Professional Documents
Culture Documents
اسم املؤلف :حافظ أسدرم.
عدد الصفحات 743 : ــ نوع املطبوع :كتاب ـ ـ الطبعة :األوىل
السلسلة :قضايا التوعية اإلسالمية ()23
الناشر :مربة اآلل واألصحاب.
ص .ب 12421 .الشامية ـ الرمز الربيدي 716555ـ ـ ت 2560203 :
م
حقوق الطبع حقوظة لمبرة الآل والآصحاب
إال لمن أراد التوزيع الخيري بشرط عدم التصرف في المادة العلمية
1443ـهـ 2022م
الفهرست
الصفحة الموضوع
الفهرست 5 ...........................................................
مقدمة مبرة اآلل واألصحاب 23 ...........................................
تقدمة 25 ............................................................
تمهيد في ترجمة زينب الكبرى 30 ......................................
اسمها 30...................................................
نسبها 31 ...................................................
كنيتها 31 ...................................................
لقبها 32 ....................................................
والدتها 34 ..................................................
فضائلها ومناقبها 35 ...........................................
عمها عبد اهلل بن جعفر 36 .......................... زواجها من ابن ِّ
فائدة في الجمع بين المرأة وزوجة أبيها 38 .............................
هل طلق عبد اهلل بن جعفر زينب ؟ 38 ..........................
* تنبيهات على أخطاء تاريخية عن خطبة زينب الكبرى وزواجها 40.......
التنبيه األول :عدم صحة خطبة األشعث بن قيس لزينب الكبرى 40 ...
التنبيه الثاني :خطأ القول بزواج زينب الكبرى من كثير بن العباس 42 ..
التنبيه الثالث :خطأ القول بزواج زينب الكبرى بعمر بن الخطاب 42 ...
أبناؤها 43 ..................................................
تحقيق تاريخ وفاتها 44.........................................
زينب الكبرى ورواية الحديث45.................................
بين االحتفاء بزينب الكبرى والتحامل على أختها أم كلثوم 45.........
5
.
الصفحة الموضوع
لول :زينب الكبرى في البراث 49 ............................... الفصل ا أ
* المسألة األولى :دراسة تاريخية موجزة لتطور التأليف في زينب الكبرى 56 ..
1ــ المؤلفات عن زينب الكبرى في تراث أهل السنة 56...........
2ــ المؤلفات عن زينب الكبرى في تراث اإلمامية 62............
* المسألة الثانية :تحليل أسباب تطور التأليف عن زينب الكبرى 70 .......
األمر األول :بواعث التأليف عن زينب الكبرى 70...............
األمر الثاني :خريطة تأليف مرويات حياة زينب الكبرى وتسلسلها73 ....
األمر الثالث :تضخم المرويات المتعلقة بحياة زينب الكبرى 75 .....
السبب األول :القصص المكذوبة واألساطير المختلقة 76 .........
السبب الثاني :االستطرادات التي ال عالقة لها بزينب الكبرى 79 ..
األمر الرابع :قضية تعيين موضع قبر زينب الكبرى 80.............
6
.
الصفحة الموضوع
* الدليل الخامس :وجود أساليب وكلمات لغوية متأخرة عن زمن
العقيقي111 ...............................................
* الدليل السادسِ :ر َّك ُة األسلوب اللغوي لمؤلف >أخبار الزينبات< 113 ..
* الدليل السابع :ظهور أغراض وأهواء حسن قاسم في مادة الكتاب115 ..
ب ــــ نقد بعض الباحثين المعاصرين لكتاب >أخبار الزينبات<120 ..........
ج ــــ تفكيك خطة حسن قاسم في صناعة كتاب >أخبار الزينبات< وإثبات نسبته
للعقيقي125....................................................
* المسلك األول :اختالق النصوص وعزوها إلى المصادر التاريخية 126......
* المسلك الثاني :اختالق مصادر تاريخية وهمية ال وجود لها 129...........
1ــ >رحلة الكوهيني< ألبي عبد اهلل محمد الكوهيني الفاسي األندلسي130 ..
2ــ >أقنوم اآلثار في الكشف عن الكتب واألسفار< ألبي يعقوب
األزموري األمغاري 133 .....................................
السخاوي ( 902هـ)133 .............. 3ــ >الرسالة الزينبية< للحافظ َّ
4ــ >أوقاف مصر< للحافظ السخاوي أيضا 134....................
5ــ رسالة ابن طولون ( 953هـ) عن زينب الوسطى 132.............
6ــ >النسب العمراني في الكالم على فرق العمرانيين فروع األشراف
األدارسة<134.............................................
* المسلك الثالث :السرقة واالنتحال وتلفيق األسماء وتركيب األسانيد 139....
ــ الطريقة األولى :سرقة المتون من مصادر قديمة 139.....................
1ــ النصوص المسروقة من كتاب الطبقات الكبرى البن سعد 139......
2ــ النصوص المسروقة من كتاب >غاية االختصار في البيوتات
العلوية المحفوظة من الغبار<147...............................
3ــ نص مسروق من كتاب >مقاتل الطالبيين< 150 .................
4ــ نص مسروق من >الخطط< للمقريزي 153.....................
7
.
الصفحة الموضوع
5ــ النصوص المسروقة من كتاب >العدل الشاهد في تحقيق المشاهد< 154 ........
ــ الطريقة الثانية :تلفيق األسماء وتركيب األسانيد 156...................
خالصة الكالم عن كتاب >أخبار الزينبات< 168.......................
نقد كتاب زينب الكبرى لجعفر النقدي 172 .............................
المذ َّهب<173 ................... المحور األول :النقدي وكتاب >الطراز ُ
المحور الثاني :نماذج من القصص المختلقة في السيرة الزينبية في كتاب
النقدي 175..................................................
1ــ قصة نزول جبريل باسم زينب الكبرى 175.................
وأبويها لرؤيا زينب الكبرى بوفاة جدها 2ــ تعبير النبي
وأخويها 177 ...............................................
3ــ قصة قول زينب الكبرى ألبيها > :ال أقول> :اثنين< ،بلسان قلت
به> :واحد<<178 ..............................................
4ــ إقامة زينب الكبرى لمجلس نسائي في الكوفة وتفسير {ﱁ} 181 .
نقد كتاب >مرقد العقيلة< لمحمد حسنين السابقي 185 .....................
المسألة األولى :مدار أدلة السابقي هو أن كنية زينب الكبرى هي أم
كلثوم 186.................................................
المسألة الثانية :استفادة السابقي من كتاب حسن قاسم ومنهجيته 188 ......
المسألة الثالثة :نقد منهج السابقي في سبكه ألدلة ترجيح القبر الشامي
لزينب الكبرى 190 .......................................
* المسلك األول :الكذب واالفتراء 191 ..............................
1ــ ادعاء السابقي أن كتب القرون الوسطى ذكرت أن السيدة نفيسة زارت
قبر زينب الكبرى بالشام 191 .................................
2ــ ادعاء السابقي أ ّن جميع كتب الزيارات المصرية ذكرت زيارة ظافر
الفاطمي لقبر زينب بنت يحيى المتوج 194 .........................
8
.
الصفحة الموضوع
3ــ ادعاء السابقي أ َّن ابن الحوراني نقل عن ابن عساكر أ ّن أم كلثوم
المدفونة بالشام تسمى زينب الكبرى 195........................
4ــ افتراء السابقي على جماعة من أهل العلم أنهم قرروا أن أم كلثوم
أكبر من زينب الكبرى 196................................. !!
5ــ ادعاء السابقي أ ّن ابن شداد ذكر أن قبر زينب الكبرى بالشام 199....
زعم السابقي أ َّن الذهبي ذكر أ َّن زينب الكبرى مدفونة براوية 204 ...
6ــ ُ
7ــ نفي السابقي ذكر قبر زينب الكبرى في كتاب >أُ ْنس الزائرين< 205 ..
زعم السابقي أ ّن قبر زينب الكبرى مذكور بكتاب >تحفة األنام< 8ــ ُ
للبصروي 208 ..................................................
9ــ دعوى السابقي أن إسماعيل العجلوني صرح بدفن زينب الكبرى في
قرية راوية 213...............................................
10ــ دعوى السابقي أن عبد الرزاق كمونة صرح بدفن زينب الكبرى
في قرية راوية214 ............................................
* المسلك الثاني :البتر والتدليس واإليهام في النقوالت 218 ................
1ــ بتر السابقي كالم ابن عساكر عن قبر أم كلثوم المدفونة في راوية 218 ....
2ــ بتر السابقي كالم الشهرستاني عن شهرة دفن زينب الكبرى في مصر 219 .
3ــ بتر السابقي كالم محمد مهدي المازندراني عن الشعراني 220 .........
4ــ ادعاء السابقي أن حسن قاسم اعترف بعدم وجود أي ولد لصلب علي
في مصر! 221 ............................................
5ــ ادعاء السابقي أن الكاتب توفيق أبا علم ذكر زيارة نفيسة لزينب الكبرى
في راوية! 224 ............................................
6ــ تدليس السابقي على ابن الحوراني وصاحب >الروضة البهية<225 ......
7ــ بتر كالم عبد القادر الريحاوي والتدليس على رأيه في تعيين المدفونة
في راوية 226 ................................................
9
.
الصفحة الموضوع
8ــ تدليس السابقي على جماعة من الكتاب والمؤلفين وادعاؤه موافقتهم
على دفن زينب الكبرى في الشام! 228 ..........................
9ــ التشبع بالزور واإليهام بالنقل بال واسطة عن كتب مفقودة أو مخطوطة
أو موهومة 232 ...............................................
* المسلك الثالث :إطالق الدعاوى العريضة بال حجة 237 .................
1ــ ادعاء السابقي أ َّن الدولة الفاطمية غيرت اسم قبر زينب بنت المتوج
إلى قبر زينب الكبرى 237 ...................................
2ــ ادعاء السابقي أن الذهبي قال إن زينب الكبرى مدفونة بدمشق237 ..
3ــ ادعاء السابقي االطالع على كتاب >عيون األخبار< البن أبي السرور
البكري ( 1087هـ) 241 .......................................
* المسلك الرابع :التناقض والتهافت 246 ..............................
1ــ نفي السابقي وجود قبر ينسب لزينب الكبرى في عهد الفاطميين
ّثم إثباته عكس ذلك! 246 ......................................
2ــ تناقض السابقي في تعيين زينب المدفونة في مصر247 ..............
3ــ تناقض السابقي في استنكاره االستدالل بكالم منسوب البن عساكر
مع خلو تاريخ دمشق منه 248 ....................................
4ــ نقل السابقي عن الشعراني وحسن قاسم القول ونقيضه! 249 .........
5ــ أدل ٌة ألزم بها السابقي من قال بدفن زينب الكبرى في مصر أو
المدينة ولم يلتزم بها في قوله بدفنها في دمشق 250 ....................
خالصة 251 ....................................................
خالصة دراسة المؤلفات عن زينب الكبرى 252 ...............................
ت
الفصل الثالب :دزاسة زواية خروج زينب الكبرى مع ا لح سين الي كري أ
لء و حفثق
لزدى 253 ................................... حال زاويها اني محنف ا أ
المبحث األول :التحقيق في حال أبي مخنف األزدي 256 .................
10
.
الصفحة الموضوع
1ــ أبو مخنف عند أئمة الجرح والتعديل 258 ..........................
* تنبيه على إشكال في كالم المؤرخ ابن كثير عن أبي مخنف 263 ........
* التنبيه على عدم صحة دعوى توثيق الطبري ألبي مخنف 265 ..........
* خالصة في تحرير حال أبي مخنف وأخباره266 ....................
2ــ تحرير الكالم عن كتاب >مقتل الحسين< ومن رواه عن أبي مخنف 266 ....
* الطريق األول 268 ..........................................
* الطريق الثاني 269 ..........................................
* الطريق الثالث 270 .........................................
3ــ كتاب >مقتل الحسين< المتداول اليوم هل هو ألبي مخنف؟ 273 .........
4ــ تحرير حال وسائط أبي مخنف في رواية أخبار زينب الكبرى في
كربالء 279 ...................................................
1ــ الحارث بن كعب الوالبي ــ من والبة األزد ــ280 ............... .
2ــ ُحميد بن مسلم األزدي281.................................
3ــ قُ َّرة بن قيس الحنظلي التميمي295 ...........................
تشجير أسانيد أبي مخنف وبيان أحوال رواته 296 .........................
5ــ تحرير الكالم عن اإلشكال في وجه رواية الكوفيين ألخبار زينب الكبرى
في كربالء 298 .............................................
المبحث الثاني :التحقيق في رواية خروج زينب الكبرى مع الحسين إلى كربالء 299 .
أوالً :أدلة عدم صحة رواية خروج زينب الكبرى مع الحسين 299 ......
* الدليل األول :تقرير قدماء المؤرخين والنسابين والمحدثين لوفاة زينب
الكبرى قبل أختها أم كلثوم 299 ..............................
والنسابة ( 124هـ) 300 .................. 1ــ اإلمام الزهري المؤرخ َّ
والنسابة ( 230هـ)300 ...................... 2ــ ابن سعد المؤرخ َّ
والنسابة ( 289هـ)300 ..........
3ــ أحمد بن يحيى البالذري المؤرخ َّ
11
.
الصفحة الموضوع
4ــ أبو بكر البيهقي المح ِّدث ( 458هـ) 301 ......................
5ــ ابن الجوزي المؤرخ ( 597هـ)301 ..........................
6ــ كمال الدين محمد بن طلحة ( 652هـ) 302 ....................
7ــ ابن كثير المؤرخ ( 774هـ) 302 .............................
العالمة ابن الملقن ( 804هـ) 303 ........................... 8ــ ّ
9ــ الحافظ ابن حجر العسقالني ( 852هـ) 303 ....................
* الدليل الثاني :عدم ذكر قدماء المؤرخين والنسابين لخروج زينب الكبرى
إلى كربالء 306 .............................................
1ــ حصين بن عبد الرحمن السلمي ( 136هـ) 306 ..................
2ــ عوانة بن الحكم ( 147هـ) 307 .............................
3ــ أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن ( 170هـ) 308 .................
4ــ الليث بن سعد ( 175هـ) 308 ..............................
5و 6ــ الواقدي ( 207هـ) ،والمدائني ( 224هـ) ــ في غير ما روياه
عن أبي مخنف ــ309 ....................................... .
7ــ محمد بن سعد (230هـ) 309 ..............................
8ــ أبو بشر محمد بن أحمد الدوالبي ( 310هـ) 310 ................
9ــ أبو العرب محمد بن أحمد التميمي ( 333هـ) 310 ...............
اعتراض وجواب 312 .............................................
ثاني ًا :إشكاالت القول بخروج زينب الكبرى مع أخيها الحسين 313 ....
اإلشكال األول :لماذا خلت كتب التواريخ من رواية زينب الكبرى ألخبار
المقتل الحسيني؟ 313 .............................................
اإلشكال الثاني :عدم خروج عبد اهلل بن جعفر زوج زينب الكبرى مع الحسين
314......................................................
اإلشكال الثالث :قيام الدواعي على خروج النساء اللواتي كن مع الحسين
باستثناء زينب الكبرى 320 .................................
12
.
الصفحة الموضوع
ثال ًثا :نقد روايات أبي مخنف المنسوبة لزينب الكبرى في كربالء322 .....
1ــ نقد رواية لطم زينب الكبرى وجهها حين حمل جيش عمر بن سعد
على الحسين وأهله 322 ........................................
2ــ نقد رواية جزع زينب الكبرى ولطمها خدها وشقها ثيابها لما سمعت
الحسين يستعد للموت324 ......................................
3ــ نقد رواية جزع زينب الكبرى لما قتل علي األكبر بن الحسين 333 .
4ــ نقد رواية حبس زينب الكبرى لغالم من أهل الحسين ليلحق به
في القتال 338 .................................................
5ــ نقد رواية خروج زينب الكبرى وحسرتها على الحسين
واستعطافها عمر بن سعد342 ......................................
6ــ نقد رواية جزع زينب الكبرى لمقتل الحسين ونعيها إياه 346 .....
7ــ نقد رواية محاورة زينب الكبرى البن زياد 349 ..................
8ــ نقد رواية دفاع زينب الكبرى عن علي بن الحسين عند ابن زياد 354 .
9ــ نقد رواية دفاع زينب الكبرى عن فاطمة بنت علي عند يزيد 357 ..
خالصة النظر في الروايات المنسوبة لزينب الكبرى في كربالء في مقتل أبي
مخنف362 ........................................................
المسألة األولى :عدم ثبوت جميع مرويات أبي مخنف عن زينب الكبرى
362 ........................................................
المسألة الثانية :تسمية زينب الكبرى بابنة فاطمة بدل زينب بنت علي 363 ..
المسألة الثالثة :المبالغة في اإلثارة العاطفية وشحن الضغائن ضد مناوئي
الحسين 363 ...............................................
المسألة الرابعة :النكارة الظاهرة في اإلساءة إلى زينب الكبرى ونسبة
أفعال غير الئقة بها 364 ..........................................
المسألة الخامسة :تكرر حبكة أبي مخنف لمواقف زينب الكبرى 365 .....
13
.
الصفحة الموضوع
المبحث الثالث :اعتراضات وجوابها 367 ..................................
االعتراض األول :روايات ُيتوهم أ ّن أصلها ليس من أبي مخنف367 .......
* أو ًال :ما روي من طرق أهل السنة 370 ...........................
1ــ رواية عمار الدهني عن أبي جعفر الباقر لرد زينب الكبرى
على الرجل الشامي 370 ....................................
أ ــ نقد سند الرواية 370 ....................................
2ــ رواية ابن طيفور ( 280هـ) لكالم زينب الكبرى عند يزيد 375
3ــ حكاية ابن برد األنطاكي (عاش في القرن الثالث) لرد زينب
الكبرى على الرجل الشامي 382 ..........................
4ــ رواية أبي بكر ابن األنباري ( 328هـ) 382 ..................
5ــ رواية ابن الجوزي ( 597هـ) لمحاورة زينب الكبرى البن
زياد 385 ...............................................
* ثاني ًا :ما روي من طرق الزيدية 387 .............................
6ــ رواية أبي طالب الهاروني ( 424هـ) لكالم زينب الكبرى مع
الحسين حين نعى نفسه387 ...............................
7ــ رواية يحيى الشجري ( 499هـ) لكالم زينب الكبرى مع
الحسين حين نعى نفسه 390 ..............................
8ــ رواية ابن أعثم الكوفي (كان حيا سنة 320هـ) لسماع زينب
الكبرى لهاتف ينشد شعرا 393 .............................
9ــ رواية منسوبة للخوارزمي ( 568هـ) عن خطبة زينب الكبرى
بحضرة يزيد 402 ..........................................
* ثالثا :ما روي من طرق اإلمامية 406 ..............................
10ــ رواية الكليني ( 329هـ) لكالم فضة مع زينب الكبرى 406 ...
11ــ رواية في >كامل الزيارات< عن مواساة زينب الكبرى لعلي
بن الحسين بخبر طويل ركيك410 ..........................
14
.
الصفحة الموضوع
12ــ رواية ابن بابويه ( 381هـ) لمحاورة زينب الكبرى مع ابن
زياد 413 ................................................
13ــ رواية ابن بابويه ( 381هـ) لوصية الحسين إلى زينب الكبرى
415 ................................................. .
14ــ رواية المفيد ( 413هـ) لخطبة زينب الكبرى في الكوفة 418 ..
15ــ روايات اإلمامية في كتاب >نور العين في مشهد الحسين<
المنحول على اإلسفراييني 424 ................................
الخالصة 434 ...............................................
االعتراض الثاني :احتمال غلط الرواة في زواج أم كلثوم بعد زينب الكبرى
أو تعيين وفاة أم كلثوم435 .........................................
* االحتمال األول :أن عبد اهلل بن جعفر تزوج أم كلثوم ثم ماتت
عنده فتزوج زينب الكبرى بعدها435 ...............................
* االحتمال الثاني :أن عبد اهلل بن جعفر تزوج أم كلثوم بعد أن طلق
زينب الكبرى 436 .............................................
تتوف قبل سنة 50هـ ،بل بعد ذلك 437 .
* االحتمال الثالث :أن أم كلثوم لم َّ
* االحتمال الرابع :أن عبد اهلل بن جعفر لم يتزوج أم كلثوم أصال 438 ..
االعتراض الثالث :شهرة خروج زينب الكبرى مع الحسين إلى كربالء 439
الوجه األول :نقض دعوى الشهرة وذلك ألمرين 439 ......................
الوجه الثاني :أن العبرة بالثبوت والصحة ال بمجرد الرواية والشهرة 440 ........
الوجه الثالث :عدم اعتماد المخالفين على الشهرة في جملة من القضايا
التاريخية 442 ................ ................................
االعتراض الرابع :عدم وجود شاهد لنتائج هذا البحث في كالم العلماء
والمؤرخين 447 .................. ................................
1ــ تفصيل الكالم عن منشأ عدم وجود كالم للمحققين في قضية خروج زينب
الكبرى إلى كربالء447 .........................................
15
.
الصفحة الموضوع
2ــ أما الجواب عن االعتراض بدعوى التفرد فيقع الكالم فيه في وجوه 449 .....
16
.
الصفحة الموضوع
ب ــ التنبيه على نصوص مختلقة ومحرفة من عمل سبط ابن الجوزي 495 ..
ج ــ ضعف روايات اإلمامية في السبي 502 ........................
* المسألة الثانية :تعارض روايات السبي مع روايات األسر 504 ..........
1ــ رواية حصين بن عبد الرحمن السلمي ( 136هـ) 504 ............
2ــ رواية الليث بن سعد (175هـ) 504 .........................
3ــ رواية ابن سعد ( 230هـ)505 .............................
4ــ رواية أبي حنيفة الدينوري ( 282هـ) 506 ....................
* المسألة الثالثة :مناقشة متنية لروايات السبي 508 ....................
* المسألة الرابعة :نقد العلماء والباحثين لقصة السبي 516 ..............
ــ تنبيه على تصحيف في >منهاج السنة< ظاهره إقرار شيخ اإلسالم
ابن تيمية بوقوع السبي 518 ...................................
ــ نقد الباحثين المعاصرين لقضية السبي 519 ......................
ــ وقفة مع الشيخ اإلمامي علي الكوراني في إنكاره لوقوع السبي 520 ....
* خالصة 522 ..............................................
3ــ رواية المحمل ونسبة التطبير لزينب الكبرى 523 ...................
أ ــ رواية المحمل ال أصل لها وهي من وضع قصاص القرن الحادي عشر 524 .
ب ــ دالئل على اختالق رواية المحمل526 .........................
ج ــ موازنة بين أقوال المثبتين لرواية المحمل ،وبين القائلين بضعفها
وردها528 ..............................................
د ــ براءة زينب الكبرى من التطبير 536 .........................
المبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكبرى 541 ..................
* القضية األولى القول بعصمة زينب الكبرى 543 .................
1ــ مفهوم العصمة الصغرى 543 ..............................
2ــ القول بالعصمة الصغرى لزينب الكبرى ونشأته 546 .........
17
.
الصفحة الموضوع
3ــ نقد دعوى العصمة الصغرى لزينب الكبرى 550 ............
4ــ نقد دعوى العصمة الكبرى لزينب الكبرى 561 .............
* القضية الثانية تفضيل زينب الكبرى على األنبياء 563 .........
* القضية الثالثة تفضيل زينب الكبرى على كل النساء سوى أمها فاطمة
568 .....................................................
ل ت
الفصل ا لحام س :حفثق في مؤضع وفاة زينب الكبرى والفثؤز امي سؤية اليها 575 .....
تمهيد عن القبور المنسوب إلى زينب الكبرى 578 .....................
المبحث األول إثبات وفاة زينب الكبرى ودفنها بالمدينة 581 ...............
1ــ تحقيق وفاة زينب الكبرى في المدينة 581 ........................
أ ــ أقوال علماء أهل السنة في دفن زينب الكبرى بالمدينة 582 ............
ب ــ أقوال علماء اإلمامية في دفن زينب الكبرى بالمدينة 585 ............
2ــ اعتراضات على القول بوفاة زينب الكبرى في المدينة 591...........
* االعتراض األول :عدم النص على موضع قبر زينب الكبرى في
المدينة 591....................................................
* االعتراض الثاني :عدم ورود زيارة لقبر زينب الكبرى في المدينة عن
أهل البيت599 .................................................
المبحث الثاني تحقيق بطالن المشهد المنسوب لزينب الكبرى في الشام 601 ....
1ــ تاريخ اختالق مشهد زينب الكبرى في الشام 601 .....................
أ ــ تاريخ المشهد المنسوب لزينب الكبرى في قرية راوية 601 ............
* تنبيه على عدم صحة نسبة قبر راوية إلى أم كلثوم الكبرى 616 ..........
ب ــ ظهور القول بوفاة زينب الكبرى في الشام عند اإلمامية في القرن
الثالث عشر للهجرة!618 ...........................................
ــ محمد حرز الدين (1365هـ) 621 ..................................
18
.
الصفحة الموضوع
ــ فرج آل عمران القطيفي (1398هـ) 621 ..............................
ــ محمد حسنين السابقي621 ........................................
2ــ تحرير األقوال المختلفة في دفن زينب الكبرى بالشام 623 ..............
أ ــ األقوال الواردة في تعيين دفينة قرية راوية623 .........................
القول األول :إ ّنها أم كلثوم من أهل البيت ،دون تعيين نسبها ،ونفي كونها بنت
أو بنت علي 623 .................................... . النبي
القول الثاني :إ ّنها أم كلثوم الكبرى زوجة عمر بن الخطاب 624 ........
القول الثالث :إ ّنها زينب الصغرى بنت علي 624 ......................
القول الرابع :إنها امرأة من أهل البيت اللواتي كن مع الحسين 626 .........
القول الخامس :إ ّنها زينب بنت عبد اهلل األصغر بن عقيل ،من زوجته أم كلثوم
الصغرى ابنة علي 627 .........................................
القول السادس :إ ّنها أم كلثوم بنت زينب الكبرى 627 .................. !
القول السابع :إ ّنها زينب الكبرى بنت علي 627 ...................... .
ب ــ قوالن مهجوران في دفن زينب الكبرى في مقبرة الشام 628 ..........
القول األول :قبر زينب الكبرى في مقبرة الباب الصغير 628 ..............
القول الثاني :قبر زينب الكبرى في حوالي الشام 632 ...................
3ــ أدلة بطالن المشهد المنسوب لزينب الكبرى في الشام 634 ..............
ــ الدليل األول :خلو كتب التواريخ والخطط المختصة بالشام من ذكر لوفاة
زينب بالشام 634 .............................................
ــ الدليل الثاني :خلو كتب فضائل الشام وكتب الزيارات الشامية من ذكر قبر
زينب الكبرى 636 .............................................
ــ الدليل الثالث :خلو كتب الزيارات والمشاهد في التراث اإلمامي من تعيين
قبر زينب 638 ................................................
4ــ مناقشة األدلة التي استدل بها إلثبات دفن زينب الكبرى في الشام645 ...
19
.
الصفحة الموضوع
ــ الصنف األول :أدلة مختلقة على وفاة زينب الكبرى بالشام645 ..........
أ ــ رواية خروج عبد اهلل بن جعفر مع زينب الكبرى إلى الشام بسبب
المجاعة 645 ....................................................
اعتراض جعفر مرتضى العاملي وتناقضه! 652 ..............................
ب ــ قصة العثور على صخرة في القبر المنسوب لزينب الكبرى 655 .......
ج ــ صك وقفية مرقد راوية 659 ..................................
منع ثبوت صحة هذا الصك 660 ......................... * الوجه األولُ :
ــ الدليل األول 661 ...........................................
ــ الدليل الثاني 662 ...........................................
ــ الدليل الثالث663 ...........................................
ــ الدليل الرابع 664 ...........................................
ــ الدليل الخامس 665 .........................................
* الوجه الثاني في نقض االستدالل بالصك :بمنع داللته على وفاة زينب
الكبرى ودفنها في راوية 667 .....................................
ــ الصنف الثاني :استدالالت خاطئة مبنية على سوء الفهم والتدليس والخيانة
في النقل 668 ...................................................
ــ الصنف الثالث :كالم أصحاب كتب الزيارات وفضائل الشام 668 ...........
ــ الصنف الرابع :كالم أصحاب كتب الرحالت عن قبر راوية 677 ............
ــ الصنف الخامس :دعوى الشهرة682 .................................
ــ الصنف السادس :ادعاء وقوع الكرامات عند القبر المنسوب لزينب الكبرى
685 .......................................................
5ــ نصوص المحققين من أهل العلم على بطالن القبر المنسوب لزينب الكبرى
في الشام 687 ................................................
أ ــ أقوال علماء أهل السنة687 .......................................
20
.
الصفحة الموضوع
ب ــ أقوال علماء اإلمامية 692 .......................................
المبحث الثالث تحقيق بطالن المشهد المنسوب لزينب الكبرى في مصر 695 ....
1ــ تاريخ اختالق مشهد زينب الكبرى في مصر 695 .................
تنبيهات على عدم صحة ذكر بعض العلماء لقبر زينب الكبرى في قناطر السباع
قبل القرن العاشر 698 .............................................
أ ــ عدم صحة ادعاءات حسن قاسم عن وجود زينب الكبرى في مصر
قبل القرن العاشر 699 .........................................
ب ــ التنبيه على عدم صحة ذكر قبر زينب بنت علي في رحلة خالد
بن عيسى البلوي702 ..........................................
ج ــ التنبيه على ما ورد في إحدى نسخ كتاب مصباح الدياجي البن
الناسخ 706............... ................................
2ــ تحرير األقوال المختلفة في تعيين دفينة قناطر السباع 709 ................
ــ القول األول :أنها زينب الكبرى بنت علي 707 ......................
ــ القول الثاني :أنها زينب بنت علي ،من غير فاطمة711................ .
ــ القول الثالث :أنها زينب بنت يحيى المتوج712 ....................... .
ــ القول الرابع :أنها زينب من نسل علي بن الحسين زين العابدين 713 .........
ــ القول الخامس :أنها زينب بنت الحسين 714 ........................
ــ القول السادس :أنها زينب بنت أحمد من ساللة محمد بن علي بن أبي طالب
المشهور بابن الحنفية 714 ..........................................
3ــ أدلة بطالن المشهد المنسوب لزينب الكبرى في قناطر السباع 716 .........
أ ــ لم ُتذكر زينب الكبرى ضمن الصحابة الذين دخلوا مصر 716 ..........
ب ــ نص مؤرخي مصر على عدم وفاة أي ولد لصلب علي في مصر 717 ....
ج ــ خلو كتب التاريخ والخطط والفضائل المختصة بمصر من ذكر قبر زينب
الكبرى 718 .................................................
21
.
الصفحة الموضوع
د ــ خلو كتب الزيارات والمشاهد المصرية والرحالت القديمة من ذكر قبر
زينب الكبرى 719 .............................................
4ــ نقد أدلة وفاة زينب الكبرى في مصر 721 ........................
أ ــ روايات كتاب أخبار الزينبات721 ..................................
ب ــ الكشف 722 ................................................
5ــ نصوص المحققين من أهل العلم على بطالن قبر زينب الكبرى في
مصر723 .......................................................
أ ــ أقوال علماء أهل السنة723 .......................................
ب ــ أقوال علماء اإلمامية 727 .......................................
المبحث الرابع تحقيق بطالن المقام المنسوب لزينب الكبرى في العراق 729 ...
الخالصة ومسك الختام 731 ........................................
22
تقديم مربة اآلل واألصحاب
24
تقدمة
نقدمة
$
إ َّن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال
إله إال اهلل وحده ال شريك له وأن محمدا عبده ورسوله.
أام دعب؛
يعتقد أهل السنة أن حب آل البيت من اإليمان ،إذ أنهم أهل النبي
> :ال يؤمن وصفوته وأقرب الناس إليه نسبا ودما ،وقد قال النبي
أحدكم ،حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين<( ،)1وال ريب أ ّن
سيحب أهل بيته ،ولذا ترى تراث علماء المسلمين من يحب النبي
على مر التاريخ زاخرا بالثناء على آل البيت رضوان اهلل عليهم أجمعين ومدحهم
وبيان حقوقهم على المسلمين ،فضال عن المصنفات المفردة في سيرهم
وتراجمهم ومحاسنهم ،وهذا كان الدافع األول الذي حملني على الكتابة عن
،وبنت علي وفاطمة ، زينب بنت علي ،فزينب هي حفيدة النبي
وهي من شخصيات آل البيت التي ُخطّت عنها الكثير من الكتابات قديما وحديثا،
التعريف بحفيدته وابنة بضعته ،وحين كنت فال ريب أن من مودة النبي
أكتب عن أختها أم كلثوم وعن زواجها المبارك بالفاروق عمر ،كانت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1صحيح البخاري ( )14و( ،)15صحيح مسلم ( )77و(.)78
25
تقدمة
تستوقفني بعض الكتابات التي كانت تقارن بين أم كلثوم وزينب ،وت ّدعي أن
لزينب شهرة وفضال أكثر من أختها الشقيقة أم كلثوم ،فدعاني ذلك إلى البحث
في ترجمة زينب وتفحص أخبارها ،وال ّتحقق من صحة هذه الدعوى ،فلما
درست ما أُلّف عن زينب من الكتب وهي بالعشرات ــ وقد طالعت جلَّها ــ وقارنته
مع ما ُد ِّون عنها في المصادر األصلية للتراث ،هالني حجم البون الشاسع بين
سيرة زينب الحقيقية ــ والتي خ ِفي عنا الكثير منها ولم يُنقل في المصادر األصلية
منها إال اليسير ــ ،وبين ما ُسطِّر في الكتب التي أل ِّفت عنها في العصور المتأخرة،
فرأيت أن من الواجب أن أتعرض لرد هذا الزيف عن زينب وأحاول أن أص ِّف َي
سيرتها وترجمتها من األكاذيب واألخلوقات واألفائك التي ألصقت بها،
بحث إلى أ ّن أعظم الظلم لزينب وسيرتها هو الغفل ُة عن هذاٍ وانتهيت بعد طول
شوه سيرتها البيضاء النقية الناصعة ،إن زينب بنت علي التزوير الشنيع الذي َّ
شخصية مظلومة فعال ،ليس لما يُنسب لها من أنها أُ ِسرت في كربالء ،وأُهينت
وسبيت في الشام ،وأن أخاها الحسين قُتل أمام ناظريها وغير ذلك من ُ
القصص المنسوبة لها ،مما سأثبت بطالنه وكونه من األكاذيب التي لم يُكتب لها
أن ُتنتقد في المصنفات التاريخية ،بل إن زينب مظلومة لكثرة ما ُكذب عليها
ونُسب إليها من األكاذيب والزور والبهتان في كتب التواريخ واألخباريين
وأصحاب األهواء ،دون أن يتصدى أح ٌد ــ خالل كل هذه العقود ــ إال في القليل
النادر لتبرئة زينب وصيانة ساحتها من سائر المخاريق التي أُلصقت بها ،وأحالت
سيرتها من شخصية مصونة مستورة ،لم يُنقل عنها في التراث الصحيح والتاريخ
أي عيب أو مهانة ،إلى امرأة تعاني الويالت في السفر إلى كربالء ثم الصافي ُّ
تهان وتؤسر وتسبى بزعمهم ،ويُهتك سترها وحجابها أمام األجانب ،وتح ِملها
26
تقدمة
كثر ُة المصائب والمدلهمات التي تنزل بها على ترك الصبر ،والمبالغة في الجزع
على النساء تركها ّلما كان والحزن ،بل وتقع في المناهي التي اشترط النبي
كشق الجيوب يبايعهن ــ كالنَّوح ــ ،وتأتي الصنائع التي برئ منها النبي
ولطم الصدور ،وغيرها من ِخالل الجاهلية التي نهى عنها ج ِّدها محمد ،
وهذه األفعال التي افتراها األخباريون على زينب صارت قصصا تحكى في
مجالس العزاء التي تعقد كل سنة ،وتتلى على المنابر ،وكأنها حقائق ُم َسلَّمة،
وقد أدى االعتماد على هذه األباطيل واألكاذيب المروية في التاريخ إلى ظهور
صور عديدة من الغلو في زينب ،وهذا الغلو تارة يكون في اإلفراط في ادعاء
مظلوميتها ،وأن ما نالها من النوائب لم ينل أحدا من العالمين بمن فيهم األنبياء
ّ
والمرسلون ،وتارة في اإلفراط في حبها وفضائلها ،حتى بلغ اإلفراط عند بعضهم
إلى القول بعصمتها ،وتفضيلها على األنبياء والمرسلين ،والتصديق بكثير من
قصص المخاريق والكرامات التي تنسب لها في حياتها وبعد مماتها ،ومثل هذا
ونظائره من الغلو والتساهل في نقل الروايات الباطلة هو ما جعل الباحث اإلمامي
محمد الريشهري يقول> :إن نقل الروايات المشينة بأهل البيت والتي ُ
تح ّط
الغلو وهو رفع أهل البيت إلى من قدرهم ،من آفات مجالس العزاء ،كذلك ّ
مكانة تفوق منزلتهم هو آفة لها أيضا ،ولألسف الشديد فإ ّننا نرى كال األمرين في
بعض هذه المجالس<( ،)1وأصل البالء كله ،من تلك الروايات المختلقة عن
زينب ،ولذا كان من الواجب التصدي لبيان بطالن هذه الروايات ،وإظهار مواضع
الخلل والزلل في أسانيدها ومتونها ،حتى تبرأ الذمة من تبعاتها ،وحتى يتبين
وأخبار
ُ لكثير من عامة الناس الذين يصدقون بهذه المرويات أنها أحاديث كذب،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص .)120
27
تقدمة
زور ،انتشرت وفشت بسبب الغفلة ،بل وتتحول بعض هذه الحوادث المنسوبة
إلى زينب إلى شعارات ُتسفك ألجلها الدماء و ُتبذل ألجلها المهج واألموال،
وتزيد شرخ الطائفية في األمة ،وغيرها من المفاسد والمصائب التي ابتليت بها
أستعين في تفنيد وتكذيب هذه الروايات التي شانت سيرة
ُ سيرة زينب ،فاهللَ
زينب .ثم إن من األمور المحيِّرة والتي ال تزال تبعث على االستغراب ،هو كثرة
المراقد والمزارات التي ُتنسب إلى زينب في األقطار واألمصار ،بل إن بعض
هذه المراقد التي تنسب لها ،بلغت من الشهرة حدا يصير معه إنكار انتساب ذلك
الموضع إليها من المستغربات عند العوام ،فترى آالف الناس يقصدون هذه
األماكن للزيارة ،معتقدين بأنها موضع وفاة زينب ،ففي مصر يوجد مسجد
ضخم ُشيِّد على مكان يُ َّدعى أنه موضع وفاة زينب ،وفي الشام مسجد آخر يزوره
اآلالف من العوام ظا ّنين أنه مرقد زينب ،وفي سنجار موضع ينسب إلى زينب
ويُ َّدعى أنه مرقدها ،ومع استحالة أن يكون إلنسان واحد أكثر من موضع مات
فيه ،إال أن هذه المواضع ُع ِّمرت وصارت محجا ومزارا لكثير من العوام الذين
لم يجدوا من يهديهم إلى الحق والصواب ،بل ــ ويا للعجب ــ فلقبرها المنسوب
لها في الشام خوارق وكرامات ،ولقبرها المنسوب لها في مصر كرامات
ومعجزات ،بل إن األغرب واألعجب أنك تجد من ينافح عن هذه الظاهرة الغريبة
والمستنكرة ،ويصنف في إثبات دفن زينب في مصر أو الشام! ،بل إن بعضهم
ال يجد ضيرا في وجود أكثر من قبر منسوب لزينب ،ويحث الناس على زيارة
عشت أراك الدهر عجبا! ،وهذا ما حملني على تتبع أصل هذه األماكن كلها! وما َ
وتاريخ هذه المراقد المنسوبة لزينب وبيان حقيقتها للناس ،خاصة أني وجدت
ما أُل ِّف في بيان حقيقة هذه المراقد المزورة ،قليال بل نادرا وال يتعدى وريقات
28
تقدمة
قليلة ،في مقابل عشرات الدراسات والمؤلفات التي صنفت في محاولة إثبات
صحة هذه المراقد والمشاهد غير الثابتة ،وفي الختام ،أرجو أن أكون وفَّيت
الحفيدة النبوية والبضعة العلوية زينب الكبرى ،شيئا من حقها ،بتبرئتها من
األكاذيب التي ألصقت بتاريخها ،وباهلل التوفيق.
29
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
30
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
كنيتها
31
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
وأستبعد صحة ذلك ألني لم أقف عليه عند من سبقه( ،)1فاألصح أنها
كانت ُتكنى بأم جعفر ،مثل زوجها عبد اهلل بن جعفر فإ ّنه كان ي ُكنى أبا جعفر(،)2
وهو جعفر األكبر وأمه زينب .
وزعم بعض المتأخرين أن كنيتها أم كلثوم ،وهذا أمر مستبعد وال يقوم عليه
دليل ،وال أظنه إال وهما ،منشؤه غلط بعض الرواة في ذكر اسم أم كلثوم بدل
زينب في بعض الروايات(.)3
لقبها
درج النسابون على إطالق وصف >الكبرى< على زينب( ،)4تمييزا لها عن
أختها غير الشقيقة زينب >الصغرى< المولودة من أم ولد ،ونسب بعض
المتأخرين إلى زينب الكبرى عدة ألقاب ،وأشهرها وأقدمها لقب >العقيلة<(،)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد صرح جعفر النقدي اإلمامي بأنه لم يقف على مستند هذه الكنية فقال> :كما ُتكنى بأم الحسن ()1
أيضا ،ولم نقف له على حقيقة< ،زينب الكبرى (ص .)16
روى اإلمام أحمد في العلل برقم ( ،)2732عن عبد اهلل بن الزبير أنه قال لعبد اهلل بن جعفر ()2
> :يا أبا جعفر< ،وإسناده متصل صحيح رجاله كلهم ثقات ،وقال مصعب الزبيري في نسب
قريش (ص > :)82ولد عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب :جعفرا األكبر ،به كان يكنى< وذكر بع ُد
(ص )83أن أم جعفر هي زينب الكبرى.
وسيأتي مزيد من التفصيل عن هذه القضية عند نقد كتاب >مرقد العقيلة زينب<. ()3
الطبقات البن سعد ( ،)17/3أنساب األشراف ( ،)189/2الذرية الطاهرة (ص ،)119تاريخ ()4
وأصحابه العشرة ( ،)200/2المجدي في دمشق ( ،)174/69الجوهرة في نسب النبي
أنساب الطالبيين (ص.)18
والعقيلة هي الكريمة من النساء كما في لسان العرب ( ،)463/11وال ريب أن زينب كذلك وإنما ( )5
الكالم في ثبوت هذا اللقب من جهة الرواية والتاريخ.
32
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
تفرد أبو الفرج األصفهاني بذكره مستندا إلى رواية منسوبة إلى زينب،
وهو لقب َّ
ولم نجد له أثرا عند من سبقه من علماء النسب ،كما أن الرواية التي اعتمد عليها
ال ترقى إلى الصحة(.)1
ومن األلقاب التي تلقب بها زينب عند المعاصرين ،لقب >الحوراء<(،)2
وهذا اللقب لم يرد في أي رواية من روايات اإلمامية ،بل جاء في رواياتهم تلقيب
فاطمة بالحوراء( ،)3فيظهر أ َّن تلقيب بعض المتأخرين لزينب بلقب الحوراء
هو اقتباس من هذه الرواية التي وردت في فاطمة .
ويالحظ أ َّن هذه األلقاب لم تظهر إال في كتب متأخرة جدا ،وتحديدا في
أصل في الروايات وال في كتب التواريخ
القرن الثالث عشر فما بعده ،وليس لها ٌ
العتيقة ،وإنما هي من توليد المتأخرين ،وألجل ذلك ال أستغرب أن تصل ألقاب
زينب عند بعضهم إلى أكثر من ثالثين لقبا(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال أبو الفرج األصفهاني> :والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كالم فاطمة في فدك ،فقال: ()1
ح ّدثتني عقيلتنا زينب بنت علي< ،مقاتل الطالبيين (ص ،)95ولم يذكر إسنادا لهذه الرواية،
ولذا فهذه الرواية غير معتمدة.
الحوراء هي شديدة بياض العين ،جاء تلقيب زينب بالحوراء في كتاب >عصمة الحوراء زينب<، ()2
وكتاب >النوران الزهراء والحوراء< كالمهما لعادل العلوي ،وكذا كتاب محمد جميل حمود
الغراء في تفضيل سيدتنا الص ّديقة الكبرى زينب الحوراء على السيدة مريم العذراء<،
>الحقيقة ّ
وانظر :شجرة طوبى ( ،)121/1( ،)62/1المجالس العاشورائية في المآتم الحسينية (ص ،396
ص ،)469الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (.)116/13
انظر مثال :دالئل اإلمامة (ص ،124ص ،)148األمالي البن بابويه القمي (ص ،)175تهذيب ()3
األحكام ( ،)10/6مصباح المتهجد (ص ،)712الثاقب في المناقب (ص.)280
انظرها في :الخصائص الزينبية (ص 51ــ .)52 ()4
33
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
والدتها
لم أقف على نص في تاريخ والدة زينب ،)1(والظاهر أنها ولدت في
السنة الخامسة للهجرة ،بعد والدة أخيها الحسين ،وقبل والدة أختها أم
كلثوم التي نص الذهبي على أنها ولدت في السنة السادسة(.)2
والغالب على الظن أنها ولدت آخر السنة الخامسة قبل واقعة الكساء،
حين دعا أهل بيته دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، وذلك أ ّن النبي
ولو كانت زينب قد ولدت ،لدعاها النبي .
تنبه محب الدين الطبري إلى هذه النكتة اللطيفة فقال> :الفصل السابع:
وقد َّ
ِ
في ذكر زينب بنت فاطمة وعلي ،وإنما أُ ِّخر ذ ُ
كرها وذكر أختها أم كلثوم،
عن أحاديث أهل البيت المشار إليهم في اآلية ،ألن أحاديث أهل البيت المذكورة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أما زعم جعفر النقدي في كتابه زينب الكبرى (ص )18أنها ولدت في خامس جمادى األولى،
ونقل غالب اإلمامية المعاصرين ذلك عنه ،فهو مجرد زعم ال أصل له وال دليل عليه ،وإنما جاء ُ
به ــ كما هو جل مادة كتابه ــ من بعض المؤلفين المتأخرين من أهل القرن الثالث عشر ،وال يعقل
أن يخفى هذا عن سائر أهل العلم طوال ثالثة عشر قرنا ،وقد تعقبه الشيخ اإلمامي فضل علي
القزويني فقال في كتابه اإلمام الحسين وأصحابه (> :)103/3ما ذكره العالمة النقدي...
قول بال دليل بل بال تحقيق ،ولم يسنده إلى رواية أو كتاب< ،ثم قال بعدما نقل عن النقدي أقواال
أخرى في تاريخ والدة زينب (> :)104/3ليت شعري في أي كتاب ذلك ،وأي قائل قال بذلك؟
وقد تفحصنا في جملة من كتب العامة والخاصة ولم نر لذلك عينا وال أثرا وال قوال وال قائال<.
ونظيره زعم جبر سراج في كتابه السيدة زينب في قلوب المحبين (ص )5أن زينب ولدت في
شهر شعبان!
ونظيره أيضا زعم بعض الذين يحتفلون بمولد زينب في مصر أنها ولدت في 28رجب ،فكل
ذلك ال أصل له.
( )2سير أعالم النبالء (.)500/3
34
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
لم تتضمنهما ألنهما واهلل أعلم لم يكونا موجودتين حين نزول اآلية وتجليلهم
بالكساء<( ،)1وقد أجاد فيما أفاد.
وإذا علمنا أ ّن سورة األحزاب نزلت بعد غزوة الخندق( )2ــ وغزوة الخندق
كانت في السنة الخامسة من الهجرة على أرجح األقوال( )3ــ تكون النتيجة أ ّن
زينب ولدت في آخر السنة الخامسة للهجرة النبوية.
فضة كما صنعت مع وقد تصدقت فاطمة بوزن شعر ابنتها زينب ّ
سائر أبنائها ،فقد قال محمد بن علي الباقر > :وزنت فاطمة بنت رسول اهلل
شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم ،فتص ّدقت بزنة ذلك فضة<(.)4
35
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
كلثوم ،وليس هذا مما يحط من شأن زينب إذ أنها مشمولة بفضيلة
ورأته وذكرها جماعة من العلماء الصحبة العامة ،فزينب أدركت النبي
في صغار الصحابة( ،)1كما أنها مشمولة بالفضائل العامة التي وردت ألهل
من بني هاشم كما في قوله > :إ َّن اهلل البيت ،من اصطفاء النبي
اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ،واصطفى قريشا من كنانة ،واصطفى من قريش
بأهل بيته بني هاشم ،واصطفاني من بني هاشم<( ،)2ومشمولة بوصية النبي
> :أُذ ِّكركم اهلل في أهل بيتي<( ،)3وقول الصديق > :ارقبوا حين قال
محمدا في أهل بيته<(.)4
وال ريب في كونها من التقيات العابدات العفيفات ،فزينب قد نشأت
وتربت في كنف بيت من أشرف بيوت بني هاشم ،يرعاها أبوها علي ،
وتح ّفها أمها فاطمة بالعناية والرعاية وحسن التربية والتأديب ،ولذا فال غرابة
في أن يختارها عبد اهلل بن جعفر زوجة له.
عمها عبد الل بن جعفر
زواجها من ابن ِّ
تزوجت زينب بنت علي بابن عمها عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب ،
وهو الصحابي المشهور الملقب بالجواد ،ولم يُنقل تاريخ هذا الزواج ،إال أن
غالب الظن أنه وقع قبل سنة 17هـ ،أل ّن عمر بن الخطاب خطب في هذه
السنة أم كلثوم أخت زينب ،)5(وكان مراد عمر من تلك المصاهرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسد الغابة ( ،)134/7الجامع لما في المصنفات الجوامع ( ،)301/6اإلصابة (.)166/8 ()1
صحيح مسلم (.)6002 ()2
صحيح مسلم (.)6304 ()3
صحيح البخاري (.)3713 ()4
تاريخ الطبري ( )69/4عن الواقدي. ( )5
36
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
االتصال بالنسب النبوي ،فلو كانت زينب حينها غير متزوجة ،لكانت أولى
بالخطبة من أختها أم كلثوم لكونها أكبر سنا منها ،واهلل أعلم(.)1
ثم إن زينب كانت الزوجة األولى لعبد اهلل بن جعفر( ،)2فقد مضى أ َّن
ّ
عبد اهلل بن جعفر كان يكنى بأبي جعفر ،وأم جعفر هي زينب .
()3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وقد وقع في مستدرك الحاكم ( )4743أن عمر لما خطب أم كلثوم من علي ،أجابه علي
فقال> :إني أرصدها البن أخي عبد اهلل بن جعفر< ،قلت :هذا الخبر ُمعل سندا ومتنا ،وأما السند
فإ َّن الناس رووه من طريق معلى بن أسد عن وهيب بن خالد عن جعفر عن أبيه مرسال ،وأما رواية
الحاكم فزيد في إسنادها علي بن الحسين فهذه الزيادة غل ٌط ،وأما المتن ،فكل من روى خبر معلى
ابن أسد ذكر أ ّن عليا إنما قال> :إني أرصدها البن أخي< ،ولم يُسمه في المتن ،فزيادة عبد اهلل
ابن جعفر في رواية الحاكم شاذة .وانظر :فضائل الصحابة ألحمد والرواية من زيادات القطيعي
على الفضائل ( ،)1069والشريعة لآلجري ( ،)1713و(.)1820
ويشهد له أيضا الطرق األخرى عن جعفر بن محمد ،ففيها> :إنما حبست بناتي على بني جعفر<.
انظر :طبقات ابن سعد ( ،)463/8وسنن سعيد بن منصور ( ،)520والمعجم الكبير للطبراني
( ،)2633وحلية األولياء ( ،)34/2والشريعة لآلجري ( ،)1712و(.)1819
وورد في طرق أخرى ضعيفة أ َّن عليا قال> :إني أعددتها البن أخي جعفر<.
انظر :األحاديث المختارة للضياء المقدسي ( ،)281وعليه يظهر أن ِذكر عبد اهلل بن جعفر في
رواية الحاكم غلط.
( )2الفائدة من التنبيه على هذه المسألة هو أنه سيأتي أن عبد اهلل بن جعفر قد تزوج أم كلثوم الكبرى
أخت زينب بعد وفاتها ،وإذا ثبت ذلك نستطيع تعيين تاريخ وفاة زينب بأنه قبل سنة 50هـ،
حيث أننا نعلم من خالل الروايات الصحيحة أن أم كلثوم توفيت في حياة الحسن بن علي الذي
توفي سنة 50هـ ،وهذه القضية ستفيد أيضا في مناقشة مسألة خروج زينب الكبرى مع الحسين
إلى كربالء.
( )3ذكر مصعب الزبيري في نسب قريش (ص 82ــ ،)83وابن قتيبة في المعارف ()207/1
والدوالبي في الذرية الطاهرة ( )212ــ طبعة المبرة ــ ونقله عن يحيى بن الحسن العقيقة النسابة،
أن جعفرا األكبر هو ابن زينب ،وخالف ابن سعد في ذلك فذكر في الطبقات ــ طبعة الخانجي ــ
( )461/6أن أمه هي األمية التي تكنى أم عمرو بنت خراش ،والراجح األول.
37
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
38
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
ثم بعون
ومال ابن حزم إلى هذا القول فقال بعد أن ذكر زواج أم كلثوم بعمر ّ
ثم خلف عليها بعده عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب، ثم بمحمد ابني جعفرَّ > :
ّ
()1
بعد طالقه ألختها زينب< .
ثم ذكر
وتبعه على ذلك أحمد بن خالد الناصري فقد نقل كالم ابن حزمّ ،
ثم
وزوج علي ابنته زينب من ابن أخيه عبد اهلل بن جعفر ّ ثم قالّ > :
كالما ّ
طلقها بعد أن ولدت له ..وتزوج أختها أم كلثوم كما تقدم وأظن أ ّن طالقه إياها
علي .)2(<كان بعد مقتل ّ
تفرد بنقله البالذري دون سائر ثقات النسابين ممن
وهذا القول ضعيفّ ،
سبقه ،وقد نص من سبقه من أهل النسب على خالف ذلك.
وسيأتي تصريح الزهري وابن سعد وهما أقدم وأعلم باألنساب من
البالذري وابن حزم( )3بأ َّن عبد اهلل بن جعفر إنما تزوج بأم كلثوم بعد وفاة
أختها زينب ،ولعل األمر اشتبه على البالذري حين وقع على خبر زواج عبد اهلل
ابن جعفر بكل من زينب وأم كلثوم فاحتمل أن يكون عبد اهلل بن جعفر طلق زينب
ثم تزوج أم كلثوم ،وربما قد يكون البالذري وقف على قولين في المسألة َّ
فحكاهما دون أن يجزم بصحة أحدهما.
وعلى كل حال؛ لم نر أحدا من المحققين المعتمدين في علم النسب يعتمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1جمهرة أنساب العرب (ص .)38
( )2طلعة المشتري في النسب الجعفري (.)20/1
( )3قال الليث بن سعد عن الزهري> :ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب ،يحدث في الترغيب،
فتقول :ال يحسن إال هذا ،وإن حدث عن العرب واألنساب ،قلت :ال يحسن إال هذا ،وإن حدث
عن القرآن والسنة ،كان حديثه< تاريخ دمشق (.)341/55
39
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
هذه الرأي ،وهذا كاف في بيان عدم صحته ،فضال عن أني لم أقف لهذا الرأي
على دليل نقلي ،واهلل الموفق(.)1
40
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
()2 ()1
زوجك أم فروة؟ إنها لم تكن من
أغرك ابن أبي قحافة حين ّ
ولك األ ْثلَ ُب ! ّ
الفواطم وال العواتك من سليم.)3(<<...
والكالم على هذه الرواية يقع في وجهين:
األول :لو تجاوزنا كون كتاب العقد الفريد كتاب أسما ٍر ٍ
وأدب ،وأ ّن أهل
تفرد صاحب العقد الفريد برواية هذه القصة
التحقيق ال يعبؤون بما يرويه ،فإ ّن ّ
ف في ردها وعدم االعتماد عليها.في القرن الرابع دون إسنا ٍد ،كا ٍ
الثاني :الرواية مقطوعة البطالن ،ألنها تزعم أ َّن زينب ــ حين خطبها
األشعث بن قيس ــ كانت طفلة صغيرة قد بدأت المشي ،وكان ذلك في زمن
علي بدليل مخاطبة األشعث له بلقب أمير المؤمنين ،وقد خالفة ّ
مضى أ ّن زينب الكبرى ُولِدت في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة ،فيكون
ٍ
حينئذ عمرها ــ في زمن خالفة أبيها ــ قريبا من ثالثين سنة ،بل كانت
عمها عبد اهلل بن جعفر ،فكيف يُزعم أ ّنها كانت صبيةمتزوجة من ابن ِّ
تدرج؟!
لعل المراد في الخبر زينب الصغرى ،أُجيب :إ َّن واضع الرواية
فإن قيلّ :
عليا يبرر تزويج أبي بكر ابنته أم فروة لألشعث، لم ير ّد ذلك ،أل ّنه جعل ّ
بأنها >لم تكن من الفواطم وال من العواتك من سليم<.
خالفا ألم فروة ،وعليه فهذا والمقصود بهذا أ ّن زينب حفيدة للنبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1قال ابن منظور> :وبفيه األثلب :...أي التراب والحجارة< ،لسان العرب (.)242/1
(ُ )2حذفت جملة >ابن أبي قحافة< في كتاب زينب الكبرى للنقدي!
( )3العقد الفريد (.)147/7
41
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
* التنبيه الثاني :خطأ القول بزواج زينب الكبرى من كثير بن العباس
من األوهام التي ُذكرت في بعض كتب األنساب ،أ َّن كثير بن العباس بن عبد
المطلب تزوج زينب الكبرى ،وأول من وجدته يذكر ذلك هو ابن حبيب فقال> :كثير
بن العباس بن عبد المطلب ،كانت عنده زينب الكبرى بنت علي<( ،)1والصواب أن
التي تزوجها كثير بن العباس هي زينب الصغرى كما نص على ذلك جماعة من
النسابين كمصعب الزبيري ،والبالذري ،وأبي الحسن العمري وابن عنبة(.)2
* التنبيه الثالث :خطأ القول بزواج زينب الكبرى بعمر بن الخطاب
وقع في بعض كتب متأخري المتأخرين ممن ألّف في زيارة المشاهد والقبور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المحبر (ص ،)56وتبعه على هذا الوهم الكرباسي في دائرة المعارف الحسينية ،معجم أنصار
الحسين ،النساء ،الجزء األول (ص ،)160ووقع هذا أيضا في موسوعة اإلمامة في مصادر أهل
السنة للمرعشي (.)615/6
( )2انظر على التوالي :نسب قريش (ص ،)45أنساب األشراف ( ،)193/2المجدي في أنساب
الطالبيين (ص ،)18عمدة الطالب (ص .)32
42
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
وهم >غريب< ،فقد قرروا زواج زينب الكبرى بعمر ،)1(وهذا غلط فاحش
وتخليط غريب ال أصل له في كتب التاريخ.
فالمقطوع به أ ّن عمر إنما تزوج أم كلثوم الكبرى األخت الصغرى
لزينب ،وأما زينب فكانت متزوجة حينها من عبد اهلل بن جعفر كما
ذكرت سابقا.
أبناؤها
اختلفت روايات النسابين في عدد أبناء زينب ،فاقتصر الزهري على ذكر
علي وعون( ،)2واقتصر مصعب الزبيري على ذكر جعفر وعلي وعون وأم
كلثوم( ،)3وتبعه الزبير بن بكار إال أنه لم يذكر أم كلثوم(.)4
وأما ابن إسحاق فاقتصر على ذكر علي وأم أبيها ،وقد وهم ،فأم أبيها
ّ
()5
ليست ابنة زينب ،بل هي ابنة ليلى بنت مسعود كما نص على ذلك ابن سعد
وابن قتيبة(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اإلشارات إلى أماكن الزيارات البن الحوراني ( 133ــ ،)134مخطوط عرف الزرنب إلسماعيل ()1
العجلوني نقال عن كتاب ثواب المدرك لعبد الغني النابلسي [ق /69ب] ،الروضة البهية
المنسوب لعز الدين الصيادي (ص )96والتحقيق أن هذا الكتاب من صنع أبي هدى الصيادي
وجلُّ مادته مسروقة من اإلشارات البن الحوراني ،وغيرهم كما سيأتي في موضعه.
وأنه منحول ُ
نقله عنه الدوالبي في الذرية الطاهرة (ص .)119 ()2
نسب قريش (ص ،)25و(ص.)83 ()3
تاريخ دمشق (.)14/43 ()4
الطبقات (.)461/6 ( )5
المعارف (.)207/1 ()6
43
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
وأما ابن سعد فقد تفرد بذكر اسم محمد بدل جعفر( ،)1والظاهر أنه وهم،
ّ
وزعم أبو الحسن العمري
َ ومثل هذا ع ُّد الدارقطني رقية في بنات زينب(،)2
النسابة أن من أوالد زينب إبراهيم( ،)3ولم أجد ذلك عند أحد من النسابين ممن
سبقه.
واتفق ابن قتيبة( )4والبالذري( )5ويحيى العبيدلي العقيقي( )6وتبعه ابن
الطقطقي( )7على أنها ولدت أربعة أبناء وبنتا وهم :جعفر وعلي وعون والعباس
وأم كلثوم ،وهو الصحيح إن شاء اهلل.
44
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
هذا التاريخ قطعا ،وأما القول الذي اشتهر عند بعض المتأخرين من تأخر وفاتها
إلى ما بعد سنة 61هـ( )1وشهودها كربالء مع أخيها الحسين فهو قول ال دليل
عليه وال يُركن إليه(.)2
وال عن والديها وال عن أخويها لم ترو زينب عن ج ّدها محمد
،ولم نقف على السبب الذي منعها من ذلك ،ويبدو أنها لم تكن مهتمة
بالرواية ،أو كانت مشغولة عن ذلك إما بالقيام بشؤون بيتها وأبنائها ،أو لمانع لم
ينقل إلينا .وأما سائر ما يروى عنها من الروايات فال يثبت شيء منه عند أهل
التحقيق ،وإنما هو من صنع الوضاعين والكذابين(.)3
45
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
46
متهيد يف ترمجة زينب الكربى
وكل هذا في مقابل االحتفاء بأختها زينب والغلو فيها إلى درجة
تفضيلها على األنبياء والمرسلين( ،)1وهذا غاية الجفاء والجور مع ذرية علي
وفاطمة ،وهذا ما سنسلط عليه مزيدا من الضوء من خالل ما سيأتي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سيأتي الكالم عن هذا في مبحث تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن زينب .
47
d
X X
الفصل ا أ
لول
d
d
X
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
عند استقراء ما ورد عن زينب وأم كلثوم في كتب التراث ،ومقارنته
مع ما كتب عن عنهما في هذا العصر يقع الباحث في الحيرة والتعجب،
وسبب هذا االستغراب هو أ َّن المرويات المتعلقة بأم كلثوم ،هي أضعاف ما
نُقل عن زينب ،بينما ما يكتب اآلن عن زينب ،هو أضعاف ما كتب عن أم
كلثوم.
فحين نراجع كتب التراجم واألنساب التي ترجمت لزينب وأم كلثوم ،نجد
في >سيرة ابن إسحاق< (150هـ) أ َّن الكالم عن تزويج أم كلثوم من عمر
وتزويجها من عون بن جعفر بن أبي طالب يقع في ثالث صفحات( ،)1بينما
ال يزيد الكالم عن تزويج زينب من عبد اهلل بن جعفر عن سطرين فقط(.)2
وفي >طبقات ابن سعد< ( 230هـ) نجد أن ترجمة أم كلثوم استغرقت
صفحتين تقريبا( ،)3بينما لم تتعد ترجمة أختها زينب ستة أسطر( ،)4إضافة إلى
ما نقله من روايات أبي مخنف.
وفي >الذرية الطاهرة< للدوالبي ( 310هـ) ،استغرقت ترجمة أم كلثوم
أربع صفحات( )5تضمنت ستة عشر رواية ،بينما اقتصرت ترجمة زينب على
صفحة واحدة تضمنت ثالث روايات فقط(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيرة ابن إسحاق (ص 248ــ .)250 ()1
سيرة ابن إسحاق (ص .)251 ()2
طبقات ابن سعد ( 429/10ــ .)431 ()3
طبقات ابن سعد (.)432/10 ()4
الذرية الطاهرة (ص 114ــ .)119 ( )5
الذرية الطاهرة (ص 119ــ .)120 ()6
51
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
وأما ابن عبد البر ( 463هـ) في >االستيعاب< ،فقد أفرد ترجمة ألم كلثوم
ّ
()2 ()1
في صفحة ونصف ولم يترجم لزينب أصال ولعله لم يقف على شيء عنها .
وقد سرى هذا األمر إلى كتب المتأخرين عنهم ،ففي >تاريخ دمشق< البن
عساكر ( 571هـ) ُذكرت أم كلثوم في معرض ترجمة ابنها زيد بن عمر ،إال أن
جل الروايات التي أوردها ابن عساكر كانت متعلقة بها وبزواجها من عمر ،
فمن جملة ثالثين رواية في ترجمة زيد ،كان نصيب أم كلثوم سبع روايات،
ونصيب زيد ثمان روايات ،وأما بقية الروايات فكانت مشتركة بين زيد وأم
كلثوم ،فصار ألم كلثوم اثنان وعشرون رواية( ،)3وهذا كله بالرغم من أ َّن أم كلثوم
ليست على شرط ابن عساكر ،ألنها لم تدخل دمشق.
ّأما زينب التي أفرد لها ابن عساكر ترجمة خاصة فكان نصيبها عشر روايات
فقط(.)4
وفي >ذخائر العقبى< للمحب الطبري ( 694هـ) كان نصيب زينب فقرة
من أربعة أسطر( ،)5بينما خصص ألم كلثوم أربع صفحات(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
االستيعاب ( 1954/4ــ .)1956 ()1
وقد وقع للرعيني في الجامع لما في المصنفات الجوامع عكس ما وقع البن عبد البر فترجم لزينب ()2
( )301/6ولم يترجم ألم كلثوم.
تاريخ دمشق ( 482/19ــ .)493 ()3
تاريخ دمشق ( 174/69ــ ،)178مع أن جملة منها ليست من رواية زينب الكبرى ،مثل حديث ()4
(إ ّن الصدقة ال تحل آلل محمد) ،فهو من رواية أختها أم كلثوم الصغرى ،وروايات حضورها في
كربالء ودمشق ال تصح أيضا كما سيأتي تفصيله.
ذخائر العقبى (ص .)167 ( )5
ذخائر العقبى (ص 167ــ .)171 ()6
52
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
وفي >أسد الغابة< البن األثير ( 630هـ) ،وقعت ترجمة أم كلثوم في
صفحتين(.)1
وأما زينب فكان حظها ستة أسطر بما يقارب نصف صفحة(.)2
ّ
وأما في >اإلصابة< البن حجر ( 852هـ) ،فوقعت ترجمة أم كلثوم في
ّ
صفحة ونصف تقريبا(.)3
وأما ترجمة زينب فوقعت في أربعة سطور( ،)4بل إ ّن الشوكاني ( 1250هـ)ّ
قد خص أم كلثوم بنت علي بمبحث لذكر مناقبها في كتابه >در السحابة في مناقب
الصحابة والقرابة<( ،)5ولم يذكر أختها زينب.
ولم يختلف األمر في كتب اإلمامية القديمة ،ففي كتاب >الكافي< ،أفرد
الكليني ( 329هـ) بابا لتزويج أم كلثوم ذكر فيه روايتين( ،)6وفي (باب المتوفى
عنها زوجها) ،ذكر روايتين تتعلقان بأم كلثوم( ،)7بينما لم يفرد أي باب عن أختها
زينب ،وإنما جاء ذكر زينب عرضا في رواية يتيمة تتعلق بمقتل الحسين .)8(
وأما ابن بابويه ( 381هـ) ،فقد نقل رواية واحدة ذكرت فيها أم كلثوم(،)9
ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسد الغابة طبعة دار الفكر ( 387/6ــ .)388 ()1
أسد الغابة طبعة دار الفكر ( 132/6ــ .)133 ()2
اإلصابة ( 464/8ــ .)466 ()3
اإلصابة ( 166/8ــ .)167 ()4
در السحابة (ص )549برقم .163 ( )5
الكافي (.)346/5 ()6
الكافي (.)115/6 ()7
الكافي (.)465/1 ()8
من ال يحضره الفقيه (.)321/1 ()9
53
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
54
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1موسوعة زينب الكبرى لعلي عاشور ،طبعت سنة 2009م 1429 /هـ.
55
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
56
املسألة األوىل :دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى
57
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
2ــ >ثواب المدرك في زيارة الست زينب والشيخ مدرك<( )1لعبد الغني
النابلسي (1143هـ)( ،)2قال تلميذه العجلوني في وصف هذه الرسالة> :تبلغ
تعرض فيها لشيء من ترجمتها( )3وترجمة الشيخ عمر الخباز<(،)4
نحو الورقتينّ ،
ومال فيها إلى أن القبر المنسوب لزينب في الشام في قرية راوية في الموضع
المشهور بقبر الست ،هو لزينب الكبرى لكنه توهم أنها أم كلثوم الكبرى ،وقد
نقل العجلوني غالب رسالة النابلسي في رسالته عرف الزرنب اآلتية ،وسيأتي
فيما بعد أن النابلسي كان له أكثر من رأي حول موضع دفن زينب الكبرى ،وأن
األقرب أن آخر أقواله في المسألة هو نفي ثبوت دفن زينب الكبرى في الشام.
3ــ >المنحة واإلعزاز في الرحلة لزيارة السيدة زينب وسيدي مدرك وعمر
الخباز< لعبد اهلل بن عمر األفيوني ( 1154هـ)( ،)5وهذه الرسالة لم أقف عليها
ولعلها فُقدت ،لكن يبدو من عنوانها أنه تابع فيها عبد الغني النابلسي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقصود به مدرك بن زياد ،ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق ( )183/57ونقل عن أبي عطية ()1
عبد الرحيم بن محرز الذي ينتهي نسبه إلى مدرك بن زياد أنه قال> :مدرك بن زياد صاحب
وقدم مع أبي عبيدة فتوفي بدمشق بقرية يقال لها راوية وكان أول مسلم دفن بها<، رسول اهلل
ثم قال ابن عساكر> :لم أجد ذكر مدرك من غير هذا الوجه<. َّ
قلت :فاألصل في إثبات وجوده هو ما نقله ابن عساكر ،والذين ذكروه في الصحابة كلهم كابن
األثير في أسد الغابة ( ،)125/5والذهبي في تجريد أسماء الصحابة (ص ،)65وابن حجر في
اإلصابة ( )48/6نقلوا كالم ابن عساكر ،فاهلل أعلم بحقيقة أمره ،وقد ارتبط قبره بقبر زينب،
لكونه مدفونا في (راوية).
ثبت السفاريني (ص ،)182إيضاح المكنون ( ،)348/3هدية العارفين ()591/1 ()2
أي زينب الكبرى . ()3
مخطوط عرف الزرنب للعجلوني موجود ضمن مجموع به عدة رسائل [ق /69أ] وسيأتي الكالم ()4
عن هذه الرسالة.
هدية العارفين ( ،)481/1إيضاح المكنون (.)416/4 ( )5
58
املسألة األوىل :دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى
59
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
60
املسألة األوىل :دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى
61
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
كبيرا ممن ألّف في هذه الفترة تأثر بكتابين أساسيين ،هما كتاب >السيدة زينب
وأخبار الزينبات< لحسن قاسم ،وكتاب >زينب الكبرى< لجعفر النقدي من
اإلمامية ،وكل من كتب بعد هذين المؤل َفين إنما يعتمد على كتابيهما.
والمالحظ في المؤلفات التي كتبت في القرن الرابع عشر فما بعده ،أنها
تأثرت بالتراث اإلمامي عن زينب ،ولذا ركز ُجلُّ من ألَّف في هذه الفترة على
واقعة كربالء وما روي من مشاركة زينب فيها ،وما نسب إليها من مواقف في
الشام ،كما يالحظ أ َّن ُج ّل من أل َّف عن زينب في هذه الفترة هم من الديار
المصرية.
62
املسألة األوىل :دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى
63
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
سنه 1326هـ(.)1
* >أساور من ذهب في أحوال أم المصائب زينب< لمهدي األصفهاني،
طبع سنة 1350هـ(.)2
وقد التزم المؤلف أال ينقل األخبار المكذوبة والموهونة( ،)3ولذا فقد صان
كتابه من نقل الروايات التي تفرد بها صاحب الطراز ،وكانت النتيجة أن خرج
المذ َّهب< ،وإن كان يظهر
الكتاب في حجم صغير جدا مقارنة مع كتاب >الطراز ُ
من ترتيب األساور وفصوله أنه استفاد من كتاب الطراز في الجملة.
* >تاريخ أم المصائب سيدتنا زينب< لمحمد بن إسماعيل الكجوري
توفي سنة 1352هـ(.)4
وهناك كتب أخرى كثيرة أُلّفت عن زينب الكبرى جمعت في مقالة في مجلة
الموسم( ،)5لكن ُجل هذه الكتب لم يكتب لها الشهرة والتداول ،ولعل السبب
أ ّن أغلبها مكتوب بالفارسية.
وأما أول كتاب إمامي مؤلف باللغة العربية في زينب الكبرى بحسب ما
وقفت عليه فهو >رسالة في ترجمة السيدة زينب الكبرى< لحسون البراقي النجفي
( 1332هـ) ،وهذا الكتاب ال زال مخطوطا ولم أقف عليه(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الموسم ،العدد الرابع( ،ص .)1163 ()1
الذريعة (.)64/11 ()2
أساور من ذهب (ص .)9 ()3
الذريعة (.)236/3 ()4
انظر :مقالة مكتبة السيدة زينب ،مجلة الموسم العدد الرابع (ص 1162ــ .)1166 ( )5
ذكره كامل سلمان الجبوري في مقدمة تحقيقه لكتاب النجف للبراقي (ص ،)14وذكر أنه= ()6
64
املسألة األوىل :دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى
ثم ألَّف جعفر النقدي ( 1369هـ) أشهر كتاب عربي في التراث اإلماميّ
عن زينب ،عنوانه >زينب الكبرى بنت اإلمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
،<وطبع بالنجف سنة 1361هـ(.)1
وقد شرح في المقدمة أن سبب تأليفه لهذا الكتاب هو عدم وقوفه على
مؤلَّف مستقل عن زينب الكبرى سوى كتاب >الطراز ُ
المذ َّهب< فقال> :ولما
لم أجد مؤل َّفا خاصا بالمعصومة الصغرى ،سيدتنا وموالتنا (زينب الكبرى) بنت
اإلمام أمير المؤمنين صلوات اهلل عليها وعلى أبيها ،يُ ّبين تفصيل أحوالها ،ويشرح
فضائلها ومناقبها ،ومزاياها التي خصها بها الباري تعالى ،سوى الكتاب الفارسي
المسمى >بالطراز المذ َّهب< الذي جمع فيه مؤلفه بين الغث والسمين ،ألّفت
كتابي هذا في شرح سيرتها وبيان فضلها ورفعة شأنها وجاللتها .)2(<
المذ َّهب< ،إال أنه لم يذكر ذلك إال
وقد اعتمد النقدي على كتاب >الطراز ُ
في النادر( ،)3وبمقارنة بين الكتابين ،يتبين أ َّن النقدي قام بترجمة كتاب الطراز
مع اختصار االستطرادات( ،)4وأضاف إلى ذلك ما وقف عليه من نصوص فاتت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محفوظ في مكتبة كاشف الغطاء بالنجف تحت رقم (.)828 =
طبع الكتاب مرات كثيرة ووقفت منه على ثالث طبعات :طبعة النجف الرابعة من منشورات ()1
المكتبة الحيدرية ،وطبعة مكتبة المفيد بقم وهي مصورة من طبعة النجف ،والطبعة األولى من
مؤسسة األعلمي سنة 1419هـ وقد تغير العنوان في طبعة األعلمي إلى >حياة السيدة زينب< ،وقد
اعتمدت في العزو على طبعة النجف.
زينب الكبرى (ص .)2 ()2
زينب الكبرى (ص 18ــ 26ــ 27ــ 75ــ 119ــ .)120 ()3
واستفاد النقدي أيضا من الخصائص الزينبية للجزائري وأحال عليه في بعض المواضع ،انظر ()4
مثال :زينب الكبرى (ص.)36
65
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
صاحب الطراز ،كما أنه اعتمد على كتاب >السيدة زينب وأخبار الزينبات<
لحسن قاسم وأدرج جزءا من مباحثه في كتابه(.)1
ثم أل َّف فضل علي القزويني ( 1367هـ) رسالة عن زينب أدرجها ضمن
كتابه >اإلمام الحسين وأصحابه< ،وقال> :إن شئت فسم> :رسالة مستقلة وجيزة
منفردة في أحوال الزينبين وتاريخيهما<<( ،)2وقد اعتمد على كتاب النقدي في
جل ما أورده عن زينب( ،)3غير أنه ذهب إلى مذهب غريب فزعم أن زينب
الكبرى هي أم كلثوم الكبرى زوجة عمر بن الخطاب ،وهذا خطأ مقطوع به،
السنة
النسابين من ُّ
بل الثابت في الروايات وكالم المؤرخين والمح ّدثين وعامة ّ
واإلمامية أن زوجة عمر هي أم كلثوم الكبرى وهي األخت الصغرى الشقيقة
لزينب الكبرى(.)4
ثم ألّف محمد حسنين السابقي كتاب >كشف الغيهب في تحقيق مرقد ّ
العقيلة زينب< سنة 1394هـ ،وقد أعيدت طباعته مؤخرا بعنوان> :مرقد العقيلة
زينب في ميزان الدراسة والتحقيق والتحليل<(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب الكبرى (ص 120ــ .)126 ()1
اإلمام الحسين وأصحابه (.)101/3 ()2
القزويني متقدم الوفاة على النقدي ،لك َّن كتابه متأخر عن كتاب النقدي ،وقد اعتمد القزويني على ()3
كتاب النقدي ونقل منه ،انظر مثال اإلمام الحسين وأصحابه (،108 ،106 ،104 ،103/3
،)155 ،152 ،116وغيرها من المواضع ،مما يدل على تأخر تصنيف رسالته عن زينب عن
كتاب النقدي.
بسطت ذلك بتفصيل في كتابنا >نسبا وصهرا< فارجع إليه. ()4
ولست أدري هل العنوان الذي طبع على غالف الكتاب ــ مرقد العقيلة زينب في ميزان الدراسة ( )5
والتحقيق ــ من عمل المؤلف أم المطبعة ،ألنه قد جاء في تقريظ الزنجاني وحرز الدين النجفي
للكتاب أن عنوانه هو >كشف الغيهب في تحقيق مرقد العقيلة زينب< ،انظر (ص 11و.)13
66
املسألة األوىل :دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى
وقد تضمن هذا الكتاب مناقشة موسعة لقضية موقع قبر زينب ،مع
استطرادات وحشو كثير ،انتصر فيه مؤلفه لصحة القبر الشامي دون بقية المواضع
بما فيها القبر المصري ،وهذا الكتاب صار معتم َد كل من رجح صحة القبر
الشامي فيما بعد(.)1
ثم صدرت في فترة وجيزة ،عشرات الكتب عن زينب جلها تدور في فلك َّ
كتاب جعفر النقدي ،وتحيل عليه ،منها:
* >وفاة زينب الكبرى< ،لفرج آل عمران القطيفي ،ألّفه سنة 1377هـ
وصرح في المقدمة أ َّن كتابه مختصر من كتاب جعفر النقدي( ،)2إال أ ّنه خالفه في
تعيين مرقد زينب ،فخصص فصال في آخر الكتاب إلثبات كونه في الشام.
* >زينب الكبرى من المهد إلى اللحد< لمحمد كاظم القزويني كتبه سنة
1409هـ ،ومن مراجعة هوامشه يتبين اعتماده الكامل على كتاب النقدي( ،)3وقد
اعتمد على كتاب >أخبار الزينبات< لحسن قاسم.
وهناك كتب أخرى كثيرة يعسر إحصاؤها ،وجل هذه الكتب تعتمد على
()4
تفرد به من تفاصيل حياة زينب.
كتاب النقدي فيما َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد خصصت هذا الكتاب بالدراسة في مبحث نقد المؤلفات. ()1
وفاة زينب الكبرى (ص .)3 ()2
انظر :زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص 31ــ 32ــ 222ــ 255ــ 364ــ 584ــ 593 ()3
ــ 598ــ 603ــ ،)633وقارن مثال ما جاء في زينب الكبرى (ص 119ــ )126بما جاء في
كتاب زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص 592ــ .)618
بل إ َّن بعضهم قام بسرقة كتاب النقدي ،كما صنع ماجد ناصر الزبيدي ،فقد أصدر كتابا سماه: ()4
>فخر النساء زينب الحوراء< ،وهو كتاب تجاري محض ،قام صاحبه باختصار كتاب النقدي=
67
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
68
املسألة األوىل :دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى
وبقراءة سريعة لهذه الكتب يُالحظ حجم التناقض القائم بين ندرة أخبار
زينب في المصادر األصلية ،وبين كثرة القصص والروايات التي انتشرت في
الكتب المتأخرة عنها ،مما يبعث على الحيرة والتساؤل ،ويستدعي دراسة نقدية
وتحليال مفصال ،وهو ما سأحاول بيانه في المبحث التالي.
69
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
70
املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب
العقيلة زينب إلى القرن التاسع أو أُلّف ولكن خلت عن ذكره الفهارسّ ،
وأول
كتاب علمناه مفردا في هذا الباب هو كتاب الحافظ( )1عبد الرحمن السخاوي
المتوفى 902هـ ،وتبعه ابن طولون الدمشقي المتوفى 952هـ<(.)2
السباقون للتأليف في ويكفي أهل السنة شرفا أن يُ ِق َّر لهم المخالف بأنهم َّ
زينب بنت علي واالهتمام بها ،فيما يُالحظ أ َّن الصادح ب ِذكرها في المجالس
ووسائل اإلعالم والكتب المعاصرة ويُزايد على اآلخرين في االحتفاء بها كان
علي أكثر من عشرة قرون ،فلم يَ َت ّنبه لها
غافال عن التأليف عن بضعة اإلمام ّ
إال قُبيل قر ٍن واح ٍد من الزمان!.
ثم إ َّن مطالعة سريعة للمؤلفات األولى التي كتبت عن زينب ،تجعلنا نقرر
َّ
أ َّن ورود اسم زينب في أحداث كربالء وما تالها هو السبب الرئيس لالهتمام
أقدم بالتأليف عن زينب ،فعندما نرجع لكتاب >الطراز ُ
المذ َّهب< ،الذي يُع ُّد َ
كتاب في التراث اإلمامي عن زينب ،نجد أ َّن مرويات أحداث كربالء هي الجزء
ٍ
األكبر الذي طغى على الكتاب ،إذ استغرقت 300صفحة( ،)3وهذا أكثر من
نصف الكتاب(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيأتي الحديث عن عدم صحة نِسبة هذا الكتاب له ،وكونه من مختلقات حسن قاسم. ()1
مرقد العقيلة زينب (ص .)195 ()2
الطراز المذهب من (ص )199إلى (ص .)515 ()3
يقع كتاب الطراز المذهب في 653صفحة ،لكن الكتاب فيه مبحث فلسفي مطول خارج عن ()4
موضوع زينب ،تكلم فيه المؤلف عن النفس والروح والعقل ومباحث أخرى وقعت في 104
صفحات من (ص )78إلى (ص ،)182فإذا حذفناها تبقى 550صفحة ،وبهذا تكون أحداث
كربالء أخذت أكثر من نصف الكتاب ،والعجيب أ ّن مثل هذا وقع في الكتب المصنّفة عن
الحسين ،إذ أنها تركز على واقعة كربالء مع أنها ال تمثل إال أياما معدودة من حياة الحسين التي=
71
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
ثم تطور االهتمام بزينب مع التطور العمراني للقبر الشامي ،فظهرت َّ
المؤلفات التي تختص بترجيح دفنها في الشام مع بيان كيفية زيارتها ،وبهذا يظهر
أ َّن االهتمام بشخصية زينب لم يكن ألجل ُّ
تميزها عن بقية نساء أهل البيت
بميزة معينة ،أو إلظهار أخالقها وسيرتها ألجل االقتداء بها ،بل ال يخرج األمر
عن االرتباط بقبرها سواء كان مصريا أو شاميا ،أو بسبب المواقف والخطب التي
نسبها إليها األخباريون ،وأنا أجزم أنه لوال هذان األمران ،لما حظيت زينب
بهذا االهتمام المتأخر ،ولكان حالها حال بقية نساء أهل البيت اللواتي ال يحظين
باهتمام كبير في التراث اإلمامي.
فلك أن تقارن حجم المؤلفات التي كتبت عن زينب بنت علي والتي
يعسر إحصاؤها اليوم ،بالمؤلفات عن شخصيات أعلى درجة منها ،مثل :بنات
النبي :زينب ورقية وأم كلثوم ،فهؤالء كلهن من سيدات بيت
النبوة الالتي ورد فيهن فضائل مخصوصة ،ومع ذلك فالمؤلفات عنهن في التراث
اإلمامي شحيحة نادرة( ،)1ونفس الشيء يقال عن بقية بنات علي ،لو استثينا
أم كلثوم التي لو لم يتزوجها عمر لما حظيت بأي اهتمام ،وكذلك رقية بنت
علي فلوال القبر المنسوب إليها في الشام لما لقيت أي اهتمام(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= تمتد من العهد النبوي إلى زمن يزيد بن معاوية ،وقد أشار إلى هذا محمد صحتي واستنكره بشدة،
انظر مقاله في جدل ومواقف من الشعائر الحسينية (ص .)252
ويدعون أنهن ربائب خديجة !انظر :كتاب ( )1بل إ َّن بعض الغالة ينكرون بنوتهن للنبي
ال ربائبه) من إصدارات مبرة اآلل واألصحاب. (زينب ورقية وأم كلثوم بنات رسول اهلل
( )2بل إنك لتعجب حينما يتم إثبات كثير من الشخصيات الوهمية ونسبتها إلى آل البيت والصحابة بناء
على روايات شاذة واهية أو على وجود قبور منسوبة إليهم ،من هذه الشخصيات الوهمية :سكينة=
72
املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب
73
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
()1
ثم جاء جعفر النقدي واستفاد من الكتب السابقة عن زينب، سفرها إلى مصر َّ ،
المذ َّهب< ،وما
فألّف كتابه >زينب الكبرى< ،وجمع فيه ما رواه صاحب >الطراز ُ
ثم بعد ذلك صارذكره صاحب >أخبار الزينبات< من روايات تعيِّن موضع قبرهاَّ ،
كتاب النقدي مصدرا رئيسيا للذين كتبوا فيما بعد عن زينب(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ومما تجدر اإلشارة إليه أن أحمد شلبي رئيس مجلس إدارة المسجد الزينبي في مصر ــ صاحب
كتاب ابنة الزهراء بطلة الفداء ــ قام باختالق مرويات جديدة عن زينب ،لكن لم يكتب ألخباره
االنتشار كما كتب ألخبار صاحب الطراز وصاحب أخبار الزينبات ،ولعل ذلك لظهور بطالنها
والركاكة الواضحة في أسلوبها ،وسأشير إلى جملة منها في محله.
( )2انظر مثال:
ــ مع بطلة كربالء لمحمد جواد مغنية طبع سنة 1382هـ (ص 33ــ 79ــ .)91
ــ المرأة العظيمة لحسن الصفار مطبوع سنة 1413هـ (ص 40ــ 41ــ 43ــ 73ــ 87ــ 90ــ
91ــ 93ــ 95ــ 96ــ .)98
ــ السيدة زينب رائدة الجهاد لباقر شريف القرشي مطبوع سنة 1414هـ (ص 35ــ 42ــ 43ــ
44ــ 45ــ 52ــ 63ــ 68ــ 165ــ .)166
ــ زينب القدوة والرمز لسعيد الخويلدي مطبوع سنة 1414هـ (ص 40ــ 64ــ 78ــ 79ــ 107
ــ 109ــ .)170
ــ زينب والظالمون لمحسن المعلم مطبوع سنة 1418هـ (ص 12ــ 13ــ 16ــ 20ــ 31ــ 35
ــ 38ــ 41ــ 42ــ 50ــ 51ــ .)58
ــ الشمس الطالعة ألحمد شكر مطبوع سنة 1420هـ (ص 65 :ــ 69ــ 70ــ 73ــ 79ــ 80ــ
81ــ 83ــ 88ــ .)91
ــ السيدة زينب في محنة التاريخ لعايدة طالب طبع سنة 1423هـ (ص 20ــ 21ــ 39ــ 47ــ
52ــ 53ــ 54ــ 58ــ 70ــ 74ــ 75ــ 77ــ 87ــ 97ــ 98ــ 101ــ 127ــ .)135
ــ زينب الكبرى بطلة الحرية ألبي القاسم الديباجي طبع سنة 1421هـ (ص 21ــ 23ــ 24ــ
50ــ 61ــ 69ــ 81ــ .)146
ــ درة الشام لكامل بيضون طبع سنة 1430هـ (ص 28ــ 85ــ 122ــ .)194
ــ زينب بنت علي فيض النبوة وعطاء اإلمامة مطبوع سنة 1431هـ (ص 13 :ــ 42ــ 57ــ 73
= ــ 99ــ .)117
74
املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب
والمتحصل من هذا أال يغتر القارئ بكثرة الكتب والعناوين التي تكتب عن
زينب ،وال بكثرة المصادر التي يراها في هوامش هذه الكتب ،أل َّن الحقيقة أ َّن
مصدر جل هذه األخبار كتابان اثنان ال ثالث لهما:
المذ َّهب< بنسخته العربية المختصرة في كتاب جعفر
األول :كتاب >الطراز ُ
النقدي.
الثاني :كتاب >أخبار الزينبات< لحسن قاسم ،فهذان الكتابان هما أصل
البلية في اختالق مرويات وقصص كثيرة عن زينب بنت علي ،وهذا ما
سيتبين بجالء في المباحث الالحقة.
األمر الثالث :تضخم المرويات المتعلقة بحياة زينب الكبرى
قد مضى في التمهيد أ ّن المرويات المتعلقة بزينب وكالم العلماء عنها قليل
جدا ،وفي هذا يقول علي الخلخالي ــ من اإلمامية ــ> :ال ينقضي العجب حينما
نرى الوثائق التأريخية حول السيدة زينب الكبرى مثال قليلة جدا مع جاللتها
وعظمتها ،ودورها الكبير في ثورة اإلمام الحسين بل يمكن القول :إن ما هو
موجود عن هذه السيدة الجليلة يُع ُّد صفرا على الشمال إذا قيس مع دورها
التاريخي المهم<(.)1
غير أننا حين نطالع المؤلفات المتأخرة عن زينب نفاجأ بالتضخم الغريب
في المرويات المتعلقة بها والتي تبدأ بتعيين تاريخ والدتها وتسميتها وحياتها في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ــ زينب الكبرى لعبد السالم كاظم مطبوع سنة 1432هـ (ص 26 :ــ 27ــ 28ــ 31ــ 33ــ
36ــ 37ــ 40ــ 41ــ .)42
( )1السيدة رقية بنت اإلمام الحسين (ص .)14
75
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
وعلي ،وتنتهي بوفاتها بل وتفصل سبب الوفاة ،وكل هذه زمن النبي
األمور ال شاهد لها في أمهات كتب التاريخ والنسب والحديث ،لكنها صارت
من المس ّلمات التي ال يخلو منها كتاب من الكتب المتأخرة عن زينب ،إال في
النادر ،وهذا التضخم يرجع إلى سببين أساسيين:
السبب األول :القصص المكذوبة واألساطير المختلقة
في تتبعي ألصل التضخم بالسيرة الزينبية؛ بحثت في المصادر التي اعتمدها
المذ َّهب< ــ الذي ذكر ُت أ ّنه أقدم ما أُلّف عن سيرة زينب ــ،
مؤلف >الطراز ُ
فوجدت جلها من كتب المقاتل التي كتبت بعد القرن العاشر ،وقد اتفقت كلمة
جملة من النقاد المتخصصين بالسيرة الحسينية على أن كتب المقاتل المصنفة في
هذه الفترة مليئة بالمبالغات والمجازفات فضال عن القصص الخرافية واألساطير
والكذب مما ال شاهد له وال أثر في المصادر األصلية لمقتل الحسين ،)1(حتى
قال مؤلفو كتاب >الصحيح من مقتل سيد الشهداء< عن هذه الكتب> :وردت في
مصادر القرون األخيرة ،المئات ــ بل اآلالف ــ من الروايات الجديدة التي ال نجد
لها أثرا في المصادر القديمة< ،وقالوا أيضا> :إ َّن األسلوب الذي اختارته المصادر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر مثال :القمقام الزخار ( ،)24/1وفي ( )30/1صرح المؤلف بأنه لن ينقل إال عن الكتب
التي أُلّفت قبل نهاية القرن العاشر ،وقد التزم بذلك في الجملة لكنه نقل من روضة الشهداء
المعروف بكونه من كتب األساطير ،أل ّن مؤلفه توفي في القرن العاشر ،وللمزيد راجع :اللؤلؤ
والمرجان في آداب أهل المنبر للنوري (ص 195ــ ،)201الملحمة الحسينية ( 42/1ــ ،)43
جدل ومواقف من الشعائر الحسينية (ص 132ــ 148وص ،)189موسوعة اإلمام الحسين في
الكتاب والسنة والتاريخ ( 88/1ــ ،)103حديث عاشوراء (ص ،)241الصحيح من مقتل سيد
الشهداء (ص 30ــ ،)51و(ص 121ــ ،)134عاشوراء قراءة في المفاهيم وأساليب اإلحياء
(ص 160ــ ،)161اإلمام الحسين رسالة وإصالح (ص 92ــ ،)97نهضة الحسين العدد
الثاني ،من إصدار جمعية المعارف اإلسالمية (ص 81ــ .)105
76
املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب
الضعيفة في القرون األخيرة لرواية واقعة عاشوراء هو أسلوب نسج القصص بدال
من النقل التاريخي الموثق ،ولذا فقد تحولت الروايات القصيرة في المصادر
األصلية إلى قصص طويلة ذات الكثير من التفاصيل في هذا النوع من الكتب<(.)1
ولذا قرر جملة من المهتمين بتاريخ مقتل الحسين قاعدة مهمة تساعد
كثيرا على تنقية نسبية( )2لمرويات المقتل الحسيني من األكاذيب والخرافات،
ملخصها أن كل الروايات التي تفردت بها كتب المقاتل المصنفة في القرن العاشر
فما بعده ،ال عبرة بها وال يعتد بها وال يعتمد عليها(.)3
وهذه شهادة من ُك َّتاب اإلمامية على ضخامة التزوير الذي لقيته أخبار مقتل
الحسين في القرون المتأخرة.
صاحب >الطراز<
َ ولذلك انتقد علي فضل القزويني اإلمامي ( 1367هـ)
إلفراطه في االعتماد على هذا اللون من الكتب فقال> :جمع فيه من كتب المتأخرين
والمعاصرين ،كحزن المؤمنين ،ولسان الواعظين ومصائب المعصومين وبيت
األحزان وبحر المصائب ومبكي العيون وأمثال ذلك من المصنفات .وليت مصنف
الطراز اقتصر على المنتخب ومقتل أبي مخنف المطبوع ولم يذكر ما ينقص قدره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص .)46
( )2أل ّن التنقية والتصفية الحقيقية لمرويات الحسين تحتاج إلى مراجعة المصادر األمهات التي د َّونت
مقتله والتي كثر االعتماد عليها ،وهذه أهم مالحظة على جهود رواد تنقية السيرة الحسينية ،إذ
قصروا جهودهم على نقد المصادر المتأخرة أو بعض المرويات الواردة في المصادر األولية دون َ
المصادر األصلية التي هي أصل المشكلة ،وهذا قصور ظاهر.
( )3الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ،)45نهضة عاشوراء من إصدار جمعية المعارف اإلسالمية
العدد الثاني (ص ،)12عاشوراء النص والوظيفة (ص 147ــ .)148
77
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
وقدر مؤلفه<(.)1
وأما أهل السنة فقد تعرضوا قديما لموضوع روايات مقتل الحسين وبينوا
ّ
أن أكثر ما يروى فيه هو من األكاذيب والموضوعات والمبالغات ،فقد ّقرر
المقدسي أن ما يروى في مقتل الحسين فيه من >الزيادات والتهاويل شيء غير
قليل<(.)2
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية بعد أن سرد مقتل الحسين> :وهذا الذي
ذكرناه :هو المتفق عليه بين الناس في مقتله ،وقد ُرويت زيادات بعضها
صحيح ،وبعضها ضعيف ،وبعضها كذب موضوع ،والمصنفون من أهل الحديث
في ذلك ــ كالبغوي ،وابن أبي الدنيا ،ونحوهما ــ كالمصنفين من أهل الحديث
في سائر المنقوالت ــ هم بذلك أعلم وأصدق بال نزاع بين أهل العلم ،ألنهم
يسندون ما ينقلونه عن الثقات ،أو يرسلونه عمن يكون مرسله مقارب الصحة،
كذاب أو مجهول ،أما بخالف األخباريين ،فإ َّن كثيرا مما يسندونه يسندونه عن َّ
ما يرسلونه فظلمات بعضها فوق بعض ،وهؤالء لعمري ممن ينقل عن غيره مسندا
أو مرسال ،وأما أهل األهواء ونحوهم :فيعتمدون على نق ٍل ال يعرف له قائل
أصال ،ال ثقة وال ضعيف ،وأهون شيء عندهم الكذب المختلق ،وأعلم من
فيهم ال يرجع فيما ينقله إلى عمدة ،بل إلى سماعات عن المجاهيل والكذابين،
وروايات عن أهل اإلفك المبين<(.)3
وهذه القواعد والتقريرات المتعلقة بضوابط توثيق السيرة الحسينية ،تنطبق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اإلمام الحسين وأصحابه (.)175/3
( )2البدء والتاريخ (.)13/6
( )3مجموع الفتاوى ( 478/27ــ )488رأس الحسين (ص .)206
78
املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب
على مرويات السيرة الزينبية حذو القذة بالقذة ألن جل مرويات السيرة الزينبية
في الكتب المتأخرة مرتبطة بمقتل الحسين ،وعليه يتقرر أن كل الروايات
المتعلقة بزينب والتي ال أصل لها في المصادر القديمة هي روايات مختلقة
ومصنوعة ،واعتماد المتأخرين والمعاصرين على الروايات التي تفردت بها هذه
الكتب المعروفة بالوضع واالختالق والتحريف والدس هو ما ض َّخم كثيرا من
حجم المادة القصصية عن زينب ،ويبدو أن سبب ظهور هذه المرويات
المختلقة ،أ َّن ما يُنقل عن زينب في المصادر األصلية قليل جدا ال يعدو كونها
من أبناء فاطمة ،وما ينسب لها من الخروج مع الحسين إلى كربالء ،ويبدو
أ َّن بعض هؤالء المصنفين في مقتل الحسين ،لما رأى تكرر ذكر زينب في أحداث
كربالء ،ولم يجد روايات كثيرة عن حياتها ،لجأ إلى اختالق روايات كثيرة لسد
الثغرات في سيرتها وتاريخها ،وهذا ما أدى فيما بعد إلى تضخم الروايات
المنقولة عن زينب .
79
الفصل األول :زينب الكربى يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية
البيت ،أو استعراض وقائع مرتبطة بالخالفة الراشدة ،والفتن التي وقعت بين
ثم وقعة النهروان( ،)1ولعل أكبر حدث يتم االستطراد
الصحابة في الجمل وصفين َّ
فيه هو وقائع خروج الحسين إلى كربالء ،إذ يتم ذكرها بالتفصيل من أولها
إلى آخرها ،مع أن مرويات وقائع كربالء المنسوبة إلى زينب ــ في المصادر
األمهات ــ روايات معدودة(.)2
ّأما المصادر المتأخرة والتي تعتمد على روايات كتب المقاتل المصنفة في
القرن العاشر وما بعده ،فإ َّن أخبار زينب تبتدئ فيها منذ والدتها إلى وفاتها ،مع
أن المصادر األصيلة خالية عن عامة ما ذكروه ،وهذا يبين حجم التزوير الهائل
الذي وقع في سيرة زينب .
80
املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب
فنجد في الكتابات المصرية جنوحا كامال إلى ترجيح القبر المنسوب إليها في
القاهرة ،بل نجد في بعضها تجاهال تاما للقبر الدمشقي.
ّأما في كتابات اإلمامية عن زينب ،فنجد أنها تذكر االختالف الواقع في قبر
زينب وتعيينه بين ثالثة مواضع ،وهي المدينة والشام ومصر.
ويالحظ أ َّن الكتابات األولى لإلمامية كانت ترجح دفن زينب الكبرى في
()1
ثم تطور الموقف بعد ظهور كتاب حسن قاسم ،فظهرت كتابات المدينة َّ ،
ترجح دفن زينب في مصر.
ّأما الكتابات المتأخرة والجديدةُ ،فتجمع على ترجيح القبر الشامي ،خاصة
بعد صدور كتاب محمد حسنين السابقي ،وبعضها يجمع بين جميع األقوال،
()2
فيفتي بزيارة القبور المنسوبة إلى زينب كلها!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( (1انظر للتفصيل (ص 571ــ )574من هذا الكتاب.
( )2سيأتي المزيد من التفصيل في المبحث المخصص للكالم عن قبر زينب .
81
d
X X
الفصل الثاني
d
d
ل
نقد امؤلفاث التي صنعب ال سبرة الرينثية
X
X
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
قررت فيما مضى أ َّن أصل تضخم مرويات سيرة زينب الكبرى يرجع ُ
المذ َّهب< وكتاب >أخبار الزينبات< ،ومن إلى كتابين أساسيين هما >الطراز ُ
المذ َّهب< تك ّفل بملء الفراغ الواقع
يدرس هذين الكتابين سيجد أن كتاب >الطراز ُ
في تفاصيل حياة زينب من والدتها حتى وفاتها ،بينما تكفل كتاب >أخبار
الزينبات< بتغطية النقص الحاصل في أخبار وفاتها وتعيين موضع قبرها .لذا
فسنحصر الكالم عن هذين الكتابين.
وقد ّبين محمد علي القاضي الطباطبائي حال كتاب الطراز بصورة مجملة
فقال عنه> :خلط مؤلفه فيه الصحيح بالسقيم ،وال ينبغي االعتماد عليه من غير
()1
توسعه في
تثبت وتحقيق< ،وانتقد فضل علي القزويني صاحب الطراز على ّ ّ
النقل دون ضابطة فقال> :وقد ذكروا في المقام عند ورودهن على المصرع أمورا
بعضها مقطوع الكذب ،وبعضها مظنونه ،وبعضها محتمل الصدق والكذب ،ومن
أراد فليرجع إلى الطراز المذ َّهب ،وقد جمع فيه من كتب المتأخرين
والمعاصرين ،كحزن المؤمنين ،ولسان الواعظين ومصائب المعصومين وبيت
األحزان وبحر المصائب ومبكي العيون وأمثال ذلك من المصنفات .ويا ليت
مؤلف الطراز اقتصر على المنتخب ومقتل أبي مخنف المطبوع ولم يذكر ما ينقص
قدره وقدر مؤلفه<(.)2
المذ َّهب<
وبما أ َّن كتاب جعفر النقدي قد كفانا مؤنة مطالعة كتاب >الطراز ُ
وترجمته ،حتى صار مصدرا أصليا لمن جاء بعده ،فسنكتفي بنقده بدال من كتاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الفردوس األعلى لمحمد كاشف الغطاء بتعليق محمد علي القاضي الطباطبائي (ص )60
الهامش.1 :
( )2اإلمام الحسين؛ وأصحابه (.)175/3
85
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
المذ َّهب<.
>الطراز ُ
ويبقى هناك كتاب ثالث له دور مفصلي في ترجيح القبر المنسوب إلى زينب
في الشام ،وهو كتاب >مرقد العقيلة زينب< للسابقي ،فهو المصدر األساسي
الذي اعتمد عليه كل من رجح القبر الشامي ،لذا ُحق له أن يُفرد أيضا بالدراسة
والنقد حتى يتبين للقارئ والباحث مواطن الخلل في هذا الكتاب.
86
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
87
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
..............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجاور بالحجاز .له كتب ،منها (طبقات الشاذلية الكبرى ــ ط) ويسمى (جامع الكرامات العلية =
في طبقات الشاذلية) و(إعالم السائلين عمن أقبر بمصر من صحابة سيد المرسلين ــ ط)< ،وقد
أحال الزركلي على كتاب دليل مؤرخ المغرب األقصى البن سودة ،فراجعته ووجدته يقول
(ص > :)145طبقات الشاذلية ...ألبي علي الحسن بن محمد الكوهن الفاسي الشاذلي
المغربي ....،وهو ساكن بالحجاز .<...ــ فأول مالحظة على هذه الترجمة هي وصف حسن
قاسم بأنه مغربي! ،فال ريب أن هذا خطأ ،فحسن قاسم مصري المولد والوفاة ،إال أنه مغربي
األصل لكونه يذكر أن أباه من بلد فاس بالمغرب ثم استقر بمصر ،كما في طبقات الشاذلية
(ص ،)207ولذا جاء في مقدمة كتاب المزارات اإلسالمية ومقدمة كتاب إعالم السائلين (ص
)17وصف حسن قاسم بأنه مغربي األصل مصري النشأة والوالدة.
وصف الزركلي لحسن قاسم بأنه من فقهاء المالكية ،فيبدو لي أن ذلك اجتهاد من ويلحق بذلك ْ
الزركلي ،وذلك أن حسن قاسم لما كان ينتسب إلى المغرب ظن الزركلي أن مؤلف هذه الكتب
من المالكية وأنه من أهل الفقه ،ألن علماء المغرب مالكية.
كما أن قول الزركلي إن حسن قاسم الكوهن من أهل فاس غير صحيح ،وسببه هو الكالم الموهم
المكتوب على غالف كتاب طبقات الشاذلية ،فقد جاء فيه >حسن بن محمد الكوهن الفاسي
المغربي< ،وكان على حسن قاسم أن ينبه إلى أن مراده هو أنه فاسي األصل ال الوالدة ،لكن عدم
تنبيه حسن قاسم على ذلك أوهم الزركلي فحسبه من المغاربة.
وأما بقية ما ذكره الزركلي من أمور عن حسن قاسم مثل كونه جمع لنفسه مكتبة وأوقفها على الزاوية
الفتحية بمدينة الرباط المغربية فما أدري ما مصدرها ،فلم يذكرها ابن سودة في دليل مؤرخ
المغرب األقصى ولم أقف عليها في كتاب طبقات الشاذلية فالعلم هلل.
وأما القول بأن حسن قاسم توفي بالحجاز فغير صحيح ،والصواب أنه توفي بمصر ودفن بالقاهرة.
2ــ ق َّدر المؤرخ ابن سودة تاريخ وفاة حسن قاسم بأنه سنة 1360هـ ،فقال> :وفي هذه العشرة
أو قريب منها توفي الحسن بن محمد الكوهن الفاسي ،من أوالد الكوهن المعروفين بفاس .انتقل
إلى الحجاز وبه توفي< ،إتحاف المطالع بوفيات أعالم القرن الثالث عشر والرابع عشر
( ،)489/8وجاء على غالف طبعة دار الكتب العلمية لكتاب طبقات الشاذلية أن مؤلف الكتاب
الحسن بن محمد بن قاسم الكوهن متوفى سنة 1347هـ ،وهذا خطأ ،والغريب أن محقق الكتاب
مرسي محمد علي ذكر في (ص )3أن الزركلي ترجم لحسن قاسم وذكر أن تاريخ وفاته بعد
1347هـ ،وهذا مخالف للمذكور في غالف الكتاب الذي حققه فكيف لم ينتبه لذلك!= .
88
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
وأشهر ُكتب حسن قاسم هو كتابه >تاريخ ومناقب ومآثر الست الطاهرة َ
البتول السيدة زينب ،وأخبار الزينبات للعبيدلي النسابة المتوفى سنة ،277أمير
المدينة وابن أميرها ،بحث مستفيض وأثر قيم جليل< ،وهذا الكتاب مشهور
بكتاب >السيدة زينب وأخبار الزينبات< ،وقد ألّف هذا الكتاب ردا على مفتي مصر
الشيخ محمد بخيت المطيعي الذي صرح بأن زينب الكبرى ليست مدفونة في مصر
في جواب له عن سؤال حول قبر السيدة زينب بمصر >بمجلة اإلسالم<( ،)1فكتب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والصحيح أن سنة 1347هـ هو تاريخ طباعة الطبعة األولى من كتاب طبقات الشاذلية كما جاء في
غالفه ،واعتمد الزركلي على هذه السنة ليجعل وفاة حسن قاسم بعد سنة 1347هـ ،فمن ظن أن
هذا تاريخ وفاة حسن قاسم فقد أخطأ ،والصواب أن حسن قاسم توفي سنة 1394هـ الموافق
لتاريخ 1974م على ما ذكره حفيده ونقله عنه محققا كتاب إعالم السائلين (ص ،)26وهو ما
جاء في مقدمة كتاب المزارات اإلسالمية.
3ــ ذكر محققو كتاب المزارات اإلسالمية لحسن قاسم في مقدمة الكتاب أسرة حسن قاسم
(/1ص ل) فقالوا> :من ناحية أبيه ينحدر من أسرة علمية مشهورة بالمغرب العربي ،من
أعالمها ...والحسن بن محمد بن قاسم الكوهن (ت 1347هـ 1928/م)< ،وأحالوا في الهامش
على ترجمة الزركلي له في األعالم ،وهذا وهم غريب ،فمؤلف طبقات الشاذلية هو حسن قاسم
نفسه صاحب كتاب المزارات اإلسالمية ،ولعل ما ذكره الزركلي من أمور سبق التنبيه على عدم
دقتها هو ما أوهمهم أنه شخص آخر غير حسن قاسم ،لكنهم لو تأملوا في كتاب طبقات الشاذلية
لوجدوا أن المؤلف هو حسن قاسم نفسه! ،فقد ذكروا في الصفحة السابقة أن والد حسن قاسم
>دفن في بستان العلماء بقرافة باب النصر< ،وأحالوا في الهامش على كالم حسن قاسم في تعليقه
على تحفة األحباب (ص ،)59ولو قارنوا كالم حسن قاسم في تحفة األحباب مع كالمه في طبقات
الشاذلية (ص ،)207لوجدوا أن حسن قاسم ذكر أن أباه دفن في نفس المكان وبنفس التاريخ.
ولذا ذكر محققا كتاب إعالم السائلين أن مؤلف طبقات الشاذلية حسن قاسم كما في (ص ،)20
وأما تحديد تاريخ وفاة حسن قاسم الذي ظنوا أنه شخص آخر بسنة 1347هـ فسببه ما جاء على
غالف طبعة دار الكتب العلمية لكتاب طبقات الشاذلية ،وقد بينت عدم صحة ذلك كما مضى.
( )1مجلة اإلسالم السنة األولى عدد 5شعبان 1351هـ ،ونشر أيضا بمجلة الفتح العدد 10 ،322
شعبان 1351هـ( ،ص ،)340ونشر الدكتور محمد الدسوقي ملخصا منه في كتابه محمد بخيت
المطيعي شيخ اإلسالم والمفتي العالمي (ص 82ــ .)83
89
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
حسن قاسم مقالة في نفس المجلة ،يرد فيها على المطيعي ويذكر فيها أنه عثر
على رسالة >أخبار الزينبات< التي تثبت دخول زينب الكبرى إلى مصر ووفاتها
بها ،ووعد بطباعتها ،ثم بعد فترة وجيزة قام بطباعة الكتاب مضمنا إياه أمرين
رئيسيين:
* األمر األول :ترجمة زينب الكبرى وبيان صحة دفنها في مصر ،وهو
الجزء األكبر من الكتاب ،حاول حسن قاسم أن يحشد فيه ما أمكنه من األدلة
والنصوص إلثبات دفن زينب الكبرى في مصر.
* األمر الثاني :كتاب >أخبار الزينبات<( ،)1الذي نسبه حسن قاسم إلى
النسابة يحيى بن الحسن بن جعفر العبيدلي العقيقي المتوفى سنة 277هـ ،وهذا
َّ
الكتاب جمع أسماء من ُسمين بزينب من نساء الصحابة والتابعين وأهل البيت
مع ترجمة مختصرة لهن ،ومن ضمنهن زينب الكبرى بنت علي .
وطُبع الكتاب أول مرة سنة 1351هـ الموافق لـ 1933م( ،)2وقيل :إن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزينبيات ،وهو جمع زينبية ،والزينبية
َّ فسماه :أخبار
( )1وقد غلط بعض الكتاب في عنوان الكتاب ّ
المنسوبة لزينب ،انظر قاموس الرجال ( ،)38/11الذريعة ( ،)255/3وفاة السيدة زينب المطبوع
ضمن وفيات األئمة (ص ،)468العقيلة والفواطم (ص ،)67معجم مؤرخي الشيعة (،)447/2
وهذا خطأ ،والصواب أخبار الزينبات بياء واحدة ،وزينبات جمع زينب ،ألن الكتاب يجمع أخبار
من ُس ِّمين بزينب ،وقد نبه على هذا الخطأ الجاللي في فهرس التراث (.)291/1
( )2ذكر آغا بزرك الطهراني في الذريعة ( )276/12أن الكتاب طبع سنة 1335هـ وهذا وهم ،ولعل
سببه ما جاء في آخر الطبعة األولى من أخبار الزينبات إذ كتب فيها تاريخ الطباعة بالتاريخ الميالدي
خطأ ،فقد جاء في آخرها (ص > :)91وافق تمام طبعه في يوم األحد 9ذي القعدة عام 1351
الموافق 5مارس عام 1333بدار الطباعة المنيرية ،<...وواضح أن 1333تحريف لسنة 1933
= الموافق لتاريخ 1351الهجري.
90
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
عنوان الكتاب كان >الثبت المصان بأخبار الزينبات<( ،)1وأعيد طباعته سنة
1353هـ(.)2
والحقيقة أ َّن مؤلف >أخبار الزينبات< هو حسن قاسم نفسه ،فقد قام بتلفيق
أخبار الكتاب وجم ِعها من مصادر متفرقة ّ
ثم اختلق متونا عن سفر زينب إلى مصر
ور ّكب لها أسانيد بعضها مسروق من كتب أخرى وبعضها ُملفَّق ،ولكي ال
يُكتشف أمره قام باختالق جملة من الكتب التي تتحدث عن هذا الكتاب
والمؤلف ،وركَّب شبكة من األدلة والنصوص التي أحالت كتابا مصنوعا من
وحي الكذب إلى حقيقة تاريخية ،وصار الكتاب يُنسب للنسابة العقيقي يحيى
ابن الحسن العبيدلي.
وقد كان لظهور هذا الكتاب ونشره أثر على التاريخ من جانبين:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= كما أن الدكتور فتحي حافظ حديدي كتب في مقالته >الحقيقة عن ضريح السيدة زينب <
المنشورة بجريدة األهرام بتاريخ ( 10يناير 2007م) وكذا في كتابه دراسات في التطور العمراني
لمدينة القاهرة (ص )197أن كتاب أخبار الزينبات طبع >في سنوات 1929و 1933و،<1934
وال أدري ما مستنده في تعيين تاريخ الطباعة األولى بسنة 1929م ،غير أن هذا غير صحيح قطعا،
فحسن قاسم إنما أعلن عن نيته طباعة أخبار الزينبات في مقالته بمجلة اإلسالم المؤرخة بتاريخ
17ديسمبر 1932م الموافق لـ 19شعبان 1351هـ ،حيث قال في تلك المقالة بعد أن ذكر أنه
عثر على كتاب أخبار الزينبات> :سأطبعها قريبا ــ إن شاء اهلل تعالى ــ بعد تمام وضعي لها<،
وتاريخ كتابة هذه المقال الذي أعلن فيه حسن قاسم عن الكتاب ألول مرة هو بعد سنة 1929م
بثالث سنوات ،وعليه فال يصح القول بأن الكتاب طبع سنة 1929م.
( )1ذكر الطهراني في الذريعة ( )276 /12أن عنوان الكتاب هو الثبت المصان بأخبار الزينبات ،فإن
صح ذلك فيبدو أن حسن قاسم قد اقتبس العنوان من كتاب >الثبت المصان بأخبار ساللة سيد
ولد عدنان< المنسوب لمؤيد الدين األعرجي الواسطي.
( )2وفي هذا البحث اعتمدت على الطبعة الثانية المطبوعة سنة 1353هـ ،وعندما أعزو إلى غيرها
أنبه على ذلك.
91
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
* الجانب األول :صار هذا الكتاب هو الدليل األول لكل من يرى أن قبر
زينب الكبرى بمصر ،وقد تمكن مؤلفه من سد الفراغ القائم في األدلة التي
ترجح وفاة زينب بمصر ،بعد أن كانت أقوى أدلة الذاهبين إلى وفاة زينب بمصر
ال تتعدى الرؤى واألحالم والظنون التي ال تقوم على أي دليل( ،)1ولهذا وصف
األول األساسي الّذي قضى على هذا حسن قاسم هذا الكتاب بأنه> :الحجر ّ
الخالف القائم بين جمهرة المؤرخين من قرو ٍن عديدة ،فهذه الرسالة مع صغر
السيدة إلى مصر ،ووفاتها
الحجة على من كان يستبعد دخول ّّ حجمها هي نفسها
بها ،ودفن جثمانها الشريف في هذا الموضع<(.)2
وبعد أن انتشر خبر الكتاب واستفاض ،احتفل حسن قاسم بكتابه قائال:
>هذه رواية العبيدلي عن قدوم السيدة زينب إلى مصر ...فقضت على ما كانت
تلوكه األلسن بشأن وجود السيدة زينب بمصر ،وبذلك تغير مجرى التاريخ وبدت
الحقيقة سافرة ،وكتبت الجرائد والمجالت أنباء هذا التحويل التاريخي.)3(<...
ولذا قال السابقي ــ من اإلمامية ــ عن كتاب >أخبار الزينبات< :إنه >أصبح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :ابنة الزهراء بطلة الفداء لعلي شلبي (ص ،)241تراجم سيدات بيت النبوة لعائشة بنت
الشاطئ (ص 784ــ ،)787مراقد أهل البيت في القاهرة لمحمد زكي إبراهيم (ص ،)70مساجد
مصر وأولياؤها الصالحون للدكتورة سعاد ماهر ،أعالم النساء في عالمي العرب واإلسالم
( )99/2لمحمد رضا كحالة ،ومن كتب اإلمامية :أخبار الزينبات طبعة قم بتقديم المرعشي
النجفي (ص ،)30زينب الكبرى لجعفر النقدي (ص 120ــ ،)123زينب الكبرى من المهد إلى
اللحد لمحمد كاظم القزويني (ص ،)610واقعة كربالء في الوجدان الشعبي لمحمد مهدي شمس
الدين (ص ،)265مزارات أهل البيت لمحمد حسين الجاللي (ص.)258
( )2أخبار الزينبات (ص .)10
( )3المزارات اإلسالمية واآلثار العربية (.)131/7
92
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
حجرا أساسيا في هذا البحث عند أصحابنا المتأخرين ،واعتمد عليه ثلة من
األفاضل<(.)1
الجانب الثاني :الجناية على التاريخ والعلم بنسبة هذا الكتاب المختلق إلى
النسابة يحيى بن الحسن العبيدلي العقيقي ،فقد نسبه جملة ممن خفي عليهم أمره
إلى العقيقي( ،)2ومنهم من أعاد نشره وطباعته ،فقد قام محمد جواد نجل المرجع
محمد حسين المرعشي النجفي بطباعة الكتاب طبعة ثانية سنة 1401هـ،
وأعادت مجلة الموسم نشره في عددها الرابع سنة 1410هـ ،وقام سيد هادي
خسروشاهي بإعادة نشر الكتاب في كتابه >أهل البيت في مصر< سنة 1425هـ،
وقام فارس الحسون بإعادة تحقيقه ونشره في مجلة ميراث حديث شيعة سنة
1426هـ ،وطبعه مرة أخرى بعنوان > الثبت المصان بأخبار الزينبات< سنة
1436هـ ،وقام سعيد إبراهيم بتحقيق الكتاب وطبعه سنة 1432هـ(.)3
وسأبين باألدلة القاطعة أن هذا الكتاب مختلق ومزور ومن عمل حسن
قاسم ،وسأفصل الكالم في ذلك من خالل دراسة الكتاب مع بيان أدلة تزويره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص .)89
( )2انظر :طبقات النسابين لبكر أبو زيد (ص ،)68الذريعة آلغا بزرك الطهراني (،)332/1
( ،)276/12أعيان الشيعة لمحسن األمين ( ،)340/2مجلة تراثنا ( ،)127/62فهرست
التراث لمحمد حسين الجاللي ( ،)291/1رجوع الركب بعد الكرب تحقيق حول األربعين
لمحمد علي القاضي الطباطبائي (ص 68ــ ،)77مع الركب الحسيني لعلي الشاوي (،)399/6
معجم مؤرخي الشيعة لصائب عبد الحميد ( ،)447/2األربعين في التراث الشيعي لمحمد حسين
الطهراني (ص )97وغيرها.
( )3وعنوان طبعته :تاريخ ومناقب ومآثر الست الطاهرة البتول السيدة زينب وأخبار الزينبيات للعبيدلي
النسابة المتوفي سنة 377هـ ،وهذه الطبعة لم أقف عليها ،وإنما وقفت على بياناتها في قاعدة
بيانات مكتبة الملك فهد الوطنية.
93
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
واختالقه وكشف الخطة التي سلكها المؤلف ليخفي أمر الكتاب على الباحثين.
94
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
95
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
96
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
ولهذا قال الدكتور فتحي حافظ حديدي> :لم يذكر أحد من الباحثين
المحدثين ...أنه قرأ هذين المخطوطين( )1وتحقق منهما ،علما بأن فهارس
المكتبات العامة التي بها مخطوطات ،أصبحت معروفة ومتداولة ومتاحة تماما
لكافة الباحثين دون الحاجة إلى الترحال كما كان يحدث سابقا ،وقد قمت
بمراجعة قوائم المخطوطات في سوريا وفي مصر بحثا عنهما فلم أجدهما ،علما
بأن كل مخطوطات الرحالت القديمة قد جرى تحقيقها وطبعها أكثر من مرة<(.)2
ولتتيقن أن حسن قاسم يحترف اختالق النسخ ،ما عليك إال أن تطالع آخر
كتابه >السيدة زينب وأخبار الزينبات< حتى ترى طامة من الطوام ،إذ أن حسن
قاسم سرد هناك قصة أخرى عن عثوره على نص قديم يثبت إرسال رأس الحسين
إلى مصر! ،فزعم حسن قاسم أنه استلم رسالة من شخص ما ،ينقل فيها نصا
من رحلة أحد مسلمي الجزائر زار القاهرة سنة 548هـ ،وزعم أ َّن إحدى
المجالت المصرية نشرت هذه الرحلة ،وأ َّن أصل الرحلة محفوظ في إحدى
مكتبات برشلونة أو إشبيلية باألندلس اإلسبانية!( ،)3ولم يذكر حسن قاسم ال
اسم المجلة التي نشر فيها هذا النص المزعوم ،وال اسم الشخص الذي أرسل
إليه النصوص المقتطفة من هذه الرحلة ،وال اسم صاحب الرحلة الجزائري،
ولكن التأمل في نصوص هذه الرحلة يُظهر بوضوح أن كاتبها رجل مصري معاصر
ال يحسن الكذب وال التأليف وهو صاحبنا حسن قاسم ،إذ تجد في نصوص هذه
الرسالة أساليب كتابية معاصرة مثل> :من أعماق قلوبهم<( ،)4و>زبادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقصد مخطوط كتاب أخبار الزينبات ،ومخطوط رحلة الكوهيني. ()1
دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة (ص .)198 ()2
أخبار الزينبات (ص .)90 ()3
أخبار الزينبات (ص .)90 ()4
97
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
األجبان< ،و>السالئط<( )1ويقصد بذلك السلَطة المعروفة اليوم وهي كلمة أجنبية
دخيلة على اللغة العربية منذ عهد قريب!
ثم يدعوا المارة أيا كان نوعهم إلى األكل عن روح سيد ومثل قولهّ > :
الشهداء الحسين ،)2(<وقوله> :كان يرتاح إلى حديث الشاب< ،وقوله> :هيا
()3
ثم تنفس الشاببنا نتفسح< ،وقوله> :أخذنا في التجوال هنا وهناك< ،وقولهّ > :
الصعداء<(.)4
فهل هذا لسان أهل القرن السادس ،أم هو لسان حسن قاسم المصري
المعاصر؟!
وقد طبع كتاب أخبار الزينبات عدة مرات بعد طبعة حسن قاسم( ،)5وكل
طبعاته الالحقة اعتمدت على نشرة حسن قاسم وجعلتها أصال في النشر ،وهذا
خطأ منهجي كبير ،فإذا كان المنهج العلمي المعتمد في تحقيق المخطوطات
يوصي الباحثين بالتريث في تحقيق كتاب ليست له إال نسخة خطية واحدة،
فكيف واألمر هنا يتعلق بكتاب ال توجد له أي نسخة خطية ،فضال عن تفرد
شخص واحد بادعاء وجود المخطوط دون أن يقدم أي بينة على ذلك؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار الزينبات (ص .)91 ()1
أخبار الزينبات (ص .)91 ()2
أخبار الزينبات (ص .)92 ()3
أخبار الزينبات (ص .)93 ()4
انظر طبعات الكتاب (ص )91من هذا البحث. ( )5
98
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
تنبيه ورد على دعوى وجود نسخة خطية لكتاب >أخبار الزينبات< عند
المرجع النجفي محمد حسين المرعشي!!
زعم محمد حسين الجاللي في فهرس التراث أن المرجع محمد حسين
المرعشي النجفي ح َّدثه أنه رأى نسخة من كتاب >أخبار الزينبات< ملحقة بتفسير
نسابة العصر فقيه أهل البيت السيد شهاب التبيان للطوسي ،فقال> :وح َّدثني َّ
الدين المرعشي النجفي النازل بقم ،أنه رأى نسخة من هذا الكتاب ملحقة بنسخة
من كتاب التبيان للشيخ الطوسي في الخزانة الغروية في النجف ،ووصفها
بأنها نسخة قديمة<.
قال الجاللي> :وبالرغم من السعي البليغ للوقوف على تلك النسخة ما
أمكنني ذلك ،ولكن من حسن التوفيق أ َّن األستاذ السيد قاسم المصري كان قد
عثر على نسخة قديمة من الكتاب ،ونشره في القاهرة في عام 1333هـ(.)2(<)1
أقول :فيما ذكره الجاللي توقف ونظر ،فالمرعشي قد طبع كتاب >أخبار
الزينبات< وق َّدم له بمقدمة طويلة في التعريف بالمؤلف والكتاب سماها >النفحة
القدسية في حياة الشريف العبيدلي< ،ولم يشر إطالقا إلى وقوفه على نسخة خطية
بل صرح بأن نسخة الكتاب وصلت إليه من حسن قاسم(.)3
فإن قيل :لعل وقوفه على المخطوط كان بعد طبع الكتاب ،فالجواب :لو
صح هذا هل كان المرعشي ليتأخر في حفظ نسخة المخطوط وإدراجها في مكتبته
العامرة ،ونشر طبعة جديدة منه مبنية على هذه النسخة؟ خاصة أن المرعشي قد
أطنب في مدح >أخبار الزينبات< فقال عنه> :إن كتاب >أخبار الزينبات< ...من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1كذا والصواب 1933هـ وقد مضت اإلشارة إلى سبب الخطأ في هذا التاريخ.
( )2فهرس التراث ( 291/1ــ .)292
( )3أخبار الزينبات طبعة قم (ص 11ــ .)12
99
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
أهم كتب التراجم والرجال ،ومن المستندات المتينة القوية ،ومن أقدم المدارك
في هذا الشأن ،وقد اشتمل على فوائد لم توجد في غيره<( ،)1فمع اعتقاده نفاسة
هذا الكتاب وأهميته ،هل يتصور أنه كان سيسمح بضياع هذه النسخة واختفائها
حتى أن تلميذه الجاللي عجز عن الوقوف على نسخة منها!
كما أ ّن فهرس مخطوطات مكتبة المرعشي بقم ــ وهي من أضخم مكتبات
المخطوطات في العالم ــ خال عن ذكر هذا الكتاب ،وعليه فال التفات إلى هذه
الدعوى.
ويحتمل أن هذا الكالم وهم من الجاللي ،فلعل المرعشي ذكر أخبار
الزينبات ثم انتقل لذكر كتاب التبيان وما جاء ملحقا به فظن الجاللي أن المرعشي
يتحدث عن نسخة أخبار الزينبات ،فنسب إليه هذا القول تو ُّهما ،وهذا محتمل
جدا ،ويحتمل أن يكون المرعشي وهم فيما ذكره أو نقل له أحد هذا الكالم فجزم
به دون أن يتبين حقيقته ،وعلى كل حال ،فالمقطوع به عدم وجود أي نسخة
خطية لهذا الكتاب.
ونظير هذا الزعم ،ما وقع لهادي خسروشاهي في كتابه >أهل البيت في
مصر< ،فقد طبع ضمن هذا الكتاب >أخبار الزينبات< وقدم له بمقدمة قال فيها:
>وقد قام آية اهلل المرحوم السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي...
بتحقيق هذه الرسالة المخطوطة بعد ما ف ّتش عنها لمدة طويلة ،وأخرجها إلى النور
مفصلة في تاريخ حياة المؤلّف وآثاره ،بعد أن كانت طوال قرون متمادية
مع مق ّدمة ّ
الماسة إليها لحسم الخالف في مسألة مكانّ محجوبة عن األبصار ،مع الحاجة
مرقد السيدة زينب .)2(<
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أخبار الزينبات طبعة قم بتحقيق محمد جواد المرعشي النجفي (ص 9ــ .)10
( )2أهل البيت في مصر (ص .)440
100
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
101
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
علمه بنسب الطالبيين واضحا في كتابه المعقبون من ولد أمير المؤمنين ،ولذا قال
أبو الفرج األصفهاني عنه> :حسن العناية بأخبار أهله<( ،)1بينما نجد صاحب
أخبار الزينبات ملما بسائر األنساب وال يقتصر علمه على النسب الطالبي فقط
كما هو المعروف عن العقيقي ،ولذا نجد أن عدد الزينبات من غير آل البيت
اللواتي ذكرن في >أخبار الزينبات< عددهن ستة عشر امرأة ،وهذا تقريبا شطر
عدد الزينبات من آل البيت اللواتي كان عددهن ثمانية عشر امرأة.
ويالحظ أيضا أ ّن النسابة العقيقي كان ال ينقل عن غيره إال في الروايةّ ،أما
صاحب >أخبار الزينبات< فيذكر مصادره ومشايخه ،مثل الزبير بن بكار(.)2
ونالحظ اختالفا ظاهرا بين مشايخ العقيقي في كتبه األخرى وبين مشايخه
في أخبار الزينبات ،فمن ذلك ،إكثار صاحب أخبار الزينبات من الرواية عن أبيه
الحسن بن جعفر ،وحين نقارن ذلك مع الروايات الموثوقة التي وصلتنا عن
العقيقي نجد أن روايته عن أبيه نادرة ،ومن ذلك أن صاحب أخبار الزينبات يروي
عن زهران بن مالك( ،)3وإسماعيل بن محمد البصري( ،)4وهذان الراويان لم
أقف لهما على ترجمة.
وما يالحظ أيضا أن كتاب >أخبار الزينبات< لم يلتزم بأي ترتيب في ذكر
المسميات بزينب ،سواء الترتيب على الحروف أو الترتيب على الطبقات ،بل
ثم زينب بنت جحش يذكر األسماء كيفما اتفق ،فيبدأ بزينب بنت النبي ّ ،
ثم زينب الكبرى بنت علي ّ ،
ثم زينب الوسطى ثم زينب بنت عقيلّ ،ّ ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( (1مقاتل الطالبيين ( ص .)159
( )2أخبار الزينبات (ص .)23
( (3أخبار الزينبات (ص .)17
( (4أخبار الزينبات (ص .)19
102
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
ليسوا من الزينبات ألجل غرض واحد وهو التنصيص على دخولهم مصر أو
وفاتهم بها ،مثل :رقية بنت عقبة بن نافع الفهري( ،)1ونفيسة بنت الحسن(،)2
ومحمد بن أحمد أخو زينب بنت أحمد من أحفاد ابن الحنفية( ،)3والقاسم بن
محمد بن جعفر الصادق( ،)4كل هذه الدالئل والقرائن ،تدل على أ َّن مؤلف
الكتاب ليس هو النسابة يحيى بن الحسن العقيقي ،وإنما هو رجل مصري قطعا.
* الدليل الرابع :أخطاء تاريخية ونسبية تدل على بطالن نسبة الكتاب للعقيقي
وقع في كتاب >أخبار الزينبات< أخطاء تاريخية ونَ َسبية فادحة ،تعلن ببراءة
النسابة المتقن يحيى العقيقي من كتاب >أخبار الزينبات< ،ومن ضمن هذه األخطاء:
ــ تقرير مؤلف >أخبار الزينبات< والدة فاطمة لستة أوالد هم :الحسن
والحسين ومحسن ،وزينب الكبرى وزينب الوسطى ورقية( ،)5وهذا تخليط ال
نظير له ،فقد اتفق النسابون والمؤرخون على أن ولد فاطمة هم أربعة ،وهم
الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى( ،)6وأما محسن فاختلفوا في
أمره فمنهم من لم يذكره ومنهم من ذكر أنه مات صغيرا( ،)7وأما رقية فقد نُسب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار الزينبات (ص .)18 ()1
أخبار الزينبات (ص .)21 ()2
أخبار الزينبات (ص .)21 ()3
أخبار الزينبات (ص .)21 ()4
أخبار الزينبات (ص .)19 ( )5
لحماد بن طبقات ابن سعد ( ،)19/3نسب قريش لمصعب الزبيري (ص ،)41تركة النبي ()6
إسحاق (ص ،)87أنساب األشراف للبالذري ( )402/1وغيرهم ،ولم يخالف في ذلك إال
صح ما نسب إليه كما سيأتي.
الليث إن َّ
الذرية الطاهرة للدوالبي نقال عن ابن إسحاق (ص ،)62أنساب األشراف للبالذري (.)402/1 ()7
104
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
إلى الليث بن سعد أنه ذكرها في أوالد فاطمة ،)1(وذهب صاحب المجدي
إلى أن رقية اسم ألم كلثوم الكبرى( ،)2وكال القولين مرجوحين.
وأما زينب الوسطى فهي امرأة لم تلدها أرحام النساء أصال وإنما هي من
مختلقات مؤلف >أخبار الزينبات< وحده(.)3
بينما الصحيح والثابث عن النسابة العبيدلي العقيقي هو موافقته لسائر
النسابين في أن أبناء فاطمة هم أربعة :الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
وأما رقية بنت علي فالثابت عن العقيقي أنه نص على أنها بنت الصهباء(.)4
ــ ويقرر مؤلف >أخبار الزينبات< أن عبد اهلل بن عبد الرحمن بن عوف
الزهري كانت له بساتين بمصر ،وهذا خطأ ال ريب ،فلم ينقل أحد من المؤرخين
أ ّن عبد اهلل هذا دخل مصر( ،)5فضال عن أن تكون له بساتين.
وقد نقل المقريزي عن علماء خطط مصر( )6أن أول من أنشأ بساتين الزهري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقل عبد اهلل بن صالح عن الليث أن فاطمة ولدت حسنا وحسينا وزينب وأم كلثوم ورقية ،ورقية ((1
ماتت ولم تبلغ ،الذرية الطاهرة للدوالبي (ص ،)62قلت ولم يوافَق الليث على ذلك كما مضى
آنفا ،ولعل الخلل من عبد اهلل بن صالح فإنه يخطئ عن الليث كما في ترجمته ،انظر تهذيب
التهذيب (.)260/5
المجدي في أنساب الطالبيين (ص ،)199وتابعه اليماني في النفحة العنبرية (ص .)40 ((2
دوخ (1317هـ) بع ِّده ثالث زينبات من بنات علي ،إحداهن زينب الوسطى إال أنهانفرد عثمان ُم ّ ()3
نص على أنها من غير فاطمة ،انظر العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص .)68
نقله عنه ابن الشجري في األمالي اإلثنينية (ص .)503 ()4
انظر ترجمته في :الطبقات الكبرى البن سعد ( ،)155/5سير أعالم النبالء (.)278/4 ( )5
علم الخطط هو علم يختص بمعرفة تقاسيم البلدان وتفاصيل األماكن بالمدن وخرائطها وتاريخها، ()6
وهو يقابل علم جغرافيا المدن بالمصطلح المعاصر ،ومن أشهر من ألف فيه تقي الدين المقريزي=
105
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
وحبسها هو عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن َّ
الزهري المتوفى سنة 210هـ ،نص على ذلك ابن يونس ( 347هـ) في ّ عوف
>تاريخ غرباء مصر< ،والقضاعي ( 454هـ) في >معرفة الخطط واآلثار<،
والقاضي محمد بن عبد الوهاب ( 730هـ) في >إيقاظ المتغفل<( ،)1وحسن
قاسم يعلم هذا لكنه رده بال أي دليل ،وزعم أن المقصود بالزهري هو عبد اهلل
()2
ثم أثبت ذلك في >أخبار الزينبات< برواية مسندة
ابن عبد الرحمن بن عوف َّ ،
حتى ينتصر لرأيه.
ــ ومن األخطاء الشنيعة لمؤلف >أخبار الزينبات< زعمه أ ّن رقية بنت عمر
()3
ابن الخطاب تزوجت إبراهيم بن عبد الل النَّحام بن أسد بن عبيد بن عولج
عدي بن عمر بن الخطاب(.)4
ابن ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في كتابه المواعظ واالعتبار في ذكر الخطط واآلثار. =
نقله عنهم المقريزي في المواعظ واالعتبار ( ،)206/3وهذا ما أقر به محققو كتاب المزارات ()1
لحسن قاسم ،انظر المزارات اإلسالمية ( )114/7الهامش .2
قال حسن قاسم في مقال بعنوان (حمروات مصر) نشر بمجلة اإلسالم العدد 46سنة 1351هـ/ ()2
1933م> :كان بهذه المنطقة بساتين ابن الزهري( ،ذكر) المقريزي أنها تنسب لعبد الوهاب بن
موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المتوفى بمصر في سنة 210هـ،
والصحيح أ ّن نسبتها لعبد الوهاب هذا نسبة تجديد اإلنشاء ،وأول من غرسها فيما تحقق لدينا من
الوثائق التاريخية هو عبد اهلل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وهو أول قادم من بني الزهري إلى
مصر وبها مات في سنة 76وقيل 79وتربتهم معروفة بالقرافة<.
وهذا المقال وقفت عليه منشورا في الشبكة العنكبوتية ،وادعاء حسن قاسم أن عبد اهلل بن
عبد الرحمن بن عوف الزهري توفي بمصر ادعاء ال صحة له ،فقد نص ابن سعد في الطبقات
( )157/5على وفاته بالمدينة.
كذا في األصل ،والصحيحَ ( :ع ِويج) كما في طبقات ابن سعد ( )170 /5ونسب قريش (ص.)349 ()3
أخبار الزينبات (ص .)19 ()4
106
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
فكيف يستقيم أن تتزوج رقية بنت عمر بن الخطاب رجال ولد بعدها بأربعة
عدي.
النسابين لم يذكر لعمر بن الخطّاب ولدا اسمه ّ
ثم إ ّن أحدا من َّ
أجيال؟ ّ
والصحيح أنها تزوجت إبراهيم بن ُنعيم النَّحام بن عبد الل بن أسيد بن
عدي ،وهو معدود في الصحابة العدويين(.)1عبد بن عوف بن عبيد بن َع ِويج بن ّ
والظاهر أ َّن حسن قاسم لما وقف على خبر زواجه برقية بنت عمر ورأى أنه
عدوي اختلط عليه األمر ،أل ّنه كان يرى أ ّن بني عمر يُذكرون في العدويين فظن
ّ
أ ّن إبراهيم العدوي نسبة إلى عدي بن عمر فوصل آخر نسب إبراهيم بنسب عمر
ابن الخطاب ووقع في هذا الغلط الفاحش الذي ال يقع من مبتدئ في النسب
فضال عن أن يقع من ّنسابة كالعبيدلي(.)2
ــ وزعم صاحب >أخبار الزينبات< أ َّن أم محمد بن علي الباقر هي زينب
()3
المع ّقبون من ولد أمير
بنت الحسن بن علي ، بينما نص العقيقي في كتابه ُ
المؤمنين على أ َّن أم الباقر هي> :أم عبد اهلل بنت الحسن بن علي<( ،)4فضال عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طبقات ابن سعد ( )170 /5نسب قريش للزبيري (ص ،)349أنساب األشراف للبالذري ()1
( ،)428/1الثقات البن حبان ( ،)144/2أسد الغابة ( ،)160/1اإلصابة في تمييز الصحابة
(.)324/1
وللفائدة انظر قاموس الرجال للتستري ( 43/11ــ ،)44وقد انتبه فارس الحسون في تحقيقه ()2
ألخبار الزينبات لهذا الغلط الفاحش فقام بحذف عبارة >عمر بن الخطاب< من آخر النسب!،
وقال في الهامش> :عدم استقامته ظاهرة< ،انظر :الثبت المصان بأخبار الزينبات (ص ،)64وما
فعله مناف لألمانة العلمية فكان عليه أن يبقي النص في المتن ويعلق في الهامش بما يشاء ،ألن
هذا الخطأ ال تبرير له إال جهل مخترع هذه الرسالة.
أخبار الزينبات (ص .)20 ()3
المع ّقبون من ولد أمير المؤمنين بتحقيق فارس حسون (ص .)47 ُ ()4
107
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
أ َّن العقيقي نفسه( )1وجماعة من النسابين لم يذكروا للحسن بنت ًا اسمها زينب(.)2
ــ ومن أخطاء مؤلف >أخبار الزينبات< ذكره عقبا لمن ال عقب له ،ففي
>أخبار الزينبات< ترجمة لزينب بنت أحمد بن محمد بن عبد اهلل بن جعفر بن
محمد بن علي بن أبي طالب )3(وكذا أخيها محمد بن أحمد ،وهذا غلط
نصوا على أ َّن محمد بن عبد اهلل بن جعفر الجد المزعوم
واضح ،أل ّن النسابين قد ّ
نص على ذلك النسابة أبو الحسن العمري في المجدي(.)4 لزينب هذه ال عقب لهَّ ،
المع ّقبين من ولد عبد اهلل
المع ّقبين< أ َّن ُ
فضال عن أ َّن العقيقي ذكر في كتابه > ُ
بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب هم جعفر وعلي فقط( ،)5أما محمد بن
جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب فال عقب له كما سلف ،فما زعمه صاحب
>أخبار الزينبات< من أن لمحمد بن عبد اهلل بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي
طالب ولدا وبنتا ال يصح ومخالف لما تقرر عند النسابين ،ولما ذكره العقيقي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر كالم العقيقي في األمالي اإلثنينية البن الشجري (ص .)553 ()1
الطبقات البن سعد طبعة الخانجي ( ،)352/6نسب قريش لمصعب الزبيري (ص 46ــ )50 ()2
المجدي في أنساب الطالبيين (ص .)201
أخبار الزينبات (ص .)22 ()3
المجدي في أنساب الطالبيين (ص 630ــ ،)631ومن الغرائب أن فارس حسون في تحقيقه ()4
ألخبار الزينبات ،أحال على كتاب المجدي لكنه اقتطع من النص الذي نقله ما يدل على بطالن
وجود زينب هذه!! فنقل عن المجدي أنه ترجم لمحمد بن عبد اهلل بن جعفر ــ الجد المزعوم
محمد،
لزينب هذه ــ فقال> :ذكره في المجدي ،ح ،225حيث قال في تعداد أوالد عبد اهلل ،لهّ :
ومحمد األصغر ،<...،الثبت المصان بأخبار الزينبات (ص )76الهامش .2ّ
قلت :وتتمة الكالم> :وأحمد ،وإسماعيل ،وجعفر ،وعيسى لم يع ّقبوا< ،لكنه لما وجد هذا النص
المع ّقبون من آل أبي طالب
يهدم ما في المتن قام ببتره وهذا من غرائب التعليقات .وانظر ُ
( )380/3نقال عن المجدي.
( ُ (5
المع ّقبون من ولد أمير المؤمنين ( تحقيق حسون) ( ص .)81
108
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
109
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
بنت الحسن المثنى فولدت له :القاسم ومحمد ًا ويحيى وأم كلثوم وسلمة( ،)1بينما
المع ّقبين على أ َّن أم القاسم ومحمد ابني الحسن بن زيد هي أم
نص العقيقي في ُ
سلمة بنت الحسين( )2بن الحسن بن علي ،ولم يذكر أ َّن اسمها زينب( ،)3وأما
يحيى فلم يذكره كما مضى في المالحظة السابقة(.)4
ــ ونجد صاحب >أخبار الزينبات< يترجم المرأة اسمها زينب بنت الحارث
ويقول عنها> :أخت أسماء بنت عميس ألمها ،وأم المؤمنين ميمونة بنت الحارث
الهاللية زوج رسول اهلل <(.)5
والظاهر أ َّن واضع الكتاب وقف على اسم زينب بنت الحارث في طبقات
( ،)6ولما يتمكن من تعيينها ظن أنها أخت ابن سعد في قصة سم النبي
ميمونة بنت الحارث ،وهذا خطأ تفرد به كتاب >أخبار الزينبات< ،فإن زينب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار الزينبات (ص.)31 ()1
وقع في النسخة الخطية للمعقبين> :الحسن< ،وأثبت محمد كاظم في طبعته (ص > )72الحسن<، ()2
وأما فارس حسون فأصلحه في المتن وأثبت أنه الحسين وأشار في الهامش إلى الخطأ في األصل،
مجلة تراثنا العدد 79ــ ( 80ص ،)332والصواب هو الحسين وهو األثرم كما نص على ذلك
ابن سعد في الطبقات (طبعة الخانجي ،)542/7وأبو نصر البخاري في سر السلسلة العلوية
(ص ،)21وأبو الحسن العمري في المجدي (ص )203وابن عنبة في عمدة الطالب (ص .)70
وقد تفرد كل من محمد بن أسعد الجواني في الروضة النفيسة كما في الخطط للمقريزي ()3
( ،)324/4وابن فندق في لباب األنساب (ص )387بأن أم القاسم بن الحسن بن زيد هي زينب
بنت الحسن بن الحسن وأن كنيتها أم سلمة ،والصواب ما تقدم من أن أم القاسم هي أم سلمة بنت
الحسين األثرم كما قرر ذلك المحققون من النسابين وعلى رأسهم ابن سعد وهو أقدم من أسعد
الجواني ،وابن سعد من أوثق وأتقن من كتب في النسب.
وسيأتي أن حسن قاسم إنما اقتبس هذا النص من كتاب الخطط للمقريزي. ()4
أخبار الزينبات (ص .)24 ( )5
الطبقات الكبرى (.)201/2( ،)107/2 ()6
110
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
بنت الحارث هذه يهودية ،أما ميمونة بنت الحارث فهي :ميمونة بنت الحارث
ابن حزن بن بجير بن الهزم بن رؤيبة بن عبد اهلل بن هالل بن عامر بن صعصعة(،)1
فليس بينهما أي أخوة ،وقد وقفت على امرأتين من الصحابة تشتركان في اسم
زينب بنت الحارث ،األولى هي زينب بنت الحارث بن عامر بن نوفل(،)2
والثانية هي زينب بنت الحارث بن خالد التميمية( ،)3وليس لهما أي عالقة
بميمونة بنت الحارث .وقد ذكر ابن سعد جميع أخوات ميمونة وهن :لبابة أختها
الشقيقة وهي أم الفضل زوجة العباس ،وأخواتها ألبيها وهن :لبابة الصغرى،
وعزة ،وهزيلة ،وأخواتها ألمها وهن :أسماء وسلمى ابنتي عميس( ،)4ولم يذكر
منهن زينب! ،وعلى أي حال فليست أي من المسميات بزينب بنت الحارث من
أخوات ميمونة بنت الحارث ،وإنما هذا من أوهام صاحب >أخبار الزينبات<.
* الدليل الخامس :وجود أساليب وكلمات لغوية متأخرة عن زمن العقيقي
عند النظر في نصوص ولغة كتاب >أخبار الزينبات< يالحظ المتأمل قرائن
عديدة وواضحة تدل على أن مؤلف هذا الكتاب ليس من علماء القرن الثالث،
وقد ظهر هذا بوضوح في الكلمات القليلة التي قدم بها كاتب >أخبار الزينبات<
لكتابه ،فهو يقول عن النبي > :نستمنح الفضل ونستوهب القرب يوم القرب
من حضرته<(.)5
ويحتمل هذا الكالم وجهين:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطبقات الكبرى البن سعد ــ طبعة دار صادر ــ (.)277/8 ()1
اإلصابة (.)155/8 ()2
اإلصابة (.)166/8 ()3
الطبقات الكبرى البن سعد ــ طبعة دار الكتب العلمية ــ (.)104/8 ()4
أخبار الزينبات (ص .)12 ( )5
111
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
بخطاب فيه توقير ،فاستعمل األول :إ ّن الكاتب أراد مخاطبة النبي
تعبير الحضرة ،وهو من الكلمات العامية المصرية المتأخرة التي ظهرت في قرون
متأخرة عن القرن الثالث والتي تخالف أصل الوضع اللغوي لكلمة الحضرة(.)1
الثاني :إ َّن الكاتب قصد استعمال مصطلح الحضرة النبوية ،وهذا المصطلح
من المصطلحات المتأخرة التي ظهرت قبيل قرن أو قرنين والذي ينتمي إلى
المصطلحات الذوقية الصوفية المستحدثة قريبا ،فنسبة حسن قاسم هذا الكالم
إلى رجل من القرن الثالث جهل وافتراء.
ويقول صاحب >أخبار الزينبات<> :بإشارة بعض المنتمين إلى جنابنا لقصد
له في ذلك<(.)2
وكلمة >جنابنا< من الكلمات المصرية المتأخرة التي تستخدم للتوقير في
الخطاب ،ولعلها تسربت إلى لغة أهل مصر من لغة المماليك القديمة أو من لغة
ثم راجت بين النَّاس ،ولم تكن تستعمل في القرن الثالث للتعظيمالعثمانيينَّ ،
وإنما استعملت في معان أخرى(.)3
ويتأكد بُعد لغة >أخبار الزينبات< عن لغة القرن الثالث حين نرى تكرر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1يقول العرب> :حضرة الرجل :قربه وفناؤه< ،الصحاح وتاج اللغة (> ،)632/2وقولهم :وكان
ذلك بحضرة فالن أي بحضوره< ،المحكم والمحيط ( ،)121/3وأما الحضرة بمعنى السيادة فلم
أقف له على أصل في المعاجم اللغوية التي راجعتها ،لكنها تستعمل بالمعنى السائد اليوم في
الفارسية والتركية.
( )2أخبار الزينبات (ص .)12
وج َب ٌل، ِ
والناحي ُةَ ، والر ْح ُل،
ناءَّ ، الجنَ ُ ِ
اب :الف ُ ( )3قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (َ > :)69/1
وعلَ ٌم<.
َ
112
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
أسلوب حذف اإلسناد عند كل رواية واستبداله بجملة> :وبحذف اإلسناد< ،وقد
حذف مؤلف >أخبار الزينبات< اإلسناد في عدة مواضع من كتابه واستبدله
بعبارات مختلفة منها> :وبالسند<(> ،)1وباإلسناد<( ،)2و>ح َّدثني جدي
بسنده<(> ،)3وباإلسناد المرفوع<(> ،)4وباإلسناد المذكور مرفوعا إلى،)5(<...
>روينا باإلسناد المرفوع<(> ،)6وبالسند المرفوع<( ،)7وهذا المسلك إنما ظهر
بعد القرن الرابع بزمن ،فمعلوم أن حذف السند واستعمال مصطلح المرفوع من
مسالك المتأخرين ال أهل القرن الثالث ــ إال في النادر ــ ،فنسبتها إلى مؤلف من
جهل من مخترع كتاب >أخبار الزينبات<. القرن الثالث ٌ
* الدليل السادسِ :ر َّك ُة األسلوب اللغوي لمؤلف >أخبار الزينبات<
يالحظ المطالع لكتاب >أخبار الزينبات< ركاكة ظاهرة في أسلوب الكاتب
وصناعته للروايات ،يقول المؤلف في مقدمة الكتاب> :فهذه رسالة َجمعت في
طيها >أخبار الزينبات< من آل البيت والصحابيات الالتي ُعرفن ،بإشارة بعض
ّ
المنتمين إلى جنابنا ،لقصد له في ذلك< ،فقوله> :والصحابيات الالتي ُعرفن<
فيه ركة ظاهرة ،ألن اختيار الكاتب البناء على المجهول جعل الكالم غير تام
وغير متسق!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار الزينبات (ص .)13 ()1
أخبار الزينبات (ص .)13 ()2
أخبار الزينبات (ص .)14 ()3
أخبار الزينبات (ص .)13 ()4
أخبار الزينبات (ص .)18 ( )5
أخبار الزينبات (ص .)18 ()6
أخبار الزينبات (ص .)18 ()7
113
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
وهذا ما جعل حسن قاسم يدعي أ َّن الناسخ كتب باألصل المخطوط> :في
نسخة :الالتي وقفنا على أخبارهن<.
وأما قول المؤلف> :لقص ٍد له في ذلك<! ،فأقول :هل هذا لسان أهل القرن
الثالث أم لسان كاتب جاهل بالعربية؟ ،فيكتب كالما غير تام أصال!.
وتظهر ركاكة األسلوب وسماجة لغة المؤلف حين زعم أ ّن زينب بنت عقيل
نتبوأ
عماه! قد صدقنا اهلل وعده ،وأورثنا األرض ّقالت لزينب الكبرى> :يا ابنة ّ
منها حيث نشاء<(.)1
عماه< ،وتأمل معي اقتباس عبارة >قد صدقنا اهلل
دعك من جملة> :يا ابنة ّ
وعده< وما بعدها ،فإ ّن هذا من األدلة على جهل المؤلف في اقتباسه من القرآن،
فهذا كالم المؤمنين عند دخولهم الجنة ،قال تعالى {ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ
ﲨ ﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ
ﲶﲷﲸ ﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀ
ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ} [الزمر ،]74 ،73 :وزينب بنت
عقيل منزهة عن أن تستعمل كالم أهل الجنة لتصف به حال أهل الدنيا.
وقد تكرر االقتباس في موضع آخر من >أخبار الزينبات< ،فنسب مؤلف
>أخبار الزينبات< إلى زينب بعد ترحيلها إلى مصر أنها >بكت وبكى الحاضرون
وقالت{ :ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ}<(.!)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أخبار الزينبات (ص .)17
( )2أخبار الزينبات (ص .)18
114
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
وهذا االقتباس من الغرائب ،إذ أنه كالم أصحاب النار في اآلخرة ،يقول
تعالى{ :ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ
115
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
في مصر ،لكن في مقبرة أخرى غير قناطر السباع ،بل أثبت وجود عدة أشخاص
من أهل البيت في مصر ممن لم ينص أحد من القرون األولى على دخولهم مصر،
كفاطمة بنت الحسين وأختها سكينة بنت الحسين!(.)1
وبذا يكون حسن قاسم قد خصم كل مخالفيه بالضربة القاضية ــ كما يقال
اليوم ــ ،فقبل نشر كتاب >أخبار الزينبات< لم يكن هناك أي دليل للقائلين بدفن
زينب الكبرى في مصر ،وحسن قاسم نفسه يعترف بهذا األمر فيقول> :لم أقصد
الحجة
النبوية إقامة ّ
تضمنت كثيرا من أخبار هذه البضعة ّبوضعي هذه الرسالة الّتي ّ
وخاصة في هذا الموضع الّذي
ّ على َمن يستبعد وجود جثمانها الشريف في مصر،
تزار به اآلن؛ إذ التواريخ لم ترو لنا ذلك ،ولم يرد فيها تفاصيل ثابتة تؤيد هذا
القول ...لهذا كنت قد اعتزمت على أن ال أخوض هذا البحث حيطة من الوقوع
نص ثابت<(.)2 فيما لم يرد به ّ
وهذا ما نص عليه المؤرخ والجغرافي المصري علي باشا مبارك حيث قال
في كتابه الخطط التوفيقية> :لم أر في كتب التواريخ أن السيدة زينب بنت علي
جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات<(.)3
وهذا ما قرره مفتي مصر في زمانه الشيخ محمد بخيت المطيعي في فتواه
المنشورة في >مجلة اإلسالم< حيث قال> :جثمان السيدة زينب بنت علي
وأخت الحسين وجثتها ال كالم وال شك في أنها لم تكن بمصر ،ال في الحياة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أخبار الزينبات (ص .)18
( )2أخبار الزينبات (ص 7ــ .)8
( )3الخطط التوفيقية ( ،)9/5وانظر مرقد العقيلة زينب (ص .)72
116
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
117
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
للشك فيها؟
السبب هو أن حسن قاسم لما رأى كالم المفتي محمد بخيت المطيعي
وعلي باشا مبارك الذي قررا فيه أ ّن المؤرخين لم يذكروا دخول زينب الكبرى
إلى مصر وأن القبر الموجود في مصر هو لزينب بنت يحيى بن زيد بن علي زين
العابدين ،قام باختالق رسالة >أخبار الزينبات< ،يدلك على هذا قول حسن قاسم
في الرد على المطيعي قبل نشره >أخبار الزينبات<> :الذي قضى على هذا
الخالف الواقع فيه جمهرة المؤرخين من قرون عديدة رسالة استنسختها من حلب
بواسطة أحد أصدقائي «للعبيدلي<<( ،)1إلى أن يقول> :وصفوة القول :إ ّني لما
عثرت على هذه الرسالة المذكورة( )2التي تعد الحجر األساسي الذي قضى لنا
المتعنِّتين من معاصرينا ،أدرجتها في ضمنعلى هذا الخالف ،والذي كمم أفواه ُ
رسالة أشتغل بوضعها اآلن ،أثبت فيها من مرويات موثقة ،بصحة دخول هذه
السيدة الكريمة إلى مصر ،وموتها بها ،ودفنها بهذا المكان ،وسأطبعها قريبا ــ إن
شاء اهلل تعالى ــ بعد تمام وضعي لها ...،وعسى أن أكون قد وفقت إلى حل
مشكلة وقع فيها كثير من المؤرخين بشأن مدفن السيدة (زينب) .)3(<
ولذلك قال سليمان الوكيل ــ وهو أحد أصحاب حسن قاسم ــ عن كتاب
>أخبار الزينبات<> :وهذا الكتاب حين أظهره وأخرجه للناس ،أثلج صدورا وأقر
عيونا كانت تطمح لمثله<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالة نشرت في مجلة اإلسالم العدد الثاني بتاريخ 1932/12/17م ،ونقلها محمد زكي إبراهيم ()1
في مراقد أهل البيت في القاهرة (ص .)74
يعني رسالة أخبار الزينبات للعبيدلي. ()2
مراقد أهل البيت في القاهرة (ص .)76 ()3
قال ذلك في تقديمه لكتاب ذكرى مصرع الحسين لحسن قاسم( ،ص :هـ) ،والكتاب طبع= ()4
118
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
ويكفيك أيها القارئ دليال على أ َّن هذه الرسالة إنما وضعت لغرض واحد،
أن تعلم أن أطول ترجمة في كتاب >أخبار الزينبات< هي ترجمة زينب الكبرى
بنت علي ،مع أن الكتاب ضم تراجم من هن أشهر منها مثل زينب بنت
،وزينب بنت النبي جحش وزينب بنت خزيمة زوجتي النبي
،وسيرهن حافلة باألخبار ،إال أن تراجمهن في كتاب >أخبار الزينبات<
أقصر من ترجمة زينب بكثير.
كما أ َّن ترجمة زينب بنت علي ضمت تفاصيل كثيرة جدا خلت منها
سائر تراجم الزينبات المذكورات في الكتاب مما يدل على أن مؤلفه ليس له
غرض إال الكالم عن زينب الكبرى ،وأما البقية فإنما ذكرن عرضا.
والمقصود أن تعلم أيها القارئ أن هذه الرسالة المفصلة على هوى حسن
قاسم إنما ألّفها للرد على المفتي محمد بخيت المطيعي وسائر من أنكر من
العلماء والمحققين دخول زينب إلى مصر ووفاتها بها.
والخالصة أ ّن هذا الكتاب لم يتوفر فيه أي دليل من أدلة صحة نسبة الكتب
إلى أصحابها ،وأن مضمونه ال يمت بأي صلة إلى العقيقي ،وهذا كاف في إبطال
نسبة الكتاب إلى العقيقي.
وأما سائر األدلة التي اختلقها حسن قاسم فهي ليست إال أكاذيب وافتراءات
على العلم وأهله ،وهو ما سنزيده بيانا في المباحث اآلتية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالقاهرة سنة 1933م. =
119
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
120
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
وقد شكك في أمر الكتاب فذكر أ َّن من ترجم للعقيقي من أصحاب الفهارس
أي
القدامى لم يذكروا ضمن مصنفاته >أخبار الزينبات< ،كما أنهم لم ينقلوا عنه ّ
()1
ثم طعن في أسانيد الروايات نص مما تفرد به كتاب >أخبار الزينبات< ّ ،
المتعلقة بزينب( ،)2ور ّد ما جاء في متونها(.)3
النسابة يحيى العقيقي فقال عنه> :إننا نسيء به الظن ،إذ
تجرأ فطعن في ّ
ثم َّّ
هو يروي كثيرا عن الكذّ اب الوضاع المنحرف عن أهل البيت الزبير بن بكار
وعمه مصعب بن عبد اهلل المطعون المعروف بسوء عقيدته<(.)4المتوفى 256هـّ ،
فخالف بهذا اتفاق العلماء والنسابين على توثيق يحيى العقيقي واالعتماد
عليه في علم النسب.
وأما كالمه عن الزبير بن بكار وعمه مصعب بن عبد اهلل فمحض افتراء، ّ
النسابة الكبير الزبير بن
فصل ُت الرد عليه وعلى من سبقه من الطاعنين في َّ
وقد َّ
بكار في كتابي >نسبا وصهرا< ،فراجعه إن شئت(.)5
والمتحصل من هذا أ َّن السابقي بالرغم من ارتيابه في كتاب >أخبار
الزينبات< وطعنه في العقيقي وحسن قاسم إال أنَّه لم يكتشف كون الكتاب
مزورا(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرقد العقيلة زينب (ص 95ــ .)96 ()1
مرقد العقيلة زينب (ص .)101 ()2
مرقد العقيلة زينب (ص 104ــ .)120 ()3
مرقد العقيلة زينب (ص .)92 ()4
نسبا وصهرا (ص 216ــ .)229 ( )5
وقد تابعه حسن الصفار في موقفه من كتاب >أخبار الزينبات< في كتابه المرأة العظيمة (ص .)255 ()6
121
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
وقد تبعه جعفر مرتضى العاملي ( 1441هـ) ،فقال> :إ ّن ثمة شكوكا قوية
في نسبة كتاب >الزينبات< إلى يحيى بن الحسن العبيدلي النسابة المتوفى سنة
277هـ ،بل مؤلفه متأخر عن هذا التاريخ بعشرات السنين ..فراجع ما ذكره
العالمة الشيخ محمد حسنين السابقي في كتاب >مرقد العقيلة زينب<<(.)1
ولم يقل السابقي قط إن مؤلف >أخبار الزينبات< متأخر عن القرن الثالث،
وإنما أساء جعفر مرتضى العاملي فهم كالمه ،حيث إ َّن السابقي تكلَّم عن كتاب
آخر نسبه حسن قاسم ليحيى بن الحسن العقيقي ،وهو كتاب >الرد على أولي
الرفض والمكر فيمن تك ّنى بأبي بكر< ،فقرر السابقي أ َّن هذا الكتاب هو البن
الجواني العبيدلي( ،)2فتوهم جعفر مرتضى أ ّن الكالم عن كتاب >أخبارأسعد ّ
الزينبات<.
وممن شك أيضا في أمر الكتاب ،الدكتور لبيب بيضون ــ من اإلمامية ــ،
حيث قال عنه> :إذا تركنا شكّنا في نسبة هذا الكتاب للعبيدلي ،وتجاوزنا عن
عدم وثوقنا بالعبيدلي لتعصبه ،فإننا نرفض ما جاء في كتابه<(.)3
ثم كتب الباحث سيد حسن الفاطمي مقالة بالفارسية عنوانها> :بررسي ّ
اعتبار کتاب أخبار الزينبات< ،ومعناه مراجعة اعتبار كتاب أخبار الزينبات(،)4
نشرت بمجلة الكتب اإلسالمية الفارسية وهي دراسة مفصلة عن كتاب >أخبار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب ورقية في الشام (ص .)59 ()1
مرقد العقيلة زينب (ص 94ــ .)95 ()2
موسوعة كربالء (.)646/2 ()3
استعنت بأخي عبيد اهلل المظفر الباحث في مركز البحوث والدراسات بالمبرة لترجمة مضمون ()4
المقالة.
122
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
الزينبات< ،قام فيها بعرض تسعة أدلة على بطالن نسبة الكتاب إلى العقيقي
العبيدلي ،ومنها :عدم ذكر العلماء الذين ترجموا للعقيقي لهذا الكتاب ضمن
مصنفاته ،وعدم وجود ذكر لمشايخ العقيقي في >أخبار الزينبات< في المصادر
األخرى ،وعدم وجود بعض رواة وشخصيات كتاب >أخبار الزينبات< في
مصادر أخرى ،وتشابه نصوص >أخبار الزينبات< مع طبقات ابن سعد ،وانتهى
في بحثه إلى أن كتاب >أخبار الزينبات< كتاب مزور قائال> :وفقا لما مر ،يظهر
أنه ال يمكن الثقة في صحة نسبة الكتاب إلى العبيدلي<( ،)1إال أ ّنه نفى عن حسن
قاسم تهمة تزوير الكتاب ،واحتمل أن يكون شخص آخر هو الذي اختلقه ،وأوعز
إلى حسن قاسم بنشره.
تنبه من أهل مصر إلى أمر كتاب >أخبار الزينبات< ــ بحسب
ثم إ ّن أول من َّ
ّ
ما وقفت عليه ــ هو الدكتور فتحي حافظ الحديدي وهو باحث معاصر له عناية
بتاريخ العمارة في القاهرة ،فقد نشر في جريدة األهرام المصرية مقاال بعنوان:
>الحقيقة عن ضريح السيدة زينب ،<فقرر فيه أ َّن >أخبار الزينبات< و>رحلة
الكوهيني< مز َّوران ،فقال> :بعد ذلك ابتدئ في تأليف مرويات حديثة لتتفق مع
الوضع الجديد بغرض تدعيمه ،وأرجعوا هذه المرويات إلى عصور قديمة.
وقد قام بهذا الدور حسن قاسم في كتيب ألَّفه بعنوان >السيدة زينب وأخبار
الزينبات< وطبعه في ثالث طبعات في سنوات 1929و 1933و )2(1934القت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1بررسی اعتبار کتاب أخبار الزينبات ،مجلة كتابهاي إسالمي ،العدد 21سنة 1426هـ،
(ص .)73
( )2مضى التنبيه على أن هذا التاريخ خطأ وأن الصواب أن الرسالة طبعت أول مرة سنة 1933م.
123
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
رواجا آنذاك ،وال تزال أصداؤه موجودة حتى اليوم ،ا ّدعى فيه وجود مخطوطين
ينتميان إلى القرون الهجرية األولى فيهما شرح لرحلة السيدة زينب إلى هذه
المنطقة ،بينما هما في حقيقة األمر مختلقان وال وجود لهما في الماضي وفي
الحاضر ،وهما> :أخبار الزينبات< للعبيدلي ،و>رحلة الكوهيني<< إلى أن
تاريخي بغرض إضفاء توثيق
ٌ تزوير
ٌ يقول> :إ ّني أرى أ َّن ما نشره حسن قاسم هو
تاريخي لهذا الموضوع بطريقة يصعب تعقبها والتحقق منها ،باإلضافة إلى أ ّنه لم
يتبع عند التعامل مع هذين المخطوطين المزعومين ما يتبعه محققو المخطوطات
من قواعد وأسس متعارف عليها< ،وقد أعاد نشر هذه المقالة مع زيادات وتوسع
في كتابه >دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة<(.)1
مزور،
تنبه إلى أ ّن كتاب رحلة الكوهيني ّ
وقد أجاد فيما ذكره إذ إنَّه أول من َّ
خطية للكتاب في الماضي وال الحاضر. وأ ّنه ال وجود لنسخة ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1جريدة األهرام المصرية العدد 43864بتاريخ 21ذي الحجة 1427هـ الموافق لـ 10يناير
2007م ،وانظر :دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة لفتحي حافظ حديدي (ص 197
ــ .)198
124
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
126
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
والذي صنعه حسن قاسم أنه اختلق اسما جديدا ألم كلثوم الكبرى
فسماها زينب الوسطى ــ مع أ ّن المقطوع به أ ّن
زوجة عمر بن الخطاب ّ ،
ثم نسب إلى ابن عبد البر والناصري أنهما ترجما لزينب اسمها أم كلثوم ــ َّ
الوسطى ،وإ ّنما ترجما ألم كلثوم الكبرى(.)1
3ــ >اإلشارات إلى معرفة الزيارات< للهروي (611هـ) ،و>األعالق
الخطيرة< البن شداد (684هـ)
نسب إليهما أنهما ذكرا أ َّن المدفونة بالشام هي زينب أم كلثوم زوجة عمر
ابن الخطاب ،)2(وهو افتراء عليهما ،فإنما ذكرا أ ّن المدفونة براوية أم كلثوم،
ولم يقوال إ ّنها زينب وال إ ّنها زوجة عمر .)3(
4ــ >المق ّفى الكبير< و>الخطط< للمقريزي (845هـ)
زعم حسن قاسم في الطبعة األولى من كتاب >أخبار الزينبات< أ ّن
المقريزي ترجم َع َرضا للر َّحالة أبي عبد اهلل محمد الكوهيني في >المقَّفى< ،وأ ّنه
قال عنه في >الخطط<> :كان فقيها أديبا ،تروى عنه أخبار كثيرة ،رحل إلى
المشرق<( ،)4وقال في كتابه >المزارات اإلسالمية<> :لهذا الرحالة ترجمة قصيرة
في خطط المقريزي<(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
االستيعاب ( ،)1954/4وطلعة المشتري في النسب الجعفري ( 24/1ــ .)26 ()1
أخبار الزينبات (ص .)65 ()2
اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص ،)21األعالق الخطيرة القسم الخاص بتاريخ مدينة دمشق ()3
بتحقيق سامي الدهان (ص 182ــ ،)183وللفائدة فقد ذكر حسن قاسم أيضا كتاب الروضة البهية
للصيادي ،وسيأتي الكالم عن هذا الكتاب في محله.
أخبار الزينبات الطبعة األولى (ص .)77 ()4
المزارات اإلسالمية (.)123/7 ( )5
127
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
وهذا افتراء على المقريزي ،فال وجود لهذه الترجمة ال في >المقفى< وال
في >الخطط< ،وقد قام حسن قاسم بحذف هذه الترجمة في الطبعة الثانية لكتابه
>أخبار الزينبات< َوفَ َات ُه تعديل النص في كتابه >المزارات<.
5ــ >المنار في التعريف بصلحاء بني أمغار< البن عبد العظيم األزموري
نسب إليه حسن قاسم في الطبعة األولى من >أخبار الزينبات< أ ّنه ترجم
ألبي يعقوب األزموري األمغاري ،وقال عنه> :استقر سلفه برباط تيطنفطر قرية
بساحل بلد آزمور ،تعرف اآلن بتيط ،وقفت له على مؤلفات منها :كتاب
>الكرديوس في أخبار األندلوس( ،<)1وكتاب >األقنوم< ،و>الفهرست<...،
توفي بأزمور ودفن برباط أسالفه<(.)2
والذي يبدو لي أن حسن قاسم اقتبس عنوان الكتاب من كتاب >االستقصاء<
للناصري( ،)3فقد نقل الناصري عن كتاب في مناقب بني أمغار ولم يذكر اسمه
ونسبه إلى ابن عبد العظيم اآلزموري( ،)4ويظهر أن العنوان األدق لهذا الكتاب
هو> :األخبار في كرامات الشرفاء بني أمغار< ،فقد ذكره بعض الباحثين في
مؤلفات ابن عبد العظيم اآلزموري( ،)5وأستبع ُد أن يكون حسن قاسم قد وقف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كذا بالواو!. ()1
أخبار الزينبات الطبعة األولى (ص .)90 ()2
أشـار حسـن قاسـم في أخبار الزينبات (ص )61حينما سـرد ثبت مصـادره إلى كتاب االسـتقصـاء ()3
للناصري.
االستقصاء في أخبار المغرب األقصى (.)25/2 ()4
مقالة :بهجة الناظرين ،البن عبد العظيم األزموري للدكتور محمد بنشريفة ،منشورة بمجلة دعوة ( )5
الحق التي تنشرها وزارة األوقاف المغربية ،العدد ،262السنة الثامنة والعشرون 1407 ،هـ،
(ص .)9
128
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
على الكتاب ألن نسخته الوحيدة موجودة بالمغرب( ،)1وإنما رآى خبر الكتاب
في >االستقصاء< للناصري كما مضى فنسب إليه نصوصا مختلقة كي يثبت أن أبا
يعقوب اآلزموري وكتاب >أقنوم اآلثار< ذكرا في تراجم اآلزموريين.
ثم إ َّن الترجمة التي حكاها حسن قاسم تلوح عليها أمارات الصنعة واالختالق:
َّ
فمنها :تجنبه لذكر اسم أبي يعقوب األزموري ،وذلك حتى ال يفتضح أمره،
أل ّن شخصية أبي يعقوب األزموري صاحب >أقنوم اآلثار< من عمل حسن قاسم
كما سيأتي.
ومنها :زعمه أن أبا يعقوب صنَّف كتاب >الكرديوس في أخبار األندلوس<.
وهذا من تخليطه ،فالكتاب ال وجود له ،والذي يظهر لي أ ّن حسن قاسم
اقتبس هذا االسم من ابن الكردبوس األندلسي( ،)2ولفَّق هذا الكتاب ألبي
ثم إنَّه حذف هذه الترجمة من طبعته الثانية.
يعقوب األزموريَّ ،
129
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
130
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
والغريب أ ّن حسن قاسم كان يسمي مؤلف الرحلة المختلقة في أول أمره:
>محمد الكوهن الفاسي< ،وذلك في رده على مفتي الديار المصرية الشيخ محمد
بخيت المطيعي وقبل أن ينشر كتابه >أخبار الزينبات<( ،)1كما أنه سماه في كتابه
>المزارات اإلسالمية<> :الرحالة أبو عبد اهلل محمد الكوهن الفاسي المالكي<(.)2
ووجه الغرابة أن حسن قاسم كان يسمي أباه >محمد الكوهن الفاسي< قبل
أن ينشر كتاب أخبار الزينبات ،واعتاد أن يستعمل هذه النسبة في كتبه السابقة،
بل إن حسن قاسم كان يسمي نفسه >الحسن بن الحاج محمد الكوهن الفاسي<
كما جاء على غالف كتابه >طبقات الشاذلية الكبرى< المطبوع سنة 1347هـ،
للسادة الشاذلية< المطبوع وغالف كتابه >تحفة الصفا في مولد المصطفى
سنة 1349هـ ،وقد صرح حسن قاسم باسمه كامال في كتابه >إعالم السائلين
المطبوع سنة 1350هـ ،حيث عمن أقبر بمصر من صحابة سيد المرسلين<
كتب على غالفه >حسن محمد بن قاسم الكوهن<(.)3
ثم إن حسن قاسم على ما يبدو خشي أن يُكتشف أمر اختالقه لشخصية
الرحالة الكوهن ،إذ أن اسم >محمد الكوهن الفاسي< هو نفس اسم والده الذي
فغير اسم الرحالة المزعوم وب َّدله إلى >الكوهيني<!.
يستعمله في كتبهَّ ،
ثم إن حسن قاسم ترك استعمال لقب الكوهن عند كتابة اسمه في كتبه
الالحقة ،فبدءا من كتاب >أخبار الزينبات< المطبوع أول مرة سنة 1351هـ صار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر مقالة حسن قاسم في كتاب مراقد أهل البيت في القاهرة لمحمد زكي (ص .)71
( )2المزارات اإلسالمية واآلثار العربية (.)122/7
( )3كتاب إعالم السائلين طبعة القاهرة سنة 1350هـ ،وقد طبع كتاب إعالم السائلين مؤخرا طبعة
جديدة و ُكتب على غالفه :للمؤرخ األثري النسابة حسن قاسم الكوهن.
131
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
يكتب على أغلفة كتبه اسم >حسن محمد قاسم< أو >حسن قاسم< وترك لقب
الكوهن ،وهذا ما تراه في كتاب >ذكرى مصرع الحسين< المطبوع سنة 1352هـ،
وكتاب >تاريخ الجندية اإلسالمية< المطبوع سنة 1356هـ ،وهذا ما جاء على
غالف كتاب >تحفة األحباب< الذي قام حسن قاسم بمراجعته والتعليق عليه
وطُبع سنة 1356هـ ،و>ذيل تاريخ الجبرتي< الذي انتهى حسن قاسم من كتابته
سنة 1365هـ( ،)1فالظاهر أن ْترك حسن قاسم لقب الكوهن هو خشية اكتشاف
أمر هذا اللقب الذي استعاره ليختلق قصة الرحالة الكوهن الذي تحول فيما بعد
إلى الكوهيني!.
وقد زعم حسن قاسم في ر ِّده على المطيعي أ ّن رحلة الكوهن من محفوظات
مكتبة عارف بك بالمدينة( ،)2وما عليك إال أن تراجع فهارس مكتبة عارف بك
حتى تتيقن عدم وجود أثر لهذه الرحلة في المكتبة.
ويبدو أ ّن حسن قاسم خشي أن يُفتضح أمره إذا اكتشف أحد ما عدم وجود
المخطوط في مكتبة عارف بك ،فلم يذكر هذا في كتابه >أخبار الزينبات< ،ثم
إنه ادعى فيما بعد أن الرحلة محفوظة في الجزائر! ،فقال في كتابه >المزارات
اإلسالمية<> :منها نسخة خطية غير كاملة بالعباد بتلمسان<( ،)3وهذا محض
اختالق ،فهذه الرحلة من وحي الخيال فضال عن أن تكون مخطوطة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وال زال الكتاب مخطوطا ووقفت على صور للورقات األولى منه ،وقد جاء في مقدمة كتاب
المزارات اإلسالمية ( /1ص ل) أن الكتاب قيد الطبع.
( )2راجع مراقد أهل البيت في القاهرة لمحمد زكي (ص .)72
( )3المزارات اإلسالمية واآلثار العربية (.)123/7
132
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
133
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
الكبرى ،وهذه الرسالة ال حقيقة لها ،فلم يذكرها أحد ضمن مؤلفات السخاوي،
وإنما هي من عمل يد حسن قاسم.
السخاوي<( )1الذي استوفى فيه المحققانوقد رجعت إلى كتاب >مؤلفات ّ
مشهور بن حسن آل سلمان وأحمد الشقيرات ،كل مؤلفات الحافظ السخاوي
كتاب من ُكتبه أو ذكر عزمه على تأليفها ،أو ُذكرت له في
التي ذكرها في ٍ
مصادر ترجمته ،وفهارس المخطوطات ،ومعاجم الكتب المطبوعة ،ومعاجم
المؤل َّفات والمؤلفين ،فلم أجد لهذه الرسالة المزعومة ِذكرا.
()2
4ــ >أوقاف مصر< للحافظ السخاوي أيض ًا
نصا يؤرخ عمارة مشهد زينب في مصر في القرن نسب إليه حسن قاسم ّ
الخامس ،وهدفه من هذا هو إثبات ورود ذكر المشهد الزينبي في القرن السادس،
والكتاب من وحي الخيال ،ال وجود له وال عين وال أثر.
السخاوي .
والكالم فيه كالكالم في سابقه ،فليس من جملة مؤلفات ّ
5ــ رسالة ابن طولون ( 953هـ) عن زينب الوسطى
زعم حسن قاسم أ ّن أحد أصدقائه بالشام ــ ولم يذكر اسمه ــ أرسل إليه
نسخة من رسالة ابن طولون تشتمل على ترجمة السيدة زينب ،وزعم أ َّن هذه
الرسالة هي ترجمة لزينب الوسطى المكناة بأم كلثوم ،ونسب إلى ابن طولون أنها
دفنت بالشام( .)3ونقل عن ابن طولون في موضع آخر أن زينب هذه هي المدفونة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مؤلفات السخاوي ــ ط دار ابن حزم ــ ط األولى 1998م.
( )2أخبار الزينبات (ص 76ــ .)77
( )3أخبار الزينبات (ص .)9
134
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
بقرية راوية في الشام( ،)1ولم يكتف حسن قاسم بهذا بل زاد إلى ذلك أن ابن
عرضا ،ونسب إليه أن ابن عساكر ذكر أن >السيدة
طولون ترجم لزينب الكبرى َ
زينب الكبرى قدمت مصر وماتت بها ،وأن دفينة الشام هذه هي الوسطى ،وال
صحة لما يزعمه أهل دمشق<(.)2
والحقيقة أن هذه الرسالة ال حقيقة لها ،لكن يبدو أن حسن قاسم سمع عن
رسالة ابن طولون التي مضى أ َّن عنوانها> :التوجهات الست إلى كف النساء عن
قبر الست< ،والتي يظهر أنها من الرسائل المفقودة ،فاختلق من عنده أ ّن موضوع
الرسالة عن زينب الوسطى.
وأما ما ادعاه حسن قاسم من أ َّن ابن طولون نقل عن ابن عساكر في تاريخ
دمشق التنصيص على أ ّن زينب دفنت بالشام ،فهو اختالق وإفك ،فتاريخ ابن
عساكر خال من التنصيص على موضع دفن زينب الكبرى ،وقد كان حسن قاسم
ينسب هذا النص إلى تاريخ ابن عساكر بدون واسطة في رده على مفتي مصر
محمد بخيت المطيعي ويحيل على مخطوط تاريخ دمشق المحفوظ بالمكتبة
()3
ثم لما نشر كتاب >أخبار الزينبات< صار ينقل عن >تاريخ دمشق< الخالدية ّ ،
بواسطة ابن طولون ،وهذا التالعب والتلون دليل على دهاء هذا الرجل واحترافه
للتزوير ،والظاهر أنه لما خشي أن يكشف أمره عند مراجعة مخطوط >تاريخ
دمشق< صار يحيل على مخطوط ابن طولون الذي لم يُعثر عليه لحد كتابة هذه
السطور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أخبار الزينبات (ص .)65
( )2أخبار الزينبات (ص .)9
( )3مراقد أهل البيت في القاهرة (ص .)73
135
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
136
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
137
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
ونقل عنه أن المدفونة بالشام في قرية راوية هي زينب الوسطى أم كلثوم زوجة
عمر بن الخطاب ،)1(وقد تبين لي أن هذا خطأ من حسن قاسم ،وأن مراده
هو ابن الحوراني صاحب كتاب >اإلشارات إلى أماكن الزيارات< ،والكالم الذي
نقله حسن قاسم مثبت في كتاب >اإلشارات< البن الحوراني( ،)2وتسمية حسن
قاسم لكتاب الحوراني >المزارات الشامية< هو من باب التسمية بالمعنى.
وقد َذكر اسم الكتاب كامال في موضع آخر ناسبا إياه إلى ابن الجوزي،
فقال في تعداد المصادر التي رجع إليها>> :اإلشارات إلى أماكن الزيارات<
للهروي وابن الجوزي<(.)3
وقد تبين لي وهم حسن قاسم بعد مراجعة كتاب >إعالم السائلين عمن أقبر
بمصر من صحابة سيد المرسلين< ،حيث وجدته يذكر كتاب ابن الحوراني
بعنوان >المزارات الشامية< تارة( ،)4وبعنوان >المزارات< تارة( ،)5وبعنوان
>اإلشارات< تارة أخرى( ،)6فإما أن الخطأ وقع في الطباعة فبدل أن يكتب >ابن
الحوراني< كتب >ابن الجوزي< لتقارب الخط بينهما ،وإما أن يكون هذا وهما
من حسن قاسم فظن أن مؤلف كتاب اإلشارات هو ابن الجوزي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار الزينبات (ص .)65 ()1
اإلشارات إلى أماكن الزيارات ( 134ــ .)136 ()2
أخبار الزينبات (ص .)62 ()3
إعالم السائلين الطبعة األولى بالمكتبة العلمية (ص ،)13والطبعة الثانية بدار اإلحسان ()4
(ص .)63
إعالم السائلين الطبعة األولى بالمكتبة العلمية (ص ،)8والطبعة الثانية بدار اإلحسان (ص .)47 ( )5
إعالم السائلين الطبعة األولى بالمكتبة العلمية (ص ،)11والطبعة الثانية بدار اإلحسان ()6
(ص .)58
138
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
فتحققت بذلك أن نسبته كتاب >المزارات الشامية< إلى ابن الجوزي هو
ُ
خطأ محض ،وليس من قبيل ما مضى من الكتب المختلقة التي ال وجود لها.
140
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
141
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار الزينبات (ص .)14 ()1
طبقات ابن سعد (.)101/8 ()2
أخبار الزينبات (ص .)20 ()3
طبقات ابن سعد (.)115/8 ()4
أخبار الزينبات (ص .)20 ( )5
طبقات ابن سعد (.)115/8 ()6
142
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
زينب بنت أبي سلمة بن عبد األسد بن زينب بنت أبي سلمة بن عبد األسد بن
هالل بن عبد اهلل بن عمر بن مخزوم وأمها هالل ،مخزومية من بني مخزوم ،أمها
أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد اهلل أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج
ابن عمر بن مخزوم زوج رسول اهلل. رسول اهلل .تزوجها عبد اهلل بن
تزوجها عبد اهلل بن زمعة ...فولدت له زمعة ،فولدت له عبد الرحمن ويزيد
عبد الرحمن ويزيد ووهبا وأبا سلمة وكبيرا ووهبا وأبا سلمة وكبيرا وأبا عبيدة وقرينة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار الزينبات (ص .)23 ()1
طبقات ابن سعد (.)399/8 ()2
أخبار الزينبات (ص .)23 ()3
طبقات ابن سعد (.)417/8 ()4
143
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
144
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
145
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
جحش ،ثم زينب بنت خزيمة ،ثم زينب بنت عثمان بن مظعون ،ثم زينب بنت
صيفي ،ثم زينب بنت الحباب ،ثم زينب بنت أبي سلمة ،ثم زينب بنت
المهاجر ،ثم زينب بنت نبيط ثم زينب بنت كعب بن عجرة ثم زينب امرأة قيس
بن أبي حازم ،وقد سار حسن قاسم في الترجمة لهن على نفس الترتيب حذو
القذة بالقذة! ،غاية ما فعله للتمويه على سرقته أنه غير مكان ترجمة زينب الكبرى
فقدمها في الترتيب ،ثم سرق تراجم بقية الزينبات من كتب أخرى وأقحمها كيفما
اتفق بين تراجم الزينبات المأخوذة من الطبقات البن سعد.
وأما اللواتي لم يفرد لهن ابن سعد ترجمة وذكرهن عرضا في تراجم غيرهن
فقد وضعهن حسن قاسم في >أخبار الزينبات< كيفما اتفق له ،ومن هنا وقع الخلل
ثم في وسطه
في ترتيب كتاب >أخبار الزينبات< ،فتجد في أوله تراجم صحابيات ّ
ثم تجد بعدها تراجم صحابيات تراجم نساء من آل البيت من القرن األول والثاني ّ
ثم يختم الكتاب بترجمة صحابية، ثم بعدها تمر بك ترجمة امرأة تابعية ّ
أخريات ّ
وفي تراجم الزينبات من آل البيت ،تجد في نفس الصفحة ترجمة زينب بنت
القاسم بن محمد بن جعفر الصادق ،وبعدها ترجمة زينب بنت موسى الكاظم
ابن جعفر الصادق ،ثم بعدها زينب بنت الباقر !!
فالمترجمات لم يرتبن ال على أسمائهن وال على طبقاتهن وال على أصول
أنسابهن!!
وأنت ترى الخلل الظاهر في الترتيب ،فزينب بنت الباقر هي التي تستحق
أن تذكر قبل زينب بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق ،ألنها أقدم منها
طبقة.
146
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
ومنشأ الخلل أن حسن قاسم حشر هذه التراجم كيفما اتفق له ،فوقع في
هذا الخلط الذي ال يتصور أن يقع من العقيقي الذي عرف عنه العناية بترتيب
المع ّقبين من ولد أمير المؤمنين<.
الطبقات في كتابه > ُ
وكل هذا الخلل والخلط سببه ما سلف ذكره ،من أن حسن قاسم جعل
ثم أضاف تراجم أخرى كيفما اتفق له.
طبقات ابن سعد أصال لمادة كتابه ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وكتاب غاية االختصار ليس إال نسخة مسروقة من كتاب األصيلي في أنساب الطالبيين البن
الطقطقي ،لكن أبا هدى الصيادي لفقه لتاج الدين ابن زهرة وأضاف عليه أشياء أخرى ثم طبعه
بهذا االسم ،والنص الذي أخذه حسن قاسم من غاية االختصار هو بعينه في األصيلي
(ص ،)145وإنما قررت أن السرقة وقعت من كتاب غاية االختصار دون كتاب األصيلي ألن
كتاب األصيلي لم يطبع إال بعد وفاة حسن قاسم أما كتاب غاية االختصار فطبع في حياة حسن
قاسم .وانظر عن تزوير كتاب غاية االختصار :جناية الصيادي (ص ،)71منتقلة الطالبية
(ص 26هامش .)1
147
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
148
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
149
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
150
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1كذا وفي تاريخ الطبري واإلرشاد> :من طالب أو صاحب قتيل< ،فلعل التصحيف وقع في طبعة
مقاتل الطالبيين التي اعتمد عليها حسن قاسم ،أو لعل التصرف منه.
( )2هذه الزيادة ليست في مقاتل الطالبيين وهي مثبتة في تاريخ الطبري ( ،)420/5واإلرشاد للمفيد=
151
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
152
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
فكشف بذلك عن تزويره لهذا النص ،ألن هذه الرواية المذكورة بهذا اللفظ
وهذا السياق مدارها على أبي مخنف ،وال يوجد لها را ٍو غيره ،إلى أن ظهر كتاب
>أخبار الزينبات< في القرن الرابع عشر وجاء بإسناد ال وجود له.
4ــ نص مسروق من >الخطط< للمقريزي
اقتبس حسن قاسم نصا من الخطط للمقريزي يذكر فيه أ َّن الحسن بن زيد بن
الحسن تزوج زينب بنت الحسن المثنى فولدت له :القاسم ومحمد ًا ويحيى وأم
كلثوم وسلمة( ،)1وأصل النص في خطط المقريزي الذي نقله عن >الروضة األنيسة
بفضل مشهد السيدة نفيسة< لمحمد بن أسعد الجواني ،وإليك مقارنة بين النصين:
المواعظ واالعتبار
أخبار الزينبات
بذكر الخطط واآلثار
وعلي وإبراهيم وزيد
ّ القاسم ومحمد زينب بنت الحسن المثنى بن الحسن
وعبيد اهلل ويحيى وإسماعيل وإسحاق السبط بن علي بن أبي طالب ،أمها أم
وأم كلثوم ،أوالد الحسن بن زيد بن ّ ولد تدعى حميدة تزوجها الحسن بن
فأمهم ّأم سلمة، عليّ ،الحسن بن ّ زيد بن الحسن بن علي ،فولدت له
واسمها زينب ابنة الحسن بن الحسن القاسم ومحمدا ويحيى وأم كلثوم
علي
وأمها أ ّم ولد ....وأما ّعليّ ، ابن ّ وسلمة وبها كانت تكنى ،وللقاسم
وإبراهيم وزيد أخوة نفيسة من أبيها، عقب من ولديه :محمد ،وعبد الرحمن
()3
فأمهم أ ّم ولد تدعى أ ّم عبد الحميد
ّ ماتت زينب بنت الحسن المثنى
بالمدينة سنة .)2(160
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أخبار الزينبات (ص .)21
( )2أخبار الزينبات (ص .)21
( )3الخطط للمقريزي (.)324/4
153
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
والتشابه بين النصين واضح ،وقد زاد حسن قاسم على كالم المقريزي أن
زينب بنت الحسن ولدت ابنة تسمى سلمة وبها كانت تكنى!! وهذا من أغالطه،
فإنه لما رأى المقريزي يذكر أن اسم أم سلمة زينب تبادر إلى ذهنه أن تكنيتها بأم
سلمة هو بسبب والدتها البنة اسمها سلمة ،فأضاف عبارة >وسلمة وبها كانت
تكنى< إلى ترجمة زينب هذه ،وال أدري ما مستنده ،ولو كان هذا صحيحا لكان
ينبغي أن تكون هذه كنية زوجها الحسن بن زيد ،وبما أن كنية الحسن بن زيد هي
أبو محمد( )1بطل ما ادعاه حسن قاسم ،وقد مضى نقد ما جاء في هذا االقتباس
آنفا.
5ــ النصوص المسروقة من كتاب >العدل الشاهد في تحقيق المشاهد<
استعان حسن قاسم بكتاب >العدل الشاهد< في تعيين موقع قبر زينب
ومقامها في مصر عند قدومها( ،)2ولكنه غلّف نقله بالسرقة والتلفيق ،فأخذ
مضمون المسألة وصاغها بلفظه الخاص مع زيادة ونقصان.
دوخ (1317هـ) ــ صاحب >العدل الشاهد< ــ رواية شفوية
فقد نقل عثمان ُم ّ
عمن يثق به أنه سمع ممن قرأ وطالع بعض التواريخ يدعي أنه وقف على قصة
قدوم زينب إلى مصر(.)3
ومعلوم أ ّن هذا النقل غير معتبر به فهو نقل مجهول عن مجهول عن كتاب
غير معلوم ،والحقيقة أنه نقل ال وجود له إن ص َدق الناقل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الثقات للعجلي (ص ،)114الثقات البن حبان ( )160/6تاريخ بغداد (.)269/8
( )2ذكر حسن قاسم كتاب العدل الشاهد ضمن مصادره ،انظر السيدة زينب وأخبار الزينبات (ص .)63
( )3العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص .)67
154
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
155
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
156
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
157
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
158
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
2ــ يقول صاحب >أخبار الزينبات<> :أخبرنا الحسين بن جعفر قال :ح َّدثنا
سلمة بن شبيب قال :ح َّدثنا جعفر بن محمد عن أبيه<(.)2
وهذا إسناد ظاهر التركيب ،فالحسين بن جعفر ال يُدرى من هو؟
وأما سلمة بن شبيب فهو الذي فضح أمر هذا اإلسناد ،إذ أنه توفي سنة
َّ
246أو 247هـ( ،)3فيستحيل أن يحدث بصيغة السماع عن جعفر بن محمد
الصادق المتوفى سنة 148هـ(.)4
وقديما قيل :لما استعمل الرواة الكذب ،استعملنا لهم التاريخ(.)5
وسلمة بن شبيب يروي عن جعفر الصادق بواسطتين كما في مسند أبي
حنيفة( ،)6فهذا اإلسناد مصنوع وموضوع من عمل حسن قاسم كما هو ظاهر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر :تاريخ بغداد ( ،)445/8تاريخ اإلسالم للذهبي ( ،)29/8طبقات النسابين (ص ،)86 ()1
عمدة الطالب (ص ،)331أعيان الشيعة (.)282/5
أخبار الزينبات (ص .)14 ()2
تهذيب التهذيب (.)147/4 ()3
سير أعالم النبالء (.)269/6 ()4
الكفاية في علم الرواية (ص .)147 ( )5
مسند أبي حنيفة رواية أبي نعيم األصفهاني (ص .)66 ()6
159
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
160
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
161
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
162
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
163
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
6ــ يقول مؤلف >أخبار الزينبات<> :وبالسند المرفوع إلى رقية بنت عقبة
ابن نافع الفهري قالت :كنت فيمن استقبل زينب بنت علي لما قدمت
مصر.)1(<...
ورقية بنت عقبة هذه ال ذكر لها إال في كتاب >تحفة األحباب< ألبي الحسن
السخاوي الحنفي( )2الذي قام حسن قاسم بتحقيقه وطباعته ،وال تعرف لها رواية
إال في كتاب >أخبار الزينبات< ،فحسن قاسم كعادته اقتبس اسم رقية من كتاب
ثم ل ّفق قصة لقائها مع زينب بنت علي في >أخبار الزينبات<.
>تحفة األحباب< ّ
7ــ لم يكتف حسن قاسم بهذا بل جاء بإسناد أغرب ،ففي >أخبار
الزينبات<> :ح َّدثني إسماعيل بن محمد البصري ــ عابد مصر ونزيلها ــ قال:
ح َّدثني حمزة المكفوف قال :أخبرني الشريف أبو عبد اهلل القرشي قال :سمعت
هند بنت أبي رافع بن عبيد اهلل بن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري<(.)3
ّأما إسماعيل هذا فلم أجد أحدا بهذا المسمى في طبقته ممن نزل مصر
وسكنها ،وأما حمزة المكفوف فقد أتى به حسن قاسم من كتاب >عمدة الطالب<،
إذ نص ابن عنبة على أن عقب حمزة المكفوف بمصر( ،)4فحشره حسن قاسم في
هذا اإلسناد ،مع أ َّن حمزة المكفوف هذا في طبقة متأخرة عن العقيقي بجيلين(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار الزينبات (ص .)18 ()1
تحفة األحباب وبغية الطالب في الخطط والمزارات (ص )221و(ص ،)233وهو غير شمس ()2
الدين السخاوي المشهور.
أخبار الزينبات (ص .)19 ()3
عمدة الطالب (ص ،)50وقد صرح حسن قاسم بوقوفه على عمدة الطالب ،انظر أخبار الزينبات ()4
(ص .)62
حمزة المكفوف هو :حمزة بن محمد بن علي بن عبد اهلل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن= ( )5
164
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
وأما قوله> :سمعت هند بنت أبي رافع بن عبيد اهلل بن رقية بنت عقبة بن
نافع الفهري< ،فمن أعجب ما رأيت في األسانيد ،فقد اجتمعت فيه كل أمارات
الكذب الظاهر ،فأوال :حمزة المكفوف يستحيل أن يروي عن هند هذه بواسطة
الشقة بينهما.
واحدة ،لبعد ُّ
ثانيا :إ َّن هندا هذه التي ينتهي نسبها إلى رقية بنت عقبة اسم وهمي من عمل
حسن قاسم ،ويكفي أن ترى أن نسبها ينتهي إلى امرأة!! ومتى كان المحدثون
ينهون أنساب الرواة إلى أمهاتهم؟!
والظاهر أن حسن قاسم أراد أن يكتب >عن رقية< فكتب >ابن رقية< بدليل
ما جاء في الرواية من حضورها جنازة زينب .)1(
ومع هذا فاإلشكال ال يرتفع بل يثبت أن حسن قاسم ال يحسن صناعة
األسانيد ،إذ أنه أراد أن يختلق بنتا باسم هند لعبيد اهلل بن أبي رافع المشهور،
فقلب اسمه فجعله> :أبو رافع بن عبيد اهلل<.
ثالثا :رقية بنت عقبة؛ مضى أن ال ذكر لها في كتاب إال في >تحفة
األحباب< وأنها ال ُتعرف بالرواية وإنما أراد حسن قاسم أن يجعل تاريخ وفاة
زينب مسندا إلى امرأة مصرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= علي بن عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب ،عمدة الطالب (ص ،)50فبينه وبين جده عبد اهلل بن
جعفر سبعة آباء ،أما النسابة العقيقي فليس بينه وبين جده الحسين بن علي إال خمسة
آباء.
( )1وقد أصلح فارس حسون في تحقيقه ألخبار الزينبات هذا الخطأ فأثبت في المتن >عن< بدل ابن
وأشار إلى ذلك في الهامش ،انظر أخبار الزينبات بتحقيق فارس حسون ،منشور بمجلة ميراث
حديث شيعة العدد ( 16ص .)44
165
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
ثم إ َّن المتن يشهد على كذب الرواية ،فإ َّن هند بنت أبي رافع بن عبيد اهلل
َّ
ابن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري ينبغي أن تكون من أهل القرن الثاني أل َّن بينها
وبين عقبة بن نافع المتوفى سنة 63هـ ثالثة أجيال ،فكيف يصح أن تقول عن
زينب> :وشهدت جنازتها< ،إال إن كانت من المعمرين وهو احتمال غريب
ومستبعد عن شخصية ليست أصال معروفة فضال عن أن تكون من المعمرين!.
هذه أمثلة من األسانيد التي يظهر عليها التركيب واالختالق بوضوح ،وأما
بقية أسانيد >أخبار الزينبات< ،فجلها مسروق من كتاب >غاية االختصار< كما
مضى ،فحسن قاسم لم يلتزم ذكر األسانيد في كل تراجم الزينبات ،بل في بعضها
ألنها أول ترجمة في فقط ،فذكر عدة أسانيد في ترجمة زينب بنت النبي
يخيل للقارئ أن كتاب ثم في ترجمة زينب بنت جحش ،وذلك حتى ّ الكتابّ ،
ثم يجري ذكر زينب >أخبار الزينبات< كتاب موثوق يروي األخبار باألسانيدّ ،
ثم بعدها تأتي ترجمة زينب الكبرى بنت عقيل عرضا بال أي إسناد وال خبرّ ،
بنت علي ،وهنا يظهر أكبر عدد من األسانيد في ترجمة واحدة ،ويستمر
اإلسناد في ترجمة زينب الوسطى ،وزينب بنت الحسن بن علي ،وزينب
بنت زين العابدين ،وزينب بنت خزيمة ،وزينب بنت يحيىَّ ،
ثم بعدها
تختفي األسانيد من الكتاب ،فبقية التراجم خلت من اإلسناد إال في النادر.
وبتتبع تركيبات حسن قاسم لألسانيد والمتون ،يُالحظ أ ّنه كان يُلفق بعض
األسانيد على متون ُرويت في كتب مشهورة نحو> :الطبقات الكبرى< البن سعد،
و>مقاتل الطالبيين< ألبي الفرج األصفهاني ،فضال عن أسانيد ومتون هي من
التلفيق المحض ،وإليك بيان ما ذكرته سابقا مع مزيد شرح وتفصيل:
166
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
ــ الرواية األولى :وهي التي رواها صاحب >أخبار الزينبات< عن >أبي
الحسن بن جعفر الحجة قال :أخبرني عباد بن يعقوب عن يحيى بن سالم عن
صالح بن أبي األسود عن جعفر بن محمد الصادق<(.)1
وإسنادها مسروق من رواية وردت في كتاب >غاية االختصار<(.)2
وأما متنها الذي يذكر قصة بكاء زينب عندما سمعت الحسين ينعى نفسه،
َّ
فمسروقة من كتاب >مقاتل الطالبيين<(.)3
ــ الرواية الثانية :وهي التي رواها صاحب >أخبار الزينبات< عن >إبراهيم
ابن محمد الحريري قال حدثني عبد الصمد بن حسان السعدي عن سفيان الثوري
عن جعفر بن محمد الصادق<( ،)4فإسنادها مسروق من رواية وردت في كتاب
>غاية االختصار<(.)5
وأما متنها التي يذكر خبر وصول زين العابدين ونساء أهل البيت إلىَّ
المدينة ،فالظاهر أنَّها من تأليف حسن قاسم.
ــ الرواية الثالثة التي رواها صاحب >أخبار الزينبات< عن >زهران بن مالك
قال :سمعت عبد اهلل بن عبد الرحمن العتبي يقول :حدثني موسى بن سلمة عن
وعلي بن
ّ علي بن موسى قال :أخبرني قاسم بن عبد الرازق
الفضل بن سهل عن ّ
أحمد الباهلي قاال :أخبرنا مصعب بن عبد اهلل قال :كانت زينب بنت علي<.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار الزينبات (ص .)16 ()1
غاية االختصار (ص .)101 ()2
مقاتل الطالبيين (ص .)113 ()3
أخبار الزينبات (ص 16ــ .)17 ()4
غاية االختصار (ص .)101 ( )5
167
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
فقد مضى الكالم على هذا اإلسناد بتفصيل ،حيث َّبينت أ ّنه إسناد ملفق
ومركب وفيه أخطاء فاحشة(.)1
وأما متنها الذي يذكر قصة تأليب زينب ألهل المدينة ألخذ الثأر للحسين
ّ
وأمر يزيد لعمرو بن سعيد األشدق بإخراج زينب من المدينة ،فقد لفَّقه حسن
قاسم من قصة وردت في كتاب >العدل الشاهد<( ،)2وزاد عليها ألفاظا وأخبارا
من عمل يده.
ــ الرواية الرابعة التي جاء في نصها> :وباإلسناد المذكور مرفوعا إلى
عبيد اهلل بن أبي رافع قال :سمعت محمدا أبا القاسم بن علي<( ،)3وإسنادها من
وأما متنها الذي يذكر نفي عمرو بن سعيد األشدق تركيب حسن قاسم كما مرَّ ،
لزينب إلى مصر فهو تكرار لمضمون الرواية الثالثة مع زيادة حكاية إخراج زينب
إلى مصر.
ــ الرواية الخامسة :وهي التي يقول صاحب >أخبار الزينبات< في إسنادها:
>ح َّدثني أبي عن أبيه عن جدي عن محمد بن عبد اهلل عن جعفر بن محمد الصادق
عن أبيه عن الحسن بن الحسن<.
وبينت أ ّنه إسناد مركب(.)4
فقد مضى الكالم عنها بتفصيل ّ
وأما متنها الذي يذكر خروج فاطمة وسكينة بنتي الحسين إلى مصر فمن
َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر اإلسناد رقم ( 3ص 160ــ .)161 ()1
العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص 68ــ .)69 ()2
أخبار الزينبات (ص .)18 ()3
انظر اإلسناد رقم ( 4ص 161ــ .)162 ()4
168
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
169
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
ــ الرواية الثامنة واألخيرة :وهي التي يقول فيها مؤلف >أخبار الزينبات<:
>ح َّدثني إسماعيل بن محمد البصري ــ عابد مصر ونزيلها ــ قال :ح َّدثني حمزة
المكفوف قال :أخبرني الشريف أبو عبد اهلل القرشي قال :سمعت هند بنت أبي
رافع بن عبيد اهلل بن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري<( ،)1فقد ّمر الكالم عن
إسنادها بتفصيل(.)2
وأما متنها الذي ورد فيه تعيين تاريخ يوم وفاة زينب وموضع دفنها ،فهو
َّ
أيضا من تلفيق حسن قاسم.
170
نقد كتاب( :أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي
سيأتي أيضا من دراسة ألسلوب حسن قاسم في صناعة الكتاب ،وربما يقال إن
من اختلق الرسالة شخص آخر ،ثم دل حسن قاسم عليها كما احتمل ذلك الدكتور
فتحي حافظ حديدي( ،)1واحتمله الباحث اإليراني حسن الفاطمي( ،)2ولو صح
حصلة تكاد تكون واحدة ،فإ َّن ا ّدعاء حسن قاسم
الم ِّ
هذا مع أنني أستبعده فإ َّن ُ
وقوفه على أخبار الزينبات وتحقيقه ،وإحالته األكاذيب التي وردت فيه إلى
مصادر تاريخية ونسبية ال تتضمنها هو من الكذب الصريح ،وفي الحديث:
الم َت َشبِّ ُع بما لم يُعط كالبس ثوبي زور<( ،)3فضال عن أن حسن قاسم هو من قام
> ُ
بترويج الكتاب وأتى بنصوص عديدة مفتعلة ونسبها إلى عدة كتب ال وجود لها
ليثبت وجود هذا الكتاب وأنه من تأليف النسابة يحيى العقيقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1قال في كتابه دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة (ص > :)197ربما أن ذلك قد ُد َّس
عليه من شخص آخر<.
( )2مقالة >بررسي اعتبار أخبار الزينبات< المنشورة بمجلة كتابهاي إسالمي ،العدد 21سنة 1426هـ،
(ص .)73
( )3صحيح البخاري ( )5219وصحيح مسلم (.)2129
171
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
172
نقد كتاب( :زينب الكربى) جلعفر النقدي
المذ َّهب<
المحور األول :النقدي وكتاب >الطراز ُ
المذ َّهب< حوى من األخبار صرح النقدي في أول كتابه بأ َّن كتاب >الطراز ُ
ّ
()1
الغث والسمين ،ومع ذلك اعتمد اعتمادا تاما عليه ،حتى إ ّني أكاد أجزم بأ َّن
المذ َّهب< ،وقد قمت كتاب النقدي ليس إال ترجمة واختصارا لكتاب >الطراز ُ
بالمقارنة بين نصوص الكتابين ووجدت تشابها كبيرا بينهما ،ويكفي مراجعة
فهرس الكتابين حتى تتيقن ذلك.
وسنكتفي بنماذج من فهرس الكتابين(:)2
173
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
وسأكتفي بنقل مثال واحد من الكتابين ،يدل على أخذ النقدي من >الطراز
المذ َّهب< واقتباسه منه في الغالب ،قال النقدي> :كما أنها تلقب بالصديقة الصغرى
ُ
للفرق بينها وبين أمها الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء وتلقب بالعقيلة وعقيلة بني
هاشم وعقيلة الطالبيين ــ والعقيلة هي المرأة الكريمة على قومها العزيزة في بيتها
وزينب فوق ذلك ــ وبالموثقة والعارفة ،والعالمة غير المعلَّمة ،والفاضلة،
والكاملة ،وعابدة آل علي وغير ذلك من الصفات الحميدة والنعوت الحسنة<(.)2
وقال عباس قلي خان في ذكر ألقاب زينب ...> :وأمينة اهلل والصديقة
الصغرى ونائبة الزهرا ،وقرة عين المرتضى ،والموثقة والعارفة والكاملة والعالمة
غير المعلَّمة والفهمة غير المفهمة<(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زينب الكبرى (ص 18ــ 26ــ 27ــ 75ــ 11ــ 119ــ .)120
( )2زينب الكبرى (ص .)17
( )3الطراز المذهب (ص .)68
174
نقد كتاب( :زينب الكربى) جلعفر النقدي
قلت :لم أجد هذه األلقاب مجموعة في كتاب واحد قبل كتاب >الطراز<،
والمقصود هو التنبيه على أن أهم مصدر اعتمده النقدي هو كتاب >الطراز
المذ َّهب< ،فإذا علمت هذا سيتبين لك موضع الخلل في القصص المنسوبة إلى
ُ
المذ َّهب<.
زينب عند مراجعة مصادرها في كتاب >الطراز ُ
176
نقد كتاب( :زينب الكربى) جلعفر النقدي
وأبويها وأخويها لرؤيا زينب الكبرى بوفاة جدها 2ــ تعبير النبي
قال النقدي> :في >الطراز المذهب< عن >بحر المصائب< عن بعض
رأى كل من أمير المؤمنين والزهراء رؤيا الكتب ،لما دنت الوفاة من النبي
فأخذا بالبكاء والنحيب فجاءت زينب إلى جدها رسول اهلل تدل على وفاته
سودت الدنيا
وقالت> :يا جداه رأيت البارحة رؤيا ،أنها انبعثت ريح عاصفة ّ
وما فيها وأظلمتها ،وحركتني من جانب إلى جانب فرأيت شجرة عظيمة فتعلقت
بها من شدة الريح ،فإذا بالريح قلعتها وألقتها على األرض ،ثم تعلقت على غصن
قوي من أغصان تلك الشجرة ،فقطعتها أيضا ،فتعلقت بفرع آخر فكسرته أيضا،
فتعلقت على أحد الفرعين من فروعها فكسرته أيضا ،فاستيقظت من نومي<،
،وقال> :الشجرة جدك ،والفرع األول أمك فاطمة ،والثاني أبوك فبكى
تسو ُّد الدنيا لفقدهم ،وتلبسين
علي ،والفرعان اآلخران هما أخواك الحسنانَّ ،ّ
()1
لباس الحداد في رزيتهم<< .
صرح النقدي هنا بالنقل عن >الطراز< ،وصاحب >الطراز< نقل عنوقد َّ
كتاب >بحر المصائب<( )2الذي أُل ِّف سنة 1292هـ( ،)3وصاحب >بحر المصائب<
نقل عن بعض الكتب التي لم يسمها ،فهي كتب مجهولة ال تعرف!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زينب الكبرى (ص .)19
( )2الطراز المذهب (ص 539ــ .)540
( )3الذريعة (.)46/3
177
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
3ــ قصة قول زينب ألبيها > :ال أقول> :اثنين< ،بلسان قلت به> :واحد<<
وروي مرسال أنها في طفولتها كانت جالسة في حجر أبيها قال النقديُ > :
وهو يالطفها بالكالم ،فقال لها> :يا بني ،قولي واحد< ،فقالت> :واحد<،
فقال لها> :قولي اثنين< فسكتت! ،فقال لها> :تكلمي يا قرة عيني< ،فقالت :
>يا أبتاه ما أطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد< ،فضمها صلوات اهلل عليه
وقبلها بين عينيها<(.)2
إلى صدره َّ
ويكفي في سقوط هذه الرواية أنها لم َترِد في مصدر معتمد ،فضال عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص 49الهامش ،)1السيدة زينب رائدة الجهاد (ص )69
ونسبه إلى صحيح الترمذي وهو غلط مطبعي فاحش ألن الظاهر أنه أراد رواية الثقلين التي بعدها
والتي عزاها في الهامش إلى تاريخ اليعقوبي ،وقد تكرر هذا العزو الخاطئ في موسوعة سيرة أهل
البيت ( ،)79/36وانظر :الشمس الطالعة ( ،)147/1زينب الكبرى ودورها في النهضة الحسينية
(ص 41ــ ،)42زينب القدوة والرمز (ص 39ــ ،)40زينب بنت علي فيض النبوة وعطاء
اإلمامة (ص )20وغيرها.
( )2زينب الكبرى (ص .)35
178
نقد كتاب( :زينب الكربى) جلعفر النقدي
كونها عارية عن اإلسناد ،حتى أ ّن النقدي صرح بأنها رويت مرسلة ،واإلرسال
هنا معناه أ ّن الرواية بال إسناد( ،)1فهي رواية ساقطة ألن أقدم مصدر لها يرجع
إلى القرن الثالث عشر.
ثم إ ّن الظاهر أ َّن واضعها إنما اقتبسها من رواية أخرى نقلها النوري في ّ
مستدرك الوسائل ،وقد ا َّطلع النقدي عليها َّ ،
()3 ()2
وصرح بأ ّن هذا الموقف كان
بين علي وابنه العباس ،وأ ّن العباس هو من قال> :إ ّني ألستحيي أن أقول
ثم أقول اثنين< ،وأن زينب قالت ألبيها >أتحبنا يا أبتاه؟< ،فقال> :وكيف واحد ّ
ال أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي ،فقالت> :يا أبتاه إن الحب للّه تعالى والشفقة لنا<<.
فأصل الكالم منسوب للعباس بن علي وليس لزينب ،ومع ذلك تغافل عن
هذا جماعة ممن ألّف عن زينب ونسبوا هذه القصة لها ،)4(دون أن يشيروا
إلى أنها منسوبة للعباس بن علي!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اصطلح المتأخرون والمعاصرون من اإلمامية على تسمية الروايات التي ال إسناد لها وال زمام وال ()1
خطام بالروايات مرسلة!
وهذا اصطالح فيه تساهل غير جيد ،ألن أصل اإلرسال في الروايات إنما يفيد االنقطاع في أحد
طبقات السند ،وخصوصا في طبقة التابعين ،أما الروايات التي ال سند لها فهذه ال ينبغي أن تسمى
مرسلة ،ألن ذلك يوهم وجود إسناد لها.
مستدرك الوسائل ( )215/15عن مجموعة الشهيد ،ونظيرها في الطراز المذهب (ص 76ــ ()2
،)77والظاهر أن صاحب الطراز نقلها من كتاب مجالس المتقين لمحمد تقي القزويني الذي
انتهى منه سنة 1253هـ.
وذكر أنه وقف عليها في مصابيح القلوب للسبزواري الذي عاش في القرن الثامن. ()3
مع بطلة كربالء (ص ،)100زينب القدوة والرمز (ص )40وذكر أن الرواية مذكورة أيضا في ()4
كتاب السيدة زينب في الوجدان الشعبي (ص ،)18زينب بنت علي فيض النبوة وعطاء اإلمامة
(ص ،)20زينب الكبرى بطلة الحرية (ص .)24
179
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
وعلى كل حال؛ فالقصة باطلة ال أصل لها وال سند ،وأما قول النقدي> :وهذا
الكالم عنها روي متواترا<( ،)1فال يلتفت إليه ،فهذا الخبر لم أقف له على إسناد مع
بذل الجهد ،ولم يُ ْر َو في المصادر القديمة ،فمن أين له أن يكون متواترا؟.
ومتن القصة باطل أيضا ،وفيها غلو وإفراط وإسراف ،فاهلل تعالى الذي هو
الذي خالق األكوان ذكر في كتابه الكريم الواحد واالثنين والثالثة! ،والنبي
هو سيد المتقين قد جرى لسانه بالواحد واالثنين ،والتوحيد ال يكون بمثل هذا
التنطع والتكلف ،بل مثل هذا ال ينسب إال للسفهاء والجهلة ،وحاشا زينب
أن تقول مثل هذا السخف ،بل إن هذه القصة تحط من قدر علي وتجعل بنته
الصغيرة أتقى هلل وأفطن منه ،وهذا لم يتنبه له واضع هذه الرواية الذي أراد أن
يرفع قدر زينب لكنه حط من قدر أبيها .
ونفس الشيء يقال عن الرواية األخرى التي تستدرك فيها زينب على أبيها
علي ألنه أخبرها بحبه لها وألخيها العباس بن علي ألنهم ذريته ،فقالت:
>إن الحب هلل والشفقة لنا!<
فهذه الرواية ال سند لها أيضا ،وأقدم مصدر لها يعود للقرن الثامن ،وما
ورد فيها هو نهاية التخليط والجهل ،فالحب الخالص والتام المقرون بالتذلل
بالعبودية هو الذي ال يكون إال هلل وحده جل شأنه وهو المراد في قوله سبحانه:
{ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ} [البقرة ،]165وأما حب الخلق فهو دائر بين الوجوب
واجب ومن لوازم اإليمان به ، واإلباحة واالستحباب ،فحب النبي
لقوله > :ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده<(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زينب الكبرى (ص 35ــ .)36
( )2صحيح البخاري ( 14ــ )15صحيح مسلم (.)77
180
نقد كتاب( :زينب الكربى) جلعفر النقدي
181
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
كان لها مجلس في بيتها أيام إقامة أبيها في الكوفة ،وكانت تفسر القرآن للنساء،
ففي بعض األيام كانت تفسر {ﱁ} [مريم ،]1 :إذ دخل أمير المؤمنين
عليها فقال لها :يا نور عيني ،سمعتك تفسرين {ﱁ} للنساء ،فقالت:
ثم شرح لها المصائب
نعم ،فقال :هذا رمز لمصيبة تصيبكم عترة رسول اللّه َّ
فبكت بكاء عاليا<(.)1
()2
وقد رجعت إلى الترجمة العربية لكتاب >الخصائص الزينبية< للجزائري
ألقف على أصل القصة فوجدت أ َّن الجزائري عزاها إلى >بعض المصادر< دون
ثم إ ّني بحثت
أن يسميها ،ويغلب على الظن أنَّه وقف عليها في كتاب >الطراز<َّ ،
المذ َّهب< فلم أهت ِد إلى موضعها.
عنها في كتاب >الطراز ُ
وقد انتشرت واشتهرت هذه القصة في عدد كبير من المؤلفات عن زينب
)3(وكأ ّنها صحيحة ثابتة ،مع أ َّن الجزائري نقلها عن مصد ٍر لم يُ َس ِّمه ،فكيف
يصير نقل مؤلف من القرن الرابع عشر عن مصدر مجهول نقال معتمدا يُرسل
إرسال المسلَّمات في الكتب المؤلفة عن زينب؟.
ثم إ ّن النظر في متن الرواية كاف في الجزم ببطالنها وبراءة زينب وعلي
ّ
منها ،فقول اهلل تعالى{ :ﱁ} من الحروف المقطعة التي استأثر اهلل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زينب الكبرى (ص .)36
( )2الخصائص الزينبية (ص .)68
( )3السيدة رائدة الجهاد (ص ،)46زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص )54الهامش ،1الشمس
الطالعة ( ،)86/1زينب الكبرى ودورها في النهضة الحسينية (ص ،)34واختصروا الرواية،
زينب القدوة والرمز (ص 76ــ ،)77زينب الكبرى بطلة الحرية (ص 51ــ ،)52مقتطفات من
سيرة فاطمة الزهراء وزينب (ص )236الهامش .1
182
نقد كتاب( :زينب الكربى) جلعفر النقدي
تعالى بمعرفة معناها كما هو الراجح من مذاهب المفسرين ،وحتى من فسر هذه
الحروف لم يذكر أنها رمز أو إشارة إلى واقعة معينة(.)1
وقد حكم جماعة من علماء اإلمامية بالوضع على الرواية الواردة بتفسير
{ﱁ} بواقعة مقتل الحسين في كربالء ،منهم زين الدين العاملي
()4 ()3 ()2
وفصل كلالملقب بالشهيد الثاني ،وعبد النبي الجزائري ،والكرباسي ّ ،
من محمد تقي التستري في >األخبار الدخيلة<( )5وهاشم معروف في
>الموضوعات في اآلثار واألخبار<( )6الكالم عن دالئل الوضع في هذه الرواية
من جهة السند والمتن ،واعتبر محمد صحتي السردرودي هذا الخبر ضمن
األخبار المحرفة ونقل كالم من تقدم ذكرهم في نقده(.)7
بل إن عميد خطباء اإلمامية أحمد الوائلي بالغ في انتقاد الرواية التي تحرف
معنى آية {ﱁ} ،فقال> :ومن ذلك تفسير {ﱁ} ،مطلع سورة
فسرها بعضهم برواية مرسلة ،ال يُعرف قائلها ،وأسندها إلى اإلمام مريم ،فقد ّ
ال ّثاني عشر وهي> :إ ّن الكاف كربالء ،والهاء هالك العترة ،والياء يزيد ،والعين
والصاد صبره< ...ولماذا ال يكون الكاف :كالم ،والهاءُ :هراء، عطش الحسينّ ،
والصاد :صفصطائي ،وهكذا ....يجب أن يصان عيّ ، والياء :يروى ،والعينّ :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر تفصيل ذلك في كتاب القول المعتبر في بيان اإلعجاز للحروف المقطعة (ص 70ــ .)84 ()1
حاشية الشهيد الثاني على خالصة األقوال (ص .)137 ()2
حاوي األقوال في معرفة الرجال (.)411/1 ()3
إكليل المنهج في تحقيق المطلب (ص .)274 ()4
األخبار الدخيلة ( 100/1ــ .)101 ( )5
الموضوعات في اآلثار واألخبار (ص .)249 ()6
جدل ومواقف في الشعائر الحسينية (ص 244ــ .)246 ()7
183
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
خالصة
ما مضى من األمثلة على الوضع والكذب في الروايات المتعلقة بزينب ليس
إال غيضا من فيض ،وإال فنظائر هذه الروايات في كتاب النقدي عديدة ،وسيأتي
بعضها في مباحث القصص المختلقة عن زينب الكبرى( ،)2ولو أردت أن أسرد
ما وقفت عليه في كتاب النقدي مع تتبع أصل كل رواية ومصدرها لطال الكتاب
بذلك ،فضال عما في ذلك من الملل.
األصل في ُج ِّل األخبار التي تروى عن سيرة زينب
َ والذي ينبغي أن يُعلم أ َّن
وحياتها هو الكذب واالختالق ،وما أثب ُّته من أخبار عن زينب في أول هذه
الدراسة هو ما وقفت عليه في الكتب المعتمدة والمصادر القديمة ،وأما ما يروى
غير ذلك فال أصل له ،وهذه النتيجة التي انتهيت إليها كانت بعد أن استقصيت
أخبار زينب في الكتب والمصادر والتواريخ ،وبعد أن استقصيت المصنفات التي
ألّفت عنها ودرست أشهرها وأغلبها ،فتيقنت بعد التتبع والبحث أ ّن التزوير الذي
لحق السيرة الزينبية هو نظير التزوير الذي لحق السيرة الحسينية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1نحو تفسير علمي للقرآن (ص 26ــ .)27
( )2انظر (ص 459ــ .)476
184
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
185
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
المسألة األولى :مدار أدلة السابقي هو أن كنية زينب الكبرى هي أم كلثوم
إ ّن أكبر إشكال عند الذاهبين إلى أن زينب الكبرى مدفونة بالشام ،هو خلو
كتب التاريخ من أي دليل على ذلك ،وأما الموضع الذي ينسب لزينب في قرية راوية
بنواحي دمشق ،فقد نسبه قدماء المؤرخين كابن عساكر وغيره إلى امرأة تسمى أم
كلثوم وال يعرف نسبها( ،)1وهذه المعضلة جعلت السابقي يخترع استدالال جديدا
ينصر به صحة القبر الشامي ،وهذا االستدالل مبني على مقدمة مركبة من أمرين:
1ــ إ َّن جماعة من المؤرخين ذكروا أ َّن القبر الذي براوية هو ألم كلثوم.
2ــ إ َّن أي موضع يذكر فيه اسم أم كلثوم بنت علي بإطالق بدون تقييد
فالمراد به زينب الكبرى.
فر َّتب السابقي على هاتين المقدمتين أن القبر الموجود بقرية راوية هو
لزينب الكبرى! ،ولكي يصنع أدلة لهذا القول العجيب ،قام السابقي بعرض آراء
المؤرخين في تعيين المدفونة بقرية راوية وجعلها أربعة آراء( ،)2ثم رجح الرأي
ثم جمع بين بقية األقوال قائالُ > :ج ُّل هؤالء
الذاهب إلى أنها زينب الكبرى ّ
األعالم ال يختلفون في أن المدفونة براوية هي زينب المكناة بأم كلثوم بنت اإلمام
علي ،وإنما االختالف في تعيين المسماة بهذا االسم والمكناة بهذه الكنية، ّ
والذين ينكرون أن تكون البقعة لزينب الكبرى بنت علي فإنكارهم يبتني على
إنكارهم كون العقيلة الحوراء مكناة بأم كلثوم ،فإذا ثبت ذلك فال معنى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سيأتي تفصيل ذلك في البحث المخصص للكالم عن قبر زينب .
( )2ستأتي مناقشتها في محله.
186
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
()1
ثم بعد أن ذكر أدلته على ذلك قال> :إذا عرفت أن زينب الكبرى لإلنكار< ّ ،
أيضا تكنى بأم كلثوم ،وأم كلثوم في لسان المحدثين على اإلطالق هي العقيلة
زينب ،فلم يبق خالف بين الطوائف األربع السابقة في أن المدفونة بقرية راوية
هي أم كلثوم زينب بنت علي من فاطمة ،وليست هي أم كلثوم أخت العقيلة التي
توفيت سنة 54هـ ،قبل كارثة الطف بال ريب<(.)2
وكل ما استدل به السابقي هو محض ظنون واحتماالت ،فادعى أن جماعة
من العلماء ذكروا أبناء فاطمة وقدموا ذكر أم كلثوم ثم زينب ورتب على ذلك
أنهم يقررون أن أكبر بنات فاطمة هي أم كلثوم( ،)3وهذا من عجائب
االستدالالت ،ففضال عن عدم صحة ما نسبه إلى جماعة من العلماء كما سيأتي،
كر أُ ِّم كلثوم أراد من ذلك أنها أكبر من ِ
فال يلزم على اإلطالق أن يكون من ق َّدم ذ َ
زينب ،بل االتفاق قائم على أن زينب أكبر من أم كلثوم.
وهناك إشكاالت وتساؤالت عديدة حول النتيجة التي قررها السابقي:
فكيف فهم السابقي أن أم كلثوم المدفونة في قرية راوية هي زينب الكبرى؟.
ثم لماذا تعامى السابقي عن أن العلماء الذين ذكرهم متفقون على أن اسم
ّ
أم كلثوم بنت علي هو أم كلثوم؟ ،ولم يقل أحد منهم إن اسمها زينب!.
وقد استدل السابقي بروايات ُذكر فيها اسم أم كلثوم وقرر أن المراد بها
زينب الكبرى ،وهذا االستدالل ساقط ومردود ،ألنه مبني على احتمال ال دليل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص .)137
( )2مرقد العقيلة زينب (ص .)156
( )3مرقد العقيلة زينب (ص .)140
187
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
عليه سوى التحكم ،فالمعلوم أن لعلي بنتين باسم أم كلثوم ،الكبرى من
فاطمة ،والصغرى من أم ولد ،فاحتمال كون المراد في الروايات أم كلثوم
الصغرى هو احتمال وارد ،وما دام االحتماالن متساويين دون مرجح ،سقط
االستدالل بهما كما هو المقرر ،بل إن بعضهم رجح أن يكون المراد بأم كلثوم
في الروايات الواردة في أحداث واقعة كربالء هو أم كلثوم الصغرى( ،)1أما إذا
استحضرنا ْأن ال أحد من قدماء المؤرخين والنسابين ذكر أن زينب تكنى بأم كلثوم
وإنما ظهر هذا عند بعض المتأخرين فال يبقى أي مستمسك للسابقي ،ويكفي في
وهن الكتاب وسقوطه أن تكون أحد أهم أدلته هي مجرد احتماالت ،ولهذا انتقد
محمد كاظم القزويني كتاب السابقي ورده بالجملة فقال> :هذا ..وقد حاول
سماه «مرقد العقيلة< أن يُثبت مدفنها في دمشق ..ال
بعض المعاصرين في كتاب ّ
القاهرة ،واستدلّ بأدلّة َ
وت َش ّبث ببعض األقوال ،ولك ّنها ال َتفي بال َغرض ،أل ّن
األدلّة غير قاطعة ،واألقوال غير كافية لالحتجاج واالستدالل ،وكما يُقال« :غير
جامعة وغير مانعة<(.)2
188
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
189
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
وقع فيه حسن قاسم كما مر ،لكن السابقي عزا إليه نصا بواسطة كتاب حسن
قاسم(.)1
والفرق بين الرجلين هو أن حسن قاسم أحال على جملة من هذه الكتب
قبل أن تطبع ،ولكنه في الغالب عزا إليها نصوصا ال توجد فيها كما مر تفصيله،
أما السابقي فقد نقل نصوصا من هذه الكتب بعد أن خرجت إلى عالم الطباعة،
إال أنه لجأ إلى أسلوب اإليهام والتدليس في النقل عنها ،كما سيأتي بيانه.
المسألة الثالثة :نقد منهج السابقي في سبكه ألدلة ترجيح القبر الشامي
لزينب الكبرى
إ َّن كتاب السابقي محشو باالستدالالت الباطلة ،والتناقض العجيب،
واالفتراء والخيانة في النقل ،والتدليس وبتر النصوص ،إضافة إلى التشبع
بالزور ،فضال عن التكرار الممل الذي نفخ من حجم الكتاب ،فمن يقرأ هذا
الكتاب يمل من كثرة النصوص واالستدالالت التي تتكرر في أكثر من موضع.
وقد حاول السابقي أن يحشد كل ما يقع بيده من األدلة بغض النظر عن
قيمتها العلمية ،ألجل أن يثبت أن زينب الكبرى مدفونة في دمشق ،ويبطل أدلة
كل األقوال األخرى ،وهو ما نجح فيه نسبيا ،إذ أن جل من يرجح القبر الشامي
اليوم من اإلمامية يعتمد على تقريرات السابقي وأدلته ،ولألسف لم أر من تعرض
بالنقد لكتاب السابقي وبيان تهافته ،ولذا قررت أن أفصل الكالم عن جملة من
مواضع الخلل في هذا الكتاب ،وإليك بيانها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص .)174
190
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
191
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سماع شا ّذ< ،قلت وهذا النص يكذب صحة وجود قبر نفيسة بمصر خالفا لما اشتهر بعد ذلك. =
وعند البحث عن نفيسة بنت زيد بن الحسن التي ذكرها ابن خداع هنا نجد أن لها ذكرا في كتب
األنساب القديمة ،فقد ذكرها ابن سعد في طبقاته ــ طبعة الخانجي ــ ( )313/7فقال> :نفيسة
بنت زيد ،تزوجها الوليد بن عبد الملك بن مروان ،فتوفيت عنده ،وأمها لبابة بنت عبد اهلل بن
العباس بن عبد المطلب بن هاشم< ،وذكرها البالذري في أنساب األشراف ( )65/8فقال> :كانت
عند الوليد :نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ،وأمها لبابة بنت عبد اهلل بن العباس
فهم الوليد بأن يبقر بطنها،
ابن عبد المطلب ،فتوفيت وهي حامل ،فجعل ولدها يركض في بطنهاَّ .
حرصا على أن يكون له منها ولد يبقى بعده ،فلم يفعل< ،هذا ووقع في مطبوعة أنساب األشراف:
>زيد بن الحسين< والصواب >زيد بن الحسن< كما أثبته.
وذكرها النسابة أبو نصر البخاري في كتابه سر السلسلة العلوية (ص ،)29حيث يقول في ترجمة
زيد بن الحسن بن علي> :كان لزيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ابنة يقال لها نفيسة،
أمها لبابة بنت عبد اهلل بن عباس بن عبد المطلب ،وكانت تحت العباس بن علي أمير المؤمنين
،قتل عنها يوم الطف مع الحسين ،فزوجها زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ،
وأخو نفيسة هذه ألمها عبيد اهلل بن العباس بن علي ،نفيسة تزوجها الوليد بن عبد الملك بن
مروان وولد له منها أوالدا<.
وهذه النصوص تعد وثيقة تاريخية مهمة على تطور االختالف في نسب السيدة نفيسة ،فابن خداع
يذكر أن نفيسة التي يُ َّدعى أنها ماتت بمصر ابنة زيد بن الحسن بن علي ،بينما يذكر من جاء بعده
أنها ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن علي!.
النسابة محمد بن أسعد أقدم من وقفت عليه يصنف في ترجمة نفيسة المدفونة في مصر هو َّ و ُ
المصري ( 588هـ) في رسالته الروضة األنيسة بفضل مشهد السيدة نفيسة ،وقد نقلهاّ اني
الج َّو ّ
َ
علي بن
المقريزي في الخطط ( ،)324/4فقرر أنها> :نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن ّ
أبي طالب< ،وذكر فيها قصة قدومها إلى مصر وفضائلها ،وجل من ترجم لها بعد الجواني ذكر
هذا النسب كالصفدي في الوافي بالوفيات ( ،)423/5وابن خلكان في وفيات األعيان
( ،)423/5والذهبي في تاريخ اإلسالم ( )209/5وفي السير ( ،)106/10والسيوطي في حسن
= المحاضرة ( ،)511/1وغيرهم.
192
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهنا يظهر وجه الخلل فيما ذكره الجواني ،فنفيسة المذكورة في كتاب الجواني متأخرة زمنا وطبقة =
عن نفيسة المذكورة في كتب األنساب قبله ،وقد تعرض النسابة اإلمامي ابن عنبة ( 828هـ) لهذا
االختالف فقال في كتابه عمدة الطالب (ص > :)70وكان لزيد ابنة اسمها نفيسة خرجت إلى
الوليد بن عبد الملك بن مروان فولدت منه ماتت بمصر ولها هناك قبر يزار ،وهي التي تسميها
أهل مصر >الست نفيسة< ويعظمون شأنها ويقسمون بها ،وقد قيل :إنما خرجت إلى عبد الملك
ابن مروان وإنها ماتت حامال منه ،واألصح األول ...وقد قيل إن صاحبة القبر بمصر نفيسة بنت
الحسن بن زيد ،وإنها كانت تحت إسحاق بن جعفر الصادق ،واألول هو الثبت المروي عن ثقات
النسابين< ،فابن عنبة يرى عدم صحة القول الذي اشتهر اآلن في نسب نفيسة ويرى أنها ابنة زيد
ابن الحسن وليست ابنة الحسن بن زيد بن الحسن.
ويبدو أن هناك أقواال أخرى كانت تحكى في نسبها ،فقد ذكر أبو الحسن الهروي ( 611هـ) في
اإلشارات (ص )38أن نفيسة هي >ابنة الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب ،<فجعلها من ذرية علي بن الحسين المشهور بزين العابدين ،وقد تحققت من صحة
هذا النص بالرجوع إلى جملة من النسخ الخطية لإلشارات ،دفعا الحتمال وقوع التصحيف في
المطبوع ،فهذا النسب مثبت في نسخة المكتبة السليمية بأدرنة [ق /15ب] المرقمة برقم
( ،)542وهي من أقدم النسخ وتاريخ نسخها سنة 606هـ ،أي في حياة الهروي ،ومثبت في
نسخة باريس [ق/30أ] ،والمحفوظة برقم ( ،)arabe 5975وتاريخ نسخها 697هـ ،ونسخة
مكتبة مجلس الشورى اإليراني بطهران [ق /24ب] والمحفوظة برقم ( 1500س) ومنسوخة
بتاريخ 900هـ.
وقد نبه ابن كثير في البداية والنهاية ( )286/10على عدم صحة هذا النسب فقال> :ربما نسبها
بعضهم إلى زين العابدين وليست من ساللته<.
وهناك تفاصيل أخرى مذكورة في كتاب الروضة األنيسة تحتاج إلى بحث وتحقق ،مثل دعوى
لقائها باإلمام الشافعي وروايته عنها وصالتها عليه عند وفاته ،فقد راجعت جملة من المصنفات
في ترجمة الشافعي مثل آداب الشافعي ومناقبه البن أبي حاتم الرازي ،ومناقب الشافعي للبيهقي
فلم أجد فيها ذكرا لنفيسة هذه ،وال ذكر صالتها على اإلمام الشافعي!.
اني
الج َّو ّ
اني كما يظهر ،و َ الج َّو ّ
ثم إن من ترجم للسيدة نفيسة وذكر أخبارها من بع ُد إنما اعتمد كالم َ
طي (646هـ)= ِ
المصري جمال الدين الق ْف ّ
ّ هذا متهم فيما يرويه ،قال القاضي والمؤرخ
193
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
ثم كيف خفي هذا الخبر وماتت بها ،فكيف زارت القبر الموجود في دمشق؟! َّ
على كل المؤرخين والكتاب حتى جاء به السابقي ،ولم يذكر السابقي أيا من
كتب القرون الوسطى التي نسب إليها هذا الخبر ،وإنما عزاه فيما بعد لمؤل َف ْين
معاصر ْين له وهما أحمد فهمي في كتابه >كريمة الدارين< السيدة نفيسة!(،)1َ
()2
وتوفيق أبو علم في كتابه >أهل البيت< ،وهما من المعاصرين!
والمقصود أن دعواه ثبوت خبر زيارة نفيسة لقبر زينب في كتب القرون
الوسطى هو افتراء ال دليل عليه.
2ــ ادعاء السابقي أ ّن جميع كتب الزيارات المصرية ذكرت زيارة ظافر
الفاطمي لقبر زينب بنت يحيى المتوج
قال السابقي عن زينب بنت يحيى المتوج> :وهذه السيدة كانت عند أهل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحمدون من الشعراء (ص )148عنه> :وكان أكثر زمانه منقطعا في داره إلى التصنيف فيّ = في
علم األنساب ،أدركته ورأيته ،وكان يُكثر ،إلى أن يغلب على الظن كذبه ــ وغفر لنا وله ــ<.
وقال الحافظ ابن حجر (852هـ) في لسان الميزان (> :)563/6قال المنذري> :أصول سماعاته
مظلمة مكشطة ،وكان شيوخنا ال يحتفلون بحديثهَ ،وال يعتبرون به< .وقال المنذري في ترجمة
ست العباد المصرية> :ظهر لها سماع في بعض الخلعيات لكنه بخط رجل غير موثوق به لم تسكن
نفسي إلى نقل سماعها< ،وعنى بالرجل محمد بن أسعد الجواني<.
ومدار أخبار قصة السيدة نفيسة على كتاب الجواني وروايته ،ومن ذكرها من أهل العلم بعده إنما
اعتمدوا على وجود القبر المنسوب إليها في مصر ،وإذا ثبت أن الجواني قد تفرد بما ذكره عن
نفيسة فكيف يمكن االعتماد على ما تفرد به مع ما مضى من كالم أهل العلم في عدم الوثوق بما
يرويه ،والمسألة بحاجة إلى مزيد من البحث والتحقيق ،واهلل أعلم.
( )1مرقد العقيلة زينب (ص ،)128ولم أقف على هذا الكتاب لكن ما نقله السابقي عنه مشكوك فيه،
لما سيأتي من تزييف نقل السابقي عن كتاب أهل البيت لتوفيق أبو علم المصري.
( )2مرقد العقيلة زينب (ص ،)129وسيأتيك أيها القارئ ما يكشف زيف هذا النقل عنه .انظر
(ص.)224
194
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
مصر في غاية اإلكرام ،ولهم فيها عقيدة راسخة ،ولها كرامات كثيرة يتناقلها
المصريون وكان الخليفة ظافر الفاطمي يزورها ماشيا؛ وقال السخاوي> :ليس في
قبرها خالف< .وزيارة ظافر الفاطمي لمرقدها ذكره جميع أصحاب المزارات
المصرية ،ال يختلف فيه اثنان<(.)1
وقد راجعت عدة من كتب الزيارات ،المصرية منها وغير المصرية،
>كاإلشارات في معرفة الزيارات< للهروي( ،)2و>مصباح الدياجي< البن الناسخ(،)3
و>مرشد الزوار إلى قبور األبرار< لموفق الدين الشارعي( ،)4و>العدل الشاهد في
دوخ( ،)5حتى أرى هل صدق السابقي في دعواه ،فلم تاريخ الشاهد< لعثمان ُم ّ
أقف فيها على ما ادعاه ،وإنما انفرد ابن الزيات في >الكواكب السيارة<(،)6
وتابعه نور الدين السخاوي صاحب >تحفة األحباب<( ،)7بذكر زيارة ظافر
الفاطمي لقبر زينب بنت يحيى المتوج ،فمن أين أتى السابقي بدعواه أن جميع
أصحاب المزارات المصرية ذكروا تلك الزيارة ،هل هذا إال افتراء وزور؟.
3ــ ادعاء السابقي أ َّن ابن الحوراني نقل عن ابن عساكر أ ّن أم كلثوم
المدفونة بالشام تسمى زينب الكبرى
من عجائب االفتراءات التي دبجها السابقي في كتابه ،قوله إن ابن عساكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرقد العقيلة زينب (ص .)55 ()1
لم يذكر الهروي مشهد زينب بنت يحيى المتوج ضمن المزارات المصرية. ()2
انظر مخطوط مصباح الدياجي [ق/85ب] نسخة تشستربيتي برقم (.)4037 ()3
مرشد الزوار إلى قبور األبرار (ص .)422 ()4
لم أقف في الكتاب على ذكر مشهد زينب بنت المتوج. ( )5
الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة (ص .)87 ()6
تحفة األحباب (ص ،)214والسخاوي إنما ينقل عن ابن الزيات وسار على ترتيب كتابه كما ()7
صرح بذلك في مقدمة تحفة األحباب (ص .)3
195
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
نص على أن أم كلثوم المدفونة بقبر راوية اسمها زينب ،ولكي يغطي على هذه
الفرية ،فقد نسب السابقي هذا النص إلى ابن عساكر بواسطة كتاب >اإلشارات
إلى أماكن الزيارات< البن الحوراني ،فالسابقي نقل كالم ابن عساكر في مسجد
راوية وأنه ينسب ألم كلثوم ثم قال> :وصرح أيضا بأن أم كلثوم هذه تسمى بالسيدة
زينب ،كما نقله عنه ابن الحوراني<( ،)1وعند مراجعة كالم ابن الحوراني
لم أجد أثرا لما نسبه إلى ابن عساكر ،فالحوراني ذكر أن المدفونة براوية هي
زينب أم كلثوم بنت علي وفاطمة ،وأنها تزوجت بعمر ،)2(ثم نقل قصة
عن زيارة أبي بكر الموصلي لها ،ثم بعد ذلك قال> :انتهى<( ،)3مبينا انتهاء نقله
لكالم الموصلي ،ثم شرع في الكالم عن قبر مدرك بن زياد ،ثم قال بعد أن انتهى
من الكالم عن قبر مدرك> :قاله ابن عساكر ،)4(<فالكالم الذي نقله ابن
الحوراني عن ابن عساكر هو عن مدرك بن زياد ،وليس عن زينب ،ولكن
السابقي غافل القراء ولفق البن الحوراني كالما لم يقله ،حتى ينسب إلى ابن
عساكر نصا مفترى عليه ،وما يدل على تعمد السابقي لذلك ،ما سيأتيك بعد من
بتره لكالم ابن عساكر الذي يهدم كل ما أراد بناءه في كتابه.
4ــ افتراء السابقي على جماعة من أهل العلم أنهم قرروا أن أم كلثوم
أكبر من زينب الكبرى !!
قال السابقي> :كون أم كلثوم أكبر بنات الزهراء ،ذكر جماعة من أعالم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرقد العقيلة زينب (ص .)126 ()1
اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص 133ــ .)134 ()2
اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص 134ــ .)136 ()3
اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص .)136 ()4
196
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
السنة والشيعة أن أكبر بنات الزهراء هي أم كلثوم ثم زينب ،وبهذا الترتيب ذكره
أكثر المؤرخين<( ،)1ونسب هذا إلى جماعة من العلماء ،وهم أقسام:
197
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
* القسم الثاني :من ق َّدم ِذكر أ ُ ّم كلثوم على زينب في موضع ،لكنه
ذكر خالف ذلك في موضع آخر:
ومنهم ابن سعد وابن قتيبة والمحب الطبري والذهبي والصفدي ،فتقديمهم
ذكر أم كلثوم على ذكر زينب ال يعني أنهم يرون أن أم كلثوم هي أكبر سنا من
زينب ،وأبين دليل على ذلك أن الذهبي ،ــ على ما نقل عنه الصفدي ــ ذكر في
كتابه >فتح المطالب< بنات علي فقال> :فزينب الكبرى وزينب الصغرى وأم
كلثوم ،وأم كلثوم الصغرى<( ،)1فالالزم من هذا الترتيب على منطق السابقي أن
الذهبي يرى أن زينب الصغرى أكبر من أم كلثوم! وهذا الزم باطل فالملزوم
كذلك ،والعجب من السابقي كيف تغافل عن هذا النص في >الوافي بالوفيات<
للصفدي ،وقول الصفدي في ترجمة فاطمة > :وخلفت من األوالد :الحسن،
والحسين ،وزينب ،وأم كلثوم< ،ألنه ينسف دعواه من أصلها ما دام الذهبي
والصفدي قد قدما زينب على أم كلثوم هنا.
وأما ابن سعد فقد قال في موضع آخر من الطبقات في ترجمة علي :
>وكان له من الولد :الحسن والحسين وزينب الكبرى ،وأم كلثوم الكبرى<(،)2
فقدم ذكر زينب الكبرى على أم كلثوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الوافي بالوفيات (.)185/21
( )2الطبقات (.)19/3
198
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
ومثل ذلك ابن قتيبة ،فـإنه بعد سطور من الموضع الذي عزا إليه السابقي
علي ،فأما «زينب الكبرى< بنت فاطمة ،فكانت عند عبد اهلل قال> :بنات ّ
ابن جعفر ،فولدت له أوالدا قد ذكرناهم.
وأما «أم كلثوم الكبرى< ،وهي بنت فاطمة ،فكانت عند عمر بن الخطاب<(.)1
وأما المحب الطبري فقد قال في موضع آخر من >الرياض النضرة<:
>وتزوج بنات علي بنو عقيل وبنو العباس ،ما خال زينب بنت فاطمة كانت تحت
عبد اهلل بن جعفر؛ وأم كلثوم بنت فاطمة.)2(<...
فلك أن تعجب من السابقي كيف انتقى من كالم هؤالء العلماء ما يوافق
هواه وسكت عما يناقض دعواه! ،والشاهد أن قوله إن هؤالء العلماء قرروا أن أم
كلثوم أكبر من زينب افتراء ال ريب فيه.
5ــ ادعاء السابقي أ ّن ابن شداد ذكر أن قبر زينب الكبرى بالشام
زعم السابقي أ ّن ابن شداد قال في >>األعالق الخطيرة في محاسن الشام
والجزيرة< في النسخة المخطوطة منه في مكتبة جامعة لندن( ،)3برقم ،800عند
ذكر راوية> :بها قبر زينب الكبرى بنت اإلمام من فاطمة الزهراء< ،وفي النسخة
المطبوعة بدمشق بتحقيق األستاذ محمد سامي الدهان >بها قبر أم كلثوم< ،وقال
المعلق :وذلك ألن زينب الكبرى هذه أم كلثوم كذلك<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعارف (ص .)211 ()1
الرياض النضرة (.)241/3 ()2
كذا والصواب ليدن ،كما في مقدمة تحقيق األعالق الخطيرة (ص م.)45 ()3
مرقد العقيلة زينب (ص 197ــ ،)198وقد ذكر السابقي ذلك مجمال في موضع سابق ()4
(ص ،)133و(ص .)174
199
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
والسابقي اعتمد هنا على ما ذكره المحقق الدهان في هامش النص المحال
إليه كما صرح في موضع سابق( ،)1وفي هذا النقل عدة أوابد:
فأوال :ما زعمه ال يصح إطالقا ،فابن شداد إنما قال> :راوية بها قبر أم
كلثوم< ،ولم يقل ابن شداد إطالقا إنها زينب ،وإنما قال ذلك أحد الشراح أو
النساخ في حاشية على إحدى النسخ الخطية ،ثم ألحق ناسخ آخر كالم الحاشية
بالمتن في نسخته ،فاختلط كالم ابن شداد بكالم الناسخ في تلك النسخة وصار
الكالم عن قبرين في راوية! واحد لزينب وآخر ألم كلثوم ،وهذا خالف ما قرره
ابن شداد وغلط فاحش من هذا الناسخ ،وهذا الكالم ذكره الدكتور سامي
الدهان في تعليقه على هذا الموضع من تحقيقه لكتاب >األعالق الخطيرة<،
فقد أثبت الدهان قول ابن شداد> :بها قبر أم كلثوم< في متن الكتاب ،ثم قال
في الهامش> :في الزيارات> :راوية بها قبر أم كلثوم< ،وعنها نقلت نسخة
>ل<( ،)2ولكن شارحا علق عليها عبارة في اسم هذه السيدة الكريمة ،وجعل
العبارة في الحاشية .ولما نقل ناسخ مخطوطة >هـ<( ،)3وضعها في صلب
الكتاب ،حتى لكأنه جعل فيها قبرين ،أحدهما ألم كلثوم والثاني لزينب
الكبرى ،فحذفنا العبارة ،وأعدناها إلى الهامش ،ألنها تفسير وشرح ،وهي:
>قبر زينب الكبرى بنت اإلمام علي من السيدة فاطمة الزهراء ،<وذلك ألن
زينب الكبرى هذه أم كلثوم كذلك<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرقد العقيلة زينب (ص .)175 ()1
هو رمز نسخة متحف لندن ببريطانيا. ()2
هو رمز نسخة جامعة ليدن بهولندا. ()3
األعالق الخطيرة تحقيق الدهان (ص .)182 ()4
200
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
والذي وقع أن ناسخ مخطوطة ليدن الهولندية ،حشر في متن الكتاب كالما
وقع في حاشية األصل الذي انتسخ منه ،وهو مخطوطة لندن( ،)1ومسخ بذلك
كالم ابن شداد ،فصار قبر راوية قبرين :قبر أم كلثوم وقبر زينب ،فتجاهل
المحقق سامي الدهان صنيع هذا الناسخ وأثبت كالم ابن شداد على الصواب
في المتن وأشار إلى غلط النسخة الهولندية كما هو المعمول عليه في أصول
تحقيق الكتب.
فلما وقف السابقي على هذا النص لفق البن شداد أنه ترجم لزينب
الكبرى مع أنه رأى أن هذا ليس كالمه ،وإنما هو حاشية حشرها ناسخ
المخطوطة الهولندية في متن نسخته ،وإذا كان الناسخ قد جعل القبر الواحد
قبرين ،فالسابقي جعل القبرين المذكورين في مخطوطة ليدن قبرا واحدا!!،
وحتى يظهر األمر بوضوح فهذه وثيقة من نفس الطبعة التي اعتمد عليها السابقي
تبين واقع الحال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وقد ذكر المحقق سامي الدهان أن مخطوطة لندن البريطانية هي األصل الذي نقل منه ناسخ
مخطوطة ليدن الهولندية ،فقال بعد أن وصفها> :وهي أخت نسخة لندن أو بنتها تشبهها شبه القطرة
بالقطرة< ،األعالق الخطيرة مقدمة التحقيق (ص م.)48
201
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
202
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
وثانيا :ما يزيد الباحث عجبا ،أ َّن السابقي نقل كالم ابن شداد في أول مرة
على الصواب ،واكتفى بأنه ذكر قبر أم كلثوم( ،)1لكنه لما علم أن هذا ال يفيده
لفَّق البن شداد كالما لم يقله.
وثالثا :مما يدل على براءة ابن شداد من هذا النص ،أن ابن شداد إنما
اعتمد فيما ذكر عن راوية على ابن عساكر ،كما يظهر بالمقارنة بين كتابه وكتاب
>تاريخ دمشق< البن عساكر( ،)2ومعلوم أن ابن عساكر نسب هذا القبر إلى أم
كلثوم ولم يذكر زينب.
ثم إ ّن ابن شداد ذكر بعد أم كلثوم رجلين آخرين ،ونص على صحبتهما،
وهما مدرك بن زياد وكناز بن الحصين ،ولم ينص على صحبة أم كلثوم ،فكيف
يصح أن ينسب إليه أنه يرى أنها زينب الكبرى المعدودة في الصحابة؟.
ورابعا :إن السابقي كعادته في االنتقاء والتمويه لم ينقل كالم ابن شداد
الصريح في المسألة والذي نقل فيه نفس كالم ابن عساكر عن مسجد راوية،
وذلك أن ابن شداد قد ذكر مسجد راوية في موضع سابق قبل الموضع الذي أحال
مستج ٌّد على قبر أم كلثوم ،وأم كلثوم هذه
َ عليه السابقي فقال> :مسجد في راوية،
التي كانت عند عثمان أل ّن تلك ماتت في حياة ليست بنت رسول اهلل
ودفنت بالمدينة ،وال هي أم كلثوم بنت علي من فاطمة التي النبي
تزوجها عمر بن الخطاب ،ألن تلك ماتت هي وابنها زيد بالمدينة في يوم واحد
ودفنا بالبقيع ،وإنما هي امرأة من أهل البيت سميت بهذا االسم ،وال يحفظ ُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص .)126
( )2وقد نص المحقق الدهان على أن ابن شداد اعتمد على مصادر منها تاريخ ابن عساكر ،انظر مقدمة
تحقيق األعالق الخطيرة (ص م.)36
203
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
زعم السابقي أ َّن الذهبي ذكر أ َّن زينب الكبرى مدفونة براوية
6ــ ُ
قال السابقي> :ولذلك ذكر الذهبي الدمشقي مشهدها بالموضع بقرية
«راوية<<(.)3
والجواب :إن الذهبي لم يذكر قط في أي كتاب من كتبه أ َّن زينب دفنت
براوية ،وال نسب إليه ذلك أحد ،إلى أن جاء السابقي وافترى هذه الفرية التي ال
يوجد لها أي مستند وال أصل عن الذهبي ،وقد بنى هذه الدعوى الغريبة على
ورود عبارة >في دمشق< في نهاية ترجمة زينب في كتاب >تجريد أسماء
الصحابة< ولو سلمنا بأن مراد الذهبي تعيين موضع وفاتها ،فأين دمشق من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1األعالق الخطيرة تحقيق الدهان (ص .)134
( )2مرقد العقيلة زينب (ص .)205
( )3مرقد العقيلة زينب (ص .)166
204
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
7ــ نفي السابقي ذكر قبر زينب الكبرى في كتاب >أ ُ ْنس الزائرين<
ثم المؤرخ المتتبع القاضي أبوعبد اهلل محمد بن سالمة قال السابقيّ > :
همه على ضبط الحوادث القضاعي الشافعي المتوفى 453هـ ،ولم يقصر ّ
التاريخية فقط ،بل ألّف في المزارات المقصودة للزيارة والتبرك التي تشد إليها
الرحال ،وله في هذا الموضوع كتاب «أُنس الزائرين< ترجم فيه السيدة نفيسة،
وعين مدفنها ،وليس فيه لقبر زينب الكبرى عين وال أثر<(.)2
َّ
والجواب من وجهين:
األول :إ ّن السابقي لم ير كتاب >أنس الزائرين< ُّ
قط ،وإنما وقف على كالم
للزركلي في األعالم ينقل فيه من كتاب أنس الزائرين كالما للقضاعي عن قبر
نفيسة( ،)3فتوهم أ َّن كتاب >أنس الزائرين< للقضاعي ،وقد غفل عن تصريح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر (ص 237ــ .)241
( )2مرقد العقيلة (ص .)37
( )3األعالم للزركلي ( )44/8الهامش .1
205
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
األعالم للزركلي ( )277/8الهامش .1 ()1
األعالم للزركلي (.)284/8 ()2
مخطوط أنس الزائرين ،برقم ( 218ــ أ) ــ ( 3047ز) ،وعن قصة انتقال مخطوطات الزركلي ()3
إلى مكتبة جامعة الملك سعود انظر مقالة> :مكتبة الزركلي< للدكتور محمد بن لطفي الصباغ
المنشورة بموقع األلوكة.
مخطوط أنس الزائرين [ق/3أ] محفوظ بمكتبة جامعة الملك سعود برقم .3047 ()4
مخطوط أنس الزائرين [ق/3ب]. ( )5
206
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
207
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
زعم السابقي أ ّن قبر زينب الكبرى مذكور بكتاب >تحفة األنام< للبصروي
8ــ ُ
إ ّن منهج السابقي قائم على التوسع في التكهن وإطالق الدعاوى بال أي
ضابط ،فإن كان قد نفى وجود ذكر زينب في كتاب >أنس الزائرين< دون أن يراه،
فقد زعم أن مؤل ِّفا آخر ذكر زينب في كتابه مع أن ذلك غير صحيح البتة.
قال السابقي> :أحمد بن محمد البصراوي( )1المتوفى 1003هـ( ،)2ذكر
هذا المشهد الكريم باسم السيدة زينب في كتابه >تحفة األنام< في الباب الرابع
في ضمن ذكر من مات بدمشق من الصحابة والتابعين (من مخطوطات الظاهرية
برقم .)3(<)6226
وهذا النص من قبيل ما مضى من االفتراء والكذب ،فكتاب تحفة األنام
معترض بأن خلو المطبوع من هذا النص
ٌ خال من هذه الدعوى( ،)4وقد يعترض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكره السابقي باسم >البصراوي< ،والذي وقفت عليه في النسخ الخطية لكتابه >تحفة األنام<: ()1
>البصروي< بدون ألف ،وهذا هو المثبت أيضا في نسخة المكتبة الظاهرية التي ذكرها السابقي،
وهكذا ذكره الزركلي في األعالم (.)236/1
قلت :هذا غلط! وإنما هذه سنة تأليف الكتاب على ما جاء في أول ورقة من مخطوط الظاهرية ()2
الذي اعتمد عليه السابقي ،وقد ذكر الزركلي أن وفاة البصروي كانت سنة 1015هـ ،انظر األعالم
(.)236/1
مرقد العقيلة زينب (ص .)177 ()3
راجعت كتاب تحفة األنام بتحقيق عبد العزيز فياض حرفوش فلم أجد فيه أثرا لدعوى السابقي. ()4
208
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
ال يدل على عدم ثبوته في أصل الكتاب ،ألن السابقي إنما نقل النص من
المخطوطة.
فالجواب :قد يسر اهلل لي مراجعة نفس المخطوطة التي اعتمد عليها
السابقي( ،)1والمحفوظة بالمكتبة الظاهرية ،فلم أجد أثرا لما نسبه للبصروي،
فقد عقد البصروي الباب الرابع من تحفة األنام لذكر >بعض من توفي بدمشق
وغيرها من أرض الشام من األنبياء ّ ،
ثم من الصحابة البررة الكرام،)2(<...
وهذه وثيقة من الباب الرابع الذي أشار إليه السابقي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وقد غلط السابقي في رقمها فكتبه )6626( :والصواب (.)4626
( )2مخطوط تحفة األنام محفوظ بالمكتبة الظاهرية برقم ([ )4626ق /14أ] ،وراجع تحفة األنام
المطبوع بتحقيق حرفوش (ص .)59
209
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
مخطوط تحفة األنام محفوظ بالمكتبة الظاهرية برقم ([ )4626ق /14أ]
210
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
قسم هذا الباب إلى قسمين> :القسم األول في ذكر ثم بعد أن ذكر األنبياء َّ
َّ
بعض من توفي بالشام من الصحابة البررة ،القسم الثاني :في ذكر نبذة يسيرة ممن
بعدهم من التابعين والعلماء العاملين واألولياء الصالحين أصحاب الكرامات
ثم قال> :القسم األول في ذكر الصحابة رضي اهلل عنهم أجمعين، المشهورة<َّ ،
ونذكرهم على سبيل اإلجمال ،ثم نذكرهم على سبيل التفصيل<( ،)1ثم سرد
جميع أسماء الصحابة الذين سيذكرهم و ِع َّدتهم أربعون صحابيا وليس منهم
زينب!.
وقد ذكر المؤلف مدركا الفزاري ونقل عن ابن عساكر دفنه في قرية
راوية( ،)2وقرية راوية هي الموضع الذي اشتهر عند المتأخرين دفن زينب فيها.
وهذه وثيقة لنفس النسخة الخطية التي استشهد بها السابقي تشهد ببراءة
البصروي مما نسب إليه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مخطوط تحفة األنام نسخة الظاهرية [ق /16أ] ،وراجع تحفة األنام المطبوع بتحقيق حرفوش
(ص .)65
( )2مخطوط تحفة األنام نسخة الظاهرية [ق /53أ] ،وراجع تحفة األنام المطبوع بتحقيق حرفوش
(ص .)167
211
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
مخطوط تحفة األنام محفوظ بالمكتبة الظاهرية برقم ([ )4626ق /16أ]
212
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
وقد راجعت أكثر من نسخة خطية لكتاب تحفة األنام لعل ما زعمه السابقي
يكون مذكورا في نسخ أخرى فوجدتها كلها متفقة على تكذيب السابقي فيما نسبه
للبصروي( ،)1لخلوها من ذكر قبر زينب.
يموه الحقائق
وهنا أستشهد بقول السابقي> :لم يكن في حسابنا أن األستاذ ِّ
ويطمسها إلى هذا الحد ظنا منه أن ذلك يبقى في طي الكتمان ،ما دام المصدر
مخطوطا ،ولم يدر أن قلم التنقيب سوف يحاسبه حسابا عنيفا<( ،)2فإنه وإن قاله
في حسن قاسم إال أن هذا ينطبق عليه حذو القذة بالقذة.
9ــ دعوى السابقي أن إسماعيل العجلوني صرح بدفن زينب الكبرى في قرية
راوية
قال السابقي> :إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي العجلوني الشافعي،
المتوفى 1162هـ ،له في ترجمة السيدة زينب المدفونة براوية ،وترجمة مدرك
الصحابي المدفون غربي مشهد زينب ،رسالة سماها «عرف الزرنب في ترجمة
مدرك بن زياد والسيدة زينب< مخطوطة ،ذكرها صالح الدين المنجد<(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1راجعت نسخة أخرى من تحفة األنام محفوظة بالمكتبة الظاهرية برقم ( )4202وعنوانها فضائل
دمشق والشام للبصروي ،وتبين بالمقارنة أنها نسخة أخرى لكتاب تحفة األنام ،وراجعت نسخا
أخرى منها :نسخة جامعة الملك سعود برقم ( )2689ونسخة مكتبة رئيس الكتاب بتركيا برقم
( )640ونسخة مكتبة نور عثمانية بتركيا برقم ( ،)3448ونسخة مكتبة أسعد أفندي بتركيا برقم
( ،)2156ونسخة مكتبة راشد أفندي برقم ( ،)640ونسخة دار الكتب القطرية برقم (،)936
ونسخة مكتبة بلدية اإلسكندرية برقم (ج ،)2027ونسخة مكتبة برلين األلمانية ومصورتها
محفوظة بالجامعة اإلسالمية برقم ( ،)3918ونسخة مكتبة غوتة بألمانيا برقم ( ،)A 93فتلك
عشر نسخ كاملة ،وكلها خالية من ذكر زينب أو قبرها.
( )2مرقد العقيلة زينب (ص .)82
( )3مرقد العقيلة زينب (ص )178وانظر (ص .)206
213
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
قلت :إن السابقي لم ير رسالة >عرف الزرنب< قطعا ،ألن هذه الرسالة
تشهد بغلط ما نسبه إليه ،إذ أن العجلوني إنما نسب هذا القبر إلى زينب الكبرى
بناء على ما اشتهر بين الناس ،وصرح بأنه لم يقف على دليل يثبت دفن زينب
الكبرى بقرية راوية بالشام ،فقال> :وأما كون المدفونة في قرية راوية وهي
المعروفة اآلن بقبر الست وبالست ،هي زينب الكبرى بنت فاطمة من علي
لم أر له مستندا تنشرح له الصدور<( ،)1وقد ختم رسالته بنقل كالم لشيخه
عبد الغني النابلسي ينفي فيه أن تكون زينب هي المدفونة في هذا الموضع كما
سيأتي تفصيله ،وعليه فما نسبه السابقي للعجلوني غير صحيح ،فهو لم يقف على
رسالة العجلوني أصال ،وإنما اكتفى بما جاء في عنوانها كي ينسب للعجلوني أنه
يرى أن زينب مدفونة في الشام ،وهذا من الرجم بالغيب ،فضال عما فيه من
اإليهام والتدليس على القراء ،فأقل ما كان على السابقي أن يفعله أن يصرح بعدم
وقوفه على الرسالة ال أن يجزم بما ورد فيها دون أن يراها أو يقف على ما فيها،
وقد قال اهلل تعالى{ :ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ
ﳌ ﳍ ﳎ} [اإلسراء.]36 :
10ــ دعوى السابقي أن عبد الرزاق كمونة صرح بدفن زينب الكبرى في
قرية راوية
سرد السابقي جماعة من أسماء علماء اإلمامية الذين ذهبوا إلى أن زينب
الكبرى هي المدفونة في قرية راوية بالشام ،فقال> :نسوق إلى القارئ أسماء
البارزين من أعالمنا وفقهائنا المتأخرين ممن قطع بأن ذلك المشهد يضم جثمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مخطوط عرف الزرنب [ق /71أ] ،وسيأتي التفصيل حول ما وقع في هذا النص وموقف العجلوني
في هذه القضية (انظر ص 611ــ .)613
214
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
العقيلة الطاهرة السيدة زينب الكبرى بال ريب<( ،)1ثم ذكر منهم عبد الرزاق
كمونة ،فقال> :قال في >مشاهد العترة< عند ذكر مزارات دمشق الشام ،وبها
مشاهد معظمة ألهل البيت منها مشهد السيدة زينب بنت أمير المؤمنين
المكناة بأم كلثوم ،وقال في موضع آخر مزيِّفا لنسبة قبرها بمصر :أما قبر زينب
بنت علي فالمشهور أنها دفنت في راوية التي تبعد عن دمشق بفراسخ<(.)2
والحقيقة أن هذا تزوير للحقيقة وتدليس صريح إن لم يكن كذبا ظاهرا،
ألن عبد الرزاق كمونة لم يصرح بأن زينب الكبرى مدفونة في قرية راوية على
اإلطالق ،وإنما ذهب إلى أنها زينب الصغرى ،كما هو صريح كالمه في نفس
الموضع الذي أحال عليه السابقي ،فبعد أسطر من الموضع الذي أحال عليه
السابقي ،نقل عبد الرزاق كمونة عن محسن األمين> :أن هذا المشهد ألم كلثوم
زينب الصغرى بنت علي بن أبي طالب وأن زينب الكبرى توفيت بالمدينة<(،)3
فالسابقي كعادته اجتزأ من كالم كمونة ما ينقض دعواه أنه صرح بأنها زينب
الكبرى ،وساق جزءا من كالمه ليوهم أنه يوافقه في قوله ،وهذا تدليس صرف
وتزوير محض ال ريب.
وقد رد عبد الرزاق كمونة على من صرح بأن زينب المدفونة في راوية هي
بنت فاطمة ،فقد ذكر أن إبراهيم بن يحيى العاملي ( 1214هـ) كتب على حائط
مشهد راوية شعرا مقتضاه أنه يرى أن المدفونة في القبر هي بنت فاطمة ،فرد
عليه كمونة قائال> :قلت :إن أم كلثوم بنت علي التي أمها فاطمة الزهراء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقدة العقيلة زينب (ص .)210
( )2مرقدة العقيلة زينب (ص .)235
( )3مشاهد العترة الطاهرة (ص .)81
215
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
توفيت بالمدينة ،<...ثم بعد أن سرد األدلة على ذلك قال> :أما أم كلثوم التي
قبرها في دمشق هي زينب الصغرى بنت اإلمام علي التي أمها أم سعيد بنت
عمرو بن مسعود الثقفي( ،)1التي خرجت إلى محمد بن عقيل<( ،)2ثم بعد ذلك ذكر
قصة مجيء زينب مع عبد اهلل بن جعفر إلى الشام بسبب مجاعة وقعت بالمدينة!(.)3
بل إن كمونة صرح بأن زينب الكبرى مدفونة في المدينة في هذا الكتاب
نفسه عندما تعرض لذكر المدفونين من آل البيت في المدينة( ،)4غير أن السابقي
غفل أو تغافل عن هذا النص الصريح الواضح ،فهو ينشط في نقل كالم كمونة
في نفي دفن زينب الكبرى في مصر ألنه يخدم غرضه ،أما كالمه عن دفنها في
يعرج عليه ألنه ينقض دعواه من أصلها ،فالعجب من السابقي كيف المدينة فلم ِّ
يستبيح مثل هذه التلفيقات!!.
وأما قول عبد الرزاق كمونة> :أما قبر زينب بنت علي فالمشهور أنها
دفنت في راوية التي تبعد عن دمشق بفراسخ<( ،)5فمحمول على زينب الصغرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا وهم ،فالصحيح أن زينب الصغرى هي ألم ولد ،كما نص على ذلك عامة النسابين ،راجع: ()1
الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي ( ،)18/3و( ،)481/7نسب قريش (ص ،)44عمدة
الطالب (ص .)32
مشاهد العترة الطاهرة (ص 81ــ .)82 ()2
يبدو أن عبد الرزاق كمونة كان يرى أن زينب التي يُذكر أنها قدمت مع عبد اهلل بن جعفر إلى الشام ()3
بسبب المجاعة التي وقعت في المدينة هي زينب الصغرى ،وهذا وهم ظاهر ،فإن من اخترع هذه
القصة أراد إثبات مجيء زينب الكبرى إلى الشام وليس الصغرى ،ألن الكبرى هي زوجة عبد اهلل
ابن جعفر وهي التي يُفترض أن تأتي معه إلى الشام ،وسيأتي نقد هذه القصة وبيان أنها قد اختلقت
منذ زمن قريب.
مشاهد العترة الطاهرة (ص ،)210وسيأتي نقل كالمه عند الكالم عن تعيين قبر زينب بالمدينة. ()4
مشاهد العترة (ص .)241 ( )5
216
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
ال الكبرى ،ألن هذا هو ما يتسق ما نصوصه ،ولذا نسب الكاتب اإلمامي محمد
بيضون إلى كمونة أنه يرى دفن زينب الصغرى في قرية راوية( )1وهذا هو
الصحيح ،خالفا لما افتراه عليه السابقي.
وبهذا نكون قد أتينا على عشر دعاوى للسابقي كلها ينطبق عليها أنها
دعاوى قائمة على الكذب واالفتراء!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1موسوعة كربالء (.)639/2
217
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
ضم السابقي إلى أسلوب التزوير الصريح ،أساليب ملتوية ومعقدة في
التقول على العلماء بتقويلهم ما لم
التدليس ،ما بين بتر النصوص ،وما بين ّ
يقولوه ،وما بين الخيانة في النقل بنقل ما يوافق هواه وإخفاء ما يخالفه ،وقد تكرر
هذا األمر في الكتاب حتى صار سمة عامة للسابقي ،وإليك بيان ذلك:
1ــ بتر السابقي كالم ابن عساكر عن قبر أم كلثوم المدفونة في راوية
أراد السابقي أن يحشر الحافظ ابن عساكر مؤرخ دمشق المشهور في زمرة
من قال بأن زينب الكبرى مدفونة في الشام ،وقد مضى كيف نسب البن عساكر
أنه نص على أن اسم أم كلثوم هو زينب ،ولم يكتف بهذا ،بل إنه حين نقل كالمه
توقف عند الموضع الذي يهدم كل ما يريد بناءه في كتابه ،إذ أن ابن عساكر ذكر
ألنها دفنت بالمدينة ،وال قبر أم كلثوم ،ونص على أنها ليست بنت النبي
بنت علي ألنها دفنت بالبقيع ،وهنا توقف قلم السابقي عن النقل ،وترك
بقية كالم ابن عساكر وهو قوله> :وإنما هي امرأة من أهل البيت ُسميت بهذا
االسم وال يحفظ نسبها<( ،)1وهذا النص هو أقدم وأوثق نص تاريخي عن قبر
راوية بالشام ،وهو ينفي أن يكون القبر لزينب الكبرى ،ولو نقله السابقي في
كتابه لما بقي لكل ما يسوقه من ظنون واحتماالت أي قيمة علمية ،ولكنه بتر هذا
النص ولم يذكره إال في هذا الموضع فقط ،بل تجنب ذكره في سائر الكتاب،
وسيزداد العجب حين ترى أن السابقي أورد كالم ابن عساكر تحت عنوان> :من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ دمشق ( 309/2ــ .)310
218
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
ذكر المدفونة بقبر راوية هي أم كلثوم ولم يزد عليه شيئا<( ،)1بينما زاد ابن عساكر
أمرا مهما وهو أن أم كلثوم المدفونة براوية امرأة من أهل البيت لم يحفظ نسبها.
2ــ بتر السابقي كالم الشهرستاني عن شهرة دفن زينب الكبرى في مصر
نقل السابقي كالم الشهرستاني صاحب كتاب >نهضة الحسين< ضمن قائمة
من علماء اإلمامية الذين قالوا بأن المشهد الذي براوية بالشام هو لزينب الكبرى
بال ريب( ،)2فأورد السابقي الجزء الذي ينقل فيه الشهرستاني قول صاحب
>الخيرات الحسان< إن زينب مدفونة في دمشق ثم توقف قلمه عند هذا النقل!(،)3
وتتمة كالم الشهرستاني تنقض القول األول ،إذ يقول> :وقال جماعة :إ َّن هذا
لزينب الصغرى ،كما هو مرسوم على صخرة القبر ،وإ ّن الكبرى توفيت بمصر،
ودفنت في قناطر السباع حيث المزار المشهور بالقاهرة<(.)4
فالشهرستاني عقَّب على قول صاحب الخيرات الحسان بما ينقضه ،وهو
قول من قال إنها ُدفنت في مصر ،ومما يؤيد ميله إلى دفنها في مصر أنه قال في
مقالة له> :اختلف المؤرخون في المكان الذي دفنت فيه السيدة زينب ،والمشهور
أنها دفنت في قناطر السباع بمصر<( ،)5وغاية ما يقال :إن الشهرستاني حكى
الخالف في كتابه >نهضة الحسين< في المسألة ،وأما القارئ الحصيف فيستنتج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرقد العقيلة زينب (ص .)125 ()1
مرقد العقيلة زينب (ص .)210 ()2
مرقد العقيلة زينب (ص .)225 ()3
نهضة الحسين (ص )114الهامش. ()4
نقل ذلك عنه صالح الشهرستاني في تاريخ النياحة على الحسين ( )93/1وعزاه إلى مقالة في ( )5
مجلة المرشد البغدادية >الصفحة « <256من الجزء « <6من المجلد «.<<3
219
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
من كالم الشهرستاني ميله إلى قول من قال إنها مدفونة في مصر ،لكن السابقي
لم ينقل كالمه كامال وبتره! ولو كان منصفا وأمينا لنقل النص كامال.
220
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
>لواقح األنوار<( )1بوفاتها في دمشق ،ثم قال المازندراني كالما مهما حذفه
السابقي ،وهو قوله> :وفي الكتاب المذكور( )2قال> :إن زينب المدفونة بقناطر
السباع أخت الحسين بن علي بن أبي طالب بال شك<<(.)3
وهذا الرأي ال ِ
يوافق عليه السابقي طبعا ،ألن مقتضاه أن المدفونة في قناطر
السباع بنت علي وأخت الحسين ،وبما أن السابقي يذهب إلى أن المدفونة في
مصر ليست من بنات علي أصال فقد بتر هذا النص ولم ينقله.
حتمل أن أصل النص في كتاب >لواقح األنوار<> :توفيت زينب والذي يُ ُ
الصغرى بنت علي بالشام< ،وهذا هو الوجه الوحيد للجمع بين النصين
المتعارضين ،فغير بعيد أن تسقط كلمة الصغرى في النسخ فوقع الغلط في المطبوع،
ولو نقل السابقي كالم المازندراني تام ّا لما استقام له أن ينسب للشعراني القول بدفن
زينب في الشام لظهور الخلل في النص الذي نقله المازندراني ،وهذا لو سلمنا
بصحة ما نقله المازندراني عن الشعراني.
4ــ ادعاء السابقي أن حسن قاسم اعترف بعدم وجود أي ولد لصلب علي
في مصر!
نعم أيها القارئ ،حسن قاسم الذي مر بك استماتته في إثبات دفن زينب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1للشعراني أكثر من كتاب بعنوان لواقح األنوار ،ولعل المراد هنا كتاب لواقح األنوار القدسية
المنتقاة من الفتوحات المكية ،ألن ابن العربي ذكر قبر الست في دمشق في الفتوحات المكية،
واللواقح مختصر للفتوحات ،وقد راجعت الكتابين اآلخرين المعنونين باللواقح وهما الطبقات
الكبرى وبيان العهود المحمدية ،فلم أقف فيهما على ذكر لزينب بنت علي ،وأما لواقح األنوار
القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية فهو مطبوع مرتين ،ولم يتيسر لي الوقوف على المطبوع.
( )2أي لواقح األنوار.
( )3معالي السبطين (ص .)636
221
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
الكبرى بمصر حتى لجأ إلى اختالق كتاب كامل ليثبت ذلك وبذل جهدا لم يبذله
نسب إليه السابقي أنه ذكر في كتاب آخر أنه ال
أي أحد لنصرة القبر المصري ،يَ ُ
لعلي بمصر!
وجود ألي ولد ّ
قال السابقي> :وقال الحافظ المؤرخ الكبير أبو محمد حسن بن إبراهيم بن
زوالق الليثي المصري المتوفي 387هـ> :أول من دخل مصر من ولد علي سكينة
بنت علي بن الحسين<؛ وبه قال السخاوي ،واعترف به األستاذ حسن محمد
قاسم المصري<( ،)1وأحال السابقي إلى كتاب >تحفة األحباب< الذي حققه
حسن قاسم.
وعند مراجعة هذا النص نجد أن حسن قاسم نقل كالم ابن زوالق بواسطة
ابن الزيات في كتابه >الكواكب السيارة< عندما علّق على قول السخاوي صاحب
>تحفة األحباب< عن سكينة بنت زين العابدين> :قيل إنها أول علوية دخلت
مصر<( ،)2غير أن حسن قاسم تعقب السخاوي ولم يوافقه فيما ذكر ،فإنه نقل
عن ابن زوالق أن أول من دخل مصر من ولد علي هي سكينة بنت الحسين
ابن علي ،خالفا لما قرره السخاوي من أنها سكينة بنت علي بن الحسين زين
العابدين( ،)3ثم نقل حسن قاسم بعدها كالما متفرقا عن ابن الزيات في تعيين قبر
سكينة بنت زين العابدين ،ثم تعقبه بأن القبر الذي ينسب إليها هو قبر سكينة بنت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص .)39
( )2وأنت ترى أن ما نقله السابقي عن ابن زوالق مخالف لما نقله حسن قاسم ،حيث أن السابقي نقل
أن أول من دخل مصر من ولد علي > سكينة بنت علي بن الحسين< أي أنها حفيدة الحسين
،بينما الثابت في تحفة األحباب> :سكينة بنت الحسين بن علي< أي أنها ابنة الحسين ،
غير أن الخطب في هذا يسير لوجود احتمال قوي لالشتباه بسبب تشابه األسماء.
( )3تحفة األحباب (ص )115الهامش .1
222
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
الحسين أي البنت وليس الحفيدة! فحسن قاسم لم يوافق ابن زوالق أصال،
وإنما نقل كالمه ليتعقب السخاوي ويثبت أن المدفونة هي سكينة بنت الحسين
وليست سكينة بنت علي بن الحسين .
ثم إن ن ْق َل حسن قاسم لكالم ابن زوالق ال يعني موافقته عليه ،فقد اعترض
حسن قاسم على عدم ذكر السخاوي الحنفي لقبر زينب في >تحفة األحباب<،
وذلك قبل أربع صفحات من الموضع الذي أحال عليه السابقي!
قال حسن قاسم> :والسخاوي حينما وصل إلى هذه المنطقة «قناطر السباع<
كان ينبغي له أن يذكر المشهد الزينبي رضي اهلل تعالى عن صاحبته ،وقد كان
معروفا لديه وله الشهرة التامة ،كما بسطنا ذلك في كتابنا >تاريخ المشهد
الزينبي< ،وقد نتج عن إغفال السخاوي لذكر المشهد الزينبي هنا ،اتخاذ ذلك
حجة بعدم معرفة هذا المشهد لكثير ممن يقول بعدم وجوده.)1(<...
كما أنه صرح بدفن زينب الكبرى في قناطر السباع في موضع آخر من تعليقه
على >تحفة األحباب< ،فقال> :األشراف الزيانبة ...ينسبون إلى السيدة زينب بنت
اإلمام علي بن أبي طالب كرم اهلل وجهه صاحبة المشهد المعمور بقناطر السباع<(.)2
فهل صدق السابقي فيما زعمه أم أنه دلس على حسن قاسم؟.
وربما يعتذر معتذر عن السابقي بأ َّن كالم حسن قاسم اآلخر قد خفي عليه،
فالجواب :وهل خفي عليه كتاب حسن قاسم الذي ألّفه في نصرة وجود قبر زينب
في مصر الذي يناقض كالم صاحب >تحفة األحباب<؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تحفة األحباب (ص )111الهامش .3
( )2تحفة األحباب (ص )214الهامش .1
223
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
ثم هل يصح للسابقي أن يترك كالم حسن قاسم المشهور ويعمد إلى أن ينسب
َّ
له خالف المعروف عنه بناء على مجرد التوهم؟ نترك الحكم للقارئ الحصيف.
5ــ ادعاء السابقي أن الكاتب توفيق أبا علم ذكر زيارة نفيسة لزينب الكبرى في
راوية!
ع َّد السابقي توفيقا أبا علم المصري صاحب كتاب >أهل البيت< ،ضمن
صرحوا بأن زينب المكناة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين مدفونة بقرية راوية، من ّ
فقال> :األستاذ توفيق أبوعلم المصري ،رئيس مجلس إدارة السيدة نفيسة بمصر،
ذكر زيارة السيدة نفيسة لمرقد السيدة زينب ،المكناة بأم كلثوم ،بنت أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب بقرية راوية بالشام<( ،)1وعزاه إلى كتاب >أهل البيت<.
ولم أقف على كتاب >أهل البيت< لتوفيق المصري ،ولكني وقفت على
كاتب إمامي نقل هذا النص بخالف ما نقله السابقي ،ووقفت على كتاب >السيدة
نفيسة< لتوفيق أبي علم ،وعندما راجعت كالمه وجدت أن السابقي قد قام بخيانة
علمية مشينة ،فمعلوم للقاصي والداني أن غالب الكتاب المصريين المعاصرين
الذين صنفوا في تراجم أهل البيت يصرحون بأن زينب الكبرى مدفونة في
مصر ،فاستغربت جدا أن ينص أحدهم على أن زينب الكبرى مدفونة في الشام
بما يناقض المشهور عند أهل مصر ،فلما راجعت كالم توفيق المصري عثرت
على منشأ الخلل في كالم السابقي ،يقول توفيق أبو علم> :ثم زارت بغوطة دمشق
مقام السيدة زينب بنت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ،)2(<وهذا نفس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص .)129
( )2السيدة نفيسة (ص .)79
224
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
ما نقله هاشم معروف اإلمامي عن كتاب >أهل البيت< لتوفيق المصري( ،)1وهنا
يتضح موضع الخيانة والتزوير ،فتوفيق يقول :إن زينب التي زارتها نفيسة هي
حفيدة علي من بنته أم كلثوم ،بينما جعلها السابقي بنت علي ،فهل
هكذا تكون األمانة؟
يطيب لي هنا أن أنقل قول السابقي> :ما أجرأ األستاذ على تحريف نصوص
المؤرخين<( ،)2فإن هذه الصفة ألصق به {ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ
ﲛ ﲝ ﲞ} [البقرة.]44 : ﲜ ﲙﲚ
()3
6ــ تدليس السابقي على ابن الحوراني وصاحب >الروضة البهية<
نقل السابقي كالم ابن الحوراني( )4وصاحب >الروضة البهية<( )5في تعيين
المدفونة بقرية راوية وأنها زينب وكنيتها أم كلثوم ،لكن السابقي دلس على
وحمله ما ال يحتمل ،إذ أن ابن
القارئ حين نقل هذا النص الذي ال يخدمه أصال ّ
الحوراني لم يصرح بأن زينب هذه هي الكبرى وإنما ذكر أنها ابنة فاطمة وأنها
تزوجت عمر كما أشار إليه السابقي ،ثم إن ابن الحوراني ذكر زينب بنت
علي في موضع آخر ونص على أنها مدفونة بمقبرة الباب الصغير بدمشق ،فقال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من وحي الثورة الحسينية (ص .)140 ()1
مرقد العقيلة زينب (ص .)182 ()2
لم أذكر اسم المؤلف الذي نُسب إليه كتاب الروضة البهية ،ألن هذا الكتاب من عمل أبي هدى ()3
الصيادي المشهور باختالق الكتب والمؤلفين كما هو مفصل في كتاب >أبو الهدى الصيادي في
آثار معاصريه< لحسن سويدان ،وكتاب >جناية الصيادي على التاريخ< لعبد الرحمن الشايع ،وقد
تبين لي أن قسما كبيرا من كتاب الروضة البهية مأخوذ من كتاب اإلشارات البن الحوراني.
مرقد العقيلة زينب (ص .)128 ()4
مرقد العقيلة زينب (ص .)128 ( )5
225
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
>في كتاب >محاسن الشام< ،قبر السيدة زينب بنت اإلمام علي بمقبرة باب
الصغير ،معروف يزار<( ،)1وهذا عين ما قاله صاحب >الروضة البهية<( ،)2لكن
السابقي لم ينقل هذا النص الذي يهدم مراده ،فكما جاز للسابقي أن يدعي أن
مراد ابن الحوراني بدفينة راوية هي زينب الكبرى يجوز لمن يخالفه أن يقول إن
مراد ابن الحوراني بدفينة الباب الصغير هي زينب الكبرى ،وألن السابقي يريد
إثبات أن زينب الكبرى مدفونة بقرية راوية وليس في مقبرة الباب الصغير ،لم
ينقل كالم ابن الحوراني عن دفن زينب في الباب الصغير ،ألن ذلك سيهدم
استدالله ،ألن ابن الحوراني لم يميز بين دفينة الباب الصغير ودفينة راوية ،فلم
يذكر أيهما الكبرى أو الصغرى مما يجعل االحتماالت متساوية ،وبما أن هذا
خالف مراد السابقي فقد تجاهل نقل هذا النص أو اإلشارة إليه.
7ــ بتر كالم عبد القادر الريحاوي والتدليس على رأيه في تعيين المدفونة في
راوية
ارتكب السابقي جنايتين علميتين في نقله لرأي الدكتور عبد القادر
الريحاوي ،الذي وصفه أنه >أحد عباقرة التاريخ واألدب<( ،)3وإليك بيان ذلك:
الجناية األولى :أورد السابقي كالم الريحاوي ضمن الطائفة الثانية الذين
نسب إليهم أنهم ذكروا أن المدفونة بقرية راوية هي زينب المكناة أم كلثوم وأنها
من فاطمة ،وهذا غير صحيح قطعا ،فالكالم الذي نقله السابقي عن الريحاوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص 54ــ .)55
( )2الروضة البهية (ص .)83
( )3مرقد العقيلة زينب (ص .)129
226
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
ليس فيه إال التصريح بأنها زينب الصغرى وأنها ملقبة بأم كلثوم( ،)1ولم يقل
الريحاوي إنها بنت فاطمة ،بل إن قوله إنها زينب الصغرى يدل على أنه يرى
أنها ليست بنت فاطمة أصال ،ألن زينب الصغرى ليست ابنة فاطمة وهذا
متفق عليه بين عامة النسابين والمؤرخين.
الجناية الثانية :وهي أشد من األولى ،إذ فيها خيانة واضحة لألمانة العلمية
في النقل ،وذلك أن الريحاوي إنما ذكر قبر زينب الصغرى ضمن القبور التي ال
تثبت! ،إذ أنه قال قبل سطر من الموضع الذي نقله السابقي> :هناك قبور أخرى
ومشاهد تنسب إلى جماعة من الصحابة وآل البيت ،تزار ويعنى بها دون أن يثبت
تاريخيا دفن أصحابها في دمشق< ،ثم ذكر منها مشهد الحسين في الجامع األموي
وقبر زينب الصغرى في قرية راوية ثم قبر سكينة بنت الحسين وقبر الست
رقية( ،)2غير أن السابقي لم ينقل هذه العبارة وتعمد أن ينسب إلى الريحاوي
خالف ما يعتقده ،وهذا تدليس ظاهر وتزوير لرأي الريحاوي ،فاعجب لهذا
الرجل كيف يستبيح مثل هذه المسالك من أجل نصرة هواه!.
ثم إن الريحاوي قد أكد رأيه بوضوح في مقالة >قبور العظماء في دمشق<
والتي نشرها في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ،حيث قال عند ذكر قبور
رغم شهرتها وفخامتها ال تمت آل البيت> :إن أكثر قبور آل بيت الرسول
إليهم بصلة< ،ثم ذكر قبر سكينة بنت الحسين وقبر فاطمة بنت الحسين ثم بعدها
قال> :زينب الصغرى بنت علي ،وتلقب أم كلثوم ،لها قبران في دمشق ،األول
في قرية راوية المعروفة حاليا بالست ...والقبر اآلخر في مقبرة الباب الصغير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص .)129
( )2مدينة دمشق تاريخها وتراثها وتطورها العمراني والمعماري (ص .)198
227
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
في قبة خاصة به تضمه إلى مقام الست سكينة ،ورغم كل ذلك فنحن ال نعتقد
بصحة نسبة هذين القبرين إلى زينب بنت علي بن أبي طالب<(.)1
وبذلك تثبت براءة الريحاوي مما نسبه إلى السابقي جملة وتفصيال.
8ــ تدليس السابقي على جماعة من الكتاب والمؤلفين وادعاؤه موافقتهم على
دفن زينب الكبرى في الشام!
إ ّن أكبر عقبة كانت تقف أمام السابقي في قضية تعيين قبر زينب ،هو
اختالف األقوال حول مكان دفنها ،واختالف األقوال حول تعيين المرأة المدفونة
براوية ،واألقوال التي ذكرها السابقي في مدفن زينب الكبرى هي ثالثة:
القول األول :أن قبر زينب الكبرى في المدينة ،ذهب إلى ذلك محسن
األمين وغيره.
القول الثاني :أنها ُدفنت في دمشق بقرية راوية.
القول الثالث :أن قبرها في مصر ،ذهب إلى ذلك الشعراني وحسن قاسم.
وأما األقوال الواردة في تعيين قبر الست في راوية بالشام فهي أربعة:
القول األول :أنها أم كلثوم دون تعيين نسبها ،مع نفي كونها من الصحابة،
وهو قول ابن عساكر وياقوت الحموي ،وأبي الحسن الهروي وابن شداد.
القول الثاني :أنها أم كلثوم الكبرى زوجة عمر بن الخطاب وأن اسمها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مقالة قبور العظماء في دمشق ،منشورة بمجلة المجمع العلمي العربي ،المجلد ،34الجزء الرابع،
29ربيع األول سنة 1379هـ( ،ص 659ــ .)660
228
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
زينب ،وهو قول ابن الحوراني وصاحب الروضة البهية وحسن قاسم.
القول الثالث :أنها زينب الصغرى بنت علي وهو أحد أقوال محسن
األمين.
القول الرابع :أنها زينب الكبرى بنت علي ،)1(وهو قول جماعة من
المتأخرين.
فأراد السابقي أن يطوع هذه األقوال المختلفة والمتنافرة ويجعلها قوال
واحدا! ،ولكي يتمكن من ذلك تمحل وتكلف في الجمع بين هذه األقوال،
فاألقوال المختلفة في تعيين المرأة المدفونة في راوية جعلها ترجع إلى قول واحد
هو أنها زينب الكبرى( !)2وحتى من قال بوفاتها في المدينة أو مصر حشرهم
السابقي ضمن القائلين بوفاتها في دمشق ،فعقد مبحثا سماه> :شهرة مشهد زينب
المكناة بأم كلثوم في ألف عام< ،أراد فيه أن يحشد األدلة على شهرة قبر راوية
بغض النظر عن رأي من ينقل عنه ،ولذا قال> :ال بأس أن نسوق ههنا أسماء
المؤلفين الذين ذكروه ،وال يهمنا ههنا آراءهم في تعيين المدفونة بها ،وإنما
مقصودنا إثبات شهرة المشهد<( ،)3فالنتيجة التي رتبها على هذه الدعوى هي أن
اختالف العلماء في تعيين المدفونة في قبر راوية مآله إلى أنها زينب الكبرى حتى
لو كانوا يقولون بأنها أم كلثوم من آل البيت دون أن يعلم نسبها ،أو قالوا إنها
زينب الصغرى ،أو خلطوا بينها وبين أم كلثوم الكبرى!! ،وهذه نهاية التحكم
والمغالطة والتدليس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سيأتي تفصيل هذه األقوال مع مصادرها في مبحث تعيين قبر زينب.
( )2مرقد العقيلة زينب (ص ،)137و(ص .)156
( )3مرقد العقيلة زينب (ص .)173
229
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
230
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
231
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
9ــ التشبع بالزور واإليهام بالنقل بال واسطة عن كتب مفقودة أو مخطوطة أو
موهومة
أكثر السابقي النقل والعزو إلى عشرات المصادر التي لم يرها ولم يطلع
عليها ،واإلكثار من النقل بالواسطة ليس أمرا مذموما بحد ذاته ،لكن المذموم هو
إيهام القارئ الوقوف على المصدر وإغفال الواسطة ،أو نسبة أمور ال حقيقة لها
إلى هذه المصادر بناء على التوهم والتكهن ،أو ترك القول الذي اشتهر به أحد
العلماء ،ونسبة قول غريب إليه بالواسطة ،وهذه المغالطات المذمومة تكررت
من السابقي بصورة فاحشة ،حتى صارت كثير من نقوالته التي بنى عليها كتابه
مجرد ادعاءات مبنية على الظن وال أساس لها سوى التخمين ،وقد مضت نماذج
مفصلة من ذلك ،مثل ما سبق ِمن زعمه أن قبر زينب ليس مذكورا في كتاب >أنس
الزائرين< الذي نسبه غلطا للقضاعي ،وزعمه أن البصروي ذكر زينب في >تحفة
األنام< ،وادعاؤه أن ابن الجوزي ذكر قبر أم كلثوم في مزاره( ،)2وادعاؤه أن ابن
عساكر ذكر أن المدفونة براوية اسمها زينب ،وغيرها من األمور التي ذكرتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص .)183
( )2وسيأتي مثال رابع حين زعم السابقي االطالع على كتاب عيون األخبار البن أبي السرور البكري
وقد أفردت له مبحثا في المسلك الثالث.
232
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
سابقا ،وسنوقفك على نماذج أخرى مع إيجاز سريع ثم نبين مواضع الخلل في
منهجية السابقي:
أ ــ نسب السابقي إلى ابن عبد الحكم كتاب >منهج السالك في أخبار مصر
والقرى والممالك< ،وذكر أنه محفوظ في المتحف البريطاني بلندن وأنه لم يذكر
دخول زينب الكبرى إلى مصر ،ولم يذكر السابقي مصدره في ذلك( ،)1وبعد
البحث والتقصي تبين أن مصدر السابقي هو كتاب >مؤرخو مصر اإلسالمية<
لمحمد عبد اهلل عنان الذي اعتمد عليه السابقي في كثير من األمور التي ذكرها
عن مؤرخي مصر إال أن السابقي خلّط فيما نقله مجددا ،فعنان يقرر أن مخطوطا
محفوظا بمكتبة ليدن بهولندا نُسب خطأ إلى السيوطي ألن عنوانه هو >بغية
الطالب ومنهج السالك في أخبار مصر والقرى والممالك< ،وهو عين كتاب
>الفتوح< البن عبد الحكم( ،)2فأساء السابقي فهم كالمه وظن أن عنوان كتاب
ابن عبد الحكم هو >منهج السالك< ،وزاد إمعانا في اإليهام بأن أخفى مصدره
في ذلك وأوهم القارئ أنه وقف على منهج السالك وطالعه.
ب ــ ذكر السابقي جملة من الكتب التي لم ترها عينه ،وقرر أنها لم تذكر
قبر زينب ،ومن ذلك كتاب ابن زوالق عن تاريخ مصر ،وكتاب عز الملك
المسبحي ،ثم أحال من يريد الوقوف على تراجم من ذكرهم إلى كتاب >مؤرخو
مصر اإلسالمية<( ،)3وأنت ستعجب حين ترى صاحب الكتاب المحال عليه
يصرح بأن الكتاب الوحيد الذي بقي من تراث ابن زوالق هو >مختصر فضائل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص .)36
( )2مؤرخو مصر اإلسالمية (ص .)12
( )3مرقد العقيلة زينب (ص .)37
233
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
مصر<( )1وال زال وقتها مخطوطا ،كما أن عنان صرح بأن كل كتب عز الملك
المسبحي فقدت!(.)2
ومن ذلك ادعاء السابقي أن شمس الدين السخاوي لم يذكر قبر زينب في
مصر في رسالته عنها( ،)3وهذا الكالم ال حقيقة له ،ألن السخاوي لم يصنف
أصال كتابا عن زينب ،وإنما نسب إليه حسن قاسم ذلك كما مضى!.
ج ــ ذكر السابقي عدة عناوين لكتب مؤلفة في تاريخ مصر ومزاراتها ،فقال:
>على أن هناك جماعة من مؤرخي مصر ممن أفرد تأليفه في تحقيق المزارات
والقبور والمساجد :كابن يونس والهتناني والقرشي صاحب >المزارات
المصرية< ،وابن أسعد النسابة صاحب >مزارات األشراف< ،وابن عطايا
والحموي الذي ذكر جملة من مزارات مصر ،وابن عبد الكريم والحافظ السلفي
وحرملة وابن بللوة والمكي وسراج الدين الملقن( ،)4وابن الزيات األنصاري،
وجوهر السكري ،والسخاوي ،وابن عنتر ،وابن حمامة ،ومجد الدين بن
الناسخ ،وابن أبي طلحة صاحب «هادي الراغبين< ،وموفق الدين صاحب
«مرشد الزوار< ،ترى هؤالء األعالم يترجمون أصحاب القبور ،ويميزون بين
المزارات الصحيحة والمزورة من العلويين وغيرهم في مصر ،ولم يذكر أحد من
هؤالء أن العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين مدفونة في مصر<(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مؤرخو مصر اإلسالمية (ص .)37 ()1
مؤرخو مصر اإلسالمية (ص ،)52وقد بقيت قطعة من كتاب أخبار مصر للمسبحي نشرها وليم ()2
مليورد بعنوان أخبار مصر في سنتين ( 414ــ 415هـ).
مرقد العقيلة زينب (ص .)47 ()3
كذا والصواب ابن الملقن. ()4
مرقد العقيلة زينب (ص .)38 ( )5
234
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
235
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
وكذا نظائر إطالقه أحكاما غريبة بناء على نقوالت بالواسطة ،ومن ذلك دعواه
أن زيارة نفيسة لقبر زينب في دمشق مذكورة في كتب القرون الوسطى ،ومستنده
في ذلك كتاب أحمد فهمي المعاصر مع أن ما فيه خالف ما زعمه( ،)1وغير ذلك
مما يعسر اإلحاطة به هنا ،ويكفي ما قدمناه من أمثلة على االعوجاج الظاهر في
منهج السابقي وطريقة استدالله بالنصوص والنقول مما يطرح الثقة بنقله ويجعل
كالمه غير قابل لالعتماد ،وسيظهر ذلك بوضوح في المباحث الموالية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر (ص )191من هذا الكتاب.
236
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
237
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
راوية( ،)1وقال في موضع آخر> :ثم قال( )2مشيرا إلى محل قبرها بين الكوكبين
هكذا> ،في دمشق< ،كما هو دأبه في ذكر القبور ،راجع ترجمة واثلة بن األسقع
ص ،134ومدرك بن زياد ص ،70ومعاذ بن جبل ص ،86ومغيرة بن شعبة
ص 98ومعاوية بن صخر ص ،89ويزيد بن أبي سفيان ص ،)3(<147وبعد أن
نصب السابقي هذا الدليل صار يخاصم به في كتابه ويُ َحا ُّج به من يرى خالف
رأيه ،ولذا استدل به في أكثر من موضع من كتابه(.)4
قلت :إن تقرير أي قضية علمية إما أن يكون مبنيا على نقل ُمص َّدق أو
استدالل ُمح َّقق( ،)5وما ذكره السابقي ال ينطبق عليه أي شيء من ذلك ،فال هو
نقل قول عالم سبقه إلى هذه الدعوى العريضة ،وال هو بنى هذه الدعوى على
أدلة مح َّققة ،فكما قلت سابقا ،لم ينسب أحد إلى الذهبي تعيين موضع وفاة
زينب في دمشق قبل السابقي ،وكفى بهذا دليال على بطالن هذه النسبة ،وأما ما
استدل به السابقي فهو محض تكهن خاطئ وغير صائب ،فالذهبي لم ينص على
أن مراده بقوله >في دمشق< هو تعيين موضع وفاة الصحابي ،ثم إن أي باحث
مبتدئ يعلم قطعا أن الذهبي الذي إليه المنتهى في علم التاريخ ال يمكن أن يقرر
أن معاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة ماتا بدمشق كما زعم السابقي ،وأما بقية
المذكورين الذين ذكرهم السابقي فوفاتهم بدمشق معلومة ،وهنا يقع السؤال :ما
مراد الذهبي بقوله >في دمشق<؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرقد العقيلة زينب (ص .)133 ()1
أي الذهبي . ()2
مرقد العقيلة زينب (ص .)199 ()3
مرقد العقيلة زينب (ص .)191 ،174 ،166 ،161 ،137 ()4
مقدمة في أصول التفسير (ص .)20 ( )5
238
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
الجواب :إن مراد الذهبي يتبين من خالل مراجعة منهجه في كتابه ،وعندما
نراجع مقدمة كتاب تجريد أسماء الصحابة نجد أن الذهبي ذكر الرموز التي
استعملها في الكتاب وذكر منهجه ،ولم يذكر أنه سيعين موضع وفاة الصحابي
المترجم له ،كما أنه لم يلتزم بذلك في التراجم ،فتارة يذكر موضع وفاة
الصحابي( )1وتارة يهمله( ،)2ثم إن الذهبي ختم تراجم جماعة من الصحابة بقوله
>في دمشق< مع أن المعلوم قطعا أنهم لم يدفنوا بدمشق ،ف ِم َن الذين ذكرهم
السابقي :معاذ بن جبل الذي توفي بعمواس باألردن في طاعون عمواس ،كما
ذكر ذلك الذهبي نفسه في كتبه األخرى( ،)3والمغيرة بن شعبة الذي يعلم أي
مبتدئ في التاريخ أن كافة العلماء ومنهم الذهبي( )4اتفقوا على وفاته بالكوفة وهو
أمير عليها( ،)5وال أدري كيف يخفى مثل هذا األمر المشهور على السابقي ،وهو
مثل هذه األخطاء الفاحشة.
يتصدى لتحقيق قضايا تاريخية ال ينبغي أن يقع فيها ُ
وممن ختم الذهبي ترجمتهم بقوله >في دمشق< مع أنه نص في كتبه
األخرى على وفاتهم بموضع آخر :حذيفة بن اليمان( ،)6وسهيل بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر تجريد أسماء الصحابة (النصف األول) أبرهة بن شرحبيل برقم ،20أزهر بن عبد عوف ()1
برقم ،84األسود بن هالل برقم ،163وغيرهم.
برقم ،5أبي بن كعب انظر تجريد أسماء الصحابة (النصف األول) :إبراهيم بن النبي ()2
برقم ،35جابر بن عبد اهلل برقم ،683حسان بن ثابت برقم ،1231وغيرهم،
وإنما ذكرت المشهورين منهم المعروفة مواضع وفياتهم.
الكاشف ( ،)272/2تاريخ اإلسالم ( ،)101/2تذكرة الحفاظ (.)21/1 ()3
سير أعالم النبالء ( ،)32/3تاريخ اإلسالم (.)439/2 ()4
نقل اإلجماع على ذلك الخطيب في تاريخ بغداد ( )549/1وخ ّطأَ من قال بوفاته في المدائن، ( )5
وانظر :الطبقات الكبرى البن سعد ( )60/2مشاهير علماء األمصار البن حبان (ص ،)75
االستيعاب البن عبد البر ( ،)1446/4تهذيب التهذيب البن حجر ( )263/10وغيرها.
تجريد أسماء الصحابة (الجزء األول) برقم ،1286وذكر في السير ( ،)369/2وتاريخ= ()6
239
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
240
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
ين دليل على ذلك أن كل التراجم التي ختمت بعبارة في دمشق موجودة في وأب ُ
ْ
تاريخ دمشق البن عساكر ،فدل هذا على أن مراد الذهبي هو اإلحالة على مصدره
فإن َجهِل السابقي هذا وتجاسر
في أخبار المترجم له ،وليس تعيين مكان وفاتهْ ،
على نسبة هذا القول للذهبي دون تثبت وروية فهذا دليل على بُعده عن منهج أهل
يطوع كالم الذهبي ليصير دليال
علم هذا وتغافل عنه كي ِّ
وإن َ
التحقيق والتدقيقْ ،
له فتلك مصيبة أعظم وأطم.
3ــ ادعاء السابقي االطالع على كتاب >عيون األخبار< البن أبي السرور
البكري ( 1087هـ)
ذكر السابقي محمد بن أبي السرور البكري ضمن من لم يذكروا أن زينب
مدفونة في مصر فقال> :ومن المتأخرين ممن توسع في التدوين محمد بن سرور
البكري( )1المتوفى 1061هـ( ،)2وله في التاريخ مساع مشكورة وكتب قيمة منها
>عيون األخبار ونزهة األبصار< ضبط فيه الحوادث المتعلقة بمصر خاصة وغيرها
منذ بدء الخلقة ،وجميع الدول الحاكمة على مصر بغاية الشرح والبسط إلى عصره
في دولة خليل باشا سنة 1041هـ<(.)3
أقول :إ ّن إحالة السابقي إلى كتاب >عيون األخبار< هي من التشبع بالزور،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1سماه السابقي محمد بن سرور وهذا غلط والصواب :محمد بن أبي السرور.
( )2كذا والصواب أنه توفي سنة 1087هـ ،وأما ما ذكره السابقي فهو تاريخ وفاة محمد بن أبي السرور
البكري والد المؤلف ،ومنشأ االشتباه أن كال من ابن أبي السرور األب واالبن اسمهما محمد!،
وقد َّنبه على ذكر محققو كتاب >المقتضب فيما وافق لغة أهل مصر من لغة العرب< البن أبي
السرور البكري( ،ص .)69
( )3مرقد العقيلة زينب (ص .)37
241
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
فإ َّن كتاب عيون األخبار للبكري لم يطبع في حياة السابقي( ،)1والسابقي لم ير
مخطوطة الكتاب قطعا ،والدليل على ذلك ،قوله إن كتاب >عيون األخبار< ينتهي
بدولة خليل باشا سنة 1041هـ ،ومنشأ غلط السابقي هنا هو في اعتماده على
كتاب >مؤرخو مصر اإلسالمية< لمحمد عبد اهلل عنان( ،)2فقد انتقل بصر السابقي
من الصفحة التي تكلم فيها عنان عن >عيون األخبار< إلى صفحة أخرى تكلم
فيها عن كتاب >النزهة الزهية< ،ولم ينتبه إلى موضع نهاية كالم عنان عن >عيون
األخبار< وبداية كالمه عن >النزهة الزهية< ،فنقل كالم عنان عن آخر كتاب
>النزهة الزهية< ظانا أنه آخر كتاب >عيون األخبار< ،بينما ذكر محمد عنان أن
النسخة التي وقف عليها من >عيون األخبار<( )3ينتهي فيها البكري إلى الدولة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1قال الدكتور سليم أبو جابر في رسالته الجامعية لنيل الدكتوراه :المؤرخ محمد بن أبي السرور
البكري ومكانته في تاريخ مصر العثمانية (ص )154عن كتاب عيون األخبار> :هذا الكتاب ال
زال مخطوطا حتى اآلن ولم يتم تحقيقه حتى اآلن< ،وهذا سنة 2002م التي قدمت فيها الرسالة.
( )2مرقد العقيلة زينب (ص )37الهامش .2
( )3ذكر عنان أنها محفوظة في دار الكتب المصرية برقم 72م ،والجدير بالذكر أني بعد مراجعة عدة
نسخ خطية لعيون األخبار ،تبين لي أن البكري قد أعاد النظر في كتابه عيون األخبار ،وأخرجه
في إبرازتين:
ــ اإلبرازة األولى :انتهى فيها البكري إلى أواخر دولة الجراكسة وتحديدا بوفاة الملك األشرف
عرف بها محمد عنان ،وكذا في قانصوه ،وهذا ما تراه في مخطوطة دار الكتب المصرية التي ّ
مخطوطة مكتبة الدولة ببرلين المرقمة بـ ( ،)We 380وحصلت على صورتها من مكتبة جابر
األحمد المركزية التابعة لجامعة الكويت ،ومخطوطة المكتبة البريطانية المرقمة بـ ( )5633على
ما جاء في وصفها في موقع مخطوطات مكتبة جابر األحمد المركزية.
ــ اإلبرازة الثانية واألخيرة :زاد فيها البكري تاريخ الدولة العثمانية من ابتدائها إلى سنة 1032هـ،
وهذا ما جاء في نسخة المكتبة الوطنية بباريس المرقمة بـ (( ،)1560وهي من جزئين األول
عندي صورة منه وينتهي بتاريخ الدولة العباسية والجزء الثاني لم أقف عليه) ،ونسخة مكتبة الدولة
ببرلين المرقمة بـ( )We 351على ما جاء في وصفها في موقع مخطوطات مكتبة جابر األحمد=
242
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
الجركسية ،ثم يذكر عنان بعدها أن كتاب >النزهة الزهية< خاص بتاريخ مصر
وينتهي إلى سنة 1041هـ( ،)1والمقصود أن السابقي لم ير الكتاب قطعا وأدل
دليل على ذلك:
ــ زعمه أن عيون األخبار مختص بتاريخ مصر ،وهذا خطأ متفرع عن انتقال
نظره من كتاب النزهة إلى كتاب عيون األخبار ،فقد صرح عنان بأن كتاب النزهة
الزهية خاص بمصر ،وبذلك يتبين أن السابقي لم ير كتاب عيون األخبار ،ألن
ابن أبي السرور ذكر في هذا الكتاب تاريخ كثير من الدول قبل اإلسالم وبعده،
ولم يقصره على مصر خاصة.
ــ وقول السابقي إن الكتاب ينتهي إلى سنة 1041هـ ،بينما تنتهي النسخة
التي أحال عليها بالدولة الجركسية وبالضبط بوفاة السلطان الملك األشرف
قانصوه الذي توفي سنة 923هـ.
وهنا نتسائل :كيف جاز للسابقي أن يدعي خلو الكتاب من ذكر قبر زينب
مع عدم اطالعه عليه؟!.
بل إنك ستعجب أيها القارئ حين تعلم أن ابن أبي السرور البكري قد ذكر
قبر زينب في قناطر السباع في عدة من كتبه! ،فعند تعداده لوالة مصر دأب البكري
في كتبه المختصة بتاريخ مصر على اإلشارة إلى أن علي باشا الذي ولي مصر سنة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المركزية ،وهو ما جاء في فهرس مخطوطات مكتبة الدولة ببرلين ( )79/9برقم (.)9474
والبكري كان يعيد النظر في كتبه ويزيد فيها ثم يغير عناوينها ،كما فعل بالنسبة لكتاب النزهة الزهية
فقد زاد فيه أشياء يسيرة وغير عنوانه إلى الروضة الزهية ،كما بينت الدكتورة حياة بنت مناور
الذيابي في تحقيقها لكتاب النزهة الزهية ( 46/1ــ .)47
( )1مؤرخو مصر اإلسالمية (ص .)171
243
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
عمر قبر زينب في قناطر السباع ،فنص البكري على ذلك في كتابه 956هـ قد ّ
>النزهة الزهية<( ،)1و>الروضة الزهية<( ،)2و>المنح الرحمانية<( ،)3و>الروضة
المأنوسة<( ،)4و>الكواكب السائرة<( ،)5و>التحفة البهية<(.)6
فالسابقي اكتفى باإلحالة على كتاب واحد لم تره عيناه ،وأطلق دعوى غير
مبنية على أي حجة أو بينة ،ولم يجهد نفسه البحث عن كتب البكري األخرى أو
تقصد ال َّتعامي عن كتب البكري األخرى ألمرين:
مراجعتها! ،وقد تيقنت أن السابقي َّ
األول :إ ّن السابقي قد اطلع على كتاب حسن قاسم ،الذي أشار فيه إلى أن
البكري قد ذكر في الروضة المأنوسة عمارة علي باشا لقبر زينب ،ومع ذلك لم
يذكر هذا في كتابه!.
الثاني :إ ّن السابقي قد أحال على كتاب >التذكرة التيمورية< ألحمد تيمور
باشا( ،)7وفي نفس الصفحة المحال عليها يقول أحمد تيمور> :انظر تعمير علي
باشا المتوفى سنة 956هـ مسجدها في >الكواكب السائرة في أخبار مصر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النزهة الزهية في ذكر والة مصر والقاهرة المعزية (.)203/1 ()1
مخطوط الروضة الزهية في والة مصر والقاهرة المعزية [/31أ] ،نسخة جامعة غوتا بألمانيا ،برقم ()2
( ،)A1638وقد مضى في الهامش قبل السابق أن >الروضة< ال تختلف عن >النزهة< إال في
أشياء يسيرة.
المنح الرحمانية في الدولة العثمانية (ص .)163 ()3
الروضة المأنوسة في أخبار مصر المحروسة (ص ،)87وأشار حسن قاسم إلى ذلك في أخبار ()4
الزينبات (ص.)78
مخطوط الكواكب السائرة في أخبار مصر والقاهرة [ق/22أ] ،محفوظ بالمكتبة الوطنية الفرنسية ( )5
بباريس ،برقم (.)1852
التحفة البهية في تملك آل عثمان الديار المصرية (ص .)107 ()6
مرقد العقيلة زينب (ص )69الهامش .3 ()7
244
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
والقاهرة< البن أبي السرور البكري<( ،)1ومع ذلك تعامى السابقي عن كل هذا
ونسب إلى البكري أنه لم يذكر أي شيء عن قبر زينب في مصر!!..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1التذكرة التيمورية (ص.)199
245
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
246
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
في الدولة الفاطمية أنهم أوالد اإلمام علي لصلبه ...وكتبوا على قبر السيدة زينب
بنت يحيى المتوج ،مشهد السيدة الطاهرة بنت الزهراء البتول زينب بنت علي بن
أبي طالب ،مع أن زينب هذه توفيت سنة 240هـ<(.)1
فالسابقي نفى أن يكون في زمن الفاطميين قبر ينسب إلى زينب ،ثم في
نفس الكتاب يقرر أن الفاطميين نسبوا قبرا لزينب وهو لغيرها! ،وسبب هذا
التناقض هو أن السابقي منهمك في نصرة آرائه ،ولذلك غفل عما قرره سابقا
وناقضه بنفسه.
2ــ تناقض السابقي في تعيين زينب المدفونة في مصر
اضطرب السابقي اضطرابا عجيبا في تعيين زينب المدفونة في مصر بقناطر
السباع ،فصرح في عدة مواضع بأنها زينب بنت يحيى المتوج( ،)2وتوهم أن مفتي
مصر محمد بخيت المطيعي موافق له في ذلك( ،)3واتهم السابقي الفاطميين بأنهم
غيروا اسم المدفونة في هذا القبر إلى زينب الكبرى كما مر آنفا( ،)4وهذا ما نسبه
إليه مجتبى الحسيني في تقديمه لكتاب السابقي(.)5
لكنه في موضع يظهر منه أنه يرى أنها زينب أخرى ينتهي نسبها إلى ابن
الحنفية ،حيث قال> :ذكر المقريزي المشاهد المتبركة عند أهل مصر المقصودة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرقد العقيلة زينب (ص 231ــ .)232 ()1
مرقد العقيلة زينب (ص .)68 ،55 ()2
مرقد العقيلة زينب (ص ،)73والصحيح أن المطيعي لم يذكر أن زينب المدفونة في قناطر السباع ()3
بمصر هي بنت يحيى المتوج ،بل ذهب إلى أنها زينب بنت يحيى بن زيد بن علي بن الحسين
كما سيأتي بيانه والتنبيه عليه عند الكالم عن االختالف في تعيين المدفونة في قناطر السباع.
مرقد العقيلة زينب (ص 231ــ .)232 ()4
مرقد العقيلة زينب (ص .)8 ( )5
247
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
للزيارة ،وعد منها مشهد زين العابدين ....وقال في محل آخر :بخارج باب
النصر في أوائل المقابر قبر زينب بنت أحمد بن جعفر بن محمد بن الحنفية يزار،
وتسميه العامة >مشهد السيدة زينب< ،وتصريح المقريزي هذا يكفي في رد ادعاء
المدعي أن قبر السيدة العقيلة بمصر كالكشف عن منشأ وهم العامة<(.)1
فهو هنا يرى أن المقريزي يتحدث عن القبر المنسوب لزينب الكبرى وأن
العامة خلطت بينها وبين زينب أخرى من ذرية ابن الحنفية ،وهذا مناقض لما
ذكره سابقا من أنها زينب بنت يحيى المتوج! فتأمل في كالمه واعجب لتناقضه.
3ــ تناقض السابقي في استنكاره االستدالل بكالم منسوب البن عساكر
مع خلو تاريخ دمشق منه
قال السابقي معترضا على قول حسن قاسم إن ابن عساكر ذكر دفن زينب
في مصر> :وقد تتبعنا أجزاء تاريخ ابن عساكر المطبوعة من أصل التاريخ ،مع
دقة بتصفح األوراق والصفحات ،ولم نظفر بكلمة تشير إليه ...ومن العجيب أن
األستاذ حسن قاسم هو الرجل الوحيد في تنويه القول عن ابن عساكر رميا للكالم
على عواهنه ،ويتابعه على ذلك الك ّتاب المعاصرون بغمض العين وال يتشجم
أحد منهم أن يحاسبه على هذه اإلحالة ويطالبه بأصل عبارة ابن عساكر<(.)2
لكن السابقي ناقض نفسه ،فنسب إلى ابن عساكر أنه ذكر أن المدفونة براوية
تسمى زينب ،مع أن هذه الدعوى ال أثر لها في >تاريخ دمشق< ،وغاية ما استدل
به السابقي ،كالم نسبه إلى ابن الحوراني ،وثبت أنه غير صحيح إذ أن ابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص .)44
( )2مرقد العقيلة زينب (ص .)81
248
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
249
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
مصر( ،)1ثم في نفس الوقت يقول عن حسن قاسم> :هو أكثر المصريين تعصبا
إلثبات مشهد السيدة زينب بنت علي في مصر<( ،)2وسبب نقل السابقي هذه
األقوال المتناقضة هو ما مضى من تحريفه لكالم القائلين بدفن زينب الكبرى في
مصر ،وإال فال يصح أبدا أن الشعراني( )3وحسن قاسم ذكرا أ ّن زينب الكبرى
دفنت بالشام.
5ــ أدل ٌة ألزم بها السابقي من قال بدفن زينب الكبرى في مصر أو
المدينة ولم يلتزم بها في قوله بدفنها في دمشق
ــ قال السابقي> :ف ِمن قائل إنها في جبانة البقيع مع أسرتها الكريمة ،وهذا
القول يرتكز على ظن وتخمين ،إذ لو كان لها قبر بالبقيع لجاء ذكره صريحا في
الكتب المؤل َّفة في مزارات المدينة المنورة قديما وحديثا ،كما احتفظ التاريخ
يم ُّت إليهم
بذكر عدد واف من قبور من هو دونها فضال عن قومها ،بل ولمن ُ
بالوالء وتلقتها أهل المدينة عن آبائهم يدا عن يد<( ،)4وقال أيضا> :ألن رحلة
السيدة العقيلة إلى مصر ،وإقامتها هناك ،وتلبيتها لداعي ِحمامها ،وحديث
يفوت ذكرها كل مؤرخ يقظان محيط مدفنها بها ،قضية من أهم القضايا التي ال ِّ
باألخبار واآلثار ،وال أقل من أن يذكره المؤرخون الذين نشأوا في مصر خاصة،
ولكنهم بأجمعهم لم يشيروا إليه أدنى إشارة<(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرقد العقيلة زينب (ص ،)39ومضى بيان ذلك سابقا. ()1
مرقد العقيلة زينب (ص .)74 ()2
نقل السابقي قول الشعراني بدفن زينب في دمشق بواسطة كتاب معالي السبطين وقد سبق أن بينت ()3
وجه الخلل فيما نقله السابقي (انظر ص 220ــ .)221
مرقد العقيلة زينب (ص .)33 ()4
مرقد العقيلة زينب (ص .)36 ( )5
250
نقد كتاب( :مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي
ثم إ ّن السابقي قام بذكر عناوين عدة كتب لرحالت ذكرت مصر ،أو كتب
ّ
تؤرخ لمصر ،أو تفصل خططها ،أو تتعرض لزيارات مصر ،وقرر أنها لم تذكر
قبر زينب ،وبنى على ذلك عدم صحة القبر المنسوب إليها في مصر(.)1
فهل ما ذكره السابقي ثابت في المرقد الشامي؟ ،وهل ُذكر قبر زينب في
الكتب المؤلفة في مزارات دمشق قديما وحديثا؟ وهل ذكر المؤرخون سفر زينب
إلى دمشق ووفاتها بها؟ وهل ذكرت كتب خطط الشام القديمة قبر زينب في
دمشق؟ ،أم أن أقدم كتاب ذكر بأن زينب الكبرى مدفونة في دمشق صراحة هو
كتاب نزهة األنام ألبي البقاء البدري المتوفى سنة 894هـ.
لقد تجاهل السابقي كل هذا بالرغم من أنه طبق هذه الشروط على القبر
المنسوب لزينب في مصر ،كما أننا لم نر السابقي يستعرض كتب الرحالت التي
كانت بدمشق ،أو كتب خطط دمشق وتواريخها وزياراتها ليخبرنا هل كان في هذه
الكتب ذكر لقبر زينب أم ال ،ولم يفعل ذلك ألن الجواب لن يعجبه ،فلذلك
تجاهل بحث هذه المسألة كما بحثها في قبر زينب في مصر ،وما ذلك إال لعلمه
بأن التاريخ يشهد ببطالن القبر المنسوب إلى زينب في دمشق(.)2
خالصة:
وبذلك أكون قد انتهيت من بيان بعض أوجه الخلل والزلل في كتاب >مرقد
العقيلة زينب< للسابقي ،والحقيقة أن ما مضى من التحريف في النصوص والتدليس
في النقل والكذب في العزو وغيرها من اآلفات التي اشتمل عليها كتاب السابقي ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص 40ــ .)50
( )2وسيأتي في مبحث تحقيق قبر زينب مزيد من التفصيل.
251
الفصل الثاني :نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية
هو إال غيض من فيض ،ولو أردت بيان سائر مواضع الخلل في هذا الكتاب مع الرد
والتفنيد لتضخم حجم هذه الدراسة ،وإنما اكتفيت باإلشارة إلى بعض األمثلة دون
تتبع سائر ما في الكتاب ألن ذلك مدعاة للتطويل ،فضال عن أن من نظر في ما نقله
السابقي بشيء من التأمل السريع جزم بعدم صحة تقريراته ،وظهور بطالن تلك
النقول يغني عن التفصيل في ردها ونقدها ،فإذا تبين أن غالب الكتاب مبني على
هذا المسلك الخاطئ ،تبين أنه ال ينبغي ألي منصف أن يعتمد عليه وال يعتد بما
جاء فيه.
خالصة دراسة المؤلفات عن زينب الكبرى
أشهر الكتب المعاصرة المؤلفة
والذي نخلص إليه من خالل دراسة وتحليل َ
عن زينب بنت علي ،أنها في الجملة كتب ال يعتمد عليها وال يستند إليها
في معرفة تاريخ زينب الحقيقي ،ألسباب ظاهرة ،وهي أن التاريخ الصحيح
الموثوق لم ينقل لنا عن زينب إال أمورا قليلة تتعلق بزواج عبد اهلل بن جعفر بها،
أما تفاصيل والدتها وحياتها وزواجها ووفاتها فهو أمر قد سكت عنه التاريخ،
مثلما سكت عن تاريخ شخصيات كثيرة من الصحابة وأهل البيت ،فليس لنا إال
التوقف عند ما ثبت ،أما هذه الكتب التي ظهر جلها في فترة قريبة فقد حاولت
أن تمأل هذا الفراغ التاريخي بقصص وأحداث جلها من عمل الوضاعين
والكذابين ،خاصة أصحاب كتب الم َقاتِل في القرون المتأخرة ،وكذا تلك
المؤلفات التي ظهرت في فترة قريبة بغية تصحيح القبر المنسوب لها في مصر أو
القبر المنسوب لها في الشام ،فال قيمة لها وال عبرة بها ،ألنها بُنيت على اختالق
النصوص وتزويرها والتدليس في النقول واالفتراء على من سبق من أهل العلم،
وهذا ما أنتج تاريخا مزورا عن زينب وأدى إلى ظهور ظاهرة الغلو في زينب فيما
بعد ،وهو ما سنتناوله في المباحث القادمة.
252
d
X X
الفصل الثالب
d
d
X
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
إذا كان المرجع اإلمامي محسن األمين ( 1371هـ) قد قال عن قبر زينب
الكبرى في دمشق> :القول بأن هذا القبر منسوب إلى زينب العقيلة من
المشهورات التي ال أصل لها!( ،)1فأنا أقول :إن حكاية خروج زينب الكبرى
مع أخيها الحسين إلى كربالء من القصص التي يظن أنها مشهورة لكنها
حكاية ال أصل لها ،فهذه القصة وإن ُذكرت في كثير من كتب التاريخ واألخبار
غير أنها ال تصح بأي وجه من الوجوه ،والشهرة التي قد يتوهم بعضهم أنها متحققة
في هذه القصة ــ لِتتابع كثير من المصنفين على ذكرها في كتبهم ــ هي شهرة زائفة
ال حقيقة لها ،وعدم تفطن كثير من المؤرخين لما في هذه القصة من األمور
روا على ما هي العادة في
المستنكرة ال يعني تسليمهم بسائر ما ورد فيها ،وإنما َج ْ
التصنيف من متابعة الالحق للسابق ،وإال فلو تأمل كثير منهم فيما ورد في أخبار
خروج زينب الكبرى مع أخيها الحسين وما اشتملت عليه هذه األخبار من نسبة
كثير من الشنائع إلى زينب لر ُّدوها ،ولعلموا أن آفتها من راويها أبي مخنف.
المس َّلمات التي ال يطرأ على با ِل
وقد شاعت هذه الحكاية وباتت اليوم من ُ
كثير من الباحثين البحث عن جذورها ،وتمحيصها بالرجوع إلى رواتها الذين عليهم
المدار ،ولهذا كان من الضروري أن ُتعاد قراءة قصة استشهاد الحسين ،وتتبع
مواطن اإلضافة والزيادة والتحريف فيها بحثا عن قصة االستشهاد الصحيحة.
إن الذي دعاني إلى البحث في هذه القضية ما ذكرته سابقا من أن أحد
بواعث التأليف عن زينب الكبرى واالهتمام الطارئ بشخصيتها والذي ال تجد
له جذورا في التراث القديم ،هو الروايات التي تذكر حضورها في كربالء وتنسب
لها مواقف متعددة في هذه الواقعة ،فالقضية المركزية في سائر المصنفات
المتأخرة عن زينب هي المواقف التي تنسب لها في وقائع مسير الحسين إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( (1أعيان الشيعة (.)17/5
255
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
الكوفة ،ولذلك قمت بدراسة هذه الواقعة والروايات الواردة فيها دراسة مفصلة،
وتبين لي وجود خلل كبير فيها سواء من ناحية طريقة رواية هذه األخبار والوسائط
التي نقلت بها ومدارها على لوط بن يحيى أبي مخنف ،إضافة إلى اإلشكاالت
العديدة التي اكتنفت متون هذه الروايات.
وبعد أن قمت بتتبع هذه الروايات ومقارنتها بروايات الثقات لقضية خروج
الحسين إلى الكوفة ومقتله به ،تبين لي أن مفتاح الكشف عن أصل الخلل
في رواية خروج زينب مع الحسين إلى كربالء هو رواية أبي مخنف التي هي أصل
تفرد
البالء في هذه القضية ،فبعد البحث والتتبع تبين أن المصدر الوحيد الذي ّ
بإثبات خروج زينب الكبرى مع الحسين هو أبو مخنف ،وكل من ذكر زينب
الكبرى في عداد من خرج مع الحسين إنما اعتمد على رواية أبي مخنف(،)1
بل إ َّن عامة التفاصيل التي وردتنا عن قصة مقتل الحسين إنما هي من
متفردات أبي مخنف كما قرر ذلك ابن كثير( ،)2وصرح به جل الباحثين
المعاصرين المتخصصين في سيرة الحسين ،)3(وألجل ذلك تساهل بعض
المؤرخين في نقل روايته ،ومنهم ابن سعد والبالذري والطبري.
أما ابن سعد؛ فقد روى الواقعة بمنهج التلفيق بين الروايات( )4فلذلك ال
يستطيع الباحث تمييز رواية أبي مخنف إال بمقارنتها مع رواية الطبري ،وكذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد يعترض معترض برواية عمار الدهني عن الباقر وغيرها من الروايات التي تذكر خروج زينب ()1
مع الحسين وال ينتهي إسنادها إلى أبي مخنف ،وسيأتي الجواب عن ذلك مفصال في مبحث
مستقل (انظر ص .)370
البداية والنهاية طبعة هجر (.)577/11 ()2
راجع :مواقف المعارضة في عهد يزيد (ص 195ــ ،)196مقتل اإلمام الحسين بن علي برواية ()3
أبي مخنف (ص ،)30كربالء بين األسطورة والتاريخ (ص ،)52جدل ومواقف حول الشعائر
الحسينية (ص 186ــ ،)187أصول المقتل الحسيني (ص .)184
الطبقات البن سعد طبعة الخانجي ( 421/6ــ .)422 ()4
256
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
البالذري فكان يصرح بالرواية عن أبي مخنف في بعض األحيان( ،)1لكنه في
الغالب ينقل رواياته باستعمال لفظ >قالوا< ،والخبير بمنهج البالذري يعلم أن
المقصود بذلك هو أبو مخنف وذلك بمقارنة الرواية مع ما ذكره الطبري(.)2
فرواية الطبري عن أبي مخنف أدق ،وهي األصل ،ألنه لم يسلك مسلك
التلفيق ،والطبري إنما ساق رواية أبي مخنف لما فيها من التفاصيل التي ال
توجد في غيرها من الروايات ،يقول الطبري مثال عن تفاصيل مقتل مسلم بن
عقيل الذي بعثه الحسين إلى الكوفة> :وأما أبو مخنف فإنه ذكر من قصة مسلم
ابن عقيل وشخوصه إلى الكوفة ومقتله قصة هي أشبع وأتم من رواية عمار
الدهني<( ،)3ولهذا قال الدكتور محمد بن عبد الهادي الشيباني> :فوجد( )4أ َّن
أبا مخنف يقدم عرضا مفصال ومسهبا عن الحسين منذ خروجه من المدينة
ثم إلى الكوفة ،وحتى مقتله بكربالء ،وهو ما تفتقده التآليف إلى مكةّ ،
األخرى التي ألَّفها ثقات من أهل السنة ،حيث تبدو الفجوات وعدم تسلسل
الحدث واضحا<(.)5
ومن هنا قررت بسط الكالم عن واقع روايات أبي مخنف من خالل دراسة
حاله من جهة الجرح والتعديل ودراسة إجمالية لوسائطه في نقل وقائع كربالء،
مع نقد إجمالي لمتون الروايات وتحليلها ومقارنتها مع غيرها من الروايات ،حتى
يتضح أن أكثر ما نقله أبو مخنف ال يمت إلى الحقيقة والواقع بأي صلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنساب األشراف (.)156/3 ()1
وهذا منهج معروف عن البالذري في كتابه ،ولم يتنبه الدكتور محمد بن عبد الهادي الشيباني لذلك ()2
ففسر صنيع البالذري بتفسيرات عدة! انظر :مواقف المعارضة في عهد يزيد (ص 197ــ ،)198
وال صحة ألي شيء مما ذكره بل تلك جادة سلكها البالذري في سائر الكتاب.
تاريخ الطبري (.)351/5 ()3
أي الطبري. ()4
مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (ص .)196 ( )5
257
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
يمل
أ
ا حب الول
أ م ن ف ثحفلي
ح
ا ق ي حال اي نف الزدى
$
258
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
()1
مثل عمرو بن وعمرو ابن شمر ليسوا هم بشيء< ،فقال الدوري> :هما
شمر؟< ،فقال يحيى> :هما شر من عمرو بن شمر<(.)2
وذكره الفسوي ضمن باب من يُرغب عن الرواية عنهم ،والذين قال عنهم:
>وكنت أسمع أصحابنا يضعفونهم<(.)3
وقال أبو ُع َبيد اآلجري> :سألت أبا داود عنه فنفض يده وقال> :أحد يسأل
عن هذا؟<<()4؟!.
وقــال أبــو حــاتم> :متــروك الحــديث<( ،)5وقــال الــدارقطني> :أخبــاري
ضعيف<(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال يحل أن يكتب عن عمرو بن شمر< ،وقال عنه ابن حبان> :يروي الموضوعات َعن الثقات ال
يحل كتب َح ِديثه إِ َّال على ِج َهة التعجب<.
وقال الحاكم> :عمرو بن شمر الجعفي كثير الموضوعات عن جابر الجعفي وغيره ،وإن كان جابر
الجعفي عند القوم مجروحا وليس راوي تلك الموضوعات الفاحشات عنه غير عمرو بن شمر
الجعفي ،فوجب أن يكون الحمل فيها عليه<.
وقال أبو نعيم> :يروي عن جابر الجعفي الموضوعات المناكير< ،واتهمه السليماني بأنه كان يضع
للغالة.
انظر :لسان الميزان ( ،)210/6سؤاالت اآلجري ألبي داود طبعة الريان (ص ،)189المدخل
إلى الصحيح للحاكم (ص.)158
أي أبو مريم وأبو مخنف ،ووقع في المطبوع من تاريخ ابن معين برواية الدوري >هم< والصواب ()1
>هما< كما عند العقيلي في الضعفاء (.)18/4
تاريخ ابن معين رواية الدوري (.)439/3 ()2
المعرفة والتاريخ (.)34/3 ()3
لسان الميزان (.)430/6 ()4
الجرح والتعديل البن أبي حاتم (.)182/7 ( )5
الضعفاء والمتروكون برقم ( ،)449موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني (.)535/2 ()6
259
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
260
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية مبينا أحوال رواة أخبار التاريخ> :قد يكون
الرجل صادقا ،ولكن ال خبرة له باألسانيد ،حتى يميز بين المقبول والمردود،
أو يكون سيء الحفظ أو متهما بالكذب ،أو بالتزيد في الرواية ،كحال كثير من
األخبارين والمؤرخين ،وال سيما إذا كان مثل أبي مخنف لوط بن يحيى
وأمثاله<(.)1
وعده ضمن المعروفين بالكذب فقال> :مثل أبي مخنف لوط بن يحيى، ّ
وهشام بن محمد بن السائب ،وأمثالهما من المعروفين بالكذب عند أهل العلم<(.)2
وقال أيضا> :أكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب ،يرويها
الكذابون المعروفون بالكذب ،مثل أبي مخنف لوط بن يحيى ،ومثل هشام بن
ثم قال عن الكلبي وأبي
محمد بن السائب الكلبي وأمثالهما من الكذابينَّ ،<...
كذاب<(.)3مخنف> :كالهما متروك َّ
وقال أيضا> :جمهور المصنفين في األخبار والتواريخ والسير والفتن من
رجال الجرح والتعديل منهم من هو في نفسه متهم أو غير حافظ كأبي مخنف لوط
ابن يحيى ،وهشام بن محمد السائب الكلبي ،وإسحاق بن بشر ،وأمثالهم من
الكذابين<(.)4
وو َّهاه الذهبي في أكثر من موضع من كتبه ،فترجم له في >ميزان االعتدال<
وقال عنه> :أخباري تالف ،ال يوثق به<(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأس الحسين (ص .)198 ()1
منهاج السنة ( 58/1ــ .)59 ()2
منهاج السنة (.)81/5 ()3
تلخيص كتاب االستغاثة المعروف بالرد على البكري (.)77/1 ()4
ميزان االعتدال (.)419/3 ( )5
261
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وقال عنه في موضع آخر> :هالك<( ،)1وطعن فيه في أكثر من موضع في
كتابه >تاريخ اإلسالم< ،فنقل تضعيف ابن معين وأبي حاتم والدارقطني له حين
ترجم له( ،)2وقال مرة> :وا ٍه<( ،)3وفي موضع آخر> :ليس بثقة ،لكن له اعتناء
باألخبار<( ،)4وصرح في موضع آخر بأنه كذاب فقال بعدما نقل رواية ألبي
مخنف> :هذا قول شاذ ،وأبو مخنف كذاب<(.)5
وقال عنه في >سير أعالم النبالء<> :هو من بابة سيف بن عمر التميمي،
صاحب >الردة< ،وعبد اهلل بن عياش المنتوف ،وعوانة بن الحكم<( ،)6وقال
عنه في >المغني في الضعفاء<َ > :ساقِط<( ،)7فأبو مخنف عند الذهبي أخباري غير
ثقة ،كذاب تالف هالك ساقط واه.
وض َّعفه ابن حجر في لسان الميزان تبعا للذهبي( ،)8وقال عنه ابن عراق
الكنانيَّ > :
كذاب تالف<(.)9
وجرح أهل العلم ألبي مخنف منصرف إلى أسانيده ومروياته التاريخية ،إذ
ُ
إال القليل النادر ،قال ابن عدي: أن أبا مخنف لم يرو من أحاديث النبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ميزان االعتدال ( ،)571/4المغني في الضعفاء (.)807/2 ()1
تاريخ اإلسالم (.)189/4 ()2
تاريخ اإلسالم (.)379/2 ()3
تاريخ اإلسالم (.)686/2 ()4
تاريخ اإلسالم (.)915/2 ( )5
سير أعالم النبالء (.)302/7 ()6
المغني في الضعفاء (.)535/2 ()7
لسان الميزان (.)430/6 ()8
تنزيه الشريعة المرفوعة (.)98/1 ()9
262
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
263
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
()1
ثم إنَّه حين شرع في تأريخ
من أئمة هذا الشأن ــ يقصد التاريخ واألخبار ــ َّ ،
مقتل الحسين ذكر أنه سيعتمد ما ذكره >أئمة هذا الشأن<( ،)2ولن ينقل
روايات المتهمين بالغلو لما فيها >من الكذب الصريح والبهتان< ،لكنه اتكل على
رواية أبي مخنف في عامة ما ذكره( ،)3وبعد أن انتهى من سياق رواياته حكم على
جل ما ورد في باب مقتل الحسين بالضعف واالختالق وأن أكثره من رواية
أبي مخنف فقال> :في صفة مصرع الحسين كذب كثير وأخبار طويلة ،وفيما
ذكرناه كفاية ،وفي بعض ما أوردناه نظر ،ولوال أن ابن جرير وغيره من الحفاظ
األئمة ذكروه ما سقته ،وأكثره من رواية أبي مخنف لوط بن يحيى<(.)4
وقال عنه بعد أن وصفه بالغلو> :وهو ضعيف الحديث عند األئمة ،ولكنه
أخباري حافظ ،عنده من هذه األشياء ما ليس عند غيره ،ولهذا يترامى عليه كثير
من المصنفين ممن بعده<(.)5
وقال في موضع آخر عن أبي مخنف> :وهو متهم فيما يرويه<( ،)6فهو يسوق
الرواية التي يرى أنها سليمة من األكاذيب وفي نفس الوقت يتهم صاحب هذه
الرواية وهو أبو مخنف بأنه اختلق أكثر أخبار مقتل الحسين مع أن ما أورده في كتابه
مما صرح بأنه صحيح ليس إال من رواية أبي مخنف ،ولعل ما أوقع ابن كثير في
هذا االضطراب هو صعوبة تصفية روايات مقتل الحسين من الكذب واالختالق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البداية والنهاية طبعة هجر (.)646/10 ()1
والظاهر أنه يقصد بذلك اإلمام الطبري فجلُّ ما أورده منقول عنه. ()2
البداية والنهاية طبعة هجر (.)521/11 ()3
البداية والنهاية طبعة هجر (.)576/11 ()4
البداية والنهاية طبعة هجر ( 576/11ــ .)577 ( )5
البداية والنهاية طبعة هجر (.)28/12 ()6
264
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
زعم بعض ال ُك َّتاب المعاصرين أ َّن الطبري يرى وثاقة أبي مخنف( ،)1وهذا
الكالم ال وجه له ،فالظاهر من صنيع الطبري في تاريخه أنه كان يسوق ما وقف
عليه من روايات األخباريين دون النظر إلى وثاقة روايتهم ،وكان مراده جمع
الروايات المختلفة في موضع واحد.
ولذا ساق روايات أمثال أبي مخنف والكلبي والواقدي وسيف بن عمر
وغيرهم من المتهمين والمتروكين( ،)2وقد بين الطبري في المقدمة أنه بريء من
الروايات المستنكرة التي ساقها وأن العهدة في ذلك على الرواة(.)3
عول على خبرة القارئ وقدرته على تمييز صحيح والظاهر أ َّن الطبري َّ
الروايات من ضعيفها ،وفي هذا نوع قصور ،إذ ليس كل أح ٍد يحسن نقد األخبار،
ولذا وقع الخلل في كتابات كثير من الك َّتاب ومتأخري المؤرخين وبعض
المحدثين والمستشرقين وغيرهم ممن اعتمد على روايات الطبري دون تحر أو
()4
تثبت من صحتها ،وساروا في ذلك مسار حطّاب الليل ،ومن هنا دخل الدخل
على كثير ممن استند على روايات الطبري لمقتل الحسين دون التنبه إلى ما فيها
من المنكرات واألكاذيب ،التي تولى كبرها أبو مخنف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأسيس الشيعة لعلوم اإلسالم (ص ،)236مقتل اإلمام الحسين برواية أبي مخنف لكامل سلمان ()1
الجبوري (ص ،)8وقعة الطف ألبي مخنف للغروي (ص .)20
راجع :تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (ص 195ــ ،)196منهج كتابة التاريخ اإلسالمي ()2
(ص .)489
تاريخ الطبري (.)8/1 ()3
الدخل :الفساد ،القاموس المحيط (ص.)998 ()4
265
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
266
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
267
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
* الطريق األول:
رواية هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبي مخنف( ،)1وسائر ما نقله
البالذري والطبري عن أبي مخنف في مقتل الحسين هو من رواية الكلبي(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ولم يسم الطبري في تاريخه الواسطة بينه وبين هشام بن محمد الكلبي في الرواية عن أبي مخنف،
بل كان يقول تارةُ > :حدثت عن أبي مخنف< بصيغة المجهول ،وتارة يقول> :قال هشام عن أبي
مخنف< ،فالواسطة بين الطبري وبين هشام الكلبي مجهولة ،وأما البالذري فكان يروي عن هشام
بواسطة ابنه عباس بن هشام ،وتارة يقول> :قال أبو مخنف<.
( )2تنوعت آراء الباحثين في أوجه نقل الطبري عن أبي مخنف ،حيث يرى الدكتور يحيى بن إبراهيم
اليحيى أ َّن الطبري نقل من كتب أبي مخنف بوجهين:
األول :النقل من كتب أبي مخنف مباشرة وهذا ينطبق على كل ما رواه الطبري عن أبي مخنف
بصيغة> :قال أبو مخنف<.
الثاني :النقل عن أبي مخنف باألسانيد .انظر كالمه مفصال في مرويات أبي مخنف في تاريخ
الطبري (ص 58ــ .)62
ّأما محمد هادي الغروي فذهب في وقعة الطف (ص )10إلى أ ّن الطبري وقف على كتب أبي
مخنف مباشرة وكان ينقل عنها بال واسطة.
وأما عامر الجابري فأتى بنظرية بعيدة ،إذ قرر أ ّن الطبري إنما أسقط سنده إلى هشام ــ راوي مقتل
ّ
أبي مخنف ــ ألنه ذكره سابقا ،وأنه يروي عن هشام عن طريق شيخه الحارث بن محمد عن ابن
سعد عن هشام ،وزعم أ َّن الطبري اكتفى بذكر السند السابق ألنه صار معروفا .انظر :أصول المقتل
الحسيني (ص 215ــ .)216
وما ذكره غير صحيح فإن الطبري بعدما روى عن هشام بالسند السابق ،كرر الرواية بالوجهين
ثت) ــ عن هشام ،فضال عن أ ّن الطبري روى عن أبي ــ المتصل (باإلسناد) والمبهم (بصيغة ُح ِّد ُ
مخنف من غير طريق هشام ،فروى من طريق ابن شبة عن المدائني عن أبي مخنف في 13موضعا
كما ذكر الدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى في كتابه اآلنف (ص ،)60وعليه فليس للطبري طريق
واحد عن أبي مخنف ،وهذا كاف في نقض نظرية عامر الجابري ،والذي يظهر أن ما رواه الطبري
عن أبي مخنف هو من نسخة واحدة مروية من طريق هشام الكلبي ،وغالب ظني أ ّن هذه النسخة وقعت
للطبري باإلجازة ،مع سماعه لجزء منها ،وأن الطبري كان ينقل ما سمعه بإسناده إلى هشام عن أبي
مخنف ،وأما ما أجيز له دون أن يسمعه فكان ينقله مباشرة عن أبي مخنف بال سند ،والعلم هلل.
268
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
والكلبي أحد أقطاب الكذابين ،اتفق النقاد على اطِّراح أخباره ،قال عنه
أحمد بن حنبل >إنما كان صاحب سمر ونسب ،ما ظننت أ َّن أحدا يح ِّدث عنه<.
وذكره ابن عدي( )1والعقيلي وابن الجارود وابن السكن في الضعفاء ،واتهمه
األصمعي ،واتهمه أبو الفرج األصفهاني بوضع األخبار وتوليد األشعار(.)2
وقال الدارقطني> :متروك< ،وقال ابن عساكر> :ليس بثقة<.
وقال عنه الذهبي> :ال يوثق به<( ،)3وقال أيضا> :أحد المتروكين<(.)4
* الطريق الثاني:
رواية علي بن محمد المدائني عن أبي مخنف ،أوردها ابن سعد في طبقاته
مع غيرها من الروايات( ،)5والمدائني من رواة األخبار المشهورين ،وقد وثقه
ابن معين وأبو عاصم النبيل(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكامل في الضعفاء (.)412/8 ()1
لسان الميزان (.)238/8 ()2
ميزان االعتدال (.)305/4 ()3
سير أعالم النبالء (.)101/10 ()4
طبقات ابن سعد طبعة الخانجي ( ،)421/6مقاتل الطالبيين (ص ،)94ونقل ابن الجوزي في ( )5
الرد على المتعصب العنيد (ص )55رواية من طريق ابن أبي الدنيا عن المدائني عن أبي مخنف،
إال أنه قد وقع فيها سقط وإبهام ،فجاء فيه> :قال ابن أبي الدنيا :وثنا محمد بن صالح ،قال :ثنا
علي بن محمد ــ شيخ من األزد ــ عن سليمان بن أبي راشد ،عن حميد بن مسلم<.
قلت :الصواب :ثنا علي بن محمد عن شيخ من األزد ،وعلي بن محمد هو المدائني والشيخ
األزدي هو أبو مخنف ،بدليل روايته عن سليمان بن أبي راشد ،والخبر في تاريخ الطبري
( )458/5من طريق أبي مخنف.
تاريخ بغداد (.)316/13 ()6
269
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
* الطريق الثالث:
عمر بن سعد األسدي ،أوردها أبو الفرج األصفهاني في مقاتله ،من طريق
الحسين بن نصر بن مزاحم عن أبيه(.)1
وفي هذه الرواية علل ثالث(:)2
األولى :الحسين بن نصر بن مزاحم لم أقف له على ترجمة.
الثانية :نصر بن مزاحم واه متروك ،اتفق النقاد على توهينه ،منهم أبو خيثمة
والعجلي( )3وصالح جزرة وأبو الفتح األزدي( ،)4وابن معين( ،)5وأبو حاتم
الرازي( ،)6والدارقطني( ،)7وابن عدي( ،)8والعقيلي( ،)9والخليلي( ،)10ولم
يخالف في ذلك إال ابن حبان ،إذ تفرد بذكره في الثقات( ،)11وال عبرة بمخالفة
ابن حبان وحده ،فابن حبان يذكر في ثقاته كل من ترجم له البخاري وابن أبي حاتم
دون أن يذكرا فيه جرحا أو تعديال(.)12
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مقاتل الطالبيين (ص .)92
( )2مع غض الطرف عن حال أبي الفرج األصفهاني.
( )3لسان الميزان (.)267/8
( )4تاريخ بغداد (.)382/15
( )5التكميل في الجرح والتعديل (.)354/1
( )6الجرح والتعديل (.)468/8
( )7الضعفاء والمتروكون ( )134/3برقم (.)546
( )8الكامل في الضعفاء (.)286/8
( )9الضعفاء الكبير (.)300/4
( )10اإلرشاد (.)572/2
( )11الثقات (.)549/5
( )12وقد ذكرت هذا في كتابي أولئك مبرؤون طلحة بن عبيد اهلل (ص ،)341ثم وجدت أن الشيخ=
270
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
الثالثة :عمر بن سعد األسدي اتهمه أبو حاتم بالغلو وقال عنه> :متروك
الحديث<(.)1
والنتيجة المرتبة مما تقدم أن الرواية الموثوقة الوحيدة عن أبي مخنف
ــ حسب موازين الجرح والتعديل ــ هي رواية المدائني التي نقلها ابن سعد ،وأما
رواية الكلبي وعمر األسدي فال يعتبر بهما ،ويستثنى من ذلك ما وافقا فيه
المدائني فيكون ثابتا عن أبي مخنف.
إال أ َّن هذه النتيجة تواجه إشكاالت عدة:
اإلشكال األول :أن الظاهر من صنيع الطبري وقبله البالذري هو الركون
إلى ما رواه الكلبي عن أبي مخنف ،ولو أن الطبري ارتاب من رواية الكلبي
لتوقف فيها ولما نقلها ،فاعتماد الطبري على رواية الكلبي ير ُّد على من يرى
تضعيفها ،والجواب عن هذا سهل ،فالمنهج الذي سلكه الطبري والبالذري قائم
على الجمع والتتبع للروايات دون نقدها أو تمييز الثابت منها من المردود
والسقيم ،فلذا وقع منه التساهل في نقل الروايات ،خالفا للمنهج المتبع في هذا
البحث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الرحمن بن يحيى المعلمي قد أشار إلى ذلك في التنكيل ( ،)255/1ثم وقفت على مقالة =
للدكتور شادي آل نعمان يقرر فيها ذلك فقال> :كتاب اإلمام البخاري التاريخ الكبير ،وكتاب ابن
أبي حاتم الجرح والتعديل ،موردان رئيسيان البن حبان في ثقاته ،حتى قال ابن قطلوبغا إنه
يتابعهما حذو القذة بالقذة ،إال أني الحظت احتفاله بتاريخ البخاري بأكثر من كتاب ابن أبي
حاتم< ،انظر مقالة :تسعون فائدة حول ابن حبان وثقاته وترتيبه ،منشورة بموقع مركز النعمان
http: //shadyalnoman. com/play. php?catsmktba=1070
( )1الجرح والتعديل (.)112/6
271
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
272
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
عليه في هذا البحث هو التسليم برواية الكلبي عن أبي مخنف ،إال إن تبين
بالمقارنة عدم صحة رواية الكلبي ،وثمرة هذا البحث هو التحرز والتثبت من
فجل النقاد الذين بحثوا رواية أبي مخنف لمقتل الحسين
الرواة عن أبي مخنفُّ ،
عصبوا الجناية برأس أبي مخنف ،وربما قد يكون أبو مخنف بريئا ،والبالء من
ّ
الكلبي الذي روى عنه.
273
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
اإلمامية وغيرهم.
ومن هذا قول الشيخ عباس القمي ــ من اإلمامية ــ في >الكنى واأللقاب<:
وليعلم إ ّن ألبي ِم ْخنف كتبا كثيرة في التاريخ والسير ،منها كتاب :مقتل الحسين
> ُ
(ع) الذي نقل عنه أعاظم العلماء المتق ّدمين واعتمدوا عليه ،...ولكن لألسف
وأما المقتل الذي بأيدينا وينسب إليه ،فليس له،
أ ّنه فُقد وال يوجد منه نسخةّ ،
بل وال ألح ٍد من المؤرخين المعتمدين ،ومن أراد تصديق ذلك ،فليقابل ما في
هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره عنه ح ّتى يعلم ذلك<(.)1
()2
وأول من فصل الكالم عن هذا الكتاب جماعة من علماء اإلمامية ّ ، وقد َّ
وجدته بسط البحث في ذلك منهم هو الشيخ محمد هادي الغروي في كتابه >وقعة
الطف ألبي مخنف< ،فكان مما قاله> :ل ْم يكن لي ب ّد ــ وأنا أريد تحقيق الكتاب ــ
ْأن أنظر ما في هذا المقتل الموضوع ،فمن المقطوع به أ ّن الكتاب من جمع جامع
غير أبي ِم ْخنف ،وال يُدرى َمن هو هذا الجامع ومتى جمعه؟ والذي يبدو لي أ ّنه
المتأخرين غير عارف بالتاريخ والحديث والرجال ،وح ّتى األدب ّ كان من العرب
المتأخرين
ّ العربي؛ فإ ّنه يستعمل في الكتاب كلمات هي من استعمال العرب
العامية<(.)3
ّ باللغة الدارجة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الكنى واأللقاب (.)148/1
( )2انظر :اللؤلؤ والمرجان للنوري (ص ،)187والذريعة للطهراني ( )27/22والصحيح من مقتل
سيد الشهداء (ص 33ــ ،)34وأصول المقتل الحسيني (ص 211ــ ،)213ومجلة اإلصالح
الحسيني العدد الثاني (ص ،)138وجدل ومواقف من الشعائر الحسينية (ص ،)130وفي بناء
المقامات الدينية (ص .)100
( )3وقعة الطف (ص 23ــ .)29
274
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ثم يقول تحت عنوان> :األخطاء الفاحشة في هذا المقتل المتداول<: َّ
>والكتاب يشتمل على ع ّدة أغالط فاحشة ،هي كما يلي:
1ــ يُفاجأ القارئ البصير في ّأول سطر من ّأول صفحة ــ من هذا المقتل
المتداول ــ بهذه الغلطة الفاضحة ،قال أبو ِم ْخنف :ح ّدثنا أبو المنذر هشام عن
محمد بن سائب الكلبي!ّ
فترى أبا ِم ْخنف هنا ــ وهو شيخ هشام ــ ناقال عن هشام تلميذه ،وهو بدوره
كم كان جامع هذا الكتاب
السائب الكلبي ،فيا ُترى ْ
محمد بن ّمح ّدثا له عن أبيه ّ
جاهال بتراجم الرجال ح ّتى خفي عليه هذا؟!
2ــ وتقلِّب بعد هذا ثالثة من صحائف الكتاب ،فتجده يقول :وروى
الكليني في حديث ،فليت شعري من هذا الذي يروي عن الكليني المتوفّى
( 329هـ) ،وقد توفّي أبو ِم ْخنف ( 158هـ)؟! والرواية بع ُد غير موجودة في
الكافي.
ثم تقلب صفحات أخرى فتجده يقول> :قال> :فأنفذ يزيد الكتاب إلى 3ــ ّ
الوليد ،وكان قدومه لعشرة ّأيام خلون من شعبان<.
هذا وقد أجمع المؤرخون ــ ومنهم أبو ِم ْخنف برواية الطبري ــ على أ ّن
الحسين (ع) دخل مكّة لثالث خلون من شعبان ،فكيف التوفيق؟!
4ــ وينفرد في حديث مقتل مسلم بن عقيل ،بنقل خبر حفر حفيرة له وقع
فيها فأُخذ مكتوفا إلى ابن زياد ،فيقول> :وأقبل عليهم لعين ،وقال لهم> :أنا
275
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
276
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
277
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
الحر ال ُتناسب ْأن تكون 15ــ وينسب إلى اإلمام الحسين أبياتا في رثاء ّ
لإلمام ،منه:
اســــى ُح َســــ ْينا مم ـا ل َ َق ـ ْد ف ـاَ َز ال َّ ـ ِذي نَ َص ـ ُروا ُح َس ـ ْينا Jونِ ْعــــ َم ُ
الحــــ ُّر ِإ ْذ َو َ َّ
16ــ وينسب إلى اإلمام الحسين أبياتا ثالثة في رثاء أصحابه ،وهي
المتأخرين ،حيث
ّ صريحة في أ ّنها ليست لإلمام؛ وإ ّنما هي ألحد من الشعراء
من ِف ْت َيةٍ< ،هكذا.
الح َس ْي َن فَ َيا ل َ َها ْ
يقول فيه> :نَ َص ُروا ُ
17ــ وينفرد في تعيين يوم نزول اإلمام الحسين :أ ّنه كان يوم األربعاء،
ويقول في شهادته :إ ّنها كانت يوم اإلثنين.
المحرم ،وقد
ّ وهذا يقتضي ْأن يكون نزوله بكربالء في اليوم الخامس من
أجمع المؤرخون ــ ومنهم أبو ِم ْخنف برواية الطبري ــ على أ ّن نزوله كان في اليوم
المحرم ،وأ ّنه كان يوم الخميس ،ومقتله كان يوم الجمعة. ّ الثاني من
عمن يُدعى :سهل 18ــ يبتدئ من الحديث رقم ( )105بإكثار ال ّنقل ّ
الشهرزوري ،فيحشره مع أهل البيت ( )من الكوفة إلى الشام إلى المدينة،
فينسب إليه في الكوفة أبيات سليمان بن ق ّتة الهاشمي ،على قبر اإلمام الحسين:
ات آ ِل ُم َح َّم ٍد< ،وينسب إليه في الشام خبر سهل بن سعد
> َم َر ْر ُت َعلَى ْأب َي ِ
الساعدي باسم :سهل بن سعيد الشهرزوري ،فكأ ّنه يحسبه هو! ّ
19ــ وينسب إلى اإلمام الحسين يوم عاشوراء أرجوزة تشتمل على نيف
وثالثين بيتا ،وإلى عبد اهلل بن عفيف األزدي عند عبيد اهلل بن زياد قصيدة تشتمل
على نحو من ثالثين بيت.
278
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
المتأخرين من
ّ طياته على كلمات من استعمال 20ــ ويحتوي الكتاب في ّ
مما ال يناسب أبا ِم ْخنف ،كقوله فيما سبق من
العرب ال ّناطقين باللغة الدارجةّ ،
ونطمها بالدغل
ّ خبر> :حفر بئر لمسلم ،وأقبل عليهم لعين! وقال لهم...
ويتحرش<.
ّ والتراب ...وننهزم ق ّدامه ،وراحت أنصاره ويقظانه
صحة نسبة هذا الكتاب إلى أبي ِم ْخنف(.)1
كل هذا ألحد ْأن يحتمل ّ
وليس بعد ّ
4ــ تحرير حال وسائط أبي مخنف في رواية أخبار زينب الكبرى في كربالء
لو تجاوزنا حال أبي مخنف ،وسلَّمنا جدال بعدم تعمده الكذب واالختالق
فيما يرويه ،فإن هذا ال يعني غض النظر عن وسائطه في رواية أحداث مقتل
الحسين ،أل َّن من يتأمل في أحوال أخبار مقتل الحسين التي رواها أبو مخنف
يفاجأ بنتيجة صادمة ،وهي غلبة الضعف على وسائط أبي مخنف وابتالئها
باآلفات السندية ،بدءا بجيش من المجاهيل الذين ال تجد لهم ذكرا إال عند أبي
مخنف ،فضال عن مجموعة من الرواة المتهمين بالكذب أو الموصوفين
بالضعف( ،)2فضال عن غرابة األسانيد التي يأتي بها والتي ال تجدها إال عنده،
ولذا يقول عبد الحسين الحلي واصفا حال مجمل روايات أحداث كربالء> :إ َّن
وقائع الطف لم تصل إلينا إال مرسلة ،حتى التي تلقيناها بواسطة الشيخ المفيد
والشيخ الطوسي والسيد وأضرابهم ،وأكثر ما يرسل المؤرخون ــ وأوثقهم ابن
جرير الطبري ــ عن أبي مخنف ،وهو لم يحضر الواقعة وكذلك غيره .وكثيرا ما
اعتمدوا في النقل على هالل بن نافع ،وحميد بن مسلم ،وهالل بن معاوية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وقعة الطف (ص 24ــ .)29
( )2وقد قام محمد هادي الغروي بإحصاء رواة مقتل أبي مخنف وتصنيفهم إلى ست قوائم ،وبعد أن
قمت بتتبع الرواة المذكورين ،وجدت أغلبهم من المجاهيل ممن ال تجد له ذكرا وال ترجمة ،انظر
وقعة الطف ألبي مخنف (ص 30ــ .)66
279
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وغيرهم ممن شهد حرب الحسين وكان مقاتال له<( )1إلى أن قال> :ومن ذا يا ترى
ــ غير عالم الغيب ــ يعلم أ ّن األخبار مكذوبة ،نعم إ ّن تلك األخبار غير معلومة
الصدق ،وهكذا جميع األخبار بال استثناء ،وشتان بين معلوم الكذب وبين غير
معلوم الصدق<(.)2
ويتأكد هذا عند النظر في رواة أخبار زينب في كربالء ،فعدة الروايات التي
نقلها أبو مخنف عن زينب هي تسع روايات ،توزعت على ثالثة رواة ،وهم:
1ــ الحارث بن كعب الوالبي ــ من والبة األزد( )3ــ.
روى عنه نصر بن مزاحم في >وقعة صفين< رواية واحدة ،وأكثر أبو مخنف
من الرواية عنه حتى بلغت رواياته عنده خمس عشرة رواية(.)4
وهو مجهول الحال ،فليست له ترجمة في كتب الرجال السنية ،ولذا لما
ذكره الحافظ ابن حجر في >اللسان< قال> :ذكره الطوسي في رجال الشيعة<(،)5
وقال المامقاني (1351هـ) ــ من علماء اإلمامية ــ في >تنقيح المقال<> :ع ّده
السجاد ،وظاهره كونه إماميا إال أ ّن حاله
الشيخ ــ أي :الطوسي ــ من أصحاب ّ
مجهول<(.)6
وقال محقق >التنقيح< في التعليق على كالم المامقاني> :رغم الفحص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشعائر الحسينية في الميزان الفقهي (ص .)27 ()1
الشعائر الحسينية في الميزان الفقهي (ص .)29 ()2
قاله أبو مخنف كما في تاريخ الطبري ( ،)555/4وذكر اسم أبيه في ( ،)106/5و(.)122/5 ()3
انظر :كتاب مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري (ص.)68 ()4
لسان الميزان (.)524/2 ( )5
تنقيح المقال في علم الرجال (.)210/17 ()6
280
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
281
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
282
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
* األمر األول :إ ّن ُجلَّ روايات حميد بن مسلم كانت حول األحداث
ثم ما صار بعدها من خروج سليمان بن المتعلقة بالحسين وخروجه إلى كربالءّ ،
ثم أمر المختار بن أبي عبيد الثقفي ،وليس
صرد وأصحابه الذين ُس ّموا بالتوابينَّ ،
له رواية في غير ذلك إال القليل.
وعندما تتأمل في رواياته ترى الرجل وكأن همه األساسي واألول هو تتبع
األحداث وتفاصيلها بدقة غريبة ،كما أنك تجده حاضرا في وقائع كثيرة وبعضها
وقع بعد مقتل الحسين بفترة! وكأ َّن الرجل لم يُخلق إال ليروي أحداث مقتل
الحسين:
فأول رواية رواها عنه أبو مخنف ــ في أحداث مقتل الحسين ــ يذكر فيها
حميد بن مسلم أن عبد اهلل بن أبي الحصين األزدي قال للحسين بعدما منعه
جيش عمر بن سعد من الوصول للماء> :يا حسين ،أال تنظر إلى الماء كأنه كبد
السماء! واهلل ال تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا< ،فقال حسين> :اللهم اقتله
عطشا ،وال تغفر له أبدا< ،قال حميد بن مسلم> :واهلل ُلع ْد ُته بعد ذلك في مرضه،
ثم يعود فيشرب ثم يقيءّ ، فواهلل الذي ال إله إال هو لقد رأيته يشرب حتى بغرّ ،
حتى يبغر فما يَروى ،فما زال ذلك دأبه حتى لفظ عصبه ــ يعني نفسه ــ<(.)1
فلتعجب كيف اتفق لحميد بن مسلم أن يحضر دعاء الحسين على عبد اهلل
ابن أبي الحصين ،ثم يتفق له أيضا أن يظل عبد اهلل بن أبي الحصين مريضا وال
تأتيه ساعة الموت إال بعد أن عاده حميد بن مسلم ليشهد على موته عطشا كما
وقع للحسين وليحدث حميد بن مسلم بذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)412/5
283
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ومع أ َّن حميد بن مسلم كان مع جيش عمر بن سعد في كربالء إال أنه اطلع
على الحوار الذي دار بين عبيد اهلل بن زياد وشمر بن ذي الجوشن في الكوفة،
حين أمر ابن زياد شمرا بأن يسير إلى عمر بن سعد ويأمره بقتال الحسين فإن
شمر هو األمير على الجيش(.)1
أبى سعد صار ٌ
هم شمر بن ذي الجوشن بإحراق خيام النساء
ثم نرى حميدا حاضرا واقعة ِّ
َّ
لينهاه حميد عن ذلك(.)2
ونرى ُحميدا حاضرا لتفاصيل مقتل القاسم بن الحسن( ،)3كما أ ّنه شهد
كيف أن الحسين أخذ ثوبا يمانيا ونكثه كي ال يُسلبه ،ثم بعد أن قُتل جاء
بحر بن كعب فسلبه إياه(.!)4
ونراه يحدث عن مالك بن النسير الكندي الذي سلب برنس الحسين ،ويتفق
لصاحبنا أن يسمع اعتراض امرأة مالك ــ وهو في بيته ــ على صنيعه بالحسينّ ،ثم
()5
يتفق لحميد أيضا أن يحدثه أصحاب مالك بأنه بقي فقيرا حتى مات!!
ثم شهد حميد أيضا مقتل الحسين وتر ُّدد الناس في اإلقدام على جريمة
َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ الطبري ( ،)414/5وقد تنبه فوزي آل السيف ــ من اإلمامية ــ إلشكال رواية حميد بن ()1
مسلم لهذه الواقعة التي تدل على كونه حاضرا في الكوفة وقتها ،فرتب على ذلك أن حميد بن
ثم حاول أن يجيب عن إشكال روايته لوقائع كربالء مسلم لم يأت إلى كربالء إال في اليوم التاسعّ ،
التي وقعت قبل اليوم التاسع بأجوبة غير مفيدة وال قاطعة ،انظر :من قضايا النهضة الحسينية (ص
،)218وما ذكره من عدم وجوده في كربالء قبل اليوم التاسع ال دليل عليه.
تاريخ الطبري (.)429/5 ()2
تاريخ الطبري (.)447/5 ()3
تاريخ الطبري (.)451/5 ()4
تاريخ الطبري (.)452/5 ( )5
284
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
285
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
286
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
287
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
عمر بن سعد له ليبعثه إلى زوجته ليبشرها بعودته ،ومثل سماعه كالم مالك بن
النسير مع زوجته! ومثل دخوله على مجلس ابن زياد عندما ُسيِّر إليه بمن بقي من
أهل بيت الحسين ،كما أنك تجده يركز في روايته على إثبات شهوده للواقعة.
فيقول مرة> :سماع أذني يومئذ من الحسين<(.)1
ويقول أخرى> :سمعت الحسين يومئذ وهو يقول<(.)2
ويقول أيضا> :انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي األصغر وهو منبسط
على فراش له<(.)3
ويقول> :إ ّني لقائم ِع ْن َد ابن زياد<(.)4
ويقول> :واهلل إني لشاهد بهذا اليوم يوم ولّوا سليمان ابن صرد<( ،)5ويقول
مرة> :أشهد أ ّني في خيل المسيب بن نجبة تلك<(.)6
وهذا كله دليل على أن من صاغ روايات حميد بن مسلم أراد أن يصنع له
شخصية قريبة من كل الشخصيات المهمة واألحداث الهامة بطريقة غير طبيعية
وال عادية.
* األمر الثالث :لو كان أمر ُحميد بن مسلم كما يزعم أبو مخنف ،من كونه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ الطبري (.)446/5 ()1
تاريخ الطبري (.)451/5 ()2
تاريخ الطبري (.)454/5 ()3
تاريخ الطبري (.)458/5 ()4
تاريخ الطبري (.)545/5 ( )5
تاريخ الطبري (.)597/5 ()6
288
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
شهد كثيرا من تفاصيل مقتل الحسين وأصحابه واجتماع أصحاب سليمان بن
صرد ،وبداية أمر المختار ،أكان يغفل عنه سائر األخباريين من الذين يعرف عنهم
االهتمام بمثل هذه األخبار ،كقتادة البصري ،ومحمد بن السائب الكلبي
الكوفي ،والهيثم بن عدي الكوفي ،وعلي بن محمد المدائني ،وعوانة الكلبي
وغيرهم؟ أليس من العجب أنك عندما ترجع إلى كتب ثقات المؤرخين ورواياتهم
ال تجد لديهم إال اليسير من أخبار مقتل الحسين؟ ثم تجدها بهذا الصورة المفصلة
والواسعة عند حميد بن مسلم وحده دون سائر الناس!
ثم إ ّن األغرب واألعجب أن حميد بن مسلم ال يختار إال سليمان بن أبي
ّ
راشد ليروي له سائر أخبار كربالء ،وال يشرك في ذلك أحدا إال الصقعب بن
زهير في خبر واحد.
وكذلك سليمان بن أبي راشد ،ما وجد من أهل األخبار أحدا سوى أبي
مخنف ليحدثه بروايات حميد بن مسلم!.
* األمر الرابع :وقع في روايات حميد بن مسلم أخطاء فاحشة ،منها قوله:
>انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي األصغر وهو منبسط على فراش له ،وهو
مريض ،وإذا شمر بن ذي الجوشن ِفي رجالة معه يقولون :أَال نقتل هذا؟ قال:
فقلت :سبحان اهلل ،أنقتل الصبيان؟ إنما هذا صبي<(.)1
وروى ُحميد بن مسلم أيضا أ ّن ابن زياد لما أدخلوا عليه علي بن الحسين
قال> :انظروا هل أدرك؟ واهلل إني ألحسبه رجال< ،قال> :فكشف عنه مري بن
معاذ األحمر ،فقال> :نعم قد أدرك<(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)454/5
( )2تاريخ الطبري (.)458/5
289
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
علي بن الحسين لم يكن صبيا يوم خرج مع أبيه إلى كربالء ،بلقلت :إ َّن ّ
كان عمره ثالثا وعشرين سنة ،ألنه ُولد سنة 36هـ تقريبا وعاش إلى سنة 94هـ،
ومات وعمره 58سنة(.)1
فقد روى ابن سعد عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أنه قال> :مات
()2
ثم نقل ابن سعد عن الواقديعلي بن حسين ،وهو ابن ثمان وخمسين سنة< َّ ،
أنه قال> :وهذا يدلك على أن علي بن حسين كان مع أبيه ،وهو ابن ثالث أو
أربع وعشرين سنة ،وليس قول من قال :إنه كان صغيرا ولم يكن أنبت بشيء،
ولكنه كان يومئذ مريضا فلم يقاتل ،وكيف يكون يومئذ لم ينبت وقد ولد له أبو
جعفر محمد بن علي؟ ،ولقي جابر بن عبد اهلل وروى عنه ،وإنما مات جابر سنة
ثمان وسبعين<(.)3
وقال ابن سعد> :وكان علي بن حسين مع أبيه وهو ابن ثالث وعشرين
سنة<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختلف في سنة وفاة علي بن الحسين على أقوال كثيرة ،تدور بين سنة 90إلى 100هـ ،واألكثر ()1
على أن وفاته كانت سنة 94هـ ،فإذا كان عمره 58سنة ،فعلى هذا يكون علي بن الحسين من
مواليد سنة 36هـ ،وانظر تهذيب التهذيب (.)307/7
طبقات ابن سعد ( ،)219/7وإسناده صحيح ،فقد رواه ابن سعد عن عبد الرحمن بن يونس عن ()2
سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد ،وعبد الرحمن بن يونس هو أبو مسلم المستملي الرقي،
روى له البخاري في الصحيح ،وقال عنه أبو حاتم> :صدوق< ،وتكلم فيه غيره بكالم ال يضر،
انظر :تهذيب التهذيب ( ،)302/6ولذا قال عنه ابن حجر في التقريب (برقم > :)4048صدوق
طعنوا فيه للرأي< ،وبقية اإلسناد أئمة ،فسفيان بن عيينة إمام مشهور ،وجعفر الصادق ثقة فقيه
مشهور أيضا.
طبقات ابن سعد (.)219/7 ()3
طبقات ابن سعد (.)210/7 ()4
290
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وقال الليث بن سعد> :وانطُلق بعلي بن حسين وفاطمة بنت حسين وسكينة
بنت حسين إلى عبيد اهلل بن زياد وعلي يومئذ غالم قد بلغ<( ،)1فمن يكون بمثل
هذا العمر أيقال عنه صبي؟ بل ويحتاج ابن زياد إلى الكشف عن عورته ليعلم إن
بلغ أم ال؟!.
وقد روي عن محمد الباقر بن علي بن الحسين أنه كان مع أبيه في كربالء،
وحمل مع الغلمان إلى يزيد( ،)2وقد ولد الباقر سنة 56هـ( ،)3قبل كربالء بخمس
ُ
سنوات ،فإن ثبت هذا قُطع ببطالن هذا الخبر ،بل إن هذه الرواية التي أوردها
أبو مخنف لتدل على أن حميد بن مسلم لم ير علي بن الحسين ولم يلقه قط ،ولو
جعلت هذه الرواية دليال على بطالن سائر ما رواه حميد بن مسلم كونه ال يعرف
علي بن الحسين أصال ولم يلقه لكان ذلك وجيها(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعجم الكبير للطبراني (.)140/3 ()1
أخرجه أبو العرب في المحن (ص )156وابن عبد ربه في العقد الفريد ( 131/5ــ ،)132من ()2
طريق أبي عبيد القاسم بن سالم ،عن حجاج عن أبي معشر عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن
الحسين بن علي ،وورد في اإلمامة والسياسة المنحول على ابن قتيبة ( )6/2بال إسناد ،ونقل
القاضي أبو يعلى الحنبلي هذا الخبر عن ابن أبي الدنيا كما في كتاب المسائل العقدية من الروايتين
والوجهين (ص .)102ووقع في مطبوعة المحن> :محمد بن الحسن بن علي< ،والصواب محمد
ابن الحسين بن علي والظاهر أنه محمد بن علي بن الحسين بن علي المشهور بالباقر ،فإ ّن يزيد
ابن أبي زياد الذي روى عنه هذا الخبر معاصر له ،فنسبه إلى جده بدل أبيه ،واإلسناد فيه لين
والعهدة فيه على أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن فإن في حفظه مقاال ،انظر ترجمته في تهذيب
التهذيب (.)422/10
قاله الذهبي في سير أعالم النبالء ( )401/4ونقله عن أحمد بن البقري ،ورجحه ابن حجر في ()3
تهذيب التهذيب (.)351/9
وقد روى أبو مخنف رواية قريبة من رواية حميد بن مسلم عن المجالد بن سعيد ،جاء فيها> :إن ()4
عبيد اهلل بن زياد لما نظر إلى علي بن الحسين قال لشرطي> :انظر هل أدرك ما يدرك الرجال؟<=
291
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
* األمر الخامس :من يتابع روايات حميد بن مسلم يجد أن أكثرها روايات
ف ما صنعه جيش ابن زياد تذمه وتعود عليه بالطعن ،فغالب رواياته في وص ِ
طعن في صديقه عمر بن سعد( )1وشمر بن ذي بالحسين من جرائم ،وجلها ٌ
الجوشن وابن زياد ،وحميد بن مسلم كان في صف جيش ابن زياد وغيرهم من
المحاربين للحسين ،فما الذي حمل حميد بن مسلم على أن يحدث بهذه
المخازي التي تعود عليه بالذم؟ ،إذ أنه مشارك في قتل الحسين وإن حاول أن
المنكر لبعض األفعال التي قام بها جيش ابن
يظهر في بعض الروايات بمظهر ُ
زياد(.)2
فالباحث يتساءل كيف ح ّدث حميد بن مسلم بكل هذه األمور مع أن فيها
ذما له وقدحا فيه ،فهل يح ِّدث العاقل بما يعود عليه بالضرر؟ أما كان يخشى
حميد بن مسلم من أن يبلغ أهل الكوفة أنه كان حاضرا في كل أحداث مقتل
فيهم أنصار الحسين إلى االنتقام منه؟
الحسين مشاركا في ذلكَّ ،
إ َّن أقل ما ينتهي إليه من تأمل هذه التساؤالت بإنصاف وتعقل ،هو التوقف
في مثل هذه األخبار والتريث في أمرها ،أما الوثوق بها والركون إليها فال يمكن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= فكشط إزاره عنه ،فقال> :نعم< ،قال> :انطلقوا به فاضربوا عنقه< ،فقال له علي> :إن كان بينك
وبين هؤالء النسوة قرابة فابعث معهن رجال يحافظ عليهن< ،فقال له ابن زياد> :تعال أنت ،فبعثه
معهن< .تاريخ الطبري ( ،)457/5فدل هذا على أن هذه القصة من عمل أبي مخنف ،إال أنه أراد
إيهام صحتها بورودها من وجهين ،وجه مختصر عن المجالد بن سعيد ووجه مفصل عن حميد
ابن مسلم ،والفطن يعلم بطالن القصة وكذبها.
( )1األخبار الطوال ألبي حنيفة الدينوري (ص .)260
( )2جمع فوزي آل السيف هذه الروايات تحت عنوان :رواية المآثر والمواقف (الجيدة) لنفسه ،انظر:
من قضايا النهضة الحسينية (ص 223ــ .)224
292
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
أن يقع ذلك من فطن متيقظ ،ولذا فكل ما رواه حميد بن مسلم من مواقف عن
زينب ال ينبغي التعويل عليه لما مضى من اإلشكاالت واالعتراضات على حميد
ابن مسلم ومروياته(.)1
وقد روى أبو مخنف عن ُحميد بن مسلم هذا ست روايات عن زينب:
األولى :عن كالمها مع الحسين عند هجوم الجيش عليهم(.)2
الثانية :عن جزع زينب حين قتل علي األكبر(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وسيتأكد ذلك عند نقد متون المرويات المنسوبة إلى زينب من طريق حميد بن مسلم.
( )2تاريخ الطبري ( ،)415/5وهذه الرواية قد توهمت أوال أنها من رواية عبد اهلل بن شريك العامري،
ثم بعد التأمل والمراجعة
وتوهم ذلك أيضا محمد هادي الغروي في وقعة الطف (صّ ،)62
واالستئناس بطريقة الطبري وأبي مخنف في الرواية ،علمت أن هذا الخبر إنما هو تتمة خبر حميد
ثم في
ابن مسلم ،وذلك أن طريقة أبي مخنف في بعض المواضع هي أنه قد يسوق رواية طويلة ّ
ثم يرجع إلى الرواية الطويلة فيظن الظان أ ّن سند أثنائها يسوق سندا فيه قصة عارضة قصيرةّ ،
القصة العارضة هو سند الرواية التي بعدها ،لكن الحقيقة أنه سند الرواية الطويلة وقد صنع أبو
مخنف ذلك في هذا الموضع ،فساق رواية حميد بن مسلم ــ الطويلة ــ التي تذكر إرسال ابن زياد
شمر بن ذي الجوشن ــ بكتاب فيه األمر بقتل الحسين ــ إلى قائد الجيش عمر بن سعد ،ثم أورد
أبو مخنف روايتين عارضتين قصيرتين:
األولى :رواها عن أبي جناب الكلبي يذكر فيها ألفاظ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد.
الثانية :رواها عن عبد اهلل بن شريك وفيها أن عبد اهلل بن أبي المحل طلب من ابن زياد أن يكتب
أمانا لبني أخته الذين خرجوا مع الحسين ،وبعث به إليه فردوا أمانه.
ثم عاد أبو مخنف إلى رواية حميد بن مسلم ،ليستأنف الخبر األول ،وليذكر وصول الكتاب إلى ّ
عمر بن سعد وهجوم الجيش على الحسين ومن معه وكالم زينب حين سماعها صوت الهجوم،
ولكنه لم يبين ذلك ،وإنما استأنف الكالم بعد نهاية رواية عبد اهلل بن أبي المحل ،بعبارة قال،
وهي عائدة على حميد بن مسلم كما هو بين من خالل السياق وتناسب الرواية مع رواية حميد بن
مسلم.
( )3تاريخ الطبري (.)446/5
293
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
294
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وقد روى أبو مخنف هذه األخبار من طريق شيخه سليمان بن أبي راشد،
وهذا اإلسناد فيه علتان:
العلة األولى :سليمان بن أبي راشد شيخ من شيوخ أبي مخنف المجاهيل
الذين ال يُعرف عنهم شيء!
أكثر عنه أبو مخنف في مقتل الحسين ،ومدار أغلب رواياته على حميد
وقد َ
ابن مسلم.
العلة الثانية :حميد بن مسلم األزدي ،وقد مضى الكالم عنه.
3ــ قُ َّرة بن قيس الحنظلي التميمي
نسب له أبو مخنف رواية وحيدة في ندب زينب ألخيها الحسين بعد مقتله
،)1(رواها أبو مخنف من طريق أبي زهير العبسي ،واإلسناد كحال األسانيد
التي مضت.
فأبو زهير العبسي هو ــ على ما يزعم أبو مخنف ــ النضر بن صالح العبسي
شيخ أكثر عنه أبو مخنف ،ال يعرف ولم يرو عنه أحد في الدنيا إال أبو مخنف،
ولذا حكم عليه نقاد الحديث بالجهالة ،فقال ابن أبي حاتم> :روى عن سنان بن
مالك عن علي ،روى عنه أبو مخنف ،سمعت أبي يقول ذلك وسمعته يقول:
النضر وسنان مجهوالن<( ،)2وقال الذهبي عنه> :مجهول<(.)3
وأما قرة بن قيس التميمي فهو كذلك مجهول ال يدرى من هو ،ولم أقف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)456/5
( )2الجرح والتعديل (.)477/8
( )3ميزان االعتدال (.)258/4
295
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
له على ترجمة ،وقد روى عنه أبو مخنف وتلميذه الكلبي روايتين أخريين يستفاد
منهما أنه كان في جيش ابن زياد(.)1
ويظهر مما سبق أ ّن الغالب على رجال أبي مخنف هو الجهالة الشديدة،
ونقاد األخبار يجعلون إكثار الراوي عن المجاهيل تهمة له ،وما دام األمر كذلك،
فالباحث ال يحتاج في نقد روايات أبي مخنف إلى التوسع في تحليل متونها ،بل
لو اكتفينا بردها جملة بسبب البالء الظاهر في أسانيدها لكان في ذلك كفاية،
فكيف إذا انضم إلى هذا ما سيأتي من إشكاالت تورث الريبة في نقل أخبار مقتل
الحسين عن هذا الضرب من الرواة؟
* تشجير أسانيد أبي مخنف وبيان أحوال رواته
ولعل خير ما أختم به هذا المبحث جدول يبين شجرة رواة أخبار زينب في
كربالء مع بيان أحوالهم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر تاريخ الطبري ( ،)411/5و(.)427/5
296
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
أبو مخنف
الروايات:
الرواية 2 8 7 5 4 3 الرواية 1 6 الرواية 9
زينب الكبرى
297
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ل
اميحب الثاني
ف حفيل
ا ق ي زواية خروج زينب الكبرى ث
مع ا لح سين الي كري أ
لء
$
ال :أدلة عدم صحة رواية خروج زينب الكبرى مع الحسين
أو ً
إ َّن من أهم األسباب التي دفعتني للكتابة عن زينب ،هو ما اكتشفته من
عدم صحة قضية خروجها مع أخيها الحسين إلى كربالء ،إذ أن هذه القضية
تع ُّد اليوم من المسلَّمات ،بينما ال تجد لها أثرا عند قدماء المؤرخين الثقات،
وقد تبين لي من خالل البحث والتتبع أ َّن رواية خروج زينب الكبرى مع أخيها
الحسين ال صحة لها ،واستندت في ذلك إلى دليلين:
* الدليل األول :تقرير قدماء المؤرخين والنسابين والمحدثين لوفاة زينب
قبل أختها أم كلثوم
إ َّن مفتاح البحث عن قضية خروج زينب إلى كربالء هو تعيين تاريخ
وفاتها ،وهو األمر الذي خلت منه كتب التاريخ ،إذ لم يذكر أحد من المؤرخين
السن َة التي توفيت فيها زينب الكبرى ،ولعل هذا ما شكل ثغرة استغلها بعض
َّ
األخباريين ليزعموا خروج زينب الكبرى مع أخيها الحسين إلى كربالء ،ولم يتنبه
ثم صار فيما بعد من المسلَّمات.
إلى ذلك من تابعهم من متأخري المؤرخين َّ
إ َّن التأمل في كلمات قدماء المؤرخين والنسابين عن قضية زواج عبد اهلل
ابن جعفر من أم كلثوم كشف أمرا مهما ،وهو أن وفاة زينب الكبرى كانت
299
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
قبل أختها أم كلثوم ،وهذا ما نص عليه جماعة من أهل العلم والنسب منهم:
والنسابة ( 124هـ)
1ــ اإلمام الزهري المؤرخ َّ
علي،
قال> :أخبرني غير واحد ،أن عبد اهلل بن جعفر ،جمع بين بنت ّ
لعلي أخرى<(.)1
ثم ماتت بنت علي ،فتزوج عليها بنتا ّ
عليَّ ،
وامرأة ّ
فأما زينب بنت علي فتزوجها عبد اهلل بن جعفر فماتت عنده،وقال أيضاّ > :
وقد ولدت له علي بن جعفر وأخا له ،يقال له :عون .وأما أم كلثوم فتزوجها عمر
ثم قال بعد أن ذكر زواج أم كلثوم بعون بن جعفر ومحمد بن جعفر:ابن الخطاب< َّ
ثم خلف على أم كلثوم بعد محمد بن جعفر ،عبد اهلل بن جعفر ،فلم تلد له شيئا
> ّ
حتى توفيت عنده<(.)2
والنسابة ( 230هـ)
2ــ ابن سعد المؤرخ َّ
قال في ترجمة أم كلثوم بنت علي ...> :فخلف عليها أخوه عبد اهلل
ابن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي طالب ،فقالت أم
كلثوم> :إني ألستحيي من أسماء بنت عميس إن ابنيها ماتا عندي وإني ألتخوف
على هذا الثالث< ،فهلكت عنده ولم تلد ألحد منهم<(.)3
النسابة ( 289هـ)
3ــ أحمد بن يحيى البالذري المؤرخ و َّ
قال> :زينب تزوجها عبد اهلل بن جعفر فبانت منه ويقال ماتت عنده،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1السنن الكبرى للبيهقي ( )13951بإسناد صحيح عن الزهري ،ونقله عنه الحافظ ابن حجر في
تهذيب التهذيب (.)324/8
( )2الذرية الطاهرة (ص .)92
( )3الطبقات طبعة الخانجي (.)429/10
300
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وأم كلثوم تزوجها عمر بن الخطاب فولدت له زيد بن عمر ،وقُتل عنها،
فخلف عليها محمد بن جعفر بن أبي طالب ،فتوفي عنها ،فخلف عليها عبد اهلل
ابن جعفر ،بعد زينب<(.)1
وقد مضى نقد قول من قال بطالق زينب من عبد اهلل بن جعفر ،وعليه يبقى
صحة قول من قال بوفاتها ،وإن لم يظهر من البالذري ترجيح أحد القولين.
4ــ أبو بكر البيهقي المح ِّدث ( 458هـ)
ثم بعد ذلك نقل عن قثم مولى آل العباس أنه قال:
نقل رواية الزهري اآلنفة َّ
>جمع عبد اهلل بن جعفر بين ليلى بنت مسعود النهشلية ،وكانت امرأة علي ،
وبين أم كلثوم بنت علي لفاطمة ،فكانتا امرأتيه<( ،)2فمقتضى ذلك أنه قائل
بوفاة زينب قبل أم كلثوم.
5ــ ابن الجوزي المؤرخ ( 597هـ)
قال> :كانت فاطمة قد ولدت لعلي الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم،
فتزوج زينب عبد اهلل بن جعفر ،فولدت له عبد اهلل وعونا ،وماتت عنده ،وتزوج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أنساب األشراف (.)402/1
( )2السنن الكبرى للبيهقي ( ،)13952ومعرفة السنن واآلثار ( )13856وأخرجه سعيد بن منصور
في سننه ( ،)1011 ،1010من طريقين عن قثم ،ورواه عبد اهلل بن اإلمام أحمد في مسائل أبيه
( ،)1286وفيه قيم مولى جعفر ،ولعله تصحيف من الناسخ واألقرب :قثم مولى جعفر،
والصواب أنه مولى آل العباس كما ورد في أكثر الطرق عن تلميذه المغيرة بن مقسم ،وقد علقه
اإلمام البخاري في صحيحه ( )11/7دون أن يذكر اسم زوجة عبد اهلل بن جعفر فيحتمل أن تكون
زينب ويحتمل أن تكون أم كلثوم ،وانظر تخريجه في تغليق التعليق ( ،)400/4وإسناده صحيح
إلى قثم.
301
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ثم خلف عليها بعده عون بن جعفر ،ثم مات أم كلثوم عمر ،فولدت له زيداّ ،
فخلف عليها محمد بن جعفر ،فولدت جارية ،ثم خلف عليها بعده عبد اهلل بن
جعفر فلم تلد له ،وماتت عنده<(.)1
()2
6ــ كمال الدين محمد بن طلحة ( 652هـ)
قال في كتاب >مطالب السؤول في مناقب آل الرسول<> :أما أم كلثوم فتزوج
بها عمر بن الخطاب فولدت له ولدين ،فلما قتل عمر تزوج بها بعده عون بن
جعفر فلم تلد له ،فلما مات تزوجها بعده محمد بن جعفر فولدت له ،فلما مات
تزوجها بعده عبد اهلل بن جعفر بعد موت زينب فلم تلد له وماتت عنده<(،)3
وكالمه صريح في أنه يرى وفاة زينب قبل أم كلثوم .
7ــ ابن كثير المؤرخ ( 774هـ)
قال> :وقد تزوج عمر بن الخطاب في أيام واليته بأم كلثوم بنت علي بن
أبي طالب من فاطمة ...ولما قتل عمر بن الخطاب تزوجها بعده ابن عمها عون
ابن جعفر فمات عنها ،فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها ،فتزوجها أخوهما
عبد اهلل بن جعفر فماتت عنده ،وقد كان عبد اهلل بن جعفر تزوج بأختها زينب
بنت علي وماتت عنده أيضا<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كشف المشكل من حديث الصحيحين ( ،)121/1ثم إنّي وقفت له على كالم في المنتظم ()1
( )338/5ينقل فيه رواية أبي مخنف عن حضور زينب في كربالء ،والظاهر أن ابن الجوزي قد
سها ولم يتنبه لتناقض األمرين كما وقع لغيره.
وهو من المغالين في آل البيت مع تساهل غريب في رواية األحاديث الموضوعة في فضائلهم وإنما ()2
أوردت كالمه استئناسا.
مطالب السؤول في مناقب آل الرسول بتحقيق المحمودي (ص .)45 ()3
البداية والنهاية ( ،)330/5وقد سها ابن كثير عن هذا فيما بعد ،فلم يتنبه إلى تعارض= ()4
302
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
303
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وقال في موضع آخر> :وال تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم ألنه
تزوجهما واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته وقد وقع ذلك مبينا عند ابن
سعد<(.)1
ومثله قاله العيني في عمدة القاري( ،)2والشوكاني في نيل األوطار(.)3
والمتحصل من هذا أ َّن الزهري وابن سعد والدوالبي وكلهم من المتقدمين
قد نصوا على وفاة زينب قبل أم كلثوم ،وتبعهم على ذلك جماعة كالبيهقي وابن
الجوزي وابن كثير وابن الملقن وابن حجر والعيني والشوكاني ،وهذا األمر ينافي
قصة خروج زينب الكبرى مع أخيها الحسين إلى كربالء وذلك أن المقطوع به أن
أم كلثوم توفيت قبل أخيها الحسن الذي صلى عليها في جنازتها ،وفي إمارة
سعيد بن العاص للمدينة التي ابتدأت سنة 48هـ ،فالالزم من ذلك أن زينب
توفيت قبل سنة 48هـ ،قبل خروج الحسين إلى كربالء سنة 61هـ،
وعليه فما يروى من خروجها مع أخيها إلى كربالء ال صحة له.
ومن هاهنا اعترض بعض المتأخرين والمعاصرين( )4على قصة زواج
عبد اهلل بن جعفر من أم كلثوم بعد وفاة أختها زينب ،يقول فرهاد ميرزا القاجاري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتح الباري ( )155/9والحافظ ابن حجر قد اختلف قوله في وفاة زينب ،فقد ذكر زينب بنت ()1
علي فيمن حضر مقتل الحسين في كربالء في اإلصابة ( ،)166/8والزم ذلك أن يكون عبد اهلل
ابن جعفر تزوج أم كلثوم قبل زينب ،ألن أم كلثوم لم تدرك مقتل الحسين ،فالظاهر أنه لم
يتنبه لذلك وجرى على ما اشتهر عند بعض المتأخرين من المؤرخين ،لكنه في التهذيب والفتح
قرر خالف ذلك حين صرح بأن عبد اهلل بن جعفر تزوج أم كلثوم بعد زينب.
عمدة القاري (.)101/20 ()2
نيل األوطار (.)177/6 ()3
انظر كالمهم مع الجواب عنه في كتابنا >نسبا وصهرا< (ص 290ــ .)300 ()4
304
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
(1305هـ) بعد أن نقل كالم محمد بن طلحة اآلنف متعجبا منه> :وهذه الرواية
غير صحيحة ،التفاق المحدثين والمؤرخين من الفريقين أن أم كلثوم ،
توفيت في إمامة الحسن السبط كما ذكر آنفا ،وكانت عقيلة بني هاشم زينب
الكبرى في كربالء ،وتحملت محنة األسر ،وبين هاتين( )1الواقعتين مضى
زمن طويل<(.)2
فالتعارض ظاهر بين القول بزواج عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم بعد زينب
وبين القول بخروج زينب إلى كربالء ،ومثله قول جعفر مرتضى العاملي بعد أن
نقل األقوال المختلفة في زواج عبد اهلل بن جعفر بزينب> :وهذا ال يمكن أن
يصح ،إال إذا كان عبد اهلل قد طلق زينب في حياة أبيها ...،وإن كانت زينب
ماتت قبل ذلك فذلك يعني أنها لم تحضر كربالء<(.)3
وقال في موضع آخر> :وهو يعني أيضا أن تكون زينب الكبرى قد ماتت
قبل كربالء ..إن كانت قد ماتت عند عبد اهلل بن جعفر<(.)4
ومرد إنكارهم لزواج عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم بعد زينب ،هو ظهور
التناقض بين ذلك وبين القول أن زينب كانت مع الحسين في كربالء،
لكنهم اختاروا تقديم رواية أبي مخنف على أقوال المحدثين والنسابين
والمؤرخين!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في المطبوع هذين والتصحيح مني. ()1
القمقام الزخار (.)121/2 ()2
زينب ورقية في الشام (ص .)20 ()3
زينب ورقية في الشام (ص .)22 ()4
305
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
* الدليل الثاني :عدم ذكر قدماء المؤرخين والنسابين لخروج زينب الكبرى
إلى كربالء
إ َّن عدم ذكر قدماء المؤرخين والنسابين لخروج زينب الكبرى إلى كربالء
يورث الشك في روايات أبي مخنف عن وجود زينب في كربالء والتي تفرد بها
وتابعه عليها جماعة ممن تأخر عنه من األخباريين ،فقد روى أحداث خروج
الحسين غير واحد غير أبي مخنف ولم يذكروا خروج زينب مع الحسين إلى
كربالء ومن هؤالء:
()1
1ــ حصين بن عبد الرحمن السلمي ( 136هـ)
روى عنه أبو زرعة الدمشقي والبالذري والطبري أحداث خروج الحسين
من بداية مكاتبة أهل الكوفة له إلى استشهاده ،)2(بأسانيد صحيحة( )3وهو
من أوثق من روى أحداث مقتل الحسين ،وقد صرح بأنه أدرك الحادثة،
()4
وروي عنه أنه قال> :كنت بالكوفة،
فقال> :أدركت ذاك حين مقتل الحسين< ُ ،
فجاءنا قتل الحسين بن علي رضوان اهلل عليهما ،فمكثنا ثالثا كأن وجوهنا طليت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر ترجمته في سير أعالم النبالء (.)422/5 ()1
تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص 626ــ )627مختصرا ،أنساب األشراف ( ،)224/3تاريخ ()2
الطبري (.)393/5
روى خبر حصين أبو زرعة مختصرا والبالذري ،من طريق سعيد بن سليمان عن عباد بن العوام ()3
عن حصين ،ورواه الطبري بإسنادين ،ثانيهما من طريق سعيد بن سليمان اآلنف ،وسعيد بن
سليمان هو أبو عثمان الواسطي المعروف بسعدويه وهو ثقة مأمون كما قال أبو حاتم الرازي،
تهذيب التهذيب ( ،)44/4وعباد بن العوام وثقه ابن معين وأبو داود والنسائي وأبو حاتم كما في
تهذيب التهذيب (.)100/5
تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص ،)626تاريخ دمشق (.)221/14 ()4
306
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
رمادا<( ،)1وقد روى حصين عن سعيد بن عبيدة وهالل بن يساف طرفا من
أحداث مقتل الحسين .
وقد ذكر حصين في روايته أ َّن ابن زياد أمر لبنات الحسين ونسائه وأهله
بمنزل في مكان معتزل فأجرى عليهن رزقا وأمر لهن بكسوة ونفقة(.)2
والشاهد أن حصينا أثبت خروج بنات الحسين ونسائه فقط ،ولم يذكر
أخواته كما ذكر أبو مخنف.
()3
2ــ عوانة بن الحكم ( 147هـ)
روى عنه الطبري من طريق الكلبي( )4قصة تسيير أهل بيت الحسين إلى
ابن زياد ،وذكر كالم فاطمة بنت الحسين مع يزيد وذكر سكينة ولم يذكر زينب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه بحشل في تاريخ واسط (ص ،)100ومن طريقه ابن المغازلي في مناقب علي (ص 448ــ ()1
،)449وابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب ( ،)2641/6ونقله عن بحشل الكالباذي
في الهداية واإلرشاد المعروف برجال صحيح البخاري (ص )206وتبعه الباجي في التعديل
والتجريح ( ،)532/2وقال محققه تركي الوادعي> :إسناده ضعيف< ،قلت :وهو كما قال :ففيه
أحمد بن إسماعيل بن عمر شيخ بحشل ولم أقف له على ترجمة ،وفيه علي بن عاصم مختلف
فيه كما تراه في ترجمته المطولة في تهذيب التهذيب ( 344/7ــ ،)348لكن العلة واقعة في
أحاديثه المسندة ،أما هذه الرواية فلو ثبتت عنه فالخطب فيها هين ألنه يروي عن شيخه حصين
ابن عبد الرحمن السلمي كالما مجمال حول حادثة عاصرها ،ومثل هذا ال يحتاج فيه إلى الضبط
والتحري في الصدق ،خاصة أن القرائن تدل على صحة الخبر ،إذ أن حصينا قد ثبت عنه أنه كان
في الكوفة حين قُتل الحسين ،وقد روى طرفا من أخبار مقتله ،وهذا كله إن سلم الخبر من عهدة
شيخ بحشل ،وعلى كل حال فالخطب في الخبر يسير وال ضير في إيراده من جهة االستئناس.
أنساب األشراف ( ،)226/3تاريخ الطبري (.)393/5 ()2
انظر ترجمته في فهرست النديم (ص .)120 ()3
والكلبي كذاب متهم وإنما أوردت روايته من باب االستئناس. ()4
307
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
308
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
309
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ابن سعد عن أبي مخنف لم يرد فيها التنصيص على كونها زينب الكبرى بنت
فاطمة مع أن ذلك قد ورد عن أبي مخنف من طرق أخرى في أكثر من رواية(،)1
والمتأمل في كالم ابن سعد يشعر بأنه يذهب إلى أن التي خرجت مع الحسين هي
زينب الصغرى ،فقد قال وهو يعدد اللواتي خرجن مع الحسين > :نساء
وس َكينة
الحسين بن علي ،وهن :زينب وفاطمة ابنتا علي بن أبي طالب ،وفاطمة ُ
ابنتا الحسين بن علي ،)2(<...وأم فاطمة بنت علي أم ولد ،ولو كانت زينب هذه
لميز ابن سعد بينها وبين أختها بقوله إنها ابنة فاطمة ،وعدم تمييزهبنت فاطمة ّ
بينهما يفيد أنهما ليستا من بنات فاطمة ،وأن مراده زينب الصغرى التي كانت ألم
ولد ،فضال عن أنه لم يميز زينب هذه بلقبها الكبرى ،وما ذاك ــ فيما يظهر ــ إال
عول على ذكرها مع فاطمة بنت علي التي ليست من بنات فاطمة ،فالفطن ألنه ّ
يفهم أن المراد زينب الصغرى وليست الكبرى.
8ــ أبو بشر محمد بن أحمد الدوالبي ( 310هـ)
فقد ترجم لزينب في الذرية الطاهرة ولم يذكر أي شيء عن خروجها إلى
كربالء(.)3
9ــ أبو العرب محمد بن أحمد التميمي ( 333هـ)
ثم ذكر
فإنه قص مقتل الحسين الذي رواه القاسم بن سالم عن أبي معشر ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ومن نظر فيما نقله ابن سعد من روايات أبي مخنف التي ذكرت زينب يظهر له أن ابن سعد لم يكن
يرى أن زينب هذه هي زينب الكبرى بنت فاطمة ،فقد تكرر في رواية الكلبي عن أبي مخنف
التنصيص على كون زينب هي ابنة فاطمة ،وال تجد أثرا لذلك في رواية ابن سعد عن أبي مخنف،
والغالب على الظن أن هذا من تصرف ابن سعد ،واهلل أعلم.
( )2الطبقات طبعة الخانجي (.)443/6
( )3الذرية الطاهرة (ص .)119
310
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
نساء الحسين وأهل بيته اللواتي كن معه فقال> :وفيهم :فاطمة بنت الحسين بن علي
وهي أكبرهم< ،ولم يذكر زينب فيهن ،ومعلوم أن زينب بنت علي أكبر من
فاطمة بنت الحسين ،فتقرير أبي العرب لكون فاطمة بنت الحسين أكبر نساء
أهل البيت نص ظاهر وواضح في عدم ورود أي ذكر لزينب فيما بلغه من األخبار.
وعندما نراجع كالم علماء األنساب من اإلمامية ،نجد أن أقدم النسابين
الذين ترجموا لزينب وهو النسابة أبو الحسن العمري لم يذكر خروجها مع
الحسين( )1مع أنه إمامي واإلمامية اليوم يعدون خروج زينب مع الحسين عمدة
فضائلها ،ومع ذلك لم يتعرض النسابة العمري لذكره.
311
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
312
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ثاني ًا :إشكاالت القول بخروج زينب الكبرى مع أخيها الحسين
إ ّن القول بخروج زينب الكبرى مع أخيها الحسين ترتب عليه إشكاليات
كبيرة ،بعضها ال زال محل أخذ ورد بين المتخصصين في الكتابة في السيرة
الحسينية ،وبعضها لم يتنبه له كثير منهم ،وإليك أهم هذه اإلشكاالت:
* اإلشكال األول :لماذا خلت كتب التواريخ من رواية زينب الكبرى
ألخبار المقتل الحسيني؟
ودققت فيما ينقل عنها من
ُ بحثت في قصة زينب الكبرى ، ُ لما
الروايات ،وجدت أن جل ما يؤثر عن زينب من أخبار وقصص مدارها على
خروجها مع الحسين ،)1(فمثار التساؤل واإلشكال مبني على أن التاريخ
الصحيح والثابت لم ينقل لنا رواية زينب الكبرى ألحداث مقتل أخيها الحسين
.)2(
فَ ُج ُّل ما يُروى في هذا الباب منقول عن رواة كوفيين من غير أهل البيت،
أما زينب فلم ينقل عنها أي شيء في ذلك ،مع أن األخباريين يقررون أنها عاشت
جميع أحداث مقتل الحسين ،بدءا من خروجها من المدينة وانتهاء بعودتها من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1دعك مما جاء في كتب المتأخرين من روايات مختلقة ومصنوعة عن والدتها وحياتها ووفاتها،
فقد مضى التحقيق فيها وبينت أنها من صناعة مؤلفي كتب المقتل الحسيني المتأخرين ،والتي ال
يتعدى أقدمها القرن العاشر ،بل إن من أسباب اختالق تلك الروايات هو الفراغ الذي وجده أولئك
الوضاعون في تاريخ زينب ،فحاولوا مأل الفراغ باألكاذيب واألخلوقات واألساطير.
( )2والكالم هنا عن الروايات المسندة والمصادر األصلية للتاريخ ،أما ما جاء في بعض الكتب
المتأخرة في القرن الرابع فما بعده بال إسناد وال زمام وال خطام مثل االحتجاج ومثير األحزان
واللُّهوف وغيرها فال عبرة به.
313
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
314
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
اإلشكال في قضية خروج زينب مع أخيها إلى كربالء وتعارض ذلك مع قعود
زوجها ومعارضته لخروج الحسين إلى الكوفة.
الم ْح َدثون من اإلمامية لسيرة زينب ،أشكل عليهم
تعرض الكتاب ُ
وعندما ّ
عدم خروج عبد اهلل بن جعفر مع الحسين ،فأجابوا عن ذلك بأجوبة عدة ،وقد
قمت بدراسة أقوالهم وآرائهم في هذه المسألة فوجدت أقواال ينقض بعضها بعضا
وإليك إياها:
ــ القول األول :قعود عبد اهلل بن جعفر كان بأمر من الحسين ليحفظ من
تبقى من بني هاشمّ ،قرر ذلك نور الدين الجزائري( ،)1وذهب محمد كاظم القزويني
إلى قول قريب منه( ،)2مع العلم أنه جعل هذا الجواب في دائرة االحتماالت.
ــ القول الثاني :قعود عبد اهلل بن جعفر كان لمانع صحي.
وقد اختلف قول من تبنى هذا التبرير في تعيين هذا المانع:
1ــ فقيل :إنه كان أعمى ،وذهب إلى ذلك الطالقاني( ،)3والنقدي(،)4
وتبعه حسن الصفار( )5وإبراهيم حسين البغدادي( ،)6وأورده محمد كاظم
القزويني من ضمن األجوبة المحتملة بشرط أن يثبت تاريخيا(!)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك إلزاما لمن يعتقد صحة روايته. =
الخصائص الحسينية (ص .)177 ()1
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص 95ــ .)96 ()2
في تعليقه على عمدة الطالب (ص ،)37وانظر مجلة نهضة عاشوراء العدد األول (ص.)175 ()3
زينب الكبرى (ص.)87 ()4
المرأة العظيمة (ص.)92 ( )5
زينب بنت علي فيض النبوة وعطاء اإلمامة (ص.)100 ()6
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص.)97 ()7
315
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
2ــ وقيل :كان مصابا بمرض شديد في فمه ،ذكر ذلك أحمد شكر من غير
أن يذكر قائله(.)1
3ــ وقيل :إنه كان مريضا دون تحديد المرض(.)2
ــ القول الثالث :إ َّن المانع من خروج عبد اهلل بن جعفر هو ِكبر سنه ،وقد
ض ّعف محمد كاظم القزويني هذا الجواب ور ّده بأن سن عبد اهلل بن جعفر كان
خمسا وخمسين سنة فقط(.)3
ــ القول الرابع :إ َّن عبد اهلل بن جعفر قعد لمصلحة ،غير أن هذه المصلحة
غير معلومة ،أل َّن الحسين لم يوجب على عبد اهلل بن جعفر الخروج ،وهذا ما
قرره محمد جواد مغنية(.)4
ــ القول الخامس :إ َّن عبد اهلل بن جعفر استغنى عن الخروج مع الحسين
بإرسال ولديه معه ،احتمل ذلك أحمد شكر(.)5
ــ القول السادس :السبب غير معروف ،وقرر هذا المرجع محمد تقي
المدرسي( ،)6وذهب إليه محمد كاظم القزويني( )7وإن ذكر احتماالت أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشمس الطالعة واألنوار الساطعة (.)139/1 ()1
قاله محمد بحر العلوم في كتابه في رحاب السيدة زينب (ص ،)155ونقله عنه سعيد الخويلدي ()2
في زينب القدوة والرمز (ص.)109
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ،)97والصحيح أن عمره كان 60سنة ألنه ولد في ()3
الحبشة في السنة األولى من الهجرة ،ومات سنة 80هـ وعمره ثمانون سنة ،وهذا ما قرره المزي
في تهذيب الكمال (.)372/14
مع بطلة كربالء (ص .)38 ()4
الشمس الطالعة واألنوار الساطعة (.)139/1 ( )5
الصديقة زينب (ص.)23 ()6
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص.)95 ()7
316
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
317
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
318
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
()1
فكيف يتصور أن يترك عبد اهلل بن جعفر زوجته تسافر دونه وهي أول زوجاته
وأقربهن إليه نسبا إن لم تكن أفضلهن دينا؟ فضال عن احتمال تعرضها للقتل في
الطريق من المناوئين للحسين!
والطريف أن بعض المتأخرين ممن تخصص في صناعة الروايات المختلقة
في المقتل الحسيني أحسوا بالفراغ الواقع في هذه القضية ،فحاولوا سد هذه الثغرة
أيضا ،فصنعوا رواية ال أصل لها تزعم أن عبد اهلل بن جعفر لما خطب زينب
من علي ،اشترط علي عليه أن يأذن لها بالسفر مع أخيها الحسين !)2(
وصنعوا رواية أخرى تزعم أن عبد اهلل بن جعفر أ ِذن لزينب بالخروج مع
الحسين ألنها أخبرته أنها إن لم تخرج مع أخيها ستموت من الكمد والحزن،
()3
فأذن لها!
وقد اعترض علي آل مكي العاملي على رواية خروج زينب إلى مصر بنظير
هذا اإلشكال فقال> :كيف ال يكون لزوجها عبد اهلل بن جعفر موقف أو رأي؟،
وكيف يمكن أن يترك زوجته تسير إلى مصر ويسكت؟ ...بل لم يذكر عنه شيء
إطالقا في هذا الموضوع وكأنه ال صلة له باألمر ،)4(<...وهذا االعتراض جار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مضى في أول الكتاب أن زينب هي أول زوجات عبد اهلل بن جعفر ألن أكبر أوالده هو جعفر وأمه ()1
زينب ،ولذا كان عبد اهلل بن جعفر يكنى بأبي جعفر.
زينب الكبرى بطلة الحرية (ص ،)40الشمس الطالعة ( ،)140/1وفاة السيدة زينب الكبرى ()2
لفرج آل عمران القطيفي المطبوع مع مجموع وفيات األئمة (ص .)433
الخصائص الزينبية (ص .)174 ()3
زينب من المهد إلى اللحد علي آل مكي العاملي ،مقالة منشورة بمجلة الموسم العدد الرابع (ص ()4
.)790
319
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
فيما روي من خروج زينب مع الحسين ومواقفها التي نسبت لها في الكوفة
والشام ،فكيف ال يكون لزوجها موقف أو رأي ،وكيف يمكن أن يترك زوجته
تسير إلى الشام بعد مقتل الحسين ،وتهان بتلك الصورة التي زعمها
ثم يسكت وال يذكر عنه شيء وكأنه ال صلة له باألمر؟
األخباريون ّ
ثم إ ّن غاية ما اعتذروا به عن عدم خروج عبد اهلل بن جعفر هو إرسال ابنيه
ّ
مع الحسين ،وهذا الجواب ال ينقضي منه العجب ،أل ّن أصل الرواية التي استدلوا
بها تذكر أن عبد اهلل بن جعفر إنما أرسل ابنيه لير ّدا الحسين ،يقول أبو عبيد
القاسم بن سالم> :وأرسل عبد اهلل بن جعفر ابنيه عونا ومحمدا لير ّدا حسينا،
فأبى حسين أن يرجع وخرج بابني عبد اهلل بن جعفر معه<(.)1
وقد روى المفيد ــ من اإلمامية ــ هذا الخبر وزاد أن عبد اهلل بن جعفر لحق
بالحسين حتى يرده ،فلما أبى الحسين أمر عبد اهلل بن جعفر ابنيه بالمسير مع
الحسين والجهاد دونه( ،)2فبحسب هذه الروايات ،لم يرسل عبد اهلل بن جعفر
ابينه ابتداء مع الحسين ،وإنما أرسلهما معه بعد أن يئس من إرجاعه إلى المدينة،
وعليه فهذا االعتذار ضعيف.
* اإلشكال الثالث :قيام الدواعي على خروج النساء اللواتي كن مع
الحسين باستثناء زينب الكبرى
لقد تأملت في أسماء نساء أهل البيت اللواتي كن مع الحسين في
كربالء ،فوجدتهن إما ممن كن تحت والية الحسين ،وهن :فاطمة وسكينة ابنتا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1نقله عنه ابن عبد ربه في العقد الفريد ( ،)126/5وقريب منه في المحن ألبي العرب التميمي (ص
.)149
( )2اإلرشاد للمفيد (.)69/2
320
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
321
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ولم يخرج مع الحسين ،وحتى أبناء عبد اهلل بن جعفر الذين خرجوا مع الحسين
ليسوا أبناء زينب بل هم أبناء غيرها( ،)1فما الذي حملها على ترك زوجها
والخروج مع الحسين ؟
حشر زينب ضمن من
ال جواب عن هذا اإلشكال ،وسبب ذلك أ ّن الذي َ
رافق الحسين لم يتنبه لهذا اإلشكال.
ثالث ًا :نقد روايات أبي مخنف المنسوبة لزينب الكبرى في كربالء
وبينا أن
بعد أن استوفينا الكالم عن أحوال رواة أخبار زينب في كربالءَّ ،
مدار كل ذلك رواية أبي مخنف ،ال بد من التعرض لمتون هذه الروايات وبيان
ما فيها من الخلل ،وتحقيق امتناع نسبتها إلى زينب ،وإليك البيان:
1ــ نقد رواية لطم زينب الكبرى وجهها حين حمل جيش عمر بن
سعد على الحسين وأهله
روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد ،عن حميد بن مسلم أ َّن >عمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1نص على ذلك أبو مخنف نفسه فقال وهو يذكر من قُتل مع الحسين > :وقتل عون بن عبد اهلل
ابن جعفر بن أبي طالب ــ وأمه جمانة ابنة المسيب ،وقتل محمد بن عبد اهلل بن جعفر بن أبي
طالب ــ وأمه الخوصاء ابنة خصف< ،تاريخ الطبري ( ،)469/5وهذا ما قاله الفضيل بن الزبير
فيما روي عنه كما في تسمية من قتل مع الحسين (ص 28ــ ،)29وهذا ما جاء في المصادر
المعتبرة لإلمامية مثل اإلرشاد للمفيد ( ،)125/2وغيرها ،وقال الريشهري في الصحيح من مقتل
سيد الشهداء (ص > :)884الظاهر عدم صحة ما جاء في بعض المصادر من أن أمه هي زينب
،<أما عون بن عبد اهلل بن جعفر فقد تفرد أبو الفرج األصفهاني بأنه عون األكبر ابن زينب
الكبرى كما نبه على ذلك الريشهري في الصحيح من سيرة سيد الشهداء (ص )886وتبعه بعض
من جاء بعده ،غير أن الصواب أن أمه هي جمانة كما هو قول األكثر ،وهذا ما نص عليه ابن سعد
في الطبقات ( )461/6فذكر عونا األصغر في أبناء عبد اهلل بن جعفر وذكر أنه قتل مع الحسين
ونص على أن أمه هي جمانة بنت المسيب.
322
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ثم زحف نحوهم بن سعد نادى> :يا خيل اهلل اركبي وأبشري< فركب في الناسَّ ،
بعد صالة العصر ،وحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه ،إذ خفق برأسه على
ركبتيه ،وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها ،فقالت> :يا أخي ،أما تسمع
األصوات قد اقتربت<! قال :فرفع الحسين رأسه فقال> :إ ّني رأيت رسول اهلل
في المنام فقال لي> :إنك تروح إلينا< ،قال :فلطمت أخته وجهها ،وقالت:
>يا ويلتا< ،فقال> :ليس لك الويل يا أخية ،اسكني رحمك الرحمن<<(.)1
وهذه أول الروايات المنسوبة لزينب في مقتل أبي مخنف الذي نقله
الطبري ،وقد وقع فيها إشكاالن ظاهران:
األول :كيف علم حميد بن مسلم بتفاصيل كالم زينب مع الحسين
والمفترض في حميد ــ أثناء وقوع هذا الحديث بين زينب والحسين ــ أنه كان في
جيش عمر بن سعد وهو في مكان بعيد عن الحسين ؟ خاصة عندما تالحظ
التزامن الواقع بين حادثتين:
الحادثة األولى :صدور أمر عمر بن سعد بالهجوم على الحسين.
الحادثة الثانية :كالم زينب مع الحسين بعد سماعها صيحة الهجوم.
فكيف اتفق لحميد بن مسلم أن يح ِّدث بأمرين وقعا في وقت واحد في
ثم إ َّن حميد بن مسلم لم يكن يعرف زينب كما سيأتي ،فكيف
مكانين مختلفين؟ َّ
عرف أنها هي من كانت تكلم الحسين وقتها ،ثم فيما بعد ال يعرف من هي؟ ال
ريب أن أبا مخنف غفل عن هذه النكتة وهو ينسج خيوط هذه الكذبة.
اإلشكال الثاني :ما نسب إلى زينب من اللطم والولولة التي ال تناسب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)416/5
323
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
فرددت دمعي ولزمت السكون ،فعلمت أن البالء قد نزل ،فأما عمتي فإنها سمعت
ما سمعت ،وهي امرأة ،وفي النساء الرقة والجزع ،فلم تملك نفسها أن وثبت
تجر ثوبها ،وإنها لحاسرة حتى انتهت إليه ،فقالت> :واثكاله! ليت الموت ُّ
أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمي وعلي أبي وحسن أخي ،يا خليفة
الماضي ،وثِمال( )1الباقي< ،قال :فنظر إليها الحسين فقال> :يا أخية ،ال يُذهبن
حلمك الشيطا ُن< ،قالت> :بأبي أنت وأمي يا أبا عبد اهلل! استقتلت؟( ،)2نفسي
غصته ،وترقرقت عيناه ،وقال> :لو ُترك القطا ليال لنام<( ،)3قالت: فداك< ،فر ّد ّ
>يا ويلتى ،أفتغصب نفسك اغتصابا ،فذلك أقرح لقلبي ،وأشد على نفسي<!
ولطمت وجهها ،وأهوت إلى جيبها وشقته ،وخرت مغشيا عليها ،فقام إليها
الحسين فصب على وجهها الماء ،وقال لها> :يا أخية ،اتقي اهلل وتع ِّزي بعزاء
اهلل ،واعلمي أن أهل األرض يموتون ،وأن أهل السماء ال يبقون ،وأن كل شيء
هالك إال وجه اهلل الذي خلق األرض بقدرته ،ويبعث الخلق فيعودون ،وهو فرد
وحده ،أبي خير مني ،وأمي خير مني ،وأخي خير مني ،ولي ولهم ولكل مسلم
برسول اهلل أسوة< ،قال :فع َّزاها بهذا ونحوه ،وقال لها> :يا أُخية ،إ ّني أقسم
علي وجها ،وال تدعي علي جيبا ،وال تخمشي َّ فأبري قسمي ،ال تش ِّقي َّ
عليك ِّ
ثم جاء بها حتى أجلسها عندي<(.)4 علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت< ،قالَّ :
َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال ابن منظور :فالن ثمال بني فالن أي عمادهم وغياث لهم يقوم بأمرهم ،لسان العرب (.)94/11 ()1
استقتل واستمات :طابت نفسه بالموت .انظر لسان العرب (.)93/2 ()2
القطا نوع من الطيور ،وهذا مثل سائر> ،يضرب لمن ُح ِم َل على مكروه من غير إرادته< .قاله ()3
الميداني في مجمع األمثال (.)174/2
تاريخ الطبري ( 420/5ــ ،)421مقاتل الطالبيين (ص ،)75أنساب األشراف ( ،)185/3ومن ()4
مصادر اإلمامية :اإلرشاد للمفيد ( ،)94/2إعالم الورى (ص ،)457مثير األحزان (ص ،)36
بحار األنوار (.)45/2
325
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
والعجب كيف يَ ُروج مثل هذا الخبر المنكر على كثير من أهل األخبار
فيورده مسلِّما به دون أن يتنبه إلى ما فيه من الغرائب ،والكالم عن هذا الخبر يقع
في أمور:
األمر األول :نسبة إنشاد الشعر إلى الحسين ،وهذا ال يُعرف عن
()1
ثم إن هذا الشعر هو أشبه بأشعار الجاهلية من أشعار المسلمين،
الحسين ّ ،
يسب بنو
فقالُّ > : ضجر من الدهر ،وهو أمر نهى عنه النبيالتبرم وال َّت ُّ
إذ فيه ُّ
آدم الدهر ،وأنا الدهر ،بيدي الليل والنهار<(.)2
يقول الشريف الرضي جامع نهج البالغة ،مفسرا هذا الحديث> :وذلك أ َّن
العرب كانت إذا قرعتها القوارع ،ونزلت بها النوازل ،وحطمتها السنون
ؤمل ،أو حميم ُمر َّجب،
الحواطم ،وسلبت كرائم أعالقها من مال مثمر ،أو ولد ُم ّ
ألقت المالوم على الدهر ،فقالت في كالمها وأسجاعها ،وأرجازها وأشعارها:
>استقاد منَّا الدهر ،وجار علينا الدهر ،ورمانا بسهامه الدهر< ،كقول القائل منهم
وهو عدي بن زيد:
وكــــذاك الــــدهر يــــودي بالرجــــال J ثــــم أمســــوا لعــــب الــــدهر بهــــم
ّ
غيرنا
وكقول اآلخر> :أكل الدهر عليهم وشرب< ،وكقول اآلخر> :والدهر ّ
وما يتغير<.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وكل ما ينسب له من شعر إنما هو من وضع بعض المتأخرين أو الوضاعين ،وقد جمع الدكتور
أحمد خليل جمعة جملة وافرة مما نسب إلى الحسين من األشعار في كتابه رجال أهل البيت في
ضوء القرآن والحديث (ص 736ــ ،)743إال أنه ولألسف لم ينتقد منها سوى قصيدة نونية
وأخرى همزية نسبها الشبلنجي (توفي بعد 1308هـ) في نور األبصار إلى الحسين!.
( )2صحيح البخاري ( ،)6181صحيح مسلم (.)5924
326
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
واألشعار في ذلك أكثر من أن نحيط بها ،أو نأتي على جميعها فكأنه
قال> :ال تذموا الذي يفعل بكم هذه األفعال ،فإ ّن اهلل سبحانه هو المعطي
والمنتزع<<(.)1
وغالب ظني أن هذه األشعار من عمل أبي مخنف فقد تكرر في رواياته
نسبة أشعار كثيرة إلى بعض أصحاب علي ،مما يدل على خبرته بالشعر،
ومن كان بهذه المنزلة ال يبعد أن يول ِّد أشعارا ملفقة وينسبها لبعض الشخصيات
ثم إ َّن هذا الشعر ُمولَّد على لسان العرب القديم الذي يتناقله أهل
لتناسب أخبارهَّ ،
األسمار واألشعار واألخبار ــ من أمثال أبي مخنف ــ وأما الحسين فهو منزه
عن هذه السفاسف.
وقد تنبه بعضهم لما في الرواية من خلل ظاهر ،فحاول أن يصرف هذه
األبيات عن ظاهرها بتكلف وتمحل فقال> :مراد اإلمام الحسين في قوله عن
الدهر ،فالمراد به أهل الزمان ،الذين كانوا محل الشكاية في قول اإلمام ،
وهو استعمال مجازي أيضا وال يراد به نفس الزمان ..أو قد يكون هذا المعنى
ــ أي أن يراد به أهل الزمان ــ هو أحد معنيي الدهر ،أي باإلضافة لمعناه المعروف
اآلخر وهو األفالك واأليام ...فيكون استعماله له في معناه حقيقة<(.)2
وأحال هذا القائل على كتاب >األمثل في تفسير كتاب اهلل المنزل< للشيخ
اإلمامي ناصر مكارم الشيرازي ،وجاء فيه> :استعمل الدهر في بعض التعبيرات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المجازات النبوية (ص .)235
تسبوا
( )2انظر :موقع مركز األبحاث العقائدية :األسئلة واألجوبة< :قسم الحديث :حديث (ال ّ
ف لك من خليل): الدهر) ،وقول اإلمام الحسين ( يا دهر أ ٍ
http://www.aqaed.com/faq/3736/
327
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
بمعنى أبناء األيام ،وأهل الزمان الذين شكا العظماء من عدم وفائهم ،كما نقل
ثم ذكر األبيات(.)1
في الشعر المنقول عن اإلمام الحسين َّ ،<
نسج هذه األشعار أراد أن يجعل الحسين
وال يستقيم هذا الجواب ،فإ َّن من َ
شبه صاحب الشعر الدهريتألم ويتضجر من الدهر بعد أن تيقن من الموت ،وقد ّ
بالخليل ،ووجه الشبه هو أن الدهر ونوازله المتغيرة تلحق كل أحد وترافقه في
حياته وال تفارقه إال في النادر ،فهو بمنزلة الخليل لإلنسان ،والخليل هو
الم ّقرب.
الصاحب ُ
ثم إ َّن بقية األبيات تدل على المراد ،فإن معناها :أن الدهر ال يمر له يوم أو
ّ
ثم يصير
ليلة إال ومات فيه إنسان ،وكل من أدركه موته فالدهر ال يبغي به بدالّ ،
أمره إلى اهلل ،وكل األحياء سائرون إلى الموت ،والرواية تذكر أن علي بن
الحسين لما سمع األبيات قال> :فخنقتني عبرتي ،فرددت دمعي ولزمت
السكون ،فعلمت أن البالء قد نزل< ،وعليه ال صحة لما ذكره هؤالء المتكلفون،
فلفظ األبيات ومعناها ال تعلق له بالتضجر من الناس إطالقا ،بل هو تضجر صريح
من الدهر ،وإذا استجاز ناصر مكارم الشيرازي حمل الدهر في أول البيت على
الناس ،فكيف يصنع مع عجز البيت الثاني الذي فيه> :والدهر ال يقنع بالبديل<؟،
فالدهر هنا ــ بال امتراء ــ هو الزمان الذي يُنهي حياة الناس على زعم الشاعر،
وقطعا ال يمكن أن يكون الدهر هنا هم أهل الزمان! فليس للناس يد في إنهاء
اآلجال ،فظهر أن ما أجيب به عن هذه األبيات فيه تكلف ،وظهر وجه اإلشكال
في نسبتها إلى الحسين ،والحق أن نسبتها إلى منتحلي الشعر من أمثال أبي مخنف
ونظرائه أليق وأنسب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1األمثل في تفسير كتاب اهلل المنزل (.)221 /16
328
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
سبت هذه الرواية إلى زينب أمورا عدة مستنكرة ال يمكن األمر الثاني :نَ ْ
()1
ثم
أن تصدر من امرأة مثل زينب ،فأول ذلك أنها خرجت حاسرة تجر ثوبها َّ ،
وتحسرت على موت أبيها وأمها وأخيها ،ومع أن َّ بعد ذلك تمنَّت الموت،
الحسين نهاها عما صنعت فقال لها> :ال يُذهبن ِحلم ِ
ك الشيطا ُن< إال أنها لم تنته!
بل ازداد جزعها حين رأت الحسين يستقبل الموت راضيا به ،فلطمت وجهها
خرت مغشيا عليها ،فنهاها الحسين مرة ثانية عما صنعت وشقت جيبها حتى ّ
ثم إ َّن الحسين لما
خية ،اتقي اهلل وتع ِّزي بعزاء اهلل<َّ ،وأمرها بالصبر قائال> :يا أُ َّ
رأى ما وقع من زينب وهو في الحياة ،أوصاها بأال تفعل ذلك بعد مماته قائال:
علي وجها،علي جيبا ،وال تخمشي َّ فأبري قسمي ،ال ُتش ِّقي َّ >إ ّني أقسم عليك ِّ
هلكت<.
ُ علي بالويل والثبور إذا أنا
وال تدعي َّ
والذي ال يستريب فيه الباحث هو براءة زينب من هذه األفعال التي ال
يتصور أن تصدر ممن تربى في بيت علي وفاطمة ،وقد ماتت فاطمة وعلي
في حياة زينب ،ولم يؤثَ ْر عنها أنها صنعت شيئا من هذه األفعال التي
هي هنا أفعال الجاهلية ،فهل يظن أحد بزينب العفيفة الحي ِّية أن يحملها الجزع
على أن تخرج حاسرة عن رأسها في غير بيتها؟!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وقد تنبه جعفر مرتضى العاملي لما في هذا الخبر من اإلشكال ،فقال> :من غير المعقول أن تظهر
زينب حاسرة أمام الرجال< ،وبدل أن يحكم ببطالن الخبر حاول اإلجابة عن اإلشكال بأجوبة
باردة ومتكلفة ،منها أن الباء في قوله> :فاعتزل أبي بأصحابه< زائدة ألنها لم ترد عند المفيد ،وأن
ثم ادعى أن ُحوي مولى أبي ذر سيبتعد عن الحسين إذا رأى الصواب> :فاعتزل أبي أصحابه<ّ ،
زينب متجهة للحديث مع الحسين ،سيرة الحسين في الحديث والتاريخ ( ،)292/15وكل
هذه األجوبة ال مستند لها من روايات أبي مخنف ،وإنما هي مخارج تلمسها العاملي للتنصل مما
في هذا الخبر من النكارة الظاهرة ،وسيأتي لهذه األجوبة الباردة نظائر سنشير إليها.
329
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وهل يصح أن ننسب إلى زينب أنها تمنَّت الموت لمصيبةٍ نزلت بها ،والنبي
يقول> :ال يتمنين أحد منكم الموت لضر نزل به<()1؟.
يقول الطبرسي ــ وهو أحد كبار المفسرين عند اإلمامية ــ> :أما ما روي عن
النبي ،أنه قال> :ال يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ،ولكن ليقل :اللهم
أحيني ما دامت الحياة خيرا لي ،وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي< ،فإنما نهى
عن تمني الموت ،ألنه يدل على الجزع والمأمور به الصبر ،وتفويض األمور إليه
تعالى<(.)2
وقد قال أنس بن مالك ــ وهو راوي الحديث ــ> :لوال أ َّن رسول اهلل
قال« :ال يتمنين أحدكم الموت< لتمنَّ ُيته<(.)3
ومالزما له ،والظن بمن كانت حفيدة النبي وأنس كان خادم النبي
أن تكون أولى من أنس بهذا.
قد ربَّى نساء الصحابة على ترك صنائع الجاهلية ثم أيُعقل أ َّن النبي
َّ
من شق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بالويل ،فقال > :ليس منا من لطم
البراءة من الخدود ،وشق الجيوب ،ودعا بدعوى الجاهلية<( ،)4وأعلن
الصالقة والحالقة والشاقَّة( ،)5و>لعن الخامشة وجهها ،والشاقَّة جيبها ،والداعية
()6
ثم تكون حفيدته زينب ممن ال يلتزم بترك هذه األمور؟ بالويل والثبور< َّ ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيح البخاري ( ،)6351و( ،)5671و(.)7231 ()1
مجمع البيان (.)309/1 ()2
صحيح مسلم (.)6280 ()3
صحيح البخاري (.)1294 ()4
صحيح البخاري ( )1296صحيح مسلم (.)200 ( )5
مصنف ابن أبي شيبة ( ،)11343سنن ابن ماجه ( ،)1585صحيح ابن حبان (=،)3156 ()6
330
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
نترك الجواب لمن يعتقد بصحة هذه الرواية ،وهذه الرواية على ما فيها من
النكارة الظاهرة ،إال أنها ُتذكر في الكتب المصنفة في مقتل الحسين وسيرة زينب
بال نكير ،ولم أقف على من اعترض على هذه الرواية سوى الدكتور اإلمامي
حسين علي الشرهاني ،فقد علق على هذه الرواية قائال> :الكثير من المصادر
نقلت هذه الروايات دون أن تدققها أو تعترض عليها ،وأخذتها كمسلَّمات...
لكن أصحاب هذه المصادر لم ُيعوا أن هذه الروايات تحمل بين طياتها تشويها
مب ّطنا للنهضة الحسينية ،فليس من المعقول أ ّن السيدة زينب التي يقول لها
اإلمام السجاد> :وأنت بحمد اهلل عالمة غير معلَّمة ،فاهمة غير مف َّهمة< ،أن تصل
في حزنها على اإلمام الحسين إلى حد الجزع المفرط ،فتلطم وجهها وتشق
جيبها وتنادي بالويل وتسير حاسرة في المعسكر كما جاء في الرواية األولى
والثانية ،ونحن ال نستطيع أن نقبل ما جاء في هذه الروايات إطالقا ،وذلك
لمعرفتنا بطبيعة تربية ونشأة السيدة زينب في البيت النبوي<(.)1
وقال أيضا بعد أن نقل رواية نهي الحسين لزينب عن أن تلطم وجهها
وتشق جيبها بعد موته> :وبعد هذا كيف نتصور أن السيدة زينب تخرج حاسرة
أو تلطم وجهها أو تخمش وجهها أو تشق جيبها ...لذلك ال نستطيع قبول أي
رواية تدل على أن السيدة زينب فقدت توازنها أو خرجت عما أوصاها به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وصححه الشيخ األلباني في صحيح سنن ابن ماجه ( ،)85/4وقد وردت نظائر هذه الروايات من
طرق اإلمامية فانظرها في كتابي> :األحاديث المشتركة في العزاء والصبر على البلوى< من
إصدارات مبرة اآلل واألصحاب (ص 41ــ .)51
( )1مقالة :لمحات من مواقف السيدة زينب في واقعة الطف ،منشورة بمجلة تراث كربالء التي تصدر
عن العتبة العباسية ،السنة الثانية ،المجلد الثاني ،العدد الثالث 1436ــ 1437هـ 2015/م،
(ص .)42
331
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
األمر الثالث :مقتضى هذه الرواية أ َّن زينب لم تعلم بدنو موت الحسين قبل
أن تسمع أبياته التي ينعى فيها نفسه!
وهذا مناقض للرواية التي قبلها والتي تذكر أ َّن زينب لما هرعت للحسين
بعدما سمعت صوت هجوم الجيش ،أخبرها الحسين بأنه قد تيقن موته أل ّنه رأى
النبي ،فلطمت زينب وجهها ودعت بالويل ،فلماذا يفاجئها إخبار الحسين
بانتظاره الموت ،ولم يمر فترة طويلة على إخبار الحسين لها بأنه قد علم بدنو
أجله في الرؤيا التي رآها؟
إ َّن هذا التناقض الظاهر إنما وقع فيه أبو مخنف بسبب انهماكه في استثارة
عاطفة من يقرأ روايته أو يسمعها ،فمراده أن يصور لنا زينب بتلك الصورة
المبتذلة ،ويريد أن يقرر أن زينب تغلبها عواطفها وأحزانها على دينها وأخالقها
ورزانتها وحيائها كلما علمت بدنو موت أخيها ،فأظهرها أبو مخنف بصورة ال
تليق بامرأة من أهل البيت ،حتى يصل إلى مقصوده من استثارة عواطف من يطالع
أخباره ،فوقع في التناقض والكذب من حيث ال يدري.
332
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
3ــ نقد رواية جزع زينب لما قتل علي األكبر بن الحسين
قال أبو مخنف> :ح َّدثني سليمان بن أبي راشد ،عن ُحميد بن مسلم
األزدي ،قال :سماع أذني يومئذ من الحسين يقول> :قتل اهلل قوما قتلوك يا بني!
ما أجرأهم على الرحمن ،وعلى انتهاك حرمة الرسول! على الدنيا بعدك العفاء<.
قال :وكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي:
أخياه!< قال :فسألت عليها ،فقيل> :هذه زينب ابنة فاطمة ابنة
أخياه! ويا ابن ّ
>يا ّ
رسول اهلل < ،فجاءت حتى أكبت عليه ،فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها
إلى الفسطاط<(.)1
إ َّن اليد التي صنعت هذه الرواية هي نفس اليد التي صنعت الروايتين اللتين
قبلها وإن ّنوعت في أسانيدها فنسبتها تارة إلى حميد بن مسلم وتارة إلى علي بن
الحسين ،إذ أننا نجد نفس حبكة الروايتيين السابقتين تتكرر في هذه الرواية،
المصاب هذه المرة ليس هو الحسين بل هو أحد أبنائه ،وتفصيل الكالم َ إال أن
عن هذه الرواية يقع في أمور:
األول :في هذه الرواية جرأة منكرة من صانعها على زينب ،فقد حمله
التمادي على أن يتجرأ على حرمة زينب ويشبِّهها بالشمس الطالعة ــ ملمحا
إلى ُحسنها وجمالها ــ ،وقد جاء عند ابن كثير> :وخرجت جارية كأنها الشمس
أخياه .فإذا هي زينب بنت علي من فاطمة<(.)2
أخياه ويا ابن ّ
حسنا ،فقالت :يا ّ
والظاهر أن ابن كثير أورد الرواية بالمعنى ،ومقتضى هذه الرواية أن زينب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري ( ،)446/5مقاتل الطالبيين (ص .)115
( )2البداية والنهاية (.)545/11
333
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
خرجت كاشفة عن وجهها أمام األجانب ،وال ريب أن أي عاقل ال يقبل أن ينسب
وبنت فاطمة وعلي ،!وقد ذلك إلى أحد من أهله ،فكيف بحفيدة النبي
رد جعفر مرتضى العاملي رواية في كتاب أخبار الزينبات لمثل هذه العلة فقال:
>إن السيدة زينب لم تكن امرأة (برزة) أي من النساء اللواتي يبرزن ويكشفن
وجههن للرجال األجانب ،بل كانت من أشد الناس تحفظا في سترها ،وسكونا
إلى خدرها ...فمن تخاطب يزيد بهذا الخطاب الحاسم والحازم هل يمكن أن
تكشف وجهها لعبد اهلل بن عبد الرحمن األنصاري أو غيره؟!<(.)1
وقال في موضع آخر >ومن الواضح :أن زينب العقيلة لم تكن لتكشف
وجهها!<(.)2
والعجب من التستري في >قاموسه< ،حيث إنه انتقد صاحب أخبار ُ
الزينبات حين ذكر رواية عن عبد اهلل بن عبد الرحمن األنصاري جاء فيها> :رأيت
بأيام ،فواهلل! ما رأيت مثلها وجها كأ ّنه ش ّقة
علي بمصر بعد قدومها ّزينب بنت ّ
بتضمنه مثل ما كتب!!<(،)3قمر< ،فقال التستري> :وكفى خزيا لصاحب الكتاب ّ
إال أنه ْقبل هذا الموضع ،قد ذكر هذه الرواية التي ورد فيها أن زينب كالشمس
()4
منكر ،وتشبيهها ٌ بالقمر زينب تشبيه فهل ، الطالعة ،ولم يعلق عليها بشيء!!
بالشمس مباح!!
الثاني :في هذه الرواية يجهل حميد بن مسلم شخصية زينب ،فنراه يسأل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب ورقية في الشام (ص 60ــ .)61 ()1
كربالء فوق الشبهات الطبعة السادسة (ص .)129 ((2
قاموس الرجال (.)42/11 ()3
قاموس الرجال (.)424/7 ()4
334
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
عن اسمها بعد أن سمعها ورآها! ،بينما في رواية سابقة نجد حميد بن مسلم
يعرف زينب ،فهو يقول حين انطلق جيش ابن زياد للهجوم على الحسين
وأنصاره> :سمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها< ،فكيف كان حميد بن
مسلم يعلم من هي زينب وقتها ثم بعدها نراه يسأل عنها ليعرف من هي؟
فإن قيل :لعله في أول األمر ــ حين حمل جيش ابن زياد على الحسين ــ
لم يكن حميد بن مسلم يعرف زينب ،لكنه سمع كالمها مع أخيها فحفظه ،ثم
عرفها بع ُد فصار يحدث بأخبارها ،فالجواب عن هذا :ما الذي حمل حميد بن
مسلم على أن يسأل عن اسم زينب في الواقعة الثانية دون األولى؟ أما كان عليه
ثم إ ّن الزم هذا التبرير هو أن زينب كانت كاشفة
أن يعلم بشخصها أول مرة يراهاّ ،
لوجهها طوال الوقت أمام األجانب ،وهذا فيه أيضا ح ٌّط من قدر زينب وحجابها
تبر ُز في كل وقت دون أن تهتمصورتها هذه الروايات على أنها ُ
وعفتها وحيائها إذ َّ
بسترها ،ــ وهو أهم شيء لدى النساء في الزمن األول ــ!! ،ثم إن هذا التبرير الِ
سمى له زينب ،فالمفروض أن من في يعين من ّ
يتم ،وذلك أن حميد بن مسلم لم ّ
كن مع الحسين ألنهم غرباء عن جيش ابن زياد ال يعرفون أسماء النساء اللواتي ّ
أهل البيت وكلهم من أهل الكوفة ،فمن الذي عرف أن هذه المرأة هي زينب ال
غيرها وأخبر حميد بن مسلم بذلك؟ ،ال يتصور أن يكون هذا المخبر من أهل
بيت الحسين ألنهم وقتها ــ حسب رواية أبي مخنف ــ كانوا منهمكين في القتال،
ثم ال يتصور أيضا أن يسأل من في جيش ابن زياد عن امرأة من أهل بيت الحسين،
فيجيبه من كان مع الحسين بأنها زينب بنت علي ،وكأن الموقف موقف تحاور
وليس موقف قتال!!
وقد تنبه الشيخ جعفر مرتضى العاملي ــ من اإلمامية ــ لهذا اإلشكال فقال
335
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
معلقا على هذه الرواية> :زينب الحوراء كانت مخدرة ومحجوبة عن نظر الناس
إليها ،فكيف يمكن أن يعرفها أفراد ذلك الجيش المشؤوم من مجرد رؤية وجهها
إن كان قد انكشف ،فإن وجوه المخدرات لم تكشف إال بعد استشهاد اإلمام
الحسين ،وسبي العيال واألطفال ،مع أنها لم تكن لتكشف وجهها باختيارها
أمام ذلك الجيش في أي من الظروف واألحوال<(.)1
ثم إ َّن هذا ال يناسب ما جاء في رواية علي بن الحسين من أن زينب إنما
َّ
خرجت حاسرة لما سمعت الحسين ينعى نفسه بأبيات من الشعر ،ومقتضى هذه
الواقعة أن أحدا من األجانب لم يكن هناك ،وأن زينب إنما حسرت عن وجهها
في مكان ال يراها فيه إال محارمها ،وعلى هذا فحميد بن مسلم ال يمكن أن يميز
وقتها تلك المرأة ويعلم أنها زينب.
ثم إ َّن رواية حميد بن مسلم تمعن في اإلساءة إلى زينب وتصورها بصورةَّ
المهملة لسترها عند نزول المصائب ،وحاشاها من ذلك ،وقد أشكلت هذه الرواية
على جعفر مرتضى العاملي ،فحاول اإلجابة عنها بعدة أوجه فيها تكلف ظاهر ،حيث
لجأ إلى بعض الروايات التي وردت في مصادر متأخرة وغير موثوق بها وأتى بنظرية
جديدة زاعما أن الرواة اختلط عليهم األمر وأن زينب كانت مستورة وكانت بجنبها
أم ولد للحسين اسمها ليلى ،وأن ليلى هي من كشفت وجهها!
والذي أدى بجعفر مرتضى إلى اختراع هذه النظرية األقرب إلى األسطورة
هو اإلشكال الذي واجهه في هذه الرواية ،ولذا يقول> :وبالنسبة لكشف وجهها
فال يبعد أنه لم يكن يعرف أن شأن السيدة زينب يجل عن أن تكشف وجهها أمام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1كربالء فوق الشبهات (ص .)102
336
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
المأل ،وربما كان يقيس األمور على نفسه وعلى أمثاله من الفسقة والفجرة الذين
ال يرجعون إلى دين وال ينتهون إلى وجدان ..هذا كله ..إن لم نسوغ ألنفسنا
احتمال التحريف والسهو من قبل نقلة هذه األخبار ..وقديما قيل :ما آفة األخبار
إال رواتها.)1(<..
وأنا أقول :وما آفة مرتضى إال أنه حاطب ليل ،يترك االعتماد على المصادر
األصلية ،ويلجأ إلى مصادر متأخرة لكي يأتي بنظريات غريبة وعجيبة!
الثالث :نالحظ في هذه الرواية أمرا غريبا وغير معهود في لسان العرب،
وهو نسب ُة زينب إلى أمها فاطمة دون أبيها علي ،فإن حميد بن مسلم لما
سئل عن اسم زينب أجابه مجيب فقال> :هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول اهلل
ويندر أن تجد
ُ <( ،)2وهذا خالف عادة العرب في نسبة الناس إلى آبائهم!،
في كالمهم نسبة الرجل إلى أمه إال لنكتة ما( ،)3أما أن يكون ذلك ديدن من يذكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1كربالء فوق الشبهات (ص .)103
( )2وقد وقع في رواية أبي الفرج األصفهاني في مقاتله (ص )115وفي الفتوح المنسوب البن أعثم
(> :)122/5هذه زينب بنت علي< ،والظاهر أن هذا من تصرف األصفهاني أو أن نسخته من مقتل أبي
مخنف كانت كذلك ،وقد مضى أن طريقه إلى أبي مخنف مختلف عن طريق الطبري ،وفي اإلرشاد
للمفيد ( )115/2مثل ما في الطبري ،وسيأتي تكرر نسبة زينب إلى أمها في روايات أبي مخنف ،انظر
تاريخ الطبري ( ،)452/5و( ،)456/5و( ،)457/5أما كتاب الفتوح فسيأتي الكالم عنه.
( )3مثل قول ابن عمر > :أهل العراق يسألون عن الذباب ،وقد قتلوا ابن ابنة رسول اهلل ،
وقال النبي > :هما ريحانتاي من الدنيا<< ،صحيح البخاري ( ،)3753ونظير ذلك قول الناس
التي عندك ،يريدون أم كلثوم بنت علي< ،صحيح البخاري لعمر> :أعط هذا ابنة رسول اهلل
( ،)2881فإنما أريد بذلك التنبيه على منزلة الحسين وأم كلثوم من النبي ،ومثل
اشتهار اسم محمد بن علي ،بابن الحنفية ،فإنما ذلك ألن عليا كان له ثالثة من الولد سماهم
محمدا ،فأريد تمييز محمد األكبر ــ وهو ابن الحنفية ــ من بقية أوالد علي بنسبته إلى أمه الحنفية.
337
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
زينب فيتكرر منه غير ما مرة ،فهذا فيه تأمل ،وقديما قيل> :إن وراء األكمة ما
وراءها< ،والذي يظهر أن صانع الرواية أراد استمالة عاطفة قراء روايته ،بأن يركز
على انتساب زينب إلى فاطمة بضعة النبي ،والذي يؤكد هذا تكرر هذا
الصنيع مع الحسين أيضا ،فترى نسبة الحسين إلى أمه فاطمة دون
أبيه ،في مواضع كثيرة من روايات أبي مخنف من عدة قائلين( ،)1وعليه فما وراء
التركيز على بنوة زينب لفاطمة إنما هو أغراض وأهواء أبي مخنف ،وهذا ما يفسر
تكرر ذلك في الروايات المنسوبة لزينب أيضا ،وبذلك يتبين أن هذه الرواية
ال تختلف عن أخواتها في كونها مصنوعة ومنسوجة من أبي مخنف ،واهلل
المستعان.
4ــ نقد رواية حبس زينب الكبرى لغالم من أهل الحسين ليلحق
به في القتال
روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم أنه قال:
غالم من أهله ،فأخذته أخته زينب ابنة علي لتحبسه ،فقال >وأقبل إلى الحسين ٌ
لها الحسين> :احبسيه< ،فأبى الغالم ،وجاء يشتد إلى الحسين ،فقام إلى جنبه
قال :وقد أهوى بحر بن كعب ــ من بني تيم اهلل بن ثعلبة بن عكابة ــ إلى الحسين
بالسيف ،فقال الغالم> :يا ابن الخبيثة ،أتقتل عمي؟< ،فضربه بالسيف ،فاتقاه
الغالم بيده فأطنَّها( )2إال الجلدة ،فإذا يده معلقة ،فنادى الغالم> :يا أمتاه!<،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر تاريخ الطبري ( )385/5من قول عبد اهلل بن الزبير )398/5( ،من قول عبد اهلل بن بقطر،
( )429/5من قائل مجهول )433/5( ،من قول امرأة اسمها النوار بنت جابر )454/5( ،من
قول الناس )465/5( ،من قول هند زوجة يزيد )470/5( ،من قول عبيد اهلل بن الحر.
( )2في المطبوع فأظنها والصواب هو ما أثبته ،أ َطنَّها أي قطعها ،انظر لسان العرب (.)269/13
338
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
فأخذه الحسين فضمه الى صدره ،وقال> :يا ابن أخي ،اصبر على ما نزل بك،
وعلي واحتسب في ذلك الخير ،فإن اهلل يلحقك بآبائك الصالحين برسول اهلل
ابن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن علي ،صلى اهلل عليهم أجمعين<(.)1
والكالم عن هذه الرواية يقع في أمور:
األمر األول :هذه الرواية إنما أريد بها إيقاد عواطف من يقرأها كما هو ديدن
أبي مخنف في الروايات السابقة ،ولذا جاءت في صورة مأساوية كسائر روايات
أبي مخنف لمقتل الحسين ،فترى فيها التركيز على وصف دقائق األمور ،كما
أنها ال تختلف عما سبقها من الروايات التي تبالغ في إظهار توجع وتفجع الحسين
وأهل بيته .
األمر الثاني :نسج أبو مخنف هذه الرواية على حبكة سابقة ،فتأمل معي
خبرا آخر من رواية أبي مخنف في واقعة أخرى لترى تكرر األحداث مع اختالف
الوقائع :قال أبو مخنف> :حدثني سليمان بن أبي راشد ،عن حميد بن مسلم،
قال :خرج إلينا غالم كأن وجهه شقة قمر ،في يده السيف ،عليه قميص وإزار
ونعالن قد انقطع شسع أحدهما ،ما أنسى أنها اليسرى ،فقال لي عمرو بن سعد
ابن نفيل األزدي> :واهلل ألشد َّن عليه< ...،فش َّد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه
بالسيف ،فوقع الغالم لوجهه ،فقال> :يا عماه!< قال :فجلى الحسين كما يجلى
ثم ش ّد ش ّدة ليث غضب ،فضرب عمرا بالسيف ،فاتقاه بالساعد، الصقرّ ،
()2
ثم تنحى عنه ...وانجلت الغبرة ،فإذا أنا
فأطنها من لدن المرفق ،فصاحَّ ،
بالحسين قائم على رأس الغالم ،والغالم يفحص برجليه ،وحسين يقول> :بُعدا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)451/5
( )2في المطبوع فأظنها.
339
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
لقوم قتلوك ،ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك< ...فسألت عن الغالم ،فقيل:
>هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب<<(.)1
وأنت ترى أيها القارئ تكرر دفاع الغالمين عن عمهما الحسين ،
وتكرر قطع يد أحد المتبارزين ،لكن اليد المقطوعة في قضية القاسم كانت يد
قاتله عمرو بن سعد بن نفيل ،أما في روايتنا فيد الغالم هي التي قطعت! ،وترى
أيضا تكرر جلَ ِد الحسين وصبره ودعائه على قتلة أهله ،فيا ترى كيف وقع هذا
التشابه واالتفاق في واقعتين مختلفتين؟( ،)2ولم يتخلف في رواية الغالم سوى
بيان صورة موته ،ألن مقتضى قول الحسين له> :فإن اهلل يلحقك بآبائك
وعلي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن الصالحين ،برسول اهلل
علي< ،أن أجله دنا وأنه سيستشهد مثل من سبقه من أهل البيت.
ومن عادة الوضاعين والكذابين أن يعمدوا إلى تكرار خبر ما مع تغيير بعض
التفاصيل كما هو دأب أبي مخنف ونظرائه ،فبان لك أن هذه الرواية منسوجة على
رواية سابقة ،وإنما وقع االختالف في تفاصيل يسيرة ،منها إقحام زينب في هذه
القصة.
األمر الثالث :في هذه الرواية شخصان ال يُدرى من هما:
األول :الغالم الذي قطعت يده ،وهو ابن أخ للحسين ،ألن الرواية تقول
ِين عن
إنه قال لبحر بن كعب> :أتقتل عمي<؟ وبعد البحث والتتبع ،لم أجد ما يُب ُ
اسمه ،وقد وقع عند المفيد في إرشاده أنه عبد اهلل بن الحسن بن علي ،وقد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)447/5
( )2ويبدو أن هذا التشابه هو ما أوقع بعض المتأخرين في الغلط فخلطوا بين القصتين وجعلوهما
واحدة ،انظر الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص .)881
340
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
تفرد المفيد بهذا دون سائر من روى عن أبي مخنف هذا الخبر(.)1
والظاهر أن هذا ما ظنه المفيد ال ما وقف عليه في مقتل أبي مخنف ،وإال
فأبو مخنف قد نص على أن قاتل عبد اهلل بن الحسن هو حرملة بن
الكاهل( ،)2وعليه فالغالم المذكور في هذه الرواية غير معلوم االسم.
والثاني :بحر بن كعب التيمي الذي نسب إليه أبو مخنف أنه تسبب في قطع
يد هذا الغالم ،وهو رجل ال ذكر له إال في رواية أبي مخنف .وإن سلَّمنا ألبي
معروف ،فإنا ال نسلم له في إبهام اسم الغالم
ٌ مخنف بأن بحر بن كعب التيمي هذا
الذي قطعت يده دفاعا عن عمه الحسين ،وذلك أن الذين قتلوا مع الحسين
من أبناء أخيه معروفون كلهم ،وهم ثالثة :القاسم وعبد اهلل وأبو بكر بنو الحسن،
وقد ذكر أبو مخنف قتلَ َتهم وليس فيهم بحر بن كعب( ،)3وأما الحسن المثنى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اإلرشاد ( ،)110/2ومال إلى ذلك الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص 881ــ
،)883وال أدري كيف قطع بذلك وهو يرى أن الطبري وأبا الفرج األصفهاني نقال هذه الرواية
عن أبي مخنف ولم يذكرا أن اسم الغالم هو عبد اهلل بن الحسن ،كما أن الريشهري وقف على
تنصيص ابن سعد والكلبي وأبي الفرج األصفهاني على أن من قتل عبد اهلل بن الحسن هو حرملة
ابن الكاهل ،أما هذا الغالم الذي لم يعلم اسمه فقاتله حسب رواية أبي مخنف هو بحر بن كعب.
( )2تاريخ الطبري ( ،)468/5وهذا ما قرره ابن سعد في طبقاته ( )442/6ووقع عنده ابن حرملة
الكاهلي ،وهذا ما قاله البالذري في أنساب األشراف ( )201/3ــ وفيه عبد اهلل بن حسين ولعل
الصواب :بن حسن ــ ،ونقله الشجري عن الفضيل بن الزبير الكوفي كما في ترتيب األمالي
الخميسية ( ،)225/1وقد طبع محمد رضا الجاللي رواية الفضيل بن زبير في كتاب مستقل
وسماه :تسمية من قتل مع الحسين ،فراجع (ص )28ونقل أبو الفرج األصفهاني في مقاتله
(ص )93ذلك عن أبي جعفر الباقر ،ونقل عن المدائني بإسناده عن هانئ بن ثبيت القابضي أن
رجال منهم قتله.
( )3تاريخ الطبري (.)469/5
341
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وعمر بن الحسن فإن أبا مخنف ذكر أنهما استصغرا فلم يقتال( ،)1فمن يكون
هذا الغالم الذي غفل الناس عن اسمه ولم يعرفوه؟.
ومن الطرائف العجيبة أ َّن دأب حميد بن مسلم هو السؤال عمن ال يعرفه،
فقد سأل عن زينب حتى ُع ِّرفها ،وسأل عن اسم القاسم بن الحسن فأُخبر باسمه،
ولكنه هذه المرة لم يسأل عن اسم هذا الغالم ،فصار اسمه ضائعا ،والحقيقة أن
أبا مخنف هو صانع هذا الغالم الذي لم تلده أرحام النساء ،وذلك أن الذين
خرجوا مع الحسين معدودون ومعلومون ،قتل منهم ستة عشر أو سبعة عشر رجال
عرفت أسماؤهم كلهم( ،)2فكيف يُجهل اسم أحدهم ويبقى غير معلوم وال يكون
له ذكر وال خبر إال في رواية أبي مخنف ،إن الحقيقة والواقع أن أبا مخنف أراد
أن يكرر مشاهد القتل والمأساة التي تثير عواطف قراء مقتله ،لكنه خشي إن صرح
باسم هذا الغالم أن يفتضح ألن من كان مع الحسين معلومون مشهورون ،فأبهم
اسم هذا الغالم حتى يتمكن من تمشية هذه الحكاية على من ال يعلم حقائق
األمور ،واهلل المستعان.
5ــ نقد رواية خروج زينب الكبرى وحسرتها على الحسين
واستعطافها عمر بن سعد
الرجالة
روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم أ ّن ّ
لما أحاطوا بالحسين ليقتلوه >خرجت زينب ابنة فاطمة أخته ،وكأني أنظر إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)469/5
( )2انظرها من رواية أبي مخنف ،في تاريخ الطبري ( )469/5ومن رواية غيره في :تاريخ خليفة بن
خياط (ص ،)234المعجم الكبير للطبراني ( )103/3المحن ألبي العرب (ص ،)155
المعقبون من ولد أمير المؤمنين (ص 95ــ ،)97وتسمية من قتل مع الحسين للفضيل بن الزبير
(ص 27ــ )29ووقع عنده تسمية تسعة عشر ممن قتلوا مع الحسين.
342
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
قرطها يجول بين أذنيها وعاتقها وهي تقول> :ليت السماء تطابقت على
األرض!< ،وقد دنا عمر بن سعد من حسين ،فقالت> :يا عمر بن سعد ،أيقتل
أبو عبد اهلل وأنت تنظر إليه؟< قال :فكأني أنظر إلى دموع عمر وهي تسيل على
خ ّديه ولحيته ،قال :وصرف بوجهه عنها<(.)1
وتأتي هذه الرواية على صورة قريبة من روايات حميد بن مسلم المعهودة،
إال أنها تتميز عن بقية الروايات باإلغراق في الوصف والتفاصيل وبيان ذلك يقع
في أمور:
األمر األول :تزعم هذه الرواية أن زينب خرجت مسرعة حاسرة وكاشفة عن
وجهها مجددا أمام جماعة من الرجال ،لدرجة أن حميد بن مسلم رأى قرط زينب
يهتز ،ورأى عاتقها مكشوفا أيضا ،وهنا يتساءل الباحث :كيف لزينب أن تخرج
ثم أين
بهذه الصورة المنكرة والتي ال تليق بامرأة حيية أمام كل هؤالء الرجال؟! َّ
الحسين من اإلنكار على أخته وهو يراها بتلك الصورة؟ هل يتصور أن الحسين
وتبرز للرجال بال حجاب من أجل الدفاع عنه؟
يسمح ألخته بأن تعصي ربها ُ
لعل الحسين سكت عن ذلك ألنه ظن أن القوم إن رأوا أخته على ال يقالَّ :
تلك الصورة امتنعوا عن قتله ،فيجاب عن ذلك بأن مقتضى الروايات السالفة هو
وهو يخبره أ َّن الحسين كان متيقنا من قتله ،ففيها أ َّن الحسين رأى النبي
بلحاقه به ،كما أ ّنه نعى نفسه بأبيات من الشعر ،وقد سمعت كل ذلك زينب ،فما
الذي حملها على أن تصنع ما صنعت وهي تعلم أن الحسين مقتول قطعا ،الجواب
هو أن صانع هذه الرواية إنما أراد اإلمعان في التصوير المأساوي لمقتل الحسين
كما هي عادته ،ولذا أخرج هذه الرواية بهذه الصورة المبتذلة التي تسيء إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)452/5
343
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
344
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
معهود في أخبار األولين ،وغير معقول في مثل حميد بن مسلم وهو رجل ينبغي
أن ينهمك في أمور القتال والحرب ال في تفاصيل الوقائع واألحداث ،والحق أن
اإلغراق في التفاصيل أمر معهود في روايات أبي مخنف ،فهو بالء هذه األخبار.
وعصب جنايتها
وقد رفض الباحث اإلمامي عقيل الحمداني هذه الروايةّ ،
بحميد بن مسلم فقال> :كيف استطاع حميد بن مسلم أن يصل إلى خيمة نساء آل
عبد المطلب أو بقربها ومن ثم ينظر الى قرطي زينب يجوالن بأذنيها<.
وقال أيضا> :أين ذهبت الغيرة الحسينية بحيث يجعل رجال من أعداء
الحسين بحيث يقترب من أخته ويرى قرطيها يجوالن في أذنيها ،والمسافة
ربما لم تكن أكثر من 10أمتار كي يرى بوضوح األقراط وهي تجول بأذنها أو
وجو كربالء يومها كان مغبرا من حركة الخيلربما المسافة أقل ،ألن أرض ّ
والرجال ،فكيف يدع الحسين رجال أجنبيا يقترب كثيرا على زينب العقيلة
حتى يصفها وينظر إلى ما خرج من جسدها كما زعموا< ،ولذلك جعل هذه الرواية
موضوعة ومسيئة إلى زينب .)1(
وك َّذب جعفر مرتضى العاملي هذه الرواية ظانا أنها من رواية عبد اهلل
البارقي( ،)2فقال تحت عنوان >أكذوبة البارقي على زينب :والبارقي هذا زعم أنه
رأى زينب بنت علي وفاطمة قد خرجت قال :وكأني أنظر إلى قرطها يجول
بين أذنها وعاتقها وهي تقول> :ليت السماء تطابقت على األرض< الخ،..
وعلى أطهر فأخزى اهلل هذا الرجل الك َّذاب المفتري على حرم رسول اهلل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المعجم الشامل لمعركة كربالء (ص 199ــ .)203
يعرف زينب،
( )2وقد مضى أن الخبر من رواية حميد بن مسلم ،ومما يزيد ذلك بيانا أن راوي هذا الخبر ُ
قبل فعرفها ــ كما يزعم أبو مخنف.
وهذا يؤيد كون الراوي هو حميد بن مسلم ألنه سأل عن زينب ُ
345
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
346
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
الثاني :يتكرر هنا نسبة زينب إلى أمها دون أبيها ،فقد وقع هذا في لسان
حميد بن مسلم ،وتكرر في لسان قرة بن قيس ،والسبب المنطقي الوحيد لهذا
هو أن الذي يتكلم على لسانهما رجل واحد ،وهو أبو مخنف.
الثالث :وقع من نساء أهل البيت الصياح واللطم حزنا وجزعا على الحسين
،وهذه ثالث مرة يقع ذلك ،فقد وقع ذلك مرتين من زينب ،وشاركها في
الثالثة بقية النساء ،فهل هذا هو الالئق بمن تربى في بيوت أهل البيت؟ ال قطعا،
نعم ال شك والريب أن الحزن والجزع والبكاء سيقع من النساء اللواتي كن مع
الحسين ،لكن ال نتصور فيهن أن يبلغ حزنهن درجة مخالفة الوصايا النبوية
ويصدر منهن الجزع والصراخ واللطم ،بل إن هذا الصنيع منهن مخالف لما أوصى
به الحسين زينب ،من ترك ألوان المبالغة في الجزع على الحسين كخمش
الوجه وشق الجيب ،وحقيقة األمر أن أبا مخنف هو من أراد أن يصور نساء أهل
البيت بهذه الصورة المأساوية ،ولذلك تكرر منه نسبة تلك األفعال المنكرة إلى
نساء أهل البيت.
الرابع :يقول ُق ّرة بن قيس واصفا نساء الحسين> :فما رأيت منظرا من نسوة
قط كان أحسن من منظر رأيته منهن ذلك اليوم ،واهلل لهن أحسن من مها َي ْبرين(.<)1
وتتكرر إساءات روايات أبي مخنف لنساء أهل البيت ،إذ أن روايته هذه
تتمادى في وصف حسنهن وجمالهن حتى شبِّهن بالظباء ،ومقتضى ذلك أنهن
كن مكشوفات أمام األجانب ،وقد يستجيز بعضهم هذا األمر هاهنا ويبرر ذلك
بأن جيش ابن زياد هو من صنع بهن ذلك ،وهذا تأباه عادة العرب ونخوتهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المها معروفة ،وهي نوع من أنواع الظباء ،وأما يبرين فمنطقة بالجزيرة العربية انظر عنها معجم
البلدان ( ،)71/1فمراده أنهن أحسن من ظباء بالد يبرين.
347
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ونستبعده حتى عن أمثال ابن زياد ومن معه ،وحتى روايات أبي مخنف تأبى
ذلك ،فإنه قد نسب إلى شمر بن ذي الجوشن أنه أجاب الحسين إلى منع جنوده
من االقتراب من نسائه ،إذ لما قال له الحسين> :امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم
وجهالكم< ،قال ابن ذي الجوشن> :ذلك لك يا ابن فاطمة<( ،)1فما الذي جعل
ثم
قادة جيش ابن زياد يمتنعون من االقتراب من حرم الحسين وقد ظهروا عليهَّ ،
بعد وفاته يخرجونهن ذليالت كاشفات الوجوه؟ بل الذي يظهر من هذه الرواية
أن أبا مخنف أراد أن يصور للناس أن الحزن والجزع واألسى على الحسين شغل
نساء أهل بيته عن ستر وجوههن أمام الرجال ،كما هو دأبه فيما نسبه إلى زينب
،ونحن ننزه نساء أهل البيت عن ذلك ونرى أنهن أتقى هلل وأنقى من أن
يصدر منهن ذلك ،وأن اهلل تعالى صانهن عن مثل هذه األفائك.
نسبت هذه الرواية إلى زينب أنها ندبت الحسين بكالم غلب عليه
الخامسْ :
التكلف في السجع ،والمبالغة في الجزع ،ومن يتأمل في هذا الخطاب ،يجد أن
المراد منه هو اإلبكاء وإثارة األحزان والعواطف ،وذلك ظاهر من ألفاظ الرواية
التي جاء فيها> :هذا الحسين بالعراء ،مرمل بالدماء ،مقطع األعضاء< ،فهل هذا
موافق للصبر أم أن هذا هو السخط على القدر والجزع المبالغ فيه والندب المنهي
عنه ،أليس المفترض بزينب وهي كبرى نساء أهل البيت أن ُتصبِّر من معها من
النساء وتمنعهن من اللطم أو الصراخ ،أما أن تزيد أحزانهن وتهيج بكاءهن بهذه
األقوال التي هي أقرب إلى كالم نائحات الجاهلية من صالحات أهل البيت فهو
أمر ننزه زينب عنه ،والذي يظهر أن غرض أبي مخنف هو إبكاء من يقرأ هذه
وأظهر ّبينة على ذلك أن أبا مخنف زعم أن هؤالء الطُّغاة ُ
العتاة ُ الروايات،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)450/5
348
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
349
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ثم
أشفى اهلل نفسي من طاغيتك ،والعصاة المردة من أهل بيتك< ،قال :فبكت ّ
وأبرت أهلي ،وقطعت فرعي ،واجتثثت قالت> :لعمري لقد قتلت كهليّ ،
أصلي ،فإن يشفك هذا فقد اشتفيت< ،فقال لها عبيد اهلل> :هذه سجاعة ،قد
لعمري كان أبوك شاعرا سجاعا<( ،)1قالت> :ما للمرأة والسجاعة! إ ّن لي عن
السجاعة لشغال ،ولكن نفثي ما أقول<<(.)2
والكالم عن هذا الخبر يقع في أمور:
األمر األول :مضى غرابة نسبة زينب إلى أمها بدل أبيها ،وقد تكرر ذلك
في هذه الرواية ــ في مجلس واحد ــ من حميد بن مسلم ومن َأمةٍ لزينب( ،)3ولو
س ّلمنا بأن ذلك جا َّد ُة حميد بن مسلم ،فال نس ّلم أن يقع ذلك من َ
األمة أيضا ،وال
ريب أن تكرر نسبة زينب إلى غير أبيها من شخصين مختلفين في موضع واحد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1في طبعة روائع التراث لتاريخ الطبري بتحقيق أبي الفضل إبراهيم وهي الطبعة التي عليها العزو
في هذا البحث ،وطبعة دار الكتب العلمية ( ،)337/3وطبعة دار صادر ( )1054/3شجاعة
بدل سجاعة ،وشجاعا بدل سجاعا ،وكذا في الكامل البن األثير ( ،)186/3ومرآة الزمان
( ،)152/8والصواب ما أثبته ،وهو ما ورد في اإلرشاد للمفيد ( ،)116/2وهو المناسب
سجاعا ،يفيد أن زينب أخذت السجع عن أبيها ألنه شاعر أديب ،أما للسياق ،فإنه قوله شاعرا ّ
قوله :شاعرا ُشجاعا فلم أجد له وجها مناسبا لسياق الكالم.
( )2تاريخ الطبري ( ،)457/5وهو عند ابن سعد مختصرا ( ،)445/6ورواه ابن الجوزي بسنده عن
ابن أبي الدنيا من طريق هشام بن محمد الكلبي عن شيخ من األزد ،انظر :الرد العنيد البن
الجوزي (ص ،)55قلت :الشيخ األزدي المبهم هو أبو مخنف قطعا وسيأتي الكالم عن رواية
ابن أبي الدنيا في محله.
( )3ووقع في رواية ابن سعد وابن أبي الدنيا بدل ابنة فاطمة> :زينب بنت علي< ،قلت :يحتمل أن
التصرف وقع من ابن سعد وابن أبي الدنيا بسلوكهما الجادة في النسبة إلى اآلباء دون األمهات،
أو أن هذا ما نقل إليهما.
350
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
351
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
العز والشرف عندهن ،أراد أن يجعل زينب بمنزلتهن ،ولذلك افتعل تلك الرواية
التي تزعم أن زينب دخلت مجلس ابن زياد وهي محفوفة بإمائها ،على صورة
دخول بنات الملوك إلى المجالس ،ولو لم يكن في هذه الرواية إال هذه السوءة
لكانت كافية في ردها.
األمر الرابع :أستبعد وقوع هذا المحاورة بين زينب وابن زياد من أصلها،
فإن طبع النساء في الزمن األول هو الحياء واالبتعاد عن مجادلة الرجال ،فما الذي
يحمل زينب على أن تدخل في جدال مع ابن زياد مع ما رأته فيه من الظلم
والجبروت ،فعلي بن الحسين كان في المجلس وهو أولى من زينب بالكالم مع ابن
زياد ،ويبدو أن هذا ما جعل بعض المتأخرين يزيد في هذه الرواية أ َّن علي ابن
ثم أقبل فقال البن زياد:الحسين قال لعمته زينب> :اسكتي يا عمة حتى أكلمه<ّ ،
>أبالقتل ته ّددني يا ابن زياد ،أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة<(.)1
ثم إ ّن هذه الرواية نسبت إلى ابن زياد كالما كله شماتة بنساء الحسين وأهل
ّ
بيته ،وهذا مستبعد ،فليس من شيم العرب األُ َول الشماتة بالنساء ،وإنما هذه
ثم إن ما في هذه المحاورة بين زينب وابن زياد من أفعال األراذل من الناسّ ،
الفحش مستغرب ،وإن تنزلنا صدور ذلك من ابن زياد على فظاعته ونكارته،
كقوله> :الحمد هلل الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم< وقوله> :قد أشفى
اهلل نفسي من طاغيتك ،والعصاة المردة من أهل بيتك< ،فلئن حملنا هذا على
أن ابن زياد غليظ جاف جلف ال يراعي للنساء حرمة ،فهل يتصور في زينب أن
ترد بذلك الرد المسيء وتقول له> :إنما يفتضح الفاسق ،ويكذب الفاجر<!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اللهوف في قتلى الطفوف (ص ،)95وهو في الفتوح المنسوب البن أعثم (.)123/5
352
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
األمر الخامس :زعموا أن زينب قالت عن قتلى أهل البيت> :كتب عليهم
القتل ،فبرزوا إلى مضاجعهم< ،وهذا اقتباس من قول اهلل تعالى{ :ﱹ ﱺ ﱻ
ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ} [آل عمران ،]154 :وهذا
اقتباس غير حسن ،ألن هذا الكالم جاء في موضع الذم للمنافقين ،إذ أن هذا
يحسن
جواب لقولهم{ :ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ} ،فهل ُ
بزينب أن تستدل بما فيه ذم في موضع المدح ،إ ّن هذا دليل على جهل صانع
الرواية فلو استدل بما ورد في نفس السورة ،من قول اهلل تعالى{ :ﲄ ﲅ ﲆ
353
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وكسوة<( ،)1وهذا دليل على أن ابن زياد أحسن إليهن وأكرمهن ،ال كما يزعم أبو
مخنف من أنه أدخلهن إلى مجلسه أمام الناس عنده لِ َي ْشمت بهن ووضع أمامهن
رأس الحسين .!!
8ــ نقد رواية دفاع زينب الكبرى عن علي بن الحسين عند ابن زياد
روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال> :إني
لقائم عند ابن زياد حين ُعرض عليه علي بن الحسين فقال له> :ما اسمك؟< قال:
>أنا علي بن الحسين< ،قال> :أو لم يقتل اهلل علي بن الحسين!< ،فسكت ،فقال
له ابن زياد> :ما لك ال تتكلم!< ،قال> :قد كان لي أخ يقال له أيضا علي ،فقتله
الناس< ،قال> :إن اهلل قد قتله< ،قال :فسكت علي ،فقال له> :ما لك ال تتكلم!<،
قال{ :ﱗ ﱘ ﱙ} [ال ُّز َمر{ ]42 :ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ
ﲉ} [آل عمران ،]145 :قال> :أنت واهلل منهم ،ويحك! انظروا هل أدرك؟ واهلل
إني ألحسبه رجال< ،قال :فكشف عنه مري بن معاذ األحمري ،فقال> :نعم قد
أدرك< ،فقال> :اقتله< ،فقال علي بن الحسين> :من توكل بهؤالء النسوة؟<،
وتعلقت به زينب عمته فقالت> :يا ابن زياد ،حسبك منا ،أما رويت من دمائنا!
وهل أبقيت منا أحدا!< ،قال :فاعتنقته ،فقالت> :أسألك باهلل إن كنت مؤمنا إن
قتلته لما قتلتني معه< ،قال :وناداه علي فقال> :يا ابن زياد ،إن كانت بينك وبينهن
قرابة فابعث معهن رجال تقيا يصحبهن بصحبة اإلسالم< ،قال :فنظر إليها ساعة،
ثم نظر إلى القوم فقال> :عجبا للرحم! واهلل إني ألظنها ودت لو أني قتلته أني َّ
()2
قتلتها معه ،دعوا الغالم ،انطلق مع نسائك<< .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري ( ،)393/5أنساب األشراف (.)226/3
( )2تاريخ الطبري ( ،)458/5ووقع هذا في رواية خالد بن يزيد القسري عن عمار الدهني مختصرا=،
354
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
355
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
أغلظ له في الكالم( ،)1فدل هذا على أن ابن زياد كان ال يتأخر في قتل من يغلظ
له الكالم ،إال أنه هاهنا غير مسلكه ولم يتعرض بسوء لزينب!.
الثالث :قد روى أبو مخنف ما يناقض هذا الخبر ،ألنه هنا يذكر أن ابن
وترجته أال يقتله ،بينما
ّ زياد إنما عفا عن علي بن الحسين لما استعطفته زينب
وقع في رواية مجالد بن سعيد أن ابن زياد إنما ترك علي بن الحسين ألنه قال له:
>إن كان بينك وبين هؤالء النسوة قرابة فابعث معهن رجال يحافظ عليهن< ،فقال
له ابن زياد> :تعال أنت ،فبعثه معهن<( ،)2فأي الخبرين أصح؟!
قد يقال :إ َّن خبر حميد بن مسلم أصح ألنه معاصر للواقعة خالفا لخبر
مجالد بن سعيد ،وهذا وجيه لو كان الراوي عنهما ثقة ،لكن الراوي عنهما ليس
قلت فيما مضى إن البالء منه ألنه أورد هذا الخبرين بطريقين
إال أبا مخنف وقد ُ
من باب استكثار الطرق وإال فالخبران متشابهان في الجملة!.
الرابع :الظاهر أن أبا مخنف أراد أن يجعل لكل من زينب وعلي بن الحسين
محاورة يظهران فيها على ابن زياد ،فأبو مخنف ينسج الخبر على صورة واحدة
وإن اختلفت بعض تفاصيله ،ففي الخبر السابق لما ظهرت زينب على ابن زياد
وأغضبته بردها عليه ،لم يخفف من غضبه إال تذكير عمرو بن الحريث له بأن
زينب امرأة وينبغي أال تؤاخذ بما تقول ،وأما في هذا الخبر فإن علي بن الحسين
هم ابن زياد بقتله ،فمنعته من ذلك
لما أغضب عبيد اهلل بن زياد وظهر عليه َّ
زينب ،وأنت ترى التشابه المتكرر في الحبكة القصصية لروايات أبي مخنف،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري ( 458/5ــ .)459
( )2تاريخ الطبري (.)457/5
356
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
مع التغير واالختالف في التفاصيل ،فضال عن غرابة أصل القصة وتفرد أمثال
أبي مخنف بها ،ومؤدى هذا هو اإلعراض عن هذه األخبار وتركها ال االشتغال
بها واالستناد إليها واهلل المستعان.
9ــ نقد رواية دفاع زينب الكبرى عن فاطمة بنت علي عند يزيد
قال أبو مخنف :عن الحارث بن كعب ،عن فاطمة بنت علي ،قالت> :لما
ثم إ ّن
رق لنا ،وأمر لنا بشيء ،وألطفنا ،قالتّ :أُ ْجلِسنا بين يدي يزيد بن معاوية َّ
رجال من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال> :يا أمير المؤمنين ،هب لي هذه<
وفر ْقت ،وظننت أ َّن ذلك جائز لهم،
ــ يعنيني ،وكنت جارية وضيئة ــ فأرعدت َ
وأخذت بثياب أختي زينب ،قالت :وكانت أختي زينب أكبر مني وأعقل ،وكانت
ولؤمت! ما ذلك لك وله< ،فغضب َ تعلم أن ذلك ال يكون ،فقالت> :كذبت واهلل
لفعلت< ،قالت:
ُ شئت أن أفعله
ت واهلل ،إن ذلك لي ،ولو ُ يزيد ،فقال> :كذب ِ
>كال واهلل ،ما جعل اهلل ذلك لك إال أن تخرج من ملتنا ،وتدين بغير ديننا<،
ثم قال> :إياي تستقبلين بهذا؟ إ ّنما خرج من الدين
قالت :فغضب يزيد واستطارَّ ،
أبوك وأخوك< ،فقالت زينب> :بدين اهلل ودين أبي ودين أخي وجدي اهتديت
أنت وأبوك وجدك< ،قال> :كذبت يا عدوة اهلل< ،قالت> :أنت أمير مسلط ،تشتم
ثم قالظالما ،وتقهر بسلطانك< ،قالت :فواهلل لكأ ّنه استحيا ،فسكت ...قالتَّ :
يزيد بن معاوية> :يا نعمان بن بشير ،جهزهم بما يصلحهم ،وابعث معهم رجال
من أهل الشام أمينا صالحا ،وابعث معه خيال وأعوانا فيسير بهم إلى
المدينة< ....،فخرج بهم ،...فلم يزل ينازلهم في الطريق هكذا ،ويسألهم عن
حوائجهم ،ويلطفهم حتى دخلوا المدينة .قال الحارث بن كعب :فقالت لي
فاطمة بنت علي :قلت ألختي زينب> :يا أخية ،لقد أحسن هذا الرجل الشامي
357
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
إلينا في صحبتنا ،فهل لك أن نصله؟< ،فقالت> :واهلل ما معنا شيء نصله به إال
ُح ّلينا< ،قالت لها> :فنعطيه حلينا< ،قالت :فأخذت سواري ودملجي وأخذت
أختي سوارها ودملجها ،فبعثنا بذلك إليه ،واعتذرنا إليه ،وقلنا له> :هذا جزاؤك
بصحبتك إيانا بالحسن من الفعل< ،قال :فقال> :لو كان الذي صنعت إنما هو
للدنيا كان في حليكن ما يرضيني ودونه ،ولكن واهلل ما فعلته إال هلل ،ولقرابتكم
من رسول اهلل <(.)1
وال تختلف هذه الرواية عن سابقاتها في الحبكة المتكررة ،والنكارة في
أصل الخبر ،وتكرر صورة المحاورة الممجوجة والمستنكرة والمليئة بالسباب
والشتائم ،بين أهل بيت الحسين ويزيد ،مما يجعل هذه الرواية في عداد األخبار
المختلقة كما هو حال األخبار السالفة ،وبيان ذلك في أمور:
األمر األول :مضى الكالم عن راوي هذا الخبر وهو (الحارث بن كعب)
وإما أن يكون أبو مخنف هو
فإما أ ّنه آفة هذا الخبرّ ،
وبينت أ ّنه مجهول ال يُعرفّ ،
المقربين من أهل البيت
المتهم به ،وأ ّنه أراد من وضعه أن يجعل الحارث هذا من ّ
علي بن الحسين ،وتارة يروي عن
الذين حضروا كربالء ،فتراه يجعله يروي عن ّ
علي!.
فاطمة بنت ّ
األمر الثاني :إ َّن دعوى طلب الرجل الشامي من يزيد أن يهبه ابنة علي ،
ال يتصور أن تقع أصال ،وكذا قول يزيد> :إ َّن ذلك لي ،ولو شئت أن أفعله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري ( 461/5ــ .)462ووقع هذا في رواية خالد بن يزيد القسري عن عمار الدهني
مختصرا ،انظر ( ،)390/5وأورده البالذري مختصرا في أنساب األشراف ( ،)217/3وانظر
اإلرشاد للمفيد ( .)121/2وقد خالف أبو الفرج األصفهاني في هذا الخبر أيضا فروى أن الرجل
الشامي طلب من يزيد أن يهبه زينب ال فاطمة بنت علي ،انظر مقاتل الطالبيين (ص )120وهذا
مخالف لرواية البالذري والطبري والمفيد ،فال عبرة به كسابقه.
358
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
لفعلت< ،وذلك أن عدم جواز سبي امرأة مسلمة أمر متقرر ومعروف عند سائر
المسلمين ،فكيف إن كانت هذه المرأة من أهل بيت النبي .
علي بأنه لم ْيس ِب أهل الجمل،
وقد اشتهر أ َّن الخوارج اعترضوا على ّ
أفتس ُبون أمكم عائشة ،تستحلون منها ما تستحلون من
فلما قال لهم ابن عباسْ > :
غيرها وهي أمكم؟ فإن قلتم :إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم،
وإن قلتم :ليست بأمنا فقد كفرتم<( ،)1انقطع الخوارج ،وانتهى جماعة منهم عن
االعتراض والخروج ورجعوا.
ولذا ال يتصور في مسلم في العصر األول أن يستبيح سبي امرأة مسلمة
فضال عن أن يستبيح سبي ذرية النبي .
األمر الثالث :كيف اجتمع إغالظ يزيد لزينب في القول وجفاؤه لها في
الكالم ،مع ما ُص ّدرت به الرواية من قول فاطمة بنت علي عن يزيدَّ > :
رق لنا،
وأمر لنا بشيء ،وألطفنا<!
ثم ذهبت تلك الرقة فجأة أل َّن زينب ر َّد َت على فهل َّ
رق لهم أول األمر َّ
طلب الشامي أن يهب أختها فاطمة له؟!
علي والحسين > :إ ّنما خرج من الدين أبوك األمر الرابع :قول يزيد عن ّ
وأخوك< ،وقوله لزينب ِ > :
كذبت يا عد َّوة اهلل< غير متصور ،فحتى معاوية
الذي شجر بينه وبين علي ما شجر ،لم يقل قط إ ّن عليا قد خرج من
الدين ،ولو أ َّن يزيد قال ذلك عن الحسين ،لكانت أعظم مثلبة له ،ولقام
أول من يرد عليه ذلك. عليه الناس لذلك ،ولكان أصحاب النبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1السنن الكبرى للنسائي ( )8522وإسناده متصل صحيح ،رجاله كلهم ثقات.
359
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
األمر الخامس :إ َّن الروايات التي وردت من غير طريق أبي مخنف لم تذكر
وقوع هذا المحاورة المختلقة ،فقد روى الليث بن سعد قصة دخول أهل بيت
الحسين على يزيد ،ولم يذكر وقوع أي محاورة بين زينب ويزيد ،بل
ألن ال
بسكينة فجعلها خلف سريره ْ لم يذكر زينب رأسا ،وإنما ذكر أن يزيد >أمر ُ
ثم ذكر محاورة وقعت بينه وبين علي بن ترى رأس أبيها وذوي قرابتها<َّ ،
ثم >جعلت فاطمة وسكينة يتطاوالن ليريا رأس أبيهما ،وجعل يزيد الحسينَّ ،
فجهزوا وأصلح إليهم
ثم أمر بهم ُ
يتطاول في مجلسه ليستر عنهما رأس أبيهماَّ ،
وأُخرجوا إلى المدينة<(.)1
وروى هشام الكلبي ــ وهو هالك ــ عن عوانة بن الحكم قال> :قالت فاطمة
بنت الحسين ــ وكانت أكبر من سكينة :أبنات رسول اهلل سبايا يا يزيد! فقال يزيد:
يا ابنة أخي ،أنا لهذا كنت أكره<( ،)2ورواية الليث وعوانة تناقض رواية أبي
مخنف ،فإنها تذكر أن فاطمة بنت الحسين لما شكت أسرها إلى يزيد ساءه ذلك،
خالفا لرواية أبي مخنف التي تزعم أنه استباح ذلك.
األمر السادس :قد ُذكر في غير رواية أبي مخنف أن الذي رد على يزيد هو
علي بن الحسين وليست زينب ،قال ابن سعد> :فقام رجل من أهل الشام ،فقال:
>إ َّن سباياهم لنا حالل< ،فقال علي بن حسين> :كذبت ولؤمت ،ما ذاك لك إال
ثم قال للشامي:ملياّ ،
أن تخرج من ملتنا ،وتأتي بغير ديننا< ،فأطرق يزيد ّ
اجلس<( ،)3فالذي رد على الشامي في هذا الخبر علي بن الحسين وليس زينب،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المعجم الكبير للطبراني ( ،)2806ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (.)14/70
( )2تاريخ الطبري (.)464/5
( )3الطبقات البن سعد (.)448/6
360
التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ثم إ َّن يزيد لم يجب علي بن الحسين بل وافقه بدليل إجالسه للشامي ،وهذا أليق َّ
وأسلم من رواية أبي مخنف ،إذ صدور هذا األمر من رجل شامي جاهل َو َر ُّد
ولي من كان في المجلس من النساء ــ هو األنسب،علي بن الحسين ــ الذي هو ُّ
ال أن تنتصب امرأة لتر ّد نيابة عنه وعن النساء.
361
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ل
لصة النظر في الرواياث امي سؤية لرينب الكبرى
حأ
لء في مفثل اني محنف
في كري أ
$
تبين من خالل ما تقدم بعد النظر في أسانيد روايات أبي مخنف ومضامينها،
أن هذه األخبار ال تثبت ال من جهة السند وال من جهة المتن ،وظهر من خالل
سبر روايات أبي مخنف عن زينب وتتبعها وجود مواطن عدة للخلل فيها،
ونجملها في هذا الملخص في مسائل:
المسألة األولى :عدم ثبوت جميع مرويات أبي مخنف عن زينب الكبرى
إن كل ما روي في مقتل الحسين ألبي مخنف ال يثبت من جهة السند فهو
منقول عن رجال مجاهيل ال يُعرفون ،واألخبار المنسوبة إلى فاطمة بنت علي
وعلي بن الحسين في مقتل أبي مخنف ال تثبت عنهما أيضا ،ومدار تلك الروايات
المنسوبة إلى أعالم أهل البيت على رجل واحد وهو الحارث بن كعب المجهول
الذي ادعى أبو مخنف أنه روى أخبارا عن علي بن الحسين تارة وعن فاطمة بنت
علي تارة أخرى.
ومما يالحظ في أخبار أبي مخنف أن أكثر من روى أخبار زينب ـ ـ هو
حميد بن مسلم األزدي الذي يفترض فيه أنه كان في جيش ابن زياد ،ومع ذلك
فقد حظي بالنصيب األعظم من أخبار زينب ،مع أنه لم يكن يعرفها أصال وإنما
ادعى في بعض الروايات أنه عرفها بع ُد ،وما يلف شخصية هذا الرجل من غموض
362
خالصة النظر يف الروايات املنسوبة لزينب الكربى يف كربالء يف مقتل أبي خمنف
جعلني أرتاب في أمر وجوده ،وسائر األخبار والمواقف التي رواها عن زينب ال
تصح أيضا ال من جهة السند وال من جهة المتن ،وكذلك الشأن فيما رواه قرة بن
قيس التميمي فهو رجل مجهول أيضا ،وعليه فكل ما رواه أبو مخنف من أخبار زينب
ال يثبت.
المسألة الثانية :تسمية زينب الكبرى بابنة فاطمة بدل زينب بنت علي
تكرر في أخبار أبي مخنف نسبة زينب إلى أمها فاطمة بدل أبيها علي
،خالفا لما هو معهود من عادة العرب في نسبة الناس إلى آبائهم ،ولو وقع
ذلك مرة واحدة لسلمنا به ،لكن هذا األمر تكرر عدة مرات مع زينب ،وكذا مع
أخيها الحسين ،ألن صانع هذه األخبار أراد أن يستميل عاطفة القارئ والسامع
من جهة أمهما فاطمة بنت بالتركيز على انتساب زينب والحسين إلى النبي
النبي ،وهذا دليل على أن منبع جميع هذه الروايات إنما هو من عين واحدة،
وهي أبو مخنف األخباري المتخصص في االختالق والتزوير.
363
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
بوضوح في ما نُسب إلى زينب من المراثي والندب التي تبكي فيها الحسين ،
وهذه قرينة على أن صانع هذه الروايات إنما كان يرمي من نسبة هذه الروايات إلى
زينب إلى تحقيق أغراضه الفاسدة.
364
خالصة النظر يف الروايات املنسوبة لزينب الكربى يف كربالء يف مقتل أبي خمنف
هذه األخالق التي تليق بالسفهاء والجفاة ،ونرى أن كل هذا من عمل يد أبي
مخنف.
المسألة الخامسة :تكرر حبكة أبي مخنف لمواقف زينب الكبرى
قد ظهر من خالل تحليل مرويات أبي مخنف عن زينب ،وجود حبكة
ونسق واحد في غالب المرويات التي نُسبت لزينب ،وقد تكلمنا عن ذلك بتفصيل
في الكالم عن كل رواية على حدة ،ومن المناسب أن نبين مجمل حبكة أبي
مخنف في سائر الروايات التي مضت ،وقد ظهر مما مضى أن حبكة أبي مخنف
لمواقف زينب في كربالء نُسجت على أربعة أركان:
الركن األول :وقوع الفاجعة والمصيبة وبلوغ خبرها إلى زينب .
الركن الثاني :خروج زينب بدون حجاب حاسرة عن رأسها وكاشفة عن
وجهها.
الركن الثالث :جزع زينب وحسرتها على المصيبة.
الركن الرابع :رد الحسين على زينب وتسكينه إياها.
وقد جرت هذه الحبكة في أربع روايات وهي الرواية األولى والثانية والثالثة
والخامسة وإن تخلَّف الركن الرابع في الرواية الخامسة.
ثم كانت الحبكة الثانية في مواقف زينب أمام كل من ابن زياد ويزيد ،فقد
َّ
نسج أبو مخنف أخبار هذه الروايات على حبكة متقاربة ،أركانها ثالث:
الركن األول :صدور إساءة ضد أهل البيت.
365
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
المساء إليه.
الركن الثاني :رد زينب على المسيء ودفاعها عن ُ
الركن الثالث :انتهاء المسيء عن إساءته.
وفي كال الخبرين اللذين ورد فيهما مواقف زينب مع ابن زياد ويزيد ،نرى
أن الغرض منهما هو إظهار انتصار أهل البيت على مناوئيهم بواسطة امرأة من
أهل البيت.
والمتحصل أن النظر في هذه الروايات بعين النقد والفحص ،وعرضها على
موازين الجرح والتعديل والتاريخ يقطع ببطالنها وبراءة زينب منها ،وأن الخلل
في إثبات وجود زينب الكبرى في كربالء مع أنها قد توفيت قبل ذلك إنما كان
منشؤه أغراض وأهواء أبي مخنف الذي أراد استمالة عاطفة قراء مقتله بحكاية ما
زينب ،ولذلك اختلق تلك الوقائع واألخبار التي لم وقع على حفيدة النبي
ينزل اهلل بها من سلطان ،وإنما هي من وحي الكذب والخيال واهلل المستعان.
366
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
ل
اميحب الثالب
اعبراصاث وحؤايها
$
بعد أن انتهيت من الكالم على مرويات أبي مخنف سندا ومتنا ،وبينت
تفرده بإثبات خروج زينب مع الحسين إلى كربالء ،ظهرت لي بعض األمور التي
وشبه ،بعضها ناشئ من روايات تحتاج إلى جواب ،وهي في الجملة اعتراضات ُ
مذكورة في بعض كتب التاريخ واألدب ،وبعضها إشكاالت قد تطرأ على ذهن
القارئ بناء على بعض التصورات التي تكون في غالبها مبنية على أسس خاطئة،
ولذلك جمعتها وأجبت عنها في هذا المبحث ،وإليك بيانها:
368
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1كالبالذري في أنساب األشراف ( )186/3ــ ( )203/3ــ ( )206/3ــ ( )207/3ــ (،)217/3
وأبو حنيفة الدينوري في األخبار الطوال (ص ،)228ومصعب الزبيري في نسب قريش (ص
،)58والمفيد في اإلرشاد وغيرهم.
369
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
370
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
371
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
أن يتفرد بذلك خالد بن يزيد عن الدهني عن الباقر ،فهذا مما يُر ّد وال يقبل(.)1
العلة الثالثة :من تأمل في متن هذا الخبر استيقن أن خالد بن يزيد إنما سرقه
من أبي مخنف ور ّكب له هذا اإلسناد ،فإنك ترى سائر التفاصيل التي تفرد أبو
مخنف بروايتها مذكورة في رواية خالد بن يزيد ،وبما أن أبا مخنف في طبقة
شيوخ خالد بن يزيد فإن وقوفه على روايات أبي مخنف في مقتل الحسين وارد،
وإليك بعض أوجه التشابه بين رواية خالد بن يزيد القسري مع رواية أبي مخنف
في تاريخ الطبري:
ــ قبول أمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان تأخير الحسين لبيعته(.)2
ــ مكاتبة أهل الكوفة للحسين بأنهم يبايعونه وال يصلون الجمعة خلف
واليهم وهو النعمان بن بشير(.)3
ــ خروج مسلم بن عقيل مع دليلين وموت أحدهما بسبب العطش ومكاتبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وقد طعن عامر الجابري في كتابه أصول المقتل الحسيني (ص )137في هذا الخبر بزكريا بن
يحيى الضرير وخالد بن يزيد القسري ،وزعم أن يحيى بن معين قال في زكريا بن يحيى الضرير:
>ليس بشيء< ،قلت :ما ذكره غريب وأغرب منه قوله> :وعن الشعبي عن يحيى بن معين أنه قال
فيه> :ليس بشيء<<!! ،فإن أدنى من له خبرة بعلم الحديث والجرح والتعديل يعلم أن الشعبي
المتوفى سنة 107هـ أو بعدها بقليل ال يمكن أن يروي عن يحيى بن معين الذي ولد سنة 157هـ،
والصواب أن زكريا بن يحيى هذا المذكور في ميزان االعتدال ( ،)75/2هو الكندي من أتباع
التابعين ويروي عن الشعبي ،وأين هو من زكريا بن يحيى الضرير المعدود في مشايخ اإلمام
الطبري المتوفى سنة 310هـ!! ،ثم إن الضرير لم يتفرد بهذه الرواية عن القسري ،بل تابعه أحمد
ابن غياث كما في األمالي الخميسية.
( )2تاريخ الطبري ( )328/5وقارن بـ (.)347/5
( )3تاريخ الطبري ( )352/5وقارن بـ (.)347/5
372
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
مسلم للحسين ليعفيه من إكمال المسير ورد الحسين عليه بأن يمضي إلى
الكوفة(.)1
ــ خطبة النعمان بن بشير في أهل الكوفة وتحذيره إياهم من نكث البيعة،
ور ّده على رجل دعاه إلى الشدة بقوله> :أن أكون ضعيفا وأنا ِفي طاعة اهلل أحب
ِ ()2
إلي من أن أكون قويا ِفي معصية اهلل<
ــ مكاتبة الرجل الذي حضر خطبة النعمان ليزيد ،واستشارة يزيد لسرجون
ليستقر رأيه على عزل النعمان وتولية ابن زياد للكوفة(.)3
ــ دخول ابن زياد على أهل الكوفة وهو ملثم ،وسالم أهل الكوفة عليه
بالبيعة ظنا منهم أنه الحسين .)4(
هذه نماذج من أول الرواية المنسوبة إلى عمار الدهني وهي توافق ترتيب
رواية أبي مخنف مع بعض االختصار واالختالف اليسير ،وأدل دليل على أن
هذه الرواية إنما سرقها خالد بن يزيد القسري من صحف أبي مخنف ،إال أن أبا
مخنف روى هذه األحداث واألخبار بأسانيد مختلفة عن أكثر من راو ،أما خالد
ابن يزيد فروى نفس األخبار بنفس الترتيب والتفاصيل واألسماء واألحداث
بإسناد واحد منسوب إلى أبي جعفر الباقر!!
وهذا أدل دليل على السرقة واالنتحال والتركيب ،وينسحب هذا االنتحال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ الطبري ( 354/5ــ )355وقارن بـ ( ،)347/5وعند أبي مخنف أن الدليلين ماتا جميعا. ()1
تاريخ الطبري ( )356/5وقارن بـ (.)348/5 ()2
تاريخ الطبري ( )357/5وقارن بـ (.)348/5 ()3
تاريخ الطبري ( )358/5وقارن بـ (.)348/5 ()4
373
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
على ما نسبه خالد بن يزيد القسري إلى الباقر من رواية قصة رد زينب على الشامي
الذي سأل يزيد أن يهبه فاطمة بنت علي ،وقولها له> :ال واهلل وال كرامة لك وال
له إال أن يخرج من دين اهلل<( ،)1فقد رواها أبو مخنف من طريق الحارث بن
علي ،باختالف يسير(.)2
كعب عن فاطمة بنت ّ
فهذه الرواية إنما ترجع إلى أبي مخنف فسرقها خالد بن يزيد القسري
ونسبها إلى الباقر ،ولم يتنبه الحافظ ابن حجر إلى كون أصل رواية القسري من
ثم قال> :وقد ص ّنف جماعة من القدماء في مقتل
أبي مخنف ،فساقها في اإلصابة ّ
القصة التي
والسقيم ،وفي هذه ّوالصحيح ّوالسمينّ ، الغث ّ
الحسين تصانيف فيها ّ
سقتها غنى<(.)3
والصحيح أن رواية عمار الدهني ليست إال نسخة أخرى من رواية أبي
مخنف ،وذلك أ ّن أشهر من ص ّنف في مقتل الحسين من القدماء هو أبو
مخنف وروايته كتب لها االنتشار والشهرة ،وهذه الرواية جمعت الكثير من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)390/5
( )2تاريخ الطبري ( ،)462/5ويظهر لي أن سبب االختالف بين رواية القسري وأبي مخنف هو أمران:
األول :أن خالد بن يزيد كان يختصر رواية أبي مخنف في بعض المواضع كما يتبين من مقارنة
لذين كانا مع مسلم بن عقيل ،فقد تفرد أبو مخنفروايتيهما ومثال ذلك رواية موت الدليلين ال ْ
برواية ذلك بصورة مفصلة ،وذكرها القسري في روايته بصورة مختصرة.
الثاني :أن خالد بن يزيد القسري كان يخطئ في بعض المواضع أو يتصرف في الرواية ،ومن ذلك
أن القسري ذكر أن عدد الذين بايعوا مسلم بن عقيل من أهل الكوفة هو اثني عشر ألفا ،تاريخ
الطبري ( ،)347/5بينما جاء في رواية أبي مخنف أن عددهم كان ثمانية عشر ألفا ،تاريخ الطبري
( ،)368/5ومن ذلك ما جاء في قصة الدليلين اللذين كانا مع مسلم بن عقيل ،فقد ذكر أبو
مخنف أنهما ماتا من العطش ،بينما ذكر خالد بن يزيد أن واحدا منهما فقط هو من مات.
( )3اإلصابة في تمييز الصحابة (.)71/2
374
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
2ــ رواية ابن طيفور ( 280هـ) لكالم زينب الكبرى عند يزيد
ابن طيفور هو أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر ،وهو من أهل األدب
واألخبار ،روى رواية طويلة في كتابه >المنثور والمنظوم< الذي طبع جزء منه
بعنوان >بالغات النساء< ،فيها خطبة منسوبة إلى زينب في مجلس يزيد،
وهي رواية تذكر أن يزيد أنشد شعر ابن الزبعرى الذي مطلعه:
لَيـــ ـ َت أَ ْشـــ ـي ِ
اخي ب َِبـــ ـ ْد ٍر َشـــ ـ ِه ُدوا َ Jجـ ـ َز َع ا ْل َخـ ـ ْز َر ِج ِمـ ـ ْن َو ْقـ ـ ِع ْاألَ َسـ ـ ْل َ ْ
ثم كان عاقبة الذين أساءوا أن فقالت زينب> :صدق اهلل ورسوله يا يزيدّ ،
كذبوا بآيات اهلل( )1وكانوا بها يستهزئون ،أظننت يا يزيد أنه حين أخذ علينا بأطراف
األرض وأكناف السماء فأصبحنا نساق كما يساق األسارى ،أ ّن بنا هوانا على اهلل
وبك عليه كرامة؟ ،وإن هذا لعظيم خطرك ،فشمخت بأنفك ونظرت في عطفيك،
جذالن فرحا ،حين رأيت الدنيا مستوسقة لك واألمور متسقة عليك.)2(<....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ( )1كذا ،وفيه سقط ،فإن اآلية في سورة الروم هكذا:
ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ} [الروم ،]10 :فيحتمل أن يكون السقط في أصل
الرواية ،ويحتمل أن يكون من النساخ.
( )2بالغات النساء (ص ،)25وهو أقدم مصدر وقفت فيه على هذه الخطبة ،وقد ُرويت في مصادر
متأخرة عنه ،راجع :نثر الدر في المحاضرات لألبِّي ( ،)17/4والظاهر أن األبي استفاد من كتاب
ابن طيفور ،فإنه قد اتبع فيما نقله من أخبار النساء نفس ترتيب ابن طيفور ،وقد نقل عن ابن طيفور
في بعض المواضع ،انظرها في ( ،)277/1و( ،)41/4و( .)249/6ومن المصادر التي=
375
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
376
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
أثر الصنعة في هذه الكلمات المنسوبة لزينب ،والكلمات المنتقاة التي ال تأتي
على اللسان في مثل ذلك الموقف بين يدي يزيد أو غير يزيد ،ثم تبشره بالنار،
وتدعوه بعدو اهلل وابن عدوه ،وتدعوه بالسفيه ،وهذا ــ إن صح لزينب أو غيرها
ــ ال يتناسب مع أدب البالغة وبالغة األدب ،وجمال الخطاب ...،ثم إن واضع
هذه ال ُخطبة ،يختم تلكم الكلمات بالتحميد ،وهذا ما يشبه الخطب والمقاالت
التي وضعت للوعظ واإلرشاد وما شابه ذلك ...،إن بنات الصحابة وابنة علي
الدرك من إسفاف الكالم ،فتشتم هذا ،وتك ِّفر ذاك،
ال يمكن أن تنحدر إلى هذا َ
وتسخر من أولئك<(.)1
كذب ظاهر:
ثم إ ّن بعض ما جاء في هذه الخطبة ٌ
ــ فمن ذلك دعوى أن يزيد تمثل بقول ابن الزبعرى اآلنف ،فإنه لم يُرو من
وجمع كل ما هب ودب َ طريق ثابتة( ،)2وحتى أبو مخنف الذي تفنن في الوضع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1بنات الصحابة (ص 201ــ )202الهامش ،5ويبدو أن الدكتور أحمد خليل جمعة قد جرى في
كتابه نساء أهل البيت في ضوء القرآن والحديث (ص ،)642على ما جرى عليه المؤرخون،
فذكر هذه القصة تحت عنوان >الحازمة العاقلة< ،وسلم بها! ،ولكن ما يهون الخطب أن كتابه ذاك
قديم فهو مطبوع سنة 1415هـ ،فيبدو أنه عدل عما سطره فيه في كتابه بنات الصحابة المطبوع
سنة 1425هـ ،وليته أشار إلى ذلك حتى ال يغتر به من لم يطلع على كتابه األخير.
( )2وردت قصة تمثل يزيد بشعر ابن الزبعرى من طرق كلها واهية ،فرواها ابن عساكر في تاريخه
ريا حاضنة يزيد ،واإلسناد( 159/69ــ ،)160من طريق أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة عن ّ
ساقط ،فأحمد بن محمد بن يحيى واه ،قال عنه أبو أحمد الحاكم> :فيه نظر< ،وقال أيضا> :قد
الجهم بن طالبكان كبر ،فكان يلقن ما ليس من حديثه ،فيتلقن< ،وقال أيضا> :حدثنا عنه أبو ْ
بأحاديث بواطيل عن أبيه عن جده عن مشايخ ثقات ،ال يحتملونها< ،تاريخ دمشق (،)467/5
قلت :وهذا من بواطيله إن صح اإلسناد إليه.
ورواها ابن الجوزي في الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد (ص )59بسند مظلم=
377
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
لإلمعان في ذم يزيد لم يرو هذا الخبر ،بل إن تلك األبيات المنسوبة إلى ابن
الزبعرى لم ترو من وجه ثابت أيضا ،وأقدم من رواها هو ابن إسحاق في >السيرة<
()1
الحرة ،وذلك
بال إسناد ،ومن المؤرخين من ذكر أن يزيد إنما قال ذلك يوم ّ
لمناسبة تلك األشعار التي فيها الشماتة بالخزرج الذين يسكنون المدينة ،وعدم
تناسبها مع مقتل الحسين ،)2(وقد أحسن ابن كثير حين قال بعد أن ذكر أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= عن محمد بن يحيى األحمري عن ليث عن مجاهد ،ووردت في مقتل الحسين المنسوب
للخوارزمي ( )65/2من طريق عبد اهلل بن زاهر عن أبيه عن ليث عن مجاهد ،قلت :ومحمد
ابن يحيى األحمري يحتمل أن يكون وقع في اسمه سقط في كتاب المتعصب العنيد ،وأن يكون
األصل في رواية ابن الجوزي عبد اهلل بن محمد بن يحيى األحمري ،فسقط عبد اهلل من اإلسناد،
فإن ثبت ذلك فسيكون المراد بعبد اهلل بن محمد بن يحيى األحمري هو عبد اهلل بن داهر أو زاهر،
ألن الذهبي قال في الميزان ( :)416/2ويقال :إن اسمه عبد اهلل بن محمد ،وهو هالك واه ،قال
عنه أحمد> :ليس بشيء< ،تاريخ بغداد ( ،)120/11واتهمه ابن عدي فيما يرويه من فضائل
علي ،الكامل في الضعفاء ( ،)387/5ورماه العقيلي بالغلو ،الضعفاء للعقيلي (،)250/2
وتفرد صالح جزرة بمدحه فقال> :شيخ صدوق< ،تاريخ بغداد (.)120/11
قلت :والصواب أنه ساقط متهم وقد أورد له ابن عدي والعقيلي عدة روايات مفتعلة من وضعه،
فالظاهر أن أمره خ ِف َي على صالح جزرة ،فإن كان االختالف في اإلسناد حقيقيا فال فائدة منه ألن
مداره على عبد اهلل بن داهر ،وعليه يكون اإلسناد ساقطا ،ووردت في موضع آخر في مقتل الحسين
للخوارزمي بإسناد آخر واه ،سيأتي الكالم عنه.
وذكر الطبرسي هذه األبيات منسوبة ليزيد في االحتجاج ( )34/2بال إسناد ،وهي في كتاب
الفتوح المنسوب البن أعثم بال إسناد ( ،)129/5وعزاها سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص
( )539/1إلى كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى ونسب فيه إلى اإلمام أحمد أنه قال:
>إن صح عن يزيد ذلك فقد فسق< ،ولم أقف عليها في المطبوع من الروايتين والوجهين مع أن
الكالم هناك مبسوط ومستوفى في مسألة يزيد ،فراجع المسائل العقدية من كتاب الروايتين
والوجهين (ص 93ــ ،)106ولعل هذا من تحريفات سبط ابن الجوزي ،وستأتي أمثلة عديدة
لنماذج تحريفاته (انظر :ص .)495
( )1سيرة ابن هشام (.)137/2
( )2األخبار الطوال للدينوري (ص ،)267بال إسناد.
378
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
يزيد قال ذلك بعد وقعة الحرة> :إن قاله يزيد بن معاوية فلعنة اهلل عليه ولعنة
الالعنين ،وإن لم يكن قاله فلعنة اهلل على من وضعه عليه ليشنع عليه به<(.)1
ــ ومما اشتملت عليه هذه القصة من الكذب ما جاء على لسان زينب أنها
قالت ليزيد> :وسوقك بنات رسول اهلل ...من بلد إلى بلد ...ليس معهن
()2
كذب قطعا ،فإن علي بن الحسين كان فيمن ُحمل ولي من رجالهن< ،وهذا ٌ ٌّ
ولي من كان في الر ْكب من نساء أهل البيت!.
إلى يزيد بال نزاع! وهو ُّ
وأما فُحش الكالم والتعرض لألعراض وغيرها من القبائح التي حفلت بها
تلك الخطبة( ،)3فالمقطوع به أنه من عمل الكذابين ،وزينب منه براء.
ثم إن هذه الرواية ال يُعرف مخرجها ،فإن ابن طيفور لم يذكر لها إسنادا(،)4
وغالب ظني أن البالء فيها من ابن طيفور ،فإنه وإن كان اشتهر عند الناس باألدب
إال أنه ليس بثقة فيما ينقله ،فمن نظر في كتابه ذاك ورأى ما تفرد به من األخبار
الطويلة عن نساء الصحابة ومن بعدهن من التابعيات يستريب في أمره ،ويقوى
عنده أن البالء في هذه األخبار منه ،وقد اتهمه ابن حمدان بالسرقة الشعرية فقال:
>وكان أسرق الناس لنصف بيت وثلث بيت<( ،)5ويظهر من كتابه >المنثور
والمنظوم< اطالعه على كثير من الكتب والتواريخ ،وهو يسلك فيما يرويه من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البداية والنهاية (.)631/11 ()1
بالغات النساء (ص .)26 ()2
من ذلك ما جاء على لسان زينب أنها سمت يزيد >ابن الطلقاء< ،وعبيد اهلل بن زياد> :ابن ()3
مرجانة< ،وهذا تعريض بأم ابن زياد وهو يتكرر في مرويات بعض األخباريين.
وردت هذه الرواية بإسناد ملفق في كتاب مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي وسيأتي الكالم عنها ()4
(ص .)402
الفهرست للنديم (ص ،)180معجم األدباء (.)282/1 ( )5
379
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
القصص طرائق مختلفة ،فمرة يروي ما يُقطع بأنه مفتعل ومصنوع( ،)1ومرة يعمد
إلى أصل الخبر الذي يقف عليه ،ويزيد عليه توليدات بلسان زمانه الذي غلب
عليه السجع وال ُكلفة والتقعير ،ثم يركب له إسنادا( )2برجال لم تلدهم أرحام
النساء( ،)3وربما أعجزه أن يجد للخبر إسنادا فيعزوه إلى كتاب مجهول قائال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ومن ذلك الكالم الطويل المنسوب إلى أم المؤمنين عائشة في احتضار أبيها أبي بكر الصديق
،ور ّد الصديق عليها ،فقد رواه ابن طيفور من طريق أحمد بن زيد ،وتوبع ابن طيفور ،فرواه
أبو يعلى الموصلي مختصرا عن أحمد بن زيد في معجمه (ص ،)95ورواه الذهبي بسنده من
طريق أحمد بن زيد في ميزان االعتدال ( ،)99/1واستنكر الذهبي هذا الخبر ،وال شك أنه خبر
مصنوع كما هو ظاهر .وقد روى ابن طيفور خبرين مفتعلين عن أم المؤمنين عائشة ثم قال (ص
> :)11زعم لي ابن أبي سعد أنه صح عنده أن العتابي كلثوم بن عمر صنع هذين الحديثين وقد
كتبتهما على ما فيهما< ،قلت :ولكن ابن طيفور سلك مسلك العتابي وصنع أخبارا غيرها ونسبها
إلى من سلف.
( )2ومن األسانيد المركبة التي ال تجيء ،ما راوه ابن طيفور (ص 22ــ )23من طريق شيخ له سماه
عبد اهلل بن أحمد العبدي عن الحسين بن علوان عن عطية العوفي أنه سمع أبا بكر ،وهذا كذب
بال ريب ،فقد ثبت عن عطية العوفي أنه قال> :لما ولدت أتى بي أبي عليا فأخبره ،ففرض لي في
مائة< ،طبقات ابن سعد ( ،)421/8فعطية العوفي إنما ولد في خالفة علي ،ولم يدرك أبا
من ركَّب هذه األسانيد السمجة لهذا الخبر ــ وال أُراه إال ابن طيفور
بكر ،وهذا دليل على أ ّن ْ
ــ جاهل بالوفيات ،وقديما قيل:
وإن خالها تخفى على الناس تعلم ومهما تكــن عنــد امــرئ مــن خليقــة
( )3من رجال ابن طيفور الذين لم أقف على شيء عنهم ولم أجد لهم ذكرا إال عند ابن طيفور :أبو
المنهال سويد بن علي بن سويد بن منجوف الذي يروي عن هشام بن عروة ،نقل عنه بإسناده
خطبة عن أم المؤمنين عائشة (ص ،)3وحيان بن موسى الكشمهاني الذي يروي عن ابن مبارك،
(ص ،)3وأحمد بن عثمان الوركاني (ص ،)14وجعفر بن محمد الذي قال عنه (ص :)18
>رجل من أهل ديار مصر لقيته بالرافقة<!! ،وأبو حفان ــ كذا في المطبوع (ص ،)23وفي
مخطوطة جامعة الملك سعود برقم ([ ،)810ق/13ب] ،أبو هفاف ــ ،وأبو إسحاق إبراهيم بن
عبد اهلل بن عبد ربه بن القاسم بن يحيى بن مقدم (ص ،)37وغيرهم.
380
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
381
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
3ــ حكاية ابن برد األنطاكي (عاش في القرن الثالث) لرد زينب على
الرجل الشامي
قال البالذري> :وحدثني ابن برد األنطاكي الفقيه ،عن أبيه قال :ذكروا أن
رجال من أهل الشام نظر إلى ابنة لعلي فقال ليزيد> :هب لي هذه< ،فأسمعته
زينب كالما فغضب يزيد وقال> :لو شئت أن أهبها له فعلت< أو نحو ذلك<(،)1
قلت :ابن برد األنطاكي هو أحمد بن الوليد بن برد الشامي الفقيه األنطاكي(،)2
لم أقف على تاريخ وفاته ،إال أن ابن حبان قال عنه> :هو قديم الموت<( ،)3لكن
مقتضى رواية البالذري ( 279هـ) عنه ،أنه عاش إلى نصف القرن الثالث تقريبا،
فهو متأخر عن أبي مخنف ،وعليه فقول أبيه الوليد بن برد> :ذكروا< ،ينصرف
إلى أبي مخنف ،فإن ما جاء في روايته مطابق لرواية أبي مخنف التي تفرد بها في
قصة طلب الرجل الشامي من يزيد أن يهبه فاطمة بنت علي ،وعليه فهذه الرواية
كسابقتها ليست إال من تراث أبي مخنف.
382
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
ِمــ ْن ُه ْم أُ َســ َارى َو ْقت َلــى ُضــ ِّر ُجوا ِبــ َدمِ J بِ ِع ْت َر ِتــــي َو ِبــــأَ ْهلِي بَ ْعــــ َد ُم ْف َت َقــــ ِدي
()1
بشر ِفي َذوِي َر ِح ِمي!< تخ ُل ُفونِي ٍّ أن ْ J ما َكا َن َه َذا َج َزائِي ِإ ْذ َ
نص ْح ُت ل َ ُك ْم
قلت :أبو بكر محمد بن القاسم األنباري أحد علماء اللغة واألدب في
القرن الرابع ،ولم يذكر ابن عساكر إسناده لهذه الرواية ،وقد وجدتها أيضا في
كتاب >الزهرة< ألبي بكر بن داود (297هـ) بال إسناد( )2وذكرها أيضا بعض
علماء اإلمامية( ،)3وقد نقل محمد بن يوسف الصالحي الشامي هذا النص عن
أبي بكر األنباري ونص على أن األبيات لزينب بنت عقيل(.)4
وعلى كل حال ،فلو ثبت ذلك عن األنباري فالذي يُقطع به بعد البحث
والتتبع أن هذه الرواية منسوبة غلطا إلى زينب بنت علي ،فالرواية في أصلها
عين ،فنسبها أبو مخنف ــ وهو أقدم منمنسوبة إلى إحدى بنات عقيل ولم ُت ّ
وجدت عنده هذه الرواية ــ إلى ابنةٍ لعقيل دون أن يسميها( ،)5وتابعه خالد
ُ
القسري في روايته الماضية إال أنه قال> :امرأة من بني عبد المطلب<(.)6
ونسب جماعة من أهل األخبار والنسب هذه األبيات إلى زينب بنت عقيل،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ دمشق ( ،)178/69ونقله ابن كثير في البداية والنهاية (.)568/11 ()1
الزهرة (.)516/2 ()2
مناقب آل أبي طالب ( ،)261/3االحتجاج ( ،)29/2وورد أيضا في مقتل الحسين ( )84/2ــ ()3
المنسوب للخوارزمي ــ بعد أن نقل األبيات ونسبها لزينب بنت عقيل> :وجاء في المسانيد أ ّن
األولين زينب بنت علي<.
القائلة للبيتين ّ
سبل الهدى والرشاد (.)77/11 ()4
تاريخ الطبري (.)466/5 ( )5
تاريخ الطبري ( ،)390/5وانظر :أنساب السمعاني ( ،)476/3تهذيب التهذيب (.)305/2 ()6
383
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
منهم أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حميد الجهمي (عاش في القرن الثالث)(،)1
والفضيل بن الزبير (عاش في القرن الثاني)( ،)2والبالذري ( 279هـ)( ،)3وعلى
هذا أكثر أهل األخبار واألدب والنسب( ،)4والظاهر من ابن عساكر ترجيح قول
من قال بأن األبيات لزينب الصغرى بنت عقيل فإنه نقل قول أبي بكر األنباري
اآلنف ثم عقب عليه بأن الزبير بن بكار نسب تلك األبيات إلى ابنة عقيل(.)5
وقد نُسبت هذه األبيات ألكثر من شخص ،فنُسبت تارة إلى رملة بنت
عقيل( ،)6وتارة إلى أم كلثوم بنت علي( ،)7وتارة إلى علي بن الحسين( ،)8وتارة
إلى أبي األسود الدؤلي( ،)9وتارة إلى بعض الشيعة( ،)10وتارة إلى الجن(،!)11
ومنشأ هذا االضطراب في نظري راجع إلى عدة أسباب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المعجم الكبير للطبراني ( ،)124/6األمالي الخميسية للشجري بترتيب العبشمي (.)225/1
( )2نقله عنه الشجري كما في ترتيب األمالي الخميسية ( ،)225/1وانظر تسمية من قتل مع الحسين
(ص .)29
( )3أنساب األشراف (.)221/3
( )4نسب قريش (ص ،)84تاريخ دمشق ( )178/69نقال عن الزبير بن بكار ،مناقب علي البن
المغازلي (ص ،)310البدء والتاريخ ( ،)16/2ربيع األبرار ( ،)126/4مرآة الزمان
( ،)166/8ومن مصادر اإلمامية :مروج الذهب ( ،)68/3روضة الواعظين (ص ،)193شرح
األخبار للقاضي النعمان ( ،)199/3اإلرشاد للمفيد ( 124/2ــ ،)125على ما يظهر من سياق
كالمه ،مثير األحزان (ص ،)75اللهوف على قتلى الطفوف (ص ،)99أعيان الشيعة (.)607/3
( )5تاريخ دمشق (.)178/69
( )6أعيان الشيعة (.)36/7
( )7نور القبس (ص .)9
( )8الفتوح البن أعثم (.)131/5
( )9ترتيب األمالي الخميسية (.)222/1
( )10الدالئل في غريب الحديث (.)155/1
( )11كامل الزيارات البن قولويه اإلمامي (ص .)193
384
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
منها الغلط والتصحيف في القراءة ،بأن يشتبه على الناسخ رسم كلمة
>علي< برسم كلمة >عقيل< ،فيكتب الناسخ >بنت علي< بدل >بنت عقيل<.
نسب الخبر لغير من أُثر عنه حتى
ومنها أن بعض الرواة يحب اإلغرابَ ،في ُ
يُظن أنه أتى بما ليس عند غيره.
ومنها سوء الضبط والغفلة.
ومنها الكذب والوضع ،وهذا كثير في رواة األخبار واألدب.
ولذا وقع هذا االضطراب واالختالف ،وعلى أي حال فاألبيات إنما نسبت
ابتداء إلحدى بنات عقيل ،واشتهر عند األكثر أنها زينب بنت عقيل ،وعليه فال
وجه لنسبتها لزينب كما ظهر بوضوح من خالل تتبع المصادر األصلية والفرعية
للرواية.
5ــ رواية ابن الجوزي ( 597هـ) لمحاورة زينب الكبرى البن زياد
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي > :قال ابن أبي الدنيا(:)1
وأخبرني أحمد بن عباد الحميري ،عن هشام بن محمد ،عن شيخ من األزد،
قال :لما دخل برأس الحسين وصبيانه وأخواته ونسائه على ابن زياد ،لبست
زينب بنت علي أرذل ثيابها وتنكرت وحفَّت بها النساء< ،)2(...وذكر رواية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1علق ابن الجوزي هذه الرواية ولم يذكر إسناده البن أبي الدنيا هنا ،ألنه ذكر إسناده في الخبر
الذي قبل هذا ،وسنده> :أخبرنا ابن ناصر ،قال :ثنا ابن السراج ،قال :ثنا أبو طاهر محمد بن
علي العالف ،قال :ثنا أبو الحسين بن أخي ميمي ،قال :ثنا الحسين بن صفوان ،قال :ثنا أبو بكر
بن أبي الدنيا< انظر الرد على المتعصب العنيد (ص .)54
( )2الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد (ص .)55
385
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
محاورة زينب البن زياد بنفس ألفاظ رواية أبي مخنف مع اختالف يسير ،قلت:
الشيخ األزدي المبهم ليس إال أبا مخنف لوط بن يحيى األزدي ،فإن الراوي عنه
هو تلميذه هشام بن محمد الكلبي ،وهو أحد رواة >مقتل الحسين< ألبي مخنف
كما مضى ،والرواية تطابق رواية أبي مخنف المنقولة في >تاريخ الطبري< وغيره،
فليست هذه إال بضاعة أبي مخنف(.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1قلت :وقد وقع في أكثر من موضع من كتب ابن أبي الدنيا إبهام اسم أبي مخنف وإبداله بعبارة
>شيخ من األزد< ،منها هذا الموضع ،ومنها رواية خطبة ابن زياد التي تلي هذه الرواية ،راجع
الرد على المتعصب العنيد (ص ،)55حيث إنها مروية في تاريخ الطبري من طريق أبي مخنف
( ،)458/5ومنها ثالث روايات في كتابه مقتل علي (ص ،)73 ،59 ،49فقد رواها من طريق
هشام بن محمد عن شيخ من األزد عن عبد الرحمن بن جندب األزدي ،والشيخ األزدي المبهم
هو أبو مخنف.
386
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
387
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وخسيس عيش كالمرعى ،<...ثم ذكر أن زهير بن القين قام فقال> :قد سمعت
مقالتك هديت ،ولو كانت الدنيا باقية وكنا فيها مخلدين ،وكان في الخروج
مواساتك ونصرتك الخترنا الخروج منها معك< ،ثم ذكر أن الحسين تمثل بشعر
فقال:
إذا مـــا نـــوى حقـ ـا وجاهـــد مســـلما J سـأمضـي وما بالموت عار على الفتى
وفــــارق مثبــــورا وحــــارب مجرمــــا J وواســى الرجــال الصــالحين بنفســه
كفـــى بـــك داء أن تعـــيش وترغمـــا J فإن عشـ ـت لم أندم وإن مت لم ألـ ـم
وهذا الكالم رواه أبو مخنف عن عقبة بن أبي العيزار فقال> :قام حسين
بذي حسم ،فحمد اهلل وأثنى عليه ثم قال> :إنه قد نزل من األمر ما قد ترون،
وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت ،وأدبر معروفها واستمرت جدا ،فلم يبق منها إال
صبابة كصبابة اإلناء ،وخسيس عيش كالمرعى الوبيل< ،<...ثم ذكر أن زهير
ابن القين قال ألصحابه>> :تكلمون أم أتكلم<؟ قالوا> :ال ،بل تكلم< ،فحمد
مقالتك ،واهلل اهلل فأثنى عليه ثم قال> :قد سمعنا هداك اهلل يا ابن رسول اهلل
لو كانت الدنيا لنا باقية ،وكنا فيها مخلدين ،إال أن فراقها في نصرك ومواساتك،
آلثرنا الخروج معك على اإلقامة فيها<< ،ثم نقل أن الحسين تمثل بالبيتين
األولين( ،)1فجزء كبير من رواية الهاروني ليس أصله إال من رواية أبي مخنف.
وأما موضع البحث عندنا وهو الكالم المنسوب إلى زينب ،فقد مضى أن
أبا مخنف قد روى هذا الخبر وتفرد به ،إال أن واضع الخبر الذي رواه الهاروني
ضم عدة أخبار من أبي مخنف وغيره ،وسبكها في جملة واحدة ،ونسبها بإسناد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)404/5
388
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
مظلم إلى عمرو بن ثابت ،والمقصود أن هذا الخبر مركب من عدة أخبار إال أن
جلها من رواية أبي مخنف وذلك يتبين بالمقارنة.
الثاني :إسناد هذا الخبر مسلسل بالمجاهيل سواء على مسالك الزيدية أو
غيرهم ،فال يعرف منهم عند الزيدية سوى ثالثة ،وهم يحيى بن الحسين الهاروني
وأبوه وعمرو بن ثابت( ،)1وأما على مسالك اإلمامية فالمعروف منهم علي بن
إبراهيم بن هاشم وأبوه وعمرو بن ثابت ،لكن يبقى الخلل عندهم قائما في
راويين مجهولين ،وهما أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم( ،)2وبسطام بن
قرة( ،)3وأما على قواعد الصناعة الحديثية المعتبرة ،فالحديث مركب اإلسناد،
ملفق المتن من عدة متون ،فال ريب أن عمرو بن ثابت لم يرو قط هذا الخبر،
وال رواه عنه بسطام بن قرة ،وإنما هو من وضع بعض من تأخر في القرن الرابع
أو الخامس ،وهذا الواضع ليس جاهال بل له اطالع على ما رواه أبو مخنف وما
رواه غيره من أصحاب األخبار ،فلفق هذا المتن ور ّكب لهذا الخبر إسنادا ثم ب ّثه،
فحمله عنه من ال يعرف أحوال الخبر وح ّدث به ،وعندي أنه أحمد بن علي بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ونقد الحديث من جهة اإلسناد متعسر على مسالك الزيدية ،ألن كثيرا من الرواة لم يترجموا لهم.
( )2قال عنه الجواهري في المفيد من معجم رجال الحديث برقم (> :)677مجهول<.
( )3وقد يكون بسطام بن مرة ،فقد نقل ابن حجر أن الطوسي ذكره في رجاله وذكر أنه يروي عن عمرو
ابن ثابت ،انظر لسان الميزان ( ،)282/2وقد وثقه الجواهري في المفيد من معجم رجال
الحديث برقم ( )1701لروايته في تفسير القمي ،والتحقيق أن قاعدة توثيق رواة تفسير القمي
قاعدة غير مقبولة وال معتمدة ،انظر للتفصيل كتاب منطق النقد السندي ( 563/1ــ )564لحيدر
حب اهلل ،فقد استعرض سائر اآلراء حول هذه القضية ورجح عدم االعتماد على قاعدة توثيق رواة
تفسير القمي ،كما أن محمد رضا السيستاني ابن المرجع علي السيستاني قد بحث هذه القضية في
كتابه قبسات من علم الرجال ( )130/1وقال> :القول بوثاقة رواة ما يسمى بـ (تفسير القمي)...
في غاية الضعف<.
389
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
إبراهيم بن هاشم الذي يروي عنه الحسين بن هارون والد يحيى بن الحسين
الهاروني صاحب >األمالي< ،والمتحصل من البحث أن هذا الخبر ال عبرة به
ألنه مسروق من أبي مخنف.
7ــ رواية يحيى الشجري ( 499هـ) لكالم زينب الكبرى مع الحسين
حين نعى نفسه
قال يحيى بن الحسين الشجري في >أماليه<> :أخبرنا القاضي أبو الحسين
أحمد بن علي بن الحسين بن التوزي ،بقراءتي عليه ،قال :أخبرنا القاضي أبو
الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى بن حميد بن حماد الجريري ،قراءة عليه ،قال:
حدثنا أبو بكر يعني محمد بن الحسن بن دريد األزدي ،قال :حدثنا الحسن بن
خضر ،عن أبيه ،قال :بلغني أن علي بن الحسين قال :لما كانت األيام التي قتل
بالحمى ،وكانت عمتي زينب تمرضني فلما كان في اليوم فيها أبي رماني اهلل ُ
الذي قتل في غده ،خال أبي بأصحابه في فسطاط كان يخلو فيه إذا أراد أن يشاور
أصحابه في شيء ،فسمعته ورأسي في حجر عمتي وهو يقول:
مغبــــــرا ولــــــو دعيــــــت يزيــــــدا J ال ذعــرت الســوام فــي غلــس الصــبح
والمنايــــــا يرصــــــدنني أن أحبــــــذا J يوم أعطـي مـن خيفـة المـوت ضـيما
قال :أما أنا فرددت عبرتي وتصبرت ،وأما عمتي فإنه أدركها ما يدرك النساء
من الضعف ،فوضعت رأسي على مرفقه ثم قامت فمضت نحو أبي وهي تصيح:
>يا خليفة الماضين ،وثمال الباقين ،استقبلت( )1جعلني اهلل فداءك< ،فقال> :يا
أخية ،لو ترك القطا لنام< ،فقالت> :ذاك أسخن لعيني وأحر لكبدي ،أتغتصب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1كذا في المطبوع ،والصحيح >استقتلت< كما في تاريخ الطبري.
390
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
391
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
>تكلموا فيه<( ،)1وقال عنه مسلمة بن القاسم> :كان كثير الرواية لألخبار وأيام
الناس واألنساب غير أنه لم يكن ثقة عند جميعهم ،وكان خليعا< ،ثم إن ابن دريد
لم يكن عدال وال ديِّنا بل كان مبتلى بالسكر وشرب الخمر ،قال األزهري> :دخلت
يوما عليه فوجدته سكران ال يكاد يستمر لسانه على الكالم ،من غلبة السكر
عليه<( ،)2وفوق كل هذا كان يأتي باألسانيد كيفما اتفق وال يضبطها ،قال أبو بكر
األبهري المالكي> :جلست إلى جنب ابن دريد وهو يحدث ومعه جزء فيه ما قال
األصمعي ،فكان يقول في واحد> :حدثنا الرياشي< ،وفي آخر> :حدثنا أبو حاتم<،
وفي آخر> :حدثنا ابن أخي األصمعي ،عن األصمعي< ،كما يجيء على قلبه<(،)3
قلت :ومن بالياه ،الخطبة التي نسبها إلى الحسين في كربالء( ،)4فإن من نظر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سؤاالت حمزة للدارقطني (ص ،)103موسوعة أقوال الدارقطني (.)564/2 ()1
تهذيب اللغة ( ،)27/1وانظر أيضا :تاريخ بغداد (.)594/2 ()2
تاريخ بغداد ( ،)594/2وأصلها في سؤاالت حمزة السهمي للدارقطني (ص )123طبعة مكتبة ()3
المعارف ،و(ص )112في طبعة الفاروق ،وتصحفت كلمة >جنب< إلى >أزرق< في السؤاالت
بكال طبعتيه ،فصار> :جلست إلى أزرق بن دريد<! ،وقد اعترض الحافظ ابن حجر على كالم
أبي بكر األبهري فقال> :قوله كما يجيء على قلبه رجم بالغيب ،وإال فما المانع أن يكون ابن
دريد مع وفور حفظه يعرف ما حدثه به كل واحد من هؤالء على انفراده< ،لسان الميزان (،)79/7
قلت :وهذا االعتراض ال يسلم من االعتراض ،فإن أبا بكر األبهري لم يكن ليخفى عليه حفظ ابن
دريد من تخليطه ،فالظاهر أنه اطلع على الجزء الذي كان عند ابن دريد ولم يجد فيه أسانيد ابن
دريد إلى األصمعي ،فعرف أنه كان يُخلّط حينما حدث عن األصمعي بتلك األسانيد ،واهلل أعلم.
رواها ابن عساكر في تاريخ دمشق ( ،)218/14وابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب ()4
( 2087/6ــ )2088بإسنادهما إلى ابن دريد ،وذكرها ابن حمدون في تذكرته ( 211/5ــ
،)212والكتبي في فوات الوفيات ( )527/2بال إسناد ،وذكرها الطبرسي من اإلمامية في
االحتجاج بال إسناد ( 24/2ــ )25وتبعه ابن نما في مثير األحزان (ص 39ــ ،)40وابن
طاووس في اللهوف (ص 58ــ .)59
392
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
فيها يقطع ببراءة الحسين منها لكون لغتها لغة متأخرة عن القرن األول بكثير.
الثاني :أن اإلسناد منقطع ،فإن ابن دريد المتوفى في القرن الرابع ال يمكن
أن يروي أخبار زينب بواسطتين فقط ،بل أقل ما يمكن أن يروي به خبرا عن
زينب الكبرى هو ست وسائط ،ثم إن الخبر منقول بالغا ،والبالغ صيغة
منقطعة في الرواية ،وإذا ق ّدرنا أن خضرا ــ ناقل البالغ ــ من أهل القرن الثالث،
فإن مقتضى ذلك أن الخبر إنما بلغه عن أبي مخنف ،ألنه صاحب هذا الخبر
ومخرجه األصلي ،ويبقى الكالم في الزيادات التي وردت في الخبر ،والحمل
فيها على ابن دريد ــ وهو الغالب على الظن ــ ،ثم إن ابن دريد له اطالع على
صحف أبي مخنف ،فقد روى بإسناده بعض أخبار أبي مخنف ونقلها عنه تلميذه
المعافى بن زكريا في >الجليس الصالح الكافي<( ،)1وعليه فالظاهر أنه أخذ رواية
أبي مخنف وزاد عليها من عنده فولّد هذا الخبر المصنوع.
()2
(كان حيا سنة 320هـ) لسماع زينب 8ــ رواية ابن أعثم الكوفي
الكبرى لهاتف ينشد شعر ًا
جاء في كتاب >الفتوح< المنسوب البن أعثم> :وسار الحسين حتى نزل
الخزيمية وأقام بها يوما وليلة ،فلما أصبح أقبلت إليه أخته زينب بنت علي فقالت:
>يا أخي! أال أخبرك بشيء سمعته البارحة؟< ،فقال الحسين> :وما ذاك؟<،
فقالت> :خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف وهو يقول:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الجليس الصالح الكافي (.)127/1
( )2ليس البن أعثم ترجمة في كتب الزيدية ،وإنما صنفته معهم ألن مضمون كتاب الفتوح قريب من
تصورات الزيدية ،وسيأتي الكالم في صحة نسبة كتاب الفتوح المطبوع إلى ابن أعثم.
393
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
394
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
تكون لمؤرخ من القرن الرابع ،ولغة الكتاب قريبة من أسلوب كتب الفتوح
المنحولة على الواقدي ككتاب >فتوح الشام< و>فتوح البهنسا< ونظائرها(،)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وقد انتحل هذه الطبعة كل من نعيم زرزور ،في طبعته للكتاب بدار الكتب العلمية ،وعلي شيري
غيرا بعضها زيادة ونقصانا ،وقد
في طبعة دار األضواء ،فقد سرقا تلك الطبعة وانتحال هوامشها و َّ
أشار الدكتور أبو سعدة إلى انتحال زرزور لطبعة دائرة المعارف في كتابه عن ابن أعثم (ص 49
الهامش) ،وفي (ص 56الهامش ،)81وقد قام سهيل زكار بتحقيق الفتوح وطبعه في ثالثة
مجلدات ولم يتيسر لي الوقوف على هذه الطبعة ،وذكر الدكتور جنس شينير في مقالة له عن كتب
الفتوح أن طبعة زكار ناقصة ولم تضم كل كتاب الفتوح ،انظر مقالة :كتابة تاريخ الفتوح ،فتوح
األزدي وابن أعثم والواقدي ،والمقالة مكتوبة باإلنجليزية ومنشورة في كتابThe :
( ،lineeaments of islamص 151ــ ،)176وقد اعتمد سهيل زكار على النسخة التركية
والنسخة اإليرلندية ــ كما جاء في وصفها في مقالة عن طبعة العتبة العباسية للفتوح ــ ولم يقف
زكار على النسخة األلمانية ولذلك جاءت طبعته ناقصة على ما يظهر ،وقامت العتبة العباسية
بإخراج >قطعة من كتاب الفتوح< تشتمل على أخبار صفين ،وطُبعت بتحقيق قيس العطار ،و ُكتب
على غالفها> :قوبلت على نسخة قديمة من القرن السادس الهجري< ،غير أن المحقق قيس العطار
عرف بهذه النسخة (ص > :)75تاريخها يعود ــ حسب ما قاله سيزكين ــ إلى القرن قال وهو يُ ِّ
السادس<! ،فتبين أن عمدته في ادعائه قِدم هذه النسخة هو كالم الدكتور فؤاد سيزكين ،ولم يذكر
قيس العطار أي شيء يثبت صحة انتساب هذه النسخة إلى القرن السادس مع أنه وقف على هذه
النسخة وحققها ،بل إنك ستعجب حين ترى أن قيس العطار قد ذكر (ص )32أن سيزكين أخطأ
حين ظن أن هذا المخطوط ألبي مخنف ،كما صرح بذلك في تاريخ التراث العربي (،)129/2
وهنا وجه العجب! فإذا كان سيزكين قد أخطأ في تعيين المؤلف فما الذي يثبت أنه لم يخطئ في
تاريخ النسخة أيضا؟! لكن يبدو أن تصريح سيزكين بأن النسخة من القرن السادس يرفع قيمتها
مقارنة ببقية النسخ ،ولذا لم يتعقبه قيس العطار في ذلك حتى ال يحط من قدر نسخته التي عمل
عليها ،وإال لو كان يبتغي الحقيقة لقدم األدلة على كون هذه النسخة من القرن السادس.
( )1انظر :التزوير واالنتحال في المخطوطات العربية (ص ،)179وراجع مقالة :هل تصح نسبة كتاب
= فتوح الشام للواقدي أم ال؟ المنشورة بملتقى أهل الحديث.
395
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفتوى :الكتاب المطبوع باسم "فتوح الشام" ،هل تصح نسبته للواقدي؟ المنشورة بموقع اإلسالم =
سؤال وجواب
/الكتاب ــ المطبوع ــ باسم ــ فتوح ــ الشام https://islamqa.info/ar/answers/275833
ــ هل ــ تصح ــ نسبته ــ للواقدي
وملخص ما جاء في تلك المقالتين المفيدتين أن بعض أهل العلم َّنبهوا على عدم صحة كتب
الفتوح المنسوبة للواقدي ،ولعل أقدمهم محمد بن عالن الصديقي ( 1057هـ) حيث قال> :ومن
الموضوع :فتوح الشام للواقدي فيحرم قراءته< الفتوحات الربانية ( ،)54/2وتبعه القليوبي
( 1069هـ) حيث قال> :واألولى للمعتكف االشتغال بالعبادة ومجالسة أهل العلم والحديث،
وقراءة الرقائق والمغازي غير الموضوعة ،وإال فتحرم كفتوح الشام وقصص األنبياء وحكايتهم
المنسوبة للواقدي< ،حاشية القليوبي على شرح المحلي (.)77/2
كما أن جماعة من المح َدثين صرحوا بعدم صحة كتب الفتوح المتأخرة المنسوبة للواقدي،
فالمستشرق ناسوليس كتب على غالف فتوح الشام Commonly ascribed to Al ( :ــ
)Waqidi
أي الذي جرت العادة بنسبته إلى الواقدي ،وأكد في مقدمة التحقيق (ص ( xiiiأن الكتاب ليس
له).
وقال المستشرق بتلر في فتح العرب لمصر (ص > :)33وأما تلك الكتب التي تحمل اسمه ،مثل
كتاب فتوح مصر ،فإنها تنسب إليه خطأ ،ولكنها في العادة تذكر منسوبة إلى اسمه تسهيال في
القول ،بدل أن يقال إنها تأليف الم َّدعي بأنه الواقدي<.
وقال المستشرق جونز في مقدمة كتاب المغازي (ص > :)16أما فتوح الشام وفتوح العراق
للواقدي ،فقد فقدا ولم نعثر على أثر لهما ،وما يتداوله الناس اليوم باسم «فتوح الشام< و«فتوح
العراق< وغيرها ليست له ،إذ أنها متأخرة عنه<.
وقال الزركلي في األعالم (> :)311/6ينسب إليه كتاب (فتوح الشام ــ ط) وأكثره مما ال تصح
نسبته إليه<.
وقال الدكتور شاكر مصطفى في كتاب التاريخ العربي والمؤرخون ( )164/1في سياق تعداد
مصنفات الواقدي> :كتب الفتوح :فتوح الشام وفتوح العراق ،وفي نسبتها إليه كثير من الشك<
وقال في الهامش ...> :ويالحظ على هذه الكتب أنها تحمل الطابع األسطوري الذي ال يعرفه =
396
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
ومما يدعم ذلك التراكيب اإلسنادية التي اتسمت بها أسانيد الكتاب على
قلتها(.)1
وأول إسناد في مطبوعة >الفتوح< ورد في أول خالفة عثمان( )2ونصه> :قال
أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي :حدثني أبو الحسين علي بن محمد القرشي ،قال:
حدثني عثمان بن سليم ،عن مجاهد عن الشعبي ،وأبي محصن ،عن أبي وائل،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الواقدي ،كما أن فيها إشارات إلى شخصيات من القرن السادس والسابع (سيدي أبو مدين ــ
سيدي أبو الحجاج األقصري) ،مما يكاد يجزم بأن هذه الكتب ــ في حالتها التي وصلت إلينا بها
على األقل ــ ليست للواقدي ،وقد دخلتها األسطورة في الغالب بعد القرن السابع الهجري<.
وراجع :الطريق إلى دمشق ألحمد عادل كمال (ص 77ــ ،)78كتب حذر منها العلماء لمشهور
حسن آل سلمان ( 291/2ــ ،)292شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية لمحمد
شراب ( ،)283/3الواقدي وكتابه المغازي للدكتور عبد العزيز بن سليمان السلومي ( 93/1ــ
)95و( 98/1ــ ،)101الواقدي ومنهجه في السيرة والطبقات لهايل مفضي هالل ( 43/1ــ
.)44
( )1وقد ذكر الدكتور أبو سعدة نماذج لرجال ذكروا في أسانيد ابن أعثم ،وال وجود لهم إال في فتوح
وذكرت في كتاب أولئك مبرؤون طلحة بن عبيد اهلل (ص 232ــ )233نماذج من ُ ابن أعثم،
األسانيد المركبة في فتوح ابن أعثم ،ثم وقفت على نظائر أخرى فذكرتها في هذه الدراسة.
( )2وفي وصف نسخة طوب قابي ،جاء أن أولها> :قال أبو محمد أحمد بن الكوفي ،حدثني أبو
الحسين علي بن محمد القرشي ،<...انظر مقالة :المخطوطات العربية في مكتبة طوب قابي
سراي القسم األول ،ترجمة وإعداد فاضل مهدي بيات ،مجلة المورد العدد الثاني 1أبريل
( ،1975ص ،)234وقد وقف الدكتور فاروق عمر عليها وصرح بأنها تبتدئ من خالفة عثمان،
ونقل أولها وهي تبدأ بهذا اإلسناد أيضا ،انظر كتابه بحوث في التاريخ العباسي (ص ،)17
وراجع :ابن أعثم الكوفي ومنهجه التاريخي (ص ،)54وتبتدئ نسخة تشستربيتي بهذا اإلسناد
أيضا كما في [ق/2ب] وتوافق في نهايتها النسخة التركية ،فالظاهر أنها منسوخة عنها ،وعليه
فيبدو أن النسخة األلمانية في مكتبة غوته تفردت بروايات خالفة الصديق ،ولم تبدأ باألسانيد كما
وقع في بقية النسخ وهذا غريب!.
397
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وعلي بن مجاهد ،عن أبي إسحاق<( ،)1قلت :إن هذا اإلسناد مختلق وملفق بال مرية،
فابن أعثم الذي بقي حيا إلى أوائل القرن الرابع( )2يستحيل أن يروي عن الشعبي
وأبي وائل وأبي إسحاق بواسطتين فقط ،ثم إن في هذا اإلسناد إشكاالت عدة:
اإلشكال األول :أن ابن أعثم روى هنا مباشرة عن علي بن محمد القرشي،
لكننا نجده في موضع آخر يروي عنه بواسطة شيخه عبد اهلل بن محمد البلوي!(،)3
فهل سقط البلوي من اإلسناد؟ فإن كان البلوي قد سقط فاإلسناد ــ ساقط ،إذ أن
البلوي هذا بلوى ،قال عنه الدارقطني> :يضع الحديث<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفتوح طبعة دار األضواء (.)369/2 ()1
وقع اضطراب بين الباحثين في تعيين تاريخ وفاة ابن أعثم ،وسبب ذلك أن ابن أعثم ليست له ()2
ترجمة مفصلة في كتب التراجم ،فأول من ترجم له هو حمزة بن يوسف السهمي ( 427هـ) في
تاريخ جرجان ( ،)81وقال عنه> :كان بجرجان وحدث بها< ،ولم يزد على ذلك ولم يذكر تاريخ
وفاته ،وذكر إسنادا له ،يستفاد منه أن ابن عدي ( 365هـ) روى عنه ،وعليه فال بد أن يكون حيا
إلى أوائل الثالثمائة على األقل ،ثم ترجم له ياقوت الحموي في معجم األدباء ( ،)202/1ونقله
عنه الصفدي في الوافي بالوفيات ( ،)160/6وابن حجر في لسان الميزان ( ،)407/1وترجم
له أيضا ابن األنجب الساعي في الدر الثمين (ص ،)252ولم يذكروا تاريخ وفاته ،ونقل آغا
بزرك الطهراني في الذريعة ( )220/3أن مترجم كتاب الفتوح للفارسية ذكر أن ابن أعثم ألف
كتابه سنة 204هـ ،وع َّد الطهراني هذا وهما من المترجم ،واحتج بكالم ياقوت الذي نص على
أن كتاب الفتوح ينتهي إلى أيام المقتدر ،وقد توفي المقتدر سنة 320هـ ،وذهب الطهراني إلى
أن وفاة ابن أعثم كانت سنة 314هـ ،وهذا ما مال إليه قبله بروكلمان في تاريخ األدب العربي
( ،)55/3وتبعه الزركلي أيضا في األعالم ( ،)206/1وأما الدكتور أبو سعدة فقد مال إلى أن
تاريخ وفاة ابن أعثم هو بعد سنة 320هـ انظر كالمه في كتاب ابن اعثم الكوفي ومنهجه التاريخي
في كتاب الفتوح (ص 47ــ ،)48وهو المتعين ألن الالزم من كالم ياقوت أن ابن أعثم عاش
إلى سنة 320هـ ،ألنه ذكر أن تاريخ ابن أعثم ينتهي بأيام المقتدر المتوفى سنة 320هـ.
الفتوح (.)326/6 ()3
ميزان االعتدال ( ،)491/2ذيل ميزان االعتدال (ص .)139 ()4
398
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
اإلشكال الثاني :بعد طول بحث في الرواة عن مجاهد لم أجد فيهم أحدا
اسمه عثمان بن سليم ،ولم أجد في الرواة عن أبي وائل رجال يكنى أبا محصن!.
اإلشكال الثالث :علي بن مجاهد ليست له رواية عن أبي إسحاق،
والظاهر أن أبا إسحاق تصحيف ابن إسحاق الذي يروي عنه علي بن مجاهد(،)1
وعلي بن مجاهد كذاب ومتروك ،كذبه يحيى الضريس في سماعه من ابن
إسحاق(.)2
اإلشكال الرابع :من هو أبو الحسين علي بن محمد القرشي هذا الذي
يحدث عن ثالثة من الرواة مرة واحدة ،وهم :عثمان بن سليم وأبو محصن وعلي
ابن مجاهد؟ فبعد البحث لم أجد له ِذكرا وال أثرا وال خبرا!.
ــ يقول مؤلف >الفتوح< بعد ذلك> :وحدثني نُعيم بن مزاحم قال :حدثني
أبو عبد اهلل محمد بن عمر الواقدي األسلمي قال :حدثني عبد الحميد بن جعفر
عن يزيد بن أبي حبيب الزهري<( ،)3قلت :نعيم بن مزاحم تصحيف لنصر بن
مزاحم وهو المنقري كما ورد في موضع آخر من >الفتوح<( ،)4فال وجود لرجل
باسم نعيم بن مزاحم( ،)5فإذا ثبت أنه نصر بن مزاحم فرواية ابن أعثم عنه
مستبعدة ومستغربة ،ألن نصر بن مزاحم توفي سنة 212هـ ،وابن أعثم عاش إلى
سنة 320هـ ،إال أن يكون ابن أعثم من المعمرين!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير الطبري (.)666/22( ،)683/17( ،)682/17( ،)678/17( ،)328/16( ،)724/1 ()1
تهذيب التهذيب (.)387/7 ()2
الفتوح (.)369/2 ()3
الفتوح (.)322/4 ()4
وقد وقع هذا التصحيف في غالب المواضع في مطبوعة الفتوح ،وكذا في نسخة تشستربيتي! ،إال ( )5
في مبحث مقتل الحسين فجاء فيه على الصواب وسيأتي الكالم عنه.
399
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ولو سلمنا بأن ابن أعثم أدرك نصر بن مزاحم ،فإن رواية نصر بن مزاحم
عن الواقدي لم تتفق ــ على ح ِّد ما وقفت عليه بعد طول بحث ــ ،في غير كتاب
>الفتوح<! وهو أمر مستبعد أيضا ،ألن نصر بن مزاحم معدود في طبقة الواقدي،
والعادة عندهم هي الرواية عن الطبقة األعلى وليس عن القرين في الطبقة ،ومع
أن رواية القرين عن قرينه واردة ،غير أن تفرد كتاب >الفتوح< بها مع غرابة
اإلسناد يورث الريبة.
وأما قوله> :عن يزيد بن أبي حبيب الزهري< ،فالظاهر سقوط >عن< بين
يزيد والزهري ،ألن يزيد بن أبي حبيب أزدي( )1وليس من بني زهرة وهو يروي
عن الزهري.
قلت :وكل هذه الباليا والغرائب وقعت في أول إسناد ،وهو إسناد طويل
فيه طرق أخرى يظهر عليها االختالق والتركيب ،فضال عن لغة الكتاب الركيكة
والضعيفة والتي يمتنع تكون لغة القرن الرابع ،إذ ترى االعتماد على أسلوب
األساطير والقصص واإلثارة والتشويق ،والوصف والخيال ،إضافة إلى سخافة
التراكيب ،وركاكة العبارات ،واإلسهاب الممل ،والسجع المتكلف ،وكل هذا
مجانب ألسلوب مؤرخ عاش في القرن الثالث أو الرابع ،وقد مال الدكتور أبو
سعدة أثناء دراسته لكتاب >الفتوح< إلى أن الخلل وقع من ناسخ النسخة التركية
لكتاب >الفتوح< ،فقال> :إنني أعتقد ــ واهلل أعلم بكل الحقائق ــ أن يدا قد
امتدت إلى أصل الفتوح الذي كتبه ابن أعثم ،وأماله على تالميذه ،وأخرجت
هذا األصل عن صورته األولى ،وذلك باإلضافة إليه والزيادة عليه ،إضافة وزيادة
مؤسفتين ،قد شوهتا هذا الكتاب الفريد تشويها وأصابتاه إصابة منكرة ،جعلته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر ترجمته في تهذيب (.)319/11
400
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
غريبا على عصره( ...،)1وأعتقد أيضا ــ واهلل أعلم بكل الحقائق ــ أن هذه اليد
اآلثمة ،إن هي إال يد الناسخ الذي كتب تلك النسخة التي عنها طبع الكتاب الذي
بين أيدينا ،وهو محمد بن علي محمد الطنبذي الذي كان موجودا عام 873هـ،
سنة انتهائه من كتابة >الفتوح< ،فهو من رجال القرن التاسع الهجري ،حيث كانت
األساليب أشبه شيء باألسلوب الذي أصبح عليه فتوح ابن أعثم الكوفي<(،)2
وقد سبقه الدكتور فاروق عمر إلى الشك في جزء من كتاب >الفتوح< فقال> :إن
عدم عمق الروايات في القسم األخير من المخطوطة هذه ،باإلضافة إلى وضوح
الميول العلوية بصورة تجلب االنتباه ،تدعو المؤرخ إلى الشك في نسبة هذا
القسم األخير المبتدئ بظهور المسودة ،لكتاب >الفتوح< ،وربما كان القسم قد
أضيف إلى المخطوطة في وقت متأخر<(.)3
الجهة الثانية :إن الرواية التي ورد فيها ذكر زينب لم تأت مسندة ،بل أورد
لها مؤلف >الفتوح< إسنادا جمعيا من أكثر من طريق ،وهو إسناد طويل وفيه
تركيبات ظاهرة ،إال أن الذي يهمنا منه أنه ذكر طريقا يمر بأبي مخنف فقال:
>وأبو المنذر هشام بن محمد بن السائب عن أبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد
األزدي عن الحسين بن كثير األزدي عن أبيه<( ،)4ومن تأمل في كثير مما أورده
مؤلف >الفتوح< في مقتل الحسين قطع بأن أكثره من رواية أبي مخنف مع زيادات
واختالف ،وبناء على ذلك تكون الرواية المنسوبة إلى زينب إنما اعتمد فيها
صاحب >الفتوح< على رواية أبي مخنف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لعل الصواب :غريبا عن عصره. ()1
ابن اعثم الكوفي ومنهجه التاريخي في كتاب الفتوح (ص .)134 ()2
بحوث في التاريخ العباسي (ص ،)18وانظر :ابن أعثم الكوفي ومنهجه التاريخي (ص .)53 ()3
الفتوح (.)322/4 ()4
401
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
الجهة الثالثة :إن هذا الخبر قد نقله ابن شهرآشوب اإلمامي ( 588هـ) عن
زينب بال إسناد ولم يعزه إلى مصدره( ،)1وعند البحث عن أصل الخبر لم نجد
له أصال عن زينب ،وإنما روي عن غيرها ،فروى ابن أبي الدنيا والطبراني بسند
واه عن أم سلمة أنها سمعت هذه األبيات بعد مقتل الحسين( ،)2ونقل
الشجري في >أماليه< عن الفضيل بن الزبير أن أهل المدينة كانوا يسمعون تلك
األبيات بعد مقتل الحسين( ،)3فأصل الخبر إنما روي عن غير زينب ،ثم استند
بعض الكذابين على ما رواه أبي مخنف من خروج زينب مع أخيها الحسين ،
فنسب هذه الواقعة إلى زينب مع اختالق قصة مكذوبة عن نزولها بالخزيمية مع
أخيها الحسين ،ومعلوم عند الباحثين أن من مسالك الوضاعين أن يعمدوا
إلى خبر مروي عن شخص ،فيزيدوا فيه ويغيروه وينسبوه إلى شخص آخر ،كما
صنع واضع هذا الخبر ،واهلل المستعان.
9ــ رواية منسوبة للخوارزمي( 568( )4هـ) عن خطبة زينب بحضرة يزيد
()5
للموفق الخوارزمي رواية ورد في كتاب >مقتل الحسين< المنسوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناقب آل أبي طالب (.)245/ 3 ()1
الهواتف البن أبي الدنيا (ص ،)110المعجم الكبير للطبراني برقم ( ،)2869تاريخ دمشق من ()2
طريق الطبراني ( ،)241/14من طريق سويد بن سعيد بن عمرو بن ثابت ،عن حبيب بن أبي
ثابت عن أم سلمة ،وآفة الخبر عمرو بن ثابت فإنه متهم بالكذب والغلو ،انظر لسان الميزان
( 249/3ــ .)250
األمالي الخميسية (.)228/1 ()3
في مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي عدة روايات عن زينب وأغلبها مـأخوذ من روايات أبي ()4
مخنف مع بعض االختالف والزيادة التي يظهر أنها من عمل بعض المتهمين ،وهذه لم أتعرض لها
لظهور أمرها ،وإنما خصصت الكالم عن الروايات التي قد ُيظن أنها ليست من رواية أبي مخنف.
= أقول :إني متوقف في صحة نسبة كتاب مقتل الحسين إلى الخوارزمي ،ألمور: ( )5
402
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
األمر األول :طبع الكتاب عن نسخة خطية وحيدة مـتأخرة جدا ،فتاريخ نسخها هو 1306هـ، =
وطبعت أول مرة سنة 1367هـ ،فالفاصل بين النسخة المطبوعة والمخطوطة ستون سنة ،وزعم
ناسخها أنه نقلها عن نسخة مؤرخة بتاريخ 986هـ ،وقد حققها ونشرها محمد طاهر السماوي،
ولم يذكر المكتبة التي توجد فيها النسخة المخطوطة بل اكتفى باإلشارة إلى أنها في تبريز ،انظر
مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي (.)7/1
األمر الثاني :ذكر السماوي في مقدمة تحقيقه للكتاب أن ناسخ هذا الكتاب زاد فيه أخبارا نقلها
كتب ،وكان يميز تلك الزيادات ،ولم يبين السماوي مواضع الزيادة ،وهذا ينقص من قيمة من ٍ
الناسخ والنسخة ،إذ يقوى احتمال وقوع الدس والتزوير والزيادة والنقصان في نسخة وحيدة فريدة
متأخرة ،استباح ناسخها أن يزيد فيها ما ليس منها وإن أشار لذلك.
األمر الثالث :جل ما ورد عن مقتل الحسين في هذا الكتاب مأخوذ من فتوح ابن أعثم ،قال الباحث
اإلمامي محسن رجنبر في مقالته >مع الخوارزمي في مقتله< المنشورة بمجلة نهضة عاشوراء العدد
الرابع (ص > :)191معظم ما جاء في هذا الكتاب من الفصل التاسع وح ّتى آخر الفصل الحادي
عشر ،ــ والذي يبدأ من حادثة طلب معاوية البيعة ليزيد ،ويختتم بشهادة اإلمام الحسين
وأصحابه في كربالء ــ ،مأخوذ من كتاب >الفتوح< البن أعثم< ،ومن األمور المستغربة في هذا
وصف ابن أعثم باإلمام في أغلب المواضع ،انظر مثال،)252/1( ،)236/1( : ُ الكتاب،
( ،)254/1وفي موضع آخر وصفه بـ >الشيخ األجل واإلمام المبجل<!! ( ،)317/1وهذا مما
يُستغرب ،فابن أعثم ليس له ترجمة وافية تدل على علمه ورتبته وال يعرف له كبير شأن سوى ما
نسب إليه من تأليف كتاب الفتوح ،فكيف صار برتبة اإلمام األجل ،ولكن إن علم السبب بطل
العجب ،فإن مؤلف مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي وجد في أول كتاب الفتوح> :قال الشيخ
اإلمام العالم العالمة لوط أحمد بن محمد بن أعثم< ،الفتوح المنسوب البن أعثم ( ،)5/1فصار
يطلق على ابن أعثم لقب اإلمام والعالمة ،ثم إن كتاب الفتوح كتاب مغمور غير مشهور لم ينقل
عنه أحد من المؤرخين إال في النادر ،ومع ذلك ُجعل في كتاب مقتل الحسين المنسوب
للخوارزمي عمدة الكتب التي اعتمد عليها المؤلف في نقل روايات مقتل الحسين ،دون سائر
الكتب التي ألفت في هذا الباب!.
األمر الرابع :إن الكتاب وإن كان عنوانه مقتل الحسين ،إال أن مؤلفه قد جعل أكثر من نصف=
403
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
خطبة زينب بحضرة يزيد ،وهي نفس رواية ابن طيفور التي مرت آنفا ،وإن
زاد عليها مؤلف الكتاب بعض األلفاظ والجمل ،وساقها بإسناد مظلم ومسلسل
إلي من
بالمجاهيل فقال> :أخبرنا الشيخ اإلمام مسعود بن أحمد فيما كتب ّ
دهستان ،أخبرنا شيخ اإلسالم أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي،
أخبرنا الشيخ أبو حامد ،أخبرنا أبو حفص عمر بن الجازي بنيسابور ،أخبرنا أبو
محمد الحسن بن محمد المؤ ّدب الساري ،حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد
الحجري ،أخبرنا أبو بكر محمد بن دريد األزدي ،حدثنا المكّي ،عن
الحرمازي ،عن شيخ من بني تميم من أهل الكوفة<( )1فذكر الخبر.
قلت :في هذا اإلسناد عشرة رجال! ،المبهمون منهم أربعة وهم أبو حامد
شيخ الجشمي ،والمكي والحرمازي والشيخ التميمي ،والمعروفون منهم ثالثة:
هم المحسن بن كرامة الجشمي وأبو محمد المؤدب ،وابن دريد ،والبقية وهم
مسعود بن أحمد شيخ الخوارزمي ،وأبو الحسين الحجري ،لم أتمكن من معرفة
شيء عنهم ،وآخر من ينتهي إليه اإلسناد ممن يُعرف هو ابن دريد الذي يرويه عن
فخبر مثل هذا ال ينبغي أن يظن أن له أصال عند القدماء ،ولو
ثالثة مبهمين!ٌ ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأهل بيته!! مع عدم مناسبة موضوع الكتاب لذلك ،وهذا = المجلد األول عن فضائل النبي
مما يستغرب أيضا.
وعموما فإن التوقف في أمر الكتاب هو المتعين حتى تتيسر دراسته دراسة وافية كافية ،مع العلم
أن كالمي هنا ليس عن أصل وجود كتاب للخوارزمي في مقتل الحسين ،بل كالمي عن النسخة
المتداولة التي طبع عنها الكتاب ،وإال فقد ذكر ابن الوزير اليماني ( 840هـ) في كتابه العواصم
والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم ( )49/8أنه وقف على مقتل الحسين للخوارزمي وأنه
يقع في مجلدين ،لكن الكالم في كون أصل الكتاب هو نفس النسخة المتداولة وهو ما ال تساعد
عليه األدلة ،واألمر يحتاج لدراسة موسعة.
( )1مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي ( 72/2ــ .)73
404
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
سلمنا بأن هذا اإلسناد له أصل فالذي يُقطع به أنه من وضع بعض من تأخر عن
ابن دريد ،ولو ثبت أن ابن دريد حدث بهذا الخبر فإن ذلك ال تقوم به حجة
أيضا ،لما تقدم من عدم االعتداد برواية ابن دريد( ،)1ولو تغاضينا عن كل هذا،
فإن هذا اإلسناد فيه انقطاع بال ريب ،فأبو بكر بن دريد توفي سنة 321هـ،
فيستحيل أن يروي واقعة حدثت سنة 61هـ بثالث وسائط فقط!! ،فنهاية هذا
السند ــ لو سلم بثبوته ــ إلى رجل توفي قبل المائتين بقليل ،وإذا ثبت ذلك
فالكالم فيه هو نفس ما مضى في الكالم عن رواية ابن طيفور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر ما مضى من الكالم عن رواية ابن دريد في األمالي الخميسية.
405
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
()1
* ثالث ًا :ما روي من طرق اإلمامية
10ــ رواية الكليني ( 329هـ) لكالم فضة مع زينب الكبرى
جاء في >الكافي< للكليني> :الحسين بن أحمد( )2قال :حدثني أبو كريب
وأبو سعيد األشج قال :حدثنا عبد اهلل بن إدريس ،عن إدريس بن عبد اهلل األودي
قال :لما قتل الحسين أراد القوم أن يوطئوه الخيل ،فقالت فضة لزينب> :يا
سيدتي إن سفينة كسر به في البحر ،فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد ،فقال> :يا
فه ْم َه َم( )3بين يديه حتى وقفه على
<َ ، أبا الحارث أنا مولى رسول اهلل
الطريق ،واألسد رابض في ناحية ،فدعيني أمضي إليه وأعلمه ما هم صانعون
غدا< ،قال :فمضت إليه فقالت> :يا أبا الحارث< ،فرفع رأسه ،ثم قالت> :أتدري
ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد اهلل ؟ يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره<،
قال :فمشى حتى وضع يديه على جسد الحسين ،فأقبلت الخيل فلما نظروا
إليه قال لهم عمر بن سعد> :فتنة ال تثيروها انصرفوا ،فانصرفوا<<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والكالم هنا عن المصادر الروائية المعتمدة والقديمة لإلمامية ،أما الكتب المتأخرة والروايات ()1
التي يرجع أصلها إلى القرن السابع فما بعده فال التفات إليها ،ألني قد أسلفت أنها روايات مختلقة
وموضوعة وال أصل لها ،وقد سردت كثيرا منها في مبحث نقد القصص المختلقة عن زينب في
كتب المقاتل.
وقع في طبعة الغفاري وغيرها من الطبعات الحسين بن محمد ،وفي طبعة دار الحديث ــ وهي ()2
أتقن وأحسن تحقيق للكافي ــ الحسين بن أحمد ،وذكروا أن ذلك هو المثبت في أكثر النسخ
الخطية وكذا بحار األنوار.
الهمهمة :الصوت الخفي ،لسان العرب (.)623/12 ()3
الكافي بتحقيق دار الحديث ( 509/2ــ ،)510وطبعة دار الكتب اإلسالمية ( 465/1ــ )466 ()4
بتحقيق الغفاري.
406
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
407
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
البهبودي فلم يورده في >صحيح الكافي< ،وجعله المرجع المعاصر محمد آصف
محسني من األحاديث غير المعتبرة( ،)1وقال جعفر مرتضى العاملي عن هذه
الرواية> :ضعيفة السند لمجهولية بعض رواتها ،وعدم توثيق البعض اآلخر<(.)2
وع َّد مرتضى مطهري هذا الخبر من التحريفات اللفظية التي لحقت واقعة
َ
()3
عاشوراء وتأسف لورود الخبر في >الكافي< ،وقال الباحث اإلمامي محمد
الحسيني عن هذه الرواية> :رواية غريبة جدا<( ،)4وجعلها محمد صحتي
ــ المتخصص في السيرة الحسينية ــ من األخبار المزيفة( )5والموضوعة(،)6
وضعفها أيضا نعمة اهلل صالحي نجف آبادي( ،)7ولؤي المنصوري(.)8
وأما متنه فقد استعاره واضعه ــ على عادة الوضاعين ــ من قصة تنسب
للصحابي الجليل سفينة ،فقد روي عنه أنه قال> :ركبت في البحر في سفينة،
فكسر بنا ،فركبت لوحا منها فطرحني في أجمة ،فيها األسد ،فلم يرعني إال به،
فقلت> :يا أبا الحارث ،إني مولى رسول اهلل < ،فطأطأ رأسه وجعل يغمزني
بمنكبه حتى أقامني على الطريق<(.)9
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشرعة البحار (.)156/2 ()1
سيرة الحسين في الحديث والتاريخ (.)30/19 ()2
الملحمة الحسينية (.)238/3 ()3
عاشوراء النص والوظيفة (ص .)147 ()4
مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص ،)203جدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص .)141 ()5
مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص ،)229جدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص .)169 ()6
نقله عنه محمد حصتي في مقاله في مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص ،)230وانظر جدل ()7
ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص .)170
مجلة اإلصالح الحسيني ،العدد السادس( ،ص .)200 ()8
رواه أبو يعلى الموصلي في المفاريد (ص ،)105واللفظ له ،وأبو القاسم البغوي في معجم= ()9
408
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
الوضاع ،لم يفسر لنا كيف تمكنت فضة من معرفة هذا األسد ولكن هذا ّ
وتمييزه عن بقية األسود ،وال كيف أمكنها أن تعلم أن األسد كان في ناحية قريبة
فسر لنا كيف نسيت فضة هذه القصة حينما هجم جيش ابن زياد على منها ،وال ّ
الحسين ليقتلوه ،فلو أنها أتت باألسد وقتها ،لمنعهم من قتله كما منعهم من
وطئه ،فكيف لم تستنجد فضة باألسد إال بعد مقتل الحسين ؟ ،ثم إن هذا
الخبر تفرد بذكر وجود فضة الجارية في كربالء ،وقد استبعد الباحث اإلمامي
لؤي المنصوري حضور فضة في كربالء ونص على أن خبر >الكافي< تفرد بذلك
دون سائر المصادر( ،)1وهذا يدل على أ ّن واضع هذه القصة ْ
وإن كان متقنا
الختالق القصص ،إال أنه مغفل ومخلَّط ،وإال لما أتى بهذه األوابد!.
وقد ق ّدم المجلسي هذا الخبر على خبر حميد بن مسلم الذي رواه أبو
مخنف( ،)2والذي جاء فيه أن عمر بن سعد أمر الجيش أن يوطئوا الخيل على
جسد الحسين ففعلوا( ،)3وقد نوقش في ذلك فرد عليه الباحث اإلمامي لؤي
المنصوري في مقالة> :هل وطأت الخيل جسد الحسين ؟< ،ومما قاله في
نقد كالم المجلسي> :إ ّن المجلسي لم يذكر دليال معتبرا على كالمه ،سوى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الصحابة ــ طبعة المبرة ــ ( ،)1630والروياني في مسنده ( ،)662والحاكم في المستدرك
( )4335و( )6550وصححه ،وغيرهم من طرق عن محمد بن المنكدر عن سفينة ،وسنده
ضعيف لالنقطاع ألن رواية محمد بن المنكدر عن سفينة مرسلة كما قال الحافظ ابن حجر في
تهذيب التهذيب ( ،)474/9وانظر :أحاديث معلة ظاهرها الصحة (ص .)163
( )1مجلة اإلصالح الحسيني ،العدد السادس( ،ص .)202
( )2تاريخ الطبري ( )454/5وهو خبر باطل عند المحققين ،راجع ضعيف تاريخ الطبري
(.)258/9
( )3مرآة العقول (.)371/5
409
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
410
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
أخبر فاطمة وعليا والحسن والحسين ، ركيكا طويال ملخصه أن النبي
بمقتل الحسين(.)1
411
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
وعبيد اهلل بن الفضل مجهول( ،)1وسعيد بن محمد أبو عثمان لم أقف له على
ترجمة ،ومحمد بن سالم بن يسار مجهول( ،)2وأحمد بن محمد الواسطي
وعيسى بن أبي شيبة لم يذكروهما( ،)3وقدامة بن زائدة وأبوه زائدة مجهوالن(،)4
ولذا جعل آصف محسني هذا الخبر من األحاديث غير المعتبرة( ،)5وقال مصطفى
وهبي العاملي عنه> :الخالصة أن ههنا مشكلة في سند الرواية ،كما أن ههنا
إشكاال في متنها<(.)6
وأما متنه الطويل الذي وقع في أربع صفحات كاملة ،فأمارات الوضع
والكذب واالختالق ظاهرة عليه ،ويكفي عالمة على وضعه ،طوله المبالغ فيه،
( ،)7فضال عن واشتماله على السجع والتوليد الذي ينزه عنه لسان النبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المفيد من معجم رجال الحديث برقم (.)7496 ()1
ترجم له الشاهرودي في المستدركات ( ،)113/7ولم يذكر فيه توثيقا. ()2
انظر على التوالي :مستدركات علم رجال الحديث ( )479/1و( ،)150/6وسيتكرر مصطلح لم ()3
يذكروه في بعض رجال اإلمامية ،وهو مصطلح عمله الرجالي المعاصر علي النمازي الشاهرودي،
ويقصد به أن المترجم ليس له ذكر في موسوعات كتب الرجال اإلمامية التي صنفت قبله ،وخص
بالذكر ثالثة كتب وهي جامع الرواة لألردبيلي وتنقيح المقال للمامقاني ومعجم رجال الحديث
للخوئي ،انظر مستدركات علم رجال الحديث ( ،)67/1وباالستقراء فإن غالب الذين يقول فيهم
الشاهرودي لم يذكروه فإنك ال تجد له ذكرا في أي في كتاب رجالي قبله! ،والشاهرودي توفي
سنة 1402هـ.
المفيد من معجم رجال الحديث برقم ( ،)9613و(.)4650 ()4
مشرعة بحار األنوار (.)156/2 ( )5
كربالء تساؤالت وقضية (ص .)183 ()6
قال> :فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله ،وأحاطت مثل قول الراوي إن النبي ()7
به كتائب أهل الكفر واللعنة ،تزعزعت األرض من أقطارها ،ومادت الجبال وكثر اضطرابها،
واصطفقت البحار بأمواجها ،وماجت السماوات بأهلها ،غضبا لك يا محمد ولذريتك ،واستعظاما=
412
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
قال إن الحسين حين تضمنه لما ال يمكن تصديقه ،إذ زعم الراوي أن النبي
يقتل >تزعزعت األرض من أقطارها ،ومادت الجبال وكثر اضطرابها ،واصطفقت
البحار بأمواجها< ،وال ريب أن هذا كذب ظاهر ،فلو وقع مثل هذا األمر العظيم
الذي يراه ويشاهده كل أحد لنقله الناس ولصار من أشهر المشهورات ،أما أن
يأتي من طريق إسناد واحد مظلم ال يعرف رواته أصال ،فهذا عالمة على أنه ليس
إال إفكا محضا ،اختلقه بعض من ال خالق له ،ونسبه إلى زينب وزينب بريئة من
هذا اإلفك الظاهر ،وباهلل التوفيق.
12ــ رواية ابن بابويه ( 381هـ) لمحاورة زينب الكبرى مع ابن زياد
قال ابن بابويه القمي> :حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال :حدثنا
عبد العزيز بن يحيى البصري ،قال :أخبرنا محمد بن زكريا ،قال :حدثنا أحمد
ابن محمد بن يزيد ،قال :حدثني أبو نعيم ،قال :حدثني حاجب عبيد اهلل بن
زياد< ،وذكر قصة ورد فيها أن ابن زياد قال لعلي بن الحسين ومن كان معه من
النسوة ــ وكانت زينب بنت علي فيهم ــ> :الحمد هلل الذي فضحكم وقتلكم،
وأكذب أحاديثكم .فقالت زينب :الحمد هلل الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا،
إنما يفضح اهلل الفاسق ويكذب الفاجر ،)1(<...وذكر بقية القصة ووفود أهل بيت
الحسين على يزيد.
قلت :وبقية ألفاظ الرواية مشابهة لرواية أبي مخنف مع زيادات واختالف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= لما ينتهك من حرمتك ،ولشر ما تكافي به في ذريتك وعترتك ،وال يبقى شيء من ذلك إال استأذن
اهلل في نصرة أهلك ،المستضعفين المظلومين الذين هم حجة اهلل على خلقه بعدك< ،كامل
الزيارات (ص 447الهامش).
( )1األمالي (ص 229ــ .)232
413
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
من عمل من تأخر عن أبي مخنف ،وقد ساق ابن بابويه بعدها رواية من طريق
أبي مخنف تذكر قصة فاطمة بنت علي حينما أراد أحد الشاميين أن يسبيها ور ّد
زينب عليه وكالمها مع يزيد(.)1
وسند الحديث واه على مسالك اإلمامية ،فشيخ ابن بابويه محمد بن إبراهيم
ابن إسحاق قال عنه الخوئي> :وثاقته لم تثبت ،وليس في ترضي الصدوق عليه
داللة على الحسن ،فضال عن الوثاقة<( ،)2وأحمد بن محمد بن يزيد مشترك بين
أربعة كلهم مهملون لم يذكروا في كتب الرجال( ،)3وأبو نعيم الذي يروي عن
حاجب ابن زياد ال بد أن يكون من أهل القرن األول ،ولم أقف في كتب رجال
اإلمامية على أحد بهذه الكنية في تلك الطبقة! ،وقد ضعف محمد آصف محسني
هذا الخبر فلم يجعله من األحاديث المعتبرة( ،)4وأصل الخبر من رواية أبي
مخنف ،فسرقه بعضهم وزاد فيه أشياء ليست في رواية أبي مخنف ،ثم لفق له
هذا اإلسناد ،ولذا ال يظنَّن ظا ٌّن أن هذا طريق مستقل ،وإنما هي بضاعة أبي
مخنف(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومبتدأ رواية أبي مخنف عند ابن بابويه من قوله> :فروي عن فاطمة بنت علي ،أنها قالت :لما ()1
أُ ْجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رق لنا أول شيء وألطفنا< ،ثم ساق الرواية بطولها ،ثم قال في
ختامها> :حدثني بذلك محمد بن علي ماجيلويه ،عن عمه محمد بن أبي القاسم ،عن محمد بن
علي الكوفي ،عن نصر بن مزاحم ،عن لوط بن يحيى ،عن الحارث بن كعب ،عن فاطمة بنت
علي< .انظر أمالي ابن بابويه (ص ،)231وقارن بتاريخ الطبري ( 461/5ــ .)462
معجم رجال الحديث (.)231/15 ()2
انظر مستدركات علم رجال الحديث ( ،)484/1األرقام ( 1744ــ 1745ــ 1746ــ .)1747 ()3
مشرعة بحار األنوار (.)156/2 ()4
ويحتمل أن يكون الغلط من ابن بابويه بأن يكون قد وقف على هذا الخبر من رواية أبي مخنف، ( )5
لكن لما أثبته في كتابه دخل عليه إسناد في آخر ،فإن ثبت ذلك كان مرجع الخبر إلى أبي مخنف.
414
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
13ــ رواية ابن بابويه ( 381هـ) لوصية الحسين إلى زينب الكبرى
روى ابن بابويه عن أحمد بن إبراهيم أن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا
أخت أبي الحسن قالت له> :إن الحسين بن علي أوصى إلى أخته زينب بنت
علي بن أبي طالب في الظاهر ،وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم
ينسب إلى زينب بنت علي ،تس ُّترا على علي بن الحسين< .وقد روى ابن بابويه
هذا الخبر من طريقين مدارهما على أحمد بن إبراهيم ،فقال >حدثنا علي بن
أحمد بن مهزيار قال :حدثني أبو الحسين محمد بن جعفر األسدي قال :حدثنا
أحمد بن إبراهيم< وذكر القصة( ،)1وقال مرة> :حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه
المؤدب قال :حدثنا محمد بن عبد اهلل ،عن أبيه عبد اهلل بن جعفر الحميري
قال :حدثني محمد بن جعفر قال :حدثني أحمد بن إبراهيم<( )2وذكره ،وروى
الطوسي هذا الخبر بطريق آخر ،فقال> :محمد بن يعقوب الكليني ،عن محمد
ابن جعفر األسدي ،قال :حدثني أحمد بن إبراهيم قال :دخلت على
حكيمة <....وذكر مثله ،وقال> :وروى هذا الخبر التلعكبري ،عن الحسن بن
محمد النهاوندي ،عن الحسن بن جعفر بن مسلم الحنفي ،عن أبي حامد
المراغي قال :سألت حكيمة بنت محمد أخت أبي الحسن العسكري<( ،)3وعامة
المعاصرين من اإلمامية فسروا جملة> :وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من
علم ينسب إلى زينب بنت علي< ،بأن المراد بها هي ال ُخطب والمواقف المنسوبة
لزينب في كربالء ،مع أن الناظر ال يجد تالزما بين األمرين ،وغاية ما يمكن أن
يستفاد من الرواية ،أن زينب بقيت حية بعد أخيها الحسين ،ومن باب استقصاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1كمال الدين وتمام النعمة (ص .)501
( )2كمال الدين وتمام النعمة (ص .)507
( )3الغيبة (ص 230ــ .)231
415
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ما قد يعترض به المعترضونُ ،سقت هذه الرواية هنا لإلجابة عما قد يتوهم من
منافاتها لما قررته من تفرد أبي مخنف بخبر خروج زينب إلى كربالء،
والجواب عن هذا الخبر من وجهين:
عف إسناده ،فالخبر مداره على أحمد بن إبراهيم ،وأحمد بن األولَ :ض ُ
إبراهيم هذا هو أبو حامد المراغي الذي روى عنه الطوسي هذا الخبر من طريق
التلعكبري ،ومن زعم أنه غيره فهو واهم( ،!)1وهذا الرجل مجهول( ،)2ولذا ضعف
المرجع محمد آصف محسني هذا الخبر فلم يجعله من األحاديث المعتبرة( ،)3ثم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1قال علي أكبر السيفي المازندراني في >دليل تحرير الوسيلة (والية الفقيه)< (ص > :)181أحمد
بن إبراهيم هذا هو أبو بشر ،بقرينة رواية التلعكبري عنه ،كما روى عنه هذه الرواية بطريق آخر
والعالمة< ،قلت :هذا وهم
في كتاب الغيبة ،وهو ال إشكال في وثاقته ،كما قال الشيخ والنجاشي َّ
واضح وسببه العجلة أو الغفلة الفاحشة ،فإن المازندراني رأى أن الطوسي في الغيبة قال بعد أن
أورد رواية أحمد بن إبراهيم> :وروى هذا الخبر التلعكبري< ،ووقف نظره هنا فظن أن التلعكبري
روى هذا الخبر عن أحمد بن إبراهيم ،لكنه لو نظر لبقية كالم الطوسي لتبين له وهمه ،فإن الطوسي
يقول في الغيبة> :وروى هذا الخبر التلعكبري ،عن الحسن بن محمد النهاوندي ،عن الحسن بن
جعفر بن مسلم الحنفي ،عن أبي حامد المراغي قال :سألت حكيمة ،<...فالتلعكبري إنما روى
عن النهاوندي ،وبينه وبين أحمد بن إبراهيم واسطتان ،ولو تأمل قليال أسانيد هذا الخبر لجزم
بامتناع رواية التلعكبري عن أحمد بن إبراهيم ،إذ أن الكليني وهو شيخ التلعكبري قد روى عن
أحمد بن إبراهيم بواسطة واحدة فكيف يتفق للتلعكبري أن يروي عنه بال واسطة ،ثم إنه لو راجع
ترجمة أحمد بن إبراهيم في رجال الكشي ( )815/2ورجال الطوسي (ص )397لرأى أنه كان
يكنى أبا حامد المراغي.
( )2المفيد من معجم رجال الحديث برقم (.)382
( )3لم يذكر محسني في مشرعته ( )216/2عدد األحاديث المعتبرة في الباب 16من المجلد 51من
بحار األنوار كما هي طريقته ،بل اكتفى إلى اإلشارة إلى عدد من الروايات المعتبرة ،لكن يبدو
أنه لم يكن يرى صحة هذا الخبر ،ألنه يرى أن حكيمة التي يُروى عنها مجهولة ،كما صرح بذلك
في المشرعة ( )208/2فقال> :حكيمة لم توثق< ،ولذا لم يذكره ضمن األحاديث المعتبرة=،
416
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
إن حكيمة الراوية للخبر مجهولة أيضا( ،)1فضال عن أن خبرها منقطع ،ــ فهي على
ما يزعم الراوي ــ قد حدثت بهذا الخبر سنة 262هـ ،فبينها وبين زينب مئتي
سنة ،فالخبر واه.
الثاني :بطالن متنه ،فالوصية المزعومة من الحسين إلى زينب ال حقيقة
لها ،والتاريخ يُكذّ بها ،وصانع هذه الرواية علَّل الوصاية إلى زينب بأن الغاية منها
الستر على علي بن الحسين! ،وواقع الحال أن زينب توفيت ــ عند اإلمامية ــ
بعد واقعة كربالء بوقت قريب( ،)2وعلي بن الحسين بقي إلى سنة 95هـ،
ودوواين
ُ أي ثالثين سنة بعد وفاة زينب ،وظل علي بن الحسين ينشر العلم،
اإلسالم مملوءة من أحاديثه وأخباره وفتاويه( ،)3وقد نقل عنه اإلمامية مئات
وروى عنه أكثر من مائتي راو عندهم( ،)4وعلى هذا فهذه الرواية ال الرواياتَ ،
حقيقة لها ،فال يوجد اليوم علم منقول عن زينب عند اإلمامية سوى مواقفها التي
نُسبت لها في كربالء وجلها خطب وأقوال ومواقف تروى في قصص واقعة
كربالء ،وليست من أبواب العلوم التي يحتاج إليها الناس ،وما روي عنها غير
ذلك قليل ونادر ،والظاهر أن واضع الخبر لما وقف على أخبار أبي مخنف عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يورده الفهداوي في كتابه >المعتبر من بحار األنوار وفقا لنظريات الشيخ آصف محسني<. =
مضى كالم محسني عنها في مشرعة بحار األنوار ( )208/2في الهامش السابق. ()1
مضى نقل اختالف اإلمامية في تاريخ وفاة زينب ،فقيل سنة 62وقيل .65 ()2
روى البخاري 25رواية مسندة عن علي بن الحسين ،وروى له مسلم 14رواية ،وله في مصنف ()3
ابن أبي شيبة قريب من 60رواية ما بين حديث مسند وفتوى من قوله ،وله في السنن الكبرى
للبيهقي 62رواية ،وهذه مجرد أمثلة ،وهذه اإلحصائيات استفدتها من برنامج جامع الحديث
النبوي الذي أصدرته شركة إيجيكوم.
ذكر العطاردي في مسند اإلمام السجاد علي بن الحسين ( 5415/2ــ 237 ،)510راويا عن ()4
علي بن الحسين.
417
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
زينب ،أراد استعارة تلك األخبار لينسج على منوالها خبر الوصاية إلى عمة
الحسن العسكري ،وعليه فالخبر مردود سندا ومتنا وال عبرة به.
418
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
419
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
420
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
رجل من أهل الشام ،عن شعبة ،عن الحكم ،عن حذام األسدي ،وقال مرة أخرى:
حذيم<( ،)1قلت :فسقطت كلمة حدثنا وسقط الحكم بين شعبة وحذام ،ثم إن ابن
طيفور ذكر اإلسناد تاما بع ُد فقال> :وحدثنيه عبد اهلل بن عمرو قال :حدثني إبراهيم
بن عبد ربه بن القاسم بن يحيى بن مقدم المقدمي ،قال :أخبرني سعيد ابن محمد
أبو معاذ( )2الحميري ،عن عبد اهلل بن عبد الرحمن رجل من أهل الشام ،عن
حذام األسدي<( ،)3وهنا سقط شعبة والحكم من اإلسناد ،وثبت أن ابن طيفور
يروي عن سعيد الحميري بواسطة رجلين ،وهذا االضطراب الفاحش في اإلسناد
كاف في إسقاطه ،فكيف إن علمت أنه مسلسل بالمجاهيل ،فلو غضضنا الطرف
عن شيخ ابن طيفور عبد اهلل بن عمرو( ،)4فإن إبراهيم بن عبد ربه وشيخه أبا
معاذ وعبد اهلل بن عبد الرحمن الشامي وحذيم األسدي ال يدرى من هم ،بل إني
أجزم أن عبد اهلل بن عبد الرحمن إنما هو اسم مختلق ال حقيقة له ،ثم إن نسبة
مثل هذا الكذب إلى شعبة ،من أبين الحجج على أنه من وض ِع من ال خالق له،
فإن شعبة أتقى هلل من أن يروي مثل هذه األخبار السمجة ،وكيف يروي شعبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مخطوط اختيار المنظوم المنثور والمنظوم [ق /16ب] ،المحفوظ بجامعة الملك سعود برقم
( /810أ .ط) وهذه صورة النص:
( )2وفي المخطوط [ق /18أ] ابن معاذ وهو غلط والصواب أبو معاذ.
( )3بالغات النساء (ص .)29
( )4لم أهتد إليه ،قد روى عنه ابن طيفور عدة أخبار في بالغات النساء وكتاب بغداد.
421
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
مثل هذا ثم يغفل عنه كبار أصحابه وال يرويه إال رجل من أهل الشام ال يدرى من
هو ،وأما سنده الثاني ونسبة روايته إلى جعفر بن محمد الصادق ،فأوهن وأوهن،
ويكفي أن من روى عنه ابن طيفور هذا الخبر هو شيخه هارون ابن مسلم بن
سعدان ،الذي لم يرد فيه أي توثيق أو جرح .وال ريب عندي أن هذه الرواية من
باليا ابن طيفور ،ولما وجد بعض الوضاعين هذا الخبر( ،)1ر ّكب له إسنادا آخر
وغير بعض ألفاظ الرواية ثم نسبها إلى زينب بدال من أم كلثوم ،ثم سرى الغلط َّ
أمر هذه الخطبة ،فزعم أنها
إلى بقية الكتب التي نقلت الخبر ،وقد ع َكس بعضهم َ
في األصل مروية عن زينب ثم نُسبت إلى أم كلثوم غلطا( ،!)2وهذا ال ريب أنه
وجدت فيها هذه الخطبة هو كتاب >المنثور والمنظوم<
ُ قول مردود ،إذ أول مصدر
البن طيفور ،وقد رواها ونسبها إلى أم كلثوم ال زينب ،وقد رتب ابن طيفور
عرجالخطبتين في كتابه بما يفيد تغايرهما ،فنسب لزينب ُخطبة بحضرة يزيد ،ثم ّ
بعدها على أم كثلوم ونسب لها خطبة في الكوفة ،فدخول الغلط في ذلك عليه
بعي ٌد ،بل الظاهر أنه أراد أن يجعل لكل من زينب وأم كلثوم ُخطبة! ،وقد نقلها
تأخر عن ابن طيفور ناسبا إياها إلى أم كلثوم ال زينب(.)3
من َ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وعندي أن البالء من شيخ المفيد محمد بن عمران المرزباني األخباري ،فقد قال عنه األزهري:
>كان المرزباني يضع المحبرة وقنينة النبيذ ،فال يزال يكتب ،ويشرب ...،وما كان ثقة< ،ونقل
عن أبي عبيد اهلل بن الكاتب أنه قال> :أشرفت منه على أمر عرفت به أنه كذاب< ،وقد نقل الخطيب
البغدادي هذا عن األزهري ودفع الكذب عن المرزباني فقال> :ليس حال أبي عبيد اهلل عندنا
الكذب< ،تاريخ بغداد ( ،)227/4قلت :ليس الخبر والظن كالمعاينة ،فإن أبا عبيد واألزهري
قد عاينا المرزباني ورأيا ما يدل على أنه غير ثقة ،ولو ثبت أنه روى ما نقله عنه المفيد في أماليه
من روايات يظهر عليها الوضع ،لكان هذا أبين حجة على كونه كذابا مفتريا ،عفا اهلل عنا وعنه.
( )2مرقد العقيلة زينب (ص .)145
( )3نثر الدر في المحاضرات ( ،)19/4التذكرة الحمدونية (.)264/2
422
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
وأما من جهة متنه :فالقول فيه هو نفس ما قلته في خطبة زينب التي نُسبت
لها في مجلس يزيد ،فطريقة سبك الخطبة والمبالغة في إغراقها بأنواع السجع
وتقعير الكالم ،غريب عن لسان األوائل ،وهو أقرب إلى الصناعة األدبية
المتأخرة عن زمانهم ،والتي ظهرت في زمن العباسيين ،من قبيل> :وهل فيكم
إال الصلف الظلف والضرم الشرف< ،و>مالذ خيرتكم ،ومفزع نازلتكم ،وأمارة
محجتكم ،ومدرجة حجتكم خذلتم ،وله فتلتم< ،و>ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد
فريتم ،وأي دم له سفكتم ،وأي كريمة له أصبتم< ،وفي هذه الخطبة من إغالظ
الكالم والوعيد المبالغ فيه ما يُن َّزه عنه لسان زينب ،ومن ذلك> :ولن تغسلوا دنسها
عنكم أبدا< ،و>وبؤتم بغضب من اهلل< ،و>ولعذاب اآلخرة أخزى<.
ثم هل يتصور أن تستعير زينب آية نزلت في أهل الكتاب فتغير لفظها
وتجعلها في أهل الكوفة ،فقد زعم واضع الرواية أن زينب قالت> :فبئس ما
قدمت لكم أنفسكم أن سخط اهلل عليكم ،وفي العذاب أنتم خالدون<!! ،وهذا
اقتباس من قوله تعالى في بني إسرائيل{ :ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ
ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} [المائدة ،]80 :فزينب
يحسن منه أن يحكم على منزهة عن مثل هذا العبث ،ومن نشأ في بيت النبوة ال ُ
أحد بالهالك لذنب وقع منه ،أليس هذا مثل قول الرجل ألخيه >ال يغفر اهلل لك<
أن قائله تألَّى على اهلل فأحبط عمله؟(.)1 الذي أخبر النبي
وحاصل القول إن هذه الخطبة هي نظير الخطب المفتعلة المنسوبة إلى
زينب في عصور متأخرة ،ولذا قال الدكتور أحمد خليل جمعة منتقدا نسبة هذه
الخطبة لزينب> :من بدائع الصناعة األدبية في الخطب والخطابة ،تلكم الخطبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1صحيح مسلم (.)6774
423
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
القسعاء التي نُسبت إلى زينب ابنة علي ،والتي تخاطب فيها أهل الكوفة،
وتعيب عليهم فعلتهم التي فعلوها ،تم ُتعدد شنائعهم ،والخطبة كما يالحظ
القارئ ،مصنوعة موضوعة مصوغة صياغة خاصة في عصر متأخر عن زينب
بعشرات السنين بل بقرون ،فهي تعتمد على الصنعة التي توشيها من أطرافها
جميعها ،ناهيك باالقتباس الواضح من القرآن الكريم ،واالعتماد على علم البديع
في إنشائها ،وهذا العلم الذي نما وترعرع بعيد القرن الثاني الهجري<(.)1
424
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
425
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
صريع بكربالء.)1(<...
ــ كالم زينب مع ابن زياد ،وزيد فيه أكاذيب منها قول زينب البن زياد:
>إذا كان أخي طلب الخالفة فهي ميراث أبيه وجده ،وأما أنت يا ابن زياد ُفر َّد جوابا
إذا كان القاضي اهلل ،والحكم جدي ،والشهود المالئكة ،والسجن جهنم<(.)2
ــ كالم زينب مع يزيد ،وزيد فيه أشياء شنيعة كقول يزيد لزينب> :يا قرة
عين علي وفاطمة الزهراء ،جئتم لتأخذوا الخالفة مني يا زينب ،قد أمكنني اهلل
منكم< فقالت زينب> :يا يزيد أتأخذنا بحقوق بدر وحنين؟
يا ويلك! تهتكنا وتحجب نساءك في القصور ،وأوالد رسول اهلل
مأسرون ،أما كفاك قتل الحسين؟.)3(<...
وبعضها من الروايات الموضوعة على زينب من غير طريق أبي مخنف مثل
خطبة زينب في أهل الكوفة(.)4
وبعضها ال أصل له إال في كتب المقاتل المتأخرة ،ومن ذلك:
ــ دخول الحسين إلى خيمة زينب بعد مقتل كل من معه ،وقوله لها>> :يا
أختي ،يا زينب ،ناوليني ولدي الصغير حتى أو ِّدعه< ،فقالت له> :هذا ولدك منذ
ثالثة أيام لم يذق الماء فلعلك تطلب له من القوم شربة ماء<<(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نور العين في مشهد الحسين (ص .)55 ()1
نور العين في مشهد الحسين (ص .)57 ()2
نور العين في مشهد الحسين (ص .)67 ()3
نور العين في مشهد الحسين (ص 57ــ .)58 ()4
نور العين في مشهد الحسين (ص .)46 ( )5
426
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
ــ دعاء أم كلثوم بالهالك على عجوز ضربت رأس الحسين بحجر ،فهلكت
العجوز ،فقالت زينب> :اهلل أكبر من دعوة ما أسرع إجابتها<(.)1
ــ أسطورة الحصان ميمون! ،وقول زينب لما رأته بعد مقتل الحسين> :وا
قتياله ،وا غريباه ،وا حسيناه ،هذا الحسين بين العداء ،مسلوب العمامة والرداء،
بدنه باألرض ورأسه منقطعة ،واليوم يصير ماله وعياله بين العدا< ،ثم إنشادها
شعرا أبكى من كان معها من النساء(.)2
ــ دخول خولي بن يزيد األصبحي خيمة النساء ،وسلبه لما في الخيمة،
وقرضه قرط زينب بأسنانه ودعاء زينب عليه(.)3
ــ قول زينب لما رأت رأس الحسين في مجلس يزيد> :يا حسين ،يا
حبيب رسول اهلل ،يعز علينا ذلك يا أبا عبد اهلل ،ويعز عليك لو رأيتنا في
هذه الحالة<(.)4
ــ قول يزيد لزينب> :يا زينب خذي هذا المال عوضا عن مصيبتكم< فقالت
زينب> :يا ويلك ما أقل حياءك وأصلب وجهك ،تقتل أخي وتقول خذوا عوضه
ماال<(.)5
ــ إنشاد أم كلثوم لما وصلت إلى المدينة شعرا ومنه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نور العين في مشهد الحسين (ص .)64 ()1
نور العين في مشهد الحسين (ص 51ــ .)52 ()2
نور العين في مشهد الحسين (ص .)53 ()3
نور العين في مشهد الحسين (ص .)65 ()4
نور العين في مشهد الحسين (ص .)71 ( )5
427
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
428
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
429
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
اإلسفراييني من الكتاب.
ولهذا قضى جماعة من اإلمامية ببطالن نسبة الكتاب إلى اإلسفراييني أو
ببطالن رواياته:
ــ وأولهم فيما أعلم هو علي بن عبد اهلل البحراني ( 1319هـ) فقال عن
كتاب >نور العين<> :كله أو جله كذب ومين<( ،)1وصرح بأنه يتضمن الكذب
فصل موقفه من الكتاب فقال> :وأما كتاب >نور العين< فإنه والبواطيل( ،)2ثم َّ
كذب مفترع ،وبهتان موضوع ،خصوصا أوائله ،فما منه شيء يطابق الواقع ،وما
أقدر
مغير عن أصوله ،معدول به عن سبيله ،فما َ ُقرب من الواقع من جمله فهو َّ
جامعه على جمع الكذب وتأليفه ،وأقواه على تزوير االفتراء وتصنيفه.)3(<...
ــ والمحقق اإلمامي عبد العزيز الطباطبائي ( 1348هـ) حيث يقول> :أظن
أن الكتاب منحول منسوب( ،)4فأسلوبه ال يالئم مصنفات القرن الرابع<( ،)5وقال
أيضا> :ولكن الكتاب منحول<(.)6
ــ ومحمد علي القاضي الطباطبائي ( 1400هـ) ،حيث يقول> :كتاب
>مقتل الحسين< لإلسفراييني مليء بالموضوعات وقصص القصاصين<(،)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قامعة أهل الباطل (ص .)20 ()1
قامعة أهل الباطل (ص .)32 ()2
قامعة أهل الباطل (ص ،)90ونقله عنه الروضاتي في تكملة الذريعة (.)643/2 ()3
كذا ،واألسلم :منسوب له. ()4
أهل البيت في المكتبة العربية (ص .)655 ( )5
أهل البيت في المكتبة العربية (ص .)655 ()6
رجوع الركب بعد الكرب تحقيق حول األربعين (ص ،)206الترجمة العربية للكتاب وهي ()7
لألسف ليست ترجمة كاملة بل ذكر المترجم (ص )9أنه قام بتلخيص الكتاب.
430
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
وحكم بأن الكتاب من الكتب الضعيفة جدا والتي ال يعتمد عليها ...وأنه مجعول
وضعيف ومجهول المؤلف(.)1
ــ ومحمد علي الروضاتي حيث قال عن >نور العين< وعن >قرة العين<
تقية عند من ألّفهما ولم نعثر لهما على
المطبوع معه> :الكتابان مجهوالن مفتعالن ّ
مخطوطة<(.)2
أمر انتحال
أشهر َ
ــ والباحث اإلمامي محمد صحتي السردرودي وهو َم ْن َ
الكتاب ونقل قول جماعة من النقاد فيه( ،)3وعنه انتشر خبره( ،)4وقال عنه في
موضع آخر> :كتاب >نور العين< أقرب لألسطورة منه للواقع<(.)5
ــ ومحمد حسون الذي قال> :إ ّن نسبة النسخة المطبوعة إليه غير ثابتة؛
العراقية ،لم تكن مستعملة في القرن الرابع
ّ عامية باللهجة
الحتوائها على كلمات ّ
الطف ،لذلك شكّك بعض األعالم الهجري ،ولنقله وقائع مكذوبة تتعلّق بمأساة ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لسيد الشهداء (ص )60و(ص ،)221و(ص )294وهي النسخة دراسة األربعين األولى ّ ()1
الفارسية الكاملة للكتاب ،وقد نقلت عنها بواسطة مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص
،)195وجدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص .)132
تكملة الذريعة (.)642/2 ()2
مقالة السيرة الحسينية المصادر والمراجع المنشورة بمجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص ()3
194ــ ،)195جدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص .)131
وقد وقفت على جماعة من الكتاب ممن نقل كالم محمد صحتي بتمامه دون أن يكلفوا أنفسهم أن ()4
الجصاص :زينب ( )نطحت جبينها ّ يعزوه إليه كمحمد الحسون في مقالته >رواية مسلم
بالمحمل< (ص 12ــ .)13
مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص ،)231جدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص ( )5
.)171
431
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
432
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
ــ ومحمد حسين الجاللي الذي قال عن عبارة وردت في آخر كتاب >نور
العين<> :هذا من أساليب المتأخرين من قارئي فاجعة كربالء ،وليس من أسلوب
الرواة في القرن الخامس ،واهلل العالم<(.)1
تنبه ألمره ،ولم أقف على منولندرة تداول الكتاب عند أهل السنة لم يُ َّ
كشف أمره سوى القاضي علي جالل الحسيني الذي قال> :ولم أكثرت بمثل
كتاب >نور العين في مشهد الحسين< المنسوب إلى أبي إسحاق اإلسفراييني ألنه
قصة موضوعة<(.)2
وأما مؤلف الكتاب الحقيقي فلم يظهر لي حتى اآلن من هو ،وإن كان
االحتمال األقوى أنه محمد باقر الكلبايكاني الذي طبع الكتاب ألول مرة،
فالظاهر أنه لما رأى كثيرا من أخبار المقاتل المتأخرة ال أصل لها ،أراد أن يجعل
لها مصدرا قديما ،فجمع جملة منها ونسبها إلى اإلسفراييني حتى تروج على من
ال علم له ،والذي يؤيد ذلك أنه قام بطباعة الكتاب وتصحيحه مدعيا استناده إلى
نسخة األصل فقال> :لقد بذلت جهدي في تصحيح هذه النسخة ومقابلتها بقدر
الوسع والطاقة بعدما كانت نسخة األصل مغلوطة بحيث ال يفهم منها شيء ولم
ينتفع منها إال األوحد ،ثم قابلتها مع نسخة األصل<( ،)3وأما الروضاتي فجنح
إلى اتهام بعض أعدائهم من الهنود بافتعال الكتاب زاعما أنه أراد أن يروج بين
اإلمامية!!( ،)4وهذا االتهام لم أجد عليه دليال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرس التراث (.)482/1 ()1
الحسين ( ص ،)13ونقله الروضاتي في تكملة الذريعة (.)643/2 ()2
نور العين ومعه قرة العين (ص )168طبعة المطبعة الكستلية. ()3
تكملة الذريعة (.)643/2 ()4
433
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
الخالصة
هذا ما وقفت عليه من روايات في هذا الباب ،وقد ظهر مما تقدم أن كل ما
ينسب إلى زينب من الخطب واألخبار من غير طريق أبي مخنف هي روايات
وخطب مفتعلة ،صنعها بعض الوضاعين من أهل األدب واألخبار وغيرهم مولَّدة ُ
من أصحاب األغراض واألهواء ،وكلهم متأخر عن زمان أبي مخنف ،فعمد
بعضهم إلى سرقة مروياته وتركيب أسانيد أخرى لها ،وآخرون لما وجدوا أن
زينب ذكرت في مقتل أبي مخنف نسبوا لها مواقف وخطبا مختلقة ومفتعلة ،وكل
ذلك ال أصل له ومرجعه أبو مخنف وأكاذيبه ،وقد حاولت أن أستقصي كل ما
يروى في هذا الباب ،فإن فاتني شيء فأجزم أنه الحق بما ذكرته عن سائر هذه
الروايات واهلل المعين.
434
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
435
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ولم يقل به إال القسطالني المتوفى في القرن العاشر ،وتبعه الزرقاني المتوفى في
القرن الحادي عشر ،وال ينبغي من ُمنصف ترك القول المشهور المعتمد والقائم
على أدلة نقلية صحيحة وصريحة واالعتماد على قول متأخر شاذ ال حظ له من
النقل وال من التاريخ.
الثاني :إن وقوع الخطأ في أمر هذا الزواج عند المتقدمين أمر بعيد ،فإن
زواج رجل بامرأة ليس أمرا خفيا حتى يقع فيه الغلط ،فما بالك واألمر يتعلق
وولد ابن عمه ،والقول بأن فالنا تزوج فالنة ال يكون أصله بحفيدة النبي
إال عن معاينة ومشاهدة وخبر يقين ،وال يكون عن اجتهاد أو تكهن ،ويتأكد األمر
فتطرق
ُ جمع بين أختين واحدة بعد أخرى، عندما نعلم أن هذا الزواج وقع فيه ٌ
الخطأ إلى تعيين أي األختين هي األولى فيه بع ٌد شديد ،ودخول الخطأ على ما
تقدم من أهل العلم من نظراء الزهري وغيره مستبعد.
وعليه فهذا االحتمال مردود وما استند عليه ليس إال مجرد وهم من بعض
المتأخرين ال يحسن االغترار به.
* االحتمال الثاني :أن عبد الل بن جعفر تزوج أم كلثوم بعد أن
طلق زينب الكبرى
قد يستند بعضهم إلى ما ورد في بعض كتب النسب من أن عبد اهلل بن جعفر
إنما تزوج أم كلثوم بعد طالقه لزينب ُليرتِّب على ذلك صحة خبر خروج زينب
إلى كربالء مع أخيها الحسين ،وقد بينت أن هذا القول خطأ ٌ ال أصل له في
الروايات( ،)1والذي يظهر أن بعض النسابين لما بلغه أن عبد اهلل بن جعفر تزوج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مضى الكالم عن هذا في مبحث نقد القول بطالق عبد اهلل بن جعفر لزينب ـ ـ ضمن ترجمة=
436
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
أم كلثوم بعد زينب ،ولم يعلم أن ذلك كان بعد أن توفيت زينب ،أشكل عليه
األمر ،فقرر أن عبد اهلل بن جعفر قد طلق زينب ،وهو قول خطأ يخالف ما عليه
قدماء المؤرخين والنسابين الذين نقلت عنهم خالف ذلك.
437
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
* االحتمال الرابع :أن عبد الل بن جعفر لم يتزوج أم كلثوم أص ًال
ولم أقف على من قال بهذه المقالة سوى جعفر بحر العلوم اآلنف ذكره فقد
قال معلقا على زواج عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم الكبرى> :وكيف تزوجها عبد اهلل
ابن جعفر في زمان أخيها الحسن ،مع تزوجه بزينب الباقية بعد أخيها الحسين
مدة ،فتدبر<( ،)1أقول :إن هذا الكالم دليل على التعارض الظاهر بين القول
بزواج عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم الكبرى ،وبين القول بثبوت خروج زينب مع
أخيها الحسين ،وإنما دخل الخلل على جعفر بحر العلوم من تصديقه بأخبار أبي
مخنف التي روت خروج زينب إلى كربالء ،ولو تدبر في هذه األخبار وتأمل ما
فيها من الخلل والخبل لصار إلى ما صرت إليه في هذا البحث من بطالن قصة
خروج زينب مع الحسين ،ثم إنه قد خفي عليه أنه قد ثبت في الروايات زواج
عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم الكبرى ،فقد قرر ذلك الزهري وثبت عن قثم مولى
آل العباس ،وذكر ذلك جماعة من علماء النسب ،ولو وقف جعفر بحر العلوم
على ذلك لكان الظن به أنه سيعدل عن هذه المقالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تحفة العالم (.)469/1
438
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
زينب مع الحسين عندهم قوال وجيها ،وأولى بالصواب ممن اعتمد على قول أبي
مخنف وحده.
ــ األمر الثالث :أن هذه الشهرة متأخرة وليست قديمة ،وذلك أن القول
بخروج زينب مع الحسين إنما اشتهر في القرن الثالث فما بعده ،حينما نقل
البالذري رواية أبي مخنف في مقتل الحسين في كتابه >أنساب األشراف< ،ثم
تبعه الدينوري في >األخبار الطوال< وأبو الفرج األصفهاني في >مقاتل
الطالبيين< ،ولو اقتصر نقل مقتل أبي مخنف على هؤالء لما كتب لهذا القول أي
شهرة ،وإنما اشتهر األمر من بع ُد بسبب نقل الطبري لروايات أبي مخنف عن
>مقتل الحسين< في >تاريخه< ،ثم بسبب ذكر ابن عساكر لروايات أبي مخنف
عن زينب حين ترجم لها في >تاريخ دمشق< ،ولذا فكل من جاء بعد الطبري وابن
عساكر :كابن األثير وابن الجوزي والقرطبي والذهبي وابن كثير وابن حجر
والنويري وغيرهم ممن تابع أبا مخنف إنما استند إما إلى >تاريخ الطبري< أو
>تاريخ ابن عساكر< ،فهذه الشهرة لو سلمنا بها فهي شهرة نِسبية غير حقيقية.
440
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
أصل لها ،ولذا ترى كثيرا من علماء اإلمامية قد درجوا على االستدالل بعبارة:
>رب مشهور ال أصل له<( ،)1وأدل برهان على أن كثيرا من األمور التي يدعى
شهرتها ال أصل لها :شهرة خروج أم كلثوم الكبرى مع الحسين عند كثير
من متأخري اإلمامية وجملة من المعاصرين( ،)2حتى قال فارس حسون:
>أجمعت كتب السير والمقاتل على حضور أم كلثوم واقعة كربالء<( ،)3مع أنه
قول مقطوع البطالن ،لثبوت وفاة أم كلثوم في حياة أخيها الحسن الذي توفي قبل
سنة 50هـ ،وهذا القول هو الذي مال إليه من حقق في هذا القول من اإلمامية(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبسط الكالم عن ذلك في كتاب مصباح االستناد إلى الشهرة وجعلِها من وجوه االستداللَ ، =
األصول ( 141/2ــ )146فعقد مبحثا في حجية الشهرة ،وقسمها إلى ثالثة أنواع ،وهي الشهرة
في الرواية ،والشهرة العملية ،وشهرة الفتوى ،ثم ناقش وجوه حجيتها ور ّدها جميعا ،وانظر:
دروس تمهيدية في تاريخ علم الرجال عند اإلمامية لحيدر حب اهلل (ص .)398
ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة لمحمد بن مكي العاملي ( ،)78/2الحدائق الناضرة للبحراني ()1
( ،)43/6و( ،)219/10الرسائل الفقهية للبهبهاني (ص ،)81الرسائل الفقهية للخاجوئي
( ،)55/2وسيأتي قول محسن األمين في أعيان الشيعة ( ،)17/5بأن قبر زينب الكبرى في الشام
من المشهورات التي ال أصل لها.
ذريعة النجاة (ص ،)310ناسخ التواريخ ( ،)34/3لواعج األشجان (ص ،)205تنقيح المقال ()2
( ،)73/3المجالس العاشورائية في المآتم الحسينية (ص ،)455اإلمام الحسين من الميالد
إلى االستشهاد (ص ،)248حياة اإلمام الحسين دراسة وتحليل ( ،)349/3مع الركب الحسيني
( ،)105/5معالم المدرستين ( ،)147/3موسوعة شهادة المعصومين ( ،)342/2الموسوعة
الكبرى عن فاطمة الزهرا ( ،)388/5تثقيف األمة بسيرة أوالد األئمة (ص .)108
أعالم النساء المؤمنات (ص .)229 ()3
قال فرهاد ميرزا القاجاري في القمقام الزخار ( 119/2ــ > :)121أم كلثوم الكبرى بنت الصديقة ()4
الطاهرة توفيت في المدينة المنورة في عهد اإلمام الحسن المجتبى صلى اهلل عليه ،ولم تكن في
واقعة كربالء على قيد الحياة< ،وراجع :أعيان الشيعة لمحسن األمين ( ،)329/1تحفة العالم
لجعفر بحر العلوم ( ،)468/1الصحيح من مقتل سيد الشهداء للريشهري (ص =)1093
441
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
442
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
هو عبد الرزاق المقرم ( 1391هـ) فصرح بأنها افتراء( ،)1وتبعه على ذلك جماعة
من اإلمامية ،كباقر شريف القرشي( ،)2والريشهري( ،)3والطبسي( ،)4وجعفر
مرتضى العاملي( ،)5وغيرهم( ،)6وأكثر اإلمامية اليوم على رد هذا الخبر ولم
يعبأوا بما يتوهم من شهرة الخبر في كتب التاريخ(.)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عوالم العلوم اإلمام الحسين لعبد اهلل البحراني (ص ،)185القمقام الزخار للقاجاري (،)391/1 =
ذريعة النجاة للتبريزي (ص ،)48تسلية المجالس لمحمد بن أبي طالب الكركي (،)173/2
ذخيرة الدارين لعبد المجيد الشيرازي (ص ،)479ناسخ التواريخ للسان الملك (،)264/2
األسرار الحسينية لمحمد المسعودي (ص 284ــ ،)285إبصار العين في أنصار الحسين
للسماوي (ص ،)79لواعج األشجان (ص ،)37وأعيان الشيعة لمحسن األمين (،)589/1
منهاج البكاء في فجائع كربالء للفرطوسي (ص ،)79مقتل اإلمام الحسين للطبسي (ص ،)209
ثمرات األعواد ( )126/1وسياقه مختلف ،عبرات المصطفين في مقتل الحسين للمحمودي
( ،)297/1نفس المهموم لعباس القمي (ص ،)77اإلمام الحسين وأصحابه لفضل علي
القزويني ( ،)76 /1موسوعة التاريخ اإلسالمي لمحمد هادي الغروي ( ،)70/4في محراب
كربالء لحسين الكوراني (ص 87ــ ،)93بل إن عبد الواحد المظفر رد على ما قد يستشكل على
الخبر من وصف مسلم بن عقيل بالجبن ،فانظر كالمه في كتابه سفير الحسين (ص .)57
مسلم بن عقيل لعبد الرزاق المقرم (ص )82و(ص .)84 ()1
حياة الشهيد الخالد مسلم بن عقيل (ص ،)117حياة اإلمام الحسين ( 342/2ــ .)343 ()2
الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص 328ــ .)339 ()3
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة (.)49/2 ()4
سيرة الحسين في الحديث والتاريخ ( 159/12ــ .)160 ( )5
انظر :مبعوث الحسين (ص 88ــ ،)94نهضة كربالء والعزة الحسينية (ص 224ــ ،)226 ()6
موسوعة الثورة الحسينية ( 25/5ــ ،)26مسلم بن عقيل محنة شهيد وملحمة شهادة (ص 56ــ
،)62من قضايا النهضة الحسينية (ص 352ــ )353مقالة مسلم بن عقيل دراسة لدوره في ثورة
اإلمام الحسين للدكتور محسن مشكل فهد ،منشورة بمجلة الخليج العربي المجلد ( ،)42العدد (1
ــ )2لسنة (( ،)2014ص 340ــ .)341
وال ريب عندي أن هذا الخبر مكذوب على مسلم بن عقيل والبالء فيه من أبي مخنف ال سواه، ()7
ولكن عامة من رد هذا الخبر لم يطعن فيه بسبب أبي مخنف.
443
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ومن األمور المشتهرة الثابتة في كتب التاريخ وغيرها ،أن الحسين عرض
خيارات ثالث على جيش ابن زياد ،منها أن يضع يده في يد يزيد ،وهذه القضية
قال عنها أبو مخنف> :هو ما عليه جماعة المحدثين<( ،)1ورواها عن المجالد بن
سعيد والصقعب بن زهير ،إال أنه نقل عن عقبة بن سمعان أنه أنكر ذلك وأن
الحسين إنما قال لهم> :دعوني فألذهب في هذه األرض العريضة حتى ننظر ما
يصير أمر الناس<(.)2
ثم إن أبا مخنف نقل من بع ُد عن إبراهيم بن مالك األشتر أنه قال وهو
يحرض على الثأر من عبيد اهلل بن زياد> :هذا عبيد اهلل بن مرجانة قاتل الحسين
ابن علي ...منعه أن يأتي ابن عمه فيصالحه( ،)3ومنعه أن ينصرف إلى رحله
وأهله ،ومنعه الذهاب في األرض العريضة حتى قتله وقتل أهل بيته<(.)4
واشتهر أصل قصة عرض الحسين ثالثة خيارات على جيش ابن زياد
عند قدماء المحدثين ،فقد ثبتت بإسناد صحيح عن هالل بن إساف الكوفي(،)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ الطبري (.)412/5 ()1
تاريخ الطبري ( 413/5ــ .)414 ()2
والمراد بابن عمه هو يزيد بن معاوية. ()3
تاريخ الطبري (.)88/6 ()4
أنساب األشراف ( )173/3و( ،)225/3وقد رواه البالذري عن شيخه سعدويه عن عباد بن ( )5
العوام عن حصين بن عبد الرحمن عن هالل بن إساف ،وسعدويه هو سعيد بن سليمان الضبي،
قال أبو حاتم عنه> :ثقة مأمون< كما في تهذيب التهذيب ( ،)44/4وعباد بن العوام وثقه جماعة
غير أن أحمد قال عنه> :مضطرب الحديث في سعيد بن أبي عروبة< ،تهذيب التهذيب (،)100/5
قلت :وروايته هنا عن حصين بن عبد الرحمن فالعلة منتفية ،وحصين ثقة حجة ،وثقه أحمد بن
حنبل ويحيى بن معين والعجلي وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم ،وقيل :إنه اختلط وتغير ،لكن
العمل على توثيق روايته ،انظر تهذيب التهذيب ( ،)382/2وأما راوي الخبر هالل بن إساف أو=
444
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
445
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ابن سمعان التي أنكر فيها أن الحسين عرض على جيش ابن زياد أن يبايع يزيد أو
يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين> ،ولكنه قال :دعوني فألذهب في هذه األرض
العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس<( ،)1فتعلقوا بهذه الرواية الوحيدة ولم يرفعوا
رأسا ببقية الروايات ،مع أن الشهرة متحققة فيها فضال عن استنادها إلى نقوالت
ثابتة ،خالفا لرواية عقبة بن سمعان التي لو قُدر لها الصحة من جهة السند لكان حقها
هو الحكم عليها بالشذوذ لمخالفتها لرواية األوثق واألكثر ،فكيف وهي رواية غير
ثابتة من جهة السند؟! ،إذ أن رواتها هم :أبو مخنف وعبد الرحمن بن جندب
وعقبة بن سمعان ،وهذا إسناد مظلم ،فأبو مخنف كذاب كما مضى ،وعبد
الرحمن بن جندب وعقبة بن سمعان مجهوالن(.)2
هذان مثاالن فيما يخص حوادث كربالء ،أما غيرها من قضايا التاريخ
المحكوم لها بالشهرة والتي أنكرها كثير من المخالفين ،فكثيرة ،ككون زينب
ورقية وأم كلثوم بنات النبي ( ،)3ونظيره إنكار جماعة لزواج أم كلثوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الطف ( ،)227/4مع الركب الحسيني ( 117/4ــ ،)120من هم قتلة الحسين (ص ،)412
شهادة الحسين برواية الطبري (ص 173ــ ،)174قراءة في مقتل الحسين (ص 141ــ ،)160
حرمة القيام في غيبة اإلمام (ص )100وشكك في تفاصيل الخبر ولكنه أثبت أن الحسين أراد
ونقل عن بعض الكتاب الرجوع ،رد الشبهات عن تاريخ اإلمام الحسين (ص 115ــ َ )125
المعاصرين من السنة إنكار هذا الخبر أيضا ،ولعل أول من أنكر هذا الخبر على اإلطالق ،وركن
إلى رواية عقبة بن سمعان هو سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص (ص .)248
( )1تاريخ الطبري ( 413/5ــ .)414
( (2عبد الرحمن بن جندب األزدي شيخ أبي مخنف إن كان هو نفس المترجم في التاريخ الكبير للبخاري
( ،)268/5فهو مجهول وإن ذكره ابن حبان في ثقاته ( )42/4على عادته في توثيق المجاهيل كما
مضى تفصيله (ص )270الهامش رقم ،12وأما عقبة بن سمعان فلم أقف له على ترجمة في كتب
الجرح والتعديل.
ال ربائبه من إصدارات مبرة اآلل واألصحاب. ( )3راجع كتاب :زينب ورقية وأم كلثوم بنات النبي
446
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
االعتراض الرابع :عدم وجود شاهد لنتائج هذا البحث في كالم العلماء
والمؤرخين
قد يعترض معترض بأن ما ّقرر ُته في هذا البحث من عدم شهود زينب
لمقتل أخيها الحسين ألنها قد توفيت قبل ذلك بزمن هو قول شاذ غير
مسبوق ،وبذلك يكون نصيبه االطراح بسبب التفرد ،وقد يتوهم متوهم أول األمر
أن هذا االعتراض سليم من جهة عدم وقوفي ــ حتى اآلن ــ على من أنكر روايات
أبي مخنف في خروج زينب إلى كربالء ،إال أن النظر والتأمل يبطل هذا
االعتراض من أصله ،وذلك بتفصيل الكالم عن مسألة التفرد ثم بالجواب عنها.
1ــ تفصيل الكالم عن منشأ عدم وجود كالم للمحققين في قضية خروج زينب
الكبرى إلى كربالء
قد مضى في مبحث ترجمة زينب أن ما ورد عنها في كتب التواريخ
والتراجم شحيح جدا ونادر ،ال يتعدى ذكرها ضمن أبناء فاطمة ثم زواجها
بعبد اهلل بن جعفر ،كما أنه ال يوجد نص ال على تاريخ والدتها وال وفاتها،
جرأَ أبا مخنف أن يحشرها ضمن من كان مع الحسين في ولعل هذا ما َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أم كلثوم ( <ص )178و(ص 189ــ .)200 ( )1راجع كتابنا> :نسبا وصهرا إثبات زواج عمر
447
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
كربالء ،وهذا أيضا ما يفسر عدم تنبه اإلمام الطبري لهذه المسألة حتى استروح
لرواية أبي مخنف وذكرها في تاريخه( ،)1وأما من جاء بعد الطبري من العلماء
والمؤرخين وذكر مواقف زينب في كربالء فإنما مرد كالمهم إلى تاريخ الطبري
كما مضى بسطُه ،ثم إن مسألة خروج زينب لم يُر َّت ْب عليها تصورات مغلوطة،
وال نتج عنها غلو في زينب الكبرى في القرون الماضية ،مثلما وقع في أيامنا
هذه ،فقد مضى أن االهتمام بقضية زينب والتوسع في الكتابة عنها أمر حديث ال
يتعدى أواخر القرن الماضي ،فلو أن هذه األفكار المغلوطة عن زينب قد ظهرت
في قرون سابقة لربما قيض اهلل لها من أهل العلم من ينبه على غلط من ذكر زينب
ضمن من خرج مع الحسين ،لكن لما كان األمر مقصورا على روايات
تاريخية ُتذكر في الكتب وال يُرتب عليها شيء ،تساهل المؤرخون في ذكر هذه
القصص اتكاال على رواية الطبري لها ،فضال عن أن إعمال النقد في الروايات
التاريخية كان أمرا مقصورا على قلة من العلماء على مر التاريخ ،وفي هذا يقول
األيام
ابن خلدون> :إ ّن فحول المؤرخين في اإلسالم قد استوعبوا أخبار ّ
وجمعوها ،وسطّروها في صفحات ال ّدفاتر وأودعوها ،وخلطها المتط ّفلون
الروايات المضعفة بدسائس من الباطل وهموا فيها وابتدعوها ،وزخارف من ّ
ممن بعدهم وا ّتبعوها ،وأ ّدوها إلينا
ل ّفقوها ووضعوها ،واقتفى تلك اآلثار الكثير ّ
كما سمعوها ،ولم يالحظوا أسباب الوقائع واألحوال ولم يراعوها ،وال رفضوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1هذا لو قررنا أن ما يذكره الطبري في تاريخه وال يعقب عليه هو اختياره ،أما لو قلنا بما قال به
برئ من عهدة ما يرويه في تاريخه مما يُستنكر ،كما ذكر في مقدمة
كثير من الباحثين من أن الطبري َ
تاريخه ( ،)8/1فال حاجة حينها للجواب عن نقل الطبري لروايات أبي مخنف عن زينب ،
ولكن بما لكل من القولين السالفين حظ من النظر ،أجبت عن صنيع الطبري سدا لباب
االعتراض.
448
املبحث الثالث :اعرتاضات وجوابها
ّترهات األحاديث وال دفعوها ،فال ّتحقيق قليل ،وطرف ال ّتنقيح في الغالب كليل،
والغلط والوهم نسيب لألخبار وخليل<( ،)1فهذا منشأ عدم وجود كالم سابق
ألهل العلم في تحقيق قضية خروج زينب مع الحسين.
2ــ أما الجواب عن االعتراض بدعوى التفرد فيقع الكالم فيه في وجوه:
المدعى ليس حقيقيا بل هو نسبي ،إذ أن ما قررته في هذا األول :إن التفرد ُ
البحث من كون زينب لم تكن مع أخيها الحسين في كربالء بل توفيت قبل
ذلك بكثير هو ما قرره قدماء المؤرخين والنسابين الذين مضى ذكر أقوالهم وعلى
رأسهم الزهري وابن سعد والدوالبي وغيرهم ،وعليه فالتفرد لم يقع في أصل
المسألة ،وإنما وقع في نقد روايات أبي مخنف التي زعمت خروج زينب
مع الحسين ،وقد بينا منشأ السبق في هذه المسألة آنفا.
الثاني :مضى أن أبا مخنف هو من تفرد بذكر خروج زينب الكبرى مع
الحسين وأنه لم يُسبق إلى ذلك ممن قبله من المؤرخين ،وأن كل من قرر هذه
القضية بعد أبي مخنف إنما اعتمد على رواية أبي مخنف ،وعليه فإن ما اضطرنا
إلى الكالم عن هذه القضية والبحث حولها هو ابتدا ُع أبي مخنف لهذه القصة،
وإال لو لم يذكر أبو مخنف زينب في أحداث مقتل الحسين لما أحوجنا إلى
كل هذا البحث والتحقيق في الرد على ما قرره.
الثالث :أن كثيرا من القضايا التي راجت عن زينب والحسين ظلت
ُتذكر في كتب التاريخ لفترة طويلة حتى ّنبه على بطالنها من تنبه ألمرها ،ومن
ذلك قصة سبي أهل البيت التي سيأتي الكالم عنها في مبحث مستقل ،فقبل أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ ابن خلدون ( 6/1ــ .)7
449
الفصل الثالث :دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء
ينتقد شيخ اإلسالم ابن تيمية هذه القصة وينكرها ويصرح بأنها من األكاذيب ،لم
يكن أحد يستنكرها بل كانت تذكر في كتب التاريخ تبعا لذكر الطبري لها ،ونظير ْ
ذلك قصة مراجعة مسلم بن عقيل للحسين في إكمال المسير إلى الكوفة حين
تطير بموت الدليلين ،فقد ظلت مس ّلمة تاريخية عند اإلمامية إلى أن أنكرها المقرمَّ
سبق هذا البحث في فتبعه المعاصرون على ذلك كما مضى بيانه ،وعليه فمجرد ْ
التنبيه إلى بطالن قصة خروج زينب مع الحسين ليس حجة منطقية في رفضه،
كما سيتبين في الوجه الرابع.
الرابع :لو سلَّمنا جدال بوجود التفرد والسبق في ما قررته في هذا البحث
في قضية خروج زينب ،فإن ما انتهيت إليه من نتائج كان قائما على قواعد
وأصول المحدثين في نقد األخبار ،فضال عن االستقراء الموسع واالستقصاء
ألغلب ما ورد في هذه القضية من نصوص حتى إنني أجزم ــ بعد مطالعة عشرات
المصنفات التي أفردت عن زينب ــ أ َّن هذا البحث هو أجمع وأتم دراسة
مفصلة قائمة على النقد والتحقيق واالستقصاء لغالب ما ُروي و ُك ِتب عن زينب
،وهذا من فضل اهلل علي فله الحمد وحده ،ولذلك فمن يعترض على نتائج
هذه الدراسة فليقدم لنا األدلة والحجج العلمية على بطالن ما قررته في هذا
البحث ،واهلل المعين والموفق.
450
d
X X
الفصل الرابع
d
تص
d
X
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
يمل
أ
ا حب الول
قصايا يازتحثة عبر يايثة عن زينب الكبرى
$
إ َّن كثيرا من المفاهيم والتصورات التي يعتقد بها الناس يكون مصدرها
األساس هو التاريخ ،وهنا مكمن الخطر ،فاالعتماد على تاريخ مزور يؤدي إلى
ظهور تصورات خاطئة ومغلوطة ،بينما يؤدي االعتماد على التاريخ الثابت
والموثوق إلى صناعة الوعي السليم المبني على أساس صحيح ،لذا كان ال بد
على الباحثين والمفكرين أن يولوا اهتمامهم بتصحيح التاريخ وتمييز الصحيح
والسقيم منه ،وهذا ما حملني على البحث في كثير من القضايا التاريخية التي
نسبت لزينب بنت علي ،والتحقيق في دقتها وثبوتها ،وعلى رأس هذه
القضايا حكاية خروج زينب الكبرى مع الحسين إلى الكوفة والتي تفرد بها أبو
مخنف ،وبما أن هذه الحكاية هي أصل البالء في كثير من الروايات التي تنسب
إلى زينب الكبرى فقد كان حقها أن تفرد بمبحث خاص ،وتدرس من جهة السند
والمتن ،وقد ترتب عن اشتهار هذه الحكاية في كتب التاريخ( )1أن بعض
المتأخرين نسج على منوالها حكايات أخرى ال أصل لها ،ثم بُثت هذه الحكايات
المختلقة في الكتب ،وخاصة في الكتب المصنفة في مقتل الحسين في القرن
العاشر وما بعده ،وهذا أدى إلى ظهور تصورات ومفاهيم تاريخية مغلوطة وخاطئة
ألصقت بزينب الكبرى وهي بريئة منها ،وبعد تفصيل الكالم عن وجوه الخلل
في روايات خروج زينب الكبرى مع الحسين إلى كربالء في منبعها األصلي وهو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مع أنها حكاية ال تثبت ،وقديما قيل رب مشهور ال أصل له.
453
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
كتاب مقتل الحسين ألبي مخنف ،كان ال بد من التعريج على نظائرها من القصص
والروايات التي نسجت عن زينب الكبرى وانتشرت وشاعت في الكتب
المتأخرة ،ثم إن بعض هذه القصص التي تحكى عن زينب ترتب عليها ظهور
بعض التصورات العقدية المغلوطة عنها ،كالقول بعصمتها وتفضيلها على سائر
النساء ،لهذا خصصت هذا الفصل لدراسة هذه القضايا ومناقشتها بتفصيل ،مع
ما يعتري ذلك من الصعوبة والمشقة ،خاصة في بعض القضايا التي تسالم بعضهم
على نقلها مع أنها عند التحقيق ال تثبت ،وباهلل التوفيق.
454
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
مل
ي ع
نقد الفصص ا حثلفة ن ز نب الكبرى
$
1ــ األكاذيب الموجودة في كتب المقاتل والكتب المؤلفة عن زينب الكبرى
لقد هالني ما وقفت عليه من األخلوقات الباطلة واألكاذيب السمجة
العاطلة ،التي فشت في كتب المقاتل عن زينب ،ولو أن هذه القصص
واألساطير ظلت مقصورة على كتب المقاتل لهان الخطب ،ل ِما يعلمه الدارسون
من اشتمال كتب المقاتل المتأخرة على هذه الموضوعات المخترعات ،لكن
المصيبة الكبرى هي أن المؤلفات المتأخرة التي أُل ِّفت عن زينب عمدت إلى ما
تفرق في كتب المقاتل من هذه األفائك العجيبة ،ثم جمعتها في موضع واحد
ناسبة إياها إلى زينب ،وزينب بريئة منها ،وقد تولى كبر هذا النائبة عباس
المذ َّهب< ،وقد وصف جعفر النقدي هذا قلي خان في كتابه الفارسي >الطراز ُ
الكتاب بأنه >جمع بين الغث والسمين<( ،)1ومع ذلك فإن النقدي ترجم كثيرا من
قصص >الطراز المذهب< ونقلها إلى العربية ،وليت الخطب انتهى هاهنا ،فقد
عمد محمد كاظم القزويني إلى ما فات النقدي من القصص واستدركها عليه
وضمها إلى أخواتها في كتابه >زينب الكبرى من المهد إلى اللحد< ،ثم صارت
فتشت
َ هذه القصص تحكى وتردد في غالب المصنفات عن زينب الكبرى ،فلو
هذه المؤلفات العديدة تجدها ال تخلو من القصص واألكاذيب التي صنعها
واضعو كتب المقاتل ومن جاء بعدهم ،وهذه القصص ــ التي جهدت أن أجمع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زينب الكبرى (ص .)2
455
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
جملة وافرة منها دون أن ألتزم باإلحاطة بها واستيفائها لتعذر ذلك ــ ال تعدو
مصادرها في الغالب ،القرن التاسع وما بعده ،وقَ َّل منها ما ُوجد في القرن السابع،
وهي كلها أخبار ال أصل لها وال سند ،وبعضها حاول مختلقوها أن يجعلوا لها
مصادر وهمية ،فيعزونها إلى كتب مجهولة ،مستعملين عبارات موهمة ،مثل:
>جاء في بعض المقاتل المعتبرة<! ،و>روى بعض الثقات عن كتاب قديم<،
وهلم جرا ،وأصل البالء في األخبار من المستأكلين بالقصص ،والمتكسبين
بإبكاء الناس.
ذكر
ينقل عباس القمي عن صاحب كتاب >األربعين الحسينية< أنه قالُ > :
مصائب أهل البيت أصبح اليوم وسيلة لتحصيل المعاش والتكسب ،ولم
ُتلحظ جهة العبودية فيه غالبا ،وبلغ األمر الى ح ّد بحيث تذكر األكاذيب الصريحة
في مجامع العلماء دون أن يُنهى عن المنكر ،ويتجاوز البعض من الخطباء ح ّده
ويختلق الحكايات المبكية ويزعم دخوله في> :من أبكى فله الجنة< ،ويُتداول
هذا الكالم الكاذب وهذه الحكايات المختلقة لفترة زمنية ،حتى تشيع و ُتذكر في
التآليف الجديدة ،وكلما منع من ذكر هذه األكاذيب مح ّد ٌث ُمطَّلع أمين ،نسبوها
إلى كتاب مطبوع أو كالم مسموع أو تمسكا بقاعدة التسامح في أدلة السنن...
كالوقائع المعروفة المتداولة في الكتب الجديدة التي ال أثر لها لدى أهل العلم
والحديث.)1(<...
وقد َّبين النوري الطبرسي مسالك أصحاب كتب المقاتل المتأخرة في
اختالق القصص واألكاذيب وعزوِها إلى مصادر وهمية فقال> :تارة يحيلون على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1منتهى اآلمال ( )834/1تعريب هاشم الميالني وانظر :تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن للبرقعي
(ص .)491
456
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
كتاب ليس له ذكر أصال بين أهل هذا الفن ،وثالثة على مقتل عالم جليل لم يذكر
بين مؤلفاته >مقتل< على اإلطالق( ...)1وقد تجد في بعض الكتب من يعبر عن
مستند رواياته بقوله> :وجدت في مجموعة والدي المرحوم <...،أو في >سفينة
األستاذ المغفور له< ،أو >في مقتل الفاضل الفالني< ،بل ربما يختلقون اسما
جديدا من رأس ،وربما يبدلون في ترتيب األسماء بما يوحي أن الرواة هنا غير
الرواة هناك مما يعطي الخبر قوة لتعدد مصادره<(.)2
وعندما أل َّف الشيخ اإلمامي فضل علي القزويني رسالة عن زينب وبلغ
موضع الكالم عن حياتها مع الحسين ،ترك نقل كثير مما يُروى ويحكى في
الكتب لكونه مما ال أصل له ،فقال> :وقد ذكروا أمورا تتعلق بها تركناها لعدم
االعتداد بها واعتبارها ...،وبعض الكتب المؤلفة في زماننا أو ما يقرب من
زماننا ،فيها ما ال أصل له وال سند يعتمد عليه ،بل نقطع بكذب جملة منها،
ذكروا فيها ما سمعوه من الذاكرين وأخذوها من أشعار الراثين ،وجملة منها لسان
الحال أو موضع مقال ،فحسبوها رواية أو حديثا ،فأدرجوها في كتبهم تقليدا من
دون تتبع وتحقيق وتأمل.
هذا الخلط زاد حتى أصبح التمييز بين الصحيح والسقيم منها والغث
والسمين والمروي من المجعول والحقيقة من المجاز مشكال في زماننا ،وكثيرا
ما اعترضت على الذاكرين في نقل كالم أو حديث أو مصيبة ،فكان الجواب:
رأيتها في كتاب >حزن المؤمنين< ،أو >محرق القلوب< ،أو >روضة الشهداء<،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مثل ما ستراه قريبا من قصة ُع ِزيت إلى مقتل ابن العربي مع أن ابن العربي لم ينسب له أي أحد أنه
ألّف مقتال!! فانظر (ص )466الهامش .3
المترجم للعربية ــ (ص .)209َ ( )2اللؤلؤ والمرجان ــ
457
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1اإلمام الحسين وأصحابه ( 164/3ــ .)165
( )2وقد ذكرت ذلك في الهامش ،واكتفيت أيضا في توثيق تلك النصوص على المصدر األصلي
للرواية في الغالب ،مع العلم أن جل القصص الذي ذكرتها قد فشت وانتشرت في المؤلفات عن
زينب .
458
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
459
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
ــ قصة نوم زينب في ّأيام طفولتها تحت الشمس ،فأظلّها الحسين
عندما رآها على هذه الحالة ...حتى وقعت حادثة كربالء وبقي جسم اإلمام
تحت الشمس(.)1
وعلي وفاطمة كلما رأو زينب يحتضنونها ــ كان النبي
ويبكون ألن مالمح وجهها كانت تهيج أحزانهم(.!!)2
460
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
ــ رؤية زينب ألمها فاطمة وهي تقوم الليل وقولها للحسين:
>الجار قبل الدار<(.)1
ــ كانت زينب ال تصلي إذا دخل وقت الصالة حتى ترتوي من النظر
إلى أخيها الحسين .)2(
القصص المختلقة في خالفة علي
مع علي والحسنين وشدة ــ خروج زينب لزيارة قبر النبي
حيائها وخوف علي من أن يراها أحد(!!)3
ــ مناوبة علي على المبيت عند الحسن والحسين وزينب .)4(
ــ موكب زينب مع أبيها علي إلى الكوفة(.)5
ــ رواية >ما الخبر إن عليا كاألشقر< ،تفرد بها ابن أبي الحديد ،ونسبها إلى
أم كلثوم بنت علي ،وزاد فيها بعض المتأخرين أن أم كلثوم >تزيت بزي
الجواري وخرجت تحف بها اإلماء< ،فجعلها جعفر النقدي في زينب!!(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص )583ونقله عن كتاب رياحين الشريعة (.)73/3 ()1
الخصائص الزينبية (ص .)240 ()2
زينب الكبرى (ص ،)22الخصائص الزينبية (ص ،)157وعلق الشيخ اإلمامي فضل علي ()3
القزويني على هذه الرواية قائال> :هذا الحديث لم نجده في الكتب المعتبرة ،ولم يسنده دامت
إفاداته إلى كتاب وال إلى راو ،ويحيى المازني مجهول لم يذكره أصحابنا في كتبهم< ،اإلمام
الحسين وأصحابه (.)158/3
الخصائص الزينبية (ص .)170 ()4
زينب الكبرى (ص 92ــ .)93 ( )5
زينب الكبرى (ص ،)25وأصله في شرح نهج البالغة ( 13/14ــ ،)14وانظر بحار األنوار ()6
( 32ــ 90ــ .)91
461
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
َش َّرع لنا ُحقوقا ألزواجنا كما ــ قول زينب > :إ ّن ج ّدي المصطفى
َش ّرع على الرجال حقوقا مفروضة<(.)1
ــ رواية زينب لوصية علي إلى الحسين والحسين بأن يُ ِّ
نشفا
بدنه ببردة النبي ،وعثورهم في موضع دفنه على كتابة فيها> :هذا قبر حفره
نوح النبي لعلي.)2(<...
462
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
463
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
ــ صالة زينب جالسة بسبب الجوع ألنها كانت تقسم نصيبها من الطعام
على األطفال(.)1
* القصص المختلقة في كربالء قبل مقتل الحسين
ــ قول زينب للحسين لما سمعته ينعى نفسهُ > :ردنا إلى حرم
جدنا<(.)2
ــ حوار الحسين مع زينب وقولها> :هل استعلمت من أصحابك
نياتهم؟<(.)3
ــ خبر وصول حبيب بن مظاهر إلى كربالء وإبالغه سالم زينب عند
وصوله كربالء(.)4
ــ دخول زينب لخيمة الحسين وخيمة العباس بن علي وخيمة
حبيب بن مظاهر وما تال ذلك من وقائع(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونقل حكاية شبيهة من مثير األحزان لشريف الجواهري. =
زينب الكبرى (ص 62ــ ،)63ونسبه إلى بعض المتتبعين!. ()1
مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي (.)321/1 ()2
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص 177ــ ،)178ونقله عن كتاب الدمعة الساكبة ()273/4 ()3
وكتاب معالي السبطين ،وعزاه الريشهري إلى صاحب الدمعة الساكبة ثم قالّ > :إال أنّه كما اعترف
مؤلّف هذا الكتاب أ ّن هذا الكالم ال يوجد في المصادر المعتبرة< ،الصحيح من مقتل سيد الشهداء
(ص .)695
ذكره الريشهري ضمن متفردات المصادر المتأخرة في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ،)51 ()4
وعزاه إلى أسرار الشهادات ( ،)591/2وقال في موضع آخر عن هذه الرواية وأمثالها> :ومن
المؤسف أ ّن الكثير من الخطباء والنعاة يستندون إليها< ،الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص
.)718
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص 181ــ ،)188ونقله عن معالي السبطين ،وذكره= ( )5
464
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
ــ أمر زينب لمن حولها بأن يبلغوا سالمها لحبيب بن مظاهر ،فلطم
حبيب رأسه وقال> :من أكون حتى تسلم علي زينب بنت أمير المؤمنين<(.)1
ــ نفاد الماء وعطش األطفال واتباعهم لزينب وهم يطلبون منها
الماء(.)2
ــ إتيان زينب بولديها يوم عاشوراء للحسين وقولها> :لو الجهاد
فرض على النساء لوددت أن أفديك نفسي ألف ألف مرة<(.)3
في كربالء وهو يبكي مقتل ــ كشف بصر زينب ورؤيتها النبي
الحسين .!)4(
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الريشهري ضمن الروايات المكذوبة في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص )123نقال عن =
النوري في اللؤلؤ والمرجان ــ الفارسي ــ (ص ،)264وعزاه إلى معالي السبطين (،)209/1
وقال النوري عن هذا الخبر> :والحق أن واضع هذا الخبر قد أعمل فيه فنه ومهارته بكل إتقان<،
المترجم للعربية ــ (ص ،)212وقال الريشهري في موضع آخر عن هذه َ اللؤلؤ والمرجان ــ
الرواية> :إ ّننا ال نجد لها أثرا في المصادر المعتبرة ،ومن المحتمل أن يكون صاحب كتاب الدمعة
الساكبة ّأول من روى هذه الحادثة ،نعم هو قد نسب هذه الرواية إلى الشيخ المفيدّ ،إال أنّها ال
توجد في شيء من كتب الشيخ المفيد ،بل ال توجد في شيء من الكتب المعتبرة أيضا< ،الصحيح
من مقتل سيد الشهداء (ص ،)50وصاحب الدمعة الساكبة هو محمد باقر بن عبد الكريم البهبهاني
المتوفى سنة 1285هـ.
إكسير العبادات في أسرار الشهادات (.)743/2 ()1
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص 190ــ ،)191وعزاه إلى معالي السبطين الذي نقله من ()2
أسرار الشهادة.
الخصائص الزينبية (ص ،)209ولم يعلم واضع الرواية أن ابني عبد اهلل بن جعفر اللذين كانا مع ()3
الحسين في كربالء هم أبناء عبد اهلل بن جعفر من غير زينب كما مضت اإلشارة إليه (انظر
ص )322الهامش .1
زينب الكبرى (ص 66ــ .)67 ()4
465
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
466
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
ــ ستر الحسين لوجه زينب بعباءة لما رآها خرجت وهي تندب
عليا األكبر بن الحسين(.)1
ّ
ــ رواية> :أي جرح تشده لك زينب<؟ ،ورواية مخاطبة زينب للعباس
ابن علي حين عرض شمر عليه وعلى إخوته األمان(.)2
ــ موت عبد اهلل الرضيع وتسليم الحسين إياه لزينب بعد أن أصابه
سهم(.)3
ٌ
ــ كالم زينب مع حبيب بن مظاهر وضربها عمود الخيمة برأسها بسبب
علمها بما سينالها من أذى بعد مقتل الحسين .)4(
ــ طلب الحسين فرسه في ساحة القتال فلم يكن ليأتيه به إال زينب
وحواره معها(.)5
ــ خروج زينب إلى ساحة المعركة وكالمها مع الحسين أثناء
احتضاره ودفاعها عنه ضد شمر بن ذي الجوشن وغيرها من التفاصيل المكذوبة
والمنسوجة في قصة طويلةُ ،ختمت بكالمها مع علي بن الحسين بعد مقتل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إكسير العبادات في أسرار الشهادات (.)645/2 ()1
ذكر محسن األمين هاتين الروايتين ضمن الروايات المكذوبة التي ال يوجد لها مصدر في رسالته ()2
التنزيه ألعمال الشبيه (ص ،)13وصرح محمد الحسون في كتابه قراءة في رسالة التنزيه (ص
)97بأنه لم يعثر عليهما في أي مصدر.
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص 207ــ ،)208ونقله عن معالي السبطين. ()3
زينب الكبرى (ص ،)66ونقله عن كتاب نور العين المفترى على اإلسفراييني. ()4
المترجم للعربية ــ (ص ،)213وقال عن هذه الرواية:
َ ذكر ذلك النوري في اللؤلؤ والمرجان ــ ( )5
>ال أصل لها ،بل إن فيها كذبا واضحا وافتراء على اإلمام على المأل ومن فوق المنابر<.
467
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
468
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
()1
* القصص المختلقة في كربالء بعد مقتل الحسين
ــ قول زينب مخاطبة جثمان أخيها > :هل أنت أخي؟ هل أنت ابن
تقبل م ّنا هذا قليل
ّهم ّ
أبي؟< ،وتقبيلها نحر أخيها وأوداجه المقطّعة ،وقولها> :الل ّ
القربان<(.)2
ــ اعتناق زينب جسد الحسين بعد أن قُطع رأسه(.)3
ــ تذكُّر زينب قول أمها فاطمة > يا زينب قبلي حسين ًا باسمي في عنقه<(.)4
ــ دعاء زينب على خولي بن يزيد ــ الذي سلب النساء ــ بأن تقطع يداه
ورجاله ،فقطعتا في زمن المختار(.)5
ــ دعاء زينب على شامي تعرض لفاطمة بنت علي بأن يصيبه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال فضل علي القزويني> :وقد ذكروا في المقام عند ورودهن على المصرع أمورا بعضها مقطوع ()1
الكذب ،وبعضها مظنونه ،وبعضها محتمل الصدق والكذب ،ومن أراد فليرجع إلى الطراز
المذهب ،وقد جمع فيه من كتب المتأخرين والمعاصرين ،كحزن المؤمنين ،ولسان الواعظين
ومصائب المعصومين وبيت األحزان وبحر المصائب ومبكي العيون وأمثال ذلك من المصنفات.
ويا ليت مؤلف الطراز اقتصر على المنتخب ومقتل أبي مخنف المطبوع ولم يذكر ما ينقص قدره
وقدر مؤلفه< ،اإلمام الحسين وأصحابه (.)175/3
ذكره الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص )54ضمن متفردات المصادر المتأخرة ()2
وعزاه إلى :الخصائص الحسينية (ص ،)180تذكرة الشهداء (ص ،)363معالي السبطين
( ،)32/2الكبريت األحمر (ص ( )376نقال عن الطراز المذهب) وعنوان الكالم (ص .)57
زينب الكبرى (ص ،)108وعزاه إلى الدمعة الساكبة ،الخصائص الزينبية (ص .)210 ()3
ذكر ذلك المطهري في الملحمة الحسينية ( )251/3ضمن األمور المكذوبة التي تذكر في ()4
المنابر ،وفي ( )264/3صرح بأن هذه القصة خرافة.
زينب الكبرى (ص 101ــ )103ونسبه إلى بعض ذوي الفضل ،وكرره في (ص .)109 ( )5
469
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
العمى فعمي(.)1
ــ مجيء زينب إلى علي بن الحسين بعد استشهاد الحسين ،وقول
تهيئي لألسر فقد قُتل أبي<(.)2
عمةّ ،
علي بن الحسين لها> :يا ّ
منع زينب شمر بن ذي الجوشن من قتل علي بن الحسين(.)3
ــ ُ
ــ إنقاذ زينب لعلي بن الحسين من االحتراق(.)4
ــ قصة رجوع فرس الحسين من دون الحسين وبكاء النساء(.)5
ــ قول علي بن الحسين لزينب عندما هجموا على خيامهم> :عليكن
بالفرار<(.)6
ــ رواية ربط أهل بيت الحسين بحب ٍل ُربط من جانب بعلي بن
الحسين ،ومن جانب آخر بزينب .)7(
زجر زينب لشمر بن ذي الجوشن لما أمر رجاله أن ُتحمل النساء
ــ ُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب الكبرى (ص ،)66وعزاه إلى أرباب المقاتل. ()1
ذكره الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص )53ضمن متفردات المصادر المتأخرة ()2
وعزاه إلى تذكرة الشهداء (ص .)347
زينب الكبرى (ص )109وعزاه إلى معدن البكاء. ()3
الخصائص الزينبية (ص ،)222زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص )248ونقله عن الطراز ()4
المذهب.
زينب الكبرى (ص )109وعزاه إلى أبي مخنف ،والظاهر أنه وقف عليه في المقتل المنحول على ( )5
أبي مخنف والذي مضى الكالم عنه.
ذكره الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص 53ــ )54ضمن متفردات المصادر ()6
المتأخرة وعزاه إلى معالي السبطين (.)52/2
ذكره الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص )55ضمن متفردات المصادر المتأخرة ()7
وعزاه إلى المنتخب للطريحي (ص .)473
470
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
على األقتاب بال حجاب ،وبكاؤها بعد أن رأت أجساد قتلى أهل البيت(.)1
ــ سل ُْب رجل أزرق العينين قناع زينب وقرطها ،ودعاؤها عليها بأن
تحرقه النار(.)2
ــ قول فاطمة بنت علي لزينب >> :يا عمتاه هل من خرقة أستر بها
رأسي عن أعين النظار؟< ،فقالت زينب> :يا بنتاه وعمتك مثلك< ،فرأيت رأسها
مكشوفة.)3(<...
ــ ندب زينب للحسين بكالم طويل مسجوع(.)4
* القصص المختلقة في الكوفة
ــ قصة المرأة التي سألت زينب عن اسمها فلما عرفتها بكت وأهدتها
ثيابها(.)5
ــ كالم زينب مع أهل الكوفة لما رأتهم يبكون على قتل الحسين(.)6
ــ دعاء زينب على المرأة التي ضربت رأس الحسين بحجر ،فتهدم
قصرها(.)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص 258ــ .)259 ()1
زينب الكبرى (ص .)109 ()2
بحار األنوار ( )61/45وعزاه إلى بعض الكتب. ()3
زينب الكبرى (ص .)110 ()4
الخصائص الزينبية (ص 181ــ .)182 ( )5
روضة الشهداء للكاشفي (ص )705وقال مترجمه محمد شعاع فاخر> :توجد خطبة العقيلة في كتب ()6
كثيرة ...وهذه الفصول ليست منها ولم يدلنا المؤلف على الكتاب الذي نقل منه هذه الفصول<.
إكسير العبادات في أسرار الشهادات ( ،)406/2ونسبه إلى جملة من كتب المقاتل ،زينب ()7
471
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
نطح زينب جبينها برأس المحمل لما رأت رأس الحسين في
ــ ُ
الكوفة(.)1
ــ كالم ابن زياد مع زينب وقولها> :ما تريد وقد هتكتني بين النساء<،
وغيرة علي بن الحسين على زينب وقوله البن زياد> :إلى كم تهتك عمتي بين
من يعرفها وال يعرفها<(.!)2
()3
* القصص المختلقة في الشام
ــ إنشاد زينب شعرا أوله> :بَناَ ُت ُم َح َّم ٍد أَ ْض َح ْت َس َبايَا<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكبرى (ص )67وعزاه إلى جماعة من الناس!.
زينب الكبرى (ص 111ــ ،)112الخصائص الزينبية (ص .)277ويأتي الكالم عن هذا الخبر ()1
في مبحث مستقل.
المنتخب للطريحي ــ طبعة األعلمي ــ (ص )467إكسير العبادات ( ،)344/3زينب الكبرى ()2
(ص .)112
يبدو أن هناك قصصا عديدة يعسر تتبعها تروى عن وقائع مسير أهل البيت من الكوفة إلى الشام، ()3
وقد حكم فضل علي القزويني في الفصل الذي عقده لترجمة زينب بعدم صحة هذه القصص،
فقال> :في بعض المقاتل ومؤلفات المتأخرين ذكرت أمور وقضايا وحوادث في طريق الشام
أعرضنا عن نقلها لعدم االعتداد بها واالعتماد بناقلها ،لعدم استنادهم إلى مدرك صحيح وسند
يعتمد عليه< ،اإلمام الحسين وأصحابه ( ،)249/3ثم خص ما يروى عن زينب بالنقد فقال:
>أما ما ورد عليها بالخصوص واختصت به وجرى عليها فلم أر في الكتب المعتبرة والتواريخ
المعتمدة شيئا نذكره ونعتمد عليه ،إال أن المؤرخ في الطراز المذهب ذكر أمورا وقضايا مختصة
بها ،بل قد ذكر أمورا مشتركة بينها وبين غيرها ،نقلها من الكتب غير المعتبرة عندنا بل غير
معروفة ،بل قد ذكر أمورا في مدة مكثهن بالشام مختصة ومشتركة بعضها مقطوع الكذب وبعضها
مظنونه وبعضها محتمل الصدق والكذب ،أعرضنا عنها لعدم االعتماد على نقلها وعدم استناد
الناقل إلى سند صحيح أو أصل وكتاب يعتمد عليه< اإلمام الحسين وأصحابه (.)252/3
إكسير العبادات في أسرار الشهادات ( ،)633/2والركة ظاهرة فيه. ()4
472
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
ــ أسطورة أمر زينب األرض أن تبتلع شمر بن ذي الجوشن لما آذاها
بالسيف ،ثم سماعها صوت الحسين من السماء وهو يأمرها بالصبر فأمرت
األرض بأن تتركه فتركته(.)1
نصيبين شعرا أولهَ > :ت َش ِّه ُرونَا ِفي ا ْل َبرِيَّةِ ُع ْن َوة<(.)2
ــ إنشاد زينب في ِّ
ــ قول زينب > :ال تدخلن علينا عربية إال أم ولد أو مملوكة ،فإنهن
ُس ِبين كما ُس ِبينا<(.)3
ــ شق زينب جيبها وبكاؤها في مجلس يزيد لما رأت رأس الحسين
وندبها للحسين بقولها> :يا حسيناه ،يا حبيب جده الرسول ،ويا ثمرة
فؤاد الزهراء البتول ،يا ابن بنت المصطفى ،يا ابن مكة ومنى<(.)4
ــ قول زينب > :إن سيف أخي الحسين لم يترك في الكوفة بيتا إال
وفيه باك وباكية<(.)5
ــ محاورة زينب ليزيد وقولها > :وما كفاك حتى تستحث حرم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخصائص الزينبية (ص 237ــ )238وعزا القصة إلى كتاب التمر المذاب وكتاب مقتل ()1
االقتدائي اليزدي بواسطة بعض الثقات وصرح بعد نقل القصة بأنه لم يطلع على
المصدرين!!.
إكسير العبادات في أسرار الشهادات (.)415/3 ()2
اللهوف على قتلى الطفوف (ص )95زينب الكبرى (ص ،)113زينب الكبرى من المهد إلى ()3
اللحد (ص ،)350وواضح وجود أثر النعرة الشعوبية في هذه الرواية.
مثير األحزان (ص ،)79زينب الكبرى (ص ،)114لواعج األشجان (ص ،)222المجالس ()4
الفاخرة (ص ،)279زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص .)385
زينب الكبرى (ص 114ــ ،)115ونقله عن مقتل ابن عصفور. ( )5
473
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
هذا ِ
الفاسق< ،وقول الشامي ليزيد> :لعنك اهلل يا يزيد، رام َة لِ َ
> :ال ،وال َك َ
أتقتل عترة نبيك وتسبي ذريته؟ ،واهلل ما توهمت إال أنهم سبي الروم!<(.)3
ــ قصة دخول هند زوجة يزيد على زينب ومن معها من نساء أهل
البيت ،وبكاء هند لما سمعت ما وقع للحسين وأهل بيته(.)4
ــ استئذان زينب من يزيد في إقامة العزاء على الحسين ،فأذن لهم،
فأقاموا العزاء لمدة سبعة أيام(.)5
ــ إلقاء أهل الشام الرماد وجمر النار على زينب .)6(
()7
* القصص المختلقة عن عودتها إلى المدينة
ــ قصة إشراف علي بن الحسين على الموت بسبب العطش وشفقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب الكبرى (ص )115ونقله عن المنتخب للطريحي. ()1
كذا والذي ورد في رواية أبي مخنف فاطمة بنت علي . ()2
اللهوف على قتلى الطفوف (ص ،)109بحار األنوار ( ،)137/45لواعج األشجان (ص .)232 ()3
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص 499ــ ،)502ونقله عن معالي السبطين (.)164/2 ()4
كامل البهائي (.)370/2 ( )5
الخصائص الزينبية (ص .)277 ()6
قال فضل علي القزويني> :في بعض مؤلفات المتأخرين من المعاصرين وغيرهم أمور نسبوها إلى ()7
العقيلة حين رجوعها من الشام إلى كربالء ،وفي كربالء ،وعند رجوعها من كربالء إلى المدينة،
نقطع بكذب جملة منها ،وجملة منها مظنونة الكذب ،وبعضها يحتمل الصدق والكذب ،تركناها
لما التزمنا واشترطنا أال نذكر في الكتاب إال ما يعتمد عليه ونطمئن إلى روايته< ،اإلمام الحسين
وأصحابه ( ،)301/3وقال أيضا> :وأما حالها بعد الوصول إلى المدينة إلى يوم وفاتها فلم نعثر
في الكتب ما يناسبه<.
474
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
زينب عليه(.)1
ــ مرور موكب النساء وعلي بن الحسين بكربالء بعد أربعين يوما من مقتل
الحسين في طريق عودتهم للمدينة( ،)2وأن زينب هي من طلبت من الدليل
يعرج بهم على كربالء(.)3
أن ّ
ــ صراخ زينب لما رأت قبر الحسين .)4(
ــ كالم زينب لما أرادت الخروج من كربالء وقولها> :يا قوم ،ابكوا
على الغريب التريب.)5(<...
وقولها> :يا جداه إني ناعية ــ بكاء زينب عند وصولها لمسجد النبي
من سمعه(.!)7 ()6
إليك أخي الحسين< ،وارتفاع أنين حزين من القبر ،فزع له ْ
ــ التزام زينب لباس أصحاب أهل العزاء بعد مقتل الحسين .)8(
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص .)350 ()1
زينب الكبرى (ص .)117 ()2
تراجم سيدات بيت النبوة لبنت الشاطئ (ص 778ــ ،)779وموسوعة آل بيت النبي لها أيضا ()3
(ص 746ــ ،)747ونقله عنها صالح الشهرستاني في تاريخ النياحة على الحسين (.)78/1
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص )518ولم يذكر مصدره!. ()4
ناسخ التواريخ ( )522/2بواسطة موسوعة الكلمة ( ،)35/22وعزاه إلى رياض الشهادة ومفتاح ( )5
البكاء.
زينب الكبرى (ص .)118 ()6
الخصائص الزينبية (ص .)195 ()7
بحار األنوار ( )195/45ونقله من مصدر مجهول قائال> :وروي في بعض مصنفات أصحابنا ()8
مرسال< ،كما في ( ،)189/45الخصائص الزينبية (ص ،)201زينب الكبرى من المهد إلى
اللحد (ص .)522
475
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
ــ قصة تأليب زينب أهل المدينة على األخذ بثأر الحسين ومكاتبة
عامل المدينة ليزيد بخبرها ،وأمر يزيد له أن يُخرج زينب من المدينة(.)1
ــ قصة مراسلة حاكم المدينة ليزيد وقوله> :إن كان لك في المدينة حاجة
فأخرج منها زينب .)2(<
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار الزينبات (ص 17ــ ،)18زينب الكبرى (ص 121ــ .)122 ()1
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص )524ولعل هذا الخبر من عمل المؤلف محمد كاظم ()2
القزويني ،أخذ أصله من كتاب حسن قاسم وزاد عليه!.
أخبار الزينبات (ص .)18 ()3
أخبار الزينبات (ص ،)18زينب الكبرى (ص.)122 ()4
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص 591ــ .)592 ( )5
ابنة الزهراء بطلة الفداء (ص .)114 ()6
أخبار الزينبات (ص ،)18زينب الكبرى (ص.)122 ()7
476
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
خالصة
هذا طرف من القصص الباطلة والمختلقة التي نسجت حول زينب ،وما
ذكرته هنا ليس إال غيضا من فيض ،وأما لو وسعت البحث إلى ما يقال في بعض
المجالس والمنابر من القصص التي ما أنزل اهلل بها من سلطان ،لخرج مبحث
الروايات الموضوعة عن زينب لوحده في مجلد كامل! ،ومن طريف ما وقفت عليه
في هذا الباب ،ما حكاه الشيخ اإلمامي عباس القمي ـ صاحب كتاب مفاتيح الجنان ـ
عن محمد إبراهيم الكلباسي >أنه لما قال أحد الفضالء المتدينين من أهل المنبر
والخطابة ــ بعد كالم ذكره ــ إ ّن الحسين قال« :يا زينب ،يا زينب< ،صاح ذلك
الفقيه الورع بالخطيب من تحت المنبر في مأل الناس> :فض اهلل فاك ،لم يقل اإلمام
يا زينب ّمرتين بل قالها ّمرة واحدة< ،فعلى أهل المنبر والخطابة الحذر والمالحظة،
وأن يطّلعوا على مفاسد الكذب في الجملة كي يتركوا الكذب والروايات المجعولة،
بل ال ينقلوا كل ما سمعوه أو رأوه ،ويقتصروا على المطالب التي ذكرها الثقات<(.)1
أقول :فإن صنع الكلباسي هذا مع من زاد في رواية واحدة تكرار عبارة >يا
زينب< ،فماذا سيكون لو سمع بهذا الركام الضخم من األكاذيب عن زينب
؟ ،ولئن قال عامر الجابري ــ من اإلمامية ــ المتخصص في سيرة الحسين
عن أحد األخبار المختلقة عن مقتل الحسين > :يبدو أن مسلسل األحاديث
الموضوعة حول واقعة الطف ليس له نهاية<( ،)2فإني أقول> :يبدو أن مسلسل
قلت إن إحصاء األخباراألحاديث الموضوعة عن زينب ليس له نهاية< ،ولئن ُ
المكذوبة على زينب أمر ال يدرك ،فقد ال أكون مبالغا ،واهلل المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1منتهى اآلمال في تواريخ النبي واآلل ،تعريب هاشم الميالني (.)829/1
( )2أصول المقتل الحسيني (ص .)139
477
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
478
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعد مراجعة كتاب التبصرة ( )16/2تبين أن السبط حرف كالم جده وزاد فيه ما ليس منه ،فابن =
الجوزي إنما قال> :لما أسلم وحشي قال له > :غيب وجهك عني< ،هذا واهلل والمسلم ال
أن يبصر من قتل الحسين؟< ،وأما زيادة: يؤاخذ بما كان في الكفر ،فكيف يقدر الرسول
>وأمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال< فليست من كالم ابن الجوزي!.
النص الثاني :قال سبط ابن الجوزي :وذكر جدي في كتاب الرد على المتعصب العنيد> :إنما
سبايا على أقتاب العجب من خذالن يزيد وضربه بالقضيب ثناياه ،وحمل أهل رسول الل
الجمال وعزمه أن يدفع فاطمة بنت الحسين إلى الرجل الذي طلبها وإنشاده أبيات الزبعري> :ليت
أشياخي ببدر شهدوا< ،ورد الرأس إلى المدينة وقد تغيرت رائحته ،وما كان مقصوده إال الفضيحة
وإظهار رائحته للناس ،أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟ أليس بإجماع المسلمين أن الخوارج
والبغاة يكفنون ويصلى عليهم ويدفنون؟ وكذا قول يزيد> :لي أن أسبيكم< لما طلب الرجل فاطمة
بنت الحسين ،قول ال يقنع لقائله وفاعله باللعنة ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية
الحترم الرأس لما وصل إليه ،ولم يضربه بالقضيب وكفنه ودفنه ،وأحسن إلى آل رسول الل ،
تذكرة خواص األمة ( ،)577/1والمثبت في كتاب الرد على المتعصب العنيد (ص 63ــ ،)64
أن ابن الجوزي قال> :إنما العجب من خذالن يزيد وضربه بالقضيب على ثنية الحسين ،
تغيرت ريحه لبلوغ الغرض الفاسد ،أفيجوز أن يُفعل هذا بالخوارج؟! وإعادته إلى المدينة وقد َّ
ليس في الشرع أنهم يُصلَّى عليهم ويُدفنون؟! أما قوله> :لي أن أسبيهم< ،فأمر ال يقنع لفاعله َأو َ
ومعتقده إال اللعنة ولو أنه احترم الرأس حين وصوله إليه ،وصلى عليه ،ولم يتركه في طشت ،ولم
يضربه بقضيب ،ما الذي كان يضره وقد حصل له مقصوده من القتل؟! ولكن أحقاده الجاهلية
ليت أشياخي ببدر شهدوا< ،قلت :فشتان بين كالم السبط الذي ينسب ودليلها ما تق َّدم من إنشادهَ :
فيه إلى ابن الجوزي وقوع السبي ،وبين كالم الجد الذي يتكلم عن استباحة السبي دون وقوعه،
فضال عما في كالم السبط من زيادات ليست في أصل كتاب جده وقد ميزتها كلها ووضعت تحتها
خطا حتى يتبين أن سبط ابن الجوزي كان ال يرى بأسا بالزيادة على كالم جده دون أن ينبه على
ذلك ،وقد وقع غلط فيما نقله السبط أيضا فذكر اسم >فاطمة بنت الحسين <عندما نقل
الرواية ،وكالم ابن الجوزي خال من ذكرها ،وقد مضى أنه غلط وأن الوارد في رواية أبي مخنف
= أنها فاطمة بنت علي .
479
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
وأما سبطه أبو المظفر يوسف بن قزاوغلي ( 654هـ) ،فقد قرر ذلك في
عدة مواضع من كتابه >تذكرة خواص األمة<( ،)1وكرر إطالق السبايا على آل
الحسين في عدة مواضع من كتابه >مرآة الزمان<(.)2
وممن ذكر ذلك أيضا محمد بن أحمد األنصاري القرطبي (671هـ)(،)3
وعبد اهلل بن أسعد اليافعي ( 768هـ)( ،)4وأحمد ابن حجر الهيتمي ( 974هـ)(،)5
وغيرهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص الثالث :قال سبط ابن الجوزي في كتابه مرآة الزمان ( )107/22في ترجمة جده ابن =
الجوزي> :وسئل عن لعنة يزيد بن معاوية ،فقال> :قد أجاز اإلمام أحمد ــ رحمة اهلل عليه ــ لعنته.
ـ سبايا إلى الشام وحمله آل رسول اهلل ـ ونحن نقول :ما نحبه لما فعل بابن بنت نبينا
وتجرئه على اهلل ورسوله ،فإن رضيتم بهذه المصالحة في قولنا :ما ُّ على أقتاب الجمال،
نحبه ،وإال رجعنا إلى أصل الدعوى ،يعني جواز لعنته ،أما أبوه ففي خفارة الصحبة ،فدعوه من
ــ> :من دخل دار أبي سفيان فهو آمن< أيديكم ،وأنتم في ِح ِّل من االبن .وقال رسول اهلل
وما رآها يزيد قط ،ودخلها معاوية< .ثم قال> :ال تدنسوا مجلسنا بذكر من ضرب بالقضيب ثنايا
فجعلها يزيد غرضا لبلوغ غرضه<<. كان يقبلها رسول اهلل
ولم أجد هذا الكالم في كتب ابن الجوزي المطبوعة ،وقد نقله عن سبط ابن الجوزي أبو شامة
المقدسي في الذيل على الروضتين (ص ،)23وبدر الدين العيني في عقد الجمان في تاريخ أهل
الزمان ( ،)142/5ومع أن مظنة هذا الكالم هو كتاب الرد على المتعصب العنيد إال أنه خال من ذلك.
فتبين بذلك أن سبط ابن الجوزي غير موثوق فيما ينقله عن جده ،وسيأتي أمثلة أخرى لنصوص
محرفة نقلها سبط ابن الجوزي في كتبه.
تذكرة خواص األمة (.)547/1( ،)544/1( ،)538/1( ،)534/1 ()1
مرآة األعيان (،)165/8( ،)160/8( ،)158/8( ،)155/8( ،)150/8( ،)149/8 ()2
(.)45/10( ،)246/8( ،)171/8( ،)166/8
التذكرة بأحوال الموتى وأمور اآلخرة (ص .)1114 ()3
مرآة الجنان (.)109/1 ()4
الصواعق المحرقة ( 579/2ــ .)580 ( )5
480
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
وقرر ذلك أيضا بعض الكتاب المعاصرين( ،)1إال أ َّن المحققين من أهل
العلم قد أنكروا ذلك وردوه.
وأما عند اإلمامية فهذه القضية مستفيضة في كتبهم ،فقد ُذكرت مسألة السبي
َّ
في رواياتهم( ،)2واتفقت كلمتهم على وقوع السبي على آل البيت في كربالء(،)3
وال تخلو الكتب المصنفة في مقتل الحسين من تفصيل قضية السبي( ،)4ومن
ذلك ما رواه الطبرسي في خطبة زينب عند يزيد ،فنسب إليها أنها قالت> :أمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثل عائشة بنت الشاطئ في كتابها :تراجم سيدات بيت النبوة (ص ،)646وعلي أحمد شلبي ()1
في كتابه ابنة الزهراء بطلة الفداء (ص .)207
انظر :األمالي البن بابويه (ص )190و(ص ،)192و(ص 229ــ ،)232قرب اإلسناد (ص ()2
،)26كامل الزيارات (هامش ص ،)444روضة الواعظين (ص ،)190االحتجاج ( 34/2ــ
،)35إقبال األعمال ( ،)89/ 3المزار للمشهدي (ص ،)505بحار األنوار ( 58/45ــ ،)59
و( ،)193/ 45مدينة المعاجز ( 122/4ــ .)123
مروج الذهب ( ،)247/3مثير األحزان (ص ( ،)64ص ،)66سبايا آل محمد (ص ،)77 ()3
(ص ،)214الحسين وبطلة كربالء (ص ،)345زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص )148
الهامش ،1المجالس الحسينية لمحمد جواد مغنية (ص ،)32الخصائص الزينبية (ص ،)185
زينب الكبرى للنقدي (ص )73و(ص ،)113زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ،)154
(ص ( ،)321ص ( ،)428ص 463ــ ،)464الشمس الطالعة ( ،)93/2قاموس الرجال
( 328/10ــ ،)329عقيلة الوحي المطبوع ضمن موسوعة عبد الحسين الموسوي (،)2519/6
( ،)2522/6مع بطلة كربالء (ص ،)54المجالس الحسينية مغنية (ص ،)33السيدة زينب
رائدة الجهاد (ص ،)276معالم المدرستين (.)157/3
مثير األحزان (ص 64ــ 66ــ) ،اللهوف على قتلى الطفوف (ص ،)78ذريعة النجاة ( 303ــ ()4
322ــ 352ــ ،)383تظلم الزهراء ( ،)243المنتخب (ص ،)472مقتل اإلمام الحسين لبحر
العلوم (ص ،)309المجالس السنية في مصائب العترة النبوية (ص 152ــ 158ــ 166ــ
،)167المقتل الحسيني المأثور (ص ،)193سيرة الحسين في الحديث والتاريخ ( 89/19ــ
239/19( ،)97ــ .)313
481
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك ،وسوقك بنات رسول اهلل
سبايا ،قد هتكت ستورهن ،وأبديت وجوههن؟<(.)1
وزعم ابن طاووس أن نساء آل البيت خرجن >باكيات يمشين سبايا في أسر
الذلة<(.)2
وقال أيضاَ > :ح َم َل نساءه صلوات اهلل عليه على أحالس أقتاب الجمال بغير
وطاء مكشفات الوجوه بين األعداء وهن ودائع األنبياء ،وساقوهن كما يساق
سبي الترك والروم في أشد المصائب والهموم<(.)3
ونَسب إلى زينب أنها قالت> :ال تدخلن عربية إال أم ولد أو مملوكة فإنهن
ُسبين كما ُسبينا<( ،)4وزاد في قصة الشامي الذي سأل يزيد أن يهبه فاطمة بنت
الحسين( ،)5فزعم أن الشامي قال ليزيد> :لعنك اهلل يا يزيد أتقتل عترة نبيك
وتسبي ذريته ،واهلل ما توهمت إال أنهم سبي الروم<(.)6
كما أ َّن الكتب المصنفة عن زينب بسطت الكالم عن قضية السبي ،يقول
نور الدين الجزائري> :لقد بقوا في تلك الخربة أياما لم يزرهم فيها أحد سوى
الجواري الالتي قد ذقن مرارة األسر ولمسن ذل السبي ،وذلك كما أخبرت به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
االحتجاج ( ،)35/2وأصل الخبر عند ابن طيفور في بالغات النساء (ص )26وليس فيه كلمة ()1
قد هتكت ستورهن وأصلحت سبايا ،بل جاء عنده أن زينب قالت> :وسوقك بنات رسول اهلل
صوتهن مكتئبات تخدى بهن األباعر<.
اللهوف على قتلى الطفوف (ص .)78 ()2
اللهوف على قتلى الطفوف (ص .)84 ()3
اللهوف على قتلى الطفوف (ص .)95 ()4
مضى أن الذي في رواية أبي مخنف أنها فاطمة بنت علي . ( )5
اللهوف على قتلى الطفوف (ص .)109 ()6
482
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
السيدة زينب بقولها> :ال يدخلن علي عربية إال أم ولد أو مملوكة فإنهن ُسبين
وقد ُسبينا<<(.)1
ويقول محمد كاظم القزويني> :لقد جاءوا بالنياق المهزولة لترحيل آل
رسول اهلل ،فال غطاء وال وطاء ...وكأنهن سبايا الكفار والمشركين!!<(.)2
وقال أيضا> :ولما أدخلوهن دمشق طافوا بهن في الشوارع المؤدية إلى قصر
الطاغية يزيد ،ومعهن الرؤوس على الرماح ،ثم جاؤوا بهن حتى أوقفوهن على
دكة كبيرة كانت أمام باب المسجد الجامع ،حيث كانوا يوقفون سبايا الكفار على
تلك الدكة ،ويعرضونهم للبيع<(.)3
كمونة: وكتبوا في ذلك شعرا كثيرا منه ،قول محمد علي آل ّ
ت األط َِائـــ ِب
ول َو َح ْيــ َد َرا َ Jوفَا ِط َمـــ َة ال َّز ْهـــ َر َاء ب ِْنـــ ِ فمــن ُم ِّبلــ ٌغ َع ِّنــي َّ
الر ُســ َ َ
()4
الش ـوازِب ات َالح َســــ ْي ُن ِع َم ُاد َنــــا َ Jغ ـ َدا َم ْو ِطئــا لل َْعا ِديَ ـ ِبِأَ َّنــــا ُســــبِينَا َو ُ
وقول محمد باقر اإليراواني:
()5
اجمِ بَ ـ ْي َن ِ
الع ـ َدى َت ْب ِكــي بِ ـ َد ْم ٍع َس ـ ِ J َوا ل َ ْه َف َتــــــ ـ ُاه لِ َز ْي َنــــــ ـ ٍب َم ْســــــ ـب َِّية
وقول محمد حسين األصفهاني:
ُمـــــذْ َســـــلَ ُبوا ِإ َز َار َهـــــا ِخ َم َار َهـــــا J واســـــ َتلَ ُبوا َيـــــا َو ْيلَ َهـــــا قَ َر َار َهـــــا
ْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخصائص الزينبية (ص .)185 ()1
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص .)257 ()2
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص .)374 ()3
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص .)630 ()4
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص .)676 ( )5
483
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
484
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
قبيحة ،فقال :قبح اهلل ابن مرجانة! لو كانت بينه وبينكم رحم أو قرابة ما فعل هذا
بكم ،وال بعث بكم هكذا<( ،)1لكن روايات من تأخر عن أبي مخنف قد زيد
فيها فظائع عدة ،فنقل ابن طيفور ( 280هـ) أن زينب قالت ليزيد> :وسوقك
قد هتكت ستورهن<( ،)2وقال ابن حبان ( 354هـ)> :ثم بنات رسول اهلل
أنفذ عبيد اهلل بن زياد رأس الحسين بن علي إلى الشام مع أسارى النساء والصبيان
على أقتاب مكشفات الوجوه والشعور<(.)3 من أهل بيت رسول اهلل
ويقول ِسبط ابن الجوزيَ > :
وأخذ ملحفة فاطمة بنت الحسين واح ٌد ،وأخذ
وعروا نساءه وبناته من ثيابهن<(.)4
آخرّ ،
ُح ّليها ٌ
وبالغت روايات المتأخرين من اإلمامية في تفاصيل هذه الواقعة حتى زعم
الرواة أن نساء آل البيت صرن عرايا!.
ثم اشتغلوا بنهب عيال الحسين ونسائه حتى ُتسلب
يقول ابن نما الحلي > ّ
المرأة مقنعتها من رأسها أو خاتمها من إصبعها أو قرطها من أذنها وحجلها من
ِرجلها ،وجاء رجل من سنبس إلى ابنة الحسين وانتزع ملحفتها من رأسها
وبقين عرايا تناوحهن رياح النوائب وتعبث بهن أكف المصائب<(.)5
وقرة عين ويقول أيضا> :واجتمع الناس للنظر إلى سبي آل الرسول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ الطبري (.)461/5 ()1
بالغات النساء (ص .)36 ()2
الثقات ( ،)212/2وانظر أيضا (.)213/2 ()3
تذكرة الخواص (ص ،)228طبعة منشورات الشريف الرضي ،و( )171/2طبعة المجمع ()4
العالمي آلل البيت.
مثير األحزان (ص )117من طبعة المكتبة الحيدرية. ( )5
485
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
البتول فأشرفت امرأة من الكوفة وقالت> :من أي األسارى أنتن؟< ،فقلن> :نحن
أسارى محمد < ،فنزلت وجمعت مالءا وإزارا ومقانع وأعطتهن فتغطين<(.)1
وقال ابن طاووس> :أُخرج النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار فخرجن
()2
وسيِّر حرم رسول اهلل من العراق إلى
حواسر مسلبات حافيات< ،وقال أيضاُ > :
الشام على األقتاب مكشفات الوجوه بين األعداء وبين أهل االرتياب<(.)3
ونقل المجلسي عن بعض الكتب رواية ورد فيها> :ونساؤه سبايا ،حفاة
عرايا<( ،)4ونسبوا إلى أم كلثوم بنت علي أنها أنشدت:
ول اهلل ِ أَ ْضـــ َح ْوا َ Jعرايــــــ ـا ِبــــــ ـالطُّ ِفو ِ
ف ُم َســــــ ـلَّبِينَا َو َر ْه ُطـــ َك َيـــا َر ُســـ َ
َ َ
ونقل المجلسي عن بعض الكتب أن فاطمة بنت الحسين قالت لزينب:
عمتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النُّ َّظار<؟ فقالت> :يا بنتاه
>>يا َّ
وعمتك مثلك< فرأيت رأسها مكشوفة<(.)5
َّ
وتفنن بعض الكتاب اإلمامية المعاصرين في تفصيل واقعة السبي ،فيقول
بنهب ما في الكاتب اإلمامي محمد قانصو> :لم يكتف أعداء اهلل ورسوله
فسلبوا ما عليهن من مقانع ولباس المعسكر ،بل عمدوا إلى نساء الرسول
حتى كشفوا رؤوسهن وشيئا من أجسادهن.)6(<...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثير األحزان (ص ،)66ومثله في اللهوف في قتلى الطفوف البن طاووس (ص .)85 ()1
اللهوف على قتلى الطفوف (ص ،)78بحار األنوار (.)58/45 ()2
الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف (ص .)166 ()3
بحار األنوار (.)346/4 ()4
بحار األنوار ()61/45 ( )5
ما بعد كربالء (ص .)44 ()6
486
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
ويقول أيضا> :ولقد استمرت نساء الرسالة هكذا مكشوفات األستار قد
ُهتكت حرمتهن طوال يوم عاشوراء والذي يليه حتى وصلوا مشارف الكوفة...
فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت من أي األسارى أنتن؟ فقلن نحن أسارى
محمد ،فنزلت من سطحها وجمعت مالء وأُزرا ومقانع فأعطتهن فتغطين..
ومن الواضح أن المقانع تستر الرأس ،واألزر تستر ما تحت السرة ،والمالء ما
توضع على الرأس إلى أسفل الجسد مما يعني أن بنات الرسالة كن يفتقدن هذه
األلبسة ،أو كانت عليهن ممزقات إلى حين أعطتهن إياها هذه المرأة الكوفية(،)1
ومع هذه الثياب التي وصلتهم فإن بنات الرسالة بقين مكشوفات الوجوه طوال
مدة السبي<(.)2
فع َد ْوا على المخيم لنهب
ويقول محمد جعفر الطبسي> :بل جاوزوا المدى َ
بسلب ما عليهن من حلي وحجاب بصورة ما فيه ولهتك ستر حرم رسول اهلل
أبي غيور<(.)3
فجيعة يندى لها جبين كل ٍّ
وقال نبيل الحسيني> :فهاهن بنات علي بن أبي طالب تتقدمهن زينب بنت
فاطمة الزهراء وهن مكشوفات الرؤوس<(.)4
وقال محمد كاظم القزويني> :لقد جاءوا بالنياق المهزولة لترحيل آل رسول
اهلل ،فال غطاء وال وطاء<(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت :حاشا نساء آل البيت عن هذا الوصف المخزي الذي صوره بهن ،وال تستغرب فهذا مآل ()1
روايات األخباريين.
ما بعد كربالء (ص .)45 ()2
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة (.)55/5 ()3
(ص .)77 سبايا آل محمد ()4
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص .)257 ( )5
487
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
ثم جاؤوا بهن حتى أوقفوهن على دكة كبيرة كانت أمام بابوقال أيضاّ > :
المسجد الجامع ،حيث كانوا يوقفون سبايا الكفار على تلك الدكة ،ويعرضونهم
للبيع ،ليتفرج عليهم المصلون لدى دخولهم إلى المسجد وخروجهم منه ،وبذلك
يختاروا من يريدونه لالستخدام ويشتروه<(.)1
ويقول جعفر مرتضى العاملي> :إ ّن هذا السبي للنساء وحملهن على أقتاب
الجمال ،والطواف بهن في البالد ،وقد هتكت ستورهن ،وأبديت وجوههن ال
ربط له بالحصول على الملك…<(.)2
ولما صارت هذه القضية بهذا المنزلة واألهمية وفشت وانتشرت في الكتب
المصنفة في مقتل الحسين وسيرة زينب ،فضال عما فيها من اإلزراء على آل بيت
وخاصة زينب الكبرى كان البد من بحث هذه المسألة وبيان الرسول
بطالنها.
وال يظنن ظان أن الغاية من بحث هذه القضية هو تبرئة ابن زياد أو يزيد من
اإلساءة إلى آل البيت ،بل إنما نريد تنزيه آل البيت من دعوى وقوع السبي على
نسائهم ،والمقصود هو التفصيل في بيان عدم ثبوت هذه الواقعة وكونها من
األباطيل التي راجت في كتب األخباريين ،وتتأكد أهمية تفنيد هذه األسطورة لما
صار لها من التبعات التي رأيناها في أيامنا ،خاصة حين صار بعضهم يتخذ هذه
القصة شعارا إلذكاء الصراعات بين عامة المسلمين وإصباغها لباسا طائفيا،
ورأينا من يطلق شعار >لن تسبى زينب مرتين< ويتخذه ذريعة لتبرير أغراضه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص .)374
( )2سيرة الحسين في الحديث والتاريخ (.)258/19
488
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
الطائفية التي أدت إلى تأجيج الفتنة في األمة وكانت من أسباب تمزيقها ،وبما
أن أمر هذه القضية قد بلغ هذا المبلغ الخطير كان ال بد من تسليط الضوء عليها
وبيان الحقيقة الغائبة عمن انخدع بتلك الشعارات الزائفة ،ثم إنني لم أقف ــ بعد
فصل الرد على أسطورة سبي نساء آل البيت ودرس الروايات طول البحث ــ عمن َّ
الواردة في هذا الباب سندا ومتنا ،وجل ما وقفت عليه هو كالم مجمل لشيخ
اإلسالم ابن تيمية عن هذه المسألة ،وتبعه عليها سائر من تكلم في قضية السبي،
فكان هذا داعيا آخر لبحث هذه المسألة بصورة مفصلة.
* المسألة األولى :نقد الروايات التي ورد فيها أمر السبي
أصل قضية السبي ورد ابتداء في >مقتل الحسين< الذي صنفه أبو مخنف،
وورد أيضا في أخبار غير أبي مخنف ،وهذه األخبار بعضها ورد فيه ذكر زينب
،وبعضها لم تذكر فيه زينب ،وإنما يذكر فيه نساء آل البيت دون تعيين،
فقمت بدراسة هذه األخبار كلها سواء ما ورد فيه التصريح بذكر زينب أم لم يرد
فيه ،ألن زينب مشمولة بالروايات الواردة في أخبار نساء آل البيت اللواتي كن
مع الحسين في كربالء على ما رواه أبو مخنف ،فكان التعرض لها واجبا لغلق
باب االعتراض والستيفاء ما ورد في هذا الباب ،فأقول:
أ ــ دراسة مرويات األخباريين في السبي
وردت مسألة السبي في روايات أبي مخنف في ثالثة مواضع:
ــ الرواية األولى :من قول زينب حين قتل الحسين ،فنسب إليها
أبو مخنف أنها ندبته بكالم قالت فيه> :يا محمداه! وبناتك سبايا.)1(<...،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري ( ،)456/5ونقل ابن سعد هذا الخبر باختصار (.)445/6
489
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
490
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
يزيد إهانتها وكسر خاطرها بجوابه لها بأن له أن يهب فاطمة للشامي إن شاء ،ولذا
كان آخر كالم زينب> :أنت أمير مسلط ،تشتم ظالما ،وتقهر بسلطانك< ألنه قد
قهرها بكالمه ،فمن اخترع هذه الرواية أراد من سرد هذه القصة إثبات ظلم يزيد
الم َّدعى،
وتجبره ،ولم يرد إثبات السبي قطعا ،فال داللة في هذه الرواية على ُ
ومع ذلك فالعجب ممن يستدل بهذه الرواية على وقوع السبي ،ألنها مناقضة
لذلك كما هو ظاهر لكل ناظر.
ــ الرواية الثالثة :رواها أبو مخنف عن القاسم بن بخيت ،قال> :لما أقبل
وفد أهل الكوفة برأس الحسين دخلوا مسجد دمشق ،فقال لهم مروان بن الحكم:
>كيف صنعتم؟< قالوا> :ورد علينا منهم ثمانية عشر رجال ،فأتينا واهلل على
آخرهم ،وهذه الرؤوس والسبايا<<(.)1
وليس حال هذه الرواية بأحسن من بقية الروايات ،فإ ّن في إسنادها عدة
علل:
ــ عبد الل الثمالي وشيخه القاسم بن بخيت ــ راوي القصة ــ :لم أقف لهما
على ترجمة ،وقال عنهما الشيخ أكرم بن محمد> :لم أعرفه ،وال الراوي عنه،
ولم أجد لهما تراجم<(.)2
ــ أبو حمزة الثمالي :أجمع أهل الحديث على ضعفه واطراح حديثه ،فقال
عنه أحمد ويحيى بن معين> :ليس بشيء< ،وقال أبو حاتم> :لين الحديث،
يكتب حديثه ،وال يحتج به< ،وقال النسائي> :ليس بثقة< ،وقال الدارقطني:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري ( ،)465/5تاريخ دمشق (.)85/62
( )2المعجم الصغير لرواة اإلمام ابن جرير الطبري (.)459/2
491
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
>متروك<( ،)1وقال ابن حماد> :ليس بثقة<( ،)2وقال أبو زرعة الرازي> :واهي
الحديث<( ،)3ولذا قال الذهبي> :متفق على ضعفه<( )4وهذا كله مع غض الطرف
عن حال أبي مخنف ،فالبالء في هذا الخبر والخبرين اللذين قبله منه قطعا.
وأما متنها فليس فيه داللة على وقوع السبي ،وغاية ما يقال :إن هذا القائل
ومن معه من جيش ابن زياد تصور أ ّن نساء الحسين المأسورات في حكم السبايا،
وأنه ومن معه كانوا يستبيحون ذلك ،وأما وقوع السبي على أهل البيت فال يدل
عليه ،فال داللة في الخبر على م ّدعى السبي.
ــ الرواية الرابعة :خبر مروي عن فاطمة بنت الحسين
وقد ورد من طريقين:
األول :قال الطبري> :قال هشام :وأما عوانة بن الحكم الكلبي فإنه قال:
ثم إنهن أدخلن على يزيد،لما قتل الحسين وجيء باألثقال واألسارىّ ...
فقالت فاطمة بنت الحسين ــ وكانت أكبر من سكينة> :أبنات رسول اهلل سبايا يا
يزيد؟< فقال يزيد> :يا ابنة أخي ،أنا لهذا كنت أكره<.)5(<...
وذكر ابن سعد هذا الخبر بلفظ آخر فقال> :أتى يزيد بن معاوية بثقل الحسين
ومن بقي من أهله ونسائه ،فأُدخلوا عليه قد قرنوا في الحبال ،فوقفوا بين يديه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تهذيب التهذيب (.)7/2 ()1
الكامل في الضعفاء (.)567/2 ()2
الضعفاء ألبي زرعة الرازي المطبوع ضمن كتاب أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية ()3
(.)428/2
ديوان الضعفاء برقم (.)684 ()4
تاريخ الطبري (.)464/5 ( )5
492
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
لو رآنا فقال له علي بن حسين> :أنشدك باهلل يا يزيد ،ما ظنك برسول اهلل
وعرفمقرنين في الحبال ،أما كان يرق لنا؟< ،فأمر يزيد بالحبال فقطعتُ ،
االنكسار فيه ،وقالت له سكينة بنت حسين> :يا يزيد ،أبنات رسول اهلل
سبايا؟< ،فقال> :يا بنت أخي ،هو واهلل علي أشد منه عليك.)1(<<...
الثاني :روى أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن عن محمد بن علي بن
الحسين المشهور بالباقر :أنه قال> :أُدخلنا على يزيد بن معاوية ونحن اثنا عشر
غالما مغللين في الجوامع وعلينا قمص ،فقال يزيد> :أحرزتم أنفسكم لعبيد أهل
العراق واهلل ما علمت بخروج أبي عبد اهلل حين خرج وال بقتله حين قتل<....
فقالت فاطمة بنت الحسين> :يا يزيد أبنات رسول اهلل سبايا؟< قال :فبكى حتى
كادت نفسه تخرج وبكى أهل الدار حتى علت أصواتهم ،ثم قال> :خلوا عنهم
واذهبوا بهم إلى الحمام فاغسلوهم واضربوا عليهم القباب< ففعلوا ،وأمال عليهم
ثم قال> :لو كان بينه وبينهم نسب ما
المطبخ وكساهم وأخرج لهم جوائز كثيرة َّ
قتلهم< ،يعني ابن زياد ثم رجعوا إلى المدينة<(.)2
وذكر ابن عبد ربه هذا الخبر ،فقال> :قالت فاطمة ابنة الحسين :يا يزيد،
سبايا؟ قال :بل حرائر كرام<(.)3 أبنات رسول اهلل
والكالم في هذه الرواية يقع في سندها ومتنها:
أما السند ،فإنه ال يثبت ،فإن الراوي عن عوانة بن الحكم ،هو هشام بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (.)448/6
( )2المحن ألبي العرب (ص ،)156المسائل العقدية من كتاب الروايتين والوجهين (ص ،)102
وانظر اإلمامة والسياسة المنحول على ابن قتيبة (.)6/2
( )3العقد الفريد (.)132/5
493
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
محمد الكلبي متهم بالكذب( ،)1فضال عن أن عوانة لم يذكر إسنادا لهذا الخبر،
وبينه وبين الواقعة قريب من مائة سنة ،وعليه فال عبرة بهذا الخبر.
وأما لفظ ابن سعد فال يدرى عمن رواه ألنه روى قصة مقتل الحسين بإسناد
جمعي كما مضى.
وأما رواية الباقر فسندها فيه لين من جهة أبي معشر كما مضى ،فالخبر ال
يرتقي إلى الصحة.
وأما متن رواية عوانة ففيه ما يشهد بكذبه وافتراء واضعه ،فقد نسب إلى
سكينة بنت الحسين أنها قالت> :ما رأيت رجال كافرا باهلل خيرا من يزيد بن
معاوية ،<<...وهذا كذب مقطوع به ،فلم ينقل عن أحد من أهل البيت وال عن
الصحابة أنه نسب يزيد إلى الكفر ،بل هذا غلو ظاهر من واضع هذا الخبر،
ﲧﲩﲪﲫ ﲨ وقد قال اهلل تعالى{ :ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ
ﲬ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ} [المائدة.]8 : ﲭ
ثم إ َّن الخبر ليس صريحا في وقوع السبي ،بدليل ما جاء في رواية ابن عبد
ّ
ربه من قول يزيد> :بل حرائر كرام< ،فلو كان نساء آل البيت سبايا العتذر لهن
يزيد عما وقع لهن ،وألخبرهن بارتفاع السبي عنهن ،فكيف وهو يخبرهن بأنهن
لسن سبايا بل حرائر!.
ثم إ ّن بقية الخبر ورد فيه إكرام يزيد آلل البيت ،فقد جاء في هذا الخبر أن
ّ
نساء آل البيت >أُخرجن فأُدخلن دار يزيد بن معاوية ،فلم تبق امرأة من آل يزيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مضى الكالم عنه بتفصيل (انظر ص .)269
494
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
إال أتتهن ،وأقمن المأتم ،وأرسل يزيد إلى كل امرأة> :ماذا أُخذ لك؟< ،وليس
منهن امرأة تدعي شيئا بالغا ما بلغ إال قد أضعفه لها<(.)1
وعند ابن عبد ربه أن يزيد قال لفاطمة بنت الحسين > :ادخلي على
بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلن ،قالت فاطمة> :فدخلت إليهن ،فما
وجدت فيهن سفيانية إال متل ّدمة تبكي<<( ،)2فهل هكذا يعامل السبايا؟.
وعلى هذا يحتمل أن يكون معنى قول فاطمة بنت الحسين ليزيد >أبنات
سبايا؟< هو :استنكارها لحمل نساء آل البيت من الكوفة إلى رسول اهلل
الشام وهن مأسورات على الهيئة التي يُعامل بها السبايا ،ويؤيده ما جاء في أول
الخبر عن محمد بن علي الباقر أنهم أُدخلوا على يزيد واألغالل في أيديهم
وأعناقهم ،وهذه هي الصفة التي يؤتى بها بالسبي ،فالظاهر أن فاطمة بنت الحسين
أرادت أن تبين أن إدخالهم بهذه الصورة على يزيد هو شبيه بما يُصنع بالسبايا،
وليس أنهن صرن سبايا حقيقة ،وهذا على تقدير صحة الخبر.
495
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
496
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
497
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
البصري قال>> :أنا راض عن أهل الشام؟ قبحهم اهلل وبرحهم! ،أليس هم الذين
أحلوا حرم رسول اهلل ؟ ،يقتلون أهله ثالثة أيام وثالث ليال! ،قد أباحوهم
ألنباطهم وأقباطهم ،يحملون الحرائر ذوات الدين ،ال يتناهون عن انتهاك حرمة،
ثم خرجوا إلى بيت اهلل الحرام ،فهدموا الكعبة ،وأوقدوا النيران بين أحجارها
وأستارها ،عليهم لعنة اهلل وسوء الدار<(.)1
ولم يقتصر األمر على الروايات التاريخية ،فلقد وقفت على مثال خامس
لكالمٍ نسبه سبط ابن الجوزي للغزالي وهو بريء منه:
فمن غرائب نقوالت سبط ابن الجوزي ،نقلُه عن أبي حامد الغزالي أنه
قال> :وقد زعمت طائفة أن يزيد بن معاوية لم يرض بقتل الحسين ،وادعوا أن قتله
وقع غلطا ،قال :وكيف يكون هذا وحال الحسين ال يحتمل الغلط لما جرى من قتاله
ومكاتبة يزيد إلى ابن زياد بسببه وحثه على قتله ومنعه من الماء وقتله عطشانا وحمل
رأسه وأهله سبايا عرايا على أقتاب الجمال ...هذا صورة كالم الغزالي<(.)2
كذا قال ونقل! ،ووجه الغرابة في قوله> :هذا صورة كالم الغزالي< ألن
هذا يوهم أن ما نقله هو كالم الغزالي بال زيادة ونقصان ،بينما واقع الحال خالف
ذلك ألمرين:
األول :إن مصدر هذا النص هو كتاب >سر العالمين< المعروف عند
المحققين أنه منحول على الغزالي( ،)3ومع غض النظر عن عدم صحة نسبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)588/6
( )2تذكرة خواص األمة (ص.)65
( )3لم يتنبه بعض أهل العلم ألمر كتاب السر فنسبوه إلى أبي حامد الغزالي ،لكن المحققين منهم على=
498
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
الكتاب إلى الغزالي ،فإن النص المثبت في >سر العالمين< خال من ذكر السبي!،
حيث يقول مؤلفه> :إنما الذين بعدهم طائفة ،يزعم أن يزيد لم يكن راضيا بقتل
الحسين ،فسأضرب لك مثال في ملكين اقتتال ،فملك أحدهما ،أفتراه يقتله
العسكر على غير اختيار صاحبها إال غلطا؟ ،ومثل الحسين ال يحتمل حاله
الغليظة لما جرى من القتال والعطش وحمل الرأس إجماعا من جماهير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بطالن نسبة كتاب سر العالمين إلى الغزالي ،وأول من وقفت عليه يرتاب في أمر هذا الكتاب هو =
اإلمام الذهبي حيث احتمل أن يكون من وضع سبط ابن الجوزي ،فقال بعدما نقل عن كتاب
رياض األفهام لسبط ابن جوزي أنه نقل كالما عن الغزالي في سر العالمين> :هذا إن لم يكن هذا
وضع هذا ،وما ذاك ببعيد ،ففي هذا التأليف باليا ال تتطبب< ،سير أعالم النبالء (،)328/19
يعني أنه لم يستبعد أن يكون سبط ابن الجوزي وضع كتاب سر العالمين على الغزالي ،غير أنني
أستبعد ذلك لركاكة الكتاب وكون أسلوبه أدنى من أسلوب سبط ابن الجوزي بمراتب.
وقد طعن في صحة نسبة الكتاب إلى الغزالي جماعة من أهل العلم والمحققين ،منهم شاه الدين
الدهلوي كما في مختصر التحفة االثني عشرية (ص ،)33وعبد الرحمن بدوي في مؤلفات
الغزالي (ص )225ونقل ذلك عن عدة من المستشرقين ،وقد استوفى الدكتور مشهد العالف في
مقدمة تحقيقه لكتاب إلجام العوام للغزالي (ص 166ــ )169أدلة بطالن نسبة كتاب سر العالمين
إلى الغزالي ،فقال> :هذا الكتاب ليس للغزالي بل هو منحول عليه وقد اتفق الباحثون قطعا على
أنه منحول< ،ونقل كالم من مضى من أهل العلم في الطعن فيه.
وقد ذهب إلى ذلك بعض اإلمامية أيضا ،يقول جعفر مرتضى العاملي> :نشك في صحة نسبة هذا
الكتاب إلى الغزالي< ،ثم سرد أدلة تشكيكه في كتابه ،انظر مقالة لمن هذه الكتب؟ لجعفر مرتضى
العامليُ ،نشرت في العدد الثاني من مجلة تراثنا (ص ،)97ثم أعاد جعفر مرتضى نشرها في كتابه
دراسات وبحوث في التاريخ ( ،)83/2والظاهر من آغا بزرك الطهراني أنه يشكك في نسبة
الكتاب للغزالي ،إذ قال في الذريعة (> )168/12سر العالمين المنسوب إلى الغزالي< ،وكلمة
>منسوب< يستعملها الطهراني في الغالب عندما يشك في صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف .وفي
الجملة ،ال يرتاب أدنى منصف أن الغزالي بريء من هذا الكتاب ،فأسلوبه سخيف ركيك ،ونظم
الكالم فيه سيء مرتبك ،وفيه تلفيق ظاهر ،وواضع الكتاب ال شك أنه أحد الجهلة ،واهلل
المستعان.
499
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
500
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
علي على يدي عمر بن سعد مع من قتل بين يديه من أهل بيته؟ ألم يخرج ابن ّ
سبايا حتى ورد به َّن على يزيد بن معاوية؟<( ،)1أما سبط بحرم رسول اهلل
ابن الجوزي فنسب إلى صالح بن علي أنه قال> :ألم يقتل يزيد الحسين بن علي
ومعه ثمانية عشر من ولد علي بن أبي طالب؟! ألم يخرج حرم رسول اهلل
وبناته وأهله سبايا على أقتاب الجمال بارزات كاشفات رؤوسهن موثقات ال وطاء
تحتهن وال غطاء فوقهن؟! ،ورأس الحسين يطاف به في البلدان على قناة كأنه
موقف السبايا يتصفح رأس بعض الكفار؟! ،أما أوقف بنات رسول اهلل
وجوههن أهل الشام ،ويطلبون منه أن يهب لهم بعضهم؟! ألم يضرب ثنايا ابن
رسول اهلل <( ،!)2فالفقرة األخيرة التي تحتها خط هي من زيادة سبط ابن
الجوزي وليست من كالم المسعودي !.
والذي يظهر من هذه األمثلة ،ومما مضى سابقا من نصوص نسبها سبط ابن
الجوزي لجده أبي الفرج ولم تثبت عنه ،أن سبط ابن الجوزي كان يستحل الزيادة
في النصوص التي ينقلها عن أهل العلم ،فلو أن هذه األخطاء وقعت في نقله من
كتاب واحد لوجدنا له عذرا وقلنا :لعل النسخة التي كان ينقل منها سقيمة
ومحرفة ،لكن هذه النصوص المحرفة تكررت في نقوالت سبط ابن الجوزي عن
كتب مختلفة وفي أكثر من موضع ،مما يرفع الثقة عن نقوالت سبط ابن الجوزي.
البين بطالنها هو ما حمل الذهبي على أنوالظاهر أن مثل هذه النقوالت ّ
يقول عن سبط ابن الجوزي> :أل َّف كتاب مرآة الزمان ،فتراه يأتي فيه بمناكير
الحكايات ،وما أظنه بثقة فيما ينقله بل يخسف ويجازف<( ،)3ونظيره قول ابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مروج الذهب (.)247/3
( )2مرآة الزمان (.)476/11
( )3ميزان االعتدال ( ،)471/4وعند ابن كثير> :بل يحيف< ،التكميل في الجرح والتعديل=
501
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
رجب عنه> :ليس بحجة فيما ينقله<( ،)1وقول الصفدي عن كتابه >مرآة الزمان<:
>في المرآة صدأ المجازفة منه رحمه اهلل تعالى في أماكن معروفة<( ،)2ولذا ال
عبرة بما نقله سبط ابن الجوزي في هذا الباب.
ج ــ ضعف روايات اإلمامية في السبي
هذا ما ورد من طرق أهل السنة ،أما ما ورد من طرق اإلمامية فقد ُكفينا
مؤونته ،إذ أن جل رواياتهم في هذا الباب في حيز السقوط ،فقد ض ّعف المرجع
اإلمامي المعاصر محمد آصف محسني كل ما أورده المجلسي في >بحاره< في
ثم قال> :أكثر تفاصيل حوادث كربالء مقتل الحسين سوى سبع رواياتَّ ،
مجهولة<( ،)3ولم يُذكر السبي في هذه الروايات السبع سوى في روايتين( ،)4ومع
ذلك فلم يصب محسني في تصحيح إحدى الروايتين ،إذ أن في سند الرواية
الثانية المرقمة برقم ،23محمد بن علي ماجيلويه ،شيخ ابن بابويه ،وقد حكم
عليه الخوئي بالجهالة ،فقال> :مهمل في كتب الرجال<( ،)5وقال أيضا> :شيخ
الصدوق ّإال أنه لم يوثق<( ،)6وض َّعف الخوئي إسنادا آخر ورد فيه ماجيلويه وقال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ،)457/2وأما في لسان الميزان (> )565/5بل يجنف< ،بل إن الذهبي لم يستبعد أن يكون =
كتاب سر العالمين من وضع سبط ابن الجوزي نفسه كما مضى آنفا ،وقول الذهبي هذا دليل على
أنه يرى أن سبط ابن الجوزي يستبيح الوضع.
ذيل طبقات الحنابلة ( ،)446/1لسان الميزان (.)565/8 ()1
الوافي بالوفيات (.)122/29 ()2
مشرعة بحار األنوار (.)156/2 ()3
انظر المعتبر من بحار األنوار ( ،)32/2و( ،)33/2وهما الروايتان رقم 17و 23في بحار األنوار ()4
( )283/44و(.)285/44
موسوعة الخوئي ،شرح العروة الوثقى (.)100/14 ( )5
القضاء والشهادات ،تقرير بحث الخوئي للجواهري (.)98/1 ()6
502
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
>لم يثبت فيه توثيق أو مدح<( ،)1وض َّعفه في مواضع أخرى( ،)2وحكم عليه
()3
ثم إ ّن
الجواهري في تلخيصه لمعجم رجال الحديث للخوئي بالجهالة َّ ،
الروايتين منقطعتان ،إذ أن سندهما ينتهي إلى علي بن موسى الرضا المتوفى سنة
( 203هـ) ،وبينه وبين واقعة مقتل الحسين مائة وأربعون سنة ،فهذا الضرب من
األخبار ليس بحجة عندنا ،فضال عن أ ّن الريبة ظاهرة في أسانيدها ،والذي أقطع
علي بن موسى الرضا بريء من هذا الخبر.
به أ ّن ّ
وغير بعيد أن يكون إسناده ومتنه من عمل ابن بابويه القمي المشهور عند
اإلمامية بالصدوق ،وقد تتبع الباحث فريد البحريني في كتابه >تحريفات
تصرفات ابن بابويه القمي في متون األحاديث وروايات األئمة االثني الصدوق< ّ
التصرف واالختالق ،وعليه فإ ّن ما يورده ابن
ّ وبين مواضععشر وعلّق عليها ّ
والتصرف ،فكيف بما ينفرد
ّ بابويه القمي في مؤلفاته ال يُؤمن منه الوضع وال ّدس
به وال يمكن مقارنته بغيره ومعرفة موضع الزيادة والنقصان؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1القضاء والشهادات ،تقرير بحث الخوئي للجواهري (.)14/2
( )2انظر :موسوعة الخوئي ،شرح العروة الوثقى (،)184/12( ،)365/11( ،)262/11
( ،)139/27( ،)361/24( ،)388/24( ،)12/17( ،)467/14وغيرها من المواضع ،وقد
خالف الخوئي نفسه في أحد المواضع ،فحكم على رواية بالصحة مع وجود ماجيلويه فيها ،فتعقبه
البروجردي مقرر بحثه في الهامش مشيرا إلى ضعف الرواية .انظر :موسوعة الخوئي شرح العروة
الوثقى ( )110/13الهامش رقم .1
( )3المفيد من معجم رجال الحديث (ص .)559
503
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
504
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
فجهزوا ،فأصلح إليهم ،وأُخرجوا إلى المدينة<( ،)1وهذا ثم أمر بهم ُ
الغل<َّ ...
الخبر من جهة اإلسناد منقطع أل ّن الليث لم يدرك الواقعة ،إال أنه خير من خبر
أبي مخنف قطعا ،وليس فيه أي ذكر للسبي ،وإنما ورد أن أهل البيت وردوا إلى
يزيد مغلولين على هيئة األسرى ،فلما سأل علي بن الحسين يزيد أن يفك عنهم
األغالل أجابه إلى ذلك ،فلو كان علي بن الحسين وأهل البيت سبايا لكان
المفترض بعلي بن الحسين أن يسأل يزيد أن يمن عليهم بالحرية!
505
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
يزيد بن معاوية بث َقل الحسين ومن بقي من أهله ونسائه ،فأُدخلوا عليه قد قرنوا
في الحبال ،فوقفوا بين يديه ،فقال له علي بن حسين> :أنشدك باهلل يا يزيد ،ما
لو رآنا مقرنين في الحبال ،أما كان يرق لنا؟ فأمر يزيد ظنك برسول اهلل
()1
ثم بعث يزيد إلى المدينة ف ُقدم
بالحبال فقطعت ،وعرف االنكسار فيه< َّ > ...
علي ،وضم إليهم ثم من موالي ّعليه بعدة من ذوي السن ،من موالي بني هاشمّ ،
ثم بعث بث َقل الحسين ،ومن بقي من نسائه وأهلهأيضا عدة من موالي أبي سفيانّ ،
وولده معهم ،وجهزهم بكل شيء لم يدع لهم حاجة بالمدينة ،إال أمر لهم
بها<(.)2
علي بن الحسين ومن معه وهذا الخبر مناقض لخبر السبي ،فإنه يذكر أن ّ
من أهل البيت أُرسلوا على هيئة األسرى إلى يزيد ،وليس على هيئة السبايا ،وأ ّن
ابن زياد بعد أن سجنهم في القصر أطلقهم بأم ٍر من يزيد.
ثم إنهم لما وصلوا إلى الشام ،أمر يزيد بفك األسر عنهم وأرسلهم إلى
َّ
المدينة معززين مكرمين ،وال ريب أن هذا خالف ما رواه أبو مخنف ونظراؤه من
إهانة يزيد لهم.
506
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
ثم أمر
أهل البيت لما وصلوا إلى الشام أمر يزيد أن يدخلوا دار نساءهَّ > ،
بتجهيزهم بأحسن جهاز ،وقال لعلي بن الحسين> :انطلق مع نسائك حتى
تبلغهن وطنهن<<(.)1
وهذه الرواية بال سند كما هو حال سائر كتاب الدينوري ،وغالب ما ينقله
الدينوري في مقتل الحسين هو من رواية أبي مخنف ،غير أن عنده زيادات ليست
في روايات أبي مخنف ،فقد تفرد بذكر الهيئة التي جاء بها نساء أهل البيت إلى
الكوفة على المحامل المستورة وهذا مناقض لروايات المتأخرين التي تزعم أ ّن
النساء حملن على محامل اإلبل بغير ستر وال وطاء ،ورواية الدينوري موافقة
لرواية ابن سعد وحصين والليث في أن يزيد أكرم نساء أهل البيت ،ولم يرد في
روايته أي ذكر للسبي أو هتك نساء آل البيت ،وعلى كل حال ،فهذا الخبر وإن
كان ال يرقى إلى الثبوت إال أنه خير من رواية أبي مخنف وأضرابه ،فضال عن
أنه ُمق َّدم على أخبار المتأخرين المكذوبة.
وبهذا يتبين أن إهانة نساء آل البيت وسبيهن لم يرد إال في روايات أبي
مخنف وعوانة ،وهذه الروايات فضال عن سقوطها ووهائها من جهة السند،
معارضة برواية من هو أوثق منهما ،كرواية حصين بن عبد الرحمن الصحيحة
التي ليس فيها أثر للسبي ،وروايتي الليث وابن سعد التي جاء فيها ذكر األسر
دون السبي ،وال ريب أن تقديم وقوع األسر هو األسلم واألقرب ،فضال عن أن
روايات السبي مبتالة بكثير من اإلشكاالت التي سنفصلها في المناقشة اآلتية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1األخبار الطوال (ص .)261
507
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
508
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
الكوفة ثم إلى الشام وهم أسارى ،مشابهة للصورة التي يوخذ بها السبايا ،وقد
ورد هذا في رسالة منسوبة إلى أبي جعفر المنصور رد بها على محمد النفس
الزكية ،جاء فيها> :ثم خرج عمك الحسين بن علي على ابن مرجانة ،فكان الناس
الذين معه عليه حتى قتلوه ،ثم أتوا بكم على األقتاب بغير أوطية ،كالسبي
المجلوب ،إلى الشأم<(.)1
وأما استعمال لفظ السبي بدل األسر في روايات أبي مخنف ،فهو إمعان
من أبي مخنف في التشنيع على ابن زياد ويزيد ،ثم جاء بعض المتأخرين وقرر
أن أهل البيت تم سبيهم كما تسبى نساء الكفار والمحاربين وذراريهم.
ــ الوجه الثاني :إن المستقر في سيرة المسلمين هو تحريم السبي على نساء
ولما ظهر علي على أصحاب الجمل، المسلمين وذراريهم ولو كانوا بغاةَّ ،
لم ْيس ِب نساءهم وذراريهم(> ،)2وقد اتفق الفقهاء على عدم جواز سبي نساء البغاة
وذراريهم<( ،)3ولذا لم يُنقل أن المسلمين سبوا امرأة مسلمة قط.
الوجه الثالث :تقرر عند المسلمين امتناع سبي نساء آل البيت ،وهذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1رواه المبرد بال سند في الكامل ( ،)98/4ونقله عنه العصامي في سمط النجوم العوالي
( ،)175/4وفي الخبر مواضع للنكارة ،وإنما أوردته استئناسا ،وقد أورد اليعقوبي في تاريخه
( ،)236/2كالما قريبا منه ناسبا إياه إلى ابن عباس في رده على يزيد! ولفظه> :أال ومن أعجب
العجائب ،وما عشت أراك الدهر العجب ،حملك بنات عبد المطلب وغلمة صغار من ولده إليك
بالشام كالسبي المجلوب تري الناس أنك قهرتنا< ،أقول :نسبته إلى ابن عباس كذب ظاهر.
( )2راجع :مصنف عبد الرزاق ( ،)124/10مصنف ابن أبي شيبة برقم ( ،)37759و()37764
و( ،)37789و( ،)37797وراجع :مرويات الخالفة الراشدة في مصنف اإلمام ابن أبي شيبة
(ص 363ــ .)370
( )3الموسوعة الفقهية الكويتية (.)208/4
509
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
معروف مشهور ،حتى أن من كان في جيش علي لما جادلوه في سبي نساء
()1
وذراري أصحاب الجمل ،أفحمهم حين قال لهم> :هذه عائشة تستأمرها؟<
قال :قالوا> :ما هو إال هذا ،ما هو إال هذا<<( ،)2وفي رواية أخرى أن عسكر علي
> قالوا> :يا أمير المؤمنين ،تحل لنا دماؤهم وال تحل لنا نساؤهم؟< ،قال:
فخاصموا ،فقال> :كذلك السيرة في أهل القبلة< ،قال> :فهاتوا سهامكم وأقرعوا
ففرقُوا ،وقالوا> :نستغفر اهلل< ،قال:
على عائشة فهي رأس األمر وقائدهم< ،قالَ :
فخصمهم علي<(.)3
وعندما خرج الخوارج ،كان رؤساؤهم يحتجون على علي بأنه لم ْيس ِب
نساء وذرية من قاتلهم ،فأجابهم ابن عباس قائال> :وأما قولكم> :إنه قاتل ولم
أتس ُبون أمكم عائشة أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟،
ْيس ِب ولم يغنم<ْ ،
فقد كفرتم ،وإن زعمتم أنها ليست أم المؤمنين فقد كفرتم وخرجتم من اإلسالم،
ﲫ ﲭ ﲮ} [األحزاب،]6 : ﲬ إن اهلل يقول{ :ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ
خرجت من هذه؟< قالوا:
ُ فأنتم مترددون بين ضاللتين فاختاروا أيتهما شئتم ،أَ
>اللهم نعم<( ،)4وقد رجع بعد ذلك أكثر الخوارج عن مقاتلة علي ،فدل هذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي :تأمر بسبيها. ()1
مصنف ابن أبي شيبة برقم ( ،)37765وإسناده لين ،لكن له شواهد ترتقي بالخبر للصحة. ()2
مصنف ابن أبي شيبة برقم ( ،)37780وإسناده صحيح. ()3
أخرجه عبد الرزاق في المصنف ( ،)157/10والنسائي في السنن الكبرى (برقم ،)8522 ()4
والحاكم في المستدرك على الصحيحين ( )164/2وصححه ،ومن طريقه البيهقي في السنن
الكبرى ( ،)309/8وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( ،)257/10وابن عبد البر في جامع
بيان العلم وفضله ( ،)962/2ورواه أبو داود مختصرا برقم ( )4037وكذا اإلمام أحمد في
المسند ( ،)3187وصحح إسناده ابن تيمية في منهاج السنة ( ،)530/8وحسن األلباني إسناده
في صحيح سنن أبي داود (.)4037
510
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
على أن ُحرمة سبي نساء آل البيت من األمور المشهورة عند المسلمين والتي ال
ينا َزع فيها ،ولهذا ال يتصور أن يُق ِدم ُجند ابن زياد ــ مع إجرامهم وظلمهم ــ على
سبي نساء آل البيت.
ــ الوجه الرابع :قد مضى أن أبا مخنف نفسه روى أن شمر بن ذي الجوشن
استجاب لطلب الحسين لما اقترب جيشه من ثقله ونسائه ،يقول أبو مخنف> :ثم
إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر نحو من عشرة من رجالة أهل الكوفة قِ َبل
منزل الحسين الذي فيه ثقله وعياله ،فمشى نحوه ،فحالوا بينه وبين رحله ،فقال
الحسين> :ويلكم! إن لم يكن لكم دين ،وكنتم ال تخافون يوم المعاد ،فكونوا
في أمر دنياكم أحرارا ذوي أحساب ،امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم
وجهالكم< ،فقال ابن ذي الجوشن> :ذلك لك يا ابن فاطمة<<( ،)1فما الذي
حمل شمرا على أن يكرم الحسين حيا بمنع جالوزته من االقتراب من أهله ثم
يهينه ميتا بسبي نسائه واستعبادهن؟! ،إن كانت غايته هي الشماتة بالحسين ،
فلماذا لم يفعل هذه الجريمة والحسين حي ،وماذا يستفيد بما صنعه بعد أن قتل
الحسين؟ هذا التناقض في تفاصيل رواية أبي مخنف ليس له جواب إال ما قيل
قديما وهو :إذا كنت كذوبا فكن ذكورا.
ــ الوجه الخامس :أن هذا لو وقع لكان من أكبر مثالب يزيد ولكان من
األمور المشتهرة ،لما فيها من إلحاق العار بنساء آل البيت ،بل إننا نجزم أن
وله ُّبوا الستنقاذ
السبي لو مس أهل البيت بشيء ألنكر ذلك الصحابة وبنو هاشم َ
نسائهم من عار السبي ،فلما لم ينقل ذلك ،دل هذا على أن سبي آل البيت ال
أصل له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ الطبري (.)450/5
511
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
الوجه السادس :لقد اقترنت روايات السبي بأمور منكرة ال يرضى أي عاقل
أن تنسب إلى آل البيت ،فما رواه األخباريون من أن نساء آل البيت ُسلبن ،و ُهتك
حجابهن حتى ظهرت أجسادهن ،ال يمكن أن يقبله ويرضاه أي منصف ،وقد نبه
شيخ اإلسالم ابن تيمية على كذب هذه القصة فقال> :ومما يبين ظهور الكذب
في هذا أن المسلمين ما زالوا يسبون الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ،ومع هذا
فما علم أنهم قط كانوا يرحلون النساء مجردات بادية أبدانهن ،بل غاية ما يظهر
من المرأة المسبية وجهها أو يداها أو قدمها<( ،)1فإذا كانت هذه سيرة المسلمين
مع سبايا الكفار ،فكيف ي ّدعى أنهم صنعوا مع سبايا أهل البيت ما لم يصنعوه مع
سبايا الكفار؟ .ولفظاعة هذا األمر فإن بعض المعاصرين من اإلمامية استبعده
واستنكره ،وإن وقع في كالمهم تكلف وجنف ظاهر ،فزعم علي الكوراني أنه لم
بين عرايا! حتى قرأ ذلك من ابن تيمية< يسمع أحدا قال إن نساء آل البيت > ُس َ
وقال> :والتسأل من أين جاء بهذا القول! فقد يكون أحد نقله له عن عامي أبله،
وقد يكون اخترعه من عنده ،)2(<...ويقول جعفر مرتضى العاملي> :المقصود
بالعري هو سلبهن األلبسة الالئقة بهن كالمالحف والمالءات التي تكون فوق
الثياب الساترة للجسد ،وترك األسمال ،والثياب التي ال يليق بالمرأة الشريفة أن
تظهر بها ..حتى وإن كانت ساترة للجسد<( ،)3قلت :ما أجاب به هذان
المعترضان غريب ،فقد مضى نقل روايات اإلمامية وكالم علمائهم الصريح في
هتك حجاب آل البيت ،والتصريح بأنهن كن ــ وحاشاهن ــ عرايا ،ولذا زعمت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مجموع الفتاوى (.)504/4
( )2جواهر التاريخ ( 110/4ــ .)111
مختصر مفيد (.)80/21
ٌ ()3
512
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
روايات الكذابين أن إحدى نساء الكوفة أعطت نساء آل البيت مالء وأزرا ومقانع
ليتغطين بها ،واألغرب واألعجب ،أن كال من الكوراني والعاملي قد نقال الروايات
التي تصرح بوقوع هذه الفظائع على آل البيت في كتبهم ،فالكوراني نقل رواية المرأة
الكوفية التي أعطت لنساء آل البيت مالبس يستترن بها( ،)1وهذه الرواية صريحة في
هتك ستر نساء آل البيت وعليها اعتمد بعض اإلمامية المعاصرين ،ولكن التحامل
على شيخ اإلسالم ابن تيمية جعله ينسى ما خطته يداه في كتابه.
وأما جعفر مرتضى العاملي فرغم أنه نقل روايات صريحة في هذا الباب إال
أنه أتعب نفسه في صرف معناها عن ظاهرها ،بل جعل بعض هذه األخبار دليال
على عدم كشف أجساد نساء آل البيت فقال> :إن حديث جمع إحدى الكوفيات
مالء وأزرا ومقانع ،وأعطتها للنساء يدل على ما نقول<( ،)2فلتعجب لهذا ،وقارنه
مع قول محمود قانصو عن نفس الرواية> :ومن الواضح أن المقانع تستر الرأس،
واألزر تستر ما تحت السرة ،والمالء ما توضع على الرأس إلى أسفل الجسد مما
يعني أن بنات الرسالة كن يفتقدن هذه األلبسة ،أو كانت عليهن ممزقات إلى حين
أعطتهن إياها هذه المرأة الكوفية<( ،)3وكالم العاملي إنما يصح لو كانت المرأة
الكوفية أعطت نساء آل البيت مالحف فقط ،ألن الملحفة هي ما يُلبس فوق
الثياب ،وقد جاء في تلك الرواية أنها أعطت النساء المقانع واألزر والمالء،
ولست أدري هل يجهل جعفر مرتضى العاملي معنى اإلزار والمالءة والفرق
بينهما وبين المقنعة أم يتجاهل ذلك؟ ،فاإلزار هو ما يستر أسفل الجسد وموضعه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1جواهر التاريخ (.)70/4
مختصر مفيد (.)80/21
ٌ ()2
( )3ما بعد كربالء (ص .)45
513
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
من الحقوين إلى الكعبين( ،)1ولذا جاء في الحديث الصحيح> :ما أسفل من
الكعبين من اإلزار ففي النار<( ،)2ال يقال إنه قد ورد في بعض كتب اللغة إطالق
اإلزار على الملحفة( ،)3فإن هذا إنما خرج من باب التمثيل ال تحديد مدلول
الكلمة ،فضال عن أن العطف في هذه الرواية يفيد المغايرة ال االتحاد ،فاجتماع
ذكر اإلزار والرداء والملحفة في كالم واحد إنما كان الختالف مسمياتها.
ثم إن جعفر مرتضى تغاضى وتجاهل في جوابه عن الروايات الصريحة في
العري بمعنى كشف الجسد ،وعلق على رواية وحيدة فقال> :وقول اإلمام السجاد
تسيرونا على األقتاب عارية إن صح ،ال يدل على ذلك أيضا ،ألن كلمة
عارية وصف لألقتاب<( ،)4وهذا الكالم فيه من التمحل والتعسف ما ال ينقضي
منه العجب ،فإن قائل هذا الشعر إنما اقتبسه من الروايات التي صرحت بأن نساء
آل البيت ُحملن وهن عرايا على أقتاب الجمال ،كما صرح جعفر مرتضى العاملي
بنفسه ونقله في السؤال الموجه إليه ،وهو قوله> :وحمل رأسه وأهله سبايا ،عرايا،
على أقتاب الجمال إليه<( ،!!)5ويبدو أن جعفر مرتضى العاملي كان ال يجد
غضاضة في نقل الروايات التي تصف نساء آل البيت بأنهن عرايا في كتابات
سابقة له ،فتراه ينقل الرواية التي ت َّدعي بأن نساء آل البيت >هتكت ستورهن،
وأبديت وجوههن<( ،)6لكن لما وجه إليه هذا السؤال وفيه االستنكار لتلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشارق األنوار ( ،)378/1الصحاح للفارابي (.)578/2 ()1
صحيح البخاري (.)5787 ()2
كمثل قول الفيروز آبادي في القاموس المحيط (> :)343/1واإلزار الملحفة<. ()3
مختصر مفيد (.)80/21 ()4
مختصر مفيد (.)75/21 ( )5
سيرة الحسين في الحديث والتاريخ ( ،)258/19وقد طبع الكتاب سنة 1438هـ ،وانظر أيضا=: ()6
514
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
الروايات واستفظاع ما فيها ،حتى قال السائل بعد أن ساق شيئا من روايات هتك
ستر نساء آل البيت> :كل هذه األخبار تفيد أ ّن القوم هجموا على الفاطميات
وسلبوهن كل ما عليهن من الحلي والحلل والمقانع والمآزر والمالحف وتركوهن
عرايا مسلبات ...فهل هذا يُعقل وهل هذا يمكن أن يحصل؟! وكيف يسمح اهلل
بهذا االنتهاك الذي ال يحتمله قلب اإلنسان وال عقله؟! ليس كفرا ولكن
حافظكن<!!! أين
ّ عجبا ..أين قول اإلمام الحسين لزينب> :واعلمي أن اهلل
الحفظ؟!<( ،)1فلما رأى جعفر مرتضى ما في هذا السؤال من اإلشكاالت
واالعتراضات القوية التي قد تشكك السائل في عقيدته عدل عما قرره سابقا،
وأتى برأي جديد!( ،)2لكنه لم يمتلك الشجاعة ليصرح بخطئه ،أو يحكم على
هذه الروايات بالبطالن واالختالق ،ويكفينا إقراره بنفي هتك نساء آل البيت
وتعريتهن دليال على فظاعة هذه القصة واستبعاد وقوعها ،ور ِّد ما ورد من أخبارهم
في ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= عاشوراء بين الصلح الحسيني والكيد السفياني (ص ،)97وقد طبع الكتاب سنة 1424هـ.
( )1مختصر مفيد (.)78/21
( )2كتاب مختصر مفيد الذي صرح فيه جعفر مرتضى بإنكار روايات سلب النساء ثيابهم ،هو سلسلة
من األجوبة التي كانت تجمع وتطبع على مدار عدة سنوات ،والمجلد الحادي والعشرون هو آخر
مجلد من تلك السلسلة ،وهو المجلد الذي أنكر فيه جعفر مرتضى العاملي هذه الروايات ،طبع
سنة 1439هـ.
515
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
516
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
517
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
وقد تابع ابن كثير شيخه ابن تيمية في إنكار وقوع السبي فبعد أن ذكر رواية
أبي مخنف عن اعتذار يزيد لعلي بن الحسين عن مقتل أبيه ،قرر أن هذا يرد قول
من قال> :إنهم حملوا على جنائب اإلبل سبايا عرايا ،حتى كذب من زعم منهم
أ ّن اإلبل البخاتي إنما نبتت لها األسنمة من ذلك اليوم لتستر عوراتهن<(.)1
ــ تنبيه على تصحيف في >منهاج السنة< ظاهره إقرار شيخ اإلسالم ابن تيمية
بوقوع السبي
وقع في بعض مخطوطات >منهاج السنة<( ،)2وفي طبعتي بوالق والجامعة
()3
نفي وقوع السبي
غير كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية من ِ اإلسالمية ،تصحيف َّ
في زمن يزيد إلى إثباته! ،فقد جاء هناك> :و ُهم الذي سعوا( )4في سبي
الهاشميات ونحوهم إلى يزيد وأمثاله ،فما يعيبون على غيرهم بعيب إال وهو فيهم
أعظم< ،وبعد البحث تبين أن هذا تصحيف في بعض النسخ الخطية لمنهاج
السنة ،وأن الصواب > :هم الذين سعوا في سبي الهاشميات ،ال يزيد وأمثاله،
فما تجدهم يع يبون غيرهم بعيب إال وهو فيهم أعظم< ،وهذا هو المثبت في
نسخة مكتبة البروجردي المنسوخة سنة 738هـ( ،)5أي بعد عشر سنوات من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البداية والنهاية (.)563/11 ()1
مخطوطة منهاج السنة المحفوظة بجامعة اإلمام محمد بن سعود والمرقمة برقم ([ ،)4994ق /2أ]. ()2
منهاج السنة طبعة بوالق ( ،)258/2منهاج السنة بتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم (.)593/4 ()3
أي :الغالة. ()4
مخطوطة منهاج السنة المحفوظة بمكتبة البروجردي والمرقمة برقم ([[ ]N27ق/11ب] ،وهذا ( )5
موضع الشاهد
518
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
وفاة ابن تيمية ،وكذا نسخة الحرم المكي المنسوخة سنة 1122هـ( ،)1وبهذا
يتبين منشأ الخلل في هذا النص ويتضح أن كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية في هذه
المسألة متسق وال إشكال فيه.
ــ نقد الباحثين المعاصرين لقضية السبي
تابع شيخ اإلسالم ابن تيمية جماعة من الكتاب والباحثين المعاصرين،
وأنكروا قصة سبي نساء بني هاشم بعد وقعة كربالء ،كالدكتور محمد عبد الهادي
الشيباني ،إذ انتقد الروايات التي تزعم أن أهل البيت ُحملوا أسارى إلى يزيد،
فنقل كالم ابن تيمية ،ثم قال معلقا على رواية أبي مخنف التي ورد فيها أن شاميا
سأل يزيد أن يهبه فاطمة بنت علي> :وتحاول بعض الروايات ...أن تصور أبناء
الحسين وبناته وكأنهم في مزاد علني ،وجعل أحد أهل الشام يطلب من يزيد أن
يعطيه إحدى بنات الحسين( ،)2فهذا من الكذب البين الذي لم يدعمه سند
صحيح أو واقعة واحدة في تاريخ المسلمين ،ثم إنها مغايرة لما ثبت من إكرام
يزيد آلل الحسين ،ثم إن يزيد لم يستعرض النساء ويجعلهن عرضة للجمهور
ليختار ما يشاء ،ثم كيف يحدث هذا في الصدر األول ومع مسلمات ،بل أعز
مع وجود الصحابة والتابعين؟<(.)3 المسلمات لقرابتهن من رسول اهلل
وقال الشيخ الدكتور عثمان الخميس> :الكالم الذي يقال عن يزيد أنه سبى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مخطوطة منهاج السنة المحفوظة بمكتبة الحرم المكي برقم ([ )2281ق ]18وهذا موضع الشاهد
( )2كذا وقد مضى التنبيه على هذا الغلط وأن الوارد في رواية أبي مخنف أنها فاطمة بنت علي .
( )3مواقف المعارضة في عهد يزيد (ص ،)360القول السديد في سيرة الحسين الشهيد (ص 169
ــ ،)170الدولة األموية للصالبي (.)483 /1
519
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
520
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
وحمل السبي في الروايات على األسر كما مضى ،والذي حمل الكوراني على
ذلك ليس استنكاره لقضية السبي ،بل وقوفه على كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية
في هذه المسألة والتي استشنع فيها وقوع السبي على آل البيت وأنكره وانتقده،
فنقل الكوراني كالم ابن تيمية ثم قال> :علم اهلل أني لم أقرأ طول عمري ولم
أسمع ،مع أني من بالد الشام التي عاش فيها ابن تيمية ،أن أحدا من الشيعة أو
السنة قال إن البخاتي نبت لها سنام ثا ٍن من ركوب سبايا أهل البيت عليها...
حتى قرأت ذلك من ابن تيمية! ،وال تسأل من أين جاء بهذا القول! فقد يكون
أحد نقله له عن عامي أبله ،وقد يكون اخترعه من عنده ليقول :وأهل البيت لم
يُ ْس َب أحد منهم في اإلسالم! ،فينفي سبي يزيد لنساء أهل البيت ليوهم نفي
أسرهم أو يخففه ،ويقول أنا صادق ألن يزيد أسرهم وعفا عنهم ولم ْيس ِبهم،
حرف ابن فالسبي عنده أن يتملكهم عبيدا وإماء ...،فمن أجل تبرئة إمامه يزيد َّ
تيمية معنى السبي وجعله التملك وليس األسر! مع أن العرب يقولون سباهم ثم
أطلقهم ولم يتملكهم<( ،)1والجواب من وجهين:
األول :إن روايات اإلمامية وكالم علمائهم صريح في وقوع السبي بمعنى
االستعباد واالسترقاق ،وقد مضى نقل رواياتهم في هذا الباب ومنها الرواية
المنسوبة لزينب والتي جاء فيها> :ال تدخلن عربية إال أم ولد أو مملوكة فإنهن
ُسبين كما ُسبينا<( ،)2وبذلك يظهر شدة تحامل الكوراني على ابن تيمية حين
نسب إليه أنه فسر السبي باالسترقاق دون األسر ،فليس ابن تيمية هو من ابتدأ
هذا القول ،بل هو ما قرره اإلمامية قبل أن يقول ذلك ابن تيمية كابن نما الحلي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1جواهر التاريخ ( 110/4ــ .)111
( )2اللهوف على قتلى الطفوف (ص .)95
521
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
(توفي في القرن السابع) وابن طاووس ( 664هـ) ،فكان على الكوراني لو كان
صادقا أن ينتقد كتب اإلمامية ورواياتهم التي نسبت السبي بمعنى االسترقاق إلى
آل البيت.
الثاني :إن جزئية بخاتي اإلبل قد تعرض لها ابن تيمية في أكثر من موضع
من كتبه عند كالمه عن السبي ــ كما مضى نقل كالمه ــ ،وكان يقول إن هذا من
قول الكذابين والغالة ،وقد وردت إليه في سؤال مكتوب جاء فيه> :هل صح أن
ُس ُبوا؟ ،وأنهم أركبوا على اإلبل عراة ولم يكن عليهم ما أهل بيت النبي
يسترهم ،فخلق اهلل تعالى لإلبل التي كانوا عليها سنامين استتروا بها؟<( )1فأجاب
بتكذيب هذه القصة ،فالظاهر أن هذه القصة مما كان يتداول في بعض األزمان
دون بعض ،فكون هذه القصة غير موجودة في الكتب ال يعني تعمد ابن تيمية
الكذب ،كما يريد الكوراني أن يوهم قراءه.
* خالصة:
والخالصة أن ما يروى من سبي زينب ونساء آل البيت هي روايات
مقطوعة البطالن ،تفرد بها أبو مخنف وأضرابه من األخباريين ولم يسندوها بسند
ثابت ،وهي مبتالة بالتناقض والنكارة ،ويمنع صحتها ما كان عليه المسلمون من
استعظام سبي نساء آل البيت ،فضال عن تعارضها مع روايات أصح منها وأسلم،
تنفي السبي وتثبت وقوع األسر فقط ،وأما روايات المتأخرين وما زيد فيها من
الشنائع والفظائع فهي مكذوبة ال أصل لها ،بل هي من األساطير التي راجت وال
زالت تروج في كثير من المنابر والكتب ،وأسأل اهلل أن يكون ما كتبته في هذا
وطيها وع ّدها من األكاذيب التي
البحث من نقد هذه األسطورة بابا لتفنيدها ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مجموع الفتاوى (.)498/4
522
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
523
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
مستقلة( ،)1وبما أن هذه الرواية قد بلغت في الشهرة اليوم مبلغا عجيبا ،وصار
كثير من العوام يظنون أن زينب هي منشأ عادة التطبير ،كان ال بد من التعرض
لبيان بطالن هذه الرواية وبراءة زينب من هذه الفرية ،والكالم عن هذه الرواية
يقع في أصلها وفي مضمونها:
أ ــ رواية المحمل ال أصل لها وهي من وضع قصاص القرن الحادي عشر
إن هذه الرواية مختلقة مصنوعة موضوعة بال ريب وال مرية ،فهذه الرواية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= (ص ،)93فتوى المرجع محمد الوحيد التبريزي المنشورة ضمن مراسم عاشوراء في فتاوي
المراجع والعلماء (ص ،)142فتوى المرجع محمد الوحيدي المنشورة ضمن فتاوى الفقهاء
والمراجع في الشعائر الحسينية من إعداد رابطة فذكر الثقافية (ص ،)139رد الهجوم عن شعائر
اإلمام الحسين المظلوم للمرجع محمد جميل حمود (ص 212ــ ،)213رمزية الدم في الشعائر
الحسينية تقرير بحث المرجع محمد سند (ص ،)254وصيتي للعالم اإلسالمي للمرجع محمد
علي الطباطبائي (ص ،)228الشعائر الحسينية لحسن الشيرازي (ص ،)126المواكب الحسينية
لعبد اهلل المامقاني المنشور ضمن رسائل الشعائر الحسينية ( 231/1ــ ،)232نصرة المظلوم
لحسن إبراهيم المظفر (ص ،)37الشعائر الحسينية للميرزا حامد النواب (ص ،)134فقه
الشعائر الحسينية لفاضل الصفار ( ،)143/3الشعائر الحسينية لمحمد جمعة بادي (ص ،)137
مراسم عاشوراء (ص ،)61وسيرة الحسين في الحديث والتاريخ ( )32/20لجعفر مرتضى
العاملي ،مشروعية الشعائر الحسينية لمهدي معاش (ص 177ــ .)181
ومن مصادر المانعين منه :التطبير واإلشكالية المزمنة (ص ،)44فقه الشعائر والطقوس لحسين
الخشن (ص ،)232وقفة مع التطبير (ص .)31
الجصاص زينب ( )نطحت جبينها بالمحمل< ( )1كتب فارس الحسون بحثا عنوانه> :رواية مسلم ّ
ونشره في موقعه اإللكتروني ،وكتب هاشم الهاشمي رسالة في االنتصار لرواية النطح عنوانها:
>في السيرة الحسينية ،عرس القاسم بن الحسن بين الحقيقة والخرافة ،رواية ضرب زينب لجبينها
بالمحمل أو رواية النطح< ،وألّف المرجع محمد جميل حمود كتابه> :إتحاف ذوي االختصاص
بالتحقيق في خبر مسلم الجصاص< ،وهو مطبوع في مائة وسبعة وستين صفحة!!.
524
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
ال توجد في أي مصدر قبل القرن الحادي عشر ،فأقدم من ذكرها هو الطريحي
( 1085هـ) في >منتخبه< ،ولم يعزها إلى أي مصدر ولم يذكر لها سندا ،فهي
رواية بال أصل وال فصل ،وقد نسبها الطريحي إلى مسلم الجصاص ،ومسلم
الجصاص هذا رجل لم تلده أرحام النساء ،وإنما هو من اختالق من عمل هذا
الخبر ،ولذا فال تجد ذكرا لهذا الرجل في أي مصدر من المصادر الرجالية
لإلمامية( ،)1وقد نُسب هذا الخبر إلى كتاب >نور العين< المنحول على
اإلسفراييني ،إال أن الطبعات مختلفة في إثبات هذا الخبر( ،)2فلست أدري هل
ُد ّس في بعض نسخه وطبعاته أم كان في أصل نسخ >نور العين<؟ وسواء ثبت
هذا الخبر في >نور العين< أم لم يثبت ،فإن هذا ال عبرة به ،ألن كتاب >نور
العين< كما مضى إنما ُوضع في القرن الثالث عشر( ،)3فورود هذه الرواية فيه،
يزيد هذا الكتاب وهنا على وهن ،ويؤكد أن الكتاب مختلق بآخرة.
ثم إن الرواية في >نور العين< وردت بصيغة أخرى غير التي وردت في
>المنتخب< للطريحي ،فأضيف إليها خطبة مطولة لزينب ،فضال عن أن نطح
زينب بالمحمل ال أثر له في رواية كتاب >نور العين<!.
وقد حاول بعضهم اإلجابة عن هذا الخلل بأجوبة باردة ،فقد اعتذر هاشم
الهاشمي عن عدم وجود هذه الرواية في أي مصدر قبل القرن العاشر ،باعتذار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1والمصدر الوحيد الذي ذكر مسلما الجصاص هو مستدركات رجال الحديث ( )411/7لعلي
النمازي الشاهرودي ( 1402هـ) ،وقد حاول إصالح حال الجصاص بناء على هذه الرواية
المختلقة! وهذا من الغرائب!!.
( )2لم أقف عليه في طبعة القاهرة ،ووجدته في طبعة مكتبة المنار بتونس (ص ،)55وطبعة بومباي
كما نقل الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص )54الهامش .10
( )3انظر (ص 428ــ .)433
525
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
في غاية الغرابة ،فقال> :ليس كل ما ح َدث نُقل إلينا ،بل بقي الكثير تحت طي
الكتمان ،حتى وصلت الرواية إلى المجلسي<( ،)1وهذا جواب بارد ،فلو صح
هذا االعتذار فلكل كاذب أن يخترع قصة وينسبها إلى القرون األولى ،فإن طولب
بالدليل قال> :ليس ما كل حدث نُقل ،وهذا الخبر ظل مستورا مكتوما حتى وقفت
عليه<!! وال شك أن العجز هو ما يلجئ إلى مثل هذه األجوبة السمجة الغريبة
التي ال تمت إلى أصول البحث العلمي بأي صلة.
ومن غرائب األوهام ،عزو علي أكبر المازندراني هذا الخبر إلى ابن
طاووس ( 664هـ) ،وأحال إلى المجلسي في البحار( ،)2وهذا وهم فاحش،
سببه الغفلة وعدم االنتباه ،فإن المجلسي نقل رواية عن ابن طاووس ثم نقل رواية
المحمل عن بعض الكتب المعتبرة ،ولم يتنبه المازندراني لذلك فظن أن هذه
الرواية من كالم ابن طاووس ،والمتحصل أن هذا الخبر هو خبر ساقط ال أصل
له ،مختلق من أحد قُصاص القرن الحادي عشر ،وما سيأتي من عالمات الوضع
في متنه يؤيد ذلك.
ب ــ دالئل على اختالق رواية المحمل
إن كل من استأنس باألخبار التاريخية يعلم أن هذا الخبر موضوع في القرن
العاشر فما بعده ،فقد جاء على شاكلة األخبار التي صنعت عن مقتل الحسين في
وتتب ُع مواضع الخلل في هذا
القرن العاشر ،والتي انتشرت في كتب المقاتلُّ ،
الخبر من تضييع العمر ،ولذا سأقتصر على أهم الدالئل(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1في السيرة الحسينية (ص .)65
( )2دليل الهدى في فقه العزاء (ص .)134
( )3وقد انتقد هذا الخبر جماعة من اإلمامية وذكروا مواطن العلل فيه ،وجلهم ممن تعرض للكالم=
526
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
ــ الدليل األول :جاء في الخبر أن مسلم الجصاص لما سمع الزعقات في
الكوفة سأل خادما عن ذلك فأجابه>> :الساعة أتوا برأس خارجي خرج على
يزيد< ،فقلت> :من هذا الخارجي؟< فقال> :الحسين بن علي ،)1(<<أقول:
إن إطالق وصف خارجي على الحسين ال يعرف في أي خبر من األخبار،
وال أحد يتصور أن يصدر هذا من عاقل ،فضال عمن عاش في القرون األولى.
ــ الدليل الثاني :نَسب ُمخ ِتلق هذا الخبر لعلي بن الحسين أنه أنشد أبياتا
ركيكة منها قوله:
َواهللُ يَ ْه ِتــــ ـ ُك أَ ْســــ ـ َت َار ا ْل ُم ِســــ ـي ِئينَا J الطــ ِّف قَ ـ ْد أَ ْو َر ْث ِت ِنــي ُح ْزنــا
يَ ـا َو ْق َعــ َة َّ
أقول :لو غضضنا الطرف عن ركاكة هذا البيت ،فإن ما يشهد باختالقه هو
أن إطالق اسم وقعة الطف على واقعة مقتل الحسين في كربالء ،هو من
األمور المتأخرة عن القرن الثاني ،فنسبته إلى زين العابدين كذب واختالق.
ــ الدليل الثالث :من األمور الغريبة في هذا الخبر ،قول مسلم الجصاص
عن الحسين إنه >أشبه الخلق برسول اهلل <( ،)2فكيف عرف الجصاص
وال رآه؟ ،وليس هذا فقط، وهو لم يدرك النبي أن حسينا شبيه بالنبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= عن قضية التطبير ،فلخصت مالحظاتهم وأضفت عليها أمورا أخرى ،وأعرضت عن بعض
االعتراضات التي ذكروها لضعفها ،مثل االعتراض على ذكر كلمة النطح في الرواية لكونها مختصة
بالبهائم دون البشر ،على ما قال بعض اللغويين ،فإن الجواب عنه سهل ،إلمكان حمله على
المجاز ،فضال عن أن دعوى اختصاص النطح باإلنسان دون الحيوان منقوضة بورود ذلك في
روايات مسندة.
( )1بحار األنوار (.)114/45
( )2بحار األنوار (.)115/45
527
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
فإن مسلما الجصاص في خبره هذا قص ما صنعته أم كلثوم وزينب ،وهنا يرد
نفس السؤال :من أين عرف اسمهما وهو ليس من أهل البيت وال ممن
خالطهم؟! ،الجواب بيِّن وظاهر وهو أن مختلق هذه األكذوبة لم يتنبه لهذه
المصائب في روايته! .وبعد كل هذا ،كيف يستريب عاقل في أن هذا الخبر
مختلق مصنوع؟.
ــ الدليل الرابع :ادعاء ُمختلِق هذه الرواية أن زينب لما رأت رأس الحسين
ضربت رأسها بالمحمل حتى سال دمها ،فيه مبالغة ومجازفة ظاهرة ،وهذا
الكذاب فاق أبا مخنف في الكذب واالفتراء ،فإن أبا مخنف إنما نسب إلى زينب
في مروياته أنها صرخت ولطمت وجهها وشقت جيبها لما علمت بدنو أجل
الحسين ،وهذا ال يعدو ما يقع من النساء عادة ،أما ضرب الرأس بالمحمل عند
نزول المصيبة فهذا ال يعرف عند قدماء العرب فضال عن النساء ،وإذا كنا ال نقبل
نسبة اللطم وشق الجيب إلى زينب الذي ورد في رواية أبي مخنف ،فكيف نقبل
هذا الخبر المغرق في الكذب والجهل؟ ،وزينب عندنا أجل وأعقل من أن
يصدر منها مثل هذه األفعال التي تصدر عن السفهاء.
ج ــ موازنة بين أقوال المثبتين لرواية المحمل ،وبين القائلين بضعفها ور ِّدها
بالرغم من كل العلل القاطعة ببطالن هذا الخبر واختالقه ،فقد حكم بصحة
الخبر واعتباره جماعة من مراجع اإلمامية ومشايخهم ،منهم المرجع مرتضى
الفيروزآبادي( ،)1والمرجع صادق الشيرازي( ،)2والمرجع محمد جميل حمود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1فتاوى العلماء األعالم في تشجيع الشعائر الحسينية (ص ،)30مراسم عاشوراء في فتاوى
المراجع والعلماء (ص .)93
( )2استفتاء في الشعائر الحسينية المقدسة (ص .)29
528
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
529
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
والجواب عن هذا ظاهر ،فإن حكم المجلسي باعتبار الكتاب ال يلزم منه الحكم
بأن الرواية المنقولة منه معتبرة ،بل لو سلمنا بهذا لما كان لحكم المجلسي أي
قيمة علمية ،ألنه أحال على كتاب مبهم ولم يصرح باسمه ،ثم إن الذي يظهر أن
الكتاب الذي قصده المجلسي بالمعتبر هو كتاب >المنتخب< للطريحي فقد نقل
منه كثيرا ،وهذه الرواية موجودة فيه ،وهذا الكتاب ساقط وغير معتمد ،ومليء
باألخبار المختلقة والموضوعة على الحسين كما قرر ذلك جماعة من
اإلمامية( ،)1فأي اعتبار لهذا الكتاب؟.
ــ ومن االستدالالت الذي ذكروها :قولهم :إن الرواية ُنقلت في عدة
مصادر( ،)2قلت :هذا ليس إال خياال ضعيفا ،فإن المصدر األصلي لهذه الرواية
هو كتاب منتخب الطريحي ،ثم نقل المجلسي الخبر في بحار األنوار ،وبعد ذلك
نُقل في كتب أخرى متأخرة ،فال فائدة لتكرار الخبر في عدة مصادر ألن مخرجه
واحد ،وقد نقض فضل علي القزويني هذا االستدالل فقال تعليقا على قول
مرتضى األنصاري ( 1282هـ) بشهرة هذه الرواية(> ،)3المراد من الشهرة في
كالمه قدس سره الشهرة في ألسنة الراثين والذاكرين في زمنه ،ال الشهرة
المصطلحة ...وال الشهرة في الرواية ،إذ لم يُعهد شهرة هذه الحكاية قبل زمنه
قدس سره ،وال اشتهار الرواية قبل زمن المجلسي بل وال بعده ،إذ كثير من
المتأخرين أعرضوا عن ذكر الرواية والحكاية في كتبهم ومقاتلهم كاللواعج
والقمقام واألربعين ،بل صرحوا بكذب الرواية<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر :جدل ومواقف في الشعائر الحسينية (ص 137ــ ،)140الصحيح من مقتل سيد الشهداء ()1
(ص .)37
لماذا التطبير ،عبد العظيم المهتدي البحراني (ص ،)46و(ص .)142 ()2
كتاب الزكاة (ص 352ــ .)353 ()3
اإلمام الحسين وأصحابه (.)218/3 ()4
530
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
531
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
532
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
مؤرخ وال مؤلّف ،مسخوا بعض األحاديث الصحيحة وزادوا ونقصوا فيها؛ لِما ّ
وسقمها ح ّتىبصحة األخبار ُّ يرونه من تأثيرها في نفوس المستمعين الجاهلين
ُح ِف َظ ْت على األلسن ،وأُودعت في المجاميع ،واشتهرت بين ال ّناس ،وال رادع،
وهي من األكاذيب التي تغضبهم وتفتح باب القدح للقادح ...إ ّن ما يفعله جملة
من ال ّناس؛ من جرح أنفسهم بالسيوف ،أو اللطم المؤ ّدي إلى إيذاء البدن ،إ ّنما
الجهال عذرا
هو من تسويالت الشيطان وتزيينه سوء األعمال ...وانتحال بعض ّ
بمق ّدم المحمل ح ّتى لذلك بما ينقلونه من أ ّن إحدى الطاهرات نطحت جبينها ُ
ُرئي الدم يجري من تحت قناعها؛ هو من هذا البحر وعلى هذه القافية اللذين
ّمرت اإلشارة إليهما<(.)1
ــ ويقول الريشهري> :كيف يمكن تصديق ضرب زينب رأسها
بالمحمل في المأل العام بين آالف الكوفيين ويجري دمها ،ثم يبقى هذا الموضوع
ثم يروى بعد كل هذه المدة الطويلة في بعضمسكوتا عنه لحوالي ألف سنةّ ،
المصادر التي تبلغ الغاية في الضعف ،وعن شخص واحد؟!<(.)2
ــ ويقول الباحث حسن إسالمي> :يقوم هذا الدليل على حديث يذكر أنصار
جعله وكذبه ،فلم يَرِ ْد هذا
التطبير أنه صحيح ،إال أن تأمال بسيطا يوضح لنا ْ
أي من المصادر القديمة الروائية والتاريخية ،فال إشارة في مقتل أبي
الحديث في ّ
مخنف إلى هذه الحادثة إطالقا ،كذلك في المقتل المعروف البن طاووس
«اللهوف في قتلى الطفوف< ،ال حديث عن هذا الموضوع ...وفي الحقيقة ،إ ّن
رواية ضرب الرأس بالمحمل إنما ظهرت في القرن الحادي عشر الهجري ،وشيئا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية ( 11/1ــ .)12
( )2الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ،)55الهامش.
533
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
تتحول إلى أساس لتشريع التطبير ،)1(<...ثم ذكر كالما في أصل الخبر
فشيئا أخذت ّ
وانتشاره في بعض الكتب وحكم عليه بأنه >خبر مجعول< و>خبر كاذب<(.)2
ــ وقال باقر رستم مستغربا ممن اعتمد على هذا الخبر> :وأكبر من ذلك أن
ُتقبل رواية المحمل التي تأخرت روايتها إلى أكثر من ثالثة أو أربعة قرون عن يوم
الواقعة( ،)3وليست موجودة في أي من أمهات المقاتل المعروفة ،ومع ذلك
يُعتمد عليها في حكم شرعي<(.)4
ــ وقال محمد الحسون عن رواية المحمل بعد بحث في سندها ومتنها:
>هذه الرواية مجهولة المصدر ،مجهولة الراوي ،مرسلة ،في متنها ع ّدة
إشكاالت<(.)5
ــ وقال حسين المياحي> :هذا الخبر مدسوس موضوع مكذوب على آل
البيت وعقيلة بني هاشم ،وقد ُوضع أيام تدوين البحار ممن ال يفقه في العربية
شيئا<(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالة >العزاء ،سنة دينية أم فعل اجتماعي< ،المنشورة ضمن كتاب جدل ومواقف في الشعائر ()1
الحسينية (ص 324ــ .)325
المصدر السابق (ص .)326 ()2
قلت :بل عشرة قرون!. ()3
التطبير واإلشكالية المزمنة (ص .)52 ()4
الجصاص زينب ( )نطحت جبينها بالمحمل< (ص ،)21ومع ذلك رأى مقالة >رواية مسلم ّ ( )5
االستناد إليها من باب التأييد!.
مقالة> :هل (نطحت) العقيلة زينب جبينها بمقدم المحمل؟ أو (نطحت) مقدم المحمل؟<، ()6
لحسين المياحي ،منشور بموقع االجتهاد
/هل-نطحت-العقيلة-زينب-ع-جبينها-مبقدم-الhttps://ijtihadnet.net/
534
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
ووافقهم في رد هذا الخبر عدة ٌ ،منهم :المرجع محمد حسين فضل اهلل(،)1
والمرجع اللنكراني( ،)2والمرجع محمد آصف محسني( ،)3ومحمد صحتي(،)4
وعلي أكبر السيفي المازندراني( ،)5وفوزي آل السيف( ،)6وحسين الخشن(،)7
وياسر عودة( ،)8وعلي دهيني( ،)9ورشيد السراي(.)10
وال شك أن الصواب مع من حكم ببطالن هذا الخبر واختالقه ،وال حاجة
عرف إال
للتوسع في ذلك ،فإن أي عاقل يقطع بأن خبرا يرويه راو مجهول ال يُ ُ
كتاب أُل ِّف في القرن الحادي عشر
أقدم مصدر لهذا الخبر هو ٌ
بهذا الخبر ــ ويكون ُ
حيث كان قُ ّصاص مقتل الحسين يتنافسون في اختالق األكاذيب ،ويكون متنه
سخيفا ركيكا ال يمت للغة القرون األولى بأي صلة ــ هو خبر مكذوب ،وكل من
صحح هذا الخبر لم يستند إلى أي قاعدة علمية ،بل إنما اعتمادهم على تمحالت
مح َدثة ال يتعدى
بعيدة وتوهمات عجيبة ال يراد منها إال إيجاد أصل لممارسة ْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الندوة (.)464/1
( )2نقل فتواه باقر رستم في كتابه> :التطبير اإلشكالية المزمنة< (ص .)46
( )3حيث لم يحكم باعتبار الخبر في مشرعة بحار األنوار (.)156/2
( )4مقالة >السيرة الحسينية المصادروالمراجع< ،المنشورة ضمن كتاب جدل ومواقف من الشعائر
الحسينية (ص .)139
( )5دليل الهدى في فقه العزاء (ص .)134
( )6من قضايا النهضة الحسينية (ص )193الهامش .2
( )7فقه الشعائر والطقوس (ص 232ــ .)239
( )8قضايا أثارت جدال (ص .)89
الحسينية< المنشورة بمجلة االجتهاد والتجديد ،العدد ( ،23ص .)207
ّ ( )9مقالة >أحكام الشعائر
( )10له بحث مطول حول رواية مسلم الجصاص وأدلة التطبير ،نشره في سبع حلقات تحت عنوان:
>التطبير بين الشعائرية والتحريم< ،منشور بالموقع اإللكتروني لمؤسسة النور للثقافة واإلعالم.
535
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
عمرها مائتي سنة ،ويحاولون تبريرها وإيجاد أصل لها بنسبتها إلى زينب بنت
علي ،وزينب بريئة من هذه الرواية براءة الذئب من دم يوسف .
536
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
زينب الكبرى ،)1(حتى قال الشيخ اإلمامي عبد العظيم المهتدي البحراني:
>التطبير من بعد السيدة زينب قام به التوابون<( ،)2ونَقل عن المرجع المعاصر
يعسوب الدين الرستكاري أنه قال> :التطبير جائز تبعا لفعل السيدة زينب.)3(<..
ويقول غفار عفراوي> :كثر الحديث عن شعيرة التطبير التي تمارس من قبل
المعزين بذكرى شهادة اإلمام الحسين ،ويُن َقل أن السيدة زينب كانت أول
من فعل ذلك<(.)4
وقال نمر باقر النمر> :كل هامة ُتجرح اقتداء بزينب التي ضربت رأسها
بالمحمل فسال دمها<( .)5وقال جالل الدين الصغير وهو يبرر للمطبِّرين> :وجدوا
أن الصديقة الحوراء ضربت رأسها بالمحمل فقالوا لن نتركها وحدها فراحوا
يطبرون الهامات ويضربون الرؤوس<(.)6
وقال شاعرهم هادي الخفاجي:
نشــــــج منــــــا أرؤســــــا بالمــــــدى Jلـــرزء ســـبط المصـــطفى المرســـل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر الدكتور اإلمامي توفيق بوخضر هذا ضمن اآلراء التي ذكرت في نشأة التطبير ورده ،وقفة مع ()1
التطبير (ص .)31
لماذا التطبير ــ نسخة إلكترونية (ص .)46 ()2
لماذا التطبير ــ نسخة إلكترونية (ص .)131 ()3
مقالة> :ثالثة قاموا بالتطبير ..السجاد وزينب وهند!< ،منشورة بموقع كتابات في الميزان ()4
https://www.kitabat.info/subject.php?id=25833
( )5مقالة> :اإلمام الحسين ( )نهج للشعائر اإلةيهل< ،نشرت ضمن نشرة رسالة الحسين التي
تصدر بالعوامية ،العدد :العاشر ــ السنة :الرابعة ــ 10محرم 1425هـ ،ومنشورة في موقع نمر
باقر النمرhttp://www.sknemer.com/web/article/print/205 :
( )6من خطبة >أبعاد ركضة طويريج< ،الجمعة ،2011/12/9منشورة بموقعه الرسمي:
https://www.sh-alsagheer.com/post/508
537
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
()1
مــــذ رأســــها شــــجته بالمحمــــل J حـــــل لنـــــا مـــــن أختـــــه زينـــــب
وال شك وال ريب أن زينب براء مما نسب إليها ،وبيان ذلك من وجوه:
األول :إن ظهور التطبير متأخر جدا ،ونسبته إلى زينب بناء على تلك الرواية
المختلقة كذب محض ،وقد قرر عدة من الباحثين ــ ومنهم المؤيدون للتطبير ــ
أن طقس التطبير لم يكن له أي وجود في عصر األئمة وما بعدهم بكثير(،)2
وأكتفي بإيراد قول مرجع اإلمامية علي الخامنئي> :التطبير ...ليس له سابقة في
عصر األئمة ،وما وااله ،ولم يرد فيه تأييد من المعصوم.)3(<...
اختلِف في مبدأ ظهور التطبير ،وأقدم زمن ينسب إليه هو القرن الحاديوقد ُ
عشر( ،)4فنسبة ابتداع هذه الممارسة إلى زينب بناء على هذه الرواية ليس إال
تمحال ،بل هو افتراء بيِّن.
غير ما نسب إلى زينب ،فإن المطبرين
الثاني :إن ما يصنعه المطبرون ُ
يضربون رؤوسهم كل سنة في محرم بالسيوف قاصدين إخراج الدم بكامل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقله عنه محمد جمعة بادي في كتابه الشعائر الحسينية (ص .)139 ()1
من مصادر المحرمين للتطبير :رسالة التنزيه ألعمال الشبيه (ص ،)6فقه الشعائر والطقوس (ص ()2
،)48التطبير واإلشكالية المزمنة (ص ،)179وقفة مع التطبير (ص ،)33تراجيديا كربالء (ص
،)460من وحي الثورة الحسينية (ص ،)167قضايا أثارت جدال (ص )86و(ص .)90ومن
مصادر المبيحين للتطبير :صراط النجاة للخوئي ( ،)432/1الشعائر الحسينية لحسن الشيرازي
(ص .)93
أجوبة االستفاءات (.)129/2 ()3
تركيا إليران
نقل الدكتور اإلمامي حمزة الحسن في كتابه طقوس التشيع (ص )503أن زائرا ّ ()4
>شهد مئات المعزين الذين يضربون رؤوسهم وأجسادهم بالسيوف والسكاكين (التطبير)،<..
وراجع :فقه الطقوس والشعائر الدينية (ص 53ــ ،)60وقفة مع التطبير (ص 33ــ .)38
538
املبحث األول :قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى
اختيارهم ،معتقدين أن هذه عبادة ومواساة ألهل البيت ،بينما الرواية المنسوبة
لزينب تذكر أنها إنما ضربت جبينها بالمحمل لما رأت رأس الحسين من هول
المصيبة ،فالظاهر من هذه الرواية أن ضرب زينب لرأسها بالمحمل إنما كان ردة
فعل لما رأته ،وأن شدة الحزن حملتها على أن تنطح رأسها بالمحمل من غير أن
تدري أو تشعر أو تريد ذلك ،على صورة ما يقع من النساء عند نزول المصائب،
فالقصد هنا منتف أصال ،وعليه فال يصح القول بصدور هذا الفعل اختيارا من
زينب بمقتضى هذه الرواية.
صحة
الثالث :بيَّ نه الباحث اإلمامي حسن إسالمي فقال> :حتى لو فرضنا ّ
خبر المحمل ...،يلزم على أنصار التطبير ــ عمال بمضمون الخبر ــ أن يلتزموا
بضرب الرؤوس في خشب المحامل ضمن مراسم خاصة ،أي عين ذلك العمل
الذي قامت به السيدة زينب ،ال التطبير؛ فإثبات التطبير بهذا الخبر غير
صحيح.)1(<...
الرابع :إن زينب ــ على ما جاء في هذه الرواية ــ صنعت هذا الفعل
تكرارهن
ّ مرة واحدة ،و>لم يُنقل عن السيدة زينب ،وال غيرها من نساء كربالء،
ضربن
َ شعورهن ،وال
ّ هذا العمل في ذكرى عاشوراء السنوية الحقا ،فلم ينشرن
رؤوسهن ،أو لطمن وجوههن<( ،)2خالفا لما يصنعه المطبرون الذين يُ ْق ِدمون
على هذا الفعل المنكر في عاشوراء أو يوم العشرين من صفر من كل سنة ،وكأنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مقالة >العزاء ،سنة دينية أم فعل اجتماعي< ،المنشورة ضمن كتاب جدل ومواقف في الشعائر
الحسينية (ص 324ــ .)327
( )2مقالة >فقه العزاء الحسيني< لمحمد تقي أكبر نجاد ،المنشورة في مجلة االجتهاد والتجديد ،العدد
( ،17ص .)132
539
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
540
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
ل
اميحب الثاني
قصايا عقدية معلؤطة عن زينب الكبرى
$
ارتبطت شخصية زينب الكبرى في عصرنا بكثير من التصورات
المغرقة في الغلو ،والتي لم يكن لها أصل في التراث الروائي والعقدي القديم،
ويبدو من خالل االستقراء أن منشأ الغلو في زينب مرتبط بالتطور الكبير الذي
حصل في مرويات مقتل الحسين ،وما صاحب ذلك من تضخم في التراث
المتعلق بسيرته ،ثم ما صاحب ذلك من الممارسات التي تقام في محرم من
كل سنة بمناسبة مقتله ،وما ترتب عن ذلك من ازدياد عدد المجالس المخصصة
لقراءة قصة خروجه ومقتله ،وما تال ذلك من اختالق روايات وأحداث لم يكن
لها أي وجود قبل القرن العاشر كما مضى تفصيله ،وبما أن حضور زينب في هذه
المرويات المتأخرة متكرر في عدة مواضع كما مضى ،فقد بدأت بعض المقوالت
والتصورات المغالية في زينب الكبرى تنشأ بالتوازي مع المغاالة في الحسين
،ومما يدل على ذلك أ َّن كثيرا من الشخصيات التي يتكرر اسمها في مرويات
الحسين قد بلغ الغلو فيها مبلغا غريبا ،سواء من قتل مع الحسين( )1أو من بقي
بعد مقتل الحسين ،)2(فعند التأمل في منزلة هذه الشخصيات في الكتابات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1كمسلم بن عقيل الذي قتل قبل الحسين ،والعباس بن علي ،وعلي األكبر بن الحسين
،وعبد اهلل الرضيع ،والقاسم بن الحسن ،ومن غير أهل البيت :حبيب بن مظاهر ،وزهير
ابن القين ،والحر بن يزيد.
( )2وعلى رأسهم زينب الكبرى ،وسكينة بنت الحسين ،ورقية بنت الحسين ــ مع أن رقية هذه
شخصية ال وجود لها ــ ،وأم البنين ،وغيرهن.
541
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
المعاصرة ومجالس العزاء ،نجد أن الغلو فيها مرتبط بحجم ما يروى عنها في
كتب المقاتل المتأخرة ،وكلما َخ َف َت وجود هذه الشخصيات في هذه الكتب
يخفت معه منسوب الغلو فيها ،أو ينعدم(.)1
وقد مضى فيما تقدم بيان أصول الخلل في مرويات المقاتل ،سواء القديم
منها كمقتل أبي مخنف ،أو المتأخر وخاصة كتب المقاتل المصنفة في القرن
العاشر وما بعده ،وبذلك تبطل أصول كثير من التصورات المغالية ،لكن ال زالت
هناك بعض األفكار والمفاهيم المنتشرة عن زينب اليوم ،والمرتبطة ببعض مسائل
االعتقاد والسلوك ،والتي تحتاج إلى نقد مفصل ،مبني على االحتكام إلى الكتاب
والسنة الصحيحة والتراث الثابت الصحيح المنقول عن أهل البيت ،وهذا ما
سأتعرض له في هذا البحث ،وباهلل التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وعلى رأس هذه الشخصيات ،زين العابدين علي بن الحسين ،وأبو جعفر الباقر ،فبالرغم من
أنهما من األئمة المعصومين عند اإلمامية ،إال أن شخصيتهما وحضورهما في الوجدان العاطفي
للعوام ال يرتبط بخروجهما مع الحسين ،فعلي بن الحسين لم يكن له ذكر في كربالء ،حيث
أنه كان مريضا وجالسا مع النساء ،وأما أبو جعفر الباقر فكان مع األطفال ،ومثله الحسن المثنى
ابن الحسن ،فمع أنه شهد كربالء وجرح فيها كما في اإلرشاد للمفيد ( ،)23/2إال أنني لم
أقف على أي عقيدة مغالية فيه.
542
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
لولي
الفصثة ا أ
الفؤل بعصمة زينب الكبرى
لعل أجلى مظهر من مظاهر الغلو في زينب القولُ بأنها معصومة ،سواء
كانت هذه العصمة مثل عصمة األنبياء والمرسلين ،أو كانت عصمة أدنى مرتبة،
أُطلق عليها مصطلح العصمة الصغرى ،فما هو مفهوم العصمة الصغرى،؟ ومتى
نشأ؟ ،وهل قام الدليل على هذه العصمة؟
543
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
بها> :لم يرتكبوا الذنب في أفعالهم من حين والدتهم وح ّتى حين وفاتهم<(،)1
وأما القضايا االجتماعية أو
وحصرها >بالعصمة عن الذنوب والمعاصيّ ،
االقتصادية فربما يخطئ ،فإ ّنه غير معصوم<(.)2
وهذه العصمة ليس عصمة ذاتية إلهيـة بل هي عصمة >جزئية ومكتسبة<(،)3
()4
ثم إ َّن
>بجهده وتحصيله الفعلي ...ومن هنا سموها بالعصمة األفعالية< َّ ،
أصحاب العصمة الصغرى يحتاجون >إلى من يسلك بهم السبيل الواضح ويميز
لهم موارد الطاعة وموادها عن مساقط العصيان<(.)5
544
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
الثاني :ادعاء وجود منزلة خاصة لزينب ،سموها تارة بالوصية وتارة بالنيابة
الخاصة(.)1
الثالث :حجية أقوالها وأفعالها( ،)2وقد قرر المحتجون برواية المحمل أن
فعل زينب ُحجة بذاته ،وإن حاولوا دعم هذا االستدالل بادعاء تقرير علي بن
الحسين لزينب على فعلها.
ومن خالل ما تقدم ،يظهر أن مؤدى كالم القائلين بالعصمة الصغرى هو
أنها ملكة مكتسبة تمنع صاحبها من ارتكاب الكبائر والصغائر من منذ والدته إلى
وفاته ،وأنها ملكة متعلقة باألفعال واألعمال الدينية فقط ،دون المسائل الدنيوية
فالخطأ فيها وارد ،كما أن صاحب العصمة الصغرى معرض للسهو والنسيان
والوقوع فيما هو خالف األولى ،ومرتبة العصمة الصغرى أدنى منزلة من عصمة
األنبياء ،لكنها أعلى من رتبة العدالة(.)3
والمتحصل من هذا أن العصمة الصغرى هي عصمة جزئية في مقابل
ِّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= مح َّدثة أي :ملهمة ،وأن علمها كان من العلوم اللدنية واآلثار الباطنية< ،ولم أهتد لموضع هذا
الكالم في كتاب أسرار الشهادة للدربندي ،وقال جعفر مرتضى العاملي عن زينب> :ربما كانت
غير معلَّمة من قبل البشر ،بل هي معلَّمة من خالل فطرتها ،وإدراكات عقلها ،وحديث المالئكة
لها!< .انظر :سيرة الحسين في الحديث والتاريخ (.)60/20
( )1الخصائص الزينبية (ص ،)242تنقيح المقال ( ،)79/3زينب الكبرى (ص ،)53زينب بنت
علي فيض النبوة وعطاء اإلمامة (ص ،)124زينب الكبرى ودورها في النهضة الحسينية (ص
،)37المرأة العظيمة (ص .)266
( )2الفقه للمرجع محمد الشيرازي (.)111/59
( )3وانظر :عصمة الحوراء زينب (ص .)64
545
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
546
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
547
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
548
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
549
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
550
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
أقف إال على فقرات في نقدها من كالم الباحث محمد أكبر نجاد( ،)1كما أني لم
أجد في الكتابات السنية المعاصرة من تعرض لنقد نظرية العصمة الصغرى عند
اإلمامية ،لكن بعد بحث يسير ،تبين لي وجود نظرية مشابهة لها وأسبق منها في
التاريخ ،وهي نظرية حفظ األولياء ،فمن خالل التأمل في كالم أصحاب هذه
النظرية ،وجدت تشابها كبيرا بينها وبين نظرية العصمة الصغرى( ،)2ولذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر مقالة> :الخلفيات الفکرية لصناعة الخرافة مطالعة ونقد ( ،<)2المنشورة بمجلة نصوص
معاصرة العدد 24و( ،25ص 143ــ ،)144وللمرجع اإلمامي محمد جميل حمود العاملي
كالم مفصل في نقد نظرية العصمة الصغرى ،وسبب ذلك ليس ألنه يرى أن هذا غلو منكر مخالف
لضروريات الدين ،بل ألنه يرى أن عصمة زينب والعباس بن علي أيضا ،عصمةٌ كبرى مثل عصمة
األئمة االثني عشر عند اإلمامية!!.
( )2وقد صرح عبد الحسين الحلي بأن العصمة التي يثبتونها للعباس وغيره هي نفس العصمة التي
يثبتها القائلون بعصمة األولياء ،انظر النقد النزيه لرسالة التنزيه المطبوع بعنوان الشعائر الحسينية
في الميزان الفقهي (ص ،)124وأما تقرير نظرية حفظ األولياء ،ففيه عدة نصوص ،منها قول
األلوسي> :قيل :األولياء محفوظون وفسر بعدم صدور الذنب مع إمكانه ،والقيد إلخراج
العصمة< ،روح المعاني ( ،)140/6وقد نقله محمد الخضر الشنقيطي في مشتهى الخارف الجاني
(ص )466عن األلوسي ،ولم يتنبه منصور التميمي إلى ذلك فنسبه إلى محمد الخضر في رسالته
النافعة >العصمة في ضوء عقيدة أهل السنة< (ص ،)372ومثل ذلك استدالل الشعراني بحديث
النهي عن طلب اإلمارة بهذا اللفظ >من أعطيها ــ يعني اإلمارة ــ بغير مسألة وكل اهلل تعالى به ملكا
يسدده< ،ثم قال> :وهذا هو معنى العصمة ،لكن األدب أن يقال :إنه محفوظ ال معصوم<،
اليواقيت والجواهر ( ،)130/2بواسطة العصمة في ضوء عقيدة أهل السنة (ص ،)372ويدخل
في ذلك أيضا :التقسيم الثالثي ألصحاب الوالية بأنهم ثالثة طبقات :الطبقة األولى معصومون
من الكفر والشرك والنفاق ،والطبقة الثانية :معصومون من الصغائر والكبائر ،والطبقة الثالثة:
معصومون عن الخواطر الفاسدة ،انظر حلية األولياء ( ،)350/10بواسطة العصمة في ضوء
عقيدة أهل السنة (ص ،)369فأنت ترى أن هذه المقاالت فيها مشاكلة لمفهوم العصمة الصغرى،
ولهذا لما قرر ابن تيمية قول الغالة بالعصمة ،قال> :ظهر في صنفين من األمة بعض بدعتهم=،
551
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
استعنت بكالم من انتقد نظرية حفظ األولياء في هذا المبحث ،وبيان ذلك من
وجوه:
ــ الوجه األول :إن نظرية العصمة الصغرى هي اعتقاد محدث مبتدع متأخر،
وليس له أصل في القرآن الكريم أو السنة النبوية ،كما أنه اعتقاد ال دليل عليه ال
في روايات اإلمامية وأقوال علمائهم القدماء ،فأقدم من قال بهذه النظرية هو
الدربندي في القرن الثالث عشر ،ومنشأ القول بها هو الغلو ،وقد اشتهر الدربندي
بغلوه واختراعه لكثير من المقاالت الغريبة والعجيبة ،يقول الشيخ محمد عباس
غني عن التعريف في اختراع دهيني ــ من اإلمامية ــ> :وأعتقد أ ّن حال ال َّد ْربَ ْندي ٌّ
كثي ٍر من األمور<(.)1
ومن ذلك قوله> :إن أول من قرأ المرثية عليه( )2وذكر مصائبه وأبكى
المالئكة والعرش الكرسي الحجب هو اهلل ،!!)3(<فإن هذا غلو ظاهر ،ال
يحتاج إلى بسط الكالم فيه!.
وقد وصف الباحث اإلمامي محمد أكبر نجاد القول بعصمة زينب وغيرها
من أبناء األئمة وأحفادهم بأنه غلو ،وقال مبينا عدم وجود دليل على عصمتهم:
>العصمة ليست مقتصرة على الظاهر ،لذا يبقى الطريق الوحيد في إثبات أو نفي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= طائفة من النساك والعباد يزعمون في بعض المشايخ أو فيمن يقولون إنه ولي اهلل ،أنه ال يذنب،
وربما عينوا بعض المشايخ وزعموا أنه لم يكن ألحدهم ذنب ،وربما قال بعضهم :النبي معصوم
والولي محفوظ< ،جامع الرسائل (.)264/1
الع َتبات بين الشعيرة والب ِْدعة ،منشورة بالموقع الرسمي لدهيني:
( )1مقالة تقبيل َ
http://dohaini.com/?p=866
( )2أي الحسين .
( )3إكسير العبادات (.)242/1
552
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
عصمتهم هو كالم المعصومين ،ولم يصل إلينا من طريق صحيح ،أو حتى من
غيرها من الطرق ،أن المعصومين قالوا بعصمة هؤالء<(.)1
وقد اعترف بهذا المرجع المعاصر محمد جميل حمود العاملي فقال> :وهو
اعتقاد ليس في األدلة ما يثبته<( ،)2وقال أيضا> :اعتمد أصحاب نظرية العصمة
الصغرى ...على أدلة مبعثرة هنا وهناك هي أشبه بالدعاوى ال تغني وال تسمن
من جوع<(.)3
وممن يظهر من كالمه عدم القول بنظرية العصمة الصغرى ،المرجع اإلمامي
محسن األمين ،فعندما احتج عليه عبد الحسين صادق بفعل العباس بن علي
ــ الذي تنسب له العصمة الصغرى ــ ،رد محسن األمين عليه قائال> :لو صح لم
يكن حجة ،لعدم العصمة<( ،)4وعليه فحق هذه النظرية أن ُتطَّرح و ُتهجر و ُترد
على أصحابها.
ــ الوجه الثاني :إن األدلة الشرعية من الكتاب والسنة ال تثبت عصمة غير
األنبياء والرسل ،فليس في القرآن وال في السنة نص على عصمة غير األنبياء
،وجل ما يستدل به القائلون بعصمة زينب ال يعدو روايات معدودة أصلها
يرجع إلى القرن الرابع وما بعده! ،فلم يثبت شيء في هذا الباب حتى على موازين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالة >الخلفيات الفکرية لصناعة الخرافة مطالعة ونقد ( ،<)2المنشورة بمجلة نصوص معاصرة ()1
العدد 24و( ،25ص ،)143ثم نقل ما استدل به إلثبات عصمة العباس بن علي وانتقده.
العصمة الكبرى لولي اهلل العباس (ص .)11أقول :وهذا الكالم ينطبق حذو القذة بالقذة على ()2
قول محمد جميل العاملي بالعصمة الكبرى لزينب والعباس بن علي.
العصمة الكبرى لولي اهلل العباس (ص .)11 ()3
رسالة التنزيه ألعمال الشبيه (ص .)20 ()4
553
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
554
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
لنفسي< ،وأنه قال> :لست في نفسي بفوق أن أخطئ< ،وغيرها من الكلمات التي
تنافي العصمة قطعا(.)1
ــ الوجه الرابع :قيام الدليل على عدم عصمة زينب من روايات أبي مخنف
التي يصدق بها اإلمامية ويعتمدون عليها في سائر تفاصيل مقتل الحسين ،
فقد مضى أن أبا مخنف قد روى عن علي بن الحسين أن الحسين قد أنشد أبياتا
ينعى فيها نفسه ،فصبر علي بن الحسين لما سمع ذلك ،وقال> :أما عمتي فإنها
سمعت ما سمعت ،وهي امرأة ،وفي النساء الرقة والجزع ،فلم تملك نفسها أن
وثبت تجر ثوبها ،وإنها لحاسرة حتى انتهت إليه<( ،)2فزينب عند علي بن
الحسين ــ حسب هذه الرواية ــ ليس إال امرأة تجزع وترق عند نزول المصيبة بها
كبقية النساء ،فيغلبها الحزن وال تملك نفسها ،فإن كانت حالها كذلك ،فمن أين
لها أن تبلغ درجة العصمة الصغرى؟.
ثم إن زينب قالت> :وا ثكاله! ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت
فاطمة أمي وعلي أبي وحسن أخي ،يا خليفة الماضي ،وثِمال الباقي< ،وهذا
الكالم دليل آخر على عدم عصمة زينب ،فإنها تمنت الموت ،وقد نهى النبي
عن تمني الموت ،فلو كانت زينب معصومة عن الذنوب لما تمنت الموت.
ولذا لما سمع الحسين كالمها قال> :يا أخية ،ال يُذهبن حلمك الشيطا ُن<،
أقول :فالحسين ينهى زينب عما صنعته ،ويبين لها أن هذا من تسويل الشيطان!!
فأين العصمة المزعومة لزينب؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر قراءة راشدة في نهج البالغة (ص 25ــ .)29
( )2تاريخ الطبري ( 420/5ــ ،)421مقاتل الطالبيين (ص ،)75أنساب األشراف (،)185/3
ومن مصادر اإلمامية :اإلرشاد للمفيد ( ،)94/2إعالم الورى (ص ،)457مثير األحزان
(ص ،)36بحار األنوار (.)2/45
555
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
ومع كل هذا فإن زينب لم تنته عن صنيعها بل قالت>> :يا ويلتى ،أفتغصب
نفسك اغتصابا ،فذلك أقرح لقلبي ،وأشد على نفسي< ثم :لطمت وجهها،
وأهوت إلى جيبها وشقته ،وخرت مغشيا عليها< ،فزينب ــ بحسب هذه الرواية
ــ أتت صنيعة من صنائع نساء الجاهلية التي نهى عنها النبي ،ولذا نهاها
الحسين مجددا عن ذلك ووعظها فقال> :يا أخية ،اتقي اهلل وتع ِّزي بعزاء اهلل،
واعلمي أن أهل األرض يموتون ،وأن أهل السماء ال يبقون ،وأن كل شيء هالك
إال وجه اهلل <...وبعد هذا ،كيف يتصور أن يقال بعصمة زينب؟.
وال أدري كيف غفل القائلون بعصمتها عن هذه الرواية التي صورت زينب
بصورة امرأة قليلة الصبر ،تتمنى الموت لعلمها بموت أخيها ،وتلطم وجهها
وتشق جيبها؟ ،ونحن نزهنا زينب عن هذه األفعال وسبق أن بينا بطالن هذه
الرواية( ،)1ولكن القائلين بعصمتها متفقون على االعتماد على هذه الرواية(،)2
فهي حجة عليهم في عدم عصمة زينب ،أما إن أرادوا رد هذه الرواية ،فيلزمهم
أن يصنعوا هذا مع بقية األخبار التي يثبتونها لزينب مع ما فيها من اإلساءة لها،
وليسوا بفاعلين(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مضى الكالم عن هذه الرواية بتفصيل في مبحث نقد روايات أبي مخنف المنسوبة لزينب في
كربالء( ،ص )322وما بعدها.
( )2راجع ،إكسير العبادات للدربندي ( ،)171/2الطراز المذهب لعباس قلي خان (ص ،)204
زينب الكبرى للنقدي (ص 99ــ ،)100وكل هؤالء قائلون بالعصمة الصغرى لزينب كما مضى،
ومنهم من أورد الرواية مجتزأة وحذف منها ما يدل على عدم عصمة زينب ،كما صنع المرجع
محمد الشيرازي في كتابه عالمة غير معلَّمة (ص ،)34ومنهم من لم يذكر هذه الرواية في ترجمته
لزينب ،كمحمد علي دخيل في أعالم النساء.
( )3ولم يذكر عادل العلوي هذه الرواية في محاضراته التي طبعت بعنوان >عصمة الحوراء<!! فإن كان
مطلعا عليها ثم أعرض عنها ،فالظاهر أن ذلك لمناقضتها لنظرية العصمة الصغرى لزينب ،وأما إن=
556
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
ــ الوجه الخامس :إن األدلة التي ساقها القائلون بالعصمة الصغرى لزينب
قاصرة عن إثبات هذه الدعوى سواء من جهة النقل أو العقل ،وإليك البيان:
الدليل األول :أشهر دليل يستدل به القائلون بالعصمة الصغرى لزينب ،هو
الكالم المنسوب لزين العابدين بعد فراغ زينب من خطبتها في أهل الكوفة ،حيث
قال لها> :وأنت بحمد اهلل عالمة غير معلَّمة ،فهمة غير مف َّهمة<( ،)1وهذا
االستدالل مردود سندا وداللة:
أما من جهة السند :قد مضى الكالم عن أصل هذه الرواية بتفصيل وبينت
أن إسنادها تالف( ،)2وأما عبارة> :وأنت بحمد اهلل عالمة غير معلَّمة< التي نسبت
لعلي بن الحسين ،فقد تفرد الطبرسي بحكايتها في >االحتجاج< ،وهذه الزيادة
ال سند لها ،فضال عن أن كل من روى الخطبة عن زينب قبل الطبرسي كالمفيد
والطوسي وابن الفقيه وابن أعثم لم يذكروها ،فهي زيادة مفتعلة.
أما من جهة المتن :فإن االستدالل بهذا الخبر على عصمة زينب من أغرب
ما َّمر علي ،وذلك أن من استدل بهذه الرواية قد اجتزأها من سياقها كي يحتج بها
على مراده( ،)3والواقع أن هذه الرواية تدل على عدم عصمة زينب ال العكس،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن على علم بهذه الرواية ،فاألمر كما قال الشاعر: =
وإن كنــت تــدري فالمصــيبة أعظــم فــإن كنــت ال تــدري فتلــك مصــيبة
ألن من يقرر قضية خطيرة مثل عصمة زينب عن الخطأ ويكتب في ذلك كتابا مستقال ،ثم ال يعلم
بهذه الرواية الذي تبطل هذه النظرية ،فقد وقع في تقصير وغفلة فاحشة!.
( )1انظر مثال :عصمة الحوراء (ص ،)68العقائد الحقة (ص .)345
( )2انظر (ص .)419
( )3كما صنع المرجع محمد الشيرازي ،فقد حذف من الرواية كلمة >اسكتي< واستبدلها بنقاط ،انظر
من فقه الزهراء ( ،)60/2الهامش .5
557
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
فإن سياق كالم علي بن الحسين كان في نهي زينب عن البكاء بعد أن فرغت من
خطبتها ،فقال لها> :يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار وأنت بحمد
اهلل عالمة غير معلَّمة فهمة غير مف َّهمة ،إن البكاء والحنين ال يردان من قد أباده
الدهر ،فسكتت< ،فظهر أن علي بن الحسين كان ينهى أخته عن البكاء ويأمرها
بالسكوت ،ويبين لها أن البكاء ال يرد مصيبة الموت! ،فتوقفت عن البكاء ،وعليه
فهذا الخبر يدل على عدم عصمة زينب ال العكس!.
وأما قول علي بن الحسين> :أنت عالمة غير معلَّمة< ،فليس كما فهمه
وم َح َّدثة وتتلقى
لهمة ُ
القائلون بالعصمة الصغرى ،فزعموا أن معناه أن زينب ُم َ
العلم اللَّ ُدني اإللهي ،بل إنما معناه كما هو ظاهر :أ َّن ْ
()1
من تكون في منزلة زينب
من العلم ال تحتاج أن ُتعلَّم ،وأن يُنبِّهها أحد على أن بكاءها لن يرد الحسين إلى
الحياة ،فالمراد :مثلك ال يحتاج إلى التعليم ألنك عالمة ،وهذا قريب مما فسر
به المرجع الراحل محمد حسين فضل اهلل هذه العبارة حين سئل عنها فقال> :قد
ال تكون مع ّلمة من آخرين ،وهي معلّمة من جدها وأبيها وأمها وأخويها ،وأي
أساتذة في العلم أعظم من هؤالء؟<( ،)2فال داللة في هذه الجملة على العصمة
كما هو بيِّن.
الدليل الثاني :ومما دأب القائلون بالعصمة الصغرى لزينب على االستدالل
به ،رواية ابن بابويه لوصية الحسين إلى زينب ،وقد مضى الكالم على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1جاء الحق ،لمحمد أبو السعود القطيفي (ص .)117
( )2لإلنسان والحياة (ص ،)272وقد قرر محمد أبو السعود القطيفي في كتابه جاء الحق (ص
،)117بأن المرجع محمد حسين فضل اهلل ال يرى عصمة زينب ،واستدل بهذا النص إلثبات
ذلك.
558
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
هذه الرواية من جهة السند والمتن ،فقد بينت وهاء إسنادها ،وبطالن متنها
ومخالفته للتاريخ( ،)1وأما وجه االستدالل به على العصمة فغير مسلَّم ،فليس في
مجرد الوصية ما يفيد عصمة الموصى إليه ،ولذا لم أقف على أحد قرر أن حكيمة
معصومة بالعصمة الصغرى وال الكبرى ،مع أن الرواية تزعم أن العسكري أوصى
لحكيمة كما أوصى الحسين لزينب! ،فلو كانت هذه الرواية دالة على العصمة،
فالالزم منها القول بعصمة حكيمة ،وما دام هذا الالزم باطال لعدم القائل بعصمة
حكيمة ،فالملزوم كذلك.
أدلة أخرى واهية :وهناك أدلة أخرى أوهى من هذه وأبعد ،فمن ذلك قول
عادل العلوي> :وهكذا زينب كان عمرها سنتين كما ورد في الرواية وهي
بنية قولي واحد<،جالسة في حجر أبيها أمير المؤمنين فقال لها أبوهاّ > :
ثم قال لها> :قولي اثنين< ،قالت> :ال أقول يا أبتاه< ،قال: فقالت> :واحد<ّ ،
بنيتي لِ َم ال تقولين اثنين؟< قالت> :لساني جرى على الواحد وال يجري على > ّ
السيدتين الجليلتين
القصة الثانية نفهم أ ّن ّ
القصة األولى وهذه ّاالثنين< .فمن تلك ّ
تربيتا تربية نبوية علوية ،ومثل هذه التربية ال
عالمتان غير معلّمتين ،كما أ ّنهما ّ
تنتج ّإال عصمة أفعالية<( ،)2أقول :وهذا االستدالل ضعيف جدا ،فقد مضى أن
هذه الرواية ال أصل لها وال سند ،وأن متنها مسروق من متن رواية أخرى في
العباس بن علي ،ومضى ركاكة ما في متنها ،واألغرب أن مقتضى القول بعصمة
زينب بناء على هذه الرواية هو القول بعدم عصمة علي ،ألنه أجرى لسانه
بالواحد واالثنين ،وهو األمر الذي رفضته زينب ،فإذا كان فعلها داال على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر (ص .)415
( )2عصمة الحوراء زينب (ص .)65
559
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
فاعجب لهذا
ْ عصمتها ،دل على خطأ علي ،واإلمامية ال يقولون بذلك،
االستدالل الضعيف.
وأضعف من هذا قول عادل العلوي> :عندما نطّلع على حالة زينب
المحرم في تلك الليلة التي ته ّد
ّ وهي تصلّي صالة الليل في ليلة الحادي عشر من
الجبال بمصيبتها نلمس من ذلك مدى علم زينب وعصمة زينب ،)1(<أقول:
إن مثل هذا االستدالل ــ بغض النظر عن كون الرواية ساقطة ــ ليس مرده إال إلى
الغلو ،فاالستدالل بقيام الليل في وقت المصائب على العصمة من أوهى
االستدالالت ،فإن كثيرا من الصالحين المتقين يصنعون ذلك وال يمنعهم ما ينزل
بهم من المصائب من قيام الليل ،فالقول بأن هذا دليل على العصمة مفتاح للقول
بالعصمة الصغرى لكل من يحافظ على قيام الليل في كل أحواله ،وال ريب أن
هذا قول ال قائل به .وال تتعجب من هذه االستدالالت ،فعادل العلوي يرى أن
المرجع محمد حسين المرعشي النجفي معصوم بالعصمة الصغرى أيضا ،حيث
كسيدنا األُستاذ
ممن هو أدنى منها مرتبة ّيقول> :إ ّن هذه العصمة ثابتة لغيرها ّ
النجفي المرعشي قدس سره ،فإ ّنه قال لي يوما وقد أقسم بفاطمة الزهراء أ ّنه
ما فعل شيئا هوته نفسه قط ،أي كان مخالفا لهواه مطيعا ألمر مواله منذ اليوم
األول ،فلهذا على العوام أن يقلّدوه( )2كما ورد في الحديث الشريف<( ،)3أقول:
ّ
ومن هنا تعلم منشأ الخلل في القول بنظرية العصمة الصغرى ،وهو تجاوز الحد
الشرعي من المحبة إلى اإلفراط في الغلو.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1عصمة الحوراء زينب (ص .)65
( )2أقول :وهذا الكالم ينطبق عليه المثل السائر> :كل خباز يجر النار إلى قرصه<!.
( )3عصمة الحوراء زينب (ص .)66
560
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
الوجه السادس :لم يقم أي دليل عقلي على عصمة غير النبي ،ألن
العصمة إنما احتيج لها في النبي للتصديق بما ينقله من الوحي ،فما الحاجة
لعصمة غير النبي ؟ ،وإذا كنا نمنع عصمة األئمة االثني عشر ،ألمور كثيرة
منها أن العصمة مختصة باألنبياء فقط ،ولعدم الدليل على عصمتهم ،وألن كل
تبين بطالنُها بغيبة اإلمام
ما سيق من أدلة عقلية للقول بالحاجة إلى المعصوم َّ
الثاني عشر ،لظهور عدم الحاجة للمعصوم ،ورجوع اإلمامية في أمور دينهم لغير
المعصوم ،فمن باب أولى أن نمنع عصمة من لم يد ِع أحد قبل القرن الثالث عشر
أنه معصوم! ،فضال عن عدم الحاجة لهذه العصمة المدعاة ،وال يعني هذا الحط
من قدر أئمة أهل البيت ،بل مكانتهم محفوظة عندنا ،ولكننا ال نغلو فيهم وال
نرفعهم فوق مراتبهم ،ولو أن القائلين بنظرية العصمة الصغرى ،قالوا بأن زينب
معدودة في النساء الصالحات ،والمؤمنات التقيات العابدات القانتات ،لما كان
لنا اعتراض على ذلك وإن لم يقم دليل خاص على إثبات ذلك ،ألننا نحسن
الظن بها ونرى أننا ال نحتاج إلى دليل لعدها في الصالحات ما دامت قد نالت
شرف الصحبة ،فضال عن أن من تربَّت في بيت النبوة ال نتصور فيها إال أن تكون
من النساء الصالحات ،أما أن يقال بأن زينب معصومة لم يصدر منها ذنب قط
فهذا غلو مذموم ومردود.
561
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
األول :أن هذا القول فضال عن أنه ُمح َدث ُم َبتدع مثل سابقه ،فإنه شاذ ال
قائل به من اإلمامية ــ على حد ما وقفت عليه وإلى حين كتابة هذه السطور ــ إال
محمد جميل حمود العاملي ،بل هو مخالف إلجماع اإلمامية.
ولذا فإ َّن الدربندي لما ابتدع مفهوم العصمة الصغرى قام باختراع مفهوم
جديد لها ،حتى ال يتنافى مع مسلَّمات اإلمامية فقال> :وليس مرادنا من العصمة
واألئمة الطاهرين ،حتى يرد هاهنا العصمة التي كانت في رسول اهلل
أن هذا مما يدفع اإلجماع ،والضرورة من المذهب على خالفه<( ،)1وعليه فقول
محمد جميل العاملي مردود على مسالك اإلمامية.
الثاني :إ ّن كثيرا من آراء محمد جميل حمود العاملي مغرقة في الغلو ،فقد
اشتهر هذا الرجل بغلوه المفرط في آرائه واعتقاداته ومقاالته( ،)2حتى أن
الدربندي مع غلوه الشديد في زينب لم يجترئ أن ينسب لها العصمة التي
تنسب لألنبياء واألئمة المعصومين عند اإلمامية ،ألنها مخالفة لضروريات
مذهبهم ،وألن هذا غلو بين وظاهر ،فمن قال بالعصمة الكبرى لزينب فقد تجاوز
مرحلة الغلو بكثير إلى مرحلة أشد بعدا عن سواء السبيل ،وقد قال تعالى{ :ﳏ
ﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘﳙﳚﳛﳜﳝﳞﳟﳠ
ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ} [المائدة.]77 :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إكسير العبادات (.)646/2
( )2ومن ذلك قوله بتفضيل زينب على سائر النساء دون أمها فاطمة ،ومن أفحش ما بلغه من
الغلو ،تصنيفه كتابا في الطعن في عرض أم المؤمنين عائشة ،وقد نزهت هذا البحث عن ذكر
عنوان كتابه ،واهلل المستعان.
562
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
الفصثة الثايثة
نفصثل زينب الكبرى علي ا أ
لينثاء
ربما قد تعجب إن رأيت هذا العنوان ،وربما قد تظن في أول األمر أن هذا
مستبعد ،لكنها الحقيقة ،فإن السيدة زينب التي ال تبلغ مرتبها في الفضل أن تكون
إال من سيدات أهل البيت وصغار الصحابيات الفضليات ،قد رفع الغالة منزلتها
إلى تفضليها على األنبياء والمرسلين ،وأصل البلوى في هذه المقالة من اآلغا
الدربندي أيضا ،يقول في كتابه إكسير العبادات في أسرار الشهادات> :ما ورد
في شأن تلك النسوة الطاهرات الطيبات ...والسيما الصديقة الصغرى وأختها
أم كلثوم ،وما وصل إلينا في فضائلهن ومقاماتهم ودرجاتهن ،في ألسنة المالئكة
والحجج الطاهرين ...وألسنة جميع األنبياء والمرسلين واألوصياء الصديقين
والشهداء الصالحين ،لم يرد في أحد بعد حجج اهلل المعصومين<( ،)1وعقد
مقارنة بين زينب وبين أيوب ليثبت أن صبر زينب أفضل من صبر أيوب
ثم قال> :فش َّتان ما بين مقامها ومقام أيوب<( ،)2ولكنه في موضع آخر توقف ّ
وتردد في التصريح بتفضيل غير األئمة على األنبياء ،وليس ذلك من باب الورع،
بل ألنه لم يمتلك الجسارة على ذلك(.!)3
ثم تاله بعد ذلك نور الدين الجزائري ،فصرح بتفضيل زينب على األنبياء
َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إكسير العبادات (.)552/2
( )2إكسير العبادات (.)634/2
( )3إكسير العبادات ( 708/2ــ .)709
563
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
في عدة مواضع من كتابه الخصائص الزينبية ،حيث يقول> :إن قلنا وفقا لهذا
المقياس بأ َّن السيدة زينب هي كأبيها وأمها وأخويها صلوات اهلل عليهم أجمعين
أفضل من األنبياء السابقين لم يكن ذلك منا غلوا ،وال كالما شططا<(.)1
وزعم في موضع آخر أ ّن زهد زينب أعظم من زهد المسيح( ،)2وصرح
في موضع آخر أنها امتحنت امتحانا شديدا ..فاق امتحان جميع من تقدمها ومن
تأخر عنها ،حتى األنبياء والمرسلين(.)3
ثم قال> :وابتلي سائر األنبياء
وع َّدد في موضع آخر ابتالءات األنبياء َّ
السابقين أيضا بباليا ومصائب ،لكن زادت عليهم جميعا السيدة زينب فيما جرى
عليها من مصائب وباليا<(.)4
وصرح في موضع آخر أن ما قدمت زينب يفوق ما قدمه إبراهيم
َّ
.)5(
ثم تلقف المرجع المعاصر محمد جميل حمود العاملي هذه العقيدة،
فقررها وانتصر لها ،ومن أقواله في ذلك> :عصمة موالتنا المعظمة الص ِّديقة
الكبرى زينب الحوراء وموالنا المعظم أبو الفضل العباس هي عصمة ذاتية كبرى
أعظم من عصمة األنبياء<(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخصائص الزينبية (ص .)224 ()1
الخصائص الزينبية (ص .)88 ()2
الخصائص الزينبية (ص .)204 ()3
الخصائص الزينبية (ص .)277 ()4
الخصائص الزينبية (ص .)214 ( )5
انظر موقعه الرسمي على هذا الرابط. http://aletra.org/print.php?id=1328 : ()6
564
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
وظهور بطالن هذه الدعوى وكونها غلوا منكرا أظهر من أن يحتاج إلى بيان،
والذي دفعني للكالم عن هذه القضية هو أنني رأيت كيف أ َّن كثيرا من التصورات
ثم صارت اليوم من الخاطئة عن زينب كانت إلى زمن قريب أقواال شاذةّ ،
المسلَّمات ،وصارت تد َّون في الكتب بال نكير وكأنها حقائق ،ولوال ذلك لكان
اإلعراض عن حكاية هذه األقوال العجيبة هو األولى ،والمقصود ،أن تفضيل
زينب على األنبياء باطل من وجوه:
األول :إن القرآن الكريم قد صرح بتفضيل األنبياء والمرسلين على سائر
العالمين فقال سبحانه{ :ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ
ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤﱥ ﱦ
ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ
ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ
ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ} [األنعام 83 :ــ ،]86
وهذا أصرح دليل على أن األنبياء خير الخلق ،وقال { :ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ
ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ} [آل عمران ،]33 :وقال تعالى{ :ﱁ
ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ
ﱎ} [األعراف .]144 :ولما ذكر اهلل مراتب الفائزين في اآلخرة قال
سبحانه{ :ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ
ﱷ ﱹ ﱺ ﱻ} [النساء ،]69 :وهذا أصرح ﱸ ﱵﱶ
ثم يأتي
فخيرهم األنبياءّ ،
وأوضح نص في بيان منازل الخالئق في اآلخرةُ ،
ثم الصالحون ،وهذه المراتب الثالث كلها مراتبثم الشهداء ّ
بعدهم الصديقون َّ
ثم إن القرآن لم يثن على أحد من الخلق أعظم من ثنائه على ألتباع األنبياءّ ،
565
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
منكر
غلو ٌ األنبياء والمرسلين ،فالقول بأ َّن أحدا من الخلق أفضل من األنبياء هو ٌ
معارض لصريح القرآن الكريم.
ٌ
على األنبياء، الثاني :إذا كنا نمنع القول بتفضيل خير أصحاب النبي
كالمهاجرين واألنصار الذين أثنى اهلل عليهم في كتابه ومدحهم مدحا عظيما وقال
فيهم{ :ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ
ﱙ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤ ﱥ
ﱚ ﱘ
ﱦ} [آل عمران ،]110 :فمن باب أولى أن نرد القول بتفضيل من هو دونهم
في المنزلة ،فزينب وإن كانت من سيدات بيت النبوة ،إال أنه لم يرد لها أي
فضيلة خاصة في القرآن الكريم ،ولم تثبت لها فضيلة خاصة في السنة النبوية،
فكيف تصير أفضل من األنبياء والمرسلين!!.
الثالث :يكفي في رد هذا القول أنه مثل القول بالعصمة الصغرى قول متأخر
محدث من زمن قريب ،فتاريخ ظهور هذا القول ال يتعدى القرن الثالث عشر،
ولم يقل به إال قلة قليلة ممن أعماهم الغلو في زينب ،وليس عندهم أي نص على
هذه الدعوى ،وكل ما يسوقونه من أدلة ليست إال خياالت وأوهام وتصورات
واهية مبنية باألساس على الغلو المنكر ،وإذا علمت أن عمدة ما يستدلون به هو
ما ينقل عن زينب من روايات وأقوال ُد ِّونت في كتب المقاتل المصنفة في القرن
قطعت بأن ما استندوا إليه ليس إال {ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ} َ العاشر،
[النور ،]39 :وإال فلو كان ما ي َّدعونه صحيحا ،فلماذا لم يصرح الحسين في
أي رواية من الروايات التي نقلت عنه ــ حتى في كتب المقاتل المليئة
بالموضوعات ــ بأن زينب خير من األنبياء والمرسلين؟!
566
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
567
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
الفصثة الثالثة
نفصثل زينب الكبرى علي كل الي ساء سؤى امها فاطمة
وهذه المقالة من باليا األغا الدربندي ،فلم أقف على من سبقه إليها ،يقول
في كتابه إكسير العبادات> :فالنساء الطاهرات والبنات الطيبات الالتي تكون
حالتهن وأوصافهن كذلك تكون وصائفهن الالتي كن معهن ،ممن ال يشك في
أفضليتهن على سيدات النساء في األمم السابقة ،كمريم ،وآسية وهاجر<(.)1
وقد أقره على ذلك جعفر النقدي فقال> :جزم في >أسراره<( )2أنها صلوات
اهلل عليها أفضل من مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وغيرهما من فضليات
النساء ،ومن نظر في >أسرار الشهادة< رأى فيه من االستنباطات والتحقيقات في
فوصف النقدي لهذه
ُ حق زينب صلوات اهلل عليها ما هو أكثر مما ذكرناه<(.)3
المقاالت المغالية في زينب بأنها تحقيقات واستنباطات ،ظاهر في موافقته
للدربندي.
كما أ ّن نور الدين الجزائري قرر هذه المقالة ،فقال> :السيدة زينب هي
المرأة الثانية في العالم من األولين واآلخرين بعد أمها ،يعني :المرأة األولى
ثم بقية النساء العظيمات كخديجة الكبرى، ثم هيّ ، أمها فاطمة الزهراءّ ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إكسير العبادات (.)554/2
( )2أي الدربندي ،والمقصود بأسراره ،كتاب إكسير العبادات في أسرار الشهادات ،ويسمى أيضا
أسرار الشهادة.
( )3زينب الكبرى (ص .)36
568
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
ومريم العذراء<(.)1
ويقول في موضع آخر عن زينب > :صارت ثاني امرأة بين نساء
العالمين من األولين واآلخرين<(.)2
ويقول مجتبى الحسيني> :إننا ال نجد في النساء في اإلسالم أحدا أفضل
من السيدة زينب بعد أمها الزهراء بل ال نجد بين البشر بعد المعصومين
أفضل منها<(.)3
ويظهر من المرجع عبد الحسين الموسوي الميل إلى هذه المقالة حيث قال
عن زينب > :لم يُر أكرم منها أخالقا ،وال أنبل فطرة ،وال أطيب عنصرا ،وال
أخلص جوهرا ،إال أن يكون جدها واللّذين أولداها<(.)4
وتلقف المرجع المعاصر محمد جميل حمود العاملي هذه العقيدة المغرقة
في الغلو ،فصنف في االنتصار لها كتابا سماه> :الحقيقة الغراء في تفضيل سيدتنا
الصديقة الكبرى زينب الحوراء على السيدة مريم العذراء< ،مقررا أ ّن زينب
>أفضل النساء وأعقلهن وأخيرهن بعد أمها<(.)5
والجواب عن هذه المقالة المستنكرة ظاهر ،فإن القول بتفضيل زينب على
سائر النساء سوى أمها ،قول ُم ْح َدث مثل سابقيه ،فضال عن أن من اخترعه وهو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخصائص الزينبية (ص .)252 ()1
الخصائص الزينبية (ص .)281 ()2
قال ذلك في تقديمه لكتاب مرقد العقيلة زينب للسابقي (ص .)17 ()3
عقيلة الوحي المطبوع ضمن موسوعة عبد الحسين الموسوي (.)2515/6 ()4
الحقيقة الغراء في تفضيل سيدتنا الصديقة الكبرى زينب الحوراء (ص .)11 ( )5
569
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
اآل غا الدربندي اعترف بعدم وجود أي دليل عليه حتى في روايات اإلمامية،
فقال> :مقتضى القاعدة أن تكون األخبار في فضائل ودرجات النسوة الطاهرات
المسبيات يوم الطف من قبيل األخبار البالغة حد التواتر والتسامع والتظافر ،وال
سيما في بيان شأن وفضائل الصديقة الصغرى زينب ...بل مقتضى القاعدة أن
تكون األخبار الواردة في أفضليتهن على سيدات النساء في األمم السابقة مثل
مريم وهاجر وآسية في غاية الكثرة ونهاية الوفور ،فما العلة والسبب في
سكوت الحجج الطاهرين عن بيان ذلك؟ وما الوجه والسر في عدم وصول
األخبار إلينا بعد فرض صدورهم عنها؟ ،أو ما تدري أن وصل إلينا في شأن
زيارة المعصومة أعني فاطمة بنت اإلمام موسى بن جعفر ،المدفونة في قم لم
يصل مثله إلينا في شأن زيارة واحدة من تلك النسوة الطاهرات المسبيات؟
وأما ما أشرنا إليه من فضائلهن ...فإنما كان من قبيل االستنباطات الدقيقة...
فمثل ذلك ال يدفع البحث وال يزيل اإلشكال ،والحاصل أن لب السؤال
ومحصل اإلشكال أنه لم يصل إلينا في بيان شأنهن وفضلهن ما وصل في شأن
العباس وعلي األكبر ...فهذا اإلشكال مما يضيق به صدري ولم أجد إلزالته
جوابا إلى هذه األيام<(.)1
فأنت ترى اعتراف الدربندي بندرة الروايات المختصة بفضائل زينب
وغيرها من النساء التي يُروى أنهن كن مع الحسين في كربالء ،فضال عن
أفضليتهن على بقية النساء ،والمفروض أن عدم وجود الدليل على هذه المقالة
يفضي إلى اطراحها وجعلها من المقاالت التي ال نصيب لها من الصحة ،إال أن
الدربندي قرر عكس ذلك ،وستعجب عندما تسمع جوابه عن هذا اإلشكال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إكسير العبادات ( 551/2ــ .)552
570
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
العويص ،حيث يقول> :هذه القضية من قبيل القضايا التي في شأنها( )1أنها خفيت
علينا حقيقة حالها لشدة نورها وكثرة وضوحها وإفراط ظهورها<( ،)2هذا جوابه!
ثم بعدها ادعى أن ما ورد في شأن زينب والنسوة اللواتي كن في كربالء
>لم يرد في شأن أحد بعد حجج اهلل المعصومين<( ،)3ثم سرد كالما طويال
استحضر فيه ما يروى في كتب المقاتل عن مواقف النساء في كربالء.
هذا مبلغه من العلم ،وأنت خبير بأن هذا الجواب مغرق في البعد عن
مسالك الهداية ،وأنه باب من أبواب اختراع البدع والمقاالت الباطلة ونسبتها إلى
الدين بال أي برهان وال أي حجة ،فكل مبطل يستطيع أن يدعي دعوى باطلة،
فإن قيل له ما دليلك عليها أجاب بجواب الدربندي ،وهو أن هذه القضية واضحة
وال تحتاج إلى دليل ،وأين هذا من قول اهلل تعالى{ :ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ
ﱕ} [النمل]64 :؟
فضل زينب على مثل مريم التي شرفها اهلل تعالى بذكرها في القرآن
ثم كيف ُت َّ
ّ
وقال عنها{ :ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ}؟
وكيف تكون زينب أفضل من أم المؤمنين خديجة ،التي قال فيها النبي
> :خير نسائها مريم ابنة عمران ،وخير نسائها خديجة<؟(.)4
وقد ورد في مصادر اإلمامية عن أبي جعفر الباقر أنه قال> :دخل رسول الل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كذا في المطبوع. ()1
إكسير العبادات (.)552/2 ()2
إكسير العبادات (.)552/2 ()3
صحيح البخاري ( ،)3815صحيح مسلم (.)6352 ()4
571
الفصل الرابع :تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى
على خديجة حين مات القاسم ابنها وهي تبكي :فقال لها> :ما يبكيك< ،فقالت:
>درت دريرة فبكيت< ،فقال> :يا خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجيئي
إلى باب الجنة وهو قائم فيأخذ بيدك فيدخلك الجنة وينزلك أفضلها وذلك لكل
ثم يعذبه بعدها
وأكرم أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده َّ
ُ أحكم
ُ مؤمن ،إن اهلل عز وجل
أبدا<(.)1
وهذا الخبر على ضعفه ،إال أن القائلين بتفضيل زينب على خديجة وبقية
النساء سوى فاطمة ،يعجزون أن يأتوا بخبر موضوع فيه مثل هذه الفضيلة
لزينب!.
وإذا علمت هذا ،فال حاجة للكالم عن تفضيل زينب على بقية النساء،
خاصة من ثبت في فضائلهن أحاديث صحيحة عن النبي ،كفضليات أمهات
المؤمنين وفي مقدمتهن الصديقة بنت الصديق عائشة ،وفضليات نساء
الصحابة المشهورات ،أل َّن ظهور تفضيلهن على زينب أبين من أن يحتاج إلى
االستدالل عليه ،وقد تنازع الناس في أفضل النساء ،فوقع االختالف في أم
،ومريم ،وآسية، المؤمنين خديجة ،وأم المؤمنين عائشة ،وبضعة النبي
ولم يذكر أحد من الناس زينب معهن ،حتى ظهرت مقالة الغالة في القرن الثالث
عشر ،وكفى بهذا شاهدا على أن المسلمين بجميع طوائفهم لم يكونوا خالل
ثالثة عشر قرنا يرون أن زينب معدودة ضمن أفضل النساء ،حتى اخترع أهل الغلو
هذه المقالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الكافي ( ،)218/3وقال المجلسي في مرآة العقول (> :)170/14ضعيف< ،وفي رواية أخرى
في الكافي ( )219/3بدل القاسم> :الطاهر< ،وضعف المجلسي الخبر في مرآة العقول
(.)172/14
572
املبحث الثاني :قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى
وقد وجدت أ َّن الباحث اإلمامي علي أكبر نجاد قد انتقد تفضيل زينب على
مريم وع َّده من الغلو فقال> :واليوم ليس فقط عوام الناس من ال يقبل بأن تكون
السيدة مريم أعلى مقاما من السيدة زينب ،بل هناك الكثير من العلماء يجادلون
واضح ومح ِّد ٌد
ٌ في ذلك ،رغم أن الحديث الذي صدر عن النبي األكرم
لمقام السيدة مريم بشكل ال يمكن نقاشه ،حيث قال ما معناه :أعظم النساء درجة
يوم القيامة :آسية امرأة فرعون ،مريم ،خديجة الكبرى ،وفاطمة .فهل عدم إدخال
للسيدة زينب ضمن هؤالء األربعة ناتج عن عدم معرفته بما سيحدث النبي
لهذه األمة؟ أو أنه لم يكن على علم بمقام حفيدته زينب؟!
إ ّن القول بأ ّن مريم أعلى مقاما من السيدة زينب ال يعني بأي وجه من الوجوه
عن التنقيص من مقامها ،وال المساس بحيثياتها ،ولكن حين يتحدث النبي
مقام تلك النسوة األربعة فإنه حديث اإلنسان الكامل المدرك لخفايا األمور،
في مريم والذي لديه نظرة سماوية لألشخاص ،باإلضافة إلى أن قول النبي
والثالثة األخريات قول وحي ،انطالقا من األصل العقائدي الذي تح ِّدده اآلية
الكريمة من سورة النجم{ :ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ} [النجم.]4 :
لذا فإ َّن العواطف لم تكن يوما دليال يستدل به على قيمة األشخاص الدنيوية ،فما
بالك بالمقام عند اهلل ،وهي مقامات ال يطلع عليها إال المعصومون والمالئكة
المقربون<(.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مقالة >الخلفيات الفکرية لصناعة الخرافة مطالعة ونقد ( ،<)2المنشورة بمجلة نصوص معاصرة
العدد 24و( ،25ص.)144
573
d
X X
الفصل ا لحام س
d
d
X
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
لقد ذكرت في بداية هذه الدراسة أن أحد بواعث التأليف عن زينب الكبرى
في العصور المتأخرة ،هو القبر المنسوب لها في الشام ،فأولى المصنفات التي
كتبت عن زينب في القرن العاشر كان سببها وجود قبر ينسب إليها في المنطقة
التي كانت تسمى قديما قرية راوية في ضواحي دمشق ،وفي العصر الحاضر وبعد
اشتهار نسبة قبر آخر إليها في مصر بمنطقة كانت تسمى قديما قناطر السباع،
ظهرت العديد من المصنفات عن زينب في المكتبة المصرية تهدف إلى عرض
سيرتها وإثبات دفنها في مصر ،ولذلك كان ال بد من بحث هذه المسألة بحثا
معمقا وموسعا مع االستعانة بالمصادر التاريخية الموثقة وتتبع التطور التاريخي
لهذه القبور ،وهذا ما سأبحثه في هذا الفصل.
577
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ل
عن الفثؤز امي سؤية الي زينب الكبرى
ال تخلو المصنفات المعاصرة في زينب من التعرض لمسألة تعيين
قبرها ،وذلك أن زينب ينسب لها اليوم عدة مشاهد ،أشهرها اليوم اثنان:
أ ــ القبر المنسوب لها في مصر والذي بني عليه مسجد.
ب ــ القبر المنسوب لها في الشام الذي ُش ّيد عليه مشهد.
وقد ُكتبت دراسات في إثبات صحة كل من هذين المشهدين> ،وكل من
المصادر يدلي دلوه في هذا المضمار ليكسب زينب في أرضه ،ويدعي أنها
المدفونة عنده<( ،)1فألّف حسن قاسم كتاب >السيدة زينب وأخبار الزينبات<،
ثم ألّف بعده
وحشد فيه كل ما أمكنه من األدلة إلثبات دخولها مصر ووفاتها بهاّ ،
محمد حسنين السابقي كتاب >كشف الغيهب في تحقيق مرقد السيدة زينب<
إلثبات دفنها في الشام.
وأما الدراسات المؤلفة في نقض صحة هذين المشهدين فقليلة بل نادرة،
ولم أقف إال على دراسة مختصرة لمحمود المراكبي ،ضمن كتابه >القول الصريح
في حقيقة الضريح< ،حيث تكلم فيه عن مشهد رأس الحسين الموجود في
()2
وبين عدم صحة دخولهاثم عن القبر المنسوب لزينب الكبرى في مصر ّ ،مصرَّ ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1بنات الصحابة (ص .)209
( )2القول الصريح في حقيقة الضريح ــ نسخة إلكترونية ــ (ص 99ــ .)110
578
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
لمصر ،غير أنه اعتمد بالكلية على السابقي وتابعه في كثير من تدليساته على
ثم إ ّنه لم يتفطن لتزويرات حسن قاسم فاعتمد على بعضها( ،)2فضال ()1
القراء ّ ،
عن أن نقده اقتصر على بطالن المشهد المصري دون الشامي ،ولهذا لم يكن بحثه
وافيا وال كافيا.
وقد كتب علي أصغر قائدان مقالتين في نقد المرقدين المنسوبين إلى زينب
في مصر والشام :عنوان المقالة األولى >مرقد السيدة زينب الكبرى في مصر،
دراسة وتمحيص لآلراء التاريخية<( ،)3وعنوان المقالة الثانية> :ضريح السيدة
زينب في سوريا (الزينبية) آراء ودراسة نقدية<(.)4
وبعد بحث هذه المسألة بحثا مفصال ،وجدت أن األقوال في موضع وفاة
زينب الكبرى هي خمسة أقوال:
األول :أنها ُدفنت في المدينة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثل قوله إن شمس الدين السخاوي ألَّف كتابا عن زينب ولم يذكر دفنها في مصر ،فإن هذا من ()1
اختراع السابقي كما بينته في هذه الدراسة ،ومنها أيضا ما عزاه السابقي إلى بعض المؤلفات التي لم
يقف عليها ومع ذلك نسب إلى أصحابها أنهم لم يذكروا زينب ،انظر القول الصريح في حقيقة
الضريح (ص .)108
منها عدم تنبه إلى أن الرحالة الكوهيني ال وجود له وأنه من اختالق حسن قاسم ،فقد نقل (ص 100 ()2
ــ ،)101ــ النسخة اإللكترونية ــ أن الكوهيني زار قبر زينب في مصر ثم نقل كالم السابقي في رده،
َّثم قرر أ َّن خطأ الكوهيني كان بسبب قيام الدولة الفاطمية بكتابة اسم زينب على القبر الذي زاره
الكوهيني ،وهذا كله غلط ،فالفاطميون بريئون من هذه المسألة وإنما نسبها إليهم السابقي ،أما
الرحالة الكوهيني فقد بينت أنه شخصية خيالية من اختراع حسن قاسم كما مضى بتفصيل.
نشرت بمجلة آفاق الحضارة اإلنسانية ،السنة الخامسة عشرة ،العدد األول ،سنة 1433هـ ()3
(ص 121ــ .)140
نشرت بمجلة العلوم اإلنسانية الدولية التي تصدر بإيران ،العدد 2012 ،)3( 19م 1433/هـ. ()4
579
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
580
املبحث األول :إثبات وفاة زينب الكربى ودفنها باملدينة
ل
اميحب ا أ
لول
ايثاث وفاة زينب الكبرى ودفيها يالمديثة
581
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
أرسل من بقي من أهل البيت إلى المدينة بعد أن ق ِدم بهم من الكوفة ،ولم ينقل
أبو مخنف أي شيء عن خروج زينب من المدينة بعد عودتها من الشام.
الوجه الثالث :أن هذا القول هو قول المحققين من العلماء والمؤرخين من
علماء أهل السنة وغيرهم وإليك بيانه:
أ ــ أقوال علماء أهل السنة في دفن زينب الكبرى بالمدينة
إ ّن أقدم من تكلم عن االختالف في مواضع دفن زينب ،حسبما وقفت عليه
ثم قال:
هو عبد الغني النابلسي (1143هـ) ،فقد وصف قبر زينب في الشام َّ
ثم استبعد دفنها في مصر ،ونقل كالم ابن عساكر >فيحتمل أنها ماتت بدمشق<َّ ،
ثم قال> :فيحتمل
الذي يذكر فيه أن يزيد أرسل من بقي من أهل البيت إلى المدينة َّ
أن زينب هذه سارت إلى المدينة فماتت هناك ،ويحتمل موتها بدمشق كما
ذكرنا<(.)1
فالنابلسي احتمل دفن زينب في الشام لسببين:
األول :وجود قبر منسوب لها في دمشق.
والثاني :بسبب رواية أبي مخنف التي تذكر أ َّن زينب كانت مع الحسين في
كربالء وقدم بها إلى الشام.
غير أنه في آخر أمره نفى أن تكون زينب مدفونة في دمشق وسيأتي كالمه(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بالد الشام والحجاز (ص .)215
( )2مع اإلشارة إلى أن النابلسي كان يرى في أول أمره أن زينب المدفونة في الشام هي أم كلثوم الكبرى
زوجة عمر بن الخطاب كما سيأتي التنبيه عليه.
582
املبحث األول :إثبات وفاة زينب الكربى ودفنها باملدينة
وأما أقدم من وقفت عليه يقطع بدفن زينب في المدينة ،فهو المؤرخ
المغربي أحمد بن خالد الناصري ( 1315هـ) ،فقد نقل ما قيل من دفنها في مصر
والشام ثم قال> :لكن ما تقتضيه األخبار والتواريخ أن مدفنها بالمدينة المنورة،
ال بالشام وال بمصر<(.)1
وهذا ما قطع به األديب البحاثة أحمد زكي باشا ( 1353هـ) الملقب بشيخ
العروبة ،حيث قال عن زينب > :الحق الذي ليس بعده إال الضالل ،أنها
قضت باقي حياتها بالحجاز ،إلى أن انتقلت إلى جوار ربها بالمدينة المنورة،
فكان دفنها بالبقيع ،هذا هو الصواب وما عداه فإفك وبهتان<(.)2
ويظهر من الشيخ محمد بخيت المطيعي (1354هـ) مفتي الديار المصرية
الميل إلى هذا القول ،حيث قال في جوابه عن قبر السيدة زينب في مصر> :جزم
كل من ابن األثير في تاريخه والطبري كذلك ...بأن السيدة زينب بنت علي كرم ٌّ
اهلل وجهه وأخت الحسين ،قد عادت مع نساء الحسين أخيها ،ومع أخوات
الحسين بعد مقتله إلى المدينة بعد أن طافت هي وأخواتها ونساء الحسين بكربالء
فالكوفة فالشام فالمدينة<( ،)3فهو وإن لم يصرح بموت زينب في المدينة ،إال أن
ظاهر كالمه أن زينب لم تخرج من المدينة بعد عودتها إليها ،وما يؤيد هذا أنه لم
يشر إلى دفنها في الشام بشيء ،واهلل أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1طلعة المشتري في النسب الجعفري (.)26/1
( )2مقال منشور بجريدة األهرام بتاريخ ( 1932/09/8م) ،ونقل أنور الجندي مقتطفات منه في كتابه
أحمد زكي الملقب بشيخ العروبة (ص 145ــ .)146
( )3مجلة اإلسالم السنة األولى عدد 5شعبان 1351هـ ،ونشر أيضا بمجلة الفتح ،العدد 15 ،322
شعبان 1351هـ( ،ص 4ــ ،)5وانظر :محمد بخيت المطيعي شيخ اإلسالم والمفتي العالمي
(ص 82ــ .)83
583
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
584
املبحث األول :إثبات وفاة زينب الكربى ودفنها باملدينة
585
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
586
املبحث األول :إثبات وفاة زينب الكربى ودفنها باملدينة
المذهب<(.)1
رجح أ ّنها ُدفنت بالمدينة في البقيع إلى جوار
وممن ّ
وقال هاشم معروفّ > :
مرقد زوجها عبد اهلل بن جعفر :عباس قلي خان في كتابه >الطراز المذ ّهب< ،عن
كتاب >بحر المصائب<<(.)2
والشاهد أ ّن عباس قلي خان قرر في أقدم كتاب كتبه اإلمامية عن زينب بأنها
مدفونة في المدينة(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1هدية الزائرين ــ فارسي ــ (ص .)456
( )2من وحي الثورة الحسينية (ص .)140
( )3تعمدت التوسع في تتبع نصوص الناقلين لكالم صاحب الطراز المذهب ،ألني وقفت على من
نسب إليه غير هذا القول ،وأغرب ما مر علي من ذلك ما قاله جواد شبر ،فقد نسب إلى صاحب
الطراز أنه قال> :الذي يظهر من األخبار أن قبرها بالشام< ،مقالة> :السيدة زينب< ،المنشورة
بمجلة الموسم ،العدد الرابع (ص .)903
وعندي أ ّن جواد ُش َّبر غلط في هذا النص ،فإن صاحب الطراز إنما نقل القول بأنها مدفونة بالشام
ضمن األقوال المختلفة في قبرها ،ثم رجح دفنها في المدينة كما نقل عنه كل من جعفر بحر العلوم
ثم إ ّن نور الدين الجزائري ر ّجح أيضا وفاة زينب في
والخياباني وعباس القمي وهاشم معروفّ ،
المدينة ــ كما يأتي ــ وإنما ذهب الجزائري إلى ذلك أل ّن ُجلَّ مادة كتابه عن زينب مأخوذة من
كتاب الطراز المذهب ،وعليه فال عبرة بكالم جواد شبر ،وإذا راجعت كالم شبر في تلك المقالة،
ستحكم بأحد أمرين ،إما أ ّن الرجل عنده خلل كبير في فهم النصوص واالستدالل بها ،أو أنه
يتعمد التدليس ،فقد وجدته (ص )902ينسب إلى هبة الدين الشهرستاني أن زينب دفنت في
الشام ونقل أول كالمه فقط ،وترك بقية كالمه الذي ينقل فيه أنها مدفونة بمصر ،وهذا ما صنعه مع
كالم بحر العلوم (ص ،)903فاجتزأ منه ما نقله عن النوري في دفن زينب في الشام ،وأعرض
عن أول كالمه الذي يصرح فيه بدفنها في المدينة ،كما أنه لم ينقل تعقيبه على كالم النوري
باحتمال أن تكون المدفونة في دمشق هي زينب الصغرى!.
ونظير هذا ،قول فرج عمران القطيفي إن صاحب الطراز ذكر قولين في وفاة زينب ،في المدينة
والشام ولم يرجح أحدهما ،راجع وفاة زينب الكبرى (ص ،)72والذي ظهر لي أن القطيفي=
587
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
وهو القول الذي نصره محمد باقر البيرجندي ( 1352هـ)( ،)1فقد نقل
اإلجماع على وفاة زينب الكبرى في المدينة(.)2
وهذا ما رجحه نور الدين الجزائري ( 1385هـ) في كتابه >الخصائص
الزينبية< الذي أفرده عن زينب وطُبع سنة (1341هـ) ،فقد حكى األقوال
ثم رجح وفاتها بالمدينة قائال> :األقرب للصوابالمختلفة في موضع وفاة زينب َّ
هو دفن هذه المظلومة في المدينة الطيبة ،والمقام الموجود في مصر ،يمكن أن
يكون لزينب من الهاشميات ،وكذلك مقام الشام ،والعلم عند اهلل<( ،)3وقد مضى
المذ َّهب< ،فال غرو
أ َّن نور الدين الجزائري اعتمد في غالب كتابه على >الطراز ُ
أن يتابعه في دفن زينب في المدينة.
وهذا هو المثبت في األصل الفارسي >للخصائص الزينبية< ،إال أن مترجم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= لم يطالع كتاب الطراز ،وإنما نقل عنه بواسطة النقدي الذي حكى عنه هذين القولين ،وإال
فالصحيح أن صاحب الطراز حكى ثالثة أقوال في تعيين قبر زينب ثم رجح دفنها في المدينة.
( )1ترجمته في تراجم الرجال (.)603/2
( )2نقل ذلك عنه ذبيح اهلل المحالتي في رياحين الشريعة ــ وهو كتاب فارسي ــ ( ،)34/3فقال:
>عالمة بيرجندي در كبريت أحمر دعوى إجماع كرده است كه قبر آن مظلومة در مدينة است<.
وهذا النص منقول عن كتاب> :الكبريت األحمر في شرائط أهل المنبر< للبيرجندي ،وقد وقفت
على طبعة حجرية قديمة له وهو مكتوب بالفارسية ،غير أني لم أهتد لموضع هذا الكالم ،وقد
ترجم محمد شعاع فاخر كتاب الكبريت األحمر للعربية ولم يتيسر لي الحصول عليه إلى غاية كتابة
هذه السطور.
( )3الخصائص الزينبية ــ الفارسي ــ (ص ،)99الطبعة الحجرية ،وقد استعنت بأحد اإلخوة في
ترجمة النص ،ونص كالمه بالفارسية> :أقرب بصوابست همان دفن انمظلومة در مدينة طيبة،
ومقام موجود در مصر ممكن است از زينب نامي از هاشميات باشد ،وكذلك مقام شام ،العلم
عند اهلل< ،غير أنه لم ير بأسا بزيارة سائر هذه المواضع المنسوبة لزينب!
588
املبحث األول :إثبات وفاة زينب الكربى ودفنها باملدينة
الكتاب إلى العربية حذف هذا الكالم ،وليته اكتفى بهذا فإنه زاد على ذلك بأن
ز َّور كالم الجزائري بالكلية ،فأضاف إلى النص العربي كالما ليس في األصل
الفارسي أصال ،فمن ذلك قوله> :لم يطمأن بعد إلى مكان يقطع بأنه محل قبرها
الشريف ،ــ وإن كان المشهور بل المظنون قويا كونه بالشام<( ،)1فال وجود لهذا
الكالم في األصل الفارسي ،ومن ذلك قوله> :هناك اختالف كبير بين المؤرخين
وأرباب المقاتل في تعيين قبرها< ،فهي ترجمة بعيدة عن كالم المؤلف ،فالذي
قاله المؤلف> :وكذلك بالنسبة لمدفن هذه المحترمة ،فيه اختالف فاحش<(.)2
ِ
المترجم لم يذكر اسمه في الطبعة المترجمة! ،وقد تبين لي بعد مقارنة وهذا
ترجمته باألصل الفارسي أن هذه الترجمة غير معتمدة إطالقا ،ألن المترجم أباح
لنفسه التصرف في النص بالحذف والزيادة!! واهلل المستعان.
والقول بوفاة زينب في المدينة هو الذي انتصر له المرجع اإلمامي
محسن األمين العاملي (1371هـ) ،وقطع به ،ور َّد كل األقوال المخالفة لذلك،
يقول >يجب أن يكون قبرها في المدينة المنورة ،فإنه لم يثبت أنها بعد رجوعها
للمدينة خرجت منها وإن كان تاريخ وفاتها ومحل قبرها بالبقيع<(.)3
وهذا الذي اعتمده جعفر بحر العلوم (1377هـ) ،فبعد أن استبعد دفن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الخصائص الزينبية المترجم إلى العربية (ص .)197
( )2الخصائص الزينبية ــ الفارسي ــ (ص ،)99الطبعة الحجرية ،ونصه كالمه بالفارسية> :وكذلك
در مدفن اين محترمة ،نيز اختالف فاحش<.
أقول :وال يحتاج أحد أن يتعلم الفارسية ليعلم الفرق بين الكالمين ،ويبدو أن المترجم لم يعجبه
تنصيص المؤلف على االختالف الفاحش في تعيين قبر زينب!!.
( )3أعيان الشيعة (.)140/7
589
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ثم
زينب في الشام ،رجح دفنها في المدينة ونقل ترجيح عباس قلي خان لذلكّ ،
ثم عقب عليه قائال:
إ ّنه نقل كالما عن النوري في أ ّن زينب مدفونة في الشامَّ ،
>ويحتمل أن تكون البقعة لزينب الصغرى بنت أمير المؤمنين المكناة أم
كلثوم<(.)1
وهذا ما ذهب إليه النسابة اإلمامي عبد الرزاق كمونة ( 1390هـ) ،فقد ذكر
زينب الكبرى ضمن المدفونين في المدينة قائال> :وماتت بها أم الحسن( )2زينب
الكبرى بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ،قال السيد محسن العاملي إنها
توفيت بالمدينة ،وأمها فاطمة الزهراء .)3(<
وهذا الذي قرره ذبيح اهلل المحالتي (1403هـ) ،فقد أفرد مبحثا للكالم
عن موضع وفاة زينب الكبرى ،وانتقد القول بدفنها في مصر بسبعة وجوه ،وانتقد
القول بدفن زينب الكبرى في الشام ،وأجاب عن تعدد المواضع التي تنسب
لزينب بتعدد المسميات بزينب من بنات علي ،ثم رجح أن زينب الصغرى
مدفونة في الشام ،والكبرى في المدينة(.)4
وممن حقق هذه المسألة وبحثها ،الشيخ اإلمامي هاشم معروف ( 1403هـ)،
يبق أمامنا سوى
ثم قال> :لم َ
فقد أثبت عدم صحة القول بدفنها في الشام ومصر َّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحفة العالم ( 460/1ــ .)461 ()1
يبدو أن عبد الرزاق كمونة تابع العمري في المجدي في تكنية زينب بأم الحسن ،والصواب أن ()2
كنيتها أم جعفر كما مضى تفصيله في الكالم عن كنية زينب .
مشاهد العترة الطاهرة (ص .)210 ()3
انظر كالمه كامال في رياحين الشريعة ــ فارسي ــ ( 34/3ــ ،)37وهذا ملخص ما ذكره ،ولكنه ()4
لم ير بأسا بزيارة سائر المواضع التي تنسب لها.
590
املبحث األول :إثبات وفاة زينب الكربى ودفنها باملدينة
* االعتراض األول :عدم النص على موضع قبر زينب الكبرى في المدينة
أشهر هذه االعتراضات هو قولهم :لو كان لزينب قبر في المدينة لكان مكانه
معلوما!
وأصل هذا االعتراض من جعفر النقدي ،حيث يقول> :لو صح هذا لبقي
لعظيمة بيت الوحي أثر خالد ومشهد يزار كما بقي لمن دونها في المرتبة من بني
هاشم<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد مضى أن السبي ليس إال أسطورة من أساطير أبي مخنف ومن جاء بعده. ()1
من وحي الثورة الحسينية (ص .)138 ()2
من وحي الثورة الحسينية (ص .)141 ()3
زينب الكبرى (ص .)119 ()4
591
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
وتبعه محمد جواد مغنية> :لو كان قبرها في المدينة لعرف واشتهر<(.)1
وقال السابقي> :لو كان لها قبر بالبقيع ،لجاء ذكره صريحا في الكتب
المؤلفة في مزارات المدينة المنورة قديما وحديثا<(.)2
وقال في موضع آخر> :قبور البقيع ذكرها المؤرخون قديما وحديثا ،يذكرها
ابن النجار في تاريخه ،والسمهودي في تاريخه الحافل في باب مخصوص لذكر
مزارات أهل البيت والصحابة ،وال نجد فيها قبر العقيلة زينب ،ال في
القبور المعمورة ،وال المطموسة<( ،)3و> لكان لمرقدها ذكر ولو في القرون
األولى<(.)4
وقال أيضا> :لو كان لدينا خبر يثبت لنا أن العقيلة توفيت بالمدينة ،ألراحنا
األمر بأن المدينة محيطة بجثمانها ،فال يعدوها مرقدها ،ولكنه بعيد ودون إثباته
خرط القتاد ،والتواريخ ساكتة ،والكتب المؤلفة في مزارات المدينة خالية عن
ذكره<( ،)5وتكرر هذا االعتراض عند سائر من تكلم عن هذه القضية(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع بطلة كربالء (ص .)91 ()1
مرقد العقيلة زينب (ص .)33 ()2
مرقد العقيلة زينب (ص .)121 ()3
مرقد العقيلة زينب (ص .)122 ()4
مرقد العقيلة زينب (ص .)123 ( )5
مقالة >مدفن السيدة زينب< لموسى عز الدين ،منشورة في مجلة العرفان المجلد ( )40الجزء ()6
( ،)5ونقلتها مجلة الموسم في العدد الرابع (ص ،)892زينب الكبرى من المهد إلى اللحد
لمحمد كاظم القزويني (ص ،)598السيدة زينب رائدة الجهاد في اإلسالم لباقر القرشي
(ص ،)327الشمس الساطعة ألحمد شكر ( ،)267/2المجالس الزينبية لمهدي تاج الدين
(ص 375ــ ،)376السيدة زينب في محنة التاريخ (ص ،)185مزارات أهل البيت لمحمد
حسين الجاللي (ص .)218
592
املبحث األول :إثبات وفاة زينب الكربى ودفنها باملدينة
والجواب من وجوه:
األول :إن هذا اعتراض بعيد بل إن عكسه هو القول السديد ،فليس من
المنطق نفي دفن إنسان في مكان ما لعدم المعرفة بموضع قبره على وجه التحديد،
بل هذا قول مغرق في البعد عن الصواب ،ألن الزمه هو إنكار وفاة كثير من
الناس المقطوع بوفاتهم في موضع ما دون العلم بمواضع قبورهم ،ولهذا قال
المرجع اإلمامي محسن األمين بعد أن رجح دفن زينب في المدينة المنورة:
>وكم من أهل البيت أمثالها من ُجهل محل قبره وتاريخ وفاته خصوصا
النساء<( ،)1وكالمه صحيح ،فأكثر نساء أهل البيت المقطوع بدفنهن في المدينة،
لم تعرف مواضع قبورهن ،ونظائر ذلك في مشاهير سادات آل البيت كثيرة:
ــ زينب ورقية وأم كلثوم ،وهن أفضل من زينب فبنات النبي
وأشهر منها ــ ُدف َّن بالبقيع ،ولم ُتعرف مواضع قبورهن.
ــ وكذا فاطمة ،فالمقطوع به أن قبرها في المدينة على أقوال مختلفة
في تعيين موضع قبرها(.)2
ــ وكذا األمر بالنسبة ألمهات المؤمنين ،فالمقطوع به أنهن دف َّن في البقيع،
فقد صح عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت لعبد اهلل بن الزبير> :ادفنِّي
مع صواحبي بالبقيع<( ،)3ومع ذلك ال يعلم مواضع قبر عائشة وال قبور بقية
أمهات المؤمنين بالتحديد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أعيان الشيعة (.)140/7
( )2راجع كتاب أين قبر فاطمة؟ للشيخ اإلمامي حسين الراضي فقد ذكر األقوال المختلفة في موضع
قبر فاطمة في المدينة (ص 133ــ .)135
( )3صحيح البخاري (.)1391
593
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
وقد بحث الدكتور ألطاف اهلل بن ثناء الرحمن ما روي في مواضع دفن
ثم قرر أ َّن >ما عدا قبر أم حبيبة وأم سلمة وزينب
بعض أمهات المؤمنين بتفصيلَّ ،
الالتي توفين بالمدينة ،فلم أقف على قول من بنت جحش من أزواج النبي
أقوال المتقدمين( )1ما يدل على تعيين قبورهن وتحديدها<(.)2
ــ بل إ َّن أغلب مواضع قبور الصحابة وآل البيت ومن سبق من السلف
الصالح ال ُتعلم على وجه التعيين ،فقد ذكر أبو الحسن الهروي ( 611هـ) عدة
من القبور المنسوبة إلى الصحابة وآل البيت في البقيع ثم قال> :وخلق كثير من
الصحابة والتابعين ،منهم من يعرف قبره ومنهم من ال يعرف قبره ،وقد بقي
ذكره<(.)3
المكي ( 686هـ)> :واعلم أ ّن
ّ الدمشقي
ّ وقال عبد الصمد بن عبد الوهاب
أكثر الصحابة رضوان اهلل على جميعهم ،مدفونون بالبقيع ،وكذلك أزواج النبي
فيه ،ما خال خديجة رضوان اهلل عليها ،فإنها بالحجون ...وليس بالبقيع
قبر يعرف سوى سبعة قبور<(.)4
ٌ
وقد صرح بهذه الحقيقة عدة من علماء اإلمامية أيضا ،فقال محمد باقر
المجلسي> :وذكر علماء السير والتواريخ فيما يتعلق بتاريخ المدينة المنورة أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويقصد بالمتقدمين القرون الثالثة األولى ،وقد نقل فيما بعد ،أقوال المتأخرين من القرن السابع ()1
فما فوق ،وأقدمهم ابن جبير ( 614هـ).
المباحث العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (ص ،)901وهي رسالة دكتوراه قدمت بالجامعة ()2
اإلسالمية بالمدينة النبوية ،سنة 1433هـ.
اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص .)81 ()3
إتحاف الزائر (ص ،)90وانظر :المباحث العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (ص .)903 ()4
594
املبحث األول :إثبات وفاة زينب الكربى ودفنها باملدينة
دفنوا في البقيع ،وذكر القاضي عياض في المدارك أن أكثر أصحاب النبي
هناك عشرة آالف ،ولكن الغالب منهم مخفي المدفونين من أصحاب النبي
اآلثار عينا وجهة ،وسبب ذلك أن السابقين لم يُعلِّموا القبور بالكتابة والبناء
مضافا إلى أن تمادي األيام يوجب زوال اآلثار<( ،)1وقد استدل بهذا الكالم كل
من جعفر بحر العلوم( ،)2وعبد الرزاق كمونة(.)3
فإذا تبين هذا فال تالزم بين عدم النص على عين القبر وعدم وجوده في
ذلك المكان.
الثاني :إن عدم العلم بأماكن أغلب قبور الصحابة وآل البيت هو أمر طبيعي،
فقد ُجهلت مواضع قبور عدة من أخيار السلف من الصحابة واآلل ،مع العلم
باألمصار التي دفنوا فيها ،ومر ُّد ذلك لعدة أسباب:
منها :أن الصحابة وأهل البيت كانوا ال يبنون على القبور ،يقول أبو
الحسن السمهودي ( 911هـ) عن قبر فاطمة > :وإنما أوجب عدم العلم بعين
قبر فاطمة وغيرها من السلف ما كانوا عليه من عدم البناء على القبور
وتجصيصها<(.)4
ومنها :أنهم كانوا ال يكتبون على القبور ،يقول الذهبي> :ال نعلم صحابيا
فعل ذلك ،وإنما هو شيء أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم ولم يبلغهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحار األنوار (.)299/48 ()1
تحفة العالم (.)30/2 ()2
مشاهد العترة الطاهرة (ص .)208 ()3
وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى (.)93/3 ()4
595
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
596
املبحث األول :إثبات وفاة زينب الكربى ودفنها باملدينة
597
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
598
املبحث األول :إثبات وفاة زينب الكربى ودفنها باملدينة
* االعتراض الثاني :عدم ورود زيارة لقبر زينب الكبرى في المدينة عن
أهل البيت
أغرب من االعتراض السابق ،قول محمد كاظم القزويني> :كيف ولماذا
شخصيات بني هاشم ..عند قبرها؟!
ّ األئمة الطاهرين أو من
شاهد أحد من ّ لم يُ َ
وكيف لم يتح ّدث واحد منهم عن زيارة قبرها ،أو عن تعيين موضع قبرها في
المدينة؟!<( ،)1وقد تبعه بعضهم على هذا االعتراض أيضا(.)2
وقال محمد جواد مغنية> :لو كان قبرها في المدينة لعرف واشتهر ،وكان
مزارا للمؤمنين<(.)3
والجواب من وجهين:
األول :أ ّن هذا استدالل غير موفق ،وذلك أ ّن المقطوع به أن بنات النبي
وال عن أهل البيت ــ سواء ُدف َّن في المدينة ،ولم يثبت ال عن النبي
في مصادر السنة( )4أو اإلمامية( )5أي نص في تعيين موضع قبورهن أو زيارتهن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص .)599 ()1
مهدي تاج الدين في المجالس الزينبية (ص .)376 ()2
مع بطلة كربالء (ص .)91 ()3
راجع رسالة المباحث العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (ص 882ــ .)890 ()4
راجعت الكتب واألبواب المخصصة للزيارات في المصادر الروائية لإلمامية ،كأبواب الزيارات ( )5
في كتاب الحج في الكافي للكليني ،وكتاب من ال يحضره الفقيه البن بابويه ،وكتاب كامل
الزيارات البن قولويه ،وكتاب المزار للمفيد ،وكتاب المزار ضمن كتاب تهذيب األحكام
للطوسي ،وكذا كتاب مصباح المتهجد له ،ورجعت كذلك إلى مصنفات القرن السادس وما بعده
إلى القرن الثاني عشر وخاصة كتاب المزار ضمن كتاب بحار األنوار حيث أنه جمع مرويات من
أو أهل البيت في زيارة بنات النبي . سبقه ،فلم أقف فيها على أي نص مروي عن النبي
599
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ــ فهل معنى هذا أنهن لم يدف َّن في المدينة؟ ،ومن هنا يظهر فساد هذا االعتراض.
الثاني :إ ّن من قال بهذا االعتراض قد وقع في التناقض ،فإن كان هذا
االعتراض موجبا للقول بنفي وفاة زينب في المدينة ،فإنه موجب للقول بنفي
وفاتها بمصر أو بالشام( ،)1إذ لم ينقل عن أحد من أهل البيت أنه زار قبر زينب
في الشام أو مصر ،بل لم ينقل عنهم أي نص في زيارة زينب كما يأتي،
لكن أصحاب هذا االعتراض ،لم يُ ْجروه في القول بوفاة زينب في الشام أو مصر،
بل هو جار عندهم في القول بوفاتها في المدينة فقط ،وهذا تناقض ظاهر.
والمقصود أن القول بوفاة زينب في المدينة هو القول األقرب إلى الصواب
واألسلم من االعتراض مقارنة مع بقية األقوال األخرى ،ولو قلنا بعدم العلم
بموضع وفاة زينب لعدم النص على ذلك فهذا القول أيضا قول قريب وال
يرد عليه إشكال وباهلل التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1يرى محمد كاظم القزويني أن زينب مدفونة في مصر ،أما مهدي تاج الدين فيرى أن قبرها بالشام!
وكالهما أورد هذا االعتراض على القول بوفاة زينب في المدينة ،وقديما قيل :الطيور على
أشكالها تقع.
600
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ل
اميحب الثاني
ل ت
حفثق تطلأن الم شهد امي سؤث لرينب الكبرى في ال سام
601
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ودفنت بالمدينة ،وال هي أم كلثوم بنت علي من فاطمة التي تزوجها عمر بن
ودفنا
الخطاب ،ألنها ماتت هي وابنها زيد بن عمر بالمدينة في يوم واحد ُ
بالبقيع ،وإنما هي امرأة من أهل البيت سميت بهذا االسم ،وال يحفظ نسبها،
ومسجدها مسجد بناه رجل قرقوبي من أهل حلب<(.)1
وهذا النص هو أقدم نص ُكتب عن هذا المسجد ،فلم أقف على ذكر
لمسجد أم كلثوم في أي مصدر قبل >تاريخ دمشق< ،وكل من ذكر هذا الكالم
بعد ابن عساكر إنما نقله عنه( ،)2فيظهر أن نشأة هذا المشهد كانت في القرن
السادس ،ولم يكن هذا المشهد ينسب في أول أمره إلى أم كلثوم الكبرى ،
وال إلى زينب الكبرى ،بل إن المدفونة في هذا المشهد لم تكن امرأة مشهورة
أصال ،بدليل أ ّن نسبها كان غير محفوظ ،والظاهر أنها امرأة متأخرة زمانا ،وإال
لسهل حفظ نسبها.
لو كانت من المتقدمين ُ
والمقصود أ َّن هذا النص يدل على أن سكان دمشق وعلماءها في القرن
السادس ،وبالضبط قبل سنة 559هـ ــ وهو تاريخ فراغ ابن عساكر من كتابة
>تاريخه<( )3ــ ،لم يكن يُتداول بينهم أن هذا القبر المرأة من الصحابة أصال ،غير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ دمشق ( 309/2ــ .)310
( )2وبعضهم صرح بالنقل عن ابن عساكر كياقوت الحموي في معجم البلدان ( ،)20/3وبعضهم لم
يصرح ،كالهروي في اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص ،)21وابن شداد في األعالق الخطيرة
ــ بتحقيق الدهان (ص ( ،)134ص ،)182وابن شاكر الكتبي على ما نقله عنه محمد كرد علي
في خطط الشام ( ،)64/6ويوسف بن عبد الهادي في ثمار المقاصد في ذكر المساجد
(ص ،)105والنعيمي في الدارس في تاريخ المدارس ( ،)260/2ومحمد كرد علي في غوطة
دمشق (ص .)178
( )3راجع :موارد ابن عساكر في تاريخ دمشق (ص .)78
602
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
أن أمر هذا المرقد تطور بعد وقت قصير من ظهوره ،فبعد عشرين سنة من كتابة
ابن عساكر لتاريخه ،صار هذا المشهد ينسب إلى أم كلثوم بنت فاطمة التي
يُ ّدعى أنها زينب الصغرى ،وهذا ما صرح به الرحالة ابن جبير ( 614هـ) الذي
دخل إلى دمشق سنة 580هـ( ،)1وقال> :ومن مشاهد أهل البيت :مشهد أم
علي بن أبي طالب ،ويقال لها زينب الصغرى ،وأم كلثوم كنية كلثوم ابنة ّ
لشبهها بابنته أم كلثوم ،واهلل أعلم بذلك<( ،)2فمن خالل أوقعها عليها النبي
كالم ابن جبير ،يظهر التطور السريع في تعيين صاحبة هذا القبر ،فقد انتقلت
النسبة من أم كلثوم التي ال يحفظ نسبها إلى القول بأن هذا القبر لزينب الصغرى
من هو كنى زينب التي تكنى أم كلثوم ،ومقتضى قول ابن جبير :إ ّن النبي
عليا لم يتزوج على
الصغرى بأم كلثوم ،هو ْأن تكون زينب هذه ابنة فاطمة ،أل ّن ّ
فاطمة في حياته ولم يولد له من غيرها إلى أن توفيت ،وهذا الكالم يدل على
لزينب بكنية أم أن من اخترع هذه النسبة الجديدة ،وافترى قصة تكنية النبي
وجهله بعلم النسب ،أفراطا من الغباوة، كلثوم ،جمع إلى كذبه على النبي
قطعا ،بل ُولدت بعد وفاة النبي فإ ّن زينب الصغرى لم تولد في حياة النبي
لها بأم كلثوم لشبهها بأم كلثوم بنت النبي بزمن ،وقصة تكنية النبي
،كذب محض وال أصل له ،ولم ينقل في مصدر من مصادر السنة أو
ثم إ َّن زينب الصغرى لم يثبت أ ّن كنيتها أم كلثوم.التاريخ!َّ ،
وبعد قرن ونصف( ،)3وبالضبط في أوائل القرن الثامن ،في سنة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تذكرة باإلخبار عن اتفاقات األسفار ،المشهور برحلة ابن جبير (ص .)210
( )2تذكرة باإلخبار عن اتفاقات األسفار ،المشهور برحلة ابن جبير (ص .)228
( )3وينبغي التنبيه هنا على كالم غريب لجعفر مرتضى العاملي ،حيث يقول في كتابه مختصر مفيد
(> :)323/1نجد في النصوص التاريخية ،وغيرها ما يؤيد كون مرقد السيدة زينب الكبرى=،
603
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
726هـ( ،)1نجد الرحالة المشهور أبا عبد الل ابن بطوطة ( 779هـ) يقول> :مشهد
أم كلثوم( )2بنت علي بن أبي طالب من فاطمة ،ويقال :إن اسمها زينب ،وك ّناها
أم كلثوم لشبهها بخالتها أم كلثوم بنت رسول اهلل ،وعليه مسجد النبي
ويسميه أهل دمشق قبر الست أم كلثوم<(.)3
كريم وحوله مساكن ،وله أوقافّ ،
وهنا نلحظ تكرر كالم ابن جبير مع زيادة ،وهي التصريح بأن المدفونة في
راوية هي بنت فاطمة ،ونرى أيضا اختفاء لقب >الصغرى< عند ذكر زينب،
فيبدو أن من تولى تصحيح أمر نسبة هذا المشهد في هذا القرن تنبه إلى الغلط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= هو ذلك الذي في الشام ،وهو مشهور من زمن بعيد ،ويعرف بقبر الست ،كما يالحظ مما ذكره
ابن عربي في فتوحاته<.
وعندما راجعت فتوحات ابن عربي ( )198/4ــ وهي نفس الطبعة التي أحال عليها العاملي ــ،
تبين لي أن جعفر مرتضى العاملي قد لجأ إلى أسلوب اإليهام ،فمن يقرأ كالمه يفهم أن ابن عربي
يصرح بدفن زينب الكبرى في الشام ،بينما كالم ابن عربي ليس فيه أي إشارة إلى زينب ،وإنما
ذكر قبر الست ،دون أن يسميها!
( )1وهو تاريخ دخول ابن بطوطة إلى دمشق كما صرح بذلك في رحلته (.)297/1
( )2علق الدكتور عبد الهادي التازي في تحقيقه لرحلة ابن بطوطة هنا تعليقا مش ِكال)323/1( ،
الهامش رقم ،257فقال> :ال ندري لماذا جعل ابن عساكر اسم بريهة عوض زينب<.
ولست أدري ما وجه هذا االعتراض وال منشأ هذا الخطأ الذي وقع فيه التازي! ،فإن ابن عساكر
إنما ذكر أم كلثوم عندما تحدث عن مسجد راوية ،أما بريهة ،فهي امرأة مختلقة لم تلدها أرحام
النساء ،وال عالقة لها ال بزينب وال بقرية راوية ،وقد ذكرها ابن عساكر عندما نقل كالم األكفاني
عن قبور الصحابة بمقبرة الباب الصغير بدمشق التي أراه إياها عبد العزيز الكتاني ،فقال :وأراني
أيضا> :قبر بريهة ابنة الحسن بن علي بن أبي طالب< ،قال ابن عساكر> :وأما قبر بريهة فال أدري
القول في نسبها يصح ألن أصحاب النسب لم يذكروا في أوالد الحسن بن علي ابنة اسمها بريهة<،
تاريخ دمشق ( 420/2ــ ،)421فلست أدري كيف توهم التازي أن كالم ابن عساكر عن بريهة
ينصرف إلى زينب الكبرى!
( )3تحفة النظار في غرائب األمصار وعجائب األسفار المشهور برحلة ابن بطوطة (.)323/1
604
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
الذي وقع فيه من قبله ،فأظهر هذه المقالة الجديدة في تعيين صاحبة القبر( ،)1ومع
هذا فإن كالم ابن بطوطة ليس صريحا في انتساب هذا القبر إلى زينب الكبرى.
ومع ذلك فإن نسبة هذا القبر إلى زينب هذه لم تشتهر كثيرا ،بدليل أن كثيرا
من علماء دمشق ومؤرخيها في القرن الثامن والتاسع تتابعوا على استعمال التسمية
المبهمة لهذا القبر ،فكانوا يطلقون عليه >قبر الست< ،دون تعيين المراد منها،
كما صنع المؤرخ الدمشقي صالح الدين الصفدي ( 764هـ) حين عين موضع
وفاة األمير بهادر فقال> :ودفن بقبر الست ظاهر دمشق<( ،)2ونص على موضع
دفن الشيخ غنائم بن عبد إسماعيل التدمري قائال> :بقرية راوية بقبر الست من
غوطة دمشق<( ،)3ونص المؤرخ الدمشقي ابن رافع السالمي ( 774هـ) على أن
الست من ضواحي عبد الرحيم ابن الشيخ غنائم اآلنف ذكره ُدفن >بِ َق ْبر ِّ
دمشق<( ،)4والمراد به راوية كما بين ذلك المؤرخ الدمشقي ابن قاضي شهبة
( 885هـ) في تاريخه( ،)5ثم إن حفيد الشيخ غنائم ،واسمه غنائم بن عبد الرحيم
ابن غنائم تولى خدمة هذا القبر كما ذكر المؤرخ يوسف بن تغري بردي ( 874هـ)
فقال مترجما له> :غنائم بن عبد الرحيم بن غنائم التدمري الدمشقي الشافعي
خادم قبر الست خارج دمشق<(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهناك احتمال آخر ،أن يكون الغلط من ابن بطوطة أو من النسخ المخطوطة لرحلته ،لكن التحقق ()1
من حقيقة األمر وواقع الحال متعذّ ر ،لعدم تمكني من الوقوف على مخطوطات الرحلة.
أعيان العصر ( ،)60/2وانظر المنهل الصافي (.)433/3 ()2
أعيان العصر (.)24/4 ()3
الوفيات البن رافع (.)333/2 ()4
تاريخ ابن قاضي شهبة (.)336/2 ( )5
المنهل الصافي ( ،)161/6وانظر الضوء الالمع ( ،)161/6ومن الملفت لالنتباه أن المؤرخ= ()6
605
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ويبدو أن ظهور نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى ابتدأ في القرن الثامن أو
التاسع ،فأول من نُسب له ذلك بحسب ما وقفت عليه هو الفقيه الدمشقي أبو بكر
الموصلي ( 797هـ) ،إن صح ما نقله أبو البقاء البدري الدمشقي ،فقد نسب إليه
أنه قال في كتابه >فتوح الرحمن<> :توفيت السيدة زينب الكبرى بنت علي
ودفنت في قرية من ضواحي دمشق بغوطة دمشق عقيب محنة أخيها الحسينُ ،
اسمها راوية<( ،)1ولكن هذه النسبة فيها إشكال ،فإن عثمان بن محمد ابن
الحوراني الدمشقي (كان حي ًا سنة 1117هـ) قد نسب هذا القبر إلى زينب التي
تكنى أم كلثوم ،زوجة عمر بن الخطاب ،!)2(ثم نقل عن أبي بكر الموصلي
أنه كان يزورها ونقل نفس ما نقله البدري( ،)3فلست أدري أيهما المصيب(.)4
ونقل أبو البقاء البدري القول بوفاة زينب الكبرى في الشام عن إبراهيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد كرد علي استعمل اسم قبر الست في كتابه غوطة دمشق (ص )178مع أن هذا المكان كان =
ينسب في زمنه لزينب.
نزهة األنام في محاسن الشام (ص .)224 ()1
وسيأتي الكالم في نقد نسبة هذا القبر إلى أم كلثوم الكبرى . ()2
اإلشارات إلى أماكن الزيارات( ،ص 133ــ ،)134وهو عين ما في الروضة البهية المنسوب لعز ()3
الدين الصيادي (ص ،)96وقد قلت فيما مضى إن الروضة البهية كتاب منحول وأنه مأخوذ من
اإلشارات البن الحوراني.
وقد وقفت على نسخة خطية لكتاب فتوح الرحمن وهي محفوظة بمكتبة الدولة في برلين ()4
ضمن مجموعة المستشرق ويتزستين برقم ( ،)We 1560وهذا الكتاب أشبه بكتاب خواطر،
وفيه أسئلة وأجوبة متفرقة عن مواضيع شتى ،وقد تصفحته فلم أقف على ذكر زينب فيه،
والذي وجدت فيه أنه ذكر زيارته لبنات شيت [ق/31أ] ،وزيارته لبنت نوح ،وزيارة
شيت الذي يعده أهل الكتاب في األنبياء ،وزيارة نوح [ ق/31ب] ،وزيارته لقبر الشيخ
عبد اهلل اليوناني في بعلبك [ق/32أ] ،وزيارة حفصة بنت عمر زوجة النبي
[ق /36ب].
606
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
الناجي الحلبي ( 900هـ)( ،)1وهو القول الذي صرح به أبو البقاء البدري
الدمشقي ( 894هـ) في كتابه >نزهة األنام في محاسن الشام<( ،)2فيبدو أن منشأ
نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى بدأت في القرن الثامن ،مع العلم أن البدري
صرح أيضا بأن زينب بنت علي مدفونة في مقبرة الباب الصغير( ،)3غير أنه ميز
دفينة راوية بأنها الكبرى ،أما دفينة الباب الصغير فلم يبين من المراد بها.
وقد نُسب القول بدفن زينب الكبرى في راوية إلى أبي عبد الل محمد بن
علي الدمشقي الشهير بابن طولون ( 953هـ) ،إن صح ما نقله عنه محمود
العدوي ،فإنه بعد أن قرر أن زينب الكبرى مدفونة براوية قال> :ذكرها ابن طولون
في مصنف له فيها ،وذكر لها مناقب وكرامات ،ومشهدها المشهور الحاوي من
الجاللة واإلكرام ما هو الئق بمنصب بنت الكرام ،)4(<وإني متوقف في هذا
النقل ،ألني لم أجد ابن طولون يصرح بذلك في كتابه >ضرب الحوطة على
جميع الغوطة< ،فقد نسب هذا القبر إلى زينب بنت علي دون أن يصرح بأنها
الكبرى ،بل حكى ذلك بصيغة التمريض ،فقال> :قبر الست ،وهي قرية قبلي
أفردت لها تعليقا<( ،)5كما
ُ دمشق ،يقال إن زينب بنت علي مدفونة فيها ...وقد
أنه نقل في رسالته >اللمعات البرقية< كالم ابن شداد في األعالق الخطيرة والذي
جاء فيه> :راوية بها قبر أم كلثوم ،وقبر مدرك من الصحابة<( ،)6ولم يعقب عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نزهة األنام في محاسن الشام (ص .)224 ()1
نزهة األنام في محاسن الشام (ص .)224 ()2
نزهة األنام في محاسن الشام (ص .)221 ()3
كتاب الزيارات بدمشق (ص .)22 ()4
ضرب الحوطة على جميع الغوطة البن طولون ،نشرت في مجلة المجمع العربي في دمشق، ( )5
المجلد ،21شباط 1946م( ،ص .)159
اللمعات البرقية في النكت التاريخية طبعة مكتبة القدسي والبدير ضمن مجموعة رسائل تاريخية= ()6
607
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
بشيء ،مع أن مقتضى كالم ابن شداد أن اسم المدفونة براوية هو أم كلثوم وليس
زينب ،وهذا مخالف لما نسبه إليه العدوي.
وأما رسالة ابن طولون التي أل َّفها عن زينب ،فقد مضى أن اسمها:
كف النساء عن قبر الست< ،ولم أعثر عليها مع بذل الجهد
>التوجهات الست إلى ِّ
الواسع في البحث ،فاهلل أعلم بحقيقة الحال.
ثم في القرن الحادي عشر ،نجد القاضي محمود العدوي الصالحي المعروف
بالزوكاري ( 1032هـ) ،يتابع البدري على دفن زينب في قرية راوية ونقل كالم
أبي بكر الموصلي( ،)1والظاهر أن العدوي استفاد ذلك من كالم أبي البقاء
البدري ،للتشابه الكبير بين ما ذكره ،وبين المسطور في كتاب البدري.
وفي سنة 1074هـ ،زار الرحالة عبد الل بن محمد العياشي ( 1090هـ)
القبر الذي ينسب لزينب بدمشق ،وصرح بأنه ضريح زينب الكبرى بنت علي بن
أبي طالب .)2(
وقد تابع ياسين بن مصطفى الدمشقي ( 1095هـ)( )3أبا البقاء البدري(،)4
فصرح في كتابه >النبذة اللطيفة في المزارات الشريفة< بدفن كل من زينب الكبرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ص ،)34اللمعات البرقية طبعة دار ابن حزم (ص .)67 =
كتاب الزيارات بدمشق (ص 21ــ .)22 ()1
الرحلة العياشية ( ،)447/2ولكنه لم يحدد موضعه. ()2
انظر ترجمته في خالصة األثر في أعيان القرن الحادي عشر ( ،)493/4واألعالم للزركلي ()3
(.)130/8
ذكر ياسين الفرضي في أول كتابه النبذة اللطيفة في المزارات الشريفة [ق /1ب] أنه اعتمد في كتابه ()4
على كتب الزيارات الشامية ،ومنها الفضائل للبصروي والمحاسن للبدري والزيارات للعدوي.
608
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
609
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ثم قال> :فحمدنا اهلل تعالى الذي أتحفنا أوال بزيارة سيدة التابعين زينب
الهاشمية التي هي ابنة سيد المرسلين<(.)1
فهو ينسب هذا القبر إلى زينب بناء على المشهور دون أن يقطع بصحة
ذلك ،لكنه صرح بأن زينب هذه من التابعيات ،وأنها ابنة فاطمة وزوجة عمر
بن الخطاب ،ومعلوم أن هذا خطأ بين ،وقد تعقب العجلوني في رسالته
>عرف الزرنب< قول شيخه النابلسي بأن زينب تابعية وأنها زوجة عمر .
ثم إن النابلسي لما رحل رحلته الثالثة إلى القدس ،زار قبر راوية ونسبه إلى
زينب دون أن يبين المقصود بها ،فقال في رحلته المسماة >الحضرة األنسية في
الرحلة القدسية<> :قرأنا الفاتحة للسيدة زينب والشيخ مدرك ،)2(<...وهذه
الرحلة كانت في سنة 1101هـ.
ثم إن النابلسي لما رحل إلى مصر في رحلته الرابعة ،ووقف على قبر آخر
منسوب لزينب الكبرى في قناطر السباع ،بسط الكالم عن موضع دفن زينب
الكبرى في رحلته المسماة >الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بالد الشام ومصر
والحجاز< ،فاحتمل أن تكون زينب مدفونة في الشام دون أن يجزم بصحة ذلك،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1نقل ذلك عنه تلميذه العجلوني ،كما في مخطوط عرف الزرنب [ق /69ب].
( )2الحضرة األنسية في الرحلة القدسية (ص .)42
610
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
611
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
القول إنما صدر >ممن ليس من أهل الحديث وال ممن يعول عليه في النقل
واإلشارة<( ،)1وذكر احتمالين آخرين:
االحتمال األول :أن تكون المدفونة في القبر هي >زينب الصغرى ،وهي
أيضا بنت علي بن أبي طالب لكن من غير فاطمة بنت رسول اهلل <(.)2
االحتمال الثاني> :أنها امرأة غيرهما من أهل البيت ،فقد قيل إن امرأة من أهل
البيت وقعت عن راحلتها حين مروا بالسبي براوية ،فاندقت عنقها ودفنت فيها<(.)3
ثم إنه أورد كالم ابن الحوراني فقال> :وذكر البصروي المشهور بابن
الحوراني( )4أن المدفونة في راوية هي زينب الكبرى( )5وهو مبني على المشهور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
>لم أر له مستند ًا تنشرح له الصدور< ،وضرب على الكالم الذي بعده كما سيأتي فيبدو أن الكالم =
المكتوب في األصل غير هذا ،ولست أدري من عمل ذلك ،ألن المخطوط بخط العجلوني نفسه
كما ورد في أول المجموع [ق /1أ] ،وتحققت من ذلك بمقارنة خط هذه الرسالة بخط العجلوني
في مخطوطات أخرى ،فيحتمل أن العجلوني هو من فعل ذلك ،ويحتمل أن يكون ذلك من عمل
غيره والل أعلم.
مخطوط عرف الزرنب [ق /71أ] ،وهذا النص ضرب عليه بخط في األصل المخطوط ،ولذا لم ()1
أجزم بنسبته إلى العجلوني ،فإما أنه كتب ذلك ثم عدل عنه وضرب عليه ألن هذه الرسالة كانت
مسودة ،وإما أن ذلك من عمل غيره ،وإن كانت الثانية فسامح اهلل من فعل ذلك.
مخطوط عرف الزرنب [ق /71أ]. ()2
مخطوط عرف الزرنب [ق /71أ]. ()3
هذا وهم ،فالبصروي غير ابن الحوراني ،إذ أن اسم البصروي هو أحمد بن محمد ابن اإلمام وهو ()4
منسوب إلى ُبصرى الشام وهو صاحب تحفة األنام في فضائل الشام ،أما ابن الحوراني فهو عثمان
ابن محمد السويدي الحوراني المعروف بابن الحوراني نسبة إلى حوران ،وهو مؤلف كتاب
اإلشارات إلى أماكن الزيارات ،والنص المذكور في اإلشارات البن الحوراني (ص .)133
هذا وهم فابن الحوراني لم يقل إنها زينب الكبرى ،بل قرر أن زينب هذه هي أم كلثوم زوجة عمر ( )5
ابن الخطاب كما سيأتي.
612
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
613
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
المدفونة بقرب سيدي مدرك في قرية تسمى اآلن بالست<( ،)1فقد جرى فيه على
المشهور كما مضى في رسالته.
لكن العجلوني لما وقف على كالم شيخه النابلسي الذي يميل فيه إلى عدم
دفن زينب الكبرى في قرية الست براوية ،استقر أمره على عدم ثبوت دفن زينب
في هذا الموضع.
ثم إن الفقيه الدمشقي عبد الل بن عمر األفيوني ( 1154هـ) أل َّف رسالة
سماها >المنحة واإلعزاز لزيارة السيدة زينب وسيدي مدرك والشيخ عمر الخباز<
وهذه الرسالة لم أقف عليها لكن الظاهر أن مؤلفها سلك مسلك النابلسي في
رسالته >ثواب المدرك لزيارة الست زينب والشيخ مدرك< ،للتشابه الظاهر بينهما
في العنوان ،إضافة إلى اشتراك األفيوني والنابلسي في ذكر عمر الخباز.
والمالحظ أن البحث والتحقيق في تعيين المدفونة في قرية راوية إنما ظهر
في القرن الثاني عشر بعد أن بدأ يشتهر انتساب هذا الموضع إلى السيدة الكبرى،
ومع أن النابلسي وتلميذه العجلوني قد آل آخر أمرهما إلى إنكار نسبة هذا القبر
إلى زينب الكبرى غير أن كالمهما لم يكتب له االشتهار بين المصنفين في هذا
الباب.
وقد بدأ االهتمام بتعمير هذا القبر وبنائه في هذا القرن ،فقد ذكر المؤرخ
عمر مزار
الدمشقي أحمد البديري في حوادث سنة 1165هـ ،أن أسعد باشا قد َّ
السيدة زينب في هذه السنة( ،)2غير أنه لم يبين المقصود بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الفيض الجاري على صحيح البخاري (.)861/6
( )2حوادث دمشق اليومية (ص ،)42وانظر مشاهد ومزارات أهل البيت في الشام (ص .)45
614
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
وبالرغم من ذلك نجد أن نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى ستظل محل
شك ،فقد صنف الفقيه الدمشقي محمد بن الحسن الشطي ( 1307هـ) كتابه
>جامعة الفنون في أفضلية قاسيون< سنة 1275هـ في أواخر القرن الثالث عشر،
وقال عند ذكر راوية> :قرية راوية المعروفة اآلن بقبر الست ،نُسبت إلى السيدة
الجليلة زينب أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ،ذكرها ابن السبكي( )1تبعا
لسيدي العارف أبي بكر الموصلي ،وأنكر سيدي الشيخ عبد الغني النابلسي أنها
هي تبعا لشيخ اإلسالم ابن تيمية واهلل أعلم<( ،)2وما نسبه إلى النابلسي من إنكاره
دفن زينب في راوية متابعة البن تيمية غير صحيح وهو وهم ،فسيأتي أن هذا القبر
لم يكن ينسب إلى زينب في زمن ابن تيمية وإال لكان َّنبه عليه مع جملة
القبور المكذوبة التي َّبين حالها.
وفي نهاية القرن الثالث عشر ،يذكر نعمان قساطلي ( 1338هـ) في كتابه
>الروضة الغ ّناء في دمشق الفيحاء< الذي أل َّفه سنة 1296هـ( ،)3أن من الصحابة
المدفونين في قرى دمشق >السيدة زينب أم كلثوم بنت اإلمام علي ،ماتت في
الشام ودفنت في قرية راوية وهي قبر الست<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كذا ولم أعرف المراد منه ،فإن الشطي ذكر في مقدمة كتابه أنه سيعتمد على الفضائل للبصروي، ()1
والمحاسن للبدري والميمية للشيخ إبراهيم الحلبي والخريدة البن الوردي والمزارات الشريفة
للشيخ ياسين الفرضي والرحلة الحجازية للشيخ عبد الغني النابلسي وتاريخ ابن عساكر وتاريخ
الخميس ،وغيرها ،فلم أتبين مراده ،إال أن يكون هذا تصحيفا ،وذلك أن كالم أبي بكر الموصلي
قد نقله البدري والفرضي ،فيحتمل أن ابن السبكي تصحيف ابن الفرضي واهلل أعلم.
مخطوط جامعة الفنون في أفضلية جبل قاسيون[ ،ص ،]63محفوظ بمكتبة جامعة هارفرد برقم ()2
(.)arab 341
انظر الروضة الغ ّناء (ص .)161 ()3
الروضة الغنّاء في دمشق الفيحاء (ص ،)132وانظر مشاهد ومزارات أهل البيت في الشام (ص ()4
.)44
615
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
وهناك من مال إلى أن تكون دفينة الشام هي بنت علي من غير فاطمة ،
وهذا ما ذهب إليه عثمان مدوخ ( 1317هـ) ،فقد احتمل أن تكون دفينة الشام
هي زينب الوسطى أو الصغرى( ،)1وهذا أيضا ال عبرة به ولعل منشأه َو ْه ُم الذين
سبقوه.
* تنبيه على عدم صحة نسبة قبر راوية إلى أم كلثوم الكبرى
ومما ينبغي اإلشارة إليه أن بعضهم قد خلط في أمر المدفونة في قرية راوية،
واشتبه عليه زينب الكبرى بأم كلثوم الكبرى :
ّأولهم فيما وقفت عليه هو ابن الحوراني (كان حي ًا سنة 1117هـ) ،فقد
قال في كتابه >اإلشارات إلى أماكن الزيارات<> :قرية يقال لها راوية ،بها
مشهد( )2السيدة زينب أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ،أمها فاطمة بنت رسول
اهلل ،تزوجها عمر بن الخطاب ...،ودفنت بهذه القرية ثم سميت القرية باسمها
وهي اآلن معروفة بقبر الست<(.)3
وكان عبد الغني النابلسي يرى أن زينب المدفونة في راوية هي زوجة عمر
ابن الخطاب ،وقد مضى نقل كالمه.
ابن الحوراني ،فقال
وتابع أبو النجاح أحمد بن علي المنيني ( 1172هـ) َ
في كتابه >اإلعالم في فضائل الشام< في الباب الثامن في ذكر من دفن بدمشق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص .)68
( )2في المخطوط :مطلب
( )3اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص 133ــ ،)134وهو عين ما في كتاب الروضة البهية المنسوب
لمحمد عز الدين الصيادي (ص .)96
616
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
الشام ونواحيها من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم> :السيدة زينب أم كلثوم بنت
اإلمام علي بن أبي طالب وأمها فاطمة الزهراء ،قال في اإلشارات :تزوجها
عمر بن الخطاب ،<...ونقل بقية كالم ابن الحوراني(.)1
وممن ذهب إلى ذلك الفقيه الدمشقي عبد الرحمن بن إبراهيم الشهير بابن
عبد الرزاق الحنفي ( 1138هـ) ،إذ أنه اعتمد كثيرا في تصنيف كتابه >حدائق
اإلنعام< على ما ذكره ابن الحوراني في كتابه >اإلشارات إلى أماكن الزيارت<،
فقد ذكر عين ما قاله ابن الحوراني ثم قال> :وقبرها معروف له االشتهار<(.)2
ومن الغريب استمرار هذا القول البي ِن غلطُه إلى القرن الرابع عشر الهجري،
فقد قال المؤرخ الدمشقي عبد الرزاق البيطار ( 1335هـ) عن قرية راويةُ > :دفن
في هذه القرية السيدة زينب أم كلثوم بنت اإلمام علي بن أبي طالب ،أمها فاطمة
تزوجها عمر .)3(< الزهراء بنت رسول اهلل
كما أن حسن قاسم صاحب كتاب >أخبار الزينبات< ،قد انتصر لهذه النسبة
الخاطئة ،ولكنه سمى دفينة راوية زينب الوسطى( ،)4وال ريب في أن هذا أيضا
غلط ،وال ينقضي عجبي من تكرر هذا الغلط في أكثر من كتاب ،ووجه العجب أن
ابن عساكر قد أنكر هذه النسبة في القرن السادس ونفى أن تكون دفينة راوية هي أم
كلثوم الكبرى كما مضى ،ومع ذلك لم يتنبه هؤالء إلى أمر هذه النسبة المفتعلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مخطوط اإلعالم في فضائل الشام[ ،ق/2أ] ،نسخة المكتبة الظاهرية برقم (.)4477 ()1
حدائق اإلنعام في فضائل الشام (ص .)190 ()2
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر (ص .)1283 ()3
أخبار الزينبات (ص .)25 ()4
617
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
بل إنني وقفت على كالم للمؤرخ الدمشقي الحسن بن محمد البوريني
( 1024هـ) يقرر فيه أن زينب المدفونة في قرية راوية التي تسمى >قرية قبر
علي عليهم رضوان اهلل تعالى<(،)1
الست< هي >السيدة زينب بنت الحسين بن ّ
وال شك أن هذا خطأ أيضا فليس من بنات الحسين من تسمى زينب.
غير أن ما يمكن استنتاجه من هذه األوهام الواقعة في تحديد دفينة راوية،
هو أن القول بأنها زينب الكبرى هي المدفونة في قرية راوية في دمشق قول لم يرتق
إلى مبلغ الشهرة ،وإال لو كان أمر انتساب هذا القبر إلى زينب مشهورا ومقطوعا
به ،فال يتصور أن يقع الخطأ في تعيين المراد بزينب المدفونة في هذا الموضع
والخلط بينها وبين أم كلثوم الكبرى ،أو نسبتها إلى الحسين بن علي .
ب ــ ظهور القول بوفاة زينب الكبرى في الشام عند اإلمامية في القرن
الثالث عشر للهجرة!
إن أكثر اإلمامية اليوم يميلون إلى االنتصار لقول من قال إن زينب الكبرى
مدفونة في الشام في قرية راوية ،يقول المرجع المعاصر صادق الشيرازي عن قبر
زينب> :المشهور والذي استقر عليه رأي المحققين من الفقهاء والعلماء أنه هو
الموجود في دمشق الشام<(.)2
ولكن هذا القول لم يكن له أي وجود عند اإلمامية طوال اثني عشر قرنا!!،
إذ أن القول بدفن زينب في الشام لم يظهر عند اإلمامية إال في القرن الثالث
عشر الهجري ،ومع ذلك فإن أكثر علماء اإلمامية في تلك الفترة كانوا يُرجحون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تراجم األعيان من أبناء الزمان (.)224/2
( )2أحكام العتبات (ص .)177
618
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
القبر المصري على الشامي ،ويدل على ذلك قول محمد حسنين السابقي> :إن
أكثر المؤلفين في عصرنا يتناقلونه في بحثهم عن هذا الموضوع<(.)1
ودفنت
وقول هاشم معروف> :يبدو بعد التتبع أ ّن القائلين بأ ّنها توفيت في مصر ُ
فيها ،أكثر من القائلين بأ ّن المرقد الموجود في ضاحية الشام هو مرقدها<( ،)2بل
إ َّن السابقي نفسه كان يرى هذا الرأي لفترة من الزمن متابعا جعفرا النقدي ،إلى
أن تبين له خالف ذلك فصنف كتابا في االنتصار لصحة القبر الشامي(.)3
ثم صار القول بدفن زينب الكبرى في الشام هو القول المشهور عند اإلماميةَّ
اليوم ،وفي ذلك يقول وجيه بيضون> :وهو الشائع الثابت عند األكثرين...
وللمجتهدين من أئمة الدين في هذا الشأن فتاوى عدة ،هي في وفرتها وإجماعها
شبه إفتاء عام ،بأن في الشام مدفن السيدة العقيلة<(.)4
كما أن قرية راوية كانت إلى زمن قريب خالية غير معمورة ،يدل على ذلك
أن المرجع اإلمامي محمد الشيرازي ذكر أنه زار قبر دمشق قبل أربع وأربعين
سنة ،وقال> :ولبثنا بضعة أيام في دمشق ،وكانت زيارتنا األولى للسيدة زينب
وكانت بقعتها في منطقة ال شيء فيها من األبنية<( ،)5وهذه الزيارة كانت في سنة
1375هـ تقريبا( ،)6أي قبل 67سنة ،ففي هذا الوقت لم يشتهر عند اإلمامية أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرقد العقيلة زينب (ص .)36 ()1
من وحي الثورة الحسينية (ص .)130 ()2
مرقد العقيلة زينب (ص .)36 ()3
نقله عنه ابنه في موسوعة كربالء (.)647/2 ()4
السيدة زينب عالمة غير معلمة (ص .)47 ( )5
كتب الشيرازي كتابه عن زينب سنة 1419هـ كما في (ص )13و(ص ،)58وإذا طرحنا من هذا ()6
التاريخ 44سنة ،تكون النتيجة سنة 1375هـ.
619
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
زينب مدفونة في هذه البقعة ،وإال لقاموا بعمارتها كما صنعوا مع كثير من قبور
أوالد األئمة ،غير أنهم عندما اكتشفوا في القرن الثالث عشر أن زينب مدفونة في
الشام ،صاروا يهتمون بعمارة هذا القبر ،وصدرت فتاوى جمع التبرعات لتشييد
المرقد من المراجع( ،)1إلى أن صار بهذه الصورة التي يوجد عليها اليوم ،وصار
اآلالف يتوافدون لزيارته!.
وبعد البحث واالستقراء ،يبدو أن أول من صرح بدفن زينب الكبرى في
قرية راوية من علماء اإلمامية ،هو حسن يزدي الحائري ( 1297هـ)( ،)2فقد نقل
عنه السابقي أنه صرح بدفن زينب الكبرى في الشام في كتابه >أنوار الشهادة<(،)3
وهو أول من ذكره السابقي ضمن علماء الشيعة القائلين بوفاة زينب الكبرى في
الشام.
وأما شهرة هذا القول فإنما ابتدأت في أوائل القرن الرابع عشر للهجرة(،)4
وقد نقل السابقي أقوال أكثر من ثالثين عالما إماميا قالوا بدفن زينب الكبرى في
وجلُّهم استند إلى رواية
وجلُّهم ماتوا في أوائل القرن الرابع عشر ُ ،
()6 ()5
الشام ُ ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقل السابقي في مرقد العقيلة زينب فتوى جواز صرف الخمس في سبيل تشييد قبر زينب عن ()1
المرجع عبد الحسين الموسوي (ص ،)224وعن المرجع محسن الحكيم (ص ،)227ونقل
فتوى التبرع لمرقد زينب عن المرجع يونس الموسوي (ص ،)228والمرجع محمد كاظم
شريعتمداري (ص .)229
تاريخ وفاته مستفاد من الذريعة (.)430/2 ()2
مرقد العقيلة زينب (ص .)210 ()3
والشهرة هنا ال تعني أنه القول الوحيد عندهم في المسألة ،بل هو قول األكثر في هذه الفترة. ()4
مرقد العقيلة زينب (ص 208ــ ،)244وبعض الذين ذكرهم غير قائل بذلك ،مثل الشهرستاني ( )5
وذبيح اهلل المحالتي ومحمد جواد مغنية.
باستثناء حسن اليزدي ،فكل المذكورين توفوا بعد سنة 1300هـ ،وقد وقع غلط في تاريخ وفاة= ()6
620
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
خروج عبد اهلل بن جعفر مع زينب من المدينة إلى الشام بسبب المجاعة التي
وقعت بالمدينة! ،غير أن ثالثة منهم كان لهم أثر كبير في نصرة هذا القول وهم:
ــ محمد حرز الدين (1365هـ):
فقد نسب قبر راوية لزينب الكبرى ،وحشد إلثبات صحته عدة أدلة ،بعضها
منقول من كتب سابقة ،وبعضها منقول من كالم سدنة القبر ،وبعضها روايات
شفوية من بعض علماء اإلمامية(.)1
ــ فرج آل عمران القطيفي (1398هـ):
فقد صنف كتاب >وفاة زينب الكبرى<( ،)2ونصر القول بدفنها في قرية
راوية بعدة استدالالت كما أنه انتقد القول بدفنها في مصر.
ــ محمد حسنين السابقي ،فقد كان له دور كبير في إثبات القول بوفاة زينب
في قرية راوية ،وصنف في ذلك كتاب كشف الغيهب في تحقيق مرقد العقيلة
زينب سنة 1395هـ( ،)3وقد استفاد من كتابات من سبقه ،خاصة كالم محمد
حرز الدين ،وكتاب >أخبار الزينبات< لحسن قاسم ،وكتاب >وفاة زينب
الكبرى< للقطيفي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الميرزا محمد الشيرازي ،ففي المطبوع من مرقد العقيلة زينب (ص ،)211أنه توفي سنة 1212هـ،
وهذا خطأ في الطباعة ،فإن الشيرازي ولد سنة 1230هـ ،والصواب في تاريخ وفاته 1312هـ
انظر الكنى واأللقاب لعباس القمي ( ،)222/3الذريعة (.)41/21
( )1مراقد المعارف ( 290 /1ــ .)292
( )2وقد زار هذا القبر في السابع من صفر من سنة 1377هـ كما ذكر في كتابه األزهار األرجية في
اآلثار الفرجية ( ،)38/7ثم بعد شهور كتب رسالته هذه.
فصلت في مبحث سابق بعض أوجه الخلل في هذا الكتاب.ُ ( )3وقد
621
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
أما اليوم ،فإن أغلب الكتاب المعاصرين من اإلمامية ،وخاصة الذين كتبوا
مصنفات مستقلة في ترجمة زينب الكبرى ،يقررون وفاتها في الشام ،وجلهم
إنما اعتمد على كالم السابقي وأدلته التي نقلها في كتابه اآلنف(.)1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر :جولة في األماكن المقدسة إلبراهيم الموسوي الزنجاني (ص 157ــ ،)167كتاب زينب
ورقية في الشام لجعفر مرتضى العاملي (ص ،)79فجل اعتمادهما على السابقي ،وراجع:
مختصر مفيد للعاملي ( ،)109/9العقيلة والفواطم لعباس الشاكري (ص 63ــ ،)71المرأة
العظيمة لحسن الصفار (ص ،)253زينب الكبرى بطلة الحرية ألبي القاسم الديباجي
(ص ،)225المجالس الزينبية لمهدي تاج الدين (ص ،)374الشمس الطالعة ألحمد شكر
( ،)272/2زينب القدوة والرمز لسعيد الخويلدي (ص ،)210زينب الكبرى ودورها في النهضة
الحسينية لعبد السالم كاظم الجعفري (ص ،)206السيدة زينب رائدة الجهاد لباقر شريف
القرشي (ص .)327
622
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
623
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
القول الثاني :إ ّنها أم كلثوم الكبرى زوجة عمر بن الخطاب .
وذكر القائلون بهذا القول أن اسمها زينب ،وهو قول ابن الحوراني ،وأبي
النجاح أحمد بن علي المنيني ،وعبد الغني النابلسي وعبد الرزاق البيطار وحسن
قاسم( ،)1وهو قول ضعيف ،أل ّن أم كلثوم الكبرى إنما توفيت بالمدينة كما هو
الثابت الصحيح المقطوع به ،وقد ثبت خبر وفاة أم كلثوم بالمدينة عن عمار بن
أبي عمار ،ون َق َل نافع المدني والشعبي وعبد اهلل البهي وأبو جعفر الباقر صالة
ابن عمر عليها(.)2
ومعلوم أن ابن عمر كان وقتها بالمدينة ،فضال عن أن زينب ليس اسما
ألم كلثوم الكبرى بل اسمها أم كلثوم( ،)3وقد نفى ابن عساكر أن تكون المدفونة
براوية هي أم كلثوم الكبرى ،وصرح بأنها مدفونة في البقيع وقد مضى نص كالمه.
القول الثالث :إ ّنها زينب الصغرى بنت علي .
وهو أحد األقوال التي احتملها العجلوني( ،)4وقول عثمان مدوخ الشافعي(،)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبق نقل نصوص أقوالهم ،انظر على التوالي :اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص 133ــ ،)134 ()1
مخطوط اإلعالم في فضائل الشام[ ،ق/2أ] ،نسخة المكتبة الظاهرية برقم ( ،)4477مخطوط
عرف الزرنب للعجلوني [ق /69ب] ،حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر (ص ،)1283
أخبار الزينبات (ص ،)25و(ص .)65
انظر كتابنا >نسبا وصهرا ــ إثبات زواج عمر من أم كلثوم بنت علي ( <ص )72 ()2
و(ص 134ــ .)138
انظر كتابنا >نسبا وصهرا< (ص .)43 ()3
مخطوط عرف الزرنب [ق /71أ]. ()4
العدل الشاهد (ص ،)68وقد احتمل أن تكون زينب المدفونة بالشام إما الصغرى أو الوسطى، ( )5
دوخ.وقد مضى أنه ال وجود للوسطى وأن هذا غلط من عثمان ُم ّ
624
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
وقول محمد أديب آل الحصني( ،)1وقول بعض اإلمامية ،كذبيح الل المحالتي(،)2
وعبد الرزاق كمونة( ،)3واحتمله جعفر بحر العلوم( ،)4وذهب إليه المرجع محمد تقي
بهجت( ،)5ومال إليه محمد حسين الجاللي( )6وهو أحد أقوال محسن األمين(،)7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منتخبات التواريخ بدمشق (.)432/1 ()1
رياحين الشريعة ( ،)316/4ومع أن كالمه صريح في أن المدفونة بالشام هي زينب الصغرى ،إال ()2
أن السابقي ذكره في عداد القائلين بأنها زينب الكبرى ،يقول السابقي> :اعترف الشيخ بأن المدفونة
بقرية راوية بالشام هي السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ،إال أنه جاء بتوجيه آخر وقال:
ثم يقول السابقي
هي زينب الصغرى ،وهي التي دفنت في الشام ظاهرا واشتهرت بزينب الكبرى< ّ
معقبا عليه> :سبق منا النقد على توجيهه هذا وهو ال يصح ...إنما هو ظن وتخمين ورأيه الذي
ينفرد به< ،مرقد العقيلة زينب (ص.)235
ولعلك تالحظ قدرة السابقي العجيبة على أن ينسب إلى قائل واحد قولين متناقضين! ،لكن األمر
الذي ال ينقضي منه العجب هو :إن كان السابقي يرى أن رأي المحالتي خطأ وظن وتخمين
وانفراد ،لماذا يورده ضمن القائلين بدفن زينب الكبرى في الشام؟!
وقد مضى أ ّن المحالتي رجح دفن زينب الكبرى في المدينة في رياحين الشريعة ،ولكن السابقي
لم ينقل ذلك ،وليس هذا بغريب عنه ،وقد بسطت الكالم عن نظائر هذه اإلحاالت المزورة
والمدلسة في المبحث المخصص لنقد كتاب السابقي (ص 191وما بعدها).
مشاهد العترة الطاهرة (ص .)82 ()3
تحفة العالم ( 460/1ــ .)461 ()4
الرحمة الواسعة (ص .)203 ( )5
مزارات أهل البيت وتاريخها (ص .)220 ()6
اختلف قول محسن األمين في تعيين دفينة راوية ،ففي أوائل أعيان الشيعة ( ،)484/3ذكر أن ()7
ثم
زينب الصغرى هي المدفونة براوية ،وكرر ذلك في موضع آخر في أعيان الشيعة (َّ ،)17/5
عدل عن ذلك فيما بعد كما تراه في أعيان الشيعة ( ،)137/7وهو الموضع الذي حرر فيه هذه
المسألة وأطال فيها الكالم ،فاحتمل أن تكون المدفونة في راوية إما أم كلثوم الوسطى أو الصغرى.
أقول :وال وجود ألم كلثوم الوسطى فلم يذكر النسابون في بنات علي سوى زينب الكبرى
والصغرى ،وإنما هو اجتهاد غير صائب من محسن األمين .ثم إنه في المواضع التالية صار يقول
عن مرقد راوية إنه منسوب إلى زينب الصغرى ،كما في أعيان الشيعة ( ،)164/8و(=،)361/10
625
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
626
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
القول الخامس :إ ّنها زينب بنت عبد الل األصغر بن عقيل ،من زوجته أم
كلثوم الصغرى ابنة علي ،وأم كلثوم الصغرى هي ابنة علي من غير
فاطمة .
وهو القول الذي جعله هاشم معروف أقرب االحتماالت ،ولم أقف على
من ذهب إليه سواه( ،)1وهو قول ضعيف أيضا وال عبرة به.
627
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
628
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
629
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
وهذا قول ال أدري ما وجهه ،فإن النسابين لم يذكروا في بنات علي سوى زينب
الكبرى من فاطمة وزينب الصغرى ألم ولد ،ولم يذكروا أن عليا ولد من
خولة بنت جعفر سوى محمد األكبر المشهور بابن الحنفية(.)1
وذكر الرحالة أبو القاسم الزياني المغربي (1249هـ) في >الترجمانة
الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا< أ ّن زينب بنت علي مدفونة في جبانة
بالباب الصغير( ،)2ولم يعين كونها زينب الكبرى وال الصغرى.
وقد صرح محمد بن الحسن الشطي الدمشقي ( 1307هـ) كتابه >جامعة
الفنون في أفضلية قاسيون< بأن زينب المدفونة في باب الصغير هي >زينب
الصغرى بنت اإلمام علي أخت زينب الكبرى ألبيها<(.)3
وأما محمد بن عبد الجواد القاياتي (1320هـ) فقد ذكر زينب بنت علي
في عداد الصحابة المدفونين بمقبرة الباب الصغير ،في كتابه >نفحة البشام
في رحلة الشام<( ،)4ومقتضى ذكرها في الصحابة مؤداه أنه يرى أنها زينب
الكبرى ألنها من الصحابة خالفا لزينب الصغرى المعدودة في التابعين.
ونسب صاحب >خالصة الداللة إلى أماكن الزيارة<( )5هذا القبر إلى السيدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي ــ (.)17/3 ()1
الترجمانة الكبرى (ص .)182 ()2
مخطوط جامعة الفنون في أفضلية جبل قاسيون[ ،ص ،]41محفوظ بمكتبة جامعة هارفرد برقم ()3
(.)arab 341
نفحة البشام (ص .)131 ()4
مخطوط خالصة الداللة إلى أماكن الزيارة ،نسخة جامعة الملك سعود برقم ([ ،)4332ق ( )5
/28أ] ،ولم يُذْ كر في بيانات المخطوط من هو المؤلف ،ولم أتمكن من تعيينه بعد البحث في
فهارس الكتب والمخطوطات.
630
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
زينب دون بيان المراد بها عندما ذكر قبور مقبرة الباب الصغير أيضا.
وذهب محمد أديب آل الحصني ( 1356هـ) إلى أن زينب الكبرى هي
المدفونة في الباب الصغير غير أنه خلط بينها وبين أم كلثوم الكبرى ،فبعد أن
ذكر ترجمتها وأن عمر تزوجها قال> :وذهب بعضهم إلى أنها ماتت بدمشق
ودفنت في باب الصغير قرب بالل ،يثبت ذلك وجود الحجر القديم المحفور
والمنقوش عليه اسمها ،ونقل الفرضي المؤرخ الدمشقي في كتابه >اإلشارات<
أن زينب الصغرى هي المدفونة في الحوطة قرب بالل ،واألول هو األولى<( ،)1ثم
نقل عن العدوي والناجي أن زينب الكبرى مدفونة في قرية راوية ثم قال> :ونقل
بعضهم أن التي دفنت هناك هي أختها السيدة زينب الصغرى واهلل أعلم<(.)2
فيبدو أنه كان يرى أن زينب الكبرى ــ التي كان يحسب أنها أم كلثوم
الكبرى ــ دفنت في باب الصغير ،وأن دفينة راوية هي زينب الصغرى ،وال شك
في عدم صحة هذين القولين كما هو معلوم ،لما مضى من أن أم كلثوم الكبرى ُدفنت
في المدينة ،وأما خلط الحصني بينها وبين زينب الكبرى كما وقع لغيره فهو وهم
ظاهر.
وصرح عبد العزيز العظمة ( 1361هـ) بأن المدفونة في الباب الصغير هي
زينب الكبرى فقال> :مقبرة الباب الصغير ،وفيها قبور آل البيت الكريم...
وزينب الكبرى<(.)3
وهذا ما قاله محمد كرد علي في >خطط الشام< ،فإ ّنه ذكر أن زينب الكبرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1منتخبات التواريخ لدمشق (.)432/1
( )2منتخبات التواريخ لدمشق (.)432/1
( )3مرآة الشام تاريخ دمشق وأهلها (ص .)51
631
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
632
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زينب الكبرى (ص .)119
( )2زينب الكبرى (ص 119ــ .)120
633
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
634
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
أن ابن عساكر قد وقف على عدة كتب مفردة في تاريخ الشام وخططها( ،)1ولو
مر عليه في أحدها أن زينب ماتت في دمشق لذكره ولو كان ذلك ضعيفا ،فكيف
وهو لم يذكر من ذلك شيئا ،وهذا من أقوى األدلة على بطالن هذا القبر المنسوب
لزينب الكبرى ،وقد احتج بنظير هذا من سلف من أهل العلم ،فعندما ظهر قبر
ينسب لملكة من ذرية علي بن أبي طالب في المائة السابعة في دمشقَّ ،بين
العلماء بطالنه لعدم نص أحد من مؤرخي دمشق على ذلك ،يقول الشيخ أبو
الحسن عالء الدين بن العطار الدمشقي ( 724هـ) جوابا عن سؤال عن ضريح
ملكة> :أما الضريح المذكور فهو باطل ُم ْح َدث ال أصل له ،أُحدث ألغراض
فاسدة في المائة السابعة ،ولم يذكره الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في قبور
دمشق وال غيره<(.)2
وهذا الكالم ينطبق حذو القذة بالقذة على القبر المنسوب لزينب الكبرى
في قرية راوية بنواحي دمشق ،وقد استند الباحث اإلمامي علي أصغر قائدان لهذا
الدليل فقال> :لم يذكر أي مصدر من المصادر التاريخية وكتب األنساب وعلم
الرجال وبعض المصادر التاريخية التي أشارت بدقة إلى المشاهد والمزارات في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1منها:
ــ كتاب ذكر الدور في دمشق ألبي الحسين الرازي ( 347هـ) اقتبس منه ابن عساكر ( 35نصا)
كما في موارد ابن عساكر في تاريخ دمشق (،)409/1
ــ ومنها تاريخ دمشق البن أبي العجائز (ق )4ونقل منه ابن عساكر ( 122نصا) ،كما في موارد
ابن عساكر في تاريخ دمشق (،)197/1
ــ ومنها كتاب لتمام بن محمد البجلي الرازي ( 414هـ) ،وكتاب لعبد العزيز بن أحمد الكتاني
( 446هـ) ،وكتاب لهبة اهلل بن أحمد األكفاني ( 524هـ) على ما ذكره الدكتور سامي الدهان في
مقدمة تحقيق األعالق الخطيرة (ص 34ــ .)35
( )2نقله عنه ابن طولون في قرة العيون في أخبار باب جيرون (ص .)16
635
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
636
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
وقد اختصر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن الفزاري ( 729هـ) هذا
الكتاب وسماه> :اإلعالم بفضائل الشام< ،ولم يستدرك عليه وفاة زينب الكبرى
بالشام(.)1
ومن المؤلفات الشامية التي لم تتعرض لذكر قبر زينب الكبرى ،كتاب
>تحفة األنام في فضائل الشام< ألحمد بن محمد البصروي ( 1015هـ) ،فقد
عقد الباب الرابع لذكر >بعض من توفي بدمشق وغيرها من أرض الشام من األنبياء
،ثم من الصحابة البررة الكرام.)2(<...
أما بالنسبة للكتب المصنفة في الزيارات في الشام وغيرها ،فقد فصلت
ينسب هذا
ُ الكالم عنها عند الحديث عن تاريخ قبر راوية ،وبينت أن أقدم نص
القبر إلى زينب الكبرى إنما كان على أقصى تقدير في القرن الثامن إن صح ما
نُسب ألبي بكر الموصلي ،وإن كان الغالب على الظن أن هذه النسبة إنما نشأت
في القرن التاسع في زمن أبي البقاء البدري ،وعليه فلم يكن يذكر أن زينب مدفونة
في قرية راوية في المصنفات التي أُلّفت في فضائل الشام وزياراتها قبل القرن
الثامن ،مما يدل على أن هذا القول قد حدث بعد وفاة زينب بسبعة قرون! وكفى
بذلك دليال على بطالن هذا القول ،فإذا ثبت خلو هذه المؤلفات التي اعتنت
بذكر الصحابة المدفونين بالشام من ذكر زينب ،تبين أن انتساب هذا القبر إليها
أمر حادث ،كما أنه لم يكن معلوما عند كثير من المتأخرين من المصنفين في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الزهري أنه قالُ > :حمل أسامة بن زيد حين مات من الجرف إلى المدينة< ،انظر الطبقات البن
سعد ــ طبعة الخانجي ــ (.)67/4
( )1مخطوط اإلعالم بفضائل الشام [ق /152أ] ،ضمن مجموع برقم ( )3961محفوظ بالظاهرية.
( )2مخطوط تحفة األنام محفوظ بالمكتبة الظاهرية برقم ([ )4626ق /14أ].
637
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
638
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
أبواب الزيارات في المصادر الروائية ،منذ القرن الرابع وإلى عهد قريب ،لم
يذكر فيها ال زيارة زينب ،وال موضع وفاتها( ،)1مع أن كتب الزيارات في التراث
اإلمامي قد اهتمت بتعيين مواضع دفن كثير من آل البيت ،كما أنها تذكر روايات
منسوبة إلى آل البيت عن فضل كل زيارة ،واألدعية التي تقال عند زيارة
قبورهم( ،)2مع أن هذه الكتب قد ذكرت من هو أدنى منزلة من زينب الكبرى،
مثل فاطمة بنت موسى بن جعفر الكاظم ،الملقبة بالمعصومة ،فقد جاء في كتب
الزيارات تعيين وفاتها بقم( ،)3ومثل عبد العظيم الحسني ،فقد ورد في كتب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1والكتب التي راجعتها هي :أبواب الزيارات في الكافي للكليني ( 329هـ) ،كتاب كامل الزيارات
البن قولويه ( 368هـ) ،كتاب مناسك المزار للمفيد ( 413هـ) ،أبواب الزيارات في كتاب من
ال يحضره الفقيه البن بابويه القمي ( 381هـ) ،كتاب المزار من تهذيب األحكام وكتاب مصباح
المتهجد وكتاب مختصر المصباح كلها للطوسي ( 460هـ) ،المزار للمشهدي (عاش في القرن
السادس) ،مصباح الزائر البن طاووس ( 664هـ) ،اختيار المصباح الكبير البن باقي القرشي الحلي
(عاش في القرن السابع) ،منهاج الصالح في اختصار المصباح للحلي ( 726هـ) ،كتاب المزار
لمحمد بن مكي ( 786هـ) ،المصباح للكفعمي (عاش في القرن التاسع) ،كتاب المزار من بحار
األنوار وكتاب زاد المعاد وتحفة الزائر للمجلسي ( 1111هـ) ،عمدة الزائر لحيدر الحسني الكاظمي
( 1265هـ) كتاب المزار لمحمد مهدي القزويني ( 1300هـ) ،كتاب جامع الزيارات لنبيل شعبان.
( )2وقد اصطلح اإلمامية على إطالق اسم الزيارة تارة على ذهاب الزائر إلى القبر واألعمال التي يقوم
بها أثناء ذلك ،وتارة على األدعية التي تقال عند زيارة القبر ،فيقولون مثال :زيارة الحسين في
عرفة ،وزيارة عاشوراء ،ويقصدون بذلك ما يقوله الزائر يوم عرفة ،وما يقوله في عاشوراء ،فإن
قال هذه األدعية دون أن يأتي إلى القبر ،سميت زيارة عن ُبعد ،واألصل في هذه الزيارات أن
تكون مروية عن آل البيت ،غير أن بعض هذه الزيارات تكون من إنشاء بعض الرواة أو بعض
ينبه المصنفون في الزيارات على ذلك.
علماء اإلمامية وغالبا ما ِّ
( )3انظر :كامل الزيارات (ص ،)536كتاب المزار من بحار األنوار ( ،)265/99تحفة الزائر ــ
فارسي ــ (ص ،)664عمدة الزائر (ص ،)399مفاتيح الجنان (ص ،)807مصابيح الجنان
(ص ،)417المزار لمهدي القزويني (ص ،)190أبواب الجنان (ص .)562
639
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
640
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
وجاء في كتاب السيدة زينب في تاريخ اإلسالم> :لم يذكر العلماء لزيارتها
نصا خاصا بها<(.)1
ولذا فقد أفتى بعضهم بزيارة زينب الكبرى بنفس ما يزار به أبناء األئمة،
ومنهم من استعار ما روي في زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر مع تغيير بعض
األلفاظ وجعلَه زيارة لزينب(.)2
وأول نص خاص بزيارة زينب ــ بحسب ما وقفت عليه ــ ورد في رسالة
مستقلة سماها مؤلفها(> )3الزيارة المفجعة للسيدة زينب< ،طبعت أول مرة سنة
ثم طبعت سنة 1347هـ في 1288هـ في هامش كتاب زاد المعاد للمجلسيّ ،
الهند ،وصارت فيما بعد ْأش َهر الزيارات التي يقولها من يذهب لزيارة قبر زينب
في راوية ،وهذه الزيارة أُخذت من زيارة فاطمة بنت الكاظم( ،)4واستبدل
فيها اسم فاطمة بزينب!
ّأما أقدم كتاب مخصص للزيارات جاء فيه ذكر تعيين موضع قبر زينب الكبرى
ــ حسب ما وقفت عليه ــ ،هو كتاب >هدية الزائرين< لعباس القمي ( 1359هـ)،
()5
ثم نقل
فقد تعرض لذكر االختالف في موضع قبر زينب ورجح دفنها في الشام ّ ،
الزيارة اآلنفة ،لكن الغريب أ ّن عباس القمي لم يذكر زيارة زينب وال قبرها في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السيدة زينب في تاريخ اإلسالم من إعداد لجنة التحقيق والتأليف في شؤون الثقافة والتعليم في ()1
مكتب الخامنئي (ص .)51
السيدة زينب عالمة غير معلمة (ص .)44 ()2
ولم أهتد لمعرفته. ()3
وأصل هذه الزيارة عند المجلسي في البحار ( ،)266/99ولم أقف عليها عند أحد قبله ،وقد ()4
عزاها إلى كتاب في الزيارات ولم يذكر اسمه!.
هدية الزائرين ــ فارسي ــ (ص 456ــ .)458 ( )5
641
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
كتابه األشهر >مفاتيح الجنان< ،مع أنه أل َّفه بعد هدية الزائرين(.)1
()2
لحسن الصدر الكاظمي ثم يليه كتاب >تحية أهل القبور بالمأثور<
(1354هـ)(.)3
وفي القرن الرابع عشر ،أُنشأت زيارة جديدة لزينب ،نقلها فرج العمراني
القطيفي ( 1398هـ) في كتابه >وفاة زينب الكبرى< ،وذكر أن الكاتب المصري
أحمد فهمي نقلها من كتاب اسمه >ذخيرة العباد<( ،)4وهي نفس الصيغة التي
اعتمدت في كتاب >ضياء الصالحين< المطبوع سنة 1353هـ(.)5
وحكى عباس الكاشاني ( 1431هـ) ،في كتابه >مصابيح الجنان< ،االختالف
في موضع قبر زينب الكبرى ولم يجزم بترجيح مكانه(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فرغ عباس القمي من كتابه هدية الزائرين سنة 1322هـ كما جاء في آخره (ص ،)720وأما ()1
مفاتيح الجنان فقد فرغ منه سنة 1344هـ كما جاء في آخره (ص .)728
قال الطهراني في الذريعة (> :)488/3رتبه على عشرة أبواب فيما لزياراتهم من الوظائف واآلداب ()2
وجعل له خاتمة في تعيين قبور جملة من أوالد األئمة وقبور العلماء< ،وقد طبعت خاتمة
الكتاب مع كتاب >نزهة أهل الحرمين< له أيضا ،ولم أقف على تاريخ تأليف >تحية أهل القبور<،
ولو قلنا إن الصدر قد أل َّف كتاب التحفة في نفس تاريخ تأليفه للنزهة ،فسنؤرخ كتاب التحفة بسنة
1326هـ وهو تاريخ تأليف النزهة.
خاتمة تحية أهل القبور بالمأثور المطبوعة مع كتاب نزهة أهل الحرمين (ص .)72 ()3
وفاة زينب الكبرى (ص .)54 ()4
ضياء الصالحين (ص ،)335وجل الطبعات الحديثة تنسب الكتاب لمحمد صالح الجوهرجي، ( )5
والصحيح أن الكتاب من تأليف أحمد المستنبط ،كما ذكر هادي األميني في معجم المطبوعات
النجفية (ص ،)235لكنه لم يذكر اسمه على غالف الكتاب ،وأما الجوهرجي فإنما تبرع بنفقة
طباعة الكتاب ،كما جاء على غالف طبعة مطبعة اآلداب بتاريخ 1389هـ ،انظر مقالة :آثار الحاج
محمد صالح الجوهرجي نموذج الباقيات الصالحات لحيدر الجد.
http://alhikmeh.org/yanabeemag/?p=7034
( )6مصابيح الجنان (ص ،)476وقد أحال على كتابه >بطلة اإلسالم زينب الكبرى< وذكر أنه=
642
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ثم صارت زيارة زينب تذكر في غالب كتب الزيارات المعاصرة( ،)1وبذلك ّ
يظهر أ ّن إدخال زيارة زينب في كتب الزيارات في التراث اإلمامي ،كان بعد ظهور
القول بوفاتها في الشام وتشييد مرقدها في القرن الثالث عشر ،وأما قبل ذلك فلم
يكن لزينب أي ذكر في كتب الزيارات اإلمامية ،وهذا أدل دليل على أن القول
بوفاة زينب بالشام والمشهور عند اإلمامية اليوم ،إنما نشأ عندهم قبيل فترة قريبة
بعد ظهور القبر المنسوب لها هناك ،وكفى بهذا دليال على بطالن انتساب هذا
القبر لزينب بمقتضى قواعدهم.
وهذا الدليل ــ وهو خلو الكتب المصنفة في المزارات والزيارات من تعيين
قبر زينب الكبرى ــ هو نفس ما استدل به السابقي إلبطال نسبة وفاة زينب الكبرى
في مصر( ،)2لكنه لم يعترض على القبر الشامي بهذا المسلك ،فلم يستعرض
سائر كتب تاريخ الشام وفضائله وخططه ،والكتب المصنفة في الزيارات الشامية
القديمة وإنما استدل بكتب متأخرة بدءا من القرن السادس فما بعده( ،)3وما ذلك
إال لعلمه بعدم ورود أي ذكر لزينب في هذه الكتب ،كما أنه لم يعرج على كتب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= استقصى األقوال الواردة في ذلك ،ولم أقف على هذا الكتاب.
( )1انظر :الدعاء والزيارة لمحمد الشيرازي (ص ،)870والمنتخب الحسيني (ص ،)220وأنيس
الداعي والزائر لعز الدين بحر العلوم (ص ،)225وكلهم نقلوا الصيغة التي ذكرها صاحب كتاب
ضياء الصالحين.
( )2مرقد العقيلة زينب (ص 40ــ .)50
( )3وما نقله عن بعض الكتب الشامية المتأخرة ،فال يسلم له ،ألن جزءا من نقوالته مبني على اإليهام
والتدليس ،كما هو الشأن في استدالله بكالم ابن عساكر وابن شداد وبعضها مبني على االفتراء
المحض كما هو الشأن لما نسبه لعدة من المؤلفين ،والذي يسلم من نقوالته فالجواب عنه أنه
متأخر جدا ويرجع إلى القرن الثامن كما مضى تفصيله عند الكالم عن تاريخ قبر راوية ،وقد مضت
مناقشة جملة من نقوالت السابقي وتزييفها فال حاجة إلعادتها هنا.
643
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
الزيارات المشهورة في التراث اإلمامي والتي مضت اإلشارة إليها ،وذلك لعدم
وجود أي ذكر لزينب فيها.
ورود
َ وبعد ما مضى من البيان ،ستقطع بأن ادعاء محمد كاظم القزويني
لزيارة قبر زينب( ،)1هو افتراء محض ،وأقل ما ثواب عظيم عن رسول اهلل
فيه أنه توهم باطل ال مستند له.
وبعد سرد هذه األدلة ،التي يكفي أحدها للحكم بأن القول بوفاة زينب
الكبرى بالشام غلط وال أصل له وال دليل عليه ،سنتعرض لمناقشة ما يستدل به
القائلون بأن زينب الكبرى دفنت في الشام في بلدة راوية التي تسمى اليوم منطقة
السيدة زينب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ،)599وأحال المحقق في الهامش على (ص،)35
منقولة من كتاب الطراز وعند مراجعة تلك الصفحة لم أجد إال رواية مفتراة على النبي
المذهب عن ثواب البكاء على زينب ،وليس فيها أي ذكر لزيارة زينب ،فال أدري من أين استنبط
القزويني من هذه الرواية أن فيها ثوابا لزيارة زينب!!.
644
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
4ــ مناقشة األدلة التي استدل بها إلثبات دفن زينب الكبرى في الشام
عندما تراجع كالم القائلين بدفن زينب الكبرى في راوية ،تجدهم
يستدلون بأدلة يدعى أنها دالة على صحة هذا القول ،وقد نظرت فيما استدلوا به،
فتبين لي أن استدالالتهم تدور على ستة أصناف:
الصنف األول :أدلة مفتعلة بعد انتساب هذا القبر لزينب ،وهي من عمل
بعض المتأخرين الذين عجزوا عن اإلتيان بدليل على وفاة زينب في الشام،
فلجؤوا إلى اختالق ألوان من األدلة لنصرة هذا القول.
الصنف الثاني :استدالالت خاطئة مبنية على سوء الفهم والتدليس والخيانة
في النقل ،وجلها من عمل محمد حسنين السابقي.
الصنف الثالث :ما ورد في بعض كتب الزيارات وفضائل الشام من نسبة
قبر راوية إلى زينب الكبرى.
الصنف الرابع :ما ورد في بعض كتب الرحالت.
الصنف الخامس :دعوى الشهرة.
الصنف السادس :ادعاء وقوع الكرامات عند القبر المنسوب لزينب
الكبرى ،وسنناقش هذه األدلة المتوهمة مناقشة مفصلة.
ــ الصنف األول :أدلة مختلقة على وفاة زينب الكبرى بالشام
أ ــ رواية خروج عبد الل بن جعفر مع زينب الكبرى إلى الشام
بسبب المجاعة
ُعمدة أدلة القائلين بوفاة زينب في الشام ،رواي ٌة مختلقة ال أصل لها ،زعم
645
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
واضعها أن مجاعة أصابت المدينة ،فاضطر عبد اهلل بن جعفر للخروج للشام
ومعه زوجته زينب ،حيث كانت له قرى ومزارع ،فتوفيت زينب هناك،
ودفنت بإحدى ضيعات عبد اهلل بن جعفر حيث قبرها اليوم ،واعتمد على هذه
الرواية جماعة من علماء اإلمامية ،كالمراغي( ،)1والخياباني التبريزي( ،)2والنوري
الطبرسي( ،)3وهاشم الخراساني( ،)4وحسن الصدر( )5وعباس القمي(،)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكرها في الخيرات الحسان ــ فارسي ــ ( ،)29/2ونقلها عنه الخياباني في وقائع األيام ()1
(ص ،)523والسابقي في مرقد العقيلة زينب (ص .)217
وقائع األيام (ص .)523 ()2
نقله عنه عباس القمي في هدية الزائرين (ص ،)457وانظر مرقد العقيلة زينب (ص .)226 ()3
منتخب التواريخ (ص 101ــ )103بواسطة مرقد العقيلة زينب (ص .)227 ()4
تحية أهل القبور بالمأثور ،طبع جزء منه ملحقا بكتاب نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين ( )5
(ص .)72
ومن غرائب االعتراضات قول جعفر مرتضى العاملي في كتابه زينب ورقية في الشام (ص :)25
>نالحظ هنا أن العالمة األمين يقول> :ومما ألحق برسالة نزهة الحرمين الخ.<..
وال ندري لماذا اختار هذا التعبير االتهامي ،وهل لديه شاهد على هذا اإللحاق ،ولماذا لم يرد
هذا التعبير عند غيره<.
أقول :ال وجه لهذا االعتراض ،وليس في كالم محسن األمين أي اتهام أو إيهام ،فإن حسن الصدر
صنف كال من نزهة أهل الحرمين ،وتحية أهل القبور على حدة ،وعندما طُبع نزهة أهل الحرمين
ثم
الطابع جزءا من كتاب تحية أهل القبور ،فكتب> :ملحق بالكتاب<ّ ، ُ سنة 1354هـ ،أَ َ
لحق به
نقل ما جاء في كتاب تحية أهل القبور!
فظهر أن جعفر مرتضى العاملي لم يكلف نفسه حتى مراجعة النزهة ،وإال لوجد فيها كلمة >ملحق<
التي اعترض على ذكر محسن األمين لها!
والذي يظهر لي أن هذا تشغيب محض ،سببه أن محسن األمين اعترض على رواية هجرة عبد اهلل بن
جعفر بسبب المجاعة وانتقدها وبين بطالنها بوجوه عدة ،وألن جعفر مرتضى العاملي يخالف
محسن األمين في هذه المسألة ،فقد تهجم عليه بهذه الطريقة الغريبة.
هدية الزائرين (ص ،)457مرقد العقيلة زينب (ص .)226 ()6
646
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
647
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
النظر وتحري الحقائق ،ولم يسندوها إلى أحد المؤرخين القدامى ،وال إلى أحد
الرواة الذين كانوا يتتبعون أحداث تلك الفترة من تاريخ المسلمين<(.)1
يعين مصدرها أو
قلت :إن واضع هذه الرواية ،لم يكلف نفسه حتى أن َّ
يختلق لها إسنادا!
المذ َّهب< نقلها عن بعض
فقد ذكر جعفر النقدي أن صاحب >الطراز ُ
المتأخرين ،وغير بعيد أن المقصود به محمد المراغي الملقب باعتماد السلطنة
( 1313هـ) ،فقد نقل المراغي في كتابه >الخيرات الحسان في تراجم النسوان<
()2
قصة المجاعة وخروج عبد اهلل بن جعفر مع زينب ،ولم يعزها إلى أي مصدر
بل ص ّدرها بقوله> :قال بعض المتتبعين من أهل االطالع<( ،)3ونقل محمد حرز
الدين أنه سمع محمد حسن اإلشتياني يقول :إن هذه الرواية في كتاب من كتب
العامة( ،)4إال أن الوقت لم يسعه لسؤال اإلشتياني ،ثم مات اإلشتياني قبل أن
يعرف محمد حرز الدين اسم الكتاب( ،)5ونقلها محمد حسين األعلمي عن بعض
علماء جبل عامل دون أن يسميه(.)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من وحي الثورة الحسينية (ص 129ــ .)130 ()1
الخيرات الحسان ــ فارسي ــ ( ،)29/2ونقلت الترجمة من مرقد العقيلة زينب للسابقي ()2
(ص ،)217وانظر مراقد المعارف (.)290/1
والحق أن هذا القائل المجهول من أهل االختراع ال االطالع. ()3
أي أهل السنة. ()4
معارف الرجال ( 240/1ــ ،)241ونقل حفيده محمد حسين حرز الدين في تعليقه على مراقد ( )5
المعارف ( )291/1الهامش ( ،)1رواية شفوية من كتاب الثمر المجتنى للبراقي ،يذكر فيها أن
اإلشتياني قد ذكر اسم الكتاب الذي ُو ِجدت فيه هذه الرواية لحسين الخليلي ،لكن الخليلي لم
يحفظ اسم الكتاب!.
تراجم أعالم النساء ( ،)172/2وانظر :زينب ورقية في الشام لجعفر مرتضى العاملي (ص .)24 ()6
648
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ويبدو أن بعضهم نسب هذا الرواية إلى مصدر ال توجد فيه ،قال النقدي:
>أغرب من ذلك أ ّن بعض من (يدعي وصال بليلى) عزاه إلى كتاب لم نجده فيه
بعد الفحص والتتبع<(.)1
وذكر فضل علي القزويني هذه القصة وعزاها إلى جمع معتمد من المؤرخين
دون أن يذكر اسم أي واحد منهم( ،)2وساق هذه القصة بزيادة تذكر سبب مرض
زينب وعزاها إلى نسخة موجودة عنده دون أن يذكر اسم الكتاب(.!!)3
وكل هذا التعتيم عن مصدر الرواية سببه عدم وجود أي أصل لها ،بل هي
من قبيل الروايات المختلقة عن زينب الكبرى التي مر الكالم عنها في مبحث
سابق.
الوجه الثاني :وردت هذه الرواية بصيغ عدة مختلفة ،وفيها تناقضات غريبة
في بعض تفاصيلها :فمن ذلك أن بعضهم يذكر أن هجرة عبد اهلل بن جعفر مع
زينب إلى الشام كانت في زمن يزيد( ،)4وبعضهم يذكر أن ذلك كان في خالفة
عبد الملك بن مروان( ،!)5وبعضهم يذكر أن القرية التي توفيت فيها زينب كانت
فيها ضيعة مملوكة لعبد اهلل بن جعفر( ،)6وبعضهم يذكر أن معاوية هو من أهدى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب الكبرى للنقدي (ص .)120 ()1
اإلمام الحسين وأصحابه (.)318/3 ()2
اإلمام الحسين وأصحابه (.)319/3 ()3
تراجم أعالم النساء (ص .)175 ()4
تحية أهل القبور بالمأثور ،طبع جزء منه ملحقا بكتاب نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين ( )5
(ص ،)72اإلمام الحسين وأصحابه (.)319/3
اإلمام الحسين وأصحابه (.)319/3 ()6
649
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
تلك الضيعة لعبد اهلل ابن جعفر( ،)1وبعضهم يذكر أن تلك األرض التي دفنت
فيها زينب إنما أقطعها يزيد لزينب ألنها أبت أن تدخل دمشق( ،)2وبعضهم يذكر
أن زينب بقيت في تلك األرض إلى أن توفيت( ،)3وبعضهم يذكر أن زينب
توفيت بمجرد أن بلغت ذلك الموضع( ،)4وبعضهم يذكر أنها بقيت هناك وأنها
توفيت ألنها اعتلت ومرضت عندما رأت دم الحسين في جدار بإحدى سكك
القرية(.)5
أقول :وهناك اختالفات أخرى لم أذكرها ،والمقصود أن سبب هذا التناقض
واالختالف أن الرواية لما كانت بدون أي أصل ،كانت تروى كيف ما اتفق!
الوجه الثالث :من دالئل الوضع في المتن ،أنه لم يُنقل في كتب التاريخ
حدوث مجاعة في تلك السنة التي يُ َّدعى أن عبد اهلل بن جعفر خرج فيها إلى
في حدث من هذا النوع يصيب مدينة الرسول
الشام ،يقول هاشم معروفٌ > :
تلك الفترة من التاريخ ال يتجاهله التاريخ ،وال الذين كانوا يسجلون أحداث
العالم اإلسالمي صغيرها وكبيرها! مع العلم أ ّن المؤرخين ألحداث 65و 74لم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخيرات الحسان ــ فارسي ــ ( ،)29/2ونقلت الترجمة من مرقد العقيلة زينب للسابقي ()1
(ص ،)217اإلمام الحسين وأصحابه (.)319/3
نقل محمد حرز الدين ذلك عن محمد حسن اإلشتياني ،انظر معارف الرجال ( 240/1ــ ،)241 ()2
ومراقد المعارف (.)292/2
نقل محمد حرز الدين ذلك عن محمد حسن اإلشتياني ،انظر معارف الرجال ( 240/1ــ ،)241 ()3
ومراقد المعارف (.)292/2
مراقد المعارف ( )291/1الهامش ،مرقد العقيلة زينب (ص .)215 ()4
الخيرات الحسان ــ فارسي ــ ( ،)29/2ونقلت الترجمة من مرقد العقيلة زينب للسابقي ( )5
(ص ،)217اإلمام الحسين وأصحابه (.)319/3
650
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
651
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ووصف هاشم معروف هذه القصة بأنها أسطورة( ،)1وانتقد الكاتب علي
أصغر قائدان هذه الرواية بتفصيل وبين مواضع الخلل فيها(.)2
بل إن بعض القائلين بوفاة ودفن زينب في الشام لم يركنوا إلى هذه الرواية،
مثل محمد باقر القرشي الذي يقول> :حدوث المجاعة فيما نعتقد ال أساس له
من الصحة ،ألن المؤرخين والرواة لم يذكروا أنه حدثت مجاعة في يثرب في
ذلك الوقت<(.)3
ونظيره أحمد شكر الحسيني فقد رد هذه الرواية مع أنه من القائلين بدفن
زينب الكبرى في الشام(.)4
اعتراض جعفر مرتضى العاملي وتناقضه!
مع كل هذه الدالئل الظاهرة والحاكمة بأن هذه الرواية مختلقة ومصنوعة،
إال أن جعفر مرتضى العاملي حاول الدفاع عنها بكالم غريب ،فقد أورد كالم
محسن األمين عن عدم وجود هذه الرواية في أي مصدر من مصادر المسلمين،
ثم اعترض عليه بعذر واه فقال> :إن عدم الوجدان ال يدل على عدم الوجود ،وكم
من المصادر التي تلفت عبر العصور ..فإنها تعد بعشرات األلوف ،ولم يصل
إلينا منها سوى النزر اليسير<( ،)5وقال في موضع آخر> :إننا ال ندعي ألنفسنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من وحي الثورة الحسينية (ص .)129 ()1
مقالة ضريح السيدة زينب في سوريا (الزينبية) آراء ودراسة نقدية ،منشورة بمجلة العلوم اإلنسانية ()2
الدولية ،العدد 1433 ،)3( 19هـ( 2012/ص .)7
السيدة زينب رائدة الجهاد (ص .)327 ()3
الشمس الطالعة (.)267/2 ()4
زينب ورقية في الشام (ص .)33 ( )5
652
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
اإلحاطة بمؤلفات السابقين ،وال االطالع التام على كل ما وصل إلينا ..فعدم
وجداننا هذه المنقوالت ال يدل بالضرورة على عدم وجودها فال يحق لنا المبادرة
إلى اإلنكار والنفي القاطع لها<(.)1
قلت :إن هذا الكالم ال يصدر إال ممن ُتع ِو ُزه األدلة ،فيلجأ لمثل هذه
المسالك الغريبة التي ال تمت إلى البحث العلمي وأصول التحقيق بأي صلة،
ومن أحسن ما قيل في رد هذا الجواب :إننا ال ندعي عدم الوجدان ،بل ندعي
وجدان العدم! ،ثم إنه قد تقرر عند العقالء أن البينة على المدعي ،وأن إثبات
مسألة ما ال يكون إال عن دليل ،خالفا للنفي فال يحتاج إلى دليل ،فالمثبت هو
الذي عليه أن يقيم البينة على صحة الدعوى.
ولكنك ستعجب حينما ترى أن جعفر مرتضى ينقض منطق هذا الجواب
واالعتذار في نفس الكتاب! ،فقد قال في نقده لرواية خروج زينب من المدينة
إلى مصر ،المروية في كتاب >أخبار الزينبات<> :ما معنى أن ال نجد لها أي ذكر،
ولم تدون في أي من المصادر التي وصلت ولم يُشر إليها بكلمة واحدة أي راوْ ،
إلينا ،وال نُقلت لنا على لسان أحد من الناس<(.)2
وستعلم بذلك أن جعفر مرتضى وقع في تناقض ظاهر ،فرواية هجرة زينب
إلى الشام بسبب المجاعة التي ال يُعرف مصدرها يعتمد عليها جعفر مرتضى
العاملي ويرد على من ينتقدها لعدم وجودها في أي مصدر! ،أما رواية حسن
قاسم التي تثبت وفاة زينب في مصر فيعترض عليها العاملي بعدم نقلها في أي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1زينب ورقية في الشام (ص .)103
( )2زينب ورقية في الشام (ص .)54
653
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
مصدر ،وما ذلك إال ألنها تناقض مراده في إثبات دفن زينب في الشام ،مع العلم
أن دعوى حسن قاسم أقوى من دعوى أصحاب رواية المجاعة ،ألن حسن قاسم
أتعب نفسه ونسب الرواية لكتاب >أخبار الزينبات< ،وادعى أنه تأليف يحيى بن
الحسن العقيقي العبيدلي ،وأنه استنسخ الكتاب من مخطوط ،وركب لهذه الرواية
إسنادا ،ومع ذلك لم يقبل جعفر مرتضى العاملي كالمه ،أما صاحب رواية
المجاعة فلم يكلف نفسه حتى أن ينسب هذه الرواية إلى مصدر معروف ،ومع
ذلك فجعفر مرتضى يصدق رواية المجاعة التي ال مصدر لها ويدافع عنها!.
وال يقتصر تناقض جعفر مرتضى العاملي على ما قرره في هذا الكتاب ،بل
إنك حين تراجع كتابه >بيان األئمة وخطبة البيان في الميزان< ،ستجده يقرر هناك
ما يناقض كالمه هنا ،حيث إن صاحب بيان األئمة كان ينقل عن مصادر غير
معروفة وال موجودة ،فلم يبرر له جعفر مرتضى العاملي ذلك بقوله> :وكم من
المصادر التي تلفت عبر العصور< ،وال بقوله> :إننا ال ندعي ألنفسنا اإلحاطة
بمؤلفات السابقين ،وال االطالع التام على كل ما وصل إلينا ..فعدم وجداننا
هذه المنقوالت ال يدل بالضرورة على عدم وجودها< ،كما صنع مع رواية
المجاعة ،بل قال هناك> :إنه قد أسند قسما آخر من منقوالته األخرى إلى كتب غير
معروفة وال مألوفة ،وال سمع بها أحد ،ولعله ال وجود لها إال في مخيلة مخترع
اسمها الرنان<( ،)1وعندما ذكر صاحب بيان األئمة رواية دون أن ي ُدل على
مصدرها ،علّق جعفر مرتضى معترضا> :ليته ذكر لنا مصدر هذه الرواية ومن أي
مخطوط أخذها<( ،)2واعترض العاملي بنفس هذا االعتراض على مؤلف بيان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1بيان األئمة وخطبة البيان في الميزان (ص .)14
( )2بيان األئمة وخطبة البيان في الميزان (ص .)41
654
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
655
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
656
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ومحسن األمين نقال أن المكتوب فيها كان> :هذا قبر زينب بنت علي< ،بينما
نقل جماعة من اإلمامية منهم الشهرستاني( ،)1وذبيح اهلل المحالتي( ،)2ومحمد
كاظم القزويني( ،)3أن ما ُكتب على هذه الصخرة هو >زينب الصغرى< ،وقد نقل
محمد كاظم القزويني صورة المكتوب على الصخرة في كتابه وهذه هي:
657
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
محسن األمين( ،)1وهذا ليس بشيء ،فالذي يبدو أن أمر هذه الصخرة اندثر،
ولذلك ال يمكن التحقق من صحة وجودها والكتابة التي عليها ،كما أن االعتماد
على ما قيل عنها مع هذا االضطراب والتناقض غير ممكن.
الثاني :إن الذي انتهيت إليه ،أن قصة الصخرة مختلقةٌ من سادن القبر ــ
وهو أقوى االحتماالت ــ أو أنها مفتعلة من غيره ممن تولى أمر هذا المشهد قبله،
وقد احتمل الشيخ اإلمامي هاشم معروف اختالق هذه القصة فقال> :وال يمنع
من أن تكون الصخرة ُوضعت على القبر بعد ذلك بمئات السنين حينما بُني القبر
وشيد بشكله الحالي اعتمادا على الشهرة ،أو ألسباب أخرى<( ،)2فلو أن هذه ّ
القصة وقعت فعال فلماذا تفرد بنقلها سادن القبر الزينبي في الشام دون سائر
خبر هذه الصخرة إال في القرن الرابع عشر بعد أن صار
الناس؟ ،ولماذا لم يظهر ُ
هناك مرقد يشتهر انتسابه لزينب الكبرى؟.
الثالث :إن الحق ْأن ال اعتماد ال على قصة الصخرة وما وجد مكتوبا فيها،
وال على ما جاء في الصورة ،فما الذي يثبت أن هذه الصخرة قديمة فعال ،وما
الذي يثبت أنها كانت موجودة على القبر حقا؟ وألجل هذا قال المرجع اإلمامي
محسن األمين عن هذه الصخرة> :ال يثبت بمثلها شيء<(.)3
ونظير هذا أنه كان في دمشق قبر منسوب إلى ملكة بنت الحسين ،كانت
فيه صخرة ُكتب فيها> :هذا قبر السيدة ملكة بنت الحسين ابن أمير المؤمنين<(،)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب ورقية في الشام (ص .)75 ()1
من وحي الثورة الحسينية (ص .)142 ()2
أعيان الشيعة (.)136/7 ()3
تسلية المجالس وزينة المجالس (.)93/2 ()4
658
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ومن المقطوع به أن هذا القبر مختلق ،ألنه ال يُعرف في بنات الحسين من اسمها
ملكة!!( ،)1وقد اندرس أمر هذا القبر بعد هدمه(.)2
الرابع :إننا لو سلمنا جدال بصحة قصة الصخرة ،فإن هذا ال يترتب عليه
القول بوفاة زينب الكبرى في هذه القرية ،ألن تاريخ هذه الصخرة غير معلوم،
وقد احتمل محسن األمين أن يكون تاريخ كتابتها بعد الستمائة ،لكن ذلك ليس
بشيء ،فإن الذي ال ريب فيه ،أن هذه الصخرة كتبت بعد اشتهار نسبة هذا المرقد
إلى زينب ،وذلك أن الصحابة لم يكونوا يكتبون على القبور.
يقول محمد الريشهري اإلمامي >لم تكن على القبور أحجار يكتب عليها
اسم المتوفّى عادة وما إلى ذلك ،ولهذا يكون احتمال الخطأ وااللتباس واردا بل
ص واحد ،كما
قويا؛ ولذلك نجد قبورا متع ّددة في أماكن مختلفة ُتنسب إلى شخ ٍّ
السيدة زينب مثال< .
()3
هو الحال في قبر ّ
ج ــ صك وقفية مرقد راوية
من األمور التي احتج بها بعض القائلين بدفن زينب الكبرى في الشام ،ما
نُقل عن سدنة القبر من امتالكهم لصك فيه نص بوقف األراضي المحيطة بالمرقد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي ــ ( )399/6والنسابة اإلمامي أبو الحسن العمري في
المجدي (ص ،)281أن الحسين كان له بنتان فقط هما فاطمة وسكينة.
( )2تسلية المجالس ( ،)94/2وقد احتمل الريشهري أن يكون هذا القبر هو الذي شيد عليه مشهد
رقية بنت الحسين الموجود اآلن ،انظر :الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ،)199ونقل أحمد
خامة يار نظير ذلك عن الطبسي في كتابه رقية بنت الحسين (ص ،)34كما في مقالته> :قصة
مزار الست ملكة بدمشق من الظهور إلى الزوال< ،المنشورة على مدونته:
http://ahmad.kateban.com/post/3231
( )3الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص )1106الهامش .1
659
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
في قرية راوية على عمارة المرقد وبنائه ،ونص هذا الصك طويل جدا ،ملخصه
أن مفتي بعلبك حسين ابن موسى ابن علي الحسيني الشافعي ،أوقف جميع ما
يملك من األراضي والبساتين المحيطة بقرية راوية على قبر زينب الكبرى ،
وأما مصرف الوقف فهو عمارة القبر ،إضافة إلى أجر من يتولى أموره ،وأن تاريخ
الوقف كان في سنة 768هـ ،وشهد على ذلك أربعة قُضاة ،وأن المحكمة
ص َّدقت هذا الصك في سنة 1010هـ( ،)1وهذا الصك احتج به سليم آل مرتضى
سادن مشهد راوية ليثبت أن المدفونة بالقبر هي زينب الكبرى وادعى أن والية
القبر له وآلبائه وأجداده( ،)2وقد تعلق محمد حسنين السابقي( )3وجعفر مرتضى
العاملي( ،)4وغيرهما بهذا الصك إلثبات وفاة زينب في راوية ،ومناقشة هذه
الدعوى تقع في وجهين:
منع ثبوت صحة هذا الصك:
* الوجه األولُ :
فالذي أميل إليه وأجزم به من خالل عدة قرائن ،هو أن هذا الصك مختلق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر النص الكامل للصك في مجلة الموسم العدد الخامس والعشرين (ص 16ــ )29وقد أورد ()1
محمد حسين حرز الدين نص الوقف مختصرا في تعليقه على مراقد المعارف ( )287/1الهامش
،1وذكر السابقي جزءا منه في كتابه مرقد العقيلة زينب (ص 165ــ )172وذكر أنه وجد نص
الصك في كتاب مخطوط عن زينب ،من تأليف عبد الرزاق المقرم النجفي ( 1391هـ)،
وأحال على كتاب >البيان العام للتبرعات والنفقات في تعمير مقام السيدة زينب< (ص ،)4وقد
ذكر محمد حسين حرز الدين ذلك أيضا ،انظر تعليقه على مراقد المعارف لجده محمد حرز الدين
( )287/1الهامش .1
نقل محمد حسين حرز الدين كالمه من مخطوط الثمر المجتنى للبراقي ،انظر مراقد المعارف ()2
( )290/1الهامش.
مرقد العقيلة زينب (ص ،)172وانظر أيضا( :ص )134و(ص ،)162و(ص ،)165 ()3
و(ص .)175
زينب ورقية في الشام (ص 86ــ .)91 ()4
660
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ومزور في القرن الرابع عشر ،وأن الذي صنع ذلك هو صاحب هذا الصك
والمستفيد األول منه ،وهو سادن المرقد الشامي لزينب ،ودالئل ذلك كثيرة(:)1
ــ الدليل األول:
إ ّن الذي احتج بهذا الصك ــ وهو سادن المرقد الشامي ــ إنما يجر النار
إلى قرصه ،بادعاء أن سائر أراضي راوية تابعة لهذا المرقد المزعوم ،وبذلك
تكون له السيطرة التامة على كل مداخيل هذه األراضي ،ولتعلم صحة ما قررته
فتأمل مع ما جاء في هذا الصك فيما يتعلق بمصرف هذا الوقف ،يقول صاحب
الصك> :يُصرف على عمارة أماكنها ...ثم على خدام ذلك وأرباب شعائره ثم
على المتولي والناظر ....والمزيد ألجوره ،وفي الجهات المعينة بحسب الحال
على ما يرى الناظر في ذلك الوقف ...وشرط الوقف أن له أن يغير ما شاء من
اإلدخال واإلخراج والزيادة والنقصان واإلعطاء والحرمان بما يراه ،وأن يقرر فيه
من يشاء ويخرج من يشاء ،كل ذلك راجع إلى رأيه وألوالده وذريته من بعده...
()2
وإن خاس الوقف في سنة من السنين عن المعروفات المذكورة فليستدين
المتولي المزبور على المستقبل ،ويصرف بحسب ما يراه ،وهذا الوقف ال يداخله
حاكم وال محاسب في توجيه وظيفة أو في محاسبة ،بل المفوض هو الناظر
والمتولي من ذرية الواقف<( ،)3قلت :فأنت ترى أن نص هذا الوقف يعطي لمن
يتولى القبر التصرف المطلق في جميع األراضي المحيطة بالقبر ،إضافة إلى أنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إن هذا الصك لوحده بحاجة إلى دراسة مستقلة ،ونصه طويل جدا يقع في 13صفحة ،ولم أفصل
في نقده واكتفيت بذكر بعد الدالئل على اختالقه ووضعه.
( )2كذا والصواب :فليستدن.
( )3مرقد العقيلة زينب (ص 169ــ .)170
661
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
سيضع يده على كامل مداخيلها ،فبعد المصرف األول وهو عمارة المرقد ــ والذي
سيستفيد منه السادن بالدرجة األولى ــ فإن المصرف الثاني للوقف ينفق على
فض َل عن النفقات يذهب العاملين في المرقد وعلى رأسهم السادن!! ،ثم إن ما َ
أيضا إلى جيب السادن ،ثم إن نص الوقف يعطي السادن الصالحية التامة
للتصرف في أموال المرقد كيفما يشاء وبدون أي محاسبة حتى من الحاكم ،وفوق
كل هذا فإن الوقف يصير متوارثا في ذرية السادن!!.
أقول :وبعد كل هذا هل تشك أن هذا الوقف إنما ُصنع على هوى سادن
المرقد؟ ،وقد شكَّك الباحث اإلمامي على أصغر قائدان في صحة هذا الصك
لكون المصدر الوحيد له هو السادن ،فقال> :مصدرها غير معلوم وغير واضح
حتى نستند به ...وهذا أيضا قول متولي المرقد ،ويشبه كثيرا القصص العامية،
وال يمت بأي صلة إلى الحجة والبرهان القاطع<(.)1
ــ الدليل الثاني:
من األمور التي تشهد على بطالن هذا الصك وكونه مزورا ،ادعاء صاحبه
أنه ُكتب في سنة 768هـ ،وأن أول القضاة الذين شهدوا على صحته ،هو قاضي
القضاة مصطفى أفندي بن مصطفى أفندي ،وهذا كذب ظاهر:
فأوال :لقب أفندي من األلقاب التي شاعت في عهد الخالفة العثمانية،
ويطلق على >أصحاب الوظائف الدينية والمدنية ورجال الشريعة والعلماء<(،)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مقالة ضريح السيدة زينب في سوريا (الزينبية) آراء ودراسة نقدية ،منشورة بمجلة العلوم اإلنسانية
الدولية ،العدد 1433 ،)3( 19هـ( 2012/ص .)8
( )2األلقاب والوظائف العثمانية للدكتور مصطفى بركات (ص .)150
662
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
فإذا تقرر ذلك ،فدعوى كون تاريخ الصك هو 768هـ دليل على جهل مختلق
الصك بالتاريخ ،ألن العثمانيين إنما فتحوا دمشق سنة 922هـ(.)1
بحثت في كتب التراجم المصنفة في رجال القرن الثامن للهجرة
ُ وثانيا :قد
فلم أجد أثرا الستعمال العلماء والقضاة في بالد العرب للقب >أفندي< ،وإنما
ابتدأ استعماله في القرن العاشر( )2وكان يطلق على العلماء والمشايخ على وجه
التعظيم لهم ،ثم في القرن الثاني عشر والثالث عشر أصبح لقبا مالزما لكل من له
منصب ديني ،سواء في الفتيا أو المشيخة أو القضاء( ،)3وهذا دليل ظاهر على
أن مختلق الصك استعمل لغة زمنه في كتابة صك منسوب إلى القرن الثامن!.
ــ الدليل الثالث:
إن لغة الصك بعيدة عن لغة الصكوك واألوقاف في القرن الثامن ،ألمور عدة؛
منها :ما فيه من الطول المفرط واإلغراق في التفاصيل مما ليس معهودا في
نصوص األوقاف في تلك الفترة.
ومنها :أني لم أجد أثرا ألسماء القضاة المذكورين فيه في كتب التراجم،
مع أن بعضهم تولى منصب قاضي القضاة كمصطفى أفندي حيث لم أعثر على
ترجمة له في الكتب المصنفة لتراجم علماء القرن الثامن ،ومن يبلغ هذا المنزلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وقد عاصر ذلك المؤرخ الدمشقي محمد بن علي ابن طولون ( 953هـ) ،وروى طرفا من تفاصيله،
انظر مفاكهة الخالن بحوادث الزمان (ص ،)343وانظر تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص
.)192
( )2انظر الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة ( ،)44/2و( ،)106/3و(.)132/3
( )3راجع فهارس كتاب سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر ،وكتاب حلية البشر في تاريخ القرن
الثالث عشر.
663
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
664
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
وهذه األوصاف التي وقع في بعض ألفاظها غلو ظاهر ،مثل وصف زينب
بأنها رابطة عقد التولية السرمدية وصاحبة الكرامة األبدية ،لم أعثر على نظيرها
عن زينب في سائر الكتب التي ترجمت لها إلى القرن الثالث عشر ،وقد مضى
بتفصيل أن الغلو في زينب إنما ظهر بعد ظهور كتب المقاتل المتأخرة والمليئة
بالكذب واالختالق ،فما جاء من المبالغة في أوصاف زينب والغلو فيها شاهد
واضح على تأخره عن القرن الثامن بقرون.
ــ الدليل الخامس:
إن مما يؤكد أن هذا الصك مصنوع ومتأخر ،هو أن أول من أظهره وهو سليم
آل مرتضى لم تقتصر سلطته على القبر المنسوب إلى زينب في الشام ،بل امتدت
سلطته إلى قبور أخرى ،يقول محسن األمين عن ذرية سليم آل مرتضى> :الذين
يسكنون دمشق بيدهم إلى اليوم التولية على المشهد المنسوب للسيدة زينب
الصغرى المكناة بأم كلثوم بنت أمير المؤمنين الموجود بقرية راوية ،وقد
تكلمنا على هذا المشهد مفصال فيما يأتي من ترجمتها ،والتولية على أوقافه،
وعلى المشهد المنسوب إلى النبي نوح بقرية الكرك وأوقافه ،وهي كثيرة قد ذهب
أكثرها ،وقد كانت لهم التولية على المشهد المنسوب إلى السيدة رقية بنت أمير
المؤمنين علي بمحلة العمارة بدمشق<(.)1
وذكر فرج آل عمران القطيفي أن سليم بن مرتضى كان قيِّما على المشاهد
المشيدة على القبور المنسوبة إلى كل من زينب الصغرى( )2وسكينة بنت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أعيان الشيعة (.)10/7
( )2ال صحة لدفن زينب الصغرى في مقبرة الباب الصغير ،وإنما ظهر ذلك في عصور متأخر لعله
القرن التاسع.
665
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
الحسين( )1وعبد اهلل بن زين العابدين( ،)2إضافة إلى مشهد الرؤوس وهو بناء
ُشيِّد على الموضع الذي يُدعى أنه مكان دفن رؤوس جماعة من آل البيت الذين
قتلوا في كربالء(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مضى فيما سبق أن جماعة من قدماء المؤرخين والنسابين نصوا على وفاة سكينة بنت الحسين في
المدينة منهم الواقدي وابن سعد ،والبالذري ،وابن حبان ،وابن خلكان ،راجع (ص .)162
( )2لم أقف على من نص على وفاته لكن األقرب أن وفاته بالمدينة مثل أبيه ،ويبعد أن يكون دخل
الشام أصال ،فإنه لو دخلها لذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق ،وأما القبر المنسوب له بدمشق فال
أصل له.
( )3وهذا المشهد ال يصح أيضا ،وهو متأخر جدا ،فقد راجعت جملة من كتب الزيارات التي تعرضت
لذكر المدفونين في مقبرة الباب الصغير مثل اإلشارات في معرفة الزيارات للهروي ونزهة األنام
للبدري والزيارات للعدوي ،فلم أجدهم يذكرون دفن رؤوس شهداء كربالء في مقبرة الباب
الصغير ،ويبدو أن هذا المشهد حدث في القرن الرابع عشر ،فقد ذكر محسن األمين في أعيان
الشيعة ( )627/1كيف تطور هذا المشهد من كونه مدفن ثالثة رؤوس في تاريخ قريب من سنة
1324هـ إلى مدفن عدة من شهداء كربالء بعد هذا التاريخ بسنين ،وقد ذكر محمود الغريفي أن
سليم بن مرتضى هو من سعى في تشييد المشهد سنة 1330هـ وذكر في ذلك قصة مطولة نقال
عن األزهار األرجية ،انظر كتاب مشهد الرؤوس (ص 32ــ )34واألمر بحاجة إلى بحث أوسع
لمعرفة تاريخ اختالق هذا المشهد.
وقد اختلف في موضع دفن الرؤوس ،فابن سعد يذكر أن ذكوان أبا خالد استأذن ابن زياد في دفن
الرؤوس بعد وصولهم إلى الكوفة فأذن له فدفنها بالجبانة ،الطبقات البن سعد طبعة الخانجي
( ،)446/6أما أبو مخنف فروى أن الرؤوس أرسلت إلى يزيد ،تاريخ الطبري ()459/5
واألقرب ما ذكره ابن سعد ،وأما اإلمامية فمنهم من ذهب إلى كون الرؤوس مدفونة في كربالء
كما مال إليه محسن رنجبر ،ومنهم من نصر القول المتأخر بدفنها في دمشق كمحسن األمين في
بقية
أعيان الشيعة ( ،)627/1انظر للتفصيل مقالة >الرأس المق ّدس لإلمام الحسين ورؤوس ّ
ومحل دفنهم< للباحث اإلمامي محسن رنجبر ،منشورة بمجلة نهضة عاشوراء،ّ الشهداء ،مصيرهم
العدد األول (ص 106ــ .)108
666
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
667
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ــ الصنف الثاني :استدالالت خاطئة مبنية على سوء الفهم والتدليس
والخيانة في النقل ،وجلها من عمل محمد حسنين السابقي
قد فصلت الكالم عن الصنف الثاني ،لما تعرضت لنقد كتاب >مرقد العقيلة
زينب<( ،)1فال حاجة إلعادته هنا.
ــ الصنف الثالث :كالم أصحاب كتب الزيارات وفضائل الشام
احتج محمد حسنين السابقي على صحة المرقد المنسوب لزينب في قرية
راوية بما جاء في كالم بعض أصحاب كتب الزيارات وفضائل الشام من قولهم إن
دفينة راوية هي زينب الكبرى( ،)2وهذا االستدالل واه وال يصح وبيانه من وجوه:
األول :لقد أسلفت فيما مضى عن تاريخ قبر راوية أن هذا القبر ظهر في
المائة السادسة للهجرة ،ونُسب في أول أمره إلى امرأة من أهل البيت تسمى أم
كلثوم دون أن يعرف نسبها ،ثم مع ُمضي الزمان وتعاقب األجيال صار ينسب
لزينب الصغرى ،ثم نُسب عند من تأخر إلى زينب الكبرى ،فكيف يصح أن يُترك
القول القديم في هذه المسألة ويصار إلى قول حادث ال أصل له وال دليل عليه!!.
الثاني :إن ابتداء نسبة قبر راوية إلى زينب الكبرى إنما يرجع إلى القرن الثامن
على أقصى تقدير ،وأول من أثبت دفن زينب الكبرى في الشام من أصحاب كتب
المزارات هو أبو البقاء البدري ،وقد عزا ذلك إلى أبي بكر الموصلي وإبراهيم
الناجي ،ثم تبعه من جاء بعده كالعدوي وغيره( ،)3وكالم هؤالء ال تقوم به حجة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1راجع مبحث نقد منهج السابقي في سبكه ألدلة ترجيح القبر الشامي لزينب ( ص 190ــ .)245
( )2مرقد العقيلة زينب (ص 173ــ .)175
( )3مضت اإلحالة على أقوالهم ،في مبحث تاريخ مرقد راوية.
668
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
األمر األول :قد مضى فيما سبق أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين
كانوا ال يبنون على القبور وال يكتبون عليها ،كما أنهم كانوا يُدفنون في المقابر
العامة للمسلمين ،ولم يكونوا يخصصون ألنفسهم مكانا خاصا إال في النادر(،)2
ولذلك كانت تقتصر معرفة موضع القبر على من حضر الدفن أو شهده ،أو بلغه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مضت اإلحالة على أقوالهم ،في مبحث تاريخ مرقد راوية.
( )2مثل ما وقع لطلحة بن عبيد اهلل إذ استشهد في وقعة الجمل فدفن في شط ثم نقله أهله بعد
ذلك إلى دار من دور أبي بكرة في البصرة ،راجع :مصنف ابن أبي شيبة ( ،)536/ 7ومثل ما
وقع لعلي فقد دفنه أبناؤه في قصر اإلمارة بالكوفة راجع :الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي
ــ ( ،)134/8وقيل إن ذلك كان خوفا من أن ينبش الخوارج قبره ،وقيل إنه دفن عند مسجد
الجماعة في الرحبة بالكوفة ،الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي ــ (.)36/5
669
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ذلك عمن سلفه من أهل بيته ،ثم مع تعاقب األزمان وتبدل األجيال وطروء بعض
الحوادث( )1اندرست قبورهم ،فلم تعد مواضع قبور الصحابة معلومة ،وما أحسن
وقبر قول من قال :إنه ال يصح قبر نبي أو صحابي سوى قبر نبينا محمد
صاحبيه أبي بكر وعمر ،وهذا قول صحيح ،وأما سائر القبور التي تنسب إلى
الصحابة وأهل البيت فال يصح منها شيء.
وإنما ظهر البناء على القبور وتشييد األبنية عليها في القرن الثالث ،قال
شيخ اإلسالم ابن تيمية> :لم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك
شيء في بالد اإلسالم ال في الحجاز وال اليمن وال الشام وال العراق وال مصر
وال خراسان وال المغرب ولم يكن قد أحدث مشهد ال على قبر نبي وال صاحب
وال أحد من أهل البيت وال صالح أصال؛ بل عامة هذه المشاهد محدثة بعد ذلك.
وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خالفة بني العباس وتفرقت األمة وكثر فيهم
الزنادقة الملبسون على المسلمين وفشت فيهم كلمة أهل البدع وذلك من دولة
المقتدر في أواخر المائة الثالثة<( ،)2وقال أيضا> :بناء المشاهد على القبور
والوقف عليها فبدعة؛ لم يكن على عهد الصحابة؛ وال التابعين؛ وال تابعيهم؛
بل وال على عهد األربعة<(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مثاله قول أبي الحسن الهروي في اإلشارات (ص > :)22بالجبانة التي بدمشق خلق كثير من
المشايخ والصالحين اختصرناهم خوف التطويل ،ويقال :بها سبعون رجال من الصحابة ،
واهلل أعلم بالصحيح ،وقيل :إن جبانة دمشق حرثت وزرعت مقدار مائة سنة فلذلك ال تعرف
القبور ،واهلل أعلم<.
( )2مجموع الفتاوى (.)466/27
( )3مجموع الفتاوى (.)11/31
670
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
وترى الدكتورة سعاد ماهر ــ المتخصصة بعلم اآلثار ــ >أن أقدم ضريح في
ِ
يمت عليه قبة يرجع إلى القرن الثالث الهجري<( ،)1وكان هذا في سنة اإلسالم أُق َ
284هـ حين توفي الخليفة المنتصر العباسي ،قال الطبري> :وهو أول خليفة من
بني العباس ــ فيما بعد ــ ُعرف قبره ،وذلك أن أمه طلبت إظهار قبره<( ،)2ومع
أن هذا النص غير صريح في وجود ضريح أو قبة على القبر وقتها ،غير أنه من
أقدم الوثائق التاريخية التي تؤرخ بداية حدوث البناء على القبور ،وال أدل على
ذلك من قول الطبري إن المنتصر هو أول خليفة عباسي ُعرف قبره ،فكل من قبله
من الخلفاء لم تعرف قبورهم لِما كانوا عليه من عدم البناء على القبور أو تمييز
قبور المشهورين عن غيرهم من العامة ،فالكل كان يدفن بصورة واحدة دون
تمييز ،وهذا أدى إلى ضياع القبور وعدم العلم بعينها ،وقد مات ما ال يحصى
من الصحابة بمكة والمدينة ،وذهبت قبورهم مع مضي الزمان فلم تعرف ،ولذا
قال أبو الحسن الهروي> :بمكة خلق كثير من الصحابة ....وأكثرهم ال تعرف
قبورهم<( ،)3وذكر عدة من الصحابة المدفونين بالبقيع في المدينة ثم قال:
>وخلق كثير من الصحابة والتابعين ،منهم من يعرف قبره ومنهم من ال يعرف
قبره<( ،)4وقال علي القاري> :دفن بمكة كثير من الصحابة الكرام أما مقابرهم
فغير معروفة<(.)5
ولذا فما حدث بعد الصحابة بزمن من نسبة عدة قبور إليهم وبناء مشاهد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مساجد مصر وأولياؤها الصالحون (.)46/1 ()1
تاريخ الطبري (.)254/9 ()2
اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص .)77 ()3
اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص .)80 ()4
األسرار المرفوعة (ص .)402 ( )5
671
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
عليها ال عبرة به ،ألن ذلك حدث بعد زمن طويل من وفاتهم ،والتحقيق أنه ال
يعرف من قبور الصحابة على التعيين إال قلة قليلة نادرة ،ولقد شهد بذلك الشيخ
اإلمامي حيدر حب اهلل حيث يقول> :ومن هنا ،يرى الكثير من الناقدين
والمح ّققين في هذا المجال مثل السيد محسن األمين العاملي وغيره ،أ ّن آالفا ــ
أئمة أو صحابة وربما عشرات اآلالف ــ من القبور أو األماكن المنسوبة ألنبياء أو ّ
الظن الغالب على أي دليل علمي يفيد ّ شخصيات معينة ..ال يوجد ّّ أو أولياء أو
مما هو م ّدعى على امتداد صحة االنتساب فيها ،وأ ّن ما هو ثابت ال يتع ّدى ــ ّ
ّ
شعبية ال
العالم اإلسالمي ــ نسبة الواحد في المائة ،وإ ّنما هي تقاليد وموروثات ّ
علمية<( ،)1فإذا تقرر ذلك فال ينبغي االعتماد على ما جاء في تقوم على معطيات ّ
كتب الزيارات من نسبة جملة من القبور إلى الصحابة.
األمر الثاني :إن جملة كبيرة من المصنفين في باب فضائل البلدان
والزيارات هم ممن ال خبرة لهم بالتاريخ أو علم الحديث ،كما أن جلهم ممن ال
حظ له في التحقيق ،خاصة المتأخرون منهم بداية من القرن السابع فما بعده،
فمن تأمل في كتبهم وجد أن جل اعتمادهم على ما يشاع ويقال دون تحقيق أو
نظر ،واألمثلة على ذلك عديدة يصعب حصرها هنا ،لكني سأكتفي بأمثلة قليلة
الغرض منها التمثيل ال االستقصاء:
فمن ذلك :أنهم يذكرون مشهدا منسوبا لفالن من الصحابة وآل البيت ،مع
أن هذا الذي ينسب إليه هذا المشهد لم يُخلق أصال وال وجود له في كتب التراجم
أو األنساب( ،)2مثل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1إضاءات في الفكر والدين واالجتماع (.)527/5
( )2اقتصرت في توثيق مواضع وفيات الصحابة من كتاب طبقات ابن سعد لقدمه كونه عاش في القرن=
672
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ــ قبر سكينة بنت أبي بكر الصديق ،)1(ولم يذكر النسابون بنتا ألبي
بكر الصديق اسمها سكينة(.)2
ــ قبر محمد بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب( ،)3ولم يذكر في
كتب األنساب ابن للحسن باسم إبراهيم( ،)4فضال عن أن المتفق عليه بين
النسابين أن عقب الحسن إنما استمر في زيد بن الحسن والحسن المثنى فقط(.)5
المحسن بن الحسين بمشهد الدكة بحلب( ،)6ومشهد الصبيان ّ ــ قبر
أحمد والقاسم أوالد الحسين في مدائن العراق( ،)7مع أن أهل العلم بالنسب
لم يذكروا في أبناء الحسين من اسمه محسن أو أحمد أو القاسم(.)8
ــ قبر أم الحسن بنت حمزة بن جعفر الصادق بدمشق( ،)9ولم يذكر في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثالث ،والعتماده في الغالب على الروايات المسندة في تحديد وفيات الصحابة ،كما أن الغاية =
هي التنبيه على القول القديم في المسألة ،وأن ما ورد في كتب الزيارات قول متأخر.
نزهة األنام في محاسن الشام (ص .)221 ()1
ذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي ( )400/6أن أبناء أبي بكر الصديق هم :عبد اهلل ()2
وأسماء وعبد الرحمن وعائشة ومحمد وأم كلثوم.
اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص .)71 ()3
لم يذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي ( )253/6أن للحسن بن علي ابنا اسمه إبراهيم. ()4
انظر :المعقبين من ولد أمير المؤمنين (ص .)59 ( )5
اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص .)16 ()6
اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص .)68 ()7
ذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي ( )400/6أن أبناء الحسين هم :علي األكبر وعلي ()8
األصغر وفاطمة وسكينة.
اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص .)22 ()9
673
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
674
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ــ قبر عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بدمشق( ،)1والصحيح أنه دفن في
مكة(.)2
ــ قبر أبي دجانة سماك بن خرشة بقرى الطور ومؤتة في الشام(،)3
والصحيح أنه استشهد باليمامة في نجد(.)4
ــ قبر البراء بن مالك في الموصل( ،)5والصحيح أن وفاته كانت بتستر ببالد
فارس(.)6
ومن ذلك ما يذكرونه من المشاهد المنسوبة لألنبياء ومن سلف من األمم
السابقة ،وتتبع األمثلة على ذلك عسير ،ألن ذلك يصعب حصره ،فمن نظر في
كتاب >اإلشارات إلى معرفة الزيارات< للهروي يعجب مما يذكره من المشاهد
المنسوبة لألنبياء ،فال يكاد يذكر موضعا إال ويحكي عن دفن نبي من األنبياء
فيه! ،واألغرب واألعجب هو تكرر المشاهد المنسوبة إلى األنبياء في أكثر من
موضع ،ويلحق بذلك ما ينسب إلى األنبياء من آثار ومقامات وغيرها من األمور
التي ال تقوم عليها أي حجة ،حتى قال شيخ اإلسالم ابن تيميةَ > :ع َّامة القبور
المنسوبة إلى األنبياء كذب<( ،)7ومع كل ذلك فإن كتب الزيارات مملوءة من
هذه األمور الخاطئة ،فكيف يعتمد عليها وحالها كذلك؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نزهة األنام في محاسن الشام (ص .)222 ()1
الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (.)22/5 ()2
اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص .)26 ()3
الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (.)516/3 ()4
اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص .)63 ( )5
الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (.)17/9 ()6
الفتاوى الكبرى (.)444/5 ()7
675
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
األمر الثالث :إن أول ُمصنِّف في الزيارات ذكر دفن زينب الكبرى في قرية
راوية بدمشق هو أبو البقاء البدري كما مضى ،وقد نقل ذلك عن أبي بكر
الموصلي وغيره ،وقد مضى أنني لم أقف على ما نُسب ألبي بكر الموصلي في
كتابه >الفتوح< ،غير أن الموصلي ال يختلف حاله عن حال المصنفين في كتب
الزيارات ،إذ أنه إنما يحكى ما يشاع ويقال وال يَ َت َّثبت من نسبة المشاهد إلى
أصحابها ،فهو يصرح بدفن حفصة بنت عمر ببعلبك في الشام( ،)1مع أن
الثابت أنها توفيت بالمدينة( ،)2ويكفي في بيان شهرة بطالن هذا القبر أن مثل أبي
الحسن الهروي ــ على ما مضى منه من األوهام ــ قد نبه على بطالن نسبة هذا
القبر إلى حفصة الشتهار وفاتها بالمدينة( ،)3فمن يخفى عليه مثل هذا مع شهرته،
ال ينبغي االعتماد على قوله ،فكيف إذا كان قوله مخالفا لقول من تقدمه من
مؤرخي دمشق كابن عساكر ومن وافقه.
وأما االستدالل بكالم أبي البقاء البدري فهو أيضا غير متجه ،فإضافة إلى
ما مضى من تأخر زمنه ومخالفته لثقات المؤرخين كابن عساكر ،فإنه قد قرر ما
يقال ويشاع عن قبور أربعة من الصحابة مضت اإلشارة إليهم ،وهم أبي بن كعب
ومعاذ بن جبل وضرار بن األزور وأبو دجانة ،وكلهم دفنوا في غير الموضع الذي
نسبهم إليهم البدري مما يدل على أنه ليس ملما بالتاريخ ولم يكلف نفسه التحقق
من هذه القبور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مخطوط فتوح الرحمن [ق /36ب] ،محفوظ بمكتبة الدولة في برلين برقم ( ،)We 1560وقد
ذكر بعدها زيارته لقبر مالك األشتر ببعلبك أيضا.
( )2الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (.)84/10
( )3اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص ،)19وقد مال الهروي إلى أن المدفونة في بعلبك
هي أم حفص أخت معاذ بن جبل.
676
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ولذا انتقد الباحث اإلمامي علي أصغر قائدان كالم البدري ومن تابعه فقال:
>انفرد البدري في >نزهة األنام في محاسن الشام< بذكر هذا القبر والمدفن للسيدة
زينب المكناة بأم كلثوم ...،وال يستند قوله إلى المصادر التاريخية أوالجغرافية،
بل يميل إلى الكشف والشهود ،وال يقبل هذا المنهج لموضوعي عيني( )1أو
تاريخي<(.)2
وأما من جاء بعد الموصلي والبدري من المصنفين في الزيارات فال يخرج
كالمهم عن تقليد ما جاء في كتب الزيارات القديمة ،كما أن كتبهم طافحة
باألوهام في تعيين مواضع الصحابة ،وإذا تبين ذلك فال عبرة بما ذكر في كتب
الزيارات وال ينبغي للمنصف التعويل على ما ذكر فيها(.)3
677
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
األول :لم يثبت عن أحد من أصحاب الرحالت الذين نقل السابقي أقوالهم
التصريح بدفن زينب الكبرى في الشام ،وما نسبه إليهم السابقي من القول بذلك
ليس له أساس من الصحة ،وإنما بناه على مقدمة فاسدة ،وهي أن أم كلثوم كنية
زينب الكبرى ،وبناء عليه فقد نسب إلى كل القائلين بدفن أم كلثوم في راوية
بأنهم قائلون بدفن زينب الكبرى هناك ،مع أن منهم من صرح بأن دفينة راوية هي
زينب الصغرى كابن جبير ،وأما ابن بطوطة فظاهر من كالمه أنه إنما تابع ابن
جبير فيما قرره ،وكثيرا ما يقلده ويتابعه( ،)1ولكنه لم يذكر كلمة الصغرى.
الثاني :قد وقع في كالم كل من ابن جبير وابن بطوطة أخطاء وأوهام ظاهرة:
1ــ فقول ابن جبير إن اسم أم كلثوم هو زينب الصغرى ،وقوله إن النبي
هو من كناها بذلك ومتابعة ابن بطوطة له على ذلك ،غلط واضح ،وقد
بل مضى الكالم عنه ،وقلت :إن زينب الصغرى لم تولد في حياة النبي
ولدت بعد وفاة النبي !.
2ــ وقد ظن ابن جبير وابن بطوطة ،أن دفينة راوية كانت ُتكنى أم كلثوم،
اسم وليس كنية ،وقد ُسمي به عدة نساء من الصحابة وآلوالصواب أن أم كلثوم ٌ
البيت ،كأم كلثوم بنت النبي ،وأم كلثوم الكبرى بنت علي ،وأم كلثوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر رحلة ابن بطوطة ( ،)57/2( ،)297/1( ،)272/1وقد نص الدكتور المؤرخ عبد الهادي
التازي ــ وقد حقق رحلة ابن بطوطة وكتب حولها دراسة مفصلة ــ ،في مقالة >اكتشاف غير مسبوق
حول رحلة ابن بطوطة< ،المنشورة بمجلة المجمع العلمي العراقي ،المجلد الواحد والخمسون،
الجزء الثالث( ،ص )107على أن ابن بطوطة كان يقتبس من ابن جبير ،وذكر في (ص )117أن
ابن بطوطة >مولع بتقليد ابن جبير< ،وبخصوص دمشق ،يذكر التازي في (ص )117أن ابن
بطوطة اقتدى بمسلك ابن جبير في زيارته الثانية لدمشق.
678
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
بنت أبي بكر الصديق ،وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ،وغيرهن.
3ــ إن زينب الكبرى لم تكن ُتك ّنى بأم كلثوم ،بل كانت كنيتها أم
جعفر وقد نص الزبير بن بكار على ذلك كما مضى( ،)1وهي كنية زوجها عبد اهلل
ابن جعفر.
وهذه األوهام تدل على أن ابن جبير وابن بطوطة لم يكن عندهما أي معرفة
أو تحقيق ال عن المدفونة في قرية راوية ،وال عن زينب الكبرى بل وحتى زينب
فكالمهما ال يعتد
ُ الصغرى ،وإنما َح َكيا ما سمعاه من دون تحقيق أو مراجعة،
صرح بأن دفينة راوية هي زينب الكبرى وهو ما
به ،مع العلم ْأن ال أحد منهما ّ
سيتبين في الوجه الرابع.
ّ
الثالث :إن االستدالل بما ورد في كالم أصحاب الرحالت استدالل
ويقصون ما رأوه وما
قاصر ،وذلك أن المصنفين في الرحالت كانوا يحكون ُّ
سمعوه من الناس من أن فالنا مدفون في البقعة الفالنية ،وفي كثير من األحيان
البينة الظاهرة ،ولذلك فال ينبغي
ال يتنبهون إلى ما في هذه األقوال من األخطاء ّ
الركون إلى أقوالهم ،ولنمثل ببعض األمثلة:
1ــ جاء في رحلة ابن جبير تعيين موضع دفن ثالثة من أوالد النبي
في البقيع ،وقد رد السمهودي كالم ابن جبير قائال> :لم أقف على أصل لما
ذكر<(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1األخبار الموفقيات (ص .)19
( )2خالصة الوفا ( ،)392/2وراجع المباحث العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (ص ،)882فقد
انتقد بتفصيل كالم ابن جبير وساق عددا من األدلة القوية في مناقشة كالمه.
679
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
2ــ يقول ابن جبير> :وفي الطريق الى باب البصرة مشهد حفيل البنيان
داخله قبر متسع السنام ،عليه مكتوب :هذا قبر عون ومعين ،من أوالد أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ،)1(<قلت :لم يذكر أحد من أهل النسب
والتاريخ اسم معين ضمن أوالد علي .!
3ــ ونظير هذا قول ابن جبير إن في مصر مشهدا >لمريم ابنة علي بن أبي
طالب وهو مشهور<( ،)2فإنه ال يُعرف في بنات علي امرأة باسم مريم(،)3
وحتى لو ُعرف ،فمن أين لها أن تأتي مصرا وتموت بها! ،فضال عن أن المحققين
قرروا أنه لم يدفن في مصر أحد من أبناء أو بنات علي .)4(
4ــ سرد ابن جبير أسماء مشاهد بعض الصحابة في القرافة بمصر،
فذكر منها مشهد معاذ بن جبل( ،)5والمتفق عليه بين أهل العلم أن معاذا
توفي بالشام( ،)6ولم ينقل أحد من ثقات المؤرخين قبل ابن جبير أن معاذا توفي
بمصر!
!(،)7 5ــ ذكر ابن جبير مشهدا في مصر ألبي الحسن صائغ رسول اهلل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رحلة ابن جبير (ص .)181 ()1
رحلة ابن جبير (ص .)20 ()2
ذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي ــ ( ،)18/3عدد بنات علي وهن تسعة عشر ()3
امرأة وليس فيهن مريم ،وأما ابن الطقطقي فذكر في األصيلي (ص 58ــ )60أن عدد بنات علي
ثمان وعشرون بنتا!! ،ومع ذلك فليس فيهن من اسمها مريم.
سيأتي نقل كالمهم عند نقد القول بدفن زينب الكبرى في مصر. ()4
رحلة ابن جبير (ص .)21 ( )5
واختلفوا في أي موضع بالشام ،فقيل باألردن ،وقيل بعمواس ،انظر تفصيل ذلك في تاريخ دمشق ()6
( 455/58ــ .)457
رحلة ابن جبير (ص .)21 ()7
680
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ولم أقف لهذا الرجل على خبر أو أثر في الكتب المصنفة في الصحابة ،فضال
لم يكن عنده صائغ!. عن أ ّن النبي
الرابع :إن المحققين من أهل العلم لم يعت ُّدوا بهذه النقول عن أصحاب
كتب الرحالت ،فقال أحمد بن خالد الناصري بعد أن استبعد دفن زينب الكبرى
في مصر> :وأبعد منه ما وقع في رحلة ألبي عبد اهلل ابن بطوطة ،فإنه قال عند
ثم قال> :وال يخفى
ثم نقل كالم ابن بطوطة َّ
ذكره مزارات دمشق ،ما نصهَّ <...،
ما فيه من التخليط ،بجعل زينب هي أم كلثوم ،ولكنه أفاد في الجملة أن مشهد
زينب بدمشق ،ونحو ما البن بطوطة وقع ألبي سالم العياشي في رحلته ،من أن
مشهد زينب هذه بدمشق< ،ثم نقل كالم العياشي ثم قال> :وهو أيضا يقتضي
أن مدفنها بالشام ال مصر ،واهلل أعلم ،قلت :ولكن ما تقتضيه األخبار أن مدفنها
بالمدينة المنورة ال بالشام وال بمصر<(.)1
ولم يعتد محسن األمين اإلمامي بكالم ابن جبير أيضا فقال> :ابن جبير وإن
سماها زينب الصغرى وكناها أم كلثوم ...إال أن الظاهر أ ّن ذلك اجتهاد منه بدليل
قوله> :إ ّن أهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الست أم كلثوم< مما دل على أنها
مشهورة بأم كلثوم دون زينب<(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1طلعة المشتري ( 25/1ــ .)26
( )2أعيان الشيعة ( ،)136/7وما مضى عن الحاجة إلى نقض ما ورد في كتب الزيارات في دراسة
مستقلة ،يجري على ما ورد في كتب الرحالت من تعيين مواضع وفيات األنبياء والصحابة وآل
البيت ،فالتشابه بينها كبير جدا ،بل إن أصل التصنيف في الزيارات منشأه االرتحال والسياحة،
فأبو الحسن الهروي الرحالة يعد من أوائل من صنف في الزيارات ،وما حمله على ذلك إال الرغبة
في تقييد ما وقع له في رحلته من مشاهدات.
681
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
682
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
أقدم نص موجود عن قبر راوية هو نص ابن عساكر( ،)1وتاريخ هذا النص هو
منتصف القرن السادس ،وعليه فهذا القول منقطع األوصال وليس له أي شهرة
قبل القرن السادس! ،ومثل هذا الشهرة ال حقيقة لها ،وفي مثلها يقول الشيخ
اإلمامي حسين الخشن> :إذا كانت هذه الشهرة متأخرة وغير متلقاة يدا بيد وال
متوارثة جيال بعد جيل وصوال إلى زمان دفن صاحب الضريح ،فلن يكون لها
اعتبار في إثبات شيء أو نفيه ،فكم من أمر اشتهر عند المتأخرين دون أن يكون
له أساس تاريخي<( ،)2قلت :وهذا ينطبق على المرقد المنسوب لزينب الكبرى
في الشام.
الوجه الثاني :إن االستناد إلى الشهرة في هذه المسألة ال يمكن التعويل
عليه ،وذلك أن تعيين قبر شخص مات قبل مئات السنين ال ينبغي االستناد فيه
إلى مجرد الشهرة ،فتحق ُُّق الشهرة الحقيقية التي يمكن االطمئنان إليها متعذّ ر في
مثل هذه القضايا ،وأدل دليل على ذلك ،أنك تجد اليوم قبورا ومراقد يُقطع بأنها
مزورة ومكذوبة ومع ذلك فإنها ال تزال اليوم مشهورة يزورها اآلالف ،وأشهر
مثال على ذلك المرقد المنسوب لعلي بن أبي طالب في مدينة مزار شريف،
حيث يشتهر اليوم في أفغانستان أن هذا قبر علي .)3(!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1وقد ادعى السابقي أن أقدم ما ورد حول هذا المرقد هو زيارة السيدة نفيسة له في سنة 193هـ،
وعزا ذلك إلى كتاب أهل البيت لتوفيق أبو علم المصري ،وقد مضى أن هذا تدليس من السابقي،
وأن توفيقا ذكر أن نفيسة زارت قبر أم كلثوم بنت زينب الكبرى (انظر ص 224ــ ،!)225فضال
عن أن توفيقا هذا معاصر ولم يذكر مصدر هذه الدعوى!.
( )2في بناء المقامات الدينية (ص .)38
( )3انظر :الذريعة للطهراني ( 126ــ .)140
683
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
قضية من القضايا
مجرد عرض ّ يقول الباحث اإلمامي محمد الريشهري >إ ّن ّ
خلفية
أو جريانها على األلسن ال تكفي في حصول االطمئنان ما لم يكن لها ّ
وجلية ،خصوصا في األزمنة السالفة التي لم يكن فيها تدوين األحداث واضحة ّ
ومتداوال<( ،)1ويقول الشيخ اإلمامي حسين الخشن> :وال يعتنى
َ والوقائع شائعا
بالشهرة فيما لو كانت موضعية ومحدودة وال تؤيدها الشواهد التاريخية<( ،)2وبناء
عليه ال ينبغي االعتماد على هذه الشهرة المدعاة.
الوجه الثالث :لو س ّلمنا جدال بتحقق الشهرة في المرقد المنسوب لزينب
الكبرى في راوية ،فيجاب عنه بتعارض هذه الشهرة مع شهرة المرقد المنسوب
لها في مصر ،وبتعارضهما يسقط االستدالل بدعوى الشهرة ،يقول الشيخ اإلمامي
محمد جواد مغنية> :الشهرة عند أهل الشام تعارضها الشهرة عند أهل مصر<(،)3
ومن تناقض السابقي ،أنه قبل أن يقرر شهرة قبر زينب في الشام ،نقض دعوى
شهرة قبرها في مصر ،فقال معلقا على كالم مغنية في تقرير شهرة القبر المصري:
>ال يوجد لهذا المشهد باسم العقيلة ذكر في كتب القدامى<( ،)4أقول :وهذا األمر
ينطبق حذو القذة بالقذة على القبر الشامي ،فالسابقي هنا نقض دليله بنفسه ووقع
في التناقض من حيث ال يدري ،ألن اعتراضه على شهرة القبر المصري بعدم
وجود ذكر له في كتب القدامى ينطبق أيضا على القبر الشامي لزينب! وبذلك
تسقط دعوى الشهرة المدعاة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص )1106الهامش .1 ()1
في بناء المقامات الدينية (ص .)38 ()2
مع بطلة كربالء (ص .)91 ()3
مرقد العقيلة زينب (ص .)238 ()4
684
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ــ الصنف السادس :ادعاء وقوع الكرامات عند القبر المنسوب لزينب الكبرى
استدل السابقي بصحة دفن زينب الكبرى في راوية بظهور الكرامات في
هذا القبر( ،)1وقال عقب ذكره إحدى القصص> :هذه الكرامة حجة قاطعة على
صحة مرقد العقيلة زينب الكبرى<(.)2
وكذا فعل المرجع المعاصر صادق الشيرازي فقال بعد أن انتصر لصحة
القبر المنسوب لزينب بالشام> :وقد ظهرت منه المعاجز والكرامات الكثيرة
المؤيدة لذلك<(.)3
يم ُّت إلى العلم والتحقيق بأي صلة ،بل
وهذا الضرب من االستدالالت ال ُ
ليس في الحقيقة إال من قبيل األوهام ،وال حاجة لرد مثل هذا االستدالل ألنه
ليس بحجة أصال ،وقد انتقد الشيخ اإلمامي حسين الخشن هذا النوع من الحجج
فقال> :المصدر اآلخر الذي ال يمكن التعويل عليه في إثبات صحة المراقد هو
حصول الكرامات فيها ،من شفاء مريض أو عليل أو استجابة دعاء أو قضاء
حاجة ،وما إلى ذلك<( ،)4إلى أن يقول> :والسبب في رفضنا االعتماد على
الكرامات في المقام ،ليس فقط هو حصول المبالغات أو األوهام بشأن بعض
الكرامات ،وربما األكاذيب التي تكثر حتى في المقامات الثابتة النسبة إلى
أصحابها ...وإنما السبب هو أن حصول الكرامة حتى لو تم التوثق منها ومن
حدوثها في مقام مشكوك النسبة إلى شخصية معينة ،فإن ذلك ال يمثل دليال على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرقد العقيلة زينب (ص .)245 ()1
مرقد العقيلة زينب (ص .)251 ()2
أحكام العتبات (ص .)177 ()3
في بناء المقامات الدينية (ص .)42 ()4
685
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1في بناء المقامات الدينية (ص .)43
( )2إضاءات في الفكر والدين واالجتماع (.)526/5
686
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
5ــ نصوص المحققين من أهل العلم على بطالن القبر المنسوب لزينب
الكبرى في الشام
لقد مضى في المبحث السابق نقل نصوص عدة من علماء أهل السنة
واإلمامية الذين ذهبوا إلى ترجيح وفاة زينب الكبرى في المدينة المنورة،
ومقتضى ذلك أنهم ينفون أن تكون زينب الكبرى مدفونة في الشام ،وبما أن
أقوالهم قد مضى نقلها فال حاجة إلعادتها هنا وسنكتفي بنقل نصوص من جزم
ببطالن نسبة القبر الشامي إلى زينب الكبرى .
أ ــ أقوال علماء أهل السنة
لعل أول من نص على عدم صحة انتساب قبر راوية إلى زينب الكبرى
هو عبد الغني النابلسي ( 1143هـ) ،فقد مضى أن له أكثر من قول في المسألة
وأنه كان يرى أن زينب المدفونة في راوية هي أم كلثوم الكبرى زوجة عمر ،
ومع ذلك فإن الظاهر أنه تراجع عن ذلك وآل أمره إلى القول بعدم صحة دفنها في
قرية الست فقال> :لعل هناك امرأة غيرها مسماة بزينب أيضا وملقبة بالست<(.)1
فإذا علم هذا فال بد من التنبيه على عدم صحة دعوى كل من عبد الرزاق
المقرم والسابقي فيما نسباه إلى النابلسي من خالف ذلك ،قال السابقي> :الطائفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مناجاة الحكيم ومناغاة القديم مطبوع ضمن كتاب رسائل صوفية عرفانية لعبد الغني النابلسي
(ص ،)48وقد رجحت أن هذا آخر أقوال النابلسي ألن العجلوني أورد كالم النابلسي في رسالة
ثواب المدرك التي يثبت فيها أن دفينة راوية هي زينب ثم استدرك في آخر رسالته كالم النابلسي
في مناجاة الحكيم التي يصرح فيها بأن دفينة راوية ليست السيدة زينب ،ولم أتمكن من الوقوف
على تاريخ تأليف رسالة مناجاة الحكيم وال رسالة ثواب المدرك.
687
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
الرابعة :من علماء الشيعة والسنة من صرح بأن المدفونة بقرية راوية زينب الكبرى
بنت أمير المؤمنين التي أمها فاطمة الزهراء وشقيقة السبطين وزوجة عبد اهلل
بن جعفر التي ولدت منه عليا وعونا وعباسا وأم كلثوم ،وفي هذه الطائفة كبار
أهل الخبرة واالطالع والتتبع من علماء الفريقين< ،ثم ذكر النابلسي فيهم فقال:
>الفقيه الحنفي عبدالغني النابلسي الدمشقي المتوفي 1142هـ<(.)1
ونقل في موضع آخر عن الشيخ اإلمامي عبد الرزاق المقرم أنه قال> :تواتر
الخبر عند أهل الشام أن الفقيه الحنفي الكبير وعالم دمشق في عصره الشيخ
عبد الغني النابلسي المتوفي سنة ( 1143هـ) زار مرقد العقيلة زينب ()
فلما انصرف وسار أشم رائحة النبوة<ّ ،
براوية ،فلّما سألوه عن ذلك قال> :ال ّ
نحو مائتي خطوة سقط عن دابته وانكسرت رجله فأمر بإرجاعه إلى المشهد<..
ثم ذكر أن النابلسي أنشد أبياتا في مدح زينب> ،فالتأم الكسر في وقته<( ،)2وقال
في موضع آخر> :وهذا الخبر معروف عند أهل دمشق<(.)3
وهذا الكالم المنسوب للنابلسي ال حقيقة له وال أصل ،ولم ينقله السابقي
عن النابلسي إنما نقله عن المقرم ،والمقرم لم ينقل ذلك من كالم النابلسي أو
كتبه ،وإنما عزا هذه الحكاية إلى أهل دمشق ،وال ريب أن هذه الحكاية هي كذبة
واضحة ،ألمرين:
األول :إن النابلسي كان في أول أمره ينسب هذا القبر إلى زينب بنت علي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مرقد العقيلة زينب (ص ،)133وكرر قريبا من هذا الكالم في (ص .)177
( )2انظر :مرقد العقيلة زينب (ص .)177
( )3انظر :مرقد العقيلة زينب (ص .)247
688
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
بنت فاطمة لكنه كان يخلط بينها وبين أم كلثوم الكبرى كما صنع في رسالة >ثواب
المدرك في زيارة السيدة زينب والشيخ مدرك< ،ثم بعد ذلك عدل عن هذا الرأي
وصار يرى أنها امرأة أخرى ،وهذا عكس ما ادعاه المقرم والسابقي ،من أنه كان
في أول أمره ينكر نسبة القبر إلى زينب ،فتبين بذلك أن من اخترع هذه الخرافة
لم يطلع على كالم النابلسي وال كتبه.
الثاني :يبدو أن من اخترع هذه القصة وبثها بين الناس وقف على كالم
النابلسي في كتابه >مناجاة الحكيم ومناغاة القديم< حيث إن النابلسي استند إلى
ما يسمى بالكشف وحكى قصة لقائه مع عمر الخباز ومدرك بن زياد المدفونين
في قرية راوية ،ثم قال> :ثم انتظرت أن أرى السيدة زينب وطلبت أن أجتمع
بها فلم أجدها في القرية المذكورة أصال ،وال في تراب تلك القرية من روحانيتها
أصال ،ولعل هناك امرأة غيرها مسماة بزينب أيضا وملقبة بالست ،واهلل أعلم<(،)1
فيبدو أن مخترع قصة كسر رجل النابلسي وعالجها بعد مدحه لزينب استند على
وغير أصل القصة وزاد فيها فرية كسر رجل النابلسي وشفائها بعد أن هذا النص َّ
مدح زينب ،والمقطوع به أن هذه القصة كذب محض ،فلو وقعت لكان ذكرها
العجلوني وهو أحد أشهر تالمذة النابلسي في رسالة >عرف الزرنب< التي تعرض
فيها لرأي النابلسي عن المدفونة في قرية راوية ،ونقل فيها كالم النابلسي اآلنف
في مناغاة الحكيم( ،)2فلو وقعت هذه القصة لكان العجلوني ساقها ،وقد رجعت
إلى ترجمة النابلسي في عدة من المصادر فلم أجد أثرا لهذه القصة المفتعلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مناجاة الحكيم ومناغاة القديم مطبوع ضمن كتاب رسائل صوفية عرفانية لعبد الغني النابلسي
(ص .)48
( )2مخطوط عرف الزرنب [ق /75ب].
689
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
690
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
ومشاهد تنسب إلى جماعة من الصحابة وآل البيت ،تزار ويعنى بها دون أن يثبت
تاريخيا دفن أصحابها في دمشق< ،ثم ذكر منها قبر زينب الصغرى في قرية
راوية( ،)1وقال عند ذكر قبور آل البيت في مقالته >قبور العظماء بدمشق<> :زينب
الصغرى بنت علي ،وتلقب أم كلثوم ،لها قبران في دمشق؛ األول في قرية راوية
المعروفة حاليا بالست ...والقبر اآلخر في مقبرة الباب الصغير في قبة خاصة به
تضمه إلى مقام الست سكينة ،ورغم كل ذلك فنحن ال نعتقد بصحة نسبة هذين
القبرين إلى زينب بنت علي بن أبي طالب<(.)2
وبعدما جزم الباحث محمد عبد السمان ،بدفن زينب في البقيع استغرب
نسبة القبر الشامي إليها فقال> :إن التاريخ الثابت يؤكد ــ وهو مطمئن غاية
االطمئنان ــ بأن السيدة زينب ،لم تطأ قدمها مصر ،بل ماتت ودفنت بالبقيع،
إال أن هذه الحقيقة المؤكدة ضائعة وسط غوغائية السذج والبسطاء ،والعجيب
أن لها قبرا في القاهرة ،ولها قبر آخر يزار في دمشق<(.)3
وهذا ما ذهب إليه الدكتور أحمد خليل جمعة حيث يقول> :هناك مصادر
تزعم أنها دفنت في الشام في مدينة دمشق ،ولكن العالمة ابن عساكر لم يعين في
تاريخه مكان موتها ،ولو كان بدمشق لذكر ذلك<(.)4
وقال الدكتور فتحي حافظ حديدي منكرا صحة نسبة القبر الشامي لزينب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدينة دمشق تاريخها وتراثها وتطورها العمراني والمعماري (ص .)198 ()1
مقالة قبور العظماء في دمشق ،منشورة بمجلة المجمع العلمي العربي ،المجلد ،34الجزء الرابع، ()2
29ربيع األول سنة 1379هـ( ،ص 659ــ .)660
مقالة أليس فيهم رجل رشيد ،منشورة بمجلة التوحيد التي تصدرها جماعة أنصار السنة المحمدية، ()3
المجلد السادس العدد ،61محرم سنة 1398هـ (ص .)19
بنات الصحابة (ص .)208 ()4
691
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
>شأنه شأن ضريحها بالقاهرة ،ألنها دفنت بالمدينة المنورة كما هو ثابت في
التاريخ وفي الواقع الحالي ،بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة<(.)1
692
املبحث الثاني :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف الشام
زينب الكبرى<( ،)1وقال أيضا> :لم يتحقق أن صاحبة القبر الذي في راوية تسمى
زينب ،لو لم يتحقق عدمه فضال عن أن تكون زينب الكبرى<(.)2
وترجع قيمة كالم محسن األمين لكونه من كبار مراجع اإلمامية في الشام
في زمنه ،فضال عن أنه كان مقيما بدمشق وقريبا من منطقة راوية التي يُ َّدعى أن
زينب كانت مدفونة فيها.
وقد وافق محسن األمين في هذا القول جماعة من اإلمامية:
ــ قال جعفر بحر العلوم (1377هـ)> :إن في خارج دمشق موضعا يعرف
بالزينبية ،وفيه بقعة يقال :إنها بقعة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ،ولكن لم
أعثر في المزارات المعتبرة والمقاتل ما يؤيد ذلك<(.)3
ــ وممن أنكر دفن زينب الكبرى في دمشق العالم اإلمامي جعفر
النقدي ،وقد ذكرت أنه من أوائل علماء اإلمامية الذين صنفوا كتابا عن زينب
باللغة العربية ،فقد قال بعد أن انتقد القول بوفاة زينب في الشام بناء على خبر
هجرتها مع زوجها عبد اهلل بن جعفر إلى الشام بعد وقوع مجاعة بالمدينة> :وهو
حديث ال أثر له في كتب التأريخ والسير واألنساب والتراجم<(.)4
ــ وقال محمد علي القاضي الطباطبائي ( 1400هـ)> :قيل :إنها توفيت في
إحدى قرى الشام ودفنت بها ،وهذا القول بعيد عن الصواب<(.)5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعيان الشيعة (.)140/7 ()1
أعيان الشيعة (.)17/5 ()2
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم (.)460/1 ()3
زينب الكبرى (ص .)120 ()4
الفردوس األعلى لكاشف الغطاء بتعليق الطباطبائي (ص )61الهامش. ( )5
693
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1من وحي الثورة الحسينية (ص ،)131إال أنه أجاز زيارة القبر الشامي ألن األعمال مرهونة بالنوايا
تارة!! ،وتارة أخرى أجاز زيارة القبر الشامي أو المصري ،ألن هذه القبور ترمز لصاحبتها (ص
،)148وال شك أن هذا خطأ بين ،ألن صحة العمل ليست متوقفة على سالمة النية فقط ،بل ال
بد أن يؤتى بالعمل على وجه صحيح ،وأما تجويز زيارة القبر لكونه يرمز لصاحبه فهذا باب من
أبواب االختراع واالبتداع ،فبإمكان كل أحد أن يخترع قبرا وينسبه ألحد من أهل البيت ،فإن
طولب بالدليل قال :إن المكان يرمز إلى صاحب القبر فال بأس بزيارته!!.
( )2من وحي الثورة الحسينية (ص .)148
( )3مقالة ضريح السيدة زينب في سوريا (الزينبية) آراء ودراسة نقدية ،منشورة بمجلة العلوم اإلنسانية
الدولية ،العدد 1433 ،)3( 19هـ( 2012/ص .)1
694
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
ل
اميحب الثالب
ل ت
حفثق تطلأن الم شهد امي سؤث لرينب الكبرى في مصر
695
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
كانت بين سنة 956هـ و 961هـ ،وبعد ظهور هذا المشهد ،بدأ بعضهم ينسبه
إلى زينب الكبرى ،ويذكر الدكتور فتحي حافظ حديدي( )1أن أول من صرح
بذلك هو أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد الشعراني ( 973هـ) في عدة من كتبه،
وعزا ذلك إلى علي الخواص وهو أحد المجاذيب الذين احتفى بهم الشعراني في
كتبه( ،)2فقال في كتابه >لطائف المنن<> :أخبرني سيدي علي الخواص ،أن
السيدة زينب المدفونة بقناطر السباع ابنة اإلمام علي ،وأنها في هذا المكان بال
شك<( ،)3وقال في كتابه >آداب الصحبة<> :وقد صحح أهل الكشف أن السيدة
زينب ابنة اإلمام علي هي المدفونة بقناطر السباع بال شك<(.)4
وذكر في كتابه >لواقح األنوار في طبقات األخبار< أن >زينب المدفونة
بقناطر السباع من مصر المحروسة< هي أخت الحسين ،وزعم أنها >حملت
رأسه إلى مصر ودفنت بالمشهد المشهور بها ،ومشى الناس أمامها حفاة من مدينة
غزة إلى مصر تعظيما لها .)5(<
وغالب من قال بوفاة زينب الكبرى في مصر إنما تابع الشعراني ونقل كالمه(،)6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الملوك والنواب (ص .)111 =
دراسات في التطور العمراني للقاهرة (ص .)196 ()1
ولم أقف لعلي الخواص على ترجمة من غير كالم تلميذه الشعراني ،وقد ترجم له الشعراني في ()2
كتابه لواقح األنوار في طبقات األخيار المشهور بالطبقات الكبرى ( 266/2ــ ،)299وصنف
رسالة جمع فيها بعض أجوبته ،سماها درر الغواص على فتاوى سيدي علي الخواص.
لطائف المنن المشهور بالمنن الكبرى (ص .)477 ()3
آداب الصحبة (ص 121ــ .)122 ()4
لواقح األنوار في طبقات األخيار المشهور بالطبقات الكبرى ( 52/1ــ .)53 ( )5
أشار علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية ( )9/5إلى أن دفن زينب >إنما يذكر في كتب بعض ()6
الصوفيـة وسير الصالحين< ونقل كالم محمد الصبان وحسن العدوي عن الشـعرانـي=،
696
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
697
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
مصر ،فلما وصل الخبر إلى والي مصر تلقاها بصحبة العلماء والصلحاء ،وأنزلها
ثم مرضت زينب وماتت بالقصر، أمير البلد في قصر من قصوره على بحر النيلَّ ،
ُ
دوخ صرح بأنه لم يقف على هذا وصار موضع دفنها ضريحا لها ،ومع أن عثمان ُم ّ
قصها عليه غير
الكتاب الذي تضمن هذه القصة إال أنه اطمئن إليها ألن الذي ّ
شا ٍّك في ذلك(.)1
يختلق كتاب >أخبار
َ وهذه القصة هي التي أوحت إلى حسن قاسم أن
وينسبه للنسابة يحيى بن الحسن الزينبات< في القرن الرابع عشر للهجرةِ ،
العبيدلي العقيقي ،ليثبت بذلك وفاة زينب الكبرى في قناطر السباع بنصوص
مسندة عن أحد علماء القرن الثالث ،وبعد انتشار كتاب >أخبار الزينبات< اغتر به
كثير ممن لم يتفطن ألمره ،واعتمدوا عليه إلثبات وفاة زينب في قناطر السباع.
تنبيهات على عدم صحة ذكر بعض العلماء لقبر زينب الكبرى في قناطر
السباع قبل القرن العاشر
إن ما ذكرته من أن ابتداء نسبة القبر الموجود بقناطر السباع في مصر إلى
زينب الكبرى في القرن العاشر ،هو القول المحقق الذي تقتضيه األدلة التاريخية،
حيث إن كتب الخطط والزيارات وفضائل مصر التي صنفت قبل القرن العاشر لم
تذكر شيئا عن قبر زينب الكبرى في منطقة قناطر السباع ،وما يذكر خالف هذه
الحقيقة من نصوص إما أنه مفتعل ومزور ،مثل ما جاء في كتاب >أخبار الزينبات<
المنحول على النسابة يحيى العقيقي ( 277هـ) ،وإما أنه قد وقع فيه تدليس ،وإما
أن من نسب إليه ذلك لم يكن قد عاش في زمن قبل القرن العاشر ،وإليك البيان:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1العدل الشاهد في تاريخ المشاهد (ص 67ــ .)69
698
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
أ ــ عدم صحة ادعاءات حسن قاسم عن وجود زينب الكبرى في مصر قبل
القرن العاشر
ادعى حسن قاسم أن قبر زينب الكبرى في مصر كان له وجود منذ القرن
األول ،ففي كتابه >السيدة زينب وأخبار الزينبات< زعم أن >أهل مصر قاطبة
وفيهم الفقهاء والقراء< أقاموا موسما عظيما بعد مرور عام على وفاة زينب( ،)1ثم
ادعى أن كافور اإلخشيدي ( 357هـ) وأحمد بن طولون ( 270هـ) ،والظافر
الفاطمي ( 549هـ) والظاهر جقمق ( 857هـ) كانوا يزورون قبرها( ،)2أما في
كتابه >المزارات اإلسالمية< فقد نسب تجديد ضريح زينب إلى خمارويه بن
أحمد بن طولون ( 282هـ) وكافور اإلخشيدي ،ثم ادعى أن تجديد الضريح تم
في زمن الدولة الفاطمية في حكم نزار بن المعز ( 386هـ) واآلمر بأحكام اهلل
( 524هـ) ،ثم في زمن الدولة األيوبية في عصر الملك العادل ،ثم في زمن دولة
المماليك الجراكسة ،ونسب ذلك إلى عدة من ملوكهم(.)3
وهذه االدعاءات اختلقها حسن قاسم ولم يعزها إلى أي مصدر سوى ما
نسبه إلى الكوهيني وقد مضى أن الكوهيني ورحلته من اختالق حسن قاسم،
وعليه ال ينبغي االشتغال بما ذكره حسن قاسم من نصوص لما مضى من كونه غير
موثوق في النقل.
ثم إن حسن قاسم ادعى أن كال من ابن ُم ّيسر ( 677هـ) ،وابن ُدقماق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أخبار الزينبات (ص .)59
في مصر ( )2أخبار الزينبات (ص ،)60وقد تبعه أحمد أبو كف في كتابه أهل بيت النبي
(ص 56ــ )58فكرر كالمه غير أنه لم ينسبه إلى حسن قاسم!.
( )3المزارات اإلسالمية (.)118/7
699
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
700
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
فضال عن أن المأمون البطائحي لم يكن وزيرا للمستنصر قط ،كيف وهو متأخر
عنه ،وإنما كان وزيرا عند اآلمر بأحكام اهلل المتوفى سنة ( 524هـ) كما ذكره
الذهبي( ،)1فما ذكره حسن قاسم في >أخبار الزينبات< تخليط محض.
ثم إن حسن قاسم لم يكن دقيقا فيما نسبه إلى كتاب االنتصار البن دقماق،
فلم ترد عبارة >المشهد الزينبي< في كتاب االنتصار ،وإنما الذي فيه> :أولها
مشهد السيدة زينب وآخرها مشهد السيدة أم كلثوم<.
وأما >تاريخ ابن ميسر< فوقفت على >المنتقى< منه للمقريزي ،وقد ذكر
عين كالم ابن دقماق فال عبرة بكالمه( ،)2والذي يدل على أن هذا الكالم ال
يمكن أن ينصرف إلى زينب الكبرى ،أن المقريزي الذي إليه المنتهى في الكتابة
يفهم
عن خطط مصر ومشاهدها ،قد وقف على كالم ابن دقماق وابن ميسر ،ولم ْ
منه أن المراد منه هو زينب الكبرى ،ولذا لم يذكر أي شيء عن مشهد زينب
الكبرى في خططه.
ثم نسب حسن قاسم في كتابه >المزارات اإلسالمية< إلى عدة من
المؤرخين أنهم ذكروا تواريخ عمارة مشهد زينب الكبرى في مصر منذ العصر
الفاطمي( ،)3وبعض هذه اإلحاالت من تأليف حسن قاسم كما هو الشأن بالنسبة
للنصوص التي نسبها إلى الكوهيني في رحلته والسخاوي في أوقافه كما مضى
التنبيه عليه ،وقد علق محققو كتاب >المزارات< على ادعاء حسن قاسم وقوع
عمارة مشهد زينب في العصر الفاطمي فقالوا> :لم يرد بغالب المصادر التاريخية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاريخ اإلسالم (.)422/11
( )2انظر المنتقى من أخبار مصر (ص .)91
( )3المزارات اإلسالمية ( 118/7ــ .)126
701
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
إجراء عمارة للمشهد الزينبي في العصر الفاطمي<( ،)1وعندما ادعى حسن قاسم
أن المقريزي أشار إلى عمارة المأمون البطائحي لقبر زينب نقال عن القاضي ابن
عبد الظاهر ،تعقبه محققو كتابه فقالوا> :في ذكر المشاهد الشريفة لم يذكر ابن
عبد الظاهر سوى أربعة مشاهد تفصيال ...،وهذه المشاهد هي :مشهد اإلمام
الحسين ،مشهد السيدة رقية ،مشهد السيدة سكينة بنت الحسين ،مشهد اإلمام
زين العابدين علي بن الحسين<( ،)2وباختصار فإن كل النصوص التي ادعى حسن
قاسم أنها تثبت وقوع عمارة قبر زينب الكبرى في مصر قبل القرن العاشر هي نصوص
ملفقة.
ب ــ التنبيه على عدم صحة ذكر قبر زينب بنت علي في رحلة خالد
ابن عيسى البلوي
جاء في مطبوعة كتاب رحلة البلوي (كان حيا سنة 771هـ)( )3المسماة
كر قبر زينب بنت علي في مصر، ِ
>تاج المفرق في تحلية علماء المشرق< ،ذ ُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المزارات اإلسالمية ( )118/7الهامش رقم .2
( )2المزارات اإلسالمية ( )123/7الهامش رقم .3
( )3ذكر األستاذ الحسن السائح في مقدمة تحقيقه لتاج المفرق للبلوي ،أن الزركلي نص على وفاة
البلوي سنة 765هـ ثم تعقبه بأن البلوي قد ذكر أنه انتهى من كتابة رحلته سنة 768هـ ،ثم قال:
>على أنه من المحقق أنه توفي قبل سنة 680هـ ألن ابن الخطيب ذكره في الريحانة التي ألفت
سنة 680وترحم عليه< ،تاج المفرق ( ،)26/1قلت :لعل األستاذ حسن السائح يقصد سنة
780هـ وليس ،!680غير أن ما ذكره من كون ابن الخطيب ألف الريحانة في سنة 780هـ غريب
أيضا ،ألن ابن الخطيب قتل سنة 776هـ ،وقصة مقتله مبسوطة في تاريخ ابن خلدون (،)453/7
وعلى أي حال فاألقرب أن وفاته كانت بعد سنة 771هـ ألن هذا تاريخ فراغه من اإلبرازة األخيرة
من كتاب تاج المشرق ،ويمكن أن يقال إنه بقي حيا إلى سنة 776هـ إذا صح ما ذكره األستاذ
حسن السائح عن النسخة الزيدانية من تاج المفرق التي ُذكر فيها أن البلوي فرغ من رحلته سنة
776هـ والعلم هلل.
702
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
وما وقع في المطبوع هو من عمل المحقق واجتهاده ،فقد ذكر البلوي أنه زار قبر
رقية بنت علي بن أبي طالب بداخل القاهرة ،فقال> :وشاهدت بداخل القاهرة
أيضا المسجد المعظم ،حيث مشهد السيدة رقية ،وهو على هيئة هذا المتقدم
الذكر ونوعه ،وعلى بابه مكتوب> :هذا مشهد السيدة رقية ابنة اإلمام أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ،<غير أن محقق الكتاب األستاذ الحسن السائح
استبدل اسم >رقية< في المتن باسم >زينب< ثم قال في الهامش> :في بعض
النسخ مشهد السيدة رقية وهو خطأ<( ،)1فأوهم بذلك أن قبر زينب بنت علي كان
موجودا في مصر بالقرن الثامن! ،والتحقيق أن هذا غير صحيح قطعا ولم يصب
المحقق فيما صنعه ألمرين:
األول :يظهر لي أن تبديل المحقق اسم رقية إلى زينب هو اجتهاد منه،
وأستبعد أن يكون قد وقع هذا في النسخ الخطية لرحلة البلوي ،ألن اسم رقية مذكور
في موضعين متقاربين ،فكيف يتصور أن يقع التحريف فيهما مرتين مع اختالف
طريقة رسم رقية وزينب ،واستبعاد أن يختلط األمر على أحد النساخ في موضعين.
وللتأكد من ذلك قمت بمراجعة ثالث نسخ خطية موثوقة لكتاب تاج
المفرق ،وكلها ترجع إلى نسخة منسوخة عن أصل بخط المؤلف ،فوجدتها متفقة
على إثبات نسبة هذا المشهد لرقية بنت علي ،فهذا هو المثبت في نسخة مكتبة
المسجد النبوي بالمدينة وهذه صورتها(:)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1تاج المفرق ( ،)222/1الهامش .89
( )2هذه النسخة محفوظة في مكتبة المسجد النبوي بالمدينة ،ورقمها ( ،)32 .900ومنسوخة بتاريخ
1165هـ[ ،ق /34ب].
703
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
()2
وهذا هو المثبت أيضا في نسخة جامعة اإلمام وهذه صورتها
فتحققت بذلك أن ما نسبه المحقق إلى بعض النسخ وهم منه ،وعلى فرض
وقوع ذلك في إحدى النسخ فهو خطأ قطعا ،ألن النسخ الموثوقة المنقولة عن
خط المؤلف أثبتت اسم رقية(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1نسخة المكتبة الوطنية بباريس المحفوظة برقم ( ،)arabe 2286ومنسوخة بتاريخ 1245هـ،
[ق/36ب].
( )2نسخة جامعة اإلمام المحفوظة برقم ( ،)7614ومنسوخة بتاريخ 1366هـ( ،ص ،)71وقد وقع
سقط في النص النتقال نظر الناسخ.
( )3هذه النسخ الثالث التي أرفقت صورها ترجع إلى نسخة منقولة عن خط المؤلف ،فنسخة المسجد=
704
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
الثاني :الصحيح أن هذا المشهد هو المنسوب إلى رقية قطعا ألن موضعه
قريب من المشهد المنسوب لنفيسة ،وهذا يطابق ما ذكره البلوي ،وهذا المشهد
المنسوب إلى رقية ال زال موجودا إلى اآلن في القاهرة قريبا من مسجد نفيسة(،)1
وانتسابه إلى رقية قديم ،فقد ذكره ابن عبد الظاهر ( 699هـ) ،في >الروضة البهية
الزاهرة< فقال> :سمعت أهل الحديث يقولون إن رقية المذكورة ليست مدفونة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= النبوي منسوخة عن نسخة ذكر ناسخها أنه انتسخها من أصل بخط المؤلف [ق/131أ] ،وجاء
فيها> :وهذه النسخة هي آخر نسخة كتبتها من آخر مبيضة أنشأتها وهذه هي التي اعتمدتها ونقحتها
وصححتها وأرتضيها فكملت برشانة المحروسة في آخر يوم من جمادى األولى وبموافقة أول يوم
من يناير من عام إحدى وسبعين وسبعمائة< وهذا نفس ما ذكره ناسخ النسخة الباريسية في آخرها
[ق/113ب] غير أنه تردد في كون النسخة المنتسخ منها نقلت عن خط المؤلف ،وهذا ما ورد
أيضا في آخر نسخة جامعة اإلمام محمد بن سعود (ص ،)279قلت :وبذلك تكون هذه النسخ
أفضل من النسخة الفاسية المحفوظة بالقيراون ،وهي أهم نسخة اعتمد عليها المحقق الحسن
السائح في نشرته ،فقد كتبها حفيد المؤلف ،وانتسخها من نسخة بخط جده ،وقد انتهى منها
المؤلف سنة 767هـ ،وهذه النسخ الثالث التي رجعت إليها متأخرة عنها ،ولم يعتمدها المحقق
األستاذ الحسن السائح في طبعته ألنه لم يقف عليها ،واكتفى باإلشارة إلى النسخة الباريسية في
مقدمة التحقيق ( ،)12 /1ويظهر من خالل ما جاء في أواخر عدة من النسخ الخطية ،أن البلوي
كان يعدل في كتابه أكثر من مرة ،فقد ذكر المحقق الحسن السايح في مقدمة تحقيقه لرحلة البلوي
( )12/1أن هناك نسخة ثالثة محفوظة بالمكتبة الزيدانية بمكناس منقولة عن نسخة بخط المؤلف،
وذكر الناسخ أن المؤلف انتهى منها سنة 776هـ ،فإن لم يكن هذا تصحيفا في التاريخ أو خطأ
من الناسخ فيبدو أن هذه النسخة هي آخر اإلبرازات التي كتبها البلوي ،غير أن المحقق لم يعتمد
أحلت عليها أفضل من النسخ التي اعتمدها محقق ُ عليها في نشرته ،والمقصود أن النسخ التي
النشرة المطبوعة ،فإن تقرر ذلك فعلى تقدير وجود كلمة زينب في إحدى النسخ التي رجع إليها
فهذا ليس إال تصحيفا من أحد النساخ ،وما في النسخ الخطية األوثق ينافيه ،فال ينبغي االعتماد
عليه.
( )1انظر :مساجد القاهرة ومدارسها ــ العصر الفاطمي ( ،)103/1مساجد مصر وأولياؤها الصالحون
( ،)126/2المزارات اإلسالمية واآلثار العربية (.)26/7
705
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
بمصر< ،ثم ذكر قصصا أخرى يظهر منها ميله إلى أن رقية بنت علي هي المدفونة
هناك(.)1
وبذلك يتضح أن الصحيح هو أن البلوي إنما ذكر مشهد رقية ،وأما زينب
فلم يذكرها البلوي قطعا.
ج ــ التنبيه على ما ورد في إحدى نسخ كتاب مصباح الدياجي البن الناسخ
ورد ذكر قبر زينب في قناطر السباع في إحدى النسخ الخطية لكتاب
>مصباح الدياجي وغوث الراجي< المنسوب لمجد الدين بن عين الفضالء
اختلف فيالمشهور بابن الناسخ ،ولم أقف على ترجمة للمؤلف لحد اآلن ،وقد ُ
العصر الذي عاش فيه المؤلف اختالفا فاحشا ،فحسن قاسم يصرح بأن المؤلف
ذكر في >المصباح< المزارات المصرية إلى القرن التاسع الهجري( ،)2وتابعه َ
()3
السابقي فذكر أن المؤلف توفي قرب سنة 800هـ ،وأما الدكتور فتحي حافظ
حديدي فصرح بأن المؤلف> :عاش في عصر السلطان المنصور قالوون في عصر
دولة المماليك البحرية في أواخر القرن السابع الهجري<( ،)4وقريب منه قول
الدكتور أيمن فؤاد سيد حين قرر أن صاحب >مصباح الدياجي< توفي بعد سنة
696هـ ،وذكر أن ابن الناسخ ألّف كتابه للوزير تاج الدين ابن حنا( ،)5وهذا الوزير
توفي سنة 707هـ( ،)6وهذا ما ذهب إليه الدكتور أحمد جمعة عبد الحميد أيضا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية القاهرة (ص .)93 ()1
تحفة األحباب (ص 9الهامش .)1 ()2
مرقد العقيلة زينب (ص .)46 ()3
دراسات في التطور العمراني للقاهرة (ص 195ــ .)196 ()4
مسودة كتاب المواعظ واالعتبار للمقريزي (ص .)33 ( )5
الدرر الكامنة (.)469/5 ()6
706
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
حيث جاء على غالف طبعته لكتاب >مصباح الدياجي<> :توفي بعد 696هـ<(،)1
ويبدو أنه تابع الدكتور أيمن فواد سيد فيما ذكره ،ومقتضى ذلك أنه عاش في
القرن السابع ،غير أن هذا التاريخ يرد عليه إشكال آخر ،فقد ذكر الدكتور أيمن
فؤاد سيد أن ابن الناسخ اعتمد على السخاوي ،والمقصود به نور الدين علي بن
أحمد السخاوي الحنفي صاحب >تحفة األحباب< ،ويرى الدكتور أيمن أن
السخاوي عاش في القرن العاشر( ،)2وهذا يقتضي أن ابن الناسخ عاش في القرن
العاشر أيضا على أقل تقدير وهذا يناقض ما قرره من كونه توفي بعد سنة 696هـ!.
وهذا االختالف الفاحش في تعيين تاريخ وفاة ابن الناسخ سببه عدم وجود
ترجمة له ،ولذا قال الدكتور أيمن فؤاد سيد في مقدمته لتحقيق >مسودة كتاب
المواعظ واالعتبار<> :ال تذكر كتب التراجم والطبقات أي شيء عنه<( ،)3ولذلك
حاول كل من سبق ذكرهم أن يستند إلى قرائن من كتابه لتحديد عصره ،وإذا صح
ما ذكره الدكتور أيمن من كون صاحب المصباح نقل عن السخاوي ،فينبغي أن
يكون عاش في القرن العاشر وما بعده ،وأما ما ذكره من أنه ألّف الكتاب للوزير
تاج الدين ابن حنا فما أدري ما مستنده ،والذي يظهر لي أن الدكتور أيمن فؤاد
اعتمد على ما ورد في أول المخطوط حيث قال المؤلف> :وقد سميته مصباح
الدياجي وغوث الراجي وكهف الالجي برسم الجناب الجليل التاجي<( ،)4فيبدو
أن الدكتور أيمن احتمل أن يكون المراد بقول ابن الناسخ> :جناب الجليل التاجي<
الوزير تاج الدين ابن حنا ،ويبدو أن هذا االحتمال ضعيف ،ولعل األقرب أن يكون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقفت على بيانات الكتاب وصورة من غالفه فقط. ()1
مسودة كتاب المواعظ واالعتبار للمقريزي (ص .)34 ()2
مسودة كتاب المواعظ واالعتبار للمقريزي (ص .)33 ()3
مخطوط مصباح الدياجي نسخة تشستربيتي [ق /4ب]. ()4
707
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ابن الناسخ من أهل القرن العاشر ،والقرينة على ذلك ذكره قبر زينب في قناطر
السباع ،فعلى تقدير أن يكون مراده زينب الكبرى فالمناسب أن يكون قد عاش
في القرن العاشر ،ألن نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى لم تكن معروفة قبل هذا
التاريخ ،وأما لو قلنا إن مراده ليس زينب الكبرى كما سيأتي ،فنقلُه عن السخاوي
على ما ذكره الدكتور أيمن يقتضي أيضا أنه عاش في القرن العاشر ،واهلل أعلم.
وقد ورد ذكر قبر زينب في قناطر السباع في إحدى نسخ مصباح الدياجي،
حيث جاء فيها> :وذكر أهل التاريخ قبور الرؤيا من النساء مثل زينب الذي بقناطر
السباع ،وزينب الذي بباب النصر<( ،)1وقد أشار محمد حسنين السابقي إلى هذا
النص في كتابه >مرقد العقيلة زينب<( ،)2وذكره الدكتور فتحي حافظ حديدي في
كتابه >دراسات في التطور العمراني للقاهرة<( )3ليبين أن مستند هذا القبر
المنسوب لزينب الكبرى هو الرؤيا ،وقد اعتبر السابقي أن هذا النص ال حجة فيه
ألن صاحب مصباح الدياجي >لم يصرح بأن المدفونة هنا بنت لإلمام علي
المسماة بزينب الكبرى ،ألن اسم «زينب< فقط ال يقتضي أنها العقيلة
الكبرى<( ،)4ولو قدرنا أن مؤلف مصباح الدياجي لم يدرك القرن العاشر الذي
هو مبتدأ نسبة قبر قناطر السباع إلى زينب الكبرى ،فما ذكره من كون هذا القبر
منسوبا إلى زينب ال حجة فيه ،وال داللة فيه على أنه كان يُنسب لزينب الكبرى،
ألنه لم يصرح بذلك ،وال َّبين نسبها ،هذا من جهة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا ما جاء في الورقة ما قبل األخيرة من نسخة المكتبة التيمورية المحفوظة بدار الكتب المصرية ()1
برقم ( 78بلدان تيمور) [ق .]304
مرقد العقيلة زينب (ص .)46 ()2
دراسات في التطور العمراني للقاهرة (ص 195ــ .)196 ()3
مرقد العقيلة زينب (ص .)46 ()4
708
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
ومن جهة ثانية فإن هذا النص ليس موجودا في نسخة ثانية لكتاب مصباح
الدياجي محفوظة بمكتبة تشستربيتي( ،)1وآخرها يختلف عن النسخة التيمورية،
بل إن الذي ظهر لي من مقارنة سريعة بينهما وجود اختالف كبير بين النسختين،
وربما يكون هذا لنقص نسخة تشستربيتي.
وهناك نسخة ثالثة محفوظة في مكتبة برنستون ،ولم أتمكن من الحصول
على مصورتها(.)2
وقد طُبع مصباح الدياجي مؤخرا في المعهد العلمي الفرنسي لآلثار الشرقية
ولم يتسن لي الوقوف على هذه الطبعة أثناء تحرير هذا البحث ،وعلى كل حال
فما ورد في كتاب مصباح الدياجي ال ينقض ما ذكرته من أن قبر قناطر السباع
المنسوب لزينب ظهر في القرن العاشر.
709
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
رئيس مجلس إدارة المسجد الزينبي( ،)1وعائشة بنت الشاطئ( ،)2ومحمد زكي
إبراهيم( ،)3والدكتورة سعاد ماهر( ،)4ومحمد رضا كحالة( ،)5وغيرهم.
واغتر بكالم حسن قاسم جماعة من اإلمامية على رأسهم المرجع الديني
اإلمامي محمد حسين المرعشي النجفي فقال عن كتاب >أخبار الزينبات<> :وال
فانحل به من ُع َقد معاضل التاريخ
َّ عما فيه مع صغر حجمه،
تسأل أيها القارئ الكريم ّ
التي ال تنحل بالرجوع إلى غيره ،كتعيين مدفن سيدتنا زينب بمصر ،وكتعيين وفاتها
ورحلتها في منتصف رجب سنة 62أو سنة 63وغيرها من الفوائد<(.)6
وتبعه جماعة ،كجعفر النقدي( ،)7ومحمد علي القاضي الطباطبائي في أحد
قوليه( ،)8ومحمد كاظم القزويني( ،)9ومحمد مهدي شمس الدين( ،)10والمرجع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1ابنة الزهراء بطلة الفداء (ص .)241
( )2تراجم سيدات بيت النبوة (ص 784ــ .)787
( )3مراقد أهل البيت في القاهرة (ص .)70
( )4مساجد مصر وأولياؤها الصالحون (.)96/1
( )5أعالم النساء في عالمي العرب واإلسالم (.)99/2
( )6مقدمة أخبار الزينبات طبعة قم (ص .)30
( )7زينب الكبرى (ص 120ــ .)123
( )8رجوع الركب بعد الكرب تحقيق حول األربعين (ص ،)68فقد اعتمد على كتاب أخبار الزينبات
وانتصر لصحة نسبته إلى العبيدلي ومال إلى دفن زينب الكبرى في مصر ،ولكنه في تعليقه على
كتاب الفردوس األعلى لكاشف الغطاء مال إلى عدم صحة دفن زينب الكبرى في مصر ،ولم
يعتمد على ما جاء في أخبار الزينبات ووصف هذه الرسالة بأنها منسوبة إلى العبيدلي ،واستبعد صحة
ما ذكره في تاريخ وفاتها ومدفنها بمصر ،انظر الفردوس األعلى (ص )61الهامش ،فيحتمل أن
الطباطبائي عدل عما ذكره في كتاب الفردوس األعلى ألن كتاب تحقيق حول األربعين الذي طبع سنة
1398هـ ،كما في (ص )815من الطبعة الفارسية ،متأخر عن تعليقاته على كتاب الفردوس
األعلى الذي طبع سنة 1372هـ.
( )9زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص .)610
( )10واقعة كربالء في الوجدان الشعبي (ص .)265
710
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
محمد تقي بهجت( ،)1ومحمد حسين الجاللي( ،)2فضال عمن أعاد طباعة الكتاب
وحققه بعد حسن قاسم ،كمحمد جواد نجل المرجع محمد حسين المرعشي،
وهادي خسروشاهي.
كما يظهر من هبة الدين الشهرستاني ( 1386هـ) الميل إلى هذا القول،
ثم
قول صاحب الخيرات الحسان الذي ّقرر أن زينب مدفونة في دمشق ّ فقد نقل َ
عقب عليه قائال> :وقال جماعة :إ ّن هذا لزينب الصغرى ،كما هو مرسوم على
ودفنت في قناطر السباع حيث المزار
صخرة القبر ،وإن الكبرى توفيت بمصرُ ،
المشهور بالقاهرة<(.)3
وقد صار هذا القول هو أشهر األقوال في مصر اليوم! وسيأتي نقده بتفصيل.
ــ القول الثاني :أنها زينب بنت علي ،من غير فاطمة
وهو أحد االحتماالت التي ذكرها ذبيح اهلل المحالتي من اإلمامية وقرر أنها
زينب الوسطى( ،)4وهو الذي قرره المرجع محمد الشيرازي( ،)5وأخوه المرجع
صادق الشيرازي( ،)6وهو قول ضعيف ال دليل عليه ،وليس منشأه إال محاولة
التوفيق بين األقوال المختلفة في تعيين موضع وفاة زينب الكبرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرحمة الواسعة (ص .)205 ()1
مزارات أهل البيت (ص .)258 ()2
نهضة الحسين (ص )114الهامش. ()3
رياحين الشريعة (فارسي) (.)36/3 ()4
الدعاء والزيارة (ص .)870 ( )5
أحكام العتبات (ص 177ــ .)178 ()6
711
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
712
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
في القاهرة( ،)1فال أدري كيف خفي على القائلين بهذا القول بعد الشقة بين
الموضعين(.!)2
ــ القول الرابع :أنها زينب من نسل علي بن الحسين زين العابدين ،وأول
من وقفت عليه يذهب إليه هو الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية
في جواب له عن سؤال عن تعيين السيدة زينب المدفونة في مسجد السيدة زينب
ثم قال> :وحينئذ
بالقاهرة ،فأجاب جوابا طويال نفى فيه أن تكون زينب الكبرى ّ
ال مانع أن يقال إن الموجود في المسجد الزينبي المشهور هو زينب بنت يحيى
ابن زيد بن علي زين العابدين<(.)3
وهو أحد قولي المؤرخ اإلمامي محسن األمين( ،)4وهو قول ضعيف أيضا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر في الكالم عنه :المزارات اإلسالمية لحسن قاسم ( ،)18/7مقالة >مراقد أهل البيت في ()1
مدينة القاهرة< للدكتور عبد العظيم أحمد ،منشورة ضمن مقاالت المؤتمر السنوي الثاني عشر
لقسم الجغرافيا بكلية اآلداب التابعة لجامعة اإلسكندرية (ص ،)347ومراقد أهل البيت في
القاهرة (ص.)83
ومما ينبغي التنبيه عليه أن السابقي نسب إلى الشيخ المطيعي أنه قائل بأن المدفونة في قناطر السباع ()2
هي زينب بنت المتوج ،فقال في مرقد العقيلة زينب (ص > :)68قال شيخ األزهر محمد بخيت
المطيعي :إن المدفونة بالمشهد الزينبي في مصر هي زينب بنت يحيى< ،ونسب إلى الشيخ محمد
المطيعي أنه قال >إن المدفونة في المشهد المنسوب إلى زينب بنت علي في مصر هي زينب بنت
يحيي بن زيد بن حسن األنور< ،مرقد العقيلة زينب (ص )73وهذه النسبة خاطئة ،وال أدري
ممن الخطأ هل من السابقي نفسه أم من مترجم فتوى الشيخ محمد المطيعي ،إذ أن السابقي صرح
(ص )73بأنه لم يقف على أصل مقالة الشيخ المطيعي وإنما وجدها مترجمة إلى اللغة الفارسية،
فاهلل أعلم.
مجلة اإلسالم السنة األولى عدد 5شعبان 1351هـ ،ونشر أيضا بمجلة الفتح العدد 10 ،322 ()3
شعبان 1351هـ( ،ص ،)341وانظر :محمد بخيت المطيعي شيخ اإلسالم والمفتي العالمي
(ص 82ــ .)83
رحالت محسن األمين (ص .)25 ()4
713
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
لم تقم عليه حجة ،فضال عن أنه مدفوع ألن يحيى بن زيد الذي تنسب له زينب
هذه توفي وعمره صغير بخراسان( ،)1قال النسابة اإلمامي أبو نصر البخاري> :قتل
يحيى وله ثماني عشرة سنة ال عقب له ،كانت له بنت ترضع ...من ينتسب إلى
يحيى بن زيد فهو دع ٌّي فإنما النسب الصحيح ليحيى بن الحسين بن زيد ،وغلط
من قال أنا من أوالد يحيى بن زيد<( ،)2ولم أقف على أحد من النسابين ذكر بنتا
ليحيى اسمها زينب ،وحتى لو كانت له بنت فمن أين لها أن تدخل مصر؟.
ــ القول الخامس :أنها زينب بنت الحسين ،قاله الكاتب المصري محمد
فريد وجدي ( 1373هـ)( ،)3وهو توهم محض ،فليس في بنات الحسين من اسمها
زينب ،فضال عن أني لم أجد من قال بهذه المقالة سوى محمد فريد وجدي.
ــ القول السادس :أنها زينب بنت أحمد من ساللة محمد بن علي بن أبي
طالب المشهور بابن الحنفية ،مال إلى ذلك عباس قلي خان في >الطراز
المذهب<( ،)4وتبعه على ذلك المؤرخ اإلمامي عبد الرزاق كمونة في >مشاهد
العترة الطاهرة<( ،)5وهو قول متعقب ،فإن قبر زينب هذه كان وال زال بمكان
يسمى قديما باب النصر ،وهو غير القبر المنسوب لزينب الكبرى في قناطر السباع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطبقات البن سعد ( ،)325/5تاريخ دمشق البن عساكر ( ،)224/64تاريخ اإلسالم للذهبي ()1
(.)558/3
سر السلسلة العلوية (ص )73وتابعه على ذلك جماعة من نسابي اإلمامية :راجع :لباب األنساب ()2
( ،)441/1عمدة الطالب (ص .)260
دائرة معارف القرن العشرين ( 798/4ــ ،)799ونقله عنه السابقي في مرقد العقيلة زينب ()3
(ص .)77
الطراز المذهب بالفارسية (ص ،)564وانظر :مشاهد العترة الطاهرة لعبد الرزاق كمونة ()4
(ص ،)241فقد نقل عنه ذلك أيضا.
مشاهد العترة (ص .)241 ( )5
714
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
وقد ذكر المقريزي ( 845هـ) زينب هذه في خططه ،وذكر أن العامة تسمي
قبرها> :مشهد الست زينب<( ،)1وذكره ابن حجر العسقالني ( 852هـ)(،)2
وذكره شمس الدين السخاوي ( 902هـ) عدة مرات في ثنايا كتابه الضوء الالمع
وكان يسميه >مشهد الست زينب خارج باب النصر<( ،)3كما أ َّن أبا الحسن
السخاوي (عاش في القرن التاسع) ،قد ذكر هذا القبر في كتابه >تحفة األحباب<
ضمن قبور باب النصر( )4وأنكر صحته فقال> :قبر الشريفة زينب بنت أحمد بن
عبد اهلل بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب وهو محمد ابن الحنفية
وهذا غير صحيح ألنه لم يعلم دخولها إلى مصر<(.)5
وقد تعقَّب الشيخ اإلمامي محمد حسين الجاللي كالم عبد الرزاق كمونة،
فنقل كالم حسن قاسم في وجود هذا القبر في باب النصر(.)6
وهذا المرقد ال زال موجودا إلى اليوم( ،)7وقد مضى أ َّن زينب هذه التي
ينسب إليها هذا القبر ال وجود لها ألن النسابين قد نصوا على أن محمد بن عبد اهلل
ابن جعفر الجد المزعوم لزينب هذه ال عقب له(.)8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار (.)360/4 ()1
المجمع المؤسس للمعجم المفهرس (.)300/1 ()2
الضوء الالمع ( )245/1و( ،)279/1و( ،)294/4و( ،)87/5و( ،)191/6و(.)45/11 ()3
وبداية كالمه عن قبور مقبرة باب النصر يقع في تحفة األحباب ــ طبعة مطبعة الكليات األزهرية ــ ()4
(ص .)42
تحفة األحباب ــ طبعة مطبعة الكليات األزهرية ــ (ص.)47 ( )5
مزارات أهل البيت (ص .)263 ()6
ذكره حسن قاسم في كتابه المزارات اإلسالمية (.)165/7 ()7
انظر (ص 108ــ .)109 ()8
715
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
وبما أ َّن القول األشهر اليوم هو أ َّن دفينة قناطر السباع هي زينب الكبرى
،أفردت هذا القول بالرد ،وأما بقية األقوال فال حاجة للتعرض لنقضها
النقراضها واندراسها ،واهلل المستعان.
()1
3ــ أدلة بطالن المشهد المنسوب لزينب الكبرى في قناطر السباع
إ َّن أدلة بطالن نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى عديدة وكثيرة ،ولو اقتصرنا
على أن هذا القول لم يكن له وجود قبل المائة العاشرة من الهجرة لكفى ،لكن
ال بد من تفصيل األدلة على براءة زينب الكبرى لكون كثير من الناس اليوم قد
خفي عليهم أمره ،وإليك البيان:
716
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
ويؤيده أيضا أن جملة من مؤرخي مصر اعتنوا بذكر الصحابة الذين دخلوا مصر،
ولم يذكروا فيهم زينب ،منهم :محمد بن الربيع صاحب اإلمام الشافعي،
وابن عبد الحكم وابن يونس وابن سعد ،وإن لم يستوعبوا( ،)1وقد أفرد السيوطي
كتابا عن الصحابة الذين دخلوا مصر سماه> :در السحابة فيمن دخل مصر من
الصحابة< ،اعتمد فيه على مؤلفات من سبق ذكرهم واستدرك عليهم ومع ذلك لم
يذكر زينب ضمنهم ،ويتأكد هذا إذا علمنا أن السيوطي أفرد جزءا في الترجمة لذرية
زينب ،سماه> :العجاجة الزرنبية في الساللة الزينبية< وتكلم فيه عن زينب ولم
يذكر وفاتها بمصر وال قبرها ،فلو كان عنده خبر أنها دفنت بمصر ألتى به.
فإن قيل :لعل زينب دخلت مصر ،ولكن ذلك لم يشتهر.
إلى فالجواب :إ َّن احتمال دخول زينب الكبرى وهي حفيدة النبي
مصر وال يشتهر ذلك وال يعلم به أحد إلى المائة العاشرة ،هو أمر مستبعد ،فما
ذكره أحمد بن خالد الناصري كالم سديد.
ب ــ نص مؤرخي مصر على عدم وفاة أي ولد لصلب علي في مصر
السلفي أنه قال عن علي > :لم يمت له ولد
نقل ابن الزيات عن الحافظ ِّ
بمصر من صلبه<(.)2
ونقل أيضا عن ابن زوالق أن أول من دخل مصر من ولد علي :سكينة
بنت الحسين .)3(
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة للسيوطي (ص .)23
( )2الكواكب السيارة (ص.)242
( )3الكواكب السيارة (ص ،)30والصحيح أن سكينة بن الحسين إنما توفيت بالمدينة ،راجع :الطبقات
البن سعد ( ،)346 /8الثقات البن حبان ( ،)217 /2تاريخ اإلسالم للذهبي (.)241 /2
717
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
وقال نور الدين السخاوي> :المنقول عن السلف أنه لم يمت أحد من أوالد
اإلمام علي لصلبه بمصر<( ،)1وقال عن سكينة بنت علي بن الحسين> :قيل :إنها
أول علوية( )2قدمت إلى مصر<(.)3
ونبه على ذلك علي مبارك باشا في الخطط التوفيقية أثناء كالمه عن المشهد
المنسوب لزينب الكبرى في قناطر السباع(.)4
وهذا نص صريح في امتناع كون دفينة قناطر السباع بنتا لعلي ،فضال
عن أن تكون زينب الكبرى.
ج ــ خلو كتب التاريخ والخطط والفضائل المختصة بمصر من ذكر قبر
()5
زينب الكبرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحفة األحباب ــ طبعة مكتبة الكليات األزهرية ــ (ص .)373 ()1
وهذا معارض لما مضى ن ْقلُه عن ابن زوالق من أن أول من دخل مصر من ولد علي :سكينة بنت ()2
الحسين ،فأصل هذا النص في كتاب الكواكب السيارة البن الزيات ،ويظهر أن السخاوي إنما أراد
اإلشارة إلى كالم ابن الزيات ،ألن السخاوي كما مضى إنما اعتمد على كتاب ابن الزيات ،فيحتمل
أن الخلل وقع في بعض النسخ الخطية لكتاب الكواكب السيارة ،وأن السخاوي كان ينقل من نسخة
صحيحة ،أو أن يكون السخاوي هو من غير اسم سكينة بنت الحسين إلى سكينة بنت علي بن الحسين.
تحفة األحباب ــ طبعة مكتبة الكليات األزهرية ــ (ص ،)94وانظر مرقد العقيلة زينب للسابقي ()3
(ص ،)39وقد عد ابن سعد أبناء علي بن الحسين فلم يذكر منهم سكينة ،انظر الطبقات ــ طبعة
الخانجي ( ،)209/7وقد ذكرها النسابة اإلمامي أبو الحسن العمري في أوالد علي بن الحسين
في المجدي (ص .)283
الخطط التوفيقية ( )10/5ونقله عن السخاوي في مزاراته ،ويقصد به كتاب تحفة األحباب ،وانظر ()4
مرقد العقيلة زينب (ص .)39
إن االستدالل بكتب الخطط والفضائل وكذا ما سيأتي من االستدالل بكتب الزيارات ال يعني إقرار ما ()5
ورد في هذه الكتب من تعيين مواضع وفيات جماعة من الصحابة وآل البيت ،وإنما يستدل بها لبيان
حدوث القبر المنسوب إلى زينب في مصر بعد زمن هؤالء المصنفين ،وقد مضى الكالم بتفصيل
عن نقد ما ورد في كتب الزيارات الشامية ،وما ذكرته هناك ينطبق على كتب الزيارات والخطط=
718
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
719
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ذكر القبور الموجودة في قناطر السباع ولم يذكر ضمنها قبر زينب ،وهذا ما جعل
حسن قاسم يعترض عليه ،أل ّن ما صنعه قد استدل به من قال بعدم صحة نسبة
هذا القبر إلى زينب ،فقال> :والسخاوي حينما وصل إلى هذه المنطقة >قناطر
السباع< كان ينبغي له أن يذكر المشهد الزينبي رضي اهلل تعالى عن صاحبته ،وقد
كان معروفا لديه وله الشهرة التامة ،كما بسطنا ذلك في كتابنا >تاريخ المشهد
الزينبي< ،وقد نتج عن إغفال السخاوي لذكر المشهد الزينبي هنا ،اتخاذ ذلك
حجة بعدم معرفة هذا المشهد لكثير ممن يقول بعدم وجوده<(.)1
وعدم ذكر أبي الحسن السخاوي الحنفي لهذا المشهد مع أنه أفرد فصال
لذكر مشاهد قناطر السباع ،أكبر دليل على عدم وجود قبر ينسب لزينب الكبرى
في زمنه ،وهو القرن التاسع ،حيث إنه قد فرغ من كتابه هذا سنة 889هـ(.)2
ولذا يقول الدكتور فتحي حافظ عن قبر زينب في مصر> :لم يذكر مطلقا في
المصادر التاريخية ...وال في المصادر المتخصصة في موضوع الخطط
والمزارات القاهرية ،وال في كتب الرحالة المسلمين مثل ابن جبير ومحمد
العبدري<( ، )3كما أنه أشار إلى خلو عدد من الكتب المصنفة في الزيارات
المصرية من ذكر قبر زينب الكبرى ،مثل >مرشد الزوار< و>مصباح الدياجي<
و>الكواكب السيارة< و>تحفة األحباب< و>الكوكب السيار<(.)4
وبالرغم من أن ما يذكر في هذه الكتب من قبور منسوبة للصحابة وآل البيت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحفة األحباب (ص )111الهامش .3 ()1
ذكر الزركلي أن السخاوي فرغ من كتابه تحفة األحباب سنة 889هـ ،انظر األعالم (.)285/4 ()2
مقالة >الحقيقة عن ضريح السيدة زينب ،<منشورة بجريدة األهرام ،العدد (21 ،)43864 ()3
من ذي الحجة 1427هـ ،الموافق لـ 10يناير 2007م.
دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة (ص .)194 ()4
720
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
ال حجة فيه كما مضى بيانه ،إال أن عدم ذكر قبر زينب الكبرى في هذه الكتب
دليل على أن نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى لم يكن لها وجود في زمانهم،
فهذا أقل ما يستفاد من عدم ذكرهم لذلك.
فهذه جملة من األدلة القاطعة ببطالن نسبة مشهد قناطر السباع لزينب
الكبرى( ،)1ولم يبق إال النظر فيما استدل به القائلون بدفنها في مصر.
721
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
زينب الكبرى في مصر من المتأخرين ،أل ّن هذا الكتاب قد ذكر دخول زينب
الكبرى إلى مصر بروايات مسندة ،ومؤلفه يُ َّدعى أنه من أهل القرن الثالث،
وبسبب عدم تفطن الكثير من الكتاب والباحثين إلى أمر الكتاب ،فقد راج عليهم
فصلتواغتروا به وقالوا بوفاة زينب الكبرى في مصر بناء على ما جاء فيه ،وقد ّ
وبينت أنه من اختالق حسن قاسم وسردت أدلة عديدة الكالم عن هذا الكتابّ ،
على ذلك ،ونقلت أقوال العلماء والباحثين الذين تنبهوا ألمر هذا الكتاب( ،)1وعليه
فال عبرة بما جاء فيه ،وأصدق ما في هذا الكتاب ما جاء على غالفه من أ ّنه تأليف
حسن قاسم ،وأما النَّسابة يحيى بن الحسن العقيقي فهو بريء من هذا اإلفك،
واهلل المستعان.
ب ــ الكشف(:)2
قد درج الذين أثبتوا وفاة زينب الكبرى في مصر على االستدالل بكالم
عين مواضع قبور جماعة منالشعراني المنقول عن شيخه علي الخواص ،فقد َّ
الصحابة وأهل البيت في مصر بناء على الكشف والمنام ،وجل من ذكر وجود
قبر زينب الكبرى في مصر إنما اعتمد على كالم الشعراني كما مضى ،وال عبرة
بأمثال هذه االستدالالت ،وحتى بعض الذين يرون صحة االعتماد على الكشف
أجابوا بجواب حاصله عدم التصديق بدفن زينب الكبرى في مصر(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1انظر مبحث نقد كتاب أخبار الزينبات (ص 87ــ .)171
( )2مصطلح يستعمله أهل التصوف ،والكشف :هو االطالع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية
واألمور الخفية وجودا أو شهودا ،راجع الموسوعة العقدية ،من إعداد الدرر السنية ــ نسخة
إلكترونية ــ (.)114/1
( )3انظر طلعة المشتري ألحمد بن خالد الناصري (.)26/1
722
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
ويقول الشيخ حسين الخشن ــ من علماء اإلمامية ــ> :المصدر الثالث الذي
ال يمكن التعويل عليه في بناء المقامات الدينية هو الكشف أو الشهود ...والسر
في ذلك عدم حجية الكشف في إثبات هذه األمور كما أنه ليس حجة في إثبات
المعتقدات وال األحكام الشرعية<(.)1
ونحن وإن كنا ال نقيم وزنا لنظائر هذه األمور ،لكننا سقناها فقط من باب
البيان واإلشارة ،وإال فالعمدة عندنا هو عدم االعتماد وال التصديق بهذا اللون
من االستدالالت التي يكون منشأها األحالم واألوهام ،وغيرها من األمور التي
ال يعلم صدقها من كذبها.
5ــ نصوص المحققين من أهل العلم على بطالن قبر زينب الكبرى
في مصر
أ ــ أقوال علماء أهل السنة
نص جماعة من أهل العلم على بطالن وفاة زينب الكبرى في مصر ،وأول َّ
من وقفت عليه يستبعد ذلك هو عبد الغني النابلسي ( 1143هـ) ،حيث إنه لما
زار هذا القبر في قناطر السباع استشكل دفن زينب الكبرى في مصر ،فقال> :أما
أنها ذهبت بعد قصة دخولها إلى الشام فماتت في مصر فهو احتمال بعيد ،واهلل
أعلم<(.)2
ويظهر من المؤرخ والجغرافي المصري علي باشا مبارك ( 1311هـ) أنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1في بناء المقامات الدينية (ص .)45
( )2الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بالد الشام ومصر والحجاز (ص .)215
723
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
يستبعد دفن زينب الكبرى في مصر ،إذ أنه بعد أن ذكر تاريخ عمارة القبر المنسوب
إليها في قناطر السباع ،قال مستشكال نسبة هذا القبر إليها> :لم أر في كتب
التواريخ أن السيدة زينب بنت علي جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد
الممات<( ،)1ثم نقل عن ابن جبير الرحالة ما ذكره من مشاهد العلويات في مصر
ثم قال> :ولم يذكر مشهد السيدة زينب بنت علي أخت الحسين ،وفي كتاب
المزارات للسخاوي أن المنقول عن السلف أنه لم يمت أحد من أوالد اإلمام
علي لصلبه بمصر ،انتهى ،وإنما يذكر ذلك في كتب الصوفية وسير الصالحين<،
ثم نقل كالم الصبان وحسن العدوي اللذين نقال دفن زينب في مصر عن
الشعراني( ،)2فعلي باشا مبارك وإن لم يصرح ببطالن نسبة هذا القبر إلى زينب
إال أن الظاهر من كالمه استبعاد صحة ذلك.
واستبعد المؤرخ المغربي أحمد بن خالد الناصري ( 1315هـ) دفن زينب
الكبرى في مصر ،فبعد أن نقل كالم الشعراني اآلنف ع َّقب عليه بأن قبر زينب
غير مذكور في كتاب >تحفة األحباب< فقال> :لم يعرج في هذا الكتاب على ذكر
زينب التي كالمنا فيها مع أنه موضوع لذكر مزارات مصر بالخصوص ،ولو كانت
بمصر لكانت من أولى ما يذكره< ،واعترض أيضا بخلو كتاب >در السحابة فيمن
دخل مصر من الصحابة< للسيوطي من ذكر زينب( ،)3ثم رد كالم الشعراني
المنقول عن شيخه علي الخواص قائال> :القول بأن مدفنها في مصر وإن ذكره
سيدي علي الخواص من طريق الكشف ،فهو بعيد من جهة النقل<( ،)4ثم قال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطط التوفيقية ( ،)9/5وانظر مرقد العقيلة زينب (ص .)72 ()1
الخطط التوفيقية ( /5ــ .)10 ()2
طلعة المشتري ( 24/1ــ .)25 ()3
طلعة المشتري (.)25/1 ()4
724
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
ملخصا رأيه في موضع دفنها> :ما تقتضيه األخبار أن مدفنها بالمدينة المنورة ال
بالشام وال بمصر<(.)1
وشنع البحاثة أحمد زكي باشا ( 1353هـ) الملقب بشيخ العروبة على
القائلين بدفن زينب الكبرى في القاهرة تشنيعا شديدا ،حيث قال> :الذي يشهد
به العارفون بالحق الصريح ،هو أن السيدة زينب بنت اإلمام علي وأخت اإلمام
أرض مصر بوطء قدمها المباركة مطلقا مطلقا مطلقا ،والحقُ تشرف
الحسين ،لم ُ
الذي ليس بعده إال الضالل ،أنها قضت باقي حياتها بالحجاز ،إلى أن انتقلت
إلى جوار ربها بالمدينة المنورة ،فكان دفنها بالبقيع ،هذا هو الصواب وما عداه
فإفك وبهتان ،أما المشهد القائم بالقاهرة فال يضم رفات السيدة الطاهرة التي
أنجبها اإلمام علي ،وقد يكون قائما على ضريح امرأة من الصالحات تسمى زينب
أيضا ،كما يجوز أن يكون المدفون فيه أي مخلوق من أي نوع كان ،حتى ولو
ممن عبده المصريون على عهد الفراعنة ،كل هذا جائز ،إال أن يكون ضريح
زينب بنت علي من فاطمة الزهراء<(.)2
وع َّد القول بمجيء زينب الكبرى إلى مصر أو وفاتها بالقاهرة كذبا وبهتانا
فقال> :من أكذب الكذب ،وفي منتهى اإلفك والبهتان ،أن يقول إنسان ــ يحترم
الحق ،ويحترم عقل نفسه ــ أن السيدة زينب بنت اإلمام علي ،قد اختارت اإلقامة
بديار مصر ،أو أن يزعم بأنها هي المدفونة بالقاهرة<(.)3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1طلعة المشتري (.)25/1
( )2مقال منشور بجريدة األهرام بتاريخ ( 1932/09/8م) ،ونقل أنور الجندي مقتطفات منه في كتابه
أحمد زكي الملقب بشيخ العروبة (ص 145ــ ،)146ونقله محمد عبد السمان في مقال له بمجلة
التوحيد المجلد السادس العدد ،61محرم سنة 1398هـ (ص .)19
( )3أحمد زكي الملقب بشيخ العروبة (ص 145ــ .)146
725
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ووافقه في ذلك يوسف أحمد مفتش اآلثار العربية ،فأتى بعدة >أدلة تاريخية
متعددة تؤيد القول بعدم مجيء السيدة زينب إلى مصر ،وعدم وجود قبر لها في
هذه الديار<(.)1
وقد أنكر مفتي الديار المصرية محمد بخيت المطيعي (1354هـ) أن تكون
زينب الكبرى مدفونة في مصر(.)2
وهذا ما جزم به الكاتب محمد عبد السمان ،حيث قال> :إن التاريخ الثابت
يؤكد ــ وهو مطمئن غاية االطمئنان ــ بأن السيدة زينب ،لم تطأ قدمها مصر،
بل ماتت ودفنت بالبقيع ،إال أن هذه الحقيقة المؤكدة ضائعة وسط غوغائية
السذج والبسطاء ،والعجيب أن لها قبرا في القاهرة ،ولها قبر آخر يزار في
دمشق<(.)3
وقال الكاتب المصري سعد صادق محمد> :وكذلك القبر المنسوب إلى
زينب بنت علي بالقاهرة ،فإنه كذب ال أصل له<(.)4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقل ذلك عنه أنور الجندي في كتابه أحمد زكي الملقب بشيخ العروبة (ص ،)147وأحال على ()1
جريدة األهرام 1932/09/20م.
مجلة اإلسالم السنة األولى عدد 5شعبان 1351هـ ،ونشر أيضا بمجلة الفتح العدد 10 ،322 ()2
شعبان 1351هـ( ،ص ،)340وانظر :محمد بخيت المطيعي شيخ اإلسالم والمفتي العالمي
(ص 82ــ .)83
مقالة أليس فيهم رجل رشيد ،منشورة بمجلة التوحيد التي تصدرها جماعة أنصار السنة المحمدية، ()3
المجلد السادس العدد ،61محرم سنة 1398هـ (ص .)19
صراع بين الحق والباطل (ص ،)100وقد ذكر قبل ذلك في (ص )97أن الفاطميين هم من ()4
ابتدعوا قبر زينب غير أن ذلك غير ثابت ،والصحيح أن هذا القبر حدث في المائة العاشرة بعد
زوال دولة الفاطميين بقرون.
726
املبحث الثالث :حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى يف مصر
وساق الدكتور إسماعيل المقدم هذا النص عن سعد صادق عند كالمه عن
أضرحة المنامات والمزارات المزورة(.)1
وقد ألّف الباحث المعاصر محمود المراكبي كتاب القول الصريح عن
وخصص جزءا منه لرد القول بوفاة زينب الكبرى في مصر(.)2
حقيقة الضريحَّ ،
وقد بسط الدكتور المصري فتحي حافظ حديدي الكالم عن القبر المنسوب
إلى زينب الكبرى في القاهرة في كتابه >دراسات في التطور العمراني لمدينة
القاهرة< ،مبينا تاريخ نشأته وكيفية ظهوره ،ويحسب له أنه من القالئل الذين
أفردوا موضوع هذا القبر بالدراسة التاريخية والعمرانية النقدية ،وخلص من
خاللها إلى أن ظهور نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى إنما نشأ في القرن العاشر
وقد سرد األدلة على بطالن نسبة هذا القبر إلى زينب ،وانتقد كتاب >أخبار
الزينبات< وبين أنه كتاب مفتعل ،بل إنه يرى أن المنطقة التي يُدعى أن زينب
الكبرى دفنت فيها كانت في جزء من النيل في القرون السالفة ،غير أن األدلة
التي ساقها في إثبات هذه النظرية غير كافية ،لكنه أجاد فيما ذكره في دراسته،
وقد أفدت منها في مواضع عدة من هذا البحث(.)3
ب ــ أقوال علماء اإلمامية
وقد أنكر دفن زينب الكبرى في مصر جماعة من علماء اإلمامية ،أولهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أصول بال أصول (ص .)39
( )2القول الصريح عن حقيقة الضريح ــ نسخة إلكترونية ــ (ص 98ــ ،)111وقد اعتمد في غالب ما
ذكره على السابقي.
( )3دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة (ص 192ــ ،)204وقد نشر جزءا من بحثه هذا في
جريدة األهرام المصرية العدد 43864بتاريخ 21ذي الحجة 1427هـ الموافق لـ 10يناير 2007م
بعنوان :الحقيقة عن ضريح السيدة زينب .
727
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطراز المذهب (ص )564والكتاب فارسي كما مضى ،حيث مال إلى أن دفينة مصر هي زينب ()1
من ذرية ابن الحنفية ،وقد مضت اإلشارة إلى ذلك.
أعيان الشيعة ( ،)140/7رحالت محسن األمين (ص .)25 ()2
مشاهد العترة الطاهرة (ص .)241 ()3
رياحين الشريعة (.)36/3 ()4
من وحي الثورة الحسينية (ص ،)143و(ص )147 ( )5
مرقد العقيلة زينب ( 35ــ .)120 ()6
الفردوس األعلى لكاشف الغطاء بتعليق الطباطبائي (ص )61الهامش ،وقد مضى أنه قال بدفنها ()7
في مصر في كتابه تحقيق حول األربعين.
من وحي الثورة الحسينية (ص .)137 ()8
728
يف العراق املبحث الرابع :حتقيق بطالن املقام املنسوب لزينب الكربى
ل
اميحب الرابع
ف س ميل ل ثحفت
ل ي أ
ق تطلن ا مفام ا ؤث لر نب الكبرى ي ا عراق
$
ينسب إلى زينب الكبرى مشهد في منطقة سنجار بالعراق ،وهذا
المشهد ال زال قائما وموجودا!
وقد وصفه الدكتور كامل حسن شميساني فقال> :من تلك المشاهد ،المرقد
المنسوب للسيدة زينب الكبرى بنت علي ،والذي ابتدأ أمره بمرور سبايا واقعة
الطف في هذه المنطقة<(.)1
وقد قرر الدكتور كامل حسن أن بناءه كان سنة (644هـ) ،وعند زحف
التتار واستيالئهم على سنجار سنة (660هـ) >أصابه الخراب ،لكنه ُجدد فيما
وجدد
بعد ومن قبل نائب التتر وهو من العجم يقال قوام الدين محمد اليزديُ ،
ص مكتوب على لوحة رخامية موجودة على جدار مرة أخرى كما يتضح من ن ٍ
غرفة الضريح من خارج البناء تقول« :جدد مزار الست زينب بنت علي العبد
الفقير سيدي باشا بن خداد ..ثمان عشر شهر ربيع اآلخر سنة 1105هـ<(.)2
وما ذكره ال يُعتمد عليه ،ألن ذلك غير مسنود بأي نص تاريخي ،فليس كل
ما يكتب على جدران المراقد صحيحا وثابتا!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1مقالة >مرقد السيدة زينب في سنجار شمال العراق< ،منشورة بمجلة الموسم العدد الرابع
(ص ،)924وانظر المرأة العظيمة (ص .)249
( )2المرأة العظيمة (ص )249نقال عن مقالة مرقد السيدة زينب في سنجار شمال العراق.
729
الفصل اخلامس :حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى
وقد اعترف الدكتور كامل الحسن بعدم وجود أي دليل تاريخي على صحة
هذا المرقد فقال> :المقام المنسوب لها في سنجار شمال العراق ال تسنده رواية
تاريخية فيما يتوفر من مصادر إال ما يتداول ويتوارث على ألسنة أهالي تلك
المنطقة<(.)1
سابقيه ،فلم أقف على شيء عن هذا المشهد
وبطالن هذا المشهد أظهر من ْ
في كتب التاريخ ،وكذا عند أصحاب المزارات والمصنفين في المشاهد وغيرهم
من أصحاب الرحالت ،وكل ما ينقل عن هذا المشهد ليس إال روايات شفوية ال
عبرة بها ،والمقصود أ َّن نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى مقطوع بكذبه.
وقد جعل الباحث علي أصغر قائدان ــ من اإلمامية ــ أصل نسبة هذا المشهد
إلى زينب الكبرى رواية شاذة فقال> :الموضع الذي اعتمد على الرواية الشاذة
فهو منطقة سنجار في الموصل بالعراق<(.)2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المرأة العظيمة (ص )250نقال عن مقالة مرقد السيدة زينب في سنجار شمال العراق.
( )2مرقد السيدة زينب الكبرى في مصر ،دراسة وتمحيص لآلراء التاريخية نشرت بمجلة آفاق
الحضارة اإلنسانية ،السنة الخامسة عشرة ،العدد األول ،سنة 1433هـ (ص .)121
730
مسك اخلتام
لصة وم سك ا لحثام
ا لح أ
$
يتبين مما مضى في هذا البحث ،أن زينب الكبرى ،البضعة العلوية
الطاهرة ،هي من الشخصيات التاريخية التي نال سيرتها كثير من التزوير والتلفيق،
بدءا بإقحامها في أحداث مسير الحسين إلى كربالء مع أنها بريئة منها براءة
الذئب من دم يوسف ،وانتهاء بتزوير سيرتها واختراع عشرات األكاذيب
واألخلوقات عن سيرتها ،حتى إنك لتجزم أن شخصية زينب التي ترسخت في
عقول كثير من الناس اليوم ،ليست إال نتاجا لألكاذيب التاريخية التي ُصنعت
عنها ،وخالصة ما وصلت إليه في هذا البحث هو كالتالي:
ــ لم يسعفنا التاريخ بكثير من تفاصيل حياة زينب الكبرى ،والذي
ثبت من خالل الروايات الصحيحة وكالم المحققين من أهل النسب أن زينب
من بنته فاطمة ،وأنها من صغار أصحاب النبي هي حفيدة النبي
،وأنها كانت زوجة الصحابي الجليل عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب،
وولدت له أربعة أبناء وبنتا وهم :جعفر وعلي وعون والعباس وأم كلثوم ،ولم يرد
في مناقبها رواية خاصة شأنها شأن أختها الشقيقة أم كلثوم الكبرى ،غير أنها
مشمولة بفضيلة الصحبة واالنتساب إلى البيت النبوي ،كما أنها لم ترو شيئا ال
وال عن أبويها فاطمة وعلي ،وأن وفاتها كانت قبل سنة 50 عن النبي
للهجرة وهي في العقد الرابع من عمرها .
ــ هناك هوة كبيرة بين ما ينقل عن زينب في المصادر األمهات ،وبين
731
مسك اخلتام
كثرت في هذا العصر المصنفات في سيرة زينب الكبرى ،غير أ َّن ْ ــ
ثالثة كتب هي التي تشكل النواة األساسية لكل الكتابات التي أتت بعدها ،وهي
كتاب >السيدة زينب وأخبار الزينبات< لحسن قاسم المصري ،وكتاب >زينب
الكبرى< لجعفر النقدي النجفي ،وكتاب >مرقد السيدة زينب< لمحمد حسنين
السابقي النجفي ،وكل كتاب كانت له وظيفة وتأثير محدد ،فكتاب حسن قاسم
كان أصال في إثبات دفن زينب في مصر ،وكتاب السابقي كان جامعا لكل
االستدالالت على دفن زينب في الشام.
َّأما كتاب النقدي فهو المصدر العربي األساسي لتفاصيل حياة زينب ،وقد
بينت في هذه الدراسة أوجه الخلل في هذه الكتب الثالثة بصورة مفصلة ،مؤداها
هو طرح الثقة بهذه الكتب ،ألنها شوهت كثيرا من الحقائق عن زينب الكبرى .
ــ ارتبطت شخصية زينب في التراث المتأخر والمعاصر بما رواه أبو مخنف
732
مسك اخلتام
من خروجها مع الحسين إلى كربالء ،وهذه القصة هي أصل البالء والداء
في سيرة زينب الكبرى ،حيث إن قصة خروجها مع الحسين هي التي كانت فيما
بعد سببا الختالق المرويات حولها بعد االهتمام الطارئ بقصة الحسين ومقتله
تعرضت بالنقد المفصل لهذه القصة،
ُ في العصور المتأخرة ،وألجل ذلك فقد
وبينت من خالل دراسة مفصلة لكل ما رواه أبو مخنف عن زينب أن قصة خروجها
ُ
مع الحسين إلى كربالء قصة غير صحيحة تعتريها الكثير من اإلشكاالت ،أولها
تفرد أبي مخنف برواية ذلك دون سائر األخباريين.
سجت حول شخصية زينب الكبرى كثير من األغلوطات والمفاهيم ــ نُ ْ
الخاطئة ،والتي كان مر ُّدها الغلو في زينب ،هذا الغلو الذي بلغ درجة القول
بعصمتها وتفضيلها على األنبياء والمرسلين!
هت ساحة زينب عن هذه المفاهيم الخاطئة وبينت أن هذه األقوال
وقد ّنز ُ
ومتأخرة ،وأنها ليست إال نتاج غلو فاحش في زينب من بعض المتأخرين
محدثة ُ
والمعاصرين.
ــ تعد قضية تعيين موضع وفاة زينب الكبرى من القضايا التي وقع فيها
اختالف كبير وغريب ،حيث ينسب لها اليوم ثالثة مواضع ،موضع مغمور في
سنجار بالعراق ،وموضع آخر بالشام في نواحي دمشق وله شهرة واسعة عند
اإلمامية ،وموضع ثالث بالقاهرة وهو المشهور عند أهل مصر.
وقد ّبينت في هذه الدراسة عدم صحة تلك المواضع الثالثة ،لعدم وجود
أي دليل على وفاة زينب الكبرى بها ،وأن ما يستدل به من أدلة لنصرة
المواضع التي يدعى أنها دفنت فيها ،عبارة عن أدلة مختلقة ومفتعلة ومصنوعة،
733
مسك اخلتام
ويكفي ْأن تعلم أ ّن هذه القبور المنسوبة لزينب الكبرى ظهرت بعد وفاتها
نصرت في هذا البحث القول بوفاة زينب في المدينة وبينت
ُ بمئات القرون ،وقد
أنه القول األسلم من االعتراض.
وفي الختام أحمد اهلل على أن وفقني إلتمام هذا البحث ،فما كان فيه
وأما ما كان فيه من زلل أو خطأ فهو مني ومن
من توفيق وصواب فهو من اهللّ ،
الشيطان ،وأستغفر اهلل وأتوب إليه منه ،والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات.
734
فهرس أهم املصادر واملراجع
735
فهرس أهم املصادر واملراجع
736
فهرس أهم املصادر واملراجع
737
فهرس أهم املصادر واملراجع
.34الكافي ــ محمد بن يعقوب الكليني ــ تحقيق علي أكبر الغفاري ــ دار الكتب
اإلسالمية ــ طهران ــ الطبعة الخامسة
.35المجدي في أنساب الطالبين ــ علي بن محمد العلوي العمري ــ تحقيق أحمد
الدامغاني ــ المرعشي النجفي العامة ــ قم المقدسة ــ الطبعة األولى ــ 1422هـ
.36مرشد الزوار إلى قبور األبرار ــ عبد الرحمن ابن الشيخ أبي الحرم مكّي بن عثمان
الشارعي ــ الدار المصرية اللبنانية ــ القاهرة ــ الطبعة األولى ــ 1415هـ
.37مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري ــ يحيى بن ابراهيم بن علي اليحيى ــ دار
العاصمة ـ الرياض ـ السعودية ــ 1410هـ
.38المزارات اإلسالمية واآلثار العربية ــ حسن قاسم ــ تحقيق أحمد سالم سالم ــ مكتبة
اإلسكندرية ــ 2017م
.39مشرعة بحار األنوار ــ محمد آصف محسني ــ مؤسسة العارف للمطبوعات ــ بيروت
ــ لبنان ــ الطبعة الثانية ــ 1426هـ ــ 2005م
.40معجم األحاديث المعتبرة ــ دار النشر األديان ــ طهران ــ الطبعة األولى ــ 1434هـ
.41مقاتل الطالبيين ــ أبو الفرج األصبهاني ــ تحقيق السيد أحمد صقر ــ دار المعرفة ــ
بيروت.
.42مقاتل الطالبيين ــ أبو الفرج األصفهاني ــ منشورات المكتبة الحيدرية ــ الطبعة الثانية
ــ 1385ــ 1965م
.43منهاج السنة النبوية ــ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم ابن
تيمية ــ تحقيق محمد رشاد سالم ــ جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ــ الطبعة
األولى ــ 1406هـ ــ 1986م
.44موسوعة اإلمام الحسين في الكتاب والسنة والتاريخ ــ محمد الريشهري ــ تحقيق قسم
تدوين السيرة مركز بحوث دار الحديث ــ دار الحديث ــ الطبعة األولى 1431هـ/
2010م
.45نزهة األنام في محاسن الشام ــ عبد اهلل بن محمد البدري ــ المطبعة السلفية بمصر ــ
القاهرة ــ 1341هـ
738
فهرس أهم املصادر واملراجع
ل
فهرس امؤلفاث عن زينب الكبرى
.46ابنة الزهراء بطلة الفداء زينب ــ علي أحمد شلبي ــ مطابع األفست بشركة
اإلعالنات الشرقية ــ 1992م
الغراء في تفضيل سيدتنا الص ّديقة الكبرى زينب الحوراء على السيدة مريم .47الحقيقة ّ
العذراء ــ محمد جميل حمود العاملي ــ مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث ــ
بيروت لبنان ــ الطبعة األولى ــ 1436هـ 2015/م
.48حياة السيدة زينب بنت اإلمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ جعفر النقدي
ــ مؤسسة األعلمي للمطبوعات ــ الطبعة األولى ــ 1419هـ 1998/م
.49الخصائص الزينبية ــ نور الدين الجزائري ــ دار الحوراء ــ بيروت ــ لبنان ــ الطبعة
األولى 1425هـ 2004/م
.50زينب بنت علي فيض النبوة وعطاء اإلمامة ــ إبراهيم حسين البغدادي ــ مؤسسة
األعلمي ــ بيروت ،لبنان ــ الطبعة األولى 1431هـ 2010 /م
.51زينب القدوة والرمز ــ سعيد الخويلدي ــ دار البيان العربي ــ بيروت ــ لبنان ــ الطبعة
األولى ــ 1414هـ 1993/م
.52زينب الكبرى بطلة الحرية ــ أبو القاسم الديباجي ــ مؤسسة البالغ ــ بيروت ــ لبنان
ــ الطبعة األولى 1424هـ 2003 /م
.53زينب الكبرى بنت اإلمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ جعفر النقدي ــ
منشورات المكتبة الحيدرية في النجف ــ الطبعة الرابعة ــ بدون تاريخ
.54زينب الكبرى من المهد إلى اللحد ــ محمد كاظم القزويني ــ تحقيق مصطفى القزويني
ــ دار المرتضى ــ بيروت
.55زينب الكبرى ودورها في النهضة الحسينية ــ عبد السالم كاظم الجعفري ــ دار الغدير
قم ــ الطبعة األولى ــ 1432هـ
.56السيدة زينب رائدة الجهاد في اإلسالم ـ باقر شريف القرشي ــ مطبعة شريعت ــ
739
فهرس أهم املصادر واملراجع
740
فهرس أهم املصادر واملراجع
.69موسوعة زينب الكبرى ــ علي عاشور ــ دار نظير عبود ــ بيروت لبنان ــ الطبعة األولى
ــ 1429هـ 2009/م
.70وفاة زينب الكبرى ويليه المرقد الزينبي ــ فرج آل عمران القطيفي ــ منشورات الشريف
الرضي ــ قم ــ الطبعة األولى ــ 1412هـ
742
فهرس أهم املصادر واملراجع
743