You are on page 1of 255

‫إدارةاولقت‬

‫يف تراث اآلل واألصحاب‬


‫عنوان الكتاب ‪ :‬إدارة الوقت يف تراث اآلل واألصحاب ‪.‬‬
‫اسم املؤلف ‪ :‬طارق حممد إبراهيم الطيار ‪.‬‬
‫عدد الصفحات ‪253 :‬‬ ‫ــ‬ ‫نوع املطبوع ‪ :‬كتاب ـ ـ الطبعة ‪ :‬األوىل‬
‫السلسلة ‪ :‬تراث اآلل واألصحاب (‪)12‬‬
‫الناشر ‪ :‬مربة اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫ص‪ .‬ب‪ 12421 .‬الشامية ـ الرمز الربيدي ‪ 716555‬ـ ـ ت ‪2560203 :‬‬
‫ردمك‪ 6 :‬ـ ‪ 49‬ـ ‪ 64‬ـ ‪ 99966‬ـ ‪ISBN 978‬‬

‫م‬
‫حقوق الطبع حقوظة لمبرة الآل والآصحاب‬
‫إال لمن أراد التوزيع الخيري بشرط عدم التصرف في المادة العلمية‬

‫الطبعة األوىل‬
‫‪ 1440‬ـهـ ‪2019‬م‬

‫هاتف‪ 22560203 :‬ــ ‪ 22552340‬فاكس‪22560346 :‬‬


‫ص‪ .‬ب‪ 12421 :‬الشامية الرمز البريدي ‪ 71655‬الكويت‬
‫‪ mail: almabarrh@gmail. com‬ــ ‪E‬‬
‫‪www. almabarrah. net‬‬
‫فهرس املوضوعات‬

‫فهرس املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‪11 .....................................‬‬
‫تمهيد ‪15 ....................................................‬‬
‫المقدمة‪26 ...................................................‬‬
‫قيمة الوقت‪30 ................................................‬‬
‫أهمية الموضوع‪34 .............................................‬‬
‫التصنيف في الوقت وأهميته ليس وليد هذا العصر ‪41 ...................‬‬
‫تحديد المفاهيم ‪42 .............................................‬‬
‫* أوال‪ :‬الصحابي ‪42 .......................................‬‬
‫نقل اإلجماع على تفضيل الصحابة ـ رضوان اهلل عليهم أجمعين ـ على‬
‫غيرهم ‪45 ................................................‬‬
‫* ثانيا‪ :‬آل البيت‪47 ........................................‬‬
‫* ثالثا‪ :‬الوقت‪52 ..........................................‬‬
‫* رابعا‪ :‬إدارة الوقت‪55 .....................................‬‬
‫تحديد مناط البحث‪57 ..........................................‬‬
‫الفصل األول الوقت يف اإلسالم‪59 ................................‬‬
‫المبحث األول الوقت في القرآن الكريم‪62 ...........................‬‬

‫‪5‬‬
‫فهرس املوضوعات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫* قسم اهلل تعالى بالزمان أو بجزء منه بيانا لشرف قدره وعظيم منزلته‪63 ...‬‬
‫* بيان أن اهلل تعالى وقت للناس زمانهم؛ إعانة لهم على أمور دينهم‬
‫ودنياهم ‪65 .................................................‬‬
‫* بيان أن اهلل تعالى أعان عباده على تنظيم أوقاتهم‪ ،‬وتخصيص كل‬
‫وقت لما يناسبه ‪65 ..........................................‬‬
‫* بيان أن القدر الممنوح من الوقت لإلنسان كاف للقيام بما أوجبه اهلل‬
‫تعالى عليه ‪67 ..............................................‬‬
‫* تعين أوقات مخصوصة بالشرف ومضاعفة األجور‪68 ...............‬‬
‫* اقتران جملة من العبادات بعامل الوقت ‪69 ......................‬‬
‫المبحث الثاني الوقت في السنة النبوية المطهرة ‪71 .....................‬‬
‫أجل النعم‪ ،‬وأن ضياعه ومن‬‫* بيان أهمية الوقت‪ ،‬وأنه نعمة من ّ‬
‫أعظم الخسران ‪71 ..........................................‬‬
‫* بيان مدى مسؤولية الوقت‪72 ................................‬‬
‫* الحث على استغالل أوقات النشاط في أداء األعمال‪73 ............‬‬
‫* بيان ما جاء في السنة من‪ :‬تنظيم الوقت وتخطيطه‪ ،‬وإعطاء كل شيء‬
‫وقدره‪ ،‬وأن للنفس حقا أيضا‪74 ............................‬‬ ‫حقه ْ‬
‫* بيان ما جاء في السنة من‪ :‬تحديد األهداف‪ ،‬وترتيب األولويات‪،‬‬
‫وتقديم األ َ ْولى منها‪75 .......................................‬‬
‫* الحث على المبادرة باألعمال قبل حصول الشواغل‪،‬‬
‫واغتنام الفرص المتاحة‪77 ....................................‬‬

‫‪6‬‬
‫فهرس املوضوعات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫* بيان ما جاء في السنة من تعلق جملة من العبادات بعامل الوقت‪،‬‬
‫وارتباطها به ارتباطا وثيقا ‪78 ..................................‬‬
‫* الحث على اغتنام األوقات الفاضلة ‪79 ........................‬‬
‫* إعطاء الواجبات المستحقة واالحتياجات المتنوعة قدرها ومساحته‬
‫المناسبة من الوقت‪80 .......................................‬‬
‫* المثابرة والمداومة على العمل‪ ،‬واألمر بأن يكلف اإلنسان نفسه‬
‫من األعمال ما يطيق ‪83 .....................................‬‬
‫* االجتهاد في العمل‪ ،‬وبلوغ الدرجة العليا في ذلك ‪84 .............‬‬
‫* عدم االنقطاع عن العمل بحال حتى لو علم اإلنسان قرب نهايته ‪85 ...‬‬
‫المبحث الثالث الوقت في التراث اإلسالمي‪ ،‬ونظرة السلف له ‪87 .........‬‬
‫* أهمية الوقت‪ ،‬والنظر له على أنه عمر اإلنسان‪87 ..................‬‬
‫* إدارة الوقت تبدأ بالتخطيط والتنظيم اليومي للعمل‪89 ...............‬‬
‫* ذكر أوراد الليل ‪91 ........................................‬‬
‫* االعتناء بالوقت الحاضر‪ ،‬وعدم االنشغال بغيره‪ ،‬سواء بالتحسر على‬
‫فوات الماضي أو أحالم المستقبل‪92 .............................‬‬
‫المبحث الرابع سمات النظرة اإلسالمية للوقت‪94 ......................‬‬
‫* أوال‪ :‬إعطاء قيمة عظمى للوقت ‪95 ............................‬‬
‫* ثانيا‪ :‬الوقت أعظم من أن يضيع منه شيء ‪96 .....................‬‬
‫* ثالثا‪ :‬الوقت يُحسب باللحظة ويعد باألنفاس‪ ،‬ومحاسبة النفس تكون‬
‫على هذا القدر منه‪97 .........................................‬‬
‫‪7‬‬
‫فهرس املوضوعات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫* رابعا‪ :‬لكل واجب من الواجبات‪ ،‬وكل حاجة من احتياجات النفس‬
‫وقتها المقدر لها ‪98 ..........................................‬‬
‫* خامسا‪ :‬الحث على المداومة على العمل بال انقطاع وال فتور ‪100 ......‬‬
‫* سادسا‪ :‬الموازنة واالعتدال في تقسيم األوقات ‪100 ................‬‬
‫* سابعا‪ :‬طلب األجر في كل لحظة حتى ما كان منه للنوم والراحة ‪101 ...‬‬
‫* ثامنا‪ :‬مراعات اختالف األحوال بين الناس ‪102 ...................‬‬
‫* تاسعا‪ :‬الوقت الممنوح لإلنسان كفيل بتحقيق األعمال المنوطة به ‪103 ..‬‬
‫* عاشرا‪ :‬المباركة في الوقت عموما‪ ،‬وفي أوقات بعينها خصوصا ‪103 ....‬‬
‫* حادي عشر‪ :‬تكليف النفس بما تطيق من العمل ‪106 ...............‬‬
‫* ثاني عشر‪ :‬ضياع الوقت ضياع لما وجب فيه من العمل ‪107 ..........‬‬
‫الفصل اثلاين إدارة الوقت يف تراث اآلل واألصحاب ‪109 ................‬‬
‫المبحث األول أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه ‪112 ......‬‬
‫* الوقت محل للتسابق والمنافسة في الخيرات ‪114 .................‬‬
‫* مراعاة الدقة في المواعيد ‪115 ...............................‬‬
‫* مرور الوقت في الحقيقة نقصان من العمر واستهالك له ‪118 .........‬‬
‫* بذل الوقت في الغالي والنفيس‪119 ...........................‬‬
‫* التحفيز على عدم إضاعة الوقت ‪119 ..........................‬‬
‫* محاسبة النفس مخافة ضياع الوقت في غير نفع‪120 ...............‬‬
‫* حساب الوقت وساعات الليل والنهار ‪122 ......................‬‬

‫‪8‬‬
‫فهرس املوضوعات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المبحث الثاني استثمار الوقت وعدم إضاعته‪123 ......................‬‬
‫* االستفادة من الوقت بعمل الخيرات على كل حال ‪123 ............‬‬
‫* األمر بالمحافظة على الوقت‪ ،‬والنهي عن إضاعته ‪124 .............‬‬
‫* الحث على سرعة القراءة مع اإلتقان اختصار لألوقات والحفاظ عليها ‪126 .‬‬
‫* بغضهم إضاعة الوقت‪ ،‬أو استحقار شيء من األعمال ‪127 ..........‬‬
‫* عدم االكتفاء باألقوال الجوفاء التي ال عمل يصدقها ‪129 ...........‬‬
‫* اإللمام بشؤون الحياة المختلفة والمشاركة فيها ‪130 ...............‬‬
‫المبحث الثالث تخطيط الوقت وتنظيمه‪132 ..........................‬‬
‫* تقسيم الوقت ‪134 ........................................‬‬
‫* التنظيم والتخطيط اليومي للعمل ‪136 ..........................‬‬
‫* توزيع الوقت بين المهام المختلفة‪138 .........................‬‬
‫* التعاون وتقسيم العمل وتكليف الغير ببعض المهام لتحقيق أكبر‬
‫قدر من االستفادة من الوقت‪140 ...............................‬‬
‫* تحديد األولويات وتقديم األ َ ْولى فاأل َ ْولى ‪142 ...................‬‬
‫المبحث الرابع اختيار الوقت المناسب للعمل مع مراعاة اختالف األحوال ‪145‬‬
‫المبحث الخامس تفريغ الوقت والجهد لألعمال العظام ‪149 ..............‬‬
‫المبحث السادس اغتنام أوقات الشباب والمعافاة‪152 ...................‬‬
‫الفصل اثلالث فقه اآلل واألصحاب يف إدارة الوقت‪159 ................‬‬
‫المبحث األول تكليف النفس بما تطيق‪162 ..........................‬‬

‫‪9‬‬
‫فهرس املوضوعات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المبحث الثاني مراعاة كافة جوانب الحياة ‪167 ........................‬‬
‫المبحث الثالث المسابقة والمنافسة في اغتنام األوقات‪173 ...............‬‬
‫المبحث الرابع تحري األوقات المخصوصة‪182 .......................‬‬
‫المبحث الخامس المحاسبة والمراجعة للنفس ‪186 .....................‬‬
‫المبحث السادس إعطاء النفس حظها من الراحة والترويح الستعادة‬
‫النشاط‪190 ...................................................‬‬
‫المبحث السابع المداومة وعدم االنقطاع ‪196 .........................‬‬
‫الفصل الرابع فقه اآلل واألصحاب يف اتلعامل مع مضيعات الوقت‬
‫ومعوقات إدارته‪201 ...........................................‬‬
‫المبحث األول الكسل ‪204.......................................‬‬
‫المبحث الثاني التسويف ‪212 .....................................‬‬
‫خير منه‪217 .......‬‬
‫المبحث الثالث بذل الوقت فيما ال نفع فيه أو فيما غيره ٌ‬
‫الخاتمة ‪223 ..................................................‬‬
‫المصادر والمراجع ‪225.........................................‬‬

‫‪10‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫مقدمة مبرة الآل والآصحاب‬


‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبيِّنا محم ٍد‬
‫وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين الغر الميامين‪ ،‬أما بعد؛‬
‫أثرا بالغ األهمية في االرتقاء بحياة‬
‫فال ريب أن للقدوات الصالحة ً‬
‫األمم والشعوب؛ وذلك أنهم هم الذين يقدمون الدليل الواقعي والتطبيق‬
‫العملي للتعاليم التي تم ّثل منظومة القيم واألخالق التي تشكّل هوية تلك‬
‫األمم‪ ،‬وتعتبر مثالها السامي الذي تستهدف احتذاء حذوه واالهتداء بهديه‪.‬‬
‫وقد ّنبه القرآن الكريم على ذلك المعنى وأشاد به في آيات كثيرة‪،‬‬
‫فضل االقتداء باألنبياء والصالحين‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬ ‫مبي ًنا َ‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ} [األحزاب‪:‬‬
‫‪ ،]21‬وقال ‪{ :‬ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [الممتحنة‪،]4 :‬‬
‫وقال سبحانه‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ}‬
‫صفوة من رسله وأنبيائه‪{ :‬ﲻ ﲼ ﲽ‬ ‫ٍ‬ ‫[الممتحنة‪ ،]6 :‬وقال عقب ذكر‬
‫عز ِمن قائل‪{ :‬ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬ ‫ﲾﲿ ﳀ ﳁ} [األنعام‪ ،]90 :‬وقال ّ‬
‫تأمل‪.‬‬
‫ﲾﲿﳀ} [األحقاف‪ ،]35 :‬وغير ذلك مما يفهم من النصوص بأدنى ّ‬
‫‪11‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫والواجب على أمتنا اإلسالمية أن تصوغ رؤيتها األخالقية والقيمية‬


‫والحضارية انطال ًقا من الوحي قرآ ًنا وسن ًة‪ ،‬في تناغم مع معطيات العلم‬
‫في جميع المجاالت‪ ،‬ومواكبةٍ لمستجدات العصر الذي نعيش فيه وما‬
‫تحديات عظيمة‪ .‬فال يحسن أن نقتصر في تدبرنا للوحي على‬ ‫ٍ‬ ‫يزخز به من‬
‫مجرد األمور الدينية العبادية المحضة‪ ،‬فإن الوحي قد أنزله اهلل هدى ونو ًرا‬
‫لإلنسانية تنتفع به في معاشها ومعادها‪ ،‬وإن كان مقصوده األساس الفالح‬
‫األخروي وما يقرب إليه؛ إال أنه ال شك في كونه يرشدنا بهداياته في‬
‫جميع مناحي الحياة العملية‪ ،‬ولو في صورة ضوابط ومعايير وقيم كلية‬
‫نافعة‪ ،‬نستلهم منه ما يرضي ربنا ويحقق فالحنا في الدنيا‪ ،‬مع عدم إغفال‬
‫البحث والعلم في جميع المجاالت بأدواتها ووسائلها‪.‬‬
‫ونحن إذا ذهبنا نستلهم قيم الوحي على مختلف األصعدة العلمية‬
‫خيرا مما نجده عن صحابة‬ ‫وتفعيال؛ ً‬
‫ً‬ ‫امتثاال وتطبي ًقا‬
‫والسلوكية؛ لم نجد ً‬
‫النبي ‘ األخيار وأهل بيته األطهار‪ ،‬فهم الذين انتهجوا الوحي كتا ًبا‬
‫أعالما‬
‫ً‬ ‫وسنة في جميع جوانب حياتهم‪ ،‬فسادوا وقادوا‪ ،‬وصاروا أئمة‬
‫هداة‪.‬‬
‫وقد أخذت (مبرة اآلل واألصحاب) ــ كعادتها ــ على عاتقها مهم َة‬
‫تفعي ِل ذلك المعنى‪ ،‬وتقديمه في صورة بحثية توعوية منضبطة؛ لكونها‬
‫مؤسسة متخصصة في تراث اآلل واألصحاب حتى صار لها ــ بفضل اهلل ــ‬
‫الريادة في ذلك المجال‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫وقد كان أصل هذا المشروع الذي بين أيدينا فكر ًة من قِبل رئيس‬
‫مجلس إدارة المبرة د‪ .‬عبدالمحسن الجاراهلل الخرافي تتضمن توسيع‬
‫لتضم مجاالت جديدة ورحا ًبا‬ ‫ّ‬ ‫نطاق األبحاث المتعلقة باآلل واألصحاب‬
‫أوسع وال تقتصر على الموضوعات الدينية المألوفة‪ ،‬ثم أوعز بهذه الفكرة‬
‫وبعض عناصرها إلى مركز البحوث والدراسات بالمبرة؛ فقام المركز‬
‫مشكو ًرا مأجو ًرا بوضع خطة طموحة تتضمن العديد من الموضوعات‬
‫الهادفة‪ ،‬العلمية والعملية؛ التي نستهدف أن نستضيء فيها بتراث اآلل‬
‫واألصحاب‪ ،‬ونكشف عن مالمح تطبيقهم الوحي على جميع األصعدة‬
‫واألنحاء‪ ،‬بشكل يتجلّى فيه الجانب اإلبداعي من تخصص المبرة في‬
‫خدمة تراث اآلل واألصحاب‪ ،‬و>التخصص يقود إلى اإلبداع< بحمد اهلل‬
‫وتوفيقه‪ ،‬بحيث نقدم للمكتبة العلمية والدعوية تجمي ًعا غير مسبوق لبعض‬
‫الجوانب الدقيقة في تراث اآلل واألصحاب؛ و ِمن ثَ َّم َّنسق المركز مع‬
‫مجموعة من الباحثين ليقدموا جهودهم في تحويل تلك األفكار‬
‫والموضوعات إلى أبحاث علمية وفق منهجية مركز البحوث والدراسات‬
‫المنضبطة‪ ،‬القائمة على التحقيق العلمي‪ ،‬واالستدالل الصحيح‪،‬‬
‫واالسترشاد بكتب أهل العلم السابقين والمعاصرين‪ ،‬واستمر جهد المركز‬
‫في متابعة األبحاث ومراجعتها وتعديل ما يحتاج منها إلى تعديل‪ ،‬عبر‬
‫خلية عمل تفرغت للمشروع تحت إشراف رئيس مركز البحوث‬
‫والدراسات الشيخ محمد سالم الخضر مباشرة‪ ،‬فالشكر موصول لجميع‬
‫الباحثين الكرام في المركز‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫ثم تضافرت جهود أقسام المبرة األخرى كقسم اإلعالم في إتمام‬


‫العمل بتنسيق الكتب وإخراجها حتى تمويلها لطباعتها؛ فكانت هذه‬
‫السلسلة من الموضوعات‪ ،‬التي تندرج في سلسلة (تراث اآلل‬
‫واألصحاب)؛ ثمر ًة لهذا التعاون المبارك‪.‬‬
‫وقد أرفقنا في ذيل هذا الكتاب قائم ًة بعناوين هذه المجموعة‬
‫المتكاملة من الموضوعات الدقيقة والمهمة في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫وألنه لم يشكر اهللَ َمن ْلم يشكر الناس‪ ،‬فإننا نود التوجه بالشكر‬
‫والتقدير لإلخوة األعزاء في جمعية الشيخ عبد اهلل النوري الخيرية على‬
‫تبنيهم طباعة هذا الكتاب‪ ،‬وتكفلهم بتكلفته المالية‪ ،‬فهذا ليس بأول‬
‫مساعيهم الطيبة لنشر الدعوة اإلسالمية الوسطية‪ ،‬والشيء من مع ِدنه ال‬
‫مثال َح َس ٌن على تعاون الجمعيات والمبرات األهلية في‬
‫يستغرب‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫مجال الدعوة ونشر الثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫صا لوجهه‬‫نرجو من اهلل ‪ ‬أن يوفقنا في مسعانا‪ ،‬وأن يجعله خال ً‬
‫الكريم‪ ،‬وأن يجمع لنا األجرين‪ :‬أجر االجتهاد وأجر الصواب‪ ،‬إنه ولي‬
‫ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫مبرة الآل والآصحاب‬

‫‪14‬‬
‫تمهيد‬

‫طيبا مبار ًكا فيه‪ ،‬أحمده سبحانه‪ ،‬وأثني عليه‬


‫كثيرا ً‬
‫الحمد هلل حم ًدا ً‬
‫الخير كله‪ ،‬ال نحصي ثناء عليه‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك‬
‫له‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬بلّغ الرسالة‪ ،‬وأ ّدى األمانة‪ ،‬ونصح‬
‫لألمة‪ ،‬وجاهد في سبيل اهلل حتى أتاه اليقين‪ ،‬صلى اهلل عليه وسلم تسلي ًما‬
‫الطيبين الطّاهرين‪ ،‬وأصحابه الغر المحجلين‪ ،‬صالة‬ ‫كثيرا‪ ،‬وعلى آله ّ‬
‫ً‬
‫وسالما تمآلن ما بين السماء واألرض نو ًرا إلى يوم الدين‪.‬‬
‫ً‬

‫أامدعب‪:‬‬
‫علوا‬
‫فإن اهلل ‪ ‬لم يخلق اإلنسان عب ًثا؛ تعالى سبحانه عن ذلك ً‬
‫جل شأنه حين قال‪{ :‬ﱣ‬
‫كبيرا‪ ،‬وإنما خلقه لغاية عظيمة‪ ،‬قد أخبرنا بها ّ‬
‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ}‬ ‫ﱤﱥﱦﱧﱨﱩ‬
‫[الذاريات‪ ،]56 :‬وهي غاية ما أعظمها وأشرفها على اإلطالق‪ ،‬ومن أجل‬
‫عظم هذه الغاية وشرفها‪ ،‬وإلعانة اإلنسان على أدائها على أحسن وجه‬
‫سخر اهلل تعالى له ما سخر من خلقه العظيم في السموات واألراضين‪،‬‬
‫وآتاه من نعمه ما ال يحصى؛ فقال سبحانه‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬

‫‪15‬‬
‫تمهيد‬

‫ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ} [لقمان‪ ،]20 :‬وقال أيضا‪:‬‬


‫{ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬
‫ﲷ ﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬
‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﱁ ﱂ‬
‫ﱃ ﱄ ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ} [إبراهيم‪ 32 :‬ــ ‪ ،]34‬وغير‬
‫ذلك من اآليات الدالة على أن اهلل تعالى سخر لإلنسان من المخلوقات‬
‫العظيمة ما يعينه على القيام بالغاية التي خلق من أجلها‪ ،‬وأن يكرس جهده‬
‫ويعقد عزمه على الوفاء بها‪ ،‬ويصرف فيها من عمره ما يتناسب مع قدرها؛‬
‫فهي غاية حري بها أن ينفق فيها جميع عمره‪.‬‬
‫ومن أجل تحقيق هذه الغاية العظمى على الطريقة المثلى‪ ،‬وإقامة‬
‫الحجة على الخلق‪ ،‬وبيان المثال الذي يحتذى به‪ ،‬أنزل اهلل تعالى‬
‫الكتب‪ ،‬وأرسل الرسل إلى الناس مبشرين ومنذرين‪ ،‬يعلمونهم كيف‬
‫يعبدون ربهم‪ ،‬وما هو السبيل الذي يسلكونه إليه‪ ،‬والوسيلة التي يتقربون‬
‫بها إليه سبحانه‪ ،‬فقال تعالى في ذلك‪{ :‬ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ} [النساء‪،]165 :‬‬
‫وقال سبحانه‪{ :‬ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ}‬
‫[إبراهيم‪ ،]4 :‬وقال‪{ :‬ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ‬
‫ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ} [النحل‪.]64 :‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد وهب اهلل تعالى لإلنسان مقدا ًرا من الزمان ــ وهو عمره‬
‫ليمكِّنه من أداء تلك المهمة المنوطة‬
‫ووقته الذي يمضيه في هذه الحياة ــ َ‬
‫‪16‬‬
‫تمهيد‬

‫به‪ ،‬على الوجه الذي ُعلِّم‪ ،‬من خالل رسل اهلل له‪ ،‬والوحي الذي نزل‬
‫عليهم بما يريده اهلل منهم‪ ،‬فوهبه سبحانه ذلك القدر من الزمان ابتالء‬
‫واختبار له؛ فيتبين أيهم أحسن عمال‪ ،‬كما أوضح سبحانه ذلك في كتابه‪:‬‬
‫{ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} [الملك‪ ،]2 :‬فيتحقق بذلك‬
‫فيحصل اإلنسان من النجاح الدنيوي‬
‫ِّ‬ ‫إعمار األرض‪ ،‬وطمأنينة النفس‪،‬‬
‫واألخروي ــ إن شاء اهلل تعالى ــ بقدر ما بذل‪ ،‬بكيفية إمضائه ذلك العمر‪.‬‬
‫وكان في هذا القدر من الزمان الممنوح لإلنسان ما يكفي ليكون‬
‫محال للفالح في هذا االختبار‪ ،‬فإن اهلل تعالى قال‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ‬
‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ} [فاطر‪ ،]37 :‬فتبين أن القدر الممنوح من العمر‬
‫لكل مكلف كان فيه الكفاية لتحصيل ما هو منوط به من العمل الكافي‬
‫لفالحه‪.‬‬
‫وقد اتفقت دعوة الرسل جميعا ــ عليهم الصالة والسالم ــ على‬
‫عبادة اهلل تعالى وحده‪ ،‬واجتناب عبادة غيره سبحانه‪ ،‬وعلى األمر بطاعة‬
‫اهلل تعالى فيما أمر واالنتهاء عما نهى‪ ،‬وأن ذلك كله هو الهداية الحقة‪،‬‬
‫ومخالفته هو الضالل المبين‪{ :‬ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬
‫ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ}‬
‫جزي بالحسنى كما أخبرنا ربنا ‪‬‬ ‫[النحل‪]36 :‬؛ فمن أحسن فيما ُكلف به ُ‬
‫{ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ} [الزمر‪ ،]10 :‬وال يت ّأ َّتى ذلك إال‬
‫باالستغالل األمثل لذلك القدر الممنوح من الزمان‪ ،‬وإنفاقه بالطريقة‬
‫‪17‬‬
‫تمهيد‬

‫المثلى في العمل النافع في الدين والدنيا‪ُ ،‬فيحصل اإلنسان أفضل الجزاء‬


‫كما من اإلنجازات بقدر ما أحسن‬ ‫في الدارين‪ ،‬فكل إنسان يحقق ًّ‬
‫استغالل ما ُوهب له من العمر وسائر النعم‪.‬‬
‫وكل عمل يعمله اإلنسان يستغرق قدرا من الزمن‪ ،‬وهذه القدر الذي‬
‫ينفقه في ذلك العمل ــ خيرا كان أو شرا ــ هو الوقت‪ ،‬ومجموع هذه‬
‫األوقات يشكل عمر اإلنسان‪ ،‬فكلما أحسن في إنفاق وقته كلما أحسن في‬
‫استغالل عمره‪ ،‬وكلما ازدادت إنجازاته‪ ،‬وعظمت‪ ،‬وارتفعت درجته في‬
‫الدارين‪ ،‬وذلك كله راجع لحسن تنظيم وقته وتوزيعه على جميع شؤنه‪،‬‬
‫أو قل‪ :‬حسن إدارته لوقته‪.‬‬
‫وحسن إدارة اإلنسان لوقته ال يأتي من فراغ‪ ،‬إنما يكون بحسن‬
‫التخطيط والتنظيم‪ ،‬وحسن االستغالل‪ ،‬مع وضوح األهداف والغايات‪،‬‬
‫وبذل الجد واالجتهاد في السير على هذه الطريق إلى بلوغها‪ ،‬فعليه أن‬
‫يحسن في ذلك كله ويبذل قدر ما يستطيع‪ ،‬ويسلك كل السبل المتاحة‬
‫للوصول إلى أقصى إفادة ممكنة من هذه الحياة‪.‬‬
‫ولما كان اإلنسان ــ بحسب طبيعته وما جبل عليه ــ ليس كامال‪،‬‬
‫وإنما يسعى ــ من ُرزق الهداية والحكمة ــ إلى الكمال‪ ،‬فهو بحاجة إلى‬
‫أسوة يتأسى بها‪ ،‬وأمثلة يَ ْحتذي بها‪ ،‬فيكون سابقوه في سلوك الدرب‬
‫ــ غالبا ــ قد بلغوا الغاية المنشودة‪ ،‬وسلكوا السبيل األقوم‪ ،‬فيكونون له‬
‫نبراسا ودليال يهتدي به‪ ،‬فيسير بسيرتهم‪ ،‬ويمشي على خطاهم‪ ،‬فيلحق‬
‫‪18‬‬
‫تمهيد‬

‫بركبهم‪ ،‬ويصل إلى ما وصلوا إليه‪.‬‬


‫وإذا كنا بصدد البحث عن القدوة واألسوة فال نجد أفضل ممن‬
‫زكاهم اهلل ‪ ،‬ورسوله ـ ‘ ـ من الصحابة الكرام‪ ،‬فهم خير الناس علما‬
‫وعمال‪ ،‬وخير الناس قوال وفعال‪ ،‬وهم أيضا خير الناس قرنا(‪ ،)1‬وآل البيت‬
‫األطهار األبرار‪ ،‬الذين ذكر اهلل تعالى طهارتهم في كتابه الكريم‪ ،‬حيث‬
‫قال‪{ :‬ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ}‬
‫[األحزاب‪.]33 :‬‬
‫ت ِفي ُتر ِ‬
‫اث‬ ‫فمن هذا المنطلق جاءت فكرة هذا البحث‪ِ :‬إ َد َار ُة ا ْل َو ْق ِ‬
‫َ‬
‫ْاآل ِل َو ْاألَ ْص َحاب؛ فالوقت أثمن ما يملكه اإلنسان؛ إذ هو عمره‪ ،‬وحري‬
‫أن يعطى القدر األكبر والنصيب األوفر من االهتمام بالبحث والتحقيق‪،‬‬
‫أما اآلل واألصحاب فإنهم خيرة الخلق بعد األنبياء والمرسلين‪ ،‬الذين‬
‫أقاموا الدين وبلّغوه‪ ،‬وأفضل من عمل به بعد النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬وفهمهم له‬
‫خير فهم‪ ،‬وتطبيقهم له أحسن تطبيق‪ ،‬شهد اهلل لهم بالرضا على ما قاموا‬
‫به‪ ،‬وأعلمنا سبحانه نيلهم الجزاء الحسن على ذلك‪ ،‬كما أثبتت السنون‬
‫حسن صنيعهم‪ ،‬وغزارة إنتاجهم‪ ،‬فاستحقوا أن يكونوا نبراسا وقدوة لمن‬
‫جاء بعدهم‪ ،‬فكانت خيرية البحث في طرفيه‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد أوصت مبرة اآلل واألصحاب ــ بارك اهلل في سعيها ــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فقد جاء فيما رواه البخاري (‪ ،)2652‬ومسلم (‪ ،)2533‬من حديث ابن مسعود ــ‬
‫‪> :‬خير الناس قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ <..‬الحديث‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫تمهيد‬

‫بهذا العمل‪ ،‬ليكون نافذة يرى منها طالب الحق صنيعهم وآثارهم في هذا‬
‫الباب‪ ،‬فيهتدي بهديهم من أراد السير بمسيرتهم‪ ،‬ورام القدوة الحسنة‪،‬‬
‫والمثال الذي أثبتت األيام فوز صاحبه‪.‬‬
‫وقد قمت بالنظر في تراث اآلل واألصحاب‪ ،‬الستخراج هذا البحث‪،‬‬
‫فأخذت من سيرهم وتراجمهم‪ ،‬وما أثر عنهم من أقوالهم وأفعالهم؛ مما‬
‫سطره أهل األثر والمؤرخون عنهم‪ ،‬وكان من الصعوبة التي واجهتني في‬
‫البحث أن الموضوع يشمل كل مناحي حياتهم؛ إذ الوقت هو العمر كله‪،‬‬
‫وينفق كذلك في جميع جوانب الحياة؛ إذ هو وعاء لكل ما يقوم به المرء‬
‫من أعمال؛ دينية ودنيوية‪ ،‬أو روحية ومادية‪ ،‬فال يقتصر األمر هنا على‬
‫تناول جانب علم أو جهاد أو عبادة من العبادات أو عمل من أعمال الدنيا‬
‫كالتجارة أو الصناعة والحرفة‪ ،‬بل جميع اليوم وما فيه من أعمال‪ ،‬والعمر‬
‫كله وما يشمله من أحداث داخل في إطار البحث من هذا المنطلق؛ إذ‬
‫يشمل تخطيط الوقت القدر الذي أخذ منه للعمل والجد كما يشمل ما‬
‫أخذ منه للراحة والترويح ــ كما سيتبين إن شاء اهلل ــ‪ ،‬فكان لزاما أن‬
‫يشمل البحث جل نواحي حياتهم‪ ،‬وجميع أعمالهم في يومهم وليلتهم‪،‬‬
‫مما يجعل رقعة البحث واسعة لتشمل ذلك كله‪ ،‬ولنرى كيف أداروا‬
‫أوقاتهم؛ فوصلوا إلى ما وصلوا إليه من الفوز العظيم بالجزاء والعطاء‬
‫الوفير‪ ،‬والثناء الجميل‪ ،‬والذكر الحسن‪ ،‬وبلوغ الغاية في الدارين‪ ،‬رضي‬
‫اهلل عنهم أجمعين‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد جاء البحث في مقدمة وأربعة فصول‪ ،‬وخاتمة‪ ،‬وتفصيل‬
‫‪20‬‬
‫تمهيد‬

‫ذلك على الوجه التالي‪:‬‬


‫المقدمة‪ :‬أستهل بها البحث‪ ،‬وأمهد لموضوعه‪ ،‬تناولت فيها بعض‬
‫المسائل المتعلقة بالبحث منها‪ :‬الكالم إجماال عن والوقت وقيمته‪،‬‬
‫وأهمية موضوع البحث‪ ،‬وكون التصنيف في هذا الباب ليس وليد هذا‬
‫العصر‪ ،‬ثم تحديد المفاهيم‪ ،‬وتعيين مناط البحث‪.‬‬
‫الصفلاألول‪ :‬الوقت يف اإلسالم‪.‬‬
‫ويتضمن الكالم على الوقت‪ ،‬وقيمته في اإلسالم‪ ،‬وبيان ذلك من‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وفي التراث اإلسالمي‪ ،‬وفيه مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الوقت في القرآن‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الوقت في التراث اإلسالمي‪ ،‬ونظرة السلف له‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‪.‬‬
‫ااثلن ــ وهو مع الفصول التي تليه لب البحث ومداره ــ‪:‬‬
‫ي‬ ‫الصفل‬
‫إدارة الوقت يف تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫ويتضمن التطبيق العملي‪ ،‬وتنزيل الوارد عن اآلل واألصحاب من‬
‫اآلثار على مباحث إدارة الوقت التي ذكرها المعاصرون في تصانيفهم‪،‬‬
‫وفيه مباحث‪:‬‬
‫‪21‬‬
‫تمهيد‬

‫المبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‪.‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬استثمار الوقت‪ ،‬وعدم إضاعته‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬لكل وقت عمله المخصص له‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬مراعاة كافة الحقوق والواجبات في تعاملهم مع‬
‫الوقت‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬االجتهاد عموما وبذل المزيد منه في أوقات‬
‫مخصوصة طلبا لمزيد من األجر والمثوبة‪.‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬المسارعة في الخيرات‪ ،‬وهي من مميزات النظرة‬
‫اإلسالمية للوقت‪.‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬اغتنام أوقات الفراغ والصحة والشباب‪.‬‬
‫المبحث التاسع‪ :‬تحري األوقات الفاضلة والمخصوصة‪.‬‬
‫المبحث العاشر‪ :‬إعطاء النفس حظها من المرح واللهو المباح لتجديد‬
‫النشاط‪.‬‬
‫المبحث الحادي عشر‪ :‬آخر العمر محل االجتهاد ومضاعفة األعمال‬
‫وليس وقت الراحة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫تمهيد‬

‫الصفلااثلثل‪ :‬فقه اآلل واألصحاب يف إدارة الوقت‪.‬‬


‫نتناول فيه طريقتهم في إدارة الوقت‪ ،‬واألسس التي ساروا عليها في‬
‫التعامل مع الوقت‪ ،‬وفيه مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تكليف النفس بما تطيق‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مراعاة كافة جوانب الحياة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المسابقة والمنافسة في اغتنام األوقات‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬تحري األوقات المخصوصة‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬المحاسبة والمراجعة للنفس‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬إعطاء النفس حظها من الراحة والترويح الستعادة‬
‫النشاط‪.‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬المداومة وعدم االنقطاع‪.‬‬
‫الصفل ارلاعب‪ :‬فقه اآلل واألصحاب يف التعامل مع مضيعات‬
‫الوقت‪ ،‬ومعوقات إدارته‪.‬‬
‫نتناول الكالم على مضيعات الوقت التي تعوق إدارة الوقت‪ ،‬وفقه‬
‫اآلل واألصحاب في التعامل معها‪ ،‬وتحذيرهم منها‪ ،‬يتركز الكالم فيه على‬
‫ثالث معوقات رئيسية‪ ،‬تعد هي لب معوقات إدارة الوقت‪ ،‬وفيه مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الكسل‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫تمهيد‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التسويف‪.‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬بذل الوقت فيما ال نفع فيه‪ ،‬أو فيما غيره خير منه‪.‬‬
‫ثم خاتمة البحث‪.‬‬
‫ثم قائمة المصادر والراجع‪.‬‬
‫ثم فهرس الموضوعات‪.‬‬
‫هذا وكان من طريقتي في العمل جمع اآلثار الواردة عن اآلل‬
‫واألصحاب الكرام ـ ‪ ‬ـ مما يحمل المعاني المشتملة على موضوع‬
‫البحث‪ ،‬ويبرز جوانب إدارة الوقت فيها‪ ،‬جمعا يتناسب مع حجم البحث‬
‫والمراد منه‪ ،‬ولم أتوسع في الكالم على اآلثار الواردة؛ إال ما كان منها‬
‫عن رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ ،‬أو بعض اآلثار اليسيرة التي اشتملت على حدث‬
‫تاريخي‪ ،‬أو واقعة بعينها‪ ،‬وما دون ذلك فجاء الكالم عليه باختصار‪،‬‬
‫وربما كان في األثر بعض الضعف في سنده‪ ،‬إال أننا نذكره من باب‬
‫اإلشارة للمعنى الذي تضمنه؛ مما هو مرتبط بموضوع البحث‪ ،‬وأن تلك‬
‫المعاني ــ على أقل تقدير ــ كانت متداولة في تلك الحقبة من الزمان‪.‬‬
‫كما أن المباحث التي تضمنها البحث راعيت فيها أن تكون على‬
‫نفس المنوال المتداول في األبحاث المعاصرة ــ وهي كثيرة ــ في باب‬
‫إدارة الوقت‪ ،‬وقد استفدت من بعضها‪ ،‬وذكرت ذلك في موطنه‪.‬‬
‫أسأل اهلل تعالى التوفيق والسداد‪ ،‬وأن يجازي القائمين على مبرة‬
‫‪24‬‬
‫تمهيد‬

‫اآلل واألصحاب األجر العظيم؛ على جهدهم في نشر الخير‪ ،‬والحث‬


‫عليه‪ ،‬وإظهار نماذجه المشرقة في أبواب شتى‪ ،‬كما أرجوه سبحانه أن‬
‫يرزقني اإلخالص والتوفيق والسداد‪ ،‬وأن يتجاوز عن الخطأ والتقصير؛‬
‫إذ هو دأب كل عمل بشري‪ ،‬خاصة في مثل هذه األعمال التي تتسع رقعة‬
‫البحث فيها؛ فإن البحث في سير هؤالء العظام واستخراج الدرر منها بحر‬
‫ال ساحل له‪ ،‬وال يحيط به إال اهلل تعالى‪ ،‬فربما كان في سيرة الواحد منه‬
‫ما يستحق المؤلفات العظام في عدد من فروع المعرفة‪ ،‬ثم ال يوفّى بعد‬
‫ذلك حقه‪ ،‬واهلل الموفق والمستعان‪.‬‬

‫وكتب الفقير إلى عفو ربه سبحانه‬

‫طارقنبحممدنبإبراهميالطيار‬

‫‪25‬‬
‫املقدمة‬

‫‪H‬‬

‫الوقت بالنسبة لإلنسان هو ذلك القدر من الزمان الذي يمضيه في‬


‫عمل ما‪ ،‬وهو أيضا األيام والسنون التي يمضيها في حياته الدنيا‪ ،‬فهذا‬
‫الزمان في مجموعه هو عمر اإلنسان‪ ،‬قال ابن القيم‪( :‬وقت اإلنسان هو‬
‫عمره في الحقيقة)(‪ ،)1‬فالوقت هو العمر‪ ،‬وهو الحياة‪.‬‬
‫والوقت ــ الذي هو عمر اإلنسان ــ إن ضربنا له مثال‪ ،‬فهو أشبه‬
‫بموسم الزرع‪ ،‬خاصة في مقتبل العمر‪ ،‬ووقت الشباب‪ ،‬فال يزال يحسن‬
‫فيه حتى تأتي بدايات موسم الحصاد في حياته الدنيا‪ ،‬إلى بلوغ ذروته في‬
‫اآلخرة‪ ،‬فالعاقل من أحسن الزرع لتحسن الثمار؛ إذ ال حصاد بال زرع‪،‬‬
‫وال ثمرة بال جهد‪ ،‬فالوقت هو المحور الرئيس في حياة اإلنسان‪ ،‬فكل‬
‫شيء تعلق باإلنسان تعلق تبعا بقدر من وقته وعمره‪.‬‬
‫والوقت أثمن من المال بالنسبة لإلنسان‪ ،‬فالمال الذي يجمعه‬
‫اإلنسان بكده يمكن تعويضه إن فاته منه شيء‪ ،‬وربما حصل عليه بال‬
‫أدنى جهد منه ــ كما في حالة الميراث والهبة مثال ــ‪ ،‬بخالف الحال مع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الجواب الكافي (صـ‪.)156‬‬
‫‪26‬‬
‫املقدمة‬

‫عوض‬ ‫الوقت؛ فهو غير متجدد‪ ،‬وما مضى منه ال يرجع‪ ،‬وما يفنى منه ال يُ َّ‬
‫ورث‪ .‬وهو أيضا‬ ‫يسيرا‪ ،‬وال يُ َّ‬
‫بشيء‪ ،‬وال يُوهب منه شيء‪ ،‬ولو كان ً‬
‫سريع االنقضاء‪ ،‬وال يمكن التغير أو التعديل فيه بحال‪ ،‬فكل مقدار منه‬
‫يمر فهو يأخذ من عمر اإلنسان بمقدار ما مر‪ ،‬لذا فالوقت من أهم الموارد‬
‫وأنفسها بالنسبة لإلنسان‪ ،‬بل هو المورد األهم على اإلطالق‪ ،‬لذا كان‬
‫أثمن ما يملكه اإلنسان‪ .‬وعليه فإنه ليس حكيما ــ على اإلطالق ــ من‬
‫أضاع وقته‪ ،‬ولم يشغله بما ينفعه‪ ،‬وقد قال ابن وهب ـ ‪ ‬ـ‪ :‬ال يكون‬
‫البطّال(‪ )1‬من الحكماء(‪.)2‬‬
‫وهذه المعاني ليست على مستوى األفراد فحسب‪ ،‬بل على مستوى‬
‫األمم كذلك‪ ،‬فالوقت في األهمية لألمم كما هو للفرد‪ ،‬وفي هذا المعنى‬
‫يقول د‪ .‬عبد الكريم بكار‪( :‬حجم استغالل الوقت‪ ،‬واالستفادة منه من‬
‫أهم العالمات الفارقة بين األمم المتقدمة واألمم المتخلفة‪ ،‬وبين‬
‫األشخاص الناجحين واألشخاص العاديين‪ ،‬ويمكن للمرء أن يقول ــ وهو‬
‫مطمئن ــ‪ :‬إنه ليس هناك ناجحون في الحياة على نحو ظاهر ال يهتمون‬
‫بأوقاتهم)(‪.)3‬‬
‫لذا كان من أضاع وقته بال فائدة محل ذم شديد وانتقاص ووعيد‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫>البطَّال‪ :‬الفارغ الذي ال شغل له‪ ،‬وال عمل يعمله<‪ .‬اهـ شرح‬
‫(‪ )1‬قال ابن هشام اللخمي‪َ :‬‬
‫الفصيح (صـ‪.)107‬‬
‫(‪ )2‬العلم لزهير بن حرب (‪ ،)127‬حلية األولياء (‪.)30/4‬‬
‫(‪ )3‬عصرنا والعيش في زمانه الصعب (صـ‪.)102‬‬
‫‪27‬‬
‫املقدمة‬

‫فقد روي أن ابن مسعود ـ ‪ ‬ـ كان يكرر موعظة كل خميس‪ ،‬وكان مما‬
‫فيها‪ :‬وإن من شرار الناس بطال النهار جيفة الليل(‪.)1‬‬
‫وترجع نفاسة الوقت وأهميته إلى أنه اإلطار الحتمي الذي يدور في‬
‫فلكه كل عمل يقوم به اإلنسان‪ ،‬إذ ال يتصور وقع أي عمل من األعمال‬
‫خارج إطار الزمن‪ ،‬فالبد ألي فعل أن يستهلك قدرا من الزمان؛ لهذا‬
‫كان الوقت أهم وأنفس ما وهبه اهلل تعالى لإلنسان‪ ،‬وكل شيء ُوهب‬
‫لإلنسان فأحسن استخدامه جنى أطيب ثماره‪ ،‬وإن كان على خالف ذلك‬
‫فأقله ضياع ما وهبه اهلل تعالى من النعم هباء‪ ،‬وربما تسبب له فيما هو‬
‫أشد من ذلك‪.‬‬
‫يحصله الناس‬
‫وتبرز قيمة الوقت واالستخدامِ األمثل له من تفاوت ما ِّ‬
‫بمرور الوقت عليهم؛ إذ جميعهم يملكون في يومهم أربعا وعشرين ساعة‪،‬‬
‫لكن النتائج المترتبة على ذلك تتفاوت تفاوتا عظيما بقدر تفاوت أقدار‬
‫الناس أنفسهم‪ ،‬لذا كان لزاما عليهم حسن استغالل أوقاتهم‪ ،‬أو قل حسن‬
‫إدارة أوقاتهم‪ ،‬فحسن اإلدارة هو حسن التخطيط والتنظيم‪ ،‬واالستغالل‬
‫األمثل للموارد والطاقات‪ ،‬مع اعتبار الغايات القريبة والبعيدة‪ ،‬بالصورة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه الطبراني في األوسط (‪ ،)7871‬عن أبي عبيدة عن ابن مسعود ـ ‪ ‬ـ أنه كان‬
‫يجيء كل خميس فيقوم ــ قائما ال يجلس ــ‪ ،‬فيقول‪> :‬ال تفتنوا الناس‪ ،‬فإن فيهم‬
‫الضعيف والكبير وذا الحاجة‪ ،‬فال يطولن عليكم األمد‪ ،‬وال يلهينكم األمل‪ ،‬فإ ّن كل ما‬
‫هو آت قريب‪ ،‬أال إن البعيد ما ليس آتيا‪ ،‬وإن من شرار الناس بطال النهار جيفة الليل<‪.‬‬
‫ذكره الهيثمي في المجمع‪ ،‬وقال‪> :‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬وأبو عبيدة لم يسمع من‬
‫أبيه<‪ .‬مجمع الزوائد (‪.)3153‬‬
‫‪28‬‬
‫املقدمة‬

‫التي تضمن أفضل النتائج المترتبة على ذلك‪.‬‬


‫فلُ ّب األمر حقيقة ليس في مقدار الوقت المتوفر‪ ،‬ولكن في كيفية‬
‫إدارة هذا الوقت‪ ،‬وحسن توزيع القدر المتاح منه على المهام المنوطة‬
‫باإلنسان‪ ،‬والغايات التي يسعى إليها‪ ،‬والحاجات والمسؤوليات المتعلقة‬
‫به‪ ،‬نعم توفر الوقت مهم‪ ،‬لكن ما يفوقه أهمية هو كيفية إدارة هذا الوقت‪،‬‬
‫وحسن توزيعه‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫قيمة الوقت‬

‫قيمة الوقت‬

‫إن العمر ــ ذاك المورد غير المتجدد ــ وعاء لجميع الممارسات‬


‫التي يقوم بها اإلنسان طوال حياته‪ ،‬وهو رأس المال الحقيقي له‪ ،‬فوجب‬
‫الحفاظ عليه بقدر الحفاظ على الحياة نفسها‪ ،‬ألنه هو الحياة حقيقة‪،‬‬
‫وتبرز قيمة الوقت حين تراه أول ما يندم عليه اإلنسان حين يرى أن حياته‬
‫أوشكت على النفاد‪ ،‬فيتحسر على فواته في مضرة أو في غير منفعة‪ ،‬فبين‬
‫قائل‪{ :‬ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ} [المؤمنون‪ 99 :‬ــ ‪،]100‬‬
‫وآخر يقول‪{ :‬ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬
‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ’} [المنافقون‪ 10 :‬ــ ‪ ،]11‬فهي أمنية محال‬
‫تحقيقها(‪ ،)1‬فقد اقتضت حكمة اهلل تعالى أن ال يرجع الزمان بأحد‪ ،‬وقد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال ابن رجب الحنبلي‪> :‬قال أبو حازم‪ :‬إن بضاعة اآلخرة كاسدة يوشك أن تنفق‪ ،‬فال‬
‫يوصل منها إلى قليل وال كثير‪ .‬ومتى حيل بين اإلنسان والعمل لم يبق له إال الحسرة‬
‫واألسف عليه‪ ،‬ويتمنى الرجوع إلى حالة يتمكن فيها من العمل‪ ،‬فال تنفعه األمنية‪.‬‬
‫ال َت َعالَى‪{ :‬ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ‬ ‫قَ َ‬
‫ﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉ ﳊﳋ‬
‫ﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆ‬
‫ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ} [الزمر‪:‬‬
‫‪ 54‬ــ ‪َ .]58‬وقَ َال َت َعالَى‪{ :‬ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ =‬
‫‪30‬‬
‫قيمة الوقت‬

‫منح منه القدر الكافي إلنجاز ما كان مطلوبا منه إنجازه‪ ،‬كما في قوله‬
‫تعالى‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ} [فاطر ‪ ،]37‬فليته أحسن‬
‫فيه قبل هذا التحسر والندم‪.‬‬
‫فالوقت هو العمر‪ ،‬ومكانته تضاهي مكانة الحياة نفسها؛ فهو منحة‬
‫ربانية لإلنسان‪ ،‬وهبها له ُليحسن استغاللها‪ ،‬فإن أحسن ُجزي باإلحسان‬
‫يلومن إال نفسه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إحسانا‪ ،‬وإال فال‬
‫ويجب على اإلنسان أن يتعامل مع الوقت بحذر شديد؛ إذ هو يمر‬
‫بال توقف‪ ،‬ال في حال حركة اإلنسان وال سكونه‪ ،‬فالوقت نفسه في حال‬
‫حركة ال تنقطع‪ ،‬وسير في اتجاه ال يرجع منه‪ ،‬وليس لإلنسان مقدرة ألن‬
‫يُحدث فيه تعديال‪ ،‬ال بزيادة وال نقصان‪ ،‬وال أن يقلل من سرعة مروره‪،‬‬
‫أو أن َيع ِّجل فيها‪ ،‬وكذلك األمم مهما كانت قوتها وقدرتها ال تستطيع أن‬
‫توقف مرور الزمان‪ ،‬قال اهلل تعالى‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ’}‬
‫[المنافقون‪ ،]11 :‬وقال أيضا‪{ :‬ﲎ ﲏ ﲐﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ} [المؤمنون‪:‬‬ ‫=‬
‫‪ 99‬ــ ‪ ،]100‬وقال ‪{ :‬ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬
‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ}‬
‫[المنافقون‪ 10 :‬ــ ‪ .]11‬وفي الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا‪> :‬ما من ميت يموت إال‬
‫ندم قالوا‪ :‬وما ندامته؟ قال‪ :‬إن كان محسنا‪ ،‬ندم أن ال يكون ازداد‪ ،‬وإن كان مسيئا‪،‬‬
‫ندم أن ال يكون استعتب<‪ .‬فإذا كان األمر على هذا فيتعين على المؤمن اغتنام ما بقي‬
‫من عمره‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬إن بقية عمر المؤمن ال قيمة له‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬كل يوم‬
‫يعيشه المؤمن غنيمة<‪ .‬اهـ جامع العلوم والحكم (‪ 390/2‬ــ ‪.)391‬‬
‫‪31‬‬
‫قيمة الوقت‬

‫ﲘ ﲙ} [األعراف‪ ،]34 :‬غير أن اهلل تعالى امتن على اإلنسان بأن وهبه‬
‫القدرة على االستخدام األمثل للوقت‪ ،‬والمقدرة على إدارته وحسن‬
‫التخطيط له‪ ،‬ومن هنا فإن اإلجراءات المتبعة لتحقيق ذلك ليست من‬
‫باب التغير في طبيعة الوقت‪ ،‬إنما تكون فقط من جهة حسن التعامل معه‪،‬‬
‫فإدارة الوقت الناجحة تساوي حياة ناجحة‪ ،‬ونتائج أعظم قدرا وأجل أثرا‬
‫ونفعا‪ ،‬كما أنها تمنح مساحة عريضة لكثير من الممارسات واألعمال التي‬
‫يحصل مثلها من انعدمت ــ أو ساءت ــ إدارته لوقته‪ ،‬وفي المقابل‬‫ال يكاد ِّ‬
‫يعد عدم التخطيط والتنظيم من أهم أسباب إهدار الوقت وضياع العمر‪.‬‬
‫فعلى اإلنسان أن يعطي للوقت القدر الذي يستحق من االهتمام‪،‬‬
‫وأن يعمل على استغالله على الوجه األكمل‪ ،‬وأن يشغل جميع أوقات‬
‫فراغه بالنافع‪ ،‬ويغتنم األوقات األكثر نشاطا‪ ،‬فقد روي عن عبد اهلل بن‬
‫مسعود ـ ‪ ‬ـ أنه قال‪( :‬إن للقلوب شهوة وإقبا ًال‪ ،‬وفترة وإدبار ًا‪،‬‬
‫فخذوها عند شهواتها وإقبالها‪ ،‬وذروها عند فترتها وإدبارها)(‪ ،)1‬وال‬
‫يهملن في أمر وقته فيهدره‪ ،‬ويضيع العمر‪ ،‬وتهذب الحياة بال نفع‪ ،‬فإنه‬
‫ّ‬
‫إما منشغل بالنافع‪ ،‬أو فارغ بال هدف‪ ،‬ال ينفع نفسه وال غيره‪ ،‬فمثله عالة‬
‫على غيره‪ ،‬حري به أن يكون بغيضا‪ ،‬فعن ابن مسعود ـ ‪ ‬ـ أنه قال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو نعيم في الحلية (‪ )134/1‬عن ابن مسعود ـ ‪ ‬ـ بسند منقطع‪ ،‬ورواه‬
‫البالذري في أنساب األشراف عن علي ـ ‪ ‬ـ (‪ ،)115/2‬وإسناده منقطع أيضا‪.‬‬
‫والمراد أن يستغل اإلنسان األوقات التي يشعر فيها بالنشاط‪ ،‬ويقبل فيها بكل قوة على‬
‫إتمام أعماله‪ ،‬وأما األوقات التي يشعر فيها بالفتور والخمول فيستغلها في راحة البدن‪،‬‬
‫أو الترويح عن النفس؛ لطرد الملل واستعادة النشاط مرة أخرى‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫قيمة الوقت‬

‫(إني ألمقت الرجل ال أراه في شيء من الدنيا أو اآلخرة)(‪.)1‬‬


‫وليس معنى ذلك أنه ال حظ للنفس‪ ،‬أو أنه ليس على إنسان أن‬
‫يعطيها قدرا من الراحة والترويح‪ ،‬بل إن إعطاءها حظها من الترويح‪،‬‬
‫وإعطاء البدن حقه من الراحة لهو من جملة التخطيط والتنظيم الجيد‬
‫للوقت والحياة؛ فتواصل النفس نشاطها بال ملل وال ضجر‪ ،‬قادرة على‬
‫التحمل‪ ،‬مواصلة مسيرة البذل بجد واجتهاد‪ ،‬فكان أبو الدرداء ـ ‪ ‬ـ‬
‫أستجم ببعض الباطل(‪ )2‬ليكون أنشط لي في الحق(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫يقول‪ :‬إ ّني‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ ،)34562‬ومن طريقه رواه أبو نعيم في الحلية‬
‫(‪ ،)130/1‬وأبو داود في الزهد (‪ ،)174‬وإسناده منقطع‪.‬‬
‫(‪ )2‬المقصود هنا ما كان مباحا مما فيه ترويح للنفس‪ ،‬وسيأتي هذا المعنى من كالم ابن‬
‫قتيبة في تعليقه على هذا األثر في موطنه إن شاء اهلل‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (‪ ،)199/3‬وابن عساكر في تاريخ‬
‫دمشق (‪ ،)501/46‬بإسناد منقطع‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫أهمية املوضوع‬

‫فإذا كان للوقت هذا القدر من األهمية وجب إعطاؤه مقدرا مماثال‬
‫من االهتمام‪ ،‬فإدارة الوقت الهدف منها أن يُعطى كل من الواجبات‪،‬‬
‫والغايات‪ ،‬واالحتياجات ذلك القدر من الوقت والجهد الذي يستحقه‪،‬‬
‫من غير أن يطغى على غيره‪ ،‬أو يؤثر فيه سلبا‪ ،‬ما لم تدعو ضرورة لخالف‬
‫ذلك‪ ،‬وهذه العملية من األهمية بمكان؛ فإن مسار الحياة مترتب عليها‪.‬‬
‫إن مسألة إدارة الوقت من المسائل التي شغلت العالَم المعاصر بقدر‬
‫كبير‪ ،‬حيث تأكد لصنوف المنشغلين بألوان الحياة قيمة الوقت‪ ،‬وأهمية‬
‫إدارته‪ ،‬فالعالِم والتاجر والصانع والسياسي والمفكر والطالب وغيرهم قد‬
‫أصبح ذلك جليا لهم‪ ،‬حتى أنه يمكننا القول بأن مسألة إدارة الوقت‬
‫صارت صيحة العصر‪ ،‬وسمة لهذه الحقبة‪ ،‬وكما قال مطرف بن عبد اهلل‬
‫العامري‪( :‬عقول الناس على قدر زمانهم)(‪.)1‬‬
‫ومع تسابق األمم والبلدان إلى مكان الصدارة‪ ،‬والنهوض بالمجتمعات‬
‫كان لزاما عليهم أن يولوا مسألة إدارة الوقت قدرها المناسب‪ ،‬وكان أيضا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شيبة (‪.)35126‬‬
‫‪34‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫لزاما على كل أمة أن تبحث عن مصادر ومناهج وأفكار تخرج منها‬


‫بالنموذج األمثل إلدارة الوقت‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وتختلف نظرة الناس تجاه الوقت باختالف رؤيتهم له‪ ،‬فنظرة‬
‫التاجر بخالف نظرة العابد‪ ،‬وكالهما على خالف نظرة الفارغ‪ ،‬وكذلك‬
‫تختلف مناهجهم في التعامل معه باختالف األفكار والفلسفات والمعتقدات‬
‫التي تشكل ــ على وجه الحقيقة ــ البناء النفسي والعلمي والعقدي لإلنسان‪،‬‬
‫والذي ينبني عليه الجانب النظري والعملي في تعامل اإلنسان مع األشياء‪،‬‬
‫وعموم نظرته للحياة‪ ،‬والمناهج المتبعة فيها‪ ،‬فالنظرة الغربية للوقت على‬
‫خالف نظرة اإلسالم‪ ،‬والنظرة االقتصادية البحتة على خالف النظرة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬فكل يراعي القضايا التي تشغله ويهتم بها‪ ،‬وذلك الختالف‬
‫األفكار والفلسفات التي بنيت عليها‪.‬‬
‫ومع االختالف في أنظار الناس للوقت‪ ،‬ووجهاتهم في تعاملهم معه‬
‫وجب على العاقل أن يأخذ بأحسنها وأنسبها له‪ ،‬وأكثرها مراعاة للجوانب‬
‫المختلفة لإلنسان في حياته‪ ،‬وإن اهلل تعالى كفل لنا هذا الجانب‪ ،‬أعني‬
‫جانب المعتقدات واألفكار وبناء النظرة العامة التي يُصاغ منها نظرة اإلنسان‬
‫لوقته ــ الذي هو عمره على الحقيقة ــ وللحياة عموما‪ ،‬والتي من خاللها‬
‫يبني المسلم منهجه وطريقته في التعامل األشياء‪ ،‬فإننا نجد أن نظرة‬
‫اإلسالم للوقت فيها تعظيم كبير لقيمته‪ ،‬من جهة أنه الفرصة المتاحة له‬
‫للسعي لربح عظيم في الدارين‪ ،‬فال هو ذو نظرة دنيوية بحتة‪ ،‬وال رهبانية‬
‫منقطعة عن الدنيا‪ ،‬فإن الوقت قد أعطي قدرا كبيرا من األهمية في‬
‫‪35‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫اإلسالم؛ فكم من اآليات الدالة على ذلك‪ ،‬والصور المختلفة لهذا‬


‫التعظيم لشأنه ــ كما سيأتي بيانه إن شاء اهلل ــ‪.‬‬
‫فضل اهلل تعالى عليها أن جعل لها المنهج القويم‪،‬‬ ‫وإن أُمتنا ت ّ‬
‫والمصدر الذي ال ريب في صوابه؛ إذ ما ترك خيرا إال ودلنا عليه‪ ،‬وال‬
‫شرا إال وحذرنا منه‪ ،‬إما بطريق مباشر‪ ،‬أو هديا نهتدي به‪ ،‬وأصال نرجع‬ ‫ً‬
‫إليه‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ} [األنعام‪ ،]38 :‬وقال أيضا‪:‬‬
‫{ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬
‫ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ} [فصلت‪ 41 :‬ــ ‪ ،]42‬فنستطيع أن نصل من‬
‫خالله في كل باب لما ال يصل إليه غيرنا بحال‪.‬‬
‫فإن االنشغال بالوقت‪ ،‬وعظيم قدره‪ ،‬وحسن إدارته‪ ،‬والحكمة في‬
‫توزيعه على كافة المحاور المتعلقة باإلنسان تراه جليا في ديننا الحنيف‪،‬‬
‫فإنك ترى ذلك جليا في ارتباط أركان هذا الدين بعامل الوقت ارتباطا‬
‫وثيقا‪ ،‬فالصالة‪ ،‬وهي الركن الثاني من أركان اإلسالم‪ ،‬قال اهلل تعالى في‬
‫شأنها‪{ :‬ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [النساء‪ ،]103 :‬وعن‬
‫الع َم ِل أَ َح ُّب‬
‫ي َ‬ ‫عبد اهلل بن مسعود ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬قال‪َ :‬سأَ ْل ُت النَّب َِّي ـ ‘ ـ‪ :‬أَ ُّ‬
‫ِإلَى اهلل ِ؟ قَ َال‪َّ > :‬‬
‫الص َال ُة َعلَى َو ْق ِت َها<(‪.)1‬‬
‫وهكذا تجد عامل الوقت هاما ومؤثرا ومحورا رئيسا في جملة من‬
‫العبادات؛ فالزكاة مرتبطة بعامل الوقت‪ ،‬ولها وقت محدد‪ ،‬والصوم شهر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫معروف‪ ،‬يصوم فيه المسلم وقتا بعينه‪ ،‬ويفطر بانتهائه‪ ،‬والحج أشهر‬
‫معلومات وأيام معدودات‪ ،‬يؤدي فيها أعماال مخصوصة‪ ،‬وفيه يوم هو‬
‫خير يوم طلعت فيه الشمس‪ ،‬وإن شئت أن ترى أثر الوقت في غير ذلك‬
‫من العبادات أيضا فإنك تراه‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ :‬تجد ح ًّثا على طلب‬
‫وأمرا باالنتشار في األرض بعد‬
‫الرزق في أوقات النهار والبكورة منه‪ً ،‬‬
‫وترغيبا في صالة ليل‪ ،‬واالستغفار باألسحار‪ ،‬كما ترى‬
‫ً‬ ‫انقضاء الصالة‪،‬‬
‫عموم األمر باغتنام العمر‪ ،‬وعدم إضاعته في قول النبي ـ ‘ ـ‪> :‬نعمتان‬
‫مغبون فيهما كثير من الناس‪ :‬الصحة والفراغ<(‪.)1‬‬
‫بل إنك تجد فيه تقسيما لألوقات‪ ،‬وتوزيعا لها على الحقوق‬
‫المنوطة بالعبد‪ ،‬بما في ذلك إعطاء مساحة للنفس من الترويح‪ ،‬وراحة‬
‫البدن‪ ،‬ومجالسة المتحابين المتزاورين في اهلل تعالى‪ ،‬فهذه األمور لم‬
‫تكن محل إهمال في ديننا‪ ،‬وقد أقر النبي ـ ‘ ـ سلمان حين قال‪ :‬إن‬
‫لربك عليك حقا‪ ،‬ولنفسك عليك حقا‪ ،‬وألهلك عليك حقا‪ ،‬فأع ِط كل‬
‫ذي حق حقه‪ ،‬فقال النبي ـ ‘ ـ‪> :‬صدق سلمان<(‪ ،)2‬حتى السمر النافع‬
‫والحوار المثمر له وقته أيضا(‪.)3‬‬
‫كل ذلك وغيره ــ مما ستأتي اإلشارة إليه ــ إن شاء اهلل تعالى ــ تجده‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)6412‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري‪ ،‬ولفظه أطول من هذا‪ ،‬وسيأتي بطوله‪.‬‬
‫(‪ )3‬عن عمر قال‪ :‬كان رسول اهلل ـ ‘ ـ يَ ْس ُم ُر مع أبي بكر في األمر من أمر المسلمين‬
‫وأنا معهما‪ .‬رواه ابن أبي شيبة (‪ ،)6689‬عن علقمة‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫منصوصا عليه في الكتاب والسنة‪ ،‬وفي التطبيق العملي لهما من عمل‬


‫اآلل واألصحاب ــ رضوان اهلل عليهم أجمعين ــ‪.‬‬
‫ومع حاجة اإلنسان للقدوة والمثال الذي يحتذى به‪ ،‬كان لزاما عليه‬
‫أن ينتقي القدوة الحسنة‪ ،‬وليس أحد أحق أن يقتدى به في ذلك من النبي‬
‫ـ ‘ ـ الذي كان مؤيدا بالوحي من رب العالمين‪ ،‬ثم صحابته الكرام‪،‬‬
‫وآل بيته المطهرين ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬الذين طبقوا ما فهموه وما تعلموه وآمنوا به‪،‬‬
‫حتى صاروا النبراس والقدوة‪ ،‬ومصابيح الدجى‪ ،‬وهداة على طريق‬
‫الحق‪ ،‬فصاروا أصال يرجع إليه عند اختالف المناهج والسبل‪.‬‬
‫وقَ َّل أن تجد خيرا في من ال أصل له يرجع إليه‪ ،‬وكما قال ابن‬
‫الجوزي‪( :‬ينبغي للعاقل أن ينظر إلى األصول في من يخالطه‪..‬؛ أما‬
‫األصول‪ :‬فإن الشيء يرجع إلى أصله‪ ،‬وبعيد ممن ال أصل له أن يكون‬
‫فيه معنى مستحسن)(‪ ،)1‬والشك أ ّن األمم التي تسعى للرقي بحاضرها‬
‫نحو مستقبل أفضل = بحاجة ماسةٍ إلى النظر في تراثها‪ ،‬فتكتسب من‬
‫نقاط قوته‪ ،‬وتعتبر مما يخالف ذلك‪.‬‬
‫وتتفاوت االستفادة من تراث كل أمة بقدر‪ :‬أصالتها‪ ،‬وعراقة‬
‫تاريخها‪ ،‬وبقدر صحة الخبر‪ ،‬وصحة النظر واالعتبار في هذا التاريخ‪،‬‬
‫كما تعظم الفائدة أيضا كلما كان هذا التراث عميقا في أحداثه وآثاره‪،‬‬
‫وليس أمة من األمم تملك من هذا ما تملكه أمتنا‪ ،‬فإن تراثها‪ :‬عظيم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صيد الخاطر (صـ‪.)296‬‬
‫‪38‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫جم المنافع‪ ،‬غزير المعاني والعبر‪ ،‬كما أن قدر‬


‫األحداث‪ ،‬كثير الفوائد‪ّ ،‬‬
‫األخبار الصحيحة فيه ال تحظى بمثله أمة أخرى‪ ،‬ثم هو مرتبط ارتبا ًطا‬
‫وثي ًقا بالوحي الذي قال اهلل تعالى فيه‪{ :‬ﱲ ﱳ ﱴ} [المائدة‪]3 :‬؛‬
‫مما زاده شر ًفا ورفعة‪ ،‬ونفعا في الدين والدنيا؛‪ ،‬وذلك خصيصة له؛ ال‬
‫منافس له في ذلك‪.‬‬
‫فأمةٌ أنزل اهلل في شأنها قوله تعالى‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ}‬
‫[البقرة‪ ،]110 :‬وكذلك قوله‪{ :‬ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬
‫ﱠ ﱡ} [البقرة‪ ،]143 :‬وقال في شأنها رسوله الكريم ـ ‘ ـ‪> :‬أَ ْن ُت ْم‬
‫ُش َه َد ُاء اهلل ِ ِفي األَ ْرض<(‪ ،)1‬وقال أيضا‪> :‬نحن اآلخرون السابقون يوم‬
‫القيامة‪ ،‬بيد أنهم أو ُتوا الكتاب من قبلنا<(‪ = )2‬لهي أمة جديرة بأن تكون‬
‫أهال لمكان السبق‪ ،‬وقدوة لغيرها في كل باب‪ ،‬فضال عن باب استثمار‬
‫األوقات واألعمار‪.‬‬
‫وإن أولى مراحل كل أمة بالدراسة والبحث والنظر لهي أكثر هذه‬
‫وتأثيرا‪ ،‬وأعظمها نف ًعا‪ ،‬وإ ّن هذا لينطبق‬
‫ً‬ ‫أثرا‬
‫المراحل أصالة‪ ،‬وأشدها ً‬
‫بالدرجة األولى في تاريخنا على أكثر مراحل األمة نو ًرا وعل ًما‪ ،‬وأشدها‬
‫وضو ًحا في المنهج‪ ،‬وأكثرها تمسكا به‪ ،‬وأحسنها تطبيقا له‪ ،‬أال وهي‬
‫الحقبة التي كان فيها الوحي ينزل من السماء من عند رب العالمين على‬
‫نبيه الكريم ـ ‘ ـ؛ فيتلقاه بالسمع والطاعة خيرة الخلق‪ ،‬المشهود لهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1367‬ومسلم (‪ ،)949‬من حديث عمر بن الخطاب ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)876‬ومسلم (‪ ،)855‬من حديث أبي هريرة ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫التطبيق العملي لما تلقوه‪ ،‬إيمانا به‪،‬‬


‫َ‬ ‫بالرضا‪ ،‬ثم يتبعوا ذلك التلقي‬
‫وتصديقا للوعد الذي جاء فيه‪ ،‬فكان خير تطبيق لما علموا‪ ،‬وخير تصديق‬
‫لما آمنوا‪ ،‬وقد ف ِطن لهذا علماء المسلمين؛ فأكثروا من البحث والنظر في‬
‫سير األئمة واألعالم‪ ،‬واستخرجوا منها الدرر‪ ،‬فبلغ ذلك من الكثرة‬
‫بمكان؛ قال األديب الدكتور محمود الطناحي‪( :‬يوشك هذا العلم ــ يعني‬
‫التاريخ ــ أن يكون نصف المكتبة العربية‪...‬؛ وتفسير هذا أن علم التاريخ‬
‫عند المسلمين ليس هو فقط تلك الكتب الحولية؛ مثل تاريخ الطبري وابن‬
‫األثير‪ ،...‬وإنما يدخل فيه‪ ،‬بل يمثل الجانب األكبر منه فن التراجم وهو‬
‫بحر خضم)(‪.)1‬‬
‫وبناء على ما سبق فإن من أنفع األمور النظر في سير اآلل واألصحاب‬
‫وتراجمهم‪ ،‬واآلثار المنقولة عنهم‪ ،‬واستخراج الدرر الكامنة منها في كل‬
‫باب من أبواب الخير‪ ،‬السيما في باب الوقت‪ ،‬وكيفية إدارتهم له‪،‬‬
‫وممارساتهم لذلك‪ ،‬لنسلك سبيلهم فنهتدي سواء السبيل؛ وسبيلهم أولى‬
‫أن يتبع من غيرهم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬
‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ} [النساء‪ ،]115 :‬وإن من سبلهم‬
‫الحفاظ على أوقاتهم‪ ،‬وحسن تنظيمها‪ ،‬فنحفظ بذلك ألمتنا ما ال حصر‬
‫له من الساعات المهدرة يوميا‪ ،‬فترجع إلى موضعها الالئق بها‪ ،‬وتكون‬
‫نورا ونبراسا لسائر األمم من حولها‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقدمة تحقيق أعمار األعيان؛ للدكتور الطناحي (‪.)8/1‬‬
‫‪40‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫التصنيف يف الوقت وأهميته ليس وليد هذا العصر‪:‬‬


‫هذا‪ ،‬وليس االهتمام بالوقت وإدارته وليد اليوم‪ ،‬وليس التصنيف‬
‫فيه نشأ مع ميالد المصطلح‪ ،‬بل نستطيع القول أن نشأته العلمية كانت مع‬
‫ظهور اإلسالم ونزول الوحي‪ ،‬وإال فهو في الفطرة السليمة لإلنسان‪ ،‬فقد‬
‫جاءت اآليات الدالة على ذلك‪ ،‬واألحاديث الواردة في الباب مع ظهر‬
‫اإلسالم‪ ،‬ثم نقل التابعون ومن بعدهم من آثار اآلل وأصحاب ـ ‪ ‬ـ في‬
‫كبير‪ ،‬ثم أفردت المصنفات للمسألة منذ‬ ‫قدر ٌ‬‫الباب‪ ،‬وقد ُد ِّون من ذلك ٌ‬
‫نشأة التدوين والتأليف‪ ،‬فعلى سبيل المثال مما كتبه ابن أبي الدنيا‪ :‬العمر‬
‫والشيب‪ ،‬وقصر األمل‪ ،‬وللبيهقي‪ :‬فضائل األوقات‪ ،‬وصنف ابن الجوزي‪:‬‬
‫حفظ العمر‪ ،‬ومواسم العمر‪ ،‬وما ذكره من أبواب في تقسيم اليوم وتنظيمه‬
‫في كتابه منهاج القاصدين‪ ،‬واختصر ما ذكره ابن الجوزي وزاد عليه ابن‬
‫قدامة المقدسي‪ ،‬وكتب ابن رجب الحث على اغتنام األوقات‪ ،‬وفي كتب‬
‫حية‪ ،‬وأمثلة يقتدى بها لما بوبه المصنفون في إدارة‬ ‫التراجم تجد صور ّ‬
‫الوقت‪ ،‬والناظر في الكتب التي ترجمت ألعالم األمة‪ ،‬وعلى رأسهم اآلل‬
‫واألصحاب يرى في تراجمهم التطبيق العملي لموضوع البحث‪ ،‬وفي‬
‫المصنفات التي تتحدث عن طلب العلم وتحصيله‪ ،‬وكيف كان بذل‬
‫األولون الجهد فيه‪ ،‬وتكريس األوقات‪ ،‬واستغالل مراحل العمر‪،‬‬
‫وأوقات النشاط‪ ،‬وغير ذلك = ما تحار في استيعابه العقول‪ ،‬أما الحديث‬
‫عنه في ثنايا عموم المصنفات في التراث اإلسالمي فال يعلم حصره إال‬
‫‪41‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫اهلل تعالى؛ إذ ربما ال يخلو مصنف من الحديث عن هذه المسألة أو‬


‫اإلشارة إليها‪ ،‬حتى يمكن القول إنه يمكن اعتبار ُج ّل هذه المصنفات‬
‫جميعا ذات عالقة بوجه أو بآخر بفن إدارة الوقت‪.‬‬
‫فحدث وال حرج‪ ،‬فهي‬ ‫وأما ما صنفه المعاصرون أيضا في الباب ّ‬
‫من الكثرة بمكان‪ ،‬وكل يدلي فيها بدلوه‪ ،‬ويذكر فيها ما رآه من منطلق‬
‫توجهه وفكره‪ ،‬وسنشير لبعضها في أثناء البحث إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫حتديد املفاهيم‪:‬‬
‫من أهم عوامل نجاح األبحاث وإيتائها ثمارها أن تكون المفاهيم‬
‫التي يتناولها البحث واضحة محددة؛ فيتجلى المقصود منها‪ ،‬ويُحترز من‬
‫اللبس فيها‪ ،‬واإليهام باحتمال ما ال يحتمل في البحث‪ ،‬وبذلك يتضح‬
‫مناط البحث على وجه جلي‪ ،‬لذا أذكر في هذه األسطر المفاهيم المتناولة‬
‫في البحث بشيء من التوضيح‪ ،‬وأعقب بتعيين مناط البحث‪.‬‬

‫* أوال‪ :‬الصحابي‪:‬‬
‫حابي لغة‪ :‬يقع على من‬
‫الص ّ‬‫من هو الصحابي‪ :‬قال السخاوي‪ّ :‬‬
‫عمن طالت صحبته وكثرت‬
‫أقل ما يطلق عليه اسم صحبة‪ ،‬فضال ّ‬
‫صحب ّ‬
‫مجالسته(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح المغيث (‪.)78/4‬‬
‫‪42‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫وقال ابن حجر‪( :‬الصحابي كذلك وهو‪ :‬من لقي النبي ــ صلى اهلل‬
‫تعالى عليه وعلى آله وسلم ــ مؤمنا به‪ ،‬ومات على اإلسالم‪ ،‬ولو تخللت‬
‫ردة في األصح)(‪.)2()1‬‬
‫وقال في الشرح‪ :‬ال خفاء في رجحان رتبة من الزمه ـ ‘ ـ وقاتل‬
‫معه‪ ،‬أو قتل تحت رايته على من لم يالزمه‪ ،‬أو لم يحضر معه مشهدا‪،‬‬
‫أو على من كلمه يسيرا‪ ،‬أو ماشاه قليال‪ ،‬أو رآه على بعد‪ ،‬أو في حال‬
‫الطفولية وإن كان شرف الصحبة حاصال للجميع(‪.)3‬‬
‫وقد أثنى اهلل تعالى على المهاجرين واألنصار جمي ًعا أجمل الثناء‪،‬‬
‫فقال سبحانه‪{ :‬ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬

‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬

‫ﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅ‬

‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬

‫ﳔ} [الحشر‪ 8 :‬ــ ‪ ،]9‬عليهم رضوان اهلل أجمعين‪ ،‬وذكر توبته‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نخبة الفكر (صـ‪ 83‬ــ ‪.)84‬‬
‫(‪ )2‬وقع خالف اصطالحي في تعريف الصحابي‪ ،‬وما ذكره ابن حجر هو ما رجحه فريق‬
‫كبير من المحدثين‪ ،‬واستقر عليه العمل عند كثير من المتأخرين‪ ،‬وقد ذكر ابن حجر‬
‫(وأصح‬
‫ّ‬ ‫في كتابه اإلصابة نحو هذا التعريف االصطالحي للصحابي‪ ،‬وزاد في أوله‪:‬‬
‫والخالف‬
‫َ‬ ‫ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي‪ )..‬اهـ ثم ذكر التعريف المشار إليه‪،‬‬
‫في ذلك‪ .‬انظر‪ :‬اإلصابة (‪.)158/1‬‬
‫(‪ )3‬نزهة النظر (صـ‪.)142‬‬
‫‪43‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫{ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ‬ ‫عليهم ورضاه ‪ ‬عنهم‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬


‫ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ} [التوبة‪.]117 :‬‬
‫عقال‪ ،‬وأكرم الناس ضي ًفا‪ ،‬وأحسن الناس ُخلُ ًقا؛‬
‫فهم أرجح الناس ً‬
‫ُغ ٌر ُم َح َّجلُون من أثر الوضوء‪ ،‬سيماهم في وجوههم من أثر السجود‪،‬‬
‫يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‪ .‬حكموا الدنيا فملؤها نو ًرا‬
‫فعم الخير متى حلّوا‪ ،‬أال يكونون‬
‫وعل ًما ورحمة‪ ،‬واتسعت رقعت بالدهم؛ ّ‬
‫بعد ذلك أحق الناس أن تحيى ذكراهم‪ ،‬وأن ينفض الغبار عن سيرهم‪،‬‬
‫فتبرز وتنتشر معارفهم وأخالقهم‪ ،‬والصور الحسان التي خلّفوها‪ ،‬رضي‬
‫اهلل عنهم وأرضاهم أجمعين‪.‬‬
‫كما أن ذكرهم‪ ،‬والتمثل بما كانوا عليه من أسباب األمان لألمة‪،‬‬
‫فقد أخبرنا ـ ‘ ـ أن أصحابه ورضوان اهلل عليهم أَ َمنَة لألمة حين شبههم‬
‫بالنجوم في السماء‪ ،‬فإن هم ذهبوا أتى األمة ما توعد‪ ،‬فقال ـ ‘ ـ كما‬
‫في صحيح مسلم عن أبي موسى األشعري ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬صلينا المغرب مع‬
‫رسول اهلل ‘‪ ،‬ثم قلنا‪ :‬لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء قال فجلسنا‪،‬‬
‫فخرج علينا‪ ،‬فقال‪> :‬ما زلتم هاهنا؟< قلنا‪ :‬يا رسول اهلل صلينا معك‬
‫المغرب‪ ،‬ثم قلنا‪ :‬نجلس حتى نصلي معك العشاء‪ ،‬قال >أحسنتم أو‬
‫أصبتم< قال فرفع رأسه إلى السماء‪ ،‬وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء‪،‬‬
‫فقال‪> :‬النجوم أمنة للسماء‪ ،‬فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد‪ ،‬وأنا‬
‫أمنة ألصحابي‪ ،‬فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون‪ ،‬وأصحابي أمنة‬
‫‪44‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫ألمتي‪ ،‬فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون(‪.)2(<)1‬‬

‫نقل اإلجماع على تفضيل الصحابة ــ رضوان اهلل عليهم أجمعين ــ على‬
‫غيرهم‪:‬‬
‫وأما إجماع األمة على ذلك فقد نقله غير واحد‪ ،‬منهم‪ :‬أبو الحسن‬
‫ّ‬
‫علي بن إسماعيل بن أبي بشر األشعري‪ ،‬قال‪( :‬وأجمعوا على أن خير‬
‫القرون قرن الصحابة‪ ،‬ثم الذين يلونهم؛ على ما قال‪> :‬خيركم قرني<‪،‬‬
‫وعلى أن خير الصحابة أهل بدر‪ ،‬وخير أهل بدر العشرة‪ ،‬وخير العشرة‬
‫األئمة األربعة‪ :‬أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم علي‪ ،‬رضوان اهلل‬
‫عليهم‪ .‬وقال‪ :‬وأجمعوا على أن الخيار بعد العشرة في أهل بدر من‬
‫المهاجرين واألنصار على قدر الهجرة والسابقة‪ ،‬وعلى أن كل من صحب‬
‫النبي ولو ساعة أو رآه ولو مرة مع إيمانه به وبما دعا إليه أفضل من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال النووي‪( :‬ومعنى الحديث‪ :‬أن النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية‪ ،‬فإذا انكدرت‬
‫السماء فانفطرت‪ ،‬وانشقت‪ ،‬وذهبت‪.‬‬‫ُ‬ ‫النجوم وتناثرت في القيامة َو َهنَ ْت‬
‫وقوله ـ ‘ ـ‪> :‬وأنا أَ َمنَة ألصحابي‪ ،‬فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون<‪.‬‬
‫أي من الفتن والحروب‪ ،‬وارتداد من ارتد من األعراب‪ ،‬واختالف القلوب ونحو ذلك‬
‫مما أنذر به صري ًحا‪ ،‬وقد وقع كل ذلك‪.‬‬
‫قوله ‘‪( :‬وأصحابي أمنة ألمتي‪ ،‬فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) معناه‪:‬‬
‫من ظهور البدع‪ ،‬والحوادث في الدين والفتن فيه‪ ،‬وطلوع قرن الشيطان‪ ،‬وظهور الروم‪،‬‬
‫وغيرهم عليهم‪ ،‬وانتهاك المدينة ومكة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وهذه كلها من معجزاته ‘)‪ .‬اهـ‬
‫شرح مسلم (‪.)83/16‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪.)2531‬‬
‫‪45‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫التابعين بذلك)(‪.)1‬‬
‫ونقل ابن حجر في مقدمة اإلصابة عن الخطيب البغدادي قوله ــ‪:‬‬
‫(وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم‪ ،‬وال يحتاج أحد منهم مع تعديل اهلل له‬
‫إلى تعديل أحد من الخلق‪ ،‬على أنه لو لم يرد من اهلل ورسوله فيهم شيء مما‬
‫ذكرناه ألوجبت الحال التي كانوا عليها؛ من‪ :‬الهجرة‪ ،‬والجهاد‪ ،‬ونصرة‬
‫اإلسالم‪ ،‬وبذل المهج‪ ،‬واألموال‪ ،‬وقتل اآلباء‪ ،‬واألبناء‪ ،‬والمناصحة في‬
‫الدين‪ ،‬وقوة اإليمان واليقين = القطع على تعديلهم‪ ،‬واالعتقاد لنزاهتهم‪،‬‬
‫وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم‪ ،‬والمعدلين الذين يجيئون من‬
‫بعدهم‪ ،‬هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله)(‪ )2‬اهـ‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( :‬ومن أصول أهل السنة والجماعة‬
‫سالمة قلوبهم وألسنتهم ألصحاب رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ ،‬كما وصفهم اهلل به‬
‫في قوله َت َعالَى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬

‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ}‬
‫[الحشر‪ ،]10 :‬وطاعة النبي في قوله‪َ > :‬ال َت ُس ُّبوا أَ ْص َحابِي‪ .‬فَ َوال َّ ِذي نَ ْف ِسي‬
‫بِ َي ِدهِ ل َ ْو أَ َّن أَ َح َد ُك ْم أَ ْن َف َق ِم ْث َل أُ ُح ٍد َذ َه ًبا َما بَلَ َغ ُم َّد أَ َح ِد ِه ْم َو َال نَ ِصي َف ُه<)(‪.)3‬‬
‫اهـ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رسالة إلى أهل الثغر (صـ‪ 299‬ــ ‪.)302‬‬
‫(‪ )2‬اإلصابة (‪ 131/1‬ــ ‪.)132‬‬
‫(‪ )3‬مجموع الفتاوى (‪.)152/3‬‬
‫‪46‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫* ثانيا‪ :‬آل البيت‪:‬‬


‫ُذكر في تعين المراد باآلل أقوال عدة‪ ،‬وجعلهم البعض أقساما‪،‬‬
‫حتى ذهب البعض إلى أنهم خمسا وعشرين قسما‪ ،‬فقد قال ابن خلكان‬
‫في ترجمة ابن خالويه‪( :‬وله كتاب لطيف‪ ،‬سماه‪ :‬اآلل‪ ،‬وذكر في أوله‬
‫أن اآلل ينقسم إلى خمسة وعشرين قسم ًا‪ ،)1()..‬وقد استفاض غير واحد‬
‫من أهل العلم في ذكر المراد بآل النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬وذكر الخالف الحاصل‬
‫في المسألة‪ ،‬والذي ذهب إليه كثير من أهل العلم أنهم من حرمت عليهم‬
‫الصدقة ــ وهو قول زيد بن أرقم(‪ )2‬ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬ومنصوص الشافعي وأحمد‬
‫واألكثرين(‪)3‬؛ وهم بنو هاشم‪ ،‬وأن أزواجه وذريته أحق من دخل في آله‬
‫ـ ‘ ـ أيضا(‪ ،)4‬وهذا الذي سنسير عليه في البحث إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وفيات األعيان (‪ ،)179/2‬وذكر ذلك أيضا ياقوت الحموي في معجم األدباء‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪.)1036/3‬‬
‫رواه مسلم (‪ )2408‬عن زيد ـ ‪ ‬ـ‪( :‬قال له حصين‪ :‬ومن أهل بيته؟ يا زيد أليس‬ ‫(‪)2‬‬
‫نساؤه من أهل بيته؟ قال‪ :‬نساؤه من أهل بيته‪ ،‬ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده‪،‬‬
‫قال‪ :‬ومن هم؟ قال‪ :‬هم آل علي وآل عقيل‪ ،‬وآل جعفر‪ ،‬وآل عباس قال‪ :‬كل هؤالء‬
‫حرم الصدقة؟ قال‪ :‬نعم)‪ .‬وسيأتي بطوله قريبا إن شاء اهلل‪.‬‬
‫نقل ذلك ابن القيم ـ ‪ ‬ـ وسيأتي كالمه‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ذكر ابن القيم ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬وأفرد لذلك فصال طويال ذكر فيه أدلة كل قول‪ ،‬وذكر وجه‬ ‫(‪)4‬‬
‫الداللة منها‪ ،‬ورجح منها قوال عزاه لفريق كبير من أهل العلم‪ ،‬ونذكر من كالمه ما‬
‫ملخصه‪( :‬واختلف في آل النبي ـ ‘ ـ على أربعة أقوال‪:‬‬
‫فقيل‪ :‬هم الذين حرمت عليهم الصدقة‪ ،‬وفيهم ثالثة أقوال للعلماء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنهم بنو هاشم‪ ،‬وبنو المطلب‪ ،‬وهذا مذهب الشافعي‪ ،‬وأحمد في رواية عنه‪=.‬‬
‫‪47‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫‪......................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫والثاني‪ :‬أنهم بنو هاشم خاصة‪ ،‬وهذا مذهب أبي حنيفة‪ ،‬والرواية الثانية عن أحمد‪،‬‬ ‫=‬
‫واختيار ابن القاسم صاحب مالك‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب‪.‬‬
‫وهذا القول في اآلل ــ أعني أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة ــ هو منصوص الشافعي‬
‫وأحمد واألكثرين‪ ،‬وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن آل النبي ـ ‘ ـ هم ذريته وأزواجه خاصة‪ ،‬حكاه ابن عبد البر في التمهيد‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن آله ـ ‘ ـ أتباعه إلى يوم القيامة‪ ،‬حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن آله ـ ‘ ـ هم األتقياء من أمته‪ ،‬حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة‪.‬‬
‫والصحيح‪ :‬هو القول األول‪ ،‬ويليه القول الثاني‪ ،‬وأما الثالث والرابع فضعيفان‪.‬‬
‫وأما تنصيصه على األزواج والذرية فال يدل على اختصاص اآلل بهم‪ ،‬وإنما نص‬
‫عليهم بتعيينهم ليبين أنهم حقيقيون بالدخول في اآلل‪ ،‬وأنهم ليسوا بخارجين منه‪ ،‬بل‬
‫هم أحق من دخل فيه‪ ،‬وهذا كنظائره من عطف الخاص على العام وعكسه تنبيها على‬
‫شرفه)‪ .‬اهـ مختصرا‪ .‬انظر‪ :‬جالء األفهام (صـ‪ 210‬ــ ‪.)224‬‬
‫وهذا الذي رجحه ابن القيم ـ ‪ ‬ـ (من كون أن آل النبي ـ ‘ ـ هم من حرمت عليهم‬
‫الصدقة)‪ ،‬وكما ذكر أن هذا ما ذهب إليه الشافعي وأحمد وجمهور أصحابهما‪ ،‬وهو‬
‫أيضا ما ذهب إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬وذهب أيضا إلى دخول أزواجه‬
‫ـ ‘ ـ ورضي اهلل عنهن ــ في آل البيت‪ ،‬ولينظر‪ :‬حقوق آل البيت (صـ‪ ،25‬وما‬
‫بعدها)‪ ،‬ومنهاج السنة (‪ ،75/7‬وما بعدها)‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم‪ :‬وثبت في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال‪ :‬خطبنا رسول اهلل‬
‫ـ ‘ ـ بغدير خم‪ ..‬إلى أن قال‪ :‬قيل لزيد بن أرقم‪ :‬ومن أهل بيته؟ قال‪ :‬الذين حرموا‬
‫الصدقة‪ :‬آل علي‪ ،‬وآل جعفر‪ ،‬وآل عقيل‪ ،‬وآل عباس‪ .‬قيل لزيد‪ :‬آ ُك ُل هؤالء أهل‬
‫=‬ ‫بيته؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫وقد روى الشيخان ــ البخاري ومسلم ‪ ‬ــ عن أبي ُه َر ْي َر َة ‪،‬‬


‫ين أَ ْن َز َل اهللُ ‪{ :‬ﱯ ﱰ ﱱ}‬ ‫ول اهلل ِ ‘ ِح َ‬
‫قَ َال‪ :‬قَ َام َر ُس ُ‬
‫[الشعراء‪ ،]214 :‬قَ َال‪> :‬يا معشر قريش ــ أو كلمة نحوها ــ اشتروا أنفسكم‪،‬‬
‫ال أغني عنكم من اهلل شيئا‪ ،‬يا بني عبد مناف ال أغني عنكم من اهلل‬
‫شيئا‪ ،‬يا عباس بن عبد المطلب ال أغني عنك من اهلل شيئا‪ ،‬ويا صفية‬
‫عمة رسول اهلل ال أغني عنك من اهلل شيئا‪ ،‬ويا فاطمة بنت محمد سليني‬
‫ما شئت من مالي ال أغني عنك من اهلل شيئا<(‪.)1‬‬
‫وأما فضل آل البيت وقدرهم فال يحتاج مع شهرته ووجوب اإليمان‬
‫طلبا لحصول الشرف‬
‫يسيرا؛ ً‬
‫به إلى كثرة استدالل‪ ،‬وإنما نذكر منه نز ًرا ً‬
‫بالحديث عنهم‪ ،‬فقد أمرنا بمودة أهل البيت‪ ،‬وجعلت مودتهم من باب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ من وجوه صحاح أن اهلل لما أنزل عليه‪{ :‬ﱢ ﱣ ﱤ‬ ‫وقد ثبت عن النبي ـ ‘‬ ‫=‬
‫ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ} [األحزاب‪.]56 :‬‬
‫سأل الصحابة‪ :‬كيف يصلون عليه‪ ،‬فقال‪> :‬قولوا‪ :‬اللهم َص ِّل على محمد وعلى آل‬
‫محمد‪ ،‬كما صليت على إبراهيم‪ ،‬وعلى آل إبراهيم‪ ،‬إنك حميد مجيد<‪.‬‬
‫وفي حديث صحيح‪> :‬اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته<‪.‬‬
‫وثبت عنه أن ابنه الحسن لما تناول تمرة من تمر الصدقة قال له‪َ > :‬ك ٍخ‪َ ،‬ك ٍخ؛ أما علمت‬
‫أَنِّا آل بيت ال تحل لنا الصدقة؟<‪ .‬اهـ حقوق آل البيت (صـ‪ 28‬ــ ‪.)29‬‬
‫وهذا‪ ،‬وقد استفاض األستاذ محمد سالم الخضر في بحثه‪ :‬أهل البيت بين مدرستين‪،‬‬
‫في ذكر الخالف الحاصل في الباب‪ ،‬وذكر كالم ابن القيم وزاد عليه‪ ،‬وهو من أبحاث‬
‫المبرة النافعة ــ نفع اهلل بها ــ‪ ،‬فلينظر (صـ‪ ،)15‬وينظر أيضا مقدمة تحقيق كتاب‬
‫استجالب ارتقاء الغرف (‪.)127/1‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)2753‬ومسلم (‪.)204‬‬
‫‪49‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫الشكر على الرسالة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ}‬


‫[الشورى‪ ،)1(]23 :‬فلآلل شرف ال يشترك معهم فيه غيرهم‪ ،‬ولهم من الفضل‬
‫ما ال ينكره مسلم‪ ،‬فهم الذين أراد اهلل تعالى طهارتهم بخصوصهم‪ ،‬فقال‬
‫سبحانه‪{ :‬ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ}‬
‫[األحزاب‪ ،)2(]33 :‬وفي صحيح مسلم عن عائشة‪ :‬خرج النبي ‘ غداة‬
‫وعليه مرط مرحل‪ ،‬من شعر أسود‪ ،‬فجاء الحسن بن علي فأدخله‪ ،‬ثم جاء‬
‫الحسين فدخل معه‪ ،‬ثم جاءت فاطمة فأدخلها‪ ،‬ثم جاء علي فأدخله‪ ،‬ثم‬
‫قال‪{ :‬ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ}‬
‫[األحزاب‪.)3(]33 :‬‬
‫وقد أوصى النبي ـ ‘ ـ بهم‪ ،‬وأكد الوصية‪ ،‬ففي صحيح مسلم‬
‫أيضا عن زيد بن أرقم ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬قام رسول اهلل ‘ يوما فينا خطيبا‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫{ﱐ ﱑ‬ ‫(‪ )1‬روى البخاري (‪ )4818‬عن ابن عباس ـ ‪ ‬ـ‪ :‬أنه ُسئل عن قوله تعالى‪:‬‬
‫ﱒ ﱓ} [الشورى‪ ،]23 :‬فقال سعيد بن ُج َب ْير‪ :‬قربى آل محمد ـ ‘ ـ فقال ابن‬
‫ْت؛ إن النبي ـ ‘ ـ لم يكن بطن من قريش إال كان له فيهم قرابة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫عباس‪َ :‬ع ِجل َ‬
‫إال أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ـ ‪ ‬ـ‪( :‬ولما بين سبحانه أنه يريد أن يذهب الرجس عن‬
‫أهل بيته ويطهرهم تطهيرا‪ ،‬دعا النبي ـ ‘ ـ أقرب أهل بيته وأعظمهم اختصاصا به‪،‬‬
‫وهم‪ :‬علي‪ ،‬وفاطمة ‪ ،‬وسيدي شباب أهل الجنة‪ ،‬جمع اهلل لهم بين أن قضى لهم‬
‫بالتطهير‪ ،‬وبين أن قضى لهم بكمال دعاء النبي‪ ،..‬وقد ثبت أيضا بالنقل الصحيح‪ :‬أن‬
‫هذه اآليات لما نزلت قرأها النبي ـ ‘ ـ على أزواجه‪ ،‬وخيرهن)‪ .‬حقوق آل البيت‬
‫(صـ‪.)28‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪.)2424‬‬
‫‪50‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫بماء يدعى ُخ ًّما‪ ..‬ثم قال‪( :‬أما بعد‪ ،‬أال أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك‬
‫أن يأتي رسول ربي فأجيب‪ ،‬وأنا تارك فيكم ثقلين‪ :‬أولهما كتاب اهلل فيه‬
‫الهدى والنور فخذوا بكتاب اهلل‪ ،‬واستمسكوا به) فحث على كتاب اهلل‬
‫ورغب فيه‪ ،‬ثم قال‪> :‬وأهل بيتي أذكركم اهلل في أهل بيتي‪ ،‬أذكركم اهلل‬
‫في أهل بيتي‪ ،‬أذكركم اهلل في أهل بيتي<(‪.)1‬‬
‫وقد جاءت الصالة على اآلل داللة على شرفهم أيضا‪ ،‬فعن‬
‫عبد الرحمن بن أبي ليلى‪ ،‬قال‪ :‬لقيني كعب بن عجرة‪ ،‬فقال‪ :‬أال أهدي‬
‫لك هدية سمعتها من النبي ‘؟ فقلت‪ :‬بلى‪ ،‬فأهدها لي‪ ،‬فقال‪ :‬سألنا‬
‫رسول اهلل ‘ فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬كيف الصالة عليكم أهل البيت‪ ،‬فإن‬
‫اهلل قد علمنا كيف نسلم عليكم؟ قال‪ :‬قولوا‪> :‬اللهم صل على محمد‬
‫وعلى آل محمد‪ ،‬كما صليت على إبراهيم‪ ،‬وعلى آل إبراهيم‪ ،‬إنك حميد‬
‫مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما باركت على إبراهيم‪،‬‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد<(‪.)2‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد تعلق بالحديث عنهم أصناف عدة من المنصفات دارت‬
‫في فلكهم‪ ،‬ذكر فيها من فضائلهم وتراجمهم وسيرهم‪ ،‬واألحداث التي‬
‫ألمت بهم؛ ربما ال نستطيع حصرها كثرة‪ ،‬حتى أن الطباطبائي(‪ ،)3‬له‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)2408‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)3370‬ومسلم (‪.)406‬‬
‫(‪ )3‬من علماء الشيعة في إيران‪ ،‬معروف بتحقيقاته التراثية‪ ،‬وفهرسته للمخطوطات‪ ،‬توفي‬
‫(‪1996‬م)‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫مصنف‪ ،‬ذكر فيه ما صنفه أهل السنة باللغة العربية في آل البيت(‪،)1‬‬


‫مقتصرا على ذلك‪ ،‬فذكر فيه قريبا من ألف عنوان‪.‬‬

‫* ثالثا‪ :‬الوقت‪:‬‬
‫نظرا ألن‬
‫ربما كان من الصعب وضع تعريف متفق عليه للوقت‪ً ،‬‬
‫التعريف هنا راجع إلى مجموعة األفكار واأليديولوجيات التي تكون‬
‫الفلسفة التي ينطلق منها(‪ ،)2‬إال أننا يمكننا القول باختصار أن الوقت من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد جعل شرطه في الكتاب أن يذكر ما صنفه أهل السنة باللغة العربية فقط‪ ،‬وبذلك‬
‫يتبين حجم االهتمام البالغ بآل البيت‪ ،‬وإذا أضفت لذلك ما ألفه غيرهم‪ ،‬أو ما صنفوه‬
‫بغير العربية‪.‬‬
‫مما ألّف في فضائل أهل البيت‪:‬‬ ‫قال الطباطبائي في مقدمة كتابه‪( :‬وهذا ما عثرت عليه ّ‬
‫مما وجدته في المكتبات أو قرأته في‬ ‫مجتمعة أو منفردة‪ ،‬ومجتمعين أو منفردين‪ّ ،‬‬
‫الفهارس‪ ،‬ولم أذكر من ذلك ما ألّفه أصحابنا اإلمامية فإ ّن ما ألّفوه في ذلك عبر القرون‬
‫ال يكاد يحصى‪.‬‬
‫وال ذكرت ما ألّف في ج ّدهم الرسول ـ ‘ ـ من سيره ومغازيه وشمائله وفضائله وما‬
‫إلى ذلك‪ ،‬فإ ّن ذلك أيضا ال يكاد يحصى‪ ،‬وال ذكرت ما كان منه بغير اللغة العربية)‪.‬‬
‫اهـ أهل البيت في المكتبة العربية (صـ‪.)10‬‬
‫(‪ )2‬يختلف التعريف االصطالحي للوقت بحسب نظرة كل طائفة له‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‬
‫قول ابن القيم‪( :‬وتوبة الخواص من تضييع الوقت‪ ،‬فإنه يفضي إلى درك النقيصة‪،..‬‬
‫ليس مراده بتضييع الوقت إضاعته في االشتغال بمعصية أو لغو‪ ،‬أو اإلعراض عن واجبه‬
‫وفرضه‪ ،‬فإنهم لو أضاعوه بهذا المعنى لم يكونوا من الخواص‪ ،‬بل هذه توبة العامة‬
‫بعينها‪ ،‬والوقت عند القوم أخص منه في لغة العرب)‪ .‬اهـ مدارج السالكين (‪= .)277/1‬‬
‫‪52‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫الناحية الشرعية واللغوية جاءت األلفاظ والمعاني المعبرة عنه قريبة نوعا‬
‫ما من بعضها‪ ،‬ومن هنا يمكن القول باختصار أن الوقت‪ :‬هو تلك المدة‬
‫الزمنية التي يمضيها اإلنسان في فعل شيء ما‪ ،‬سواء كان نافعا أو غير‬
‫نافع(‪ ،)1‬فمتى قام اإلنسان بعمل من األعمال‪ ،‬فالوقت هو ما استغرقه من‬
‫الزمان في ذلك العمل‪ ،‬ونحو هذا المعنى جاء في السنة‪ ،‬وفي المعاجم‬
‫والشروحات كذلك‪ ،‬قال ابن األثير‪( :‬قد تكرر ذكر ال َّت ْوقِي ِ‬
‫ت وال ِميقات في‬
‫يت‪ :‬أن يجعل للشيء وقت يختص به‪ ،‬وهو بيان‬ ‫يت وال َّت ْأقِ ُ‬
‫الحديث‪ ،‬وال َّت ْوقِ ُ‬
‫ووقَ َت ُه يَ ِق ُت ُه‪ ،‬إذا بين حده)(‪.)2‬‬
‫مقدار المدة‪ .‬يقال‪َ :‬وق ََّت الشيء يُ َوق ِّ ُت ُه‪َ .‬‬
‫وما أمضاه اإلنسان من الزمان في الحياة وقت أيضا‪ ،‬وهو هنا عمره‪،‬‬
‫والع ُمر‬
‫الع ْمر ُ‬
‫فالوقت هو العمر‪ ،‬والعمر هو الحياة‪ ،‬قال ابن منظور‪َ ( :‬‬
‫والع ْمر‪ :‬ا ْل َح َياة)(‪ ،)3‬عن الحسن قال‪( :‬ابن آدم‪ ،‬إنما أنت أيام‪ ،‬كلما‬
‫ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= فمن كالمه ـ ‪ ‬ـ يتضح أن للوقت معنى عند الخواص‪ ،‬وله معنى عند العامة‪ ،‬والوقت‬
‫عند الخواص أخص من الوقت في لغة العرب‪.‬‬
‫(‪ )1‬وما نقل من التعريفات اللغوية واالصطالحية قريب من هذا‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫قال ابن منظور‪( :‬الوقت‪ :‬مقدار من الزمان‪ ،‬وكل شيء ق ّدرت له حينا فهو مؤقت‪،‬‬
‫وكذلك ما قدرت غايته‪ ،‬فهو مؤقت‪.‬‬
‫[قال] ابن سيده‪ :‬الوقت مقدار من الدهر معروف‪ ،‬وأكثر ما يستعمل في الماضي)‪.‬‬
‫لسان العرب (‪.)107/2‬‬
‫وقال ابن منظور أيضا‪( :‬الزمن والزمان‪ :‬اسم لقليل الوقت وكثيره)‪ .‬اهـ لسان العرب‬
‫(‪.)199/13‬‬
‫(‪ )2‬النهاية في غريب الحديث (‪.)212/5‬‬
‫(‪ )3‬لسان العرب (‪ ،)601/4‬ونحو هذا قاله أيضا الفيروزآبادي‪ ،‬ينظر القاموس المحيط‬
‫(صـ‪.)444‬‬
‫‪53‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫ذهب يوم ذهب بعضك)(‪ ،)1‬لذا قال د‪ .‬محمد شحارة‪( :‬لعل إطالق‬
‫صفة الحياة على قتلة أوقاتهم إطالق خاطئ)(‪.)2‬‬
‫فإن كان هذا من جهة الشرع واللغة في المعنى العام للوقت‪ ،‬فإنه‬
‫من الناحية االصطالحية كان قريبا من ذلك أيضا‪ ،‬حيث ُع َّرف بأنه المدة‬
‫التي تستغرق في عمل ما(‪.)3‬‬
‫وربما كان من األمور التي جعلت من الصعب وضع تعريف متفق‬
‫عليه للوقت أننا ال نستطيع التعامل مع الوقت من حيث هو زمن مجرد؛‬
‫فال نستطيع التغير فيه بزيادة أو نقصان‪ ،‬أو تقديم أو تأخير‪ ،‬أو غير ذلك‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬حلية األولياء (‪.)148/2‬‬
‫وقد روي نحو هذا المعنى من كالم أبي الدرداء ـ ‪ ‬ـ مع زيادة فيه‪ ،‬وسيأتي بيانه‬
‫إن شاء اهلل‪.‬‬
‫فمن كالمه ـ ‪ ‬ـ يتضح أن للوقت معنى عند الخواص‪ ،‬وله معنى عند العامة‪ ،‬والوقت‬
‫عند الخواص أخص من الوقت في لغة العرب‪.‬‬
‫(‪ )2‬إدارة الوقت بين التراث والمعاصرة (صـ‪.)35‬‬
‫(‪ )3‬فقد نقل د‪ .‬خالد الجريسي طرفا منها في بحثه‪ :‬إدارة الوقت من المنظور اإلسالمي‬
‫واإلداري‪ ،‬فقال‪( :‬ونظر ًا ألنه من الصعب تقديم تعريف محدد ودقيق للوقت‪ ،‬وبخاصة‬
‫في مجال اإلدارة‪ ،‬فقد تم اللجوء إلى تعريف محايد يشير إليه قاموس ( ‪Webester's‬‬
‫‪ )New World College Dictionary‬الذي تعتمده الدراسة الحالية‪ ،‬وهو‪> :‬الفترة‬
‫التي ُتستغرق في أداء تصرف أو عملية ما<)‪ .‬اهـ إدارة الوقت من المنظور اإلسالمي‬
‫(صـ‪.)18‬‬
‫وقال د‪ .‬محمد أمين َش َحارة‪ ،‬وقد نقل طرفا من تعريفات الوقت‪( :‬يتبين لنا من تلك‬
‫التعريفات‪ ،‬الوقت هو جزء معروف من الزمن)‪ .‬اهـ إدارة الوقت بين التراث والمعاصرة‬
‫(صـ‪.)32‬‬
‫‪54‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫وإنما الذي نستطيعه هو التعامل األمثل معه‪ ،‬والذي يكون من خالل كيفية‬
‫إنفاقه‪ ،‬والشيء الذي ينفق فيه‪ ،‬ولما كانت المثالية هنا مختلفة باختالف‬
‫األفكار واألزمان واألحوال كانت رؤية الناس للوقت مختلفة‪.‬‬
‫وعليه فإن الوقت هو العمر‪ ،‬وهو الحياة‪ ،‬وهو أيضا ما ينفق من‬
‫الزمان في كل عمل يقوم به اإلنسان خالل تلك الحياة من مولده إلى‬
‫مماته‪ .‬وإدارته هي إدارة للحياة كلها‪.‬‬

‫* رابعا‪ :‬إدارة الوقت‪:‬‬


‫إدارة الوقت هي إدارة للذات‪ ،‬هكذا باختصار وسهولة عبرت طائفة‬
‫من ذوي االختصاص في إدارة الوقت(‪ ،)1‬ولكن الخالف في تعريف إدارة‬
‫الوقت من الناحية االصطالحية أكثر وضوحا منه في تعريف الوقت‪،‬‬
‫وذلك ألن مبنى التعريفات االصطالحية يصاغ في األساس بناء على‬
‫الوجهة والمرجع والمغزى‪ ،‬المختلف في األساس باختالف وجهات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬يقول الدكتور محمد أمين شحارة في كتابه‪ :‬إدارة الوقت بين التراث والمعاصرة‪ ،‬بعدما‬
‫أشار أن أصناف المنشغلين بأنواع األعمال المختلفة هم بحاجة إلى اإلدارة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(ويجمع هؤالء وغيرهم حاجتهم قبل ذلك إلى إدارة أنفسهم‪ ،‬فكل فرد مسؤول عن‬
‫أوال‪ ،‬ويطلق على هذا النوع من اإلدارة‪ :‬إدارة الوقت)‪ .‬اهـ إدارة الوقت بين‬ ‫نفسه ً‬
‫التراث والمعاصرة (صـ‪.)29‬‬
‫وقال أيضا د‪ .‬إبراهيم الفقي في سياق تعريف إدارة الوقت‪( :‬إدارة الوقت تعني أوال‬
‫إدارة الذات‪ ،‬فهي نوع من إدارة الفرد نفسه بنفسه) إدارة الوقت للدكتور إبراهيم الفقي‬
‫(صـ‪.)33‬‬
‫‪55‬‬
‫أهمية املوضوع‬

‫النظر‪ ،‬إال أن هذه التعريفات أيضا تدور في فلك تخطيط الوقت وتنظيمه‪،‬‬
‫مع توزيع القدر المتاح منه على األمور المستهلك فيها ذلك الوقت حسب‬
‫األهمية واألولوية‪ ،‬يقول د‪ .‬خالد الجريسي‪( :‬فإدارة الوقت هي االستخدام‬
‫األفضل للوقت‪ ،‬ولإلمكانات المتاحة‪ ،‬وذلك بطريقة تؤدي إلى تحقيق‬
‫األهداف)(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إدارة الوقت من المنظور اإلسالمي واإلداري (صـ‪.)51‬‬
‫وقد نقل عددا من التعريفات االصطالحية إلدارة الوقت‪ ،‬فقال‪( :‬وثمة تعريفات متعددة‬
‫يعرفها هلمر (‪ )Helmer‬بأ ّنها تحديد ووضع أولويات ألهدافنا‪،‬‬ ‫إلدارة الوقت‪ ،‬إذ ِّ‬
‫بحيث يمكننا تخصيص وقت أكبر للمهمات األساسية‪ ،‬ووقت أقل للمهمات التافهة‪.‬‬
‫ويرى سهيل سالمة أن إدارة الوقت هي‪ :‬استثمار الوقت بشكل فعال؛ لتحقيق األهداف‬
‫المحددة في الفترة الزمنية المعينة لذلك‪.‬‬
‫كل من المنظورين اإلسالمي‬‫أما عبد العزيز مالئكة فقد حاول في تعريفه الجمع بين ٍّ‬
‫يعرف إدارة الوقت بقوله‪ :‬هي تخطيط استخدام الوقت وأسلوب‬ ‫واإلداري مع ًا‪ ،‬حيث ّ‬
‫استغالله بفاعلية‪ ،‬لجعل حياتنا منتجة‪ ،‬وذات منفعة أخروية ودنيوية لنا ولمن أمكن‬
‫من حولنا‪ ،‬وبالذات من هم تحت رعايتنا) اهـ المصدر نفسه (صـ‪ 50‬ــ ‪.)51‬‬
‫‪56‬‬
‫تحديد مناط البحث‬

‫حتديد مناط البحث‬

‫بناء على ما سبق نستطيع القول أن مناط البحث هنا هو‪ :‬كيف أنفق‬
‫اآلل واألصحاب أوقاتهم‪ ،‬وكيف نظموها وخططوا لها واستثمروها‪،‬‬
‫وكيف و ّزعوها على الحقوق والمسؤوليات المنوطة بهم‪ ،‬حتى حظي كل‬
‫حق بنصيبه منها‪ ،‬وكيف كان النصيب األكبر لألعمال العظام‪ ،‬ذات النفع‬
‫المتعدي‪ ،‬والثواب العظيم‪ ،‬وصور الجد واالجتهاد في حياتهم‪ ،‬وأنه إن‬
‫أنفق مزيدا من الوقت في بعض األعمال بعينها فإن الحكمة والمصلحة‬
‫الراجحة اقتضته‪.‬‬
‫وسنذكر من أقوالهم وأفعالهم ما يتضح به ذلك كله إن شاء اهلل‬
‫تعالى‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الصفلاألول‬
‫اولتقفياإلالسم‬
‫الفصل األول‪ :‬الوقت في اإلسالم‬

‫الصفلاألول‬
‫الوقت يف اإلسالم‬

‫ونتناول في هذا الفصل الكالم عن الوقت في اإلسالم وأهميته‪،‬‬


‫والنظرة الشرعية للوقت في‪ :‬القرآن‪ ،‬والسنة‪ ،‬وفي التراث اإلسالمي‬
‫وعلماء األمة‪ ،‬وما تميزت به النظرة اإلسالمية للوقت‪ ،‬فإن للوقت في‬
‫اإلسالم شأن عظيم‪ ،‬ويبدو ذلك جليا بتنوع الخطاب عنه في القرآن‬
‫والسنة وكالم األئمة األعالم‪ ،‬ومن المساحة التي شغلها‪ ،‬وصور االهتمام‬
‫به‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الوقت في القرآن‬

‫ل‬
‫ا مبحثاألول‬
‫الوقت يف القرآن‬

‫ال شك أن للوقت والزمان عموما شأن عظيم في كتاب اهلل تعالى‪،‬‬


‫فكل قارئ لكتاب اهلل تعالى وكل مستمع آلياته يرى ذلك بوضوح‪ ،‬حين‬
‫تمر عليه اآلية تلو األخرى‪ ،‬وحين يرى تنوع الخطاب في ذلك‪ ،‬فيجد‬
‫تارة التذكير بأن الوقت نعمة من أجل نعم اهلل تعالى على عباده‪ ،‬أو أن اهلل‬
‫تعالى يقسم به أو بجزء منه؛ بيانا لشرف قدره وعظم منزلته‪ ،‬وتارة يذ ِّكر‬
‫ربنا سبحانه أن خلق الزمان‪ ،‬وتصريفه‪ ،‬وتنوع مروره بين ليل ونهار‪ ،‬وأشهر‬
‫وسنين من اآليات العظام التي توجب التفكر واإلنابة‪ ،‬ويرى كذلك آيات‬
‫تأمر بحسن استغالله لوقته‪ ،‬وأخر فيها تحسر من ضاع وقته وفات زمانه‬
‫بال نفع‪ ،‬أو في شر قضاه فيه‪ ،‬كما أنك ترى في بعض إرشاد للناس في‬
‫جعل أوقات النهار للسعي والطلب‪ ،‬وأوقات الليل للراحة والسكون‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من صور الحديث عن شرف الوقت‪ ،‬وعظيم منة اهلل تعالى به على‬
‫خلقه‪.‬‬
‫وسنعرض بعض اآليات التي اشتملت على تلك المعاني‪:‬‬
‫‪62‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الوقت في القرآن‬

‫* قسم اهلل تعالى بالزمان أو بجزء منه بيانا لشرف قدره وعظيم‬
‫منزلته‪:‬‬
‫من أوضح ما يبرز قيمة الوقت هو أن اهلل تعالى ــ وهو اللطيف‬
‫الخبير ــ يقسم به في كتابه الكريم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﱁ} [العصر‪،]1 :‬‬
‫والعصر هنا ــ كما عليه كثير من المفسرين ــ هو الدهر عموما أو جزء‬
‫منه(‪ ،)1‬فما أقسم اهلل تعالى به إال لشرفه‪ ،‬وقد أقسم به أيضا على أمر‬
‫شريف‪ ،‬قال الرازي‪( :‬فكأن الدهر والزمان من جملة أصول النعم‪ ،‬فلذلك‬
‫أقسم به‪ ،..‬وقد بينا هناك أن الزمان أعلم وأشرف من المكان‪ ،‬فلما كان‬
‫كذلك كان القسم بالعصر قسما بأشرف النصفين من ملك اهلل وملكوته)(‪.)2‬‬
‫وأقسم اهلل بجملة من األوقات واألزمنة الشريفة بيانا لفضلها‪ ،‬فقال‬
‫سبحانه‪{ :‬ﱹ ﲰ ﱻ ﱼ ﱽ} [الضحى‪ 1 :‬ــ ‪ ،]2‬وقال‪{ :‬ﲑ ﲒ‬
‫ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ} [الليل‪ 1 :‬ــ ‪ ،]2‬وأقسم أيضا بوقت بعينه لبيان‬
‫خصوص فضله‪ ،‬فقال سبحانه‪{ :‬ﱔ} [الفجر‪ ،]1 :‬وقوله‪{ :‬ﲷ ﲸ ﲹ‬
‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ} [المدثر‪ 33 :‬ــ ‪ ،]34‬وقوله‪{ :‬ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال الطبري ـ ‪ ‬ـ في تفسيره‪ ،‬بعد ذكره األقوال في اآلية الكريمة‪ ،‬وأن المقصود‬
‫بالعصر الدهر أو العشي أو ساعة من النهار‪ ،‬ثم قال‪( :‬والصواب من القول في ذلك‬
‫أن يقال‪ :‬إن ربنا أقسم بالعصر‪ ،‬والعصر اسم للدهر‪ ،‬وهو العشي والليل والنهار‪ ،‬ولم‬
‫يخصص مما شمله هذا االسم معنى دون معنى‪ ،‬فكل ما لزمه هذا االسم‪ ،‬فداخل فيما‬
‫أقسم به جل ثناؤه)‪ .‬تفسير الطبري (‪.)612/24‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الرازي (‪ )277/22‬باختصار‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الوقت في القرآن‬

‫ﲏ} [التكوير‪ 17 :‬ــ ‪.]18‬‬


‫كما جعل اهلل تعالى تنوع األوقات من اآليات الدالة على عظمته‬
‫سبحانه وربوبيته ووحدانيته‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬
‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ} [يونس‪{ ،]6 :‬ﱹ ﱺ‬
‫ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ} [آل عمران‪:‬‬
‫‪{ ،]190‬ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ}‬
‫{ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬ ‫[الفرقان‪ ،]62 :‬وقال تعالى أيضا‪:‬‬
‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ} [الشمس‪ 1 :‬ــ ‪.]4‬‬
‫وذكر سبحانه أن تنوع األوقات‪ ،‬وما يحمل كل وقت من صفات‬
‫تعين الناس على دينهم ودنياهم من خصائص قدرته‪ ،‬وأن المنة في‬
‫ذلك راجعة له وحده سبحانه‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ‬
‫ﱔﱕ ﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡ‬
‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ}‬
‫[القصص‪ 71 :‬ــ ‪.]73‬‬
‫{ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫وفي باب تقسيم اليوم إلى أوقات محددة‪:‬‬
‫ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ}‬
‫[الروم‪ 17 :‬ــ ‪{ ،]18‬ﱑ ﱒ} [آل عمران‪.]17 :‬‬
‫‪64‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الوقت في القرآن‬

‫* بيان أن اهلل تعالى وقت للناس زمانهم؛ إعانة لهم على أمور دينهم‬
‫ودنياهم‪:‬‬
‫{ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ} [البقرة‪:‬‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫‪ ،]189‬وقال‪{ :‬ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ} [يونس‪ ،]5 :‬أي هي مواقيت‬
‫لكم‪ ،‬تعرفون بها أوقات صومكم وإفطاركم‪ ،‬ومناسك َح ّجكم‪ ،‬وبين‬
‫الحكمة من وجود األهلّة‪ ،‬وأنه يستعين بها الناس في التوقيت ألمور‬
‫حياتهم وعباداتهم‪ ،‬ليعلموا دخول السنين وانقضاءها وحساب أيامها‪،‬‬
‫فتنتظم معيشتهم‪.‬‬
‫* بيان أن اهلل تعالى أعان عباده على تنظيم أوقاتهم‪ ،‬وتخصيص كل‬
‫وقت لما يناسبه‪:‬‬
‫أعان اهلل تعالى عباده على تنظيم الوقت‪ ،‬وتقسيمه بين االلتزامات‬
‫واالحتياجات‪ ،‬فبين سبحانه أن اليوم مقسم إلى جزأين أساسين‪ُ ،‬جعل‬
‫وجعل ما كان من‬ ‫أحدهما للنشاط والسعي‪ ،‬واآلخر للسكينة والراحة‪َ ،‬‬
‫الوقت مناسبا منه للنشاط والعمل كذلك‪ ،‬وما كان للسكن والراحة فله‪،‬‬
‫وأن ذلك من جملة نعم اهلل على خلقه‪ ،‬ودالئل ربوبيته‪ ،‬فقال سبحانه‪:‬‬
‫{ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} [الفرقان‪:‬‬
‫‪ ،]47‬وقال أيضا‪{ :‬ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ} [النبأ‪ 10 :‬ــ‬
‫‪ ،]11‬وقال‪{ :‬ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬

‫‪65‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الوقت في القرآن‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫ﲌ} [اإلسراء‪ ،]12 :‬وقال أيضا‪:‬‬


‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬
‫ﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥ‬
‫ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬
‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ} [القصص‪ 71 :‬ــ ‪.]73‬‬
‫فكان جعل الليل محال لسكون والراحة متناسبا مع الفطرة السليمة‪،‬‬
‫وسببا لجلب الراحة والعافية لألبدان‪ ،‬وإعانة على التنظيم والتقسيم‪،‬‬
‫وجعل النهار محال للعمل والنشاط والسعي من أسباب البركة وطلب‬
‫األرزاق‪ ،‬فكان الليل وما يتجاله من الظلمة أنسب للنوم السكون‪ ،‬بعدما‬
‫عناء البدن في مشقته في سعيه حال انتشار النهار(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫والتبين ال‬
‫(‪ )1‬قال الجاحظ‪( :‬وإنما نام الناس بالليل عن حوائجهم‪ ،‬أل ّن التمييز والتفصيل ّ‬
‫المتحرك ب ّد من سكون يكون جماما له‪ .‬ولوال صرفهم‬‫ّ‬ ‫يمكنهم ّإال نهارا‪ ،‬وليس للمتعب‬
‫والتبين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫التماس الجمام إلى الوقت الذي لو لم يناموا فيه‪ ،‬والوقت مانع من التمييز‬
‫لكانت الطبائع تنتقض‪.‬‬
‫فجعلوا النّوم بالليل لضربين‪:‬‬
‫والركود والخثورة‪ ،‬كان ذلك أنزع إلى النوم‬‫أحدهما‪ :‬أل ّن الليل إذ كان من طبعه البرد ّ‬
‫وما دعا إليه‪ ،‬أل ّنه من شكله‪.‬‬
‫الهوام والسباع‪ ،‬وأل ّن‬
‫ّ‬ ‫وأما الوجه اآلخر‪ :‬فأل ّن الليل موحش مخوف الجوانب من‬ ‫ّ‬
‫األشياء المبتاعة والحاجات إلى تمييز الدنانير‪ ،‬والدراهم‪ ،‬والحبوب‪ ،‬والبزور‪،‬‬
‫والجواهر‪ ،‬وأخالط العطر‪ ،‬والبربهار وما ال يحصى عدده‪ ،‬فقادتهم طبائعهم وساقتهم‬
‫غرائزهم إلى وضع النوم في موضعه‪ ،‬واالنتشار والتصرف في موضعه على ما ق ّدر اهلل‬
‫تتصرف وتبصر بالليل‪ ،‬ولها أيضا علل أخرى‬ ‫وأما السباع فإنها ّ‬
‫وأحبه‪ّ .‬‬
‫تعالى من ذلك ّ‬
‫يطول ذكرها)‪ .‬اهـ الحيوان (‪.)188/1‬‬
‫‪66‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الوقت في القرآن‬

‫وبين سبحانه أن من جملة صفات الفائزين بسعادة الدارين تنظيم‬


‫أوقاتهم بين حقوق اهلل تعالى وحظ النفس والبدن من الراحة‪ ،‬فقال سبحانه‪:‬‬
‫{ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ} [الذاريات‪ 17 :‬ــ ‪.]18‬‬
‫وفي جانب مراعاة معاش الناس مع إقامتهم العبادة على الوجه‬
‫الفاضل يقول تعالى‪{ :‬ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬
‫ﱩ ﱪ} [المزمل‪ 6 :‬ــ ‪.]7‬‬
‫ومن ذلك يظهر جليا أن للعبادة وقتها‪ ،‬وللمعاش والسعي وقته‪،‬‬
‫وتقسيم الوقت بين هذا وذاك‪ ،‬ومراعاة الجانبين‪ ،‬قال اهلل تعالى‪{ :‬ﱂ‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ‬
‫ﱓ ﱔ ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ‬
‫ﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱ‬
‫ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ}‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫[المزمل‪ ،]20 :‬وقال أيضا‪:‬‬
‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬
‫ﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥ‬
‫ﱦ} [الجمعة‪ 9 :‬ــ ‪.]10‬‬
‫* بيان أن القدر الممنوح من الوقت لإلنسان كاف للقيام بما أوجبه‬
‫اهلل تعالى عليه‪:‬‬
‫إن المقدار الذي منحه كل إنسان منا من العمر لهو كاف في الحقيقة‬
‫‪67‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الوقت في القرآن‬

‫للقيام بما كلفه اهلل تعالى به‪ ،‬وهو كفيل بتحقيق الفوز والفالح له في‬
‫الدارين‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ}‬
‫[فاطر‪ ،]37 :‬وفي قوله‪{ :‬ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬
‫ﲞ ﲟ ﲠ} [الفرقان‪.]62 :‬‬
‫معم ٍر ذهب عمره هباء‪ ،‬وكم من إنسان مات في مقتبل‬ ‫فكم من ّ‬
‫عمره‪ ،‬ومع ذلك هو أعال علّيين‪ ،‬له من اآلثار الباقية مدد القرون‪ ،‬وسير‬
‫األعالم مليئة باألمثلة على ذلك‪.‬‬

‫* تعين أوقات مخصوصة بالشرف ومضاعفة األجور‪:‬‬


‫وهب اهلل تعالى لعباده الصالحين‪ ،‬أوقاتا وأزمنة معلومة‪ ،‬تضاعف‬
‫فيه األجور‪ ،‬وتزاد فيها البركة‪ ،‬وبينها لنا؛ لنوليها مزيدا من االهتمام‬
‫والجهد‪ ،‬طلبا لمضاعفة األجور‪ ،‬وحصول البركة في األعمال واألعمال‪،‬‬
‫يقول تعالى‪{ :‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬
‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} [البقرة‪ ،]203 :‬وقال أيضا‪{ :‬ﱔ‬
‫ﱱ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ} [الفجر‪ 1 :‬ــ ‪ ،]4‬وكقوله تعالى‪:‬‬
‫{ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶ} [القدر‪ 1 :‬ــ ‪ ،]3‬وقوله سبحانه‪{ :‬ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬
‫ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ ﲨ‬
‫ﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ} [التوبة‪ ،]36 :‬فهذه وغيرها من األوقات‬
‫واألزمنة الشريفة التي نبهنا اهلل تعالى لشرفها وعظيم قدرها‪ ،‬ومضاعفة‬
‫‪68‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الوقت في القرآن‬

‫األجر فيها‪ ،‬فبينها بيانا جليا لبعث النشاط وبذل الجهد فيها‪.‬‬

‫* اقتران جملة من العبادات بعامل الوقت‪:‬‬


‫ومن بيان مدى قيمة الوقت أن اهلل تعالى ربط العديد من العبادات‪،‬‬
‫ومن أركان اإلسالم العظام بالتوقيت؛ فجعلت على صلة وثيقة بالوقت؛‬
‫إذ يجب أداؤها في وقت بعينه‪ ،‬وزمان محدد لها‪ ،‬فمن أعظمها شأنا‬
‫الصالة‪ ،‬قال سبحانه في شأنها‪{ :‬ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ‬
‫ﲚ}(‪[ )1‬النساء‪]103 :‬؛ قال ابن مسعود ـ ‪ ‬ـ أيضا‪( :‬إن للصالة وقتا‬
‫كوقت الحج)(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال الطبري في تفسيره في سياق ذكر األقوال في تأويل اآلية‪ ،‬وأن بعضهم ّأولها بمعنى‪:‬‬
‫فرضا مفروضا‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬فرضا واجبا‪ ،‬ثم قال‪( :‬وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪{ :‬ﲔ‬

‫ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} منجما يؤدونها في أنجمها‪ ..‬عن زيد بن‬


‫منجما؛ كلما مضى‬‫أسلم‪ ،‬في قوله‪{ :‬ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} قال‪ّ :‬‬
‫نجم جاء نجم آخر‪ ،‬يقول‪ :‬كلما مضى وقت جاء وقت آخر‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وهذه األقوال قريب معنى بعضها من بعض‪ ،‬ألن ما كان مفروضا‬
‫فواجب‪ ،‬وما كان واجبا أداؤه في وقت بعد وقت فم ّنجم‪ .‬غير أن أولى المعاني بتأويل‬
‫الكلمة قول من قال‪ :‬إن الصالة كانت على المؤمنين فرضا منجما‪ ،‬ألن الموقوت إنما‬
‫هو مفعول من قول القائل‪ :‬وقت اهلل عليك فرضه فهو يقته‪ ،‬ففرضه عليك موقوت‪ ،‬إذا‬
‫أخبر أنه جعل له وقتا يجب عليك أداؤه‪ .‬فكذلك معنى قوله‪{ :‬ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬

‫ﲘ ﲙ ﲚ} إنما هو كانت على المؤمنين فرضا‪ ،‬وقت لهم وقت وجوب‬


‫أدائه‪ ،‬فبين ذلك لهم)‪ .‬اهـ تفسير الطبري (‪.)451/7‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)451/7‬‬
‫‪69‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الوقت في القرآن‬

‫{ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬ ‫كذلك الحال في الصيام‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬


‫ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬ ‫‪ ،]185‬قول‪:‬‬ ‫[البقرة‪:‬‬ ‫ﲘ}‬
‫ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬
‫ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ‬
‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ} [البقرة‪.]187 :‬‬
‫{ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬ ‫ومن أصناف الزكاة كذلك‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ} [األنعام‪،]141 :‬‬
‫ونحوه في الحج أيضا‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ} [الحج‪ ،]28 :‬وفي باب ذكره سبحانه قال تعالى‪:‬‬
‫{ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} [الروم‪ ]17 :‬وغيرها من اآليات‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وال يُستطاع اإلتيان بكل ما حمله القرآن الكريم من معان‬
‫وحكم متعلقة بقيمة الوقت‪ ،‬وشرف الزمان‪ ،‬فهذا تمام علمه عند الحكيم‬
‫الخبير سبحانه‪.‬‬
‫وقد جاءت السنة المطهرة بنحو من هذه المعاني‪ ،‬وكما سيتضح في‬
‫المبحث التالي إن شاء اهلل‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫ل‬
‫ااثلن‬
‫ي‬ ‫ا مبحث‬
‫الوقت يف السنة املطهرة‬

‫ال يخفى على كل ناظر في السنة النبوية المشرفة ــ دون جهد ــ ما للوقت‬
‫من حظ وافر فيها‪ ،‬أما المتبحر فيها فإنه يرى من درر ذلك الشيء الكثير‪.‬‬
‫فتجد في حديث النبي ـ ‘ ـ صورا متنوعة لشأن الوقت وشرف‬
‫منزلته؛ فتجد التخويف من إضاعته‪ ،‬والتحذير الشديد من عدم استغالل‬
‫أوقات النشاط والقوة‪ ،‬والنصيحة بمراعاة كافة الحقوق في إنفاقه‪ ،‬واألمر‬
‫بأداء العبادة في وقتها‪ ،‬وغير ذلك من صور االهتمام بالوقت في السنة‬
‫المشرفة‪ ،‬كما سيتضح بإذن اهلل تعالى‪.‬‬

‫أجل النعم‪ ،‬وأن ضياعه ومن‬


‫* بيان أهمية الوقت‪ ،‬وأنه نعمة من ّ‬
‫أعظم الخسران‪:‬‬
‫تأتي السنة بما يوافق كتاب اهلل تعالى‪ ،‬وتأكد أن الوقت نعمة من‬
‫أجل النعم‪ ،‬إال أن الكثير ال يفطن لذلك؛ فال يبادر بحسن استغاللها‪،‬‬
‫ّ‬
‫حتى إذ خسرها علم أنه خسر أثمن ما كان يملك‪> ،‬نعمتان مغبون فيهما‬
‫‪71‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫كثير من الناس‪ :‬الصحة والفراغ<(‪ ،)1‬فجاء الحديث للتحذير من ذلك‪،‬‬


‫والتوجيه الستغالل األوقات‪ ،‬خاصة ما كان فيه اإلنسان في سالمة‬
‫وعافية‪ ،‬وقلة شواغل‪.‬‬
‫* بيان مدى مسؤولية الوقت‪:‬‬
‫جاءت السنة أيضا بما يفيد أن العمر في ذاته مسؤولية يسأل عنها‬
‫كل إنسان‪ ،‬فقد صحح اإلمام الترمذي حديث أبي بَ ْر َز َة األَ ْسلَ ِم ّي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬ال تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره‬
‫فيما أفناه‪ ،‬وعن علمه فيما فعل‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيهما أنفقه‪،‬‬
‫وعن جسمه فيما أباله<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)6412‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارمي في مسنده (‪ ،)554‬ومن طريقه الترمذي (‪ ،)2417‬وأبو يعلى الموصلي‬
‫(‪ ،)7434‬والروياني في مسنده (‪.)1313‬‬
‫كلهم من طريق األسود بن عامر قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن عياش‪ ،‬عن األعمش‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن عبد اهلل بن جريج‪ ،‬عن أبي برزة به‪.‬‬
‫قال الترمذي‪( :‬صحيح‪ ،‬وسعيد بن عبد اهلل بن جريج هو بصري‪ ،‬وهو مولى أبي برزة‪،‬‬
‫وأبو برزة اسمه‪ :‬نضلة بن عبيد)‪.‬‬
‫وقال األلباني‪( :‬صحيح)‪ .‬صحيح الجامع (‪.)7300‬‬
‫لكن قال في أنيس الساري‪( :‬سعيد بن عبد اهلل بن جريج ذكره ابن حبان في الثقات‪،‬‬
‫وقال أبو حاتم‪ :‬مجهول‪ ،‬واألعمش مدلس ولم يصرح بالسماع‪ ،‬وأبو بكر بن عياش‬
‫صرح بذلك غير واحد‪ .‬ولم‬‫مختلف فيه‪ ،‬واألكثر على توثيقه‪ ،‬وهو كثير الخطأ‪ ،‬كما ّ‬
‫ينفرد أسود بن عامر به‪ ،‬بل تابعه يحيى بن عبد الحميد ال ِح َّماني‪ .)..‬اهـ أنيس الساري‬
‫(‪ ،)6106/9‬وقد ذكر من خرجه‪ ،‬ومتابعاته‪ ،‬وشواهده بتوسع‪ ،‬فلينظر‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫فمن هذا الخبر تظهر مدى مسؤولية اإلنسان تجاه وقته وعمره‪،‬‬
‫ومدى أهمية هذا الوقت بالنسبة له‪ ،‬وكونه مسؤوال عنه في أول ما يسأل‪.‬‬

‫* الحث على استغالل أوقات النشاط في أداء األعمال‪:‬‬


‫وقد حثنا النبي ـ ‘ ـ على استغالل أوقات النشاط والهمة العالية‪،‬‬
‫واغتنام تلك المنح التي ربما ال تعوض‪ ،‬فمتى وجد اإلنسان نفسه كذلك‬
‫فليغتنم تلك الفرصة‪ ،‬فإنه ال يدري متى تذهب‪ ،‬أو متى تعود‪ ،‬فإن أصابه‬
‫الفتور فليكن همه ّأال يخرجه ذلك عن الطريق الحقة‪ ،‬فيتعرض للخسران‬
‫والهالك‪.‬‬
‫فعن عبد اهلل بن عمرو ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬قال رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬إن‬
‫لكل عمل شرة‪ ،‬ولكل شرة فترة‪ ،‬فمن كانت فترته إلى سنتي‪ ،‬فقد أفلح‪،‬‬
‫ومن كانت فترته إلى غير ذلك‪ ،‬فقد هلك<(‪.)1‬‬
‫وعن عمرو بن ميمون مرفوعا قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘ لرجل وهو‬
‫يعظه‪> :‬اغتنم خمسا قبل خمس‪ :‬حياتك قبل موتك‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪،‬‬
‫وغناك قبل فقرك‪ ،‬وشبابك قبل هرمك‪ ،‬وصحتك قبل سقمك<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬رواه أحمد (‪ ،)6958‬وابن خزيمة (‪ ،)2105‬وابن حبان (‪.)11‬‬
‫قال الشيخ األلباني‪ :‬صحيح‪ .‬صحيح الجامع الصغير (‪.)2152‬‬
‫وقال الشيخ شعيب في تعليقه على مسند أحمد‪ :‬إسناده صحيح على شرط الشيخين‪.‬‬
‫مسند أحمد (‪.)376/11‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن المبارك في الزهد (‪ ،)2‬وابن أبي شيبة (‪ ،)34319‬كالهما عن عمرو بن‬
‫ميمون مرفوعا‪ ،‬وهو حديث مرسل‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫فهذا توجيه النبي ـ ‘ ـ بالحث على استغالل األوقات المباركة‬


‫التي يكون فيها نشاط اإلنسان في ذروته‪ ،‬فيضاعف العمل واإلنتاج في‬
‫آن‪ ،‬فيعظم األجر والجزاء‪.‬‬

‫* بيان ما جاء في السنة من‪ :‬تنظيم الوقت وتخطيطه‪ ،‬وإعطاء كل‬


‫وقدره‪ ،‬وأن للنفس حقا أيضا‪:‬‬
‫شيء حقه ْ‬
‫إن من أوضح ما ورد في السنة المطهرة مما يجلي مسألة تنظيم‬
‫الوقت‪ ،‬وتقسيمه بين الحقوق والواجبات المتنوعة‪ ،‬وإعطاء كل شيء‬
‫حقه ونصيبه من ذلك‪ ،‬بما في ذلك حق النفس من الراحة واالستجمام‪،‬‬
‫واللذة المباحة‪ ،‬ذلك اإلرشاد النبوي الشريف‪ ،‬واإلقرار للتقسيم الحكيم‬
‫بين الحقوق والواجبات وحظ النفس أيضا‪.‬‬
‫الس َوائِ ّي ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬آخى النبي‬
‫فقد روي عن أَبِي ُج َح ْي َف َة َو ْهب ُّ‬
‫‘ بين سلمان‪ ،‬وأبي الدرداء‪ ،‬فزار سلمان أبا الدرداء‪ ،‬فرأى أم الدرداء‬
‫متبذلة‪ ،‬فقال لها‪ :‬ما شأنك؟ قالت‪ :‬أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في‬
‫الدنيا‪ ،‬فجاء أبو الدرداء‪ ،‬فصنع له طعاما‪ ،‬فقال‪ :‬كل فإني صائم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ما أنا بآكل حتى تأكل‪ ،‬فأكل‪ ،‬فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬نم‪ ،‬فنام‪ ،‬ثم ذهب يقوم‪ ،‬فقال‪ :‬نم‪ ،‬فلما كان آخر الليل‪ ،‬قال‬
‫سلمان‪ :‬قم اآلن‪ ،‬قال‪ :‬فصليا‪ ،‬فقال له سلمان‪ :‬إن لربك عليك حقا‪،‬‬
‫ولنفسك عليك حقا‪ ،‬وألهلك عليك حقا‪ ،‬فأعط كل ذي حق حقه‪ ،‬فأتى‬
‫‪74‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫النبي ‘ فذكر ذلك له‪ ،‬فقال النبي ‘‪> :‬صدق سلمان<(‪.)1‬‬


‫فالنبي ـ ‘ ـ هنا يقرر ما ذكره سلمان ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬وأنه لكل حق من‬
‫الحقوق وواجب من الواجبات قدر البد له منه‪ ،‬فال يطغى اإلنسان على‬
‫حق بدنه ولو كان بذريعة العبادة‪ ،‬وفي ذلك من مراعاة الشريعة لكل‬
‫الجوانب المتعلقة باإلنسان‪ ،‬حتى ما كان منها متعل ًقا براحة األبدان‪،‬‬
‫ونصيبها من اللذات المباحة‪ ،‬وإعطائها حقها من ذلك‪.‬‬

‫* بيان ما جاء في السنة من‪ :‬تحديد األهداف‪ ،‬وترتيب األولويات‪،‬‬


‫وتقديم األ َ ْولى منها‪:‬‬
‫ال شك أن البدء بالواجب الذي ال ينفك عن صاحبه أولى من البدء‬
‫بما هو دونه‪ ،‬فالقيام بالواجب هو من أحب األعمال إلى اهلل تعالى‪ ،‬ففي‬
‫الحديث القدسي‪> :‬وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت‬
‫عليه<(‪ ،)2‬فالبدء بالفرائض والواجبات ــ التي هي أولى من غيرها ــ‪،‬‬
‫وهذه المعاني كلها واضحة جلية من سنة النبي ـ ‘ ـ وهديه وسيرته‪ ،‬إذ‬
‫كان من هديه وسيرته ـ ‘ ـ أن يقدم العمل الذي جاء من أجله على‬
‫غيره‪ ،‬ولو تشابهت المواقف‪ ،‬فيبدأ بما هو مطلوب أوال من جهة ترتيب‬
‫الوقت والحاجة‪ ،‬ولو كان غيره أجل منه من جهة العموم‪.‬‬
‫ففي الصحيح عن محمود بن الربيع األنصاري ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬أن عتبان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)6139‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)6502‬‬
‫‪75‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫بن مالك ـ ‪ ‬ـ وهو من أصحاب رسول اهلل ‘ ممن شهد بدرا من‬
‫األنصار‪ ،‬أنه أتى رسول اهلل ‘‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل قد أنكرت بصري‪،‬‬
‫وأنا أصلي لقومي فإذا كانت األمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم‪ ،‬لم‬
‫أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم‪ ،‬ووددت يا رسول اهلل‪ ،‬أنك تأتيني‬
‫فتصلي في بيتي‪ ،‬فأتخذه مصلى‪ ،‬قال‪ :‬فقال له رسول اهلل ‘‪> :‬سأفعل‬
‫إن شاء اهلل< قال عتبان‪ :‬فغدا رسول اهلل ‘ وأبو بكر حين ارتفع النهار‪،‬‬
‫فاستأذن رسول اهلل ‘ فأذنت له‪ ،‬فلم يجلس حتى دخل البيت‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫>أين تحب أن أصلي من بيتك< قال‪ :‬فأشرت له إلى ناحية من البيت‪،‬‬
‫فقام رسول اهلل ‘ فكبر‪ ،‬فقمنا فصفنا فصلى ركعتين ثم سلم‪ ،‬قال‬
‫وحبسناه على خزيرة صنعناها له‪.)1(..‬‬
‫وفي الصحيح أيضا عن أنس بن مالك‪ ،‬أن جدته مليكة دعت رسول‬
‫اهلل ‘ لطعام صنعته له‪ ،‬فأكل منه‪ ،‬ثم قال‪> :‬قوموا فألصل لكم< قال‬
‫أنس‪ :‬فقمت إلى حصير لنا‪ ،‬قد اسود من طول ما لبس‪ ،‬فنضحته بماء‪،‬‬
‫فقام رسول اهلل ‘‪ ،‬وصففت واليتيم وراءه‪ ،‬والعجوز من ورائنا‪ ،‬فصلى‬
‫لنا رسول اهلل ‘ ركعتين‪ ،‬ثم انصرف(‪.)2‬‬
‫فنراه ـ ‘ ـ مرة يبدأ بالصالة قبل أن يجلس ــ حين كانت الدعوة‬
‫ألجل الصالة ــ‪ ،‬ثم يثني بالطعام‪ ،‬ومرة يبدأ بالطعام ــ حين كانت الدعوة‬
‫ألجل ــ الطعام‪ ،‬ثم يثني بالصالة‪ ،‬وفي ذلك إشارة بإعطاء األولية في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)425‬ومسلم (‪.)33‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)380‬ومسلم (‪.)658‬‬
‫‪76‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫ترتيب األعمال لما يعرف بواجب الوقت‪.‬‬

‫* الحث على المبادرة باألعمال قبل حصول الشواغل‪ ،‬واغتنام‬


‫الفرص المتاحة‪:‬‬
‫إن اإلنسان بحكم وجوده في الحياة الدنيا البد له أن يتعرض فيها‬
‫لبعض المحن أو الشواغل التي ال تكون في حسبانه‪ ،‬وبالتالي لم يضع‬
‫لها أي خطط لمواجهتها‪ ،‬فيأتي اإلرشاد النبوي الشريف باغتنام األوقات‬
‫الخالية من تلك المحن والشدائد التي في كثير من األحيان تأتي فجأة‪،‬‬
‫أو دون أن يعمل لها اإلنسان حسابا‪ ،‬فإن بادر اإلنسان قبل مجيئها‬
‫باستغالل وقت عافيته وسالمته من ذلك فقد حقق فوزا عظيما‪ ،‬وإال فال‬
‫يلومن إال نفسه‪.‬‬
‫فكان النبي ـ ‘ ـ يبادر باألعمال ويحث على ذلك قبل حصول ما‬
‫يشغل عنها من العوائق؛ فقال ـ ‘ ـ‪> :‬بادروا باألعمال فتنا كقطع الليل‬
‫المظلم‪.)1(<..‬‬
‫وقال ـ ‘ ـ‪> :‬بادروا باألعمال ستا‪ :‬طلوع الشمس من مغربها‪ ،‬أو‬
‫الدخان‪ ،‬أَ ِو الدجال‪ ،‬أو الدابة‪ ،‬أو خاصة أحدكم أو أمر العامة<(‪.)2‬‬
‫فإن هذه األمور العظام إذا جاءت أخرت اإلنسان بال شك عن مساره‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)6412‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪.)2947‬‬
‫‪77‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫الذي يسيره فيه في حال عدهما‪ ،‬وألهته بما فيها من أحداث جسام‪ ،‬لذا‬
‫كان األولى له أن يبادر باإلكثار من األعمال قبل مجيئها‪.‬‬

‫* بيان ما جاء في السنة من تعلق جملة من العبادات بعامل الوقت‪،‬‬


‫وارتباطها به ارتباطا وثيقا‪:‬‬
‫وكما جاء في كتاب اهلل تعالى من بيان ارتباط العبادات في اإلسالم‬
‫بعامل الوقت ارتباطا وثيقا‪ ،‬جاءت السنة بنحو هذا أيضا‪.‬‬
‫النبي ‘ حين سأله عبد اهلل بن مسعود‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ومن ذلك ما ورد عن‬
‫قال‪ :‬سألت رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ :‬أي العمل أفضل؟ قال‪> :‬الصالة‬
‫لوقتها<‪ ..‬الحديث(‪ ،)1‬فكانت الصالة لوقتها أول ما ذكر حين سئل‬
‫ـ ‘ ـ عن أفضل األعمال‪ ،‬وذلك مصداقا لقوله تعالى‪{ :‬ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [النساء‪.]103 :‬‬
‫وفي شأن الصيام قال النبي ـ ‘ ـ‪> :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪،‬‬
‫فإن ُغبِّ َي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثالثين<(‪ ،)2‬وفي شأنه أيضا قال‬
‫رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬إذا أقبل الليل من ها هنا‪ ،‬وأدبر النهار من ها هنا‪،‬‬
‫وغربت الشمس فقد أفطر الصائم<(‪ ،)3‬فللصوم وقت معلوم‪ ،‬ولكيفيته‬
‫توقيت محدد‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)527‬ومسلم (‪.)85‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1909‬ومسلم (‪.)1081‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1954‬ومسلم (‪.)1100‬‬
‫‪78‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫وكذلك حين ذكر النبي ـ ‘ ـ أفضل صالة تطوع‪ ،‬ذكر صالة‬


‫الليل‪ ،‬وبين أحسن تقسيم للوقت في ذلك‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمرو بن‬
‫العاص ‪ ،‬أخبره‪ :‬أن رسول اهلل ‘ قال له‪> :‬أحب الصالة إلى اهلل‬
‫صالة داود ‪ ،‬وأحب الصيام إلى اهلل صيام داود‪ ،‬وكان ينام نصف‬
‫الليل ويقوم ثلثه‪ ،‬وينام سدسه‪ ،‬ويصوم يوما‪ ،‬ويفطر يوما<(‪.)1‬‬

‫* الحث على اغتنام األوقات الفاضلة‪:‬‬


‫كذلك أيضا حثنا النبي ـ ‘ ـ على اغتنام األوقات الفاضلة‪ ،‬التي‬
‫يضاعف فيها األجر‪ ،‬وبين ذلك‪.‬‬
‫ف َع ْن أبي هريرة ‪ ،‬يرفعه‪ ،‬قال‪ :‬سئل‪ :‬أي الصالة أفضل بعد‬
‫المكتوبة؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال‪> :‬أفضل الصالة‪،‬‬
‫بعد الصالة المكتوبة‪ ،‬الصالة في جوف الليل‪ ،‬وأفضل الصيام بعد شهر‬
‫رمضان‪ ،‬صيام شهر اهلل المحرم<(‪.)2‬‬
‫وكذلك أيضا حين ذكر النبي ـ ‘ ـ الوقت المبارك من اليوم‪،‬‬
‫الذي يكون أقرب إلجابة الدعاء‪ ،‬ومغفرة الذنوب‪ُ ،‬فربط ذلك بالوقت‬
‫أيضا‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ :‬أن رسول اهلل ‘ قال‪> :‬ينزل ربنا ‪ ‬كل‬
‫ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل اآلخر يقول‪ :‬من يدعوني‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1131‬ومسلم (‪.)1159‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪.)1163‬‬
‫‪79‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫فأستجيب له من يسألني فأعطيه‪ ،‬من يستغفرني فأغفر له<(‪.)1‬‬

‫* إعطاء الواجبات المستحقة واالحتياجات المتنوعة قدرها ومساحتها‬


‫المناسبة من الوقت‪:‬‬
‫كان النبي ـ ‘ ـ مع اجتهاده في العبادة والتبليغ‪ ،‬وانشغاله بشؤون‬
‫األمة والرسالة‪ ،‬إال أنه ـ ‘ ـ كان ال يهمل حقا من الحقوق‪ ،‬فكان يوزع‬
‫وقته بين الواجبات المتعددة‪ ،‬ويعطي كل شيء مساحته المناسبة من‬
‫الوقت‪ ،‬فهو ـ ‘ ـ الذي أقر سلمان حين نصح أبدا الدرداء ـ ‪ ‬ـ في‬
‫ذلك‪ ،‬فقال له‪( :‬فأعط كل ذي حق حقه)‪ ،‬قال ـ ‘ ـ‪> :‬صدق سلمان<(‪.)2‬‬
‫فعن عائشة ‪> :‬أن النبي ‘ كان إذا صلى‪ ،‬فإن كنت مستيقظة‬
‫حدثني‪ ،‬وإال اضطجع حتى يؤذن بالصالة<(‪.)3‬‬
‫وعنها أيضا ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬قالت‪ :‬كان رسول اهلل ـ ‘ ـ يحب الحلواء‪،‬‬
‫ويحب العسل‪ ،‬وكان إذا صلى العصر أجاز على نسائه فيدنو منهن(‪.)4‬‬
‫فكان ـ ‘ ـ يعطي أهله من وقته مقدار؛ يتحدث معهن‪ ،‬ويستمع‬
‫إليهن‪ ،‬ومما يظهر ذلك بجالء حديث عائشة ـ ‪ ‬ـ المعروف بحديث‬
‫أم زرع‪ ،‬حين جلست ـ ‪ ‬ـ تحكي له ـ ‘ ـ ما قصته إحدى عشرة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه البخاري (‪ ،)1145‬ومسلم (‪.)758‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه البخاري‪ ،‬وقد سبق‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه البخاري (‪.)1167‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه البخاري (‪ ،)6972‬مسلم (‪.)1474‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪80‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫امرأة عليها من أحوالهن مع أزواجهن‪ ،‬وهو يستمع إليها في كل ذلك‪ ،‬ثم‬


‫يجيبها بما يطيب به خاطرها(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الحديث رواه بطوله البخاري (‪ )5189‬ــ واللفظ له ــ‪ ،‬ومسلم (‪ ،)2448‬عن عائشة‪،‬‬
‫قالت‪ :‬جلس إحدى عشرة امرأة‪ ،‬فتعاهدن وتعاقدن أن ال يكتمن من أخبار أزواجهن‬
‫شيئا‪ ،‬قالت األولى‪ :‬زوجي لحم جمل غث‪ ،‬على رأس جبل‪ :‬ال سهل فيرتقى وال‬
‫سمين فينتقل‪ ،‬قالت الثانية‪ :‬زوجي ال أبث خبره‪ ،‬إني أخاف أن ال أذره‪ ،‬إن أذكره‬
‫أذكر عجره وبجره‪ ،‬قالت الثالثة‪ :‬زوجي العشنّق‪ ،‬إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق‪،‬‬
‫قالت الرابعة‪ :‬زوجي كليل تهامة‪ ،‬ال حر وال قر‪ ،‬وال مخافة وال سآمة‪ ،‬قالت الخامسة‪:‬‬
‫زوجي إن دخل فهد‪ ،‬وإن خرج أسد‪ ،‬وال يسأل عما عهد‪ ،‬قالت السادسة‪ :‬زوجي إن‬
‫أكل لف‪ ،‬وإن شرب اشتف‪ ،‬وإن اضطجع التف‪ ،‬وال يولج الكف ليعلم البث‪ .‬قالت‬
‫السابعة‪ :‬زوجي غياياء ــ أو عياياء ــ طباقاء‪ ،‬كل داء له داء‪ ،‬شجك أو فلك أو جمع‬
‫كال لك‪ ،‬قالت الثامنة‪ :‬زوجي المس مس أرنب‪ ،‬والريح ريح زرنب‪ ،‬قالت التاسعة‪:‬‬
‫زوجي رفيع العماد‪ ،‬طويل النجاد‪ ،‬عظيم الرماد‪ ،‬قريب البيت من الناد‪ ،‬قالت العاشرة‪:‬‬
‫زوجي مالك وما مالك‪ ،‬مالك خير من ذلك‪ ،‬له إبل كثيرات المبارك‪ ،‬قليالت‬
‫المسارح‪ ،‬وإذا سمعن صوت المزهر‪ ،‬أيقن أنهن هوالك‪ ،‬قالت الحادية عشرة‪ :‬زوجي‬
‫أبو زرع‪ ،‬وما أبو زرع‪ ،‬أناس من حلي أذني‪ ،‬ومأل من شحم عضدي‪ ،‬وبجحني‬
‫فبجحت إلي نفسي‪ ،‬وجدني في أهل غنيمة بشق‪ ،‬فجعلني في أهل صهيل وأطيط‪،‬‬
‫ودائس ومنق‪ ،‬فعنده أقول فال أقبح‪ ،‬وأرقد فأتصبح‪ ،‬وأشرب فأتقنح‪ ،‬أم أبي زرع‪،‬‬
‫فما أم أبي زرع‪ ،‬عكومها رداح‪ ،‬وبيتها فساح‪ ،‬ابن أبي زرع‪ ،‬فما ابن أبي زرع‪،‬‬
‫مضجعه كمسل شطبة‪ ،‬ويشبعه ذراع الجفرة‪ ،‬بنت أبي زرع‪ ،‬فما بنت أبي زرع‪ ،‬طوع‬
‫أبيها‪ ،‬وطوع أمها‪ ،‬وملء كسائها‪ ،‬وغيظ جارتها‪ ،‬جارية أبي زرع‪ ،‬فما جارية أبي‬
‫زرع‪ ،‬ال تبث حديثنا تبثيثا‪ ،‬وال تنقث ميرتنا تنقيثا‪ ،‬وال تمأل بيتنا تعشيشا‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫خرج أبو زرع واألوطاب تمخض‪ ،‬فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين‪ ،‬يلعبان من‬
‫تحت خصرها برمانتين‪ ،‬فطلقني ونكحها‪ ،‬فنكحت بعده رجال سريا‪ ،‬ركب شريا‪،‬‬
‫وأخذ خطيا‪ ،‬وأراح علي نعما ثريا‪ ،‬وأعطاني من كل رائحة زوجا‪ ،‬وقال‪ :‬كلي أم زرع=‬
‫‪81‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫وكان ـ ‘ ـ يجلس ألصحابه‪ ،‬ويتحاور معهم‪ ،‬ويطرح المسألة‬


‫ويستمع منهم؛ ف َع ِن ابن عمر‪ ،‬عن النبي ‘ قال‪> :‬إن من الشجر شجرة‬
‫ال يسقط ورقها‪ ،‬وإنها مثل المسلم‪ ،‬حدثوني ما هي< قال‪ :‬فوقع الناس‬
‫في شجر البوادي قال عبد اهلل‪ :‬فوقع في نفسي أنها النخلة‪ ،‬فاستحييت‪،‬‬
‫ثم قالوا‪ :‬حدثنا ما هي يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪> :‬هي النخلة<(‪.)1‬‬
‫وكان ـ ‘ ـ يجلس بين المتشاحنين من أصحابه يصلح بينهم‬
‫ــ رضي اهلل عنهم أجمعين ــ‪.‬‬
‫فعن سهل بن سعد ‪ ،‬قال‪ :‬بلغ رسول اهلل ‘ أن بني عمرو بن‬
‫عوف بقباء كان بينهم شيء‪ ،‬فخرج يصلح بينهم في أناس من أصحابه‪،‬‬
‫فحبس رسول اهلل ‘ وحانت الصالة‪ ..‬الحديث(‪.)2‬‬
‫وكان ـ ‘ ـ يجلس للذكر‪ ،‬وحوله أصحابه ــ رضوان اهلل عليهم‬
‫أجمعين ــ حين يتكلمون فيما يضحكهم‪ ،‬فيتبسم‪.‬‬
‫عن سماك بن حرب‪ ،‬قال‪ :‬قلت لجابر بن سمرة‪ :‬أكنت تجالس‬
‫رسول اهلل ‘؟ قال‪ :‬نعم كثيرا‪> ،‬كان ال يقوم من مصاله الذي يصلي‬
‫فيه الصبح‪ ،‬أو الغداة‪ ،‬حتى تطلع الشمس‪ ،‬فإذا طلعت الشمس قام‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وميري أهلك‪ ،‬قالت‪ :‬فلو جمعت كل شيء أعطانيه‪ ،‬ما بلغ أصغر آنية أبي زرع‪ ،‬قالت‬
‫عائشة‪ :‬قال رسول ــ اهلل ‘ ــ‪> :‬كنت لك كأبي زرع ألم زرع<‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)62‬ومسلم (‪ )2811‬بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه بطوله البخاري (‪ ،)1218‬ومسلم (‪.)421‬‬
‫‪82‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية‪ ،‬فيضحكون ويتبسم<(‪.)1‬‬


‫وهكذا سيرته ـ ‘ ـ كلها خير نموذج في هذا الباب‪ ،‬وسردها ال‬
‫يحتمله المقام‪ ،‬صلوات اهلل عليه وسالمه‪.‬‬

‫* المثابرة والمداومة على العمل‪ ،‬واألمر بأن يكلف اإلنسان نفسه من‬
‫األعمال ما يطيق‪:‬‬
‫وكان النبي ـ ‘ ـ يداوم على األعمال التي يقوم بها‪ ،‬ويحث على‬
‫ذلك‪ ،‬وبين ـ ‘ ـ أن أحب األعمال إلى اهلل تعالى‪ ،‬وأعظمها نفعا‬
‫لإلنسان ما كان مستمرا يداوم األنسان عليه‪ ،‬الشتمال ذلك على معاني‬
‫الخيرية في العمل والعامل‪ ،‬وكان النبي ـ ‘ ـ يأمر أن يكلف اإلنسان‬
‫نفسه من األعمال ما يطيق؛ حتى يستطيع المداومة عليه‪.‬‬
‫عن عائشة ‪ ،‬أنها قالت‪ :‬سئل النبي ـ ‘ ـ‪ :‬أي األعمال أحب إلى‬
‫اهلل؟ قال‪> :‬أدومها وإن قل< وقال‪> :‬اكلفوا من األعمال ما تطيقون<(‪.)2‬‬
‫و َع ْنها ـ ‪ ‬ـ أيضا‪ ،‬أَنَّ َها قَال َ ْت‪> :‬كان أحب العمل إلى رسول اهلل‬
‫ـ ‘ ـ الذي يدوم عليه صاحبه<(‪.)3‬‬
‫وعن َم ْس ُروق‪ ،‬قال‪ :‬سألت عائشة ‪ ،‬أي العمل كان أحب إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)670‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)6465‬ومسلم (‪.)783‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪.)6462‬‬
‫‪83‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫النبي ‘؟ قالت‪> :‬الدائم<‪ ،‬قلت‪ :‬متى كان يقوم؟ قالت‪> :‬كان يقوم إذا‬
‫سمع الصارخ<(‪.)1‬‬
‫وكان ينهى عن خالف ذلك‪ ،‬فعن عمرو بن العاص ‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫لي رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬يا عبد اهلل‪ ،‬ال تكن مثل فالن كان يقوم الليل‪،‬‬
‫فترك قيام الليل<(‪.)2‬‬

‫* االجتهاد في العمل‪ ،‬وبلوغ الدرجة العليا في ذلك‪:‬‬


‫كان النبي ـ ‘ ـ يجتهد في العمل اجتهادا عظيما‪ ،‬ويداوم أيضا‬
‫على ذلك االجتهاد‪ ،‬حتى أن غيره ال يطيق أن يعمل مثل عمله ـ ‘ ـ‪.‬‬
‫فعن علقمة‪ ،‬قلت لعائشة ‪ :‬هل كان رسول اهلل ‘‪ ،‬يختص من‬
‫األيام شيئا؟ قالت‪( :‬ال‪ ،‬كان عمله ديمة‪ ،‬وأيكم يطيق ما كان رسول اهلل‬
‫ـ ‘ ـ يطيق)(‪.)3‬‬
‫وكان ـ ‘ ـ مع أن اهلل تعالى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪،‬‬
‫إال أنه كان يحافظ ويداوم على ذلك االجتهاد‪ ،‬وبلغ منه مبلغا عظيما‪،‬‬
‫فإذا سئل عن ذلك أجاب بأنه شكر على ما أنعم اهلل تعالى به عليه‪.‬‬
‫فعن المغيرة‪ ،‬قال‪ :‬قام النبي ‘ حتى تورمت قدماه‪ ،‬فقيل له‪ :‬غفر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)6461‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)1152‬ومسلم (‪.)1159‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)1987‬ومسلم (‪.)783‬‬
‫‪84‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫اهلل لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‪ ،‬قال‪> :‬أفال أكون عبدا شكورا<(‪.)1‬‬
‫عن عائشة ـ ‪ ‬ـ‪ :‬أن نبي اهلل ـ ‘ ـ كان يقوم من الليل حتى‬
‫لم تصنع هذا يا رسول اهلل‪ ،‬وقد غفر اهلل لك‬‫تتفطر قدماه‪ ،‬فقالت عائشة‪َ :‬‬
‫ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال‪> :‬أفال أحب أن أكون عبدا شكورا فلما‬
‫كثر لحمه صلى جالسا‪ ،‬فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع<(‪.)2‬‬

‫* عدم االنقطاع عن العمل بحال حتى لو علم اإلنسان قرب نهايته‪:‬‬


‫فعن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬إن قامت على‬
‫أحدكم القيامة‪ ،‬وفي يده فسيلة فليغرسها<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)4836‬ومسلم (‪.)2819‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)4837‬‬
‫(‪ )3‬إسناده صحيح‪ :‬رواه أحمد (‪ ،)12902‬والطيالسي (‪ ،)2181‬وعبد بن حميد‬
‫(‪ ،)1216‬والبخاري في األدب المفرد (‪ ،)479‬والبزار (‪ ،)7408‬كلهم من طرق‬
‫عن حماد بن سلمة‪ ،‬عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك‪ ،‬عن أنس ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬وهذا‬
‫إسناد صحيح‪ ،‬رجاله ثقات‪.‬‬
‫وذكره الضياء المقدسي في المختارة (‪ ،)2712‬وقال‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫وقال الهيثمي‪( :‬رواه البزار‪ ،‬ورجاله أثبات ثقات‪ ،‬لعله أراد بقيام الساعة‪ :‬أمارتها)‪.‬‬
‫اهـ مجمع الزوائد (‪.)6236‬‬
‫وقال الشيخ مصطفى العدوي في تعليقه على المنتخب‪( :‬صحيح‪ ،..‬وذكر الشيخ ناصر‬
‫األلباني في السلسلة الصحيحة أن يحيى بن سعيد قد تابع هشام بن زيد‪ ،‬كما في‬
‫الكامل البن عدي‪ .‬انظر‪ :‬سلسلة األحاديث الصحيحة)‪ .‬اهـ مختصرا من تعليقه على‬
‫المنتخب لعبد بن حميد (‪.)240/2‬‬
‫‪85‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الوقت في السنة املطهرة‬

‫فجاءت سنة النبي ـ ‘ ـ بالحث على القيام بالعمل الذي يرجى‬


‫نفعه‪ ،‬وإن كان القائم بالعمل نفسه ظن قيام الساعة‪.‬‬
‫فالنبي ـ ‘ ـ هديه خير هدي‪ ،‬وسنته أفضل السنن؛ فأي وصية‬
‫على أداء األعمال على وجهها‪ ،‬والصبر والمثابرة عليها خير من ذلك؟!‬
‫فكانت سيرته ـ ‘ ـ أفضل نموذج على اإلطالق‪ ،‬فتعلم منه واهتدى‬
‫بهديه ـ ‘ ـ آل بيته األطهار‪ ،‬وأصحابه الكرام ــ رضوان اهلل عليهم‬
‫أجمعين ــ فأخذوا من ذلك النبع الصافي حتى رووا وارتووا‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الوقت في التراث اإلسالمي‪ ،‬ونظرة السلف له‬

‫ل‬
‫ا مبحثااثلثل‬
‫الوقت يف الرتاث اإلسالمي‪ ،‬ونظرة السلف له‬

‫لقد حظي الوقت في التراث اإلسالمي بحظ وافر‪ ،‬لم يحظ بمثله‬
‫في ثقافة أخرى‪ ،‬وربما لم يحظ غير الوقت بمثل ما حظي به الوقت في‬
‫التراث اإلسالمي نفسه‪ ،‬فال يكاد يخلو مصنف من الكالم عن الوقت‬
‫بطريقة أو بأخرى سواء كان الكالم مباشرا‪ ،‬أو غير مباشر‪ ،‬أو عن قيمته‪،‬‬
‫واستغالله على الوجه األكمل‪ ،‬وتوزيعه على الواجبات المختلفة‪،‬‬
‫والتخطيط لذلك‪ ،‬وإعطاء النماذج واألمثلة على ذلك‪.‬‬
‫وقد أفردت له بعض المصنفات‪ ،‬وحظي بصيب وافر في أخرى‪،‬‬
‫أو تناثر الكالم عنه في ثنايا كثير منها‪.‬‬

‫* أهمية الوقت‪ ،‬والنظر له على أنه عمر اإلنسان‪:‬‬


‫ينظر للوقت في التراث اإلسالمي على أنه أنفس ما يملكه اإلنسان‪،‬‬
‫وأنه رأس ماله الحقيقي‪ ،‬وبضاعته التي ال يكاد يملك غيرها‪ ،‬وبلغ‬
‫الحفاظ عليه عند بعضهم أال يفرط في مقدار نفس من أنفاسه‪ ،‬وال لحظة‬
‫من لحظات عمره‪ ،‬وكان أحدهم يفضل االختصار في الطعام والشراب‬
‫‪87‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الوقت في التراث اإلسالمي‪ ،‬ونظرة السلف له‬

‫والكالم المباح طلبا الختصار الوقت‪ ،‬وسيأتي من كالمهم وأفعالهم بيان‬


‫ذلك‪ ،‬ومن األمثلة عليه ما تنبهر به العقول‪ ،‬وتنشرح له الصدور‪.‬‬
‫قال شمس الدين السفاريني‪( :‬وفي وصية اإلمام الموفق ابن قدامة‬
‫ــ طيب اهلل روحه ــ ما لفظه‪ :‬فاغتنم رحمك اهلل حياتك النفيسة‪ ،‬واحتفظ‬
‫بأوقاتك العزيزة‪ ،‬واعلم أن مدة حياتك محدودة‪ ،‬وأنفاسك معدودة‪ ،‬فكل‬
‫نفس ينقص به جزء منك‪ ،‬والعمر كله قصير‪ ،‬والباقي منه هو اليسير‪،‬‬
‫وكل جزء منه جوهرة نفيسة ال عدل لها‪ ،...‬فال تضيع جواهر عمرك‬
‫النفيسة بغير عمل‪ ،‬وال تذهبها بغير عوض‪ ،‬واجتهد أن ال يخلو نفس من‬
‫أنفاسك إال في عمل طاعة أو قربة تتقرب بها‪ .‬فإنك لو كانت معك‬
‫جوهرة من جواهر الدنيا لساءك ذهابها‪ ،‬فكيف تفرط في ساعاتك‬
‫وأوقاتك؟! وكيف ال تحزن على عمرك الذاهب بغير عوض؟!)(‪.)1‬‬
‫وقال ابن القيم ـ ‪ ‬ـ‪( :‬إضاعة الوقت أشد من الموت؛ ألن إضاعة‬
‫الوقت تقطعك عن اهلل والدار اآلخرة‪ ،‬والموت يقطعك عن الدنيا‬
‫وأهلها)(‪.)2‬‬
‫وقال أيضا‪( :‬فوقت اإلنسان هو عمره في الحقيقة‪ ،‬وهو مادة حياته‬
‫الض ْنك في العذاب األليم‪ ،‬وهو‬ ‫األبدية في النعيم المقيم‪ ،‬ومادة معيشته ّ‬
‫يمر أسرع من ّمر السحاب‪ .‬فما كان من وقته هلل وباهلل‪ ،‬فهو حياته وعمره‪.‬‬
‫ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬غذاء األلباب شرح منظومة اآلداب (‪.)351/2‬‬
‫(‪ )2‬الفوائد البن القيم (صـ‪.)31‬‬
‫‪88‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الوقت في التراث اإلسالمي‪ ،‬ونظرة السلف له‬

‫وغير ذلك ليس محسو ًبا من حياته)(‪.)1‬‬


‫قال الوزير بن هبيرة‪[ :‬الكامل]‬
‫(‪)2‬‬
‫هل َما َعلَ ْيك يَ ِضـــ ُيع‬
‫َو َأر ُاه أَ ْســـ َ‬ ‫حف ِظه‬ ‫َوا ْل َو ْقت أَ ْن َف ُس َما ُعن َ‬
‫يت بِ ْ‬

‫* إدارة الوقت تبدأ بالتخطيط والتنظيم اليومي للعمل‪:‬‬


‫تعد الخطوة األولى إلدارة الوقت هي التنظيم والتخطيط اليومي‬
‫لألعمال المنوطة باإلنسان‪ ،‬وتوزيعها على اليوم بحسب الحال‪ ،‬ومراعاة‬
‫األولويات‪ ،‬وقد دأب علماء المسلمين على هذا النسق في حياتهم‬
‫ويومهم‪ ،‬ومنهم من نص على ذلك صراحة في بعض تصانيفه‪.‬‬
‫ومن ذلك ما ذكره ابن قدامة في كتابه‪ :‬مختصر منهاج القاصدين‪،‬‬
‫حيث اقترح نظاما لليوم والليلة‪ ،‬ورسمه بشكل دقيق‪ ،‬ربما فاق ما وضعه‬
‫كثير من مؤلفي إدارة الوقت المعاصرين‪ ،‬من جهة االستغالل األمثل‬
‫لألوقات‪ ،‬وبذل الحد األقصى من الجهد‪ ،‬واالنشغال باألنفع‪ ،‬وقد راعى‬
‫في تقسيمة الجوانب الدينية والدنيوية‪ ،‬حتى أنه نظم أوقات النوم والراحة‪،‬‬
‫وراعى أيضا الفروق في األحوال من شخص آلخر‪ ،‬ومع الشخص الواحد‬
‫من آن آلخر‪ ،‬وسمى ذلك‪ :‬أوراد اليوم والليلة‪ ،‬وسنذكره باختصار‬
‫ألهمية‪ ،‬وداللته‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الداء والدواء (صـ‪ 358‬ــ ‪.)359‬‬
‫(‪ )2‬ذيل طبقات الحنابلة (‪.)167/2‬‬
‫‪89‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الوقت في التراث اإلسالمي‪ ،‬ونظرة السلف له‬

‫قال ابن قدامة‪( :‬بيان عدد أوراد(‪ )1‬الليل والنهار وترتيبها‪ :‬أوراد‬
‫النهار سبعة‪ ،‬وأوراد الليل ستة‪:‬‬
‫الورد األول من أوراد النهار‪ :‬ما بين طلوع الفجر الثاني إلى طلوع‬
‫الشمس‪ ،‬وهو وقت شريف‪ ،‬وقد أقسم اهلل تعالى به فقال‪{ :‬ﲍ ﲎ‬
‫ﲏ} [التكوير‪ ،]18 :‬وينبغي له قبل خروجه إلى صالة الفجر أن يصلى‬
‫السنة في منزله‪ ،‬ثم يطلب الصف األول‪ ،‬فإذا صلى الفجر استحب أن‬
‫يمكث في مكانه إلى طلوع الشمس‪ ،‬وليكن وظائف وقته أربع ًا‪ :‬الدعاء‪،‬‬
‫الذكر‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والفكر‪ ،‬وليأت بما أمكنه‪ ،‬وليتفكر في قطع القواطع‪،‬‬
‫وشغل الشواغل عن الخير ليؤ ّدي وظائف يومه‪ ،‬وليتفكر في نعم اهلل تعالى‬
‫ليتوفر شكره‪.‬‬
‫الورد الثاني‪ :‬ما بين طلوع الشمس إلى الضحى‪ ،‬وذلك بمضي‬
‫ثالث ساعات من النهار‪ ،‬وهذا وقت شريف‪ ،‬وفيه وظيفتان‪ :‬أحدهما‪:‬‬
‫صالة الضحى‪ ،‬أو حضور مجلس علم‪.‬‬
‫الورد الثالث‪ :‬من وقت الضحى إلى الزوال‪ ،‬والوظيفة في هذا‬
‫الوقت‪ ،‬األقسام األربعة‪ ،‬وزيادة أمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬االشتغال بالكسب والمعاش‪ ،‬والثاني‪ :‬القيلولة‪ ،‬فإنها مما‬
‫تعين على قيام الليل‪..‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أراد بذلك األعمال الواجبة على اإلنسان في دينه ومعاشه‪ ،‬كما سيتضح من كالمه‬
‫ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الوقت في التراث اإلسالمي‪ ،‬ونظرة السلف له‬

‫الورد الرابع‪ :‬ما بين الزوال إلى الفراغ من صالة الظهر‪ ،‬وهو أقصر‬
‫أوراد النهار وأفضلها‪..‬‬
‫الورد الخامس‪ :‬ما بعد ذلك إلى العصر‪ ،‬فيستحب له في هذا الوقت‬
‫االشتغال بالذكر‪ ،‬والصالة‪ ،‬وفنون الخير‪..‬‬
‫الورد السادس‪ :‬إذا دخل وقت العصر إلى أن تصفر الشمس‪،‬‬
‫يتشاغل باألقسام األربعة التي سبق ذكرها في الورد األول‪..‬‬
‫الورد السابع‪ :‬من اصفرار الشمس إلى أن تغرب‪ ،‬وبالمغرب تنتهي‬
‫أوراد النهار‪ ،‬فينبغي أن يالحظ العبد أحواله ويحاسب نفسه‪ ،‬فقد انقضت‬
‫من طريقه مرحلة‪ .‬وليعلم أن العمر أيام تنقضي جملتها بانقضاء آحادها‪.‬‬
‫* ذكر أوراد الليل‪:‬‬
‫الورد األول‪ :‬إذا غربت الشمس إلى وقت العشاء‪ ،‬فإذا غربت صلى‬
‫المغرب واشتغل بإحياء ما بين العشاءين‪.‬‬
‫الورد الثاني‪ :‬من غيبوبة الشفق األحمر إلى وقت النوم‪ ،‬يستحب‬
‫أن يصلى بين األذانين‪.‬‬
‫الورد الثالث‪ :‬الوتر قبل النوم‪ ،‬إال من كان عادته القيام بالليل‪.‬‬
‫الورد الرابع‪ :‬النوم‪ ،‬وإنما عددناه من األوراد‪ ،‬ألنه إذا روعيت آدابه‬
‫وحسن المقصود به احتسب عبادة‪ ،‬وينبغي له أيضا أن ال يبالغ في تمهيد‬
‫‪91‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الوقت في التراث اإلسالمي‪ ،‬ونظرة السلف له‬

‫الفراش متنعم ًا بذلك‪ ،‬فإنه يزيد في النوم‪.‬‬


‫الورد الخامس من أوراد الليل‪ :‬يدخل بمضي النصف األول إلى أن‬
‫يبقى من الليل سدسه‪ ،‬وذلك وقت شريف [وذكر قيام الليل]‪.‬‬
‫الورد السادس من الليل‪ :‬السدس األخير وهو وقت السحر‪ ،‬قال‬
‫اهلل تعالى‪{ :‬ﲃ ﲄ ﲅ} [الذاريات‪.]18 :‬‬
‫وأما الليل‪ :‬فأحسن قسمة فيه قسمة الشافعي ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬فانه كان يقسمه‬
‫ثالثة أجزاء‪ :‬الثلث األول لكتابة العلم‪ ،‬والثاني للصالة‪ ،‬والثالث للنوم‪،‬‬
‫فأما الصيف‪ ،‬فربما ال يحتمل ذلك‪ ،‬إال إذا كان أكثر النوم بالنهار)(‪.)1‬‬
‫ثم ذكر ابن قدامة تقسيم الوقت وتنوع األعمال بين أصحاب‬
‫المشاغل المختلفة‪ ،‬كالعالم والمتعلم والوالي والقاضي والمحترف‪ ،‬وفي‬
‫ذلك نموذجا حيا رائعا لما نسميه إدارة الوقت‪ ،‬فما أروع هؤالء القوم‪،‬‬
‫وما أحفظهم ألوقاتهم‪ ،‬رحمة اهلل عليهم أجمعين‪.‬‬
‫* االعتناء بالوقت الحاضر‪ ،‬وعدم االنشغال بغيره‪ ،‬سواء بالتحسر‬
‫على فوات الماضي أو أحالم المستقبل‪:‬‬
‫إن االنشغال عن العمل والبذل في الحاضر بالبكاء على الماضي‪،‬‬
‫أو األماني المستقبلة‪ ،‬إنما هو في حقيقته ضياع للوقت الحاضر‪ ،‬فإن‬
‫البكاء والمفرط‪ ،‬والحزن الذي يبعث االنكسار في النفس على ما فات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مختصر منهاج القاصدين (صـ‪ 57‬ــ ‪ )66‬باختصار‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الوقت في التراث اإلسالمي‪ ،‬ونظرة السلف له‬

‫في الماضي؛ فضال عن إضاعته للوقت‪ ،‬فإنه يجلب اإلحباط واليأس في‬
‫النفوس‪ ،‬التي تقعد عن العزيمة والنشاط في الحاضر‪ ،‬لذا كان مضيعا‬
‫له‪ ،‬وكذلك بذل الوقت في أماني المستقبل التي ال تعدو كونها مجرد‬
‫أحالم‪ ،‬مستهلكة الوقت الحاضر‪ ،‬مع عدم اقترابها من التحقق إذا ظلت‬
‫في إطار الخيال‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬فإن االشتغال بالوقت الماضي والمستقبل يضيع‬
‫الوقت الحاضر‪ ،‬وكلما حضر وقت اشتغل عنه بالطرفين‪ ،‬فتصير أوقاته‬
‫كلها فواتا‪.‬‬
‫قال الشافعي ـ ‪ ‬ـ‪ :‬صحبت الصوفية‪ ،‬فما انتفعت منهم إال‬
‫بكلمتين‪ ،‬سمعتهم يقولون‪ :‬الوقت سيف؛ فإن قطعته وإال قطعك‪ .‬ونفسك‬
‫إن لم تشغلها بالحق‪ ،‬وإال شغلتك بالباطل‪.‬‬
‫وأيضا فالغيرة على التفويت تفويت آخر‪ ،‬كما يقال‪ :‬االشتغال بالندم‬
‫على الوقت الفائت تضييع للوقت الحاضر‪ .‬ولذلك يقال‪ :‬الوقت سيف‪،‬‬
‫إن لم تقطعه‪ ،‬وإال قطعك)(‪.)1‬‬
‫وال يخفى على ذي لب أن المراد بالندم هو ما أشرت أيه آنفا‪،‬‬
‫وليس الندم الذي هو إقرار بالتقصير‪ ،‬وعزم على التعويض‪ ،‬وليس كذلك‬
‫مقصود ابن القيم باالنشغال بالمستقبل التخطيط والترتيب‪ ،‬وإنما األماني‬
‫الكاذبة المهلكة لألوقات‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مدارج السالكين (‪ 124/3‬ــ ‪.)125‬‬
‫‪93‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫ل‬
‫ا مبحثارلاعب‬
‫مسات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫اتصفت النظرة اإلسالمية للوقت بالعديد من الصفات والخصائص‪،‬‬


‫اشتركت في بعضها مع غيرها من جهة أصل وجود الصفة‪ ،‬وتميزت‬
‫وانفردت في البعض اآلخر‪ ،‬وإن كان بال شك أنها فاقت غيرها حتى في‬
‫الصفات المشتركة؛ ذلك أن مبنى هذه النظرة راجع لما أوحى به اهلل تعالى‬
‫وأنزله على عباده‪.‬‬
‫إن من أهم ما تميزت به النظرة اإلسالمية عدم طغيان جانب على‬
‫آخر‪ ،‬ومراعاة جميع الجوانب لإلنسان‪ ،‬فللجوانب اإليمانية والروحانية‬
‫الحظ األوفر‪ ،‬وللمعاش والسعي وعمارة األرض نصيبه الذي يحقق‬
‫المبتغى منه‪ ،‬وللراحة وإعطاء النفس حقها منها وحظها المقدر لها أيضا‪،‬‬
‫فال هي مادية صرفة‪ ،‬وال روحانية رهبانية صرفة‪ ،‬بل مزيج معتدل يراعي‬
‫المصالح الخاصة والعامة والجوانب المختلفة لإلنسان‪ ،‬وإن كان للعبادة‬
‫ومراعاة اآلخرة الحظ األوفر في ذلك‪ ،‬ذلك مع النظرة الحكيمة في توزيع‬
‫الوقت بين المهام المختلفة‪.‬‬
‫ومما تميزت به النظرة اإلسالمية أيضا أن العمر يحسب باللحظة‪،‬‬
‫‪94‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫يحصل األجر العظيم‬


‫وأن القليل منه يساوي الكثير‪ ،‬فيمكن للمسلم أن ّ‬
‫في الوقت اليسير بتوفيق من اهلل للعبد في ذلك‪.‬‬
‫وسنناقش بعض ما تميزت به النظرة اإلسالمية للوقت من خالل‬
‫النظر إلى أهميته وقيمة القليل والكثير منه‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إعطاء قيمة عظمى للوقت‪:‬‬


‫الوقت في النظرة اإلسالمية بالغ األهمية؛ حيث ينظر إليه على أنه‬
‫بضاعة اإلنسان الحقيقية في هذه الدنيا‪ ،‬وأن الكثير منه أو القليل ذو قيمة‬
‫عالية‪ ،‬وأن ضياع أي مقدار منه هو في الحقيقة انتقاص من عمر اإلنسان‪،‬‬
‫وليس نقصا من عمره فحسب‪ ،‬بل يتبع ذلك ضرر جسيم به‪ ،‬وقد عبر‬
‫عدد من األئمة عن تلك المعاني في جملة من مصنفاتهم‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬فكل نَ َفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة ال حظ‬
‫لها يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز ال يتناهى نعيمه أبد اآلباد‪ ،‬فإضاعة‬
‫هذه األنفاس‪ ،‬أو اشتراء صاحبها بها ما يجلب هالكه‪ :‬خسران عظيم ال‬
‫يسمح بمثله إال أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقال‪ ،‬وإنما يظهر له حقيقة‬
‫هذا الخسران يوم التغابن‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬
‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ} [آل عمران‪.)1()]30 :‬‬
‫وقال ابن قدامة‪( :‬فإن بهذه الحياة اليسيرة خلود األبد في النعيم‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إغاثة اللهفان (‪.)137/1‬‬
‫‪95‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫أو العذاب األليم‪ ،‬وإذا عادلت هذه الحياة بخلود األبد علمت أن كل‬
‫نَ َفس يعدل أكثر من ألف ألف ألف عام في نعيم ال خطر له أو خالف‬
‫ذلك‪ ،‬وما كان هكذا فال قيمة له)(‪.)1‬‬

‫ثانيا‪ :‬الوقت أعظم من أن يضيع منه شيء‪:‬‬


‫ال يخفى قيمة الوقت وشرف منزله في النظرة اإلسالمية للوقت‪ ،‬فقد‬
‫بلغ منزلة ربما ال تضاهى‪ ،‬حتى أنه على بمنزلة عن أن يضيع منه القليل‪،‬‬
‫أو يذهب منه اليسر في غير محله‪ ،‬وقد عبر بعض العلماء عن ذلك‪.‬‬
‫قال ابن مفلح‪( :‬فصل في العناية بحفظ الزمان واتقاء إضاعته فيما‬
‫ال فائدة فيه من الزيارات وغيرها‪:‬‬
‫قال ابن الجوزي ـ ‪ ‬ـ‪ :‬رأيت العادات قد غلبت على الناس في‬
‫تضييع الزمان فهم يتزاورون فال ينفكون عن كالم ال ينفع وغيبة‪ ،‬وأقله‬
‫ضياع الزمان‪ ،‬وقد كان القدماء يحذرون من ذلك قال الفضيل‪ :‬أعرف من‬
‫يعد كالمه من الجمعة إلى الجمعة‪ ،..‬وقد كان جماعة قد قعدوا عند‬
‫معروف وأطالوا‪ ،‬فقال‪ :‬إن ملك الشمس ال يفتر عن سوقها فمتى تريدون‬
‫القيام؟‪...‬‬
‫واعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة‪ ،‬فكم يضيع لآلدمي‬
‫من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل‪ ،‬وهذه األيام مثل المزرعة‪ ،‬وكأنه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬غذاء األلباب شرح منظومة اآلداب (‪.)351/2‬‬
‫‪96‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫قد قيل‪ :‬لإلنسان كلما بذرت حبة أخرجنا لك ألفا‪ ،‬هل ترى يجوز للعاقل‬
‫أن يتوقف عن البذر أو يتوانى؟ والذي يعين على اغتنام الزمان االنفراد‬
‫والعزلة مهما أمكن واالختصار على السالم أو حاجة مهمة لمن يلقى‪،‬‬
‫وقلة األكل فإن كثرته سبب النوم الطويل وضياع الليل‪ ،‬ومن نظر في سير‬
‫السلف وآمن بالجزاء بان له ما ذكرته)(‪.)1‬‬

‫ثالثا‪ :‬الوقت يُحسب باللحظة ويعد باألنفاس‪ ،‬وحماسبة‬


‫النفس تكون على هذا القدر منه‪:‬‬
‫كانوا يصفون اإلنسان بأنه أنفاس معدودة وأرزاق معدودة‪ ،‬فكأنما‬
‫مثلوا عمره بعدد من األنفاس‪ ،‬متى بلغه انتهى عمره‪ ،‬لذا كان العمر‬
‫عندهم يحسب بالنَ َفس‪ ،‬فكلما خرج من اإلنسان نَ َفس من األنفاس كلما‬
‫نقص من عمره بمقداره‪.‬‬
‫قال الرازي‪( :‬فلو ضيعت ألف سنة‪ ،‬ثم تبت في اللمحة األخيرة‬
‫من العمر بقيت في الجنة أبد اآلباد‪ ،‬فعلمت حينئذ أن أشرف األشياء‬
‫حياتك في تلك اللمحة‪ ،‬فكأن الدهر والزمان من جملة أصول النعم‪،‬‬
‫فلذلك أقسم به ونبه على أن الليل والنهار فرصة يضيعها المكلف)(‪.)2‬‬
‫وقال ابن الجوزي‪( :‬وإهمال المحاسبة للنفس أصل التفريط‪ ،‬وأن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اآلداب الشرعية والمنح المرعية (‪.)474/3‬‬
‫(‪ )2‬التفسير الكبير (‪.)277/22‬‬
‫‪97‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫العمر إن لم يستدرك أدركه الفوت‪ ،‬وأن مراحل األنفاس تسرع بالراكب‬


‫إلى منزل الموت)(‪.)1‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬فكل نَ َفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة‪ ..‬فإضاعة‬
‫هذه األنفاس‪ ..‬خسران عظيم)(‪.)2‬‬
‫وقال ابن قدامة‪( :‬وإذا عادلت هذه الحياة بخلود األبد علمت أن‬
‫كل نَ َفس يعدل أكثر من ألف ألف ألف عام)(‪.)3‬‬

‫رابعا‪ :‬لكل واجب من الواجبات‪ ،‬وكل حاجة من احتياجات‬


‫النفس وقتها املقدر هلا‪:‬‬
‫تتعدد الواجبات واالحتياجات اإلنسانية‪ ،‬وكان مما تميزت به النظرة‬
‫اإلسالمية للوقت أنها تراعي جميع الجوانب اإلنسانية؛ فال يعطى جانب‬
‫المادة كل الوقت‪ ،‬وال يعطى العبادة كل الوقت‪ ،‬وال تهمل الراحة‬
‫والترويح بينهما‪ ،‬وذلك مصداق للحديث الشريف‪ ،‬حين قال سلمان‬
‫ـ ‪ ‬ـ‪ :‬إن لربك عليك حقا‪ ،‬ولنفسك عليك حقا‪ ،‬وألهلك عليك حقا‪،‬‬
‫فَأَ ْع ِط كل ذي حق حقه‪ ،‬فقال النبي ـ ‘ ـ‪> :‬صدق سلمان<(‪ ،)4‬ولما‬
‫جاء في كتاب اهلل تعالى‪{ :‬ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مختصر منهاج القاصدين (صـ‪.)10‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫إغاثة اللهفان (ص‪.)89‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫غذاء األلباب شرح منظومة اآلداب (‪.)351/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه البخاري‪ ،‬وقد سبق‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪98‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫ﳁ ﳂﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ} [القصص‪.]77 :‬‬
‫وهذا التوازن من السمات األصيلة في اإلسالم‪ ،‬فقد روى مسلم‬
‫ـ ‪ ‬ـ عن حنظلة األسيدي‪ ،‬قال‪ :‬ــ وكان من كتاب رسول اهلل ‘ ــ‬
‫قال‪ :‬لقيني أبو بكر‪ ،‬فقال‪ :‬كيف أنت؟ يا حنظلة قال‪ :‬قلت‪ :‬نافق حنظلة‪،‬‬
‫قال‪ :‬سبحان اهلل ما تقول؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نكون عند رسول اهلل ‘‪ ،‬يذكرنا‬
‫بالنار والجنة‪ ،‬حتى كأنا رأي عين‪ ،‬فإذا خرجنا من عند رسول اهلل ‘‪،‬‬
‫عافسنا األزواج واألوالد والضيعات‪ ،‬فنسينا كثيرا‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬فواهلل‬
‫إنا لنلقى مثل هذا‪ ،‬فانطلقت أنا وأبو بكر‪ ،‬حتى دخلنا على رسول اهلل‬
‫‘‪ ،‬قلت‪ :‬نافق حنظلة‪ ،‬يا رسول اهلل‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪> :‬وما ذاك؟<‬
‫قلت‪ :‬يا رسول اهلل نكون عندك‪ ،‬تذكرنا بالنار والجنة‪ ،‬حتى كأنا رأي‬
‫عين‪ ،‬فإذا خرجنا من عندك‪ ،‬عافسنا األزواج واألوالد والضيعات‪ ،‬نسينا‬
‫كثيرا فقال رسول اهلل ‘‪> :‬والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما‬
‫تكونون عندي‪ ،‬وفي الذكر‪ ،‬لصافحتكم المالئكة على فرشكم وفي‬
‫طرقكم‪ ،‬ولكن يا حنظلة ساعة وساعة< ثالث مرات(‪.)1‬‬
‫فهكذا إذن تكون إدارة الوقت‪ ،‬ساعة وساعة‪ ،‬ساعة للعبادة والذكر‪،‬‬
‫وساعة للعمل والجد‪ ،‬وساعة للترويح‪ ،‬وتوازن بديع‪ ،‬بتقدير من اللطيف‬
‫الخبير سبحانه‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)2750‬‬
‫‪99‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫خامسا‪ :‬احلث على املداومة على العمل بال انقطاع وال فتور‪:‬‬
‫ال تخفى روح الجهد واالجتهاد‪ ،‬والعمل غير المنقطع في عموم‬
‫الشريعة بين آيات الذكر الحكيم‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶ} [الحجر‪ ]99 :‬وقوله تعالى‪{ :‬ﱓ ﱔ ﱕ} [الشرح‪ ،]7 :‬والسنة‬
‫المشرفة‪ ،‬كما في قول عائشة ـ ‪ ‬ـ عن النبي ـ ‘ ـ‪ :‬كان عمله‬
‫دِ َيم ًة(‪ ،)1‬وقوله ـ ‘ ـ‪( :‬إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة‬
‫فليغرسها)(‪.)2‬‬
‫قال ابن الجوزي‪( :‬فصل‪ :‬ال ُت َض ّي ْع لحظة في غير قربةٍ‪ :‬ينبغي‬
‫لإلنسان أن يعرف شرف زمانه‪ ،‬وقدر وقته‪ ،‬فال يضيع منه لحظة في غير‬
‫قربة‪ ،‬ويقدم األفضل فاألفضل من القول والعمل‪ .‬ولتكن نيته في الخير‬
‫قائمة من غير فتور بما ال يعجز عنه البدن من العمل)(‪.)3‬‬

‫سادسا‪ :‬املوازنة واالعتدال يف تقسيم األوقات‪:‬‬


‫الشك أن الموازنة في تقسيم الوقت مطلب حثيث‪ ،‬وال شك أيضا‬
‫أن الموازنة في هذا التقسيم مطلب ال يقل أهمية عن التقسيم نفسه‪ ،‬وقد‬
‫روعي ذلك تمام المراعة في النظرة اإلسالمية للوقت‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1987‬ومسلم (‪.)783‬‬
‫(‪ )2‬صحيح رواه أحمد‪ ،)12902( :‬وعبد بن حميد (‪ ،)1214‬وقد سبق الكالم عليه‪.‬‬
‫(‪ )3‬صيد الخاطر (صـ‪.)33‬‬
‫‪100‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫قال ابن قدامة‪( :‬واعلم‪ :‬أن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة‪،‬‬
‫فاالعتدال أن ينام من ذلك الثلث‪ ،‬وهو ثمان ساعات‪ ،‬فمن نام أقل من‬
‫ذلك لم يأمن اضطراب بدنه‪ ،‬ومن نام أكثر من ذلك كثر كسله)(‪.)1‬‬

‫سابعا‪ :‬طلب األجر يف كل حلظة حتى ما كان منه للنوم‬


‫والراحة‪:‬‬
‫ومن أهم ما تمتاز به النظرة اإلسالمية هو طلب األجر من اهلل تعالى‬
‫في كل عمل كبير أو صغير‪ ،‬حتى في وقت الراحة والمرح إن َح ُسنت النية‪:‬‬
‫ف َع ْن أَبِي بُ ْر َد َة‪ ،‬أن معاذا سأل أبا موسى ـ ‪ ‬ـ‪ :‬يا عبد اهلل‪ ،‬كيف‬
‫تقرأ القرآن؟ قال‪ :‬أَ َت َف َّوقُ ُه َت َف ُّو ًقا‪ ،‬قال‪ :‬فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال‪ :‬أنام‬
‫أول الليل‪ ،‬فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم‪ ،‬فأقرأ ما كتب اهلل لي‪،‬‬
‫فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي(‪.)2‬‬
‫وقال ابن قدامة وهو يقسم األعمال المنوطة باإلنسان في يومه‬
‫وليلته‪( :‬الورد الرابع‪ :‬النوم‪ ،‬وإنما عددناه من األوراد؛ ألنه إذا روعيت‬
‫آدابه‪ ،‬وحسن المقصود به احتسب عبادة)(‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مختصر منهاج القاصدين (صـ‪.)60‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)4341‬واللفظ له‪ ،‬وعند مسلم (‪ )1733‬مختصرا‪.‬‬
‫(‪ )3‬مختصر منهاج القاصدين (صـ‪.)61‬‬
‫‪101‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫ثامنا‪ :‬مراعاة اختالف األحوال بني الناس‪:‬‬


‫ومما تميزت به أيضا النظرة اإلسالمية أكثر من غيرها هي مراعاة‬
‫عما‬
‫اختالف األحوال بين الناس‪ ،‬وأن ما يجب على المتفرغ يختلف ّ‬
‫يجب على المنشغل‪ ،‬أو صاحب العذر‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬فصل في اختالف األوراد باختالف األحوال‪:‬‬
‫اعلم‪ :‬أن السالك لطريق اآلخرة ال يخلو من ستة أحوال‪ :‬إما أن يكون‬
‫عابد ًا‪ ،‬أو عالم ًا‪ ،‬أو متعلما‪ ..‬وقد تختلف وظائفه‪ ،‬فقد كانت أحوال‬
‫المتعبدين من السلف مختلفة‪ ،‬فمنهم من كان يغلب على حاله التالوة‪..‬‬
‫ومنه من يكثر الصالة‪ ،‬ومنه من يكثر الطواف بالبيت‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فما األولى أن يصرف إليه أكثر األوقات من هذه األوراد؟‬
‫فاعلم أن قراءة القرآن في الصالة قائما مع التدبر يجمع الجميع‪،‬‬
‫ولكن ربما عسرت المواظبة على ذلك‪ ،‬واألفضل يختلف باختالف حال‬
‫الشخص‪ ،‬ومقصود األوراد تزكية القلب وتطهيره‪ ،‬فلينظر المريد ما يراه‬
‫أشد تأثير ًا فيه فليواظب عليه‪ ..‬العالم‪ :‬الذي ينتفع الناس بعلمه في فتوى‪،‬‬
‫أو تدريس‪ ،‬أو تصنيف‪ ،‬أو تذكير‪ ،‬فترتيبه في األوراد يخالف ترتيب‬
‫العابد‪ ..‬واألولى بالعالم أيض ًا أن يقسم أوقاته‪ ،‬ألن استغراق األوقات‬
‫في العلم ال تصبر عليه النفس‪.)1()..‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مختصر منهاج القاصدين (صـ‪ 65‬ــ ‪.)66‬‬
‫‪102‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫تاسعا‪ :‬الوقت املمنوح لإلنسان كفيل بتحقيق األعمال‬


‫املنوطة به‪:‬‬
‫ومن خصائص النظرة اإلسالمية للوقت أيضا أن الوقت الممنوح من‬
‫اهلل للعبد فيه الكفاية للقيام بما يناط به من أعمال‪.‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ} [فاطر ‪.]37‬‬
‫قال الزمخشري‪{( :‬ﲶ ﲷ} توبيخ من اهلل‪ ..‬وهو متناول لكل‬
‫عمر تمكن فيه المكلف من إصالح شأنه وإن قصر‪ ،‬إال أن التوبيخ في‬
‫المتطاول أعظم)(‪.)1‬‬
‫و َع ْن أَبِي ُه َر ْي َر َة‪َ ،‬ع ِن النَّب ِِّي ‘ قَ َال‪> :‬أعذر اهلل إلى امرئ أخر أجله‬
‫حتى بَلَّ َغه ستين سنة<(‪.)2‬‬

‫عاشرا‪ :‬املباركة يف الوقت عموما‪ ،‬ويف أوقات بعينها خصوصا‪:‬‬


‫من أهم الميزات والخصائص أن اهلل تعالى يبارك في األوقات‬
‫لعباده‪ ،‬وأن ذلك من إعانته ‪ ‬وتوفيقه لهم‪:‬‬
‫فعن صخر الغامدي‪ ،‬عن النبي ‘ قال‪> :‬اللهم بارك ألمتي في‬
‫بكورها<‪ .‬وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار >وكان صخر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الكشاف (‪.)616/3‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)6419‬‬
‫‪103‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫رجال تاجرا‪ ،‬وكان يبعث تجارته من أول النهار فأثرى وكثر ماله<(‪.)1‬‬
‫قال ابن بطال‪>( :‬اللهم بارك ألمتي في بكورها< ال يدل أن غير‬
‫البكور ال بركة فيه؛ ألن كل ما فعل النبي ـ ‘ ـ ففيه البركة‪ ،‬وألمته فيه‬
‫أكبر األسوة‪ .‬وإنما خص ـ ‘ ـ البكور بالدعاء بالبركة فيه من بين سائر‬
‫األوقات ــ واهلل أعلم ــ ألنه وقت يقصده الناس بابتداء أعمالهم‪ ،‬وهو‬
‫وقت نشاط وقيام من دعة‪ ،‬فخصه بالدعاء؛ لينال بركة دعوته جميع‬
‫أمته)(‪.)2‬‬
‫وعن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي ـ ‘ ـ قال‪> :‬واستعينوا بالغدوة والروحة‬
‫وشيء من الدلجة<(‪.)3‬‬
‫فجاء األمر باالستفادة من األوقات المباركة وأوقات النشاط‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)2606‬والترمذي (‪ ،)1212‬وابن ماجه (‪ ،)2236‬وأحمد‬
‫(‪ ،)15438‬وأبو داود الطيالسي (‪ ،)1342‬من طريق عمارة بن حديد عن صخر‬
‫الغامدي به‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن‪ ،‬وال نعرف لصخر الغامدي عن النبي ـ ‘ ـ‬
‫غير هذا الحديث‪.‬‬
‫وقواه ابن عبد‬
‫وقال األلباني‪( :‬حديث صحيح‪ ،‬وحسنه الترمذي‪ ،‬وصححه ابن حبان‪ّ ،‬‬
‫البر والمنذري والحافظ ابن حجر والسخاوي)‪ .‬اهـ صحيح أبي داود (‪.)2345‬‬
‫قلت‪ :‬فيه عمارة بن حديد‪ ،‬قال عنه أبو الحسن القطان‪( :‬وعمارة بن حديد هذا‪،‬‬
‫مجهول الحال‪ ،‬وال يعرف روى عنه إال يعلى بن عطاء‪ ،‬وقد سئل عنه أبو حاتم وأبو‬
‫زرعة الرازيان‪ :‬فقال كل واحد منهما فيه‪ :‬مجهول)‪ .‬اهـ بيان الوهم واإليهام (‪.)486/3‬‬
‫(‪ )2‬شرح صحيح البخاري البن بطال‪.)124/5( :‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪.)39‬‬
‫‪104‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫قال ابن حجر‪( :‬قوله‪> :‬استعينوا بالغدوة< أي استعينوا على مداومة‬


‫العبادة بإيقاعها في األوقات المنشطة)(‪.)1‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن سعدي‪( :‬ختم الحديث بوصية خفيفة على‬
‫الر ْو َحةِ َو َش ْي ٍء‬
‫النفوس‪ ،‬وهي في غاية النفع‪ .‬فقال‪> :‬و ْاس َت ِعينُوا بِا ْل َغ ْد َو ِة َو َّ‬
‫ِم َن ال ُّد ْل َجةِ< وهذه األوقات الثالثة كما أنها السبب الوحيد لقطع المسافات‬
‫الحسية‪ ،‬مع راحة المسافر‪ ،‬وراحة راحلته‪،‬‬ ‫القريبة والبعيدة في األسفار ِّ‬
‫وصوله براحة وسهولة‪ ،‬فهي السبب الوحيد لقطع السفر األخروي‪ ،‬وسلوك‬
‫ال‪ .‬فمتى أخذ العامل نفسه‪،‬‬ ‫الصراط المستقيم‪ ،‬والسير إلى اهلل سير ًا جمي ً‬
‫وشغلها بالخير واألعمال الصالحة المناسبة لوقته ــ ّأول نهاره وآخر نهاره‬
‫وشيئ ًا من ليله‪ ،‬وخصوص ًا آخر الليل ــ حصل له من الخير ومن الباقيات‬
‫الصالحات أكمل حظ‪ ،‬وأوفر نصيب‪ ،‬ونال السعادة والفوز والفالح‪ ،‬وتم‬
‫له النجاح في راحة وطمأنينة‪ ،‬مع حصول مقاصده الدنيوية‪ ،‬وأغراضه‬
‫النفسية‪ ،‬وهذا من أكبر األدلة على رحمة اهلل بعباده بهذا الدين الذي هو‬
‫مادة السعادة األبدية؛ إذ نصبه لعباده‪ ،‬وأوضحه على ألسنة رسله‪ ،‬وجعله‬
‫ال‪ ،‬وأعان عليه من كل وجه‪ .‬ولطف بالعاملين‪ ،‬وحفظهم من‬ ‫ميسر ًا مسه ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري البن حجر (‪.)59/1‬‬
‫بالغد َوة َوال َّر ْو َحة وشيء من ال ُّد ْل َجة< يعني‬
‫وقال ابن رجب أيضا‪( :‬وقوله‪> :‬استعينوا ْ‬
‫أن هذه األوقات الثالثة أوقات العمل والسير إلى اهلل‪ ،‬وهي أول النهار وآخره‪ ،‬وآخر‬
‫الليل‪ .‬فالغدوة‪ :‬أول النهار‪ ،‬والروحة آخره‪ ،‬والدلجة‪ :‬سير آخر الليل)‪ .‬اهـ فتح الباري‬
‫البن رجب (‪.)152/1‬‬
‫‪105‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫القواطع والعوائق)(‪.)1‬‬
‫فإن من توفيق اهلل وإعانته للعبد مباركته له في وقته‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬وإذا أراد اهلل بالعبد خيرا أعانه بالوقت‪ ،‬وجعل وقته‬
‫مساعدا له‪ ،‬وإذا أراد به شرا جعل وقته عليه‪ ،‬وناكده وقته‪ ،‬فكلما أراد‬
‫التأهب للمسير لم يساعده الوقت‪ ،‬واألول‪ :‬كلما همت نفسه بالقعود أقامه‬
‫الوقت وساعده)(‪.)2‬‬

‫حادي عشر‪ :‬تكليف النفس مبا تطيق من العمل‪:‬‬


‫ومن الخصائص الحميدة الحكيمة تكليف النفس بما تطيق من‬
‫العمل‪ ،‬وعدم اإلثقال والتشديد عليها‪ ،‬وذلك طلب لحصول النشاط لها‪،‬‬
‫والقدرة على االستمرار وتحقيق األهداف‪.‬‬
‫فعن عائشة‪ ،‬أن النبي ـ ‘ ـ دخل عليها وعندها امرأة‪ ،‬قال‪> :‬من‬
‫هذه؟< قالت‪ :‬فالنة‪ ،‬تذكر من صالتها‪ ،‬قال‪> :‬مه‪ ،‬عليكم بما تطيقون‪،‬‬
‫فواهلل ال يَ َم ُّل اهلل حتى تملوا<(‪.)3‬‬
‫وعن أبي هريرة ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬عن النبي ـ ‘ ـ قال‪> :‬إن الدين يسر‪،‬‬
‫ين أحد إال غلبه‪ ،‬فسددوا وقاربوا وأبشروا<(‪.)4‬‬
‫ولن يُ َشا َّد ال ِّد َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بهجة قلوب األبرار (صـ‪.)79‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مدارج السالكين (‪.)125/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه البخاري (‪ ،)43‬ومسلم (‪.)785‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه البخاري (‪.)39‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪106‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫فكان الهدي النبوي أن يكلف اإلنسان نفسه ما يطيق‪ ،‬وليس ذلك‬


‫طلبا للراحة‪ ،‬وإنما مراعاة لحال النفس‪ ،‬وطلبا الستدامة العمل‪ ،‬وطردا‬
‫لما يجلب للنفس الملل والضجر‪ ،‬فتنقطع عن العمل‪.‬‬

‫ثاني عشر‪ :‬ضياع الوقت ضياع ملا وجب فيه من العمل‪:‬‬


‫ومما تتضمنه النظرة اإلسالمية للوقت أن لكل وقت واجبه الخاص‪،‬‬
‫فإذا ضاع شيء من الوقت ضاع معه ما كان يجب فيه‪ ،‬وإذا جاء الوقت‬
‫الذي يليه جاء بما يجب فيه أيضا‪ ،‬وأن ذلك مما يشمله معنى قولهم‪ :‬إن‬
‫ما ضاع من الوقت ال يمكن تعويضه‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬والوقت أعز شيء عليه‪ ،‬يغار عليه أن ينقضي بدون‬
‫ذلك‪ ،‬فإذا فاته الوقت ال يمكنه استدراكه البتة؛ ألن الوقت الثاني قد‬
‫استحق واجبه الخاص‪ ،‬فإذا فاته وقت فال سبيل له إلى تداركه‪ .‬كما في‬
‫المسند مرفوعا‪> :‬من أفطر يوما من رمضان‪ ،‬متعمدا من غير عذر لم يقضه‬
‫عنه صيام الدهر‪ ،‬وإن صامه<)(‪.)1‬‬
‫فهذا شيء مما تميزت به النظرة اإلسالمية للوقت من سمات‪ ،‬وقد‬
‫برزت هذه السمات والمزايا من مبادئ‪ :‬الشمولية‪ ،‬واالعتدال‪ ،‬والتوازن‪،‬‬
‫وإيفاء الحقوق‪ ،‬ومراعاة الجوانب المختلفة لإلنسان؛ التي يراعيها‬
‫اإلسالم‪ ،‬لذا تجد أن الوقت في توزيعه والتعامل معه كان مقس ًما بين هذه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مدارج السالكين (‪.)50/3‬‬
‫‪107‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سمات النظرة اإلسالمية للوقت‬

‫الجوانب‪ ،‬مراعيا اختالف األحوال‪.‬‬


‫ولما كان اآلل واألصحاب ــ رضوان اهلل عليهم ــ أفعالهم وطريقتهم‬
‫نابعة من اإلسالم‪ :‬قرآ ًنا وسنة‪ ،‬كان ما أثر عنهم من تراثهم في باب إدارة‬
‫الوقت يسير وفق هذا المنهج الرباني‪ ،‬والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬فسنجد أن‬
‫الوارد عنهم في الباب مندرج تحت هذه المعاني وتلك السمات‪ ،‬كما‬
‫سنرى فيما يلي إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫ن‬
‫الصفلااثل ي‬
‫إدارةاولتق‬
‫فيرتاثاآللواألاحصب‬
‫الفصل الثاني‪ :‬إدارة الوقت في تراث اآلل واألصحاب‬

‫ااثلن‬
‫ي‬ ‫الصفل‬
‫إدارة الوقت يف تراث اآلل واألصحاب‬

‫ال شك أن إدارة الوقت من جهة االصطالح أمر مستحدث‪ ،‬لكن‬


‫من جهة حقيقته فهو موجود بقدم اإلنسان‪ ،‬إال أنه تطور بتطور حياته‪،‬‬
‫ولما كان مبناه على استهالك الوقت في األنفع فضال عن النافع‪ ،‬وحسن‬
‫توزيعه على المهام المختلفة‪ ،‬واالحتياجات المتنوعة‪ ،‬كان تطبيقه بحاجة‬
‫إلى علم بذاك النافع واألنفع‪ ،‬وحكمة في التطبيق‪ ،‬وعزيمة على المواصلة‬
‫على هذا النمط‪ ،‬وما من شك أن أولى من توفرت فيه هذه الصفات من‬
‫نعم بصحبة سيد ولد آدم ـ ‘ ـ وآل بيته الكرام‪.‬‬
‫وسوف نعرض لشيء من الوارد عنهم في الباب‪ ،‬بحسب المباحث‬
‫المعاصرة في فن إدارة الوقت‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫ل‬
‫ا مبحثاألول‬
‫أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫عمن رآه من الصحابة(‪ ،)1‬وعن‬


‫فهذا الحسن البصري ـ ‪ ‬ـ يحكي ّ‬
‫حرصهم الشديد على الوقت‪ ،‬حتى يصل بهم في الوصف في إنفاق‬
‫الوقت بالشح‪ ،‬وأنهم كانوا أحرص على أوقاتهم من غيرهم على ماله‬
‫درهمه وديناره‪.‬‬
‫فقد كان القوم أحرص ما يكونون على وقتهم‪ ،‬ال يبذلونها بسخاء‬
‫إال فيما ينفع‪ ،‬قال الحسن‪ :‬أدركت أقواما كان أحدهم أشح على عمره‬
‫منه على درهمه وديناره(‪.)2‬‬
‫وكانوا كذلك ينظرون للوقت على أنه وقت الزرع‪ ،‬الذي يتبعه وقت‬
‫الحصاد‪ ،‬وذلك ترغيبا للعمل واالجتهاد فيه؛ ابتغاء تحصيل أفضل الثمار‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد لقي الحسن بن أبي الحسن البصري عد ًدا من أصحاب النبي ـ ‘ ـ وصحت‬
‫روايته عن بعضهم‪ ،‬وذكر المزي في ترجمته أنه كان ابن أربعة عشرة سنة يوم الدار‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الكمال‪ ،‬ترجمة الحسن بن أبي الحسن (‪.)95/6‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن المبارك في الزهد (صـ‪ ،)4‬وابن أبي الدنيا في العمر والشيب (‪ ،)91‬وفي‬
‫إسناده مجهول‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫فعن عبد الرحمن بن حجيرة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد اهلل بن مسعود‬
‫إذا قعد يقول‪ :‬إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة‪ ،‬وأعمال‬
‫محفوظة‪ ،‬والموت يأتي بغتة‪ ،‬فمن زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة‪،‬‬
‫ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة‪ ،‬ولكل زارع ما زرع(‪.)1‬‬
‫وذلك لعلمهم أن الوقت بضاعتهم في الدنيا‪ ،‬وأن سعيهم في هذه‬
‫الحياة الدنيا ما هو إال سبب للفوز العظيم‪ ،‬فتعاملوا مع الوقت على هذا‬
‫األساس‪ ،‬وزاد حرصهم عليه‪.‬‬
‫لذا فقد ندموا على ضياعه أشد الندم‪ ،‬فقد روي عن ابن مسعود‬
‫ـ ‪ ‬ـ أنه قال‪ :‬ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه؛ نقص‬
‫فيه أجلي‪ ،‬ولم يزدد فيه عملي(‪.)2‬‬
‫فهم من تعلموا من النبي ـ ‘ ـ أن يعملوا آلخر ساعة من‬
‫أعمارهم‪ ،‬حين قال رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬إن قامت على أحدكم القيامة‪،‬‬
‫وفي يده فسيلة فليغرسها<(‪.)3‬‬
‫لذا كانوا يمقتون الرجل إذا كان مضيعا وقته وعمره بال نفع؛ ال هو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود في الزهد (‪ ،)159‬وأبو نعيم في الحلية (‪.)133/1‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف عليه مسندا‪ ،‬وإنما هو موجود في بعض الكتب المتأخرة‪ ،‬وانظر‪ :‬موارد الظمآن‬
‫لدروس الزمان (‪ )30/3‬لعبد العزيز السلمان‪ ،‬وقيمة الزمان عند العلماء ألبي غدة‬
‫(صـ‪ ،)27‬وغيرها‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح رواه أحمد وغيره عن أنس ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬وسبق الكالم عليه‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫في عمل من أعمال الدنيا وال أعمال اآلخرة‪ ،‬فعن عمر ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬إني‬
‫ألكره أن أرى أحدكم فارغا سبهلال؛ ال في عمل دنيا‪ ،‬وال في عمل‬
‫آخرة(‪.)1‬‬
‫وقال ابن مسعود ـ ‪ ‬ـ‪ :‬إني ألمقت الرجل أن أراه فارغا؛ ليس‬
‫في شيء من عمل الدنيا وال عمل اآلخرة(‪.)2‬‬
‫ولما كان الوقت ثمينا عندهم‪ ،‬فقد حرصوا عليه أشد الحرص‪،‬‬
‫وتنوعت الصور في تقديرهم له‪.‬‬
‫ومن تلك الصور‪:‬‬

‫الوقت حمل للتسابق واملنافسة يف اخلريات‪:‬‬


‫فكان الوقت بالنسبة لهم كحلقة سباق‪ ،‬يتسابقون فيها إلى بلوغ‬
‫الغاية‪ ،‬ويتنافسون في الخيرات في هذا المضمار‪ ،‬عمال بقوله تعالى‪:‬‬
‫{ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ} [المطففين‪ ،]26 :‬وقوله تعالى‪{ :‬ﲃ ﲄ‬
‫ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ} [الحديد‪.]21 :‬‬
‫فعن أبي عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬قام حذيفة بالمدائن فخطب‪ ،‬فحمد اهلل‬
‫وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪{ :‬ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ} [القمر‪ :]1 :‬أال إن الساعة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال الزيعلي‪ :‬غريب‪ .‬تخريج أحاديث الكشاف (‪.)236/4‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شيبة (‪ ،)34562‬ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (‪ ،)130/1‬وأبو داود‬
‫في الزهد (‪ ،)174‬وإسناده منقطع‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫قد اقتربت‪ ،‬وإن القمر قد انشق‪ ،‬أال وإن الدنيا قد أذنت بالفراق‪ ،‬أال‬
‫وإن المضمار اليوم‪ ،‬وإن السباق غدا‪ ،‬وإن الغاية النار‪ ،‬وإن السابق من‬
‫سبق إلى الجنة(‪.)1‬‬

‫مراعاة الدقة يف املواعيد‪:‬‬


‫عظّم اآلل واألصحاب ــ رضوان اهلل عليهم ــ شأن الوقت‪ ،‬واهتموا‬
‫بمراعاة الدقة في المواعيد‪ ،‬كما أمروا بذلك من خالل مراعاة هذه الدقة‬
‫في إقامة شعائر اإلسالم‪.‬‬
‫ومن ذلك حرصهم الشديد على أن تكون شعيرة الصالة على وقتها‪،‬‬
‫ولم يسمحوا بالتهاون في ذلك‪ ،‬ولو بقدر يسير‪.‬‬
‫فعن عن إبراهيم النخعي قال‪ :‬كانوا إذا أذن المؤذن بليل أتوه فقالوا‪:‬‬
‫اتق اهلل‪ ،‬وأعد أذانك(‪ ،)2‬وهذا تصديقا لما جاءت به السنة المشرفة عن‬
‫ابن عمر ـ ‪ ‬ـ أن رسول اهلل ـ ‘ ـ قال‪> :‬إن بالال يؤذن بليل‪ ،‬فكلوا‬
‫واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم<‪ ،‬قال‪ :‬ما كان بينهما إال أن ينزل هذا‪،‬‬
‫ويرقى هذا(‪.)3‬‬
‫ومع أن الفارق قليل بحيث أنه ما بين األذانين إال أن ينزل هذا‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شيبة (‪.)34798‬‬
‫(‪ )2‬رواه عبد الرزاق (‪.)1889‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ ،)617‬ومسلم (‪.)1092‬‬
‫‪115‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫ويصعد ذاك‪ ،‬إال أن الدقة في الميعاد اقتضت مراعاة مثل هذا الفارق‬
‫ألهمية التوقيت‪.‬‬
‫وكانوا أيضا يوصون بمثل هذه الدقة في المواعيد‪ ،‬ويكتب بها‬
‫الخليفة إلى األمصار‪ ،‬يوصي بذلك عماله‪ ،‬فتصير تلك الدقة نظاما عاما‬
‫تسير عليه الدولة وعموم الناس‪ ،‬ف َع ِن ابن عمر قال‪ :‬كتب عمر إلى أهل‬
‫األمصار‪( :‬أن صلوا الظهر إذا زالت الشمس إلى أن يكون ظل كل شيء‬
‫مثله‪ ،‬والعصر والشمس باقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثالثة‪،‬‬
‫والمغرب حين تغرب الشمس وتدخل الليل‪ ،‬والعشاء إذا غاب الشفق‬
‫إلى ثلث الليل‪ ،‬ال تشاغلوا عن الصالة‪ ،‬فمن نام فال نامت عينه‪ ،‬فمن‬
‫نام فال نامت عينه)(‪.)1‬‬
‫وفي لفظ عن نافع‪ ،‬أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله‪( :‬إن أهم‬
‫أموركم عندي الصالة‪ ،‬من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه‪ ،‬ومن ضيعها‬
‫فهو لسواها أضيع‪.‬‬
‫ثم كتب‪ :‬أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعا إلى أن يكون ظل‬
‫أحدكم مثله‪ ،‬والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب‬
‫فرسخين أو ثالثة‪ ،‬والمغرب إذا غربت الشمس‪ ،‬والعشاء إذا غاب الشفق‬
‫إلى ثلث الليل‪ ،‬فمن نام فال نامت عينه‪ ،‬فمن نام فال نامت عينه‪ ،‬والصبح‬
‫والنجوم بادية مشتبكة)(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه عبد الرزاق (‪.)2037‬‬
‫(‪ )2‬رواه عبد الرزاق (‪.)2038‬‬
‫ورواه أيضا برقم (‪ )2039‬عن نافع عن ابن عمر مثله‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫وكان ذلك منهجا م َّطر ًدا عند جميعهم‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمرو ـ ‪ ‬ـ‬
‫أيضا قال‪( :‬إذا زالت الشمس عن بطن السماء‪ ،‬فصالة الظهر دركا حتى‬
‫يحضر العصر‪ ،‬وصالة العصر دركا حتى يذهب الشفق‪ ،‬فما بعد ذلك‬
‫إفراط‪ ،‬وصالة العشاء درك‪ ،‬حتى نصف الليل‪ ،‬فما بعد ذلك إفراط‪،‬‬
‫وصالة الفجر درك‪ ،‬حتى تطلع قرن الشمس‪ ،‬فما بعد ذلك فهو إفراط)(‪.)1‬‬
‫وقد أسس عبد اهلل بن عمرو ـ ‪ ‬ـ هذه الدقة على ما تعلمه من‬
‫رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬أنه قال‪:‬‬
‫سئل رسول اهلل ـ ‘ ـ عن وقت الصلوات‪ ،‬فقال‪> :‬وقت صالة الفجر ما‬
‫لم يطلع قرن الشمس األول‪ ،‬ووقت صالة الظهر إذا زالت الشمس عن‬
‫بطن السماء‪ ،‬ما لم يحضر العصر‪ ،‬ووقت صالة العصر ما لم تصفر‬
‫الشمس‪ ،‬ويسقط قرنها األول‪ ،‬ووقت صالة المغرب إذا غابت الشمس‪،‬‬
‫ما لم يسقط الشفق‪ ،‬ووقت صالة العشاء إلى نصف الليل<(‪.)2‬‬
‫وعن قتادة‪ ،‬أن ابن مسعود قَ َال‪> :‬إن للصالة وقتا كوقت الحج<(‪.)3‬‬
‫ولم تكن تلك الدقة في المواعيد قاصرة على أمر الصالة فحسب‪،‬‬
‫فقد أدرك القوم حساب ساعات اليوم والليلة‪ ،‬ورتبوا أمورهم بدقة وف ًقا‬
‫لذلك‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه عبد الرزاق (‪.)2215‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪.)612‬‬
‫(‪ )3‬رواه عبد الرزاق (‪.)3747‬‬
‫‪117‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫مرور الوقت يف احلقيقة نقصان من العمر واستهالك له‪:‬‬


‫وكانوا يعلمون أن مرور الوقت هو في الحقيقة نقصان من عمر‬
‫اإلنسان‪ ،‬وأن نقصان يوم من عمره هو نقصان من بعضه‪.‬‬
‫قال أبو الدرداء‪> :‬ابن آدم طأ األرض بقدمك‪ ،‬فإنها عن قليل تكون‬
‫قبرك‪ ،‬ابن آدم إنما أنت أيام‪ ،‬فكلما ذهب يوم ذهب بعضك‪ ،‬ابن آدم‬
‫إنك لم تزل في هدم عمرك منذ يوم ولدتك أمك<(‪.)1‬‬
‫وعن أبي بكر ‪ ‬أنه قال في خطبته‪( :‬اعلموا عباد اهلل أنكم تغدون‬
‫وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه)(‪.)2‬‬
‫فلما نظروا لمرور الوقت على أنه استهالك للعمر‪ ،‬كانوا أحرص ما‬
‫يكونون عليه‪.‬‬
‫فهذا عمر ـ ‪ ‬ـ يحث على العمل‪ ،‬ويأمر بترك اتباع الهوى‪،‬‬
‫حرصا منه على العمر‪ ،‬وتحذيرا من ضياعه‪ ،‬فعن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬كان‬
‫عمر بن الخطاب إذا خطب الناس يقول في خطبته‪( :‬أفلح منكم من حفظ‬
‫من الهوى والطمع والغضب‪ ،‬ليس في ما دون الصدق من الحديث خير‪،‬‬
‫من يكذب يفجر‪ ،‬ومن يفجر يهلك‪ ،‬إياكم والفجور‪ ،‬وما فجور عبد خلق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي الدنيا في كالم الليالي واأليام (‪ ،)24‬والزهد (‪ ،)426‬عن قتادة عن‬
‫أبي الدرداء‪ ،‬وإسناده منقطع‪ ،‬فإن قتادة لم يلق أبا الدرداء ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شيبة (‪ ،)34431‬والخراج ألبي يوسف (‪ ،)22/1‬والزهد لهناد‬
‫(‪ ،)495‬والطبري في تاريخه (‪ ،)224/3‬والبيهقي في الشعب (‪.)10110‬‬
‫‪118‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫من تراب‪ ،‬وإلى التراب يعود‪ ،‬وهو اليوم حي‪ ،‬وغدا ميت؟ اعملوا يوما‬
‫بيوم‪ ،‬واجتنبوا دعوة المظلوم‪ ،‬وعدوا أنفسكم من الموتى)(‪.)1‬‬

‫بذل الوقت يف الغالي والنفيس‪:‬‬


‫ولما علموا قيمة الوقت‪ ،‬وأنه هو الحياة‪ ،‬وعظمت عندهم قيمته‬
‫فلم يرضوا إال أن يبذل في الغالي والنفيس‪.‬‬
‫قال محمد بن الحنفية محمد بن علي بن أبي طالب ـ ‪ ‬ـ‪ :‬من‬
‫كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر(‪.)2‬‬
‫وقال ابن الحنفية أيضا‪ :‬إن اهلل جعل الجنة ثمنا ألنفسكم فال تبيعوها‬
‫بغيرها(‪.)3‬‬

‫التحفيز على عدم إضاعة الوقت‪:‬‬


‫وكانوا حريصين على التوجيه واإلرشاد والتحفيز على عدم إضاعة‬
‫األوقات‪ ،‬واستغاللها أفضل استغالل‪.‬‬
‫عن عبد اهلل بن مسعود ـ ‪ ‬ـ‪( :‬ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله‬
‫إذا الناس نائمون‪ ،‬وبنهاره إذا الناس يفطرون‪ ،‬وبحزنه إذا الناس يفرحون‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود في الزهد (‪.)48‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس (‪ ،)67‬وأبو نعيم في الحلية (‪.)176/3‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو نعيم في الحلية (‪.)176/3‬‬
‫‪119‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫وببكائه إذا الناس يضحكون‪ ،‬وبصمته إذا الناس يخلطون‪ ،‬وبخشوعه إذا‬
‫الناس يختالون‪ ،‬وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا‪ ،‬محزونا‪ ،‬حليما‪،‬‬
‫سكيتا‪ ،‬لينا‪ .‬وال ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا‪ ،‬وال غافال‪ ،‬وال‬
‫سخابا‪ ،‬وال صياحا‪ ،‬وال حديدا)(‪.)1‬‬
‫وقال علي ‪( :‬إن أخوف ما أخاف عليكم‪ :‬اتباع الهوى‪ ،‬وطول‬
‫األمل‪ ،‬فأما اتباع الهوى فيصد عن سبيل الحق‪ ،‬وأما طول األمل فينسي‬
‫اآلخرة‪ .‬أال وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة أال وإن اآلخرة قد ترحلت مقبلة‪،‬‬
‫ولكل واحدة منهما بنون‪ ،‬فكونوا من أبناء اآلخرة‪ ،‬وال تكونوا من أبناء‬
‫الدنيا‪ ،‬فإن اليوم عمل وال حساب‪ ،‬وغدا حساب وال عمل)(‪.)2‬‬

‫حماسبة النفس خمافة ضياع الوقت يف غري نفع‪:‬‬


‫وكانوا يأمرون أنفسهم وإخوانه بمحاسبة النفس‪ ،‬تشديدا على‬
‫الحرص على الخير‪ ،‬وعدم إضاعة العمر في غير نفع‪.‬‬
‫عن عمر ابن الخطاب ـ ‪ ‬ـ‪( :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪،‬‬
‫وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا‪ ،‬وتزينوا للعرض األكبر‪{ :‬ﲁ ﲂ ﲃ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شيبة (‪ ،)35584‬وأبو داود في الزهد (‪ ،)173‬وأبو إسحاق الفزاري‬
‫في السيرة (‪ ،)490‬وأبو نعيم في الحلية (‪.)129/1‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن المبارك في الزهد (‪ ،)255‬ابن أبي شيبة (‪ ،)34495‬وأحمد في فضائل‬
‫الصحابة (‪ ،)881‬وابن أبي الدنيا في قصر األمل (‪ ،)49‬والبالذري (‪ ،)114/2‬وأبو‬
‫نعيم في الحلية (‪ ،)76/1‬والبيهقي في الشعب (‪.)10130‬‬
‫‪120‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫ﲄ ﲅ ﲆ} [الحاقة‪.)1()]18 :‬‬
‫وعن عمر ـ ‪ ‬ـ أيضا قال وهو يخطب الناس‪> :‬تعلمن أن الطمع‬
‫فقر حاضر‪ ،‬وأن اليأس غنى حاضر‪ ،‬ومن أيس عن شيء استغنى عنه<(‪.)2‬‬
‫ومن المواعظ البليغة في الحفاظ على العمر‪ ،‬واستغالل األوقات في‬
‫الطاعة قبل فوات األوان ما ذكره الطبراني في الكبير عن أبي بكر ـ ‪ ‬ـ‪،‬‬
‫فقد روى عن نعيم بن نمحة قال‪ :‬كان في خطبة أبي بكر‪( :‬أما تعلمون‬
‫أنكم تغدون وتروحون ألجل معلوم‪ ،‬فمن استطاع أن يقضي األجل وهو‬
‫في عمل اهلل تعالى فليفعل‪ ،‬ولن تنالوا ذلك إال باهلل ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬إن قوما جعلوا‬
‫آجالهم لغيرهم فنهاكم أن تكونوا أمثالهم‪ ،‬وال تكونوا كالذين نسوا اهلل‪،‬‬
‫أين من تعرفون من إخوانكم؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم وحلوا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود في الزهد (‪ ،)306‬ابن أبي شيبة (‪ ،)34459‬وأبو عبيد في الخطب‬
‫والمواعظ (‪ ،)144‬وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس (‪.)2‬‬
‫قال ابن كثير ــ بعد ذكره هذا األثر ــ‪( :‬أثر مشهور‪ ،‬وفيه انقطاع)‪ .‬اهـ مسند الفاروق‬
‫(‪.)618/2‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن المبارك في الزهد (‪ ،)998‬وابن شبة في تاريخ المدينة (‪ ،)767/2‬وابن‬
‫المقرئ في معجمه (‪ ،)241‬وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)50/1‬من طرق عن هشام بن‬
‫عروة‪ ،‬عن عروة به ـ ‪ ‬ـ وألفاظه متقاربة‪ ،‬وعزاه أيضا البن وهب من طريق هشام‬
‫بنحو هذا اللفظ أيضا‪.‬‬
‫ورواه وابن وهب في جامعه (‪ )418‬من طرق آخر بلفظ‪> :‬إن اليأس غنى‪ ،‬وإن الطمع‬
‫فقر حاضر‪ ،‬وإن العزلة راحة من خالط السوء<‪.‬‬
‫قال ابن كثير ــ بعد ذكره هذا األثر ــ‪( :‬أثر مشهور‪ ،‬وفيه انقطاع)‪ .‬اهـ مسند الفاروق‬
‫(‪.)618/2‬‬
‫‪121‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أهمية الوقت عند اآلل واألصحاب‪ ،‬ونظرتهم إليه‬

‫فيه بالشقوة والسعادة‪ ،‬أين الجبارون األولون الذين بنوا المدائن وحفوها‬
‫بالحوائط قد صاروا تحت الصخر واآلبار‪ ،‬هذا كتاب اهلل ـ ‪ ‬ـ ال تفنى‬
‫عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمة واتضحوا بشأنه وبيانه‪ ،‬إن اهلل ـ ‪ ‬ـ‬
‫أثنى على زكريا وأهل بيته فقال‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬

‫ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ} [األنبياء‪ ]90 :‬ال خير في قول ال يراد به‬


‫وجه اهلل‪ ،‬وال خير في مال ال ينفق في سبيل اهلل‪ ،‬وال خير فيمن ال يغلب‬
‫حلمه جهله‪ ،‬وال خير فيمن يخاف في اهلل لومة الئم)(‪.)1‬‬

‫حساب الوقت وساعات الليل والنهار‪:‬‬


‫وكانوا يعرفون حساب الوقت‪ ،‬وتقسيمه إلى عدد مضبوط من‬
‫الساعات‪ ،‬فعن عبد اهلل بن سالم قال‪> :‬النهار اثنتا عشرة ساعة‪ ،‬والساعة‬
‫التي يذكر فيها من يوم الجمعة ما يذكر آخر ساعات النهار<(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه الطبراني في الكبير (‪ ،)39‬وفي إسناده من لم أقف على ترجمته‪.‬‬
‫قال الهيثمي‪( :‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬ونعيم بن محة لم أجد من ترجمه)‪ .‬مجمع‬
‫الزوائد (‪.)3152‬‬
‫(‪ )2‬رواه عبد الرزاق (‪.)5579‬‬
‫‪122‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬استثمارالوقت وعدم إضاعته‬

‫ل‬
‫ااثلن‬
‫ي‬ ‫ا مبحث‬
‫استثمار الوقت وعدم إضاعته‬

‫كان صحابة رسول اهلل ـ ‘ ـ وآل بيته األطهار ــ رضوان اهلل عليهم‬
‫أجمعين ــ أحرص الناس على استثمار أوقاتهم في كل نافع‪ ،‬وكانوا‬
‫أحرص الناس وأشدهم تمسكا بذلك‪ ،‬فعلموا وعملوا من أمور الدين‬
‫والدنيا ما يثير اإلعجاب واالنبهار بأعمالهم واستغالل أوقاتهم‪.‬‬
‫والستثمار الوقت عندهم صور عدة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫االستفادة من الوقت بعمل اخلريات على كل حال‪:‬‬


‫فمن ذلك قراءتهم للقرآن وذكر اهلل تعالى على كل حال‪ ،‬في حال‬
‫الوضوء باألصالة‪ ،‬وعلى غير وضوء‪ ،‬فعن ابن المسيب يقول‪ :‬ربما‬
‫سمعت أبا هريرة يقرأ؛ يحدر السورة‪ ،‬وإنه لغير متوضئ(‪.)1‬‬
‫عن ابن سيرين قال‪ :‬خرج عمر بن الخطاب من الخالء فقرأ آية‬
‫ــ أو آيات ــ‪ ،‬قال له أبو مريم الحنفي‪ :‬أخرجت من الخالء وأنت تقرأ؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه عبد الرزاق في المصنف (‪.)1317‬‬
‫‪123‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬استثمارالوقت وعدم إضاعته‬

‫قال له عمر‪ :‬أمسيلمة أفتاك بهذا؟! وكان مع مسيلمة(‪.)1‬‬


‫وعن الحسين بن علي‪ ،‬عن علي ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬أشد األعمال ثالثة‪:‬‬
‫إعطاء الحق من نفسك‪ ،‬وذكر اهلل على كل حال‪ ،‬ومواساة األخ في‬
‫المال(‪.)2‬‬
‫وعن علي قال‪ :‬اقرأ القرآن على كل حال ما لم تكن جنبا(‪.)3‬‬
‫وهذه ـ عائشة ـ ‪ ‬ـ تقرأ القرآن مضطجعة‪ ،‬فعن األسود قال‪ :‬قالت‬
‫عائشة‪ :‬إني ألقرأ جزئي ــ أو قالت حزبي ــ‪ ،‬وإني لمضطجعة على‬
‫السرير(‪.)4‬‬
‫وعن فاطمة بنت حسين بن علي بن أبي طالب‪ :‬أنها كانت تسبح‬
‫بخيوط معقود فيها(‪.)5‬‬

‫األمر باحملافظة على الوقت‪ ،‬والنهي عن إضاعته‪:‬‬


‫وكان عمر ـ ‪ ‬ـ من حرصه على استفادة الرعية بأوقاتهم أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه عبد الرزاق (‪ ،)1318‬وابن سعد في الطبقات الكبرى (‪ ،)91/7‬ولكنه قال‪ :‬عن‬ ‫(‪)1‬‬
‫محمد بن سيرين‪ ،‬عن أبي مريم الحنفي أن عمر‪ ..‬فذكره‪.‬‬
‫رواه أبو نعيم في الحلية (‪.)85/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه عبد الرزاق (‪ ،)1321‬وابن أبي شيبة (‪ ،)1113‬كالهما من رواية الحارث األعور‬ ‫(‪)3‬‬
‫عن علي ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬انظر‪ :‬التقريب (‪.)1029‬‬
‫رواه عبد الرزاق (‪ ،)1322‬وابن أبي شيبة (‪.)8571‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫رواه ابن سعد (‪ ،)474/8‬والسند فيه امرأة مبهمة‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪124‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬استثمارالوقت وعدم إضاعته‬

‫يدفعهم لذلك دفعا‪ ،‬فعن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال‪ :‬كان عمر بن‬
‫الخطاب يعس(‪ )1‬المسجد بعد العشاء‪ ،‬فال يرى فيه أحدا إال أخرجه‪ ،‬إال‬
‫رجال قائما يصلي‪ ،‬فمر بنفر من أصحاب رسول اهلل ـ ‘ ـ فيهم أبي بن‬
‫كعب‪ ،‬فقال‪ :‬من هؤالء؟‪ ،‬قال أبي‪ :‬نفر من أهلك يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ما خلفكم بعد الصالة؟‪ ،‬قال‪ :‬جلسنا نذكر اهلل‪ ،‬قال‪ :‬فجلس معهم‪ ،‬ثم‬
‫قال ألدناهم إليه‪ :‬خذ‪ ،‬قال‪ :‬فدعا فاستقرأهم رجال رجال يدعون‪ ،‬حتى‬
‫إلي‪ ،‬وأنا إلى جنبه‪ ،‬فقال‪ :‬هات‪ ،‬فحصرت(‪ )2‬وأخذني من الرعدة‬ ‫انتهى ّ‬
‫أفكل(‪ ،)3‬حتى جعل يجد مس ذلك مني‪ ،‬فقال‪ :‬ولو أن تقول‪ :‬اللهم اغفر‬
‫لنا‪ ،‬اللهم ارحمنا‪.)4(..‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نفض الليل عن أهل الريبة)‪ .‬اهـ العين (‪.)74/1‬‬ ‫(الع ُّس‪ُ :‬‬
‫قال الخليل‪َ :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫(الع ُّس‪ :‬طلب الشيء بالليل)‪ .‬اهـ جمهرة اللغة (‪.)133/1‬‬ ‫وقال ابن دريد‪َ :‬‬
‫فض اللي ِل‬
‫وع َسس ًا‪ ،‬أي طاف بالليل‪ ،‬وهو نَ ُ‬
‫(عس ُيع ُّس َع َّسا َ‬
‫وقال الجوهري أيضا‪َّ :‬‬
‫عن أهل الرِيبة)‪ .‬اهـ الصحاح (‪.)949/3‬‬
‫(ح ِص َر لم يقدر على الكالم‪ .‬وحصر صدره‪ :‬ضاق‪ .‬والحصر‪ :‬ضيق‬ ‫قال ابن منظور‪َ :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الصدر‪ .‬وإذا ضاق المرء عن أمر قيل‪ :‬حصر صدر المرء عن أهله)‪ .‬اهـ لسان العرب‬
‫(‪.)193/4‬‬
‫قال ابن منظور‪( :‬يقال‪ :‬أخذ فالنا أَ ْف َكل‪ ،‬إذا أخذته رعدة فارتعد من برد أو خوف)‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اهـ لسان العرب (‪.)530/11‬‬
‫رواه ابن سعد (‪ ،)294/3‬ومن طريقه رواه البالذري (‪ ،)348/10‬وابن عساكر‬ ‫(‪)4‬‬
‫(‪.)309/44‬‬
‫وأبو سعيد مولى أبي أسيد‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر‪( :‬ذكره ابن مندة في الصحابة‪ ،‬ولم‬
‫يذكر ما يدل على صحبته‪ ،‬لكن ثبت أنه أدرك أبا بكر الصديق ‪ .)‬اهـ اإلصابة‬
‫(‪.)168/7‬‬
‫‪125‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬استثمارالوقت وعدم إضاعته‬

‫وعن عبد اهلل بن عمر ـ ‪ ‬ـ‪ :‬أن عمر كان إذا خرج إلى ناد في‬
‫المسجد‪ ،‬قال‪ :‬إياكم واللغط(‪.)1‬‬
‫فعمر ـ ‪ ‬ـ يخرجهم من المسجد حتى ال تضيع أوقات الناس في‬
‫القيل والقال بال نفع‪ ،‬ويمنعهم من اللغط‪ ،‬وإنما يأمرهم بالذهاب‬
‫لمصالحهم‪ ،‬أو لراحة أبدانهم‪ ،‬ما لم يكن عمال صالحا يشغلهم‪.‬‬
‫ونحو ذلك صنع ابن مسعود ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬فعن أبي عمرو الشيباني‪،‬‬
‫قال‪ :‬رأيت عبد اهلل بن مسعود‪ ،‬يعس المسجد بالليل فال يرى فيه سوادا‬
‫إال أخره إال رجال قائما يصلي(‪.)2‬‬
‫وكذلك كان يفعل أبو ذر ـ ‪ ‬ـ في حث الناس على حسن استغالل‬
‫الوقت‪ ،‬قال الثوري‪ :‬كان أبو ذر ‪ ،‬يقول‪ :‬إني لكم ناصح‪ ،‬إني عليكم‬
‫شفيق‪ ،‬صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور‪ ،‬صوموا لحر يوم النشور‪،‬‬
‫تصدقوا مخافة يوم عسير‪ ،‬وقال‪ :‬يكفي الدعاء مع البر ما يكفي الملح من‬
‫الطعام(‪.)3‬‬

‫احلث على سرعة القراءة مع اإلتقان اختصارًا لألوقات واحلفاظ‬


‫عليها‪:‬‬
‫قد بلغ بهم شدة الحرص على الوقت مبلغا عظيما‪ ،‬حتى استحبوا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه عبد الرزاق (‪ ،)1713‬وابن أبي شيبة (‪ ،)7908‬وابن شبة (‪.)34/1‬‬
‫(‪ )2‬رواه عبد الرزاق (‪ ،)1654‬وابن أبي شيبة (‪ ،)4920‬والطبراني في الكبير (‪.)9559‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو نعيم في الحلية (‪ ،)165/1‬عن الثوري قال‪ :‬قال أبو ذر ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬وهو منقطع‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬استثمارالوقت وعدم إضاعته‬

‫السرعة في القراءة‪ ،‬على غرار ما ينظِّر له المهتمون بهذا الشأن من المعاصرين‪.‬‬


‫حث على سرعة القراءة لرسالة وصلته‪،‬‬‫فقد روي أن ابن عباس َّ‬
‫فعن سعيد بن جبير‪ :‬أن امرأة من أهل الكوفة كتبت إلى ابن عباس بكتاب‬
‫إلي فقرأته‪ ،‬فقال ابن عباس‪( :‬أما‬
‫فدفعه إلى ابنه ليقرأه‪ ،‬فتعتع فيه‪ ،‬فدفعه ّ‬
‫لو هذرمته(‪ )1‬كما هذرمها الغالم المصري)(‪.)2‬‬

‫بغضهم إضاعة الوقت‪ ،‬أو استحقار شيء من األعمال‪:‬‬


‫فإن كان األمر كذلك في االهتمام بالوقت‪ ،‬والحرص على استغالله‬
‫على أكمل وجه‪ ،‬فقد جاء عنهم في المقابل ما يفيد بغضهم إضاعة‬
‫الوقت‪ ،‬أو استحقار شيء من العمل‪ ،‬أو التقليل من شأنه‪ ،‬ألن الحساب‬
‫سيكون بمثقال الذرة‪.‬‬
‫عن ابن مسعود من قوله‪( :‬إني ألكره الرجل فارغا ال في عمل‬
‫الدنيا‪ ،‬وال في اآلخرة)(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذر َم ُة‪ :‬السرعة في القراءة)‪ .‬اهـ العين (‪.)127/4‬‬
‫(اله ْ‬
‫(‪ )1‬قال الخليل‪َ :‬‬
‫(‪ )2‬رواه عبد الرزاق (‪.)1173‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن المبارك في الزهد (‪ ،)741‬وعزاه السخاوي في المقاصد الحسنة (‪)246‬‬
‫لسعيد ابن منصور‪ ،‬ولم أقف عليه في المطبوع منه‪ ،‬ومن طريق سعيد رواه الطبراني‬
‫في الكبير (‪ ،)8539 ،8538‬وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)130/1‬ورواه ابن أبي شيبة‬
‫(‪ ،)34562‬ومن طريقه رواه أبو نعيم في الحلية (‪.)130/1‬‬
‫قال الهيثمي‪( :‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬وفيه راو لم يسم‪ ،‬وبقية رجاله ثقات)‪ .‬اهـ‬
‫=‬ ‫مجمع الزوائد (‪.)63/4‬‬
‫‪127‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬استثمارالوقت وعدم إضاعته‬

‫وقد روي عن عمر ـ ‪ ‬ـ نحو هذا‪ ،‬المعنى ــ ولكنه غير ثابت عنه ــ‪،‬‬
‫بلفظ‪( :‬إني ألكره أن أرى أحدكم َس َب ْهلال‪ ،‬ال في عمل دنيا وال في عمل‬
‫آخرة)(‪.)1‬‬
‫وقد روي عن أبي الدرداء أنه قال‪( :‬لوال ثالث خالل ألحببت أن‬
‫ال أبقى في الدنيا‪ ،‬فقلت وما هن؟ فقال‪ :‬لوال وضوع وجهي للسجود‬
‫لخالقي في اختالف الليل والنهار؛ تقدمة لحياتي‪ ،‬وظمأ الهواجر‪،‬‬
‫ومقاعدة أقوام ينتقون الكالم كما تنتقى الفاكهة‪ .‬وتمام التقوى أن يتقي‬
‫اهلل العبد‪ ،‬حتى يتقيه في مثقال ذرة‪ ،‬حتى يترك بعض ما يرى أنه حالل‬
‫خشية أن يكون حراما‪ ،‬حاجزا بينه وبين الحرام‪ ،‬إن اهلل تعالى قد بين‬
‫للعباد الذي هو مصيرهم إليه‪ ،‬قال اهلل ‪{ :‬ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬
‫ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ} [الزلزلة‪ 7 :‬ــ ‪ ،]8‬فال تحقرن شيئا من الشر‬
‫أن تتقيه‪ ،‬وال شيئا من الخير أن تفعله)(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= قلت‪ :‬رواه الطبراني في الكبير من طريقين‪ ،‬في أحدهما راو لم يسم‪ ،‬وفي اآلخر‬
‫انقطاع‪.‬‬
‫(‪ )1‬وال يثبت عن عمر ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬بل لعله ال إسناد له عنه‪ ،‬فقد ذكره الزيلعي من كالم عمر‪،‬‬
‫ثم قال‪( :‬لم أجده إال من قول ابن مسعود)‪ .‬اهـ تخرج أحاديث الكشاف (‪.)353/2‬‬
‫وذكره أيضا في (‪ ،)236/4‬وقال‪( :‬غريب)‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن بشران (جزء فيه مجلسان من أمالي ابن بشران) (‪ ،)9‬قال‪ :‬عن خالد‬
‫الحجري‪ ،‬قال أبو الدرداء‪ ،‬ــ كذا جاء في المطبوع‪ ،‬وعلق المحقق أنه كذا في األصل‪،‬‬
‫وأشار لما جاء في الروايات األخرى ــ‪ ،‬وابن البخاري في مشيخته (‪ ،)937‬قال‪ :‬عن‬
‫أبي خليد الحجري‪ ،‬عن أبي الدرداء‪ ،‬وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)212/1‬قال‪ :‬عن‬
‫عباس بن جليد الحجري‪ ،‬عن أبي الدرداء‪ ،‬ولفظه مختصر‪ ،‬ورواه ابن عساكر=‬
‫‪128‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬استثمارالوقت وعدم إضاعته‬

‫عدم االكتفاء باألقوال اجلوفاء اليت ال عمل يصدقها‪:‬‬


‫وكانوا يهتمون بالعمل‪ ،‬ويعجبهم ذلك‪ ،‬وال يعجبهم االكتفاء بمجرد‬
‫القول‪ ،‬الذي هو ضياع أجوف للوقت والعمر‪.‬‬
‫فعن القاسم بن محمد‪ ،‬قال‪> :‬أدركت أصحاب رسول اهلل ـ ‘ ـ‬
‫وهم يعجبهم الفعل‪ ،‬وال يعجبهم القول‪ ،‬وإنا اليوم يعجبنا القول وال‬
‫يعجبنا الفعل‪ ،‬يعني العمل<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= (‪ )160/47‬كما في مشيخة ابن البخاري‪ ،‬وفي (‪ ،)161/47‬قال‪ :‬عن خالد الحجري‬
‫عن أبي الدرداء‪ ،‬وذكره إسماعيل األصبهاني في سير السلف الصالحين (صـ‪ 560‬ــ‬
‫‪.)561‬‬
‫ورواه ابن المبارك في الزهد (‪ )19/2‬بلفظ آخر‪ :‬عن عباس بن جليد قال‪ :‬قال أبو‬
‫الدرداء‪( :‬تمام التقوى أن يتقي اهلل العبد حتى يتقيه في مثقال ذرة‪ ،‬حتى يترك بعض ما‬
‫يرى أنه حالل‪ ،‬خشية أن يكون حراما‪ ،‬يكون حجابا بينه وبين الحرام‪ ،‬فإن اهلل قد بين‬
‫للعباد الذي يصيرهم إليه قال اهلل‪{ :‬ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬
‫ﲞ ﲟ} [الزلزلة‪ ،]7 :‬فال تحقرن شيئا من الشر أن تتقيه‪ ،‬وال شيئا من الخير أن‬
‫تفعله)‪.‬‬
‫والذي يظهر لي في االختالف في الراوي عن أبي الدرداء أنه خطأ في النسخ‪ ،‬مع عدم‬
‫شهرته‪ ،‬فإنهم رووه جميعا من طريق سعيد بن أبي أيوب‪ ،‬عن عبد اهلل بن الوليد عنه‬
‫عن أبي الدرداء ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬والذي يترجح لي أن الراوي المقصود هنا هو‪ :‬خيار بن‬
‫الحجرى‪ ،‬فهو المحتمل من جهة الطبقة‪ ،‬واالسم‪ ،‬مع عدم شهرته‪،‬‬‫ّ‬ ‫العباس بن جليد‬
‫فقد ذكره ابن يونس في تاريخه‪ ،‬وقال‪( :‬روى عن أبيه‪ ،‬ودخل مع أبيه على عبد اهلل‬
‫بن الحارث بن جزء‪ ،‬روى عنه عبد الرحمن بن أوس المصري‪ ،‬وال أعلم روى عنه‬
‫غيره)‪ .‬اهـ تاريخ ابن يونس المصري (‪.)157/1‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود في الزهد (‪ ،)423‬بلفظ‪( :‬أدركت الناس‪ ،)..‬وابن بشران في أماليه=‬
‫‪129‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬استثمارالوقت وعدم إضاعته‬

‫اإلملام بشؤون احلياة املختلفة واملشاركة فيها‪:‬‬


‫ومع ما قاموا به من أعمال عظام في حياتهم‪ ،‬ومع انشغالهم تجد‬
‫الواحد منهم مع انشغاله باألمور العظام إال أنه له باع أيضا في مساعدة‬
‫أهله في أمور البيت‪.‬‬
‫فهذا عمر ـ ‪ ‬ـ مع انشغاله بشؤون الخالفة‪ ،‬إال أنك تراه مع ما‬
‫كان على عاتقه من المهام‪ ،‬وما عرف عنه من اهتمامه بشؤون الرعية إال‬
‫أنه لم يكن ذلك هو الشيء والوحيد الذي يعلمه أو يعمله‪ ،‬فقد كان على‬
‫دراية بشؤون الحياة اليومية واألعمال المنزلية العادية التي أثارت إعجاب‬
‫معاصريه ورعيته‪ ،‬فكان على علم بأمور الطعام وإعداده‪ ،‬إال أنه ترك ذلك‬
‫طلبا لألجر‪ ،‬وإنفاقا للوقت فيما هو أنفع‪.‬‬
‫فعن حفص بن أبي العاصي‪ ،‬قال‪( :‬كنا نتغدى عند عمر بن‬
‫الخطاب بخبز جشب(‪ ،)1‬وكان ينهى الناس أن ينخلوا الدقيق‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫هو طعام‪ ،‬فنتغدا ثريدا بلبن‪ ،‬أو ثريدا بلحم غليظ‪ ،‬فال يأكل القوم‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين إنهم يرجعون إلى طعام هو ألين منه‪ .‬فقال‪ :‬أو ما‬
‫كنت تراني أحسن أعمد إلى صاع أو صاعي زبيب فيرش عليه من الماء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ــ الجزء األول ــ (‪ ،)880‬وذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (‪،)1235‬‬
‫من رواية مالك‪ :‬بلغنا أن القاسم‪...‬‬
‫(‪ )1‬قال الخليل‪( :‬طعام َج ِش ٌب‪ :‬ال أدم فيه‪ ،‬ورجل جشب المأكل‪ ،‬وقد جشب جشوبة؛‬
‫أي لم يبال ما أكل بغير أدم‪ .‬ويقال‪ :‬الجشب ما لم ينخل من الطعام‪ ،‬مثل خبز الشعير‬
‫وشبهه)‪ .‬اهـ العين (‪ 38/6‬ــ ‪.)39‬‬
‫‪130‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬استثمارالوقت وعدم إضاعته‬

‫ثم يصفى كأنه دم الغزال‪ ،‬وأعمد إلى صاع أو صاعي دقيق فيحور لي‪،‬‬
‫وأعمد إلى عناق فتذبح ويلقى عنها شعرها‪ ،‬ثم تخرج من التنور كأنه‬
‫صنا؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬يا أمير المؤمنين إني أراك عالما بطيب الطعام؟ قال‪:‬‬
‫أجل واهلل الذي ال إله إال هو‪ ،‬ولكني ال أتعجل طيباتي‪ ،‬وقد سمعت اهلل‬
‫ذكر قوما فقال‪{ :‬ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ‬
‫ﳒ} [األحقاف‪.)1()]20 :‬‬
‫فكان ـ ‪ ‬ـ يترك لين الطعام ادخارا لألجر والثواب عند اهلل تعالى‪،‬‬
‫وليس جهال به‪ ،‬بل إنه حتى كان يحسن صنعه‪ ،‬ويجمع الناس على طعام‬
‫خشن مع انشغاله بأعمال الخالفة‪ ،‬فيتعلموا من فقهه وزهده‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود في الزهد (‪.)69‬‬
‫‪131‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫ل‬
‫ا مبحثااثلثل‬
‫ختطيط الوقت وتنظيمه‬

‫تخطيط الوقت‪ ،‬وتنظيمه‪ ،‬وتوزيعه على المهام المختلفة من أساسيات‬


‫إدارة الوقت وأهم لوازمه‪ ،‬وبالنظر في سير اآلل واألصحاب تجد أنه أمر‬
‫معروف ومعمول به عنده؛ إذ يبدو جليا في نظام حياتهم‪ ،‬وعموم سيرتهم‪،‬‬
‫ولعل ذلك كان أقرب لسجيتهم وفطرتهم‪ ،‬فحين تنظر ألحوالهم ترى‬
‫كأنهم أجادوا تطبيق كل ما كتبه المعاصرون في هذا الباب‪ ،‬وأتقنوه أيما‬
‫إتقان‪ ،‬بل وزادوا على ما ذكره المعاصرون بشكل تنظيري في صورة‬
‫مقترحات ونماذج‪ ،‬فترى منهم في ذلك تطبيقا عمليا رائعا بال فلسفات‬
‫كالمية‪ ،‬أو تنظيرات بعيدة عن الواقع‪ ،‬وكأن سجيتهم جبلت على ذلك‪.‬‬
‫فحين ترى الخليفة أو األمير ــ ومن على شاكلتهم ممن تكاثرت‬
‫عليهم المشاغل ــ يجد الوقت ليصلح من شأن آحاد رعيته‪ ،‬أو يقوم‬
‫بأعمال بيته‪ ،‬واحتياجات خاصة أهله‪ ،‬توقن أنهم أتقنوا إدارة الوقت‬
‫بشكل ربما ال نظير له‪.‬‬
‫فهذا عمر ـ ‪ ‬ـ وهو خليفة المسلمين يصلح بنفسه من أحوال‬
‫‪132‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫بعض الجند‪ ،‬فعن السائب بن يزيد‪ ،‬قال‪ :‬رأيت عمر بن الخطاب السنة‬
‫يصلح أداة اإلبل التي يحمل عليها في سبيل اهلل‪ ،‬براذعها(‪ )1‬وأقتابها(‪،)2‬‬
‫فإذا حمل الرجل على البعير جعل معه أداته(‪.)3‬‬
‫وهذا أبو هريرة ـ ‪ ‬ـ وهو أمير يومئذ‪ ،‬يذهب يجمع الحطب لبيته‬
‫وحاجة أهله‪ ،‬ويضاحك رعيته‪ ،‬فعن ثعلبة بن أبي مالك‪ :‬أن أبا هريرة‬
‫أقبل في السوق يحمل حزمة حطب‪ ،‬وهو يومئذ خليفة لمروان‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أوسع الطريق لألمير يا ابن أبي مالك‪ ،‬فقلت‪ :‬أصلحك اهلل‪ ،‬يكفي هذا‪،‬‬
‫قال‪ :‬وسع الطريق لألمير يا ابن أبي مالك‪ ،‬والحزمة عليه(‪.)4‬‬
‫فكيف مع أدائهم لما كلفوا به من إدارة شؤون المسلمين ورعاية‬
‫مصالح األمة كانوا يجدون الوقت لمثل هذه األمور‪ ،‬التي قد يترفع عنها‬
‫من هم أقل منهم شأنا وانشغاال في يومنا هذا؟ فيا عجبا لما كانوا عليه!!‬
‫ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫فلما كانوا على ذلك القدر وتلك القدرة على إدارة أوقاتهم‪ ،‬كان‬
‫لتخطيط الوقت وتنظيمه عندهم مالمح مميزة‪ ،‬وسنستعرض ذلك من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قال األزهري‪( :‬برذع‪ :‬الليث‪ :‬البرذعة‪ :‬الحلس الذي يلقى تحت الرجل‪ .‬والجميع‬ ‫(‪)1‬‬
‫البراذع‪ .‬وقال شمر‪ :‬هي البرذعة والبردعة بالذال والدال)‪ .‬تهذيب اللغة (‪.)230/3‬‬
‫قال الخليل‪( :‬القتب‪ :‬إكاف الجمل‪ ،‬والتذكير فيه أعم من التأنيث‪ ،..‬والقتب‪ :‬قتب‬ ‫(‪)2‬‬
‫صغير على البعير‪ ،..‬وأقتبت البعير‪ :‬شددت عليه القتب)‪ .‬العين (‪ )131/5‬مختصرا‪.‬‬
‫رواه ابن سعد (‪ ،)306/3‬وفي إسناده الواقدي‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه أبو داود في الزهد (‪.)284‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪133‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫خالل الجوانب التي ذكرها المعاصرون في مسائل إدارة الوقت‪.‬‬


‫إن توزيع الوقت بين األعمال‪ ،‬أو تقسيم وأقات النهار‪ ،‬وأوقات‬
‫الليل إلى أجزاء مناسبة لما تعلق بها من مهمات‪ ،‬والتعاون في والتعاون‬
‫وتقسيم األعمال بين األفراد المشتركة في جانب من الجوانب‪ ،‬أو تفريغ‬
‫الطاقة للمهام العظام‪ ،‬ونحو ذلك من المسائل المتعلقة بتخطيط الوقت‬
‫وتنظيمه‪ ،‬كان لكل ذلك صور رائعة‪ ،‬في سير اآلل واألصحاب ــ رضوان‬
‫اهلل عليهم أجمعين ــ‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫تقسيم الوقت‪:‬‬
‫ال شك أن تقسيم الوقت يبدو للوهلة األولى من أساسيات تخطيط‬
‫الوقت وتنظيمه‪ ،‬إذ ربما ال يمكننا تنظيم الوقت من غير تقسيمه‪ ،‬فمن‬
‫البديهي أن يكون هناك أعمال تناسب الليل‪ ،‬وأخرى للنهار‪ ،‬ووقت النهار‬
‫نفسه‪ ،‬هناك ما يتناسب مع أوله‪ ،‬وما يتناسب مع آخره‪ ،‬وكذلك وقت‬
‫الليل‪ ،‬وأعمال تناسب وقت النشاط وحضور الذهن وأخرى تتناسب مع‬
‫جليا في صنيع اآلل واألصحاب ــ رضوان اهلل‬
‫غير ذلك‪ ،‬وهذا ما تراه ًّ‬
‫تعالى عليهم أجمعين ــ‪ ،‬فقد كانوا يحسنون تقسيم الوقت بين صنوف‬
‫العبادات‪ ،‬وااللتزامات الواجبة عليهم‪.‬‬
‫ومما يشهد لحرصهم على مراعاة تقسيم الوقت‪ ،‬وهو األمر الذي‬
‫عمر بن الخطاب ـ ‪،‬‬
‫يقره الشرع والفطرة السليمة‪ :‬ما أوصى به أبو بكر َ‬
‫‪134‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫حين أراد استخالفه‪ ،‬حيث قال له‪ :‬إني موصيك بوصية إن حفظتها‪ :‬إن‬
‫هلل تعالى حقا بالنهار ال يقبله بالليل‪ ،‬وهلل في الليل حقا ال يقبله في النهار‪،‬‬
‫وإنها ال تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة(‪.)1‬‬
‫وقد قبل عمر ـ ‪ ‬ـ الوصية‪ ،‬وعمل بها‪ ،‬وصارت ديدنه؛ فكان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه سعيد بن منصور في التفسير (‪ ،)942‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون عن سعيد بن‬
‫المرزبان‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سابط به في خبر طويل‪.‬‬
‫ورواه أبو نعيم في حلية األولياء (‪ ،)36/1‬وفضائل الخلفاء (‪ ،)204‬ومعرفة الصحابة‬
‫(‪ ،)114‬وابن عساكر (‪ )414/30‬من طرق عن فطر بن خليفة‪ ،‬كالهما (سعيد بن‬
‫المرزبان‪ ،‬وفطر) عن عبد الرحمن بن سابط به‪.‬‬
‫وسعيد بن المرزبان هو العبسي أبو سعد البقال الكوفي األعور‪ ،‬ضعيف‪ ،‬مدلس‪.‬‬
‫التقريب (‪ ،)2389‬وقال البخاري‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وقال ابن معين‪ :‬ال يكتب حديثه‪.‬‬
‫انظر ميزان االعتدال (‪.)158/2‬‬
‫وفطر هو ابن خليفة قال الذهبي‪ :‬وثقه أحمد وغيره‪ .‬وقال أبو حاتم‪ :‬صالح الحديث‪.‬‬
‫وقال الدارقطني‪ :‬ال يحتج به‪ .‬ميزان االعتدال (‪.)363/3‬‬
‫وابن سابط ثقة كثير اإلرسال‪ ،‬وروايته عن أبي بكر وعمر مرسلة‪ ،‬انظر‪ :‬جامع التحصيل‬
‫(‪ ،)428‬وتحفة التحصيل (‪.)197‬‬
‫وقد روي من طريق آخر؛ رواه ابن أبي شيبة (‪ )32013‬مختصرا‪ ،‬و(‪،)34433‬‬
‫ورجاله ثقات‪ ،‬لكنه منقطع أيضا‪.‬‬
‫ورواه ابن المبارك في الزهد (‪ ،)914‬ومن طريقه ابن عساكر (‪ ،)412/30‬وأبو داود‬
‫في الزهد (‪ ،)28‬والخالل في السنة (‪ ،)337‬وهناد في الزهد (‪ ،)496‬ومن طريقه‬
‫اآلجري في الشريعة (‪ ،)1202‬ورواه ابن عساكر (‪ )413/30‬من طرق عن إسماعيل‬
‫بن أبي خالد عن زبيد بن الحارث اليامي به‪ ،‬ورجاله ثقات‪ ،‬لكن زبيد لم يدرك‬
‫القصة‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫فيما روي عنه يجهد نفسه في عمل النهار‪ ،‬ويصنع مثل ذلك في عبادة‬
‫الليل‪ ،‬فلما يسأل عن ذلك يقول‪ :‬إن نمت بالنهار أضعت حق الناس‪،‬‬
‫وإن نمت بالليل أضعت حق اهلل‪.‬‬
‫وممن روي عنه حسن تقسيم وقته أيضا ابن عباس ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬حيث‬
‫كان يقسم وقت ليله بين الراحة والعبادة‪ ،‬فعن عبد اهلل بن أبي مليكة‪،‬‬
‫قال‪ :‬سافرت مع ابن عباس من المدينة إلى مكة‪ ،‬ومن مكة إلى المدينة‪،‬‬
‫فكان يقوم شطر الليل(‪.)1‬‬
‫ولما سئل عمرو بن العاص ‪ ‬عن المروءة فكان مفاد الجواب‬
‫أنها تقسيم أعمال الرجل ــ الذي يتبعه تقسيمه لوقته ــ بين إصالح ماله‪،‬‬
‫ونفع إخوانه‪ ،‬فهو يصلح شأن نفسه‪ ،‬ويعاون في إصالح شأن غيره‪ ،‬فعن‬
‫عن حبان بن أبي جبلة قال‪ :‬قيل لعمرو بن العاص‪ :‬ما المروءة؟ فقال‪:‬‬
‫يصلح الرجل ماله ويحسن إلى إخوانه(‪.)2‬‬

‫التنظيم والتخطيط اليومي للعمل‪:‬‬


‫ال شك أن من أهم دعائم إدارة الوقت هو‪ :‬التنظيم والتوزيع للعمل‬
‫اليوم‪ ،‬حيث يعد ذلك التطبيق الحقيقي إلدارة الوقت‪ ،‬وقد كان لآلل‬
‫واألصحاب ــ رضوان اهلل عليهم ــ من ذلك الحظ الوافر؛ فإنك تراهم‬
‫في تنظيمهم للعمل اليومي غاية في اإلتقان‪ ،‬وآية في المداومة‪ ،‬وقدوة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود في الزهد (‪.)328‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن سعد (‪.)261/4‬‬
‫‪136‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫في بذل الجهد في ذلك‪ ،‬وكأنهم يعدون جداول زمنية تقسم فيها أوقات‬
‫اليوم والليلة بين أمور الدين والدنيا‪ ،‬يسيرون عليها بال كلل وال ملل‪،‬‬
‫مراعين حق اهلل تعالى‪ ،‬وحقوق الغير‪ ،‬بال نسيان لحظ النفس والبدن‪.‬‬
‫فعن ابن عمر ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬أنه كان يجلس في مسجد رسول اهلل ‘‬
‫حتى يرتفع الضحى وال يصلي‪ ،‬ثم ينطلق إلى السوق فيقضي حوائجه‪،‬‬
‫ثم يجيء إلى أهله فيبدأ بالمسجد فيصلي ركعتين‪ ،‬ثم يدخل بيته(‪.)1‬‬
‫وكان للحسن بن علي ـ ‪ ‬ـ نحو هذا النظام اليومي أيضا‪ ،‬فقد‬
‫روى ابن سعد‪ :‬أن معاوية ـ ‪ ‬ـ قال لرجل من أهل المدينة من قريش‪:‬‬
‫أخبرني عن الحسن بن علي قال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إذا صلى الغداة جلس‬
‫في مصاله حتى تطلع الشمس‪ ،‬ثم يساند ظهره فال يبقى في مسجد رسول‬
‫اهلل ـ ‘ ـ رجل له شرف إال أتاه‪ ،‬فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار صلى‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم نهض فيأتي أمهات المؤمنين فيسلم عليهن‪ ،‬فربما أتحفنه‪ ،‬ثم‬
‫ينصرف إلى منزله‪ ،‬ثم يروح فيصنع مثل ذلك‪ .‬فقال‪ :‬ما نحن معه في‬
‫شيء(‪.)2‬‬
‫وعن أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة(‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن سعد (‪.)147/4‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن سعد (الطبقات الكبرى ــ متمم الصحابة ــ الطبقة الخامسة) (‪.)297/1‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪.)905‬‬
‫‪137‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫توزيع الوقت بني املهام املختلفة‪:‬‬


‫من أهم عوامل إدارة الوقت هو توزيع الوقت على المهام المختلفة‪،‬‬
‫مراعاة حق كل مهمة من المهام والتزام من االلتزامات من ذلك الوقت‪،‬‬
‫وقد كان هذا مما تعلمه أصحاب النبي ـ ‘ ـ منه‪ ،‬فعن حنظلة األسيدي‪،‬‬
‫قال‪ :‬لقيني أبو بكر‪ ،‬فقال‪ :‬كيف أنت؟ يا حنظلة قال‪ :‬قلت‪ :‬نافق حنظلة‪،‬‬
‫قال‪ :‬سبحان اهلل ما تقول؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نكون عند رسول اهلل ‘‪ ،‬يذكرنا‬
‫بالنار والجنة‪ ،‬حتى كأنا رأي عين‪ ،‬فإذا خرجنا من عند رسول اهلل ‘‪،‬‬
‫عافسنا األزواج واألوالد والضيعات‪ ،‬فنسينا كثيرا‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬فواهلل‬
‫إنا لنلقى مثل هذا‪ ،‬فانطلقت أنا وأبو بكر‪ ،‬حتى دخلنا على رسول اهلل‬
‫‘‪ ،‬قلت‪ :‬نافق حنظلة‪ ،‬يا رسول اهلل‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪> :‬وما ذاك؟<‬
‫قلت‪ :‬يا رسول اهلل نكون عندك‪ ،‬تذكرنا بالنار والجنة‪ ،‬حتى كأنا رأي‬
‫عين‪ ،‬فإذا خرجنا من عندك‪ ،‬عافسنا األزواج واألوالد والضيعات(‪،)1‬‬
‫نسينا كثيرا فقال رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬والذي نفسي بيده إن لو تدومون‬
‫على ما تكونون عندي‪ ،‬وفي الذكر‪ ،‬لصافحتكم المالئكة على فرشكم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال النووي‪( :‬قوله‪( :‬عافسنا األزواج واألوالد والضيعات) هو بالفاء والسين المهملة‪.‬‬
‫قال الهروي وغيره‪ :‬معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به‪ .‬أي عالجنا معايشنا‬
‫وحظوظنا‪ ،‬والضيعات جمع ضيعة‪ ،‬بالضاد المعجمة‪ ،‬وهي معاش الرجل من مال أو‬
‫حرفة أو صناعة‪ ،‬وروى الخطابي هذا الحرف (عانسنا) بالنون‪ ،‬قال‪ :‬ومعناه العبنا‪ .‬ورواه‬
‫ابن قتيبة بالشين المعجمة‪ ،‬قال‪ :‬ومعناه عانقنا‪ ،‬واألول هو المعروف وهو أعم) اهـ شرح‬
‫النووي على مسلم (‪.)66/17‬‬
‫‪138‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫وفي طرقكم‪ ،‬ولكن يا حنظلة ساعة وساعة< ثالث مرات(‪.)1‬‬


‫فأرشدهما النبي ـ ‘ ـ ومن بعدهم‪ ،‬أن الوقت ينفق في هذه األمور‬
‫كلها‪ ،‬وهذا ما ُكلف به اإلنسان من عبادة ربه ‪ ،‬وإعمار األرض‪،‬‬
‫وإصالح شأن األهل واألوالد ورعايتهم‪ ،‬والقيام بما هو منوط به من‬
‫األعباء وااللتزامات‪.‬‬
‫ونحو هذا ما ذكره أنس ـ ‪ ‬ـ من صنيع عموم أصحاب النبي‬
‫ـ ‘ ـ حين كانوا يبكرون بالصالة يوم الجمعة‪ ،‬ويجعلون القيلولة بعدها‪،‬‬
‫بيانا لتقسيم الوقت حسب الحال واألولويات‪ ،‬فعن أنس بن مالك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫>كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة<(‪.)2‬‬
‫ومع االنشغال والقيام بالمهام المختلفة الخاصة‪ ،‬كان هناك قدر من‬
‫الوقت ينفق في القيام بحوائج الناس‪ ،‬فعن أبي األسود قال‪ :‬دخل على‬
‫الحسن بن علي ـ ‪ ‬ـ نفر من أهل الكوفة وهو يأكل طعاما‪ ،‬فسلموا‬
‫عليه وقعدوا‪ ،‬فقال لهم الحسن‪ :‬الطعام أيسر من أن يقسم عليه الناس‪،‬‬
‫فإذا دخلتم على رجل منزله‪ ،‬فقرب طعامه‪ ،‬فكلوا من طعامه‪ ،‬وال تنتظروا‬
‫أن يقول لكم هلموا‪ ،‬فإنما يوضع الطعام ليؤكل‪ ،‬قال‪ :‬فتقدم القوم فأكلوا‪،‬‬
‫ثم سألوه حاجتهم‪ ،‬فقضاها لهم(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)2750‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)905‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي الدنيا في مكارم األخالق (‪.)432‬‬
‫‪139‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫وكان هذا الصنيع من شيمة آل البيت كلهم‪ ،‬فكما يفعل الحسن‪،‬‬


‫يفعل الحسين وعائشة ــ رضي اهلل عنهم أجمعين ــ‪ ،‬فعن ِح َبال بن ُرفَ ْي َدة‪،‬‬
‫قال‪ :‬أتيت الحسن بن علي ـ ‪ ‬ـ فقال‪ :‬ما حاجتك؟ فقلت‪ :‬سائل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إن كنت تسأل في دم موجع‪ ،‬أو غرم مفظع‪ ،‬أو فقر مدقع‪ ،‬فقد وجب‬
‫حقك‪ ،‬وإال فال حق لك‪ ،‬فقلت‪ :‬إني سائل في إحداهن‪ ،‬فأمر لي‬
‫بخمسمائة‪.‬‬
‫ثم أتيت الحسين بن علي ‪ ‬فاستقبلني بمثل ما استقبلني‪ ،‬ثم أمر‬
‫لي بمثل ذلك‪.‬‬
‫ثم أتيت عائشة ‪ ‬فاستقبلتني بمثل ما استقبالني به‪ ،‬ثم أعطتني‬
‫دون ما أعطياني(‪.)1‬‬

‫التعاون وتقسيم العمل وتكليف الغري ببعض املهام لتحقيق‬


‫أكرب قدر من االستفادة من الوقت‪:‬‬
‫ولما كان الوقت محدودا‪ ،‬وكانت الهمة العالية تقتضي القيام بأعمال‬
‫كثيرة‪ ،‬ربما ال يتسع لها الوقت المتاح‪ ،‬استوجب ذلك أحيانا توزيع بعض‬
‫األعمال وتكليف الغير بيها‪ ،‬كنوع من تقسيم العمل الممكن؛ الستدراك‬
‫أكبر قدر من النفع‪ ،‬وتحصيل أكبر قدر من العمل‪ ،‬وقد عرف أصحاب‬
‫النبي ـ ‘ ـ وآل بيته األطهار ذلك أيضا‪ ،‬فكان عمر ـ ‪ ‬ـ يتناوب مع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تهذيب اآلثار ــ مسند عمر ــ (‪ )99‬بهذا اللفظ‪ ،‬وابن أبي الدنيا في‬
‫مكارم األخالق (‪ )455‬بنحوه‪ ،‬ولم يذكر عائشة ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫أحد األنصار الذهاب عند رسول اهلل‪ ،‬كل واحد منهما يذهب يوما‪ ،‬ويخبر‬
‫صاحبه بما كان من شأن رسول اهلل ـ ‘ ـ في ذلك اليوم‪ ،‬ويقوم صاحبه‬
‫بصالح شأن نفسه في ذلك‪ ،‬ثم يتبادالن األدوار في اليوم التالي‪ ،‬فعن‬
‫عبد اهلل بن عباس‪ ،‬عن عمر‪ ،‬قال‪ :‬كنت أنا وجار لي من األنصار في‬
‫بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول‬
‫اهلل ‘‪ ،‬ينزل يوما وأنزل يوما‪ ،‬فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من‬
‫الوحي وغيره‪ ،‬وإذا نزل فعل مثل ذلك‪ ،‬فنزل صاحبي األنصاري يوم‬
‫نوبته‪ ،‬فضرب بابي ضربا شديدا‪.)1(..‬‬
‫وكان أبو هريرة ـ ‪ ‬ـ يتناوب مع أهل بيته بين الصالة والنوم‪،‬‬
‫يقوم أحدهم‪ ،‬وينام البقية‪ ،‬ثم إذا انهى حظه من القيام‪ ،‬أيقظ من جاءت‬
‫نوبته‪ ،‬ونام هو‪ ،‬فعن أبي عثمان النهدي‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو هريرة يقوم ثلث‬
‫الليل‪ ،‬وامرأته ثلث الليل‪ ،‬وابنه ثلث الليل(‪.)2‬‬
‫وحتى في نساء آل البيت ــ عليهن السالم ــ عرف هذا التقسيم‬
‫والتوزيع لألعمال؛ حتى في أمور البيت خدمته‪ ،‬فعن أبي البختري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال علي ألمه‪ :‬اكفي فاطمة الخدمة خارجا‪ ،‬وتكفيك العمل في البيت‪،‬‬
‫والعجن والخبز والطحن(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)89‬ونحوه عند مسلم (‪.)1479‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد في الزهد (‪ ،)988‬وأبو داود في الزهد (‪.)285‬‬
‫(‪ )3‬ذكره الذهبي بسند رجاله ثقات‪ ،‬ولم يذكر من أخرجه في موطنين من كتابه سير أعالم=‬
‫‪141‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫وهكذا يمكن تقسيم العمل وتوزيع األدوار‪ ،‬ليستطيع كل إنسان‬


‫يحصل أكبر قدر من النفع بوقته المتاح له‪.‬‬

‫حتديد األولويات وتقديم األَوْىل فاألَوْىل‪:‬‬


‫ال شك أن البدء باألولى فاألولى من أولويات تخطيط الوقت ــ‬
‫وهو مما يقال عنه أيضا فقه األولويات‪ ،‬أو واجب الوقت‪ ،‬وذلك من‬
‫دعائم إدارة الوقت والتخطيط الناجح له‪.‬‬
‫وقد أقر النبي ـ ‘ ـ بعض أصحابه على قوله أنه سيكتفي‬
‫بالواجبات‪ ،‬إرشادا لكون اإلنسان إن قام بما هو واجب عليه ولم يزد‬
‫على ذلك‪ ،‬فإن ذلك يعد من عالمات الفالح والنجاح‪ ،‬فعن أبي هريرة‬
‫‪ :‬أن أعرابيا أتى النبي ‘‪ ،‬فقال‪ :‬دلني على عمل إذا عملته دخلت‬
‫الجنة‪ ،‬قال‪> :‬تعبد اهلل ال تشرك به شيئا‪ ،‬وتقيم الصالة المكتوبة‪ ،‬وتؤدي‬
‫الزكاة المفروضة‪ ،‬وتصوم رمضان< قال‪ :‬والذي نفسي بيده ال أزيد على‬
‫هذا‪ ،‬فلما ولى‪ ،‬قال النبي ‘‪> :‬من سره أن ينظر إلى رجل من أهل‬
‫الجنة‪ ،‬فلينظر إلى هذا<(‪ .)1‬وفي لفظ حديث طلحة بن عبيد اهلل أن النبي‬
‫ـ ‘ ـ قال‪> :‬أفلح إن صدق<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= النبالء (الراشدون‪ )52/‬في سيرة أبي بكر الصديق ـ ‪ ‬ـ‪ ،)125/2( ،‬في سيرة‬
‫فاطمة ـ ‪ ‬ـ بنت رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ ،‬وذكره أيضا بنفس السياق في تاريخ اإلسالم‬
‫(‪ ،)29/2‬في ذكر وفاة فاطمة ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1397‬ومسلم (‪.)14‬‬
‫=‬ ‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)46‬ومسلم (‪.)11‬‬
‫‪142‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫ومن ذلك أيضا ما ذكره ابن مسعود من نصيحة النبي ـ ‘ ـ له حين‬


‫سأله عن أحب األعمال إلى اهلل تعالى‪ ،‬قال‪ :‬سألت النبي ـ ‘ ـ‪ :‬أي‬
‫العمل أحب إلى اهلل؟ قال‪> :‬الصالة على وقتها<‪ ،‬قال‪ :‬ثم أي؟ قال‪> :‬ثم‬
‫بر الوالدين< قال‪ :‬ثم أي؟ قال‪> :‬الجهاد في سبيل اهلل< قال‪ :‬حدثني بهن‪،‬‬
‫ولو استزدته لزادني(‪ .)1‬ففي ذلك إشارة لمراعاة األولويات في ترتيب‬
‫األعمال‪ ،‬فإذا جاء وقت الصالة مثال قدمت الصالة على غيرها‪.‬‬
‫وكان من فقه ابن عمر ـ ‪ ‬ـ أنه يقدم صالة الليل على الدعاء‬
‫واالستغفار في أول وقت قيامه‪ ،‬ويقدم االستغفار على الصالة في وقت‬
‫السحر‪ ،‬إذ لكل وقت ما هو أولى به من العمل‪ ،‬قال نافع‪ :‬كان ابن عمر‬
‫‪ ،‬يحيي الليل صالة‪ ،‬ثم يقول‪ :‬يا نافع‪ ،‬أسحرنا؟ فأقول‪ :‬ال‪ ،‬فيعاود‬
‫الصالة‪ ،‬ثم يقول‪ :‬يا نافع‪ ،‬أسحرنا؟ فأقول‪ :‬نعم‪ ،‬فيقعد فيستغفر‪ ،‬ويدعو‬
‫حتى يصبح(‪.)2‬‬
‫وكانت النصيحة تأتي بإنفاق الوقت في األولى من األعمال واألكثر‬
‫نفعا للفرد والمجتمع‪ ،‬فعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وقد رواه مسلم أيضا من حديث جابر ـ ‪ ‬ـ بلفظ‪ :‬عن جابر‪ ،‬أن رجال سأل رسول‬
‫اهلل ‘‪ ،‬فقال‪ :‬أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات‪ ،‬وصمت رمضان‪ ،‬وأحللت‬
‫الحالل‪ ،‬وحرمت الحرام‪ ،‬ولم أزد على ذلك شيئا‪ ،‬أأدخل الجنة؟ قال‪> :‬نعم<‪ ،‬قال‪:‬‬
‫واهلل ال أزيد على ذلك شيئا‪ .‬مسلم (‪.)15‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)527‬ومسلم (‪.)85‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبراني في الكبير (‪ ،)13043‬وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)304/1‬والشجري في‬
‫ترتيب األمالي الخميسية (‪ ،)928‬وابن عساكر (‪.)128/31‬‬
‫‪143‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تخطيط الوقت وتنظيمه‬

‫بن أبي طالب ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد(‪.)1‬‬
‫ومن فقه ابن عباس ـ ‪ ‬ـ في ذلك أيضا ما ذكره األصبهاني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال ابن عباس ـ ‪ ‬ـ‪ :‬عليك بالفرائض‪ ،‬وما وظف اهلل عليك من حقه‪،‬‬
‫فأده واستعن باهلل على ذلك‪ ،‬فإنه ال يعلم من عبد صدق نيته وحرصا في‬
‫حسن ثوابه إال أخره اهلل عما يكره‪ ،‬وهو المليك يصنع ما يشاء(‪.)2‬‬
‫ومن ذلك أيضا ما ذكره الذهبي في السير عن إرسال أبي بكر جيش‬
‫أسامة‪ ،‬وأنه بدأ بهذا األمر في خالفته قبل غيره ألنه شيء أمر به رسول‬
‫اهلل ـ ‘ ـ قبل أن يموت‪ ،‬فبدأ به قبل غيره ألولويته على غيره‪ ،‬فكانت‬
‫البداءة باألولى واألهم من األعمال من فقههم وديدنهم رضي اهلل عنهم‬
‫أجمعين(‪.)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذكره إسماعيل بن محمد األصبهاني في سير السلف الصالحين (صـ‪.)914‬‬
‫(‪ )2‬سير السلف الصالحين إلسماعيل بن محمد األصبهاني (ص‪.)488 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء (الخلفاء الراشدون‪ 31/‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬اختيارالوقت املناسب للعمل مع مراعاة اختالف األحوال‬

‫ل‬
‫ا مبحثارلاعب‬
‫اختيار الوقت املناسب للعمل‬
‫مع مراعاة اختالف األحوال‬

‫من المسلمات أن أحوال الناس تختلف باختالفهم‪ ،‬فكان من حسن‬


‫الفهم أن يختار كل منهم ما يناسبه‪ ،‬ويتناسب مع أحواله‪ ،‬يراعي هذا في‬
‫سنته وهديه ـ ‘ ـ‪ ،‬لعلمه أن المسلمين يقتدون به‪ ،‬وأن أحوالهم تختلف‬
‫باختالفهم‪.‬‬
‫فكان ـ ‘ ـ يوتر أحيانا أول الليل‪ ،‬وأحيانا في آخره‪ ،‬فعن عائشة‪،‬‬
‫قالت‪> :‬من كل الليل قد أوتر رسول اهلل ‘‪ ،‬فانتهى وتره إلى السحر<(‪،)1‬‬
‫وهذا التنوع ييسر على المسلمين عبادتهم‪ ،‬فمن كان أنسب لحاله أن يوتر‬
‫في أول الليل فقد وافق من سنته ـ ‘ ـ‪ ،‬ومن كان عنده العزم للوتر في‬
‫آخره‪ ،‬فقد وافق من سنته ـ ‘ ـ أيضا‪.‬‬
‫وكان هذا التنوع واختالف األحوال موجود في اآلل واألصحاب‬
‫ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬فكان أحوال بعضهم تختلف عن اآلخر؛ فعلى سبيل المثال‪:‬‬
‫كان النبي ـ ‘ ـ يرشد البعض بالحفاظ على قيام الليل‪ ،‬أو بأفضل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)996‬ومسلم (‪.)745‬‬
‫‪145‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬اختيارالوقت املناسب للعمل مع مراعاة اختالف األحوال‬

‫القيام قيام ثلث الليل‪ ،‬كما هو الحال مع أبي هريرة‪ ،‬وأبي الدرداء ـ ‪ ‬ـ‬
‫أمرهما بالوتر قبل النوم‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ،‬قال‪ :‬أوصاني خليلي ‘‬
‫بثالث‪> :‬صيام ثالثة أيام من كل شهر‪ ،‬وركعتي الضحى‪ ،‬وأن أوتر قبل‬
‫أن أنام<(‪.)1‬‬
‫وعن أبي الدرداء‪ ،‬قال‪ :‬أوصاني حبيبي ـ ‘ ـ بثالث‪ ،‬لن أدعهن‬
‫ما عشت‪> :‬بصيام ثالثة أيام من كل شهر‪ ،‬وصالة الضحى‪ ،‬وبأن ال أنام‬
‫حتى أوتر<(‪.)2‬‬
‫وكان الحال مختل ًفا مع عبد اهلل بن عمرو ـ ‪ ‬ـ فنهاه عن ترك قيام‬
‫الليل‪ ،‬عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪:‬‬
‫>يا عبد اهلل‪ ،‬ال تكن مثل فالن كان يقوم الليل فترك قيام الليل<(‪.)3‬‬
‫وأرشده ـ ‘ ـ ألفضل القيام‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫لي رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬أحب الصيام إلى اهلل صيام داود‪ ،‬كان يصوم يوما‬
‫ويفطر يوما‪ ،‬وأحب الصالة إلى اهلل صالة داود‪ ،‬كان ينام نصف الليل‬
‫ويقوم ثلثه‪ ،‬وينام سدسه<(‪.)4‬‬
‫ونحو هذا ما روي عنه ـ ‘ ـ أنه سأل أبا بكر وعمر ـ ‪ ‬ـ كل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه البخاري (‪ ،)1178‬ومسلم (‪.)721‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه مسلم (‪.)722‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه البخاري (‪ ،)1152‬ومسلم (‪.)1159‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه البخاري (‪ ،)3420‬ومسلم (‪.)1159‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪146‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬اختيارالوقت املناسب للعمل مع مراعاة اختالف األحوال‬

‫واحد منهما‪ :‬متى توتر؟‪ ،‬واختلف الجواب‪ ،‬فأقر كل واحد على فعله‪،‬‬
‫فعن أبي قتادة‪ ،‬أن النبي ‘ قال ألبي بكر‪> :‬متى توتر؟<‪ ،‬قال‪ :‬أوتر من‬
‫أول الليل‪ ،‬وقال لعمر‪> :‬متى توتر؟<‪ ،‬قال‪ :‬آخر الليل‪ ،‬فقال ألبي بكر‪:‬‬
‫>أخذ هذا بالحزم<‪ ،‬وقال لعمر‪> :‬أخذ هذا بالقوة<(‪.)1‬‬
‫وأحيا ًنا كان ـ ‘ ـ يأمر بعض الصحابة بالشيء‪ ،‬وينهى عنه غيره‬
‫ــ رضوان اهلل عليهم أجمعين ــ مراعا ًة للحال‪ ،‬فعن أبي ذر‪ ،‬أن رسول‬
‫اهلل ـ ‘ ـ‪ ،‬قال‪> :‬يا أبا ذر‪ ،‬إني أراك ضعيفا‪ ،‬وإني أحب لك ما أحب‬
‫لنفسي‪ ،‬ال تأمرن على اثنين‪ ،‬وال تولين مال يتيم<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)1434‬والحاكم (‪.)1120‬‬
‫قال الحاكم‪( :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ولم يخرجاه‪ ،‬وله شاهد بإسناد‬
‫صحيح)‪ .‬اهـ‪ .‬وقال الذهبي‪( :‬على شرط مسلم) اهـ المستدرك (‪.)442/1‬‬
‫وصححه األلباني‪ ،‬قال‪( :‬إسناده صحيح على شرط مسلم‪ ،‬وكذا قال الحاكم‪ ،‬ووافقه‬
‫الذهبي)‪ .‬اهـ صحيح أبي داود (‪.)1288‬‬
‫قلت‪ :‬ورواه ابن خزيمة في صحيحه (‪ ،)1084‬ثم قال‪( :‬هذا عند أصحابنا عن حماد‬
‫مرسل‪ ،‬ليس فيه أبو قتادة)‪ .‬اهـ صحيح ابن خزيمة (‪.)145/2‬‬
‫ورواه أحمد ــ (‪ ،)14323‬وعبد ابن حميد في المنتخب (‪ ،)1032‬كالهما من‬
‫حديث جابر ــ ‪ ،‬وقال العدوي في التعليق عليه‪( :‬صحيح لشواهده) المنتخب‬
‫(‪ ،)142/2‬وقال شعيب األرنؤط‪( :‬أخرجه أبو داود (‪ )1434‬من حديث أبي قتادة‪،‬‬
‫وابن ماجه (‪ ،)1202‬وابن حبان (‪ )2446‬من حديث ابن عمر‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وابن ماجه‬
‫(‪ )1202‬من حديث جابر‪ ،‬وهو حديث حسن)‪ .‬اهـ مسند أحمد (‪.)225/22‬‬
‫قلت‪ :‬حديث ابن عمر ـ ‪ ‬ـ رواه الحاكم (‪ ،)1121‬وصححه الذهبي‪ .‬المستدرك‬
‫(‪.)442/1‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪.)1826‬‬
‫‪147‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬اختيارالوقت املناسب للعمل مع مراعاة اختالف األحوال‬

‫وعن عائشة‪ ،‬أن النبي ‘ قال‪> :‬يا عثمان إنه لعل اهلل يقمصك‬
‫قميصا‪ ،‬فإن أرادوك على خلعه فال تخلعه لهم<(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي (‪ ،)3705‬وابن ماجه (‪ ،)112‬وأحمد (‪.)24566‬‬
‫قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫وصححه األلباني‪ ،‬انظر‪ :‬مشكاة المصابيح (‪.)6077‬‬
‫‪148‬‬
‫املبحث الخامس‪ :‬تفريغ الوقت والجهد لألعمال العظام‬

‫ل‬
‫ا مبحثااخلسم‬
‫تفريغ الوقت واجلهد لألعمال العظام‬

‫إن التفرغ لألعمال العظيمة‪ ،‬التي تقع على عاتق المكلف بها وحده؛‬
‫يعد من أهم عناصر إدارة الوقت؛ إذ إنفاق الوقت فيما سواها يعد مضيعة‬
‫لها‪ ،‬وإهدارا للوقت في المفضول عن الفاضل‪ ،‬وإن كان ما سواها عظيما‬
‫أيضا‪ ،‬لكن من المتاح أن يقوم به سواه‪.‬‬
‫فكان أبو بكر ـ ‪ ‬ـ يعمل في التجارة‪ ،‬ويسكن في أطراف‬
‫المدينة‪ ،‬فلما ولي الخالفة حاول أن يجمع بينها وبين التجارة‪ ،‬لكنه لما‬
‫وجد أن ذلك يؤثر على مصالح المسلمين ترك التجارة‪ ،‬وسكن المدينة‪،‬‬
‫فقد روى ابن سعد عن غير واحد قال‪ :‬بويع أبو بكر الصديق يوم قبض‬
‫رسول اهلل ‘‪ ،‬يوم االثنين‪ ،‬الثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع األول‬
‫سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول اهلل ـ ‘ ـ‪ ،‬وكان منزله بالسنح عند‬
‫زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن‬
‫الخزرج‪ ،‬وكان قد حجر عليه حجرة من شعر‪ ،‬فما زاد على ذلك حتى‬
‫تحول إلى منزله بالمدينة فأقام هناك بالسنح بعدما بويع له ستة أشهر يغدو‬
‫على رجليه إلى المدينة‪ ،‬وربما ركب على فرس له‪ ،‬وعليه إزار ورداء‬
‫‪149‬‬
‫املبحث الخامس‪ :‬تفريغ الوقت والجهد لألعمال العظام‬

‫ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس‪ ،‬فإذا صلى العشاء رجع‬
‫إلى أهله بالسنح‪ ،‬فكان إذا حضر صلى بالناس‪ ،‬وإذا لم يحضر صلى‬
‫عمر بن الخطاب‪ ،‬وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح يصبغ‬
‫رأسه ولحيته‪ ،‬ثم يروح لقدر الجمعة فيجمع بالناس‪ ،‬وكان رجال تاجرا‬
‫فكان يغدو كل يوم السوق فيبيع ويبتاع‪ ،‬وكانت له قطعة غنم تروح عليه‪،‬‬
‫وربما خرج هو نفسه فيها‪ ،‬وربما كفيها فرعيت له‪ ،‬وكان يحلب للحي‬
‫أغنامهم‪ ،‬فلما بويع له بالخالفة قالت جارية من الحي‪ :‬اآلن ال تحلب لنا‬
‫منائح دارنا‪ ،‬فسمعها أبو بكر فقال‪ :‬بلى لعمري ألحلبنها لكم‪ ،‬وإني‬
‫ألرجو أن ال يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه‪ ،‬فكان يحلب‬
‫لهم‪ ،‬فربما قال للجارية من الحي‪ :‬يا جارية‪ ،‬أتحبين أن أرغي(‪ )1‬لك أو‬
‫أصرح(‪)2‬؟ فربما قالت‪ :‬أرغ‪ ،‬وربما قالت‪ :‬صرح‪ ،‬فأي ذلك قالت فعل‪،‬‬
‫فمكث كذلك بالسنح ستة أشهر‪ ،‬ثم نزل إلى المدينة فأقام بها ونظر في‬
‫أمره‪ ،‬فقال‪ :‬ال واهلل ما يصلح أمر الناس التجارة‪ ،‬وما يصلح لهم إال التفرغ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال بن دريد‪( :‬ويقال‪ :‬رغوة‪ ،‬والجمع رغى‪ ،‬مقصور‪ ،‬وهو ما طفا على اللبن من‬
‫الزبد‪ ،‬أرغى اللبن يرغي إرغاء‪ ،‬إذا صارت له رغوة‪ .‬وارتغى الرجل يرتغي ارتغاء‪،‬‬
‫إذا شرب الرغوة)‪ .‬جمهرة اللغة (‪.)782/2‬‬
‫وقال الخليل‪( :‬رغا البعير‪ ،‬والناقة‪ ،‬يرغو رغاء‪ .‬والضبع ترغو‪ ،‬وسمعت رواغي اإلبل‪،‬‬
‫أي‪ :‬رغاءها وأصواتها‪ .‬وأرغى فالن بعيره‪ :‬إذا فعل به فعال يرغو منه‪ ،‬ليسمع الحي‬
‫صوته فيدعوه إلى القرى‪ .‬وقد يرغي صاحب اإلبل إبله بالليل‪ ،‬ليسمع ابن السبيل‬
‫رغاءها فيميل إليها‪ .‬والرغوة‪ :‬زبد اللبن)‪ .‬العين (‪.)444/4‬‬
‫(‪ )2‬قال األزهري‪( :‬وقال الليث‪ ..:‬والصريح‪ :‬المحض الخالص من كل شيء‪ ،‬ويقال للبن‬
‫والبول صريح إذا لم يكن فيه رغوة)‪ .‬تهذيب اللغة (‪.)139/4‬‬
‫‪150‬‬
‫املبحث الخامس‪ :‬تفريغ الوقت والجهد لألعمال العظام‬

‫والنظر في شأنهم‪ ،‬وما بد لعيالي مما يصلحهم‪ ،‬فترك التجارة واستنفق من‬
‫مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوما بيوم‪ ،‬ويحج ويعتمر(‪.)1‬‬
‫وحتى لو كان العمل يبدو يسيرا‪ ،‬لكنه سوف يؤثر على االلتزامات‬
‫المباشرة‪ ،‬فإنهم كانوا يقومون بما التزموا به‪ ،‬وال ينشغلون عنه ولو باليسير‬
‫من العمل‪ ،‬حتى يعطى كل عمل حقه‪ ،‬فهذا عمر ـ ‪ ‬ـ يقر أنه لو كان‬
‫يستطيع مع الخالفة عمال لكان مؤذنا‪ ،‬مع أن األذان قد يبدو للبعض أنه‬
‫ال يكلف كبير جهد والوقت؛ فعن قيس بن أبي حازم قال‪ :‬قال عمر بن‬
‫الخطاب‪ :‬لو كنت أطيق مع ِ‬
‫الخل ِّيفى(‪ )2‬ألذنت(‪.)3‬‬
‫وقد روي أن أبا الدرداء كان تاجرا قبل أن يبعث النبي ‘ ثم أراد‬
‫العبادة والتجارة‪ ،‬فلم يجتمعا له‪ ،‬ثم ترك التجارة وآثر العبادة‪ ،‬وقال‪ :‬ال‬
‫أقول إن اهلل لم يحل البيع‪ ،‬ولكن أحب أن أكون من الذين {ﱁ ﱂ‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ} [النور‪.)4(]37 :‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه ابن سعد من طرق عدة (‪.)186/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫قال أبو عبيد‪ِ :‬‬
‫(الخلِّيفى وهي الخالفة‪ ،‬وإياها أراد عمر ـ ‪ ‬ـ بقوله‪ :‬لو أطيق األذان‬ ‫(‪)2‬‬
‫الخلِّيفى ألذنت) غريب الحديث (‪.)319/3‬‬‫مع ِ‬
‫رواه ابن سعد (‪ )290/3‬بسند صحيح متصل‪ ،‬رجاله ثقات‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫سير السلف الصالحين إلسماعيل بن محمد األصبهاني (ص‪ 556 :‬ــ ‪.)557‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪151‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬اغتنام أوقات الشباب واملعافاة‬

‫ل‬
‫ا مبحثااسلدس‬
‫اغتنام أوقات الشباب واملعافاة‬

‫ال يخفى قول النبي ـ ‘ ـ‪( :‬نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس‪:‬‬
‫الصحة والفراغ)(‪ ،)1‬فالصحة‪ ،‬والفراغ من الشواغل يعدان فرصة ذهبية‬
‫يجب استغاللها‪ ،‬ربما كان وقت اجتماعهما ال يدوم طويال‪ ،‬لذا وجب‬
‫عدم التفريط فيهما‪ ،‬واستغاللها أحسن استغالل‪ ،‬وكان مغبونا من فرط‬
‫فيهما‪ ،‬ولم يستفد منهما‪ ،‬لذا كان ابن عمر ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬يقول‪ :‬خذ من‬
‫صحتك لمرضك‪ ،‬ومن حياتك لموتك(‪.)3()2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬وقد سبق‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)6416‬‬
‫(‪ )3‬قال ابن رجب الحنبلي‪( :‬قوله‪( :‬وخذ من صحتك لسقمك‪ ،‬ومن حياتك لموتك)‪،‬‬
‫يعني‪ :‬اغتنم األعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك وبينها السقم‪ ،‬وفي الحياة‬
‫قبل أن يحول بينك وبينها الموت‪ ،‬وفي رواية‪( :‬فإنك يا عبد اهلل ال تدري ما اسمك‬
‫غدا) يعني‪ :‬لعلك غدا من األموات دون األحياء‪ .‬وقد روي معنى هذه الوصية عن‬
‫النبي ـ ‘ ـ من وجوه‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن ابن عباس‪ ،‬عن النبي ‘ قال‪:‬‬
‫>نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس‪ :‬الصحة والفراغ<‪ .‬وقال غنيم بن قيس‪ :‬كنا نتواعظ‬
‫في أول اإلسالم‪ :‬ابن آدم اعمل في فراغك قبل شغلك‪ ،‬وفي شبابك لكبرك‪ ،‬وفي‬
‫صحتك لمرضك‪ ،‬وفي دنياك آلخرتك‪ ،‬وفي حياتك لموتك‪ .‬وفي صحيح مسلم عن‬
‫أبي هريرة عن النبي ‘‪> :‬بادروا باألعمال ستا‪ :‬طلوع الشمس من مغربها‪ ،‬أو الدخان‪=،‬‬
‫‪152‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬اغتنام أوقات الشباب واملعافاة‬

‫قال ابن الجوزي‪( :‬اعلم أنه قد يكون اإلنسان صحيحا وال يكون‬
‫متفرغا للعبادة الشتغاله بأسباب المعاش‪ ،‬وقد يكون متفرغا من األشغال‬
‫وال يكون صحيحا‪ ،‬فإذا اجتمعا للعبد ثم غلب عليه الكسل عن نيل‬
‫الفضائل فذاك الغبن كيف والدنيا سوق الرباح‪ ،‬والعمر أقصر‪ ،‬والعوائق‬
‫أكثر)(‪.)1‬‬
‫ولما كان للشباب ثورة وفورة يجب توجيهها في المسار الصحيح‪،‬‬
‫واالستفادة منها‪ ،‬والتحذير شرها جاء التوجيه النبوي بذلك‪ ،‬فعن عبد اهلل‬
‫بن مسعود ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬كنا مع النبي ‘ شبابا ال نجد شيئا‪ ،‬فقال لنا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= أو الدجال‪ ،‬أو الدابة‪ ،‬أو خاصة أحدكم‪ ،‬أو أمر العامة<‪ .‬والمراد من هذا أن هذه‬
‫األشياء كلها تعوق عن األعمال‪ ،‬فبعضها يشغل عنه‪ ،‬إما في خاصة اإلنسان‪ ،‬كفقره‬
‫وغناه ومرضه وهرمه وموته‪ ،‬وبعضها عام‪ ،‬كقيام الساعة‪ ،‬وخروج الدجال‪ ،‬وكذلك‬
‫الفتن المزعجة كما جاء في حديث آخر‪> :‬بادروا باألعمال فتنا كقطع الليل المظلم<‪.‬‬
‫وبعض هذه األمور العامة ال ينفع بعدها عمل‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬
‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [األنعام‪.]158 :‬‬
‫وروي عن عائشة قالت‪ :‬إذا خرج أول اآليات‪ ،‬طرحت األقالم‪ ،‬وحبست الحفظة‪،‬‬
‫وشهدت األجساد على األعمال‪ .‬خرجه ابن جرير الطبري‪ ،‬وكذا قال كثير بن مرة‪،‬‬
‫ويزيد بن شريح‪ ،‬وغيرهما من السلف‪ .‬فالواجب على المؤمن المبادرة باألعمال‬
‫الصالحة قبل أن ال يقدر عليها ويحال بينه وبينها‪ ،‬إما بمرض أو موت‪ ،‬أو بأن يدركه‬
‫بعض هذه اآليات التي ال يقبل معها عمل‪ .‬قال أبو حازم‪ :‬إن بضاعة اآلخرة كاسدة‬
‫يوشك أن تنفق‪ ،‬فال يوصل منها إلى قليل وال كثير‪ .‬ومتى حيل بين اإلنسان والعمل‬
‫لم يبق له إال الحسرة واألسف عليه‪ ،‬ويتمنى الرجوع إلى حالة يتمكن فيها من العمل‪،‬‬
‫فال تنفعه األمنية)‪ .‬اهـ مختصرا‪ .‬جامع العلوم والحكم (‪ 387/2‬ــ ‪.)390‬‬
‫(‪ )1‬كشف المشكل (‪ 437/2‬ــ ‪.)438‬‬
‫‪153‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬اغتنام أوقات الشباب واملعافاة‬

‫رسول اهلل ‘‪> :‬يا معشر الشباب‪ ،‬من استطاع الباءة فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض‬
‫للبصر وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء<(‪.)1‬‬
‫لذا استحق من يحسن في شبابه الجزاء العظيم‪ ،‬فعن أبي هريرة‪،‬‬
‫عن النبي ‘ قال‪( :‬سبعة يظلهم اهلل في ظله‪ ،‬يوم ال ظل إال ظله‪)..‬‬
‫وذكر منهم‪( :‬وشاب نشأ في عبادة ربه)(‪.)2‬‬
‫وقد فطن اآلل واألصحاب لذلك‪ ،‬وعملوا بسنة النبي ـ ‘ ـ فيه‪،‬‬
‫ودعوا غيرهم له‪.‬‬
‫فعن تميم الداري ـ ‪ ‬ـ يعمل بما تعلمه من النبي ـ ‘ ـ في‬
‫ذلك‪ ،‬ويأمر به غيره‪ ،‬فعن أبي تميمة الهجيمي‪ :‬أن رجال قال لتميم‬
‫الداري‪ :‬كيف تقرأ القرآن؟ فغضب وانتهره‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬إنكم واهلل‬
‫معاشر أصحاب محمد لجديرون أن تسألوا فال تحدثون‪ ،‬وأن تعنفوا من‬
‫سألكم‪ .‬قال تميم الداري للرجل‪ :‬لعلك من الذين يقرءون القرآن في‬
‫ليلة‪ ،‬ثم يصيحون فيحدثون الناس أنهم قد قرءوا القرآن في ليلة‪ ،‬وإن‬
‫أقرأ ثالثين آية في ليلة أحب إلي من أن أقرأ القرآن أجمع في ليلة‪ .‬ثم‬
‫قال‪ :‬أفرأيت إن كنت أنا مؤمن قوي‪ ،‬وأنت مؤمن ضعيف أفتأخذ قوتي‬
‫بضعفك فتنبت؟ أرأيت لو كنت مؤمنا قويا‪ ،‬وأنا مؤمن ضعيف‪ ،‬أتأخذ‬
‫قوتك بضعفي فأنبت؟ فخذ من قوتك لضعفك‪ ،‬ومن ضعفك لقوتك‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)5066‬ومسلم (‪.)1400‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)660‬ومسلم (‪.)1031‬‬
‫‪154‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬اغتنام أوقات الشباب واملعافاة‬

‫ومن فراغك لشغلك‪ ،‬ومن شغلك لفراغك‪ ،‬ومن صحتك لسقمك‪ ،‬ومن‬
‫سقمك لصحتك‪ ،‬حتى يستقيم لك األمر على عبادة تطيقها(‪.)1‬‬
‫وعن غنيم بن قيس(‪ )2‬قال‪ :‬كنا نتواعظ في أول اإلسالم بأربع‪ ،‬كنا‬
‫نقول‪ :‬اعمل في شبابك لكبرك‪ ،‬واعمل في فراغك لشغلك‪ ،‬واعمل في‬
‫صحتك لسقمك‪ ،‬واعمل في حياتك لموتك(‪.)3‬‬
‫وعن عمرو بن ميمون‪ ،‬قال‪ :‬كان يقال‪ :‬بادروا بالعمل أربعا‪ :‬بالحياة‬
‫قبل الممات‪ ،‬وبالصحة قبل السقم‪ ،‬وبالفراغ قبل الشغل‪ ،‬ولم أحفظ‬
‫الرابعة(‪.)4‬‬
‫وكان ابن عباس ــ فيما روي عنه ــ يأمر أصحابه بالتعلم‪ ،‬واستغالل‬
‫فترة الشباب‪ ،‬وال يلتفتوا لصغر السن‪ ،‬وأنه ال يُحتاج إليهم في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬ويشير إلى أنه ال يدري اإلنسان متى يحتاج الناس إليه‪ ،‬فعن ابن‬
‫عباس ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬قال‪> :‬تعلموا‪ ،‬فإن أحدكم ال يدري متى يحيل إليه<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه أبو داود في الزهد (‪.)381‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫قال المذي‪( :‬غنيم بن قيس المازني الكعبي‪ ،‬أبو العنبر البصري‪ ،‬أدرك النبي ‘ ولم‬ ‫(‪)2‬‬
‫يره)‪ .‬اهـ تهذيب الكمال (‪.)120/23‬‬
‫وقال العالئي‪( :‬أدرك الجاهلية‪ ،..‬قال ابن أبي حاتم‪ :‬سألت أبي عنه‪ :‬هل له صحبة؟‬
‫فقال‪ :‬ال‪ ،‬بل هو تابعي)‪ .‬اهـ جامع التحصيل (صـ‪.)614‬‬
‫وذكر ابن الحجر خالفا يسيرا في صحبته‪ ،‬انظر‪ :‬اإلصابة (‪ 258/5‬ــ ‪.)259‬‬
‫رواه ابن المبارك في الزهد (‪ ،)3‬وهناد بن السري في الزهد (‪ ،)501‬وابن الجعد في‬ ‫(‪)3‬‬
‫مسنده (‪ ،)1451‬وأبو نعيم في الحلية (‪.)200/6‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)34941‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)26119‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪155‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬اغتنام أوقات الشباب واملعافاة‬

‫وكان عبد اهلل بن عمرو ـ ‪ ‬ـ يعد اجتهاده في العبادة استمتاع‬


‫بالقوة والشباب‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمرو ‪ ،‬قال‪ :‬جمعت القرآن وقرأته‬
‫في ليلة‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪> :‬إني أخشى أن يطول عليك الزمان وتمل‬
‫قراءته<‪ ،‬ثم قال‪> :‬اقرأه في شهر<‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬دعني استمتع‬
‫من قوتي وشبابي‪ ،‬قال‪> :‬اقرأه في عشرين<‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل دعني‬
‫أستمتع من قوتي وشبابي‪ ،‬قال‪> :‬اقرأه في سبع<‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫دعني أستمتع من قوتي وشبابي فأبى(‪.)1‬‬
‫وكان ابن عمر ـ ‪ ‬ـ من شدة اجتهاده في حال شبابه وقوته‪ ،‬ما‬
‫استطاع الناس أن يقتدوا به‪ ،‬وإنما لما كبر سنه وضعفت قوته استطاعوا‬
‫وقتها أن يقتدوا بعمله في حال كبره‪ ،‬عن مجاهد قال‪ :‬ترك الناس أن‬
‫يقتدوا بابن عمر وهو شاب‪ ،‬فلما كبر اقتدوا به(‪.)2‬‬
‫وعن عمر ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬قد يكون في الرجل عشرة أخالق‪ ،‬تسعة‬
‫صالحة‪ ،‬وواحدة سيئة فيفسد التسعة الصالحة الخلق السيئ‪ ،‬ات ِق عثرات‬
‫الشباب‪ .‬أو قال‪ :‬غرات الشباب(‪.)3‬‬
‫وكان ابن عباس ــ ر ضي اهلل عنهما ــ ندم فَ ْوت عمل كان األنسب‬
‫له وقت الشباب‪ ،‬وأثنى على الحسن ـ ‪ ‬ـ بما قام به من ذلك‪ ،‬فعن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه بهذا اللفظ‪ :‬ابن ماجه (‪ ،)1346‬والنسائي في الكبرى (‪ ،)8010‬وأحمد‬
‫(‪ ،)6516‬وعبد الرزاق (‪ ،)5956‬وابن حبان (‪.)757‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن سعد (‪.)147/4‬‬
‫(‪ )3‬رواه عبد الرزاق (‪ ،)8240‬وأبو مسهر في نسخته (‪.)34‬‬
‫‪156‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬اغتنام أوقات الشباب واملعافاة‬

‫ابن عباس قال‪ :‬ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إال أني لم أحج‬
‫ماشيا‪ ،‬ولقد حج الحسن بن علي ـ ‪ ‬ـ خمسة وعشرين حجة ماشيا‪،‬‬
‫وإن النجائب لتقاد معه‪ ،‬لقد قاسم اهلل ماله ثالث مرات حتى أنه يعطي‬
‫الخف ويمسك النعل(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن سعد (الجزء المتمم لطبقات ابن سعد‪ ،‬الطبقة الخامسة) (‪ ،)134/1‬والبيهقي‬
‫في السنن الكبرى (‪.)542/4‬‬
‫‪157‬‬
‫الصفلااثلثل‬
‫فقهاآللواألاحصب‬
‫فيإدارةاولتق‬
‫الفصل الثالث‪ :‬فقه اآلل واألصحاب في إدارة الوقت‬

‫الصفلااثلثل‬
‫فقه اآلل واألصحاب يف إدارة الوقت‬

‫نذكر في هذا الفصل ــ إن شاء اهلل ــ شيئا من فقه اآلل واألصحاب‬


‫في إدارة الوقت‪ ،‬وأبرز سماتهم في ذلك‪ ،‬واألسس المعتبرة في تعاملهم‬
‫مع الوقت‪ ،‬وذلك من خالل جملة من المباحث التي تبين تلك الطريقة‪.‬‬
‫وال شك أن فقه اآلل واألصحاب في إدارة الوقت ــ وغيرها ــ لم‬
‫يكن يخرج في كبير أو صغير عن الكتاب والسنة‪ ،‬ومما شاهدوه أو تعلموه‬
‫من النبي ـ ‘ ـ؛ إذ هم خير من آمن وعمل بما في كتاب اهلل تعالى‪،‬‬
‫وسنة نبيه ـ ‘ ـ‪ ،‬ولما كان االعتدال والتوازن من سمات هذا الدين‬
‫الحنيف‪ ،‬كان كذلك فقههم في التعامل مع الوقت‪ ،‬ويتضح ذلك من‬
‫خالل المباحث التالية‪ ،‬التي نتناول فيها فقههم وطريقتهم في إدارة‬
‫الوقت‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تكليف النفس بما تطيق‬

‫ل‬
‫ا مبحثاألول‬
‫تكليف النفس مبا تطيق‬

‫ال شك أن تكليف النفس ما تطيقه من األعمال هو تشريع رباني‬


‫حكيم‪ ،‬شرعه اهلل تعالى لعباده؛ كما في قوله‪{ :‬ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ}‬
‫[البقرة‪ ،]286 :‬وقوله سبحانه‪{ :‬ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ} [الطالق‪،]7 :‬‬
‫وجاءت السنة النبوية بذلك أيضا‪ ،‬قال رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬مه عليكم ما‬
‫تطيقون من األعمال‪ ،‬فإن اهلل ال يمل حتى تملوا<(‪.)1‬‬
‫فلما كان تكليف النفس ما تطيق تشريعا ربانيا‪ ،‬وسنة نبوية‪ ،‬ومبدأ‬
‫من مبادئ هذا الدين الحنيف‪ ،‬فلم يكن بعيدا أن يكون أمرا متبعا معموال‬
‫به عند اآلل واألصحاب‪ ،‬مع ما عرف عنهم من االجتهاد والهمة العالية‪.‬‬
‫وكما يحسن باإلنسان أن يحدد لنفسه األهداف‪ ،‬ويضع لها الخطط‪،‬‬
‫وينظم وقته بناء على ذلك‪ ،‬فإنه أيضا البد أن يكلف نفسه من ذلك ما يطيق‬
‫من ذلك‪ ،‬حتى يستطيع إنجاز ما وضعه لنفسه من أهداف وطريقة عمل‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1151‬ومسلم (‪.)785‬‬
‫قال البيهقي‪( :‬قال الشافعي‪ :‬وذلك تخوفا على من تكلف ما ال طاقة له به السآمة حتى‬
‫يدع قليل العمل وكثيره)‪ .‬اهـ معرفة السنن واآلثار (‪.)50/4‬‬
‫‪162‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تكليف النفس بما تطيق‬

‫وعن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬كان رسول اهلل ‘ إذا أمرهم‪ ،‬أمرهم من‬
‫األعمال بما يطيقون‪ ،‬قالوا‪ :‬إنا لسنا كهيئتك يا رسول اهلل‪ ،‬إن اهلل قد غفر‬
‫لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‪ ،‬فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه‪،‬‬
‫ثم يقول‪> :‬إن أتقاكم وأعلمكم باهلل أنا<(‪.)1‬‬
‫وكان آل بيت النبي ـ ‘ ـ من أول الناس عمال بسنته ـ ‘ ـ‪ ،‬فعن‬
‫عائشة‪ ،‬أنها قالت‪ :‬كان لرسول اهلل ـ ‘ ـ حصير‪ ،‬وكان يحجره من الليل‬
‫فيصلي فيه‪ ،‬فجعل الناس يصلون بصالته‪ ،‬ويبسطه بالنهار‪ ،‬فثابوا ذات‬
‫ليلة(‪ ،)2‬فقال‪> :‬يا أيها الناس عليكم من األعمال ما تطيقون‪ ،‬فإن اهلل ال‬
‫يمل حتى تملوا‪ ،‬وإن أحب األعمال إلى اهلل ما دووم عليه‪ ،‬وإن قل<‪.‬‬
‫وكان آل محمد ‘ إذا عملوا عمال أثبتوه(‪.)4()3‬‬
‫وكانت الحوالء بنت تويت ـ ‪ ‬ـ تكلف نفسها فوق ما تطيق من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه البخاري (‪.)20‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫قال النووي‪( :‬قوله‪( :‬وكان يحجره من الليل ويبسطه بالنهار) أي يتخذه حجرة كما في‬ ‫(‪)2‬‬
‫الرواية األخرى‪ ،‬قوله‪( :‬فثابوا ذات ليلة) أي اجتمعوا‪ ،‬وقيل‪ ،‬رجعوا للصالة)‪ .‬شرح‬
‫النووي على مسلم (‪.)71/6‬‬
‫قال النووي‪( :‬قوله ـ ‘ ـ‪( :‬عليكم من األعمال ما تطيقون) أي تطيقون الدوام عليه‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫بال ضرر وفيه دليل على الحث على االقتصاد في العبادة واجتناب التعمق وليس‬
‫الحديث مختصا بالصالة بل هو عام في جميع أعمال البر)‪ .‬اهـ‬
‫وقال أيضا‪( :‬قوله (وكان آل محمد ‘ إذا عملوا عمال أثبتوه) أي الزموه وداوموا عليه‬
‫والظاهر أن المراد باآلل هنا أهل بيته وخواصه ‘ من أزواجه وقرابته ونحوهم)‪ .‬اهـ‬
‫شرح النووي على مسلم (‪.)72 ،71/6‬‬
‫رواه مسلم (‪.)782‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪163‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تكليف النفس بما تطيق‬

‫العبادة‪ ،‬فجاء التوجيه من النبي ـ ‘ ـ بالتكليف بما نطيق من األعمال‪،‬‬


‫فعن عروة بن الزبير‪ ،‬أن عائشة‪ ،‬زوج النبي ‘‪ ،‬أخبرته أن الحوالء بنت‬
‫تويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى مرت بها وعندها رسول اهلل‬
‫ـ ‘ ـ‪ ،‬فقلت‪ :‬هذه الحوالء بنت تويت‪ ،‬وزعموا أنها ال تنام الليل‪،‬‬
‫فقال رسول اهلل ‘‪> :‬ال تنام الليل؟! خذوا من العمل ما تطيقون‪ ،‬فواهلل‬
‫ال يسأم اهلل حتى تسأموا<(‪.)1‬‬
‫وقد أوصى بذلك النبي ـ ‘ ـ عبد اهلل بن عمرو ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬إال أن‬
‫ابن عمرو ـ ‪ ‬ـ آثر أن يبذل أكثر من ذلك‪ ،‬ثم تمنى أو لو كان عمل‬
‫بوصية النبي ـ ‘ ـ له؛ فعن عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬أنكحني أبي امرأة‬
‫ذات حسب‪ ،‬فكان يتعاهد كنته‪ ،‬فيسألها عن بعلها‪ ،‬فتقول‪ :‬نعم الرجل‬
‫من رجل لم يطأ لنا فراشا‪ ،‬ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه‪ ،‬فلما طال ذلك‬
‫عليه ذكر للنبي ‘ فقال‪> :‬القني به<‪ ،‬فلقيته بعد‪ ،‬فقال‪> :‬كيف تصوم؟<‬
‫قال‪ :‬كل يوم‪ ،‬قال‪> :‬وكيف تختم؟<‪ ،‬قال‪ :‬كل ليلة‪ ،‬قال‪> :‬صم في كل‬
‫شهر ثالثة‪ ،‬واقرأِ القرآن في كل شهر<‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬أطيق أكثر من ذلك‪،‬‬
‫قال‪> :‬صم ثالثة أيام في الجمعة<‪ ،‬قلت‪ :‬أطيق أكثر من ذلك‪ ،‬قال‪> :‬أفطر‬
‫يومين وصم يوما< قال‪ :‬قلت‪ :‬أطيق أكثر من ذلك‪ ،‬قال‪> :‬صم أفضل‬
‫الصوم صوم داود صيام يوم وإفطار يوم‪ ،‬واقرأ في كل سبع ليال مرة<‪.‬‬
‫فليتني قبلت رخصة رسول اهلل ‘‪ ،‬وذاك أني كبرت وضعفت)(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1151‬ومسلم (‪.)785‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)5052‬ومسلم (‪.)1159‬‬
‫‪164‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تكليف النفس بما تطيق‬

‫وكان النبي ـ ‘ ـ ينهاهم عن األمر الذي ال يطيقونه‪ ،‬وال تتحمله‬


‫أحوالهم‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي ‘‪ ،‬قال‪> :‬إياكم والوصال<‬
‫مرتين قيل‪ :‬إنك تواصل‪ ،‬قال‪> :‬إني أبيت يطعمني ربي ويسقين‪ ،‬فاكلفوا‬
‫من العمل ما تطيقون<(‪.)1‬‬
‫كان تكليف النفس بما تطيق منهجا متعبا عندهم حتى فيما يبدو‬
‫يسيرا في أعين الناس‪ ،‬فعن عمر ـ ‪ ‬ـ قال‪> :‬لو كنت أطيق األذان مع‬
‫الخالفة ألذنت<(‪.)2‬‬
‫وكان من فقههم أيضا أنهم إذا كلفوا غيرهم بعمل كلفوهم بما‬
‫يطيقون‪ ،‬فعن مجاهد‪ ،‬أن أبا ذر‪ ،‬كان يصلي وعليه برد قطن‪ ،‬وشملة‪،‬‬
‫وله غنيمة‪ ،‬وعلى غالمه برد قطن‪ ،‬وشملة‪ ،‬فقيل له‪ :‬فقال‪ :‬سمعت رسول‬
‫اهلل ‘ يقول‪> :‬أطعموهم مما تأكلون‪ ،‬واكسوهم مما تلبسون‪ ،‬وال‬
‫تكلفوهم ما ال يطيقون‪ ،‬فإن فعلتم فأعينوهم‪ ،‬وإن كرهتموهم فبيعوه‪،‬‬
‫واستبدلوهم‪ ،‬وال تعذبوا خلقا أمثالكم<(‪.)3‬‬
‫وعن أبي هريرة‪ ،‬عن رسول اهلل ‘ أنه قال‪> :‬للمملوك طعامه‬
‫وكسوته‪ ،‬وال يكلف من العمل إال ما يطيق(‪.)5(<)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه البخاري (‪.)1966‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه عبد الرزاق (‪.)1869‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه عبد الرزاق (‪ )17966‬بهذا اللفظ‪ ،‬وهو منقطع‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫قال البيهقي‪( :‬قال الشافعي ‪ :‬ومعنى ال يكلف من العمل إال ما يطيق؛ يعني به‬ ‫(‪)4‬‬
‫واهلل أعلم‪ :‬إال ما يطيق الدوام عليه)‪ .‬اهـ السنن الصغير (‪.)197/3‬‬
‫رواه مسلم (‪.)1662‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪165‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تكليف النفس بما تطيق‬

‫وكذلك الحال يكون في من كلف بعمل‪ ،‬ثم لم يجد له به طاقة‪،‬‬


‫فله أن يعتذر عنه‪ ،‬فعن عن أبي نضرة‪ ،‬أن عمر‪ ،‬ـ ‪ ‬ـ عنه بعث هرم‬
‫بن حيان على الخيل فغضب على رجل فأمر به فوجئت عنقه ثم أقبل‬
‫على أصحابه فقال‪ :‬ال جزاكم اهلل خيرا‪> ،‬ما نصحتموني حين قلت وال‬
‫كففتموني عن غضبي واهلل ال ألي لكم عمال< ثم كتب إلى عمر‪> :‬يا أمير‬
‫المؤمنين ال طاقة لي بالرعية فابعث إلى عملك<(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو نعيم في الحلية (‪.)120/2‬‬
‫‪166‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬مراعاة كافة جوانب الحياة‬

‫ل‬
‫ااثلن‬
‫ي‬ ‫ا مبحث‬
‫مراعاة كافة جوانب احلياة‬

‫لما كان ديننا الحنيف يراعي الجوانب المختلفة لحياة اإلنسان‪،‬‬


‫ويحقق له التوازن كان لزاما أن تراعى هذه الجوانب‪ ،‬وهذا ما كان عليه‬
‫اآلل واألصحاب ـ ‪ ‬ـ في تعاملهم مع الوقت‪ ،‬عمال بكتاب اهلل تعالى‪،‬‬
‫وسنة النبي ـ ‘ ـ اللذان يحثان على ذلك‪.‬‬
‫فعن حنظلة‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند رسول اهلل ‘‪ ،‬فوعظنا‪ ،‬فذكر النار‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان والعبت المرأة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فخرجت فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له‪ ،‬فقال‪ :‬وأنا قد فعلت مثل ما‬
‫تذكر‪ ،‬فلقينا رسول اهلل ‘‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل نافق حنظلة فقال‪> :‬مه<‬
‫فحدثته بالحديث‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬وأنا قد فعلت مثل ما فعل‪ ،‬فقال‪> :‬يا‬
‫حنظلة ساعة وساعة‪ ،‬ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر‪،‬‬
‫لصافحتكم المالئكة‪ ،‬حتى تسلم عليكم في الطرق<(‪.)1‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪:‬‬
‫>يا عبد اهلل‪ ،‬ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟< قلت‪ :‬بلى يا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)2107/4‬‬
‫‪167‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬مراعاة كافة جوانب الحياة‬

‫رسول اهلل‪ ،‬قال‪> :‬فال تفعل‪ ،‬صم وأفطر‪ ،‬وقم ونم‪ ،‬فإن لجسدك عليك‬
‫حقا‪ ،‬وإن لعينك عليك حقا‪ ،‬وإن لزوجك عليك حقا<(‪.)1‬‬
‫وكانوا يتواصون بوصية النبي ـ ‘ ـ تلك‪ ،‬فعن شهر بن حوشب‬
‫قال‪ :‬جاء سلمان إلى أبي الدرداء فلم يجده‪ ،‬فسلم على أم الدرداء وقال‪:‬‬
‫أين أخي؟ قالت‪ :‬في المسجد‪ ،‬وعليه عباءة له قطوانية‪ ،‬فألقت إليه خلق‬
‫وسادة‪ ،‬فأبى أن يجلس عليها ولوى عمامته فطرحها فجلس عليها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فجاء أبو الدرداء معلقا لحما بدرهمين‪ ،‬فقامت أم الدرداء فطبخته‬
‫وخبزت‪ ،‬ثم جاءت بالطعام وأبو الدرداء صائم‪ ،‬فقال سلمان‪> :‬من يأكل‬
‫معي؟<‪ ،‬فقال‪ :‬تأكل معك أم الدرداء‪ ،‬فلم يدعه حتى أفطر‪ ،‬فقال سلمان‬
‫ألم الدرداء ورآها سيئة الهيئة‪> :‬ما لك؟<‪ ،‬قالت‪ :‬إن أخاك ال يريد‬
‫النساء‪ ،‬يصوم النهار ويقوم الليل‪ ،‬فبات عنده‪ ،‬فجعل أبو الدرداء يريد‬
‫أن يقوم فيحبسه حتى كان قبل الفجر فقام فتوضأ وصلى ركعات‪ ،‬فقال له‬
‫أبو الدرداء‪ :‬حبستني عن صالتي‪ ،‬فقال له سلمان‪> :‬صل ونم‪ ،‬وصم‬
‫وأفطر‪ ،‬فإن ألهلك عليك حقا‪ ،‬ولعينيك عليك حقا<(‪.)2‬‬
‫وقالت أم غزوان للربيع بن خثيم‪ :‬أما لفراشك عليك حق أما لنفسك‬
‫عليك حق؟ قال‪ :‬يا أماه إنما أطلب راحتها أبادر طي صحيفتي‪ .‬وقال‪:‬‬
‫هلل علي أن ال يراني ضاحكا حتى أعلم أي الدارين داري‪ .‬قال الحسن‬
‫‪ :‬عزم ففعل فواهلل ما رئي ضاحكا حتى لحق باهلل وكان همام ‪ ‬ال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)5199‬ومسلم (‪.)1159‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شيبة (‪.)34668‬‬
‫‪168‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬مراعاة كافة جوانب الحياة‬

‫ينام على فراشه يصلي حتى ينعس في مسجده‪ ،‬ثم يقوم فيصلي ليله‬
‫كله(‪.)1‬‬
‫وكذلك األمر في إيفاء الحقوق لألطراف المختلفة‪ ،‬فعن محارب‬
‫بن دثار عن ابن عمر ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬سماهم اهلل األبرار ألنهم بروا اآلباء‬
‫واألبناء‪ ،‬كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حق(‪.)2‬‬
‫وعن أرطاة بن المنذر‪ ،‬قال‪ :‬لقي علي بن أبي طالب‪ ،‬ابنه الحسن‬
‫وهو خارج من عند عثمان بن عفان ‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني أما لي عليك حق‬
‫الوالد؟ فقال الحسن ‪ :‬حق الوالد ثم قال الحسن‪ :‬حق الخليفة أعظم‬
‫من حق الوالد(‪.)3‬‬
‫وكان ابن عمر ـ ‪ ‬ـ يعبد ربه ‪ ،‬ويرعى مصالح بيته‪ ،‬ويذهب‬
‫ألهله‪ ،‬مراعيا كافة الحقوق الواجبة عليه في يومه‪ ،‬فعن ابن عمر‪ ،‬أنه‬
‫كان يجلس في مسجد رسول اهلل ‘ حتى يرتفع الضحى وال يصلي‪ ،‬ثم‬
‫ينطلق إلى السوق فيقضي حوائجه‪ ،‬ثم يجيء إلى أهله فيبدأ بالمسجد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كذا ذكره محمد بن نصر المروزي في مختصر قيام الليل (صـ‪.)65‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو أمية الطرسوسي في مسند عبد اهلل بن عمر (‪ ،)16‬والبخاري في األدب المفرد‬
‫(‪ ،)94‬وذكره البغوي في شرح السنة (‪.)37/13‬‬
‫قال األلباني في تعليقه على هذا األثر‪( :‬ضعيف اإلسناد‪ ،‬فيه الوصافي‪ ،‬واسمه عبيد‬
‫اهلل بن الوليد‪ ،‬ضعيف)‪ .‬اهـ األدب المفرد (صـ‪.)53‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني (‪.)131‬‬
‫والخبر منقطع‪ ،‬فأرطأة بن المنذر ثقة‪ ،‬لكنه لم يدرك علي وال الحسن ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬وإنما‬
‫عاصر صغار التابعين‪ .‬انظر التقريب (‪.)298‬‬
‫‪169‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬مراعاة كافة جوانب الحياة‬

‫فيصلي ركعتين‪ ،‬ثم يدخل بيته(‪.)1‬‬


‫وهذا أبو بكر ـ ‪ ‬ـ يتجر لينفق على أهله مع قيامه بحقوق الرعية‬
‫ــ أول خالفته ــ‪ ،‬فعن عطاء بن السائب قال‪ :‬لما استخلف أبو بكر أصبح‬
‫غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها‪ ،‬فلقيه عمر بن الخطاب‬
‫وأبو عبيدة بن الجراح فقاال له‪ :‬أين تريد يا خليفة رسول اهلل؟ قال‪:‬‬
‫السوق‪ ،‬قاال‪ :‬تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال‪ :‬فمن أين أطعم‬
‫عيالي؟ قاال له‪ :‬انطلق حتى نفرض لك شيئا‪ ،‬فانطلق معهما ففرضوا له‬
‫كل يوم شطر شاة‪ ،‬وماكسوه في الرأس والبطن‪.)2(..‬‬
‫وكانوا يجمعون أحيانا بين العبادة وعمل الدنيا ما أمكن ذلك‪ ،‬عن‬
‫أبي ميمونة‪ ،‬أنه سأل ابن عمر‪ ،‬عن الرجل يحج ويحمل معه تجارة؟‬
‫فقال ابن عمر ـ ‪ ‬ـ‪ :‬ال بأس به‪ ،‬وتال هذه اآلية‪{ :‬ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬
‫ﲪ} [المائدة‪.)3(]2 :‬‬
‫وروي نحو هذا المعنى أيضا عن ابن عباس وابن الزبير(‪ )4‬ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس‪ ،‬ـ ‪ ‬ـ‪ :‬أن الناس كانوا في أول الحج يتبايعون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه ابن سعد (‪.)147/4‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه ابن سعد (‪ ،)184/3‬ومن طريق ابن سعد رواه البالذري (‪.)69/10‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫والخبر رجاله ثقات‪ ،‬لكنه منقطع‪ ،‬فعطاء بن السائب‪ ،‬من صغار التابعين؛ من‬
‫الخامسة‪ ،‬ولم يشهد زمان أبي بكر ـ ‪ ‬ـ‪ .‬انظر‪ :‬التقريب (‪.)4592‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)13366‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)13365‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪170‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬مراعاة كافة جوانب الحياة‬

‫بمنى‪ ،‬وعرفة‪ ،‬وسوق ذي المجاز‪ ،‬ومواسم الحج فخافوا البيع وهم‬


‫حرم‪ ،‬فأنزل اهلل ‪{ :‬ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬
‫ﱪ} [البقرة‪.)1(]198 :‬‬
‫وعن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬لما ولي أبو بكر قال‪ :‬قد علم قومي أن حرفتي‬
‫لم تكن لتعجز عن مؤونة أهلي‪ ،‬وقد شغلت بأمر المسلمين‪ ،‬وسأحترف‬
‫للمسلمين في مالهم‪ ،‬وسيأكل آل أبي بكر من هذا المال(‪.)2‬‬
‫وعن مجاهد‪ ،‬قال‪ :‬قال علي ـ ‪ ‬ـ‪ :‬جعت مرة بالمدينة جوعا‬
‫شديدا‪ ،‬فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة‪ ،‬فإذا أنا بامرأة قد‬
‫جمعت مدرا‪ ،‬فظننتها تريد بله فأتيتها‪ ،‬فقاطعتها كل ذنوب على تمرة‪،‬‬
‫فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي‪ ،‬ثم أتيت الماء فأصبت منه‪ ،‬ثم‬
‫أتيتها فقلت‪ :‬بكفي هكذا بين يديها ــ وبسط إسماعيل يديه وجمعهما ــ‪،‬‬
‫فعدت لي ست عشرة تمرة‪ ،‬فأتيت النبي ‘‪ ،‬فأخبرته‪ ،‬فأكل معي منها(‪.)3‬‬
‫وروي عن عمر ـ ‪ ‬ـ أيضا أنه كان يتجر في خالفته ليقوم بحق أهله‬
‫وحق الرعية‪ ،‬عن إبراهيم‪ :‬أن عمر بن الخطاب كان يتجر وهو خليفة(‪.)4‬‬
‫وكان عمر ـ ‪ ‬ـ مع قيامه بشؤن نفسه وأهله‪ ،‬وبالخالفة وما فيها‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه الحاكم (‪ ،)1648‬وصححه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه ابن سعد (‪.)185/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه أحمد (‪ ،)1135‬وإسناده منقطع؛ فمجاهد لم يسمع عليا ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه ابن سعد (‪ ،)278/3‬والخبر أيضا منقطع‪ ،‬فإبراهيم هو ابن يزيد النخعي‪ ،‬ثقة‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫لكنه لم يدرك عمر ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫‪171‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬مراعاة كافة جوانب الحياة‬

‫كان أيضا عنده من العلم بشؤن البيت ما يعلمه لغيره‪ ،‬فعن حزام بن‬
‫هشام‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬رأيت عمر بن الخطاب عام الرمادة مر على امرأة‬
‫وهي تعصد عصيدة لها فقال‪ :‬ليس هكذا تعصدين‪ ،‬ثم أخذ المسوط فقال‪:‬‬
‫هكذا‪ ،‬فأراها(‪.)1‬‬
‫وعن هشام بن خالد قال‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب‪ ،‬يقول‪ :‬ال تذرن‬
‫إحداكن الدقيق حتى يسخن الماء‪ ،‬ثم تذره قليال قليال وتسوطه بمسوطها‪،‬‬
‫فإنه أريع له‪ ،‬وأحرى أن ال يتقرد(‪.)2‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود ‪ ،‬أنه كان نظيفا لطيفا له ضفيرتان‬
‫يرسلهما من وراء أذنيه‪ ،‬كان يوقظ النبي ‘ إذا نام‪ ،‬ويستره إذا اغتسل‪،‬‬
‫ويرحل له إذا سافر‪ ،‬ويماشيه في األرض الوحشاء‪ ،‬هو أحد النفر الذين‬
‫دار عليهم علم القضاء واألحكام من الصحابة(‪.)3‬‬
‫وكان حتى للقاء الناس وإلقاء السالم عليهم وقته‪ ،‬فعن ابن عمر‪:‬‬
‫إني ألخرج إلى السوق ما لي حاجة إال أن أسلم ويسلم علي(‪.)4‬‬
‫ولخلو المرء بنفسه للتفكر والمحاسبة أيضا وقته‪ ،‬فعن ابن عمر‬
‫ـ ‪ ‬ـ أيضا قال‪ :‬خذوا بحظكم من العزلة(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه ابن سعد (‪.)314/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه ابن سعد (‪.)314/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه أبو يوسف في اآلثار (‪ )937‬عن أبي حنيفة قال بلغني‪ ..‬فذكره بنحوه‪ ،‬وهو منقطع‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وذكره إلسماعيل بن محمد األصبهاني في سير السلف الصالحين (صـ‪ )475‬بهذا اللفظ‪.‬‬
‫رواه ابن سعد (‪.)156/4‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫رواه ابن سعد (‪.)161/4‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪172‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املسابقة واملنافسة في اغتنام األوقات‬

‫ل‬
‫ا مبحثااثلثل‬
‫املسابقة واملنافسة يف اغتنام األوقات‬

‫تعد المسارعة والمنافسة في اغتنام الوقت‪ ،‬وعدم التراخي في القيام‬


‫بأعمال الخير النافعة في الدين والدنيا مما تميز به ديننا الحنيف‪ ،‬وهي‬
‫أيضا أهم الدعائم في استثمار الوقت وحسن إدارته‪ ،‬وقد أوصى اهلل تعالى‬
‫بالمبادرة بالخيرات والمسابقة فيها‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ} [البقرة‪ ،]148 :‬وقال أيضا‪{ :‬ﲜ ﲝﲞ ﲟ‬
‫ﲠ ﲡ ﲢ} [المائدة‪ ،]48 :‬وقال سبحانه‪{ :‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ} اآلية [آل عمران‪:‬‬
‫‪ ،]133‬وقال سبحانه بعد ذكره نعيم الجنة‪{ :‬ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ}‬
‫[المطففين‪ ،]26 :‬كما ذكر صفة المسارعة في الخيرات في سياق المدح والثناء‬
‫لمن اتصف بها‪ ،‬فقال‪ :‬سبحانه‪{ :‬ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ}‬
‫[األنبياء‪.]90 :‬‬
‫وجاءت السنة النبوية أيضا بالمبادرة والمسارعة بالخيرات قبل‬
‫حصول الشواغل‪ ،‬فعن عن أبي هريرة أن رسول اهلل ‘ قال‪> :‬بادروا‬
‫باألعمال فتنا كقطع الليل المظلم‪ ،)1(<..‬وفي هذا المعنى عن أبي هريرة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)118‬‬
‫‪173‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املسابقة واملنافسة في اغتنام األوقات‬

‫ـ ‪ ‬ـ أيضا‪ ،‬أن رسول اهلل ‘‪ ،‬قال‪> :‬بادروا باألعمال ستا‪ :‬طلوع‬
‫الشمس من مغربها‪ ،‬أو الدخان‪ ،‬أو الدجال‪ ،‬أو الدابة‪ ،‬أو خاصة أحدكم‬
‫أو أمر العامة(‪.)2(<)1‬‬
‫لهذا كان اآلل واألصحاب ـ ‪ ‬ـ يسارعون في الخيرات أيما‬
‫مسارعة‪ ،‬ويتنافسون فيها‪ ،‬ويدعون غيرهم لذلك‪.‬‬
‫ف َع ْن َع ْب ِد اللَّه ِ ْب ِن ُع َك ْي ٍم‪ ،‬قَ َال‪َ :‬خ َط َبنَا أَبُو بَ ْك ٍر فَ َق َال‪( :‬أما بعد فإني‬
‫أوصيكم بتقوى اهلل‪ ،‬وأن تثنوا عليه بما هو له‪ ،‬وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال ابن الجوزي‪( :‬وقوله‪( :‬أو خاصة أحدكم) أي ما يخصه من الموت الذي يمنعه‬
‫من العمل‪( .‬أو أمر العامة) يعني القيامة‪ ،‬ألنها تعم الناس جميعا بالموت‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫فبادروا الموت والقيامة باألعمال)‪ .‬اهـ كشف المشكل (‪.)477/3‬‬
‫وقال القرطبي‪(( :‬قوله‪ :‬بادروا) أي‪ :‬سابقوا باألعمال الصالحة‪ ،‬واغتنموا التمكن منها‬
‫قبل أن يحال بينكم وبينها بداهية من هذه الدواهي المذكورة‪ ،‬فيفوت العمل للمانع‪،‬‬
‫أو تعدم منفعته لعدم القبول‪ ،..‬و(قوله‪ :‬وخاصة أحدكم) يعني به‪ :‬الموانع التي تخصه‬
‫مما يمنعه العمل‪ ،‬كالمرض والكبر والفقر المنسي‪ ،‬والغنى المطغي‪ ،‬والعيال واألوالد‪،‬‬
‫والهموم‪ ،‬واألنكاد‪ ،‬والفتن‪ ،‬والمحن إلى غير ذلك مما ال يتمكن اإلنسان مع شيء‬
‫منه من عمل صالح‪ ،‬وال يسلم له‪ ،..‬و(قوله‪ :‬وأمر العامة) يعني‪ :‬االشتغال بهم فيما‬
‫ال يتوجه على اإلنسان فرضه؛ فإنَّهم يفسدون من يقصد إصالحهم‪ ،‬ويهلكون من يريد‬
‫حياتهم‪ ،‬ال سيما في مثل هذه األزمان التي قد مرجت فيها عهودهم‪ ،‬وخانت أماناتهم‪،‬‬
‫وغلبت عليهم الجهاالت واألهواء‪ ،‬وأعانهم الظلمة والسفهاء على هذا‪ ،‬فعلى العامل‬
‫بخويصة نفسه‪ ،‬واإلعراض عن أبناء جنسه إلى حلول رمسه‪ ،‬أعاننا اهلل على ذلك‬
‫بفضله وكرمه)‪ .‬اهـ المفهم (‪ 308/7‬ــ ‪.)309‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪.)2947‬‬
‫‪174‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املسابقة واملنافسة في اغتنام األوقات‬

‫وتجمعوا ْ ِ‬
‫اإل ْل َح َاف(‪ )1‬بالمسألة‪ ،‬فإن اهلل أثنى على زكريا وعلى أهل بيته‬
‫فقال‪{ :‬ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ‬

‫ﳀ} [األنبياء‪.)2()]90 :‬‬


‫وكان علي ـ ‪ ‬ـ يعلم من جاء بعده أن الخير ليس في كثرة المال‬
‫والولد‪ ،‬وإنما يكمن في العمل الصالح‪ ،‬والمسارعة في الخيرات‪ ،‬قال‬
‫علي ـ ‪ ‬ـ‪( :‬ليس الخير أن يكثر مالك وولدك‪ ،‬ولكن الخير أن يكثر‬
‫علمك ويعظم حلمك‪ ،‬وأن تباهي الناس بعبادة ربك‪ ،‬فإن أحسنت حمدت‬
‫اهلل‪ ،‬وإن أسأت استغفرت اهلل‪ ،‬وال خير في الدنيا إال ألحد رجلين‪ :‬رجل‬
‫أذنب ذنوبا‪ ،‬فهو يتدارك ذلك بتوبة‪ ،‬أو رجل يسارع في الخيرات‪ ،‬وال‬
‫يقل عمل في تقوى‪ ،‬وكيف يقل ما يتقبل؟)(‪.)3‬‬
‫وكان من فقه جعفر بن محمد(‪ ،)4‬المسارعة بالمعروف‪ ،‬فعنه‬
‫ـ ‪ ‬ـ أنه قال‪ :‬ال يتم المعروف إال بثالثة‪ :‬تعجيله‪ ،‬وتصغيره‪ ،‬وستره(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قال الخليل‪( :‬اإللحاح‪ :‬اإللحاف في المسألة‪ ،‬ألح يلح فهو ملح‪ .‬وألح المطر بالمكان‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أي دام به‪ .‬واإللحاح‪ :‬اإلقبال على الشيء ال يفتر عنه)‪ .‬اهـ العين (‪.)29/3‬‬
‫وقال األزهري‪( :‬وقال الليث‪ :‬أحفى فالن فالنا إذا برح به في اإللحاف عليه أو مساءلة‬
‫فأكثر عليه في الطلب‪ .‬قلت‪ :‬اإلحفاء في المسألة مثل اإللحاف سواء وهو اإللحاح)‪.‬‬
‫اهـ تهذيب اللغة (‪.)167/5‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)34431‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه أبو نعيم في الحلية (‪.)75/1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫قال إسماعيل األصبهاني‪( :‬جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ‪ ‬يقال‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫إنه الصادق) (صـ‪.)721‬‬
‫سير السلف الصالحين (صـ‪.)722‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪175‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املسابقة واملنافسة في اغتنام األوقات‬

‫وعن أبي الدرداء ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬ليس الخير أن يكثر مالك وولدك‪،‬‬
‫ولكن الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك‪ ،‬وأن تباري الناس في عبادة‬
‫اهلل ‪ ،‬إن أحسنت حمدت اهلل‪ ،‬وإن أسأت استغفرت اهلل(‪.)1‬‬
‫وكانوا ‪ ‬يتسابقون في الخيرات‪ ،‬ويتنافسون فيها‪ ،‬ويثني بعضهم‬
‫على بعض بالمسارعة إليها‪.‬‬
‫فعن أبي جعفر الباقر‪ ،‬قال‪ :‬دخل علي على أبي بكر بعد ما سجي‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما أحد ألقى اهلل بصحيفته أحب إلي من هذا المسجى(‪.)2‬‬
‫إلي أن ألقى اهللَ بمثل عمله منك‪َ ،‬و ْاي ُم‬
‫وعن علي‪ :‬ما خلّفت أحب ّ‬
‫اهلل ِ إن كنت ألظن أن يجعلك اهللُ مع صاحبك(‪.)3‬‬
‫وعن أسلم‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب ـ ‪ ‬ـ يقول‪ :‬أمرنا‬
‫رسول اهلل ـ ‘ ـ يوما أن نتصدق‪ ،‬فوافق ذلك ماال عندي‪ ،‬فقلت‪ :‬اليوم‬
‫أسبق أبا بكر ِإن َس َب ْق ُته يوما‪ ،‬فجئت بنصف مال‪ ،‬فقال رسول اهلل ـ ‘ ـ‪:‬‬
‫>ما أبقيت ألهلك؟<‪ ،‬قلت‪ :‬مثله‪ ،‬قال‪ :‬وأتى أبو بكر ـ ‪ ‬ـ بكل ما‬
‫عنده‪ ،‬فقال له رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬ما أبقيت ألهلك؟< قال‪ :‬أبقيت لهم‬
‫اهلل ورسوله‪ ،‬قلت‪ :‬ال أسابقك إلى شيء أبدا(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذكره إسماعيل بن محمد األصبهاني في سير السلف الصالحين (صـ‪.)556‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ذكره الذهبي في السير‪ ،‬قال‪( :‬وقال عبد الواحد بن أيمن وغيرهم‪ ،‬عن أبي جعفر‬ ‫(‪)2‬‬
‫الباقر‪ )..‬اهـ فذكره‪ .‬سير أعالم النبالء (راشدون‪.)19/‬‬
‫صحيح‪ :‬متفق عليه‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫إسناده حسن‪ :‬رواه أبو داود (‪ ،)1678‬والترمذي (‪ ،)3675‬وعبد ابن حميد (‪=،)14‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪176‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املسابقة واملنافسة في اغتنام األوقات‬

‫وقال عمر ـ ‪ ‬ـ‪ :‬ال َواهلل ِ َما َسابَ ْق ُت ُه ــ يعني أبا بكر ــ إلى خير ّ‬
‫قط‬
‫إال سبقني إليه(‪.)1‬‬
‫وكانت المسابقة في خير‪ ،‬حتى البداءة بالسالم‪ ،‬فعن بشير بن‬
‫يسار‪ ،‬قال‪ :‬ما كان أحد يبدأ أو يبدر ابن عمر بالسالم(‪.)2‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عطاء‪ ،‬أن ابن عمر‪ ،‬كان ال يمر على أحد إال سلم‬
‫عليه‪ ،‬فمر بزنجي‪ ،‬فسلم عليه‪ ،‬فلم يرد عليه‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا عبد الرحمن‬
‫إنه زنجي طمطماني‪ ،‬قال‪ :‬وما طمطماني؟ قالوا‪ :‬أخرج من السفن اآلن‪،‬‬
‫قال‪ :‬إني أخرج من بيتي‪ ،‬ما أخرج إال ألسلم أو ليسلم علي(‪.)3‬‬
‫وكانوا يذكرون فضل اهلل عليهم‪ ،‬ومن ذلك الفضل سبقهم لغيرهم‬
‫في الخيرات‪ ،‬فقد روي عن أبي سعد األزدي‪ ،‬أنه‪ :‬سمع عبد اهلل بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= والدارمي (‪ ،)1701‬وابن أبي عاصم في (السنة) (‪ ،)1240‬والبزار (‪،)270‬‬
‫والحاكم (‪.)1510‬‬
‫وإسناده حسن؛ رجاله ثقات‪ ،‬إال أن فيه هشام بن سعد المدني أبو عباد‪ ،‬صدوق له‬
‫وض ّعف‪ ،‬إال أن أبا داود قال‪ :‬هو أثبت الناس في زيد بن أسلم‪.‬‬
‫أوهام‪ ،‬وقد ُتكلم فيه ُ‬
‫انظر‪ :‬التقريب (‪ ،)7294‬و(ميزان االعتدال) (‪.)299/4‬‬
‫قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وقال الحاكم‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط‬
‫مسلم‪ ،‬ولم يخرجاه‪ .‬وذكره الضياء في المختارة (‪ ،)80‬وحسنة‪.‬‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬وهو جزء من خبر طويل‪ ،‬رواه أحمد (‪ ،)175‬وسيأتي بطوله إن شاء‬
‫اهلل في جهود عمر ـ ‪ ‬ـ في جمع القرآن‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن سعد (‪.)152/4‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن سعد (‪.)156/4‬‬
‫‪177‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املسابقة واملنافسة في اغتنام األوقات‬

‫مسعود‪ ،‬يقول‪ :‬لقد تلقيت ِمن في رسول اهلل ‘ سبعين سورة‪ ،‬أحكمتها‬
‫قبل أن يسلم زيد بن ثابت له ذؤابة يلعب مع الصبيان(‪.)1‬‬
‫وعن زر بن حبيش‪ ،‬عن ابن مسعود ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬أنه قال‪ :‬كنت غالما‬
‫يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط‪ ،‬فجاء النبي ‘‪ ،‬وأبو بكر ‪،‬‬
‫وقد فرا من المشركين‪ ،‬فقاال‪( :‬يا غالم‪ ،‬هل عندك من لبن تسقينا؟)‪،‬‬
‫قلت‪ :‬إني مؤتمن‪ ،‬ولست ساقيكما‪ ،‬فقال النبي ‘‪( :‬هل عندك من‬
‫جذعة لم ينز عليها الفحل؟) قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فأتيتهما بها‪ ،‬فاعتقلها النبي ‘‬
‫ومسح الضرع‪ ،‬ودعا‪ ،‬فحفل الضرع‪ ،‬ثم أتاه أبو بكر ‪ ‬بصخرة منقعرة‪،‬‬
‫فاحتلب فيها‪ ،‬فشرب‪ ،‬وشرب أبو بكر‪ ،‬ثم شربت‪ ،‬ثم قال للضرع‪( :‬اقلص)‬
‫فقلص‪ ،‬فأتيته بعد ذلك‪ ،‬فقلت‪ :‬علمني من هذا القول؟ قال‪( :‬إنك غالم‬
‫معلم)‪ ،‬قال‪ :‬فأخذت من فيه سبعين سورة‪ ،‬ال ينازعني فيها أحد(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه الطبراني في الكبير (‪ ،)8439‬وأبو نعيم في الحيلة (‪.)125/1‬‬
‫(‪ )2‬إسناده حسن‪ :‬رواه أحمد (‪ ،)4413‬وأبو داود الطيالسي (‪ ،)351‬وابن أبي شيبة في‬
‫مسنده (‪ ،)388‬وفي المصنف (‪ ،)31801‬وأبو يعلى الموصلي (‪ ،)4985‬وابن‬
‫حبان (‪.)6504‬‬
‫قال الذهبي‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد‪ ،‬وقال الحنائي‪ :‬هذا حديث حسن‪ .‬انظر‪:‬‬
‫أنيس الساري (‪.)1981/3‬‬
‫وقال الشيخ شعيب في تعليقه على مسند أحمد‪( :‬إسناده حسن من أجل عاصم بن‬
‫بهدلة‪ ،‬وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة‪ ،‬فمن رجال مسلم‪،‬‬
‫عفان‪ :‬هو ابن مسلم الصفار)‪ .‬اهـ مسند اإلمام أحمد (‪.)83/6‬‬
‫وذكره مقبل الوادعي في الصحيح المسند مما ليس في الصحيح (‪ ،)841‬وقال‪ :‬حديث‬
‫=‬ ‫حسن‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املسابقة واملنافسة في اغتنام األوقات‬

‫عن قيس بن مروان‪ ،‬أنه أتى عمر‪ ،‬فقال‪ :‬جئت يا أمير المؤمنين‬
‫من الكوفة‪ ،‬وتركت بها رجال يملي المصاحف عن ظهر قلبه‪ ،‬فغضب‬
‫وانتفخ حتى كاد يمأل ما بين شعبتي الرحل‪ ،‬فقال‪ :‬ومن هو ويحك؟ قال‪:‬‬
‫عبد اهلل بن مسعود‪ .‬فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب‪ ،‬حتى عاد إلى‬
‫حاله التي كان عليها‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬ويحك‪ ،‬واهلل ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك‬
‫منه‪ ،‬وسأحدثك عن ذلك‪ ،‬كان رسول اهلل ‘ ال يزال يسمر عند أبي‬
‫بكر الليلة كذاك في األمر من أمر المسلمين‪ ،‬وإنه سمر عنده ذات ليلة‪،‬‬
‫وأنا معه‪ ،‬فخرج رسول اهلل ‘‪ ،‬وخرجنا معه‪ ،‬فإذا رجل قائم يصلي في‬
‫المسجد‪ ،‬فقام رسول اهلل ‘ يستمع قراءته‪ ،‬فلما كدنا أن نعرفه‪ ،‬قال‬
‫رسول اهلل ‘‪( :‬من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل‪ ،‬فليقرأه على‬
‫قراءة ابن أم عبد)‪ .‬قال‪ :‬ثم جلس الرجل يدعو‪ ،‬فجعل رسول اهلل ‘‬
‫يقول له‪( :‬سل تعطه‪ ،‬سل تعطه)‪ ،‬قال عمر‪ :‬قلت‪ :‬واهلل ألغدون إليه‬
‫فألبشرنه‪ ،‬قال‪ :‬فغدوت إليه ألبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره‪،‬‬
‫وال واهلل ما سابقته إلى خير قط إال سبقني إليه(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وذكره األلباني في صحيح السيرة النبوية (صـ‪.)124‬‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬رواه أحمد (‪ )175‬بإسنادين‪ ،‬وأبو يوسف في اآلثار (‪ ،)219‬وأبو‬
‫يعلى (‪ )194‬بإسنادين مثل أحمد‪ ،‬وابن خزيمة في صحيحه (‪ ،)1156‬والطحاوي‬
‫في شرح مشكل اآلثار (‪.)5592‬‬
‫وذكره الضياء في المختارة (‪ ،)194/1‬وقال‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫قال شعيب األرنؤط في تعليقه على المسند‪( :‬إسناداه صحيحان؛ األول على شرط=‬
‫‪179‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املسابقة واملنافسة في اغتنام األوقات‬

‫وهذا أبو عبيدة يلح على أبي بكر ـ ‪ ‬ـ أن لو ترك له عمال يرى‬
‫فيه شرفا جما وقربة عظيمة‪ ،‬فعن أم المؤمنين عائشة ‪ ‬قالت‪ :‬كان أبو‬
‫بكر ـ ‪ ‬ـ إذا ذكر يوم أحد بكى‪ ،‬ثم قال‪ :‬ذاك كله يوم طلحة‪ ،‬ثم أنشأ‬
‫يحدث‪ ،‬قال‪ :‬كنت أول من فاء يوم أحد فرأيت رجال يقاتل مع رسول اهلل‬
‫ـ ‘ ـ دونه‪ ،‬وأراه قال‪ :‬يحميه‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬كن طلحة‪ ،‬حيث فاتني ما‬
‫فاتني‪ ،‬فقلت‪ :‬يكون رجال من قومي أحب إلي‪ ،‬وبيني وبين المشرق رجل‬
‫ال أعرفه‪ ،‬وأنا أقرب إلى رسول اهلل ـ ‘ ـ منه‪ ،‬وهو يخطف المشي خطفا‬
‫ال أخطفه‪ ،‬فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح‪ ،‬فانتهينا إلى رسول اهلل ـ ‘ ـ‬
‫وقد كسرت رباعيته‪ ،‬وشج في وجهه وقد دخل في وجنتيه حلقتان من حلق‬
‫المغفر‪ ،‬فقال رسول اهلل ـ ‘ ـ‪> :‬عليكما صاحبكما<‪ ،‬يريد طلحة‪ ،‬وقد‬
‫نزف‪ ،‬فلم يلتفت إلى قوله‪ ،‬وذهبت ألنزع ذاك من وجهه‪ ،‬فقال أبو عبيدة‪:‬‬
‫أقسمت عليك بحقي لما تركتني‪ ،‬فتركته فكره أن يتناولهما بيده‪ ،‬فيؤذي‬
‫النبي ‘‪ ،‬فأزم عليهما بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين‪ ،‬ووقعت ثنيته مع‬
‫الحلقة‪ ،‬وذهبت ألصنع ما صنع فقال‪ :‬أقسمت عليك بحقي لما تركتني‪،‬‬
‫قال‪ :‬ففعل مثل ما فعل في المرة األولى فوقعت ثنيته األخرى مع الحلقة‪،‬‬
‫فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما‪ ،‬فأصلحنا من شأن النبي ـ ‘ ـ‪،‬‬
‫ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر‬
‫بين طعنة ورمية وضربة‪ ،‬وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= الشيخين‪ ،‬والثاني رجاله ثقات رجال الشيخين غير قيس بن مروان‪ ،‬فقد روى له‬
‫النسائي)‪ .‬اهـ مسند أحمد (‪.)309/1‬‬
‫(‪ )1‬إسناده ضعيف‪ :‬رواه أبو داود الطيالسي في مسنده (‪ ،)6‬والحاكم في المستدرك=‬
‫‪180‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املسابقة واملنافسة في اغتنام األوقات‬

‫عن أبي سلمة‪ ،‬قال‪ :‬قال عثمان حين ضرب الرجل يده‪ :‬إنها ألول‬
‫يد خطت المفصل(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= (‪ )4315‬وصحح إسناده‪ ،‬والضياء في المختارة (‪.)49‬‬
‫وضعف الذهبي إسناده في تعليقه على المستدرك‪ ،‬وكذلك ضعف إسناده الضياء في‬
‫المختارة‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني (‪ ،)132‬وفي األوائل (‪ ،)123‬والطبراني‬
‫في المعجم الكبير (‪ .)119‬كلهم من طريق الزهري عن أبي سلمة به‪ ،‬وأبو سلمة هو‬
‫بن عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬ثقة إال أنه لم يسمع من عثمان ـ ‪ ‬ـ كما ذكر ابن حجر‬
‫في التهذيب (‪.)117/12‬‬
‫إال أنه له إسناد آخر يتقوى به‪ ،‬فرواه ابن شبة (‪ ،)1309/4‬والبالذري (‪.)585/5‬‬
‫قال ابن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا قريش بن أنس‪ ،‬عن التيمي‪ ،‬عن أبي نضرة‪ ،‬عن أبي سعيد‬
‫‪ ،‬قال‪ :‬لما قدم المصريون دخلوا على عثمان ‪ ،‬فضرب ضربة على يده‬
‫بالسيف‪ ،‬فقطر من دم يده على المصحف وهو بين يديه يقرأ فيه‪ ،‬على {ﲃ‬
‫ﲄ} [البقرة‪ ]137 :‬قال‪ :‬وشد يده وقال‪ :‬إنها ألول يد خطت المفصل‪ .‬تاريخ المدينة‬
‫(‪.)1309/4‬‬
‫ورواه البالذري بهذا اإلسناد واللفظ إال أنه قال عن أبي سعيد مولى أبي أسيد‪ .‬ورجاله‬
‫ثقات‪ ،‬إال أن أنس تغير بأخرة‪ ،‬وأبو نضرة المنذر بن مالك‪ ،‬يروي عن أبي سعيد‬
‫الخدري ـ ‪ ‬ـ وروايته عنه عند مسلم وغيره‪ ،‬ويروي كذلك عن أبي سعيد مولى أبي‬
‫أسيد‪.‬‬
‫فعن ابن معين قال‪( :‬سمعت يحيى يقول في حديث أبي سعيد مولى أبي أسيد في‬
‫مقتل عثمان وغيره وكل شيء يرويه البصريون عن أبي نضرة عن أبي سعيد مولى أبي‬
‫أسيد يقولون أبو سعيد مولى أبي أسيد ومن قال أبو أسيد فهو أصوبهما)‪ .‬اهـ تاريخ‬
‫ابن معين (‪.)4624‬‬
‫وقال اإلمام مسلم‪( :‬أبو سعيد مولى أبي أسيد األنصاري شهد مقتل عثمان روى عنه‬
‫أبو نضرة) اهـ الكنى واألسماء (‪.)368/1‬‬
‫‪181‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬تحري األوقات املخصوصة‬

‫ل‬
‫ا مبحثارلاعب‬
‫حتري األوقات املخصوصة‬

‫إذا كان النشاط في العمل مطلوبا طوال الوقت‪ ،‬إال أن هناك أوقاتا‬
‫مخصوصا يضاعف فيها العمل‪ ،‬لخصوصية هذه األوقات بمزيد من‬
‫الفضل والبركة‪ ،‬سواء كان ذلك في أمر دين أو دنيا‪ ،‬فلما كان األمر كله هلل‬
‫تعالى‪ ،‬واقتضت حكمته سبحانه أن يفضل بعض مخلوقاته على بعض‪ ،‬فكما‬
‫فضل بعض األماكن والبقاع على بعض‪ ،‬كما فضل المسجد الحرام على غيره‬
‫من البقاع‪ ،‬وكما فضل سبحانه بعض الرسل على بعض‪ ،‬فقد فضل اهلل تعالى‬
‫بعض األوقات على بعض‪ ،‬وأخبرنا سبحانه بخصوصية بعض هذه‬
‫األوقات وبما تميزت به من الفضل‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى‪{ :‬ﱱ ﱲ ﱳ‬
‫ﱴ ﱵ ﱶ} [القدر‪ ،]3 :‬وقوله تعالى‪{ :‬ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬
‫ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ} [اإلسراء‪.]78 :‬‬
‫وقد جاءت السنة أيضا بنحو هذا‪ ،‬ومن ذلك ما روي عن أبي هريرة‬
‫‪ :‬أن رسول اهلل ‘ قال‪( :‬ينزل ربنا ‪ ‬كل ليلة إلى السماء الدنيا‬
‫حين يبقى ثلث الليل اآلخر يقول‪ :‬من يدعوني‪ ،‬فأستجيب له من يسألني‬
‫فأعطيه‪ ،‬من يستغفرني فأغفر له)(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)1145‬ومسلم (‪.)758‬‬
‫‪182‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬تحري األوقات املخصوصة‬

‫وعن أبي هريرة ‪ :‬أن رسول اهلل ‘ قال‪> :‬من اغتسل يوم‬
‫الجمعة غسل الجنابة ثم راح‪ ،‬فكأنما قرب بدنة‪ ،‬ومن راح في الساعة‬
‫الثانية‪ ،‬فكأنما قرب بقرة‪ ،‬ومن راح في الساعة الثالثة‪ ،‬فكأنما قرب كبشا‬
‫أقرن‪ ،‬ومن راح في الساعة الرابعة‪ ،‬فكأنما قرب دجاجة‪ ،‬ومن راح في‬
‫الساعة الخامسة‪ ،‬فكأنما قرب بيضة‪ ،‬فإذا خرج اإلمام حضرت المالئكة‬
‫يستمعون الذكر<(‪.)1‬‬
‫وعن أبي هريرة ـ ‪ ‬ـ أيضا‪ :‬أن رسول اهلل ‘ ذكر يوم الجمعة‪،‬‬
‫فقال‪> :‬فيه ساعة‪ ،‬ال يوافقها عبد مسلم‪ ،‬وهو قائم يصلي‪ ،‬يسأل اهلل تعالى‬
‫شيئا‪ ،‬إال أعطاه إياه< وأشار بيده يقللها(‪.)2‬‬
‫فكان تحري األوقات المخصوصة بالفضل والبركة ومضاعفة‬
‫األجور طريقة متبعة لدى اآلل واألصحاب طلبا لألجر المضاعف فيها‪،‬‬
‫ولمزيد من البركة في العمل والرزق‪ ،‬فتحروها بمزيد من العمل‪ ،‬أو‬
‫تخصيص بعض األعمال بوقت بعينه لكونه أنسب له‪.‬‬
‫فعن علي بن أبي طالب ـ ‪ ‬ـ‪ :‬إن هذه الفرص تمر مر السحاب‬
‫فانتهزوها‪ .‬وكان يقول ـ ‪ ‬ـ‪ :‬قيمة كل إنسان علمه(‪.)3‬‬
‫وعن الحسن‪ ،‬أن رجال سأل أبا ذر أي الليل أسمع؟ قال‪ :‬جوف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)881‬ومسلم (‪.)850‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ ،)935‬ومسلم (‪.)852‬‬
‫(‪ )3‬رواه البالذري (‪.)127/2‬‬
‫‪183‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬تحري األوقات املخصوصة‬

‫الليل األوسط‪ ،‬قال‪ :‬ومن يطيق ذلك؟ قال‪ :‬من خاف أدلج(‪.)1‬‬
‫عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال‪ :‬قلت‪ :‬ألغلبن الليلة على‬
‫المقام‪ ،‬فسبقت إليه‪ ،‬فبينا أنا قائم أصلي‪ ،‬إذ وضع رجل يده على ظهري‪،‬‬
‫فنظرت‪ ،‬فإذا هو عثمان بن عفان رحمة اهلل عليه وهو خليفة‪ ،‬فتنحيت‬
‫عنه‪ ،‬فقام‪ ،‬فما برح قائما حتى فرغ من القرآن في ركعة لم يزد عليها‪،‬‬
‫فلما انصرف‪ ،‬قلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إنما صليت ركعة‪ ،‬قال‪ :‬أجل هي‬
‫وتري(‪.)2‬‬
‫وعن محمد بن سيرين أيضا‪ :‬أن عثمان كان يحيي الليل فيختم‬
‫القرآن في ركعة(‪ .)3‬وعن سليمان بن يسار‪ ،‬أن عثمان بن عفان‪ ،‬قام بعد‬
‫العشاء فقرأ القرآن كله في ركعة‪ ،‬لم يصل قبلها وال بعدها(‪.)4‬‬
‫وكما كان تحريهم لتلك األوقات في العبادات‪ ،‬كانوا يتحرونها أيضا‬
‫في طلب األرزاق‪ ،‬فعن صخر الغامدي ـ ‪ ‬ـ‪ ..:‬أنه كان رجال تاجرا‪،‬‬
‫وكان يبعث تجارته من أول النهار‪ ،‬فأثرى وكثر ماله(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪ ،)6615‬والحسن لم يصح سماعه من أبي ذر‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه ابن المبارك في الزهد (‪ ،)1276‬وابن أبي شيبة (‪.)3700‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه عبد الرزاق (‪ ،)5952‬وابن سعد (‪.)75/3‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ورواه سعيد بن منصور في سننه (‪ ،)158‬بنحوه هذا المعنى عن ابن سيرين‪ ،‬قال‪ :‬قالت‬
‫امرأة عثمان ‪ ‬ــ حين قتل ــ‪ :‬لقد قتلتموه‪ ،‬وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن في ركعة‪.‬‬
‫رواه ابن المبارك في الزهد (‪.)1275‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫رواه أبو داود (‪ ،)2606‬والترمذي (‪ ،)1212‬وابن ماجه (‪ ،)2236‬وأحمد=‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪184‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬تحري األوقات املخصوصة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ ،)15443‬والطيالسي (‪ ،)1342‬وسعيد بن منصور في سننه (‪ ،)2382‬وابن الجعد‬ ‫=‬
‫في مسنده (‪ ،)1696‬وابن أبي شيبة (‪ ،)33619‬والدارمي في سننه (‪.)2479‬‬
‫كلهم من طريق عمارة بن حديد عن صخر الغامدي ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬وعمارة مجهول‪ .‬انظر‬
‫التقريب (‪.)4841‬‬
‫وري هذا األثر عن صخر ـ ‪ ‬ـ بعد رواية الخبر المرفوع من روايته ـ ‪ ‬ـ‪( :‬اللهم‬
‫بارك ألمتي في بكورها)‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫املبحث الخامس‪ :‬املحاسبة واملراجعة للنفس‬

‫ل‬
‫ا مبحثااخلسم‬
‫احملاسبة واملراجعة للنفس‬

‫محاسبة النفس على ما عملت وقدمت من جهد أو تفريط‪ ،‬وعلى‬


‫(‪)1‬‬
‫األوقات التي مضت وكيف كانت‪ ،‬يعد منهجا شرعيا‪ ،‬وواجبا ملحا‬
‫لمن أراد الفوز والنجاة في الدارين‪ ،‬وهو سمة من سمات الصالحين‬
‫والنجباء‪ ،‬فما بالك باآلل األطهار‪ ،‬واألصحاب األبرار ــ رضي اهلل عنهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال ابن القيم ـ ‪ ‬ـ‪( :‬ومحاسبة النفس نوعان‪ :‬نوع قبل العمل‪ ،‬ونوع بعده‪.‬‬
‫همته وإرادته‪ ،‬وال يبادر بالعمل حتى يتبين له‬ ‫فأما النوع األول‪ :‬فهو أن يقف عند أول ّ‬
‫رجحانه على تركه‪..‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬محاسبة النفس بعد العمل‪ ،‬وهو ثالثة أنواع‪:‬‬
‫قصرت فيها من حق اهلل؛ فلم ُتوقِعها على الوجه الذي‬ ‫أحدها‪ :‬محاسبتها على طاعة ّ‬
‫ينبغي‪..‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يحاسب نفسه على عمل كان تر ُكه خير ًا له من فعله‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد‪ :‬ل َم فعله؟ وهل أراد به اهلل والدار اآلخرة؛‬
‫فيكون رابح ًا فيه‪ ،‬أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته ال َّظ َف ُر به‪.‬‬
‫وتسهيل األمور‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وأضر ما عليه‪ :‬اإلهمالُ ‪ ،‬وتر ُك المحاسبة‪ ،‬واالسترسالُ ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فصل‪:‬‬
‫وتمشيتها؛ فإن هذا يؤول به إلي الهالك‪ ،‬وهذه حال أهل الغرور‪ :‬يُغ ِمض عينيه عن‬ ‫ُ‬
‫مشي الحال‪ ،‬ويتكل على العفو؛ فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة)‪.‬‬ ‫العواقب‪ ،‬ويُ ِّ‬
‫اهـ باختصار‪ .‬إغاثة اللهفان (‪ 138/1‬ــ ‪.)140‬‬
‫‪186‬‬
‫املبحث الخامس‪ :‬املحاسبة واملراجعة للنفس‬

‫أجمعين ــ؛ فقد كان ذلك ديدنهم وطريقتهم‪.‬‬


‫فعن عمر بن الخطاب ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪،‬‬
‫فإنه أهون ــ أو قال‪ :‬أيسر ــ لحسابكم‪ ،‬وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا‪،‬‬
‫وتجهزوا للعرض األكبر‪{ ،‬ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ} [الحاقة‪.)1(]18 :‬‬
‫وعن الحسن بن علي قال‪ :‬ومن لم يتفقد النقصان عن نفسه فإنه في‬
‫نقصان‪ ،‬ومن كان في نقصان فالموت خير له(‪.)2‬‬
‫وعن أبي الدرداء‪ ،‬قال‪ :‬من يتفقد يفقد‪ ،‬ومن ال يعد الصبر لفواجع‬
‫األمور يعجز(‪.)3‬‬
‫وكان الباقر ـ ‪ ‬ـ يوصي بأن يكون المرء وصي نفسه‪ ،‬فله في هذا‬
‫الباب جملة نصائح‪ ،‬فعن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد بن‬
‫علي الباقر قال‪ :‬جاءه رجل فقال‪ :‬أوصني! قال‪ :‬هيئ جهازك‪ ،‬وقدم‬
‫زادك‪ ،‬وكن وصي نفسك(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الزهد البن المبارك (‪ ،)306‬وابن أبي شيبة (‪ ،)34459‬وأحمد في الزهد (‪،)633‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وأبو عبيد في الخطب والمواعظ (‪ ،)144‬وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس (‪.)2‬‬
‫قال ابن كثير بعد ذكره هذا األثر‪( :‬أثر مشهور‪ ،‬وفيه انقطاع)‪ .‬اهـ مسند الفاروق‬
‫(‪.)618/2‬‬
‫ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (‪ ،)44235‬وعزاه البن النجار‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه ابن المبارك في الزهد (‪ ،)9‬ابن أبي شيبة (‪ ،)34596‬وأبو داود في الزهد‬ ‫(‪)3‬‬
‫(‪ ،)206‬وأبو نعيم في الحلية (‪.)218/1‬‬
‫رواه ابن عساكر (‪.)292/54‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪187‬‬
‫املبحث الخامس‪ :‬املحاسبة واملراجعة للنفس‬

‫وعن أبي جعفر الباقر ـ ‪ ‬ـ أيضا قال‪ :‬كفى بالمرء عيبا أن يبصر‬
‫من الناس ما يعمى عليه من نفسه‪ ،‬وأن يأمر الناس بما ال يستطيع التحول‬
‫عنه‪ ،‬وأن يؤذي جليسه بما ال يعنيه(‪.)1‬‬
‫وعن الباقر أيضا قال‪ :‬أشد األعمال ثالثة‪ :‬ذكر اهلل على كل حال‪،‬‬
‫وإنصافك من نفسك‪ ،‬ومواساة األخ في المال(‪.)2‬‬
‫ومن محاسبة النفس لومها ومعاتبتها والندم على أعمال فات أوانها‪،‬‬
‫وأخرى أن لو كانت عملتها‪ ،‬فهكذا فعل عمرو بن العاص ـ ‪ ‬ـ حين‬
‫شعر باقتراب وفاته؛ فحاسب نفسه‪ ،‬ونظر ألحواله في عمره‪ ،‬فعن ابن‬
‫شماسة المهري‪ ،‬قال‪ :‬حضرنا عمرو بن العاص‪ ،‬وهو في سياقة الموت‪،‬‬
‫يبكي طويال‪ ،‬وحول وجهه إلى الجدار‪ ،‬فجعل ابنه يقول‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬أما‬
‫بشرك رسول اهلل ‘ بكذا؟ أما بشرك رسول اهلل ‘ بكذا؟ قال‪ :‬فأقبل‬
‫بوجهه‪ ،‬فقال‪ :‬إن أفضل ما نعد شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن محمدا رسول‬
‫اهلل‪ ،‬إني قد كنت على أطباق ثالث‪ ،‬لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا‬
‫لرسول اهلل ‘ مني‪ ،‬وال أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه‪ ،‬فقتلته‪،‬‬
‫فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار‪ ،‬فلما جعل اهلل اإلسالم في‬
‫قلبي أتيت النبي ‘‪ ،‬فقلت‪ :‬ابسط يمينك فألبايعك‪ ،‬فبسط يمينه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقبضت يدي‪ ،‬قال‪> :‬ما لك يا عمرو؟< قال‪ :‬قلت‪ :‬أردت أن أشترط‪،‬‬
‫قال‪> :‬تشترط بماذا؟< قلت‪ :‬أن يغفر لي‪ ،‬قال‪> :‬أما علمت أن اإلسالم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن عساكر ابن عساكر (‪.)293/54‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو نعيم في الحلية (‪.)183/3‬‬
‫‪188‬‬
‫املبحث الخامس‪ :‬املحاسبة واملراجعة للنفس‬

‫يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان‬
‫قبله؟< وما كان أحد أحب إلي من رسول اهلل ‘‪ ،‬وال أجل في عيني‬
‫منه‪ ،‬وما كنت أطيق أن أمأل عيني منه إجالال له‪ ،‬ولو سئلت أن أصفه ما‬
‫أطقت؛ ألني لم أكن أمأل عيني منه‪ ،‬ولو مت على تلك الحال لرجوت‬
‫أن أكون من أهل الجنة‪ ،‬ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها‪ ،‬فإذا أنا‬
‫مت فال تصحبني نائحة‪ ،‬وال نار‪ ،‬فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا‪،‬‬
‫ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها‪ ،‬حتى أستأنس‬
‫بكم‪ ،‬وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)121‬‬
‫‪189‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬إعطاء النفس حظها من الراحة والترويح الستعادة النشاط‬

‫ل‬
‫ا مبحثااسلدس‬
‫إعطاء النفس حظها من الراحة والرتويح‬
‫الستعادة النشاط‬

‫يعد إعطاء النفس حظها من الراحة والمرح من أهم أسباب دفع‬


‫الكسل والملل‪ ،‬وتجديد الطاقة‪ ،‬وهو أمر مهم لمواصلة األعمال‪ ،‬وأدعى‬
‫إلتمام الخطط‪ ،‬فمن ُحسن تنظيم الوقت أن يُجعل فيه جزء للراحة‬
‫والترويح‪ ،‬فإن النفس تسأم بطول ال ِج ِّد‪ ،‬والقلوب َت َم ُّل كما ّ‬
‫تمل األبدان‪،‬‬
‫فال بد من قَ ْدر من الترفيه المباح‪ ،‬قال النبي ـ ‘ ـ‪> :‬لكل عمل شرة‪،‬‬
‫ولكل شرة فترة<(‪ ،)1‬وفي الحديث أيضا‪> :‬إن لنفسك عليك حقا<(‪،)2‬‬
‫وذلك إعمال للتوازن الذي تراعيه الشريعة الغراء(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إسناده صحيح‪ :‬رواه أحمد (‪ ،)6958‬وقد سبق‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري‪ ،‬وقد سبق‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال الكالباذي‪( :‬فقوله ـ ‘ ـ‪> :‬عليكم بالقصد<‪ ،‬كره التعمق‪ ،‬والغلو في الدين لما‬
‫علم من جبلة الخلق على الضعف‪ ،‬وما في طباعهم من الملل‪ ،‬والسأمة‪ ،‬خوفا عليهم‬
‫أن يبغضوا عبادة اهلل‪ ،‬ويستثقلوا طاعته‪ ،‬ويملوا خدمته‪ ،‬فأمرهم باالستجمام‬
‫واالستراحة؛ السترجاع القوى‪ ،‬وزوال الضجر‪ ،‬وليكون ذلك أدعى لهم إلى حسن‬
‫الطاعة هلل تعالى‪ ،‬ومحبة للخدمة له‪ ،‬وألفة عبادته‪ ،‬كما قال النبي ‘‪> :‬لكني أصوم‪،‬‬
‫وأفطر‪ ،‬وأصلي‪ ،‬وأرقد‪ ،‬وآتي النساء‪ ،‬أال فمن رغب عن سنتي فليس مني<؛ أال وكل=‬
‫‪190‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬إعطاء النفس حظها من الراحة والترويح الستعادة النشاط‬

‫هال تزوجت بكرا‬


‫ومن ذلك قول النبي ـ ‘ ـ لجابر ـ ‪ ‬ـ‪ّ > :‬‬
‫تالعبها وتالعبك<(‪.)1‬‬
‫وعن عائشة‪ :‬أن أبا بكر ‪ ،‬دخل عليها‪ ،‬وعندها جاريتان في أيام‬
‫منى تغنيان‪ ،‬وتدففان‪ ،‬وتضربان‪ ،‬والنبي ‘ متغش بثوبه‪ ،‬فانتهرهما أبو‬
‫بكر‪ ،‬فكشف النبي ‘ عن وجهه‪ ،‬فقال‪> :‬دعهما يا أبا بكر‪ ،‬فإنها أيام‬
‫عيد<‪ .‬وتلك األيام أيام منى(‪.)2‬‬
‫وقالت عائشة‪ :‬رأيت النبي ‘ يسترني‪ ،‬وأنا أنظر إلى الحبشة‪،‬‬
‫وهم يلعبون في المسجد‪ ،‬فزجرهم‪ ،‬فقال النبي ‘‪> :‬دعهم‪ ،‬أمنا بني‬
‫أرفدة يعني من األمن<(‪.)3‬‬
‫وفي لفظ آخر عنها ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬قالت‪> :‬كان الحبش يلعبون بحرابهم‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= قليل في سنة خير من كثير في بدعة‪ ،‬وقال النبي ‘ لعبد اهلل بن عمرو‪> :‬إن هلل عليك‬
‫حقا‪ ،‬ولبدنك عليك حقا‪ ،‬وألهلك عليك حقا<‪ ،‬وكتب سليمان إلى أبي الدرداء ‪:‬‬
‫إني أنام‪ ،‬وأقوم‪ ،‬وأحسب نومتي كما أحسب قومتي‪ ،‬وأحسب نومتي طاعة هلل تعالى‪،‬‬
‫هذا الحق‪ ،‬فإيفاؤه إياه طاعة هلل‪ ،‬وألن في نومته استجالب القوة لقومته‪ ،‬وتشحيذ‬
‫الطبع‪ ،‬وحثا منه لنفسه على طاعة ربه ‪ ،‬وحبب عبادة اهلل إلى نفسه؛ ألن اهلل ‪‬‬
‫أحب من عباده أن يحبوه‪ ،‬ويؤثروه‪ ،‬ويقبلوا بها عليه‪ ،‬ولذلك كلفهم األعمال ليشتغلوا‬
‫بها عما دونه‪ ،‬ويقبلوا بها عليه‪ ،‬ويتوجهوا بأدائها إليه‪ ،‬فإذا تحملوا منها فوق طاقتهم‬
‫ملوا‪ ،‬فتركوها‪ ،‬وفي تركها ترك اإلقبال عليه‪ ،‬والتوجه إليه)‪ .‬اهـ بحر الفوائد المشهور‬
‫بمعاني األخبار (صـ‪ 200‬ــ ‪.)201‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)2967‬ومسلم (‪.)715‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)3529‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪.)3530‬‬
‫‪191‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬إعطاء النفس حظها من الراحة والترويح الستعادة النشاط‬

‫فسترني رسول اهلل ‘ وأنا أنظر‪ ،‬فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف<‪،‬‬
‫فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن‪ ،‬تسمع اللهو(‪.)1‬‬
‫وعن أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول اهلل ‘ أحسن الناس خلقا‪،‬‬
‫وكان لي أخ يقال له‪ :‬أبو عمير‪ ،‬قال‪ :‬أحسبه كان فطيما‪ ،‬قال‪ :‬فكان إذا‬
‫جاء رسول اهلل ‘ فرآه‪ ،‬قال‪> :‬أبا عمير ما فعل النغير<‪ ،‬قال‪ :‬فكان‬
‫يلعب به(‪.)2‬‬
‫ولما خاف حنظلة األسدي ـ ‪ ‬ـ النفاق على نفسه‪ ،‬وشكى ذلك‬
‫للنبي ـ ‘ ـ‪ ،‬فذكر أنه ال يكون في بيته ومع عياله وفي عمله على نفس‬
‫الحال التي يكون عليها مع النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬فطمأنه النبي ـ ‘ ـ أن ذلك‬
‫ليس بنفاق‪ ،‬وقال‪> :‬ولكن يا حنظلة ساعة وساعة< ثالث مرات(‪.)3‬‬
‫فهكذا؛ ساعة وساعة‪ ،‬وللنفس حق‪ ،‬واللعب واللهو المباح مطلب‬
‫مشروع‪ ،‬يعيد للنفس نشاطها‪ ،‬وهكذا كان شأنهم ــ رضوان اهلل عليهم‬
‫(‪)4‬‬
‫أجمعين ــ‪ ،‬فعن أبي الدرداء كان يقول‪ :‬إني أستجم ببعض الباطل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه البخاري (‪ )5190‬بهذا اللفظ عن عروة‪ ،‬عن عائشة ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬ورواه مسلم بلفظ‬ ‫(‪)1‬‬
‫قريب (‪ ،)892‬عن عبيد بن عمير‪ ،‬قال أخبرتني عائشة ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫رواه البخاري (‪ ،)6203‬ومسلم (‪.)2150‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه مسلم (‪.)2750‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫قال ابن قتيبة‪( :‬وقال أبو الدرداء‪ :‬إني ألستجم نفسي ببعض الباطل‪ ،‬كراهة أن أحمل‬ ‫(‪)4‬‬
‫عليها من الحق ما يملها‪.‬‬
‫وكان شريح يمزح في مجلس الحكم‪ ،‬وكان الشعبي من أفكه الناس‪ ،‬وكان صهيب‬
‫=‬ ‫مزاحا‪ ،‬وكان أبو العالية مزاحا‪.‬‬
‫‪192‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬إعطاء النفس حظها من الراحة والترويح الستعادة النشاط‬

‫ليكون أنشط لي في الحق(‪.)1‬‬


‫فهذا اللهو المباح الذي يعيد للنفس نشاطها وقع الفينة بعد الفينة‬
‫من اآلل واألصحاب ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬فعن ابن عباس قال‪ :‬ربما قال لي عمر بن‬
‫الخطاب ‪ :‬تعال أباقيك في الماء أينا أطول نفسا‪ ،‬ونحن محرمون(‪.)2‬‬
‫وقد عرفوا ترويح العقول أيضا ـ ‪ ‬ـ فعن علي بن أبي طالب ‪ ‬ـ‬
‫قال‪ :‬إن هذه القلوب تمل كما تمل األبدان فالتمسوا لها من الحكمة‬
‫طرفا(‪.)3‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود ـ ‪ ‬ـ‪ :‬إن لهذه القلوب شهوة وإقباال‪،‬‬
‫وإن لها فترة وإدبارا‪ ،‬فخذوها عند شهوتها وإقبالها‪ ،‬وذروها عند فترتها‬
‫وإدبارها(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وكل هؤالء إذا مزح لم يفحش‪ ،‬ولم يشتم‪ ،‬ولم يغتب‪ ،‬ولم يكذب‪ ،‬وإنما يذم من‬ ‫=‬
‫المزاح ما خالطته هذه الخالل‪ ،‬أو بعضها)‪ .‬تأويل مختلف الحديث (صـ‪.)421‬‬
‫رواه يعقوب الفسوي في المعرفة والتاريخ (‪ ،)199/3‬وابن معين في تاريخه ــ رواية‬ ‫(‪)1‬‬
‫الدوري ــ (‪ ،)5401‬وابن عساكر (‪ ،)501/46‬وإسناده منقطع‪.‬‬
‫رواه الشافعي في مسنده ــ بترتيب السندي ــ (‪ ،)801‬ومن طريقه البيهقي في السنن‬ ‫(‪)2‬‬
‫الكبرى (‪.)9134‬‬
‫وذكره ابن كثير من طريق الشافعي‪ ،‬ثم قال‪ :‬إسناد صحيح‪ .‬مسند الفاروق (‪.)306/1‬‬
‫وصححه أيضا األلباني من رواية الشافعي‪ .‬انظر إرواء الغليل (‪.)1021‬‬
‫رواه ابن أبي الدنيا في العقل وفضله (‪ ،)94‬والبالذري (‪.)135/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وذكره ابن كثير من طريق الشافعي‪ ،‬ثم قال‪ :‬إسناد صحيح‪ .‬مسند الفاروق (‪.)306/1‬‬
‫وصححه أيضا األلباني من رواية الشافعي‪ .‬انظر إرواء الغليل (‪.)1021‬‬
‫رواه ابن المبارك في الزهد (‪ ،)1331‬وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)134/1‬وابن حبان في=‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪193‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬إعطاء النفس حظها من الراحة والترويح الستعادة النشاط‬

‫عن عروة‪ ،‬قال‪ :‬كانت عائشة أروى الناس للشعر(‪.)1‬‬


‫وعن عمرو بن العاص ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬ال بد إلى فراغ يؤول المرء إليه‬
‫في توديع جسمه‪ ،‬والتدبير لشأنه‪ ،‬وتخليته بين نفسه وبين شهواتها‪ ،‬فمن‬
‫صار ذلك فليأخذ بالقصد والنصيب األقل‪ ،‬وال يضيع المرء في فراغه‬
‫نصيب نفسه من العلم(‪.)2‬‬
‫فراحة األبدان مطلب أيضا‪ ،‬لما في ذلك من تجديد النشاط‪ ،‬وحفظ‬
‫للبدن‪ ،‬فكان اآلل واألصحاب ـ ‪ ‬ـ يراعون ذلك أيضا‪ ،‬فعن شويس‬
‫العدوي‪ ،‬قال‪ :‬كنا نصلي مع عمر بن الخطاب الظهر‪ ،‬ثم نروح إلى رحالنا‪،‬‬
‫فنقيل(‪.)3‬‬
‫وعن مجاهد‪ ،‬قال‪ :‬بلغ عمر أن عامال له لم يقل‪ ،‬فكتب إليه عمر‪ :‬قل‪،‬‬
‫فإني ُح ِّدثت أن الشيطان ال يقيل‪ ،‬قال مجاهد‪ :‬إن الشياطين ال يقيلون(‪.)4‬‬
‫وكتب سليمان إلى أبي الدرداء ‪ :‬إني أنام‪ ،‬وأقوم‪ ،‬وأحسب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫روضة العقالء (صـ‪ )31‬بهذا اللفظ من طريق معن بن عبد الرحمن بن عبد اهلل بن‬ ‫=‬
‫مسعود‪ ،‬وابن أبي شيبة (‪ ،)26511‬والدارمي (‪ )462‬بلفظ قريب‪ ،‬من طريق كردوس‬
‫بن العباس الثعلبي كالهما (معن‪ ،‬وكردوس) عن ابن مسعود ـ ‪ ‬ـ‪.‬‬
‫رواه أبو داود في الزهد (‪.)316‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه الدارقطني في المؤتلف والمختلف (‪.)1003/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه ابن سعد (‪.)127/7‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪ ،)26676‬وذكره محمد بن نصر المروزي عن مجاهد أيضا في‬ ‫(‪)4‬‬
‫مختصر قيام الليل (صـ‪ ،)104‬وهو منقطع‪.‬‬
‫‪194‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬إعطاء النفس حظها من الراحة والترويح الستعادة النشاط‬

‫نومتي كما أحسب قومتي‪ ،‬وأحسب نومتي طاعة هلل تعالى(‪.)1‬‬


‫وعن أبي يزيد المديني‪ ،‬قال‪ :‬غدا عمر على صهيب فوجده متصبحا‪،‬‬
‫فقعد حتى استيقظ‪ ،‬فقال صهيب‪ :‬أمير المؤمنين قاعد على مقعدته وصهيب‬
‫نائم متصبح فقال له عمر‪ :‬ما كنت أحب أن تدع نومة ترفق بك(‪.)2‬‬
‫وعن عائشة ـ ‪ ‬ـ أنها كانت إذا طلعت الشمس نامت نومة‬
‫الضحى(‪.)3‬‬
‫وعن عبد اهلل بن الشماس‪ ،‬قال‪ :‬أتيت أم سلمة فوجدتها نائمة ــ‬
‫يعني‪ :‬بعد الصبح(‪.)4‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬ال تغالبوا هذا الليل فإنكم ال‬
‫تطيقونه‪ ،‬فإذا نعس أحدكم فلينصرف إلى فراشه فإنه أسلم له(‪.)5‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذكره الكالباذي في بحر الفوائد (صـ‪.)201‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)25454‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)25451‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)25450‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫رواه أبو داود في الزهد (‪ ،)138‬وعبد الرزاق (‪ ،)4223‬وابن أبي شيبة (‪.)34566‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪195‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬املداومة وعدم االنقطاع‬

‫ل‬
‫ا مبحثااسلعب‬
‫املداومة وعدم االنقطاع‬

‫المداومة وعدم االنقطاع من أهم أسباب النجاح في الدين والدنيا‪،‬‬


‫لذا كان مبدأ إسالميا‪ ،‬وسنة نبوية‪ ،‬كما ذكرت أم المؤمنين عائشة ـ ‪ ‬ـ‬
‫عن النبي ـ ‘ ـ حين ُسئلت عن عمل النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬قالت‪ :‬كان عمله‬
‫ديمة(‪.)1‬‬
‫وفي لفظ‪ :‬أي العمل كان أحب إلى النبي ‘؟ قالت‪ :‬الدائم‪،‬‬
‫قلت‪ :‬متى كان يقوم؟ قالت‪ :‬كان يقوم إذا سمع الصارخ(‪.)2‬‬
‫وعن عائشة ـ ‪ ‬ـ أيضا‪ ،‬أنها قالت‪> :‬كان أحب العمل إلى رسول‬
‫اهلل ‘ الذي يدوم عليه صاحبه<(‪.)3‬‬
‫وقد أَخذ عنه ذلك النهج آل البيت األطهار ـ ‪ ‬ـ؛ فعن عائشة‬
‫ـ ‪ ‬ـ‪ :‬أن رسول اهلل ‘ قال‪> :‬وإن أحب األعمال إلى اهلل ما دووم‬
‫عليه‪ ،‬وإن قل<‪ .‬وكان آل محمد ‘ إذا عملوا عمال أثبتوه(‪ .)4‬وكانت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه البخاري (‪ ،)1987‬ومسلم (‪ )783‬واللفظ له‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه البخاري (‪ ،)1132‬ومسلم (‪.)741‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه البخاري (‪.)6462‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه البخاري (‪ ،)5861‬ومسلم (‪.)782‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪196‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬املداومة وعدم االنقطاع‬

‫عائشة ـ ‪ ‬ـ إذا عملت العمل لزمته(‪.)1‬‬


‫وقد تلقى ذلك أيضا أصحاب النبي ـ ‘ ـ‪ ،‬ثم طبقوه تطبيقا عمليا‬
‫منقطع النظير‪ ،‬فكان أحدهم إذا عمل عمال داوم عليه‪.‬‬
‫وكان النبي ـ ‘ ـ قد نهى عبد اهلل بن عمرو أن يكون مثل فالن‪،‬‬
‫الذي كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل‪ ،‬فعنه ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‘‪> :‬يا عبد اهلل‪ ،‬ال تكن بمثل فالن كان يقوم الليل فترك‬
‫قيام الليل<(‪.)2‬‬
‫وكان عبد اهلل بن عمرو يجتهد في العبادة زمن النبي ـ ‘ ـ ثم لما‬
‫كبر كره أن يترك المداومة على عمل فارق النبي ـ ‘ ـ عليه‪ ،‬فعن‬
‫عبد اهلل بن عمرو ـ ‪ ‬ـ أنه‪( :‬كان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن‬
‫بالنهار‪ ،‬والذي يقرؤه يعرضه من النهار‪ ،‬ليكون أخف عليه بالليل‪ ،‬وإذا‬
‫أراد أن يتقوى أفطر أياما وأحصى‪ ،‬وصام مثلهن كراهية أن يترك شيئا‪،‬‬
‫فارق النبي ‘ عليه)(‪.)3‬‬
‫فكان لآلل واألصحاب ــ رضي اهلل عنهم أجمعين ــ في المداومة‬
‫على العمل‪ ،‬وعدم االنقطاع‪ ،‬وحث الغير على ذلك من األمثلة الحية‬
‫الشيء الكثير‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)783‬‬
‫(‪ )2‬مسلم (‪.)1159‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪.)5052‬‬
‫‪197‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬املداومة وعدم االنقطاع‬

‫سبب في األجر العظيم‪ ،‬والخير الوفير‪،‬‬


‫فالمداومة على العمل اليسير ٌ‬
‫فعن أبي هريرة ‪ :‬أن النبي ‘ قال لبالل‪> :‬عند صالة الفجر يا بالل‬
‫حدثني بأرجى عمل عملته في اإلسالم‪ ،‬فإني سمعت دف نعليك بين‬
‫يدي في الجنة< قال‪ :‬ما عملت عمال أرجى عندي‪ :‬أني لم أتطهر طهورا‪،‬‬
‫في ساعة ليل أو نهار‪ ،‬إال صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي(‪.)1‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود قال‪ :‬تعودوا الخير فإنما الخير في العادة(‪.)2‬‬
‫وعن ابن عمر ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬قبض رسول اهلل ـ ‘ ـ واستخلف أبو‬
‫بكر‪ ،‬فبعث أبو بكر عمر بن الخطاب يحج بالناس‪ ،‬ثم حج أبو بكر في‬
‫العام المقبل‪ ،‬ثم استخلف عمر‪ ،‬فبعث عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬ثم حج‬
‫عمر إمارته كلها‪ ،‬ثم استخلف عثمان فبعث عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬ثم‬
‫حج عثمان إمارته كلها(‪.)3‬‬
‫وعن الحسن البصري قال‪ :‬عمل عثمان اثنتي عشرة سنة‪ ،‬ما ينكرون‬
‫من إمارته شيئا(‪.)4‬‬
‫عن صهيب قال‪ :‬لم يشهد رسول اهلل ‘ مشهدا قط إال كنت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه البخاري (‪ ،)1149‬ومسلم (‪.)2458‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)34571‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه ابن عساكر (‪ 206/39‬ــ ‪.)207‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه البخاري في التاريخ األوسط (‪ .)219‬قال الحافظ بن حجر‪( :‬سئل أبو زرعة‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫هل سمع الحسن أحدا من البدريين؟ قال‪ :‬رآهم رؤية‪ ،‬رأى عثمان‪ .‬ونقل أيضا عن‬
‫البزار أنه لم يسمع من عثمان)‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب التهذيب (‪.)266/2‬‬
‫‪198‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬املداومة وعدم االنقطاع‬

‫حاضره‪ ،‬ولم يبايع بيعة قط إال كنت حاضره‪ ،‬ولم يسر سرية قط إال كنت‬
‫حاضرها‪ ،‬وال غزا غزوة قط أول الزمان وآخره إال كنت فيها عن يمينه أو‬
‫شماله‪ ،‬وما خافوا أمامهم قط إال كنت أمامهم وال ما وراءهم إال كنت‬
‫وراءهم‪ ،‬وما جعلت رسول اهلل ‘ بيني وبين العدو قط حتى توفي‬
‫رسول اهلل ‘(‪.)1‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عبيد بن عمير قال‪ :‬لقد حج الحسن بن علي ‪‬‬
‫خمسة وعشرين حجة ماشيا‪ ،‬وإن النجائب خلفه(‪.)2‬‬
‫وكان الحسن بن علي ‪ ‬يقرأ سورة الكهف في كل ليلة‪ ،‬وكانت‬
‫مكتوبة في لوح يدار بذلك اللوح معه إذا دار على نسائه(‪.)3‬‬
‫وعن معاوية بن أبي مزرد قال‪ :‬رأيت ابن عمر يغدو كل سبت‬
‫ماشيا إلى قباء ونعليه في يديه‪ ،‬فيمر بعمرو بن ثابت العتواري ــ بطن‬
‫من كنانة ــ فيقول‪ :‬يا عمرو اغد بنا‪ ،‬فيغدوان جميعا يمشيان(‪.)4‬‬
‫وعن هشام بن عروة‪ ،‬قال‪ :‬أسلم الزبير وهو ابن ست عشرة‬
‫سنة‪ ،‬ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول اهلل ‘‪ ،‬وقتل وهو ابن بضع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه الطبراني في الكبير (‪ ،)7309‬وأبو نعيم في الحلية (‪.)151/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه الفاكهي في أخبار مكة (‪ ،)838‬والحاكم في المستدرك (‪ ،)4788‬ومن طريقه‬ ‫(‪)2‬‬
‫البيهقي في السنن الكبرى (‪.)8645‬‬
‫رواه محمد بن نصر المروزي في مختصر قيام الليل (صـ‪.)170‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه ابن سعد (‪.)163/4‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪199‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬املداومة وعدم االنقطاع‬

‫وستين سنة(‪.)1‬‬
‫وعن نافع‪ ،‬أن ابن عمر‪ ،‬كان ال يكاد يتعشى وحده(‪.)2‬‬
‫فهكذا كانوا؛ في حال من الجهد واالجتهاد والمداومة‪ ،‬وحفظ‬
‫األوقات‪ ،‬رضي اهلل عنهم أجمعين‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شيبة (‪ ،)19485‬والطبراني في الكبير (‪ ،)244‬البغوي في معجم‬
‫الصحابة (‪ )783‬بهذا اإلسناد‪.‬‬
‫وذكره الهيثمي في المجمع (‪ ،)14834‬وقال‪ :‬رواه الطبراني‪ ،‬وهو مرسل صحيح‪.‬‬
‫ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ ،)89/1‬والطبراني في تاريخه (‪ )507/11‬عن هشام بن‬
‫عروة عن أبيه به‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن سعد (‪.)158/4‬‬
‫‪200‬‬
‫الصفلارلاعب‬
‫فقهاآللواألاحصب‬
‫فيااعتللمعممضي يعاتاولتقووعماقتإدارته‬
‫الفصل الرابع‪ :‬فقه اآلل واألصحاب في التعامل مع مضيعات الوقت ومعوقات إدارته‬

‫الصفلارلاعب‬
‫فقه اآلل واألصحاب‬
‫يف التعامل مع مضيعات الوقت ومعوقات إدارته‬

‫ال شك أن هناك معوقات تعوق إدارة الوقت على الوجه المذكور‬


‫آنفا‪ ،‬وأن تلك المعوقات هي في األصل مضيعات للوقت يجب دفعها‪،‬‬
‫والحذر منها‪ ،‬ومن أهم معوقات إدارة الوقت الكسل‪ ،‬والتسويف‪ ،‬وإنفاق‬
‫الوقت في غير محله‪ ،‬وقد واجه اآلل واألصحاب الكرام ــ رضوان اهلل‬
‫عليهم أجمعين ــ تلك المعوقات بما ينبغي أن تواجه به‪ ،‬بالدفع والتحذير‬
‫والتنفير منها‪ ،‬وفي المباحث التالية نذكر تلك المعوقات وتعامل اآلل‬
‫واألصحاب ـ ‪ ‬ـ معها‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكسل‬

‫ل‬
‫ا مبحثاألول‬
‫الكسل‬

‫الكسل هو الفتور(‪ ،)1‬والتثاقل عن الشيء(‪ ،)2‬ويعد الكسل من أهم‬


‫المعوقات التي تعيق إدارة الوقت؛ إذ تتطلب إدارة الوقت نشاطا ومثابرة‬
‫يدفعان لالستمرار عليها‪ ،‬حتى تؤتي ثمارها‪ ،‬والكسل على النقيض من‬
‫ذلك‪ ،‬فهو خمول يتبعه حسرة وهم‪ ،‬قال ابن القيم‪( :‬ولهذا تجد الكسالى‬
‫أكثر الناس هما وغما وحزنا‪ ،‬ليس لهم فرح وال سرور‪ ،‬بخالف أرباب‬
‫النشاط والجد في العمل ــ أي عمل كان ــ؛ فإن كان النشاط في عمل‬
‫هم عالمون بحسن عواقبه وحالوة غايته كان التذاذهم بحبه ونشاطهم فيه‬
‫أقوى)(‪.)3‬‬
‫ولما كانت النفس تميل للراحة والدعة‪ ،‬كان الكسل والفتور‬
‫يزورانها من حين آلخر‪ ،‬فتحتاج النفس لما يدفع عنها هذا الكسل‪،‬‬
‫ويدفعها للحفاظ على مسيرتها‪ ،‬ففي الحديث الشريف‪> :‬لكل عمل شرة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬غريب الحديث البن قتيبة (‪.)165/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الصحاح (‪.)1810/5‬‬
‫(‪ )3‬روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص‪.)168 :‬‬
‫‪204‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكسل‬

‫ولكل شرة فترة‪ ،‬فمن كانت فترته إلى سنتي‪ ،‬فقد أفلح‪ ،‬ومن كانت إلى‬
‫غير ذلك فقد هلك<(‪ ،)1‬والشرة النشاط‪ ،‬والفترة الفتور والكسل‪ ،‬فكان‬
‫هذا من طبائع البشر‪ ،‬وكما يجب على العاقل استغالل النشاط‪ ،‬وجب‬
‫عليه أيضا دفع الكسل‪ ،‬وعدم االنحراف عما ارتضاه لنفسه من الصواب‬
‫حال الفتور‪.‬‬
‫ولما كان الكسل من أضر األدواء على النفس‪ ،‬وأكثرها مهلكة للوقت‬
‫والعمر‪ ،‬لذا تعوذ النبي ـ ‘ ـ باهلل تعالى منه‪ ،‬فعن عائشة ‪ :‬أن النبي‬
‫‘ كان يقول‪> :‬اللهم إني أعوذ بك من الكسل‪ ،)2(<..‬وعن أنس بن‬
‫مالك ـ ‪ ‬ـ أيضا نحوه‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول اهلل ــ ‘ يتعوذ ويقول‪> :‬اللهم‬
‫إني أعوذ بك من الكسل‪.)3(<..‬‬
‫فع ْن عن‬
‫وأرشدنا النبي ـ ‘ ـ كذلك ألن ندفع عن أنفسنا الكسل‪َ ،‬‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي ‘‪ ،‬قال‪> :‬التثاؤب من الشيطان‪ ،‬فإذا تثاءب‬
‫أحدكم فليرده ما استطاع‪ ،‬فإن أحدكم إذا قال‪ :‬ها‪ ،‬ضحك الشيطان<(‪.)4‬‬
‫وفيما يلي نذكر شيئا من فقه اآلل واألصحاب ـ ‪ ‬ـ في دفعهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه أحمد من حديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص ـ ‪ ‬ـ (‪ ،)6958‬وقال الشيخ‬ ‫(‪)1‬‬
‫شعيب في تعليقه على المسند‪ :‬إسناده صحيح على شرط الشيخين‪.‬‬
‫ورواه الترمذي بلفظ آخر‪ ،‬من حديث أبي هريرة ـ ‪ ‬ـ (‪ ،)2453‬وقال الترمذي‪:‬‬
‫حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه‪.‬‬
‫رواه البخاري (‪ ،)6368‬ومسلم (‪.)589‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه البخاري (‪.)6371‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه البخاري (‪ ،)3289‬ومسلم (‪.)2994‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪205‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكسل‬

‫الكسل‪ ،‬وتحذيرهم منه‪.‬‬


‫فهذا ابن عباس ـ ‪ ‬ـ يحذر ابنه الفضل من الكسل‪ ،‬وينهاه عنه‬
‫وقت النشاط‪ ،‬ويخبره أن ذلك هو عرف العرب وصنيعهم‪ ،‬فقد روى ابن‬
‫األعرابي وغيره عن ابن عباس ـ ‪ ‬ـ أنه‪ :‬مر عبد اهلل بن العباس بالفضل‬
‫ابنه وهو نائم نومة الضحى‪ ،‬فركله برجله وقال له‪ :‬قم؛ إنك لنائم الساعة‬
‫التي يقسم اهلل فيها الرزق لعباده‪ ،‬أما سمعت ما قالت العرب فيها؟ قال‪:‬‬
‫وما قالت العرب فيها يا أبت؟ قال‪ :‬زعمت أنها مكسلة مهرمة منسأة‬
‫للحاجة‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا بني! نوم النهار على ثالثة؛ نوم حمق؛ وهي نومة‬
‫الضحى‪ ،‬ونومة الخلق؛ وهي التي روي‪ :‬قيلوا فإن الشياطين ال تقيل‪،‬‬
‫ونومة الخرق؛ وهي نومة بعد العصر ال ينامها إال سكران أو مجنون(‪.)1‬‬
‫وكما جاء التحذير من الكسل‪ ،‬جاء أيضا األمر بالنشاط والسعي‪،‬‬
‫والحث على عدم إهدار أوقات النشاط والبركة‪ ،‬فقد كان ‘ يأمر بالتبكير‬
‫في أداء األعمال‪ ،‬فاستجاب أصحابه ــ رضوان اهلل عليهم أجمعين ــ‬
‫النبي‬
‫ِّ‬ ‫الغامدي ‪ ،‬عن‬
‫ِّ‬ ‫لذلك‪ ،‬وعملوا بنصيحته ـ ‘ ـ‪ ،‬فعن صخ ٍر‬
‫‘ أنه قال‪> :‬اللهم بارك ألمتي في بُ ُكورها‪ ،‬وكان إذا بعث سرية أو‬
‫ال تاجر ًا‪ ،‬وكان يبعث تجارته‬‫صخر رج ً‬
‫ٌ‬ ‫جيش ًا بعثهم من أول النهار<‪ ،‬وكان‬
‫من ّأول النهار‪ ،‬فأثرى و َك ُثر مالُه(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (‪ ،)2047‬ورواه البيهقي في‬
‫الشعب (‪ ،405/6‬برقم ‪.)4409‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ ،)2606‬والترمذي (‪ ،)1212‬وابن ماجه (‪ ،)2236‬وأحمد=‬
‫‪206‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكسل‬

‫وبسند ضعيف أيضا روي نحو هذا المعنى مرفوعا أيضا من حديث‬
‫عائشة ـ ‪ ‬ـ‪> :‬باكروا طلب الرزق والحوائج؛ فإن ال ُغ ُد َّو بركة‬
‫ونجاح<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= (‪ ،)15443‬وعبد بن حميد (‪.)431‬‬
‫قال الترمذي‪ :‬حديث صخر الغامدي حديث حسن‪ ،‬وال نعرف لصخر الغامدي عن‬
‫النبي ‘ غير هذا الحديث‪.‬‬
‫وقواه‬
‫وقال الشيخ األلباني‪( :‬حديث صحيح‪ ،‬وحسنه الترمذي‪ ،‬وصححه ابن حبان‪ّ ،‬‬
‫ابن عبد البر والمنذري والحافظ ابن حجر والسخاوي‪.‬‬
‫إسناده‪ :‬حدثنا سعيد بن منصور‪ :‬ثنا ُه َش ْي ٌم‪ :‬ثنا يعلى بن عطاء‪ :‬ثنا ُع َم َار ُة بن َح ِدي ٍد عن‬
‫صخر الغامدي)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير عمارة بن حديد‪ ،‬وهو مجهول كما‬
‫قال غير واحد‪ ،‬وذكره ابن حبان في (الثقات‪ ،‬وقال العجلي‪ :‬حجازي تابعي ثقة)‪ .‬اهـ‬
‫صحيح أبي داود (‪.)360/7‬‬
‫وقال الشيخ شعيب في تعليقه على المسند‪( :‬حديث ضعيف دون قوله‪( :‬اللهم بارك‬
‫ألمتي في بكورها) فهو حسن بشواهده)‪.‬‬
‫ورواه عبد ابن حميد من حديث ابن عمر مختصرا بلفظ‪( :‬اللهم بارك ألمتي في‬
‫بكورها)‪.‬‬
‫وقال العدوي في تعليقه على المنتخب‪( :‬سند ضعيف‪ ،‬وللحديث طرق يصح بها)‪.‬‬
‫(‪ )1‬ضعيف‪ :‬رواه الطبراني في األوسط (‪ ،)7250‬ومحمد بن عبد الرحمن البغدادي‬
‫المخلص في المخلصيات (‪.)2378‬‬
‫قال الطبراني‪ :‬لم يرو هذا الحديث عن هشام إال إسماعيل‪.‬‬
‫وقال األلباني‪( :‬ورواه إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت عن هشام بن عروة‬
‫عن أبيه عن عائشة مرفوعا‪ ،..‬أخرجه البزار‪ ،‬والطبراني في األوسط‪ ،‬وابن عدي‬
‫وقاال‪ :‬لم يروه عن هشام إال إسماعيل‪ ،‬وقال البزار‪ :‬حديث غريب‪ ،‬وإسماعيل صالح‬
‫=‬ ‫الحديث‪.‬‬
‫‪207‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكسل‬

‫وروي بسند ضعيف جدا أيضا أن النبي ـ ‘ ـ أمر ابنته فاطمة ـ ‪ ‬ـ‬
‫أن تقوم من نومها وتشهد وقت البركة‪ ،‬فعن فاطم َة ــ رضي اهلل عنها‬
‫فحركني‬
‫تصبحة َّ‬
‫وأرضاها ــ‪ ،‬قالت‪ّ :‬مر بي رسول اهلل ‘ وأنا مضطجعة ُم ِّ‬
‫رزق ربِّك وال تكوني من الغافلين‪،‬‬
‫برجله‪ّ ،‬ثم قال‪> :‬يا بنية‪ ،‬قومي اشهدي َ‬
‫فإن اهلل يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس<(‪.)1‬‬
‫ومع ضعف هذه المرفوعات إال أن األمر بالنشاط ونبذ الكسل‪،‬‬
‫واليقظة وقت الضحى والسعي على الرزق معروف معمول به‪ ،‬فعن جندب‬
‫بن عبد اهلل البجلي‪ ،‬قال‪ :‬استأذنت على حذيفة ثالث مرات فلم يأذن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= قال الحافظ ابن حجر متعقبا عليه‪ :‬قلت‪ :‬بل ضعفه جماعة‪.‬‬
‫وقال ابن عدي‪ :‬ال يرويه غير إسماعيل بن قيس‪ ،‬وعامة ما يرويه منكر)‪ .‬اهـ سلسلة‬
‫األحاديث الضعيفة (‪.)361/6‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن بشران في أماليه (‪ ،)235‬والبيهقي في شعب اإليمان (‪ ،)4405‬وقال‪:‬‬
‫إسناده ضعيف‪.‬‬
‫قال األلباني‪( :‬موضوع؛ أخرجه ابن بشران في األمالي‪ ،‬والبيهقي في الشعب‪ ،‬كالهما‬
‫من طريق المشمعل بن ملحان القيسي‪ :‬حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه‬
‫عن جده عن فاطمة بنت محمد ‪ ..‬فذكره‪ .‬وقال البيهقي‪ :‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬كيف هذا؛ وعبد الملك بن هارون متهم بالكذب؟! فقال يحيى‪ :‬كذاب‪ .‬وقال‬
‫البخاري‪ :‬منكر الحديث‪ .‬وقال ابن حبان‪ :‬كان ممن يضع الحديث‪ ،‬ال يحل كتابة‬
‫حديثه إال على جهة االعتبار‪ .‬والمشمعل بن ملحان؛ صدوق يخطئ؛ كما في التقريب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد خالفه في إسناده إسماعيل بن مبشر بن عبد اهلل الجوهري عن عبد الملك‬
‫بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن علي قال‪ ..‬فذكر معناه‪ .‬رواه البيهقي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإسماعيل هذا؛ لم أجد له ترجمة اآلن‪ .‬والحديث؛ أشار المنذري في الترغيب‬
‫لضعفه؛ وعزاه للبيهقي وحده) اهـ‪ .‬سلسلة األحاديث الضعيفة (‪ 276/11‬ــ ‪.)277‬‬
‫‪208‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكسل‬

‫لي‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فإذا رسوله قد لحقني فقال‪> :‬ما ردك؟<‪ ،‬قلت‪ :‬ظننت‬
‫أنك نائم‪ ،‬قال‪> :‬ما كنت ألنام حتى أنظر من أين تطلع الشمس<‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فحدثت به محمدا فقال‪ :‬قد فعله غير واحد من أصحاب محمد ‘(‪.)1‬‬
‫وفي ذم الكسل أيضا‪ ،‬وتبغيض شأن الكسول للنفوس ما روي عن‬
‫ابن مسعود أنه كان يجيء كل خميس فيقوم ــ قائما ال يجلس ــ‬
‫فيقول‪ ،..:‬وال يلهينكم األمل‪ ،‬فإن كل ما هو آت قريب‪ ،‬أال إن البعيد‬
‫ما ليس آتيا‪ ،‬وإن من شرار الناس بطال النهار جيفة الليل(‪.)2‬‬
‫وعن أبي جعفر الباقر‪ ،‬أنه كان يوصي ولده جعفر بن محمد الصادق‬
‫ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬فقال وهو يوصيه‪ :‬يا بني إياك والكسل والضجر‪ ،‬فإنهما مفتاح‬
‫كل شر‪ ،‬إنك إن كسلت لم تؤد حقا‪ ،‬وإن ضجرت لم تصبر على حق(‪.)3‬‬
‫وجاءت النظرة الواقعية في ذم الكسل‪ ،‬والحث على العمل‪ ،‬وعدم‬
‫االكتفاء باألقوال الجوفاء التي ال طائل منها‪ ،‬ما روي عن عمر ـ ‪ ‬ـ‬
‫أنه قال‪( :‬واهلل لئن جاءت األعاجم باألعمال وجئنا بغير عمل فهم أولى‬
‫بمحمد منا يوم القيامة‪ ،‬فال ينظر رجل إلى القرابة ويعمل لما عند اهلل‪،‬‬
‫فإن من قصر به عمله ال يسرع به نسبه)(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)34809‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه الطبراني في الكبير (‪ ،)7871‬وفي إسناده انقطاع‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫قال الهيثمي‪( :‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه)‪ .‬مجمع الزوائد‬
‫(‪.)3153‬‬
‫رواه أبو نعيم في الحلية (‪.)183/3‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه ابن سعد (‪.)296/3‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪209‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكسل‬

‫وهذا أيضا الزبير ‪ ‬يقلل من شأن من نام كسال وقت السعي على‬
‫الرزق‪ ،‬فعن هشام بن عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الزبير ـ ‪ ‬ـ قال‪> :‬إني‬
‫ألزهد في الرجل يتصبح<(‪.)1‬‬
‫وذكر الحسن عن عمر ـ ‪ ‬ـ أنه كان يأمر بالسعي‪ ،‬وعدم التواكل‬
‫على الغير‪ ،‬قال الحسن‪ :‬رأى عمر جارية تطيش هزاال‪ ،‬فقال‪ :‬من هذه؟‬
‫فقال عبد اهلل‪ :‬هذه إحدى بناتك قال‪ :‬وأي بناتي هذه؟ قال‪ :‬بنتي قال‪ :‬ما‬
‫بلغ بها ما أرى؟ قال‪ :‬عملك! ال تنفق عليها قال‪ :‬إني واهلل ما أعول‬
‫ولدك‪ ،‬فاسع ُعلهم أيها الرجل(‪.)2‬‬
‫ولما كان الكسل مما تميل إليه النفس فقد جاء األمر بعدم اتباع النفس‬
‫هواها‪ ،‬لما في ذلك من المضرة عليها‪ ،‬فعن أبي هريرة‪ ،‬قال‪( :‬كان عمر‬
‫بن الخطاب إذا خطب الناس يقول في خطبته‪ :‬أفلح منكم من حفظ من‬
‫الهوى والطمع والغضب‪ ،‬ليس في ما دون الصدق من الحديث خير‪ ،‬من‬
‫يكذب يفجر‪ ،‬ومن يفجر يهلك‪ ،‬إياكم والفجور‪ ،‬وما فجور عبد خلق من‬
‫تراب‪ ،‬وإلى التراب يعود‪ ،‬وهو اليوم حي‪ ،‬وغدا ميت؟ اعملوا يوما‬
‫بيوم‪ ،‬واجتنبوا دعوة المظلوم‪ ،‬وعدوا أنفسكم من الموتى)(‪.)3‬‬
‫وقال ابن الحنفية ــ أيضا ــ‪( :‬شر عادات المرء اتباعه هواه)(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪ ،)25445‬وقال ابن أبي شيبة‪ :‬التصبح نومة الضحى‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سير أعالم النبالء (راشدون‪.)84/‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه أبو داود في الزهد (‪.)48‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه البالذري (‪.)270/3‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪210‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكسل‬

‫عن محمد بن علي بن عبد اهلل‪ ،‬أن العباس قال لعبد اهلل بن العباس‪:‬‬
‫(يا بني إن اهلل قد بلغك شرف الدنيا‪ ،‬فاطلب شرف اآلخرة‪ ،‬واملك‬
‫هواك‪ ،‬واحرز لسانك‪ ،‬إال مما لك)(‪.)1‬‬
‫هذا‪ ،‬وال يمكن حصر اآلثار التي فيها تطبيقهم العملي لذلك‪ ،‬إذ‬
‫كانت حياتهم كلها نشاطا‪ ،‬ودفعا للكسل‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البالذري (‪.)17/4‬‬
‫‪211‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التسويف‬

‫ل‬
‫ااثلن‬
‫ي‬ ‫ا مبحث‬
‫التسويف‬

‫مرادنا بالتسويف هنا هو تأجيل العمل المطلوب في الوقت الحالي‬


‫لوقت أبعد منه بغير عذر يدعو لذلك‪ ،‬وال شك أن التسويف بهذا المعنى‬
‫من أهم معوقات إدارة الوقت‪ ،‬إذ التسويف في حقيقته يتعارض مع إدارة‬
‫الوقت من حيث المضمون‪ ،‬فضال عن إهداره للوقت‪ ،‬وتضيعه له‪.‬‬
‫ويعد التسويف من اآلفات الدالة على ضعف اإلرادة‪ ،‬وبالتالي‬
‫ضعف العمل والنتيجة‪ ،‬كما أنه مدعاة لتراكم األعمال‪ ،‬وبالتالي ترك‬
‫بعضها أو كلها؛ فيضيع من الواجبات ما يضيع‪ ،‬ومرجع ذلك إلى طول‬
‫األمل عند اإلنسان‪ ،‬وأن ما لم يفعله اليوم يمني نفسه أنه بإمكانه أنه يفعله‬
‫غدا‪ ،‬والنبي ـ ‘ ـ حذر من طول األمل‪ ،‬فعن أبي هريرة ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سمعت رسول اهلل ‘ يقول‪( :‬ال يزال قلب الكبير شابا في اثنتين‪ :‬في‬
‫حب الدنيا وطول األمل)(‪.)1‬‬
‫وقد نهى النبي ـ ‘ ـ آل بيته عن التسويف‪ ،‬وطول األمل‪ ،‬وتأجيل‬
‫العمل المتاح اآلن لوقت بعده‪ ،‬تسويفا وطوال لألمل‪ ،‬فعن علي بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)6420‬ومسلم (‪.)1046‬‬
‫‪212‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التسويف‬

‫حسين‪ ،‬أن حسين بن علي ‪ ‬أخبره أن علي بن أبي طالب‪ ،‬قال‪ :‬إن‬
‫رسول اهلل ‘ طرقه وفاطمة ـ ‪ ‬ـ بنت رسول اهلل ‘‪ ،‬فقال لهم‪> :‬أال‬
‫تصلون؟<‪ ،‬فقال علي‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إنما أنفسنا بيد اهلل‪ ،‬فإذا‬
‫شاء أن يبعثنا بعثنا‪ ،‬فانصرف رسول اهلل ‘ حين قال له ذلك‪ ،‬ولم يرجع‬
‫إليه شيئا‪ ،‬ثم سمعه وهو مدبر‪ ،‬يضرب فخذه وهو يقول‪{ :‬ﱋ ﱌ‬
‫ﱍ ﱎ ﱏ} [الكهف‪.)1(]54 :‬‬
‫وكان ابن عمر ـ ‪ ‬ـ يقول‪> :‬إذا أمسيت فال تنتظر الصباح‪ ،‬وإذا‬
‫أصبحت فال تنتظر المساء<(‪.)2‬‬
‫وجاء األمر منه ـ ‘ ـ بالمبادرة باألعمال قبل إتيان الشواغل أو‬
‫الموانع‪ ،‬والتي ربما تأتي فجأة‪ ،‬لذا كان األمر بالمبادرة باألعمال وعدم‬
‫التسويف واالغترار بالسالمة وطول األمل‪ ،‬فعن أبي هريرة أن رسول اهلل‬
‫‘ قال‪> :‬بادروا باألعمال فتنا كقطع الليل المظلم<(‪.)3‬‬
‫عن أبي هريرة ـ ‪ ‬ـ أيضا‪ ،‬أن رسول اهلل ‘‪ ،‬قال‪( :‬بادروا‬
‫باألعمال ستا‪ :‬طلوع الشمس من مغربها‪ ،‬أو الدخان‪ ،‬أو الدجال‪ ،‬أو‬
‫الدابة‪ ،‬أو خاصة أحدكم أو أمر العامة)(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه البخاري (‪ ،)7347‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)775‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه البخاري (‪.)6416‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه مسلم (‪.)118‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه مسلم (‪.)2947‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪213‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التسويف‬

‫عن ابن عمر‪ ،‬أن النبي ‘‪ ،‬قال‪> :‬بادروا الصبح بالوتر<(‪.)1‬‬


‫فال يمني أحد نفسه بالسالمة والمعافاة‪ ،‬فيسوف األعمال المنوطة به‪،‬‬
‫ركونا إلى ذلك‪ ،‬ثم ما يلبس أن يتفاجأ بالشواغل والموانع‪ ،‬كما يمني أحدهم‬
‫نفسه بطول الليل وأنه سيدرك الوتر قبل الفجر‪ ،‬فيرقد على غير وتر‪ ،‬ثم يقوم‬
‫وقد أذن الفجر‪ ،‬فجاء التوجيه النبوي بالمبادرة باألعمال‪ ،‬وعدم التسويف‪.‬‬
‫وقد استجاب لذلك اآلل واألصحاب ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬وعملوا بسنته ـ ‘ ـ‪،‬‬
‫ولم يركنوا لطول أمل‪ ،‬وال اغتروا بالسالمة والمعافاة‪ ،‬فروي عن علي‬
‫ـ ‪ ‬ـ أيضا أنه قال‪( :‬إنما أخشى عليكم اثنين‪ :‬طول األمل‪ ،‬واتباع الهوى‪،‬‬
‫فإن طول األمل ينسي اآلخرة‪ ،‬وإن اتباع الهوى يصد عن الحق)(‪.)2‬‬
‫وقد جاء التحذير من آفة التسويف على لسان اآلل واألصحاب‬
‫ــ رضوان اهلل عليهم أجمعين ــ‪ ،‬ولعلمهم بخطورتها على الفرد والجماعة‬
‫صى به‪ ،‬فعن عمر بن‬ ‫جاء التخويف منها‪ ،‬واألمر بتجنبها مكتوبا مو ً‬
‫الخطاب ـ ‪ ‬ـ عنه أنه كتب إلى أبي موسى‪> :‬أما بعد‪ ،‬فإن القوة في‬
‫العمل أن ال تؤخروا عمل اليوم لغد‪ ،‬فإنكم إذا فعلتم ذلك تداركت عليكم‬
‫األعمال‪ ،‬فلم تدروا أيها تأخذون فأضعتم(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)750‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن المبارك في الزهد (‪.)255‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي شيبة (‪ ،)35295‬عن الضحاك عن عمر ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬ورواه ابن شبة‬
‫(‪ ،)769/2‬وأبو عبيد القاسم بن سالم في الخطب والمواعظ (‪ ،)136‬عن الحسن‬
‫عنه‪ ،‬ورواه الطبراني في تاريخه (‪ ،)213/4‬عن عمر بن مجاشع قال‪ :‬قال عمر‪،..‬‬
‫وألفاظهم متقاربة‪.‬‬
‫‪214‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التسويف‬

‫وهذا ابن مسعود ـ ‪ ‬ـ يشير إلى أن التسويف للشيطان فيه نصيب‪،‬‬
‫فقد روى أبو داود في الزهد‪ ،‬عن أبي األحوص‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد اهلل‪:‬‬
‫اإلثم حواز القلوب‪ ،‬فما كان من نظرة فللشيطان فيها مطمع‪ ،‬قال أبو‬
‫داود‪ :‬يعني بنظرة تأخير الشيء(‪.)1‬‬
‫وأبو بكر ـ ‪ ‬ـ يذكر في خطبه بالتعجيل بالعمل‪ ،‬وعدم الركون‬
‫المتداد األعمار وطول األمل؛ إذ الموت يقطع كل ذلك‪ ،‬ويضرب المثال‬
‫على كالمه ـ ‪ ‬ـ‪ ،‬فعن يحيى بن أبي كثير‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو بكر الصديق‬
‫ال يدع هذا الكالم أن يقوله كل جمعة في خطبته‪( :‬أين الوضآة الحسنة‬
‫وجوههم‪ ،‬والمعجبون بشبابهم؟‪ ،..‬قد تضعضع بهم الدهر‪ ،‬فأصبحوا‬
‫كال شيء‪ ،‬وأصبحوا قد فقدوا‪ ،‬وأصبحوا في ظلمات القبور‪ ،‬الوحا‬
‫الوحا‪ ،‬ثم النجا النجا(‪.)3())2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود في الزهد (‪ ،)125‬والطبراني في الكبير (‪.)8749‬‬
‫وذكره الهيثمي‪ ،‬وذكر له عدة ألفاظ متقاربة‪ ،‬ثم قال‪ :‬رواه الطبراني كله بأسانيد رجالها‬
‫ثقات‪ .‬اهـ مجمع الزوائد (‪.)819‬‬
‫قال أبو عبيد‪( :‬ما حك في نفسك يقال‪ :‬ما حك في نفسي الشيء‪ ،‬إذا لم تكن منشرح‬
‫الصدر به‪ ،‬وكان في قلبك منه شيء‪ ،..‬ومنه حديث عبد اهلل‪( :‬اإلثم حراز القلوب)‬
‫يعني ما حز في نفسك وحك فاجتنبه فانه اإلثم)‪ .‬اهـ غريب الحديث (‪.)139/3‬‬
‫قلت‪ :‬قوله حراز‪ ،‬كما في بعض روايات الخبر‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال ابن سيده‪( :‬والوحا‪ :‬العجلة‪ .‬يقولون‪ :‬الوحا الوحا‪ ،‬والوحاء الوحاء‪ ،‬أي اإلسراع)‪.‬‬
‫اهـ المحكم والمحيط األعظم (‪.)38/4‬‬
‫السرعة والذهاب)‪ .‬اهـ المخصص‬ ‫وقال أيضا‪( :‬النَّجا النَّجا والنَّجاء النَّجاء‪ :‬أَي ُّ‬
‫(‪.)449/4‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود في الزهد (‪.)27‬‬
‫‪215‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التسويف‬

‫وعنه ـ ‪ ‬ـ أيضا قال‪( :‬اعلموا عباد اهلل أنكم تغدون وتروحون في‬
‫أجل قد غيب عنكم علمه‪ ،‬فإن استطعتم أن تنقضي اآلجال وأنتم في‬
‫عمل اهلل فافعلوا‪ ،‬ولن تستطيعوا ذلك إال باهلل‪ ،‬فسابقوا في مهل آجالكم‪،‬‬
‫قبل أن تنقضي آجالكم‪ ،‬فيردكم إلى أسوأ أعمالكم‪ ،‬فإن أقواما جعلوا‬
‫آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم‪ ،‬فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم‪ ،‬فالوحاء‬
‫الوحاء‪ ،‬والنجاء النجاء‪ ،‬فإن وراءكم طالبا حثيثا مره سريع)(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شيبة (‪ ،)34431‬والخراج ألبي يوسف (‪ ،)22/1‬والزهد لهناد‬
‫(‪ ،)495‬والطبري في تاريخه (‪ ،)224/3‬والبيهقي في الشعب (‪.)162/13( ،)10110‬‬
‫‪216‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬بذل الوقت فيما ال نفع فيه أو فيما غيره ٌ‬
‫خيرمنه‬

‫ل‬
‫ا مبحثااثلثل‬
‫بذل الوقت فيما ال نفع فيه‬
‫أو فيما غريه خريٌ منه‬

‫بذل الوقت فيما ال ينفع إضاعة له‪ ،‬وبذله في الذي غيره خير منه‪،‬‬
‫استهالك للعمر في غير كبير نفع‪ ،‬فإضاعة الوقت بال فائدة ليس من‬
‫معوقات إدارة الوقت فحسب‪ ،‬وإنما هو مهلكة للعمر‪ ،‬وكثيرا ما يحمل‬
‫آثاما مضرة‪ ،‬لذا جاء التحذير والتنفير منه شديد اللهجة‪ ،‬قوي العبارة‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود قال‪ :‬إني ألمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء‬
‫من عمل الدنيا وال عمل اآلخرة(‪.)1‬‬
‫وقد نهى النبي ـ ‘ ـ عن ذلك‪ ،‬فكان ـ ‘ ـ يكره لنا أن يمضي‬
‫الوقت في أمور ال نفع فيها‪ ،‬وأخبرنا ـ ‘ ـ عن كراهية اهلل تعالى ألعمال‬
‫تهلك األوقات بال فائدة‪ ،‬فضال عن اإلثم الذي تحمله‪ ،‬ونقل لنا سنته‬
‫ـ ‘ ـ في ذلك من بعده أصحابه ـ ‪ ‬ـ وعملوا بها‪.‬‬
‫فعن الشعبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني كاتب المغيرة بن شعبة‪ ،‬قال‪ :‬كتب معاوية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شيبة (‪ ،)34562‬ومن طريق ابن أبي شيبة رواه أبو نعيم في الحلية‬
‫(‪ ،)130/1‬وأبو داود في الزهد (‪.)174‬‬
‫‪217‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬بذل الوقت فيما ال نفع فيه أو فيما غيره ٌ‬
‫خيرمنه‬

‫إلى المغيرة بن شعبة‪ :‬أن اكتب إلي بشيء سمعته من النبي ‘‪ ،‬فكتب‬
‫إليه‪ :‬سمعت النبي ‘ يقول‪( :‬إن اهلل كره لكم ثالثا‪ :‬قيل وقال‪ ،‬وإضاعة‬
‫المال‪ ،‬وكثرة السؤال)(‪.)1‬‬
‫وعن أبي برزة األسلمي ـ ‪ ‬ـ عن النبي ـ ‘ ـ أنه كان‪ :‬ال يبالي‬
‫بتأخير العشاء إلى ثلث الليل‪ ،‬وال يحب النوم قبلها‪ ،‬وال الحديث‬
‫بعدها(‪.)2‬‬
‫أما السمر إن كان فيما فيه نفع فقد جاء به األثر عن النبي ـ ‘ ـ‪،‬‬
‫فعن عمر قال‪ :‬كان رسول اهلل ـ ‘ ـ يَ ْس ُم ُر مع أبي بكر في األمر من أمر‬
‫المسلمين وأنا معهما(‪ .)3‬ويؤيد هذا الفهم أيضا ما قاله مجاهد‪ ،‬فقد روي‬
‫عنه أنه قال‪ :‬ال بأس بالسمر بعد العشاء للفقه(‪.)4‬‬
‫وهذا عمر ـ ‪ ‬ـ يطبق ما تلقاه عن النبي ـ ‘ ـ فعن َخ َر َش َة بن‬
‫ا ْل ُح ّر قال‪ :‬رأيت عمر بن الخطاب يضرب الناس على السمر بعدها(‪.)5‬‬
‫وفي لفظ آخر عن َخ َر َشة رأى عمر بن الخطاب قوما سمروا بعد العشاء‬
‫ففرق بينهم بالدرة‪ ،‬فقال‪ :‬أَ َس َم ًرا من أوله‪ ،‬ونَ ْو ًما من آخره(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه البخاري (‪ ،)1477‬ومسلم (‪.)593‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ورواه مسلم بنحوه من حديث أبي هريرة أيضا (‪.)1715‬‬
‫رواه البخاري (‪ ،)771‬ومسلم (‪.)647‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)6689‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه عبد الرزاق (‪.)2143‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫رواه عبد الرزاق (‪.)2132‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫رواه عبد الرزاق (‪.)2134‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫‪218‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬بذل الوقت فيما ال نفع فيه أو فيما غيره ٌ‬
‫خيرمنه‬

‫وعن عروة قال‪ :‬سمعتني عائشة وأنا أتكلم بعد العشاء اآلخرة‪،‬‬
‫فقالت‪> :‬يا ُع َر ْي أال تريح كاتبك‪ ،‬فإن رسول اهلل ‘ لم يكن ينام قبلها‬
‫وال يتحدث بعدها(‪.)1‬‬
‫وفي رواية أخرى عن هشام بن عروة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبي يقول‪:‬‬
‫انصرفت بعد العشاء اآلخرة فسمعت كالمي عائشة ‪ ‬خالتي‪ ،‬ونحن‬
‫في حجرة‪ ،‬بيننا وبينها سقف فقالت‪ :‬يا عروة أو يا عرية ما هذا السمر؟‬
‫إني ما رأيت رسول اهلل ‘ نائما قبل هذه الصالة وال متحدثا بعدها‪ ،‬إما‬
‫نائما فيسلم أو مصليا فيغنم(‪.)2‬‬
‫وكانت فاطمة بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ ‪ ‬ـ تحذر من‬
‫السفه وعواقبه‪ ،‬وتمدح المروءة وأهلها‪ ،‬فعن محمد بن عبد اهلل بن عمرو‬
‫بن عثمان بن عفان القرشي األموي قال جمعتنا أمنا فاطمة بنت الحسين‬
‫بن علي فقالت‪ :‬يا بني واهلل إنه ما نال أحد من أهل السفه بسفههم شيئا‪،‬‬
‫وال أدركوا ما أدركوه من لذاتهم‪ ،‬إال وقد ناله أهل المروءات بمروءاتهم‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه ابن حبان في صحيحه (‪ ،)5547‬وقال الشيخ شعيب في تعليقه على صحيح ابن‬
‫حبان‪( :‬إسناده صحيح على شرط مسلم)‪ .‬اهـ‬
‫ورواه عبد الرزاق (‪ )2137‬بسند فيه مبهم‪ ،‬بلفظ قريب‪.‬‬
‫ورواه أحمد (‪ )26280‬عن القاسم عن عائشة ـ ‪ ‬ـ بلفظ قريب أيضا‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه محمد بن نصر المروزي في مختصر قيام الليل (صـ‪.)115‬‬
‫ورواه عبد الرزاق (‪ )2137‬بسند فيه مبهم‪ ،‬بلفظ قريب‪.‬‬
‫ورواه أحمد (‪ )26280‬عن القاسم عن عائشة ـ ‪ ‬ـ بلفظ قريب أيضا‪.‬‬
‫‪219‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬بذل الوقت فيما ال نفع فيه أو فيما غيره ٌ‬
‫خيرمنه‬

‫فاستتروا بجميل ستر اهلل ‪.)1(‬‬


‫وعن ابن عباس‪ :‬إياك والكالم فيما يعنيك إذا كان في غير موضعه‪،‬‬
‫وال تمار سفيها وال حليما‪ ،‬فإن السفيه يؤذيك وإن الحليم يقليك(‪.)2‬‬
‫وفي رواية أخرى عن ابن عباس‪ :‬دع الكالم فيما ال يعنيك فإنه‬
‫فضل‪ ،‬وال تتكلم فيما يعنيك إذا لم تصب موضعه فإنه جهل(‪.)3‬‬
‫وروي نحو هذا المعنى أيضا عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬ال خير في فضول‬
‫الكالم(‪.)4‬‬
‫وعن حميد قال‪ :‬أطلنا الحديث ذات ليلة ثم دخلنا على أنس بن‬
‫مالك فقال‪ :‬أطلتم الحديث البارحة‪ ،‬أما إن حديث أول الليل يضر‬
‫بآخره(‪.)5‬‬
‫وعن ابن عمر ـ ‪ ‬ـ‪ :‬دع ما لست منه في شيء‪ ،‬وال تنطق فيما ال‬
‫يعنيك‪ ،‬واخزن لسانك كما تخزن ورقك(‪.)6‬‬
‫وقد كثر التحذير من إضاعة الوقت في الكالم غير النافع ألنه كثيرا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه ابن عساكر (‪.)387/53‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه البالذري (‪.)45/4‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه البالذري (‪.)45/4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)34710‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)34762‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫سير السلف الصالحين إلسماعيل بن محمد األصبهاني (صـ‪.)507‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫‪220‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬بذل الوقت فيما ال نفع فيه أو فيما غيره ٌ‬
‫خيرمنه‬

‫ال يخلو من اإلثم‪ ،‬فعن حصين بن عقبة‪ ،‬عن عبد اهلل بن مسعود‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إن من أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل(‪.)1‬‬
‫وكانوا ينهون أيضا عن اللهو غير المباح المضيع للوقت المفسد ألمر‬
‫الدين والدنيا‪ ،‬المضيع للوقت‪.‬‬
‫فعن ابن عمر أنه وجد مع بعض أهله األربع عشرة‪ ،‬فضرب بها‬
‫رأسه(‪.)2‬‬
‫وعن نافع قال‪ :‬كان ابن عمر يكسر النرد واألربعة عشر(‪.)3‬‬
‫وعن‪ ،‬شقيق‪ ،‬قال‪ :‬كتب عمر‪ :‬إن الدنيا خضرة حلوة‪ ،‬فمن أخذها‬
‫بحقها كان قمنا أن يبارك له فيها‪ ،‬ومن أخذها بغير ذلك كان كاآلكل الذي‬
‫ال يشبع‪ .‬وفي ذلك االكتفاء بالنفاع‪ ،‬وترك الزائد عن ذلك(‪.)4‬‬
‫وقد جعل سلمان ـ ‪ ‬ـ الناس ثالث منازل فيما عملوا في أوقاتهم؛‬
‫ففائز وخاسر ومن لم يفز ولم يخسر‪ ،‬فعن طارق بن شهاب‪ ،‬أنه بات عند‬
‫سلمان ينظر اجتهاده قال‪ :‬فقام فصلى من آخر الليل فكأنه لم ير الذي كان‬
‫يظن فذكر ذلك له فقال سلمان‪ :‬حافظوا على هذه الصلوات الخمس فإنهن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه أبو داود في الزهد (‪.)150‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه ابن سعد (‪.)155/4‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫واألربعة عشر اسم للعبة كانت معروفة بهذا االسم وقتها‪.‬‬
‫رواه ابن سعد (‪.)164/4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه ابن أبي شيبة (‪.)34445‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪221‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬بذل الوقت فيما ال نفع فيه أو فيما غيره ٌ‬
‫خيرمنه‬

‫كفارات لهذه الجراحات ما لم تصب المقتلة‪ ،‬فإذا أمسى الناس كانوا على‬
‫ثالث منازل فمنهم من له وال عليه‪ ،‬ومنهم من عليه وال له‪ ،‬ومنهم ال له‬
‫وال عليه‪ ،‬فرجل اغتنم ظلمة الليل‪ ،‬وغفلة الناس‪ ،‬فقام يصلي حتى أصبح‬
‫فذلك له وال عليه‪ ،‬ورجل اغتنم غفلة الناس‪ ،‬وظلمة الليل‪ ،‬فركب رأسه‬
‫في المعاصي فذلك عليه وال له‪ ،‬ورجل صلى العشاء‪ ،‬ثم نام فذلك ال‬
‫له وال عليه‪ ،‬فإياك والحقحقة‪ ،‬وعليك بالقصد والدوام(‪.)1‬‬
‫وترى نحو هذا المعنى في وكالم ابن مسعود ـ ‪ ‬ـ أيضا‪ ،‬فعن‬
‫سالم بن أبي الجعد‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد اهلل بن مسعود‪ :‬ال ألفين أحدكم جيفة‬
‫ليل قطرب نهار‪ ،‬قيل‪ :‬وما قطرب نهار؟ قال‪ :‬يقطع نهاره بالحديث(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه عبد الرزاق (‪.)148‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود في الزهد (‪.)177‬‬
‫وقال أبو القاسم األصبهاني‪( :‬قطرب) النمل األسود الكبار تكون في المفاوز‪ ،‬تنقل‬
‫الحبوب إلى جحرها‪ ،‬فربما تنقل شيئا كثيرا‪ ،‬وال تأكل منها إال يسيرا)‪ .‬اهـ‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫سير السلف الصالحين إلسماعيل بن محمد األصبهاني (صـ‪.)477‬‬
‫‪222‬‬
‫الخاتمة‬

‫‪C‬‬

‫ال شك أن الوقت أثمن ما يملكه اإلنسان؛ فوقت اإلنسان هو عمره‬


‫الذي منحه اهلل تعالى له؛ فحفظ الوقت هو حفظ للعمر‪ ،‬وهو وعاء لكل‬
‫عمل يعمله اإلنسان‪ ،‬وقد جاء الكتاب والسنة المطهرة بما يبرز شرف‬
‫الوقت‪ ،‬وعظم قيمته‪.‬‬
‫ولما كان اآلل واألصحاب ــ رضوان اهلل عليهم أجمعين ــ خير من‬
‫عمل بالكتاب والسنة‪ ،‬وما تضمنته الشريعة الغراء من حكم وأحكام‪ ،‬كان‬
‫هديهم في تعاملهم مع الوقت‪ ،‬وإدارتهم له محل اهتمام كبير لمن أراد‬
‫القدوة الحسنة في ذلك‪.‬‬
‫فكان ما أثر عنهم في إدارة الوقت خير تطبيق لما جاءت به الشريعة‬
‫من رعاية كافة الجوانب اإلنسانية‪ ،‬وإيفاء كافة الحقوق الشرعية‬
‫والدنيوية‪ ،‬والتوازن بين الجوانب المادية والروحية‪ ،‬وإيفاء حقوق اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬والعباد‪ ،‬والنفس‪ ،‬وتوزيع الوقت بين ذلك كله‪ ،‬بال إفراط وال‬
‫تفريط؛ فكانوا خير قرن مطهرين‪ ،‬رضي اهلل عنهم أجمعين‪.‬‬
‫نسأل اهلل ‪ ‬أن يجمعنا بهم مع نبينا ـ ‘ ـ في جنته‪ ،‬وأن يرزقنا‬
‫حسن اتباعهم‪ ،‬والسير بسيرتهم؛ آمين‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫املصادر واملراجع‬

‫* اآلحاد والمثاني‪ ،‬أبو بكر بن أبي عاصم أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد‬
‫الشيباني (‪287‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬باسم فيصل أحمد الجوابرة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الراية‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1411 ،‬هـ ــ ‪1991‬م‪.‬‬
‫* األحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما‪ ،‬ضياء‬
‫الدين أبو عبد اهلل محمد بن عبد الواحد المقدسي (‪643‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أد‪.‬‬
‫عبد الملك بن عبد اهلل بن دهيش‪ ،‬الناشر‪ :‬دار خضر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الثالثة‪1420 ،‬هـ ــ ‪2000‬م‪.‬‬
‫* اإلحسان في تقريب صحيح ابن حبان‪ ،‬أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد‬
‫البستي (‪354‬هـ)‪ ،‬ترتيب‪:‬‬
‫بن حبان بن معاذ بن َم ْعب َد‪ ،‬التميمي‪ ،‬الدارمي‪ُ ،‬‬
‫األمير عالء الدين علي بن بلبان الفارسي (‪ 739‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب‬
‫األرنؤوط‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1408 ،‬هـ ــ‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫* أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن إسحاق بن العباس‬
‫المكي الفاكهي (‪272‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أد‪ .‬عبد الملك عبد اهلل دهيش‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار خضر ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫* اآلداب الشرعية والمنح المرعية‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن مفلح بن محمد بن‬
‫‪225‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫مفرج‪ ،‬شمس الدين المقدسي‪ ،‬الصالحي‪ ،‬الحنبلي (‪763‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬عالم‬


‫الكتب‪.‬‬
‫* إدارة الوقت‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم الفقي‪ ،‬الناشر‪ :‬إبداع لإلعالم والنشر‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫* إدارة الوقت بين التراث والمعاصرة‪ ،‬د‪ .‬محمد أمين شحارة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن‬
‫الجوزي‪ ،‬الطبعة األولى ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫* إدارة الوقت من المنظور اإلسالمي واإلداري‪ ،‬د خالد بن عبد الرحمن بن‬
‫علي الجريسي‪.‬‬
‫* األدب المفرد‪ ،‬محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري‪ ،‬أبو‬
‫عبد اهلل (‪256‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬سمير بن أمين الزهيري‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة المعارف‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1419 ،‬هـ ــ ‪ 1998‬م‪.‬‬
‫* إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد ناصر الدين‬
‫األلباني (‪1420‬هـ)‪ ،‬إشراف‪ :‬زهير الشاويش‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتب اإلسالمي ــ‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪ 1405‬هـ ــ ‪1985‬م‪.‬‬
‫* استجالب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول ‘ وذوي الشرف‪ ،‬شمس الدين‬
‫الص َمي بابطين‪،‬‬
‫محمد بن عبد الرحمن السخاوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬خالد بن أحمد ُّ‬
‫الناشر‪ :‬دار البشائر اإلسالمية‪.‬‬
‫* اإلصابة في تمييز الصحابة‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن‬
‫حجر العسقالني (‪852‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد‬
‫معوض‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى ــ ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪226‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* أعمار األعيان‪ ،‬ابن الجوزي (‪597‬هـ)‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬المحقق‪:‬‬


‫د‪ .‬محمود الطناحي‪ ،‬الطبعة األولى ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫* إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن أبي بكر بن أيوب‬
‫ابن قيم الجوزية (‪751‬هـ)‪ ،‬حققه‪ :‬محمد عزير شمس‪ ،‬خرج أحايثه‪ :‬مصطفى‬
‫بن سعيد إيتيم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار عالم الفوائد ــ مكة المكرمة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1432‬هـ‪.‬‬
‫* آل البيت في المكتبة العربية‪ ،‬عبد العزيز الطباطبائي (‪1996‬م)‪ ،‬سلسلة آثار‬
‫المحقق الطباطبائي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة آل البيت إلحياء التراث‪.‬‬
‫* أمالي ابن بشران‪ ،‬أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد اهلل بن ْبشران‬
‫البغدادي (‪430‬هـ)‪ ،‬ضبط نصه‪ :‬أبو عبد الرحمن عادل بن يوسف العزازي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الوطن‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1418 ،‬هـ ــ ‪1997‬م‪.‬‬
‫* األموال البن زنجويه‪ ،‬أبو أحمد حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد اهلل‬
‫الخرساني‪ ،‬المعروف بابن زنجويه (‪251‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬شاكر ذيب فياض‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1406 ،‬هـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫الحافظ ابن َحجر‬‫الساري في تخريج َوتحقيق األحاديث التي ذكرها َ‬ ‫* أنيس َّ‬
‫الباري‪ ،‬أبو حذيفة‪ ،‬نبيل بن منصور بن يعقوب بن سلطان‬ ‫العسقالني في فَتح َ‬
‫السماحة‪،‬‬
‫مؤس َسة َّ‬
‫البصارة الكويتي‪ ،‬تحقيق‪ :‬نبيل بن َمنصور البصارة‪ ،‬الناشر‪َّ :‬‬
‫مؤس َسة الريَّان‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1426 ،‬هـ ــ ‪2005‬م‪.‬‬
‫َّ‬
‫* أهل البيت بين مدرستين‪ ،‬محمد سالم الخضر‪ ،‬الناشر‪ :‬مبرة اآلل واألصحاب‪،‬‬
‫‪2008‬م‪.‬‬
‫‪227‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* األوائل البن أبي عاصم‪ ،‬أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن‬
‫الضحاك بن مخلد الشيباني (‪287‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد بن ناصر العجمي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الخلفاء للكتاب اإلسالمي ــ الكويت‪.‬‬
‫* بحر الفوائد = معاني األخبار‪ ،‬أبو بكر محمد بن أبي إسحاق بن إبراهيم بن‬
‫يعقوب الكالباذي البخاري الحنفي (‪380‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حسن محمد‬
‫حسن إسماعيل‪ ،‬أحمد فريد المزيدي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‬
‫ــ لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1420 ،‬هـ ــ ‪1999‬م‪.‬‬
‫* بهجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار في شرح جوامع األخبار‪ ،‬عبد الرحمن‬
‫بن ناصر آل سعدي (‪1376‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الكريم بن رسمي‪ ،‬دار النشر‪:‬‬
‫مكتبة الرشد للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى ‪1422‬هـ ــ ‪2002‬م‪.‬‬
‫* التاريخ األوسط‪ ،‬محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري‪ ،‬أبو‬
‫عبد اهلل (‪256‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود إبراهيم زايد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الوعي‪ ،‬مكتبة‬
‫دار التراث ــ حلب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1397 ،‬هـ ــ ‪1977‬م‪.‬‬
‫* تاريخ دمشق‪ ،‬أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة اهلل‪ ،‬المعروف بابن عساكر‬
‫(‪571‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عمرو بن غرامة العمروي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬عام النشر‪ 1415 :‬هـ ــ ‪1995‬م‪.‬‬
‫* تاريخ الرسل والملوك = تاريخ الطبري‪ ،‬وصلة تاريخ الطبري‪ ،‬محمد بن‬
‫جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي‪ ،‬أبو جعفر الطبري (‪310‬هـ)‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار التراث ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ــ ‪ 1387‬هـ‪.‬‬
‫* تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك‪.‬‬
‫* تاريخ المدينة‪ ،‬عمر بن شبة النميري البصري‪ ،‬أبو زيد (‪262‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫‪228‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫فهيم محمد شلتوت‪ ،‬طبع على نفقة‪ :‬السيد حبيب محمود أحمد ــ جدة‪ ،‬عام‬
‫النشر‪1399 :‬هـ‪.‬‬
‫* تاريخ ابن معين‪ ،‬رواية الدوري‪ ،‬أبو زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد‬
‫بن بسطام‪ ،‬البغدادي (‪233‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬أحمد محمد نور سيف‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مركز البحث العلمي وإحياء التراث اإلسالمي ــ مكة المكرمة‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1399 ،‬هـ ــ ‪1979‬م‪.‬‬
‫* تاريخ ابن يونس المصري‪ ،‬عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي‪ ،‬أبو‬
‫سعيد (‪347‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫* تأويل مختلف الحديث‪ ،‬أبو محمد عبد اهلل بن مسلم بن قتيبة الدينوري‬
‫(‪276‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتب االسالمي ــ مؤسسة اإلشراق‪ ،‬الطبعة‪ :‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1419‬هـ ــ ‪1999‬م‪.‬‬
‫* تخريج األحاديث واآلثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري‪ ،‬جمال الدين‬
‫أبو محمد عبد اهلل بن يوسف بن محمد الزيلعي (‪762‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل‬
‫بن عبد الرحمن السعد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن خزيمة ــ الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫* ترتيب األمالي الخميسية للشجري‪ ،‬مؤلف األمالي‪ :‬يحيى بن الحسين بن‬
‫إسماعيل بن زيد الحسني الشجري الجرجاني (المتوفى ‪ 499‬هـ)‪ ،‬ترتيب‪:‬‬
‫القاضي محيي الدين محمد بن أحمد القرشي العبشمي (‪610‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد حسن محمد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪ 1422‬هـ ــ ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪229‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* التفسير من سنن سعيد بن منصور‪ ،‬أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة‬


‫الخراساني الجوزجاني (‪227‬هـ)‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د سعد بن عبد اهلل بن‬
‫عبد العزيز آل حميد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الصميعي للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1417‬هـ ــ ‪1997‬م‪.‬‬
‫* تقريب التهذيب‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر‬
‫العسقالني (‪852‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عوامة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الرشيد ــ سوريا‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1406 ،‬هـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫* تهذيب اآلثار وتفصيل الثابت عن رسول اهلل من األخبار‪ ،‬محمد بن جرير بن‬
‫يزيد بن كثير بن غالب اآلملي‪ ،‬أبو جعفر الطبري (‪310‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود‬
‫محمد شاكر‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة المدني ــ القاهرة‪.‬‬
‫* تهذيب التهذيب‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر‬
‫العسقالني (‪852‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة دائرة المعارف النظامية‪ ،‬الهند‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الطبعة األولى‪1326 ،‬هـ‪.‬‬
‫* تهذيب الكمال في أسماء الرجال‪ ،‬يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف‪ ،‬أبو‬
‫الحجاج‪ ،‬جمال الدين ابن الزكي أبي محمد القضاعي الكلبي المزي‬
‫(‪742‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬بشار عواد معروف‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة ــ بيروت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1400 ،‬هـ ــ ‪1980‬م‪.‬‬
‫* تهذيب اللغة‪ ،‬محمد بن أحمد بن األزهري الهروي‪ ،‬أبو منصور (‪370‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد عوض مرعب‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ــ بيروت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* جامع البيان عن تأويل آي القرآن = تفسير الطبري‪ ،‬محمد بن جرير بن يزيد‬


‫بن كثير بن غالب اآلملي‪ ،‬أبو جعفر الطبري (‪310‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور‬
‫عبد اهلل بن عبد المحسن التركي‪ ،‬بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات‬
‫اإلسالمية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن يمامة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار هجر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع واإلعالن‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1422 ،‬هـ ــ ‪2001‬م‪.‬‬
‫* جامع التحصيل في أحكام المراسيل‪ ،‬صالح الدين أبو سعيد خليل بن‬
‫كيكلدي بن عبد اهلل الدمشقي العالئي (‪761‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي عبد المجيد‬
‫السلفي‪ ،‬الناشر‪ :‬عالم الكتب ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1407 ،‬هـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫* جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم‪ ،‬زين الدين‬
‫السالمي‪ ،‬البغدادي‪ ،‬ثم‬
‫عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن‪َ ،‬‬
‫الدمشقي‪ ،‬الحنبلي (‪795‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط ــ إبراهيم باجس‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬السابعة‪1422 ،‬هـ ــ ‪2001‬م‪.‬‬
‫* الجامع في الحديث‪ ،‬أبو محمد عبد اهلل بن وهب بن مسلم المصري القرشي‬
‫(‪197‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د مصطفى حسن حسين محمد أبو الخير‪ ،‬أستاذ الحديث‬
‫وعلومه المساعد ــ كلية أصول الدين ــ القاهرة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن الجوزي ــ‬
‫الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1416‬هـ ــ ‪1995‬م‪.‬‬
‫* الجامع الكبير = سنن الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن‬
‫الضحاك‪ ،‬الترمذي‪ ،‬أبو عيسى (‪279‬هـ)‪ ،‬المحققون‪ :‬أحمد محمد شاكر (جـ‬
‫‪ ،)2 ،1‬ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ ‪ ،)3‬وإبراهيم عطوة عوض المدرس‬
‫في األزهر الشريف (جـ ‪ ،)5 ،4‬الناشر‪ :‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي‬
‫الحلبي ــ مصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1395 ،‬هـ ــ ‪1975‬م‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل ‘ وسننه وأيامه =‬


‫صحيح البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل أبو عبداهلل البخاري الجعفي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ،‬الناشر‪ :‬دار طوق النجاة ــ مصورة عن السلطانية‬
‫بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي ــ‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫* جزء فيه مجلسان من أمالي أبي الحسين بن بشران‪ ،‬علي بن محمد بن عبد اهلل‬
‫بن بشران األموي أبو الحسين البغدادي المعدل (‪415‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبي‬
‫عبد اهلل حمزة الجزائري‪ ،‬الناشر‪ :‬الدار األثرية‪ ،‬ضمن مجموع كتاب سلوك‬
‫طريق السلف وستة أجزاء أخرى‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى ‪2009‬م‪.‬‬
‫* الجزء المتمم لطبقات ابن سعد‪ ،‬الطبقة الخامسة في من قبض رسول اهلل ‘‪.‬‬
‫وهم أحداث األسنان‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالوالء‪،‬‬
‫البصري‪ ،‬البغدادي المعروف بابن سعد (‪230‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد بن صامل‬
‫السلمي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الصديق ــ الطائف‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1414 ،‬هـ ــ ‪1993‬م‪.‬‬
‫* جالء األفهام في فضل الصالة على محمد خير األنام‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن‬
‫أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (‪751‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب‬
‫األرناؤوط ــ عبد القادر األرناؤوط‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العروبة ــ الكويت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الثانية‪1407 ،‬هـ ــ ‪1987‬م‪.‬‬

‫* جمل من أنساب األشراف‪ ،‬أحمد بن يحيى بن جابر بن داود َ‬


‫الب َال ُذري‬
‫(‪279‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬سهيل زكار ورياض الزركلي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر ــ‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1417 ،‬هـ ــ ‪1996‬م‪.‬‬
‫* جمهرة اللغة‪ ،‬أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد األزدي (‪321‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫رمزي منير بعلبكي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العلم للماليين ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء‪ ،‬أبو عبداهلل‬
‫محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (‪751‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أجمل‬
‫اإلصالحي‪ ،‬خرج أحاديثه‪ :‬زائد بن أحمد النشيري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار عالم الفوائد‬
‫ــ مكة المكرمة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫* حقوق آل البيت‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي‬
‫(‪728‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد القادر عطا‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية بيروت ـ‬
‫لبنان‪.‬‬
‫* حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬أبو نعيم أحمد بن عبد اهلل بن أحمد بن‬
‫إسحاق بن موسى بن مهران األصبهاني (‪430‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬السعادة ــ بجوار‬
‫محافظة مصر‪1394 ،‬هـ ــ ‪1974‬م‪.‬‬
‫* الحيوان‪ ،‬عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالوالء‪ ،‬الليثي‪ ،‬أبو عثمان‪،‬‬
‫الشهير بالجاحظ (‪255‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الثانية‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫* الخراج‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة‬
‫األنصاري (المتوفى‪182 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬طه عبد الرءوف سعد‪ ،‬سعد حسن‬
‫محمد‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة األزهرية للتراث‪.‬‬
‫سالم بن عبد اهلل الهروي‬‫* الخطب والمواعظ ألبي عبيد‪ ،‬أبو ُعبيد القاسم بن ّ‬
‫البغدادي (‪224‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬رمضان عبد التواب‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الثقافة‬
‫الدينية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪.‬‬
‫* ذيل طبقات الحنابلة‪ ،‬زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن‪،‬‬
‫‪233‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫السالمي‪ ،‬البغدادي‪ ،‬ثم الدمشقي‪ ،‬الحنبلي (‪795‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫َ‬


‫د عبد الرحمن بن سليمان العثيمين‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة العبيكان ــ الرياض‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1425 ،‬هـ ــ ‪2005‬م‪.‬‬
‫* رسالة إلى أهل الثغر بباب األبواب‪ ،‬أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق‬
‫األشعري (‪324‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل شاكر الجنيدي‪ ،‬الناشر‪ :‬عمادة البحث‬
‫العلمي بالجامعة اإلسالمية‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة‪1413 :‬هـ‪.‬‬
‫* روضة العقالء ونزهة الفضالء‪ ،‬محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ‬
‫البستي (‪354‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬ ‫بن َم ْعب َد‪ ،‬التميمي‪ ،‬أبو حاتم‪ ،‬الدارمي‪ُ ،‬‬
‫محي الدين عبد الحميد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‪.‬‬
‫* روضة المحبين ونزهة المشتاقين‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس‬
‫الدين ابن قيم الجوزية (‪751‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة‪1403 :‬هـ ــ ‪1983‬م‪.‬‬
‫* الزهد‪ ،‬أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل بن أسد الشيباني‪ ،‬أبو عبد اهلل‬
‫(‪241‬هـ)‪ ،‬وضع حواشيه‪ :‬محمد عبد السالم شاهين‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1420 ،‬هـ ــ ‪1999‬م‪.‬‬
‫* الزهد‪ ،‬أبو بكر ابن أبي الدنيا‪ ،‬عبد اهلل بن محمد بن عبيد‪ ،‬البغدادي األموي‬
‫القرشي (‪281‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1420 ،‬هـ‬
‫ــ ‪1999‬م‪.‬‬
‫السجستاني‪ ،‬سليمان بن األشعث بن إسحاق‪ ،‬األزدي‬ ‫* الزهد‪ ،‬أبو داود ِّ‬
‫(‪275‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو تميم ياسر بن ابراهيم بن محمد‪ ،‬أبو بالل غنيم بن عباس‬
‫بن غنيم وقدم له وراجعه‪ :‬فضيلة الشيخ محمد عمرو بن عبد اللطيف‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار المشكاة للنشر والتوزيع‪ ،‬حلوان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1414 ،‬هـ ــ ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪234‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫السرِي‪ ،‬التميمي الدارمي الكوفي‬ ‫السرِي بن مصعب‪ ،‬أبو َّ‬‫* الزهد‪َ ،‬هنَّاد بن َّ‬
‫(‪243‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الخلفاء‬
‫للكتاب اإلسالمي ــ الكويت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫* الزهد والرقائق‪ ،‬أبو عبد الرحمن عبد اهلل بن المبارك بن واضح الحنظلي‪،‬‬
‫المروزي (‪181‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫التركي ثم ْ‬
‫الكتب العلمية ــ بيروت‪.‬‬
‫* سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها‪ ،‬أبو عبد الرحمن‬
‫محمد ناصر الدين‪ ،‬بن نوح بن نجاتي‪ ،‬األلباني (‪1420‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة‬
‫المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪.‬‬
‫* سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في األمة‪ ،‬أبو‬
‫عبد الرحمن محمد ناصر الدين‪ ،‬بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم‪،‬‬
‫األشقودري األلباني (‪1420‬هـ)‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار المعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1412 ،‬هـ ــ ‪1992‬م‪.‬‬
‫* سنن أبي داود‪ ،‬أبو داود سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن‬
‫السجستاني (‪275‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪،‬‬
‫عمرو األزدي ِّ‬
‫الناشر‪ :‬المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا ــ بيروت‪.‬‬
‫* سنن سعيد بن منصور‪ ،‬أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني‬
‫الجوزجاني (‪227‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬الناشر‪ :‬الدار‬
‫السلفية ــ الهند‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1403 ،‬هـ ــ ‪1982‬م‪.‬‬
‫* السنن الصغير للبيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ال ُخ ْس َر ْو ِجردي‬
‫الخراساني‪ ،‬أبو بكر البيهقي (‪458‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المعطي أمين قلعجي‪،‬‬

‫‪235‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫دار النشر‪ :‬جامعة الدراسات اإلسالمية‪ ،‬كراتشي ـ باكستان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬


‫‪1410‬هـ ــ ‪1989‬م‪.‬‬
‫* السنن الكبرى‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ال ُخ ْس َر ْو ِجردي‬
‫الخراساني‪ ،‬أبو بكر البيهقي (‪458‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ــ لبنات‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ 1424 ،‬هـ ــ‬
‫‪ 2003‬م‪.‬‬
‫* السنن الكبرى‪ ،‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني‪ ،‬النسائي‬
‫(‪303‬هـ)‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه‪ :‬حسن عبد المنعم شلبي‪ ،‬أشرف عليه‪ :‬شعيب‬
‫األرناؤوط‪ ،‬قدم له‪ :‬عبد اهلل بن عبد المحسن التركي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‬
‫ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1421 ،‬هـ ــ ‪2001‬م‪.‬‬
‫* سنن ابن ماجه‪ ،‬محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬ابن ماجة‪273( ،‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء الكتب العربية ــ فيصل‬
‫عيسى البابي الحلبي‪.‬‬
‫* السنة‪ ،‬أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد‬
‫الشيباني (‪287‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتب‬
‫اإلسالمي ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1400 ،‬هـ‪.‬‬
‫* السير‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن‬
‫حصن الفزاري (‪188‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬فاروق حمادة‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة ــ‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫* سير أعالم النبالء‪ ،‬المؤلف‪ :‬شمس الدين أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن‬
‫عثمان بن قَ ْايماز الذهبي (المتوفى‪748 :‬هـ)‪ ،‬المحقق‪ :‬مجموعة من المحققين‬

‫‪236‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫بإشراف الشيخ شعيب األرناؤوط‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪،‬‬


‫‪1405‬هـ ــ ‪1985‬م‪.‬‬
‫* سير السلف الصالحين إلسماعيل بن محمد األصبهاني‪ ،‬إسماعيل بن محمد‬
‫بن الفضل بن علي القرشي الطليحي التيمي األصبهاني‪ ،‬أبو القاسم‪ ،‬الملقب‬
‫بقوام السنة (‪535‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬كرم بن حلمي بن فرحات بن أحمد‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الراية للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫* شرح السنة‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي‬
‫(‪516‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط ــ محمد زهير الشاويش‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫المكتب اإلسالمي ــ دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1403 ،‬هـ ــ ‪1983‬م‪.‬‬
‫* شرح صحيح البخارى البن بطال‪ ،‬ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن‬
‫عبد الملك (‪449‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو تميم ياسر بن إبراهيم‪ ،‬دار النشر‪ :‬مكتبة‬
‫الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1423 ،‬هـ ــ ‪2003‬م‪.‬‬
‫* شرح الفصيح‪ ،‬ابن هشام اللخمي (المتوفى ‪ 577‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬مهدي‬
‫عبيد جاسم‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1409 ،‬هـ ــ ‪1988‬م‪.‬‬
‫* شرح مشكل اآلثار‪ ،‬أبو جعفر أحمد بن محمد بن سالمة بن عبد الملك بن‬
‫سلمة األزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (‪321‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫شعيب األرنؤوط‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى ــ ‪ 1415‬هـ‪،‬‬
‫‪ 1494‬م‪.‬‬
‫* شرح النووي على مسلم = المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪.‬‬
‫ي البغدادي (‪360‬هـ)‪،‬‬ ‫* الشريعة‪ ،‬أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد اهلل ُ‬
‫اآلج ِّر ُّ‬
‫‪237‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫تحقيق‪ :‬الدكتور عبد اهلل بن عمر بن سليمان الدميجي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الوطن‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1420 ،‬هـ ــ ‪1999‬م‪.‬‬
‫* شعب اإليمان‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ال ُخ ْس َر ْو ِجردي‬
‫الخراساني‪ ،‬أبو بكر البيهقي (‪458‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد العلي عبد الحميد‬
‫حامد‪ ،‬أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه‪ :‬مختار أحمد الندوي‪ ،‬صاحب‬
‫الدار السلفية ببومباي ــ الهند‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض‬
‫بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1423 ،‬هـ ــ ‪2003‬م‪.‬‬
‫* الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري‬
‫الفارابي (‪393‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العلم‬
‫للماليين ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة ‪ 1407‬هـ ــ ‪1987‬م‪.‬‬

‫* صحيح التر ِغيب والترهيب‪ ،‬محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬الناشر‪َ :‬‬
‫مكتبة‬
‫المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1421 ،‬هـ ــ ‪2000‬م‪.‬‬
‫َ‬
‫* صحيح الجامع الصغير وزياداته‪ ،‬أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين‪ ،‬بن‬
‫الحاج نوح بن نجاتي بن آدم‪ ،‬األشقودري األلباني (‪1420‬هـ)‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫المكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫* صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان‪ ،‬محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن‬
‫البستي (‪354‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫معاذ بن َم ْعب َد‪ ،‬التميمي‪ ،‬أبو حاتم‪ ،‬الدارمي‪ُ ،‬‬
‫شعيب األرنؤوط‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1414 ،‬هـ‬
‫ــ ‪1993‬م‪.‬‬
‫* صحيح ابن خزيمة‪ ،‬أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح‬
‫بن بكر السلمي النيسابوري (‪311‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد مصطفى األعظمي‪،‬‬
‫‪238‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫الناشر‪ :‬المكتب اإلسالمي ــ بيروت‪.‬‬


‫* صحيح أبي داود‪ ،‬أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين‪ ،‬بن الحاج نوح بن‬
‫نجاتي بن آدم‪ ،‬األشقودري األلباني (‪1420‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة غراس‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫* صحيح السيرة النبوية‪ ،‬محمد ناصر الدين األلباني (‪1420‬هـ)‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫المكتبة اإلسالمية ــ عمان ــ األردن‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪.‬‬
‫* الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين‪ ،‬أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي‬
‫الوادعي (‪ 1422‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬دار اآلثار ــ صنعاء‪ ،‬اليمن‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة‪،‬‬
‫‪1428‬هـ ــ ‪2007‬م‪.‬‬
‫* صيد الخاطر‪ ،‬جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي‬
‫(‪597‬هـ)‪ ،‬اعتنى به‪ :‬حسن المساحي سويدان‪ ،‬الناشر‪ :‬دار القلم ــ دمشق‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1425 ،‬هـ ــ ‪2004‬م‪.‬‬
‫* الطبقات الكبرى‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالوالء‪،‬‬
‫البصري‪ ،‬البغدادي المعروف بابن سعد (‪230‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار صادر ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1968 ،‬م‪.‬‬
‫* عصرنا والعيش في زمانه الصعب‪ ،‬عبد الكريم بكار‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫* العقل وفضله‪ ،‬أبو بكر عبد اهلل بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي‬
‫األموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا (‪281‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة القرآن ــ‬
‫مصر‪.‬‬
‫‪239‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* العلم‪ ،‬أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي (‪234‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ناصر‬
‫الدين األلباني‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتب اإلسالمي ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪1403‬هـ ــ ‪1983‬م‪.‬‬
‫* العمر والشيب‪ ،‬أبو بكر عبد اهلل بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي‬
‫األموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا (‪281‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬نجم عبد اهلل‬
‫خلف‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد ــ الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫* غذاء األلباب في شرح منظومة اآلداب‪ ،‬المؤلف‪ :‬شمس الدين‪ ،‬أبو العون‬
‫محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (المتوفى‪1188 :‬هـ)‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مؤسسة قرطبة ــ مصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1414 ،‬هـ ــ ‪1993‬م‪.‬‬
‫* غريب الحديث‪ ،‬أبو محمد عبد اهلل بن مسلم بن قتيبة الدينوري (‪276‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل الجبوري‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة العاني ــ بغداد‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1397‬هـ‪.‬‬
‫* الفائق في غريب الحديث واألثر‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪،‬‬
‫الزمخشري جار اهلل (‪538‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي ــ محمد أبو‬
‫الفضل إبراهيم‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة ــ لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫* فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل‬
‫العسقالني الشافعي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة ــ بيروت‪ ،1379 ،‬رقم كتبه وأبوابه‬
‫وأحاديثه‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه‪:‬‬
‫محب الدين الخطيب‪.‬‬
‫* فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن‬
‫السالمي‪ ،‬البغدادي‪ ،‬ثم الدمشقي‪ ،‬الحنبلي (‪795‬هـ)‪،‬‬
‫رجب بن الحسن‪َ ،‬‬
‫‪240‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫الحقوق‪ :‬مكتب تحقيق دار الحرمين ــ القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1417 ،‬هـ ــ‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫* فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي‪ ،‬شمس الدين أبو الخير محمد بن‬
‫عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي (‪902‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬علي حسين علي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة السنة ــ مصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1424‬هـ ــ ‪2003‬م‪.‬‬
‫* فضائل الخلفاء األربعة وغيرهم ألبي نعيم األصبهاني‪ ،‬أبو نعيم أحمد بن‬
‫عبد اهلل بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران األصبهاني (‪430‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬صالح بن محمد العقيل‪ ،‬الناشر‪ :‬دار البخاري للنشر والتوزيع‪ ،‬المدينة‬
‫المنورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1417 ،‬هـ ــ ‪1997‬م‪.‬‬
‫* فضائل الصحابة‪ ،‬أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل بن أسد‬
‫الشيباني (‪241‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬وصي اهلل محمد عباس‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1403 ،‬هـ ــ ‪1983‬م‪.‬‬
‫* الفوائد‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية‬
‫(‪751‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1393 ،‬هـ‬
‫ــ ‪1973‬م‪.‬‬
‫* فوائد ابن بشران عن شيوخه‪ ،‬الجزء األول والثاني ــ ضمن مجموع مطبوع‬
‫باسم الفوائد البن منده ــ‪ ،‬علي بن محمد بن عبد اهلل بن بشران األموي أبو‬
‫الحسين البغدادي المعدل (‪415‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬خالف محمود عبد السميع‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1423 ،‬هـ ــ ‪2002‬م‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* القاموس المحيط‪ ،‬مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى‬


‫(‪817‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثامنة‪1426 ،‬ه ــ‬
‫‪2005‬م‪.‬‬
‫* قصر األمل‪ ،‬أبو بكر عبد اهلل بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي‬
‫األموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا (‪281‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد خير‬
‫رمضان يوسف‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن حزم ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1417 ،‬هـ ــ‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫* قيمة الزمن عند العلماء‪ ،‬عبد الفتاح أبو غدة الحلبي الحنفي (‪1417‬هـ)‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتب المطبوعات اإلسالمية ــ حلب‪ ،‬الطبعة‪ :‬العاشرة‪.‬‬
‫* كتاب العين‪ ،‬أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي‬
‫البصري (‪170‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د مهدي المخزومي‪ ،‬د إبراهيم السامرائي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪.‬‬
‫* كشف المشكل من حديث الصحيحين‪ ،‬جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن‬
‫بن علي بن محمد الجوزي (‪597‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي حسين البواب‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار الوطن ــ الرياض‪.‬‬
‫* الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل = تفسير الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم محمود بن‬
‫عمرو بن أحمد‪ ،‬الزمخشري جار اهلل (‪538‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‬
‫ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة ــ ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫* كالم الليالي واأليام‪ ،‬أبو بكر عبد اهلل بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس‬
‫البغدادي األموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا (‪281‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫‪242‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫خير رمضان يوسف‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1418 ،‬‬
‫هـ ــ ‪1997‬م‪.‬‬
‫* الكنى واألسماء‪ ،‬مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري‬
‫(‪261‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحيم محمد أحمد القشقري‪ ،‬الناشر‪ :‬عمادة البحث‬
‫العلمي بالجامعة اإلسالمية‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1404 ،‬هـ ــ‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫* كنز العمال في سنن األقوال واألفعال‪ ،‬عالء الدين علي بن حسام الدين ابن‬
‫قاضي خان القادري الشاذلي الهندي البرهانفوري ثم المدني فالمكي الشهير‬
‫بالمتقي الهندي (‪975‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬بكري حياني ــ صفوة السقا‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الطبعة الخامسة‪1401 ،‬هـ ــ ‪1981‬م‪.‬‬
‫* لسان العرب‪ ،‬محمد بن مكرم بن على‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين بن منظور‬
‫األنصاري اإلفريقي (‪711‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬دار صادر ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة ــ‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫* المجالسة وجواهر العلم‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري المالكي‬
‫(المتوفى‪333 :‬هـ)‪ ،‬المحقق‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫جمعية التربية اإلسالمية البحرين‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬لبنان‪ ،‬تاريخ النشر‪:‬‬
‫‪1419‬هـ‪.‬‬
‫* المجتبى من السنن = السنن الصغرى للنسائي‪ ،‬أبو عبد الرحمن أحمد بن‬
‫شعيب بن علي الخراساني‪ ،‬النسائي (‪303‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتب المطبوعات اإلسالمية ــ حلب‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1406 ،‬هـ ــ‬
‫‪1986‬م‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن‬
‫سليمان الهيثمي (‪807‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسام الدين القدسي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة‬
‫القدسي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عام النشر‪ 1414 :‬هـ‪ 1994 ،‬م‪.‬‬
‫* مجموع الفتاوى‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني‬
‫(‪728‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪ ،‬الناشر‪ :‬مجمع الملك‬
‫فهد لطباعة المصحف الشريف‪ ،‬المدينة النبوية‪1416 ،‬هـ ــ ‪1995‬م‪.‬‬
‫* محاسبة النفس البن أبي الدنيا‪ ،‬أبو بكر عبد اهلل بن محمد بن عبيد بن سفيان‬
‫بن قيس البغدادي األموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا (‪281‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬المسعتصم باهلل أبي هريرة مصطفى بن علي بن عوض‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1406 ،‬هـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫* المحكم والمحيط األعظم‪ ،‬أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي‬
‫(‪458‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد هنداوي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ــ‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1421 ،‬هـ ــ ‪2000‬م‪.‬‬
‫* مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن نصر بن‬
‫الم ْر َوزِي (‪294‬هـ)‪ ،‬اختصرها‪ :‬العالمة أحمد بن علي المقريزي‬‫الحجاج َ‬
‫(‪845‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬حديث أكادمي‪ ،‬فيصل اباد ــ باكستان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪ 1408‬هـ ــ ‪1988‬م‪.‬‬
‫* مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬نجم الدين‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬أحمد بن عبد الرحمن‬
‫بن قدامة المقدسي (‪689‬هـ)‪ ،‬قدم له‪ :‬األستاذ محمد أحمد دهمان‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مكتبة دار البيان‪ ،‬دمشق‪ ،‬عام النشر‪ 1398 :‬هـ ــ ‪1978‬م‪.‬‬
‫* المخصص‪ ،‬أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي (‪458‬هـ)‪،‬‬
‫‪244‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫تحقيق‪ :‬خليل إبراهم جفال‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ــ بيروت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1417 ،‬هـ ‪1996‬م‪.‬‬
‫* المخلصيات‪ ،‬وأجزاء أخرى ألبي طاهر المخلص‪ ،‬محمد بن عبد الرحمن‬
‫بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا البغدادي الم َخلِّص (‪393‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫نبيل سعد الدين جرار‪ ،‬الناشر‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية لدولة‬
‫قطر‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1429 ،‬هـ ــ ‪2008‬م‪.‬‬
‫* مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن‬
‫أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (‪751‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫المعتصم باهلل البغدادي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الثالثة‪ 1416 ،‬هـ ــ ‪1996‬م‪.‬‬
‫* المستدرك على الصحيحين‪ ،‬أبو عبد اهلل الحاكم محمد بن عبد اهلل بن محمد‬
‫بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن‬
‫البيع (‪405‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‬
‫ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1411 ،‬ــ ‪1990‬م‪.‬‬
‫* مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل‬
‫بن أسد الشيباني (‪241‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط ــ عادل مرشد‪،‬‬
‫وآخرون‪ ،‬إشراف‪ :‬د عبد اهلل بن عبد المحسن التركي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1421 ،‬هـ ــ ‪2001‬م‪.‬‬
‫* مسند اإلمام الشافعي‪ ،‬الشافعي أبو عبد اهلل محمد بن إدريس بن العباس بن‬
‫عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي‬
‫(‪204‬هـ)‪ ،‬رتبه على األبواب الفقهية‪ :‬محمد عابد السندي‪ ،‬عرف للكتاب‬
‫وترجم للمؤلف‪ :‬محمد زاهد بن الحسن الكوثري‪ ،‬تولى نشره وتصحيحه‬
‫‪245‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫ومراجعة أصوله‪ :‬يوسف علي الزواوي الحسني‪ ،‬وعزت العطار الحسيني‪،‬‬


‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬عام النشر‪1370 :‬هـ ــ ‪1951‬م‪.‬‬
‫* مسند أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب ‪ ‬وأقواله على أبواب العلم‬
‫= مسند الفاروق‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم‬
‫الدمشقي (‪774‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المعطي قلعجي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الوفاء‪،‬‬
‫المنصورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1411 ،‬هـ ــ ‪1991‬م‪.‬‬
‫* مسند البزار = البحر الزخار‪ ،‬أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خالد‬
‫بن عبيد اهلل العتكي المعروف بالبزار (‪292‬هـ)‪ ،‬المحققون‪ :‬محفوظ الرحمن‬
‫زين اهلل‪ ،‬وعادل بن سعد‪ ،‬وصبري عبد الخالق الشافعي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة العلوم‬
‫والحكم ــ المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫الج ْو َهري البغدادي (‪230‬هـ)‪،‬‬ ‫* مسند ابن الجعد‪ ،‬علي بن َ‬
‫الج ْعد بن عبيد َ‬
‫تحقيق‪ :‬عامر أحمد حيدر‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة نادر ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1410‬هـ ــ ‪1990‬م‪.‬‬
‫* مسند الدارمي = سنن الدارمي‪ ،‬أبو محمد عبد اهلل بن عبد الرحمن بن الفضل‬
‫بن بَهرام بن عبد الصمد الدارمي‪ ،‬التميمي السمرقندي (‪255‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫حسين سليم أسد الداراني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المغني للنشر والتوزيع‪ ،‬المملكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1412 ،‬هـ ــ ‪ 2000‬م‪.‬‬
‫* مسند أبي داود الطيالسي‪ ،‬أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي‬
‫البصرى (‪204‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار هجر ــ مصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1419 ،‬هـ ــ ‪1999‬م‪.‬‬

‫* مسند الروياني‪ ،‬أبو بكر محمد بن هارون ُّ‬


‫الروياني (‪307‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫‪246‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫أيمن علي أبو يماني‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة قرطبة ــ القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬
‫* مسند ابن أبي شيبة‪ ،‬أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬عبد اهلل بن محمد بن إبراهيم بن‬
‫عثمان بن خواستي العبسي (‪235‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل بن يوسف العزازي‬
‫وأحمد بن فريد المزيدي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الوطن ــ الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫* المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل ‘‪ ،‬مسلم‬
‫بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (‪261‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد‬
‫عبد الباقي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ــ بيروت‪.‬‬
‫* مسند عبد اهلل بن عمر‪ ،‬أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي البغدادي‬
‫ثم الطرسوسي (‪273‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد راتب عرموش‪ ،‬الناشر‪ :‬دار النفائس‬
‫ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1393 ،‬هـ‪.‬‬
‫* مسند أبي يعلى‪ ،‬أبو يعلى أحمد بن علي بن المثُنى بن يحيى بن عيسى بن‬
‫هالل التميمي‪ ،‬الموصلي (‪307‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين سليم أسد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫المأمون للتراث ــ دمشق‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1404 ،‬هـ ــ ‪1984‬م‪.‬‬
‫* مشكاة المصابيح‪ ،‬محمد بن عبد اهلل الخطيب العمري‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬ولي‬
‫الدين‪ ،‬التبريزي (‪741‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫المكتب اإلسالمي ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫* مشيخة ابن البخاري‪ ،‬أحمد بن محمد بن عبد اهلل‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬جمال الدين‬
‫ابن الظاهري‪ ،‬الحنفي (‪696‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عوض عتقي سعد الحازمي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار عالم الفؤاد ــ مكة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1419 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* المصنف‪ ،‬أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني‬
‫(‪211‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬الناشر‪ :‬المجلس العلمي ــ‬
‫الهند‪ ،‬يطلب من‪ :‬المكتب اإلسالمي ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫* المصنف في األحاديث واآلثار‪ ،‬أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬عبد اهلل بن محمد بن‬
‫إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (‪235‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬كمال يوسف‬
‫الحوت‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد ــ الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫* المعجم‪ ،‬أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن زاذان األصبهاني‬
‫الخازن‪ ،‬ابن المقرئ (‪381‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل بن سعد‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة‬
‫الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬شركة الرياض للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1419 ،‬هـ ــ‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫* معجم األدباء = إرشاد األريب إلى معرفة األديب‪ ،‬شهاب الدين أبو عبد اهلل‬
‫ياقوت بن عبد اهلل الرومي الحموي (‪626‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1414 ،‬هـ ــ ‪1993‬م‪.‬‬
‫* المعجم األوسط‪ ،‬سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي‪ ،‬أبو القاسم‬
‫الطبراني (‪360‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬طارق بن عوض اهلل بن محمد‪ ،‬عبد المحسن بن‬
‫إبراهيم الحسيني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الحرمين ــ القاهرة‪.‬‬

‫* معجم الصحابة‪ ،‬أبو القاسم عبد اهلل بن محمد بن عبد العزيز بن َ‬


‫الم ْر ُزبان بن‬
‫سابور بن شاهنشاه البغوي (‪317‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد األمين بن محمد‬
‫الجكني‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة دار البيان ــ الكويت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1421 ،‬هـ ــ‬
‫‪ 2000‬م‪.‬‬
‫* المعجم الكبير‪ ،‬سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي‪ ،‬أبو‬
‫‪248‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫القاسم الطبراني (‪360‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي بن عبد المجيد السلفي‪ ،‬الناشر‪:‬‬


‫مكتبة ابن تيمية ــ القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫* معرفة السنن واآلثار‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ال ُخ ْس َر ْو ِجردي‬
‫الخراساني‪ ،‬أبو بكر البيهقي (‪458‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المعطي أمين قلعجي‪،‬‬
‫الناشرون‪ :‬جامعة الدراسات اإلسالمية (كراتشي ــ باكستان)‪ ،‬دار الوفاء‪،‬‬
‫المنصورة ــ مصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1412 ،‬هـ ــ ‪1991‬م‪.‬‬
‫* المعرفة والتاريخ‪ ،‬يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي‪ ،‬أبو يوسف‬
‫(‪277‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أكرم ضياء العمري‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1401 ،‬هـ ــ ‪1981‬م‪.‬‬
‫* مفاتيح الغيب = التفسير الكبير = تفسير الرازي‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن عمر‬
‫بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب‬
‫الري (‪606‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪،‬‬
‫‪1420‬هـ‪.‬‬
‫* المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬أبو العباس أحمد بن عمر بن‬
‫إبراهيم القرطبي (‪ 578‬ــ ‪ 656‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محيي الدين ديب ميستو ــ أحمد‬
‫محمد السيد ــ يوسف علي بديوي ــ محمود إبراهيم بزال‪ ،‬الناشر‪( :‬دار ابن‬
‫كثير‪ ،‬دمشق ــ بيروت)‪( ،‬دار الكلم الطيب‪ ،‬دمشق ــ بيروت)‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪ 1417 ،‬هـ ــ ‪ 1996‬م‪.‬‬
‫* المقاصد الحسنة في بيان كثير من األحاديث المشتهرة على األلسنة‪ ،‬شمس‬
‫الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (‪902‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد عثمان الخشت‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪ 1405 ،‬هـ ــ ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪249‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* مكارم األخالق‪ ،‬أبو بكر عبد اهلل بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس‬
‫البغدادي األموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا (‪281‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجدي‬
‫السيد إبراهيم‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة القرآن ــ القاهرة‪.‬‬
‫* المنتخب من مسند عبد بن حميد‪ ،‬أبو محمد عبد الحميد بن حميد بن نصر‬
‫ال َك ّسي ويقال له‪ :‬ال َك ّشي بالفتح واإلعجام (‪249‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ مصطفى‬
‫العدوي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار بلنسية للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪1423‬هـ ــ‬
‫‪2002‬م‪.‬‬
‫* منهاج السنة النبوية في نقض كالم الشيعة القدرية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس‬
‫أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد ابن‬
‫تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (‪728‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد رشاد سالم‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1406 ،‬هـ‬
‫ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫* المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن‬
‫شرف النووي (‪676‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الثانية‪1392 ،‬هـ‪.‬‬
‫* موارد الظمآن لدروس الزمان‪ ،‬خطب وحكم وأحكام وقواعد ومواعظ وآداب‬
‫وأخالق حسان‪ ،‬عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن السلمان (‪1422‬هـ)‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الثالثون‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫والمختلِف‪ ،‬أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود‬
‫َ‬ ‫المؤتلِف‬
‫َ‬ ‫*‬
‫بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني (‪385‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬موفق بن عبد اهلل‬
‫بن عبد القادر‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الغرب اإلسالمي ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1406‬هـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪250‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* ميزان االعتدال في نقد الرجال‪ ،‬شمس الدين أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن‬
‫عثمان بن قَ ْايماز الذهبي (‪748‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫دار المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1382 ،‬هـ ــ ‪1963‬م‪.‬‬
‫* نخبة الفكر في مصطلح أهل األثر‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن‬
‫أحمد بن حجر العسقالني (‪852‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عصام الصبابطي ــ عماد‬
‫السيد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الحديث ــ القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الخامسة‪1418 ،‬هـ ــ‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫* نخبة الفكر في مصطلح أهل األثر‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد‬
‫بن صالح آل أعوج‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬الطبعة األولى ‪2006‬م‪.‬‬
‫* نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل األثر‪ ،‬أبو الفضل أحمد‬
‫بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقالني (‪852‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل‬
‫بن ضيف اهلل الرحيلي‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة سفير بالرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1422‬هـ‪.‬‬
‫* نسخة أبي مسهر‪ ،‬أبو مسهر عبد األعلى بن مسهر بن عبد األعلى بن أبي ذرمة‬
‫الغساني الدمشقي (‪218‬هـ)‪ ،‬ونُسخ أخرى لغيره من أهل العلم‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫مجدي فتحي السيد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الصحابة للتراث ــ طنطا‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1410‬هـ‪.‬‬
‫* النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد‬
‫بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن األثير (‪606‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬طاهر أحمد الزاوى ــ محمود محمد الطناحي‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة العلمية‬
‫ــ بيروت‪1399 ،‬هـ ــ ‪1979‬م‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* وصايا العلماء عند حضور الموت‪ ،‬أبو سليمان محمد بن عبد اهلل بن أحمد‬
‫بن ربيعة بن سليمان بن خالد بن عبد الرحمن بن زبر الربعي (‪379‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬صالح محمد الخيمي والشيخ عبد القادر األرناؤوط‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن‬
‫كثير‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1406 ،‬هـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫* وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد‬
‫بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان البرمكي اإلربلي (‪681‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫إحسان عباس‪ ،‬الناشر‪ :‬دار صادر ــ بيروت‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫ل‬
‫قائمة بعناوين الآ بحاب الحديدة مشروع‬
‫‪.‬‬

‫لصحاث)‬ ‫(تراث الآل وا آ‬


‫* القرآن في حياة اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* أدب التربية في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬نماذج من تعامل اآلل واألصحاب مع صغارهم‪.‬‬
‫* السفر وآدابه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* التجارة والمكاسب في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬آداب وقدوات ونماذج متنوعة‪.‬‬
‫* آداب معاملة الكبار والمرضى في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* اإلعاقة في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬نماذج وآداب وعبر‪.‬‬
‫* آداب التعامل مع غير المسلمين في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* العبادة والزهد في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* الذكر والدعاء في تراث آل البيت‪.‬‬
‫* فضل العلم وآداب طلبه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* آداب التعامل مع المرأة في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* آداب العشرة في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬استلهام للقيم الزوجية الناجحة في سير سلفنا‬
‫الصالح‪.‬‬
‫* آداب الحوار واالختالف في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬شواهد وآداب‪.‬‬
‫* قضايا نسائية‪ :‬قراءات في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* األطفال في رحاب اآلل واألصحاب‪ :‬بحث في أسس المعالجة الفنية واألدبية لنشر تراث‬
‫اآلل واألصحاب للمراحل العمرية الصغيرة‪.‬‬
‫* الوقف في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* ال َفقد في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬دراسة في الجوانب اإليمانية واإلنسانية‪.‬‬
‫* المهارات اإلدارية في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* إدارة الوقت في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* الطعام وآدابه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* المزاح وآدابه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* آداب التعامل مع الحيوان في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬

You might also like