ ‫فإن لم يكن قد َّ‬
‫فال بد من إجراء حاسم يضمن إنشاء هذه العادة وترسيخها(‪.)3‬‬
‫لم يكن التعليم القولي‪ ،‬وأسلوب األمر والنهي‪ ،‬والحزم إذا اقتضى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد قطب‪> ،‬منهج التربية اإلسالمية< (‪.)383/2‬‬
‫(‪ )2‬صحيح‪ :‬أخرجه أحمد (‪ )6756‬وأبو داود (‪ )495‬من حديث عبد اهلل بن عمرو بن‬
‫العاص‪ .‬وأخرجه أحمد (‪ ،)15339‬وأبو داود (‪ ،)494‬والترمذي (‪ )407‬والحاكم‬
‫(‪ )948 ،721‬من حديث سبرة بن معبد الجهني‪.‬‬
‫صححه الترمذي‪ ،‬والحاكم‪ ،‬واأللباني في >صحيح سنن أبي داود< (‪.)399/2‬‬‫والحديث َّ‬
‫(‪ )3‬محمد قطب‪> ،‬منهج التربية اإلسالمية< (‪.)383/2‬‬
‫‪78‬‬
‫قبس نبوي‬

‫األمر؛ هو األسلوب النبوي الوحيد في تعويد الصغار على العبادة‪،‬‬


‫وإنما س َّن النبي ‘ أسلو ًبا آخر‪ ،‬ينتفع به الصغير‪ ،‬قبل حتى أن يبلغ‬
‫السبع سنين المذكورة؛ أال وهو‪ :‬التعليم بالقدوة والمثال‪.‬‬
‫يتحين فرصة لينظر إلى عبادة النبي‬ ‫صغير لم يبلغ‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫صبي‬
‫ٌّ‬ ‫ها هو‬
‫‘ في ساعة خلوة‪ ،‬علَّه أن يتعلَّم ويستفيد ويطَّلع على ما لم يطَّلع عليه‬
‫غيره ممن هم في سنِّه أو أكبر منه‪ ،‬وقد ساعده على الوصول إلى ما‬
‫يريد‪ :‬ذهاب النبي ‘ ذات ليلة إلى بيت خالة الصبي ليبيت عندها‪ ،‬إذ‬
‫كانت هذه الخالة إحدى أمهات المؤمنين؛ إنها‪ :‬ميمونة بنت الحارث‬
‫‪.‬‬
‫عباس الصغير وقتها ينقل لنا الصورة التي ُحفرت‬
‫لندع عبد اهلل بن َّ‬
‫ونهي‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫في ذاكرته؛ فنقلها بعد إلى األمة كلها‪ ،‬والتي لم يصدر فيها ٌ‬
‫وإنما هي القدوة والمثال فحسب‪:‬‬
‫رقدت في بيت (خالتي) ميمونة ليلة كان النبي‬
‫ُ‬ ‫يقول ابن عباس‪:‬‬
‫وقلت لها‪ :‬إذا قام‬
‫ُ‬ ‫‘ عندها ألنظر كيف صالة النبي ‘ بالليل‪،‬‬
‫رسول اهلل ‘ فأيقظيني‪.‬‬
‫فتوضأ من شن ُمعلَّ ٍق‬
‫فلما كان في بعض الليل‪ :‬قام رسول اهلل ‘ َّ‬
‫فتمطيت كراهية أن‬
‫ُ‬ ‫فقمت‪ ،‬ثم قام يصلي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حركني‬
‫وضو ًءا خفي ًفا‪ ،‬ثم َّ‬
‫نحوا مما توضأ‪ ،‬ثم جئت‪ ،‬فقمت عن‬ ‫يرى أني كنت أنتبه له‪ ،‬فتوضأت ً‬
‫‪79‬‬
‫قبس نبوي‬

‫فحولني‪ ،‬فجعلني عن يمينه‪ ،‬فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة‬ ‫يساره‪َّ ،‬‬
‫أذني‪ ،‬ثم صلَّى ما شاء اهلل‪ ،‬ثم اضطجع‪ ،‬فنام حتى نفخ‪ ،‬فأتاه المنادي‬
‫يأذنه بالصالة‪ ،‬فقام معه إلى الصالة‪ ،‬فصلَّى ولم يتوضأ(‪.)1‬‬
‫التعليم بالمثل والقدوة‪ ،‬وقد أعانه النبي ‘‬
‫َ‬ ‫س‬
‫عبا ٍ‬ ‫ابن َّ‬
‫لقد طلب ُ‬
‫على ذلك‪ ،‬فأيقظه‪ ،‬وأقامه بجواره‪ ،‬وجعل يؤنسه ويوقظه بفتل أذنه‪،‬‬
‫وقد قيل إن المتعلم إذا ُت ُعو ِهد بفتل أذنه كان أذكى لفهمه(‪.)2‬‬
‫ومن نفس الباب‪ ،‬باب التعليم بالقدوة والمثال‪ ،‬ومع نفس الصبي‬
‫الصغير؛ يُريه النبي ‘ كيف يكون تقديم الموعظة في يوم العيد‬
‫للرجال‪ ،‬ثم للنساء إذا لم يسمعن ولم يصلهن كالم اإلمام وخطبته‪.‬‬
‫عباس وقال له رجل‪:‬‬ ‫ابن َّ‬
‫سمعت َ‬
‫ُ‬ ‫يقول‪ :‬عبد الرحمن بن عابس‪:‬‬
‫أشهدت العيد مع النبي ‘؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ولوال منزلتي منه‪ ،‬ما شهدته‬
‫الصلت‪ ،‬ثم خطب‪ ،‬ثم‬ ‫العلَ َم الذي عند دار كثير بن َّ‬
‫من الصغر‪ ،‬فأتى َ‬
‫أتى النساء فوعظه َّن‪ ،‬وذكَّره َّن‪ ،‬وأمره َّن أن يتصدقن‪ ،‬فجعلت المرأة ُته ِوي‬
‫بيدها إلى حلقها‪ ،‬تلقي في ثوب بالل‪ ،‬ثم أتى هو وبالل البيت(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)859‬ومسلم (‪.)763‬‬
‫والسياق المذكور هنا بعض ألفاظه في مسلم دون البخاري‪ ،‬ولكن أصل الحديث‬
‫ِّ‬
‫فق عليه بينهما‪.‬‬
‫م َّت ٌ‬
‫(‪ )2‬ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪.)485/2‬‬
‫(‪> )3‬صحيح البخاري< (‪.)863‬‬
‫‪80‬‬
‫قبس نبوي‬

‫وهـــذه األمثلـــة مـــن العبـــادات المـــذكورة؛ كالوضـــوء‪ ،‬والصـــًلة‪،‬‬


‫والخطابة‪ ،‬ليس المراد بها هنا الحصر‪ ،‬وإنما المراد‪ :‬ضرب المثل بذكر‬
‫طريقة التعليم والتربية‪.‬‬
‫وجميع آداب اإلسالم وأوامره سائرة على ذات النهج‪ ،‬وإن كان‬
‫الرسول ‘ لم يح ِّدد لها زم ًنا معي ًنا كالصالة؛ فكلها تحتاج إلى تعوي ٍد‬
‫مبكِّر‪ ،‬وكلها تحتاج بعد فترة من الوقت إلى اإللزام بها بالحسم إن لم‬
‫يتعودها الصغير من تلقاء نفسه(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫نمهد له؛ وهو‪ :‬أنه بمثل هذه الطرق‬ ‫حس انا! نلج اآلن إلى ما ِّ‬
‫واألساليب المستخ َدمة في التنشئة اإليمانية‪ ،‬تعامل الصحب واآلل مع‬
‫صغارهم‪ ،‬في مختلف أشكال العبادة؛ كالصًلة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج‪،‬‬
‫وقراءة القرآن‪ ،‬والدعاء‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وفيما يلي ــ إن شاء اهلل ــ نستعرض‬
‫صو ارا من هذه النماذج التطبيقية التي وصلت إلينا من سيرهم وأخبارهم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد قطب‪> ،‬منهج التربية اإلسالمية< (‪.)384/2‬‬
‫‪81‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ر‬
‫الرتبية اتلعبدية يف تراث اآلل واألصحاب‬

‫عجيبا‪ ،‬فهي ُتشعره باالتصال‬


‫فعال ً‬ ‫تفعل العبادة هلل في نفس الصغير ً‬
‫باهلل ‪ ،‬وتهدئ من ثوراته النفسية‪ ،‬وتلجم انفعاالته الغضبية‪ ،‬فتجعله‬
‫سو ًيا مستقي ًما‪ ،‬إذ كثافة الشهوات ضعيفة في تلك الفترة‪ ،‬مما يجعل‬
‫روحه تتجاوب أكثر فأكثر بمناجاة اهلل‪ ،‬ويأخذ الخشوع المساحة الكبرى‬
‫من جسده‪ ،‬وهو يرتل آية أو يسمعها‪ ،‬أو هو واقف في الصالة أو ساجد‬
‫فيها‪ ،‬وهو يسمع أذان اإلفطار ليبدأ الطعام والشراب‪ ،‬بعد أن صام‬
‫يومه‪ ،‬وهناك أسرار كثيرة للعبادة ال ُتع ُّد وال ُتحصى‪ ،‬تؤثِّر في الطفل‬
‫مما يزيد في قوته ونشاطه‪ .‬وبذلك تفضل التربية اإلسالمية عن أي تربية‬
‫كانت(‪.)1‬‬
‫خالف على أ َّن الطفولة والصغر ليست مرحل َة تكليف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ثم‬
‫وليس َّ‬
‫وإنما هي مرحلة إعداد وتدريب وتعويد؛ للوصول إلى مرحلة التكليف‬
‫عند البلوغ‪ ،‬ليسهل على المسلم أداء الواجبات والفرائض‪ ،‬وليكون‬
‫على أتم االستعداد لخوض غمار الحياة بكل ثقة وانطالق‪ .‬كما قال أبو‬
‫المعري‪:‬‬
‫العالء ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد نور بن عبد الحفيظ سويد‪> ،‬منهج التربية النبوية للطفل< (ص‪.)252/‬‬
‫‪82‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫ـــو َد ُه أبُــــوه‬
‫علــــى مــــا كــــا َن َعـ ّ‬ ‫ـــىء الفتيــــا ِن‪ِ ،‬م ّنــــا‬
‫ويَنشــــأُ ناشـ ُ‬
‫أقربُــــــــوه‬
‫ـــــــه ال ّتــــــــ َد ّي َن َ‬
‫يُ َعل ُّمـ ُ‬ ‫ومــا دا َن الفتــى ب ِح ًجــا(‪ ،)1‬ولكــن‬
‫يقول البيهقي‪> :‬وهذا شعار الصالحين ومن سلف من المسلمين‪،‬‬
‫يتعودوا ذلك<(‪.)2‬‬
‫يعودون صبيانهم الصوم والصالة والخير‪ ،‬حتى َّ‬
‫وقال المهلَّب‪> :‬في هذا الباب وضوء الصبيان وصًلتهم‪ ،‬وشهودهم‬
‫الجماعات في النوافل والفرائض‪ ،‬وتدريبهم عليها قبل وجوبها عليهم؛‬
‫ليبلغوا إليها وقد اعتادوها وتمرنوا فيها<(‪.)3‬‬
‫وإلى هذا المعنى أشار عبد اهلل بن مسعود في نصيحته الثمينة‬
‫لآلباء والمربين‪> :‬حافظوا على أوالدكم في الصالة‪ ،‬وعلموهم الخير‪،‬‬
‫فإنما الخير عادة<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ال ِحجا‪ :‬العقل والفطنة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫والمراد‪ :‬أن تدين الطفل والتزامه بالعبادة وأداءه لها ليس عن ذكائه واختياره‪ ،‬وإنما‬
‫بتربية آبائه له‪.‬‬
‫البيهقي‪> ،‬معرفة السنن واآلثار< (‪.)359/6‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابن بطال‪> ،‬شرح صحيح البخاري< (‪.)469/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)7299‬وابن أبي شيبة (‪ ،)3497‬والبيهقي‬ ‫(‪)4‬‬
‫(‪)120/3‬؛ من طريق عمارة بن عمير‪ ،‬والطبراني في >المعجم الكبير< (‪/9‬رقم‬
‫‪ ،)9155‬والبيهقي (‪ :)119/3‬من طريق علي بن األقمر‪.‬‬
‫كالهما (عمارة‪ ،‬واألقمر) عن أبي األحوص عوف بن مالك‪ ،‬عن ابن مسعود؛ به‪.‬‬
‫ورواية عمارة بذكر الشطر األول فقط من األثر‪.‬‬
‫خالف يسير على طريق األقمر عند البيهقي أشار هو إليه في الموطن المذكور‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وثم‬
‫َّ‬
‫لكنه ال يضر إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫طريق‬
‫ٌ‬ ‫فتعويد األطفال على العبادة من الصغر‪ ،‬وتدريبهم عليها؛‬
‫منصوح به من الصحب والسلف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مجرب‬
‫َّ‬
‫بل فوق ذلك‪ :‬كان عمر بن الخطاب ‪ ‬يرى أن الصغير الذي لم‬
‫كت ُب حسناته‪ ،‬وال ُتكتب عليه سيئاته(‪.)1‬‬
‫يجرِ عليه القلم ُت َ‬
‫دافع آخر لآلباء والمربين لإلقدام على تعويد الصغير على‬
‫وهذا ٌ‬
‫العبادة وممارستها قبل البلوغ‪.‬‬
‫وسيرا من الصحب واآلل الكرام‪ ،‬على منهاج خير األنام‪ ،‬عليه‬ ‫ا‬
‫تدريبا وتعلي ًما‪،‬‬
‫الصًلة والسًلم‪ ،‬فقد عنوا بتنشئة صغارهم على العبادة‪ ،‬ا‬
‫ونهيا‪ ،‬إشها ًدا وتلقي ًنا‪ ،‬كما يتضح من هذه النماذج التي بين أيدينا‬
‫أمرا ً‬
‫ً‬
‫في أصناف العبادة المختلفة؛ ومنها‪:‬‬
‫ضوُ‬‫ُ ُ‬
‫ال‬
‫نص عليه بصيغة األمر كما وقع في شأن الصالة؛‬ ‫مع أن تعليمه لم يُ َّ‬
‫عذر بتركه‪.‬‬
‫ثم ٌ‬‫إال أنه مما يُفهم بداهة‪ ،‬لكونها ال ُتقبل إال به‪ ،‬ما لم يكن َّ‬
‫وقد سلك الصحب واآلل في تعليمه صغارهم كًل الطريقين‪:‬‬
‫النظري‪ ،‬والعملي‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه ابن عبد البر في >التمهيد< (‪.)105/1‬‬
‫وسيأتي الح ًقا في ثنايا النماذج المذكورة تأكيد النبي ‘ على جواز أفعال العبادات‬
‫من الصغار‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫فأما التعليم العملي عن طريق القدوة والمثال‪:‬‬


‫فها هي إحدى الصحابيات صفية بنت أبي ُعبيد ‪ ،‬تتوضأ أمام‬
‫إماما كمالك في‬
‫غًلم صغير‪ ،‬فيحفظ وضوءها‪ ،‬ليح ِّدث به بعد ذلك ا‬
‫زمانه‪.‬‬
‫يقول نافع مولى ابن عمر‪ :‬رأيت صفية بنت أبي عبيد توضأت وأنا‬
‫غالم >فإذا أرادت أن تمسح رأسها سلخت الخمار<(‪.)1‬‬
‫ومن آل بيته ‘‪ :‬يُحدثنا أبو جعفر الباقر‪ ،‬عن أبيه زين العابدين‬
‫علي بن الحسين‪ ،‬أن أباه الحسين بن علي قال له‪ :‬دعاني أبي علي‬
‫بوضوء‪ ،‬فقربته له‪ ،‬فبدأ فغسل كفيه ثالث مرات قبل أن يدخلهما في‬
‫وضوئه‪ ،‬ثم مضمض ثال ًثا‪ ،‬واستنثر ثال ًثا‪ ،‬ثم غسل وجهه ثالث مرات‪،‬‬
‫ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثال ًثا‪ ،‬ثم اليسرى كذلك‪ ،‬ثم مسح برأسه‬
‫مسحة واحدة‪ ،‬ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثال ًثا‪ ،‬ثم اليسرى‬
‫كذلك‪ ،‬ثم قام قائ ًما‪ ،‬فقال‪> :‬ناولني<‪ .‬فناولته اإلناء الذي فيه فضل‬
‫وضوئه‪ ،‬فشرب من فضل وضوئه قائ ًما‪.‬‬
‫فعجبت‪ ،‬فلما رآني قال‪> :‬ال تعجب؛ فإني رأيت أباك النبي ‘‬
‫ُ‬
‫يصنع مثل ما رأيتني صنعت‪ ،‬يقول لوضوئه هذا‪ ،‬وشرب فضل وضوئه‬
‫قائ ًما<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪.)51‬‬
‫(‪ )2‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه النسائي (‪.)95‬‬
‫‪85‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫آخ ٌر من صحبه ‘ ال يكتفي بتعليم صبي من أقاربه‪ ،‬أو‬ ‫وهذا َ‬


‫غالم من بيته‪ ،‬بل يجمع صبيان قومه جمي ًعا‪ ،‬مع الكبار من الرجال‬
‫والنساء؛ ليعلمهم جمي ًعا الوضوء قبل الصالة‪.‬‬
‫إنه أبو مالك األشعري ‪ .‬خرج إلى قومه؛ فنادى فيهم أن‬
‫يجتمعوا‪ ،‬بنسائهم وأبنائهم‪ ،‬ليعلمهم صالة النبي ‘ ووضوءه‪،‬‬
‫فاجتمع القوم‪ ،‬وجمعوا نساءهم وأبناءهم‪ ،‬فتوضأ وأراهم كيف يتوضأ‪،‬‬
‫فأحصى الوضوء إلى أماكنه(‪.)1‬‬
‫شك أن رؤية الصغير لوضوء الكبير له أثر عظيم في تعليمه‪،‬‬ ‫وال َّ‬
‫خاصة إذا ما تابع الكبير تقليد الصغير‬
‫وتطبيقه له بشكل عملي صحيح‪َّ ،‬‬
‫ليصح َح له إن وقع منه خطأ‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وعمله‬
‫وأما التعليم النظري عن طريق التلقين‪:‬‬
‫الر َبيِّع بنت ُم َع ِّوذ اب ِن َع ْفراء ‪ ،‬إذ‬
‫فمن أمثلته‪ :‬ما وقع من ُّ‬
‫جاءها عبد اهلل ابن محمد بن عقيل بن أبي طالب ليسألها عن وضوء‬
‫النبي ‘؛ فلقنته إيَّاه نظريًّا‪.‬‬
‫قال عبد اهلل‪ :‬دخلت على الربيع بنت عفراء‪ ،‬فقالت‪ :‬من أنت؟‬
‫قلت‪ :‬أنا عبد اهلل بن محمد بن عقيل بن أبي طالب‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مطو ًال عند الحديث عن الصالة‪ ،‬وهناك نذكر تخريجه‬
‫قريبا َّ‬
‫(‪ )1‬في إسناده ضعف‪ :‬سيرد ً‬
‫وسبب ضعفه إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫قالت‪ :‬فمن ُّأمك؟‬


‫قلت‪َ :‬ريطة بنت علي ــ أو‪ :‬فالنة بنت علي بن أبي طالب ــ‪.‬‬
‫ُ‬
‫قالت‪ :‬مرحبا بك يا ابن أختي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬جئتك أسألك عن وضوء رسول اهلل ‘؟‬
‫ُ‬
‫قالت‪ :‬كان رسول اهلل ‘ يصلنا ويزورنا‪ ،‬وكان يتوضأ في هذا‬
‫اإلناء ــ أو‪ :‬في مثل هذا اإلناء ــ وهو نحو من مد‪ .‬ثم ذكرت صفة‬
‫(‪)1‬‬
‫وضوئه ‘ ‪.‬‬

‫ولننتقل اآلن إلى عمود اإلسالم‪ ،‬والتي كان الوضوء تمهي ًدا لها‪،‬‬
‫لنرى كيف اهتم بها الصحب واآلل تعلي ًما وتربية مع صغارهم‪:‬‬

‫َّ َ‬
‫الصلة‬

‫يتحدث علماء التربية عن أن الصًلة ليست فقط عبادة تربط الصغير‬


‫منذ نشأته بربه‪ ،‬وتعوده على اللجوء إليه في جميع أحواله‪ ،‬وإنما لها‬
‫بع ٌد تربوي آخر عندهم‪ ،‬فهي‪> :‬من الضوابط التي تعود النفس على أداء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح إلى ابن عقيل‪ :‬أخرجه ــ بهذا اللفظ ــ عبد الرزاق (‪.)119‬‬
‫كالم في ابن عقيل نفسه‪ ،‬وجدال حول بعض ألفاظ هذا المتن‪ ،‬فيما يتعلق‬ ‫ٌ‬ ‫وثم‬
‫َّ‬
‫باألحكام المستنبطة منه‪ ،‬ليس محل بسطه وتفصيله هنا‪ ،‬وإنما يعنينا منها القصة‬
‫المذكورة بينه وبين الربيع فقط‪ ،‬وهذا الجزء ال إشكال فيه‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫عمل معين في وقت معين‪ ،‬وتلك إحدى وسائل الضبط‪ .‬كما أنها تعود‬
‫ضا إحدى وسائل الضبط‪.‬‬ ‫النفس على التزام الجد فترة من الوقت‪ ،‬وتلك أي ا‬
‫فوق ما ينبغي لها من خشوع وتطهر وتنظف ورعاية‪ .‬وكلها ضوابط تعود‬
‫النفس من الداخل على ضبط الشهوات<(‪.)1‬‬
‫ولقد َّمر بنا آن ًفا نصيحة ابن مسعود للوالدين والمربين‪> :‬حافظوا‬
‫على أوالدكم في الصالة‪ ،‬وعلموهم الخير‪ ،‬فإنما الخير عادة<(‪.)2‬‬
‫وعقد البيهقي با ابا في كتابه >السنن الكبرى< ألجل هذا المعنى‬
‫بعنوان‪> :‬باب ما على اآلباء واألمهات من تعليم الصبيان أمر الطهارة‬
‫والصالة<(‪.)3‬‬
‫ولعظم هذا الركن من أركان اإلسالم؛ فقد أواله الصحب واآلل‬
‫مزيد اهتمام ورعاية‪ ،‬وتوجيه وعناية‪ ،‬فتارة يأمرون‪ ،‬وتارة يصححون‪،‬‬
‫وقد يجمعون صغارهم ليدربوهم‪ ،‬وربما إلى المساجد اصطحبوهم‪ .‬وها‬
‫هي آثارهم على ذلك شاهدة‪ ،‬ولألنظار ماثلة‪ ،‬ومن ذلك أنهم‪:‬‬

‫سن معين‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ يعلمون صغارهم الصالة‪ ،‬ويأمرونهم بها في ٍّ‬
‫َّمر معنا آن افا في صدر هذا الفصل التوقيت الزمني الذي ح َّده النبي ‘‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد قطب‪> ،‬منهج التربية اإلسالمية< (‪.)120/1‬‬
‫(‪ )2‬إسناده صحيح‪ :‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪> ،‬السنن الكبرى< (‪.)119/3‬‬
‫‪88‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫ألمر الصبي بالصالة‪ ،‬وما كان ألصحابه وآله أن يخالفوه‪ ،‬بل هم أولى‬
‫الناس باتباعه وتنفيذ أمره‪.‬‬
‫حوار بين اثنين من آل بيته ‘‪ ،‬وناقله من نسلهما‪ ،‬يُبين‬
‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫التزامهم بالتوقيت النبوي المحدد لتعليم الصغير الصالة‪:‬‬
‫يقول حسين بن علي بن الحسين‪ :‬دخل علينا أبي علي بن حسين‬
‫ومعه محمد بن علي أبو جعفر‪ ،‬وأنا وجعفر في حائط لنا نلعب‪ ،‬فقال‬
‫فم ْره‬
‫أبي لمحمد‪> :‬كم أتى على ابنك جعفر؟< قال‪ :‬سبع سنين‪ .‬قال‪ُ > :‬‬
‫بالصالة<(‪.)1‬‬
‫المتخصصين في التربية أن الصغير ال‬
‫َّ‬ ‫وقد ذكر بعض األطباء‬
‫يكون مستع ًّدا لاللتزام بالصالة ــ وهي الكتاب الموقوت ــ قبل بلوغه‬
‫سبع سنوات‪ ،‬حيث يبلغ عندها مفهوم الزمن لديه درجة من النضج‬
‫كافية للبدء في أمره بالصالة خمس مرات في اليوم‪ ،‬مضيفين أن الصغير‬
‫واضح للزمن يعيش يومه وكأنه يعيش في‬
‫ٌ‬ ‫الذي لم يتكون لديه مفهوم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده حسن‪ :‬أخرجه الدوالبي في >الكنى واألسماء< (‪ ،)743‬من طريق أبي سعيد‬
‫عبد الرحمن بن عبد اهلل مولى بني هاشم‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي الموالي‪ ،‬عن‬
‫حسين؛ به‪.‬‬
‫وأبو سعيد‪ ،‬وابن أبي الموالي‪ ،‬كالهما‪ :‬حكم عليهما الحافظ في >التقريب< (‪،3918‬‬
‫‪ )4021‬بحكم واحد؛ وهو‪> :‬صدوق ربما أخطأ<‪.‬‬
‫والحديث أخرجه أبو بكر الشافعي في >الغيالنيات< (‪ )94‬من طريق آخر‪ ،‬لكن فيه‬
‫من ال يُعرف‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫فالة بال معالم تحدد االتجاهات فيها‪ ،‬نعم‪ ،‬يعيش فيها سعي ًدا‪ ،‬لكنه‬
‫كالتائه‪ ،‬وهكذا بالنسبة للزمن يعيش فيه‪ ،‬لكنه تائه‪ ،‬فإن أُمر بالصالة في‬
‫أوقاتها‪ :‬لم يستطع استيعاب عالقة كل صالة بوقتها‪ ،‬ولم يدرك سبب‬
‫اختالف كل واحدة عن األخرى من حيث اسمها (الفجر‪ ،‬الظهر‪،‬‬
‫أساس في إعطائها‬
‫ٌ‬ ‫ملمح‬
‫ٌ‬ ‫العصر‪ ،‬المغرب‪ ،‬العشاء)‪ ،‬فوقت كل صالة‬
‫هويتها المميِّزة لها(‪.)1‬‬
‫لكن صيغة األمر تختلف عن مطلق التعليم‪ ،‬نعم‪ ،‬كانوا ينتظرون‬
‫هذا العمر لألمر‪ ،‬أما مطلق التعليم نفسه‪ :‬فكانوا يبتدؤونه قبل ذلك‪.‬‬
‫الصبي الصال َة إذا‬
‫ُ‬ ‫فهذا عبد اهلل بن عمر ‪ ‬كان يقول‪> :‬يُعلَّم‬
‫عرف يمينه من شماله<(‪ .)2‬وهذا من باب التعويد كما َّمر معنا آن ًفا‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ يوقظونهم للصالة من غير إيجاب‪:‬‬


‫فهي محاولة أخرى لتعويدهم على تعظيم هذه العبادة‪ ،‬وتقديمها‬
‫على الراحة والدعة‪ ،‬حتى وإن قام فلم يأت بالصالة على وجهها‪ ،‬لكن‬
‫تحقق المراد في هذه المرحلة‪ ،‬ومن هذا الفعل؛ وهو‪ :‬التعظيم‪.‬‬
‫كان عبد اهلل بن عباس ‪ ‬يقول ألهل بيته‪> :‬أيقظوا الصبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد كمال الشريف‪> ،‬تربية الطفل‪ ،‬رؤية نفسية إسالمية< (ص‪.)159/‬‬
‫(‪ )2‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪.)3496 ،3485‬‬
‫‪90‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫يصلي‪ ،‬ولو سجدة<(‪!)1‬‬


‫لكن هذه المحاولة إليقاظهم تجللها الرحمة والشفقة‪ ،‬فإذا ما أبى‬
‫فليترك من غير تشديد وال نكير‪.‬‬
‫الصبي االستيقاظ؛ ُ‬
‫صبيا لها ليصلي‬ ‫فهذا عمر بن الخطَّاب ‪ُّ ‬‬
‫يمر بامرأة وهي توقظ ًّ‬
‫صالة الصبح‪ ،‬لك َّن الصبي يتلكأ‪ ،‬ويغلبه الكسل والنوم‪ ،‬والمرأة‬
‫تحاول‪ ،‬بل ربما رآها عمر تشتد على الصغير؛ فيقول لها معل ِّما‪ ،‬وعلى‬
‫الصغير مشف ًقا‪> :‬دعيه‪ ،‬ال ُتعنِّيه‪ ،‬فإنها ليست عليه حتى يعقلها<(‪.)2‬‬
‫وألجل هذا‪ ،‬ولخشية بعض الصحب واآلل أال يستجيب الصغار‬
‫لًلستيقاظ‪ ،‬أو أن يغلبهم النوم ــ في ليل أو نهار ــ على بعض الصلوات؛‬
‫اختاروا لهم طريقة أخرى للمحافظة عليها وعدم تركها؛ وهي‪ :‬الجمع‬
‫بينها‪.‬‬
‫فهذا جعفر الصادق‪ ،‬ينقل عن والده الباقر‪ ،‬أن والده زين العابدين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)7298‬وابن أبي شيبة (‪ ،)3483‬وفيه‪:‬‬
‫الحسين بن عبد اهلل بن عبيداهلل بن عباس بن عبد المطلب‪ ،‬قال عنه الحافظ في‬
‫>التقريب< (‪> :)1326‬ضعيف<‪.‬‬
‫(‪ )2‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)3484‬وابن أبي الدنيا في >العيال<‬
‫(‪ )296‬من طريق محمد بن أبي يحيى األسلمي‪ ،‬عن أمه‪ ،‬عن جدته‪ ،‬أن عمر؛ به‪.‬‬
‫وفي رواية ابن أبي شيبة‪ :‬عن محمد‪ ،‬عن امرأة منهم‪ ،‬عن جدة لها!‬
‫وأم محمد بن يحيى هذه قال عنها الحافظ في >التقريب<‪> :‬مقبولة<‪ .‬وأما جدته‪ :‬فال‬
‫ُتعرف!‬
‫‪91‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫الحسين بن علي كان يأمر الصبيان أن يصلوا الظهر والعصر جمي ًعا‪،‬‬
‫والمغرب والعشاء جمي ًعا‪ُ ،‬فيقال له‪ :‬يصلون الصالة لغير وقتها؟!‬
‫فيقول‪> :‬هذا خير من أن يناموا عنها<(‪.)1‬‬

‫‪ 3‬ــ يعلمونهم الصالة بشكل عملي‪ ،‬وبصورة تطبيقية على أنفسهم‪:‬‬


‫ها هو أحدهم يعود من المدينة النبوية إلى قومه‪ ،‬فينادي فيهم‬
‫رجاال ونسا ًء‪ ،‬وصغا ًرا؛ ُليعلمهم الصالة بصفتها وهيئتها‬
‫ً‬ ‫ليجمعهم‪،‬‬
‫عمليا؛ إنه‪ :‬أبو مالك األشعري ‪.‬‬ ‫تعليما ًّ‬
‫يقول عبد الرحمن بن غنم‪ :‬إن أبا مالك األشعري جمع قومه‬
‫فقال‪> :‬يا معشر األشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم‪ ،‬وأبناءكم أعلمكم‬
‫صالة النبي ‘ التي صلى لنا بالمدينة<‪.‬‬
‫فاجتمعوا‪ ،‬وجمعوا نساءهم وأبناءهم‪ ،‬فتوضأ وأراهم كيف‬
‫يتوضأ‪ ،‬فأحصى الوضوء إلى أماكنه حتى لما أن فاء الفيء‪ ،‬وانكسر‬
‫فصف الرجال في أدنى الصف‪ ،‬وصف الولدان‬ ‫َّ‬ ‫الظل قام‪ ،‬فأذن‬
‫خلفهم‪ ،‬وصف النساء خلف الولدان‪ ،‬ثم أقام الصالة‪ ،‬فتقدم فرفع يديه‬
‫سرهما‪ ،‬إلى آخر صفة الصالة‪.‬‬ ‫وكبر‪ ،‬فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة‪ ،‬يُ ُّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده حسن‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )3494‬عن حاتم بن إسماعيل‪ ،‬عن جعفر؛‬
‫به‪.‬‬
‫وحاتم هذا قال عنه الحافظ في >التقريب< (‪> :)994‬صدوق يهم<‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫فلما قضى صالته أقبل إلى قومه بوجهه‪ ،‬فقال‪> :‬احفظوا تكبيري‪،‬‬
‫وتعلموا ركوعي وسجودي؛ فإنها صالة رسول اهلل ‘ التي كان يصلي‬
‫لنا كذي الساعة من النهار<(‪.)1‬‬

‫‪ 4‬ــ يصلون أمامهم لتعليمهم بالقدوة والمثال‪:‬‬


‫يختلف هذا الفعل عن سابقه‪ :‬في أن الطريق السابق يعمد فيه المربي‬
‫إلى الصبي ويقصده فيحضره ويريه الفعل‪ ،‬ويطلب منه أن يصنع مثله‪،‬‬
‫أما هنا‪ :‬فإنه ال يكلمه‪ ،‬وال يطلب منه أن يقلده؛ إنما يكتفي فقط أن يفعل‬
‫أمامه‪ ،‬ويتركه يشاهده‪ ،‬ثم إن بدا للصبي أن يسأل عن شيء سأل فأجابه‪.‬‬
‫والقدوة الصالحة من أعظم المعينات على تكوين العادات الطيبة‪،‬‬
‫حتى إنها لتيسر معظم الجهد في كثير من الحاالت‪ ،‬ذلك أن الطفل‬
‫يحب المحاكاة من تلقاء نفسه‪ ،‬وأطفال المسلمين يحاكون أبويهم في‬
‫الصالة حتى من قبل أن يتعلموا النطق! فتصبح سهلة عليهم الح ًقا‪.‬‬
‫هذا جعفر الصادق‪ ،‬يرمق صال ًة معينة لوالده الباقر سنين عد ًدا‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في إسناده ضعف‪ :‬أخرجه أحمد (‪ )22906‬ــ واللفظ له ــ وأبو داود (‪ ،)677‬وفيه‬
‫شهر بن حوشب‪ ،‬مع أن الحافظ قال عنه في >التقريب< (‪> :)2830‬صدوق كثير‬
‫اإلرسال واألوهام<؛ إال أن النفس ال تطمئن لتحسين حديث ينفرد به‪ ،‬فقد ض َّعفه‬
‫عدد من العلماء كأبي حاتم‪ ،‬وابن عدي‪ ،‬والدارقطني‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬في مقابل غيرهم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫والحديث ض َّعفه األلباني في >ضعيف أبي داود< (‪ ،234/1‬رقم‪ ،)105 :‬وذكر‬
‫مفص ًال‪.‬‬
‫هنالك الكالم في شهر َّ‬
‫‪93‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫قائال‪> :‬ما‬
‫وهي صالة ركعتي الفجر؛ ليعطي وص ًفا بعد ذلك لمن بعده ً‬
‫رأيت أبي يصليهما قط‪ ،‬إال وكأنه يبادر حاجة<(‪.)1‬‬
‫ضا صالة والده‬
‫وهذا مصعب بن سعد بن أبي وقَّاص‪ ،‬يراقب أي ً‬
‫سعد ‪ ،‬فيلحظ اختال ًفا في الهيئة بين حالها في المسجد‪ ،‬وحالها‬
‫بينهم في بيته؛ فيسأل ليتعلَّم‪.‬‬
‫يقول مصعب‪ :‬كان أبي إذا صلى في المسجد تجوز وأتم الركوع‬
‫والسجود‪ ،‬وإذا صلى في البيت أطال الركوع والسجود والصالة! قلت‪:‬‬
‫جوزت‪ ،‬وإذا خلوت في البيت أطلت؟‬ ‫يا أبتاه! إذا صليت في المسجد َّ‬
‫قال‪> :‬يا بني! إننا أئمة يقتدى بنا<(‪.)2‬‬
‫وظاهر من هذين األثرين أن اآلباء كانت لهم عبادة في بيوتهم‪ ،‬ال‬
‫ٌ‬
‫يراها إال صغارهم وآل بيتهم‪ ،‬فيتعلمونها منهم‪ ،‬عن طريق القدوة‬
‫والمشاهدة‪.‬‬
‫ولربما غفل الصغار عن المتابعة؛ فيحاول الوالد أن يلفت االنتباه‬
‫لفعله‪ ،‬دون أن يناديهم أو يكلمهم‪.‬‬
‫كما كان يفعل عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬في بيته‪ ،‬إذ كان >يُسمع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )6355‬عن وكيع‪ ،‬عن أبي حميد‪ ،‬سمعه من جعفر؛ به‪.‬‬
‫وأبو حميد هذا لم أهت ِد إليه!‬
‫(‪ )2‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)3729‬وابن أبي شيبة (‪ ،)4665‬والطبراني‬
‫في >الكبير< (‪/1‬رقم ‪.)317‬‬
‫‪94‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫قراءته أهل الدار من الليل<(‪.)1‬‬

‫‪ 5‬ــ يقدمونهم لإلمامة إن كانوا جديرين بها‪:‬‬


‫بين زما ٍن يتقاتل فيه الكبار ــ بغير ٍّ‬
‫حق أحيا انا ــ على موضع اإلمامة‪،‬‬
‫وآخر يتراجع فيه الكبار ليقدموا صغارهم الحفَّاظ لإلمامة؛ بو ٌن كبير‪،‬‬
‫تظهر آثاره فيما يأتي من جيل‪.‬‬
‫فقيرا لم يبلغ من العمر إال ست أو سبع سنين‪،‬‬
‫صبيا ا‬
‫لك أن تتخيل أن ًّ‬
‫يق ِّدمه قومه‪ ،‬وفيهم الوالد‪ ،‬والجد‪ ،‬وصاحب المكانة‪ ،‬وصاحب المال؛‬
‫س منهم‪ .‬كيف سيكون‬‫لكنه أحفظ القوم وأقرؤهم؛ فق َّدموه عن طيب نف ٍ‬
‫أثر ذلك في نفس الصبي؟ وكيف ستكون عالقته بالصالة بعد ذلك‪ ،‬هو‬
‫وسائر أبناء جيله وعمره؟‬
‫إنه عمرو بن سلِمة الجرمي‪ ،‬يحكي للتابعين واقعته الشهيرة‪،‬‬
‫وقصته المثيرة؛ فيقول لهم‪ :‬كنا بماء ممر الناس‪ ،‬وكان يمر بنا الركبان‬
‫فنسألهم‪ :‬ما للناس‪ ،‬ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون‪ :‬يزعم أن اهلل‬
‫أرسله‪ ،‬أوحى إليه‪ ،‬أو‪ :‬أوحى اهلل بكذا‪ ،‬فكنت أحفظ ذلك الكالم‪،‬‬
‫وكأنما يقر في صدري‪ ،‬وكانت العرب تلوم بإسالمهم الفتح‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫اتركوه وقومه‪ ،‬فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق‪ ،‬فلما كانت وقعة‬
‫أهل الفتح‪ ،‬بادر كل قوم بإسالمهم‪ ،‬وبدر أبي قومي بإسالمهم‪ ،‬فلما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪.)4627 ،4213‬‬
‫‪95‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫قدم قال‪ :‬جئتكم ــ واهلل ــ من عند النبي ‘ حقا‪ ،‬فقال‪> :‬صلوا صالة‬
‫كذا في حين كذا‪ ،‬وصلوا صالة كذا في حين كذا‪ ،‬فإذا حضرت الصالة‬
‫فليؤذن أحدكم‪ ،‬وليؤمكم أكثركم قرآنا<‪.‬‬
‫قال عمرو‪> :‬فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني‪ ،‬لما كنت أتلقى‬
‫من الركبان‪ ،‬فقدموني بين أيديهم‪ ،‬وأنا ابن ست أو سبع سنين‪ ،‬وكانت‬
‫علي بردة‪ ،‬كنت إذا سجدت تقلصت عني‪ ،‬فقالت امرأة من الحي‪ :‬أال‬
‫تغطوا عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصا‪ ،‬فما فرحت بشيء‬
‫فرحي بذلك القميص<(‪.)1‬‬
‫خاصا بقبيلة عمرو وحدها‪ ،‬بل حتى في‬
‫ولم يكن هذا الفعل ًّ‬
‫المدينة النبوية‪ُ ،‬وجد أمثال هذا الصنيع‪.‬‬
‫تقول أ ُّم المؤمنين عائشة ‪> :‬كنا نأخذ الصبيان من الكتاب‬
‫ليقوموا بنا في شهر رمضان‪ ،‬فنعمل لهم القلية(‪ ،)2‬والخشكنانج(‪.)4(<)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫>صحيح البخاري< (‪.)4302‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫القلية‪ :‬مرقة تتخذ من لحم الجزور وأكبادها‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الخشكنانج‪ :‬معرب من ُخشك نَانَك‪ ،‬وهو خبز يعمل من دقيق البر‪ ،‬ويعجن بزيت‬ ‫(‪)3‬‬
‫السمسم‪ ،‬كما في محيط أعظم‪.‬‬
‫إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه البيهقي (‪ ،)495/2‬وابن المنذر في >األوسط< (‪،)152/4‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫كالهما من طريق الحكم بن أبان‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن عائشة‪ .‬لكن في صحة اإلسناد‬
‫إلى الحكم بن أبان نظر‪.‬‬
‫فعند البيهقي‪ :‬الراوي عنه حفص بن عمر العدني‪ ،‬ذكر ابن عدي في ترجمته في‬
‫>الكامل< هذا الحديث مع أحاديث أخر ثم قال‪> :‬وهذه األحاديث عن الحكم بن=‬
‫‪96‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫‪ 6‬ــ يصححون لهم أخطاءهم فيها‪:‬‬


‫فلم تتوقف مسؤلية الوالدين وال المربين عند في التعليم عند إلقاء‬
‫األمر فقط؛ بل تمتد للنظر في الفعل وتقويمه وتصحيحه‪ ،‬والتدخل إن‬
‫احتيج لهذا‪.‬‬
‫هذا عبد اهلل بن عمر ‪ ،‬يصلي ابنه ذات يوم بجواره فيقل ِّده في‬
‫شيء؛ لكن ابن عمر يتدخل ليع ِّدل له فعله الذي قلَّده فيه‪ ،‬مبيِّ ًنا له‬
‫سبب ذلك‪.‬‬
‫ففعلت‬
‫ُ‬ ‫يقول عبد اهلل بن عبد اهلل بن عمر‪ :‬صلى ابن عمر فتربَّع‪،‬‬
‫قلت‪ :‬فإنك تفعله‪.‬‬ ‫ذلك‪ ،‬وأنا حديث السن‪ ،‬فقال‪> :‬ولم تفعل ذلك؟< ُ‬
‫قال‪> :‬إنها ليست من سنة الصالة‪ ،‬ولكن سنة الصالة أن تثني‬
‫اليسرى‪ ،‬وتنصب اليمنى<‪ .‬ثم َّبين له سبب مخالفته لتلك السنة واعتذاره‬
‫عنها بقوله‪> :‬إني ال يحملني رجالي<(‪.)1‬‬
‫ويمر عمر بن الخطاب ‪ ‬على ابن له وهو يصلي‪ ،‬لكن يلفت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫صا‬
‫= أبان يرويها عنه حفص بن عمر العدني‪ ،‬والحكم بن أبان وإن كان فيه لين فإن حف ً‬
‫هذا ألين منه بكثير‪ ،‬والبالء من حفص ال من الحكم<‪.‬‬
‫صا توبع من إبراهيم بن الحكم بن أبان ــ وهو ضعيف ــ‪ ،‬وعبد السالم‬ ‫لك َّن حف ً‬
‫العرني ــ كما عند ابن المنذر ــ‪ ،‬إال أن اإلسناد فيه من أبهم‪ ،‬حيث قال ابن المنذر‪:‬‬
‫>حدثونا عن إسحاق بن راهويه‪ ،‬ولم يسم أح ًدا<!‬
‫وعلى ما سبق ذكره‪ :‬فاإلسناد إلى عائشة ضعيف‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪.)3043‬‬
‫‪97‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫(‪)1‬‬
‫أثناء‬ ‫فعل خاطئ صنعه االبن‪ ،‬وهو‪ :‬أن رأسه معقوص‬
‫انتباه عمر ٌ‬
‫الصالة؛ وقد نهى النبي ‘ عن مثل هذا(‪.)2‬‬
‫فما كان من عمر إال أن بادر بتغيير هذا الفعل‪ ،‬وتعديل هذا‬
‫الخطأ؛ فجبذه حتى صرعه(‪.)3‬‬
‫وشبيه بموقف عمر مع ولده‪ ،‬موقف حذيفة بن اليمان ‪ ‬مع‬
‫ولده‪ ،‬فعن مجاهد أنه قال‪ :‬مر حذيفة بابنه وهو يصلي‪ ،‬وله ضفرتان قد‬
‫عقصهما‪ ،‬فدعا بشفرة فقطع بإحداهما‪ ،‬ثم قال‪> :‬إن شئت فاصنع‬
‫األخرى كذا‪ ،‬وإن شئت فدعها<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫شعرها‪َ :‬ضفرته‪ ،‬ولوته‪ ،‬أو فتلته‪ ،‬فجعلت منه ضفير ًة مستدير ًة‬ ‫يُقال‪ :‬ع َقص ِ‬
‫ت المرأ ُة َ‬ ‫(‪)1‬‬
‫مؤخرته‪.‬‬
‫الرأس أو في ّ‬ ‫على َّ‬
‫منشورا سقط على األرض عند السجود‪ ،‬فيعطي صاحبه ثواب‬ ‫ً‬ ‫أراد أنه إذا كان شعره‬
‫صا صار في معنى ما لم يسجد‪ .‬لذلك شبهه في الحديث‬ ‫السجود به‪ ،‬وإذا كان معقو ً‬
‫قريبا ــ بالمكتوف‪ ،‬وهو المشدود اليدين‪ ،‬ألنهما ال يقعان على األرض في‬ ‫ــ اآلتي ً‬
‫السجود‪.‬‬
‫في >صحيح مسلم< (‪ )492‬أن ابن عباس رأى عبد اهلل بن الحارث‪ ،‬يصلي ورأسه‬ ‫(‪)2‬‬
‫معقوص من ورائه‪ ،‬فقام فجعل يحله‪ ،‬فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫لك ورأسي؟ فقال‪ :‬إني سمعت رسول اهلل ‘ قال‪> :‬إنما مثل هذا‪ ،‬مثل الذي‬
‫يصلي وهو مكتوف<‪.‬‬
‫إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ )2992‬من طريق مجاهد بن جبر‪ ،‬عن عمر‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وهو منقطع؛ فمجاهد لم يسمع من عمر!‬
‫إسناده صحيح إلى مجاهد‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)2995‬لكن يبقى االنقطاع بين‬ ‫(‪)4‬‬
‫مجاهد وحذيفة‪ ،‬إذ لم يسمع منه!‬
‫‪98‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫وتفاعلهم مع األبناء والصغار وتصحيحهم لهم أثناء أدائهم الصالة‬


‫ضا‪ :‬أن عمر بن الخطاب ‪َّ ‬مر بفتى وهو‬ ‫كثير منتشر‪ ،‬ومن ذلك أي ً‬
‫ٌ‬
‫يصلي‪ ،‬فقال له‪> :‬فتى‪ ،‬يا فتى< ثال ًثا‪ ،‬حتى رأى عمر أنه قد عرف‬
‫صوته‪> :‬تق َّدم إلى السارية‪ ،‬ال يتلعب الشيطان بصالتك‪ ،‬فلست برأي‬
‫أقوله‪ ،‬ولكن سمعته من رسول اهلل ‘<(‪.)1‬‬

‫‪ 7‬ــ يصحبونهم إلى المساجد لربطهم بها‪ ،‬وتعويدهم على الجماعات‪:‬‬


‫شك أن هذا االصطحاب منو ٌط بتمييز الصغار‪ ،‬حتى ال يكون‬ ‫ال َّ‬
‫خاصة ــ وهي‪ :‬منفعة الصغير‬
‫ضرره أكبر من نفعه‪ ،‬وحتى ال ُتق َّدم منفع ٌة َّ‬
‫العامة ــ وهي‪ :‬منفعة عموم المصلين ــ‪.‬‬
‫ــ على المنفعة َّ‬
‫ست أو سبع سنوات كان‬ ‫صغيرا ذا ِّ‬
‫ً‬ ‫صبيا‬
‫وقد َّمر معنا آن ًفا كيف أن ًّ‬
‫يؤ ُّم قومه في الصالة‪ ،‬وما حكته عائشة ‪ ‬من تقديم الصغار لإلمامة‬
‫وصريح في شهودهم الجماعات‪،‬‬‫ٌ‬ ‫واضح‬
‫ٌ‬ ‫في تروايح رمضان‪ ،‬وهذا‬
‫ودخولهم المساجد‪.‬‬
‫كما استنبط العلماء من قول النبي ‘‪> :‬إني ألقوم في الصالة‬
‫أريد أن أطول فيها‪ ،‬فأسمع بكاء الصبي‪ ،‬فأتجوز في صالتي كراهية أن‬
‫أشق على ِّأمه<(‪ ،)2‬أن بعض الصحابة كانوا يحضرون أوالدهم معهم‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ )2992‬عن عبد الملك بن جريج‪ ،‬به‪ ،‬وابن‬
‫جريج لم يدرك عمر!‬
‫(‪> )2‬صحيح البخاري< (‪ )707‬من حديث أبي قتادة ‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫إلى المسجد صغا ًرا(‪.)1‬‬


‫الر َبيِّع بنت ُم َع ِّوذ اب ِن َع ْفراء‬
‫وأصرح من هذا‪ :‬ما ورد في حديث ُّ‬
‫‪ ،‬في صيام عاشوراء‪ ،‬وفيه‪> :‬فكنا نصومه ونصومه صبياننا الصغار‬
‫منهم إن شاء اهلل‪ ،‬ونذهب (بهم) إلى المسجد<(‪.)2‬‬
‫عدد من هؤالء الصغار في المسجد وقت الصالة‪،‬‬ ‫ولربما اجتمع ٌ‬
‫فيرى بعض الصحابة أال يوقفهم جمي ًعا بجوار بعضهم البعض‪ ،‬كما كان‬
‫يصنع حذيفة بن اليمان ‪ ،‬إذ >كان يفرق بين الصبيان في الصف‪ ،‬أو‬
‫في الصالة<(‪.)3‬‬

‫الص َيام‬

‫يُع ُّد الصيام ــ بصفة خاصة من بين العبادات ــ عملية ضبط قوية‬
‫ف َّعالة‪ ،‬تتمثل فيها بشكل بارز إحدى وسائل اإلسالم في التربية عن‬
‫طريق الضبط‪ .‬ففي الصيام يمتنع اإلنسان ــ مختا ًرا ــ عن كثير من‬
‫لذائذه المباحة‪ ،‬ويتعود ــ في إصرار وقوة ــ أن يرتفع على الرغبة‪،‬‬
‫ويحقق كيانه بذلك االرتفاع‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪.)202/2‬‬
‫(‪> )2‬صحيح مسلم< (‪ ،)1136‬وما بين القوسين في >مستخرج أبي عوانة< (‪،)2970‬‬
‫و>صحيح ابن حبان< (‪.)3620‬‬
‫سم!‬ ‫(‪ )3‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)4170‬وفي إسناده را ٍو ٌ‬
‫مبهم لم يُ َّ‬
‫‪100‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫كما أ َّن الصوم عبادة روحية جسدية في وقت واحد‪ ،‬يتعلم منها‬
‫الصغير اإلخالص الحقيقي هلل‪ ،‬ومراقبته وحده في السر‪ ،‬وتتربى إرادة‬
‫الطفل بالبعد عن الطعام رغم الجوع‪ ،‬وعن الماء رغم العطش(‪.)1‬‬
‫وعبادة ٌ بهذا القدر في اإلسالم‪ ،‬مع كونها أحد أركانه؛ لم يكن‬
‫الصحب واآلل ليفوتهم محاولة تدريب أبنائهم وصغارهم عليها‪ ،‬وقد‬
‫َعن َون البخاري في صحيحه لما ورد في هذا الباب بقوله‪> :‬باب صوم‬
‫الصبيان<(‪.)2‬‬
‫الر َب ِّيع بنت ُم َع ِّوذ اب ِن‬
‫ومن أشهر ما ورد في هذا الباب‪ :‬ما حكته ُّ‬
‫َع ْفراء ‪ ‬في شأن صيام عاشوراء؛ حيث قالت‪> :‬أرسل رسول اهلل‬
‫‘ غداة عاشوراء إلى قرى األنصار‪ ،‬التي حول المدينة‪> :‬من كان‬
‫أصبح صائما‪ ،‬فليتم صومه‪ ،‬ومن كان أصبح مفطرا‪ ،‬فليتم بقية يومه<‬
‫صوم صبياننا الصغار منهم إن شاء اهلل‪،‬‬ ‫فكنا بعد ذلك نصومه‪ ،‬ونُ ِّ‬
‫ونذهب إلى المسجد‪ ،‬فنجعل لهم اللعبة من العهن‪ ،‬فإذا بكى أحدهم على‬
‫الطعام أعطيناها إياه عند اإلفطار (أي‪ :‬حتى يكون عند اإلفطار)<(‪.)3‬‬
‫احتج به عمر بن الخطَّاب ‪ ‬على‬
‫بل من شهرة هذا األمر عندهم‪َّ :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد قطب‪> ،‬منهج التربية اإلسالمية< (‪ ،)120/1‬محمد نور سويد‪> ،‬منهج التربية‬
‫النبوية للطفل< (ص‪.)265/‬‬
‫(‪> )2‬صحيح البخاري< (‪ 200/4‬ــ مع الفتح)‪.‬‬
‫(‪ )3‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)1960‬ومسلم (‪ )1136‬واللفظ له‪ ،‬وما بين القوسين‬
‫من رواية البخاري‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫المحرم‪ ،‬وأفطر في نهار رمضان من الكبار‪.‬‬


‫َّ‬ ‫من خالف الفريضة‪ ،‬وارتكب‬
‫عمر بشيخ شرب الخمر في‬ ‫يقول عبد اهلل بن أبي الهذيل‪ :‬أُتي ُ‬
‫رمضان‪ ،‬فلما ُرفع إليه عثر‪ ،‬فقال‪> :‬على وجهك ــ أو‪ :‬بوجهك ــ (للم ْن َخرين‬
‫للم ْن َخرين)‪( ،‬في رمضان) وصبياننا صيام؟ فضربه الح َّد‪( ،‬ثمانين)‪ ،‬وكان‬
‫فسيره إلى الشام<(‪.)1‬‬
‫سيره إلى الشام‪َّ ،‬‬
‫إذا غضب على إنسان َّ‬
‫وقبل أن ننتقل إلى عبادة أخرى من التي ربَّى الصحب واآلل صغارهم‬
‫عليها؛ نؤ ِّكد على أنه ليست الصالة والصيام فقط هما اللذان يضبطان‬
‫سلوك المرء ورغباته‪ ،‬بل كل عبادة هي في الحقيقة ضبط لشهوة من‬
‫الشهوات‪ ،‬وتعويد للنفس أن تضبط مشاعرها وتضبط سلوكها‪ ،‬وتختار‬
‫الحق واإلحسان واإلخالص‪.‬‬
‫طريقها بين مختلف الطرق‪ ،‬تختار طريق ِّ‬
‫زَ‬
‫الكة‬
‫وهل على الصغير زكاة؟!‬
‫ربما يطرأ هذا السؤال على أذهان البعض حين يُطالع ألول وهلة‬
‫عنوان هذه العبادة ضمن ما ربَّى عليه الصحب واآلل صغارهم‪ ،‬والجواب‪:‬‬
‫خاصة؛ فهنا صار على أمواله‬
‫مالي ٌة مستقلة َّ‬
‫ذمة َّ‬
‫أ َّن الصغير إذا صارت له َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)17043 ،13557‬والبغوي في >الجعديات<‬
‫(ص‪ )101/‬واللفظ له‪ ،‬وما بين القوسين من رواية عبد الرزاق‪ .‬واألثر أخرجه البخاري‬
‫(‪ 200/4‬ــ مع الفتح) تعلي ًقا عن عمر بن الخطاب‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫وليه(‪)1‬؛ وبهذا يتربَّى الصغار على تعظيم هذه الشعيرة‪،‬‬


‫زكاة‪ ،‬يؤ ِّديها عنه ُّ‬
‫وأهمية أدائها‪.‬‬
‫ضاف إلى هذا‪ :‬أن بعض أصناف الزكاة فُرضت على الصغير‬ ‫يُ ُ‬
‫وليه‪ ،‬كما هو الشأن في زكاة‬
‫والكبير من المسلمين‪ ،‬فيؤ ِّديها عن الصغير ُّ‬
‫ضا له أثره في نفوسهم‪.‬‬ ‫الفطر‪ ،‬وهذا أي ً‬
‫رسول اهلل ‘ زكاة الفطر‬
‫ُ‬ ‫ض‬
‫يقول عبد اهلل بن عمر ‪> :‬فَ َر َ‬
‫والحر‪ ،‬والذكر واألنثى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫صا ًعا من تمر‪ ،‬أو صا ًعا من شعير على العبد‬
‫والصغير والكبير من المسلمين‪ ،‬وأمر بها أن تؤ َّدى قبل خروج الناس‬
‫إلى الصالة<(‪.)2‬‬
‫وأما عن أداء الزكاة من أموال الصغار أنفسهم‪:‬‬
‫فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ‬كان يلي أموال أيتام‬
‫عليا فأخبروه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أبي رافع‪ ،‬فلما دفعها إليهم وجدوها ناقصة! فأتوا ًّ‬
‫>أحسبتم زكاتها<؟ قالوا‪ :‬ال‪ .‬فحسبوا زكاتها فوجدوها سواء‪ ،‬فقال‬
‫علي‪> :‬كنتم ترون أن يكون عندي مال ال أزكيه؟!<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫خالف فقهي في هذه المسألة‪ ،‬ليس هذا موطن بسطه وشرحه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وثم‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫(‪ )2‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ )1503‬ومسلم (‪.)984‬‬
‫(‪ )3‬في أسانيده مقال‪ :‬أخرجه البخاري في >التاريخ الكبير< (‪ ،)302/4‬والدارقطني‬
‫المك ِّّي‪،‬‬ ‫(‪ ،)1975 ،1974‬من طريق أَ َ‬
‫شعث‪ ،‬عن َحبِيب بن أبي ثابت‪ ،‬عن َصلت َ‬
‫=‬ ‫عن ابن أبي رافع؛ به‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫وعلى منوال علي‪ :‬نسجت أ ُّم المؤمنين عائشة ‪ ،‬إذ كانت‬


‫تزكي أموال أيتامٍ لها‪ ،‬كانوا في حجرها(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سوار‪ ،‬حكم عليه الحافظ في >التقريب< (‪ )524‬بأنه‪:‬‬ ‫= وأشعث المذكور هو ابن َّ‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫ضا في إسناد هذا األثر‪:‬‬
‫كما أنه خولف أي ً‬
‫فأخرجه البخاري في >التاريخ الكبير< (‪ )302/4‬تعلي ًقا‪ ،‬والبيهقي (‪ ،)180/4‬من‬
‫طريق سفيان الثوري‪ ،‬عن حبيب عن ابن أبي رافع‪ ،‬بدون ذكر صلت المكي‪.‬‬
‫وأخرجه أبو عبيد في >األموال< (ص‪ )549/‬من طريق حجاج بن أرطاة‪ ،‬والبيهقي‬
‫(‪ )466/6‬من طريق منصور بن المعتمر‪.‬‬
‫عليا؛ به‪ .‬بدون ذكر‬
‫كالهما (حجاج‪ ،‬وأرطاة) عن حبيب بن أبي ثابت‪ ،‬أن ًّ‬
‫الصلت‪ ،‬وابن أبي رافع‪.‬‬
‫وأخرجه أبو عبيد في >األموال< (‪ ،)1305‬وابن أبي شيبة (‪ ،)10113‬والطحاوي‬
‫في >شرح مشكل اآلثار< (‪ ،)392/12‬والدارقطني (‪)1980‬؛ من طريق أبي‬
‫عليا؛ به‪ .‬بدون ذكر الصلت‪ ،‬وابن أبي‬
‫اليقظان‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ أن ًّ‬
‫رافع‪.‬‬
‫وأبو اليقظان هو عثمان بن عمير‪ ،‬حكم عليه الحافظ في >التقريب< (‪ )4507‬بأنه‪:‬‬
‫>ضعيف اختلط<‪.‬‬
‫وأخرجه البيهقي في >معرفة السنن واآلثار< (‪ )8017‬من طريق محمد بن‬
‫عليا؛ به‪.‬‬
‫عبد الرحمن بن أبي ليلى‪ ،‬عن الحكم بن عتيبة‪ ،‬أن ًّ‬
‫وابن أبي ليلى حكم عليه الحافظ في >التقريب< (‪ )6081‬بأنه‪> :‬صدوق سيء‬
‫عليا!‬
‫الحفظ ج ًّدا<‪ ،‬والحكم لم يدرك ًّ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه مالك (ص‪.)251/‬‬
‫‪104‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫َ‬ ‫َ ُّ َ ُ ْ‬
‫الجوالعمرة‬
‫ُليعلَم ابتدا ًء‪ :‬أن أئمة الفتوى اتفقوا على سقوط فرض الحج عن‬
‫الصبى حتى يبلغ‪ ،‬إال أنه إذا ُح َّج به كان له تطو اعا عند جمهور العلماء(‪.)1‬‬
‫عود عليه‪ ،‬ليتهيأ‬
‫فالحج شأنه في حق الصبي شأن الصوم والصًلة‪ ،‬يُ َّ‬
‫صعبا أو شاقًّا عليه‪ ،‬وإنما‬
‫للتكليف الذي ينتظره عند بلوغه؛ فال يجده ً‬
‫سهال مألو ًفا لديه‪.‬‬
‫يجده ً‬
‫والحج ــ كما هو معروف ــ يجمع مشقَّات العبادات كلها‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى أنه يجمع لذتها جمي ًعا‪.‬‬
‫حج الصبي؛ فهذه‬
‫وهو عبادة بدنية ومالية في آن واحد‪ ،‬فإذا ما َّ‬
‫مستقبال إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫ً‬ ‫بشارة على سلوك الطاعة‬
‫وألن هذه العبادة تختلف عن سابقتها في الزمان‪ ،‬والمكان‪،‬‬
‫واألعمال‪ ،‬والتنظير فيها ال يجدي كبير نف ٍع؛ فكان سبيل التعليم األنجع‬
‫ثم اصطحب الصحب واآلل صغارهم‬ ‫فيها‪ :‬الممارسة والتطبيق‪ ،‬ومن َّ‬
‫ليعودوهم‪ ،‬ويعل ِّموهم‪.‬‬
‫معهم ِّ‬
‫حج‬
‫البخاري في >صحيحه< لمثل هذا بقوله‪> :‬باب ِّ‬
‫ُّ‬ ‫وقد َّبوب‬
‫الصبيان<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن بطال‪> ،‬شرح صحيح البخارى< (‪.)528/4‬‬
‫(‪> )2‬صحيح البخاري< (‪ 71/4‬ــ مع الفتح)‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫الشافعي‪> :‬إن اهلل ‪ ‬بفضل نعمته أثاب الناس على األعمال‬


‫ُّ‬ ‫يقول‬
‫وم َّن على المؤمنين بأن ألحق بهم ذرياتهم‪ ،‬ووفر عليهم‬ ‫أضعافها‪َ ،‬‬
‫أعمالهم فقال‪{ :‬ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ}‪ ،‬فلما‬
‫َم َّن على الذراري بإدخالهم جنته بال عمل؛ كان أن َم َّن عليهم بأن يكتب‬
‫لهم عمل البر في الحج‪ ،‬وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى<(‪.)1‬‬
‫في طريقها للحج‪ :‬اصطحبت المرأة صغيرها معها‪ ،‬لعلها أرادت‬
‫سؤاال‬
‫ً‬ ‫أن ُتعل ِّمه المناسك‪ ،‬وأن تريه المشاهد في سن مبكرة‪ ،‬بيد أن‬
‫كان في ذهنها لم تجد من يجيبها عنه‪ ،‬إذ لم يبلغها فيه خبر‪ ،‬وبينما هي‬
‫رجال مع أصحاب‬ ‫الروحاء‪ ،‬قابلوا ً‬ ‫مع قومها إذ وصلوا مكا ًنا يُقال له َّ‬
‫له‪ ،‬فبادرهم بالسؤال‪> :‬من القوم؟< قالوا‪ :‬المسلمون‪ ،‬ثم بادلوه السؤال‬
‫بسؤال‪ :‬من أنت؟ قال‪> :‬رسول اهلل<‪.‬‬
‫صبيها ليراه رسول اهلل ‘‪ ،‬وال‬
‫عند ذلك فزعت المرأة‪ ،‬ورفعت َّ‬
‫ندري أيهما كان أسبق‪ ،‬رؤية النبي ‘ لصغيرها؟ أم سماعه لسؤالها‬
‫شق جمع القوم‪ :‬ألهذا َح ٌّج؟‬
‫الذي َّ‬
‫المضي‬
‫ِّ‬ ‫فأجابها ‘ بما أثلج صدرها‪ ،‬وطمأن قلبها‪ ،‬وش َّجعها على‬
‫تحملت عناء الصبر على صبيِّها‪> :‬نعم‪ ،‬ول ِ‬
‫ك أجر<(‪.)2‬‬ ‫قُ ُد ًما فيما ألجله َّ‬
‫فيا لسعادتها بإجابة جاءت فوق ما كانت ترجو وتتمنَّى‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪> ،‬االعتقاد< (ص‪.)168/‬‬
‫(‪> )2‬صحيح مسلم< (‪.)1336‬‬
‫‪106‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫إذا كان هذا شأ َن امرأة لم تكن من سكَّان المدينة‪ ،‬وال أكثرت من‬
‫صحبة النبي ‘‪ ،‬فكيف سيكون حال أصحابه وآله‪ ،‬ممن شاهدوه‬
‫وصحبوه وتعلموا منه؟!‬
‫هذا أحد صغار آل بيته في زمانه‪ ،‬خرج به أهله في حجة النبي ‘‬
‫عمه‬
‫ليشهدها معهم‪ ،‬يقول عن نفسه‪ ،‬واص ًفا بعض مشاهده مع ابن ِّ‬
‫رسول اهلل ‘‪:‬‬
‫راكبا على حمار أتان وقد ناهزت االحتالم ــ أي‪ :‬قاربت‬
‫>أقبلت ً‬
‫البلوغ ــ‪ ،‬ورسول اهلل ‘ يصلي بمنى إلى غير جدار‪ ،‬فمررت بين يدي‬
‫بعض الصف‪ ،‬وأرسلت األتان ترتع‪ ،‬فدخلت في الصف‪ ،‬فلم ينكر‬
‫ذلك علي<(‪.)1‬‬
‫عاما في‬
‫تعرض له مع أهله‪ ،‬وصار َّ‬
‫خاص َّ‬
‫ضا عن حك ٍم ِّ‬
‫ويقول أي ً‬
‫شأن من شابههم‪:‬‬
‫الض َع َفةِ ــ‬ ‫(‪)2‬‬
‫>بعثني ــ أو‪ :‬قدمني ــ النبي ‘ في ال َّث َقل ــ أو‪ :‬في َّ‬
‫من َجم ٍع بليل<(‪.)3‬‬
‫إنه الغالم الفقيه‪ :‬عبد اهلل بن عباس ‪.‬‬
‫ومن أصحابه ‘ من حرص على صغاره كحرص آل العباس على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬م َّت َف ٌق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)76‬ومسلم (‪.)504‬‬
‫(‪ )2‬الثَّ َقل‪ :‬أتباع المسافر‪ ،‬وحشمه‪ ،‬وآالت السفر‪ ،‬وأمتعة المسافرين‪.‬‬
‫(‪ )3‬م َّت َف ٌق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)1856‬ومسلم (‪.)1293‬‬
‫‪107‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ابن عباس‪ ،‬وإن لم يذكروا هم فعلهم ويحدثوا به؛ إال أن الصغير افتخر‬
‫به لما كبر‪ ،‬وصار يحكيه؛ فقال عن نفسه‪:‬‬
‫> ُح َّج(‪ )1‬بي مع رسول اهلل ‘ وأنا ابن سبع سنين<(‪.)2‬‬
‫إنه‪ :‬السائب بن يزيد ‪.‬‬
‫ولم يكن حفاظهم على هذا ألجل وجود رسول اهلل ‘ فقط‬
‫بينهم‪ ،‬بدليل أنهم واظبوا عليه بعد رحيله عليه الصالة والسالم‪ ،‬كما‬
‫وقع مع عبد اهلل بن عمر ‪.‬‬
‫يصحبه نافع مواله في مشهد حجه مع صبيانه وصغاره؛ فيرى‬
‫مشه ًدا ينقله عنه‪ ،‬يقول‪> :‬كان ابن عمر يحج بصبيانه‪ ،‬فمن استطاع‬
‫منهم أن يرمي رمى‪ ،‬ومن لم يستطع رمى عنه<(‪.)3‬‬
‫فمــا أحســن تعلــيمهم لصــبيانهم‪ ،‬ومــا أجمــل شــفقتهم ورحمــتهم‬
‫بصغارهم!‬
‫* * *‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال الحافظ في >فتح الباري< (‪> :)72/4‬قوله‪ُ > :‬ح َّج بي< بضم أوله على البناء لما‬
‫>ح َّجت بي‬
‫لم يسم فاعله‪ ،‬وقال ابن سعد‪ ،‬عن الواقدي‪ ،‬عن حاتم بن إسماعيل‪َ :‬‬
‫>ح َّج بي أبي<‪،‬‬
‫أمي<‪ ،‬وللفاكهي من وجه آخر عن محمد بن يوسف‪ ،‬عن السائب‪َ :‬‬
‫ويجمع بينهما بأنه كان مع أبويه<‪.‬‬
‫(‪> )2‬صحيح البخاري< (‪.)1858‬‬
‫(‪ )3‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪.)13843‬‬
‫‪108‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫ْ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫ِقراوةالقرآن‬
‫قبل أن نذكر تربية الصحب واآلل لصغارهم على حفظ القرآن‪،‬‬
‫ينبغي علينا أن نُشير إشارة هامة إلى أمر قد يغيب عن بعض أذهان‬
‫اآلباء والمربين؛ أال وهو‪ :‬أن للصغير مراحل معينة يجب علينا أن نتركه‬
‫ليعيشها بتفاصيلها وطبيعتها‪ ،‬دون أن نقيِّده بشيء يصيبه بالملل‪ ،‬أو‬
‫يجعله ينفر منه؛ ومن أمثلة ذلك‪ :‬إجبار الصغار على حفظ القرآن في‬
‫سن صغي ٍر ال يميزون معه‪ ،‬وإن كانت هناك حاالت تختلف باختالف‬
‫طبيعة أصحابها‪.‬‬
‫يقول سعيد بن ُجبير متح ِّد ًثا عن طائفة الصحابة واآلل‪> :‬كانوا‬
‫يحبون أن يكون يقرأ الصبي بعد حين<(‪.)1‬‬
‫وعلَّق الحافظ ابن حجر على أثر سعيد بقوله‪> :‬وكالم سعيد بن‬
‫ستحب أن يُ َترك الصبي أ َّو ًال ُمرفَّ ًها‪ ،‬ثم يؤخذ بالجد‬
‫ُّ‬ ‫جبير يدل على أنه يُ‬
‫على التدريج‪ .‬والحق أن ذلك يختلف باألشخاص‪ ،‬واهلل أعلم<(‪.)2‬‬
‫وممن كان يترك صغاره دون تعلُّمِ القرآن حتى يميزوا‪ :‬عمر بن‬
‫الخطاب ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هذا األثر نقله الحافظ في >فتح الباري< (‪ ،)83/9‬وعزاه البن أبي داود‪ ،‬ولم أجده‬
‫طبع‪،‬‬
‫في كتاب >المصاحف< المطبوع له‪ ،‬فلعله في كتابه >فضائل القرآن< الذي لم يُ َ‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪ 83/9‬ــ ‪.)84‬‬
‫‪109‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫يقول عنه ولده عاصم بن عمر‪> :‬كان عمر ال يأمر بنيه بتعليم‬
‫المفصل فإنه أيسر<(‪.)1‬‬
‫َّ‬ ‫القرآن‪ ،‬إن كان أحد منكم متعل ِّ ًما فليتعلم من‬
‫فاستفيد من ذلك‪ :‬أن الصبي كان يُعلَّم القرآن عند التمييز‪ ،‬ويُبدأ‬
‫المفصل‪ ،‬وهو الذي تقل آياته‪ ،‬ويكثر الفصل بين سوره لقصرها‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫معه من‬
‫كما فُعل مع أحد آل البيت؛ وهو‪:‬‬
‫عبد اهلل بن عباس ‪ .‬يقول عن نفسه‪> :‬توفي رسول اهلل ‘‬
‫قرأت المح َكم<‪ .‬فقال له سعيد بن جبير‪ :‬وما‬
‫وأنا ابن عشر سنين‪ ،‬وقد ُ‬
‫المفصل<(‪.)2‬‬
‫المحكم؟ قال‪َّ > :‬‬
‫والعلة في البدء معهم حال التمييز وعدم االنتظار حتى البلوغ؛ أنه‬
‫أدعى إلى ثبوته ورسوخه عنده‪ ،‬كما يُقال‪> :‬التعلُّم في الصغر؛ كالنقش‬
‫في الحجر<(‪.)3‬‬
‫وبوب‬
‫ولذا حرص الصحب واآلل على تعليم الصبيان القرآن‪َّ ،‬‬
‫البخاري في >صحيحه< لهذا المعنى؛ فقال‪> :‬باب تعليم الصبيان القرآن<(‪.)4‬‬
‫ومن هنا تع َّددت أساليبهم في تعليم الصبيان القرآن‪:‬‬
‫يحضون على ذلك بالثناء والتشجيع؛ كقول ابن عباس ‪‬‬
‫فتارة ُّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪.)6030‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫>صحيح البخاري< (‪.)5036 ،5035‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪.)83/9‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫>صحيح البخاري< (‪ 83/9‬ــ مع الفتح)‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪110‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫في الصغير الذي قرأ القرآن قبل بلوغه‪> :‬من قرأ القرآن قبل أن يحتلم؛‬
‫صبيا<(‪.)1‬‬
‫فقد أوتي الحكم ًّ‬
‫وتارة يستخدمون التلقين والتحفيظ إذا َّميز الطفل‪ ،‬كما َّمر معنا قبل‬
‫قليل‪ ،‬ويوصون اآلباء ببعض السور خاصة من القرآن‪ ،‬ليعلموها صغارهم‪.‬‬
‫هذا عكرمة مولى ابن عباس‪ ،‬يشهد وصية من هذه الوصايا وينقلها؛‬
‫فيقول‪:‬‬
‫قال عبد اهلل بن عباس ‪ ‬لرجل‪> :‬أال أطرفك بحديث تفرح به<؟‬
‫قال الرجل‪ :‬بلى‪ ،‬يا أبا عباس‪ ،‬رحمك اهلل‪.‬‬
‫قال‪> :‬اقرأ {ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ}‪ ،‬واحفظها‪ ،‬وعل ِّمها أهلك‪،‬‬
‫وجميع ولدك‪ ،‬وصبيان بيتك‪ ،‬وجيرانك‪ .‬فإنها المنجية‪ ،‬وهي المجادلة‬
‫تجادل وتخاصم يوم القيامة عند ربها لقارئها‪ ،‬وتطلب إلى ربها أن ينجيه‬
‫من النار إذا كانت في جوفه‪ ،‬وينجي اهلل بها صاحبها من عذاب القبر<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه البيهقي في >المدخل إلى السنن< (‪ ،)639‬و>شعب اإليمان<‬
‫(‪ )1798‬من طريق الحسن بن أبي جعفر‪ ،‬حدثنا أبو الصهباء‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪،‬‬
‫>الشعب<‪ :‬مرفوعة‪.‬‬
‫عن ابن عباس؛ به‪ .‬ورواية ُّ‬
‫والحسن هذا ضعيف‪ ،‬كما في >التقريب< (‪ ،)1222‬وأبو الصبهاء الكوفي‪ :‬مقبول‪،‬‬
‫كما في >التقريب< (‪.)8180‬‬
‫المنت َخب) عن إبراهيم بن الحكم بن‬
‫(‪ )2‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه عبد بن حميد (‪ 603‬ــ َ‬
‫أبان‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عكرمة؛ به‪ .‬وإبراهيم هذا قال عنه الحافظ في >التقريب<‬
‫(‪> :)166‬ضعيف‪ ،‬وصل المراسيل<‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ضا‪ :‬إشهاد الصغار لدعاء ختم‬


‫ومن األساليب التي استخدموها أي ا‬
‫القرآن‪.‬‬
‫هذا أنس بن مالك ‪> :‬كان إذا ختم القرآن‪ :‬جمع أهله وولده؛‬
‫فدعا لهم<(‪.)1‬‬
‫ولربما >أشفى على ختم القرآن من الليل‪ ،‬فيبقي سورة حتى‬
‫يصبح؛ فيختمه عند عياله<(‪.)2‬‬
‫فضال عن إشهادهم لموضع بركة‬
‫وهذا تعليم بالقدوة والمثال‪ً ،‬‬
‫وخير‪.‬‬
‫ُّ َ‬
‫العو‬
‫>الدعاء هو العبادة<(‪.)3‬‬
‫كالم رسول اهلل ‘ بهذا اللفظ الجامع الموجز عن‬
‫إذا كان هذا َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه سعيد بن منصور (‪ 27‬ــ التفسير)‪ ،‬والدارمي (‪،)3517‬‬
‫والطبراني في >المعجم الكبير< (‪/1‬رقم ‪ ،)674‬والفريابي في >فضائل القرآن<‬
‫(‪ ،)84‬وغيرهم؛ من طرق‪ ،‬عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه الدارمي (‪ ،)3516‬وابن الضريس في >فضائل القرآن<‬
‫المري‪ ،‬عن ثابت البناني‪ ،‬عن أنس؛ به‪ .‬وصالح هذا قال‬
‫(‪ ،)78‬من طريق صالح ِّ‬
‫عنه الحافظ في >التقريب< (‪> :)2854‬ضعيف<‪.‬‬
‫(‪ )3‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه أحمد (‪ ،)18352‬وابن ماجه (‪ ،)3828‬وأبو داود‬
‫حسن صحيح<‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حديث‬
‫ٌ‬ ‫(‪ ،)1479‬والترمذي (‪ .)2969‬وقال الترمذي‪> :‬هذا‬
‫وصححه األلباني في >صحيح أبي داود< (‪.)219/5‬‬
‫َّ‬
‫‪112‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫نتصور كيف سيكون حرص الصحب واآلل على تعلميه‬


‫الدعاء‪ ،‬فلنا أن َّ‬
‫أوالدهم‪ ،‬وصغارهم‪.‬‬
‫لم يتوقَّف تعليمهم لصغارهم عند ح ِّد جمعهم وقت ختم القرآن‬
‫كما َّمر‪ ،‬بل ربما جمعوهم في األوقات التي علموا استجابة الدعاء‬
‫وتطبيقيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫عمليا‬
‫عندها؛ ليشهدوهم الدعاء‪ًّ ،‬‬
‫يوما رسول اهلل ‘ يقول‪> :‬للصائم عند إفطاره‬
‫سمع عبد اهلل بن عمرو ا‬
‫دعوة مستجابة<‪ ،‬فكان ابن عمرو إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا(‪.)1‬‬
‫ولربما رفع بعضهم صوته بالدعاء ليعلِّمه ولده‪ ،‬كما صنع أبو بكرة‬
‫‪.‬‬
‫معي ٍن‬
‫راقب أبا بكرة ول ُده عب ُد الرحمن‪ ،‬فالحظ أنه يدعو بدعاء َّ‬
‫في وقت معين يوميا‪ ،‬فسأله عن سر ذلك؛ فقال‪ :‬يا أبت! إني أسمعك‬
‫تدعو كل غداة‪> :‬اللهم عافني في بدني‪ ،‬اللهم عافني في سمعي‪ ،‬اللهم‬
‫عافني في بصري‪ ،‬ال إله إال أنت‪ ،‬تعيدها ثال ًثا‪ ،‬حين تصبح‪ ،‬وثال ًثا‬
‫حين تمسي<؟!‬
‫فقال‪ :‬إني سمعت رسول اهلل ‘ يدعو بهن فأنا أحب أن أستن‬
‫بسنته(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه الطيالسي (‪ ،)2376‬وفي إسناده أبو محمد المليكي‪،‬‬
‫عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬قال عنه الحافظ في >التقريب< (‪> :)3813‬ضعيف<‪.‬‬
‫(‪ )2‬إسناده حسن‪ :‬أخرجه أحمد (‪ ،)20430‬وأبو داود (‪ ،)5090‬وفي إسناده=‬
‫‪113‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ولربما عمدوا إلى تلقينهم الدعاء وتحفيظهم إياه‪ ،‬كما كان يفعل‬
‫سعد بن أبي وقاص ‪.‬‬
‫يقول عمرو بن ميمون األودي‪ :‬كان سعد يعلم بنيه هؤالء الكلمات‬
‫يتعو ُذ‬
‫كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة‪ ،‬ويقول‪ :‬إن رسول اهلل ‘ كان َّ‬
‫منهن دبر الصالة‪> :‬اللهم إني أعوذ بك من الجبن‪ ،‬وأعوذ بك أن أرد‬
‫إلى أرذل العمر‪ ،‬وأعوذ بك من فتنة الدنيا‪ ،‬وأعوذ بك من عذاب‬
‫القبر<(‪.)1‬‬

‫الج َهاد‬
‫ِ‬
‫يرى والده وهو يتجهز للخروج مع النبي ‘ للجهاد والغزو‪،‬‬
‫جل صغار الصحب‬ ‫ولربما ساعد أمه في تجهيز أبيه‪ ،‬هذا ديد ٌن مشترك بين ِّ‬
‫واآلل‪ ،‬الذين عاصروا جزءا من حياة النبي ‘‪ ،‬لكن بعض اآلباء لم‬
‫يكتفوا بهذه المشاهدة‪ ،‬أو المشاركة على استحياء‪ ،‬فوصلوا لمرحلة‬
‫أكبر من هذا؛ وهي‪ :‬اصطحابهم معهم إلى المعارك! ومن أوائل هؤالء‪:‬‬
‫عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫يقول ولده عبد اهلل‪> :‬جاء بي أبي يوم أحد إلى النبي ‘ وأنا ابن‬
‫أربع عشرة‪ ،‬فلم يجزني النبي ‘!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= جعفر بن ميمون‪ ،‬قال عنه الحافظ في التقريب (‪> :)961‬صدوق يخطئ<‪.‬‬
‫(‪> )1‬صحيح البخاري< (‪.)2822‬‬
‫‪114‬‬
‫التربية التعبدية في تراث األل واألصحاب‬

‫ثم جاء بي يوم الخندق‪ ،‬وأنا ابن خمس عشرة ففرض لي رسول‬
‫اهلل ‘<(‪.)1‬‬
‫ضا‪ :‬الزبير بن العوام ‪.‬‬
‫ومنهم أي ً‬
‫يقول عروة ولده‪ :‬إن أصحاب رسول اهلل ‘‪ ،‬قالوا للزبير يوم‬
‫اليرموك‪ :‬أال تشد(‪ )2‬فنشد معك؟ فقال‪> :‬إني إن شددت كذبتم(‪،<)3‬‬
‫فقالوا‪ :‬ال نفعل‪ ،‬فحمل عليهم حتى شق صفوفهم‪ ،‬فجاوزهم وما معه‬
‫مقبال‪ ،‬فأخذوا بلجامه‪ ،‬فضربوه ضربتين على عاتقه‪،‬‬
‫أحد‪ ،‬ثم رجع ً‬
‫بينهما ضربة ضربها يوم بدر‪.‬‬
‫قال عروة‪> :‬كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا‬
‫صغير<‪.‬‬
‫قال عروة‪> :‬وكان معه عبد اهلل بن الزبير يومئذ‪ ،‬وهو ابن عشر‬
‫سنين‪ ،‬فحمله على فرس ووكَّل به رج ًال<(‪.)4‬‬
‫وهذه الطريقة في التربية والتعويد على الجهاد ليست متاح ًة لكل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫في إسناده ضعف‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)9716‬عن عبد اهلل بن عمر العمري‪ ،‬عن‬ ‫(‪)1‬‬
‫نافع‪ ،‬عن ابن عمر؛ به‪ .‬والعمري ضعيف عابد‪ ،‬كما في >التقريب< (‪.)3489‬‬
‫واألثر عند البخاري (‪ ،)2664‬ومسلم (‪)1868‬؛ بذكر العرض على الرسول ‘‬
‫دون ذكر عمر‪.‬‬
‫أي‪ :‬تحمل على الكفار وتهجم عليهم‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أي‪ :‬أخلفتم ولم تشدوا معي‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫>صحيح البخاري< (‪.)3975‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪115‬‬
‫التربية التعبدية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫الصغار‪ ،‬وإنما األمر يختلف باختالف طبائعهم‪ ،‬لكن الالفت هنا في‬
‫فعل الزبير مع ولده‪ :‬أنه خشي عليه أن تحرضه نفسه على الهجوم على‬
‫رجال!‬
‫العدو وتقليد والده وهو في هذه السن؛ لذلك وكَّل به ً‬
‫يقول الحافظ‪> :‬وكأن الزبير آنس من ولده عبد اهلل شجاعة وفروسية‬
‫فأركبه الفرس‪ ،‬وخشي عليه أن يهجم بتلك الفرس على ما ال يطيقه؛‬
‫رجال ليأمن عليه من كيد العدو إذا اشتغل هو عنه بالقتال<(‪.)1‬‬
‫فجعل معه ً‬
‫ومن شابه أباه فما ظلم!‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪.)300/7‬‬
‫‪116‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ َ‬
‫َّ‬ ‫ْ َ‬
‫التر ِبية األخل ِِقة‬
‫قبس نبوي‬

‫ٌََ ََ‬
‫قبس نبوي‬

‫ألتم َم صالح األخالق<(‪.)1‬‬


‫>إنما ُبعثت ِّ‬
‫موج َزة بليغة‪ ،‬للدنيا كلها‪ ،‬صغيرها‬
‫َ‬ ‫النبي ‘‬
‫ُّ‬ ‫هكذا أعلنها‬
‫ف بهذا البيان البديع فحسب؛ بل كانت‬‫وكبيرها‪ ،‬ذكرها وأنثاها‪ ،‬ولم يكت ِ‬
‫حيا لمقولته‪،‬‬
‫عمليا‪ ،‬وتجسي ًدا ًّ‬
‫مثاال ًّ‬
‫أخالقه ‘ وتعامالته مع الجميع ً‬
‫وعلمها الصغار والكبار‪.‬‬
‫ف بذلك‪ :‬حتى نشر تلك األخالق َّ‬ ‫ولم يكت ِ‬

‫بأم سلمة‪ ،‬كانت ابنتها زينب صغيرة معها‪ ،‬فلربما‬ ‫لما تز َّوج ِّ‬
‫جاءت َّأمها والنبي ‘ عندها يغتسل في بيتها‪ ،‬فتصرفها أم سلمة عنها‬
‫بإرسالها للنبي ‘‪ ،‬فتذهب الصغيرة لتدخل عليه وهو يغتسل‪ ،‬فال تمنعه‬
‫شفقته عليها‪ ،‬ورحمته بها‪ ،‬من أن يعلمها ويؤدبها على ُخلُق الحياء‪،‬‬
‫وهي في هذه السن؛ فينضح الماء في وجهها‪ ،‬ويقول لها‪> :‬ارجعي<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المفرد< (‪ ،)273‬من‬
‫(‪ )1‬إسناده حسن‪ :‬أخرجه أحمد (‪ ،)8952‬والبخاري في >األدب َ‬
‫حديث أبي هريرة ‪.‬‬
‫وفي إسناده محمد بن عجالن‪ ،‬حكم عليه الحافظ في >التقريب< (‪ )6136‬بأنه‪:‬‬
‫صححه األلباني في‬
‫>صدوق‪ ،‬إال أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة<‪ .‬والحديث َّ‬
‫>السلسلة الصحيحة< (‪.)45‬‬
‫(‪ )2‬إسناده حسن‪ :‬أخرجه ابن منيع كما في >إتحاف الخيرة< (‪ ،)67/7‬والطبراني في=‬
‫‪119‬‬
‫قبس نبوي‬

‫فانتفعت بتعليمه‪ ،‬ونضحه؛ فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى‬


‫كبرت(‪!)1‬‬
‫وفي بيت أم سلمة‪ :‬ال يزال تعليمه للصغار قائ ًما‪ ،‬فكان للصبي‬
‫نصيب من تهذيب األخالق وغرسها‪ ،‬فهذا ُعمر بن‬ ‫ٌ‬ ‫كما كانت للفتاة‬
‫أبي سلمة‪ ،‬أخو زينب‪ ،‬يجلس على الطعام مع رسول اهلل ‘‪ ،‬لكنه لم‬
‫يتعلَّم كيف يأكل في وجود الكبار‪ ،‬وما اآلداب التي ينبغي أن يراعيها‪،‬‬
‫الصحفة‪ ،‬ويأكل من نواحيها‪ ،‬فجاد النبي ‘ عليه‬ ‫فكانت يده تطيش في َّ‬
‫سم‬
‫بالتعليم‪ ،‬ولم يمنعه صغر سنه من أن يوجهه؛ فقال له‪> :‬يا ُغالم! ِّ‬
‫اهلل‪ ،‬و ُكل بيمينك‪ ،‬و ُكل مما يليك<‪.‬‬
‫فانتفع عمر بتلك النصيحة باقي عمره كله؛ حتى أنه ذكر ذلك لما‬
‫بلغ وقال‪ :‬فما زالت تلك ِطعمتي بعد(‪.)2‬‬
‫خاصا بأهل بيته‪،‬‬
‫ولم يكن اهتمامه ‘ بتعليم الصغار وتوجيههم ًّ‬
‫أو من هم في ح ْجره‪ ،‬بل كان كل من يقابله أو يعرض له‪ ،‬وتسنح الفرصة‬
‫بالتربية والتوجيه؛ ال يتأخر عنه بشيء‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= >المعجم الكبير< (‪/24‬رقم ‪)715‬؛ من طريق عطَّاف بن خالد المخزومي‪ ،‬عن أمه‪،‬‬
‫عن زينب بنت أم سلمة؛ به‪.‬‬
‫وعطَّاف هذا قال عنه الحافظ في >التقريب< (‪> :)4612‬صدوق يهم<‪ ،‬وأُ ُّمه وثَّقها‬
‫ابن معين‪ ،‬كما في >تاريخه‪ ،‬رواية الدارمي< (‪.)617‬‬
‫(‪ )1‬ابن عبد البر‪> ،‬االستيعاب< (‪.)1855/4‬‬
‫(‪ )2‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)5376‬ومسلم (‪.)2022‬‬
‫‪120‬‬
‫قبس نبوي‬

‫غًلم من غلمان األنصار‪ ،‬شأنه شأن الصغار‪ ،‬ال يكترث بأفعاله‬


‫هذا ٌ‬
‫وتصرفاته‪ ،‬ويفعل ما يحلو له ويخطر بباله‪ ،‬يتحرك في بساتين المدينة‪ ،‬فإذا‬
‫أحس بجوع؛ التقط الحجر‪ ،‬ورمى النخل‪ ،‬فأسقط ما أسقط من‬ ‫ما َّ‬
‫التمر‪ ،‬وأكل!‬
‫ضاق به أصحاب البساتين‪ ،‬فأخذوه وانطلقوا به إلى النبي ‘‪،‬‬
‫فكيف واجه تلك المشكلة؟‬
‫غالم صغير‪ ،‬ال يفقه‪ ،‬دعوه‬
‫ٌ‬ ‫لم يقل للشاكين والمتضررين‪ :‬إنه‬
‫حتى يكبر! ال‪ ،‬لم يفعل‪.‬‬
‫ولم يعنِّف الغالم على سوء فعله‪ ،‬وجنايته على حق غيره‪ ،‬بال‬
‫مراعاة لسنِّه‪ ،‬ال‪ ،‬لم يفعل‪.‬‬
‫وإنَّما نَ َظر إلى الغالم الصغير‪ ،‬وسأله في رفق أمام من أحضروه‪:‬‬
‫>يا رافع! لم ترمي َن ْخلَهم؟< فأجاب الغالم ببراءة وعفوية الصغار‪:‬‬
‫الجوع يا رسول اهلل‪ ،‬أريد أن آكل‪ .‬فنصحه بما يس ُّد حاجته‪ ،‬وال يؤذي‬
‫غيره؛ فقال له‪> :‬فال ترمِ النخل‪ ،‬و ُك ْل ما يسقط في أسافلها<‪.‬‬
‫حق غيره‪ ،‬وسمح له بما تحتاج إليه‬
‫هكذا أ َّدبه بعدم التع ِّدي على ِّ‬
‫ف بذلك؛ بل أَش َعره مع النصح‪ ،‬بالشفقة والحب؛‬ ‫نفسه‪ ،‬ولم يكت ِ‬
‫فمسح رأسه‪ ،‬ودعا له‪> :‬اللهم أشبع بطنه<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في سنده مقال‪ :‬أخرجه أحمد (‪ ،)20343‬وابن ماجه (‪ ،)2299‬وأبو داود=‬
‫‪121‬‬
‫قبس نبوي‬

‫نعم‪ ،‬لم تكن لتمنعه عاطفة المحبة والشفقة على الصغار‪ ،‬من‬
‫ووسمهم ببعض ما يُشعرهم بخطئهم‪ ،‬حتى ال‬
‫نصحهم‪ ،‬وتوجيههم‪ ،‬بل َ‬
‫يصير ذلك النقص ُخلُ ًقا لهم بعد بلوغهم‪ ،‬وهذا عكس ما يقع فيه بعض‬
‫المربِّين؛ من إيثار ما يهواه صغارهم‪ ،‬ولو على سبيل أخالقهم!‬
‫عنب من الطائف‪ ،‬وصادف هذا‬ ‫ها هو ‘ يُه َدى إليه ذات يومٍ ٌ‬
‫أن كان عنده صغير من صغار الصحابة‪ ،‬وهو‪ :‬النعمان بن بشير ‪،‬‬
‫فأعطاه النبي ‘ قِط ًفا له‪ ،‬وأرسل معه بآخر ألمه َعمرة‪ ،‬وذاق الصبي‬
‫العنب فأعجبه‪ ،‬فأكل نصيبه وأنهاه قبل أن يصل إلى ِّأمه‪ ،‬فح َّدثته نفسه‬
‫أن يأكل اآلخر‪ ،‬واستحضر شفقة أُ ِّمه‪ ،‬ولم يستحضر وصية نبيِّه!‬
‫بعد أيام‪ ،‬لقي رسول اهلل ‘ َع ْمرة أ َّم النعمان‪ ،‬فسألها عما أرسل‬
‫إليها مع ابنها‪ ،‬ففاجأته بأنها لم يصلها شيء!‬
‫ولعل له عذ ًرا فيخبر به؛ فقال له‪:‬‬
‫النبي ‘ ليستوثق منه‪َّ ،‬‬
‫فسأله ُّ‬
‫>هل بلَّ َ‬
‫غت<؟‬
‫فأجابه الصغير ــ على استحياء ــ وقد ذهبت عنه شفقة أمه‪ ،‬ولم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫صحيح غريب<‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حسن‬
‫ٌ‬ ‫حديث‬
‫ٌ‬ ‫(‪ ،)2622‬والترمذي (‪ ،)1288‬وقال‪> :‬هذا‬ ‫=‬
‫وللحديث طريقان في كل منهما مقال‪ ،‬ولذلك ض َّعفه األلباني في >ضعيف أبي داود<‬
‫(‪ 327/2‬ــ ‪.)328‬‬
‫قابل للتحسين‪ ،‬وهو كما قالوا‪ ،‬واهلل‬
‫وحكم عليه ُمح ِّققو المسنَد (‪ )452/33‬أنه ٌ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫قبس نبوي‬

‫يجد إال غدره بعهد نبيِّه فيما عهد به إليه‪ :‬ال!‬


‫سببا وال عذ ارا؛ ففهم النبي ‘‬
‫مختصرا‪ ،‬ال يحمل ا‬ ‫ا‬ ‫كذا جاء جوابه‬
‫ما صنع الصبي‪ ،‬فأراد أن يلقنه در ًسا ينفعه سائر حياته بعد ذلك؛ فأخذ‬
‫بأذنه‪ ،‬وقال له‪> :‬يا ُغ َدر(‪ ،)1‬يا ُغ َدر<(‪!)2‬‬
‫لقد أشفق ‘ على الصغير أن يكون أمي ًنا‪ ،‬أعظم من إشفاقه عليه‬
‫أن يحرم من عنقود اشتهاه‪ ،‬فانتفع بذلك طوال حياته‪ ،‬وح َّدث به‪.‬‬
‫هذا القبس النبوي في تربية الصغار؛ أشعل منه الصحب واآلل‬
‫وسر ًجا‪،‬‬‫فتيل تعاملهم‪ ،‬فأوقد لهم في طريق التربية األخالقية مشاعل ُ‬
‫جيال حسن األخالق‪ُ ،‬ح َّق‬
‫بها اهتدوا‪ ،‬وعلى أضوائها ساروا؛ فأخرجوا ً‬
‫له أن يخلف جيلهم‪ ،‬ليتلوه في األفضلية‪ ،‬كما تاله في الزمن والتبعية‪.‬‬
‫وفيما يلي صور ونماذج من تعاملهم في هذا الباب مع صغارهم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬من الغدر‪ ،‬وهو‪ :‬ترك الوفاء‪.‬‬
‫(‪ )2‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)3368‬وفي إسناده عبد الرحمن بن ِعرق‪ ،‬قال‬
‫عنه الحافظ في >التقريب< (‪> :)3951‬مقبول<‪.‬‬
‫وأخرجه الطبراني في >مسند الشاميين< (‪ )1487‬من طريق آخر‪ ،‬وفي إسناده‬
‫سليمان بن سلمة الخبائري‪ ،‬متروك‪ ،‬وله ترجمة سيئة في >لسان الميزان<‬
‫(‪.)209/2‬‬
‫‪123‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫الرتبية األخالقية يف تراث اآلل واألصحاب‬

‫بعض المعنيين بشؤون التربية بأنها‪> :‬تنشئة الصغير على‬ ‫ُ‬ ‫عرفها‬
‫يُ ِّ‬
‫المبادئ األخالقية المستمدة من القرآن والسنة‪ ،‬حتى يُصبح مفتا ًحا‬
‫للخير‪ ،‬مغال ًقا للشر‪ ،‬في كل الظروف واألحوال‪ ،‬وذلك في إطار‬
‫تكوين الشخصية اإلسالمية المتكاملة والمتوازنة<(‪.)1‬‬
‫وهي في الوقت نفسه‪> :‬توجيه مستمر ألعمال اإلنسان على سنن‬
‫االستقامة‪ ،‬حتى تتكون العادات الصالحة‪ ،‬واألخًلق الحميدة الراسخة<(‪.)2‬‬
‫الصغر؛ فهو أجدى وأنفع‪ ،‬فالتعديل‬ ‫واالهتمام بها إذا كان من ِّ‬
‫فضال عن الغرس ــ ال يتأتى مع الكبير كما يتأ َّتى مع الصغير‪،‬‬
‫والتقويم ــ ً‬
‫وقد تتابع على هذا العلماء‪ ،‬على اختالف عصورهم‪:‬‬
‫فهذا أبو حامد الغزالي يقول‪> :‬إن الصبي إذا أُهمل في ابتداء نشوه؛‬
‫خرج في األغلب رديء األخالق‪َّ ،‬‬
‫كذا ًبا‪ ،‬حسو ًدا‪ ،‬سرو ًقا‪َّ ،‬نم ًاما‪،‬‬
‫لحو ًحا‪ ،‬ذا فضول وضحك‪ ،‬وكياد ومجانة‪ ،‬وإنما يحفظ عن جميع ذلك‬
‫بحسن التأديب<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقداد يالجن‪> ،‬التربية األخالقية اإلسالمية< (ص‪.)13/‬‬
‫(‪ )2‬محمد عبد اهلل دراز‪> ،‬كلمات في مبادئ علم األخالق< (ص‪.)39/‬‬
‫(‪ )3‬الغزالي‪> ،‬إحياء علوم الدين< (‪.)72/3‬‬
‫‪124‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫وبعده ابن القيِّم بقرنين من الزمان يؤ ِّكد على نفس المعنى بقوله‪:‬‬
‫>ومما يحتاج إليه الطفل غاية االحتياج‪ :‬االعتناء بأمر خلقه‪ ،‬فإنه‬
‫ٍ‬
‫وغضب‪ ،‬ولجا ٍج‪،‬‬ ‫عوده المربي في صغره‪ ،‬من َحر ٍد‪،‬‬ ‫ينشأ على ما َّ‬
‫ش‪ ،‬وح َّد ٍة‪ ،‬وجش ٍع‪ ،‬فيصعب عليه في‬ ‫وعجلةٍ‪ ،‬وخفَّة مع هواه‪ ،‬وطي ٍ‬
‫كبره تالفي ذلك‪ ،‬وتصير هذه األخالق صفات وهيئات راسخ ًة له‪ ،‬فلو‬
‫يوما ما‪ ،‬ولهذا تجد أكثر الناس‬‫التحرز؛ فضحته وال ب َّد ً‬
‫ُّ‬ ‫تحرز منها غاية‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫منحرفة أخالقهم‪ ،‬وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها< ‪.‬‬
‫ومن المعاصرين‪ :‬الشيخ محمد الخضر حسين؛ يُعيد الصياغة‪،‬‬
‫ويسهل العبارة؛ فيقول‪> :‬إ َّن الصبي يولد على الفطرة الخالصة‪ ،‬والطبع‬
‫ِّ‬
‫البسيط‪ ،‬فإذا قُوبلت نفسه الساذجة بخلق من األخالق؛ انتقشت صورته‬
‫في لوحها‪ ،‬ثم لم تزل تلك الصورة تمتد شي ًئا فشي ًئا إلى أن تأخذ بجميع‬
‫أطراف النفس‪ ،‬وتصير كيفية راسخة فيها‪ ،‬حائل ًة لها عن االنفعال‬
‫بضدها‪.‬‬
‫يؤيِّد هذا أنَّا إذا رأينا من الغرباء من هو لطيف الخطاب‪ ،‬جميل‬
‫اللقاء‪ ،‬مهذب األلمعية‪ ،‬ال نرتاب في دعوى أنه ممن أنبته اهلل في البيوت‬
‫الفاضلة نبا ًتا حس ًنا<(‪.)2‬‬
‫وقد راعى الصحب واآلل في هذا النوع من التربية بعض األسس‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن القيِّم‪> ،‬تحفة المودود بأحكام المولود< (ص‪.)240/‬‬
‫(‪ )2‬محمد الخضر حسين‪> ،‬السعادة العظمى< (ص‪.)60/‬‬
‫‪125‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫أهمها‪ ،‬وذكر بعض‬


‫األخالقية الم َّتفق عليها‪ ،‬والتي يمكن تلخيص ِّ‬
‫الصور المأثورة عنهم فيها؛ فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ُ :‬خلُق التأ ُّدب مع الكبار‪:‬‬


‫ً‬
‫سيما إن كان من أهل الفضل‪ ،‬أو العلم‪ ،‬من‬ ‫توقير الكبير‪ ،‬ال َّ‬
‫األسس األخالقية الراقية‪ ،‬التي ال يختلف عليها العقالء والمربون‪،‬‬
‫مجلس‬
‫ٌ‬ ‫خاص ًة إذا ما جمعهم‬
‫ولهذا راعاها الصحب واآلل مع صغارهم‪َّ ،‬‬
‫عابرا‪.‬‬
‫واح ٌد‪ ،‬ولم يكن لقا ًء ً‬
‫ولعل أولى من يُق َّدم في االحترام من الكبار‪ :‬الوالدين‪.‬‬
‫َّ‬
‫الحث على البر‪ ،‬والترهيب من العقوق؛‬
‫ِّ‬ ‫ومع النصوص المتكاثرة في‬
‫إال أننا نستل موق ًفا واح ًدا من تأديب الصحب للصغار في التعامل مع‬
‫آبائهم‪ ،‬وقع على يد أبي هريرة ‪.‬‬
‫يقول أبو غسان الضبي‪> :‬خرجت أمشي مع أبي بظهر الحرة‪،‬‬
‫فلقيني أبو هريرة‪ ،‬فقال لي‪ :‬من هذا؟ قلت‪ :‬أبي‪ ،‬فقال‪ :‬ال تمش بين‬
‫يدي أبيك‪ ،‬ولكن امش خلفه‪ ،‬أو إلى جنبه‪ ،‬وال َت َدع أح ًدا يحول بينك‬
‫وبينه‪ ،‬وال تمش فوق إجار أبوك تحته‪ ،‬وال تأكل عر ًقا قد نظر أبوك‬
‫إليه‪ ،‬لعله قد اشتهاه<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه الطبراني في >األوسط< (‪ ،)6857‬من طريق أبي غنم=‬
‫‪126‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫العلم‬
‫األبوة‪ُ :‬‬
‫ويزداد االحترام وجو ًبا‪ ،‬والتوقير تأكي ًدا إذا ُجمع مع َّ‬
‫والفضل‪.‬‬
‫ُ‬
‫هذا عبد اهلل بن عمر ‪ ،‬يشهد مع صغر سنه مجل ًسا لرسول اهلل‬
‫سؤاال‪ ،‬وبدأ بعض الصحابة في‬ ‫ً‬ ‫‘‪ ،‬فيسمعه يُلقي على الحاضرين‬
‫حسن للسؤال‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫جواب‬
‫ٌ‬ ‫اإلجابة‪ ،‬وأحجم آخرون‪ ،‬ووقع في نفس ابن عمر‬
‫بل قد علم الح ًقا ــ لما حسم النبي ‘ نزاعهم بجوابه ــ أنه الجواب‬
‫يتفوه به؛ فلماذا؟!‬
‫الصحيح‪ ،‬لك َّن ابن عمر احتفظ بالجواب لنفسه‪ ،‬ولم َّ‬
‫لما أخبر والده بعد انفضاض المجلس؛ سأله عمر‪ :‬ما منعك أن‬
‫تكلم؟ فقال‪ :‬لم أرك وال أبا بكر تكلمتما‪ ،‬ولم أركم تكلمون‪ ،‬فكرهت‬
‫أن أتكلم أو أقول شي ًئا‪ ،‬قال عمر‪ :‬ألن تكون قلتها؛ أحب إلي من كذا‬
‫وكذا(‪.)1‬‬
‫لقد تعلَّم ابن عمر‪ ،‬ولسنا في حاجة إلى أن نسمي من علَّمه‪ ،‬أ َّن‬
‫لكن‬‫للكبار مكانتهم‪ ،‬فإذا سكتوا؛ كان من هو دونهم أولى بالسكوت‪َّ ،‬‬
‫أباه عمر يع َّدل شي ًئا من ذلك األدب‪ ،‬ويُضيف إليه ما يُعزز ثقة الصغير‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= الكالعي‪ ،‬عن أبي غسان؛ به‪.‬‬
‫قال الهيثمي في >مجمع الزوائد< (‪> :)137/8‬رواه الطبراني في األوسط‪ ،‬وأبو‬
‫غسان وأبو غنم الراوي عنه لم أعرفهما‪ ،‬وبقية رجاله ثقات<‬
‫(‪ )1‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)6144‬ومسلم (‪.)2811‬‬
‫وسيأتي مزيد تفصيل عن هذا الحديث في الفصل القادم (التربية االجتماعية) إن شاء‬
‫اهلل‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫بنفسه‪ُ ،‬مبيِّ ًنا له أن ذلك ال يتنافى مع احترام الكبير؛ وهو‪ :‬جواز اإلجابة‬
‫والرد باحترامٍ وأدب‪.‬‬
‫ابن القيِّم ُمعلِّ ًقا على هذا الموقف‪> :‬وفيه ما كان عليه الصحابة‬
‫قال ُ‬
‫من الحياء‪ ،‬من أكابرهم‪ ،‬وإجاللهم‪ ،‬وإمساكهم عن الكالم بين أيديهم‪.‬‬
‫كره للولد أن يجيب بما يعرف بحضرة أبيه‪ ،‬وإن لم‬
‫وفيه‪ :‬أنه ال يُ َ‬
‫يعرفه األب‪ ،‬وليس في ذلك إساءة أدب عليه<(‪.)1‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪> :‬وفيه توقير الكبير‪ ،‬وتقديم الصغير أباه‬
‫في القول‪ ،‬وأنه ال يبادره بما فهمه؛ وإن ظ َّن أنه الصواب<‪.‬‬
‫وقال‪> :‬وفيه استحباب الحياء ما لم يؤ ِّد إلى تفويت مصلحة‪،‬‬
‫ولهذا تمنى عمر أن يكون ابنه لم يسكت<(‪.)2‬‬
‫واحترام عند الصحب واآلل‪ ،‬إذ لهم‬
‫ٌ‬ ‫توقير‬
‫وللعلماء بشك ٍل خاص ٌ‬
‫األبوة الدينية‪ ،‬وهذه األبوة محل تقدير وثناء عند السلف‪ ،‬كما‬
‫نوع من َّ‬
‫قال النووي عنهم‪> :‬إنهم كالوالدين لنا‪ ،‬وأجدى علينا في مصالح آخرتنا‬
‫التي هي دار قرارنا‪ ،‬وأنصح لنا فيما هو أعود علينا<(‪.)3‬‬
‫ومن نماذج هذه التربية على توقير أهل العلم والتأ ُّدب معهم‪ :‬ما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن القيم‪> ،‬الطب النبوي< (ص‪.)302/‬‬
‫(‪ )2‬ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪.)147 ،146/1‬‬
‫(‪ )3‬النووي‪> ،‬تهذيب األسماء واللغات< (‪.)11/1‬‬
‫‪128‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ذكره الليث بن سعد؛ عن مجلس سعيد بن المسيب‪ ،‬وعادة الصغار‬


‫فيه‪.‬‬
‫يقول الليث‪> :‬كان سعيد بن المسيب يركع ركعتين‪ ،‬ثم يجلس‪،‬‬
‫فيجتمع إليه أبناء أصحاب رسول اهلل ‘ من المهاجرين واألنصار‪ ،‬فال‬
‫يجترئ أحد منهم أن يسأله شي ًئا؛ إال أن يبتدئهم بحديث‪ ،‬أو يجيئه‬
‫سائل فيسأل فيسمعون<(‪.)1‬‬
‫وصية الحسن بن علي بن أبي طالب ‪‬‬
‫ضا‪َّ :‬‬‫وفي نفس الباب أي ً‬
‫البنه‪> :‬يا بني! إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك‬
‫على أن تقول‪ ،‬وتعلّم حسن االستماع كما تتعلم حسن الصمت‪ ،‬وال‬
‫تقطع على أحد حدي ًثا‪ ،‬وإن طال حتى يمسك<(‪.)2‬‬

‫ثانيا‪ُ :‬خلُق الصدق‪ ،‬والبعد عن الكذب‪:‬‬


‫ً‬
‫أصل ها ٌّم من أصول األخالق اإلسالمية‪ ،‬والتي تحتاج إلى‬ ‫هذا ٌ‬
‫جهد لتركيزها وتثبيتها‪ ،‬ومن أهم وسائله المستخدمة‪ :‬أن يتحلَّى الوالدان‬
‫والمربُّون به في تعاملهم مع صغارهم‪ ،‬فتفعل فيهم القدوة والمثال‪ ،‬ما‬
‫ال تفعله األوامر والنواهي واألقوال‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السمعاني‪> ،‬أدب اإلمالء واالستمالء< (ص‪.)35/‬‬
‫(‪ )2‬أبو علي القالي‪> ،‬األمالي< (‪ ،)188/2‬ابن عبد البر‪> ،‬جامع بيان العلم<‬
‫بدال من الحسن!‬
‫(‪ ،)519/1‬وعنده‪ :‬الحسين‪ً ،‬‬
‫‪129‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫أحد أوعية العلم من الصحابة‪ ،‬وهو‪ :‬عبد اهلل بن مسعود ‪،‬‬


‫ينصح من حوله من اآلباء والمربين ذات يومٍ‪ ،‬منبِّ ًها إياهم على ذلك‬
‫ال ُخلُق‪ ،‬مح ِّذ ًرا من التالعب بمشاعر الصغار‪ ،‬بدعوى أنهم ال يفهمون‪،‬‬
‫ولو بإخالف وعد؛ فيقول لهم‪:‬‬
‫>إياكم والروايا‪ ،‬روايا الكذب‪ ،‬فإ َّن الكذب ال يصلح بالجد‬
‫والهزل‪ ،‬وال يَ ِعد أحدكم َّ‬
‫صبيه ثم ال ينجز له<(‪.)1‬‬
‫الصحب الكرام يطبقونه في تعامله مع صغارهم‪ ،‬أال‬ ‫وهذا ما كان َّ‬
‫يعدوهم إال بما يستطيعون الوفاء به‪.‬‬
‫ها هي امرأة يزورها النبي ‘ في بيتها ذات يوم‪ ،‬فتتلمس البركة‬
‫وحضا له‬
‫والدعاء لصغيرها الذي خرج يلعب كعادة أقرانه‪ ،‬فتناديه‪ًّ ،‬‬
‫عطية‪ ،‬إنه عبد اهلل بن عامر ‪،‬‬
‫على اإلسراع تعده أنه إذا أتى أعطته َّ‬
‫قالت له ُّأمه‪> :‬يا عبد اهلل! ها‪ ،‬تعال أع ِطك<‪.‬‬
‫ِ‬
‫أردت أن تعطيه؟<‬ ‫فسمع النبي ‘ عبارتها فقال لها‪> :‬وما‬
‫تمرا<‪.‬‬
‫قالت‪> :‬أعطيه ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في إسناده ضعف‪ :‬أخرجه السمعاني في >أدب اإلمالء واالستمالء< (ص‪ ،)35/‬من‬
‫طريق يحيى بن رجاء‪ ،‬ثنا زهير‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬عن أبي األحوص‪ ،‬عن ابن‬
‫مسعود؛ به‪.‬‬
‫ويحيى بن رجاء‪ ،‬ترجم له الذهبي في >تاريخ اإلسالم< (‪ ،)962/5‬ولم ينقل فيه‬
‫تعديال‪.‬‬
‫ً‬ ‫جر ًحا وال‬
‫‪130‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫تبت عليك‬
‫فقال لها رسول اهلل ‘‪> :‬أما إنك لو لم تعطه شي ًئا؛ ُك ْ‬
‫كذبة<(‪.)1‬‬
‫فتأمل وعد المرأة بما تستطيع أن تفي به‪ ،‬ومراقبة الصغير للموقف‬
‫َّ‬
‫كله‪ ،‬وانتفاعه به بعد بلوغه وكبره‪ ،‬فيطبقه‪ ،‬ويح ِّدث به َمن بعده‪.‬‬
‫يقول السندي‪> :‬قوله‪> :‬لو لم تفعلي<‪ ،‬أي‪ :‬لو لم تعطي شي ًئا‪،‬‬
‫فيدل الحديث على أن من لم يف بالوعد فهو كاذب‪ ،‬وعلى أ َّن الوعد‬
‫بالصغير كالوعد بالكبير<(‪.)2‬‬
‫أسلوب آخر من ترسيخ هذا الخلق‪ ،‬خلق الصدق وذم‬ ‫ٌ‬ ‫ثم‬
‫لكن َّ‬
‫الحث عليه‪ ،‬والترهيب‬
‫ُّ‬ ‫الكذب‪ ،‬كانوا يستخدمونه مع صغارهم؛ وهو‪:‬‬
‫ضار بصاحبه‪ ،‬دي ًنا ودنيا‪.‬‬
‫من ضده‪ ،‬وأنه ٌّ‬
‫هذا أحد آل البيت الكرام‪ ،‬وهو عم النبي ‘‪ ،‬إنه العباس بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬حسن لغيره‪ :‬أخرجه أحمد (‪ ،)15702‬وأبو داود (‪ ،)4991‬من طريق محمد بن‬
‫رجال من موالي عبد اهلل بن عامر‪ ،‬حدثه عن عبد اهلل بن عامر؛ به‪.‬‬ ‫عجالن‪ ،‬أن ً‬
‫إسناد ضعيف إلبهام الراوي عن ابن عامر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫وأخرجه البيهقي (‪ 198/10‬ــ ‪ )199‬وسمى مولى عبد اهلل بن عامر زيادا‪ ،‬ولم أقف‬
‫ضا!‬
‫عليه أي ً‬
‫وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفو ًعا‪ ،‬أخرجه أحمد (‪ ،)9836‬إال أنه من‬
‫رواية الزهري عن أبي هريرة‪ ،‬ولم يسمع منه‪ .‬ولفظه‪> :‬من قال لصبي‪ :‬تعال هاك‪ ،‬ثم‬
‫لم يعطه فهي كذبة<‪.‬‬
‫صححه األلباني في >السلسلة الصحيحة< (‪.)748‬‬ ‫والحديث َّ‬
‫(‪ )2‬السندي‪> ،‬حاشية على مسنَد أحمد< (‪ 471/24‬ــ مع المسنَد)‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫عبد المطلب ‪ ،‬كان يرى احتفاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬


‫بابنه عبد اهلل بن عباس ‪ ،‬فأراد له أن تدوم هذه المنزلة عنده‪ ،‬فنصحه‬
‫يوما‪> :‬يا بني! إني‬
‫وق َّدم بين يدي النصيحة بسببها‪ ،‬وعاقبتها؛ فقال له ً‬
‫أرى أمير المؤمنين يقربك‪ ،‬ويخلو بك‪ ،‬ويستشيرك مع ناس من‬
‫أصحاب رسول اهلل ‘‪ ،‬فاحفظ عني ثال ًثا<‪ ،‬ثم أوصاه بثالث؛ كان‬
‫يجربن عليك كذبة<‪.‬‬
‫منها‪> :‬وال ِّ‬
‫ح َّدث ابن عباس الح اقا أصحابه من التابعين بهذه الوصية‪ ،‬فاستملحها‬
‫عامر الشعبي؛ فقال البن عباس‪ :‬يا أبا عباس! كل واحدة خير من ألف‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪> :‬نعم‪ ،‬ومن عشرة آالف<(‪.)1‬‬

‫ثال ًثا‪ُ :‬خلُق حفظ األسرار‪:‬‬


‫قوي اإلرادة‪،‬‬
‫تعود على كتم األسرار َّ‬ ‫عادة ما ينشأ الصغير الذي َّ‬
‫رابط الجأش‪ ،‬ضابط اللسان‪ ،‬وبهذا تنشأ الثقة االجتماعية بين أفراد‬
‫المجتمع‪ ،‬بحفظ أسرار بعضهم البعض(‪.)2‬‬
‫وألهمية هذا ال ُخلُق‪ :‬فقد اعتنى الصحب واآلل بتربية صغارهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في إسناده ضعف يسير‪ :‬أخرجه أحمد في >فضائل الصحابة< (‪ ،)1862‬وهناد في‬
‫>الزهد< (‪ )566/2‬من طريق مجالد بن سعيد‪ ،‬عن الشعبي‪ ،‬عن ابن عباس؛ به‪.‬‬
‫ومجالد قال عنه الحافظ في >التقريب< (‪> :)6478‬ليس بالقوي‪ ،‬وقد تغير في آخر‬
‫عمره<‪.‬‬
‫(‪ )2‬محمد نور بن عبد الحفيظ سويد‪> ،‬منهج التربية النبوية للطفل< (ص‪.)305/‬‬
‫‪132‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫عليه‪ ،‬وحثهم على التمسك به‪ ،‬حتى لو كان ذلك بكتم السر عنهم هم‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫كثيرا من حوائجه‪ ،‬ويرسله في طلبات‬
‫ألنه كان خادمه‪ ،‬ويقضي له ً‬
‫له وآلل بيته‪ ،‬ا َّطلع أنس بن مالك ‪ ‬الصبي الصغير على بعض‬
‫أسراره ‘‪ ،‬لكن إلى أي مدى يكتم أنس هذه األسرار؟ وحتى متى ال‬
‫يُح ِّدث بها؟ لِنَدع الجواب ألنس نفسه‪:‬‬
‫يوما‪ ،‬حتى إذا رأيت أني قد فرغت‬
‫يقول‪ :‬خدمت رسول اهلل ‘ ً‬
‫من خدمته‪ ،‬قلت‪ :‬يقيل رسول اهلل ‘‪ ،‬فخرجت متوجها إلى أهلي‪،‬‬
‫فمررت بغلمان يلعبون‪ ،‬فأعجبني لعبهم‪ ،‬فقمت على الغلمان‪ ،‬فانتهى‬
‫إلي رسول اهلل ‘ وأنا قائم على الغلمان‪ ،‬فسلَّم على الغلمان‪ ،‬ثم‬
‫َّ‬
‫أرسلني رسول اهلل ‘ في حاجة له‪ .‬وجلس رسول اهلل ‘‪ ،‬في فيء‬
‫حتى أتيته‪ ،‬فرجعت إلى أهلي بعد الساعة التي كنت أرجع إليهم فيها‪،‬‬
‫فقالت لي أمي‪ :‬ما حبسك اليوم يا بني؟‬
‫فقلت‪> :‬أرسلني رسول اهلل ‘ في حاجة له<‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬أي حاجة يا بني؟‬
‫فقلت‪> :‬يا أ َّماه! إنها ِسر<‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬يا بني! احفظ على رسول اهلل ‘ ِس َّره‪.‬‬
‫بأم سليم من أُ ٍّم تربي صغيرها على حفظ السر‪ ،‬حتى عن نفسها‪،‬‬
‫أ ْنعم ِّ‬
‫‪133‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫فعلمنا بهذا إلى أي مدى حفظ الصبي السر‪ ،‬لكن حتى متى؟ أيفشيه‬
‫بعد وفاة صاحب السر؟ أم بعد وفاة أمه؟‬
‫البناني تلميذ أنس بن مالك هذا الحديث منه‪،‬‬ ‫لقد سمع ثابت ُ‬
‫فانتابه الفضول لمعرفة هذا الذي كتمه عن أمه؛ فقال له‪ :‬يا أبا حمزة‪،‬‬
‫أتحفظ تلك الحاجة اليوم أو تذكرها؟‬
‫قال أنس‪> :‬إي واهلل‪ ،‬وإني ألذكرها‪ ،‬ولو كنت مح ِّد ًثا بها أح ًدا‬
‫من الناس لحدثتك بها يا ثابت<(‪ !)1‬فانقطع األمل عن ثابت أن يعرف‬
‫السر‪ ،‬الذي ُدفن مع أنس يوم مات!‬
‫هذا َّ‬
‫يقول الحافظ ابن حجر‪> :‬قال بعض العلماء‪ :‬كأن هذا السر كان‬
‫يختص بنساء النبي ‘‪ ،‬وإال فلو كان من العلم ما وسع أنسا كتمانه<(‪.)2‬‬
‫يرب الصحب واآلل صغارهم على حفظ سر رسول اهلل ‘‬ ‫لم ِّ‬
‫عموما‪ ،‬مع كل من يختصهم‬
‫ً‬ ‫السر‬
‫وحده‪ ،‬وإنما كان ذلك على حفظ ِّ‬
‫به‪ ،‬ويعلمونهم بأثر هذا في الدنيا قبل اآلخرة‪.‬‬
‫في وصية العباس بن عبد المطلب ‪ ‬البنه عبد اهلل‪ ،‬التي سقنا‬
‫طر ًفا منها منذ قليل‪ ،‬بعد أن ذكَّره بنعمة اهلل عليه‪ ،‬أن فتح له قلب أمير‬
‫المؤمنين عمر‪ ،‬فصار األخير يدنيه ويقربه‪ ،‬وينزله منزلة ليست لغيره؛‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)6289‬ومسلم (‪ ،)2482‬وأحمد (‪،13022‬‬
‫‪ ،)13380‬وهذا لفظ أحمد‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪.)82/11‬‬
‫‪134‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫قال له‪> :‬فاحفظ عني ثال ًثا<‪ ،‬ثم أوصاه بثالث؛ كان أولها‪> :‬اتق اهلل‪،‬‬
‫سرا<(‪.)1‬‬
‫وال تفشي َّن له ًّ‬

‫راب ًعا‪ُ :‬خلُق الرحمة‪ ،‬ومراعاة مشاعر اآلخرين‪:‬‬


‫ليس كل الصغار رأوا آباءهم أحياء! ليس كل الصغار يجدون الكساء‬
‫والعشاء!‬
‫هذه المعاني ال يدركها الصغار الذين لم يُحرموها بأنفسهم؛ إال أن‬
‫يعلمهم إياها آباؤهم‪ ،‬فيراعون مشاعر هؤالء المحرومين‪ ،‬باالمتناع عن‬
‫إظهار ما لديهم تارة‪ ،‬وباإلحسان والجود مرة أخرى‪.‬‬
‫حاكيا عن هذا النوع‬
‫ً‬ ‫يقول عمرو بن قيس المالئي (ت‪146 :‬هـ)‬
‫والسلف‪> :‬كانوا يكرهون أن يعطي الرجل صبيه‬
‫من التربية عند الصحابة َّ‬
‫شي ًئا‪ ،‬فيخرج به‪ ،‬فيراه المسكين فيبكي على أهله‪ ،‬ويراه اليتيم فيبكي‬
‫على أهله<(‪.)2‬‬
‫بل إن بعضهم كان يذهب ألبعد من ذلك‪ ،‬فيمنع صغاره من أن‬
‫يختطفوا شي ًئا نُثر لهم جمي ًعا‪ ،‬حتى ال يجد بعضهم في نفسه على‬
‫بعض‪ ،‬ويشتري لهم ما أرادوا‪ ،‬طالما يملك االستطاعة على ذلك‪ ،‬ومن‬
‫هؤالء‪ :‬أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قريبا‪.‬‬
‫(‪ )1‬في إسناده ضعف يسير‪ :‬تق َّدم تخريجه ً‬
‫(‪ )2‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪.)35669‬‬
‫‪135‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫يقول مواله وخادمه خالد بن سعد‪> :‬كان أبو مسعود إذا نُ ِث َر ــ أي‪:‬‬
‫السكر‪ ،‬وما يُشابهه من الحلوى ــ على الصبيان(‪ )1‬منع صبيانه‪ ،‬واشترى‬
‫لهم<(‪.)2‬‬
‫وهذه الرحمة والعاطفة ال يتوقَّف ح ُّدها على البشر فقط‪ ،‬بل تمتد‬
‫ضا‪ ،‬فال ُتر َّوع‪ ،‬وال تؤذى بغير وجه حق‪،‬‬‫لتشمل الطيور والحيوانات أي ً‬
‫خاصة إذا كانت في الحرم‪.‬‬
‫َّ‬
‫يخرج جعفر الصادق في صغره إلى بعض طرقات المدينة‪ ،‬فيمسك‬
‫عصفو ًرا‪ ،‬ويلعب به كعادة األطفال‪ ،‬وفي محاولة منه للهو‪ :‬جعل ينتف‬
‫صدغي العصفور!‬
‫رآه زين العابدين علي بن الحسين وهو على تلك الحالة‪ ،‬فأحب‬
‫عمليا حتى ال ينساه‪ ،‬فأخذ بصدغي جعفر فنتفه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫أن يُلقنه الدرس ًّ‬
‫>يوجعك؟< قال جعفر‪ :‬نعم‪.‬‬
‫خل سبيله‪ ،‬هذا حرم‬
‫علي‪> :‬فإن هذا يوجعه كما يوجعك‪ِّ ،‬‬
‫قال ٌّ‬
‫رسول اهلل ‘<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫العرس واألفراح والحفالت‪.‬‬
‫(‪ )1‬كما يحدث في ُ‬
‫(‪ )2‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪.)21126‬‬
‫(‪ )3‬في إسناده من لم أعرف‪ :‬أخرجه أبو بكر الشافعي في >الغيالنيات< (‪ )92‬من طريق‬
‫عبيد اهلل بن محمد بن عبد اهلل بن علي بن حسين‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جعفر بن محمد؛‬
‫به‪ .‬وعبيد اهلل وأبوه لم أقف لهما على ترجمة!‬
‫‪136‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫(‪)1‬‬
‫خل سبيله‪ ،‬هذا‬
‫ورآه مر ًة أخرى وهو يصيد يَع ُسو ًبا ؛ فقال له‪ِّ > :‬‬
‫والب ّق(‪.)4(<)3‬‬
‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ينفع وال يضر‪ ،‬يأكل الذ َِّّبان‬

‫خام ًسا‪ُ :‬خلُق األمانة‪ ،‬وعدم التعدي على حقوق الناس‪:‬‬


‫لما علَّم النبي ‘ راف ًعا الغالم الصغير أن له من النخل ما سقط‬
‫صغارهم‪ ،‬فنما هذا‬
‫َ‬ ‫منه‪ ،‬وليس ما أسقط هو بيده؛ علَّم ذلك الصحاب ُة‬
‫ال ُخلُق فيهم‪ ،‬بل وكان الكبار يكافؤونهم عليه‪.‬‬
‫في زمن عمر بن الخطَّاب ‪ ‬يخرج بعض الغلمان ليتلقطوا هذا‬
‫البلح الذي يُقال له‪ :‬الخالل‪ ،‬فخرج عليهم عمر‪ ،‬فلما رآهم ظن أنهم‬
‫وفر الغلمان‪ ،‬وبقي واح ٌد منهم لم‬
‫يُسقطونه من النخل‪ ،‬فش َّد عليهم‪َّ ،‬‬
‫يفر‪ ،‬ووقف ليواجه عمر‪ ،‬ويدافع عن نفسه!‬
‫َّ‬
‫إنه‪ :‬سنان بن سلمة‪.‬‬
‫قال له‪> :‬يا أمير المؤمنين! إنما هو مما ألقت الريح<‪.‬‬
‫علي<‪.‬‬
‫فقال عمر‪> :‬فأرني أنظر‪ ،‬فإنه ال يخفى َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫هو ملك النحل‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الذِّبان ــ بكسر الذال ــ جمع الكثرة لذباب‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫البق‪ :‬كبار البعوض‪ ،‬واحده بقة‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫في إسناده من لم أعرف‪ :‬أخرجه أبو بكر الشافعي في >الغيالنيات< (‪ )93‬من طريق‬ ‫(‪)4‬‬
‫عبيد اهلل بن محمد بن عبد اهلل بن علي بن حسين‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جعفر بن محمد؛‬
‫به‪ .‬وعبيد اهلل وأبوه لم أقف لهما على ترجمة!‬
‫‪137‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫صدقت‪ ،‬انطلق<‪.‬‬
‫َ‬ ‫فلما رآه عمر؛ قال له‪> :‬‬
‫َّ‬
‫عجيبا‪ ،‬ندر أن يطلبه من هو مثله‪،‬‬‫ً‬ ‫طلبا‬
‫هنا طلب سنا ٌن من عمر ً‬
‫انطلقت‬
‫َ‬ ‫ممن هو مثل عمر؛ قال له‪> :‬ترى هؤالء الصبيان؟ ولَّ ْوا‪ ،‬ولو‬
‫وتواريت أخذوا ما معي<!‬
‫َ‬
‫عرض بطلب التأمين من‬
‫لم يطلب سنا ٌن ما يريد صراح ًة‪ ،‬لكنه َّ‬
‫عمر له من هؤالء الغلمان‪ ،‬فكافأه عمر على أمانته‪ ،‬وشجاعته وصدقه‪،‬‬
‫فانطلق معه حتى بلَّغه أُ َّمه ومأمنه(‪!)1‬‬
‫وهذا أحد أفاضل آل البيت‪ ،‬وأئمتهم وعلمائهم‪ ،‬ينصح ابنه ذات‬
‫التعرض لحقوق الغير‪ ،‬وأن يصبر على ما يصيبه من نوائب؛‬ ‫يومٍ بعدم ُّ‬
‫إنه‪ :‬زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب‪ ،‬يقول البنه‪:‬‬
‫>يا بني اصبر على النوائب‪ ،‬وال تتعرض للحقوق‪ ،‬وال ُتجب أخاك إلى‬
‫األمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له<(‪.)2‬‬

‫ساد ًسا‪ :‬الخصال واألخالق الحسنة بصفة عامة‪:‬‬


‫وخلُ ًقا مما يُمدح‬
‫واآلل خصلة من خصال الخير‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الصحب‬
‫ُ‬ ‫لم يَ َدع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه ابن أبي الدنيا في >العيال< (‪ ،)249‬والطبري في >تهذيب‬
‫اآلثار< (‪ 389‬ــ مسند علي)‪.‬‬
‫(‪ )2‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه أبو نعيم في >حلية األولياء< (‪ ،)138/33‬وفي إسناده من لم‬
‫أعرف!‬
‫‪138‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫به صاحب‪ ،‬يستطيعون الوصاية به؛ إال فعلوا‪ ،‬وما ق َّدمناه كان عيِّنة‬
‫وأخالق أخرى نصحوا بها؛ فيما يلي‬ ‫ٌ‬ ‫ثم صفات‬
‫ومثاال على ذلك‪ ،‬لكن َّ‬
‫ً‬
‫سردها‪ ،‬مع اإلشارة إلى شيء من مواقفهم حولها‪:‬‬

‫‪ 1‬ــ النهي عن الغيبة‪:‬‬


‫في الوصية الثالثية الذهبية من العباس بن عبد المطلب ‪ ‬البنه‬
‫عبد اهلل‪ ،‬حتى يدوم الو ُّد الذي عند عمر بن الخطاب له؛ قال العباس‬
‫له‪> :‬وال تغتاب َّن عنده أح ًدا<(‪.)1‬‬

‫الحث على االستزادة من العلم قبل التص ُّدر‪:‬‬


‫ُّ‬ ‫‪ 2‬ــ‬
‫كان أئمة آل البيت يدركون أن الناس سيصدرونهم رغ ًما عنهم‪،‬‬
‫لذا كان الكبير ينصح الصغير منهم بالتعلم‪ ،‬والجد فيه قبل أن يلجأ إليه‬
‫الناس‪ ،‬فيسودوه‪ ،‬ويصدروا عن رأيه‪ ،‬وممن أُثر عنه هذه الوصية‪:‬‬
‫الحسن بن علي بن أبي طالب ‪.‬‬
‫دعا الحسن ‪ ‬بنيه‪ ،‬وبني أخيه‪ ،‬فقال‪> :‬يا بني‪ ،‬وبني أخي‪،‬‬
‫إنكم اليوم صغار قوم‪ ،‬يوشك أن تكونوا غ ًدا كبار آخرين‪ ،‬فتعلَّموا‬
‫العلم‪ ،‬فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه‪ ،‬وليضعه في بيته<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في إسناده ضعف يسير‪ :‬تق َّدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )2‬إسناده حسن‪ :‬أخرجه الدارمي (‪ )528‬من طريق شرحبيل بن سعد‪ ،‬عن الحسن؛‬
‫=‬ ‫به‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫وقد انتبه الصغار تلك الوصية وانتفعوا بها‪ ،‬وهذا أحدهم يشهد له‬
‫أقرانه بالهمة والجد‪ ،‬إنه‪ :‬عبد اهلل بن الحسن بن علي بن أبي طالب‪،‬‬
‫يقول عنه الليث بن أبي سليم‪> :‬إن كنت ألغدو إلى عطاء؛ فأجد عبد اهلل بن‬
‫الحسن قد سبقني إليه<(‪!)1‬‬

‫‪ 3‬ــ النهي عن الكسل والضجر‪:‬‬


‫بعض الصفات تكون لها تبعات سيئة‪ ،‬فالنهي عنها ألجل س ِّد باب‬
‫الشر الذي يأتي من ورائها‪ ،‬ومن هذا الباب‪ :‬النهي عن الكسل والضجر‪.‬‬
‫وهذا أحد أئمة آل البيت ينهى ابنه عن هاتين الخصلتين مبيِّ ًنا له‬
‫أثرهما السيء؛ إنه أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين‪ ،‬يقول‬
‫يوما‪:‬‬
‫البنه ً‬
‫>يا بني! َّإياك والكسل والضجر‪ ،‬فإنهما مفتاح كل شر‪ ،‬إنك إن‬
‫كسلت لم تؤد حقَّا‪ ،‬وإن ضجرت لم تصبر على حق<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وشرحبيل تكلَّم فيه بعض العلماء‪ ،‬لكن ال يضر باألثر هنا إن شاء اهلل‪ ،‬خاصة وقد‬
‫ورد األثر من طريق آخر‪ ،‬أخرجه أحمد في >العلل< (‪ ،)2865‬من طريق محمد بن‬
‫أبان‪ ،‬عن الحسن؛ به‪ .‬إال أنه منقطع‪.‬‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه أحمد في >العلل< (‪.)2864‬‬
‫(‪ )2‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه أبو نعيم في >حلية األولياء< (‪ )183/3‬عن أحمد بن‬
‫محمد بن مقسم‪ ،‬ثنا ابن دريد‪ ،‬ثنا الرياشي‪ ،‬ثنا األصمعي قال‪ :‬قال محمد بن علي‬
‫=‬ ‫الباقر؛ به‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫‪ 4‬ــ وصايا جامعة نافعة‪:‬‬


‫قد يجمع الوالد البنه ــ أحيا ًنا ــ ِع َّدة وصايا في مجلس واحد‪،‬‬
‫وذلك يختلف باختالف الصغار‪ ،‬وباختالف الوصايا التي تحتاج إلى‬
‫جمع وإلى تفريق‪ .‬ومن هذه الوصايا الجامعة؛ ما عهد به جعفر بن‬
‫محمد الصادق إلى ابنه موسى الكاظم‪.‬‬
‫يقول بعض أصحاب جعفر الصادق‪ :‬دخلت على جعفر وموسى‬
‫بين يديه‪ ،‬وهو يوصيه بهذه الوصية‪ ،‬فكان مما حفظت منها أن قال‪> :‬يا‬
‫بني! اقبل وصيتي‪ ،‬واحفظ مقالتي‪ ،‬فإنك إن حفظتها تعش سعي ادا وتمت‬
‫حمي ًدا‪.‬‬
‫يا بني! من رضي بما قسم له استغنى‪ ،‬ومن م َّد عينه إلى ما في يد‬
‫فقيرا‪ ،‬ومن لم يرض بما قسمه اهلل له اتهم اهلل في قضائه‪.‬‬
‫غيره مات ً‬
‫ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره‪ ،‬ومن استصغر زلة غيره‬
‫استعظم زلة نفسه‪.‬‬
‫سل‬
‫يا بني! من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته‪ ،‬ومن َّ‬
‫سيف البغي قُتل به‪ ،‬ومن احتفر ألخيه بئرا سقط فيها‪ ،‬ومن داخل‬
‫السفهاء حقر‪ ،‬ومن خالط العلماء وقر‪ ،‬ومن دخل مداخل السوء ا ُّتهم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وهذا إسناد رجاله ثقات‪ ،‬سوى ابن مقسم المقرئ‪ ،‬فقد قال عنه الخطيب في >تاريخ‬ ‫=‬
‫بغداد< (‪> :)113/6‬لم يكن في الحديث ثقة<!‬
‫‪141‬‬
‫التربية األخالقية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫يا بني! إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك‪ ،‬وإياك والدخول فيما‬
‫ال يعنيك فتذل لذلك‪.‬‬
‫يا بني! قل الحق لك أو عليك تستشان بين أقرانك‪.‬‬
‫آمرا‪،‬‬
‫فاشيا‪ ،‬وبالمعروف ً‬‫تاليا‪ ،‬وللسالم ً‬
‫يا بني! كن لكتاب اهلل ً‬
‫واصًل‪ ،‬ولمن سكت عنك مبتد ائا‪ ،‬ولمن‬
‫ا‬ ‫ناهيا‪ ،‬ولمن قطعك‬
‫وعن المنكر ا‬
‫معطيا‪ ،‬وإياك والنميمة؛ فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال‪،‬‬
‫ا‬ ‫سألك‬
‫وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة التعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف‪.‬‬
‫يا بني! إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه؛ فإن للجود معادن‪،‬‬
‫ثمرا‪ ،‬وال يطيب ثمر إال‬
‫أصوال‪ ،‬ولألصول فرو ًعا‪ ،‬وللفروع ً‬
‫ً‬ ‫وللمعادن‬
‫بأصول‪ ،‬وال أصل ثابت إال بمعدن طيب‪.‬‬
‫يا بني إن زرت فزر األخيار‪ ،‬وال تزر الفجار‪ ،‬فإنهم صخرة ال‬
‫يتفجر ماؤها‪ ،‬وشجرة ال يخضر ورقها‪ ،‬وأرض ال يظهر عشبها<‪.‬‬
‫قال علي بن موسى‪ :‬فما ترك هذه الوصية إلى أن توفي(‪!)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف ج ًدا‪ :‬أخرجه أبو نعيم في >حلية األولياء< (‪ 195/3‬ــ ‪ )196‬عن‬
‫أحمد بن محمد بن مقسم‪ ،‬حدثني أبو الحسين علي بن الحسن الكاتب حدثني أبي‪،‬‬
‫حدثني الهيثم‪ ،‬حدثني بعض أصحاب جعفر؛ به‪.‬‬
‫وابن مقسم تق َّدم أنه لم يكن ثقة في الحديث‪ ،‬ومن فوقه ما بين مجهول‪ ،‬ومبهم‪.‬‬
‫والوصية ذكرها الذهبي في >سير أعالم النبالء< (‪ ،)263/6‬في ترجمة جعفر‬
‫الصادق‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ ْ َ ُ‬
‫التر ِبية ِاِلج ِتَم ِِعة‬
‫قبس نبوي‬

‫ٌََ ََ‬
‫قبس نبوي‬

‫قاصرا تفاعله ومشاعره على‬


‫ً‬ ‫النبي ‘ مغل ًقا مجلسه‪ ،‬أو‬‫لم يكن ُّ‬
‫نصيب وافر‪ ،‬وحظ حاضر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الكبار فقط‪ ،‬بل كان للصغار واألطفال من ذلك‬
‫سواء ظهر ذلك بقوله‪ ،‬أو بفعله‪ ،‬أو بإقراره لفعل أصحابه وآله من حوله‪.‬‬
‫يُعل ِّم أصحابه أن الرفق بالصغير‪ ،‬والشفقة عليه خصلة للمسلم ال‬
‫تنفك عنه؛ فيقول‪> :‬ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا<(‪.)1‬‬
‫ُّ‬
‫ؤتى بالصغار إلى مجلسه‪ ،‬متفاوتة أعمارهم‪ ،‬مختلف ًة‬ ‫وكان يُ َ‬
‫فيتحمل ‘ ما يصدر منهم‪ ،‬وال تص ُّده هذه‬
‫َّ‬ ‫اهتماماتهم وتصرفاتهم‪،‬‬
‫التصرفات عن استقبالهم‪ ،‬أو اإلفساح لهم في مجالسه‪ ،‬لتخرج تربيتهم‬
‫ٍ‬
‫مخالط لهم‪ ،‬غير منعزل عنهم‪.‬‬ ‫وتنشئتهم في محيط اجتماعي‬
‫ؤتى عليه الصالة والسالم بصبي صغير لم يأكل الطعام‪ ،‬فيجلسه‬ ‫يُ َ‬
‫في حجره‪ ،‬والصبي ال يدري شرف من يحمله‪ ،‬وال قدر من يتعامل معه؛‬
‫فبحركة ال شعورية‪ ،‬وطبيعة ال إرادية‪ ،‬يبول الصبي في حجره الشريف‬
‫لح َرج ِّأمه!‬
‫‘‪ ،‬فيا َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه أحمد (‪ ،)6733‬وأبو داود (‪ ،)4943‬والترمذي (‪،)1920‬‬
‫وصححه األلباني في >صحيح الجامع< (‪.)5444‬‬
‫َّ‬
‫‪145‬‬
‫قبس نبوي‬

‫فضال عن أن يعاتب‬
‫إال أنه ‘ ال يبدي َض َج ًرا‪ ،‬وال يُظهِر تأفُّ ًفا؛ ً‬
‫أو يلوم‪ ،‬بل في تواض ٍع ولي ٍن >يدعو بماء‪ ،‬فينضح مكان بول الصبي‪،‬‬
‫وال يغسله<(‪!)1‬‬
‫بثياب فيها‬
‫ٍ‬ ‫ؤتى‬
‫وفي مجلس آخر من مجالسه ‘ مع أصحابه‪ ،‬يُ َ‬
‫خميصة سوداء صغيرة‪ ،‬فيقول‪> :‬من ترون أن نكسو هذه؟< فسكت‬
‫القوم‪ ،‬وترقبوا من سيدعو؟ هل سيدعو أحد أقاربه‪ ،‬وينحله هذه‬
‫الخميصة البنته؟ أو يلبسها هو إلحدى بناته؟‬
‫ال‪ ،‬لم يفعل‪ ،‬وإنما فاجأهم بقوله‪:‬‬
‫بأم خالد<‪.‬‬
‫>ائتوني ِّ‬
‫ليكسوها‬
‫َ‬ ‫وقد كان بإمكانه ‘ أن يعطيها وال َدها خالد بن سعيد ‪‬‬
‫إيَّاها‪ ،‬لكنه طلب إحضارها في مجلسه‪ ،‬فأُتي بها ُت َ‬
‫حمل‪ ،‬وانتظر الجميع‬
‫أن تنال الصغيرة شرف تسليم النبي ‘ لها الخميصة بيده‪ ،‬وأن تنال‬
‫كرمه النبوي كان فوق ما ينتظرون‪،‬‬ ‫ابتسامة ونظرة ودعوة منه‪ ،‬لك َّن َ‬
‫وعطاءه فوق ما يطمحون!‬
‫َ‬
‫لقد فاجأهم أخرى فأخذ الخميصة بيده‪ ،‬فألبسها ألم خالد‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫>أ َ ْبلِي وأ َ ْخلِ ِقي‪ ،‬ثم أ َ ْبلِي وأ َ ْخلِ ِقي‪ ،‬ثم أ َ ْبلِي وأ َ ْخلِ ِقي<‪ ،‬وكان فيها علم‬
‫أخضر أو أصفر‪ ،‬فقال‪> :‬يا أ َّم خالد‪ ،‬هذا سناه‪ ،‬هذا سناه< ــ وسناه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ُ )1‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)223‬ومسلم (‪.)287‬‬
‫‪146‬‬
‫قبس نبوي‬

‫بالحبشية‪ :‬حسن ــ‪.‬‬


‫جملها ورفع‬
‫أحضرها‪ ،‬وبيده الشريفة ألبسها‪ ،‬وبكالمه ودعائه َّ‬
‫وح َّق لها ــ فيما هو أكثر‪ ،‬فقامت تدور‬
‫ذكرها‪ ،‬فطمحت الصغيرة ــ ُ‬
‫لتتحسس هذا الذي‬
‫َّ‬ ‫حوله‪ ،‬ورأت خاتم النبوة‪ ،‬فأطلقت ليدها العنان‪،‬‬
‫لم تعهده على أحد‪ ،‬ولتلعب به كعادة الصغار‪.‬‬
‫محاوال أن‬
‫ً‬ ‫الخجل خال ًدا والدها‪ ،‬فذهب ينهرها ويزجرها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أصاب‬
‫يحفظ جانب نبيه الشريف عن عبث الصغيرة‪ ،‬وإن كانت ابنته‪ ،‬لكن‬
‫ض بعد؛ إذ ختمها بقوله لوالدها‪:‬‬
‫مفاجآته لهم جمي ًعا هذا اليوم لم تنق ِ‬
‫>دعها<(‪!)1‬‬
‫لنا أن نتساءل‪ :‬إلى أي مدى سيكون هذا الموقف مؤث ِّ ًرا في نفس‬
‫الصغيرة‪ ،‬فيجعلها تشب متكيِّفة مع هذه البيئة التي احتضنتها؟ بل كيف‬
‫تأثيره في نفوس الحاضرين من أصحابه‪ ،‬الذين كانوا منذ سنوات قليلة‬
‫أصال؟!‬
‫يئدون بناتهم‪ ،‬وبعضهم ال يعبأ بالصغير ً‬
‫ومن هذا الحديث والذي قبله‪ :‬أخذ العلماء فائدة في التعامل مع‬
‫عمم بعد ذلك؛ فقال الحافظ ابن حجر‪:‬‬
‫الصغار‪ُ ،‬لت َّ‬
‫>ويستفاد منه‪ :‬الرفق باألطفال‪ ،‬والصبر على ما يحدث منهم‪ ،‬وعدم‬
‫مؤاخذتهم لعدم تكليفهم<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪> )1‬صحيح البخاري< (‪.)5993 ،5823 ،3071‬‬
‫(‪ )2‬ابن حجر‪> ،‬فتح الباري< (‪.)434/10‬‬
‫‪147‬‬
‫قبس نبوي‬

‫كذلك كان ‘ إذا زار أحد أصحابه‪ ،‬ورأى طفله‪ :‬خاطبه‪،‬‬


‫وداعبه‪ ،‬وشاركه مشاعره‪ ،‬ولم يكن يهمله أو يتجاهله‪.‬‬
‫يقول أنس بن مالك‪ ،‬خادمه الصغير الذي خدمه عشر سنين‪ ،‬كان‬
‫رسول اهلل ‘ أحسن الناس ُخلُ اقا‪ ،‬وإن كان ليخالطنا(‪ ،)1‬وكان لي أخ يقال‬
‫له‪ :‬أبو عمير‪ ،‬قال‪ :‬أحسبه كان فطي ًما‪ ،‬قال‪ :‬فكان إذا جاء رسول اهلل ‘‬
‫فرآه‪ ،‬قال‪> :‬يا أبا ُع َم ْير! ما فعل النُّ َغ ْير(‪)2‬؟< قال‪ :‬فكان يلعب به(‪.)3‬‬
‫حجر عليهم‪،‬‬
‫وكان يرى أحفاده وآل بيته مع الصبيان يلعبون‪ ،‬فال يُ ِّ‬
‫ماثال في ذهن اآلباء‪ ،‬فيحرصون على‬‫بل يمازحهم أمامهم‪ ،‬ليكون هذا ً‬
‫نشأَ صغارهم في جو جماعي بين األطفال والصغار ممن هم في‬ ‫أن يُ َّ‬
‫مثل عمرهم‪ ،‬غير منزوين أو منعزلين عنهم‪.‬‬
‫يخرج ‘ مع أصحابه إلى طعام ُد ُعوا له‪ ،‬فإذا حسين يلعب مع‬
‫الغلمان في الطريق‪ ،‬فاستمثل(‪ )4‬أمام القوم‪ ،‬ثم بسط يده وطفق الصبي‬
‫يفر هاهنا مرة وهاهنا‪ ،‬وجعل رسول اهلل ‘ يضاحكه‪ ،‬حتى أخذه رسول‬
‫اهلل ‘ فجعل إحدى يديه تحت ذقنه‪ ،‬واألخرى تحت قفاه‪ ،‬ثم أقنع‬
‫رأسه(‪ )5‬رسول اهلل ‘ فوضع فاه على فيه فقبله فقال‪> :‬حسين مني وأنا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أي‪ :‬يالطفنا بطالقة الوجه والمزح‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أهل المدينة‪ :‬البلبل‪.‬‬
‫النُّغير‪ :‬مصغر نغر‪ ،‬وهو طير كالعصفور محمر المنقار‪ ،‬يسميه ُ‬ ‫(‪)2‬‬
‫م َّت َفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)6203‬ومسلم (‪.)2150‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أي‪ :‬انتصب قائ ًما‪ ،‬وقف‪ ،‬من‪ :‬مثُل يمثُل‪ ،‬قام يقوم‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أي‪ :‬رفعه‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪148‬‬
‫قبس نبوي‬

‫من حسين‪ ،‬أحب اهلل من أحب حسينا‪ ،‬حسين سبط من األسباط(‪.)2(<)1‬‬


‫قبس يسير من اهتمامه ‘ بالتربية االجتماعية للصغار‪ ،‬وسيأتي‬
‫هذا ٌ‬
‫في تطبيقات آله وأصحابه ما يدل على المزيد مما عايشوه معه عليه‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أي‪ :‬أمة من األمم في الخير‪.‬‬
‫(‪ )2‬حسن بطرقه‪ :‬أخرجه أحمد (‪ ،)17561‬والبخاري في >األدب المفرد< (‪،)364‬‬
‫حديث حسن<‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫صرا ــ‪ ،‬وقال‪> :‬هذا‬
‫مخت ً‬
‫وابن ماجه (‪ ،)144‬والترمذي (‪ )3775‬ــ َ‬
‫وحسنه األلباني في >السلسلة الصحيحة< (‪.)1227‬‬
‫َّ‬
‫‪149‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫الرتبية الجتماعية يف تراث اآلل واألصحاب‬

‫نشأ تنشئة ُتكيِّفه مع‬


‫مرادنا هنا بالتربية االجتماعية للصغير‪ :‬أن يُ َّ‬
‫وسطه االجتماعي‪ ،‬سواء مع الكبار‪ ،‬أو مع األصدقاء ومن هم في سنه‪،‬‬
‫إيجابيا‪ ،‬بعي ًدا عن االنطواء المزري‪ ،‬أو الخجل المقيت‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫وليكون ف َّع ًاال‬
‫يأخذ ويعطي‪ ،‬يبيع ويشتري‪ ،‬يخالط ويعاشر‪ ،‬وكل ذلك محا ٌط بغالف‬
‫من األدب واالحترام‪.‬‬
‫التأمل والنظر في تعامل الصحب واآلل مع صغارهم‪،‬‬
‫ومن خالل ُّ‬
‫السلف‬
‫نجد أ َّن هناك بعض األساليب والوسائل التي استخدمها هؤالء َّ‬
‫اجتماعيا؛ وهي‪:‬‬
‫ًّ‬ ‫في تربية صغارهم‬

‫َّأو ًال‪ :‬اصطحابهم إلى مجالس الكبار‪:‬‬


‫في أخذ الصغار واصطحابهم إلى مجالس الكبار تظهر نواقصهم‪،‬‬
‫واحتياجاتهم التربوية‪ ،‬فيستطيع الوالد والمربي عند ذلك توجيه صغيره‬
‫طرح سؤال‪،‬‬
‫خاص ًة عندما يُ ُ‬
‫َّ‬ ‫نحو الكمال‪ ،‬وتشجيعه على الجواب‪،‬‬
‫َّ‬
‫وتتهذب نفسه‪ ،‬وينطلق‬ ‫فيتكلم بعد استئذان‪ ،‬وبأدب ووقار‪ ،‬فينمو عقله‪،‬‬
‫ويتعرف إلى أحاديث الكبار شي ًئا فشي ًئا‪ ،‬فيتهيأ لدخول المجتمع‪،‬‬
‫لسانه‪َّ ،‬‬
‫‪150‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث األل واألصحاب‬

‫ويتدرج روي ًدا روي ًدا‪ ،‬بتدريب والده له‪ .‬وما يُذ َكر عن الصبي مع والده؛‬
‫يُذ َكر عن البنت مع أمها(‪.)1‬‬
‫هذا أحد الصحب الكرام‪ ،‬كانت له عادة في شهود مجلس رسول‬
‫اهلل ‘‪ ،‬وهي‪ :‬أن يصحب ابنه الصغير معه‪ ،‬وكان هذا االبن يأتيه من‬
‫خلف ظهره‪ ،‬فيقعده بين يديه‪ ،‬والنبي ‘ ال ينهاه عن إحضار صغيره‪،‬‬
‫وال ينهى الصغير عن لعبه‪.‬‬
‫ومرت األيام‪ ،‬وهلك الصبي‪ ،‬فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر‬
‫ابنه‪ ،‬فحزن عليه!‬
‫فقده النبي ‘ فقال‪> :‬مالي ال أرى فالنا؟< قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫بنيه الذي رأيته هلك‪ ،‬فلم يعل ِّق النبي ‘ بشيء‪ ،‬وإنما انتظر حتى‬
‫لقيه‪ ،‬فسأله عن بنيه‪ ،‬فأخبره أنه هلك‪ ،‬فع َّزاه عليه‪ ،‬ثم قال‪> :‬يا فالن!‬
‫أيما كان أحب إليك‪ :‬أن تمتع به عمرك؟ أو ال تأتي غدا إلى باب من‬
‫أبواب الجنة إال وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟< قال‪ :‬يا نبي اهلل‪ ،‬بل‬
‫يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي‪ ،‬قال‪> :‬فذاك لك<(‪.)2‬‬
‫ولم يكن هذا الصحابي الذي لم تذكر الرواية اسمه فري ادا بين إخوانه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد نور بن عبد الحفيظ سويد‪> ،‬منهج التربية النبوية للطفل< (ص‪.)272/‬‬
‫(‪ )2‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه أحمد (‪ ،)15595‬والنسائي (‪ ،)2088‬وابن حبان‬
‫وصححه األلباني في >صحيح الترغيب<‬
‫َّ‬ ‫(‪ ،)2947‬من حديث قرة بن إياس ‪.‬‬
‫(‪.)2007‬‬
‫‪151‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫في إحضار ولده معه لهذه المجالس النبوية الشريفة‪ ،‬بل كان هناك من‬
‫أمر لم يكن بعي ًدا‬
‫ذكرا‪ ،‬يفعل فعله‪ ،‬لنعلم أنه ٌ‬
‫هو أظهر اس ًما‪ ،‬وأرفع ً‬
‫عن تربيتهم لصغارهم‪ ،‬هذا الرجل هو‪ :‬عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫اصطحب ولده الصغير عبد اهلل معه ذات يوم إلى المجلس‬
‫بج َّمار(‪ ،)1‬فقال‪> :‬إن من‬
‫النبوي‪ ،‬وبينما هم عند النبي ‘ إذ أُتي ُ‬
‫الشجر شجرة ال يسقط ورقها‪ ،‬مثلها كمثل المسلم‪ ،‬فحدثوني ماهي؟<‬
‫فوقع الناس في شجر البوادي‪ ،‬قال ابن عمر‪ :‬فأردت أن أقول‪ :‬هي‬
‫النخلة‪ ،‬فإذا أنا أصغر القوم‪ ،‬فَ َس َك ُّت‪ ،‬قال النبي ‘‪> :‬هي النخلة<‪.‬‬
‫فقص‬
‫في طريق العودة‪ :‬تحدث عبد اهلل الصغير مع والده عمر؛ َّ‬
‫عليه ما وقع في نفسه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬واهلل لقد كان وقع في نفسي أنها‬
‫النخلة‪ ،‬فقال‪ :‬ما منعك أن تكلم؟ قال‪ :‬لم أرك وال أبا بكر تكلمتما‪،‬‬
‫ولم أركم تكلمون‪ ،‬فكرهت أن أتكلم أو أقول شي ًئا‪ ،‬قال عمر‪ :‬ألن‬
‫تكون قلتها؛ أحب إلي من كذا وكذا(‪.)2‬‬
‫إن هذا المشهد ليعكس بوضوح أثر هذه المجالس على التربية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جمع جمارة‪ ،‬وهي قلب النخلة وشحمتها‪.‬‬
‫(‪ )2‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)6144 ،4698 ،61‬ومسلم (‪.)2811‬‬
‫قال ابن القيم في >الطب النبوي< (ص‪ُ )302/‬معلِّ ًقا على هذا الحديث‪:‬‬
‫>وفيه فرح الرجل بإصابة ولده‪ ،‬وتوفيقه للصواب‪.‬‬
‫وفيه أنه ال يكره للولد أن يجيب بما يعرف بحضرة أبيه‪ ،‬وإن لم يعرفه األب‪ ،‬وليس‬
‫في ذلك إساءة أدب عليه<‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث األل واألصحاب‬

‫االجتماعية للصغير‪ ،‬أبوه يُشهده مشاهد الخير والبركة مع الكبار‪ ،‬الصغير‬


‫يشجع ولده على الجواب‬ ‫يتأ َّدب في وجود الكبير فًل يتكلَّم‪ ،‬والوالد ِّ‬
‫والكالم بأدب‪ ،‬طالما أنه يعرف الجواب الذي يظنه صحي ًحا‪ .‬فأنعم بها‬
‫من تربية!‬
‫ويعظم األثر والفائدة من حضور الصغير مثل هذه المجالس‪ ،‬إن كانت‬
‫تلوح عليه مخايل النجابة‪ ،‬وآثار الفطنة‪ ،‬كما وقع مع عبد اهلل بن عباس ‪.‬‬
‫يحكي عن نفسه فيقول‪ :‬كان عمر بن الخطاب ‪ ‬يدخلني مع‬
‫أشياخ بدر‪ ،‬فكأن بعضهم وجد في نفسه‪ ،‬فقال(‪ :)1‬لم تدخل هذا معنا‬
‫ولنا أبناء مثله؟! فقال عمر‪ :‬إنه من قد علمتم‪.‬‬
‫فدعاه ذات يوم فأدخله معهم‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬فما رئيت أنه‬
‫دعاني يومئذ إال ليريهم‪ ،‬قال عمر‪> :‬ما تقولون في قول اهلل تعالى‪{ :‬ﱡ‬

‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ}<؟ فقال بعضهم‪ :‬أمرنا أن نحمد اهلل ونستغفره‬


‫إذا نصرنا‪ ،‬وفتح علينا‪ ،‬وسكت بعضهم فلم يقل شيئا‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫>أكذاك تقول يا ابن عباس<؟ فقلت‪> :‬ال<‪ ،‬قال‪> :‬فما تقول<؟ قلت‪:‬‬
‫>هو أجل رسول اهلل ‘ أعلمه له<‪ ،‬قال‪{ :‬ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ}‬
‫>وذلك عالمة أجلك<‪{ ،‬ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶ}‪ ،‬فقال عمر‪> :‬ما أعلم منها إال ما تقول<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في رواية البخاري (‪ )3627‬أن القائل هو عبد الرحمن بن عوف ‪.‬‬
‫(‪> )2‬صحيح البخاري< (‪.)4970‬‬
‫‪153‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫خاص بالفتيات‪ ،‬أشار إليه بعض الصحابة‪ ،‬من وراء‬‫نفع آخر ٌّ‬‫وثم ٌ‬
‫َّ‬
‫هذه االجتماعيات للصغار‪ ،‬وهو في قول عمر بن الخطَّاب ‪> :‬أبرزوا‬
‫الجارية التي لم تبلغ؛ لعل بني عمها أن يرغبوا فيها<(‪.)1‬‬
‫وبوب عبد الرزاق في >مصنَّفه< على هذا بقوله‪> :‬باب إبراز‬ ‫َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الجواري‪ ،‬والنظر عند النكاح< ‪.‬‬
‫ضا‪ :‬أن أبا ظبيان حصين بن جندب أرسل ذات‬‫ومن هذا الباب أي ً‬
‫يوم امرأة إلى ِّأم المؤمنين عائشة ‪ ،‬واصطحبت المرأة معها جاري ًة‬
‫لها ُج َّمة‪ ،‬فلما رأتها عائشة قالت‪:‬‬
‫>لو استترت هذه كان أخير<‪.‬‬
‫فقالت المرأة لها‪ :‬إنها لم تحض‪ ،‬وال بدا بعد الحيض(‪.)3‬‬
‫فنفت المرأة عن الجارية ما كانت تظنه فيها أم المؤمنين من البلوغ‪،‬‬
‫وإال فعائشة ال تلزمها بشيء قبل ذلك‪ ،‬ويدل على هذا قولها‪> :‬إذا‬
‫احتلمت الجارية وجب عليها ما وجب على أمها< يعني من التستر(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ )10334‬عن ابن ُجريج‪ ،‬قال‪ :‬أُخبرت أن عمر‬ ‫(‪)1‬‬
‫إسناد ضعيف لجهالة الواسطة بين ابن جريج‪ ،‬وعمر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قال‪ ،‬وهذا‬
‫>مصنَّف عبد الرزاق< (‪.)156/6‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫في إسناده ضعف‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )6214‬من طريق قابوس بن أبي ظبيان‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫عن أبيه؛ به‪.‬‬
‫وقابوس هذا قال عنه الحافظ في >التقريب< (‪> :)5445‬فيه لين<‪.‬‬
‫إسناده صحيح‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪.)6222‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪154‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث األل واألصحاب‬

‫وما ورد في هذا الباب يدل على أن إبراز الصغيرات دون البلوغ‬
‫كان شي ًئا مبا ًحا عندهم‪.‬‬
‫وبهذه الطريقة يعرف الناس أ َّن فًل انا لديه بنت للزواج‪ ،‬وهم يعرفونها‬
‫في صغرها‪ ،‬فيرغب أحدهم في تزويجها لولده‪ ،‬أو أن الصبي نفسه‬
‫وقعت تلك الفتاة في نفسه‪ ،‬فيجهز نفسه في الكبر لزواجه منها‪ ،‬وقد‬
‫يكون هذا من أبواب تقليل مفاسد الرؤية الكاسرة لقلوب الفتيات‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعويدهم سنة السالم‪:‬‬


‫ً‬
‫السالم هو التحية اإلسالمية بين المسلمين‪ ،‬والصغير يتعرض‬
‫للقاء الناس على اختالف مستوياتهم‪ ،‬فهو يحتاج ليتعرف على مفتاح‬
‫الكالم والتواصل معهم‪ .‬وهذا من التنشئة االجتماعية السوية الصحيحة‪،‬‬
‫لينتشر الود والمحبة بين الناس‪ ،‬كبيرهم وصغيرهم‪ ،‬فال يكون الصغير‬
‫الكبير يُسل ِّم عليه‪ ،‬فيتعلَّم سنة السالم‪،‬‬
‫َ‬ ‫منعزال عنهم‪ ،‬يرى‬
‫ً‬ ‫انطوائيا أو‬
‫ً‬
‫فيشب عليها ويطبقها‪.‬‬
‫وقد َّبوب البخاري لهذا في >صحيحه< بقوله‪> :‬باب التسليم على‬
‫الصبيان<(‪.)1‬‬
‫هذا أنس بن مالك ‪ ‬الخادم الصغير لرسول اهلل ‘‪ ،‬كان يمشي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪> )1‬صحيح البخاري< (‪ 32/11‬ــ مع الفتح)‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫معه فرآه يقابل الصبيان في الطرقات ُفيسل ِّم عليهم‪.‬‬


‫فشب والمشهد في رأسه ال يشيب‬ ‫رسخ الموقف في ذهن أنس‪َّ ،‬‬
‫يوما إذ لقي صبيا ًنا‬
‫وال يغيب‪ ،‬فبينما هو يمشي مع تلميذه ثابت البناني ً‬
‫في طريقه‪ ،‬فاستحضر مشهد رسوله ‘ فجاءت استجابته فورية؛ فإذا به‬
‫يلقي السالم على الصبيان!‬
‫ثم يلتفت إلى ثابت ويقول له‪> :‬كان النبي ‘ يفعله<(‪.)1‬‬
‫تدريب للصغار على‬
‫ٌ‬ ‫يقول ابن بطَّال‪> :‬فيه ــ أي‪ :‬في هذا الفعل ــ‬
‫تعليم السنن‪ ،‬ورياضة لهم على آداب الشريعة؛ ليبلغوا حد التكليف‬
‫وهم متأدبون بأدب اإلسالم<(‪.)2‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬عيادتهم في المرض‪:‬‬


‫مما يُساعد على بناء الروابط االجتماعية لألطفال‪ :‬عيادتهم إذا‬
‫مرضوا‪ ،‬فعندما يرى الطفل‪ ،‬وهو ال يزال في مرحلة الفطرة والصفاء‪،‬‬
‫ويتعود‬
‫َّ‬ ‫واحتراما لهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫أن الرجال الكبار يأتونه؛ فيزداد تراب ًطا معهم‪،‬‬
‫هذه العادة الحسنة‪ ،‬كما أنها ُتخ ِّفف من آالمه وأسقامه‪ ،‬وإذا ما ُدعمت‬
‫بالدعاء له‪ ،‬وتوصيته بوصايا الخير والصبر؛ فإنها تؤتي أكلها كاملة مثمرة‬
‫بإذن اهلل(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)6247‬ومسلم (‪.)2168‬‬
‫(‪ )2‬ابن بطال‪> ،‬شرح صحيح البخاري< (‪.)27/9‬‬
‫(‪ )3‬محمد نور بن عبد الحفيظ سويد‪> ،‬منهج التربية النبوية للطفل< (ص‪.)277/‬‬
‫‪156‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث األل واألصحاب‬

‫وقد َّبوب البخاري لهذا في >صحيحه< بقوله‪> :‬باب عيادة الصبيان<(‪.)1‬‬


‫هذه امرأة من آل بيته ‘‪ ،‬بل هي من بنات صاحب البيت‪ ،‬إنها‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ضا شدي ًدا يشفي بها على الموت‪،‬‬ ‫زينب ‪ ، ‬تمرض ابنتها مر ً‬
‫فتتلمس لها الزيارة‪ ،‬طم ًعا في دعوة صالحة‪ُ ،‬تش َفى بها البنت‪ ،‬أو ُتخفَّف‬
‫خيرا من‬
‫عنها بها آالم وسكرات الموت‪ ،‬إن حضر األجل‪ ،‬فلم تجد ً‬
‫أبيها لترسل إليه‪.‬‬
‫عدد من‬
‫تحرك النبي ‘ إليها‪ ،‬لكنه لم يذهب وحده‪ ،‬بل معه ٌ‬ ‫َّ‬
‫الصحابة‪ :‬سعد بن عبادة‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬وزيد بن‬
‫ثابت ‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬فحضروا الزيارة(‪ ،)4‬ونفع اهلل بدعاء نبيِّه الصبية‪،‬‬
‫و ُكتبت لها الحياة(‪!)5‬‬
‫فكيف أثَّر في نفسها بعد ذلك هذا المشهد من زيارة ج ِّدها وأصحابه‬
‫لها؟‬
‫وهذا أبو موسى األشعري ‪ ‬يسمع بمرض ابن أخيه الحسن بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫>صحيح البخاري< (‪ 118/10‬ــ مع الفتح)‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ورد التصريح باسمها عند ابن أبي شيبة (‪.)12123‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ورجح الحافظ في >فتح الباري< (‪)156/3‬‬‫في بعض الروايات >ابن< مكان >ابنة<‪ّ ،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أنها ابنة‪.‬‬
‫م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)1284‬ومسلم (‪ ،)923‬من حديث أسامة بن زيد‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬
‫ذكر ذلك الحافظ في >فتح الباري< (‪ )156/3‬وساق األدلة عليه‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪157‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫علي‬
‫علي بن أبي طالب؛ فيذهب لزيارته‪ ،‬وهو األكبر سنًّا‪ ،‬فيدخل ٌّ‬
‫قائال له‪> :‬ما غدا بك‬
‫عليه فيجده عنده‪ ،‬فيسأله عن سبب هذه الزيارة‪ً ،‬‬
‫أيها الشيخ؟<‬
‫فيجيبه أبو موسى‪> :‬سمعت بوجع ابن أخي‪ ،‬فأحببت أن أعوده<(‪.)1‬‬

‫راب ًعا‪ :‬اصطحابهم للحفالت المشروعة واألعراس‪:‬‬


‫من خصائص مرحلة الطفولة أن يكثر بها الفرح والمرح واللعب‪،‬‬
‫ومن المناسبات التي تكون مظنة لمثل هذا‪ :‬األفراح‪ ،‬والمناسبات‬
‫السعيدة‪ ،‬والدعوة إليها إنما ُتو َّجه في األصل للكبار‪ ،‬فإذا ما صحب‬
‫سبب إلدخال السرور عليهم‪ ،‬فتبتهج‬ ‫ٌ‬ ‫الكبار صغارهم إليها؛ فهذا‬
‫نفوسهم‪ ،‬وتتحرك مشاعرهم‪ ،‬و ُتص َقل اجتماعيتهم‪ ،‬و ُتو َّطد العالقات‬
‫بينهم وبين أبناء سنهم‪ ،‬ومن هم أكبر منهم‪ .‬وقد كان لهذا العامل‬
‫وافر في تربية الصحابة صغارهم‪.‬‬
‫نصيب ٌ‬
‫ٌ‬
‫البخاري في >صحيحه< لهذا بقوله‪> :‬باب ذهاب النساء‬
‫ُ‬ ‫وقد َّبوب‬
‫والصبيان إلى العرس<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سم‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح لغيره‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ )6767‬بإسناد فيه مبهم لم يُ َّ‬
‫لكن له طرق أخرى‪ ،‬عند أحمد (‪ ،)612‬والترمذي (‪ ،)969‬وغيرهما‪.‬‬
‫صححه األلباني في >السلسلة الصحيحة< (‪ ،)1367‬فانظر طرقه هناك‪.‬‬ ‫وقد َّ‬
‫(‪> )2‬صحيح البخاري< (‪ 248/9‬ــ مع الفتح)‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث األل واألصحاب‬

‫هؤالء نسوة من الصحابيات‪ُ ،‬دعين إلى عرس‪ ،‬فاصطحبن صغارهن‬


‫معهن‪ ،‬وفي طريق العودة الصغار فرحين مسرورين؛ فإذا بالنبي ‘‬
‫يراهم فيقوم إليهم‪ ،‬وأنس بن مالك ‪ ‬معه‪ ،‬يراقب تعليقه عليه الصالة‬
‫المقر‪ ،‬الراضي بصنيعهن‪ ،‬بل‬
‫ِّ‬ ‫والسالم على هذا الفعل‪ ،‬فإذا به تعليق‬
‫إنه ‘ تفاعل مع فرحتهن‪ ،‬فصرح لهم جمي ًعا بمكنون قلبه؛ فقال لهم‪:‬‬
‫>اللهم أنتم من أحب الناس إلي<(‪ .)1‬فيا لفرحة الصبيان المتضاعفة بعد‬
‫هذه الكلمة‪.‬‬

‫خام ًسا‪ :‬منحهم الحرية في اختيار أصدقائهم‪:‬‬


‫من السنن االجتماعية الثابتة بين الناس‪ :‬الصحبة والصداقة‪ ،‬فمن‬
‫طبيعة النفس البشرية أن ُتخالط الناس‪ ،‬وتتعرف عليهم‪ ،‬وتتخذ من‬
‫بينهم ثلة‪ ،‬تقترب منهم‪ ،‬وتعيش معهم حياة األخوة والصحبة والمحبة‪.‬‬
‫أخوة وصداقة؛‬
‫فإذا كان الصبي لن يعيش وحده‪ ،‬ويحتاج إلى َّ‬
‫فمن الجيد والمفيد أن يساعده والداه في اختيار هؤالء األصدقاء‪ ،‬وأن‬
‫يشيرا عليه‪ ،‬ال أن يعنفاه‪ ،‬ويبعدانه عن أبناء سنه؛ فمثل هذا ينشئه‬
‫منعزال منطو ًيا‪.‬‬
‫مر معنا فيما مضى مرور أنس بن مالك ‪ ‬على الصبيان وتسليمه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)5180‬ومسلم (‪.)2508‬‬
‫(‪ )1‬م َّت ٌ‬
‫‪159‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫عليهم(‪ ،)1‬وحكى أن مثل هذا وقع من رسول اهلل ‘‪ ،‬والذي يستوقفنا‬


‫في هذا المشهد اآلن‪ :‬كيف أن اآلباء يتركون صغارهم على حريتهم‪،‬‬
‫ليلهوا ويلعبوا مع أقرانهم‪ ،‬دون تضييق عليهم!‬
‫وكيف أن أن اسا ــ وغيره من الصحابة ــ يمر على الصبيان على حالتهم؛‬
‫فال يفزعهم‪ ،‬وال يخرجهم عن حالتهم من اللهو واللعب!‬
‫صا‬
‫وقد يتدخل الوالد في ذلك بشيء من التوجيه والنصح‪ ،‬حر ً‬
‫على ابنه‪ ،‬كما نصح زين العابدين الحسين بن علي‪ ،‬ابنه أبا جعفر‬
‫الباقر محمد بن علي‪ ،‬الذي نقل نصيحته بعد ذلك؛ فقال‪:‬‬
‫يوما‪> :‬ال تصحبن خمسة‪ ،‬وال تحادثهم‪ ،‬وال ترافقهم‬
‫قال لي أبي ً‬
‫في طريق<‪.‬‬
‫قلت‪ :‬جعلت فداك يا أبه‪ ،‬من هؤالء الخمسة؟‬
‫ُ‬
‫قال‪> :‬ال تصحبن فاسقا‪ ،‬فإنه بايعك بأكلة فما دونها<‬
‫قلت‪ :‬يا أبه! وما دونها؟‬
‫ُ‬
‫قال‪> :‬يطمع فيها ثم ال ينالها<‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يا أبه! ومن الثاني؟‬
‫ُ‬
‫قال‪> :‬ال تصحبن البخيل؛ فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه<‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ :‬تق َّدم تخريجه‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث األل واألصحاب‬

‫قلت‪ :‬يا أبه! ومن الثالث؟‬


‫ُ‬
‫قال‪> :‬ال تصحبن كذابا‪ ،‬فإنه بمنزلة السراب‪ ،‬يبعد منك القريب‪،‬‬
‫ويقرب منك البعيد<‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يا أبه! ومن الرابع؟‬
‫ُ‬
‫قال‪> :‬ال تصحبن أحمق‪ ،‬فإنه يريد أن ينفعك فيضرك<‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يا أبه! ومن الخامس؟‬
‫ُ‬
‫قال‪> :‬ال تصحبن قاطع رحم؛ فإني وجدته ملعونا في كتاب اهلل‬
‫تعالى في ثالثة مواضع<(‪.)1‬‬

‫ساد ًسا‪ :‬حرصهم على تكنيتهم من الصغر حتى ال ُيساء إليهم‬


‫بلقب‪:‬‬
‫وغالبا‬
‫ً‬ ‫األسماء واأللقاب هي عًلمة على الرجل في قومه ومجتمعه‪،‬‬
‫ما ينشأ الصغير عليها‪ ،‬فتالزمه بعد ذلك في حياته كظله‪ ،‬ومن هنا كان‬
‫من عادة العرب أن يُسرعوا بتكنية أوالدهم وهم صغار قبل البلوغ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه أبو نعيم في >حلية األولياء< (‪ 183/3‬ــ ‪ )184‬من طريق‬
‫محمد بن عبد اهلل الزبيري‪ ،‬عن أبي حمزة الثمالي‪ ،‬حدثني أبو جعفر محمد بن‬
‫علي؛ به‪.‬‬
‫وأبو حمزة هذا هو‪ :‬ثابت بن أبي صفية‪ ،‬قال عنه الحافظ في >التقريب< (‪:)818‬‬
‫>ضعيف<‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫والزواج‪ ،‬خو ًفا من أن يلصق بهم لقب من األلقاب قد يسيء إليهم‪.‬‬


‫ولذلك كان عبد اهلل بن عمر ‪ ‬يوصي اآلباء بقوله‪> :‬بادروا‬
‫أوالدكم بالكنى‪ ،‬قبل أن تغلب عليهم األلقاب<(‪.)1‬‬
‫وهذا أحد األئمة من آل البيت‪ ،‬يسير على هذا الهدي‪ ،‬فيكني‬
‫أوالده‪ ،‬ويوصي أصحابه بأن يكتنوا؛ إنه‪ :‬أبو جعفر الباقر محمد بن‬
‫علي بن الحسين‪:‬‬
‫يقول معمر بن خثيم‪ :‬قال لي أبو جعفر‪> :‬بمن ُتكنَّى؟<‬
‫قلت‪ :‬ما اكتنيت‪ ،‬وما لي من ولد‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال‪> :‬وما يمنعك من ذلك؟! إنا لنكني أوالدنا في الصغر مخافة‬
‫اللقب أن يلحق به‪ ،‬أنا أكنيك<‪ ،‬قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪> :‬أنت أبو محمد<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هذا األثر ُروي موقو ًفا ومرفو ًعا‪ :‬وتفصيل ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫أ َّما المرفوع‪ :‬فأخرجه ابن حبان في >المجروحين< (‪ ،)272/1‬وابن عدي في‬
‫>الكامل< (‪ ،)172/2‬وفي سنده‪ :‬حبيش بن دينار‪ ،‬قال عنه ابن حبان‪ :‬ال يجوز‬
‫االحتجاج به بحال‪ .‬والحديث حكم عليه األلباني في >السلسلة الضعيفة< (‪)1728‬‬
‫بأنه موضوع‪.‬‬
‫وأ َّما الموقوف‪ :‬فلم أقف عليه‪ ،‬لكن قال ابن عراق في >تنزيه الشريعة< (‪:)199/1‬‬
‫>قال ابن حجر في كتاب >األلقاب<‪ :‬سنده ضعيف‪ ،‬والصحيح عن ابن عمر قوله<‪.‬‬
‫فالحكم بالصحة عن ابن عمر؛ هو ترجيح ابن حجر‪.‬‬
‫(‪ )2‬إسناده حسن إلى معمر‪ :‬أخرجه الدوالبي في >الكنى< (‪ ،)1804‬من طريق أبي‬
‫=‬ ‫معمر سعيد بن خثيم‪ ،‬عن أخيه معمر بن خثيم؛ به‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث األل واألصحاب‬

‫ولهذه التكنية في الصغر آثار حميدة نافعة‪ ،‬وفوائد تربوية عظيمة؛‬


‫منها‪:‬‬
‫ــ تنمية شعور التكريم واالحترام في نفسية الصغير‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وال أُل ِّقبــــــه والســــــوأة اللقبــــــا‬ ‫أُكن ِّيــــه حــــين أُناديــــه ألكرمــــه‬
‫ــ تنمية شخصيته االجتماعية‪ ،‬الستشعاره أنه بلغ مرتبة الكبار‪،‬‬
‫وسن االحترام‪.‬‬
‫ــ تعويده أدب الخطاب للكبار‪ ،‬ولمن كان في سنه من الصغار(‪.)1‬‬

‫ساب ًعا‪ :‬القسمة لهم من بيت المال‪ ،‬واحتساب نفقة لهم‪:‬‬


‫من أكثر األشياء التي ُتشعر الصغير بذاته في المجتمع‪ ،‬أن يُجعل‬
‫حق وعطاء‪ ،‬كما يُجعل للبالغين‪ ،‬ولو لم يكن بنفس القدر‪ .‬وهذا ما‬ ‫له ٌّ‬
‫كان عمر بن الخطاب ‪ ‬يفعله مع الصغار في عهده وخالفته‪.‬‬
‫يقول عبد اهلل بن عمر‪ :‬كان عمر ال يفرض ألحد حتى يبلغ‬
‫ويحتلم إال مائة درهم‪ ،‬وكان ال يفرض لمولود حتى يفطم‪ ،‬فبينا هو‬
‫يطوف ذات ليلة بالمصلى بكى صبي‪ ،‬فقال ألمه‪> :‬أرضعيه<‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وأبو معمر هذا حكم عليه الحافظ في >التقريب< (‪ )2296‬بأنه صدوق‪ .‬وأما أخوه‬
‫معمر‪ :‬فقد ترجم له البخاري في >التاريخ الكبير< (‪ )379/7‬وأثبت له السماع من‬
‫أبي جعفر‪.‬‬
‫(‪ )1‬عبد اهلل ناصح علوان‪> ،‬تربية األوالد في اإلسالم< (‪.)88/1‬‬
‫‪163‬‬
‫التربية االجتماعية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫إن أمير المؤمنين ال يفرض لمولود حتى يُفطم‪ ،‬وإني قد فطمته‪ ،‬فقال‬
‫عمر‪> :‬إن كدت ألن أقتله! أرضعيه‪ ،‬فإن أمير المؤمنين سوف يفرض‬
‫له‪ ،‬ثم فرض بعد ذلك للمولود حين يولد<(‪.)1‬‬
‫عمر للمولود‪ ،‬وللصبي قبل أن يبلغ‪ ،‬فكان لهذا أثره على‬
‫ف َف َرض ُ‬
‫الصغير‪ ،‬ووالديه‪ ،‬والمجتمع‪.‬‬

‫* وأخي ًرا‪:‬‬
‫إن هذه األساليب والوسائل التي ُذكرت هنا ــ وغيرها مما لم‬
‫صحي االجتماعية‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫يُذ َكر ــ قد أسهمت بشكل واض ٍح في إخراج جيل‬
‫بعي ًدا إلى حد كبي ٍر عن آفات كثي ٍر من المجتمعات المعاصرة‪ ،‬التي تنحو‬
‫تقصيرا!‬
‫ً‬ ‫نحو أحد طرفي المعادلة الصحيحة؛ إما ُغلُ ًّوا‪ ،‬أو‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪.)9717‬‬
‫‪164‬‬
‫َّ ْ َ ُ َ َ َّ‬
‫التر ِبية ابلد ِبية‬
‫قبس نبوي‬

‫ٌََ ََ‬
‫قبس نبوي‬

‫كانت رسالة نبينا محمد ‘ هي الخاتمة‪ ،‬وألنها الخاتمة فقد‬


‫جاءت كاملة وشاملة‪ ،‬ومن جوانب شمولها‪ :‬أنها لم تهتم بالتزكية‬
‫النفسية واإلصالح القلبي فحسب‪ ،‬بل امتدت لتشمل الناحية الجسدية‬
‫بالعناية‪ ،‬وفي عموم قوله عليه الصالة والسالم‪> :‬المؤمن القوي خير‬
‫كل خير<(‪ )1‬ما ُّ‬
‫يدل على هذا‬ ‫وأحب إلى اهلل من المؤمن الضعيف‪ ،‬وفي ٍّ‬
‫ُّ‬
‫المعنى‪.‬‬
‫قال النووي‪> :‬المراد بالقوة هنا‪ :‬عزيمة النفس والقريحة في أمور‬
‫إقداما على العدو في الجهاد‪،‬‬
‫اآلخرة‪ ،‬فيكون صاحب هذا الوصف أكثر ً‬
‫وأسرع خرو ًجا إليه‪ ،‬وذها ًبا في طلبه‪ ،‬وأشد عزيمة في األمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬والصبر على األذى في كل ذلك‪ ،‬واحتمال المشاق‬
‫في ذات اهلل تعالى‪ ،‬وأرغب في الصالة‪ ،‬والصوم‪ ،‬واألذكار‪ ،‬وسائر‬
‫طلبا لها‪ ،‬ومحافظ ًة عليها‪ ،‬ونحو ذلك<(‪.)2‬‬
‫العبادات‪ ،‬وأنشط ً‬
‫شك أن قوة البدن مما يُعين اإلنسان على الطاعة‪ ،‬مع قوة‬
‫وال َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪> )1‬صحيح مسلم< (‪ ،)2664‬من حديث أبي هريرة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬النووي‪> ،‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج< (‪.)215/16‬‬
‫‪167‬‬
‫قبس نبوي‬

‫اإليمان‪ ،‬والمسألة مفروضة في حالة تساوي المنسوب اإليماني؛ ُفتصبح‬


‫القوة البدنية مصدر عون زائد لصاحبها‪.‬‬
‫وقد اهتم النبي ‘ بص َّحة الجنين‪ُ ،‬مذ كان في بطن أمه‪ ،‬فأمر بقتل‬
‫يوما‬
‫بعض أنواع الحيات‪ ،‬ألنها تصيب الحمل بالسوء وتسقطه؛ فقال ً‬
‫الحيات‪ ،‬واقتلوا ذا ال ُّط ْف َي َت ْين(‪ ،)1‬واألبتر(‪ ،)2‬فإنهما‬
‫على منبره‪> :‬اقتلوا َّ‬
‫الح َبل(‪.)4(<)3‬‬
‫يطمسان البصر‪ ،‬ويستسقطان َ‬
‫ومن هذا الباب من االهتمام‪ :‬ترخيصه ‘ للحامل والمرضع في‬
‫اإلفطار في رمضان(‪ ،)5‬وفي ذلك عون لهما على تغذية الطفل والجنين‪.‬‬
‫ومن رعايته ‘ بتغذية الصغار والحفاظ على صحتهم‪ :‬ما كان‬
‫يقوم به من التبريك عليهم‪ ،‬وتحنيكهم(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تثنية طُفية‪ ،‬وهي نوع خبيث من الحيات‪ ،‬في ظهره خطان أبيضان‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫األبتر‪ :‬مقطوع الذنب‪ ،‬وزاد النضر بن شميل‪ :‬أنه أزرق اللون‪ ،‬ال تنظر إليه الحامل‬ ‫(‪)2‬‬
‫إال ألقت‪.‬‬
‫غالبا ــ‪.‬‬
‫قيل‪ :‬معناه أن المرأة الحامل إذا نظرت إليهما وخافت؛ أسقطت الحمل ــ ً‬ ‫(‪)3‬‬
‫فق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)3297‬ومسلم (‪ ،)2233‬من حديث عبد اهلل بن‬ ‫م َّت ٌ‬ ‫(‪)4‬‬
‫عمر ‪.‬‬
‫أخرج أحمد (‪ ،)19047‬وابن ماجه (‪ ،)1667‬وأبو داود (‪ ،)2408‬والترمذي‬ ‫(‪)5‬‬
‫وحسنه ــ والنسائي (‪)2315‬؛ من حديث أنس بن مالك رجل من بني‬ ‫(‪ )715‬ــ َّ‬
‫عبد األشهل أن رسول اهلل ‘ قال‪> :‬إن اهلل ‪ ‬وضع عن المسافر شطر الصالة‪،‬‬
‫وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم‪ ،‬أو الصيام<‪.‬‬
‫حسن صحيح<‪.‬‬ ‫وحكم عليه األلباني في >صحيح سنن أبي داود< (‪ )169/7‬بأنه‪ٌ > :‬‬
‫>صحيح مسلم< (‪ )286‬من حديث عائشة ‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫‪168‬‬
‫قبس نبوي‬

‫وقد أثبت الطب الحديث ما في هذا التحنيك(‪ )1‬من تغذية للمولود‪،‬‬


‫ونف ٍع صحي له(‪.)2‬‬
‫ضا‪ ،‬والرقية‬
‫كما كان ‘ يلتمس للصغار الدواء إذا رأى بهم مر ً‬
‫إذا رأى بهم عي ًنا أو حس ًدا‪ ،‬فلكل حالة ما يخصها من الدواء‪.‬‬
‫بعد وفاة جعفر بن أبي طالب ‪ ،‬كان ‘ يتفقَّد أحوال أبنائه‪،‬‬
‫فأحس فيها بالضعف والمرض‪ ،‬فسأل‬‫َّ‬ ‫فرآهم ذات يوم وأجسادهم نحيفة‪،‬‬
‫َّأمهم أسماء بنت عميس عن السبب؛ فقال لها‪> :‬ما لي أرى أجسام بني‬
‫أخي ضارعة؟! أتصيبهم الحاجة(‪)3‬؟<‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مضغ التمر‪ ،‬أو نحوه‪ ،‬ثم يدلك به حنك الصغير‪.‬‬ ‫(‪ )1‬التحنيك‪ :‬أن يُ َ‬
‫(‪ )2‬يقول الدكتور فاروق مساهل‪ ،‬في كتابه >تكريم اإلسالم لإلنسان<‪> :‬والتحنيكة‬
‫معجزة طبية للنبي ‘ لم تظهر الحكمة من ورائها إال حدي ًثا‪ ،‬فالطفل بعد والدته‬
‫يجد نفسه وقد انفصل عن أمه‪ ،‬وانقطع سيل الغذاء الجاهز إليه‪ ،‬فليلجأ لالعتماد‬
‫على ما استطاع جسمه تخزينه من الطعام ــ وهذا ليس بالكثير ــ أثناء حمله في رحم‬
‫أمه‪ ،‬لحين إفراز اللبن من ثدي والدته‪ ،‬ويستغرق إفراز اللبن وقت ًا متفاوت ًا‪ ،‬من ‪ 1‬ــ ‪3‬‬
‫أيام‪ ،‬وبما أن نشاط أجهزة الجسم عند المولود تكون في قمتها‪ ،‬في محاولة لمالءمة‬
‫الوضع الجديد‪ ،‬فإن المخزون في جسمه يستهلك بسرعة‪ ،‬وقد تنخفض تب ًعا لذلك‬
‫نسبة السكر في الدم‪ .‬وحيث أن الفترة الحرجة في إطعام الطفل تقع ما بين انتهاء‬
‫والدته‪ ،‬وبدء رضاعته‪ ،‬فإننا نجد في تكريم المولود على يدي النبي ‘‪ ،‬بتحنيكه‬
‫بالتمر الممتلئ بالسكر‪ ،‬والذي يمتص في عروقه‪ ،‬فيحافظ على مستوى السكر في‬
‫دمه لحكمة كبيرة<‪ .‬ومن هنا تتضح األهمية العظمى للتحنيك في تغطية هذه الفجوة‬
‫في تغذية المولود‪ ،‬بين والدته وبدء رضاعته من ثدي أمه‪.‬‬
‫(‪ )3‬يعني‪ :‬هل سبب هذا الفقر وقلة الطعام وغيره‪ ،‬ألن اليتم محل لذلك‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫قبس نبوي‬

‫قالت‪ :‬ال‪ ،‬ولكن العين تسرع إليهم‪ ،‬قال‪> :‬ارقيهم<‪.‬‬


‫فعرضت عليه‪ ،‬فقال‪> :‬ارقيهم<(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫قالت‪:‬‬
‫على الجانب الموازي لهذا‪ :‬راعى النبي ‘ عاطفة األطفال ونفسيتهم‪،‬‬
‫فإذا به يقبِّل الصبيان‪ ،‬ويستنكر حال هؤالء الذين ال يمدون أطفالهم‬
‫بهذا الجانب العاطفي المهم‪.‬‬
‫أبو هريرة ‪ ‬حضر هذه الواقعة‪ ،‬ورأى المشهد فنقله؛ قال‪َّ :‬قبل‬
‫رسول اهلل ‘ الحسن بن علي‪ ،‬وعنده األقرع بن حابس التميمي‬
‫جال ًسا‪ ،‬فقال األقرع‪ :‬إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أح ًدا‪ ،‬فنظر‬
‫إليه رسول اهلل ‘ ثم قال‪> :‬من ال يرحم ال يرحم<(‪.)2‬‬
‫شك أن لهذه القبلة دو ًرا ف َّع ًاال في تحريك مشاعر الطفل‬
‫وال َّ‬
‫وعاطفته‪ ،‬إضافة إلى الشعور باالرتباط الوثيق في تشييد عالقة الحب بين‬
‫الكبير والصغير‪ ،‬وهي دليل رحمة القلب لهذا الصغير الناشئ‪ ،‬والنور‬
‫الساطع الذي يبهر فؤاده‪ ،‬ويشرح نفسه‪ ،‬ويزيد من تفاعله مع من حوله(‪.)3‬‬
‫بل في مشهد عظي ٍم يبيِّن رعايته ‘ لمشاعر هؤالء الصغار‪،‬‬
‫يؤتى ‘ بشراب‪ ،‬فيشرب منه‪ ،‬وعن‬ ‫وإشعارهم بقدرهم أمام الكبار‪َ ،‬‬
‫علمهم أن يبدؤوا‬
‫يمينه غالم أصغر القوم‪ ،‬وعن يساره أشياخ‪ ،‬وكان قد َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪> )1‬صحيح مسلم< (‪ )2918‬من حديث جابر بن عبد اهلل ‪.‬‬
‫(‪ )2‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)5997‬ومسلم (‪.)2318‬‬
‫(‪ )3‬محمد نور بن عبد الحفيظ سويد‪> ،‬منهج التربية النبوية للطفل< (ص‪.)310/‬‬
‫‪170‬‬
‫قبس نبوي‬

‫ضا أن ينزل الكبير منزلته‪ ،‬فراعى النبي ‘‬ ‫باليمين‪ ،‬ولكنه يريد أي ً‬


‫مشاعر الغالم‪ ،‬فقال له‪> :‬يا غالم! أتأذن لي أن أعطي هؤالء األشياخ؟<‬
‫فإذا بالغالم يستأثر لنفسه بحقه‪ ،‬ويرفض طلب النبي ‘ بأدب؛‬
‫فيقول‪ :‬ال واهلل‪ ،‬ال أوثر بنصيبي منك أح ًدا يا رسول اهلل!‬
‫حقيقيا‪ ،‬ال ــ كما يفعل البعض ــ‬
‫ًّ‬ ‫ولما كان استئذانه ‘ من الغالم‬
‫صوريا؛ فقد أجاب طلب الغالم‪ ،‬وأعطاه الشراب(‪!)1‬‬‫ًّ‬
‫على مثل هذه التصرفات من المراعاة للبناء العاطفي‪ ،‬وقبله الجسدي؛‬
‫تربَّى صغار الصحابة في حضور آبائهم‪ ،‬فواصل هذه التربية اآلباء‪،‬‬
‫صور من هذه النماذج‬‫ٌ‬ ‫ونهض بها بعد البلوغ والكبر األبناء‪ ،‬وفيما يلي‬
‫في تربيتهم لصغارهم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬م َّتفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)2351‬ومسلم (‪ ،)2030‬من حديث سهل بن سعد‬
‫‪.‬‬
‫‪171‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫الرتبية ابلدنية يف تراث اآلل واألصحاب‬

‫نقصد بالتربية البدنية هنا نوعين من التربية‪ ،‬يكمل أحدهما اآلخر؛‬


‫وهما‪ :‬التربية الجسدية الصحية‪ ،‬والتربية النفسية العاطفية‪ ،‬أي‪ :‬إصالح‬
‫الجسد‪ ،‬وإصالح النفس م ًعا‪.‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬الرتبية اجلسدية‬
‫عرف التربية الجسدية بأنها‪> :‬ذلك النشاط الذي تقوم به التربية‬ ‫ُت َّ‬
‫في سبيل تنمية الجسم تنمية سليمة‪ ،‬في إطار تكوين الشخصية‬
‫المتكاملة‪ ،‬والمتوازنة‪ ،‬والعابدة هلل تعالى<(‪.)1‬‬
‫ضا بأنها‪> :‬العناية بكل ما يؤدي إلى صحة البدن‪،‬‬
‫عرف أي ً‬
‫كما ُت َّ‬
‫وصحة العقل ذاته‪ ،‬وإلى صيانتهما من األضرار والضعف<(‪.)2‬‬
‫وقد بدأ الصحب واآلل العناية بهذا النوع من التربية من وقت‬
‫مبكِّر‪ ،‬اقتدا ًء بنبيهم ‘‪ ،‬ونستطيع تلمس تلك العناية من خالل المظاهر‬
‫التالية‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬علي خليل أبو العينين‪> ،‬فلسفة التربية اإلسالمية في القرآن الكريم< (ص‪.)167/‬‬
‫(‪ )2‬أمين مرسي قنديل‪> ،‬أصول التربية وفن التدريس< (ص‪.)31/‬‬
‫‪172‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ترخيصهم للحامل والمرضع في اإلفطار في رمضان‪:‬‬


‫وهذا اإلفطار فيه نو ٌع من العناية الصحيحة بالصغير‪ ،‬جني ًنا كان أو‬
‫غذى الطفل‪ ،‬وبنقص غذائها وضررها يتضرر‬ ‫رضي ًعا‪ ،‬إذ بغذاء األم يُ َّ‬
‫الطفل‪ ،‬وممن كان ينصح أهله وغيرهم ويفتي بذلك‪:‬‬

‫‪ 1‬ــ عبد اهلل بن عباس ‪:‬‬


‫س يأمر وليدة له حبلى أن تفطر له في شهر رمضان‪،‬‬‫عبا ٍ‬
‫كان ابن َّ‬
‫ويقول لها‪> :‬أنت بمنزلة الكبير ال يطيق الصيام‪ ،‬فأفطري‪ ،‬وأطعمي عن‬
‫كل يوم نصف صاع من حنطة<(‪.)1‬‬

‫‪ 2‬ــ عبد اهلل بن عمر ‪:‬‬


‫كان ابن عمر يقول‪> :‬الحامل إذا خشيت على نفسها في رمضان‬
‫تفطر‪ ،‬وتطعم‪ ،‬وال قضاء عليها<(‪.)2‬‬

‫حلقهم شعر المولود في اليوم السابع‪:‬‬


‫وهذا الصنيع منهم كان بتوجيه نبوي منه ‘؛ إذ قال‪ُ > :‬ك ُّل غالم‬
‫سمى<(‪.)3‬‬ ‫ويحلَق رأسه‪ ،‬ويُ َّ‬
‫مرتهن بعقيقته‪ ،‬تذبح عنه يوم السابع‪ُ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪.)7567‬‬
‫(‪ )2‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪.)7561‬‬
‫(‪ )3‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه أحمد (‪ ،)20139‬وابن ماجه (‪ ،)3165‬وأبو داود‬
‫(‪ ،)2837‬والترمذي (‪.)1522‬‬
‫‪173‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫أهل بيته‪ ،‬ومنهم‪ :‬ابنته فاطمة ‪.‬‬


‫طبق هذا الهدي‪ُ :‬‬
‫أحق من َّ‬
‫وكان َّ‬
‫يقول أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين‪ :‬كانت فاطمة‬
‫فحلِق‪ ،‬ثم تصدقت‬
‫ابنة رسول اهلل ‘ >ال يولد لها ولد إال أمرت به‪ُ ،‬‬
‫بوزن شعره‪ ،‬و ِر ًقا<(‪.)1‬‬
‫ولهذا الحلق في هذا التوقيت فائدة صحية للمولود‪ ،‬ذكرها ابن‬
‫القيم؛ فقال‪:‬‬
‫ِّ‬
‫>وكان حلق رأسه إماطة األذى عنه‪ ،‬وإزالة الشعر الضعيف ليخلفه‬
‫شعر أقوى وأمكن منه وأنفع للرأس‪ ،‬ومع ما فيه من التخفيف عن‬
‫الصبي‪ ،‬وفتح مسام الرأس ليخرج البخار منها بيسر وسهولة‪ ،‬وفي ذلك‬
‫وشمه‪ ،‬وسمعه<(‪.)2‬‬‫تقوية بصره‪ِّ ،‬‬

‫تعويذهم الصغار بالرقى والمعوذات؛ لدفع العين والحسد عنهم‪:‬‬


‫كما أن األدواء تختلف‪ ،‬فكذلك األدوية والعًلج‪ ،‬ومن هذه األدواء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح إلى أبي جعفر‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)7974 ،7973‬وابن أبي‬
‫شيبة (‪.)24258‬‬
‫وأبو جعفر لم يدرك فاطمة‪ ،‬فلعله أخذه عن أحد آل بيته‪.‬‬
‫وأخرجه البيهقي (‪ )511/9‬بإسناد صحيح من طريق جعفر الصادق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫جده؛ به‪ ،‬فزاد في اإلسناد جده‪ :‬زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي‬
‫فيصحح األثر به إن شاء اهلل‪.‬‬
‫َّ‬ ‫يقوي االحتمال السابق‪،‬‬
‫طالب‪ ،‬وهذا ِّ‬
‫(‪ )2‬ابن القيم‪> ،‬تحفة المودود بأحكام المولود< (ص‪.)71/‬‬
‫‪174‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫التي يُصاب بها الصغار‪ :‬داء العين والحسد! وذلك لما يحبوهم اهلل به من‬
‫جمال خلقة‪ ،‬أو بهاء طلعة‪ ،‬أو ُحسن نطق‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬مع ضعف‬
‫تحصينهم أنفسهم‪ ،‬إذ هم ال يحفظون األذكار‪ ،‬وال يحسنون الرقى‪،‬‬
‫وهنا يتدخل اآلباء في محاولة لدفع هذا الداء عنهم‪.‬‬
‫س هذا الفصل‪ :‬أن أسماء بنت عميس كانت‬
‫وقد َّمر معنا في قَ َب ِ‬
‫ترقي صغارها‪ ،‬لدفع العين عنهم‪.‬‬
‫وكان هناك من الصحابة وآل البيت من يختارون طريقة أخرى لدفع‬
‫هذا الداء عن الصغار‪ ،‬وهي‪ :‬تعليق التعاويذ‪ ،‬أو آيات القرآن عليهم‪.‬‬
‫ومن هؤالء‪:‬‬

‫‪ 1‬ــ عبد اهلل بن عمرو بن العاص‪:‬‬


‫عن عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده (ابن عمرو)‪ ،‬قال‪ :‬كان‬
‫رسول اهلل ‘ يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع‪> :‬بسم اهلل‪،‬‬
‫أعوذ بكلمات اهلل التامات‪ ،‬من غضبه وعقابه‪ ،‬وشر عباده‪ ،‬ومن همزات‬
‫الشياطين‪ ،‬وأن يحضرون<‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكان عبد اهلل بن عمرو‪> :‬يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها‬
‫عند نومه‪ ،‬ومن كان منهم صغيرا ال يعقل أن يحفظها كتبها له فعلقها في‬
‫عنقه<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في إسناده ضعف‪ :‬أخرجه أحمد (‪ ،)6696‬وأبو داود (‪ ،)3893‬والترمذي=‬
‫‪175‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫‪ 2‬ــ أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين‪:‬‬


‫كتب القرآ ُن في أديم‪ ،‬ثم يعل ِّقه‪.‬‬
‫كان أبو جعفر ال يرى بأ ًسا أن يُ َ‬
‫فرخص فيه<(‪.)1‬‬
‫وفي لفظ‪ :‬أنه سئل عن التعويذ يُعلَّق على الصبيان‪َّ > ،‬‬

‫تعليمهم الرياضة التي تناسبهم‪ ،‬وتقوي مهاراتهم؛ مثل‪ :‬السباحة‪،‬‬


‫والرمي‪:‬‬
‫هناك بعض الرياضات يحسن تعليمها في الصغر؛ إما لصعوبة‬
‫مبكرا مع الممارسة يكسب صاحبها‬
‫تعلمها في الكبر‪ ،‬وإما ألن تعلمها ً‬
‫براعة فيها‪ ،‬إضافة إلى تقوية الجسد‪ ،‬ومثال األولى‪ :‬السباحة‪ ،‬ومثال‬
‫الثانية‪ :‬الرمي‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ السباحة‪:‬‬
‫يوما مع عبد الملك بن مروان‪ ،‬فيخبره زياد‬
‫يجلس زياد بن جارية ً‬
‫عن بعض وصايا عمر بن الخطاب ‪ ‬في شأن الصبيان‪ ،‬فكان مما‬
‫ذكره له‪ :‬أن عمر كتب إلى أمراء الشام أن يتعلموا الغرض‪ ،‬ويمشوا بين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫خشى من‬ ‫= (‪ ،)3528‬من طريق محمد بن إسحاق‪ ،‬عن عمرو؛ به‪ .‬وابن إسحاق يُ َ‬
‫تدليسه‪ ،‬ولم يرد التصريح بالسماع في شيء من طرق الحديث التي بين أيدينا؛ فاهلل‬
‫حسن غريب<‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حديث‬
‫ٌ‬ ‫حسن الترمذي الحديث؛ فقال‪> :‬هذا‬
‫أعلم بالصواب‪ .‬وقد َّ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)23551 ،23546‬وابن أبي الدنيا في‬
‫>العيال< (‪.)657‬‬
‫‪176‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫الغرضين حفاة‪> ،‬وعلموا صبيانكم الكتابة والسباحة<(‪.)1‬‬

‫‪ 2‬ــ الرمي‪:‬‬
‫لما أعلم النبي ‘ أصحابه بأهمية الرمي‪ ،‬وأنه مما يُستعد به‬
‫للجهاد في سبيل اهلل‪ ،‬إذ صعد المنبر أمامهم ذات يومٍ فقال‪{> :‬ﲥ‬

‫ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ}(‪ ،)2‬أال إن القوة الرمي‪ ،‬أال إن القوة الرمي‪ ،‬أال‬


‫إن القوة الرمي<(‪)3‬؛ منذ هذا الوقت حرص الصحابة على تعليم أوالدهم‬
‫الرمي‪ ،‬وتدريبهم عليه‪ .‬ومن هؤالء‪:‬‬
‫أ ــ سعد بن أبي وقاص ‪:‬‬
‫ني! تعلَّموا الرمي‪ ،‬فإنه خير‬
‫كان يوصي أبناءه؛ فيقول لهم‪> :‬يا بَ َّ‬
‫لعبكم<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)16198‬من طريق عبد الكريم بن أبي‬ ‫(‪)1‬‬
‫المخارق‪ ،‬عن زياد بن جارية؛ به‪.‬‬
‫وابن أبي المخارق قال عنه الحافظ في >التقريب< (‪> :)4156‬ضعيف<‪.‬‬
‫وله شاهد مرسل‪ ،‬سيأتي ذكره بعد قليل إن شاء اهلل‪.‬‬
‫سورة األنفال (‪.)60‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫>صحيح مسلم< (‪ )1917‬من حديث عقبة بن عامر ‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫إسناده صحيح‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)26317‬وأبو عوانة (‪ ،)6924‬والطبراني‬ ‫(‪)4‬‬
‫في >فضل الرمي وتعليمه< (‪ .)11‬وقد ُروي مرفو ًعا‪ ،‬وال يصح‪ ،‬واألثبت الوقف‪،‬‬
‫كما ذكر البزار في >البحر الزخار< (‪.)346/3‬‬
‫‪177‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ب ــ خالد بن الوليد ‪:‬‬


‫يقول قيس بن أبي حازم‪ :‬رأيت خالد بن الوليد يوم اليرموك يرمي‬
‫بين هدفين‪ ،‬ومعه رجال من أصحاب محمد ‘‪ ،‬وقال‪> :‬أُمرنا أن‬
‫نعلمه أوالدنا‪ :‬الرمي‪ ،‬والقرآن<(‪.)1‬‬
‫وكان عمر بن الخطاب ‪ ‬يكتب إلى أهل الشام‪ْ > :‬أن عل ِّموا‬
‫أوالدكم السباحة‪ ،‬والرمي‪ ،‬والفروسية<(‪.)2‬‬
‫ومثل هذه الوسائل التي فيها لعب وترفيه عن الصغير ال بُ َّد له منها‪،‬‬
‫فهي نافعة لجسده‪ ،‬ومذهبة للملل عن روحه ونفسه‪.‬‬
‫يقول الغزالي‪> :‬وينبغي أن يُؤ َذن له ــ أي‪ :‬للصغير ــ بعد االنصراف‬
‫جميال‪ ،‬يستريح إليه من تعب المكتب‪ ،‬بحيث‬ ‫ً‬ ‫لعبا‬
‫من الكتاب أن يلعب ً‬
‫ال يتعب في اللعب‪ ،‬فإن َمن َع الصبي من اللعب‪ ،‬وإرهاقه إلى التعلم‬
‫دائ ًما؛ يميت قلبه‪ ،‬ويبطل ذكاءه‪ ،‬وينغص عليه العيش‪ ،‬حتى يطلب‬
‫الحيلة في الخالص منه رأ ًسا<(‪!)3‬‬
‫كما أ َّن عدم قيام الصغير بالرياضة يؤدي ــ أحيا ًنا ــ إلى مخاطر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه الطبراني في >المعجم الكبير< (‪/4‬رقم ‪ )3837‬من طريق‬
‫المنذر بن زياد‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪ ،‬عن قيس؛ به‪.‬‬
‫والمنذر هذا ضعيف‪ ،‬كما في ترجمته في >لسان الميزان< (‪.)152/8‬‬
‫القراب في >فضائل الرمي< (‪ )15‬من طريق مكحول‬
‫(‪ )2‬إسناده ضعيف‪ :‬أخرجه إسحاق َّ‬
‫الدمشقي‪ ،‬أن عمر بن الخطاب؛ به‪ .‬وهذا مرسل‪ ،‬فمكحول لم يدرك عمر!‬
‫(‪ )3‬الغزالي‪> ،‬إحياء علوم الدين< (‪.)73/3‬‬
‫‪178‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫جمة‪ ،‬ال تلبث أن تنمو وتكبر‪ ،‬حتى تظهر في الحال‪ ،‬أو المستقبل في‬
‫أي شك ٍل من أشكال الهزال الجسدي‪ ،‬أو االنهيار الدخلي‪ ،‬والنفسي(‪.)1‬‬
‫إال أنه ينبغي الحذر من أن يفضي بهم هذا اللعب والترفيه‪ ،‬ولو‬
‫كان الرمي الذي أُمر الصحابة بتعليمه أبناءهم‪ ،‬إلى ارتكاب محرم!‬
‫عندها ال بد من التدخل واإلرشاد‪ ،‬كما فعلوا‪.‬‬
‫وتق َّدم معنا أن عبد اهلل بن عمر َّمر ذات يوم بفتيان من قريش قد نصبوا‬
‫طيرا‪ ،‬وهم يرمونه‪ ،‬وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم‪ ،‬فلما‬ ‫ً‬
‫رأوا ابن عمر تفرقوا‪ ،‬فقال ابن عمر‪> :‬من فعل هذا؟ لعن اهلل من فعل‬
‫هذا‪ ،‬إن رسول اهلل ‘ لعن من اتخذ شي ًئا فيه الروح غرضا<(‪.)2‬‬

‫خاصة في الصغر‪:‬‬
‫تعويدهم النوم المبكر‪ ،‬وعدم السهر‪َّ ،‬‬
‫ُتشير عدد من الدراسات الطبية المعاصرة إلى أن للسهر أضرا ًرا‬
‫على صحة اإلنسان‪ ،‬خاصة الصغار‪ ،‬وأنه يؤثِّر على مناعتهم‪ ،‬وعلى‬
‫نموهم كذلك(‪.)3‬‬
‫ِّ‬
‫القيم ــ قدي ًما ــ إلى ضرر االستعاضة بنوم النهار‬
‫وقد أشار ابن ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد نور بن عبد الحفيظ سويد‪> ،‬منهج التربية النبوية للطفل< (ص‪.)343/‬‬
‫(‪> )2‬صحيح مسلم< (‪.)1958‬‬
‫(‪ )3‬مقال عن السهر وأضراره‪ ،‬على هذا الرابط‪:‬‬
‫‪http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=143358‬‬

‫‪179‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫عن نوم الليل؛ فقال‪:‬‬


‫>ونوم النهار رديء يورث األمراض الرطوبية والنوازل‪ ،‬ويفسد‬
‫اللون‪ ،‬ويورث الطحال‪ ،‬ويرخي العصب‪ ،‬ويكسل‪ ،‬ويضعف الشهوة؛‬
‫إال في الصيف وقت الهاجرة‪ ،‬وأردؤه نوم أول النهار‪ ،‬وأردأ منه النوم‬
‫آخره بعد العصر‪ ،‬ورأى عبد اهلل بن عباس اب ًنا له نائ ًما نومة الصبحة‪،‬‬
‫فقال له‪> :‬قم‪ ،‬أتنام في الساعة التي تقسم فيها األرزاق؟!<<(‪.)1‬‬
‫ونصيحة عبد اهلل بن عباس ‪ ‬البنه في وقت النوم‪ ،‬أوردها‬
‫مطولة؛ فقال‪:‬‬
‫مفصلة َّ‬
‫السخاوي َّ‬
‫ابن عباس بابنه الفضل وهو نائم نومة الضحى فركضه برجله‪،‬‬ ‫> َّمر ُ‬
‫وقال‪> :‬قم‪ ،‬إنك لنائم الساعة التي يقسم اهلل فيها الرزق لعباده‪ .‬أوما‬
‫سمعت ما قالت العرب فيها؟<‬
‫قال‪ :‬وما قالت العرب يا أبت؟‬
‫قال‪> :‬زعمت أنها مكسلة‪ ،‬مهرمة‪ ،‬مقساة للحاجة‪.‬‬
‫ثم يا بني نوم النهار على ثالثة‪ :‬نوم محق؛ وهي نومة الضحى‪،‬‬
‫ونومة الخلق؛ وهي التي روي‪ :‬قيلوا فإن الشياطين ال تقيل‪ ،‬ونومة‬
‫الخرق؛ وهي نومة بعد العصر‪ ،‬ال ينامها إال سكران‪ ،‬أو مجنون<<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن القيم‪> ،‬زاد المعاد<‬
‫=‬ ‫(‪ )2‬السخاوي‪> ،‬المقاصد الحسنة< (ص‪.)418/‬‬
‫‪180‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫والسلف‪ :‬نجد أن عادتهم‬


‫ومن خًلل النظر في سير الصحب واآلل َّ‬
‫في تربية صغارهم؛ التعويد على النوم مبك ًِّرا‪ ،‬وعدم تعويدهم السهر‪.‬‬
‫ويدل على ذلك‪:‬‬
‫أخر العشاء ذات ليلة عن وقتها‪ ،‬حتى دخل ثلث‬ ‫بي ‘ لما َّ‬‫أن النَّ َّ‬
‫الليل األول‪ ،‬وكان الصحابة نساؤهم وصغارهم ينتظرونه في المسجد‪،‬‬
‫أراد عمر أن يُعلمه ‘ بمشقة ذلك عليهم‪ ،‬وتأخر الوقت عن المعتاد؛‬
‫فنادى وقال‪> :‬يا رسول اهلل! نام النساء والصبيان<(‪!)1‬‬
‫دليل على ما اعتاد عليه الصغار‪ ،‬وأن اآلباء لم‬
‫ففي قول عمر ٌ‬
‫يثنوهم عن عادتهم‪ ،‬ولو كان ذلك ألجل انتظار صالة العشاء المتأخرة‪.‬‬
‫بالطبع لم تكن لديهم األبحاث المعاصرة التي تنبئ عن خطورة‬
‫السهر‪ ،‬إنما كانت نظرتهم إلى أمو ٍر أخرى؛ كالمحافظة على صالة‬
‫الصبحة‪ ،‬كما أن‬
‫الصبح في وقتها‪ ،‬والحفاظ على ذكر اهلل في جلسة ُ‬
‫أعمالهم كانت نها ًرا‪.‬‬
‫وأكثر هذه األسباب ال يزال إلى اآلن قائ ًما‪ ،‬فإن أُضيف إليه ما‬
‫الطب الحديث من ضرر للسهر؛ تأكَّد أهمية هذا األمر في تربية‬ ‫ُّ‬ ‫أثبته‬
‫الصغار‪ ،‬وتعويدهم عليه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= قال السخاوي في أوله‪> :‬وفي رابع عشر المجالسة من جهة ابن األعرابي؛ قال<‬
‫فذكره‪ ،‬لكن بدون إسناد!‬
‫فق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)566‬ومسلم (‪ )638‬من حديث عائشة ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬م َّت ٌ‬
‫‪181‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬الرتبية انلفسية العاطفية‬
‫تكون‬ ‫ُتشك ُِّل العاطفة مساحة واسعة في نفس الصغير الناشئ‪ ،‬فهي ِّ‬
‫نفسه‪ ،‬وتبني شخصيته‪ ،‬ولذا إن أخذها بشكل متواز ٍن؛ خرج إنسا ًنا‬
‫سويًّا في مستقبله‪ ،‬بل في حياته كلها‪ ،‬وإن أخذها بغير ذلك ــ زياد ًة أو‬
‫نقصا ًنا ــ تشكَّلت لديه ُع َق ٌد ال ُتحمد عقباها‪ ،‬فكال طرفي األمور ذميم‪.‬‬
‫فالزيادة تجعله مدل َّ ًال‪ ،‬ال يقوم بتكاليف الحياة بجد ونشاط‪ ،‬ونقصانها‬
‫قاسيا عني ًفا على كل من حوله‪ ،‬ومن هنا‪ :‬فالبناء العاطفي له‬ ‫يجعله ً‬
‫أهمية خاصة في بناء نفس الصغير وتكوينه‪ ،‬وهذا البناء يلعب فيه الدور‬
‫األكبر‪ :‬الوالدان‪ ،‬إذ هما المصدر األساسي ألشعة العاطفة التي تبني‬
‫نفسه‪ ،‬وهما الركن الشديد الذي يأوي إليه‪ ،‬لينعم بحرارة العاطفة‪،‬‬
‫ونعمة األبوة واألمومة(‪.)1‬‬
‫وقد الحظ الشيخ محمد الخضر حسين الميل الذي يقع لبعض‬
‫اآلباء في هذا النوع من التربية في أحد طرفيه‪َّ ،‬‬
‫وحذر من الركون إليه‪،‬‬
‫مغبته وعاقبته؛ فقال‪:‬‬
‫وبين َّ‬
‫َّ‬
‫>ومن الناس من يدرك أن التقام األطفال لثدي التربية‪ ،‬مما يؤثر‬
‫في نفوسهم إصال ًحا عظي ًما‪ ،‬ولكن فرط الرأفة الذي ينشأ من التغالي‬
‫كثيرا‪ ،‬فيدفعهم عن مكافحة‬
‫في حبهم‪ ،‬يكسر من صالبة اآلباء شي ًئا ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد نور بن عبد الحفيظ سويد‪> ،‬منهج التربية النبوية للطفل< (ص‪.)310/‬‬
‫‪182‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫طباع أبنائهم الرديئة ومقاومتها بالتأديب‪ ،‬وينفض بهم ذلك اإلهمال إلى‬
‫التنقل في مراتع الشهوات الزائغة‪.‬‬
‫كال‪ ،‬هذه رأفة غير ممزوجة بحكمة‪ ،‬فالتنقل في مراتع الشهوات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫تتولد عنه نتائج وخيمة‪ ،‬تثير بين اآلباء واألبناء من النفرة والتباعد‬
‫بمقدار ما كان بينهما من الحنان والمقاربة‪ ،‬وتصير بهم إلى أن تضرسهم‬
‫أنياب االضطهاد‪ ،‬وتدوسهم أقدام االمتهان‪.‬‬
‫ال نريد بكراهة هذه الرأفة المفرطة أن يُفتك من الصبي سائر‬
‫إرادته‪ ،‬ويُسلب منه جميع عزائمه‪ ،‬كما يفعله الجاهلون بأساليب‬
‫اإلصالح والتهذيب‪ .‬إن ذلك مما يحول بينه وبين عزة النفس وما يتبعها‬
‫من قوة الجأش‪ ،‬وأصالة الرأي‪ ،‬واإلقدام على إرسال كلمة الحق عندما‬
‫يقتضيها المقام‪ ،‬فيكون ألعوبة بيد معاشريه‪ ،‬كالكرة المطروحة بينهم‬
‫يتلقفونه رِج ًال رِج ًال‪ ،‬أو آلة يستعملونها فيما يشتهون‪ ،...،‬التربية النافعة‬
‫أثرا لمحبة‪ ،‬يطفئ البأس شي ًئا من حرارتها‪ ،‬وصرامة تلطِّف‬ ‫ما كانت ً‬
‫الشفقة من شدتها‪ ،‬وهي التي يستوجب الوالدان دعاء الولد بقوله‪{ :‬ﲩ‬
‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ}(‪.)2(<)1‬‬
‫عود على بدء‪:‬‬
‫الصح ُب واآلل ما تحتاج إليه نفسية الصغير‪ ،‬فعملوا على‬
‫أدرك َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة اإلسراء (‪.)24‬‬
‫(‪ )2‬محمد الخضر حسين‪> ،‬السعادة العظمى< (ص‪.)10/‬‬
‫‪183‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫إشباعها‪ ،‬ويمكننا تلمس ذلك من خًلل مواقفهم التالية‪ ،‬والتي سنعرضها‬


‫بحسب احتياجات الصغير النفسية(‪)1‬؛ وهي‪:‬‬

‫الحاجة إلى المحبة‪:‬‬


‫وهذه من أهم الحاجات النفسية التي يسعى الصغير إلشباعها‪ ،‬فهو‬
‫يريد أن يشعر أنه مرغوب فيه‪ ،‬وأنه يُ ِح ُّب ويُ َح ُّب(‪ .)2‬وقد تف َّطن لها‬
‫الصحب واآلل‪ ،‬فأَولَوها حقها‪ ،‬كما سنرى‪.‬‬
‫الص ِّديق ‪ ‬من المسجد النبوي ذات يوم بعد‬ ‫يخرج أبو بكر ِّ‬
‫صالة العصر‪ ،‬وذلك بعد وفاة النبي ‘ بليال‪ ،‬أي أن أبا بكر اآلن هو‬
‫الخليفة‪ ،‬ومع أبي بكر يمشي علي بن أبي طالب ‪ ،‬فرأى أبو بكر‬
‫الحسن بن علي يلعب مع الصبيان‪ ،‬ففاجأه أبو بكر وأباه فحمل الصغير‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫على عاتقه‪ ،‬وقال‪> :‬بأبي‪ ،‬شبيه بالنبي ال شبيه بعلي<! وعلي يضحك ‪.‬‬
‫فكم من المحبة والود في هذا الفعل‪ ،‬الذي أظهره خليفة المسلمين‬
‫لصبي صغير‪ ،‬حتى حمله أمام أصحابه الصغار‪ ،‬وأمام والده!‬
‫وهذا خليفة الخليفة‪ ،‬أمير المؤمنين في زمانه‪ :‬عمر بن الخطَّاب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫استفدت بعض عناوين هذه االحتياجات من رسالة ماجستير للطالبة أسماء عبد اهلل‬ ‫ُ‬ ‫(‪)1‬‬
‫السلطان‪ ،‬بعنوان‪> :‬تربية الطفل في ضوء القرآن والسنة<‪ ،‬قُ ِّدمت لكلية التربية للبنات‬
‫بالرياض‪ ،‬وتم اعتمادها عام ‪1409‬هـ‪1989/‬م‪( ،‬ص‪ 74/‬ــ ‪.)81‬‬
‫(‪ )2‬حامد زهران‪> ،‬علم نفس النمو‪ ،‬الطفولة والمراهقة< (ص‪.)250/‬‬
‫(‪> )3‬صحيح البخاري< (‪ )3542‬من حديث عقبة بن الحارث ‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫‪ ،‬يهتم بهذه العاطفة ويظهرها‪ ،‬فيدخل ذات يومٍ على زوجه أم‬
‫كلثوم بنت علي بن أبي طالب‪ ،‬فيجد عندها أخاها محمد ابن الحنفية‪،‬‬
‫فيضمه عمر‪ ،‬ويقول لزوجه‪> :‬ألطفيه بالحلواء<(‪.)1‬‬
‫ُّ‬
‫ولم يقتصر إظهار عمر لهذه العاطفة للصغار في بيته وأمام زوجه‬
‫فقط‪ ،‬بل أظهره أمام رعيته وعماله‪ ،‬فلما رآه أحد عماله؛ قال له‪ :‬إن لي‬
‫لت واح ًدا منهم!‬
‫كذا وكذا من الولد‪ ،‬ما َّقب ُ‬
‫فقال عمر‪> :‬إن اهلل ‪ ‬ال يرحم من عباده إال أبرهم<(‪.)2‬‬
‫وفي رواية‪ :‬أن ذلك العامل قال لعمر‪ :‬تقبله وأنت أمير المؤمنين؟!‬
‫لو كنت أنا ما فعلته‪.‬‬
‫فقال عمر ‪> :‬فما ذنبي إن كان قد ُنزِع من قلبك الرحمة؟! إن‬
‫اهلل ال يرحم من عباده إال الرحماء<‪.‬‬
‫ونزعه عمر عن عمله‪ ،‬وقال‪> :‬أنت ال ترحم ولدك؛ فكيف ترحم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده حسن‪ :‬أخرجه ابن عساكر في >تاريخ دمشق< (‪ )330/54‬من طريق زيد بن‬
‫الحباب‪ ،‬ثنا الربيع بن المنذر المؤدب‪ ،‬حدثنا أبي قال سمعت ابن الحنفية؛ فذكره‪.‬‬
‫وهذا إسناد رجاله ثقات‪ ،‬سوى ابن الحباب‪ ،‬فقد قال عنه الحافظ في >التقريب<‬
‫(‪> :)2124‬صدوق‪ ،‬يخطئ في حديث الثوري<‪.‬‬
‫ورواية ابن عساكر ليس فيها لفظة‪> :‬ألطفيه<‪ ،‬وإنما هي من طريق الذهبي في >سير‬
‫أعالم النبالء< (‪.)115/4‬‬
‫المفرد< (‪.)99‬‬
‫(‪ )2‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه البخاري في >األدب َ‬
‫‪185‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫الناس؟!<(‪.)1‬‬
‫تعلَّم عب ُد اهلل بن عمر من والده ونبيه هذا التعامل اللطيف مع‬
‫الصغار‪ ،‬فمارسه مع الصغار‪ ،‬فأُتي ذات يوم بصبي عليه أوضاح(‪،)2‬‬
‫>فجعل يهازله<(‪.)3‬‬

‫الحاجة إلى التقدير االجتماعي واحترام الشخصية‪:‬‬


‫يسعى الصغير دائ ًما إلى أن يكون موضع تقدير واحترام وقبول من‬
‫قبل اآلخرين‪ ،‬ويتضح ذلك في شتى المواقف والوسائل التي يتخذها‬
‫الصغير السترعاء االنتباه من حوله‪.‬‬
‫لكن لألسف‪ :‬الكثيرون من الناس ينسون أنفسهم‪ ،‬فيتعاملون مع‬
‫األوالد‪ ،‬بما في ذلك أوالدهم‪ ،‬بتعا ٍل ُّ‬
‫وتكب ٍر عليهم‪ ،‬وال يستشعرون‬
‫االحترام لهم!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ ،‬ولبعضه شواهد صحيحة‪ :‬أخرجه الدينوري في >المجالسة وجواهر‬
‫منقطع‪ ،‬بل معضل‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫العلم< (‪ )2709‬من طريق محمد بن سالم الجمحي؛ به‪ .‬وهذا‬
‫بين الجمحي وعمر‪ ،‬وما قبله يشهد لبعض فقراته‪.‬‬
‫(‪ )2‬جمع َو َض َح‪ ،‬وهو نوع من الحلي يصنع من الفضة‪ ،‬سميت بها لبياضها وصفائها‪.‬‬
‫(‪ )3‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )24945‬من طريق شعبة‪ ،‬عن‬
‫عبد الرحمن بن حنش‪ ،‬عن ابن عمر؛ به‪.‬‬
‫كذا وقع في المطبوع‪( :‬عبد الرحمن بن حنش)‪ ،‬وهو ــ عندي ــ تصحيف‪ ،‬وصوابه‬
‫(عبد اهلل بن حنش)‪ ،‬فهو الذي يروي عن ابن عمر‪ ،‬ويروي عنه شعبة‪ .‬ولم أقف‬
‫على را ٍو يُقال له‪( :‬عبد الرحمن بن حنش)‪ .‬فاهلل أعلم‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫فضعف الطفولة وبراءتها يغريانهم في النظر إلى الصغار هكذا!‬


‫ويزيد الطين بلة‪ :‬اعتقاد الكثيرين أن األطفال ال يتأثرون مثلما يتأثر الكبار‪،‬‬
‫أي‪ :‬كأنهم ليسوا كالكبار في مشاعرهم وإحساسهم بكرامتهم‪.‬‬
‫وقد أثبتت الدراسات النفسية أن العكس هو الصحيح‪ ،‬وأن الطفل‬
‫منذ أن يولد يستشعر الكرامة كالكبير‪ ،‬وتؤلمه اإلهانة‪ ،‬والنهر‪ ،‬وإظهار‬
‫تماما(‪.)1‬‬
‫العداوة؛ كما تؤلم الكبير ً‬
‫وقد راعى الصحب واآلل هذه العاطفة واالحتياج عند الصغار‪،‬‬
‫وعملوا على إشباعها وذلك بإسناد الدور الذي يتناسب مع سن الصغير‬
‫وطبيعته ليشعر بمنزلته؛ ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ تقديمهم من يصلح لإلمامة من الصغار لهذا المكان‪:‬‬
‫وقد مر معنا في الفصل الثاني من هذا الكتاب‪ ،‬عند الحديث عن‬
‫تربية الصغار على العبادة‪ ،‬تقديم قوم عمرو بن سلمة له لإلمامة‪ ،‬وكان‬
‫ابن ست أو سبع سنين‪ ،‬وكذلك تقديم الصغار الحفظة لإلمامة في‬
‫رمضان‪ ،‬كما أخبرت بذلك عائشة ‪ .‬ومثل هذا بال شك يعزز في‬
‫الصغار التقدير واالحترام‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ تخييرهم في أمر معيشتهم‪ ،‬إذا انفصل الوالدان‪:‬‬
‫ربما ال تستقيم المعيشة بين الوالدين في بعض األحيان‪ ،‬فيكون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد كمال الشريف‪> ،‬تربية الطفل‪ ،‬رؤية نفسية إسالمية< (ص‪.)121/‬‬
‫‪187‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫االنفصال هو االختيار األفضل لهما‪ ،‬لكن‪ :‬أين يذهب الصغير؟ هل‬


‫جبر على شيء ما؟‬
‫يُ َ‬
‫فيما بين أيدينا من نصوص ونماذج؛ نجد هؤالء األصحاب واآلل‪،‬‬
‫يُعطون للصغير حق االختيار في ذلك‪ ،‬ومن هؤالء‪:‬‬

‫أ ــ أبو بكر الص ِّديق ‪:‬‬


‫بن الخ َّطاب أ َّم عاصم‪ ،‬ثم‬ ‫يقول سعيد بن المسيب‪ :‬طلَّق ُ‬
‫عمر ُ‬
‫أتاها عليها وفي حجرها عاصم‪ ،‬فأراد أن يأخذه منها‪ ،‬فتجاذباه بينهما‬
‫حتى بكى الغالم‪ ،‬فانطلقا إلى أبي بكر!‬
‫أبو بكر يقضي في خصومة أحد طرفيها أقرب الناس إليه بعد نبيه‬
‫‘‪ ،‬فما يفعل؟‬
‫لقد اختار أبو بكر األصلح للصبي‪ ،‬فقال لصاحبه‪> :‬يا عمر‪،‬‬
‫مسحها وحجرها وريحها خير له منك؛ حتى يشب الصبي فيختار<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صحيح بطرقه‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )19123‬بسند صحيح من طريق سعيد بن‬
‫المسيب؛ به‪.‬‬
‫وسعيد وإن كان لم يسمع من عمر‪ ،‬على قول أبي حاتم الرازي‪ ،‬ويحيى القطان‪ ،‬إال‬
‫محتج بمراسيله‪ ،‬ويدخل في المسند على المجاز‪ ،‬كما في >جامع التحصيل<‬ ‫ٌّ‬ ‫أنه‬
‫طر ٌق أخرى تقويه؛ منها‪:‬‬
‫للعالئي (ص‪ .)184/‬لكن له ُ‬
‫ما أخرجه ابن أبي شيبة (‪ )19114‬بسند صحيح عن عكرمة مولى ابن عباس‪ ،‬وفي‬
‫(‪ )19122‬بسند فيه ضعف من طريق عامر الشعبي‪ ،‬وفي (‪ )19124‬بسند صحيح=‬

‫‪188‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫لم يصادر أبو بكر حق الصبي في االختيار‪ ،‬وإنما أرجأ األمر‬


‫لحين يكتمل له عقل‪ ،‬وتنضج له عاطفة؛ فعندها يستطيع االختيار‪ ،‬أما‬
‫وهو في سن ال يسمح له بذلك؛ فأمه أنفع له‪.‬‬
‫ومرت األيام‪ ،‬ووجد نفسه أمام‬
‫وقد استوعب عمر هذا جي ًدا‪َّ ،‬‬
‫خصومة كخصومته؛ فماذا يفعل؟!‬

‫ب ــ عمر بن الخطَّاب ‪:‬‬


‫اختصم إلى عمر بن الخطَّاب في‬ ‫يقول عبد الرحمن بن ُغنم‪ُ :‬‬
‫صبي؛ فقال‪> :‬هو مع أمه حتى يعرب عنه لسانه فيختار<(‪.)1‬‬
‫لقد قضى عمر بقضاء أبي بكر‪ ،‬وتشابهت القصة فتشابه الحكم‪،‬‬
‫لكن‪ُ :‬ترى إن َّميز الصبي؛ هل سيمضي عمر قضاءه؟‬
‫ها هي واقع ٌة تبيِّن بالفعل ما سيفعله عمر إن َّميز الصبي واختار‪:‬‬
‫يقول عبد اهلل بن عبيد بن عمير‪:‬‬
‫طلَّق ٌ‬
‫رجل من أهل العراق امرأته وهي حبلى‪ ،‬فلم يطلقها بشيء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر‪.‬‬
‫جميعهم (عكرمة‪ ،‬والشعبي‪ ،‬والقاسم)‪ ،‬عن عمر؛ به‪.‬‬
‫وكلها روايات مرسلة‪ ،‬فليس فيهم من سمع من عمر!‬
‫لكن األثر بمجموع هذه الطرق يصح إن شاء اهلل‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)12606‬وابن أبي شيبة (‪.)19115‬‬
‫‪189‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫حامًل‪ ،‬وال وال ادا‪ ،‬وال مرض اعا‪ ،‬وال بعد ذلك‪ ،‬وال ابنه‪ ،‬حتى أنشأ الناس‬
‫ا‬
‫مرة في الحج‪ ،‬فقال رجل من القوم واألب في الرفقة‪ :‬يا فًلن أترى ابنك‬
‫في الرفقة‪ ،‬أتعرفه إن رأيته؟ قال‪ :‬ال واهلل‪ ،‬قال‪ :‬هذا ابنك‪ .‬فجبذ‬
‫بخطامه فانطلق‪.‬‬
‫فلما قدما لعمر احتجزت أمه بردائها‪ ،‬ثم ارتجزت فقالت‪:‬‬
‫الحمــل حــول والفصــال حــوالن‬ ‫خلــوا إلــيكم يــا عبيــد الــرحمن‬

‫فخير‬
‫فسمع عمر قولها فقال‪> :‬خلوا عنها<‪ ،‬فقصت عليه القصة‪َّ ،‬‬
‫الفتى؛ فاختار أمه‪ ،‬فانطلقت به(‪.)1‬‬
‫وألن الصبي هنا أكثر تميي ًزا من الصبي األول؛ انتقل به عمر إلى‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬االختيار‪ ،‬فاختار‪ ،‬فأمضى عمر اختياره‪ ،‬وأمام الجميع‪.‬‬
‫وفي هذا من إشعار الصبي بنفسه واحترام رأيه ما يغني عن التعليق‪.‬‬

‫جـ ــ علي بن أبي طالب ‪:‬‬


‫في زمان علي ‪ ‬تكررت الخصومة نفسها‪ ،‬والذي نقلها هو‬
‫الصبي الذي وقعت له‪ ،‬فلننظر كيف عامله علي‪ ،‬وهل له من تعليق‬
‫على معاملة علي له أم ال‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح إلى ابن عمير‪ ،‬لكنه لم يسمع من عمر‪ :‬أخرجه عبد الرزاق‬
‫(‪.)12605 ،12604‬‬
‫‪190‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫يقول ُعمارة بن ربيعة الجرمي‪:‬‬


‫غزا أبي نحو البحر في بعض تلك المغازي‪ ،‬ف ُقتل‪ ،‬فجاء عمي ليذهب‬
‫فخاص َمته أُ ِّمي إلى علي‪ ،‬ومعي أخ لي صغير‪ ،‬فأرسلوني إلى علي‬
‫َ‬ ‫بي‪،‬‬
‫عمك؟<‬
‫أحب إليك ْأم ُّ‬
‫فدعوته‪ ،‬فجاء فقصوا عليه‪ ،‬فقال‪> :‬أ ُّمك ُّ‬
‫قلت‪> :‬بل أمي< ثًلث مرات‪ ،‬وكانوا يستحبون الثًلث في كل شيء‪.‬‬
‫فأبى عمي أن يرضى‪ ،‬فوكزه علي بيده‪ ،‬وضربه بدرته‪ ،‬وقال لي‪:‬‬
‫>أنت مع أمك‪ ،‬وأخوك هذا إذا بلغ ما بلغت ُخيِّر كما ُخيِّرت<‪.‬‬
‫قال عمارة‪ :‬وأنا غالم(‪.)1‬‬

‫‪ 3‬ــ السماح لهم بحضور بعض اللقاءات والزيارات للكبار‪:‬‬


‫وقد َّمر معنا في الفصل السابق‪ ،‬عند الحديث عن التربية االجتماعية‪،‬‬
‫نماذج من اصطحابهم الصغار معهم‪ ،‬وإدخالهم في مجالسهم‪ ،‬كما فعل‬
‫عمر بن الخطاب مع ولده ابن عمر‪ ،‬ومع ابن عباس ‪.‬‬

‫الحاجة إلى الرعاية الوالدية والتوجيه‪:‬‬


‫من المعلوم أن الصغير لم يخلقه اهلل تعالى قو ًيا قاد ًرا‪ ،‬بل خلقه‬
‫ضعي ًفا ال يقوى على شيء‪ ،‬وقد قال تعالى‪{ :‬ﱕ ﱖ ﱗ}(‪،)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)12609‬وابن أبي شيبة (‪.)19127‬‬
‫(‪ )2‬سورة النساء (‪.)28‬‬
‫‪191‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫فيحتاج الصغير إلى اهتمام وتوجيه من والديه‪ ،‬بمظهره‪ ،‬بمًلبسه‪ ،‬بأفعاله‪،‬‬


‫إلى غير ذلك‪.‬‬
‫ضا بهذا الجانب عند الصغار‪،‬‬
‫اهتمام أي ً‬
‫ٌ‬ ‫وقد كان للصحب واآلل‬
‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫ما فعلته فاطمة ‪ ‬بنت النبي ‘ مع ولدها الحسن بن علي ‪‬‬
‫من اهتمامها به‪ ،‬وتنظيفها له‪ ،‬وحرصها على أن يظهر بصورة حسنة عند‬
‫استقبال جده ‘‪.‬‬
‫يقول أبو هريرة‪ :‬خرجت مع رسول اهلل ‘ في طائفة من النهار‪،‬‬
‫ال يكلمني وال أكلمه‪ ،‬حتى جاء سوق بني قينقاع‪ ،‬ثم انصرف‪ ،‬حتى‬
‫(‪)1‬‬
‫أثم لُ َكع؟< يعني حس ًنا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫؟‬ ‫أثم لُ َكع‬
‫أتى خباء فاطمة فقال‪َّ > :‬‬
‫سخابا(‪.)2‬‬
‫قال أبو هريرة‪ :‬فظننا أنه إنما تحبسه أ ُ ُّمه ألن تغسله‪ ،‬وتلبسه ً‬
‫فلم يلبث أن جاء يسعى‪ ،‬حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه‪،‬‬
‫فأحبه‪ ،‬وأحبب من يحبه<‪.‬‬
‫فقال رسول اهلل ‘‪> :‬اللهم إني أحبه‪َّ ،‬‬
‫أحب إلي من الحسن بن علي‪ ،‬بعد‬
‫قال أبو هريرة‪ :‬فما كان أح ٌد َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ما قال رسول اهلل ‘ ما قال ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬يعني‪ :‬الصغير‪.‬‬
‫الس َخاب‪ :‬خيط ينظم به الخرز ويلبس‪ ،‬وقيل‪ :‬قًلدة تتخذ من قرنفل‪ ،‬وطيب‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫(‪ِّ )2‬‬
‫(‪ )3‬م َّت َفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)5884‬ومسلم (‪.)2421‬‬
‫‪192‬‬
‫التربية البدنية في تراث اآلل واألصحاب‬

‫السخاب‬
‫وقد ترجم البخاري لهذا الحديث وأشباهه بقوله‪> :‬باب ِّ‬
‫للصبيان<(‪ ،)1‬إشارة منه إلى االهتمام بمظهر الصبيان‪ ،‬وجواز تحليتهم‬
‫بمثل هذا‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪> )1‬صحيح البخاري< (‪ 332/10‬ــ مع الفتح)‪.‬‬
‫‪193‬‬
‫الخاتمة‬

‫‪E‬‬

‫والمتنوع في تعامل الصحب واآلل‬


‫ِّ‬ ‫الموجز‬
‫َ‬ ‫بعد هذا االستعراض‬
‫تبين لنا ص َّحة ما زعمناه في أول هذه الدراسة‪ ،‬وهو‪ :‬أ َّن‬
‫مع صغارهم‪َّ ،‬‬
‫السلف وإن لم يكن لديهم من الكتب واألبحاث والدراسات ما‬ ‫هؤالء َّ‬
‫مسطور عن التربية وأصولها وأساليبها؛ إال أنهم كانوا يمارسون هذا‬
‫ٌ‬ ‫هو‬
‫مهذبين بنصوص الوحي من الكتاب والسنة‪ ،‬وقد حاولنا‬ ‫بالسليقة العربية‪َّ ،‬‬
‫في أول كل فص ٍل أن نشير إلى شيء من مصدر التل ِّقي عندهم في هذا‬
‫األمر‪.‬‬
‫تبين لنا أهمية هذا الجزء من حياة األبناء‪ ،‬وإال ما أَواله هؤالء‬
‫كما َّ‬
‫كل هذا االهتمام والعناية‪ ،‬وتوارد العلماء بعدهم‪ ،‬كالغزالي‪ ،‬وابن‬ ‫َّ‬
‫القيم‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬على التنبيه والتأكيد على أهمية االهتمام بهذا النشء‬
‫في هذا الوقت‪.‬‬
‫ضا ما على اآلباء والمربين من مسؤولية جسمية تجاه‬ ‫وتبين أي ا‬
‫َّ‬
‫صغارهم‪ ،‬وهو ما كان يؤ ِّكد عليه العلماء‪ ،‬سل افا وخل افا‪ ،‬حتى قال ُنمير بن‬
‫أوس (ت‪121 :‬هـ)‪> :‬كانوا يقولون‪ :‬الصًلح من اهلل‪ ،‬واألدب من اآلباء<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المفرد< (‪ )92‬من طريق الوليد بن=‬
‫(‪ )1‬في إسناده ضعف‪ :‬أخرجه البخاري في >األدب َ‬
‫‪194‬‬
‫الخاتمة‬

‫وحذر الشيخ محمد الخضر حسين من التهاون في هذا الباب‬ ‫َّ‬


‫بقوله‪> :‬ليت شعري! بماذا تجادل عن نفسك أيها الكفيل‪ ،‬إذا أُلقيت‬
‫على عواهنك مسؤولية إغفال الطفل في مراتع وخيمة‪ ،‬وأنت تعلم عل ًما‬
‫كاش ًفا أَن ال محيص عنه في عرضه على بعض مطالب االجتماع‪ ،‬ولم‬
‫مقاما يكون عدم تأهله له جناية على الهيئة بتمامها؟!‬
‫يكن بد من قيامه ً‬
‫عذ ُب على تشويه تلك‬ ‫ضاعف لك العذاب ضعفين‪ُ ،‬ت َّ‬ ‫أخشى أن يُ َ‬
‫نكرا‪ ،‬وتحوز من عقوبة تلك الجناية العامة‬ ‫المكرمة عذا ًبا ً‬
‫َّ‬ ‫الجوهرة‬
‫ضا<(‪.)1‬‬‫نصيبا مفرو ً‬
‫ً‬
‫وخاتمة المقال‪ ،‬إن تعميم التربية بين طبقات األمة شيء واجب‪،‬‬
‫ال ينتظم لها العيش الناعم بدونه‪ ،‬وال تشرق صحائف تاريخها بسواه‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= نمير بن أوس‪ ،‬عن أبيه؛ به‪.‬‬
‫والوليد ترجم له الحافظ في >التقريب< (‪ )7460‬وقال عنه‪> :‬مقبول<‪.‬‬
‫(‪ )1‬محمد الخضر حسين‪> ،‬األعمال الكاملة ــ جمع علي الرضا الحسيني< (‪.)12/2‬‬
‫‪195‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫املصادر واملراجع‬

‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة‪ :‬للبوصيري‪ ،‬تقديم‪:‬‬
‫د‪ .‬أحمد معبد عبد الكريم‪ ،‬تحقيق‪ :‬دار المشكاة للبحث العلمي بإشراف أبي‬
‫تميم ياسر بن إبراهيم‪ ،‬الطبعة األولى‪1420 ،‬هـ= ‪1999‬م‪ ،‬دار الوطن للنشر‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ إتحاف أولي األلباب‪ ،‬بحقوق الطفل وأحكامه في سؤال وجواب‪:‬‬
‫أحمد بن أحمد العيسوي‪ ،‬الطبعة األولى‪1422 ،‬هـ= ‪2001‬م‪ ،‬دار البيان‬
‫الحديثة‪ ،‬الطائف‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ اإلحكام في أصول األحكام‪ :‬ألبي الحسن اآلمدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرزاق‬
‫عفيفي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دمشق‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ إحياء علوم الدين‪ :‬ألبي حامد الغزالي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ أدب االمالء واالستمالء‪ :‬للسمعاني المروزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬ماكس فايسفايلر‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1401 ،‬ه= ‪1981‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 6‬ــ األدب المفرد‪ :‬للبخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة (‪ 1409‬ه= ‪1989‬م)‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ أساس البالغة‪ :‬للزمخشري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باسل عيون السود‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1419 ،‬هـ= ‪1998‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪197‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫‪ 8‬ــ االستيعاب في معرفة األصحاب‪ :‬البن عبد البر‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد‬
‫البجاوي‪ ،‬الطبعة األولى (‪1412‬هـ = ‪ 1992‬م)‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 9‬ــ أصول التربية اإلسالمية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع‪:‬‬
‫عبد الرحمن النحالوي‪ ،‬الطبعة الخامسة والعشرون‪1428 ،‬هـ= ‪2007‬م‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 10‬ــ أصول التربية اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬خالد بن حامد الحازمي‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1420‬هـ= ‪2000‬م‪ ،‬دار عالم الكتب‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ أصول التربية وفن التدريس‪ :‬أمين مرسي قنديل‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬
‫‪1306‬هـ= ‪1937‬م‪ ،‬مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‪ :‬للشنقيطي‪ ،‬عام النشر‬
‫(‪ 1415‬هـ = ‪1995‬م)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 13‬ــ االعتقاد‪ ،‬والهداية إلى سبيل الرشاد‪ ،‬على مذهب السلف وأصحاب‬
‫الحديث‪ :‬للبيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عصام الكاتب‪ ،‬الطبعة األولى (‪1401‬هـ)‪،‬‬
‫دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 14‬ــ األمالي‪ :‬ألبي علي القالي‪ ،‬عني بوضعها وترتيبها‪ :‬محمد عبد الجواد‬
‫األصمعي‪ ،‬الطبعة الثانية‪1344 ،‬هـ= ‪1926‬م‪ ،‬دار الكتب المصرية‪.‬‬
‫سالم‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل محمد هراس‪،‬‬
‫‪ 15‬ــ األموال‪ :‬ألبي ُعبيد القاسم بن ّ‬
‫دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 16‬ــ أنباء نجباء األبناء‪ :‬ابن ظفر المكي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بدون تاريخ‪،‬‬
‫مطبعة التقدم‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪198‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫‪ 17‬ــ أهل البيت بين مدرستين‪ :‬محمد سالم الخضر‪1432 ،‬هـ= ‪2011‬م‪،‬‬
‫مبرة اآلل واألصحاب‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ 18‬ــ األوسط في السنن واإلجماع واالختالف‪ :‬البن المنذر‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبي‬
‫حماد صغير أحمد بن محمد حنيف‪ ،‬الطبعة األولى‪1405 ،‬هـ= ‪1985‬م‪ ،‬دار‬
‫طيبة‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ 19‬ــ الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث‪ :‬البن كثير‪ ،‬تأليف‪:‬‬
‫أحمد محمد شاكر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‬
‫‪ 20‬ــ تاريخ اإلسالم ووفيات المشاهير واألعالم‪ :‬للذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عمر‬
‫عبد السالم التدمري‪ ،‬الطبعة الثانية (‪ 1413‬هـ = ‪ 1993‬م)‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 21‬ــ التاريخ الكبير‪ :‬للبخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد هاشم الندوي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ 22‬ــ تاريخ بغداد = تاريخ مدينة السالم‪ :‬للخطيب البغدادي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬بشار عواد معروف‪ ،‬الطبعة األولى (‪1422‬هـ = ‪2002‬م)‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 23‬ــ تجربة التربية اإلسالمية في ميزان البحث‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان‬
‫البوطي‪ ،‬الطبعة األولى‪1415 ،‬ه= ‪1995‬م‪ ،‬مكتبة الفارابي‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ 24‬ــ تحرير تقريب التهذيب البن حجر‪ :‬لشعيب األرنؤوط‪ ،‬و د‪ .‬بشار‬
‫عواد‪ ،‬الطبعة األولى (‪1417‬هـ = ‪1997‬م)‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‬
‫‪ 25‬ــ تحفة المودود بأحكام المولود‪ :‬البن القيم‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد القادر‬
‫األرناؤوط‪ ،‬الطبعة األولى‪1391 ،‬هـ= ‪1971‬م‪ ،‬مكتبة دار البيان‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫‪ 26‬ــ التراث والمعاصرة‪ :‬د‪ .‬أكرم ضياء العمري‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬


‫‪1405‬هـ‪ ،‬رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر‪.‬‬
‫‪ 27‬ــ التربية األخالقية اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬مقداد يالجن‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫‪1423‬هـ= ‪2002‬م‪ ،‬دار عالم الكتب‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ 28‬ــ تربية األوالد في اإلسالم‪ :‬عبد اهلل ناصح علوان‪ ،‬الطبعة الحادية‬
‫والعشرون‪1412 ،‬هـ= ‪1992‬م‪ ،‬دار السالم‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 29‬ــ تربية الطفل في ضوء القرآن والسنة‪ :‬أسماء عبد اهلل السلطان‪،‬‬
‫رسالة ماجستير مق َّدمة لكلية التربية للبنات بالرياض‪ ،‬عام‪1409 :‬هــ= ‪1989‬م‬
‫‪ 30‬ــ تربية الطفل‪ ،‬رؤية نفسية إسالمية‪ :‬محمد كمال الشريف‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1417 ،‬هـ= ‪1997‬م‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 31‬ــ التعريفات‪ :‬علي الجرجاني‪ ،‬الطبعة األولى‪1403 ،‬هـ= ‪1983‬م‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 32‬ــ تفسير ابن عطية= المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ :‬البن‬
‫عطية األندلسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم عبد الشافي محمد‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1422‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 33‬ــ تفسير ابن كثير= تفسير القرآن العظيم‪ :‬البن كثير‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫سامي بن محمد سالمة‪ ،‬الطبعة الثانية (‪1420‬هـ = ‪1999‬م)‪ ،‬دار طيبة‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ 34‬ــ تفسير البيضاوي= أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ :‬لناصر الدين‬
‫البيضاوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد الرحمن المرعشلي‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1418 ،‬هـ‪،‬‬
‫دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪200‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫‪ 35‬ــ تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ :‬للطبري‪،‬‬


‫تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل بن عبد المحسن التركي‪ ،‬بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات‬
‫اإلسالمية بدار هجر‪ ،‬الطبعة األولى (‪1422‬هـ = ‪2002‬م)‪ ،‬دار هجر‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ 36‬ــ تفسير القاسمي= محاسن التأويل‪ :‬لجمال الدين القاسمي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد باسل عيون السود‪ ،‬الطبعة األولى‪1418 ،‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ 37‬ــ تفسير القرآن‪ :‬لعز الدين بن عبد السالم‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل بن‬
‫إبراهيم الوهبي‪ ،‬الطبعة األولى‪1416 ،‬هـ= ‪1996‬م‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 38‬ــ تفسير القرطبي = الجامع ألحكام القرآن‪ :‬للقرطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد‬
‫البردوني‪ ،‬وإبراهيم أطفيش‪ ،‬الطبعة الثانية (‪1384‬هـ = ‪1964‬م)‪ ،‬دار الكتب‬
‫المصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 39‬ــ التفسير‪ :‬من سنن سعيد بن منصور‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬سعد بن‬
‫عبد اهلل آل حميد‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 ،‬هـ= ‪1997‬م‪ ،‬دار الصميعي للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ 40‬ــ تقريب التهذيب‪ :‬البن حجر‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عوامة‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫(‪1406‬هـ = ‪1986‬م)‪ ،‬دار الرشيد‪ ،‬سوريا‪.‬‬
‫‪ 41‬ــ التقرير والتحبير على تحرير الكمال ابن الهمام‪ :‬البن أمير حاج‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1403 ،‬هـ= ‪1983‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ 42‬ــ تكريم اإلسالم لإلنسان‪ :‬د‪ .‬فاروق مساهل‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1985‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ 43‬ــ التلخيص في أصول الفقه‪ :‬إلمام الحرمين الجويني‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫‪201‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫عبد اهلل جولم النبالي‪ ،‬وبشير أحمد العمري‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 44‬ــ التمهيد في أصول الفقه‪ :‬ألَبي الخطاب ال َكل َو َذاني الحنبلي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫مفيد محمد أبو عمشة (الجزء ‪ 1‬ــ ‪ ،)2‬ومحمد بن علي بن إبراهيم (الجزء ‪ 3‬ــ‬
‫‪ ،)4‬الطبعة األولى‪ 1406 ،‬هـ= ‪1985‬م‪ ،‬دار المدني للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪.‬‬
‫‪ 45‬ــ التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد‪ :‬البن عبد البر‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬مصطفى بن أحمد العلوي‪ ،‬محمد عبد الكبير البكري‪1387 ،‬هـ‪ ،‬وزارة‬
‫عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬المغرب‪.‬‬
‫‪ 46‬ــ تنزيه الشريعة المرفوعة عن األخبار الشنيعة الموضوعة‪ :‬البن عراق‬
‫الكناني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الوهاب عبد اللطيف‪ ،‬عبد اهلل محمد الصديق الغماري‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1399 ،‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 47‬ــ تهذيب اآلثار وتفصيل الثابت عن رسول اهلل من األخبار‪ :‬للطبري‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمود محمد شاكر‪ ،‬مطبعة المدني‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 48‬ــ تهذيب األسماء واللغات‪ :‬للنووي‪ ،‬عنيت بنشره وتصحيحه والتعليق‬
‫عليه‪ :‬شركة العلماء‪ ،‬بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية‪ ،‬يطلب من‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 49‬ــ تهذيب التهذيب‪ :‬البن حجر‪ ،‬الطبعة األولى (‪1404‬هـ = ‪1984‬م)‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 50‬ــ التوقيف على مهمات التعاريف‪ :‬زين الدين المناوي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1410 ،‬هـ= ‪1990‬م‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 51‬ــ جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم‪:‬‬
‫‪202‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫البن رجب الحنبلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬إبراهيم باجس‪ ،‬الطبعة‬


‫السابعة‪1422 ،‬هـ= ‪2001‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 52‬ــ جامع بيان العلم وفضله‪ :‬البن عبد البر‪ ،‬تحقيق أبي األشبال‬
‫الزهيري‪ ،‬الطبعة األولى‪1414 ،‬هـ= ‪1994‬م‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬المملكة‬
‫العربية السعودية‪.‬‬
‫‪ 53‬ــ الجامع ألخالق الراوي وآداب السامع‪ :‬للخطيب البغدادي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬محمود الطحان‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ 54‬ــ الجامع‪ :‬لعبد اهلل بن وهب‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬رفعت فوزي عبد المطلب‪،‬‬
‫د‪ .‬علي عبد الباسط مزيد‪.‬‬
‫‪ 55‬ــ جالء األفهام في فضل الصالة على محمد خير األنام‪ :‬البن القيم‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬عبد القادر األرناؤوط‪ ،‬الطبعة الثانية‪1407 ،‬هـ=‬
‫‪1987‬م‪ ،‬دار العروبة‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ 56‬ــ جمهرة اللغة‪ :‬البن دريد األزدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬رمزي منير بعلبكي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1987 ،‬م‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 57‬ــ حاشية السندي على سنن ابن ماجه = كفاية الحاجة في شرح سنن‬
‫ابن ماجه‪ :‬لنور الدين السندي‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 58‬ــ حقوق آل البيت‪ :‬البن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 59‬ــ شرح صحيح مسلم للسيوطي= الديباج على صحيح مسلم بن‬
‫الحجاج‪ :‬لجالل الدين السيوطي‪ ،‬حقق أصله‪ ،‬وعلق عليه‪ :‬أبو إسحاق الحويني‪،‬‬
‫‪203‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫الطبعة األولى‪1416 ،‬هـ= ‪1996‬م‪ ،‬دار ابن عفان للنشر والتوزيع‪ ،‬المملكة‬
‫العربية السعودية‪.‬‬
‫‪ 60‬ــ روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب اإلمام‬
‫أحمد بن حنبل‪ :‬البن قدامة المقدسي‪ ،‬الطبعة الثانية‪1423 ،‬هـ= ‪2002‬م‪،‬‬
‫الريان للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫مؤسسة ّ‬
‫السرِي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي‪،‬‬
‫‪ 61‬ــ ال ُّزهد‪َ :‬لهنَّاد بن َّ‬
‫الطبعة األولى (‪1406‬هـ)‪ ،‬دار الخلفاء للكتاب اإلسالمي‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ 62‬ــ زوائد األصول على منهاج الوصول إلى علم األصول‪ :‬لجمال الدين‬
‫اإلسنوي‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬محمد سنان سيف الجاللي‪.‬‬
‫‪ 63‬ــ سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها‪ :‬لأللباني‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬األجزاء األربعة األولى (‪1415‬هـ = ‪1995‬م)‪ ،‬الجزء السادس‬
‫(‪1416‬هـ = ‪1996‬م)‪ ،‬الجزء السابع (‪1422‬هـ = ‪2002‬م)‪ ،‬مكتبة المعارف‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ 64‬ــ سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في األمة‪:‬‬
‫لمحمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬الطبعة األولى (‪1412‬هـ = ‪1992‬م)‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ 65‬ــ السنن الكبرى‪ :‬للبيهقي‪ ،‬الطبعة األولى (‪1344‬هـ)‪ ،‬مجلس دائرة‬
‫المعارف النظامية‪ ،‬حيدر آباد‪ ،‬الهند‪.‬‬
‫‪ 66‬ــ سنن‪ :‬ابن ماجه‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الكتب‬
‫العربية‪ ،‬فيصل عيسى البابي الحلبي‪.‬‬
‫‪204‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫‪ 67‬ــ سنن‪ :‬أبي داود‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬المكتبة‬
‫العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 68‬ــ سنن‪ :‬الترمذي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬ومحمد فؤاد‬
‫عبد الباقي‪ ،‬وإبراهيم عطوة عوض‪ ،‬الطبعة الثانية (‪ 1395‬هـ = ‪1975‬م)‪،‬‬
‫شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ 69‬ــ سنن‪ :‬الدارقطني‪ ،‬حققه وضبط نصه وعلق عليه‪ :‬شعيب االرنؤوط‪،‬‬
‫حسن عبد المنعم شلبي‪ ،‬عبد اللطيف حرز اهلل‪ ،‬أحمد برهوم‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1424‬هـ= ‪2004‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 70‬ــ سنن‪ :‬سعيد بن منصور‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى (‪1403‬هـ = ‪1982‬م)‪ ،‬الدار السلفية‪ ،‬الهند‪.‬‬
‫‪ 71‬ــ سير أعالم النبالء‪ :‬للذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجموعة من المحققين‪،‬‬
‫بإشراف الشيخ شعيب األرناؤوط‪ ،‬الطبعة الثالثة (‪ 1405‬هـ = ‪1985‬م)‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 72‬ــ شرح تنقيح الفصول‪ :‬للقرافي‪ ،‬تحقيق‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1393 ،‬هـ= ‪1973‬م‪ ،‬شركة الطباعة الفنية المتحدة‪.‬‬
‫‪ 73‬ــ شرح صحيح البخارى‪ :‬البن بطال‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبي تميم ياسر بن‬
‫إبراهيم الطبعة الثانية‪1423 ،‬هـ= ‪2003‬م‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ 74‬ــ شرح صحيح مسلم للنووي= المنهاج شرح صحيح مسلم بن‬
‫الحجاج‪ :‬للنووي‪ ،‬الطبعة الثانية (‪1392‬هـ)‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 75‬ــ شرح مختصر الروضة‪ :‬للطوفي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل بن عبد المحسن‬
‫التركي‪ ،‬الطبعة األولى‪1407 ،‬هـ= ‪1987‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪205‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫‪ 76‬ــ شرح مشكل اآلثار = بيان ما أشكل من أحاديث رسول اهلل ‘‪:‬‬
‫للطحاوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬الطبعة األولى (‪1415‬هـ = ‪1994‬م)‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 77‬ــ شعب اإليمان‪ :‬للبيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد العلي عبد الحميد حامد‪،‬‬
‫أشرف على تحقيقه‪ :‬مختار أحمد الندوي‪ ،‬الطبعة األولى (‪1423‬هـ =‬
‫‪2003‬م)‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ .‬بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي‪ ،‬الهند‪.‬‬
‫‪ 78‬ــ صحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ :‬ألبي نصر الجوهري‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1407 ،‬هـ= ‪1987‬م‪ ،‬دار العلم‬
‫للماليين‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 79‬ــ صحيح ابن حبان = اإلحسان في تقريب صحيح ابن حبان‪:‬‬
‫ترتيب‪ :‬األمير عالء الدين علي بن بلبان الفارسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪،‬‬
‫الطبعة األولي (‪1408‬هـ = ‪1988‬م)‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫المسنَد الصحيح المختصر من أمور‬
‫‪ 80‬ــ صحيح البخاري = الجامع ُ‬
‫رسول اهلل ‘ وسننه وأيامه‪ :‬لإلمام البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر‬
‫الناصر‪ ،‬الطبعة األولى (‪1422‬هـ)‪ ،‬دار طوق النجاة‪.‬‬
‫يح ال َّت ْر ِغيب َوال َّت ْر ِهيب‪ :‬لأللباني‪ ،‬الطبعة األولى‪1421 ،‬هـ=‬
‫‪ 81‬ــ َص ِح ُ‬
‫المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫مكتبة َ‬ ‫‪2000‬م‪َ ،‬‬
‫‪ 82‬ــ صحيح الجامع الصغير وزياداته‪ :‬لأللباني‪ ،‬الطبعة الثالثة (‪1408‬هـ‬
‫= ‪1988‬م)‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 83‬ــ صحيح سنن أبي داود (األم)‪ :‬لأللباني‪ ،‬الطبعة األولى‪1423 ،‬هـ=‬
‫‪2002‬م‪ ،‬مؤسسة غراس للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت‬
‫‪206‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫المسنَد الصحيح المختصر‪ ،‬بنقل العدل عن العدل‬


‫‪ 84‬ــ صحيح مسلم = ُ‬
‫إلى رسول اهلل ‘‪ :‬لإلمام مسلم‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 85‬ــ ضعيف سنن أبي داود (األم)‪ :‬لأللباني‪ ،‬الطبعة األولى‪1423 ،‬هـ=‬
‫‪2002‬م‪ ،‬مؤسسة غراس للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ 86‬ــ الطب النبوي‪ :‬البن القيم‪ ،‬دار الهالل‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 87‬ــ الطفولة في مجتمع عربي متغير‪ :‬محمد جواد رضا‪1984 ،‬م‪،‬‬
‫الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ 88‬ــ علل الدارقطني = علل الواردة في األحاديث النبوية‪ :‬للدارقطني‪،‬‬
‫المجلدات من األول‪ ،‬إلى الحادي عشر‪ :‬تحقيق وتخريج‪ :‬محفوظ الرحمن زين‬
‫اهلل السلفي‪ ،‬الطبعة األولى (‪1405‬هـ = ‪1985‬م)‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫والمجلدات من الثاني عشر‪ ،‬إلى الخامس عشر‪ :‬تحقيق‪ :‬محمد بن صالح بن‬
‫محمد الدباسي‪ ،‬الطبعة األولى (‪1427‬هـ)‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬الدمام‪.‬‬
‫‪ 89‬ــ العلل ومعرفة الرجال لإلمام أحمد‪ :‬برواية ابنه عبد اهلل‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫وصي اهلل بن محمد عباس‪ ،‬الطبعة الثانية (‪1422‬هـ = ‪2001‬م)‪ ،‬دار الخاني‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ 90‬ــ العلل‪ :‬البن أبي حاتم‪ ،‬تحقيق‪ :‬فريق من الباحثين‪ ،‬بإشراف‪ :‬د‪.‬‬
‫سعد بن عبد اهلل الحميد‪ ،‬و د‪ .‬خالد بن عبد الرحمن الجريسي‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫(‪1427‬هـ = ‪2006‬م)‪.‬‬
‫‪ 91‬ــ علم نفس النمو‪ ،‬الطفولة والمراهقة‪ :‬حامد زهران‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫‪1975‬م‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪207‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫‪ 92‬ــ العيال‪ :‬البن أبي الدنيا‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬نجم عبد الرحمن خلف‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1410 ،‬هـ= ‪1990‬م‪ ،‬دار ابن القيم‪ ،‬الدمام‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ 93‬ــ الغيالنيات= الفوائد‪ :‬ألبي بكر الشافعي الب َّزاز‪ ،‬تحقيق‪ :‬حلمي كامل‬
‫أسعد عبد الهادي‪ ،‬الطبعة األولى (‪1417‬هـ = ‪1997‬م)‪ ،‬دار ابن الجوزي‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ 94‬ــ فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ :‬البن حجر‪ ،‬رقَّم كتبه وأبوابه‬
‫وأحاديثه‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬وقام بإخراجه وص َّححه‪ :‬محب الدين‬
‫الخطيب‪ ،‬عام النشر (‪1379‬هـ)‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 95‬ــ فضائل الصحابة‪ :‬ألحمد بن حنبل‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬وصي اهلل محمد‬
‫عباس‪ ،‬الطبعة األولى (‪1403‬هـ = ‪1983‬م)‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 96‬ــ فضائل القرآن وما أنزل من القرآن بمكة وما أنزل بالمدينة‪ :‬البن‬
‫الضريس‪ ،‬تحقيق‪ :‬غزوة بدير‪ ،‬الطبعة األولى‪1408 ،‬هـ= ‪1987‬م‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬سورية‪.‬‬
‫‪ 97‬ــ فضائل القرآن‪ :‬ألبي بكر ال ِفريابِي‪ ،‬تحقيق وتخريج ودراسة‪:‬‬
‫يوسف عثمان فضل اهلل جبريل‪ ،‬الطبعة األولى‪1409 ،‬هـ= ‪1989‬م‪ ،‬مكتبة‬
‫الرشد‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ 98‬ــ فقه اآلل‪ ،‬بين دعوى اإلهمال وتهمة االنتحال‪ :‬أمين بن صالح‬
‫الحداء‪ ،‬الطبعة الثانية‪1432 ،‬هـ= ‪2011‬م‪ ،‬مركز المتفوق للطباعة والنشر‪،‬‬
‫اليمن‪.‬‬
‫‪ 99‬ــ الفقه وأصوله‪ ،‬بين التراث والمعاصرة‪ :‬د‪ .‬معاوية أحمد سيد‬
‫أحمد‪ ،‬بحث منشور على صفحات اإلنترنت‪.‬‬
‫‪208‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫‪ 100‬ــ الفقيه والمتفقه‪ :‬للخطيب البغدادي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل بن يوسف‬


‫الغرازي‪ ،‬الطبعة الثانية‪1421 ،‬ه‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ 101‬ــ فلسفة التربية اإلسالمية في القرآن الكريم‪ :‬علي خليل أبو العينين‪،‬‬
‫‪1980‬م‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ 102‬ــ في ظالل القرآن‪ :‬لسيد قطب‪ ،‬الطبعة السابعة عشر‪1412 ،‬هـ‪،‬‬
‫دار الشروق‪ ،‬بيروت‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 103‬ــ فيض القدير شرح الجامع الصغير‪ :‬للمناوي‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫(‪1356‬هـ)‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ 104‬ــ القاموس المحيط‪ :‬للفيروز آبادي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مكتب تحقيق التراث‬
‫العرقسوسي‪ ،‬الطبعة الثامنة‪1426 ،‬هـ‬
‫ُ‬ ‫في مؤسسة الرسالة‪ ،‬بإشراف‪ :‬محمد نعيم‬
‫= ‪2005‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‬
‫‪ 105‬ــ قواطع األدلة في األصول‪ :‬ألبي المظفر السمعاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫حسن محمد حسن اسماعيل الشافعي‪ ،‬الطبعة األولى‪1418 ،‬هـ= ‪1999‬م‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 106‬ــ الكامل في ضعفاء الرجال‪ :‬البن عدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬يحيى مختار‬
‫غزاوي‪ ،‬الطبعة الثالثة (‪1409‬هـ = ‪1988‬م)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 107‬ــ كشاف اصطالحات الفنون والعلوم‪ :‬محمد بن علي التهانوي‪،‬‬
‫تقديم وإشراف ومراجعة‪ :‬د‪ .‬رفيق العجم‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬علي دحروج‪ ،‬نقل النص‬
‫الفارسي إلى العربية‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل الخالدي‪ ،‬الطبعة األولى‪1996 ،‬م‪ ،‬مكتبة‬
‫لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 108‬ــ الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية‪ :‬أبو البقاء‬
‫‪209‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫الكفوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عدنان درويش‪ ،‬محمد المصري‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬


‫‪ 109‬ــ الكنى واألسماء‪ :‬للدوالبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬نظر محمد الفاريابي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى (‪1421‬هـ = ‪2000‬م)‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 110‬ــ الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري‪ :‬شمس الدين الكرماني‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1401 ،‬هـ= ‪1981‬م‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 111‬ــ لسان العرب‪ :‬البن منظور‪ ،‬الطبعة الثالثة (‪ 1414‬هـ)‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ 112‬ــ لسان الميزان‪ :‬البن حجر‪ ،‬بعناية‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬عام النشر‬
‫(‪1422‬هـ)‪ ،‬مكتب المطبوعات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 113‬ــ مجابو الدعوة (مطبوع ضمن مجموعة رسائل ابن أبي الدنيا)‪:‬‬
‫البن أبي الدنيا‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬المهندس الشيخ زياد حمدان‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1413‬هـ= ‪1993‬م‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 114‬ــ المجالسة وجواهر العلم‪ :‬للدينوري‪ ،‬تحقيق‪ :‬مشهور بن حسن آل‬
‫سلمان‪ ،‬عام النشر (‪1419‬هـ)‪ ،‬جمعية التربية اإلسالمية‪ ،‬البحرين‪ .‬ودار ابن‬
‫حزم‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 115‬ــ المجتبى من السنن = السنن الصغرى‪ :‬للنسائي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬الطبعة الثانية (‪1406‬هـ = ‪1986‬م)‪ ،‬مكتب المطبوعات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬حلب‪.‬‬
‫‪ 116‬ــ المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين‪ :‬البن حبان‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمود إبراهيم زايد‪ ،‬الطبعة األولى (‪1396‬هـ)‪ ،‬دار الوعي‪ ،‬حلب‪،‬‬
‫سوريا‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫‪ 117‬ــ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ :‬للهيثمي‪ ،‬عام النشر (‪1407‬هـ)‪،‬‬


‫دار الريان للتراث‪ ،‬القاهرة‪ .‬ودار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 118‬ــ مجموع الفتاوى‪ :‬البن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن‬
‫قاسم‪ ،‬عام النشر (‪1416‬هـ = ‪1995‬م)‪ ،‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف‬
‫الشريف‪ ،‬المدينة المنورة‪.‬‬
‫‪ 119‬ــ المجموع شرح المهذب‪ :‬للنووي‪ ،‬مع تكملة السبكي والمطيعي‪،‬‬
‫دار الفكر‪.‬‬
‫‪ 120‬ــ المحيط في اللغة‪ :‬للصاحب ابن عباد‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد‬
‫حسن آل ياسين‪ ،‬الطبعة األولى‪1414 ،‬هـ= ‪1994‬م‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫‪ 121‬ــ مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم‬
‫النملة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1420 ،‬ه= ‪1999‬م‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ 122‬ــ مختصر التحرير شرح الكوكب المنير‪ :‬البن النجار الحنبلي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد الزحيلي‪ ،‬ونزيه حماد‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1418‬هـ= ‪1997‬م‪ ،‬مكتبة‬
‫العبيكان‪.‬‬
‫‪ 123‬ــ مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪ :‬البن القيم‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد المعتصم باهلل البغدادي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1416 ،‬هـ= ‪1996‬م‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 124‬ــ المدخل إلى السنن الكبرى‪ :‬للبيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد ضياء‬
‫الرحمن األعظمي‪ ،‬دار الخلفاء للكتاب اإلسالمي‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ 125‬ــ مسائل الخالف في أصول الفقه‪ :‬للقاضي الحسين بن علي‬
‫‪211‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫الصيمري‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬بال طبعة وال تاريخ‪.‬‬


‫‪ 126‬ــ مستخرج‪ :‬أبي عوانة‪ ،‬تحقيق‪ :‬أيمن بن عارف الدمشقي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى (‪1419‬هـ = ‪1998‬م)‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 127‬ــ المستدرك على الصحيحين‪ :‬للحاكم‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر‬
‫عطا‪ ،‬الطبعة األولى (‪1411‬هـ = ‪1990‬م)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 128‬ــ المستصفى‪ :‬ألبي حامد الغزالي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم‬
‫عبد الشافي‪ ،‬الطبعة األولى‪1413 ،‬هـ= ‪1993‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 129‬ــ مستطرف في كل فن مستطرف‪ :‬لشهاب الدين أبي الفتح األبشيهي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1419 ،‬هـ‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 130‬ــ ُمسنَد ابن الجعد‪ :‬للبغوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد المهدي بن عبد القادر‬
‫بن عبد الهادي‪ ،‬الطبعة األولى (‪1405‬هـ = ‪1985‬م)‪ ،‬مكتبة الفًلح‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ 131‬ــ ُمسنَد الدارمي = سنن الدارمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين سليم أسد‬
‫الداراني‪ ،‬الطبعة األولى (‪1412‬هـ = ‪2000‬م)‪ ،‬دار المغني للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫السعودية‪.‬‬
‫‪ 132‬ــ ُمسنَد الشاميين‪ :‬للطبراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي بن عبد المجيد السلفي‪،‬‬
‫الطبعة األولى (‪1405‬هـ = ‪1984‬م)‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 133‬ــ ُمسنَد‪ :‬الطيالسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد بن عبد المحسن التركي‪،‬‬
‫الطبعة األولى (‪1419‬هـ = ‪1999‬م)‪ ،‬دار هجر‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ 134‬ــ ال ُمسنَد‪ :‬لإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪،‬‬
‫وعادل مرشد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬تحت إشراف‪ :‬د عبد اهلل بن عبد المحسن التركي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1421 ،‬هـ= ‪ 2001‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫‪ 135‬ــ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير‪ :‬أحمد بن محمد بن علي‬


‫الفيومي‪ ،‬المكتبة العلمية‪ ،‬بيروت‬
‫‪ 136‬ــ ال ُمصنَّف في األحاديث واآلثار‪ :‬البن أبي شيبة‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمد بن‬
‫عبد اهلل الجمعة‪ ،‬ومحمد بن إبراهيم اللحيدان‪ ،‬الطبعة األولى (‪1425‬هـ =‬
‫‪2004‬م)‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ 137‬ــ المصنَّف‪ :‬لعبد الرزاق الصنعاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن‬
‫األعظمي‪ ،‬الطبعة الثانية (‪1403‬هـ)‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 138‬ــ المعجم األوسط‪ :‬للطبراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬طارق بن عوض اهلل‪،‬‬
‫وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني‪ ،‬دار الحرمين‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 139‬ــ المعجم الكبير‪ :‬للطبراني‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي بن عبد المجيد السلفي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 140‬ــ معجم مقاييس اللغة‪ :‬أحمد بن فارس‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد‬
‫هارون‪1399 ،‬هـ= ‪1979‬م‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ 141‬ــ معرفة السنن واآلثار‪ :‬للبيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المعطي أمين‬
‫قلعجي‪ ،‬الطبعة األولى (‪1412‬هـ = ‪1991‬م)‪ ،‬جامعة الدراسات اإلسالمية‪،‬‬
‫كراتشي‪ ،‬باكستان‪ .‬ودار قتيبة‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ .‬ودار الوعي‪ ،‬حلب‪ ،‬دمشق‪ .‬ودار‬
‫الوفاء‪ ،‬المنصورة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 142‬ــ المغني‪ :‬البن قدامة‪ ،‬بدون طبعة‪1388 ،‬هـ= ‪1968‬م‪ ،‬مكتبة‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ 143‬ــ المفردات في غريب القرآن‪ :‬للراغب األصفهانى‪ ،‬تحقيق‪ :‬صفوان‬
‫عدنان الداودي‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1412 ،‬هـ‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الدار الشامية‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪213‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫‪ 144‬ــ المنتخب من ُمسنَد‪ :‬عبد بن حميد‪ ،‬تحقيق‪ :‬صبحي السامرائي‪،‬‬


‫محمود الصعيدي‪ ،‬الطبعة األولى‪1408 ،‬هـ = ‪1998‬م‪ ،‬مكتبة السنة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 145‬ــ منهج التربية اإلسالمية‪ :‬محمد قطب إبراهيم‪ ،‬الطبعة السادسة‬
‫عشرة‪ ،‬دار الشروق‪.‬‬
‫‪ 146‬ــ منهج التربية النبوية للطفل‪ ،‬مع نماذج تطبيقية من حياة السلف‬
‫الصالح وأقوال العلماء العاملين‪ :‬محمد نور بن عبد الحفيظ سويد‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪1421 ،‬هـ= ‪2000‬م‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ 147‬ــ موسوعة األعمال الكاملة لإلمام محمد الخضر حسين‪ :‬جمع‬
‫وضبط‪ :‬المحامي علي الرضا الحسيني‪ ،‬الطبعة األولى‪1431 ،‬هـ= ‪2010‬م‪،‬‬
‫دار النوادر‪ ،‬سوريا‪.‬‬
‫وخرج أحاديثه وعلَّق عليه‪ :‬محمد‬
‫الموطأ‪ :‬لإلمام مالك‪ ،‬ص َّححه ورقَّمه َّ‬
‫فؤاد عبد الباقي‪ ،‬عام النشر ‪1406‬هـ= ‪1985‬م‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 148‬ــ ميزان االعتدال في نقد الرجال‪ :‬للذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد‬
‫البجاوي‪ ،‬الطبعة األولى (‪1382‬هـ = ‪1963‬م)‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 149‬ــ نزهة األعين النواظر في علم الوجوه والنظائر‪ :‬البن الجوزي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد عبد الكريم كاظم الراضي‪ ،‬الطبعة األولى‪1404 ،‬هـ= ‪1984‬م‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬لبنان‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 150‬ــ نصيحة الملوك‪ :‬للماوردي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ خضر محمد خضر‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1403 ،‬هـ= ‪1983‬م‪ ،‬مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪214‬‬
‫ل‬
‫قائمة بعناوين الآ بحاب الحديدة مشروع‬
‫لصحاب)‬ ‫(تراب الآل وا آ‬
‫* القرآن في حياة اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* أدب التربية في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬نماذج من تعامل اآلل واألصحاب مع صغارهم‪.‬‬
‫* السفر وآدابه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* التجارة والمكاسب في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬آداب وقدوات ونماذج متنوعة‪.‬‬
‫* آداب معاملة الكبار والمرضى في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* اإلعاقة في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬نماذج وآداب وعبر‪.‬‬
‫* آداب التعامل مع غير المسلمين في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* العبادة والزهد في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* الذكر والدعاء في تراث آل البيت‪.‬‬
‫* فضل العلم وآداب طلبه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* آداب التعامل مع المرأة في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* آداب العشرة في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬استلهام للقيم الزوجية الناجحة في سير سلفنا‬
‫الصالح‪.‬‬
‫* آداب الحوار واالختًلف في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬شواهد وآداب‪.‬‬
‫* قضايا نسائية‪ :‬قراءات في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* األطفال في رحاب اآلل واألصحاب‪ :‬بحث في أسس المعالجة الفنية واألدبية لنشر تراث‬
‫اآلل واألصحاب للمراحل العمرية الصغيرة‪.‬‬
‫* الوقف في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* ال َف ْقد في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬دراسة في الجوانب اإليمانية واإلنسانية‪.‬‬
‫* المهارات اإلدارية في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* إدارة الوقت في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* الطعام وآدابه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* المزاح وآدابه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* آداب التعامل مع الحيوان في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫‪.‬‬

You might also like