You are on page 1of 226

‫ا ا‬

‫اإلَعقة‬
‫ِ‬
‫ِف تُ َراث اآلل َو ْ‬
‫األص َ‬
‫حاب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫عنوان الكتاب ‪ :‬اإلعاقة يف تراث اآلل واألصحاب‪ ،‬مناذج وآداب وعرب ‪.‬‬
‫اسم املؤلف ‪ :‬حممد فتحي النادي ‪.‬‬
‫عدد الصفحات ‪224 :‬‬ ‫ــ‬ ‫نوع املطبوع ‪ :‬كتاب ـ ـ الطبعة ‪ :‬األوىل‬
‫السلسلة ‪ :‬تراث اآلل واألصحاب (‪)7‬‬
‫الناشر ‪ :‬مربة اآلل واألصحاب‬
‫ص‪ .‬ب‪ 12421 .‬الشامية ـ الرمز الربيدي ‪ 71655‬ـ ـ ت ‪2560203 :‬‬
‫ردمك‪ 1 :‬ـ ‪ 44‬ـ ‪ 64‬ـ ‪ 99966‬ـ ‪ISBN 978‬‬

‫م‬
‫حقوق الطبع حقوظة لمبرة الآل والآصحاب‬
‫إال لمن أراد التوزيع الخيري بشرط عدم التصرف في المادة العلمية‬

‫ا‬ ‫ا‬
‫الطبعة الول‬
‫‪ 1439‬ـه ـ ‪2018‬م‬

‫هاتف‪ 22560203 :‬ــ ‪ 22552340‬فاكس‪22560346 :‬‬


‫ص‪ .‬ب‪ 12421 :‬الشامية الرمز البريدي ‪ 71655‬الكويت‬
‫‪ mail: almabarrh@gmail.com‬ــ ‪E‬‬
‫‪www.almabarrah.net‬‬
‫سلسلة تراث اآلل واألصحاب (‪)7‬‬

‫ا ا‬
‫اإلَعقة‬
‫ِ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ِف ت ا‬
‫اآللوالصحاب‬
‫ِ‬ ‫اث‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫نماذج وآذآب وعبر‬

‫ح‬‫مح فت‬
‫مد ي النادي‬

‫مراجعة مركز ابلحوث وادلراسات باملربة‬


‫‪.‬‬

‫الفهرس‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‪9 ......................................‬‬
‫مقدمة ‪13 ......................................................‬‬
‫مفاهيم ومصطلحات ‪21 ...........................................‬‬
‫ــ مصطلح (ذوو االحتياجات الخاصة) ‪22 ........................‬‬
‫ــ الفئات الخاصة ‪23 ........................................‬‬
‫ــ األفراد غير العاديين ‪24 ....................................‬‬
‫ــ ذوو االحتياجات التربوية الخاصة ‪24 ..........................‬‬
‫ــ المعوقون‪24 .............................................‬‬
‫أنواع اإلاعاقات‪26 ...............................................‬‬
‫أ ــ حركية‪27 ..............................................‬‬
‫حس ّية ‪28 ........................................‬‬ ‫ب ــ إاعاقة ّ‬
‫ذهنية أو اعقلية ‪28 ..................................‬‬
‫ج ــ إاعاقة ّ‬
‫د ــ إاعاقة مر ّكبة ‪28 .........................................‬‬
‫مؤلفات في تلك المسألة ‪29 .......................................‬‬
‫اإلاعاقة في الموروث الشعبي العربي القديم ‪32 .........................‬‬
‫نظرة األمم السابقة إلى ذوي اإلاعاقة‪39 ...............................‬‬
‫ملوك وأشراف واعلماء وأدباء من ذوي اإلاعاقة ‪42 .......................‬‬
‫قوااعد اعامة في التعامل اإلنساني مع ذوي اإلاعاقات ‪45 ...................‬‬
‫‪5‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫أنبياء من ذوي االحتياجات ‪48 .....................................‬‬
‫نبي اهلل يعقوب ‪48 ..........................................‬‬
‫نبي اهلل أيوب ‪50 ...........................................‬‬
‫نبي اهلل موسى‪52 ...........................................‬‬
‫اإلسالم يداعو لمخالطة ذوي اإلاعاقة ‪57 ..............................‬‬
‫المسلمون يبيحون بيوتهم وطعامهم إلخوانهم أصحاب األاعذار‪62 ...........‬‬
‫اإلسالم يرفع الجهاد اعن أصحاب األاعذار ‪65 ..........................‬‬
‫واعذر يوم القيامة ‪71 .........................................‬‬‫ٌ‬ ‫ُح ّجةٌ‬
‫الرسول ‘ يستعيذ من اآلفات البدنية والقلبية ‪79 .......................‬‬
‫شكر اهلل اعند رؤية أهل البالء‪82 ....................................‬‬
‫النُّ ْصرة بالضعفاء‪84 ..............................................‬‬
‫اإلنفاق اعلى ذوي اإلاعاقة‪88 .......................................‬‬
‫ملعون من ضلل أاعمى ‪90 .........................................‬‬
‫اعمى واعمى ‪92 .................................................‬‬ ‫ً‬
‫الج ّنة الجزاء األوفى‪96 ...........................................‬‬
‫اعلم يعرف بها أصحابها ‪100.................................‬‬ ‫اإلاعاقة ٌ‬
‫الكفارات وذوو اإلاعاقات‪105......................................‬‬
‫الزواج بالمعاقات ‪108 ............................................‬‬
‫اإلاعاقة واإلمامة ‪112 .............................................‬‬
‫نماذج مـن تعامـل رسـول اهلل ‘ واآلل واألصـحاب مـع ذوي اإلاعاقـات‬
‫واالحتياجات الخاصة ‪115 ........................................‬‬

‫‪6‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 1‬ــ الرسول ‘ واألاعمى ‪115 ................................‬‬
‫هداية األاعمى للطريق صدقة ‪128 ..........................‬‬
‫المنافق الضرير ‪129 ....................................‬‬
‫أين تحب أن أصلي من بيتك؟ ‪130 .......................‬‬
‫داعوة للصبر‪ ...‬وقبول للعذر ‪131 .........................‬‬
‫النفث في العين المبيضة‪133 .............................‬‬
‫من رحمة آل البيت باألاعمى‪135 ..........................‬‬
‫شهادة األاعمى ‪136 ....................................‬‬
‫غيرة النبي ‘ اعلى محارمه ‪137 ..........................‬‬
‫‪ 2‬ــ الرسول ‘ واألاعور‪138 .................................‬‬
‫األاعور المعتدي ‪140...................................‬‬
‫‪ 3‬ــ الرسول ‘ واألاعشى ‪140...............................‬‬
‫‪ 4‬ــ الرسول ‘ واألاعرج ‪142 ................................‬‬
‫‪ 5‬ــ األصحاب واألحنف ‪147 .................................‬‬
‫‪ 6‬ــ الرسول ‘ ومن في اعقله شيء ‪149 ........................‬‬
‫زواج المجنون ‪155 ....................................‬‬
‫داعاء من آل البيت للمخبول ‪156 ..........................‬‬
‫‪ 7‬ــ الرسول ‘ والمصروع ‪157 ...............................‬‬
‫‪ 8‬ــ الرسول ‘ واألصم ‪159 .................................‬‬
‫التصدق اعلى األصم‪166 ................................‬‬
‫من فقه آل البيت في األصم ‪167 ..........................‬‬
‫‪ 9‬ــ اآلل واألصحاب واألخرس‪168 ............................‬‬
‫‪7‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 10‬ــ اآلل واألشل‪171 ......................................‬‬
‫‪ 11‬ــ الرسول واآلل واألصحاب والمجذوم ‪172 ...................‬‬
‫‪ 12‬ــ اآلل واألصحاب واألبرص ‪175 ...........................‬‬
‫صحابة من ذوي اإلاعاقات والحاجات ‪176 ............................‬‬
‫‪ 1‬ــ األ َ ْق َر ِع ْبن َحابِس ‪176 ....................................‬‬
‫‪ 2‬ــ حسان بن ثابت ‪177 .....................................‬‬
‫‪ 3‬ــ أبو سفيان بن حرب‪178 ..................................‬‬
‫‪ 4‬ــ أبو محمد طلحة بن اعبيد اهلل ‪180 ...........................‬‬
‫ف [األهتم األاعرج] ‪183 ..................‬‬‫الر ْحم ِن بن َاع ْو ٍ‬
‫‪ 5‬ــ َاع ْب َد َّ َ‬
‫‪ 6‬ــ اعمار بن ياسر (مقطوع األذن) ‪186 .........................‬‬
‫‪ 7‬ــ المغيرة بن ُش ْع َبة ‪189 ....................................‬‬
‫نماذج من آل البيت ‪192 ..........................................‬‬
‫‪ 1‬ــ اعبد اهلل بن اعباس‪192 ....................................‬‬
‫‪ 2‬ــ أبو سعيد األحول بن اعقيل بن أبي طالب ‪196 .................‬‬
‫‪ 3‬ــ إسمااعيل األاعرج ‪197 ....................................‬‬
‫‪ 4‬ــ األطروش ‪198 .........................................‬‬
‫‪ 5‬ــ اعبيد اهلل بن الحسين األاعرج ‪200 ..........................‬‬
‫الخلفاء يسيرون اعلى أثر النبي ‘ وصحابته وآله ‪201....................‬‬
‫ذوو اإلاعاقة واالحتياجات الخاصة ودمجهم في المجتمع ‪204 .............‬‬
‫ذوو اإلاعاقة واالحتياجات الخاصة والبناء الحضاري لألمة ‪207 ............‬‬
‫خاتمة‪209 ....................................................‬‬
‫المصادر والمراجع ‪211 ...........................................‬‬

‫‪8‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫مقدمة مبرة الآل والآصحاب‬


‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك اعلى نبيِّنا محم ٍد‬
‫واعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين الغر الميامين‪ ،‬أما بعد؛‬
‫أثرا بالغ األهمية في االرتقاء بحياة‬
‫فال ريب أن للقدوات الصالحة ً‬
‫األمم والشعوب؛ وذلك أنهم هم الذين يقدمون الدليل الواقعي والتطبيق‬
‫العملي للتعاليم التي تم ّثل منظومة القيم واألخالق التي تشكّل هوية‬
‫تلك األمم‪ ،‬وتعتبر مثالها السامي الذي تستهدف احتذاء حذوه واالهتداء‬
‫بهديه‪.‬‬
‫وقد ّنبه القرآن الكريم اعلى ذلك المعنى وأشاد به في آيات كثيرة‪،‬‬
‫فضل االقتداء باألنبياء والصالحين‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬ ‫مبي ًنا َ‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ} [األحزاب‪:‬‬
‫‪ ،]21‬وقال ‪{ :‬ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [الممتحنة‪،]4 :‬‬
‫وقال سبحانه‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ}‬
‫صفوة من رسله وأنبيائه‪{ :‬ﲻ ﲼ‬ ‫ٍ‬ ‫[الممتحنة‪ ،]6 :‬وقال اعقب ذكر‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫{ﲺ ﲻ‬ ‫اعز ِمن قائل‪:‬‬


‫ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ} [األنعام‪ ،]90 :‬وقال ّ‬
‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ} [األحقاف‪ ،]35 :‬وغير ذلك مما يفهم من‬
‫تأمل‪.‬‬
‫النصوص بأدنى ّ‬
‫والواجب اعلى أمتنا اإلسالمية أن تصوغ رؤيتها األخالقية والقيمية‬
‫والحضارية انطال ًقا من الوحي قرآ ًنا وسن ًة‪ ،‬في تناغم مع معطيات العلم‬
‫في جميع المجاالت‪ ،‬ومواكبةٍ لمستجدات العصر الذي نعيش فيه وما‬
‫تحديات اعظيمة‪ .‬فال يحسن أن نقتصر في تدبرنا للوحي‬ ‫ِ‬ ‫يزخز به من‬
‫اعلى مجرد األمور الدينية العبادية المحضة‪ ،‬فإن الوحي قد أنزله اهلل هدى‬
‫ونو ًرا لإلنسانية تنتفع به في معاشها ومعادها‪ ،‬وإن كان مقصوده األساس‬
‫الفالح األخروي وما يقرب إليه؛ إال أنه ال شك في كونه يرشدنا بهداياته‬
‫في جميع مناحي الحياة العملية‪ ،‬ولو في صورة ضوابط ومعايير وقيم‬
‫كلية نافعة‪ ،‬نستلهم منه ما يرضي ربنا ويحقق فالحنا في الدنيا‪ ،‬مع اعدم‬
‫إغفال البحث والعلم في جميع المجاالت بأدواتها ووسائلها‪.‬‬
‫ونحن إذا ذهبنا نستلهم قيم الوحي على مختلف األصعدة العلمية‬
‫خيرا مما نجده عن صحابة‬ ‫وتفعيًل؛ ا‬
‫ا‬ ‫امتثاًل وتطبي اقا‬
‫والسلوكية؛ لم نجد ا‬
‫النبي ‘ األخيار وأهل بيته األطهار‪ ،‬فهم الذين انتهجوا الوحي كتا ابا وسنة‬
‫أعًلما هداة‪.‬‬
‫في جميع جوانب حياتهم‪ ،‬فسادوا وقادوا‪ ،‬وصاروا أئمة ا‬
‫وقد أخذت (مبرة اآلل واألصحاب) ــ كعادتها ــ اعلى اعاتقها مهم َة‬
‫تفعي ِل ذلك المعنى‪ ،‬وتقديمه في صورة بحثية تواعوية منضبطة؛ لكونها‬
‫‪10‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫مؤسسة متخصصة في تراث اآلل واألصحاب حتى صار لها ــ بفضل‬


‫اهلل ــ الريادة في ذلك المجال‪.‬‬
‫وقد كان أصل هذا المشروع الذي بين أيدينا فكر ًة من قِبل رئيس‬
‫مجلس إدارة المبرة د‪ .‬اعبدالمحسن الجاراهلل الخرافي تتضمن توسيع‬
‫لتضم مجاالت جديدة‬ ‫ّ‬ ‫نطاق األبحاث المتعلقة باآلل واألصحاب‬
‫ورحا ًبا أوسع وال تقتصر اعلى الموضواعات الدينية المألوفة‪ ،‬ثم أواعز‬
‫بهذه الفكرة وبعض اعناصرها إلى مركز البحوث والدراسات بالمبرة؛‬
‫فقام المركز مشكو ًرا مأجو ًرا بوضع خطة طموحة تتضمن العديد من‬
‫الموضواعات الهادفة‪ ،‬العلمية والعملية؛ التي نستهدف أن نستضيء فيها‬
‫بتراث اآلل واألصحاب‪ ،‬ونكشف اعن مالمح تطبيقهم الوحي اعلى‬
‫جميع األصعدة واألنحاء‪ ،‬بشكل يتجلّى فيه الجانب اإلبدااعي من‬
‫تخصص المبرة في خدمة تراث اآلل واألصحاب‪ ،‬و>التخصص يقود‬
‫إلى اإلبداع< بحمد اهلل وتوفيقه‪ ،‬بحيث نقدم للمكتبة العلمية والداعوية‬
‫تجمي ًعا غير مسبوق لبعض الجوانب الدقيقة في تراث اآلل واألصحاب؛‬
‫و ِمن ثَ َّم َّنسق المركز مع مجمواعة من الباحثين ليقدموا جهودهم في‬
‫تحويل تلك األفكار والموضواعات إلى أبحاث اعلمية وفق منهجية مركز‬
‫البحوث والدراسات المنضبطة‪ ،‬القائمة على التحقيق العلمي‪ ،‬واًلستدًلل‬
‫الصحيح‪ ،‬واًلسترشاد بكتب أهل العلم السابقين والمعاصرين‪ ،‬واستمر‬
‫جهد المركز في متابعة األبحاث ومراجعتها وتعديل ما يحتاج منها إلى‬
‫تعديل‪ ،‬عبر خلية عمل تفرغت للمشروع تحت إشراف رئيس مركز‬
‫‪11‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب‬

‫البحوث والدراسات الشيخ محمد سالم الخضر مباشرة‪ ،‬فالشكر‬


‫موصول لجميع الباحثين الكرام في المركز‪.‬‬
‫ثم تضافرت جهود أقسام المبرة األخرى كقسم اإلعًلم في إتمام‬
‫العمل بتنسيق الكتب وإخراجها؛ فكانت هذه السلسلة من الموضوعات‪،‬‬
‫التي تندرج في سلسلة (تراث اآلل واألصحاب)؛ ثمر ًة لهذا التعاون‬
‫المبارك‪.‬‬
‫وقد أرفقنا في ذيل هذا الكتاب قائم ًة بعناوين هذه المجمواعة‬
‫المتكاملة من الموضواعات الدقيقة والمهمة في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫صا لوجهه‬‫نرجو من اهلل ‪ ‬أن يوفقنا في مسعانا‪ ،‬وأن يجعله خال ً‬
‫الكريم‪ ،‬وأن يجمع لنا األجرين‪ :‬أجر االجتهاد وأجر الصواب‪ ،‬إنه ولي‬
‫ذلك والقادر اعليه‪.‬‬

‫مبرة الآل والآصحاب‬

‫‪12‬‬
‫مقدمة‬

‫‪‬‬

‫‪E‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصًلة والسًلم على أشرف المرسلين‪،‬‬
‫سيدنا محمد واعلى آله وصحبه أجمعين‪...‬‬
‫وبعد‪،‬‬

‫فإن اهلل ـ ‪ ‬ـ من إكرامه لإلنسان أن خلقه بيديه الكريمتين فقال‬


‫مخاطبا إبليس اعندما رفض اإلذاعان ألمره بالسجود آلدم‪{ :‬ﲭ ﲮ ﲯ‬ ‫ً‬
‫ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ} [سورة ص‪.]75 ،‬‬

‫وجمل ربنا ـ ‪ ‬ـ صورة اإلنسان وشكله اعن سائر المخلوقات‪،‬‬


‫ّ‬
‫وأحسن هيأته‪ ،‬فقال‪{ :‬ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬
‫ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ} [سورة االنفطار‪ 6 ،‬ــ ‪.]8‬‬
‫أي صورة‪ ،‬أي‪ :‬في صورة كاملة بديعة<(‪،)1‬‬‫>والمعنى‪ :‬في صورة ّ‬
‫و>لو شاء ركبك اعلى غير هذه الصورة<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪ )177/30( ،‬باختصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬الطبرسي‪ :‬مجمع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬اعن جعفر الصادق ‪.)221/10( ‬‬
‫‪13‬‬
‫مقدمة‬

‫>قال بعض العلماء‪ :‬إن خلق اإلنسان اعلى هذه الصورة الجميلة‬
‫السوية المعتدلة‪ ،‬الكاملة الشكل والوظيفة؛ أمر يستحق التدبر الطويل‪،‬‬
‫والشكر العميق‪ ،‬واألدب الجم لربه الكريم الذي أكرمه بهذه الخلقة<(‪.)1‬‬
‫وقال‪{ :‬ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ} [سورة التين‪.]4 :‬‬
‫قال جعفر الصادق ‪> :‬أحسن صورة<(‪.)2‬‬
‫وقال البغوي‪> :‬أي‪ :‬أاعدل قامة‪ ،‬وأحسن صورة؛ وذلك أنه خلق‬
‫كل حيوان منكبا على وجهه إًل اإلنسان خلقه مديد القامة‪ ،‬يتناول مأكوله‬
‫بيده‪ُ ،‬م َز ّي ًنا بالعقل والتمييز<(‪.)3‬‬
‫ومن كمال طالقة قدرة ربنا ـ ‪ ‬ـ أنه لم يخلق البشر اعلى هيئة‬
‫وشكل واحد‪ ،‬فكان منهم الطويل والقصير‪.‬‬
‫حتى ألوانهم قد اختلفت فمنهم األحمر واألبيض واألسود‪ ،‬قال‬
‫‪{ :‬ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ‬

‫ﲚ ﲛ ﲜ} [سورة الروم‪.]22 :‬‬


‫وقد قرن ‪ ‬اختًلف ألوان البشر وألسنتهم ــ أي‪ :‬لغاتهم ولهجاتهم ــ‬
‫بخلق السموات واألرض‪ ،‬تلك التي قال اهلل اعنها‪{ :‬ﲢ ﲣ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬محمد سيد طنطاوي‪ :‬التفسير الوسيط للقرآن الكريم‪.)311/15( ،‬‬
‫(‪ )2‬حسين الشاكري‪ :‬سيرة اإلمام جعفر الصادق ‪.)308/1( ،‬‬
‫(‪ )3‬البغوي‪ :‬معالم التنزيل‪.)472/8( ،‬‬
‫‪14‬‬
‫مقدمة‬

‫ﲭ}‬ ‫ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬
‫[سورة غافر‪.]57 :‬‬
‫راجع لمشيئة اهلل‬
‫ٌ‬ ‫آليا‪ ،‬ولكنه إبداع وتصوير‬
‫ال ًّ‬
‫والخلق ليس اعم ً‬
‫ـ ‪ ‬ـ‪{ ،‬ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬
‫ﲅ} [سورة آل اعمران‪ ،]6 :‬وقال‪{ :‬ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ‬
‫ﲮﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ} [سورة الشورى‪.]49 :‬‬
‫فاهلل إ اذا خلق إنسا انا سويا كامل الخلقة واألعضاء‪ ،‬فمن مطلق مشيئته‬
‫وقدرته أن يخلق إنسا ًنا ُمخ َد ًجا(‪ ،)1‬وما ذلك إال ابتالءٌ لإلنسان‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬ﳎ ﳏ ﳐ ﳑﳒ ﳓ ﳔ} [سورة األنبياء‪ ،]35 :‬قال‬
‫ابن اعباس‪> :‬نبتليكم بالشدة والرخاء‪ ،‬والصحة والسقم‪ ،‬والغنى والفقر‪،‬‬
‫والحالل والحرام‪ ،‬والطااعة والمعصية‪ ،‬والهدى والضاللة<(‪.)2‬‬
‫{ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ‬ ‫وقال‪:‬‬
‫ﳀ} [سورة اإلنسان‪> ،]2 :‬أي‪ :‬لنختبره باألمر والنهي‪{ .‬ﲾ ﲿ‬
‫بصيرا لنبتليه؛‬
‫ً‬ ‫ﳀ} قيل‪ :‬فيه تقديم وتأخير تقديره‪ :‬فجعلناه سمي ًعا‬
‫ألن االبتالء ال يقع إال بعد تمام الخلقة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬معناه‪ :‬إنا خلقنا اإلنسان من هذه األمشاج لًلبتًلء واالمتحان‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ت الناقة َت ْخ ِد ُج ِخدا ًجا‪ ،‬فهي خادج والولد خديج‪ :‬إذا ألقت ول َدها قبل تمام‬ ‫>خ َد َج ِ‬
‫(‪َ )1‬‬
‫ناقص ال َخ ْل ِق وإن‬ ‫وأخ َد َج ِ‬
‫ت الناق ُة‪ :‬إذا جاءت بولدها َ‬ ‫األيام‪ ،‬وإن كا َن تا َّم ال َخلْق‪ْ .‬‬
‫تام ًة‪ ،‬فهي ُم ْخ ِد ٌج والولد ُم ْخ َد ُج< [الصحاح‪ ،‬مادة (خدج)]‪.‬‬
‫كانت أيامه َّ‬
‫(‪ )2‬الطبري‪ :‬جامع البيان في تأويل القرآن‪.)440/18( ،‬‬
‫‪15‬‬
‫مقدمة‬

‫ثم ذكر أنه أعطاه ما يصح معه اًلبتًلء‪ ،‬وهو السمع والبصر‪ ،‬وهما كنايتان‬
‫اعن الفهم والتمييز‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المراد بالسمع والبصر الحاستان المعروفتان‪ ،‬وإنما خصهما‬
‫بالذكر؛ ألنهما أاعظم الحواس وأشرفها<(‪.)1‬‬
‫واهلل ـ ‪ ‬ـ لم يمنع إال ليعطي‪ ،‬ولم يحرم إال ليهب‪ ،‬وكما قيل‪:‬‬
‫>ربما أاعطاك فمنعك‪ ،‬وربما منعك فأاعطاك‪.‬‬
‫ومتى فتح لك باب الفهم في المنع اعاد المنع اعين العطاء<(‪.)2‬‬
‫محمد بن اعلي الباقر ‪> :‬إ ّن اهلل ‪ ‬هو الخالق‬ ‫وقال أبو جعفر ّ‬
‫والمالك‪ ،‬فمن منعه التعمير فإ ّنما منعه ما ليس له‪ ،‬ومن َاع ّم َر ُه فإ ّنما‬
‫أاعطاه ما ليس له‪ ،‬فهو المتفضل بما أاعطاه‪ ،‬واعادل فيما منع‪ ،‬وال يُسأل‬
‫اعما يفعل وهم يسألون<(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫يعوض من ابتالهم بالعجز والمرض واآلفات بالجزاء األوفى‬‫واهلل ّ‬
‫في اآلخرة‪ ،‬وال يحرمهم من أنسهم به في الدنيا؛ فاهلل أنيس المرضى‬
‫قال ‪ ‬مناد ًيا ابن آدم‪> :‬يا ابن آدم‪ ،‬مرضت فلم تعدني؟‬
‫قال‪ :‬أي رب‪ ،‬كيف أعودك وأنت رب العالمين؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الخازن‪ :‬لباب التأويل في معاني التنزيل‪.)377/4( ،‬‬
‫(‪ )2‬نور الدين البريفكاني‪ :‬شرح الحكم العطائية المسمى بـ(تلخيص الحكم)‪ ،‬ص (‪،218‬‬
‫‪.)219‬‬
‫(‪ )3‬الصدوق‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬ص (‪ )397‬باختصار‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫مقدمة‬

‫فيقول‪ :‬أما علمت أن عبدي فال ًنا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك‬
‫لو عدته وجدتني عنده؟<(‪.)1‬‬
‫ولم يكن النقص الذي يصيب اإلنسان من آفة أو اعجز أو إاعاقة‬
‫لخلل في قدرة اهلل‪ ،‬أو لعيب في الخالق ــ حاشاه ‪‬؛ فاهلل ‪ ‬منح‬
‫يشفي‬
‫َ‬ ‫سيدنا اعيسى المسيح معجزة إبراء المرضى؛ فكان ‪ ‬يستطيع أن‬
‫(‪)2‬‬
‫بمنته اعليه‪{ :‬ﱽ‬ ‫ّ‬ ‫المسيح‬ ‫ا‬‫ر‬‫ً‬ ‫ك‬
‫ِّ‬ ‫مذ‬ ‫فقال‬ ‫‪،‬‬ ‫من ُولد أاعمى وهو األكمه‬
‫ﱾ ﱿ ﲀ} [سورة المائدة‪ ،]110 :‬ولكنها طالقة القدرة‬
‫وس ّنة االبتالء واالختبار التي كتبها اهلل اعلى بني آدم‪.‬‬
‫والمشيئة‪ُ ،‬‬
‫وبعض النفوس البشرية تنفر وتتشاءم من ذوي اآلفات واألمراض‪،‬‬
‫وتتجنب مخالطتهم أو الحديث معهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫ول‪ِ > :‬إ َّن َث َال َث ًة فِي َب ِني‬‫ففي الحديث أن أَبَا ُه َر ْي َر َة َس ِم َع النَّ ِب َّي ‘ يَ ُق ُ‬
‫ِإ ْس َرا ِئ َيل أ َ ْب َر َص َوأ َ ْق َر َع َوأ َ ْع َمى‪ ،‬فَأَ َر َاد الله أ َ ْن َي ْب َتلِ َي هم ْم فَ َب َع َ ِإلَ ْيم ِْم َملَ ًاا‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جزء من حديث قدسي أخرجه البيهقي في >شعب اإليمان<‪ )534/6( ،‬من حديث‬
‫أبي هريرة ‪ ‬اعن رسول اهلل ‘‪ ،‬وبلفظ قريب منه أخرجه البخاري في >األدب‬
‫المفرد<‪ ،‬ص (‪ ،)204‬وقد صححه األلباني في >صحيح األدب المفرد<‪.‬‬
‫العمى‪ ،‬يقال منه‪ :‬ك ِم َهت‬ ‫(‪> )2‬قال أبو جعفر‪ :‬والمعروف اعند العرب من معنى >الكمه<‪َ :‬‬
‫اعينه فهي َت ْك َمه كم ًها‪ ،‬وأكمهتها أنا‪ :‬إذا أاعميتها‪ ،‬كما قال سويد بن أبي كاهل‪:‬‬
‫’‬ ‫تتته لَ َّمتتتتا نتتتت ْع‬‫تتتو َيل َْحتتتتى َن ْف ََّت ه‬
‫فَ ْمت َ‬ ‫تتتت َع ْينَ ْيتتتت ِه َ َّتتتتتى ْاب َيضت َ‬
‫تتتتا‬ ‫َك َّم َمت ْ‬
‫ومنه قول رؤبة‪:‬‬
‫الحتتتا ِئ ِر ه‬
‫الم َت ْم ِتتتت ِه<‬ ‫الَ َ‬ ‫فِتتتي َئتتتا ِئ ِ‬ ‫تتت فَ ْار َتتتت َّد ْار ِتتتت َد َاد األ ْك َمتتت ِه‬
‫َه َّر ْجت ه‬
‫[تفسير الطبري‪ 429/6( ،‬ــ ‪.])430‬‬
‫‪17‬‬
‫مقدمة‬

‫فَأَ َتى األ َ ْب َر َص فَ َق َال‪ :‬أ َ ُّي َش ْي ٍء أ َ َ ُّب ِإلَ ْي َك؟‬


‫قَ َال‪ :‬لَ ْو ٌن َ ََّ ٌن‪َ ،‬و ِج ْل ٌد َ ََّ ٌن‪َ ،‬و َيذْ َه هب َعنِّي الَّ ِذي قَ ْد قَ ِذ َر ِني‬
‫اس‪.‬‬‫النَّ ه‬
‫قَ َال‪ :‬فَ َم ََّ َح هه فَ َذ َه َب َع ْن هه قَ َذ هر هه‪َ ،‬وأ ه ْع ِط َي لَ ْو ًنا َ ََّ ًنا‪َ ،‬و ِج ْل ًدا َ ََّ ًنا‪.‬‬
‫قَ َال‪ :‬فَأَ ُّي ال َْما ِل أ َ َ ُّب ِإلَ ْي َك؟‬
‫قَ َال‪ :‬ا ِإل ِب هل ــ أ َ ْو قَ َال‪ :‬ال َْب َق هر َش َّك ِإ ْس َح هاق ــ ِإ َّال أ َ َّن األ َ ْب َر َص أو‬
‫األ َ ْق َر َع قَ َال أ َ َ هد هه َما‪ :‬ا ِإل ِب هل‪َ ،‬وقَ َال َ‬
‫اآلخ هر‪ :‬ال َْب َق هر‪.‬‬
‫قَ َال‪ :‬فَأ ه ْع ِط َي َناقَ ًة هع َش َر َاء‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬ب َار َك الله لَ َك فِ َيما‪.‬‬
‫قَ َال‪ :‬فَأَ َتى األ َ ْق َر َع فَ َق َال‪ :‬أ َ ُّي َش ْي ٍء أ َ َ ُّب ِإلَ ْي َك؟‬

‫قَ َال‪َ :‬ش َع ٌر َ ََّ ٌن‪َ ،‬و َيذْ َه هب َعنِّي َه َذا الَّ ِذي قَ ِذ َر ِني النَّ ه‬
‫اس‪.)1(<...‬‬
‫وهذا النفور واالشمئزاز يؤذي نفسية صاحب هذا البالء‪ ،‬ونجد‬
‫في الحديث أن الثالثة طلبوا من الملَك أن يُذهب اعنهم ما قذرهم منه‬
‫الناس‪ ،‬فكانت اإلجابة بإذهاب البالء وبتوسعة الرزق‪.‬‬
‫وهناك من يسخر منهم ويجعلهم مادة دسمة للتندر والتفكّه في‬
‫المجالس وفي غيرها‪.‬‬
‫ال أحدب بقوله‪:‬‬
‫وقد هجا أحد الشعراء رج ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جزء من حديث أخرجه مسلم في >الزهد والرقائق<‪ ،‬ح (‪.)2964‬‬
‫‪18‬‬
‫مقدمة‬

‫تتتتته هم َت َرقِّتتتتتت ٌب أ َ ْن هي ْصتتتتتت َف َعا‬


‫فاأَنَّت ه‬
‫(‪)2‬‬
‫قَ هص َر َْ أَخادِ هع هه(‪ )1‬و َئا َب قَ َذاله هه‬
‫ثانيتتتتة لمتتتتا َفت َ م َعتتتتا‬
‫ً‬ ‫وأ َ َ َّ‬
‫تتتتا‬ ‫تتتتف َع ٍة‬
‫وكأ َّنتتتتته قتتتتتد َاق أ َ َّو َل َصت ْ‬
‫وما ذنب هذا األحدب في خلقته أن استقرت رأسه على كتفه‪،‬‬
‫وتشوه‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬ ‫وتكور ظهره‬
‫ّ‬ ‫وقصرت رقبته أو تكاد تكون غير موجودة‪،‬‬
‫يأتي هذا الشااعر ليتهكم اعليه ويصفه بإنسان مترقب أن يُصفع اعلى قفاه‪،‬‬
‫فانحنى ليتفادى الضربة‪ ،‬وأدخل رأسه في كتفه‪.‬‬
‫فهم بذلك ال يعيبون الصنعة بقدر ما أنهم يعيبون الصانع‪ ،‬فبد ًال‬
‫من أن يتعجبوا من قدرة ربهم‪ ،‬أو يسألوه المعافاة مما ابتلى به غيرهم‪،‬‬
‫فإنهم يتندرون اعلى أشخاص ال دخل لهم فيما هم فيه‪ ،‬ولم يختاروا أن‬
‫يكونوا كذلك‪.‬‬
‫واإلسالم ونبيه وآل بيته وأصحابه الكرام قد تساموا في التعامل مع‬
‫وبشروهم بالخير إن صبروا‪ ،‬واستخدموهم وق ّدموهم‬ ‫هؤالء األشخاص‪ّ ،‬‬
‫ولم يهملوهم أو يؤخروهم‪ ،‬اعلى النحو الذي سنبينه فيما سيأتي‪.‬‬
‫ويمثل (المعوقون) ذوو االحتياجات الخاصة ‪ ٪10‬من سكان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪> )1‬األ َ ْخ َد ُع‪ِ :‬اع ْر ٌق في موضع ال ِم ْحجمتين‪ ،‬وهو شعبة من الوريد‪ .‬وهما أَ ْخ َداعا ِن‪ .‬وربَّما‬
‫صاحب ُه‪ .‬وقولهم‪ :‬فال ٌن شدي ُد األ َ ْخ َد ِع‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الشرطة اعلى أح ِدهما فَ ُي ْن َز ُف‬
‫وقعت َ‬
‫موضع األ َ ْخ َد ِع< [الصحاح‪ ،‬مادة (خدع)]‪.‬‬ ‫شدي ُد ِ‬
‫س فوق فَ ْأس ال َقفا‪ ،‬والجمع‪ :‬أَ ْق ِذلة‬‫(‪> )2‬ال َق َذال‪ِ :‬جماع ُم َؤ َّخر الر ْأس من ا ِإلنسان والفر ِ‬
‫وقُذُل< [لسان العرب‪ ،‬مادة (قذل)]‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫مقدمة‬

‫العالم‪ ،‬وترتفع النسبة في العالم العربي إلى ‪ ،٪12‬بناء على اإلحصاءات‬


‫الصادرة عن األمم المتحدة‪ ،‬والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم(‪.)1‬‬
‫ويصادف يوم ‪ 3‬ديسمبر من كل عام اليوم العالمي لذوي االحتياجات‬
‫الخاصة‪ ،‬وهو قد ُخ ّصص من قِبل األمم المتحدة منذ اعام ‪1992‬م‪.‬‬
‫وقد صدرت اعن هيئة األمم المتحدة العديد من المواثيق‪ ،‬وكانوا‬
‫دوليا للمعوقين‪.‬‬
‫اعاما ًّ‬
‫قد أاعلنوا اعام ‪1981‬م ً‬
‫جانبا لم ينل حظه من االهتمام الكافي‬
‫ولعل هذه الدراسة تكشف ً‬
‫بدراسة اإلعاقة في تراث اآلل واألصحاب‪ ،‬ومعرفة النماذج التي اختارها‬
‫اهلل ـ تعالى ـ لتكون قدوة للعالمين في الصبر على البًلء‪ ،‬وتجاوز المحن‪،‬‬
‫وضرب أروع األمثلة في إفادة المجتمع رغم محنة اإلاعاقة‪.‬‬
‫ولتبين هذه الدراسة كيف كانت نظرة نبي اإلسًلم وآله وصحبه‬
‫لإلعاقة‪ ،‬وكيف استوعبوا المعاقين‪ ،‬ولم يشعروهم بأنهم عالة على المجتمع‪.‬‬
‫والل من وراء القصد‬
‫وكتبه‬
‫حممد فتيح انلادي‬
‫صبيحة يوم االثنين‬
‫‪ 22‬جمادى األولى ‪1438‬هـ‬
‫الموافق ‪ 20‬فبراير ‪2017‬م‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬موقع ذوي االحتياجات الخاصة‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫مفاهيم ومصطلحات‬

‫مفاهيم ومصطلحات‬

‫استخ ِدمت مصطلحات ودًلًلت كثيرة للتعريف بهؤًلء األشخاص‪.‬‬


‫ُ‬
‫وبعض هذه المصطلحات كانت تحمل دالالت سلبية تؤثر اعلى‬
‫نفسيات المعنيين بهذا األمر‪ ،‬ولذا يحاول التربويون واعلماء النفس‬
‫واالجتماع أن يستخدموا مصطلحات تحمل مدلوالت إيجابية‪ ،‬أو اعلى‬
‫األقل ال تؤثر في نفسيات هؤالء األشخاص بالسلب‪.‬‬
‫وقد كان عمر بن الخطاب فط انا ومتعم اقا في النفس البشرية‪ ،‬ويملك‬
‫بعض المفاتيح التي من خاللها يمكن أن يتعامل مع اآلخرين بيسر‬
‫وسالسة‪ ،‬فكان يقول‪> :‬من أراد أن يصفو له ود أخيه فليوسع له في‬
‫مجلسه‪ ،‬وليداعه بأحب األسماء إليه‪ ،‬وليسلم اعليه إذا لقيه<(‪.)1‬‬
‫فإذا ناديت اإلنسان بما يكره فقد أغلقت بينك وبينه باب المودة‪،‬‬
‫ظاهرا أو باط ًنا‪.‬‬
‫وجلبت العداوة بينكما ً‬
‫فقد ورد أنه طلب أحدهم الوصية من أبي عبد اهلل ‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫تحب لنفسك‪،‬‬‫وأحب له ما ّ‬
‫ّ‬ ‫وبر أخيك المسلم‪،‬‬
‫>أوصيك بتقوى اهلل‪ّ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬شعب اإليمان‪.)468/6( ،‬‬
‫‪21‬‬
‫مفاهيم ومصطلحات‬

‫واكره له ما تكره لنفسك‪ ،‬وإن وجد عليك فًل تفارقه حتى تسل‬
‫سخيمته<(‪.)1‬‬

‫‪ C‬ومن هذه المصطلحاَ‪:‬‬


‫* مصطلح ( وو اال تياجاَ الخاصة)‪ ،‬وهو كل فرد لديه قصور‬
‫في القيام بدوره ومهامه بالنسبة لنظرائه من نفس السن والبيئة االجتمااعية‬
‫واالقتصادية والطبية‪.‬‬
‫تلك األدوار والمهام قد تكون في مجال التعليم‪ ،‬أو اللعب‪ ،‬أو‬
‫التكوين المهني‪ ،‬أو العلمي‪ ،‬أو العالقات العائلية‪ ،‬وغيرها(‪.)2‬‬
‫وهذا المصطلح تذهب إليه اتجاهات تربوية حديثة الستخدامه بد ًال‬
‫من مصطلح (المعوقين)؛ ألن المصطلح الثاني يعبر عن الوصم باإلاعاقة‪،‬‬
‫وما لها من آثار نفسية سلبية اعلى الفرد والمحيطين به من أقاربه وأهله‪.‬‬
‫وهذا التعريف ر ّكز اعلى القصور الذي يصاحب هؤالء األشخاص‪.‬‬
‫ولكن هناك من نظر إلى التعريف من زاوية أخرى؛ حيث رأى أن‬
‫خاصة تختلف اعن احتياجات باقي‬
‫في المجتمع أفرا ًدا لهم احتياجات ّ‬
‫أفراد المجتمع‪ ،‬وتتمثل هذه االحتياجات في‪ :‬برامج‪ ،‬أو خدمات‪ ،‬أو‬
‫أجهزة‪ ،‬أو تعديالت‪ ،‬وتحدد طبيعة هذه االحتياجات الخصائص التي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المجلسي‪ :‬بحار األنوار‪ )225/71( ،‬باختصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬موقع الهيئة العامة لالستعالمات‪ ...‬مصر‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫مفاهيم ومصطلحات‬

‫يتسم بها كل فرد منهم‪.‬‬


‫وذلـك يعنـي أنهــا تشـمل‪ :‬المعــوقين‪ ،‬والموهـوبين‪ ،‬والمرضــى‪،‬‬
‫والحوامل‪ ،‬والمسنين‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وهناك من يرفض مصطلح >أصحاب اًلحتياجات الخاصة<‪ ،‬بااعتبار‬
‫أن الناس كلهم لديهم حاجات‪ ،‬ويرى أن هذه الكلمة تشعر بالدونية‬
‫واعدم المساواة‪.‬‬
‫وترى الدكتورة نعمت الشعباني ــ استشاري التدخل المبكر بمؤسسة‬
‫ويانا الدولية(‪ )1‬ــ أنها كلمة ُتحدث تأثيرات سيئة اعلى نفسية متلقيها‪.‬‬
‫بينما يرجح د‪ .‬سيد هاشم ــ األستاذ بكلية التربية الرياضية بالجيزة‪،‬‬
‫وأحد أصحاب اإلعاقة الحركية ــ مصطلح >أصحاب القدرات الخاصة<؛‬
‫ألنه يشير إلى الجهد الذي بذلوه في التكيف مع ظروفهم‪ ،‬والتفوق في‬
‫مجاالت الحياة المختلفة(‪.)2‬‬
‫* الفئاَ الخاصة‪ :‬ويدل هذا المصطلح اعلى أن المجتمع يتكون‬
‫من اعدة فئات‪ ،‬ومن بينها فئات تتفرد بخصوصية معينة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مؤسسة ويانا الدولية للتواعية والدمج في المجتمع‪ :‬مؤسسة أهلية خاصة ال تهدف‬
‫للربح‪ ،‬تهدف إلى داعم التواصل مع الفئات الخاصة ودمجهم في المجتمع ليصبحوا‬
‫أفرا ًدا منتجين‪ ،‬وتقدم التواعية الالزمة للمجتمع تجاه ذوي االحتياجات الخاصة‪،‬‬
‫بدنيا‪.‬‬
‫ذهنيا و ًّ‬
‫وباألخص المعاقين ًّ‬
‫(‪ )2‬فض اًلشتباك بين أصحاب اإلعاقة وذوي اًلحتياجات الخاصة‪ ،‬موقع األهرام اليومي‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫مفاهيم ومصطلحات‬

‫وهــذا المصــطلح لــيس وق ًفــا اعلــى المعــاقين‪ ،‬بــل ينســحب اعلــى‬


‫الموهوبين؛ إذ يعتبرون من الفئات الخاصة‪.‬‬
‫غالبا ما يطلق هذا المصطلح اعلى األطفال‬
‫* األفراد ئير العاديين‪ً :‬‬
‫الذين يختلفون عن أقرانهم‪ ،‬إما في قدراتهم العقلية أو الحسية أو الجسمية‬
‫أو التواصلية‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وهذا االختالف يتطلب برامج لس ّد احتياجاتهم‪.‬‬
‫وال يخفى القرب في الداللة بين تلك المصطلحات السابقة‪ ،‬إال‬
‫غالبا مع األطفال‪.‬‬
‫أن األخير يُستخدم ً‬
‫* وو اال تياجاَ التربوية الخاصة‪ :‬ويطلق هذا المصطلح اعلى‬
‫الفئة العمرية لتًلميذ المدارس‪ ،‬أو ما قبل مرحلة الدخول إلى المدرسة‪،‬‬
‫كما أن طبيعة احتياجاتهم تربوية‪.‬‬
‫* المعوقون‪ :‬وهم فئة من الفئات الخاصة‪ ،‬أو من ذوي االحتياجات‬
‫الخاصة‪ ،‬وتندرج تحت هذا المصطلح جميع فئات ذوي العوق مثل‪:‬‬
‫المعوقين بصريا‪ ...‬المعوقين سمعيا‪ ...‬المعوقين عقليا‪ ...‬المعوقين‬
‫نفسيا‪ ...‬ومتعددي اإلاعاقة‪،‬‬
‫تواصليا‪ ...‬المعوقين ً‬
‫ًّ‬ ‫جسديا‪ ...‬المعوقين‬
‫ًّ‬
‫(‪)1‬‬
‫إلى غير ذلك من أنواع اإلاعاقات ‪.‬‬
‫واإلعاقة‪ :‬هي الحالة التي تح ّد من قدرة الفرد اعلى القيام بوظيفة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬موقع ذوي االحتياجات الخاصة‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫مفاهيم ومصطلحات‬

‫واحدة أو أكثر من الوظائف التي تع ّد أساسية في الحياة اليومية‪ ،‬التي‬


‫تنشأ اعن إصابة نفسية أو اعقلية أو بدنية(‪.)1‬‬
‫وهذا المصطلح األخير هو الذي تبنته اًلتفاقية الدولية لحقوق ذوي‬
‫اإلاعاقة لسنة ‪ 2006‬الموسوم بذوي اإلاعاقة‪ ،‬حيث جاء في ديباجة‬
‫االتفاقية‪ :‬إن األشخاص ذوي اإلاعاقة هم كل األشخاص الذين يعانون‬
‫من اعاهات طويلة األجل بدنية أو اعقلية أو ذهنية أو حسية‪ ،‬قد تمنعهم‬
‫لدى التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في‬
‫المجتمع اعلى قدم المساواة مع اآلخرين(‪.)2‬‬
‫وقد حصر العلماء أسباب اإلاعاقات والعاهات في ثالثة أسباب‪:‬‬
‫وراثية أو صحية أو جنائية‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقالة لـ د‪ .‬اعمر محمد أحمد األمين‪ :‬اإلاعاقة بين المنحة والمحنة‪ .‬موقع جامعة الملك‬
‫سعود‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقرير مفوضة األمم المتحدة السامية لحقوق اإلنسان اعن التقدم المحرز في تنفيذ‬
‫التوصيات الواردة في الدراسة اعن حقوق اإلنسان للمعوقين [موقع األمم المتحدة‪...‬‬
‫التمكين‪ ...‬التنمية وحقوق اإلنسان للجميع]‪.‬‬
‫ــ اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلاعاقة والبروتوكول االختياري‪ ،‬ص (‪.)2‬‬
‫‪25‬‬
‫أنواع اإلعاقات‬

‫أنواع اإلقاعاات‬

‫تلمس األنماط‬
‫تحديدنا ألنواع اإلاعاقات هو الذي سيسااعدنا اعلى ّ‬
‫التي تعامل معها رسول اهلل ‘‪ ،‬وإبراز هذه الشخصيات وتسليط الضوء‬
‫اعليها‪.‬‬
‫وقد هب المختصون إلى أن أنواع اإلعاقاَ يمان إبرازها في‬
‫اآلتي‪:‬‬
‫ــ إاعاقة تخاطب جزئية‪.‬‬
‫ــ إاعاقة تخاطب كلية‪.‬‬
‫ــ صمم‪.‬‬
‫ــ ضعف السمع‪.‬‬
‫ــ االضطرابات االنفعالية والوجدانية‪.‬‬
‫ــ التوحد‪.‬‬
‫ــ صعوبات التعلم‪.‬‬
‫ــ المشكالت الصحية الخاصة والصرع‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫أنواع اإلعاقات‬

‫ــ التخلف العقلي البسيط‪.‬‬


‫ــ التخلف العقلي الشديد‪.‬‬
‫ــ إاعاقة حركية‪.‬‬
‫ــ كف البصر‪.‬‬
‫ــ اضطرابات النطق أو اللغة‪.‬‬
‫وهذه اإلاعاقات قد يولد بها اإلنسان‪ ،‬وتكون مالزمة له طول‬
‫حياته‪ ،‬مثل الذي يولد مقع ًدا‪ ،‬أو كفي ًفا‪ ،‬أو أخرس‪ ،‬أو أصم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫تلم به‪ ،‬أو مرض يصيبه‪،‬‬
‫وقد تحدث له هذه اإلاعاقات نتيجة حادثة ّ‬
‫جزئيا‬
‫>يتسبب اعنها قصور وظيفي جسمي أو اعقلي‪ ،‬وقد يكون العوق ًّ‬
‫‪ ،‬أو في نسيج أو اعضو أو أكثر‪ ،‬وقد يكون‬ ‫تاما‬
‫‪ ،‬أو ًّ‬
‫‪ ،‬أو‬ ‫صا‬
‫‪ ،‬أو متناق ً‬ ‫‪ ،‬أو دائ ًما‬ ‫مؤق ًتا‬
‫<(‪.)1‬‬ ‫متزاي ًدا‬
‫وقد قَّمما الدكتور عمر األمين في م موعاَ على النحو التالي‪:‬‬
‫أ ــ ركية‪ :‬ويقصد بها اإلعاقة الناتجة عن خلل وظيفي في‬
‫األعصاب‪ ،‬أو العضًلت‪ ،‬أو العظام‪ ،‬أو المفاصل؛ مما يؤدي إلى فقدان‬
‫القدرة الحركية للجسم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقالة بعنوان‪ :‬من هم ذوو االحتياجات الخاصة‪ ،‬إاعداد‪ :‬منى بنت صالح الحصان‪،‬‬
‫موقع أطفال الخليج ذوي االحتياجات الخاصة‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫أنواع اإلعاقات‬

‫ب ــ إعاقة َّية‪ :‬ويقصد بها اإلاعاقة الناتجة اعن إصابة األاعضاء‬


‫الحسية مثل‪ :‬العين‪ ،‬أو األذن‪ ،‬أو اللسان‪.‬‬
‫ّ‬
‫الناتجة اعن خلل في‬
‫ج ــ إعاقة هنية أو عقلية‪ :‬ويقصد بها اإلاعاقة ّ‬
‫وظائف الدماغ‪ ،‬وتكون ناتجة عن بعض األمراض النفسية‪ ،‬أو اإلصابات‬
‫العضوية للدماغ‪ ،‬كما هو الحال في بعض األمراض الوراثية‪ ،‬أو نتيجة‬
‫لنقص األكسجين أثناء الوالدة أو بعدها‪.‬‬
‫د ــ إعاقة مركبة‪ :‬ويقصد بها وجود عدة أنواع من اإلعاقات السابقة‬
‫في الشخص الواحد(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلاعاقة بين المنحة والمحنة‪ ...‬موقع جامعة الملك سعود‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫مؤلفات في تلك املسألة‬

‫مؤلفات يف تلك املسألة‬

‫إن الكتابة والتأليف اعن ذوي اإلاعاقات لم يفت المتقدمين‪ ،‬بل‬


‫إننا نلحظ أن الكتابة اعنهم بدأت مبكرة في العصور اإلسالمية األولى‪،‬‬
‫وال يحتاج األمر للتنقيب والبحث؛ إذ إن العناوين كانت واضحة‪،‬‬
‫ولعل (الجاحظ) هو أول من ألف فيهم‪ ،‬وذكر أخبارهم وقصصهم‪،‬‬
‫وذلك في كتابه‪( :‬البرصان والعرجان والحوالن والعميان)‪.‬‬
‫ثم تاله الزمخشري في كتابه (تسلية الضرير)‪.‬‬
‫ثم يأتي الصفدي والذي ألّف كتابين كبيرين‪ :‬األول هو (نكت‬
‫الهميان(‪ )1‬في نكت العميان)‪ ،‬والثاني‪( :‬الشعور بالعور)‪.‬‬
‫ًل في أدب اإلاعاقة‪،‬‬
‫وقد خصص الدكتور عبد الرزاق حسين بح اثا شام ا‬
‫وذلك في كتابه الشامل‪( :‬اإلاعاقة في األدب العربي)‪.‬‬
‫ومن المؤلفات في هذا الباب كتاب‪> :‬رعاية المعاقين بين الشرائع‬
‫السماوية< من منشورات الجمعية النسائية بجامعة أسيوط للتنمية بالتعاون‬
‫مع مركز خدمات المنظمات غير الحكومية‪ ،‬منتدى التجمع المعني‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الو َس ِط< [تاج العروس‪.])286/36( ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يس للنَّ َف َقة ِ يُ َش ُّد في َ‬
‫(‪> )1‬اله ِْميا ُن‪ :‬ك ٌ‬
‫‪29‬‬
‫مؤلفات في تلك املسألة‬

‫بحقوق المعاق‪ ،‬اإلصدار األول للمنتدى‪.‬‬


‫المعوقين وراعايتهم في‬
‫ّ‬ ‫وللدكتور موسى البسيط كتاب‪> :‬حقوق‬
‫الشريعة اإلسالمية<‪.‬‬
‫ولســعدي أبــي حبيــب كتــاب‪> :‬المعــوق والمجتمــع فــي الشــريعة‬
‫اإلسالمية<‪.‬‬
‫ولسلمان ظافر الشهري كتاب‪> :‬ذوو الصعوبات السمعية وكيفية‬
‫ربطهم بالمجتمع<‪.‬‬
‫وللدكتور أحمد سويلم كتاب‪> :‬مسلمون هزموا العجز<‪.‬‬
‫ولزهير جمجوم‪> :‬أشهر المعوقين في العالم<‪.‬‬
‫ولكارين صادر‪> :‬معجم األدباء ذوي العاهات‪ :‬أاعالم الجبابرة<‪.‬‬
‫وألحمد الشنواني‪> :‬عظماء ومشاهير معاقون غيروا مجرى التاريخ<‪.‬‬
‫وهناك رسائل اعلمية في هذا الباب‪ ،‬منها‪ :‬رسالة ماجستير في‬
‫التربية الخاصة للباحث محمد الذبياني‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمقاالت التي تناولت هذا الموضوع‪ ،‬فهي كثيرة‪،‬‬
‫نذكر منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ تأمًلت في أدب اإلعاقة‪ ،‬وهي منشورة على الشبكة العنكبوتية‪،‬‬
‫ولكن لألسف لم يكتب اسم ملقيها‪ ،‬ولكن نجتهد إن شاء اهلل للوصول‬
‫‪30‬‬
‫مؤلفات في تلك املسألة‬

‫لصاحبها؛ حتى ال نغمطه حقه‪.‬‬


‫‪ 2‬ــ من أشعار العميان لمصطفى قاسم اعباس‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ الصورة البصرية في شعر العميان للدكتور اعبد اهلل الفيفي‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ كيف تعامل اإلسالم مع المعاقين؟ لموسى بن حسن ميان‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ رحمة النبي ‘ بذوي اًلحتياجات الخاصة لمحمد مسعد‬
‫ياقوت‪.‬‬
‫‪ 6‬ــ المعوقون بين محمد وأفالطون لكمال خطيب‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ أصحاب االحتياجات الخاصة في ظل اإلسالم راعاية وأحكام‬
‫لعالء الدين زاعتري‪.‬‬
‫وقد قامت إدارة موقع >أطفال الخليج ذوي االحتياجات الخاصة<‬
‫بنشر مجمواعة من الكتب والبرامج ــ ومنشورات من المجالت‬
‫المتخصصة‪ ،‬وهي مفيدة للمهتمين بقضايا المعوقين وذوي االحتياجات‬
‫الخاصة من الكبار والصغار‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫اإلعاقة في املوروث الشعبي العربي القديم‬

‫اإلقاعاة يف املوروث الشعيب العريب القديم‬

‫لقد كانت النظرة الطبقية العنصرية مسيطرة اعلى العرب؛ إذ إن‬


‫السيد الشريف المصاب بالمرض أو اإلاعاقة ال يستطيع أحد أن يعيره‬
‫بذلك‪ ،‬بل قد يتمدحون ذلك فيه‪.‬‬
‫قال الجاحظ‪> :‬وقد فخروا بالعمى‪ ،‬وذلك كثير‪ ،‬واحتجوا بالعرج‬
‫وذلك غير قليل‪.‬‬
‫ال‬
‫وإذا كان األاعرابي يعتريه البرص فيجعله زيادة في الجمال ودلي ً‬
‫اعلى المجد‪ ،‬فما ظنك بقوله في العرج والعمى‪ ،‬وهما ال يستقذران وال‬
‫يتقزز منهما وال يعديان وال يظن ذلك بهما‪ ،‬وال ينقصان من تدبير‪ ،‬وال‬
‫يمنعان من سؤدد‪ ،‬وهذا المعنى نفسه قد ذكره شااعر قريش حين اعدد‬
‫أسماء من اعمي من أشرافهم فقال في كلمة له‪:‬‬
‫فتتتذاك داء قتتتريا آختتتر التتت من‬ ‫ومطعتتتتم وعتتتتدي فتتتتي ستتتتيادته‬
‫وال تبيتتتت تمنَّتتتى لتتتذة الوستتتن‬ ‫وخيتتتر دائتتتك داء ال تَّتتتب بتتته‬
‫(‪)1‬‬
‫فالحمد لل ي اآلالء والمتنن<‬ ‫داء كتتريم فتتال عتتدوى فتحتتتذره‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الجاحظ‪ :‬البرصان والعرجان والعميان والحوالن‪ ،‬ص (‪ 37‬ــ ‪.)38‬‬
‫‪32‬‬
‫اإلعاقة في املوروث الشعبي العربي القديم‬

‫واعيرت أبا طالب >بعض نسائه بالعرج فقال‪:‬‬


‫أنارَ من َجلَدي و َّتن فعتالي‬ ‫عرجت فما التذي‬
‫ه‬ ‫عرجت فقد‬
‫َ‬ ‫قالت‬
‫(‪)1‬‬
‫وستتتتليل كتتتتل مَّتتتتود مفضتتتتال‬ ‫وأنا ابن ب تدتما وفتي صتيابما‬
‫كيمتتتتا أفيتتتتد رئائتتتتب األمتتتتوال‬ ‫أدع الرقا تتة(‪ )2‬ال أريتتد نماءهتتا‬
‫تتتتى تصتتتيب مقاتتتتل البختتتال‬ ‫وأكتتف ستتممي عتتن وجتتوه جمتتة‬
‫وقال أبو طالب قو ًال هو أجمل وأرجح من قول الجميع؛ وذلك‬
‫أنه قال وفسر‪:‬‬
‫ويتتتتتتتوم الحتتتتتتترب فتتتتتتتارس‬ ‫أنتتتتتتا يتتتتتتوم الَّتتتتتتلم مافتتتتتتي‬
‫تتتتين متتتتا للخمتتتتا عتتتتا ا‬ ‫أنتتتتتتتتتا للخمَّتتتتتتتتتة أنتتتتتتتتتف‬
‫فزاعم ــ كما ترى ــ أنه إذا كان في السلم فهو ال يحتاج مع الكفاية‬
‫واألاعوان إلى ابتذال نفسه في حوائجه‪ ،‬وإذا كان في الحرب فهو فارس‬
‫يبلغ جميع إرادته‪.‬‬
‫ضر ــ أكرمك اهلل ــ هرثمة بن أاعين(‪................. )3‬‬
‫وما ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كل شيء‪ ،‬وقال‬ ‫اب‪ :‬الخالِ ُص من ِّ‬ ‫والص َي ُ‬
‫والص َياب ُة ُّ‬ ‫والصيَّابة‪ :‬أَ ُ‬
‫صل القوم‪ُّ ،‬‬ ‫اب ُّ‬ ‫لصيَّ ُ‬
‫(‪> )1‬ا ُّ‬
‫يار من‬ ‫والص َّيابة‪ِ :‬‬
‫الخ ُ‬ ‫وص َّوابة قومه‪ ،‬أَي‪ :‬في َص ِميمِ قومه‪ُّ ،‬‬
‫الفراء‪ :‬هو في ُص َّيابة قومه ُ‬‫َّ‬
‫كل شيء< [لسان العرب‪ ،‬مادة (صيب)]‪.‬‬‫ٍ‬
‫(‪> )2‬ا َّلرقاح ُة‪ :‬ال َك ْس ُب والتجارة< [السابق‪ ،‬مادة (رقح)]‪.‬‬
‫(‪> )3‬ابن أاعين [‪ 000‬ــ ‪200‬هـ =‪ 000‬ــ ‪816‬م]‪ :‬هرثمة بن أاعين‪ :‬أمير‪ ،‬من القادة‬
‫=‬ ‫الشجعان‪ .‬له اعناية بالعمران‪ .‬بنى في (أرمينية) و(إفريقية) وغيرهما‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫اإلعاقة في املوروث الشعبي العربي القديم‬

‫ونصر بن شبث(‪ )1‬وغيرهما من الرؤساء المحاربين المقربين الذي كان‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= واله (الرشيد) مصر (سنة ‪178‬هـ)‪ ،‬ثم وجهه إلى إفريقية إلخضاع اعصاتها‪ ،‬فدخل‬
‫(القيروان) سنة ‪179‬هـ‪ ،‬ولقي من أهلها ما يحب‪ ،‬فأحسن معاملتهم‪ ،‬وتقدم في‬
‫جيش كثيف إلى (تيهرت) فقاتله ابن الجارود‪ ،‬وظفر هرثمة‪ ،‬وأطااعته قبائل البربر‪،‬‬
‫فعاد إلى القيروان‪ ،‬وبنى فيها القصر المعروف بالمنستير (اعلى يد زكريا بن قادم)‬
‫وبنى سور طرابلس الغرب‪.‬‬
‫واليا اعلى إفريقية سنتين ونصفا‪.‬‬
‫واستمر ً‬
‫وطلب من الرشيد أن يعفيه‪ ،‬فنقله (سنة ‪ )181‬واعقد له اعلى خراسان‪ ،‬فأقام فيها‪.‬‬
‫وواله غزو الصائفة (سنة ‪ ،)191‬ثم واله ما كان البن ماهان (اعلي بن اعيسى) فانتقل‬
‫إلى مرو (سنة ‪ ،)192‬ولما بدأت الفتنة بين األمين والمأمون‪ ،‬انحاز إلى المأمون‪،‬‬
‫فقاد جيوشه وأخلص له الخدمة حتى سكنت الفتنة بمقتل األمين‪.‬‬
‫أمرا‪ ،‬قيل‪ :‬اتهمه بمماألة إبراهيم ابن المهدي‪،‬‬
‫وانتظمت الدولة للمأمون‪ ،‬فنقم اعليه ً‬
‫أو بالتراخي في قتال الطالبيين وأبي السرايا‪ ،‬فداعاه إليه وشتمه وضربه وحبسه‪.‬‬
‫سرا‪ ،‬بمرو<‬
‫وكان الفضل بن سهل (الوزير) يبغضه‪ ،‬فدس إليه من قتله في الحبس ًّ‬
‫[األاعالم‪.])82/8( ،‬‬
‫(‪> )1‬نصر بن شبث [‪ 000‬ــ بعد ‪210‬هـ ــ ‪ 000‬ــ بعد ‪825‬م]‪ :‬نصر بن شبث‬
‫العقيلي‪ :‬ثائر للعصبية العربية‪ .‬من بني اعقيل بن كعب بن ربيعة‪.‬‬
‫كان أسالفه من رجال بني أمية‪.‬‬
‫وكانت إقامته في (كيسوم) بشمالي حلب‪.‬‬
‫وفي أيامه مات هارون الرشيد‪ ،‬وحدثت الفتنة بين األمين والمأمون‪ ،‬وقتل األمين‪.‬‬
‫فامتنع نصر اعن البيعة للمأمون‪ ،‬وثار في كيسوم‪ ،‬وتغلب اعلى ما جاورها من البالد‪،‬‬
‫وملك سميساط واجتمع اعليه خلق كثير من األاعراب‪ ،‬وقويت نفسه‪ ،‬واعبر الفرات‬
‫إلى الجانب الشرقي (سنة ‪.)198‬‬
‫قال ابن األثير في حوادث سنة ‪199‬هـ‪( :‬وفيها قوي أمر نصر بن شبث بالجزيرة‪،‬‬
‫وحصر حران‪ ،‬وأتاه نفر من شيعة الطالبيين فقالوا له‪ :‬قد وترت بني العباس وقتلت=‬
‫‪34‬‬
‫اإلعاقة في املوروث الشعبي العربي القديم‬

‫يمنعهم من المشي إذا كانوا اعلى ظهور الخيل أمثال العقبان(‪.)2(<)1‬‬


‫ما سبق كان في السادة واألشراف والكبراء‪ ،‬لكننا إذا حولنا النظر‬
‫لرأينا عكس ذلك‪ ،‬حيث اًلستحقار والتقزز من ذوي العاهات والمرض؛‬
‫النبي ‘ ال يخالطهم في طعامهم‬ ‫فقد >كان أهل المدينة قبل أن يبعث ّ‬
‫والتقزز<(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫أاعمى وال مريض‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬إنما كان بهم التقذّ ر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= رجالهم‪ ،‬فلو بايعت لخليفة كان أقوى ألمرك‪ ،‬فقال‪ :‬من أي الناس؟ قالوا‪ :‬تبايع‬
‫لبعض آل اعلي بن أبي طالب‪ ،‬فقال‪ :‬أبايع بعض أوالد السوداوات فيقول‪ :‬إنه هو‬
‫خلقني ورزقني!‬
‫قالوا‪ :‬فتبايع لبعض بني أمية‪ ،‬قال‪ :‬أولئك قد أدبر أمرهم‪ ،‬والمدبر ال يقبل أبدا‪ ،‬ولو‬
‫سلم اعلي رجل مدبر ألاعداني إدباره‪ ،‬وإنما هواي في بني العباس‪ ،‬وما حاربتهم إال‬
‫محاماة اعن العرب؛ ألنهم يقدمون اعليهم العجم!)‪.‬‬
‫واستمر في امتنااعه إلى أن ولى (المأمون) اعبد اهلل بن طاهر (سنة ‪ )206‬من الرقة‬
‫نصرا وضيق اعليه‪.‬‬
‫إلى مصر‪ ،‬وأمره بحرب نصر بن شبث‪ ،‬فذهب إلى الرقة‪ ،‬وقاتل ً‬
‫وبينما كان نصر في كفر اعزون (من قرى سروج) جاءه رسول من المأمون يداعوه إلى‬
‫طااعته ويعده بالعفو اعما كان منه‪ ،‬فأذاعن نصر‪ ،‬واشترط شرو ًطا‪ ،‬منها أن ال يطأ‬
‫بساط المأمون‪ ،‬فلم يرض المأمون شرطه‪.‬‬
‫واشتد عبد اهلل بن طاهر في حربه‪ ،‬وطال حصاره في كيسوم‪ ،‬وانتهى أمره باالستسالم‬
‫فسيره اعبد اهلل إلى المأمون‪ ،‬وهو ببغداد‪ ،‬فدخلها في صفر (سنة ‪[ <)210‬السابق‪،‬‬
‫(‪ 23/8‬ــ ‪.])24‬‬
‫(‪> )1‬ا ُلعقاب‪ :‬طائر‪ ،‬وجمع القلَّة‪ْ :‬أاع ُقب؛ ألنَّها مؤنثة‪ ،‬والكثير ِاع ْقبان< [الصحاح‪ ،‬مادة‬
‫(اعقب)]‪.‬‬
‫(‪ )2‬البرصان والعرجان والعميان والحوالن‪ ،‬ص (‪ 46‬ــ ‪.)47‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري‪.)219/19( ،‬‬
‫‪35‬‬
‫اإلعاقة في املوروث الشعبي العربي القديم‬

‫وهذا كان نهج السابقين الذين ينظرون للخلق نظرة طبقية متعالية‪،‬‬
‫وشعارهم‪{ :‬ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ} [هود‪:‬‬

‫‪ ،]27‬أي‪> :‬ما نراك اتبعك إال الذين هم سفلتنا من الناس‪ ،‬دون الكبراء‬
‫واألشراف‪ ،‬فيما َنرى ويظهر لنا<(‪.)1‬‬
‫ال َاعلَى َم ْن ُدونَ ُه‪،‬‬ ‫وهذا َس ْع ُد بن أبي وقاص ‪ ‬رأى أَ َّن ل َ ُه فَ ْض ً‬
‫فَ َق َال النَّب ُِّي ‘ مصح ًحا له وموج ًها‪َ > :‬ه ْل هت ْن َص هرو َن َو هت ْر َزقهو َن ِإ َّال‬
‫ِب هض َع َفا ِئ ها ْم؟<(‪.)2‬‬
‫وللعرب أمثال كانوا يضربونها تعبر اعن تجاربهم الحياتية ونظرتهم‬
‫التي قد تتفق أو تختلف معها‪ ،‬وقد تناولوا من خاللها ذوي اإلاعاقات‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫* أاعمى يقود ُش ْجعة‪.‬‬
‫الش ْج َعة‪ :‬ا ْل َّز ْمنى‪ ،‬أي‪ :‬ضعيف يقود ضعي ًفا ويعينه(‪.)3‬‬
‫ُّ‬
‫اجةِ ْأاع َمى(‪.)4‬‬
‫الح َ‬ ‫* َص ِ‬
‫اح ُب َ‬
‫الب ِص ُير َجا ِه ٌل‪.‬‬
‫أاعمى َو َ‬
‫* يَط ُْر ُق َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫السابق‪.)295/15( ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ين ِفي‬ ‫ِالض َع َف ِاء َو َّ‬
‫الصالِ ِح َ‬ ‫أخرجه البخاري في >الجهاد<‪ ،‬باب‪َ > :‬م ِن ْاس َت َعا َن ب ُّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫ا ْل َح ْر ِب‪ ،<...‬ح (‪.)2896‬‬
‫الميداني‪ :‬مجمع األمثال‪.)29/2( ،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫السابق‪.)417/1( ،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪36‬‬
‫اإلعاقة في املوروث الشعبي العربي القديم‬

‫الضرب بالحصى‪ ،‬وهو نوع من ال َك َهانة‪.‬‬


‫ُ‬ ‫الطَّ ْر ُق‪:‬‬
‫يتصر ُف في أم ٍر َ‬
‫وال يعلم َم َصالحه‪ ،‬فيخبره بالمصلحة‬ ‫يضرب لمن َّ‬
‫غيره من خارج(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫اب األاعمى ُر ْش َد ُه‪.‬‬
‫أص َ‬
‫* ُربَّ َما َ‬
‫أي‪ :‬ربما صادف الشيء َو ْف َقه من غير طلب منه وقصد(‪.)2‬‬

‫* أَ ْق َر ُب ِم ْن َح ْب ِل الو ِريِ ِد و ِم ْن َاع َصا ْ‬


‫األاع َرج(‪.)3‬‬
‫* ْأو َهى ِم َن األَ ْاع َرج(‪.)4‬‬
‫* أسرع من لمع(‪ )5‬األصم‪.‬‬
‫ألنه يكتفي من اإلشارة باللمعة(‪.)6‬‬
‫وقال الزمخشري‪> :‬ولمع به لمع األصم؛ ألن النذير إذا كان أصم‬
‫بظن أ ّن قومه لم يروه<(‪.)7‬‬
‫ال يسمع بالجواب فهو يكثر اللمع ّ‬
‫اء ُه َس ِم ُيع‪.‬‬
‫* أَ َص ُّم َاع َّما َس َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫السابق‪.)423/2( ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫السابق‪.)307/1( ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫السابق‪.)129/2( ،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫السابق‪.)382/2( ،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫شار‪ ،‬وقيل‪ :‬أَشار لِ ِ‬
‫إل ْنذا ِر< [لسان العرب‪ ،‬مادة (لمع)]‪.‬‬ ‫>أَ ْل َم َع‪ :‬أَ َ‬ ‫(‪)5‬‬
‫جمهرة األمثال‪.)528/1( ،‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫أساس البالغة‪.)559/1( ،‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫‪37‬‬
‫اإلعاقة في املوروث الشعبي العربي القديم‬

‫أي‪ :‬أصم اعن القبيح الذي يَ ْكرِثُ ُه (تقول‪ :‬كرثه الغم ــ من بابي‬
‫ضرب ونصر ــ وأكرثه‪ :‬إذا اشتد اعليه) ويغمه‪ ،‬وسميع لما يسره‪ ،‬أي‪:‬‬
‫فعل الرج ِل الكريم(‪.)1‬‬
‫الحسن‪ ،‬ويتصامم اعن القبيح‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫يسمع‬
‫* كم من ذي اعرج في درج المعالي اعرج‪ ،‬وكم من صحيح قدم‬
‫ليس له في الخير قدم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن من الصم من يسمع السر فإذا رفعت إليه الصوت لم‬
‫يسمعه‪.‬‬
‫ورأيت من العمش من ال ينظر صورة اإلنسان من قريب‪ ،‬ولكن‬
‫يقرأ الخط الرقيق الحواشي(‪.)2‬‬
‫واألمثلة في كتب الحكم واألمثال كثيرة‪ ،‬وإنما أردنا أن نلقي نظرة‬
‫ســريعة اعمــا يــدور فــي خلــد العــرب تجــاه المرضــى وذوي الحاجــات‬
‫واإلاعاقات‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجمع األمثال‪.)402/1( ،‬‬
‫(‪ )2‬المستطرف‪.)562/2( ،‬‬
‫‪38‬‬
‫نظرة األمم السابقة إلى ذوي اإلعاقة‬

‫نظرة األمم السابقة إىل ذوي اإلقاعاة‬

‫كانت األمم السابقة اعلى أمة اإلسالم ترى أن ذوي الحاجات‬


‫الخاصة والمعاقين اعالة اعلى المجتمع‪ ،‬بل ال يرون لهم حقًّا في الحياة‪.‬‬
‫وقد شذ الفراعنة عن هذا السياق؛ إذ كانوا في أول شأنهم يتخلصون‬
‫من األطفال المعاقين‪ ،‬ولكنهم مع مرور الزمن اصطبغت قوانينهم بالروح‬
‫اإلنسانية فنجحوا في استخدام بعض العقاقير الطبية التي تستخدم في‬
‫اعالج بعض حاالت ضعف السمع‪ ،‬ثم تطور األمر بقدماء المصريين أن‬
‫وزيرا‪.‬‬
‫أصبح أحد المعاقين ً‬
‫وقيل‪ :‬إن الكهنة كانوا يدعون الناس إلى احترام ذوي اإلعاقة واعدم‬
‫السخرية منهم أو إهانتهم بأي شكل من األشكال‪ ،‬ويتقبلونهم في المجتمع‬
‫الرحب‪.‬‬
‫غير أن شعو ًبا أخرى وحضارات يُنظر إليها اعلى أنها من حملت‬
‫التفلسف والتحضر والديمقراطية إلى العالم القديم‪ ،‬كانت تتعامل مع‬
‫ذوي االحتياجات الخاصة والمعاقين بطريقة وحشية غير آدمية؛ حيث‬
‫يتعاملون مع اإلنسان اعلى أنه آلة‪ ،‬ال أن فيه نفخة سماوية تميزه اعن‬
‫غيره من المخلوقات‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫نظرة األمم السابقة إلى ذوي اإلعاقة‬

‫فيذكر أنه في إسبرطة كان لديهم هيئة تنظر في الطفل المولود فترى‬
‫هل هو صالح ليكون جنديًّا أم ال‪.‬‬
‫وإذا لم يكن صال ًحا تخلصوا منه؛ حيث لم يكن لديهم وقت‬
‫اعقليا‪.‬‬
‫بدنيا أو ًّ‬
‫لتربية طفل معاق ًّ‬
‫حتى فًلسفة اليونان فقد رأوا أن هذه الفئة تشكل عب ائا على المجتمع‪.‬‬
‫ولم تختلف روما القديمة اعن نهج هؤالء؛ فكان نصيب المعاقين‬
‫هو االضطهاد واالزدراء واإلهمال‪.‬‬
‫أما فيما يسمى بعصر النهضة في أوروبا فلم يسلم المعاقون من‬
‫استخدام العنف والتعذيب البدني‪.‬‬
‫وقد مارس الساسة والحكام ضدهم أساليب أقل ما توصف بأنها‬
‫ضد اإلنسانية؛ حيث نبذوهم وأبعدوهم؛ بداعوى حماية المجتمع من‬
‫شرورهم وأخطارهم‪.‬‬
‫وقد نادى هيربرت سبنسر(‪ )1‬صراحة بإبطال تقديم المسااعدة اعم ًدا‬
‫لفئات العجزة‪.‬‬
‫أما هيجل(‪ )2‬فقد كان صاحب فلسفة القوة‪ ،‬والتي ترى أن المجتمع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هربرت سبنسر [‪ 1820‬ــ ‪1903‬م]‪ :‬فيلسوف بريطاني‪ ،‬وهو الذي أوجد مصطلح‬
‫(البقاء لألصلح)‪ ،‬ويعد واح ًدا من مؤسسي اعلم االجتماع الحديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬جورج ويلهلم فريدريش هيغل [‪ 1770‬ــ ‪ :]1831‬أحد أهم الفالسفة األلمان؛ حيث‬
‫يعتبر أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية األلمانية‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫نظرة األمم السابقة إلى ذوي اإلعاقة‬

‫ال ينمو إال في ظل القوة‪ ،‬وأن أصحاب العاهات هم فئة طفيلية واعبء‬
‫على المجتمع‪ ،‬وإن اتسمت بالمسالمة والسلبية‪ ،‬وًل تبغي للمجتمع ضر ًرا‪.‬‬
‫وكانت القسوة والغلظة والبطش والتجرد من اإلنسانية متمثلة في‬
‫(‪)1‬‬
‫بدنيا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫المعاقين‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬‫ا‬‫اعقلي‬
‫ًّ‬ ‫المعاقين‬ ‫األفراد‬ ‫استهدف‬ ‫الذي‬ ‫أدولف هتلر‬
‫ببرنامج أسماه‪> :‬القتل الرحيم<‪.‬‬
‫أخيرا استدراك هذه السوأة اإلنسانية‪ ،‬ففي اعام‬
‫وقد حاول الغرب ً‬
‫‪1962‬م بدأ الرئيس األمريكي الراحل جون كينيدي(‪ )2‬في التركيز اعلى‬
‫تعليم وراعاية المعاقين‪ ،‬وكلف مجمواعة من المختصين بوضع تقرير‬
‫ذهنيا(‪.)3‬‬
‫حول المعاقين وخاصة المعاقين ًّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أدولف ألويس هتلر [‪ 1889‬ــ ‪ :]1945‬سياسي ألماني نازي‪ ،‬ولد في النمسا‪ ،‬تولى‬
‫حكم ألمانيا في الفترة ما بين اعامي ‪ 1933‬و‪ ،1945‬اختارته مجلة تايم واح ًدا من‬
‫منتحرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بين مائة شخصية تركت أكبر األثر في تاريخ البشرية في القرن العشرين‪ ،‬مات‬
‫(‪ )2‬جون كينيدي [‪ 1917‬ــ ‪1963‬م]‪ :‬رئيس الواليات المتحدة الخامس والثالثون‪،‬‬
‫تولى الرئاسة خل ًفا للرئيس أيزنهاور‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ د‪ .‬هاشم فارس اعبدون‪ :‬راعاية ذوي االحتياجات الخاصة بين الشريعة والقانون‬
‫وأثرها في العملية التربوية‪ ،‬موقع أطفال الخليج ذوي االحتياجات الخاصة‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ رضا عبد العزيز‪ :‬اإلعاقة ونظرة المجتمع لها على مر العصور‪ ،‬موقع بنت مصر‬
‫الحرة‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ المعاقون اعلى مر العصور‪ ،‬مجلة طفلي‪.http: //mynono. com ،‬‬
‫‪ 4‬ــ موسى بن حسن ميان‪ :‬كيف تعامل اإلسالم مع المعاقين؟‬
‫‪ 5‬ــ محمد مسعد ياقوت‪ :‬رحمة النبي ‘ بذوي االحتياجات الخاصة‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫ملوك وأشراف وعلماء وأدباء من ذوي اإلعاقة‬

‫ملوك وأرشاف وعلماء وأدباء من ذوي اإلقاعاة‬

‫إذا كنا قد تحدثنا اعن األمم وكيف أن نظرتها في العموم كان فيها‬
‫شيء من االزدراء واالنتقاص من ذوي اإلاعاقة‪ ،‬بل وصل الحال في‬
‫بعض األحوال لقتلهم والتخلص منهم‪.‬‬
‫ولكن األمر لم يسر طوال الوقت على هذه الوتيرة؛ حيث برز ملوك‬
‫وأشراف ملكوا الدنيا وسادوا أقوامهم رغم ما كان بهم من إاعاقة‪.‬‬
‫فقد قيل‪ :‬إن اإلسكندر كان أحنف‪ ،‬وأنو شروان كان أعور‪ ،‬ويزدجر‬
‫كان أاعرج‪ ،‬وهؤالء ملوك أمم كبيرة ذات حضارات اعريقة‪.‬‬
‫ومن ملوك العرب‪ :‬جذيمة الوضاح الذي كان أبرص‪.‬‬
‫ومن الخلفاء‪ :‬هشام بن اعبد الملك الذي كان أحول‪.‬‬
‫ومن أشراف قريا وئيرهم‪ :‬أبو طالب الذي كان أاعرج‪ ،‬وأبو‬
‫جهل كان أحول‪ ،‬وأبو لهب كذلك‪ ،‬وكذلك زياد‪ ،‬واعدي بن زيد‪.‬‬
‫واألحنف بن قيس كان أحنف متراكب األسنان‪ ،‬صعل الرأس‪ ،‬مائل‬
‫الذقن‪.‬‬
‫والربيع بن زياد كان أبرص‪ ،‬وكذلك الحارث بن حلزة‪ ،‬وأيمن بن‬
‫‪42‬‬
‫ملوك وأشراف وعلماء وأدباء من ذوي اإلعاقة‬

‫خريم‪ ،‬والحسن بن قحطبة‪.‬‬


‫وكان اعبيدة السلماني أصم‪ ،‬وكذلك سيرين والكميت الشااعر‪.‬‬
‫والمرقش األكبر الشااعر كان أجدع‪.‬‬
‫وممن كان مافوف البصر من أشراف الناس‪ :‬زهرة بن كالب بن‬
‫كعب‪ ،‬واعبد المطلب بن هشام‪ ،‬والعباس بن اعبد المطلب‪ ،‬والحكم بن‬
‫العاص‪ ،‬وأبو سفيان بن حرب‪ ،‬والحارث بن العباس بن اعبد المطلب‪،‬‬
‫ومطعم بن اعدي بن نوفل بن اعبد مناف‪ ،‬وأبو بكر بن اعبد الرحمن بن‬
‫الحارث بن هشام بن المغيرة‪ ،‬وعتبة بن مسعود الهذلي‪ ،‬وعبد اهلل بن عبيد‬
‫اهلل بن عتبة‪ ،‬وأبو أحمد بن جحش بن مسعود األسدي‪ ،‬وجابر بن‬
‫اعبد اهلل األنصاري‪ ،‬واعبد اهلل بن أرقم‪ ،‬والبراء بن اعازب‪ ،‬وحسان بن‬
‫ثابت‪ ،‬وأبو أسيد الساعدي‪ ،‬وقتادة بن دعامة‪ ،‬ودريد بن الصمة الجشمي‪،‬‬
‫وعزمة بن نوفل الزهري‪ ،‬والفاكه بن المغيرة المخزومي‪ ،‬وجذيمة بن حازم‬
‫النهشلي‪ ،‬وأبو العباس الشاعر‪ ،‬وعلي بن زيد بن جداعان‪ ،‬والمغيرة بن‬
‫مقسم الضبي‪ ،‬والترمذي الكبير الحافظ الفقيه‪ ،‬ومنصور الشااعر‬
‫المصري‪ ،‬وابن سيده اللغوي‪ ،‬وأبو العالء المعري‪ ،‬وبشار بن برد‪،‬‬
‫وأبو البقاء العكبري‪ ،‬وأبو العيناء هشام بن معاوية الضرير النحوي‬
‫الكوفي‪ ،‬وأبو القاسم السهيلي صاحب الروض األنف‪ ،‬وأبو القاسم‬
‫الشاطبي الصرصري الشااعر‪ ،‬وأبو الحسن اعلي بن اعبد الغني الحصري‪،‬‬
‫وأبو اعبد اهلل بن خلصة المغربي النحوي‪ ،‬وأبو اعبد اهلل بن الخياط(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬صبح األاعشى‪ 510/1( ،‬ــ ‪.)513‬‬
‫‪43‬‬
‫ملوك وأشراف وعلماء وأدباء من ذوي اإلعاقة‬

‫هؤالء وغيرهم كثير ممن األدباء والعلماء والسادة واألشراف كانوا‬


‫ممن أصابتهم العاهات واإلاعاقات‪ ،‬لكن نفوسهم كانت أاعظم من‬
‫اإلاعاقة‪ ،‬ففازوا بالشرف والعلو بين الناس‪ ،‬ولم يستسلموا إلاعاقتهم‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫قواعد عامة في التعامل اإلنساني مع ذوي اإلعاقات‬

‫اواعد قاعمة يف اتلعامل اإلنساين مع ذوي اإلقاعاات‬

‫{ﲑ ﲒ ﲓ‬ ‫لقد كانت رسالة اإلسالم لإلنسانية جمعاء‪...‬‬


‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ} [األاعراف‪ ،]158 :‬فلم تنزل لقوم دون آخرين‪،‬‬
‫أو جنس دون غيره‪.‬‬
‫{ﱆ ﱇ‬ ‫وقد كانت من أوائل اآليات التي نزلت في القرآن‬
‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} [الفاتحة‪ 2 :‬ــ ‪.]4‬‬

‫وقد جاء اإلسًلم لهدم العصبيات واًلستعًلء باألعراق واألنساب‪،‬‬


‫وجعل العزة في اًلنتساب هلل‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ}‬
‫[الحجرات‪.]13 :‬‬

‫وقد أكد الرسول ‘ هذه القيمة في أكثر من حديث؛ ففي حجة‬


‫الوداع التي حوت جوامع الكلم وأخطر قوااعد اإلسالم قال ‘‪َ > :‬يا‬
‫اس‪ ،‬أ َ َال ِإ َّن َر َّب ها ْم َوا ِ ٌد‪َ ،‬و ِإ َّن أ َ َبا هك ْم َوا ِ ٌد‪ ،‬أ َ َال َال فَ ْض َل ل ِ َع َر ِبي‬‫أ َ ُّي َما النَّ ه‬
‫َعلَى أ َ ْع َ ِمي‪َ ،‬و َال ل ِ َع َ ِمي َعلَى َع َر ِبي‪َ ،‬و َال أل َ ْ َم َر َعلَى أ َ ْس َو َد‪َ ،‬و َال‬
‫أ َ ْس َو َد َعلَى أ َ ْ َم َر ِإ َّال ِبال َّت ْق َوى<(‪.)1‬‬
‫فاأللوان ليست محل التفضيل‪ ،‬فما ألوان األجساد إال من أنواع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده‪ ،‬ح (‪ ،)23536‬وقال شعيب األرنؤوط‪> :‬إسناده صحيح<‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫قواعد عامة في التعامل اإلنساني مع ذوي اإلعاقات‬

‫التراب المختلفة األلوان التي قبضها جبريل ‪ ‬من األرض اعند خلق‬
‫آدم‪.‬‬
‫فاألجساد من التراب وإليه اعودتها‪ ،‬ولكي ينزع رسول اهلل ‘ من‬
‫النفوس بقايا القيم األرضية قال‪ِ > :‬إ َّن اللَ َال َي ْن هُ هر ِإلَى هص َو ِر هك ْم‬
‫َوأ َ ْم َوال ِ ها ْم‪َ ،‬ولَ ِا ْن َي ْن هُ هر ِإلَى قهلهو ِب ها ْم َوأ َ ْع َمال ِ ها ْم<(‪.)1‬‬
‫اعلي ‪ ‬يقول‪ :‬ما البن آدم والفخر؛ أوله نُطفة‬ ‫و>كان سيدنا ّ‬
‫مذرة‪ ،‬وآخره جيفة قذرة‪ ،‬وفيما بينهما يحمل العذرة‪.‬‬
‫وكان يُنشد‪:‬‬
‫أَبتتتتتتتتتوهم آدم واألم تتتتتتتتتو هاء‬ ‫تاس متتن ِجمتتة التمثيتتل أ َ ْكفت ه‬
‫تاء‬ ‫النت ه‬
‫تتتاء‬ ‫أصتتتتلَ همم الطِّت ه‬
‫تتتين والمت ه‬ ‫فتتتت ن ْ‬ ‫منمم فَ ْخت ًرا بتذي َنَّتب‬ ‫ومن َي هر ْم ه‬ ‫َ‬
‫المتت َدى لَمتتن اهتتتدى َّ‬
‫أدال هء‬ ‫َعلَتتى ه‬ ‫َمتتا ال َف ْخت هتر ِإ َّال أل َ ْه ت ِل ال ِع ْل تمِ ِإنَّ همت هتم‬
‫(‪)2‬‬
‫وال َ ا ِهلهون أل َ ْه ِل الع ْلمِ أ َ ْع َد هاء<‬ ‫َوقَت ْتد هر كتتل امتتر َمتتا َكتتا َن هي ْت ِقنهت هته‬
‫ال اعلى‬
‫وليس نقصان األجساد بالعاهات واألمراض واإلاعاقات دلي ً‬
‫أن القلوب بها نفس النقص‪ ،‬فلربما كانت هذه القلوب فيها من العزيمة‬
‫والبأس والجد ما ال يكون لألصحاء األقوياء‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫>ت ْحرِيمِ ظُ ْلمِ ا ْل ُم ْسلِمِ َو َخذْ لِه ِ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في >البر والصلة واآلداب<‪ ،‬باب‪َ :‬‬
‫اح ِت َقا ِرهِ َو َد ِمه ِ َو ِاع ْر ِضه ِ َو َمالِهِ<‪ ،‬ح (‪ ،)2564‬من حديث أبي هريرة ‪.‬‬
‫َو ْ‬
‫(‪ )2‬تفسير البحر المديد‪.)436/5( ،‬‬
‫‪46‬‬
‫قواعد عامة في التعامل اإلنساني مع ذوي اإلعاقات‬

‫ومن الحقوق المتعينة لذوي اإلاعاقات اعلى األسوياء اعدم السخرية‬


‫منهم قال تعالى‪{ :‬ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ} [الحجرات‪]11 :‬؛ >فالمجتمع‬
‫الذي يزدري األصحاء فيه أهل البًلء يكون مصدر شقاء وألم لهؤًلء قد‬
‫ًل‪ ،‬فكم من ذوي البًلء من حمل عاهته‬ ‫يفوق ألم المصيبة وربما فاقها فع ا‬
‫ورضي بواقعه‪ ،‬إًل أنه ًل يمكن أن ينسى نظرة احتقار من أحد الناس‪ ،‬بل‬
‫إننا جمي اعا قد ننسى كل متاعب الحياة ومصاعبها وًل ننسى بسمة سخرية‬
‫أو كلمة استخفاف تلقيناها من اآلخرين‪ ،‬ألم يقل أبو الطيب المتنبي‪:‬‬
‫وال يلتتتتتام متتتتا جتتتتر اللَّتتتتان‬ ‫جرا تتتاَ الَّتتتنان لمتتتا التئتتتام‬
‫وليعلم هؤالء األصحاء أن ما يرفلون فيه من صحة‪ ،‬وما ينعمون‬
‫به من ضروب النعم والخير ليس إال من فضل اهلل وجوده وكرمه‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ} [النحل‪.]53 :‬‬

‫ضا ـ‬
‫وأن الذي وهبهم هذه النعم قادر اعلى سلبها منهم‪ ،‬وقادر ـ أي ً‬
‫اعلى إاعطائها لمن كانت أاعين أهل النعمة تزدريهم<(‪.)1‬‬
‫فقد أخرج البخاري في >األدب المفرد< اعن اعائشة ـ ‪ ‬ـ قالت‪:‬‬
‫مر رجل مصاب اعلى نسوة فتضاحكن به يسخرن‪ ،‬فأصيب بعضهن(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬موسى بن حسن ميان‪ :‬كيف تعامل اإلسالم مع المعاقين؟‬
‫(‪ )2‬األدب المفرد‪ ،‬ص (‪ ،)306‬وقد ضعفه األلباني في >ضعيف األدب المفرد<‪،‬‬
‫ص (‪.)81‬‬
‫‪47‬‬
‫أنبياء من ذوي االحتياجات‬

‫(‪)1‬‬
‫أنبياء من ذوي االحتياجات‬

‫ابتلى اهلل بعض أنبيائه بإاعاقات مختلفة‪ ،‬لم تكن اعائ ًقا لهم اعن‬
‫تبليغ الرسالة‪ ،‬وكانت تسرية للبشر؛ إذ إن اعموم الناس ليسوا مختصين‬
‫بصنوف اإلاعاقات‪ ،‬بل يشترك معهم أفضل الخلق ‪.‬‬
‫وبتتبعنا للقرآن الكريم وقفنا على بعض النماذج من األنبياء والمرسلين‬
‫الذين ابتالهم اهلل بإاعاقات لم تكن قادحة في النبوة والرسالة‪.‬‬
‫وهذه اإلاعاقات قد تكون اعارضة‪ ،‬وقد تكون دائمة‪.‬‬
‫نبي الل يعقوب‬
‫كف بصره‪ ،‬وهو كريم ابن كريم ابن كريم(‪،)2‬‬ ‫فنبي اهلل يعقوب ‪ّ ‬‬
‫فلم يكن اعماه قاد ًحا في نبوته‪ ،‬أو كرامته اعلى اهلل‪.‬‬
‫فقال اهلل ـ تعالى ـ عنه‪{ :‬ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ} [سورة يوسف‪.]84 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تأد ًبا مع مقام األنبياء استحييت أن أذكر اإلاعاقة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرج البخاري في >أحاديث األنبياء<‪ ،‬باب‪{> :‬ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬

‫ﲭ}<‪ ،‬ح (‪َ )3382‬اع ِن ْاب ِن ُاع َم َر ــ ‪َ ،‬اع ِن النَّ ِب ِّي ‘ أَنَّ ُه قَ َال‪> :‬ا ْل َارِ ه‬
‫يم ْاب هن‬
‫ِ‬
‫يم ‪.<‬‬ ‫وب ْب ِن ِإ ْس َح َاق ْب ِن ِإ ْب َراه َ‬
‫وس هف ْاب هن َي ْع هق َ‬
‫ا ْل َارِيمِ ْاب ِن ا ْل َارِيمِ ْاب ِن ا ْل َارِيمِ هي ه‬
‫‪48‬‬
‫أنبياء من ذوي االحتياجات‬

‫قال القرطبي‪> :‬قيل‪ :‬لم يبصر بهما ست سنين‪ ،‬وأنه عمي‪ ،‬قاله مقاتل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬قد تبيض العين ويبقى شيء من الرؤية‪ ،‬واهلل أعلم بحال‬
‫يعقوب‪.‬‬
‫وإنما ابيضت اعيناه من البكاء‪ ،‬ولكن سبب البكاء الحزن‪ ،‬فلهذا‬
‫قال‪{ :‬ﲵ ﲶ}<(‪.)1‬‬
‫وقد اعلل الطاهر ابن اعاشور حزن نبي اهلل يعقوب ‪ ‬الشديد اعلى‬
‫اء ِم َن ا ْل ُح ْز ِن أَ ْم ٌر ِج ِبل ٌِّّي فَ َال يُ ْس َت ْغ َر ُب صدوره‬
‫ولده بقوله‪َ > :‬اعلَى أَ َّن ا ْل ُب َك َ‬
‫نبي‪.‬‬
‫من ّ‬
‫اإل ْس َرائِيلِ َّيةِ‪،‬‬ ‫أَ ْو أَ َّن ال َّت َص ُّب َر ِاع ْن َد ا ْل َم َصائِ ِب ل َ ْم يَ ُك ْن ِم ْن ُسنَّةِ َّ‬
‫الشر َِيعةِ ْ ِ‬
‫بَ ْل َكا َن ِم ْن ُسنَ ِنه ِْم ِإظ َْه ُار ا ْل ُح ْز ِن َوا ْل َج َز ِع ِاع ْن َد ا ْل َم َصائِ ِب‪.‬‬
‫ين‬ ‫اء بَ ِني ِإ ْس َرائِ َيل َاعلَى ُم َ‬
‫وسى ‪ ‬أَ ْربَ ِع َ‬ ‫َوقَ ْد َح َك ِ‬
‫ت ال َّت ْو َرا ُة بُ َك َ‬
‫يَ ْو ًما‪.‬‬
‫ض ْاألَ ْنب َِي ِاء ثِ َيابَ ُه ْم ِم َن ا ْل َج َز ِع‪.‬‬
‫َو َح َك ْت َت ْمز َِيق بَ ْع ِ‬
‫اإل ْس َال ِم َّي ُة<(‪.)2‬‬ ‫َو ِإنَّ َما ال َّت َص ُّب ُر ِفي ا ْل ُم ِص َيبةِ َك َم ٌال بَلَ َغ ْت ِإل َ ْيه ِ َّ‬
‫الشر َِيع ُة ْ ِ‬
‫ثم امتن اهلل اعليه بأن ر ّد اعليه بصره؛ لكي تكتحل اعيناه برؤية ابنه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير القرطبي‪.)248/9( ،‬‬
‫(‪ )2‬محمد الطاهر ابن اعاشور التونسي‪ :‬التحرير والتنوير‪.)43/13( ،‬‬
‫‪49‬‬
‫أنبياء من ذوي االحتياجات‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫الذي افتقده سنين طويلة‪،‬‬


‫[سورة يوسف‪.]96 :‬‬ ‫ﱉﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ}‬
‫وهنا بعض النكت العلمية ساقها اآللوسي اعن اعمى يعقوب ‪‬‬
‫فقال‪> :‬قال بعض العارفين‪ :‬الحكمة في ذهاب بصر يعقوب وبقاء بصر‬
‫ال‪ ،‬أن بكاء يعقوب كان بكاء‬ ‫دهرا طوي ً‬
‫آدم وداود ‪ ‬مع أنهما بكيا ً‬
‫حزن معجون بألم الفراق؛ حيث تجلى جمال الحق من مرآة وجه‬
‫يوسف‪ ،‬وال كذلك بكاء آدم وداود؛ فإنه كان بكاء الندم والتوبة‪ ،‬وأين‬
‫ذلك المقام من مقام العشق؟‬
‫وقال أبو سعيد القرشي‪ :‬إنما لم يذهب بصرهما؛ ألن بكاءهما‬
‫كان من خوف اهلل ـ تعالى ـ فحفظا‪ ،‬وبكاء يعقوب كان لفقد لذة فعوتب‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يمكن أن يكون ذهاب بصره ‪ ‬من غيرة اهلل ـ تعالى ـ اعليه‬
‫حين بكى لغيره‪ ،‬وإن كان واسطة بينه وبينه<(‪.)1‬‬

‫نبي الل أيوب‬


‫وقد ابتلي نبي اهلل أيوب ‪ ‬ابتالء اعظي ًما في جسده‪ ،‬وقد لجأ إلى‬
‫ربه بعد طول صبر ُضرب به المثل‪ ،‬ولم يزد اعلى قوله‪{ :‬ﱕ ﱖ}‪،‬‬
‫وسجل ربنا ذلك في سورة األنبياء فقال‪{ :‬ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬
‫ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ} [سورة األنبياء‪.]83 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اآللوسي‪ :‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪.)80/13( ،‬‬
‫‪50‬‬
‫أنبياء من ذوي االحتياجات‬

‫يقول ابن كثير‪> :‬يذكر ـ تعالى ـ اعن أيوب ‪ ‬ما كان أصابه من‬
‫البالء في‪ :‬ماله وولده وجسده‪ ،‬وذلك أنه كان له من الدواب واألنعام‬
‫والحرث شيء كثير‪ ،‬وأوالد كثيرة‪ ،‬ومنازل مرضية‪.‬‬
‫فابتلي في ذلك كله‪ ،‬وذهب اعن آخره‪.‬‬
‫ثم ابتلي في جسده ــ يقال‪ :‬بالجذام في سائر بدنه‪ ،‬ولم يبق منه‬
‫وأفرد‬
‫َ‬ ‫سليم سوى قلبه ولسانه‪ ،‬يذكر بهما اهلل ‪ ،‬حتى اعافه الجليس‪،‬‬
‫في ناحية من البلد‪ ،‬ولم يبق من الناس أحد يحنو اعليه سوى زوجته‪،‬‬
‫كانت تقوم بأمره‪ ،‬ويقال‪ :‬إنها احتاجت فصارت تخدم الناس من أجله‪.‬‬
‫وقد كان نبي اهلل أيوب ‪ ‬غاية في الصبر‪ ،‬وبه يُضرب المثل في‬
‫ذلك<(‪.)1‬‬
‫ولما كان هذا صبره أمطر اهلل اعليه جرا ًدا من ذهب مكافأة اعاجلة‬
‫اعلى صبره‪ ،‬فقد أخرج الحاكم اعن أبي هريرة ‪ ،‬اعن النبي ‘ قال‪:‬‬
‫>لما عافى الل أيوب أمطر عليه جرا ًدا من هب‪ ،‬ف عل يأخذه بيده‬
‫وي عله في ثوبه‪.‬‬
‫فقيل له‪ :‬يا أيوب أما تشبع؟‬
‫قال‪ :‬ومن يشبع من ر متك؟<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن كثير‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪ )360/5( ،‬باختصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الحاكم في >المستدرك<‪ ،)636/2( ،‬وقال‪> :‬هذا حديث صحيح اعلى شرط=‬
‫‪51‬‬
‫أنبياء من ذوي االحتياجات‬

‫نبي الل موسى‬


‫وقد كان نبي اهلل موسى ‪ ‬اعنده مشكلة في الكالم؛ حيث كانت‬
‫الس ِّدي‪ ،‬ورواه اعنه الطبري فقال‪:‬‬
‫اعنده اعقدة في اللسان‪ ،‬والسبب حكاه ُّ‬
‫تحرك الغالم ــ يعني‪ :‬موسى ــ أُ َر ْته ُّأمه آسية ًّ‬
‫صبيا‪ ،‬فبينما هي‬ ‫>لما ّ‬
‫ترقصه وتلعب به‪ ،‬إذ ناولته فراعون‪ ،‬وقالت‪ :‬خذه‪.‬‬
‫اعلي‬
‫فلما أخذه إليه أخذ موسى بلحيته فنتفها‪ ،‬فقال فراعون‪ّ :‬‬
‫بالذباحين‪.‬‬
‫[القصص‪]9 :‬‬‫قالت آسية‪{ :‬ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ}‬
‫اعلمت أنه ليس‬
‫َ‬ ‫صبي ال يعقل‪ ،‬وإنما صنع هذا من صباه‪ ،‬وقد‬
‫إنما هو ّ‬
‫جمرا‪،‬‬
‫حليا من الياقوت‪ ،‬وأضع له ً‬
‫في أهل مصر أحلى مني أنا أضع له ًّ‬
‫صبي‪.‬‬
‫فإن أخذ الياقوت فهو يعقل فاذبحه‪ ،‬وإن أخذ الجمر فإنه هو ّ‬
‫فأخرجت له ياقوتها ووضعت له طس ًتا من جمر‪ ،‬فجاء جبرائيل‬
‫‘‪ ،‬فطرح في يده جمرة‪ ،‬فطرحها موسى في فيه‪ ،‬فأحرقت لسانه<(‪.)1‬‬
‫ًل‪{ :‬ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫لذلك عندما خوطب بالرسالة ناجى ربه قائ ا‬
‫ﲫ ﲬﲭﲮﲯ ﲰﲱﲲﲳﲴ ﲵﲶﲷ ﲸﲹﲺ‬
‫[سورة طه‪ 25 :‬ــ ‪.]29‬‬ ‫ﲻ ﲼ}‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= البخاري ولم يخرجاه<‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪.)300/18( ،‬‬
‫‪52‬‬
‫أنبياء من ذوي االحتياجات‬

‫فقيل‪> :‬فزالت اعن موسى من أجل ذلك‪.‬‬


‫وقوله‪{ :‬ﲵ ﲶ} يقول‪ :‬يفقهوا اعني ما أخاطبهم وأراجعهم به‬
‫من الكالم<(‪.)1‬‬
‫>قال ابن اعباس‪ :‬شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فراعون في‬
‫القتيل‪ ،‬واعقدة لسانه‪ ،‬فإنه كان في لسانه اعقدة تمنعه من كثير من‬
‫الكالم‪ ،‬وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له رد ًءا‪ ،‬ويتكلم اعنه‬
‫بكثير مما ال يفصح به لسانه‪ ،‬فآتاه سؤله‪ ،‬فحل اعقدة من لسانه<(‪.)2‬‬
‫وفي موضع آخر من القرآن يذكر ربنا هذه العقدة في اللسان‪،‬‬
‫وطلب نبي اهلل موسى ‪ ‬من ربه أن يشرِك معه أخاه هارون ‪ ‬في‬
‫تبليغ الرسالة؛ لفصاحة أخيه اعنه‪ ،‬فقال‪{ :‬ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬
‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ‬
‫[القصص‪ 34 :‬ــ ‪.]35‬‬ ‫ﳏ}‬
‫قال ابن كثير‪> :‬كان في لسانه لثغة‪ ،‬بسبب ما كان تناول تلك‬
‫الدرة‪ ،‬فأخذ الجمرة فوضعها‬
‫الجمرة‪ ،‬حين ُخ ّير بينها وبين التمرة أو ّ‬
‫اعلى لسانه‪ ،‬فحصل فيه شدة في التعبير<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير ابن كثير‪.)282/5( ،‬‬
‫(‪ )3‬السابق‪.)236/6( ،‬‬
‫‪53‬‬
‫أنبياء من ذوي االحتياجات‬

‫ويبدو أن هذه القضية كانت مؤرقة لنبي اهلل موسى ‪‬؛ حيث ورد‬
‫الحديث عنها في أماكن مختلفة بألفاظ مختلفة‪ ،‬وقد حكى موسى ‪‬‬
‫تخوفه لربه فقال‪{ :‬ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬
‫ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ} [الشعراء‪ 12 :‬ــ ‪]14‬‬

‫وقد رأى السيد قطب >أن خوفه ليس من مجرد التكذيب‪ ،‬ولكن‬
‫من حصوله في وقت يضيق فيه صدره وًل ينطلق لسانه فًل يملك أن يبين‪،‬‬
‫وأن يناقش هذا التكذيب ويفنده؛ إذ كانت بلسانه حبسة‪ ،‬ومن شأن هذه‬
‫الحبسة أن تنشئ حالة من ضيق الصدر‪ ،‬تنشأ من عدم القدرة اعلى‬
‫تصريف االنفعال بالكالم‪ ،‬وتزداد كلما زاد االنفعال‪ ،‬فيزداد الصدر‬
‫ضي ًقا‪ ..‬وهكذا‪..‬‬
‫وهي حالة معروفة‪.‬‬
‫فمن هنا خشي موسى أن تقع له هذه الحالة وهو في موقف المواجهة‬
‫بالرسالة لظالم جبار كفراعون‪ ،‬فشكا إلى ربه ضعفه‪ ،‬وما يخشاه اعلى‬
‫تبليغ رسالته‪ ،‬وطلب إليه أن يوحي إلى هارون أخيه‪ ،‬ويشركه معه في‬
‫صا وال ااعتذا ًرا اعن‬
‫الرسالة اتقاء للتقصير في أداء التكليف‪ ،‬ال نكو ً‬
‫التكليف‪ ،‬فهارون أفصح لسا ًنا‪ ،‬ومن ثم هو أهدأ انفعا ًال؛ فإذا أدركت‬
‫موسى حبسة أو ضيق نهض هارون بالجدل والمحاجة والبيان‪.‬‬
‫ولقد داعا موسى ربه ــ كما ورد في سورة طه ــ ليحل هذه العقدة‬
‫من لسانه‪ ،‬ولكنه زيادة في االحتياط للنهوض بالتكليف طلب معه أخاه‬
‫‪54‬‬
‫أنبياء من ذوي االحتياجات‬

‫وزيرا ومعي ًنا‪.)1(<..‬‬


‫هارون ً‬
‫وكان فرعون يعير نبي اهلل موسى ‪ ‬بهذا العيب‪ ،‬وكان يشنع اعليه‬
‫{ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬ ‫بها أمام الناس‪ ،‬قال ربنا ‪:‬‬
‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂ ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊ‬

‫[سورة الزخرف‪ 51 :‬ــ ‪.]53‬‬ ‫ﲋ ﲌ ﲍ}‬


‫وقد ذكر القرطبي اختالف العلماء في موضوع العقدة واللثغة هل‬
‫زالت بداعائه ربه أم ال فقال‪> :‬اختلف هل زالت تلك الرتة؟‬
‫[طه‪.]36 :‬‬ ‫فقيل‪ :‬زالت بدليل قوله‪{ :‬ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ}‬

‫وقيل‪ :‬لم تزل كلها‪ ،‬بدليل قوله حكاية عن فرعون‪{ :‬ﱿ ﲀ ﲁ}‬
‫[الزخرف‪.]52 :‬‬

‫وألنه لم يقل‪ :‬احلل كل لساني‪ ،‬فدل على أنه بقي في لسانه شيء من‬
‫االستمساك‪.‬‬
‫ﳘ}‪ ،‬وإنما قال‬ ‫{ﳗ‬ ‫وقيل‪ :‬زالت بالكلية بدليل قوله‪:‬‬
‫فراعون‪{ :‬ﱿ ﲀ ﲁ}؛ ألنه اعرف منه تلك العقدة في التربية‪ ،‬وما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سيد قطب إبراهيم‪ :‬في ظالل القرآن‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬بيروت‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة السابعة‬
‫اعشرة‪1412 ،‬هـ‪.)2589/5( ،‬‬
‫‪55‬‬
‫أنبياء من ذوي االحتياجات‬

‫ثبت اعنده أن اآلفة زالت‪.‬‬

‫{ﱿ ﲀ‬ ‫قلت‪ :‬وهذا فيه نظر؛ ألنه لو كان ذلك لما قال فراعون‪:‬‬
‫ﲁ} حين كلمه موسى بلسان ذلق فصيح‪.‬‬
‫واهلل أاعلم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن تلك العقدة حدثت بلسانه اعند مناجاة ربه‪ ،‬حتى ال‬
‫يكلم غيره إال بإذنه<(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير القرطبي‪.)193/11( ،‬‬
‫‪56‬‬
‫اإلسالم يدعو ملخالطة ذوي اإلعاقة‬

‫اإلسالم يدعو ملخالطة ذوي اإلقاعاة‬

‫ال أن هناك نفو ًسا بشرية تأنف من مخالطة المعاقين ذوي‬ ‫ذكرنا قب ً‬
‫نفسيا‪ ،‬فأراد اإلسالم‬
‫االحتياجات الخاصة‪ ،‬وتجعل بينها وبينهم حاج ًزا ًّ‬
‫الناس‬
‫أن يرفع من قدر النفس اإلنسانية‪ ،‬حتى وإن ظهرت في أاعين ّ‬
‫ناقصة‪ ،‬فالعمى أو العرج أو غيرهما ليس قاد ًحا في شرف النفس‪ ،‬وليس‬
‫ال لضعتها؛ فمقياس التفاضل هو اإليمان والتقوى {ﱱ ﱲ ﱳ‬ ‫سبي ً‬
‫ﱴ ﱵﱶ} [سورة الحجرات‪.]13 :‬‬

‫النبي ‘ ال يخالطهم في‬


‫ّ‬ ‫وقد >كان أهل المدينة قبل أن يبعث‬
‫طعامهم أاعمى وال مريض‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬إنما كان بهم التقذّ ر‬
‫(‪)1‬‬
‫والتقزز< ‪ ...‬فأنزل اهلل ــ تعالى‪{ :‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬ ‫ّ‬
‫ﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅ‬
‫ﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐ‬
‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬
‫ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ‬
‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪.)219/19( ،‬‬
‫‪57‬‬
‫اإلسالم يدعو ملخالطة ذوي اإلعاقة‬

‫ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬
‫ﲾ ﲿ} [سورة النور‪ ،]61 :‬و>معنى الكالم‪ :‬ليس اعليكم ــ أيها‬
‫الناس ــ في األعمى حرج أن تأكلوا منه ومعه‪ ،‬وًل في األعرج حرج‪ ،‬وال‬
‫في المريض حرج<(‪.)1‬‬
‫فما سبق تربية للنفس البشرية أال تتعالى اعلى أحد؛ فالصحيح ال‬
‫يدري ما تخبئه له األيام؛ فقد تدور األيام ويصبح الصحيح معا ًقا لمرض‬
‫ألم به‪ ،‬فهل يرضى أن يتجنبه الناس؟!‬ ‫ّ‬
‫علتتتتى اآلالء والتتتتنعم ال َّتتتتيمة‬ ‫أال فاشتتتار لربتتتك كتتتل وقتتتت‬
‫(‪)2‬‬
‫فيتتتتوم صتتتتالح منتتتته ئنيمتتتتة‬ ‫إ ا كتتتتان ال متتتتان زمتتتتان ستتتتوء‬
‫وقد ذهب بعض المفسرين إلى أنهم لم يكونوا يستقذرون أن‬
‫يأكلوا مع ذوي اإلاعاقات‪ ،‬ولكنهم كانوا يخشون أن ينالوا من الطعام‬
‫أكثر مما يناله ذوو اإلاعاقات فيكونوا قد ظلموهم وجاروا اعلى نصيبهم‪،‬‬
‫وأكلوا أموالهم بالباطل‪.‬‬
‫لذلك ذكر الطبري هذا القول بقوله‪> :‬قال بعضهم‪ :‬أنزلت هذه اآلية‬
‫صا للمسلمين في األكل مع العميان والعرجان والمرضى وأهل‬ ‫ترخي ً‬
‫الزمانة من طعامهم‪ ،‬من أجل أنهم كانوا قد امتنعوا من أن يأكلوا معهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيتان ألسعد بن اعلي بن أحمد الزوزني المعروف بالبارع‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫اإلسالم يدعو ملخالطة ذوي اإلعاقة‬

‫من طعامهم؛ خشية أن يكونوا قد أتوا بأكلهم معهم من طعامهم شي ًئا مما‬
‫نهاهم اهلل اعنه بقوله‪{ :‬ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬
‫ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ} [النساء‪.]29 :‬‬

‫فقال المسلمون‪ :‬إن اهلل قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل‪،‬‬


‫فكف‬
‫يحل ألحد منا أن يأكل اعند أحد‪ّ ،‬‬ ‫والطعام من أفضل األموال؛ فال ّ‬
‫الناس اعن ذلك‪ ،‬فأنزل اهلل بعد ذلك‪{ :‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ}‪ ...‬إلى‬
‫قوله‪{ :‬ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ}‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬المريض ال يستوفي الطعام‪ ،‬كما يستوفي الصحيح‪،‬‬
‫واألاعرج المنحبس ال يستطيع المزاحمة اعلى الطعام‪ ،‬واألاعمى ال يبصر‬
‫طيب الطعام‪ ،‬فأنزل اهلل‪{ :‬ﲣ ﲤ ﲥ} حرج في مؤاكلة‬
‫المريض واألاعمى واألاعرج<(‪.)1‬‬
‫وقد نجمع بين الرأيين بأن هناك من العرب من كان يترفع اعن‬
‫تحقيرا لشأنهم وترف ًعا‬
‫ً‬ ‫مؤاكلة العميان والعرجان ويستقذر الطعام معهم‬
‫اعنهم‪ ،‬وذلك كان سائ ًدا قبل مجيء اإلسالم‪.‬‬
‫ولكن بعد أن جاء اإلسالم ورفع الحدود والحواجز النفسية بين‬
‫البشر‪ ،‬وجعل ميزان التفاضل بالتقوى والسبق لإلسالم فإنهم لم يترفعوا‬
‫اعن األكل مع إخوانهم العميان وأضرابهم‪ ،‬ولكنهم خشوا أن يظلموهم‬
‫إذا واكلوهم بأن يأخذوا أطيب الطعام ويتركوا لهم أردأه‪ ،‬أو يأكلوا أكثر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السابق‪ ،‬نفس الصفحة باختصار‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫اإلسالم يدعو ملخالطة ذوي اإلعاقة‬

‫منهم‪ ،‬أو غير ذلك مما حاك في نفوسهم‪.‬‬


‫وهذا ما نراه فيما ورد اعن أبي جعفر محمد الباقر ‪ ‬في قوله‪:‬‬
‫>{ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ}‪،‬‬
‫وذلك أن أهل المدينة قبل أن يسلموا كانوا يعزلون األاعمى واألاعرج‬
‫والمريض‪ ،‬وكانوا ال يأكلون معهم‪ ،‬وكانت األنصار فيهم تيه وتكرم‬
‫فقالوا‪ :‬إن األاعمى ال يبصر الطعام‪ ،‬واألاعرج ال يستطيع الزحام اعلى‬
‫الطعام‪ ،‬والمريض ال يأكل كما يأكل الصحيح‪ ،‬فعزلوا لهم طعامهم اعلى‬
‫ناحية‪ ،‬وكانوا يرون اعليهم في مواكلتهم جنا ًحا‪.‬‬
‫وكان األاعمى والمريض يقولون‪ :‬لعلنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم‪،‬‬
‫فااعتزلوا مواكلتهم‪.‬‬
‫{ﲣ ﲤ‬ ‫فلما قدم النبي ـ ـ سألوه اعن ذلك فأنزل اهلل‪:‬‬
‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ}<(‪.)1‬‬
‫وقد >أذن اهلل لألعمى واألعرج والمريض أن يدخلوا البيوت لألكل؛‬
‫ألنهم محاويج ًل يستطيعون التكسب‪ ،‬وكان التكسب زمانئذ بعمل‬
‫األبدان‪ ،‬فرخص لهؤالء أن يدخلوا بيوت المسلمين لشبع بطونهم<(‪.)2‬‬
‫وفي كل األحوال فقد انطوت اآلية على >مبدأ قرآني جليل‪ ،‬وهو رفع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير القمي‪.)108/2( ،‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.)300/18( ،‬‬
‫‪60‬‬
‫اإلسالم يدعو ملخالطة ذوي اإلعاقة‬

‫الحرج اعن المسلمين في هذه األمور وأمثالها‪ ،‬مع التنبيه اعلى الرفق‬
‫بالضعفاء والفقراء وأصحاب العاهات واألعذار وتطييب نفوسهم وتطييب‬
‫النفوس إزاءهم<(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬التفسير الحديث‪ )449/8( ،‬باختصار‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫املسلمون يبيحون بيوتهم وطعامهم إلخوانهم أصحاب األعذار‬

‫املسلمون يبيحون بيوتهم وطعامهم‬


‫إلخوانهم أصحاب األعذار‬

‫يضن بما يملك اعلى اآلخرين‪ ،‬وال يقدر اعلى نفسه‬


‫كثيرا ما ّ‬
‫المرء ً‬
‫ويروضها إال الرجال األشداء‪ ،‬وأهل المدينة كانوا ممن جاهدوا أنفسهم‪،‬‬
‫وأنزلوها اعلى حكم اهلل ومراده‪.‬‬
‫فهناك تأويل آخر لآلية السابقة؛ حيث ذهب بعض العلماء إلى أنها‬
‫صا ألهل الزمانة الذين وصفهم اهلل في هذه اآلية أن يأكلوا‬ ‫>نزلت ترخي ً‬
‫من بيوت من خلَّفهم في بيوته من الغزاة‪[ ،‬فإن] المسلمين كانوا إذا غزوا‬
‫خلفوا زمناهم‪ ،‬وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم‪ ،‬يقولون‪ :‬قد أحللنا‬
‫يتحرجون من ذلك‪ ،‬يقولون‪ :‬ال‬ ‫لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا‪ ،‬وكانوا ّ‬
‫ندخلها وهم ُغ َّيب‪ ،‬فأنزلت هذه اآلية رخصة لهم<(‪.)1‬‬
‫رفع للحرج اعن ذوي اإلاعاقات والحاجات في أن يأكلوا‬
‫وهناك ٌ‬
‫من أي مكان يذهب فيه الرجل؛ فإن المرء قد يذهب إلى بيته فال يجد‬
‫طعاما لبعض من صحبهم معه‪ ،‬فيذهب إلى بيوت أقاربه لكي يستطعم‬‫ً‬
‫لهم‪ ،‬فكان ذوو اإلاعاقات والحاجات يتحرجون من ذلك‪ ،‬فرفع اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪.)220/19( ،‬‬
‫‪62‬‬
‫املسلمون يبيحون بيوتهم وطعامهم إلخوانهم أصحاب األعذار‬

‫اعنهم ذلك الحرج‪.‬‬


‫قال مجاهد‪> :‬كان الرجل يذهب باألاعمى والمريض واألاعرج إلى‬
‫بيت أبيه أو إلى بيت أخيه أو اعمه أو خاله أو خالته فكان الزمنى‬
‫يتحرجون من ذلك يقولون‪ :‬إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم‪ ،‬فنزلت‬
‫هذه اآلية رخصة لهم<(‪.)1‬‬
‫اء‬
‫وذكر مجاهد في نفس المعنى أنه > َكا َن ر َِج ٌال َز ْمنَى ُاع ْم َيا ٌن ُاع َر َج ُ‬
‫اجةٍ يَ ْس َت ْتب ُِع ُه ْم ر َِج ٌال ِإلَى بُ ُيوتِه ِْم‪ ،‬فَ ِإ ْن ل َ ْم يَ ِج ُدوا ل َ ُه ْم ط ََع ًاما َذ َه ُبوا‬
‫أُولُو َح َ‬
‫وت‪.‬‬‫ِإلَى آبَائِه ِْم َو َم ْن ُاع َّد َم َع ُه ْم ِم َن ا ْلب ُي ِ‬
‫ُ‬
‫ك‪{ :‬ﲣ ﲤ‬ ‫فَ َكر َِه َذلِ َك ا ْل ُم ْس َت َت ُبعو َن‪ ،‬فَأَ ْن َز َل اهلل ِفي َذلِ َ‬
‫وه<(‪.)2‬‬ ‫ﲥ}‪َ ،‬وأَ َح َّل ل َ ُه ُم الطَّ َع َام َح ْي ُث َو َج ُد ُ‬
‫فهذه صورة واقعية حدثت بين المسلمين صحيحهم ومريضهم‪،‬‬
‫الصحيح يبذل ماله إلخوانه أصحاب األاعذار‪ ،‬وهؤالء يتحرجون من‬
‫األكل من طعام إخوانهم‪.‬‬
‫هم اآلخر‪.‬‬
‫فالكل وحدة متماسكة متآلفة‪ ،‬الكل يحمل ّ‬
‫وهذا هو نداء اإلسالم ألبنائه‪ ،‬أن يحرص كل واحد اعلى أخيه‪ ،‬أن‬
‫يحب له مثل ما يحب لنفسه‪ ،‬أن يشعر به فيكون معه في أفراحه وأتراحه‪.‬‬
‫شبه الرسول ‘ اعالقة المسلم بأخيه المسلم بعالقة األاعضاء‬
‫وقد ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪.)351/9( ،‬‬
‫(‪ )2‬ابن أبي حاتم‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪.)2645/8( ،‬‬
‫‪63‬‬
‫املسلمون يبيحون بيوتهم وطعامهم إلخوانهم أصحاب األعذار‬

‫في الجسد؛ فهي تعمل في تناسق وتكامل وال تختلف فيما بينها‪ ،‬وال‬
‫يستقل اعضو بالعمل بعي ًدا اعن بقية األاعضاء‪ ،‬وال تستطيع األاعضاء أن‬
‫تتخلص من عضو هي له كارهة‪ ،‬وإذا مرض عضو اشتكت جميع األعضاء‬
‫ين فِي‬ ‫وًل تستريح حتى يستريح العضو المريض‪ ،‬فقال‪َ > :‬م َث هل ال هْم ْؤ ِم ِن َ‬
‫َت َوا ِّد ِه ْم َو َت َرا ه ِمم ِْم َو َت َعا ه ِفم ِْم َم َث هل ا ْل َ ََّ ِد ِإ َا ْاش َت َاى ِم ْن هه هع ْض ٌو َت َد َاعى لَ هه‬
‫الَّ َم ِر َوال هْح َّمى<(‪.)1‬‬ ‫َسا ِئ هر ا ْل َ ََّ ِد ِب َّ‬
‫شبه الرسول ‘ المسلمين بالبنيان الذي ال‬ ‫وفي موضع آخر ّ‬
‫خاليا من الثقوب والشقوق‪ ،‬والذي‬ ‫صلبا‪ ،‬ا‬ ‫يكون قويا إًل إذا كان متًلح اما ا‬
‫يكون متمك انا وثاب اتا في األرض‪ ،‬فما قيمة البنيان الهش الذي ًل يستر وًل‬
‫يحمي من عاصف الريح أو قارس البرد أو قيظ الصيف‪ ،‬فقال ‘‪:‬‬
‫ضا<‪َ ،‬و َش َّب َك بَ ْي َن أَ َصابِ ِعه ِ(‪.)2‬‬‫>ال هْم ْؤ ِم هن ل ِ ْل هم ْؤ ِم ِن َكال هْب ْن َيا ِن َي هش ُّد َب ْع هض هه َب ْع ً‬
‫وحث الرسول ‘ على إطعام الطعام‪ ،‬والدعوة إليه لتأليف القلوب‪،‬‬
‫وإدخال السرور اعلى النفوس‪ ،‬وإاعانة المحتاجين‪ ،‬وشدد اعلى الذين‬
‫يبخلون اعلى إخوانهم وهم يستطيعون أن ينفقوا اعليهم‪ ،‬ف َعن أَنَس‪ ،‬أن‬
‫النَّب ِّي ‘ قال‪> :‬ليا المؤمن الذي يبيت شبعان وجاره ا ٍو<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫احمِ ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ين َو َت َعا ُط ِفه ِْم‬ ‫>ت َر ُ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في >البر والصلة واآلداب<‪ ،‬باب‪َ :‬‬
‫اض ِد ِه ْم<‪ ،‬ح (‪ )2586‬من حديث النعمان بن بشير ‪.‬‬ ‫َو َت َع ُ‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في >المظالم<‪ ،‬باب‪> :‬نَ ْصرِ ا ْل َم ْظلُومِ<‪ ،‬ح (‪ )2446‬وموضعين‬
‫آخرين‪ ،‬من حديث أبي موسى األشعري ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البزار في >البحر الزخار<‪ ،)26/14( ،‬وقال الهيثمي في >مجمع الزوائد<‪،‬‬
‫(‪> :)306/8‬رواه الطبراني والبزار‪ ،‬وإسناد البزار حسن<‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫اإلسالم يرفع الجهاد عن أصحاب األعذار‬

‫اإلسالم يرفع اجلهاد عن أصحاب األعذار‬

‫إن الصراع بين الحـق والباطـل صـراع أزلـي مـا دامـت السـموات‬
‫واألرض‪.‬‬
‫ولك ٍل جنوده الذين ينتظمون تحت لوائه‪...‬‬
‫فللحق جنوده الذين يؤمنون به وينشرونه ويدافعون اعنه‪ ،‬ويبذلون‬
‫في سبيل نشره وإاعالئه والذب اعنه كل غا ٍل ورخيص‪.‬‬
‫وكذلك للباطل جنوده الذين يجابهون الحق‪ ،‬ويقفون في طريقه‪،‬‬
‫ويسلكون كل الطرق والوسائل في سبيل مدافعته والبغي اعليه والنيل من‬
‫أصحابه‪.‬‬

‫{ﱶ‬ ‫وقد صور اهلل طر ًفا من ذلك في نهاية سورة المجادلة فقال‪:‬‬
‫ﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆ‬
‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠ ﲡﲢﲣﲤ‬
‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬
‫ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬

‫‪65‬‬
‫اإلسالم يرفع الجهاد عن أصحاب األعذار‬

‫ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﳌ ﳍ ﳎ ﳏﳐ ﳑ‬
‫ﳒﳓﳔﳕﳖﳗ ﳘﳙﳚﳛﳜﳝﳞﳟﳠ‬
‫ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥﳦ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬

‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬

‫ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬

‫ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ‬

‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ}‬
‫[المجادلة‪ 14 :‬ــ ‪.]22‬‬

‫وًلبد لألفكار من قوة تحميها وتدافع عنها وتقف لعدوها بالمرصاد؛‬


‫لذلك أمرنا اهلل ـ تعالى ـ بأن نستعد دائ ًما وأن تكون الجاهزية اعلى أاعلى‬
‫مستوى مطلوب فقال‪{ :‬ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ‬
‫ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ‬
‫[األنفال‪.]60 :‬‬ ‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ}‬
‫والجهاد والحروب تحتاج إلى األقوياء األشداء األصحاء؛ فهم ال‬
‫المهج‪ ،‬ويحتاجون‬ ‫يبذلون العرق والمجهود فحسب‪ ،‬ولكنهم يبذلون ُ‬
‫إلى أاعضاء سليمة تسااعدهم في جهادهم وتضحيتهم‪ ،‬وقد أشرنا آن ًفا‬
‫كيف أن اإلسبرطيين كان يقتلون األطفال العجزة والمرضى؛ ألنهم رأوا‬
‫أنهم ال يصلحون للقتال‪.‬‬
‫إًل أن ربنا ‪ ‬قد خفف عن أصحاب األمراض واآلفات أمو ارا كثيرة‪،‬‬
‫‪66‬‬
‫اإلسالم يرفع الجهاد عن أصحاب األعذار‬

‫ويأتي اعلى رأسها الجهاد‪ ،‬والذي وصفه رسول اهلل ‘ بأنه > روة سنام‬
‫اإلسالم<(‪)1‬؛ فالجهاد شاق على األصحاء فما بالك بالضعفاء ذوي‬
‫األاعذار‪.‬‬
‫فاهلل لم يجمع اعليهم مشقتين‪ :‬مشقة المرض أو اإلاعاقة‪ ،‬ومشقة‬
‫الجهاد‪ ...‬وكما تقول القااعدة الفقهية‪> :‬المشقة تجلب التيسير‪ ،‬وإذا‬
‫ضاق األمر اتسع<‪.‬‬
‫{ﱠ‬ ‫وقد أنزل اهلل قرآ انا يرفع الحرج عن أصحاب األعذار فقال ‪:‬‬
‫ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬
‫[سورة‬‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ}‬
‫الفتح‪> ،]17 :‬يقول ــ تعالى ذكره‪ :‬ليس اعلى األاعمى منكم ــ أيها الناس ــ‬
‫ضيق‪ ،‬وًل على األعرج ضيق‪ ،‬وًل على المريض ضيق أن يتخلفوا عن‬
‫اعدوهم‪ ،‬للعلل‬
‫الجهاد مع المؤمنين‪ ،‬وشهود الحرب معهم إذا هم لقوا ّ‬
‫التي بهم‪ ،‬واألسباب التي تمنعهم من شهودها‪...‬‬
‫ومن يُطع اهلل ورسوله فيجيب إلى حرب أعداء اهلل من أهل الشرك‪،‬‬
‫وإلى القتال مع المؤمنين ابتغاء وجه اهلل إذا دعي إلى ذلك‪ ،‬يُدخله اهلل يوم‬
‫القيامة جنَّات تجري من تحتها األنهار‪.‬‬
‫{ﱸ ﱹ} يقول‪ :‬ومن يعص اهلل ورسوله‪ ،‬فيتخلَّف عن قتال أهل‬
‫الشرك باهلل إذا داعي إليه‪ ،‬ولم يستجب لداعاء اهلل ورسوله يعذّ به اعذا ًبا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده‪ ،‬ح (‪ ،)22104‬وقد صححه شعيب األرنؤوط بطرقه وشواهده‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫اإلسالم يرفع الجهاد عن أصحاب األعذار‬

‫موج ًعا‪ ،‬وذلك اعذاب جهنم يوم القيامة<(‪.)1‬‬


‫واألاعذار في ترك الجهاد اعلى نواعين‪:‬‬
‫>فمنها الزم كـ‪ :‬العمى والعرج المستمر‪.‬‬
‫أياما ثم يزول‪ ،‬فهو في حال مرضه‬
‫وعارض كـ‪ :‬المرض الذي يطرأ ا‬
‫ملحق بذوي األاعذار الالزمة حتى يبرأ<(‪.)2‬‬
‫وقد اعلل ابن اعادل سبب رفع الحرج اعن هؤالء األصناف الثالثة‪:‬‬
‫(األاعمى ــ األاعرج ــ المريض) فقال‪{> :‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ}‪ ،‬أي‪ :‬في‬
‫التخلف عن الجهاد {ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ}‪.‬‬
‫والكر وال َف ِّر‪ ،‬وهؤالء الثالثة‬
‫ِّ‬ ‫الجهاد اعبارة اعن المقاتلة‬
‫َ‬ ‫وذلك ألن‬
‫ال يمكنهم اإلقدام اعلى العدو والطلب‪ ،‬وال يمكنهم االحتراز والهرب‪.‬‬

‫وفي معنى األاعرج األَ ْق َط ُع ُ‬


‫الم ْق َعد‪ ،‬بل أولى أن يعذر‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫والفر ال يعذر‪.‬‬
‫الكر ِّ‬
‫ومن به َاع َر ٌج ال يمنعه من ِّ‬
‫والسعال‬
‫وكذلك المرض الذي ال يمنع من الكر والفر كالطّحال ُّ‬
‫وبعض أوجاع المفاصل إذا لم يُ ْض ِع ْف ُه اعن ِّ‬
‫الكر والفر‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪ 222/22( ،‬ــ ‪ )223‬باختصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير ابن كثير‪.)339/7( ،‬‬
‫(‪ )3‬في التفسير‪> :‬ال يمكنه<‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫اإلسالم يرفع الجهاد عن أصحاب األعذار‬

‫فهذه األاعذار في نفس المجاهد‪.‬‬


‫وتبقى أعذار خارجة‪ ،‬كـ‪ :‬الفقر الذي ًل يمكن صاحبه من استصحاب‬
‫ض‪.‬‬‫ما يحتاج له‪ ،‬وكذا اًلشتغال بمن لوًله لضاع كـ‪ :‬طفل أو مري ٍ‬
‫واألاعذار المبيحة مذكورة في كتب الفقه‪.‬‬
‫وقدم األعمى على األعرج؛ ألن عذر األعمى يستمر ولو حضر‬
‫راكبا أو بطريق يقدر على القتال بالرمي‬
‫القتال‪ ،‬واألعرج إن حضر ا‬
‫وغيره<(‪.)1‬‬
‫ورغم رفع الحرج من اهلل عن عباده الضعفاء؛ فإننا نجد نفو اسا‬
‫عظيمة‪ ،‬نفو اسا استعذبت األلم في سبيل اهلل‪ ،‬نفو اسا تسامت على ضعفها‬
‫وألمها وإاعاقتها‪ ،‬فجاهدت في سبيل اهلل‪ ،‬ولم تأخذ بالرخصة‪ ،‬بل‬
‫أخذت بالعزيمة اعلى ما سنذكره الح ًقا‪.‬‬
‫هذه النفوس التي ضربت أروع األمثلة في التضحية والفداء‬
‫واإلقدام‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫* ابن أم مكتوم األاعمى‪.‬‬
‫* اعبد الرحمن بن اعوف األاعرج‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن عادل‪ :‬تفسير اللباب‪.)490/17( ،‬‬
‫مختصرا‪ ،‬راجع‪ :‬مفاتيح الغيب‪،‬‬
‫ا‬ ‫وقد نقل ابن عادل هذا الكًلم عن الرازي في تفسيره‬
‫(‪ 81/28‬ــ ‪.)82‬‬
‫‪69‬‬
‫اإلسالم يرفع الجهاد عن أصحاب األعذار‬

‫* طلحة بن اعبيد اهلل األشل‪.‬‬


‫هؤالء كانوا يجاهدون مع رسول اهلل وبعد وفاته‪ ،‬وال يتأخرون إن‬
‫نادى دااعي الجهاد‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫وعذريوم القيامة‬ ‫ُح ّجة‬

‫ٌ‬ ‫ُ ّ ٌ‬
‫حجة وعذر يوم القيامة‬

‫إن الفارق بين أصحاب الديانات السماوية وغيرهم أنهم يؤمنون‬


‫بيوم تقف فيه الخالئق بين يدي ربها‪ ،‬فيحاسبها اعلى ما قدمت في‬
‫الحياة الدنيا‪ ،‬فيجزي المحسنين ويثيبهم‪ ،‬وقد يعفو اعن مسيئهم‪ ،‬ولكنه‬
‫ال يغفر لمن أشرك معه غيره‪.‬‬
‫أما الكافر فال يرى وراء الحياة الدنيا حياة؛ فالدنيا هي جنته‬
‫وناره‪{ ،‬ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ‬
‫ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ} [الجاثية‪.]24 :‬‬

‫والقرآن الكريم ال يتأخر اعنا في إبراز هذه الحقيقة‪ ،‬فما أن نشرع‬


‫في قراءة القرآن حتى نجد في أول سورة من سور القرآن (الفاتحة) قوله‬
‫تعالى‪{ :‬ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬
‫وفصل القضاء‪،‬‬
‫َ‬ ‫الحكم بينهم‬
‫َ‬ ‫ﱐ} [الفاتحة‪ 2 :‬ــ ‪ ،]4‬فهو ـ سبحانه ـ >يملك‬
‫متفر ًدا به دون سائر خلقه‪...‬‬‫ِّ‬
‫والدين في هذا الموضع بتأويل الحساب والمجازاة باألاعمال‪...‬‬
‫[فهو] يوم حساب الخالئق‪ ،‬وهو يوم القيامة‪ ،‬يدينهم بأاعمالهم‪،‬‬
‫‪71‬‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫وعذريوم القيامة‬ ‫ُح ّجة‬

‫أمره<(‪.)1‬‬
‫فاألمر ُ‬
‫ُ‬ ‫فشرا‪ ،‬إال من َاعفا اعنه‪،‬‬
‫شرا ًّ‬
‫فخيرا‪ ،‬وإن ًّ‬
‫خيرا ً‬
‫إن ً‬
‫{ﲈ ﲉ ﲊﲋ‬ ‫ففي هذا اليوم العصيب تنصب الموازين‬
‫ﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒ ﲓﲔﲕﲖ‬
‫[األاعراف‪ 8 :‬ــ ‪.]9‬‬ ‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ}‬

‫{ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬ ‫ويُؤتى بالشهود‬


‫ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ}‬ ‫ﲜﲝ‬
‫[النور‪ 24 :‬ــ ‪.]25‬‬

‫فالمحكمة قائمة‪ ،‬والشهود اعدول‪ ،‬وكل إنسان يدفع اعن نفسه‪،‬‬


‫قال ‘‪َ > :‬ما ِم ْن ها ْم أ َ َ ٌد ِإ َّال َس هي َال هِّم هه َر ُّب هه‪ ،‬لَ ْي َا َب ْينَ هه َو َب ْينَ هه َت ْر هج َما ٌن‪،‬‬
‫فَ َي ْن هُ هر أ َ ْي َم َن ِم ْن هه فَ َال َي َرى ِإ َّال َما قَ َّد َم ِم ْن َع َملِ ِه‪َ ،‬و َي ْن هُ هر أ َ ْشأَ َم ِم ْن هه فَ َال َي َرى‬
‫اء َو ْج ِم ِه‪ ،‬فَا َّت هقوا النَّ َار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِإ َّال َما قَ َّد َم‪َ ،‬و َي ْن هُ هر َب ْي َن َي َد ْيه فَ َال َي َرى ِإ َّال النَّ َار ت ْل َق َ‬
‫َولَ ْو ِب ِش ِّق َت ْم َر ٍة<(‪.)2‬‬
‫صا تكون حجتهم‬
‫ربه أن هناك أشخا ً‬
‫وقد أخبر رسول اهلل ‘ اعن ّ‬
‫قوية اعلى ربهم يوم القيامة‪.‬‬
‫ومن هؤًلء المعاقين الذين ابتًلهم اهلل في الدنيا باإلعاقة والعجز‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪.)156 ،155 ،151/1( ،‬‬
‫الر ِّب ‪ ‬يَ ْو َم ا ْل ِق َي َامة ِ َم َع األ َ ْنب َِي ِاء‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في >التوحيد<‪ ،‬باب‪َ > :‬ك َالم ِ َّ‬
‫َو َغ ْيرِ ِه ْم<‪ ،‬ح (‪ )7512‬ومواضع أخرى‪ ،‬من حديث اعدي بن حاتم ‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫وعذريوم القيامة‬ ‫ُح ّجة‬

‫وقد وقع التخصيص من بين أصحاب اإلعاقة على األصم األبكم‪،‬‬


‫والمجنون؛ ألن تواصلهم مع البيئة المحيطة كان فيه انقطاع؛ فإن كانت‬
‫بيئاتهم غير مسلمة ولم يتوصلوا إلى اإلسًلم‪ ،‬جعل اهلل اختبارهم في‬
‫اآلخرة‪ ،‬فبد اًل من أن تكون الدنيا هي دار اًلختبار واآلخرة هي دار‬
‫الجزاء‪ ،‬يجعل اهلل اآلخرة هي دار االختبار والجزاء‪.‬‬
‫واهلل ال يقبل من الكافرين األصحاء طلبهم في العودة إلى الدنيا‬
‫للعمل الصالح؛ ألن داعواهم كاذبة‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ ﳧ‬
‫ﳨﳩﳪﳫﳬﳭﳮﳯﳰﳱﳲﳳ ﱁﱂ‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ}‬
‫[األنعام‪ 27 :‬ــ ‪.]28‬‬

‫أما المعاقون المصابون بالبكم والصمم فاهلل يقبل حجتهم؛ فقد‬


‫أخرج ابن أبي اعاصم في >السنة<‪ ،‬اعن أبي هريرة ‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‘‪> :‬أربعة كلمم يدلي على الل يوم القيامة بح ة وعذر‪:‬‬
‫رجل ماَ في الفترة‪.‬‬
‫ورجل أدركه اإلسالم هر ًما‪.‬‬
‫ورجل أصم أبام‪.‬‬
‫ورجل معتوه‪.‬‬
‫فيبع الل إليمم مل ًاا رسو ًال فيقول‪ :‬اتبعوه‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫وعذريوم القيامة‬ ‫ُح ّجة‬

‫فيأتيمم الرسول فيؤجج لمم نا ًرا‪ ،‬ثم يقول‪ :‬اقتحموها‪.‬‬


‫فمن اقتحمما كانت عليه بر ًدا وسال ًما‪ ،‬ومن ال‪ ،‬قت عليه كلمة‬
‫العذاب<(‪.)1‬‬
‫وضح رسول اهلل ‘ الحجة‬
‫وفي رواية أحمد التي في >المسند<‪ّ ،‬‬
‫التي احتج بها أصحاب األاعذار‪.‬‬
‫فعن األسود بن سريع‪ ،‬أن نبي اهلل ‘ قال‪> :‬أربعة يوم القيامة‪:‬‬
‫رجل أصم ال يَّمع شي ًئا‪ ،‬ورجل أ مق‪ ،‬ورجل هرم‪ ،‬ورجل ماَ في‬
‫فترة‪.‬‬
‫فأما األصم فيقول‪ :‬رب لقد جاء اإلسالم وما أسمع شي ًئا‪.‬‬
‫وأما األ مق فيقول‪ :‬رب لقد جاء اإلسالم والصبيان يحذفوني‬
‫بالبعر(‪.)2‬‬
‫وأما المرم فيقول‪ :‬ربي لقد جاء اإلسالم وما أعقل شي ًئا‪.‬‬
‫وأما الذي ماَ في الفترة فيقول‪ :‬رب ما أتاني لك رسول‪.‬‬
‫فيأخذ مواثيقمم ليطيعنه‪ ،‬فيرسل إليمم أن ادخلوا النار‪.‬‬
‫قال‪ :‬فوالذي نفا محمد بيده لو دخلوها لاانت عليمم بر ًدا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي اعاصم في >السنة<‪ ،)176/1( ،‬وقد صححه األلباني في >ظالل‬
‫الجنة في تخريج السنة البن أبي اعاصم<‪ ،‬ح (‪.)404‬‬
‫(‪> )2‬البعر‪ :‬رجيع ذوات الخف وذوات الظلف إًل البقر األهلي< [المعجم الوسيط‪،‬‬
‫(‪.])63/1‬‬
‫‪74‬‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫وعذريوم القيامة‬ ‫ُح ّجة‬

‫وسال ًما<(‪.)1‬‬
‫وقد ساق ابن كثير ‪ 10‬أحاديث(‪ )2‬في مسألة‪ :‬ال ِو ْلدان الذين ماتوا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في >المسند<‪ ،‬ح (‪ ،)16344‬وقد حسنه شعيب األرنؤوط في تعليقه‬
‫اعلى >المسند<‪.‬‬
‫(‪ )2‬نذكر هنا األحاديث التي ذكرها ابن كثير‪ ،‬والتي ُذكر فيها ذوو اإلاعاقات واالحتياجات‬
‫الخاصة دون غيرهم‪:‬‬
‫ضا‪:‬‬
‫الحديث الثالث‪ :‬اعن أنس ــ أي ً‬
‫قال الحافظ أبو يعلى‪ :‬حدثنا أبو َخ ْي َث َم َة‪ ،‬حدثنا جرير‪ ،‬اعن ل َ ْيث‪ ،‬اعن اعبد الوارث‪،‬‬
‫اعن أنس قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬يؤتى بأربعة يوم القيامة‪ :‬بالمولود‪ ،‬والمعتوه‪،‬‬
‫ومن ماَ في ال َف ْت َرة‪ ،‬والشيخ الفاني المرم‪ ،‬كلمم يتالم بح ته‪ ،‬فيقول الرب ــ‬
‫تبارك وتعالى ــ لعنق من النار‪ :‬ابرز‪ .‬ويقول لمم‪ :‬إني كنت أبع إلى عبادي رس ًال‬
‫من أنفَّمم‪ ،‬وإني رسول نفَّي إليام‪ ،‬ادخلوا هذه‪ .‬قال‪ :‬فيقول من كتب عليه‬
‫الشقاء‪ :‬يا رب‪ ،‬أنى ندخلما ومنما كنا نفر؟ قال‪ :‬ومن كتبت عليه الَّعادة يمضي‬
‫فيقتحم فيما مَّر ًعا‪ ،‬قال‪ :‬فيقول الل ــ تعالى‪ :‬أنتم لرسلي أشد تاذي ًبا ومعصية‪،‬‬
‫فيدخل هؤالء ال نة‪ ،‬وهؤالء النار<‪.‬‬
‫وهكذا رواه الحافظ أبو بكر البزار‪ ،‬اعن يوسف بن موسى‪ ،‬اعن جرير بن‬
‫اعبد الحميد‪ ،‬بإسناده مثله‪.‬‬
‫قال اإلمام محمد بن يحيى ال ُّذ َهلي‪ :‬حدثنا سعيد بن سليمان‪ ،‬اعن فضيل بن مرزوق‪،‬‬
‫اعن اعطية‪ ،‬اعن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬المالك في الفترة والمعتوه‬
‫والمولود‪ .‬يقول المالك في الفترة‪ :‬لم يأتني كتاب‪ .‬ويقول المعتوه‪ :‬رب‪ ،‬لم ت عل‬
‫شرا‪ .‬ويقول المولود‪ :‬رب لم أدرك العقل‪.‬‬ ‫لي عق ًال أعقل به خي ًرا وال ًّ‬
‫فترفع لمم نار فيقال لمم‪ِ :‬ر هدوها‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيردها من كان في علم الل سعي ًدا لو أدرك العمل‪ ،‬ويمَّك عنما من كان في‬
‫شقيا لو أدرك العمل‪ ،‬فيقول‪ :‬إياي عصيتم‪ ،‬فايف لو أن رسلي أتتام؟<‪.‬‬ ‫علم الل ًّ‬
‫وكذا رواه البزار‪ ،‬اعن محمد بن اعمر بن َه َّياج الكوفي‪ ،‬اعن اعبيد اهلل بن موسى‪=،‬‬
‫‪75‬‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫وعذريوم القيامة‬ ‫ُح ّجة‬

‫وهم صغار وآباؤهم كفار‪ ،‬ماذا حكمهم؟‬


‫وكذا المجنون‪ ،‬واألصم‪ ،‬والشيخ الخرف‪ ،‬ومن مات في ال َف ْترة‬
‫ولم تبلغه الداعوة‪.‬‬
‫كالما البن اعبد البر في إنكاره أن تكون الدار‬
‫وبعد أن ساقها أورد ً‬
‫اآلخرة دار ابتالء واختبار فقال‪> :‬وأحاديث هذا الباب ليست قوية‪ ،‬وال‬
‫تقوم بها حجة‪ ،‬وأهل العلم ينكرونها؛ ألن اآلخرة دار جزاء وليست دار‬
‫اعمل وال ابتالء‪ ،‬فكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اعن فضيل بن مرزوق‪ ،‬به‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال يعرف من حديث أبي سعيد إال من طريقه‪،‬‬ ‫=‬
‫اعن اعطية اعنه‪ ،‬وقال في آخره‪> :‬فيقول الل‪ :‬إياي عصيتم فايف برسلي بالغيب؟<‪.‬‬
‫الحديث السابع‪ :‬اعن معاذ بن جبل ‪:‬‬
‫قال هشام بن َاع َّمار ومحمد بن المبارك الصوري‪ :‬حدثنا اعمر بن واقد‪ ،‬اعن يونس بن‬
‫حلبس‪ ،‬اعن أبي إدريس الخوالني‪ ،‬اعن معاذ بن جبل‪ ،‬اعن نبي اهلل ‘ قال‪> :‬يؤتى‬
‫يوم القيامة بالممَّوخ عق ًال‪ ،‬وبالمالك في الفترة‪ ،‬وبالمالك صغي ًرا‪ .‬فيقول الممَّوخ‪:‬‬
‫يا رب‪ ،‬لو آتيتني عق ًال ما كان من آتيته عق ًال بأسعد مني ــ و كر في المالك في الفترة‬
‫والصغير نحو لك‪.‬‬
‫فيقول الرب ‪ :‬إني آمركم بأمر فتطيعوني؟‬
‫فيقولون‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬ا هبوا فادخلوا النار ــ قال‪ :‬ولو دخلوها ما ضرتمم ــ فتخرج عليمم قوابص‪،‬‬
‫فيُنون أنما قد أهلات ما خلق الل من شيء‪ ،‬فيرجعون سرا ًعا‪ ،‬ثم يأمرهم الثانية‬
‫فيرجعون كذلك‪ ،‬فيقول الرب ‪ :‬قبل أن أخلقام علمت ما أنتم عاملون‪ ،‬وعلى‬
‫علمي خلقتام‪ ،‬وإلى علمي تصيرون‪ ،‬ضميمم‪ ،‬فتأخذهم النار<‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫وعذريوم القيامة‬ ‫ُح ّجة‬

‫المخلوقين‪ ،‬واهلل ال يكلف نف ًسا إال وسعها؟!<(‪.)1‬‬


‫ثم أجاب اعن ذلك ابن كثير فقال‪> :‬إن أحاديث هذا الباب منها ما‬
‫هو صحيح‪ ،‬كما قد نص اعلى ذلك غير واحد من أئمة العلماء‪ ،‬ومنها‬
‫ما هو حسن‪ ،‬ومنها ما هو ضعيف يقوى بالصحيح والحسن‪.‬‬
‫وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط‪ ،‬أفادت‬
‫الحجة اعند الناظر فيها‪.‬‬
‫وأما قوله‪( :‬إن اآلخرة دار جزاء)‪ ،‬فال شك أنها دار جزاء‪ ،‬وال‬
‫ينافي التكليف في اعرصاتها قبل دخول الجنة أو النار‪ ،‬كما حكاه الشيخ‬
‫أبو الحسن األشعري اعن مذهب أهل السنة والجمااعة‪ ،‬من امتحان‬
‫األطفال‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى‪{ :‬ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ ﳬ ﳭ}‬
‫[القلم‪ ،]42 :‬وقد ثبتت السنة في الصحاح وغيرها‪ :‬أن المؤمنين يسجدون‬
‫هلل يوم القيامة‪ ،‬وأما المنافق فال يستطيع ذلك‪ ،‬ويعود ظهره طب ًقا واح ًدا‬
‫كلما أراد السجود َخ َّر لقفاه‪.‬‬
‫وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خرو اجا منها أن‬
‫اهلل يأخذ عهوده ومواثيقه أًل يسأل غير ما هو فيه‪ ،‬ويتكرر ذلك مرا ًرا‪،‬‬
‫ويقول اهلل ــ تعالى‪ :‬يا ابن آدم‪ ،‬ما أئدرك! ثم يأذن له في دخول الجنة‪.‬‬
‫وأما قوله‪( :‬وكيف يكلفهم دخول النار‪ ،‬وليس ذلك في وسعهم؟)‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن اعبد البر‪ :‬االستذكار‪.)114/3( ،‬‬
‫‪77‬‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫وعذريوم القيامة‬ ‫ُح ّجة‬

‫فليس هذا بمانع من صحة الحديث؛ فإن اهلل يأمر العباد يوم القيامة‬
‫بالجواز على الصراط‪ ،‬وهو جسر على جهنم أحد من السيف وأدق من‬
‫الشعرة‪ ،‬ويمر المؤمنون عليه بحسب أعمالهم‪ ،‬كالبرق‪ ،‬وكالريح‪،‬‬
‫وكأجاويد الخيل والركاب‪ ،‬ومنهم السااعي‪ ،‬ومنهم الماشي‪ ،‬ومنهم من‬
‫حبوا‪ ،‬ومنهم المكدوش اعلى وجهه في النار‪ ،‬وليس ما ورد في‬ ‫يحبو ً‬
‫أطم وأاعظم‪.‬‬
‫أولئك بأاعظم من هذا‪ ،‬بل هذا ّ‬
‫ضا ــ فقد ثبتت السنة بأن الدجال يكون معه جنة ونار‪ ،‬وقد أمر‬ ‫وأي ً‬
‫الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه‬
‫وسالما‪ ،‬فهذا نظير ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫نار‪ ،‬فإنه يكون اعليه بر ًدا‬
‫ضا ــ فإن اهلل ــ تعالى ــ قد أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم‪،‬‬
‫وأي ً‬
‫ضا حتى قتلوا فيما قيل ــ في غداة واحدة‪ :‬سبعين أل ًفا‪،‬‬ ‫فقتل بعضهم بع ً‬
‫َ‬
‫يقتل الرجل أباه وأخاه وهم في اعماية غمامة أرسلها اهلل اعليهم‪ ،‬وذلك‬
‫ضا ــ شاق اعلى النفوس ج ًّدا‬ ‫اعقوبة لهم اعلى اعبادتهم العجل‪ ،‬وهذا ــ أي ً‬
‫ال يتقاصر اعما ورد في الحديث المذكور‪ ،‬واهلل أاعلم<(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير ابن كثير‪.)58/5( ،‬‬
‫‪78‬‬
‫الرسول ‘ يستعيذ من اآلفات البدنية والقلبية‬

‫الرسول ‘ يستعيذ من اآلفات ابلدنية والقلبية‬

‫المعافاة في الجسد نعمة عظيمة نغفل عنها‪ ،‬وننسى شكرها‪،‬‬


‫تلم بنا األمراض‪.‬‬
‫ونتذكرها اعندما ّ‬
‫والجسد هو اآللة التي يستعين بها اإلنسان اعلى مشاق الحياة‪ ،‬فإذا‬
‫تعطل الجسد أصبح اإلنسان اعالة اعلى غيره‪ ،‬وإذا وجدنا من يحملنا‬
‫مرة‪ ،‬فهل نجد من يتحملنا مرات ومرات؟‬
‫{ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ‬
‫ﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖ‬
‫[النحل‪.]76 :‬‬ ‫ﲗ ﲘ ﲙ}‬
‫وقد قيل‪{> :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ}‪ ،‬أي‪ :‬ثقل اعلى وليه وقرابته‪،‬‬
‫ووبال اعلى صاحبه وابن اعمه<(‪.)1‬‬
‫والشعور بالعجز ليس مرارة يجدها المرء في حلقه مرة وتنتهي‪،‬‬
‫بل هي مرارة يعيشها‪ ،‬ومرارات تنغص اعليه حياته‪.‬‬
‫والجسد تسكنه النفس ويحله القلب‪ ،‬والنفس لها أمراضها مثل‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير القرطبي‪.)149/10( ،‬‬
‫‪79‬‬
‫الرسول ‘ يستعيذ من اآلفات البدنية والقلبية‬

‫الكسل والبخل‪.‬‬
‫والقلب له أمراضه وآفاته مثل‪ :‬النفاق والرياء‪.‬‬
‫والجسد له آفاته مثل‪ :‬الصمم والخرس‪.‬‬
‫لذا نجد أن رسول اهلل ‘ قد استعاذ من هذه األمراض التي قد‬
‫ال‬
‫تحول بينه وبين التواصل مع ربه أو مع الناس‪ ،‬أو ال يكون اعب ًدا فااع ً‬
‫في الحياة اعالة اعلى غيره‪ ،‬فعن أنس قال‪ :‬كان النبي ‘ يداعو يقول‪:‬‬
‫>اللمم إني أعو بك من‪ :‬الع ‪ ،‬والاَّل‪ ،‬والبخل‪ ،‬والمرم‪ ،‬والقَّوة‪،‬‬
‫والغفلة‪ ،‬والذلة‪ ،‬والمَّانة‪.‬‬
‫وأعتتو بتتك متتن‪ :‬الفقتتر‪ ،‬والافتتر‪ ،‬والشتترك‪ ،‬والنفتتاق‪ ،‬والَّتتمعة‪،‬‬
‫والرياء‪.‬‬
‫وأعو بك من‪ :‬الصمم‪ ،‬والبام‪ ،‬وال نون‪ ،‬والبرص‪ ،‬وال ذام‪،‬‬
‫وسيئ األسقام<(‪.)1‬‬
‫وقد شرح المناوي هذا الحديث بقوله‪(> :‬وأعو بك من الصمم)‬
‫بطًلن السمع أو ضعفه‪ ،‬قال القاضي‪ :‬وأصله صًلبة من اكتناز األجزاء‪،‬‬
‫ومنه قيل‪ :‬حجر أصم‪ ،‬وقناة صماء‪ ،‬سمي به فقدان حاسة السمع؛ ألن‬
‫سببه أن يكون باطن الصماخ كن ًزا ال تجويف فيه يشتمل اعلى هواء‬
‫يسمع الصوت بتموجه‪.‬‬
‫(والبام) بالتحريك‪ :‬الخرس‪ ،‬أو أن يولد ًل ينطق وًل يسمع‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن حبان في >صحيحه<‪ ،‬ح (‪ ،)1023‬وقد صحح إسناده شعيب األرنؤوط‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫الرسول ‘ يستعيذ من اآلفات البدنية والقلبية‬

‫والخرس أن يخلق بال نطق‪.‬‬


‫(وال نون) زوال العقل‪.‬‬
‫(وال ذام) اعلة تسقط الشعر‪ ،‬وتفتت اللحم‪ ،‬وتجري الصديد منه‪.‬‬
‫ضا ردي ًئا‪.‬‬
‫(والبرص) اعلة تحدث في األاعضاء بيا ً‬
‫(وسيئ األسقام) األمراض الفاحشة الرديئة المؤدية إلى فرار‬
‫الحميم‪ ،‬وقلة األنيس أو فقده كـ‪ :‬االستسقاء والسل والمرض المزمن‪،‬‬
‫وهذا من إضافة الصفة للموصوف‪ ،‬أي‪ :‬األسقام السيئة‪.‬‬
‫قال التوربشتي(‪ :)1‬ولم يستعذ من سائر األسقام؛ ألن منها ما إذا‬
‫تحامل اإلنسان فيه على نفسه بالصبر خفت مؤونته كـ‪ :‬حمى وصداع ورمد‪،‬‬
‫وإنما استعاذ من السقم المزمن فينتهي صاحبه إلى حال يفر منه الحميم‪،‬‬
‫ويقل دونه المؤانس والمداوي‪ ،‬مع ما يورث من الشين‪ ،‬وهذه األمراض‬
‫ال تجوز اعلى األنبياء‪ ،‬بل يشترط في النبي سالمته من كل منفر‪ ،‬وإنما‬
‫ذكرها تعلي ًما لألمة كيف تداعو<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪> )1‬التربشتي (ت‪661 :‬هـ)‪ :‬فضل اهلل بن حسن‪ ،‬أبو اعبد اهلل‪ ،‬شهاب الدين التربشتي‪:‬‬
‫فقيه حنفي‪.‬‬
‫له كتب بالفارسية والعربية‪ ،‬من الثانية‪( :‬مطلب الناسك في علم المناسك)‪ ،‬و(الميسر‬
‫في شرح مصابيح السنة للبغوي) سلك فيه مسلك الحديث ال الفقه‪ ،‬و(المعتمد في‬
‫المعتقد)< [األاعالم‪.])152/5( ،‬‬
‫(‪ )2‬فيض القدير‪.)155/2( ،‬‬
‫‪81‬‬
‫شكرهللا عند رؤية أهل البالء‬

‫شكر اهلل عند رؤية أهل ابلالء‬

‫إن وجود أهل اإلاعاقة والبالء مداعاة لألصحاء واألسوياء أن‬


‫يذكروا نعمة اهلل اعليهم‪ ،‬فتلهج ألسنتهم بالحمد والثناء هلل الذي اعافاهم‪،‬‬
‫فلو شاء لجعلهم من هؤالء‪.‬‬
‫فمعطي الصحة قادر اعلى أخذها‪.‬‬
‫فنعم حال العبد الشاكر اعند الصحة‪ ،‬الصابر اعند المرض والسقم‪.‬‬
‫وتوفيق اهلل العبد للشكر نعمة‪ ،‬فكم من غافل ًله عن نعم اهلل ــ تعالى‪.‬‬
‫أخرج ابن أبي حاتم بسنده‪ ،‬اعن أبي هريرة‪ ،‬اعن رسول اهلل ‘‬
‫قال‪> :‬إن اهلل ‪ ‬لما أن خلق آدم مسح ظهره‪ ،‬فخرجت منه كل نسمة هو‬
‫خالقها إلى يوم القيامة‪ ،‬ونزع ضل ًعا من أضالاعه فخلق منه حواء‪ ،‬ثم أخذ‬
‫اعليهم العهد‪ ،‬ثم اختلس كل نسمة من بني آدم بنوره في وجهه‪ ،‬وجعل‬
‫فيه البلوى الذي كتب أنه يُبتلَى بها في الدنيا من األسقام‪ ،‬ثم اعرضهم‬
‫اعلى آدم فقال‪ :‬يا آدم‪ ،‬هؤالء ذريتك‪ ،‬وإذا فيهم األجذم‪ ،‬واألبرص‪،‬‬
‫واألاعمى‪ ،‬وأنواع األسقام‪.‬‬
‫فقال آدم‪ :‬يا رب‪ ،‬لم فعلت هذا بذريتي؟‬
‫‪82‬‬
‫شكرهللا عند رؤية أهل البالء‬

‫قال‪ :‬كي تشكر نعمتي يا آدم<(‪.)1‬‬


‫ولذا اعلّم نبينا محمد أمته أن تشكر ربها إذا رأت أهل البالء‪ ،‬ف َع ْن‬
‫ول اهلل ِ ‘ قَ َال‪َ > :‬م ْن َرأَى َصا ِ َب َب َال ٍء فَ َق َال‪ :‬ال َْح ْم هد لِلَّ ِه‬ ‫ُاع َم َر أَ َّن َر ُس َ‬
‫الَّ ِذي َعافَا ِني ِم َّما ْاب َت َال َك ِب ِه‪َ ،‬وفَ َّضلَ ِني َعلَى َك ِثي ٍر ِم َّم ْن َخلَ َق َت ْف ِضي ًال؛ ِإ َّال‬
‫اش<(‪.)2‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫هعوف َي م ْن َل َك ال َْب َالء َكائ ًنا َما َكا َن َما َع َ‬
‫ومن تمام األدب في ذلك الموقف أال يسمع صاحب البالء ما‬
‫صا اعلى مشااعره‪.‬‬
‫يقوله من لم ينزل به البالء؛ رف ًقا بقلب المبتلى‪ ،‬وحر ً‬
‫وهذا األدب دلنا اعليه الباقر ‪ ‬حينما قَ َال‪ِ > :‬إ َذا رأَى َص ِ‬
‫اح َب‬ ‫َ‬
‫ِ (‪)3‬‬
‫بَ َال ٍء فَ َت َع َّو َذ ِم ْن ُه يَ ُق ُ‬
‫ول َذلِ َك ِفي نَ ْف ِسه ِ‪َ ،‬و َال ي ْس ِم ُع َص ِ‬
‫اح َب ا ْل َب َالء< ‪.‬‬ ‫ُ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير ابن أبي حاتم‪ )1614/5( ،‬باختصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي في >الداعوات<‪ ،‬باب‪َ > :‬ما يَ ُقولُ ِإ َذا َرأَى ُم ْب َت ًلى<‪ ،‬ح (‪،)3431‬‬
‫وقال أبو عيسى‪> :‬هذا حديث غريب<‪ ،‬وقد حسنه األلباني في >صحيح سنن الترمذي<‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي‪.)493/5( ،‬‬
‫‪83‬‬
‫ُّ‬
‫الن ْ‬
‫صرة بالضعفاء‬

‫ر‬
‫انلُّْصة بالضعفاء‬

‫في أوقات الحروب واألزمات يكون الضعفاء والمرضى وذوو‬


‫اإلاعاقات والحاجات اعالة واعب ًئا اعلى الجنود والجيوش‪ ،‬ولكن رسول‬
‫سببا في النصر الذي قد ينزل‬
‫اإلسالم ‘ أاعلى من قيمتهم‪ ،‬وجعلهم ً‬
‫اعلى المؤمنين‪.‬‬
‫فقد رأى سعد بن أبي وقاص أنه أفضل من غيره بشجااعته وغناه‪،‬‬
‫فأراد رسول اهلل ‘ أن يلفت انتباهه‪ ،‬ويحثه اعلى التواضع وخفض‬
‫فع ْن ُم ْص َع ِب ْب ِن َس ْع ٍد قَ َال‪َ :‬رأَى َس ْع ٌد ‪ ‬أَ َّن ل َ ُه فَ ْض ً‬
‫ال َاعلَى َم ْن‬ ‫الجناح‪َ ،‬‬
‫ُدونَ ُه‪ ،‬فَ َق َال النَّب ُِّي ‘‪َ > :‬ه ْل هت ْن َص هرو َن َو هت ْر َزقهو َن ِإ َّال ِب هض َع َفا ِئ ها ْم؟<(‪.)1‬‬
‫وإذا سردنا األحاديث التي كانت حول نفس المعنى اتضح لنا أمر‬
‫في غاية األهمية‪ ،‬وهو أن رسول اهلل ‘ جعل داعاء الضعفاء وإخالصهم‬
‫يتساوى في نكاية األاعداء مع من ضربهم بالسيف ورماهم بالنبل‪.‬‬
‫ظن أن له‬
‫فقد أخرج النسائي اعن مصعب بن سعد‪ ،‬اعن أبيه أنه ّ‬
‫ًل على من دونه من أصحاب النبي ‘ فقال نبي اهلل ‘‪> :‬إنما ينصر‬
‫فض ا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫ُّ‬
‫الن ْ‬
‫صرة بالضعفاء‬

‫الل هذه األمة بضعيفما بدعوتمم وصالتمم وإخالصمم<(‪.)1‬‬


‫ضا ــ اعن أبي الدرداء أنه سمع رسول اهلل ‘ يقول‪:‬‬
‫وأخرج ــ أي ً‬
‫>ابغوني الضعفاء؛ ف نام إنما ترزقون وتنصرون بضعفائام<(‪.)2‬‬
‫وأخرج ابن مردويه‪ ،‬اعن ابن اعباس‪ ،‬أن رسول اهلل ‘ بعث‬
‫سرية فمكث ضعفاء الناس في العسكر‪ ،‬فأصاب أهل السرية غنائم‪،‬‬
‫فقسمها رسول اهلل بينهم كلهم‪.‬‬
‫فقال أهل السرية‪ :‬يقاسمنا هؤالء الضعفاء وكانوا في العسكر لم‬
‫يشخصوا معنا؟‬
‫فقال رسول اهلل ‘‪> :‬وهل تنصرون إال بضعفائام؟<‪.‬‬
‫فأنزل اهلل‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃﱄ}(‪.)3‬‬
‫وأخرج أحمد في مسنده أن سعد بن مالك(‪  )4‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬الرجل يكون حامية القوم أيكون سهمه وسهم غيره سواء؟‬
‫قال‪> :‬ثالتك أمك ابن أم سعد‪ ،‬وهل ترزقون وتنصرون إال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخرجه النسائي في >السنن الكبرى<‪ ،‬ح (‪ ،)4387‬وصححه األلباني في >صحيح‬ ‫(‪)1‬‬
‫سنن النسائي<‪ ،‬ح (‪.)3178‬‬
‫أخرجه النسائي في >السنن الكبرى<‪ ،‬ح (‪ ،)4388‬وصححه األلباني في >صحيح‬ ‫(‪)2‬‬
‫سنن النسائي<‪ ،‬ح (‪.)3179‬‬
‫الدر المنثور‪ 6/4( ،‬ــ ‪.)7‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أي‪ :‬سعد بن أبي وقاص‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪85‬‬
‫ُّ‬
‫الن ْ‬
‫صرة بالضعفاء‬

‫بضعفائام؟<(‪.)1‬‬
‫صا في الداعاء وأكثر خشو ًاعا في‬
‫وقد قيل‪ :‬إن الضعفاء أشد إخال ً‬
‫العبادة؛ لخالء قلوبهم اعن التعلق بزخرف الدنيا‪ ،‬وصفاء ضمائرهم مما‬
‫يقطعهم عن اهلل‪ ،‬فجعلوا همهم واح ادا؛ فزكت أعمالهم‪ ،‬وأجيب داعاؤهم‪.‬‬
‫وقال الحافظ المهلب(‪ :)2‬أراد ‘ بذلك حض سعد على التواضع‪،‬‬
‫ونفي الزهو اعلى غيره‪ ،‬وترك احتقار المسلم في كل حالة‪.‬‬
‫وفيه من الفقه‪ :‬أن من زها اعلى ما هو دونه أنه ينبغي أن يبين من‬
‫ال؛ حتى ال يحتقر‬‫فضله ما يحدث له في نفس المزهو مقدا ًرا أو فض ً‬
‫أح ًدا من المسلمين؛ فإن الرسول أبان من حال الضعفاء ما ليس ألهل‬
‫القوة والغناء‪ ،‬فأخبر أن بداعائهم وصالتهم وصومهم ينصرون‪.‬‬

‫ويبدو أن سعد بن أبي وقاص أراد بِا ْل َف ْض ِل‪ :‬ال ِّزيَ َادة ِم ْن ا ْل َغ ِن َ‬
‫يمةِ‪،‬‬
‫فَأَ ْاعلَ َم ُه ‘ أَ َّن ِس َه َام ا ْل َقاتِلَةِ َس َواءٌ‪ ،‬فَ ِإ ْن َكا َن ا ْل َق ِو ّي يَ َت َر َّج ُح بِ َف ْض ِل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده‪ ،‬ح (‪ ،)1493‬وقال شعيب األرنؤوط في تعليقه اعلى‬
‫>المسند<‪> :‬حسن لغيره‪ ،‬وهذا إسناد ضعيف النقطااعه<‪.‬‬
‫(‪> )2‬أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أسيد بن أبي صفرة التميمي‪ :‬سكن المرية‪ ،‬من‬
‫أهل العلم الراسخين فيه‪ .‬المتفننين في الفقه والحديث والعبارة‪ ،‬والنظر‪ ،‬سمع من‬
‫شيوخ األندلس‪ ،‬ورحل فسمع بالقيروان ومصر من جمااعة‪ .‬وولي القضاء بمالقة‪،‬‬
‫وبأبي القاسم حيا كتاب البخاري باألندلس؛ ألنه قرئ اعليه تفق ًها أيام حياته‪ ،‬وشرحه‬
‫واختصره‪ ،‬وتوفي سنة ثالث وثالثين [‪433‬هـ]‪ ،‬أو نحو ذلك< [ترتيب المدارك‪،‬‬
‫(‪ 35/8‬ــ ‪ )36‬باختصار]‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫ُّ‬
‫الن ْ‬
‫صرة بالضعفاء‬

‫الض ِع َيف يَ َت َر َّج ُح بِ َف ْض ِل ُد َاعائِه ِ َو ِإ ْخ َال ِصه ِ(‪.)1‬‬


‫ااع ِته ِ‪ ،‬فَ ِإ َّن َّ‬
‫َش َج َ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬شرح ابن بطال‪ 90/5( ،‬ــ ‪ ،)91‬وفتح الباري‪.)89/6( ،‬‬
‫‪87‬‬
‫اإلنفاق على ذوي اإلعاقة‬

‫اإلنفاق ىلع ذوي اإلقاعاة‬

‫قد ال يستطيع بعض أصحاب اإلاعاقة التكسب‪ ،‬والسعي اعلى‬


‫أرزاقهم؛ لما أصابهم وأقعدهم اعن العمل‪.‬‬
‫تماما‪.‬‬
‫اعاما؛ فقد تكون اإلاعاقة ليست معو ًقا اعن العمل ً‬
‫وهذا ليس ًّ‬
‫وهؤالء الذين قعدت بهم اإلاعاقة اعن العمل نظر لهم اآلل‬
‫واألصحاب نظرة إشفاق‪ ،‬ووجهوا نظر األمة إلى االهتمام بهم‪.‬‬
‫قال اإلمام أبو يوسف صاحب كتاب >الخراج<‪َّ > :‬مر اعمر ‪‬‬
‫بباب قوم واعليه سائل يسأل‪ :‬شيخ كبير ضرير البصر‪.‬‬
‫فضرب اعمر اعضده من خلفه‪ ،‬وقال‪ :‬من أي أهل الكتاب أنت؟‬
‫فقال‪ :‬يهودي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما ألجأك إلى ما أرى؟‬
‫قال‪ :‬أسأل الجزية والحاجة والسن‪.‬‬
‫فأخذ عمر بيده‪ ،‬وذهب به إلى منزله فرضخ(‪ )1‬له بشيء من المنزل‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫العطاء ليس بالكثير< [الصحاح‪ ،‬مادة (رضخ)]‪.‬‬
‫(‪َ > )1‬ر َض ْخ ُت له َر ْض ًخا‪ ،‬وهو َ‬
‫‪88‬‬
‫اإلنفاق على ذوي اإلعاقة‬

‫ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال‪ :‬انظر هذا وضرباءه‪ ،‬فو اهلل ما‬
‫أنصفناه إن أكلنا شبيبته‪ ،‬ثم نخذله اعند الهرم {ﲑ ﲒ ﲓ‬
‫ﲔ} [التوبة‪ ،]60 :‬والفقراء‪ :‬هم الفقراء المسلمون‪ ،‬وهذا من المساكين‬
‫من أهل الكتاب‪ ،‬ووضع اعنه الجزية واعن ضربائه<(‪.)1‬‬
‫{ﲑ‬ ‫وقد بين جعفر الصادق من هم المساكين في قوله ــ تعالى‪:‬‬
‫ﲒ ﲓ ﲔ} فقال‪> :‬المساكين‪ :‬هم أهل الزمانة من العميان‬
‫والعرجان والمجذومين‪ ،‬وجميع أصناف الزمنى [من] الرجال والنساء‬
‫والصبيان<(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو يوسف‪ :‬الخراج‪ ،‬ص (‪.)139‬‬
‫(‪ )2‬تفسير القمي‪ 298/1( ،‬ــ ‪.)299‬‬
‫‪89‬‬
‫ملعون من ضلل أعمى‬

‫ملعون من ضلل أعىم‬

‫المبصر قد يعثر في طريقه الذي ااعتاد أن يمشي فيه صباح مساء‪،‬‬


‫وقد يخطئ في اختيار الطريق الصحيحة المؤدية إلى مبتغاه‪ ...‬يخطئ‬
‫بعد أن يسأل اعنه مرات ومرات‪.‬‬
‫فكيف الحال بمن فقد حبيبتيه‪ ،‬ثم يأتي من ال يحترم إنسانية هذا‬
‫األاعمى أو اعجزه ويضلله اعن طريقه التي يريدها‪.‬‬
‫إن الذي يفعل ذلك ليس بإنسان؛ حيث فقد إنسانيته ومروءته‪،‬‬
‫لذلك كان تعنيف الرسول ‘ شدي ًدا لمن يقارف هذا األمر؛ حتى ال‬
‫يقدم اعليه اعابث أو ال ٍه‪ ،‬فكيف بمن كان متعم ًدا؟‬
‫ول اهلل ِ ‘‪َ > :‬م ْل هعو ٌن َم ْن َس َّب أ َ َب هاه‪...‬‬ ‫س قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬‫َاع ِن ْاب ِن َاع َّبا ٍ‬
‫َم ْل هعو ٌن َم ْن َس َّب أ ه َّم هه‪َ ...‬م ْل هعو ٌن َم ْن َ َب َح ل ِ َغ ْيرِ الل ِ‪َ ...‬م ْل هعو ٌن َم ْن َئ َّي َر‬
‫ض‪َ ...‬م ْل هعو ٌن َم ْن َك َّم َه أ َ ْع َمى َع ِن الطَّ ِري ِق‪َ ...‬م ْل هعو ٌن َم ْن َوقَ َع‬ ‫وم األ َ ْر ِ‬ ‫هت هخ َ‬
‫ول اهلل ِ ‘‬ ‫ِيم ٍة‪َ ...‬م ْل هعو ٌن َم ْن َع ِم َل َع َم َل قَ ْومِ لهو ٍط<‪ .‬قَال َ َها َر ُس ُ‬ ‫َعلَى َبم َ‬
‫ِم َرا ًرا ثَ َال ًثا ِفي اللُّو ِط َّيةِ(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في >المسند<‪ ،‬ح (‪ ،)2916‬وقال شعيب األرنؤوط‪> :‬إسناده حسن<‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫ملعون من ضلل أعمى‬

‫قال المناوي‪(> :‬ملعون من كمه أعمى عن ريق) بتشديد (كمه)‪،‬‬


‫أي‪ :‬أضله اعنه‪ ،‬أو دله اعلى غير مقصده<(‪.)1‬‬
‫سببا للتندر أو التلهي‬
‫>فهذا واعيد شديد لمن اتخذ العيوب الخلقية ً‬
‫أو السخرية‪ ،‬أو التقليل من شأن أصحابها‪ ،‬فصاحب اإلاعاقة هو أخ أو‬
‫أب أو ابن امتحنه اهلل؛ ليكون فينا وااع ًظا‪ ،‬وشاه ًدا اعلى قدرة اهلل‪ ،‬ال‬
‫أن نجعله مادة للتلهي أو التسلي<(‪.)2‬‬
‫وقريب من الرواية السابقة ما روي اعن أبي اعبد اهلل ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫‪> :‬ملعون ملعون من عبد الدينار والدرهم‪ ،‬ملعون ملعون‬ ‫رسول اهلل‬
‫من كمه أعمى‪ ،‬ملعون ملعون من ناح بميمة<(‪.)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬التيسير بشرح الجامع الصغير‪.)733/2( ،‬‬
‫(‪ )2‬محمد مسعد ياقوت‪ :‬رحمة النبي ‘ بذوي االحتياجات الخاصة‪.‬‬
‫(‪ )3‬بحار األنوار‪.)319/70( ،‬‬
‫‪91‬‬
‫ً‬
‫عمى وعمى‬

‫ً‬
‫عىم وعىم‬

‫قد يحرم اهلل ـ ‪ ‬ـ إنسا ًنا من نور اعينه‪ ،‬ولكنه ال يحرمه من نور‬
‫قلبه‪ ،‬فيرى بنور اإليمان‪.‬‬
‫وهناك من أنار اهلل بصره‪ ،‬وأظلمت بصيرته‪ ،‬فهو متردد في ظلمات‬
‫الضالل والحيرة والذنوب والمعاصي‪ ،‬فال يهتدي لسبيل الحق والنور‪.‬‬
‫فليس العمى الظاهري هو العمى الحقيقي‪ ،‬وإنما العمى الحقيقي هو‬
‫اعمى البصيرة‪.‬‬
‫وهناك من وهبه اهلل السمع‪ ،‬ولكنه معرض اعن اتباع دااعي الهدى‪،‬‬
‫شر منه‪ ،‬فاألصم له اعذره‪،‬‬
‫فلم ينفعه سمعه‪ ،‬فهو واألصم سواء‪ ،‬بل ّ‬
‫وهذا ال اعذر له‪.‬‬
‫{ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ‬ ‫قال ــ تعالى‪:‬‬
‫[األنعام‪.]104 :‬‬ ‫ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ}‬
‫وقال‪{ :‬ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ}‬
‫[األنفال‪.]22 :‬‬

‫{ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬ ‫وقال‪:‬‬
‫‪92‬‬
‫ً‬
‫عمى وعمى‬

‫ﲿ ﳀﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ}‬
‫[سورة الحج‪.]46 :‬‬

‫وهناك من استغنى ببصيرته حينما سلبه اهلل بصره‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫ئير جار ٍتة ففي البصائر ما يغنتي عتن البصتر‬ ‫إن ي ر الدهر مني َ‬
‫وقال اعز الدين أحمد بن اعبد الدائم‪:‬‬

‫بصتتير متتا بتت ِه َض ه‬


‫تترر‬ ‫ٌ‬ ‫فتت ن قلبتتي‬ ‫نورهمتتا‬
‫ينتي َ‬
‫تذهب الله متتن َع َّ‬
‫إن هي ِ‬
‫صتر‬ ‫القلب هيد ِر هك ما َال هيتد ِر هك َ‬
‫الب ه‬ ‫َو ه‬ ‫آخر ِتتتتتي‬
‫نيتتتتاي َو َ‬
‫َ‬ ‫ِتتتتي هد‬
‫أرى بقلب َ‬
‫كثيرا من المبصرين‬
‫الضرير نصر اعلي سعيد يرى أن ً‬‫ُ‬ ‫والشااعر‬
‫كثيرا من العميان‬
‫يمشون في درب الحياة بال هدف وال هدى‪ ،‬ويرى ً‬
‫متوهجين في بصيرتهم‪ ،‬ويملؤون الدنيا اعطا ًء‪ ،‬وها هو يبحث اعن ٍ‬
‫قلب‬
‫حراب فيه في زمن الذئاب البشرية يقول‪:‬‬
‫َ‬ ‫ال‬
‫تاب‬
‫والمت َدى و َّهت ه‬
‫ويعطتتي‪َ ،‬‬ ‫هيع ِطتتي ه‬ ‫كتتم متتن َضتتري ٍر همبصتت ٍر همتتتو ِّه ٍج‬
‫ْ‬
‫تتتاب‬
‫ه‬ ‫العيتتتو ِن ِ‬ ‫لاأَنَّمتتتا فَ َ‬
‫تتتوق ه‬ ‫رين ِبتال ههت ًدى‬ ‫بص َ‬‫الم ِ‬‫لوف ه‬ ‫َوترى أ ه َ‬
‫تيا في ت ِه ِ ت َتر ه‬
‫اب‬ ‫تب لت َ‬ ‫أ َُتتى ِبق ْلت ٍ‬ ‫الحيتتا ِة لَعلَّنتتي‬ ‫وأ َ ه‬
‫ستتير فتتي َدرب َ‬
‫ٍ‬
‫تاه ــــ ِئت ه‬
‫تاب!‬ ‫ل َاتتأنَّمم ــــ َيتتا َويلَتت ه‬ ‫شتتراهة‬ ‫عضتتما ِب‬
‫تتنما َب َ‬
‫النتتاس َت ه‬
‫فَ ه‬
‫الشاعر علي بن عبد الغني الحصري بصورة بديعة عندما جعل‬
‫ُ‬ ‫ويأتينا‬
‫سواد العين يزيد سواد القلب‪ ،‬ليصبحا مجتمعين على الفهم والفطنة‪:‬‬
‫َ‬
‫‪93‬‬
‫ً‬
‫عمى وعمى‬

‫تتر ِمتتتن َب ِصتتتيرِ‬


‫بصت ه‬ ‫تتوم أ َ َ‬
‫وإنِّتتتي اليت َ‬ ‫كتال‬
‫ميتت‪ ،‬ف هقلتت‪َّ :‬‬
‫قتد َع َ‬
‫وقالهوا‪ْ :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َلي َت ِمعتتتا علتتتى فَمتتتمِ األهمتتتو ِر‬ ‫تتتواد قَلبِتتتي‬
‫زاد َس َ‬
‫العتتتي ِن َ‬
‫تتتواد َ‬
‫َس ه‬
‫ال يقول‪ :‬ما أشد‬
‫وقد سمعت اعفيرة بنت الوليد البصرية العابدة رج ً‬
‫بصيرا!‬
‫العمى اعلى من كان ً‬
‫فقالت‪ :‬يا اعبد اهلل‪ ،‬اعمى القلب اعن اهلل أشد من اعمى العين اعن‬
‫الدنيا‪ ،‬واهلل لوددت أن اهلل وهب لي كنه محبته ولم يبق مني جارحة إال‬
‫أخذها!‬
‫وهناك من رأى في العمى نعمة؛ حيث قال رجل للقاسم بن محمد‪،‬‬
‫وقد ذهب بصره‪ :‬لقد سلبت أحسن وجهك‪.‬‬
‫قال‪ :‬صدقت غير أني ُمنعت النظر إلى ما يلهي‪ ،‬واعوضت الفكرة‬
‫في العمل فيما يجدي‪.‬‬
‫وهناك من تعامى لكي ال يجرح محبوبته في مثال نادر أظنه أنه ال‬
‫يتكرر في التاريخ‪ ،‬فالمروءة هنا كانت في أسمى معانيها‪ ،‬فقد ُذكر أن‬
‫ال تزوج امرأة‪ ،‬وقبل الدخول بها‪ ،‬ظهر بالمرأة جدري أذهب اعينها‪.‬‬
‫رج ً‬
‫فقال الرجل‪ :‬ظهر في اعيني نوع ضعف وظلمة‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬اعميت‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مصطفى قاسم عباس‪ :‬المكفوفون في األدب العربي البصيـرة قبل البصر‪ ،‬موقع مجلة‬
‫الرافد‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫ً‬
‫عمى وعمى‬

‫فزفت إليه المرأة‪.‬‬


‫ثم إنها ماتت بعد اعشرين سنة‪ ،‬ففتح الرجل اعينيه‪.‬‬
‫فقيل له في ذلك‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ما اعميت‪ ،‬ولكن تعاميت حذ ًرا أن تحزن المرأة‪.‬‬
‫فقيل له‪ :‬سبقت الفتيان(‪.)1‬‬
‫وكان عبد اهلل بن مسعود يقول في خطبته‪> :‬وشر العمى عمى‬
‫القلب<(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نكت الهميان‪ ،‬ص (‪ 30‬ــ ‪.)31‬‬
‫(‪ )2‬مصنف ابن أبي شيبة‪.)106/7( ،‬‬
‫‪95‬‬
‫الجنة الجزاء األوفى‬

‫ّ‬
‫اجلنة اجلزاء األوىف‬

‫>إن اإلسالم لم يهمل العاهة واإلاعاقة ولم ينكر وجودها‪ ،‬ولم‬


‫وجه اإلنسان إلى الصبر اعلى ما‬ ‫يتجاهل أثرها اعلى صاحبها؛ لذلك ّ‬
‫كل‬
‫يواجهه من نكبات وكوارث تحل في جسمه أو ماله أو أهله‪ ،‬وليرجع ٌّ‬
‫منا إلى نفسه فإنه ال شك يجد في سيرته أو في سيرة من يعرف شدائد‬
‫ال‪ ،‬قال ــ تعالى‪{ :‬ﲟ ﲠ ﲡ‬ ‫صنعت نع ًما‪ ،‬ومصائب صنعت رجا ً‬
‫ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﲯ ﲰ‬
‫ﲱﲲﲳﲴﲵ ﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼ‬
‫[الحديد‪ 22 :‬ــ ‪.]23‬‬ ‫ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ}‬
‫فاآلية األولى تعلن حقيقة أزلية‪ ،‬وهي أن كل ما يجري في هذا‬
‫الكون‪ ،‬وما يتعرض له اإلنسان في حياته إنما هو بقضاء اهلل وقدره‪،‬‬
‫وقيمة هذه الحياة أنها تسكب في النفس البشرية السكون والطمأنينة اعند‬
‫استقبال الحوادث والمتااعب بيقينها أن كل ذلك كان بقضاء وقدر‪.‬‬
‫وتأتي اآلية الثانية لتوجه النفس البشرية إلى ما يجب أن تكون اعليه‬
‫اعند المصيبة واعند النعمة‪ ،‬فال يأس في األولى‪ ،‬وال افتخار في الثانية‪.‬‬
‫وقد قررت السنة هذا المعنى فقال ‘‪َ ( :‬ع َ ًبا أل َ ْم ِر ال هْم ْؤ ِم ِن ِإ َّن‬
‫‪96‬‬
‫الجنة الجزاء األوفى‬

‫أ َ ْم َر هه هكلَّ هه َخ ْي ٌر‪َ ،‬ولَ ْي َا َا َك أل َ َ ٍد ِإ َّال ل ِ ْل هم ْؤ ِم ِن‪ِ ،‬إ ْن أ َ َص َاب ْت هه َس َّر هاء َش َا َر‪،‬‬
‫فَ َاا َن َخ ْي ًرا لَ هه‪َ ،‬و ِإ ْن أ َ َص َاب ْت هه َض َّر هاء َص َب َر‪ ،‬فَ َاا َن َخ ْي ًرا لَ هه)(‪.)1‬‬
‫وأحاديث أخرى تحث اعلى الصبر<(‪.)2‬‬
‫ال ــ من نور اعينه‪ ،‬فإنه قد‬
‫ربنا ‪ ‬إنسا ًنا وحرمه ــ مث ً‬
‫فإذا ابتلى ّ‬
‫ال‪ ،‬إن هو صبر واحتسب‪ ،‬ورضي‬ ‫وأجرا جزي ً‬
‫ً‬ ‫خبأ له ثوا ًبا اعظي ًما‪،‬‬
‫ّ‬
‫بقضاء اهلل له‪ ،‬ولم يقنط أو يجزع‪ ،‬أو يعترض اعلى قضاء اهلل‪.‬‬
‫فعن أنس بن مالك ‪ ،‬اعن النبي ‘ قال‪> :‬قال ربام ‪ :‬من‬
‫أ هبت كريمتيه‪ ،‬ثم صبر وا تَّب كان ثوابه ال نة<(‪.)3‬‬
‫وانظر إلى وصف ربنا للعينين بالكريمتين‪ ،‬وقد >قيل‪ :‬سماهما‬
‫أحب أاعضاء اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫كريمتين؛ لكثرة منافعهما دي ًنا ودنيا‪ ،‬وألنهما‬
‫إليه؛ لما يحصل له بفقدهما من األسف اعلى فوت رؤية ما يريد رؤيته‬
‫شر فيجتنبه<(‪.)4‬‬‫فيسر به‪ ،‬أو ّ‬
‫من خير ّ‬
‫قال القاري‪> :‬أذهب اهلل كريمتيه‪ ،‬أي‪ :‬عينيه‪ ،‬والمراد‪ :‬نورهما‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخرجه مسلم في >الزهد والرقائق<‪ ،‬باب‪> :‬ا ْل ُم ْؤ ِمن أَ ْم ُر ُه ُكلُّ ُه َخ ْي ٌر<‪ ،‬ح (‪ )2999‬من‬ ‫(‪)1‬‬
‫حديث ُص َه ْي ٍب ‪.‬‬
‫موسى بن حسن ميان‪ :‬كيف تعامل اإلسالم مع المعاقين؟‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه أحمد في >المسند<‪ ،‬ح (‪ ،)14053‬وقال شعيب األرنؤوط في تعليقه اعلى‬ ‫(‪)3‬‬
‫>المسند<‪> :‬إسناده قوي<‪.‬‬
‫المناوي‪ :‬فيض القدير‪.)488/4( ،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪97‬‬
‫الجنة الجزاء األوفى‬

‫وهو بأن خلق أكمه‪ ،‬أو حدث له في الصغر أو الكبر‪.‬‬


‫وفي النهاية‪ :‬أي‪ :‬جارحتيه الكريمتين عليه‪ ،‬وكل شيء يكرم اعليك‬
‫فهو كريمك وكريمتك‪ ،‬وكل جارحة شريفة كاألذن‪ ،‬والكريمتان العينان‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬فصبر على فقدهما‪ ،‬وشكر ربه على سائر نعمه وجبت له‬
‫الجنة‪.‬‬
‫ضا ـ‬
‫والظاهر أن إيراد التثنية إلرادة كمال الثواب‪ ،‬وإًل فَ ْق ُد واحدة ـ أي ا‬
‫ال يخلو اعن المثوبة<(‪.)1‬‬
‫وفي رواية أخرى عن أبي هريرة ‪ ‬يرفعه إلى النبي ‘ قال‪> :‬يقول‬
‫الل‪ :‬من أ هبت بيبتيه فصبر وا تَّب لم أرض له بثواب دون ال نة<(‪.)2‬‬
‫مستحضرا ما واعد اهلل به الصابر‬
‫ً‬ ‫قال الحافظ‪> :‬والمراد أنه يصبر‬
‫من الثواب‪ ،‬ال أن يصبر مجر ًدا اعن ذلك؛ ألن األاعمال بالنيات‪ ،‬وابتالء‬
‫اهلل اعبده في الدنيا ليس من سخطه اعليه‪ ،‬بل إما لدفع مكروه‪ ،‬أو لكفارة‬
‫ذنوب‪ ،‬أو لرفع منزلة‪ ،‬فإذا تلقى ذلك بالرضا تم له المراد‪..‬‬
‫وهذا أعظم العوض؛ ألن اًللتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا‪ ،‬وااللتذاذ‬
‫بالجنة باق ببقائها<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقاة المفاتيح‪ )3117/8( ،‬باختصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد في >المسند<‪ ،‬ح (‪ ،)7587‬وقال شعيب األرنؤوط في تعليقه اعلى‬
‫>المسند<‪> :‬إسناده صحيح اعلى شرط الشيخين<‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري‪ )116/10( ،‬باختصار‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫الجنة الجزاء األوفى‬

‫ومن الروايات حول نفس الموضوع‪:‬‬


‫عن أنس بن مالك‪ ،‬عن رسول اهلل قال‪> :‬يقول الل ‪ :‬إ ا ابتليت‬
‫عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته بمما ال نة<(‪.)1‬‬
‫اعن جرير بن اعبد اهلل قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬قال الل ــ جل‬
‫كره‪ :‬من سلبته كريمتيه عوضته منمما ال نة<(‪.)2‬‬
‫مطيبا خاطره بعد‬
‫وقد قال أمير المؤمنين علي ‪ ‬لعدي بن حاتم ً‬
‫ذهاب عينه‪> :‬أعلمت ما أعاض اهلل ـ تعالى ـ من ذهبت كريمته في طااعته؟‬
‫فقال‪ :‬ال‪.‬‬
‫فقال‪> :‬نو ارا يمشي به في ظلمه‪ ،‬وذوو العيون النجل عمي عن سلوكها‪.‬‬
‫ضا<(‪.)3‬‬
‫اعدي‪ :‬حسبي بها اعو ً‬
‫فقال ّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني في >المعجم األوسط<‪ ،‬ح (‪.)250‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني في >المعجم األوسط<‪ ،‬ح (‪.)5571‬‬
‫(‪ )3‬نزهة األبصار ومحاسن اآلثار‪ ،‬ص (‪.)287‬‬
‫‪99‬‬
‫اإلعاقة ٌ‬
‫علم يعرف بها أصحابها‬

‫اإلقاعاة ٌ‬
‫علم يعرف بها أصحابها‬

‫من األاعراف البشرية المتوارثة إطالق بعض األلقاب لتكون اعل ًما‬
‫اعلى أشخاص بعينهم‪ ،‬وقد ينجر هذا اللقب ليكون اعل ًما اعلى اعائلة أو‬
‫قبيلة‪.‬‬
‫وقد يشتهر اللقب فننسى االسم الحقيقي لصاحبه‪.‬‬
‫وهذا األمر كان موجو ادا قبل اإلسًلم‪ ،‬وبعد اإلسًلم على ح ٍّد سواء‪.‬‬
‫ًل األعشى الكبير‪ ،‬ذلك الشاعر الجاهلي الكبير (صناجة العرب)‪،‬‬
‫فمث ا‬
‫ما اسمه؟‬
‫صا في األدب‬
‫من النادر أن تجد من يعرف اسمه إًل إذا كان متخص ا‬
‫العربي‪ ،‬واسمه هو ميمون بن قيس‪.‬‬
‫وصار الحال على ذلك في اإلسًلم؛ فالمتأمل >في تاريخنا العلمي‬
‫كبيرا من العلماء الذين أصبحت إاعاقتهم أو اعاهتهم‬
‫ال ً‬ ‫اإلسالمي يجد قبي ً‬
‫َاعلَ ًما يدل اعليهم‪ ،‬ونذكر من بين هؤالء العلماء‪:‬‬
‫من‬ ‫( ُتوفِّي ‪142‬هـ)‬ ‫‪ 1‬ــ األحول‪ :‬هو اعاصم بن سليمان البصري‬
‫ُحفَّاظ الحديث ثقة‪ ،‬واشتهر بالزهد والعبادة‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫اإلعاقة ٌ‬
‫علم يعرف بها أصحابها‬

‫‪ 2‬ــ األخفش‪ :‬وقد ُس ِّمي بهذا االسم من أهل العلم أربعة‪ ،‬هم‪:‬‬
‫األخفش األكبر‪ ،‬واألوسط‪ ،‬واألصغر‪ ،‬والدمشقي‪.‬‬
‫من كبار‬ ‫(توفي ‪177‬هـ)‬ ‫أما األكبر فهو اعبد الحميد بن اعبد المجيد‬
‫اعلماء اللغة العربية‪.‬‬
‫وأما األوسط فهو سعيد بن مسعدة المجاشعي بالوًلء (توفي ‪215‬هـ)‪،‬‬
‫كتبا مهمة‪،‬‬
‫وكان اعال ًما باللغة واألدب‪ ،‬أخذ العلم اعن سيبويه‪ ،‬وصنف ً‬
‫العروض بحر الخبب‪.‬‬‫وزاد في َ‬
‫وأما األصغر فهو اعلي بن سليمان بن الفضل (توفي ‪315‬هـ)‪ ،‬أحد‬
‫اعلماء النحو‪ ،‬وله تصانيف اعديدة‪.‬‬
‫وأما الدمشقي فهو هارون بن موسى بن شريك التغلبي‬
‫(توفي ‪292‬هـ)‬
‫القراء بدمشق‪ ،‬كان اعار ًفا بالتفسير والمعاني والغريب والشعر‪.‬‬
‫شيخ َّ‬
‫‪ 3‬ــ األصم‪ :‬وقد سمي بهذا االسم من أهل العلم اثنان‪ ،‬هما‪:‬‬
‫حاتم بن اعنوان (توفي ‪237‬هـ) الذي اشتهر بالورع والزهد والتقشف‪،‬‬
‫وكان يقال‪ :‬حاتم األصم لقمان هذه األمة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬هو محمد بن يعقوب بن يوسف األموي بالوالء‪ ،‬أبو‬
‫العباس األصم (توفي ‪346‬هـ)‪ ،‬وكان من أهل الحديث‪ ،‬وكان ثقة أمي ًنا‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ األاعرج‪ :‬هو اعبد الرحمن بن هرمز (توفي ‪117‬هـ)‪ ،‬من موالي‬
‫بني هاشم‪ ،‬حافظ‪ ،‬قارئ‪ ،‬أخذ عن أبي هريرة‪ ،‬وبرز في القرآن والسنن‪،‬‬
‫‪101‬‬
‫اإلعاقة ٌ‬
‫علم يعرف بها أصحابها‬

‫خبيرا بأنساب العرب‪.‬‬


‫وكان وافر العلم‪ً ،‬‬
‫(توفي ‪148‬هـ)‬‫‪ 5‬ــ األاعمش‪ :‬هو سليمان بن مهران األسدي بالوالء‬
‫تابعي مشهور‪ ،‬وكان اعال ًما بالقرآن والحديث والفرائض‪ ،‬حتى إنه قيل‪:‬‬
‫لم يُ َر السالطين والملوك في مجلس أحقر منهم في مجلس األاعمش‪،‬‬
‫اعلى الرغم من شدة حاجته وفقره‪.‬‬
‫‪ 6‬ــ األاعمى‪ :‬هو معاوية بن سفيان (توفي ‪220‬هـ)‪ ،‬شااعر بغدادي‬
‫من تالميذ الكسائي‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ األفطس‪ :‬هو اعلي بن الحسن الهذلي (توفي ‪253‬هـ) ُمح ِّدث‬
‫نيسابور‪ ،‬وشيخ اعصره فيها‪ ،‬وكان من حفَّاظ الحديث‪ ،‬وله مسند‪.‬‬
‫لقد بلغ هؤالء العلماء في تاريخنا العلمي والفكري مكانة اعظيمة‪،‬‬
‫حسبهم فيها أن نور اعبقريتهم لم يطفئه كر السنين‪ ،‬وال جهل أحفادهم‬
‫بهم‪.‬‬
‫وإننا لم نختر هؤالء األاعالم إال ألن اعاهتهم وإاعاقتهم أصبحت‬
‫اعل ًما اعلى ذواتهم‪.‬‬
‫فهؤالء كانوا يحملون في أجسامهم من البالء ما يثقل اعلى غيرهم‬
‫من األصحاء ومع ذلك بلغوا الغاية في العلم والفكر فهم كثير<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راعاية المعاقين بين الشرائع السماوية‪ ،‬منشورات الجمعية النسائية بجامعة أسيوط‬
‫للتنمية‪ ،‬ص (‪ ،)11‬ومحمود القلعاوي‪ :‬نظرة إسالمية اعلى ذوي االحتياجات‬
‫الخاصة‪ ،‬شبكة صيد الفوائد‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫اإلعاقة ٌ‬
‫علم يعرف بها أصحابها‬

‫وكثير من آل البيت ل ُ ِّقبوا بإاعاقتهم‪ ،‬مثل‪ :‬األحول واألاعور واألاعمى‬


‫والضرير واألاعرج والمقعد والمفلوج واألصم واألطروش واألخرس‬
‫واألقطع واألحدب‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫وبمراجعة كتب األنساب وجدنا أسماء خارجة عن الحصر‪ ،‬فانتقينا‬
‫ضا منها للتأكيد اعلى ما ذهبنا إليه‪.‬‬
‫بع ً‬
‫فمنهم‪:‬‬
‫أبو العباس األحول أحمد بن اعلي بن الحسن بن الحسن التج(‪.)1‬‬
‫أبو القاسم األحول اعلي بن محمد بن اعبيد اهلل األمير‪.‬‬
‫ومن ولد علي األحول أبو القاسم الزاهد المتكلم علي بن محمد بن‬
‫اعبد اهلل بن محمد األاعرج ابن اعلي األحول(‪.)2‬‬
‫هارون األقطع بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد البطحاني‪.‬‬
‫ولهارون األقطع ابنان معقبان‪ :‬الحسين األحول أبو القاسم الزاهد‬
‫الفاضل بطبرستان‪ ،‬واعلي بآمل له اعقب باألهواز وهمدان(‪.)3‬‬
‫أبو علي األعور المفلوج الحسن بن محمد بن الحسين بن الحسين بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الشجرة المباركة في أنساب الطالبية‪ ،‬ص (‪.)48‬‬
‫(‪ )2‬السابق‪ ،‬ص (‪ 53‬ــ ‪.)54‬‬
‫(‪ )3‬الفخري في أنساب الطالبيين‪ ،‬ص (‪.)142‬‬
‫‪103‬‬
‫اإلعاقة ٌ‬
‫علم يعرف بها أصحابها‬

‫زيد الشهيد(‪.)1‬‬
‫أما حمزة بن يحيى بن الحسين بن زيد الشهيد‪ ،‬فعقبه الصحيح‬
‫من رجل واحد اعلي بن اعقيلية‪ ،‬اعقبه من ثالثة بنين‪ :‬الحسين‪ ،‬ومحمد‬
‫األوقص األحدب‪ ،‬وزيد أبو الحسين األحول(‪.)2‬‬
‫أبو اعلي إسمااعيل األاعرج بن جعفر الصادق(‪.)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الشجرة المباركة في أنساب الطالبية‪ ،‬ص (‪.)151‬‬
‫(‪ )2‬السابق‪ ،‬ص (‪.)148‬‬
‫(‪ )3‬السابق‪ ،‬ص (‪.)89‬‬
‫‪104‬‬
‫الكفارات وذوو اإلعاقات‬

‫الكفارات وذوو اإلقاعاات‬

‫ًل ــ مما ًل ينفك‬


‫وقوع اإلنسان في الذنوب والمعاصي ــ عم ادا أو جه ا‬
‫اعنه‪ ،‬واعدم إتيان بعض المأمورات اعلى الوجه األكمل والتقصير فيها‪،‬‬
‫أو الوقوع في بعض المنهيات؛ مما يقع فيه الكثيرون‪.‬‬
‫وقد شرع اإلسًلم لذلك كفارات تذهب بتلك اآلثام‪ ،‬بعد تقويم نفس‬
‫اإلنسان وتهذيبه‪.‬‬
‫صياما أو إاعتا ًقا أو صدقة‬
‫ً‬ ‫إطعاما أو كسوة أو‬
‫ً‬ ‫والكفارات قد تكون‬
‫أو ذب ًحا‪.‬‬
‫وكان اإلاعتاق مما شراعه اهلل للتضييق اعلى أبواب العبودية والرق‪،‬‬
‫وفتح أبواب الحرية‪.‬‬
‫والحرية أن يتحمل اإلنسان مسؤولية نفسه‪ ،‬وأًل يكون أحد متحك ًما‬
‫فيه‪ ،‬فهل أصحاب اإلاعاقات ممن تتم بهم الكفارات؟‬
‫قال محمد المختار الشنقيطي‪> :‬ذهب أكثر أهل العلم إلى اشتراط‬
‫السالمة من العيوب القوية‪ ،‬مع اختالفهم في بعض العيوب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يشترط سالمتها من العيوب المضرة بالعمل ضر ًرا بي ًنا؛ ألن‬
‫‪105‬‬
‫الكفارات وذوو اإلعاقات‬

‫المقصود تمليك العبد منافعه‪ ،‬وتمكينه من التصرف لنفسه‪ ،‬وال يحصل‬


‫هذا مع ما يضر بالعمل ضر ًرا بي ًنا‪ ،‬فال يجزئ األاعمى؛ ألنه ال يمكنه‬
‫العمل في أكثر الصنائع‪ ،‬وال المقعد‪ ،‬وال المقطوع اليدين أو الرجلين؛‬
‫ألن اليدين آلة البطش‪ ،‬فال يمكنه العمل مع فقدهما‪ ،‬والرجالن آلة‬
‫المشي فال يتهيأ له كثير من العمل مع تلفهما‪ ،‬والشلل كالقطع في هذا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وال يجوز المجنون جنو ًنا مطب ًقا؛ ألنه وجد فيه المعنيان‪:‬‬
‫ذهاب منفعة الجنس‪ ،‬وحصول الضرر بالعمل‪.‬‬
‫وبه تعلم إجماع األئمة األربعة اعلى اشتراط السالمة من مثل‬
‫العيوب المذكورة‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة في >المغني<‪ :‬وال يجزئ مقطوع اليد أو الرجل‪،‬‬
‫وال أشلهما‪ ،‬وال مقطوع إبهام اليد أو سبابتها أو الوسطى؛ ألن نفع اليد‬
‫يذهب بذهاب هؤالء‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬يجزئ مقطوع إحدى الرجلين أو إحدى اليدين‪،‬‬
‫ولو قطعت رجله ويده جمي ًعا من خالف أجزأت؛ ألن منفعة الجنس‬
‫باقية‪.‬‬
‫ويخالف العور؛ فإنه ال يضر ضر ًرا بي ًنا‪.‬‬
‫كثيرا فاح ًشا؛ ألنه يضر بالعمل‪.‬‬
‫وال يجزئ األاعرج إذا كان اعر ًجا ً‬
‫فإن المقصود تكميل األحكام وتمليك العبد المنافع‪ ،‬والعور ًل يمنع‬
‫‪106‬‬
‫الكفارات وذوو اإلعاقات‬

‫ذلك؛ وألنه ال يضر بالعمل‪ ،‬ويفارق العمى فإنه يضر بالعمل ضر ًرا بي ًنا‬
‫كثيرا من الصنائع‪ ،‬ويذهب بمنفعة الجنس<(‪.)1‬‬
‫ويمنع ً‬
‫وبعد التوضيح المذكور اعاليه فقد ورد اعن الباقر ‪ ‬أنه قال‪> :‬ال‬
‫يجزئ األاعمى في الرقبة‪ ،‬ويجزئ ما كان منه مثل‪ :‬األقطع واألشل‬
‫واألاعرج واألاعور‪ ،‬وال يجوز المقعد<(‪.)2‬‬
‫وهذا ال يعني اعدم إاعتاق المعاقين وذوي العاهات؛ فكل البشر‬
‫جديرون بأن ينالوا حريتهم‪ ،‬فال يكون ألحد اعليهم سلطة‪.‬‬
‫بل إنهم يعتقون دون انتظار للكفارات؛ فكما أن اإلنسان ينفق من‬
‫أفضل ما اعنده‪ ،‬ويضحي بأفضل ما اعنده‪ ،‬فال يصح أن يك ّفر ذنبه ويجبر‬
‫تقصيره بأصحاب إاعاقات؛ فهؤالء يعتقون؛ حتى ال يطلب منهم مواليهم‬
‫ما ال يطيقونه‪ ،‬وال يستطيعون إتيانه‪ ،‬قال اعلي زين العابدين ‪:‬‬
‫>العبد األعمى واألجذم والمعتوه ًل يجوز في الكفارات؛ ألن رسول اهلل‬
‫أاعتقهم<(‪.)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أضواء البيان‪ 215/6( ،‬ــ ‪ )217‬باختصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬وسائل الشيعة‪.)397/22( ،‬‬
‫(‪ )3‬وسائل الشيعة‪.)397/22( ،‬‬
‫‪107‬‬
‫الزواج باملعاقات‬

‫الزواج باملعااات‬

‫في مجتمعاتنا تقلل اإلاعاقة من نسبة زواج المرأة‪ ،‬اعلى العكس‬


‫من الرجل‪ ،‬الذي تكون فرصته في الزواج والقبول به أاعلى وأكبر‪.‬‬
‫وقد سبق وذكرنا السادة األشراف الذين كانوا من ذوي اإلاعاقات‪،‬‬
‫ولم تمنعهم تلك اإلاعاقات من القيام بمسؤوليات السيادة والشرف‬
‫والزواج‪.‬‬
‫وقد تمنع اإلاعاقة المرأة من ممارسة حياتها الطبيعية‪ ،‬وهذا يز ّهد‬
‫الرجل فيها‪.‬‬
‫ضا‬
‫وقد ال تعيقها اعن ممارسة حياتها الطبيعية‪ ،‬لكنها قد تكون مر ً‬
‫معد ًيا قد ينتقل للزوج‪ ،‬مثل‪ :‬األمراض الجلدية‪ ،‬فيعاف الرجل اإلقدام‬
‫اعلى مثل تلك الزيجات‪.‬‬
‫وإذا كانت اإلاعاقة قبل الزواج فالرجل بالخيار بين الرد أو القبول‪،‬‬
‫فهذا شأنه‪.‬‬
‫لكن اعلى أهل المرأة العروس أال يقوموا بالتدليس اعلى الزوج‪،‬‬
‫وإخفاء بعض المعايب اعليه‪.‬‬
‫فهذا يدفعه لردها‪ ،‬وإنهاء الزواج معها‪ ،‬والذي لم يبدأ بعد‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫الزواج باملعاقات‬

‫وقد ورد أن رسول اهلل ‘ تزوج امرأة من غفار فدخل بها فأمرها‬
‫ضا من برص عند ثديها‪ ،‬فانماز رسول اهلل ‘‬ ‫فنزعت ثوبها‪ ،‬فرأى بها بيا ا‬
‫وقال‪ :‬خذى ثوبك‪ ،‬فأصبح وقال لها‪ :‬الحقى بأهلك فأكمل لها صداقها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬تزوج رسول اهلل ‘ امرأة من بني غفار‪ ،‬فأهديت إليه‪ ،‬فرأى‬
‫بكشحها وض ًحا من بياض‪.‬‬
‫قال‪ :‬ضمي إليك ثيابك‪ ،‬والحقى بأهلك‪.‬‬
‫وألحق لها مهرها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن النبي ‘ تزوج امرأة من غفار‪ ،‬فلما دخل اعليها وجد‬
‫ضا‪ ،‬فقال‪ :‬ضمي إليك ثيابك‪ ،‬ولم يأخذ مما آتاها شي ًئا‪.‬‬
‫بكشحها بيا ً‬
‫وهذه الروايات في سندها >جميل بن زيد الطائي<‪ ،‬وقال البيهقي‬
‫بعد إيراد تلك الروايات‪> :‬هذا مختلف فيه اعلى جميل بن زيد ــ كما‬
‫ترى ــ قال البخاري‪ :‬لم يصح حديثه<(‪.)1‬‬
‫ورغم أن هذه المرويات فيها مقال‪ ،‬لكني وجدتها مذكورة في‬
‫كتب السيرة النبوية بصيغ مختلفة‪ ،‬مثل‪ :‬سيرة ابن هشام‪ ،‬وجوامع السيرة‬
‫ًلبن حزم‪ ،‬والسيرة النبوية ًلبن كثير‪ ،‬والروض األنف للسهيلي‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وقد ورد التفصيل اعن سيدنا اعلي ‪ ‬في تلك المسألة فقال‪> :‬تر ّد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السنن الكبرى‪ 256/7( ،‬ــ ‪.)257‬‬
‫‪109‬‬
‫الزواج باملعاقات‬

‫المرأة من‪ :‬ال َقرن(‪ )1‬والجذام والجنون والبرص‪ ،‬فإن كان دخل بها فعليه‬
‫المهر‪ ،‬وإن شاء أمسك وإن شاء فارق‪.‬‬
‫غرت‪ ،‬رجع‬
‫غره بها‪ ،‬وإن كانت هي التي ّ‬
‫ويرجع بالمهر اعلى من ّ‬
‫يستحل به الفرج‪.‬‬
‫ّ‬ ‫به اعليها‪ ،‬وترك لها أدنى شيء مما‬
‫فإن لم يدخل بها فارقها إن شاء وال شيء اعليه‪.‬‬
‫وقال‪ّ :‬أيما رجل نكح امرأة وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن‪،‬‬
‫مسها‬
‫يمسها إن شاء أمسك وإن شاء طلق‪ ،‬فإن ّ‬ ‫فزوجها بالخيار ما لم ّ‬
‫استحل من فرجها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فلها المهر بما‬
‫يتزوج المرأة‪ ،‬فيؤتى بها اعمياء أو برصاء أو‬
‫وقال في الرجل ّ‬
‫وليها‪ ،‬وإن كانت بها زمانة ال يراها الرجال‪،‬‬
‫اعرجاء‪ ،‬قال‪ :‬تر ّد اعلى ّ‬
‫أجيزت شهادة النساء اعليها‪.‬‬
‫واعنه‪ :‬تر ّد البرصاء والمجذّ مة‪.‬‬
‫قيل‪ :‬فالعوراء؟‬
‫قال‪ :‬ال تر ّد؛ إ ّنما تر ّد المرأة من الجذام والبرص والجنون‪ ،‬أو اعلّة‬
‫في الفرج تمنع من الوطء<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫س‪ :‬ل َ ْح ٌم يَ ْن ُب ُت ِفي ا ْل َف ْر ِج ِفي َم ْد َخ ِل ال َّذ َكرِ َكا ْل ُغ َّد ِة ا ْل َغلِي َظة ِ‪َ ،‬وقَ ْد يَ ُكو ُن‬
‫(‪> )1‬ا ْل َق ْر ُن ِم ْث ُل فَ ْل ٍ‬
‫َاع ْظ ًما< [المصباح المنير‪.])500/2( ،‬‬
‫(‪ )2‬مسند اإلمام اعلي‪ 47/5( ،‬ــ ‪ )49‬باختصار‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫الزواج باملعاقات‬

‫وقد ورد اعن اعمر ‪ ‬أنه قال‪> :‬من تزوج امرأة وبها برص أو‬
‫جذام أو جنون فدخل بها فلها الصداق بما يستحل من فرجها‪ ،‬وذلك‬
‫غرم اعلى وليها<(‪.)1‬‬
‫اعيبا‬
‫وقال أبو جعفر ‪ ‬في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد بها ً‬
‫بعدما دخل بها‪ ،‬قال‪> :‬إذا دلست العفالء(‪ )2‬والبرصاء والمجنونة‬
‫والمفضاة‪ ،‬ومن كان بها زمانة ظاهرة‪ ،‬فإنها ترد على أهلها من غير طًلق‪،‬‬
‫ويأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلسها‪ ،‬فإن لم يكن وليها اعلم‬
‫بشيء من ذلك فال شيء اعليه وترد اعلى أهلها‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإن أصاب الزوج شي ًئا مما أخذت منه فهو له‪ ،‬وإن لم‬
‫يصب شي ًئا فال شيء له‪.‬‬
‫قال‪ :‬وتعتد منه اعدة المطلقة إن كان دخل بها‪ ،‬وإن لم يكن دخل‬
‫بها فال اعدة اعليها وال مهر لها<(‪.)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المصنف‪.)486/3( ،‬‬
‫والع َفلة ــ بالتحريك فيهما‪ :‬شيء يخرج‬
‫والع َف ُل َ‬
‫الع َفل‪ :‬شيءٌ ُم َد َّور يخرج بالفرج‪َ .‬‬ ‫(‪َ > )2‬‬
‫وحياء الناقة ِش ْبه األُ ْدرة التي للرجال في ال ُخ ْصية‪ ،‬ومنه حديث ابن‬
‫في قُ ُبل النساء َ‬
‫والع ْفالء<‬ ‫اعباس‪ :‬أَ ْربَ ٌع ال يَ ُج ْز َن في البيع وال النكاح‪ :‬المجنونة والمجذومة َ‬
‫والب ْرصاء َ‬
‫[لسان العرب‪ ،‬مادة (اعفل) باختصار]‪.‬‬
‫(‪ )3‬وسائل الشيعة‪ 211/21( ،‬ــ ‪.)212‬‬
‫‪111‬‬
‫اإلعاقة واإلمامة‬

‫اإلقاعاة واإلمامة‬

‫إن أعظم منصب وأعًله وأخطره عند المسلمين هو الوًلية العظمى‬


‫أو ما يسمى باإلمامة العظمى‪ ،‬لذا وضع لها العلماء شرو ًطا؛ حتى يقوم‬
‫صاحب هذا المقام الرفيع بأداء مهامه اعلى أكمل وجه‪.‬‬
‫فهل اإلاعاقة مانع من موانع اإلمامة‪ ،‬أم ماذا؟‬
‫واعند مطالعة فعل النبي ‘ مع أصحابه ‪ ‬سنجد أنه ولى اعلى‬
‫المدينة في حال غيابه أنا ًسا من ذوي اإلاعاقة‪.‬‬
‫الضرِي ِر‬‫اب ِفي َّ‬ ‫فقد أورد أبو دواد حدي ًثا تحت باب اعنونه بـ‪> :‬بَ ٌ‬
‫س‪ ،‬أَ َّن النَّب َِّي ‘ ْاس َت ْخلَ َف ْاب َن أُ ِّم َم ْك ُتومٍ َاعلَى ا ْل َم ِدينَةِ‬
‫يُ َولَّى<؛ فعن أَنَ ٍ‬
‫َم َّر َت ْي ِن(‪.)1‬‬
‫وقد ثار حول هذا الحديث خًلفات بين العلماء؛ إذ رأوا أن اإلمامة‬
‫كانت للصالة وليست والية اعامة‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن عبد البر‪ :‬روى جماعة من أهل العلم بالنسب والسير‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود‪ ،‬في >الخراج<‪ ،‬باب‪ِ > :‬في َّ‬
‫الضرِيرِ يُ َولَّى<‪ ،‬ح (‪ ،)2931‬وقد‬
‫صححه األلباني في >صحيح سنن أبي داود<‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫اإلعاقة واإلمامة‬

‫أن النبي ‘ استخلف ابن أم مكتوم ثالث اعشرة مرة في غزواته‪.‬‬


‫وقال بعضهم‪ :‬إنما واله للصالة بالمدينة دون القضايا واألحكام؛‬
‫فإن الضرير ال يجوز له أن يقضي بين الناس؛ ألنه ال يدرك األشخاص‪،‬‬
‫وال يثبت األاعيان‪ ،‬وال يدري لمن يحكم‪ ،‬واعلى من يحكم‪ ،‬وهو مقلد‬
‫في كل ما يليه من هذه األمور‪ ،‬والحكم بالتقليد غير جائز‪.‬‬
‫إكراما له‪ ،‬وأخ اذا باألدب‬
‫وقد قيل‪ :‬إنه ‘ إنما وًله اإلمامة بالمدينة ا‬
‫فيما اعاتبه اهلل اعليه في أمره‪.‬‬
‫وقال ابن حجر‪ :‬فيه جواز إمامة األعمى‪ ،‬وًل نزاع فيه‪ ،‬وإنما النزاع‬
‫في أنه أولى من البصير أو اعكسه(‪.)1‬‬
‫وذكر الغزالي اختالف العلماء في مسألة اإلاعاقة وما يترتب تجاهها‬
‫السمع‬
‫المة حاسة ّ‬‫من مسائل اإلمامة‪ ،‬فذكر شروط اإلمامة‪ ،‬ومنها‪َ > :‬س َ‬
‫َوا ْل َب َصر؛ إذ َال َيت َمكَّن األاعمى واألصم من َت ْدبِير نَفسه‪ ،‬فَكيف يتقلد‬
‫ُاع ْه َدة ا ْل َعالم‪َ ،‬و َلذلِك لم يستصلحا لمنصب ا ْل َق َضاء‪ ،‬وأضاف مصنفون‬
‫المة من البرص والجذام والزمانة َوقطع األطراف‬ ‫الس َ‬‫ِإلَى َه َذا ْاش ِت َراط َّ‬
‫اح َشة المنفرة‪.‬‬‫َو َسائِر ا ْل ُعيوب ا ْل َف ِ‬
‫ُ‬
‫ًلمة من َه ِذه‬
‫الس َ‬
‫اجة إلى وجود َّ‬ ‫وأنكره منكرون َوقَالُوا‪ًَ :‬ل َح َ‬
‫األمراض؛ فإن التكفل بأمور ا ْلخلق َوا ْل ِق َيام بمصالحهم َال تستداعيها َولم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬عون المعبود‪ ،)107/8( ،‬ومعالم السنن‪ ،)3/3( ،‬ومرقاة المفاتيح‪.)865/3( ،‬‬
‫‪113‬‬
‫اإلعاقة واإلمامة‬

‫الشارِع َت ْوقِيف َوتعبد ِف َيها<(‪.)1‬‬


‫يرد من َّ‬
‫وكان ابن حزم في معرض حديثه اعن اختيار األئمة من آل البيت‬
‫واإلاعراض اعن آخرين أكفاء لهم ذكر قو ًال لهشام بن الحكم يبرر فيه ذلك‬
‫بقوله‪> :‬ال بد أن يكون في إخوة اإلمام آفات يبين بها أنهم ال يستحقون‬
‫اإلمامة<(‪.)2‬‬
‫ودة تزيد ِفي الحماقة‪َ ،‬و ًَل نَ ْدرِي‬
‫فرد عليه بقوله‪َ > :‬و َه ِذه َد ْع َوى َم ْر ُد َ‬
‫لي بن ا ْل ُح َس ْين آفَات تمنع‬ ‫ِ‬
‫في زيد َو َاع ْمرو َواعبد اهلل َوا ْلحسن َواعلي بن َاع ّ‬
‫ِإ َّال أَن ا ْلحسن أَخا زيد َو ُم َح ّمد َكا َن أاعرج‪َ ،‬و َما اعلمنَا أَن العرج اعيب‬
‫اإل َم َامة؛ ِإنَّ َما ُه َو اعيب ِفي العبيد المتخذين للمشي<(‪.)3‬‬ ‫ْيمنَع من ْ ِ‬
‫ضا من آل البيت المصابين باإلاعاقة‪ ،‬لكنه‬
‫فابن حزم هنا ذكر بع ً‬
‫رأى أن اإلاعاقة هنا ــ وهي العرج ــ ليست مما يطعن في اإلمامة‪.‬‬
‫فاإلاعاقة لو كانت اعائقة اعن أداء المهام المنوطة باإلمام فال يصح‬
‫توليه‪ ،‬وإن أصابته بعد توليته وجب اعزله‪.‬‬
‫أما إن قدر اعلى ممارسة مهامه في وجود هذه اإلاعاقة فال بأس؛‬
‫اعر ًجا‪.‬‬
‫فهشام بن اعبد الملك كان أحول‪ ،‬وكثير من قادة الجيوش كانوا ْ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فضائح الباطنية‪ ،‬ص (‪.)181‬‬
‫(‪ )2‬الملل والنحل‪.)85/4( ،‬‬
‫(‪ )3‬السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫نماذج من تعامل رسول اهلل ‘ واآلل واألصحاب‬


‫مع ذوي اإلقاعاات واالحتياجات اخلاصة‬

‫لقد ترك لنا رسول اهلل ‘ نموذ اجا فري ادا في التعامل مع ذوي‬
‫وهدى نهتدي به‪،‬‬
‫وس ّنة نسير اعليها‪ُ ،‬‬‫اإلاعاقات والحاجات الخاصة‪ُ ،‬‬
‫ونبرا ًسا نستضيء به‪.‬‬
‫ونحاول أن نسلط الضوء على بعض النماذج‪ ،‬والتي يتضح من خاللها‬
‫تعامله ‘ مع ذوي اإلاعاقات والحاجات الخاصة‪ ،‬ونتبع ذلك ببعض‬
‫ما وقفنا اعليه اعند اآلل واألصحاب‪.‬‬

‫‪ 1‬تت الرسول ‘ واألعمى‬


‫قيل لقتادة‪ :‬ما بال العميان أذكى وأكيس من البصراء؟‬
‫فقال‪ :‬ألن أبصارهم تحولت إلى قلوبهم‪.‬‬
‫َوقَ َال الجاحظ‪ :‬العميان أحفظ وأذكى‪ ،‬وأذهانهم أقوى وأصفى؛‬
‫ألَنهم غير مشتغلي األفكار بتمييز ْاألَ ْش َخاص‪َ ،‬و َم َع النظر يتشعب ا ْل ِفكر‪،‬‬
‫اج ِت َماع اللب‪.‬‬
‫َو َم َع انطباق ا ْلعين ْ‬
‫‪115‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وكان أبو يعقوب الخزيمي يقول‪ :‬من فضائل العمى ومحاسنه‪:‬‬


‫الكيس والحفظ‪ ،‬وسقوط الواجب من‬ ‫اجتماع الرأي والذهن‪ ،‬وقوة ْ‬
‫الحقوق‪ ،‬واألمان من فضول النظر الدااعية إلى الذنوب‪ ،‬وفقد النظر إلى‬
‫الثقالء والبغضاء‪ ،‬وحسن العوض اعن متراخي الوجد في دار الثواب(‪.)1‬‬
‫وإذا كان هناك من حسن العمى كما رأينا آن افا‪ ،‬فهناك من أثر فيه فقد‬
‫تأثيرا عظي اما‪ ،‬فهذا الشاعر صالح بن عبد القدوس الذي اعتبر نفسه‬‫بصره ا‬
‫مي ًتا وهو بين األحياء‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫تتتوب‬
‫تتتوب تنت ه‬‫ودمعتتتتك إنمتتتتا هنت َ‬ ‫الَّتتتاوب‬
‫ه‬ ‫عتتت اءك أيمتتتا العتتتين‬
‫تطيتتب‬
‫ه‬ ‫وكانتتت لتتي بتتك التتدنيا‬ ‫تراج وجمتتي‬
‫تت كريمتتتي وست َ‬ ‫وكنت ِ‬
‫تتب‬
‫تتف الحبيت ه‬
‫وفتتتارقني بتتتك اإل ْلت ه‬ ‫ف ت ن أ هك قتتد ث ِالتتتك فتتي يتتاتي‬
‫تتعوب‬ ‫ٍ‬
‫تتع هب إ ْل َف َمتتتا عنمتتتا شت ه‬
‫سيشت َ‬
‫ْ‬ ‫البتتتتتد يومتتتتتا‬
‫فاتتتتتل قرينَتتتتتة ه‬
‫تيب‬
‫ضتترير العتتين فتتي التتدنيا نصت ه‬ ‫الَّتتالم فمتتا لشتتي ٍخ‬
‫ه‬ ‫علتتى التتدنيا‬
‫تتذوب‬
‫تتل الات ه‬‫تتف نَّتتته األمت ه‬
‫ويخلت ه‬
‫ْ‬ ‫يمتتتوَ المتتترء وهتتتو هي َعتتت ُّد ًّيتتتا‬

‫وكذا ناصر الدين شافع الذي يقول‪:‬‬


‫ورد وال َصت َد هر‬
‫إ لتيا لتي فتيم هِم ٌ‬ ‫أضحى وجودي برئمي في الورى عتد ًما‬
‫تتر‬
‫تتين وال أثت ه‬
‫تتود وال عت ٌ‬
‫فمتتتل وجت ٌ‬ ‫َعت ِد ْم هت عينتتي ومتتا لتتي فتتيم هِم أثت هتر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبو منصور الثعالبي‪ :‬تحسين القبيح وتقبيح الحسن‪ ،‬ص (‪.)29‬‬
‫‪116‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وهناك من وصفوا العمى بالقبر‪ ،‬وصاحبه كالمقبور سواء اعليه ليله‬


‫البهيم ونهاره المضيء‪:‬‬
‫تتبا ِ ي ِعنتتت َد هه َو َمَّتتتائي‬
‫َستتتواءٌ َصت َ‬ ‫الم هقبو ِر فتي ْ‬
‫كَّت ِر َمن ِلتي‬ ‫فَما أ َنا َك َ‬
‫َّتتتة وب ِ‬ ‫ٍ‬
‫اتتتاء‬ ‫َو هبعتتت ًدا لَ َمتتتا ِمتتتن ِرق َ ه‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َيرِ ُّق َويباتي َاستدي ل َ‬
‫تي َر َم ًتة‬

‫وهناك من كان يفتخر بالعاهة‪ ،‬مثلما بشار بن برد الذي ااعتبر أن‬
‫الذكاء من العمى‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ف ئت ع يب الُن للعلتم متوئال‬ ‫عميت جني ًنا والتذكاء متن العمتى‬

‫أما إدريس بن عبد اهلل النابلسي الضرير فقد رأى أن صاحب الحاجة‬
‫أاعمى اعن كل شيء إال حاجته‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫تتتتير‬
‫و ْهتتتتتو و متتتتتال بصت ْ‬ ‫صتتتا ب الحاجتتتة أعمتتتى‬
‫(‪)1‬‬
‫تتتر‬
‫هرشتتتت َده أعمتتتتى فقيت ْ‬ ‫فمتتتتتتتى يبصتتتتتتر فيمتتتتتتا‬
‫ويصف بشار بن برد الجهل بالعمى ــ وهو بالفعل العمى الحقيقي ــ‬
‫فيقول‪:‬‬
‫شتتتتفاء العمتتتتى تتتتول الَّتتتتؤال وإنمتتتتا‬
‫تمام العمى تول الَّتاوَ علتى ال متل‬

‫وقد ذكر الصفدي أول من تحدث عن العميان والمكفوفين‪ ،‬وقارن‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نكت الهميان‪ ،‬ص (‪ )51‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫بين تلك الكتابات‪ ،‬فقال‪> :‬فإني لما وقفت اعلى كتاب (المعارف) البن‬
‫ال في المكافيف‪.‬‬
‫قتيبة ‪ ‬وجدته قد ساق في آخره فص ً‬
‫فع ّد فيهم أبا قحافة وهو والد أبي بكر الصديق ‪ ،‬وأبا سفيان بن‬
‫حرب‪ ،‬والبراء بن عازب‪ ،‬وجابر بن عبد اهلل‪ ،‬وكعب بن مالك األنصاري‪،‬‬
‫السااعدي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وحسان بن ثابت األنصاري‪ ،‬وعقيل بن أبي طالب‪ ،‬وأبا أسيد‬
‫لمي‪ ،‬وقتادة بن داعامة‪،‬‬‫الس ّ‬
‫النعمان‪ ،‬وأبا اعبد الرحمن ّ‬ ‫وقتادة بن ّ‬
‫مقسم‪ ،‬وأبا بكر بن اعبد الرحمن بن الحارث بن هشام‪،‬‬ ‫والمغيرة بن ّ‬
‫والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ‪ ‬ذهب بصره آخر اعمره‪،‬‬
‫واعبيد اهلل بن اعبد اهلل بن اعتبة بن مسعود‪ ،‬ومعاوية بن سبرة‪ ،‬وسعد بن‬
‫أبي وقّاص ذهب بصره في آخر اعمره‪ ،‬واعبد اهلل بن أبي أوفى ذهب‬
‫واعلي بن زيد من ولد اعبد اهلل بن جداعان ولد وهو أاعمى‪ ،‬وأبا‬
‫ّ‬ ‫بصره‪،‬‬
‫بي‪.‬‬
‫الض ّ‬
‫الراسبي‪ ،‬وأبا يحيى بن محرز ّ‬
‫ّ‬ ‫هالل‬
‫وذكر بعد هؤالء ثالثة مكافيف في نسق‪ :‬اعبد اهلل بن العباس بن‬
‫اعبد المطلب‪ ،‬وأبوه العباس‪ ،‬وأبوه اعبد المطلب‪.‬‬
‫هذا جملة من وقفت اعلى ذكره في كتاب (المعارف)‪.‬‬
‫اعلي بن‬
‫ثم رأيت الحافظ جمال الدين أبا الفرج اعبد الرحمن بن ّ‬
‫ال في آخر كتابه (تلقيح فهوم أهل األثر) في‬
‫الجوزي ‪ ‬قد ساق فص ً‬
‫ّ‬
‫تسمية العميان األشراف‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫قال‪ :‬فمن األنبياء ‪ :‬إسحاق‪ ،‬ويعقوب‪ ،‬وشعيب عليهم الصًلة‬


‫والسًلم‪.‬‬
‫ومن األشراف‪ :‬عبد المطلب بن هاشم‪ ،‬أمية بن عبد شمس‪ ،‬زهرة بن‬
‫اعدي‪.‬‬
‫كالب‪ ،‬كالب بن ّمرة‪ ،‬مطعم بن ّ‬
‫حسان بن‬
‫ومن الصحابة ‪ :‬البراء بن اعازب‪ ،‬جابر بن اعبد اهلل‪ّ ،‬‬
‫ثابت‪ ،‬الحكم بن أبي العاص‪ ،‬سعد بن أبي و ّقاص‪ ،‬سعيد بن يربوع‪،‬‬
‫صخر بن حرب أبو سفيان‪ ،‬العباس بن عبد المطلب‪ ،‬عبد اهلل بن األرقم‪،‬‬
‫عبد اهلل بن عمر‪ ،‬عبد اهلل بن العباس‪ ،‬عبد اهلل بن عمير‪ ،‬اعبد اهلل بن أبي‬
‫أوفى‪ ،‬اعتبان بن مالك‪ ،‬اعتبة بن مسعود الهذلي‪ ،‬اعثمان بن اعامر‪ ،‬أبو‬
‫قحافة‪ ،‬اعقيل بن أبي طالب‪ ،‬اعمرو بن أم مكتوم‪ ،‬قتادة بن النعمان‪،‬‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬مالك بن ربيعة‪ ،‬أبو أسيد الساعدي‪ ،‬ومخرمة بن نوفل‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن التابعين‪ :‬اعطاء بن أبي رباح‪ ،‬أبو بكر بن اعبد الرحمن‪،‬‬
‫الراسبي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لمي‪ ،‬أبو هالل‬
‫الس ّ‬
‫قتادة بن داعامة‪ ،‬أبو اعبد الرحمن ّ‬
‫الجوزي ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هذا صورة ما ذكره ابن‬
‫فما زاد اعلى ابن قتيبة إال بذكر األنبياء الثالثة صلى اهلل اعليهم‬
‫وسلم‪ ،‬ورتب الصحابة اعلى حروف المعجم ال غير‪.‬‬
‫وكان يمكن ًلبن الجوزي ‪ ‬الزيادة على ذلك بأضعاف مضااعفة؛‬
‫لتأخر زمانه ووفاته اعلى زمان ابن قتيبة ووفاته ‪‬؛ أل ّن ابن قتيبة توفّي‬
‫‪119‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫في سنة سبع وستين ومائتين ‪ ،‬وابن الجوزي توفي في سنة سبع‬
‫وتسعين وخمسمائة‪.‬‬
‫ولكن يمكن االاعتذار لكليهما بأنهما لم يضعا مصنفيهما الستيعاب‬
‫ذكر العميان‪ ،‬وإنما ذكرا أشراف من كان أاعمى‪.‬‬
‫ورأيت أبا العباس أحمد بن اعلي بن بانة قد ذكر في كتابه (رأس‬
‫مال النديم) أشراف العميان‪.‬‬
‫فقال‪ :‬شعيب وإسحاق صلوات اهلل وسالمه اعليهما‪ ،‬وزهرة بن‬
‫كالب بن كعب بن ّمرة‪ ،‬واعبد المطلب بن هاشم‪ ،‬والعباس بن‬
‫وأمية بن اعبد شمس وكان أاعور‪،‬‬ ‫اعبد المطلب‪ ،‬واعبد اهلل بن اعباس‪ّ ،‬‬
‫والحكم بن العاص‪ ،‬وأبو سفيان بن حرب‪ ،‬والحارث بن اعباس بن‬
‫اعدي بن نوفل بن اعبد مناف‪ ،‬وأبو بكر بن‬ ‫ّ‬ ‫اعبد المطلب‪ ،‬ومطعم بن‬
‫الهذلي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة‪ ،‬واعتبة بن مسعود‬
‫واعبيد اهلل بن اعبد اهلل بن اعتبة بن مسعود‪ ،‬وأبو أحمد بن جحيش بن‬
‫األنصاري‪ ،‬واعبد اهلل بن أرقم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األسدي‪ ،‬وجابر بن اعبد اهلل‬
‫ّ‬ ‫مسعود‬
‫والبراء بن اعازب‪ ،‬وحسان بن ثابت‪ ،‬وقتادة بن النعمان‪ ،‬وأبو أسيد‬
‫الجشمي شهد حنين‬
‫ّ‬ ‫الص ّمة‬
‫السااعدي‪ ،‬وقتادة بن داعامة‪ ،‬ودريد بن ّ‬
‫ّ‬
‫هري‪ ،‬والفاكه بن المغيرة‬
‫الز ّ‬ ‫أاعمى فقتل يومئذ‪ ،‬ومخرمة بن نوفل ّ‬
‫هشلي‪.‬‬
‫الن ّ‬ ‫المخزومي‪ ،‬وخزيمة بن خازم ّ‬
‫ّ‬
‫هذا جملة من رأيته قد ذكره في كتابه‪ ،‬وأنت تقارب هذه األسامي‬
‫‪120‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫واعدتها بعضها من بعض‪.‬‬


‫وأرى أن السابق لذلك ابن قتيبة‪ ،‬ثم بعده هذا ابن بانة‪ ،‬ثم ابن‬
‫الجوزي‪.‬‬
‫ّ‬
‫وللخطيب أبي بكر خطيب بغداد جزء جمعه في العميان ولم أره‬
‫إلى اآلن‪.‬‬
‫يوما في بعض اجتمااعاتي بجمااعة من األفاضل ذكر فصل‬ ‫وجرى ً‬
‫استطردت بذكره في شرح المية العجم‪ ،‬ذكرت فيه جمااعة من أشراف‬
‫حاضرا‪ :‬لو أفردت للعميان تصني ًفا‬
‫ً‬ ‫العميان‪ ،‬قال لي بعض من كان‬
‫تخصهم فيه بالذكر‪ ،‬لكان ذلك حس ًنا‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهزت اعطفي نشوة هذه المدام‪ ،‬اعلى أن‬
‫فحداني ذلك الكالم‪ّ ،‬‬
‫إلي‬
‫اعزمت اعلى جمع هذه األوراق‪ ،‬في ذكر من أمكن ذكره أو وقع ّ‬
‫خبره وسميته‪ :‬نكت الهميان في نكت العميان<(‪.)1‬‬
‫وبعد هذه التطوافة فيما قيل حول العمى من مادح وقادح‪ ،‬وصابر‬
‫وجازع‪ ،‬وذكر المشاهير منهم‪ ،‬نعرج اعلى تعامل النبي ‘ والصحب‬
‫واآلل مع هؤالء األشخاص؛ لنرى كيف كان استيعاب رسول اهلل ‘‬
‫لهذه الفئة هو وصحبه وآله بيته األطهار‪.‬‬
‫وأول من يتبادر إلى أذهاننا ذلك الصحابي الذي اشتهر بعماه‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السابق‪ ،‬ص (‪ 7‬ــ ‪.)8‬‬
‫‪121‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫ولكن اهلل خلّد ذكره في العالمين‪ ،‬وأنزل فيه قرآ ًنا يُتلى إلى يوم الدين‪،‬‬
‫وكانت اعالقته برسول اهلل ‘ اعالقة متميزة‪ ،‬وفريدة من نواعها‪....‬‬
‫إنه اعبد اهلل بن أم مكتوم‪.‬‬
‫خيرا اعند اهلل‬
‫الرجل الذي اعاتب اهلل فيه نبيه محم ًدا ‘‪ ،‬وكان ً‬
‫من صناديد(‪ )1‬قريش من الكافرين‪ ،‬فقد >أقبل ابن أم مكتوم والنبي ‘‬
‫مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى اهلل تعالى‪ ،‬وقد قوي‬
‫طمعه في إسًلمهم‪ ،‬وكان في إسًلمهم إسًلم من وراءهم من قومهم‪ ،‬فجاء‬
‫ابن أم مكتوم ــ وهو أعمى ــ فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬علمني مما اعلمك اهلل‪.‬‬
‫وجعل يناديه ويكثر النداء‪ ،‬وال يدري أنه مشتغل بغيره‪ ،‬حتى‬
‫ظهرت الكراهة في وجه رسول اهلل ‘ لقطعه كالمه‪ ،‬وقال في نفسه‪:‬‬
‫يقول هؤالء‪ :‬إنما أتبااعه العميان والسفلة والعبيد‪ ،‬فعبس وأاعرض‬
‫اعنه<(‪.)2‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬ ‫فأنزل اهلل قوله‪:‬‬
‫ﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜ‬

‫[سورة عبس‪ 1 :‬ــ ‪]10‬‬ ‫ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ}‬

‫اعيبا‪ ،‬أو نقيصة‪ ،‬والضعف والعجز ليس مما يؤخر‬


‫فالضعف ليس ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشجا ُع< [الصحاح‪ ،‬مادة (صند)]‪.‬‬ ‫(‪> )1‬ا ِ‬
‫لص ْندي ُد‪ :‬السيِّد ُ‬
‫(‪ )2‬تفسير القرطبي‪ 212/19( ،‬ــ ‪.)213‬‬
‫‪122‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫عند اهلل‪ ،‬وليس الحسب والنسب والشرف بين األقوام مما يقدم عند اهلل‪،‬‬
‫والتأخر اعند اهلل هو اإليمان والتقوى‪ ،‬فمن أقبل اعلى اهلل‬
‫ّ‬ ‫فمقياس التق ّدم‬
‫أقبل اهلل اعليه‪.‬‬
‫ولذلك قال رسول اهلل ‘‪َ > :‬م ْن َب َّطأ َ ِب ِه َع َمله هه لَ ْم هي َّْ ِر ْع ِب ِه َن ََّ هب هه<(‪.)1‬‬
‫وقد استوعب رسول اهلل ‘ هذا الدرس الذي علمه اهلل إياه‪ ،‬فكان‬
‫مرحبا بمن‬
‫ً‬ ‫>بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول‪:‬‬
‫اعاتبني فيه ربي‪ .‬ويقول‪ :‬هل من حاجة؟<(‪.)2‬‬
‫يقول الباحث اإلنجليزي (اليتنر)(‪ )3‬معل ًقا اعلى هذا الحادث‪:‬‬
‫وحيا شديد المؤاخذة؛‬
‫>‪ ..‬مرة‪ ،‬أوحى اهلل ــ تعالى ــ إلى النبي ‘ ا‬
‫غنيا من ذوي‬
‫ال ًّ‬
‫ألنه أدار وجهه اعن رجل فقير أاعمى ليخاطب رج ً‬
‫النفوذ‪ ،‬وقد نشر ذاك الوحي‪ ،‬فلو كان ‘ كما يقول أغبياء النصارى‬
‫بحقه ‘؛ لما كان لذاك الوحي من وجود!<(‪.)4‬‬
‫وكان ابن أم مكتوم ــ رغم اعماه ــ ثاني اثنين هاجرا إلى المدينة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫جزء من حديث أخرجه مسلم في >الذكر والداعاء والتوبة<‪ ،‬باب‪> :‬فَ ْض ِل ا ِ‬
‫ال ْج ِت َما ِع‬ ‫(‪)1‬‬
‫َاعلَى ت ِ َال َو ِة ا ْل ُق ْرآ ِن َو َاعلَى ال ِّذ ْكرِ<‪ ،‬ح (‪ )2699‬من حديث أبي هريرة ‪.‬‬
‫تفسير القرطبي‪.)213/19( ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫باحث إنكليزي‪ ،‬حصل اعلى أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة‬ ‫(‪)3‬‬
‫والالهوت‪ ،‬وزار اآلستانة اعام ‪ ،1854‬كما طوف بعدد من البالد اإلسالمية والتقى‬
‫برجاالتها واعلمائها‪.‬‬
‫محمد مسعد ياقوت‪ :‬رحمة النبي ‘ بذوي اًلحتياجات الخاصة‪ ،‬موقع صيد الفوائد‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪123‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫المنورة مع مصعب بن اعمير‪ ،‬وكان يعلّم القوم القرآن؛ فقد أخرج‬


‫البخاري أن ا ْل َب َر َاء ْبن َاعاز ٍِب ‪ ‬قَ َال‪ :‬أَ َّو ُل َم ْن قَ ِد َم َاعلَ ْينَا ُم ْص َع ُب ْب ُن‬
‫اس‪ ،‬فَ َق ِد َم بِ َال ٌل َو َس ْع ٌد َو َاع َّم ُار ْب ُن‬ ‫ُاع َم ْي ٍر َو ْاب ُن أُ ِّم َم ْك ُتومٍ‪َ ،‬و َكانَا يُ ْقرِ َئا ِن النَّ َ‬
‫اب النَّب ِِّي ‘‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫ِين ِم ْن أَ ْص َح ِ‬ ‫اب ِفي ِاع ْشر َ‬ ‫اس ٍر‪ ،‬ثُ َّم قَ ِد َم ُاع َم ُر ْب ُن ا ْل َخ َّط ِ‬ ‫يَ ِ‬
‫قَ ِد َم النَّبِي ‘‪ ،‬فَما رأَي ُت أَ ْه َل ا ْلم ِدينَةِ فَر ُِحوا بِ َشي ٍء فَر َح ُهم بِر ُسو ِل اهللِ‬
‫ْ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُّ‬
‫ول اهلل ِ ‘‪ ،‬فَ َما قَ ِد َم َح َّتى‬ ‫اء يَ ُق ْل َن‪ :‬قَ ِد َم َر ُس ُ‬ ‫‘‪َ ،‬ح َّتى َج َع َل ا ِإل َم ُ‬
‫قَ َر ْأ ُت‪{ :‬ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ} [سورة األاعلى] ِفي ُس َو ٍر ِم َن ا ْل ُم َف َّص ِل(‪.)1‬‬
‫فقد أَ ِذن له رسول اهلل ‘ بالهجرة مع أول من هاجر‪ ،‬وجعله‬
‫سفيرا لإلسًلم مع مصعب بن عمير‪ ،‬وكان معل اما لألنصار القرآن واإلسالم‪.‬‬
‫ا‬
‫وقد ُذكر في أحاديث أخرى أن أول المهاجرين للمدينة أبو سلمة‬
‫فتكلم الحافظ ابن حجر اعلى ذلك فقال‪َ > :‬وقَ ْد َت َق َّد َم ِفي أَ َّول ا ْله ِْج َرة أَ َّن‬
‫ِين َاعا ِمر ْبن َربِ َيعة َو َم َع ُه اِ ْم َرأَته أُ ّم‬ ‫أَ َّول َم ْن قَ ِد َم ا ْل َم ِدينَة ِم ْن ا ْل ُم َه ِ‬
‫اجر َ‬
‫َاع ْبد اهلل بِ ْنت أَبِي َح ْث َمة‪َ ،‬وأَبُو َسلَ َمة ْبن َاع ْبد ْاألَ َسد َو ْام َرأَته أُ ّم َسلَ َمة‪َ ،‬وأَبُو‬
‫الشرِيد‪َ ،‬و َاع ْبد اهلل ْبن‬ ‫ُح َذ ْي َفة ْبن ُاع ْت َبة ْبن َربِ َيعة‪َ ،‬و َش َّماس ْبن ُاع ْث َمان ْبن َّ‬
‫َج ْحش‪.‬‬
‫ِ‬
‫فَ ُي ْج َمع بَ ْينه َوبَ ْين َح ِديث ا ْل َب َراء بِ َح ْم ِل ْاألَ َّولِ َّية في أَ َح َ‬
‫دهما َاعلَى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في >مناقب األنصار<‪ ،‬باب‪َ > :‬م ْق َدم ِ النَّب ِِّي ‘ َوأَ ْص َحابِه ِ ا ْل َم ِدينَ َة<‪،‬‬
‫ح (‪.)3925‬‬
‫‪124‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫ِين‬‫اجر َ‬ ‫اصة‪ ،‬فَ َق ْد َج َز َم ْابن ُاع ْق َبة بِأَ َّن أَ َّول َم ْن قَ ِد َم ا ْل َم ِدينَة ِم ْن ا ْل ُم َه ِ‬
‫ِص َفة َخ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‬ ‫ُم ْطلَ ًقا أَبُو َسلَ َمة ْبن َاع ْبد ْاألَ َسد‪َ ،‬و َكا َن َر َج َع م ْن ا ْل َح َب َشة ِإلَى َمكَّة فَأُوذ َ‬
‫بِ َمكَّة‪ ،‬فَ َبلَ َغ ُه َما َوقَ َع لِ ِال ْثنَ ْي َاع َشر ِم ْن ْاألَ ْن َصار ِفي ا ْل َع َق َبة ْاألُولَى فَ َت َو َّج َه‬
‫ِإلَى ا ْل َم ِدينَة ِفي أَ ْثنَاء َّ‬
‫السنَة‪.‬‬

‫فَ ُي ْج َمع بَ ْين َذلِ َك َوبَ ْين َما َوقَ َع ُهنَا بِأَ َّن أَبَا َسلَ َمة َخ َر َج َال لِ َق ْص ِد‬
‫ين‪ ،‬بِ ِخ َال ِ‬
‫ف ُم ْص َعب ْبن ُاع َم ْير فَ ِإنَّ ُه‬ ‫اإلقَ َامة بِا ْل َم ِدينَةِ بَ ْل ِف َرا ًرا ِم ْن ا ْل ُم ْشرِ ِك َ‬
‫ِْ‬
‫إلقَ َامةِ بِ َها‪َ ،‬و َت ْعلِيم َم ْن أَ ْسلَ َم ِم ْن أَ ْه َلها بِأَ ْمرِ النَّب ِّي ‘‪،‬‬ ‫َخ َر َج ِإل َ ْي َها لِ ْ ِ‬
‫فَلِ ُك ٍّل أَ َّولِ َّية ِم ْن ِج َهة<(‪.)1‬‬

‫خاصا له مع بالل بن رباح‪ ،‬ويبدو‬ ‫وقد جعله رسول اهلل ‘ مؤذ ًنا ًّ‬
‫فع ِن ْاب ِن ُاع َم َر قَ َال‪َ :‬كا َن لِ َر ُسو ِل اهلل ِ ‘ ُم َؤذِّنَا ِن‪:‬‬
‫أنه كان حسن الصوت‪َ ،‬‬
‫بِ َال ٌل َو ْاب ُن أُ ِّم َم ْك ُتومٍ األَ ْاع َمى(‪.)2‬‬

‫وبسبب ابن أم مكتوم نزل اعذر ألصحاب األاعذار في القرآن؛ َفع ِن‬
‫ا ْل َب َر ِاء قَ َال‪ :‬ل َ َّما نَ َزل َ ْت‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ} [سورة النساء‪ ]95 :‬قَ َال‬
‫النَّب ُِّي ‘‪ْ > :‬اد هعوا فه َال ًنا(‪ .<)3‬فَ َج َاء ُه َو َم َع ُه ال َّد َوا ُة َواللَّ ْو ُح أو ا ْل َك ِت ُف فَ َق َال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪.)261/7( ،‬‬
‫اب اتِّ َخا ِذ م َؤذِّنَي ِن لِل َْم ْس ِج ِد ا ْلو ِ‬
‫اح ِد<‪،‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في >الصًلة<‪ ،‬باب‪ْ > :‬اس ِت ْح َب ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬
‫ح(‪.)380‬‬
‫(‪ )3‬في رواية أخرى ذكرت أنه زيد بن ثابت‪ ،‬والذي كان من كتبة الوحي‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫>ا ْك ُت ْب‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ}<‪َ ،‬و َخ ْل َف‬


‫ول اهلل ِ‪ ،‬أَنَا َضر ٌِير! فَنَ َزل َ ْت َم َكانَ َها‪:‬‬
‫النَّب ِِّي ‘ ْاب ُن أُ ِّم َم ْك ُتومٍ فَ َق َال‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ}(‪.)1‬‬
‫فكرام ًة البن أم مكتوم نزل قوله ــ تعالى‪{ :‬ﱆ ﱇ ﱈ} بين‬
‫قوله ــ تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ} وقوله‪{ :‬ﱉ ﱊ ﱋ‬
‫ﱌ}‪.‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱉ ﱊ‬ ‫قال ابن سعد‪> :‬نزلت‪:‬‬
‫ﱋ ﱌ}‪ ،‬فقال اعبد اهلل بن أم مكتوم‪ :‬أي رب أنزل اعذري‪ ...‬أنزل‬
‫اعذري‪ .‬فأنزل اهلل‪{ :‬ﱆ ﱇ ﱈ}‪ .‬فجعلت بينهما<(‪.)2‬‬
‫ورغم نزول العذر له وبسببه‪ ،‬فإنه >كان بعد ذلك يغزو فيقول‪ :‬ادفعوا‬
‫إلي اللواء؛ فإني أعمى ًل أستطيع أن أفر‪ ،‬وأقيموني بين الصفين<(‪.)3‬‬
‫َّ‬
‫راكبا‪ ،‬واعليه درع‪ ،‬ومعه راية‬
‫وقد رآه أنس >يوم القادسية ً‬
‫سوداء<(‪ ،)4‬و>قُتل شهي ًدا بالقادسية<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ين َوا ْل ُم َجا ِه ُدو َن‬
‫أخرجه البخاري في >التفسير<‪ ،‬باب‪َ > :‬ال يَ ْس َت ِوي ا ْل َقا ِاع ُدو َن ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫(‪)1‬‬
‫ِفي َسبِي ِل اهلل ِ<‪ ،‬ح (‪.)4594‬‬
‫الطبقات الكبرى‪.)210/4( ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تفسير القرطبي‪.)213/19( ،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫االستيعاب‪ ،)372/1( ،‬وقال الواقدي‪ :‬رجع ابن أم مكتوم من القادسية إلى‬ ‫(‪)5‬‬
‫المدينة‪ ،‬فمات‪ ،‬ولم يسمع له بذكر بعد اعمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وقد استلمح رسول اهلل ‘ في ابن أم مكتوم مالمح القيادة والعلم‬


‫فكان يستخلفه اعلى المدينة اعندما يخرج للغزو‪ ،‬فـ>قد استخلفه اعلى‬
‫اإلمامة في المدينة في ثالث اعشرة غزوة من غزواته‪ ،‬واستخلفه اعليها‬
‫اعليا في أهله‬
‫واعلي ‪ ‬بالمدينة؛ ألنه استخلف ًّ‬
‫ّ‬ ‫حين خرج إلى تبوك‬
‫اعدو بمكروه‪ ،‬فلم يستخلفه في الصالة؛ لئال يشغله شاغل‬‫كيال ينالهم ّ‬
‫اعن حفظهم<(‪.)1‬‬
‫وقد كان رسول اهلل ‘ يستفيد من اعمى ابن أم مكتوم؛ حيث‬
‫جعل فاطمة بنت قيس تعتد اعنده‪ ،‬فتكون في سعة من أمرها؛ ألنه لن‬
‫يرى منها شي ًئا‪.‬‬
‫فقد أخرج مسلم أن رسول اهلل ‘ قال لها‪> :‬ا ْ َهبِي ِإلَى ْاب ِن أ ه ِّم‬
‫ك ِع ْن َد هه<(‪.)2‬‬ ‫َم ْا هتومٍ فَ هاو ِني ِع ْن َد هه؛ فَ ِ َّن هه َر هج ٌل أ َ ْع َمى َت َض ِع َ‬
‫ين ِث َي َاب ِ‬

‫وقال أبو الوليد الباجي األندلسي‪> :‬يَ ْق َت ِضي أَنَّ ُه يَ ُش ُّق َاعلَى ا ْل َم ْرأَ ِة‬
‫وج‬‫س النَّ َظ ُر إل َ ْي َها َم َع َها‪َ ،‬وأَنَّ ُه ال يَ ُجو ُز ل َ َها ا ْل ُخ ُر ُ‬ ‫اح لِلنَّا ِ‬‫ود َاعلَى َحالَةٍ يُ َب ُ‬ ‫ا ْل ُق ُع ُ‬
‫وف األاعمى ال يَ ْن ُظ ُر إل َ ْي َها‪ ،‬فَال َح َر َج‬ ‫س إل َ ْي َها‪َ ،‬وا ْل َم ْك ُف ُ‬
‫َاع ْن َها َم َع نَ َظ ِر النَّا ِ‬
‫ِفي َت ْر ِك َس ْت ِر َش ْعر َِها َو َغ ْي ِر َذلِ َك ِم َّما ال يُ َب ُ‬
‫اح لِ َّلر ُج ِل أَ ْن يَ ْن ُظ َر إل َ ْيه ِ ِم ْن َغ ْي ِر‬
‫ِذي َم ْح َر ِمه ِ<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الخميس‪ ،)246/2( ،‬وانظر‪ :‬اإلصابة‪.)601/4( ،‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في >الطالق<‪ ،‬باب‪> :‬ا ْل ُمطَلَّ َق ُة ثَ َال ًثا َال نَ َف َق َة ل َ َها<‪ ،‬ح (‪.)1480‬‬
‫(‪ )3‬المنتقى‪.)105/4( ،‬‬
‫‪127‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫* هداية األعمى للطريق صدقة‬


‫يعرفه طريقه‪ ،‬وأن يأخذ بيده‪ ،‬وأال‬
‫ولألاعمى حق اعلى المبصر أن ّ‬
‫السبل‪.‬‬
‫يتركه يضل في ُّ‬
‫وهذا من باب تصدق المبصر من نعمة البصر التي وهبه اهلل إياها‬
‫ولم يحرمه منها‪.‬‬
‫فعن أبي ذر ‪ ‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ذهب األغنياء باألجر‪.‬‬
‫فقال‪> :‬ألَّتم تصلون وتصومون وت اهدون<؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬بلى‪ ،‬وهم يفعلون كما نفعل؛ يصلون ويصومون‬
‫ويجاهدون‪ ،‬ويتصدقون وال نتصدق‪.‬‬
‫قال‪> :‬إن فيك صدقة كثيرة‪:‬‬
‫إن في فضل بيانك عن األرتم(‪ )1‬تعبر عن اجته صدقة‪.‬‬
‫وفي فضل سمعك على الَّيئ الَّمع تعبر عنه اجته صدقة‪.‬‬
‫وفي فضل بصرك على ضرير البصر تمديه الطريق صدقة‪.‬‬
‫وفي فضل قوتك على الضعيف تعينه صدقة‪.‬‬
‫وفي إما تك األ ى عن الطريق صدقة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪َ > )1‬ر َت َم الشي َء يَ ْرتِ ُم ُه َر ْت ًما‪ :‬كسره ودقه‪ ،‬وخص اللحياني َّ‬
‫بالر ْتم كسر األَنف‪ ،‬ومعناه‬
‫معنى األ َ َر ِّت الذي ًل يُ ْفصح الكًلم وًل يُ ْفه ُِمه وًل يُبِينُ ُه< [لسان العرب‪ ،‬مادة (رتم)]‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وفي مباضعتك أهلك صدقة<‪.‬‬


‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل! أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر؟‬
‫قال‪> :‬أرأيت لو جعلته في ئير له أكان عليك وزر<؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪> :‬أفتحتَّبون بالشر وال تحتَّبون بالخير<(‪)1‬؟‪.‬‬

‫* المنافق الضرير‬
‫تجلت رحمة الحبيب ‘ بذوي اإلاعاقات واالحتياجات الخاصة‬
‫في اعفوه اعن جاهلهم‪ ،‬وحلمه اعلى سفيههم؛ ففي معركة أحد [شوال‬
‫‪3‬هـ ــ أبريل ‪624‬م]‪ ،‬لما توجه الرسول ‘ بجيشه صوب أحد‪ ،‬واعزم‬
‫اعلى المرور بمزراعة لرجل منافق ضرير‪ ،‬أخذ هذا األخير يسب النبي‬
‫‘ وينال منه‪ ،‬وأخذ في يده حفنة من تراب وقال ــ في وقاحة ــ للنبي‬
‫‘‪ :‬واهلل لو أاعلم أني ال أصيب بهذا التراب غيرك لرميتك به!‬
‫فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول اهلل ‘‪> :‬دعوه فمذا األعمى‬
‫أعمى القلب‪ ،‬أعمى البصيرة<‪.‬‬
‫فضربه سعد بن زيد‪ ،‬أخو بني اعبد األشهل بالقوس فشجه(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في >السنن الكبرى<‪.)82/6( ،‬‬
‫(‪ )2‬ابن هشام‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬ص (‪ 523‬ــ ‪.)524‬‬
‫‪129‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫ولم ينتهز رسول اهلل ضعف هذا الضرير‪ ،‬فلم يأمر بقتله أو حتى‬
‫بأذيته‪ ،‬رغم أن الجيش اإلسالمي في طريقه لقتال‪ ،‬والوضع متأزم‪،‬‬
‫واألعصاب متوترة‪ ،‬ومع ذلك لما وقف هذا الضرير المنافق في طريق‬
‫الجيش‪ ،‬وقال ما قال‪ ،‬وفعل وما فعل‪ ،‬أبى رسول اهلل أن يقتله أصحابه‪،‬‬
‫فليس من شيم المقاتلين المسلمين اًلعتداء على أصحاب العاهات أو‬
‫النيل من أصحاب اإلاعاقات‪ ،‬وهو ال يريد أن يدخل في صرااعات‬
‫داخلية قد تكثر القيل والقال في صف المسلمين الذاهبين للقتال(‪.)1‬‬

‫* أين تحب أن أصلي من بيتك؟‬


‫شرع اإلسالم اعيادة المرضى اعامة‪ ،‬وأصحاب اإلاعاقات خاصة؛‬
‫وذلك للتخفيف من معاناتهم‪..‬‬
‫فالشخص المعاق أقرب إلى االنطواء والعزلة والنظرة التشاؤمية‪،‬‬
‫وأقرب من األمراض النفسية مقارنة بالصحيح‪ ،‬ومن الخطأ إهمال‬
‫المعاقين في المناسبات االجتمااعية‪ ،‬كـ‪ :‬الزيارات والزواج‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ويطيب‬
‫ّ‬ ‫وقد كان رسول اهلل ‘ يعود المرضى‪ ،‬فيداعو لهم‪،‬‬
‫خاطرهم‪ ،‬ويبث في نفوسهم الثقة‪ ،‬وينشر اعلى قلوبهم الفرح‪ ،‬ويرسم‬
‫اعلى وجوههم البهجة‪ ،‬وتجده ذات مرة يذهب إلى أحدهم في أطراف‬
‫صا؛ ليقضي له حاجة بسيطة‪ ،‬أو أن يصلي ركعات في بيت‬ ‫المدينة خصي ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬محمد مسعد ياقوت‪ :‬رحمة النبي ‘ بذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬بتصرف‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫المبتلى تلبية لرغبته(‪..)1‬‬


‫اب َر ُسو ِل‬ ‫ك ــ َو ُه َو ِم ْن أَ ْص َح ِ‬ ‫فقد أخرج البخاري أَ َّن ِاع ْتبا َن ْب َن مالِ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ ‘ فَ َق َال‪ :‬يَا‬ ‫اهلل ِ ‘ ِم َّم ْن َش ِه َد بَ ْد ًرا ِم َن األَ ْن َصا ِر ــ أَنَّ ُه أَ َتى َر ُس َ‬
‫ت األَ ْمطَ ُار‬‫ول اهلل ِ‪ ،‬قَ ْد أَ ْن َك ْر ُت بَ َص ِري‪َ ،‬وأَنَا أُ َصل ِّي لِ َق ْو ِمي‪ ،‬فَ ِإ َذا َكانَ ِ‬ ‫َر ُس َ‬
‫َس َال ا ْل َوا ِدي ال َّ ِذي بَ ْي ِني َوبَ ْينَ ُه ْم‪ ،‬ل َ ْم أَ ْس َت ِط ْع أَ ْن آتِ َي َم ْس ِج َد ُه ْم فَأُ َصلِّ َي بِه ِْم‪،‬‬
‫ول اهلل ِ ــ أَنَّ َك َت ْأتِي ِني فَ ُت َصلِّ َي ِفي بَ ْي ِتي‪ ،‬فَأَ َّت ِخ َذ ُه ُم َصلًّى‪.‬‬ ‫َو َو ِد ْد ُت ــ يَا َر ُس َ‬
‫قَ َال‪ :‬فَ َق َال ل َ ُه ر ُس ُ ِ‬
‫اء الله<‪.‬‬ ‫ول اهلل ‘‪َ > :‬سأَ ْف َع هل ِإ ْن َش َ‬ ‫َ‬
‫ين ْار َت َف َع النَّ َه ُار‪،‬‬ ‫ول اهلل ِ ‘ َوأَبُو بَ ْك ٍر ِح َ‬ ‫قَ َال ِاع ْت َبا ُن‪ :‬فَ َغ َدا َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ِ ‘ فَأَ ِذ ْن ُت ل َ ُه‪ ،‬فَلَ ْم يَ ْجلِ ْس َح َّتى َد َخ َل ا ْل َب ْي َت ثُ َّم قَ َال‪:‬‬ ‫فَ ْاس َت ْأ َذ َن َر ُس ُ‬
‫>أ َ ْي َن هت ِح ُّب أ َ ْن أ ه َصل َِّي ِم ْن َب ْي ِت َك؟<‪.‬‬

‫ول اهلل ِ ‘ فَ َك َّب َر‪،‬‬ ‫ت‪ ،‬فَ َق َام َر ُس ُ‬ ‫َ‬


‫قَ َال‪ :‬فَأَ َشر ُت ل َ ُه ِإلَى نَ ِ‬
‫اح َيةٍ ِم َن ا ْلب ْي ِ‬ ‫ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫فَ ُق ْمنَا فَ َصفَّنَا‪ ،‬فَ َصلَّى َر ْك َع َت ْي ِن ثُ َّم َسلَّ َم‪. ...‬‬

‫* دعوة للصبر‪ ...‬وقبول للعذر‬


‫النفس البشرية ليست على درجة واحدة في تلقي مقدور اهلل تعالى؛‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السابق‪.‬‬
‫اج ِد ِفي ا ْلب ُي ِ‬
‫وت‪ ،<...‬ح (‪ )425‬ومواضع‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في >الصًلة<‪ ،‬باب‪> :‬ا ْل َم َس ِ‬
‫ُ‬
‫أخر‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫فهناك النفس الصابرة‪ ،‬وأخرى الجازاعة‪.‬‬


‫ورسول اهلل ‘ يعلم ذلك‪ ،‬ويتعامل مع كل حالة على حدة‪ ،‬وحسب‬
‫ظروفها وأحوالها‪.‬‬
‫فهو يداعو للصبر اعلى البالء؛ ليصنع اإلرادة في نفوسهم‪ ،‬ويبني‬
‫العزم في وجدانهم‪ ..‬ولكنه يتجاوب مع أحوالهم إن رأى غير ذلك‪.‬‬
‫ال َضر ًِيرا أَ َتى النَّ ِب َّي ‘ فَ َق َال‪ :‬يَا‬
‫ف‪ ،‬أَ َّن َر ُج ً‬‫ف َع ْن ُاع ْث َما َن ْب ِن ُحنَي ٍ‬
‫ْ‬
‫نَ ِب َّي اهلل ِ‪ْ ،‬اد ُع اهللَ أَ ْن يُ َع ِاف َي ِني‪.‬‬
‫فَ َق َال‪ِ > :‬إ ْن ِش ْئ َت أ َ َّخر هَ َل ِ َك فَ همو أ َ ْف َض هل ِ‬
‫آلخ َر ِت َك‪َ ،‬و ِإ ْن ِش ْئ َت‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َد َع ْو هَ لَ َك<‪.‬‬
‫قَ َال‪َ :‬ال‪ ،‬بَ ِل ْاد ُع اهللَ لِي‪.‬‬
‫ِ‬
‫فَأَ َم َر ُه أَ ْن يَ َت َو َّضأَ َوأَ ْن يُ َصلِّ َي َر ْك َع َت ْي ِن‪َ ،‬وأَ ْن يَ ْد ُاع َو بِ َه َذا ال ُّد َاعاء‪ > :‬ه‬
‫اللم َّم‬
‫الر ْ َم ِة‪َ ...‬يا هم َح َّم هد‪،‬‬ ‫ِإنِّي أ َ ْسأَله َك َوأ َ َت َو َّج هه ِإلَ ْي َك ِبنَبِيِّ َك هم َح َّم ٍد ‘ َن ِب ِّي َّ‬
‫اج ِتي َه ِذهِ فَ هت ْق َضى‪َ ،‬و هت َش ِّف هع ِني ِفي ِه َو هت َش ِّف هع هه‬
‫ِإنِّي أ َ َت َو َّج هه ِب َك ِإلَى َر ِّبي فِي َ َ‬
‫فِ َّي<‪.‬‬
‫ول َه َذا ِم َرا ًرا‪.‬‬ ‫قَ َال‪ :‬فَ َكا َن يَ ُق ُ‬
‫الر ُج ُل فَ َب َرأَ(‪.)1‬‬
‫قَ َال‪ :‬فَ َف َع َل َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في >المسند<‪ ،‬ح (‪ ،)17280‬وقال شعيب األرنؤوط في تعليقه اعلى‬
‫>المسند<‪> :‬إسناده صحيح رجاله ثقات<‪.‬‬
‫‪132‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫فرسول اهلل ‘ يريد له اآلخرة ودرجتها واألفضلية فيها‪ ،‬لكن‬


‫الرجل متعلق بأن يفرج اهلل اعنه بأن يعود إليه بصره‪ ،‬فما اعاتبه رسول اهلل‬
‫اعنفه‪ ،‬بل طلب منه أن يعينه اعلى نفسه بالوضوء والصالة‬ ‫‘ أو ّ‬
‫والداعاء واالستشفاع برسول اهلل ‘‪ ،‬فكانت النتيجة أن اعاد إلى الرجل‬
‫بصره ببركة رسول اهلل ‘ وبالصالة والتضرع والداعاء‪.‬‬

‫* النف في العين المبيضة‬


‫رسول اهلل ‘ معجزاته أكثر من أن يحصيها العدد‪ ،‬لكننا نتوقف‬
‫اعند إبرائه لألاعمى بإذن اهلل ــ تعالى؛ حيث ذكر َحبِيب ْبن فُ َو ْي ٍ‬
‫ك أَ َّن أَبَ ُاه‬
‫َخ َر َج ِإلَى َر ُسو ِل اهلل ِ ‘ َو َاع ْينَ ُاه ُم ْب َي َّض َتا ِن َال يُ ْب ِص ُر بِه َِما َش ْي ًئا‪ ،‬فَ َسأَل َ ُه‪َ > :‬ما‬
‫أ َ َص َاب َك؟<‪.‬‬

‫ِئ َج َملِي فَ َوقَ َع ْت ر ِْجلَ َّي َعلَى بيض فَأُ ِص َ‬


‫(‪)1‬‬
‫يب بَ َصرِي‪.‬‬ ‫فَ َق َال‪ُ :‬ك ْن ُت أُ ْمر ُ‬
‫ول اهلل ِ ‘ ِفي َاع ْي ِنه ِ فَأَ ْب َص َر‪.‬‬
‫فَنَ َف َث َر ُس ُ‬
‫ين َو ِإ َّن َاع ْينَ ْيه ِ‬ ‫يُ ْد ِخ ُل ا ْل َخ ْي َط ِفي ْ ِ‬
‫اإل ْب َر ِة‪َ ،‬و ِإنَّ ُه ِال ْب ِن ثَ َمانِ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫فَ َرأَ ْي ُت ُه‬
‫ل َ ُم ْب َي َّض َتا ِن(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في بعض الروايات‪> :‬بيض حية<‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي‪ :‬ولده حبيب‪.‬‬
‫(‪ )3‬دالئل النبوة‪ ،)173/6( ،‬وقال البوصيري في >إتحاف الخيرة<‪> :)105/7( ،‬هذا‬
‫إسناد ضعيف لجهالة بعض رواته<‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وهذه المعجزة ليست الوحيدة في هذا الباب‪ ،‬وأاعظم منها أن‬


‫تخرج العين من مكانها فيردها رسول اهلل ‘ إلى مكانها‪ ،‬فتعود أفضل‬
‫من حالها األول‪ ،‬بل وتعود أفضل من أختها‪.‬‬
‫قال قتادة بن النعمان‪> :‬أهدي إلى رسول اهلل ‘ قوس‪ ،‬فدفعها‬
‫إلي يوم أحد‪ ،‬فرميت بها بين يدي رسول اهلل ‘ حتى‬ ‫رسول اهلل ‘ ّ‬
‫اندقت اعن سيتها(‪ ،)1‬ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول اهلل ‘ أل َقى‬
‫السهام‪ ،‬وكلما مال سهم منها إلى وجه رسول اهلل ‘‪ ،‬بال رمي أرميه‪.‬‬
‫فكان آخرها سه ًما ندرت(‪ )2‬منه حدقتي اعلى خدي‪.‬‬
‫وافترق الجمع فأخذت حدقتي بكفي‪ ،‬فسعيت بها في كفي إلى رسول‬
‫اهلل ‘‪.‬‬
‫فلما رآها رسول اهلل ‘ في كفي دمعت اعيناه‪ ،‬فقال‪ :‬اللمم إن‬
‫قتادة فدى وجه نبيك بوجمه! فاجعلما أ َّن عينيه وأ دهما نُر ًا!‬
‫نظرا‪.‬‬
‫فكانت أحسن اعينيه وأح ّدهما ً‬
‫قلت(‪ :)3‬وًل شك أن هذا أبلغ معج ازا من الحديث األول؛ فإن األول‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫س‪ :‬ط ََر ُف قابِها‪ ،‬وقيل‪ :‬ر ْأ ُسها‪ ،‬وقيل‪ :‬ما ْااع َو َّج من ر ْأ ِسها< [لسان العرب‪،‬‬ ‫(‪ِ > )1‬س َي ُة ال َق ْو ِ‬
‫(‪.])417/14‬‬
‫الشيء يَ ْن ُد ُر نَ ْد ًرا‪ :‬سقط وشذّ ‪ ،‬ومنه النوادِ ُر‪ .‬وأ ْن َد َر ُه غيره‪ ،‬أي‪ :‬أسقطه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫(‪> )2‬نَ َد َر‬
‫وضرب ي َده بالسيف فأَ ْن َد َرها< [الصحاح‪ ،‬مادة (ندر)]‪.‬‬
‫(‪ )3‬أي‪ :‬الصفدي‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫فيه أن عينين كانتا قد ابيضتا‪ ،‬فتفل فيهما رسول اهلل ‘ فأبصرتا‪ ،‬وهما‬
‫أمرا من عين سالت وصارت في كف صاحبها‪ ،‬وبانت اعن‬ ‫أخف ا‬
‫نظرا‪.‬‬
‫مستقرها‪ ،‬فيعيدها ‘ أحسن من أختها وأح ّد منها ً‬
‫ال شك أن هذا أبلغ‪.‬‬
‫وقال الخرنق األوسي‪:‬‬
‫فردَ باف المصطفى أ َّتن الترد‬ ‫ومنا الذي سالت على الختد عينته‬
‫(‪)1‬‬
‫فيا يب ما عين ويا يب ما يتد<‬ ‫فعادَ كما كانت أل َّتن المتا‬

‫* من ر مة آل البيت باألعمى‬
‫اإلسالم يداعو أتبااعه للرحمة والتراحم وخفض جناح الذل من‬
‫الرحمة‪ ،‬وهذا لألسوياء‪ ،‬فما بالنا بالضعفاء والمعاقين‪ ،‬إنه يكون‬
‫أوجب وأولى‪.‬‬
‫وكان أبو هارون المكفوف من أصحاب أبي اعبد اهلل ‪ ،‬وكان‬
‫يسير بال قائد أو دليل‪ ،‬معتم ًدا اعلى حدسه وحسه وخبرته بالطرق‪ ،‬فرق‬
‫له ولحاله‪ ،‬وخاف اعليه من السقوط والعثار‪ ،‬فناوله دنانير من تحت‬
‫بساطه وقال له‪> :‬يا أبا هارون‪ ،‬اشتر بهذا قائ ًدا<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نكت الهميان‪ ،‬ص (‪.)30‬‬
‫(‪ )2‬وسائل الشيعة‪.)276/29( ،‬‬
‫‪135‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫* شمادة األعمى‬
‫وإذا كان األاعمى قد تعطلت اعنده حاسة البصر‪ ،‬فال زالت كثير‬
‫من الحواس تعمل بكفاءة‪ ،‬واألاعمى ليس منفر ًدا في اعالمه الخاص‪ ،‬بل‬
‫هو فرد في المجتمع متأثر به‪ ،‬ومؤثر فيه‪.‬‬
‫وهذه الحواس الباقية تمكنه من أداء الشهادة إذا طلبت منه‪ ،‬وإذا‬
‫تأكدت شهادته؛ فإنها تكون مقبولة ومعو ًال اعليها‪.‬‬
‫ففي اعموم قبول شهادته يقول محمد بن قيس‪> :‬سألت أبا جعفر‬
‫‪ ‬اعن األاعمى تجوز شهادته؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا أثبت<(‪.)1‬‬
‫وقد أجاز اإلمام علي ‪ ‬شهادة األعمى في الطالق؛ إذ إنه يعتمد‬
‫هنا اعلى السماع للفظ الطالق وال يضره اعدم الرؤية‪ ،‬وطالما أن حاسة‬
‫السمع سليمة فشهادته هنا مقبولة‪ ،‬فقد سأل سحنون اإلمام مالك‪َ > :‬ه ْل‬
‫َت ُجو ُز َش َه َاد ُة األاعمى ِفي ال َّط َال ِق؟ قَ َال‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬إ َذا َاع َر َف َّ‬
‫الص ْو َت‪.‬‬
‫الر ُج ُل يَ ْس َم ُع َج َار ُه ِم ْن َو َر ِاء َحائِ ٍط َو َال يَ َر ُاه‪،‬‬ ‫اس ِم‪ :‬فَ َّ‬ ‫قَ َال ْاب ُن ا ْل َق ِ‬
‫يَ ْس َم ُع ُه يُطَل ُِّق ْام َرأَ َت ُه فَ َي ْش َه ُد َاعلَ ْيه ِ َوقَ ْد َاع َر َف َص ْو َت ُه‪.‬‬

‫قَ َال‪ :‬قَ َال َمالِ ٌك‪َ :‬ش َه َاد ُت ُه َجائِ َزة ٌ‪َ ،‬وقَ َال َذلِ َك َاعلِ ُّي ْب ُن أَبِي طَالِ ٍب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فروع الكافي‪.)400/7( ،‬‬
‫‪136‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫اء ْب ُن أَبِي َربَا ٍح َويَ ْح َيى‬


‫الش ْعب ُِّي َو َاع َط ُ‬ ‫اس ُم ْب ُن ُم َح َّم ٍد َو ُش َر ْي ٌح ا ْل ِك ْن ِد ُّ‬
‫ي َو َّ‬ ‫َوا ْل َق ِ‬
‫يم النَّ َخ ِع ُّي َو َمالِ ٌك َواللَّ ْي ُث<(‪.)1‬‬ ‫ْب ُن َس ِعي ٍد َو َربِ َيع ُة َو ِإ ْب َرا ِه ُ‬

‫* ئيرة النبي ‘ على محارمه‬


‫كانت غيرة النبي ‘ شديدة اعلى محارمه؛ فعن المغيرة قال‪ :‬قال‬
‫ال مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح‪.‬‬ ‫سعد بن اعبادة‪ :‬لو رأيت رج ً‬
‫فبلغ ذلك النبي ‘ فقال‪> :‬أتع بون من ئيرة سعد‪ ،‬ألنا أئير‬
‫منه‪ ،‬والل أئير مني<(‪.)2‬‬
‫ولعل تلك الغيرة كانت من أسباب ضرب الحجاب اعلى زوجات‬
‫النبي ‘‪.‬‬
‫وهناك الحديث المشهور الذي أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي‬
‫أن أم سلمة قالت‪ :‬كنت اعند رسول اهلل ‘ وميمونة فأقبل ابن أم‬
‫مكتوم حتى دخل اعليه‪ ،‬وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫‘‪> :‬ا ت با منه<‪ .‬فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل! أليس أاعمى ال يبصرنا وال‬
‫يعرفنا؟ قال‪> :‬أفعمياوان أنتما‪ ،‬لَّتما تبصرانه؟!<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المدونة‪.)93/2( ،‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في >المحاربين<‪ ،‬باب‪َ > :‬م ْن َرأَى َم َع ْام َرأَتِه ِ َر ُج ا‬
‫ًل فَ َق َتلَ ُه<‪ ،‬ح (‪.)6846‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد في >حديث أم سلمة<‪ ،‬ح (‪ ،)26579‬وقد ض ّعف إسناده شعيب‬
‫األرنؤوط في تعليقه اعلى >المسند<‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وهذا الحديث في سنده مقال‪ ،‬ويتعارض مع حديث فاطمة بنت‬


‫قيس‪ ،‬والتي أمرها رسول اهلل ‘ أن تعتد في بيت أم شريك‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫>تلك امرأة يغشاها أصحابي‪ ،‬اعتدي عند ابن أم ماتوم؛ ف نه رجل‬
‫أعمى تضعين ثيابك‪ ،‬ف ا للت فآ نيني<(‪.)1‬‬
‫وقد حاول أبو داود الجمع بين الحديثين‪ ،‬والتوفيق بينهما فقال‪:‬‬
‫>هذا ألزواج النبي ‘ خاصة‪ ،‬أال ترى إلى ااعتداد فاطمة بنت قيس‬
‫اعند ابن أم مكتوم<(‪.)2‬‬

‫‪ 2‬تت الرسول ‘ واألعور‬


‫ذكرنا أن بعض الملوك كان أاعور العين‪ ،‬وهو اعيب ال يقدح في‬
‫شرف الرجل أو مروءته‪ ،‬وإن النفس الخسيسة هي التي تسخر من ال َخلق‬
‫لعيوب ال مدخل لهم فيها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وممن تعامل معهم رسول اهلل ‘ األاعور بن بشامة‪ ،‬واسمه‬
‫ناشب‪ ،‬واألاعور لقب له‪.‬‬
‫وقد رضي النبي ‘ بحكومته رغم صغر سنه؛ فعن ابن اعباس‬
‫قال‪ :‬أصابت بنو العنبر دماء في قومهم فارتحلوا فنزلوا بأخوالهم من‬
‫خزااعة‪ ،‬فبعث رسول اهلل ‘ مصد ًقا إلى خزااعة فصدقهم‪ ،‬ثم صدق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في >الطالق<‪ ،‬باب‪> :‬ا ْل ُمطَلَّ َق ُة ثَ َال ًثا َال نَ َف َق َة ل َ َها<‪ ،‬ح (‪.)1480‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود‪.)462/2( ،‬‬
‫‪138‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫بني العنبر‪ ،‬فلما رأت بنو العنبر الصدقة قد أحرزها وثبوا فانتزاعوها‪.‬‬
‫فقدم اعلى رسول اهلل ‘ فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن بني العنبر منعوا‬
‫الصدقة‪.‬‬
‫فبعث إليهم اعيينة بن حصن في سبعين ومائة فوجد القوم خلو ًفا‬
‫فاستاق تسعة رجال وإحدى اعشرة امرأة وصبيا ًنا‪.‬‬
‫فبلغ ذلك بني العنبر فركب إلى رسول اهلل ‘ منهم سبعون‬
‫ال‪ ،‬منهم‪ :‬األقرع بن حابس‪ ،‬ومنهم‪ :‬األاعور بن بشامة العنبري‪،‬‬‫رج ً‬
‫وهو أحدثهم سنًّا‪.‬‬
‫فلما قدموا المدينة بهش(‪ )1‬إليهم النساء والصبيان فوثبوا اعلى‬
‫حجر النبي ‘ وهو في قائلته‪ ،‬فصاحوا به‪ :‬يا محمد‪ ،‬اعالم ُت ْسبى‬
‫نساؤنا ولم ننزع ي ًدا من طااعتك؟‬
‫فخرج إليهم فقال‪ :‬اجعلوا بيني وبينكم حك ًما‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬األاعور بن بشامة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬بل سيدكم ابن اعمرو‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬األاعور بن بشامة‪.‬‬
‫فحكمه رسول اهلل ‘ فحكم أن يُفدى شطر‪ ،‬وأن يُعتق شطر(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وخف إليه< [الصحاح‪ ،‬مادة (بهش)]‪.‬‬
‫ش بَ ْه ًشا‪ :‬إذا ارتاح له َّ‬
‫ش إليه يَ ْب َه ُ‬
‫(‪> )1‬بَ َه َ‬
‫(‪ )2‬اإلصابة‪.)95/1( ،‬‬
‫‪139‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫* األعور المعتدي‬
‫إذا رأى الناس أي صاحب إاعاقة فإنهم يشفقون اعليه‪ ،‬وينظرون‬
‫إلى ضعفه واعجزه‪.‬‬
‫وإذا حدثت مشاجرة يكون معاق طر ًفا فيها‪ ،‬الم الناس الطرف‬
‫وقراعوه وبكّتوه ووقفوا ضده‪.‬‬
‫الصحيح ّ‬
‫ولكن الحياة فيها من المتناقضات ما تعجب له العقول؛ فقد يكون‬
‫صاحب اإلاعاقة هو المعتدي الظالم‪.‬‬
‫وهنا ال تشفع له إاعاقته‪ ،‬بل ينال اعقابه وجزاءه‪.‬‬
‫فقد سأل رجل أبا جعفر ‪ ‬اعن أاعور فقأ اعين صحيح متعم ًدا‬
‫فقال‪ :‬تفقأ اعينه‪ .‬فقيل له‪ :‬يكون أاعمى؟ قال‪ :‬الحق أاعماه(‪.)1‬‬

‫‪ 3‬تت الرسول ‘ واألعشى‬


‫األعشى المازني‪ ،‬هذا الرجل ضعيف البصر أعجب النبي ‘‬
‫بشعره؛ حيث أخذ يردد بي ًتا أاعجبه من شع ٍر ألقاه اعلى رسول اهلل ‘‪.‬‬
‫فقد أتى النبي ‘ فأنشده‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إنتتي لقيتتت ربتتة متتن التتذرب‬ ‫يتتا مالتتك النتتاس وديتتان العتترب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وسائل الشيعة‪.)178/29( ،‬‬
‫هن‪ ،‬وا ْن َب َسط َْن اعليهم في ال َقو ِل<‬
‫هن‪ ،‬أي‪ :‬فَ َس َدت أ ْل ِسنَ ُت ّ‬ ‫ساء اعلى ْأز َو ِ‬
‫اج ّ‬ ‫(‪َ > )2‬ذرِب الن ِّ ُ‬
‫[النهاية في غريب الحديث‪.])392/2( ،‬‬
‫‪140‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫فخلفتنتتتتي فتتتتي نتتتت اع وهتتتترب‬ ‫ئدوَ أبغيمتا الطعتام فتي رجتب‬


‫وهتتتن شتتتر ئالتتتب لمتتتن ئلتتتب‬ ‫أخلفتتت العمتتد ولطتتت بالتتذنب‬
‫قال‪ :‬فجعل النبي ‘ يقول‪ :‬وهن شر غالب لمن غلب‪.‬‬
‫وسبب هذه األبيات أن األاعشى كانت اعنده امرأة اسمها معاذة‪،‬‬
‫فخرج يمير أهله من هجر‪ ،‬فهربت امرأته بعده ناش ًزا اعليه‪ ،‬فعاذت‬
‫برجل منهم يقال له‪ :‬مطرف بن نهصل‪ ،‬فجعلها خلف ظهره‪.‬‬
‫فلما قدم األاعشى لم يجدها في بيته‪ ،‬وأخبر أنها نشزت اعليه‪،‬‬
‫وأنها اعاذت بمطرف‪.‬‬
‫إلي‪.‬‬
‫فأتاه فقال له‪ :‬يا ابن اعم‪ ،‬اعندك امرأتي معاذة فاداعها ّ‬
‫فقال‪ :‬ليست عندي‪ ،‬ولو كانت عندي لم أدفعها إليك‪ ،‬وكان مطرف‬
‫أاعز منه‪.‬‬
‫فسار إلى النبي ‘ فعاذ به‪ ،‬وقال األبيات‪ ،‬وشكا إليه امرأته وما‬
‫صنعت‪ ،‬وأنها اعند مطرف بن نهصل‪.‬‬
‫فكتب النبي ‘ إلى مطرف‪ :‬انظر امرأة هذا معاذة فادفعها إليه‪.‬‬
‫فأتاه كتاب النبي ‘ فقرئ اعليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا معاذة‪ ،‬هذا كتاب النبي‬
‫‘ فيك‪ ،‬وأنا دافعك إليه‪.‬‬
‫قالت‪ :‬خذ لي العهد والميثاق‪ ،‬وذمة النبي ‘ أن ال يعاقبني فيما‬
‫‪141‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫صنعت‪ ،‬فأخذ لها ذلك‪ ،‬ودفعها إليه‪.‬‬


‫فأنشأ يقول‪:‬‬
‫يغيتتتره الواشتتتي وال قتتتدم العمتتتد‬ ‫لعمتترك متتا بتتي معتتا ة بالتتذي‬
‫(‪)1‬‬
‫ئواة رجتال إ ينادونمتا بعتدي‬ ‫وال ستتوء متتا جتتاءَ بتته إ أزلمتتا‬

‫‪ 4‬تت الرسول ‘ واألعرج‬


‫العرج من اإلاعاقات التي تكون في الرجل ألمر طبيعي أو حادث‪،‬‬
‫وكلما قصرت الرجل كان العرج مستشن ًعا‪.‬‬
‫واختلفت النظرة للعرج بين الناس‪ ،‬فمن مستشنع له كاره‪ ،‬ومن‬
‫متقبل له‪ ،‬وهناك درجة أاعلى لمن يفاخر بإاعاقته‪.‬‬
‫اعر َجه إلى جارتها‪،‬‬
‫فهذا األاعرج الطائي يخطب امرأة‪ ،‬فتشكو َ‬
‫فيداعوها إلى الموازنة بينه وبين األصحاء الذين يساويهم‪ ،‬بل وقد يرجح‬
‫اعليهم‪ ،‬وفي ذلك يقول‪:‬‬
‫الر ْجت ِل‬
‫فقالتتت معتتا الل أناتتح ا ِّ‬ ‫تشتتتاي إلتتتى جاراتمتتتا وتعيبنتتتي‬
‫تتال بتتته ِ ْملتتتي‬
‫لانتتتا ستتتواء ولَ َمت َ‬ ‫يتوا َزن بيننتا‬
‫فام من صتحيح لتو َ‬
‫ًل أاعرج‪،‬‬
‫يوما‪ ،‬فرأى فيهم رج ا‬
‫ويحكى أن اإلسكندر اعترض جيشه ا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أسد الغابة‪.)157/1( ،‬‬
‫‪142‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫فأمر بإسقاطه‪.‬‬
‫فضحك األاعرج‪.‬‬
‫فقال له اإلسكندر‪ :‬مم ضحكك وقد أسقطتك؟‬
‫تعجبا منك؛ لحبك آلة الهروب‪ ،‬وكراهتك آلة الوقوف؛‬
‫ً‬ ‫فقال‪:‬‬
‫ألن معي آلة الوقوف في الحرب وتسقطني‪.‬‬
‫فأمر بإثباته في خاصته‪ ،‬وأسنى رزقه(‪.)1‬‬
‫ورسول اهلل ‘ كان في بعض األحيان يطلق اعلى من أصيب في‬
‫رجله لقب األاعرج‪ ،‬فقال حاجب بن اعمر‪ :‬كان اسم جدي اعبد اهلل بن‬
‫إسحاق‪ ،‬وكان أصيبت رجله مع رسول اهلل ‘ فسماه األاعرج(‪.)2‬‬
‫وتقديرا ألحوالهم لم‬
‫ً‬ ‫ورسول اهلل ‘ تلط ًفا بأحوال أهل األاعذار‪،‬‬
‫يكن ليفرض اعليهم الجهاد‪ ،‬وكيف وقد رفع اهلل اعنهم الحرج‪ ،‬ولكن ما‬
‫الحال إذا رغب أصحاب األعذار في الجهاد‪ ،‬هل يمنعهم رسول اهلل ‘؟‬
‫لم يقف رسول اهلل ‘ في وجه من أحب أن يأخذ بالعزيمة‪،‬‬
‫ولكنه يعرض اعليه الرخصة أو ًال‪ ،‬وأن اهلل تعالى قَبِل اعذرهم‪.‬‬
‫ولعل فعل رسول اهلل ‘ مـع هـؤالء فـي حياتـه هـو الـذي جعـل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابن اعبد البر‪ :‬بهجة المجالس‪.)563/1( ،‬‬
‫(‪ )2‬اإلصابة‪.)5/4( ،‬‬
‫‪143‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫المسلمين يقبلـون أن يجاهـد ابـن أم مكتـوم األاعمـى معهـم‪ ،‬وأن يكـون‬


‫حامل راية المسلمين‪.‬‬
‫وممن قَبِل رسول اهلل ‘ اعزيمتهم اعمرو بن الجموح‪ ،‬هذا الرجل‬
‫الذي كان أاعرج شديد العرج‪> ،‬وكان له أربعة بنون شباب يغزون مع‬
‫رسول اهلل ‘ إذا غزا‪ ،‬فلما أراد رسول اهلل ‘ أن يتوجه إلى أُ ُحد قال‬
‫له بنوه‪ :‬إن اهلل ‪ ‬قد جعل لك رخصة‪ ،‬فلو قعدت فنحن نكفيك؛ فقد‬
‫وضع اهلل اعنك الجهاد‪.‬‬
‫فأتى اعمرو بن الجموح رسول اهلل ‘ فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن‬
‫بني هؤالء يمنعونني أن أخرج معك‪ ،‬واهلل إني ألرجو أن استشهد‪ ،‬فأطأ‬
‫بعرجتي هذه في الجنة‪.‬‬
‫فقال له رسول اهلل ‘‪ :‬أما أنت فقد وضع اهلل اعنك الجهاد‪.‬‬
‫وقال لبنيه‪ :‬وما اعليكم أن تداعوه؛ لعل اهلل يرزقه الشهادة‪ ،‬فخرج‬
‫مع رسول اهلل ‘ فقتل يوم أحد شهي ًدا<(‪.)1‬‬
‫وقد كان اعمرو هذا سيد قبيلته‪ ،‬وشي ًخا من شيوخ األنصار‪ ،‬فترك‬
‫السيادة طم اعا في ثواب اهلل وجنته‪ ،‬وتسامى على كبر سنه ووهن عظمه قربة‬
‫هلل ــ تعالى‪ ،‬ولم يكن أن يهن في المعركة بعد كل ما سبق من أحداث بينه‬
‫وبين بنيه‪ ،‬وبينه وبين رسول اهلل ‘؛ فقد حمل على المشركين هو وابنه‬
‫حتى انكشف المشركون وانهزموا‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البيهقي‪ :‬السنن الكبرى‪.)24/9( ،‬‬
‫‪144‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫صور هذا المشه َد الحاكم اعندما تحدث اعن مناقب اعمر ٍو‬‫وقد ّ‬
‫فقال‪> :‬وكان سيد قبيلته‪ ،‬وكان أعرج‪ ،‬فقتل هو وابنه خًلد بن عمرو يوم‬
‫أحد‪ ،‬حمًل جمي اعا على المشركين‪ ،‬وانكشف المشركون فقتًل جمي ًعا‪،‬‬
‫ومعهما أبو أيمن مولى اعمرو<(‪.)1‬‬
‫وقد حدثت له كرامة بعد مصراعه؛ فإنه قبل خروجه للجهاد قال‪:‬‬
‫وه إلَى‬ ‫وه َاعلَى بَ ِعي ٍر لِ َي ْح ِملُ ُ‬ ‫وه بَنُ ُ‬ ‫>الل ُّه ّم َال َت ُر ّدنِي‪ ،‬فَ ْاس ُت ْش ِه َد‪ ،‬فَ َج َعلُ ُ‬
‫وه إلَى ُك ّل ِج َهةٍ َس َار َع‬ ‫ا ْل َم ِدينَةِ‪ ،‬فَ ْاس َت ْص َع َب َاعلَ ْيه ِْم ا ْل َب ِع ُير‪ ،‬فَ َكا َن إ َذا َو ّج ُه ُ‬
‫الر ُجو َع إل َ ْي َها‪ ،‬فَلَ ّما ل َ ْم يَ ْق ِد ُروا َاعلَ ْيه ِ َذ َك ُروا‬
‫إ ّال ِج َهةِ ا ْل َم ِدينَةِ‪ ،‬فَ َكا َن يَ ْأبَى ّ‬
‫وه ِفي َم ْص َر ِاعه ِ<(‪.)2‬‬ ‫قَ ْول َ ُه‪ :‬الل ُّه ّم ال َت ُر ّدنِي إل َ ْي َها‪ ،‬فَ َدفَنُ ُ‬
‫ولقد قال فيه رسول اهلل ‘‪> :‬كأني أنُر إلى عمرو بن ال مو‬
‫يخوض ال نة بعرجته<(‪.)3‬‬
‫ولقد دفن هو واعبد اهلل بن اعمرو بن حرام في قبر واحد‪ ،‬وقال فيه‬
‫النبي ‘‪> :‬سيدكم األبيض الجعد(‪ )4‬اعمرو بن الجموح‪ ،‬وكان أاعرج‬
‫فقال ‘‪ :‬كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخرجه الحاكم في >المستدرك<‪.)226/3( ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الروض األنف‪.)276/3( ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫شرف المصطفى‪.)480/2( ،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫>جعد الشعر وغيره جعودة وجعادة‪ :‬اجتمع وتقبض والتوى وقصر< [المعجم الوسيط‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫(‪.])125/1‬‬
‫معرفة الصحابة‪.)1984/4( ،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪145‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وممن قُتل شهي ًدا بأُحد النعمان األاعرج(‪.)1‬‬


‫أاعرج‪،‬‬
‫َ‬ ‫ونختم بالعالم الفقيه القاضي معاذ بن جبل‪ ،‬والذي كان‬
‫فلم يمنعه العرج من أن يتبوأ المكانة التي يستحقها في الحياة السياسية‬
‫واًلجتماعية اإلسًلمية‪ ،‬فقد شهد بد ارا وله عشرون سنة‪ ،‬ولما فتح رسول‬
‫اهلل ‘ مكة‪ ،‬استخلف عليها عتاب بن أسيد يصلي بهم‪ ،‬وخلّف معاذًا‬
‫يُقرئهم ويفقههم‪.‬‬
‫ال‪:‬‬
‫ال ومعل ًما وكتب إلى أهلها قائ ً‬
‫بعثه رسول اهلل إلى اليمن اعام ً‬
‫إني قد بعثت اعليكم من خير أهلي‪ ،‬والي اعلمهم‪ ،‬والي دينهم(‪.)2‬‬
‫ِض رسول اهلل ‘ وهو باليمن‪.‬‬
‫وقُب َ‬
‫وقد قُبض في طااعون اعمواس سنة سبع اعشرة‪ ،‬وهو ابن ثالث‬
‫وثالثين سنة‪.‬‬
‫ومن طريف ما يحكى اعن اعرجته أنه صلى بالناس في اليمن فبسط‬
‫رجله‪ ،‬فبسط القوم أرجلهم‪ ،‬فلما صلى قال‪ :‬قد أحسنتم ولكن ال‬
‫تعودوا؛ فإني إنما بسطت رجلي في الصالة ألني اشتكيتها(‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلصابة‪.)453/6( ،‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات الكبرى‪.)585/3( ،‬‬
‫(‪ )3‬السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫‪ 5‬تت األصحاب واأل نف‬


‫إبهامي رجليه‬
‫ْ‬ ‫اًلعوجاج في الرِجل‪ ،‬وهو أن ُت ْقب َِل إحدى‬
‫ُ‬ ‫الحنَ ُف‪:‬‬
‫> َ‬
‫اعلى األخرى‪.‬‬
‫وقال ابن األعرابي‪ :‬هو الذي يمشي على ظهر قَ َدمه من ِش ِّق َها الذي‬
‫صرها<(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫يلي خ ْن َ‬
‫وقد اشتهر األحنف بن قيس بهذا اًلسم لحنف في رجليه‪ ،‬والحنف‪:‬‬
‫هو العوج؛ حيث كانت كل واحدة من رجليه تلتقي اعند إبهام األخرى‬
‫اعند مشيه‪.‬‬
‫قصيرا صغير الرأس مائل الذقن‬
‫ً‬ ‫وليس هذا فحسب‪ ،‬بل إنه كان‬
‫ناتئ الجبين غائر العين متراكب األسنان(‪.)2‬‬
‫وجملة القول‪ :‬إنه لم يكن سوي ِ‬
‫الخلقة‪ ،‬ومع ذلك فقد كان أفصح‬
‫العرب وأحلمهم‪ ،‬ثم إنه كان سيد قومه المطاع فيهم؛ لحكمته وسداد‬
‫رأيه‪.‬‬
‫وهو القائل بما اشتهر اعنه من أبلغ الحكم‪ :‬ثالثة ال ينتصفون من‬
‫ثالثة‪ :‬شريف من دنيء‪ ،‬وبر من فاجر‪ ،‬وحليم من أحمق(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الصحاح‪ ،‬مادة (حنف)‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬اعيون األخبار‪.)36/4( ،‬‬
‫(‪ )3‬سير أاعالم النبالء‪.)93/4( ،‬‬
‫‪147‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وقوله لمن قال له‪ :‬بم ُس ْد َت قومك؟‬


‫وأراد بهذا السؤال أن يعيبه ويلمز ويغمز بهيئته ِ‬
‫وخلقته‪.‬‬
‫فقال له األحنف‪ :‬بتركي ما ال يعنيني‪ ،‬كما اعناك من أمري ما ال‬
‫يعنيك(‪.)1‬‬
‫يوما رجل كان قد سمع اعنه الكثير‪ ،‬فلما رأى ِخلقته‬ ‫وقد لقيه ً‬
‫احتقره وقال الجملة المشهورة‪ :‬أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه‪.‬‬
‫فقال له األحنف بأناة وحلم‪ :‬ما ذممت مني يا ابن أخي؟‬
‫فقال‪ :‬الدمامة وقصر القامة‪.‬‬
‫فقال األحنف رائعته‪ ،‬والتي أسكتته‪ :‬لقد عبت علي ما لم أؤامر‬
‫فيه(‪.)2‬‬
‫يقصد أن والدته اعلى هذه الشاكلة ليست بإرادته واختياره‪ ،‬ولم‬
‫يؤخذ فيه رأيه‪ ،‬وإنما هي بإرادة اهلل ــ سبحانه‪.‬‬
‫ومقدما عند الخلفاء مثل‪ :‬اعمر بن‬
‫ا‬ ‫وقد كان األحنف سي ادا في قومه‪،‬‬
‫الخطاب‪ ،‬واعلي بن أبي طالب‪ ،‬ومعاوية بن أبي سفيان‪.‬‬
‫ورغم إعاقته فقد كان من قواد الجيوش‪ ،‬وفاتحي البلدان واألمصار‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫(‪ )2‬اعيون األخبار‪.)36/4( ،‬‬
‫‪148‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وقد قال فيه اعمر‪> :‬قد بلوتك وخبرتك فرأيت اعالنيتك حسنة‪،‬‬
‫وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل اعالنيتك<(‪.)1‬‬
‫وقد أقر اعمر بسيادته وحسن منطقه وتقديمه اعلى قومه‪.‬‬
‫اعلي أن يجعل األحنف بن قيس‬
‫وقد كان ابن اعباس يشير اعلى ّ‬
‫في التحكيم بد ًال من أبي موسى األشعري‪ ،‬وقال اعنه‪> :‬إنه مجرب من‬
‫العرب‪ ،‬وهو قرن لعمرو<(‪ ،)2‬أي‪ :‬اعمرو بن العاص‪.‬‬

‫‪ 6‬تت الرسول ‘ ومن في عقله شيء‬


‫قسم العاهات‬
‫سبق أن تحدثنا اعن العاهات‪ ،‬وأنوااعها‪ ،‬وهناك من ّ‬
‫إلى قسمين‪:‬‬
‫ــ اعاهات ظاهرة‪ ،‬وهي ما ُترى أو ُتعرف بالحواس الظاهرة‪.‬‬
‫ــ اعاهات باطنة‪ ،‬وهي المتعلقة بالعورة‪ ،‬وال تعلم إال بالتدقيق‪.‬‬
‫وذهب إلى أن العاهات الظاهرة تنقسم إلى قسمين تب ًعا لوجودها‬
‫في البدن‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫أ ــ اعاهات في الرأس‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سير أاعالم النبالء‪.)89/4( ،‬‬
‫(‪ )2‬السابق‪.)395/2( ،‬‬
‫‪149‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫ب ــ اعاهات في األطراف‪.‬‬
‫أ ــ أما العاهات التي هي في الرأس أو متعلقة به‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫‪madness ،Insanity‬‬ ‫* ال نون‪:‬‬
‫{ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬ ‫والجنون في اللغة‪ :‬الستر‪ ،‬قال ــ تعالى‪:‬‬
‫[األنعام‪،]76 :‬‬ ‫ﱫ}‬ ‫ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ‬
‫والجنون آفة تنال العقل فتزيله‪.‬‬
‫والمجنون‪ :‬هو َمن ذهب اعقله أو فَ َس َد‪.‬‬
‫ومظهر الجنون‪ :‬التصرفات القولية والفعلية اعلى غير نهج العقالء‪.‬‬
‫والجنون‪ :‬زوال الشعور من القلب مع بقاء الحركة والقوة في‬
‫األعضاء‪.‬‬
‫المم َيزة بين األشياء الحسنة والقبيحة‪ ،‬المدركة‬
‫أو هو‪ :‬اختًلل القوة ِّ‬
‫للعواقب‪.‬‬
‫ويلحق بالجنون‪ :‬اللمم‪ ،‬ففي الحديث أن امرأة أتت رسول اهلل ‘‬
‫فشكت إليه لم ًما بابنتها؛ فوصف لها الشونيز (الحبة السوداء)‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫>سينفع من كل شيء إال الَّام<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لسان العرب‪ ،‬مادة (لمم)‪ ،‬ولم أقف اعليه في كتب الحديث‪ ،‬إال أن الزمخشري‬
‫ذكره في >الفائق في غريب الحديث<‪.)330/3( ،‬‬
‫‪150‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫واللمم‪ :‬ط ََرف من الجنون‪ ،‬يُلِ ُّم باإلنسان‪ ،‬والسام‪ :‬الموت‪.‬‬


‫الي َهم‪ ،‬واأللق‪ ،‬والرجل‪ :‬أَ ْولَق‪ ،‬أي‪:‬‬
‫وللجنون أسماء كثيرة‪ ،‬منها‪َ :‬‬
‫واله َوس‪ ،‬والثَّ ْول‪،‬‬
‫مجنون‪ ،‬والطيف‪ ،‬والس ْعر‪ ،‬والس ُعر‪ ،‬والمس‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫والخبال‪.‬‬
‫وكان ‘ يستعيذ من الجنون(‪.)1‬‬
‫والجنون نواعان‪:‬‬
‫جنون ُمط َْب ٌق فيسقط التكليف‪.‬‬
‫اعارض‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وجنون‬
‫ويمكن أن يقال‪ :‬جنون مستديم‪ ،‬وجنون طارئ(‪.)2‬‬
‫والمجتمع ال يخلو من أناس ابتالهم اهلل بشيء في اعقولهم‪ ،‬سواء‬
‫جنون بالكلية‪ ،‬أو قصور ذهني‪.‬‬
‫وهؤالء يحتاجون إلى تعامل من نوع خاص‪ ،‬وصبر طويل وجميل‬
‫اعليهم‪.‬‬
‫ومن هذه الحاالت امرأة أنصارية أصيبت في اعقلها‪ ،‬وكانت تأتي‬
‫رسول اهلل ‘ طالبة منه قضاء بعض حاجاتها‪ ،‬فلم يكن يتبرم منها‪ ،‬أو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سبق أن أشرنا إلى ذلك وأوردنا الحديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬مقالة‪ :‬أصحاب االحتياجات الخاصة في ظل اإلسالم راعاية وأحكام للدكتور اعالء‬
‫الدين زاعتري‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫يتأخر اعنها‪ ،‬بل يبش في وجهها‪ ،‬ويذهب معها إلى المكان الذي تريده‬
‫حتى يقضي لها حاجتها‪.‬‬
‫س‪ ،‬أَ َّن ْام َرأَ ًة َكا َن ِفي َاع ْقلِ َها َش ْيءٌ فَ َقال َ ْت‪:‬‬ ‫فقد أخرج مسلم َاع ْن أَنَ ٍ‬
‫ول اهلل ِ‪ِ ،‬إ َّن لِي ِإل َ ْي َك َح َ‬
‫اج ًة‪.‬‬ ‫يَا َر ُس َ‬
‫ت؛ َ َّتى أ َ ْق ِضي لَ ِ‬
‫ك‬ ‫ك ِش ْئ ِ‬ ‫فَ َق َال‪َ > :‬يا أ ه َّم فه َال ٍن‪ ،‬ا ْن هُرِي أ َ َّي ِّ‬
‫الَّ َا ِ‬
‫َ‬
‫ك<‪.‬‬ ‫اج َت ِ‬
‫َ َ‬
‫فَ َخ َال َم َع َها ِفي بَ ْع ِ‬
‫ض ال ُّط ُر ِق َح َّتى فَ َر َغ ْت ِم ْن َح َ‬
‫اج ِت َها(‪.)1‬‬
‫قال الزرقاني‪(> :‬كان في عقلما شيء) من الجنون‪ ،‬ولم يصرح به‬
‫إشارة لخفته‪ ،‬وأنها لم تستغرق فيه‪ ،‬فإن لفظ (شيء) يشعر بالقلة<(‪.)2‬‬
‫يعنفها لطلبها متذر ًاعا بانشغاله بأمور أصحابه‬
‫ورسول اهلل ‘ لم ّ‬
‫وبيته والداعوة‪ ،‬ولو قال لكان محقًّا‪ ،‬ولكنه تلطف معها‪ ،‬وقضى ما‬
‫كانت تريد‪ ،‬بل نزل اعلى هواها ورغبتها في اختيار أي األماكن تريد من‬
‫سكك المدينة‪.‬‬
‫وقال النووي‪> :‬وفيه بيان تواضعه بوقوفه مع المرأة الضعيفة<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫س َو َت َب ُّر ِكه ِْم بِه ِ<‪ ،‬ح‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في >الفضائل<‪ ،‬باب‪> :‬قُ ْر ِب النَّب ِِّي ‘ ِم َن النَّا ِ‬
‫(‪.)2326‬‬
‫(‪ )2‬شرح الزرقاني اعلى المواهب اللدنية بالمنح المحمدية‪.)51/6( ،‬‬
‫(‪ )3‬شرح النووي اعلى مسلم‪.)82/15( ،‬‬
‫‪152‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وموقف آخر لرسول اهلل ‘ في تعامله مع من في اعقولهم شيء‪،‬‬


‫مس‬ ‫ولكن هذه المرة كان مع طفل صغير‪ ،‬ويبدو أن جنونه كان اعن ٍّ‬
‫س‪ ،‬أَ َّن ْام َرأَ ًة‬ ‫فع ِن ْاب ِن َاع َّبا ٍ‬
‫شيطاني؛ مما داعاه أن يعالج هذا األمر بنفسه‪َ ،‬‬
‫ول اهلل ِ! ِإ َّن بِ ْاب ِني َه َذا ُجنُو ًنا‪َ ،‬و ِإنَّ ُه يَ ْأ ُخذُ ُه‬
‫اء ْت بِ ْاب ٍن ل َ َها فَ َقال َ ْت‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫َج َ‬
‫واع َشائِنَا فَ ُي ْف ِس ُد َاعلَ ْينَا‪.‬‬
‫ِاع ْن َد َغ َدائِنَا َ‬
‫ول اهلل ِ ‘ َر ْأ َس ُه‪َ ،‬و َد َاعا ل َ ُه‪ ،‬فَ َث َّع ثَ َّع ًة(‪ ،)1‬فَ َخ َر َج‬ ‫قَ َال‪ :‬فَ َم َس َح َر ُس ُ‬
‫ِم ْن َج ْو ِفه ِ ِم ْث ُل ا ْل َج ْر ِو األَ ْس َودِ فَ َس َعى(‪.)2‬‬
‫ومثله ما شاهده يعلى بن مرة الثقفي وحكاه في حديث طويل‬
‫جنة‪ ،‬فأخذ النبي ‘ بمنخره‬
‫بقوله‪ :‬فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به ّ‬
‫فقال‪> :‬اخرج؛ إني محمد رسول الل<‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم سرنا‪ ،‬فلما رجعنا من سفرنا مررنا بذلك الماء‪ ،‬فأتته المرأة‬
‫بجزر ولبن‪ ،‬فأمرها أن ترد الجزر‪ ،‬وأمر أصحابه فشرب من اللبن‪ ،‬فسألها‬
‫ريبا بعدك(‪.)3‬‬
‫اعن الصبي فقالت‪ :‬والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ً‬
‫وفي قصة َو ْفد َاع ْب ِد ا ْل َق ْي ِ‬
‫س اعلى رسول اهلل ‘ الذي كان فيه أَبُو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪> )1‬ال َّثع‪ :‬ال َقيء‪ .‬والثَّ َّعة‪ :‬المرة ِ‬
‫الواحدة< [النهاية في غريب الحديث واألثر‪.])609/1( ،‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في >دالئل النبوة<‪.)182/6( ،‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد في >المسند<‪ ،‬ح (‪ ،)17601‬وقال شعيب األرنؤوط في تعليقه على‬
‫>المسند<‪> :‬إسناده ضعيف؛ لجهالة اعبد اهلل بن حفص‪ ،‬واعطاء بن السائب كان قد‬
‫اختلط<‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫الزا ِر ُع ْب ُن َاعا ِم ٍر‪ ،‬وقد جاء ب ْابن أَ ِخيه َو َكا َن َم ْجنُو ًنا؛ لِ َي ْد ُاع َو ل َ ُه‬ ‫ا ْل َوا ِز ِع ّ‬
‫ِئ‬
‫النب ِّي ‘‪ ،‬فما تأخر النبي ‘ اعنه‪ ،‬فَ َم َس َح ظ َْه َر المجنون َو َد َاعا ل َ ُه فَ َبر َ‬ ‫ّ‬
‫لِ ِحي ِنه ِ‪َ ،‬و َكا َن َش ْي ًخا َكب ًِيرا‪ ،‬فَ ُك ِس َي َج َم ًاال َو َش َبا ًبا(‪.)1‬‬
‫وكان األوس بن الصامت زوج خولة بنت ثعلبة به لمم‪ ،‬ورغم‬
‫ذلك كانت تحبه‪ ،‬وكان إذا اشتد اعليه ما في اعقله ظاهرها‪ ،‬فذهبت‬
‫لرسول اهلل ‘ في القصة المشهورة‪.‬‬
‫قال كعب القرظي‪ :‬كانت خولة بنة ثعلبة تحت أوس بن الصامت‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫اعلي كظهر أمي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أنت‬ ‫‪:‬‬ ‫ال به لمم‪ ،‬فقال في بعض هجراته‬ ‫وكان رج ً‬
‫اعلي‪ ،‬قالت‪ :‬ال‬
‫ثم ندم اعلى ما قال‪ ،‬فقال لها‪ :‬ما أظنك إال قد حرمت ّ‬
‫أحب اهلل طال ًقا‪ .‬قالت‪ :‬ائت رسول اهلل ‘ فسله‪.‬‬
‫تقل ذلك‪ ،‬فو اهلل ما ّ‬
‫فقال‪ :‬إني أجدني أستحي منه أن أسأله اعن هذا‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬فداعني أن أسأله‪.‬‬
‫فقال لها‪ :‬سليه‪.‬‬
‫نبي اهلل‪ ،‬إن أوس بن‬
‫فجاءت إلى رسول اهلل ‘ فقالت‪ :‬يا ّ‬
‫إلي‪ ،‬قد قال كلمة‪ ،‬والذي أنزل‬
‫وأحب الناس ّ‬
‫ّ‬ ‫الصامت أبو ولدي‪،‬‬
‫اعلي كظهر أمي‪.‬‬
‫اعليك الكتاب ما ذكر طال ًقا‪ ،‬قال‪ :‬أنت ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الروض األنف‪.)336/4( ،‬‬
‫اله َذيا ُن< [الصحاح‪ ،‬مادة (هجر)]‪.‬‬
‫اله ْج ُر‪َ :‬‬
‫(‪َ > )2‬‬
‫‪154‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫النبي ‘‪ :‬ما َأرا ِك إال قَ ْد َح ُر ْم ِ‬


‫ت َاعلَ ْيه ِ‪.‬‬ ‫فقال ّ‬
‫قالت‪ً :‬ل تقل ذلك يا نبي اهلل‪ ،‬واهلل ما ذكر طًل اقا‪ ،‬فرادت النبي ‘‬
‫مرا ًرا‪.‬‬
‫يشق‬
‫اللهم إني أشكو اليوم ش ّدة حالي ووحدتي‪ ،‬وما ّ‬
‫ّ‬ ‫ثم قالت‪:‬‬
‫اللهم فأنزل اعلى لسان نبيك‪.‬‬
‫اعلي من فراقه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫فلم ترم مكانها حتى أنزل اهلل‪:‬‬
‫ﱉ ﱊ ﱋ} [المجادلة‪ ]1 :‬إلى أن ذكر الكفارات‪.‬‬
‫النبي ‘ فقال‪ْ :‬أاع ِت ْق َرقَ َب ًة‪.‬‬
‫فداعاه ّ‬
‫فقال‪ :‬ال أجد‪.‬‬
‫فقال‪ُ :‬ص ْم َش ْه َر ْي ِن ُم َت َتابِ َعي ِن‪.‬‬
‫اعلي‪.‬‬
‫فيشق ّ‬
‫قال‪ :‬ال أستطيع؛ إني ألصوم اليوم الواحد ّ‬
‫ين ِم ْس ِكي ًنا‪.‬‬
‫أطعم ِس ِّت َ‬
‫قال‪ْ :‬‬
‫قال‪ :‬أما هذا فَنَ َع ْم(‪.)1‬‬

‫* زواج الم نون‬


‫إن غريزة بالجنس اآلخر قد ال تتعطل بزوال العقل كله أو بعضه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪ 223/23( ،‬ــ ‪.)224‬‬
‫‪155‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وقد يتزوج البعض ويصاب في اعقله بعد الزواج‪.‬‬


‫وقد تتهيأ الظروف لبعض من في عقولهم شيء فيزوجهم أولياؤهم‪.‬‬
‫لكن ماذا لو زاد الجنون اعن حده‪ ،‬وأوشك أن يوقع الفساد‬
‫واألضرار في األبدان واألاعراض واألموال؟‬
‫فقد رأى أمير المؤمنين اعمر أن نبدأ بالعالج‪ ،‬فإن نفع بقي الزواج‬
‫اعلى حاله‪ ،‬وإال فالطالق حف ًظا لتلك المرأة التي تعيش معه‪.‬‬
‫فقد كتب اعمرو بن العاص إلى اعمر بن الخطاب >في رجل‬
‫مجنون يخاف أن يقتل امرأته‪ ،‬فكتب إلى أن أجله سنة يتداوى<(‪.)1‬‬
‫ال للطالق‪ ،‬فيقوم بذلك اعنه وليه‪،‬‬‫وذهاب اعقله ال يجعله مؤه ً‬
‫وهذا مذهب اعمرو بن العاص إذ رأى أنه >إذا اعبث المجنون بامرأته‬
‫طلق اعليه وليه<(‪.)2‬‬

‫* دعاء من آل البيت للمخبول‬


‫يتجلى افتقار العبد إلى ربه ومواله في الداعاء واإللحاح فيه‪ ،‬فمن‬
‫يكشف الضر هو اهلل ــ تعالى‪.‬‬
‫ذنبا‪ ،‬وأبرأ سق ًما‪.‬‬
‫ورب داعاء رفع بالء‪ ،‬وغفر ً‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المصنف‪.)73/4( ،‬‬
‫(‪ )2‬السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وكان األئمة من آل البيت يعلمون الناس التضرع واللجوء إلى اهلل‬


‫تعالى‪ ،‬وداعاءه‪ ،‬وطلب ما ال يُنال إال منه‪.‬‬
‫فقد >دخل رجل إلى أبي اعبد اهلل ‪ ‬وقد اعرض له خبل فقال له‬
‫أبو اعبد اهلل ‪ :‬ادع بهذا الداعاء إذا أويت إلى فراشك‪:‬‬
‫بسم اهلل وباهلل‪ ،‬آمنت باهلل‪ ،‬وكفرت بالطاغوت‪ ،‬اللهم احفظني في‬
‫منامي ويقظتي‪ ،‬أاعوذ بعزة اهلل وجالله‪ ،‬مما أجد وأحذر<(‪.)1‬‬
‫فالداعاء كله خير‪ ،‬ومن أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له‪.‬‬

‫‪ 7‬تت الرسول ‘ والمصروع‬


‫العقل من أعظم الميزات التي حبا اهلل بها اإلنسان‪ ،‬والعقل هو‬
‫المسيطر على حركة الجسم وأحاسيسه‪ ،‬وهو مركز الفكر والذاكرة والسلوك‪،‬‬
‫وإذا حدث خلل فيه فإنه يندرج بالضرورة اعلى هذا الجسد الحامل له‪.‬‬
‫نسبيا؛ إذ تتراوح نسبة انتشاره‬
‫ومرض الصرع من األمراض الشائعة ًّ‬
‫في المجتمع ما بين (‪ 5‬ــ ‪ )7‬حالة في كل ‪ 1000‬فرد‪.‬‬
‫وهذا المرض قد يصيب اإلنسان في أي مرحلة من مراحل العمر‬
‫من الوالدة وحتى الشيخوخة(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بحار األنوار‪.)149/92( ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬لينا فارس‪ :‬الصرع مالحظات اعامة‪ ،‬موقع مجلة االبتسامة‪ ،‬ومقالة‪ :‬الصرع‪...‬‬
‫تعريف الصرع‪ ...‬أسبابه‪ ...‬أشكاله‪.‬‬
‫‪157‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫والصرع يصاحبه تشنجات واضطرابات اعصبية تظهر اعلى الجسد‪،‬‬


‫ويكون شكل المصروع وهيئته في أسوأ األشكال والهيئات‪.‬‬
‫وقد أتى رسول اهلل ‘ امرأة قد أصابها الصرع‪ ،‬جاءته طالبة‬
‫خيرها بين أن تكون من‬‫داعاءه لها بالشفاء‪ ،‬فما كان منه ‘ إال أن ّ‬
‫أصحاب الجنة إن صبرت‪ ،‬وبين أن يداعو اهلل لها بالشفاء‪ ،‬فاختارت‬
‫الصبر والجنة‪.‬‬
‫اء ْب َن أَبِي َربَا ٍح قَ َال‪ :‬قَ َال لِي ْاب ُن َاع َّبا ٍ‬
‫س‪ :‬أَ َال‬ ‫أخرج البخاري أن َاعطَ َ‬
‫ِيك ْام َرأَ ًة ِم ْن أَ ْه ِل ا ْل َجنَّةِ؟‬
‫أُر َ‬
‫قُ ْل ُت‪ :‬بَلَى‪.‬‬

‫قَ َال‪َ :‬ه ِذهِ ا ْل َم ْرأَ ُة َّ‬


‫الس ْو َد ُاء‪ ،‬أَ َت ِ‬
‫ت النَّب َِّي ‘ فَ َقال َ ْت‪ِ :‬إنِّي أُ ْص َر ُع‪،‬‬
‫َو ِإنِّي أَ َت َك َّش ُف‪ ،‬فَ ْاد ُع اهللَ لِي‪.‬‬
‫ك ا ْل َ نَّ هة‪َ ،‬و ِإ ْن ِش ْئ ِ‬
‫ت َد َع ْو هَ اللَ أ َ ْن‬ ‫قَ َال‪ِ > :‬إ ْن ِش ْئ ِ‬
‫ت َص َب ْر َِ َولَ ِ‬
‫ك<‪.‬‬ ‫هي َعا ِف َي ِ‬

‫فَ َقال َ ْت‪ :‬أَ ْصب ُِر‪.‬‬


‫فَ َقال َ ْت‪ِ :‬إنِّي أَ َت َك َّش ُف فَ ْاد ُع اهللَ أَ ْن َال أَ َت َك َّش َف‪ ،‬فَ َد َاعا ل َ َها(‪.)1‬‬
‫فرسول اهلل ‘ أراد لها الخير العميم والثواب الجزيل وهو الجنة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في >المرضى<‪ ،‬باب‪> :‬فَ ْض ِل َم ْن يُ ْص َر ُع ِم َن ِّ‬
‫الري ِح<‪ ،‬ح (‪.)5652‬‬
‫‪158‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫ولكنه اشترط اعليها الصبر‪ ،‬ولكنها أنثى وجسمها اعورة فحياؤها يمنعها‬
‫من أن تتكشف بين الناس وهي في نوبة الصرع حيث ال تتحكم في‬
‫نفسها‪ ،‬فطلبت منه ‘ أن يداعو اهلل لها بأال تتكشف‪ ،‬فداعا لها‪.‬‬
‫فكانت امرأة من أهل الجنة تعيش وتمشي بين الناس‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن اسمها أم زفر‪.‬‬
‫>وقَ َال َاع َطاءٌ‪ :‬إنَّ ُه َرأَى أُ َّم ُزفَ َر تِ ْل َك ْام َرأَ ًة َط ِويلَ ًة َس ْو َد َاء َاعلَى ِس ْت ِر‬
‫ا ْل َك ْع َبةِ‪.‬‬
‫قال المؤلف(‪ :)1‬فيه فضل الصرع(‪.)2‬‬
‫وفيه أن اختيار البًلء والصبر عليه يورث الجنة‪ ،‬وأن األخذ بالشدة‬
‫أفضل من األخذ بالرخصة لمن اعلم من نفسه أنه يطيق التمادي اعلى‬
‫الشدة‪ ،‬وال يضعف اعن التزامها<(‪.)3‬‬

‫‪ 8‬تت الرسول ‘ واألصم‬


‫اإلنسان األصم هو إنسان معزول اعن الناس‪ ،‬يعيش بينهم لكن له‬
‫اعال ًما آخر يعيش فيه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أي‪ :‬ابن بطال‪.‬‬
‫>و ِفيه فَ ِضيلَة َما يَ َت َر َّتب اعلى َّ‬
‫الص ْبر اعلى الصرع< [اعمدة القاري‪،‬‬ ‫(‪ )2‬أما العيني فقد قال‪َ :‬‬
‫(‪.])215/21‬‬
‫(‪ )3‬شرح ابن بطال‪.)376/9( ،‬‬
‫‪159‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫واإلنسان ثقيل السمع يجد صعوبة في التواصل مع الناس‪ ،‬وقد‬


‫يتهكم اعليه اآلخرون لعدم قدرته اعلى سمااعهم‪ ،‬أو مخالفة الكالم‬
‫بحيث يغيرون كالمهم في الموقف الواحد ااعتما ًدا اعلى ثقل سمعه‪.‬‬
‫ولننقل هذه اللقطة المفعمة باألسى‪ ،‬المتراعة بالحزن لشااعر فقد‬
‫سمعه ــ هو خالد بن زيد الجهضمي ــ في قوله‪:‬‬
‫وأمَّك‬
‫ه‬ ‫يخوضون في بعض الحدي‬ ‫كفتتى َ ًنتتا أنتتي أجتتالا معشتترا‬
‫ولانتته متتا فتتي للصتتوَ مَّتتلك‬ ‫وما اك متن عتي وال متن جمالتة‬
‫(‪)1‬‬
‫علتتى فتحتته والل بالعبتتد أملتتك‬ ‫ف ت ن هستتد منتتي الَّتتمع فتتالل قتتادر‬
‫وثقيل السمع يرفع صوته ظنًّا منه أنهم ال يسمعونه إال إذا رفع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ربيع األبرار‪.)68/5( ،‬‬
‫وذكر األبشيهي في >المستطرف<‪ :)562/2( ،‬أن طري ًفا الشااعر مدح اعمرو بن‬
‫هداب‪ ،‬وكان أبرص‪ ،‬فلما انتهى إلى قوله‪:‬‬
‫أبرص فياض اليدين ممذب‬
‫صاح به الناس وقالوا‪ :‬قطع اهلل لسانك‪.‬‬
‫فقال اعمرو‪ :‬مه‪ ،‬إن البرص مما تتفاخر به العرب؛ أما سمعتم قول سهل حيث قال‪:‬‬
‫وكتتتل كتتتريم ال أبتتتا لتتتك أبتتترص‬ ‫أيشتتتتمني زيتتتد بتتتأن كنتتتت أبرصتتتا‬
‫يخوضون في بعض الحدي وأمَّتك‬ ‫كفتتتتى ًنتتتتا أنتتتتي أعاشتتتتر معشتتتترا‬
‫ولانتتته متتتا فتتتي للصتتتوَ مَّتتتلك‬ ‫ومتتتا اك متتتن عتتتي وال متتتن جمالتتتة‬
‫علتتتتتى فتحتتتتته والل للعبتتتتتد أملتتتتتك‬ ‫فتتت ن ستتتد منتتتي الَّتتتمع فتتتالل قتتتادر‬
‫الروي مختلف‪،‬‬‫ّ‬ ‫كذا وردت‪ ،‬ولعل هناك سق ًطا في >المستطرف<؛ حيث إن‬
‫والحديث مرة اعن البرص بالمدح‪ ،‬وبعده اعن ثقل السمع بالحزن والرثاء‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫إراديا‪.‬‬
‫صوته‪ ،‬وإن لم يصاحبه هذا الظن‪ ،‬فهو يرفعه ال ًّ‬
‫وكان ثابت بن قيس من أصحاب رسول اهلل ‘ ممن ثقل سمعهم‪،‬‬
‫لكن اهلل حباه بالبالغة والفصاحة‪ ،‬فكان خطيب األنصار‪ ،‬وخطيب‬
‫رسول اهلل ‘‪ ،‬وقد ق ّدمه رسول اهلل لموهبته‪.‬‬
‫خطيبا‪ ،‬بلي ًغا‪...‬‬
‫قال الذهبي‪> :‬كان جهير الصوت‪ً ،‬‬
‫خطب مقدم رسول اهلل ‘ المدينة‪ ،‬فقال‪ :‬نمنعك مما نمنع منه‬
‫أنفسنا وأوالدنا‪ ،‬فما لنا؟‬
‫قال‪ :‬الجنة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬رضينا<(‪.)1‬‬
‫وقد كانت له مواقف مع رسول اهلل ‘ تدل اعلى حب الرسول‬
‫له‪ ،‬والشهادة له بالفضل‪ ،‬وقد ّبشره ‘ بالجنة‪.‬‬
‫نفسيا؛ حتى‬
‫وبسبب مرضه وقلة سمعه نرى أن ذلك كان يؤثر اعليه ًّ‬
‫ظن أنه هلك لوقواعه تحت آية‪{ :‬ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ‬
‫[سورة الحجرات‪.]2 :‬‬ ‫ﲥ}‬
‫فقد >جاء ثابت بن قيس بن الشماس إلى رسول اهلل ‘ وهو محزون‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سير أاعالم النبالء‪.)309/1( ،‬‬
‫‪161‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫فقال‪ :‬يا ثابت‪ ،‬ما الذي أرى بك؟!‬


‫{ﲐ‬ ‫فقال‪ :‬آية قرأتها الليلة‪ ،‬فأخشى أن يكون قد َحبِط اعملي‪:‬‬
‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ}‪ ،‬وكان في أُذنه صمم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا نبي اهلل‪ ،‬أخشى أن أكون قد رفعت صوتي‪ ،‬وجهرت لك بالقول‪،‬‬
‫وأن أكون قد حبط اعملي‪ ،‬وأنا ال أشعر‪.‬‬

‫تتك ِم ْ‬
‫تتن أ ْهتت ِل‬ ‫ض َن ِشتتي ًطا؛ ف نَّ َ‬
‫األر ِ‬
‫ا علتتى ْ‬
‫النبــي ‘‪ْ ( :‬امتت ِ‬
‫ّ‬ ‫فقــال‬
‫ال َ نَّةِ)<(‪.)1‬‬
‫وفي رواية أخرى تدل اعلى أن رسول اهلل ‘ كان يتفقده ويسأل‬
‫اعليه حال غيابه‪ ،‬قال اعكرمة‪> :‬لما نزلت {ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬
‫ﲘ} قال ثابت بن قيس‪ :‬أنا كنت أرفع صوتي فوق صوته‪ ،‬فأنا من‬
‫أهل النار‪ ،‬فقعد في بيته‪.‬‬
‫فتفقده رسول اهلل ‘ فذكر ما أقعده فقال‪ :‬بل هو من أهل الجنة‪.‬‬
‫فلما كان يوم اليمامة‪ ،‬انهزم الناس‪ ،‬فقال ثابت‪ :‬أف لهؤالء ولما‬
‫يعبدون! وأف لهؤالء ولما يصنعون! يا معشر األنصار! خلوا َسنني(‪)2‬؛‬
‫بحرها سااعة‪ ،‬ورجل قائم اعلى ثلمة(‪ ،)1‬فقتله وقتل<(‪.)2‬‬
‫ِّ‬
‫(‪)3‬‬
‫لعلي أصلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري‪.)279/22( ،‬‬
‫(‪ )2‬أي‪ :‬سبيلي وطريقي‪.‬‬
‫نارا‪ ،‬إذا أدخلته‬ ‫وقوستها‪ .‬ويقال‪َ :‬صلَ ْي ُت الرجل ً‬ ‫(‪َ > )3‬صلَ ْي ُت العصا بالنار‪ :‬إذا َّلي ْن َتها ّ‬
‫النار وجعلته يَ ْصالها‪ .‬فإن ألقيته فيها إلقا ًء كأنَّك تريد إحراقه قلت‪ :‬أَ ْصلَ ْي ُت ُه باأللف‪.‬‬
‫حره وش َّدته< [الصحاح‪ ،‬مادة (صلي)]‪.‬‬ ‫ويقال‪ :‬صلِ َي باألمر‪ ،‬إذا قاسى ّ‬
‫‪162‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫بالجنة وهو اعلى ظهر‬


‫ّ‬ ‫وهل هناك فخر بعد شهادة رسول اهلل ‘ له‬
‫األرض يضرب بقدميه؟‬
‫>قال أنس‪ :‬فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل‬
‫الجنة‪ ،‬فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض االنكشاف‪ ،‬فأقبل‬
‫وقد تكفن وتحنط‪ ،‬فقاتل حتى قتل<(‪.)3‬‬
‫ومن قبلها شهد له ولبعض الصحابة بالفضل فقال ‘‪> :‬نِ ْعم‬
‫الرجل أبو بكر‪...‬‬
‫نعم الرجل اعمر‪...‬‬
‫نعم الرجل أبو اعبيدة بن الجراح‪...‬‬
‫نعم الرجل أسيد بن حضير‪...‬‬
‫نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس‪...‬‬
‫نعم الرجل معاذ بن جبل‪...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ونحوه يَ ْثلِ ُم ُه ثَ ْل ًما وثلَّمه فا ْن َثلَم َ‬
‫وت َثلّم‪ :‬كسر َح ْرفَه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫والسيف‬
‫َ‬ ‫(‪> )1‬ثَلَ َم ا ِإل َ‬
‫ناء‬
‫ابن السكيت‪ :‬يقال في ا ِإلناء ثَلْم إذا انكسر من َش َف ِته شيء‪ ،‬وفي السيف َثلْم‪.‬‬
‫وت َثلَّم‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫وال ُّثلْمة‪ :‬الموضع الذي قد ا ْن َثلم‪ ،‬وجمعها ثُلَم‪ ،‬وقد ا ْن َثلَم الحائط َ‬
‫ثلمت الحائط أثلمه‪ ،‬بالكسر‪ ،‬ثلما فهو مثلوم‪ .‬والثلمة‪ :‬الخلل في الحائط وغيره<‬
‫[لسان العرب‪ ،‬مادة (ثلم)]‪.‬‬
‫(‪ )2‬سير أاعالم النبالء‪.)310/1( ،‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري‪.)621/6( ،‬‬
‫‪163‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫نعم الرجل معاذ بن اعمرو بن الجموح<(‪.)1‬‬


‫ويبدو أن ثاب ًتا كان في طبعه حدة‪ ،‬ولكن رسول اهلل ‘ وجهه إلى‬
‫الخير‪ ،‬وعامله باللطف‪ ،‬مما أثر ذلك في أخًلقه؛ فعن النعمان بن بشير‪ ،‬أن‬
‫ثابت بن قيس بن شماس سبق بركعة من صًلة الغداة فقام يقضي‪.‬‬
‫فقام النبي ‘ وقعد الناس حواليه‪.‬‬
‫فلما قضى ثابت بن قيس الصالة جاء إلى رجل فقال‪ :‬أوسع‬
‫مهيبا‪ ،‬وكان في أذنه صمم‪.‬‬
‫ال ً‬ ‫فأوسع له‪ ،‬وكان رج ً‬
‫ثم جاء إلى ثا ٍن فقال‪ :‬أوسع لي فأوسع له‪.‬‬
‫ثم جاء إلى ثالث فقال‪ :‬أوسع لي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬من ورائك سعة أي شيء تخطى الناس؟‬
‫فنظر في وجهه فقال‪ :‬يا ابن فالنة‪.‬‬
‫فسمعها رسول اهلل ‘ فقال‪> :‬من ا الذي عير الرجل قبيل بأمه<؟‬
‫فسكتوا‪.‬‬
‫ثم قال الثانية‪> :‬من ا الذي عير الرجل قبيل بأمه<؟‬
‫فقام ثابت بن قيس بن شماس فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إني سبقت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في >مسند أبي هريرة ‪ ،<‬ح (‪ ،)9421‬وقد قوى إسناده األرنؤوط‬
‫في تعليقه اعلى >المسند<‪.‬‬
‫‪164‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫بركعة‪ ،‬وأنا في أذني صمم‪ ،‬فاشتهيت أن أدنو منك‪ ،‬وقعد الناس حواليك‪.‬‬
‫فجئت إلى رجل فقلت‪ :‬أوسع لي فأوسع‪.‬‬
‫وجئت إلى آخر فقلت‪ :‬أوسع لي فأوسع لي‪.‬‬
‫وجئت إلى هذا الثالث فقلت‪ :‬أوسع لي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬من ورائك سعة أي شيء تخطى رقاب الناس؟‬
‫خيرا منها‪.‬‬
‫فعيرته بأم كانت في الجاهلية كان غيرها من النساء ً‬
‫فقال رسول اهلل ‘‪> :‬يا ثابت بن قيا بن شماس‪ ،‬ارفع رأسك‬
‫فوق هذا المأل فيمم األسود واألبيض واأل مر‪ ،‬ما أنت بخير من هؤالء‬
‫إال بتقوى الل<‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما اعيرت بعد ذلك اليوم أح ًدا(‪.)1‬‬

‫* التصدق على األصم‬


‫األصم قد يفهم الناس من خالل إشاراتهم له‪ ،‬وأحيا ًنا ال يفهم‬
‫إشاراتهم فيحتاج لمن يوصل له كالمهم بتكرار الكالم اعلى مسامعه‬
‫بصوت اعال‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بغية الباحث‪ ،‬ص (‪ ،)263‬وقد ضعف إسناده البوصيري في >إتحاف الخيرة المهرة<‪،‬‬
‫(‪.)80/6‬‬
‫‪165‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وهي ليست حالة اعابرة‪ ،‬بل مستقرة‪ ،‬لذا فإن الذي يصبر اعليه‬
‫ويعذره‪ ،‬ويحاول أن يكون وسي ًطا بين هذا األصم والعالم الخارجي له‬
‫أجر اعظيم من اهلل إن أخلص النية له ــ سبحانه‪.‬‬
‫وقد اعتبر أبو عبد اهلل ‪ ‬أن >إسماع األصم من غير تضجر صدقة‬
‫هنيئة<(‪.)1‬‬
‫ضا ــ بلفظ‬
‫وقد ذكرها صاحب تفسير >األمثل< اعن الصادق ــ أي ً‬
‫تصعر صدقة هنيئة<(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫آخر هو‪> :‬إسماع األصم ِمن غير‬
‫وقد وردت أحاديث بنفس المعنى؛ فعن أبي ذر ‪ ‬أن رسول اهلل‬
‫‘ قال‪> :‬ليا نفا من بني آدم إال عليما صدقة في كل يوم لعت فيه‬
‫الشما<‪.‬‬
‫قيل‪ :‬وما هي يا رسول اهلل؟ ومن أين لنا صدقة نتصدق بها؟‬
‫قال‪> :‬إن أبواب الخير كثيرة‪ :‬التَّبيح والتحميد والتابير والتمليل‪،‬‬
‫وتأمر بالمعروف‪ ،‬وتنمى عن المنار‪ ،‬وتميط األ ى عن الطريق‪،‬‬
‫وتَّمع األصم‪ ،‬وتمدي األعمى<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بحار األنوار‪ ،)388/71( ،‬وسفينة البحار‪.)180/5( ،‬‬
‫(‪ )2‬تفسير األمثل‪.)360/9( ،‬‬
‫(‪ )3‬عمل اليوم والليلة ًلبن السني‪ ،‬ص (‪ ،)381‬وصححه األلباني في >صحيح الترغيب‬
‫والترهيب<‪.)80/3( ،‬‬
‫‪166‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫واعن سهل بن سعد قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬إسماع األصم‬
‫صدقة<(‪.)1‬‬
‫قال المناوي‪> :‬أي‪ :‬إبالغ الكالم لألصم بنحو صياح في أذنه أو‬
‫كتابة أو إشارة (صدقة) اعن المسمع‪ ،‬أي‪ :‬يثاب اعليه كما يثاب اعلى‬
‫الصدقة<(‪.)2‬‬

‫* من فقه آل البيت في األصم‬


‫األصم ليس منعز ًال اعن الدنيا بالكلية؛ فآلة البصر إن كانت سليمة‬
‫فإنه تقبل شهادته اعلى ما يراه‪ ،‬مثل‪ :‬القتل والزنى‪ ،‬وال تقبل فيما هو‬
‫من باب المسمواعات‪.‬‬
‫وقد سئل اإلمام الصادق ‪ ‬اعن شهادة األصم في القتل فقال‪:‬‬
‫>يؤخذ بأول قوله‪ ،‬وال يؤخذ بالثاني<(‪.)3‬‬
‫وجاء بهامش الكافي‪> :‬والعلة فيه غير ظاهرة‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫قد بدل الصبي باألصم؛ فإن الصبي هو الذي يختلف في قوله‪ ،‬وال‬
‫مدخل للسمع في شهود القتل من المشهود اعليه‪ ،‬وإنما المدار فيه اعلى‬
‫البصر<‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الجامع ألخًلق الراوي‪ ،)413/1( ،‬وقال األلباني في >السلسلة الضعيفة والموضوعة<‪،‬‬
‫(‪> :)237/4‬ضعيف ج ًّدا<‪.‬‬
‫(‪ )2‬التيسير بشرح الجامع الصغير‪.)308/1( ،‬‬
‫(‪ )3‬الكافي‪.)400/7( ،‬‬
‫‪167‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وفي مسألة القذف واالتهام بالزنى بين الزوجين‪ ،‬ويكون أحدهما‬


‫أصم؛ فقد قال أبو اعبد اهلل ‪ ‬في امرأة قذفت زوجها وهو أصم‪:‬‬
‫>يفرق بينها وبينه‪ ،‬وال تحل له أب ًدا‪.‬‬
‫وسئل اعن رجل قذف امرأته بالزنى وهي خرساء صماء ال تسمع‬
‫ما قال فقال‪ :‬إن كان لها بينة يشهدون لها اعند اإلمام جلده الحد‪ ،‬وفرق‬
‫بينهما‪ ،‬ثم ال تحل له أب ًدا‪ ،‬وإن لم يكن لها بينة فهي حرام اعليه ما أقام‬
‫معها‪ ،‬وال إثم اعليها منه<(‪.)1‬‬

‫‪ 9‬تت اآلل واألصحاب واألخرس‬


‫الكًلم نعمة عظيمة من نعم اهلل على اإلنسان‪ ،‬وهي نعمة مخصوصة‬
‫به ال يشترك معه فيها سائر المخلوقات‪ ،‬باستثناء المالئكة والجان‪.‬‬
‫وإذا سلب اهلل إنسا ًنا هذه النعمة‪ ،‬فال شك أن الصابر اعلى هذا‬
‫البالء له جزيل الثواب من اهلل ــ تعالى‪.‬‬
‫{ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬ ‫وكما جعل اهلل الكالم آية من آياته فقال‪:‬‬
‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ} [الرحمن‪ 1 :‬ــ ‪ ،]4‬فقد جعل اعدم الكالم مع‬
‫{ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬ ‫سيدنا زكريا آية فقال‪:‬‬
‫[آل اعمران‪.]41 :‬‬ ‫ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ}‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬من ال يحضره الفقيه‪ )42/4( ،‬باختصار‪.‬‬
‫‪168‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫{ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ‬ ‫وقد ذهب ابن اعباس في تأويل قوله ــ تعالى‪:‬‬


‫العيي األخرس(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫ﱴ} [البقرة‪ ]282 :‬إلى أنه‬
‫ومن فقه الصحابة المتعلقة باألخرس ما قضى به اعمر بن الخطاب‬
‫‪ ‬في لسان األخرس الذي يستأصل بثلث الدية(‪.)2‬‬
‫وقد ذهب علي ــ كرم اهلل وجهه ــ إلى أنه >ليس بين خمس من النساء‬
‫وبين أزواجهن مالاعنة‪ :‬اليهودية تكون تحت المسلم‪ ،‬والنصرانية واألمة‬
‫تكونان تحت الحر فيقذفهما‪ ،‬والحرة تكون تحت العبد فيقذفها‪ ،‬والمجلود‬
‫في الفرية؛ ألن اهلل ‪ ‬يقول‪{ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ} [النور‪،]4 :‬‬
‫والخرساء ليس بينها وبين زوجها لعان؛ إنما اللعان باللسان<(‪.)3‬‬
‫وليس معنى أنه ال لعان بين الخرساء وزوجها أن تظل زوجة له‪،‬‬
‫بل يفرق بينهما‪.‬‬
‫فأبو اعبد اهلل ‪ ‬اعندما سئل اعن المرأة الخرساء يقذفها زوجها‬
‫وكيف يالاعنها؟‬
‫فقال‪> :‬يفرق بينهما‪ ،‬وال تحل له أب ًدا<(‪.)4‬‬
‫وقد رأى الرضا ‪ ‬أن األخرس يباشر الطالق بنفسه‪ ،‬وال ينوب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫النكت والعيون‪.)355/1( ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مصنف اعبد الرزاق‪.)359/9( ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫بحار األنوار‪.)176/101( ،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وسائل الشيعة‪.)428/22( ،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪169‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫اعنه وليه في ذلك‪ ،‬وكان ذلك اعندما سئل اعن الرجل يكون اعنده المرأة‬
‫فيصمت فال يتكلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أخرس؟‬
‫قال السائل‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيعلم منه بغض المرأته وكراهة لها؟‬
‫قال السائل‪ :‬نعم‪ ،‬أيجوز أن يطلق اعنه وليه؟‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن يكتب ويشهد اعلى ذلك‪.‬‬
‫قال السائل‪ :‬أصلحك اهلل؛ فإنه ال يكتب وال يسمع كيف يطلقها؟‬
‫قال‪ :‬بالذي يعرف به من فعاله مثل ما ذكرت من كراهته لها أو‬
‫بغضه لها(‪.)1‬‬

‫‪ 11‬تت اآلل واألشل‬


‫األيدي واألرجل من نعم اهلل التي قد تعطل عن ألي سبب من‬
‫ال‬
‫األسباب‪ ،‬ويزداد احتياج اإلنسان لآلخرين كلما زاد العطل فيهما‪ ،‬فمث ً‬
‫صاحب اليد الشالء يمكنه قضاء مصالحه واالاعتماد اعلى األخرى‬
‫السليم‪ ،‬أما إن كانتا في الشلل سواء فهذا هو العجز الكامل‪ ،‬وكذا الحال‬
‫بالنسبة للرجلين‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السابق‪.)47/22( ،‬‬
‫‪170‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وقد ال يكون ابتالء اهلل لإلنسان مان ًعا من ارتكابه للمحرمات‬


‫واإلفساد في األرض؛ فقد يسرق ويقتل‪.‬‬
‫وهنا لن يكون ما هو فيه من ابتالء مان ًعا من إنفاذ حكم اهلل فيه‪،‬‬
‫ومنعه من إفساده‪ ،‬لذا لما سئل أبو اعبد اهلل ‪ ‬اعن رجل أشل اليد‬
‫اليمنى أو أشل الشمال سرق قال‪> :‬تقطع يده اليمنى اعلى كل حال<(‪.)1‬‬
‫ثم إن له قو ًال آخر في نفس تلك المسألة فقال‪> :‬إذا سرق الرجل‬
‫ويده اليسرى شالء لم تقطع يمينه وال رجله‪.‬‬
‫وإن كان أشل ثم قطع يد رجل قص منه‪.‬‬
‫يعني‪ :‬ال يقطع بالسرقة‪ ،‬ولكن يقطع في القصاص<‪.‬‬
‫فعلق صاحب >وسائل الشيعة< بقوله‪> :‬يمكن الجمع بجواز قطعها‬
‫في السرقة واعدم وجوبه<(‪.)2‬‬

‫‪ 11‬تت الرسول واآلل واألصحاب والم ذوم‬


‫الجذام مرض يسبب لصاحبه معاناة شديدة‪ ،‬معاناة اعلى المستوى‬
‫الشخصي والمجتمعي‪.‬‬
‫فهناك بعض األمراض التي تكون خفية على الناظرين‪ ،‬فًل يلحظونها‪،‬‬
‫طبيعيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫ال‬
‫ويتعاملون مع صاحبه تعام ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السابق‪.)266/28( ،‬‬
‫(‪ )2‬السابق‪.)267/28( ،‬‬
‫‪171‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫أما الجذام فهو مرض ظاهري تنفر منه النفوس‪ ،‬فتتسبب تلك‬
‫النفرة في األلم النفسي للمجذوم‪ ،‬وانعزاله اعن مجتمعه‪.‬‬
‫وقد ورد اعن رسول اهلل ‘ قوله‪َ > :‬ال َع ْد َوى َو َال ِ َي َر َة َو َال َهام َة‬
‫َو َال صفر‪َ ،‬وفِ َّر ِم َن ال َْم ْ ذهومِ َك َما َت ِف ُّر ِم َن األ َ َس ِد<(‪.)1‬‬
‫الشرِي ِد‪َ ،‬اع ْن أَبِيه ِ‪ ،‬أنه قال‪َ :‬كا َن ِفي‬ ‫وروى مسلم اعن َاع ْمرِو ْب ِن َّ‬
‫وم‪ ،‬فَأَ ْر َس َل ِإل َ ْيه ِ النَّ ِب ُّي ‘‪ِ > :‬إنَّا قَ ْد َب َاي ْعنَا َك‬
‫يف َر ُج ٌل َم ْجذُ ٌ‬ ‫َو ْف ِد ثَ ِق ٍ‬
‫فَ ْار ِج ْع<(‪.)2‬‬
‫>قال اعياض‪ :‬اختلفت اآلثار في المجذوم؛ فجاء ما تقدم اعن جابر‬
‫أن النبي ‘ أكل مع مجذوم وقال‪( :‬ثقة بالل وتوك ًال عليه)(‪.)3‬‬
‫قال‪ :‬فذهب اعمر وجمااعة من السلف إلى األكل معه‪ ،‬ورأوا أن‬
‫األمر باجتنابه منسوخ‪ ،‬وممن قال بذلك اعيسى بن دينار من المالكية‪.‬‬
‫قال‪ :‬والصحيح الذي اعليه األكثر ويتعين المصير إليه أن ال نسخ‪،‬‬
‫بل يجب الجمع بين الحديثين‪ ،‬وحمل األمر باجتنابه والفرار منه اعلى‬
‫االستحباب واالحتياط‪ ،‬واألكل معه اعلى بيان الجواز<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في >الطب<‪ ،‬باب‪> :‬ا ْل ُج َذام ِ<‪ ،‬ح (‪ )5707‬من حديث أبي هريرة ‪.‬‬
‫اب ا ْل َم ْجذُوم ِ َونَ ْح ِوهِ<‪ ،‬ح (‪.)2231‬‬ ‫اج ِتنَ ِ‬‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في >السالم<‪ ،‬باب‪ْ > :‬‬
‫(‪ )3‬أخرج أبو داود في >الطب<‪ ،‬باب‪ِ > :‬في الط َِّي َر ِة<‪ ،‬ح (‪َ )3925‬ع ْن َجابِر‪ ،‬أَ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل ِ‬
‫‘ أَ َخ َذ ب َِي ِد َم ْجذُومٍ فَ َو َض َع َها َم َع ُه ِفي ا ْل َق ْص َعة ِ َوقَ َال‪ > :‬هك ْل ِث َق ًة بِالل ِ‪َ ،‬و َت َو ُّك ًال َعلَ ْي ِه<‪.‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري‪.)159/10( ،‬‬
‫‪172‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫وقد كان أبو بكر يأكل مع األجذم(‪.)1‬‬


‫و>كان اعمر بن الخطاب إذا أتي بالطعام واعنده معيقيب بن أبي‬
‫مجذوما ــ قال له‪:‬‬
‫ا‬ ‫فاطمة الدوسي ــ وكان من أصحاب رسول اهلل ‘ وكان‬
‫يا معيقيب‪ ،‬كل مما يليك‪ ،‬فايم اهلل‪ ،‬أن لو غيرك به ما بك‪ ،‬ما جلس مني‬
‫اعلى أدنى من قيس رمح<(‪.)2‬‬
‫مجذوما‪،‬‬
‫ً‬ ‫و>كان ابن اعمر ال يحبس اعن طعامه بين مكة والمدينة‬
‫وال أبرص‪ ،‬وال مبتلى حتى يقعدوا معه اعلى مائدته<(‪.)3‬‬
‫وابن اعباس كان ال يتحاشى المجذومين؛ فعن اعكرمة قـال‪> :‬لـزق‬
‫بابن اعباس مجـذوم‪ ،‬فقلـت لـه‪ :‬تلـزق بمجـذوم؟ قـال‪ :‬لعلـه خيـر منـي‬
‫ومنك<(‪.)4‬‬
‫وأمنا اعائشة لم تكن تأنف من أن ينام مولى مجذوم اعلى فراشها‪،‬‬
‫أو أن يأكل في صحافها‪ ،‬وقالت‪> :‬ولو كان اعاش كان اعلى ذلك<(‪.)5‬‬
‫ولقد مر اإلمام اعلي زين العابدين ذات يوم >بمجذومين فسلم‬
‫عليهم وهم يأكلون فمضى‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن اهلل ًل يحب المتكبرين‪ ،‬فرجع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مصنف اعبد الرزاق‪.)405/10( ،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تهذيب اآلثار‪.)32/3( ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الزهد والرقائق‪ ،‬ص (‪.)216‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مصنف ابن أبي شيبة‪ )142/5( ،‬باختصار‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪173‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫إليهم فقال‪ :‬إني صائم‪ .‬وقال‪ :‬ائتوني بهم في المنزل‪ ،‬فأتوه بهم‪ ،‬فأطعمهم‬
‫ثم أاعطاهم<(‪.)1‬‬
‫وقد ورد عن علي ‪> ‬أنه نهى عن الصًلة خلف األجذم واألبرص‬
‫والمجنون والمحدود وولد الزنا<(‪.)2‬‬
‫أما الصادق فذهب إلى عكس ذلك فقد سأله ابن يزيد >عن المجذوم‬
‫واألبرص يؤمان المسلمين؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قلت ــ أي‪ :‬ابن زيد‪ :‬هل يبتلي اهلل بهما المؤمن؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬وهل كتب البالء إال اعلى المؤمن<(‪.)3‬‬

‫‪ 12‬تت اآلل واألصحاب واألبرص‬


‫من عظيم البًلء على اإلنسان أن يستقذره الناس‪ ،‬ويأنفوا من التعامل‬
‫معه‪ ،‬فيكون معزو ًال اعنهم‪.‬‬
‫والبرص من تلك األمراض‪ ،‬السيما وأنه يترك آثاره واضحة جلية‬
‫اعلى اإلنسان‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أاعيان الشيعة‪.)631/1( ،‬‬
‫(‪ )2‬بحار األنوار‪ 109/85( ،‬ــ ‪.)110‬‬
‫(‪ )3‬السابق‪.)103/85( ،‬‬
‫‪174‬‬
‫نماذج من تعامل رسول هللا ‘ واآلل واألصحاب مع ذوي اإلعاقات واالحتياجات الخاصة‬

‫لكن ال يعيب اإلنسان أن يحتاط لنفسه دون وسوسة زائدة‪ ،‬ودون‬


‫جرح لمشااعر صاحب المرض‪.‬‬
‫فقد كان اعبد اهلل بن مسعود ‪ ‬يقول‪> :‬كنا نتوضأ من مس‬
‫األبرص<(‪.)1‬‬
‫ولعدم جرح مشاعر األبرص عند حضوره في المجالس‪ ،‬فإن البعض‬
‫كان يستخدم اإلشارة للتنبيه اعلى مجانبة األبرص؛ فعن اعروة بن الزبير‬
‫يوما وأنا غًلم‪ ،‬وعنده رجل أبرص‪ ،‬فأردت أن‬‫أنه قال‪> :‬أقبلت إلى الزبير ا‬
‫أمس األبرص‪ ،‬فأشار إلي الزبير فأمرني أن أنصرف مخافة أن أمسه<(‪.)2‬‬
‫وقد ذكرنا ساب ًقا أن ابن اعمر كان يأكل مع األبرص والمجذوم‪.‬‬
‫وكان ابن اعباس يرى أن الركن ياقوتة من يواقيت الجنة‪ ،‬وإلى‬
‫الجنة مصيره‪ ،‬وكان يقول‪> :‬لوال ما مسه من أيدي الجاهليين ألبرأ‬
‫األكمه واألبرص<(‪.)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير‪ ،)130/10( ،‬وقال الهيثمي في >مجمع الزوائد<‪> :)246/1( ،‬رواه‬
‫الطبراني في األوسط والكبير‪ ،‬وفيه جابر الجعفي وثقه شعبة والثوري‪ ،‬وضعفه‬
‫الناس<‪.‬‬
‫(‪ )2‬شعب اإليمان‪.)122/2( ،‬‬
‫(‪ )3‬أخبار مكة‪.)325/1( ،‬‬
‫‪175‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫صحابة من ذوي اإلقاعاات واحلاجات‬

‫قبل أن نختم هذا الكتاب نذكر سري ًعا اعد ًدا من مشاهير صحابة‬
‫رسول اهلل ‘ الذين أصابتهم إاعاقات في حياتهم‪ ،‬ولكنهم رغم تلك‬
‫اإلاعاقات دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه‪:‬‬

‫‪ 1‬تت األ َ ْق َر ِع ْبن َا ِبا‬

‫َكا َن ِفي َص ْدر ا ِإل ْس َالم َرئِيس ِخ ْن َدف ‪ُ ،‬‬


‫(‪)1‬‬
‫وه َو أَ َّول َم ْن َح َّر َم‬
‫ا ْل ِق َمار‪َ ،‬وقِ َيل‪َ :‬كا َن َسنُو ًطا(‪ )2‬أَ ْاع َرج َم َع قَ َراعه َو َاع َوره‪َ ،‬و َكا َن يَ ْح ُكم ِفي‬
‫آخر ا ْل ُحكَّام ِم ْن بَ ِني َت ِميم(‪.)3‬‬ ‫ا ْلمو ِاسم‪َ ،‬و ُهو ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫وفد اعلى النبي ‘ وشهد فتح مكة وحني ًنا والطائف‪ ،‬وهو من‬
‫المؤلفة قلوبهم‪ ،‬وقد حسن إسالمه‪.‬‬
‫وقال الزبير في النسب‪ :‬كان األقرع حك ًما في الجاهلية‪.‬‬
‫وفيه يقول جرير ــ وقيل غيره ــ لما تنافر إليه هو والفرافصة أو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اسم قبيلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الذي ال لحية له‪[ .‬لسان العرب‪ ،‬مادة (سنط)]‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري‪.)418/13( ،‬‬
‫‪176‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫خالد بن أرطاة‪:‬‬
‫إن تصتتترع اليتتتوم أختتتاك تصتتترع‬ ‫يتتا أقتترع بتتن تتابا يتتا أقتترع‬
‫وقد بعث اعلي إلى النبي ‘ بذهبية من اليمن فقسمها بين أربعة‬
‫أحدهم األقرع بن حابس‪.‬‬
‫شهد مع شرحبيل بن حسنة دومة الجندب‪ ،‬وشهد مع خالد حرب‬
‫أهل العراق‪.‬‬
‫وقال ابن دريد‪ :‬اسم األقرع بن حابس فراس‪ ،‬وإنما قيل له‪ :‬األقرع‬
‫لقرع كان برأسه‪.‬‬
‫وكان شري ًفا في الجاهلية واإلسالم‪.‬‬
‫واستعمله اعبد اهلل بن اعامر اعلى جيش سيره إلى خراسان فأصيب‬
‫بالجوزجان هو والجيش‪ ،‬وذلك في زمن اعثمان‪.‬‬
‫مجوسيا قبل أن يسلم‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫وذكر ابن الكلبي أنه كان‬
‫وقيل‪ :‬قتل األقرع بن حابس باليرموك في اعشرة من بنيه(‪.)1‬‬

‫‪ 2‬تت َّان بن ثابت‬


‫سيد الشعراء المؤمنين‪ ،‬المؤيد بروح القدس‪.‬‬
‫شااعر رسول اهلل ‘ وصاحبه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬للتوسع راجع‪ :‬اإلصابة‪ 101/1( ،‬ــ ‪ ،)102‬واالستيعاب‪.)103/1( ،‬‬
‫‪177‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫اعاش ستين في الجاهلية‪ ،‬وستين في اإلسالم‪.‬‬


‫لم يشهد مع النبي ‘ مشه ًدا‪.‬‬
‫دخل حسان على عائشة ــ بعدما عمي ــ فوضعت له وسادة‪ ،‬فدخل‬
‫أخوها اعبدالرحمن‪ ،‬فقال‪ :‬أجلستيه اعلى وسادة‪ ،‬وقد قال ما قال؟ يريد‪:‬‬
‫مقالته نوبة اإلفك‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬كان يجيب اعن رسول اهلل ‘‪ ،‬ويشفي صدره من أاعدائه‬
‫وقد اعمي‪ ،‬وإني ألرجو أال يعذب في اآلخرة‪.‬‬
‫عن مسروق‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند عائشة‪ ،‬فدخل حسان بعد ما عمي فقال‪:‬‬
‫وتصبح ئرثى من لحتوم الغوافتل‬ ‫صتتتان رزان بمتتتا تتتت ن بريبتتتة‬
‫فقالت‪ :‬لكن أنت لست كذاك!‬
‫{ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬ ‫فقلت لها‪ :‬تأذنين له‪ ،‬وقد قال اهلل‪:‬‬
‫ﱠ} [النور‪]11 :‬؟‬
‫فقالت‪ :‬وأي اعذاب أشد من العمى‪.‬‬
‫توفي زمن معاوية(‪.)1‬‬

‫‪ 3‬تت أبو سفيان بن رب‬


‫رأس قريش وقائدهم يوم أحد ويوم الخندق‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سير أاعالم النبالء‪ 512/2( ،‬ــ ‪ )523‬باختصار‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫وله هنات وأمور صعبة‪ ،‬لكن تداركه اهلل باإلسالم يوم الفتح‬
‫فأسلم شبه مكره خائف‪.‬‬
‫ثم بعد أيام صلح إسالمه‪.‬‬
‫وكان من دهاة العرب ومن أهل الرأي والشرف فيهم‪ ،‬فشهد‬
‫حني ًنا‪ ،‬وأاعطاه صهره رسول اهلل ‘ من الغنائم مائة من اإلبل‪ ،‬وأربعين‬
‫أوقية من الدراهم يتألفه بذلك‪.‬‬
‫وشهد قتال الطائف‪ ،‬فقلعت اعينه حينئذ‪ ،‬ثم قلعت األخرى يوم‬
‫اليرموك‪.‬‬
‫وكان يومئذ قد حسن ــ إن شاء اهلل ــ إيمانه؛ فإنه كان يومئذ يحرض‬
‫اعلى الجهاد‪.‬‬
‫وكان تحت راية ولده يزيد‪ ،‬فكان يصيح‪ :‬يا نصر اهلل اقترب‪.‬‬
‫وكان يقف اعلى الكراديس يذكر‪ ،‬ويقول‪ :‬اهلل اهلل‪ ،‬إنكم أنصار‬
‫اإلسالم ودارة العرب‪ ،‬وهؤالء أنصار الشرك ودارة الروم؛ اللهم هذا‬
‫يوم من أيامك‪ ،‬اللهم أنزل نصرك‪.‬‬
‫وكان أسن من رسول اهلل ‘ بعشر سنين‪.‬‬
‫واعاش بعده اعشرين سنة‪.‬‬
‫وكان اعمر يحترمه؛ وذلك ألنه كان كبير بني أمية‪.‬‬
‫‪179‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫وكان حمو النبي ‘‪.‬‬


‫وما مات حتى رأى ولديه‪ :‬يزيد‪ ،‬ثم معاوية‪ ،‬أميرين اعلى دمشق‪.‬‬
‫وكان يحب الرياسة والذكر‪ ،‬وكان له سورة كبيرة في خالفة ابن‬
‫اعمه اعثمان‪.‬‬
‫توفي بالمدينة سنة إحدى وثالثين‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬سنة اثنتين‪ ،‬وقيل‪ :‬سنة ثالث أو أربع وثالثين‪ ،‬وله نحو‬
‫التسعين(‪.)1‬‬

‫‪ 4‬تت أبو محمد لحة بن عبيد الل‬


‫وكانت يده شالء مما وقى بها رسول اهلل ‘ يوم أحد(‪.)2‬‬
‫وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأحد الخمسة الذين أسلموا اعلى يد أبي بكر‪ ،‬وأحد الستة‬
‫أصحاب الشورى‪.‬‬
‫كان اعند وقعة بدر في تجارة الشام‪ ،‬فضرب له النبي ‘ بسهمه‬
‫وأجره‪.‬‬
‫وشهد أح ًدا وأبلى فيها بال ًء حس ًنا‪ ،‬ووقى النبي ‘ بنفسه‪ ،‬واتقى‬
‫النبل اعنه بيده حتى شلت أصبعه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السابق‪ 105/2( ،‬ــ ‪ )107‬باختصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬السابق‪.)25/1( ،‬‬
‫‪180‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫وقال ‘‪ :‬أوجب طلحة‪ ،‬حين صنع يوم أحد ما صنع‪.‬‬


‫قال ابن إسحاق‪ :‬وكان رسول اهلل ‘ يوم أحد نهض إلى صخرة‬
‫من الجبل ليعلوها‪ ،‬وكان قد ظاهر بين دراعين‪ ،‬فلما ذهب لينهض لم‬
‫يستطع‪ ،‬فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى اعليها‪.‬‬
‫وقال سعد بن اعبادة‪ :‬بايع رسول اهلل ‘ اعصابة من أصحابه اعلى‬
‫الموت يوم أحد حين انهزم المسلمون‪ ،‬فصبروا‪ ،‬وجعلوا يبذلون نفوسهم‬
‫دونه‪ ،‬حتى قتل منهم من قتل‪ ،‬فعد فيمن بايع اعلى ذلك جمااعة منهم‪:‬‬
‫أبو بكر واعمر وطلحة والزبير وسعد وسهل بن حنيف وأبو دجانة‪.‬‬
‫وأخرج الدارقطني أنه لما أصيبت يده مع رسول اهلل ‘ وقاه بها‬
‫فقال‪ :‬حس حس(‪.)1‬‬
‫فقال‪ :‬لو قلت‪ :‬بسم اهلل لرأيت بناءك الذي بنى اهلل لك في الجنة‬
‫وأنت في الدنيا‪.‬‬
‫ومر رسول اهلل ‘ في غزوة ذي قرد اعلى ماء يقال له‪ :‬بيسان‬
‫مالح فقال‪ :‬هو نعمان وهو طيب‪ ،‬فغير اسمه‪ ،‬فاشتراه طلحة ثم تصدق‬
‫به‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪ :‬ما أنت يا طلحة إال فياض‪ ،‬فبذلك قيل له‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وضر َِب فما قال‪َ :‬ح ٍّس وال‬
‫(‪> )1‬العرب تقول اعند لَذْ اعة النار والوجع الحا ِّد‪َ :‬ح ِّس بَ ِّس‪ُ ،‬‬
‫ينون‪ ،‬ومنهم من يكسر الحاء والباء فيقول‪:‬‬ ‫بَ ٍّس بالجر والتنوين‪ ،‬ومنهم من يجر وال ّ‬
‫ِح ٍّس وال ب ٍِّس‪ ،‬ومنهم من يقول‪َ :‬ح ًّسا وال بَ ًّسا‪ ،‬يعني‪ :‬التوجع< [لسان العرب‪ ،‬مادة‬
‫(حسس)]‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫طلحة الفياض‪.‬‬
‫ذكر الزبير بسند له مرسل أن النبي ‘ لما آخى بين أصحابه‬
‫بمكة قبل الهجرة آخى بين طلحة والزبير‪.‬‬
‫ضا ـ قال‪ :‬آخى النبي ‘ بين المهاجرين‬
‫وبسند آخر مرسل ـ أي ا‬
‫واألنصار لما قدم المدينة‪ ،‬فآخى بين طلحة وأبي أيوب‪.‬‬
‫ال أاعطى لجزيل‬
‫قال قبيصة بن جابر‪ :‬صحبت طلحة فما رأيت رج ً‬
‫مال من غير مسألة منه‪.‬‬
‫وقال قيس بن أبي حازم‪ :‬رمي طلحة يوم الجمل بسهم في ركبته‬
‫فكانوا إذا أمسكوها انتفخت‪ ،‬وإذا أرسلوها انبعثت‪ ،‬فقال‪ :‬داعوها‪.‬‬
‫وقال الجارود بن أبي سبرة‪ :‬لما كان يوم الجمل نظر مروان بن‬
‫الحكم إلى طلحة فقال‪ :‬ال أطلب ثأري بعد اليوم‪ ،‬فنزع له بسهم فقتله‪.‬‬
‫وقال قيس بن أبي حازم‪ :‬إن مروان بن الحكم رأى طلحة في‬
‫الخيل فقال‪ :‬هذا أاعان اعلى اعثمان فرماه بسهم في ركبته‪ ،‬فما زال الدم‬
‫يسيح حتى مات‪.‬‬
‫وكان ذلك في جمادى األولى سنة ست وثالثين من الهجرة‪.‬‬
‫وروى ابن سعد أن ذلك كان في يوم الخميس لعشر خلون من‬
‫جمادى اآلخرة وله أربع وستون سنة(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬للتوسع راجع‪ :‬اإلصابة في تمييز الصحابة‪ 529/3( ،‬ــ ‪.)532‬‬
‫‪182‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫الر ْ م ِن بن َع ْو ٍ‬
‫ف [األهتم األعرج]‬ ‫‪ 5‬تت َع ْب َد َّ َ‬
‫َكا َن َساقِ َط الثَّ ِن َّي َت ْي ِن‪ ،‬أ ْه َت َم‪ ،‬أَ ْاع َس َر‪ ،‬أَ ْاع َر َج‪َ ،‬كا َن أُ ِص َ‬
‫يب يَ ْو َم أُ ُح ٍد‬
‫اح ًة‪ ،‬أو أَ ْك َث َر‪ ،‬أَ َصابَ ُه بَ ْع ُض َها ِفي ر ِْجلِه ِ فَ َعر َِج(‪.)1‬‬
‫ِين ِج َر َ‬ ‫فَ ُه ِت َم‪َ ،‬و ُجر َِح ِاع ْشر َ‬
‫وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬وأحد الستة من أهل الشورى‪،‬‬
‫وأحد السابقين إلى اإلسًلم‪ ،‬وهو من أهل بدر‪ُ ،‬ولِد بعد عام الفيل بعشر‬
‫سنين‪.‬‬

‫وقد صلى النبي ‘ مرة مقتديًا به‪ ،‬فقد روى اإلمام أحمد وغيره‬
‫ِ‬
‫غير أبي بكر؟‬ ‫أن المغيرة بن شعبة ُسئل‪ :‬هل أَ َّم َ‬
‫النبي ‘ أحد من هذه األمة ُ‬
‫الس َح ِر َض َر َب‬ ‫فقال‪ :‬نَ َع ْم ُكنَّا َم َع النَّ ِب ِّي ‘ ِفي َس َف ٍر‪ ،‬فَلَ َّما َكا َن ِم َن َّ‬
‫احلَ ِتي فَ َظنَ ْن ُت أَ َّن ل َ ُه َح َ‬
‫اج ًة‪ ،‬فَ َع َد ْل ُت َم َع ُه‪ ،‬فَا ْن َطلَ ْقنَا َح َّتى بَ َر ْزنَا َاع ِن‬ ‫ُاعنُ َق ر ِ‬
‫َ‬
‫س‪ ،‬فَنَ َز َل َاع ْن ر ِ‬
‫احلَ ِته ِ‪ ،‬ثُ َّم ا ْن َطلَ َق فَ َت َغ َّي َب َاعن ِّي َح َّتى َما أُ َر ُاه‪.‬‬ ‫النَّا ِ‬
‫َ‬
‫اج َت َك َيا هم ِغ َير هة<‪.‬‬
‫اء فَ َق َال‪َ َ > :‬‬
‫ال ثُ َّم َج َ‬
‫فَ َم َك َث َط ِوي ً‬

‫قُ ْل ُت‪َ :‬ما لِي َح َ‬


‫اج ٌة‪.‬‬
‫فَ َق َال‪َ > :‬ه ْل َم َع َك َماءٌ؟<‪.‬‬
‫فَ ُق ْل ُت‪ :‬نَ َع ْم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير‪.)128/1( ،‬‬
‫‪183‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫الر ْح ِل‪ ،‬فَأَ َت ْي ُت ُه بِ َم ٍاء‬‫يحةٍ ُم َعلَّ َقةٍ ِفي أَ ِخ َر ِة َّ‬ ‫ِ‬


‫فَ ُق ْم ُت ِإلَى ق ْربَةٍ أَ ْو ِإلَى َس ِط َ‬
‫فَ َص َب ْب ُت َاعلَ ْيه ِ‪ ،‬فَ َغ َس َل يَ َد ْيه ِ فَأَ ْح َس َن َغ ْسلَ ُه َما ــ قَ َال‪َ :‬وأَ ُش ُّك أَقَ َال‪َ :‬دل َّ َك ُه َما‬
‫اب أَ ْم َال ــ ثُ َّم َغ َس َل َو ْج َه ُه‪ ،‬ثُ َّم َذ َه َب يَ ْح ِس ُر َاع ْن يَ َد ْيه ِ َو َاعلَ ْيه ِ ُج َّب ٌة‬ ‫بِ ُت َر ٍ‬
‫َشا ِم َّيةٌ َضيِّ َق ُة ا ْل ُك َّم ْي ِن‪ ،‬فَ َضاقَ ْت فَأَ ْخ َر َج يَ َد ْيه ِم ْن َت ْح ِت َها ِإ ْخ َرا ًجا‪ ،‬فَ َغ َس َل‬
‫يث َغ ْس ُل ا ْل َو ْجه ِ َم َّر َت ْي ِن قَ َال‪َ :‬ال‬ ‫َو ْج َه ُه َويَ َد ْيه ِ‪ .‬ــ قَ َال‪ :‬فَ َي ِجي ُء ِفي ا ْل َح ِد ِ‬
‫أَ ْد ِري أَ َه َك َذا َكا َن أَ ْم َال‪.‬‬

‫اص َي ِته ِ‪َ ،‬و َم َس َح َاعلَى ا ْل ِع َم َامةِ‪َ ،‬و َم َس َح َاعلَى ا ْل ُخف َّْي ِن‪،‬‬ ‫ثُ َّم َم َس َح بِنَ ِ‬
‫ِ‬
‫الر ْح َم ِن ْب ُن‬‫الص َال ُة‪ ،‬فَ َت َق َّد َم ُه ْم َاع ْب ُد َّ‬
‫ت َّ‬ ‫يم ِ‬ ‫اس َوقَ ْد أُق َ‬ ‫َو َر ِك ْبنَا فَأَ ْد َر ْكنَا النَّ َ‬
‫ف‪َ ،‬وقَ ْد َصلَّى بِه ِْم َر ْك َع ًة َو ُه ْم ِفي ال َّثانِ َيةِ‪ ،‬فَ َذ َه ْب ُت أُو ِذنُ ُه فَنَ َهانِي‪،‬‬ ‫َاع ْو ٍ‬
‫الر ْك َع َة ال َّ ِتي ُس ِب ْقنَا(‪.)1‬‬
‫الر ْك َع َة ال َّ ِتي أَ ْد َر ْكنَا‪َ ،‬وقَ َض ْينَا َّ‬
‫فَ َصلَّ ْينَا َّ‬
‫الر ْح َم ِن‬
‫ولقد آخى رسول اهلل ‘ بينه وبين سعد بن الربيع‪ ،‬قَ َال َاع ْب ُد َّ‬
‫ول اهلل ِ ‘ بَ ْي ِني َوبَ ْي َن َس ْع ِد‬ ‫آخى َر ُس ُ‬ ‫ف ‪ :‬ل َ َّما قَ ِد ْمنَا ا ْل َم ِدينَ َة َ‬‫ْب ُن َاع ْو ٍ‬
‫الربِي ِع ِإنِّي أَ ْك َث ُر ْاألَ ْن َصا ِر َما ًال فَأَ ْق ِس ُم ل َ َك‬
‫الربِي ِع‪ ،‬فَ َق َال‪َ :‬س ْع ُد ْب ُن َّ‬ ‫ْب ِن َّ‬
‫يت نَ َز ْل ُت ل َ َك َاع ْن َها فَ ِإ َذا َحلَّ ْت‬ ‫ي َز ْو َج َت َّي َه ِو َ‬ ‫نِ ْص َف َمالِي‪َ ،‬وا ْن ُظ ْر أَ َّ‬
‫َت َز َّو ْج َت َها‪.‬‬

‫اج َة لِي ِفي َذلِ َك‪َ ،‬ه ْل ِم ْن ُسوق ِفيه ِ تِ َج َارة؟‬


‫الر ْح َم ِن‪ً :‬ل َح َ‬
‫فَ َق َال ل َ ُه َع ْب ُد َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في >المسند<‪ ،‬ح (‪ ،)18159‬وقال شعيب األرنؤوط في تعليقه اعلى‬
‫>المسند<‪> :‬إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين<‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫وق قَ ْينُ َقا ٍع‪.‬‬


‫قَ َال‪ُ :‬س ُ‬
‫الر ْح َم ِن‪ ،‬فَأَ َتى بِأَقِ ٍط َو َس ْم ٍن‪.‬‬
‫فَ َغ َدا ِإل َ ْيه ِ َاع ْب ُد َّ‬
‫الر ْح َم ِن َاعلَ ْيه ِ أَثَ ُر ُص ْف َر ٍة‪ ،‬فَ َق َال‬ ‫ثُ َّم َتابَ َع ا ْل ُغ ُد َّو فَ َما لَب َِث أَ ْن َج َ‬
‫اء َاع ْب ُد َّ‬
‫ول اهلل ِ ‘‪َ :‬ت َز َّو ْج َت؟‬ ‫َر ُس ُ‬
‫قَ َال‪ :‬نَ َع ْم‪.‬‬
‫قَ َال‪َ :‬و َم ْن؟‬
‫قَ َال‪ْ :‬ام َرأَ ًة ِم ْن ْاألَ ْن َصا ِر‪.‬‬
‫قَ َال‪َ :‬ك ْم ُس ْق َت؟‬
‫قَ َال‪ :‬زِنَ َة نَ َو ٍاة ِم ْن َذ َه ٍب‪ ،‬أو نَ َوا ًة ِم ْن َذ َه ٍب‪.‬‬
‫فَ َق َال ل َ ُه النَّب ُِّي ‘‪> :‬أ َ ْول ِ ْم َولَ ْو ِب َشاة<(‪.)1‬‬
‫شهد بد ًرا وأح ًدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول اهلل ‘‪،‬‬
‫وثبت يوم أحد حين ولى الناس‪ ،‬لكنه أصيب فكسرت بعض أسنانه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫>ما َج َاء ِفي قَ ْو ِ‬
‫ل اهلل ِ ــ َت َعالَى‪{ :‬ﱘ ﱙ‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في >البيوع<‪ ،‬باب‪َ :‬‬
‫ﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨ‬

‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ‬

‫{ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ‬ ‫ﱾ}‪َ .‬وقَ ْولِه ِ‪:‬‬


‫ﱧ}<‪ ،‬ح (‪ ،)2048‬وموضع آخر‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫ثنيته‪ ،‬وجرح كذلك اعشرين‬


‫أثرا واض ًحا في نطقه؛ لسقوط ّ‬ ‫فتركت ً‬
‫جراحة بعضها في ساقة ف َخلَّفت اعر ًجا دائ ًما‪.‬‬
‫اعاش اثنين وسبعين سنة‪ ،‬وتوفي سنة اثنتين وثالثين‪ ،‬وصلى اعليه‬
‫ود ِف َن بالبقيع(‪.)1‬‬
‫اعثما ُن بناء اعلى وصيته‪ُ ،‬‬

‫‪ 6‬تت عمار بن ياسر (مقطوع األ ن)‬


‫اإلمام الكبير أبو اليقظان‪ ،‬أحد السابقين األولين‪ ،‬واألعيان البدريين‪.‬‬
‫ضا‪.‬‬
‫وأمه‪ :‬هي سمية موالة بني مخزوم‪ ،‬من كبار الصحابيات ــ أي ً‬
‫قال اعبد اهلل بن مسعود‪ :‬أول َمن أظهر إسالمه سبعة‪ :‬رسول اهلل‬
‫‘‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬واعمار‪ ،‬وأمه سمية‪ ،‬وصهيب‪ ،‬وبالل‪ ،‬والمقداد‪.‬‬
‫وقد ذاق ألوان العذاب اعلى يد كفار قريش‪ ،‬وكان ‘ يمر بهم‬
‫ويقول‪> :‬صب ًرا آل ياسر‪ ،‬ف ن موعدكم ال نة<‪.‬‬
‫قال القاسم بن عبد الرحمن‪ :‬أول من بنى مسج ادا يصلى فيه عمار‪.‬‬
‫وقال رسول اهلل ‘‪> :‬لم يان نبي قط إال وقد أعطي سبعة رفقاء‬
‫ن باء وزراء‪ ،‬وإني أعطيت أربعة عشر‪ :‬م ة‪ ،‬وأبو بار‪ ،‬وعمر‪،‬‬
‫وعلي‪ ،‬وجعفر‪ ،‬و َّن‪ ،‬و َّين‪ ،‬وابن مَّعود‪ ،‬وأبو ر‪ ،‬والمقداد‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬االستيعاب‪ 844/2( ،‬ــ ‪ ،)850‬ومقالة‪ :‬أصحاب االحتياجات الخاصة في‬
‫ظل اإلسالم راعاية وأحكام‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫و ذيفة‪ ،‬وعمار‪ ،‬وبالل‪ ،‬وسلمان<‪.‬‬


‫وقال رسول اهلل ‘‪ِ > :‬إ َّن ا ْل َ نَّ َة لَ َت ْش َت هاق ِإلَى َثال َث ٍة‪َ :‬علِي َو َع َّما ٍر‬
‫َو َس ْل َما َن<‪.‬‬
‫شهد بد ًرا وأح ًدا والخندق وبيعة الرضوان‪.‬‬
‫واعن اعلي قال‪ :‬استأذن اعمار اعلى النبي ‘ فقال‪َ > :‬من هذا؟<‪.‬‬
‫قال‪ :‬اعمار‪.‬‬
‫المطيب<‪.‬‬
‫َّ‬ ‫قال‪> :‬مر ًبا بالطيب‬
‫واعن خالد بن الوليد قال‪ :‬كان بيني وبين اعمار كالم‪ ،‬فأغلظت‬
‫ومن‬
‫له‪ ،‬فشكاني إلى رسول اهلل ‘ فقال‪َ > :‬من عادى عما ًرا عاداه الل‪َ ،‬‬
‫أحب إلي من رضا اعمار‪،‬‬‫فخرجت‪ ،‬فما شيء َّ‬
‫ُ‬ ‫أبغض عما ًرا أبغضه الل<‪،‬‬
‫فلقيته فرضي‪.‬‬
‫اعن أبي سعيد قال‪ :‬أمرنا رسول اهلل ‘ ببناء المسجد‪ ،‬فجعلنا‬
‫ننقل لبنة لبنة‪ ،‬واعمار ينقل لبنتين لبنتين‪ ،‬فترب رأسه‪ ،‬فحدثني أصحابي‬
‫ولم أسمعه من رسول اهلل أنه جعل ينفض رأسه ويقول‪> :‬ويحك يا ابن‬
‫سمية! تقتلك الفئة البائية<‪.‬‬
‫اعن حارثة بن مضرب قال‪ :‬قرئ اعلينا كتاب اعمر‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإني‬
‫وزيرا‪ ،‬وإنهما لمن‬
‫أميرا‪ ،‬وابن مسعود معل ًما ً‬
‫بعثت إليكم اعمار بن ياسر ً‬
‫‪187‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫النجباء من أصحاب محمد ‘ من أهل بدر‪ ،‬فاسمعوا لهما وأطيعوا‪،‬‬


‫واقتدوا بهما‪ ،‬وقد آثرتكم بابن أم اعبد اعلى نفسي‪.‬‬
‫قال طارق بن شهاب‪ :‬إن أهل البصرة غزوا نهاوند‪ ،‬فأمدهم أهل‬
‫الكوفة واعليهم اعمار‪ ،‬فظفروا‪ ،‬فأراد أهل البصرة أن ال يقسموا ألهل‬
‫الكوفة شي ًئا‪.‬‬
‫فقال رجل تميمي‪ :‬أيها األجدع! تريد أن تشاركنا في غنائمنا؟‬
‫فقال اعمار‪ :‬خير أذني سببت؛ فإنها أصيبت مع رسول اهلل ‘‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكتب في ذلك إلى عمر‪ ،‬فكتب عمر‪ :‬إن الغنيمة لمن شهد‬
‫الوقعة‪.‬‬
‫وعن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬رأيت عما ارا يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف‬
‫يصيح‪ :‬يا معشر المسلمين‪ ،‬أَ ِمن الحنة َت ِف ُّرون؟ أنا اعمار بن ياسر‪،‬‬
‫إلي‪ ،‬وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت‪ ،‬فهي َت َذ ْب َذب وهو يقاتل أشد‬
‫هلّموا ّ‬
‫القتال‪.‬‬
‫واعن اعبد اهلل بن أبي الهذيل؛ رأيت اعما ًرا اشترى قَ ًّتا بدرهم‪،‬‬
‫وحمله اعلى ظهره‪ ،‬وهو أمير الكوفة‪.‬‬
‫قُ ِتل يوم صفين سنة سبع وثالثين للهجرة واعمره ثالث وتسعون‬
‫سنة(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬سير أاعالم النبالء‪ 406/1( ،‬ــ ‪.)428‬‬
‫‪188‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫‪ 7‬تت المغيرة بن هش ْع َبة‬


‫من كبار الصحابة أولي الشجااعة والمكيدة‪ِ ،‬م َمن شهد بيعة‬
‫الرضوان‪ ،‬أسلم اعام الخندق‪ ،‬كان داهية‪ ،‬يقال له‪ :‬مغيرة الرأي‪.‬‬
‫مهيبا‪ ،‬ذهبت عينه يوم اليرموك‪ ،‬وقيل‪ :‬يوم القادسية‪.‬‬
‫ًل طوا اًل ا‬
‫كان رج ا‬
‫وقالت عائشة‪ :‬كسفت الشمس على عهد رسول اهلل ‘‪ ،‬فقام‬
‫المغيرة بن شعبة ينظر إليها‪ ،‬فذهبت اعينه‪.‬‬
‫قال ابن سعد‪ :‬كان المغيرة أصهب الشعر جدا‪ ،‬يفرق رأسه فرو اقا‬
‫مهتوما‪ ،‬ضخم الهامة‪ ،‬اعبل الذرااعين‪ ،‬بعيد ما‬
‫ً‬ ‫أربعة‪ ،‬أقلص الشفتين‪،‬‬
‫بين المنكبين‪.‬‬
‫كناني النبي ‘ بأبي اعيسى‪.‬‬
‫قال اعن نفسه‪ّ :‬‬
‫استعمله اعمر اعلى البحرين‪ ،‬ثم اعزله‪ ،‬ثم و َّاله البصرة‪ ،‬ثم و ّاله‬
‫معاوي ُة الكوف َة‪.‬‬
‫قاد وقعة أذربيجان سنة اثنين واعشرين‪ ،‬وافتتح َه َمذان َاع ْنو ًة‪.‬‬
‫لعلي حين قُتل اعثمان‪ :‬اقعد في بيتك وال‬
‫قال المغيرة بن شعبة ّ‬
‫تد ُع إلى نفسك؛ فإنك لو كنت في جحر بمكة لم يبايعوا غيرك‪.‬‬
‫وقال لعلي‪ :‬إن لم تطعني في هذه الرابعة ألعتزلنك‪ ،‬ابعث إلى‬
‫معاوية اعهده‪ ،‬ثم اخلعه بعد‪.‬‬
‫‪189‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫فلم يفعل‪ ،‬فااعتزله المغيرة باليمن‪.‬‬


‫وحج بالناس سنة أربعين‪ ،‬سنة انشغال المسلمين بأمر علي ومعاوية‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬كان دهاة الناس في الفتنة خمسة‪:‬‬
‫فمن قريش‪ :‬اعمرو‪ ،‬ومعاوية‪.‬‬
‫ومن األنصار‪ :‬قيس بن سعد‪.‬‬
‫ومن ثقيف‪ :‬المغيرة‪.‬‬
‫ومن المهاجرين‪ :‬اعبد اهلل بن بديل بن ورقاء الخزااعي‪.‬‬
‫فكان مع اعلي قيس وابن بديل‪ ،‬وااعتزل المغيرة بن شعبة‪.‬‬
‫قال المغيرة‪ :‬أنا آخر الناس اعه ًدا برسول اهلل ‘ لما دفن‪ ،‬خرج‬
‫اعلي بن أبي طالب من القبر‪ ،‬فألقيت خاتمي‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا الحسن‪،‬‬
‫خاتمي!‬
‫قال‪ :‬انزل فخذه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فمسحت يدي اعلى الكفن‪ ،‬ثم خرجت‪.‬‬
‫قال سماك بن سلمة‪ :‬أول من سلم اعليه باإلمرة المغيرة بن شعبة‪.‬‬
‫يعني‪ :‬قول المؤذن اعند خروج اإلمام إلى الصالة‪ :‬السالم اعليك‬
‫أيها األمير ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬
‫‪190‬‬
‫صحابة من ذوي اإلعاقات والحاجات‬

‫وقال الجمااعة‪ :‬مات أمير الكوفة المغيرة في سنة خمسين في‬


‫شعبان‪ ،‬وله سبعون سنة(‪.)1‬‬
‫ولو تتبعنا األسماء لوقفنا اعلى الكثيرين‪ ،‬ولكنا أردنا أن نقول‪ :‬إن‬
‫العجز لم يمنع هؤالء من أن يكونوا سادة ألقوامهم‪ ،‬واعلماء نفخر بهم‪،‬‬
‫وقادة نتعلم منهم‪ ،‬ومجاهدين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل إسالمهم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬السابق‪ 21/3( ،‬ــ ‪.)32‬‬
‫‪191‬‬
‫نماذج من آل البيت‬

‫نماذج من آل ابليت‬

‫شح في تسليط الضوء اعلى نماذج من آل البيت الذين‬ ‫ما زال هناك ّ‬
‫ابتًلهم اهلل باإلعاقة‪ ،‬ولم أجد ــ بعد طول بحث ــ إًل ألقا ابا تحمل معنى‬
‫اإلعاقة‪ ،‬مثل‪ :‬األطروش‪ ،‬واألعرج‪ ،‬واألحول‪ ،‬واألحدب‪ ،‬واألخرس‪...‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫وكانت المعلومات شحيحة ج ًّدا؛ إذ جاء ذكر هؤالء األاعالم في‬
‫معرض ذكر نسبهم الشريف‪ ،‬وانتسابهم إلى الدوحة المحمدية‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ عبد الل بن عباس‬


‫حبر األمة وترجمان القرآن‪ ،‬وفقيه العصر‪ ،‬وإمام التفسير‪ ،‬وابن‬
‫اعم رسول اهلل ‘‪ ،‬فقد بصره في الكبر في >آخر اعمره‪.‬‬
‫ّ‬
‫ال مع النبي ‘ فلم يعرفه‪ ،‬فسأل النبي‬
‫وروي اعنه أنه رأى رج ً‬
‫‘ اعنه‪ ،‬فقال له رسول اهلل ‘‪( :‬أرأيته)؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ ( :‬لك جبرئيل‪ ،‬أما إنك ستفقد بصرك)‪.‬‬
‫‪192‬‬
‫نماذج من آل البيت‬

‫فعمي بعد ذلك في آخر اعمره‪.‬‬


‫وهو القائل في ذلك فيما روي اعنه من وجوه‪:‬‬
‫ففتتي لَّتتاني وقلبتتي منممتتا نتتور‬ ‫إن يأختتذ الل متتن عينتتي نورهمتتا‬
‫(‪)1‬‬
‫وفي فمي صارم كالَّيف مأثور<‬ ‫قلبي كي وعقلتي ئيتر ي دخت ٍل‬
‫ولد بشعب بني هاشم قبل اعام الهجرة بثالث سنين‪.‬‬
‫شهرا‪ ،‬وحدث عنه بجملة صالحة‪.‬‬
‫نحوا من ثًلثين ا‬
‫صحب النبي ‘ ا‬
‫وله جماعة أوًلد‪ ،‬أكبرهم العباس‪ ،‬وبه كان يكنى‪ ،‬وعلي أبو‬
‫الخلفاء‪ ،‬وهو أصغرهم‪ ،‬والفضل‪ ،‬ومحمد‪ ،‬وعبيد اهلل‪ ،‬ولبابة‪ ،‬وأسماء‪.‬‬
‫مهيبا‪ ،‬كامل العقل‪ ،‬ذكي‬
‫ال‪ ،‬مديد القامة‪ً ،‬‬
‫وكان وسي ًما‪ ،‬جمي ً‬
‫النفس‪ ،‬من رجال الكمال‪.‬‬
‫وقال‪ :‬مسح النبي ‘ رأسي‪ ،‬وداعا لي بالحكمة‪.‬‬
‫وقال‪ :‬اللهم اعلمه تأويل القرآن‪.‬‬
‫وقال‪ :‬داعا لي رسول اهلل بالحكمة مرتين‪.‬‬
‫قال الزبير بن بكار‪ :‬توفي رسول اهلل ‘ وًلبن عباس ثًلث اعشرة‬
‫سنة‪.‬‬
‫وقد غزا إفريقية مع ابن أبي سرح‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬االستيعاب‪.)286/1( ،‬‬
‫‪193‬‬
‫نماذج من آل البيت‬

‫واعن طاووس قال‪ :‬ما رأيـت أحـ ًدا أشـد تعظي ًمـا لحرمـات اهلل مـن‬
‫ابن اعباس‪.‬‬
‫وقال‪ :‬لما توفي رسول اهلل ‘ قلت لرجل من األنصار‪ :‬هلم‬
‫نسأل أصحاب رسول اهلل ‘؛ فإنهم اليوم كثير‪.‬‬
‫وااعجبا لك يا ابن اعباس! أترى الناس يحتاجون إليك‪،‬‬
‫ً‬ ‫فقال‪:‬‬
‫وفي الناس من أصحاب النبي ‪ ‬من ترى؟‬
‫فترك ذلك‪ ،‬وأقبلت اعلى المسألة‪ ،‬فإن كان ليبلغني الحديث اعن‬
‫اعلي‬
‫الرجل‪ ،‬فآتيه وهو قائل‪ ،‬فأتوسد ردائي اعلى بابه‪ ،‬فتسفي الريح ّ‬
‫إلي‬
‫التراب‪ ،‬فيخرج‪ ،‬فيراني‪ ،‬فيقول‪ :‬يا ابن اعم رسول اهلل! أال أرسلت ّ‬
‫فآتيك؟‬
‫فأقول‪ :‬أنا أحق أن آتيك‪ ،‬فأسألك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس اعلي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬هذا الفتى أاعقل مني‪.‬‬
‫اعن سعيد بن جبير قال‪ :‬كان ناس من المهاجرين قد وجدوا اعلى‬
‫اعمر في إدنائه ابن اعباس دونهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكان يسأله‪.‬‬
‫فقال اعمر‪ :‬أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون فضله‪ ،‬فسألهم اعن‬
‫هذه السورة‪{ :‬ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ} [النصر‪.]1 :‬‬

‫‪194‬‬
‫نماذج من آل البيت‬

‫فقال بعضهم‪ :‬أمر اهلل نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين اهلل أفوا ًجا‬
‫أن يحمده ويستغفره‪.‬‬
‫فقال اعمر‪ :‬يا ابن اعباس‪ ،‬تكلم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أاعلمه متى يموت‪ ،‬أي‪ :‬فهي آيتك من الموت‪ ،‬فسبح بحمد‬
‫ربك واستغفره‪.‬‬
‫اعن الحسن قال‪ :‬كان ابن اعباس من اإلسالم بمنزل‪ ،‬وكان من‬
‫القرآن بمنزل‪ ،‬وكان يقوم اعلى منبرنا هذا‪ ،‬فيقرأ البقرة وآل اعمران‪،‬‬
‫فيفسرهما آية آية‪.‬‬
‫وكان اعمر ‪ ‬إذا ذكره قال‪ :‬ذلك فتى الكهول‪ ،‬له لسان سؤول‪،‬‬
‫وقلب اعقول‪.‬‬
‫قال ابن اعباس‪ :‬قال لي أبي‪ :‬يا بني! إن اعمر يدنيك‪ ،‬فاحفظ اعني‬
‫ثًل اثا‪ً :‬ل تفشين له سرا‪ ،‬وًل تغتابن عنده أح ادا‪ ،‬وًل يجربن عليك كذ ابا‪.‬‬
‫اعن طاووس قال‪ :‬ما رأيت أورع من ابن اعمر‪ ،‬وال أاعلم من ابن‬
‫اعباس‪.‬‬
‫اعن مجاهد قال‪ :‬كان ابن اعباس يسمى البحر؛ لكثرة اعلمه‪.‬‬
‫واعن مسروق قال‪ :‬كنت إذا رأيت ابن اعباس قلت‪ :‬أجمل الناس‪.‬‬
‫فإذا نطق قلت‪ :‬أفصح الناس‪.‬‬
‫فإذا تحدث قلت‪ :‬أاعلم الناس‪.‬‬
‫‪195‬‬
‫نماذج من آل البيت‬

‫اعلي لما بويع قال البن اعباس‪ :‬اذهب اعلى إمرة الشام‪.‬‬
‫وقد كان ّ‬
‫فقال‪ :‬كال‪ ،‬أقل ما يصنع بي معاوية إن لم يقتلني الحبس‪ ،‬ولكن‬
‫استعمله‪ ،‬وبين يديك اعزله بعد‪ ،‬فلم يقبل منه‪.‬‬
‫اعلي أن ال يولي أبا موسى يوم الحكمين وقال‪:‬‬
‫وكذلك أشار اعلى ّ‬
‫اعلي ذلك‪ ،‬فغلبوه اعلى رأيه‪.‬‬
‫ولني‪ ،‬أو فول األحنف‪ ،‬فأراد ّ‬
‫اعلي يوم صفين‪ :‬فكان اعلى الميسرة‬
‫قال أبو اعبيدة في تسمية أمراء ّ‬
‫ابن اعباس‪ ،‬ثم رد بعد إلى والية البصرة‪.‬‬
‫لما دفن ابن اعباس قال ابن الحنفية‪ :‬اليوم مات رباني هذه األمة‪.‬‬
‫وقد مات بالطائف‪.‬‬
‫قال اعلي بن المديني‪ :‬توفي ابن اعباس سنة ثمان أو سبع وستين‪.‬‬
‫وقال الواقدي‪ ،‬والهيثم‪ ،‬وأبو نعيم‪ :‬سنة ثمان‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬اعاش إحدى وسبعين سنة(‪.)1‬‬

‫‪ 2‬تت أبو سعيد األ ول بن عقيل بن أبي الب‬


‫أبو سعيد األحول هو اسمه‪ ،‬وأمه أم البنين بنت الثغر‪ ،‬قتل ولده‬
‫محمد بكربالء مع الحسين‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬للتوسع راجع‪ :‬سير أاعالم النبالء‪ 331/3( ،‬ــ ‪.)359‬‬
‫‪196‬‬
‫نماذج من آل البيت‬

‫وقيل‪ً :‬ل بقية له‪ ،‬وأخوه ألمه عروة بن نافع بن عتبة بن أبي وقاص‬
‫الزهري(‪.)1‬‬
‫‪ 3‬تت إسماعيل األعرج‬
‫أبو محمد إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي‬
‫السجاد بن الحسين السبط‪ ،‬بن علي بن أبي طالب‪ ،‬الهاشمي‪ ،‬المدني‪،‬‬
‫المعروف باألاعرج‪.‬‬
‫أمه فاطمة بنت الحسين األثرم بن الحسن بن اعلي بن أبي طالب‪.‬‬
‫وكان إسمااعيل أكبر أوالد الصادق‪.‬‬
‫شابا في حياة أبيه بالعريض سنة ثمان وثالثين ومائة‪ ،‬فحمل‬
‫توفي ًّ‬
‫اعلى رقاب الناس إلى البقيع‪.‬‬
‫وروي أن أباه حزن اعليه حز ًنا اعظي ًما‪ ،‬وتقدم سريره بغير حذاء وال‬
‫رداء‪ .‬وأمر بوضع سريره اعلى األرض قبل دفنه مرا ًرا كثيرة‪ ،‬وكان‬
‫يكشف اعن وجههه وينظر إليه‪.‬‬
‫وفي اإلسمااعيلية من يرى أن أباه أظهر موته تقية حتى ال يقصده‬
‫محضرا بذلك‪.‬‬
‫ا‬ ‫العباسيون بالقتل‪ ،‬ومن أجل ذلك أشهد على موته وكتب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬طبقات ابن سعد‪ ،)42/4( ،‬ومقاتل الطالبيين‪ ،‬ص (‪ ،)98‬وتلقيح فهوم أهل‬
‫األثر‪ ،‬ص (‪ ،)97‬ونسب قريش‪ ،‬ص (‪ ،)84‬وسير أاعالم النبالء‪،)218/1( ،‬‬
‫والتنبيه واإلشراف‪ ،‬ص (‪.)259‬‬
‫‪197‬‬
‫نماذج من آل البيت‬

‫وقد وردت في إسماعيل األعرج روايات تدل على مدحه وجاللته‪،‬‬


‫وأخرى في ذمه‪ ،‬ولكن المحققين ض ّعفوها‪.‬‬
‫وإلسمااعيل من األوالد المعقبين اثنان‪ :‬محمد‪ ،‬واعلي‪ ،‬وبنت هي‬
‫فاطمة‪.‬‬
‫ال‪.‬‬
‫ال جلي ً‬
‫وقيل‪ :‬كان محد ًثا فاض ً‬
‫ويعتبر جد الخلفاء الفاطميين‪ ،‬وتنتسب إليه الفرقة اإلسماعيلية‬
‫الباطنية(‪.)1‬‬
‫‪ 4‬تت األ روش‬
‫أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر األشرف بن‬
‫علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب‪ ،‬الملقب بـ(الناصر‬
‫الكبير) و(األطروش)‪.‬‬
‫كان شيخ الطالبيين واعالمهم‪.‬‬
‫وهو ثالث ملوك الدولة العلوية بطبرستان‪.‬‬
‫ويعرف اعقبه بـ(بني الناصر)‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الشجرة المباركة‪ ،‬ص (‪ ،)115‬والفائق في رواة وأصحاب اإلمام الصادق‪،‬‬
‫(‪ ،)161/1‬وتهذيب المقال‪ 456/1( ،‬ــ ‪ ،)458‬ورجال الشيخ الطوسي‪ ،‬ص‬
‫(‪ ،)159‬وسير أاعالم النبالء‪ ،)269/6( ،‬والوافي بالوفيات‪ 62/9( ،‬ــ ‪،)64‬‬
‫واألاعالم‪ 311/1( ،‬ــ ‪.)312‬‬
‫‪198‬‬
‫نماذج من آل البيت‬

‫عالم مشارك في التفسير والكًلم والفقه والحديث واألدب واألخبار‬


‫واللغة‪ ،‬والشعر‪.‬‬
‫مولده بالمدينة‪ ،‬وقد اتفق الزيدية واإلمامية اعلى نعته باإلمامة‪،‬‬
‫وتجاذباه‪.‬‬
‫أقام ثالث اعشرة سنة ببالد الديلم‪ ،‬وكان أهلها مجو ًسا‪ ،‬فأسلم‬
‫منهم اعدد وافر‪ ،‬وبنى في بالدهم المساجد‪.‬‬
‫ثم ألف منهم جي ًشا وزحف به إلى طبرستان‪ ،‬فاستولى اعليها سنة‬
‫‪ 301‬هـ‪ ،‬ولقب بالناصر‪.‬‬
‫وكان يداعى (األطروش) لصمم أصابه من ضربة سيف في معركة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ضرب بالسياط فطرش‪.‬‬
‫صفت له األيام ثالث سنوات وتوفي في طبرستان سنة أربع‬
‫وثالثمائة‪.‬‬
‫لم ير الناس مثل اعدله وحسن سيرته وإقامته الحق(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تاريخ الطبري‪ ،)679/5( ،‬والفخري في أنساب الطالبيين‪ ،‬ص (‪،)204‬‬
‫والشجرة المباركة‪ ،‬ص (‪ 136‬ــ ‪ ،)137‬والكنى واأللقاب‪ ،)232/3( ،‬والوافي‬
‫بالوفيات‪ 69/12( ،‬ــ ‪ ،)70‬وسمط النجوم العوالي‪ ،)137/4( ،‬واألاعالم‪،‬‬
‫(‪.)200/2‬‬
‫‪199‬‬
‫نماذج من آل البيت‬

‫‪ 5‬تت عبيد الل بن الحَّين األعرج‬


‫اعبيد اهلل بن الحسين األصغر بن اعلي زين العابدين بن الحسين‬
‫السبط بن اعلي بن أبي طالب‪ ،‬الهاشمي‪ ،‬المدني‪.‬‬
‫أمه أم خالد بنت حسن بن مصعب بن الزبير بن العوام‪.‬‬
‫ويكنى أبا اعلي‪.‬‬
‫وكان في إحدى رجليه نقص؛ فلذا سمي األاعرج‪.‬‬
‫وفد اعلى أبي العباس السفاح‪ ،‬فأقطعه ضيعة بالمدائن تغل في‬
‫السنة ثمانين ألف دينار‪.‬‬
‫سما فمات منه‪.‬‬
‫قيل‪ :‬إن أبا مسلم دس إليه ًّ‬
‫لكن لم يثبت‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬مات في حياة أبيه اعن سبع وثالثين سنة‪.‬‬
‫وانقسم اعقبه بطو ًنا وأفخا ًذا واعشائر‪.‬‬
‫إماما من أئمة آل‬
‫واعقبه من أربعة من البنين‪ :‬جعفر الحجة‪ ،‬كان ً‬
‫محمد يسمونه بـ(الحجة)‪.‬‬
‫ومحمد األكبر المعروف بـ(الجواني)‪ ،‬والجوانية قرية بالمدينة‪.‬‬
‫وحمزة بالكوفة‪ ،‬وكان من أهل الفضل والدين‪.‬‬
‫واعلي أبو الحسن األكبر العابد(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مقاتل الطالبيين‪ ،‬ص (‪ ،)159‬والشجرة المباركة‪ ،‬ص (‪ ،)162‬ومعجم رجال‬
‫الحديث‪ ،)76/12( ،‬وسمط النجوم العوالي‪ 137/4( ،‬ــ ‪.)138‬‬
‫‪200‬‬
‫الخلفاء يسيرون على أثرالنبي ‘ وصحابته وآله‬

‫اخللفاء يسريون ىلع أثر انليب ‘ وصحابته وآهل‬

‫كانت المعالم النبوية بارزة في التعامل مع ذوي اإلعاقات‬


‫واالحتياجات الخاصة‪ ،‬وقد تحرك الخلفاء اعلى نهج الرسول ‘ وآله‬
‫وصحبه في وجوب تكفل الحاكم براعاية ذوي اإلاعاقات واالحتياجات‬
‫ونفسيا‪ ،‬والعمل اعلى قضاء‬
‫ًّ‬ ‫واقتصاديا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫واجتمااعيا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫صحيا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫الخاصة‬
‫حوائجهم‪ ،‬وس ِّد احتياجاتهم‪.‬‬
‫ومن الخلفاء الذين كان لهم اهتمام بذوي اإلاعاقات واالحتياجات‬
‫الخليفة األموي الوليد بن اعبد الملك ــ ‪ ،‬فهو صاحب فكرة إنشاء‬
‫معاهد أو مراكز راعاية لذوي اإلاعاقة واالحتياجات الخاصة‪ ،‬فأنشأ‬
‫مؤسسة متخصصة في راعايتهم‪ ،‬و ّظف فيها األطباء والخدام‪ ،‬وأجرى‬
‫راتبا دوريًّا لذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬وقال لهم‪:‬‬
‫لهم الرواتب‪ ،‬ومنح ً‬
‫(ال تسألوا الناس)‪ ،‬وبذلك أغناهم اعن سؤال الناس‪ ،‬واعين موظ ًفا‬
‫لخدمة كل مقعد أو كسيح أو ضرير‪.‬‬
‫إسحاق بن قبيصة الخزااعي ديوان الزمنى بدمشق‬
‫َ‬ ‫ولما ولّى الولي ُد‬
‫الز ِمن أحب إلى أهله من الصحيح‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ألداعن ّ‬
‫وكان يؤتى بالز ِمن حتى يوضع في يده الصدقة‪.‬‬
‫ومن بعده كان الخليفة الراشد اعمر بن اعبد العزيز ‪ ‬الذي‬
‫إلي ُك َّل أاعمى في الديوان‪ ،‬أو‬
‫أصدر قرا ًرا إلى الواليات‪ :‬أن ارفعوا َّ‬
‫‪201‬‬
‫الخلفاء يسيرون على أثرالنبي ‘ وصحابته وآله‬

‫قعد‪ ،‬أو َمن به فالج‪ ،‬أو َمن به َز َمانة تحول بينه وبين القيام إلى الصالة‪.‬‬
‫ُم َ‬
‫فرفعوا إليه‪ ،‬وأمر لكل كفيف بموظف يقوده ويراعاه‪ ،‬وأمر لكل‬
‫اثنين من ال َّز ْمنَى ــ من ذوي االحتياجات ــ بخادمٍ يخدمه ويراعاه‪.‬‬
‫وقد كان اإلمام أبو حنيفة قد وضع تشري ًعا يقضي بأن بيت مال‬
‫المسلمين مسئول اعن النفقة اعلى المعوقين‪.‬‬
‫وقد أنشأ الخليفة المأمون مآ ٍو للعميان والنساء العاجزات في بغداد‬
‫والمدن الكبيرة‪.‬‬
‫أما في العصر المملوكي فإننا نجد السلطان قالوون يُ ِ‬
‫نشئ مارستا ًنا‬
‫ــ ما زالت بقاياه موجودة حتى اآلن وتحمل اسمه ــ كان المريض يلقى‬
‫الراعاية واالهتمام مدة وجوده بالمستشفى‪ ،‬ويُعطى المريض بعد خروجه‬
‫بعض المال؛ حتى ال يضطر للعمل في فترة نقاهته‪.‬‬
‫وقد كتب كثير من اعلماء المسلمين اعن المعاقين مما يدل اعلى‬
‫اهتمامهم بهم مثل‪ :‬الرازي الذي صنف (درجات فقدان السمع)‪،‬‬
‫وشرح ابن سينا أسباب حدوث الصمم‪.‬‬
‫ولعل الكًلم يطول عن روائع الحضارة اًلسًلمية في هذا المجال‪،‬‬
‫ويمكن العودة إلى ذلك في كتاب (من روائع حضارتنا) للدكتور مصطفى‬
‫السبااعي ــ ‪.)1(‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر تلك المقاالت‪ :‬محمود القلعاوي‪ :‬نظرة إسالمية اعلى ذوي االحتياجات الخاصة‪،‬‬
‫شبكة صيد الفوائد‪ ،‬ومحمد مسعد ياقوت‪ :‬رحمة النبي ‘ بذوي االحتياجات‬
‫والمعوقون بــين محمــد وأفـالطــون‪ ،‬وكيف تعامل اإلسالم مع المعاقين؟‬
‫ّ‬ ‫الخاصة‪،‬‬
‫‪202‬‬
‫ذوو اإلعاقة واالحتياجات الخاصة ودمجهم في املجتمع‬

‫ذوو اإلقاعاة واالحتياجات اخلاصة ودجمهم يف املجتمع‬

‫المجتمع البشري لكي ينهض ويقوم بدوره في إعمار األرض يحتاج‬


‫كل طاقات أبنائه‪.‬‬
‫فما من إنسان إال وله دور يستطيع أن يؤديه في المجتمع‪ ،‬ولكن‬
‫اعلى قادة المجتمعات أن يبحثوا اعن الطاقات ويفجروها‪.‬‬
‫وهناك من بني اإلنسان من يستقل نفسه ومواهبه‪ ،‬أو باألحرى ال‬
‫يفتش في ذاته اعن مواهبه‪ ،‬فهذا يحتاج من يأخذ بيده لكي يكون لبنة‬
‫صالحة ونافعة في المجتمع‪.‬‬
‫يكل وال يمل من إفادة المجتمع‪ ،‬بل‬‫وهناك من بني اإلنسان من ال ّ‬
‫ضا عنه وعن مواهبه ومميزاته‪.‬‬
‫ويحارب إن وجد من المجتمع صدو ادا وإعرا ا‬
‫ضا من شرائح‬ ‫ولقد لفت انتباهنا نبينا محمد ‘ إلى أن بع ً‬
‫المجتمع ممن نظن أنهم اعالة اعليه وأنهم ال يفيدون اآلخرين بجلب‬
‫ال اعن دفع الضر‪ ،‬أن نفعهم للمجتمع يتجاوز حدود ما يمكننا‬
‫النفع فض ً‬
‫تصوره؛ فهؤالء الضعفة والعجزة والمرضى بهم يرزق الجميع‪ ،‬وبهم‬
‫ينزل النصر‪.‬‬
‫‪203‬‬
‫ذوو اإلعاقة واالحتياجات الخاصة ودمجهم في املجتمع‬

‫إذن فال غنى بطبقة اعن األخرى‪ ،‬وال فضل لطبقة اعلى أخرى إال‬
‫باإليمان والعمل الصالح‪.‬‬
‫وقد رأينا كيف أن األمم السابقة كانت تزدري الضعفة وذوي‬
‫االحتياجات‪ ،‬حتى وصل الحال في إسبرطة إلى قتلهم‪ ،‬ولم ينته األمر‬
‫وظننا أن ما حدث سطر من سطور التاريخ قد ُكتب ولن يعاد مرة‬
‫أخرى‪ ،‬ولكننا وجدنا هتلر ونظامه يقدم اعلى ما أقدم اعليه األقدمون من‬
‫قتل ذوي االحتياجات والمرضى‪.‬‬
‫ولكن مسار التاريخ اإلسالمي يختلف اختال ًفا واض ًحا اعن هاتيك‬
‫المسارات التاريخية قديمها وحديثها؛ حيث وجدنا االهتمام بذوي‬
‫اإلاعاقات واالحتياجات من جميع النواحي‪.‬‬
‫فرسول اهلل ‘ جعل منهم أئمة ومعلمين وهداة وسفراء لنشر‬
‫اإلسالم وتعليم الناس الخير‪.‬‬
‫ضا ــ األمراء الذين‬
‫لقد أنزلهم منازلهم الًلئقة بهم‪ ،‬وجعل منهم ــ أي ا‬
‫يسوسون الناس‪.‬‬
‫وقد رأينا كيف أن بعض الخلفاء كانت بهم إاعاقات واعاهات‪،‬‬
‫ولكن ذلك لم يمنع من توليتهم ذمام األمور وقيادة الشعوب‪.‬‬
‫ورأينا اآلل واألصحاب والعلماء واألدباء وال ُكتاب والشعراء‬
‫والخطباء والداعاة واألئمة‪ ،‬وقد سبق أن ضربنا األمثلة‪.‬‬
‫‪204‬‬
‫ذوو اإلعاقة واالحتياجات الخاصة ودمجهم في املجتمع‬

‫ضا من هؤالء؛ فهذا الخليفة هشام بن‬ ‫وال ضير لو ذكرنا بع ً‬


‫اعبد الملك‪ ،‬وهذا بشار بن برد‪ ،‬وهذا أبو العالء المعري‪ ...‬وغيرهم‬
‫كثير ممن ذكرنا وممن لم نذكر‪.‬‬
‫فالمجتمع المسلم حاول دمج هؤالء في الحياة الثقافية والسياسية‬
‫واالجتمااعية واالقتصادية‪ ....‬إلخ‪.‬‬
‫وإذا حدث قصور في بعض األحيان فهذا ما ًل يرضاه منهج اإلسالم‬
‫وال يقبله‪ ،‬واعلى الجميع تدارك القصور الواقع تجاه ذوي اإلاعاقات‬
‫واالحتياجات الخاصة‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫ذوو اإلعاقة واالحتياجات الخاصة والبناء الحضاري لألمة‬

‫ذوو اإلقاعاة واالحتياجات اخلاصة وابلناء احلضاري لألمة‬

‫والبناء الحضاري درجة أاعلى من الدمج في المجتمع وإفادته‪،‬‬


‫ولكن التفااعل هنا يبلغ ذروته بأن يكون لهؤالء دور في البناء الحضاري‬
‫ثانيا‪.‬‬
‫لألمة أو ًال‪ ،‬ثم البناء الحضاري لإلنسانية ً‬
‫ومن المعلوم أن هناك أم ًما خاملة ال تشارك في البناء الحضاري‬
‫اإلنساني؛ فهي تستفيد من اآلخرين‪ ،‬وال تقدم إال القليل‪.‬‬
‫وهناك أمم لها فضلها اعلى الحضارة اإلنسانية‪ ،‬وأمة اإلسالم من‬
‫األمم التي حملت مشعل الحضارة‪ ،‬وسارت به حقبة مديدة من الزمن‪.‬‬
‫ولم يتوقف األمر اعندها بمجرد دمج ذوي اإلاعاقات واالحتياجات‬
‫صا يتم التبرك بهم‪ ،‬بل لقد‬
‫الخاصة في المجتمع‪ ،‬أو ااعتبارهم أشخا ً‬
‫ال في البناء الحضاري لألمة‪.‬‬
‫اعنصرا فااع ً‬
‫ً‬ ‫كانوا‬
‫فلو اعددنا العلماء الذين كانوا من ذوي اإلاعاقات واالحتياجات‬
‫الخاصة وأثروا المكتبة العلمية بشتى أنوااعها ومجاالتها بما يعجز اعنه‬
‫أولو األبصار لما حصرناهم‪.‬‬
‫والحديث اعن إسهامات ذوي اإلاعاقات واالحتياجات الخاصة في‬
‫‪206‬‬
‫ذوو اإلعاقة واالحتياجات الخاصة والبناء الحضاري لألمة‬

‫البناء الحضاري يطول‪ ،‬والمتصفح لكتابنا يرى كيف أن اإلسالم أوصى‬


‫بهم وحرص اعليهم‪ ،‬ولم يعمل اعلى نبذهم أو التخلص منهم‪ ،‬بل قبل‬
‫اعذرهم ورفع الحرج اعنهم‪ ،‬ولكنه في التطبيق العملي وجدنا كيف‬
‫استعان بهم رسول اهلل والخلفاء من بعده‪.‬‬
‫والنماذج التي سقناها توضح لنا ما نرمي إليه ونقصد‪...‬‬
‫واألمة لن تعود إلى سابق اعهدها ومجدها إال باالهتمام بالجميع‬
‫بكل فئاتهم وطبقاتهم‪ ،‬مع زيادة االهتمام بأصحاب اإلاعاقات‬
‫واالحتياجات الخاصة؛ حتى يكونوا ثمرة نافعة للجميع‪.‬‬
‫لقد رأينا من المعاقين فاقدي األيدي من يكون موهو ًبا في الرسم‬
‫بقدمه‪...‬‬
‫ورأينا من المعاقين فاقدي األرجل من يسبح ويقطع المسافات الطويلة‬
‫في البحور‪.‬‬
‫ورأينا من المعاقين الفنانين والمطربين والمغنين‪...‬‬
‫ورأينا من المعاقين قراء القرآن الذين أوتوا مزما ارا من مزامير داود‪...‬‬
‫صدق من قال‪> :‬كل ذي اعاهة جبار<‪...‬‬
‫جبار ألنه تحدى اإلاعاقة‪....‬‬
‫ًل‪.‬‬
‫جبار ألنه حاول أن يثبت للمجتمع أنه ليس عالة عليهم أو كما مهم ا‬
‫جبار ألنه فعل ما لم يفعله األصحاء األقوياء ذوو األعضاء السليمة‪.‬‬
‫‪207‬‬
‫خاتمة‬

‫‪5‬‬

‫نستنتج مما سبق‪:‬‬


‫‪ 1‬ــ رحمة النبي ‘ وآله وأصحابه بأصحاب األاعذار وشفقتهم‬
‫اعليهم‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ طلب الصبر على قضاء اهلل فيما يحل على اإلنسان من البًليا‪.‬‬
‫الناس أمور الدين‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ استعمال بعض أصحاب األاعذار في تعليم ّ‬
‫‪ 4‬ــ ثقته ‘ في بعضهم بأن يكون مكانه ‘ في إمامة المسلمين‬
‫إبان غزواته‪.‬‬
‫فح َسن الصوت يجعله‬
‫‪ 5‬ــ استفادته ‘ من قدرات بعضهم‪َ ،‬‬
‫خطيبا له ‘‪.‬‬
‫لألذان واإلمامة‪ ،‬والمفوه بالكالم يجعله ً‬
‫‪ 6‬ــ دمجهم في المجتمع‪ ،‬وكسر حاجز العزلة اعنهم‪ ،‬ورفع‬
‫الحاجز النفسي بينهم وبين اآلخرين‬
‫‪ 7‬ــ اعدم الوقوف ضد رغباتهم اعند أخذهم بالعزائم في طااعة اهلل‬
‫‪.‬‬
‫‪ 8‬ــ الداعاء لهم‪ ،‬وزف البشرى لهم بالجنان‪.‬‬
‫‪208‬‬
‫خاتمة‬

‫ال إلى معالجتهم فعل ذلك‪ ،‬ولم يتأخر‪.‬‬


‫‪ 9‬ــ إن وجد سبي ً‬
‫‪ 10‬ــ السؤال اعنهم وتفقدهم‪.‬‬
‫‪ 11‬ــ توليتهم المناصب الرفيعة‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ الصحابة لم تقهرهم اإلاعاقة‪ ،‬ولم يقعدوا اعن نشر اإلسالم‪،‬‬
‫ونفع المجتمع‪.‬‬
‫‪ 13‬ــ لم تمنع اإلاعاقة بعض اآلل أن ينالوا السيادة والشرف‪.‬‬
‫‪ 14‬ــ كان لإلعاقة أحكامها الخاصة بها عند فقهاء اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫‪ 15‬ــ خفض الجناح للمعاقين واعدم التكبر اعليهم‪.‬‬
‫‪ 16‬ــ العاهات واإلاعاقات قد تصيب اإلنسان في أية مرحلة من‬
‫مراحل اعمره؛ فعليه أن يوطن نفسه ويهيئها لذلك‪.‬‬
‫‪ 17‬ــ شكر اهلل اعلى نعمائه‪ ،‬وطلب المعافاة من الباليا واألسقام‬
‫واألمراض‪.‬‬
‫‪ 18‬ــ اًلستفادة من طاقات ذوي اإلعاقات واًلحتياجات الخاصة‪.‬‬
‫‪ 19‬ــ مشاركتهم في البناء الحضاري لألمة‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫املصادر واملراجع‬

‫* إبراهيم مصطفى وأحمد الزيات وحامد اعبد القادر ومحمد النجار‪ :‬المعجم‬
‫الوسيط‪ ،‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬دار الداعوة‪.‬‬
‫* أبو القاسم الموسوي الخوئي‪ :‬معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات‬
‫الرواة‪ ،‬مؤسسة اإلمام الخوئي اإلسالمية‪ ،‬مكتبة اإلمام الخوئي‪ ،‬النجف األشرف‪.‬‬
‫* أبو العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر البوصيري‪ :‬إتحاف الخيرة‬
‫المهرة بزوائد المسانيد العشرة‪ ،‬تحقيق‪ :‬دار المشكاة للبحث العلمي بإشراف أبي‬
‫تميم ياسر بن إبراهيم‪ ،‬تقديم‪ :‬فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد اعبد الكريم‪ ،‬دار‬
‫الوطن للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪1420 ،‬هـ ــ ‪1999‬م‪.‬‬
‫* أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي‪ :‬دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب‬
‫الشريعة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫* أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي‪ :‬السنن الكبرى‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫اعبد القادر اعطا‪ ،‬مكتبة دار الباز‪ ،‬مكة المكرمة‪1414 ،‬هـ ــ ‪1994‬م‪.‬‬
‫* أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي‪ :‬شعب اإليمان‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد السعيد‬
‫بسيوني زغلول‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫* أحمد بن شعيب أبو اعبد الرحمن النسائي‪ :‬السنن الكبرى‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬اعبد الغفار سليمان البنداري‪ ،‬سيد كسروي حسن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1411 ،‬هـ ــ ‪1991‬م‪.‬‬
‫* أبو نعيم أحمد بن اعبد اهلل بن أحمد األصبهاني‪ :‬معرفة الصحابة‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫اعادل بن يوسف العزازي‪ ،‬دار الوطن للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪1419 ،‬هـ ــ‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* أحمد بن اعلي القلقشندي‪ :‬صبح األاعشى في صنااعة اإلنشا‪ ،‬تحقيق‪:‬‬


‫د‪ .‬يوسف اعلي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولى‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫* أبو بكر أحمد بن اعلي بن ثابت الخطيب البغدادي‪ :‬الجامع ألخالق الراوي‬
‫وآداب السامع‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمود الطحان‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫* أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقًلني الشافعي‪ :‬اإلصابة في تمييز‬
‫الصحابة‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫* أحمد بن اعلي بن حجر أبو الفضل العسقالني الشافعي‪ :‬فتح الباري شرح‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد اعبد الباقي ومحب الدين الخطيب‪ ،‬دار‬
‫المعرفة‪ ،‬بيروت‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫* أبو بكر أحمد بن اعمرو بن اعبد الخالق البزار‪ :‬البحر الزخار‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محفوظ الرحمن زين اهلل‪ ،‬واعادل بن سعد‪ ،‬وصبري اعبد الخالق الشافعي‪ ،‬مكتبة‬
‫العلوم والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة األولى‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫* أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري‪ :‬مجمع األمثال‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد محيى الدين اعبد الحميد‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫السنِّي<‪ :‬اعمل اليوم والليلة‬
‫* أحمد بن محمد بن إسحاق‪ ،‬المعروف بـ>ابن ُّ‬
‫سلوك النبي مع ربه ‪ ‬ومعاشرته مع العباد‪ ،‬تحقيق‪ :‬كوثر البرني‪ ،‬دار القبلة للثقافة‬
‫اإلسالمية ومؤسسة اعلوم القرآن‪ ،‬جدة ‪ /‬بيروت‪.‬‬
‫* أحمد بن محمد بن حنبل‪ ،‬أبو اعبد اهلل الشيباني‪ :‬مسند اإلمام أحمد بن‬
‫حنبل‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫* أبو العباس أحمد بن محمد بن اعلي الفيومي‪ :‬المصباح المنير في غريب‬
‫الشرح الكبير‪ ،‬المكتبة العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن اعجيبة‪ :‬البحر المديد في تفسير‬
‫القرآن المجيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد اعبد اهلل القرشي رسالن‪ ،‬الناشر‪ :‬الدكتور حسن اعباس‬
‫زكي‪ ،‬القاهرة‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪211‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* أبو طالب إسمااعيل بن الحسين بن محمد المروزي األزوقاني‪ :‬الفخري في‬


‫أنساب الطالبيين‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬إشراف‪ :‬السيد محمود المراعشي‪،‬‬
‫مكتبة آية اهلل العظمى المراعشي النجفي العامة‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1409 ،‬هـ ق‪.‬‬
‫* إسمااعيل بن حماد الجوهري‪ :‬الصحاح‪ ،‬تاج اللغة وصحاح العربية‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬أحمد اعبد الغفور اعطار‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬
‫‪1407‬ه ــ ‪1987‬م‪.‬‬
‫* أبو الفداء إسمااعيل بن اعمر بن كثير القرشي الدمشقي‪ :‬تفسير القرآن‬
‫العظيم‪ ،‬تحقيق‪ :‬سامي بن محمد سالمة‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1420‬هـ ــ ‪1999‬م‪.‬‬
‫* الحارث بن أبي أسامة والحافظ نور الدين الهيثمي‪ :‬بغية الباحث اعن زوائد‬
‫مسند الحارث‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬حسين أحمد صالح الباكري‪ ،‬مركز خدمة السنة والسيرة‬
‫النبوية‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة األولى‪1413 ،‬هـ ــ ‪1992‬م‪.‬‬
‫* الحسن بن اعبد اهلل بن سهل أبو هالل العسكري‪ :‬جمهرة األمثال‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد أبو الفضل إبراهيم واعبد المجيد قطامش‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫* حسن القبانجي‪ :‬مسند اإلمام اعلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬طاهر السالمي‪ ،‬مؤسسة‬
‫األاعلمي للمطبواعات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1421 ،‬هـ ــ ‪2000‬م‪.‬‬
‫* حسين الشاكري‪ :‬سيرة اإلمام جعفر الصادق ‪ ،‬نشر الهادي‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ 1417 ،‬ه‪ .‬ق‪.‬‬
‫* حسين بن محمد بن الحسن ال ِّديار بَ ْكري‪ :‬تاريخ الخميس في أحوال أنفس‬
‫النفيس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي‪ :‬معالم التنزيل‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه‪:‬‬
‫محمد اعبد اهلل النمر ــ اعثمان جمعة ضميرية ــ سليمان مسلم الحرش‪ ،‬دار طيبة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1417 ،‬هـ ــ ‪1997‬م‪.‬‬
‫* صالح الدين خليل بن أيبك الصفدي‪ :‬نكت الهميان في نكت العميان‪ ،‬اعلق‬
‫‪212‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫اعليه ووضع حواشيه‪ :‬مصطفى اعبد القادر اعطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1428 ،‬هـ ــ ‪2007‬م‪.‬‬
‫* صالح الدين خليل بن أيبك بن اعبد اهلل الصفدي‪ :‬الوافي بالوفيات‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬أحمد األرناؤوط وتركي مصطفى‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪1420 ،‬هـ ــ‬
‫‪2000‬م‪.‬‬
‫* أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي‪ :‬معالم السنن‪ ،‬المطبعة‬
‫العلمية‪ ،‬حلب‪ ،‬الطبعة األولى‪1351 ،‬هـ ــ ‪1932‬م‪.‬‬
‫* خير الدين الزركلي‪ :‬األاعالم قاموس تراجم ألشهر الرجال والنساء من‬
‫العرب والمستعربين والمستشرقين‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الخامسة‪،‬‬
‫أيار (مايو) ‪1980‬م‪.‬‬
‫* أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني‪ :‬المعجم األوسط‪ ،‬تحقيق‪ :‬طارق بن‬
‫اعوض اهلل بن محمد واعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني‪ ،‬دار الحرمين‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫* سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني‪ :‬المعجم الكبير‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫حمدي بن اعبد المجيد السلفي‪ ،‬مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬الموصل‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1404‬هـ ــ ‪1983‬م‪.‬‬
‫* سليمان بن األشعث أبو داود السجستاني األزدي‪ :‬سنن أبي داود‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد محيي الدين اعبد الحميد‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي‬
‫الباجي األندلسي‪ :‬المنتقى شرح الموطا‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1332‬هـ‪.‬‬
‫* سيد قطب إبراهيم‪ :‬في ظالل القرآن‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬بيروت‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫الطبعة السابعة اعشرة‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫* اعباس القمي‪ :‬الكنى واأللقاب‪ ،‬مكتبة الصدر‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫‪213‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* اعبد الحسين الشبستري‪ :‬الفائق في رواة وأصحاب اإلمام الصادق ‪،‬‬


‫مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬التابعة لجمااعة المدرسين بقم المشرفة‪.‬‬
‫* أبو القاسم اعبد الرحمن بن اعبد اهلل بن أحمد السهيلي‪ :‬الروض األنف في‬
‫تفسير السيرة النبوية البن هشام‪ ،‬قدم له واعلق اعليه وضبطه‪ :‬طه اعبد الرءوف سعد‪،‬‬
‫مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫* اعبد الرحمن بن أبي بكر جالل الدين السيوطي‪ :‬الدر المنثور‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫* جمال الدين أبو الفرج اعبد الرحمن بن الجوزي‪ :‬تلقيح فهوم أهل األثر في‬
‫اعيون التاريخ والسير‪ ،‬شركة دار األرقم بن أبي األرقم‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫* أبو محمد اعبد الرحمن بن محمد الرازي (ابن أبي حاتم)‪ :‬تفسير القرآن‬
‫العظيم البن أبي حاتم‪ ،‬تحقيق‪ :‬أسعد محمد الطيب‪ ،‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪،‬‬
‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫* أبو بكر اعبد الرزاق بن همام الصنعاني‪ :‬مصنف اعبد الرزاق‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫حبيب الرحمن األاعظمي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫* اعبد اهلل بن المبارك بن واضح المرزوي‪ :‬الزهد‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن‬
‫األاعظمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* أبو بكر اعبد اهلل بن محمد بن أبي شيبة الكوفي‪ :‬المصنف في األحاديث‬
‫واآلثار‪ ،‬تحقيق‪ :‬كمال يوسف الحوت‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1409‬هـ‪.‬‬
‫* أبو محمد اعبد اهلل بن مسلم بن قتيبة الدينوري‪ :‬اعيون األخبار‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫* اعبد الملك بن حسين بن اعبد الملك العصامي المكي‪ :‬سمط النجوم‬
‫العوالي في أنباء األوائل والتوالي‪ ،‬تحقيق‪ :‬اعادل أحمد اعبد الموجود واعلي محمد‬
‫‪214‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫معوض‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1419 ،‬هـ ــ ‪1998‬م‪.‬‬


‫* اعبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الخركوشي‪ ،‬أبو سعد‪ :‬شرف‬
‫المصطفى‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬مكة‪ ،‬الطبعة األولى‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫* اعبد الملك بن محمد بن إسمااعيل أبو منصور الثعالبي‪ :‬تحسين القبيح‬
‫وتقبيح الحسن‪ ،‬تحقيق‪ :‬نبيل اعبد الرحمن حياوي‪ ،‬دار األرقم بن أبي األرقم‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫* أبو الحسن اعلي بن إبراهيم القمي‪ :‬تفسير القمي‪ ،‬صححه واعلق اعليه وقدم‬
‫له‪ :‬السيد طيب الموسوي الجزائري‪ ،‬مؤسسة دار الكتاب‪ ،‬قم‪ ،‬إيران‪1387 ،‬هـ‪.‬‬
‫* اعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري‪ :‬الفصل في الملل واألهواء‬
‫والنحل‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫* أبو الحسن اعلي بن الحسين بن اعلى المسعودي‪ :‬التنبيه واإلشراف‪،‬‬
‫تصحيح‪ :‬اعبد اهلل إسمااعيل الصاوي‪ ،‬دار الصاوي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫* اعلي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم المرواني األموي القرشي‪،‬‬
‫أبو الفرج األصبهاني‪ :‬مقاتل الطالبيين‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد أحمد صقر‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫* اعالء الدين اعلي بن محمد بن إبراهيم بن اعمر الشيحي أبو الحسن‪،‬‬
‫المعروف بالخازن‪ :‬لباب التأويل في معاني التنزيل‪ ،‬تصحيح‪ :‬محمد اعلي شاهين‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫* نور الدين اعلي بن أبي بكر الهيثمي‪ :‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1408 ،‬هـ ــ ‪1988‬م‪.‬‬
‫* أبو الحسن اعلي بن خلف بن اعبد الملك بن بطال البكري القرطبي‪ :‬شرح‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبي تميم ياسر بن إبراهيم‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1423 ،‬هـ ــ ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪215‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* أبو الحسن اعلي بن محمد بن اعبد الكريم (ابن األثير)‪ :‬أسد الغابة‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬اعادل أحمد الرفااعي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1417‬هـ ــ ‪1996‬م‪.‬‬
‫* أبو الحسن اعلي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي‪ ،‬الشهير‬
‫بالماوردي‪ :‬تفسير الماوردي (النكت والعيون)‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد بن اعبد المقصود بن‬
‫اعبد الرحيم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* اعلي بن (سلطان) محمد‪ ،‬أبو الحسن نور الدين المال الهروي القاري‪:‬‬
‫مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1422 ،‬هـ‬
‫ــ ‪2002‬م‪.‬‬
‫* أبو الحسن اعلي بن مهدي الطبري المامطيري‪ :‬نزهة األبصار ومحاسن‬
‫اآلثار‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باقر المحمودي‪ ،‬المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب‬
‫اإلسالمية‪1430 ،‬ق ــ ‪2009‬م ــ ‪1387‬ش‪.‬‬
‫* أبو حفص اعمر بن اعلي بن اعادل الدمشقي الحنبلي‪ :‬تفسير اللباب‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* اعمرو بن أبي اعاصم الضحاك الشيباني‪ :‬السنة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ناصر الدين‬
‫األلباني‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1400 ،‬هـ‪.‬‬
‫* اعمرو بن بحر بن محبوب‪ ،‬أبو اعثمان الجاحظ‪ :‬البرصان والعرجان‬
‫والعميان والحوالن‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫* أبو الفضل القاضي اعياض بن موسى اليحصبي‪ :‬ترتيب المدارك وتقريب‬
‫المسالك‪ ،‬تحقيق‪ :‬ابن تاويت الطنجي‪ ،‬واعبد القادر الصحراوي‪ ،‬ومحمد بن شريفة‪،‬‬
‫وسعيد أحمد أاعراب‪ ،‬مطبعة فضالة ــ المحمدية‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫* أمين اإلسالم أبو اعلي الفضل بن الحسن الطبرسي‪ :‬مجمع البيان في تفسير‬
‫القرآن‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطبااعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪2005‬م‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* مالك بن أنس بن مالك بن اعامر األصبحي المدني‪ :‬المدونة‪ ،‬دار الكتب‬


‫العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪1415 ،‬هـ ــ ‪1994‬م‪.‬‬
‫* أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري‪ :‬النهاية في غريب الحديث‬
‫واألثر‪ ،‬تحقيق‪ :‬طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي‪ ،‬المكتبة العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪1399 ،‬هـ ــ ‪1979‬م‪.‬‬
‫* محسن األمين‪ :‬أاعيان الشيعة‪ ،‬حققه وأخرجه‪ :‬حسن األمين‪ ،‬دار التعارف‬
‫للمطبواعات‪ ،‬بيروت‪1403 ،‬هـ ــ ‪1983‬م‪.‬‬
‫* أبو اعبد اهلل محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري القرطبي‪:‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪1405 ،‬هـ ــ ‪1985‬م‪.‬‬
‫* محمد بن أحمد بن اعثمان بن قايماز الذهبي أبو اعبد اهلل‪ :‬سير أاعالم‬
‫النبالء‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬محمد نعيم العرقسوسي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة التاسعة‪1413 ،‬ه‪.‬‬
‫* شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح األبشيهي‪ :‬المستطرف في كل فن‬
‫مستظرف‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬مفيد محمد قميحة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫* محمد بن إسمااعيل أبو اعبد اهلل البخاري الجعفي‪ :‬األدب المفرد‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد فؤاد اعبد الباقي‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1409 ،‬هـ ــ‬
‫‪1989‬م‪.‬‬
‫* محمد بن إسمااعيل أبو اعبد اهلل البخاري الجعفي‪ :‬الجامع الصحيح (صحيح‬
‫البخاري)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬مصطفى ديب البغا‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬اليمامة ــ بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪1407 ،‬هـ ــ ‪1987‬م‪.‬‬
‫* محمد باقر المجلسي‪ :‬بحار األنوار‪ ،‬مؤسسة الوفاء‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* أبو جعفر محمد بن جرير الطبري‪ :‬تاريخ األمم والملوك‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪217‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي‪ ،‬أبو جعفر الطبري‪:‬‬


‫تهذيب اآلثار وتفصيل الثابت اعن رسول اهلل من األخبار‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود محمد‬
‫شاكر‪ ،‬مطبعة المدني‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫* محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي‪ ،‬أبو جعفر الطبري‪:‬‬
‫جامع البيان في تأويل القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1420 ،‬هـ ــ ‪2000‬م‪.‬‬
‫* محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي‪ :‬صحيح ابن حبان‬
‫بترتيب ابن بلبان‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1414 ،‬هـ ــ ‪1993‬م‪.‬‬
‫* أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي‪ :‬مشاهير اعلماء األمصار‬
‫وأاعالم فقهاء األقطار‪ ،‬حققه ووثقه واعلق اعليه‪ :‬مرزوق اعلي إبراهيم‪ ،‬دار الوفاء‬
‫للطبااعة والنشر والتوزيع‪ ،‬المنصورة‪ ،‬الطبعة األولى‪1411 ،‬هـ ــ ‪1991‬م‪.‬‬
‫* محمد بن الحسن الحر العاملي‪ :‬تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل‬
‫الشريعة‪ ،‬تحقيق‪ :‬مؤسسة آل البيت ـ ‪ ‬ـ إلحياء التراث‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1414‬هـ ق‪.‬‬
‫* أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي‪ :‬رجال الطوسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬جواد‬
‫القيومي األصفهاني‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجمااعة المدرسين بقم‪.‬‬
‫* محمد بن سعد بن منيع أبو اعبد اهلل البصري الزهري الطبقات الكبرى‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬إحسان اعباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1968 ،‬م‪.‬‬
‫* د‪ .‬محمد سيد طنطاوي‪ :‬التفسير الوسيط للقرآن الكريم‪ ،‬دار نهضة مصر‬
‫للطبااعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫* أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي‪ :‬اعون المعبود شرح سنن أبي‬
‫داود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫* أبو اعبد اهلل محمد بن اعبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن‬
‫‪218‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫محمد الزرقاني المالكي‪ :‬شرح الزرقاني اعلى المواهب اللدنية بالمنح المحمدية‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 ،‬هـ ــ ‪1996‬م‪.‬‬
‫* زين الدين محمد اعبد الرءوف المناوي‪ :‬التيسير بشرح الجامع الصغير‪،‬‬
‫مكتبة اإلمام الشافعي‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1408 ،‬هـ ــ ‪1988‬م‪.‬‬
‫* محمد اعبد الرءوف المناوي‪ :‬فيض القدير شرح الجامع الصغير‪ ،‬المكتبة‬
‫التجارية الكبرى‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪1356 ،‬هـ‪.‬‬
‫* محمد اعبد الرءوف المناوي‪ :‬فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث‬
‫البشير النذير‪ ،‬ضبطه وصححه‪ :‬أحمد اعبد السالم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1415 ،‬هـ ــ ‪1994‬م‪.‬‬
‫* أبو الوليد محمد بن اعبد اهلل بن أحمد األزرقي‪ :‬أخبار مكة وما جاء فيها من‬
‫اآلثار‪ ،‬تحقيق‪ :‬رشدي الصالح ملحس‪ ،‬دار األندلس للنشر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* محمد بن اعبد اهلل أبو اعبد اهلل الحاكم النيسابوري‪ :‬المستدرك اعلى‬
‫الصحيحين‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى اعبد القادر اعطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1411 ،‬هـ ــ ‪1990‬م‪.‬‬
‫* محمد اعزت دروزة‪ :‬التفسير الحديث ترتيب السور حسب النزول‪ ،‬دار‬
‫إحياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪1383 ،‬هـ‪.‬‬
‫* محمد اعلي الموحد األبطحي‪ :‬تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال للشيخ‬
‫الجليل أبي العباس أحمد بن اعلي النجاشي‪ ،‬النجف األشرف‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1389‬ه ق‪ ،‬الطبعة الثانية ــ مصححة قم المقدسة‪ 1417 ،‬ه ق‪.‬‬
‫* محمد بن اعلي بن الحسين بن بابويه القمي‪ :‬التوحيد‪ ،‬صححه واعلق اعليه‪:‬‬
‫هاشم الحسيني الطهراني‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* أبو جعفر محمد بن اعلي بن الحسين بن بابويه القمي‪ :‬من ال يحضره‬
‫الفقيه‪ ،‬أشرف اعلى تصحيحه طبعه والتعليق اعليه‪ :‬حسين األاعلمي‪ ،‬مؤسسة األاعلمي‬
‫للمطبواعات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1406 ،‬هـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪219‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* فخر الرازي‪ :‬الشجرة المباركة في أنساب الطالبية‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي‬


‫الرجائي‪ ،‬إشراف‪ :‬السيد محمود المراعشي‪ ،‬مكتبة آية اهلل العظمى المراعشي النجفي‪،‬‬
‫قم‪ ،‬الطبعة الثانية‪1419 ،‬هـ ق‪1377 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫* فخر الدين محمد بن اعمر التميمي الرازي الشافعي‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1421 ،‬هـ ــ ‪2000‬م‪.‬‬
‫محمد بن اعبد الر ّزاق الحسيني‪ ،‬أبو الفيض‪ ،‬مرتضى ال َّزبيدي‪:‬‬
‫محمد بن ّ‬
‫* ّ‬
‫تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجمواعة من المحققين‪ ،‬دار الهداية‪.‬‬
‫* أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي‪ :‬فضائح الباطنية‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫اعبد الرحمن بدوي‪ ،‬مؤسسة دار الكتب الثقافية‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫* محمد األمين بن محمد المختار بن اعبد القادر الجكني الشنقيطي‪ :‬أضواء‬
‫البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬دار الفكر للطبااعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1415‬هـ ــ ‪1995‬م‪.‬‬
‫* محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن اعاشور التونسي‪ :‬التحرير‬
‫والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد)‪،‬‬
‫الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫* محمد بن مكرم بن منظور اإلفريقي المصري‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫* محمد ناصر الدين األلباني‪ :‬السلسلة الضعيفة والموضواعة‪ ،‬مكتبة‬
‫المعارف‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫* محمد ناصر الدين األلباني‪ :‬صحيح األدب المفرد لإلمام البخاري‪ ،‬دار‬
‫الص ّديق‪ ،‬الطبعة األولى‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫* محمد ناصر الدين األلباني‪ :‬صحيح الترغيب والترهيب‪ ،‬مكتبة المعارف‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬الطبعة الخامسة‪.‬‬
‫‪220‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* محمد ناصر الدين األلباني‪ :‬صحيح سنن النسائي‪.‬‬


‫* محمد ناصر الدين األلباني‪ :‬ضعيف األدب المفرد لإلمام البخاري‪ ،‬دار‬
‫الص ّديق للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1419 ،‬هـ ــ ‪1998‬م‪.‬‬
‫* محمد بن يعقوب الكليني‪ :‬الكافي‪ ،‬تحقيق‪ :‬اعلي أكبر الغفاري‪ ،‬دار الكتب‬
‫اإلسالمية‪ ،‬طهران‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1367 ،‬ش‪.‬‬
‫* محمد بن يعقوب الكليني‪ :‬فروع الكافي‪ ،‬ضبطه وصححه وخرج أحاديثه‬
‫واعلق اعليه‪ :‬محمد جعفر شمس الدين‪ ،‬دار التعارف للمطبواعات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪1413 ،‬هـ ــ ‪1993‬م‪.‬‬
‫* محمود اآللوسي أبو الفضل‪ :‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع‬
‫المثاني‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي الحنفي‬
‫بدر الدين العيني‪ :‬اعمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫* أبو القاسم محمود بن اعمرو بن أحمد‪ ،‬الزمخشري جار اهلل‪ :‬أساس‬
‫البالغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باسل اعيون السود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1419 ،‬هـ ــ ‪1998‬م‪.‬‬
‫* جار اهلل الزمخشري‪ :‬ربيع األبرار ونصوص األخيار‪ ،‬مؤسسة األاعلمي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫* محمود بن اعمر الزمخشري‪ :‬الفائق في غريب الحديث‪ ،‬تحقيق‪ :‬اعلي‬
‫محمد البجاوي ــ محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫* مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري‪ :‬صحيح مسلم‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد فؤاد اعبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* مصعب بن اعبد اهلل بن مصعب بن ثابت بن اعبد اهلل بن الزبير‪ ،‬أبو اعبد اهلل‬

‫‪221‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫الزبيري‪ :‬نسب قريش‪ ،‬تحقيق‪ :‬ليفي بروفنسال‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫كتاب اهلل ِ ُ‬
‫الم َنزل‪.‬‬ ‫اصر َمكارم ِ‬
‫الشيرازي‪ :‬األمثل في تفسير ِ‬ ‫* نَ ِ‬
‫* نور الدين البريفكاني‪ :‬شرح الحكم العطائية المسمى بـ(تلخيص الحكم)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد أحمد مصطفى الكزني‪ ،‬الناشر العربي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫* يوسف بن عبد اهلل بن محمد بن عبد البر‪ :‬اًلستيعاب في معرفة األصحاب‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬اعلي محمد البجاوي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫* أبو اعمر يوسف بن اعبد اهلل بن محمد بن اعبد البر‪ :‬بهجة المجالس وأنس‬
‫المجالس وشحن الذاهن والهاجس‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد مرسي الخولي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫* أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي‪ :‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن‬
‫الحجاج‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1392 ،‬هـ‪.‬‬
‫* أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب‪ :‬الخراج‪ ،‬تحقيق‪ :‬طه اعبد الرءوف‬
‫سعد‪ ،‬وسعد حسن محمد‪ ،‬المكتبة األزهرية للتراث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫* يوسف بن الزكي اعبد الرحمن أبو الحجاج المزي‪ :‬تهذيب الكمال‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬بشار اعواد معروف‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪1400 ،‬هـ ــ ‪1980‬م‪.‬‬

‫* وثائق واتفاقيات ومنشورات‬


‫* اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلاعاقة والبروتوكول االختياري‪.‬‬
‫* راعاية المعاقين بين الشرائع السماوية‪ ،‬منشورات الجمعية النسائية بجامعة‬
‫أسيوط للتنمية‪.‬‬

‫* مواقع ومنتديات‬
‫* أطفال الخليج ذوي االحتياجات الخاصة‪.‬‬
‫* األمم المتحدة‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫املصادرواملراجع‬

‫* األهرام اليومي‪.‬‬
‫* بنت مصر الحرة‪.‬‬
‫* جامعة الملك سعود‪.‬‬
‫* الحياة أمل وبشر الصابرين‪.‬‬
‫* ذوو االحتياجات الخاصة‪.‬‬
‫* الزاعتري نت‪.‬‬
‫* سوال لالحتياجات الخاصة‪.‬‬
‫* صيد الفوائد‪.‬‬
‫* كنانة أون الين‪.‬‬
‫* مجلة االبتسامة‪.‬‬
‫* مجلة داعوة الحق‪.‬‬
‫* مجلة الرافد‪.‬‬
‫* مجلة طفلي‪.‬‬
‫* منتدى التربية الخاصة‪.‬‬
‫* الهولوكوست‪ ،‬موقع تعليمي للطلبة‪.‬‬
‫* الهيئة العامة لالستعالمات‪ ...‬مصر‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫ل‬
‫قائمة بعناوين الآ بحاب الحديدة مشروع‬
‫لصحاب)‬ ‫(ترآب آلآل وآ آ‬
‫* القرآن في حياة اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* أدب التربية في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬نماذج من تعامل اآلل واألصحاب مع صغارهم‪.‬‬
‫* السفر وآدابه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* التجارة والمكاسب في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬آداب وقدوات ونماذج متنوعة‪.‬‬
‫* آداب معاملة الكبار والمرضى في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* اإلعاقة في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬نماذج وآداب وعبر‪.‬‬
‫* آداب التعامل مع غير المسلمين في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* العبادة والزهد في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* الذكر والدعاء في تراث آل البيت‪.‬‬
‫* فضل العلم وآداب طلبه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* آداب التعامل مع المرأة في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* آداب العشرة في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬استلهام للقيم الزوجية الناجحة في سير سلفنا‬
‫الصالح‪.‬‬
‫* آداب الحوار واًلختًلف في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬شواهد وآداب‪.‬‬
‫* قضايا نسائية‪ :‬قراءات في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* األطفال في رحاب اآلل واألصحاب‪ :‬بحث في أسس المعالجة الفنية واألدبية لنشر تراث‬
‫اآلل واألصحاب للمراحل العمرية الصغيرة‪.‬‬
‫* الوقف في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* ال َف ْقد في تراث اآلل واألصحاب‪ :‬دراسة في الجوانب اإليمانية واإلنسانية‪.‬‬
‫* المهارات اإلدارية في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* إدارة الوقت في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* الطعام وآدابه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* المزاح وآدابه في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫* آداب التعامل مع الحيوان في تراث اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫‪.‬‬

You might also like