Professional Documents
Culture Documents
2
واخلاص 76 .........................................................................
ُ العام
ُّ
صيغ العموم 79 ..........................................................................
اخلاص 85 ...............................................................................
صصات 88 ................................................................... أقسام املُ َخ ِّ
شرح منت الورقات| 95 .............................................................. |4
ِّ
املخصصات املتصلة 95 ..................................................................
املخصصات نوعان :متصلة ومنفصلة 96 ...................................................
صور املخصصات املنفصلة 97 ............................................................
ختصيص الكتاب ابلكتاب 98 .............................................................
ختصيص الكتاب ابلسنة100 ............................................................ :
السنَّة ابلسنة101 .............................................................. :
ختصيص ُّ
ختصيص السنة ابلكتاب 102 .............................................................
والسنَّة ِ
ابلقياس 102 ..................................................... ختصيص الكتاب ُّ
جمل واملُ ّبّي والظَّاهر واملُؤول 103 ......................................................
املُ َ
الدرجة األوىل (النَّص)104 .............................................................. : َّ
الدرجة الثَّانية (الظَّاهر) 105 ............................................................ :
َّ
الدرجة الثالثة (املُؤول)105 ............................................................. :
جمل)105 ........................................................... :
الدرجة الرابعة ( املُ َ
الرتتيب من القوة إىل َّ
الضعف 106 ........................................................
ط التَّأويل و شروطه 109 .............................................................
ضاب ُ
الرسول ﷺ 112 .................................................................. أفعال َّ
طاعة وقُر ٍبة 113 ......................................................
يدل على فِعل ٍ فِ ا
عال ُّ
على ٍ
وجه غري ال ُقربة والطَّاعة116 .........................................................
3
اإلقرار 121 .............................................................................
وعلِم به ومل يُنكره 121 ...................................
ما فُ ِعل يف وقته ﷺ يف غري جملسه َ
خ 123 .............................................................................النَّس ُ
ور للنَّسخ 124 ........................................................................
صٌ ُ
شرح منت الورقات| 127 ............................................................ |5
والرتجيح 128 ..............................................................
ابب التّعارض ّ
لألصويل والفقيه 128 .........................................
ّ والرتجيح
أمهيّة ابب التّعارض ّ
وهم التّعارض 129 .......................................................................
تعارض نطقان 132 ......................................................................
خطوات اجلمع بّي النّصوص اليت ظاهرها التّعارض 132 ....................................
النسخ133 ............................................................................ :
اجلمع134 ............................................................................. :
الرتجيح135 ........................................................................... :
ّ
طرق معرفة املتق ّدم من املتأ ّخر من األدلّة138 ............................................ :
حاالت التّعارض بّي ال ّدليلّي141 ....................................................... :
اإلمجاع 147 ............................................................................
اض العص ِر 150 ...............................................................
مسألة انقر ِ
اإلمجاع السكوت151 ....................................................................
الصحاب 152 ......................................................................
قول ّ
منطلقات االحتجاج بقول الصحاب153 ................................................. :
األخبار 154 ............................................................................
اخلرب املتواتر155 ....................................................................... :
اخلرب اآلحاد155 ....................................................................... :
4
شرح منت الورقات| 158 ............................................................ |6
ابب ِ
القياس 158 ........................................................................ ُ
أركان ِ
القياس 159 .......................................................................
أمثلة يف ِ
القياس 162 .....................................................................
أقسام ِ
القياس 163 ......................................................................
ُشروط ِ
القياس 168 ......................................................................
شروط ِ
العلَّة 170 ........................................................................
شرط احلُكم 171 ........................................................................
تعريف ِ
العلَّة واحلُكم172 .................................................................
االختالف يف التَّعريفات 172 .............................................................
األصل يف األشياء175 ..................................................................:
ُ
احلظر واإلابحة 176 .....................................................................
ُ
االستصحاب 176 .......................................................................
تيب األدلّة 177 .......................................................................
تر ُ
شروط املفيت 179 .......................................................................
شروط املستفيت183 .................................................................... :
االجتهاد 184 ...........................................................................
األسئلة 186 .................................................................... ِ
عد ٌد من ْ
5
شرح منت الورقات| |1
مق ّدمة
ِّ ِّ
كثريا طيبًا مبارًكا فيه ،ملءَ
محدا ًالرحيم ،احلمد هلل ً
الرمحن َّ
لسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته ،بسم هللا َّ ا َّ
شيء بعد .أمحده تعاىل وأشكره وملء ما شاء ربُّنا من ٍ
ِّ ِّ ِّ
السماوات ،وملءَ األرض ،وملءَ ما بينهماَ ، َّ
حمم ًدا عبد هللا ورسوله، وأستعينه وأستغفره ،وأشهد َّأَّل إله َّإَّل هللا وحده َّل شريك له ،وأشهد َّ
أن َّ
ٍ
إبحسان إىل يوم ومن تَ َبعهم هم ِّ ِّ وصفيُّه وخليله ،اللَّ َّ
صل وسلم وابرك عليه وعلى آل بيته ،وصحابتهَ ،
ِّ
الدينَّ ،أما بعد:
طالب العلم يف دراسة منت (خمتصر الورقات) ِِّلمام احل َرم ِّ
ني أيب املعايل فهذا هو َّأول لقاءاتنا معشر َّ
السبعة القادمة ،إن شاء هللا تعاىل ،نستفتحها اللَّيلة ين رمحة هللا عليه .وهذه اللِّقاءات ِّ
الستَّة أو َّ اجلَُو ِّ
ثالثة أرى أنَّه من ِّ
املهم أن نقاط ٍ يدي دراستنا ِِّلذا الكتاب ،وهي يف حدود ٍ مات بني َ بذكر ِّ
مقد ٍ
املقدمات احلديث عن تعريف العلم نتعرض ِلا قبل دراستنا لِّمثل هذا الكتاب .لست أريد يف هذه ِّ َّ
ُ
أردت احلديث عن ف ،رمحه هللا ،سيأيت عليهاِّ ، ومبادئه اليت جرت العادة بتناوِلا؛ َّ ِّ
لكن ُ ألن املُصن َ
ني ،رمحة هللا عليه ،وعن كتابه الورقات.احلرم ِّ
موقع هذا العلم مجل ًة بني العلوم الشَّرعيَّة وعن إمام َ
طالب العلم إليه ،وهو كما تعلمون أحد أبدأ مبوضوع هذا العلم ،أعن علم أصول الفقه ،وحاجة َّ
قصد بعلوم اآللة ،تلك العلوم اليت جيد فيها طالب العلم وسيل ًة للوصول إىل العلوم فروع علوم اآللة .ويُ َ
مقصود لذاته ،كتفسري كتاب هللا تعاىل ،ورواية
ٌ أن العلوم الشَّرعيَّة منها ما هو املقصودة لذاهتا ،أعن َّ
علوم مقصودةٌ لِّذاهتا ،يعن َّ
أن حديث رسول هللا ﷺ ،وعلم األحكام الشَّرعيَّة الذي هو الفقه ،فهذه ٌ
صلها .والقسم اآلخر من العلوم الشَّرعيَّة هو علوم صل العلم لِّما فيه من مثرٍة علميَّ ٍة ُُي ِّ طالب العلم ُُي ِّ
يتمكن هبا من فهم العلوم وهي ما اصطُلِّ َح
كسب طالب العلم آل ًة َّ اآللة ،وعلوم اآللة هي العلوم اليت تُ ِّ
على تسميتها يف العلوم الشَّرعيَّة أبصول العلم ،كأن تقول :أصول احلديث وأصول التَّفسري وأصول
الفقه .والنَّحو كذلك هو اآلخر من علوم اآللة؛ ألنَّه ِّ
ميكنك من فهم اللُّغة والتَّعامل مع كتاب هللا
وسنَّة رسول هللا ﷺ.
6
أن علم أصول الفقه هو واح ٌد من علوم اآللة ،نؤكِّد على هذا َّل أريد أن أطيل ،لكن حسبنا أن نفهم َّ
وي الَّذي يتعامل به طالب العلم املعىن ونُبينه من أجل أن تكون دراستنا لِّعلوم اآللة على املنهج َّ
الس ِّ
مع علوم اآللة ،إذن َّل يص ُّح إطالقًا أن يكون تعاطي أحدان لعل ٍم من علوم اآللة كأصول الفقه تعامله
مع العلوم املقصودة لذاهتا ،فليس علم اآللة ابلذي ُُي َفظ فيه التَّعريف والتَّقسيم واألنواع
واَّلصطالحات مثَّ َّل يفقه كيفيَّة توظيف هذا العلم فيما ُو ِّضع ألجله .علم أصول الفقه -كما
أصال للفقه؛ أي يُبىن
علم يَُراد منه أن يكون ً ِّ
سيأتيكم تعريفه بعد قليل يف كالم املصنف ،رمحه هللاٌ :-
عليه ،فما ََل يكن هذا العلم معينًا لك اي طالب العلم لئن ُميكنك من فهم الفقه ودراسته وحتصيله،
نمي عندك ملك َة الفقه أبن يكون هو يف طر ٍيق وأنت يف طر ٍيق ،وتدرس أصول الفقه وَّل تشعر أنَّه ي ِّ
ُ
أن دراستك لعلم األصول َّل كة اَّلستنباط ،مىت ما شعرت َّ يغذي الفقه لَديك وَّل يعينُك على ملَ ِّوَّل ِّ
ُ
خلال ما يف تعاملك مع هذا العلم؛ ألنَّه جيب أن يكون هذا العلم يف أن ً تساعدك على ذلك فاعلم َّ
َّكنًا لِّ َمن يدرسه للعلم الذي يريد صلته ،ويف طريق دراسته ،أن يكون يف هنايته ،أو يف أثنائهُُ ،م ِّ ُحم َّ
الوصول إليه ،فأصول الفقه ينبغي أن يقودك إىل الفقه ،وأصول التَّفسري ينبغي أن يقودك إىل التَّفسري،
لكن أن تدرس أصول تفس ٍري مثَّ َّل جتد عندك َملَكة التَّفسري ،وَّل فهم كتاب هللا ،وَّل تطبيق القواعد
خلل يف دراستك لِّلمنهج.
للوصول إىل معاين اآلايت فثَ َّم َة ٌ
كثريا من طلبة العلم يتعاملون مع علوم اآللة ،وأصول الفقه إن ًوضوح ألقول َّ ٍ سأكشف الغطاء مبزيد
كثريا بتوظيف قواعد
واح ٌد منها ،يتعاملون معها بطريقة احلفظ ،والتَّقسيم ،والتَّعريفات ،مثَّ َّل يُبالون ً
نمي عندهم ملَكة الفهم ،وملَكة اَّلستنباط ،يصنع منهم فقهاء مع هذا العلم ومسائله تطبي ًقا عمليًّا ي ِّ
ُ
خلل ينبغي جتاوزه. ِّ املمارسة و ُّ
الدربة والنَّظر املستمر ،هذا ٌ
غه ،ودَّلَّلته ،وعلىوصي ِّ
ِّ ِّ
مقتصرا على تعريف العامَ ، ً فإىل مىت يظل أحدان يف دراسة علم أصول الفقه
وصيغة حسب ما َّقرره األصوليُّون ،مثَّ إذاٍ ٍ
مسألة ِّ
مسائله ،وأحكام ِّ
كل ِّصيَغ األمر ،وأنواعه وأحوال
خنال بعد أن تُ َؤبَّر فله مثرهتا َّإَّل أن يشرتط
السالمَ :من ابع ً الصالة و َّ
َّب عليه َّ
وضعت أمامه قول الن ِّ
فقلت له :أين ِّصيَغ العموم؟ ما احلكم املستنبَط؟ وأين التَّخصيص؟ ويف احلديث علَّةٌ مثالَ ، املبتاع ً
ُ ُ
7
أي نوعٌ هو من أنواع اِلشارة إىل العلَّة؟ يفتح فمه
السالم أين هي؟ و ُّ
الصالة و َّ
َّب عليه َّ
أشار إليها الن ُّ
وكأنَّه ما درس شيئًا.
هذا اخللل ينبغي جتاوزه ،أبن تكون دراستنا ملسائل هذا العلم متجاوزًة قضي َة حفظ الت ِّ
َّقسيم ،واألنواع،
متوج ًها إىل أن تدرس العلم ،ويف ذهنك الوصول إىل والتَّعريفات وما إىل ذلك ،ينبغي أن يكون ِّ
وتتنمى ابملمارسة. الدوام ،ألنَّه مع َّ
األايم تنمو امللَكة َّ القاعدة ،وطريقة استعماِلا ،وُمارسة هذا على َّ
يف ألنه ي ِّ ِّ
ؤصل عند ُ يف؛ شر ٌ علم شر ٌ ُصول الفقه -هبذا القالب وهبذا املعىن الَّذي ُ
أشرت إليهٌ - علم أ ُ
تخصصخاصا ابلفقه؛ يعن امل ِّ
طالب العلم َملَكةً جتعلهُ يتعامل مع النُّصوص الشَّرعيَّة .وهبذا فهو ليس ًّ
ُ تخصص يف ِّتخصص يف احلديث ،وامل ِّ تخصص يف التَّفسري ،وامل ِّ يف العقيدة ،وامل ِّ
الفقه ،انظر كل العلوم
ُ ُ ُ
علم من العلوم -وهو أُصول الفقه- ٌ كان فإذا ة؟َّ
ل األد
و ة ي
َّ َّرعالش ُّصوصن ال على تدور أليست الشَّرعيَّة،
أحكام العقائد،
َ أردت منها
َّعامل مع النُّصوص الشَّرعيَّة ،سواءٌ َ يعطيك املَلَكة واملُ ْكنة والقدرة على الت ُ
حديث رسول هللا ﷺ ،أو استنباط األحكام الفقهيَّة ،يبقى هو ِّ تفسري معاين كِّتاب هللا ،أو شرحَ أو
ٍ ٍ ِّ ِّ
هذا العلم الذي ميكنك ألن تتعامل مع الدَّليل بطريقة صحيحة .هذا ما يتعلَّق هبذا العلم .و ُ
لست
حباجة ألن أقول أن أهل العلم كانوا وما يزالون يذكرون شرفهُ ،ومكانتهُ ،ومنزلتهُ ،وعظيم أثره يف حياة ٍ
طَُّالب العلم.
اِلمام اجلوين ،أبو قدمات هو احلديث عن إمام احلرمني رمحة هللا عليه: النُّقطة األخرى يف هذه امل ِّ
ُ ُ
املعايل ،عبد امللك بن عبد هللا بن يوسف اجلوين رمحة هللا عليه .اِلمام اجلوين إمام احلرمني ،شيخ
َ
َّ
الشَّافعيَّة بنيسابور .قدم احلجاز فحج ،وجاور مبكة واملدينة أربع سنني .يُقال أنه أ ََّم املسلمني يف
َ
مبكة واملدينة .وقيل إنَّه جاور -يعن احلرمني -ولذلك ُِّسي إبمام احلرمنيُ -مد َة بقائه األربع سنوات َّ
َ
مكة واملدينة -أربع سنني ،واستفاد منه النَّاس ،وطلبوا عنده العلم ،فنال اِلمامة يف هاتني َمكث بني َّ
البُقعتَ ْني املباركتَ ْني؛ فس ِّمي إبمام احلرمني .و ًّأاي كان فاملتَّ َفق عليه أنه قضى أربع سنوات ِّ
جماوًرا بني مكة
ُ ُ َ ُ
واملدينة عليه رمحة هللا.
8
أيضا للمكتبة اِلسالمية الشرعية
وعلما ودراي ًة واستنباطًا وثراءً ً
فقها ًإمام احلرمني أحد أئمة اِلسالم ً
بعل ٍم وف ٍري غزي ٍر .الذي مييز إمام احلرمني -رمحه هللا -يف مسار علم األصول على وجه اخلصوص أن له
الرتاث العلمي الذي خدم أصول الفقه ،أشهره ثالثة ٍ
كتب: تَ ِّرك ًة ضخم ًة ثري ًة ،متثَّلت يف ُمج ٍلة من ُّ
9
وعليه -يعن -شيءٌ من امللحوظات والنَّظر؛ سنأيت إىل ذكره اآلن .أما التَّلخيص فغاية ما فيه أنه
حفظ لنا كتاب التَّقريب واِلرشاد للقاضي أيب بك ٍر الباقِّ َّالين .والقاضي أبو بكر الباقِّالين َّأول من ِّ
َّحو الذي شامل ألبواب مسائل األصول على الن ْ متكامل ٍ ٍ أصول الفقه على حن ٍو ُمتَّس ٍع
صنَّف يف علم ُ
استقر عليه التَّأليف .القاضي أبو بك ٍر الباقالين ألَّف التَّقريب واِلرشاد مبراتب ثالثة :التَّقريب واِلرشاد
َّ
فلخصالصغري ،التقريب واِلرشاد األوسط ،التَّقريب واِلرشاد الكبري .جاء إمام احلرمني -رمحه هللاَّ - َّ
كتابه وسَّاه التَّلخيص؛ فالتَّلخيص ليس رأي إمام احلرمني ،بل هو رأي القاضي أيب بك ٍر الباقالين،
احلرمني ٍ
وعندئذ ملا جتد َّ طالب َّوإمام احلرمني َل يتتلمذ عليهَ ،ل يل َقهُ ،بل هو يف طبقة َّ
أن إمام َ َّ
طالبه. ُ
حىت خلَّصه واستوعبه ،لك أن تقول أنَّه مجع بني وقوته وطريقته يف األصول َّ تشرب فِّكر الباقالين َّ
قد َّ
جليل
مذهب ٌ ٌ أكثر من َم ِّزيَّة ،منها :حتصيلهُ لعلم القاضي أيب بك ٍر الباقالين ومذهبه يف األصول ،وهو
ألن من أكُب من نتج أيضا يف الوقت ذاته -أعن إمام احلرمني -ميثل مدرس ًة أصولي ًة؛ َّ معتم ٌد .وهو ً
من حتت يديه ،ومن عُلماء األ َُّمة اِلمام الغزايل -رمحه هللا ،-هو تلميذه املباشر ،صاحب املستصفى،
ُ ُ
ُح َّجة اِلسالم ،حممد بن حممد الغزايل ،أبو حامد .هو من كبار تالمذة إمام احلرمني.
فلما ننظر يف علم األصول ،ونرى أن كتاب الُبهان أحد الكتب املعتمدة واملستَصفى كذلك وهي َّ
ُ ُ
فعال جباللة مكانة إمام احلرمني -رمحه هللا ،-نسوق هذا الكالم بني يدي مدرسة واحدة ،يشعرك ً
دراستنا من أجل أن تكون عندان النظرة الكافية الوافية للكتاب الذي تقرؤه واملصنف الذي تقرأ له
ومكانته بني العلماء ومنزلته بني املصنفني يف هذا الفن على وجه اخلصوص ،كل هذه معطيات
تساعدك على أن تفهم وأن تتعامل مع اللفظ ،مع الكتاب مع املسائل بطريقة سليمة ومنهج سديد.
يبقى احلديث عن الورقات على وجه اخلصوص ،ورقات إمام احلرمني ورقات كما قال -رمحه هللا-
وكما ساها ،وهو الذي قال يف مقدمته" :فهذه الورقات" .هذه الورقات أراد هبا تقريب مسائل هذا
العلم على مجل خمتصرة ،إذن هي ليست كل مسائل علم األصول هذا أوًَّل ،واثنيا :ليست م ِّ
ستوعبة ُ ً
لآلراء األصولية يف املسألة الواحدة ،واثلثًا :ليس فيها احلديث عن اَّلستدَّلل للقواعد وَّل التمثيل ِلا
ابعا :ليست ُمستوعبة؛ مبعىن أهنا تعطي طالب العلم كل ما ُيتاجه عن مسائل علم بفروع فقهية ،ر ً
ومدخال ميسًرا ،وِلذا درجت
ً األصول .أرادها -رمحه هللا -أن تكون بني يدي طالب العلم تذكرة
10
العادة عند طلبة العلم يف مناهج حتصيل العلوم وسالَل الدراسة املنهجية ،أن يكون كتاب الورقات يف
أول املراتب اليت يدرسها طالب العلم عندما يدرس أصول الفقه ،ابعتباره عتبة أوىل يصلح أن تُبىن
عليه اخلطوات التالية.
متأخرا ،يف القرن اخلامسً ورقات إمام احلرمني -رمحه هللاَ -ل تشتهر بني أيدي طلبة العلم إَّل
والسادس اِلجري وما بعد ،وانتشرت شروحها وكثُرت لكنها يف القرون املتأخرة؛ القرن السابع فما بعد
كثرت شروح الورقات ،وأما قبل فلم تكن كذلك .ظل كتاب الورقات ونظمه للعمريطي وغريه من
الكتب اليت أرادت أن جتعل مثل هذا الكتاب بني يدي مبتدئ يف دراسة العلم وحتصيله مقدم ًة
ومدخال جي ًدا َُي ُسن اَّلبتداء به وبناء ما بعده عليه ،إذن َّل ينبغي ،إذا فهمت هذا الكالم فيما يتعلق
ً
ابلورقات فإنه جيب أن ندرس هذا الكتاب على هذه الطريقة ،ابلنحو املختصر املوجز ،وهذا هو
أيضا لن نستطرد يف ذكر مسائل َل يتعرض ِلا املصنِّف -رمحه هللا-
منهجنا يف الدورة -إن شاء هللاً ،-
كتااب متوس ًعا
،وأرى أن هذا هو الصواب يف دراسة املتون املختصرة ،ومن أراد التوسع فليقصد ً
يدرسه ،وليأيت إىل منت أتى على مثل هذا هذه املسائل فيتناوِلا ،لكن آيت إىل ٍ
كتاب خمتص ٍر ألفه
تصرا ووضعه على هذا النحو ،فينبغي أن تدرسه على هذا النحو ،أما اَّلستطراد يف ِّذكر مصنفه ُخم ً
ِّ
مسائل َل يذكرها أو التعمق يف تذييل مسائل أتى عليها على حنو اِلجياز واَّلختصار ،فكل ذلك ٍ
خروج عن منهج املصنِّف -رمحه هللا -أو منهج صاحب الكتاب.
أيضا -كما قلت -خطوةٌ أوىل َّل ينبغي أن يقتصر عليها طالب العلم ،ويظن أخريا هذا الكتاب هو ً
ً
كبريا يف مسائل هذا العلم؛ مثت مسائل أوردها إمام احلرمني -رمحه هللا -ها هنا يف
قدرا ً
أنه قد حصل ً
مثال أو فيما قرره يفالورقات ُُتالف أو تُغاير ما قرره يف موضع آخر ،مثل ما ينقله يف التلخيص ً
تعارضا بني الطريقتني ألنه كما فهمت الورقات شيء َّل ُميثل مذهب ً الُبهان ،فال ينبغي أن تفرتض
إمام احلرمني الذي احتج له إمام خادم احلرمني -رمحه هللا -أحد األئمة الذين مجعوا بني الفقه
واألصول ،ألن من املصنِّفني يف األصول من استغرق يف التصنيف األصويل؛ مبعىن التنظري اجملرد
كة ٍ
فقهية وُمارسته يف الفقه غري معروفة أو مشهورة ،بينما جتد إماما كإمام احلرمني -رمحه هللا -له تر ٍ
ً
11
ضخمة ،لو َل يكن فيها إَّل هناية املطلب الذي صنف فيه فقه الشافعي -رمحه هللا -فإنه يدلك على
فقه ٍ
عميق وإمامة حقيقية. ٍ
احلمد هلل رب العاملّي وصلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه أمجعّي.
هذه ورقات قليلة تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه ،وذلك مؤلّف من جزئّي
مفردين ":طيب ،هذه بداية عبارة املصنِّف -رمحه هللا" :-هذه ورقات قليلة تشتمل على معرفة
ُ
فصول من أصول الفق ِه" ،فهو صرح -رمحه هللا -مبنهجه يف الرسالة وطريقته فيه وما الذي أراده،
ٍ
قال" :هذه ورقات قليلة" ،ملا قال" :ورقات" أراد هبا التقليل ،فإن مجع املؤنث الساَل من مجوع القلة
عند سيبويه ،وأراد -رمحه هللا -أن تكون هذه املسائل نبذ ًة يسريًة موجزًة بني يدي طالب العلم ،يؤكد
تقليله للمسألة قوله" :فصول من أصول الفقه" فأراد به التبعيض -رمحه هللا -وأراد التقليل ،إذن هو
َل يُِّرد استيعاب املسائل يف هذا الكتاب ،وَل يُِّرد أن يكون كتابه مطوًَّل ،فقال" :هي ورقات وتشتمل
على فصول من أصول الفقه" ،مث شرع مباشرًة -رمحه هللا -يُعرف األصول ،وهذه طريقة سلسة يف
التدرج ستأتيك من اآلن ،رمبا إىل هناية جملس الليلة ،واملصنِّف -رمحه هللا -ميشي بتسلسل سلس
مرن ،كلما أتى إىل مجلة وأراد أن ينتقل إىل غريها أو إىل فصل وانتقل إىل غريه كان ُهنَاك طَري َقة
َلة إِّىل مسأَلةِّ ،
ومن تعر ٍ
يف إِّىل تعريف. اضحة ي ِّسرية ِّيف اَّلنتقال ِّمن قضيَّ ٍة إِّىل قضيَّة ،وِّمن مسأ ٍ
و ِّ
َ َ َ َ َ
12
دخل ُم ِّهم ،و َّأول َما يُبتدأ بِّه ِ َّ ِ
ُصول الف ْقهَ ،وه َذا َم َ أي قَوله أ ُ قال" :و ْذلَك ُمؤلف من ُجزأيْن"" ،ذَلك" ْ
أي قَولك "وذلك" ْ
فردين"ِ ،
َ "وذلِك ُمؤلَّف ِمن ُجزأيْ ِن ُم َ ُصول الف ْقه ،قال َ -رمحَه هللاَ :- التَّعريف أ ُ
فردين" َما ُُهَا؟ أُصول ،وفِقه. "مؤلَّف ِمن ُجزأيْ ِن ُم َ ُصول الف ْقهُ ، أُ
َجزاءً ُمرَّكبةَ ،أان ملا أَقُول لك ِّيف أُسلُوب ِّ "جزأيْن" يَعن كلمتَ ْ ِّ
فردين"؛ أل َّن ُهنَاك أ َ "م َ
نيَ ،وقَال ُ قالُ :
فردين؛ ُُهَا ُج ْزءان ُمركبَان ِّمن ِّ ِّ
نجح؛ َهذه اَجلُملة ُم َكونَة من ُجزأيْ ِّن لكنَّهما لَيسا ُم َ الش َّْرط :إن َجتتَ ِّهد تَ َ
"جزأيْ ِن ُم َ ِّ ِّ
فردين" يُ َ
قصد َغ ْري ف ْعل الش َّْرط وأداتهَ ،و َجواب الش َّْرط ،وقد يَ ُكون لَه ُمتعلقات ،فقولهُ :
ُصول الف ْقه َما َذا عن كلمتني ،لَ ْفظتني فقط؛ األُصول و ِّ
الفقه ،وابلتَّايل فَإ َذا أ ََراد أن يَ ِّ َم ْرَكبني يَ ِّ
عرف أ ُ َ َ َ
ُصول ،ولفظَّة فِّ ْقه ،وهذا الذي فَعلَه َ -رمحَه هللا ،-نَعِّم. سيصنع؟ سيعرف لفظة أ ُ
عليه غَ ِريه
َحدمهَا األُصول والثَّاين الف ْقه ،فاألَصل َما بُِِن ْ فردين ،أ َ"وذلِك ُمؤلَّف ِمن ُجزأيْ ِن ُم َ َ
بَن
َصل َما يُ َ بَن على غَ ِريه" ،بدأ ِّابلْكلمة األُوىل وهي األصل ،قال َ -رمحَه هللاْ :-
"فاأل ْ والْ َف ْرع َما يُ َ
َورد ِّمثل هذا التَّعريف لِّلفظة األصل ُهو عليه غَ ِريه أو َما بُِِن ْ
عليه غَريُه"َ ،هك َذا َعرفَه و َلعل أ ََّول َمن أ َ ْ
احلرم ْ ِّ
ني ،أو ُهو يَ ِّ
عن ِّ ِّ
البصري َ -رمحَه هللا ،-يف كتابه املُعتَ َمدَ ،وُهو ساب ٌق على إمام َ القاضي أَبُو احلُسني َ
احلرمني أَربَع ِّمئة ومثان وسبعني
ْ ِّ يب ِّمنه ،وفاته أربَع ِّمئة وثالثة وستِّني 463ه ،وإمام ِّ
ُمعاصٌر لَه وقر ٌ
478ه ِّ ِّ ،
عليه عليه غَريُه" ،أَصل الش َ
َّجرة َما يُ َبىن ْ بَن ْ "ما يُ َ
َورد هذا التَّعريف .قالَ : فهو من أَوائل من أ َ ُ
الس ْقف وابقي الطباق ،أَصل البنَاء ،وأَصل الشَّجرة ،وأصل اجلدار و َّ
عليه َ أصل البنَاء َما يُ َبىن ْفَرعُها ،و ْ
السائد ،لكن ِّعند اليت يُ َبىن عليها غريها .هذا التَّعريف هو املنتشر و َّ املسألة ُكلها ،عبارة عن القاعدة ِّ
الحظ فرقًا بَْني الت َّْعر ْ ِّ
يفني؟ فرع عْنه َغريه) ،هل تُ ِّ السب ِّكي ِّ ِّ
وغريه قَوِلم( :األصل ما يَتَ َّ َ ُّ ْ
عليه َغ ِّريه"
"ما يُ َبىن ْ
احلرمني يقوَّلنَ :أَبُو احلُسني وإمام ْ ِّ
فرع َعْنه َغ ِّريه"
"ما يَتَ َّ
السبكي يَ ُقولَ :
و ُّ
وجد فَ ْرق؟ أم واحد جاء ِّمن ُهنَا والثَّاين جاء ِّمن ُهنَاك؟ هناك فرق؟ ما الفرق؟ َّلَ ،ما أَبغِّي هل يُ َ
قصد ِّيف النِّهاية هل هناكفرع ،نَ ِّ
السطحي ،أنَّه ُهنَاك قال ما يُ َبىن َوهنَا قال َما يَتَ َّ التَّفريق اللَّفظي ه َذا َّ
فَرق؟ هاَّ ،ل..
13
يف ُمغايِّر إََِّّّل ِِّلدف؛ يقولون( :ألنه َّل يَلزم ِّمن األصل أنعر ٍ
رصوا على إِّجيَاد تَ ِّ
لو َل يوجد الفرق لَ َما َح ُ
َصل لِّلولد وهل يُ َبىن عليه الولد؟ َّل لكن َأَّل يَصلُح أن تقول الولد أن الوالد أ ٌ عليه َغ ِّريه) ،بدليلَّ :
يُ َبىن ْ
َيهما ُّ
أدق وأسلم؟ ْفرع عن األب؟ فأ َ
يتفرع عنه غريه؟ ولذلك عدلُوا ِِّلدراج ٍ
شيء؛ أسلم وأبعد أن تقول األصل ما يُبىن عليه غريه ،أو ما َّ
َ
عن اِلشكال.
-أجاب أحد الطالب فقال ل الشيخَّ - :لُ ،هو استطرادَّ ،ل ُحتاول أن تتكلَّف اجلوابُ ،هو
استطراد َّل داعي لَه ،ملا عرف األصل يستطردون يف تعريف الفرع ،وَّل َعالقة له مبا حنن فيه ِّمن
بَن على غَ ِريه" ،نعم.
عليه أو ما يُ َ
بَن ْ
املصطلح ،قال" :الفرع ما يُ َ
ِّ ِ
ُصول/
ظيت (أ ُ "والفقهَ :مع ِرفة ْ
األحكام َّ
الش ْرعيَّة اليت طريقها االجتهاد" هذا هو اجلُزء اآلخر من لَف َ ْ َ
الفقه).
14
سكت ُهنا هل كان هذا تعري ًفا لِّلفقه؟ َّل؛ َّ
ألن األحكام الشَّرعيَّة َ "مع ِرفة األحكام َّ
الشرعيَّة" لو َ
منها:
.1أحكام َعقائِّد وهي شرعيَّة
.2ومنها أحكام فِّقه وهي أَحكام شرعيَّة
ِّ
.3ومنها أحكام مسائل ُيتاج إِّليها املُكلف يف عباداته ومعامالته ،سواء كانَت ً
فقها أو غريها.
ُيرتز قال" :اليت طريقها االجتهاد" ،خرج به َشْيئان: ملا أراد -رمحَه هللا -أن ِّ
َ
اَّلجتهاد ،بل طريقها القطع ،األحكام األول :املسائل العقديَّة؛ ألنه ليس طريقها ْ .1الشَّيء َّ
اجتهاديَّة.فليست ْ العقديَّة طريقها اليقني واجلزمْ ،
الصلوات اخلمس ،مثل حترمي نِّكاح أيضا :األحكام املعلومة ابلضَّرورة ،مثل :وجوب َّ .2وخرج به ً
عتُب فِّ ْق ًها؟ ما يعلمه املسلِّم من ِّدينه
َ َُحكام َمعلُومة ،هل إِّدراك هذه املسائل ي ٌ األُمَ ،هذه أ
ُ ِّ سمى فِّ
االجتهاد".
اح َرتز بقوله" :اليت طَريقها ْ فاستدرك َ -رمحَه هللا -و ْ َ ا، ه
ً قْ ابلضَّرورة َّل يُ َّ
صل ِّابَّلجتهاد فَخرج .وأح َكام العقائد طريقها ِّ
اليقني َ ْ َ ْ الدين ِّابلضَّرورة لَْيس ُِّمَّا ُُيَ َّ فاملعلوم ِّمن ِّ
االجتهاد" َأراد به أن ِ فقولهِ : ِّ القطع وليست ِّ و ِّ
"اليت طَريقها ْ ْ ،فخرجت
ْ تهاد َّلج
ْ اب ل ص
َّ ُي
َ ُ َّا
ُم ْ ْ
صص هبذا التَّعريف مسائِّل الف ْقه ،وحصل لَه ذَلِّك -رمحه هللاِّ .-
املتأخرون ملا يُ ِّ
عرفون الف ْقه يف ُُي ِّ
ََ َ َ َ َ
األحكام الشَّرعيَّة العمليَّة ،أو بعضهم يَ ُقول عرفة ْ (م ِّ
اليت حتفظون ،ماذا يقولون؟ َ الت َّْعريفات ِّ
"اليت طريقهااستبدِلا ب َقولهِ :
َ املكتسبة) ،ملا يقولون العمليَّة يُريدون إخراج :العقائد ،فَ ُهو
ِّ ِّ ُ
سمى ْحتصيلها ف ْق ًها واألَمر يف هذا االجتهاد"؛ ليُخرِّج العقائد وُيْرج املعلومة ِّابلضَّرورة ُمَّا َّل يُ َّ
يَسريٌ ،نعم.
"األحكام وتعريفاهتا واألحكام سبعة :الواجب واملندوب واملباح واحملظور واملكروه والصحيح
والباطل"
15
ف الفقه ،مث انتقل إىل تعريف األحكام ،اآلن ما املناسبة؟ يف الفرع هناك قلنا استطراد ،هنا
عر َ
طيبَّ ،
ملاذا يُ ِّ
عرف احلُكم؟
ج :ستدرس األدلة الشرعية ،وطرق اَّلستنباط ،أو دَّلَّلت األلفاظ ،هذه كلها ِّم ن أجل أن تقول:
(هذا حرام ،وهذا واجب ،وهذا مستحب ،وهذا مكروه) ،يُريد منك األصوليون قبل أن ُتوض يف
ص ُّوٌر ولو ُم ْج َم ل هبذه املصطلحات:
هذه الدقائق ،أن يكون عندك تَ َ
ما معَن واجب؟ وما معَن حرام؟ ما معَن مستحب؟
فع َّرفوا
صور الكايف ،الذي يعينك على إدراك هذه املسائلَ .
فهذه كلها تساعدك على أن متتلك التَّ ُّ
دخال ُم ِّه ًّما.
هذه األحكام الشرعية لتكون َم ً
جاوَز رمحه هللا ،وعلى طريقته -3األمر الثالث يف هذا :ما أورده إمام احلرمني رمحه هللا ،تَ َ
لما ،وهبذا املصطلح ابعتباره لقبًا، ِّ جتاوَز أ ْن يُ ِّ
عرف أصول الفقه ابعتباره ع ً الرائعةَ ،
اَّلختصاريَّة َّ
إمجاَّل ،وطُرق اَّلستفادة… إىل آخره). كما درجت العادة بقوِلم( :هو معرفة األدلة الشَّرعية ً
ما أورد هذا ،واكتفى هبذا التَّصوير ،وهو ٍ
كاف جدًّا.
16
الصالة ،ويف ِّ
الصيام ،ويف احلج ،و َّ
الزكاة ،واجلهاد، ف الفقه ما هو؟ هو ما تدرسه يف الطَّهارة ،ويف َّ تَ ِّ
عر ُ
أصل ِلا. َّ ِّ
والنكاح ،والطالق ،هذا هو الفقه ،هذه املسائل اليت هي يف الفقه ،هذا العلم هو ٌ
فقيها ،ما َل يكن عندك أصله الذي يُبىن عليه هذا ِّ
خالص هذا كايف ،إ ًذا لن تُ َح ص ل الفقه ،وتكون ً
باعا يف فصول هذه الورقات ِّ ٍ
الفقه ،وهذا كاف جدًّاَّ ،أم ا مسائله ،وماذا ُيتوي عليه ،فسيأتيك ت ً
اليسرية.
"الصحيح والباطل" ،وها هنا ُج ملةٌ ِّمن األمور اليت تعينك على فهم مثل هذا
أضاف -رمحه هللاَّ :-
التَّ صرف ِّمن إمام احلرمني -رمحه هللا:-
سابق على ما استقر عليه التَّقسيم املتأخر عند األصوليني إىل مخسة أقسام،
صرف ٌ أوال :هذا تَ ٌ ا
وابلتايل فأنت َّل تُحاكِّ م إمام احلرمني إىل ُم ٍ
صطلح استقر بعده ،هذه واحدة.
األمر الثَّاين :عليك أن تفهم توجيه هذا التقسيم السباعي ،الذي صار إليه إمام احلرمني ،وهل هو
أدق أم تقسيم األصوليني فيما بعد (اخلماسي)؟
17
اجلواب :أنت لو نظرت إىل احلكم الشرعي الذي أراد أن يُ َق ِّس مه احنل عندك األشكال ،هو أراد أ ْن
يُ َق ِّس م احلكم الشرعي ،واألصوليون فيما بعد قالوا( :احلكم الشرعيَّ :إما تكليفيَّ ،
وإما وضعي).
الصحيح، السبب ،والشَّرط ،واملانعَّ ،فإن كان تكليفيًّا فهو مخسة ،وإن كان وضعيًّا فيدخل فيهَّ :
الرخصة ،والعزمية .إذًا هو تقسيم ِّمن البداية ُخمتَ لِّف،
أيضا ُّ
والفاسد أو الباطل ،ورمبا أدرجوا معه ً
خمتلف الوجهة ،خمتلف البناء.
إمام احلرمني رمحه هللا قال :احلكم الشرعي ،وهو يشمل القسمني :التكليفية ،والوضعية.
وسيأتيك بيان الفرق بينهما بعد قليل ،فقال" :األحكام سبعة" فأخذ اخلمسة التكليفية ،وأضاف
(الصحيح ،والباطل).
إليهاَّ :
أيضا –إبذن هللا -على فهم هذا التَّفسري الذي صنعه إمام احلرمني يف التقسيم السباعي:
ُما يعينك ً
الش رعية اليت تتعلق ابملكلَّف فقال :هي واحد ِّمن قسمنيَّ :إما عبادات َّ
وإما أنَّهُ نَظََر إىل األحكام َّ
ُ
معامالت.
الصيام ،و َّ
الزكاة ،واحلج ،واجلهاد ،وحنوها. العبادات :أركان اِلسالم ،الطَّهارة ،و َّ
الصالة ،و َّ
تبعا له :أحكام اجلِّناايت، ِّ
املعامالت :النكاح ،والطَّالق ،والبيع ،ومسائله ،وفروعه ،ويدخل يف ذلك ً
واحلدود ،والقصاص ،والتَّعزير ،وما إىل ذلك.
ملا يكون الفقه( :عبادات ،ومعامالت)
● فالذي يتعلق ابلعبادات هو :األحكام اخلمسة.
● والذي يتعلق ابملعامالت والعقود هو :وصفها ِّ
ابلصحة ،والبطالن.
أل عن عبادة:
فإذا َس َ
فاجلواب سيكون :واحد من مخسة أشياء ،صح؟ إما أن تقول له( :واجب ،أو مستحب ،أو مباح،
أو مكروه ،أو حرام).
فإ ًذا األحكام سبعة على تقسيم املصنف رمحه هللا ،وسيأيت ما يؤكد لك ذلك ،أنَّهُ أراد هذه النَّظرة يف
التقسيم:
َّ
(أن األحكام :عبادات ،ومعامالت .فالعبادات :تدخلها اخلمسة ،واملعامالت :تدخلها الصحة
والبطالن).
مل امل كلَّف :فهي احلُكم الشرعي التكليفي ،ويدخلها● األحكام الشَّرعية إ ْن كانت تتعلق بِّ َع ِّ
ُ
اخلمسة :الوجوب ،واَّلستحباب ،واِلابحة ،والكراهة ،والتحرمي.
19
مثال صالة الظهرَّ ،لبد أن تزول الشمس عن كبد السماء .فزو ُال الشمس
حىت تكون الصالة واجب ًةً ،
َّب عليه وجوب صالة الظهر .من الذي ربط وجوب الصالة بزوال الشمس؟ السماء يرتت ُ
عن كبد َّ
حكم شرعي.الشرع ،أي أنه ٌ
شرعي وضعي ،واألسباب والشروط ٌّ حكم
لكن هل فيه عمل يتعلق ابملكلف؟ اجلوابَّ :ل ،فهذا ٌ
واملوانع هي من هذا القبيل .وملا جعل الشرع من أسباب وجوب الزكاة َح َوَّلن احلول ،ومن ُشروطه
أحكام شرعية ،لكنك لست ٌ ِّم ْلك النصاب .فَ ِّملك النصاب وأن ُيول احلول واملال يف يدك هذه
اج الزكاة.رإخ عليك اجب و ال ل،احلو الوح صابالن ملكت إذا خماطب أنت . خماطبا فيها ٍ
بشيء
ُ ْ َ ٌ ً
ف أن متتلك مكلف به .لكن هل أنت مكل ٌ ٌ الزكاة الذي أنت اج َّفاحلكم التكليفي هنا ما هو؟ إخر ُ
ف أن حتافظ على املال حىت ُيول عليه احلول؟ أنت وحتصله؟ هذا ليس تكلي ًفا .وهل أنت مكلَّ ٌ نصااب ُ
ً
أحكام شرعية :ألن الشارع هو الذي قررها،
ٌ أحكاما شرعي ًة وضعي ًة.
ً سمى
لست مكل ًفا هبذا .فهذه تُ َّ
عالمات للمكلف تُعينه على التكليف .فقال لك :إذا زالت الشمس ٍ ووضعي ًة ألن الشارع وضعها
بياضا
وجبت صالة العشاء ،وإذا طلع الفجر املعرتض ً ْ األمحر
ُ وجبت صالةُ الظهر ،وإذا غاب الشَّفقْ
ُ
ِّ
الفجر .هذه األحكام الشارعُ هو الذي يف األفق ،وهو الفجر الصادق أو الثاين ،وجبت صالة
مانع وضعها ،فسميت أحكاما وضعية .فإ ًذا ،كل ٍ
ط أو ٌ سبب أو شر ٌ
ٌ هأبن الفقه يف موصوف
ٌ شيء ً ُ
هذه أحكام شرعية ألن الشارع هو الذي حددها ،مث تُسما أحكا ًما شرعية وتوصف أبهنا وضعيةٌ حىت
َّل تُفهم أهنا تكليفيةُ ،فإنه َّل تكليف فيها على املكلف.
والباطل"
ُ حيح
والص ُ
واحملظور واملكروهُ ّ
ُ واملباح
ُ واملندوب
ُ الواجب
ُ "واألحكام سبعةٌ:
ُ قال رمحه هللا:
احدا تلو و ٍ
احد. وسيُعرفها اآلن و ً
احدا، "فالواجب :ما يُثاب على فعله ويعاقب على تركه" .حسنا سنبن هذا التعريف و ً
احدا و ً ُ
وإبجيا ٍز دون استطر ٍاد فيما يتعلق ابلتعريف.
20
قال" :الواجب ما يُثاب على فعله ويُعاقب على تركه ".هذا التعريف الذي ُيفظه عامة طلبة العلم
حىت الصغار واملبتدئني منهم ُيفظون هذا التعريف ،لذا لو قلت ِلم ما الواجب؟ قال :ما يثاب على
كثريا .وأنت تَلحظ إمام احلرمني
ج ً فعله ويعاقب على تركه ،أليس كذلك ،هذا التعريف للواجب دار ٌ
رمحه هللا على تقدمه يف القرن اخلامس اِلجري ،هو من أوائل من أوردوا مثل هذا التعريف لألحكام
الشرعية .وعليك أن تستخرج ابقي التعريفات ابألحكام الباقية فستقول يف املستحب :ما يُثاب فاعله
َوَّل يُعاقب اتركه .واحلرام :ما يُعاقب فاعله ويُثاب اتركه .يف املكروه :ما يُثاب اتركه وَّل يُعاقب فاعله.
ويف املباح :ما َّل يرتتب على فعله وَّل تركه ثواب وَّل عقاب.
أحكامَّ .لحظ أان أقول لك :ما الواجب؟
ٌ كل الذي ذكرمتوه اآلن َّل يصلح أن يُسمى تعري ًفا ألهنا
فتقول :ما يُثاب فاعله .أان ما قلت ما حكمه؟ فإن حكم الواجب أن يُثاب فاعله ويعاقب اتركه،
أحكاما .فإذا سألتك ما الواجب وما املستحب؟ أعطن تعري ًفا لذاته. ً هذه أحكام ،وأنت أعطيتن
يسمونه
وهذه الطريقة اليت سار عليها املصنف ،واليت أوردمت من خالِلا تعريف ابقي األحكام هو ما ُّ
التعريف ابحلكم ،ويُسمونه عند املناطقة ب "الرسم" أي أن تُعرف الشيء حبُكمه َّل بذاته .فإذا عرفت
الشيء بذاته يُسمى "حدًّا".
حد وإما رسم .فاحلد :تعريف الشيء بذاته .والرسم :تعريف الشيء إ ًذا ،تعريفك للمصطلحات إما ٌّ
حبكمه .وأيهما أقوى يف التعريفات؟ احلد .وِلذا يَعتُبُ املناطقةُ التعريف ابلرسم ضعي ًفا ألنه َّل يُعرف
كل فهما طريقتان :أن تُعرف الشيء بذاته أو حبكمه. املاهية ،بل يعرف ُحكمها .وعلى ٍ
21
فإذًا كون لك التعريف من مجلتني .سؤايل هو :لو اقتصران على نصف التعريف يكفي أم َّل يكفي؟
أتمل يف التعريف ،فأان َل أقل النصف األول ،قد يكون النصف الثاين .فلو قال يف تعريف الواجب
ابحلكم" :ما يُعاقب اتركه" لكفى ذلك .ركز معي :املستحب هل يُعاقب على تركه؟ َّل .املندوب هل
يُعاقب على تركه؟ خرج أم َل ُيرج؟ خرج .املباح يعاقب على تركه؟ خرج .واحلرام يعاقب على تركه؟
ُ
ُّ
َّل ،بل يعاقب على فعله ،إذًا خرج احلرام .املكروه يُعاقب على تركه؟ َّل إذًا خرجت األربعة كلها،
وصح لك أن تقول إن مجلة "ما يُعاقب اتركه" يَ ُ
صدق على الواجب .إ ًذا ،هبذا أان أستغن عن نصف
ودوما إذا جئت
التعريف .فإذا قيل لك :عرف الواجب ابحلكم ،ستقول :ما يُعاقب اتركه ويكفيً .
أوىل.
يف فهو َللتعريفات ،إذا استطعت أن ُتتصر يف األلفاظ وتستغن عما َّل حاجة لك به يف التعر ِّ
َ
أخذت التعريف األول" :ما يُثاب
َ النّقطة الثّانية يف هذا التعريف :ملا جتزم حبصول العقاب ،حىت لو
فاعله ،ويُعاقب اتركه".
كثريا قضية اجلزم حبصول العقاب؛ ألهنا تتعارض مع أصول شرعية عند أهل السنة، انقش األصوليون ً
أان ملا أقول" :الواجب ما يُعاقب اتركه" ،أليس من عقائد أهل السنة أن هللا -عز وجل -قد يعفو عن
شخص ترك واجبًا من الواجبات ،لكنه ما عوقب يف اآلخرة ٌ صاحب الذنب ،ويتجاوز عنه؟ طيب،
ألن هللا غفر له .هل أصبح احلكم ليس واجبًا ألن هللا ما عاقبه؟ اجلوابَّ :ل .فقالواَّ :ل جتزم يف
التعريف بوقوع العقاب .فلذلك عدل بعضهم عن قولك" :ما يعاقب" إىل قوِلم :ما استحق أو ما
يستحق العقاب على تركها .وبعضهم حىت اَّلستحقاق هذا قال :ما يف داعي تقول استحقاق
حاصل ،سواءٌ انل العقاب يف اآلخرة أو َل ينل ،هو مذموم
ٌ العقاب ،قالوا ما يذم اتركه؛ ألن الذ َّم
برتكه للواجب .فإ ًذا بعضهم قال :ما يذم اتركه .وبعضهم قال :ما استحق العقاب .وبعضهم قال :ما
توعد ابلعقاب .كل ذلك عدول عن قضية اجلزم حبصول العقاب؛ ألنه قد يعفو هللا وهو أكرم
األكرمني ،وقد يكون يف عمل املكلف شيء من احلسنات يغفر هللا -تعاىل -له هبا ما كان منه من
أخريا :يف قوله "ما يذم اتركه ،أو ما استحق اتركه العقاب" أما توعد ابلعقاب:
تفريط يف الواجباتً .
"شرعا"؛ ألنك تفرض أن العقاب على الرتك هو من جهة شرعية ،لئال يدخل فيه بعضهم يزيد كلمة ً
أشياء أخرى على كل هذا الكالم الذي قلته اآلن يف تعريف الواجب ،لن اكرره يف املستحب وَّل يف
22
املباح وَّل يف املكروه؛ ألنه ستقيس عليه بطريقة ،وسنمشي على عبارة املصنفني رمحهم هللا .من أمثلة
الواجب :الصلوات املفروضة وصيام رمضان للقادر على صومه ،بر الوالدين ،العدل ،واَّلمانة
والصدق ،تلك اَّلخالق اليت َّل يستثىن منها أحد دون أحد .نعم "واملندوب".
ولو أردت اَّلختصار كما صنعت يف تعريف الواجب ستقول :ما يُعاقب فاعله ،ألنك قلت هناك يف
ايضا .وإذا أردت اَّلحرتاز عن
الواجب :ما يعاقب اتركه ،فتقول هنا ما يعاقب فاعله ويكون كافيا ً
قضية يُعاقب واجلزم ستقول :ما يذم فاعله ،أو ما يستحق العقاب فاعله .نعم.
ذكرت أمثلة املكروه أيضا متعددة ،منها :كراهة أكل الثوم والبصل واِلتيان هبما إىل املسجد؛ لنهيه -
صلى هللا عليه وسلم -عن فعل ذلك ،كراهة رفع البصر إىل السماء يف الصالة لنهيه -صلى هللا عليه
مثال يصلح ِلذا الباب يف تعريف املكروه .لكنأيضا عن ذلك ،ومكروهات الصالة كلها ٌ وسلمً -
أيضا متأخرأيضا فقط إىل مسألة مهمة ،وهو أن :مصطلح املكروه هبذا املعىن هو مصطلح ً انتبه ً
نصوص شرعي ٍة فيها لفظ
ٍ علمي ،تقرر تعريفه هبذا النحو ،وَّل ينبغي أن ُُتطئ فتأيت إىلٌّ حادث
ٌ
مكروه ،فتفسره هبذا املعىن.
يف سورة اِلسراء :ذكر هللا القتل والسرقة والزان ،وأكل اموال اليتامى ابطالً ،والكُب ،ومجوع تلك
ِّ
وها﴾ ك َكا َن َسيِّئُهُ ِّعْن َد َربِّ َ
ك َم ْك ُر ً احملرمات ،وقال يف آخرهاُ ﴿ :ك ُّل َذل َ
1
25
ِّملك املبيع إىل املشرتي ِّ
وملك الثمن إىل البائع ،وِلذا يقول :ما يُعتد به ما يتعلَّق به النفوذ ،نفذ يعن
ُ َ
سرى وترتَّب أثره.
استحق منفعة البضع ،ومثرته ُمرتتِّبة عليه ،وَّل
َّ الزوجة استحقَّت املهر ،والزوج نكاح صحيح يعن َّ
أن َّ
يُقال هذا يف العبادات ،ما معىن عبادة صحيحة؟ صوم صحيح وصالة صحيحة وطواف صحيح؟
معناه ما أجزأ وأسقط القضاء.
الصحيح :ما يتعلَّق به النفوذُ ويُعتد به ،يقصد العقود
اِلمام اجلوين -رمحه هللا -ملَّا قال يف تعريف َّ
أن اخلمسة األُوىل تكفي يف العبادات ِّ
ووصفها واحلُكم واملعامالت على وجه اخلصوص ،وكأنَّه رأى َّ
ُ
َّ
عليها ،ويتكلم اآلن على املعامالت ،نعم.
ُ
"والباطل ما ال يتعلَّق به النفوذ وال يُعت ّد به"
جدا ،تقول :بيع صحيح إذا استكمل الشروط، الصحيح ،وأمثلة هذا كثرية ً على العكس من تعريف َّ
اختل فيه شيء ،واجلمهور َّل يُفرقون بني الباطل والفاسد ،واحلنفية يُفرقون ،فالباطل
وبيع ابطل إذا َّ
مشروعا
ً عندهم -أي عند احلنفية -يف العقود ما َّل يُشرع أبصله وَّل وصفه ،والفاسد عندهم ما كان
أبصله َّل بوصفه ،ابملثال يتضحَ :من ابع ما َّل ميلك فبيعه ابطل عند اجلمهور -املالكية والشَّافعية
واحلنابلة -تقول بيع ابطل أو فاسد ،عندهم ُمرت ِّادف مبعىن واحد ،لكن عند احلنفية َمن ابع ما َّل
فاسدا ،ملاذا
بيعا ً ومن ابع درُهًا بدرُهني -وهو ِّ
الراب -فقد ابع عندهم ً ابطالَ ،
بيعا ً ميلك فقد ابع ً
قالوا يف هذا ابطل وقالوا يف هذا فاسد؟
فاسدا ،وما
سمى ًأن العقود يف البيوع والنِّكاح وغريها ،ما ُميكن تصحيحه واستدراكه يُ َّ
الفرق عندهم َّ
ابطال ،إذن فأيُّهم أقوى يف البطالن والفساد؟
سمى ًَّل ُميكن تصحيحه وَّل استدراكه يُ َّ
كمن ابع ما َّل ميلك فقد شرطًافلما يقولون :بيع ابطل يعن َّل سبيل إىل تصحيحهَ ، الباطل أقوىَّ ،
الزائد
من شروط صحة البيعَ ،من ابع درُهًا بدرُهني هو راب وبيع فاسد ،لكن يف سبيل ُرد الدرهم َّ
فاسدا ،يف النِّكاح كذلك ما َّل ُميكن
عقدا ً
فاسدا أو ً
بيعا ًسمى ً وصح العقد فيُمكن تصحيحه ،فيُ َّ
26
ابطال ،ما ُميكن تصحيحه كنكاح ِّ
نكاحا
سمى ًالشغار يُ َّ نكاحا ً
سمى ً تصحيحه فإنَّه ً
أيضا َّل يصح ويُ َّ
فاسدا وهكذا.
ً
اجلمهور ما يُفرقون رَّمبا َّإَّل يف مسألتني :واحدة يف احلج ،والثَّانية يف النِّكاح.
أن كلمة ابطل وفاسد عندُها ُمرتادفةَّ ،إَّل َّ
أن اجلمهور يف احلج يُفرقون بني يف احلج :عند اجلمهور مع َّ
ابطال.
تد فيه عن اِلسالم -والعياذ ابهلل -أصبح حجه ً احلج الباطل والفاسد ،فالباطل :ما ار َّ
لكن احلج الفاسد عندهم :هو الذي ُجي ِّامع فيه املحرم زوجته قبل التَّحلُل األول ،فما يقولون :حج
ُ
احلج
ابطل ،يقولون :حج فاسد ،والذي يُوجبون فيه وجوب اِلمتام حبج الفاسد واملضي فيه ،ووجوب ُ
قضاءً من العام القابل ،والتَّوبة والكفَّارة وهي البَ َدنة.
يف النِّكاح -وهي املسألة الثَّانية -يُفرقون بني النِّكاح الباطل والفاسد ،فالنِّكاح املختلَف يف صحته -
ُ
نكاحا
سمى ًجمع على عدم صحته يُ َّ فاسدا ،واملُ َ
نكاحا ً
سمى ً ومن َّل يرى -يُ َّ يعن َمن يرى تصحيحه َ
ابطال ،هو اصطالح تفهمه لتعرف كيف تتعامل مع عبارات الفقهاء -رمحهم هللا ،-نعم. ً
طيب ،اآلن انتهى إمام احلرمني -رمحه هللا -من ِّذكر تعريفات األحكام الشَّرعية ،قوله" :والفقه أخص
من العلم" يُفرق بني تعريف الفقه والعلم ،ما عالقة هذا فيما حنن فيه؟
عرف الفقه ،يف تعريف الفقه
عرف أصولَّ ، هو ابتدأ من أين؟ أول نقطة من أين بدأ؟ أصول الفقهَّ ،
عرف األحكام ،ملاذا جاء لفقه وعلم اآلن ويُ ِّ
قارن بينهما؟ وجدان كلمة أحكامَّ ،
أعم؟ العِّلم. ِّ يبني لك َّ
أن الفقه هو أحد أنواع العلم ،فأيُّهما َ لم ،لكن يريد أن َّ ِّ
ألن الفقه ع ٌ
ٍ إذن هل ُّ ِّ
مطلق.
وخصوص ٌ
ٌ عموم كل عل ٍم فقهٌ؟ وهل كل فقه ٌ
علم؟ نعم ،بينهما ٌ
حساب ،ومنه مثال ،ومنه
حنو ً ٍ أخص من العلمِّ َّ ،
ٌ ألن العلم منه فقهٌ ومنه غريُ فقه .منه ٌ ُّ قال :والفقه
علم ..لكن الفقه هو أحد أنواع العلم ،وجاء ِّ
يعرف .ما يريد فقط ب ،ومنه هندسةٌ ،وكل ذلك ٌِّط ٌّ
27
وعل ٍمَّ ،ل ،هو يريد الدخول إىل مصطلح العِّلم وتقسيماته ودرجاته يف حصول العلم
فقه ِّ
املقارنة بني ٍ
ِّ
ابملعلوم عند العقالء.
العلم :معرفةُ ِّ
املعلوم على ما هو به يف الواقع ،هكذا َعَّرف إمام احلرمني -رمحه هللا -العِّلم ،وذ َكر فيه
شيئني:
عرف العلم هبذه الطَّريقة ،بينما هو نفسه يف "الُبهان" الذي يعنينا اآلن َّ
أن إمام احلرمني -رمحه هللاَّ -
أن العِّلم َّل ُُيد.
رأى َّ
أحياان :بعض العبارات بسبب وضوحها وعدم خفائِّها ما حتتاج إىل ٍ
حد .ابن القيِّم -رمحه يقولون ً
وحب النَّب ﷺ جاء ِّ
يعرف مصطلح احملبَّة ،قال ب هللا ِّ
يعرف احملبَّة ويتكلَّم عن ُح ِّ
مثال ملا جاء ِّ هللا-
ً َّ
غموضا" .الشَّيء الواضح املعلوم
ً عرفتها ِّزدهتا
-رمحه هللا" :-واحملبَّة ُمَّا َّل حتتاج إىل تعريف ،ألنك لو َّ
عند النَّاس ِّ
تعرفه ملن؟ ما املقصود من التَّعريفات؟
مجيعا
حاصل يف رؤوس النَّاس ً ٌ هو :التَّوضيح وإزالةُ اِلشكال وتقريب املعىن إىل النَّاس .فإذا كان املعىن
تعرف .ملاذا؟ ذهب إمام احلرمني يف "الُبهان" -وهو قلت الذي يعُب عن رأيهَّ -
أن العلم َّل ُُي ُّد وَّل ِّ
ينبغي أن يكون كذلك ،لكنَّه سار يف "الورقات" على هذه الطَّريقة.
28
ُيصل هبا التمييز ٍ قال ابن احل ِّ
اج ِّ
أص َّح حد فيه أن يُقال :صفةٌ ُ
لعل َ
ب -رمحه هللا -يف تعريف العلم" :و َّ ُ َ
بدرجة َّل حتتمل ِّخالفه.
ٍ متييز الشَّيء
َّل حتتمل النَّقيض" يقول :صفةٌ تقع عند اِلنسان ُيصل عنده ُ
قليل ،فثالثة ٍ
قيود. اجلزم الذي كنت أقوله قبل ٍهذا ُ
29
َّروري ما مل يقع عن نظ ٍر واستداللِ ،
ِّ
احلواس اخلمس ،وهي: الواق ِع إبحدى كالعلم "والعلم الض ُّ
وأما ِ
العلم املُكتسب ،فهو ما يقع عن والش ُّم ،والَّلمسَّ ،
والذوق .أو ابلتَّواتُر. السمع ،البصرَّ ، َّ
ّ
ٍ
واستدالل". نظ ٍر
فأورَده .انتقل إىل ِّ
تقسيم العلم وقال :هي درجتان ،والعلم مرتبتان. ِّ
َ طيبَ ،عَّرف العلم وقابَلَه اجلهل َ
مسألة شرعيَّ ٍة
ٍ ٍ
مسألة يف احلياة، ٍ
وخالد يف أي العلم هو ما يقع عندك وعندي وعند ز ٍ
يد وعمرٍو وبك ٍر
علما .فإن كان ابلقيود اليت يف سمى ًأي شيء يقع لك العلم به :يُ َّ مسألة جتاريٍَّةُّ ..
ٍ مسألة دنيويٍَّة،
ٍ
صحيحا مطاب ًقا ملا هو يف الواقع على طريقة اجلزم -فإنً تعريف العلم ،فهو ِّعلم -أن يكون إدرا ًكا
حصل لك.
َ علم
كان كذلك :فهو ٌ
أن زوجتك ولَ ِّ
دت اليوم ،هذا علم إذا طبقت عليه قيود التعريف سينطبق ،فإن كنت َّل تعلم َّ
َ أنت ُ َ
تعرف أو أدركت املسألة على خالف ما هي عليه؛ إذن هو جهل هنا .يكون العلم الذي ُيصل عند
أي إنسان يف أي مسألة مرتبتان :علم ضروري وعلم مكتسب؛ ألنك ملا تنظر إىل أي مسألة ُيصل
لك العلم هبا.
حنن سنقف إن شاء هللا على تعريف العلم واجلهل والشك واليقني ،وهي آخر فقرة بقيت لنا يف هذه
املقدمات حىت نستأنف يف الغد إن شاء هللا مسألة جديدة.
قال رمحه هللا" :العلم الضروري ما مل يقع عن نظ ٍر واستدالل .والعلم النَّظري أو املُكتَ َ
سب:
املوقوف على نظر واستدالل".
ُخالصة الكالم:
لمك ِّ
أبي مسألة يف احلياة ،شرعي ًة أو غري شرعية ،حتصل لك أبحد طريقني: ِّ
عُ
مضطرا إىل قبوله ،والتصديق به بال خيار. -إما أن ُيصل لك العلم هبا ،بطر ٍ
يقة جتد نفسك
ً
30
أيت املطر ينزل ،هل حتتاج إىل إثبات أن املطر
مثال :شيء تراه بعينيكَ ،إما حصل لك العلم به؟ ر َ
موجودا معك؟! ك ،هل حتتاج إىل ِّ
إثبات أنه كان انزل؟! سعت صوت إنسان كلَّ َم َ
ً
أمسكت ،ما أدركته حبو ِّاسك ُيصل لك العلم به.
َ تذوقت،
َ مشمت،
َ سعت،
أيتَ ،
ر َ
(علما ضرورًّاي)َِّ ،لَ؟ -ألنه َّل ُيتاج إىل إثبات ،وبرهان ،ودليل ،وتَ َف ُّكر ،وأتمل...
هذا العلم يُسمىً :
ُيصل حىت عند العقول البسيطة ،اليسرية ،كعقول األطفال ،إذا رأى شيئًا َعلِّ َمه .فالعلم احلاصل أبحد
علما ضرورًّاي ،ويلحق به :العلم الذي يبلغك ابلتواتر.
احلواس يُسمىً :
اتر عندك خُبُ أكثر من صل يف املسجد احلرام ،لكن تو َمثال :أنت اآلن صليت املغرب هناَ ،ل تُ ِّ
واحد ،شيء ما حصل يف احلرم عند أحد األبواب ،أو تسمية اِلمام الذي صلى ابلناس املغرب اليوم
يف املسجد احلرام ،مع أنك ما صليت ،لكن قابلت األول وقال لك ،والثاين ،والثالث ،واخلامس،
مضطرا إىل التصديق ،حبيث تستطيع أنت أن تنقل
ً أيضا
والعاشر ،واتفق الناس كلهم؛ ستجد نفسك ً
اخلََُب ،وتقول حصل كذا...
علما ضرورًّاي؛ ألنه َّل يتوقف على نظر واستدَّلل ،يعن َّل ُيتاج أن تقيم
إذا بلغ التواتر هذا :يسمى ً
دليال ،وَّل أن تنظر وتتأمل يف املسألة .هذا العلم يسمى ضرورًّاي؛ ألن النفس جتد ذاهتا مضطرة إىل ً
قبوله والتصديق به.
يقابله العلم املكتَ َسب .ملاذا ُِّس َي ُمكتسبًا؟ -ألنك تسعى يف اكتسابه وحتصيله أبي شيء؟
ِّ ُ
علما نظرًّاي ،قال:
علما ضرورًاي يسمى هذا ًعلما نظرًّاي ،إذا ُس َي ذاك ً
ابلنظر واَّلستدَّلل ،فيسمى ً
"ما يتوقف على نظر واستدالل".
ومثاَّل آخر شرعيًا.
مثاَّل عقليًاً ،
طيب أان سأضرب لك ً
لك( :الواحد :نصف اَّلثنني) ،هذا ضروري أم نظري؟ ملاذا ضروري؟ املسائل املثال العقلي :قَ ِّويل َ
تدركها بديهيًا ،دون نظر وَّل تفكري وَّل استدَّلل ،إذا كان عقلك يسمح ِلدراك مثل هذه املسألة
احلسابية هبذه الدرجة.
31
مثال( :األربعة :تسع الستة وثالثني) ،لو
لكن لو جتاوزان مسألة -انتقلنا إىل درجة أعلى -فقلت لك ً
أقول لك( :اَّلثنني :سدس نصف…) كم؟ َّل ،لو قلت لك( :نصف اَّلثن عشرة :ستة) ،فهي:
(ثلث نصف اَّلثن عشر :اَّلثنني ،هي ثلث نصف اَّلثن عشر) ،فهذه حتتاج منك إىل خطوة
خطوتني ،الذكي ِّمنَّا والنبيه واللماح سيأيت هبا يف اثنيتني وجزء من الثانية ،والذي عقله على قدره -
بسيط متواضع -مثل حكاييت ،أيخذ كذلك مخسة ثواين زايدة حىت يدركها.
يف النهاية هل هي حتصل لك بداهة من غري أتمل؟! َّ -ل ،هذه يف األمثلة العقلية ،حىت الشرعيات
كذلك.
من الشرعيات مسائل ُم َسلَّ ٌم هبا ،مسائل ابملعلوم من الدين ابلضرورة.
33
يسمى َش ًّكا.
األول :أن يتساوى الطَّرفان يف اَّلحتمال ،مخسني يف املئة ،ومخسني يف املئة ،وهذا َّ
ٍ
اجح ،والثَّاينرجح أحد الطَّرفَني على اآلخر ولو بنصف يف املئة؛ فأحدُها ر ٌ الثاين والثالث :فإن تَ َّ
يسمى َوُهًا.يسمى ظن ً،أو اآلخر ِّ للراجح من اَّلحتمالَني وحصول العلم لك به َّ مرجوح .إدراكك َّ ٌ
وهم.
ظن /واملرجوحٌ : فالراجحٌّ : َّ
يسمى… وإذا تساوى الطَّرفان َّ
مثال:
ٌ
شك يف عدد األشواط. -أنت تطوف ابلكعبة ،حصل لك ٌّ
الركعات.شك يف عدد َّ -تصلِّي الظُّهر /العصر /العِّشاء ،حصل لك ٌّ
الراجح.
ما معىن أن أقول( :حصل عندي شكٌّ)؟ أي :تساوى اَّلحتماَّلن؛ فال أدري أيُّهما َّ
ظنَّ :أهنا :مخسة أشو ٍ
اط غلب على ِّ لكن ، أتذكر َل أصل إىل ٍ
جزم أأتمل ،أو أحاول أن َّ طيب جلست َّ
ْ َ
(ظن) ،إذا غلب على ظنِّك يسمى؟ هذا ٌّ وليست ستَّ ًة ،أو َّأهنا الركعة الثَّالثة وليست الثَّانية ،هذا ماذا َّ
يسمى ظنًّا.
شيءٌ َّ
اط أم ستَّةٌ؟ غلب على ظنِّك َّأهنا مخسةٌ، تشك ِّ -أهي -مخسة أشو ٍ واَّلحتمال اآلخر إذا كنت ُّ
َ
وهم. فاخلمسة ٌّ ِّ
ظن ،والستَّة ٌ
شرعا؟ ج :العمل مبا غلب على الظَّ ِّن ،والوهم َّل عُبة به. ما الواجب ً
شرعا؛ ألنَّه عمل أو جرى القول املرجوح مع ِّ مال إىل ِّ
اجح عنده ،فقد عمل مبا َّل جيوز ً وجود ر ٍ ومن َ َ
خلف وه ٍم َّل جيوز له اَّلعتبار به.
أمري ِن ال مزيَّة ألحدمها على اآلخر". ك جتويز َ َّ
"والش ُّ
اعتبارا من اجلملة التَّالية سيشرح تعريف علم ِّ ِّ
طيب ،حنن نقف ها هنا؛ ألن املصنف -رمحه هللاً -
أصول الفقه ،ويذكر أبوابه ،ويشرع مباشرًة يف ذكر مسائله املتعلِّقة به.
قربنا إليه ،وهللا -تعاىل -أعلم ،وصلَّى هللا وسلَّم وابرك
وعمال صاحلًا يُ ِّ
انفعاً ،
علما ً
أسأل هللا يل ولكم ً
حمم ٍد ،وعلى آله وصحبه أمجعني.
على نبيِّنا َّ
34
شرح منت الورقات| | 2
مق ّدمة
لذي هداان ِّ
اَّلل ،وأ ْشهد أن َّل وما ُكنَّا لِّ ْنهتَدي لَوََّل أن َ
هداان َّ َ ذاَِل َ الرِّحيم ،احلمد ََِّّّلل اَ ِّ
ْ الر ْمحن َّ اَّلل َّبِّسم َّ
صل وسلَّم وابرك ْ
عليه هم ِّ رسوله ،اللَّ َّ
اَّلل َو ُ أن نَبينا ُحم َّم ًدا عبد َّ حده َّل شريك لَه وأ ْشهد َّ اَّلل َو َ إله َّإَّل َّ
الدين ،وبعد.. حسان إِّىل ي وم ِّ وعلى آل بيتِّه وصحابته ومن تَبعهم ِّإب ٍ
َْ ُ َ
اَّلل داايت حديث َإمام ْ ِّ
احلرمني َرمحَة َّ ِّ ِّ ِّ
البارحة بَِّفضل َّ ِّ
وتوفيقه عْند ب َ اَّلل ْ درس فقد َوقف بنَا احلديث يف ْ
ْ ِّ املوسوم ِّابلْورقات؛ َوَرقات إِّ َمام ِّ
احلرمني َ -رمحَه هللا -كما تَقدَّم املختصر ْ عليه ِّيف كتابه املُوجز ْ تَعاىل ْ
إلي َها املبتدئ ْ اليت َُْيتاجَمع ُكم البارحة ِّهي نُب َذة يَ ِّس َرية ِّمن ِّع ْلم األُصول ِّيف أ ََّول َمسائِّله َوُجم َمل أبْوابه ِّ
ُ ِّ ِّ
الصغِّريَ ،ع َّما يُريد بِّورقاته
املنت َّ عاىل َع َّما يُريد هبَذا ْ اَّلل تَ َ
ُصول الف ْقه ،وقد َأابن رمحهُ َّ ِّ
ِّيف دراسة ع ْلم أ ُ
القادمني ْ ِّ
اآلتيني اآلن. ْ ِّ السطريْ ِّن أ ََابن فِّيه ِّيف َّ
الشر ِّعي ،انْطالقًا ِّمن ْتعريفه لِّلف ْقه، ْ كم احل
ُ يفه
ر تع
ْ على هقْ الف صول ألَجملِّس البارحة اشتمل ب عد تعريفه ِّ
َ َْ ْ ُ
الصحيح والباطلَ ،و َّفرق بَْني العلم والظَّ ِّن ُمثَّ عرف ُك ًّال ِّمن احلرام واملكروه واملباح والواجب واملندوب و َّ
الوْهم ومراتب النَّظر و حديث عن الش ِّ
َّك روري ونظَري ،وذلِّك است ْدعاه لِّْل ِّ ض ِّ ا وذ َكر َمراتِّب العلم و َّ
أهن
َ
َ ْ َ
ُصول الفقه عاىلَ -وُهو يَشرع يف تَ ِّ احلديث ِّعْند َك ِّ واَّلستدَّلل ،وقف بِّنا ِّ
عريف أ ُ المه َ -رمحَه هللا تَ َ َ
ِّاب ْعتباره ِّع ْل ًما.
36
اِلمجاليَّة وعلى املختصرة فأتى على أَدلَّة الف ْقه ْ ِّ ِّ ِّ ِّ َوَرقات إِّ َمام
املوجزة ْ
احلرمني َواحدةٌ من َهذه ال ُكتب َ ْ
كيفية اَّلستفادة ،إذا فهمت هذا املدخل العام سأنتقل بك إىل اخلُطوة التَّالية: ِّ
اإلمجاليَّة؟ وما امل ْقصود ِبا؟ ما أدلَّة الف ْقه ْ
ِّ ِّ ِّ
بحث عن ُح ْكم املقصود :جنس األدلَّة اليت يستعملها الفقيه يف َحبثه عن احلُكم ،اآلن لو جاء الفقيه يَ َ
ص َالة تَتَعلَّق ِّابملسافر َلة ما يف َلة ما يف الغُسل أو ح ْكم مسأ ٍ مثال ،أو ح ْكم مسأ ٍ ً م م
ُّ َّي
الت يف ما مسأ ٍ
َلة
ِّ ُ َ ْ َ ُ ْ َ ُ َ َْ
بحث الفقيه عن لصيام أو َم ْسأَلة تَتَعلَّق ِّابلنُّسك و ِّ مثال أو ِّاب ِّ
احلجَ ،هذه املسألة َْحتتاج إىل دليل ،أين يَ َ ً
املسألة؟ كم ح يه دليل َِّجيد فِّ
ٍ
ْ ُ
ِّ
دليال على ُحكم ستجد ًُ ُصول الف ْقه ُصول الف ْقه تعلمك َّأوًَّل أدلَّة الف ْقه ،لَْيس امل ْقصود أَنَّك ِّيف أ ُ أُ
ودليال على ُح ْكم َم ْسأَلة تَتَعلَّق ودليال على َج َواز التَّيَ ُّمم ِّاب ُّلرتاب الذي َّل غُبَار لهً ،املبِّيت ِّيف ُمزدل َفةً ،
سمى أدلَّ ًةدليال ،تِّْلك تُ َّ
دليال ً ابحلَْيض ،واثلِّثة تَتَعلَّق ابلغُسلَّ .ل ،هو َّل يُريد لك األدلَّة على املسائل ً
عريف األُصول أَدلَّة الف ْقه ،ماذا ي ْقصدون بقوِِّلم اِلمجاليَّة؟ يقصدون هبا وهو ُهنا يَقول يف تَ ِّ ت ْفصيليَّةُ ،
دليال وما َّلاِلمجال؛ مبعىن أَنَّه يُعلِّمك ما يَصلُح أن يَ ُكون ً األدلَّة على سبيل ْ أَنَّه يدلك أو يعلمك ِّ
ُ
السنَّة ودليل اِلمجاع ودليل مثالُ :هم يَذ ُكرون احلديث عن دليل ال ُقرآن ودليل ُّ يَصلُح أن يَ ُكون ،يعن ً
جتد
اِلمجاع ماذا ستجد؟ هل ُ السنَّة أو على دليل ْ كتاب يف األُصول على دليل ُّ أي ٍ تحت َّ ِّ
القياس ،لو فَ َ
فيه ِّحكاية على ُك ِّل املسائل اليت نقل فيها اِلمجاع؟ َّل ،ماذا جتد فيه؟
ظنُ ،ش ُروط َحتقُّق وبياان ألنواعه؛ إمجاعٌ صريح ،وإمجاع ُسكويت ،هذا قطعِّي وهذا ِّ ِّجتد تعري ًفا لإلمجاع ً
اِلمجاع ،هو ماذا يفعل؟ ْ
دليال ،هذا معىن قوِِّلم" :أدلة الفقه على سبيل اِلمجال" .احبث يعلمك مىت يصلُح أن يكو َن اِلمجاعُ ً
تدل على مسائل الطهارة السنَّة ،تتصور أنك ستجد األحاديث اليت ُّ يف كتب األصول عن دليل ُّ
يدين ،واجلُمعة ،وال ُك ُسوف؟ وشروطها وأر ِّ
كاهنا ،وصالة العِّ َ ِّ واحلَْيض والنفاس والغُسل والصالة
السنَّة يف كتب إمجاَّل .ملا تبحث يف دليل ُّ َّلَّ ،ل ،هو َّل يريد لك أدلة املسائِّل ،هو يعلمك األدلَّة ً
وآحاد وشروط قبول ٌ اتر
األصول ،جتدهم يذكرون لك السنة وتعريفها وأقسامها ابعتبار نقلها ،متو ٌ
ضعُفت أسانيده؟ ما احلديث ،وبعض املسائل املتعلقة ابَّلحتجاج ابحلديث :ما حكم احلديث إذا َ
37
حكم احلديث إذا كان ُم ْر َس ًال؟ هل هو ُحجة؟ هل هو دليل؟ إذن هو هكذا ،فقط ِّ
يقرر لك -يف ٌ
اعدا:
دليال ،مث ُُيرِّج لك قو ً
اجلُملة -ما الذي يصلُح أن يكون ً
دليل.
.1القرآن حجةٌ .هذا ٌ
دليل ُجم َم ٌل؛ يعن يعطيك القاعدة مث أنت تطبِّقها
أيضا ُحجةٌ ،هذه قاعدةٌ وهي ٌ .2القراءة الشاذة ً
حتتاجها.
مسائل ُ
َ على
السند.
صح َّ بنوعيها؛ املتواتر واآلحاد إذا َ
السنةُ ُحجة َ
ُ .٣
مثال« :حديث اآلحاد ُحجة فيما تَعُم به البلوى»، .4أحاديث اآلحاد ُحجة حىت يف العقائِّد؛ ً
خالف القياس» وهكذا..َ «حديث اآلحاد حجةٌ ولو
ُ
ِّ
األخرية سأقول( :على سبيل اِلمجال) املقصود به :ما يعطيك أدل ًة على ِّ
سبيل اِلمجال .للمرة فهو
َ
ضعُف مثال قال لك :احلديث إذا َ
للسنة ً
دليال يف اجلملة وما َّل يصلُح .فإذا جئت ُّ
يصلُح أن يكون ً
ِّ
احلديث َّل ضعُف سنده أو انقطع أو كان عند أهل دليال ،السنة أو احلديث إذا َ
َّل يصلح أن يكون ً
دليال.
يصح؛ فهو َّل يصلح أن يكون ً
فهو هذا املقصود :يعلمك أدلة ِّ
الفقه على سبيل اِلمجال.
األول:
الركن هو َّ
هذا ُّ
ط ومىت يُطبق؟ ومىت يف والشرو ُ ٍ
اِلمجاع والقياس ،ويف كل واحدة التعر ُ
الكتاب والسنة و َ َ وتدرس فيه
تطرقَت إليه؟ أييت إىل األدلة حىت املختَ لَف فيها. دليال؟ وما عوامل الضعف ِّ
فيه إذا َّ يص ُّح أن يكون ً ِّ
قول الصحايب ومدى ُحجيته ،عن شرِّع من قبلنا ومدى ُحجيته ،عن اَّلستحسان يتكلم لك عن ِّ
ِّ
اَّلستصحاب ومدى حجيته ،وهكذا ..فهو رسلة ومدى حجيتها ،عن امل حومدى حجيته ،عن املصالِّ
َُ
دليال وما َّل يصلُح.
يقرُر لك األدل َة على سبيل اِلمجال ،يعن ُمجل ًة :ما يصلُح أن يكون ً ِّ
النّقطةُ الثّانية يف ِّعلم األصول وكيفية اَّلستدَّلل هبا:
ِّ
للوصول إىل احلُكم؟ ها هنا دليل ،اآلن كيف تستدل هبذا الدليل
دليل وأن السنة ٌ عرفت أن القرآن ٌ
خاص،
هني ،فيها عامٌّ ،فيها ٌّ ِّ
أمر ،فيها ٌ
احلديث أو اآلية فيها صيَغ :فيها ٌ
ُ دَّلَّلت لفظيةٌ،
ٌ اعد لغويةٌ،
قو ُ
تكشف
ُ ُمتاز ،إذن هذه ثروةٌ يف علم أصول الفقه،
جممل فيها ُمطلَ ٌق وفيها ُمقي ٌدٌ ..
فيها مبني ،فيها ٌ
38
لفظ كيف تتعامل معه وعلى ماذا يدل؟ وما احلُكم صوص الشرعية وكل ٍ لك أنواع هذه األلفا َظ يف الن ِّ
موجودا يف هذا اللفظ؟
ً الذي ميكن أن يكون
اعد" :األمر إذا جاء مطل ًقا يدل على الوجوب" هو يعطيك املمارس َة اليت تعلِّمك على ِّ
شكل قو َ
ِّ
الوجوب يف يدل على الوجوب -قد َّل يدل على قليل أنه ُّ
قاعدةٌ ،األمر -هذا الذي قلنا عنه قبل ٍ
ِّ
بصيغة األمر ،إذا جاء سائل فأجابه سأله احلاَّلت إذا جاء بعد حظ ٍر ،إذا جاء َع ِّقب سؤ ٍ
ال ِّ ِّ
بعض
ٌ َ
بعد استئذان ..هي قواع ٌد ،من خالِلا يعلمك أن هذا األمر أبحد صيغه املعروفة إذا جاء يف الدليل،
الركن الثاين يف العلم :كيفية اَّلستدَّلل. ِّ
كيف تستدل به؟ هذا هو ُّ
بعد أن عرفت األدلة ،اخلطوة الثانية :كيف تستخدم هذا الدليل للوصول إىل احلكم وهو املسمى ب
«اَّلستدَّلل"؟
أركان األصول
الب يف ِّعلم األصول:
يدرسهما الط ُ
ِّ ِّ
إذن ركنان كبريان ُ
الركن األول :أدلة الفقه اِلمجالية.
ُّ -1
كن الثّاين :كيفيةُ اَّلستدَّلل ،أو :كيفية اَّلستفادة منها.
-2والر ُ
ُّسخ -أنه ذَ َكر مجلةً أخريةً" :وأحوال ن ال ِّ
بعض يف ر َل يذ ُكر إمام احلرمني -رمحه هللا وإن كان ذُكِّ
َ ُ ُ
اب األخريةُ ،اليت
وبعض األصوليني يزيد يف التعريف" :وحال املستفيد" املقصود هبا األبو ُ
ُ اجملتهدين"،
تَ ِّرد عادةً يف ِّ
كتب األصول( :أبواب اَّلجتهاد والتقليد واملسائل ،املفيت واملستفيت) ..هذه أتيت يف ِّ
ذيل
تباعا .والنُّسخةُ اليت
صلب علم أصول الفقه ،فيؤتى هبا ًكتب األصول ،وهي تتمةٌ وتَبَ ٌع ،وليس من ُ
بني أيدينا َل يُ ِّ
وردها إمام احلرمني -رمحه هللا تعاىل.-
يتكون علم أصول الفقه. ِ
فهذان ركنان ِبما ّ
يل وقفةٌ فقط مع تعريفه ،قال -رمحه هللا" :-وأصول الفقه طُُرقه على سبيل اإلمجال" ما قال
دليال أو تكون قاعدةً ،قولُك( :األمر
أعم من أن تكون ً "األدلة" ،قال" :الطّرق" ولفظةُ طُُرق ُّ
39
دليال ،لكنها أيضا طريق للفقه ،مبعىن أهنا تُنتِّج لك ح ِّ
كما فقهيًّا تستعملُهُُ ً ً ٌ للوجوب) قاعدةٌ وليست ً
ِّ
األحكام من خالل األدلة. يف حبثِّك عن
"أصول الفقه طُُرقُهُ" وقد قال هناك يف (الُبهان) :األدلة .فقال هنا ِ ٌ
سؤال أخريٌ :قال -رمحه هللا:-
الطُّرق وقال هناك األدلة ،سؤايل هو :حنن نُعرف ماذا اآلن؟ أصول الفقه.
العلم أبدل ِّة ِ
الفقه؟ ِ ِ
أصول الفقه هي أدلّةُ الفقه أم هو ُ ُ
الفقه أو هو العِّلم أبدلة ِّ
الفقه؟ وأتملوا ،أصول الفقه هو أدلة ِّ طيب ،أعطوا نفسكم فرص ًة كذا َّ
يف بقولك: طيبُُ ،ها مسلَكان لألصوليني ملا يعرفِّون األصول؛ بعضهم ي ِّ
ئ التعر َ صُّر على أن يبتد َ ُ َْ
املسائل املوجودةُ يف هذا الكتاب، الفقه هي "معرفة" أو" :العِّلم ابألدلة" وبعضهم يقولَّ :ل ،أصول ِّ
ُ ُ
أصول ِّ
الفقه. وطرق استدَّلل عرفتها أو ما عرفتها ..هو هذا العلم .هذا ُ املسائل املوجودة هي أدلةٌ ُ
ارد على َحمَ ٍل واحد .فاملسألةُ فقط فاخلالف قد يصبح لفظيًّا ،أو إن شئت فقلَّ :ل يتو ُ ُ وعلى ٍ
كل،
أورُدوه. إذا ياق أثرها يف ِّ
الس ِّ و ِّ
األلفاظ بيان أن األصوليني يعتنون كثريا بدق ِّ
ة أشرت إليها ل ِّ
َ ً ُ
أبواب األصول
اص
والعام واخلَ ُّ
ُّ َّهي
واألم ُر والن ُ
الكالمْ ،
ُ أقسام
ٌ الف ْق ِه:
أصول ِ وأبواب ِ ُ "(أبواب ِ
أصول الفقه) ُ املنت:
ياس واحلَظْر ِ خ وا ِإلمجاعُ ال والن ِ واملُ ْج َم ُل واملُبَ َّّي والظَّاهر واملَُؤّول واألفع ُ
واألخبار والق ُ
ُ نسو ُ
خ واملَ ُ
َّاس ُ
وأحكام املُ ْجت ِهدين". واإلابحةُ وترتيب األدلَّة ِ
وصفةُ املُفيت واملُست ْف ِيت
ُ ُ َ
أصول ِّ
الف ْق ِّه: وأبواب ِّ
ُ
الكالم
ُ أقسام
ٌ -1
األم ُر
-2و ْ
َّهي
-3والن ُ
اصالعام واخلَ ُّ
-4و ُّ
-5وامل ْج َم ُل واملبَ َّني
ُ ُ
َّ
-6والظاهر وامل َؤول
ُ
40
األفعال
-7و ُ
وخ –النَّسخ- ِّ
نس ُ -8والنَّاس ُخ واملَ ُ
-9و ِّ
اِلمجاعُ
األخبار
-10و ُ
ياس -11و ِّ
الق
ُ
اِلابحةُ
-12واحلَظْر و َ
تيب األدلَّة -13وتر ُ
وصفةُ املفيت ِّ -14
ُ
-15واملست ْف ِّيت
ُ
ِّ
أحكام امل ْجتهدين". ُ -16و
يكون فِّ ُ
هرسا أتى به إمام احلرمني -رمحه هللا -يف هذا املكان ،يدلُّك فيه على األبواب
ً هذا يصلُح أ ْن
أقسام -الكالم اآلت بعده بيان وتفصيل:- ٌ ضمنها ورقاته ،قال" :أبواب أُصول الفقه: اليت َّ
الكالم ،واألمر ،والنَّهي ،والعام واخلاص ،واملُجمل واملُ َّبّي ،والظَّاهر واملُؤول ،واألفعال ،والنَّاسخ
واملنسوخ ،واإلمجاع ،واألخبار ،والقياس ،واحلظر ،واإلابحة ،وترتيب األدلَّةِ ،
وصفة املُفيت،
واملُستفيت ،وأحكام املُجتهدين" ،هذه كالفهرس ،وكل واحدة من هذه اجلُمل أو املصطلحات
ُ
يف ٍ
وبيان على طريقته يف اِلجياز .أول كلمة جاءتك يف هذا التَّبويب والتَّقسيم: خصها بشرٍح وتعر ٍ
َّ
-1الكالم؛ ولذلك هي أول األبواب اليت بدأ يف شرحها -رمحه هللا.-
فأقل ما يرتَّكب منه الكالم :امسان ،أو اسم وفعل ،أو فعل وحرف ،أو
"فأما أقسام الكالمّ ،
املنتَّ :
اسم وحرف"
جرت عادة كث ٍري من األُصوليني ،يف بداايت أبواب علم األُصول أيتون إىل هذا التَّقسيم؛ تقسيم
الكالم ،ما حاجتنا إليه؟ وما عالقته بعلم األُصول؟
همة يف الدََّّلَّلت
همة يف علم األُصول ،األبواب امل َّ
متهيدي يقودك إىل األبواب الكبرية امل َّ
ٌ مدخل
ٌ هو
ُ ُ
هي( :األمر ،والنَّهي ،والعام واخلاص) هذه األربع ُمصطلحات هي أكُب أبواب دَّلَّلت األلفاظ ،وما
41
جمل واملؤول ،هذه ُمصطلحات ،يف البداية َ يتبعها فيما بعد :املطلق واملقيَّد وامل َّبني والظَّاهر وامل
ُ ُ ُ ُ ُِّ
تسهيال لك حىت تفهم املصطلحات اآلتية ،يُريد أ ْن ً مدخال يُقسمون لك فيه الكالم ،فقط ً يُعطونك
ِّ ٍ ُ
ٍ
يقول لك :هذه لُغةٌ عربيةٌ ،ملا نقول :أمر وهني وعام وخاص ،حنن نتحدَّث عن أساليب عربية ،فمن
البداية افهم معي ،العرب عندما تتكلم ِلم طريقة يف كالمهم ،هذا الكالم الذي جيري على ألسنة
ومجل تتكون من ُمجل قصرية ُ معىن للسامعَّ ، ِّ
العرب له تقسيم ،واجلُملة اليت يُعُب هبا العريب ليُفيد هبا ً
كون من اسني أو اسم وفعل أو اسم وحرف ،ضرب طويلة ،أقل ُمجلة ُمفيدة عند العرب هي ما تَ َّ
قسم ،فقال" :اسم وفعل" ،كأ ْن تقول :حضر ُحم َّم ٌد" ،قام زي ٌد" هذا اسم وفعل الذي نُعربه أمثلة أو َّ
حاضر"
ٌ الص َم ُد" هذه ُمجلة ُمفيدة ،أ ْن تقول" :فال ٌن "اَّللُ َّ
لت اسان كأن تقولَّ : فعل وفاعل ،إذا قُ َ
احدا
لت اسًا و ً تكونة من اسني؛ يعن أقل من هذا َّل يكون ُمجلة ُمفيدة ،فإذا قُ َ هذه ُمجلة ُمفيدة هي ُم ِّ
فقط ف ُقلت :زيد ،وسكت َل يعُد ُمجلة ُمفيدة تفهم منه معىن ،إذن اسان أو اسم وفعل -قال رمحه
هللا -أو اسم وحرف ،كما يف النِّداء عندما تقول :اي زيد ،لكن عند النُّحاة هو على تقدير أتويل،
وابلتَّايل فاَّلسم واحلرف َّل يصلُح أ ْن يكون وحده ُمجلة ُمستقلَّة ُمفيدة ،ألنَّه على تقدير فعل حمذوف،
للجمل اآلتية بعدها يدا وحنو هذا ،هذا التَّقسيم هو مدخل كما قُلت ُ يدا أو أدعو ز ً ملَّا تقول :أُاندي ز ً
لبيان دَّلَّلت األلفاظ ،ما الذي يهمنا حنن يف األُصول؟
فمن املفيد أ ْنومن أجل ذلك ِّ الذي يهمنا هو الوصول إىل أين يقع األمر والنَّهي يف هذا التَّقسيمِّ ،
ُ
تقول الكالم -من حيث هو ُمجل ُترج من فم اِلنسان العريب وما يسمعه العريب من الكالم العريب-
ينقسم إىل قسمني :ما يُفيد الطَّلب وما َّل يُفيد الطَّلب ،ماذا أقصد ابلطَّلب؟
أ ْن يطلب من املخاطَب شيئًا ما ،إذن الكالم -أي ُمجلة -تكلَّم مبا ِّشئت اآلن أخرِّج من فمك أي
ُ
ِّ
أنت تستطيع أ ْن تقسمها إىل قسمني؛ َّإما أ ْن تكون اجلُملة تُفيد طلبًا أو َّل ُمجلة عربية ،يف النهاية َ
تُفيد الطَّلب.
أمرا أو يطلب هنيًا أو يطلب جو ًااب، َّ
فإ ْن أفادت الطلب ،فهو واح ٌد من ثالثة أشياءَّ :إما أ ْن يطلب ً
يعن استفهام ملا أقول :أعطن الذي يف يدك ،هذا كالم ُمجلة وهي أفادت طلبًا طلب اِلعطاء ،ملا
َّ َّ
أقول لكَّ :ل ت ُقم من جملسك ،هذه ُمجلة وفيها طلب النَّهي عن القيام ،ملا أقول :ما الذي يف جيبك؟
َّ
42
هو طلب جواب ،أان أريد أ ْن أعرفه فأان أستفهم ،إذًا طلب أمر ،أو طلب هني ،أو طلب استفهام ،أو
طلب حتصيل ،يعن جواب هذا أ ْن كان طلبًا ما عدا الثَّالثة ،فاجلُملة َّل تُفيد طلبًا ،أقول لك :بدأان
سمىخُبا ،فالذي َّل يُفيد الطَّلب يُ َّ
درسنا بعد صالة املغرب ،أان َّل أطلب منك شيئًا ،أان أُخُبك ً
خُبا.
عندهم ً
خُبا ،وإ ْن كان َّل
سمى ً اخلُب إ ْن كان َّل يُفيد الطَّلب ،فهو نوعان :إ ْن كان ُيتمل تصدي ًقا وتكذيبًا يُ َّ
متن فيها رجاء فيها دعاء فيها قَ َسم ،هي ُمجل َّل ُيتمل التَّصديق والتَّكذيب ،فهي ُجمرد ُمجل فيها ِّ
سمىسمى كذلك بنوع آخر من األخبار يُ َّ لتصديق وتكذيبَّ ،
فإهنا تُ َّ ٍ تُفيد طلبًا وليست خاضعة
أن كالمه اآليت -رمحه هللا -ملا قال: أصل وإايك إىل َّ تنبيها وحنوه ،فكل هذا التَّقسيم أريد فقط أ ْن ِّ
َّ ً
يضا" ،ودخل يف تقسيمات ،أريدك َّأَّل تظن "والكالم ينقسم إىل أمر وهني وخُب واستخبار وينقسم أ ً
تلفة ،يعن يف األول ملا قال" :الكالم ات ُخم ٍ أن هذه تقسيمات متعارضةٌَّ ،ل هي تقسيمات ابعتبار ٍ َّ
َّ ٌ ٌ ُ
ينقسم إىل اسم وفعل واسم وحرف أو اسني" ما هذا؟ هو تقسيم للكالم من حيث ما يُفيد املعىن أقل
ما يُفيده املعىن اآلن ،قال" :والكالم ينقسم إىل أمر وهني" ما به؟ ملاذا انتقل وأتى بتقسيم آخر؟
كثريا ،هذهكل َّل تشغل ابلك ً هو ابعتبار آخر من حيث الدََّّللة واملعىن ،والكالم ينقسم ،على ٍ
املداخل جروا عليها يف إيرادها ،وسيأتيك احلقيقة واجملاز ليست ذات أثر كبري فيما يتعلَّق بفهم طالب
أثر فقهي.
العلم ملسائل يُبىن عليها ٌ
تقسيم الكالم
َح ٌد﴾ 2هي َّل أمر وَّل هني هي خُب ،واستخبار ،ما اَّلستخبار؟ اَّلستفهام ،السؤال، يَ ُكن لَّهُ ُك ُف ًوا أ َ
أيضا ٍ ِّ
مت لكم من إله غريي؟ هذا استفهام وينقسم ً هل عل ُ
43
ضا إىل مت ٍن وعرض وقسم" "وينقسم أي ا
بَ 1﴾...اي لَْي تَ نَا هذا ِّ ِّ
متن ،وعرض أ ْن تطلب من شخص أو مت ٍن ﴿ ...فَ َقالُوا َاي لَْي تَ نَا نَُرُّد َوََّل نُ َكذ َ
أمرا ما تعرض عليه ضياف ًة إكر ًاماَّ :إَّل تنزل عندان َّإَّل تزوران ،هذا عرض َ
فأنت تعرض على املُخاطَب ً
تُريد منه حتصيله ،وال َق َسم معروف .فهذا التَّقسيم للكالم ابعتبارات أُخرى.
احلقيقة واجملاز
ٍ
حقيقة وجما ٍز ،فاحلقيقة ما بقي يف االستعمال على موضوعه ،وقيل :ما "ومن ٍ
وجه آخ ٍر ينقسم إىل
عمل فيما اصطلح عليه من املُخاطَبة ،واجملاز ما ُجتَُّوز عن موضوعه" استُ ِ
آخر للكالم إىل حقيقة وجماز ،هذا التَّقسيم اجلديد هو ابعتبار استعمال اللَّفظ يف اللُّغة تقسيم ٌ ٌ هذا
معىن ،طريقة على تدل غة عني ،أي لفظة يف اللُّ العربية يف كالمك يف اجلُملة لتدل به على معىن ُم ٍ
ً ً
ٍ
استعمالك ِلذا اللَّفظ يف الدََّّللة على املعىن هو الذي ينقسم إىل حقيقة وجما ٍز ،مثال :هذا اآلن قلم
معىن ُمعي نًا،
أنت تُريد ً فأنت ملَّا تستخدم يف كالمك ُمجلة أتيت فيها بلفظة "القلم" َ وهذا كتابَ ،
تبادر هو هذه اآللة اليت يُكتَب هبا ،والكتاب املقصود به هو جمموع األوراق الذي يقع "القلم" املعىن املُ َ
استخدمت لفظ
َ "كتااب" ،فإذا
ً سمى
دو ٌن فيه شيءٌ ما من العلوم أو من الكالم يُ َّ وم َّبني غالفني ُ
مجلة ما؛ لتدل به على معىن معني ،طريقتك يف التعبري عن هذا املصطلح: "الكتاب" ولفظة "قلم" يف ٍ
"قلم وكتاب" هو الذي ينقسم إىل حقيقة وجماز.
كتاب ِّ
َّحت َ الكتاب" ،أان أقصد به :مثل هذا الكتاب ،وملا أقول" :تصف ُ َ يت
مثال" :-اشرت ُ أقول ً -
حيايت؛ فوجدته كذا…" ،ماذا أقصد ب "كتاب حيايت" هنا اآلن؟ هو هذا الكتاب -يشري الشيخ
مبعىن آخر ،ما هو؟ استخدمت اآلن نفس الكلمة ،وهي كلمة" :كتاب" ً َ على ما ُميسكه بيديه-؟ َّل.
هو معىنِّ :س ِّج ُّل احلياة وما عمله اِلنسان يف حياته السابقة.
أقصد مسمى الكتاب هبذا الكتاب -يشري ملا ُميسكه .-طريقة استعمالك لِّلَّفظة يف اجلملة اليت أان َّل ُ
استعملت الكلمة أو اللفظة يف املعىن األصلي الذي وجماز ،فإن ٍ
حقيقة َ تعُب هبا هي اليت تنقسم اىل
َ
44
ُو ِّض َعت له الكلمة؛ فهذا هو احلقيقة" .الكتاب" يف احلقيقة ،يف اللغة ،جاء ِلذا املعىن .وإذا
معىن آخر؛ فهذا يُسمى: يدر ت لكنك ما، استخدمته يف معىن آخر تريد به شيئا مشاهبا له يف ٍ
شيء
ً ً ً ً َ
جماز.
ئل النب -ﷺ - مثال :ما هو "املوت"؟ كلمة "موت" على ماذا تدل يف اللغة؟ على مفارقة احلياةُ .س َ
أيت احلَ ُمو؟ فقال: الدخول على النِّ ِّ
رجل من األنصار :اي رسول هللا! أفر َ ٌ فقال . ساء ملا قال" :إايكم و َ
احلَ ُمو :امل ْوت".
ٍ ِّ َ
صد؟ هل قصد يقصد :أن احلَ ُمو إذا دخل على زوجة أخيه؛ أُصيبت بسكتة قلبية ،وستموت؟ ماذا قَ َ
حقيق َة املوت؟ قصد معىن جمازي .ما املعىن الذي قصدهُ بقولِّه" :احلَ ُمو امل ْوت"؟ أنه ينبغي أن يكون
َ
أيضا أييت بغت ًة وفجأةً ويَ ْد َه ُم اِلنسان ُياف اِلنسا ُن من املوت؛ وألنه ً ذر منه كما ُ وشديد احلَ ِّ
َ ُخمي ًفا
َ
وهو َّل يشعر بِّه ،وَّل يتوقَّعه؛ فكذلِّك قد يقع املن َكر أو ال َف ِّ
احشة ُما َّل يُتوقَّع حصولُه ،هذا قوله: َ ُ ُ ُ َ ُ
مثال اآلن ،حىت تفهم ما معىن حقيقة وجماز. "احلَ ُمو امل ْوت" .قاِلا ثال ًاث -ﷺ ،-هذا ٌ
ِّ َ
ِّ
استعمال اللفظ فيما ُوض َع له ابتداءً يف اللغة ،وسنأيت للتعريف اآلن. ُ إذن احلقيقة هي
ِّ فظ يف ِّ استعمال الل ِّ
األصل الذي ُوضعت فيه اللغة .وهذا كثريٌ غري املعىن األساسي أو ُ وامل َجاز ما هو؟
َ
ِّ
نستعمل ألفاظًا هبذه الطريقة ،فهي دارجة يف اللغة .لكنك حىت تعرف حنن يف العامية
ُ جدا ،بل حىت ُ ً
ساس واألصل ،فهو :حقيقة ،وإن استعملتَه يف غري ذلك فهو: املوضوع األ ِِّّ استعملت اللفظة يف
َ إ ْن
َجمَاز.
سؤال قبل أن نقرأ من جديد :اآلن ،هل كل واحد يَ ُسوغُ له أن أييت إىل أي كلمة إذا ما أراد ٌ
يد
معىن يريد ويقول" :أان أر ُ أي عن هبا صرفُها أبي طريقة ،وي ِّ
عُب ِّ
احلقيقة وأرادها َجمَ ًازا ،فيَ ِّ استعماِلا يف
ً ُ
بغري احلقيقة ،وأراد أن ِّ
يقصد امل َجاز"؟ يعن هذا ِّمنديل -يرفع الشيخ علبة مناديل -فأر َاد أن يُ ِّعُب به ِّ
ٍ َ
ميكن أن نُغري األلفا َظ وأنخذها ُيصل هذا؟ فإىل أي درجة ُ به الكتاب ،أو أن يقصد به السيارةُ ..
رجل َّلمرأته :اي
آخر؟ قال :هذا فيه حدودَّ ،لبد من ضوابط .لو قال ٌ معىن َ من حقيقتها ونصرفَها إىل ً
أنت طالِّقُ ،يصل هذا؟ ما ُيصل! فَرس ،وأراد بهِّ :
َ
45
حقيقته إىل املجاز؛ َّلبد من ٍ
عالقة بني اللفظ احلقيقي ِّ تستعمل اللفظ من فالقضيّة :أنك ملا تُر ُ
يد أن
ََ َ
رورا سر ًيعا.
مر عليه املصنفو َن ُم ًابب َّ
يف معناه ،وبني املعىن املَ َجازي الذي تريد أن تنقلهُ إليه .وهذا ٌ
وجمَا ٍز .فاحلقيقةُ ما بَِقي يف ٍ
حقيقة َ ينقسم -أي :الكالم -إىل
ُ
قال -رمحه هللا " :-ومن ٍ
وجه آخر
عمل فيما اصطُلِ َح عليه من ضع له يف اللغة -وقيل :ما استُ ِ ِ
موضوع ِه -مبعَن ما و ِ ِ
االستعمال على
ُ
املُخاطَبة".
عمل" يعن اللفظ الذي يستعمل "فيما اصطُلِّح عليه من املخاطَبة" فيما اصطَلَح أهل الل ِّ
غة يف "ما استُ ِّ
ُ ْ ُ َ ُ
دُها املصنف -رمحه هللا -هو بناءً على أور ُ ُتاطُبِّ ِّهم عليهُ .
الفرق بني التعريف األول والثاين ال َذين َ
مذهبَني كبريين يف مسألة إثبات احلقائق غري اللغوية ،وحنن نقول :اللفظ إذا استُعمل يف معناه األصلي
معىن آخر شرعي؟ َّل فهو حقيقة ،وإذا استُعمل يف غري معناه األصلي فهو َجمَاز .ماذا لو استُعمل يف ً
ف اآلن.
جمازا ،نسميه :حقيق ًة شرعية -مثل الصالة واحلج -وسيأيت إليه املصن ُ
نسميه ً
مذهبان عند أهل العلم:
هناك َ
سمى حقيقة إَّل احلقيقةُ اللغوية ،وما عداها فهو َجماز] .على هذا املذهب •منهم من يقولَّ[ :ل يُ َّ
موضوع ِّه" ،هذا على مذهب من ي ِّ
نكر غري احلقائق ُ
ِّ ِّ
اَّلستعمال على أييت التعريف األول " :ما بَِّقي يف
اللغوية ويقول َّل حقيقة إَّل اللغوية.
•وأما من يقول[ :ميكن أن تكون احلقيقة لُغوية ،وميكن أن تكون شرعية ،وميكن أن تكون عُرفية]؛
اَّلصطالح يف اللغة
ُ فيأيت ابلتعريف الثاين" :ما استُعمل فيما اصطُلِّ َح عليه من املخاطَبة" فإن كان
ُ
اِلصالح عُرفًا بني
ُ فهي حقيقة لُغوية ،وإن كان اَّلصطالح يف الشريعة فهو حقيقةٌ شرعية ،وإن كان
أهل اللسان فهي حقيقة عُْرفية.
كثرياُُ ،ها تعريفان ساقَهما للحقيقة -رمحه هللا.- ِّ ِّ
وَّل داعي ألن نقف عندها ً
عرف املاز فقال" :ما " واجملاز ما ُجتُِّوَز عن موضوعه ،واحلقيقة ّإما… " طيب حنن عرفنا احلقيقةَّ ،
قلت هناك :ما بقي يف يف األسهل هو ما يقابل ذلك التعريف .إذا َ ُجتُ ِّوز عن موضوعه ".والتعر ُ
ِّ
موضوعه .وإذا قلت :ما ِّ
اَّلستعمال على يبق يف
اَّلستعمال على موضوعه ،تقول هناك :ما َل َ
عم َل فيما اصطُلِّح عليه؛ تقول :ما استعمل يف غري ما اصطُلِّح عليه.
استُ ِّ
46
أوضح يف الدَّللة. أيس ُر و َ وهذا َ
(جماز) ،من أين جاءت يف اللغة؟ وملاذا سوها َجم ًازا؟ قال هنا" :ما ُجتُ ِّوَز" أراد أن أييت بكلمة َ
زت
ت ال َقنطرة ،أو ُج ُ "جاز" ،ما معىن جاز؟ َع َُب .تقولُ :ج ْز ُ (جمَاز) :اسم مكان أو مصدر من الفعل َ َ
النهر أو جاوزته مبعىن :عُبتُه.
معىن آخر ،فنقلتَه من احلقيقة إىل فاجملاز ..أنت ماذا تفعل؟ أنت حتمل اللفظة من املعىن هذا إىل ً
صنعت
َ معىن آخر .فلما ت هبا من معناها األصلي إىل ً عُب َ معىن آخر .أنت ماذا صنعت ابللفظة؟ َ
هذا العبورُ :سي هذا العبور َجم ًازا.
اسم مكان: جمازاُ ، معىن آخر ،املعىن اآلخر اجلديد سيناهً : ملا انتقل هذا اللفظ من معناهُ احلقيقي إىل ً
يعن املكان الذي َجاز -أو َع َُب -إليه اللفظ ،كما تقول( :مطار) املكا ُن الذي تطري فيه الطائرة منه
عُب إليه اللفظ ٍ ٍ
ومطَار برتكيبة أو بصياغة واحدة .فاملَ َجاز هو اللفظ -أو املعىن -الذي َ فمجاز َ وإليهَ ،
جمازا هبذه الدَّللة.
فسمي ً ُ
" واحلقيقة إما لُغَويّة ،وإما َشرعيّة ،وإما عُ ْرفِيّة".
طيب ،إن كانت احلقيقةُ يف املعىن األصلي جاءت يف اللغة؛ فهي حقيقةٌ لغوية ،وهي غالب األلفاظ.
وإن كانت يف الشريعة ومثال ذلك لفظة "الصالة" :قبل أن أييت اِلسالم ،العرب يف ماذا كانت
ضت الصالة؛ فإذا قيل يف الشريعة أو عند تستعمل كلمة (صالة؟) الدعاء .فلما جاء اِلسالم وفُِّر َ
يعود إىل املعىن اللغوي الذي كان قبل اِلسالم؟ ماذا حصل للكلمة؟ أهل اِلسالم (الصالة) هل ُ
حقيقة أخرى غري اللغوية .هي حقيقةٌ شرعية؛ ألن الشريع َة هي اليت ٍ استقر املعىن يف الكلمة على
جاءت هبا.
يعُبون عن (صوما) مباذا ِّ
(يصوم) َ ً
ُ (الصوم) يف اللغة قبل اِلسالم ،العرب كانت تستعمل كلمة (صام)
الصوم؟ عن ُمطلَق اِلمساك.
الشرابَّ ،ل ﴿لَ ْن أُ َكلِّ َم الْيَ ْوَم الصيَام عن الطَّ َعام و َّ مح ِّن صوما﴾ بل لَيس ِّ
ْ
﴿فَ ُق ِّويل إِِّّين نَ َذر ِّ
ت ل َّلر ْ ََٰ َ ْ ً ُْ
الصالة يف اللُّغَة ِلا َمعاين قبل اِلسالم ،ملا َّ احلج وُّ الكالم ُِّسي صوماِّ ،
فالصيام و َ عن ام ي نسيًّا﴾ ِّ
ص إِّ ِّ
َّ ً َ ْ ٌ َ
47
وبني احلقائق اللُّغويَّة فرق بَينها ْ وحىت نُ ِّ جاء اِلسالم وأوجد ِلذه األلفاظ َمعاين أَصبحت َحقائِّقَّ ،
علي َها. سَّيناها حقائِّق شرعيَّة ،إِّ ْذن احلقيقة الشَّرعيَّة الذي جاءت فيه َّ ِّ
استقر ْ
صها و َّ عىن َُيُ ُّ الشريعة مب ً ََ ْ َ َ
معىن ،لكن تَعارف النَّاس عن يف اللُّغَة كانَت اللَّ ْفظة ِلا ً النَّوع الثَّالث ِّمن احلقائقَ :حقائِّق عُْرفيَّة ،يَ ِّ
يدب على لكل ما ُّ لمة دابَّة يف اللُّغة ِّ معىن آخرُ ،خذ لِّذلك ً
مثاَّلَ :ك َ َّ
استعمال َهذه اللفظة يف ً على ْ
اَّللُ َخلَ َق ُك َّل َدابٍَّة ِّمن َّم ٍاء ۖ فَ ِّمْن ُهم َّمن ميَْ ِّشي َعلَ َٰى بَطْنِّ ِّه﴾ إذن األفعى دابَّة ﴿ َوِّمْن ُهم َّمن األرض﴿ َو َّ
سمى َدابَّة ،لَ ِّكن العُرف اللُّغَوي عند ني َوِّمْن ُهم َّمن ميَْ ِّشي َعلَ َٰى أ َْربَ ٍع ﴾ ُك ُّل َذلِّك يُ َّ ميَْ ِّشي َعلَ َٰى ِّر ْجلَ ْ ِّ
ت َدابًَّة ،أَقبَلت كبت َدابًَّة ،ا ْش ُرتيت َدابًَّة ،رأيْ ُ األربع؛ ر ُ العرب أصبحوا َّل يُطلقون َدابَّة َّإَّل على َذ َوات ْ
تشمل ما َميشي على بطنِّه أو الس َماع ألنَّه ُميكن أ ْن َ نص ِّرف اللَّفظ يف املعىن ِّعْند العرب يف َّ َدابَّةٌ ،وَّل يَ َ
استنكر النَّاس ،بينما ُهو يف اللُّغَة صحيحُ ،هو ِّ
وقلت" :أَقبَلت َدابَّة" ْ حىت اِلنسان ،فلو دخل َداخ ٌل ُ
احْي ِّه إََِّّّل أ َُم ٌم أ َْمثَالُ ُكم ﴾ُ ،شوف َّفرق بَني ِّ ِّ ِّ
ض َوََّل طَائ ٍر يَطريُ جبَنَ َ الدواب ﴿ َوَما ِّمن َدابٍَّة ِّيف ْاأل َْر ِّ َدابَّة ِّمن َّ
من يَدب وبني الطَّري ،املخلوقات على وجه األرض ِّصنفان :ما ميشي على األرض ،وما يطري يف
ند َِّّ ِّ ِّ ۤ اَّلل﴿ :إِّ اِلواءُ ،كل ما َميشي على األرض دابَّة ،إذن َحنن دواب ،وِّ
ٱَّلل َ ع ب ا َّو
َ ٱلد رَّ ش
َ َّ
ن َّ قال ذا ِل َ ۡ ُّۡ َ
فالبشر َد َواب ،لكن احلقيقة ﴾ ا
و ر ف ك ين ٱلص ُّم ٱلبكم ٱلَّ ِّذين ََّل ي ۡع ِّقلُو َن﴾ ،ويف اآلية األُخرى ﴿ٱلَّ ِّ
ذ
ُ َ
َ َُ َ ُّ ُ ُ َ َ
أن الدَّابَّة ِّهي البهيمة -أ ْك َرمكم َّ
اَّلل- أقرب إىل الفهم َّ َ ي هاللُّغويَّة َكادت أ ْن تَبتعِّد ،ويف ح ِّقي َقة عرفِّيَّة ِّ
ُ َ َ َ
لت" :جاءَت َدابَّةٌ" ،واستنكر عليك النَّاس وَّل ِّ
َذوات األربع ،والدَّليل ُهو هذا ،إ َذا دخل َداخ ٌل ف ُق َ
يقبلون ِّمنك هذا ،ويعتُبوهنا شيئًا ِّمن الق ْدح والشَّتم َه ِّذه َح ِّقي َقة عُْرفِّيَّة اآلن ،اللُّغويَّة موجودة ،لكن
اَّلستعمال. العُرف هو الذي طغى وغلَب يف ْ
املوضع املنخفض املطمئِّن ِّمن األرض ،ملا َأتِّيت عُب ِّهبا عن ِّ لمة "الغائط" يف أَصل اللُّغَة يُ َّ كَ : آخر ٌ
ال ث
َ مِ
ُ ُ َ َ
فأصبحت النَّاس يف سمى غائطًا، طعة ُمنخفضة َهابِّطة ،األرض املنخفضة تُ َّ إِّىل م َكان منب ِّسط وفيه قِّ
َ ُ َ َ َُ
ذهبت
ُ تِّلك األزمان يقصدون تِّلك األماكن املنخفضة لِّقضاء احلاجة فِّ َيها -أ ْك َرمكم هللا ،-في ُقول:
ِّ ُ
اَّلل-
َّ مك َكر
َ أ- اه ي م
ََ َ ةور د أو ام مح
ََّ اليوم تقول
َ ُ اكم املكان، وجئت ِّمن الغائط واملقصود ُ إىل الغائط
َّجسة الفضلة الن ِّستعمل يف ْ ُت ط فهجرت هذه احلقيقة ،أو هذا املعىن ه ِّجر ،وأصبحت كلمة غائِّ
َ َ ُ َ ُ
48
وهذا نوعٌ ِّمن احلقيقة أصبَحت اَّللَ ،- أكرمكم َّ اخلارجة من اِلنسان ،فصار الغائط يُطلَق على الُباز َ -
ِّ
َح ِّقي َق ًة عُرفِّيَّة.
عارف علي َها فِّئةٌ ِّمن احلقائق العرفيَّة هي َّإما أ ْن ي تعارف عليها ُك ُّل النَّاس فت َّ ِّ
سمى عُرفيَّة َع َّامة ،أو يَتَ َ ُ َ ََ َ
ثاَّلُ :مصطَلَح اصةُ ،خذ ِّم ً سمى عُرفِّيَّة َخ َّ فن ِّمن ال ُفنون -فتُ َّ بلد ِّمن البُلدان أو أهل ٍ النَّاس -كأهل ٍ
معىن ،وعند هل
َ ثني الرفع ِّعند ِّ
احملد َّ العلم، أهل لماء الع لوم الع َهل أ ند ع"الرفع"َ ،كلمة "رفع" تَعال ِّ َّ
ً ُ ُ َ َ َ
حدثني ُهو أ ْن تَبلُغ ِّمبَنت احلديث إىل النَّب الرفع ِّعند امل ِّ معىن؛ َّ معىن ،وعند أهل اِلْندسة له النُّحاة له
ُ ً ً
ُّحاة فما ُهو؟ فَ ُهو ما يُ َقابِّل املنصوب واجملزوم ﷺ ،ويقابل املوقوف وامل ْقطوع ،وملا تَ ُقول َّ ِّ
الرفع عند الن َ َّ ُ
اصةُّحاة ُهو َح ِّقي َقة عُرفِّيَّة ،عُرفِّيَّة َخ َّ ِّ
أبَحد عالماته املُعتََُبة ،فانظر َكيف اختلَف املُصطَلح ،إِّذن عند الن َ
صسمى عُْرفِّيَّة َع َّامة ،وإِّ ْن َكانَت َُتُ ُّ احملدثني ،فاحلقائق العُرفيَّة إ ْن كانَت َع َّامة تُ َّ ِّهبم َُتتلِّف عن عرف ِّ
ُ َ
إخوة -وسيأيت املصنِّف َ اصة ،فَائِّدة هذا التَّقسيم اي فن أو أهل َان ِّح ٍية فَ ِّهي عُرفِّية َخ َّ بلد أو أَهل ٍ أَهل ٍ
ُ ِّ ِّ ِّ
َّعامل مع النُّصوص الشَّرعيَّة، اَّلل -إىل ذكر بَعض القواعد املُتعلقة -فائدة هذا التَّ ْقسيم يف الت ُ -رمحه َّ
ِّ ِّ
جدت الدَّليلعام ُل مع األدلَّة إ َذا َو ُ ُصول الف ْقه؛ ألتعلَّم َكيف أَتَ َ أدرس أ ُ يهمن ،أان اآلن ُ و َأان هذا الذي ُّ
ب فظ أيِّيت ِّيف النُّصوص الشَّرعيَّة فَعلَى أي م ِّ شتم ًال على لَفظة ،فالقاعدة تَ ُقولٍ ُّ : َّرعي م ِّ ِّ
عىن َجي ُ َ ً أي لَ َ الش ُ
وي إ ْن َل يَ ُكن محل على املعىن العُ ِّريفُ ،مثَّ اللُّغَ ِّ عذر املعىن ِّ
الشرعي ُِّ أ ْن َحت ِّمله؟ احلقائق الشَّرعيَّة ،فإ ْن تَ َّ
اَّلل
اَّلل َعنه -ملَّا قال ":فَ َرض َر ُسول َّ سعيد اخلُ ْد ِّري َ -ر ِّضي َّ الع ِّريف طاغيا عليهِّ ،مثالِّ :يف حديث أيب ٍ
َ ً ُ
يء يَطعمهُ اِلنسان؟ هل قصد أبو الفطر صاعا ِّمن طَعام" هل كلمةُ طَعام اآلن ُكل ش ٍ ﷺ صدقة ِّ
َ َ َ ً َ
الُب؛ ألَنَّه كان طعامهم آنذاك ،فإذا خاصا هو َُّ معىن ًّ قصد و ه َّل، ام؟ ع َط أي - نه ع اَّلل
َّ ي سعيد -ر ِّ
ض
ً ُ َ َ َ
َص ُل به إىل املعىن احلقيقيُ ،هو ماذا أراد - ُفسر اللَّفظ هنَا مبا أ ِّ أان أ ِّ
الُب ،فَ َ َّ
ُ انصرف إىل َ قيل" :الط َعام" َ
تطبيقات ِّهي
ٌ نص َشرعيُ ،هناك ألن هذا يُفيدين ِّجدًّا يف استنباط األحكام ،أان اآلن أمام ٍ َرمحَه هللاَّ -
َح ُد ُكم فَليُ ِّجب ،فإ ْن كا َن ِّ ِّ
دائما يف الدُّروس مبثال" إذَا ُدع َي أ َ أكثر َع َمليَّ ًة يف هذا الباب ،ونضرب ً
أحدا إِّ َذا ُد ِّعي إىل ٍ َمر ِّمنه -ﷺ َّ - ِّ ِّ
طعام وكان أن ً ص ِّل ،وإ ْن كا َن ُمفطًرا فَليَطْ َع ْم" هذا أ ٌ صائ ًما فَليُ َ َ
صل ،األصل أ ْن تقول يف القاعدة الشَّرعيَّة ُهنا أ ْن َحتمله على املعىن الشرعي ،يُصلِّي يَعن صائما فليُ ِّ ً
َهل العلم َمحلُوه على املعىن اللُّغَويُ ،س َؤال: ِّ ِّ
ويستقبل القبلة ويصلي ،هل هذا هو املعىن املُراد؟ أ ُ يَ ُقوم ْ
49
أي َح ِّقي َقة؟ الشرعي فالواجب محلهُ على ِّ ِّ الشرعي إذا جاء يف الدَّليل ِّ أن اللَّفظَْحنن قُلنَا قبل قليل َّ
الش ِّ
َّرعي.
ُخرى أ اايتوعارضته يف ذلِّك ِّ
ر الصالة؟ قالُوا :ألنَّه ما أراد هذا املعىنَ ، ملاذا تَركنَا احلقيقة الشَّرعيَّة وهي َّ
َ
ِّ
ُّعاء ،وشهدت َِلا وهو الد َ الصالة على املعىن اللُّغَوي ُ صائما فليدعُ ،فَ َحملنَا َّ للحديث ،قال :وإ ْن كان ً
ِّ ِّ
كثريا.
طبيق َعملي يُساعدان ً بَعض ِّرواايت احلديث ،هذا تَ ٌ
لني يف اخلالفِّ ،من أشهر تِّلك يف بَعض ِّخالفات ال ُفقهاءَ ،هذه القاعدة ُحت ِّكمها لُِّرتِّجح هبا بَني قو ِّ
الوقوع ُكله، ِّ ِّ
طالق احلائض يقع أو ما يقع؟ والعمدة يف ذلك عند القائلني ابلوقوع وعدم ُ مثالُ : األمثلة ً
اَّلل َع ُنهما -ملا طَلَّق امرأته وهي َحائِّض ،فبلَّغ ب َذلك عُ َمر َّ اَّلل بن عُ َمر َ -ر ِّضي على حديث عبد َّ
َّ
"م ْره
طهر إىل آخر احلديث ،قولهُ : سكها َح َّىت تَ ُ
فلرياجعها ُمثَّ ُمي َ ابخلَُب إىل َر ُسول هللا ﷺ ،فَ َقالُ :م ْره ُ
َمره
األولون :ملا أ َ الرجعة من الطَّالق ،قال َّ "فلرياجعها" أي َّ فلرياجعها" هذا أمر أمره ِّإبرجاعها ،قولهُ : ُ
الر ْجعيَّة َها ُهنَا َح ِّقي َقةٌ
دل َذلك على ُوقُوع الطَّالق ،ولو َل يقع ما قال :أرجعها ،واضح؟ و َّ إبرجاعها َّ
الر ْجعة ِّمن الطََّالق إذا قَالُوا طََالق احلائض يقع ،قال اآلخرونَّ :ل ما يقع ،وألنَّه بدعة رعيَّةِّ ،هي َّ
َش ِّ
الشرعي َّل أثر لَه وَّل ِّع َُبة به وَّل يرتتَّب عليه لسنَّة واملخالف لِّلح ْكم ِّ فكيف يقع؟ والطَّالق املخالف لِّ ُّ
ُ ِّ ُ
عناجعها يَ ِّ ُّ
اجعها" ،قَالُواَّ :ل ،املعىن اللغَوي يُر َ ُح ْكم ،طيِّب أجيبوا عن احلديث ماذا يَ ُقول؟ ُ
"م ْره ف ْل ُري َ
لُِّريجعها إىل بَيتِّه ،وي ْفهم أَنَّه ََل يقع طَ َالق.
القو ِّ
لني ِّ فانظر كيف إ ًذا أنت تَتَعامل مع ٍ ِّ
كمك فيه القواعدُ ،هنا ُميكن أ ْن متيل إىل أحد ْ نص َشرعي َحت ُ َ َُ
أقرب إىل تطبيق القاعدة الش َّْرعيَّة ،نعم. ِّ
دُهَا َ
َح ُ وتُرجح ،ملَّا ترى أ َ
"واجملاز َو َّأما أن يَ ُكون بِّزايدة ،أو نُ ْقصان ،أو نَ ْقل ،أو استعارة"
ص َور، اجملاز وأنواعه وهي كثرية ،قالِّ :زايدة نُ ْقصان نَ ْقل استعارة ،ذَكر َ -رمحَه هللا -أربع ُ ص َور َ َهذه ُ
وعشرين نوعاُ ،ك ُّل ذَلك لَسنا م ِّ ِّ
هتمني ُ للمجاز ،عند أهل البالغة يَبلغون به أكثَر من َمخ َسة ِّ ً أَربَع أنو ٍاع َ
اَّلل ،-نَعِّم.
ذكره املصنِّف -رمحه َّ َ به اآلن ،لكن نَ ُسوق ما
ِّ ِّ ِّ ُ "فاجملاز بز ٍ
س َكمثْله َش ْيءٌ ۖ﴾ " َ ي
َْل ﴿ تعاىل له و ق مثل ايدة
50
س َك ِّمثْلِّ ِّه َش ْيءٌ ۖ﴾ ،ألن املعىن ليس مثله شيءٌ .فالكاف ها هنا املقصود ابلزايدة هنا الكاف﴿ .لَْي َ
عند البالغيني هي من جماز الزايدة.
اسأ َِّل الْ َق ْريََة﴾ "
"واجملاز ابلن قصان مثل قوله تعاىلَ ﴿ :و ْ
ألن املعىن واسأل أهل القرية .فهذا من اجملاز الذي نقص فيه شيءٌ من لفظ احلقيقة.
"واجملاز ابلن قل كالغائط فيما ُيرج من اِلنسان"
ألن املعىن نُقل من املكان املنخفض إىل ما ُيرج من اِلنسان ،فصار فيه نقل يف املعىن من ٍ
لفظ إىل ٌ ٌ
لفظ آخر .نعم. ٍ
ض﴾ " يد أَن يَن َق َّ "واجملاز ابَّلستعارة كقوله تعاىلِّ ﴿ :ج َد ًارا يُِّر ُ
مجاد وَّل إرادة له ،لكنه على سبيل اَّلستعارة.
ألنه شبه أو نسب إىل اجلدار إراد ًة ،واجلدار ٌ
هذه كلها أنواعٌ وَّل داعي للوقوف عندها.
األمـ ـ ـ ـ ـ ــر
52
ألن اَّلستدعاء فيه طلب ،وعادةً ما يكون موج ًها هبذا املعىن .بعضهم يضيف يف التعريف (على وجه
قيود ُيرجون هبا مسألة الدعاء من العبد إىل ربه اَّلستعالء)؛ على وجه اَّلستعالء ُمن هو دونه ،كلها ٌ
أمرا.
فإهنا َّل تسمى ً
داع ِليرادها يف تعريف الوج وب" .هذه يف آخر التعريفَ ،ل يكن هناك ٍ أخريا قال" :على سبيل ُ ً
املصنِّف -رمحه هللا .-من جييبن ملاذا؟ يعن لو قال :استدعاء ِّ
الفعل ِّ
ابلقول ُمن هو دونَه" نقطة ،هذه
كفاية .ملاذا نقول على سبيل الوجوب َّل داعي ِلا يف التعريف؟
أمرا؟ بلى .فلما قال" :على سبيل هو ملا قال على سبيل الوجوب أخرج املندوب؛ املندوب أليس ً
الوجوب" أخرج املندوب من التعريف .حنن نقول لهَّ :لَّ ،ل داعي ،قل (استدعاء الفعل ابلقول ُمن ُ
استحبااب .وِلذا قالوا َّل داعي ِلذه
ً نداب و وجواب ،أو يكون ً هو دونه) مث هو ينقسم :إما أن يكون ً
العبارة اليت أوردها -رمحه هللا -فأخرج املندوب ،وهو خالف الراجح عند أهل العلم.
"وصيغته الدالة عليه اِّفْ َع ْل ،وهي عند اِلطالق والتجرد عن القرينة ُحت َمل عليه ،إَّل ما دل الدليل على
دب أو اِلابحة فيُحمل عليه". أن املر َاد منه الن ُ
قال " :وصيغته الدالة عل يه اِّفْ َع ْل" صيغة ماذا؟ األمر.
قال " :وهي عند اِلطالق والتجرد عن القرينة ُحتمل عليه" على ماذا؟ على الوجوب؛ ألنه قال يف
الوجوب" فلما أورده يف التعريف أحال إليه. آخر التعريف هناك "على سبيل ُ
وهو حني قال هنا" :وصيغته الدالة عليه اِّفْ َع ْل" َل يُرد -رمحه هللا -أن هذه الصيغة الوحيدة ،لكنه أراد
أن الصيغ متعددة ،وأم الصيغ يف األمر هي قولك :افعل؛ فعل األمر ،وإَّل فإن فعل املضارع املقرتن
بض ْر َ
أيضا يدل على األمر﴿ :فَ َ
أيضا يدل على األمر ،واملصدر الذي ينوب عن فعل األمر ً بال لألمر ً
ُخر﴾﴿ ،فَتَ ْح ِّر ُير َرقَبَ ٍة﴾ ،هذه كلها أوامر ،وليست ِّ ِّ ِّ
قاب﴾﴿ ،فَنَظَرةٌ إِّ َىل َمْي َسَرٍة﴾﴿ ،فَع َّدةٌ م ْن أ ََّايٍم أ َ
اَ ِّلر ِّ
مصادر .إذًا املضارع املقرتن ،واملصدر الذي ينوب عن فعل األمر ،وفعل األمر الصريح، ٌ فعل ِّ
أمر؛ هي
كل ذلك من صيغ األمر .فلما قال" :وصيغته الدالة عليه اِّفْ َع ْل" أراد ماذا؟ أراد الصيغة األم
واألساس ،وَل يتطرق -رمحه هللا -إىل ما عداها من الصيغ " ،وهي عند اِلطالق والتجرد عن
القرينة" ،مبعىن أن النصوص الشرعية اليت فيها أوامر ثالثة أنواع:
53
أحياان أتيت الصيغة يف األمر ومعها قرينةٌ تدل على الوجوب. ً -1
أحياان أتيت صيغة األمر ومعها قرينةٌ تدل على الندب. -2و ً
وجدت قرين ًة يف الدليل تدلُّك على املعىن َّل َ تدل على اِلابحةُ .هم يقولون طاملا أحياان أتيت قرينةٌ ُّ
-3و ً
إشكال ،استعمل القرينة ،وحاول أن تصل إىل املعىن .ابألمثلة تت ِّ
َّضح:
الرس ِّ ِّ ٍ ِّ
ول﴾ أين فعل األمر؟ ﴿فَ ُرُّدوه﴾ ،هذا •ملَّا يقول هللا تعاىل﴿ :فَإن تَن ََٰز ْعتُ ْم ِّيف َش ْيء فَ ُرُّدوهُ إ َىل اَ ََّّلل َو َّ ُ
أمر ُيتمل الوجوب وُيتمل استحبااب ونداب ،وُيتمل إابح ًة ،لكن ملا قال﴿ :إِّن ُكنتم تُؤِّمنُو َن ِّابَ َِّّ
َّلل ُْ ْ َّ ً ً ٌ
َوالْيَ ْوِّم ْاآل ِّخر﴾ ماذا تفهم؟ هذا الوجوب ،ألن هذا القيد يتعلَّق أبصل اِلميان ،فإن نُِّف َي زال اِلميان.
طيب.
وه ْم إِّ ْن ِّ مثال آخر :يقول هللا تعاىل﴿ :فكاتبوهم﴾﴿ ،واَلَّ ِّذين ي ب ت غو َن الْ ِّك َٰت ِّ
ت أَْميَانُ ُك ْم فَ َكاتبُ ُ
ب ُمَّا َملَ َك ْ ََ َ َ َْ َ ُ • ٌ
أمر ،وَل يَ ُقل العلماء بوجوب مكاتبة السيِّد لعبده إذا ابتغى ﴾ كاتبوهم ﴿ 2﴾ ۖ ا
ريْ خ
َ م َعلِّ ْمتُم فِّ ِّ
يه
ٌ ْ ْ ً
معلوم ،ليس على الوجوب ،كيف َّل معلوم ومث ٍن ٍ بعقد ٍ العبد نفسه من سيِّده ٍ
الكتابة؛ يعن أن يشرتي ُ َ
خريا﴾ ،فلم يكن على الوجوب. ُّ
وجوب وهللا قد أمر؟ قالوا ألن القرينة تدل عليه﴿ :إن علمتم فيهم ً
صلُّوا قبل صالة املغرب ،صلُّوا قبل صالة املغرب ،صلُّوا قبل صالة املغرب" اثلث :قال ﷺَ " : مثال ٌ • ٌ
أمرا؟ لكن ما محله العلماء َّل على الوجوب واَّلستحباب حىت ،قال بعضهم حىت ابِلابحة ،ألنه أليس ً
قال يف الثالثة(( :ملن شاء))؛ فهنا قرائن مىت وجدت القرينة .وهذا معىن قول املصنِّف -رمحه هللا" -إال
حمل عليه". دل الدليل على َّ ما َّ
أن املراد منه النّدب أو اإلابحة فيُ َ
طيب ،ماذا لو َل ِّيرد دليل؟ وما يف قرينة؟ نرجع إىل األصل .ما هو األصل؟ هذا معىن قوله" :وهي
عند اِلطالق والتجرد عن القرينة ُحت َمل عليه" أي على الوجوب .وغالب األوامر الشرعية هكذا:
فصل لربِّك و ْاحنَْر﴾ ما يف قرينة ،حتملها على األصل وهي القاعدة. • ﴿ ِّ
أمرا؟ وكل ذلك َّل قرينة فيه، كم انظر ﴾ رظ
ُ ان َف م ه ن
ْ ع َّ
ل و ت
َ مث
َُّ م ِّ
ه يَلِّ
إ ه • ﴿اِّ ْذهب بِّ ِّك َٰتِّب َٰهذا فَأَلْ ِّ
ق
ً ُْ ْ َ ْ ْ َ ْ َ ْ َ َ
حمل على األصل. فيُ َ
ات ﴾ هذه أوامر ،وَّل توجد هناك ك ولِّْلم ْؤِّمنِّني والْم ْؤِّمنَ ِّ اعلَم أَنَّهُ ََّل إَِّٰلهَ إََِّّّل اَ ََّّلل و ْ ِّ ِّ ِّ
استَ ْغف ْر ل َذنب َ َ ُ َ َ ُ َُ • ﴿فَ ْ ْ
حمل على األصل. ٍ ُّ
قرينةٌ تدل على شيء ،فتُ َ
54
أمر وَّل قرينة فيه.
(صل) هذا ٌ فقاعداِّ " ... قائما فإن َل تستطع ً صل ً •قال ﷺِّ " :
أمر. ِّ
•قال للسائل ملَّا جامع أهله يف رمضان "أعتق رقبة" هذا ٌ
أمرا مطل ًقا ،أو يقولون األمر املطلق ى وتسم ن ائ
ر بق ٍ
مصحوبة
ً َ صوص -غريُفعامة األوامر الشرعية -الن ُ َّ
أن القرينة اليت نتكلم عنها َّإما أن تكون داخلي ًة أو خارجي ًة؛ يعن غري املصحوب ابلقرينة .فقط انتبه َّ
نص آخر: ص ،وما معىن خارجية؟ أتيت يف ٍ ما معىن داخلية؟ تكون يف نفس الن ِّ
•قال هللا ﴿ َوأَ ْش ِّه ُدوا إِّ َذا تَبَايَ ْعتُ ْم ﴾ حىت لو تشرتي من ابئع املساويك يف اخلارج خذ معك ً
شاهدا
أشهدوا إذا تبايعتم﴾ ما محله العلماء على الوجوب مع األمر فيه ،القرينة فيه على شرائك للسواك؟ ﴿و ِّ
السنَّة كان يبيع وكان يشرتي وَّل يتخذ خارجيةٌ؛ وجدان تصرفات النب عليه الصالة والسالم يف ُّ
الشهادة .لو كان واجبًا ما تركها عليه الصالة والسالم ،األمر ُمحل على ماذا؟ ُمحل على اَّلستحباب
ألنه َل يفعله عليه الصالة والسالم .لو كان واجبًا؟ نعم.
دل الدليل على قصد التكرار" "وَّل تقتضي التكرار على الصحيح إَّل ما َّ
األمر املطلق َّل يقتضي التكرار .اآلن يتكلم على دَّللة األمر من حيث ُ األمر،
ُ َّل يقتضي التكرار
فكم مرًة ِّ ُ
يوجب اَّلمتثال؟ قالَّ" :ل يقتضي التكرار على الصحيح"، العدد ،لو جاء األمر يف الشريعة
ملاذا؟ قال :ألن األمر يف اللغة ،ملا يقول لك افعل أو َّل تفعل ،هو يريد جمرد الفعل واَّلمتثالِّ ،
بغض
النظر عن ماذا؟ العدد.
دل الدليل" نفس الكالم :األمر إذا جاء مقي ًدا مبرٍة فاملقصود به مرةٌ ،وإذا جاء مقي ًدا قال" :إَّل إذا َّ
ابلتكرار فيُحمل على التكرار:
قلت :نعم
عام اي رسول هللا؟ ماذا قال؟ قال" :لو ُ حابس فقال :كل ٍ ٍ • فُرض احلج فقام األقرع بن
احة -هنا قرينة يف الدليل -على َّ
أن األمر َّل يراد به ماذا؟ التكرار؛ فدل يف صر ٍلوجبتَّ ،" ...
كم مرًة جيب؟ مرًة واحد ًة .إذن هنا قرينةٌ أوضحت املراد.
فقال العلماء احلج ْ
ملا يقول يف التكرار:
َّ
55
مثال للتكرار .يعن كلما حصلت اجلنابة جيب اَّلغتسال .من أين • ﴿ َوإ ْن ُكنتُ ْم ُجنُبًا فَاطَّ َّه ُروا﴾ ٌ
شرط أو تعليقه على ٍ
صفة. فهمنا التكرار؟ ِّمن تعليق األمر على ٍ
فعل منه حصل ما اجلِّ ُدوا﴾ يعن كلَّ
ْ ف
َ الزِّ
اينَّ وَ ة
ُ ي
َ
الس ِّارقَةُ فَاقْطَعوا أَي ِّدي هما﴾﴿ ،اَ َّلزانِّ
ُ ْ َُ َ الس ِّار ُق َو َّ
• ﴿ َو َّ
ٌ
يوصف بذلك فإنه يطبَّق فيه احلكم. يصلح أن َ
أمر به".
"وال يقتضي الفور .واألمر إبجياد الفعل ٌ
طيب ،قال" :وَّل يقتضي الفور" ،ويف بعض النسخ ويف الورقات زايدةٌ" :ألن الغرض منه إجياد الفعل
ٍ
اختصاص ابلزمان األول دون الزمان الثاين ،وشرحها يغن عنها". من غري
اآلن تكلَّم يف داللة األمر على ثالثة أشياء:
يدل على ماذا؟ الوجوب. األول على احلكم ،وقال إن األمر ُّ َّ -1
إن األمر َّل يقتضي التكرار. -2تكلَّم اثنيًا على العدد ،وقال َّ
-3يتكلم اآلن اثلثًا على دَّللة األمر من حيث الزمن ،مىت جيب اَّلمتثال يف األمر؟ هل هو على
الفور؟ أم جيوز فيه الرتاخي؟
قال" :وَّل يقتضي الفور" .هذا الذي َّقرره إمام احلرمني -رمحه هللا -هو أحد املذهبني يف هذه املسألة،
وهي خالفية.
وبعض الشافعية ُ مذهب أكثر الشافعية واحلنفية ،فيما ذهب عامة املالكية ُ والقول الذي قرره هو
عدد من رجحهُ ٌ أن األمر يقتضي الفور ،وهو الذي َّ وبعض احلنفية وهو ظاهر مذهب احلنابلة ،إىل َّ ُ
الفور. ِّ
أمر هللا -تعاىل -ابلصيام ،ابلزكاة ،بكذا ..يستلزم َ احلنابلة .ما معىن يقتضي الفور؟ قالواُ :
تدل على ُوجوب املسارعة واملسابقة واَّلمتثال. واستدلُّوا بعامة النُّصوص اليت ُّ
أيضاَ ﴿ :سابِّ ُقوا إِّ َ َٰىل قال تعاىل﴿ :وس ِّارعوا إِّ َ َٰىل م ْغ ِّفرٍة ِّمن َّربِّ ُكم﴾ وقال﴿ :فَاستَبِّ ُقوا ْ ِّ
اخلَْ َريات﴾ ،وقال ً ْ ْ َ َ ََ ُ
َم ْغ ِّفَرٍة ِّمن َّربِّ ُك ْم﴾
كما استدلوا أبن النب -ﷺ -انزعج ملا أتخر الصحابة يف اَّلمتثال ألمره يوم احلديبية ،ولو َل يَ ُكن
واجبًا ما انزعج ،إىل آخره .فهذه كلُّها أدلةٌ تدل على فضيلة املسارعة وأولويتها.
56
أمر يف اللغة يستوجب اَّلمتثال املباشر؟ يعن
كالمنا ليس هنا ،وإّنا كالمنا :هل األمر من حيث هو ٌ
قليال هل يعتُب ُخمال ًفا م ِّ
قصًرا؟ يُعتُب آمثًا؟ لو تراخى اِلنسان ً
ُ ُ
إمام احلرمني ،وقلت لكم هو مذهب أكثر الشافعية واحلنفية ،أن األمر َّل يف هذا اخلالف الذي قرره ُ
أصال :دَّللة األمر يف اللغة َّل عالقة ِلا ابلزمن .الفوراحملققون األصوليون يقولون ً يقتضي الفور ،و ِّ
سياق آخر وقرائن أخرى ،أما األمر يف اللغة طلب الفعل وفقط ،بدون أي وعدم الفور ُيتاج إىل ٍ
شيء آخر :أي جمرد طلب الفعل بغض النظر عن زمن اَّلمتثال .نعم ،يف الشريعة تُستحب املبادرة ٍ
أمر َّل عالقة
واَّلمتثال والفورية ،وتُذم فيها مراتب التأخر والكسل والرتاخي ،لكن األمر من حيث هو ٌ
له ،فهذا معىن قوله" :وَّل يقتضي الفور".
ويرتتّب على هذا مسائل:
ُيج
احلج وَل َُيُ َّج على أنه ُّ
فقرياُ ،مث أدركه ُّ
ماَّل ليحج يف هذه السنة ،وكان قبل ذلك ً ●فمن وجد ً
فورا يفالعام القادم إن شاء هللا ومات .هل يُعتُب هبذا اترًكا ألم ٍر وجب عليه ألنه وجب أن ميتثل ً
نفسه فلم يفعل؟
احلول وجاء وقت اِلخراج فتأخر وقال :إن شاء هللا إذا صاب يف الزكاة ،وحال عليه ُ ●من امتلك الن َ
املال إما ف َق َدهُ أو ُس ِّر َق ،هل أصبحت الزكاةُ يف
ف ُ عدت إىل البلد يف الصيف سأخرج الزكاة ،فَتَ لَ َ
ذمته َدينًا جيب أن ُُيرجه؟ أو عفا هللا عنه؛ ألن املال فُِّق َد قبل أن ُُيرجه والزكاة واجبةٌ على الرتاخي؟
َّ
مبن على مسألة هل الفوريَّة واجبةٌ يف األوامر أو َّل؟ قال -رمحه هللا" :-وَّل يقتضي الفور". هذا ٌ
مثال:
متفق عليه .يعن ً تدل على اجلواز يف الرتاخي؛ فالكل ٌ ينبغي أن تفهم أنه إذا جاءت القرينة ُّ
دليل عائشة ٍ
وجوب قضاء صيام رمضان ملن أفطر بعذر هل هو على الفور بعد يوم العيد؟ َّل ،وعندان ُ
تؤخر قضاء ما فات من رمضان إىل شعبان من العام الذي يليه؛ َّ
فدل -رضي هللا عنها -أهنا كانت ِّ
دليال.
ذلك على جواز الرتاخي فاعتُبانه ً
هارة املؤِّديَة "واألمر إبجياد الفعل أمر ِبه ،ومبَا ال يتِ ُّم الفعل َّإال به :كاألم ِر َّ ِ
أمر ابلطَّ َ
ابلصالة فإنَّهُ ٌ ُ َ ٌ
إليها".
َ
57
اجب ،وسنقتصر يتم الواجب إَّل به فهو و ٌ طيب ،هذه القاعدة اليت يُ َعْن ِّو ُن ِلا األصوليون بقوِلم :ما َّل ُّ
الفعل َّإال به". ِ ِ
أمر بته ومبَا ال يَت ُّم ُ على حدود ما أورده املصنف -رمحه هللا" :-واألمر إبجياد الفعل ٌ
تصح الصالة إَّل بطهارٍة ،إذًا الطهارةُ واجبةٌ .ستقول مثاَّل ابلصالة :جاء األمر ابلصالة ،وَّل ُّ وضرب ً
وه ُك ْم َوأَيْ ِّديَ ُك ْم إِّ َىل الْ َمَرافِّ ِّق َو ْام َس ُحوا ِّ يل لكن أان عندي أدلة﴿ :إِّ َذا قُمتم إِّ َىل َّ ِّ
الص َالة ف فَا ْغسلُوا ُو ُج َ ْ ُْ
أيت هذا الدليل ،األمر ابلصالة يف ذاته ني ﴾ ،أقول لك :حىت لو َل ِّ بِّرء ِّ
وس ُكم وأ َْر ُجلَ ُكم إِّ َىل الْ َك ْعبَ ْ ِّ
ْ ُُ ْ َ
أمر به ومبا َّل يتم الفعل إَّل به. مشتمل على األمر ابلطهارةَ ،ل؟ ألن األمر إبجياد الفعل ٌ ٌ
بعيدا عن اِلشكال هذا: مثاَّل ً خذ ً
وس ُك ْم ،وإ ْن ََلْ تَ ُكونُوا ُجنُبًا ِّ ِّ ِّ
وم اجلُ ُم َعة وا ْغسلُوا ُرُؤ َ ●قال ﷺ كما يف صحيح البخاري" :ا ْغتَسلُوا يَ َ
الطيب" ،فإذا يب" ،هذا أمر ،ومن املستحبات وليس على الوجوب" ،وأصيبوا من ِّ َصيبوا ِّمن ِّ
الط ِّ وأ ِّ
ٌ َ ُ
الطيب من أجل استعماله يوم اجلمعة؟ كان شخص ليس لديه ِّطيب؟ يذهب يشرتي .ما حكم شراء ِّ
ُ ٌ
أصبح مستحبًا.
مستحب ،ومن ليس عنده سواك ،يذهب ليشرتي .ما ٌّ لسواك ابلنصوص الكثرية الواردة فيه ●األمر اب ِّ
حكم الذهاب للشراء بقصد التسوك؟ يعن هو ما ذهب واشرتى إَّل بقصد تطبيق السنة ،أصبح هذا
أيضا.
الفعل سن ًة ً
وِلذا قالوا الوسائل ِلا حكم املقاصد؛ فلما يكون الشيء عندك يف أصله مباح أيخذ حكم الوجوب؛
مستحب،
ٌ ألن القصد الذي تسعى إليه واجب .أو يُصبح مستحبًا؛ ألن القصد الذي تسعى إليه
وهكذا سائر املباحات :اُتاذ القلم لتدون به مسائل العلم ،وتشرتي به الكتب ،إىل آخره ،كل ذلك
من الوسائل اليت أتخذ أحكام مقاصدها.
ِ
الع ْه َدة". ج َع ِن ُ "وإذَا فُع َل َخ َر َ
"وإذا فُعِّل" ما هو؟ ليس األمر؛ املأمور به إذا فُعِّل -يعن ما توجه إليه األمر -إذا فعله املكلَّف ،ما
ُ ِّ
العه َدة" .ماذا يعن أن ُيرج عن النتيجة؟ إذا فعل املُكلَّف ما أُمر به ،ما الثمرة؟ قالُ" :يََر َج َع ِّن ْ
العهدة؟ وملاذا َل يقل ُيصل على الثواب؟ اآلن هو امتثل.
-أجاب أحد احلضور-
58
مثال
الشيخُ :متاز ،الثواب ليس من مثرات اَّلمتثال؛ يعن قد ميتثل ويُثاب ،وقد ميتثل وَّل يُثاب؛ املرائي ً
ُ
هدة"؛مثاب عليه ،فإ ًذا هنا يف إظهار أثر الفعل قالَ " :خَر َج َع ِّن العُ َ واملنافق فعل املأمور لكنه غري ٍ
ُ
شرعا ُمطالَبا؛ ِّبرئت ذمته كما قال بعضكم. يعن غاية ما فيه أنه يصبح ً
ِّ ِّ الز ِّ
عامهُ
ع طَ َ حاجةٌ أ ْن يَ َد َ
فليس ََّّلل َ
الع َم َل به واجلَ ْه َلَ ،
ور و َ مثاَّل حبديثَ " :من ََلْ يَ َد ْع قَ ْوَل ُّ
دعن أضرب ً
فسد صومه وبطل؟ َّل ،بل صومه صحيح. زوراَ ، وشرابَهُ" ،أي أنه صام لكنه قال ً َ
حصلالسؤال :هل ألنه أدى املأمور ،وامتنع عن الطعام والشراب واجلماع من الفجر إىل املغربَّ ،
ثوابه ويرتتب عليه حصول الثواب وقد واقع شيئًا؟ َّل.
بوجه ما ،ويف النهاية هو بَرئت ذمته؛ َّلحظ إ ًذا :قد يفعل املكلَّف ما أُمر به ،لكن ينخرم الثواب ٍ
ُ
وخرج من العهدة ،لكن حصول الثواب ذلك شيءٌ آخر.
الشيح :طيب ،الذي يدخل يف األمر والنَّهي.
يدخل يف خطاب هللا تعاىل املؤمنون ،والساهي والصب واجملنون غري داخلني يف اخلطاب. ُ املنت:
داخل يف اخلطاب؟ نعم ،هو مرفوعٌ عنه ملاذا الساهي غريُ داخل؟ -الساهي؛ الناسي -ملاذا هو غري ٍ
القلم ،والصب كذلك ،واجملنون .إ ًذا َّل الصب؛ ألنه غري ابلغ ،وَّل اجملنون؛ ألنه غري عاقل ،وَّل
عامد ،كل أولئك غري داخلني يف اخلطاب .هل معىن هذا أنه َّل وجوب الساهي؛ ألنه غري ذاك ٍر أو ٍ
عليهم وَّل حرام يف الشريعة؟ َّلَّ ،ل ،املقصود أن الصب حىت يبلغ ،واجملنون حىت يفيق ،والساهي حىت
يتذكر ويعود إىل قصده فإنه ُُياطب.
قوله يف البداية -رمحه هللا" -يدخل يف خطاب هللا تعاىل املؤمنون" ،طيب .ما حال غري املؤمنني؛
الكفار ،يدخلون يف خطاب هللا أو َّل يدخلون؟ ِّأجب .يعن كل األوامر :أقيموا الصالة ،وآتوا الزكاة
اطب؟ طيب ،اسع ماذا يقول تتوجه إىل الكافر؟ -أجاب أحد احلضورَّ :ل ،-الشيخَّ :ل؟ الكافر ُخم ٌ
إمام احلرمني ،اقرأ.
يصح ّإال به ،وهو اإلسالم؛ لقوله تعاىلً ﴿ :ما
شريعة ،ومبا ال ّ املنت :والك ّفار ُُماطبون بفروع ال ّ
ِّ ۡ ِّ ۡ ۡ ِّ
1
ني﴾
صل َ ك م َن ٱل ُم َ
َسلَ َك ُكم فی َس َقَر * قَالُوا ََل نَ ُ
1
[المدَّثِر]
59
الشيخ :قال "الكفار خماطبون"؛ كل أم ٍر يف كتاب هللا ،ويف سنة رسول هللا عليه الصالة والسالم
متوجه إىل الكفار ،فيكون هنا إشكال :طيب ماذا لو صلى وهو كافر ،وصام وهو كافر ،وقرأ القرآن
اطب
وهو كافر؟ فتقولَّ :لَّ ،ل ثواب له ،طيب ،ملاذا هو خماطب؟ قال "ومبا َّل يصح إَّل به"؛ ُخم ٌ
ابألحكام ،ومبا َّل تصح األحكام إَّل به وهو اِلسالم ،استدل على ذلك بقوله تعاىل يف سورة املدثر:
ِّ ِّ ۡ ۡ ۡ ِّ
ني﴾ ،فأجابوا أن من أسباب دخوِلم النار عدم صل َ ك م َن ٱل ُم َ
﴿ َما َسلَ َك ُكم فی َس َقَر* قَالُوا ََل نَ ُ
دليل على أن من أسباب دخوِلم هو هالكن فروع، ها كل وهذه ، ﴾ ني ك نُ ۡطعِّم ۡٱل ِّم ۡس ِّ
ك ُ َن صالهتم﴿ ،وَۡ
َل
ٌ َ ُ َ
عدم اَّلمتثال.
أسئلة
غدا .ها هنا سؤاَّلن:
طيب حنن نقف على هذه املسألة ونكمل منها ً
.1أحدمها يقول :استدعاء الفعل ابلقول ،ما وجه خروج القول من استدعاء الفعل ،ألن القول
فعل؟
فرق بني أن أقول لشخص ﴿قُل أَعوذُ بِّر ِّ
ب فرق -سلمك هللا -صاحب السؤالٌ ، إجابة الشيخٌ :
َ ْ
ال َفلَ ِّق﴾ فأان آمره أن يقول قوًَّل :هذا استدعاء فعل ،وبني أن أسأله فأقول له :من جاءكم؟ فيقول
أمرا.
جاءان أيب :هذا ليس استدعاء فعل ،هو استدعاء قول ،وليس ً
.2اآلخر يقول :ما الرأي فيمن ينفي اجملاز من أهل العلم كابن تيمية وابن القيم وابن عثيمني؟
بعض من أهل العلم ُمن نفى اجملاز ،وليسوا وحدهم يف هذا الباب ،حىت من إجابة الشيخ :هذه أساء ٍ
حامد من مالكية ابن خويز منداد ،وغريه ُمن نفى القدماء ،وعدد من احلنابلة :كأيب عبد هللا بن ٍ
ٌ
ات ،لكن من سيتهم هنا اآلن يرون أن اجملاز مجلة من أهل العلم له عدة اعتبار ٍ
اجملاز .نفي اجملاز عند ٍ
تأولو نصوص الصفات يف ث َّل عُبة به ،وأنه أحد أكُب األبواب اليت نفذ منها ُم ِّ مصطلح ِّ
حاد ٌ ٌ
الكتاب والسنة ،واتكأوا فيها على إثبات اجملاز ،فرأوا أن من األيسر يف نفي هذا املذهب املخالف
تملةٌ ،لكنه َّل تستطيع أن تنفي كل ما ثبت يف نصوص ألهل السنة هو نفي اجملاز .واملسألة ُحم ِّ
متاما
الكتاب والسنة من أوجه اجملاز ،اختلف معي يف التسمية واَّلصطالح َّل حرج ،لكن أن تنفي ً
صعب ،وقد كان ِلم تكلف يف اِلجابة عن أمثلة تلك النصوص. وجود جما ٍز يف القرآن والسنة هذا ٌ
60
.3هل دراسة املنطق ضروريّةٌ لفهم األصول؟
شيخ :ضروريةٌ مبصطلح الضرورة يف الشريعةَّ :لُُ .يتاج إليها ،قد تقول نعم بقد ٍر ،فإذا ُر َ
زقت إجابة ال ّ
مبن يُعينك على فهم بعض املصطلحات قد تتجاوزه.
املطوالت يف األصول؟
.4طريقة ضبط ّ
اتب هي أخي الكرمي ،أوًَّل يضبط املختصرات ،يتصور أبواب العلم مجل ًة ،يُتقن شيخ :مر ٌإجابة ال ّ
األمهات؛ املسائل ،مث ينتقل إىل التدرج يف األبواب حىت يصل إىل املطوَّلت ،وقد يكون قطع شوطًا
كبريا.
ً
هذا نفس الكالم ،اقرأ وسبِّح حبمد ربك واذكر ربك :هذه كلها فيها استدعاء فعل :اليت هي (قل)،
أمرا ،هذا
"من عندكم؟" ،فتقول" :أيب" ،هذا ليس ً حنن ما قصدان هذا ،نقصد أن أسألك سؤ ًاَّل َ
أمر ،سبِّح ليس هذا املقصود ،فلعل اِلخوة - استفهام ،لكن (قل) :أطلب منك أن تقول ،نعم هذا ٌ
يعن -أشكل عليهم هذا املعىن.
والراجح؟
الصحيح ّ
.5الفوريّة يف األمر :ما القول ّ
شيخ :القول الصحيح من حيث اخلالف بني األصوليني ما رجحه بعض احملققني -والعلم إجابة ال ّ
أمر -إخويت الكرامَّ -ل يدل إَّل على معىن اَّلمتثال ووجوبه ،لكنعند هللا -أن األمر من حيث هو ٌ
العبد
َّل الزمن وَّل العدد ليس من دَّلَّلت األمر ،نعم هي من مقتضياته ولوازمه؛ مبعىن أنه كلما ابدر ُ
الفعل كان أبرك له ،وأبرأَ للذمة وأحوط ،لكن أن أيمث وتقول إذا تراخى ً
قليال يف اَّلمتثال أيمث ،هذا َ
دليل ،وترى مثة مسائل أخرى ترتتب عليها ليس هذا حمل الوقوف عندها. ُيتاج إىل ٍ
أسبوع بثالثة
ٍ درس فنحن سنكتفي من كل غدا نُكمل إن شاء هللا تعاىل ،واألربعاء ليس عندان ٌ
بدرس آخر ،فنحن أنخذ ثالثة ٍ
أايم هذا نظرا َّلرتباط يوم األربعاء ٍ ٍ
لقاءات ،األحد واَّلثنني والثالاثء ً
فغدا هو آخر أايم هذا األسبوع إن شاء هللا.
األسبوع وثالثةٌ األسبوع املقبلً ،
أسأل هللا يل ولكم التوفيق والسداد وهللا أعلم ،وصلى هللا وسلم وابرك على نبينا حممد وآله وصحبه
أمجعني.
61
شرح منت الورقات| |3
كثريا طيِّبًا مبارًكا فيهِّ ،م ْلءمحدا ً الرمحن الرحيم ،احلمد هلل ً لسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته ،بسم هللا َّ ا َّ
شيء بعد ،أمحَده تعاىل ،وأشكره وملء ما شاء ربُّنا من ٍ ِّ وملء األر ِّ ِّ ِّ
ض ،وملءَ ما بينهماْ ، السماواتْ ْ ،
حمم ًدا عبد هللا ورسوله أن َّ أن َّل إله إَّل هللا وحده َّل شريك له ،وأشهد َّ َستَعينُه وأست ْغ ِّفره ،وأشهد َّوأ ْ
ٍ
إبحسان إىل يوم صل وسلِّم وابرك عليه ،وعلى آل بيته وصحابته ومن تبعهم وصفيهُ وخليله .اللَّهم ِِّّ
الدينَّ ،أما بعد.. ِّ
فهذا هو جملسنا الثَّالث ،بفضل هللا تعاىل ،يف شرح ورقات إمام احلَرمني :أَِّيب ال َم َع ِّايل اجلَُويِّْن رمحة هللا
وبقي لنا منها نَ ٌزر يَ ِّسريٌ ،لِّيشرع َّ
عليه ،وكان جملس البارحة قد توقف عند بعض مسائل األَمرَ ،
ِّ
وحكما ،وبعض املسائل املتعلقة به ،مثَّ َسندخل ً ال ُمصنف -رمحه هللاِّ -يف احلَديث عن الن ْ
َّهي :تعري ًفا
اباب آخر من أبواب دَّلَّلت األلفاظ وهو :العموم واخلصوص ،أو أيضا -إن شاء هللا تعاىلً - اللَّيلة ً
اخلاص.
العام و ُّ
ُّ
ما سبق احلديث عنه:
توقَّفنا فيما عُ ِّرض من مسائل يف الورقات ،عند احلديث عن دَّللة األمر بعد أن ذَكر املصنِّف -رمحه
هللا -تعريفهَ ،وذَكران َما فيه ،وما يُؤخذ منه ،وما الَّذي ُُيرتز من تعريفه ً
أيضا ،أَورد -رمحه هللا تعاىل-
مرورا على ومر ًأيضا زمنًاَّ ،
كما ،وعن َدَّللته ًما يتعلَّق أبحكام األ َْمر ،وهو احلديث عن دَّللته ُح ً
أيضا إىل مسألة ما َّل يَ ُّتم الدََّّللة من حيث العدد ،وهل يقتضي التَّكرار أو َّل ِّ
يقتضيه ،وانتَهينا ً
وختم ذلك مبَسأَلة تكليف الكفَّار بفروع أخريا تكلَّم عن من يدخل يف األمر والنَّهيُ ،
الواجب إَّل به ،و ً
الشريعة ،ونشرع اللَّيلة -إبذن هللا تعاىل -يف مسألةَ :دَّللة األمر على النَّهي عن ِّضده.
َّ
بض ِّده".
الشيء أمر ِ ابلش ِ
يء هنْ ٌي عن ض ِّده ،والنَّهي عن َّ املنت" :واألَمر َّ
ٌ
َلة أ َْوَردها املصنِّف -رمحه هللا تعاىل -فِّيما يتعلَّق مبسائل األمرَّ ،
وألن القاعدة اليت هذه آخر مسأ ٍ
أحد ُِّها دَّللة اآلخرَ ،انسب أن تكون هذه
سعتموها اآلن هي ابل مشاطرة بني األمر والنَّهي يف إفادة ِّ
َُ
62
األمر ،ويف أوائِّ ِّل ما أ َْورده من مسائِّل النَّهي ،القاعدة
مبسائل ِّ
ِّ اخر ما يتعلَّق
املسألة يف املنتصف ،يف أو ِّ
ضده ،والنَّهي عن الشَّيء أمر بضده .حنن نتحدَّث اآلن عن ٍ
دَّللة، تقول :األمر ابلشَّيء هني عن ِّ
ٌ ُ
يعن على ماذا يَ ُد ُّل اللَّفظ؟ وما الذي ميكن أن يستفيده ال ُمتَ ِّأمل أو املستْنبِّط للحكم من اآلية أو من
احلديث؟
الشريعة أن العِّنَاية بدَّللة األمر والنَّهي ،هو من أهم ما يهتم به الفقهاء؛ َّ
ألن َّ السابقَّ ،وقلت يف درسنا َّ
وهنْي ،والتَّكليف دائر بني األمر والنَّهي ،وِلذا ُيتاج ِّ
الفقيه وطالب العلم الناظر يف األدلَّة، ٌ أمر َ ٌ كلَّها ٌ
متاما مسائل دَّلَّلت األمر والنَّهي؛ ألنَّه مىت أتقنها وفرق بني صورها ،وعرف كيفيَّة التَّعامل أن يضبط ً
معها ،أورثه ذلك ُحسنًا يف اَّلستنباط ،ودقَّ ًة يف استخراج األحكام من األدلَّة ،وهذه واحدةٌ من
مسائل دَّللة األمر والنَّهي.
أمر بضده" ،واملقصود هني عن ضده ،وابلعكس ،النَّهي عن الشَّيء ٌ تقول القاعدة" :األمر ابلشَّيء ٌ
احلكم بطري َقني:
أمرا يف كتاب هللا ،ويف سنَّة رسول هللا ﷺ ،فأنت تستفيد منه َ أنَّك إذا وجدت ً
القرينة على غري ت ِّ يدل على الوجوب -وهي قاعدة األمسَّ -إَّل إذا دلَّ ِّ أن األمر ُّ الطَّريق َّ
األولَّ :
استفدت الندب ،وإن ذهبت بك القرينَةُ َّ الوجوب ،تبِّ َ
عت ال َقرينة ،فإن ذهبت بك القرينة إىل النَّدب،
ومضى أمثلة ذلك البارحة ،هذه َّأول الطري َقني اليت تستفيد منها احلكم استفدت اِلابحةَ ،
َّ اِلابحة
إىل َ
من صيغة األمر يف الن ِّ
َّص الشَّرعي.
الطَّريق الثَّانية :أن تعكس فتقول« :إذا كانت اآلية أمرت بكذا ،إذن أان أفهم منها النَّهي عن ِّ
ضد ما
أمرت به اآلية» ،قال هللا تعاىل﴿ :اي أَيُّها الَّ ِّذين آمنُوا إِّ َذا لَِّقيتُم فِّئَ ًة فَاثْب تُوا ،1﴾..هذا األمر ابلث ِّ
َّبات ُ ْ َ َ َ َ
املضي يف مقاتلة األعداء يف اجلهاد،
العدو يف ميادين اجلهاد ،هذا األمر للوجوب ،الثَّبات و ِّ عند لقاء ِّ
1
[سورة األنفال]45 :
63
الزحف ،وِلذا عُ َّد من الكبائر ،فإذن أان الفر ِّار يوم َّ وتفهم منه -من ضده -أنَّه هني عن ماذا؟ عن ِّ
ٌ
حف ،من الكبائر ،حر ٌام». الز ِّ أستطيع أن أقول« :إن الفرار من َّ
الزحف ،وأستطيع أن حديث الكبائر ،وفيه الفرار يوم َّ ُ َّهي
ُوردها على هذا الن ِّ ومن األدلَّة اليت سأ ِّ
ين َآمنُوا إِّ َذا لَِّقيتُ ْم فِّئَ ًة فَاثْبُتُوا ،﴾ ..فإذا قال لك القائل: َّ ِّ
أيضا -بقوله تعاىلَ ﴿ :اي أَيُّ َها الذ َ
َّ
أستدل ً -
ومن أين قلت أنَّه حر ٌام الزحفِّ ، «اي أخي ،أان َّل أرى يف اآلية النهي عن فرار املسلم يف اجلهاد يوم َّ
أمرت اآلية ضده ،فإذا ِّ َّيء هني عن ِّ واآلية ليس فيها غري األمر ابلثَّبات؟» .فتقول له« :األمر ابلش ِّ
ٌ
َّهي عن الفرار يوم دليال على الن ِّ الفَرار» ،فصارت اآلية ً ضد الثَّبات ،وهو ِّ ابلثَّبات إذن هو هني عن ِّ
ٌ
آمرك فأقول لك« :قِّف!» ،فأنت تفهم منه أنه العريب بديه ًة ،أان ل َّما ُ الزحف ،هذا معىن قد ي ْف َه ُمه ِّ ُّ َّ
اَّلضطجاع والنَّوم ،قلت لك" :قف" أريد منك القيام والوقوف، ِّ أيضا عنوهني ً
هني عن اجللوس ٌ ٌ
ص عليه قاعد ًة شرعيَّ ًة يف أبواب الدََّّلَّلت؛ ألننا نتعامل مع أحكام، فهذا بديهةٌ ،لكن حنتاج أن نَنُ َّ
ٍ ِّ َّ
تفهم منهُ أمرا بشيء تستطيع أن َ أيضا أن تنطلق يف النُّصوص الشَّرعية ،فكلما وجدت ً ويسعك بذلك ً
النص ما َل ينطق به تستنط َق من ِّ ِّ وجرأةٌ؟ وأن ِّ
الشريعة ُ ات على َّ هي عن ضده ،سؤال :هل هذا افْتئَ ٌ الن َ
ودل عليه َّبع َّ مسلك ُمت ٌ ٌ أيضا
عريب يف الفهم ،واثنيًّا :هو ً مسلك ِّ ٌّ ٌ النَّص؟ اجلوابَّ :ل ،بل هذا أوًَّل:
الصحابة رضي هللا عنهم. تطبيق َّ
ُ
الر ُج ُلالص َال ِّة يُ َكلِّ ُم َّ
ظ كثريٌ منكم حديث زيد بن أرقم ل َّما يقول رضي هللا عنهُ " :كنَّا نَتَ َكلَّ ُم يف َّ ُيف ُ
ني﴾"......1 حىت نَزلَت ﴿وقُ ِّ ِّ ِِّّ احبه وهو إىل جْنبِّ ِّه يف َّ ِّ ِّ
وموا ََّّلل قَانت َ
الص َالة َّ َ ْ َ ُ ص َُ
2
َ َ
وت وُهنيِّنا ابلس ُك ِّ
أمر .وقوموا هلل قانتني ،ماذا قال زي ٌد رضي هللا عنه؟ "فأ ُِّمران ُّ هني؟ ٌ
أمر أو ٌ هذا اآلن ٌ
أمر ،فمن أين فَ ِّه َم النَّهي؟ من استخدام أمرا وهنيًا ،بينما ما يف اآلية َّإَّل ٌ
ِّ
عن ال َك َالم" ،فه َم من اآلية ً ِّ
عن ال َك َالِّم".
وت وُهنيِّنا ِّابلس ُك ِّهني عن ِّض ِّد ِّه" ،قال" :فأ ُِّمران ُّ القاعدة "األمر ابلشَّيء ٌ
َّ
تطبيق
هني عن الكالم ،فهذا ٌ ففهموا منها أهنا ٌ اآلية ما تطََّرقت إىل الكالم وَّل قالت َّل تتكلَّمواُ ،
رضي هللا عنهم وأرضاهم. الصحابة َ السنة من تطبيق َّ مباشر ثبتت به ُّ
ٌ
1
[البقرة]2٣٨ :
2
[صحيح مسلم]5٣٩ :
64
أبحد أض َد ِاده الش ِ
يء على األم ِر ِ داللة النَّه ِي عن َّ
بض ِّده ،فمن قَال لكَّ« :ل ِّتقف!» ،فمعناه: َّيء أمر ِّ العكس يف القاعدة أيضا صحيح :النَّهي عن الش ِّ
ٌ ُ ٌ ً
ِّ
الزَان ۖ﴾ 1و﴿ َوََّل أيضا على كث ٍري من املعاين ،قال هللا تعاىلَ ﴿ :وََّل تَ ْقربُوا ِّ
َ اجلس ،ولك أن تطَبِّق هذا ً
أمر هو ما َّل، ؟مبالشرك أمر ِّمب؟ أمر بتوحيد هللا ،النَّهي عن الزان أمر ِّ تُ ْش ِّرُكوا بِِّّه َشي ئًا﴾2؛ النَّهي عن ِّ
ٌ َ ٌ ٌ ٌ َ ٌ ُ ْ
يد ُّل على مشروعيَّة دليل ُ باب يبحثون عن أي ٍ ابلزواج أو غريه ،الش ُ صل َّ أمر ابلعف َِّّة سواءٌ حتَ َّابلزواجٌ ، َّ
جج على آابئهم و َّأمهاهتم. الزواج ليُقيموا به احلُ َ َّ
بض ِّده" ،وقبل هذا ل َّما َّيء أمر ِّ عن الش ِّ ابملناسبة ،فتَ ْحتم حديثًا َّلستِّدر ٍاك حول القاعدة" :النَّهي ِّ
ٌ ُ
هني عن َّيء
ابلش «األمر ا:و لو يق أن ِّ
العبارة ِّ
صياغة يف ُّ
األدق "، َّيء هني عن ِّض ِّد ِّ
ه يقولون" :األمر ابلش ِّ
ٌ ٌ ُ
وهني ِّ ٍ ِّ ِّ
هني عن اجللوس ٌ أضداده» ،عن مجيع األضداد ،أان ل َّما قلت يف املثال قبل قليل :قف ،إذن هو ٌ
داخل يف فهو للقيام ًّا
ضد يكون أن يصلح ما كل القيام، سوى اَّلضط َجاع ،هني عن كل صورٍ
ة ِّ عن
ٌ ٌ
أبحد أضداده وليس عن مجيع األضداد» ،كيف؟ النَّهي ،والعكس؟ يقولون« :النَّهي عن الشَّي ِّء أمر ِّ
ٌ ُ
أمر قليل يف املثالَّ :ل تقف ،فأنت ستَمتثِّ أان ل َّما قلت قبل ٍ
َّهي أبن جتلس أو تضطجع ،إذن هو ٌ َ نال ل
يت عنها تكون ُمُْتَثِّ ًال، الصورة اليت ُهن َ س هبا ِّسوى ُّ أي صورة تتلبَّ ُ ليس ابجلميع ،بواحد من األضدادُّ ،
أمر ابلعِّفَّة ،العِّفَّة حتصل ابلنكاح، ِّ ِّ
ل َّما قال هللا تعاىلَ ﴿ :وََّل تَ ْقَربُوا الزَان ۖ﴾ ،هو سبحانه هنى عن الزان و َ
كل ذلك ُيصل به اَّلمتثال ات الشَّيطانُّ ، اك النَّفس عن خطو ِّ يام ،إبمس ِّ َّسريَ ،حتصل ابلص ِّ حتصل ابلت ِّ
ُ َ ُ ُ
ابن ِّ
الزان. بعدم قر ِّ
ِّ
أمر أبحد ِّ
هني عن مجيع أضداده ،والنَّهي عن الشَّيء ٌ وِلذا يقولون يف الصيغة« :األمر ابلشَّيء ٌ
لت لك: أضداده» ،وسبيل ذلك يف الفهم ما قُ ُ
ٍ ِّ
كل ما يلزمك ُمفارقة ِّ رت هبا ،وعندئذ َ ابلصورة اليت أُم َ أتيت ُّ أن األمر ابلشَّيء َّل يتحقَّق امتثاله َّإَّل إذا َ َّ
عداها من األضداد.
1
[سورة اإلسراء]٣2 :
2
[سورة البقرة]٣6 :
65
صح
تلبست هبا َّ يك عن الشَّيء يتحقَّق أب ْن تتلبَّس إبحدى صور املخالَفة و ِّ
الضد؛ فأي صورٍة لكن هن َ
َ ُ ُ
لك ذلك. َ
أمر ِّمبَ؟ ِّ ِّ
ين َآمنُوا ََّل َأتْ ُكلُوا أ َْم َوالَ ُكم بَْي نَ ُكم ابلْبَاط ِّل﴾ ،إذًا هو ٌ
1 َّ ِّ
قال هللا تعاىلَ ﴿ :اي أَيُّ َها الذ َ
هني ،تفهم منه األمر مباذا؟ هذا ٌ
اط ِّل﴾ أبكل املال ابحلالل ،التِّجارة واملشاركة. ﴿ََّل َأتْ ُكلُوا أَموالَ ُكم ب ي نَ ُكم ِّابلْب ِّ
َ ْ َ َْ
ُ
كت إخوانك ،وصارت بينكما الشَّركة ُمشاطرًة أو حبسب ما اتفقتم ،صار من أكل أموال فإذا شار َ
أخيك ابحلالل؛ ابملشاركة.
ٍ ٍ ُ
أمرا بشيء ُحمدد. الصور املشروعة ،وليس ً
ٍ
أيضا طلب الرزق ابحلالل ،أبي صورة من ُّ ِّ فُ ِّهم منه ً
أيضا من األمثلة اليت يستخدمها الفقيه يف عدد ً تطبيقات لطيفةٌ ،وفيها ٌ ٌ هذا ما يتعلَّق ابلقاعدة ،وِلا
شرعي ،قد َّل جيد فيه النَّص صراح ًة. اَّلستدَّلل على ُحك ٍم ٍ
تطبيقات القاعدة:
أنت ملا تقول :حترمي ،حتتاج مثال من األمثلة املنتشرة :ملا يقول الفقهاء يف احلُكم بتحرمي حلق اللحى، ً
َ َّ َّ ُ
أمر ابِلعفاء.." :أ َْع ُفوا،2"..
صيغة هن ٍي ،وليس يف النُّصوص النَّبوية صيغة هن ٍي عن حلق اللحى ،فيها ٌ
"..وفُِّروا.4"..
َ ، 3
"..أ َْر ُخوا"..
األمر ابِلعفاء هن ٌي عن ِّضده ،أو عن مجيع أضداده ،وهكذا.
كثريا يف استنباط األحكام من خالل اَّلجتاه إىل قاعدة فهذه قاعدةٌ يستخدمها الفقهاء ،وتُفيد ً
فأنت تفهم منها النَّهي عن مجيع أضدادها ،وكذلك النَّهي تفهم منه األمر أبحد أضداده. األوامرَ ،
مدخال للحديث عن ً ملا جاءت القاعدة هذه ُمتوسط ًة بني األمر والنَّهي ،صارت ُمناسب ًة أل ْن تكون
َّ
النَّهي ،وتعريفه ،ومسائله.
النَّهي :تعريفه ومسائله:
1
[النساء]2٩ :
2
[صحيح البخاري رحمه هللا]5٨٩٣ :
٣
[صحيح مسلم رحمه هللا]260 :
4
[صحيح البخاري رحمه هللا]5٨٩2 :
66
أوال :تعريف النَّهي
ا
ِ
الوجوب». هو دونَهُ على ِ
سبيل ِ َّهي استدعاءُ َّ
الرتك ابلقول ممّن َ «والن ُ
متاما كما ذكر يف تعريف األمر هناك ،ماذا قال البارحة؟« :استدعاء الفعل ابلقول» ،قال هنا: ً
إن قوله يف تعريف األمر البارحة« :استدعاء الفعل» ،قوله« :الفعل» الرتك» ،وقلنا هناك َّ «استدعاء َّ
الرتك.قي ٌد ُُيرِّج القول و َّ
الرتك» ،إ ًذا سيُخرج استدعاء الطَّلب؛ ألنَّه ٌ
أمر. فلما يريد النَّهي يقول« :استدعاء َّ َّ
الرتك.
الرتك ،أي طلب َّ عرف النَّهي ستقول :استدعاء َّ أردت أ ْن تُ ِّ
فإذا َ
مر ذكره البارحة يف تعريف األمر؛ َّ
ألن األمر قد أيضا هو استدر ٌاك ،أو احرت ٌاز لِّما َّ
قال« :ابلقول» ً
ُيصل ابِلشارة.
أنت ملا تُشري يفهم منها املشار أحد أبم ٍر أو تُشري إليه بنه ٍي ،فتقول له هكذاَّ :ل تفعل ،ف ملا تُشري إىل ٍ
ُ َّ َ َّ
ات. سمى أمرا وَّل هنيًا؛ َّ
ألهنا إشار ٌ اصطالحا َّل يُ َّ ً
ً أمرا أو هنيًا ،لكنَّهإليه ً
ات ،يف الفهم الصم أو البكم ،فجعلت تُشري إليه إبشار ٍ قابلت بعض َمن يتكلَّم بلُغة اِلشارة من ُّ
َ ُ فلو َ
أمرا أو هنيًا؛ ألنَّه وقع
سمى ً أنت أمرته بكذا ،أو هنيته عن كذا ،لكنَّه يف اَّلصطالح َّل يُ َّ ستقولَ :
ابِلشارة.
الرتك ابلقول ممَن هو دونه». قال« :استدعاء َّ
تذكرون اَّلحرتاز ابألمسَِّ ،لَ جاء به؟ ليُخرج ماذا؟ ليُخرج اَّللتماس والدُّعاء.
فأنت تلتمس منه. ٍ
أنت عندما تقول ملُقارن لكَّ :ل تفعلَ ، نفس الكالم هناَ :
يف الدُّعاء ،ملا يقول العبد لربِّه :ربَّنا َّل تُؤاخذان إ ْن نسينا ،هل تقول :العبد ينهى ربَّه؟ َّل ،ما ُميكن أ ْن
َّ
يكون هنيًاَّ ،ل يدخل.
أنت تطلب من للرتكَ ، الرتكَّ( ،ل تُؤاخذان) هو استدعاء َّ فلئال يدخل يف التَّعريف -مع أنَّه استدعاء َّ
ربِّك أ ْن يرتك ُمؤاخذتك ،-لكن حىت َّل يدخل معنا يف تعريف النَّهي ،سنذكر هذا اَّلحرتاز «ُمَن هو
دونه».
67
توجه من األعلى إىل األدىن ،من اخلالق -سبحانه الرتك ،إذا َّ توجه هذا النَّهي أو استدعاء َّ إذًا ،إذا َّ
كل ذلك الرب إىل العبد ،من األب إىل الولد ،من األستاذ إىل طالبهُّ ، وتعاىل -إىل املخلوق ،من َّ
سمى هنيًا.يُ َّ
سمى هنيًا.
فإذا كان العكس ،فال يُ َّ
اصطالحا هنيًا؛
ً سمى كل ما ورد فيه بصيغة النَّهي َّل يُ َّ والدُّعاء على وجه اخلُصوص بني العبد وربِّهُّ ،
جل يف عُاله.ألن العبد َّل ينهى ربَّهَّ ،إّنا يطلبه ويدعوه ويسأله َّ َّ
أيضا َّل ينبغي أ ْن تُورد هاهنا يف ٍ
أيضا آخر لفظة يف التَّعريف ،ملَّا قال« :على سبيل الوجوب» ،هي ً ً
أن النَّهي قد يُراد به التَّحرمي، التعريف ،ألنَّه بذلك سيقصر التَّعريف على التَّحرمي ،وحنن نتفق على َّ
وقد يُراد به الكراهة.
قصرت التَّعريف على التَّحرمي ،وابلتَّايل كأنَّك تقولَّ :
إن النَّهي َّل َ أنت
لت :على سبيل الوجوبَ ، فلو قُ َ
يُفيد الكراهة ،كما قال يف الوجوب يف األمر -هناك« -على سبيل الوجوب» ،وقلنا :هذه ِّ
الزايدة
ستُخرج النَّدب من التَّعريف ،لكنَّه هكذا أورده -رمحه هللا.-
أيت -رمحه هللا -إىل ِّصيَغ النَّهي ،وهي معروفةَّ :ل النَّاهية اليت تسبق الفعل املضارع هي أشهر ِّصيَغ َل ِّ
ُ
النَّهي ،وكذلك ملا أتيت:
َّ
.1ال النَّافية للجنس ،وتدخل على اجلُمل االمسية:
ِّ ِّ ِِّّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ 1
اح إَّل بَِّوٍِّيل" .2ف َّل النَّافية
ص َال َة إَّل بقراءَة فَاحتَة الْكتَاب" َّ« ،ل زكاة يف املعلوفة»َّ" ،ل ن َك َ "َّل َ
للجنس.
1
[تاريخ اإلسالم لإلمام الذهبي رحمه هللا/ ٩/٩4 :منكر]
2
[صحيح ابن ماجه رحمه هللا]15٣7 :
٣
[اإلسراء]٣2 :
4
[صحيح البخاري رحمه هللا]67٨4 :
5
[النساء]2٩ :
68
تدل على التَّحرمي صراحةا: صيغة ّ .3كذلك كل ٍ
ّ
الصريح.
هني ،ملَّا أييت بصيغة التَّحرمي َّ هذا َخ َواتُ ُك ْم﴾
ت َعلَْي ُك ْم أ َُّم َهاتُ ُك ْم َوبَنَاتُ ُك ْم َوأ َ﴿ ُح ِّرَم ْ
1
ٌ
ان َوإِّيتَ ِّاء ِّذي الْ ُق ْرَ ََٰب َويَْن َه َٰى﴾ 2هذه صيغة هن ٍي صرُيةٌ.
اِلحس ِّ ِّ ِّ ِّ
اَّللَ َأيْ ُم ُر ابلْ َع ْدل َو ْ ْ َ ﴿إِّ َّن َّ
الصريح مثل:
الصريح ،بصيغة النَّهي َّ فإ ًذا تستفيدها :ب َّل النَّاهية ،ب َّل النَّافية ،بصيغة التَّحرمي َّ
﴿يَْن َه َٰى﴾.
احلل:
.4بصيغة نفي ّ
﴿ََّل َُِّي ُّل لَ ُك ْم أَن تَ ِّرثُوا النِّ َساءَ َك ْرًها﴾.3
هذه كلها تدل على النَّهي ،وله ِّصيَ ٌغ ُمتعددةٌ ،جتاوزها املصنِّف -رمحه هللا تعاىل.-
ُ
اثنيا :داللة النَّهي
1
[النساء]2٣ :
2
[النحل]٩0 :
٣
[النساء]1٩ :
69
الص َّحة والفساد عليه :فهو الذي قاله املصنِّف -رمحه هللا« :-ويدل
َّ -أما من انحية أثر الفعل وترتُّب ِّ
ُ
فحكمه فاسد ،أيأن الفعل املنهي عنه ،إذا واقَعه املُكلَّفُ ،
على فساد املنهي عنه» ،يدل النَّهي على َّ
الشريعة ،وهذا عامٌّ سيتناول العبادات. ٍ
شيء هنتك عنه َّ
الصور ،ففعلها املكلَّف ،فما ُحكم عبادته؟ الشريعة عن ٍ
عبادة من العبادات يف صورٍة من ُّ فإذا هنت َّ
ُ
مثال:
-1هنت َّ
الشريعة عن صيام يوم العيد ،فماذا لو صام يوم العيد؟
عندك اآلن ُحكمان:
-ما ُحكم صيام يوم العيد؟ حر ٌام.
أتيت ابلتَّحرمي؟ من هنيه ﷺ عن صوم يوم العيد ،والقاعدة تقول« :النَّهي يُفيد التَّحرمي»، من أين َ
وجدت فيه هنيًا.
َ فقلت :حر ٌام صيام يوم العيد ،ألنك
َ
-ماذا لو صام؟ عنده قضاءٌ من رمضان ،فصام يوم العيد بنية القضاء ،صامه بنية صيام -يعن -أول
ألن «النَّهي يقتضي الفساد». يوم من ستة شوال ،ما ُحكم صيامه هذا؟ إ ًذا هو فاسد؛ َّ ٍ
أيضا فاسد.دل على حترمي الفعل ،وإذا وقع من املكلَّف ،فهو ً إ ًذا ،هو َّ
ُ
ضةُ فَ َدعي الصال َة ،1"...فنهى ﷺ ت احلَْي َالشريعة عن صالة احلائض .قال..." :فإذا أَقْ ب لَ ِّ -2هنت َّ
َ
عن صالة احلائض حال حيضها.
-ما ُحكم صالة احلائض وهي حائض؟ حر ٌام.
-وماذا لو صلَّت؟ َّل تصح صالهتا.
الشريعة.
شيء هنت عنه َّ هكذا ،ستقول يف كل ٍ
1
[صحيح البخاري رحمه هللا]٣20 :
70
هكذا يف املعامالت:
ُ
صور البيع :هنى النَّب ﷺ عن بيع احلصاة ،1وعن بيع املالمسة،2 لة من الشريعة عن ُمج ٍ
-3هنت َّ
ُ ُ
الركبان.4
َّجش ،هنى عن تلقي ُّ
3
هنى عن بيع الغرر ،هنى عن الن َ
الصريح.
الشريعة ابلنَّهي َّ
هذه ُمجلةٌ من العقود ،جاءت َّ
هذا النَّهي يدل أوًَّل على حترمي الفعل ،ويدل اثنيًا على فساد العقد ،قال« :ويدل على فساد املنهي
عنه».
ُّ
«ويدل على فساد املنهي عنهُ». قال:
أن النَّهي يقتضي أو ُّ
يدل على فساد صنِّف رمحه هللاَّ ،يبقى هنا فقط لإليضاح والتَّنبيه :إطالق ال ُم َ
صنِّفني ،لِّئال تدخل ُّ
الصور يف بعضها. بتوضيح ،عند غريه من ال ُم َ
ٍ املنهي عنه؛ هو مفص ٌل أكثر ،يعن
الشريعة عن لبس
مثال :هنت َّيدل على الفساد ،يعن ً الشريعة هبذا الفهم ُّشيء هنت عنه َّ وليس كل ٍ
احلرير؛ َّل جيوز لبس احلرير للرجال ،ل ما قال ﷺ وقد أخذ حر ًيرا وذهبًا" :هذان ِّحلٌّ ِلانث أميت،
حر ٌام على ذكورهم".5
الرجل ثوب حري ٍر؟ حر ٌام ،وهو آمثٌ .ماذا لو صلى به؟ ستقول :حر ٌام فعله ،وصالته؟ فماذا لو لبس َّ
للصالةهذا اِلشكال؛ هل ستقول صالته ابطلةٌ؟ طيب ،هنا للفهم األويل ستقولَّ :ل ،النهي ما جاء َّ
حىت أقول أن الصالة ابطلةٌ ،نقول :النهي يدل على فساد املنهي عنه ،وهو ما ُهنِّي عن الصالةُ ،هنِّيَّ
صحيح، شيء فيه عن ماذا؟ عن لبس احلرير ،فماذا لو تكونت الصورة وتركبت من شيئني؟ من ٍ
جزء
ٌ ٌ
شيء تَلَبَّس به ،وهو لبس احلرير ،وهو َّل يصح .هل ستقول صالته وهو العبادة ،الصالة ،ومن ٍ
الصحيح َّلَّ ،
إن صالته صحيحةٌ مع اِلمث. ابطلةٌ؟ َّ
سبال إزاره؛ صالته صحيحةٌ مع اِلمث .فهذا شيءٌ وهذا شيءٌ؛ الصالة متاما تقول كمن صلى ُم ً
إ ًذا ً
أتخذ حكمها ،ولبسه للحرير أيخذ حكمه.
1
[صحيح مسلم رحمه هللا]151٣ :
2
[صحيح البخاري رحمه هللا]5٨20 :
٣
[صحيح البخاري رحمه هللا]2142 :
4
[صحيح مسلم رحمه هللا]1515 :
5
[األلباني]662/1 :
71
الصور ثالثةٌ:
حىت َّل يقع اِلشكال قالوا :انتبه! فيما يتعلق ابلنهي والفسادُّ ،
َّ
لصورة األويل :إذا جاء النَّهي ،إذا توجه النهي إىل ذات املنهي عنه دل على الفساد.
.1ا ُّ
مثل ما دل احلديث عن حترمي صوم يوم العيد ،ومثل ما دلت اآلية عن حترمي نكاح األم ،فإذا وقع
النهي إىل ذات املنهي عنه أفاد الفساد وعدم الصحة.
الصورة الثّانية :أن يتعلَّق النهي َّل بذات املنهي ،بل بشرطه أو وصفه املالزم له ،وهو ً
أيضا يدل ُّ .2
على الفساد.
صور متعددةٌ :كنهيه عليه الصالة والسالم عن الصالة يف وقت النهي؛ النهي ليس لذات الصالة. وله ٌ
س" .1هل النهي َّم
الش يب حىت تَغِّ ِّ
ر ص الع د ع ب ة ال ص َّل
و ،س حىت تَرتَِّ
َ ْ ُ َّ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ الصْب ِّح َّ ْ َ ْ ُ
َّم
الش ع ف ص َال َة بَ ْع َد ُّ
"َّل َ
منفك عنه؟
عن الصالة ،أم عن الصالة يف هذا الوقت؟ طيب هل الوقت ابلنسبة إىل الصالة شيءٌ ٌّ
مفارق عنه؟ َّل ،الصالة مالزمةٌ للوقت؛ مبعىنالصالة؟ َّل ،طيب هل هو شيءٌ ٌ يعن هل الوقت هو َّ
أيضا يدل على الفساد ،فمن صلى ينفك ،هذا ًوقت ،فهو شيءٌ َّل ُّ الصالة إَّل يف ٍ أنه َّل ميكن إيقاع َّ
يف وقت هن ٍي فصالته فاسدةٌ.
الصورة الثَّالثة :أن يتوجه النهي إىل أم ٍر م ٍ
نفك خارٍج عنه. ُّ .3
ُ
احدا.
الصالة ،وليس شيئًا و ً الصالة وثوب احلرير ،ميكن أن تفصل ثوب احلرير عن َّ مثل َّ
صنِّف ليس خطأً ،قال« :ويدل على فساد ال َمنهي فهمت ،وكالم ال ُم َ َ لك الصورة
ضحت َ فإذا َو ْ
فاق أنه يدل على عنه» ،هو قصد الصورة األوىل :إذا توجه النهي إىل ذات املنهي عنه ،وهذا حمل ات ٍ
الفساد ،لكن قلته من ابب اِليضاح ،وألن بعضهم يستشكل هذا املعىن.
املنت" :وتَ ِّرُد صيغة األمر ،وال ُمراد به اِلابحة ،أو التَّهديد ،أو التَّسوية ،أو التَّكوين".
ترد صيغة األمر واملراد هبا اِلابحة .تقدم هذا يف جملس البارحة ،ل ما يقول هللا عز وجلُ ﴿ :كلُوا ِّمن
ۖ تو ۡ ۡ 2 ۡ
صَٰلِّ ًحا﴾( ،3كلوا) هذا فعل أم ٍر ،ما املراد به؟ ا و ل م ٱع ِّ
ُ ُ َ ََٰ َ َ ُ َبِّ
يَّ
ط ٱل ن ِّ
م ا
و ل ك ﴿ ، ﴾ م ك
ت َما َرَز ََٰ ُ
ن ق طَيِّبَٰ ِّ
َ
1
[البخاري]5٨6 :
2
[البقرة]172 :
٣
[المؤمنون ]51
72
أمر آخر ُتتلف دَّللته: ِّ
ليس الوجوب ،وليس اَّلستحباب ،املراد به :اِلابحة ،مع أنه عُطف عليه ٌ ۤ
ِّ ۖ 1 توۡ ِّ َِّّ ِّ
اجب وفيه ٌ و فيه احلات؟ الص عمل حكم ما ﴾ ا ح
﴿يََٰ ُّ َ ُّ ُ ُ ُ ُ َ ََٰ َ َ ُ ََٰ ً
ل ص ا
و ل م ٱع ب ي ط ٱل ن م ا
و ل ك ل سٱلر اه َي
أ
مستحب ،لكن اختلفت الدََّّللة ،والفعل الذي قبله الذي عُ ِّطف هذا عليه َل يدل َّل على الوجوب
صيغة من صيغ األمر لتفهم دَّللته ومعناه ،وقد ُتتلف وَّل على اَّلستحباب ،فإ ًذا أنت تقف أمام كل ٍ
وهي متعاطفة.
أمر ويدل على ٍ
متاما يف الدَّلَّلتٌ ،
انتقال إىل جهة أخرى ً أيضا« :ويدل على التهديد» ،وهذا ٌ قال ً
ۤ التهديد ،قوله تعاىلۡ ﴿ :ٱعملُوا ما ِّش ۡئ تُ ۡم إِّنَّهۥ ِّمبَا تَ ۡعملُو َن ب ِّ
صريٌ﴾ 2للكفار ،وقوله تعاىل﴿ :فَ َمن َشا َء َ َ ُ ۡ ۡ َ َ
ۤ ۡ
فَليُ ۡؤِّمن َوَمن َشاءَ فَليَك ُف ۡر﴾ ،3هل تفهم أن هذا ُتيريٌ وإابحةٌ؟ من يريد اِلميان ومن يريد الكفر؟
أبدا َّل
وعيداً ،
هتديدا ،ويفهم منها ً أصال ماذا يفهم منها العريب؟ يفهم منها ً الصيغة هذه ابلسياق ً
يفهم منها التَّخيري واِلابحة وترك األمر له ُيتار ما يشاء ،فهذه السياقات تدل على املعىن الذي جاء
فيه األمر.
ٱصُِّبُ ۤوا أ َۡو ََّل تَ ۡصُِّبُوا﴾4؛ أي النار -أجاران هللا وإايكم ،-اصُبوا أو َّل ٱصل ۡوها ف ۡ ۡ
قال التسويةَ َ َ ﴿ ،
صُبت أو ما صُبت.
َ أمرا ،لكنه يدل على أن األمر سواءٌ ُتيريا ،وليس ً تصُبوا ،ليس ً
ِّ ِّ
ني﴾ ،5يقولون األمر يدل على التكوين ،وليس املطلوب منك أن تفعل قوله تعاىلُ ﴿ :كونُوا قَرَد ًة َخَٰسِّ َ
أمر تكوي ٍن أن ُُيولك ،أجارك هللا ،أو ُيول ال ُمخاطَب هبذه ٍ
شيئًا ألن تتحول إىل قرد ،لكن هللا أيمر َ
ِّ ِّ
ني﴾. اآليةُ ﴿ :كونُوا قَرَدةً َخَٰسِّ َ
أحكام تتعلق حبكمه ،وبزمنه،ٌ املقصود من هذا أنك بعد أن تعلَّمت أن األمر يدل على الوجوب ،وله
تعامال آليًّا،
الشريعة تُطبق عليه هذه القاعدة ً وبعدده ،كل ذلك يقول لك فيه :ليس كل أم ٍر جتده يف َّ
الشريعة َّل ُحتمل على ما سبق إيراده من الدَّلَّلت. امر يف َّ فيقول :افتح ذهنك ،مثة أو ٌ
1
[المؤمنون ]51
2
[فصلت ]40
٣
[الكهف ]2٩
4
[الطور ]16
5
[البقرة ]65
73
فالسؤال :فماذا أفعل إذًا؟ أان أريد أن أفهم كتاب هللا وسنة رسول هللا عليه الصالة والسالم ،سيقولُّ
استثناءات ،إ ًذا :هي َّأوًَّل ليست كثرية ،اثنيًا
ٌ لك :األصل هو تلك القواعد اليت مرت بك ،وهذه
وجدت خالف ما ُ إشكال فتقول قرر األصوليون كذا مث ٍ سياقها يُوضح معناها ،لكن لئال تقع يف
حرية من أمرك ،فإنه ُُيمل على غري ما قرروه ،نبهوا لك على أنه قد يقع شيء من ذلك ،فال تكن يف ٍ
ٌ
سبق تقريره يف القواعد.
يسرية من مسائل النهي ،ينتقل اآلن -رمحه هللا- مجلة ٍ
ل ما انتهى من معاين ِّصيغ األمر ،وقد أتى على ٍ
َ
ابب آخر من دَّلَّلت األلفاظ هو :العموم واخلصوص. إىل ٍ
مهم لألصويل،مهم للمتفقهٌّ ،
مهم لطالب العلمٌّ ، كما قلنا اي إخوة ،إن العناية بدَّللة األمر والنهي ٌّ
أمر ،وإما
أخالق ،كلها إما ٌ
آداب و ٌ معامالتٌ ،
ٌ عبادات،
ٌ تكليف،
ٌ مهم ألنه لن جتد آي ًة أو حديثًا فيهاٌ
أبدا عن أن تتقن دَّلَّلت األمر والنَّهي ،وما يف الورقات ليس كل شيء هني ،فإ ًذا أنت لست مستغنيًا ً ٌ
مدخل ونبذةٌ يسريةٌ وشيءٌ يعرفك ليس إَّل ،فاملتخصص ،ومن أراد أن ٌ كما قلنا يف َّأول لقاء :هو
ميتلك زمام الفقه ،ويُكون َملَ َكته ُيتاج أن يغوص يف دَّلَّلت األمر والنهي ،وجيد ما قرره الفقهاء
كبريا متالطمةً أمواجه ،لكن عليه أن ُيسن السباحة حىت يتفقه ويُكون حبرا ًواألصوليون يف هذا الباب ً
ال َملَ َكة الكافية.
أحياان ،فهذا يفهم منه شيئًا ،وهذا
احد ً نص و ٍ يف النهاية ،خالف الفقهاء يف كث ٍري من أحنائه هو أمام ٍ
ألهنم متفاوتون ،لكن القاعدة حتتاج إىل نظ ٍر ،وحتتاج إىل وع ٍي ،وحتتاج يفهم منه شيئًا آخرا ،وليس َّ
ً
إىل أن تعيش مقصد الشَّارع ،وهو :ماذا أراد هبذا.
العود يف اِلبة ،قال ﷺ" :العائد يف هبته ضا ،كنت أمثل حبديث هنيه ﷺ عن َ درس أي ًيف أكثر من ٍ
الرجوع يف اِلبة ،وأن من أهدى هدي ًة كالكلب ،يقيء مثَّ يعود يف قيئه" .فَ ِّهم منها اجلمهور حترمي ُّ
1
الرجوع فيها ،التَّحرميَّ ،لحظ يف احلديث َّل صيغة أم ٍر ،وَّل صيغة هن ٍي" ،العائد يف هبتهَح ُرم عليه ُّ
هني ،ماذا يف احلديث؟ تشبيهٌ،
أمر وَّل ٌكالعائد يف قيئه ،أو كالكلب يقيء مث يعود يف قيئه" ،اآلن َّل ٌ
وذما فهو احلرام
تنفريا ًّ
وذما ،فإن كان ً تنفريا ًّ
ومدحا ،وإما ً
ً عريب تفهم منه إما ترغيبًا
أسلوب ٌّ
ٌ التَّشبيه
1
[البخاري]25٨٨ :
74
ومدحا فهو الواجب واملستحب ،إذًا هكذا ،يعن مع أن هذه ما مرت معك واملكروه ،وإن كان ترغيبًا ً
وتنفريا
ذما ً أحياان مبثل هذا النَّوع ،فلما كان ًّ
شرعي أييت ً أسلوب ٌّ
ٌ يف الصيغ ،لكنك حتتاج أن تفهم هذا
قبيحة مقززٍة :أن الكلب إذا قاء -أكرمكم هللا -يعود فيأكل قيئه ،وأن العائد يف هبته شبهه بصورة ٍ
حممول على النهي؛ فكأنه قالَّ« :ل تعودوا يف هباتكم» ،كأنه قال هو كذلك ،ففهم اجلمهور أن هذا ٌ
هذا ،فلو وجدت النهي الصريح «َّل تعودوا يف هباتكم» ستحمله َّإما على التَّحرمي وهو األصل ،أو
الرجل يف هديَّته .بينما مذهب الشافعي رمحه هللا على الكراهة .فلهذا قال اجلمهور بتحرمي أن يعود َّ
الرجوع يف اِلبة بعد أن يدفعها ال ُمهدي أو الواهب .اجلواز من أين فهمه على عدم التَّحرمي ،وأنه جيوز ُّ
واحلديث واح ٌد ،والنص الذي أمامك واح ٌد؟ أتى إىل التَّشبيه ،فقال ماذا يف التَّشبيه؟ تشبيه العائد يف
هبته ابلكلب ،أن يعود يف قيئه.
واملشبَّه أيخذ حكم املشبَّه به ،فهل ُيرم على الكلب أن يعود يف قيئه؟ أجب ،هل ُيرم على الكلب
َّب صلى هللا عليه وسلم العائد يف هبته ب الكلب إذن أيخ ُذ حكمه؛ أن يعود يف قيئه؟ َّل .فإذا شبَّه الن ُّ
يعود يف قيئه ،فكذلك العائد يف هبته َّل ُيرم عليه؛ ألن التشبيه الكلب أن َ ِّ ُيرم على
فإذا كان َّل ُ
ج عن يقتضي التسوية بني املشبَّه واملشبَّه به ،وغايةُ ما فيه التَّنفري و-يعن -تقبيح الفعل ،وأنَّه خار ٌ
ِّ
احملمودة عند النَّاس .أما حترمي ،يقولَّ :لَّ ،ل أفهم منه حترميًا .فهمت؟ املروءات ،وأنَّه ليس من ِّ
الشيم
َّص الَّذي
ُمكن ُيمله على الكراهة .فأان أقول :ها هنا تتفاوت أفهام الفقهاء -رمحهم هللا .-والن ُ
أحياان واح ٌد ،بل يف كث ٍري من األحيان. أمامهم ً
ِّ
واخلاص أمهيَّة فهم دالالت األمر والنَّهي ،وابب ِّ
العام
ينمي تلك امللَكة أن يغوص يففأان أقول :من أراد أن يفتح هللا عليه يف الفقه ،وأن يتسلَّم زمامه ،وأن ِّ
َ
دَّلَّلت األمر والنهي؛ وهي -احلقيقة -من أكُب دَّلَّلت األلفاظ الَّيت ُيتاج إليها الفقيه.
شأان الباب الَّذي حنن أمامه اآلن ،ابب العموم واخلصوص ،هو ً
أيضا أحد أكُب أبواب يقل عنها ًَّل َّ
دَّلَّلت األلفاظ؛ أكُبها من انحية أتثريها يف استنباط األحكام ،ومن انحية انتشارها يف نصوص
حديث لن ُيلو النَّص الَّذي أمامك من صيغة ٍ مبالغة سأقول :مهما وقفت أمام ٍ
آية أو الشريعة .بال ٍ
75
خصوص .وابلتايل ،فإذا كنت ضعي ًفا يف هذا الباب وما تفقههُ جيِّ ًدا فعظَّم هللا ٍ عموم ،أو صيغةٍ
يقة جيِّ ٍ
دة. أجرك؛ جزء كبري من النُّصوص لن تستطيع التَّعامل معه ،ولن تفهم دَّللته بطر ٍ
ٌ ٌ
َّفات مستقلَّ ًة يف العموماألئمة واألصوليِّون -رمحهم هللاُ -كتبا مصن ٍ ألُهيِّة هذا الباب أفرد الفقهاء و َّ
ً
وتوسع ونوعٌ من اَّلسرتسال؟ َّلَّ ،ل ،هو ٌ اق
واخلصوص ،بعضها مطبوعٌ يف جزئني .ملاذا؟ هل هو إغر ٌ
كل النُّصوص الشَّرعيِّة.. املتفقه؛ ألنه -كما قلت لكُّ - مهم جدًّا لطالب العلم ِّ عنايةٌ ٍ
بباب شعروا أنَّه ٌّ
أي هن ٍي ،إذا ابتدأت اجلملة أبم ٍر أو بنه ٍي أي أم ٍر و ُّ
أمثلة من أمس إىل اليومُّ ، مر بنا من ٍ كل ما َّ
هات َّ
خاص .فهذا هو متعلَّق األمر والنَّهي .األمر وإما ٌّ انظر مباشرًة ملا يقع بعد األمر وبعد النَّهيَّ :إما عامٌّ َّ
قول .هذا الفعل والقول هو الَّذي فعل أو ٍ يتوجه إىل ٍ يتوجه إىل ماذا؟ َّ تكليف .التَّكليف ٌَّ والنَّهي
خاصا ،وُهاعاما ،وقد يكون ًّ الشريعة عن أم ٍر قد يكون ًّ يوصف ابلعموم واخلصوص .فإذا هنت َّ
نص آخر .كيف تفعل؟ خاصا يف ٍ
نص ،ووجدته ًّ عاما يف ٍ شيء ًّيتداخالن؛ فرَّمبا وجدت النَّهي عن ٍ
كيف جتمع بني تلك النُّصوص؟
هذا الباب الكبري هو ميدان العموم واخلصوص ،وهو من األُهيِّة مبكان .وألُهيته أفرده أهل العلم
مبصنفات مستقلَّ ٍة ،كما فعل ال َقَريف -رمحه هللا -يف كتابه (العِّقد املنظوم يف اخلصوص والعموم) ،وكما ٍ
فعل احلافظ العالئي يف كتابه (تلقيح الفهوم يف تنقيح صيغ العموم) .فكانوا ُيرصون على حصر صيغ
العموم أوًَّل ،وعلى حصر صيغ التَّخصيص ووجوهه وأساليبه ،مثَّ الكالم عن مسائله وما يتعلق ِّ
بكل
الشواهد يف النُّصوص الشَّرعية ،فهو ابب كبري .لكن -بصر ٍ
احة- ٍ
تفصيل ،وحماولة مجع َّ و ٍ
احد على
ٌ ٌ
فإن ِلا فوائدويتعمق فيهاَّ ، وُيتاج إليه طالب العلم .وبقدر ما يغوص يف مسائله َّ ُ ُيتاج إليه الفقيه،
كثريةً جدًّا تعود إىل موقفه فيما بعد من فهم اآلية أو احلديث.
واخلاص
ُ العام
ُّ
نعم" ،و َّأما العام"..
العام:
تعريف ّ
وعمرا ابلعطاء ،وعممت مجيع
عم شيئّي فصاع ادا ،من قوله :عممت زي ادا ا
العام :فهو ما َّ
"وأما ُّ
َّ
النَّاس ابلعطاء".
76
عم شيئّي فصاع ادا". العام فهو ما َّ
"وأما ُّ
ابتدأ -رمحه هللا -كالعادة ابلتَّعريف .قالَّ :
يسمونه ابلدَّور؛ أن تقول يف العموم أو
مدخول ،وينتقدون عليه ما ُّ
ٌ أن مثل هذا التَّعريف أيضا َيرون َّ
ً
عم". عم شيئني"؛ أان أريد أن أفهم مصطلح (عام) ،فال تقل يل يف التَّعريف "ما َّ يف العام" :ما َّ
صاعدا ،ما تناول؛ يعن اللَّفظ. لفظ آخر ،أن تقول :ما تناول ،ما تناول شيئني ف ً وابلتَّايل ،حتتاج إىل ٍ
العام؟ الَّذي نصفه أبنَّه عامٌّ؟ تقول :هو اللَّفظ الَّذي اآلن كالمه يف تعريف اللَّفظ العام :ما هو اللَّفظ ُّ
فصاعدا.
ً يتناول شيئني
لفظ له كل ٍ ألن َّاملسميات الَّيت ينطبق عليها اللَّفظ من معاين اللَّفظ؛ َّأي األشياء؟ من َّ "شيئني" من ِّ
كل مؤم ٍن :زي ٌد
ظ ،وله أفر ٌادَ .من أفراده؟ ما أفراده؟ ُّ مثال( :املؤمنون) هذا لف ٌ
معىن .املعىن هذا له أفر ٌادٌ .
فرد منه كل ٍ ظ ،وحتته أفر ٌادُّ ،بكر وخال ٌد يدخلون يف كلمة (املؤمنون) .إذن (املؤمنون) لف ٌ وعمرو و ٌٌ
عاما .تفهم من هذا التَّعريف َّ
أن يسمى ًّ
عم أو ما تناول من األلفاظ فردين فأكثر َّ يسمى شيئًا .فما َّ َّ
وعبدالرمحن ،وأبو بك ٍر،َّ بعام ،كأساء األشخاص :عمر، احدا ليس ٍ اللَّفظ الَّذي يتناول شيئًا و ً
شيء.احد ،إذن ليست من العموم يف ٍ أشخاص ،فال تتناول أكثر من و ٍ ٍ وعلي ،هذه أساء وعثمانٍ ،
حمدود،
حمصورا -شخصني ،ثالثةً -وإن كان أكثر من شيئني لكنَّه ٌ ً عددا
أن ما تناول ً أيضا َّتفهم منها ً
أيضا ليس ٍ
بعام. ِّ
يف النهاية ،هو ً
ألن أساء األعداد فصاعدا" .زاد بعضهم يف التَّعريف« :من غري حص ٍر»َّ ، ً قال" :ما عم شيئني
فصاعدا لكنَّها يف النِّهاية حمصورةٌ .فهذا
ً العشرة ،واملئة ،واأللف حىت املليون ،هي مع تناوِلا شيئني ك ِّ
حمد ٌد يقف عنده ،ليس ٍ
بعام ،وَّل يوصف اللَّفظ أبنَّه عامٌّ بعام طاملا بقي اللَّفظ له ٌ
سقف َ عندهم ليس ٍ
منتشرا َّل حدود له .وأمثلة هذا كثريةٌ:
كان تناوله ً َّإَّل إذا
ٍۡ 1 ِّ ِّ ۡ
َّ ٍ ِّ
نسَٰ َن لَفی ُخسر﴾ ،اِلنسان :هذا اسم جنس ،وسيأتيك من صيغ العموم أن اسم اجلنس ﴿ -إ َّن ٱِل َ
أنالسورة أقسم على َّ وجل يف هذه ُّ
عز َّ إذا دخلت عليه (ال) اَّلستغراقيَّة أفادت اَّلنتشار .يعن هللا َّ
ِّ ۡ
ِّ
كل
نسَٰ َن﴾ هذا يتناولن ويتناولك ويتناول َّ حمكوم عليه ابخلسارة﴿ .إ َّن ٱِل َ
ٌ إنساان فهو
يسمى ً كل من َّ َّ
77
ِّ ِّ ۡ
َّ َّ َّ ِّ ِّ
مثال للعام الذي إنساان .هذا اللفظ ٌ يسمى ً َّ
نسَٰ َن﴾ ألنه كله َّ الساعة﴿ .إ َّن ٱِل َ ذريَّة بن آدم إىل قيام َّ
ينتشر وَّل حدود له .هذا عامٌّ .مثله:
ِّ ۡ ۡ ۡ ۡ
ِّ
-قوله تعاىل﴿ :قَد أَف لَ َح ٱل ُمؤمنُو َن﴾ ،املؤمنون :هذا عامٌّ .فإذن هو حكم ابلفالح لكل من اتَّصف
1
78
العامة الَّيت تنتشر بال حدود هي املوصوفة ابلعموم ،وهي كثرية جدًّا .كيف أعرفها؟ فهذه األلفاظ َّ
كل هذا سيأيت يف األبواب التَّالية؛ سيعلِّمك أوًَّل صيغ العموم
أستدل عليها؟ وما األثر املرتتِّب؟ َّ
ُّ وكيف
وأين جتدها؟ مثَّ فيما بعد أييت إىل دَّلَّلت العموم ،وما الَّذي تستفيده منه.
صيغ العموم
املعرف َّ
ابلالم ،واسم اجلمع املعرف ابأللف َّ
والالم ،واسم اجلمع َّ "وألفاظه أربعةٌ :االسم الواحد َّ
و(أي) يف اجلميع،
(من) فيمن يعقل ،و(ما) فيما ال يعقلُّ ، املعرف َّ
ابلالم ،واألمساء املبهمة :كـ َ َّ
الزمان ،و(ما) يف االستفهام واجلزاء وغريه ،و(ال) يف النَّكرات، و(أين) يف املكان ،و(مىت) يف َّ
كقولك :ال رجل يف َّ
الدار".
طيب ،ذكر -رمحه هللا -يف هذا املقطع الَّذي سعتم ألفاظ العموم أو صيغ العموم.
َّفات مستقلَّ ٍة مثل( :تلقيح الفهوم يف تنقيح صيغ العموم)
وقلت :هذا الباب الكبري الَّذي أفرد مبصن ٍ
...هذا الباب كبريٌ .واملصنِّف -رمحه هللا -قال" :ألفاظه أربعةٌ" وهي أكثر من هذا بكث ٍري ،لكنَّه جاء
أبكُب الصيغ وأشهرها:
الالم" ،يقصد ابَّلسم الواحد املفرد أو اسم اجلنس، املعرف ابأللف و َّ●قال ّأواال" :اَّلسم الواحد َّ
ٍۡ 1 ِّ ِّ ۡ
يسمى
َّ ما كل
َّ يشمل َّايل،
توابل جنس، اسم َّه
ُ ن لك ، مفرد
ٌ اِلنسان ، ﴾ ر س خ
ُ یف ل
َ ن نس ِّ
مثل﴿ :إ َّن َ َٰ
ٱِل
ۡ َ
نسَٰ َن لَِّفی ُخ ۡس ٍر﴾.
َ
الالم الدَّالة على اَّلستغراق﴿ .إِّ َّن ِّ
ٱِل إنساان؛ ألنَّه عُ ِّرف ابأللف و َّ
ً
كل املسلمني؟ اي
السالم؟ ُّالصالة و َّمسلما يقصد عليه َّ ● ملَّا يقول ﷺ" :املسلم أخو املسلم" ْ ً
كم ،2
كل املسلمني؟ هذه صيغة مبفرد وأنت تقول ُّ كل املسلمني؟ هو جاء ٍ أخي هو قال مسلم أنت تقول ُّ
عموم ،من أين اكتسب العموم؟ ٍ
لكل مسل ٍم، كل مسل ٍم ٌ
أخ ِّ السالم َّ
أن َّ الصالة و َّ
أن اَّلسم املفرد هذا دخلت عليه (ال) فهو يريد عليه َّ
مفردا دخلت عليه (ال)
عرفه ً املسلم أخو ِّ
املسلم؛ فإذن سواءٌ َّ ُ
1
[العصر]2 :
2
[أخرجه البخاري ومسلم]
79
دماؤهم» 1أو
ُ املعرف ابأللف والالم ،وقال« :املسلمو َن تتكافأُ ● أو الصيغة الثانية اسم اجلمع َّ
ومؤمن إذا دخلت (ال) املؤمنون يقول افلم ،3
﴾ ةوخ«املؤمنون تتكافأُ دماؤهم»﴿ ،2إَِّّّنا ۡٱلم ۡؤِّمنون إِّ ۡ
ٌ َّ َ ُ ُ َ َ ُ َ
أن (ال) اليت ُّ
تدل على الشُّمول هنا أو هنا وأفادت اَّلستغراق ،فإنَّه َّل فرق بينهما ،فعليك أن تفهم َّ
كال منهما سيستغرق ويفيد مفرد أو تدخل على مج ٍع؛ ألن ًّ واَّلستغراق َّل فرق بني أن تدخل على ٍ
العموم ،فهذه من صيغ العموم:
َّ -1أواال :اَّلسم املفرد املعرف ابأللف والالم.
عرف ابأللف والالم. -2اثنياا :اسم اجلمع امل َّ
ُ
سميها النحاة ،اليت ُّ
تدل سو ًاء -3اثلثاا :األساء املبهمة ،مثَّل ِلا مبجموعة ،ما األساء املبهمة؟ اليت ي ِّ
ُ َ ٍ ُ
كل هذه تسمى أساءً مبهم ًة. ٍ ٍ ٍ
كانت صيغ شرط أو صيغ أساء موصولة أو أدواتُّ ..
َمثَّل ِلا فقال -رمحه هللا:-
و(أي) ف ي اجلمي ع" ▪ "ك (م ن) ف ي م ن يعق ل ،و(م ا) فيم ا َّل يعق لُّ ،
أي:
َمن وما و ُّ
كل مبعىن يعمل، من العموم؟ أين 4
﴾ ه
ر ي ا
ري •(من) إذا استخدمت للعاقل ﴿فمن ي ۡعم ۡل ِّم ۡث قال ذرٍة خ ۡ
ُّ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ ً ََ ُ
تفسر العموم تستخدم صيغة (كل) وهذه طريقةٌ جيدةٌ إذا أردت أن من يعملَّ ،لحظ ملا تريد أن ِّ
َّ
مثال
تكتشف صيغة عموم استبدِلا ب (كل) ،فإذا انطبق عليها استبدا ُِلا ب (كل) فهي للعموم؛ يعن ً ٍ
لكل مسل ٍم ،إذا انطبق املعىن إذن هي من صيغ العموم، خ ِّ كل مسل ٍم أ ٌ املسلم" تقول ُّ "املسلم أخو ِّ
ُ
وهذه طريقةٌ جيدةٌ كما قلت للتَّعلُّم واَّلستكشاف.
ۡ ۡ
﴾ ،5ستقول ۡ
َوَمن يَع َم ۡل ِّمث َق َ
ال َذ َّرة َشًّرا يََرهُۥ ٨ ال َذ َّرٍة َخ ۡ ًريا يََرهُ ٧ ۡ
ملَّا يقول﴿ :فَ َمن يَع َم ۡل ِّمث َق َ
كل من يعمل ،إذا صلح دخول (كل) عليها فهي دَّللةٌ على أهنا للعموم. املعىن ُّ
•قال" :وم ا فيم ا َّل يعق ل".
1
[أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد]
2
[صحيح أبي داود]
٣
[الحجرات]10:
4
[الزلزلة]7:
5
[الزلزلة]٨-7:
80
شيء يُعبد من ٱَّلل حصب جهنَّم﴾ ،1فكل ٍ ِّ ِّ
ون د ن ِّ
م ن و د ب ملا قال هللا -عز وجل﴿ :-إِّنَّ ُك ۡم وما ت ۡ
ع
ُّ َ َ ُ ََ َ َّ ُ َ ََ َ ُُ َّ َّ َّ
كل
َرض َوما بَينَ ُهما﴾ فيدخل ُّ
2
دون هللا فهو كذلك ،ف (ما) إذا جاءت لغري العاقل﴿ :ال َّسماءَ َواأل َ
شيء ويشمله بال استثناء. ٍ
أي ف ي اجلمي ع": •قال "و ٌّ
أي :فهو مشل اجلميع. ت فَ َال عُ ْد ََٰو َن َعلَ َّى ۖ﴾ ُّ ،
3
ضْي ُ
ني قَ ََجلَ ْ ِّ
َ ﴿ -أََّميَا ْٱأل
ستخدم للعاقل ولغري فت )(أاي 4
﴾ىن ٱَّلل أ َِّو ۡٱدعوا ٱلر ۡمحَٰ ۖن أَاي َّما ت ۡدعوا ف لَه ۡٱأل َۡس ۤاء ۡٱحل ۡ
س ۡ
﴿ -قُ ِّل ٱدعُوا ََّ
ُ َ ُ َّ َ َ ً َ ُ َ ُ َ ُ ُ َ َٰ
العاقل ،وهي تفيد العموم فيهما.
ـام واجلـز ِاء
-قال -رمحه هللا" :-و(أيــن) فــي املكــان ،و(متـى) فــي الزمــان ،و(مــا) فــي االستفهـ َ
واخلبــر وحنوهـا".
ككم ٱلْموت﴾ ،5هذه صيغة ٍ
عموم ،يعن يف ِّ
كل •(أين) يف املكان :قوله تعاىل﴿ :أَيْنَ َما تَ ُكونُواْ يُ ْد ِّر ُّ ُ َ ْ ُ
مكان يدرككم املوت.
ٍ
استفهام للدَّللة ﴾( ،6أين) صيغة ني ٢٧ إِّ ۡن هو إََِّّّل ِّذ ۡكر لِّ ۡلعَٰلَ ِّ
م ٢٦ ن
ۡ ۡ
قوله تعاىل﴿ :فَأَي َن تَ َ ُ َ
و ب ه ذ
ٌ َ َ َُ
على املكان ،ورودها يف النصوص الشرعيَّة يفيد العموم.
•"(مت ى) ف ي الزم ان"ِّ :مثل قوله تعاىلَ ﴿ :ويَ ُقولُو َن َم َ َٰىت ُه َۖو﴾،7
كل ٍ
زمان، زمان؟ واملقصود يف ِّٱَّلل﴾ 8يعن يف أي ٍ ول وٱلَّ ِّذين ءامنُوا معهۥ مىت نَ ۡصر َِّّ
ٱلر ُس ُ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ َٰ ُ ول َّ ﴿ َح َّ َٰىت يَ ُق َ
أيضا. دليل على العموم ً وآن ،فهذا وقت ٍ كل ٍ واملقصود يف ِّ
ۤ ۡ ۡ ٌ
ني﴾ قال(" :ما) يف اَّلستفهام"؛ ألن (ما) أتيت ِّ ۡ
َجب تُ ُم ٱل ُمر َسل َ ول َماذَا أ َ
•"(م ا) ف ي اَّلستفه ام"﴿ :فَيَ ُق ُ
9
قليل( ،ما) أتيت للشرط لغري اَّلستفهام( :ما) أتيت موصول ًة( ،ما) أتيت أيضاً لغري العاقل ،كما جاء قبل ٍ
1
[األنبياء]٨٩:
2
[األنبياء]16:
٣
[القصص]2٨:
4
[اإلسراء]110:
5
[النساء]7٨:
6
[التكوير]27-26:
7
[اإلسراء]51:
٨
[البقرة]214:
٩
[القصص]65:
81
تدل على العموم (ما) يف كل ذلك يدلُّك على التفريق ،اليت ُّ أيضاً( ،ما) أتيت كاف ًة( ،ما) أتيت انفي ًةُّ ،
مر قبل ٍ
قليل. و(أي) من صيغ العموم كما َّ شيء أجبتمُّ ، أي ٍ اَّلستفهام :ماذا أجبتم املرسلنيَّ :
اَّللُ﴾ 1هذا من الشرط ،ما تفعل أيضا (م ا) إذا جاءت يف اجلزاءَ ﴿ :وَما تَ ْف َعلُوا ِّم ْن َخ ٍْري يَ ْعلَ ْمهُ َّ •و ً
شيء تفعله يعلمه هللا. يعلمه هللا ،فكل ٍ
ُّ
قال يف الصيغة الرابعة األخرية" :و(َّل) ف ي النَّك رات" حنو َّل رجل يف الدَّارَّ" ،ل ف ي النَّك رات" ،اليت
إن؛ إذا دخلت نصبت اسهاَّ« :ل نِّكاح إَّل قالوا ِلا يف النحو (َّل) النافية للجنس ،اليت تعمل عمل َّ
بِّوِّيل»َّ« ،2ل صالة ملن َل يَ ْقرأْ بفاحتة الكتاب»َّ" ،3ل صال َة إَّل بطهور" ..4وحنو هذا ،هذا كلِّه ُّ
يدل َ َ
ب» .5فهذا كلُّه من غر َ ص ِّر َّ
حىت تَ ُ الع ْ
َّمس ،وَّل ْبع َد َ حىت تَطلُ َع الش ُ صال َة ْبع َد ال َف ْج ِّر َّ
على العمومَّ« ،ل َ
صيغ العموم.
وهي كما رأيتم اآلن أربعةٌ على تقسيم املصنِّف -رمحه هللا:-
األول :اَّلسم املفردَّ ،
املعرف ابأللف والالم.
الثاين :اسم اجلمع َّ
املعرف ابأللف والالم.
الثالث :األساء املبهمة.
الرابعَّ( :ل) يف النكرات؛ يعن (َّل) إذا دخلت على النكرة (َّل صالة)َّ( ،ل رجل)َّ( ،ل نكاح)..
نكاح
أي ٍ انفلة أو فر ٍ
يضةَّ( ،ل نكاح) ُّ صالة ٍأي ٍ هذه كلُّها ُّ
تدل على اَّلستغراق والعمومَّ( .ل صالة)ُّ :
َّل ُيصل به ذلك.
كل صيغ العموم اليت ذكرها املصنِّف -رمحه هللا ،-هي قال هنا هذه أربع صي ٍغ اآلن ليست هي ُّ
الصيَغ ،أ ُُّم ِّصيَغ
كل صيغ العموم ،أنه ترك أ َُّم ِّ
َّليل على أنَّه ما أراد ،ما أراد أن يستغرق َّ
بعضها ،والد ُ
ُ
أبدا أهنا فاتت عليه -رمحه هللا -وهو إمام احلرمني، ومجيع ،فما ذكرها ،وَّل تفهم ً
العموم ما هي؟ كلٌّ ٌ
أن افعللكنه أراد فقط أن يضرب أمثل ًة ،كما جاء يف األمر وقال صيغته الدالة عليه افعل ،وما أراد َّ
1
[البقرة]1٩7:
2
[رواه أبو داود الترمذي]
٣
[حديث صحيح]
ص َدقَةٌ مِ ن ُ
غلُو ٍل». ور وال َ بغير ُ
ط ُه ٍ ولفظ الحديث الصحيح« :ال ت ُ ْقبَ ُل َ
صالة ٌ ِ 4
5
[أخرجه البخاري]
82
مقرتان بالم األمر واملصدر الذي ينوب عن مضارعا ً ً ألن هناك فعالً وحدها اليت ُّ
تدل على األمر ،قلنا َّ
أيضا هو أراد فقط اِلشارة -على طريقته يف اَّلختصار فعل األمر واسم فعل األمر فما أوردها ،هنا ً
واِلجياز -وأن يضرب املثل ببعضها.
فكل ۡ فما ذَ َكر كلٌّ ومجيع ،وَّل ذَ َكر األساء املوصولةِّ َّ َّ ﴿ ،
ٱَّللُ ُمثَّ ٱستَ َقَٰ ُموا﴾ الذينُّ ،
ين قَالُوا َربُّنَا َّ
إن ٱلذ َ
1
َ ٌ َ
أيضا
أيضا -رمحه هللا -النكرة املضافة ،فإن اِلضافة ً من قال ربُّنا هللا مث استقام تناولته اآلية ،ما ذكر ً
الصاحلني» 2عباد هللا :عباد نكرة ،وأُضيفت إىل ِّ
لفظ عباد َِّّ
السالم علينا وعلى ِّ
اَّلل َّ َ العمومُ َّ « :
َ تقتضي
التشهد يف التحيَّات ،يف
دل على ذلك قوله ﷺ يف حديث ُّ اجلاللة فاستغرقت وأفادت العمومَّ ،
كل ٍ
عبد صا ٍحل يف السماء مسعود قال« :فإنكم إذا فعلتُم ذلك فقد َسلَّ ْمتُ ْم على ِّ ٍ حديث ابن
السالم علينا وعلى عباد عبد صا ٍحل؟ ِّمن قولهَّ « : كل ٍ واألرض ،3»..من أين فهمت أنَّه سلَّم على ِّ
عبد صا ٍحل يف السماء واألرض» .فاستشعروا هذا يف التحيَّات؛ يف كل ٍ هللا» ،قال« :فقد سلَّمتم على ِّ
الصاحلني) أنت تُرسل سالمك إىل جُبيل -عليه (السالم علينا وعلى عباد هللا َّقلتَّ :
التشهد إذا َ
ُّ
السالم -وإىل ميكال وإىل إسرافيل وسائر مالئكة السماء ،الذين َّل يعلم عددهم َّإَّل هللا ،ترسل
سالمك إليهم ،وترسل سالمك إىل إخوانك املصلِّني معك يف املسجد ،والذين يف املسجد احلرام
النبوي ويف ِّ
الصني ويف أمريكا ويف الُب. واملسجد ِّ
والعموم من صفات النطق ،وَّل جيوز دعوى العموم يف غريه من الفعل وما جيري جمراه ،واخلاص ما
يقابل العام.
ملا تكلمنا عن تعريف العام ،وأوردان ِّصيَ غَه ،قال :انتبه؛ حنن ملا نتكلم عن العموم ومسائله اآلتية ،وأنه
يدخله التخصيص ،كالمنا على العموم الذي يتناول األلفاظ ،من صفات النطق :أي من صفات
اللفظ ،قال :وَّل جيوز دعوى العموم يف غريه من الفعل وما جيري جمراه ،هذا تنبيه مهم حىت َّل تقع
قدمك يف خطأ ،فتقول :ها هنا عموم ،وإذا بك اجتهت إىل مكان َّل يصح دعوى العموم فيه.
1
[فصلت]٣0:
2
[حديث صحيح]
٣
[متفق عليه]
83
ك﴾ تقول:
ض َٰى َربُّ َ ِّ
قال :العموم َّل يدخل األفعالَّ ،ل أتتن إىل آية وحديث فيها فعل مثلَ ﴿ :وقَ َ
ض َٰى﴾ ها هنا يدل على العموم! َّل يوجد هنا عموم؛ هذا فعل ،صيغ العموم مرت بك ،وعندك ﴿قَ َ
قاعدة كبرية تقول« :إن العموم ال يتناول األفعال» ،أي َّل يصح أن تقول :سهى رسول هللا ﷺ
ُّفعة حبكم
ُّفعة للجار ،فتقول(:هذا يشمل كل جار ،فيستحق الش َ فسجد ،قضى الرسول ﷺ ابلش َ
قضاء ألنه قضى ،والقضاء يدل على عموم فعله عليه الصالة والسالم)؛ وِلذا جعل الفقهاء
اَّلستدَّلل حبديث فعل النب ﷺ للشيء َّل يدل على التكرار ،وَّل يدل على العموم ،وَّل يدل على
الشمول ما َل ِّ
أتت قرينة أخرى؛ ولذلك قالوا« :الفعل منه ﷺ ال يدل على العموم إال إذا اقرتن مبا
يدل على التكرار»؛ كان ﷺ يقول كذا ،كان ﷺ يفعل كذا ،فوجود كان مع الفعل املضارع هي اليت
أفادت التكرار ،لكن أتيت للفعل :قضى ،دخل ،فعل ،خرج ،الفعل وحده َّل يدل على التكرار ،إذا
فسر أبشياء أخرى؛ يدل على حصوله مرة واحدة ،ويسمونه :واقعة كان َّل يدل على التكرار فإنه يُ َّ
عني ،أو حادثة عني ،يعن فَ َعلَه مرة ،فأن أنيت ملسألة خنتلف فيها فتستدل يل حبديث فعله النب عليه
مستدبرا
ا مستقبال الشام، ا الصالة والسالم؛ قول ابن عمر« :رأيت النيب ﷺ يقضي حاجته
الكعبة» ،هذا حكاية فعل َّل أستطيع أن أفهم منه العموم ،وابلتايل أحد األشياء اليت ميكن أن أفسر
عموما لفظيًاَّ"َ ،ل تَ ْستَ ْقبِّلُوا الْ ِّقْب لَ َة بِّغَائِّ ٍط
هبا احلديث أنه رمبا حصل مرة واحدة وانتهى ،فال أقيس عليه ً
ٍ
وها" ،فدَّللة القول من حيث اَّلنتشار والشمول واَّلستمرار أقوى من دَّللة َوََّل بِّبَ ْولَ ،وََّل تَ ْستَ ْدبُِّر َ
الفعل ،هذا الفعل.
قال :وما جيري جمراه [الذي جيري جمرى الفعل] مفهوم اللفظ.
عندما تقول دَّللة منطوق ودَّللة مفهوم ،عندما حتاول أن تفهم من اللفظ غري ما نطق به النص،
ني فَِّف َيها َشاةٌ" هذا نص دل علىِّ ِّ ِّ
"وِّيف َسائ َمة الْغَنَِّم إِّذَا َكانَ ْ
ت أ َْربَع َ فهي دَّللة مفهوم ،مثل قوله ﷺَ :
أن الزكاة تتناول السائمة من الغنم ،ما السائمة؟ اليت ترعى أكثر احلول ،فإذا كانت معلوفة ،يعن:
يعلفها صاحبها ،ويشرتي ِلا ،ويتكلف ِلا َّل زكاة فيها؛ قولهَّ :ل زكاة يف املعلوفة ،هذا فَهم منا حنن،
فإ ًذا هو مفهومَّ :ل زكاة يف املعلوفة ،قلت لك اكتب هذا الفهم ،فكتبته يف مجلة َّل زكاة يف املعلوفة،
الصيغة صيغة عموم "َّل زكاة" من النكرات اليت دخلت عليها َّل ،وهذا َّل يَعُم؛ ألنه مفهوم ،فانتبه؛
84
مثال هذه املعلوفة ماذا لو اُتذها صاحبها العموم من صفات النطق ،أما املفهوم َّل عموم لهً ،
للتجارة؟ أصبحت جتب فيها الزكاة؛ ألهنا عرض من عروض التجارة ،فاملسألة َّل عموم ِلا ،وَّل تقول
أصال َّل يوجد عموم يف قولكَّ :ل زكاة يف كل معلوفة َّل زكاة فيها ،فمن أين استثنيت؟ تقول ً
املعلوفة؛ فهذا فهم ،والفهم َّل يدخله العموم ،املقصود أن دعوى العموم هو من أوصاف األلفاظ
والنطق ،فال الفعل يدخله العموم ،وَّل قضااي األعيان؛ قضية العني :أي حادثة وقعت لصحايب َّل
أيضا َّل يدخلها العموم.
جتري فيها العموم ،وكذلك مفهوم اللفظ دَّللة املفهوم ً
قال فيه :والعموم من صفات النطق ،وَّل جيوز دعوى العموم يف غريه من الفعل ،وما جيري جمراه.
فعال ،والفعل
٭يف حديث البخاري مجع النب ﷺ بني الصالتني يف السفر ،هذا َّل عموم له؛ هو ُيكي ً
َّل عموم له ،تريد العموم؟ احبث عن دَّللة أخرى ليس من الفعل.
أيضا يف احلديث يف الصحيحني َّل يشمل كل صالة؛ لقوله :صلَّى،٭صلى رسول هللا ﷺ يف الكعبة ً
فرضا وقد تكون انفلة .اختلفنا يف مسألة :هل جيوز صالة الفرد داخل الكعبة؟ فتقول :قد تكون ً
فيقول قائل :نعم جيوز ،ما دليلك؟ يقول :صلى رسول هللا ﷺ يف الكعبة ،أقول لهَّ :ل دَّللة هنا على
أهنا صالة فرض ،والغالب أهنا انفلة ،فيقول" :صلَّى" عام يشمل الفرض والنفل ،أقول له :قف؛ هذا
فسر يل ،عندك دليل على أهنا فعل ،والفعل َّل يوصف ابلعموم" ،صلَّى" املقصود صالة ،حتتاج أن تُ ِّ
فرض؟ أثبت يل وائتِّن برواية فيها التصريح أبهنا فرضَّ ،ل يوجد؟ إ ًذا أان َّل أستطيع أن أعمم اللفظ؛
ألن اللفظ ها هنا فعل ،والقاعدة تقول« :العموم من صفات النطق» ،فاألفعال َّل يدخلها العموم.
ملا انتهى من العام دخل مباشرة إىل اخلاص ،وهو ما يقابله ،وسيتكلم عن العالقة بني العام واخلاص،
وأنه ينشأ عنهما ما يسمى عند الفقهاء ابلتخصيص.
اخلاص
85
احدا ،أو كان أل ًفا ،أو كان أكثر ،طاملا هو حمصور فهو
حمصورا ،سواء كان هذا الشيء احملصور و ً
ً شيئًا
خاص.
فصاعدا ،تقول
ً قلت :أان كما تناول شيئني
انف تعريف العامُ ، قال :أو تقول ما َّل يتناول شيئًا ،يعن ِّ
فصاعدا من غري حصر.
ً هنا ما َّل يتناول شيئني
86
وفهمت أن العموم واخلصوص وصفان نسبيان ،فكل َ بسم هللا الرمحن الرحيم بعد ما َعَّرف اخلاص،
عام خاص ابلنسبة إىل ما فوقه ،عام ابلنسبة إىل ما حتته ،وهكذا ستفهم اآلن العالقة املتداخلة بني
العام واخلاص ،فكل عام قد يدخله اخلاص -أي أييت ما ُيصصه ،دخول اخلاص على العام -يسمى
ۡ ۡ ۡ
ُتصيصا ،أي ملا قال هللا تعاىل﴿ :قَد أَف لَ َح ٱل ُم ۡؤِّمنُو َن﴾ ،لو َل يكن عندان آية
ً يف اصطالح األصوليني
شامال لكل مؤمن ،فلما جاء اخلاص بعقبه ماذا صنع يف العموم؟ هذه سواها سيكون احلكم ابلفالح ً
ُتصيصا ،دخول اخلاص على العام ُيصصه ،سؤال :ما معىن ُيصصه؟ حنن قلنا قبل ً العملية تسمى
ص َال ِّهتِّ ۡم ۡ
ين ُهم ِّيف َ
َّ ِّ
قليل ضيق الدائرة ،ابَّلصطالح العلمي نقول أخرج بعض أفراده ،ملا قال﴿ :ٱلذ َ
ِّ
عددا من أفراد العام .إ ًذا لو قلت لك :عرف ََٰخشعُو َن﴾ أخرج ماذا؟ أخرج غري اخلاشعني ،إ ًذا أخرج ً
التخصيص ماذا ستقول؟ «إخراج بعض أفراد العام» ،أو رمبا قالوا« :قصر العام على بعض
أفراده»َّ ،ل أبس ،قال هنا:
املنت" :التخصيص متييز بعض اجلملة"
صر العام على بعض أفراده ،أو إخراج بعض أفراد العام، لكن تعريف األصوليني اآلخر أدق وأوضح :قَ ْ
وهو كما رأيتم ،وسيأيت ِلا أنواع وِلا أمثلة كثرية.
ۡ ِّ ِّ ۡ
ٍ ِّ
نس َن لَفي ُخسر﴾ أين العموم؟ اإلنسان. ﴿إ َّن ٱِل ََٰ
داخل غري فهذا العموم من املستثىن هذا ج فأخر ءامنُوا﴾ ِّ ِّ
ين َ ﴿اِلنسان﴾ ،مث جاء اَّلستثناء ﴿إَّل الذ َ
1
ٌ
اص ْوا ِّاب َّ يف احلكم ابخلسارة﴿ ،إََِّّّل الَّ ِّذين ءامنُوا وع ِّملُوا َّ ِّ ِّ
لص ُِّْب﴾. اص ْوا ِّاب ْحلَِّق َوتَ َو َ
الصاحلَات َوتَ َو َ َ َ ََ
"...لَتَ ْد ُخلُ َّن اجلنَّ َة ُكلُّ ُكم إَِّّل َمن أََب ،2"...قال" :كلُّكم" ،كل من صيغ العموم .لو سكت وقال:
" ُكلُّ ُكم يَ ْد ُخ ُل اجلَنَّ َة" انتهينا ،لكن ملا قال" :إَّل َمن أََب" استثىن .اَّلستثناء ماذا صنع يف العموم؟
ابب كبريٌ ،حىتصر العام على بعض أفراده ،هكذا هو التخصيص ،وهذا ٌ أخرج بعض أفراده ،قَ َ
عام يدخله التّخصيص» ،أو قوِلم« :ما من ٍّ
عام ّإال كل ٍّ أضحت القاعدة عند األصوليني قوِلمُّ « :
ص». وقد ُخ َّ
87
ص»:عام ّإال وقد ُخ ّ مناقشة قاعدة« :ما من ٍّ
عام إَّل وقد ُخص» ،يقول :حىت هذه القاعدة -وهي عامةٌ- هذه مبالغةٌ عندهم .يقولون« :ما من ٍ
عام إَّل وقد ُخص» حىت القاعدة هذه ُخصصت .والصحيح أنه ليس كل أيضا خمصوصةٌ« ،ما من ٍ ً
عمومات كثريةٌ يف الشريعة َّل استثناء فيها:
ٌ العمومات ُتصص ،بل
نوع؟
عموم ،من أي ٍ َّلل﴾( ،1احلمد) هذه صيغة ٍ احلم ُد َِِّّّ
ملا يقول هللا تعاىلْ َْ ﴿ :
محد يستحقه ربنا؟ كل احلمد ،هل هذا خمصص؟ هل شيءٌ من احلمد مفرد دخلت عليه (ال) فأي ٍ
ٌ
ُتصيص ،وَّل يدخله إىل يوم القيامة. ابق على عمومه ،وما دخله َّل يستحقه ربنا؟ إذًا هذا عامٌّ ٍ
ٌ
فردا ب الْ َٰعلَ ِّ
﴿ر ِّ
مستثىن من هذا العموم؟ أن جزءًا من العواَل أو ً
ً شيء
ٌ هناك هل اَل،و الع رب هللا ﴾ني
َ م َ َ
من أفراده َّل يدخل حتت ربوبية هللا؟ وهكذا.
كثريا من
كثريا من أفراد العموم َّل يدخله التخصيص ،لكنه جرى على لساهنم الغلبة؛ أن ً فالصحيح أن ً
العمومات ُخصصت.
حباجة وأنت تدرس ابب العموم أن تتعرف على الصيغ اليت يقع هبا التخصيص. إ ًذا أنت ٍ
ابلصفة"
شرط ،والتّقييد ّ ٍ
ومنفصل ،فاملتّصل االستثناء ،وال ّ املنت" :وهو ينقسم إىل متّ ٍ
صل
1
[الفاتحة]1 :
88
صل؟ ومىت مت تقول: مىت يعن ماذا؟ ابعتبار ماذا؟ حبسب فصال اَّلن
و اَّلتصال . ٍ
ومنفصلة ، مت ٍ
صلة
ٌ
نص آخر..صال ،وإذا جاء يف ٍ
صا مت ً ِّ
منفصل؟ إذا جاء يف نفس الدليل مع العام يسمى خمص ً ٌ تقول:
هذا واضح ،طيب.
ط ،وإما صفةٌ.املتصل قال لك :هو ثالثة أشياء ،إما استثناءٌ ،وإما شر ٌ
املخصص املتصل:
ّ أقسام
-1االستثناء:
اِلنْ َٰسن لَِّفي خس ٍر إََِّّّل الَّ ِّ
ِّ ِّ
﴿إ َّن ْ َ َ
•
ين ءَ َامنُواْ﴾
1
َ ذ ُْ
ِّ 2 ِّ ِّ ِّ ِّ
﴿َّل يَ ْستَ ِّوي الْ ََٰقع ُدو َن م َن الْ ُم ْؤمن َ
ني َغ ْريُ ِّ •
أويل الضََّرر﴾
استثناءٌ بغري ،أو استثناءٌ إبَّل؛ هذا اَّلستثناء.
شرط:
-2ال ّ
أيضا من أساليب اَّلستثناء
ً
(من)، َ العموم؟ أين 3
• ملا يقول النب عليه الصالة والسالمَ " :من َرأى ِّمن ُكم ُمن َكًرا فَ ْليُغَِّ ْريهُ بِّيَ ِّد ِّه"...،
منكرا فليغريه ،مث خصص "من َرأى"؛ كل َمن رأى منكم ً نوع من صيغ العموم؟ األساء املبهمة َ أي ٍ
هذا العموم" :فإن ََل يَ ْستَ ِّط ْع ،6"...إ ًذا ليس اجلميع جيب عليه التغيري ابليد ،إن جزءًا من املكلَّفني
"فإن ََل يَ ْستَ ِّط ْع" .إذًا هذا
فخصص ،ما أسلوب التخصيص هنا؟ ما أداته؟ الشرطِّ : َّل يستطيعُ ،
الشرط هو أحد صيغ التخصيص.
ابلصفة:
-3التّقييد ّ
الصفة ها هنا عند األصوليني أعم من الصفة عند النحاة؛ فيشمل النعت ،ويشمل البدل ،ويشمل
أيضا احلال.
ً
1
[العصر]2،٣ :
2
[النساء]٩5 :
٣
[صحيح مسلم رحمه هللا]4٩ :
89
ون﴾َ ﴿ 1كأَم َٰثَ ِّل اللُّ ْؤلُ ِّؤ﴾ ملا قال﴿ :الْم ْكنُ ِّ
ون﴾ صفة •يعن قال هللا تعاىلَ ﴿ :كأَم َٰثَ ِّل اللُّ ْؤلُ ِّؤ الْم ْكنُ ِّ
َ ْ َ ْ
للؤلؤ ،فقيده؛ فليس كل لؤل ٍؤ ُوصف به احلور العني ،بل املكنون منه ،وهذا تقيي ٌد ابلصفة وُتصيص.
1
[الواقعة]2٣ :
2
[آل عمران]٩7 :
٣
[النساء]٩٣ :
4
[المؤمنون]1 :
5
[المؤمنون]2 :
90
يفات عند األصوليني يف اَّلستثناء َّل حاجة لنا ابلوقوف عندها .يقول لك :ما اَّلستثناء؟ مثة تعر ٌ
ءامنُوا﴾ 1لو َل يذكرها لدخلت يف قوله ﴿إِّ َّن ِّْ ِّ َّ ِّ
اِلنْ َس َن ين َ"إخراج ما لواله لدخل يف الكالم" ﴿إََّّل الذ َ
لَِّفي ُخ ْس ٍر﴾ .2
شروط صحة اَّلستثناء:
صال ابلكالم"
"وإّنا يصح بشرط أن يبقى من املستثىن منه شيءٌ .ومن شرطه أن يكون مت ً
ها هنا ذكر شرطّي لالستثناء:
" -1أن يبقى من املستثَن منه شيءٌ"
يعن حبيث َّل يصح استثناء الكل.
وبكرا ،وهم كل أوَّلده ،فما معىن قوله :حضر
وعمرا ًوخالدا ً
ً يدا
رجل :حضر أوَّلدي إَّل ز ً
لو قال ٌ
أوَّلدي؟ فاَّلستثناء إذا استغرق املستثىن منه بطل ،كما يقولون ،فلهذا يقولون :من الشرط يف
اَّلستثناء -هذه شروط لغوية يعن عند أهل اللغةَّ -ل يصح أن تستثن إَّل إذا بقي من املستثىن منه
شيءٌ.
صال ابلكالم"
"-2أن يكون االستثناء متّ ا
يعن َّل تتكلم ٍ
جبملة مث أييت اَّلستثناء بعده يف وقت َّلحق ،فإنه َّل يتصل ابلكالم ،املقصود ابَّلتصال
هنا اَّلتصال الزمن.
كالم عندهم :هل يصح استثناء األكثر؟ استثناء النصف وما زاد؟ فيه كالم ،والصواب: -ها هنا ٌ
صحة اَّلستثناء ،استثناء األقل ،واستثناء األكثر -استثناء النصف وما زاد عليه -الصحيح وروده،
ودليل ذلك:
ِّ ۡ ِّ ِّ ۡ َٰ ِّ ُّ ۡ ۡ
يس﴾ إبليس واحد ،فاستثىن األقل. 3
َ ﴿ -فَ َس َج َد ال َملَئ َكةُ ُكل ُهم أَمجَعُو َن ۞ إَّل إبل
4
ني﴾ صك َأل ُۡغ ِّوي نَّه ۡم أ َۡمجعِّني ۞ إََِّّّل ِّعباد َك ِّم ۡن هم ۡﭐلم ۡخلَ ِّ
ال فَبِّعَِّّزتِّ َ
-ملا قال﴿ :قَ َ
َ َ َ ُُ ُ َُ َ َ
1
[العصر]٣ :
2
[العصر]2 :
٣
[الحجر]٣0،٣1 :
4
[ص]٨2،٨٣ :
91
عموم، هذا ﴾ ني سؤال :الغاوي من عباد هللا أكثر أم املهتدي أكثر؟ يعن ملا قالَ﴿ :أل ُۡغ ِّوي نَّه ۡم أ َۡمجعِّ
ٌ َُ َ َ
﴿إََِّّّل ِّعبَ َاد َك﴾
سؤال :هو استثىن األقل أم األكثر؟ ها؟ يعن أهل النار يوم القيامة هم أكثر اخلليقة أم أهل اجلنة
ني" 1أين؟ طيب ،إبليس ملا قال﴿ :إََِّّّل ِّعبَ َاد َك﴾ هو ِّ ِّ أكثر؟ " ِّمن ُك ِّل أَلْ ٍ ِّ ِّ ٍ ِّ
ف ت ْس َع مائة َوت ْس َع ًة َوت ْسع َ
دليل آخر :قال هللا عز وجل﴿ :إِّ َّن ِّعبَ ِّادي استثىن األكثر أم ۡاستثىن األقل؟ قد خنتلف .طيب ،عندك ٌ
ۡ ۡ لَ ۡ
ك﴾ ،2فجاء الدليالن يفيد أحدُها استثناء األقل ،ويفيد أحدُها ك َعلَي ِّهم ُسل َٰطَ ٌن إََِّّّل َم ِّن ﭐتَّبَ َع َ
س لَ ََ ي
استثناء األكثر ،سواءٌ فسرت اآلية أبن املهتدي أكثر أو أن الضال أكثر ،اآلية األخرى تفيدك أنه يف
كل احملامل اليت حتمل عليها اللفظ يصح أن تفسرها ابَّلستثناء.
املنت" :وجيوز تقدمي املستثَن على املستثَن منه"
هذه من فنون النحو وَّل عالقة ِلا فلن نقف عندها.
ِّ ِّ
ني ،فَأَرى َغ ْ َريها َخ ْ ًريا مْنها ،إَِّّل َكف ُ
َّرت َع ْن ف على مي ٍ -قوله ﷺ..." :إين وهللا -إِّ ْن شاءَ هللاَُّ -ل أَحل ُ
َميين"... 3
أين اَّلستثناء؟ قوله" :إن شاءَ هللاُ" فهو قبل أن يُتم اجلملة قال" :إين وهللا -إِّ ْن شاءَ هللاُ ،"-فيقول:
ني ،وتقول يف األخري :إن شاء هللا، جيوز تقدمي اَّلستثناء ،مع أنه -لغ ًة -تقول :وهللا َّل أحلف على مي ٍ
فيجوز ذلك ،هذه من فنون النحو.
أيضا قوله يف اجلملة التالية" :وجيوز االستثناء من اجلنس ومن غريه" ً
فأيضا َّل عالقة ِلا مبا حنن فيه ً
يف الدَّلَّلت الفقهية:
يس﴾ 4إبليس كان من املالئكة أوليس من املالئكة؟ يف ﴿ -سج َد ۡالم َٰلَئِّ َكةُ ُكلُّه ۡم أ َۡمجعو َن ۞ إَِّّل إِّ ۡبلِّ
َ ُ َُ ََ َ
ۡ
النصَ ﴿ :كا َن ِّم َن ﭐجلِّ ِّن فَ َف َس َق َع ۡن أ َۡم ِّر َربِِّّهۦ﴾ 5فاستثناه وليس من جنس املالئكة.
1
[صحيح البخاري رحمه هللا]4741 :
2
[الحجر]42 :
٣
[صحيح البخاري رحمه هللا]671٨ :
4
[الحجر]٣0،٣1 :
5
[الكهف]50 :
92
اض ِّمن ُك ْم ﴾ ،1هل َٰط ِّل إََِّّّل أَن تَ ُكو َن ِّ َٰجتََرةً َعن تََر ٍٍۢ
َٰ ﴿ -أيَيُّها ٱلَّ ِّذين ءامنُواْ ََّل َأتْ ُكلُواْ أَم َٰولَ ُكم ب ي نَ ُكم بِّٱلْب ِّ
َ ْ َ َْ َ ََ َ َ
فقها .نعم .والشرط. ِّ
التجارة من أكل الباطل؟ فاستُثنيت من غري جنسها .وكل ذلك َّل أثر له ً
املنت" :والشرط جيوز أن يتأخر عن املشروط ،وجيوز أن يتقدم عن املشروط"
أيضا َّل أثر له يف الدَّلَّلت. ً
ۡ -يف آية املواريث جاء اجلميع﴿ :ول ُك ۡم نِّ ۡ
2
ف َما تََرَك أَزََٰو ُج ُك ۡم إِّن ََّۡل يَ ُكن َِّلُ َّن َولَ ٌد﴾ ُ ص ََ
ف َما تََرَك﴾ أين العموم؟ {﴿ َما تََرَك﴾ ،كل ما ترك أزواجكم لكم نصفه ،مث خصص ۡ ِّ ۡ
﴿لَ ُكم نص ُ
ابلشرط ﴿إِّن ََّۡل يَ ُكن َِّلُ َّن َولَ ٌد﴾ ،الشرط هنا جاء قبل العموم أم بعده؟ الشرط جاء قبل املشروط أم
ۡ ۡ ِّ ۡ
ف َما تََرَك أَزََٰو ُج ُك ۡم إِّن ََّۡل يَ ُكن﴾ جاء الشرط متأخًرا ،أكمل اآلية ﴿إِّن ََّۡل بعده؟ جاء بعد﴿ :لَ ُكم نص ُ
يَ ُكن﴾ -يقصد الشيخ ﴿فَِّإن َكا َن َِلُ َّن َولَ ٌد﴾ -اآلن ماذا بدأ؟ الشرط إ ًذا قد يتقدم وقد يتأخر،
والدَّللة يف احلكم واحدةٌ عند الفقهاء.
كالرقبة قُـيّدت ابإلميان يف بعض املواضع ،وأُطلقت يف
ابلصفةُُ :يمل عليه املطلقّ ،
املنت" :واملقيّد ّ
بعض املواضع؛ فيحمل املطلق على املقيّد"
ابلصفة ُُيمل عليه املطلق"
"املقيّد ّ
طويل.
مثَّل ابلرقبة يف اِلميان ،انتقل إىل اِلطالق والتقييد ،والكالم فيه ٌ
ٍ ۡ ِّ ٍۖ 3
مثاَّل ابلكفارة يف عتق الرقبة يف بعض املواضع ،كما يف كفارة القتل﴿ :فَتَ ۡح ِّر ُير َرقَبَة ُّمؤمنَة﴾ ضرب ً
قُيدت الرقبة مباذا؟ بكوهنا مؤمن ًة ،فال جتزئ الرقبة الكافرة.
آية أخرى ذكرت الرقبة﴿ :فَتَ ۡح ِّر ُير َرقَبَ ٍة ِّمن قَ ۡب ِّل أَن يَتَ َما َّسا﴾ 4يف كفارة الظهار ،فهل جيوز أن
يف ٍ
تقول :الرقبة يف الظهار جيوز أن تكون كافرًة ألن اآلية ما قيدت؟ قال هنا" :الرقبة قيدت ابِلميان يف
بعض املواضع ،وأُطلقت يف بعض املواضع" ،فماذا فعل الفقهاء؟ محلوا املطلق على املقيد ،ويف هذا
مبن على
تفصيل؛ ألن املنت خمتصر وَل يدخل يف تفصيله ،فنحن نتجاوزه ،لكن تفهم أن هذا منهم ٌّ ٌ
1
[النساء]2٩ :
2
[النساء]12 :
٣
[النساء]٩2 :
4
[المجادلة]٣ :
93
قاعدة :أن النص إذا جاء مطل ًقا يف موض ٍع ،ومقي ًدا يف موض ٍع ،فيعاملونه معامل ًة واحدةً ،طاملا احتدا
صور متعددةٌ.
يف السبب ،وإن اختلف احلكم ،أو احتدا يف احلكم مع اختالف السبب ،فهي ٌ
قتل والسبب هنا يف مثال الك ّفارة :احلكم واح ٌد ،هذه كفارةٌ ،وهذه كفارةٌ ،صحيح السبب هنا ٌ
فجعل ذلك يف مثابة احلكم الواحد املنصوص املؤدى واح ٌد وهو أداء الكفارةُ ، ظهار ،لكن يف النهاية َّ
ٌ
عليه يف الدليل.
انتهينا من املخصصات املتصلة ،وهي ثالثةٌ ،ما هي؟ اَّلستثناء ،والشرط ،والصفة ،كلها تفيد
ُتصيص العموم ،وأمثلتها كثريةٌ جدًّا ،منتشرةٌ.
سنقف ها هنا ،ونبدأ درسنا القادم إن شاء هللا يف األسبوع املقبل وليس الغد ،يف األسبوع املقبل إن
شاء هللا يوم األحد ،من احلديث عن التخصيص املنفصل وما يتبعه ،حىت نستكمل ما بقي لنا.
وعمال صاحلًا يقربنا إليه.
انفعاً ، علما ًأسأل هللا يل ولكم ً
العود يف اهلِبَ ِة برواية :ليس لنا َمثَ ُل
شافعي يف جواز َ السائل« :مل يَـ ُر ّد اجلمهور على ال ّ
هذا يقول ّ
مستفاد ،لكنهم ينصون على التحرمي ،ويرون ٌ أيضا الكالم على التحرمي ليس على املنع ،املنع السوء»ً ،
أن الصيغة َّل تدل بذاهتا على التحرمي.
السبب» ،بعموم اللفظ يقصد والعموم من صفات األلفاظَّ .ل «العربة بعموم احلكم ال خبصوص ّ
أبدا ،القاعدة« :العربة بعموم اللّفظ» فعدان إىل القاعدة ذاهتا.
ً
هذا يقول« :ما عنوان الكتاب الّذي بّي يدي فضيلتكم؟» هو الذي بني يدي كل الناس
اجلالسني ،شرح ورقات إمام احلرمني رمحه هللا.
وفقنا هللا وإايكم لكل خ ٍري ،وهللا أعلم.
وصلى هللا وسلم على نبينا حممد ،وآله وصحبه أمجعني.
94
شرح منت الورقات| |4
ِّ
املخصصات املتصلة
هذا هو لقاؤان الرابع -بعون هللا ﷻ وتوفيقه -يف شرح ورقات إمام احلرمني أيب املعايل اجلوين -رمحة
هللا عليه ،والذي تقدم يف اللقاءات الثالثة املاضية :هو احلديث عن صدر منت الورقات ،إىل أن وقفنا
املخصصات املتصلة ،وحىت نستأنف الليلة -بعون هللا ﷻ -شيئًا يربطنا مبا سبق؛ فإنه ِّ على حدود
عرف إمام احلرمني -رمحه هللا تعاىل -العام ،وعرف التخصيص ،وهي من يتعني أن نذكر أنه بعد أن َّ
املهمات اليت تتحتم معرفتها عند طالب العلم ،الراغب يف دراسة علم األصول ،وضبطه ،وفهمه، َّ
والوصول إىل تطبيق مثل ذلك على النصوص الشرعية ،اليت هي جمال علم األصول ،ومادته اليت من
أجله اعتىن األصوليون بوضع هذه القواعد ،وضبطها ،وتقدميها لطلبة العلم.
لست حباجة إىل أن أعيد التأكيد على أُهية ابب العموم واخلصوص ،وهي َّل تقل أُهي ًة عن ضبط ُ
وإتقان أبواب األمر والنهي؛ ألنه ما من نص إَّل ويتوجه التكليف فيه أبمر أو هني ،وهذا األمر والنهي
يتعلق يف النص ذاته ،إما بعموم أو خبصوص ،فمن ضبطه أتقن مجلة النصوص الشرعية اليت جاء فيها
التكليف ،فال أمر وَّل هني يف نص من الكتاب أو من السنة إَّل وفيه صيغة عموم ،أو خصوص ،أو
ُتصيص يربط بني النصني ،ومن هنا تتحتم عناية طلبة العلم ،والفقهاء ،والناظرين يف األدلة،
واجملتهدين يف النوازل ،أقول تتأكد أُهية عنايتهم هبذا الباب.
املخصصات ،والتخصيص هو -كما ابتدأان يف منتهى الدرس املاضي ابحلديث عن التخصيص و ِّ
مر :-قصر العام على بعض أفراده ،أو هو :إخراج بعض أفراد العام منه ،أييت النص العام بشموله
منتشرا على عمومه،
ً يستغرق مجيع األفراد الذين يتناوِلم اللفظ ،لوَّل ورود التخصيص لبقي العموم
متناوًَّل جلميع أفراده فريد التخصيص ،وإذا جاء التخصيص حدد أفراد العام ،وقلل من ولبقي النص ِّ
ۡ ۡ ۡ
متناوًَّل لبعض أفراده ،مثَّلت بقوله تعاىل﴿:قَد أَف لَ َح ٱل ُم ۡؤِّمنُو َن﴾ ،1فلو وقف النص
انتشاره ،وجعله ِّ
صدق تناول الفالح لكل من دخل يف دائرة اِلميان ،فلما جاء عند هذه الدَّللة ،وعند هذا اللفظ ،لَ َ
• املثال األول:
ت َح َّ َٰىت يُ ۡؤِّم َّن …﴾ ،1أين العموم؟ قوله تعاىل﴿ :وََّل تَنكِّحواْ ۡٱلم ۡش ِّرََٰك ِّ
ُ ُ َ
املشركات ،ما صيغة العموم؟
حواْ ِّ
ۡمشركات مجع معرف ب أل ،فيدل على اَّلستغراق على العموم والشمولَ ﴿ ،وََّل تَنك ُ
أي مشركات جاء النهي عن نكاحهن؟ ت﴾ُّ ، ٱلم ۡش ِّرََٰك ِّ
ُ
كل مشركة؛ يهودية ،نصرانية ،وثنية ،جموسية ،ملحدة ،منكرة لوجود هللا ،كل أولئك يشرتكن يف
وصف املشركات ،حىت أهل الكتاب؟ حىت الكتابيات؟
ِّ ِّ ِّ ۡ ۡ ِّ ۡ ِّ َٰ ِّ ۡ ۡ اجلواب :نعم ،ألن هللا ﷻ قالََۡ ﴿ :ل ي ُك ِّن ٱلَّ ِّ
ني…﴾ ،فجعل 2
ين َك َف ُرواْ من أَهل ٱلكتَب َوٱل ُمشرك َ َ ذ َ
ۡ ۡ
املشركني والكفار من أهل الكتاب سواء يف وصف الكفر ،قال﴿ :وََّل تَنكِّحواْ ٱلمش ِّرََٰك ِّ
ت﴾ ،إذا ُ ُ َ
كل هذا نص عام .جاء قوله تعاىل يف كانت نصرانية وتقول بعقيدة التثليث هذا عني الشرك ،على ٍ
ۖ ِّ ۡ ۡ
ط و َٰت ب ِّيَّ
سورة املائدة يف جواز نكاح أهل الكتاب من اليهود والنصارىُ َ َ َ ُ َ ُ ُ َ َّ َ َ ﴿:
ام ع ط ٱل م ك ل ل ُح أ مو ي ٱل
ِّ ۡ ِّ ۡ ۡ ِّ ِّ ۡ ۡ ۡۖ ۡ ِّ ۡ ۡ ِّ ِّ ۡ ٱلَّ ِّ
ت م َن َٰ
صنَ ُ ت م َن ٱل ُمؤمنَت َوٱل ُمح ََٰ صنَ ُ َٰ َّ
ام ُكم حلٌّ ِلُم َوٱل ُمح َ ب حلٌّ ل ُكم َوطَ َع ُ َّ ََٰ
ت ك ٱل ا
ْوُتُوأ ين ذ
ۡ َ َ
َّخ ِّذي
صنِّني َغري م َٰس ِّف ِّحني وََّل مت ِّ ۡ ِّ ۡ ۡ ۡ ۡ
ٱلَّ ِّذين أُوتُواْ ٱلكِّ َٰت ِّ ِّ
ور ُه َّن ُحم َ َ ُ َ َ َ ُ ُج َ ب من قَ بل ُكم إِّذَا ءَاتَي تُ ُم ُ
وه َّن أ ُ ََ َ
ان…﴾ ،3فاآلية أابحت نكاح احملصنات :يعن احلرائر العفيفات من أهل الكتاب ،هذا ُُيالف أ َۡخ َد ٍ
خمصص لذلك العموم ،فيبقى قوله ت﴾ ،فليس لك إَّل ان تقول هذا ِّ حكم ﴿وََّل تَنكِّحواْ ۡٱلم ۡش ِّرََٰك ِّ
ُ ُۡ َ
ۡ
تعاىل﴿:وََّل تَنكِّحواْ ٱلمش ِّرََٰك ِّ
ت﴾ يعن ُمَّا سوى الكتابيات ،فتُخرج اليهود والنصارى من اآلية، ُ ُ َ
ويبقى العموم فيما وراء ذلك ،هذا هو التخصيص :قصر العامي على بعض أفراده ،أو إخراج بعض
ما تناوله اللفظ ،فأنت هبذا أخرجت الكتابيات ،هذا مثال لتخصيص الكتاب ابلكتابُ ،تصيص آية
آبية.
[1األنعام]145 :
[ 2النساء]24 :
[ ٣النساء]23-22 :
100
اع ِّة…﴾ ،ذكر من احملرمات ض َ الر ََخ َواتُ ُكم ِّم َن َّ ض ْعنَ ُك ْم َوأ َ الالِّيت أ َْر َ
...وأ َُّم َهاتُ ُك ُم َّ
قوله تعاىلَ ﴿ :
ابلرضاع األمهات واألخوات ،لكن أين البنت ابلرضاع؟ أين اخلالة ابلرضاع؟ أين بنت األخت
اع ِّة…﴾
ض َ َخ َواتُ ُكم ِّم َن َّ
الر َ ض ْعنَ ُك ْم َوأ َالالِّيت أ َْر َ
...وأ َُّم َهاتُ ُك ُم َّ
ابلرضاع؟ ما ذُكرت يف اآلية ،قالَ ﴿ :
ِّ
1
[صحيح البخاري]5099 :
• مثال:
ضأَ"، حىت يَتَ َو َّ
ث َّ أح َد َ اَّلل صالةَ ِّ
أحد ُك ْم إذا ْ
َ السنَّة ابلكتاب ُميثَّل له بقوله ﷺَّ" :ل يَ ْقبَلُ َُّ َ ُتصيص ُّ
ضأَ" ،أنَّه َّل ُمي ِّكن حىت يَتَ َو َّ
ث َّأح َد َ اَّلل صالةَ ِّ ٍ
أحد ُك ْم إذا ْ
َ موم "َّل يَ ْقبَلُ َُّ َ
نص يف السنَّة ،وفيه عُ ٌ هذا ٌ
ض َٰى أ َْو َعلَ َٰى صص مبثل قوله تعاىلَ ﴿ :وإِّن ُكنتُم َّم ْر َ صل بغري طهارٍة حىت يتوضَّأُُ ،ي َ أ ْن يُصلِّي ُم ٍ
وضا عن الطَّهارة يف ِّ ِّ
وجعله ع ً َّيمم ْ َس َف ٍر﴾ آية الت ُ
َّيمم ﴿فَ لَ ْم َجت ُدوا َماءً فَ تَ يَ َّم ُموا…﴾ ،فإابحة الت ُ
الصالة هو نوعٌ من التَّخصيص له. َّ
• مثال:
اَّللِّ" إىل
سول َّ
أن ُحمَ َّم ًدا َر ُ اَّللُ ،و َّ حىت يَ ْش َه ُدوا أ ْن َّل إلَهَ َّإَّل َّ ِّ
ت أ ْن أُقَات َل الن َ
َّاس َّ ِّ
قوله ﷺ" :أُم ْر ُ
صص مبثل قوله تعاىل يف شأن أهل الكتابَ ﴿ :ح َّ َٰىت يُ ْعطُوا ا ْجلِّْزيَةَ َعن يَ ٍد َو ُه ْم آخر احلديثُ ،خم َ
مثال لذلك.صاغِّ ُرو َن﴾ ،فورود ُحكم اجلِّزية يف الكتاب هو ٌ َ
والسنَّة ِ
ابلقياس ختصيص الكتاب ُّ
خصصات السنَّة ِّ
نوع ذكره إمام احلرمني -رمحه هللا -يف املُ َ
ابلقياس ،وهو آخر ٍ ُتصيص الكتاب و ُّ
خصصه ِّ
ابلقياس ،ومثله ُتصيصه ابِلمجاع. السنَّة ،فتُ ِّ نفصلة ،أ ْن أتيت لع ٍ
موم ورد يف القرآن ويف ُّ امل ِّ
ُ ُ
• مثال:
اح ٍد ِّم نْ ُه َما ِّمائَةَ َجلْ َدةٍ﴾ أين العُموم؟
الز ِّاين فَاجلِّ ُدوا ُك َّل و ِّ
َ ْ الزانِّيَةُ َو َّ
مثاَّل لذلك قوله تعاىلَّ ﴿ :
ُخذ ً
102
الزواين - الزانة و َّموم ،هذا العُموم يتناول ُّ ِّ ٍ الز ِّاين﴾ ،أيضا﴿ :فَ ِّ الزانِّيَةُ َو َّ
اجل ُدوا ُك َّل َواح د﴾ هذا عُ ٌ ْ ً ﴿ َّ
ِّ
فلما جاء قوله يف سورة النساء﴿ :فَإِّ ْن أَتَ ْ َ
ني عبيدا ،-فإنَّه يتناوِلم ُحكم اجلَْلد مئةَّ ، أحر ًارا كانوا أو ً
أن ُحكمهن يف اب﴾ الكالم على اِلماء ،و َّ ات ِّمن الْع َذ ِّ اح َش ٍة فَعلَي ِّه َّن نِّصف ما علَى الْمحصنَ ِّ
ْ ُ َ َ
بِّ َف ِّ
َ َ ُْ َ َْ
حال وقوع الفاحشة ما هو؟ نصف احلد.
آية آبية ،آية النُّور نوع من التَّخصيص؟ ُتصيص الكتاب ابلكتابُ ،تصيص ٍ كم يعن؟ هذا من أي ٍ
عامة وآية النِّساء خصصت اِلماء ،فجعلت ِلن نصف ما على املحصنات من العذاب. َّ
ُ
الذكور ،فقاس الفقهاء الرقيق ،وَل يذكر ُّ أين العبيد؟ ما ذُكِّروا يف اآلية ،ذكر اِلماء ،ذكر اِلانث من َّ
شرتكُحكم العبيد على اِلماء ،قالوا :كما خصصت اآلية اِلماء ،فيُقاس عليهن العبيد ،والوصف امل َ
ُ
كل منهما. هو الرق الواقع يف ٍ
أيضا سيكون على النِّصف من حد احلُر ،يعن كم؟ ما الدَّليل فإن حدَّه ً أن العبد إذا زانَّ ، فصار احلُكم َّ
القياس.الزاين العبد؟ ِّ صص به حد َّ الذي خ ِّ ِّ
ُ
الذكر على األنثى يف اِلماء ،وكان القياس ،فهو قاس َّ دليل؟ بدليل ِّ ُتصيص للعُموم أبي ٍ إ ًذا ،هذا
ٌ
القياس. املخصص هاهنا هو ِّ
ُ ُ
َّ ِّ
هكذا انتهى -رمحه هللاُ -ما أراد إجيازه فيما يتعلق ابلعُموم والتَّخصيص وأنواع املخصصات.
ُ
خصصات ،أ ْن تُقلِّب ٍ ٍ
أردت أ ْن تظفر بدربة ومكنة يف املُ َ رمحك هللا -إذا ما َ نظرك َ - عليك أ ْن تُقلِّب َ َ
أنت تستعرض أدلَّة الفقهاء ،ستجد ِّ ِّ
ئت إىل مسائل الفقه اخلالفية و َ كثريا يف النُّصوص ،مث إذا ج َ ظرك ً ن َ
ٍ ِّ ٍ
صوص ،وهنا يتفاوت الفقهاء يف الوقوف وخ ٌ موم ُ يف ثنااي أدلَّتهم استدَّلَّلت ُمتعددة ،أييت من بينها عُ ٌ
جتهدون، ب يتفاوت فيه امل ِّ ٌ خصصات يف النَّظر يف األدلَّة واجلمع بينها ،وهذا ميدا ٌن َر ْح على املُ َ
ُ
جتهد ِلذا الباب الدَّقيق من العلم -ابب العُموم واخلُصوص.- وُيكمه ضبط الفقيه أو األصويل أو امل ِّ
ُ
جمل واملُ ّبّي والظَّاهر واملُؤول املُ َ
مر بنا يف الورقات األمر اآلن ،ينتقل -رمحه هللا -إىل نوع آخ ٍر من دَّلَّلت األلفاظ ،إىل اآلن ِّ
الذي َّ
لت لكم :هذان ابابن كبريان من أبواب دَّلَّلت األلفاظ،
والنَّهي والعُموم واخلُصوص ،وقد سبق أ ْن قُ ُ
كل َم ْن يدخل علم األصول ويتعلَّم دَّلَّلت األلفاظ ،يعن كيف يتعامل مع النَّص يف القرآن ،مع ُّ
103
اليت هتمه؟ قواعد السنَّة ،كيف يقرأ اآلية؟ كيف يقرأ احلديث؟ كيف يفهم أكُب القواعد ِّ النَّص يف ُّ
األمر والنَّهي والعام واخلاص ،لكن هذا ليس هو كل ٍ
شيء. َّ
جمل واملبني والظَّاهر هتمك ،هي ما اصطلحوا على تسميته ابمل هناك أنواعٌ أخرى من الدََّّلَّلت َ
ُِّ َ ُ واملؤول ،ما هذا؟ هو ِّ
سيعرض له اآلن -رمحه هللا ،-يذكر تعريفه ويضرب مثاله ،نعم. الذي ِّ
ِّ ُ
جمل ما افتقر إىل البيان ،والبيان إخراج الشَّيء من َحيز اِلشكال إىل َحيز التَّجلي. واملُ َ
آخر للنُّصوص الشَّرعية أو لأللفاظ ،ابعتبار وضوح تقسيم ٌ
ٌ هذان ُمصطلَحان ُمتقابالن قسيمان ،هذا
الشريعة -اآلن
نص يف َّ أنت ملا تقف أمام النَّص ،ملا تقف أمام أي ٍ دَّللته على احلُكم وعدم وضوحه،
َّ َ َّ
وخاص من حيث التَّناول ،التَّقسيم إىل أم ٍر وهن ٍي من حيث التَّكليف.ٍ َّل ُتلط ،-تقسيم إىل ٍ
عام ٌ
ٍ
حديث.- أمامك ٍ -
آية أو َ اآلن دع األمر والنَّهي ودع العام واخلاصُ ،خذ أي ٍ
نص وضعه
تنقسم يف الوضوح واخلَفاء إىل يشتمل على حك ٍم ،على معىن ،دَّللة اللَّفظ على املعىن ِّ نص ِّكل ٍ ُّ
ً ُ
دد َّل ُيتلِّط بغريه ،فهذا يف أقوى اضح ُحم ٍ
عىن و ٍ ٍ
درجات ،وتقسيمها كالتَّايلَّ :إما أ ْن يدل اللَّفظ على م ً
درجات الوضوح -ركِّز اآلن من األعلى إىل األدىن.-
َّ
الدرجة األوىل (النَّص):
ٍ
تفاوت يف اِلفهام فيه ،النُّصوص اليت فيها أعداد: اضح َّل إشكال فيه وَّل معىن و ٍ أ ْن يدل اللَّفظ على ً
اَّللِّ اثْ نَا َع َش َر َش ْه ًرا﴾ .هل ُيتلف اثنان يف فهم النَّص هذا؟ وأنَّه اَّلثنا عشر ور عِّ َ
ند َّ ِّ
﴿إِّ َّن ع َّدةَ الش ُ
ُّه ِّ
وجد ،هذا التَّحديد العدد. ِّ
شهرا هذه ُُمكن تكون إحدى عشر ونصف؟ ُُمكن تكون عشرة؟ َّل يُ َ ً
صيَامُ ثَ َالثَِّة أ ََّايٍم ِّيف ا ْحلَ ِّج َو َسبْ َع ٍة إِّذَا َر َج ْعتُ ْم﴾
مثال يف هدي التَّمتُع﴿ :فَمن ََّل َِّجي ْد فَ ِّ
َ ْ َ قوله تعاىل ً
كالسبعة -يعن ثالثة زائد أربعة -لكن ملَّا قال﴿ :تِّلْ َ أن الثَّالثة داخلةٌ يف َّ ُُم ِّكن كان يفهم إنسان َّ
يوما جيب على َمن َلْ جيد َهدي متاماَّ ،ل ُيتلف فيه اثنان َّ ِّ
أن كم ً اضح ً
َع َش َرةٌ َكاملَةٌ ﴾ انتهى ،هذا و ٌ
التَّمتُع؟ عشرة هذا َّل ِّخالف فيه.
هذا النُّوع من الدََّّلَّلت هو أوضح الدََّّلَّلت وأقواها ،وأييت يف الدَّرجة األوىل النَّص الواضح الذي َّل
سمى النَّص دَّللة النَّص ،وهذا أقوى احد يُ َّ تفاوت يف فهمه ،وَّل يدل َّإَّل على معىن و ٍ ٍ إشكال فيه وَّل
ً
الدََّّلَّلت وأوضحها ،وسيأيت اآلن ما فائدة هذا التَّقسيم.
104
الدرجة الثَّانية (الظَّاهر):
َّ
أقل منها يف الوضوح يف املعىن ويف الفهم املتبادر ،لكن النَّص أو اللَّفظ ُيتمل معىن آخرا ٍ
بوجه من ً ً ُ
لكن نسبة اَّلحتمال هذه ضعيفةٌ قليلةٌ ،لكن وجود اَّلحتمال ولو احتمالَّ ،
ٌ تطرق
الوجوه ،إ ًذا هنا َّ
ضئيلة جعله أضعف من الدَّرجة األوىلَِّ ،لَ؟ بنسبة ٍٍ
بنسبة ٍ
ضئيلة احتمال ولو ٍ
ٌ ألن الدَّرجة األوىل َّل احتمال فيها واَّلحتمال فيها واح ٌد ،هذه ملا ورد فيها َّ
َّ
سمى هذا (داللة الظَّاهر)؛ ألنَّه ظهر من اللَّفظ هذا املعىن ئية أصبحت الدََّّللة فيها أضعف ،ويُ َّ جز ٍ
ُ
مقطوعا به كالدَّرجة األوىل ُِّسي ابلظَّاهر.
ً وتبادر منه ،لكن ملا َلْ ي ُكن
َ
َّ
إ ًذا ،األول ما هو؟ دَّللة النَّص واضح الدََّّللة ،الثَّاين ما هو؟ الظَّاهر.
105
جمل ،ويقع بينهما الظَّاهر
الرتتيب حبَسب الوضوح واخلَفاء؛ فأوضح الدََّّلَّلت النَّص ،وأخفاها املُ َ
هذا َّ
واملؤول ،الظَّاهر أقرب إىل الوضوح ،واملؤول أقرب إىل اخلَفاء ،هذه أربع مر ٍ
اتب.
ُ ُ
• اخلالصة:
اليت فيها أحكام ُمي ِّكن أ ْن تُ ِّ
وزعها على هذه املراتبَّ ،إما أ ْن كل النُّصوص الشَّرعية -بال استثناءِّ - ُّ
وإما أ ْن
تفاوت يف اِلفهام فهذه مرتبة النَّصَّ ، ٍ تكون واضح ًة غاية الوضوح َّل لَبس وَّل إشكال وَّل
بعيدا -فإذا أخذت ابملعىن امل ِّ
تبادر احتماَّل ًً احتمال -وإ ْن كان
ٌ يتطرق إليها
تكون أقل منها درج ًة َّ
ُ َ
كت هذا املعىن الظَّاهر إىل املعىن املرجوح -إىل املعىن البعيد- املعىن الظَّاهر -فهذا الظَّاهر ،إذا تر َ
وصلت إىل
َ انتقلت إىل املعىن اآلخر -فهو املؤول ،إذاَ لت و
َ أنت َّأو
َ احتجت أ ْن تستند فيه إىل ٍ
دليل - َ و
ٍ ُ ٍ
درجة من الدََّّلَّلت َّل ِّ
ٍ بدليل آخ ٍرَ ،
فأنت عندئذ أمام ُجم َمل. لك فيها املعىن َّإَّل ابستعانتك ٍ يتضح َ
ؤول ُجم َم ٌل.
ظاهر ُم ٌ
نص ٌ هذه املراتب األربعة ،سيأيت التَّمثيل عليها إ ًذاٌ ،
الرتتيب من القوة إىل الضَّعف
106
اللَّفظ ُحمتمل ،هو يعن لُغ ًة يُفيد هذا املعىن ويُفيد ذلك املعىن ،يف ال ُقرء لُغة العرب هو احليض،
للفظ على معىن ليس أبوىل من محله على املعىنومحلك ٍَ أيضا هو الطُّهر،
وال ُقرء يف لُغة العرب ً
َّلحظ اللَّفظ احتمل معنيني ،هل هو أرجح يف أحدُها من اآلخر؟ ُها اآلخر ،ما هذا إ ًذا؟ ِّ
لت :ثالثة قروء معناها ثالثة مذهبك حنفيًا وحنبليًا وقُ َ َ ُمتساواين ،إ ًذا هو ُجم َم ٌل ،وعندئذ ملا يكون
َّ
أنت أم ُهم؟ َّل
حيض ،وكان اآلخر شافعيًا ومالكيًا قالَّ :ل ،هي ثالثة أطهار ،أيهما أوىل ابلدَّليل؟ َ
أنت وَّل ُهم.
َ
ِّ
لك أنَّه احليض ،تقولَّ :ل بل إ ًذاَّ ،ل يصلُح ملَّا أختلف وإايك يف مسألة العدة يف املرأة املطلَّقة ،وأقول َ
وء﴾ هنا َّل فأستدل عليك بقوله تعاىل﴿ :والْمطَلَّ َقات ُ يرتبَّصن ِّأبَن ُف ِّس ِّه َّن ثَ َالثَةَ قُر ٍ ِّ هو الطُّهر،
ُ ُ ََ َ ْ َ َ ُ َ
دليل آخ ٍر.
أستدل به أان ،إ ًذا ماذا سنفعل؟ سنحتاج إىل ٍ تستدل به أنتِّ ،
ينفعك الدَّليل؛ ألنَّه كما ِّ
َ َ
دليل آخ ٍر ،مفهوم؟ هذا هو اِلمجال ،اِلمجال الذي يفتقر إىل البيان احتاج إىل ٍ
• مثال:
الصالةالصالة ُجم َم ٌل؟ كيفية َّ
الص َالةَ﴾ أين اِلمجال فيه؟ أين اِلمجال فيه؟ َّ
يموا َّ ِّ
آخرَ ﴿ :وأَق ُ مثال ٌ هذا ٌ
اليت أمر هللا هبا؟ دليل آخ ٍر؟ ما َّ
الصالة ِّ وصفتها ،هل هذا النَّص تناوِلا؟ َّل ،إ ًذا حتتاج أ ْن تبحث عن ٍ ِّ
نصوص أخرى. ٍ فتجدها ُمبيَّن ًة يف
الزَكاةَ﴾ كم املِّقدار الواجب؟ ما املطلوب؟ ما الشُّروط؟ النَّص هذا ما تناوِلا. ﴿ َوآتُوا َّ
أحياان يكون ٍ فهذه أمثلةٌ لإلمجالِّ ،
أحياان يكون يف املعىن مثل﴿ :ثَ َالثَةَ قُ ُروء﴾ ،و ً
َّلحظ مع اِلمجال ً
أحياان يكون يف املقدار﴿ :آتُوا َّ
الزَكاةَ﴾ وَّل الص َالةَ﴾ وَّل تدري كيف هي ،و ً يموا َّ الصفة﴿ :أَقِّ يف ِّ
ُ
تدري كم هو.
إذًا ،اِلمجال ًّأاي كان ِّ
أنت أمام ٍ
نص ُجم َم ٍل جيعلك تستطيع أ ْن تعمل ابللَّفظ وتُطبِّقه ،إذًا َ
َ موضعه مبا َّل
دليل آخ ٍر ،وِلذا قال" :املُ َ
جمل ما يفتقر إىل البيان". وحتتاج إىل ٍ
الشيء من حيِز اإلشكال إىل حيِز التَّجلِّي" عندما تنجح يف أ ْن تستعني ٍ
بلفظ قال" :والبيا ُن إخراج َّ
ُ ّ ّ
يموا ِّ بنص آخ ٍر -ي ِّ ٍ -
وجدت البَيانَ ﴿،وأَق ُ
َ أنت
منك اِلمجال ،إذًا َ لك اِلشكال ،ويرفع َ وضح َ ُ
107
ُصلِّي" 2هذا "صلُّوا كما َرأَيْ تُ ُم ِّوين أ َ وجدت صالته ﷺ يرويها أصحابهُ وهو يقولَ : َ ٱلصلَ َٰوةَ﴾ُ 1مثَّ َّ
ۡ
ك ٱلذِّك َر ي الذي وضَّح ِّصفة الصالة نعتُبه بياان ،بيانه ﷺ؛ الذي قال هللا عنه﴿ :وأَنزۡلن ۤا إِّلَ ۡ النَّص ِّ
َ ََ ُ ً َّ
بياان ،بيانُه كان ُيصل ابل َقول ،وُيصل ِّ ۡ ۡ 3 ني لِّلن ِّ ِّ
ابلفعل؛ ُ ُ َّاس َما نُ ِّزَل إِّلَي ِّهم﴾ ،فكانت ُسنَّته ﷺ ً لتُ بَ ِّ َ
معك ِّمن ال ُقر ِّ ت إىل َّ ِّ ِّ
آنُ ،مثَّ ْارَك ْع الصالة فَ َكُبْ ُ ،مثَّ اقْ َرأْ ما تَيَ َّس َر َ َ ْ مثال يقول" :إذا قُ ْم َ ابل َقول أنَّه ً
الصالة ،ماذا صنع ﷺ؟ للرجل ِّصفة َّ حىت تَطْ َمئِّ َّن راكِّ ًعاُ ،مثَّ ْارفَ ْع حىت تَ ْع ِّد َل قائِّ ًما "...وشرح َّ
4
• مثال آخر:
فأي
الفساد؛ ُّ يل" ،وهذا النَّهي كما تقدَّم يف ٍ ٍ ٍ بو كاح َّ
إال يعن قال اجلمهور" :ال نِ
درس سابق يقتضي َ ُ ّ َ َ ُ
ابطل. ويل حاض ٍر يف العقد فهو ٌ
نكاح ٌ نكاح وقع بال ٍ ٍ
كاح يُراد به النِّكاح الكامل، ِّ ِّ
أتويل يف هذا احلديث ،فقالواَّ :ل ن َ ويل ،وِلم ٌ كاح بال ٍ ِّ ِّ
يُصحح احلنفيَّةُ الن َ
انقصا ،هذا نوعٌ من التَّأويل يف الدََّّللة. لكنَّه لو وقع بغريه َّ ِّ
صح النكاح وإ ْن كان ً
كاحها ابطلٌ"َّ ،3أوَل احلنفيَّة لف َظ امر ٍأة يف ِّ "أميا امرأةٍ نَ َكحت ِّ ِّ
بغري إذن َمواليها ،فن ُ َ أتيت لآلخرُّ :
النَّص ،قالوا :املقصود به األ ََمة فقط هي الَّيت َّل تنكح نفسها َّإَّل إبذن سيِّدهاَّ ،أما احلَُّرة فلَها ذلك،
ِّ ٍ ِّ َ
ظاهر أو بعي ٌد؟ إذا ُمحل اللَّفظ فحملوه على معىن األ ََمة ،هذا املعىن ٌ ماذا صنعوا؟ جاءُوا للفظ امرأة َ
فصار ٍ
أتويال ،إذًا هم َّأولوا لفظ أميا امرأة نكحت نفسها ومحَلوه على املعىن البعيد َ سمى؟ ً عليه ماذا يُ َّ
أحد
قهي ،واستند ُ جتد مسأل ًة فيها ِّخ ٌ ِّ
الف ف ٌّ لن َ أتويال ،هذا الباب كبريٌ جدًّا بني الفقهاء ،و ْ هذا ً
الرسول ﷺ
أفعال َّ
وجه ال ُقربة والطَّاعة أو غري ذلك ،فإ ْن َّ
دل الشريعة ال خيلو َّإما أ ْن يكون على ِ عل صاحب َّ ِ
"ف ُ
ألن هللا تعاىل يقول: خيتص به؛ َّ
يدل ال ُّ دليل على االختصاص به ُُي َمل على االختصاص ،وإ ْن مل ّ ٌ
ۡ
ٱَّللِّ أ ُۡس َوةٌ َح َسنَة﴾"1
ول َّ ﴿لَّ َقد َكا َن لَ ُك ۡم فِّی رس ِّ
َُ
أيضا -من فهم النُّصوص والدََّّلَّلت يف األلفاظ ،إ ًذا الرسول ﷺ ،وهو نوعٌ ً - ابب جدي ٌد :أفعال َّ هذا ٌ
ظاهر ُمؤوٌل -كل تلك بني ٌ
خاص ُمطلَ ٌق ُمقيَّ ٌد ُجم َم ٌل ُم ٌ هني عامٌّ ٌّ أمر ٌفهما لألقوال ٌ - ُكل الَّذي كان ً
تقسيمات لأللفاظ ،لألقوال. ٌ التَّقسيمات هي
ومن رواها أفعال ،األفعال هذه َمن نقلَها َ بل هو ٌ السنَّة ،ليس أقو ًاَّلْ ، آخر يف ُّ ماشي ،لكن عندان نوعٌ ٌ
النب ِّ ظ ِّم ً
عل كان ُّ قول -فيه ف ٌ حديث -ليس فيه ٌ ٌ ثاَّل لذلك؟ الصحابة -رضي هللا عنهم ،-هل حتف ُ ُهم َّ
رسول هللاِّ ﷺ سها يف َّ ِّ ﷺ "إذا مشى تَ َّ
النب ﷺ إذا الصالة فسجد" " ،كا َن ُّ ُّؤا"" ،2أن َ كفأَ تَكف ً
3
الشريعة ال خيلو َّإما أ ْن يكون على وجه ال ُقربة والطَّاعة" هذا النَّوع َّ
األول قال" :فِعل صاحب َّ
صورتني: ِّ
الذي سينقس ُم إىل ُ
الصيام ،معىن دل دليل على االختصاص به ُُيمل على االختصاص" مثل ِّوصاله ﷺ يف ِّ "فإ ْن َّ
َ ٌ
ك تُو ِّ الصيامَّ" ،ل تُو ِّ
الوصال :مواصلة اللَّيل ابلنَّهار يف ِّ
تقالِّ :إين لَ ْس ُ
اصلَُ ، اصلُوا ،قالوا :إن َ ُ َ ِّ
يدل على اَّلختصاص، يت يُطْعِّ ُم ِّن َرِّيب ويَ ْس ِّق ِّين" ،1ماذا وجدان اآلن؟ وجدان ً
دليال ُّ ِّ
مثْ لَ ُك ْمِّ ،إين أبِّ ُ
ِّ ِّ
لن نقتدي به يف هذا ألنَّنادليال ُيكي أنَّه كان يُواصل الصيامْ ،
َّب ﷺ ،وجدان ً فلو قال را ٍو :و َ
اص َل الن ُّ
خاصا به ﷺ. دليال ًّ وجدان ً
لغريه ،-هذا اجلواب خاص به ﷺ -يعن جيوز له وَّل جيوز ِّ الدَّليل عند بعض ال ُفقهاء اخلُصوصيَّة ،هذا ٌّ
أي ُحك ٍم يف عتُب جو ًااب ضعي ًفا؛ ألنَّه ما فيه دليل على اخلُصوصيَّة ،إ ًذا هذا املسلَك ملا أييت فقيهٌ إىل ِّ َ ي
ُ
َّ َ
هاهنا ملا مث
َُّ ا.فً ضعي اكً مسل كان َّ
وإَّل دليال
ً ُيمل الدَّليل على اخلُصوصيَّة ُيتاج وُياول أ ْن ِّ نصُ ، أي ٍ ِّ
َّ ُ
يدل على سأستبعده وأعتُب غريه ِّمن اِلجاابت أقوى؛ ألنَّه ما يف دليل ُّ ُ أقرأ مثل هذا اجلواب
ُ َ
اخلُصوصيَّة.
كذلك بعض أفعال احلَج ،ملا يُن َقل فِّعله ﷺ يف بعض األعمال يف احلَج ،ويُن َقل أنَّه فَ َعلَّ ،
فإن هذا َّل
َّ
يدل على اخلُصوصية َّإَّل ٍ
بدليل.
تص به َّ
ألن يدل ال خي ُّ دليل على االختصاص به ُُي َمل على االختصاص ،وإ ْن مل ّ دل ٌ قال" :فإ ْن ّ
ٱَّللِّ أ ُۡس َوةٌ َح َسنَة﴾."3
ول َّهللا ﷻقال﴿ :لَّ َق ۡد َكا َن لَ ُك ۡم فِّی رس ِّ
َُ
خيتص به ﷺ ،وهو على وجه ال ُقربَة والعادة:
• األفعال الذي ال ّ
قبل أ ْن ننتقل اآلن إىل ِّ
القسم الثَّاين الذي َّل ُُي َمل على ال ُقربة ،سنتكلَّم ً
قليال عن هذا النُّوع من
لألمةُُ ،متاز.
يع َّاألفعال الذي َّل ُيتص به ﷺ ،وهو على وجه ال ُقربَة والعادة ،قُلنا ما ُحكمه؟ تشر ٌ
115
لن
اِلمام اجلَُوين -رمحه هللا -أورد رؤوس األقوال يف املسألة ،وعلى طريقتنا يف شرح املُختصراتْ :
ألن هذا سيُخرجنا عن القصد فيه -نعم.- نستطرد يف ِّذكر أدلتها و َّ
الرتجيح بينها؛ َّ ِّ لن
نُفيض ،و ْ
على ٍ
وجه غري ال ُقربة والطَّاعة
116
• مسائل مهمة:
117
عادات؟
ٌ عبادات أو
ٌ فاخلِّالف هنا ليس يف القاعدة ،اخلِّالف يف ماذا؟ يف تصنيف األفعال :هل هي
عادات نزلتها على النُّوع الثَّاين.
ٌ لت َّأهنا لت َّأهنا ع ٌ
بادات نزلتها على النُّوع األول ،وإذا قُ َ فإذا قُ َ
118
أيت إىل ِّ انفع -كما ذكره َّ
الذهب يف السري -يقول" :لو ر َ ابن عُمر -رضي هللا عنهما -يقول موَّله ٌ
انفع. ِّ ٍ
لقلت :هذا جمنو ٌن" ،هكذا يقول موَّله ٌ لسنَن رسول هللا ﷺ واتباعهَ ، ابن عُمر يف تتبعه ُ
ٍ
هيئات، تقول هذا جمنو ٌن يف ِّشدَّة حتريه واتباعه! إذن ،هو كان يتجاوز سنَن العبادات إىل ٍ
أفعال ،إىل ُ
ٍ
أوصاف. إىل
على هذا يتنزل فِّعل أمحد -رمحه هللا ،-ملا اشرتى جاريةً وسَّاها رُيانة ،يقول :وليس له حاجةٌ إىل
َّ
التَّسريَّ ،إّنا أ ْن يتشبه ،أ ْن تكون عنده جاريةٌ واسها على اسم جارية رسول هللا ﷺ ،فإذا انداها قال:
اي رُيانة.
يوما يُشبه فيه النَّب ﷺ! ُُيب أ ْن يكون يف حياته ولو ً
آخر بعي ٌد اي إخوة! كبريٌ أكُب من مسألتنا اليت نتكلَّمسمى رُيانة ،هذا مبلَ ٌغ ٌ أ ْن يُنادي جاري ًة ميلكها تُ َّ
السلَف.
ك بعي ٌد ارتقى إليه سادات َّ اجب ،هذا َمسلَ ٌباح أو ُسنَّةٌ أو و ٌعنهاُ ،م ٌ
ديناراِّ ،فقيل له :هذا كثريٌ اي
أيضا -رمحه هللا -ملَّا احتجم ذات يوم ،فأعطى احلجام ً هو اِلمام أمحد ً
أاب عبد هللا ،قالُ " :روينا عن رسول هللا ﷺ أنَّه احتجم وأعطى أاب طيبة احلجام ً
دينارا"ُُ ،يب أ ْن
يقتدي -ولو مرًة يف حياته -يف موقِّف من املواقِّف ثبَت عنده :أ ْن يتشبه به برسول هللا ﷺ!
القصة األعجب :ملا اختبأ يف دار تلميذه أيب بكر بن هاين ،يف قصة ال َقول مبحنة اخلَْلق -خبَْلق
َّ
أنتقل إليه .قال :أين تذهب اآلن؟ الطَّلب مكاان آخر ِّ
أايم ،قال :ابغن ً القرآن ،-واختبأ عنده ثالثة ٍ
ك. فعلت أفدتُ َ
يسعك اخلروج -قال :إ ْن َ َ تتابع -يعن َّل
الرصد ُم ٌ شدي ٌد و َّ
الرسول ﷺ تذكرت َّ
أن َّ ُ فلما انتقل إليه قال :الفائدة اي أاب عبد هللا؟ قال: فبحث له عن موض ٍع آخ ٍرَّ ،
فأحببت أ ْن أفعل ِّمثله.
ُ ملا اختبأ يف غار ثور يف اِلجرةَ ،كمن ثالثة ٍ
أايم ُمثَّ انتقل، ََ َّ
الشدَّة والكرب ،أ ْن يُشبه يف فِّعله
هذا املوضع الذي تُفكر فيه تلك العقول ،حىت يف ساعات احلرج و ِّ
ُ
فِّعل النَّب ﷺ!
آخر أشرف من هذا هذه ليست سنَّ ًة على املصطلَح ِّ
ك ٌ الفقهي ابلعبادات ،ليست ُسنَّ ًة ،لكنها مسلَ ٌ
ُ ُ
الذهب وغريه ،قال" :وليس ينبغي أ ْن تُتبَع ُسنَّة رسول وأكُبُ ،مثَّ قال عبارةً رائع ًة -رمحه هللا -نقلها َّ
119
ابلسنَّة وتطبيقها -رمحة
للسلَف يف العناية ُّ
كبريا َّ اباب ِلذا ل أص
َّ و ،"ة َّ
د الرخاء وتُرتك يف ال ِ
ش
ّ هللا ﷺ يف َّ
ً ً َ
هللا عليه.-
120
اإلقرار
الرحيم :اِلقرار.
الرمحن َّ
نعم ،بسم هللا َّ
كفعلِه".
عل ِ الشريعة ،وإقرارهُ على ِ
الف ِ قول صاحب َّ الشريعة عن القول هو ُ ِ
صاحب َّ املنت" :وإقرار
هذه مسألةٌ جديدةٌ هي مسألة اِلقرار ،إقراره ﷺ على القول ينزل منزلة قوله ،وإقراره على ِّ
الفعل يُنزل ُ
قول يقع بني يديه ،أو على ٍ
فعل يقع بني يديه، منزلة فِّعله ،و ُّ
األدق من هذا أ ْن تقول :إقراره ﷺ على ٍ
يدل على املشروعية.
وأمثلة هذا كثريةٌ:
122
الصب يف الفرض دون البلوغ؟ يُستدل فيها حبديث عمرو بن وِلذا مثرةٌ فقهيةٌ لطيفةٌ :هل جيوز إمامة َّ
الرواية الظَّاهرة يف املذهب على اجلَواز
صب صغريٌ ،يستدل احلنابلة على ِّ سلمة ،ملَّا كان يؤم قومه وهو ٌّ
ألن غاية ما فيه َّأهنم
دليال صرُيًا؛ َّ هبذا احلديث ،واجلمهور ِّ
الذين َّل يرو َن اجلَواز يقولون :هذا ليس ً
دليل على ِّع ِّلم النَّب ﷺ هبذه املسألة؟ فهنا يبقى حمل نِّقاش ،وتضعُف دَّللة
فعلوا ،لكن هل هناك ٌ
الراوي يفاِلقرار يف ِّمثل هذا النُّوع من األدلَّة ،ويدل على قول مجهور العلماء -أو يُؤكد قوِلم :-رواية َّ
مرت هبم :-غطُّوا است إمامكم، احلديث أنَّه رَّمبا صلَّى فانكشف شيءٌ من عورته ،فتقول املرأة -وقد َّ
الصالة،ك على أنَّه شيءٌ َلْ يعلَمهُ ﷺ ،إىل احلد الذي يفتقد فيه اِلمام بعض ُشروط ِّصحة َّ فهذا يدل َ
العورة.
وهو سرت َ
جتاوزها املصنِّف -رمحه هللا -ابل َقيد الذي ذكره" :ما فُعِّل يف وقته يف
َ كل ،فاملسألة هذه -يعن- على ٍ
ُ
وعلِّم به" ،فهذا ال َقيد هو حمل اتفاق بني العلماء -نعم.-
ٍ
غري جملسه َ
خ
النَّس ُ
وقيل :معناهُ النّقل من ت َّ قال :نَس َخ ِ
مس الظّ َّل؛ أي أزالتهَُ ، الش ُ وأما النَّسخ معناه اإلزالة ،يُ ُ املنتَّ " :
ِ
الكتاب؛ أي نقلتُه". سخت ما يف هذا قوهلم :نَ ُ
صحيح.
ٌ عرف ابلنَّقل ،وكِّالُها معىن لغويعرف النَّسخ ابِلزالة ،أو يُ َّ هذا التَّعريف اللُّغويَّ ،إما أ ْن يُ َّ
طاب املُتق ِّدم على ٍ
وجه لوالهُ لكان َّابت ابخلِ ِ
كم الث ِ ال على َرف ِع احلُ ِ الد ُاخلطاب َّ وح ُّدهُ هو
ُ املنتَ " :
اثبتاا ،مع تراخيه عنه".
تقدمون األصوليون ،يعن اِلمام اجلوين ،وأبو احلسني هذا من أطول تعريفات النَّسخ ،واشتغل به امل ِّ
ُ
األمدي من بعد. الرازي ،و َ البصريُ ،مثَّ َّ
لك ما قاله" :اخلطاب أحياان قد َّل تكون واضح ًة ،لكن أشرح َ ومج ٌل ً إشكاَّلت ُ
ٌ طويل وفيه
وهو ٌ
تقدم على ٍ
وجه لوَّلهُ لكان اثبتًا ،مع تراخيه عنه". َّال على رفع احلكم الثَّابت ابخلِّطاب امل ِّ الد ُّ
ُ ُ
123
ۡ مثاَّل ،قوله تعاىل﴿ :وٱلَّ ِّذين ي تَ وفَّ ۡو َن ِّمن ُك ۡم وي َذرو َن أ َۡزو َٰ جا و ِّ
صيَّة ِّألَزَو َٰ ِّج ِّهم َّمتََٰ ًعا إِّ َىل َ َ ََ ُ َ َ َُ نضرب ً
ۡ ۡ
ٱحلَ ۡوِّل﴾ ،1كانت عدَّة املر ِّأة سن ًةُ ،مثَّ نُ ِّسخ هذا بقوله تعاىل﴿ :يََرتَبَّ ۡص َن ِّأبَن ُف ِّس ِّه َّن أ َۡربَ َعةَ أَش ُهر
ۡ ۖ
َو َعشرا﴾ هيا ركِّز" :اخلِّطاب الدَّال على رفع احلُكم الثَّابت".
ۡ ۖ ۡ
إذن قوله تعاىل﴿ :يََرتَبَّ ۡص َن ِّأبَن ُف ِّس ِّه َّن أ َۡربَ َعةَ أَش ُهر َو َعشرا﴾ دل على ماذا؟ على رفع احلُكم الثَّابت
ٱحل ۡوِّل غَ ۡري إِّ ۡخراج ﴾ ،على ٍ ِّ ۡ تقدمِّ ،
ابخلِّطاب امل ِّ
وجه لوَّله لكان اثبتًا؛ لو َلْ يَردِّ َ َ ىلَ إ ا ع
ً ََٰت م
َّ ﴿ هو: ي الذ
َ ُ
شرتط يف النَّسخ أ ْن يكون النَّاسخ ذلك الدَّليل الثَّاين لكان األول ،قال":مع تراخيه عنه"؛ يعن يُ َ
ُتصيصا -أحسنت ،-لو كان ً ُمرتاخيًا ،ملاذا؟ طيب لو كان معه يف نفس النَّص ،ماذا يكون؟ يكون
نسخا ،واألسهل من هذا أ ْن يصا ،لكن ملَّا أتخر وجاء بعده فإنَّه يكون ً معه يف نفس النَّص لكان ُتص ً
شرعي ُمرت ٍاخ عنه.
طاب ٍ شرعي ِّخب ٍ طاب ٍ تقول :رفع احلكم الثَّابت ابخلِّ ٍ
ُ ُ
قول املصنِّف يف تعريف النَّسخ :اخلِّطاب الدَّال ،ماذا يقصد ابخلِّطاب؟ النص؛ الدَّليل من الكتاب ُ
ُ
السنَّة.
و ُ
انسخ؟ ركِّز ،اخلِّطاب الدَّال هل هو النَّاسخ ْأم هو تعريف النَّسخ؟ هو نسخ أو ٌ سؤال :هل الدَّليل ٌ
ِّ
أردت أ ْن أذكر تعريف النَّسخ ماذا النَّاسخ ،إذن املُصنف -رمحه هللاَ -ح َّد النَّسخ ابلنَّاسخ ،فلو ُ
َّاسخ ألن اخلِّطاب ليس هو النَّسخ ،هو الن ِّ رفع احلُكم الثَّابت ،حتذف «اخلِّطاب الدَّال»؛ َّ سأقول؟ ُ
الذي حصل به النَّسخ -نعم.-
ور للنَّسخ
صٌ ُ
الرسم ،والنَّسخ إىل بَ َد ٍل ،وإىل غري
خ احلُكم وبقاءُ َّ
الرسم وبقاءُ احلُكم ،ونس ُ
خ َّ املنت" :وجيوز نس ُ
أخف".
بدل ،وإىل ما هو أغلظ ،وإىل ما هو ّ ٍ
ور للنَّسخ:
صٌ مجيل ،هذه ُ
ٌ
ُيتاج إىل اخلروج عن ُمقتَضى الكتاب ،فإ ْن رأيتم -أو أصحاب األسئلة -نتكلَّم معهم ً
فرداي بعد
مسألة م ٍ
شكلة. باشرة يف ِّعبارات الكتاب ،أو شرح ٍ الدَّرس ،لكن سيكون اَّلقتصار على األسئلة امل ِّ
ُ ُ
شرح منت الورقات| |5
لألصويل والفقيه
ّ والرتجيح
أمهيّة ابب التّعارض ّ
واملراد هبذا الباب كما سيتبني معنا من قراءة ما ساق فيه إمام احلرمني -رمحه هللا تعاىل -من مسائل،
املراد هبذا الباب بعد أن بلغ الدارس أو طالب العلم هذه الدرجة وقد مر ابألدلة ومر ابلدَّلَّلت
وعرف أنواعها ومسائلها أييت إىل هذا الباب الذي َّل يستغن عنه فقيهٌ ،والذي َّل تكاد ُتلو منه
مسألة خالفية بني الفقهاء إَّل وهم يتعاملون معها من خالل هذا الباب ،أعن التعامل بني األدلة اليت
كبريا من أسباب اخلالف بني الفقهاء هو يف النظر يبدو يف ظاهرها اَّلختالف أو التعارض ،فإن جزءًا ً
بني األدلة املتفاوتة أو املتجاذبة يف النظر ،فرمبا اختلف الفقهاء يف مسألة ما على قولني أو ٍ
ثالثة وهو
وعندئذ يتعني على من أراد الرتجيح يف املسألة أن جيمع بني كل ٍ قول طرفًا من ٍ
دليل، قد جتد لكل ٍ
تلك األدلة اليت يستدل هبا املختلفون يف املسألة ،فمن قال ابجلواز ومن قال ابلتحرمي ومن قال
ينظر يف أن إَّل اقً ي
ر ط جيد َّل اجح
ٍ ر ٍ
أير ب اخلروج اد
ر أ ومن دليل، منهم ٍ
لكل مسألة و ٍ
احدة ٍ ابلكراهة يف
َ
وعندئذ هو وَّل بد له من النظر يف اجلمع بني ٍ اجحا،
هذه األدلة جمتمع ًة وُياول أن ُيرج منها مبا يراه ر ً
اب وهنا يستقيم النظر ويستقل شيء منها دون نظ ٍر أو جو ٍ هذه األدلة واملواءمة بينها وعدم ترك ٍ
الرتجيح فيما بعد.
منهجا علميًا كيف يصري فيه طالب كثريا ،ولذلك رسوا فيه ً ابب مهم ُيوض فيه الفقهاء ً إذن هذا ٌ
مسألة ويرى األدلة تتفاوت يف ٍ العلم .الناظر يف األدلة والفقيه واجملتهد ملا يكون بصدد احلكم على
الدَّللة على حكمها فانه يتعني عليه أن يُتقن هذا الباب ،هذا الباب أحد األبواب العريقة يف العلم،
اجلليلة اليت َّل ُُيسن صنعتها وَّل ُيكم زمامها إَّل األئمة الكبار احلُ َّذاق الذين مجعوا بني الفقه
128
ميحص ما يتعلق بثبوت األدلة من حيث واحلديث ،بني علوم الرواية والدراية ،بني من استطاع أ ْن ِّ
َ
السند يف صنعة احملدثني وبني ما يتعلق بدَّللة األلفاظ واخلروج ابملعىن الذي يدل عليه كل لفظ ،وهي
يب من هذا أو هو جزءٌ منه -اجلمع ِّ
صنعة األصوليني .وِلذا فإن خمتلف احلديث أحد أنواعه -وهو قر ٌ
ابب كبريٌ َّل يقوى
بني األحاديث اليت يبدو يف ظاهرها التخالف أو التعارض أو عدم اَّلتفاق ،هو ٌ
عليه إَّل األئمة الغواصون يف علمي احلديث والفقه كما صرح بذلك غري ٍ
إمام.
وهم التّعارض
1
[النساء]٨2 :
2
[هود]1 :
129
1
اِل ْس َال َم ِّدينًا ﴾
يت لَ ُكم ِّْ
ُ ُ
ُمتنًّا لألمة ﴿..الْي وم أَ ْكملْت لَ ُكم ِّدينَ ُكم وأ َْمتَمت علَي ُكم نِّعم ِّيت ور ِّ
ض ْ َ ْ ُ َ ْ ْ ْ َ ََ ََْ َ ُ ْ
انقصا أو معيبًا أو خمتل ًفا؛ إّنا تكون املنة ومتامها بكمال النعمة حمال أن يكون ً فما امنت هللا تعاىل به ٌ
وإحكامها وإتياهنا على أكمل الوجوه ،وكذلك هي نعم الباري سبحانه وتعاىل .هذا مدخل مهم
جازم أن أي اختالف يبدو لك بني ٍ
ويقني ٌ صادق ٌ ٌ شعور
وعندئذ ستنطلق يف هذا الباب وملئُك ٌ
دليلني فالسبب فيه هو قصور فهمك اي ابن آدم وعجز آلتك وضعفك أمام النصوص الشرعية
صحيح ٍ
وابب ٍ ٍ
مسلك فعندئذ تستنفر اِلمة للبحث عن ٍ املعجزة اليت أكمل هللا تعاىل هبا الدينِّ احملكمة
سديد ُيرجك من هذا اِلشكال لتتبوأ املنهج العلمي الصحيح. ٍ
خاصا ،أو
عاما واآلخر اخاص ّْي ،أو أحدمها ًّ
عام ّْي ،أو َّ
"إذا تعارض نطقان فال خيلو :إما أن يكوان َّ
وخاصا من وجه"
ًّ عاما من ٍ
وجه كل ٍ
واحد منهما ًّ ّ
فصل يف التعارض .مث قال "إذا
ابتدأ إمام احلرمني رمحه هللا تصدير هذا الفصل املهم هبذا التقسيمٌ :
تعارض نطقان" ها هنا نقطتان مهمتان يف هذه اجلملة قرأهتا اآلن من سطرين:
• األوىل قوله" :إذا تعارض نطقان" نطقان :مثىن نطق .ماذا يقصد ابلنطق؟ قول الراوي؟ أي النص
من النصوص؟ القرآن والسنة.
يريد به الدليل الشرعي َ
وحديث؛ ألن األدلة من حيث هي
ٌ "إذا تعارض نطقان" يعن إذا تعارضت آيتان أو حديثان أو آيةٌ
دليال عقليًّا ،فالعقلي مثل القياس ،مثلدليال نقليًّا أو ً
دليل يستعمله الفقيه إما أن يكون ً ٌ
اَّلستصحاب يف بعض صوره هذه أدلةٌ عقليةٌ .واألدلة النقلية هي الكتاب والسنة ،واِلمجاع يدخل
أيضا يف النقل ألنه يُ َروى ويُن َقل ،فالنقلية يف الكتاب والسنة ساها إمام احلرمني هو نطقية ،قال "إذا
كتاب وسنة ،إما آيتان ،أو حديثان ،أو آيةٌ
تعارض نطقان" أي دليالن منطوقان ،أي دليالن نقليانٌ :
جدا من إمام احلرمني -رمحه هللا -يبني لك أن ما سيتكلم عنه هومدخل جي ٌد ً
ٌ وحديث .هذه اجلملة
ٌ
علمي يسلكه العلماء عند تعارض الدليلني الشرعيني :الكتاب والسنة ،عند منهج ٌّ اب أو هو ٌ جو ٌ
ِّ
تعارض الدليلني النقليني ،عند تعارض النصني هذا أسهل وأخصر ،عند تعارض النصني الشرعينيَ ،لَ
1
[المائدة]٣ :
130
هذا؟ ألن هناك من األدلة الشرعية ما ليس ٍ
بنص ،وهو -رمحه هللاَّ -ل يتكلم عن هذا اآلن؛ ألن
تعارض األدلة إذا جئتها مبفهومها الواسع ستنقسم معك إىل ثالث صوٍر:
• النوع الثاين :تعارض األدلة فيما بينها ،تعارض النصوص الشرعية فيما بينها أو تعارضها فيما
بينها وبني القياس.
هذا هو املبثوث يف الكتب اليت تكلمت عن اجلمع بني األدلة املختلفة مثل) :خمتلف احلديث لإلمام
الشافعي( -رمحه هللا -ومنها أ ُُّم هذه الكتب وأكُبها شرح مشكل اآلاثر لإلمام الطحاوي -رمحه
خمتصرا( :شرح مشكل
ً هللا -صاحب العقيدة الطحاوية فإنه ألف كتابه اجلامع الكبري الفذ الذي ُِّسي
اآلاثر( ،وأراد به -رمحه هللا -أن جيمع أكثر ما يقف عليه من هذا اِلشكال فاشتمل كتابه على
تعارض النصوص الشرعية فيما بينها ،وتعارض النصوص الشرعية مع العقل ،وتعارض النصوص
ٍ
خالف يبدو بني األدل ٍة أتى به -رمحه هللا -فكان ٍ
إشكال ،أي ٍ
تعارض ،أي الشرعية مع القياس ،أي
إشكاَّل ينقله عن
ً ابب يف كل ٍ
ابب يورد كتابه كبريا جامعا -رمحه هللا ،-اشتمل على أكثر من ألف ٍ
ً ً
131
فيورده -رمحه هللا -ويسوق معهبعض من آاثره أو استشكله هو أو رآه خالفًا بني أهل العلمِّ ،
اجلواب ،فكان الكتاب وَل يزل من أفضل وأمجع ما كتب يف هذا البابَ ،ل ِّ
أيت بعده -رمحه هللا -ما
يفوقه وَّل ما ميكن أن جياريه فوقف العلماء عند صنيع الطحاوي -رمحه هللا -يبقى املشاركة معه يف
اِلجاابت اليت قد يوردها عن بعض اِلشكاَّلت املتضمنة فيها تلك األبواب.
تعارض نطقان
قوله "إذا تعارض نطقان" فهمنا منها إذن أنه يريد به تعارض النصوص الشرعية فيما بينها فقط
تعارض اآلية مع اآلية ،اآلية مع احلديث ،احلديث مع احلديث ،مث قال هذا النوع من التعارض له
بع:
صور أر ٌ
ٌ
" .1إما أن يكوان عام ْني" أي الدليالن املتعارضان أن يكوان عامني.
.2الصورة الثانية :أن يكوان "خاصني".
خاصا".
عاما واآلخر ًّ
.3الصورة الثالثة :أن يكون "أحدُها ًّ
ويسمى العموم واخلصوص
وخصوص"َّ ، عموم ٍ
ٌ .4الصورة الرابعة :أن "يكون يف كل واحد منهما ٌ
الوجهي.
وسيأيت لتفصيل كل صورٍة واملسلك العلمي الذي تنتهجه مع تلك الصورة .نعم.
عامّي فإن أمكن اجلمع بينهما ُمجع وإن مل ميكن اجلمع بينهما يُتوقّف فيهما إن مل يُعلم "فإن كاان ّ
خاصّي"
التّاريخ ،فإن عُلم التّاريخ فيُنسخ املتق ّدم ابملتأ ّخر ،وكذا إذا كاان ّ
كم خطوة ذكر رمحه هللا؟ ذكر ثالث خطوات قال" :فإن كاان عامني فإن أمكن اجلمع بينهما مجع"
هذه اخلطوة األوىل" ،وإن َل ميكن اجلمع بينهما يُتوقف فيهما إن َل يُعلم التاريخ" الثالثة "فإن علم
التاريخ فيُنسخ املتقدم ابملتأخر" هذه خطوات ثالثة.
132
إمجاَّل :صنيع األصوليني والفقهاء يف ابب التعارض
قبل أن نقرأ ونشرح ونضرب األمثلة سنقول ً
ثالثة :اجلمع والرتجيح والنسخ .هذه مسالك كُبى ثالثةٌ هي املخارج منوالرتجيح يدور على أمور ٍ
أي جو ٍ
اب ألي عاٍَل من العلماء إشكال جتده بني نصني متعارضني يف الظاهر أو خمتلفني يف الظاهر ،و ُّ
مجع،
حول هذا اِلشكال والتعارض بني النصوص الشرعية هو يتخرج على أحد هذه املسالك :إما ٌ
نسخ.
ترجيح ،وإما ٌ
ٌ وإما
النسخ:
.1النسخ معروف سأبدأ به لوضوح معناه ،وقد تقدم البارحة النسخ :أن يثبت عندك أن أحد النصني
خروج من اِلشكال وانتهى التعارض،
انسخ لآلخر فهذا ٌ
ٌ
• أمثلة:
هو إَّل
مثال أن يثبت عندك قول النب ﷺ ملا سئل عن الوضوء من مس الذكر قال "وهل َ -يعن ً
أيضا يف احلديث اآلخر ،يفيت ﷺ ابلوضوء من مس منك" ،وملا يقول ً
1
منك أو بضعةٌ َ مضغةٌ َ
دليال على النسخ فثبت وجدت ً
ُ اب ،فهب أنن إشكال ُيتاج إىل جو ٍ
ٌ الذكر ،هذان متعارضان وهذا
اب ُترج به من اِلشكال وابلتايل يزول التعارض. منسوخ ،هذا جو ٌ
ٌ انسخ واآلخر عندي أن هذا ٌ
النب ﷺ :سأل َّ رج ًال َ -تعارض الوضوء من أكل حلم اِلبل مع عدم الوضوء منه ،سئل أنتوضأ؟ أن ُ
اِلبل؟ قال :نَ َعم 2"...مث تثبت عندان حلم ِّتوضأُ ِّمن ِّ توضأُ ِّمن ِّ
حلوم الغَنَ ِّم؟ قالَّ :ل ،قال :أنَ َّ "...أنَ َّ
ِّ
الوضوء، رسول هللاِّ ،تَ ْر َك
ين ِّمن ِّ
األمر ِّ ر روايةٌ صحيحةٌ من حديث جاب ٍر -رضي هللا عنه" -كا َن ِّ
آخ
ُ َ
ت النار 3".فهذا يتعارض ويُشكل عليه احلديث األول .فاجلواب ابلنسخ هو أحد أجوبة أهل مس ِّ ِّ
ُم ا َّ
خروج من اِلشكال .أان اآلن لست بصدد تقرير احلكم الصحيح يف املسألة بعينها ،أان ٌ العلم فهو
اب .أحد املخارج من اِلشكاَّلت هو خمرج النسخ. مثاَّل فهذا جو ٌ
أضرب ً
.2املخرج الثاين هو اجلمع؛ واجلمع معناه :أن أتيت جبواب يتسىن لك فيه إبقاء الدليلني املتعارضني
معىن آخر يزول به اِلشكال وينتفي به
معىن واآلخر على ً
على الدَّللة لكن حتمل أحدُها على ً
التعارض.
• أمثلة:
من أوضح األمثلة على هذا -اليت يضربوهنا عادة يف الكتب -حديث" َّل َع ْدوى وَّل طريةَ وَّل هامةَ
فر 1"...ينفي العدوى ﷺ" َّل عدوى" ،فأنت يتبادر إىل ذهنك نفي العدوى ،النفي احلسي، َّلص َ
و َ
أنه ينفي وجود عدوى وهذا يعن غري مستقي ٍم حىت فطرةً وطبيعة وعقال وما يتعارف به الناس أن
نصا آخر يؤكد إثبات العدوى، عدى ابملريض ،وهكذا .لكن جتد ًّ العدوى موجودةٌ وأن الصحيح قد يُ َ
األو َل...؟" 2فأثبت العدوى."فمن أعدى َّ
ملا ُسئل ﷺ عن اِلبل وقد يصيبها اجلرب فقالَ :
قال هنى ﷺ عن إيراد املريض على الصحيح ،الصحيح على املريض حىت َّل تصيبه العدوى إ ًذا كيف
نص؟ فأنت حتمل النفي على معىن نفى العدوى اليت كانت نص وينفيها يف ٍ تفعل؟ يثبت العدوى يف ٍ
فرق بني أن تفسرها أبهناتعتقدها العرب أهنا تؤثر بذاهتا ،وهذا فيه نوعٌ من التعلق بغري هللا ﷻ ،أنت ٌ
سبب مث هي أبمر هللا ﷻ قد تقع وقد َّل تقع ،وبني أن تعتقدها مؤثرة بذاهتا ،فالذي نفاه ﷺ كوهنا ٌ
فر "...فنفى أتثري العدوى بذاهتا لكنه أثبت حقيقة صَ
ذاتية التأثري "َّل َع ْدوى وَّل طريةَ وَّل هامةَ وَّل َ
معىن فهذا يُسمى اجلمع معىن والثاين على ًالوجود ،فانظر كيف حاولت أن تثبت النص األول على ً
معىن يزول به اِلشكال وَّل يتعارض مع النص اآلخر. ٍ
بني النصني مبا ُيمل فيه كل نص على ً
بول وثبوت فعله ﷺ يف استقبال الشام واستدابر مثله متاما هنيه ﷺ عن استقبال القبلة ٍ
بغائط أو ٍ
ً
فجمع بني النصني ،فقيل هذا يف حال البنيان وهذا يف حال الفضاء واخلالء الكعبة عند قضاء حاجته ُ
معىن ،إذن هذا هو املسلك الثاين. ٍ
والصحراء ،هذا نوعٌ من اجلمع بني األدلة حتمل كل نص فيه على ً
الرتجيح:
ّ
دليل عن النسخ ،فأنت تعمد
.3الثالث هو الرتجيح ،ومعناه أَّل يظهر لك وجه مج ٍع وَّل يثبت عندك ٌ
إىل إثبات أن أحدُها أوىل من اآلخر ،كيف؟ قال أبحد وجوه الرتجيح ،ووجوه الرتجيح كثريةٌ
جدا:
ً
• إما أن ترجح من حيث السند
• أو من حيث املنت
• أو من حيث احلكم والدَّللة
• أو يتعلق أبم ٍر خارجي.
جدا ،من انحية السند :أحد احلديثني أصح من اآلخر ،إحدى الروايتني أكثر رواية
الوجوه كثريةٌ ً
جدا هيمباشر عنه ﷺ واآلخر بواسطة ،كثريةٌ ً
انتشارا من األخرى ،أحد الدليلني يثبت فيه نقل ٌ
و ً
مسالك ثالثةٌ.
ٌ وجوه الرتجيح فهي
135
.3فإن َل يثبت النسخ فالرتجيح هو األخري .واحلنفية ُيالفون اجلمهور فيجعلون الرتجيح هو اخلطوة
ٍ
خالف إّنا فقط لتتبني لك املسالك. األوىل قبل اجلمع ،وهذا هو ليس حمل
قال -رمحه هللا -هنا "فإن كاان عا ّمّي فإن أمكن اجلمع بينهما ُمجع" ماذا قدم -رمحه هللا-؟ وهذه
طريقة اجلمهور عدا احلنفية ،اجلمع هو اخلطوة املقدمة ما املقصود ابجلمع؟ كيف يعمل الدليالن؟
معىن َّل يتعارض مع املعىن الذي ُيمل عليه الدليل اآلخر ،ومهما أمكن ٍ
ُيمل كل واحد منهما على ً
حيح معت ٍُب فهو املقدم ،أفضل من أن ترجح ،أفضل من أنَّ ..لحظ معي أان أقول اجلمع ٍ
بوجه ص ٍ
مثاَّل حبديث "َّل عدوى" مع إثباته العدوى
بشرط اِلمكان :أن يكون ُمكنًا ،كيف ُمكن؟ ضربنا ً
ﷺ.
• أمثلة:
ث ْأم ِّ مثال آخر قال" :خري أ َُّميت ال َقر ُن الَّ ِّذين بعِّثْت فيهمُ ،مثَّ الَّ ِّ
أعلَ ُم أذَ َك َر الثال َ
ين يَلُوَهنُ ْم وهللاُ ْ
َ ذ َ ُ ُ ْ َ ُْ ٌ
السمانَةَ ،يَ ْش َه ُدو َن قَ بْ َل أ ْن يُ ْستَ ْش َه ُدوا1"...شر الشهود الذي يديل ف قَ ْومٌ ُُِّي بُّو َن َّقالُ :مثَّ َُيْلُ ُ
َّلَ ،
2
قبل أ ْن يُسأَ َِلا".. ه ت
َ هاد ش
َ ى أد ن م بشهادته دون أن يطلب ،يف احلديث اآلخر "خري الش ِّ
ُّهود
َ َ ُ
كيف أثبت يف أحد احلديثني وصفه ابلشر والثاين وصفه ابخلري واحلديثان صحيحان؟ فأجاب العلماء
حق لصاحب احلق قد يضيع حقه لو عن أن إبداء الشهادة واملبادرة هبا حممودةٌ عندما يتوقف عليها ٌ
َل تتقدم بشهادتك وما طلبها منك أحد ،لكن نصرة لصاحب احلق ابدرت هبا ،هذا هو احملمود .فما
املذموم؟ املذموم هو ما وصفه ﷺ يف وصفه آلخر الزمان "يَ ْش َه ُدو َن وَّل يُ ْستَ ْش َه ُدو َن 3"...يتساهلون
لصديق ونصرًة ٍ اية وَّل إبراء ذم ٍم؛ فزع ًة يف أمر الشهادة فيقدموهنا ويبذلوهنا عن غري عل ٍم وَّل در ٍ
لصاحب ،وَّل يدري ما القضية ،وقفوا عند ابب احملكمة دخل معه وشهد وَّل يدري فيما احلق وملن ٍ
معىن َّل يتعارض مع اآلخر وهبذا نص من النصني على ً احلق هذا هو املذموم .فانظر كيف محلوا كل ٍ
137
أيضا
اب فقدمنا رواية ميمونة ألهنا صاحبة القصة وهي أدرىً ، رواية ابن عباس؛ لكن َّلبد لنا من جو ٍ
وجها آخر من وجوه الرتجيح وهو تعدد الرواية .عندان روايتان أيدها حديث أيب راف ٍع وبذلك وجدان ً
اثلث أن أاب راف ٍع الراوي الذي أيد رواية
ترجيح ٌ
ٌ ميمونة وأبو رافع ويقابلها روايةٌ واحدةٌ َّلبن عباس.
ميمونة كان هو السفري يف عقد النكاح بني رسول هللا ﷺ وبني ميمونة ،إ ًذا كان أدرى وأعلم ويبعد
متاما أن يروي شيئًا يَ ِّه ُم فيه أو ُيطئ فيه أو َّل يدري ما الواقع فيه ،فهذا كله من وجوه الرتجيح.
ً
مثال و ٍ
احد لتعرف أن وجوه الرتجيح متعددة َّل حصر ِلا ،فهي كثرية األحناء. ومجعت لك يف ٍ
قال -رمحه هللا" -وإن مل ميكن اجلمع بينهما يُتوقّف فيهما إن مل يُعلم التّاريخ" طيب ،وإذا علم
منسوخ،
ٌ انسخ وهذا
التاريخ؟ خالص ،هو فتح لك اخلطوة الثالثة وهو ثبوت النسخ ،أن تقول هذا ٌ
نسخا إَّل إذا ِّ
وهذا متوقف على ماذا؟ معرفة التاريخ َلَ؟ ألنه تقدم معك ابألمس أن النسخ َّل يكون ً
متأخرا مرتاخيًا ،فالرتاخي هو التأخر يف الورود الزمن،
كان اخلطاب الذي دل على رفع احلكم األول ً
انسخ لكن طاملا َل يثبت التاريخ ،إذا ما ثبت عندان معرفة املتقدم
زماان فهو ٌ
فإذا ثبت عندك أتخره ً
تساهل َّل دليل
ٌ من املتأخر؟ إذا َل يثبت فال وجه لدعوى النسخ وسيكون دعوى النسخ دعوى فيها
عليها ألنه ميكن خلصمك وخمالفك يف املسألة أن يعكس فيقول َّل ،دليلك هو املنسوخ ودليلي هو
دليل ،فإ ًذا ثبوت الدليل هو الذي يرجح لك .كيف الناسخ ،فلمن احلجة منكما؟ ما َل يقم عندك ٌ
أعرف املتقدم من املتأخر؟ كيف أعرف أن هذا متقدم وهذا متأخر؟ ها؟
يف حديث بُصرة بن صفوان يف الوضوء من مس الذكر مع حديث إثبات الوضوء ،واحد كان يف قصة
144
ومبيح
ٌ قواي َّل صالة بعد العصر َّل صالة بعد الصبح ،ويقول :إذا تعارض حاضر هي ً • أرى الن َ
ف عن الصالة وميتَنِّع حىت حتية املسجد ،يقول النهي عندي أقوى وهي طريقة ِّ
فاحلاضر ُمقد ٌم ،فيَ ُك َّ
لبعض الفقهاء.
• الطريقة الثانية ابلعكس ،سيقول :هذا عموم وهذا عموم ،دعن أنظر أي العمومني أقوى فسآخذ
به ،فينظر ويوازن بني العمومني.
ٍ
استثناءَّ ،ل أكثر من ِّ
ثن منه َ الصبْ ِّح" يف عمومه قد استُ َ ص َالةَ بَ ْع َد ُّ
"َّل َ
فيقول :وجدت أن حديث َ
صالة بعد العصر َّل صالة بعد الصبح ،طيب ماذا لو انم عن الصالة؟ يصلي وَّل ما يصلي؟ يصلي،
صلِّ َها إِّذَا ذَ َك َرَها" ُمستثىن ،ملا تقول
1
طيب فاتته صالة تذكرها قبل يومني نسيها وتذكرها اآلن "فَ لْيُ َ
طاف
أحدا َ بد م ٍ
نافَّ ،ل متنَعوا ً ِّ ِّ ٍ
طاف سبع َة أشواط ابلكعبة وأراد أن يصلي ركعيت الطواف "اي بَن َع َ
ستثن .أنظر كيف استثنيت ركعيت الطواف، ساعة شاءَ ِّمن ٍ
ليل أو َهنا ٍر" تَ ِّ
2 ِّهب ذا ِّ
البيت ،وصلَّى أيَّةَ ٍ
َ
أيضا بعض الصور األخرى مثل أن تقولاستثنيت الصالة الفائتة ،استثنيت الصالة املنسية ،استثنيت ً
َّل صالة بعد الصبح َّل صالة بعد العصر لكنك ِّجئت واستثنيت َسنة الفجر بعد الفجر مع أهنا
قيس بن قهد" :ما ِّ
هااتن الركعتان؟" قال: حديث ٍ ِّ دليل
وقت هن ٍي ما صالها قبل الصالة ،ولك فيها ُ ٌ
أيضا هو ﷺ سنة الظهر بعد "ُها سنة الفجر ما كنت صليتهما قبل الصالة" فأقره ﷺ ،قضى ً
الوفد فانشغل هبم .إ ًذا حىت السنن الرواتب كان يقضيها يف وقت النهي ،فثبَت عندان العصر ملا جاءه ُ
استثناءات منه ِّ
صوخص َ ُ ٌ ص ِّرٌ "..
عموم ما به؟ سبق الع ْ
الصبْ ِّح ...وََّل بَ ْع َد َ ص َالةَ بَ ْع َد ُّ
"َّل َعموم َ
أن َ
كثريا حىت ضعف ،بينما عموم "إذَا ِّ
أكثر من مرة ،يقولون :هذا عموم ُخمََّر ٌق ،يعن َسبَ َق اَّلستثنَاءُ منه ً َ
استثن منه شيءٌ ،بل أتكدت قوتُه حىت يف خطبة عموم قوي ما ِّ دخل أح ُد ُك م املس ِّج َد ،فَالَ َجي لِّ
س" ٌ ْ ْ َ َ َ َ ُ َْ
ِّ اجلمعة وهو ُيطُب ويدخل الرجل (سلَي ٍ
فاين) وجيلس ويقطع اخلطبة ليكلمه "أصلَّ َ
يت ك الغَطَ ِّ ُْ
ني ،وَجتَ َّوْز فِّ ِّ
يه َما" يقول هذا أقوى ،فالعموم ما استثن ِّ ِّ
ركعتني؟" قالَّ" :ل" .قال" :قُ ْم فَ ْارَك ْع َرْك َعتَ ْ َ
اإلمجاع
"وأما اإلمجاع :فهو اتفاق علماء العصر على حكم احلادثة .ونعن ابلعلماء :الفقهاء .ونعن ابحلادثة:
احلادثة الشرعية"
دليل من أدلة الشريعة وهو اِلمجاع ،عرفه -رمحه هللا -فقال" :اتفاق علماء أهل
آخر وهو ٌ ابب ٌ هذا ٌ
العصر على حكم احلادثة" قال" :ونعن ابلعلماء :الفقهاء .ونعن ابحلادثة :احلادثة الشرعية" يعن
اَّلتفاقات اللغوية واَّلتفاقات السياسية إن َل تكن ِلا عالقةٌ أبحكاٍم شرعي ٍة فليست حمل حديثناُّ ،
حمل
ٍ
مسألة ما ِّ
العصر على إمجاعا ملا تكون القضية شرعية واحلكم شرعي ،فإذا اتفق علماءُ
حديثنا يسمى ً
أخذت حكم اِلمجاع فيها فن ٍقل فيها رواية اِلمجاع ،اِلمجاع ِّ
منعق ٌد يف كث ٍري من مسائل الشريعة، ُ َ
اثبت ابلدليل
اِلمجاع على وجوب الصلوات اخلمس ،اِلمجاع على حترمي نكاح األم ،ستقول هذا ٌ
دليال على
أيضا دليل ،أنت ملا جتد ً اثبت ابلنصوص وأيده اِلمجاع واِلمجاع ًابلنصوص ،أقول نعم ٌ
وجوب الصلوات يف القرآن تكتفي أو ميكن تضيف إليها دليل السنة إن وجدت؟ تضيف ،فكذلك
دليل اِلمجاع ليس حتصيل حاصل هو تعضيد ومؤازرة دليال يف اِلمجاع فأضف ،إ ًذا َ إذا وجدت ً
147
روده يف القرآن لكنه حمتمل
استكثار منها مبعىن أن الدليل يف القرآن والسنة قد يكون مع ُو َ
ٌ ابألدلة و
سم اخلِّ ُ
الف. الدَّللة ،فما فائدة اِلمجاع؟ أن ُُي َ
حنن ِّ احدا يف ِّ ٍ
حكم املسألة اليت ُ مسألة ما انتفت الدَّلَّلت وصار القول قوًَّل و ً إذا أمجع العلماء على
ابلنظر فيها .وإمجاع…
حجة دون غريها ،لقوله ﷺَّ" :ل جتتمع أميت على ضاللة"[ 1أخرجه األمة ّ "وإمجاع هذه ّ
األمة"
شرع ورد بعصمة هذه ّ الرتمذي] ،وال ّ
اايت ِّ
ورد بعصمة هذه األمة" حلديثَّ" :ل جتتمع أميت على ضاللة" واحلديث له رو ٌ يقول" :الشرع َ
ِّ
ك﴿وَك ََٰذ ل َ
متعددةٌ فيها كثري من املعاين املشرتكة وهو ثبوت الفضيلة ِلذه األمة يف مثل قوله تعاىلَ :
ٍ
َج َعلْنَا ُك ْم أ َُّم ةً َو َسطًا﴾ 2فالوسطية كما قال ﷺ يف صحيح البخاري" :الوسط اخليار العدل" 3إ ًذا
تعديل من هللا ﷻ وشهادةٌ من هللا ﷻ ومن َقبةٌ وثناءٌ على هذه األمة املحمدية املباركة ،أهنا شهادةُ ٌ هو
ُ ُ وفضلٍ ،
ووسط. عدل ،وخ ٍريٍ ،ٍ
أيضا تزكي ًة َّلتفاقِّهم وثناءً عليه، فهذا اقتضى تعديلهم والث ِّ
ناء ِّ
عليهم فإذا اتفقوا على أم ٍر كا َن ذلك ً
كثريا اي إخوة يف مسائِّل َّل َند ً إليها حنتاج ة
ٌكثري اِلمجاع ل فقال الشرع ورد بعصم ِّة ِلذه األمة مسائٍ
َ
سور ٍ
عددا من اِلشكاَّلت ،يقول أنتم اآلن تقرأون يف مصحف فيه ٌ أاثر املستشرقون ً دليال ،يعن َ فيها ً
مجل من القراءات أُلغيت واجتهد وهناك اس الن سورة إىل ِّ
الفاحتة مرت بَةٌ من ِّ
البقرة إىل سورة الناس من
ٌ
اخلليفة أبو بكر يف مجع املصحف مث اجتهد اخلليفة عثمان بعده يف إلغاء بعض القراءات الصحيحة
الثابتة قراءة ابن مسعود يف آية كفارة صيام اليمني( :فَمن ََّل َِّجي ْد فَ ِّ
صيَ ُام ثََالثَة َّأايٍم ُمتَ تَابِّ َعات) قراءة ابن َ ْ
الس ِّارقَةُ فَاقْطَعُوا أمياهنما) أين هذا اآلن يف املصاحف؟ الس ِّار ُق َو َّ
أيضا وقد رواه ابن جرير ( َو َّ مسعود ً
تقول :غري موجود .ملاذا تركتموه؟ تقول :ألن الصحابة اجتهدوا يف زمن اخلليفة عثمان وكتبوا هذه
املصاحف وقرأوا مبا فيها وتركوا غريها .هل تتجرؤون على أن ترتكوا شيئًا من القرآن من كالم ربكم نزل
[ 1اِلحكام يف أصول األحكام :540/1 :هذا وإن َل يصح لفظه وَّل سنده فمعناه صحيح]
[ 2البقرة]143 :
148
صدرا من خالفة اخللفاء الراشدين؟ تتنازلون عن شيءٍ من دينكم والوحي به الوحي وقرأت به األمة ً
إمجاعا انعقد اِلمجاع زمن الصحابة على هذا ٍ
وشيء كثري من الشبه واألابطيل .اجلواب :أننا وجدان ً
الصنيع فصران إليه ،ما عندك دليل َّل من القرآن وَّل من السنة ،لكن عندك دليل إمجاعي ،قبل هذا
ٍ
متفرقة وَل ُجت َمع ٍ
كتاابت كتابة املصاحف نفسها كانت ُمنوعة وما ُكتبت يف زمن النب ﷺ ،كانت
ب هكذا ،فكيف اجتهد الصحابة يف مجعه وترتيبه ،بل ترتيب السور على هذا النحو: شكل مرت ٍعلى ٍ
البقرة آل عمران النساء املائدة األنعام ،هذا صنيع الصحابة ما دليله؟ وما مشروعيته؟ مث رتب عليه
الفقهاء كراه ًة أن يقدم اِلمام قراء َة سورٍة متأخرًة على سورة متقدمة يف الركعات ،ما هذا؟ من أين
جاءوا به؟ وما الرتتيب الذي صاروا إليه؟ تقول :هذا صنيع الصحابة .وصنيع الصحابة عندكم حجة؟
شيء وصاروا إليه انعقد اِلمجاع، نقول ،بل إمجاع األمة احلجة كانوا هم األمة آنذاك ،فلما اتفقوا على ٍ
فلما انعقد اِلمجاع ارتفع اخلالف ،فلو َجاء يشغب مسلم فيما بعد وقالَّ :ل أان عندي وجهة نظر،
أان َّل أوافق على ما فعله الصحابة وأان أحتفظ على هذا الرأي الذي صاروا إليه ويل وجهة نظ ٍر ٍ
خمتلفة.
سنقول :هذا َّل َّل عُبة به انعقد اِلمجاع انغلق الباب ،فأي أم ٍر انعقد عليه اِلمجاع يف زم ٍن من أزمنة
األمة صار حجة وِلذا قال يف اجلملة األخرية" :واِلمجاع حجة على العصر الثاين ويف أي عصر كان"
ضرب ت
ُ وينتهي، الباب هذا ق خالف أييت بعد وسنغلِّ
ٍ انعقد إمجاع الصحابة َّل يسعنا أن نبحث عن
َ َ ُ
ابعني ،وهذا َُيمي ِّ هنا أمثلة ٍ
إبمجاع الصحابة أو الت َ ِّ فاحنسم هذا
َ املسائل كان فيها خالف لعدد من
أحد املتمرِّدين
أييت كل زم ٍن أحد العقالنيني وَّل ُ هتك و ِّ
العبث وَّل ميكن أن ِّ
ُ
هدم والت ِّ سور الشريعة من الت ِّ
َُ
ِّ ُ وحبجج و ٍ ٍ يعة املتجرئِّني على أحكامها ،في ِّ ِّ
اهية وبكالٍم ُيدعُ به عام َة الن ِّ
اس ٍ بسفسطة فضي ُ على الشر ُ َ
ابِلمجاع .
ِّ شرعي أُغلِّ َق اببُه
ليقدح ِّيف حك ٍم ٍ
َ
ابب ِّخ ٍ
الف ِّيف قضااي انع َقد فتح ِّ ويصري إليه الناس ِّ
لعدم ِّ ِّ
ُ ودليل معتُبٌ
اِلمجاع حجةٌ شرعيةٌ ٌ ِّ ففائدةُ
عليها اَّلتفاق ،نعم.
149
اض العص ِر
مسألة انقر ِ
شرتط انقراض العصر على أي عص ٍر كا َن ،وال يُ َ حجةٌ على العصر الثّاين ،ويف ّ "واإلمجاع ّ
وصار من ِ
أهل ِ
قول من ولد يف حياهتم ،وتف ّقهَ ، الصحيح ،فإن قُلنا :انقراض العصر شرطٌ ،فيُعتَرب ُ ّ
يرجعوا عن ذلك ِ
احلكم" االجتهاد ،فلهم أن ِِ
انعقد اِلمجاع يف
العصر ،ومعناها لو َِّ عصر أو اشرتاط انقر ِّ
اض اض ال ِّ هذه مسألة يسموهنا مسألةُ انقر ِّ
انعقد اِلمجاعُ وَل َند
ات واِلروين واحلشيش و َ حترمي املخدر ِّمسألة ما ،كإمجاعهم على ِّ ٍ األمة على ِّ
حكم
ُ
ِّ
عاملا شرعيًّا يقول جبوازها ،فهل يُشرتط انقراض العصر؟ يعن هب أهنا مسألةٌ حدثت اليوم يف عصران
ِّ ِّ ً
وإمجاع اجلميع أن هذا حر ٌام
ِّ فاق ابت بياانت ا
و أصدر و ة الفقهي اجملامع
ِّ يف او اجتمع و الفقهاء فتنادى هذا،
دليال؟ إذا انقرض
وصدروا فيه البياانت ،السؤال :مىت يصبح هذا اِلمجاع حجة وخنتم عليه ونعتُبه ً
العصر ومات هؤَّلء اجملتهدون فيكون حج ًة ،يعن مىت يسري حجية إمجاعهم؟ هل يُشرتط انقراض
عصر؟
خالف .قال هناَّ :ل يشرتط يف حجيتهم انقراض العصر ،إ ًذا منذ مىت يسري مفعول ٌ ِّ
املسألة يف
ٍ
خالف يف املسألة اِلمجاع؟ منذ انعقاده ،منذ حصول اَّلتفاق قال" :على الصحيح" إذًا هو يشري إىل
مث قال -رمحه هللا" :-فإن قلنا :انقراض العصر شرط" إ ًذا ابلقول الثاين املرجوح أنه َّل يصبح اِلمجاع
حجة حىت ميوت آخر عاٍَل من املوجودين اليوم الذين قالوا هبذا اِلمجاع ،فستجد مسألة ماذا لو نبت
شاب
عاَل جديد يف األمة؟ يعن مات ثالثة أرابع الذين انعقد هبم اِلمجاع وبعدين نبت عاَلٌ جدي ٌد ٌ
مثلكم تفقه؛ طلب العلم ،فتح هللا عليه ،صار من الراسخني أصبح يف عداد اجملتهدين يف األمة،
ستقول :إ ًذا هو من العلماء ،سيدخل يف اِلمجاع ،طب لو دخل؟ ستنتظر وميوت وهو شاب اآلن
وسيطول العمر وابلتايل يدخل اثين واثلث وابلتايل سيقولون :هذا َّل َّل انتهاء له لكن يقولون :ماذا
حكم اِلمجاع هل ينقض اِلمجاع؟ فخالف َ َ لو دخل جمته ٌد جدي ٌد
قال -رمحه هللا" :-فإن قلنا :انقراض العصر شرط ،فيعتُب قول من ُولِّد يف حياهتم ،وتفقه ،وصار من
اض
أهل اَّلجتهاد ،وِلم أن يرجعوا عن ذلك احلكم" َلَ؟ ألن اِلمجاع َل ينعقد ،ألهنم يشرتطون انقر َ
مرجوح ،نعم.
ٌ قول
العصر وهذا ٌ
150
اإلمجاع السكوت
يصح بقوهلم وبفعلهم" يعن سواءً كان اِلمجاع قوليًا أو فعليًا ،إذا فَعل جمموع العلماء ً
أمرا "واإلمجاع ُّ
إمجاع منهم ،يعن ما الدليل على جو ِّاز بيع احلمري يف أسو ِّاقوتعاطوه وتعاملوا به دل ذلك على ٍ
ِِّّ
املسلمني والبِّغال؟ استمر ُار بيعه وشرائه يف أسواق املسلمني ولو َل َند ً
إمجاعا قوليًا حمكيًا عن الفقهاء َ
عملي َّل ُيتاج إىل ٍ
نص يُنقل عنه ِّ
جبواز وحل بيع احلمري والبغال ،لكن استمرار هذا عمليًّا فهو إمجاعٌ ٌّ
فيه اِلمجاع ،نعم.
"وبقول البعض وبفعل البعض وانتشار ذلك وسكوت الباقّي عنهم"
ِّ
املسألة عن ِّ
بعض السكوت وصورته أن يُن َقل ُح ُ
كم هذه صورة أخرية يُصطلح على تسميتها ابإلمجاع ّ
فسر؟ هل هو موافقةٌ أو خمالفةٌ؟ سكوت الباقني مباذا يُ َّ سكت الباقو َن، ِّ
ُ الفقهاء ويَ َ
ِّ
علماء العصر ِّ
املسألة عن ِّ
بعض ور اِلمجاع ومعناه أن يُن َق َل حكم ص ِّ
اِلمجاع السكويت هو آخر ُ
وفقهائِّه ويَس ُكت الباقو َن ،فهل هذا حجة؟ وهل ُُي َمل سكوُهتم على املوافقة؟ فيكون بذلك موافق ًة
خالف بني األصوليني .إمام
ٌ ضمني ًة وإمجاعا ضمنيًّا كذلك ،هذا يسمى ابِلمجاع السكويتِّ ،
فيه ً
احلرمني -رمحه هللا -أشار إىل اَّلحتجاج به ،قال" :وانتشار ذلك -القول أو الفعل -وسكوت الباقني
درجة أقل من اِلمجاع الصريح ويعتُبونه درج ًة عنه" حىت على القول حبجية اِلمجاع السكويت فإنه يف ٍ
مثال مسألة،اثنيةً ،جتد هذا الصنيع -وفقك هللا -يف كالم بعض الفقهاء ملا يذكر ابن قدامة يف املغن ً
ُ
عددا من الصحابة والتابعني مث يقول وَلْ نعلم ِلم فيقول :وجدان هذا القول عن فالن وفالن فيسمي ً
خمال ًفا ،ماذا يقصد بقوله وَّل نعلم ِلم خمال ًفا؟
إمجاعا ،اِلمجاع َّل بد أن يقف فيه على قول اجلميع ض ابِلمجاع ،هو َّل جيرؤ أن يقول ً هو يُعر ُ
السكويت أو يقول أفىت بذلك عمر أو حكم به عمر ِّ وموافقتهم ،لكنه كأنه يقول لك هذا من اِلمجاع
-رضي هللا عنه -مبحضر الصحابة ،ماذا يقصد هبذا؟ ماذا يقصد؟ يقصد أن الصحابة وهم حاضرون
َل ينكروا وَل يعرتضوا على ذلك وَل يرفضوه ،فكأهنم احتجوا به فهو يضمن فعل الصحايب مع موافقة
اجلميع وإقرارهم.
151
الصحاب
قول ّ
سننتقل إىل ٍ
مسألة أخرى ،وهي اَّلحتجاج بقول الصحايب ،نعم.
حجة"
حبجة على غريه على القول اجلديد ،ويف القول القدمي ّ الصحابة ليس ّ"وقول الواحد من ّ
إمام احلرمني -رمحه هللا -مسأل ًة تصنف عند األصوليني من مسائِّل األدلة ٍ
طيب يف سط ٍر واحد َ
أوجز ُ
املختلف فيها .األدلة املتفق عليها :الكتاب والسنة واِلمجاع والقياس ،القياس سيأيت يف درس الغد إن
شاء هللا.
هو اآلن يتكلم عن قول الصحايب ،قول الصحايب من األدلة اليت اختلف فيها األصوليون .قول
الصحايب وشرع من قبلنا واملصاحل املرسلة واَّلستحسان ،هذه قائمة األدلة املختلف فيها ،ومعناها أن
دليال ومنهم من َل يرهُ كذلك. من أهل العلم من رآها ً
قول الصحايب ما املقصود به؟ املقصود به قوله أو فتواه أو مذهبه يف مسألة وركز معي يف القيود ،يف
صال لو كان يف نص ما احتجنا إىل البحث عن قول الصحايبَّ ،ل نص فيها ،أ ً ٍ
مسألة اجتهادية َّل َّ
هي مسائل اجتهادية َّل نص فيها فوجدان فيها فتوى لصحايب قوًَّل للصحايب مع عدم وجود ٍ
خمالف له
من الصحابة ،قول رواية رويناها عن ابن مسعود ،قول ثبت عندان عن جابر ،فتوى رأيناها عن معاذ،
رضي هللا عن اجلميع ،وبعد طول البحث والنظر يف كتب املصنفات واآلاثر ونقل األئِّمة ما وجدان
آخر عن غريه من الصحابة َّل موافق ًة وَّل خمالف ًة ،فعلَى ماذا ُحت َمل رواية هذا الصحايب؟ ركز نقال َ ً
معي ،اجلميع سيقول :هذا ليس نصا شرعيًّا ،هل هو مبنزلة اآلية واحلديث؟ َّل ،ألنه قول ٍ
إنسان ليس ً
درجة َحت ِّمل قول الصحايب هذا؟ َّل ،ما هو إمجاع هو ُ
قول اتفاق ،لكن إىل أي ٍ معصوما هذا حمل ٍ
ً
احد من الصحابة ،هل هو حجة؟ هذا الكالم؟ هنا ينعقد اخلالف هل قول الصحايب املنفرد هذا و ٍ
حجة؟
أصال لو كان يف خمالف انتهينا هذا خالف صحابة وترجح خمالفً ،ٌ َّلحظ معي منفرد وَل يُعلَم له
بينهمَّ .ل ،أان أتكلم عن قضي ٍة ليس فيها إَّل قول هذا الصحايب.
152
منطلقات االحتجاج بقول الصحاب:
األخبار
154
اخلرب املتواتر:
"فاملتواتر :ما يُوجب العلم ،وهو أن يروي مجاعة َّل يقع التواطؤ على الكذب من مثلهم ،إىل أن
خُب عنه ،ويكون يف األصل عن مشاهدة أو ساعَّ ،ل عن اجتهاد" ينتهي إىل امل ِّ
ُ
ط التّوات ِر األساسيّةُ: • شرو ُ
.1كثرةُ ِّ
العدد.
.2استحالةُ تواطؤهم على ِّ
الكذ ِّ
ب.
مسموع أو مرئٍي أو املروي احلس ،وليس اَّلجتهاد ،يعن ينقل عن ٍ مستند ِّ
ٍ شيء ُ اخلُب ِّ ُّ ُ .3أن يكو َن
ذلك.
حمسوس وحنو َ ٍ
َّبوية؟ هذه الشروط يف تطبيقها على هذا تعريف التواتر ،فما مدى انطباقه على الرواية يف الس ِّنة الن ِّ
ُ
ب َعلَ َّي ُمتَ َع ِّم ًدا، ِّ ٍ
"من َك َذ َ
السنة النبوية ستبقى معدود ًة حمصورًة يف عدد من األمثلة ،مثل حديثَ :
رفع اليدين يف الدعاء ،وهي متنوعةٌ أحاديث ِّ
ُ املسح على اخلفني،
أحاديث ِّ
ُ فَ لْيَ تَ بَ َّوأْ َم ْق َع َدهُ ِّمن الن ِّ
َّار" 1
َ
أيضا .واآلحاد… ِّ
وأمثلتُها متعددةٌ ً
اخلرب اآلحاد:
"واآلحاد :هو الذي يوجب العمل ،وَّل ي ِّ
وجب العلم" ُ ُ
يقصد
هذه العبارة ليست على إطالقها يقول -رمحه هللا" :-اآلحاد :يوجب العمل وَّل يوجب العلم" ُ
ِّ
اآلحاد ،هل حن ُكم عليها ابلصحة أم يبلغ درج َة التو ِّ
اتر .سؤال :أحاديث ٍ
حديث َل ُ ِّ
ابآلحاد كل
دائما ،تُطبِّق عليه شروط
دائما وليس ضعي ًفا ًصحيحا ً
ً حسب ،صحيح ،ليس ِّ ابلضعف؟ على
دائما املتواتر. ِّ
مقبول ً
دائما؟ ٌ ضعيف ً
ٌ دائما أو
حيح ًالصحة ،هذا اآلحاد .طيب واملتَوات ُر؟ ص ٌ
ِّ
احلديث؟ اآلحاد .طيِّب اآلحاد، إ ًذا شروط احملدثني يف الصحة والضعف تنطَبِّق على أي ٍ
نوع من
حيح انطبقت ِّ طبِّق عليه الشروط؛ الض ُ
ضعيف .طيب ،الص ُ ٌ كمهُ؟
عيف َل تنطَبق عليه الشروط ،فما ُح ُ
156
أخربين.
شيخ فيقولَ : قرأهُ على ال ّ
للراوي أن يقول ح ّدثِن أو أخربين .وإذا َ
"وإذا قرأ الشيخ جيوز ّ
شيخ من غ ِري قر ٍ
اءة فيقول :أجازين ،أو أخربين إجازاة" وال يقول :ح ّدثِن .وإن أجازه ال ّ
أخُبان؟
مذاهب حىت عند احملدثني ،مىت تقول حدَّثنا؟ ومىت تقول َ ٌ وهي
ويصح َح لهُ ،فإن كا َن الراوي هو يقرأ ِّ يخ
احلديث على الش ِّ فإن كان ساعا أو قراء ًة فالراوي قد يقرأُ ِّ
ً
ب؛ يسم ُع وي ْكتُ ُ
َ ِّ
احلديث والتلمي ُذ َ يص ِّوب؛ يقول :أخُبان .وإن كا َن الشيخ هو ال ِّذي ِّ
يروي وشيخهُ َ
ُ
يقول :حدَّثنا.
َّفر ِّيق؟
ني ِلذا الت ِّ ما مدى قَ ِّ ِّ ِّ
بول احملدث َ
دقيق ِّ ِّ ِّ
تفصيل ٌ ٌ ثني ِلُم فيها
حمل اجتهاد .لغ ًةَّ :ل خالف بني حدثنا وأخُبان ،لكن صنعةُ احملد َ أيضا ُّهو ً
فالن قال:يسوق اِلسناد عن ٍ يد -رمحه هللاُ - وِلم فيها مراتب وبعضهم يتشدَّد فيها كالنَّسائِّي يف أسانِّ ٍ
َ َ َ ُ ٌ َ
الرو ِّ
اية. وصيغة من دقتِّ ِّه رمحه يف ِّ
ألفاظ ِّ ٍ يفر ُق بني ٍ
صيغة اِلسناد إىل آخ ٍر ،فقط ألنه ِّ حدَّثنا مثَّ ِّ
ُيو ُل
َ
ايته ،فيقول :أجازين أو أخُبين إجازةً ،ألهنُم َّل يث ورو ِّ أما اِلجازة ،فباهبا أوسع أن جييزه حبم ِّل احل ِّد ِّ
َ َْ َ
احلديث عليك
ك َّل سعتَهُ يقرأ َ تقول :حدَّثن ،ألن َ جيوز أن َاجمل َازِّة ابِل َج َازِّةَّ ،ل ُ ِّ ِّ
َ جيوُزو َن يف األحاديث َ
تنص على اِلجازة فيها ليكون أبرأ إىل الذ ِّ
مة. أنت قرأته ،لكن ُّ وَّل َ
157
شرح منت الورقات| |6
دارسنا لكتاب (الورقات) ،لورقات إمام احلرمني :أيب لقاؤان األخري بعون هللا وتوفيقه يف تَ ُ هذا هو ُ
ومرْران ِّ
املعايل اجلَُوين -رمحة هللا عليه ،-واللقاءات اخلمس املُتقدمة ابتدأان فيها من َّأول الكتابَ ،
جمل أبوابه على حن ٍو ُمتوس ٍط بني اِلجياز وبني ضرب املِّثال والشَّرِّح والتَّوضيح ،مبا أرجو أ ْن يكون قد مبُ َ
َّق املقصود .ما أ ُِّخذ ساب ًقا
حق َ
الشريعة عم ُد إليها فُقهاء َّي ِّ
اليت ةَّ
ل القياس أحد ِّ
األد القياس ،و ِّئ اللَّيلة بعون هللا وتوفيقه من ابب ِّ نَبتد ُ
َ َ
َّلستِّنبَاط األحكام.
السنَّة وكيفيةاألدلَّة والدََّّلَّلت ،كان حديثًا عن دَّللة القرآن و ُّ السابقة كانت حديثا عن ِّ األبواب َّ
ً
استنباط األحكام منهما ،من ِّخالل قواعد الدََّّلَّلت يف األمر والنَّهي ،يف العام واخلاص ،يف املبَ َّني
ُ وره و ِّ
أحكامهُ ،مثَّ كان احلديث البارحة وص ِّ
جمل ،يف املُطلَق واملُقيَّد ،يف الظَّاهر واملَُؤَّول ،يف النَّسخ ُ
واملُ َ
السنَّة ،وكان هناك ابب مهم أيضا هو ابب :التَّعارض بني ِّ
األدلَّة فيما يبدو يف عن دليلَ ْي اِلمجاع و ُّ
ُ ٌ ُ ٌ ً
نص عليها أهل العلم للخروج من هذا اليت َّ َّاظر يف األدلَّة ،واملسالِّك ِّ
جتهد والفقيه والن ِّ الظَّاهر للم ِّ
ُ
وتتفق.اب تلتئِّم معه األدلَّة ِّ
اِلشكال ،واجلمع بني األدلَّة ،واخلروج جبو ٍ
ُ
ابب ِ
القياس ُ
القياس ،هو أحد األدلَّة ال ُكُبى ِّ
اليت يَ ْع َمد إليها ال ُفقهاء َّلستنباط األحكام، دليل ِّ
احلديث اللَّيلة عن ِّ
ٍ
عندئذ نصا يُسعفه ابلدََّّللة على ُحكم املسألة ِّ
اليت يُريد ،فهو وحمل ِّ
القياس إذا َلْ جيد الفقيه يف النَّازلة ًّ ُّ
اليت يبحث عن ُحكمها لحق املسألة ِّ منصوص عليهُ ،مثَّ يقيس عليه ،أي :ي ِّ ٍ دليل حلُك ٍم
ينظر يف ٍ
ُ
ٍ ٍ
الشريعة ،فيُعطيها احلُكم ذاته ،وهو ما
كما يف َّ مبسألة أخرى شبيهة هبا وِلا تعلُّ ٌق هبا ،وقد وجد ِلا ُح ً
القياس.اصطُلِّح عليه ب ِ
ص َوِّره يعمد ال ُفقهاء إليها ،و ِّ ِّ َّ ِّ
اليت جيتهدون فيها يف حترير ُ َ اليت ة ل األد أحد هو : لت ق
ُ كما ياس الق
القياس ِّ
وحنو حىت يكون صحيحا معتم ًدا ،وإخراج ما َّل يعتمد من أدلَّة ِّ اعه ،وضبط طُرق ِّ
القياس َّ وأنو ِّ
ُ َ ً ُ َ ُ
ذلك.
158
اليت يتفاوت فيها الفقهاء هة أخرىِّ ، الصعبة من ِّج ٍ هة ،و َّ األدلَّة ال ُكُبى من ِّج ٍ
القياس أحد ِّ دليل ِّ
كبريا.
املُجتهدون ،ويتمايزون فيها متايًُزا ً
تناول الفقه ك و ِّعر ،ليس ابليسري ِّ ِّ
كل َمن َ الذي يتعاطَاهُ ُّ إذن :دليل القياس واستعماله مسلَ ٌ َ
ٍ
عسرية، املع ِّاَل واخلُطوات ٍ
َّكئ على ُمجلة من َ
ٍ ِّ ٍ ٍ
واستعمله ،لكنَّه ُيتاج إىل ُد ْربة طويلة ودراية؛ ألنَّه يت ُ
يتمكن من حىت َّ ات جيِّ ٍ
دة َّ الوصول إليها أ ْن يكون قد سلك خطو ٍ ِّ صعبة ،رفيعة املنالُ ،يتاج الفقيه يف ٍ
ُ ِّ َ
استعمال القياس .
ط
القياس" :هو منا ُ وِلذا ،يقول إمام احلرمني اجلوين -رمحه هللا -يف (الُبهان) وهو يتحدَّث عن ِّ
ُ ُ
ِّ
اَّلجتهاد معدودةٌ، اقع الفقه؛ َّ اَّلجتهاد ،ومنه يتشعَّب ِّ
السنَّة حمصورةٌ ،ومو َ ألن نصوص الكتاب و ُّ
والوقائع َّل هناية ِلا".
ألن النُّصوص معدودةٌ ،و َّأما الوقائع فهي ُمتجددةٌ كثريةٌ َّل هم للفقيه؛ َّ م ياس أن استعمال ِّ
الق فهو يُ ِّبني َّ
ُ ٌ
ألن النُّصوص عجزت؛ َّ
َ السنَّة
دليل يف الكتاب و ُّ انز ٍلة عن ٍ ٍ
مسألة ِّ أردت أ ْن تبحث ِّ
لكل هناية ِلا ،فإذا َ
حىت تغطي كل ٍ ِّ
يد البحث عنهاَّ ،ل مسألة ُمَّا تُر ُ تناهية ،وَّل ُمي ِّكن أ ْن تستعملها َّ ُ َ َّ متناهيةٌ والوقائع غري م ٍ
ُ ُ
القياسُ ،مثَّ ِّذكر بعض أنواعه، ئ بتعريف ِّ نص يتناوِلا ابحلُكم ،فهو يبتَ ِّد ُ تبحث ِلا عن ٍ تستطيع أ ْن
َ
وينتقل للحديث عن أركانه ،نعم.
أركان ِ
القياس
ينقسم إىل رد الفرع إىل األصل يف احلكم بِ ِعلَّ ٍة جتمعهما ،وهو ِ القياس فهو ُّ وأما ِ املنتِ ":
القياس َّ :
ُ
ثالثة أقسام ،إىل :قِياس ِعلَّ ٍة ،وقِياس ٍ
داللة ،وقِياس َشبَ ٍه".
رد الفرع إىل األصل بعِّلَّ ٍة ابتدأ -رمحه هللا -بتعريف ِ
اصطالحا تعري ًفا ُم ً
باشرا ،قال" :هو ُّ ا القياس
جتمعهما يف احلكم " ،أو "يف احلكم بعِّلَّ ٍة جتمعهما" َّل فرق ،هذا التَّعريف وغريه من تعر ِّ
يفات ُ ُ
للقياس.األصوليني ُيرصون فيها على أ ْن يتناول التَّعريف األركان األربعة ِّ
اجلامعة بينهما ،وقبل أ ْن أشرح التَّعريف وأتكلَّم عنه ،نتناول ِّم ً
ثاَّل وهي :األصل والفرع واحل ْكم والعِّلَّة ِّ
ُ
وسواه:َّضح به ِّمثل هذا التَّعريف ِّ
يت ِّ
159
شرتط يف بيعها التَّقابُض أصناف ِّربَ ِّويٍَّة -أي يدخلها ِّ ٍ
الراب -ويُ َ جاء يف حديث النَّب ﷺ النَّص على
ب َّ
والتَّماثُل إذا بيعت جبنسها ،أو التَّقابُض فقط إذا بيعت بغري جنسها ،يف حديث عُبادة ":الذ َه ُ
ابلُبِّ ،والشَّعِّريُ ابلشَّعِّ ِّري ،والت َّْم ُر ابلت َّْم ِّر ،والْ ِّملْ ُح ابملِّلْ ِّحِّ ،مثْ ًال مبِّثْ ٍل، ب ،والْ ِّف َّ ِّ ِّ
ضةُ ابلف ضَّة ،والْ ُُبُّ ُ ابلذ َه ِّ
َّ
بسو ٍاء ،يَ ًدا بيَ ٍد"... َسواءً َ
الذهب والفضة ،وأربعة : ة ٍ
أبصناف ِرب ِويٍَّ تسميتها على قهاء ف
ُ ال ح ل
ََط اص ِّ
اليت تة هذه األصناف ِّ
الس
ُ َ َ
الراب أو نص عليها ،فدخول ِّ احلديث َّ َ الراب َّ
ألن الُب والشَّعري والتَّمر وامللح ،هذه يدخلها ِّ َمطْعُومات ُ :
الُب، الراب يف هذه األنواع ِّ جراين ِّ
منصوص عليها ،فإذا جاء الفقيه وقال :األرز مثل ُ ٌ الستة املذكورة
قاسه عليه ،هكذا الُب املنصوص :إذن هو َ ونزل عليه ُحكم ُ الُبَّ ، الراب كما يدخل يف ُ ويدخله ِّ
ابختصا ٍر ٍ
شديد.
طعاما ٍ ٍ
أصال عندهم يف صدر اِلسالم ،وَّل كان ً موجود ً بل كان غري األرز غري مذكور يف النَّصْ ،
وات لكث ٍري من اآلدميني ،نظر طعاما وقُ ً لكن ملَّا حدث وانتشر وعرفه النَّاس وأكلوه ،أصبح ً معروفًاْ ،
أرزا
الراب فيه ،ومن ابع ً الُب يف َجرَاين ِّ الُب يف ُحكمه ،فجعلوا له ُحكم ُ ال ُفقهاء فإذا هو َّل ُيتلِّف عن ُِّ
َ
الُبُّ ِّاب ُلُبِّ ِّمثْ ًال ِّ ِّ
أبرز من نوعني خمتلفني ا ْش ُِّرت َط يف حقه التماثل والت َقابُض ،وجعلوه يف مثل قَ ْوله ﷺُ " :
أصل. الُب
َّ و ، ع ر َف نا هاه ثال أن األرز يف املِّ مبِِّّثْ ٍل ،يَ ًدا بِّيَد" .احلديث ما ذَكر األرز ،فانظروا إىل َّ
ُ ٌ ٌ ُ
حبث ُحك ٍم ِّ ِّ ِّ
ما هو األصل؟ هو الذي تناوله الدَّليل ابلنَّص عليه .الفرع :هو املثال الذي يُريد الفقيه َ
كما ُمناسبًا له. عنه ،وإعطاءَه ُح ً
الراب فيه، الُب ما هو؟ هو جرَاين ِّ يف َّليل
الد عليه نص
َّ ي فاألرز هو الفرع ،والُب هو األصل ،واحلكم ِّ
الذ
َ ُ ُ ُ
يد تَعدية احلُكم من ِّ
حمل فأنت تُر ُ ِّ ِّ
إدخاله إىل األرزَ ، فهذا احلُكم هو الذي نُريد تَعديَتَه ،أو إيصاله ،أو َ
نص فيه. حمل َّل َّ َّص إىل ٍ الن ِّ
الُب ،ما معىن قِسته عليه؟ أَحلقته به وساويتُه به ،وِلذا يقولون يف تعريف ست األرز على ُ
ِّ
فأنت ق َ َ
أبصل" ،إحلاقه أو تسويته به يف ماذا؟ يف احلُكم . سوية فرٍع ٍ أبصل" ،أو يقولون" :تَ ِّ اق فرٍع ٍ القياس":إحلَ ُ ِّ
كم.وعندك ُح ٌَ أصل،
وعندك ٌ َ عندك فرعٌ،
إذن َ :
160
ِّ
عليك أ ْن تُوجد ِّعلَّ ًة ُمشرتك ًة بينهماَ ،
عليك لك إحلاق هذا الفرع بذلك األصلَ ، ويتسىن َ َّ لك
يتم َ حىت ََّّ
اليت من أجلها جاء احلُكم يف األصل ،وتتأكد من وجودها يف الفرع ،فكأنَّك تبن أ ْن تكتشف العِّلَّة ِّ
لك به مترير احلُكم من األصل إىل الفرع. ِّ
يتسىن َ سرا بينهما َّ ً ج
يف هذا املثال نظرت إىل الُب فتُحاول أ ْن َ ِّ ِّ
وهاهنا ليست جتد علَّة ،إ ْن َلْ ت ُكن منصوص ًة يف الدَّليلُ - ُ َ
اليت من أجلها جاء حترمي ِّ
الراب يف منصوصة ،-فنظر ال ُفقهاء يف احلديث واجتهدوا يف البحث عن العِّلَّة ِّ
هذه األنواعَِّ ،لَ؟
ِّ ِّ
طعاما ،ومنهم َمن قال :بل هو ال َكْيل والوزن ،ومنهم فمن ال ُفقهاء َمن قال :العلَّة هي الطُ ْعم؛ كونه ً
طعاما َم ِّك ًيال ،ومنهم َمن أضاف إليه شرط اَّلقْتِّيات واَّلدخار ،أ ْن َّلبد أ ْن يكون ً َمن مجع فقال َّ :
الف بينهم يف حتديد العِّلَّة يف يكون طعاما من َشأنِّه أ ْن يكون قُوت البلد وُمي ِّكن أ ْن يدَّخر ،على ِّخ ٍ
ُ ً
فأنظر إىل األرز فإذا -: اطعام كونه - م ع ط
ُ ال هي ة َّ
لأن العِّ َّ يرى َّن
ُمهذا املِّثال حتديدا ،فإذا أان ُكنت ِّ
ُ ً ْ ُ ً
َّخرونه وهو قوت النَّاس ،فأرى قوات ِلم ويد ِّ الُب َّل فرق بينهما ،وإذا هو يستعمله النَّاس ً ِّ
طعام مثل ُ هو ٌ
ألن يوجد ِّمثله يف األرز ،وهذا هو ِّ َّ أن احلكم ِّ
القياس. َُ ا؛ متام
ُ ٌ ًناسب م هو الُب
ُ يف جاء ي الذ َّ ُ
قوات ،أوطعاما ،أو ً
الراب موجودةٌ يف األرز ،وهي :كونه ً اليت من أجلها ُح ِّرم ِّ الُب ِّ والعِّلَّة املوجودة يف ُِّ
اليت يبحث عنها الفقيه ،فإذا أوجد العِّلَّة يف األصل ووجدها طعاما يُكالًّ ،أاي كانت العِّلَّة ِّ َّخرا ،أو ً ُمد ً
القياس. فتم له ِّ موجود ًة يف الفرع عدَّى احلُكم إليه َّ
الذي وعلَّةٌ جامعةٌ بينهما ،وهو ِّ ياس يستعمله ال ُفقهاء :أصل ،وفرعٌ ،وحكمِّ ، ٍ ألي قِّ
فهذه أركا ٌن أربعةٌ ِّ
ٌ ُ ٌ
رد الفرع إىل األصل" ،ما معىن القياس فهو ُّ وأما ِ
إمام احلََرمني -رمحه هللا ،-قالَّ " : تناوله تعريف ُ
وذكر احلُكم، وذكر العِّلَّة ِّ
وذكر األصل ِّ رده؟ إحلاقه به" ،يف احلكم ِبعلَّ ٍة جتمعهما" ،انظر ِّ :ذكر الفرع ِّ ُّ
ُ
للقياس. اليت يتناوِلا تعريف األُصوليني عادةً ِّ هذه األركان األربعة هي ِّ
اآلم ِّدي ،قالُ ":م َساواة فرٍعيف أيسر من هذا ذكره ابن احلاجب -رمحه هللا -استقاه من تعريف ِّ
ُ
يف تعر ٍ
ِّ ٍ ِّ
أيضا الفرع واألصل ألصل يف علَّة ُحكمه" ،ألنَّه تساوى معه يف العلَّة ،فساواه معه يف احلُكم ،فذكر ً
تصور هذا كثريا هنا إذا متَّ ُّ ٍ ٍ والعِّلَّة واحلُكم يف
يهمنا اآلن ً معدودة .يتفاوتون يف التَّعريف ،وَّل ُّ كلمات
161
القياس ،فإنَّنا لن ِّنقف كثريا عند اختالفهم يف التَّعريفات ،وما ِّ
الذي ُمييِّز املصطلَح وعرفت ما معىن ِّ
ً َ ْ َ ُ
ٍ
كل تعريف عن اآلخر.
َّ
أمثلة يف ِ
القياس
دال ٍلة ،وقِياس َشبَ ٍه" ،قبل أ ْن أقسام :إىل قِياس ِعلَّ ٍة ،وقِياس َ ثالثة ٍ قال -رمحه هللا" :وهو ين َق ِسم إىل ِ
ضرب عاد ًة يف األصول يف اليت تُ َ كثريا من األمثلة ِّ أن ً اليت ذكرهاُ ،مي ِّكن اِلشارة إىل َّ أذكر التَّقسيمات ِّ
ياسا على اخلمر ،واخلمر هو ِّ
أن النَّبيذ ُح ِّرم ق ً ضرب املِّثال عاد ًة ابلنَّبيذ واخلمر ،و َّ ِّ
ابب القياس :يُ َ
األصل ،والنَّبيذ هو الفرع ،واحلُكم هو التَّحرمي ،والعِّلَّة هي اِلسكار ،فيقول األصل هو اخلمرُ ،ح ِّرم
فألهنا موجودةٌ يف النَّبيذ ،فيُعطَى النَّبيذ ُحكم سكرا ،العِّلَّة ذاهتا وِّجدت يف النَّبيذَّ ، ِّ
ُ من أجل كونه ُم ً
اخلمر فيُصبِّح حر ًاما ِّمثله.
عليك أ ْن تعلم أنَّه ِّم ٌ ِّ
يب للشَّرح اضي تقر ٌّ ثال افرت ٌّ ضربِّه يف أمثلة ُكتب األصول َ - هذا املثال -على َكثرة َ
َّنصيص على النَّبيذ َّص تناول النَّبيذ بعمومه اترًة ،وابلت ِّ
ُ ثاَّل حقيقيًا ،والسبب َّ
أن الن َّ والتَّوضيح ،وليس ِّم ً
تناول اجلميع، حىت َّل يتشعب به األمرِّ ، اترًة ،لكنَّهم يضربونه ِّم ً
اضح ،ويف ُم َ ثال و ٌ وم ٌ ثاَّل لطالب العلم؛ َّ
أن الدَّليل يف حترمي للقياس ،وَّل ُمي ِّكن أ ْن تقول َّ ثاَّل صحيحا ِّ وإَّل ليس ِّم ً ويسهل فهمه ،فَُِّرييدونهَّ ،
ً ُ
سكركل مسكِّ ٍر حرام" ،هذا عموم ،فإ ْن كان امل ِّ َّص؛ لقولهﷺ ُّ ": بل هو الن ُّ القياسَّ ،لالنَّبيذ هو ِّ
ُ ُ ُ ْ
مخرا أو كان نَبيذا تناوله النَّص ،فإذن هو ُحمَّرم ابلنَّص َّل ِّ
ابلقياس. ٌ َ ً
ٍ ِّ
قال : صنَ ُع هبَا ،فَ َ أيضا ملَّا بعث النَّب ﷺ أاب موسى األشعري إىل اليمن" ،فَ َسأَلَهُ عن أ ْش ِّربَة تُ ْ ومثله ً
الع َس ِّل ،واملِّْزُر :نَبِّي ُذ الشَّعِّ ِّري -
قال :نَبِّي ُذ َ أليب بُ ْرَدةَ :ما البِّتْ ُع؟ َ
لت ِّ ِّ
قال :البِّتْ ُع وامل ْزُر -فَ ُق ُ
وما هي؟ َ
تناوِلا النَّص ،فهو ا ذ فإ َّعري،
الش بيذ نو َّمرت ال نبيذ أنبذة، هذه رزقال ُ :كل مسكِّ ٍر حرام" ،والبِّتع واملِّ
َ ً َ ْ ْ فَ َ ُّ ُ ْ َ َ ٌ
نصا؟ هو ِّم ٌ
ثال ثاَّل وأان أجد له ً ضرب ِّم ً َ ي
ُ كيف : فيقول العلم، طلبة بعض على ل ثال افرتاضي وي ِّ
شك ُ ٌّ ٌ ِّ
م
ِّ ِّ
أيضا وفهمه للنَّاس ،وهو أقرب للتَّوضيح ليس َّإَّل ،ومثال األرز ْأوَىل بضرب املثال مع وضوحه ً
َّناول.
للت ُ
162
أقسام ِ
القياس
أقسام كما ذكره إمام احلرمني -رمحه هللا -هو أحد تقسيمات ِّ
القياس ،يعن القياس إىل ثالثة ٍ انقسام ِّ
أقسام ابعتبار ماذا؟ وهذا ِّ ِّ ِّ
كم ينقسم؟ سيكون سؤالك تقول ٌ : كم نوع؟ وإىل ْ لك :القياس ْ لو قيل َ
سؤ ٌال جي ٌد.
صحيح
ٍ القياس ِّ
ينقسم إىل وفاسد ،قَويل ِّ
ٍ ينقسم إىل قِّسمني ٍ :
صحيح ُمي ِّكن أ ْن أقول لك ِّ
القياس ِّ َ
الذي أورده إمام احلرمني هو وفاسد ،هذا التَّقسيم ابعتبار ماذا؟ ابعتبار ِّص َّحته وفساده ،التَّقسيم ِّ ٍ
الصحيح والفاسدحىت َّ دَّللة ،وقِّياس َشبَ ٍه ،ابعتبار ماذا؟ كلُّها أنواعٌَّ ،
ابعتبار ماذا؟ قِّياس ِّعلَّ ٍة ،وقِّياس ٍ
كل ِّ
القياسات القياس ،و ُّ أنواع ،لكن ما ضابط التَّقسيم ،ابعتبار ماذا؟ ابعتبار درجة َحتقُّق العِّلَّة يف ِّ
َ ٌ
َّلبد فيها من ِّعلَّ ٍة.
َّ
للقياس كثريةٌ ،وهذا واح ٌد منها . أن التَّقسيمات األُصولية ِّأيضا َّ على ٍ
كل ،ينبغي أ ْن تعلم ً
• التقسيم ابعتبار درجة حتقق العلة:
القياس ،حنن مت َِّّفقون على َّ ِّ
للقياس ابعتبار درجة َحتقُّق العِّلَّة يف ِّ
إذن ،هذا تقسيم ِّ
أن العلَّة ر ٌ
كن ،لكن: ُ ٌ
سمى :قِّياس ِّعلٍَّة. خدم يف ِّ
القياس -فيُ َّ اليت تُستَ َ .1العِّلَّة هذه اترةً تكون قوي ًةِّ -
سمى :قِّياس ٍ
دَّللة. .2واترًة يضعف أثرها أو دورها يف ِّ
القياس ،فيُ َّ َ ُ
سمى قِّياس َشبَ ٍه. أحياان ي ِّ
نعدم ،فيُ َّ .3و ً َ
احد ،ونضرب له املِّثال ،نعم.
لكل و ٍ وسيأتيك املصنِّف -رمحه هللا -بِّتعر ٍ
يف ِّ َ
ُ
• قِياس ِ
العلَّة:
ِ ِ ِ ِ
املنت":فقياس العلَّة ما كانت العلَّة فيه ُموجبةا ُ
للحكم".
يقول":ما كانت العِّلَّة فيه موجب ًة للحكم" ،ما معَن م ِ
وجبة؟ أنَّه من قوة ظهور العِّلَّة يتَ َّعني وجود ُ ُ
احلُكم.
163
• ِمثال:
ف وََّل ت ۡن ه ٍۡ َّ ۤ
هني ودَّللته التَّحرمي، ٌ هذا ، ا﴾ ُه
ُ ر
َ َ َ َ ُ
أ ا قال هللا -تعاىل -يف حق الوالدين﴿ :فَ َال تَ ُقل ِلَُم
ف ف يف الوالدين وُيرم انتِّهارُُهَا أبي صورٍة ،إذا كان هذا احلكم املنصوص يف التَّأفُّ ِّ حرم التَّأفُّ ُ
ُ ُ ُ فيَ ُ
أشد من ذلك؟ كالضَّرب -أجاركم هللا -أو اللَّعن َّعامل ،فما ُحكم ما هو ُّ ِّ ِّ
واَّلنتهار والغلظة يف الت ُ
يسرية جدًّا لفهم والشَّتم يف حق الوالدين -والعياذُ ابهلل-؟ ستقول إنَّه حرام ومن ابب أوىل ،يف صورٍة ٍ
ُ ْ ٌ
دل عليه الدَّليل ابلتَّحرمي صراح ًة وابلنَّص الذي َّألن التَّأفُّف ِّالقياس ستقول :هذا قِّسناه على التَّأفُّفَّ ، ِّ
إيذاء للوالدين فهو حر ٌام عليه كان ألي ِّعلَّة؟ إِّيذاء الوالدين ،فكل ما اشتمل من التَّصرفات على ٍ
ُ ََ ُّ
ِّمثله.
الذي نتكلَّم عنه وهو ألهنا موجودةٌ وبصورة أوضح وآ َكد يف ال َفرع ِّ وجبةَِّ ،لَ؟ َّ
َّلحظ هاهنا العِّلَّة م ِّ
ُ ُ
ِّ
ثال ِّلقياس ِّعلَّة َّ ِّأشد من التَّأفُّف ،فهذا ِّم ٌ
أن العلَّة ُ
هاهنا اللَّعن أو الشَّتم أو الضَّرب ،حتقُّق اِليذاء فيه ُّ
اضحة وأقوى منها يف الفرع ،فهذا يُسمونه :قِياس ِعلَّ ٍة ،ما املوجودة يف األصل هي موجودةٌ بصورٍة و ٍ
للحكم . ة
ً ب كانت العِّلَّة فيه م ِّ
وج
ُ ُ
• ِمثال:
ين َأيْ ُكلُو َن أ َْم َو َال الْيَ تَ َام َٰى ظُلْ ًما إَِّّّنَا َأيْ ُكلُو َن ِّ َّ ِّ ِّ ِّ أنخ ُذ ِّم ً
ثاَّل آخر لقياس العلَّة :قال هللا تعاىل﴿ :إ َّن الذ َ
أكل أمو ِّال اليتامى جاء يف أكل أمو ِّاِلم ،فما الوعيد يف ِّ اهذ ، ﴾ ا وهنِّم َانرا ۖۖ وسيصلَو َن سعِِّّ ِّ
َ يف بُطُ ْ ً َ َ َ ْ ْ َ ً
ري
اهنا :اَّلستفادة ،وعُُِّب ابألكل ألنَّه طبعا املقصود ابألكل َه ُ ُحكم َمن أتلَف أمو َال اليتيم وَلْ أيكلها؟ ً
متاعا وأاث ًاث ِّ
قارا يقول" :ما أكلته" ،واشرتى به ً أوجه اَّلنتفاع ،فلو أخ َذ مال اليتيم واشرتى به َع ً َغالب ُ
ِّ ومرُك ٍ
اهنا : ومزارٍع وقال":ما أكلته" ،لعُُِّب ابألكل َههنا ألنَّه غالب وجوه اَّلنتفاع ،لكن السؤال َه ُ وابت َ َ َ
صا ،أو أصال ،أخذه فأتلفه ،أفسد ماله ،سلَّط عليه لِّ ًّ مدا؟ ما أكله ،ما انتفع به ً ماذا لو أتلفه َع ً
أحرقه ،أو تََركه يَضيع ،يُنتهب تَ َع ُّم ًدا ،هل أكله؟َ
ما أكله ،فما ُحكم تَ َع ُّمد فِّعله يف إتالف مال اليتيم؟ حرام ،من أين قُلت حرام؟ قِّستَه على األكل،
ثل هذا َّل فمحق اليتيم ،وهذا متَح ِّقق سواء ابألكل أو ابِلتالفِّ ، اجلامعة؟ هي إضاعةُ ِّ ما العِّلَّة ِّ
ُ ُ َ ٌ ً
164
الصورة الثَّانية َّل أبس هبا ُيتلِّف فيه فَقيهان ،وَلْ ِّيقف أح ٌد ويرتدد يقول َّ:ل ،الدَّليل َّ
نص على كذا ،و ُّ
وَلْ يدل الدَّليل على حترميها ،فهذا ِّمثاله يُسمونه قِّياس العِّلَّة .
• قِياس َّ
الداللة:
العلَّةُ َدالَّ اة على َّظريي ِن على اآلخر ،وهو أ ْن تكو َن ِ ِ ِ املنت" :وقِياس َّ
الداللة هو االستدالل أبحد الن َْ
للحكم". ِ
احلُكم وال تكو ُن ُموجبَ اة ُ
أضعف من العِّلَّ ِّة هذه درجةٌ اثنيةٌ ،قال".أ ْن تَكون العِّلَّة دال ًة على احلكم وَّل تكون م ِّ
وجب ًة" ،يعن هي
ُ ُ ُ
دليال؟ يقول :فيها إشارة، دليال ،ما معىن ً َّوع األول ،العِّلَّةُ تكون دالَّ ًة ،أي غايَةُ ما فيها أ ْن تكون ً يف الن ِّ
ِّ ِّ ِّ ِّ
للحكم، أيضا ،هي ليست ُم َسلَّمةً ،فهي ليست ُموجبةً ُ ُميكن أ ْن تُعلق احلُكم عليها ،وُميكن أ ْن تُناقَش ً
دليل عليه .إذن فيها إشارةٌ إىل احلُكم بصورٍة أضعف من املِّثال األول. بل هي ٌ ْ
ماَّل وهو يتيم ،فهل َِّجتب الصغري ،كأ ْن ميوت أبوه ويرتك له ً الزكاة يف مال َّ اختَ لَف ال ُفقهاء يف وجوب َّ
الص ِّب أن ِّذ َّمة َّ الزكاة يف ِّ
الذ َّمة ،يرى َّ ومن يرى تعلُّ َق وجوب َّ َّ
لت :هو غريُ ابل ٍغَ ، الزكاة يف ماله؟ إ ْن قُ َ
وجب َّ
الزكاة فيه. حمل تكليف ،فال ي ِّ ليست َّ
ُ
الزكاة يف وجب َّ بغض النَّظر عن مالكه ،ي ِّ حق هلل تعاىل ِّ الزكاة واجبةٌ يف َعني املال ،وهي ٌّ ومن يقول َّ :
ُ َ
مال الصبيان.
تعال معي يف هذه الطَّريقة يف اَّلستدَّلل َ :من يقول لكن َ قهاء، ف
ُ ال بني حمل ِّخ ٍ
الف واملسألة ابجلُملة ُّ
ْ
ِّ الصب وأتى جب ٍ
الزكاة لك كالتَّايلَّ ": ملة من األدلَّة ،واح ٌد منها القياس ،فقال َ ُ الزكاة واجبةٌ يف مال َّ أن َّ َّ
الصب على ست مال َّ ِّ ِّ ِّ
الصب" ،ما الدَّليل؟ قال":القياس" ،قستَهُ على ماذا؟ يقول":ق ُ واجبةٌ يف مال َّ
َّق فيه النَّماء وال َكثرة".
يتحق ُ
مال َ مال البالِّغ" ،ما العِّلَّة؟ قال":كِّالُها ٌ ِّ
أي ِّعلَّ ٍة؟ َّناءُ املال ،يقول ّ:ناء املال الزكاة فيه ِلذه العِّلَّةُّ ، أن مال الكبري البالِّغ وجبت َّ هو نظر إىل َّ
الصب ،فقاسه عليه ،هل هذه الزكاة يف مال الكبري البالِّغ موجودةٌ يف مال َّ الذي وجبت من أجلِّ ِّه َّ ِّ
ۤ ِّ
للحكم هي يف درجة لَ ْعن الوالدين والشَّتم مع﴿ :فَ َال تَ ُقل َِّلَُما الدَّرجة يف حتقُّق العلَّة واقتضائها ُ
ف ﴾؟ أنتم أدركتم اآلن بداه ًة من البداية َّأهنا ليست يف درجتها ،إذن هي درجةٌ أَنْ َزل ،مبعىن أنَّه أُ ٍ
165
يعرتض عليه القياس أو ِّ ُمي ِّكن أ ْن ُُيالِّف فيه املخالِّف ،وُمي ِّكن أ ْن ي بدي وجها آخرَّ ،ل يسلِّم هبذا ِّ
ُ ُ ُْ َ ً ُ
ِّ ِّ ٍ
ياس داللة ،هي أَنْ َزُل درج ًة من قياس العلَّة. ِ بوج ٍ
سمونه :ق َ وه من اَّلعرتاض ،هذا يُ ُّ ُُ
ياس َّ
الشبَه: ِ
• ق ُ
الشبه هو الفرعُ املُرتِّد ُد بّي أصلَ ّْي ،وال يصار إليه مع إِ ِ
مكان ما قبله". ُ وقياس َّ َ
املنتُ ":
للحكم ،نَزلنا درج ًة اثني ًة ِّ :علَّة ُّ ِّ ِّ ِّ ِّ
تدل قياس الشَّبَه َّل وجود للعلَّة فيه .انظر كيف ترقَّْينا ،علَّةٌ ُمقتضيةٌ ُ
وجد ِّعلَّة ُمثَّ قِّ ْسنا وحنن نقول من ِّ
وجد علَّة .كيف َّل يُ َ
ِّ
على احلُكم وَّل تقتضيه ،الدَّرجة الثَّالثة َّ:ل يُ َ
القياس وجود العِّلَّة؟كان ِّ
أر ِّ
ياس َّ
الشبَه" ،وهو :أ ْن َّ ِ
يرتدد الفرعُ بني أصلَ ْني. سمونَه" :ق ُ هذا يُ ُّ
احد منهما ،له بكل و ٍ
يرتد ُد بني فرعني له َشبَهٌ ِّ أصل لتُ ِّ
لح َقهُ به َّ تبحث عن ٍ فلما
عندك مسألةٌَّ ، تكون َ
ُ
الصورة والشَّكل؟ نعم ،إىل ٍ شرتكةٌ ،ما نقصد ابلشَّبَه؟ هل الشَّبَه الظَّ ُّ ِّ
حد اهري يف ُّ َشبَهٌ وليست علَّةٌ ُم َ
أضعف أنواع األقْيِّسة عند األصولِّيِّني.
ُ وجد ِّعلَّةٌ يُبىن عليها احلُكم ،وِلذا قِّياس الشَّبَه كب ٍري ،وَّل تُ َ
إليه" ،يعن مهما وجدَّت ِّعلَّة ما عات عندكم":وال يصار ِ وِلذا قال إمام احلرمني -كما يف بعض الطَّب ِّ
َُ ْ َ
فَّ ،أول ِّ ٍ بل إذا استعمل الفقيه قِّياس الشَّبَه يف ِّ
مسألة وله فيها ُخمال ٌ يصلُح أ ْن تَعول على قياس الشَّبَهْ ،
دليال يقوى يف ِّ
حمل ك ً يتماس ُ
ضعيف" ،يعن َّل يكاد َ ٌ إن هذا قِّياس َشبَه ،وهو جواب يُقال عنهَّ ":
اخلِّالف بني ال ُفقهاء.
• ِمثال:
بد إذا َج َىن أو أتْ لَفالع ُ ِّ أشهر األمثلة ِّ
اليت يضربوهنا يف قياس الشَّبَه :مسألةُ العبد إذا َج َىن أو أَتْ لَفَ ،
لح ُقالعبد إذا َجىن فهل هو يَ َأن َ يض َمن أو يف َرقَبتِّه؟ مبعىن َّ :
اِلتالف يتعلَّق به ،فهل ْ
َ ماَّل لغريه َّ
فإن ً
ضمينه ،كما لو َجىن احلُر ،كما لو َجىن ابنُه يتحمل سيِّ ُده يف تَ ِّ
ضم ُن قيمة ما أتلف؟ وابلتَّايل َّ
ابحلُر فيَ َ
األمتِّعة ،فتكون اجلِّنَايةُ يف ِّ
يتحمل قيمة ما أتلَف؟ أو هو ي ْلحق ابلبَ ِّهيمة وسائر ْ -ابن سيِّد العبد -فإنَّه َّ
هل هو ضما ٌن أم هو جنايةٌ تَتَعلَّ ُق ِّ ِّ
رقبته مبعىن أنَّه يُبَاع ،ويكون ليس َحم ًّال لتنزيل ُحكم الضَّمان؟ يعن ْ
إنساان
أن ً الف هذا يتَ نَ َّزل يف منزلة العبد ،هل يلحق ابحلُر؟ أو يلحق ابلبهيمة؟ يعن لو َّ برقبته؟ اخلِّ ُ
166
أتلف
صب صغريٌ وعنده هبيمةٌ أو شاةٌ ،فإذا أتل َفت الشَّاة شيئًا ألموال اجلريان ،أو َ عنده عب ٌد وعنده ٌّ
العبد ابلبَهيمة له َشبَهٌ ،وإحلاقه إحلاق ِّ وحكمهاُ ، ٍ
فكل واحدة ِلا مسألتها ُ الصغري ،أو أتلف العبدُّ ، ابنه َّ
كل التَّكاليف. ابحلُِّر له َشبَهٌ ،إِّحلَاقُهُ ابحلُِّر َ :ك ْونه آدميًّا ويتعلَّ ُق بِّه شيءٌ من التَّكليف وليس َّ
مال ِّ
ينتقل ابلبَ ْيع وحنوه ،هو ٌ ب وُميلَّك إرًاث َ إحلاقُهُ ابلبهيمة له َشبَهٌ ،وهو أنَّه ٌ
وه ُ شرتى ويُ َمال يُباع ويُ َ
َّرعي.
ك الش ِّ صور التَّملُّ ِّ
وبِّغريه من ِّ
لحقه أبكثرُِّهَا احد ،فماذا يصنع؟ ي ِّ
ُ
ابلعبد يرتَّدد بني أصلَني ،وله شبه ب ُك ِّل و ٍ
ٌََ ْ َُ
الفقيه ،فإذا ِّ فلما ينظر ِّ َّ
أكثر ِّ فيأيت الفقيه ويقول":أان أرى َّ َشبَ ًهاِّ ،
أن َشبَههُ ابملال -يعن ابلبهيمة أو بسائر أنواع األموال -هو ُ
ث ويُوقَف ور ُعد ُد وجوه الشَّبَه ،فإذا رآه أكثر َشبَ ًها به أعطاه ُحكمه وقال":هو يُباع ويُ َّ شب ها" ،وي ِّ
ََ ً ُ
الف احلر ،وَّل يشبِّهه َّإَّل يف ِّ
اآلدميَّة ويف ُ ُُ ُ
وحن ِّو هذاِّ ،خب ِّ َّقص من قِّيمته َ ضمن أجز ُاؤه ابلن ِّ ِّ
ويُتَملَّك هب ًة وتُ َ
مثال ِّلقياس الشَّبَه. صور التَّكليف" ،فهذا ٌ بعض ِّ ِّ
اليت سيذ ُكرها اآلن املصنِّف -رمحه هللا -سأقِّف هنا وقفتَ ْني: ننتق َل للشُّروط ِّ قبل أ ْن ِّ
ُ
أيضا ويف األمثِّلَة له ويف الدََّّللة الف كبري بني األصوليني يف ِّ ِّ ِّ ِّ
تعريفه ً ياس الشَّبَه فيه خ ٌ ٌ • األُوىل :ق ُ
فتحت بعض ُك ِّ
تب عليك لو
شكل َ الف يف املصطلَح نفسه" :قِّياس الشَّبه" ،وِلذا َّل ي ِّ عليهِّ ،خ ٌ
َ ُ َ ُ
الف.وحمل ِّخ ٍ ٌ ُّ دِّ
ار و فهذا هذا، غري ه َّب
الش ِّ
ياس ِّ
لق آخر اف ي
َ ًر عت ني لي و ُص أل ا ِّ
لبعض وجدت األصول أو
َ َ
اليت ساقها إمام وشبَهٌ ،هبذه التَّعريفات ِّ أن هذا التَّقسيم وهذا التَّنويع ِّ :علَّةٌ ودَّللةٌ َ • التَّنبيه الثَّاين َّ :
تأخرين- احلرمني -رمحه هللا -هو أيضا أمر اصطالحي ،ويتفاوتو َن يف تعريفاتِّه ،جرى كثري من امل ِّ
ٌ ِّ ُ َ ً ٌ
بغري التَّعريف الذي أورده إمام تقسيمات العِّلَّة والدََّّللة ِّ
ِّ ومن بعدهم -على دي اجب و ِّ
اآلم ابن احل ِّ
َ َ
أوجه اخلِّالف. لك ُ ليتبني َُورده فقط َّ احلرمني هنا ،وأان سأ ِّ
167
ثاَّل يقول :أان ملا أتكلَّم عن حترمي ِّ
اخلمر ً ياس دَّللة ،ليست العِّلَّة موجودة ،يضربون له ِّم وِلذا يقولون :قِّ
َّ ُ
ِّ
َّث
ك تتحد ُ شرتكة بينهما؟ إذا قُلت اِلسكار هذا قياس ِّعلَّة ،أنَّ َ ِّ
وأقيس عليه النَّبيذ ،ما العلَّة اجلامعة املُ َ
عن العِّلَّة.
سائل ِّ القياس ،وهو َّ وجه آخ ٍر ِلذا ِّ
لك :أان أحتدَّث عن ٍ
أن اخلمر والنَّبيذ كالُها ٌ لكن هو يقول َ ْ
الزبَد مع اِلسكار، يقذف َّ الصور ،بينهما شبه ،ما هو؟ قال :هو سائل ِّ ُّ من كان يف صورٍ
ة وشراب يشرت ِّ
ٌ ٌ َ َ ٌ
أثر من العِّلَّة ،يعن َّل يقول بل هو ٌ َِّّ
وُتم ُره يُسبب له َفوَر ًاان ،هذا الوصف ليس هو العلةْ ،
يعن له رغوةٌ ُّ ِّ
َ
كمه ،وإذا هو وحده ِّعلَّة ،مبعىن أنَّه لو وجد شرااب آخر ي ِّ
ليست فيه هذه األوصاف َّل يُعطيه ُح َ َ و ر سك ُ ً
وصف فيه أثَ ُر العِّلَّةٌ مثال.فهذا سكر َّل يُعطيه ُحكمهً ، الرغوة وَّل ي ِّ
ُ الفوران وفيه َّ آخر فيه َ
َ ِّ
وجد سائ ًال َ
سمونَه :قِّياس دَّللة. وليست العِّلَّة ،ويُ ُّ
• قياس يف معَن األصل:
ِ ورده امل ِّ ِّ النُّوع اآلخر ي ُّ ِّ
ياس يف
صنف -رمحه هللا ،-ق ٌ ياسا يف معىن األصل ،وهذا القسم َلْ يُ ِّ ُ َ سمونَه ق ً ُ ُ
فرعا ِّ ينفي ِّ معَن األصل َّ:ل يبحث عن ِّعلَّ ٍة ،بل ِّ
لحق ًياس ابلعكس ،يعن ملَّا يُريد أ ْن يُ َ الفارق ،هذا ق ٌ ْ َ ُ
أحياان :قِّياس نفي ِّ
الفارق، سمونَهُ ً كة بينهما ،يكتفي بنفي ِّ
الفارق ،ويُ ُّ أبصل َّل يبحث عن ِّعلٍَّة مشرت ٍ
ُ َ ٍ
وجه من اَّلختِّالف
أي ٍ األصلِّ ،
وينف َي َّ ت أنَّه َّل فرق بني الفرِّع و ِّ فارق .يعن مبُ َّ ِّأو :قِّياس َّل ِّ
جرد أ ْن يثبُ َ
الفرقَة :متَّ له ِّ
القياس. و ِّ
للقياس ،وعلى وإّنا أَشرت إليها ألنَّه قد ِّيقف بعضكم على تقسي ٍم آخ ٍر ِّ حات َّ على ٍ
ُ ُ كل ،هي ُمصطلَ ٌ
القياس ،وعند التَّطبِّيقَّسعِّ ،يه ُّمك فقط أ ْن تَضبِّ َط أركا َن ِّ
حات أُخرى ،فالباب يف هذا مت ِّ مصطلَ ٍ
َ ُ َ ُ
عرف الشُّرو َط اآليت ِّذكرها.
تَ ُ
ُشروط ِ
القياس
168
ط تتعلَّ ُق ابلفرِّع وأُخرى صحيحا ،هناك شرو ٌ حىت يكو َن
ياس َّ الق ِّشروط ِّ
بدأ يتكلَّم -رمحه هللا -عن ِّ
ً
ناسباا لألصل" ،ماذا ومثلُها يف العِّلَّة أو احلكم ،قال":أواال ،من شروط الفرع أ ْن يكون م ِ ابألصلِّ ،
ُ ّ ُ
ب يف ماذا؟ يقصد ابملناسبة؟ م ِّ
ناس
ُ َ ُ ٌ
ِّ ِّ
ناسبة وهو العلَّة ،أ ْن يكون هناك وجهٌ ب الفرع األصل .يعن يكون بينهما وجه املُ َ نعم ،أ ْن يُناس َ
خصمني
ْ اخلصم ّْي"ُّ ،
أي َ ّي األصل أ ْن يكون اثبتاا بدلِ ٍ
يل ُمتَّـ َف ٍق عليه بَ َ ِ لالشرت ِّاك بينهما"،ومن شرط
يتكلَّم عنهما؟ يف َمقام املناظَرة واحلِّ َجاج واَّلختالف.
ٍ ِّ ُ
حمل ِلذا الشَّرط، دليل ملسأَلة ،فإذن َّل َّ أحبث عن ٍ ف ،أان ُ أردت أ ْن أقيس وليس أمامي ُخمال ٌ أان لو ُ
ثبت ابلدَّليل يكفي ،لكن صحيح" ،فإذا َ ٍ يكفي أ ْن تقول ":أ ْن يكون ُحكم األصل اثبتًا ٍ
بدليل
أنت مسألة فيها ِّخ ٌٍ ِّ
الف ،و َ تبحث عن
ُ أنت
مثال َ لك يف املسألةً ، ف َ احلقيقة :إذا كان هناك ُخمال ٌ
ك فيها أان َّل أُوافِّق ٍ
مسألة َدليلُ َ لك حنفي أو العكس ،فال يصلُح أ ْن تقيس يل يف ِّ
مالكي واملخالف َ
ُ
عمل أهل املدينة ،وهو ُح َّجةٌ عند املالكية وليس عند دليل فيه ُ عندك ٌ مثالَ - عليه ،كأ ْن يكونً -
عندك وليس كذلك عند احلنفية عم به البلوى ،وهي ُح َّجةٌ َ حديث ٍ
آحاد فيما تَ ُّ َ غريهم ،أ ْن يكون
بنيت عليه ،أتيت وتقيس عليه ! ِّ
افقك يف أصل الدَّليل الذي َ أصال َّل يُو َ
مثال ،فهو ً ً
الفك :أ ْن يكون ٍ ٍ ٍ صحة ِّ
الق ِّ فمن شروط ِّ
أمام َمن ُُي َ ياس عندما تكون يف حمل ُخمالَفة أو إثبات ملسألة َ
ِّ
املسألة بينك وبني املخالِّف ،فإذا َلْ ي ُكن يف اتفاق َ حمل ٍ الذي تَستَ ِّقي منه احلُكم لتقيس َّ أصلُك ِّ
َ
ُ ُخمالِّفِّ ،
صحيحا".
ً َّليل
تقول":أ ْن يكو َن الد ُ فيكفي أ ْن َ ٌ
• تعقيب:
ناسبة ،التَّعبري بِّ "خصم" تعبريٌ غري َّلئِّ ٍقَّ ،ل أتكلَّم عن ِّعبارة إمام احلرمني ،لكنَّه ُمصطَلَ ٌح َد َرج ابملُ َ
وبشيء منٍ َّفرة، ن ال من ٍ
بشيء ي ظ ي ِّ
وح ٌ لف ة اخلصوم خصم، : ِّ
املسائل يف فوشاع ،في َقال يف املخالِّ
َ ُ َ ُ ُ
وخالف ال ُفقهاء -اخلِّ ُ
الف طرف ِّحل ِّقهِّ ،
كل ٍ َّعادي ،أو ٍ
شيء من املواقِّف ِّ ِّ
اَّلعتداء والت ِّ
اليت يتعنَّت فيها ُّ
ِّ ٍ ِّ ٍ ِّ ٍ ِّ َ
ٍ
بل هو خالف ُود وعلم، الف اجتهادْ ، الف ُخصومة ،هو خ ُ الشَّرعي -ليس من هذا القبِّيل ،ليس خ َ
والعلم َرِّح ٌم بني أهلِّه.
169
الفقهية ،فِّقه
حىت يف ُكتب اخلِّالفات ِّ
وِلذا نقَّى بعض أهل العِّلم لفظ"خصم" ،وهي كما ترى كثريةٌ َّ
ٍ
املُخالَفة ،فتجد :قال اخلَصم ،فإ ْن قال اخلصم كذا قُلنا كذا ،فهي حلظةُ تنبِّيه على َّأهنا لفظةٌ ْ
األوىل
صاحب القول اآلخر ،قال املذهب الفالين ،فهي ْأوَىل من التَّعبري قال ف، استبداِلا ب :قال املخالِّ
ُ َُ
حقوق ،وَّل حماكم شرعي ٍة ،حنن نتكلَّم عن
ٍ ابخلصومة واخلصم ،ألنَّنا لسنا يف مناز ٍ
عات وَّل قصاص ُ َ َ ُ
فقهي يف ِّ
ساحة ال ُفقهاء ،والتَّعبري ابمل ِّ
خالف ْأوىل. الف ٍ ِّخ ٍ
ُ
شروط ِ
العلَّة
ِ ِ ِ ِ
معَن".
ض لفظاا وال ا املنت":ومن شرط العلَّة أ ْن تطَّ ِرد يف َمعلُوالهتا ،فال تنتَق ُ
ِّ ط العِّلَّة ،شر ُ ِّ شرط الفرِّع ،وتكلَّم عن ِّ اآلن تكلَّم عن ِّ
ط العلَّة :اَّلطَراد ،ما َ
معىن األصل ،هذا شر ُ ِّ شرط َ
االطّراد؟ قال":أ ْن تَكون موجود ًة يف معلُوََّل ِّهتا" ،أ ْن تكون العِّلَّة م ِّ ِ
وج ُد فيها هذا كل صورٍة يُ َ تحققة يف ِّ ُ َ ُ َ
يد ِّ
القياس عليه. الذي تُر ُ احلكم ِّ
ُ
اطراد العِّلَّة -أي عدم حتق ُِّّقها القياس ،عدم ِّ صح لك ِّ ِّ
أ ْن تكون العِّلَّة موجود ًة ،فإذا ُوجدت واطَّ َردت َّ َ
أيضا. الصور -يضعِّف التَّعليل هبا ،فإذا ضعف ،ضع ِّ يف ِّ
أنت ً ياسك َ فق َ َُ َُ كل ُّ ُ
قص ُد
اليت هي يُ َ حاد ٍةِّ ،
آبلة َّ ِّمثال ذلك :ملا تتكلَّم عن القتل مبُثَقَّل ،اآلن القصاص َّإّنا يكون يف القتل ٍ
َّ
قتل يف العادة ،رمى على ٍ
هبا القتل ،لكن ماذا لو قتل مبُثَقَّل ،قتل حبج ٍر أو قتل خبشبة ،ليست آل َة ٍ
احلادة -
سمونَه املثَقَّل ،وهو عكس امل َحدَّد -اآللة َّ خبشبة فقتله؟ هذا يُ ُّ إنسان صخرًة فقتله ،أو ضربه ٍ ٍ
ِّ ُ ُ ِّ
سيقيسها على هو ة، ب القصاص ،سيحتاج أ ْن يبحث عن العلَّ أن هذا القتل ابملُثقَّل يُوج ُ فمن يقول َّ َ
ُ
ذاك وجب فيه القصاص؛ حاد ٍةَ ،آبلة َّالقتل مبُحدَّد ،فيقول":كِّالُها قتل عم ٌد عدوا ٌن ،هو ِّمثل القتل ٍ
ٌ َ ُ
ِّ
قتل َعم ٌد عُدوا ٌن". قتل َعم ٌد عُدوا ٌن ،وهذا جيب فيه القصاص ألنَّه ٌ ألنَّه ٌ
قتل هي الصوِّ
ر ُّ من ة
ًصور وجدان أي ردة؟ اليت ذكرها اآلن ِّعلَّة غري ُمطَّردة ،كيف غري ُمطَّ ِّ هذه ة العِّلَّ
ٌ َ
ثل قتل الوالِّد لولَ ِّده. ِّ
َعم ٌد عُدوا ٌن وَّل قصاص فيه ،م ُ
احلديث على أنَّه َّل يُقتَ ُل وال ٌد َبولَ ِّده ،لكن ُ نص
ستقيمةَّ ، نص ،أان معك ،إذن العِّلَّة غري م ِّ
ُ َ ستقول فيه ٌّ
مدا عُدو ًاان؟ ستقول :بلى ،فلماذا َلْ َِّجيب القصاص؟ قتال َع ً أليس ً ِّ
لو قَتل الوالد و َلدهَ ،
170
ِّ ثالِّ ،م ٌ
الصورة هي ِّم ٌ لو كانت العِّلَّة ُمطَّ َردة َأل َْو َج َدت احلُكم ،هذه ُّ
ف عنها ويتخلَّ ُ
وجد العلَّة َ ثال أل ْن تُ َ
عندك يف صورٍة ُتَلَّف فيها احلُكم عن ِّ
ثبت َ سمى عندهم :نقض العلَّة ،أي َ سمى؟ يُ َّاحلُكم ،هذا ماذا يُ َّ
ِّ ِّ
وجد احلُكم. وجد العلَّة وَّل يُ َ
َّخلُّف؟ أ ْن تُ َ العلَّة ،ما معىن الت َ
ياس أو فَ ِّ
ساد نقض ِّ
الق ِّ ور ِّ ص ِّ أكُب و ِّ ونقض العِّلَّة أحد ِّ سمى نقض العِّلَّة، فهذا ِّ
أعظم ُ ُ يعتُبُونه وص ًفا يُ َّ
س أييت القائِّ
اض نقض العِّلَّة ،أي ِّ فإن أقوى ُوجوه اَّلعرت ِّ َّ ياس، القياس ،وإذا اعرتض أح ٌد ما على ِّ
الق ِّ
ُ َ َ
باشرًة سأعتَ ِّذر أن ِّعلَّته غري ُمطَِّّردةُ ،م َ
أكتشف َّ فلما أنظر يف العِّلَّة و ِّ ِّ ِّ َّ
أمامي ،فيُثبت للقياس ويُبدع علتهُ َّ ،
ِّ ِّ
ألن ِّعلَّتك غري مطَِّّر ٍ ِّ ِّ ِّ
دة. صحيح؛ َّ َ ُ ُ ٍ ك غري ياس َ
على قياسه وأقول :ق ُ
ِّ ِّ ِّ ِّ
لفساد قض العلَّة ُموج ٌ
ب ضت ،ونَ ُ إذن من شروط العلَّة :أ ْن تكون ُمط ِّرد ًة ،فإذا َلْ تَطَِّّرد فقد انت َق َ
القياس ،نعم. ِّ
شرط احلُكم
171
تعريف ِ
العلَّة واحلُكم
والعلَّة هي اجلالِبة للحكم ،واحلكم هو املَجلُوب ِ
للعلَّة". املنتِ ":
ُ ُ ُ ُ
اليت أتَت ابحلكم ِّ . ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
الذي ُ للحكم" ،ما معىن جالبة؟ العلَّة هي اجلالبةُ ُ
للحكم ،هي ِّ "العلَّة هي اجلَالبَةُ ُ
أيضا -حمَ ُّل نِّز ٍاع كب ٍري ِّ ِّ ِّ
للحكم؟ هذاً -َّارع أو العلَّة؟ كيف تقول العلَّة هي اجلالبة ُ
أَتى ابحلُكم هو الش ِّ
ِّ ِّ يف ُك ِّ
للحكم" ،ومنهم َمن يقول":هي تب األصول يف تعريف العلَّة ،فمنهم َمن يقول":هي املُقتَضي ُ
صف املؤثِّر يف احلُكم".ُ الو
َ للحكم" ،ومنهم َمن يقول":هيُ ث ِّ
الباع ُ
ُ
االختالف يف التَّعريفات
ٍ
عقدي عندهم وم ِّ
عتزلةٌ ،وتعود إىل ٍ
أصل ِّ اختالفهم يف الت ِّ
َّعريفات احلقيقة هو مدرستان كبرياتن :أشاعرةٌ ُ
-أقوِلا فقط للفائِّدة-.
• املعتزلة:
جوب ِّرعاية األصلَح على هللا -تعاىل هللا عن فيما يرى املعتزلة الت ِّ
ويرْون ُو ََ ،ني ْ ي
َّ العقل َّقبيح
ت ال
و نيَّحس
ُ
عرفون بتعريفاتٍ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
فإهنم يُثبتُون لألشياء أوصافًا ُمؤثرًة بذاهتا ،فالعلَل عندهم تُؤثر بذاهتا ،فلذلك يُ ِّ ذلكَّ ،-
ُ َ
الباعث عن احلُكم". ضية للحكم" ،يقولون " ِّ ِّ ِّ ٍ
للحكم" ،يقولون":املُقتَ َ ُ قويَّة ،يقولون":اجلالبة ُ
• األشاعرة:
172
تقول :هي ِّ
الباعث ،فقالوا :هي امل َع ِّرف اليت ُ األشاعرة هذا ،رفضوا التَّعريفات ِّ ِّ فلما رأى
كلَّ ، على ٍ
ُ ِ
للحكم". ِ
العقدي ،قال ُهنا":العلَّة هي اجلالبة ُ
ِّ يف يت َِّّفق مع أصلِّهم
للحكم ،حاولوا أ ْن يبحثوا عن تعر ٍ
ُ
وجل ِ-لا َأتثِّريا ،و ِّ
اطَراد َّ عز
َّ -هللا ِّ
جبعل بل ا،ي
ًّ ذات ليس َّأثري
ت ال
و ، روصف مؤثِّ السنَّة يقولون :هو
أهل ُّ
ً ْ َ ٌ ُ ٌ
اجتهاد من الفقيه والنَّاظر يف املسألة.
ٌ وعدمه هو
احلُكم َ
• تعقيب:
القياس ،وهو على طريقتِّه يف اِلجيازَّ ،إّنا ِّجيب أ ْن أقول يف ِّختام هنا انتهى كالمه -رمحه هللا -عن ِّ
ُ
ألهنا مربِّ ُ
ط احلديث عن العِّلَّة؛ َّ ياس يف ُكتب األ ِّ
ُصول هو الق ِّ مباحث ِّ أهم ِّ إن َّ القياس هنا َّ : احلديث عن ِّ
ُ
ُّق العِّلَّة.كم يف النِّهاية يدور على :حتق ِّ وح ٌ أصل وفرعٌ ُ ال َفَرسٌ ،
ثل قوله ﷺَّ ":إّنا ُجعِّل اَّلستِّئ َذان من أجل البصر" ،قال ُ ودل عليهاِّ ،م العِّلَّة هذه إ ْن ثبتَت يف النَّص َّ
ٍۢ ۡ ۡ ۡ ۤ
ني ٱألَغنِّيَا ِّء ِّمن ُك ۡم ﴾. ۡ ِّ
هللا تعاىل يف مال ال َف ْيءَ ﴿ :كی ََّل يَ ُكو َن دُولَةَ بَ َ
فإن ال ُفقهاء يكتفون به ،ويقولون هذا هو ِّعلَّة احلكم ،ويف ٍ
أحيان ص ِّر ًحا ابلعِّلَّةَّ ،
ُ مىت جاء الدَّليل ُم َ
جيته ُد ال ُفقهاء يف ماذا؟ يف فهنا ِّ بذكر العِّلَّةَّ ،ل ِّ كثرية َّل أييت احلديث وَّل اآلية ِّ ٍ
تلميحاُ ،ً تصرُيًا وَّل
استنباط العِّلَّة.
أدق املسالِّك القياس ،هو :البحث عن العِّلَّة واكتشافُها ،وهذا هو ُّ أدق مسائِّل ِّ وهذا احلقيقة هو ُّ
فردون يف أبواب ِّ ُ ِّ وعمق الغَوص يف مسائِّل ِّ
القياس اكتشاف العلَّة ،ويُ ُِّ القياس عند األُصوليني ،هو ُ ُ
اليت يشتَغِّل البحث عن العِّلَّة ُ .مثَّ ي ْذ ُكرون َ
لك الطُُرق ِّ ِّ سموهنا :مسالِّك العِّلَّة ،أو طُُرق وفصول يُ ُّ
َ مسائل
َ
هبا ال ُفقهاء.
ويرْون الكالم ِّ ُّ ِّ
ويرْوهنا صعب ًةَ ، عاد ًة تكون هذه املباحث ُمزعج ًة عند الطالب الدَّارسني لعلم األُصولَ ،
تصوَره وعرف ماذا يقصدون وفهمهُ لذي ٌذ ملن َّ ُ دقيق حقيق ًة، ٌ ومتعِّبًا للعقل ،لكنَّه َم َس ٌ
لك ُ
فيها م ِّ
زع ًجا ُ
َ
لك :استخرِّج تسبح فيه ،وقُلنا َورمينَاك لكي َ الشريعةَ ، ك أمام حبر َّ ب أنَّ َ لك َ :ه ْ هبذا الكالم ،هو يقول َ
جليلةِّ ،ح َك ٍم رَّابنِّيَّ ٍة،
أحكام شرعيَّ ٍة ٍٍ أنت تتعامل مع ليست ابليسرية ! َ َ إخوة اي املسألة األحكام، ل
َ ل
َ ِّ
ع
البشري ِّ ِّ
قدر
أجل كذا ،هذا فيه ٌ الُب من ِّ الراب يف ُِّ حرم ِّ إن اِلسالم َّ القاصر أ ْن تقول َّ : ِّ كوجتتَ ِّهد بعقل َ
173
الذي مكنةِّ ،
كل الوسائِّل امل َِّّك تستَ ِّنف ُذ َّ كبريٌ من اجلُرأَة ،وُتشى أ ْن تكون افتِّئَ ً
الشريعة !لكن َ اات على َّ
ُ ِّ ِّ
دليال.
وجدت فيها ً َ فروع ما
وإحلاق ٍ ك على ذلك هي ُحماولةٌ لتَوسيع احلُكم، ُيملُ َ
أدق املسالِّكالبحث عن العِّلَّة وطُرق استنباطها أو مسالِّكها من ِّ
َ ُ ابب كبريٌ ،و ُ فعلى ُك ٍل هو ٌ
هما دقي ًقا وعُم ًقا يف إدر ِّاك ِّ
قلت يف بداية احلديث َّ -إَّل َمن ُرِّزق فَ ً يقوى عليها -كما ُ وأصعبها ،وَّل َ
ث ِّعلم األُصول الشريعة والبحث عن العِّلَل ،احلقيقة يكاد يكون هذا الباب هو أصعب ِّ
مباح ِّ ِّ
مقاصد َّ
أحياان
َّارس ً الذي يكتفي فيه الد ِّ ودقَّة مسالِّكه ،ونُدرة التَّطبيق العملي ِّ وضه ِّ
على اِلطالق؛ لدقَّتِّه وغُم ِّ
َ َ ُ
ِّ ِّمبُ َّ ِّ ِّ
حىت
يكاد يفرغ منه َّ جرد التَّقسيم والتَّنويع والتَّعريف وَّل ِّجي ُد ُُم َارس ًة عمليَّة ،فيبقى جافًّا عندهَّ ،ل ُ
َج ِّل املسالِّك. ِّ
ينتقل للباب الذي يَليه ،لكنَّه حقيق ًة من أ َ
ِّ
• تنبيه:
املذاهب املسلِّمة أح ٌد يف ابب ابلقياس :مجيعكم يعلم أنه ََل ُُيالِّف من أهل ِّ
ْ ُ
التَّنبيه األخري فيما يتعلَّق ِّ
ُ ُ
ِّ ُ وإّنا انفصلوا عن ِّ ِّ
املذاهب األربعة وأصبحوا مذهبًا ُمستق ًّال من أجل هذه املسألة القياس َّإَّل الظَّاهريةَّ ،
أجل ابب ِّ
القياس-. -من ِّ
اليت جاءت يف النُّصوص ،هو ِّ
ابأللفاظ ِّ اعتمادهم على ِّ
ظاهر النُّصوص واكتفاؤهم ِّ
فإنكارهم للقياس و ُ ُ
ستق ًّال ،ومنه اُستُِّقي اسهم :مذهب الظَّاهريّة ،أي :اَّلكتفاء بظاهر النُّصوص، الذي جعلهم مذهبا م ِّ
ً ُ
ِّ
لطاان ،وهو
وجل -به ُس ً عز َّ يع ما ََلْ يُ ِّنزل هللاَّ -
أن توسيع احلُكم هو تشر ُ أن البحث عن العِّلَل و َّ ويرْون ََّ
مذهب قام على هذه الدين ،هو أن هذا نوع من فرض اآلر ِّاء يف ِّ َّارِّع يف تشر ِّيع األحكام ،و َّ
نازعةٌ للش ِّ
ٌ ٌ ُم َ
الرؤية ملا أسسهُ داود الظَّاهريُ ،مثَّ مشى عليه ابنه عليُ ،مثَّ انتصر له ابن َح ْزم وغريه من الظَّاهرية
ُّ َّ
الذين ساروا على هذا املذهب. ِّ
ِّ ومتني يف ِّ ِّ
عتُب إنكارهم عتُب ،ويُ َ
سائر أبواب األُصول ،لكنَّه يف ابب القياس َّ:ل يُ َ قوي ٌ مذهب الظَّاهرية ٌ ُ
حىت يف زمنه.ﷺ وتطبيقات نبوي ٍةَّ ،
ٍ الصحابةوخالفهم شاذًّا ،مسبوقًا إبمجاع َّ ِّ
القياس؟ َّل حىت تفهم :كيف تعامل ال ُفقهاء مع ِّخالف الظَّاهرية يف ابب ِّ لكن َّ ما أُر ُ
َ يد اِلطالة فيهْ ،
القياس من األدلَّة املت َفق يعتُبونه ِّخالفًا وَّل ينظرون إليه ،وِلذا ُيكي بعضهم اِلمجاع يقول لك ِّ :
َ
ِّ ِّ ُ
لك َّ:ل عُبَة خبالف الف كبريٌ للظَّاهرية؟ يقول َ الشريعة .كيف ُمت َفق عليها وفيها ِّخ ٌ عليها يف َّ
174
ويرْون ياس، الفقهية ويف ابب ِّ
الق الظَّاهرية يف هذه املسألة ،وهم َّل يطرحون ِّخالفهم يف األبواب ِّ
َ
ِّخالفهم شاذًّا مطَر ًحا َّل يُ َّ
عول عليه ،نعم.
175
ب يف هذا ،منهم َمن قال :هو احلظر ،ومنهم َمن قال :هو اِلابحة، ساق املؤلِّف -رمحه هللا ِّ -
املذاه َ
َ ِّ ُ
حىت ُيرج من إشكال يقول َّ:ل ،األشياء هذي ومن بعده َّ - الرازي َ بل من َّ واملُتأخرون من أُصولينيْ -
األصل يف املضار :التَّحرمي، و اِلابحة، : ع منها ما هو منافِّع ،ومنها ما هو مضار ،فاألصل يف املنافِّ
ُ ُ
كل ما ِّجيد يف حياة ث﴾ُ ،مثَّ تقيس على ِّ ات َو ُُيَ ِّرمُ َعلَيْ ِّه ُم ا ْخلَبَائِّ َ
نص يف هذا﴿ و ُُِّي ُّل َِل م الطَّيِّب ِّ
ُُ َ َ لك ٌّ و َ
جديدا من اللُّحوم ،شيئًا اكتشفهُ النَّاس فِّيما
نوعا ً جديدا من البِّحارً ، طعاما ً النَّاس :استخر َج النَّاس ً
فأنت تُطلِّقه على هذا األصل، يتعلَّ ُق ابملعادن واستعماِلا ،أو املالبس ،أو املركوابت ..كل ذلكَ ،
نعم.
احلظر واإلابحة
ُ
أن األشياء على احلظ ِر َّإال ما أابحته َّ
الشريعة ،فإ ْن َملْ َّاس َمن يقول َّ
فمن الن ِ وأما احلظر واإلابحة ِ : " َّ
ُ
بض ّد ِه
َّاس من يقول ِ
تمسك ابألصل وهو احلَظر .ومن الن ِ َ يدل على اإلابحة يُ ّ
الشر ِ
يعة ما ّ وجد يف َّ يُ َ
الشرع ،ومنهم َمن قال ابلتَّوقُّف". ِ
اإلابحة َّإال ما َحظََرهُ َّ األصل يف األشياء َّأهنا على وهو َّ
أن
َ
األصل يف
قسموا هذا فقالوا ُ : ومن بعدهم َّ الرازي والبيضاوي َ عددا من األُصوليني ك َّأن ً لت لكم َّ وقُ ُ
ِّ
حىت َّل يط ِّرد َ
عليك األصل يف املضار التَّحرمي ،فكان هذا قوًَّل َو َسطًا ،وهو جيدَّ ،
املناف ِّع اِلابحة ،و ُ
ض بغريه ،نعم. ِّ
أمر ينتق ٌُ
االستصحاب
178
يقص ُد ابلقياس اجللي :قياس العِّلَّة ،والقياس اخلفي :ما كان أضعف ،كقياس الشَّبَه. ِّ
األصل وإَّل بقي ِّ
َ أوىل ،فإ ْن ُوجد يف النُّطق ما يُغريُ
اجللي َ
اضح ُّ القياس الو ُ
يتفاوت عندك قياسان ُ : ُ فلما
َّ
على استصحاب احلال.
األصل قبل
السنة ما يُغري األصل ..ماذا يقصد بتغيري األصل؟ يقول ُ : إذا ُوِّجد يف الدَّليل من الكتاب و ُّ
الصلوات، اجب من َّ يعة براءةُ ِّ
الشر ِّ
الصلوات ما كان فيه شيءٌ و ٌ فرض َّ َ ت
ُ أن قبل كليف، الت وعدم
ُ مةالذ َّ
اجب من الصيام ،قبل َّ فرض رمضان ما كان فيه شيء واجب من ِّ قبل ِّ
الزكاة ما كان فيه شيء و ٌ ٌ ٌ
وغري األصل ،يعن :أثبَت حقوق يف األموال .هذا يقصد الُباءة األصلية أو األصل ،فإذا جاء الدَّليل َّ ٍ
ليل فقد َغري األصل ،مبعىن :أنَّه انتقل من ٍ ٍ
وجوب عبادة ،أثبَت وجوب عقد من العُقود ..إذا جاءَ الد ُ
وحساب ،فإذا ُوِّجد يف الدَّليل ما يُغري األصل ٍ اءة إىل تكليف .انتقل من عدم املطالَبة إىل م ٍ
طالبة ُ
الُب ِّ
ُ
بقي على األصل. َّ
وإَّل َ
فأنت تستنِّ ُد إىل
دليال َجتد ً دليل اَّلستصحاب ،عندما َّل ُ قليل يف ِّ هو نفسه الذي تكلمنا عنهُ قبل ٍ
العدم األصلي أو الُب ِّ
اءة األصلية.
لبيان ما الذي يسلُ ُكه الفقيهُ عند البحث يف األدلَّة؟ هذا ترتيب يذكرونه يف منتهى هذه األبواب؛ ِّ
ُ ُ ٌ
نعم .
شروط املفيت
180
كل و ٍ
احد الشريعة ،من أسهل ما يكون أن يتكلَّم احلاضرون يف اجمللس ،ويُديل كلٌّ بِّ َدلْ ِّوِّه ،و ُّ بينما َّ
احد أيخذ منه بكأسه ،ويشرب كما شاء ،بل كل و ٍ وهنر جا ٍر ُّ يتكلَّم وكأنه ُ
يغرف كما شاءٌ ،
الشريعة؛ ُمثِّلني
إذاعية أو صحفيَّ ٍة مع بعض أبعد النَّاس عن َّ ٍ مقابالت تلفاز ٍية أو
ٍ أصبحت حىت يف
الرجل لِّ َّلزوجات ،مسألةٌ شرعيةٌ تقول الت ،وَّلعب كرٍة ،يقال له :ما رأيك يف التعدُّد؟ !تعدُّد َّ وُمثِّ ٍ
للسقط الذي مثال َّ لو ٍ
احد ِّمن َس َق ِّط النَّاس ما رأيك؟ !تسأله عن رأيه يف قضيَّ ٍة شرعيَّ ٍة؟ !هذه احلقيقة ٌ
فضال عن َّ
أن سقطت معه هيبة التَّعامل مع القضااي الشرعيَّةً ، ْ وصل إليه بعض أطراف اجملتمع،
حمل
ت َّ أصبح ْ
أيضا َ صدر فيها فتاوى على اختالف أهل العلم يف تقرير احلكم واملسألة ً القضااي اليت تَ ُ
ويعرتض؛ واح ٌد يقول َّل صح ،والثَّاين يقول َّل خطأ ،وهذا كلُّه من اجلرأة يف ُ غم ٍز ومل ٍز ،وكلٌّ ُ
ينتقد
كل ما ُميكن وحتمى أبو ُاهبا ومسائلها وأسوارها عن ِّ الشريعة وتصا َنُ ،
اجب أن ُحتمى َّالتَّعامل ،وكان الو ُ
ونص
ف هذا الباب ،ونقول :العناية هبذه املسائل كانت قدمي ًةَّ ، ِّ
أن يدخل منها العابثون ،فنحن نوق ُ
عليها أهل العلم يف اِلشارة إىل ما جيب ويتحتَّم على أهل العلم العنايةُ به يف أبواب اِلفتاء واَّلجتهاد.
• شروط املفيت:
181
لما
جمتهدا عليه أن يكون ُم ًّ
صد َق أن يكو َن ُم ْفتيًا ً فحىت يَ ُ
لن يُسعفهُ ذلك يف تقرير أحكام النَّوازلَّ ،
فروعا وأصوًَّل.
ابلفقه ً
ٍ
خالف ،فيتشدَّد يقف على
يتسىن له أن َ أيضا يف دائرة املذهب ،مث َّل َّ "خالفًا ومذهبًا "حىت َّل ينغلق ً
ٍ
خالف فيه. يقف على يف ٍ
قول ،أو يرفض مذهبًا آخر ،أو َّل ُ
فسر ذلك بقوله" :عارفًا مبا ُيتاج إليه يف استنباط األحكام : "أن يكون كامل اآللة يف اَّلجتهاد " َّ
نصوص شرعيَّ ٍة ،وهذه أوىل ما يتحتَّم العناية ٍ حنو ،لغةٌ ،معرفةُ رجال ".النَّحو واللُّغة ألنه يتعامل مع ٌ
الرسالة على وجوب عناية الفقهاء الشافعي -رمحه هللا -كان ُمَّن أكثر َم ْن نبَّه يف كتابِِّّه ِّ
ُّ هبا ،واِلمام
أعظم اآلَّلت الَّيت يُستعا ُن هبا يف ْفهم النُّصوص. ِّ ِّ
العريب وضبطه؛ ألنه ُ ابلِّلسان ِّ
ضا معرفته بتفسري اآلايت الواردة يف األحكام ،واألخبار الواردة فيها".
قال" :ومن شرطه أي ا
هذا املصطلح على تسميته اليوم لدى طلبة العلم آبايت األحكام وأحاديث األحكام ،هذه مجلةٌ من
ط
يتعني؛ يف اجلملة هي شرو ٌ تفصيال وما الذي َّ ً يوسع أكثر يف اشرتاط الشُّروط الشُّروط ،بعض الكتب ِّ
تدور على إتقان الفقيه أو اجملتهد لآللة اليت ُمت ِّكنه من النَّظر يف األدلَّة والتَّعامل معها وهذا َّل ريب
خالف ،وهو شرط العدالة ،شرط ٍ حمل
بعضهم َّ فيه ،لكن ها هنا جيب أن نُنَ بِّه على ٍ
شرط يذكره ُ
ط لقبول فتواه َّل َّلجتهاده يف نفسه، أن هذا شر ٌوُي ِّررون يف هذا َّالصالح يف الفقيه واجملتهدُ ، التَّقوى و َّ
لكن اشرتاط العدالة فيه من أجل جمتهدا فاس ًقاَّ ،
عدَّل ،ميكن أن يكون ً يعن ليس ابلضَّرورة أن يكون ً
شرعي ،تتكلَّم عن
ٍ صحيح ،ألنَّه أنت تتكلَّم عن ماذا؟ تتكلَّم عن إدراك حك ٍم ٍ قبول فتواه ،وهذا غري
فاسق؟ !أن يؤاته؟ ملا تكلَّم على فاسق ماذا يقول؟ ليس املقصود أتظن أن يُ ْؤاته
ُّ ٍ
فقه يف دين هللا،
َّ ٌ ُ
جماهر ٍ تعرف ما معىن فاسق؟ فاس ٌق يعن :
صاحب كبرية ،أو ٌ ُ معصوم ،لكن ُ ٌ العاصي فليس فينا
فسق.
مصر على الصغائر ،هذا ٌ ابملعاصي ،أو ٌّ
زل عاد واستغفر وأانب ،هذا َّل نتكلَّم عنه ،نتكلَّم عن الفاسق كن العاصي التَّائب الذي كلَّما َّ ل َّ
حتجرياَّ ،
كال ليس ا؟ جمتهد
ً يكون أن ميكن هذا َّ
أن رِّ
نقر أن حناول فكيف يعة، ر الش
َّ ِّ
حدود املتجاوز
ً
ٍ
بتساهل يف أحكام تتصور أن يُؤتياها النَّاس
الدينَّ ، يفة يف ِّ تبة شر ٍ
يعة ،ومر ٍوهللا ،لكنها نيل حلكم شر ٍ
يدل العباد على احلالل واحلرام ،وهو ُِّمَّن يلِّ ُغ يف احلرام أو دليال ُّ
الشريعة؟ يعن هل تريد أن يكون ً
182
ين ﴿أيَيُّها ٱلَّ ِّ
استبعادا عقليًّا ،حىت شرعيًا؛ هللا ﷻ يقول ََٰ َ ۡ َ
ذ ً يقصر يف جنب هللا؟ هذا بعي ٌد جدًّا ،ليس
ۡ ۡ ِّ ِّ ۡ ۡ ۡ
ٱَّللُ ذُو ٱل َفض ِّل اان َويُ َك ِّف ۡر َعن ُكم َسيَات ُكم َويَ َ َ َّ
و م ۡ ك
ُ ل رۡ ِّ
ف غ ۡ ۡ
ٱَّللَ َجي َعل لَّ ُكم فُرقَ ً ءَ َامنُ واْ إِّن تَتَّ ُقواْ َّ
ِّ ۡ
الصواب ِّ
ٱل َعظيم﴾ ،فعلق حصول الفرقان -وهو النُّور الذي يُفرق به الناظر بني احلق الباطل و َّ َّ ِّ
ني ِّمن ٱَّللَ وء ِّامنُواْ بِّر ُسولِّ ِّهۦ يُ ۡؤتِّ ُك ۡم كِّ ۡفلَ ۡ ِّ َّ ِّ
واخلطأ -علَّقه بتقوى هللا ﷻََٰ ،
َ ين ءَ َامنُواْ ٱتَّ ُقواْ َّ َ َ ﴿أيَيُّ َها ٱلذ َ ۡ
سداد العبد يف دنياه وأخراه ، ﴾ يم حِّ ر ور ف غ ٱَّلل
َّ و ۡ
م ك
ُ ل
َ رۡ ِّ
ف غ
ِّ ِّ ۡ
يو ۦ ه ب ن و ش متَ ا
ور ن ر ۡمح تِّ ِّهۦ و ۡجي عل لَّ ُك ۡ
م
ُ َ ُ ٌ ٌ َّ ُ َ ََ َ ً ُ ُ َّ َ َ َ َ
اط مستقي ٍم؛ فأن يدل الناس على دي ٍن وصر ٍ يعة ُّفضال عن أن يكون عاَل شر ٍ وصالحهً ، ِّ ط بتقواه لربِّهُمنا ٌ
كبرية ،واقع غي الكبائر أو شيئًا منها ،أو جياهر تَ ُقول ميكن أن يكون مع هذا فاس ًقا أو صاحب ٍ
فكل ذلك ينبغي أن ُُيَّرر بعناية. ابآلاثم ،أو َّل يكرتث بدين هللا وأحكامه وشريعتهُّ ..
شروط املستفيت:
مث انتقل -رمحه هللا -للحديث عن شرط املستفيت.
"شروط املستفيت :ومن شروط املستفيت أن يكون من أهل التقليد ،فيقلِّد املفيت يف ال ُفتيا ،وليس
للعامل أن يقلِّد ،وقيل يقلِّ ُد".
إ ًذا املقصود ابملقلِّد من َل يصل درجة اَّلستقالل ابلنظر يف احلكم ،فمثل هذا حقُّه السؤال ألن هللا ﷻ
قال﴿ :فَاسأَلُوا أَهل ِّ
الذ ْك ِّر إِّن ُكنتُ ْم ََّل تَ ْعلَ ُمو َن﴾ َْ ْ
حجة""والتقليد :قبول قول القائل بال َّ
حجة؟ ملَّا أييت املقلِّد فيستفيت مفتيًا ،يكفيه فتواه أن يقول له هذا ٌ
حالل وهذا حر ٌام، ماذا يعن بال َّ
"بال حجة "مبعىن أنه َل يفهم الدَّليل وَّل يلزمه ،لكن هل يلزم املفيت أن يذكر الدليل؟ هذا من
يتأدب هبا أهل العلم يف الفتوى ِّ :ذكر الدَّليل وإن َل يستوعبه املستفيت ،لكن ربطًا املستحسنات اليت َّ
تعظيما للنُّصوص،
ً يورث عندهم وساع ِّه وإِّلْ ِّف ِّهُ ،
للناس ابلدَّليل ،وتربي ًة ِلم على التَّعامل مع الدَّليل ِّ
دليل من الَّيت تصدر عن هوى. وإقباَّل على متييز الفتوى املستندة إىل ٍ ً
183
تسمى ت ْقلي ادا ،وم ْنهم من قال التَّـ ْقليد :قَـبُول قَـ ْول القائل وأنْ َ لنيب ﷺ يُ َّ "فَعلَى ه َذا قَـبُول قَـ ْول اَ ِ
سمي قَـبُول قَولِه ِ
يجوز أن يُ ّ لنيب ﷺ كان يَـ ُقول ِابلْقياس ،فَ ُ َال تَد ِري ِمن أَيْن قاله ،فَِإن قُلنَا إِ َّن اَ ِ
ت ْقلي ادا".
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
عليه
لنب ْ أثر ِّيف الث َمار الف ْقهيَّة ،والْفروع املرتتبة ْ
علي َها؛ هل كان اَ ِّ َهذه َمسائل ُيوضون ف َيها ،و ْليس َِلَا ٌ
لت نعم أو قُ ْلت َّل ِّيف النِّهاية ستع ِّمل القيَاس ِّيف تَعلِّيم النَّاس أَح َكام َّ
الشريعة؟ إن قُ َ السالم يَ ْالص َالة و ََّّ
قره على َش ْي ٍء ُُتَالَف فِّيهوجل َّل يُ ُّ
عز َّ ِّ ِّ ِّ
َما يُثْبِّت َعْنه ﷺ دينًا وت ْشر ًيعا ل ْأل َّمة ُهو اَلذي َ
ثبتَ ،واَ ََّّلل َّ
ينزل الوحي ِّيف اِّست ْدراك ب عض املواقف كما حصل ِّيف ٍ
عدد ِّمن الوقائع النَّبويَّة، َ َْ ْ الشريعةَ ،و ِّ ْ أَح َكام َّ
السالم.
الص َالة و َّعليه َّ ِّ ِّ اس ْتعمل القيَاس لَنَا َْحنن َّ
ثبت من ُسنته ْ أن اَحلُكم َ فَ َسواء تَ ُقول ْ
االجتهاد
ْمجتهد إِ َّن كان َك ِامل اَآللَة ِيف الو ْسع ِيف بُـلُوغ الغرض ،فال ْ االجتهاد فَـ ُهو بَ ْذل ُ االجتهاد َ :و َّأما ْ " ْ
احد"االجتهاد فَِإن اِجتهد ِيف اَل ُفروع فَأَصاب فله أَجران ،وإن اِجتهد وأ ْخطأ فله أَجر و ِ
ْ َ َ َ َ ْ
ِّ ِّ ِّ
أصاب فَ لَهُ
َ فاجتَ َه َد ُمثَّ
املست ْدرك":إذا َح َك َم احلاك ُم ْ ه َذا ُم ْستَن ٌد إىل حديث َما َرَواه احلاكم ِّيف ْ
شرتط ِّأبن يَ ُكون الباذل ِّ ِّ
أج ٌر" َوه َذا فيه َرفْع احلرج ،لَكنَّه ُم ََ أخطَأَ فَ لَهُ ْفاجتَ َه َد ُمثَّ ْ
أجران ،وإذا َح َك َم ْ ْ
اَّلجتهاد َوقَام ِّهبَا ،فَإ َذا مىت يَ ُكون ْأه ًال؟ إِّ َذا كان قد َّ ِِّلذا اَّلجتهاد أهال لِّ
حصل آلة ْ َ َو تهاد، الج
ْ ْ ْ َ
ِّ ِّ ِّ
َجران ،وإن َصاب فله أ َ امتلَك اآللَة وب ْذل اَ ُلوسعَ ،ونظَر ِّيف اَألدلة ،فعْندئذ ُهو اَلذي يُ َقال فيه" :إن أ َ
ت أَخطَأ فله أَجر" ،لَ ِّكن أيِّيت مب ت ِّدئ ِّيف طلب العلمَ ،انقِّص اَآللَةَ ،غري أَه ٍل لِّ
ضربَ ُ كما َ َ َف - وى ت
ْ فلْ ْ ْ َ ُْ َ ٌْ
الشريعةُ ،مثَّ ي ُكون عذره إن أُصب ِّ
َجران
ت فلي أ َ ُْ ُ ُ َ ئ على ُح ُدود َّ وجيرت ُاألسوار َ ويتسلَّق ْ قليل َ - املثَال قَ ْبل ٍ
ِّ ِّ ِّ ِّ
جتهد احلاكم فَأَصاب. َجٌر َواحد ،ه َذا َّل ميُْكن أن يُ َقال ،لَكن إِّ َذا ا َ وإن أَخطَأت فلي أ ْ
َجٌر ،على َما َذا؟ الص َواب أ ْ َجران "حال َّ َوِِّل َذا قال" :إن كان َك ِّامل اَآللَة ِّيف ْ ِّ
اَّلجتهاد يف اَل ُفروع فله أ َ
اَّلجتهاد .يَ ُقول أ َْهل العلم : رَج أ هل
َ ي الصواب و ِّ
بق َّ رَجأ هت اف
َ أط
َ َخ
أ ن ِّ
إو ته، صاب ِّ
إ على أجر و تهاده ج اِّ
ْ ْ َ َ ُ ْ َ َ َ ٌ ْ
وما نَفعُوا بِّه العبَاد ِّمن دَّللتهم على َفضل النُّصوص و ْاألدلَّة اَلَِّّيت تَش ُكر أ َْهل العلم ِّيف اَألُمةَ ،
ِّ
ه َذا من أ َ
لطريقَ ،و َّأَّل يَشعُر حث َِلُم على أن يُواصلوا ِّيف ه َذا اَ ِّ ؤجرون بِّهُ ،مثَّ ُهو ٌّ وجل ،وما ي ِّ
عز َّ َ ُ أَح َكام اَ ََّّلل َّ
184
ف عن نَ ْفع النَّاس؛ ِّأل َّن النَّاس إِّ َّن ََل َجي ُدوا ِّمن أ َْهل َحدهم ِّاب ْحلَرج إن أَخطَأَ ،وأيتِّيه الشَّْيطان فَي ُك َّ
أ ُ
اعت ،لَ ِّكن يَب َقى أ َْهل العلم ضَ فسريكنون إِّىل ْأهوائهمَ ،وإ َذا َركنَت اَأل َُّمة إِّىل اِلوى َ يدِلم ْ العلم َما ُّ
العصمة لحظ آخر لَطيف :وُهو أَنَّك ََّل تَ َِّ ِّ يَدلُّون النَّاس ،ويُصيبون ُ
الص َواب أو ْ فرتض َّ َ وُيْطئون؛ فيه َم َ
ٍ ِّ ِّ ِّ ِّ
ِّيف أ َْهل العلم ،لما َذا؟ يَست ْكثر بَ ْعض النَّاس على َعا ََل من العلماء إِّ َذا أَخطَأ ِّيف َم ْسأَلة ،فيشنعون ْ
عليه،
حرضوا النَّاس عليه ،وقالوا :انظر فالن ماذا يقول يف مسألة كذا ،وماذا َويس ُقط ِّمن أَعينِّهمَ ،وُرمبَا َّ
مأجور على هذا طاملا وثِّقنا بِّعلمه وداينته ،وركنَّا إليه يف ٌ يقول يف مسألة كذا !اي أخي ابلعكس ،هو
الشريعة على ثبوت األجر له. نصت َّ حمل تشني ٍع ،وقد َّ الدََّّللة على ُحكم هللا ،فمثل هذا ليس َّ
وال َجيُوز أن يُـ َقال ُكل ُْجمتَ ِه ٍد ِيف اَألُصول الكالميَّة صيبَ ، ٍ
"وم ْنهم من قال ُكل ُْجمتَ ِهد ِيف اَل ُفروع ُم ٌ
ْكفارصيب؛ ِأل َّن ذَلِك يُؤِّدي إِىل تَص ِويب أ َْهل الضَّاللة ِمن النَّصارى والْمجوس وال َّ ُم ٌ
والْملْحدين".
صح؟ لكن َه ِّذه َم ْسأَلةٌ مأجورَّ ،
ٌ صيب؟ َْحنن قُلنَا اآلن ُك ُّل ُْجمتَ ِّه ٍد ٍ ِّ ِّ
َهذه َم ْسأَلةٌ أَخ َريةٌ :هل ُك ُّل ُْجمتَ ِّهد ُم ٌ
عن على صو ٍ ٍ
تسألَن ِّيف العقيدة أو رق بَْني أن ْ اب-؟ يَ ُقول :فَ ٌ ََ ُخرى :هل ُك ُّل ُْجمتَ ِّهد ُم ٌ
صيب -يَ ِّ أ َ
صيبِّ ،ألَنه يُْل ِّزم ِّمن ه َذا أن يَ ُكون َْ ُ ٌ م تسألن ِّيف الف ْقه؛ إِّ َذا ُكْنت تسألن ِّيف العقيدة فليس ُك ُّل ُجمت ِّه ٍ
د ْ ْ ْ
اب ،والْم ْلحدون إِّ َذا اِّ ْجتهدوا ِّيف عقائدهم الباطلة ور ْأوا َّ
أن اب ،والْكفَّار على صو ٍ النَّصارى على صو ٍ
ََ
صويب العقائد الك ْفريَّة َ .وِّيف الف ْقه؟ ِّمْنهم ِّمن َأت َّول ؤدي إِّىل تَ ِّ ه َذا هو اَحل َّق ،وه َذا لَيس صحيحا ،ي ِّ
ً ُ ُ َ َ ْ
عن ِّخ َالف احلنفيَّة اب فِّيما أ ََّداه إِّلَيه اِّجتهاده .و ِّ
اض ٌح؟ يَ ِّ فَ َقال :نعم ،مصيب ِّمب ْعىن أَنَّه على صو ٍ
َ ْ َ ََ ُ ٌ
والشَّافعيَّة يف النِّ َكاح بَِّال َوٍِّيلِّ ،خ َالف احلنابلة مع َغ ِّريهم ِّيف نَ ْقض اَ ُلوضوء ِّمن أَ ْكل َحلْم اَِلبِّل ،فهل
اح ٌد ،طَيِّب هل كل ُْجمتَ ِّهد ُمصيب؟ الصواب و ِّ ِّ
ص َواب؟ َّ َ َ
القو ْ ِّ
لني َ صيب؟ أَجب !هل ُك ُّل ْ كل ُْجمتَ ِّهد ُم ٌ
ُّ
يد ُّل
اح ٌدَ ،و ُ قصد إِّصاب َة اَحلكم اَلشر ِّعي ِّعْند اَ ََّّلل فليس ُك ُّل ُْجمتَ ِّه ٍد مصيب ،اَحلكم كم؟ و ِّ إِّن ُكْنت تَ ِّ
َ ُ ٌ ُ ْ ْ ُ َ
لصواب إِّصاب َة قصد ِّاب َّ على ه َذا قَولُه ﷺ":إِّذَا اِّجتهد فَأَصاب ،إِّذَا اِّجتهد فأخطأ" ،إِّ ًذا هو ي ِّ
ُ َ ْ َ َ
اجملتهدون يف إِّصابة اَحلُكم ِّعْند اَ ََّّلل ،إِّذًا لَْيس ُك ُّل ُْجمتَ ِّه ٍد ُمصيبًا. ويتفاوت ْ
ُ اَحلُكم،
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ٍ ِّ ِّ ِّ
يما أ ََّداه إِّلَيه ا ْج ُ
تهاده، ص َواب َرأيه عْند نَفسه ف َ عن َ لَكن لَو قال قَائ ٌل َ :أان أَقصد ُك ُّل ُْجمتَ ِّهد ُم ٌ
صيب يَ ِّ
الصواب ِّعْند احلنفيَّة ك َذا َوِِّل َذا أَفتَوا الص َواب ِّعْند احلنابلة ك َذاَ ،وِِّل َذا أَفتَوا بِّه ،و َّ ه َذا َّل ِّخ َالف فِّيهَّ ،
185
اب ِّعْندهم و ْليس ِّعْن ِّدي، ص َو ٌ اجتهادهم فَ ُهو َ
ِّ ِّ
بِّه ،حسب َما ظهر َِلُم من األدلَّة ،وبق ْدر َما َّأدى إِّ ْليه ْ
كره َ -رمحَه هللا ،-قالَ ":وِمن النَّاس من يَـ ُقول ُك ُّل وجز َما ذَ َ
ِّ
اب عْندك و ْليس عْند َغ ِّريك ،فَه َذا ُم َ
وصو ِّ
ََ ٌ
قصد ِّهبَا وال َجيوز أن يـ َقال ُكل ُْجمتَ ِهد ِيف اَألُصول الكالميَّة -ي ِّ ٍ
َ ُ صيبُ َ ، صيب ِيف اَل ُفروع ُم ٌ ُْجمتَ ِهد ُم ٌ
ْكفار والنَّصارى صيب ِأل َّن ذَلِك يُؤِّدي إِىل تَص ِويب أ َْهل الضَّاللة والْمجوس وال َّ العقائد ُ -م ٌ
والْملْحدين"
ِ ِ
جتهد َوأَصاب فله أخريا ":ودليل من قال لَْيس ُكل ُْجمتَ ِهد ِيف اَل ُفروع ُمصيباا قَولُهﷺ ":من ا َ قال ً
لدلِيل َّ أَجران ،وِمن اِجتهد وأ ْخطأ فله أَجر و ِ
وصوبه لنيب ﷺ خطَّأ ْ
اجملتهد َات َراة َّ أن اَ ِ َّ احد"َ ،و ْجه اَ َّ ْ َ َ َ َ
ُخرىَ ،واَ َّّلل ُس ْبحانه أَعلَم". أ َ
علي نَا ِّمن الت َّْوفيق
عال على َما َم َّن بِّه ْ جل َو َوحن َمده ُسْبحانه َّ أح َكمْ ، أجل و ْلم َو ُّأع َُواَ ََّّلل ُسْبحانه أَعلَى و ْ
وإايكم أن َما احلرمني َ -رمحَه هللاُ ،-مثَّ على َما َوفَّ َق ِّن اَ ََّّلل َّ ْ ِّ الس َداد ِّيف ِّدراسة َم ْنت الورقات ِِّلمام و َّ
الش ْكَراحلم َد و ُّ ِّ
جل جالله ،يَستَح ُّق ْ الستَّة املاضية ُهو َْحمض تَوفِّ ٍيق َو ٍ
فضل ِّمن اَ ََّّلل َّ األايم ِّ
تدارسناه ِّيف َّ
ْ
عدو أن يَ ُكون ُحمَاولَ ًة يَ ِّس َريًة لِّدراسة ه َذا العلم اجلليل- عليه ،فَ ُهو أ َْه ٌل لِّ َذلك ُكلِّهُ ،مثَّ ُهو ََّل يَ ُ
والثَّناءَ ْ
لصغِّري مشمنَا ًّ
سواي وجز اَ َّ املنت اَملُ َتموها ِّيف ِّر َحاب ه َذا ْ قضي َ
ِّع ْلم اَألُصول -ولعلَّكم ِّيف َّ ِّ
األايم الستَّة اَ ِّليت ْ
َّخمِّ -ع ْلم اَألُصول،- ِّ ِّ
عظيم َما يَشتَغل بِّه الفقهاء ِّيف ه َذا اَلْباب اَلكبِّري َوالع ِّلم الض ْ َرائحة الف ْقهَ ،و َعرفنَا َ
ِّ
اص ٍل ِّيف بَ ْذل املساعي؛ لِّ ْريقى طَُّالب الع ْلم مراقِّ َي تتابعة ،وُيتَاج إِّىل جه ٍد متَو ِّ
ُْ ُ ْ ُ
ناية م ٍ ِّ ِّ ٍ
وأنَّه َُْيتاج إىل ع ُ
س ٍْ
وصُب. وجهادَُْ ،يتاج إِّىل طُول نَ ْف ٍ ب كبريٌَ ،و ُدربَةٌ ِّ
ٌ ارسةٌَ ،وَاب ٌَفضل .هي ُمَُ َ أ َ
األسئلة ِ
عد ٌد من ْ
عليه طَالِّب الع ْلم؟ ِّ
• سؤالَ :ما امل ْقرتح بَ ْعد َم ْنت الورقات ك ً
تااب يسريُ ْ
متصدي لِّطَلب الف ْقه َوعلِّم َّ
الشريعة يََرتقَّى إِّىل املتخصص والْ ِّ
ِّ السائلني؛ جواب :ه َذا ي تَفاوت بِّ ِّ
تفاوت َّ َ َ
يع ِّ اب أَعلَى ِّمْنه ،فَِّإن كان قد درس قَبله أو ب عده شي ئا آخر ،يرتَِّقي إِّىل ُكتب أ ِّ كِّتَ ٍ
َكُب ف َيها تَوس ُ َ ُ َ َ ْ ًْ ْ
رعيَّ ٍة:
دارس َش ِّ ِّ املسائل والت ُّ ِّ
ِّ ِّ
السائل ُمَّن درس يف َم َ َكُب ِّم َنهاَ ،وإِّن كان الدَّارس أو َّ
قضااي أ َ
َّطرق ل َ
ب ِّيف ِّ ِّ ِّ
ص ،فيقال لَه :اشتغل مبَا بَْني يديْك ،إذَا كان طَالَ ٌ
ِّ
ومتخص ٌ
اجلامعات َ كالْمعاهد والْكلِّيَّات و ْ
186
لذي الشريعة أو طَالَب ِّيف ب عض املعاهد الع ْلميَّة وله كِّتاب يدرس فيقال له :اشتغَل ِّابلْكتاب اَ ِّ قِّ ْسم َّ
َ َُ ٌ َْ
تقدما ِّيف مر ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
اح َل عُليَا، َ ويرتَقي فيه اِلنْسانَ ،وإ َذا كان ُم ً عو ًان لَكْ ، بَْني يديْك فَإنَّه ُوضع ليكون ْ
أعلى ،لَ ِّكن ِّيف ٍ ٍ ٍ ِّدر ٍ
َكُب و ْ ضا الدََّّللة على ُم ْس ًتوى أ َ خصصة َع ِّمي َقة فَي ُكون َشأنُه أيْ ًاسات عُليَا َوحبُوث ُمتَ َ َ
ب: النِّهاية ِّهي ثَ ُ ِّ
الث َمرات َ
- 1أ ََّوُِلا املداخل و ْاألُسس ِّيف ِّمثْل َه ِّذه اَملتون.
ِّ ِّ ِّ ِّ ُ ِّ
قرتح م َنها كتَاب على املسائلَ ،وهذه َّل ُح ُدود َِلَا وََّل يُ َ َ ستوعب مرتبة املتوسطة اَل ُكتب اَلَِّّيت تَ ْ - 2والْ ْ
ِّح َساب كِّتَاب.
شي ئًا ِّمن جدت ْ - 3والدَّرجة الثَّالثة ِّهي املمارسة والتَّطْبيق ،وإدما ُن النَّظرَ ،ح َاول -بَ ْعد َذلِّك إِّ َذا َو َ
َحاديث اِلتْقان ِِّلذه املسائل ِّيف األدلَّة والدََّّلَّلت -أن تَ ُكون قِّراءتك ب عد اليوم لِّمثْل ُشروح أ ِّ
ُ َ َْ ْ َ
األحكام) أو َش ْرح (صحيح البخاري لِّْلحافظ مدة ْ الس َالم) مثال ،أو ُش ُروح (عُ َ األحكام؛ َك (سبُل َّ ْ
ي ،وه َذا ي ِّ اِّبن حجر) ،حاول أن تَقرأ وأنْت تَستص ِّح ِّ
نمي يق ثَِّر ٌّ َ ُ ب ت ْلك القواعد ،فست ْكتَشف أَنَّه تَطبِّ ٌ ْ ُ َ َ ََ ْ
العر ِّيب ،أو قَرأَت ن ب فسري آايت األحكام إن قَرأَت لِّْلقرطُ ِّب ،أو قَرأَت ِّ
َّل امللَكة َ .كذلِّك لَو قرأْت ِّيف تَ ِّ
َ ْ ْ َ ْ َ
تصحبًا تِّْلك القواعد .ملا قرأ ُم ْس اول أن ت
َ األحكامَ ،ح ِّ فسري آايت وغريه ُِّمَّن َكتَب ِّيف تَ ِّ صاص ِّْ مثال للَّ ْج َّ
ً
َّ ْ َ ْ
ُخرى أُصولِّيَّ ٍة ،فَه َذا ُكلُّه َ َأو اعد فِّ ْقهيٍَّ
ة َ و قتجد تطْبي ًقا ثرًّاي لِّ السلف (اَملغن َِّّلبن قُ َدامة) س ِّ
َ َ ُ ْ بحث َّ قرأ َم َ تَ َ
كبريا ِّمن العناية. نمي اَمللَكة وي ِّ ُِّمَّا ي ِّ
صاحبها ق ْد ًرا ً
َ كسب َُ ُ
• سؤال :أَيُّهما أَوَىل ِّاب ِّ
لدراسة :اَألُصول ِّأم الف ْقه؟ ُ ْ
ِّ ِّ ِّ ِّ
ب الع ْلم؛ فَِّإن قُ َ
لت ِّ
جواب َّ:ل ،السؤال َّل يَنبَغي أن يَ ُكون َهك َذا ،كالُهَا ُمه ُّم وكالُهَا َُْيتاج إلَيه طَال ُ
َيهما يُقدَّم على اآلخر ِّهي ِّ
ضا لَْيس مغنيًا ،لَكن أ ُ حده أيْ ًقلت الف ْقه َو َ ِّ
فليس ُمغنيًاَ ،وإِّن َ
حده ْ
اَألُصول َو َ
البيضةُ ِّأم ِّ َم ْسأَلةٌ نِّ ْسبيَّةٌ ،وسيكون -يَ ِّ
َيهما سبق ْ عن تَعيِّني اَ ْجلَواب ف َيها -كالْقضيَّة الف ْلسفيَّة أ ُ
الدَّجاجة !
187
ات أو لِّقاء ٍ
ب أو دور ٍ
مثال ِّيف ُكتِّ ٍ فاوت ،وبعضها يعتَِّن ِّ
اتَ ْ َ ً املعاصرة ُّروح
الش ض
ُ عْ ب
َ ذا،َهب جواب ُ :متَ ِّ ٌ َ َ َ َ
ِّ
ْيعتنون ِّابْأل ْمثلة ،ميُْ ِّكن أن يَ ُكون فِّ َيها َش ْيءٌ ُمَّا ُُي ِّقق طلب َّ
السائل .
188
املتقدمون ي ْقصدون ِّابلْمرسل املْنقطع مطْل ًقا ِّمثْل األصوليِّني ،أََّل ي ِّ
قدم حلديث ِّ َئمة اَ ِّ
• سؤال يَ ُقول :أ َّ
ُ ُ ْ
َذلِّك على اَّلصطالح ِّ
املتأخر ِّمن َكونِّه َمرفُوع التَّابعي؟ ْ
اَّلصطالح است َقَّر ُم َؤ َّخًرا على التَّ ْفريق بَْني اَ ْملر َسل أن ْ اح ٍد َوُهو َّ بب و ِّ ِّ ِّ ٍ
جواب :لَْيس َكذلك ،ل َس َ
قدم، حلديث ،على ِّخ َالف املصطلَح املت ِّ املتأخرين ،أو ِّعْند ع َّامة من َكتب ِّيف اَ ِّ املتقرر ِّعْند ِّ صطالحه ِّ ِّاب
َ َ َ ْ
ُ أن ه َذا املصطلح اَلَّ ِّذي هو اَملرسل :و ِّ
ِّ
َقرب إىل ص َوره ُمصطَلَ ٌح أ َ كل ُ الذي يُفيد اَّلنْقطاع بِّ ِّ ُ َُ َ ْ فضال عن َّ ً
املسألة والتَّ ْقعيد َِلَا؛ ِّ وي ،فَِّإن وجد ِّيف َك َالم ب عض أ َّ ِّ اللُّغَ ِّ
فليس على سبيل تَ ْقرير ْ َئمة اَحلديث املتقدمني ْ َْ ُ
نهما ،قُلنَا َّل الفرق ْبي َ َّحرمي َوثاَّل أو َّل -ملَّا تَ َكلَّمنَا عن ُمصطَلَح الكراهة والت ْ ضربتُه ِّم ً
ْ متاما -ما أدري ً
ۡ ِّ
عىن
وها﴾ هل َم َ ك َمك ُر ً ند َربِّ َك َكا َن َسيِّئُهُۥ عِّ َ فسر ه َذا َما ورد ِّيف النُّصوصُ ﴿ ،ك ُّل َٰذَل َ ينبغي أن ي ِّ
ُ
فهم ه َذا وأَّل نُ ِّنزل ِّ
َّحرمي؟ َّل ،لكن يَنبَغي العناية ِّيف أن نَ َ فريق بَْني الكراهة والت ْ َذلِّك أن نُْلغِّي ُمصطَلَح تَ ِّ
وغريهمِّ -يف اَّلصطالح َ .وَرَد عن اَألئِّ َّمة ْ السلف ِّ
املتقدم على تَ ِّ عليه تَ ِّ
كأمحد ْ قرير ْ فسري َك َالم بَ ْعض َّ ْ
ضي احملرمات -وصفه ِّابلْكراهة ،ي ُقول :أَكره ك َذا ،وََّل ي عجبن ك َذا ..فوص ُفه ِّابلْكراهة َّل يقتَ ِّ بَ ْعض َّ
َ َْ ُْ َُ َ
املتقدم عن األئِّ َّمة َونُلغِّيالكراهة اَّلصطالحيَّة ،فهل ي ُقول قَائِّل :طَيِّب سنعود إِّىل ه َذا اَّلصطالح ِّ
ْ َُ ٌ َ ْ
قرر ِّعْند األصوليِّني قطع ِّأبنْواعهُُ ،يَافَظ فِّيه على َما تَ َّ الشأْ ُن ِّيف اَملرسل والْمْن ِّ
َُ َّ ك ه َذا؟ اجلواب َّ:لَ ،كذلِّ
ِّ ِّ ِّ
فيس ُهل ُم َؤ َّخًرا ،مع الب َقاء على العناية ب َعدم ت ْفسريه أو تَ ِّنزيل َك َالم بَ ْعض املتقدمني ،وألنَّه قلَّةٌ وأفْ َر ٌاد ْ
نهما .عدم اخل ْلط ْبي َ التَّ ْفريق َو َ
دوًماوإايكم ْ الصاحل ،وأن ْجيمعنَا َّ السدادَ ،والعِّلم النَّافع والْ َعمل َّ وجل ِّيل َول ُكم الت َّْوفيق و َّ عز َّ أل اَ ََّّلل َّ
َس ُأْ
رمحته َوو ِّاسع َجنَّتِّهَ ،واَ ََّّلل تعاىل أَعلَمَ ،وصلَّى اَ ََّّلل َوسلَّم آلخرة ِّيف ُم ْستَ ِّقر ْ
ِّيف الدُّنْيا على طَاعتِّه ،وِّيف اَ ِّ
َ َ َ
وابرك على نَبِّيِّنَا ُحم َّم ٍد َوعلَى آله َوصحبِّه أَمجعِّني.
189