You are on page 1of 746

‫عنوان الكتاب ‪ :‬زينب الكربى رضي اهلل عنها السيدة املظلومة‪.

‬‬
‫اسم املؤلف ‪ :‬حافظ أسدرم‪.‬‬
‫عدد الصفحات ‪743 :‬‬ ‫ــ‬ ‫نوع املطبوع ‪ :‬كتاب ـ ـ الطبعة ‪ :‬األوىل‬
‫السلسلة ‪ :‬قضايا التوعية اإلسالمية (‪)23‬‬
‫الناشر ‪ :‬مربة اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫ص‪ .‬ب‪ 12421 .‬الشامية ـ الرمز الربيدي ‪ 716555‬ـ ـ ت ‪2560203 :‬‬

‫ردمك‪ 5 :‬ـ ‪ 75‬ـ ‪ 64‬ـ ‪ 99966‬ـ ‪ISBN 978‬‬

‫م‬
‫حقوق الطبع حقوظة لمبرة الآل والآصحاب‬
‫إال لمن أراد التوزيع الخيري بشرط عدم التصرف في المادة العلمية‬

‫َّ‬ ‫الولَّ‬ ‫الط َّب َّع َّ‬


‫ة َّ‬ ‫َّ‬

‫‪ 1443‬ـهـ ‪2022‬م‬

‫هاتف‪ 22560203 :‬ــ ‪ 22552340‬فاكس‪22560346 :‬‬


‫ص‪ .‬ب‪ 12421 :‬الشامية الرمز البريدي ‪ 71655‬الكويت‬
‫‪ mail: almabarrh@gmail. com‬ــ ‪E‬‬
‫‪www. almabarrah. net‬‬
‫‪.‬‬

‫الفهرست‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫الفهرست ‪5 ...........................................................‬‬
‫مقدمة مبرة اآلل واألصحاب ‪23 ...........................................‬‬
‫تقدمة ‪25 ............................................................‬‬
‫تمهيد في ترجمة زينب الكبرى ‪30 ...................................... ‬‬
‫اسمها ‪30...................................................‬‬
‫نسبها ‪31 ................................................... ‬‬
‫كنيتها ‪31 ...................................................‬‬
‫لقبها ‪32 ....................................................‬‬
‫والدتها ‪34 ..................................................‬‬
‫فضائلها ومناقبها ‪35 ...........................................‬‬
‫عمها عبد اهلل بن جعفر ‪36 .......................... ‬‬ ‫زواجها من ابن ِّ‬
‫فائدة في الجمع بين المرأة وزوجة أبيها ‪38 .............................‬‬
‫هل طلق عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬زينب ‪‬؟ ‪38 ..........................‬‬
‫* تنبيهات على أخطاء تاريخية عن خطبة زينب الكبرى وزواجها ‪40....... ‬‬
‫التنبيه األول‪ :‬عدم صحة خطبة األشعث بن قيس ‪ ‬لزينب الكبرى ‪40 ... ‬‬
‫التنبيه الثاني‪ :‬خطأ القول بزواج زينب الكبرى ‪ ‬من كثير بن العباس ‪42 .. ‬‬
‫التنبيه الثالث‪ :‬خطأ القول بزواج زينب الكبرى ‪ ‬بعمر بن الخطاب ‪42 ...‬‬
‫أبناؤها ‪43 .................................................. ‬‬
‫تحقيق تاريخ وفاتها ‪44.........................................‬‬
‫زينب الكبرى ‪ ‬ورواية الحديث‪45.................................‬‬
‫بين االحتفاء بزينب الكبرى ‪ ‬والتحامل على أختها أم كلثوم ‪45.........‬‬

‫‪5‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫لول‪ :‬زينب الكبرى ‪ ‬في البراث ‪49 ...............................‬‬ ‫الفصل ا أ‬
‫* المسألة األولى‪ :‬دراسة تاريخية موجزة لتطور التأليف في زينب الكبرى ‪56 .. ‬‬
‫‪ 1‬ــ المؤلفات عن زينب الكبرى ‪ ‬في تراث أهل السنة ‪56...........‬‬
‫‪ 2‬ــ المؤلفات عن زينب الكبرى ‪ ‬في تراث اإلمامية ‪62............‬‬
‫* المسألة الثانية‪ :‬تحليل أسباب تطور التأليف عن زينب الكبرى ‪70 ....... ‬‬
‫األمر األول‪ :‬بواعث التأليف عن زينب الكبرى ‪70............... ‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬خريطة تأليف مرويات حياة زينب الكبرى ‪ ‬وتسلسلها‪73 ....‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬تضخم المرويات المتعلقة بحياة زينب الكبرى ‪75 ..... ‬‬
‫السبب األول‪ :‬القصص المكذوبة واألساطير المختلقة ‪76 .........‬‬
‫السبب الثاني‪ :‬االستطرادات التي ال عالقة لها بزينب الكبرى ‪79 .. ‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬قضية تعيين موضع قبر زينب الكبرى ‪80.............‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬نقد المؤلفاث التي صنعب ال سبرة الرينثية‪83 .......................‬‬


‫نقد كتاب >أخبار الزينبات< المنسوب ليحيى بن الحسن العقيقي ‪87 .............‬‬
‫تعريف بالمؤلف وكتاب >أخبار الزينبات< وسبب تأليفه وأثره على التاريخ ‪87 ...‬‬
‫أ ــ أدلة عدم صحة نسبة كتاب >أخبار الزينبات< إلى العبيدلي ‪94.............‬‬
‫* الدليل األول‪ :‬خلو كتب التراجم والفهارس من ِذكر الكتاب والنقل‬
‫وتفرد حسن قاسم به ‪94...................................‬‬ ‫عنه ّ‬
‫* الدليل الثاني‪ :‬عدم وجود أي نسخة خطية لكتاب >أخبار الزينبات< ‪95 ...‬‬
‫تنبيه ورد على دعوى وجود نسخة خطية لكتاب >أخبار‬
‫الزينبات< عند المرجع النجفي محمد حسين المرعشي!! ‪99 ......‬‬
‫* الدليل الثالث‪ :‬مخالفة أسلوب الكتاب لمنهج النسابة العقيقي وما‬
‫ثبت عنه ‪101 ..............................................‬‬
‫* الدليل الرابع‪ :‬أخطاء تاريخية ونسبية تدل على بطالن نسبة الكتاب‬
‫للعقيقي‪104 ..............................................‬‬

‫‪6‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫* الدليل الخامس‪ :‬وجود أساليب وكلمات لغوية متأخرة عن زمن‬
‫العقيقي‪111 ...............................................‬‬
‫* الدليل السادس‪ِ :‬ر َّك ُة األسلوب اللغوي لمؤلف >أخبار الزينبات< ‪113 ..‬‬
‫* الدليل السابع‪ :‬ظهور أغراض وأهواء حسن قاسم في مادة الكتاب‪115 ..‬‬
‫ب ــــ نقد بعض الباحثين المعاصرين لكتاب >أخبار الزينبات<‪120 ..........‬‬
‫ج ــــ تفكيك خطة حسن قاسم في صناعة كتاب >أخبار الزينبات< وإثبات نسبته‬
‫للعقيقي‪125....................................................‬‬
‫* المسلك األول‪ :‬اختالق النصوص وعزوها إلى المصادر التاريخية ‪126......‬‬
‫* المسلك الثاني‪ :‬اختالق مصادر تاريخية وهمية ال وجود لها ‪129...........‬‬
‫‪ 1‬ــ >رحلة الكوهيني< ألبي عبد اهلل محمد الكوهيني الفاسي األندلسي‪130 ..‬‬
‫‪ 2‬ــ >أقنوم اآلثار في الكشف عن الكتب واألسفار< ألبي يعقوب‬
‫األزموري األمغاري ‪133 .....................................‬‬
‫السخاوي (‪ 902‬هـ)‪133 ..............‬‬ ‫‪ 3‬ــ >الرسالة الزينبية< للحافظ َّ‬
‫‪ 4‬ــ >أوقاف مصر< للحافظ السخاوي أيضا ‪134....................‬‬
‫‪ 5‬ــ رسالة ابن طولون (‪ 953‬هـ) عن زينب الوسطى ‪132.............‬‬
‫‪ 6‬ــ >النسب العمراني في الكالم على فرق العمرانيين فروع األشراف‬
‫األدارسة<‪134.............................................‬‬
‫* المسلك الثالث‪ :‬السرقة واالنتحال وتلفيق األسماء وتركيب األسانيد ‪139....‬‬
‫ــ الطريقة األولى‪ :‬سرقة المتون من مصادر قديمة ‪139.....................‬‬
‫‪ 1‬ــ النصوص المسروقة من كتاب الطبقات الكبرى البن سعد ‪139......‬‬
‫‪ 2‬ــ النصوص المسروقة من كتاب >غاية االختصار في البيوتات‬
‫العلوية المحفوظة من الغبار<‪147...............................‬‬
‫‪ 3‬ــ نص مسروق من كتاب >مقاتل الطالبيين< ‪150 .................‬‬
‫‪ 4‬ــ نص مسروق من >الخطط< للمقريزي ‪153.....................‬‬

‫‪7‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 5‬ــ النصوص المسروقة من كتاب >العدل الشاهد في تحقيق المشاهد< ‪154 ........‬‬
‫ــ الطريقة الثانية‪ :‬تلفيق األسماء وتركيب األسانيد ‪156...................‬‬
‫خالصة الكالم عن كتاب >أخبار الزينبات< ‪168.......................‬‬
‫نقد كتاب زينب الكبرى لجعفر النقدي ‪172 .............................‬‬
‫المذ َّهب<‪173 ...................‬‬ ‫المحور األول‪ :‬النقدي وكتاب >الطراز ُ‬
‫المحور الثاني‪ :‬نماذج من القصص المختلقة في السيرة الزينبية في كتاب‬
‫النقدي ‪175..................................................‬‬
‫‪ 1‬ــ قصة نزول جبريل ‪ ‬باسم زينب الكبرى ‪175................. ‬‬
‫وأبويها‬ ‫لرؤيا زينب الكبرى ‪ ‬بوفاة جدها‬ ‫‪ 2‬ــ تعبير النبي‬
‫وأخويها ‪177 ............................................... ‬‬
‫‪ 3‬ــ قصة قول زينب الكبرى ‪ ‬ألبيها ‪> :‬ال أقول‪> :‬اثنين<‪ ،‬بلسان قلت‬
‫به‪> :‬واحد<<‪178 ..............................................‬‬
‫‪ 4‬ــ إقامة زينب الكبرى ‪ ‬لمجلس نسائي في الكوفة وتفسير {ﱁ} ‪181 .‬‬
‫نقد كتاب >مرقد العقيلة< لمحمد حسنين السابقي ‪185 .....................‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬مدار أدلة السابقي هو أن كنية زينب الكبرى ‪ ‬هي أم‬
‫كلثوم ‪186.................................................‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬استفادة السابقي من كتاب حسن قاسم ومنهجيته ‪188 ......‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬نقد منهج السابقي في سبكه ألدلة ترجيح القبر الشامي‬
‫لزينب الكبرى ‪190 .......................................‬‬
‫* المسلك األول‪ :‬الكذب واالفتراء ‪191 ..............................‬‬
‫‪ 1‬ــ ادعاء السابقي أن كتب القرون الوسطى ذكرت أن السيدة نفيسة زارت‬
‫قبر زينب الكبرى ‪ ‬بالشام ‪191 .................................‬‬
‫‪ 2‬ــ ادعاء السابقي أ ّن جميع كتب الزيارات المصرية ذكرت زيارة ظافر‬
‫الفاطمي لقبر زينب بنت يحيى المتوج ‪194 .........................‬‬

‫‪8‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 3‬ــ ادعاء السابقي أ َّن ابن الحوراني نقل عن ابن عساكر أ ّن أم كلثوم‬
‫المدفونة بالشام تسمى زينب الكبرى ‪195........................ ‬‬
‫‪ 4‬ــ افتراء السابقي على جماعة من أهل العلم أنهم قرروا أن أم كلثوم ‪‬‬
‫أكبر من زينب الكبرى ‪196................................. !!‬‬
‫‪ 5‬ــ ادعاء السابقي أ ّن ابن شداد ذكر أن قبر زينب الكبرى ‪ ‬بالشام ‪199....‬‬
‫زعم السابقي أ َّن الذهبي ذكر أ َّن زينب الكبرى ‪ ‬مدفونة براوية ‪204 ...‬‬
‫‪ 6‬ــ ُ‬
‫‪ 7‬ــ نفي السابقي ذكر قبر زينب الكبرى ‪ ‬في كتاب >أُ ْنس الزائرين< ‪205 ..‬‬
‫زعم السابقي أ ّن قبر زينب الكبرى ‪ ‬مذكور بكتاب >تحفة األنام<‬ ‫‪ 8‬ــ ُ‬
‫للبصروي ‪208 ..................................................‬‬
‫‪ 9‬ــ دعوى السابقي أن إسماعيل العجلوني صرح بدفن زينب الكبرى في‬
‫قرية راوية ‪213...............................................‬‬
‫‪ 10‬ــ دعوى السابقي أن عبد الرزاق كمونة صرح بدفن زينب الكبرى ‪‬‬
‫في قرية راوية‪214 ............................................‬‬
‫* المسلك الثاني‪ :‬البتر والتدليس واإليهام في النقوالت ‪218 ................‬‬
‫‪ 1‬ــ بتر السابقي كالم ابن عساكر عن قبر أم كلثوم المدفونة في راوية ‪218 ....‬‬
‫‪ 2‬ــ بتر السابقي كالم الشهرستاني عن شهرة دفن زينب الكبرى في مصر ‪219 .‬‬
‫‪ 3‬ــ بتر السابقي كالم محمد مهدي المازندراني عن الشعراني ‪220 .........‬‬
‫‪ 4‬ــ ادعاء السابقي أن حسن قاسم اعترف بعدم وجود أي ولد لصلب علي‬
‫‪ ‬في مصر! ‪221 ............................................‬‬
‫‪ 5‬ــ ادعاء السابقي أن الكاتب توفيق أبا علم ذكر زيارة نفيسة لزينب الكبرى‬
‫‪ ‬في راوية! ‪224 ............................................‬‬
‫‪ 6‬ــ تدليس السابقي على ابن الحوراني وصاحب >الروضة البهية<‪225 ......‬‬
‫‪ 7‬ــ بتر كالم عبد القادر الريحاوي والتدليس على رأيه في تعيين المدفونة‬
‫في راوية ‪226 ................................................‬‬
‫‪9‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 8‬ــ تدليس السابقي على جماعة من الكتاب والمؤلفين وادعاؤه موافقتهم‬
‫على دفن زينب الكبرى ‪ ‬في الشام! ‪228 ..........................‬‬
‫‪ 9‬ــ التشبع بالزور واإليهام بالنقل بال واسطة عن كتب مفقودة أو مخطوطة‬
‫أو موهومة ‪232 ...............................................‬‬
‫* المسلك الثالث‪ :‬إطالق الدعاوى العريضة بال حجة ‪237 .................‬‬
‫‪ 1‬ــ ادعاء السابقي أ َّن الدولة الفاطمية غيرت اسم قبر زينب بنت المتوج‬
‫إلى قبر زينب الكبرى ‪237 ...................................‬‬
‫‪ 2‬ــ ادعاء السابقي أن الذهبي قال إن زينب الكبرى ‪ ‬مدفونة بدمشق‪237 ..‬‬
‫‪ 3‬ــ ادعاء السابقي االطالع على كتاب >عيون األخبار< البن أبي السرور‬
‫البكري (‪ 1087‬هـ) ‪241 .......................................‬‬
‫* المسلك الرابع‪ :‬التناقض والتهافت ‪246 ..............................‬‬
‫‪ 1‬ــ نفي السابقي وجود قبر ينسب لزينب الكبرى ‪ ‬في عهد الفاطميين‬
‫ّثم إثباته عكس ذلك! ‪246 ......................................‬‬
‫‪ 2‬ــ تناقض السابقي في تعيين زينب المدفونة في مصر‪247 ..............‬‬
‫‪ 3‬ــ تناقض السابقي في استنكاره االستدالل بكالم منسوب البن عساكر‬
‫مع خلو تاريخ دمشق منه ‪248 ....................................‬‬
‫‪ 4‬ــ نقل السابقي عن الشعراني وحسن قاسم القول ونقيضه! ‪249 .........‬‬
‫‪ 5‬ــ أدل ٌة ألزم بها السابقي من قال بدفن زينب الكبرى ‪ ‬في مصر أو‬
‫المدينة ولم يلتزم بها في قوله بدفنها في دمشق ‪250 ....................‬‬
‫خالصة ‪251 ....................................................‬‬
‫خالصة دراسة المؤلفات عن زينب الكبرى ‪252 ...............................‬‬
‫ت‬
‫الفصل الثالب‪ :‬دزاسة زواية خروج زينب الكبرى مع ا لح سين ‪ ‬الي كري أ‬
‫لء و حفثق‬
‫لزدى ‪253 ...................................‬‬ ‫حال زاويها اني محنف ا أ‬
‫المبحث األول‪ :‬التحقيق في حال أبي مخنف األزدي ‪256 .................‬‬

‫‪10‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 1‬ــ أبو مخنف عند أئمة الجرح والتعديل ‪258 ..........................‬‬
‫* تنبيه على إشكال في كالم المؤرخ ابن كثير عن أبي مخنف ‪263 ........‬‬
‫* التنبيه على عدم صحة دعوى توثيق الطبري ألبي مخنف ‪265 ..........‬‬
‫* خالصة في تحرير حال أبي مخنف وأخباره‪266 ....................‬‬
‫‪ 2‬ــ تحرير الكالم عن كتاب >مقتل الحسين< ومن رواه عن أبي مخنف ‪266 ....‬‬
‫* الطريق األول ‪268 ..........................................‬‬
‫* الطريق الثاني ‪269 ..........................................‬‬
‫* الطريق الثالث ‪270 .........................................‬‬
‫‪ 3‬ــ كتاب >مقتل الحسين< المتداول اليوم هل هو ألبي مخنف؟ ‪273 .........‬‬
‫‪ 4‬ــ تحرير حال وسائط أبي مخنف في رواية أخبار زينب الكبرى ‪ ‬في‬
‫كربالء ‪279 ...................................................‬‬
‫‪ 1‬ــ الحارث بن كعب الوالبي ــ من والبة األزد ــ‪280 ............... .‬‬
‫‪ 2‬ــ ُحميد بن مسلم األزدي‪281.................................‬‬
‫‪ 3‬ــ قُ َّرة بن قيس الحنظلي التميمي‪295 ...........................‬‬
‫تشجير أسانيد أبي مخنف وبيان أحوال رواته ‪296 .........................‬‬
‫‪ 5‬ــ تحرير الكالم عن اإلشكال في وجه رواية الكوفيين ألخبار زينب الكبرى‬
‫‪ ‬في كربالء ‪298 .............................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التحقيق في رواية خروج زينب الكبرى مع الحسين ‪ ‬إلى كربالء ‪299 .‬‬
‫أوالً‪ :‬أدلة عدم صحة رواية خروج زينب الكبرى مع الحسين ‪299 ...... ‬‬
‫* الدليل األول‪ :‬تقرير قدماء المؤرخين والنسابين والمحدثين لوفاة زينب‬
‫الكبرى ‪ ‬قبل أختها أم كلثوم ‪299 ..............................‬‬
‫والنسابة (‪ 124‬هـ) ‪300 ..................‬‬‫‪ 1‬ــ اإلمام الزهري المؤرخ َّ‬
‫والنسابة (‪ 230‬هـ)‪300 ......................‬‬‫‪ 2‬ــ ابن سعد المؤرخ َّ‬
‫والنسابة (‪ 289‬هـ)‪300 ..........‬‬
‫‪ 3‬ــ أحمد بن يحيى البالذري المؤرخ َّ‬

‫‪11‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 4‬ــ أبو بكر البيهقي المح ِّدث (‪ 458‬هـ) ‪301 ......................‬‬
‫‪ 5‬ــ ابن الجوزي المؤرخ (‪ 597‬هـ)‪301 ..........................‬‬
‫‪ 6‬ــ كمال الدين محمد بن طلحة (‪ 652‬هـ) ‪302 ....................‬‬
‫‪ 7‬ــ ابن كثير المؤرخ (‪ 774‬هـ) ‪302 .............................‬‬
‫العالمة ابن الملقن (‪ 804‬هـ) ‪303 ...........................‬‬ ‫‪ 8‬ــ ّ‬
‫‪ 9‬ــ الحافظ ابن حجر العسقالني (‪ 852‬هـ) ‪303 ....................‬‬
‫* الدليل الثاني‪ :‬عدم ذكر قدماء المؤرخين والنسابين لخروج زينب الكبرى‬
‫‪ ‬إلى كربالء ‪306 .............................................‬‬
‫‪ 1‬ــ حصين بن عبد الرحمن السلمي (‪ 136‬هـ) ‪306 ..................‬‬
‫‪ 2‬ــ عوانة بن الحكم (‪ 147‬هـ) ‪307 .............................‬‬
‫‪ 3‬ــ أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن (‪ 170‬هـ) ‪308 .................‬‬
‫‪ 4‬ــ الليث بن سعد (‪ 175‬هـ) ‪308 ..............................‬‬
‫‪ 5‬و‪ 6‬ــ الواقدي (‪ 207‬هـ)‪ ،‬والمدائني (‪ 224‬هـ) ــ في غير ما روياه‬
‫عن أبي مخنف ــ‪309 ....................................... .‬‬
‫‪ 7‬ــ محمد بن سعد (‪230‬هـ) ‪309 ..............................‬‬
‫‪ 8‬ــ أبو بشر محمد بن أحمد الدوالبي (‪ 310‬هـ) ‪310 ................‬‬
‫‪ 9‬ــ أبو العرب محمد بن أحمد التميمي (‪ 333‬هـ) ‪310 ...............‬‬
‫اعتراض وجواب ‪312 .............................................‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬إشكاالت القول بخروج زينب الكبرى ‪ ‬مع أخيها الحسين ‪313 .... ‬‬
‫اإلشكال األول‪ :‬لماذا خلت كتب التواريخ من رواية زينب الكبرى ‪ ‬ألخبار‬
‫المقتل الحسيني؟ ‪313 .............................................‬‬
‫اإلشكال الثاني‪ :‬عدم خروج عبد اهلل بن جعفر زوج زينب الكبرى مع الحسين‬
‫‪314...................................................... ‬‬
‫اإلشكال الثالث‪ :‬قيام الدواعي على خروج النساء اللواتي كن مع الحسين‬
‫‪ ‬باستثناء زينب الكبرى ‪320 ................................. ‬‬

‫‪12‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫ثال ًثا‪ :‬نقد روايات أبي مخنف المنسوبة لزينب الكبرى ‪ ‬في كربالء‪322 .....‬‬
‫‪ 1‬ــ نقد رواية لطم زينب الكبرى ‪ ‬وجهها حين حمل جيش عمر بن سعد‬
‫على الحسين وأهله ‪322 ........................................‬‬
‫‪ 2‬ــ نقد رواية جزع زينب الكبرى ‪ ‬ولطمها خدها وشقها ثيابها لما سمعت‬
‫الحسين ‪ ‬يستعد للموت‪324 ......................................‬‬
‫‪ 3‬ــ نقد رواية جزع زينب الكبرى ‪ ‬لما قتل علي األكبر بن الحسين ‪333 . ‬‬
‫‪ 4‬ــ نقد رواية حبس زينب الكبرى ‪ ‬لغالم من أهل الحسين ‪ ‬ليلحق به‬
‫في القتال ‪338 .................................................‬‬
‫‪ 5‬ــ نقد رواية خروج زينب الكبرى ‪ ‬وحسرتها على الحسين ‪‬‬
‫واستعطافها عمر بن سعد‪342 ......................................‬‬
‫‪ 6‬ــ نقد رواية جزع زينب الكبرى ‪ ‬لمقتل الحسين ‪ ‬ونعيها إياه ‪346 .....‬‬
‫‪ 7‬ــ نقد رواية محاورة زينب الكبرى ‪ ‬البن زياد ‪349 ..................‬‬
‫‪ 8‬ــ نقد رواية دفاع زينب الكبرى ‪ ‬عن علي بن الحسين ‪ ‬عند ابن زياد ‪354 .‬‬
‫‪ 9‬ــ نقد رواية دفاع زينب الكبرى ‪ ‬عن فاطمة بنت علي ‪ ‬عند يزيد ‪357 ..‬‬
‫خالصة النظر في الروايات المنسوبة لزينب الكبرى ‪ ‬في كربالء في مقتل أبي‬
‫مخنف‪362 ........................................................‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬عدم ثبوت جميع مرويات أبي مخنف عن زينب الكبرى ‪‬‬
‫‪362 ........................................................‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬تسمية زينب الكبرى بابنة فاطمة بدل زينب بنت علي ‪363 .. ‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬المبالغة في اإلثارة العاطفية وشحن الضغائن ضد مناوئي‬
‫الحسين ‪363 ............................................... ‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬النكارة الظاهرة في اإلساءة إلى زينب الكبرى ‪ ‬ونسبة‬
‫أفعال غير الئقة بها ‪364 ..........................................‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬تكرر حبكة أبي مخنف لمواقف زينب الكبرى ‪365 ..... ‬‬

‫‪13‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المبحث الثالث‪ :‬اعتراضات وجوابها ‪367 ..................................‬‬
‫االعتراض األول‪ :‬روايات ُيتوهم أ ّن أصلها ليس من أبي مخنف‪367 .......‬‬
‫* أو ًال‪ :‬ما روي من طرق أهل السنة ‪370 ...........................‬‬
‫‪ 1‬ــ رواية عمار الدهني عن أبي جعفر الباقر لرد زينب الكبرى ‪‬‬
‫على الرجل الشامي ‪370 ....................................‬‬
‫أ ــ نقد سند الرواية ‪370 ....................................‬‬
‫‪ 2‬ــ رواية ابن طيفور (‪ 280‬هـ) لكالم زينب الكبرى ‪ ‬عند يزيد ‪375‬‬
‫‪ 3‬ــ حكاية ابن برد األنطاكي (عاش في القرن الثالث) لرد زينب‬
‫الكبرى ‪ ‬على الرجل الشامي ‪382 ..........................‬‬
‫‪ 4‬ــ رواية أبي بكر ابن األنباري (‪ 328‬هـ) ‪382 ..................‬‬
‫‪ 5‬ــ رواية ابن الجوزي (‪ 597‬هـ) لمحاورة زينب الكبرى ‪ ‬البن‬
‫زياد ‪385 ...............................................‬‬
‫* ثاني ًا‪ :‬ما روي من طرق الزيدية ‪387 .............................‬‬
‫‪ 6‬ــ رواية أبي طالب الهاروني (‪ 424‬هـ) لكالم زينب الكبرى ‪ ‬مع‬
‫الحسين ‪ ‬حين نعى نفسه‪387 ...............................‬‬
‫‪ 7‬ــ رواية يحيى الشجري (‪ 499‬هـ) لكالم زينب الكبرى ‪ ‬مع‬
‫الحسين ‪ ‬حين نعى نفسه ‪390 ..............................‬‬
‫‪ 8‬ــ رواية ابن أعثم الكوفي (كان حيا سنة ‪ 320‬هـ) لسماع زينب‬
‫الكبرى ‪ ‬لهاتف ينشد شعرا ‪393 .............................‬‬
‫‪ 9‬ــ رواية منسوبة للخوارزمي (‪ 568‬هـ) عن خطبة زينب الكبرى ‪‬‬
‫بحضرة يزيد ‪402 ..........................................‬‬
‫* ثالثا‪ :‬ما روي من طرق اإلمامية ‪406 ..............................‬‬
‫‪ 10‬ــ رواية الكليني (‪ 329‬هـ) لكالم فضة مع زينب الكبرى ‪406 ... ‬‬
‫‪ 11‬ــ رواية في >كامل الزيارات< عن مواساة زينب الكبرى ‪ ‬لعلي‬
‫بن الحسين ‪ ‬بخبر طويل ركيك‪410 ..........................‬‬

‫‪14‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 12‬ــ رواية ابن بابويه (‪ 381‬هـ) لمحاورة زينب الكبرى ‪ ‬مع ابن‬
‫زياد ‪413 ................................................‬‬
‫‪ 13‬ــ رواية ابن بابويه (‪ 381‬هـ) لوصية الحسين ‪ ‬إلى زينب الكبرى‬
‫‪415 ................................................. .‬‬
‫‪ 14‬ــ رواية المفيد (‪ 413‬هـ) لخطبة زينب الكبرى ‪ ‬في الكوفة ‪418 ..‬‬
‫‪ 15‬ــ روايات اإلمامية في كتاب >نور العين في مشهد الحسين<‬
‫المنحول على اإلسفراييني ‪424 ................................‬‬
‫الخالصة ‪434 ...............................................‬‬
‫االعتراض الثاني‪ :‬احتمال غلط الرواة في زواج أم كلثوم ‪ ‬بعد زينب الكبرى‬
‫‪ ‬أو تعيين وفاة أم كلثوم‪435 .........................................‬‬
‫* االحتمال األول‪ :‬أن عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬تزوج أم كلثوم ‪ ‬ثم ماتت‬
‫عنده فتزوج زينب الكبرى ‪ ‬بعدها‪435 ...............................‬‬
‫* االحتمال الثاني‪ :‬أن عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬تزوج أم كلثوم ‪ ‬بعد أن طلق‬
‫زينب الكبرى ‪436 .............................................‬‬
‫تتوف قبل سنة ‪50‬هـ‪ ،‬بل بعد ذلك ‪437 .‬‬
‫* االحتمال الثالث‪ :‬أن أم كلثوم ‪ ‬لم َّ‬
‫* االحتمال الرابع‪ :‬أن عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬لم يتزوج أم كلثوم ‪ ‬أصال ‪438 ..‬‬
‫االعتراض الثالث‪ :‬شهرة خروج زينب الكبرى ‪ ‬مع الحسين ‪ ‬إلى كربالء ‪439‬‬
‫الوجه األول‪ :‬نقض دعوى الشهرة وذلك ألمرين ‪439 ......................‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن العبرة بالثبوت والصحة ال بمجرد الرواية والشهرة ‪440 ........‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬عدم اعتماد المخالفين على الشهرة في جملة من القضايا‬
‫التاريخية ‪442 ................ ................................‬‬
‫االعتراض الرابع‪ :‬عدم وجود شاهد لنتائج هذا البحث في كالم العلماء‬
‫والمؤرخين ‪447 .................. ................................‬‬
‫‪ 1‬ــ تفصيل الكالم عن منشأ عدم وجود كالم للمحققين في قضية خروج زينب‬
‫الكبرى ‪ ‬إلى كربالء‪447 .........................................‬‬
‫‪15‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 2‬ــ أما الجواب عن االعتراض بدعوى التفرد فيقع الكالم فيه في وجوه ‪449 .....‬‬

‫لكب‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ع‬‫م‬ ‫ي‬‫ل ص ل ب تصحي ه‬


‫ح مفا م ؤطة ن ز نب ا رى ‪451 ..................‬‬ ‫ا ف ل ا را ع‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬قضايا تاريخية غير ثابتة عن زينب الكبرى ‪453 ................ ‬‬
‫نقد القصص المختلقة عن زينب الكبرى ‪455 .............................. ‬‬
‫‪ 1‬ــ األكاذيب الموجودة في كتب المقاتل والكتب المؤلفة عن زينب الكبرى‬
‫‪455 ....................................................... ‬‬
‫‪459 ........................‬‬ ‫* القصص المختلقة في زمن النبي‬
‫* القصص المختلقة في خالفة الخلفاء الراشدين الثالثة ‪460 ........ ‬‬
‫* القصص المختلقة في خالفة علي ‪461 ........................‬‬
‫* القصص المختلقة في زمن الحسن ‪462 ....................... ‬‬
‫* القصص المختلقة في عهد الحسين وبعد مقتله ‪463 .............. ‬‬
‫* القصص المختلقة في المدينة ‪463 ..............................‬‬
‫* القصص المختلقة في الطريق إلى كربالء ‪463 .....................‬‬
‫* القصص المختلقة في كربالء قبل مقتل الحسين ‪464 ............. ‬‬
‫* القصص المختلقة في كربالء بعد مقتل الحسين ‪469 ............. ‬‬
‫* القصص المختلقة في الكوفة‪471 ...............................‬‬
‫* القصص المختلقة في الشام‪472 ................................‬‬
‫* القصص المختلقة عن عودتها إلى المدينة ‪474 .....................‬‬
‫* القصص المختلقة عن وفاة زينب الكبرى ‪476 .................. ‬‬
‫* خالصة ‪477 ..............................................‬‬
‫‪ 2‬ــ أسطورة سبي زينب الكبرى ‪ ‬ونساء أهل البيت‪478 ..................‬‬
‫* المسألة األولى‪ :‬نقد الروايات التي ورد فيها أمر السبي‪489 ............‬‬
‫أ ــ دراسة مرويات األخباريين في السبي ‪489 .......................‬‬

‫‪16‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫ب ــ التنبيه على نصوص مختلقة ومحرفة من عمل سبط ابن الجوزي ‪495 ..‬‬
‫ج ــ ضعف روايات اإلمامية في السبي ‪502 ........................‬‬
‫* المسألة الثانية‪ :‬تعارض روايات السبي مع روايات األسر ‪504 ..........‬‬
‫‪ 1‬ــ رواية حصين بن عبد الرحمن السلمي (‪ 136‬هـ) ‪504 ............‬‬
‫‪ 2‬ــ رواية الليث بن سعد (‪175‬هـ) ‪504 .........................‬‬
‫‪ 3‬ــ رواية ابن سعد (‪ 230‬هـ)‪505 .............................‬‬
‫‪ 4‬ــ رواية أبي حنيفة الدينوري (‪ 282‬هـ) ‪506 ....................‬‬
‫* المسألة الثالثة‪ :‬مناقشة متنية لروايات السبي ‪508 ....................‬‬
‫* المسألة الرابعة‪ :‬نقد العلماء والباحثين لقصة السبي ‪516 ..............‬‬
‫ــ تنبيه على تصحيف في >منهاج السنة< ظاهره إقرار شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية بوقوع السبي ‪518 ...................................‬‬
‫ــ نقد الباحثين المعاصرين لقضية السبي ‪519 ......................‬‬
‫ــ وقفة مع الشيخ اإلمامي علي الكوراني في إنكاره لوقوع السبي ‪520 ....‬‬
‫* خالصة ‪522 ..............................................‬‬
‫‪ 3‬ــ رواية المحمل ونسبة التطبير لزينب الكبرى ‪523 ................... ‬‬
‫أ ــ رواية المحمل ال أصل لها وهي من وضع قصاص القرن الحادي عشر ‪524 .‬‬
‫ب ــ دالئل على اختالق رواية المحمل‪526 .........................‬‬
‫ج ــ موازنة بين أقوال المثبتين لرواية المحمل‪ ،‬وبين القائلين بضعفها‬
‫وردها‪528 ..............................................‬‬
‫د ــ براءة زينب الكبرى ‪ ‬من التطبير ‪536 .........................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكبرى ‪541 .................. ‬‬
‫* القضية األولى القول بعصمة زينب الكبرى ‪543 ................. ‬‬
‫‪ 1‬ــ مفهوم العصمة الصغرى ‪543 ..............................‬‬
‫‪ 2‬ــ القول بالعصمة الصغرى لزينب الكبرى ‪ ‬ونشأته ‪546 .........‬‬

‫‪17‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪ 3‬ــ نقد دعوى العصمة الصغرى لزينب الكبرى ‪550 ............ ‬‬
‫‪ 4‬ــ نقد دعوى العصمة الكبرى لزينب الكبرى ‪561 ............. ‬‬
‫* القضية الثانية تفضيل زينب الكبرى ‪ ‬على األنبياء ‪563 .........‬‬
‫* القضية الثالثة تفضيل زينب الكبرى ‪ ‬على كل النساء سوى أمها فاطمة‬
‫‪568 ..................................................... ‬‬
‫ل‬ ‫ت‬
‫الفصل ا لحام س‪ :‬حفثق في مؤضع وفاة زينب الكبرى ‪ ‬والفثؤز امي سؤية اليها ‪575 .....‬‬
‫تمهيد عن القبور المنسوب إلى زينب الكبرى ‪578 ..................... ‬‬
‫المبحث األول إثبات وفاة زينب الكبرى ‪ ‬ودفنها بالمدينة ‪581 ...............‬‬
‫‪ 1‬ــ تحقيق وفاة زينب الكبرى ‪ ‬في المدينة ‪581 ........................‬‬
‫أ ــ أقوال علماء أهل السنة في دفن زينب الكبرى ‪ ‬بالمدينة ‪582 ............‬‬
‫ب ــ أقوال علماء اإلمامية في دفن زينب الكبرى ‪ ‬بالمدينة ‪585 ............‬‬
‫‪ 2‬ــ اعتراضات على القول بوفاة زينب الكبرى ‪ ‬في المدينة ‪591...........‬‬
‫* االعتراض األول‪ :‬عدم النص على موضع قبر زينب الكبرى ‪ ‬في‬
‫المدينة ‪591....................................................‬‬
‫* االعتراض الثاني‪ :‬عدم ورود زيارة لقبر زينب الكبرى ‪ ‬في المدينة عن‬
‫أهل البيت‪599 .................................................‬‬
‫المبحث الثاني تحقيق بطالن المشهد المنسوب لزينب الكبرى ‪ ‬في الشام ‪601 ....‬‬
‫‪ 1‬ــ تاريخ اختالق مشهد زينب الكبرى ‪ ‬في الشام ‪601 .....................‬‬
‫أ ــ تاريخ المشهد المنسوب لزينب الكبرى ‪ ‬في قرية راوية ‪601 ............‬‬
‫* تنبيه على عدم صحة نسبة قبر راوية إلى أم كلثوم الكبرى ‪616 .......... ‬‬
‫ب ــ ظهور القول بوفاة زينب الكبرى ‪ ‬في الشام عند اإلمامية في القرن‬
‫الثالث عشر للهجرة!‪618 ...........................................‬‬
‫ــ محمد حرز الدين (‪1365‬هـ) ‪621 ..................................‬‬

‫‪18‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫ــ فرج آل عمران القطيفي (‪1398‬هـ) ‪621 ..............................‬‬
‫ــ محمد حسنين السابقي‪621 ........................................‬‬
‫‪ 2‬ــ تحرير األقوال المختلفة في دفن زينب الكبرى ‪ ‬بالشام ‪623 ..............‬‬
‫أ ــ األقوال الواردة في تعيين دفينة قرية راوية‪623 .........................‬‬
‫القول األول‪ :‬إ ّنها أم كلثوم من أهل البيت‪ ،‬دون تعيين نسبها‪ ،‬ونفي كونها بنت‬
‫أو بنت علي ‪623 .................................... .‬‬ ‫النبي‬
‫القول الثاني‪ :‬إ ّنها أم كلثوم الكبرى ‪ ‬زوجة عمر بن الخطاب ‪624 ........‬‬
‫القول الثالث‪ :‬إ ّنها زينب الصغرى بنت علي ‪624 ...................... ‬‬
‫القول الرابع‪ :‬إنها امرأة من أهل البيت اللواتي كن مع الحسين ‪626 ......... ‬‬
‫القول الخامس‪ :‬إ ّنها زينب بنت عبد اهلل األصغر بن عقيل‪ ،‬من زوجته أم كلثوم‬
‫الصغرى ابنة علي ‪627 ......................................... ‬‬
‫القول السادس‪ :‬إ ّنها أم كلثوم بنت زينب الكبرى ‪627 .................. !‬‬
‫القول السابع‪ :‬إ ّنها زينب الكبرى بنت علي ‪627 ...................... .‬‬
‫ب ــ قوالن مهجوران في دفن زينب الكبرى ‪ ‬في مقبرة الشام ‪628 ..........‬‬
‫القول األول‪ :‬قبر زينب الكبرى ‪ ‬في مقبرة الباب الصغير ‪628 ..............‬‬
‫القول الثاني‪ :‬قبر زينب الكبرى ‪ ‬في حوالي الشام ‪632 ...................‬‬
‫‪ 3‬ــ أدلة بطالن المشهد المنسوب لزينب الكبرى ‪ ‬في الشام ‪634 ..............‬‬
‫ــ الدليل األول‪ :‬خلو كتب التواريخ والخطط المختصة بالشام من ذكر لوفاة‬
‫زينب ‪ ‬بالشام ‪634 .............................................‬‬
‫ــ الدليل الثاني‪ :‬خلو كتب فضائل الشام وكتب الزيارات الشامية من ذكر قبر‬
‫زينب الكبرى ‪636 .............................................‬‬
‫ــ الدليل الثالث‪ :‬خلو كتب الزيارات والمشاهد في التراث اإلمامي من تعيين‬
‫قبر زينب ‪638 ................................................ ‬‬
‫‪ 4‬ــ مناقشة األدلة التي استدل بها إلثبات دفن زينب الكبرى ‪ ‬في الشام‪645 ...‬‬

‫‪19‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫ــ الصنف األول‪ :‬أدلة مختلقة على وفاة زينب الكبرى ‪ ‬بالشام‪645 ..........‬‬
‫أ ــ رواية خروج عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬مع زينب الكبرى ‪ ‬إلى الشام بسبب‬
‫المجاعة ‪645 ....................................................‬‬
‫اعتراض جعفر مرتضى العاملي وتناقضه! ‪652 ..............................‬‬
‫ب ــ قصة العثور على صخرة في القبر المنسوب لزينب الكبرى ‪655 ....... ‬‬
‫ج ــ صك وقفية مرقد راوية ‪659 .................................. ‬‬
‫منع ثبوت صحة هذا الصك ‪660 .........................‬‬ ‫* الوجه األول‪ُ :‬‬
‫ــ الدليل األول ‪661 ...........................................‬‬
‫ــ الدليل الثاني ‪662 ...........................................‬‬
‫ــ الدليل الثالث‪663 ...........................................‬‬
‫ــ الدليل الرابع ‪664 ...........................................‬‬
‫ــ الدليل الخامس ‪665 .........................................‬‬
‫* الوجه الثاني في نقض االستدالل بالصك‪ :‬بمنع داللته على وفاة زينب‬
‫الكبرى ‪ ‬ودفنها في راوية ‪667 .....................................‬‬
‫ــ الصنف الثاني‪ :‬استدالالت خاطئة مبنية على سوء الفهم والتدليس والخيانة‬
‫في النقل ‪668 ...................................................‬‬
‫ــ الصنف الثالث‪ :‬كالم أصحاب كتب الزيارات وفضائل الشام ‪668 ...........‬‬
‫ــ الصنف الرابع‪ :‬كالم أصحاب كتب الرحالت عن قبر راوية ‪677 ............‬‬
‫ــ الصنف الخامس‪ :‬دعوى الشهرة‪682 .................................‬‬
‫ــ الصنف السادس‪ :‬ادعاء وقوع الكرامات عند القبر المنسوب لزينب الكبرى‬
‫‪685 ....................................................... ‬‬
‫‪ 5‬ــ نصوص المحققين من أهل العلم على بطالن القبر المنسوب لزينب الكبرى‬
‫‪ ‬في الشام ‪687 ................................................‬‬
‫أ ــ أقوال علماء أهل السنة‪687 .......................................‬‬

‫‪20‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫ب ــ أقوال علماء اإلمامية ‪692 .......................................‬‬
‫المبحث الثالث تحقيق بطالن المشهد المنسوب لزينب الكبرى ‪ ‬في مصر ‪695 ....‬‬
‫‪ 1‬ــ تاريخ اختالق مشهد زينب الكبرى ‪ ‬في مصر ‪695 .................‬‬
‫تنبيهات على عدم صحة ذكر بعض العلماء لقبر زينب الكبرى في قناطر السباع‬
‫قبل القرن العاشر ‪698 .............................................‬‬
‫أ ــ عدم صحة ادعاءات حسن قاسم عن وجود زينب الكبرى في مصر‬
‫قبل القرن العاشر ‪699 .........................................‬‬
‫ب ــ التنبيه على عدم صحة ذكر قبر زينب بنت علي ‪ ‬في رحلة خالد‬
‫بن عيسى البلوي‪702 ..........................................‬‬
‫ج ــ التنبيه على ما ورد في إحدى نسخ كتاب مصباح الدياجي البن‬
‫الناسخ ‪706............... ................................‬‬
‫‪ 2‬ــ تحرير األقوال المختلفة في تعيين دفينة قناطر السباع ‪709 ................‬‬
‫ــ القول األول‪ :‬أنها زينب الكبرى بنت علي ‪707 ...................... ‬‬
‫ــ القول الثاني‪ :‬أنها زينب بنت علي ‪ ،‬من غير فاطمة‪711................ .‬‬
‫ــ القول الثالث‪ :‬أنها زينب بنت يحيى المتوج‪712 ....................... .‬‬
‫ــ القول الرابع‪ :‬أنها زينب من نسل علي بن الحسين زين العابدين ‪713 .........‬‬
‫ــ القول الخامس‪ :‬أنها زينب بنت الحسين ‪714 ........................ ‬‬
‫ــ القول السادس‪ :‬أنها زينب بنت أحمد من ساللة محمد بن علي بن أبي طالب‬
‫المشهور بابن الحنفية ‪714 ..........................................‬‬
‫‪ 3‬ــ أدلة بطالن المشهد المنسوب لزينب الكبرى في قناطر السباع ‪716 .........‬‬
‫أ ــ لم ُتذكر زينب الكبرى ‪ ‬ضمن الصحابة الذين دخلوا مصر ‪716 ..........‬‬
‫ب ــ نص مؤرخي مصر على عدم وفاة أي ولد لصلب علي ‪ ‬في مصر ‪717 ....‬‬
‫ج ــ خلو كتب التاريخ والخطط والفضائل المختصة بمصر من ذكر قبر زينب‬
‫الكبرى ‪718 ................................................. ‬‬

‫‪21‬‬
‫‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫د ــ خلو كتب الزيارات والمشاهد المصرية والرحالت القديمة من ذكر قبر‬
‫زينب الكبرى ‪719 .............................................‬‬
‫‪ 4‬ــ نقد أدلة وفاة زينب الكبرى ‪ ‬في مصر ‪721 ........................‬‬
‫أ ــ روايات كتاب أخبار الزينبات‪721 ..................................‬‬
‫ب ــ الكشف ‪722 ................................................‬‬
‫‪ 5‬ــ نصوص المحققين من أهل العلم على بطالن قبر زينب الكبرى ‪ ‬في‬
‫مصر‪723 .......................................................‬‬
‫أ ــ أقوال علماء أهل السنة‪723 .......................................‬‬
‫ب ــ أقوال علماء اإلمامية ‪727 .......................................‬‬
‫المبحث الرابع تحقيق بطالن المقام المنسوب لزينب الكبرى ‪ ‬في العراق ‪729 ...‬‬
‫الخالصة ومسك الختام ‪731 ........................................‬‬

‫‪22‬‬
‫تقديم مربة اآلل واألصحاب‬

‫لصحاث‬ ‫نقديم مبرة ا أ‬


‫لل وا أ‬
‫‪$‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على أشرف األنبياء وإمام‬
‫الغر الميامين‪،‬‬
‫المرسلين‪ ،‬نبيِّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين‪ ،‬وصحابته ّ‬
‫وبعد؛‬
‫هذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ يلقي مزيدا من الضوء على‬
‫إحدى أعالم بيت النبوة وهي سليلة بيت النبوة والرسالة السيدة زينب الكبرى‬
‫وزوجة السيد الجليل عبد اهلل بن‬ ‫‪ ‬بنت علي وفاطمة ‪ ،‬حفيدة النبي‬
‫جعفر بن أبي طالب ‪.‬‬
‫وهذه السيدة الجليلة قد نالها حظ كبير من التأليف في سيرتها والكتابة عن‬
‫محاسنها وفضائلها‪ ،‬غير أن الكثير من هذه الكتابات اعتمد على تراث غير‬
‫موثوق‪ ،‬وعلى روايات غير معتبرة‪ ،‬مما أدى إلى تصوير سيرة زينب على غير ما‬
‫كانت عليه‪ ،‬حتى صار بعض ما يحكى في سيرتها من المسلمات في أذهان كثير‬
‫من الناس‪ ،‬وتأتي هذه الدراسة لتسهم في تنقية سيرة زينب الكبرى من كثير من‬
‫الروايات والمفاهيم الخاطئة التي راجت عنها‪ ،‬وهو منهج سلكته المبرة في عدد‬
‫من إصداراتها‪.‬‬
‫المجالين‬ ‫أثرها في‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫لقد أسهمت المبر ُة إسهامات متواضعة‪ ،‬نحسب أ ّن لها َ‬
‫المشار إليهما آنفا‪ :‬المجال البحثي والمجال اإلبداعي‪ ،‬فقدمت عددا من‬
‫األبحاث العلمية الرصينة‪ ،‬التاريخية والموضوعية‪ ،‬حول اآلل واألصحاب‪ ،‬في‬
‫‪23‬‬
‫تقديم مربة اآلل واألصحاب‬

‫األعمال األدبية المتعلقة باآلل‬


‫َ‬ ‫مجاالت وتخصصات كثيرة‪ .‬وق ّدمت أيضا‬
‫واألصحاب‪ ،‬شعرا وبالغة وأدبا ورواية‪.‬‬
‫لقرائها هذا اإلصدار الجديد‪ ،‬ل َ َت ْر ُجو أن تكون قد أضافت‬
‫والمبر ُة إذ تق ِّدم َّ‬
‫إلى مجالها الذي تخصصت فيه وأخلصت له؛ مزيدا من األلَق واإلبداع الذي يؤ ّثر‬
‫في النفوس واألخالق‪ ،‬ويُحيي هذه القدوات في حياة جميع المسلمين‪ :‬طاق َة‬
‫حب‪ ،‬وإخالص‪ ،‬وصدق‪.‬‬

‫مبــــرة ألآل وألآصحَـ ـ ـاب‬

‫‪24‬‬
‫تقدمة‬

‫نقدمة‬
‫‪$‬‬
‫إ َّن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال‬
‫إله إال اهلل وحده ال شريك له وأن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬

‫أام دعب؛‬
‫يعتقد أهل السنة أن حب آل البيت ‪ ‬من اإليمان‪ ،‬إذ أنهم أهل النبي‬
‫‪> :‬ال يؤمن‬ ‫وصفوته وأقرب الناس إليه نسبا ودما‪ ،‬وقد قال النبي‬
‫أحدكم‪ ،‬حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين<(‪ ،)1‬وال ريب أ ّن‬
‫سيحب أهل بيته ‪ ،‬ولذا ترى تراث علماء المسلمين‬ ‫من يحب النبي‬
‫على مر التاريخ زاخرا بالثناء على آل البيت رضوان اهلل عليهم أجمعين ومدحهم‬
‫وبيان حقوقهم على المسلمين‪ ،‬فضال عن المصنفات المفردة في سيرهم‬
‫وتراجمهم ومحاسنهم‪ ،‬وهذا كان الدافع األول الذي حملني على الكتابة عن‬
‫‪ ،‬وبنت علي وفاطمة ‪،‬‬ ‫زينب بنت علي ‪ ،‬فزينب هي حفيدة النبي‬
‫وهي من شخصيات آل البيت التي ُخطّت عنها الكثير من الكتابات قديما وحديثا‪،‬‬
‫التعريف بحفيدته وابنة بضعته ‪ ،‬وحين كنت‬ ‫فال ريب أن من مودة النبي‬
‫أكتب عن أختها أم كلثوم ‪ ‬وعن زواجها المبارك بالفاروق عمر ‪ ،‬كانت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪ )14‬و(‪ ،)15‬صحيح مسلم (‪ )77‬و(‪.)78‬‬

‫‪25‬‬
‫تقدمة‬

‫تستوقفني بعض الكتابات التي كانت تقارن بين أم كلثوم وزينب ‪ ،‬وت ّدعي أن‬
‫لزينب شهرة وفضال أكثر من أختها الشقيقة أم كلثوم‪ ،‬فدعاني ذلك إلى البحث‬
‫في ترجمة زينب وتفحص أخبارها‪ ،‬وال ّتحقق من صحة هذه الدعوى‪ ،‬فلما‬
‫درست ما أُلّف عن زينب من الكتب وهي بالعشرات ــ وقد طالعت جلَّها ــ وقارنته‬
‫مع ما ُد ِّون عنها في المصادر األصلية للتراث‪ ،‬هالني حجم البون الشاسع بين‬
‫سيرة زينب الحقيقية ــ والتي خ ِفي عنا الكثير منها ولم يُنقل في المصادر األصلية‬
‫منها إال اليسير ــ‪ ،‬وبين ما ُسطِّر في الكتب التي أل ِّفت عنها في العصور المتأخرة‪،‬‬
‫فرأيت أن من الواجب أن أتعرض لرد هذا الزيف عن زينب ‪ ‬وأحاول أن أص ِّف َي‬
‫سيرتها وترجمتها من األكاذيب واألخلوقات واألفائك التي ألصقت بها‪،‬‬
‫بحث إلى أ ّن أعظم الظلم لزينب وسيرتها هو الغفل ُة عن هذا‬‫ٍ‬ ‫وانتهيت بعد طول‬
‫شوه سيرتها البيضاء النقية الناصعة‪ ،‬إن زينب بنت علي ‪‬‬ ‫التزوير الشنيع الذي َّ‬
‫شخصية مظلومة فعال‪ ،‬ليس لما يُنسب لها من أنها أُ ِسرت في كربالء‪ ،‬وأُهينت‬
‫وسبيت في الشام‪ ،‬وأن أخاها الحسين ‪ ‬قُتل أمام ناظريها وغير ذلك من‬ ‫ُ‬
‫القصص المنسوبة لها‪ ،‬مما سأثبت بطالنه وكونه من األكاذيب التي لم يُكتب لها‬
‫أن ُتنتقد في المصنفات التاريخية‪ ،‬بل إن زينب ‪ ‬مظلومة لكثرة ما ُكذب عليها‬
‫ونُسب إليها من األكاذيب والزور والبهتان في كتب التواريخ واألخباريين‬
‫وأصحاب األهواء‪ ،‬دون أن يتصدى أح ٌد ــ خالل كل هذه العقود ــ إال في القليل‬
‫النادر لتبرئة زينب وصيانة ساحتها من سائر المخاريق التي أُلصقت بها‪ ،‬وأحالت‬
‫سيرتها من شخصية مصونة مستورة‪ ،‬لم يُنقل عنها في التراث الصحيح والتاريخ‬
‫أي عيب أو مهانة‪ ،‬إلى امرأة تعاني الويالت في السفر إلى كربالء ثم‬ ‫الصافي ُّ‬
‫تهان وتؤسر وتسبى بزعمهم‪ ،‬ويُهتك سترها وحجابها أمام األجانب‪ ،‬وتح ِملها‬

‫‪26‬‬
‫تقدمة‬

‫كثر ُة المصائب والمدلهمات التي تنزل بها على ترك الصبر‪ ،‬والمبالغة في الجزع‬
‫على النساء تركها ّلما كان‬ ‫والحزن‪ ،‬بل وتقع في المناهي التي اشترط النبي‬
‫كشق الجيوب‬ ‫يبايعهن ــ كالنَّوح ــ‪ ،‬وتأتي الصنائع التي برئ منها النبي‬
‫ولطم الصدور‪ ،‬وغيرها من ِخالل الجاهلية التي نهى عنها ج ِّدها محمد ‪،‬‬
‫وهذه األفعال التي افتراها األخباريون على زينب ‪ ‬صارت قصصا تحكى في‬
‫مجالس العزاء التي تعقد كل سنة‪ ،‬وتتلى على المنابر‪ ،‬وكأنها حقائق ُم َسلَّمة‪،‬‬
‫وقد أدى االعتماد على هذه األباطيل واألكاذيب المروية في التاريخ إلى ظهور‬
‫صور عديدة من الغلو في زينب‪ ،‬وهذا الغلو تارة يكون في اإلفراط في ادعاء‬
‫مظلوميتها‪ ،‬وأن ما نالها من النوائب لم ينل أحدا من العالمين بمن فيهم األنبياء‬
‫ّ‬
‫والمرسلون‪ ،‬وتارة في اإلفراط في حبها وفضائلها‪ ،‬حتى بلغ اإلفراط عند بعضهم‬
‫إلى القول بعصمتها‪ ،‬وتفضيلها على األنبياء والمرسلين‪ ،‬والتصديق بكثير من‬
‫قصص المخاريق والكرامات التي تنسب لها في حياتها وبعد مماتها‪ ،‬ومثل هذا‬
‫ونظائره من الغلو والتساهل في نقل الروايات الباطلة هو ما جعل الباحث اإلمامي‬
‫محمد الريشهري يقول‪> :‬إن نقل الروايات المشينة بأهل البيت ‪ ‬والتي ُ‬
‫تح ّط‬
‫الغلو وهو رفع أهل البيت ‪ ‬إلى‬ ‫من قدرهم‪ ،‬من آفات مجالس العزاء‪ ،‬كذلك ّ‬
‫مكانة تفوق منزلتهم هو آفة لها أيضا‪ ،‬ولألسف الشديد فإ ّننا نرى كال األمرين في‬
‫بعض هذه المجالس<(‪ ،)1‬وأصل البالء كله‪ ،‬من تلك الروايات المختلقة عن‬
‫زينب‪ ،‬ولذا كان من الواجب التصدي لبيان بطالن هذه الروايات‪ ،‬وإظهار مواضع‬
‫الخلل والزلل في أسانيدها ومتونها‪ ،‬حتى تبرأ الذمة من تبعاتها‪ ،‬وحتى يتبين‬
‫وأخبار‬
‫ُ‬ ‫لكثير من عامة الناس الذين يصدقون بهذه المرويات أنها أحاديث كذب‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪.)120‬‬

‫‪27‬‬
‫تقدمة‬

‫زور‪ ،‬انتشرت وفشت بسبب الغفلة‪ ،‬بل وتتحول بعض هذه الحوادث المنسوبة‬
‫إلى زينب إلى شعارات ُتسفك ألجلها الدماء و ُتبذل ألجلها المهج واألموال‪،‬‬
‫وتزيد شرخ الطائفية في األمة‪ ،‬وغيرها من المفاسد والمصائب التي ابتليت بها‬
‫أستعين في تفنيد وتكذيب هذه الروايات التي شانت سيرة‬
‫ُ‬ ‫سيرة زينب ‪ ،‬فاهللَ‬
‫زينب‪ .‬ثم إن من األمور المحيِّرة والتي ال تزال تبعث على االستغراب‪ ،‬هو كثرة‬
‫المراقد والمزارات التي ُتنسب إلى زينب في األقطار واألمصار‪ ،‬بل إن بعض‬
‫هذه المراقد التي تنسب لها‪ ،‬بلغت من الشهرة حدا يصير معه إنكار انتساب ذلك‬
‫الموضع إليها من المستغربات عند العوام‪ ،‬فترى آالف الناس يقصدون هذه‬
‫األماكن للزيارة‪ ،‬معتقدين بأنها موضع وفاة زينب ‪ ،‬ففي مصر يوجد مسجد‬
‫ضخم ُشيِّد على مكان يُ َّدعى أنه موضع وفاة زينب‪ ،‬وفي الشام مسجد آخر يزوره‬
‫اآلالف من العوام ظا ّنين أنه مرقد زينب‪ ،‬وفي سنجار موضع ينسب إلى زينب‬
‫ويُ َّدعى أنه مرقدها‪ ،‬ومع استحالة أن يكون إلنسان واحد أكثر من موضع مات‬
‫فيه‪ ،‬إال أن هذه المواضع ُع ِّمرت وصارت محجا ومزارا لكثير من العوام الذين‬
‫لم يجدوا من يهديهم إلى الحق والصواب‪ ،‬بل ــ ويا للعجب ــ فلقبرها المنسوب‬
‫لها في الشام خوارق وكرامات‪ ،‬ولقبرها المنسوب لها في مصر كرامات‬
‫ومعجزات‪ ،‬بل إن األغرب واألعجب أنك تجد من ينافح عن هذه الظاهرة الغريبة‬
‫والمستنكرة‪ ،‬ويصنف في إثبات دفن زينب في مصر أو الشام!‪ ،‬بل إن بعضهم‬
‫ال يجد ضيرا في وجود أكثر من قبر منسوب لزينب‪ ،‬ويحث الناس على زيارة‬
‫عشت أراك الدهر عجبا!‪ ،‬وهذا ما حملني على تتبع أصل‬ ‫هذه األماكن كلها! وما َ‬
‫وتاريخ هذه المراقد المنسوبة لزينب وبيان حقيقتها للناس‪ ،‬خاصة أني وجدت‬
‫ما أُل ِّف في بيان حقيقة هذه المراقد المزورة‪ ،‬قليال بل نادرا وال يتعدى وريقات‬

‫‪28‬‬
‫تقدمة‬

‫قليلة‪ ،‬في مقابل عشرات الدراسات والمؤلفات التي صنفت في محاولة إثبات‬
‫صحة هذه المراقد والمشاهد غير الثابتة‪ ،‬وفي الختام‪ ،‬أرجو أن أكون وفَّيت‬
‫الحفيدة النبوية والبضعة العلوية زينب الكبرى ‪ ،‬شيئا من حقها‪ ،‬بتبرئتها من‬
‫األكاذيب التي ألصقت بتاريخها‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫حـ ـ ـافـ ـظ أس ــ ـدرم‬


‫َ‬
‫الباحث يف مركز البحوث والدراسات باملربة‬

‫‪29‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫يمهيد في ترجمة زينب الكبرى ‪‬‬


‫‪$‬‬
‫اسمها ‪‬‬
‫اختلف في معنى اسم زينب‪ ،‬فنقل أبو منصور األزهري عن أبي عمرو‬
‫نب يَ ْزنَب‬ ‫سمي ِ‬
‫ت المرأ ُة َز ْينَب‪َ ،‬وقد َز َ‬ ‫السمين‪َ ،‬وبِه ّ‬
‫األزنَ ُب‪َّ :‬‬
‫الشيباني أنه قال‪ْ > :‬‬
‫زنبا‪ِ :‬إذا َس ِمن<‪.‬‬
‫شجر َحسن المنظر طيب‬
‫ٌ‬ ‫األعرابي أنه قال‪> :‬ال َّز ْينَ ُب‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ثم نقل عن ْابن‬
‫الش َج َرة<(‪.)1‬‬ ‫الرائِ َحة‪َ ،‬وبِه ُس ِّميت المرأَة َزينب ب َِه ِذهِ َّ‬
‫َّ‬
‫ولعل قول ابن األعرابي هو األقرب‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫سمي كبرى بناته من فاطمة ‪ ‬باسم زينب‪ ،‬ولعل‬ ‫وقد اختار علي ‪ ‬أن يُ ِّ‬
‫ذلك كان منه تيمنا بخالتها زينب ‪ ،‬فإنَّه ‪ ‬قد ّ‬
‫سمى جملة من بناته بأسماء‬
‫وس ّمى‬
‫فسمى صغرى بنتيه من فاطمة باسم >أم كلثوم<‪َ ،‬‬ ‫أخوات فاطمة ‪ّ ،‬‬
‫الصهباء التغلبية باسم > ُر َّقية<‪.‬‬
‫ابنته من َّ‬
‫وقد كان ِمن دأب علي ‪ ‬التيمن بأسماء من يحبهم‪ ،‬وعلى رأسهم حبيبه‬
‫سمى علي ‪ ‬ثالثة من أبنائه باسم محمد ‪،‬‬ ‫وابن عمه محمد ‪ ،‬فقد ّ‬
‫سمى ثالثة من‬ ‫وكذلك زوجته فاطمة ‪ ،‬فقد ّ‬
‫سمى ابنة له باسمها‪ ،‬كما أنه ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تهذيب اللغة (‪.)157/13‬‬

‫‪30‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫أبنائه بأسماء الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان ‪.)1(‬‬


‫نسبها ‪‬‬
‫‪.‬‬ ‫هي زينب بنت علي بن أبي طالب ‪ ،‬وأمها فاطمة ‪ ‬بنت محمد‬
‫وابنة حيدرة علي ‪ ‬وبضعة فاطمة سيد النساء‬ ‫فهي حفيدة النبي‬
‫‪ ،‬وأخت الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ‪ ،‬وشقيقة أم كلثوم‬
‫‪ ،‬وأبوها خليفة‪ ،‬وأخوها خليفة‪،‬‬ ‫زوجة عمر الفاروق ‪ ،‬ج ُّدها نبي‬
‫وأختها زوجة خليفة‪ ،‬فهي سليلة بيت النبوة والشرف والمجد‪.‬‬

‫كنيتها ‪‬‬

‫كانت زينب ‪ ‬تكنى أم جعفر‪ ،‬قال ّ‬


‫النسابة الزبير بن بكار في >الموفقيات<‪:‬‬
‫>أم جعفر زينب بنت علي بن أبي طالب<(‪.)2‬‬
‫وذكر النسابة اإلمامي أبو الحسن العمري(‪ )3‬أنها كانت تكنى أم الحسن(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر‪ :‬أسماء أبناء علي ‪ ‬في طبقات ابن سعد (‪ 17/3‬ــ ‪ ،)18‬ونسب قريش لمصعب الزبيري‬ ‫(‪)1‬‬
‫(ص‪ 40‬ــ ‪ ،)44‬أنساب األشراف (‪ 189/2‬ــ ‪ ،)149‬ومن مصادر اإلمامية‪ :‬اإلرشاد للمفيد‬
‫(ص‪ 354‬ــ ‪ ،)355‬المجدي في أنساب الطالبيين للعمري (ص‪.)12‬‬
‫األخبار الموفقيات (ص ‪.)75‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ترجم له المرجع محمد حسين المرعشي النجفي ترجمة مطولة في مقدمته لكتاب المجدي في‬ ‫(‪)3‬‬
‫أنساب الطالبيين سماها >المجدي في حياة صاحب المجدي<‪ ،‬وأورد فيها ثناء علماء اإلمامية‬
‫عليه‪ ،‬ونص على كونه إماميا‪ ،‬واستدل بقول العمري في المجدي (ص‪> :)354‬ونحن اثنا‬
‫عشرية<‪ ،‬وقد نقل العمري بعدها شعرا لعلي بن حماد في النص على إمامة االثني عشر‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫>وهذا كالم حسن وحجة قوية<‪.‬‬
‫المجدي في أنساب الطالبيين (ص ‪.)18‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪31‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫وأستبعد صحة ذلك ألني لم أقف عليه عند من سبقه(‪ ،)1‬فاألصح أنها‬
‫كانت ُتكنى بأم جعفر‪ ،‬مثل زوجها عبد اهلل بن جعفر فإ ّنه كان ي ُكنى أبا جعفر(‪،)2‬‬
‫وهو جعفر األكبر وأمه زينب ‪.‬‬
‫وزعم بعض المتأخرين أن كنيتها أم كلثوم‪ ،‬وهذا أمر مستبعد وال يقوم عليه‬
‫دليل‪ ،‬وال أظنه إال وهما‪ ،‬منشؤه غلط بعض الرواة في ذكر اسم أم كلثوم بدل‬
‫زينب في بعض الروايات(‪.)3‬‬

‫لقبها ‪‬‬
‫درج النسابون على إطالق وصف >الكبرى< على زينب(‪ ،)4‬تمييزا لها عن‬
‫أختها غير الشقيقة زينب >الصغرى< المولودة من أم ولد‪ ،‬ونسب بعض‬
‫المتأخرين إلى زينب الكبرى عدة ألقاب‪ ،‬وأشهرها وأقدمها لقب >العقيلة<(‪،)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقد صرح جعفر النقدي اإلمامي بأنه لم يقف على مستند هذه الكنية فقال‪> :‬كما ُتكنى بأم الحسن‬ ‫(‪)1‬‬
‫أيضا‪ ،‬ولم نقف له على حقيقة<‪ ،‬زينب الكبرى (ص ‪.)16‬‬
‫روى اإلمام أحمد في العلل برقم (‪ ،)2732‬عن عبد اهلل بن الزبير ‪ ‬أنه قال لعبد اهلل بن جعفر‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪> :‬يا أبا جعفر<‪ ،‬وإسناده متصل صحيح رجاله كلهم ثقات‪ ،‬وقال مصعب الزبيري في نسب‬
‫قريش (ص ‪> :)82‬ولد عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب‪ :‬جعفرا األكبر‪ ،‬به كان يكنى< وذكر بع ُد‬
‫(ص ‪ )83‬أن أم جعفر هي زينب الكبرى‪.‬‬
‫وسيأتي مزيد من التفصيل عن هذه القضية عند نقد كتاب >مرقد العقيلة زينب<‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الطبقات البن سعد (‪ ،)17/3‬أنساب األشراف (‪ ،)189/2‬الذرية الطاهرة (ص ‪ ،)119‬تاريخ‬ ‫(‪)4‬‬
‫وأصحابه العشرة (‪ ،)200/2‬المجدي في‬ ‫دمشق (‪ ،)174/69‬الجوهرة في نسب النبي‬
‫أنساب الطالبيين (ص‪.)18‬‬
‫والعقيلة هي الكريمة من النساء كما في لسان العرب (‪ ،)463/11‬وال ريب أن زينب كذلك وإنما‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الكالم في ثبوت هذا اللقب من جهة الرواية والتاريخ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫تفرد أبو الفرج األصفهاني بذكره مستندا إلى رواية منسوبة إلى زينب‪،‬‬
‫وهو لقب َّ‬
‫ولم نجد له أثرا عند من سبقه من علماء النسب‪ ،‬كما أن الرواية التي اعتمد عليها‬
‫ال ترقى إلى الصحة(‪.)1‬‬
‫ومن األلقاب التي تلقب بها زينب عند المعاصرين‪ ،‬لقب >الحوراء<(‪،)2‬‬
‫وهذا اللقب لم يرد في أي رواية من روايات اإلمامية‪ ،‬بل جاء في رواياتهم تلقيب‬
‫فاطمة ‪ ‬بالحوراء(‪ ،)3‬فيظهر أ َّن تلقيب بعض المتأخرين لزينب بلقب الحوراء‬
‫هو اقتباس من هذه الرواية التي وردت في فاطمة ‪.‬‬
‫ويالحظ أ َّن هذه األلقاب لم تظهر إال في كتب متأخرة جدا‪ ،‬وتحديدا في‬
‫أصل في الروايات وال في كتب التواريخ‬
‫القرن الثالث عشر فما بعده‪ ،‬وليس لها ٌ‬
‫العتيقة‪ ،‬وإنما هي من توليد المتأخرين‪ ،‬وألجل ذلك ال أستغرب أن تصل ألقاب‬
‫زينب عند بعضهم إلى أكثر من ثالثين لقبا(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قال أبو الفرج األصفهاني‪> :‬والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كالم فاطمة في فدك‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ح ّدثتني عقيلتنا زينب بنت علي<‪ ،‬مقاتل الطالبيين (ص ‪ ،)95‬ولم يذكر إسنادا لهذه الرواية‪،‬‬
‫ولذا فهذه الرواية غير معتمدة‪.‬‬
‫الحوراء هي شديدة بياض العين‪ ،‬جاء تلقيب زينب بالحوراء في كتاب >عصمة الحوراء زينب<‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وكتاب >النوران الزهراء والحوراء< كالمهما لعادل العلوي‪ ،‬وكذا كتاب محمد جميل حمود‬
‫الغراء في تفضيل سيدتنا الص ّديقة الكبرى زينب الحوراء على السيدة مريم العذراء<‪،‬‬
‫>الحقيقة ّ‬
‫وانظر‪ :‬شجرة طوبى (‪ ،)121/1( ،)62/1‬المجالس العاشورائية في المآتم الحسينية (ص ‪،396‬‬
‫ص ‪ ،)469‬الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (‪.)116/13‬‬
‫انظر مثال‪ :‬دالئل اإلمامة (ص‪ ،124‬ص‪ ،)148‬األمالي البن بابويه القمي (ص‪ ،)175‬تهذيب‬ ‫(‪)3‬‬
‫األحكام (‪ ،)10/6‬مصباح المتهجد (ص‪ ،)712‬الثاقب في المناقب (ص‪.)280‬‬
‫انظرها في‪ :‬الخصائص الزينبية (ص ‪ 51‬ــ ‪.)52‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪33‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫والدتها ‪‬‬
‫لم أقف على نص في تاريخ والدة زينب ‪ ،)1(‬والظاهر أنها ولدت في‬
‫السنة الخامسة للهجرة‪ ،‬بعد والدة أخيها الحسين ‪ ،‬وقبل والدة أختها أم‬
‫كلثوم ‪ ‬التي نص الذهبي على أنها ولدت في السنة السادسة(‪.)2‬‬
‫والغالب على الظن أنها ولدت آخر السنة الخامسة قبل واقعة الكساء‪،‬‬
‫حين دعا أهل بيته دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ‪،‬‬ ‫وذلك أ ّن النبي‬
‫ولو كانت زينب قد ولدت‪ ،‬لدعاها النبي ‪.‬‬
‫تنبه محب الدين الطبري إلى هذه النكتة اللطيفة فقال‪> :‬الفصل السابع‪:‬‬
‫وقد َّ‬
‫ِ‬
‫في ذكر زينب بنت فاطمة وعلي ‪ ،‬وإنما أُ ِّخر ذ ُ‬
‫كرها وذكر أختها أم كلثوم‪،‬‬
‫عن أحاديث أهل البيت المشار إليهم في اآلية‪ ،‬ألن أحاديث أهل البيت المذكورة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أما زعم جعفر النقدي في كتابه زينب الكبرى (ص ‪ )18‬أنها ولدت في خامس جمادى األولى‪،‬‬
‫ونقل غالب اإلمامية المعاصرين ذلك عنه‪ ،‬فهو مجرد زعم ال أصل له وال دليل عليه‪ ،‬وإنما جاء‬ ‫ُ‬
‫به ــ كما هو جل مادة كتابه ــ من بعض المؤلفين المتأخرين من أهل القرن الثالث عشر‪ ،‬وال يعقل‬
‫أن يخفى هذا عن سائر أهل العلم طوال ثالثة عشر قرنا‪ ،‬وقد تعقبه الشيخ اإلمامي فضل علي‬
‫القزويني فقال في كتابه اإلمام الحسين ‪ ‬وأصحابه (‪> :)103/3‬ما ذكره العالمة النقدي‪...‬‬
‫قول بال دليل بل بال تحقيق‪ ،‬ولم يسنده إلى رواية أو كتاب<‪ ،‬ثم قال بعدما نقل عن النقدي أقواال‬
‫أخرى في تاريخ والدة زينب (‪> :)104/3‬ليت شعري في أي كتاب ذلك‪ ،‬وأي قائل قال بذلك؟‬
‫وقد تفحصنا في جملة من كتب العامة والخاصة ولم نر لذلك عينا وال أثرا وال قوال وال قائال<‪.‬‬
‫ونظيره زعم جبر سراج في كتابه السيدة زينب في قلوب المحبين (ص ‪ )5‬أن زينب ولدت في‬
‫شهر شعبان!‬
‫ونظيره أيضا زعم بعض الذين يحتفلون بمولد زينب في مصر أنها ولدت في ‪ 28‬رجب‪ ،‬فكل‬
‫ذلك ال أصل له‪.‬‬
‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء (‪.)500/3‬‬

‫‪34‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫لم تتضمنهما ألنهما واهلل أعلم لم يكونا موجودتين حين نزول اآلية وتجليلهم‬
‫بالكساء<(‪ ،)1‬وقد أجاد فيما أفاد‪.‬‬
‫وإذا علمنا أ ّن سورة األحزاب نزلت بعد غزوة الخندق(‪ )2‬ــ وغزوة الخندق‬
‫كانت في السنة الخامسة من الهجرة على أرجح األقوال(‪ )3‬ــ تكون النتيجة أ ّن‬
‫زينب ‪ ‬ولدت في آخر السنة الخامسة للهجرة النبوية‪.‬‬
‫فضة كما صنعت مع‬ ‫وقد تصدقت فاطمة ‪ ‬بوزن شعر ابنتها زينب ‪ّ ‬‬
‫سائر أبنائها‪ ،‬فقد قال محمد بن علي الباقر ‪> :‬وزنت فاطمة بنت رسول اهلل‬
‫شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم‪ ،‬فتص ّدقت بزنة ذلك فضة<(‪.)4‬‬

‫فضائلها ومناقبها ‪‬‬


‫لم يرد لزينب ‪ ‬في السنة النبوية فضائل خاصة بها‪ ،‬شأنها شأن أختها أم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذخائر العقبى (ص ‪.)167‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪ ،)274/15‬الموسوعة القرآنية لجعفر شرف الدين (‪ ،)91/7‬ومن‬ ‫(‪)2‬‬
‫كتب اإلمامية‪ :‬األمثل في تفسير كتاب اهلل المنزل لناصر مكارم الشيرازي (‪.)171/13‬‬
‫انظر تفصيل ذلك في كتاب مرويات غزوة الخندق (ص ‪ 61‬ــ ‪ )79‬للدكتور إبراهيم بن محمد‬ ‫(‪)3‬‬
‫المدخلي‪ ،‬فقد استوفى نقل الخالف في المسألة وعرض أدلة كل قول ورجح أن غزوة الخندق‬
‫كانت في السنة الخامسة‪.‬‬
‫رواه مالك في الموطأ (‪ )716/3‬عن جعفر الصادق عن أبيه الباقر‪ ،‬وإسناده صحيح إلى الباقر‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫واحتمال ثبوت الواقعة قوي‪ ،‬أل َّن الباقر ال يمكن أن يعرف مثل هذا إال بالرواية‪ ،‬وواضح أ ّن هذا‬
‫مما تناقله عن أجداده من أهل البيت‪ ،‬وانظر >نسبا وصهرا إثبات زواج عمر ‪ ‬من أم كلثوم بنت‬
‫علي ‪ <‬من إصدارات المبرة (ص‪ 45‬الهامش ‪.)1‬‬
‫تنبيه‪ :‬وقع لي وهم في كتابي >نسب ًا وصهر ًا ص‪ ،<44‬إذ كتبت ذهب ًا بدل فضة‪ ،‬والصواب >فضة<‬
‫وسيعدل هذا الخطأ في الطبعات الالحقة إن شاء الل‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫كلثوم ‪ ،‬وليس هذا مما يحط من شأن زينب ‪ ‬إذ أنها مشمولة بفضيلة‬
‫ورأته وذكرها جماعة من العلماء‬ ‫الصحبة العامة‪ ،‬فزينب ‪ ‬أدركت النبي‬
‫في صغار الصحابة(‪ ،)1‬كما أنها ‪ ‬مشمولة بالفضائل العامة التي وردت ألهل‬
‫من بني هاشم كما في قوله ‪> :‬إ َّن اهلل‬ ‫البيت ‪ ،‬من اصطفاء النبي‬
‫اصطفى كنانة من ولد إسماعيل‪ ،‬واصطفى قريشا من كنانة‪ ،‬واصطفى من قريش‬
‫بأهل بيته‬ ‫بني هاشم‪ ،‬واصطفاني من بني هاشم<(‪ ،)2‬ومشمولة بوصية النبي‬
‫‪> :‬أُذ ِّكركم اهلل في أهل بيتي<(‪ ،)3‬وقول الصديق ‪> :‬ارقبوا‬ ‫حين قال‬
‫محمدا في أهل بيته<(‪.)4‬‬
‫وال ريب في كونها من التقيات العابدات العفيفات‪ ،‬فزينب قد نشأت‬
‫وتربت في كنف بيت من أشرف بيوت بني هاشم‪ ،‬يرعاها أبوها علي ‪،‬‬
‫وتح ّفها أمها فاطمة ‪ ‬بالعناية والرعاية وحسن التربية والتأديب‪ ،‬ولذا فال غرابة‬
‫في أن يختارها عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬زوجة له‪.‬‬
‫عمها عبد الل بن جعفر ‪‬‬
‫زواجها من ابن ِّ‬
‫تزوجت زينب بنت علي ‪ ‬بابن عمها عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب ‪،‬‬
‫وهو الصحابي المشهور الملقب بالجواد‪ ،‬ولم يُنقل تاريخ هذا الزواج‪ ،‬إال أن‬
‫غالب الظن أنه وقع قبل سنة ‪ 17‬هـ‪ ،‬أل ّن عمر بن الخطاب ‪ ‬خطب في هذه‬
‫السنة أم كلثوم أخت زينب ‪ ،)5(‬وكان مراد عمر ‪ ‬من تلك المصاهرة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أسد الغابة (‪ ،)134/7‬الجامع لما في المصنفات الجوامع (‪ ،)301/6‬اإلصابة (‪.)166/8‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫صحيح مسلم (‪.)6002‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫صحيح مسلم (‪.)6304‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫صحيح البخاري (‪.)3713‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ )69/4‬عن الواقدي‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪36‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫االتصال بالنسب النبوي‪ ،‬فلو كانت زينب حينها غير متزوجة‪ ،‬لكانت أولى‬
‫بالخطبة من أختها أم كلثوم لكونها أكبر سنا منها‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)1‬‬
‫ثم إن زينب كانت الزوجة األولى لعبد اهلل بن جعفر(‪ ،)2‬فقد مضى أ َّن‬
‫ّ‬
‫عبد اهلل بن جعفر كان يكنى بأبي جعفر‪ ،‬وأم جعفر هي زينب ‪. ‬‬
‫(‪)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد وقع في مستدرك الحاكم (‪ )4743‬أن عمر ‪ ‬لما خطب أم كلثوم من علي‪ ،‬أجابه علي ‪‬‬
‫فقال‪> :‬إني أرصدها البن أخي عبد اهلل بن جعفر<‪ ،‬قلت‪ :‬هذا الخبر ُمعل سندا ومتنا‪ ،‬وأما السند‬
‫فإ َّن الناس رووه من طريق معلى بن أسد عن وهيب بن خالد عن جعفر عن أبيه مرسال‪ ،‬وأما رواية‬
‫الحاكم فزيد في إسنادها علي بن الحسين فهذه الزيادة غل ٌط‪ ،‬وأما المتن‪ ،‬فكل من روى خبر معلى‬
‫ابن أسد ذكر أ ّن عليا إنما قال‪> :‬إني أرصدها البن أخي<‪ ،‬ولم يُسمه في المتن‪ ،‬فزيادة عبد اهلل‬
‫ابن جعفر في رواية الحاكم شاذة‪ .‬وانظر‪ :‬فضائل الصحابة ألحمد والرواية من زيادات القطيعي‬
‫على الفضائل (‪ ،)1069‬والشريعة لآلجري (‪ ،)1713‬و(‪.)1820‬‬
‫ويشهد له أيضا الطرق األخرى عن جعفر بن محمد‪ ،‬ففيها‪> :‬إنما حبست بناتي على بني جعفر<‪.‬‬
‫انظر‪ :‬طبقات ابن سعد (‪ ،)463/8‬وسنن سعيد بن منصور (‪ ،)520‬والمعجم الكبير للطبراني‬
‫(‪ ،)2633‬وحلية األولياء (‪ ،)34/2‬والشريعة لآلجري (‪ ،)1712‬و(‪.)1819‬‬
‫وورد في طرق أخرى ضعيفة أ َّن عليا ‪ ‬قال‪> :‬إني أعددتها البن أخي جعفر<‪.‬‬
‫انظر‪ :‬األحاديث المختارة للضياء المقدسي (‪ ،)281‬وعليه يظهر أن ِذكر عبد اهلل بن جعفر في‬
‫رواية الحاكم غلط‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفائدة من التنبيه على هذه المسألة هو أنه سيأتي أن عبد اهلل بن جعفر قد تزوج أم كلثوم الكبرى‬
‫أخت زينب بعد وفاتها‪ ،‬وإذا ثبت ذلك نستطيع تعيين تاريخ وفاة زينب بأنه قبل سنة ‪ 50‬هـ‪،‬‬
‫حيث أننا نعلم من خالل الروايات الصحيحة أن أم كلثوم توفيت في حياة الحسن بن علي الذي‬
‫توفي سنة ‪ 50‬هـ‪ ،‬وهذه القضية ستفيد أيضا في مناقشة مسألة خروج زينب الكبرى مع الحسين‬
‫إلى كربالء‪.‬‬
‫(‪ )3‬ذكر مصعب الزبيري في نسب قريش (ص ‪ 82‬ــ ‪ ،)83‬وابن قتيبة في المعارف (‪)207/1‬‬
‫والدوالبي في الذرية الطاهرة (‪ )212‬ــ طبعة المبرة ــ ونقله عن يحيى بن الحسن العقيقة النسابة‪،‬‬
‫أن جعفرا األكبر هو ابن زينب‪ ،‬وخالف ابن سعد في ذلك فذكر في الطبقات ــ طبعة الخانجي ــ‬
‫(‪ )461/6‬أن أمه هي األمية التي تكنى أم عمرو بنت خراش‪ ،‬والراجح األول‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫فائدة في الجمع بين المرأة وزوجة أبيها‬


‫يرتبط ذكر زينب بنت علي ‪ ‬في كتب الفقه بمسألة فقهية مهمة في أبواب‬
‫النكاح‪ ،‬وهي مسألة الجمع بين المرأة وزوجة أبيها‪ ،‬وقد درج جماعة من‬
‫المحدثين على القول بالجواز‪ ،‬واستدلوا بجمع عبد اهلل بن جعفر بين ليلى بنت‬
‫مسعود النهشلية امرأة علي ‪ ،‬وبين زينب بنت علي ‪ ،‬منهم اإلمام‬
‫البخاري(‪ ،)1‬والبغوي(‪ ،)2‬كما أ َّن كثيرا من الفقهاء أفتوا بالجواز بناء على صنيع‬
‫عبد اهلل بن جعفر‪.)3(‬‬

‫هل طلق عبد الل بن جعفر ‪ ‬زينب ‪‬؟‬


‫ذكر جماعة من أهل العلم أن زينب كانت عند عبد اهلل بن جعفر وماتت‬
‫عنده‪ ،‬وذهب بعضهم إلى أن عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬طلّق زينب ثم تزوج أم كلثوم‬
‫‪.‬‬
‫وأول من وقفت عليه يشير إلى ذلك هو البالذري المؤرخ‪ ،‬فقد أشار إلى‬
‫االختالف في زواج عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم فقال‪> :‬زينب تزوجها عبد اهلل بن‬
‫جعفر فبانت منه ويقال ماتت عنده<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫صحيح البخاري (‪.)11/7‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫شرح السنة (‪.)69/9‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫النوادر والزيادات (‪ ،)516/4‬واألم (‪ ،)163/7‬ومسائل اإلمام أحمد برواية ابنه عبد اهلل‬ ‫(‪)3‬‬
‫(ص ‪ ،)349‬ومسائل اإلمام أحمد وإسحاق بن راهويه (‪ ،)1844/4‬والجامع لعلوم أحمد‬
‫(‪ )66/11‬و(‪ ،)68/11‬والمبسوط (‪.)211/4‬‬
‫أنساب األشراف (‪.)402/1‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪38‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫ثم بعون‬
‫ومال ابن حزم إلى هذا القول فقال بعد أن ذكر زواج أم كلثوم بعمر ّ‬
‫ثم خلف عليها بعده عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب‪،‬‬ ‫ثم بمحمد ابني جعفر‪َّ > :‬‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫بعد طالقه ألختها زينب< ‪.‬‬
‫ثم ذكر‬
‫وتبعه على ذلك أحمد بن خالد الناصري فقد نقل كالم ابن حزم‪ّ ،‬‬
‫ثم‬
‫وزوج علي ‪ ‬ابنته زينب من ابن أخيه عبد اهلل بن جعفر ّ‬ ‫ثم قال‪ّ > :‬‬
‫كالما ّ‬
‫طلقها بعد أن ولدت له‪ ..‬وتزوج أختها أم كلثوم كما تقدم وأظن أ ّن طالقه إياها‬
‫علي ‪.)2(<‬‬‫كان بعد مقتل ّ‬
‫تفرد بنقله البالذري دون سائر ثقات النسابين ممن‬
‫وهذا القول ضعيف‪ّ ،‬‬
‫سبقه‪ ،‬وقد نص من سبقه من أهل النسب على خالف ذلك‪.‬‬
‫وسيأتي تصريح الزهري وابن سعد وهما أقدم وأعلم باألنساب من‬
‫البالذري وابن حزم(‪ )3‬بأ َّن عبد اهلل بن جعفر إنما تزوج بأم كلثوم ‪ ‬بعد وفاة‬
‫أختها زينب‪ ،‬ولعل األمر اشتبه على البالذري حين وقع على خبر زواج عبد اهلل‬
‫ابن جعفر بكل من زينب وأم كلثوم فاحتمل أن يكون عبد اهلل بن جعفر طلق زينب‬
‫ثم تزوج أم كلثوم‪ ،‬وربما قد يكون البالذري وقف على قولين في المسألة‬ ‫َّ‬
‫فحكاهما دون أن يجزم بصحة أحدهما‪.‬‬
‫وعلى كل حال؛ لم نر أحدا من المحققين المعتمدين في علم النسب يعتمد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جمهرة أنساب العرب (ص ‪.)38‬‬
‫(‪ )2‬طلعة المشتري في النسب الجعفري (‪.)20/1‬‬
‫(‪ )3‬قال الليث بن سعد عن الزهري‪> :‬ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب‪ ،‬يحدث في الترغيب‪،‬‬
‫فتقول‪ :‬ال يحسن إال هذا‪ ،‬وإن حدث عن العرب واألنساب‪ ،‬قلت‪ :‬ال يحسن إال هذا‪ ،‬وإن حدث‬
‫عن القرآن والسنة‪ ،‬كان حديثه< تاريخ دمشق (‪.)341/55‬‬

‫‪39‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫هذه الرأي‪ ،‬وهذا كاف في بيان عدم صحته‪ ،‬فضال عن أني لم أقف لهذا الرأي‬
‫على دليل نقلي‪ ،‬واهلل الموفق(‪.)1‬‬

‫تنبيهات على أخطاء تاريخية عن خطبة زينب الكبرى وزواجها ‪‬‬


‫هناك ثمة تنبيهات ال بد من اإلشارة إليها في حديثنا عن خطبة زينب وزواجها‪:‬‬
‫* التنبيه األول‪ :‬عدم صحة خطبة األشعث بن قيس ‪ ‬لزينب الكبرى ‪‬‬
‫تتابع جماعة من ال ُكتاب الذين ألّفوا في سيرة زينب ‪ )2(‬على حكاية‬
‫قصة خطبة األشعث بن قيس الكندي ‪ ‬لزينب الكبرى ‪ ‬ور ِّد علي ‪ ‬له‪.‬‬
‫وأصل هذه القصة رواية وحيدة نقلها ابن عبد ربه في العقد الفريد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫>ودخل األشعث بن قيس على علي بن أبي طالب‪ ،‬فوجد بين يديه صبية‬
‫تدرج(‪)3‬؛ فقال‪> :‬من هذه يا أمير المؤمنين؟< قال‪> :‬هذه زينب بنت أمير‬
‫اعزب(‪ ،)4‬بفيك ال َك ْث َك ُث(‪،)5‬‬
‫زوجنيها يا أمير المؤمنين<‪ ،‬قال‪ْ > :‬‬
‫المؤمنين<‪ ،‬قال‪ّ > :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وللمزيد انظر‪> :‬نسبا وصهرا ــ إثبات زواج عمر ‪ ‬من أم كلثوم بنت علي ‪( <‬ص ‪ 296‬ــ‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪.)297‬‬
‫الخصائص الزينبية للجزائري (ص‪ ،)157‬زينب الكبرى للنقدي (ص‪ 75‬ــ ‪ ،)76‬زينب الكبرى‬ ‫(‪)2‬‬
‫بطلة الحرية ألبي القاسم الديباجي (ص ‪ ،)29‬زينب القدوة والرمز لسعيد الخويلدي (ص ‪ 93‬ــ‬
‫‪ ،)94‬عقيلة بني هاشم لعلي الهاشمي (ص‪ 31‬ــ ‪ ،)32‬موسوعة زينب الكبرى لعلي عاشور‬
‫لعباس الموسوي (ص‪ ،)31‬فخر النساء لماجد‬ ‫(‪ ،)34/1‬السيدة زينب حفيدة رسول اهلل‬
‫ناصر الزبيدي (ص ‪ ،)24‬المجالس الزينبية لمهدي تاج الدين (ص ‪.)63‬‬
‫قال ابن منظور في لسان العرب (‪> :)266/2‬يقال للصبي إذا دب وأخذ في الحركة‪ :‬درج<‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫العزب البع ُد‪ ،‬انظر تاج العروس (‪.)363/3‬‬
‫ِ‬ ‫أي‪ :‬ابتعد‪ ،‬وأصل‬ ‫(‪)4‬‬
‫قال ابن منظور‪> :‬بفيه الكثكث‪ ..‬كقولك‪ :‬بفيه التراب والحجر<‪ ،‬لسان العرب (‪.)179/2‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪40‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫زوجك أم فروة؟ إنها لم تكن من‬
‫أغرك ابن أبي قحافة حين ّ‬
‫ولك األ ْثلَ ُب ! ّ‬
‫الفواطم وال العواتك من سليم‪.)3(<<...‬‬
‫والكالم على هذه الرواية يقع في وجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬لو تجاوزنا كون كتاب العقد الفريد كتاب أسما ٍر ٍ‬
‫وأدب‪ ،‬وأ ّن أهل‬
‫تفرد صاحب العقد الفريد برواية هذه القصة‬
‫التحقيق ال يعبؤون بما يرويه‪ ،‬فإ ّن ّ‬
‫ف في ردها وعدم االعتماد عليها‪.‬‬‫في القرن الرابع دون إسنا ٍد‪ ،‬كا ٍ‬

‫الثاني‪ :‬الرواية مقطوعة البطالن‪ ،‬ألنها تزعم أ َّن زينب ــ حين خطبها‬
‫األشعث بن قيس ــ كانت طفلة صغيرة قد بدأت المشي‪ ،‬وكان ذلك في زمن‬
‫علي ‪ ‬بدليل مخاطبة األشعث له ‪ ‬بلقب أمير المؤمنين‪ ،‬وقد‬ ‫خالفة ّ‬
‫مضى أ ّن زينب الكبرى ُولِدت في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة‪ ،‬فيكون‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫عمرها ــ في زمن خالفة أبيها ‪ ‬ــ قريبا من ثالثين سنة‪ ،‬بل كانت‬
‫عمها عبد اهلل بن جعفر ‪ ،‬فكيف يُزعم أ ّنها كانت صبية‬‫متزوجة من ابن ِّ‬
‫تدرج؟!‬
‫لعل المراد في الخبر زينب الصغرى‪ ،‬أُجيب‪ :‬إ َّن واضع الرواية‬
‫فإن قيل‪ّ :‬‬
‫عليا ‪ ‬يبرر تزويج أبي بكر ابنته أم فروة لألشعث‪،‬‬ ‫لم ير ّد ذلك‪ ،‬أل ّنه جعل ّ‬
‫بأنها >لم تكن من الفواطم وال من العواتك من سليم<‪.‬‬
‫خالفا ألم فروة‪ ،‬وعليه فهذا‬ ‫والمقصود بهذا أ ّن زينب حفيدة للنبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال ابن منظور‪> :‬وبفيه األثلب‪ :...‬أي التراب والحجارة<‪ ،‬لسان العرب (‪.)242/1‬‬
‫(‪ُ )2‬حذفت جملة >ابن أبي قحافة< في كتاب زينب الكبرى للنقدي!‬
‫(‪ )3‬العقد الفريد (‪.)147/7‬‬

‫‪41‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫التوجيه غير وجيه‪.‬‬


‫علي على األشعث بمثل ذلك الخطاب الذي ال يصدر‬ ‫ثم كيف يُعقل أن يَ ُر َّد ٌّ‬
‫َّ‬
‫إال من الجلفاء والجفاة‪ ،‬فما هي الجريرة التي ارتكبها األشعث في طلبه الزواج‬
‫علي ‪ ‬ويقول له‪> :‬بفيك الحجر!<‪ ،‬فضال عن‬ ‫بابنة علي ‪ ‬حتى يدعو عليه ّ‬
‫عليا ال يُتصور منه أن يزري على أبي بكر الصديق ‪ ‬ويعيبه بتزويج أخته أم‬ ‫أ َّن ّ‬
‫وخلقه ‪.‬‬‫علي ُ‬
‫فروة لألشعث بن قيس بمثل ذلك الخطاب الغريب عن لغة ّ‬
‫فالقصة باطلة ال أصل لها من جهة السند‪ ،‬وعالمة الوضع على متنها الئحة‪.‬‬

‫* التنبيه الثاني‪ :‬خطأ القول بزواج زينب الكبرى ‪ ‬من كثير بن العباس ‪‬‬
‫من األوهام التي ُذكرت في بعض كتب األنساب‪ ،‬أ َّن كثير بن العباس بن عبد‬
‫المطلب تزوج زينب الكبرى‪ ،‬وأول من وجدته يذكر ذلك هو ابن حبيب فقال‪> :‬كثير‬
‫بن العباس بن عبد المطلب‪ ،‬كانت عنده زينب الكبرى بنت علي<(‪ ،)1‬والصواب أن‬
‫التي تزوجها كثير بن العباس هي زينب الصغرى كما نص على ذلك جماعة من‬
‫النسابين كمصعب الزبيري‪ ،‬والبالذري‪ ،‬وأبي الحسن العمري وابن عنبة(‪.)2‬‬
‫* التنبيه الثالث‪ :‬خطأ القول بزواج زينب الكبرى ‪ ‬بعمر بن الخطاب ‪‬‬
‫وقع في بعض كتب متأخري المتأخرين ممن ألّف في زيارة المشاهد والقبور‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المحبر (ص ‪ ،)56‬وتبعه على هذا الوهم الكرباسي في دائرة المعارف الحسينية‪ ،‬معجم أنصار‬
‫الحسين‪ ،‬النساء‪ ،‬الجزء األول (ص ‪ ،)160‬ووقع هذا أيضا في موسوعة اإلمامة في مصادر أهل‬
‫السنة للمرعشي (‪.)615/6‬‬
‫(‪ )2‬انظر على التوالي‪ :‬نسب قريش (ص ‪ ،)45‬أنساب األشراف (‪ ،)193/2‬المجدي في أنساب‬
‫الطالبيين (ص ‪ ،)18‬عمدة الطالب (ص ‪.)32‬‬

‫‪42‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫وهم >غريب<‪ ،‬فقد قرروا زواج زينب الكبرى بعمر ‪ ،)1(‬وهذا غلط فاحش‬
‫وتخليط غريب ال أصل له في كتب التاريخ‪.‬‬
‫فالمقطوع به أ ّن عمر ‪ ‬إنما تزوج أم كلثوم الكبرى ‪ ‬األخت الصغرى‬
‫لزينب ‪ ،‬وأما زينب فكانت متزوجة حينها من عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬كما‬
‫ذكرت سابقا‪.‬‬

‫أبناؤها ‪‬‬
‫اختلفت روايات النسابين في عدد أبناء زينب‪ ،‬فاقتصر الزهري على ذكر‬
‫علي وعون(‪ ،)2‬واقتصر مصعب الزبيري على ذكر جعفر وعلي وعون وأم‬
‫كلثوم(‪ ،)3‬وتبعه الزبير بن بكار إال أنه لم يذكر أم كلثوم(‪.)4‬‬
‫وأما ابن إسحاق فاقتصر على ذكر علي وأم أبيها‪ ،‬وقد وهم ‪ ،‬فأم أبيها‬
‫ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫ليست ابنة زينب‪ ،‬بل هي ابنة ليلى بنت مسعود كما نص على ذلك ابن سعد‬
‫وابن قتيبة(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اإلشارات إلى أماكن الزيارات البن الحوراني (‪ 133‬ــ ‪ ،)134‬مخطوط عرف الزرنب إلسماعيل‬ ‫(‪)1‬‬
‫العجلوني نقال عن كتاب ثواب المدرك لعبد الغني النابلسي [ق ‪/69‬ب]‪ ،‬الروضة البهية‬
‫المنسوب لعز الدين الصيادي (ص ‪ )96‬والتحقيق أن هذا الكتاب من صنع أبي هدى الصيادي‬
‫وجلُّ مادته مسروقة من اإلشارات البن الحوراني‪ ،‬وغيرهم كما سيأتي في موضعه‪.‬‬
‫وأنه منحول ُ‬
‫نقله عنه الدوالبي في الذرية الطاهرة (ص ‪.)119‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نسب قريش (ص ‪ ،)25‬و(ص‪.)83‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ دمشق (‪.)14/43‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الطبقات (‪.)461/6‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫المعارف (‪.)207/1‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪43‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫وأما ابن سعد فقد تفرد بذكر اسم محمد بدل جعفر(‪ ،)1‬والظاهر أنه وهم‪،‬‬
‫ّ‬
‫وزعم أبو الحسن العمري‬
‫َ‬ ‫ومثل هذا ع ُّد الدارقطني رقية في بنات زينب(‪،)2‬‬
‫النسابة أن من أوالد زينب إبراهيم(‪ ،)3‬ولم أجد ذلك عند أحد من النسابين ممن‬
‫سبقه‪.‬‬
‫واتفق ابن قتيبة(‪ )4‬والبالذري(‪ )5‬ويحيى العبيدلي العقيقي(‪ )6‬وتبعه ابن‬
‫الطقطقي(‪ )7‬على أنها ولدت أربعة أبناء وبنتا وهم‪ :‬جعفر وعلي وعون والعباس‬
‫وأم كلثوم‪ ،‬وهو الصحيح إن شاء اهلل‪.‬‬

‫تحقيق تاريخ وفاتها ‪‬‬


‫لم يذكر المؤرخون تاريخ وفاة زينب ‪ ،‬إال أنهم ذكروا أ َّن عبد اهلل بن‬
‫جعفر ‪ ‬قد تزوج بعد وفاة زينب ‪ ‬أختها أم كلثوم ‪ ،‬وبما أننا نعلم أ ّن‬
‫أم كلثوم قد توفيت قبل سنة ‪50‬هـ(‪ ،)8‬فالالزم من ذلك أ ّن زينب ‪ ‬توفيت قبل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي ــ (‪.)432/10( ،)461/6‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اإلخوة واألخوات (ص ‪.)29‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المجدي في أنساب الطالبيين (ص ‪.)297‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المعارف (‪.)207/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أنساب األشراف (‪ ،)67/2‬ونقله عن محمد بن زياد األعرابي‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫نقله عنه الدوالبي في الذرية الطاهرة (ص ‪.)119‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫األصيلي في أنساب الطالبيين (ص ‪.)58‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫ثبت أ ّن أم كلثوم توفيت في إمارة سعيد بن العاص على المدينة وشهد جنازتها الحسن والحسين‬ ‫(‪)8‬‬
‫‪ ،‬روى ذلك ابن أبي شيبة في المصنف (‪ )11568‬وأحمد في العلل (‪ )140/1‬بإسناد‬
‫صحيح‪ ،‬وبذلك يكون تاريخ وفاة أم كلثوم ‪ ‬بين سنة ‪48‬هـ مبتدأ إمارة سعيد بن العاص على‬
‫المدينة‪ ،‬وسنة ‪50‬هـ‪ ،‬سنة وفاة الحسن بن علي ‪ ،‬وانظر للتفصيل كتابي >نسبا وصهرا إثبات‬

‫‪44‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫هذا التاريخ قطعا‪ ،‬وأما القول الذي اشتهر عند بعض المتأخرين من تأخر وفاتها‬
‫إلى ما بعد سنة ‪61‬هـ(‪ )1‬وشهودها كربالء مع أخيها الحسين ‪ ‬فهو قول ال دليل‬
‫عليه وال يُركن إليه(‪.)2‬‬

‫زينب الكبرى ‪ ‬ورواية الحديث‬

‫وال عن والديها وال عن أخويها‬ ‫لم ترو زينب ‪ ‬عن ج ّدها محمد‬
‫‪ ،‬ولم نقف على السبب الذي منعها من ذلك‪ ،‬ويبدو أنها ‪ ‬لم تكن مهتمة‬
‫بالرواية‪ ،‬أو كانت مشغولة عن ذلك إما بالقيام بشؤون بيتها وأبنائها‪ ،‬أو لمانع لم‬
‫ينقل إلينا‪ .‬وأما سائر ما يروى عنها من الروايات فال يثبت شيء منه عند أهل‬
‫التحقيق‪ ،‬وإنما هو من صنع الوضاعين والكذابين(‪.)3‬‬

‫بين االحتفاء بزينب الكبرى ‪ ‬والتحامل على أختها أم كلثوم ‪‬‬


‫كل ما ذكرته هو الذي وقفت عليه في كتب التاريخ والحديث من أخبار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زواج عمر ‪ ‬من أم كلثوم بنت علي ‪( <‬ص ‪ 65‬ــ ‪.)68‬‬
‫(‪ )1‬ذكر حسن قاسم في أخبار الزينبات (ص‪ ،)58‬وتبعه محمد كاظم القزويني في كتابه زينب الكبرى‬
‫من المهد إلى اللحد (ص‪ )591‬أن وفاة زينب كانت في رجب سنة ‪62‬هـ‪ ،‬وقال محمد جواد‬
‫مغنية‪> :‬إنها توفيت في رجب سنة ‪ 65‬هـ<‪ ،‬وهذا كله ال أصل له وال دليل عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬وسيأتي نقده بتفصيل في فصل مناقشة روايات حضور زينب الكبرى في كربالء‪.‬‬
‫وأصح ُابك في الجنة<‪ ،‬فقد رويت من طرق عن زينب ‪ ،‬وقد ذكرها‬ ‫َ‬ ‫أنت‬
‫علي‪َ ،‬‬‫(‪ )3‬مثل رواية >يا ّ‬
‫الشيخ األلباني في سلسلة األحاديث الضعيفة برقم (‪ ،)5590‬وحكم على الرواية بالوضع‪ ،‬ومثل‬
‫الخطبة الفدكية المنسوبة لفاطمة‪ ،‬فقد رويت من عدة طرق عن زينب وهي أيضا خطبة مختلقة‬
‫موضوعة‪ ،‬كما قال ابن قتيبة في غريب الحديث (‪.)590/1‬‬

‫‪45‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫زينب ‪ ،‬وهي أخبار قليلة لم تكشف النقاب عن كثير من تفاصيل حياتها‬


‫وزواجها ووفاتها‪ ،‬خاصة إن قورنت بأخبار أختها أم كلثوم ــ وهي سيدة من‬
‫سادات البيت العلوي ــ ‪ ‬الكثيرة والمنتشرة في كتب التاريخ والحديث‬
‫والفقه واألدب‪ ،‬ولعل ذلك بسبب ارتباط أم كلثوم ‪ ‬بعمر الفاروق ‪ ‬الذي‬
‫كان وقت زواجه بها خليفة المسلمين وأمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين‪،‬‬
‫فهذه المصاهرة قد جمعت بين بيت النبوة وبيت الخالفة‪ ،‬فلذلك ُكتب لها أن‬
‫تشتهر‪.‬‬
‫والغريب أ َّن من يطالع الكتابات التي صدرت عن كل من زينب وأم كلثوم‬
‫‪ ‬في العصور األخيرة‪ ،‬يستغرب من الموقفين المتناقضين في التعامل معهما‪،‬‬
‫ففي الوقت الذي ُكتبت فيه عشرات الدراسات عن زينب ‪ ،‬نجد كتابات قليلة‬
‫جدا تتناول سيرة أم كلثوم وحياتها‪ ،‬وحتى هذه الكتابات المعدودة انصبت‬
‫باألساس ــ إال النادر منها ــ على قضية واحدة‪ ،‬وهي مناقشة زواج عمر ‪ ‬من‬
‫أم كلثوم ‪ ،‬بل إنك تجد في ثنايا بعض الكتابات تحامال عجيبا على أم كلثوم‬
‫إنكار وجودها وادعاء أنها‬
‫َ‬ ‫بنوتها لفاطمة ‪ ،‬أو‬‫‪ ،‬وصل إلى حد إنكار ّ‬
‫شخصية خيالية(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فصلت‬‫(‪ )1‬انظر‪ :‬كتابي‪> :‬نسبا وصهرا< من إصدارات مبرة اآلل واألصحاب (ص ‪ 303‬ــ ‪ ،)321‬فقد َّ‬
‫الكالم فيه عن هذه القضايا وأجبت عنها‪ ،‬ومن ذلك قول علي الشهرستاني في (زواج أم كلثوم‬
‫الزواج اللغز ص‪ )32‬وهو ينقل قول من أنكر وجود أم كلثوم‪> :‬أما وجود بنت اسمها‪ :‬أُ ّم كلثوم‬
‫فلم يعرف عند المحققين إذ لو كان ذلك ُلعرف تاريخ والدتها‪ ،‬ومكان دفنها‪ ،‬وبما أ ّن األخبار‬
‫خالية من ذلك‪ ،‬فإن هذا يشير إلى التشكيك في وجودها<‪.‬‬
‫فانظر كيف وصف قول من أنكر وجود أم كلثوم بنت فاطمة ‪ ‬بأنه قول المحققين! والحق أن‬
‫هذا القول ليس له حظ من التحقيق‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫متهيد يف ترمجة زينب الكربى ‪‬‬

‫وكل هذا في مقابل االحتفاء بأختها زينب ‪ ‬والغلو فيها إلى درجة‬
‫تفضيلها على األنبياء والمرسلين(‪ ،)1‬وهذا غاية الجفاء والجور مع ذرية علي‬
‫وفاطمة ‪ ،‬وهذا ما سنسلط عليه مزيدا من الضوء من خالل ما سيأتي‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سيأتي الكالم عن هذا في مبحث تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن زينب ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪d‬‬
‫‪X‬‬ ‫‪X‬‬

‫الفصل ا أ‬
‫لول‬

‫زينب الكبرى ‪ ‬في البراث‬

‫‪d‬‬
‫‪d‬‬

‫دزاسة يازتحثة نقدية‬ ‫‪X‬‬

‫‪X‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫عند استقراء ما ورد عن زينب وأم كلثوم ‪ ‬في كتب التراث‪ ،‬ومقارنته‬
‫مع ما كتب عن عنهما ‪ ‬في هذا العصر يقع الباحث في الحيرة والتعجب‪،‬‬
‫وسبب هذا االستغراب هو أ َّن المرويات المتعلقة بأم كلثوم ‪ ،‬هي أضعاف ما‬
‫نُقل عن زينب ‪ ،‬بينما ما يكتب اآلن عن زينب‪ ،‬هو أضعاف ما كتب عن أم‬
‫كلثوم‪.‬‬
‫فحين نراجع كتب التراجم واألنساب التي ترجمت لزينب وأم كلثوم‪ ،‬نجد‬
‫في >سيرة ابن إسحاق< (‪150‬هـ) أ َّن الكالم عن تزويج أم كلثوم من عمر ‪‬‬
‫وتزويجها من عون بن جعفر بن أبي طالب ‪ ‬يقع في ثالث صفحات(‪ ،)1‬بينما‬
‫ال يزيد الكالم عن تزويج زينب من عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬عن سطرين فقط(‪.)2‬‬
‫وفي >طبقات ابن سعد< (‪ 230‬هـ) نجد أن ترجمة أم كلثوم استغرقت‬
‫صفحتين تقريبا(‪ ،)3‬بينما لم تتعد ترجمة أختها زينب ستة أسطر(‪ ،)4‬إضافة إلى‬
‫ما نقله من روايات أبي مخنف‪.‬‬
‫وفي >الذرية الطاهرة< للدوالبي (‪ 310‬هـ)‪ ،‬استغرقت ترجمة أم كلثوم‬
‫أربع صفحات(‪ )5‬تضمنت ستة عشر رواية‪ ،‬بينما اقتصرت ترجمة زينب على‬
‫صفحة واحدة تضمنت ثالث روايات فقط(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سيرة ابن إسحاق (ص ‪ 248‬ــ ‪.)250‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سيرة ابن إسحاق (ص ‪.)251‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪ 429/10‬ــ ‪.)431‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)432/10‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الذرية الطاهرة (ص ‪ 114‬ــ ‪.)119‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الذرية الطاهرة (ص ‪ 119‬ــ ‪.)120‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪51‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫وأما ابن عبد البر (‪ 463‬هـ) في >االستيعاب<‪ ،‬فقد أفرد ترجمة ألم كلثوم‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫في صفحة ونصف ولم يترجم لزينب أصال ولعله لم يقف على شيء عنها ‪.‬‬
‫وقد سرى هذا األمر إلى كتب المتأخرين عنهم‪ ،‬ففي >تاريخ دمشق< البن‬
‫عساكر (‪ 571‬هـ) ُذكرت أم كلثوم في معرض ترجمة ابنها زيد بن عمر‪ ،‬إال أن‬
‫جل الروايات التي أوردها ابن عساكر كانت متعلقة بها وبزواجها من عمر ‪،‬‬
‫فمن جملة ثالثين رواية في ترجمة زيد‪ ،‬كان نصيب أم كلثوم سبع روايات‪،‬‬
‫ونصيب زيد ثمان روايات‪ ،‬وأما بقية الروايات فكانت مشتركة بين زيد وأم‬
‫كلثوم‪ ،‬فصار ألم كلثوم اثنان وعشرون رواية(‪ ،)3‬وهذا كله بالرغم من أ َّن أم كلثوم‬
‫ليست على شرط ابن عساكر‪ ،‬ألنها لم تدخل دمشق‪.‬‬
‫ّأما زينب التي أفرد لها ابن عساكر ترجمة خاصة فكان نصيبها عشر روايات‬
‫فقط(‪.)4‬‬
‫وفي >ذخائر العقبى< للمحب الطبري (‪ 694‬هـ) كان نصيب زينب فقرة‬
‫من أربعة أسطر(‪ ،)5‬بينما خصص ألم كلثوم أربع صفحات(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫االستيعاب (‪ 1954/4‬ــ ‪.)1956‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وقد وقع للرعيني في الجامع لما في المصنفات الجوامع عكس ما وقع البن عبد البر فترجم لزينب‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪ )301/6‬ولم يترجم ألم كلثوم‪.‬‬
‫تاريخ دمشق (‪ 482/19‬ــ ‪.)493‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ دمشق (‪ 174/69‬ــ ‪ ،)178‬مع أن جملة منها ليست من رواية زينب الكبرى‪ ،‬مثل حديث‬ ‫(‪)4‬‬
‫(إ ّن الصدقة ال تحل آلل محمد)‪ ،‬فهو من رواية أختها أم كلثوم الصغرى‪ ،‬وروايات حضورها في‬
‫كربالء ودمشق ال تصح أيضا كما سيأتي تفصيله‪.‬‬
‫ذخائر العقبى (ص ‪.)167‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫ذخائر العقبى (ص ‪ 167‬ــ ‪.)171‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪52‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫وفي >أسد الغابة< البن األثير (‪ 630‬هـ)‪ ،‬وقعت ترجمة أم كلثوم في‬
‫صفحتين(‪.)1‬‬
‫وأما زينب فكان حظها ستة أسطر بما يقارب نصف صفحة(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫وأما في >اإلصابة< البن حجر (‪ 852‬هـ)‪ ،‬فوقعت ترجمة أم كلثوم في‬
‫ّ‬
‫صفحة ونصف تقريبا(‪.)3‬‬
‫وأما ترجمة زينب فوقعت في أربعة سطور(‪ ،)4‬بل إ ّن الشوكاني (‪ 1250‬هـ)‬‫ّ‬
‫قد خص أم كلثوم بنت علي بمبحث لذكر مناقبها في كتابه >در السحابة في مناقب‬
‫الصحابة والقرابة<(‪ ،)5‬ولم يذكر أختها زينب‪.‬‬
‫ولم يختلف األمر في كتب اإلمامية القديمة‪ ،‬ففي كتاب >الكافي<‪ ،‬أفرد‬
‫الكليني (‪ 329‬هـ) بابا لتزويج أم كلثوم ذكر فيه روايتين(‪ ،)6‬وفي (باب المتوفى‬
‫عنها زوجها)‪ ،‬ذكر روايتين تتعلقان بأم كلثوم(‪ ،)7‬بينما لم يفرد أي باب عن أختها‬
‫زينب‪ ،‬وإنما جاء ذكر زينب عرضا في رواية يتيمة تتعلق بمقتل الحسين ‪.)8(‬‬
‫وأما ابن بابويه (‪ 381‬هـ)‪ ،‬فقد نقل رواية واحدة ذكرت فيها أم كلثوم(‪،)9‬‬
‫ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أسد الغابة طبعة دار الفكر (‪ 387/6‬ــ ‪.)388‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أسد الغابة طبعة دار الفكر (‪ 132/6‬ــ ‪.)133‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلصابة (‪ 464/8‬ــ ‪.)466‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اإلصابة (‪ 166/8‬ــ ‪.)167‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫در السحابة (ص ‪ )549‬برقم ‪.163‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الكافي (‪.)346/5‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫الكافي (‪.)115/6‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫الكافي (‪.)465/1‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫من ال يحضره الفقيه (‪.)321/1‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫‪53‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫وروى عن زينب رواية الخطبة الفدكية(‪.)1‬‬


‫وأما الطوسي (‪ 460‬هـ)‪ ،‬فقد نقل في >تهذيب األحكام< الروايتين اللتين‬
‫ّ‬
‫ذكرهما الكليني عن أم كلثوم في >باب المتوفى عنها زوجها<(‪ ،)2‬وذكر رواية‬
‫أخرى عنها في >باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في وقت واحد<(‪ ،)3‬بينما‬
‫لم يرد لزينب أي ذكر في التهذيب‪.‬‬
‫هذا ما ورد في الكتب األربعة وهي أهم مصادر التراث الروائي اإلمامي‪.‬‬
‫علي من النسابين فهو أبو الحسن العمري‬
‫وأما أقدم من تعرض لذكر بنات ّ‬
‫ّ‬
‫(عاش في القرن الخامس)‪ ،‬فقد خصص فقرة كاملة من سبعة أسطر عن أم كلثوم‬
‫وزواجها بعمر ‪ ،‬بينما كان نصيب زينب أربعة أسطر(‪.)4‬‬
‫وأما الطبرسي (‪ 548‬هـ) فقد كانت ترجمة كل من أم كلثوم وزينب‬‫ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫متقاربتين في كتابه >إعالم الورى< ‪.‬‬
‫ّأما في عصرنا هذا وفي سنوات معدودة‪ ،‬فقد خرجت عشرات الدراسات‬
‫والمقاالت(‪ )6‬والكتابات والمؤلفات(‪ )7‬عن زينب‪ ،‬بل صدرت موسوعة خاصة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من ال يحضره الفقيه (‪.)567/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تهذيب األحكام (‪ )557‬و(‪.)558‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تهذيب األحكام (‪.)1290‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المجدي في أنساب الطالبيين (ص ‪ 199‬ــ ‪.)200‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫إعالم الورى (‪ 397/1‬ــ ‪.)398‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫تضمن العدد الرابع لمجلة الموسم لوحده‪ ،‬والصادر سنة ‪1989‬م‪ ،‬أكثر من ‪ 100‬مقال عن زينب‬ ‫(‪)6‬‬
‫ما بين نثر وشعر‪.‬‬
‫وقفت منها على أكثر من ‪ 40‬كتابا مطبوعا‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪54‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫عن زينب في عشرة مجلدات(‪.)1‬‬


‫وهنا يرد السؤال‪ :‬ما سر هذا االهتمام المفاجئ بزينب؟‬
‫ومن أين أتى هؤالء بكل هذه المادة العلمية الضخمة التي خلت منها كتب‬
‫التراث؟‬
‫فلنصحب القارئ الكريم في جولة سريعة في تاريخ التأليف عن زينب حتى‬
‫نفهم ونعرف كيف بدأت هذه القضية وما أسبابها؟‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬موسوعة زينب الكبرى لعلي عاشور‪ ،‬طبعت سنة ‪ 2009‬م‪ 1429 /‬هـ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫* المسألة األولى‪ :‬دراسة تاريخية موجزة لتطور التأليف في زينب الكبرى‬


‫‪‬‬
‫‪ 1‬ــ المؤلفات عن زينب الكبرى ‪ ‬في تراث أهل السنة‬
‫إ َّن أقدم ما وصلنا من المؤلفات المستقلة عن زينب بنت علي ‪ ‬هي‬
‫رسالة >العجاجة الزرنبية في الساللة الزينبية< للسيوطي (‪ 910‬هـ)‪ ،‬وهي كراسة‬
‫صغيرة تدور مادتها حول األحكام المتعلقة باألشراف الجعافرة الزينبيين‪،‬‬
‫والمقصود بهم ذرية عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬من زوجته زينب ‪.‬‬
‫ولم يكن مقصود السيوطي الكالم عن زينب وسيرتها‪ ،‬وإنما ذكر زواجها‬
‫بعبد اهلل بن جعفر وذريتها منه في سطر واحد‪ ،‬ولذا فإ َّن جهد السيوطي انصب‬
‫في هذه الرسالة على بيان شرف الجعافرة من أبناء زينب الذين اشتهروا بلقب‬
‫وفصل الكالم في دخولهم في مسمى آل البيت‪ ،‬وما يترتب على ذلك‬ ‫الزينبيين‪ّ ،‬‬
‫من أحكام فقهية‪.‬‬
‫ثم ظهرت رسائل مفردة عن زينب كلها تتعلق بالقبر المنسوب إليها في‬‫ّ‬
‫الشام‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ــــ >التوجهــات الســت إلــى كــف النســاء عــن قبــر الســت< البــن طولــون‬
‫(‪953‬هـ)(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الفلك المشحون في أحوال ابن طولون‪ ،‬البن طولون (ص ‪ ،)89‬والفلك المشحون ألفه ابن‬
‫طولون للتعريف بنفسه وذكر فيه معجم مصنفاته‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى ‪‬‬

‫ولعلها الرسالة التي ذكرها العدوي في الزيارات(‪ ،)1‬وقبر الست هو القبر‬


‫المنسوب لزينب بنت علي في قرية راوية كما ذكر ذلك ابن طولون في رسالة‬
‫أخرى(‪ ،)2‬ولم أقف على هذه الرسالة مع بذل الجهد والبحث في فهارس‬
‫المخطوطات‪ ،‬فلعلها مما فقد من تراث ابن طولون والعلم هلل(‪ ،)3‬وال يمكن‬
‫الجزم بمضمون هذه الرسالة وال إن كان المراد هي زينب الكبرى‪ ،‬ألن ابن‬
‫طولون ذكر في رسالته >اللمعات البرقية< كالم ابن شداد في األعالق الخطيرة‬
‫والذي جاء فيه‪> :‬راوية‪ :‬بها قبر أم كلثوم‪ ،‬وقبر مدرك من الصحابة<(‪ ،)4‬بينما‬
‫نسب إليه العدوي أنه يرى أنها زينب الكبرى(‪ ،)5‬وعليه فال يمكن الجزم بتعيين‬
‫مراد ابن طولون بزينب في هذه الرسالة والعلم هلل‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كتاب الزيارات بدمشق (ص ‪.)22‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ضرب الحوطة على جميع الغوطة البن طولون‪ ،‬نشرت في مجلة المجمع العربي في دمشق‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المجلد ‪ ،21‬شباط ‪1946‬م‪( ،‬ص‪.)159‬‬
‫وقد زعم محمد حسنين السابقي في كتابه مرقد العقيلة زينب (ص ‪ )176‬الهامش ‪ ،3‬أن مخطوط‬ ‫(‪)3‬‬
‫كتاب ابن طولون في ترجمة زينب‪ ،‬موجود >بخزانة آل الجوهري بنابلس<‪ ،‬والذي يبدو لي أن‬
‫هذا الكالم غير صحيح‪ ،‬ويظهر أن السابقي وقف على مقالة >وصف بعض المخطوطات في‬
‫خزائن بيت الجوهري< لمحمد عزة دروزة المنشورة في مجلة المجمع العلمي بدمشق سنة ‪ 1924‬م‪،‬‬
‫المجلد الرابع‪ ،‬الجزء العاشر‪( ،‬ص ‪ 453‬ــ ‪ ،)457‬وقد ذكر عزة دروزة في هذا المقال وجود‬
‫مجموع يضم عدة مؤلفات البن طولون‪ ،‬ولم يذكر ضمن هذه العناوين كتاب التوجهات الست‬
‫وال أشار إلى كتاب عن ترجمة زينب‪ ،‬فالظاهر أن السابقي افترض أن يكون كتاب ابن طولون عن‬
‫زينب موجودا في هذا المجموع‪ ،‬فإن كان األمر كذلك فهو من الرجم بالغيب‪ ،‬وسيأتي نظائر كثيرة‬
‫ألوهام السابقي التي بنى فيها كثيرا من اآلراء والتصورات معتمدا على هذا المسلك الغريب القائم‬
‫على االفتراض والتخمين‪.‬‬
‫اللمعات البرقية في النكت التاريخية طبعة مكتبة القدسي والبدير ضمن مجموعة رسائل تاريخية‬ ‫(‪)4‬‬
‫(ص ‪ ،)34‬اللمعات البرقية طبعة دار ابن حزم (ص ‪.)67‬‬
‫كتاب الزيارات بدمشق (ص ‪.)22‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪57‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫‪ 2‬ــ >ثواب المدرك في زيارة الست زينب والشيخ مدرك<(‪ )1‬لعبد الغني‬
‫النابلسي (‪1143‬هـ)(‪ ،)2‬قال تلميذه العجلوني في وصف هذه الرسالة‪> :‬تبلغ‬
‫تعرض فيها لشيء من ترجمتها(‪ )3‬وترجمة الشيخ عمر الخباز<(‪،)4‬‬
‫نحو الورقتين‪ّ ،‬‬
‫ومال فيها إلى أن القبر المنسوب لزينب في الشام في قرية راوية في الموضع‬
‫المشهور بقبر الست‪ ،‬هو لزينب الكبرى لكنه توهم أنها أم كلثوم الكبرى‪ ،‬وقد‬
‫نقل العجلوني غالب رسالة النابلسي في رسالته عرف الزرنب اآلتية‪ ،‬وسيأتي‬
‫فيما بعد أن النابلسي كان له أكثر من رأي حول موضع دفن زينب الكبرى‪ ،‬وأن‬
‫األقرب أن آخر أقواله في المسألة هو نفي ثبوت دفن زينب الكبرى في الشام‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ >المنحة واإلعزاز في الرحلة لزيارة السيدة زينب وسيدي مدرك وعمر‬
‫الخباز< لعبد اهلل بن عمر األفيوني (‪ 1154‬هـ)(‪ ،)5‬وهذه الرسالة لم أقف عليها‬
‫ولعلها فُقدت‪ ،‬لكن يبدو من عنوانها أنه تابع فيها عبد الغني النابلسي‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المقصود به مدرك بن زياد‪ ،‬ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق (‪ )183/57‬ونقل عن أبي عطية‬ ‫(‪)1‬‬
‫عبد الرحيم بن محرز الذي ينتهي نسبه إلى مدرك بن زياد أنه قال‪> :‬مدرك بن زياد صاحب‬
‫وقدم مع أبي عبيدة فتوفي بدمشق بقرية يقال لها راوية وكان أول مسلم دفن بها<‪،‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫ثم قال ابن عساكر‪> :‬لم أجد ذكر مدرك من غير هذا الوجه<‪.‬‬ ‫َّ‬
‫قلت‪ :‬فاألصل في إثبات وجوده هو ما نقله ابن عساكر‪ ،‬والذين ذكروه في الصحابة كلهم كابن‬
‫األثير في أسد الغابة (‪ ،)125/5‬والذهبي في تجريد أسماء الصحابة (ص ‪ ،)65‬وابن حجر في‬
‫اإلصابة (‪ )48/6‬نقلوا كالم ابن عساكر‪ ،‬فاهلل أعلم بحقيقة أمره‪ ،‬وقد ارتبط قبره بقبر زينب‪،‬‬
‫لكونه مدفونا في (راوية)‪.‬‬
‫ثبت السفاريني (ص ‪ ،)182‬إيضاح المكنون (‪ ،)348/3‬هدية العارفين (‪)591/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أي زينب الكبرى ‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مخطوط عرف الزرنب للعجلوني موجود ضمن مجموع به عدة رسائل [ق ‪/69‬أ] وسيأتي الكالم‬ ‫(‪)4‬‬
‫عن هذه الرسالة‪.‬‬
‫هدية العارفين (‪ ،)481/1‬إيضاح المكنون (‪.)416/4‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪58‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى ‪‬‬

‫‪ 4‬ــ >عرف الزرنب والزينب في ترجمة سيدي مدرك والسيدة زينب<‪،‬‬


‫إلسماعيل بن محمد العجلوني (‪1162‬هـ)(‪ ،)1‬ترجم فيها لزينب الكبرى وبسط‬
‫الكالم على تاريخها وعن القبر المنسوب إليها في راوية‪ ،‬وصرح بأن سبب تأليفه‬
‫لهذه الرسالة هو وقوفه على رسالة النابلسي اآلنفة‪ ،‬فقال عنها‪> :‬وهي رسالة‬
‫حسنة‪ ،‬لكنه ذكر فيها شيئين على خالف ما ذكره أهل السير والحديث والتاريخ‪،‬‬
‫فأحببت أن أصنف في ذلك رسالة جامعة لفرائد الفوائد‪ ،‬مبيِّنا فيها الواقع‪ ،‬راجيا‬
‫األجر من مانح العوائد‪ ،‬ذاكرا فيها غالب كالم شيخنا في رسالته<(‪ ،)2‬ثم إنه‬
‫صرح بعدم وقوفه على دليل يثبت دفن زينب الكبرى في قرية راوية‪ ،‬ويبدو أن‬
‫ما استقر عليه أمره هو عدم ميله لنسبة قبر راوية بدمشق لزينب الكبرى إذ أنه ختم‬
‫هذه الرسالة بكالمٍ لشيخه النابلسي ينفي فيه أن تكون دفينة قرية راوية هي زينب‬
‫‪ ،‬وسيأتي مزيد من التفصيل عن موقف العجلوني‪.‬‬
‫وقد وقفت على مخطوطة الرسالة بعد أن كدت أنتهي من هذا البحث‪،‬‬
‫فاكتفيت بنقل بعض النصوص عنها‪ ،‬وإال فلو وقفت عليها عندما بدأت هذا‬
‫البحث لنشرتها كاملة ضمنه‪ ،‬وبإذن اهلل سأقوم بتحقيقها ونشرها مع تلخيص لما‬
‫جاء في هذا البحث‪ ،‬واهلل المعين‪.‬‬
‫وأما رسالة >عرف الزرنب في بيان شأن سيدتنا زينب< لمحمد بن أحمد‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫السفاريني (‪1188‬هـ)‪ ،‬فليست عن زينب بنت علي كما ظن بعضهم ‪ ،‬بل هي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الفيض الجاري (‪ ،)661/6‬وحلية أهل الفضل والكمال (ص ‪ )48‬كالهما للعجلوني‪ ،‬سلك‬
‫الدرر للمرادي (‪.)260/1‬‬
‫(‪ )2‬مخطوط عرف الزرنب للعجلوني [ق ‪/69‬أ]‪.‬‬
‫(‪ )3‬جعل فارس حسون هذه الرسالة من ضمن المؤلفات عن زينب بنت علي في مقدمة تحقيقه ألخبار‬
‫الزينبات‪ ،‬مجلة ميراث حديث شيعة العدد ‪( 16‬ص ‪.)35‬‬

‫‪59‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫(‪.)1‬‬ ‫عن زينب بنت النبي‬


‫هذا ما وقفت عليه من الرسائل التي ُصنِّ َفت عن زينب في تراث أهل السنة‪،‬‬
‫و ُكلُّها ــ باستثناء رسالة السيوطي ــ تدور حول زيارة القبر المنسوب لزينب في‬
‫دمشق‪ ،‬والذي يبدو لي من خالل الوقوف على بعضها أن مضمون هذه الرسائل‬
‫ال يعدو تعيين من هي زينب التي ينسب إليها القبر الشامي‪ ،‬والحث على زيارته‪،‬‬
‫وربما يتخلل ذلك حكاية بعض الرؤى والمنامات المرتبطة بهذه الزيارات‪،‬‬
‫والمالحظ أن المؤلفات التي ظهرت في هذه الفترة‪ ،‬لم تتعرض إلى القبر‬
‫المنسوب إلى زينب في مصر‪ ،‬كما أنها لم تستعرض ما يروى عن زينب في‬
‫كربالء‪.‬‬
‫ثم ظهرت في القرن الرابع عشر الهجري فما بعده عدة مؤلفات عن زينب‪،‬‬
‫ّ‬
‫منها‪:‬‬
‫* >السيدة زينب وأخبار الزينبات< لحسن قاسم طبع أول مرة سنة‬
‫‪1351‬هـ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اطلعت بفضل اهلل على مصورة النسخة الخطية لهذه الرسالة والمحفوظة بالمكتبة الوطنية بباريس‬
‫تحت رقم (‪ ،)4928‬والشكر موصول لإلخوة القائمين على مركز الملك فيصل للبحوث‬
‫والدراسات اإلسالمية إلرسالهم مصورة المخطوط‪ ،‬وقد جاء في مقدمة الرسالة [ق‪/2‬أ]‪> :‬جرى‬
‫ذكر سيدة النساء زينب ابنة خاتم األنبياء ورسول رب السماء ‪ ...‬وسميتها عرف الزرنب في‬
‫ما مدح عندليب وأطرب<‪.‬‬ ‫بيان شأن سيدتنا زينب بنت سيد العجم والعرب‬
‫وقد نسبت هذه الرسالة لمحمد بن محمد الشعيبي اإلسفراييني (‪ 747‬هـ)‪ ،‬كما في األعالم‬
‫للزركلي (‪ ،)35/7‬وهذا وهم من الزركلي ‪ .‬ثم بعد االنتهاء من هذا البحث وقفت على طبعة‬
‫من الكتاب بتحقيق عبد العزيز بن إبراهيم الدخيل‪ ،‬وقد طبعت بعنوان >عرف الزرنب في بيان‬
‫شأن سيدتنا زينب بنت سيد العجم والعرب ص<‪ ،‬وجاء كالم السفاريني اآلنف في (ص ‪)29‬‬
‫من المطبوع‪ ،‬وانظر ثبت السفاريني (ص ‪.)278‬‬

‫‪60‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى ‪‬‬

‫نفحات من سيرة السيدة زينب< ألحمد الشرباصي‬ ‫* >حفيدة الرسول‬


‫طبع سنة ‪1382‬هـ‪.‬‬
‫* >ابنة الزهراء بطلة الفداء< لعلي أحمد شلبي طبع سنة ‪1393‬هـ‪.‬‬
‫* >السيدة زينب عقيلة بني هاشم< لعائشة بنت الشاطئ طبع سنة ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫* >زينب القدوة والرمز< لسعيد الخويلدي طبع سنة ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫* >تاريخ السيدة زينب< واختار هذا العنوان ثالثة من المؤلفين هم‪:‬‬
‫محمود علي الببالوي‪ ،‬ومحمد علي أحمد المصري‪ ،‬وعلي أحمد شلبي(‪.)1‬‬
‫وتميزت هذه المؤلفات عما سبقها بالتوسع في الكالم عن سيرة زينب‬
‫‪ ،‬وباألخص ما يروى من خروجها مع الحسين ‪ ‬في كربالء‪ ،‬إضافة إلى‬
‫تحول كبير في الكالم عن قبرها‪ ،‬فقسم من هذه المؤلفات ربط الكالم عن زينب‬
‫بالقبر المنسوب إليها في مصر‪ ،‬مع إغفال تام للقبر المنسوب إليها في الشام‪،‬‬
‫بينما تكفل القسم اآلخر بمناقشة وجود قبرها في الشام‪ ،‬مع ترجيح صحة دفنها‬
‫في مصر‪ ،‬وبين هذا وذاك يالحظ المطالع لهذه الكتب‪ ،‬التضخم العجيب في‬
‫سيرة زينب‪ ،‬بإضافة أخبار وحوادث ال أثر لها في كتب السابقين بل لجأ بعض‬
‫المؤلفين في هذه الفترة إلى اختالق األكاذيب واألساطير(‪ ،)2‬مع العلم أ َّن قسما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ولم أقصد استيفاء معجم ما ألف عن زينب في هذه الفترة وإنما أشرت إلى بعض المؤلفات التي‬
‫وقفت عليها بنفسي‪ ،‬أو رأيت عناوينها في بعض المقاالت‪ ،‬وراجع‪ :‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪29‬‬
‫ــ ‪ ،)32‬مقالة مكتبة السيدة زينب‪ ،‬مجلة الموسم العدد الرابع (ص ‪ 1161‬ــ ‪ ،)1164‬أخبار‬
‫الزينبات بتحقيق فارس حسون‪ ،‬منشور بمجلة ميراث حديث شيعة العدد ‪( 16‬ص‪ 33‬ــ ‪.)36‬‬
‫(‪ )2‬كما صنع حسن قاسم حين لفَّق كتاب >أخبار الزينبات< ونسبه للنسابة يحيى بن الحسين العقيقي‬
‫العبيدلي كما سأبينه بالتفصيل في مبحث نقد الكتب المصنفة عن زينب‪ ،‬وكما صنع علي أحمد=‬

‫‪61‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫كبيرا ممن ألّف في هذه الفترة تأثر بكتابين أساسيين‪ ،‬هما كتاب >السيدة زينب‬
‫وأخبار الزينبات< لحسن قاسم‪ ،‬وكتاب >زينب الكبرى< لجعفر النقدي من‬
‫اإلمامية‪ ،‬وكل من كتب بعد هذين المؤل َفين إنما يعتمد على كتابيهما‪.‬‬
‫والمالحظ في المؤلفات التي كتبت في القرن الرابع عشر فما بعده‪ ،‬أنها‬
‫تأثرت بالتراث اإلمامي عن زينب‪ ،‬ولذا ركز ُجلُّ من ألَّف في هذه الفترة على‬
‫واقعة كربالء وما روي من مشاركة زينب فيها‪ ،‬وما نسب إليها من مواقف في‬
‫الشام‪ ،‬كما يالحظ أ َّن ُج ّل من أل َّف عن زينب في هذه الفترة هم من الديار‬
‫المصرية‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ المؤلفات عن زينب الكبرى ‪ ‬في تراث اإلمامية‬


‫يفاجأ الباحث بأن أقدم ما ألفه اإلمامية عن زينب بنت علي ‪ ‬يرجع إلى‬
‫القرن الرابع عشر للهجرة(‪!)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= شلبي حين سلك طريقة الكتاب المعاصرين الذي يعمدون إلى الفراغات في تاريخ بعض‬
‫الشخصيات فيملؤونها باختالق وقائع وأحداث ال أصل لها‪ ،‬فحشا كتابه بحوادث ووقائع ما أنزل‬
‫اهلل بها من سلطان وسترى نماذج منها في المبحث الذي أفردته في القصص المختلقة عن زينب‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )1‬ذكر آغا بزرك الطهراني كتابا عن زينب وقرر أنه ُكتب في القرن الثاني عشر‪ ،‬وعنوانه‪> :‬مصيبة‬
‫مج ّددة أحزان المؤمنين في قصة العفيفة بنت أمير المؤمنين<‪ ،‬ونسبه إلى محمد بن عيسى بن‬
‫عبد الحسين‪ ،‬وذكر أنه ألفه سنة ‪1108‬هـ‪ ،‬ولم أعتمد على كالم الطهراني العتقادي بعدم صحة‬
‫التاريخ الذي ذكره‪ ،‬مع ما عهد عنه من الوهم في أمثال هذا كما هو مبسوط في الكتب التي ألفت‬
‫لتعقب أوهام صاحب الذريعة‪ ،‬والذي جعلني ال أطمئن إلى ما ذكره أن جل الكتب التي ذكر ُتها=‬

‫‪62‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى ‪‬‬

‫المذ َّهب في أحوال‬


‫فأقدم ُم َصنَّف عثرت عليه عن زينب هو كتاب >الطراز ُ‬
‫أم المصائب زينب< للميرزا عباس قلي خان (‪ 1342‬هـ)‪ ،‬وهو مكتوب باللغة‬
‫الفارسية‪ ،‬وألّفه قلي خان سنة ‪ 1314‬هـ‪ ،‬وطبع سنة ‪1322‬هـ‪.‬‬
‫والجزء األكبر من كتاب >الطراز< تناول من حياة زينب ما يتعلق بخروجها‬
‫ثم مواقفها المروية عنها‪ ،‬وخطبها المنسوبة إليها في‬
‫مع الحسين إلى كربالء‪ّ ،‬‬
‫الكوفة والشام‪.‬‬
‫ويعتبر هذا الكتاب المصدر األساسي للمؤلفات التي ُكتبت بعده‪ ،‬فألّف‬
‫نور الدين الجزائري (‪1385‬هـ)(‪ )1‬كتاب >الخصائص الزينبية< باللغة الفارسية‬
‫المذ َّهب< مع‬
‫أيضا وطبع سنة ‪1341‬هـ وكتابه ليس إال انتحاال لكتاب >الطراز ُ‬
‫شيء من اإلضافة والتغيير في الترتيب(‪.)2‬‬

‫وقفت على عناوين كثيرة أُلّفت عن زينب بعد كتاب >الطراز ُ‬


‫المذ َّهب<‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬
‫وكلها مكتوب بالفارسية منها‪:‬‬
‫* >زينب الكبرى< لزين العابدين خان بن محمد كريم خان الكرماني‪ ،‬كتبه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ثم إ ّنه ذكر كتاب المصيبة‬
‫= صدرت في تواريخ متقاربة خالفا لهذا التاريخ المرتاب في صحته‪ّ ،‬‬
‫المجددة مرتين‪ ،‬مرة نسبه إلى محمد بن عيسى ذاك كما في الذريعة (‪ ،)132/21‬ومرة لم يصرح‬
‫بنسبته إليه مع أنه ذكر بعده مراثي ونسبها لمحمد بن عيسى‪ ،‬الذريعة (‪ ،)26/22‬فعدم تصريحه‬
‫بنسبة الكتاب إلى محمد بن عيسى في الموضع الثاني جعلني أشك في وهمه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬والجزائري نسبة إلى جزائر إيران‪ ،‬وانظر ترجمته في مقدمة الخصائص الزينبية (ص ‪ 7‬ــ ‪.)10‬‬
‫(‪ )2‬لم يشر الجزائري للنقل عن الطراز المذهب إال في بعض المواضع مع أن المقارنة بين الكتابين‬
‫توضح أن الجزائري إنما أعاد كتابة الطراز المذهب بأسلوب مغاير مع التوسع واالستطراد والتكرار‬
‫الممل‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫سنه ‪1326‬هـ(‪.)1‬‬
‫* >أساور من ذهب في أحوال أم المصائب زينب< لمهدي األصفهاني‪،‬‬
‫طبع سنة ‪1350‬هـ(‪.)2‬‬
‫وقد التزم المؤلف أال ينقل األخبار المكذوبة والموهونة(‪ ،)3‬ولذا فقد صان‬
‫كتابه من نقل الروايات التي تفرد بها صاحب الطراز‪ ،‬وكانت النتيجة أن خرج‬
‫المذ َّهب<‪ ،‬وإن كان يظهر‬
‫الكتاب في حجم صغير جدا مقارنة مع كتاب >الطراز ُ‬
‫من ترتيب األساور وفصوله أنه استفاد من كتاب الطراز في الجملة‪.‬‬
‫* >تاريخ أم المصائب سيدتنا زينب< لمحمد بن إسماعيل الكجوري‬
‫توفي سنة ‪1352‬هـ(‪.)4‬‬
‫وهناك كتب أخرى كثيرة أُلّفت عن زينب الكبرى جمعت في مقالة في مجلة‬
‫الموسم(‪ ،)5‬لكن ُجل هذه الكتب لم يكتب لها الشهرة والتداول‪ ،‬ولعل السبب‬
‫أ ّن أغلبها مكتوب بالفارسية‪.‬‬
‫وأما أول كتاب إمامي مؤلف باللغة العربية في زينب الكبرى بحسب ما‬
‫وقفت عليه فهو >رسالة في ترجمة السيدة زينب الكبرى< لحسون البراقي النجفي‬
‫(‪ 1332‬هـ)‪ ،‬وهذا الكتاب ال زال مخطوطا ولم أقف عليه(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مجلة الموسم‪ ،‬العدد الرابع‪( ،‬ص ‪.)1163‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الذريعة (‪.)64/11‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أساور من ذهب (ص ‪.)9‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الذريعة (‪.)236/3‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬مقالة مكتبة السيدة زينب‪ ،‬مجلة الموسم العدد الرابع (ص ‪ 1162‬ــ ‪.)1166‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫ذكره كامل سلمان الجبوري في مقدمة تحقيقه لكتاب النجف للبراقي (ص ‪ ،)14‬وذكر أنه=‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪64‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى ‪‬‬

‫ثم ألَّف جعفر النقدي (‪ 1369‬هـ) أشهر كتاب عربي في التراث اإلمامي‬‫ّ‬
‫عن زينب‪ ،‬عنوانه >زينب الكبرى بنت اإلمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‬
‫‪ ،<‬وطبع بالنجف سنة ‪ 1361‬هـ(‪.)1‬‬
‫وقد شرح في المقدمة أن سبب تأليفه لهذا الكتاب هو عدم وقوفه على‬
‫مؤلَّف مستقل عن زينب الكبرى ‪ ‬سوى كتاب >الطراز ُ‬
‫المذ َّهب< فقال‪> :‬ولما‬
‫لم أجد مؤل َّفا خاصا بالمعصومة الصغرى‪ ،‬سيدتنا وموالتنا (زينب الكبرى) بنت‬
‫اإلمام أمير المؤمنين صلوات اهلل عليها وعلى أبيها‪ ،‬يُ ّبين تفصيل أحوالها‪ ،‬ويشرح‬
‫فضائلها ومناقبها‪ ،‬ومزاياها التي خصها بها الباري تعالى‪ ،‬سوى الكتاب الفارسي‬
‫المسمى >بالطراز المذ َّهب< الذي جمع فيه مؤلفه بين الغث والسمين‪ ،‬ألّفت‬
‫كتابي هذا في شرح سيرتها وبيان فضلها ورفعة شأنها وجاللتها ‪.)2(<‬‬
‫المذ َّهب<‪ ،‬إال أنه لم يذكر ذلك إال‬
‫وقد اعتمد النقدي على كتاب >الطراز ُ‬
‫في النادر(‪ ،)3‬وبمقارنة بين الكتابين‪ ،‬يتبين أ َّن النقدي قام بترجمة كتاب الطراز‬
‫مع اختصار االستطرادات(‪ ،)4‬وأضاف إلى ذلك ما وقف عليه من نصوص فاتت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫محفوظ في مكتبة كاشف الغطاء بالنجف تحت رقم (‪.)828‬‬ ‫=‬
‫طبع الكتاب مرات كثيرة ووقفت منه على ثالث طبعات‪ :‬طبعة النجف الرابعة من منشورات‬ ‫(‪)1‬‬
‫المكتبة الحيدرية‪ ،‬وطبعة مكتبة المفيد بقم وهي مصورة من طبعة النجف‪ ،‬والطبعة األولى من‬
‫مؤسسة األعلمي سنة ‪1419‬هـ وقد تغير العنوان في طبعة األعلمي إلى >حياة السيدة زينب<‪ ،‬وقد‬
‫اعتمدت في العزو على طبعة النجف‪.‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 18‬ــ ‪ 26‬ــ ‪ 27‬ــ ‪ 75‬ــ ‪ 119‬ــ ‪.)120‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫واستفاد النقدي أيضا من الخصائص الزينبية للجزائري وأحال عليه في بعض المواضع‪ ،‬انظر‬ ‫(‪)4‬‬
‫مثال‪ :‬زينب الكبرى (ص‪.)36‬‬

‫‪65‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫صاحب الطراز‪ ،‬كما أنه اعتمد على كتاب >السيدة زينب وأخبار الزينبات<‬
‫لحسن قاسم وأدرج جزءا من مباحثه في كتابه(‪.)1‬‬
‫ثم أل َّف فضل علي القزويني (‪ 1367‬هـ) رسالة عن زينب أدرجها ضمن‬
‫كتابه >اإلمام الحسين وأصحابه<‪ ،‬وقال‪> :‬إن شئت فسم‪> :‬رسالة مستقلة وجيزة‬
‫منفردة في أحوال الزينبين وتاريخيهما<<(‪ ،)2‬وقد اعتمد على كتاب النقدي في‬
‫جل ما أورده عن زينب(‪ ،)3‬غير أنه ذهب إلى مذهب غريب فزعم أن زينب‬
‫الكبرى هي أم كلثوم الكبرى زوجة عمر بن الخطاب ‪ ،‬وهذا خطأ مقطوع به‪،‬‬
‫السنة‬
‫النسابين من ُّ‬
‫بل الثابت في الروايات وكالم المؤرخين والمح ّدثين وعامة ّ‬
‫واإلمامية أن زوجة عمر هي أم كلثوم الكبرى وهي األخت الصغرى الشقيقة‬
‫لزينب الكبرى(‪.)4‬‬
‫ثم ألّف محمد حسنين السابقي كتاب >كشف الغيهب في تحقيق مرقد‬ ‫ّ‬
‫العقيلة زينب< سنة ‪1394‬هـ‪ ،‬وقد أعيدت طباعته مؤخرا بعنوان‪> :‬مرقد العقيلة‬
‫زينب في ميزان الدراسة والتحقيق والتحليل<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 120‬ــ ‪.)126‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اإلمام الحسين وأصحابه (‪.)101/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫القزويني متقدم الوفاة على النقدي‪ ،‬لك َّن كتابه متأخر عن كتاب النقدي‪ ،‬وقد اعتمد القزويني على‬ ‫(‪)3‬‬
‫كتاب النقدي ونقل منه‪ ،‬انظر مثال اإلمام الحسين وأصحابه (‪،108 ،106 ،104 ،103/3‬‬
‫‪ ،)155 ،152 ،116‬وغيرها من المواضع‪ ،‬مما يدل على تأخر تصنيف رسالته عن زينب عن‬
‫كتاب النقدي‪.‬‬
‫بسطت ذلك بتفصيل في كتابنا >نسبا وصهرا< فارجع إليه‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ولست أدري هل العنوان الذي طبع على غالف الكتاب ــ مرقد العقيلة زينب في ميزان الدراسة‬ ‫( ‪)5‬‬
‫والتحقيق ــ من عمل المؤلف أم المطبعة‪ ،‬ألنه قد جاء في تقريظ الزنجاني وحرز الدين النجفي‬
‫للكتاب أن عنوانه هو >كشف الغيهب في تحقيق مرقد العقيلة زينب<‪ ،‬انظر (ص ‪ 11‬و‪.)13‬‬

‫‪66‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى ‪‬‬

‫وقد تضمن هذا الكتاب مناقشة موسعة لقضية موقع قبر زينب‪ ،‬مع‬
‫استطرادات وحشو كثير‪ ،‬انتصر فيه مؤلفه لصحة القبر الشامي دون بقية المواضع‬
‫بما فيها القبر المصري‪ ،‬وهذا الكتاب صار معتم َد كل من رجح صحة القبر‬
‫الشامي فيما بعد(‪.)1‬‬
‫ثم صدرت في فترة وجيزة‪ ،‬عشرات الكتب عن زينب جلها تدور في فلك‬ ‫َّ‬
‫كتاب جعفر النقدي‪ ،‬وتحيل عليه‪ ،‬منها‪:‬‬
‫* >وفاة زينب الكبرى<‪ ،‬لفرج آل عمران القطيفي‪ ،‬ألّفه سنة ‪1377‬هـ‬
‫وصرح في المقدمة أ َّن كتابه مختصر من كتاب جعفر النقدي(‪ ،)2‬إال أ ّنه خالفه في‬
‫تعيين مرقد زينب‪ ،‬فخصص فصال في آخر الكتاب إلثبات كونه في الشام‪.‬‬
‫* >زينب الكبرى من المهد إلى اللحد< لمحمد كاظم القزويني كتبه سنة‬
‫‪1409‬هـ‪ ،‬ومن مراجعة هوامشه يتبين اعتماده الكامل على كتاب النقدي(‪ ،)3‬وقد‬
‫اعتمد على كتاب >أخبار الزينبات< لحسن قاسم‪.‬‬
‫وهناك كتب أخرى كثيرة يعسر إحصاؤها‪ ،‬وجل هذه الكتب تعتمد على‬
‫(‪)4‬‬
‫تفرد به من تفاصيل حياة زينب‪.‬‬
‫كتاب النقدي فيما َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقد خصصت هذا الكتاب بالدراسة في مبحث نقد المؤلفات‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وفاة زينب الكبرى (ص ‪.)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 31‬ــ ‪ 32‬ــ ‪ 222‬ــ ‪ 255‬ــ ‪ 364‬ــ ‪ 584‬ــ ‪593‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ــ ‪ 598‬ــ ‪ 603‬ــ ‪ ،)633‬وقارن مثال ما جاء في زينب الكبرى (ص ‪ 119‬ــ ‪ )126‬بما جاء في‬
‫كتاب زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 592‬ــ ‪.)618‬‬
‫بل إ َّن بعضهم قام بسرقة كتاب النقدي‪ ،‬كما صنع ماجد ناصر الزبيدي‪ ،‬فقد أصدر كتابا سماه‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫>فخر النساء زينب الحوراء<‪ ،‬وهو كتاب تجاري محض‪ ،‬قام صاحبه باختصار كتاب النقدي=‬

‫‪67‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫وبعد هذه الطفرة الهائلة في الكتابة عن زينب‪ ،‬بدأت تظهر كتابات‬


‫تتخصص بجانب من جوانب حياتها‪ ،‬فمن اإلمامية من أفرد كتابا عن قبرها‪،‬‬
‫كجعفر مرتضى العاملي في كتابه >زينب ورقية في الشام<‪ ،‬ومنهم من أفرد كتبا‬
‫عن زيارتها‪ ،‬بل ولألسف بدأت تظهر بعض الكتابات المفرطة في الغلو التي‬
‫تقرر عصمة زينب بنت علي ‪ )1(‬وبل وتفضيلها على مريم ‪.)2(‬‬
‫هذه هي المسيرة التاريخية للتأليف عن زينب في التراث اإلمامي‪ ،‬وهي‬
‫مسيرة متأخرة جدا تبدأ فعليا من القرن الماضي‪ ،‬لتتضخم شيئا فشيئا حتى تصل‬
‫إلى ما وصلت إليه اآلن من التهافت على التصنيف عن زينب في فترات وجيزة‬
‫متقاربة‪ ،‬حتى قال السابقي‪> :‬لم يؤلف في هذا القرن في ترجمة أحد من مشاهير‬
‫مخ َّدرات اإلسالم مثل ما أُلّف في سيرتها<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وإعادة ترتيبه وأحال عليه في قليل من هوامشه وترك اإلحالة عليه في أكثرها‪ ،‬وباختصار فاالنتحال‬
‫واالختالس العلمي منطبق على هذا الكتاب‪ ،‬انظر مثال (ص ‪ 11‬ــ ‪ 12‬ــ ‪ 13‬ــ ‪ 15‬ــ ‪ 17‬ــ ‪ 24‬ــ‬
‫‪ 29‬إلى ‪ 30‬ــ ‪ 33‬إلى ‪ 34‬ــ ‪ 36‬إلى ‪ 37‬ــ ‪ 38‬ــ ‪ 55‬إلى ‪.)57‬‬
‫وقد سجلت حاالت مماثلة على المؤلف‪ ،‬فقد اتهمه عبد اهلل بن دهيمش بسرقة كتاب >أصدق‬
‫الدالئل في أنساب بني وائل< وطباعته بعنوان‪> :‬موسوعة قبائل الجزيرة العربية<‪ ،‬انظر مقال‪:‬‬
‫مؤلفاتنا تسرق ثم تطبع في الخارج وتباع في وطني‪ ،‬صحيفة الجزيرة العدد ‪ 8 ،13366‬جمادى‬
‫األولى ‪.1430‬‬
‫وممن سلك هذا المسلك‪ :‬علي آل مكي العاملي‪ ،‬في مقالة منشورة له بمجلة الموسم العدد الرابع‬
‫بعنوان‪> :‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد<‪ ،‬وهذه المقالة ليست إال اختصارا لكتاب النقدي‬
‫الذي أحال إليه في بضعة مواضع دون أن يشير إلى أن الجزء األكبر من المقالة مأخوذ من النقدي‪،‬‬
‫مع اقتباس جزء من كتاب السابقي فيما يتعلق بتعيين قبر زينب!‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬كتاب عصمة الحوراء زينب لعادل العلوي‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الحقيقة الغراء في تفضيل زينب الحوراء على مريم العذراء لمحمد جميل حمود العاملي‪.‬‬
‫(‪ )3‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)32‬‬

‫‪68‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬دراسة تارخيية موجزة لتطور التأليف يف زينب الكربى ‪‬‬

‫وبقراءة سريعة لهذه الكتب يُالحظ حجم التناقض القائم بين ندرة أخبار‬
‫زينب في المصادر األصلية‪ ،‬وبين كثرة القصص والروايات التي انتشرت في‬
‫الكتب المتأخرة عنها‪ ،‬مما يبعث على الحيرة والتساؤل‪ ،‬ويستدعي دراسة نقدية‬
‫وتحليال مفصال‪ ،‬وهو ما سأحاول بيانه في المبحث التالي‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫* المسألة الثانية‪ :‬تحليل أسباب تطور التأليف عن زينب الكبرى ‪‬‬


‫‪$‬‬
‫والكمي في الكتابة عن زينب خالل القرون‬
‫ّ‬ ‫إ َّن تفسير التطور النوعي‬
‫المتأخرة يتلخص في نظري في أمور أربعة‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬بواعث التأليف عن زينب الكبرى ‪‬‬
‫عند النظر في عناوين مؤلفات أهل السنة عن زينب ‪ ،‬يظهر بجالء أ َّن‬
‫بدايات التأليف عن زينب ‪ ‬في القرن العاشر ارتبطت بقضية رئيسية‪ ،‬وهي‬
‫زيارة القبر المنسوب إليها في الشام‪.‬‬
‫َّأما التأليفات المتأخرة والتي ظهرت في القرن الرابع عشر‪ ،‬فكان سببها‬
‫الرئيس هو التطور العمراني الذي حصل في القبر المنسوب إليها في مصر‪ ،‬مع‬
‫ما صاحب ذلك من تزايد االهتمام بمعرفة تفاصيل شخصيتها وحياتها‪ ،‬وهذا ما‬
‫حدا بجماعة من المؤلفين إلى الكتابة عن سيرة زينب وحياتها‪ ،‬مع ربط قبرها‬
‫بمصر‪.‬‬
‫َّأما عندما نتأمل في موقع زينب في التراث اإلمامي‪ ،‬فإ ّن ما يالحظه القارئ‬
‫بصورة جلية وواضحة في الدراسة التاريخية التي مضت أ ّن االهتمام الحقيقي‬
‫بالتأليف عنها كان متأخرا جدا‪ ،‬وباألحرى؛ ال يتعدى القرن الماضي‪.‬‬
‫السابقي ــ وهو من اإلمامية ــ بأ َّن أول مصنف أُلّف عن زينب ‪‬‬
‫وقد أقر َّ‬
‫كان في القرن التاسع‪ ،‬فقال‪> :‬ومن العجب أنه لم يؤلف كتاب مفرد في ترجمة‬

‫‪70‬‬
‫املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب ‪‬‬

‫العقيلة زينب إلى القرن التاسع أو أُلّف ولكن خلت عن ذكره الفهارس‪ّ ،‬‬
‫وأول‬
‫كتاب علمناه مفردا في هذا الباب هو كتاب الحافظ(‪ )1‬عبد الرحمن السخاوي‬
‫المتوفى ‪ 902‬هـ‪ ،‬وتبعه ابن طولون الدمشقي المتوفى ‪ 952‬هـ<(‪.)2‬‬
‫السباقون للتأليف في‬ ‫ويكفي أهل السنة شرفا أن يُ ِق َّر لهم المخالف بأنهم َّ‬
‫زينب بنت علي ‪ ‬واالهتمام بها‪ ،‬فيما يُالحظ أ َّن الصادح ب ِذكرها في المجالس‬
‫ووسائل اإلعالم والكتب المعاصرة ويُزايد على اآلخرين في االحتفاء بها كان‬
‫علي ‪ ‬أكثر من عشرة قرون‪ ،‬فلم يَ َت ّنبه لها‬
‫غافال عن التأليف عن بضعة اإلمام ّ‬
‫إال قُبيل قر ٍن واح ٍد من الزمان!‪.‬‬
‫ثم إ َّن مطالعة سريعة للمؤلفات األولى التي كتبت عن زينب‪ ،‬تجعلنا نقرر‬
‫َّ‬
‫أ َّن ورود اسم زينب في أحداث كربالء وما تالها هو السبب الرئيس لالهتمام‬
‫أقدم‬ ‫بالتأليف عن زينب ‪ ،‬فعندما نرجع لكتاب >الطراز ُ‬
‫المذ َّهب<‪ ،‬الذي يُع ُّد َ‬
‫كتاب في التراث اإلمامي عن زينب‪ ،‬نجد أ َّن مرويات أحداث كربالء هي الجزء‬
‫ٍ‬
‫األكبر الذي طغى على الكتاب‪ ،‬إذ استغرقت ‪ 300‬صفحة(‪ ،)3‬وهذا أكثر من‬
‫نصف الكتاب(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سيأتي الحديث عن عدم صحة نِسبة هذا الكتاب له‪ ،‬وكونه من مختلقات حسن قاسم‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)195‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الطراز المذهب من (ص ‪ )199‬إلى (ص ‪.)515‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫يقع كتاب الطراز المذهب في ‪ 653‬صفحة‪ ،‬لكن الكتاب فيه مبحث فلسفي مطول خارج عن‬ ‫(‪)4‬‬
‫موضوع زينب‪ ،‬تكلم فيه المؤلف عن النفس والروح والعقل ومباحث أخرى وقعت في ‪104‬‬
‫صفحات من (ص ‪ )78‬إلى (ص ‪ ،)182‬فإذا حذفناها تبقى ‪ 550‬صفحة‪ ،‬وبهذا تكون أحداث‬
‫كربالء أخذت أكثر من نصف الكتاب‪ ،‬والعجيب أ ّن مثل هذا وقع في الكتب المصنّفة عن‬
‫الحسين‪ ،‬إذ أنها تركز على واقعة كربالء مع أنها ال تمثل إال أياما معدودة من حياة الحسين التي=‬

‫‪71‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫ثم تطور االهتمام بزينب مع التطور العمراني للقبر الشامي‪ ،‬فظهرت‬ ‫َّ‬
‫المؤلفات التي تختص بترجيح دفنها في الشام مع بيان كيفية زيارتها‪ ،‬وبهذا يظهر‬
‫أ َّن االهتمام بشخصية زينب ‪ ‬لم يكن ألجل ُّ‬
‫تميزها عن بقية نساء أهل البيت‬
‫بميزة معينة‪ ،‬أو إلظهار أخالقها وسيرتها ألجل االقتداء بها‪ ،‬بل ال يخرج األمر‬
‫عن االرتباط بقبرها سواء كان مصريا أو شاميا‪ ،‬أو بسبب المواقف والخطب التي‬
‫نسبها إليها األخباريون‪ ،‬وأنا أجزم أنه لوال هذان األمران‪ ،‬لما حظيت زينب ‪‬‬
‫بهذا االهتمام المتأخر‪ ،‬ولكان حالها حال بقية نساء أهل البيت اللواتي ال يحظين‬
‫باهتمام كبير في التراث اإلمامي‪.‬‬
‫فلك أن تقارن حجم المؤلفات التي كتبت عن زينب بنت علي ‪ ‬والتي‬
‫يعسر إحصاؤها اليوم‪ ،‬بالمؤلفات عن شخصيات أعلى درجة منها‪ ،‬مثل‪ :‬بنات‬
‫النبي ‪ :‬زينب ‪ ‬ورقية ‪ ‬وأم كلثوم ‪ ،‬فهؤالء كلهن من سيدات بيت‬
‫النبوة الالتي ورد فيهن فضائل مخصوصة‪ ،‬ومع ذلك فالمؤلفات عنهن في التراث‬
‫اإلمامي شحيحة نادرة(‪ ،)1‬ونفس الشيء يقال عن بقية بنات علي ‪ ،‬لو استثينا‬
‫أم كلثوم التي لو لم يتزوجها عمر ‪ ‬لما حظيت بأي اهتمام‪ ،‬وكذلك رقية بنت‬
‫علي ‪ ‬فلوال القبر المنسوب إليها في الشام لما لقيت أي اهتمام(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= تمتد من العهد النبوي إلى زمن يزيد بن معاوية‪ ،‬وقد أشار إلى هذا محمد صحتي واستنكره بشدة‪،‬‬
‫انظر مقاله في جدل ومواقف من الشعائر الحسينية (ص ‪.)252‬‬
‫ويدعون أنهن ربائب خديجة ‪ !‬انظر‪ :‬كتاب‬ ‫(‪ )1‬بل إ َّن بعض الغالة ينكرون بنوتهن للنبي‬
‫ال ربائبه) من إصدارات مبرة اآلل واألصحاب‪.‬‬ ‫(زينب ورقية وأم كلثوم بنات رسول اهلل‬
‫(‪ )2‬بل إنك لتعجب حينما يتم إثبات كثير من الشخصيات الوهمية ونسبتها إلى آل البيت والصحابة بناء‬
‫على روايات شاذة واهية أو على وجود قبور منسوبة إليهم‪ ،‬من هذه الشخصيات الوهمية‪ :‬سكينة=‬

‫‪72‬‬
‫املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب ‪‬‬

‫األمر الثاني‪ :‬خريطة تأليف مرويات حياة زينب الكبرى ‪ ‬وتسلسلها‬


‫من خالل دراسة استقرائية للمصنفات المكتوبة عن زينب ‪ ،‬يتبين‬
‫للباحث أصل المرويات المتكاثرة عن زينب ‪ ‬والتي ظهرت فجأة في القرون‬
‫ثم صارت فيما بعد من المس ّلمات التي فشت في كتابات المؤلفين عن‬
‫األخيرة‪َّ ،‬‬
‫زينب‪ ،‬إذ أن أول من جمع هذه المرويات في كتاب واحد ــ حسب ما وقفت‬
‫المذ َّهب< وهو أقدم كتاب‬
‫عليه ــ هو الميرزا عباس قلي خان في كتابه >الطراز ُ‬
‫لإلمامية عن زينب ‪ ‬ــ‪.‬‬
‫وقد اعتمد عباس قلي خان على مصادر مختلفة‪ ،‬جلها وأغلبها من الكتب‬
‫المتأخرة المصنفة في مقتل الحسين ‪ ،‬والتي اصطلح اإلمامية على تسميتها‬
‫الم َقاتِل ‪َّ ،‬‬
‫ثم انتقلت هذه المرويات إلى الكتب الفارسية التي أُلّفت بعد‬ ‫(‪)1‬‬
‫بكتب َ‬
‫كتاب >الطراز<‪ ،‬وعلى رأسها كتاب >الخصائص الزينبية< للجزائري‪.‬‬
‫في المقابل‪ ،‬قام حسن قاسم بتأليف كتابه عن زينب مع نشر كتاب مختلق‬
‫عنوانه >أخبار الزينبات<‪ ،‬أورد فيه أخبارا كثيرة عن زينب أهمها قصة مختلقة عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= بنت أبي بكر الصديق‪ ،‬عمران بن علي‪ ،‬معين بن علي‪ ،‬سكينة بنت علي‪ ،‬مريم بنت علي‪ ،‬ثروان بن‬
‫الحسن‪ ،‬شريفة بنت الحسن‪ ،‬رقية بنت الحسين‪ ،‬المحسن بن الحسين‪ ،‬عائشة بنت جعفر الصادق‪،‬‬
‫مدرك بن زياد‪ ،‬وغيرهم ممن سأتعرض للكالم عنهم في رسالة مفصلة يسر اهلل كتابتها وإتمامها‪.‬‬
‫(‪ )1‬من هذه الكتب التي تكررت اإلحالة عليها في الطراز المذهب‪ :‬بحر المصائب‪ ،‬رياض المصائب‪،‬‬
‫رياض الشهادة‪ ،‬بيت األحزان‪ ،‬منتخب الطريحي‪ ،‬أسرار الشهادة‪ ،‬تظلم الزهراء‪ ،‬مفتاح البكاء‪،‬‬
‫الدمعة الساكبة‪ ،‬بحر البكاء في مصائب المعصومين‪ ،‬مهيج األحزان‪ ،‬المقتل المنسوب ألبي‬
‫مخنف‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وكلها من الكتب التي كتبت بعد القرن الحادي عشر‪ ،‬وانظر‪ :‬اإلمام الحسين‬
‫وأصحابه (‪.)175/3‬‬

‫‪73‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫(‪)1‬‬
‫ثم جاء جعفر النقدي واستفاد من الكتب السابقة عن زينب‪،‬‬ ‫سفرها إلى مصر ‪َّ ،‬‬
‫المذ َّهب<‪ ،‬وما‬
‫فألّف كتابه >زينب الكبرى<‪ ،‬وجمع فيه ما رواه صاحب >الطراز ُ‬
‫ثم بعد ذلك صار‬‫ذكره صاحب >أخبار الزينبات< من روايات تعيِّن موضع قبرها‪َّ ،‬‬
‫كتاب النقدي مصدرا رئيسيا للذين كتبوا فيما بعد عن زينب(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ومما تجدر اإلشارة إليه أن أحمد شلبي رئيس مجلس إدارة المسجد الزينبي في مصر ــ صاحب‬
‫كتاب ابنة الزهراء بطلة الفداء ــ قام باختالق مرويات جديدة عن زينب‪ ،‬لكن لم يكتب ألخباره‬
‫االنتشار كما كتب ألخبار صاحب الطراز وصاحب أخبار الزينبات‪ ،‬ولعل ذلك لظهور بطالنها‬
‫والركاكة الواضحة في أسلوبها‪ ،‬وسأشير إلى جملة منها في محله‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر مثال‪:‬‬
‫ــ مع بطلة كربالء لمحمد جواد مغنية طبع سنة ‪ 1382‬هـ (ص ‪ 33‬ــ ‪ 79‬ــ ‪.)91‬‬
‫ــ المرأة العظيمة لحسن الصفار مطبوع سنة ‪ 1413‬هـ (ص ‪ 40‬ــ ‪ 41‬ــ ‪ 43‬ــ ‪ 73‬ــ ‪ 87‬ــ ‪ 90‬ــ‬
‫‪ 91‬ــ ‪ 93‬ــ ‪ 95‬ــ ‪ 96‬ــ ‪.)98‬‬
‫ــ السيدة زينب رائدة الجهاد لباقر شريف القرشي مطبوع سنة ‪ 1414‬هـ (ص ‪ 35‬ــ ‪ 42‬ــ ‪ 43‬ــ‬
‫‪ 44‬ــ ‪ 45‬ــ ‪ 52‬ــ ‪ 63‬ــ ‪ 68‬ــ ‪ 165‬ــ ‪.)166‬‬
‫ــ زينب القدوة والرمز لسعيد الخويلدي مطبوع سنة ‪ 1414‬هـ (ص ‪ 40‬ــ ‪ 64‬ــ ‪ 78‬ــ ‪ 79‬ــ ‪107‬‬
‫ــ ‪ 109‬ــ ‪.)170‬‬
‫ــ زينب والظالمون لمحسن المعلم مطبوع سنة ‪ 1418‬هـ (ص ‪ 12‬ــ ‪ 13‬ــ ‪ 16‬ــ ‪ 20‬ــ ‪ 31‬ــ ‪35‬‬
‫ــ ‪ 38‬ــ ‪ 41‬ــ ‪ 42‬ــ ‪ 50‬ــ ‪ 51‬ــ ‪.)58‬‬
‫ــ الشمس الطالعة ألحمد شكر مطبوع سنة ‪ 1420‬هـ (ص‪ 65 :‬ــ ‪ 69‬ــ ‪ 70‬ــ ‪ 73‬ــ ‪ 79‬ــ ‪ 80‬ــ‬
‫‪ 81‬ــ ‪ 83‬ــ ‪ 88‬ــ ‪.)91‬‬
‫ــ السيدة زينب في محنة التاريخ لعايدة طالب طبع سنة ‪ 1423‬هـ (ص ‪ 20‬ــ ‪ 21‬ــ ‪ 39‬ــ ‪ 47‬ــ‬
‫‪ 52‬ــ ‪ 53‬ــ ‪ 54‬ــ ‪ 58‬ــ ‪ 70‬ــ ‪ 74‬ــ ‪ 75‬ــ ‪ 77‬ــ ‪ 87‬ــ ‪ 97‬ــ ‪ 98‬ــ ‪ 101‬ــ ‪ 127‬ــ ‪.)135‬‬
‫ــ زينب الكبرى بطلة الحرية ألبي القاسم الديباجي طبع سنة ‪ 1421‬هـ (ص ‪ 21‬ــ ‪ 23‬ــ ‪ 24‬ــ‬
‫‪ 50‬ــ ‪ 61‬ــ ‪ 69‬ــ ‪ 81‬ــ ‪.)146‬‬
‫ــ درة الشام لكامل بيضون طبع سنة ‪ 1430‬هـ (ص ‪ 28‬ــ ‪ 85‬ــ ‪ 122‬ــ ‪.)194‬‬
‫ــ زينب بنت علي فيض النبوة وعطاء اإلمامة مطبوع سنة ‪ 1431‬هـ (ص‪ 13 :‬ــ ‪ 42‬ــ ‪ 57‬ــ ‪73‬‬
‫=‬ ‫ــ ‪ 99‬ــ ‪.)117‬‬

‫‪74‬‬
‫املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب ‪‬‬

‫والمتحصل من هذا أال يغتر القارئ بكثرة الكتب والعناوين التي تكتب عن‬
‫زينب‪ ،‬وال بكثرة المصادر التي يراها في هوامش هذه الكتب‪ ،‬أل َّن الحقيقة أ َّن‬
‫مصدر جل هذه األخبار كتابان اثنان ال ثالث لهما‪:‬‬
‫المذ َّهب< بنسخته العربية المختصرة في كتاب جعفر‬
‫األول‪ :‬كتاب >الطراز ُ‬
‫النقدي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬كتاب >أخبار الزينبات< لحسن قاسم‪ ،‬فهذان الكتابان هما أصل‬
‫البلية في اختالق مرويات وقصص كثيرة عن زينب بنت علي ‪ ،‬وهذا ما‬
‫سيتبين بجالء في المباحث الالحقة‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬تضخم المرويات المتعلقة بحياة زينب الكبرى ‪‬‬
‫قد مضى في التمهيد أ ّن المرويات المتعلقة بزينب وكالم العلماء عنها قليل‬
‫جدا‪ ،‬وفي هذا يقول علي الخلخالي ــ من اإلمامية ــ‪> :‬ال ينقضي العجب حينما‬
‫نرى الوثائق التأريخية حول السيدة زينب الكبرى ‪ ‬مثال قليلة جدا مع جاللتها‬
‫وعظمتها‪ ،‬ودورها الكبير في ثورة اإلمام الحسين ‪ ‬بل يمكن القول‪ :‬إن ما هو‬
‫موجود عن هذه السيدة الجليلة يُع ُّد صفرا على الشمال إذا قيس مع دورها‬
‫التاريخي المهم<(‪.)1‬‬
‫غير أننا حين نطالع المؤلفات المتأخرة عن زينب نفاجأ بالتضخم الغريب‬
‫في المرويات المتعلقة بها والتي تبدأ بتعيين تاريخ والدتها وتسميتها وحياتها في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ــ زينب الكبرى لعبد السالم كاظم مطبوع سنة ‪ 1432‬هـ (ص‪ 26 :‬ــ ‪ 27‬ــ ‪ 28‬ــ ‪ 31‬ــ ‪ 33‬ــ‬
‫‪ 36‬ــ ‪ 37‬ــ ‪ 40‬ــ ‪ 41‬ــ ‪.)42‬‬
‫(‪ )1‬السيدة رقية بنت اإلمام الحسين (ص ‪.)14‬‬

‫‪75‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫وعلي ‪ ،‬وتنتهي بوفاتها بل وتفصل سبب الوفاة‪ ،‬وكل هذه‬ ‫زمن النبي‬
‫األمور ال شاهد لها في أمهات كتب التاريخ والنسب والحديث‪ ،‬لكنها صارت‬
‫من المس ّلمات التي ال يخلو منها كتاب من الكتب المتأخرة عن زينب‪ ،‬إال في‬
‫النادر‪ ،‬وهذا التضخم يرجع إلى سببين أساسيين‪:‬‬
‫السبب األول‪ :‬القصص المكذوبة واألساطير المختلقة‬
‫في تتبعي ألصل التضخم بالسيرة الزينبية؛ بحثت في المصادر التي اعتمدها‬
‫المذ َّهب< ــ الذي ذكر ُت أ ّنه أقدم ما أُلّف عن سيرة زينب ‪ ‬ــ‪،‬‬
‫مؤلف >الطراز ُ‬
‫فوجدت جلها من كتب المقاتل التي كتبت بعد القرن العاشر‪ ،‬وقد اتفقت كلمة‬
‫جملة من النقاد المتخصصين بالسيرة الحسينية على أن كتب المقاتل المصنفة في‬
‫هذه الفترة مليئة بالمبالغات والمجازفات فضال عن القصص الخرافية واألساطير‬
‫والكذب مما ال شاهد له وال أثر في المصادر األصلية لمقتل الحسين ‪ ،)1(‬حتى‬
‫قال مؤلفو كتاب >الصحيح من مقتل سيد الشهداء< عن هذه الكتب‪> :‬وردت في‬
‫مصادر القرون األخيرة‪ ،‬المئات ــ بل اآلالف ــ من الروايات الجديدة التي ال نجد‬
‫لها أثرا في المصادر القديمة<‪ ،‬وقالوا أيضا‪> :‬إ َّن األسلوب الذي اختارته المصادر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر مثال‪ :‬القمقام الزخار (‪ ،)24/1‬وفي (‪ )30/1‬صرح المؤلف بأنه لن ينقل إال عن الكتب‬
‫التي أُلّفت قبل نهاية القرن العاشر‪ ،‬وقد التزم بذلك في الجملة لكنه نقل من روضة الشهداء‬
‫المعروف بكونه من كتب األساطير‪ ،‬أل ّن مؤلفه توفي في القرن العاشر‪ ،‬وللمزيد راجع‪ :‬اللؤلؤ‬
‫والمرجان في آداب أهل المنبر للنوري (ص ‪ 195‬ــ ‪ ،)201‬الملحمة الحسينية (‪ 42/1‬ــ ‪،)43‬‬
‫جدل ومواقف من الشعائر الحسينية (ص‪ 132‬ــ ‪ 148‬وص‪ ،)189‬موسوعة اإلمام الحسين في‬
‫الكتاب والسنة والتاريخ (‪ 88/1‬ــ ‪ ،)103‬حديث عاشوراء (ص‪ ،)241‬الصحيح من مقتل سيد‬
‫الشهداء (ص ‪ 30‬ــ ‪ ،)51‬و(ص ‪ 121‬ــ ‪ ،)134‬عاشوراء قراءة في المفاهيم وأساليب اإلحياء‬
‫(ص ‪ 160‬ــ ‪ ،)161‬اإلمام الحسين رسالة وإصالح (ص ‪ 92‬ــ ‪ ،)97‬نهضة الحسين العدد‬
‫الثاني‪ ،‬من إصدار جمعية المعارف اإلسالمية (ص ‪ 81‬ــ ‪.)105‬‬

‫‪76‬‬
‫املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب ‪‬‬

‫الضعيفة في القرون األخيرة لرواية واقعة عاشوراء هو أسلوب نسج القصص بدال‬
‫من النقل التاريخي الموثق‪ ،‬ولذا فقد تحولت الروايات القصيرة في المصادر‬
‫األصلية إلى قصص طويلة ذات الكثير من التفاصيل في هذا النوع من الكتب<(‪.)1‬‬
‫ولذا قرر جملة من المهتمين بتاريخ مقتل الحسين ‪ ‬قاعدة مهمة تساعد‬
‫كثيرا على تنقية نسبية(‪ )2‬لمرويات المقتل الحسيني من األكاذيب والخرافات‪،‬‬
‫ملخصها أن كل الروايات التي تفردت بها كتب المقاتل المصنفة في القرن العاشر‬
‫فما بعده‪ ،‬ال عبرة بها وال يعتد بها وال يعتمد عليها(‪.)3‬‬
‫وهذه شهادة من ُك َّتاب اإلمامية على ضخامة التزوير الذي لقيته أخبار مقتل‬
‫الحسين في القرون المتأخرة‪.‬‬
‫صاحب >الطراز<‬
‫َ‬ ‫ولذلك انتقد علي فضل القزويني اإلمامي (‪ 1367‬هـ)‬
‫إلفراطه في االعتماد على هذا اللون من الكتب فقال‪> :‬جمع فيه من كتب المتأخرين‬
‫والمعاصرين‪ ،‬كحزن المؤمنين‪ ،‬ولسان الواعظين ومصائب المعصومين وبيت‬
‫األحزان وبحر المصائب ومبكي العيون وأمثال ذلك من المصنفات‪ .‬وليت مصنف‬
‫الطراز اقتصر على المنتخب ومقتل أبي مخنف المطبوع ولم يذكر ما ينقص قدره‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪.)46‬‬
‫(‪ )2‬أل ّن التنقية والتصفية الحقيقية لمرويات الحسين تحتاج إلى مراجعة المصادر األمهات التي د َّونت‬
‫مقتله والتي كثر االعتماد عليها‪ ،‬وهذه أهم مالحظة على جهود رواد تنقية السيرة الحسينية‪ ،‬إذ‬
‫قصروا جهودهم على نقد المصادر المتأخرة أو بعض المرويات الواردة في المصادر األولية دون‬ ‫َ‬
‫المصادر األصلية التي هي أصل المشكلة‪ ،‬وهذا قصور ظاهر‪.‬‬
‫(‪ )3‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ ،)45‬نهضة عاشوراء من إصدار جمعية المعارف اإلسالمية‬
‫العدد الثاني (ص ‪ ،)12‬عاشوراء النص والوظيفة (ص ‪ 147‬ــ ‪.)148‬‬

‫‪77‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫وقدر مؤلفه<(‪.)1‬‬
‫وأما أهل السنة فقد تعرضوا قديما لموضوع روايات مقتل الحسين وبينوا‬
‫ّ‬
‫أن أكثر ما يروى فيه هو من األكاذيب والموضوعات والمبالغات‪ ،‬فقد ّقرر‬
‫المقدسي أن ما يروى في مقتل الحسين فيه من >الزيادات والتهاويل شيء غير‬
‫قليل<(‪.)2‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ‬بعد أن سرد مقتل الحسين‪> :‬وهذا الذي‬
‫ذكرناه‪ :‬هو المتفق عليه بين الناس في مقتله ‪ ،‬وقد ُرويت زيادات بعضها‬
‫صحيح‪ ،‬وبعضها ضعيف‪ ،‬وبعضها كذب موضوع‪ ،‬والمصنفون من أهل الحديث‬
‫في ذلك ــ كالبغوي‪ ،‬وابن أبي الدنيا‪ ،‬ونحوهما ــ كالمصنفين من أهل الحديث‬
‫في سائر المنقوالت ــ هم بذلك أعلم وأصدق بال نزاع بين أهل العلم‪ ،‬ألنهم‬
‫يسندون ما ينقلونه عن الثقات‪ ،‬أو يرسلونه عمن يكون مرسله مقارب الصحة‪،‬‬
‫كذاب أو مجهول‪ ،‬أما‬ ‫بخالف األخباريين‪ ،‬فإ َّن كثيرا مما يسندونه يسندونه عن َّ‬
‫ما يرسلونه فظلمات بعضها فوق بعض‪ ،‬وهؤالء لعمري ممن ينقل عن غيره مسندا‬
‫أو مرسال‪ ،‬وأما أهل األهواء ونحوهم‪ :‬فيعتمدون على نق ٍل ال يعرف له قائل‬
‫أصال‪ ،‬ال ثقة وال ضعيف‪ ،‬وأهون شيء عندهم الكذب المختلق‪ ،‬وأعلم من‬
‫فيهم ال يرجع فيما ينقله إلى عمدة‪ ،‬بل إلى سماعات عن المجاهيل والكذابين‪،‬‬
‫وروايات عن أهل اإلفك المبين<(‪.)3‬‬
‫وهذه القواعد والتقريرات المتعلقة بضوابط توثيق السيرة الحسينية‪ ،‬تنطبق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلمام الحسين وأصحابه (‪.)175/3‬‬
‫(‪ )2‬البدء والتاريخ (‪.)13/6‬‬
‫(‪ )3‬مجموع الفتاوى (‪ 478/27‬ــ ‪ )488‬رأس الحسين (ص ‪.)206‬‬

‫‪78‬‬
‫املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب ‪‬‬

‫على مرويات السيرة الزينبية حذو القذة بالقذة ألن جل مرويات السيرة الزينبية‬
‫في الكتب المتأخرة مرتبطة بمقتل الحسين ‪ ،‬وعليه يتقرر أن كل الروايات‬
‫المتعلقة بزينب والتي ال أصل لها في المصادر القديمة هي روايات مختلقة‬
‫ومصنوعة‪ ،‬واعتماد المتأخرين والمعاصرين على الروايات التي تفردت بها هذه‬
‫الكتب المعروفة بالوضع واالختالق والتحريف والدس هو ما ض َّخم كثيرا من‬
‫حجم المادة القصصية عن زينب ‪ ،‬ويبدو أن سبب ظهور هذه المرويات‬
‫المختلقة‪ ،‬أ َّن ما يُنقل عن زينب في المصادر األصلية قليل جدا ال يعدو كونها‬
‫من أبناء فاطمة ‪ ،‬وما ينسب لها من الخروج مع الحسين إلى كربالء‪ ،‬ويبدو‬
‫أ َّن بعض هؤالء المصنفين في مقتل الحسين‪ ،‬لما رأى تكرر ذكر زينب في أحداث‬
‫كربالء‪ ،‬ولم يجد روايات كثيرة عن حياتها‪ ،‬لجأ إلى اختالق روايات كثيرة لسد‬
‫الثغرات في سيرتها وتاريخها‪ ،‬وهذا ما أدى فيما بعد إلى تضخم الروايات‬
‫المنقولة عن زينب ‪.‬‬

‫السبب الثاني‪ :‬االستطرادات التي ال عالقة لها بزينب الكبرى ‪‬‬


‫من المالحظ في أغلب الكتب المؤلفة عن زينب بنت علي ‪ ‬أنها محشوة‬
‫بمباحث ال ترتبط بزينب ال من قريب وال من بعيد‪ ،‬مثل االستطراد والحشو في‬
‫الكالم عن نسبها‪ ،‬والترجمة لجدها أبي طالب‪ ،‬وأبيها علي ‪ ‬وأمها فاطمة‬
‫‪ ‬وأخويها الحسن والحسين ‪ ،)1(‬واإلطالة في الكالم عن فضائل أهل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬والعجيب أ َّن كثيرا من اإلمامية يتجاهل في هذا المبحث الكتابة عن أخت زينب الشقيقة أم كلثوم‬
‫‪ ‬كما فعل كل من النقدي حيث اكتفى باإلشارة إلى أنه سيتكلم عن أم كلثوم عند الكالم عن‬
‫موضع قبرها‪ ،‬زينب الكبرى (ص ‪ ،)8‬لكنه لم يفعل ذلك!‬
‫وتجد نظير هذا في الكتب التالية‪ :‬مع بطلة كربالء (ص ‪ ،)7‬المرأة العظيمة (ص ‪=،)31‬‬

‫‪79‬‬
‫الفصل األول‪ :‬زينب الكربى ‪ ‬يف الرتاث ـ ـ دراسة تارخيية نقدية‬

‫البيت‪ ،‬أو استعراض وقائع مرتبطة بالخالفة الراشدة‪ ،‬والفتن التي وقعت بين‬
‫ثم وقعة النهروان(‪ ،)1‬ولعل أكبر حدث يتم االستطراد‬
‫الصحابة في الجمل وصفين َّ‬
‫فيه هو وقائع خروج الحسين ‪ ‬إلى كربالء‪ ،‬إذ يتم ذكرها بالتفصيل من أولها‬
‫إلى آخرها‪ ،‬مع أن مرويات وقائع كربالء المنسوبة إلى زينب ــ في المصادر‬
‫األمهات ــ روايات معدودة(‪.)2‬‬
‫ّأما المصادر المتأخرة والتي تعتمد على روايات كتب المقاتل المصنفة في‬
‫القرن العاشر وما بعده‪ ،‬فإ َّن أخبار زينب تبتدئ فيها منذ والدتها إلى وفاتها‪ ،‬مع‬
‫أن المصادر األصيلة خالية عن عامة ما ذكروه‪ ،‬وهذا يبين حجم التزوير الهائل‬
‫الذي وقع في سيرة زينب ‪.‬‬

‫األمر الرابع‪ :‬قضية تعيين موضع قبر زينب الكبرى ‪‬‬


‫حظي تعيين موضع قبر زينب باهتمام كبير في جل المؤلفات التي كتبت‬
‫عنها‪ ،‬وقد اختلفت نتائج هذه الكتابات بحسب اختالف اتجاهات أصحابها‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= السيدة زينب لعباس علي الموسوي (ص‪ ،)20‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد حيث ذكر‬
‫القزويني عالقة زينب بالحسن والحسين (ص ‪ 67‬ــ ‪ )69‬ولم يذكر عالقتها بأم كلثوم‪ ،‬السيدة‬
‫زينب رائدة الجهاد حيث ترجم باقر شريف القرشي للحسن والحسين (ص‪ 31‬ــ ‪ ،)36‬ولم يذكر‬
‫أم كلثوم إال أنه ترجم البن الحنفية والعباس بن علي مع أنهما ليسا من أبناء فاطمة ‪!‬‬
‫(‪ )1‬وعلى سبيل المثال انظر‪ :‬السيدة زينب رائدة الجهاد (ص ‪ 69‬ــ ‪ ،)218‬الشمس الطالعة (‪11/1‬‬
‫ــ ‪ 198/1( ،)56‬ــ ‪ ،)220‬زينب الكبرى ودورها في النهضة الحسينية (ص ‪ 56‬ــ ‪،)94‬‬
‫و(ص ‪ 227‬ــ ‪ ،)244‬زينب بنت علي فيض النبوة وعطاء اإلمامة (ص ‪ 23‬ــ ‪ ،)58‬وأما‬
‫الكتابات التي تجنبت الحشو في الكالم عن زينب فهي قليلة جدا‪ ،‬ومجموع صفحاتها ال يتجاوز‬
‫سبعين صفحة‪ ،‬مثل كتاب عقيلة بني هاشم لعلي الهاشمي الخطيب‪.‬‬
‫(‪ )2‬عدتها تسع روايات في تاريخ الطبري‪ ،‬وقد خصصت مبحثا للكالم عنها‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫املسألة الثانية حتليل أسباب تطور التأليف عن زينب ‪‬‬

‫فنجد في الكتابات المصرية جنوحا كامال إلى ترجيح القبر المنسوب إليها في‬
‫القاهرة‪ ،‬بل نجد في بعضها تجاهال تاما للقبر الدمشقي‪.‬‬
‫ّأما في كتابات اإلمامية عن زينب‪ ،‬فنجد أنها تذكر االختالف الواقع في قبر‬
‫زينب وتعيينه بين ثالثة مواضع‪ ،‬وهي المدينة والشام ومصر‪.‬‬
‫ويالحظ أ َّن الكتابات األولى لإلمامية كانت ترجح دفن زينب الكبرى في‬
‫(‪)1‬‬
‫ثم تطور الموقف بعد ظهور كتاب حسن قاسم‪ ،‬فظهرت كتابات‬ ‫المدينة ‪َّ ،‬‬
‫ترجح دفن زينب في مصر‪.‬‬
‫ّأما الكتابات المتأخرة والجديدة‪ُ ،‬فتجمع على ترجيح القبر الشامي‪ ،‬خاصة‬
‫بعد صدور كتاب محمد حسنين السابقي‪ ،‬وبعضها يجمع بين جميع األقوال‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فيفتي بزيارة القبور المنسوبة إلى زينب كلها!‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ (1‬انظر للتفصيل (ص ‪ 571‬ــ ‪ )574‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫(‪ )2‬سيأتي المزيد من التفصيل في المبحث المخصص للكالم عن قبر زينب ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪d‬‬
‫‪X‬‬ ‫‪X‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫‪d‬‬
‫‪d‬‬

‫ل‬
‫نقد امؤلفاث التي صنعب ال سبرة الرينثية‬
‫‪X‬‬

‫‪X‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫قررت فيما مضى أ َّن أصل تضخم مرويات سيرة زينب الكبرى ‪ ‬يرجع‬ ‫ُ‬
‫المذ َّهب< وكتاب >أخبار الزينبات<‪ ،‬ومن‬ ‫إلى كتابين أساسيين هما >الطراز ُ‬
‫المذ َّهب< تك ّفل بملء الفراغ الواقع‬
‫يدرس هذين الكتابين سيجد أن كتاب >الطراز ُ‬
‫في تفاصيل حياة زينب من والدتها حتى وفاتها‪ ،‬بينما تكفل كتاب >أخبار‬
‫الزينبات< بتغطية النقص الحاصل في أخبار وفاتها وتعيين موضع قبرها‪ .‬لذا‬
‫فسنحصر الكالم عن هذين الكتابين‪.‬‬
‫وقد ّبين محمد علي القاضي الطباطبائي حال كتاب الطراز بصورة مجملة‬
‫فقال عنه‪> :‬خلط مؤلفه فيه الصحيح بالسقيم‪ ،‬وال ينبغي االعتماد عليه من غير‬
‫(‪)1‬‬
‫توسعه في‬
‫تثبت وتحقيق< ‪ ،‬وانتقد فضل علي القزويني صاحب الطراز على ّ‬ ‫ّ‬
‫النقل دون ضابطة فقال‪> :‬وقد ذكروا في المقام عند ورودهن على المصرع أمورا‬
‫بعضها مقطوع الكذب‪ ،‬وبعضها مظنونه‪ ،‬وبعضها محتمل الصدق والكذب‪ ،‬ومن‬
‫أراد فليرجع إلى الطراز المذ َّهب‪ ،‬وقد جمع فيه من كتب المتأخرين‬
‫والمعاصرين‪ ،‬كحزن المؤمنين‪ ،‬ولسان الواعظين ومصائب المعصومين وبيت‬
‫األحزان وبحر المصائب ومبكي العيون وأمثال ذلك من المصنفات‪ .‬ويا ليت‬
‫مؤلف الطراز اقتصر على المنتخب ومقتل أبي مخنف المطبوع ولم يذكر ما ينقص‬
‫قدره وقدر مؤلفه<(‪.)2‬‬
‫المذ َّهب<‬
‫وبما أ َّن كتاب جعفر النقدي قد كفانا مؤنة مطالعة كتاب >الطراز ُ‬
‫وترجمته‪ ،‬حتى صار مصدرا أصليا لمن جاء بعده‪ ،‬فسنكتفي بنقده بدال من كتاب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الفردوس األعلى لمحمد كاشف الغطاء بتعليق محمد علي القاضي الطباطبائي (ص ‪)60‬‬
‫الهامش‪.1 :‬‬
‫(‪ )2‬اإلمام الحسين؛ وأصحابه (‪.)175/3‬‬

‫‪85‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫المذ َّهب<‪.‬‬
‫>الطراز ُ‬
‫ويبقى هناك كتاب ثالث له دور مفصلي في ترجيح القبر المنسوب إلى زينب‬
‫في الشام‪ ،‬وهو كتاب >مرقد العقيلة زينب< للسابقي‪ ،‬فهو المصدر األساسي‬
‫الذي اعتمد عليه كل من رجح القبر الشامي‪ ،‬لذا ُحق له أن يُفرد أيضا بالدراسة‬
‫والنقد حتى يتبين للقارئ والباحث مواطن الخلل في هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫نقد كتاب >أخبار الزينبات<‬


‫المنسوب ليحيى بن الحسن العقيقي‬
‫‪$‬‬
‫تعريف بالمؤلف وكتاب >أخبار الزينبات< وسبب تأليفه وأثره على التاريخ‬
‫المصري الذي ُعرِف بأنَّه محقق كتاب >أخبار الزينبات<‬
‫ّ‬ ‫حسن محمد قاسم‬
‫والذي ترجح لي بعد دراسة وتحقيق طويل أنه واضع الكتاب‪ُ ،‬ولِد سنة ‪1318‬هـ‬
‫بمصر‪ ،‬وعمل كاتبا بالقسم التاريخي لمجلة اإلسالم‪ ،‬وله مؤلفات مطبوعة منها‪:‬‬
‫>طبقات الشاذلية الكبرى<‪ ،‬و>تحفة الصفا في مولد المصطفى ‪ ‬للسادة‬
‫الشاذلية<‪ ،‬و>ذكرى مصرع الحسين<‪ ،‬و>المزارات اإلسالمية واآلثار العربية<‪،‬‬
‫و>إعالم السائلين بمن أقبر بمصر من صحابة سيد المرسلين< ‪ ،‬كما أ َّن له‬
‫تعليقات على بعض الكتب مثل كتاب >تحفة األحباب في الخطط والمزارات<‪،‬‬
‫وتوفي سنة ‪ 1393‬هـ الموافق لسنة ‪ 1974‬م(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ترجمته في مقدمة أخبار الزينبات طبعة قم بتحقيق محمد جواد المرعشي النجفي (ص ‪61‬‬
‫ــ ‪ ،)73‬واألعالم للزركلي (‪ ،)221/2‬ودليل مؤرخ المغرب األقصى البن سودة (ص ‪،)145‬‬
‫وإتحاف المطالع بوفيات أعالم القرن الثالث عشر والرابع عشر (‪ )489/8‬البن سودة أيضا‪ ،‬ونثر‬
‫الدرر والجواهر للمرعشلي (‪ ،)360/1‬ومقدمة كتاب المزارات اإلسالمية طبعة مكتبة‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬ومقدمة كتاب إعالم السائلين ــ طبعة دار اإلحسان ــ (ص ‪ 17‬ــ ‪.)26‬‬
‫وقد وقفت في المصادر التي ترجمت لحسن قاسم على اشتباهات وأوهام يحسن التنبيه عليها‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ فقد ترجم له الزركلي في األعالم (‪ )221/2‬فقال‪> :‬الحسن بن محمد بن قاسم‪ ،‬أبو علي‬
‫الكوهن التازي‪ :‬مؤرخ مغربي‪ ،‬من فقهاء المالكية من أهل فاس كان يعمل في تجارة الكتب وجمع‬
‫لنفسه مكتبة خاصة حافلة بالنفائس ووقفها على الزاوية الفتحية بخوخة السويقة في الرباط‪=.‬‬

‫‪87‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫‪..............................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وجاور بالحجاز‪ .‬له كتب‪ ،‬منها (طبقات الشاذلية الكبرى ــ ط) ويسمى (جامع الكرامات العلية‬ ‫=‬
‫في طبقات الشاذلية) و(إعالم السائلين عمن أقبر بمصر من صحابة سيد المرسلين ــ ط)<‪ ،‬وقد‬
‫أحال الزركلي على كتاب دليل مؤرخ المغرب األقصى البن سودة‪ ،‬فراجعته ووجدته يقول‬
‫(ص ‪> :)145‬طبقات الشاذلية‪ ...‬ألبي علي الحسن بن محمد الكوهن الفاسي الشاذلي‬
‫المغربي‪ ....،‬وهو ساكن بالحجاز‪ .<...‬ــ فأول مالحظة على هذه الترجمة هي وصف حسن‬
‫قاسم بأنه مغربي!‪ ،‬فال ريب أن هذا خطأ‪ ،‬فحسن قاسم مصري المولد والوفاة‪ ،‬إال أنه مغربي‬
‫األصل لكونه يذكر أن أباه من بلد فاس بالمغرب ثم استقر بمصر‪ ،‬كما في طبقات الشاذلية‬
‫(ص ‪ ،)207‬ولذا جاء في مقدمة كتاب المزارات اإلسالمية ومقدمة كتاب إعالم السائلين (ص‬
‫‪ )17‬وصف حسن قاسم بأنه مغربي األصل مصري النشأة والوالدة‪.‬‬
‫وصف الزركلي لحسن قاسم بأنه من فقهاء المالكية‪ ،‬فيبدو لي أن ذلك اجتهاد من‬ ‫ويلحق بذلك ْ‬
‫الزركلي‪ ،‬وذلك أن حسن قاسم لما كان ينتسب إلى المغرب ظن الزركلي أن مؤلف هذه الكتب‬
‫من المالكية وأنه من أهل الفقه‪ ،‬ألن علماء المغرب مالكية‪.‬‬
‫كما أن قول الزركلي إن حسن قاسم الكوهن من أهل فاس غير صحيح‪ ،‬وسببه هو الكالم الموهم‬
‫المكتوب على غالف كتاب طبقات الشاذلية‪ ،‬فقد جاء فيه >حسن بن محمد الكوهن الفاسي‬
‫المغربي<‪ ،‬وكان على حسن قاسم أن ينبه إلى أن مراده هو أنه فاسي األصل ال الوالدة‪ ،‬لكن عدم‬
‫تنبيه حسن قاسم على ذلك أوهم الزركلي فحسبه من المغاربة‪.‬‬
‫وأما بقية ما ذكره الزركلي من أمور عن حسن قاسم مثل كونه جمع لنفسه مكتبة وأوقفها على الزاوية‬
‫الفتحية بمدينة الرباط المغربية فما أدري ما مصدرها‪ ،‬فلم يذكرها ابن سودة في دليل مؤرخ‬
‫المغرب األقصى ولم أقف عليها في كتاب طبقات الشاذلية فالعلم هلل‪.‬‬
‫وأما القول بأن حسن قاسم توفي بالحجاز فغير صحيح‪ ،‬والصواب أنه توفي بمصر ودفن بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ ق َّدر المؤرخ ابن سودة تاريخ وفاة حسن قاسم بأنه سنة ‪ 1360‬هـ‪ ،‬فقال‪> :‬وفي هذه العشرة‬
‫أو قريب منها توفي الحسن بن محمد الكوهن الفاسي‪ ،‬من أوالد الكوهن المعروفين بفاس‪ .‬انتقل‬
‫إلى الحجاز وبه توفي<‪ ،‬إتحاف المطالع بوفيات أعالم القرن الثالث عشر والرابع عشر‬
‫(‪ ،)489/8‬وجاء على غالف طبعة دار الكتب العلمية لكتاب طبقات الشاذلية أن مؤلف الكتاب‬
‫الحسن بن محمد بن قاسم الكوهن متوفى سنة ‪ 1347‬هـ‪ ،‬وهذا خطأ‪ ،‬والغريب أن محقق الكتاب‬
‫مرسي محمد علي ذكر في (ص ‪ )3‬أن الزركلي ترجم لحسن قاسم وذكر أن تاريخ وفاته بعد‬
‫‪ 1347‬هـ‪ ،‬وهذا مخالف للمذكور في غالف الكتاب الذي حققه فكيف لم ينتبه لذلك!‪= .‬‬

‫‪88‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫وأشهر ُكتب حسن قاسم هو كتابه >تاريخ ومناقب ومآثر الست الطاهرة‬ ‫َ‬
‫البتول السيدة زينب‪ ،‬وأخبار الزينبات للعبيدلي النسابة المتوفى سنة ‪ ،277‬أمير‬
‫المدينة وابن أميرها‪ ،‬بحث مستفيض وأثر قيم جليل<‪ ،‬وهذا الكتاب مشهور‬
‫بكتاب >السيدة زينب وأخبار الزينبات<‪ ،‬وقد ألّف هذا الكتاب ردا على مفتي مصر‬
‫الشيخ محمد بخيت المطيعي الذي صرح بأن زينب الكبرى ليست مدفونة في مصر‬
‫في جواب له عن سؤال حول قبر السيدة زينب بمصر >بمجلة اإلسالم<(‪ ،)1‬فكتب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= والصحيح أن سنة ‪ 1347‬هـ هو تاريخ طباعة الطبعة األولى من كتاب طبقات الشاذلية كما جاء في‬
‫غالفه‪ ،‬واعتمد الزركلي على هذه السنة ليجعل وفاة حسن قاسم بعد سنة ‪ 1347‬هـ‪ ،‬فمن ظن أن‬
‫هذا تاريخ وفاة حسن قاسم فقد أخطأ‪ ،‬والصواب أن حسن قاسم توفي سنة ‪ 1394‬هـ الموافق‬
‫لتاريخ ‪1974‬م على ما ذكره حفيده ونقله عنه محققا كتاب إعالم السائلين (ص ‪ ،)26‬وهو ما‬
‫جاء في مقدمة كتاب المزارات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ ذكر محققو كتاب المزارات اإلسالمية لحسن قاسم في مقدمة الكتاب أسرة حسن قاسم‬
‫(‪/1‬ص ل) فقالوا‪> :‬من ناحية أبيه ينحدر من أسرة علمية مشهورة بالمغرب العربي‪ ،‬من‬
‫أعالمها‪ ...‬والحسن بن محمد بن قاسم الكوهن (ت ‪ 1347‬هـ‪ 1928/‬م)<‪ ،‬وأحالوا في الهامش‬
‫على ترجمة الزركلي له في األعالم‪ ،‬وهذا وهم غريب‪ ،‬فمؤلف طبقات الشاذلية هو حسن قاسم‬
‫نفسه صاحب كتاب المزارات اإلسالمية‪ ،‬ولعل ما ذكره الزركلي من أمور سبق التنبيه على عدم‬
‫دقتها هو ما أوهمهم أنه شخص آخر غير حسن قاسم‪ ،‬لكنهم لو تأملوا في كتاب طبقات الشاذلية‬
‫لوجدوا أن المؤلف هو حسن قاسم نفسه!‪ ،‬فقد ذكروا في الصفحة السابقة أن والد حسن قاسم‬
‫>دفن في بستان العلماء بقرافة باب النصر<‪ ،‬وأحالوا في الهامش على كالم حسن قاسم في تعليقه‬
‫على تحفة األحباب (ص ‪ ،)59‬ولو قارنوا كالم حسن قاسم في تحفة األحباب مع كالمه في طبقات‬
‫الشاذلية (ص ‪ ،)207‬لوجدوا أن حسن قاسم ذكر أن أباه دفن في نفس المكان وبنفس التاريخ‪.‬‬
‫ولذا ذكر محققا كتاب إعالم السائلين أن مؤلف طبقات الشاذلية حسن قاسم كما في (ص ‪،)20‬‬
‫وأما تحديد تاريخ وفاة حسن قاسم الذي ظنوا أنه شخص آخر بسنة ‪ 1347‬هـ فسببه ما جاء على‬
‫غالف طبعة دار الكتب العلمية لكتاب طبقات الشاذلية‪ ،‬وقد بينت عدم صحة ذلك كما مضى‪.‬‬
‫(‪ )1‬مجلة اإلسالم السنة األولى عدد ‪ 5‬شعبان ‪ 1351‬هـ‪ ،‬ونشر أيضا بمجلة الفتح العدد ‪10 ،322‬‬
‫شعبان ‪ 1351‬هـ‪( ،‬ص ‪ ،)340‬ونشر الدكتور محمد الدسوقي ملخصا منه في كتابه محمد بخيت‬
‫المطيعي شيخ اإلسالم والمفتي العالمي (ص ‪ 82‬ــ ‪.)83‬‬

‫‪89‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫حسن قاسم مقالة في نفس المجلة‪ ،‬يرد فيها على المطيعي ويذكر فيها أنه عثر‬
‫على رسالة >أخبار الزينبات< التي تثبت دخول زينب الكبرى إلى مصر ووفاتها‬
‫بها‪ ،‬ووعد بطباعتها‪ ،‬ثم بعد فترة وجيزة قام بطباعة الكتاب مضمنا إياه أمرين‬
‫رئيسيين‪:‬‬
‫* األمر األول‪ :‬ترجمة زينب الكبرى وبيان صحة دفنها في مصر‪ ،‬وهو‬
‫الجزء األكبر من الكتاب‪ ،‬حاول حسن قاسم أن يحشد فيه ما أمكنه من األدلة‬
‫والنصوص إلثبات دفن زينب الكبرى في مصر‪.‬‬
‫* األمر الثاني‪ :‬كتاب >أخبار الزينبات<(‪ ،)1‬الذي نسبه حسن قاسم إلى‬
‫النسابة يحيى بن الحسن بن جعفر العبيدلي العقيقي المتوفى سنة ‪ 277‬هـ‪ ،‬وهذا‬
‫َّ‬
‫الكتاب جمع أسماء من ُسمين بزينب من نساء الصحابة والتابعين وأهل البيت‬
‫مع ترجمة مختصرة لهن‪ ،‬ومن ضمنهن زينب الكبرى بنت علي ‪.‬‬
‫وطُبع الكتاب أول مرة سنة ‪ 1351‬هـ الموافق لـ ‪ 1933‬م(‪ ،)2‬وقيل‪ :‬إن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الزينبيات‪ ،‬وهو جمع زينبية‪ ،‬والزينبية‬
‫َّ‬ ‫فسماه‪ :‬أخبار‬
‫(‪ )1‬وقد غلط بعض الكتاب في عنوان الكتاب ّ‬
‫المنسوبة لزينب‪ ،‬انظر قاموس الرجال (‪ ،)38/11‬الذريعة (‪ ،)255/3‬وفاة السيدة زينب المطبوع‬
‫ضمن وفيات األئمة (ص ‪ ،)468‬العقيلة والفواطم (ص ‪ ،)67‬معجم مؤرخي الشيعة (‪،)447/2‬‬
‫وهذا خطأ‪ ،‬والصواب أخبار الزينبات بياء واحدة‪ ،‬وزينبات جمع زينب‪ ،‬ألن الكتاب يجمع أخبار‬
‫من ُس ِّمين بزينب‪ ،‬وقد نبه على هذا الخطأ الجاللي في فهرس التراث (‪.)291/1‬‬
‫(‪ )2‬ذكر آغا بزرك الطهراني في الذريعة (‪ )276/12‬أن الكتاب طبع سنة ‪ 1335‬هـ وهذا وهم‪ ،‬ولعل‬
‫سببه ما جاء في آخر الطبعة األولى من أخبار الزينبات إذ كتب فيها تاريخ الطباعة بالتاريخ الميالدي‬
‫خطأ‪ ،‬فقد جاء في آخرها (ص ‪> :)91‬وافق تمام طبعه في يوم األحد ‪ 9‬ذي القعدة عام ‪1351‬‬
‫الموافق ‪ 5‬مارس عام ‪ 1333‬بدار الطباعة المنيرية‪ ،<...‬وواضح أن ‪ 1333‬تحريف لسنة ‪1933‬‬
‫=‬ ‫الموافق لتاريخ ‪ 1351‬الهجري‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫عنوان الكتاب كان >الثبت المصان بأخبار الزينبات<(‪ ،)1‬وأعيد طباعته سنة‬
‫‪ 1353‬هـ(‪.)2‬‬
‫والحقيقة أ َّن مؤلف >أخبار الزينبات< هو حسن قاسم نفسه‪ ،‬فقد قام بتلفيق‬
‫أخبار الكتاب وجم ِعها من مصادر متفرقة ّ‬
‫ثم اختلق متونا عن سفر زينب إلى مصر‬
‫ور ّكب لها أسانيد بعضها مسروق من كتب أخرى وبعضها ُملفَّق‪ ،‬ولكي ال‬
‫يُكتشف أمره قام باختالق جملة من الكتب التي تتحدث عن هذا الكتاب‬
‫والمؤلف‪ ،‬وركَّب شبكة من األدلة والنصوص التي أحالت كتابا مصنوعا من‬
‫وحي الكذب إلى حقيقة تاريخية‪ ،‬وصار الكتاب يُنسب للنسابة العقيقي يحيى‬
‫ابن الحسن العبيدلي‪.‬‬
‫وقد كان لظهور هذا الكتاب ونشره أثر على التاريخ من جانبين‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= كما أن الدكتور فتحي حافظ حديدي كتب في مقالته >الحقيقة عن ضريح السيدة زينب ‪<‬‬
‫المنشورة بجريدة األهرام بتاريخ (‪ 10‬يناير ‪ 2007‬م) وكذا في كتابه دراسات في التطور العمراني‬
‫لمدينة القاهرة (ص ‪ )197‬أن كتاب أخبار الزينبات طبع >في سنوات ‪ 1929‬و‪ 1933‬و‪،<1934‬‬
‫وال أدري ما مستنده في تعيين تاريخ الطباعة األولى بسنة ‪ 1929‬م‪ ،‬غير أن هذا غير صحيح قطعا‪،‬‬
‫فحسن قاسم إنما أعلن عن نيته طباعة أخبار الزينبات في مقالته بمجلة اإلسالم المؤرخة بتاريخ‬
‫‪ 17‬ديسمبر ‪ 1932‬م الموافق لـ ‪ 19‬شعبان ‪ 1351‬هـ‪ ،‬حيث قال في تلك المقالة بعد أن ذكر أنه‬
‫عثر على كتاب أخبار الزينبات‪> :‬سأطبعها قريبا ــ إن شاء اهلل تعالى ــ بعد تمام وضعي لها<‪،‬‬
‫وتاريخ كتابة هذه المقال الذي أعلن فيه حسن قاسم عن الكتاب ألول مرة هو بعد سنة ‪1929‬م‬
‫بثالث سنوات‪ ،‬وعليه فال يصح القول بأن الكتاب طبع سنة ‪1929‬م‪.‬‬
‫(‪ )1‬ذكر الطهراني في الذريعة (‪ )276 /12‬أن عنوان الكتاب هو الثبت المصان بأخبار الزينبات‪ ،‬فإن‬
‫صح ذلك فيبدو أن حسن قاسم قد اقتبس العنوان من كتاب >الثبت المصان بأخبار ساللة سيد‬
‫ولد عدنان< المنسوب لمؤيد الدين األعرجي الواسطي‪.‬‬
‫(‪ )2‬وفي هذا البحث اعتمدت على الطبعة الثانية المطبوعة سنة ‪ 1353‬هـ‪ ،‬وعندما أعزو إلى غيرها‬
‫أنبه على ذلك‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫* الجانب األول‪ :‬صار هذا الكتاب هو الدليل األول لكل من يرى أن قبر‬
‫زينب الكبرى ‪ ‬بمصر‪ ،‬وقد تمكن مؤلفه من سد الفراغ القائم في األدلة التي‬
‫ترجح وفاة زينب بمصر‪ ،‬بعد أن كانت أقوى أدلة الذاهبين إلى وفاة زينب بمصر‬
‫ال تتعدى الرؤى واألحالم والظنون التي ال تقوم على أي دليل(‪ ،)1‬ولهذا وصف‬
‫األول األساسي الّذي قضى على هذا‬ ‫حسن قاسم هذا الكتاب بأنه‪> :‬الحجر ّ‬
‫الخالف القائم بين جمهرة المؤرخين من قرو ٍن عديدة‪ ،‬فهذه الرسالة مع صغر‬
‫السيدة إلى مصر‪ ،‬ووفاتها‬
‫الحجة على من كان يستبعد دخول ّ‬‫ّ‬ ‫حجمها هي نفسها‬
‫بها‪ ،‬ودفن جثمانها الشريف في هذا الموضع<(‪.)2‬‬
‫وبعد أن انتشر خبر الكتاب واستفاض‪ ،‬احتفل حسن قاسم بكتابه قائال‪:‬‬
‫>هذه رواية العبيدلي عن قدوم السيدة زينب إلى مصر‪ ...‬فقضت على ما كانت‬
‫تلوكه األلسن بشأن وجود السيدة زينب بمصر‪ ،‬وبذلك تغير مجرى التاريخ وبدت‬
‫الحقيقة سافرة‪ ،‬وكتبت الجرائد والمجالت أنباء هذا التحويل التاريخي‪.)3(<...‬‬
‫ولذا قال السابقي ــ من اإلمامية ــ عن كتاب >أخبار الزينبات<‪ :‬إنه >أصبح‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابنة الزهراء بطلة الفداء لعلي شلبي (ص‪ ،)241‬تراجم سيدات بيت النبوة لعائشة بنت‬
‫الشاطئ (ص ‪ 784‬ــ ‪ ،)787‬مراقد أهل البيت في القاهرة لمحمد زكي إبراهيم (ص‪ ،)70‬مساجد‬
‫مصر وأولياؤها الصالحون للدكتورة سعاد ماهر‪ ،‬أعالم النساء في عالمي العرب واإلسالم‬
‫(‪ )99/2‬لمحمد رضا كحالة‪ ،‬ومن كتب اإلمامية‪ :‬أخبار الزينبات طبعة قم بتقديم المرعشي‬
‫النجفي (ص‪ ،)30‬زينب الكبرى لجعفر النقدي (ص‪ 120‬ــ ‪ ،)123‬زينب الكبرى من المهد إلى‬
‫اللحد لمحمد كاظم القزويني (ص‪ ،)610‬واقعة كربالء في الوجدان الشعبي لمحمد مهدي شمس‬
‫الدين (ص‪ ،)265‬مزارات أهل البيت لمحمد حسين الجاللي (ص‪.)258‬‬
‫(‪ )2‬أخبار الزينبات (ص ‪.)10‬‬
‫(‪ )3‬المزارات اإلسالمية واآلثار العربية (‪.)131/7‬‬

‫‪92‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫حجرا أساسيا في هذا البحث عند أصحابنا المتأخرين‪ ،‬واعتمد عليه ثلة من‬
‫األفاضل<(‪.)1‬‬
‫الجانب الثاني‪ :‬الجناية على التاريخ والعلم بنسبة هذا الكتاب المختلق إلى‬
‫النسابة يحيى بن الحسن العبيدلي العقيقي‪ ،‬فقد نسبه جملة ممن خفي عليهم أمره‬
‫إلى العقيقي(‪ ،)2‬ومنهم من أعاد نشره وطباعته‪ ،‬فقد قام محمد جواد نجل المرجع‬
‫محمد حسين المرعشي النجفي بطباعة الكتاب طبعة ثانية سنة ‪ 1401‬هـ‪،‬‬
‫وأعادت مجلة الموسم نشره في عددها الرابع سنة ‪ 1410‬هـ‪ ،‬وقام سيد هادي‬
‫خسروشاهي بإعادة نشر الكتاب في كتابه >أهل البيت في مصر< سنة ‪ 1425‬هـ‪،‬‬
‫وقام فارس الحسون بإعادة تحقيقه ونشره في مجلة ميراث حديث شيعة سنة‬
‫‪1426‬هـ‪ ،‬وطبعه مرة أخرى بعنوان > الثبت المصان بأخبار الزينبات< سنة‬
‫‪ 1436‬هـ‪ ،‬وقام سعيد إبراهيم بتحقيق الكتاب وطبعه سنة ‪ 1432‬هـ(‪.)3‬‬
‫وسأبين باألدلة القاطعة أن هذا الكتاب مختلق ومزور ومن عمل حسن‬
‫قاسم‪ ،‬وسأفصل الكالم في ذلك من خالل دراسة الكتاب مع بيان أدلة تزويره‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)89‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬طبقات النسابين لبكر أبو زيد (ص‪ ،)68‬الذريعة آلغا بزرك الطهراني (‪،)332/1‬‬
‫(‪ ،)276/12‬أعيان الشيعة لمحسن األمين (‪ ،)340/2‬مجلة تراثنا (‪ ،)127/62‬فهرست‬
‫التراث لمحمد حسين الجاللي (‪ ،)291/1‬رجوع الركب بعد الكرب تحقيق حول األربعين‬
‫لمحمد علي القاضي الطباطبائي (ص‪ 68‬ــ ‪ ،)77‬مع الركب الحسيني لعلي الشاوي (‪،)399/6‬‬
‫معجم مؤرخي الشيعة لصائب عبد الحميد (‪ ،)447/2‬األربعين في التراث الشيعي لمحمد حسين‬
‫الطهراني (ص‪ )97‬وغيرها‪.‬‬
‫(‪ )3‬وعنوان طبعته‪ :‬تاريخ ومناقب ومآثر الست الطاهرة البتول السيدة زينب وأخبار الزينبيات للعبيدلي‬
‫النسابة المتوفي سنة ‪ 377‬هـ‪ ،‬وهذه الطبعة لم أقف عليها‪ ،‬وإنما وقفت على بياناتها في قاعدة‬
‫بيانات مكتبة الملك فهد الوطنية‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫واختالقه وكشف الخطة التي سلكها المؤلف ليخفي أمر الكتاب على الباحثين‪.‬‬

‫أ ــ أدلة عدم صحة نسبة كتاب >أخبار الزينبات< إلى العبيدلي‬


‫* الدليل األول‪ :‬خلو كتب التراجم والفهارس من ِذكر الكتاب والنقل عنه‬
‫وتفرد حسن قاسم به‬
‫ّ‬
‫اختلِ َق في القرن الرابع عشر‪ ،‬فال تجد‬
‫إ َّن كتاب >أخبار الزينبات< كتاب ُ‬
‫أي أثر لهذا الكتاب قبل أن ينشره حسن قاسم‪ ،‬فلم يذكره أي أحد ممن ترجم‬
‫للنسابة العبيدلي العقيقي‪ ،‬ولم ينقل عنه أي أحد من أهل العلم قبل حسن قاسم‬
‫نصا واحدا‪ ،‬وتتأكد براءة العقيقي من هذا الكتاب عندما نراجع كتاب الذرية‬
‫الطاهرة للدوالبي‪ ،‬الذي نقل عن يحيى بن الحسن العقيقي ترجمة كاملة لزينب‪،‬‬
‫وبنوتها لعلي وفاطمة ‪ ،‬وذريتها‬‫لم يزد فيها على ذكر اسمها‪ ،‬وتلقيبها بالكبرى ّ‬
‫من عبد اهلل بن جعفر وروايتها عن أمها فاطمة(‪ ،)1‬فلو كان العقيقي قد ترجم‬
‫لزينب تلك الترجمة المطولة في >أخبار الزينبات< لما تأخر الدوالبي في إيرادها‬
‫ونقلِها عن العقيقي‪ ،‬كما أن جماعة من علماء التاريخ والنسب نقلوا عن العقيقي‬
‫عدة نصوص‪ ،‬ولم ينقلوا أي شيء من كتاب >أخبار الزينبات<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الذرية الطاهرة ــ طبعة مبرة اآلل واألصحاب ــ (ص ‪.)212‬‬
‫(‪ )2‬نقل ابن عساكر ثالثة نصوص عن النسابة العقيقي من طريق ابنه طاهر‪ ،‬انظر (‪،)386/41‬‬
‫(‪.)93/64( ،)87/50‬‬
‫ونقل السمهودي في وفاء الوفا عدة نصوص من كتاب أخبار المدينة للعقيقي رواية ابنه طاهر أيضا‬
‫انظر (‪،)191/4( ،)176/4( ،)64/3( ،)56/3( ،)17/3( ،)30/2( ،)191/1‬‬
‫(‪ ،)217/4‬وأكثر ابن الطقطقي من اإلمامية في األصيلي في أنساب الطالبيين النقل عن كتاب=‬

‫‪94‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫* الدليل الثاني‪ :‬عدم وجود أي نسخة خطية لكتاب >أخبار الزينبات<‬


‫فهذا الكتاب ال توجد له أي نسخة خطية في مكتبات المخطوطات‪ ،‬وحتى‬
‫حسن قاسم الذي نشره‪ ،‬لم يكلف نفسه أن يصف المخطوط أو يصرح باسم‬
‫صاحبه المزعوم‪ ،‬فقد زعم أنه وقف على مخطوط >أخبار الزينبات< بعد أن أرسله‬
‫إلي صاحبي هذا رسالة عثر عليها في‬ ‫إليه صديق له من الشام‪ ،‬فقال‪> :‬أرسل َّ‬
‫النسابة وذكر‬
‫حلب عند بعض أصدقاء له هناك عنوانها >أخبار الزينبات< للعبيدلي ّ‬
‫لي‪ :‬إ ّنك تجد ــ إن شاء اهلل تعالى ــ في هذه الرسالة أُنشودتك الضالّة‪ ،‬ولذا فقد‬
‫السيدة زينب‬
‫تلمحت منها ترجمة ّ‬ ‫فلما تص ّفحتها ّ‬
‫سمحت لك باستنساخها‪ّ ،‬‬
‫كرم اهلل وجهه ورضي عنه‪ ،‬وإذا بي أجد في آخر‬ ‫علي بن أبي طالب ّ‬‫الكبرى بنت ّ‬
‫السيدة زينب قدمت مصر بعد مصرع أخيها بيسي ٍر من الزمن وماتت‬ ‫الترجمة أ ّن ّ‬
‫بها‪ ،‬ودفنت بموضع يقال له‪ :‬الحمراء القصوى‪ ،‬حيث بساتين الزهري‪ ،‬إلى آخر‬
‫(‪)1‬‬
‫ثم قال‪> :‬وهذه‬‫ما ذكره‪ .‬فنسخت الكتاب ورددته لصاحبي شاكرا له مسعاه< ‪َّ ،‬‬
‫الرسالة المشار إليها والّتي أدرجناها في كتابنا هذا نقلناها عن األصل المرسل لنا‬
‫الحاج‬
‫ّ‬ ‫السيد المذكور المؤرخ بتاريخ سنة ‪ 676‬ق‪ ،‬ومخطوط ّ‬
‫بخط من يدعى‬ ‫من ّ‬
‫النبوي‪ ،‬ومنقول عن أصل‬ ‫ّ‬ ‫محمد البلتاجي الطائفي المجاور بالحرم الشريف‬ ‫ّ‬
‫محمد الحسيني الواسطي‬ ‫السيد ّ‬
‫بخط ّ‬ ‫مؤرخ بتاريخ سنة ‪ 483‬ق‪ ،‬مخطوط ّ‬
‫األصل‪ ،‬المتو ّطن حيدرآباد<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= العقيقي في النسب في عدة مواضع حتى بلغت نيفا وثالثين رواية‪ ،‬انظرها في فهرس أعالم كتاب‬
‫األصيلي (ص‪ )472‬ولم ينقل أي نص من أخبار الزينبات‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)9‬‬
‫(‪ )2‬أخبار الزينبات (ص ‪ 10‬ــ ‪.)11‬‬

‫‪95‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫وهذه القصة من تأليف حسن قاسم‪ ،‬فسيأتيك من أخباره وصنائعه في‬


‫اختالق الكتب والنصوص ما ستعجب منه ويفصح لك عن عدم تورعه في اختالق‬
‫هذه القصة‪ ،‬ويكفي في رد دعوى حسن قاسم أنه لم يذكر اسم صديقه الشامي‬
‫الذي زعم أنه أرسل إليه المخطوط‪ ،‬وإنما قام باختالق قصة عثوره على‬
‫المخطوط كما اختلق عناوين الكتب التي استدل بها إلثبات صحة نسبة كتاب‬
‫>أخبار الزينبات< ليحيى العقيقي‪ ،‬وكما نسب نصوصا إلى مصادر عدة تبين عدم‬
‫وجودها فيها‪ ،‬فهو رجل غير مأمون في نقله وال في ما يدعيه‪ ،‬فكيف إذا علمت‬
‫أن حسن قاسم وقع في خطأ شنيع‪ ،‬فقد زعم أن النسخة الخطية المكتوبة سنة‬
‫‪ 676‬هـ بخط محمد البلتاجي منتسخة عن أصل خطي مؤرخ بسنة ‪ 483‬هـ بخط‬
‫محمد الواسطي المتوطن حيدر آباد‪ ،‬وهذه فاقرة من الفواقر‪ ،‬وذلك أن مدينة‬
‫حيدر آباد إن قَصد بها >حيدر آباد الهند< كما هو المتبادر إلى الذهن عند إطالق‬
‫حيدر آباد‪ ،‬فالجواب‪ :‬إن مدينة حيدر آباد إنما تأسست على يد محمد قلي قطب‬
‫شاه في نهاية القرن العاشر للهجرة سنة ‪ 999‬هـ(‪ ،)1‬فكيف يصح أن يقال إن‬
‫الواسطي الذي عاش في القرن الخامس كان متوطنا بحيدر آباد التي أسست بعد‬
‫ذلك بخمسة قرون؟‪.‬‬
‫وإن قصد بها >حيدر آباد السند<‪ ،‬فإن الخرق يتسع أكثر وأكثر‪ ،‬ألن هذه المدينة‬
‫إنما تأسست في القرن الثاني عشر(‪ )2‬بعد زمن الواسطي بسبعة قرون‪ ،‬والحقيقة أن‬
‫جهل حسن قاسم بتاريخ بناء مدينة حيدر آباد أوقعه في هذا الغلط الفاحش‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬الهند في العهد اإلسالمي (ص ‪ ،)122‬ملوك حيدر آباد (ص ‪.)20‬‬
‫(‪ )2‬هذا ما جاء في موسوعة ويكبيديا على الرابط التالي‪:‬‬
‫)حيدر_آباد_(السند‪https://ar.wikipedia.org/wiki/‬‬

‫‪96‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫ولهذا قال الدكتور فتحي حافظ حديدي‪> :‬لم يذكر أحد من الباحثين‬
‫المحدثين‪ ...‬أنه قرأ هذين المخطوطين(‪ )1‬وتحقق منهما‪ ،‬علما بأن فهارس‬
‫المكتبات العامة التي بها مخطوطات‪ ،‬أصبحت معروفة ومتداولة ومتاحة تماما‬
‫لكافة الباحثين دون الحاجة إلى الترحال كما كان يحدث سابقا‪ ،‬وقد قمت‬
‫بمراجعة قوائم المخطوطات في سوريا وفي مصر بحثا عنهما فلم أجدهما‪ ،‬علما‬
‫بأن كل مخطوطات الرحالت القديمة قد جرى تحقيقها وطبعها أكثر من مرة<(‪.)2‬‬
‫ولتتيقن أن حسن قاسم يحترف اختالق النسخ‪ ،‬ما عليك إال أن تطالع آخر‬
‫كتابه >السيدة زينب وأخبار الزينبات< حتى ترى طامة من الطوام‪ ،‬إذ أن حسن‬
‫قاسم سرد هناك قصة أخرى عن عثوره على نص قديم يثبت إرسال رأس الحسين‬
‫‪ ‬إلى مصر!‪ ،‬فزعم حسن قاسم أنه استلم رسالة من شخص ما‪ ،‬ينقل فيها نصا‬
‫من رحلة أحد مسلمي الجزائر زار القاهرة سنة ‪548‬هـ‪ ،‬وزعم أ َّن إحدى‬
‫المجالت المصرية نشرت هذه الرحلة‪ ،‬وأ َّن أصل الرحلة محفوظ في إحدى‬
‫مكتبات برشلونة أو إشبيلية باألندلس اإلسبانية!(‪ ،)3‬ولم يذكر حسن قاسم ال‬
‫اسم المجلة التي نشر فيها هذا النص المزعوم‪ ،‬وال اسم الشخص الذي أرسل‬
‫إليه النصوص المقتطفة من هذه الرحلة‪ ،‬وال اسم صاحب الرحلة الجزائري‪،‬‬
‫ولكن التأمل في نصوص هذه الرحلة يُظهر بوضوح أن كاتبها رجل مصري معاصر‬
‫ال يحسن الكذب وال التأليف وهو صاحبنا حسن قاسم‪ ،‬إذ تجد في نصوص هذه‬
‫الرسالة أساليب كتابية معاصرة مثل‪> :‬من أعماق قلوبهم<(‪ ،)4‬و>زبادي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يقصد مخطوط كتاب أخبار الزينبات‪ ،‬ومخطوط رحلة الكوهيني‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة (ص ‪.)198‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)90‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)90‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪97‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫األجبان<‪ ،‬و>السالئط<(‪ )1‬ويقصد بذلك السلَطة المعروفة اليوم وهي كلمة أجنبية‬
‫دخيلة على اللغة العربية منذ عهد قريب!‬
‫ثم يدعوا المارة أيا كان نوعهم إلى األكل عن روح سيد‬ ‫ومثل قوله‪ّ > :‬‬
‫الشهداء الحسين ‪ ،)2(<‬وقوله‪> :‬كان يرتاح إلى حديث الشاب<‪ ،‬وقوله‪> :‬هيا‬
‫(‪)3‬‬
‫ثم تنفس الشاب‬‫بنا نتفسح<‪ ،‬وقوله‪> :‬أخذنا في التجوال هنا وهناك< ‪ ،‬وقوله‪ّ > :‬‬
‫الصعداء<(‪.)4‬‬
‫فهل هذا لسان أهل القرن السادس‪ ،‬أم هو لسان حسن قاسم المصري‬
‫المعاصر؟!‬
‫وقد طبع كتاب أخبار الزينبات عدة مرات بعد طبعة حسن قاسم(‪ ،)5‬وكل‬
‫طبعاته الالحقة اعتمدت على نشرة حسن قاسم وجعلتها أصال في النشر‪ ،‬وهذا‬
‫خطأ منهجي كبير‪ ،‬فإذا كان المنهج العلمي المعتمد في تحقيق المخطوطات‬
‫يوصي الباحثين بالتريث في تحقيق كتاب ليست له إال نسخة خطية واحدة‪،‬‬
‫فكيف واألمر هنا يتعلق بكتاب ال توجد له أي نسخة خطية‪ ،‬فضال عن تفرد‬
‫شخص واحد بادعاء وجود المخطوط دون أن يقدم أي بينة على ذلك؟‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)91‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)91‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)92‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)93‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫انظر طبعات الكتاب (ص‪ )91‬من هذا البحث‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪98‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫تنبيه ورد على دعوى وجود نسخة خطية لكتاب >أخبار الزينبات< عند‬
‫المرجع النجفي محمد حسين المرعشي!!‬
‫زعم محمد حسين الجاللي في فهرس التراث أن المرجع محمد حسين‬
‫المرعشي النجفي ح َّدثه أنه رأى نسخة من كتاب >أخبار الزينبات< ملحقة بتفسير‬
‫نسابة العصر فقيه أهل البيت السيد شهاب‬ ‫التبيان للطوسي‪ ،‬فقال‪> :‬وح َّدثني َّ‬
‫الدين المرعشي النجفي النازل بقم‪ ،‬أنه رأى نسخة من هذا الكتاب ملحقة بنسخة‬
‫من كتاب التبيان للشيخ الطوسي في الخزانة الغروية في النجف‪ ،‬ووصفها ‪‬‬
‫بأنها نسخة قديمة<‪.‬‬
‫قال الجاللي‪> :‬وبالرغم من السعي البليغ للوقوف على تلك النسخة ما‬
‫أمكنني ذلك‪ ،‬ولكن من حسن التوفيق أ َّن األستاذ السيد قاسم المصري كان قد‬
‫عثر على نسخة قديمة من الكتاب‪ ،‬ونشره في القاهرة في عام ‪ 1333‬هـ(‪.)2(<)1‬‬
‫أقول‪ :‬فيما ذكره الجاللي توقف ونظر‪ ،‬فالمرعشي قد طبع كتاب >أخبار‬
‫الزينبات< وق َّدم له بمقدمة طويلة في التعريف بالمؤلف والكتاب سماها >النفحة‬
‫القدسية في حياة الشريف العبيدلي<‪ ،‬ولم يشر إطالقا إلى وقوفه على نسخة خطية‬
‫بل صرح بأن نسخة الكتاب وصلت إليه من حسن قاسم(‪.)3‬‬
‫فإن قيل‪ :‬لعل وقوفه على المخطوط كان بعد طبع الكتاب‪ ،‬فالجواب‪ :‬لو‬
‫صح هذا هل كان المرعشي ليتأخر في حفظ نسخة المخطوط وإدراجها في مكتبته‬
‫العامرة‪ ،‬ونشر طبعة جديدة منه مبنية على هذه النسخة؟ خاصة أن المرعشي قد‬
‫أطنب في مدح >أخبار الزينبات< فقال عنه‪> :‬إن كتاب >أخبار الزينبات<‪ ...‬من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كذا والصواب ‪ 1933‬هـ وقد مضت اإلشارة إلى سبب الخطأ في هذا التاريخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬فهرس التراث (‪ 291/1‬ــ ‪.)292‬‬
‫(‪ )3‬أخبار الزينبات طبعة قم (ص ‪ 11‬ــ ‪.)12‬‬

‫‪99‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫أهم كتب التراجم والرجال‪ ،‬ومن المستندات المتينة القوية‪ ،‬ومن أقدم المدارك‬
‫في هذا الشأن‪ ،‬وقد اشتمل على فوائد لم توجد في غيره<(‪ ،)1‬فمع اعتقاده نفاسة‬
‫هذا الكتاب وأهميته‪ ،‬هل يتصور أنه كان سيسمح بضياع هذه النسخة واختفائها‬
‫حتى أن تلميذه الجاللي عجز عن الوقوف على نسخة منها!‬
‫كما أ ّن فهرس مخطوطات مكتبة المرعشي بقم ــ وهي من أضخم مكتبات‬
‫المخطوطات في العالم ــ خال عن ذكر هذا الكتاب‪ ،‬وعليه فال التفات إلى هذه‬
‫الدعوى‪.‬‬
‫ويحتمل أن هذا الكالم وهم من الجاللي‪ ،‬فلعل المرعشي ذكر أخبار‬
‫الزينبات ثم انتقل لذكر كتاب التبيان وما جاء ملحقا به فظن الجاللي أن المرعشي‬
‫يتحدث عن نسخة أخبار الزينبات‪ ،‬فنسب إليه هذا القول تو ُّهما‪ ،‬وهذا محتمل‬
‫جدا‪ ،‬ويحتمل أن يكون المرعشي وهم فيما ذكره أو نقل له أحد هذا الكالم فجزم‬
‫به دون أن يتبين حقيقته‪ ،‬وعلى كل حال‪ ،‬فالمقطوع به عدم وجود أي نسخة‬
‫خطية لهذا الكتاب‪.‬‬
‫ونظير هذا الزعم‪ ،‬ما وقع لهادي خسروشاهي في كتابه >أهل البيت في‬
‫مصر<‪ ،‬فقد طبع ضمن هذا الكتاب >أخبار الزينبات< وقدم له بمقدمة قال فيها‪:‬‬
‫>وقد قام آية اهلل المرحوم السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي‪...‬‬
‫بتحقيق هذه الرسالة المخطوطة بعد ما ف ّتش عنها لمدة طويلة‪ ،‬وأخرجها إلى النور‬
‫مفصلة في تاريخ حياة المؤلّف وآثاره‪ ،‬بعد أن كانت طوال قرون متمادية‬
‫مع مق ّدمة ّ‬
‫الماسة إليها لحسم الخالف في مسألة مكان‬‫ّ‬ ‫محجوبة عن األبصار‪ ،‬مع الحاجة‬
‫مرقد السيدة زينب ‪.)2(<‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات طبعة قم بتحقيق محمد جواد المرعشي النجفي (ص ‪ 9‬ــ ‪.)10‬‬
‫(‪ )2‬أهل البيت في مصر (ص ‪.)440‬‬

‫‪100‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫وقد وقع في وهمين ظاهرين‪:‬‬


‫األول‪ :‬الصحيح أن المرعشي إنما قدم للكتاب بمقدمة ترجم فيها للعبيدلي‬
‫العقيقي‪ ،‬ولم يقم بتحقيق الكتاب كما توهم خسروشاهي‪ ،‬وإنما حققه ونشره ابنه‬
‫محمد جواد‪ ،‬كما ذكر في مقدمته لكتاب >أخبار الزينبات<(‪.)1‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الطبعة التي نشرها المرعشي االبن ليست مأخوذة من مخطوطة‬
‫كما ظن خسروشاهي‪ ،‬بل ما هي إال طبعة جديدة بصف جديد‪ ،‬مأخوذة بكاملها‬
‫من نشرة حسن قاسم‪ ،‬وقد صرح المرعشي األب أنه وقف على الكتاب بواسطة‬
‫نسخة أرسلها إليه حسن قاسم كما مضى(‪ ،)2‬وعليه فال صحة لقول خسروشاهي‬
‫إن المرعشي قام >بتحقيق هذه الرسالة المخطوطة بعد ما ف ّتش عنها لمدة طويلة‪،‬‬
‫وأخرجها إلى النور<(‪.)3‬‬
‫* الدليل الثالث‪ :‬مخالفة أسلوب الكتاب لمنهج النسابة العقيقي وما ثبت عنه‬
‫فمؤلف كتاب >أخبار الزينبات< بدأ بمقدمة يشرح فيها سبب تأليفه‬
‫المع ّقبين من ولد أمير المؤمنين<‬
‫للكتاب‪ ،‬بينما نرى أسلوب العقيقي في كتابه > ُ‬
‫المقطوع بثبوته له هو اإليجاز واالختصار‪ ،‬ولم يذكر مقدمة لكتابه‪.‬‬
‫ثم إ َّن المعروف عن العقيقي هو تخصصه بنسب آل أبي طالب وليس في‬
‫سائر األنساب‪ ،‬ولذا اشتهر عنه أ ّنه أول من ألف في نسب آل أبي طالب‪ ،‬ويظهر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات طبعة قم بتحقيق محمد جواد المرعشي النجفي (ص ‪.)4‬‬
‫(‪ )2‬أخبار الزينبات طبعة قم (ص ‪ 11‬ــ ‪.)12‬‬
‫(‪ )3‬وراجع ما ذكره حسن الفاطمي في مقالته الفارسية >بررسي اعتبار أخبار الزينبات< المنشورة بمجلة‬
‫كتابهاي إسالمي‪ ،‬العدد ‪ 21‬سنة ‪ 1426‬هـ‪( ،‬ص ‪ )73‬فقد تعقب كالم خسروشاهي ووصفه بأنه‬
‫اشتباه‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫علمه بنسب الطالبيين واضحا في كتابه المعقبون من ولد أمير المؤمنين‪ ،‬ولذا قال‬
‫أبو الفرج األصفهاني عنه‪> :‬حسن العناية بأخبار أهله<(‪ ،)1‬بينما نجد صاحب‬
‫أخبار الزينبات ملما بسائر األنساب وال يقتصر علمه على النسب الطالبي فقط‬
‫كما هو المعروف عن العقيقي‪ ،‬ولذا نجد أن عدد الزينبات من غير آل البيت‬
‫اللواتي ذكرن في >أخبار الزينبات< عددهن ستة عشر امرأة‪ ،‬وهذا تقريبا شطر‬
‫عدد الزينبات من آل البيت اللواتي كان عددهن ثمانية عشر امرأة‪.‬‬
‫ويالحظ أيضا أ ّن النسابة العقيقي كان ال ينقل عن غيره إال في الرواية‪ّ ،‬أما‬
‫صاحب >أخبار الزينبات< فيذكر مصادره ومشايخه‪ ،‬مثل الزبير بن بكار(‪.)2‬‬
‫ونالحظ اختالفا ظاهرا بين مشايخ العقيقي في كتبه األخرى وبين مشايخه‬
‫في أخبار الزينبات‪ ،‬فمن ذلك‪ ،‬إكثار صاحب أخبار الزينبات من الرواية عن أبيه‬
‫الحسن بن جعفر‪ ،‬وحين نقارن ذلك مع الروايات الموثوقة التي وصلتنا عن‬
‫العقيقي نجد أن روايته عن أبيه نادرة‪ ،‬ومن ذلك أن صاحب أخبار الزينبات يروي‬
‫عن زهران بن مالك(‪ ،)3‬وإسماعيل بن محمد البصري(‪ ،)4‬وهذان الراويان لم‬
‫أقف لهما على ترجمة‪.‬‬
‫وما يالحظ أيضا أن كتاب >أخبار الزينبات< لم يلتزم بأي ترتيب في ذكر‬
‫المسميات بزينب‪ ،‬سواء الترتيب على الحروف أو الترتيب على الطبقات‪ ،‬بل‬
‫ثم زينب بنت جحش‬ ‫يذكر األسماء كيفما اتفق‪ ،‬فيبدأ بزينب بنت النبي ‪ّ ،‬‬
‫ثم زينب الكبرى بنت علي ‪ّ ،‬‬
‫ثم زينب الوسطى‬ ‫ثم زينب بنت عقيل‪ّ ،‬‬‫‪ّ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ (1‬مقاتل الطالبيين ( ص ‪.)159‬‬
‫(‪ )2‬أخبار الزينبات (ص ‪.)23‬‬
‫(‪ (3‬أخبار الزينبات (ص ‪.)17‬‬
‫(‪ (4‬أخبار الزينبات (ص ‪.)19‬‬

‫‪102‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫ثم بعدها يذكر جماعة من الزينبات من التابعيات فمن‬


‫والصغرى بنت علي ‪ّ ،‬‬
‫ثم يرجع لذكر بعض الصحابيات كزينب بنت مظعون‬ ‫بعدهن من أهل البيت‪ّ ،‬‬
‫ثم يذكر جملة من نساء‬
‫ثم يذكر زينب بنت عمر وهي تابعية‪ّ ،‬‬ ‫زوجة عمر ‪ّ ،‬‬
‫الصحابة‪ ،‬ويختم بزينب بنت الزبير‪.‬‬
‫المع ّقبين من ولد أمير‬
‫بينما نجد أ ّن منهج النسابة العقيقي في كتابه > ُ‬
‫المؤمنين< قائم على الترتيب والتصنيف والتزام الدقة والتسلسل في ذكر األنساب‬
‫واألعقاب(‪.)1‬‬
‫ثم إ َّن األغرب واألعجب أ َّن جماعة من المسميات بزينب‪ ،‬ذكرهن العقيقي‬
‫ّ‬
‫المع ّقبين< وليس لهن ذكر في >أخبار الزينبات<‪ ،‬مثل‪ :‬زينب بنت سليمان‬
‫في كتابه > ُ‬
‫بن علي بن عبد اهلل بن عباس‪ ،‬وزينب بنت عبد اهلل بن حسين بن علي‪ ،‬وزينب‬
‫بنت عون بن عبد اهلل بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب‪ ،‬وزينب‬
‫بنت محمد بن عبد اهلل بن زين العابدين‪ ،‬وزينب بنت موسى بن عمر بن زين‬
‫العابدين(‪ ،)2‬وقد ذكر النسابة العمري في المجدي أن الحسين بن جعفر عم النسابة‬
‫وسماها زينب‪ ،‬وهي ليست مذكورة في >أخبار الزينبات< فلو كان‬
‫العقيقي ولد بنتا ّ‬
‫للنسابة العقيقي تأليف عن >الزينبات< من آل البيت وغيرهم‪ ،‬كيف يتصور فيه أن‬
‫يغفل عن ذكرهن في هذا الكتاب مع أنه ذكرهن في كتابه عن آل أبي طالب؟!‪.‬‬
‫ويالحظ أيضا أ َّن مؤلف >أخبار الزينبات< مهتم بصورة عجيبة بآل البيت‬
‫ومطّلع على أخبارهم‪ ،‬بل إ ّنه ذكر بعض النساء والرجال ممن‬
‫الذين دخلوا مصر ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وسبب هذا الخلل في ترتيب المترجم لهن في الكتاب هو أن حسن قاسم سرق جملة كبيرة من‬
‫مادة أخبار الزينبات من كتاب الطبقات البن سعد‪ ،‬ومن كتب أخرى كما سيأتي‪.‬‬
‫المع ّقبين بتحقيق محمد كاظم‪ ،‬فهرس األعالم (ص ‪.)144‬‬
‫(‪ )2‬انظر كتاب ُ‬
‫‪103‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫ليسوا من الزينبات ألجل غرض واحد وهو التنصيص على دخولهم مصر أو‬
‫وفاتهم بها‪ ،‬مثل‪ :‬رقية بنت عقبة بن نافع الفهري(‪ ،)1‬ونفيسة بنت الحسن(‪،)2‬‬
‫ومحمد بن أحمد أخو زينب بنت أحمد من أحفاد ابن الحنفية(‪ ،)3‬والقاسم بن‬
‫محمد بن جعفر الصادق(‪ ،)4‬كل هذه الدالئل والقرائن‪ ،‬تدل على أ َّن مؤلف‬
‫الكتاب ليس هو النسابة يحيى بن الحسن العقيقي‪ ،‬وإنما هو رجل مصري قطعا‪.‬‬
‫* الدليل الرابع‪ :‬أخطاء تاريخية ونسبية تدل على بطالن نسبة الكتاب للعقيقي‬
‫وقع في كتاب >أخبار الزينبات< أخطاء تاريخية ونَ َسبية فادحة‪ ،‬تعلن ببراءة‬
‫النسابة المتقن يحيى العقيقي من كتاب >أخبار الزينبات<‪ ،‬ومن ضمن هذه األخطاء‪:‬‬
‫ــ تقرير مؤلف >أخبار الزينبات< والدة فاطمة لستة أوالد هم‪ :‬الحسن‬
‫والحسين ومحسن‪ ،‬وزينب الكبرى وزينب الوسطى ورقية(‪ ،)5‬وهذا تخليط ال‬
‫نظير له‪ ،‬فقد اتفق النسابون والمؤرخون على أن ولد فاطمة هم أربعة‪ ،‬وهم‬
‫الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى(‪ ،)6‬وأما محسن فاختلفوا في‬
‫أمره فمنهم من لم يذكره ومنهم من ذكر أنه مات صغيرا(‪ ،)7‬وأما رقية فقد نُسب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)21‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)21‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)21‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)19‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫لحماد بن‬ ‫طبقات ابن سعد (‪ ،)19/3‬نسب قريش لمصعب الزبيري (ص ‪ ،)41‬تركة النبي‬ ‫(‪)6‬‬
‫إسحاق (ص‪ ،)87‬أنساب األشراف للبالذري (‪ )402/1‬وغيرهم‪ ،‬ولم يخالف في ذلك إال‬
‫صح ما نسب إليه كما سيأتي‪.‬‬
‫الليث إن َّ‬
‫الذرية الطاهرة للدوالبي نقال عن ابن إسحاق (ص ‪ ،)62‬أنساب األشراف للبالذري (‪.)402/1‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪104‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫إلى الليث بن سعد أنه ذكرها في أوالد فاطمة ‪ ،)1(‬وذهب صاحب المجدي‬
‫إلى أن رقية اسم ألم كلثوم الكبرى(‪ ،)2‬وكال القولين مرجوحين‪.‬‬
‫وأما زينب الوسطى فهي امرأة لم تلدها أرحام النساء أصال وإنما هي من‬
‫مختلقات مؤلف >أخبار الزينبات< وحده(‪.)3‬‬
‫بينما الصحيح والثابث عن النسابة العبيدلي العقيقي هو موافقته لسائر‬
‫النسابين في أن أبناء فاطمة ‪ ‬هم أربعة‪ :‬الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم‪.‬‬
‫وأما رقية بنت علي فالثابت عن العقيقي أنه نص على أنها بنت الصهباء(‪.)4‬‬
‫ــ ويقرر مؤلف >أخبار الزينبات< أن عبد اهلل بن عبد الرحمن بن عوف‬
‫الزهري كانت له بساتين بمصر‪ ،‬وهذا خطأ ال ريب‪ ،‬فلم ينقل أحد من المؤرخين‬
‫أ ّن عبد اهلل هذا دخل مصر(‪ ،)5‬فضال عن أن تكون له بساتين‪.‬‬
‫وقد نقل المقريزي عن علماء خطط مصر(‪ )6‬أن أول من أنشأ بساتين الزهري‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نقل عبد اهلل بن صالح عن الليث أن فاطمة ولدت حسنا وحسينا وزينب وأم كلثوم ورقية‪ ،‬ورقية‬ ‫(‪(1‬‬
‫ماتت ولم تبلغ‪ ،‬الذرية الطاهرة للدوالبي (ص ‪ ،)62‬قلت ولم يوافَق الليث على ذلك كما مضى‬
‫آنفا ‪ ،‬ولعل الخلل من عبد اهلل بن صالح فإنه يخطئ عن الليث كما في ترجمته‪ ،‬انظر تهذيب‬
‫التهذيب (‪.)260/5‬‬
‫المجدي في أنساب الطالبيين (ص ‪ ،)199‬وتابعه اليماني في النفحة العنبرية (ص ‪.)40‬‬ ‫(‪(2‬‬
‫دوخ (‪1317‬هـ) بع ِّده ثالث زينبات من بنات علي‪ ،‬إحداهن زينب الوسطى إال أنه‬‫انفرد عثمان ُم ّ‬ ‫(‪)3‬‬
‫نص على أنها من غير فاطمة ‪ ،‬انظر العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص ‪.)68‬‬
‫نقله عنه ابن الشجري في األمالي اإلثنينية (ص ‪.)503‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫انظر ترجمته في‪ :‬الطبقات الكبرى البن سعد (‪ ،)155/5‬سير أعالم النبالء (‪.)278/4‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫علم الخطط هو علم يختص بمعرفة تقاسيم البلدان وتفاصيل األماكن بالمدن وخرائطها وتاريخها‪،‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫وهو يقابل علم جغرافيا المدن بالمصطلح المعاصر‪ ،‬ومن أشهر من ألف فيه تقي الدين المقريزي=‬

‫‪105‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫وحبسها هو عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن‬ ‫َّ‬
‫الزهري المتوفى سنة ‪ 210‬هـ‪ ،‬نص على ذلك ابن يونس (‪ 347‬هـ) في‬ ‫ّ‬ ‫عوف‬
‫>تاريخ غرباء مصر<‪ ،‬والقضاعي (‪ 454‬هـ) في >معرفة الخطط واآلثار<‪،‬‬
‫والقاضي محمد بن عبد الوهاب (‪ 730‬هـ) في >إيقاظ المتغفل<(‪ ،)1‬وحسن‬
‫قاسم يعلم هذا لكنه رده بال أي دليل‪ ،‬وزعم أن المقصود بالزهري هو عبد اهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم أثبت ذلك في >أخبار الزينبات< برواية مسندة‬
‫ابن عبد الرحمن بن عوف ‪َّ ،‬‬
‫حتى ينتصر لرأيه‪.‬‬
‫ــ ومن األخطاء الشنيعة لمؤلف >أخبار الزينبات< زعمه أ ّن رقية بنت عمر‬
‫(‪)3‬‬
‫ابن الخطاب ‪ ‬تزوجت إبراهيم بن عبد الل النَّحام بن أسد بن عبيد بن عولج‬
‫عدي بن عمر بن الخطاب(‪.)4‬‬
‫ابن ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫في كتابه المواعظ واالعتبار في ذكر الخطط واآلثار‪.‬‬ ‫=‬
‫نقله عنهم المقريزي في المواعظ واالعتبار (‪ ،)206/3‬وهذا ما أقر به محققو كتاب المزارات‬ ‫(‪)1‬‬
‫لحسن قاسم‪ ،‬انظر المزارات اإلسالمية (‪ )114/7‬الهامش ‪.2‬‬
‫قال حسن قاسم في مقال بعنوان (حمروات مصر) نشر بمجلة اإلسالم العدد ‪ 46‬سنة ‪1351‬هـ‪/‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪1933‬م‪> :‬كان بهذه المنطقة بساتين ابن الزهري‪( ،‬ذكر) المقريزي أنها تنسب لعبد الوهاب بن‬
‫موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المتوفى بمصر في سنة ‪ 210‬هـ‪،‬‬
‫والصحيح أ ّن نسبتها لعبد الوهاب هذا نسبة تجديد اإلنشاء‪ ،‬وأول من غرسها فيما تحقق لدينا من‬
‫الوثائق التاريخية هو عبد اهلل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وهو أول قادم من بني الزهري إلى‬
‫مصر وبها مات في سنة ‪ 76‬وقيل ‪ 79‬وتربتهم معروفة بالقرافة<‪.‬‬
‫وهذا المقال وقفت عليه منشورا في الشبكة العنكبوتية‪ ،‬وادعاء حسن قاسم أن عبد اهلل بن‬
‫عبد الرحمن بن عوف الزهري توفي بمصر ادعاء ال صحة له‪ ،‬فقد نص ابن سعد في الطبقات‬
‫(‪ )157/5‬على وفاته بالمدينة‪.‬‬
‫كذا في األصل‪ ،‬والصحيح‪َ ( :‬ع ِويج) كما في طبقات ابن سعد (‪ )170 /5‬ونسب قريش (ص‪.)349‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)19‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪106‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫فكيف يستقيم أن تتزوج رقية بنت عمر بن الخطاب رجال ولد بعدها بأربعة‬
‫عدي‪.‬‬
‫النسابين لم يذكر لعمر بن الخطّاب ولدا اسمه ّ‬
‫ثم إ ّن أحدا من َّ‬
‫أجيال؟ ّ‬
‫والصحيح أنها تزوجت إبراهيم بن ُنعيم النَّحام بن عبد الل بن أسيد بن‬
‫عدي‪ ،‬وهو معدود في الصحابة العدويين(‪.)1‬‬‫عبد بن عوف بن عبيد بن َع ِويج بن ّ‬
‫والظاهر أ َّن حسن قاسم لما وقف على خبر زواجه برقية بنت عمر ورأى أنه‬
‫عدوي اختلط عليه األمر‪ ،‬أل ّنه كان يرى أ ّن بني عمر يُذكرون في العدويين فظن‬
‫ّ‬
‫أ ّن إبراهيم العدوي نسبة إلى عدي بن عمر فوصل آخر نسب إبراهيم بنسب عمر‬
‫ابن الخطاب ‪ ‬ووقع في هذا الغلط الفاحش الذي ال يقع من مبتدئ في النسب‬
‫فضال عن أن يقع من ّنسابة كالعبيدلي(‪.)2‬‬
‫ــ وزعم صاحب >أخبار الزينبات< أ َّن أم محمد بن علي الباقر هي زينب‬
‫(‪)3‬‬
‫المع ّقبون من ولد أمير‬
‫بنت الحسن بن علي ‪ ، ‬بينما نص العقيقي في كتابه ُ‬
‫المؤمنين على أ َّن أم الباقر هي‪> :‬أم عبد اهلل بنت الحسن بن علي<(‪ ،)4‬فضال عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫طبقات ابن سعد (‪ )170 /5‬نسب قريش للزبيري (ص‪ ،)349‬أنساب األشراف للبالذري‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪ ،)428/1‬الثقات البن حبان (‪ ،)144/2‬أسد الغابة (‪ ،)160/1‬اإلصابة في تمييز الصحابة‬
‫(‪.)324/1‬‬
‫وللفائدة انظر قاموس الرجال للتستري (‪ 43/11‬ــ ‪ ،)44‬وقد انتبه فارس الحسون في تحقيقه‬ ‫(‪)2‬‬
‫ألخبار الزينبات لهذا الغلط الفاحش فقام بحذف عبارة >عمر بن الخطاب< من آخر النسب!‪،‬‬
‫وقال في الهامش‪> :‬عدم استقامته ظاهرة<‪ ،‬انظر‪ :‬الثبت المصان بأخبار الزينبات (ص ‪ ،)64‬وما‬
‫فعله مناف لألمانة العلمية فكان عليه أن يبقي النص في المتن ويعلق في الهامش بما يشاء‪ ،‬ألن‬
‫هذا الخطأ ال تبرير له إال جهل مخترع هذه الرسالة‪.‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)20‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المع ّقبون من ولد أمير المؤمنين بتحقيق فارس حسون (ص ‪.)47‬‬ ‫ُ‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪107‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫أ َّن العقيقي نفسه(‪ )1‬وجماعة من النسابين لم يذكروا للحسن بنت ًا اسمها زينب(‪.)2‬‬
‫ــ ومن أخطاء مؤلف >أخبار الزينبات< ذكره عقبا لمن ال عقب له‪ ،‬ففي‬
‫>أخبار الزينبات< ترجمة لزينب بنت أحمد بن محمد بن عبد اهلل بن جعفر بن‬
‫محمد بن علي بن أبي طالب ‪ )3(‬وكذا أخيها محمد بن أحمد‪ ،‬وهذا غلط‬
‫نصوا على أ َّن محمد بن عبد اهلل بن جعفر الجد المزعوم‬
‫واضح‪ ،‬أل ّن النسابين قد ّ‬
‫نص على ذلك النسابة أبو الحسن العمري في المجدي(‪.)4‬‬ ‫لزينب هذه ال عقب له‪َّ ،‬‬
‫المع ّقبين من ولد عبد اهلل‬
‫المع ّقبين< أ َّن ُ‬
‫فضال عن أ َّن العقيقي ذكر في كتابه > ُ‬
‫بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب هم جعفر وعلي فقط(‪ ،)5‬أما محمد بن‬
‫جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب فال عقب له كما سلف‪ ،‬فما زعمه صاحب‬
‫>أخبار الزينبات< من أن لمحمد بن عبد اهلل بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي‬
‫طالب ولدا وبنتا ال يصح ومخالف لما تقرر عند النسابين‪ ،‬ولما ذكره العقيقي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر كالم العقيقي في األمالي اإلثنينية البن الشجري (ص ‪.)553‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الطبقات البن سعد طبعة الخانجي (‪ ،)352/6‬نسب قريش لمصعب الزبيري (ص ‪ 46‬ــ ‪)50‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المجدي في أنساب الطالبيين (ص ‪.)201‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)22‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المجدي في أنساب الطالبيين (ص ‪ 630‬ــ ‪ ،)631‬ومن الغرائب أن فارس حسون في تحقيقه‬ ‫(‪)4‬‬
‫ألخبار الزينبات‪ ،‬أحال على كتاب المجدي لكنه اقتطع من النص الذي نقله ما يدل على بطالن‬
‫وجود زينب هذه!! فنقل عن المجدي أنه ترجم لمحمد بن عبد اهلل بن جعفر ــ الجد المزعوم‬
‫محمد‪،‬‬
‫لزينب هذه ــ فقال‪> :‬ذكره في المجدي‪ ،‬ح ‪ ،225‬حيث قال في تعداد أوالد عبد اهلل‪ ،‬له‪ّ :‬‬
‫ومحمد األصغر‪ ،<...،‬الثبت المصان بأخبار الزينبات (ص ‪ )76‬الهامش ‪.2‬‬‫ّ‬
‫قلت‪ :‬وتتمة الكالم‪> :‬وأحمد‪ ،‬وإسماعيل‪ ،‬وجعفر‪ ،‬وعيسى لم يع ّقبوا<‪ ،‬لكنه لما وجد هذا النص‬
‫المع ّقبون من آل أبي طالب‬
‫يهدم ما في المتن قام ببتره وهذا من غرائب التعليقات‪ .‬وانظر ُ‬
‫(‪ )380/3‬نقال عن المجدي‪.‬‬
‫( ‪ُ (5‬‬
‫المع ّقبون من ولد أمير المؤمنين ( تحقيق حسون) ( ص ‪.)81‬‬

‫‪108‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫نفسه في كتابه >المعقبين<‪.‬‬


‫ثم إ ّن األعجب هو أ ّن حسن قاسم قد قام بالتعليق على كتاب >تحفة‬ ‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫األحباب< للسخاوي الحنفي ‪ ،‬وقد جاء فيه‪> :‬وفيها قبر مكتوب عليه‪ :‬هذا قبر‬
‫الشريفة زينب بنت أحمد بن عبد اهلل بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب ‪‬‬
‫وهو محمد ابن الحنفية‪ ،‬وهذا غير صحيح ألنه لم يعلم دخولها إلى مصر<(‪.)2‬‬
‫وهذا نص مهم وقاطع يدل على بطالن نسبة هذا القبر إلى زينب هذه‪ ،‬لكن‬
‫حسن قاسم تعامى عن هذه الحقيقة وحشر زينب هذه ضمن كتاب >أخبار‬
‫الزينبات< وزعم وفاتها بمصر‪.‬‬
‫ــ ونجد صاحب >أخبار الزينبات< يترجم لزينب بنت يحيى بن الحسن بن‬
‫(‪)3‬‬
‫المع ّقبين‬
‫زيد بن الحسن بن علي ‪ ، ‬بينما نجد النسابة العقيقي في كتابه ُ‬
‫يذكر أبناء الحسن بن زيد بن الحسن‪ ،‬وال يذكر أن منهم يحيى(‪ ،)4‬فلو كان‬
‫للحسن عقب من يحيى لكان العقيقي قد ذكره في كتابه‪َّ ،‬‬
‫فدل هذا على أن مؤلف‬
‫>أخبار الزينبات< ليس العقيقي قطعا(‪.)5‬‬
‫ــ ويزعم صاحب >أخبار الزينبات< أ َّن الحسن بن زيد بن الحسن تزوج زينب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وهو غير السخاوي المشهور المعروف بشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تحفة األحباب وبغية الطالب (ص ‪.)51‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪ ،)31‬وهي التي تشتهر بزينب بنت يحيى المتوج‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المع ّقبون من ولد أمير المؤمنين (تحقيق حسون) (ص ‪ 37‬ــ ‪.)38‬‬
‫ُ‬ ‫(‪)4‬‬
‫وقد وهم فارس الحسون في تعليقه على هذا الموضع من أخبار الزينبات‪ ،‬فتوهم أن المراد بزينب‬ ‫( ‪)5‬‬
‫هذه هي زينب بنت يحيى بن زيد بن علي بن الحسين ونقل عن الزركلي ترجمتها‪ ،‬انظر الثبت‬
‫المصان بأخبار الزينبات (ص ‪ ،)71‬وغلطه ظاهر‪ ،‬فزينب بنت المتوج يدعى أنها َحسنَية‪ ،‬وأما‬
‫زينب التي ذكرها الزركلي فهي ُحسينية!!‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫بنت الحسن المثنى فولدت له‪ :‬القاسم ومحمد ًا ويحيى وأم كلثوم وسلمة(‪ ،)1‬بينما‬
‫المع ّقبين على أ َّن أم القاسم ومحمد ابني الحسن بن زيد هي أم‬
‫نص العقيقي في ُ‬
‫سلمة بنت الحسين(‪ )2‬بن الحسن بن علي‪ ،‬ولم يذكر أ َّن اسمها زينب(‪ ،)3‬وأما‬
‫يحيى فلم يذكره كما مضى في المالحظة السابقة(‪.)4‬‬
‫ــ ونجد صاحب >أخبار الزينبات< يترجم المرأة اسمها زينب بنت الحارث‬
‫ويقول عنها‪> :‬أخت أسماء بنت عميس ألمها‪ ،‬وأم المؤمنين ميمونة بنت الحارث‬
‫الهاللية زوج رسول اهلل <(‪.)5‬‬
‫والظاهر أ َّن واضع الكتاب وقف على اسم زينب بنت الحارث في طبقات‬
‫(‪ ،)6‬ولما يتمكن من تعيينها ظن أنها أخت‬ ‫ابن سعد في قصة سم النبي‬
‫ميمونة بنت الحارث‪ ،‬وهذا خطأ تفرد به كتاب >أخبار الزينبات<‪ ،‬فإن زينب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص‪.)31‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وقع في النسخة الخطية للمعقبين‪> :‬الحسن<‪ ،‬وأثبت محمد كاظم في طبعته (ص ‪> )72‬الحسن<‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وأما فارس حسون فأصلحه في المتن وأثبت أنه الحسين وأشار في الهامش إلى الخطأ في األصل‪،‬‬
‫مجلة تراثنا العدد ‪ 79‬ــ ‪( 80‬ص ‪ ،)332‬والصواب هو الحسين وهو األثرم كما نص على ذلك‬
‫ابن سعد في الطبقات (طبعة الخانجي ‪ ،)542/7‬وأبو نصر البخاري في سر السلسلة العلوية‬
‫(ص‪ ،)21‬وأبو الحسن العمري في المجدي (ص ‪ )203‬وابن عنبة في عمدة الطالب (ص ‪.)70‬‬
‫وقد تفرد كل من محمد بن أسعد الجواني في الروضة النفيسة كما في الخطط للمقريزي‬ ‫(‪)3‬‬
‫(‪ ،)324/4‬وابن فندق في لباب األنساب (ص‪ )387‬بأن أم القاسم بن الحسن بن زيد هي زينب‬
‫بنت الحسن بن الحسن وأن كنيتها أم سلمة‪ ،‬والصواب ما تقدم من أن أم القاسم هي أم سلمة بنت‬
‫الحسين األثرم كما قرر ذلك المحققون من النسابين وعلى رأسهم ابن سعد وهو أقدم من أسعد‬
‫الجواني‪ ،‬وابن سعد من أوثق وأتقن من كتب في النسب‪.‬‬
‫وسيأتي أن حسن قاسم إنما اقتبس هذا النص من كتاب الخطط للمقريزي‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)24‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الطبقات الكبرى (‪.)201/2( ،)107/2‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪110‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫بنت الحارث هذه يهودية‪ ،‬أما ميمونة بنت الحارث فهي‪ :‬ميمونة بنت الحارث‬
‫ابن حزن بن بجير بن الهزم بن رؤيبة بن عبد اهلل بن هالل بن عامر بن صعصعة(‪،)1‬‬
‫فليس بينهما أي أخوة‪ ،‬وقد وقفت على امرأتين من الصحابة تشتركان في اسم‬
‫زينب بنت الحارث‪ ،‬األولى هي زينب بنت الحارث بن عامر بن نوفل(‪،)2‬‬
‫والثانية هي زينب بنت الحارث بن خالد التميمية(‪ ،)3‬وليس لهما أي عالقة‬
‫بميمونة بنت الحارث‪ .‬وقد ذكر ابن سعد جميع أخوات ميمونة وهن‪ :‬لبابة أختها‬
‫الشقيقة وهي أم الفضل زوجة العباس ‪ ،‬وأخواتها ألبيها وهن‪ :‬لبابة الصغرى‪،‬‬
‫وعزة‪ ،‬وهزيلة‪ ،‬وأخواتها ألمها وهن‪ :‬أسماء وسلمى ابنتي عميس(‪ ،)4‬ولم يذكر‬
‫منهن زينب!‪ ،‬وعلى أي حال فليست أي من المسميات بزينب بنت الحارث من‬
‫أخوات ميمونة بنت الحارث‪ ،‬وإنما هذا من أوهام صاحب >أخبار الزينبات<‪.‬‬
‫* الدليل الخامس‪ :‬وجود أساليب وكلمات لغوية متأخرة عن زمن العقيقي‬
‫عند النظر في نصوص ولغة كتاب >أخبار الزينبات< يالحظ المتأمل قرائن‬
‫عديدة وواضحة تدل على أن مؤلف هذا الكتاب ليس من علماء القرن الثالث‪،‬‬
‫وقد ظهر هذا بوضوح في الكلمات القليلة التي قدم بها كاتب >أخبار الزينبات<‬
‫لكتابه‪ ،‬فهو يقول عن النبي ‪> :‬نستمنح الفضل ونستوهب القرب يوم القرب‬
‫من حضرته<(‪.)5‬‬
‫ويحتمل هذا الكالم وجهين‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطبقات الكبرى البن سعد ــ طبعة دار صادر ــ (‪.)277/8‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اإلصابة (‪.)155/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلصابة (‪.)166/8‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الطبقات الكبرى البن سعد ــ طبعة دار الكتب العلمية ــ (‪.)104/8‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)12‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪111‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫بخطاب فيه توقير‪ ،‬فاستعمل‬ ‫األول‪ :‬إ ّن الكاتب أراد مخاطبة النبي‬
‫تعبير الحضرة‪ ،‬وهو من الكلمات العامية المصرية المتأخرة التي ظهرت في قرون‬
‫متأخرة عن القرن الثالث والتي تخالف أصل الوضع اللغوي لكلمة الحضرة(‪.)1‬‬
‫الثاني‪ :‬إ َّن الكاتب قصد استعمال مصطلح الحضرة النبوية‪ ،‬وهذا المصطلح‬
‫من المصطلحات المتأخرة التي ظهرت قبيل قرن أو قرنين والذي ينتمي إلى‬
‫المصطلحات الذوقية الصوفية المستحدثة قريبا‪ ،‬فنسبة حسن قاسم هذا الكالم‬
‫إلى رجل من القرن الثالث جهل وافتراء‪.‬‬
‫ويقول صاحب >أخبار الزينبات<‪> :‬بإشارة بعض المنتمين إلى جنابنا لقصد‬
‫له في ذلك<(‪.)2‬‬
‫وكلمة >جنابنا< من الكلمات المصرية المتأخرة التي تستخدم للتوقير في‬
‫الخطاب‪ ،‬ولعلها تسربت إلى لغة أهل مصر من لغة المماليك القديمة أو من لغة‬
‫ثم راجت بين النَّاس‪ ،‬ولم تكن تستعمل في القرن الثالث للتعظيم‬‫العثمانيين‪َّ ،‬‬
‫وإنما استعملت في معان أخرى(‪.)3‬‬
‫ويتأكد بُعد لغة >أخبار الزينبات< عن لغة القرن الثالث حين نرى تكرر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬يقول العرب‪> :‬حضرة الرجل‪ :‬قربه وفناؤه<‪ ،‬الصحاح وتاج اللغة (‪> ،)632/2‬وقولهم‪ :‬وكان‬
‫ذلك بحضرة فالن أي بحضوره<‪ ،‬المحكم والمحيط (‪ ،)121/3‬وأما الحضرة بمعنى السيادة فلم‬
‫أقف له على أصل في المعاجم اللغوية التي راجعتها‪ ،‬لكنها تستعمل بالمعنى السائد اليوم في‬
‫الفارسية والتركية‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخبار الزينبات (ص ‪.)12‬‬
‫وج َب ٌل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والناحي ُة‪َ ،‬‬ ‫والر ْح ُل‪،‬‬
‫ناء‪َّ ،‬‬ ‫الجنَ ُ ِ‬
‫اب‪ :‬الف ُ‬ ‫(‪ )3‬قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (‪َ > :)69/1‬‬
‫وعلَ ٌم<‪.‬‬
‫َ‬
‫‪112‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫أسلوب حذف اإلسناد عند كل رواية واستبداله بجملة‪> :‬وبحذف اإلسناد<‪ ،‬وقد‬
‫حذف مؤلف >أخبار الزينبات< اإلسناد في عدة مواضع من كتابه واستبدله‬
‫بعبارات مختلفة منها‪> :‬وبالسند<(‪> ،)1‬وباإلسناد<(‪ ،)2‬و>ح َّدثني جدي‬
‫بسنده<(‪> ،)3‬وباإلسناد المرفوع<(‪> ،)4‬وباإلسناد المذكور مرفوعا إلى‪،)5(<...‬‬
‫>روينا باإلسناد المرفوع<(‪> ،)6‬وبالسند المرفوع<(‪ ،)7‬وهذا المسلك إنما ظهر‬
‫بعد القرن الرابع بزمن‪ ،‬فمعلوم أن حذف السند واستعمال مصطلح المرفوع من‬
‫مسالك المتأخرين ال أهل القرن الثالث ــ إال في النادر ــ‪ ،‬فنسبتها إلى مؤلف من‬
‫جهل من مخترع كتاب >أخبار الزينبات<‪.‬‬ ‫القرن الثالث ٌ‬
‫* الدليل السادس‪ِ :‬ر َّك ُة األسلوب اللغوي لمؤلف >أخبار الزينبات<‬
‫يالحظ المطالع لكتاب >أخبار الزينبات< ركاكة ظاهرة في أسلوب الكاتب‬
‫وصناعته للروايات‪ ،‬يقول المؤلف في مقدمة الكتاب‪> :‬فهذه رسالة َجمعت في‬
‫طيها >أخبار الزينبات< من آل البيت والصحابيات الالتي ُعرفن‪ ،‬بإشارة بعض‬
‫ّ‬
‫المنتمين إلى جنابنا‪ ،‬لقصد له في ذلك<‪ ،‬فقوله‪> :‬والصحابيات الالتي ُعرفن<‬
‫فيه ركة ظاهرة‪ ،‬ألن اختيار الكاتب البناء على المجهول جعل الكالم غير تام‬
‫وغير متسق!‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)13‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)13‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)14‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)13‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪113‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫وهذا ما جعل حسن قاسم يدعي أ َّن الناسخ كتب باألصل المخطوط‪> :‬في‬
‫نسخة‪ :‬الالتي وقفنا على أخبارهن<‪.‬‬
‫وأما قول المؤلف‪> :‬لقص ٍد له في ذلك<!‪ ،‬فأقول‪ :‬هل هذا لسان أهل القرن‬
‫الثالث أم لسان كاتب جاهل بالعربية؟‪ ،‬فيكتب كالما غير تام أصال!‪.‬‬
‫وتظهر ركاكة األسلوب وسماجة لغة المؤلف حين زعم أ ّن زينب بنت عقيل‬
‫نتبوأ‬
‫عماه! قد صدقنا اهلل وعده‪ ،‬وأورثنا األرض ّ‬‫قالت لزينب الكبرى‪> :‬يا ابنة ّ‬
‫منها حيث نشاء<(‪.)1‬‬
‫عماه<‪ ،‬وتأمل معي اقتباس عبارة >قد صدقنا اهلل‬
‫دعك من جملة‪> :‬يا ابنة ّ‬
‫وعده< وما بعدها‪ ،‬فإ ّن هذا من األدلة على جهل المؤلف في اقتباسه من القرآن‪،‬‬
‫فهذا كالم المؤمنين عند دخولهم الجنة‪ ،‬قال تعالى {ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬
‫ﲨ ﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬
‫ﲶﲷﲸ ﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀ‬
‫ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ} [الزمر‪ ،]74 ،73 :‬وزينب بنت‬
‫عقيل منزهة عن أن تستعمل كالم أهل الجنة لتصف به حال أهل الدنيا‪.‬‬
‫وقد تكرر االقتباس في موضع آخر من >أخبار الزينبات<‪ ،‬فنسب مؤلف‬
‫>أخبار الزينبات< إلى زينب بعد ترحيلها إلى مصر أنها >بكت وبكى الحاضرون‬
‫وقالت‪{ :‬ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ}<(‪.!)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)17‬‬
‫(‪ )2‬أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬

‫‪114‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫وهذا االقتباس من الغرائب‪ ،‬إذ أنه كالم أصحاب النار في اآلخرة‪ ،‬يقول‬
‫تعالى‪{ :‬ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬

‫ﲼ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ} [يس‪ 51 :‬ــ ‪ ،]52‬فهل يصح من‬ ‫ﲽﲾ‬ ‫ﲻ‬


‫عاقل أن يأتي بكالم ورد في سياق الذم ألهل النار‪ ،‬ويأتي به على وجه المدح‬
‫لنفسه(‪)1‬؟‪.‬‬
‫ثم إ ّن المؤلف لم يرا ِع وجود أي مناسبة بين معنى اآلية وبين حال زينب‬
‫بعد ترحيلها إلى مصر‪ ،‬فاآلية تقرر ظهور وعد اهلل تعالى وظهور صدق المرسلين‪،‬‬
‫فما وجه ارتباط هذا بوضع زينب في مصر؟‬
‫كل هذه المالحظات تدل على أ ّن مؤلف الكتاب ال يحسن سبك كالم عربي‬
‫سليم‪ ،‬فضال عن أن يكون نسابة من القرن الثالث‪.‬‬
‫* الدليل السابع‪ :‬ظهور أغراض وأهواء حسن قاسم في مادة الكتاب‬
‫حين يراجع الباحث السياق التاريخي الذي ظهر فيه كتاب >أخبار‬
‫الزينبات<‪ ،‬يظهر له أ َّن هذا الكتاب قد انتصر ألغراض وأهواء حسن قاسم ضد‬
‫مخالفيه‪ ،‬فهو لم يكتف بإثبات وجود قبر زينب الكبرى بنت علي ‪ ‬في مصر‪،‬‬
‫بل قضى على كل االعتراضات التي تخالف هذا القول‪ ،‬فهذا الكتاب يثبت أ َّن‬
‫زينب الكبرى ماتت في مصر وأنها المدفونة بقناطر السباع ــ وهو الموضع الذي‬
‫يوجد فيها المشهد المشهور المنسوب إليها في القاهرة ــ‪ ،‬وأ َّن من قال‪ :‬إ َّن‬
‫المدفونة بقناطر السباع هي زينب بنت يحيى المتوج؛ مخطئ‪ ،‬ألنها أيضا مدفونة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وانظر نقد التستري لهذا النص في قاموس الرجال (‪.)43/11‬‬

‫‪115‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫في مصر‪ ،‬لكن في مقبرة أخرى غير قناطر السباع‪ ،‬بل أثبت وجود عدة أشخاص‬
‫من أهل البيت في مصر ممن لم ينص أحد من القرون األولى على دخولهم مصر‪،‬‬
‫كفاطمة بنت الحسين وأختها سكينة بنت الحسين!(‪.)1‬‬
‫وبذا يكون حسن قاسم قد خصم كل مخالفيه بالضربة القاضية ــ كما يقال‬
‫اليوم ــ‪ ،‬فقبل نشر كتاب >أخبار الزينبات< لم يكن هناك أي دليل للقائلين بدفن‬
‫زينب الكبرى في مصر‪ ،‬وحسن قاسم نفسه يعترف بهذا األمر فيقول‪> :‬لم أقصد‬
‫الحجة‬
‫النبوية إقامة ّ‬
‫تضمنت كثيرا من أخبار هذه البضعة ّ‬‫بوضعي هذه الرسالة الّتي ّ‬
‫وخاصة في هذا الموضع الّذي‬
‫ّ‬ ‫على َمن يستبعد وجود جثمانها الشريف في مصر‪،‬‬
‫تزار به اآلن؛ إذ التواريخ لم ترو لنا ذلك‪ ،‬ولم يرد فيها تفاصيل ثابتة تؤيد هذا‬
‫القول‪ ...‬لهذا كنت قد اعتزمت على أن ال أخوض هذا البحث حيطة من الوقوع‬
‫نص ثابت<(‪.)2‬‬ ‫فيما لم يرد به ّ‬
‫وهذا ما نص عليه المؤرخ والجغرافي المصري علي باشا مبارك حيث قال‬
‫في كتابه الخطط التوفيقية‪> :‬لم أر في كتب التواريخ أن السيدة زينب بنت علي‬
‫‪ ‬جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات<(‪.)3‬‬
‫وهذا ما قرره مفتي مصر في زمانه الشيخ محمد بخيت المطيعي في فتواه‬
‫المنشورة في >مجلة اإلسالم< حيث قال‪> :‬جثمان السيدة زينب بنت علي‬
‫وأخت الحسين وجثتها ال كالم وال شك في أنها لم تكن بمصر‪ ،‬ال في الحياة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬
‫(‪ )2‬أخبار الزينبات (ص ‪ 7‬ــ ‪.)8‬‬
‫(‪ )3‬الخطط التوفيقية (‪ ،)9/5‬وانظر مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)72‬‬

‫‪116‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫وال بعد الممات<(‪.)1‬‬


‫لكن الحال تغير فجأة وصار قبر زينب مقطوعا بوجوده في مصر بسبب‬
‫كتاب واحد‪ ،‬وهو >أخبار الزينبات< الذي يقول عنه ناشره حسن قاسم إ ّنه >الحجر‬
‫األول األساسي الّذي قضى على هذا الخالف القائم بين جمهرة المؤرخين من‬ ‫ّ‬
‫الحجة على من كان‬‫ّ‬ ‫قرو ٍن عديدة‪ ،‬فهذه الرسالة مع صغر حجمها هي نفسها‬
‫السيدة إلى مصر‪ ،‬ووفاتها بها‪ ،‬ودفن جثمانها الشريف في هذا‬ ‫يستبعد دخول ّ‬
‫الموضع<(‪.)2‬‬
‫ويقول أيضا‪> :‬اعلم أنه ال خالف في أن هذا المشهد الواقع جنوبي القاهرة‬
‫قد ضم جثمان هذه السيدة الطاهرة مما نقل عن أهل التاريخ من األخبار الصحيحة‬
‫الثابتة التي ال مجال للشك فيها<(‪.)3‬‬
‫ويقول محمد كاظم القزويني‪> :‬بعد اكتشاف وانتشار كتاب «أخبار‬
‫للعبيدلي ــ صار هذا القول(‪ )4‬أقوى االحتماالت الثالثة لمكان قبر‬
‫الزينبات< ــ ُ‬
‫بنية عليها هذا القول<(‪.)5‬‬ ‫لقوة األُ ُسس َ‬
‫الم ّ‬ ‫السيدة زينب الكبرى‪ّ ،‬‬
‫فكيف تحول األمر من قضية ال نص فيها إلى قضية مقطوع بها وال مجال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مجلة اإلسالم السنة األولى عدد ‪ 5‬شعبان ‪ 1351‬هـ‪ ،‬ونشر أيضا بمجلة الفتح العدد ‪10 ،322‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫شعبان ‪ 1351‬هـ‪( ،‬ص ‪ ،)340‬وانظر‪ :‬محمد بخيت المطيعي شيخ اإلسالم والمفتي العالمي‬
‫(ص ‪ 82‬ــ ‪.)83‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)10‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)61‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أي القول بدفن زينب في مصر‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)610‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪117‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫للشك فيها؟‬
‫السبب هو أن حسن قاسم لما رأى كالم المفتي محمد بخيت المطيعي‬
‫وعلي باشا مبارك الذي قررا فيه أ ّن المؤرخين لم يذكروا دخول زينب الكبرى‬
‫إلى مصر وأن القبر الموجود في مصر هو لزينب بنت يحيى بن زيد بن علي زين‬
‫العابدين‪ ،‬قام باختالق رسالة >أخبار الزينبات<‪ ،‬يدلك على هذا قول حسن قاسم‬
‫في الرد على المطيعي قبل نشره >أخبار الزينبات<‪> :‬الذي قضى على هذا‬
‫الخالف الواقع فيه جمهرة المؤرخين من قرون عديدة رسالة استنسختها من حلب‬
‫بواسطة أحد أصدقائي «للعبيدلي<<(‪ ،)1‬إلى أن يقول‪> :‬وصفوة القول‪ :‬إ ّني لما‬
‫عثرت على هذه الرسالة المذكورة(‪ )2‬التي تعد الحجر األساسي الذي قضى لنا‬
‫المتعنِّتين من معاصرينا‪ ،‬أدرجتها في ضمن‬‫على هذا الخالف‪ ،‬والذي كمم أفواه ُ‬
‫رسالة أشتغل بوضعها اآلن‪ ،‬أثبت فيها من مرويات موثقة‪ ،‬بصحة دخول هذه‬
‫السيدة الكريمة إلى مصر‪ ،‬وموتها بها‪ ،‬ودفنها بهذا المكان‪ ،‬وسأطبعها قريبا ــ إن‬
‫شاء اهلل تعالى ــ بعد تمام وضعي لها‪ ...،‬وعسى أن أكون قد وفقت إلى حل‬
‫مشكلة وقع فيها كثير من المؤرخين بشأن مدفن السيدة (زينب) ‪.)3(<‬‬
‫ولذلك قال سليمان الوكيل ــ وهو أحد أصحاب حسن قاسم ــ عن كتاب‬
‫>أخبار الزينبات<‪> :‬وهذا الكتاب حين أظهره وأخرجه للناس‪ ،‬أثلج صدورا وأقر‬
‫عيونا كانت تطمح لمثله<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مقالة نشرت في مجلة اإلسالم العدد الثاني بتاريخ ‪ 1932/12/17‬م‪ ،‬ونقلها محمد زكي إبراهيم‬ ‫(‪)1‬‬
‫في مراقد أهل البيت في القاهرة (ص ‪.)74‬‬
‫يعني رسالة أخبار الزينبات للعبيدلي‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مراقد أهل البيت في القاهرة (ص ‪.)76‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫قال ذلك في تقديمه لكتاب ذكرى مصرع الحسين لحسن قاسم‪( ،‬ص‪ :‬هـ)‪ ،‬والكتاب طبع=‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪118‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫ويكفيك أيها القارئ دليال على أ َّن هذه الرسالة إنما وضعت لغرض واحد‪،‬‬
‫أن تعلم أن أطول ترجمة في كتاب >أخبار الزينبات< هي ترجمة زينب الكبرى‬
‫بنت علي ‪ ،‬مع أن الكتاب ضم تراجم من هن أشهر منها مثل زينب بنت‬
‫‪ ،‬وزينب بنت النبي‬ ‫جحش ‪ ‬وزينب بنت خزيمة ‪ ‬زوجتي النبي‬
‫‪ ،‬وسيرهن حافلة باألخبار‪ ،‬إال أن تراجمهن في كتاب >أخبار الزينبات<‬
‫أقصر من ترجمة زينب بكثير‪.‬‬
‫كما أ َّن ترجمة زينب بنت علي ‪ ‬ضمت تفاصيل كثيرة جدا خلت منها‬
‫سائر تراجم الزينبات المذكورات في الكتاب مما يدل على أن مؤلفه ليس له‬
‫غرض إال الكالم عن زينب الكبرى‪ ،‬وأما البقية فإنما ذكرن عرضا‪.‬‬
‫والمقصود أن تعلم أيها القارئ أن هذه الرسالة المفصلة على هوى حسن‬
‫قاسم إنما ألّفها للرد على المفتي محمد بخيت المطيعي وسائر من أنكر من‬
‫العلماء والمحققين دخول زينب ‪ ‬إلى مصر ووفاتها بها‪.‬‬
‫والخالصة أ ّن هذا الكتاب لم يتوفر فيه أي دليل من أدلة صحة نسبة الكتب‬
‫إلى أصحابها‪ ،‬وأن مضمونه ال يمت بأي صلة إلى العقيقي‪ ،‬وهذا كاف في إبطال‬
‫نسبة الكتاب إلى العقيقي‪.‬‬
‫وأما سائر األدلة التي اختلقها حسن قاسم فهي ليست إال أكاذيب وافتراءات‬
‫على العلم وأهله‪ ،‬وهو ما سنزيده بيانا في المباحث اآلتية‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بالقاهرة سنة ‪ 1933‬م‪.‬‬ ‫=‬

‫‪119‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫ب ــــ نقد بعض الباحثين المعاصرين لكتاب >أخبار الزينبات<‬


‫انتقد جماعة من النقاد والباحثين من مختلف العقائد والمشارب نِسبة كتاب‬
‫>أخبار الزينبات< للعقيقي العبيدلي‪ ،‬وكلماتهم وإن اختلفت في الحكم على‬
‫الكتاب بين من حكم بوضعه واختالقه‪ ،‬وبين من اكتفى باالرتياب في أمره‪ ،‬إال‬
‫أنها متفقة على عدم اعتباره مصدرا موثوقا للتاريخ‪ ،‬وإن كان السبب األساسي‬
‫لتشكيك بعضهم في هذا الكتاب هو تعيينه لقبر زينب في مصر‪ ،‬أما بقية األخبار‬
‫الموضوعة والشخصيات المختلقة فلم تكن دافعا لهم لنقد الكتاب والتردد فيه‪.‬‬
‫وأول من وقفت عليه ينتقد كتاب >أخبار الزينبات< هو محمد تقي التستري‬ ‫ّ‬
‫(‪1415‬هـ) وهو من أشهر علماء اإلمامية المعاصرين في علم الرجال‪ ،‬وقد حكم‬
‫ومختلقا‪ ،‬فقال في >قاموس الرجال< تحت ترجمة يحيى‬ ‫بكون الكتاب موضوعا ُ‬
‫وج ِّد َد‬
‫وأما كتاب >أخبار الزينبات< الذي طبع في مصر مرتين‪ُ ،‬‬
‫ابن الحسن‪ّ > :‬‬
‫أخبار‬
‫ٌ‬ ‫طبعه في قُم ناسبا الكتاب إلى يحيى هذا ــ فمن وضع المعاندين‪ ،‬وفيه‬
‫مختلطة<(‪.)1‬‬
‫وانصب ُج ُّل نقد التستري على رد الروايات المتعلقة بزينب بنت علي ‪‬‬
‫فقط‪ ،‬وقد أشرنا إلى بعضها فيما مضى‪.‬‬
‫كما انتقد محمد حسنين السابقي ــ من اإلمامية ــ في كتابه >مرقد العقيلة‬
‫زينب< حسن قاسم وكتاب >أخبار الزينبات< في عدة مواضع‪ ،‬واتهمه بالكذب‬
‫واالفتراء‪ ،‬فقال عنه‪> :‬ال نطمئن إلى صحة النسخة من >أخبار الزينبات< التي‬
‫طبعها حسن قاسم‪ ،‬ونعرف الرجل بجرأته السيئة في التحريف والتدجيل<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قاموس الرجال (‪.)38/11‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)95‬‬

‫‪120‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫وقد شكك في أمر الكتاب فذكر أ َّن من ترجم للعقيقي من أصحاب الفهارس‬
‫أي‬
‫القدامى لم يذكروا ضمن مصنفاته >أخبار الزينبات<‪ ،‬كما أنهم لم ينقلوا عنه ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ثم طعن في أسانيد الروايات‬ ‫نص مما تفرد به كتاب >أخبار الزينبات< ‪ّ ،‬‬
‫المتعلقة بزينب(‪ ،)2‬ور ّد ما جاء في متونها(‪.)3‬‬
‫النسابة يحيى العقيقي فقال عنه‪> :‬إننا نسيء به الظن‪ ،‬إذ‬
‫تجرأ فطعن في ّ‬
‫ثم ّ‬‫َّ‬
‫هو يروي كثيرا عن الكذّ اب الوضاع المنحرف عن أهل البيت الزبير بن بكار‬
‫وعمه مصعب بن عبد اهلل المطعون المعروف بسوء عقيدته<(‪.)4‬‬‫المتوفى ‪256‬هـ‪ّ ،‬‬
‫فخالف بهذا اتفاق العلماء والنسابين على توثيق يحيى العقيقي واالعتماد‬
‫عليه في علم النسب‪.‬‬
‫وأما كالمه عن الزبير بن بكار وعمه مصعب بن عبد اهلل فمحض افتراء‪،‬‬ ‫ّ‬
‫النسابة الكبير الزبير بن‬
‫فصل ُت الرد عليه وعلى من سبقه من الطاعنين في َّ‬
‫وقد َّ‬
‫بكار في كتابي >نسبا وصهرا<‪ ،‬فراجعه إن شئت(‪.)5‬‬
‫والمتحصل من هذا أ َّن السابقي بالرغم من ارتيابه في كتاب >أخبار‬
‫الزينبات< وطعنه في العقيقي وحسن قاسم إال أنَّه لم يكتشف كون الكتاب‬
‫مزورا(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 95‬ــ ‪.)96‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)101‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 104‬ــ ‪.)120‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)92‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫نسبا وصهرا (ص ‪ 216‬ــ ‪.)229‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫وقد تابعه حسن الصفار في موقفه من كتاب >أخبار الزينبات< في كتابه المرأة العظيمة (ص ‪.)255‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪121‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫وقد تبعه جعفر مرتضى العاملي (‪ 1441‬هـ)‪ ،‬فقال‪> :‬إ ّن ثمة شكوكا قوية‬
‫في نسبة كتاب >الزينبات< إلى يحيى بن الحسن العبيدلي النسابة المتوفى سنة‬
‫‪ 277‬هـ‪ ،‬بل مؤلفه متأخر عن هذا التاريخ بعشرات السنين‪ ..‬فراجع ما ذكره‬
‫العالمة الشيخ محمد حسنين السابقي في كتاب >مرقد العقيلة زينب<<(‪.)1‬‬
‫ولم يقل السابقي قط إن مؤلف >أخبار الزينبات< متأخر عن القرن الثالث‪،‬‬
‫وإنما أساء جعفر مرتضى العاملي فهم كالمه‪ ،‬حيث إ َّن السابقي تكلَّم عن كتاب‬
‫آخر نسبه حسن قاسم ليحيى بن الحسن العقيقي‪ ،‬وهو كتاب >الرد على أولي‬
‫الرفض والمكر فيمن تك ّنى بأبي بكر<‪ ،‬فقرر السابقي أ َّن هذا الكتاب هو البن‬
‫الجواني العبيدلي(‪ ،)2‬فتوهم جعفر مرتضى أ ّن الكالم عن كتاب >أخبار‬‫أسعد ّ‬
‫الزينبات<‪.‬‬
‫وممن شك أيضا في أمر الكتاب‪ ،‬الدكتور لبيب بيضون ــ من اإلمامية ــ‪،‬‬
‫حيث قال عنه‪> :‬إذا تركنا شكّنا في نسبة هذا الكتاب للعبيدلي‪ ،‬وتجاوزنا عن‬
‫عدم وثوقنا بالعبيدلي لتعصبه‪ ،‬فإننا نرفض ما جاء في كتابه<(‪.)3‬‬
‫ثم كتب الباحث سيد حسن الفاطمي مقالة بالفارسية عنوانها‪> :‬بررسي‬ ‫ّ‬
‫اعتبار کتاب أخبار الزينبات<‪ ،‬ومعناه مراجعة اعتبار كتاب أخبار الزينبات(‪،)4‬‬
‫نشرت بمجلة الكتب اإلسالمية الفارسية وهي دراسة مفصلة عن كتاب >أخبار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب ورقية في الشام (ص ‪.)59‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 94‬ــ ‪.)95‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫موسوعة كربالء (‪.)646/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫استعنت بأخي عبيد اهلل المظفر الباحث في مركز البحوث والدراسات بالمبرة لترجمة مضمون‬ ‫(‪)4‬‬
‫المقالة‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫الزينبات<‪ ،‬قام فيها بعرض تسعة أدلة على بطالن نسبة الكتاب إلى العقيقي‬
‫العبيدلي‪ ،‬ومنها‪ :‬عدم ذكر العلماء الذين ترجموا للعقيقي لهذا الكتاب ضمن‬
‫مصنفاته‪ ،‬وعدم وجود ذكر لمشايخ العقيقي في >أخبار الزينبات< في المصادر‬
‫األخرى‪ ،‬وعدم وجود بعض رواة وشخصيات كتاب >أخبار الزينبات< في‬
‫مصادر أخرى‪ ،‬وتشابه نصوص >أخبار الزينبات< مع طبقات ابن سعد‪ ،‬وانتهى‬
‫في بحثه إلى أن كتاب >أخبار الزينبات< كتاب مزور قائال‪> :‬وفقا لما مر‪ ،‬يظهر‬
‫أنه ال يمكن الثقة في صحة نسبة الكتاب إلى العبيدلي<(‪ ،)1‬إال أ ّنه نفى عن حسن‬
‫قاسم تهمة تزوير الكتاب‪ ،‬واحتمل أن يكون شخص آخر هو الذي اختلقه‪ ،‬وأوعز‬
‫إلى حسن قاسم بنشره‪.‬‬
‫تنبه من أهل مصر إلى أمر كتاب >أخبار الزينبات< ــ بحسب‬
‫ثم إ ّن أول من َّ‬
‫ّ‬
‫ما وقفت عليه ــ هو الدكتور فتحي حافظ الحديدي وهو باحث معاصر له عناية‬
‫بتاريخ العمارة في القاهرة‪ ،‬فقد نشر في جريدة األهرام المصرية مقاال بعنوان‪:‬‬
‫>الحقيقة عن ضريح السيدة زينب ‪ ،<‬فقرر فيه أ َّن >أخبار الزينبات< و>رحلة‬
‫الكوهيني< مز َّوران‪ ،‬فقال‪> :‬بعد ذلك ابتدئ في تأليف مرويات حديثة لتتفق مع‬
‫الوضع الجديد بغرض تدعيمه‪ ،‬وأرجعوا هذه المرويات إلى عصور قديمة‪.‬‬
‫وقد قام بهذا الدور حسن قاسم في كتيب ألَّفه بعنوان >السيدة زينب وأخبار‬
‫الزينبات< وطبعه في ثالث طبعات في سنوات ‪ 1929‬و‪ 1933‬و‪ )2(1934‬القت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بررسی اعتبار کتاب أخبار الزينبات‪ ،‬مجلة كتابهاي إسالمي‪ ،‬العدد ‪ 21‬سنة ‪ 1426‬هـ‪،‬‬
‫(ص ‪.)73‬‬
‫(‪ )2‬مضى التنبيه على أن هذا التاريخ خطأ وأن الصواب أن الرسالة طبعت أول مرة سنة ‪ 1933‬م‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫رواجا آنذاك‪ ،‬وال تزال أصداؤه موجودة حتى اليوم‪ ،‬ا ّدعى فيه وجود مخطوطين‬
‫ينتميان إلى القرون الهجرية األولى فيهما شرح لرحلة السيدة زينب إلى هذه‬
‫المنطقة‪ ،‬بينما هما في حقيقة األمر مختلقان وال وجود لهما في الماضي وفي‬
‫الحاضر‪ ،‬وهما‪> :‬أخبار الزينبات< للعبيدلي‪ ،‬و>رحلة الكوهيني<< إلى أن‬
‫تاريخي بغرض إضفاء توثيق‬
‫ٌ‬ ‫تزوير‬
‫ٌ‬ ‫يقول‪> :‬إ ّني أرى أ َّن ما نشره حسن قاسم هو‬
‫تاريخي لهذا الموضوع بطريقة يصعب تعقبها والتحقق منها‪ ،‬باإلضافة إلى أ ّنه لم‬
‫يتبع عند التعامل مع هذين المخطوطين المزعومين ما يتبعه محققو المخطوطات‬
‫من قواعد وأسس متعارف عليها<‪ ،‬وقد أعاد نشر هذه المقالة مع زيادات وتوسع‬
‫في كتابه >دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة<(‪.)1‬‬
‫مزور‪،‬‬
‫تنبه إلى أ ّن كتاب رحلة الكوهيني ّ‬
‫وقد أجاد فيما ذكره إذ إنَّه أول من َّ‬
‫خطية للكتاب في الماضي وال الحاضر‪.‬‬ ‫وأ ّنه ال وجود لنسخة ّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جريدة األهرام المصرية العدد ‪ 43864‬بتاريخ ‪ 21‬ذي الحجة ‪ 1427‬هـ الموافق لـ‪ 10‬يناير‬
‫‪2007‬م‪ ،‬وانظر‪ :‬دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة لفتحي حافظ حديدي (ص ‪197‬‬
‫ــ ‪.)198‬‬

‫‪124‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫ج ــ تفكيك خطة حسن قاسم في صناعة كتاب >أخبار الزينبات< وإثبات‬


‫نسبته للعقيقي‬
‫النسابة العقيقي من هذا الكتاب‪ ،‬كان ال بد من كشف‬ ‫بعد أن تبينت براءة َّ‬
‫وتفكيك خطة حسن قاسم في صناعته لهذا الكتاب‪ ،‬فقد سلك حسن قاسم‬
‫منهجية غاية في الدهاء في نسج كتاب >أخبار الزينبات< وأدلة وجوده‪ ،‬أراد منها‬
‫إيهام القارئ بأ ّن وجود كتاب >أخبار الزينبات< من القضايا المسلمة التي قامت‬
‫عليها أدلة محققة‪ ،‬وأ َّن التنصيص على وجود قبرها بمصر ُذ ِك َر في العديد من‬
‫الكتب‪ ،‬ولم يتفرد به كتاب >أخبار الزينبات<‪.‬‬
‫وكي ينهي الخالف والمنازعة حول القبر المنسوب لزينب بالشام‪ ،‬اخترع‬
‫لعلي ‪ ‬من فاطمة ‪ ‬هي‬ ‫نصوصا تثبت أ َّن المدفونة بالشام هي بنت ثالثة ّ‬
‫زينب الوسطى!‬
‫فعمد حسن قاسم إلى نقل نصوص من كتب وعصور مختلفة تذكر ترجمة‬
‫النسابة العقيقي وتنسب له كتاب >أخبار الزينبات<‪ ،‬وعمد إلى العزو إلى كتب‬
‫يصعب الوقوف عليها في ذاك الوقت وجملة منها ال زالت وقتها مخطوطة‪ ،‬فضال‬
‫عن أنه لم يلتزم باإلحالة على موضع النص من المصدر الذي يعزو إليه مما جعل‬
‫عصية جدا‪ ،‬ولكي يُ ّلبس على من ال خبرة له بكتب التراث‪ ،‬عمد‬‫مراجعة نقوالته ّ‬
‫إلى سبك أغلب نصوص الكتاب بسرقتها من مصادر قديمة‪ ،‬حتى يَ ُروج أمر‬
‫الكتاب ويخ َفى موطن الخلل فيه‪ ،‬مما جعل اكتشاف أكاذيبه واختالقه أمرا عسيرا‬
‫لم يتمكن منه إال قلة قليلة من النقاد‪.‬‬
‫وهو ما سنبينه ونفصله بتتبع المسالك التي سلكها حسن قاسم في نسج قصة‬
‫هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫* المسلك األول‪ :‬اختالق النصوص وعزوها إلى المصادر التاريخية‬


‫نسب حسن قاسم نصوصا عدة إلى مصادر مطبوعة وبعد مراجعة هذه‬
‫المصادر لم نقف فيها على أث ٍر ُ‬
‫لم َّدعى حسن قاسم‪ ،‬ومن هذه المصادر‪:‬‬
‫حر األنساب<‬ ‫‪ 1‬ــ >الث ْب ُت المصان ب ِذكر ساللة ّ‬
‫سيد ولد عدنان< أو >ب ُ‬
‫المنسوب البن األعرج الحسيني(‪.)1‬‬
‫فقد ا ّدعى حسن قاسم أ َّن في كتاب >الث ْبت المصان< ذكرا لكتاب >أخبار‬
‫الزينبات< ضمن مؤلفات يحيى بن الحسن العقيقي(‪.)2‬‬
‫تبين أن ال أثر لذكر كتاب >أخبار الزينبات<‬
‫وبعد مراجعة >الث ْبت المصان< َّ‬
‫عرف ُمؤل ِّفه بالعقيقي وذكر أ ّنه أول من جمع كتابا في نسب آل أبي‬ ‫فيه‪ ،‬وإنما َّ‬
‫طالب‪ ،‬ولم يذكر له كتابا غير هذا(‪.)3‬‬
‫‪ 2‬ــ >االستيعاب< للحافظ ابن عبد البر (‪463‬هـ) و>طلعة المشتري في النسب‬
‫الجعفري< للمؤرخ أحمد بن خالد الناصري (‪1315‬هـ)‪ ،‬نسب إليهما حسن قاسم‬
‫أي من الكتابين!‪.‬‬
‫كر لزينب الوسطى في ٍّ‬ ‫أنهما ترجما لزينب الوسطى(‪ ،)4‬وال ِ‬
‫ذ‬
‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وهذا الكتاب كتاب مزور وملفق كما بين ذلك الدكتور عبد الرحمن بن سليمان الشايع في جناية‬ ‫(‪)1‬‬
‫الصيادي على التاريخ (ص ‪ 58‬ــ ‪ ،)59‬وبعد دراسة سريعة تبين لي أن جل مادة الكتاب مسروقة‬
‫من كتاب عمدة الطالب البن عنبة‪ ،‬وقد قام أبو سعيدة الموسوي بإعادة تحقيق الكتاب وطبعه‪،‬‬
‫وقد أشار في كتابه إلى كثرة نقل صاحب الثبت المصان عن ابن عنبة (‪ )17/1‬إال أنه لم يتنبه إلى‬
‫أن الكتاب مختلق ومزور‪ ،‬واحتمل أن يكون أحد النساخ هو من عبث بأصل الكتاب‪ ،‬والحقيقة‬
‫أن من اخترع هذا الكتاب هو أبو هدى الصيادي كما بين الدكتور الشايع‪.‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)25‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الثبت المصان (‪ ،)310/1‬وقارن بعمدة الطالب (ص ‪.)321‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)63‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪126‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫والذي صنعه حسن قاسم أنه اختلق اسما جديدا ألم كلثوم الكبرى ‪‬‬
‫فسماها زينب الوسطى ــ مع أ ّن المقطوع به أ ّن‬
‫زوجة عمر بن الخطاب ‪ّ ،‬‬
‫ثم نسب إلى ابن عبد البر والناصري أنهما ترجما لزينب‬ ‫اسمها أم كلثوم ــ َّ‬
‫الوسطى‪ ،‬وإ ّنما ترجما ألم كلثوم الكبرى(‪.)1‬‬
‫‪ 3‬ــ >اإلشارات إلى معرفة الزيارات< للهروي (‪611‬هـ)‪ ،‬و>األعالق‬
‫الخطيرة< البن شداد (‪684‬هـ)‬
‫نسب إليهما أنهما ذكرا أ َّن المدفونة بالشام هي زينب أم كلثوم زوجة عمر‬
‫ابن الخطاب ‪ ،)2(‬وهو افتراء عليهما‪ ،‬فإنما ذكرا أ ّن المدفونة براوية أم كلثوم‪،‬‬
‫ولم يقوال إ ّنها زينب وال إ ّنها زوجة عمر ‪.)3(‬‬
‫‪ 4‬ــ >المق ّفى الكبير< و>الخطط< للمقريزي (‪845‬هـ)‬
‫زعم حسن قاسم في الطبعة األولى من كتاب >أخبار الزينبات< أ ّن‬
‫المقريزي ترجم َع َرضا للر َّحالة أبي عبد اهلل محمد الكوهيني في >المقَّفى<‪ ،‬وأ ّنه‬
‫قال عنه في >الخطط<‪> :‬كان فقيها أديبا‪ ،‬تروى عنه أخبار كثيرة‪ ،‬رحل إلى‬
‫المشرق<(‪ ،)4‬وقال في كتابه >المزارات اإلسالمية<‪> :‬لهذا الرحالة ترجمة قصيرة‬
‫في خطط المقريزي<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫االستيعاب (‪ ،)1954/4‬وطلعة المشتري في النسب الجعفري (‪ 24/1‬ــ ‪.)26‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)65‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص‪ ،)21‬األعالق الخطيرة القسم الخاص بتاريخ مدينة دمشق‬ ‫(‪)3‬‬
‫بتحقيق سامي الدهان (ص‪ 182‬ــ ‪ ،)183‬وللفائدة فقد ذكر حسن قاسم أيضا كتاب الروضة البهية‬
‫للصيادي‪ ،‬وسيأتي الكالم عن هذا الكتاب في محله‪.‬‬
‫أخبار الزينبات الطبعة األولى (ص ‪.)77‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫المزارات اإلسالمية (‪.)123/7‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪127‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫وهذا افتراء على المقريزي‪ ،‬فال وجود لهذه الترجمة ال في >المقفى< وال‬
‫في >الخطط<‪ ،‬وقد قام حسن قاسم بحذف هذه الترجمة في الطبعة الثانية لكتابه‬
‫>أخبار الزينبات< َوفَ َات ُه تعديل النص في كتابه >المزارات<‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ >المنار في التعريف بصلحاء بني أمغار< البن عبد العظيم األزموري‬
‫نسب إليه حسن قاسم في الطبعة األولى من >أخبار الزينبات< أ ّنه ترجم‬
‫ألبي يعقوب األزموري األمغاري‪ ،‬وقال عنه‪> :‬استقر سلفه برباط تيطنفطر قرية‬
‫بساحل بلد آزمور‪ ،‬تعرف اآلن بتيط‪ ،‬وقفت له على مؤلفات منها‪ :‬كتاب‬
‫>الكرديوس في أخبار األندلوس(‪ ،<)1‬وكتاب >األقنوم<‪ ،‬و>الفهرست<‪...،‬‬
‫توفي بأزمور ودفن برباط أسالفه<(‪.)2‬‬
‫والذي يبدو لي أن حسن قاسم اقتبس عنوان الكتاب من كتاب >االستقصاء<‬
‫للناصري(‪ ،)3‬فقد نقل الناصري عن كتاب في مناقب بني أمغار ولم يذكر اسمه‬
‫ونسبه إلى ابن عبد العظيم اآلزموري(‪ ،)4‬ويظهر أن العنوان األدق لهذا الكتاب‬
‫هو‪> :‬األخبار في كرامات الشرفاء بني أمغار<‪ ،‬فقد ذكره بعض الباحثين في‬
‫مؤلفات ابن عبد العظيم اآلزموري(‪ ،)5‬وأستبع ُد أن يكون حسن قاسم قد وقف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كذا بالواو!‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخبار الزينبات الطبعة األولى (ص ‪.)90‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أشـار حسـن قاسـم في أخبار الزينبات (ص ‪ )61‬حينما سـرد ثبت مصـادره إلى كتاب االسـتقصـاء‬ ‫(‪)3‬‬
‫للناصري‪.‬‬
‫االستقصاء في أخبار المغرب األقصى (‪.)25/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مقالة‪ :‬بهجة الناظرين‪ ،‬البن عبد العظيم األزموري للدكتور محمد بنشريفة‪ ،‬منشورة بمجلة دعوة‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الحق التي تنشرها وزارة األوقاف المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،262‬السنة الثامنة والعشرون‪ 1407 ،‬هـ‪،‬‬
‫(ص ‪.)9‬‬

‫‪128‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫على الكتاب ألن نسخته الوحيدة موجودة بالمغرب(‪ ،)1‬وإنما رآى خبر الكتاب‬
‫في >االستقصاء< للناصري كما مضى فنسب إليه نصوصا مختلقة كي يثبت أن أبا‬
‫يعقوب اآلزموري وكتاب >أقنوم اآلثار< ذكرا في تراجم اآلزموريين‪.‬‬
‫ثم إ َّن الترجمة التي حكاها حسن قاسم تلوح عليها أمارات الصنعة واالختالق‪:‬‬
‫َّ‬
‫فمنها‪ :‬تجنبه لذكر اسم أبي يعقوب األزموري‪ ،‬وذلك حتى ال يفتضح أمره‪،‬‬
‫أل ّن شخصية أبي يعقوب األزموري صاحب >أقنوم اآلثار< من عمل حسن قاسم‬
‫كما سيأتي‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬زعمه أن أبا يعقوب صنَّف كتاب >الكرديوس في أخبار األندلوس<‪.‬‬
‫وهذا من تخليطه‪ ،‬فالكتاب ال وجود له‪ ،‬والذي يظهر لي أ ّن حسن قاسم‬
‫اقتبس هذا االسم من ابن الكردبوس األندلسي(‪ ،)2‬ولفَّق هذا الكتاب ألبي‬
‫ثم إنَّه حذف هذه الترجمة من طبعته الثانية‪.‬‬
‫يعقوب األزموري‪َّ ،‬‬

‫* المسلك الثاني‪ :‬اختالق مصادر تاريخية وهمية ال وجود لها‬


‫إضافة إلى اختالق نصوص ال وجود لها وعزوها إلى مصادر مطبوعة‪ ،‬قام‬
‫حسن قاسم باختالق مصادر تاريخية ال وجود لها!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذكر عمر عمرو في كشاف الكتب المخطوطة بالخزانة الحسنية (ص‪ )365‬كتاب >األخبار في‬
‫كرامات الشرفاء بني أمغار< ألبي عبد اهلل محمد بن عبد العظيم األزموري‪ ،‬تحت رقم (‪،)1622‬‬
‫الكشاف طبع حديثا سنة ‪ 2007‬م‪ ،‬وذكرت الدكتورة آسيا العبيدي في كتابها >آل البيت‬ ‫وهذا َّ‬
‫العلوي في المغرب وأثرهم في الحياة العامة< (ص‪ )511‬وجود نسخة لكتاب >األخبار في كرامات‬
‫الشرفاء بني أمغار< في المكتبة الوطنية بالرباط تحت رقم (‪.)4069‬‬
‫(‪ )2‬صاحب كتاب االكتفاء في أخبار الخلفاء والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫ومن هذه المصادر‪:‬‬


‫‪ 1‬ــ >رحلة الكوهيني< ألبي عبد الل محمد الكوهيني الفاسي األندلسي‬
‫الذي يزعم حسن قاسم أنه مات سنة ‪ 418‬هـ(‪ ،)1‬وأنه ألّف رحلته في أواخر‬
‫القرن الرابع للهجرة‪ ،‬وذكر فيها أنه دخل القاهرة سنة ‪ 369‬هـ ورأى مشهد زينب‬
‫بنت علي ووصف عمارته(‪ ،)2‬وأراد حسن قاسم بذلك أن يثبت أن قبر زينب‬
‫موجود في مصر منذ القرن الرابع وأ َّن مؤرخا مغربيا أندلسيا ذكره في رحلته‪ ،‬وأ ّن‬
‫يتفرد بتعيين قبر زينب في مصر‪.‬‬ ‫صاحب >أخبار الزينبات< لم َّ‬
‫كر للكتاب‬ ‫ِ‬
‫وهذه الرحلة ومؤلفها من بنات أفكار حسن قاسم‪ ،‬فال ذ َ‬
‫أي مصدر قبل حسن قاسم‪ ،‬وإنما اقتبس حسن قاسم ــ كعادته ــ‬ ‫وللمؤلف في ّ‬
‫اسم المؤلف من أحد كتب المغاربة‪.‬‬
‫فقد نقل الكتاني في فهرس الفهارس من رحلة الكوهن(‪ ،)3‬وهي لعبد القادر‬
‫الكوهن الفاسي المتوفى سنة ‪1254‬هـ‪ ،‬وعنوان رحلة عبد القادر الكوهن هو‬
‫>الرحلة إلى الحجاز<(‪.)4‬‬
‫فالظاهر أ َّن حسن قاسم لما وقف على رحلة الكوهن المتأخر‪ ،‬اخترع رحلة‬
‫شبيهة بها‪ ،‬لكنه جعل مؤلفها من أهل القرن الرابع!‪ ،‬ولم يكت ِ‬
‫ف بذلك‪ ،‬بل اختلق‬
‫ترجمة للكوهيني ونسبها للمقريزي وابن عرضون‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات الطبعة األولى (ص ‪.)77‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)77‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫فهرس الفهارس (ص ‪.)752‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫األعالم للزركلي (‪.)74/3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪130‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫والغريب أ ّن حسن قاسم كان يسمي مؤلف الرحلة المختلقة في أول أمره‪:‬‬
‫>محمد الكوهن الفاسي<‪ ،‬وذلك في رده على مفتي الديار المصرية الشيخ محمد‬
‫بخيت المطيعي وقبل أن ينشر كتابه >أخبار الزينبات<(‪ ،)1‬كما أنه سماه في كتابه‬
‫>المزارات اإلسالمية<‪> :‬الرحالة أبو عبد اهلل محمد الكوهن الفاسي المالكي<(‪.)2‬‬
‫ووجه الغرابة أن حسن قاسم كان يسمي أباه >محمد الكوهن الفاسي< قبل‬
‫أن ينشر كتاب أخبار الزينبات‪ ،‬واعتاد أن يستعمل هذه النسبة في كتبه السابقة‪،‬‬
‫بل إن حسن قاسم كان يسمي نفسه >الحسن بن الحاج محمد الكوهن الفاسي<‬
‫كما جاء على غالف كتابه >طبقات الشاذلية الكبرى< المطبوع سنة ‪ 1347‬هـ‪،‬‬
‫للسادة الشاذلية< المطبوع‬ ‫وغالف كتابه >تحفة الصفا في مولد المصطفى‬
‫سنة ‪ 1349‬هـ‪ ،‬وقد صرح حسن قاسم باسمه كامال في كتابه >إعالم السائلين‬
‫المطبوع سنة ‪ 1350‬هـ‪ ،‬حيث‬ ‫عمن أقبر بمصر من صحابة سيد المرسلين<‬
‫كتب على غالفه >حسن محمد بن قاسم الكوهن<(‪.)3‬‬
‫ثم إن حسن قاسم على ما يبدو خشي أن يُكتشف أمر اختالقه لشخصية‬
‫الرحالة الكوهن‪ ،‬إذ أن اسم >محمد الكوهن الفاسي< هو نفس اسم والده الذي‬
‫فغير اسم الرحالة المزعوم وب َّدله إلى >الكوهيني<!‪.‬‬
‫يستعمله في كتبه‪َّ ،‬‬
‫ثم إن حسن قاسم ترك استعمال لقب الكوهن عند كتابة اسمه في كتبه‬
‫الالحقة‪ ،‬فبدءا من كتاب >أخبار الزينبات< المطبوع أول مرة سنة ‪ 1351‬هـ صار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر مقالة حسن قاسم في كتاب مراقد أهل البيت في القاهرة لمحمد زكي (ص ‪.)71‬‬
‫(‪ )2‬المزارات اإلسالمية واآلثار العربية (‪.)122/7‬‬
‫(‪ )3‬كتاب إعالم السائلين طبعة القاهرة سنة ‪ 1350‬هـ‪ ،‬وقد طبع كتاب إعالم السائلين مؤخرا طبعة‬
‫جديدة و ُكتب على غالفه‪ :‬للمؤرخ األثري النسابة حسن قاسم الكوهن‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫يكتب على أغلفة كتبه اسم >حسن محمد قاسم< أو >حسن قاسم< وترك لقب‬
‫الكوهن‪ ،‬وهذا ما تراه في كتاب >ذكرى مصرع الحسين< المطبوع سنة ‪ 1352‬هـ‪،‬‬
‫وكتاب >تاريخ الجندية اإلسالمية< المطبوع سنة ‪ 1356‬هـ‪ ،‬وهذا ما جاء على‬
‫غالف كتاب >تحفة األحباب< الذي قام حسن قاسم بمراجعته والتعليق عليه‬
‫وطُبع سنة ‪1356‬هـ‪ ،‬و>ذيل تاريخ الجبرتي< الذي انتهى حسن قاسم من كتابته‬
‫سنة ‪ 1365‬هـ(‪ ،)1‬فالظاهر أن ْترك حسن قاسم لقب الكوهن هو خشية اكتشاف‬
‫أمر هذا اللقب الذي استعاره ليختلق قصة الرحالة الكوهن الذي تحول فيما بعد‬
‫إلى الكوهيني!‪.‬‬
‫وقد زعم حسن قاسم في ر ِّده على المطيعي أ ّن رحلة الكوهن من محفوظات‬
‫مكتبة عارف بك بالمدينة(‪ ،)2‬وما عليك إال أن تراجع فهارس مكتبة عارف بك‬
‫حتى تتيقن عدم وجود أثر لهذه الرحلة في المكتبة‪.‬‬
‫ويبدو أ ّن حسن قاسم خشي أن يُفتضح أمره إذا اكتشف أحد ما عدم وجود‬
‫المخطوط في مكتبة عارف بك‪ ،‬فلم يذكر هذا في كتابه >أخبار الزينبات<‪ ،‬ثم‬
‫إنه ادعى فيما بعد أن الرحلة محفوظة في الجزائر!‪ ،‬فقال في كتابه >المزارات‬
‫اإلسالمية<‪> :‬منها نسخة خطية غير كاملة بالعباد بتلمسان<(‪ ،)3‬وهذا محض‬
‫اختالق‪ ،‬فهذه الرحلة من وحي الخيال فضال عن أن تكون مخطوطة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وال زال الكتاب مخطوطا ووقفت على صور للورقات األولى منه‪ ،‬وقد جاء في مقدمة كتاب‬
‫المزارات اإلسالمية (‪ /1‬ص ل) أن الكتاب قيد الطبع‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع مراقد أهل البيت في القاهرة لمحمد زكي (ص ‪.)72‬‬
‫(‪ )3‬المزارات اإلسالمية واآلثار العربية (‪.)123/7‬‬

‫‪132‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫‪ 2‬ــ >أقنوم اآلثار في الكشف عن الكتب واألسفار< ألبي يعقوب األزموري‬


‫األمغاري‬
‫وأبو يعقوب المشار إليه عاش بزعم حسن قاسم في القرن الخامس وكان‬
‫حيا سنة ‪ 498‬هـ‪ ،‬وهذا الكتاب المنسوب له ال وجود له فقد بحثت في كتب‬
‫فهارس المخطوطات وغيرها فلم أقف لهذا الكتاب على عي ٍن وال أثر!‪ ،‬ونفس‬
‫األمر يقال عن المؤلف الذي لم يذكر حسن قاسم اسمه وإنما ذكر كنيته ونسبه‬
‫إلى مدينة من مدن المغرب وقبيلة من قبائلها(‪ ،)1‬والكتاب والمؤلف من مختلقات‬
‫خيال حسن قاسم‪ ،‬أراد باختالقه أن يثبت أن كتاب >أخبار الزينبات< قد ُذكر في‬
‫كتب الفهارس في القرن السادس‪ ،‬ويبدو أن حسن قاسم قد اقتبس اسمه من كتاب‬
‫>االستقصاء< للناصري كما صنع في مثال سابق‪ ،‬فقد ذكر الناصري في‬
‫>االستقصاء< بعض آل أمغار(‪ ،)2‬فغير بعيد أن حسن قاسم لما وقف على اسم‬
‫أحدهم‪ ،‬نسج على منواله واخترع اسم أبي يعقوب األمغاري ولفق له كتاب‬
‫األقنوم‪.‬‬
‫السخاوي (‪ 902‬هـ)‬
‫‪ 3‬ــ >الرسالة الزينبية< للحافظ َّ‬
‫وهي رسالة زعم حسن قاسم أنه وقف عليها وأ َّن فيها ترجمة لزينب ‪،)3(‬‬
‫ونسبها إلى شمس الدين أبي الخير السخاوي المصري(‪.)4‬‬
‫وغرضه من ذاك أن يثبت أ َّن لبعض علماء مصر اهتماما بالترجمة لزينب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)25‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫قد ورد في االستقصاء ذكر بني أمغار في عدة مواضع منها (‪ ،)25/2‬و(‪.)149/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)9‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)62‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪133‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫الكبرى‪ ،‬وهذه الرسالة ال حقيقة لها‪ ،‬فلم يذكرها أحد ضمن مؤلفات السخاوي‪،‬‬
‫وإنما هي من عمل يد حسن قاسم‪.‬‬
‫السخاوي<(‪ )1‬الذي استوفى فيه المحققان‬‫وقد رجعت إلى كتاب >مؤلفات ّ‬
‫مشهور بن حسن آل سلمان وأحمد الشقيرات‪ ،‬كل مؤلفات الحافظ السخاوي‬
‫كتاب من ُكتبه أو ذكر عزمه على تأليفها‪ ،‬أو ُذكرت له في‬
‫‪ ‬التي ذكرها في ٍ‬
‫مصادر ترجمته‪ ،‬وفهارس المخطوطات‪ ،‬ومعاجم الكتب المطبوعة‪ ،‬ومعاجم‬
‫المؤل َّفات والمؤلفين‪ ،‬فلم أجد لهذه الرسالة المزعومة ِذكرا‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ 4‬ــ >أوقاف مصر< للحافظ السخاوي أيض ًا‬
‫نصا يؤرخ عمارة مشهد زينب في مصر في القرن‬ ‫نسب إليه حسن قاسم ّ‬
‫الخامس‪ ،‬وهدفه من هذا هو إثبات ورود ذكر المشهد الزينبي في القرن السادس‪،‬‬
‫والكتاب من وحي الخيال‪ ،‬ال وجود له وال عين وال أثر‪.‬‬
‫السخاوي ‪.‬‬
‫والكالم فيه كالكالم في سابقه‪ ،‬فليس من جملة مؤلفات ّ‬
‫‪ 5‬ــ رسالة ابن طولون (‪ 953‬هـ) عن زينب الوسطى‬
‫زعم حسن قاسم أ ّن أحد أصدقائه بالشام ــ ولم يذكر اسمه ــ أرسل إليه‬
‫نسخة من رسالة ابن طولون تشتمل على ترجمة السيدة زينب‪ ،‬وزعم أ َّن هذه‬
‫الرسالة هي ترجمة لزينب الوسطى المكناة بأم كلثوم‪ ،‬ونسب إلى ابن طولون أنها‬
‫دفنت بالشام(‪ .)3‬ونقل عن ابن طولون في موضع آخر أن زينب هذه هي المدفونة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مؤلفات السخاوي ــ ط دار ابن حزم ــ ط األولى ‪1998‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخبار الزينبات (ص ‪ 76‬ــ ‪.)77‬‬
‫(‪ )3‬أخبار الزينبات (ص ‪.)9‬‬

‫‪134‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫بقرية راوية في الشام(‪ ،)1‬ولم يكتف حسن قاسم بهذا بل زاد إلى ذلك أن ابن‬
‫عرضا‪ ،‬ونسب إليه أن ابن عساكر ذكر أن >السيدة‬
‫طولون ترجم لزينب الكبرى َ‬
‫زينب الكبرى قدمت مصر وماتت بها‪ ،‬وأن دفينة الشام هذه هي الوسطى‪ ،‬وال‬
‫صحة لما يزعمه أهل دمشق<(‪.)2‬‬
‫والحقيقة أن هذه الرسالة ال حقيقة لها‪ ،‬لكن يبدو أن حسن قاسم سمع عن‬
‫رسالة ابن طولون التي مضى أ َّن عنوانها‪> :‬التوجهات الست إلى كف النساء عن‬
‫قبر الست<‪ ،‬والتي يظهر أنها من الرسائل المفقودة‪ ،‬فاختلق من عنده أ ّن موضوع‬
‫الرسالة عن زينب الوسطى‪.‬‬
‫وأما ما ادعاه حسن قاسم من أ َّن ابن طولون نقل عن ابن عساكر في تاريخ‬
‫دمشق التنصيص على أ ّن زينب دفنت بالشام‪ ،‬فهو اختالق وإفك‪ ،‬فتاريخ ابن‬
‫عساكر خال من التنصيص على موضع دفن زينب الكبرى‪ ،‬وقد كان حسن قاسم‬
‫ينسب هذا النص إلى تاريخ ابن عساكر بدون واسطة في رده على مفتي مصر‬
‫محمد بخيت المطيعي ويحيل على مخطوط تاريخ دمشق المحفوظ بالمكتبة‬
‫(‪)3‬‬
‫ثم لما نشر كتاب >أخبار الزينبات< صار ينقل عن >تاريخ دمشق<‬ ‫الخالدية ‪ّ ،‬‬
‫بواسطة ابن طولون‪ ،‬وهذا التالعب والتلون دليل على دهاء هذا الرجل واحترافه‬
‫للتزوير‪ ،‬والظاهر أنه لما خشي أن يكشف أمره عند مراجعة مخطوط >تاريخ‬
‫دمشق< صار يحيل على مخطوط ابن طولون الذي لم يُعثر عليه لحد كتابة هذه‬
‫السطور‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)65‬‬
‫(‪ )2‬أخبار الزينبات (ص ‪.)9‬‬
‫(‪ )3‬مراقد أهل البيت في القاهرة (ص ‪.)73‬‬

‫‪135‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫‪ 6‬ــ >النسب العمراني في الكالم على فرق العمرانيين فروع األشراف‬


‫األدارسة< للقاضي محمد بن الحسن بن عرضون الشفشفاوني‪ ،‬المتوفى سنة‬
‫‪1014‬هـ(‪.)1‬‬
‫زعم حسن قاسم في الطبعة األولى من أخبار الزينبات أن ابن عرضون هذا‬
‫ترجم للرحالة الكوهيني الماضي ذكره‪ ،‬وقال عنه في ذاك الكتاب‪> :‬وفرقة‬
‫استوطنت القصر الكبير‪ ،‬من مشاهيرهم الولي الشريف الفقيه الرحالة‪ :‬أبو عبد اهلل‬
‫ثم األندلسي‪ ،‬كان قد هاجر إلى‬ ‫سيدي محمد العمراني الكوهيني‪ ،‬الفاسي ّ‬
‫األندلس بعد نقلته إلى القصر‪ ،‬واستقر بكهينة‪ ،‬قرية في حدود األندلس بالقرب‬
‫ثم انتقل منها إلى القصر‪ ،‬وهاجر منه إلى‬ ‫من حصن وادي آش‪ ،‬فنُسب إليها‪ّ ،‬‬
‫المشرق‪ ،‬وكانت له مشاركة في العلوم‪ ،‬وألف تآليف عديدة‪ ،‬وله رحلة ذكر فيها‬
‫من لقيه من علماء المشرق‪ ،‬ولما رجع من رحلته استوطن القصر‪ ،‬وبه مات سنة‬
‫‪418‬هـ عن سن عالية‪ ،‬ودفن بزاوية سيدي ابن يحيى<(‪ ،)2‬وقال في كتاب‬
‫>المزارات<‪> :‬ترجمه ابن عرضون في النسب العمراني وذكر أنه توفي سنة‬
‫(‪ 418‬هـ‪ 1027/‬م)‪ ،‬ودفن بزاوية ابن يحيى<(‪.)3‬‬
‫هذا الكتاب وهذه الترجمة‪ ،‬من عمل يد حسن قاسم‪ ،‬فكتاب النسب‬
‫العمراني ال وجود له‪ ،‬وقد راجعت ترجمة ابن عرضون في كتب تراجم أعالم‬
‫المغاربة فلم أجد من نسب إليه هذا الكتاب(‪ ،)4‬وهذه الترجمة تنادي على نفسها‬
‫بالكذب‪ ،‬إذ أنها تزعم أن الكوهيني هي نسبة إلى قرية كهينة الموجودة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كذا قال حسن قاسم والصواب‪ 1012 :‬هـ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخبار الزينبات الطبعة األولى (ص ‪.)77‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المزارات اإلسالمية واآلثار العربية (‪.)123/7‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫شجرة النور الزكية (‪ ،)427/1‬سلوة األنفاس (‪ 301/2‬ــ ‪ ،)302‬موسوعة أعالم المغرب‬ ‫(‪)4‬‬
‫(‪.)1121/3‬‬

‫‪136‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫جهل واضح باللغة العربية‪ ،‬فمن يُنسب إلى ُكهينة يسمى‬


‫باألندلس‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫ال ُك َه ْي ِني وليس ال ُكو ِهيني‪.‬‬
‫ولك أيها القارئ أن تراجع كل كتب البلدان وكتب الرحالت التي تكلمت‬
‫عن األندلس فلن تجد أي شيء عن قرية كهينة المزعومة‪ ،‬بل ال تعدو هذه القرية‬
‫أن تكون من بنات أفكار حسن قاسم‪.‬‬
‫والصحيح أن الكوهن ليس نسبة إلى موضع ما!‪ ،‬أل ّنه في األصل كلمة‬
‫عبرية ومعناها الكاهن(‪ ،)1‬وآل الكوهن أسرة مغربية يهودية مشهورة‪ ،‬ال زالت‬
‫موجودة في فاس بالمغرب إلى اآلن‪ ،‬ومنهم من دخل اإلسالم قديما‪ ،‬لكن اسم‬
‫الكوهن ظل مستمرا في ذراريهم‪ ،‬مثل عبد القادر الكوهن الفاسي(‪ ،)2‬فواقع‬
‫الحال أن حسن قاسم لما اخترع شخصية الرحالة الكوهيني‪ ،‬اقتبس االسم من آل‬
‫الكوهن‪ ،‬لكنَّه لجهله بحقيقة االسم ظن أن الكوهن نسبة إلى بلدة ما‪ ،‬فاخترع‬
‫ثم لفق هذه األكاذيب في ترجمة مصنوعة ونسبها إلى أحد علماء‬‫مدينة كهينة‪ّ ،‬‬
‫المغرب!‪ ،‬وخشية أن يفتضح أمره‪ ،‬حذف حسن قاسم هذه الترجمة من الطبعة‬
‫الثانية ألخبار الزينبات!‬
‫تنبيه على خطأ حسن قاسم في نسبته كتاب >المزارات الشامية< إلى ابن‬
‫(‪)3‬‬
‫الجوزي (‪ 597‬هـ)‬
‫ذكر حسن قاسم كتابا سماه >المزارات الشامية< ونسبه إلى ابن الجوزي‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر تفصيل شرح مصطلح الكوهن وتاريخه في تاريخ ابن خلدون (‪ 230/1‬ــ ‪.)231‬‬
‫(‪ )2‬انظر عنه‪ :‬إتحاف المطالع البن سودة الفاسي المغربي (‪.)166/1‬‬
‫(‪ )3‬سبب اإلشارة إلى هذا الخطأ ما سيأتي من نسبة السابقي نصا إلى سبط ابن الجوزي بناء على ما‬
‫وقف عليه في كتاب أخبار الزينبات‪ ،‬إضافة إلى التنبيه على عدم إلحاق كتاب المزارات الشامية‬
‫المنسوب غلطا البن الجوزي ببقية الكتب المختلقة التي مضى ذكرها‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫ونقل عنه أن المدفونة بالشام في قرية راوية هي زينب الوسطى أم كلثوم زوجة‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ،)1(‬وقد تبين لي أن هذا خطأ من حسن قاسم‪ ،‬وأن مراده‬
‫هو ابن الحوراني صاحب كتاب >اإلشارات إلى أماكن الزيارات<‪ ،‬والكالم الذي‬
‫نقله حسن قاسم مثبت في كتاب >اإلشارات< البن الحوراني(‪ ،)2‬وتسمية حسن‬
‫قاسم لكتاب الحوراني >المزارات الشامية< هو من باب التسمية بالمعنى‪.‬‬
‫وقد َذكر اسم الكتاب كامال في موضع آخر ناسبا إياه إلى ابن الجوزي‪،‬‬
‫فقال في تعداد المصادر التي رجع إليها‪>> :‬اإلشارات إلى أماكن الزيارات<‬
‫للهروي وابن الجوزي<(‪.)3‬‬
‫وقد تبين لي وهم حسن قاسم بعد مراجعة كتاب >إعالم السائلين عمن أقبر‬
‫بمصر من صحابة سيد المرسلين< ‪ ،‬حيث وجدته يذكر كتاب ابن الحوراني‬
‫بعنوان >المزارات الشامية< تارة(‪ ،)4‬وبعنوان >المزارات< تارة(‪ ،)5‬وبعنوان‬
‫>اإلشارات< تارة أخرى(‪ ،)6‬فإما أن الخطأ وقع في الطباعة فبدل أن يكتب >ابن‬
‫الحوراني< كتب >ابن الجوزي< لتقارب الخط بينهما‪ ،‬وإما أن يكون هذا وهما‬
‫من حسن قاسم فظن أن مؤلف كتاب اإلشارات هو ابن الجوزي‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)65‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اإلشارات إلى أماكن الزيارات (‪ 134‬ــ ‪.)136‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)62‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫إعالم السائلين الطبعة األولى بالمكتبة العلمية (ص ‪ ،)13‬والطبعة الثانية بدار اإلحسان‬ ‫(‪)4‬‬
‫(ص ‪.)63‬‬
‫إعالم السائلين الطبعة األولى بالمكتبة العلمية (ص ‪ ،)8‬والطبعة الثانية بدار اإلحسان (ص ‪.)47‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫إعالم السائلين الطبعة األولى بالمكتبة العلمية (ص ‪ ،)11‬والطبعة الثانية بدار اإلحسان‬ ‫(‪)6‬‬
‫(ص ‪.)58‬‬

‫‪138‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫فتحققت بذلك أن نسبته كتاب >المزارات الشامية< إلى ابن الجوزي هو‬
‫ُ‬
‫خطأ محض‪ ،‬وليس من قبيل ما مضى من الكتب المختلقة التي ال وجود لها‪.‬‬

‫* المسلك الثالث‪ :‬السرقة واالنتحال وتلفيق األسماء وتركيب األسانيد‬


‫قام حسن قاسم بسرقة نصوص عدة من مصادر قديمة وعلى رأسها كتاب‬
‫الطبقات البن سعد‪ ،‬وهذا األمر من األمور التي ص َّعبت على كثير من الناس‬
‫اكتشاف أمر كتاب >أخبار الزينبات<‪ ،‬إذ أن من يطالع الكتاب يرى أن غالب‬
‫نصوصه قريبة من اللغة التراثية القديمة في القرن الثالث والرابع‪ ،‬فيخفى عليه أمر‬
‫الكتاب‪ ،‬وإليك شيئا من األساليب المحكمة الدهاء التي سلكها حسن قاسم في‬
‫تلفيق نصوص الكتاب وسأبينها في عدة محاور‪:‬‬
‫ــ الطريقة األولى‪ :‬سرقة المتون من مصادر قديمة‬
‫سرق حسن قاسم أغلب نصوص تراجم الزينبات اللواتي ذكرهن في كتاب‬
‫أخبار الزينبات من كتاب الطبقات الكبرى البن سعد‪ ،‬والمنهج الذي سلكه حسن‬
‫ثم أذكر‬
‫قاسم هو سرقة المتن وتركيب إسناد ملفق له‪ ،‬وسأمثِّل لهذا بعدة أمثلة ّ‬
‫بقية النصوص المسروقة ُمحيال على مصادرها األصلية حتى ال يطول األمر على‬
‫القارئ‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ النصوص المسروقة من كتاب الطبقات الكبرى البن سعد‬
‫إليك أيها القارئ مقارنة بين نصوص أخبار الزينبات ونصوص طبقات ابن‬
‫حذفت األسانيد‪ ،‬وقد وضعت خطا على الكلمات الزائدة التي ال‬
‫ُ‬ ‫سعد‪ ،‬بعد أن‬
‫توجد في أخبار الزينبات‬
‫‪139‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫طبقات ابن سعد‬ ‫أخبار الزينبات‬


‫زينب بنت رسول الل‬ ‫زينب بنت النبي‬
‫وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن‬ ‫أمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن‬
‫عبد العزى بن قصي‪ ،‬وكانت أكبر بنات‬ ‫عبد العزى بن قصي‪ ،‬وكانت أكبر بناته‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬تزوجها ابن خالتها أبو‬ ‫تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن‬
‫العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس‬ ‫الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن‬
‫ابن عبد مناف بن قصي قبل النبوة‪ ،‬وكانت‬ ‫عبد مناف بن قصي قبل النبوة‪ ،‬وكانت‬
‫تزوج‪ ،‬وأم أبي‬ ‫أول بنات رسول اهلل‬ ‫أول من تزوج من بنات رسول اهلل‬
‫العاص هالة بنت خويلد بن أسد بن‬ ‫‪ ،‬وأم أبي العاص هالة بنت خويلد‬
‫عبد العزى بن قصي خالة زينب بنت‬ ‫بن أسد بن عبد العزى‪ ،‬وولدت زينب‬
‫رسول اهلل‪ ،‬وولدت زينب ألبي العاص‬ ‫ألبي العاص عليا وأمامة‪ ،‬فتوفي علي‬
‫عليا وأمامة امرأة‪ ،‬فتوفي علي وهو صغير‪،‬‬ ‫وهو صغير‪ ،‬وبقيت أمامة فتزوجها‬
‫وبقيت أمامة فتزوجها علي بن أبي طالب‬ ‫علي بن أبي طالب بعد موت فاطمة‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بعد موت فاطمة بنت رسول اهلل‬ ‫بنت رسول اهلل‬
‫عن علي ـ ‪ ‬ـ قال‪ :‬إن زينب بنت عن عامر الشعبي‪ ،‬أن زينب بنت رسول‬
‫كانت تحت أبي العاص بن‬ ‫كانت تحت أبي اهلل‪،‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫العاص بن الربيع وهاجرت مع أبيها(‪ )3‬الربيع فأسلمت وهاجرت مع أبيها وأبى‬
‫(‪)4‬‬
‫أبو العاص أن يسلم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)12‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)31/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)13‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)31/8‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪140‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫طبقات ابن سعد‬ ‫أخبار الزينبات‬


‫عن عائشة‪ ،‬أن أبا العاص بن الربيع كان‬ ‫عن عائشة ‪ ‬أن أبا العاص كان فيمن‬
‫فيمن شهد بدرا مع المشركين فأسره‬ ‫شهد بدرا مع المشركين فأسره عبد اهلل‬
‫عبد اهلل بن جبير بن النعمان األنصاري‪،‬‬ ‫ابن جبير بن النعمان األنصاري‪ ،‬فلما‬
‫فلما بعث أهل مكة في فداء أساراهم قدم‬ ‫بعث أهل مكة في فداء أساراهم قدم‬
‫في فداء أبي العاص أخوه عمرو بن‬ ‫في فداء أبي العاص أخوه عمرو بن‬
‫الربيع وبعثت معه زينب بنت رسول اهلل‬ ‫الربيع وبعثت معه زينب بنت رسول‬
‫وهي يومئذ بمكة بقالدة لها كانت‬ ‫وهي يومئذ بمكة بقالدة لها‬ ‫اهلل‬
‫لخديجة بنت خويلد من جزع ظفار وظفار‬ ‫كانت لخديجة بنت خويلد من جزع‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫جبل باليمن‬ ‫ظفار اسم لجبل باليمن‬
‫عن عمرو بن حزم قال‪> :‬توفيت زينب عن عبد اهلل بن أبي بكر بن محمد بن عمرو‬
‫‪ ،‬في أول سنة ابن حزم قال‪> :‬توفيت زينب بنت رسول اهلل‬ ‫بنت رسول اهلل‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫في أول سنة ثمان من الهجرة<‬ ‫ثمان من الهجرة<‬
‫زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر بن‬
‫صبرة بن مرة بن كثير(‪ )5‬بن غنم بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)13‬‬‫(‪)1‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)31/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)13‬‬‫(‪)3‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)34/8‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫(‪ )5‬كذا والصواب‪ :‬بن كبير‪ ،‬وهو مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة كما في نسب قريش‬
‫للزبيري (ص ‪ ،)19‬وأنساب األشراف للبالذري (‪ ،)88/1‬وجمهرة أنساب العرب البن حزم‬
‫(‪ ،)191/1‬وهو المثبت في الطبقات البن سعد طبعة الخانجي (‪ ،)98/10‬وكثير تصحيف كبير‪ ،‬وقد‬
‫وقع هذا ال تصحيف في بعض المواضع في الطبقات‪ ،‬ويحتمل أنه وقع في الطبعة التي ينقل منها حسن‬
‫قاسم وهي طبعة ليدن‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫طبقات ابن سعد‬ ‫أخبار الزينبات‬


‫دودان ابن أسد بن خزيمة‪ ،‬أمها أميمة أسد بن خزيمة‪ ،‬وأمها أميمة بنت‬
‫(‪)2‬‬
‫بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف‬
‫(‪)1‬‬
‫مناف‬
‫زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد اهلل‬ ‫زينب بنت خزيمة بن الحارث بن‬
‫ابن عمرو بن عبد مناف بن هالل بن عامر‬ ‫عبد اهلل بن عمرو بن عبد مناف بن‬
‫ابن صعصعة وهي أم المساكين كانت‬ ‫هالل بن عامر بن صعصعة أم‬
‫(‪)4‬‬
‫تسمى بذلك في الجاهلية‬ ‫سميت‬ ‫المساكين زوج رسول اهلل‬
‫(‪)3‬‬
‫بذلك في الجاهلية‬
‫وكانت عند الطفيل بن الحارث بن وكانت عند الطفيل بن الحارث بن‬
‫عبد المطلب بن عبد مناف‪ ،‬فتزوجها المطلب بن عبد مناف فطلقها‪ ...،‬كانت‬
‫عبيدة بن الحارث فقتل عنها يوم زينب أم المساكين تحت عبيدة بن‬
‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الحارث فقتل عنها ببدر‬ ‫بدر‬
‫زينب بنت صيفي بن صخر بن خنساء زينب بنت صيفي بن صخر بن خنساء بن‬
‫ابن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب‬
‫كعب بن مسلم‪ ،‬أمها نائلة بنت قيس ابن سلمة‪ ،‬وأمها نائلة بنت قيس بن‬
‫النعمان بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم‬ ‫ابن النعمان بن سنان‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)14‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)101/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)20‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)115/8‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)20‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)115/8‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪142‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫طبقات ابن سعد‬ ‫أخبار الزينبات‬


‫تزوجها الحباب بن المنذر بن الجموح ابن كعب بن سلمة تزوجها الحباب بن‬
‫فولدت له خشرما والمنذر‪ ،‬أسلمت المنذر بن الجموح فولدت له خشرما‬
‫والمنذر‪ ،‬ابني الحباب‪ ،‬أسلمت زينب‬ ‫(‪)1‬‬
‫زينب وبايعت رسول اهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫وبايعت رسول اهلل‬
‫زينب بنت الحباب بن الحارث بن عمرو بن‬ ‫زينب بنت الحباب بن الحارث بن‬
‫عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن‬ ‫عمرو بن عوف بن مبذول من بني‬
‫ابن النجار تزوجها قيس بن عمرو بن سهل‬ ‫النجار‪.‬‬
‫ابن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن‬ ‫تزوجها قيس بن عمرو من بني ثعلبة بن‬
‫غنم بن مازن بن النجار‪ ،‬فولدت له سعيد‬ ‫الحارث بن زيد‪ ،‬فولدت له سعيد بن‬
‫ابن قيس أسلمت وبايعت رسول اهلل‬ ‫قيس‪ ،‬وكانت ممن بايع رسول اهلل‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫زينب بنت أبي سلمة بن عبد األسد بن‬ ‫زينب بنت أبي سلمة بن عبد األسد بن‬
‫هالل بن عبد اهلل بن عمر بن مخزوم وأمها‬ ‫هالل‪ ،‬مخزومية من بني مخزوم‪ ،‬أمها‬
‫أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد اهلل‬ ‫أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج‬
‫ابن عمر بن مخزوم زوج رسول اهلل‪.‬‬ ‫رسول اهلل ‪ .‬تزوجها عبد اهلل بن‬
‫تزوجها عبد اهلل بن زمعة‪ ...‬فولدت له‬ ‫زمعة‪ ،‬فولدت له عبد الرحمن ويزيد‬
‫عبد الرحمن ويزيد ووهبا وأبا سلمة وكبيرا‬ ‫ووهبا وأبا سلمة وكبيرا وأبا عبيدة وقرينة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)23‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)399/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)23‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)417/8‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪143‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫طبقات ابن سعد‬ ‫أخبار الزينبات‬


‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وأبا عبيدة وقريبة وأم كلثوم وأم سلمة‬ ‫وأم كلثوم وأم سلمة‬
‫زينب بنت كعب بن عميرة‪ ،‬روت عن زينب بنت كعب بن عجرة روت عن الفريعة‬
‫الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الخدري والفريعة سمعت من النبي‬ ‫أبي سعيد الخدري‬
‫زينب امرأة قيس بن أبي حازم‪ ،‬روت زينب امرأة قيس بن أبي حازم روت عن‬
‫عن عائشة ‪ ‬وروى عنها زوجها عائشة ‪ ‬وروى عنها قيس بن أبي حازم‬
‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫زوجها‬ ‫قيس بن أبي حازم‬

‫هذه ثمانية تراجم من كتاب >أخبار الزينبات<‪ ،‬مسروقة من كتاب الطبقات‬


‫البن سعد‪ ،‬وكل ما فعله حسن قاسم هو اختصار بعض التراجم وتغيير بعض‬
‫ووقع في تصحيف بعض األسماء(‪ ،)7‬وبقية‬
‫العبارات وتركيب أسانيد للروايات‪َ ،‬‬
‫التراجم المسروقة من كتاب الطبقات هي تراجم جل الزينبات من غير آل البيت‪،‬‬
‫وقد نهج حسن قاسم نهجين في سرقته لنصوص ابن سعد‪:‬‬
‫المنهج األول‪ :‬وهي سرقة النصوص ونقلها بعينها أو بتغيير واختصار يسير‪،‬‬
‫وسلك هذه الطريقة في التراجم الماضية وفي ترجمة جملة من الزينبات هن‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)23‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)361/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)24‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)479/8‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)24‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)494/8‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫مثل تصحيفه لعجرة‪ ،‬فصحفه إلى عميرة‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪144‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫زينب بنت عثمان(‪ ،)1‬وزينب بنت المهاجر(‪ ،)2‬وزينب بنت نبيط(‪.)3‬‬


‫المنهج الثاني‪ :‬سرقة النصوص من ابن سعد ونقلها مع تغيير في ترتيب‬
‫النص‪ ،‬وسلك هذه الطريقة في تراجم كل من زينب بنت مظعون(‪ ،)4‬وزينب بنت‬
‫عمر بن أبي سلمة(‪ ،)5‬وزينب بنت الحارث بن خالد(‪.)6‬‬
‫وعدة الزينبات اللواتي استل حسن قاسم تراجمهن من طبقات ابن سعد‬
‫هن ‪ 17‬امرأة‪ ،‬وهذا نصف عدد الزينبات المترجمات في الكتاب(‪ ،)7‬والطريف‬
‫أ ّن حسن قاسم التزم إيراد أسمائهن بنفس ترتيب ابن سعد!‪ ،‬فالزينبات اللواتي‬
‫سرق حسن قاسم تراجمهن من كتاب >الطبقات< البن سعد‪ ،‬مذكورات بنفس‬
‫الترتيب الذي سلكه ابن سعد‪ ،‬باستثناء زينب الكبرى وبعض الزينبات األخرى‬
‫اللواتي لم يذكرهن حسن قاسم مع وجود ترجمة لهن في >طبقات ابن سعد<(‪،)8‬‬
‫فالزينبات اللواتي ذكرهن ابن سعد ونقل حسن قاسم تراجمهن في أخبار الزينبات‬
‫ثم زينب بنت‬ ‫مذكورات في الطبقات بهذا الترتيب‪ :‬زينب بنت النبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر أخبار الزينبات (ص ‪ )22‬وقارن بطبقات ابن سعد (‪.)269/8‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫انظر أخبار الزينبات (ص ‪ )22‬وقارن بطبقات ابن سعد (‪.)269/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر أخبار الزينبات (‪ )24‬وقارن بطبقات ابن سعد (‪.)478/8‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫انظر أخبار الزينبات (ص ‪ )23‬وقارن بطبقات ابن سعد (‪ ،)81/8‬وابن سعد لم يفرد ترجمة لزينب‬ ‫(‪)4‬‬
‫بنت مظعون وإنما استل حسن قاسم ما كتبه عنها من ترجمة ابن سعد البنتها حفصة بنت عمر‬
‫‪.‬‬
‫انظر أخبار الزينبات (ص ‪ )24‬وقارن بطبقات ابن سعد (‪.)36/5‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫انظر أخبار الزينبات (ص ‪ )24‬وقارن بطبقات ابن سعد (‪.)128/4‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫وللفائدة‪ :‬انظر مقالة حسن الفاطمي بالفارسية في مجلة كتابهاي إسالمي العدد ‪( ،21‬ص ‪ 70‬ــ‬ ‫(‪)7‬‬
‫‪.)72‬‬
‫مثل زينب بنت أبي معاوية‪ ،‬وزينب بنت قيس‪ ،‬وزينب بنت سهل‪.‬‬ ‫(‪(8‬‬

‫‪145‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫جحش‪ ،‬ثم زينب بنت خزيمة‪ ،‬ثم زينب بنت عثمان بن مظعون‪ ،‬ثم زينب بنت‬
‫صيفي‪ ،‬ثم زينب بنت الحباب‪ ،‬ثم زينب بنت أبي سلمة‪ ،‬ثم زينب بنت‬
‫المهاجر‪ ،‬ثم زينب بنت نبيط ثم زينب بنت كعب بن عجرة ثم زينب امرأة قيس‬
‫بن أبي حازم‪ ،‬وقد سار حسن قاسم في الترجمة لهن على نفس الترتيب حذو‬
‫القذة بالقذة!‪ ،‬غاية ما فعله للتمويه على سرقته أنه غير مكان ترجمة زينب الكبرى‬
‫فقدمها في الترتيب‪ ،‬ثم سرق تراجم بقية الزينبات من كتب أخرى وأقحمها كيفما‬
‫اتفق بين تراجم الزينبات المأخوذة من الطبقات البن سعد‪.‬‬
‫وأما اللواتي لم يفرد لهن ابن سعد ترجمة وذكرهن عرضا في تراجم غيرهن‬
‫فقد وضعهن حسن قاسم في >أخبار الزينبات< كيفما اتفق له‪ ،‬ومن هنا وقع الخلل‬
‫ثم في وسطه‬
‫في ترتيب كتاب >أخبار الزينبات<‪ ،‬فتجد في أوله تراجم صحابيات ّ‬
‫ثم تجد بعدها تراجم صحابيات‬ ‫تراجم نساء من آل البيت من القرن األول والثاني ّ‬
‫ثم يختم الكتاب بترجمة صحابية‪،‬‬ ‫ثم بعدها تمر بك ترجمة امرأة تابعية ّ‬
‫أخريات ّ‬
‫وفي تراجم الزينبات من آل البيت‪ ،‬تجد في نفس الصفحة ترجمة زينب بنت‬
‫القاسم بن محمد بن جعفر الصادق‪ ،‬وبعدها ترجمة زينب بنت موسى الكاظم‬
‫ابن جعفر الصادق‪ ،‬ثم بعدها زينب بنت الباقر !!‬
‫فالمترجمات لم يرتبن ال على أسمائهن وال على طبقاتهن وال على أصول‬
‫أنسابهن!!‬

‫وأنت ترى الخلل الظاهر في الترتيب‪ ،‬فزينب بنت الباقر هي التي تستحق‬
‫أن تذكر قبل زينب بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق‪ ،‬ألنها أقدم منها‬
‫طبقة‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫ومنشأ الخلل أن حسن قاسم حشر هذه التراجم كيفما اتفق له‪ ،‬فوقع في‬
‫هذا الخلط الذي ال يتصور أن يقع من العقيقي الذي عرف عنه العناية بترتيب‬
‫المع ّقبين من ولد أمير المؤمنين<‪.‬‬
‫الطبقات في كتابه > ُ‬
‫وكل هذا الخلل والخلط سببه ما سلف ذكره‪ ،‬من أن حسن قاسم جعل‬
‫ثم أضاف تراجم أخرى كيفما اتفق له‪.‬‬
‫طبقات ابن سعد أصال لمادة كتابه ّ‬

‫‪ 2‬ــ النصوص المسروقة من كتاب >غاية االختصار في البيوتات العلوية‬


‫المحفوظة من الغبار<‪:‬‬
‫سرق حسن قاسم تراجم بعض الزينبات وجملة من األسانيد من كتاب‬
‫>غاية االختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار<‪ ،‬المنسوب لتاج‬
‫الدين ابن زهرة(‪.)1‬‬
‫وإليك مقارنة تبين بوضوح تطابق نصوص الكتابين‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وكتاب غاية االختصار ليس إال نسخة مسروقة من كتاب األصيلي في أنساب الطالبيين البن‬
‫الطقطقي‪ ،‬لكن أبا هدى الصيادي لفقه لتاج الدين ابن زهرة وأضاف عليه أشياء أخرى ثم طبعه‬
‫بهذا االسم‪ ،‬والنص الذي أخذه حسن قاسم من غاية االختصار هو بعينه في األصيلي‬
‫(ص ‪ ،)145‬وإنما قررت أن السرقة وقعت من كتاب غاية االختصار دون كتاب األصيلي ألن‬
‫كتاب األصيلي لم يطبع إال بعد وفاة حسن قاسم أما كتاب غاية االختصار فطبع في حياة حسن‬
‫قاسم‪ .‬وانظر عن تزوير كتاب غاية االختصار‪ :‬جناية الصيادي (ص ‪ ،)71‬منتقلة الطالبية‬
‫(ص ‪ 26‬هامش ‪.)1‬‬

‫‪147‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫غاية االختصار‬ ‫أخبار الزينبات‬


‫ح َّدثنا التميمي قال‪ :‬ح َّدثنا نعيم عن جمال‬ ‫ح َّدثنا أبو عبد اهلل التميمي قال‪ :‬ح َّدثنا‬
‫عن يحيى التمار عن سفيان الثوري عن‬ ‫نعيم عن جمال عن يحيى التمار عن‬
‫أبي عبد الحق بن عاصم عن زرارة عن‬ ‫سفيان الثوري عن أبي عبد الحق بن‬
‫علي‪  ،‬قال‪ :‬هو رجل منا‪ ،‬يعني‬ ‫عاصم عن زرارة عن علي ‪ ...‬إن‬
‫المهدي(‪.)2‬‬ ‫كانت‬ ‫زينب بنت رسول اهلل‬
‫تحت أبي العاص(‪.)1‬‬
‫ح َّدثني موسى بن عبد اهلل حدثني محمد‬ ‫ح َّدثني موسى بن عبد اهلل قال حدثني‬
‫ابن مسعدة المعلم(‪ )4‬عن أبيه(‪.)5‬‬ ‫محمد بن مسعدة عن أبيه(‪.)3‬‬
‫أخبرني جدي يحيى بن الحسن بن جعفر‬ ‫أخبرني أبو الحسن بن جعفر الحجة‬
‫الحجة قال‪ :‬كتب إلي عباد بن يعقوب‬ ‫قال‪ :‬أخبرني عباد بن يعقوب عن يحيى‬
‫يخبرني عن يحيى بن سالم عن صالح بن‬ ‫ابن سالم عن صالح بن أبي األسود عن‬
‫أبي األسود سمعت جعفر بن محمد(‪.)7‬‬ ‫جعفر بن محمد الصادق(‪.)6‬‬
‫ح َّدثني إبراهيم بن محمد حدثنا‬ ‫ح َّدثني إبراهيم بن محمد الحريري قال‬
‫عبد الصمد بن حسان السعدي عن سفيان‬ ‫حدثني عبد الصمد بن حسان السعدي‬
‫الثوري قال‪ :‬دخلت على جعفر بن محمد‬ ‫عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد‬
‫الصادق(‪.)9‬‬ ‫الصادق(‪.)8‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪ 12‬ــ ‪.)13‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)20‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)13‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كذا وهو خطأ والصواب‪ :‬عبد اهلل بن محمد بن مسعدة كما في األصيلي (ص ‪.)77‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)27‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)16‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)101‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪ 16‬ــ ‪.)17‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)101‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫‪148‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫غاية االختصار‬ ‫أخبار الزينبات‬


‫عن عبد اهلل بن عبد الرحمن األنصاري عن سفيان الثوري قال‪ :‬دخلت على جعفر‬
‫قال‪ :‬رأيت زينب بنت علي بمصر بعد ابن محمد الصادق ‪ ‬في بعض أيامه‪،‬‬
‫قدومها بأيام‪ ،‬فواهلل ما رأيت مثلها‪ ،‬فرأيت وجهه كأنه شقة قمر(‪.)2‬‬
‫وجهها كأنه شقة قمر(‪.)1‬‬
‫زينب بنت الحسن بن علي بن أبي الباقر أبو جعفر باقر العلم أمه أم أخيه‬
‫طالب خرجت إلى علي بن الحسين عبد اهلل‪ ،‬زينب بنت الحسن بن علي بن‬
‫فولدت له محمد بن علي الباقر وأخاه أبي طالب‪ ،‬وهو أول من اجتمعت له‬
‫والدة الحسن والحسين(‪.)4‬‬ ‫عبد اهلل‪.‬‬
‫ح َّدثني محمد بن القاسم قال‪ :‬أول من‬
‫اجتمعت له والدة الفرعين من‬
‫(‪)3‬‬
‫العلويين‪...‬‬
‫زينب بنت عبد اهلل الكامل بن الحسن أم الحسين صاحب فخ‪ ،‬زينب بنت‬
‫المثنى ابن الحسن السبط‪ ،...‬وكان عبد اهلل بن الحسن بن الحسن‪ ،‬وأمها هند‬
‫يقال لها‪ :‬الزوج الصالح(‪ ،)5‬وهي أم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪ ،)18‬وقال التستري في قاموس الرجال (‪ )42/11‬منتقدا هذا الخبر‪> :‬وكفى‬ ‫(‪)1‬‬
‫بتضمنه مثل ما كتب<‪.‬‬
‫خزيا لصاحب الكتاب ّ‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)101‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)20‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫غاية االختصار (ص ‪ ،)104‬وأما الحكاية المنقولة عن القاسم بن محمد‪ ،‬فهي أيضا مسروقة من‬ ‫(‪)4‬‬
‫غاية االختصار‪ ،‬إذ نقل مؤلفها رواية عن يحيى العقيقي عن القاسم بن محمد باإلسناد إلى عبد اهلل‬
‫ابن عطاء قال‪> :‬ما رأيت العلماء أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي<‪ ،‬فحذف حسن قاسم‬
‫اإلسناد واستعار اسم شيخ يحيى القاسم بن محمد وركب له رواية أخرى‪.‬‬
‫عبارة >كان يقال لها الزوج الصالح< لم أهتد إليها في غاية االختصار ووقفت عليها في األصيلي=‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪149‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫غاية االختصار‬ ‫أخبار الزينبات‬


‫الحسين بن علي صاحب فخ وأمها هند بنت أبي عبيدة(‪.)2‬‬
‫بنت أبي عبيدة(‪.)1‬‬

‫وسيتبين أن حسن قاسم سلك مسلكا مركبا في السرقة والتلفيق من كتاب‬


‫>غاية االختصار<‪ ،‬فتارة يسرق السند ويركب له رواية أخرى‪ ،‬وتارة يسرق المتن‬
‫كامال‪ ،‬وتارة يركب السرقة والتلفيق في آن واحد‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ نص مسروق من كتاب >مقاتل الطالبيين<‬
‫قام حسن قاسم باستالل نص من كتاب >مقاتل الطالبيين< ألبي الفرج‬
‫األصفهاني ونسبه إلى العقيقي‪ ،‬ويبدو أ ّن اختياره لألصفهاني كان بسبب نقل‬
‫األصفهاني عدة نصوص عن النسابة يحيى العقيقي‪ ،‬وهذا النص أدرجه حسن‬
‫قاسم في كتاب >أخبار الزينبات< كي ال يخلو من ذكر قصة مسير زينب إلى كربالء‬
‫مع أخيها الحسين ‪.‬‬
‫مقاتل الطالبيين‬ ‫أخبار الزينبات‬
‫علي بن الحسين قال‪> :‬إني واهلل عن علي بن الحسين قال‪> :‬إني واهلل‬ ‫عن ّ‬
‫لجالس مع أبي الحسين عشية مقتله وأنا لجالس مع أبي في تلك الليلة‪ ،‬وأنا عليل‪،‬‬
‫عليل وهو يعالج ترسا له وبين يديه جون وهو يعالج سهاما له‪ ،‬وبين يديه جون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= (ص ‪ ،)121‬وهي أيضا في مقاتل الطالبيين (ص ‪ )174‬واالحتمال األقرب أن يكون حسن قاسم‬
‫اقتبسها من مقاتل الطالبيين‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)20‬‬
‫(‪ )2‬غاية االختصار (ص ‪.)54‬‬

‫‪150‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫مقاتل الطالبيين‬ ‫أخبار الزينبات‬


‫ذر‪ ،‬فسمعته يرتجز في خبائه مولى أبي ذر الغفاري‪ ،‬إذ ارتجز الحسين‪:‬‬ ‫مولى أبي ّ‬
‫ويقول‪ :‬يا دهر ٍّأف لك من خلي ِل‪ ...‬كم يا دهر أف لك من خليل‪ ...‬كم لك في‬
‫اإلشراق واألصيل‬ ‫لك باإلشراق واألصي ِل‬
‫صاحب قتيل(‪ ...)1‬من صاحب وماجد قتيل‪ ...‬والدهر ال‬ ‫ٍ‬ ‫من طالب أو‬
‫يقنع بالبديل‬ ‫والدهر ال يقنع بالبدي ِل‬
‫ّ‬
‫حي واألمر في ذاك إلى الجليل‪ ...‬وكل حي‬ ‫وكل ّ‬
‫واألمر في ذلك للجليل‪ّ ...‬‬
‫سالك السبيل ‪.‬‬ ‫السبي ِل‪.‬‬
‫سالك ّ‬
‫ُ‬
‫قال‪ّ :‬أما أنا فسمعته ورددت عبرتي‪ ،‬قال‪ :‬وأما أنا فسمعته ورددت عبرتي‪ ،‬وأما‬
‫وأما زينب عمتي فسمعته دون النساء عمتي فسمعته دون النساء فلزمتها الرقة‬
‫فلزمها الرقة والجزع‪ ،‬فخرجت حاسرة والجزع‪ ،‬فشقت ثوبها‪ ،‬ولطمت وجهها‪،‬‬
‫تنادي‪> :‬واثكاله! واحزناه! ليت وخرجت حاسرة تنادي‪> :‬واثكاله!‬
‫الموت أعدمني الحياة‪ ،‬يا حسيناه! يا واحزناه! ليت الموت أعدمني الحياة‪ ،‬يا‬
‫سيداه يا بقية الماضين وثمال الباقين‪ ،‬حسيناه يا سيداه يا بقية أهل بيتاه‪ ،‬استقلت‬
‫بئست الحياة‪ ،‬اليوم مات جدي وأمي ويئست من الحياة‪ ،‬اليوم مات جدي‬
‫‪ ،‬وأمي فاطمة الزهراء‪،‬‬ ‫وأبي وأخي<‪ ،‬فسمعها الحسين فقال رسول اهلل‬
‫لها‪> :‬يا أختاه! [ال يذهبن بحلمك وأبي علي‪ ،‬وأخي الحسن‪ ،‬يا بقية‬
‫الشيطان](‪ )2‬واهلل يا أختاه‪ ،‬لو ُترك الماضين‪ ،‬وثمال الباقين<‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كذا وفي تاريخ الطبري واإلرشاد‪> :‬من طالب أو صاحب قتيل<‪ ،‬فلعل التصحيف وقع في طبعة‬
‫مقاتل الطالبيين التي اعتمد عليها حسن قاسم‪ ،‬أو لعل التصرف منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذه الزيادة ليست في مقاتل الطالبيين وهي مثبتة في تاريخ الطبري (‪ ،)420/5‬واإلرشاد للمفيد=‬

‫‪151‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫مقاتل الطالبيين‬ ‫أخبار الزينبات‬


‫فقال لها الحسين‪> :‬يا أختي لو ُترك القطا‬ ‫القطا لنام<‪ ،‬فقالت‪> :‬ما أطول حزني‬
‫لنام<‪ .‬قالت‪> :‬فإنما تغتصب نفسك‬ ‫وما أشجى قلبي<‪ّ ،‬ثم خرت مغشيا‬
‫اغتصاب ًا‪ ،‬فذاك أطول لحزني وأشجى‬ ‫عليها‪ ،‬فلم يزل يناشدها ويواسيها حتى‬
‫لقلبي< وخرت مغشي ًا عليها‪ ،‬فلم يزل‬ ‫احتملها وأدخلها الخباء(‪.<)1‬‬
‫يناشدها واحتملها حتى أدخلها‬
‫الخباء<(‪.)2‬‬
‫ومن األمور المسلمة عند المؤرخين أ ّن ُجلَّ تفاصيل مقتل الحسين ‪‬‬
‫تفرد بها أبو مخنف لوط بن يحيى األزدي‪ ،‬وعنه نقل‬‫ومسيره إلى كربالء قد ّ‬
‫من جاء بعده كابن سعد في >الطبقات الكبرى< والطبري في >تاريخه<‬
‫(‪)3‬‬
‫صرح أبو الفرج األصفهاني بالنقل‬
‫واألصفهاني في >مقاتل الطالبيين< ‪ ،‬وقد َّ‬
‫من أبي مخنف‪.‬‬
‫ّأما صاحبنا حسن قاسم صانع >أخبار الزينبات< فقد أتى بما لم يسبق إليه‬
‫وغير بعض‬‫وبما كشف أمره‪ ،‬فقد أخذ الرواية اآلنفة من >مقاتل الطالبيين< َّ‬
‫ثم ركَّب لها إسنادا آخر‬
‫ألفاظها وزاد فيها بعض الكلمات من مصادر أخرى‪َّ ،‬‬
‫سرقه من >غاية االختصار<‪ ،‬وحذف منه أبا مخنف!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= (‪ ،)93/2‬وقد اعتمد عليهما حسن قاسم في كتابه‪ ،‬فإما أنه ع َّدل النص بحسب ما وجده في‬
‫المصادر األخرى أو أن طبعته من مقاتل الطالبيين كان النص فيها كذلك‪ ،‬وقد ذكر حسن قاسم‬
‫في كتابه ذكرى مصرع الحسين (ص ‪ )6‬أنه وقف على مقاتل الطالبيين وطالعه‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)16‬‬
‫(‪ )2‬مقاتل الطالبيين (ص ‪.)113‬‬
‫(‪ )3‬سيأتي تفصيل ذلك في المبحث المخصص لنقد روايات أبي مخنف عن زينب ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫فكشف بذلك عن تزويره لهذا النص‪ ،‬ألن هذه الرواية المذكورة بهذا اللفظ‬
‫وهذا السياق مدارها على أبي مخنف‪ ،‬وال يوجد لها را ٍو غيره‪ ،‬إلى أن ظهر كتاب‬
‫>أخبار الزينبات< في القرن الرابع عشر وجاء بإسناد ال وجود له‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ نص مسروق من >الخطط< للمقريزي‬
‫اقتبس حسن قاسم نصا من الخطط للمقريزي يذكر فيه أ َّن الحسن بن زيد بن‬
‫الحسن تزوج زينب بنت الحسن المثنى فولدت له‪ :‬القاسم ومحمد ًا ويحيى وأم‬
‫كلثوم وسلمة(‪ ،)1‬وأصل النص في خطط المقريزي الذي نقله عن >الروضة األنيسة‬
‫بفضل مشهد السيدة نفيسة< لمحمد بن أسعد الجواني‪ ،‬وإليك مقارنة بين النصين‪:‬‬
‫المواعظ واالعتبار‬
‫أخبار الزينبات‬
‫بذكر الخطط واآلثار‬
‫وعلي وإبراهيم وزيد‬
‫ّ‬ ‫القاسم ومحمد‬ ‫زينب بنت الحسن المثنى بن الحسن‬
‫وعبيد اهلل ويحيى وإسماعيل وإسحاق‬ ‫السبط بن علي بن أبي طالب‪ ،‬أمها أم‬
‫وأم كلثوم‪ ،‬أوالد الحسن بن زيد بن‬ ‫ّ‬ ‫ولد تدعى حميدة تزوجها الحسن بن‬
‫فأمهم ّأم سلمة‪،‬‬ ‫علي‪ّ ،‬‬‫الحسن بن ّ‬ ‫زيد بن الحسن بن علي‪ ،‬فولدت له‬
‫واسمها زينب ابنة الحسن بن الحسن‬ ‫القاسم ومحمدا ويحيى وأم كلثوم‬
‫علي‬
‫وأمها أ ّم ولد‪ ....‬وأما ّ‬‫علي‪ّ ،‬‬ ‫ابن ّ‬ ‫وسلمة وبها كانت تكنى‪ ،‬وللقاسم‬
‫وإبراهيم وزيد أخوة نفيسة من أبيها‪،‬‬ ‫عقب من ولديه‪ :‬محمد‪ ،‬وعبد الرحمن‬
‫(‪)3‬‬
‫فأمهم أ ّم ولد تدعى أ ّم عبد الحميد‬
‫ّ‬ ‫ماتت زينب بنت الحسن المثنى‬
‫بالمدينة سنة ‪.)2(160‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)21‬‬
‫(‪ )2‬أخبار الزينبات (ص ‪.)21‬‬
‫(‪ )3‬الخطط للمقريزي (‪.)324/4‬‬

‫‪153‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫والتشابه بين النصين واضح‪ ،‬وقد زاد حسن قاسم على كالم المقريزي أن‬
‫زينب بنت الحسن ولدت ابنة تسمى سلمة وبها كانت تكنى!! وهذا من أغالطه‪،‬‬
‫فإنه لما رأى المقريزي يذكر أن اسم أم سلمة زينب تبادر إلى ذهنه أن تكنيتها بأم‬
‫سلمة هو بسبب والدتها البنة اسمها سلمة‪ ،‬فأضاف عبارة >وسلمة وبها كانت‬
‫تكنى< إلى ترجمة زينب هذه‪ ،‬وال أدري ما مستنده‪ ،‬ولو كان هذا صحيحا لكان‬
‫ينبغي أن تكون هذه كنية زوجها الحسن بن زيد‪ ،‬وبما أن كنية الحسن بن زيد هي‬
‫أبو محمد(‪ )1‬بطل ما ادعاه حسن قاسم‪ ،‬وقد مضى نقد ما جاء في هذا االقتباس‬
‫آنفا‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ النصوص المسروقة من كتاب >العدل الشاهد في تحقيق المشاهد<‬
‫استعان حسن قاسم بكتاب >العدل الشاهد< في تعيين موقع قبر زينب‬
‫ومقامها في مصر عند قدومها(‪ ،)2‬ولكنه غلّف نقله بالسرقة والتلفيق‪ ،‬فأخذ‬
‫مضمون المسألة وصاغها بلفظه الخاص مع زيادة ونقصان‪.‬‬
‫دوخ (‪1317‬هـ) ــ صاحب >العدل الشاهد< ــ رواية شفوية‬
‫فقد نقل عثمان ُم ّ‬
‫عمن يثق به أنه سمع ممن قرأ وطالع بعض التواريخ يدعي أنه وقف على قصة‬
‫قدوم زينب إلى مصر(‪.)3‬‬
‫ومعلوم أ ّن هذا النقل غير معتبر به فهو نقل مجهول عن مجهول عن كتاب‬
‫غير معلوم‪ ،‬والحقيقة أنه نقل ال وجود له إن ص َدق الناقل‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الثقات للعجلي (ص ‪ ،)114‬الثقات البن حبان (‪ )160/6‬تاريخ بغداد (‪.)269/8‬‬
‫(‪ )2‬ذكر حسن قاسم كتاب العدل الشاهد ضمن مصادره‪ ،‬انظر السيدة زينب وأخبار الزينبات (ص ‪.)63‬‬
‫(‪ )3‬العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص ‪.)67‬‬

‫‪154‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫دوخ قال بعد نقلها‪> :‬ولكن هذا‬


‫ويكفي في سقوط هذه الرواية أ ّن عثمان ُم ّ‬
‫التاريخ الذي به نص هذه الحكاية لم أعثر به(‪ ،)1‬ولكن الذي نقل لي هذه الحكاية‬
‫غير شا ٍّك في ذلك<(‪.)2‬‬
‫حولها إلى نصوص‬‫فلما وقف حسن قاسم على هذه الحكاية العجيبة َّ‬
‫تاريخية ثابتة مروية بالسند في >أخبار الزينبات<‪ ،‬وإليك مواضع االقتباس من‬
‫كتاب >العدل الشاهد<‪:‬‬
‫العدل الشاهد في تحقيق المشاهد‬ ‫أخبار الزينبات‬
‫ثم إن والي المدينة اشتكى من إقامة‬
‫َّ‬ ‫علي من الشام‬
‫لما قدمت زينب بنت ّ‬
‫السيدة زينب بالمدينة وإن ذلك يهيج‬ ‫إلى المدينة مع النساء والصبيان ثارت‬
‫الخواطر ألن وجودها بالمدينة مهيج‬ ‫فتنة بينها وبين عمرو بن سعيد‬
‫للخواطر والقلوب على ما حصل آلل‬ ‫األشدق والي المدينة من َقبل يزيد‪،‬‬
‫البيت وأنه يطلب إخراجها من المدينة‬ ‫فكتب إلى يزيد يشير عليه بنقلها من‬
‫فاختار أهل دمشق الشام أن تتوجه مصر‬ ‫المدينة‪ ،‬فكتب له بذلك فجهزها هي‬
‫وتقيم بها فجهزوها ومن أراد الخروج‬ ‫ومن أراد السفر معها من نساء بني‬
‫معها إلى مصر(‪.)4‬‬ ‫هاشم إلى مصر(‪.)3‬‬
‫ثم احتملها إلى داره بالحمراء‪ ،‬فأقامت في قصرها أحد عشر شهرا(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كذا والصواب‪ :‬لم أعثر عليه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص ‪.)69‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص ‪.)68‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص ‪.)69‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪155‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫فأقامت بها أحد عشر شهرا وخمسة‬


‫عشر يوما(‪.)1‬‬
‫ودفنت بمخدعها بدار مسلمة أنزلها أمير البلد في قصر من قصور‬
‫المستجدة بالحمراء القصوى‪ ،‬حيث يشرف على بحر النيل في أرض بساتين‬
‫بساتين عبد اهلل بن عبد الرحمن بن الزهري(‪.)4‬‬
‫عوف الزهري(‪.)3‬‬
‫وخالفا للمواضع السابقة‪ ،‬فإ َّن حسن قاسم لم يقم بسرقة النصوص بألفاظها‬
‫من كتاب >العدل الشاهد<‪ ،‬بل أخذ المضامين التي وردت عن سفر زينب إلى‬
‫مصر وأضاف إليها بعض الزيادات من عنده‪ ،‬ومع ذلك فإ َّن المقارنة بين نصوص‬
‫الكتابين تدل على أ َّن حسن قاسم قد أخذ نصوص كتاب >العدل الشاهد< ولفَّقها‬
‫للعقيقي في كتاب >أخبار الزينبات<‪ ،‬وأظهر دليل على ذلك ادعاؤه أ َّن زينب‬
‫تفرد بذلك دون بقية‬‫دفنت في بساتين الزهري‪ ،‬فإ َّن صاحب >العدل الشاهد< قد ّ‬
‫وقفت عليه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫المصادر على حد ما‬

‫ــ الطريقة الثانية‪ :‬تلفيق األسماء وتركيب األسانيد‬


‫إ ّن من عالمات الوضع المعروفة عند أرباب صناعة الحديث‪ ،‬كثرة‬
‫المجاهيل في األسانيد‪ ،‬وهذه العالمة ظهرت بجالء على أسانيد كتاب >أخبار‬
‫الزينبات<‪ ،‬فأول إسناد في كتاب >أخبار الزينبات< هو إسناد الكتاب نفسه‪ ،‬وهو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬
‫(‪ )3‬أخبار الزينبات (ص ‪.)19‬‬
‫(‪ )4‬العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص ‪.)68‬‬

‫‪156‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫مركب ومليء بالمجاهيل‪ ،‬فضال عن ظهور الصناعة فيه‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫إسناد‬
‫ٌ‬
‫‪ 1‬ــ يقول مؤلف >أخبار الزينبات<‪> :‬ح َّدثنا محمد بن سليمان قال‪ :‬ح َّدثني‬
‫أبو طالب جعفر النقيب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا الشيخ أبو الفتح السلماني‪ ،‬قال‪ :‬ح َّدثنا‬
‫الشريف أبو محمد الحسن والشريف مهنا بن سبيع القرشي‪ ،‬قاال‪ :‬حدثنا محمد‬
‫علي أبي وأنا أكتب‪.)1(<...‬‬
‫ابن يحيى بن الحسن‪ ،‬قال‪ :‬أملى ّ‬
‫وأمارات الصناعة والتركيب ظاهرة على هذا اإلسناد‪ ،‬فواضعه ال يدري أ َّن‬
‫األسانيد المتأخرة التي تتصدر الكتب تكون في الغالب أسانيد مفصلة‪ ،‬يُذكر فيها‬
‫اسم الشيخ المح ِّدث واسم أبيه وجده ولقبه ونسبته‪ ،‬وأغلبها يذكر تاريخ السماع‪.‬‬
‫فم ْن هو محمد بن‬‫ّأما هذا اإلسناد المصنوع‪ ،‬فاكتفى بأسماء مبهمة‪َ ،‬‬
‫سليمان هذا الذي تص َّدر اإلسناد؟ ومن هو أبو طالب جعفر النقيب؟ ومن هو‬
‫الشيخ أبو الفتح السلماني؟‪ ،‬ومن هو الشريف أبو محمد الحسن؟ إنها أسماء‬
‫لشخصيات مختلقة ال وجود لها‪ ،‬وصانع أخبار الزينبات تعمد التعمية والتضليل‬
‫في صناعة هذا اإلسناد‪ ،‬ألنه لو وضع إسنادا فيه أسماء معروفة ل ُكشف أمره‬
‫بسهولة‪.‬‬
‫وأل َّن حسن قاسم ال يحسن تركيب األسانيد‪ ،‬فقد لجأ إلى أسلوب تلفيق‬
‫األسماء كيفما اتفق من كتاب >غاية االختصار<‪ ،‬فصاحب >غاية االختصار<‬
‫يروي عن >كتاب النسب< للعقيقي بإسناده‪ ،‬ومن ضمن رجال هذا اإلسناد‪ ،‬أبو‬
‫(‪)2‬‬
‫فحوله حسن قاسم إلى رجلين‪ :‬محمد بن سليمان‬ ‫الفتح محمد بن سلمان ‪َّ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)12‬‬
‫(‪ )2‬غاية االختصار (ص ‪ ،)18‬وفي ص (‪ )38‬محمد بن سليمان‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫وأبو الفتح السلماني!‬


‫وأما أبو طالب جعفر النقيب‪ ،‬فالظاهر أنه ملفق من اسمين وردا في صفحة‬
‫ّ‬
‫واحدة من كتاب >غاية االختصار<‪ ،‬هما أبو عبد اهلل جعفر نقيب حلب‪ ،‬وأبو‬
‫طالب النقيب(‪.)1‬‬
‫وأما مهنا بن سبيع فهو شخصية حقيقية اقتبسها حسن قاسم من نسب‬
‫>الشريف أبي محمد قريش بن سبيع بن مهنا بن سبيع الحسيني العبيدلي< الذي‬
‫ورد في >غاية االختصار<(‪ ،)2‬فلفَّق حسن قاسم من هذا الشخص اسم‪ :‬الشريف‬
‫مهنا بن سبيع القرشي‪.‬‬
‫وأما الشريف أبو محمد الحسن‪ ،‬فاقتبسه حسن قاسم من الشريف أبي‬ ‫ّ‬
‫محمد الحسن بن يحيى حفيد النسابة العقيقي وتلميذه المشهور وراوية كتبه‪،‬‬
‫ويرد اسمه في سائر المواضع في >غاية االختصار< قبل العقيقي مباشرة(‪.)3‬‬
‫وقد جعل حسن قاسم الحسن بن يحيى يروي عن العقيقي بواسطة رجل‬
‫آخر! ألنه يجهل أ َّن الحسن بن يحيى هو راوية كتب العقيقي‪.‬‬
‫النسابة العقيقي يحيى بن‬‫وأما اسم محمد بن يحيى بن الحسن‪ ،‬ابن َّ‬ ‫ّ‬
‫الحسن‪ ،‬فمن تلفيق حسن قاسم أيضا‪ ،‬فإنه لما رأى في >غاية االختصار< أ َّن‬
‫الراوي عن العقيقي هو الشريف أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى(‪ ،)4‬لفق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)94‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)26‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)101 ،68 ،52 ،48 ،38 ،26 ،18‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)26‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪158‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫من ذلك رواية محمد بن يحيى بن الحسن عن أبيه يحيى بن الحسن‪.‬‬


‫ولم أقف على رواية لمحمد بن يحيى عن أبيه يحيى العقيقي‪ ،‬وإ ّنما الذي‬
‫اختص بالرواية عن العقيقي هو الحفيد أبو محمد الحسن بن محمد(‪.)1‬‬
‫فهذا حال إسناد كتاب >أخبار الزينبات<‪ :‬إسناد ملفق ومركب من‬
‫شخصيات بعضها وهمية وبعضها حقيقية‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ يقول صاحب >أخبار الزينبات<‪> :‬أخبرنا الحسين بن جعفر قال‪ :‬ح َّدثنا‬
‫سلمة بن شبيب قال‪ :‬ح َّدثنا جعفر بن محمد عن أبيه<(‪.)2‬‬
‫وهذا إسناد ظاهر التركيب‪ ،‬فالحسين بن جعفر ال يُدرى من هو؟‬
‫وأما سلمة بن شبيب فهو الذي فضح أمر هذا اإلسناد‪ ،‬إذ أنه توفي سنة‬
‫َّ‬
‫‪ 246‬أو ‪ 247‬هـ(‪ ،)3‬فيستحيل أن يحدث بصيغة السماع عن جعفر بن محمد‬
‫الصادق المتوفى سنة ‪148‬هـ(‪.)4‬‬
‫وقديما قيل‪ :‬لما استعمل الرواة الكذب‪ ،‬استعملنا لهم التاريخ(‪.)5‬‬
‫وسلمة بن شبيب يروي عن جعفر الصادق بواسطتين كما في مسند أبي‬
‫حنيفة(‪ ،)6‬فهذا اإلسناد مصنوع وموضوع من عمل حسن قاسم كما هو ظاهر‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر‪ :‬تاريخ بغداد (‪ ،)445/8‬تاريخ اإلسالم للذهبي (‪ ،)29/8‬طبقات النسابين (ص ‪،)86‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫عمدة الطالب (ص ‪ ،)331‬أعيان الشيعة (‪.)282/5‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)14‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تهذيب التهذيب (‪.)147/4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫سير أعالم النبالء (‪.)269/6‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الكفاية في علم الرواية (ص ‪.)147‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫مسند أبي حنيفة رواية أبي نعيم األصفهاني (ص ‪.)66‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪159‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫‪ 3‬ــ من األسانيد المركبة واألسماء الملفقة في >أخبار الزينبات< قول‬


‫مؤلف الكتاب‪> :‬ح َّدثنا زهران بن مالك قال‪ :‬سمعت عبد اهلل بن عبد الرحمن‬
‫علي بن موسى‬
‫العتبي يقول‪ :‬ح َّدثني موسى بن سلمة عن الفضل بن سهل عن ّ‬
‫وعلي بن أحمد الباهلي قاال‪ :‬أخبرنا مصعب‬
‫ّ‬ ‫قال‪ :‬أخبرني قاسم بن عبد الرازق‬
‫علي‪.)1(<...‬‬
‫ابن عبد اهلل قال‪ :‬كانت زينب بنت ّ‬
‫والذي يظهر ِمن تأم ِل هذا اإلسناد أ ّن واضعه لم يكت ِ‬
‫ف بسرقته‪ ،‬بل اجتهد‬
‫في تركيب اإلسناد‪ ،‬وأعمل ِف ُ‬
‫كره في ترتيب طبقاته ولذا وقع في هذه الطامات‪.‬‬
‫النسابة العقيقي مجهول‪ ،‬وكذا عبد اهلل‬
‫فزهران بن مالك الذي يروي عنه َّ‬
‫ابن عبد الرحمن العتبي وقاسم بن عبد الرازق مجهوالن‪.‬‬
‫وأما موسى بن سلمة والفضل بن سهل وعلي بن موسى فهذه أسماء‬ ‫ّ‬
‫لشخصيات حقيقية لكنها مقحمة في هذا اإلسناد‪ ،‬فهؤالء كلهم من طبقة المائة‬
‫الثانية للهجرة‪ ،‬بينما جعلهم مؤلف >أخبار الزينبات< في طبقة المائة الثالثة فما‬
‫بعدها‪ ،‬أل ّن هذا الزم وقوعهم في إسناد ينتهي إلى مصعب بن عبد اهلل وهو‬
‫النسابة المتوفى سنة ‪ 236‬هـ!‬
‫الزبيري ّ‬
‫والجزء الوحيد المسروق في هذا اإلسناد هو رواية علي بن أحمد الباهلي‬
‫عن مصعب بن عبد اهلل‪ ،‬استفاده حسن قاسم من >غاية االختصار<(‪ ،)2‬إال أ َّن‬
‫حسن قاسم لجهله بأ َّن مصعبا هذا هو مصعب بن عبد اهلل الزبيري وقع في غلط‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)17‬‬
‫علي بن أحمد‬
‫(‪ )2‬غاية االختصار (ص‪ )43‬وفيه‪> :‬وباإلسناد المقدم المرفوع إلى يحيى قال‪ :‬حدثني ّ‬
‫الباهلي‪ ،‬ح َّدثنا مصعب بن عبد اهلل<‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫النسابة العقيقي ومصعب بن عبد اهلل ستة رجال‪،‬‬


‫شنيع‪ ،‬فقد جعل الوسائط بين َّ‬
‫فالنسابة العقيقي توفي سنة ‪ 277‬هـ وليس بينه وبين وفاة‬
‫وهذا من الغرائب‪ّ ،‬‬
‫مصعب الزبيري إال أربعون سنة‪ ،‬فكيف يروي عنه بواسطة ستة رجال؟ إن هذا‬
‫إال اختالق!‬
‫والغريب أ َّن حسن قاسم قد رأى بعينه أ َّن يحيى العقيقي يروي عن مصعب‬
‫علي بن أحمد الباهلي كما نقل عنه صاحب‬ ‫الزبيري بواسطة رجل واحد فقط هو ّ‬
‫>غاية االختصار<‪ ،‬ولكنَّه أصر على وضع هذا اإلسناد العجيب أل ّنه ظن أ ّن مصعبا‬
‫رجل من التابعين‪ ،‬فركب إسنادا من ستة رجال بين العقيقي ومصعب حتى يجعل‬
‫الرواية مسندة متصلة إلى زينب بنت علي ‪ ،‬ولم يدر أ َّن مصعبا هذا إنما هو‬
‫النسابة المشهور مصعب الزبيري الذي عاش في القرن الثاني والثالث‪ ،‬ولو درى‬
‫حسن قاسم هذا لما جعل مصعبا يروي بدون واسطة قصة زينب‪.‬‬
‫واألغرب أ َّن مؤلف >أخبار الزينبات< قال بعد تلك الرواية‪> :‬و باإلسناد‬
‫المذكور مرفوعا إلى عبيد اهلل بن أبي رافع قال‪ :‬سمعت محمدا أبا القاسم بن‬
‫علي<(‪.)1‬‬
‫وال ريب أ َّن هذا تلفيق وتركيب‪ ،‬ويكفي أن تعلم أن عبيد اهلل بن أبي رافع‬
‫ال تعرف له رواية عن أبي القاسم بن علي وهو محمد بن الحنفية‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ يقول صاحب >أخبار الزينبات<‪> :‬ح َّدثني أبي عن أبيه عن جدي عن‬
‫محمد بن عبد اهلل عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن الحسن بن الحسن‬
‫قال‪ :‬لما خرجت عمتي زينب من المدينة خرج معها من نساء بني هاشم فاطمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬

‫‪161‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫ابنة عمي(‪ )1‬الحسين وأختها سكينة<(‪.)2‬‬


‫هذه من أسهل التراكيب في األسانيد‪ ،‬وهي رواية األبناء عن اآلباء‪،‬‬
‫وظهور التركيب في هذا اإلسناد ظاهر لعدم وجود نظير لهذا اإلسناد في روايات‬
‫العقيقي المنقولة عنه في كتبه األخرى‪ ،‬والغرض الذي من أجله ُركب هذا اإلسناد‬
‫هو إثبات دخول فاطمة وسكينة بنتي الحسين إلى مصر‪ ،‬وهذا باطل‪.‬‬
‫نص جماعة من المؤرخين والنسابين على أ َّن سكينة بنت الحسين‬ ‫فقد َّ‬
‫ماتت بالمدينة‪ ،‬كالواقدي(‪ )3‬وابن سعد(‪ ،)4‬والبالذري(‪ ،)5‬وابن حبان(‪ ،)6‬وابن‬
‫خلكان(‪.)7‬‬
‫وأما دخولها‬
‫وأما فاطمة بنت الحسين فالظاهر أنها ماتت بالمدينة أيضا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وموتها بمصر فال دليل عليه‪ ،‬وإنما أراد حسن قاسم إثبات وفاتها هي وأختها‬
‫سكينة في مصر أل َّن بها قبرين ينسبان إليهما‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ يقول صاحب >أخبار الزينبات<‪> :‬وح َّدثني أبي قال‪ :‬روينا باإلسناد‬
‫المرفوع إلى علي بن محمد بن عبد اهلل قال‪ :‬لما دخلت مصر في سنة ‪145‬‬
‫سمعت عسامة المعافري يقول‪ :‬ح َّدثني عبد الملك بن سعيد األنصاري قال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫في طبعة حسن قاسم وقع هنا‪ :‬ابنة عم الحسين وهو غلط والصحيح ابنة عمي الحسين‪ ،‬وقد‬ ‫(‪)1‬‬
‫أصلحه فارس حسون في طبعته‪.‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نقله عنه البالذري في أنساب األشراف (‪ 196/2‬ــ ‪.)197‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الطبقات الكبرى (‪.)475/8‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أنساب األشراف (‪ 196/2‬ــ ‪.)197‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الثقات (‪.)217/2‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫وفيات األعيان (‪.)396/2‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪162‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫ح َّدثني وهب بن سعيد األوسي عن عبد اهلل بن عبد الرحمن األنصاري<(‪.)1‬‬


‫ومن العجائب التي اجتمعت في هذا اإلسناد أ َّن المؤلف اختصر أول‬
‫اإلسناد بعبارة روينا باإلسناد المرفوع‪ ،‬لكنه في نفس الوقت يذكر خمسة رجال‬
‫في اإلسناد‪ ،‬فال هو أسند وال هو اختصر اإلسناد!‬
‫ثم إنه يجعل عسامة المعافري يُح ِّدث بصيغة السماع عن عبد الملك بن‬
‫َّ‬
‫سعيد األنصاري‪ ،‬وهذا ممتنع قطعا‪ ،‬ألسباب‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أل َّن عسامة المعافري إن كان المراد به عسامة بن عمرو المعافري‬
‫يعرف بالرواية وإنما ذكروا أنه كان أميرا لمصر(‪ ،)2‬وإن‬
‫المتوفى سنة ‪176‬هـ‪ ،‬فال ُ‬
‫كان المراد عسامة بن النجاشي المعافري فهو أيضا ال يعرف عنه الرواية عن‬
‫عبد الملك بن سعيد األنصاري‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عبد الملك األنصاري من طبقة التابعين فهو يروي عن الصحابة‬
‫مباشرة‪ ،‬فروايته عن زينب يفترض أن تكون مباشرة أو بواسطة واحدة على‬
‫األكثر‪ّ ،‬أما أن يروي عمن لقي زينب بواسطتين فهذا من الغرائب‪ ،‬فمن يكون من‬
‫التابعين يُستبعد أن يروي عن صحابي بواسطة راويين‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وهب بن سعيد األوسي الوارد ِذكره في اإلسناد؛ جهدت أن أقف‬
‫لهذا االسم على أثر فلم أجده إال في >أخبار الزينبات<‪ ،‬فغالب الظن أنه من‬
‫األسماء الملفقة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬
‫(‪ )2‬اإلكمال البن ماكوال (‪ )37/2‬نقال عن تاريخ ابن يونس المصري‪ ،‬وانظر تاريخ ابن يونس‬
‫المصري الذي جمعه الدكتور عبد الفتاح (‪.)342/1‬‬

‫‪163‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫‪ 6‬ــ يقول مؤلف >أخبار الزينبات<‪> :‬وبالسند المرفوع إلى رقية بنت عقبة‬
‫ابن نافع الفهري قالت‪ :‬كنت فيمن استقبل زينب بنت علي لما قدمت‬
‫مصر‪.)1(<...‬‬
‫ورقية بنت عقبة هذه ال ذكر لها إال في كتاب >تحفة األحباب< ألبي الحسن‬
‫السخاوي الحنفي(‪ )2‬الذي قام حسن قاسم بتحقيقه وطباعته‪ ،‬وال تعرف لها رواية‬
‫إال في كتاب >أخبار الزينبات<‪ ،‬فحسن قاسم كعادته اقتبس اسم رقية من كتاب‬
‫ثم ل ّفق قصة لقائها مع زينب بنت علي في >أخبار الزينبات<‪.‬‬
‫>تحفة األحباب< ّ‬
‫‪ 7‬ــ لم يكتف حسن قاسم بهذا بل جاء بإسناد أغرب‪ ،‬ففي >أخبار‬
‫الزينبات<‪> :‬ح َّدثني إسماعيل بن محمد البصري ــ عابد مصر ونزيلها ــ قال‪:‬‬
‫ح َّدثني حمزة المكفوف قال‪ :‬أخبرني الشريف أبو عبد اهلل القرشي قال‪ :‬سمعت‬
‫هند بنت أبي رافع بن عبيد اهلل بن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري<(‪.)3‬‬
‫ّأما إسماعيل هذا فلم أجد أحدا بهذا المسمى في طبقته ممن نزل مصر‬
‫وسكنها‪ ،‬وأما حمزة المكفوف فقد أتى به حسن قاسم من كتاب >عمدة الطالب<‪،‬‬
‫إذ نص ابن عنبة على أن عقب حمزة المكفوف بمصر(‪ ،)4‬فحشره حسن قاسم في‬
‫هذا اإلسناد‪ ،‬مع أ َّن حمزة المكفوف هذا في طبقة متأخرة عن العقيقي بجيلين(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تحفة األحباب وبغية الطالب في الخطط والمزارات (ص ‪ )221‬و(ص ‪ ،)233‬وهو غير شمس‬ ‫(‪)2‬‬
‫الدين السخاوي المشهور‪.‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)19‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫عمدة الطالب (ص ‪ ،)50‬وقد صرح حسن قاسم بوقوفه على عمدة الطالب‪ ،‬انظر أخبار الزينبات‬ ‫(‪)4‬‬
‫(ص ‪.)62‬‬
‫حمزة المكفوف هو‪ :‬حمزة بن محمد بن علي بن عبد اهلل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن=‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪164‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫وأما قوله‪> :‬سمعت هند بنت أبي رافع بن عبيد اهلل بن رقية بنت عقبة بن‬
‫نافع الفهري<‪ ،‬فمن أعجب ما رأيت في األسانيد‪ ،‬فقد اجتمعت فيه كل أمارات‬
‫الكذب الظاهر‪ ،‬فأوال‪ :‬حمزة المكفوف يستحيل أن يروي عن هند هذه بواسطة‬
‫الشقة بينهما‪.‬‬
‫واحدة‪ ،‬لبعد ُّ‬
‫ثانيا‪ :‬إ َّن هندا هذه التي ينتهي نسبها إلى رقية بنت عقبة اسم وهمي من عمل‬
‫حسن قاسم‪ ،‬ويكفي أن ترى أن نسبها ينتهي إلى امرأة!! ومتى كان المحدثون‬
‫ينهون أنساب الرواة إلى أمهاتهم؟!‬
‫والظاهر أن حسن قاسم أراد أن يكتب >عن رقية< فكتب >ابن رقية< بدليل‬
‫ما جاء في الرواية من حضورها جنازة زينب ‪.)1(‬‬
‫ومع هذا فاإلشكال ال يرتفع بل يثبت أن حسن قاسم ال يحسن صناعة‬
‫األسانيد‪ ،‬إذ أنه أراد أن يختلق بنتا باسم هند لعبيد اهلل بن أبي رافع المشهور‪،‬‬
‫فقلب اسمه فجعله‪> :‬أبو رافع بن عبيد اهلل<‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬رقية بنت عقبة؛ مضى أن ال ذكر لها في كتاب إال في >تحفة‬
‫األحباب< وأنها ال ُتعرف بالرواية وإنما أراد حسن قاسم أن يجعل تاريخ وفاة‬
‫زينب مسندا إلى امرأة مصرية‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= علي بن عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب‪ ،‬عمدة الطالب (ص‪ ،)50‬فبينه وبين جده عبد اهلل بن‬
‫جعفر ‪ ‬سبعة آباء‪ ،‬أما النسابة العقيقي فليس بينه وبين جده الحسين بن علي ‪ ‬إال خمسة‬
‫آباء‪.‬‬
‫(‪ )1‬وقد أصلح فارس حسون في تحقيقه ألخبار الزينبات هذا الخطأ فأثبت في المتن >عن< بدل ابن‬
‫وأشار إلى ذلك في الهامش‪ ،‬انظر أخبار الزينبات بتحقيق فارس حسون‪ ،‬منشور بمجلة ميراث‬
‫حديث شيعة العدد ‪( 16‬ص ‪.)44‬‬

‫‪165‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫ثم إ َّن المتن يشهد على كذب الرواية‪ ،‬فإ َّن هند بنت أبي رافع بن عبيد اهلل‬
‫َّ‬
‫ابن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري ينبغي أن تكون من أهل القرن الثاني أل َّن بينها‬
‫وبين عقبة بن نافع المتوفى سنة ‪ 63‬هـ ثالثة أجيال‪ ،‬فكيف يصح أن تقول عن‬
‫زينب‪> :‬وشهدت جنازتها<‪ ،‬إال إن كانت من المعمرين وهو احتمال غريب‬
‫ومستبعد عن شخصية ليست أصال معروفة فضال عن أن تكون من المعمرين!‪.‬‬
‫هذه أمثلة من األسانيد التي يظهر عليها التركيب واالختالق بوضوح‪ ،‬وأما‬
‫بقية أسانيد >أخبار الزينبات<‪ ،‬فجلها مسروق من كتاب >غاية االختصار< كما‬
‫مضى‪ ،‬فحسن قاسم لم يلتزم ذكر األسانيد في كل تراجم الزينبات‪ ،‬بل في بعضها‬
‫ألنها أول ترجمة في‬ ‫فقط‪ ،‬فذكر عدة أسانيد في ترجمة زينب بنت النبي‬
‫يخيل للقارئ أن كتاب‬ ‫ثم في ترجمة زينب بنت جحش‪ ،‬وذلك حتى ّ‬ ‫الكتاب‪ّ ،‬‬
‫ثم يجري ذكر زينب‬ ‫>أخبار الزينبات< كتاب موثوق يروي األخبار باألسانيد‪ّ ،‬‬
‫ثم بعدها تأتي ترجمة زينب الكبرى‬ ‫بنت عقيل عرضا بال أي إسناد وال خبر‪ّ ،‬‬
‫بنت علي ‪ ،‬وهنا يظهر أكبر عدد من األسانيد في ترجمة واحدة‪ ،‬ويستمر‬
‫اإلسناد في ترجمة زينب الوسطى‪ ،‬وزينب بنت الحسن بن علي ‪ ،‬وزينب‬
‫بنت زين العابدين‪ ،‬وزينب بنت خزيمة ‪ ،‬وزينب بنت يحيى‪َّ ،‬‬
‫ثم بعدها‬
‫تختفي األسانيد من الكتاب‪ ،‬فبقية التراجم خلت من اإلسناد إال في النادر‪.‬‬
‫وبتتبع تركيبات حسن قاسم لألسانيد والمتون‪ ،‬يُالحظ أ ّنه كان يُلفق بعض‬
‫األسانيد على متون ُرويت في كتب مشهورة نحو‪> :‬الطبقات الكبرى< البن سعد‪،‬‬
‫و>مقاتل الطالبيين< ألبي الفرج األصفهاني‪ ،‬فضال عن أسانيد ومتون هي من‬
‫التلفيق المحض‪ ،‬وإليك بيان ما ذكرته سابقا مع مزيد شرح وتفصيل‪:‬‬

‫‪166‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫ــ الرواية األولى‪ :‬وهي التي رواها صاحب >أخبار الزينبات< عن >أبي‬
‫الحسن بن جعفر الحجة قال‪ :‬أخبرني عباد بن يعقوب عن يحيى بن سالم عن‬
‫صالح بن أبي األسود عن جعفر بن محمد الصادق<(‪.)1‬‬
‫وإسنادها مسروق من رواية وردت في كتاب >غاية االختصار<(‪.)2‬‬
‫وأما متنها الذي يذكر قصة بكاء زينب عندما سمعت الحسين ينعى نفسه‪،‬‬
‫َّ‬
‫فمسروقة من كتاب >مقاتل الطالبيين<(‪.)3‬‬
‫ــ الرواية الثانية‪ :‬وهي التي رواها صاحب >أخبار الزينبات< عن >إبراهيم‬
‫ابن محمد الحريري قال حدثني عبد الصمد بن حسان السعدي عن سفيان الثوري‬
‫عن جعفر بن محمد الصادق<(‪ ،)4‬فإسنادها مسروق من رواية وردت في كتاب‬
‫>غاية االختصار<(‪.)5‬‬
‫وأما متنها التي يذكر خبر وصول زين العابدين ونساء أهل البيت إلى‬‫َّ‬
‫المدينة‪ ،‬فالظاهر أنَّها من تأليف حسن قاسم‪.‬‬
‫ــ الرواية الثالثة التي رواها صاحب >أخبار الزينبات< عن >زهران بن مالك‬
‫قال‪ :‬سمعت عبد اهلل بن عبد الرحمن العتبي يقول‪ :‬حدثني موسى بن سلمة عن‬
‫وعلي بن‬
‫ّ‬ ‫علي بن موسى قال‪ :‬أخبرني قاسم بن عبد الرازق‬
‫الفضل بن سهل عن ّ‬
‫أحمد الباهلي قاال‪ :‬أخبرنا مصعب بن عبد اهلل قال‪ :‬كانت زينب بنت علي<‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)16‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)101‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مقاتل الطالبيين (ص ‪.)113‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪ 16‬ــ ‪.)17‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)101‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪167‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫فقد مضى الكالم على هذا اإلسناد بتفصيل‪ ،‬حيث َّبينت أ ّنه إسناد ملفق‬
‫ومركب وفيه أخطاء فاحشة(‪.)1‬‬
‫وأما متنها الذي يذكر قصة تأليب زينب ألهل المدينة ألخذ الثأر للحسين‬
‫ّ‬
‫وأمر يزيد لعمرو بن سعيد األشدق بإخراج زينب من المدينة‪ ،‬فقد لفَّقه حسن‬
‫قاسم من قصة وردت في كتاب >العدل الشاهد<(‪ ،)2‬وزاد عليها ألفاظا وأخبارا‬
‫من عمل يده‪.‬‬
‫ــ الرواية الرابعة التي جاء في نصها‪> :‬وباإلسناد المذكور مرفوعا إلى‬
‫عبيد اهلل بن أبي رافع قال‪ :‬سمعت محمدا أبا القاسم بن علي<(‪ ،)3‬وإسنادها من‬
‫وأما متنها الذي يذكر نفي عمرو بن سعيد األشدق‬ ‫تركيب حسن قاسم كما مر‪َّ ،‬‬
‫لزينب إلى مصر فهو تكرار لمضمون الرواية الثالثة مع زيادة حكاية إخراج زينب‬
‫إلى مصر‪.‬‬
‫ــ الرواية الخامسة‪ :‬وهي التي يقول صاحب >أخبار الزينبات< في إسنادها‪:‬‬
‫>ح َّدثني أبي عن أبيه عن جدي عن محمد بن عبد اهلل عن جعفر بن محمد الصادق‬
‫عن أبيه عن الحسن بن الحسن<‪.‬‬
‫وبينت أ ّنه إسناد مركب(‪.)4‬‬
‫فقد مضى الكالم عنها بتفصيل ّ‬
‫وأما متنها الذي يذكر خروج فاطمة وسكينة بنتي الحسين إلى مصر فمن‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر اإلسناد رقم ‪( 3‬ص ‪ 160‬ــ ‪.)161‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص ‪ 68‬ــ ‪.)69‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫انظر اإلسناد رقم ‪( 4‬ص ‪ 161‬ــ ‪.)162‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪168‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫تأليف حسن قاسم أيضا‪.‬‬


‫ــ الرواية السادسة‪ :‬وهي التي يرويها صاحب >أخبار الزينبات< عن أبيه قال‪:‬‬
‫>روينا باإلسناد المرفوع إلى علي بن محمد بن عبد اهلل قال‪ :‬لما دخلت مصر في‬
‫سنة ‪145‬هـ سمعت عسامة المعافري يقول‪ :‬ح َّدثني عبد الملك بن سعيد األنصاري‬
‫قال‪ :‬حدثني وهب بن سعيد األوسي عن عبد اهلل بن عبد الرحمن األنصاري<(‪.)1‬‬
‫فقد ّبينت فيما مضى أ َّن هذا اإلسناد مركب(‪.)2‬‬
‫وأما متنها الذي يذكر أ َّن عبد اهلل بن عبد الرحمن األنصاري رأى زينب‬
‫َّ‬
‫فقال‪> :‬فواهلل ما رأيت مثلها‪ ،‬وجهها كأنه شقة قمر<‪ ،‬فهو من تأليف حسن قاسم‪،‬‬
‫وقد اقتبس الرواية التي وردت في >غاية االختصار<‪ ،‬والتي جاء فيها أن سفيان‬
‫الثوري قال عن جعفر الصادق‪> :‬رأيت وجهه كأنه شقة قمر<(‪.)3‬‬
‫ــ الرواية السابعة‪ :‬وهي التي جاء فيها‪> :‬وبالسند المرفوع إلى رقية بنت‬
‫عقبة بن نافع الفهري قالت‪ :‬كنت فيمن استقبل زينب بنت علي لما قدمت‬
‫مصر‪ ،)4(<...‬فقد َّمر الكالم عن سندها بتفصيل(‪.)5‬‬
‫فإسنادها من تراكيب حسن قاسم ومتنها الذي يحكي قصة استقبال رقية‬
‫بنت عقبة بن نافع لزينب لما قدمت مصر وقصة وفاتها ودفنها‪ ،‬فهو من عمل يد‬
‫حسن قاسم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫انظر اإلسناد رقم ‪( 5‬ص ‪ 162‬ــ ‪.)163‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫غاية االختصار (ص ‪.)101‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫انظر اإلسناد رقم ‪( 6‬ص ‪.)164‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪169‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫ــ الرواية الثامنة واألخيرة‪ :‬وهي التي يقول فيها مؤلف >أخبار الزينبات<‪:‬‬
‫>ح َّدثني إسماعيل بن محمد البصري ــ عابد مصر ونزيلها ــ قال‪ :‬ح َّدثني حمزة‬
‫المكفوف قال‪ :‬أخبرني الشريف أبو عبد اهلل القرشي قال‪ :‬سمعت هند بنت أبي‬
‫رافع بن عبيد اهلل بن رقية بنت عقبة بن نافع الفهري<(‪ ،)1‬فقد ّمر الكالم عن‬
‫إسنادها بتفصيل(‪.)2‬‬
‫وأما متنها الذي ورد فيه تعيين تاريخ يوم وفاة زينب وموضع دفنها‪ ،‬فهو‬
‫َّ‬
‫أيضا من تلفيق حسن قاسم‪.‬‬

‫خالصة الكالم عن كتاب >أخبار الزينبات<‬


‫والخالصة أن كتاب >أخبار الزينبات< الذي ينسب إلى النسابة يحيى بن‬
‫الحسن العقيقي كتاب مختلق ال حقيقة له‪ ،‬والمتهم بافتعاله هو حسن قاسم‪ ،‬وما‬
‫تضمنه من أسانيد ومتون وروايات ليس إال روايات ملفقة بعضها مسروقة من كتب‬
‫معروفة وبعضها من تركيبات حسن قاسم‪ ،‬وسائر النصوص التي استدل بها حسن‬
‫قاسم إلثبات صحة نسبة الكتاب إلى العقيقي هي نصوص ملفقة ومختلقة‪،‬‬
‫وبذلك يتبين أن هذا الكتاب ال يعتمد عليه أصال‪ ،‬وما تضمنه من القصص‬
‫والروايات عن زينب ال عبرة به‪.‬‬
‫والدالئل المتقدمة في هذا الكتاب تثبت أن حسن قاسم هو الذي باشر‬
‫التزوير واختلق الكتاب ــ وهو الذي أميل إليه بعد األدلة التي قدمتها(‪ )3‬ــ وما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)19‬‬
‫(‪ )2‬انظر اإلسناد رقم ‪( 2‬ص ‪ 164‬ــ ‪.)165‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ما ذكرته في (أدلة عدم صحة نسبة كتاب أخبار الزينبات إلى العبيدلي) (ص ‪ 94‬ــ ‪.)124‬‬

‫‪170‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬أخبار الزينبات) املنسوب ليحيى بن حسن العقيقي‬

‫سيأتي أيضا من دراسة ألسلوب حسن قاسم في صناعة الكتاب‪ ،‬وربما يقال إن‬
‫من اختلق الرسالة شخص آخر‪ ،‬ثم دل حسن قاسم عليها كما احتمل ذلك الدكتور‬
‫فتحي حافظ حديدي(‪ ،)1‬واحتمله الباحث اإليراني حسن الفاطمي(‪ ،)2‬ولو صح‬
‫حصلة تكاد تكون واحدة‪ ،‬فإ َّن ا ّدعاء حسن قاسم‬
‫الم ِّ‬
‫هذا مع أنني أستبعده فإ َّن ُ‬
‫وقوفه على أخبار الزينبات وتحقيقه‪ ،‬وإحالته األكاذيب التي وردت فيه إلى‬
‫مصادر تاريخية ونسبية ال تتضمنها هو من الكذب الصريح‪ ،‬وفي الحديث‪:‬‬
‫الم َت َشبِّ ُع بما لم يُعط كالبس ثوبي زور<(‪ ،)3‬فضال عن أن حسن قاسم هو من قام‬
‫> ُ‬
‫بترويج الكتاب وأتى بنصوص عديدة مفتعلة ونسبها إلى عدة كتب ال وجود لها‬
‫ليثبت وجود هذا الكتاب وأنه من تأليف النسابة يحيى العقيقي‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال في كتابه دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة (ص ‪> :)197‬ربما أن ذلك قد ُد َّس‬
‫عليه من شخص آخر<‪.‬‬
‫(‪ )2‬مقالة >بررسي اعتبار أخبار الزينبات< المنشورة بمجلة كتابهاي إسالمي‪ ،‬العدد ‪ 21‬سنة ‪ 1426‬هـ‪،‬‬
‫(ص ‪.)73‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪ )5219‬وصحيح مسلم (‪.)2129‬‬

‫‪171‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫نقد كتاب زينب الكبرى لجعفر النقدي‬


‫‪$‬‬
‫ولد جعفر النقدي سنة ‪ 1302‬هـ بالنجف‪ ،‬وتلقى تدريسه بها على يد‬
‫أساتذة الحوزة‪ ،‬وبعد أن أكمل دراسته الحوزوية اشتغل بالتأليف‪ ،‬فصدرت له‬
‫عدة كتب‪ ،‬مثل >األنوار العلوية واألسرار المرتضوية في أحوال أمير المؤمنين‬
‫علي< ‪ ،‬و>فاطمة بنت الحسين<‪ ،‬و>تاريخ اإلمامين الكاظمين< وغيرها‪،‬‬
‫وتوفي سنة ‪ 1369‬هـ(‪.)1‬‬
‫إن أكثر كتاب اشتهر به النقدي هو كتابه عن زينب الكبرى بنت علي ‪،‬‬
‫الذي يعد عمدة الكتب المؤلفة عن زينب ‪ ‬في عصرنا‪ ،‬فال تكاد تجد كتابا‬
‫ألّف عن زينب بعد النقدي ــ سواء في المكتبة السنية أو في المكتبة اإلمامية ــ‬
‫إال ويعتمد على هذا الكتاب وينقل عنه‪ ،‬ولكني لم أقف إلى وقت كتابة هذه‬
‫وبين أن جلَّها‬
‫السطور على من توقف في أخبار هذا الكتاب ورواياته‪ ،‬أو انتقدها َّ‬
‫مما ال أصل له(‪ ،)2‬وال رأيت من تساءل من أين أتى المؤلف بأخبار زينب دون‬
‫سائر العالمين‪ ،‬هذا ما سأسلط عليه الضوء من خالل محورين‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ترجمته المفصلة في مقالة الشيخ جعفر النقدي وجهوده الفكرية المنشورة بمجلة دراسات‬
‫الكوفة التي تصدرها جامعة الكوفة العدد ‪ 32‬سنة ‪ 2014‬هـ (ص ‪ 181‬ــ ‪.)204‬‬
‫(‪ )2‬ويستثنى من ذلك الشيخ اإلمامي فضل علي القزويني في رسالته التي ألّفها عن زينب ونشرها في‬
‫المجلد الثالث من كتابه اإلمام الحسين وأصحابه‪ ،‬إذ أنه انتقد بعض النصوص والروايات التي‬
‫ذكرها جعفر النقدي‪ ،‬وستأتي اإلشارة إلى بعض كالمه في المبحث الذي خصصته لنقد القصص‬
‫المختلقة عن زينب‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬زينب الكربى) جلعفر النقدي‬

‫المذ َّهب<‬
‫المحور األول‪ :‬النقدي وكتاب >الطراز ُ‬
‫المذ َّهب< حوى من األخبار‬ ‫صرح النقدي في أول كتابه بأ َّن كتاب >الطراز ُ‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الغث والسمين ‪ ،‬ومع ذلك اعتمد اعتمادا تاما عليه‪ ،‬حتى إ ّني أكاد أجزم بأ َّن‬
‫المذ َّهب<‪ ،‬وقد قمت‬ ‫كتاب النقدي ليس إال ترجمة واختصارا لكتاب >الطراز ُ‬
‫بالمقارنة بين نصوص الكتابين ووجدت تشابها كبيرا بينهما‪ ،‬ويكفي مراجعة‬
‫فهرس الكتابين حتى تتيقن ذلك‪.‬‬
‫وسنكتفي بنماذج من فهرس الكتابين(‪:)2‬‬

‫الطراز المذهب‬ ‫زينب الكبرى‬


‫نسبها صلوات اهلل عليها (ص ‪ 3‬ــ نسب وكنية السيدة زينب (ص ‪.)8‬‬
‫‪.)8‬‬
‫أخوها الحسين ــ أسامي بنات أمير المؤمنين ــ‬
‫إخوتها وأخواتها (ص ‪ 13‬ــ‬
‫أسامي أوالد أمير المؤمنين من فاطمة ــ أحوال‬
‫‪.)21‬‬
‫رقية بنت علي (ص ‪ 12‬ــ ‪.)27‬‬
‫اختالف الكتب في اسم وكنية زينب ــ روايات‬
‫اسمها وكناها وألقابها وتاريخ‬
‫والدة زينب وأم كلثوم ورقية ــ اسم وكنية وألقاب‬
‫والدتها (ص ‪ 21‬ــ ‪.)25‬‬
‫السيدة زينب (ص ‪ 36‬ــ ‪.)71‬‬
‫بعض كراماتها (ص ‪ 63‬ــ ‪ .)72‬كرامات السيدة زينب (ص ‪ 521‬ــ ‪.)523‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زينب الكبرى (ص ‪.)1‬‬
‫(‪ )2‬وقفت على طبعتين من كتاب الطراز المذهب والطبعة التي اعتمدتها هي طبعة مصطفوي بالهند‬
‫سنة ‪1322‬هـ‪ ،‬وقد قمت بترجمة تقريبية لعناوين الفهرس‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫الطراز المذهب‬ ‫زينب الكبرى‬


‫تزويجها بعبد اهلل بن جعفر وشيء تزويج السيدة زينب بعبد اهلل بن جعفر ــ أحوال‬
‫عبد اهلل بن جعفر (ص ‪ 565‬ــ ‪.)635‬‬ ‫من حياته (ص ‪ 75‬ــ ‪.)92‬‬
‫وفاتها ودفنها (ص ‪ 119‬ــ‬
‫بيان وفاة السيدة زينب (ص ‪ 554‬ــ ‪.)565‬‬
‫‪.)124‬‬
‫شهادة أوالد جعفر الطيار (ص ‪.)636‬‬ ‫أوالدها (ص ‪ 126‬ــ ‪.)131‬‬

‫المذ َّهب< في سبعة مواضع فقط(‪،)1‬‬


‫وقد أحال النقدي على كتاب >الطراز ُ‬
‫وأما مبحث خروج الحسين ‪ ‬إلى كربالء‪ ،‬وروايات سفر زينب إلى الشام‬ ‫ّ‬
‫وعودتها إلى المدينة فقد استفادها النقدي في الجملة من كتاب >الطراز<‪.‬‬

‫وسأكتفي بنقل مثال واحد من الكتابين‪ ،‬يدل على أخذ النقدي من >الطراز‬
‫المذ َّهب< واقتباسه منه في الغالب‪ ،‬قال النقدي‪> :‬كما أنها تلقب بالصديقة الصغرى‬
‫ُ‬
‫للفرق بينها وبين أمها الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء وتلقب بالعقيلة وعقيلة بني‬
‫هاشم وعقيلة الطالبيين ــ والعقيلة هي المرأة الكريمة على قومها العزيزة في بيتها‬
‫وزينب فوق ذلك ــ وبالموثقة والعارفة‪ ،‬والعالمة غير المعلَّمة‪ ،‬والفاضلة‪،‬‬
‫والكاملة‪ ،‬وعابدة آل علي وغير ذلك من الصفات الحميدة والنعوت الحسنة<(‪.)2‬‬
‫وقال عباس قلي خان في ذكر ألقاب زينب‪ ...> :‬وأمينة اهلل والصديقة‬
‫الصغرى ونائبة الزهرا‪ ،‬وقرة عين المرتضى‪ ،‬والموثقة والعارفة والكاملة والعالمة‬
‫غير المعلَّمة والفهمة غير المفهمة<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زينب الكبرى (ص ‪ 18‬ــ ‪ 26‬ــ ‪ 27‬ــ ‪ 75‬ــ ‪ 11‬ــ ‪ 119‬ــ ‪.)120‬‬
‫(‪ )2‬زينب الكبرى (ص ‪.)17‬‬
‫(‪ )3‬الطراز المذهب (ص ‪.)68‬‬

‫‪174‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬زينب الكربى) جلعفر النقدي‬

‫قلت‪ :‬لم أجد هذه األلقاب مجموعة في كتاب واحد قبل كتاب >الطراز<‪،‬‬
‫والمقصود هو التنبيه على أن أهم مصدر اعتمده النقدي هو كتاب >الطراز‬
‫المذ َّهب<‪ ،‬فإذا علمت هذا سيتبين لك موضع الخلل في القصص المنسوبة إلى‬
‫ُ‬
‫المذ َّهب<‪.‬‬
‫زينب عند مراجعة مصادرها في كتاب >الطراز ُ‬

‫المحور الثاني‪ :‬نماذج من القصص المختلقة في السيرة الزينبية في كتاب‬


‫النقدي‬
‫سنستعرض في هذا المحور نماذج من القصص والروايات المختلقة في‬
‫سيرة زينب بنت علي ‪ ،‬والتي خرجت من عالم الخيال ثم صارت حقائق‬
‫ومسلَّمات ال يخلو منها كتاب عن زينب ‪ ،‬وسنتتبع أصل هذه القصص ّ‬
‫ونبين‬
‫بطالنها وعدم صحتها تنزيها لزينب ‪ ‬من تلك األكاذيب واألخلوقات‪ ،‬عسى‬
‫أن تكون هذه خطوة لتنقية السيرة الزينبية من التحريف والتزوير الذي طالها واهلل‬
‫المستعان‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ قصة نزول جبريل ‪ ‬باسم زينب الكبرى ‪‬‬
‫قال النقدي‪> :‬لما ُولدت زينب جاءت بها أمها الزهراء إلى أبيها أمير‬
‫المؤمنين وقالت‪> :‬سم هذه المولودة<‪ ،‬فقال‪> :‬ما كنت ألسبق رسول اهلل <‬
‫وسأله علي عن اسمها‪ ،‬فقال‪> :‬ما كنت‬ ‫ــ وكان في سفر له ــ ولما جاء النبي‬
‫السالم من اهلل الجليل وقال‬
‫ألسبق ربي تعالى<‪ ،‬فهبط جبرئيل يقرأ على النبي ّ‬
‫ثم أخبره بما يجري‬‫سم هذه المولودة زينب فقد اختار اهلل لها هذا االسم<‪َّ ،‬‬
‫له‪ِّ > :‬‬
‫عليها من المصائب‪ ،‬فبكى النبي ‪ ،‬وقال‪> :‬من بكى على مصاب هذه البنت‬
‫‪175‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين<<(‪.)1‬‬


‫المذ َّهب<‪ ،‬فقد ذكر‬
‫وقد اختصر النقدي هذه الرواية‪ ،‬وأصلها في >الطراز ُ‬
‫روايتين متقاربتين في تسمية زينب(‪ ،)2‬وقد نقلها صاحب الطراز عن كتاب‬
‫>سرور المؤمنين< لمحمد علي الكاظمي‪ ،‬وهذا الكتاب فرغ منه مؤلفه سنة‬
‫‪ 1281‬هـ(‪ ،)3‬وقد انتشرت هذه الرواية في الكتب المؤلفة عن زينب وكأنها من‬
‫القضايا الثابتة المسلَّمة(‪.)4‬‬
‫والحق أ َّن هذه الرواية ال أصل لها‪ ،‬ولم نعرف المصدر الذي نقل منه‬
‫الكاظمي ــ إن صح ما نسبه إليه صاحب >الطراز< ــ‪ ،‬وإال فإ َّن الصنعة ظاهرة‬
‫على الرواية‪ ،‬فقد نقل ابن بابويه القمي في >األمالي<(‪ )5‬و>معاني األخبار<(‪،)6‬‬
‫و>علل الشرائع<(‪ ،)7‬والطوسي في >األمالي<(‪ )8‬نظير هذا الخبر في والدة الحسن‬
‫والحسين ‪ ،‬فالظاهر أ َّن مختلِقه استنسخ معناه وزعم أنه وارد في والدة زينب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 16‬ــ ‪.)17‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الطراز المذهب (ص ‪ 43‬ــ ‪ ،)45‬وقد نقلها أيضا نور الدين الجزائري في الخصائص الزينبية‬ ‫(‪)2‬‬
‫(ص ‪ 41‬ــ ‪ ،)42‬وقد مضى أن جل ما في الخصائص مأخوذ من الطراز‪.‬‬
‫الذريعة (‪.)177/12‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬ابنة الزهراء بطلة الفداء (ص ‪ ،)26‬السيدة زينب رائدة الجهاد (ص ‪ 41‬ــ ‪ ،)42‬زينب الكبرى‬ ‫(‪)4‬‬
‫من المهد إلى اللحد (ص ‪ 36‬الهامش ‪ ،)1‬السيدة زينب في قلوب المحبين (ص ‪ ،)5‬واختصر‬
‫الرواية‪ ،‬الشمس الطالعة (‪ 58 /1‬ــ ‪ ،)59‬السيدة زينب مجالس وكرامات (ص ‪ 32‬ــ ‪ ،)33‬زينب‬
‫الكبرى ودورها في النهضة الحسينية (ص ‪ ،)26‬زينب القدرة والرمز (ص ‪ ،)34‬وغيرها‪.‬‬
‫األمالي البن بابويه القمي (ص ‪.)197‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫معاني األخبار (ص ‪.)57‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫علل الشرائع (‪.)137/1‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫أمالي الطوسي (ص ‪ ،)367‬وانظر‪ :‬بحار األنوار (‪ ،)241/43( ،)238/43‬وسائل الشيعة‬ ‫(‪)8‬‬
‫(‪ ،)409/21‬مستدرك الوسائل (‪.)145/15‬‬

‫‪176‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬زينب الكربى) جلعفر النقدي‬

‫‪ ‬على عادة أهل الوضع واالختالق‪.‬‬

‫وأبويها وأخويها‬ ‫لرؤيا زينب الكبرى ‪ ‬بوفاة جدها‬ ‫‪ 2‬ــ تعبير النبي‬
‫‪‬‬
‫قال النقدي‪> :‬في >الطراز المذهب< عن >بحر المصائب< عن بعض‬
‫رأى كل من أمير المؤمنين والزهراء رؤيا‬ ‫الكتب‪ ،‬لما دنت الوفاة من النبي‬
‫فأخذا بالبكاء والنحيب فجاءت زينب إلى جدها رسول اهلل‬ ‫تدل على وفاته‬
‫سودت الدنيا‬
‫وقالت‪> :‬يا جداه رأيت البارحة رؤيا‪ ،‬أنها انبعثت ريح عاصفة ّ‬
‫وما فيها وأظلمتها‪ ،‬وحركتني من جانب إلى جانب فرأيت شجرة عظيمة فتعلقت‬
‫بها من شدة الريح‪ ،‬فإذا بالريح قلعتها وألقتها على األرض‪ ،‬ثم تعلقت على غصن‬
‫قوي من أغصان تلك الشجرة‪ ،‬فقطعتها أيضا‪ ،‬فتعلقت بفرع آخر فكسرته أيضا‪،‬‬
‫فتعلقت على أحد الفرعين من فروعها فكسرته أيضا‪ ،‬فاستيقظت من نومي<‪،‬‬
‫‪ ،‬وقال‪> :‬الشجرة جدك‪ ،‬والفرع األول أمك فاطمة‪ ،‬والثاني أبوك‬ ‫فبكى‬
‫تسو ُّد الدنيا لفقدهم‪ ،‬وتلبسين‬
‫علي‪ ،‬والفرعان اآلخران هما أخواك الحسنان‪َّ ،‬‬‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫لباس الحداد في رزيتهم<< ‪.‬‬
‫صرح النقدي هنا بالنقل عن >الطراز<‪ ،‬وصاحب >الطراز< نقل عن‬‫وقد َّ‬
‫كتاب >بحر المصائب<(‪ )2‬الذي أُل ِّف سنة ‪1292‬هـ(‪ ،)3‬وصاحب >بحر المصائب<‬
‫نقل عن بعض الكتب التي لم يسمها‪ ،‬فهي كتب مجهولة ال تعرف!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زينب الكبرى (ص ‪.)19‬‬
‫(‪ )2‬الطراز المذهب (ص ‪ 539‬ــ ‪.)540‬‬
‫(‪ )3‬الذريعة (‪.)46/3‬‬

‫‪177‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫ومع ذلك أثبت النقدي هذه الرؤيا‪ ،‬وتبعه جماعة من ال ُك ّتاب(‪.)1‬‬


‫فهذه الرواية المجعولة الركيكة التي ال يُعرف مصدرها صارت ترسل إرسال‬
‫المس ّلمات في الكتب المصنفة عن زينب ‪ ،!‬وهذه نهاية الغفلة والتساهل‬
‫المذموم‪ ،‬إذ أن هذه الرواية كذب على النبي ‪ ،‬ويكفي في سقوطها ركاكة‬
‫ألفاظها‪ ،‬ولم ينقل أحد من ثقات المحدثين والمؤرخين القدماء أي موقف لزينب‬
‫فلم تبلغ الخامسة‪،‬‬ ‫‪ ،‬وقد كانت زينب صغيرة حين توفي‬ ‫مع النبي‬
‫ولكن واضع هذه الرواية جاهل بالتاريخ‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ قصة قول زينب ‪ ‬ألبيها ‪> :‬ال أقول‪> :‬اثنين<‪ ،‬بلسان قلت به‪> :‬واحد<<‬
‫وروي مرسال أنها في طفولتها كانت جالسة في حجر أبيها‬ ‫قال النقدي‪ُ > :‬‬
‫وهو ‪ ‬يالطفها بالكالم‪ ،‬فقال لها‪> :‬يا بني‪ ،‬قولي واحد<‪ ،‬فقالت‪> :‬واحد<‪،‬‬
‫فقال لها‪> :‬قولي اثنين< فسكتت!‪ ،‬فقال لها‪> :‬تكلمي يا قرة عيني<‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫>يا أبتاه ما أطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد<‪ ،‬فضمها صلوات اهلل عليه‬
‫وقبلها بين عينيها<(‪.)2‬‬
‫إلى صدره َّ‬
‫ويكفي في سقوط هذه الرواية أنها لم َترِد في مصدر معتمد‪ ،‬فضال عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 49‬الهامش ‪ ،)1‬السيدة زينب رائدة الجهاد (ص ‪)69‬‬
‫ونسبه إلى صحيح الترمذي وهو غلط مطبعي فاحش ألن الظاهر أنه أراد رواية الثقلين التي بعدها‬
‫والتي عزاها في الهامش إلى تاريخ اليعقوبي‪ ،‬وقد تكرر هذا العزو الخاطئ في موسوعة سيرة أهل‬
‫البيت (‪ ،)79/36‬وانظر‪ :‬الشمس الطالعة (‪ ،)147/1‬زينب الكبرى ودورها في النهضة الحسينية‬
‫(ص ‪ 41‬ــ ‪ ،)42‬زينب القدوة والرمز (ص ‪ 39‬ــ ‪ ،)40‬زينب بنت علي فيض النبوة وعطاء‬
‫اإلمامة (ص ‪ )20‬وغيرها‪.‬‬
‫(‪ )2‬زينب الكبرى (ص ‪.)35‬‬

‫‪178‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬زينب الكربى) جلعفر النقدي‬

‫كونها عارية عن اإلسناد‪ ،‬حتى أ ّن النقدي صرح بأنها رويت مرسلة‪ ،‬واإلرسال‬
‫هنا معناه أ ّن الرواية بال إسناد(‪ ،)1‬فهي رواية ساقطة ألن أقدم مصدر لها يرجع‬
‫إلى القرن الثالث عشر‪.‬‬
‫ثم إ ّن الظاهر أ َّن واضعها إنما اقتبسها من رواية أخرى نقلها النوري في‬ ‫ّ‬
‫مستدرك الوسائل ‪ ،‬وقد ا َّطلع النقدي عليها ‪َّ ،‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وصرح بأ ّن هذا الموقف كان‬
‫بين علي ‪ ‬وابنه العباس‪ ،‬وأ ّن العباس هو من قال‪> :‬إ ّني ألستحيي أن أقول‬
‫ثم أقول اثنين<‪ ،‬وأن زينب قالت ألبيها >أتحبنا يا أبتاه؟<‪ ،‬فقال‪> :‬وكيف‬ ‫واحد ّ‬
‫ال أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي‪ ،‬فقالت‪> :‬يا أبتاه إن الحب للّه تعالى والشفقة لنا<<‪.‬‬
‫فأصل الكالم منسوب للعباس بن علي وليس لزينب‪ ،‬ومع ذلك تغافل عن‬
‫هذا جماعة ممن ألّف عن زينب ونسبوا هذه القصة لها ‪ ،)4(‬دون أن يشيروا‬
‫إلى أنها منسوبة للعباس بن علي!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اصطلح المتأخرون والمعاصرون من اإلمامية على تسمية الروايات التي ال إسناد لها وال زمام وال‬ ‫(‪)1‬‬
‫خطام بالروايات مرسلة!‬
‫وهذا اصطالح فيه تساهل غير جيد‪ ،‬ألن أصل اإلرسال في الروايات إنما يفيد االنقطاع في أحد‬
‫طبقات السند‪ ،‬وخصوصا في طبقة التابعين‪ ،‬أما الروايات التي ال سند لها فهذه ال ينبغي أن تسمى‬
‫مرسلة‪ ،‬ألن ذلك يوهم وجود إسناد لها‪.‬‬
‫مستدرك الوسائل (‪ )215/15‬عن مجموعة الشهيد‪ ،‬ونظيرها في الطراز المذهب (ص ‪ 76‬ــ‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ ،)77‬والظاهر أن صاحب الطراز نقلها من كتاب مجالس المتقين لمحمد تقي القزويني الذي‬
‫انتهى منه سنة ‪ 1253‬هـ‪.‬‬
‫وذكر أنه وقف عليها في مصابيح القلوب للسبزواري الذي عاش في القرن الثامن‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مع بطلة كربالء (ص ‪ ،)100‬زينب القدوة والرمز (ص ‪ )40‬وذكر أن الرواية مذكورة أيضا في‬ ‫(‪)4‬‬
‫كتاب السيدة زينب في الوجدان الشعبي (ص ‪ ،)18‬زينب بنت علي فيض النبوة وعطاء اإلمامة‬
‫(ص ‪ ،)20‬زينب الكبرى بطلة الحرية (ص ‪.)24‬‬

‫‪179‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫وعلى كل حال؛ فالقصة باطلة ال أصل لها وال سند‪ ،‬وأما قول النقدي‪> :‬وهذا‬
‫الكالم عنها روي متواترا<(‪ ،)1‬فال يلتفت إليه‪ ،‬فهذا الخبر لم أقف له على إسناد مع‬
‫بذل الجهد‪ ،‬ولم يُ ْر َو في المصادر القديمة‪ ،‬فمن أين له أن يكون متواترا؟‪.‬‬
‫ومتن القصة باطل أيضا‪ ،‬وفيها غلو وإفراط وإسراف‪ ،‬فاهلل تعالى الذي هو‬
‫الذي‬ ‫خالق األكوان ذكر في كتابه الكريم الواحد واالثنين والثالثة!‪ ،‬والنبي‬
‫هو سيد المتقين قد جرى لسانه بالواحد واالثنين‪ ،‬والتوحيد ال يكون بمثل هذا‬
‫التنطع والتكلف‪ ،‬بل مثل هذا ال ينسب إال للسفهاء والجهلة‪ ،‬وحاشا زينب ‪‬‬
‫أن تقول مثل هذا السخف‪ ،‬بل إن هذه القصة تحط من قدر علي ‪ ‬وتجعل بنته‬
‫الصغيرة أتقى هلل وأفطن منه‪ ،‬وهذا لم يتنبه له واضع هذه الرواية الذي أراد أن‬
‫يرفع قدر زينب لكنه حط من قدر أبيها ‪.‬‬
‫ونفس الشيء يقال عن الرواية األخرى التي تستدرك فيها زينب على أبيها‬
‫علي ‪ ‬ألنه أخبرها بحبه لها وألخيها العباس بن علي ألنهم ذريته‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫>إن الحب هلل والشفقة لنا!<‬
‫فهذه الرواية ال سند لها أيضا‪ ،‬وأقدم مصدر لها يعود للقرن الثامن‪ ،‬وما‬
‫ورد فيها هو نهاية التخليط والجهل‪ ،‬فالحب الخالص والتام المقرون بالتذلل‬
‫بالعبودية هو الذي ال يكون إال هلل وحده جل شأنه وهو المراد في قوله سبحانه‪:‬‬
‫{ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ} [البقرة ‪ ،]165‬وأما حب الخلق فهو دائر بين الوجوب‬
‫واجب ومن لوازم اإليمان به ‪،‬‬ ‫واإلباحة واالستحباب‪ ،‬فحب النبي‬
‫لقوله ‪> :‬ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زينب الكبرى (ص ‪ 35‬ــ ‪.)36‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪ 14‬ــ ‪ )15‬صحيح مسلم (‪.)77‬‬

‫‪180‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬زينب الكربى) جلعفر النقدي‬

‫فطري ال ينازع فيه إال من سقمت فطرته‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫أمر‬


‫وحب األب لولده ورحمته له ٌ‬ ‫ُّ‬
‫علي‪>> :‬إ َّن لي‬ ‫ّلما رآه يُقبِّ ُل الحسن بن ّ‬ ‫وقد قال األقرع بن حابس للنبي‬
‫عشرة من الولد ما قَ َّبلَ ُت منهم أحدا<‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪َ > :‬و َما أَ ْملِ ُك ل َ َك أَ ْن‬
‫الر ْح َم َة ِم ْن قَ ْلب َِك<<(‪.)1‬‬‫نَ َز َع اهللُ َّ‬
‫فا ّدعاء الراوي أ َّن زينب جعلت الحب خاصا باهلل تعالى واستنكرت على‬
‫أبيها أن يجعله لغيره ينم عن جهل واضع الرواية بما ورد في الكتاب العزيز والسنة‬
‫النبوية‪.‬‬
‫فإ َّن اهلل تعالى أثنى على المؤمنين ــ وهم األنصار في هذه اآلية تحديدا ــ‬
‫فقال ع َّز من قائل‪{ :‬ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ}‬
‫حبون من هاجر إليهم وهم المهاجرون ‪.‬‬ ‫[الحشر‪ ،]9 :‬فذكر أ ّنهم يُ ّ‬
‫وقال تعالى وهو يبشر المؤمنين بما يُحبون من النصر‪{ :‬ﲿ ﳀﳁ ﳂ‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﳇ ﳈ ﳉ} [الصف‪ ،]13 :‬ففي هذه اآليات أثنى اهلل على‬
‫المؤمنين بحبهم لبعضهم البعض‪ ،‬وبشرهم أيضا بما يحبونه من النصر‪ ،‬وعليه‬
‫فال يصح ما ورد في هذه الرواية المفتراة على زينب من أن الحب خاص باهلل‬
‫تعالى‪ ،‬فهذا غلط ظاهر تن َّزه عنه زينب‪ ،‬ومن باب أولى أن ين َّزه عنه علي ‪.‬‬

‫‪ 4‬ــ إقامة زينب الكبرى ‪ ‬لمجلس نسائي في الكوفة وتفسير {ﱁ}‪.‬‬


‫قال النقدي‪> :‬وقال العالمة الفاضل السيد نور الدين الجزائري في كتابه‬
‫الفارسي المسمى >بالخصائص الزينبية<‪ ،‬ما ترجمته عن بعض الكتب‪ :‬إ َّن زينب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬صحيح البخاري (‪ ،)5997‬وصحيح مسلم (‪.)2318‬‬

‫‪181‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫كان لها مجلس في بيتها أيام إقامة أبيها في الكوفة‪ ،‬وكانت تفسر القرآن للنساء‪،‬‬
‫ففي بعض األيام كانت تفسر {ﱁ} [مريم‪ ،]1 :‬إذ دخل أمير المؤمنين‬
‫عليها فقال لها‪ :‬يا نور عيني‪ ،‬سمعتك تفسرين {ﱁ} للنساء‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫ثم شرح لها المصائب ‪‬‬
‫نعم‪ ،‬فقال‪ :‬هذا رمز لمصيبة تصيبكم عترة رسول اللّه َّ‬
‫فبكت بكاء عاليا<(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وقد رجعت إلى الترجمة العربية لكتاب >الخصائص الزينبية< للجزائري‬
‫ألقف على أصل القصة فوجدت أ َّن الجزائري عزاها إلى >بعض المصادر< دون‬
‫ثم إ ّني بحثت‬
‫أن يسميها‪ ،‬ويغلب على الظن أنَّه وقف عليها في كتاب >الطراز<‪َّ ،‬‬
‫المذ َّهب< فلم أهت ِد إلى موضعها‪.‬‬
‫عنها في كتاب >الطراز ُ‬
‫وقد انتشرت واشتهرت هذه القصة في عدد كبير من المؤلفات عن زينب‬
‫‪ )3(‬وكأ ّنها صحيحة ثابتة‪ ،‬مع أ َّن الجزائري نقلها عن مصد ٍر لم يُ َس ِّمه‪ ،‬فكيف‬
‫يصير نقل مؤلف من القرن الرابع عشر عن مصدر مجهول نقال معتمدا يُرسل‬
‫إرسال المسلَّمات في الكتب المؤلفة عن زينب؟‪.‬‬
‫ثم إ ّن النظر في متن الرواية كاف في الجزم ببطالنها وبراءة زينب وعلي‬
‫ّ‬
‫‪ ‬منها‪ ،‬فقول اهلل تعالى‪{ :‬ﱁ} من الحروف المقطعة التي استأثر اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زينب الكبرى (ص ‪.)36‬‬
‫(‪ )2‬الخصائص الزينبية (ص ‪.)68‬‬
‫(‪ )3‬السيدة رائدة الجهاد (ص ‪ ،)46‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ )54‬الهامش ‪ ،1‬الشمس‬
‫الطالعة (‪ ،)86/1‬زينب الكبرى ودورها في النهضة الحسينية (ص ‪ ،)34‬واختصروا الرواية‪،‬‬
‫زينب القدوة والرمز (ص ‪ 76‬ــ ‪ ،)77‬زينب الكبرى بطلة الحرية (ص ‪ 51‬ــ ‪ ،)52‬مقتطفات من‬
‫سيرة فاطمة الزهراء وزينب (ص ‪ )236‬الهامش ‪.1‬‬

‫‪182‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬زينب الكربى) جلعفر النقدي‬

‫تعالى بمعرفة معناها كما هو الراجح من مذاهب المفسرين‪ ،‬وحتى من فسر هذه‬
‫الحروف لم يذكر أنها رمز أو إشارة إلى واقعة معينة(‪.)1‬‬
‫وقد حكم جماعة من علماء اإلمامية بالوضع على الرواية الواردة بتفسير‬
‫{ﱁ} بواقعة مقتل الحسين في كربالء‪ ،‬منهم زين الدين العاملي‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وفصل كل‬‫الملقب بالشهيد الثاني ‪ ،‬وعبد النبي الجزائري ‪ ،‬والكرباسي ‪ّ ،‬‬
‫من محمد تقي التستري في >األخبار الدخيلة<(‪ )5‬وهاشم معروف في‬
‫>الموضوعات في اآلثار واألخبار<(‪ )6‬الكالم عن دالئل الوضع في هذه الرواية‬
‫من جهة السند والمتن‪ ،‬واعتبر محمد صحتي السردرودي هذا الخبر ضمن‬
‫األخبار المحرفة ونقل كالم من تقدم ذكرهم في نقده(‪.)7‬‬
‫بل إن عميد خطباء اإلمامية أحمد الوائلي بالغ في انتقاد الرواية التي تحرف‬
‫معنى آية {ﱁ}‪ ،‬فقال‪> :‬ومن ذلك تفسير {ﱁ}‪ ،‬مطلع سورة‬
‫فسرها بعضهم برواية مرسلة‪ ،‬ال يُعرف قائلها‪ ،‬وأسندها إلى اإلمام‬ ‫مريم‪ ،‬فقد ّ‬
‫ال ّثاني عشر وهي‪> :‬إ ّن الكاف كربالء‪ ،‬والهاء هالك العترة‪ ،‬والياء يزيد‪ ،‬والعين‬
‫والصاد صبره<‪ ...‬ولماذا ال يكون الكاف‪ :‬كالم‪ ،‬والهاء‪ُ :‬هراء‪،‬‬ ‫عطش الحسين‪ّ ،‬‬
‫والصاد‪ :‬صفصطائي‪ ،‬وهكذا‪ ....‬يجب أن يصان‬ ‫عي‪ّ ،‬‬ ‫والياء‪ :‬يروى‪ ،‬والعين‪ّ :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر تفصيل ذلك في كتاب القول المعتبر في بيان اإلعجاز للحروف المقطعة (ص ‪ 70‬ــ ‪.)84‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫حاشية الشهيد الثاني على خالصة األقوال (ص ‪.)137‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫حاوي األقوال في معرفة الرجال (‪.)411/1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫إكليل المنهج في تحقيق المطلب (ص ‪.)274‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫األخبار الدخيلة (‪ 100/1‬ــ ‪.)101‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الموضوعات في اآلثار واألخبار (ص ‪.)249‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫جدل ومواقف في الشعائر الحسينية (ص ‪ 244‬ــ ‪.)246‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪183‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫كتاب اهلل تعالى عن مثل هذا العبث<(‪.)1‬‬

‫خالصة‬
‫ما مضى من األمثلة على الوضع والكذب في الروايات المتعلقة بزينب ليس‬
‫إال غيضا من فيض‪ ،‬وإال فنظائر هذه الروايات في كتاب النقدي عديدة‪ ،‬وسيأتي‬
‫بعضها في مباحث القصص المختلقة عن زينب الكبرى(‪ ،)2‬ولو أردت أن أسرد‬
‫ما وقفت عليه في كتاب النقدي مع تتبع أصل كل رواية ومصدرها لطال الكتاب‬
‫بذلك‪ ،‬فضال عما في ذلك من الملل‪.‬‬
‫األصل في ُج ِّل األخبار التي تروى عن سيرة زينب‬
‫َ‬ ‫والذي ينبغي أن يُعلم أ َّن‬
‫وحياتها هو الكذب واالختالق‪ ،‬وما أثب ُّته من أخبار عن زينب في أول هذه‬
‫الدراسة هو ما وقفت عليه في الكتب المعتمدة والمصادر القديمة‪ ،‬وأما ما يروى‬
‫غير ذلك فال أصل له‪ ،‬وهذه النتيجة التي انتهيت إليها كانت بعد أن استقصيت‬
‫أخبار زينب في الكتب والمصادر والتواريخ‪ ،‬وبعد أن استقصيت المصنفات التي‬
‫ألّفت عنها ودرست أشهرها وأغلبها‪ ،‬فتيقنت بعد التتبع والبحث أ ّن التزوير الذي‬
‫لحق السيرة الزينبية هو نظير التزوير الذي لحق السيرة الحسينية‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نحو تفسير علمي للقرآن (ص ‪ 26‬ــ ‪.)27‬‬
‫(‪ )2‬انظر (ص ‪ 459‬ــ ‪.)476‬‬

‫‪184‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫نقد كتاب >مرقد العقيلة< لمحمد حسنين السابقي‬


‫‪$‬‬
‫ولد محمد حسنين السابقي بباكستان سنة ‪ 1366‬هـ ودرس بمدارسها ثم‬
‫انتقل إلى النجف ليكمل دراسته بها(‪ ،)1‬واشتهر بكتابه المطبوع بعنوان >مرقد‬
‫العقيلة زينب في ميزان الدراسة والتحليل<‪ ،‬الذي كتبه سنة ‪ 1394‬هـ‪ ،‬وقد مضى‬
‫أن عنوانه األصلي‪> :‬كشف الغيهب في تحقيق مرقد العقيلة زينب<‪ ،‬وهذا الكتاب‬
‫كان له تأثير كبير في الوسط العلمي‪ ،‬إذ أنه ساهم في تغيير الرأي المشهور في‬
‫زمنه بوفاة زينب الكبرى ‪ ‬في مصر‪ ،‬فقد كانت هذه القضية من المس ّلمات‬
‫عند غالب اإلمامية في ذلك الوقت‪ ،‬ولذا قال السابقي‪> :‬نقرأ في ثلة من الكتب‬
‫أن قبر العقيلة السيدة زينب الكبرى‪ ...‬في بلدة القاهرة عاصمة مصر حتى إن‬
‫أكثر المؤلفين في عصرنا يتناقلونه في بحثهم عن هذا الموضوع<(‪.)2‬‬
‫ثم عدل عن ذلك وألَّف هذا‬ ‫وكان السابقي ممن يعتقد بدفنها في مصر َّ‬
‫الكتاب(‪ )3‬ونصر قول من قال بدفنها في الشام‪ ،‬وحشد لذلك ما أمكنه من‬
‫االستدالالت‪ ،‬وبعد ظهور هذا الكتاب تغير الرأي العام اإلمامي فيما يتعلق بقبر‬
‫زينب حتى يكاد يقع اإلجماع اليوم على أ َّن زينب دفنت بالشام بعدما كانت‬
‫األقوال عندهم دائرة بين دفنها في ثالث مواضع وهي المدينة والشام ومصر‪،‬‬
‫وسنتعرض لنقد هذا الكتاب في ثالث مسائل‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)17‬وانظر تالمذة اإلمام الشهيد الصدر (ص ‪ 317‬ــ ‪.)318‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)36‬‬
‫(‪ )3‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)36‬‬

‫‪185‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫المسألة األولى‪ :‬مدار أدلة السابقي هو أن كنية زينب الكبرى ‪ ‬هي أم كلثوم‬
‫إ ّن أكبر إشكال عند الذاهبين إلى أن زينب الكبرى مدفونة بالشام‪ ،‬هو خلو‬
‫كتب التاريخ من أي دليل على ذلك‪ ،‬وأما الموضع الذي ينسب لزينب في قرية راوية‬
‫بنواحي دمشق‪ ،‬فقد نسبه قدماء المؤرخين كابن عساكر وغيره إلى امرأة تسمى أم‬
‫كلثوم وال يعرف نسبها(‪ ،)1‬وهذه المعضلة جعلت السابقي يخترع استدالال جديدا‬
‫ينصر به صحة القبر الشامي‪ ،‬وهذا االستدالل مبني على مقدمة مركبة من أمرين‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ إ َّن جماعة من المؤرخين ذكروا أ َّن القبر الذي براوية هو ألم كلثوم‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ إ َّن أي موضع يذكر فيه اسم أم كلثوم بنت علي بإطالق بدون تقييد‬
‫فالمراد به زينب الكبرى‪.‬‬
‫فر َّتب السابقي على هاتين المقدمتين أن القبر الموجود بقرية راوية هو‬
‫لزينب الكبرى!‪ ،‬ولكي يصنع أدلة لهذا القول العجيب‪ ،‬قام السابقي بعرض آراء‬
‫المؤرخين في تعيين المدفونة بقرية راوية وجعلها أربعة آراء(‪ ،)2‬ثم رجح الرأي‬
‫ثم جمع بين بقية األقوال قائال‪ُ > :‬ج ُّل هؤالء‬
‫الذاهب إلى أنها زينب الكبرى ّ‬
‫األعالم ال يختلفون في أن المدفونة براوية هي زينب المكناة بأم كلثوم بنت اإلمام‬
‫علي‪ ،‬وإنما االختالف في تعيين المسماة بهذا االسم والمكناة بهذه الكنية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والذين ينكرون أن تكون البقعة لزينب الكبرى بنت علي ‪ ‬فإنكارهم يبتني على‬
‫إنكارهم كون العقيلة الحوراء مكناة بأم كلثوم‪ ،‬فإذا ثبت ذلك فال معنى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سيأتي تفصيل ذلك في البحث المخصص للكالم عن قبر زينب ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ستأتي مناقشتها في محله‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫(‪)1‬‬
‫ثم بعد أن ذكر أدلته على ذلك قال‪> :‬إذا عرفت أن زينب الكبرى‬ ‫لإلنكار< ‪ّ ،‬‬
‫أيضا تكنى بأم كلثوم‪ ،‬وأم كلثوم في لسان المحدثين على اإلطالق هي العقيلة‬
‫زينب‪ ،‬فلم يبق خالف بين الطوائف األربع السابقة في أن المدفونة بقرية راوية‬
‫هي أم كلثوم زينب بنت علي من فاطمة‪ ،‬وليست هي أم كلثوم أخت العقيلة التي‬
‫توفيت سنة ‪ 54‬هـ‪ ،‬قبل كارثة الطف بال ريب<(‪.)2‬‬
‫وكل ما استدل به السابقي هو محض ظنون واحتماالت‪ ،‬فادعى أن جماعة‬
‫من العلماء ذكروا أبناء فاطمة ‪ ‬وقدموا ذكر أم كلثوم ثم زينب ورتب على ذلك‬
‫أنهم يقررون أن أكبر بنات فاطمة هي أم كلثوم(‪ ،)3‬وهذا من عجائب‬
‫االستدالالت‪ ،‬ففضال عن عدم صحة ما نسبه إلى جماعة من العلماء كما سيأتي‪،‬‬
‫كر أُ ِّم كلثوم أراد من ذلك أنها أكبر من‬ ‫ِ‬
‫فال يلزم على اإلطالق أن يكون من ق َّدم ذ َ‬
‫زينب‪ ،‬بل االتفاق قائم على أن زينب أكبر من أم كلثوم‪.‬‬
‫وهناك إشكاالت وتساؤالت عديدة حول النتيجة التي قررها السابقي‪:‬‬
‫فكيف فهم السابقي أن أم كلثوم المدفونة في قرية راوية هي زينب الكبرى؟‪.‬‬
‫ثم لماذا تعامى السابقي عن أن العلماء الذين ذكرهم متفقون على أن اسم‬
‫ّ‬
‫أم كلثوم بنت علي هو أم كلثوم؟‪ ،‬ولم يقل أحد منهم إن اسمها زينب!‪.‬‬
‫وقد استدل السابقي بروايات ُذكر فيها اسم أم كلثوم وقرر أن المراد بها‬
‫زينب الكبرى‪ ،‬وهذا االستدالل ساقط ومردود‪ ،‬ألنه مبني على احتمال ال دليل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)137‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)156‬‬
‫(‪ )3‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)140‬‬

‫‪187‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫عليه سوى التحكم‪ ،‬فالمعلوم أن لعلي ‪ ‬بنتين باسم أم كلثوم‪ ،‬الكبرى من‬
‫فاطمة ‪ ،‬والصغرى من أم ولد‪ ،‬فاحتمال كون المراد في الروايات أم كلثوم‬
‫الصغرى هو احتمال وارد‪ ،‬وما دام االحتماالن متساويين دون مرجح‪ ،‬سقط‬
‫االستدالل بهما كما هو المقرر‪ ،‬بل إن بعضهم رجح أن يكون المراد بأم كلثوم‬
‫في الروايات الواردة في أحداث واقعة كربالء هو أم كلثوم الصغرى(‪ ،)1‬أما إذا‬
‫استحضرنا ْأن ال أحد من قدماء المؤرخين والنسابين ذكر أن زينب تكنى بأم كلثوم‬
‫وإنما ظهر هذا عند بعض المتأخرين فال يبقى أي مستمسك للسابقي‪ ،‬ويكفي في‬
‫وهن الكتاب وسقوطه أن تكون أحد أهم أدلته هي مجرد احتماالت‪ ،‬ولهذا انتقد‬
‫محمد كاظم القزويني كتاب السابقي ورده بالجملة فقال‪> :‬هذا‪ ..‬وقد حاول‬
‫سماه «مرقد العقيلة< أن يُثبت مدفنها في دمشق‪ ..‬ال‬
‫بعض المعاصرين في كتاب ّ‬
‫القاهرة‪ ،‬واستدلّ بأدلّة َ‬
‫وت َش ّبث ببعض األقوال‪ ،‬ولك ّنها ال َتفي بال َغرض‪ ،‬أل ّن‬
‫األدلّة غير قاطعة‪ ،‬واألقوال غير كافية لالحتجاج واالستدالل‪ ،‬وكما يُقال‪« :‬غير‬
‫جامعة وغير مانعة<(‪.)2‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬استفادة السابقي من كتاب حسن قاسم ومنهجيته‬


‫من يطالع كتاب السابقي‪ ،‬وخاصة الكتب التي يستدل بها‪ ،‬يتبين له بوضوح‬
‫أنه استفاد من كتاب >السيدة زينب وأخبار الزينبات< لحسن قاسم‪ ،‬واألدلة على‬
‫ذلك واضحة‪ ،‬فعند مقارنة المصادر التي استند إليها السابقي مع المصادر التي‬
‫اعتمد عليها حسن قاسم نجد تشابها كبيرا بينها‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪.)1093‬‬
‫(‪ )2‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)603‬‬

‫‪188‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫ومن هذه المصادر‪> :‬اإلشارات إلى معرفة الزيارات<(‪ ،)1‬و>الكواكب‬


‫السيارة في معرفة الزيارة<(‪ ،)2‬و>مصباح الدياجي وغوث الراجي<(‪ ،)3‬و>تحفة‬
‫األحباب<(‪ ،)4‬و>تاريخ ابن ُدقماق< و>تاريخ ابن ُم ّيسر<(‪ ،)5‬و>األعالق‬
‫الخطيرة<(‪ ،)6‬وغيرها‪.‬‬
‫ويتأكد األمر عندما تعلم أ ّن جملة من مصادر السابقي تفرد حسن قاسم‬
‫بالنقل عنها في قضية تعيين مرقد زينب‪ ،‬مما يدل على أ َّن السابقي قد اعتمد على‬
‫كتاب حسن قاسم‪ ،‬ومن ذلك نقله عن كتاب >الرسالة الزينبية< للسخاوي الذي‬
‫انفرد حسن قاسم بذكره‪ ،‬ومع ذلك عزا إليها السابقي نصا لم ينقله أحد عنه‪،‬‬
‫(‪)7‬‬
‫وكأنه وقف على الرسالة!‬
‫ومن ذلك كتاب >المزارات الشامية< المنسوب البن الجوزي(‪ ،)8‬فهو خطأ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)41‬أخبار الزينبات (ص ‪.)65 ،62‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)45‬أخبار الزينبات (ص ‪.)62‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)46‬أخبار الزينبات (ص ‪.)62‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 47‬ــ ‪ ،)48‬أخبار الزينبات (ص ‪.)62‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 49‬ــ ‪ ،)50‬أخبار الزينبات (ص ‪.)78 ،62‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 197‬ــ ‪ ،)198‬أخبار الزينبات (ص ‪.)65‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 46‬ــ ‪ ،)47‬فقد زعم السابقي أن شمس الدين السخاوي لم يذكر أن‬ ‫(‪)7‬‬
‫ثم َو ِه َم وهما فاحشا‪ ،‬حين نقل عن علي مبارك باشا أنه نقل عن السخاوي‬
‫زينب دفنت في مصر!!‪َّ ،‬‬
‫أنه قال‪> :‬المنقول عن السلف أنه لم يمت أحد من ولد علي لصلبه في مصر<‪ ،‬وهذا ليس كالم‬
‫السخاوي الشافعي المشهور‪ ،‬بل هو قول أبي الحسن السخاوي المتأخر عنه بزمان ومؤلف كتاب‬
‫تحفة األحباب!‪ ،‬وقد ذكره السابقي في نفس الصفحة غير أنه لم يتفطن إلى أن الموجود في كتاب‬
‫الخطط التوفيقية لعلي باشا هو كالم السخاوي المتأخر!‪.‬‬
‫نسب حسن قاسم هذا الكتاب إلى ابن الجوزي وهما منه كما مضى‪ ،‬ومعلوم عند الباحثين أن هذه‬ ‫(‪)8‬‬
‫النسبة تنصرف إلى أبي الفرج ابن الجوزي المشهور‪ ،‬أما السابقي فقد زعم أنه سبط ابن الجوزي!‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫وقع فيه حسن قاسم كما مر‪ ،‬لكن السابقي عزا إليه نصا بواسطة كتاب حسن‬
‫قاسم(‪.)1‬‬
‫والفرق بين الرجلين هو أن حسن قاسم أحال على جملة من هذه الكتب‬
‫قبل أن تطبع‪ ،‬ولكنه في الغالب عزا إليها نصوصا ال توجد فيها كما مر تفصيله‪،‬‬
‫أما السابقي فقد نقل نصوصا من هذه الكتب بعد أن خرجت إلى عالم الطباعة‪،‬‬
‫إال أنه لجأ إلى أسلوب اإليهام والتدليس في النقل عنها‪ ،‬كما سيأتي بيانه‪.‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬نقد منهج السابقي في سبكه ألدلة ترجيح القبر الشامي‬
‫لزينب الكبرى ‪‬‬
‫إ َّن كتاب السابقي محشو باالستدالالت الباطلة‪ ،‬والتناقض العجيب‪،‬‬
‫واالفتراء والخيانة في النقل‪ ،‬والتدليس وبتر النصوص‪ ،‬إضافة إلى التشبع‬
‫بالزور‪ ،‬فضال عن التكرار الممل الذي نفخ من حجم الكتاب‪ ،‬فمن يقرأ هذا‬
‫الكتاب يمل من كثرة النصوص واالستدالالت التي تتكرر في أكثر من موضع‪.‬‬
‫وقد حاول السابقي أن يحشد كل ما يقع بيده من األدلة بغض النظر عن‬
‫قيمتها العلمية‪ ،‬ألجل أن يثبت أن زينب الكبرى مدفونة في دمشق‪ ،‬ويبطل أدلة‬
‫كل األقوال األخرى‪ ،‬وهو ما نجح فيه نسبيا‪ ،‬إذ أن جل من يرجح القبر الشامي‬
‫اليوم من اإلمامية يعتمد على تقريرات السابقي وأدلته‪ ،‬ولألسف لم أر من تعرض‬
‫بالنقد لكتاب السابقي وبيان تهافته‪ ،‬ولذا قررت أن أفصل الكالم عن جملة من‬
‫مواضع الخلل في هذا الكتاب‪ ،‬وإليك بيانها‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)174‬‬

‫‪190‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫* المسلك األول‪ :‬الكذب واالفتراء‬


‫لجأ السابقي إلى أسلوب الكذب واالفتراء لتأسيس بعض أدلة دفن زينب‬
‫في الشام‪ ،‬وسأكتفي بعرض بعض األمثلة‪ ،‬ألن تتبع سائر أكاذيب السابقي‬
‫وتدليساته عسير‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ ادعاء السابقي أن كتب القرون الوسطى ذكرت أن السيدة نفيسة زارت‬
‫قبر زينب الكبرى ‪ ‬بالشام‬
‫قال السابقي‪ُ > :‬تح ِّدثنا الكتب المؤلفة في ترجمة السيدة نفيسة المتوفاة‬
‫‪ 208‬هـ بمصر‪ ،‬من مؤلفات أعالم القرون الوسطى‪ ،‬أنها زارت مشهدها سنة‬
‫‪ 193‬هـ<(‪ ،)1‬وكرر دعوى هذه الزيارة في أكثر من موضع(‪.)2‬‬
‫وهذه فرية بال مرية‪ ،‬فالذي يُذكر عن السيدة نفيسة(‪ )3‬أنها أقامت في مصر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)33‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)173 ،162 ،158 ،124‬‬
‫ارتياب من قصة السيدة نفيسة المشهورة في الكتب‪ ،‬فبعد التتبع والبحث في كتب‬ ‫ٌ‬ ‫(‪ )3‬في النفس‬
‫األنساب القديمة حتى القرن السادس‪ ،‬لم أجد لها ذكرا وال أثرا‪ ،‬وأقدم نص وقفت عليه عن‬
‫نفيسة التي يقال إنها دفنت في مصر هو لنسابة مصر المقدم في زمانه والمشهور بابن خداع (عاش‬
‫في القران الرابع)‪ ،‬والعجيب أنه أنكر وجود نفيسة هذه أصال‪ ،‬فقد نقل النسابة اإلمامي أبو الحسن‬
‫العمري في كتابه المجدي في أنساب الطالبيين (ص ‪ )202‬في تعداده أبناء زيد بن الحسن بن‬
‫محمد‬
‫أموي‪ ،‬وأبا ّ‬
‫علي عن ابن خداع أنه قال‪> :‬ما وجدت أنا لزيد بن الحسن ّإال بنتا خرجت إلى ّ‬
‫الحسن الذي منه عقبه‪ .‬قال لي بعض الشيعة الفضالء‪> :‬اسمها نفيسة وقبرها بمصر مشهور<‪ ،‬وقال‬
‫لي ذلك األخ‪> :‬إ ّن البالذري ذكرها‪ ،‬وإنّها كانت زوجة عبد الملك بن مروان‪ ،‬وإنّها ماتت منه‬
‫حامل<‪.‬‬
‫قالوا‪> :‬وأولد زيد يحيى وقبره بمصر<‪ ،‬ولم أجد ذلك في كتاب‪ ،‬وال قرأته على أحد‪ ،‬إ ّنما هو=‬

‫‪191‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫‪...........................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سماع شا ّذ<‪ ،‬قلت وهذا النص يكذب صحة وجود قبر نفيسة بمصر خالفا لما اشتهر بعد ذلك‪.‬‬ ‫=‬
‫وعند البحث عن نفيسة بنت زيد بن الحسن التي ذكرها ابن خداع هنا نجد أن لها ذكرا في كتب‬
‫األنساب القديمة‪ ،‬فقد ذكرها ابن سعد في طبقاته ــ طبعة الخانجي ــ (‪ )313/7‬فقال‪> :‬نفيسة‬
‫بنت زيد‪ ،‬تزوجها الوليد بن عبد الملك بن مروان‪ ،‬فتوفيت عنده‪ ،‬وأمها لبابة بنت عبد اهلل بن‬
‫العباس بن عبد المطلب بن هاشم<‪ ،‬وذكرها البالذري في أنساب األشراف (‪ )65/8‬فقال‪> :‬كانت‬
‫عند الوليد‪ :‬نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب‪ ،‬وأمها لبابة بنت عبد اهلل بن العباس‬
‫فهم الوليد بأن يبقر بطنها‪،‬‬
‫ابن عبد المطلب‪ ،‬فتوفيت وهي حامل‪ ،‬فجعل ولدها يركض في بطنها‪َّ .‬‬
‫حرصا على أن يكون له منها ولد يبقى بعده‪ ،‬فلم يفعل<‪ ،‬هذا ووقع في مطبوعة أنساب األشراف‪:‬‬
‫>زيد بن الحسين< والصواب >زيد بن الحسن< كما أثبته‪.‬‬
‫وذكرها النسابة أبو نصر البخاري في كتابه سر السلسلة العلوية (ص ‪ ،)29‬حيث يقول في ترجمة‬
‫زيد بن الحسن بن علي‪> :‬كان لزيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ‪ ‬ابنة يقال لها نفيسة‪،‬‬
‫أمها لبابة بنت عبد اهلل بن عباس بن عبد المطلب‪ ،‬وكانت تحت العباس بن علي أمير المؤمنين‬
‫‪ ،‬قتل عنها يوم الطف مع الحسين ‪ ،‬فزوجها زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ‪،‬‬
‫وأخو نفيسة هذه ألمها عبيد اهلل بن العباس بن علي ‪ ،‬نفيسة تزوجها الوليد بن عبد الملك بن‬
‫مروان وولد له منها أوالدا<‪.‬‬
‫وهذه النصوص تعد وثيقة تاريخية مهمة على تطور االختالف في نسب السيدة نفيسة‪ ،‬فابن خداع‬
‫يذكر أن نفيسة التي يُ َّدعى أنها ماتت بمصر ابنة زيد بن الحسن بن علي‪ ،‬بينما يذكر من جاء بعده‬
‫أنها ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن علي!‪.‬‬
‫النسابة محمد بن أسعد‬ ‫أقدم من وقفت عليه يصنف في ترجمة نفيسة المدفونة في مصر هو َّ‬ ‫و ُ‬
‫المصري (‪ 588‬هـ) في رسالته الروضة األنيسة بفضل مشهد السيدة نفيسة‪ ،‬وقد نقلها‬‫ّ‬ ‫اني‬
‫الج َّو ّ‬
‫َ‬
‫علي بن‬
‫المقريزي في الخطط (‪ ،)324/4‬فقرر أنها‪> :‬نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن ّ‬
‫أبي طالب<‪ ،‬وذكر فيها قصة قدومها إلى مصر وفضائلها‪ ،‬وجل من ترجم لها بعد الجواني ذكر‬
‫هذا النسب كالصفدي في الوافي بالوفيات (‪ ،)423/5‬وابن خلكان في وفيات األعيان‬
‫(‪ ،)423/5‬والذهبي في تاريخ اإلسالم (‪ )209/5‬وفي السير (‪ ،)106/10‬والسيوطي في حسن‬
‫=‬ ‫المحاضرة (‪ ،)511/1‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫‪...........................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وهنا يظهر وجه الخلل فيما ذكره الجواني‪ ،‬فنفيسة المذكورة في كتاب الجواني متأخرة زمنا وطبقة‬ ‫=‬
‫عن نفيسة المذكورة في كتب األنساب قبله‪ ،‬وقد تعرض النسابة اإلمامي ابن عنبة (‪ 828‬هـ) لهذا‬
‫االختالف فقال في كتابه عمدة الطالب (ص ‪> :)70‬وكان لزيد ابنة اسمها نفيسة خرجت إلى‬
‫الوليد بن عبد الملك بن مروان فولدت منه ماتت بمصر ولها هناك قبر يزار‪ ،‬وهي التي تسميها‬
‫أهل مصر >الست نفيسة< ويعظمون شأنها ويقسمون بها‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنما خرجت إلى عبد الملك‬
‫ابن مروان وإنها ماتت حامال منه‪ ،‬واألصح األول‪ ...‬وقد قيل إن صاحبة القبر بمصر نفيسة بنت‬
‫الحسن بن زيد‪ ،‬وإنها كانت تحت إسحاق بن جعفر الصادق‪ ،‬واألول هو الثبت المروي عن ثقات‬
‫النسابين<‪ ،‬فابن عنبة يرى عدم صحة القول الذي اشتهر اآلن في نسب نفيسة ويرى أنها ابنة زيد‬
‫ابن الحسن وليست ابنة الحسن بن زيد بن الحسن‪.‬‬
‫ويبدو أن هناك أقواال أخرى كانت تحكى في نسبها‪ ،‬فقد ذكر أبو الحسن الهروي (‪ 611‬هـ) في‬
‫اإلشارات (ص ‪ )38‬أن نفيسة هي >ابنة الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‬
‫طالب ‪ ،<‬فجعلها من ذرية علي بن الحسين المشهور بزين العابدين‪ ،‬وقد تحققت من صحة‬
‫هذا النص بالرجوع إلى جملة من النسخ الخطية لإلشارات‪ ،‬دفعا الحتمال وقوع التصحيف في‬
‫المطبوع‪ ،‬فهذا النسب مثبت في نسخة المكتبة السليمية بأدرنة [ق ‪/15‬ب] المرقمة برقم‬
‫(‪ ،)542‬وهي من أقدم النسخ وتاريخ نسخها سنة ‪ 606‬هـ‪ ،‬أي في حياة الهروي‪ ،‬ومثبت في‬
‫نسخة باريس [ق‪/30‬أ]‪ ،‬والمحفوظة برقم (‪ ،)arabe 5975‬وتاريخ نسخها ‪ 697‬هـ‪ ،‬ونسخة‬
‫مكتبة مجلس الشورى اإليراني بطهران [ق ‪/24‬ب] والمحفوظة برقم (‪ 1500‬س) ومنسوخة‬
‫بتاريخ ‪ 900‬هـ‪.‬‬
‫وقد نبه ابن كثير في البداية والنهاية (‪ )286/10‬على عدم صحة هذا النسب فقال‪> :‬ربما نسبها‬
‫بعضهم إلى زين العابدين وليست من ساللته<‪.‬‬
‫وهناك تفاصيل أخرى مذكورة في كتاب الروضة األنيسة تحتاج إلى بحث وتحقق‪ ،‬مثل دعوى‬
‫لقائها باإلمام الشافعي وروايته عنها وصالتها عليه عند وفاته‪ ،‬فقد راجعت جملة من المصنفات‬
‫في ترجمة الشافعي مثل آداب الشافعي ومناقبه البن أبي حاتم الرازي‪ ،‬ومناقب الشافعي للبيهقي‬
‫فلم أجد فيها ذكرا لنفيسة هذه‪ ،‬وال ذكر صالتها على اإلمام الشافعي!‪.‬‬
‫اني‬
‫الج َّو ّ‬
‫اني كما يظهر‪ ،‬و َ‬ ‫الج َّو ّ‬
‫ثم إن من ترجم للسيدة نفيسة وذكر أخبارها من بع ُد إنما اعتمد كالم َ‬
‫طي (‪646‬هـ)=‬ ‫ِ‬
‫المصري جمال الدين الق ْف ّ‬
‫ّ‬ ‫هذا متهم فيما يرويه‪ ،‬قال القاضي والمؤرخ‬

‫‪193‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫ثم كيف خفي هذا الخبر‬ ‫وماتت بها‪ ،‬فكيف زارت القبر الموجود في دمشق؟! َّ‬
‫على كل المؤرخين والكتاب حتى جاء به السابقي‪ ،‬ولم يذكر السابقي أيا من‬
‫كتب القرون الوسطى التي نسب إليها هذا الخبر‪ ،‬وإنما عزاه فيما بعد لمؤل َف ْين‬
‫معاصر ْين له وهما أحمد فهمي في كتابه >كريمة الدارين< السيدة نفيسة!(‪،)1‬‬‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫وتوفيق أبو علم في كتابه >أهل البيت< ‪ ،‬وهما من المعاصرين!‬
‫والمقصود أن دعواه ثبوت خبر زيارة نفيسة لقبر زينب في كتب القرون‬
‫الوسطى هو افتراء ال دليل عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ ادعاء السابقي أ ّن جميع كتب الزيارات المصرية ذكرت زيارة ظافر‬
‫الفاطمي لقبر زينب بنت يحيى المتوج‬
‫قال السابقي عن زينب بنت يحيى المتوج‪> :‬وهذه السيدة كانت عند أهل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المحمدون من الشعراء (ص ‪ )148‬عنه‪> :‬وكان أكثر زمانه منقطعا في داره إلى التصنيف في‬‫ّ‬ ‫= في‬
‫علم األنساب‪ ،‬أدركته ورأيته‪ ،‬وكان يُكثر‪ ،‬إلى أن يغلب على الظن كذبه ــ ‪ ‬وغفر لنا وله ــ<‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر (‪852‬هـ) في لسان الميزان (‪> :)563/6‬قال المنذري‪> :‬أصول سماعاته‬
‫مظلمة مكشطة‪ ،‬وكان شيوخنا ال يحتفلون بحديثه‪َ ،‬وال يعتبرون به<‪ .‬وقال المنذري في ترجمة‬
‫ست العباد المصرية‪> :‬ظهر لها سماع في بعض الخلعيات لكنه بخط رجل غير موثوق به لم تسكن‬
‫نفسي إلى نقل سماعها<‪ ،‬وعنى بالرجل محمد بن أسعد الجواني<‪.‬‬
‫ومدار أخبار قصة السيدة نفيسة على كتاب الجواني وروايته‪ ،‬ومن ذكرها من أهل العلم بعده إنما‬
‫اعتمدوا على وجود القبر المنسوب إليها في مصر‪ ،‬وإذا ثبت أن الجواني قد تفرد بما ذكره عن‬
‫نفيسة فكيف يمكن االعتماد على ما تفرد به مع ما مضى من كالم أهل العلم في عدم الوثوق بما‬
‫يرويه‪ ،‬والمسألة بحاجة إلى مزيد من البحث والتحقيق‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)128‬ولم أقف على هذا الكتاب لكن ما نقله السابقي عنه مشكوك فيه‪،‬‬
‫لما سيأتي من تزييف نقل السابقي عن كتاب أهل البيت لتوفيق أبو علم المصري‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)129‬وسيأتيك أيها القارئ ما يكشف زيف هذا النقل عنه‪ .‬انظر‬
‫(ص‪.)224‬‬

‫‪194‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫مصر في غاية اإلكرام‪ ،‬ولهم فيها عقيدة راسخة‪ ،‬ولها كرامات كثيرة يتناقلها‬
‫المصريون وكان الخليفة ظافر الفاطمي يزورها ماشيا؛ وقال السخاوي‪> :‬ليس في‬
‫قبرها خالف<‪ .‬وزيارة ظافر الفاطمي لمرقدها ذكره جميع أصحاب المزارات‬
‫المصرية‪ ،‬ال يختلف فيه اثنان<(‪.)1‬‬
‫وقد راجعت عدة من كتب الزيارات‪ ،‬المصرية منها وغير المصرية‪،‬‬
‫>كاإلشارات في معرفة الزيارات< للهروي(‪ ،)2‬و>مصباح الدياجي< البن الناسخ(‪،)3‬‬
‫و>مرشد الزوار إلى قبور األبرار< لموفق الدين الشارعي(‪ ،)4‬و>العدل الشاهد في‬
‫دوخ(‪ ،)5‬حتى أرى هل صدق السابقي في دعواه‪ ،‬فلم‬ ‫تاريخ الشاهد< لعثمان ُم ّ‬
‫أقف فيها على ما ادعاه‪ ،‬وإنما انفرد ابن الزيات في >الكواكب السيارة<(‪،)6‬‬
‫وتابعه نور الدين السخاوي صاحب >تحفة األحباب<(‪ ،)7‬بذكر زيارة ظافر‬
‫الفاطمي لقبر زينب بنت يحيى المتوج‪ ،‬فمن أين أتى السابقي بدعواه أن جميع‬
‫أصحاب المزارات المصرية ذكروا تلك الزيارة‪ ،‬هل هذا إال افتراء وزور؟‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ ادعاء السابقي أ َّن ابن الحوراني نقل عن ابن عساكر أ ّن أم كلثوم‬
‫المدفونة بالشام تسمى زينب الكبرى ‪‬‬
‫من عجائب االفتراءات التي دبجها السابقي في كتابه‪ ،‬قوله إن ابن عساكر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)55‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫لم يذكر الهروي مشهد زينب بنت يحيى المتوج ضمن المزارات المصرية‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر مخطوط مصباح الدياجي [ق‪/85‬ب] نسخة تشستربيتي برقم (‪.)4037‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرشد الزوار إلى قبور األبرار (ص ‪.)422‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫لم أقف في الكتاب على ذكر مشهد زينب بنت المتوج‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة (ص ‪.)87‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫تحفة األحباب (ص ‪ ،)214‬والسخاوي إنما ينقل عن ابن الزيات وسار على ترتيب كتابه كما‬ ‫(‪)7‬‬
‫صرح بذلك في مقدمة تحفة األحباب (ص ‪.)3‬‬

‫‪195‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫نص على أن أم كلثوم المدفونة بقبر راوية اسمها زينب‪ ،‬ولكي يغطي على هذه‬
‫الفرية‪ ،‬فقد نسب السابقي هذا النص إلى ابن عساكر بواسطة كتاب >اإلشارات‬
‫إلى أماكن الزيارات< البن الحوراني‪ ،‬فالسابقي نقل كالم ابن عساكر في مسجد‬
‫راوية وأنه ينسب ألم كلثوم ثم قال‪> :‬وصرح أيضا بأن أم كلثوم هذه تسمى بالسيدة‬
‫زينب ‪ ،‬كما نقله عنه ابن الحوراني<(‪ ،)1‬وعند مراجعة كالم ابن الحوراني‬
‫لم أجد أثرا لما نسبه إلى ابن عساكر‪ ،‬فالحوراني ذكر أن المدفونة براوية هي‬
‫زينب أم كلثوم بنت علي وفاطمة ‪ ،‬وأنها تزوجت بعمر ‪ ،)2(‬ثم نقل قصة‬
‫عن زيارة أبي بكر الموصلي لها‪ ،‬ثم بعد ذلك قال‪> :‬انتهى<(‪ ،)3‬مبينا انتهاء نقله‬
‫لكالم الموصلي‪ ،‬ثم شرع في الكالم عن قبر مدرك بن زياد‪ ،‬ثم قال بعد أن انتهى‬
‫من الكالم عن قبر مدرك‪> :‬قاله ابن عساكر ‪ ،)4(<‬فالكالم الذي نقله ابن‬
‫الحوراني عن ابن عساكر هو عن مدرك بن زياد‪ ،‬وليس عن زينب ‪ ،‬ولكن‬
‫السابقي غافل القراء ولفق البن الحوراني كالما لم يقله‪ ،‬حتى ينسب إلى ابن‬
‫عساكر نصا مفترى عليه‪ ،‬وما يدل على تعمد السابقي لذلك‪ ،‬ما سيأتيك بعد من‬
‫بتره لكالم ابن عساكر الذي يهدم كل ما أراد بناءه في كتابه‪.‬‬

‫‪ 4‬ــ افتراء السابقي على جماعة من أهل العلم أنهم قرروا أن أم كلثوم ‪‬‬
‫أكبر من زينب الكبرى ‪!!‬‬
‫قال السابقي‪> :‬كون أم كلثوم أكبر بنات الزهراء‪ ،‬ذكر جماعة من أعالم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)126‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص ‪ 133‬ــ ‪.)134‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص ‪ 134‬ــ ‪.)136‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص ‪.)136‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪196‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫السنة والشيعة أن أكبر بنات الزهراء هي أم كلثوم ثم زينب‪ ،‬وبهذا الترتيب ذكره‬
‫أكثر المؤرخين<(‪ ،)1‬ونسب هذا إلى جماعة من العلماء‪ ،‬وهم أقسام‪:‬‬

‫* القسم األول‪ :‬من ق َّدم ِذكر أ ُ ّم كلثوم على زينب ‪.‬‬


‫وهم ابن عبد البر والمسعودي والخوارزمي والسيوطي‪ ،‬وهم برآء مما نسبه‬
‫إليهم السابقي‪ ،‬ألن مجرد تقديم ذكر أم كلثوم ال يلزم منه أنهم يرون أنها أكبر من‬
‫زينب‪ ،‬والسابقي يعلم هذا‪ ،‬ولذا فهو يقول بعدما نسب هذه المقالة إلى هؤالء‬
‫العلماء‪> :‬ولكن المتسالم عليه أن زينب العقيلة هي الكبرى من بنات‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم بعد أن يسوق أدلة تاريخية على بطالن دعوى كون أم كلثوم أكبر‬ ‫الزهراء< ‪َّ ،‬‬
‫من زينب‪ ،‬يقول‪> :‬ال محيص عن القبول بأن زينب العقيلة هي المكناة بأم كلثوم‪،‬‬
‫والذين ذكروا أن أم كلثوم أكبر‪ ،‬فمرادهم هذه السيدة الجليلة‪ ،‬ولكون بنتي‬
‫الزهراء كلتاهما(‪ )3‬مكناتين بأم كلثوم نشأ االشتباه<(‪.)4‬‬
‫وهكذا ركَّب السابقي أدلته الغريبة بهذه الطريقة الملفقة‪ ،‬فهو يقرر مسألة‬
‫ثم يقرر‬
‫ثم يبين أدلة بطالنها َّ‬
‫ثم ينسبها إلى جماعة من العلماء َّ‬
‫مقطوعا ببطالنها َّ‬
‫أ ّن هؤالء العلماء موافقون لنظريته التي لم يسبق إليها‪ ،‬وهي أن زينب الكبرى‬
‫كانت تكنى بأم كلثوم وأ َّن من ذكرهم من أهل العلم إنما قصدوا بتقديم أم كلثوم‬
‫على زينب أنها زينب الكبرى المكناة بأم كلثوم‪ ،‬وتكون النتيجة المترتبة عن هذه‬
‫المقدمات‪ :‬أن العلماء ذكروا زينب الكبرى بكنيتها أم كلثوم‪ ،‬وذكروا أم كلثوم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)140‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)141‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫كذا والصواب‪ :‬كلتيهما‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)141‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪197‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫الكبرى باسمها زينب!!‬


‫والمقصود أن السابقي لفق هذه الدعوى بدون أي دليل صريح‪ ،‬ثم جعل‬
‫هؤالء العلماء موافقين له على دعواه الغريبة‪.‬‬

‫* القسم الثاني‪ :‬من ق َّدم ِذكر أ ُ ّم كلثوم على زينب ‪ ‬في موضع‪ ،‬لكنه‬
‫ذكر خالف ذلك في موضع آخر‪:‬‬
‫ومنهم ابن سعد وابن قتيبة والمحب الطبري والذهبي والصفدي‪ ،‬فتقديمهم‬
‫ذكر أم كلثوم على ذكر زينب ال يعني أنهم يرون أن أم كلثوم هي أكبر سنا من‬
‫زينب‪ ،‬وأبين دليل على ذلك أن الذهبي‪ ،‬ــ على ما نقل عنه الصفدي ــ ذكر في‬
‫كتابه >فتح المطالب< بنات علي ‪ ‬فقال‪> :‬فزينب الكبرى وزينب الصغرى وأم‬
‫كلثوم‪ ،‬وأم كلثوم الصغرى<(‪ ،)1‬فالالزم من هذا الترتيب على منطق السابقي أن‬
‫الذهبي يرى أن زينب الصغرى أكبر من أم كلثوم! وهذا الزم باطل فالملزوم‬
‫كذلك‪ ،‬والعجب من السابقي كيف تغافل عن هذا النص في >الوافي بالوفيات<‬
‫للصفدي‪ ،‬وقول الصفدي في ترجمة فاطمة ‪> :‬وخلفت من األوالد‪ :‬الحسن‪،‬‬
‫والحسين‪ ،‬وزينب‪ ،‬وأم كلثوم<‪ ،‬ألنه ينسف دعواه من أصلها ما دام الذهبي‬
‫والصفدي قد قدما زينب على أم كلثوم هنا‪.‬‬
‫وأما ابن سعد فقد قال في موضع آخر من الطبقات في ترجمة علي ‪:‬‬
‫>وكان له من الولد‪ :‬الحسن والحسين وزينب الكبرى‪ ،‬وأم كلثوم الكبرى<(‪،)2‬‬
‫فقدم ذكر زينب الكبرى على أم كلثوم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الوافي بالوفيات (‪.)185/21‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات (‪.)19/3‬‬

‫‪198‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫ومثل ذلك ابن قتيبة‪ ،‬فـإنه بعد سطور من الموضع الذي عزا إليه السابقي‬
‫علي ‪ ،‬فأما «زينب الكبرى< بنت فاطمة‪ ،‬فكانت عند عبد اهلل‬ ‫قال‪> :‬بنات ّ‬
‫ابن جعفر‪ ،‬فولدت له أوالدا قد ذكرناهم‪.‬‬
‫وأما «أم كلثوم الكبرى<‪ ،‬وهي بنت فاطمة‪ ،‬فكانت عند عمر بن الخطاب<(‪.)1‬‬
‫وأما المحب الطبري فقد قال في موضع آخر من >الرياض النضرة<‪:‬‬
‫>وتزوج بنات علي بنو عقيل وبنو العباس‪ ،‬ما خال زينب بنت فاطمة كانت تحت‬
‫عبد اهلل بن جعفر؛ وأم كلثوم بنت فاطمة‪.)2(<...‬‬
‫فلك أن تعجب من السابقي كيف انتقى من كالم هؤالء العلماء ما يوافق‬
‫هواه وسكت عما يناقض دعواه!‪ ،‬والشاهد أن قوله إن هؤالء العلماء قرروا أن أم‬
‫كلثوم أكبر من زينب افتراء ال ريب فيه‪.‬‬

‫‪ 5‬ــ ادعاء السابقي أ ّن ابن شداد ذكر أن قبر زينب الكبرى ‪ ‬بالشام‬
‫زعم السابقي أ ّن ابن شداد قال في >>األعالق الخطيرة في محاسن الشام‬
‫والجزيرة< في النسخة المخطوطة منه في مكتبة جامعة لندن(‪ ،)3‬برقم ‪ ،800‬عند‬
‫ذكر راوية‪> :‬بها قبر زينب الكبرى بنت اإلمام من فاطمة الزهراء<‪ ،‬وفي النسخة‬
‫المطبوعة بدمشق بتحقيق األستاذ محمد سامي الدهان >بها قبر أم كلثوم<‪ ،‬وقال‬
‫المعلق‪ :‬وذلك ألن زينب الكبرى هذه أم كلثوم كذلك<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المعارف (ص ‪.)211‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الرياض النضرة (‪.)241/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫كذا والصواب ليدن‪ ،‬كما في مقدمة تحقيق األعالق الخطيرة (ص م‪.)45‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 197‬ــ ‪ ،)198‬وقد ذكر السابقي ذلك مجمال في موضع سابق‬ ‫(‪)4‬‬
‫(ص ‪ ،)133‬و(ص ‪.)174‬‬

‫‪199‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫والسابقي اعتمد هنا على ما ذكره المحقق الدهان في هامش النص المحال‬
‫إليه كما صرح في موضع سابق(‪ ،)1‬وفي هذا النقل عدة أوابد‪:‬‬
‫فأوال‪ :‬ما زعمه ال يصح إطالقا‪ ،‬فابن شداد إنما قال‪> :‬راوية بها قبر أم‬
‫كلثوم<‪ ،‬ولم يقل ابن شداد إطالقا إنها زينب‪ ،‬وإنما قال ذلك أحد الشراح أو‬
‫النساخ في حاشية على إحدى النسخ الخطية‪ ،‬ثم ألحق ناسخ آخر كالم الحاشية‬
‫بالمتن في نسخته‪ ،‬فاختلط كالم ابن شداد بكالم الناسخ في تلك النسخة وصار‬
‫الكالم عن قبرين في راوية! واحد لزينب وآخر ألم كلثوم‪ ،‬وهذا خالف ما قرره‬
‫ابن شداد وغلط فاحش من هذا الناسخ‪ ،‬وهذا الكالم ذكره الدكتور سامي‬
‫الدهان في تعليقه على هذا الموضع من تحقيقه لكتاب >األعالق الخطيرة<‪،‬‬
‫فقد أثبت الدهان قول ابن شداد‪> :‬بها قبر أم كلثوم< في متن الكتاب‪ ،‬ثم قال‬
‫في الهامش‪> :‬في الزيارات‪> :‬راوية بها قبر أم كلثوم<‪ ،‬وعنها نقلت نسخة‬
‫>ل<(‪ ،)2‬ولكن شارحا علق عليها عبارة في اسم هذه السيدة الكريمة‪ ،‬وجعل‬
‫العبارة في الحاشية‪ .‬ولما نقل ناسخ مخطوطة >هـ<(‪ ،)3‬وضعها في صلب‬
‫الكتاب‪ ،‬حتى لكأنه جعل فيها قبرين‪ ،‬أحدهما ألم كلثوم والثاني لزينب‬
‫الكبرى‪ ،‬فحذفنا العبارة‪ ،‬وأعدناها إلى الهامش‪ ،‬ألنها تفسير وشرح‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫>قبر زينب الكبرى بنت اإلمام علي من السيدة فاطمة الزهراء ‪ ،<‬وذلك ألن‬
‫زينب الكبرى هذه أم كلثوم كذلك<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)175‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫هو رمز نسخة متحف لندن ببريطانيا‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫هو رمز نسخة جامعة ليدن بهولندا‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫األعالق الخطيرة تحقيق الدهان (ص ‪.)182‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪200‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫والذي وقع أن ناسخ مخطوطة ليدن الهولندية‪ ،‬حشر في متن الكتاب كالما‬
‫وقع في حاشية األصل الذي انتسخ منه‪ ،‬وهو مخطوطة لندن(‪ ،)1‬ومسخ بذلك‬
‫كالم ابن شداد‪ ،‬فصار قبر راوية قبرين‪ :‬قبر أم كلثوم وقبر زينب‪ ،‬فتجاهل‬
‫المحقق سامي الدهان صنيع هذا الناسخ وأثبت كالم ابن شداد على الصواب‬
‫في المتن وأشار إلى غلط النسخة الهولندية كما هو المعمول عليه في أصول‬
‫تحقيق الكتب‪.‬‬
‫فلما وقف السابقي على هذا النص لفق البن شداد أنه ترجم لزينب‬
‫الكبرى مع أنه رأى أن هذا ليس كالمه‪ ،‬وإنما هو حاشية حشرها ناسخ‬
‫المخطوطة الهولندية في متن نسخته‪ ،‬وإذا كان الناسخ قد جعل القبر الواحد‬
‫قبرين‪ ،‬فالسابقي جعل القبرين المذكورين في مخطوطة ليدن قبرا واحدا!!‪،‬‬
‫وحتى يظهر األمر بوضوح فهذه وثيقة من نفس الطبعة التي اعتمد عليها السابقي‬
‫تبين واقع الحال‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد ذكر المحقق سامي الدهان أن مخطوطة لندن البريطانية هي األصل الذي نقل منه ناسخ‬
‫مخطوطة ليدن الهولندية‪ ،‬فقال بعد أن وصفها‪> :‬وهي أخت نسخة لندن أو بنتها تشبهها شبه القطرة‬
‫بالقطرة<‪ ،‬األعالق الخطيرة مقدمة التحقيق (ص م‪.)48‬‬

‫‪201‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫‪202‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫وثانيا‪ :‬ما يزيد الباحث عجبا‪ ،‬أ َّن السابقي نقل كالم ابن شداد في أول مرة‬
‫على الصواب‪ ،‬واكتفى بأنه ذكر قبر أم كلثوم(‪ ،)1‬لكنه لما علم أن هذا ال يفيده‬
‫لفَّق البن شداد كالما لم يقله‪.‬‬
‫وثالثا‪ :‬مما يدل على براءة ابن شداد من هذا النص‪ ،‬أن ابن شداد إنما‬
‫اعتمد فيما ذكر عن راوية على ابن عساكر‪ ،‬كما يظهر بالمقارنة بين كتابه وكتاب‬
‫>تاريخ دمشق< البن عساكر(‪ ،)2‬ومعلوم أن ابن عساكر نسب هذا القبر إلى أم‬
‫كلثوم ولم يذكر زينب‪.‬‬
‫ثم إ ّن ابن شداد ذكر بعد أم كلثوم رجلين آخرين‪ ،‬ونص على صحبتهما‪،‬‬
‫وهما مدرك بن زياد وكناز بن الحصين‪ ،‬ولم ينص على صحبة أم كلثوم‪ ،‬فكيف‬
‫يصح أن ينسب إليه أنه يرى أنها زينب الكبرى المعدودة في الصحابة؟‪.‬‬
‫ورابعا‪ :‬إن السابقي كعادته في االنتقاء والتمويه لم ينقل كالم ابن شداد‬
‫الصريح في المسألة والذي نقل فيه نفس كالم ابن عساكر عن مسجد راوية‪،‬‬
‫وذلك أن ابن شداد قد ذكر مسجد راوية في موضع سابق قبل الموضع الذي أحال‬
‫مستج ٌّد على قبر أم كلثوم‪ ،‬وأم كلثوم هذه‬
‫َ‬ ‫عليه السابقي فقال‪> :‬مسجد في راوية‪،‬‬
‫التي كانت عند عثمان ‪ ‬أل ّن تلك ماتت في حياة‬ ‫ليست بنت رسول اهلل‬
‫ودفنت بالمدينة‪ ،‬وال هي أم كلثوم بنت علي ‪ ‬من فاطمة التي‬ ‫النبي‬
‫تزوجها عمر بن الخطاب‪ ،‬ألن تلك ماتت هي وابنها زيد بالمدينة في يوم واحد‬
‫ودفنا بالبقيع‪ ،‬وإنما هي امرأة من أهل البيت سميت بهذا االسم‪ ،‬وال يحفظ‬ ‫ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)126‬‬
‫(‪ )2‬وقد نص المحقق الدهان على أن ابن شداد اعتمد على مصادر منها تاريخ ابن عساكر‪ ،‬انظر مقدمة‬
‫تحقيق األعالق الخطيرة (ص م‪.)36‬‬

‫‪203‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫نسبها‪ ،‬ومسجدها مسجد بناه رجل قرقوبي من أهل حلب<(‪.)1‬‬


‫فلماذا أعرض السابقي عن هذا النص الصريح الواضح البن شداد؟‬
‫دفن زينب‬
‫الجواب‪ :‬ألن هذا يناقض غرضه‪ ،‬فهو يريد أن ينسب البن شداد َ‬
‫الكبرى في راوية‪ ،‬ولو نقل هذا النص لما استقام له مراده‪ ،‬فلجأ إلى اإليهام‬
‫كعادته ودلس في نقل ما ورد في حاشية أحد النساخ مدعيا أنه كالم ابن شداد‪،‬‬
‫االنتصار لرأيه في القبر الشامي‪ ،‬فالسابقي يسلك‬
‫ُ‬ ‫والغرض من كل هذا التمويه‬
‫كل سبيل في إثبات نظريته ولو باالفتراء‪.‬‬
‫واألغرب أن يصدر هذا من السابقي وهو القائل‪> :‬هكذا تتالعب األيدي‬
‫األثيمة باآلثار العلمية تحريفا يا للعجب<(‪ ،)2‬وفعال يا للعجب‪.‬‬

‫زعم السابقي أ َّن الذهبي ذكر أ َّن زينب الكبرى ‪ ‬مدفونة براوية‬
‫‪ 6‬ــ ُ‬
‫قال السابقي‪> :‬ولذلك ذكر الذهبي الدمشقي مشهدها بالموضع بقرية‬
‫«راوية<<(‪.)3‬‬
‫والجواب‪ :‬إن الذهبي لم يذكر قط في أي كتاب من كتبه أ َّن زينب دفنت‬
‫براوية‪ ،‬وال نسب إليه ذلك أحد‪ ،‬إلى أن جاء السابقي وافترى هذه الفرية التي ال‬
‫يوجد لها أي مستند وال أصل عن الذهبي‪ ،‬وقد بنى هذه الدعوى الغريبة على‬
‫ورود عبارة >في دمشق< في نهاية ترجمة زينب في كتاب >تجريد أسماء‬
‫الصحابة< ولو سلمنا بأن مراد الذهبي تعيين موضع وفاتها‪ ،‬فأين دمشق من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬األعالق الخطيرة تحقيق الدهان (ص ‪.)134‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)205‬‬
‫(‪ )3‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)166‬‬

‫‪204‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫رد شيئا مما نسبه إليه السابقي؟‪.‬‬


‫راوية؟!‪ ،‬فكيف إذا تبين أن الذهبي لم يُ ْ‬
‫وسيأتي تفنيد ما نسبه السابقي للذهبي من تنصيصه على وفاة زينب بدمشق‬
‫بناء على تكهنات وتخيالت ال وجه لها(‪ ،)1‬وعادة السابقي أن يتبنى رأيا ال دليل‬
‫ثم يحمل كالم العلماء على رأيه الموهوم وينسب إليهم ما لم يقولوه‪ ،‬ثم‬ ‫عليه‪َّ ،‬‬
‫وبينة على مراده ويستدل بها كأنها حقيقة ومس ّلمة مقطوع بها‪،‬‬‫يجعل ذلك حجة ّ‬
‫وهذه نهاية التحكم والتزوير‪.‬‬

‫‪ 7‬ــ نفي السابقي ذكر قبر زينب الكبرى ‪ ‬في كتاب >أ ُ ْنس الزائرين<‬
‫ثم المؤرخ المتتبع القاضي أبوعبد اهلل محمد بن سالمة‬ ‫قال السابقي‪ّ > :‬‬
‫همه على ضبط الحوادث‬ ‫القضاعي الشافعي المتوفى ‪ 453‬هـ‪ ،‬ولم يقصر ّ‬
‫التاريخية فقط‪ ،‬بل ألّف في المزارات المقصودة للزيارة والتبرك التي تشد إليها‬
‫الرحال‪ ،‬وله في هذا الموضوع كتاب «أُنس الزائرين< ترجم فيه السيدة نفيسة‪،‬‬
‫وعين مدفنها‪ ،‬وليس فيه لقبر زينب الكبرى عين وال أثر<(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫والجواب من وجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬إ ّن السابقي لم ير كتاب >أنس الزائرين< ُّ‬
‫قط‪ ،‬وإنما وقف على كالم‬
‫للزركلي في األعالم ينقل فيه من كتاب أنس الزائرين كالما للقضاعي عن قبر‬
‫نفيسة(‪ ،)3‬فتوهم أ َّن كتاب >أنس الزائرين< للقضاعي‪ ،‬وقد غفل عن تصريح‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر (ص ‪ 237‬ــ ‪.)241‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة (ص ‪.)37‬‬
‫(‪ )3‬األعالم للزركلي (‪ )44/8‬الهامش ‪.1‬‬

‫‪205‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫الزركلي في موضع آخر من األعالم بأن مؤلف >أنس الزائرين< مجهول(‪.)1‬‬


‫كما أ َّن الزركلي ذكر في فهرس مصادره أن المؤلف مجهول(‪ ،)2‬وهذا نفس‬
‫ما جاء في بيانات النسخة الوحيدة لكتاب >أنس الزائرين< والتي كانت في مكتبة‬
‫الزركلي ثم نُقلت إلى مكتبة جامعة الملك سعود(‪ ،)3‬فقد ذكر مفهرسها أ ّن المؤلف‬
‫مجهول‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قول السابقي‪ :‬إ ّن قبر زينب غير مذكور في >أنس الزائرين< غير‬
‫صحيح‪ ،‬وهذا ما يؤكد أنه لم ير الكتاب أصال‪ ،‬فعندما تراجع مخطوط >أنس‬
‫الزائرين< ترى مؤلفه يقول‪> :‬ومنهم السيدة زينب بنت اإلمام علي المدفونة بقناطر‬
‫السباع وأمها السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول اهلل <(‪ )4‬إلى أن قال‪> :‬قال‬
‫الشعراني‪ :‬هي في هذا المكان بال شك<(‪ ،)5‬وإليك البيان من خالل هذه الوثيقة‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫األعالم للزركلي (‪ )277/8‬الهامش ‪.1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫األعالم للزركلي (‪.)284/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مخطوط أنس الزائرين‪ ،‬برقم (‪ 218‬ــ أ) ــ (‪ 3047‬ز)‪ ،‬وعن قصة انتقال مخطوطات الزركلي‬ ‫(‪)3‬‬
‫إلى مكتبة جامعة الملك سعود انظر مقالة‪> :‬مكتبة الزركلي< للدكتور محمد بن لطفي الصباغ‬
‫المنشورة بموقع األلوكة‪.‬‬
‫مخطوط أنس الزائرين [ق‪/3‬أ] محفوظ بمكتبة جامعة الملك سعود برقم ‪.3047‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مخطوط أنس الزائرين [ق‪/3‬ب]‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪206‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫مخطوط أنس الزائرين [ق‪/3‬أ] محفوظ بمكتبة جامعة الملك سعود‬

‫‪207‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫وربما يستبعد القارئ أن يكون السابقي قد تعمد االفتراء على صاحب‬


‫>أنس الزائرين<‪ ،‬لكن هذا االستبعاد سيندفع حين ترى تكرر صنيعه في أكثر من‬
‫موضع‪.‬‬

‫زعم السابقي أ ّن قبر زينب الكبرى ‪ ‬مذكور بكتاب >تحفة األنام< للبصروي‬
‫‪ 8‬ــ ُ‬
‫إ ّن منهج السابقي قائم على التوسع في التكهن وإطالق الدعاوى بال أي‬
‫ضابط‪ ،‬فإن كان قد نفى وجود ذكر زينب في كتاب >أنس الزائرين< دون أن يراه‪،‬‬
‫فقد زعم أن مؤل ِّفا آخر ذكر زينب في كتابه مع أن ذلك غير صحيح البتة‪.‬‬
‫قال السابقي‪> :‬أحمد بن محمد البصراوي(‪ )1‬المتوفى ‪1003‬هـ(‪ ،)2‬ذكر‬
‫هذا المشهد الكريم باسم السيدة زينب في كتابه >تحفة األنام< في الباب الرابع‬
‫في ضمن ذكر من مات بدمشق من الصحابة والتابعين (من مخطوطات الظاهرية‬
‫برقم ‪.)3(<)6226‬‬
‫وهذا النص من قبيل ما مضى من االفتراء والكذب‪ ،‬فكتاب تحفة األنام‬
‫معترض بأن خلو المطبوع من هذا النص‬
‫ٌ‬ ‫خال من هذه الدعوى(‪ ،)4‬وقد يعترض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذكره السابقي باسم >البصراوي<‪ ،‬والذي وقفت عليه في النسخ الخطية لكتابه >تحفة األنام<‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫>البصروي< بدون ألف‪ ،‬وهذا هو المثبت أيضا في نسخة المكتبة الظاهرية التي ذكرها السابقي‪،‬‬
‫وهكذا ذكره الزركلي في األعالم (‪.)236/1‬‬
‫قلت‪ :‬هذا غلط! وإنما هذه سنة تأليف الكتاب على ما جاء في أول ورقة من مخطوط الظاهرية‬ ‫(‪)2‬‬
‫الذي اعتمد عليه السابقي‪ ،‬وقد ذكر الزركلي أن وفاة البصروي كانت سنة ‪ 1015‬هـ‪ ،‬انظر األعالم‬
‫(‪.)236/1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)177‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫راجعت كتاب تحفة األنام بتحقيق عبد العزيز فياض حرفوش فلم أجد فيه أثرا لدعوى السابقي‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪208‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫ال يدل على عدم ثبوته في أصل الكتاب‪ ،‬ألن السابقي إنما نقل النص من‬
‫المخطوطة‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬قد يسر اهلل لي مراجعة نفس المخطوطة التي اعتمد عليها‬
‫السابقي(‪ ،)1‬والمحفوظة بالمكتبة الظاهرية‪ ،‬فلم أجد أثرا لما نسبه للبصروي‪،‬‬
‫فقد عقد البصروي الباب الرابع من تحفة األنام لذكر >بعض من توفي بدمشق‬
‫وغيرها من أرض الشام من األنبياء ‪ّ ،‬‬
‫ثم من الصحابة البررة الكرام‪،)2(<...‬‬
‫وهذه وثيقة من الباب الرابع الذي أشار إليه السابقي‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد غلط السابقي في رقمها فكتبه‪ )6626( :‬والصواب (‪.)4626‬‬
‫(‪ )2‬مخطوط تحفة األنام محفوظ بالمكتبة الظاهرية برقم (‪[ )4626‬ق ‪/14‬أ]‪ ،‬وراجع تحفة األنام‬
‫المطبوع بتحقيق حرفوش (ص ‪.)59‬‬

‫‪209‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫مخطوط تحفة األنام محفوظ بالمكتبة الظاهرية برقم (‪[ )4626‬ق ‪/14‬أ]‬

‫‪210‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫قسم هذا الباب إلى قسمين‪> :‬القسم األول في ذكر‬ ‫ثم بعد أن ذكر األنبياء َّ‬
‫َّ‬
‫بعض من توفي بالشام من الصحابة البررة‪ ،‬القسم الثاني‪ :‬في ذكر نبذة يسيرة ممن‬
‫بعدهم من التابعين والعلماء العاملين واألولياء الصالحين أصحاب الكرامات‬
‫ثم قال‪> :‬القسم األول في ذكر الصحابة رضي اهلل عنهم أجمعين‪،‬‬ ‫المشهورة<‪َّ ،‬‬
‫ونذكرهم على سبيل اإلجمال‪ ،‬ثم نذكرهم على سبيل التفصيل<(‪ ،)1‬ثم سرد‬
‫جميع أسماء الصحابة الذين سيذكرهم و ِع َّدتهم أربعون صحابيا وليس منهم‬
‫زينب!‪.‬‬
‫وقد ذكر المؤلف مدركا الفزاري ونقل عن ابن عساكر دفنه في قرية‬
‫راوية(‪ ،)2‬وقرية راوية هي الموضع الذي اشتهر عند المتأخرين دفن زينب فيها‪.‬‬
‫وهذه وثيقة لنفس النسخة الخطية التي استشهد بها السابقي تشهد ببراءة‬
‫البصروي مما نسب إليه‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مخطوط تحفة األنام نسخة الظاهرية [ق ‪/16‬أ]‪ ،‬وراجع تحفة األنام المطبوع بتحقيق حرفوش‬
‫(ص ‪.)65‬‬
‫(‪ )2‬مخطوط تحفة األنام نسخة الظاهرية [ق ‪/53‬أ]‪ ،‬وراجع تحفة األنام المطبوع بتحقيق حرفوش‬
‫(ص ‪.)167‬‬

‫‪211‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫مخطوط تحفة األنام محفوظ بالمكتبة الظاهرية برقم (‪[ )4626‬ق ‪/16‬أ]‬

‫‪212‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫وقد راجعت أكثر من نسخة خطية لكتاب تحفة األنام لعل ما زعمه السابقي‬
‫يكون مذكورا في نسخ أخرى فوجدتها كلها متفقة على تكذيب السابقي فيما نسبه‬
‫للبصروي(‪ ،)1‬لخلوها من ذكر قبر زينب‪.‬‬
‫يموه الحقائق‬
‫وهنا أستشهد بقول السابقي‪> :‬لم يكن في حسابنا أن األستاذ ِّ‬
‫ويطمسها إلى هذا الحد ظنا منه أن ذلك يبقى في طي الكتمان‪ ،‬ما دام المصدر‬
‫مخطوطا‪ ،‬ولم يدر أن قلم التنقيب سوف يحاسبه حسابا عنيفا<(‪ ،)2‬فإنه وإن قاله‬
‫في حسن قاسم إال أن هذا ينطبق عليه حذو القذة بالقذة‪.‬‬
‫‪ 9‬ــ دعوى السابقي أن إسماعيل العجلوني صرح بدفن زينب الكبرى في قرية‬
‫راوية‬
‫قال السابقي‪> :‬إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي العجلوني الشافعي‪،‬‬
‫المتوفى ‪ 1162‬هـ‪ ،‬له في ترجمة السيدة زينب المدفونة براوية‪ ،‬وترجمة مدرك‬
‫الصحابي المدفون غربي مشهد زينب‪ ،‬رسالة سماها «عرف الزرنب في ترجمة‬
‫مدرك بن زياد والسيدة زينب< مخطوطة‪ ،‬ذكرها صالح الدين المنجد<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجعت نسخة أخرى من تحفة األنام محفوظة بالمكتبة الظاهرية برقم (‪ )4202‬وعنوانها فضائل‬
‫دمشق والشام للبصروي‪ ،‬وتبين بالمقارنة أنها نسخة أخرى لكتاب تحفة األنام‪ ،‬وراجعت نسخا‬
‫أخرى منها‪ :‬نسخة جامعة الملك سعود برقم (‪ )2689‬ونسخة مكتبة رئيس الكتاب بتركيا برقم‬
‫(‪ )640‬ونسخة مكتبة نور عثمانية بتركيا برقم (‪ ،)3448‬ونسخة مكتبة أسعد أفندي بتركيا برقم‬
‫(‪ ،)2156‬ونسخة مكتبة راشد أفندي برقم (‪ ،)640‬ونسخة دار الكتب القطرية برقم (‪،)936‬‬
‫ونسخة مكتبة بلدية اإلسكندرية برقم (ج ‪ ،)2027‬ونسخة مكتبة برلين األلمانية ومصورتها‬
‫محفوظة بالجامعة اإلسالمية برقم (‪ ،)3918‬ونسخة مكتبة غوتة بألمانيا برقم (‪ ،)A 93‬فتلك‬
‫عشر نسخ كاملة‪ ،‬وكلها خالية من ذكر زينب أو قبرها‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)82‬‬
‫(‪ )3‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ )178‬وانظر (ص ‪.)206‬‬

‫‪213‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫قلت‪ :‬إن السابقي لم ير رسالة >عرف الزرنب< قطعا‪ ،‬ألن هذه الرسالة‬
‫تشهد بغلط ما نسبه إليه‪ ،‬إذ أن العجلوني إنما نسب هذا القبر إلى زينب الكبرى‬
‫بناء على ما اشتهر بين الناس‪ ،‬وصرح بأنه لم يقف على دليل يثبت دفن زينب‬
‫الكبرى بقرية راوية بالشام‪ ،‬فقال‪> :‬وأما كون المدفونة في قرية راوية وهي‬
‫المعروفة اآلن بقبر الست وبالست‪ ،‬هي زينب الكبرى بنت فاطمة من علي ‪‬‬
‫لم أر له مستندا تنشرح له الصدور<(‪ ،)1‬وقد ختم رسالته بنقل كالم لشيخه‬
‫عبد الغني النابلسي ينفي فيه أن تكون زينب هي المدفونة في هذا الموضع كما‬
‫سيأتي تفصيله‪ ،‬وعليه فما نسبه السابقي للعجلوني غير صحيح‪ ،‬فهو لم يقف على‬
‫رسالة العجلوني أصال‪ ،‬وإنما اكتفى بما جاء في عنوانها كي ينسب للعجلوني أنه‬
‫يرى أن زينب مدفونة في الشام‪ ،‬وهذا من الرجم بالغيب‪ ،‬فضال عما فيه من‬
‫اإليهام والتدليس على القراء‪ ،‬فأقل ما كان على السابقي أن يفعله أن يصرح بعدم‬
‫وقوفه على الرسالة ال أن يجزم بما ورد فيها دون أن يراها أو يقف على ما فيها‪،‬‬
‫وقد قال اهلل تعالى‪{ :‬ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ‬
‫ﳌ ﳍ ﳎ} [اإلسراء‪.]36 :‬‬
‫‪ 10‬ــ دعوى السابقي أن عبد الرزاق كمونة صرح بدفن زينب الكبرى ‪ ‬في‬
‫قرية راوية‬
‫سرد السابقي جماعة من أسماء علماء اإلمامية الذين ذهبوا إلى أن زينب‬
‫الكبرى هي المدفونة في قرية راوية بالشام‪ ،‬فقال‪> :‬نسوق إلى القارئ أسماء‬
‫البارزين من أعالمنا وفقهائنا المتأخرين ممن قطع بأن ذلك المشهد يضم جثمان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/71‬أ]‪ ،‬وسيأتي التفصيل حول ما وقع في هذا النص وموقف العجلوني‬
‫في هذه القضية (انظر ص ‪ 611‬ــ ‪.)613‬‬

‫‪214‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫العقيلة الطاهرة السيدة زينب الكبرى بال ريب<(‪ ،)1‬ثم ذكر منهم عبد الرزاق‬
‫كمونة‪ ،‬فقال‪> :‬قال في >مشاهد العترة< عند ذكر مزارات دمشق الشام‪ ،‬وبها‬
‫مشاهد معظمة ألهل البيت ‪ ‬منها مشهد السيدة زينب بنت أمير المؤمنين‬
‫المكناة بأم كلثوم‪ ،‬وقال في موضع آخر مزيِّفا لنسبة قبرها بمصر‪ :‬أما قبر زينب‬
‫بنت علي ‪ ‬فالمشهور أنها دفنت في راوية التي تبعد عن دمشق بفراسخ<(‪.)2‬‬
‫والحقيقة أن هذا تزوير للحقيقة وتدليس صريح إن لم يكن كذبا ظاهرا‪،‬‬
‫ألن عبد الرزاق كمونة لم يصرح بأن زينب الكبرى مدفونة في قرية راوية على‬
‫اإلطالق‪ ،‬وإنما ذهب إلى أنها زينب الصغرى‪ ،‬كما هو صريح كالمه في نفس‬
‫الموضع الذي أحال عليه السابقي‪ ،‬فبعد أسطر من الموضع الذي أحال عليه‬
‫السابقي‪ ،‬نقل عبد الرزاق كمونة عن محسن األمين‪> :‬أن هذا المشهد ألم كلثوم‬
‫زينب الصغرى بنت علي بن أبي طالب وأن زينب الكبرى توفيت بالمدينة<(‪،)3‬‬
‫فالسابقي كعادته اجتزأ من كالم كمونة ما ينقض دعواه أنه صرح بأنها زينب‬
‫الكبرى‪ ،‬وساق جزءا من كالمه ليوهم أنه يوافقه في قوله‪ ،‬وهذا تدليس صرف‬
‫وتزوير محض ال ريب‪.‬‬
‫وقد رد عبد الرزاق كمونة على من صرح بأن زينب المدفونة في راوية هي‬
‫بنت فاطمة‪ ،‬فقد ذكر أن إبراهيم بن يحيى العاملي (‪ 1214‬هـ) كتب على حائط‬
‫مشهد راوية شعرا مقتضاه أنه يرى أن المدفونة في القبر هي بنت فاطمة ‪ ،‬فرد‬
‫عليه كمونة قائال‪> :‬قلت‪ :‬إن أم كلثوم بنت علي ‪ ‬التي أمها فاطمة الزهراء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقدة العقيلة زينب (ص ‪.)210‬‬
‫(‪ )2‬مرقدة العقيلة زينب (ص ‪.)235‬‬
‫(‪ )3‬مشاهد العترة الطاهرة (ص ‪.)81‬‬

‫‪215‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫توفيت بالمدينة‪ ،<...‬ثم بعد أن سرد األدلة على ذلك قال‪> :‬أما أم كلثوم التي‬
‫قبرها في دمشق هي زينب الصغرى بنت اإلمام علي ‪ ‬التي أمها أم سعيد بنت‬
‫عمرو بن مسعود الثقفي(‪ ،)1‬التي خرجت إلى محمد بن عقيل<(‪ ،)2‬ثم بعد ذلك ذكر‬
‫قصة مجيء زينب مع عبد اهلل بن جعفر إلى الشام بسبب مجاعة وقعت بالمدينة!(‪.)3‬‬
‫بل إن كمونة صرح بأن زينب الكبرى مدفونة في المدينة في هذا الكتاب‬
‫نفسه عندما تعرض لذكر المدفونين من آل البيت في المدينة(‪ ،)4‬غير أن السابقي‬
‫غفل أو تغافل عن هذا النص الصريح الواضح‪ ،‬فهو ينشط في نقل كالم كمونة‬
‫في نفي دفن زينب الكبرى في مصر ألنه يخدم غرضه‪ ،‬أما كالمه عن دفنها في‬
‫يعرج عليه ألنه ينقض دعواه من أصلها‪ ،‬فالعجب من السابقي كيف‬ ‫المدينة فلم ِّ‬
‫يستبيح مثل هذه التلفيقات!!‪.‬‬
‫وأما قول عبد الرزاق كمونة‪> :‬أما قبر زينب بنت علي ‪ ‬فالمشهور أنها‬
‫دفنت في راوية التي تبعد عن دمشق بفراسخ<(‪ ،)5‬فمحمول على زينب الصغرى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫هذا وهم‪ ،‬فالصحيح أن زينب الصغرى هي ألم ولد‪ ،‬كما نص على ذلك عامة النسابين‪ ،‬راجع‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (‪ ،)18/3‬و(‪ ،)481/7‬نسب قريش (ص ‪ ،)44‬عمدة‬
‫الطالب (ص ‪.)32‬‬
‫مشاهد العترة الطاهرة (ص ‪ 81‬ــ ‪.)82‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫يبدو أن عبد الرزاق كمونة كان يرى أن زينب التي يُذكر أنها قدمت مع عبد اهلل بن جعفر إلى الشام‬ ‫(‪)3‬‬
‫بسبب المجاعة التي وقعت في المدينة هي زينب الصغرى‪ ،‬وهذا وهم ظاهر‪ ،‬فإن من اخترع هذه‬
‫القصة أراد إثبات مجيء زينب الكبرى إلى الشام وليس الصغرى‪ ،‬ألن الكبرى هي زوجة عبد اهلل‬
‫ابن جعفر وهي التي يُفترض أن تأتي معه إلى الشام‪ ،‬وسيأتي نقد هذه القصة وبيان أنها قد اختلقت‬
‫منذ زمن قريب‪.‬‬
‫مشاهد العترة الطاهرة (ص ‪ ،)210‬وسيأتي نقل كالمه عند الكالم عن تعيين قبر زينب بالمدينة‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مشاهد العترة (ص ‪.)241‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪216‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫ال الكبرى‪ ،‬ألن هذا هو ما يتسق ما نصوصه‪ ،‬ولذا نسب الكاتب اإلمامي محمد‬
‫بيضون إلى كمونة أنه يرى دفن زينب الصغرى في قرية راوية(‪ )1‬وهذا هو‬
‫الصحيح‪ ،‬خالفا لما افتراه عليه السابقي‪.‬‬
‫وبهذا نكون قد أتينا على عشر دعاوى للسابقي كلها ينطبق عليها أنها‬
‫دعاوى قائمة على الكذب واالفتراء!!‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬موسوعة كربالء (‪.)639/2‬‬

‫‪217‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫* المسلك الثاني‪ :‬البتر والتدليس واإليهام في النقوالت‬

‫ضم السابقي إلى أسلوب التزوير الصريح‪ ،‬أساليب ملتوية ومعقدة في‬
‫التقول على العلماء بتقويلهم ما لم‬
‫التدليس‪ ،‬ما بين بتر النصوص‪ ،‬وما بين ّ‬
‫يقولوه‪ ،‬وما بين الخيانة في النقل بنقل ما يوافق هواه وإخفاء ما يخالفه‪ ،‬وقد تكرر‬
‫هذا األمر في الكتاب حتى صار سمة عامة للسابقي‪ ،‬وإليك بيان ذلك‪:‬‬

‫‪ 1‬ــ بتر السابقي كالم ابن عساكر عن قبر أم كلثوم المدفونة في راوية‬

‫أراد السابقي أن يحشر الحافظ ابن عساكر مؤرخ دمشق المشهور في زمرة‬
‫من قال بأن زينب الكبرى مدفونة في الشام‪ ،‬وقد مضى كيف نسب البن عساكر‬
‫أنه نص على أن اسم أم كلثوم هو زينب‪ ،‬ولم يكتف بهذا‪ ،‬بل إنه حين نقل كالمه‬
‫توقف عند الموضع الذي يهدم كل ما يريد بناءه في كتابه‪ ،‬إذ أن ابن عساكر ذكر‬
‫ألنها دفنت بالمدينة‪ ،‬وال‬ ‫قبر أم كلثوم‪ ،‬ونص على أنها ليست بنت النبي‬
‫بنت علي ‪ ‬ألنها دفنت بالبقيع‪ ،‬وهنا توقف قلم السابقي عن النقل‪ ،‬وترك‬
‫بقية كالم ابن عساكر وهو قوله‪> :‬وإنما هي امرأة من أهل البيت ُسميت بهذا‬
‫االسم وال يحفظ نسبها<(‪ ،)1‬وهذا النص هو أقدم وأوثق نص تاريخي عن قبر‬
‫راوية بالشام‪ ،‬وهو ينفي أن يكون القبر لزينب الكبرى ‪ ،‬ولو نقله السابقي في‬
‫كتابه لما بقي لكل ما يسوقه من ظنون واحتماالت أي قيمة علمية‪ ،‬ولكنه بتر هذا‬
‫النص ولم يذكره إال في هذا الموضع فقط‪ ،‬بل تجنب ذكره في سائر الكتاب‪،‬‬
‫وسيزداد العجب حين ترى أن السابقي أورد كالم ابن عساكر تحت عنوان‪> :‬من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق (‪ 309/2‬ــ ‪.)310‬‬

‫‪218‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫ذكر المدفونة بقبر راوية هي أم كلثوم ولم يزد عليه شيئا<(‪ ،)1‬بينما زاد ابن عساكر‬
‫أمرا مهما وهو أن أم كلثوم المدفونة براوية امرأة من أهل البيت لم يحفظ نسبها‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ بتر السابقي كالم الشهرستاني عن شهرة دفن زينب الكبرى في مصر‬
‫نقل السابقي كالم الشهرستاني صاحب كتاب >نهضة الحسين< ضمن قائمة‬
‫من علماء اإلمامية الذين قالوا بأن المشهد الذي براوية بالشام هو لزينب الكبرى‬
‫بال ريب(‪ ،)2‬فأورد السابقي الجزء الذي ينقل فيه الشهرستاني قول صاحب‬
‫>الخيرات الحسان< إن زينب مدفونة في دمشق ثم توقف قلمه عند هذا النقل!(‪،)3‬‬
‫وتتمة كالم الشهرستاني تنقض القول األول‪ ،‬إذ يقول‪> :‬وقال جماعة‪ :‬إ َّن هذا‬
‫لزينب الصغرى‪ ،‬كما هو مرسوم على صخرة القبر‪ ،‬وإ ّن الكبرى توفيت بمصر‪،‬‬
‫ودفنت في قناطر السباع حيث المزار المشهور بالقاهرة<(‪.)4‬‬
‫فالشهرستاني عقَّب على قول صاحب الخيرات الحسان بما ينقضه‪ ،‬وهو‬
‫قول من قال إنها ُدفنت في مصر‪ ،‬ومما يؤيد ميله إلى دفنها في مصر أنه قال في‬
‫مقالة له‪> :‬اختلف المؤرخون في المكان الذي دفنت فيه السيدة زينب‪ ،‬والمشهور‬
‫أنها دفنت في قناطر السباع بمصر<(‪ ،)5‬وغاية ما يقال‪ :‬إن الشهرستاني حكى‬
‫الخالف في كتابه >نهضة الحسين< في المسألة‪ ،‬وأما القارئ الحصيف فيستنتج‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)125‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)210‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)225‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫نهضة الحسين (ص ‪ )114‬الهامش‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫نقل ذلك عنه صالح الشهرستاني في تاريخ النياحة على الحسين (‪ )93/1‬وعزاه إلى مقالة في‬ ‫( ‪)5‬‬
‫مجلة المرشد البغدادية >الصفحة «‪ <256‬من الجزء «‪ <6‬من المجلد «‪.<<3‬‬

‫‪219‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫من كالم الشهرستاني ميله إلى قول من قال إنها مدفونة في مصر‪ ،‬لكن السابقي‬
‫لم ينقل كالمه كامال وبتره! ولو كان منصفا وأمينا لنقل النص كامال‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ بتر السابقي كالم محمد مهدي المازندراني عن الشعراني‬


‫أراد السابقي أن ينسب إلى عبد الوهاب الشعراني القول بأن زينب الكبرى‬
‫دفنت في دمشق‪ ،‬فنقل كالم الشعراني بواسطة محمد مهدي الحائري‬
‫المازندراني المولود في حدود سنة ‪ 1300‬هـ(‪ ،)1‬فقال‪> :‬الشعراني‪ ...‬قال في‬
‫كتابه >لواقح األنوار<‪ :‬توفيت زينب بنت علي بدمشق الشام على ما حكى عنه‬
‫المازندراني في >معالي السبطين< ج ‪ 2‬ص ‪ ،134‬وإنما أوردنا كالمه ههنا بعد‬
‫إسقاطنا إياه في ما سبق من بحثنا عن قبر زينب بمصر ألنه مؤيد لتصريح‬
‫المؤرخين الثقات‪.)2(<...‬‬
‫وهنا تعمد السابقي مغالطة القارئ في أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬إعراضه عن رأي الشعراني المشهور والمذكور في كتبه‪ ،‬والذي‬
‫يصرح فيه بدفن زينب في مصر ونقلُه رأيا غريبا وشاذا منسوبا للشعراني‪ ،‬واعتماده‬
‫في النقل عن الشعراني على واسطة غير معتمدة‪ ،‬دون الرجوع إلى الكتاب‬
‫المنقول عنه وهو >لواقح األنوار<‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬بتر السابقي كالم محمد مهدي المازندراني ونقل ما يوافقه وترك ما‬
‫يخالفه‪ ،‬فالمازندراني ذكر أوال كالم الشعراني المشهور في >المنن الكبرى<‬
‫ثم بعد ذلك نسب إليه أنه قال في‬ ‫الذي يصرح فيه بوفاة زينب الكبرى بمصر‪َّ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ وفاته مستفاد من الذريعة (‪.)202/21‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)204‬‬

‫‪220‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫>لواقح األنوار<(‪ )1‬بوفاتها في دمشق‪ ،‬ثم قال المازندراني كالما مهما حذفه‬
‫السابقي‪ ،‬وهو قوله‪> :‬وفي الكتاب المذكور(‪ )2‬قال‪> :‬إن زينب المدفونة بقناطر‬
‫السباع أخت الحسين بن علي بن أبي طالب بال شك<<(‪.)3‬‬
‫وهذا الرأي ال ِ‬
‫يوافق عليه السابقي طبعا‪ ،‬ألن مقتضاه أن المدفونة في قناطر‬
‫السباع بنت علي وأخت الحسين‪ ،‬وبما أن السابقي يذهب إلى أن المدفونة في‬
‫مصر ليست من بنات علي أصال فقد بتر هذا النص ولم ينقله‪.‬‬
‫حتمل أن أصل النص في كتاب >لواقح األنوار<‪> :‬توفيت زينب‬ ‫والذي يُ ُ‬
‫الصغرى بنت علي بالشام<‪ ،‬وهذا هو الوجه الوحيد للجمع بين النصين‬
‫المتعارضين‪ ،‬فغير بعيد أن تسقط كلمة الصغرى في النسخ فوقع الغلط في المطبوع‪،‬‬
‫ولو نقل السابقي كالم المازندراني تام ّا لما استقام له أن ينسب للشعراني القول بدفن‬
‫زينب في الشام لظهور الخلل في النص الذي نقله المازندراني‪ ،‬وهذا لو سلمنا‬
‫بصحة ما نقله المازندراني عن الشعراني‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ ادعاء السابقي أن حسن قاسم اعترف بعدم وجود أي ولد لصلب علي ‪‬‬
‫في مصر!‬
‫نعم أيها القارئ‪ ،‬حسن قاسم الذي مر بك استماتته في إثبات دفن زينب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬للشعراني أكثر من كتاب بعنوان لواقح األنوار‪ ،‬ولعل المراد هنا كتاب لواقح األنوار القدسية‬
‫المنتقاة من الفتوحات المكية‪ ،‬ألن ابن العربي ذكر قبر الست في دمشق في الفتوحات المكية‪،‬‬
‫واللواقح مختصر للفتوحات‪ ،‬وقد راجعت الكتابين اآلخرين المعنونين باللواقح وهما الطبقات‬
‫الكبرى وبيان العهود المحمدية‪ ،‬فلم أقف فيهما على ذكر لزينب بنت علي ‪ ،‬وأما لواقح األنوار‬
‫القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية فهو مطبوع مرتين‪ ،‬ولم يتيسر لي الوقوف على المطبوع‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي لواقح األنوار‪.‬‬
‫(‪ )3‬معالي السبطين (ص ‪.)636‬‬

‫‪221‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫الكبرى بمصر حتى لجأ إلى اختالق كتاب كامل ليثبت ذلك وبذل جهدا لم يبذله‬
‫نسب إليه السابقي أنه ذكر في كتاب آخر أنه ال‬
‫أي أحد لنصرة القبر المصري‪ ،‬يَ ُ‬
‫لعلي ‪ ‬بمصر!‬
‫وجود ألي ولد ّ‬
‫قال السابقي‪> :‬وقال الحافظ المؤرخ الكبير أبو محمد حسن بن إبراهيم بن‬
‫زوالق الليثي المصري المتوفي ‪ 387‬هـ‪> :‬أول من دخل مصر من ولد علي سكينة‬
‫بنت علي بن الحسين<؛ وبه قال السخاوي‪ ،‬واعترف به األستاذ حسن محمد‬
‫قاسم المصري<(‪ ،)1‬وأحال السابقي إلى كتاب >تحفة األحباب< الذي حققه‬
‫حسن قاسم‪.‬‬
‫وعند مراجعة هذا النص نجد أن حسن قاسم نقل كالم ابن زوالق بواسطة‬
‫ابن الزيات في كتابه >الكواكب السيارة< عندما علّق على قول السخاوي صاحب‬
‫>تحفة األحباب< عن سكينة بنت زين العابدين‪> :‬قيل إنها أول علوية دخلت‬
‫مصر<(‪ ،)2‬غير أن حسن قاسم تعقب السخاوي ولم يوافقه فيما ذكر‪ ،‬فإنه نقل‬
‫عن ابن زوالق أن أول من دخل مصر من ولد علي ‪ ‬هي سكينة بنت الحسين‬
‫ابن علي‪ ،‬خالفا لما قرره السخاوي من أنها سكينة بنت علي بن الحسين زين‬
‫العابدين(‪ ،)3‬ثم نقل حسن قاسم بعدها كالما متفرقا عن ابن الزيات في تعيين قبر‬
‫سكينة بنت زين العابدين‪ ،‬ثم تعقبه بأن القبر الذي ينسب إليها هو قبر سكينة بنت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)39‬‬
‫(‪ )2‬وأنت ترى أن ما نقله السابقي عن ابن زوالق مخالف لما نقله حسن قاسم‪ ،‬حيث أن السابقي نقل‬
‫أن أول من دخل مصر من ولد علي ‪> ‬سكينة بنت علي بن الحسين< أي أنها حفيدة الحسين‬
‫‪ ،‬بينما الثابت في تحفة األحباب‪> :‬سكينة بنت الحسين بن علي< أي أنها ابنة الحسين ‪،‬‬
‫غير أن الخطب في هذا يسير لوجود احتمال قوي لالشتباه بسبب تشابه األسماء‪.‬‬
‫(‪ )3‬تحفة األحباب (ص ‪ )115‬الهامش ‪.1‬‬

‫‪222‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫الحسين أي البنت وليس الحفيدة! فحسن قاسم لم يوافق ابن زوالق أصال‪،‬‬
‫وإنما نقل كالمه ليتعقب السخاوي ويثبت أن المدفونة هي سكينة بنت الحسين‬
‫‪ ‬وليست سكينة بنت علي بن الحسين ‪.‬‬
‫ثم إن ن ْق َل حسن قاسم لكالم ابن زوالق ال يعني موافقته عليه‪ ،‬فقد اعترض‬
‫حسن قاسم على عدم ذكر السخاوي الحنفي لقبر زينب في >تحفة األحباب<‪،‬‬
‫وذلك قبل أربع صفحات من الموضع الذي أحال عليه السابقي!‬
‫قال حسن قاسم‪> :‬والسخاوي حينما وصل إلى هذه المنطقة «قناطر السباع<‬
‫كان ينبغي له أن يذكر المشهد الزينبي رضي اهلل تعالى عن صاحبته‪ ،‬وقد كان‬
‫معروفا لديه وله الشهرة التامة‪ ،‬كما بسطنا ذلك في كتابنا >تاريخ المشهد‬
‫الزينبي<‪ ،‬وقد نتج عن إغفال السخاوي لذكر المشهد الزينبي هنا‪ ،‬اتخاذ ذلك‬
‫حجة بعدم معرفة هذا المشهد لكثير ممن يقول بعدم وجوده‪.)1(<...‬‬
‫كما أنه صرح بدفن زينب الكبرى في قناطر السباع في موضع آخر من تعليقه‬
‫على >تحفة األحباب<‪ ،‬فقال‪> :‬األشراف الزيانبة‪ ...‬ينسبون إلى السيدة زينب بنت‬
‫اإلمام علي بن أبي طالب كرم اهلل وجهه صاحبة المشهد المعمور بقناطر السباع<(‪.)2‬‬
‫فهل صدق السابقي فيما زعمه أم أنه دلس على حسن قاسم؟‪.‬‬
‫وربما يعتذر معتذر عن السابقي بأ َّن كالم حسن قاسم اآلخر قد خفي عليه‪،‬‬
‫فالجواب‪ :‬وهل خفي عليه كتاب حسن قاسم الذي ألّفه في نصرة وجود قبر زينب‬
‫في مصر الذي يناقض كالم صاحب >تحفة األحباب<؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تحفة األحباب (ص ‪ )111‬الهامش ‪.3‬‬
‫(‪ )2‬تحفة األحباب (ص ‪ )214‬الهامش ‪.1‬‬

‫‪223‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫ثم هل يصح للسابقي أن يترك كالم حسن قاسم المشهور ويعمد إلى أن ينسب‬
‫َّ‬
‫له خالف المعروف عنه بناء على مجرد التوهم؟ نترك الحكم للقارئ الحصيف‪.‬‬

‫‪ 5‬ــ ادعاء السابقي أن الكاتب توفيق أبا علم ذكر زيارة نفيسة لزينب الكبرى ‪ ‬في‬
‫راوية!‬
‫ع َّد السابقي توفيقا أبا علم المصري صاحب كتاب >أهل البيت<‪ ،‬ضمن‬
‫صرحوا بأن زينب المكناة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين مدفونة بقرية راوية‪،‬‬ ‫من ّ‬
‫فقال‪> :‬األستاذ توفيق أبوعلم المصري‪ ،‬رئيس مجلس إدارة السيدة نفيسة بمصر‪،‬‬
‫ذكر زيارة السيدة نفيسة لمرقد السيدة زينب‪ ،‬المكناة بأم كلثوم‪ ،‬بنت أمير المؤمنين‬
‫علي بن أبي طالب بقرية راوية بالشام<(‪ ،)1‬وعزاه إلى كتاب >أهل البيت<‪.‬‬
‫ولم أقف على كتاب >أهل البيت< لتوفيق المصري‪ ،‬ولكني وقفت على‬
‫كاتب إمامي نقل هذا النص بخالف ما نقله السابقي‪ ،‬ووقفت على كتاب >السيدة‬
‫نفيسة< لتوفيق أبي علم‪ ،‬وعندما راجعت كالمه وجدت أن السابقي قد قام بخيانة‬
‫علمية مشينة‪ ،‬فمعلوم للقاصي والداني أن غالب الكتاب المصريين المعاصرين‬
‫الذين صنفوا في تراجم أهل البيت يصرحون بأن زينب الكبرى ‪ ‬مدفونة في‬
‫مصر‪ ،‬فاستغربت جدا أن ينص أحدهم على أن زينب الكبرى مدفونة في الشام‬
‫بما يناقض المشهور عند أهل مصر‪ ،‬فلما راجعت كالم توفيق المصري عثرت‬
‫على منشأ الخلل في كالم السابقي‪ ،‬يقول توفيق أبو علم‪> :‬ثم زارت بغوطة دمشق‬
‫مقام السيدة زينب بنت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ‪ ،)2(<‬وهذا نفس‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)129‬‬
‫(‪ )2‬السيدة نفيسة (ص ‪.)79‬‬

‫‪224‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫ما نقله هاشم معروف اإلمامي عن كتاب >أهل البيت< لتوفيق المصري(‪ ،)1‬وهنا‬
‫يتضح موضع الخيانة والتزوير‪ ،‬فتوفيق يقول‪ :‬إن زينب التي زارتها نفيسة هي‬
‫حفيدة علي ‪ ‬من بنته أم كلثوم‪ ،‬بينما جعلها السابقي بنت علي ‪ ،‬فهل‬
‫هكذا تكون األمانة؟‬
‫يطيب لي هنا أن أنقل قول السابقي‪> :‬ما أجرأ األستاذ على تحريف نصوص‬
‫المؤرخين<(‪ ،)2‬فإن هذه الصفة ألصق به {ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬
‫ﲛ ﲝ ﲞ} [البقرة‪.]44 :‬‬ ‫ﲜ‬ ‫ﲙﲚ‬

‫(‪)3‬‬
‫‪ 6‬ــ تدليس السابقي على ابن الحوراني وصاحب >الروضة البهية<‬
‫نقل السابقي كالم ابن الحوراني(‪ )4‬وصاحب >الروضة البهية<(‪ )5‬في تعيين‬
‫المدفونة بقرية راوية وأنها زينب وكنيتها أم كلثوم‪ ،‬لكن السابقي دلس على‬
‫وحمله ما ال يحتمل‪ ،‬إذ أن ابن‬
‫القارئ حين نقل هذا النص الذي ال يخدمه أصال ّ‬
‫الحوراني لم يصرح بأن زينب هذه هي الكبرى وإنما ذكر أنها ابنة فاطمة وأنها‬
‫تزوجت عمر ‪ ‬كما أشار إليه السابقي‪ ،‬ثم إن ابن الحوراني ذكر زينب بنت‬
‫علي في موضع آخر ونص على أنها مدفونة بمقبرة الباب الصغير بدمشق‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من وحي الثورة الحسينية (ص ‪.)140‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)182‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫لم أذكر اسم المؤلف الذي نُسب إليه كتاب الروضة البهية‪ ،‬ألن هذا الكتاب من عمل أبي هدى‬ ‫(‪)3‬‬
‫الصيادي المشهور باختالق الكتب والمؤلفين كما هو مفصل في كتاب >أبو الهدى الصيادي في‬
‫آثار معاصريه< لحسن سويدان‪ ،‬وكتاب >جناية الصيادي على التاريخ< لعبد الرحمن الشايع‪ ،‬وقد‬
‫تبين لي أن قسما كبيرا من كتاب الروضة البهية مأخوذ من كتاب اإلشارات البن الحوراني‪.‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)128‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)128‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪225‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫>في كتاب >محاسن الشام<‪ ،‬قبر السيدة زينب بنت اإلمام علي بمقبرة باب‬
‫الصغير‪ ،‬معروف يزار<(‪ ،)1‬وهذا عين ما قاله صاحب >الروضة البهية<(‪ ،)2‬لكن‬
‫السابقي لم ينقل هذا النص الذي يهدم مراده‪ ،‬فكما جاز للسابقي أن يدعي أن‬
‫مراد ابن الحوراني بدفينة راوية هي زينب الكبرى يجوز لمن يخالفه أن يقول إن‬
‫مراد ابن الحوراني بدفينة الباب الصغير هي زينب الكبرى‪ ،‬وألن السابقي يريد‬
‫إثبات أن زينب الكبرى مدفونة بقرية راوية وليس في مقبرة الباب الصغير‪ ،‬لم‬
‫ينقل كالم ابن الحوراني عن دفن زينب في الباب الصغير‪ ،‬ألن ذلك سيهدم‬
‫استدالله‪ ،‬ألن ابن الحوراني لم يميز بين دفينة الباب الصغير ودفينة راوية‪ ،‬فلم‬
‫يذكر أيهما الكبرى أو الصغرى مما يجعل االحتماالت متساوية‪ ،‬وبما أن هذا‬
‫خالف مراد السابقي فقد تجاهل نقل هذا النص أو اإلشارة إليه‪.‬‬

‫‪ 7‬ــ بتر كالم عبد القادر الريحاوي والتدليس على رأيه في تعيين المدفونة في‬
‫راوية‬
‫ارتكب السابقي جنايتين علميتين في نقله لرأي الدكتور عبد القادر‬
‫الريحاوي‪ ،‬الذي وصفه أنه >أحد عباقرة التاريخ واألدب<(‪ ،)3‬وإليك بيان ذلك‪:‬‬
‫الجناية األولى‪ :‬أورد السابقي كالم الريحاوي ضمن الطائفة الثانية الذين‬
‫نسب إليهم أنهم ذكروا أن المدفونة بقرية راوية هي زينب المكناة أم كلثوم وأنها‬
‫من فاطمة‪ ،‬وهذا غير صحيح قطعا‪ ،‬فالكالم الذي نقله السابقي عن الريحاوي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص ‪ 54‬ــ ‪.)55‬‬
‫(‪ )2‬الروضة البهية (ص ‪.)83‬‬
‫(‪ )3‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)129‬‬

‫‪226‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫ليس فيه إال التصريح بأنها زينب الصغرى وأنها ملقبة بأم كلثوم(‪ ،)1‬ولم يقل‬
‫الريحاوي إنها بنت فاطمة ‪ ،‬بل إن قوله إنها زينب الصغرى يدل على أنه يرى‬
‫أنها ليست بنت فاطمة أصال‪ ،‬ألن زينب الصغرى ليست ابنة فاطمة ‪ ‬وهذا‬
‫متفق عليه بين عامة النسابين والمؤرخين‪.‬‬
‫الجناية الثانية‪ :‬وهي أشد من األولى‪ ،‬إذ فيها خيانة واضحة لألمانة العلمية‬
‫في النقل‪ ،‬وذلك أن الريحاوي إنما ذكر قبر زينب الصغرى ضمن القبور التي ال‬
‫تثبت!‪ ،‬إذ أنه قال قبل سطر من الموضع الذي نقله السابقي‪> :‬هناك قبور أخرى‬
‫ومشاهد تنسب إلى جماعة من الصحابة وآل البيت‪ ،‬تزار ويعنى بها دون أن يثبت‬
‫تاريخيا دفن أصحابها في دمشق<‪ ،‬ثم ذكر منها مشهد الحسين في الجامع األموي‬
‫وقبر زينب الصغرى في قرية راوية ثم قبر سكينة بنت الحسين وقبر الست‬
‫رقية(‪ ،)2‬غير أن السابقي لم ينقل هذه العبارة وتعمد أن ينسب إلى الريحاوي‬
‫خالف ما يعتقده‪ ،‬وهذا تدليس ظاهر وتزوير لرأي الريحاوي‪ ،‬فاعجب لهذا‬
‫الرجل كيف يستبيح مثل هذه المسالك من أجل نصرة هواه!‪.‬‬
‫ثم إن الريحاوي قد أكد رأيه بوضوح في مقالة >قبور العظماء في دمشق<‬
‫والتي نشرها في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق‪ ،‬حيث قال عند ذكر قبور‬
‫رغم شهرتها وفخامتها ال تمت‬ ‫آل البيت‪> :‬إن أكثر قبور آل بيت الرسول‬
‫إليهم بصلة<‪ ،‬ثم ذكر قبر سكينة بنت الحسين وقبر فاطمة بنت الحسين ثم بعدها‬
‫قال‪> :‬زينب الصغرى بنت علي‪ ،‬وتلقب أم كلثوم‪ ،‬لها قبران في دمشق‪ ،‬األول‬
‫في قرية راوية المعروفة حاليا بالست‪ ...‬والقبر اآلخر في مقبرة الباب الصغير‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)129‬‬
‫(‪ )2‬مدينة دمشق تاريخها وتراثها وتطورها العمراني والمعماري (ص ‪.)198‬‬

‫‪227‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫في قبة خاصة به تضمه إلى مقام الست سكينة‪ ،‬ورغم كل ذلك فنحن ال نعتقد‬
‫بصحة نسبة هذين القبرين إلى زينب بنت علي بن أبي طالب<(‪.)1‬‬
‫وبذلك تثبت براءة الريحاوي مما نسبه إلى السابقي جملة وتفصيال‪.‬‬

‫‪ 8‬ــ تدليس السابقي على جماعة من الكتاب والمؤلفين وادعاؤه موافقتهم على‬
‫دفن زينب الكبرى ‪ ‬في الشام!‬
‫إ ّن أكبر عقبة كانت تقف أمام السابقي في قضية تعيين قبر زينب‪ ،‬هو‬
‫اختالف األقوال حول مكان دفنها‪ ،‬واختالف األقوال حول تعيين المرأة المدفونة‬
‫براوية‪ ،‬واألقوال التي ذكرها السابقي في مدفن زينب الكبرى هي ثالثة‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن قبر زينب الكبرى في المدينة‪ ،‬ذهب إلى ذلك محسن‬
‫األمين وغيره‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنها ُدفنت في دمشق بقرية راوية‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن قبرها في مصر‪ ،‬ذهب إلى ذلك الشعراني وحسن قاسم‪.‬‬
‫وأما األقوال الواردة في تعيين قبر الست في راوية بالشام فهي أربعة‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنها أم كلثوم دون تعيين نسبها‪ ،‬مع نفي كونها من الصحابة‪،‬‬
‫وهو قول ابن عساكر وياقوت الحموي‪ ،‬وأبي الحسن الهروي وابن شداد‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنها أم كلثوم الكبرى زوجة عمر بن الخطاب ‪ ‬وأن اسمها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقالة قبور العظماء في دمشق‪ ،‬منشورة بمجلة المجمع العلمي العربي‪ ،‬المجلد ‪ ،34‬الجزء الرابع‪،‬‬
‫‪ 29‬ربيع األول سنة ‪ 1379‬هـ‪( ،‬ص ‪ 659‬ــ ‪.)660‬‬

‫‪228‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫زينب‪ ،‬وهو قول ابن الحوراني وصاحب الروضة البهية وحسن قاسم‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أنها زينب الصغرى بنت علي ‪ ‬وهو أحد أقوال محسن‬
‫األمين‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬أنها زينب الكبرى بنت علي ‪ ،)1(‬وهو قول جماعة من‬
‫المتأخرين‪.‬‬
‫فأراد السابقي أن يطوع هذه األقوال المختلفة والمتنافرة ويجعلها قوال‬
‫واحدا!‪ ،‬ولكي يتمكن من ذلك تمحل وتكلف في الجمع بين هذه األقوال‪،‬‬
‫فاألقوال المختلفة في تعيين المرأة المدفونة في راوية جعلها ترجع إلى قول واحد‬
‫هو أنها زينب الكبرى(‪ !)2‬وحتى من قال بوفاتها في المدينة أو مصر حشرهم‬
‫السابقي ضمن القائلين بوفاتها في دمشق‪ ،‬فعقد مبحثا سماه‪> :‬شهرة مشهد زينب‬
‫المكناة بأم كلثوم في ألف عام<‪ ،‬أراد فيه أن يحشد األدلة على شهرة قبر راوية‬
‫بغض النظر عن رأي من ينقل عنه‪ ،‬ولذا قال‪> :‬ال بأس أن نسوق ههنا أسماء‬
‫المؤلفين الذين ذكروه‪ ،‬وال يهمنا ههنا آراءهم في تعيين المدفونة بها‪ ،‬وإنما‬
‫مقصودنا إثبات شهرة المشهد<(‪ ،)3‬فالنتيجة التي رتبها على هذه الدعوى هي أن‬
‫اختالف العلماء في تعيين المدفونة في قبر راوية مآله إلى أنها زينب الكبرى حتى‬
‫لو كانوا يقولون بأنها أم كلثوم من آل البيت دون أن يعلم نسبها‪ ،‬أو قالوا إنها‬
‫زينب الصغرى‪ ،‬أو خلطوا بينها وبين أم كلثوم الكبرى!!‪ ،‬وهذه نهاية التحكم‬
‫والمغالطة والتدليس‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سيأتي تفصيل هذه األقوال مع مصادرها في مبحث تعيين قبر زينب‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)137‬و(ص ‪.)156‬‬
‫(‪ )3‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)173‬‬

‫‪229‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫فعدد المذكورين في هذا المبحث هم ‪ 33‬اسما‪ ،‬وعدد القائلين منهم‬


‫صراحة بدفن زينب الكبرى في راوية ‪ 11‬فقط‪ ،‬أي ثلث هذا العدد‪ ،‬وأما بقية‬
‫األسماء فمنهم من قال بدفنها في مصر‪ ،‬كالشعراني وبنت الشاطئ وحسن قاسم‪،‬‬
‫ومنهم من قال بأن أم كلثوم هذه ليست من الصحابة أصال‪ ،‬كابن عساكر وكل‬
‫الذين نقلوا كالمه‪ ،‬كالهروي‪ ،‬وياقوت الحموي‪ ،‬وابن شداد‪ ،‬وابن شاكر‪،‬‬
‫ومحمد كرد علي‪ ،‬ومنهم من قال إن أم كلثوم المدفونة براوية هي زوجة عمر‬
‫‪ ،‬كابن الحوراني‪ ،‬وصاحب >الروضة البهية<‪ ،‬ومنهم من قال إنها أم كلثوم‬
‫بنت زينب الكبرى‪ ،‬كتوفيق أبي علم‪ ،‬ومنهم من قال إنها زينب الصغرى كابن‬
‫جبير‪ ،‬ومنهم من افترى عليه السابقي كالذهبي‪ ،‬والبصروي‪ ،‬ومنهم من نسب إليه‬
‫السابقي كالما بالواسطة وثبت أنهم براء منهم كسبط ابن الجوزي(‪ )1‬الذي نسب‬
‫نت أنه خطأ في الطباعة أو وهم‬
‫وبي ُ‬
‫إليه حسن قاسم كتاب >المزارات الشامية<‪َّ ،‬‬
‫من حسن قاسم‪.‬‬
‫ومنهم من و ِهم السابقي في نسبة كتاب إليهم تبعا لغيره‪ ،‬كمحمد بن يحيى‬
‫الدمشقي الذي نُسب إليه كتاب >اإلشارات في معرفة الزيارات< غلطا‪ ،‬وإنما هو‬
‫البن الحوراني(‪ ،)2‬ومنهم من لم ير السابقي كتبهم ولكنه نسب إليهم هذا القول‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد توهم السابقي أنه سبط ابن الجوزي فقال‪> :‬يوسف بن قزاوغلي المعروف بسبط ابن الجوزي<‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)174‬وهذا غلط‪ ،‬فإن مصدر السابقي في النقل عن كتاب المزارات‬
‫المنسوب البن الجوزي هو حسن قاسم‪ ،‬وحسن قاسم لم يقل إن مؤلف المزارات هو سبط ابن‬
‫الجوزي بل نسبه إلى ابن الجوزي ولم يقيده بالسبط كما في كتابه >أخبار الزينبات ص ‪ )62‬و(ص‬
‫‪ ،)65‬فيبدو أن السابقي لما لم يجد أحدا نسب كتاب المزارات البن الجوزي‪ ،‬توهم أن المقصود‬
‫هو سبط ابن الجوزي‪.‬‬
‫(‪ )2‬نسب السابقي كتاب اإلشارات إلى محمد بن يحيى وأحال على مخطوطة اليبزيغ برقم ‪،286‬‬
‫وعند مراجعة بيانات المخطوط في مكتبة اليبزيغ وجدته منسوبا إلى نجم الدين محمد بن يحيى=‬

‫‪230‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫بناء على التكهن والرجم بالغيب‪ ،‬كعبد الغني النابلسي والعجلوني‪.‬‬


‫ثم إن التدقيق والتحقيق في أسماء القائلين بدفن زينب الكبرى في دمشق‪،‬‬‫ّ‬
‫نصان أو ثالثة‪ ،‬فأبو بكر‬
‫يكشف أن مرد ومدار أقوالهم على نقول قليلة أصلها َّ‬
‫الموصلي‪ ،‬والناجي‪ ،‬إنما نقل السابقي كالمهم بواسطة أبي البقاء البدري(‪،)1‬‬
‫وابن طولون نقل عنه السابقي بواسطة العدوي(‪ ،)2‬والسيد حسين الموسوي نقل‬
‫عنه السابقي بواسطة صك مزعوم لوقف بساتين منطقة السيدة زينب(‪.)3‬‬
‫ثم إ ّن ِمن هؤالء َمن هو معاصر مثل سامي الدهان وأحمد فهمي وصالح‬
‫ّ‬
‫الدين المنجد‪ ،‬فيحتمل اغترارهم بقول بعض المتأخرين‪ ،‬وبوجود المشهد‬
‫المشيد في قرية راوية والذي كان ينسب إلى زينب الكبرى في عصرهم‪ ،‬والنتيجة‬
‫تكون أن مرجع قول القائلين بوفاة زينب في دمشق ال يتعدى قولين أو ثالثة‬
‫أقوال‪ ،‬كلها صدرت من مؤلفين ولدوا في قرون متأخرة عن وفاة زينب‪.‬‬
‫والقصد أ َّن السابقي لما كان غرضه تكثير القائلين بوفاة زينب في دمشق‪،‬‬
‫لجأ إلى أسلوب اإليهام والتدليس‪ ،‬فحشر في هذا الباب كل من وقف على نص‬
‫له في هذه القضية‪ ،‬حتى لو كان هذا النص مخالفا لما يريده‪ ،‬وهذه نهاية المغالطة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= بن تقي الدين الفرضي الشافعي‪ ،‬لكنه في التعريف بالمخطوط أشار إلى أن بروكلمان نسبه البن‬
‫الحوراني‪ ،‬ثم بعد المقارنة بين هذا المخطوط وكتاب اإلشارات البن الحوراني‪ ،‬تبين أنه كتاب‬
‫ابن الحوراني والغريب أن السابقي قد اطلع على كتاب ابن الحوراني وال شك أنه عاين تطابق‬
‫النصين لكنه تجاهل ذلك كعادته!!‪.‬‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 175‬ــ ‪.)176‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)176‬‬
‫(‪ )3‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)175‬نقل السابقي كالمه بواسطة صك يُزعم أنه كتب في القرن الثامن‪،‬‬
‫ونص الصك نقله السابقي (ص ‪.)166‬‬

‫‪231‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫التي تؤدي إلى تشويه التاريخ وتزويره‪.‬‬


‫واألعجب أن يصدر هذا من السابقي الذي قال عن حسن قاسم‪> :‬ما أجرأ‬
‫األستاذ على تحريف نصوص المؤرخين‪ ...‬هكذا تتالعب األيدي األثيمة‬
‫باآلثار العلمية<(‪.!)1‬‬

‫‪ 9‬ــ التشبع بالزور واإليهام بالنقل بال واسطة عن كتب مفقودة أو مخطوطة أو‬
‫موهومة‬
‫أكثر السابقي النقل والعزو إلى عشرات المصادر التي لم يرها ولم يطلع‬
‫عليها‪ ،‬واإلكثار من النقل بالواسطة ليس أمرا مذموما بحد ذاته‪ ،‬لكن المذموم هو‬
‫إيهام القارئ الوقوف على المصدر وإغفال الواسطة‪ ،‬أو نسبة أمور ال حقيقة لها‬
‫إلى هذه المصادر بناء على التوهم والتكهن‪ ،‬أو ترك القول الذي اشتهر به أحد‬
‫العلماء‪ ،‬ونسبة قول غريب إليه بالواسطة‪ ،‬وهذه المغالطات المذمومة تكررت‬
‫من السابقي بصورة فاحشة‪ ،‬حتى صارت كثير من نقوالته التي بنى عليها كتابه‬
‫مجرد ادعاءات مبنية على الظن وال أساس لها سوى التخمين‪ ،‬وقد مضت نماذج‬
‫مفصلة من ذلك‪ ،‬مثل ما سبق ِمن زعمه أن قبر زينب ليس مذكورا في كتاب >أنس‬
‫الزائرين< الذي نسبه غلطا للقضاعي‪ ،‬وزعمه أن البصروي ذكر زينب في >تحفة‬
‫األنام<‪ ،‬وادعاؤه أن ابن الجوزي ذكر قبر أم كلثوم في مزاره(‪ ،)2‬وادعاؤه أن ابن‬
‫عساكر ذكر أن المدفونة براوية اسمها زينب‪ ،‬وغيرها من األمور التي ذكرتها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)183‬‬
‫(‪ )2‬وسيأتي مثال رابع حين زعم السابقي االطالع على كتاب عيون األخبار البن أبي السرور البكري‬
‫وقد أفردت له مبحثا في المسلك الثالث‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫سابقا‪ ،‬وسنوقفك على نماذج أخرى مع إيجاز سريع ثم نبين مواضع الخلل في‬
‫منهجية السابقي‪:‬‬
‫أ ــ نسب السابقي إلى ابن عبد الحكم كتاب >منهج السالك في أخبار مصر‬
‫والقرى والممالك<‪ ،‬وذكر أنه محفوظ في المتحف البريطاني بلندن وأنه لم يذكر‬
‫دخول زينب الكبرى إلى مصر‪ ،‬ولم يذكر السابقي مصدره في ذلك(‪ ،)1‬وبعد‬
‫البحث والتقصي تبين أن مصدر السابقي هو كتاب >مؤرخو مصر اإلسالمية<‬
‫لمحمد عبد اهلل عنان الذي اعتمد عليه السابقي في كثير من األمور التي ذكرها‬
‫عن مؤرخي مصر إال أن السابقي خلّط فيما نقله مجددا‪ ،‬فعنان يقرر أن مخطوطا‬
‫محفوظا بمكتبة ليدن بهولندا نُسب خطأ إلى السيوطي ألن عنوانه هو >بغية‬
‫الطالب ومنهج السالك في أخبار مصر والقرى والممالك<‪ ،‬وهو عين كتاب‬
‫>الفتوح< البن عبد الحكم(‪ ،)2‬فأساء السابقي فهم كالمه وظن أن عنوان كتاب‬
‫ابن عبد الحكم هو >منهج السالك<‪ ،‬وزاد إمعانا في اإليهام بأن أخفى مصدره‬
‫في ذلك وأوهم القارئ أنه وقف على منهج السالك وطالعه‪.‬‬
‫ب ــ ذكر السابقي جملة من الكتب التي لم ترها عينه‪ ،‬وقرر أنها لم تذكر‬
‫قبر زينب‪ ،‬ومن ذلك كتاب ابن زوالق عن تاريخ مصر‪ ،‬وكتاب عز الملك‬
‫المسبحي‪ ،‬ثم أحال من يريد الوقوف على تراجم من ذكرهم إلى كتاب >مؤرخو‬
‫مصر اإلسالمية<(‪ ،)3‬وأنت ستعجب حين ترى صاحب الكتاب المحال عليه‬
‫يصرح بأن الكتاب الوحيد الذي بقي من تراث ابن زوالق هو >مختصر فضائل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)36‬‬
‫(‪ )2‬مؤرخو مصر اإلسالمية (ص ‪.)12‬‬
‫(‪ )3‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)37‬‬

‫‪233‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫مصر<(‪ )1‬وال زال وقتها مخطوطا‪ ،‬كما أن عنان صرح بأن كل كتب عز الملك‬
‫المسبحي فقدت!(‪.)2‬‬
‫ومن ذلك ادعاء السابقي أن شمس الدين السخاوي لم يذكر قبر زينب في‬
‫مصر في رسالته عنها(‪ ،)3‬وهذا الكالم ال حقيقة له‪ ،‬ألن السخاوي لم يصنف‬
‫أصال كتابا عن زينب‪ ،‬وإنما نسب إليه حسن قاسم ذلك كما مضى!‪.‬‬
‫ج ــ ذكر السابقي عدة عناوين لكتب مؤلفة في تاريخ مصر ومزاراتها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫>على أن هناك جماعة من مؤرخي مصر ممن أفرد تأليفه في تحقيق المزارات‬
‫والقبور والمساجد‪ :‬كابن يونس والهتناني والقرشي صاحب >المزارات‬
‫المصرية<‪ ،‬وابن أسعد النسابة صاحب >مزارات األشراف<‪ ،‬وابن عطايا‬
‫والحموي الذي ذكر جملة من مزارات مصر‪ ،‬وابن عبد الكريم والحافظ السلفي‬
‫وحرملة وابن بللوة والمكي وسراج الدين الملقن(‪ ،)4‬وابن الزيات األنصاري‪،‬‬
‫وجوهر السكري‪ ،‬والسخاوي‪ ،‬وابن عنتر‪ ،‬وابن حمامة‪ ،‬ومجد الدين بن‬
‫الناسخ‪ ،‬وابن أبي طلحة صاحب «هادي الراغبين<‪ ،‬وموفق الدين صاحب‬
‫«مرشد الزوار<‪ ،‬ترى هؤالء األعالم يترجمون أصحاب القبور‪ ،‬ويميزون بين‬
‫المزارات الصحيحة والمزورة من العلويين وغيرهم في مصر‪ ،‬ولم يذكر أحد من‬
‫هؤالء أن العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ‪ ‬مدفونة في مصر<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مؤرخو مصر اإلسالمية (ص ‪.)37‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مؤرخو مصر اإلسالمية (ص ‪ ،)52‬وقد بقيت قطعة من كتاب أخبار مصر للمسبحي نشرها وليم‬ ‫(‪)2‬‬
‫مليورد بعنوان أخبار مصر في سنتين (‪ 414‬ــ ‪ 415‬هـ)‪.‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)47‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كذا والصواب ابن الملقن‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)38‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪234‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫وأحال السابقي كل هذه العناوين إلى كتاب >الكواكب السيارة< البن‬


‫الزيات!‪ ،‬وعندما نراجع الصفحة التي أحال عليها السابقي‪ ،‬نجد ابن الزيات‬
‫صاحب >الكواكب السيارة< يسرد عناوين عدة كتب دون أن يبين موضوعها‪ ،‬فهو‬
‫يقول‪> :‬فقد نظرت إلى ما جمعوه وألفوه فرأيت كل واحد منهم ألّف تأليفا وأدى‬
‫اجتهاده<(‪ ،)1‬ثم بعد أن ذكر ع ّدة من المؤلفين قال‪> :‬ولقد أحسن كل منهم ما‬
‫ألّف وجمع‪ ،‬فمنهم من ذكر خططا وقبائل‪ ،‬ومنهم من ذكر مدافن ومساجد وقبورا‬
‫مختصرة‪ ،‬ومنهم من ذكر بعض الصحابة‪ ،‬ومنهم من ذكر بعض القرابة‪،)2(<....‬‬
‫فتبين أن مواضيع هذه الكتب مختلفة ومتنوعة وليست مقصورة على الزيارات أو‬
‫تعيين مواضع الوفيات كما توهم السابقي‪.‬‬
‫ثم إ ّن ابن الزيات لم يصرح بأنه سينقل جميع ما في هذه الكتب‪ ،‬وهاهنا‬ ‫َّ‬
‫يُطرح التساؤل‪ :‬من أين جاز للسابقي االدعاء بخلو تلك الكتب من ذكر زينب ما‬
‫دام ابن الزيات لم يشترط على نفسه إيراد كل ما فيها؟‪ ،‬بل من أين للسابقي أن‬
‫من ذكر أسماءهم ترجموا ألصحاب القبور وميزوا المزارات الصحيحة والمزورة‬
‫وهو ال يعرف حتى عنوان كتب من ذكرهم؟ فَ ْل ُي َس ِّم لنا السابقي كتاب ابن عطايا‬
‫أو ابن عنتر أو ابن حمامة أو الحافظ السلفي أو غيرهم‪ْ ،‬إن هذا إال نهاية التحكم‬
‫والتخرص والتشبع بالزور!‪ ،‬وقد قال النبي ‪> :‬المتشبع بما لم يعط كالبس‬
‫ثوبي زور<(‪.)3‬‬
‫إ َّن نظائر هذه اإلطالقات القائمة على التوهم كثيرة جدا في كتاب السابقي‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الكواكب السيارة (ص ‪.)4‬‬
‫(‪ )2‬الكواكب السيارة (ص ‪ 4‬ــ ‪.)5‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪.)5219‬‬

‫‪235‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫وكذا نظائر إطالقه أحكاما غريبة بناء على نقوالت بالواسطة‪ ،‬ومن ذلك دعواه‬
‫أن زيارة نفيسة لقبر زينب في دمشق مذكورة في كتب القرون الوسطى‪ ،‬ومستنده‬
‫في ذلك كتاب أحمد فهمي المعاصر مع أن ما فيه خالف ما زعمه(‪ ،)1‬وغير ذلك‬
‫مما يعسر اإلحاطة به هنا‪ ،‬ويكفي ما قدمناه من أمثلة على االعوجاج الظاهر في‬
‫منهج السابقي وطريقة استدالله بالنصوص والنقول مما يطرح الثقة بنقله ويجعل‬
‫كالمه غير قابل لالعتماد‪ ،‬وسيظهر ذلك بوضوح في المباحث الموالية‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر (ص ‪ )191‬من هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫* المسلك الثالث‪ :‬إطالق الدعاوى العريضة بال حجة‬


‫‪ 1‬ــ ادعاء السابقي أ َّن الدولة الفاطمية غيرت اسم قبر زينب بنت المتوج‬
‫إلى قبر زينب الكبرى ‪‬‬
‫قال السابقي‪> :‬حدثنا العالمة محمد حسين حرز الدين‪ ...‬سمعت مرارا‬
‫من المرحوم السيد عبد الرزاق المقرم أنه يرى أن القبر المنسوب إلى زينب ‪‬‬
‫من وضع الدولة الفاطمية<‪ ،‬ثم قال معلقا في الهامش‪> :‬ويؤيد رأي سيدنا المقرم‬
‫أن جملة من قبور العلويين بمصر كتب على ألواحها في الدولة الفاطمية أنهم‬
‫أوالد اإلمام علي لصلبه‪ ...‬وكتبوا على قبر السيدة زينب بنت يحيى المتوج‪:‬‬
‫>مشهد السيدة الطاهرة بنت الزهراء البتول زينب بنت علي بن أبي طالب<‪ ،‬مع‬
‫أن زينب هذه توفيت سنة ‪ 240‬هـ<(‪.)1‬‬
‫ليت السابقي أتى بمصدر تاريخي لهذه الدعوى العريضة! التي سيأتيك ما‬
‫يناقضها من كالم السابقي نفسه(‪ ،!!)2‬ويكفي في سقوطها أنه لم ينقلها عن أي‬
‫مصدر‪ ،‬فحكاية هذه القصة وإرسالها إرسال المسلَّمات بال أي حجة أو ّبينة‪ ،‬هو‬
‫افتراء ظاهر وكذب صريح على التاريخ وأهله(‪.)3‬‬
‫‪ 2‬ــ ادعاء السابقي أن الذهبي قال إن زينب الكبرى ‪ ‬مدفونة بدمشق‬
‫زعم السابقي أن العالمة المؤرخ الذهبي قرر أن زينب الكبرى مدفونة في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 231‬ــ ‪.)232‬‬
‫(‪ )2‬انظر (ص ‪ 246‬ــ ‪ )247‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫(‪ )3‬ثم وقفت على نص مشابه في كتاب عقيلة بني هاشم لعلي الهاشمي الخطيب (ص ‪ ،)66‬والكتاب‬
‫طبع أول مرة سنة ‪ 1377‬هـ قبل كتاب السابقي‪ ،‬فالظاهر أنه تلقف هذا النص منه ولكنه لم ينسبه‬
‫إليه فجمع بين االفتراء والسرقة‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫راوية(‪ ،)1‬وقال في موضع آخر‪> :‬ثم قال(‪ )2‬مشيرا إلى محل قبرها بين الكوكبين‬
‫هكذا‪> ،‬في دمشق<‪ ،‬كما هو دأبه في ذكر القبور‪ ،‬راجع ترجمة واثلة بن األسقع‬
‫ص ‪ ،134‬ومدرك بن زياد ص ‪ ،70‬ومعاذ بن جبل ص ‪ ،86‬ومغيرة بن شعبة‬
‫ص‪ 98‬ومعاوية بن صخر ص‪ ،89‬ويزيد بن أبي سفيان ص ‪ ،)3(<147‬وبعد أن‬
‫نصب السابقي هذا الدليل صار يخاصم به في كتابه ويُ َحا ُّج به من يرى خالف‬
‫رأيه‪ ،‬ولذا استدل به في أكثر من موضع من كتابه(‪.)4‬‬
‫قلت‪ :‬إن تقرير أي قضية علمية إما أن يكون مبنيا على نقل ُمص َّدق أو‬
‫استدالل ُمح َّقق(‪ ،)5‬وما ذكره السابقي ال ينطبق عليه أي شيء من ذلك‪ ،‬فال هو‬
‫نقل قول عالم سبقه إلى هذه الدعوى العريضة‪ ،‬وال هو بنى هذه الدعوى على‬
‫أدلة مح َّققة‪ ،‬فكما قلت سابقا‪ ،‬لم ينسب أحد إلى الذهبي تعيين موضع وفاة‬
‫زينب في دمشق قبل السابقي‪ ،‬وكفى بهذا دليال على بطالن هذه النسبة‪ ،‬وأما ما‬
‫استدل به السابقي فهو محض تكهن خاطئ وغير صائب‪ ،‬فالذهبي لم ينص على‬
‫أن مراده بقوله >في دمشق< هو تعيين موضع وفاة الصحابي‪ ،‬ثم إن أي باحث‬
‫مبتدئ يعلم قطعا أن الذهبي الذي إليه المنتهى في علم التاريخ ال يمكن أن يقرر‬
‫أن معاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة ‪ ‬ماتا بدمشق كما زعم السابقي‪ ،‬وأما بقية‬
‫المذكورين الذين ذكرهم السابقي فوفاتهم بدمشق معلومة‪ ،‬وهنا يقع السؤال‪ :‬ما‬
‫مراد الذهبي بقوله >في دمشق<؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)133‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أي الذهبي ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)199‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)191 ،174 ،166 ،161 ،137‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مقدمة في أصول التفسير (ص ‪.)20‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪238‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫الجواب‪ :‬إن مراد الذهبي يتبين من خالل مراجعة منهجه في كتابه‪ ،‬وعندما‬
‫نراجع مقدمة كتاب تجريد أسماء الصحابة نجد أن الذهبي ذكر الرموز التي‬
‫استعملها في الكتاب وذكر منهجه‪ ،‬ولم يذكر أنه سيعين موضع وفاة الصحابي‬
‫المترجم له‪ ،‬كما أنه لم يلتزم بذلك في التراجم‪ ،‬فتارة يذكر موضع وفاة‬
‫الصحابي(‪ )1‬وتارة يهمله(‪ ،)2‬ثم إن الذهبي ختم تراجم جماعة من الصحابة بقوله‬
‫>في دمشق< مع أن المعلوم قطعا أنهم لم يدفنوا بدمشق‪ ،‬ف ِم َن الذين ذكرهم‬
‫السابقي‪ :‬معاذ بن جبل ‪ ‬الذي توفي بعمواس باألردن في طاعون عمواس‪ ،‬كما‬
‫ذكر ذلك الذهبي نفسه في كتبه األخرى(‪ ،)3‬والمغيرة بن شعبة ‪ ‬الذي يعلم أي‬
‫مبتدئ في التاريخ أن كافة العلماء ومنهم الذهبي(‪ )4‬اتفقوا على وفاته بالكوفة وهو‬
‫أمير عليها(‪ ،)5‬وال أدري كيف يخفى مثل هذا األمر المشهور على السابقي‪ ،‬وهو‬
‫مثل هذه األخطاء الفاحشة‪.‬‬
‫يتصدى لتحقيق قضايا تاريخية ال ينبغي أن يقع فيها ُ‬
‫وممن ختم الذهبي ترجمتهم بقوله >في دمشق< مع أنه نص في كتبه‬
‫األخرى على وفاتهم بموضع آخر‪ :‬حذيفة بن اليمان(‪ ،)6‬وسهيل بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر تجريد أسماء الصحابة (النصف األول) أبرهة بن شرحبيل برقم ‪ ،20‬أزهر بن عبد عوف‬ ‫(‪)1‬‬
‫برقم ‪ ،84‬األسود بن هالل برقم ‪ ،163‬وغيرهم‪.‬‬
‫برقم ‪ ،5‬أبي بن كعب‬ ‫انظر تجريد أسماء الصحابة (النصف األول)‪ :‬إبراهيم ‪ ‬بن النبي‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ ‬برقم ‪ ،35‬جابر بن عبد اهلل ‪ ‬برقم ‪ ،683‬حسان بن ثابت ‪ ‬برقم ‪ ،1231‬وغيرهم‪،‬‬
‫وإنما ذكرت المشهورين منهم المعروفة مواضع وفياتهم‪.‬‬
‫الكاشف (‪ ،)272/2‬تاريخ اإلسالم (‪ ،)101/2‬تذكرة الحفاظ (‪.)21/1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫سير أعالم النبالء (‪ ،)32/3‬تاريخ اإلسالم (‪.)439/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫نقل اإلجماع على ذلك الخطيب في تاريخ بغداد (‪ )549/1‬وخ ّطأَ من قال بوفاته في المدائن‪،‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫وانظر‪ :‬الطبقات الكبرى البن سعد (‪ )60/2‬مشاهير علماء األمصار البن حبان (ص ‪،)75‬‬
‫االستيعاب البن عبد البر (‪ ،)1446/4‬تهذيب التهذيب البن حجر (‪ )263/10‬وغيرها‪.‬‬
‫تجريد أسماء الصحابة (الجزء األول) برقم ‪ ،1286‬وذكر في السير (‪ ،)369/2‬وتاريخ=‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪239‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫عمرو(‪ ،)1‬وطلحة بن عبيد اهلل(‪ ،)2‬وعبد اهلل بن حنظلة(‪ ،)3‬وقيس بن‬


‫المكشوخ(‪ ،)4‬وكعب األحبار(‪ ،)5‬وكعب بن مرة(‪ )6‬وغيرهم‪.‬‬
‫والمتحصل من هذا أن عبارة >في دمشق< ال يمكن أبدا أن يكون معناها‪:‬‬
‫توفي بدمشق‪ ،‬بل معناها كما تبين لي من جرد كتاب التجريد للذهبي هو أن أخبار‬
‫المترجم أو أحاديثه موجودة في تاريخ دمشق‪ ،‬والذي يدل على ذلك أن عادة‬
‫الذهبي في كثير من التراجم أن يختمها بالمصدر الذي اعتمد عليه‪ ،‬وعندما كان‬
‫ينقل من تاريخ دمشق‪ ،‬فإنه يختم الترجمة بعبارة تدل على ذلك‪ ،‬فتارة يقول في‬
‫تاريخ دمشق(‪ ،)7‬وتارة يقول مستوفى في دمشق(‪ ،)8‬وتارة يقول في دمشق(‪،)9‬‬
‫وعليه فقول الذهبي‪> :‬في دمشق< ليس إال اختصارا لإلحالة على تاريخ دمشق‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اإلسالم (‪ )277/2‬وفاته بالمدائن‪.‬‬ ‫=‬
‫تجريد أسماء الصحابة (الجزء األول) برقم ‪ ،2592‬وذكر في السير (‪ )195/1‬وتاريخ اإلسالم‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪ )88/2‬وفاته باليرموك أو عمواس‪.‬‬
‫تجريد أسماء الصحابة (الجزء األول) برقم ‪ ،2926‬وال خالف في أن طلحة ‪ ‬استشهد بالبصرة‬ ‫(‪)2‬‬
‫وقبره هناك‪ ،‬سير أعالم النبالء (‪ ،)40/1‬تاريخ اإلسالم (‪.)293/2‬‬
‫تجريد أسماء الصحابة (الجزء األول) برقم ‪ ،3241‬وعبد اهلل بن حنظلة توفي في وقعة الحرة‬ ‫(‪)3‬‬
‫بالمدينة كما هو مشهور‪ ،‬سير أعالم النبالء (‪ ،)324/3‬الكاشف (‪.)547/1‬‬
‫تجريد أسماء الصحابة (الجزء الثاني) برقم ‪ ،272‬وقال الذهبي في تاريخ اإلسالم (‪ )231/2‬إنه‬ ‫(‪)4‬‬
‫قتل في صفين‪.‬‬
‫تجريد أسماء الصحابة (الجزء الثاني) برقم ‪ ،355‬وذكر في السير (‪ )491/3‬وفاته بحمص‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫تجريد أسماء الصحابة (الجزء الثاني) برقم ‪ ،358‬وذكر في تاريخ اإلسالم (‪ ،)535/2‬وفاته باألردن‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫انظر تجريد أسماء الصحابة الجزء األول التراجم رقم‪،1484 ،915 ،802 ،526 ،436 :‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫‪.2686 ،1757‬‬
‫انظر تجريد أسماء الصحابة الجزء األول التراجم رقم‪.4448 ،2851 ،2400 ،1342 :‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫انظر تجريد أسماء الصحابة الجزء األول التراجم رقم‪.1756 ،1286 ،1264 :‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫‪240‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫ين دليل على ذلك أن كل التراجم التي ختمت بعبارة في دمشق موجودة في‬ ‫وأب ُ‬
‫ْ‬
‫تاريخ دمشق البن عساكر‪ ،‬فدل هذا على أن مراد الذهبي هو اإلحالة على مصدره‬
‫فإن َجهِل السابقي هذا وتجاسر‬
‫في أخبار المترجم له‪ ،‬وليس تعيين مكان وفاته‪ْ ،‬‬
‫على نسبة هذا القول للذهبي دون تثبت وروية فهذا دليل على بُعده عن منهج أهل‬
‫يطوع كالم الذهبي ليصير دليال‬
‫علم هذا وتغافل عنه كي ِّ‬
‫وإن َ‬
‫التحقيق والتدقيق‪ْ ،‬‬
‫له فتلك مصيبة أعظم وأطم‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ ادعاء السابقي االطالع على كتاب >عيون األخبار< البن أبي السرور‬
‫البكري (‪ 1087‬هـ)‬
‫ذكر السابقي محمد بن أبي السرور البكري ضمن من لم يذكروا أن زينب‬
‫مدفونة في مصر فقال‪> :‬ومن المتأخرين ممن توسع في التدوين محمد بن سرور‬
‫البكري(‪ )1‬المتوفى ‪1061‬هـ(‪ ،)2‬وله في التاريخ مساع مشكورة وكتب قيمة منها‬
‫>عيون األخبار ونزهة األبصار< ضبط فيه الحوادث المتعلقة بمصر خاصة وغيرها‬
‫منذ بدء الخلقة‪ ،‬وجميع الدول الحاكمة على مصر بغاية الشرح والبسط إلى عصره‬
‫في دولة خليل باشا سنة ‪ 1041‬هـ<(‪.)3‬‬
‫أقول‪ :‬إ ّن إحالة السابقي إلى كتاب >عيون األخبار< هي من التشبع بالزور‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سماه السابقي محمد بن سرور وهذا غلط والصواب‪ :‬محمد بن أبي السرور‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا والصواب أنه توفي سنة ‪ 1087‬هـ‪ ،‬وأما ما ذكره السابقي فهو تاريخ وفاة محمد بن أبي السرور‬
‫البكري والد المؤلف‪ ،‬ومنشأ االشتباه أن كال من ابن أبي السرور األب واالبن اسمهما محمد!‪،‬‬
‫وقد َّنبه على ذكر محققو كتاب >المقتضب فيما وافق لغة أهل مصر من لغة العرب< البن أبي‬
‫السرور البكري‪( ،‬ص ‪.)69‬‬
‫(‪ )3‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)37‬‬

‫‪241‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫فإ َّن كتاب عيون األخبار للبكري لم يطبع في حياة السابقي(‪ ،)1‬والسابقي لم ير‬
‫مخطوطة الكتاب قطعا‪ ،‬والدليل على ذلك‪ ،‬قوله إن كتاب >عيون األخبار< ينتهي‬
‫بدولة خليل باشا سنة ‪ 1041‬هـ‪ ،‬ومنشأ غلط السابقي هنا هو في اعتماده على‬
‫كتاب >مؤرخو مصر اإلسالمية< لمحمد عبد اهلل عنان(‪ ،)2‬فقد انتقل بصر السابقي‬
‫من الصفحة التي تكلم فيها عنان عن >عيون األخبار< إلى صفحة أخرى تكلم‬
‫فيها عن كتاب >النزهة الزهية<‪ ،‬ولم ينتبه إلى موضع نهاية كالم عنان عن >عيون‬
‫األخبار< وبداية كالمه عن >النزهة الزهية<‪ ،‬فنقل كالم عنان عن آخر كتاب‬
‫>النزهة الزهية< ظانا أنه آخر كتاب >عيون األخبار<‪ ،‬بينما ذكر محمد عنان أن‬
‫النسخة التي وقف عليها من >عيون األخبار<(‪ )3‬ينتهي فيها البكري إلى الدولة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال الدكتور سليم أبو جابر في رسالته الجامعية لنيل الدكتوراه‪ :‬المؤرخ محمد بن أبي السرور‬
‫البكري ومكانته في تاريخ مصر العثمانية (ص ‪ )154‬عن كتاب عيون األخبار‪> :‬هذا الكتاب ال‬
‫زال مخطوطا حتى اآلن ولم يتم تحقيقه حتى اآلن<‪ ،‬وهذا سنة ‪ 2002‬م التي قدمت فيها الرسالة‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ )37‬الهامش ‪.2‬‬
‫(‪ )3‬ذكر عنان أنها محفوظة في دار الكتب المصرية برقم ‪ 72‬م‪ ،‬والجدير بالذكر أني بعد مراجعة عدة‬
‫نسخ خطية لعيون األخبار‪ ،‬تبين لي أن البكري قد أعاد النظر في كتابه عيون األخبار‪ ،‬وأخرجه‬
‫في إبرازتين‪:‬‬
‫ــ اإلبرازة األولى‪ :‬انتهى فيها البكري إلى أواخر دولة الجراكسة وتحديدا بوفاة الملك األشرف‬
‫عرف بها محمد عنان‪ ،‬وكذا في‬ ‫قانصوه‪ ،‬وهذا ما تراه في مخطوطة دار الكتب المصرية التي ّ‬
‫مخطوطة مكتبة الدولة ببرلين المرقمة بـ (‪ ،)We 380‬وحصلت على صورتها من مكتبة جابر‬
‫األحمد المركزية التابعة لجامعة الكويت‪ ،‬ومخطوطة المكتبة البريطانية المرقمة بـ (‪ )5633‬على‬
‫ما جاء في وصفها في موقع مخطوطات مكتبة جابر األحمد المركزية‪.‬‬
‫ــ اإلبرازة الثانية واألخيرة‪ :‬زاد فيها البكري تاريخ الدولة العثمانية من ابتدائها إلى سنة ‪ 1032‬هـ‪،‬‬
‫وهذا ما جاء في نسخة المكتبة الوطنية بباريس المرقمة بـ (‪( ،)1560‬وهي من جزئين األول‬
‫عندي صورة منه وينتهي بتاريخ الدولة العباسية والجزء الثاني لم أقف عليه)‪ ،‬ونسخة مكتبة الدولة‬
‫ببرلين المرقمة بـ(‪ )We 351‬على ما جاء في وصفها في موقع مخطوطات مكتبة جابر األحمد=‬

‫‪242‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫الجركسية‪ ،‬ثم يذكر عنان بعدها أن كتاب >النزهة الزهية< خاص بتاريخ مصر‬
‫وينتهي إلى سنة ‪ 1041‬هـ(‪ ،)1‬والمقصود أن السابقي لم ير الكتاب قطعا وأدل‬
‫دليل على ذلك‪:‬‬
‫ــ زعمه أن عيون األخبار مختص بتاريخ مصر‪ ،‬وهذا خطأ متفرع عن انتقال‬
‫نظره من كتاب النزهة إلى كتاب عيون األخبار‪ ،‬فقد صرح عنان بأن كتاب النزهة‬
‫الزهية خاص بمصر‪ ،‬وبذلك يتبين أن السابقي لم ير كتاب عيون األخبار‪ ،‬ألن‬
‫ابن أبي السرور ذكر في هذا الكتاب تاريخ كثير من الدول قبل اإلسالم وبعده‪،‬‬
‫ولم يقصره على مصر خاصة‪.‬‬
‫ــ وقول السابقي إن الكتاب ينتهي إلى سنة ‪ 1041‬هـ‪ ،‬بينما تنتهي النسخة‬
‫التي أحال عليها بالدولة الجركسية وبالضبط بوفاة السلطان الملك األشرف‬
‫قانصوه الذي توفي سنة ‪ 923‬هـ‪.‬‬
‫وهنا نتسائل‪ :‬كيف جاز للسابقي أن يدعي خلو الكتاب من ذكر قبر زينب‬
‫مع عدم اطالعه عليه؟!‪.‬‬
‫بل إنك ستعجب أيها القارئ حين تعلم أن ابن أبي السرور البكري قد ذكر‬
‫قبر زينب في قناطر السباع في عدة من كتبه!‪ ،‬فعند تعداده لوالة مصر دأب البكري‬
‫في كتبه المختصة بتاريخ مصر على اإلشارة إلى أن علي باشا الذي ولي مصر سنة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= المركزية‪ ،‬وهو ما جاء في فهرس مخطوطات مكتبة الدولة ببرلين (‪ )79/9‬برقم (‪.)9474‬‬
‫والبكري كان يعيد النظر في كتبه ويزيد فيها ثم يغير عناوينها‪ ،‬كما فعل بالنسبة لكتاب النزهة الزهية‬
‫فقد زاد فيه أشياء يسيرة وغير عنوانه إلى الروضة الزهية‪ ،‬كما بينت الدكتورة حياة بنت مناور‬
‫الذيابي في تحقيقها لكتاب النزهة الزهية (‪ 46/1‬ــ ‪.)47‬‬
‫(‪ )1‬مؤرخو مصر اإلسالمية (ص ‪.)171‬‬

‫‪243‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫عمر قبر زينب في قناطر السباع‪ ،‬فنص البكري على ذلك في كتابه‬ ‫‪ 956‬هـ قد ّ‬
‫>النزهة الزهية<(‪ ،)1‬و>الروضة الزهية<(‪ ،)2‬و>المنح الرحمانية<(‪ ،)3‬و>الروضة‬
‫المأنوسة<(‪ ،)4‬و>الكواكب السائرة<(‪ ،)5‬و>التحفة البهية<(‪.)6‬‬
‫فالسابقي اكتفى باإلحالة على كتاب واحد لم تره عيناه‪ ،‬وأطلق دعوى غير‬
‫مبنية على أي حجة أو بينة‪ ،‬ولم يجهد نفسه البحث عن كتب البكري األخرى أو‬
‫تقصد ال َّتعامي عن كتب البكري األخرى ألمرين‪:‬‬
‫مراجعتها!‪ ،‬وقد تيقنت أن السابقي َّ‬
‫األول‪ :‬إ ّن السابقي قد اطلع على كتاب حسن قاسم‪ ،‬الذي أشار فيه إلى أن‬
‫البكري قد ذكر في الروضة المأنوسة عمارة علي باشا لقبر زينب‪ ،‬ومع ذلك لم‬
‫يذكر هذا في كتابه!‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إ ّن السابقي قد أحال على كتاب >التذكرة التيمورية< ألحمد تيمور‬
‫باشا(‪ ،)7‬وفي نفس الصفحة المحال عليها يقول أحمد تيمور‪> :‬انظر تعمير علي‬
‫باشا المتوفى سنة ‪ 956‬هـ مسجدها في >الكواكب السائرة في أخبار مصر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫النزهة الزهية في ذكر والة مصر والقاهرة المعزية (‪.)203/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مخطوط الروضة الزهية في والة مصر والقاهرة المعزية [‪/31‬أ]‪ ،‬نسخة جامعة غوتا بألمانيا‪ ،‬برقم‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪ ،)A1638‬وقد مضى في الهامش قبل السابق أن >الروضة< ال تختلف عن >النزهة< إال في‬
‫أشياء يسيرة‪.‬‬
‫المنح الرحمانية في الدولة العثمانية (ص ‪.)163‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الروضة المأنوسة في أخبار مصر المحروسة (ص ‪ ،)87‬وأشار حسن قاسم إلى ذلك في أخبار‬ ‫(‪)4‬‬
‫الزينبات (ص‪.)78‬‬
‫مخطوط الكواكب السائرة في أخبار مصر والقاهرة [ق‪/22‬أ]‪ ،‬محفوظ بالمكتبة الوطنية الفرنسية‬ ‫( ‪)5‬‬
‫بباريس‪ ،‬برقم (‪.)1852‬‬
‫التحفة البهية في تملك آل عثمان الديار المصرية (ص ‪.)107‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ )69‬الهامش ‪.3‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪244‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫والقاهرة< البن أبي السرور البكري<(‪ ،)1‬ومع ذلك تعامى السابقي عن كل هذا‬
‫ونسب إلى البكري أنه لم يذكر أي شيء عن قبر زينب في مصر!!‪..‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬التذكرة التيمورية (ص‪.)199‬‬

‫‪245‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫المسلك الرابع‪ :‬التناقض والتهافت‬


‫اتسم منهج السابقي بازدواجية وتناقض غريب في الطرح‪ ،‬وسبب ذلك أنه‬
‫وضع نصب عينيه نصرة القول القائل بدفن زينب الكبرى في دمشق‪ ،‬وإبطال ما‬
‫دونه من األقوال‪ ،‬فقرر جملة من األدلة والشواهد على بطالن القبر المصري‪،‬‬
‫لكنه لم يطبقها على القبر الشامي‪ ،‬وعندما يقرر مسألة نظرية يلجأ إلى التحكم في‬
‫القواعد والمقدمات والنتائج‪ ،‬ويجعلها طوع رأيه‪ ،‬ولذلك وقع في التهافت‪ ،‬إذ‬
‫أن اإلشكاالت واالعتراضات التي ذكرها ليبطل دفن زينب في مصر واردة على‬
‫القول بدفنها في الشام‪ ،‬فما الذي منعه من تطبيق منهجيته التي اعتمدها لنقض‬
‫نسبة قبر مصر إلى زينب على قبر دمشق؟‪.‬‬
‫كما أنه وقع في تناقضات أخرى كثيرة‪ ،‬فتراه يقرر الشيء في موضع ثم‬
‫ينفيه في موضع آخر‪ ،‬ويعترض على دليل ثم يستشهد بنظيره‪ ،‬مما يبين أن منهج‬
‫السابقي منهج قائم على االنتقائية‪ ،‬وذلك يرفع الثقة بكالمه وما سطَّره في كتابه‪،‬‬
‫وإليك الشواهد على ذلك‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ نفي السابقي وجود قبر ينسب لزينب الكبرى ‪ ‬في عهد الفاطميين‬
‫ثم إثباته عكس ذلك!‬
‫ّ‬
‫قال السابقي‪> :‬وقد َّبينا لك أنه لم يكن في عهد ظافر وجميع الخلفاء‬
‫الفاطميين بمصر قبر ينسب إلى زينب بنت أمير المؤمنين ‪ ،)1(<‬إال أن السابقي‬
‫ناقض نفسه في موضع آخر‪ ،‬فقد نقل أن عبد الرزاق المقرم >يرى أن القبر‬
‫المنسوب إلى زينب ‪ ‬من وضع الدولة الفاطمية<‪ ،‬ثم قال معلقا في الهامش‪:‬‬
‫>ويؤيد رأي سيدنا المقرم أن جملة من قبور العلويين بمصر كتب على ألواحها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)55‬‬

‫‪246‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫في الدولة الفاطمية أنهم أوالد اإلمام علي لصلبه‪ ...‬وكتبوا على قبر السيدة زينب‬
‫بنت يحيى المتوج‪ ،‬مشهد السيدة الطاهرة بنت الزهراء البتول زينب بنت علي بن‬
‫أبي طالب‪ ،‬مع أن زينب هذه توفيت سنة ‪ 240‬هـ<(‪.)1‬‬
‫فالسابقي نفى أن يكون في زمن الفاطميين قبر ينسب إلى زينب‪ ،‬ثم في‬
‫نفس الكتاب يقرر أن الفاطميين نسبوا قبرا لزينب ‪ ‬وهو لغيرها!‪ ،‬وسبب هذا‬
‫التناقض هو أن السابقي منهمك في نصرة آرائه‪ ،‬ولذلك غفل عما قرره سابقا‬
‫وناقضه بنفسه‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ تناقض السابقي في تعيين زينب المدفونة في مصر‬
‫اضطرب السابقي اضطرابا عجيبا في تعيين زينب المدفونة في مصر بقناطر‬
‫السباع‪ ،‬فصرح في عدة مواضع بأنها زينب بنت يحيى المتوج(‪ ،)2‬وتوهم أن مفتي‬
‫مصر محمد بخيت المطيعي موافق له في ذلك(‪ ،)3‬واتهم السابقي الفاطميين بأنهم‬
‫غيروا اسم المدفونة في هذا القبر إلى زينب الكبرى كما مر آنفا(‪ ،)4‬وهذا ما نسبه‬
‫إليه مجتبى الحسيني في تقديمه لكتاب السابقي(‪.)5‬‬
‫لكنه في موضع يظهر منه أنه يرى أنها زينب أخرى ينتهي نسبها إلى ابن‬
‫الحنفية‪ ،‬حيث قال‪> :‬ذكر المقريزي المشاهد المتبركة عند أهل مصر المقصودة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 231‬ــ ‪.)232‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)68 ،55‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)73‬والصحيح أن المطيعي لم يذكر أن زينب المدفونة في قناطر السباع‬ ‫(‪)3‬‬
‫بمصر هي بنت يحيى المتوج‪ ،‬بل ذهب إلى أنها زينب بنت يحيى بن زيد بن علي بن الحسين‬
‫كما سيأتي بيانه والتنبيه عليه عند الكالم عن االختالف في تعيين المدفونة في قناطر السباع‪.‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 231‬ــ ‪.)232‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)8‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪247‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫للزيارة‪ ،‬وعد منها مشهد زين العابدين‪ ....‬وقال في محل آخر‪ :‬بخارج باب‬
‫النصر في أوائل المقابر قبر زينب بنت أحمد بن جعفر بن محمد بن الحنفية يزار‪،‬‬
‫وتسميه العامة >مشهد السيدة زينب<‪ ،‬وتصريح المقريزي هذا يكفي في رد ادعاء‬
‫المدعي أن قبر السيدة العقيلة بمصر كالكشف عن منشأ وهم العامة<(‪.)1‬‬
‫فهو هنا يرى أن المقريزي يتحدث عن القبر المنسوب لزينب الكبرى وأن‬
‫العامة خلطت بينها وبين زينب أخرى من ذرية ابن الحنفية‪ ،‬وهذا مناقض لما‬
‫ذكره سابقا من أنها زينب بنت يحيى المتوج! فتأمل في كالمه واعجب لتناقضه‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ تناقض السابقي في استنكاره االستدالل بكالم منسوب البن عساكر‬
‫مع خلو تاريخ دمشق منه‬
‫قال السابقي معترضا على قول حسن قاسم إن ابن عساكر ذكر دفن زينب‬
‫في مصر‪> :‬وقد تتبعنا أجزاء تاريخ ابن عساكر المطبوعة من أصل التاريخ‪ ،‬مع‬
‫دقة بتصفح األوراق والصفحات‪ ،‬ولم نظفر بكلمة تشير إليه‪ ...‬ومن العجيب أن‬
‫األستاذ حسن قاسم هو الرجل الوحيد في تنويه القول عن ابن عساكر رميا للكالم‬
‫على عواهنه‪ ،‬ويتابعه على ذلك الك ّتاب المعاصرون بغمض العين وال يتشجم‬
‫أحد منهم أن يحاسبه على هذه اإلحالة ويطالبه بأصل عبارة ابن عساكر<(‪.)2‬‬
‫لكن السابقي ناقض نفسه‪ ،‬فنسب إلى ابن عساكر أنه ذكر أن المدفونة براوية‬
‫تسمى زينب‪ ،‬مع أن هذه الدعوى ال أثر لها في >تاريخ دمشق<‪ ،‬وغاية ما استدل‬
‫به السابقي‪ ،‬كالم نسبه إلى ابن الحوراني‪ ،‬وثبت أنه غير صحيح إذ أن ابن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)44‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)81‬‬

‫‪248‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫الحوراني لم ينسب إلى ابن عساكر أن المدفونة براوية اسمها زينب(‪.)1‬‬


‫فالسابقي يستنكر افتراء حسن قاسم على ابن عساكر ويطالب بالدليل‬
‫والحجة من >تاريخ دمشق<‪ ،‬ثم ينسب إلى ابن عساكر كالما لم يقله وال وجود‬
‫له في >تاريخ دمشق<‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ نقل السابقي عن الشعراني وحسن قاسم القول ونقيضه!‬
‫إن مما يعجب منه الباحث أثناء تصفح كتاب السابقي‪ ،‬هو نقله القول‬
‫ونقيضه دون أن يكلف نفسه الجمع بين هذه األقوال المتناقضة!!‪.‬‬
‫فقد ذكر السابقي مرارا أن الشعراني من القائلين بدفن زينب الكبرى في‬
‫مصر ور ّد كالمه(‪ ،)2‬لكنه فيما بعد جعل الشعراني من القائلين بوفاة زينب الكبرى‬
‫في الشام!! وقد اعتذر عن صنيعه حين أتى بكالم منسوب للشعراني يرى فيه أن‬
‫زينب مدفونة في الشام بأن القول الذي نُ ِسب إليه بدفن زينب في دمشق هو قول‬
‫ثقات المؤرخين(‪ ،)3‬ولم يحدثنا السابقي عن كيفية جمعه بين قولي الشعراني وال‬
‫كيف صدر من الشعراني قوالن متناقضان!‬
‫والسابقي يقر بأن حسن قاسم ممن يرى أن زينب الكبرى مدفونة في مصر‪،‬‬
‫ثم في نفس الوقت يحشره ضمن القائلين بأنها مدفونة في دمشق(‪!)4‬‬
‫والسابقي ينقل عن حسن قاسم أنه قرر أنه لم يمت ول ٌد لصلب علي في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مضى تفصيل الكالم عن هذه القضية‪ ،‬انظر (ص ‪ 195‬ــ ‪.)196‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)69‬و(ص ‪( ،)72‬ص ‪.)84‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)204‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)207‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪249‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫مصر(‪ ،)1‬ثم في نفس الوقت يقول عن حسن قاسم‪> :‬هو أكثر المصريين تعصبا‬
‫إلثبات مشهد السيدة زينب بنت علي ‪ ‬في مصر<(‪ ،)2‬وسبب نقل السابقي هذه‬
‫األقوال المتناقضة هو ما مضى من تحريفه لكالم القائلين بدفن زينب الكبرى في‬
‫مصر‪ ،‬وإال فال يصح أبدا أن الشعراني(‪ )3‬وحسن قاسم ذكرا أ ّن زينب الكبرى‬
‫دفنت بالشام‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ أدل ٌة ألزم بها السابقي من قال بدفن زينب الكبرى ‪ ‬في مصر أو‬
‫المدينة ولم يلتزم بها في قوله بدفنها في دمشق‬
‫ــ قال السابقي‪> :‬ف ِمن قائل إنها في جبانة البقيع مع أسرتها الكريمة‪ ،‬وهذا‬
‫القول يرتكز على ظن وتخمين‪ ،‬إذ لو كان لها قبر بالبقيع لجاء ذكره صريحا في‬
‫الكتب المؤل َّفة في مزارات المدينة المنورة قديما وحديثا‪ ،‬كما احتفظ التاريخ‬
‫يم ُّت إليهم‬
‫بذكر عدد واف من قبور من هو دونها فضال عن قومها‪ ،‬بل ولمن ُ‬
‫بالوالء وتلقتها أهل المدينة عن آبائهم يدا عن يد<(‪ ،)4‬وقال أيضا‪> :‬ألن رحلة‬
‫السيدة العقيلة ‪ ‬إلى مصر‪ ،‬وإقامتها هناك‪ ،‬وتلبيتها لداعي ِحمامها‪ ،‬وحديث‬
‫يفوت ذكرها كل مؤرخ يقظان محيط‬ ‫مدفنها بها‪ ،‬قضية من أهم القضايا التي ال ِّ‬
‫باألخبار واآلثار‪ ،‬وال أقل من أن يذكره المؤرخون الذين نشأوا في مصر خاصة‪،‬‬
‫ولكنهم بأجمعهم لم يشيروا إليه أدنى إشارة<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)39‬ومضى بيان ذلك سابقا‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)74‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نقل السابقي قول الشعراني بدفن زينب في دمشق بواسطة كتاب معالي السبطين وقد سبق أن بينت‬ ‫(‪)3‬‬
‫وجه الخلل فيما نقله السابقي (انظر ص ‪ 220‬ــ ‪.)221‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)33‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)36‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪250‬‬
‫نقد كتاب‪( :‬مرقد العقيلة) حملمد حسنني السابقي‬

‫ثم إ ّن السابقي قام بذكر عناوين عدة كتب لرحالت ذكرت مصر‪ ،‬أو كتب‬
‫ّ‬
‫تؤرخ لمصر‪ ،‬أو تفصل خططها‪ ،‬أو تتعرض لزيارات مصر‪ ،‬وقرر أنها لم تذكر‬
‫قبر زينب‪ ،‬وبنى على ذلك عدم صحة القبر المنسوب إليها في مصر(‪.)1‬‬
‫فهل ما ذكره السابقي ثابت في المرقد الشامي؟‪ ،‬وهل ُذكر قبر زينب في‬
‫الكتب المؤلفة في مزارات دمشق قديما وحديثا؟ وهل ذكر المؤرخون سفر زينب‬
‫إلى دمشق ووفاتها بها؟ وهل ذكرت كتب خطط الشام القديمة قبر زينب في‬
‫دمشق؟‪ ،‬أم أن أقدم كتاب ذكر بأن زينب الكبرى مدفونة في دمشق صراحة هو‬
‫كتاب نزهة األنام ألبي البقاء البدري المتوفى سنة ‪ 894‬هـ‪.‬‬
‫لقد تجاهل السابقي كل هذا بالرغم من أنه طبق هذه الشروط على القبر‬
‫المنسوب لزينب في مصر‪ ،‬كما أننا لم نر السابقي يستعرض كتب الرحالت التي‬
‫كانت بدمشق‪ ،‬أو كتب خطط دمشق وتواريخها وزياراتها ليخبرنا هل كان في هذه‬
‫الكتب ذكر لقبر زينب أم ال‪ ،‬ولم يفعل ذلك ألن الجواب لن يعجبه‪ ،‬فلذلك‬
‫تجاهل بحث هذه المسألة كما بحثها في قبر زينب في مصر‪ ،‬وما ذلك إال لعلمه‬
‫بأن التاريخ يشهد ببطالن القبر المنسوب إلى زينب في دمشق(‪.)2‬‬
‫خالصة‪:‬‬
‫وبذلك أكون قد انتهيت من بيان بعض أوجه الخلل والزلل في كتاب >مرقد‬
‫العقيلة زينب< للسابقي‪ ،‬والحقيقة أن ما مضى من التحريف في النصوص والتدليس‬
‫في النقل والكذب في العزو وغيرها من اآلفات التي اشتمل عليها كتاب السابقي ما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 40‬ــ ‪.)50‬‬
‫(‪ )2‬وسيأتي في مبحث تحقيق قبر زينب مزيد من التفصيل‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقد املؤلفات اليت صنعت السرية الزينبية‬

‫هو إال غيض من فيض‪ ،‬ولو أردت بيان سائر مواضع الخلل في هذا الكتاب مع الرد‬
‫والتفنيد لتضخم حجم هذه الدراسة‪ ،‬وإنما اكتفيت باإلشارة إلى بعض األمثلة دون‬
‫تتبع سائر ما في الكتاب ألن ذلك مدعاة للتطويل‪ ،‬فضال عن أن من نظر في ما نقله‬
‫السابقي بشيء من التأمل السريع جزم بعدم صحة تقريراته‪ ،‬وظهور بطالن تلك‬
‫النقول يغني عن التفصيل في ردها ونقدها‪ ،‬فإذا تبين أن غالب الكتاب مبني على‬
‫هذا المسلك الخاطئ‪ ،‬تبين أنه ال ينبغي ألي منصف أن يعتمد عليه وال يعتد بما‬
‫جاء فيه‪.‬‬
‫خالصة دراسة المؤلفات عن زينب الكبرى‬
‫أشهر الكتب المعاصرة المؤلفة‬
‫والذي نخلص إليه من خالل دراسة وتحليل َ‬
‫عن زينب بنت علي ‪ ،‬أنها في الجملة كتب ال يعتمد عليها وال يستند إليها‬
‫في معرفة تاريخ زينب الحقيقي‪ ،‬ألسباب ظاهرة‪ ،‬وهي أن التاريخ الصحيح‬
‫الموثوق لم ينقل لنا عن زينب إال أمورا قليلة تتعلق بزواج عبد اهلل بن جعفر بها‪،‬‬
‫أما تفاصيل والدتها وحياتها وزواجها ووفاتها فهو أمر قد سكت عنه التاريخ‪،‬‬
‫مثلما سكت عن تاريخ شخصيات كثيرة من الصحابة وأهل البيت‪ ،‬فليس لنا إال‬
‫التوقف عند ما ثبت‪ ،‬أما هذه الكتب التي ظهر جلها في فترة قريبة فقد حاولت‬
‫أن تمأل هذا الفراغ التاريخي بقصص وأحداث جلها من عمل الوضاعين‬
‫والكذابين‪ ،‬خاصة أصحاب كتب الم َقاتِل في القرون المتأخرة‪ ،‬وكذا تلك‬
‫المؤلفات التي ظهرت في فترة قريبة بغية تصحيح القبر المنسوب لها في مصر أو‬
‫القبر المنسوب لها في الشام‪ ،‬فال قيمة لها وال عبرة بها‪ ،‬ألنها بُنيت على اختالق‬
‫النصوص وتزويرها والتدليس في النقول واالفتراء على من سبق من أهل العلم‪،‬‬
‫وهذا ما أنتج تاريخا مزورا عن زينب وأدى إلى ظهور ظاهرة الغلو في زينب فيما‬
‫بعد‪ ،‬وهو ما سنتناوله في المباحث القادمة‪.‬‬
‫‪252‬‬
‫‪d‬‬
‫‪X‬‬ ‫‪X‬‬

‫الفصل الثالب‬

‫دزاسة زواية خروج زينب الكبرى‬

‫‪d‬‬
‫‪d‬‬

‫لء‬‫مع ا لح سين ‪ ‬الي كري أ‬


‫م‬ ‫ن‬ ‫ث‬‫حف‬‫ت‬
‫أ‬ ‫ن‬‫ح‬
‫و ق حال زاويها اي ف الزدى‬ ‫‪X‬‬

‫‪X‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫إذا كان المرجع اإلمامي محسن األمين (‪ 1371‬هـ) قد قال عن قبر زينب‬
‫الكبرى ‪ ‬في دمشق‪> :‬القول بأن هذا القبر منسوب إلى زينب العقيلة من‬
‫المشهورات التي ال أصل لها!(‪ ،)1‬فأنا أقول ‪ :‬إن حكاية خروج زينب الكبرى‬
‫‪ ‬مع أخيها الحسين ‪ ‬إلى كربالء من القصص التي يظن أنها مشهورة لكنها‬
‫حكاية ال أصل لها‪ ،‬فهذه القصة وإن ُذكرت في كثير من كتب التاريخ واألخبار‬
‫غير أنها ال تصح بأي وجه من الوجوه‪ ،‬والشهرة التي قد يتوهم بعضهم أنها متحققة‬
‫في هذه القصة ــ لِتتابع كثير من المصنفين على ذكرها في كتبهم ــ هي شهرة زائفة‬
‫ال حقيقة لها‪ ،‬وعدم تفطن كثير من المؤرخين لما في هذه القصة من األمور‬
‫روا على ما هي العادة في‬
‫المستنكرة ال يعني تسليمهم بسائر ما ورد فيها‪ ،‬وإنما َج ْ‬
‫التصنيف من متابعة الالحق للسابق‪ ،‬وإال فلو تأمل كثير منهم فيما ورد في أخبار‬
‫خروج زينب الكبرى مع أخيها الحسين وما اشتملت عليه هذه األخبار من نسبة‬
‫كثير من الشنائع إلى زينب ‪ ‬لر ُّدوها‪ ،‬ولعلموا أن آفتها من راويها أبي مخنف‪.‬‬
‫المس َّلمات التي ال يطرأ على با ِل‬
‫وقد شاعت هذه الحكاية وباتت اليوم من ُ‬
‫كثير من الباحثين البحث عن جذورها‪ ،‬وتمحيصها بالرجوع إلى رواتها الذين عليهم‬
‫المدار‪ ،‬ولهذا كان من الضروري أن ُتعاد قراءة قصة استشهاد الحسين ‪ ،‬وتتبع‬
‫مواطن اإلضافة والزيادة والتحريف فيها بحثا عن قصة االستشهاد الصحيحة‪.‬‬
‫إن الذي دعاني إلى البحث في هذه القضية ما ذكرته سابقا من أن أحد‬
‫بواعث التأليف عن زينب الكبرى واالهتمام الطارئ بشخصيتها والذي ال تجد‬
‫له جذورا في التراث القديم‪ ،‬هو الروايات التي تذكر حضورها في كربالء وتنسب‬
‫لها مواقف متعددة في هذه الواقعة‪ ،‬فالقضية المركزية في سائر المصنفات‬
‫المتأخرة عن زينب هي المواقف التي تنسب لها في وقائع مسير الحسين إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ (1‬أعيان الشيعة (‪.)17/5‬‬

‫‪255‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫الكوفة‪ ،‬ولذلك قمت بدراسة هذه الواقعة والروايات الواردة فيها دراسة مفصلة‪،‬‬
‫وتبين لي وجود خلل كبير فيها سواء من ناحية طريقة رواية هذه األخبار والوسائط‬
‫التي نقلت بها ومدارها على لوط بن يحيى أبي مخنف‪ ،‬إضافة إلى اإلشكاالت‬
‫العديدة التي اكتنفت متون هذه الروايات‪.‬‬
‫وبعد أن قمت بتتبع هذه الروايات ومقارنتها بروايات الثقات لقضية خروج‬
‫الحسين ‪ ‬إلى الكوفة ومقتله به‪ ،‬تبين لي أن مفتاح الكشف عن أصل الخلل‬
‫في رواية خروج زينب مع الحسين إلى كربالء هو رواية أبي مخنف التي هي أصل‬
‫تفرد‬
‫البالء في هذه القضية‪ ،‬فبعد البحث والتتبع تبين أن المصدر الوحيد الذي ّ‬
‫بإثبات خروج زينب الكبرى مع الحسين ‪ ‬هو أبو مخنف‪ ،‬وكل من ذكر زينب‬
‫الكبرى في عداد من خرج مع الحسين ‪ ‬إنما اعتمد على رواية أبي مخنف(‪،)1‬‬
‫بل إ َّن عامة التفاصيل التي وردتنا عن قصة مقتل الحسين ‪ ‬إنما هي من‬
‫متفردات أبي مخنف كما قرر ذلك ابن كثير(‪ ،)2‬وصرح به جل الباحثين‬
‫المعاصرين المتخصصين في سيرة الحسين ‪ ،)3(‬وألجل ذلك تساهل بعض‬
‫المؤرخين في نقل روايته‪ ،‬ومنهم ابن سعد والبالذري والطبري‪.‬‬
‫أما ابن سعد؛ فقد روى الواقعة بمنهج التلفيق بين الروايات(‪ )4‬فلذلك ال‬
‫يستطيع الباحث تمييز رواية أبي مخنف إال بمقارنتها مع رواية الطبري‪ ،‬وكذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقد يعترض معترض برواية عمار الدهني عن الباقر وغيرها من الروايات التي تذكر خروج زينب‬ ‫(‪)1‬‬
‫مع الحسين وال ينتهي إسنادها إلى أبي مخنف‪ ،‬وسيأتي الجواب عن ذلك مفصال في مبحث‬
‫مستقل (انظر ص ‪.)370‬‬
‫البداية والنهاية طبعة هجر (‪.)577/11‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫راجع‪ :‬مواقف المعارضة في عهد يزيد (ص ‪ 195‬ــ ‪ ،)196‬مقتل اإلمام الحسين بن علي برواية‬ ‫(‪)3‬‬
‫أبي مخنف (ص ‪ ،)30‬كربالء بين األسطورة والتاريخ (ص ‪ ،)52‬جدل ومواقف حول الشعائر‬
‫الحسينية (ص ‪ 186‬ــ ‪ ،)187‬أصول المقتل الحسيني (ص ‪.)184‬‬
‫الطبقات البن سعد طبعة الخانجي (‪ 421/6‬ــ ‪.)422‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪256‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫البالذري فكان يصرح بالرواية عن أبي مخنف في بعض األحيان(‪ ،)1‬لكنه في‬
‫الغالب ينقل رواياته باستعمال لفظ >قالوا<‪ ،‬والخبير بمنهج البالذري يعلم أن‬
‫المقصود بذلك هو أبو مخنف وذلك بمقارنة الرواية مع ما ذكره الطبري(‪.)2‬‬
‫فرواية الطبري عن أبي مخنف أدق‪ ،‬وهي األصل‪ ،‬ألنه لم يسلك مسلك‬
‫التلفيق‪ ،‬والطبري إنما ساق رواية أبي مخنف لما فيها من التفاصيل التي ال‬
‫توجد في غيرها من الروايات‪ ،‬يقول الطبري مثال عن تفاصيل مقتل مسلم بن‬
‫عقيل الذي بعثه الحسين إلى الكوفة‪> :‬وأما أبو مخنف فإنه ذكر من قصة مسلم‬
‫ابن عقيل وشخوصه إلى الكوفة ومقتله قصة هي أشبع وأتم من رواية عمار‬
‫الدهني<(‪ ،)3‬ولهذا قال الدكتور محمد بن عبد الهادي الشيباني‪> :‬فوجد(‪ )4‬أ َّن‬
‫أبا مخنف يقدم عرضا مفصال ومسهبا عن الحسين ‪ ‬منذ خروجه من المدينة‬
‫ثم إلى الكوفة‪ ،‬وحتى مقتله بكربالء ‪ ،‬وهو ما تفتقده التآليف‬ ‫إلى مكة‪ّ ،‬‬
‫األخرى التي ألَّفها ثقات من أهل السنة‪ ،‬حيث تبدو الفجوات وعدم تسلسل‬
‫الحدث واضحا<(‪.)5‬‬
‫ومن هنا قررت بسط الكالم عن واقع روايات أبي مخنف من خالل دراسة‬
‫حاله من جهة الجرح والتعديل ودراسة إجمالية لوسائطه في نقل وقائع كربالء‪،‬‬
‫مع نقد إجمالي لمتون الروايات وتحليلها ومقارنتها مع غيرها من الروايات‪ ،‬حتى‬
‫يتضح أن أكثر ما نقله أبو مخنف ال يمت إلى الحقيقة والواقع بأي صلة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أنساب األشراف (‪.)156/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وهذا منهج معروف عن البالذري في كتابه‪ ،‬ولم يتنبه الدكتور محمد بن عبد الهادي الشيباني لذلك‬ ‫(‪)2‬‬
‫ففسر صنيع البالذري بتفسيرات عدة! انظر‪ :‬مواقف المعارضة في عهد يزيد (ص‪ 197‬ــ ‪،)198‬‬
‫وال صحة ألي شيء مما ذكره بل تلك جادة سلكها البالذري في سائر الكتاب‪.‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)351/5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أي الطبري‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (ص ‪.)196‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪257‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ي‬‫م‬‫ل‬
‫أ‬
‫ا حب الول‬
‫أ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫ث‬‫حف‬‫لي‬
‫ح‬
‫ا ق ي حال اي نف الزدى‬
‫‪$‬‬

‫‪ 1‬ــ أبو مخنف عند أئمة الجرح والتعديل‬


‫إ َّن الدارس المتمرس يعلم أن األصل في رواية أبي مخنف هي الدس‬
‫والتحريف والتزوير بناء على النظر في رواياته ومقارنتها مع روايات الثقات‪،‬‬
‫حيث يالحظ أن أبا مخنف يزيد في الروايات ما ليس فيها‪ ،‬وما على الباحث إال‬
‫مقارنة روايته ألحداث السقيفة مع ما جاء في الروايات الصحيحة التي رواها‬
‫ثقات المحدثين(‪ ،)1‬وكذا روايته لقضية التحكيم(‪ ،)2‬وألجل وقوع كثرة المناكير‬
‫في رواية أبي مخنف ح َك َم عليه النقاد بالكذب واالختالق‪.‬‬
‫فقد و َّهنه قدماء النقاد‪ ،‬وعلى رأسهم يحيى بن معين‪ ،‬فقد قال عنه‪> :‬ليس‬
‫بثقة<(‪ )3‬وقال مرة‪> :‬ليس بشيء<(‪ ،)4‬وجعل حاله أسوأ من حال عمرو بن شمر‬
‫الكذاب الوضاع(‪ )5‬فقد نقل عنه ال ُّدوري أنه قال‪> :‬أبو مخنف‪ ،‬وأبو مريم‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫راجع كتاب مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري (ص‪ 122‬ــ ‪ ،)127‬فقد ذكر اثني عشر مسألة خالف‬ ‫(‪)1‬‬
‫المحدثين‪ ،‬ومن أشهر تلك الزيادات تفرده برواية خطبة نسبها ألبي بكر‬
‫ّ‬ ‫فيها أبو مخنف مرويات‬
‫تفرده بكالم طويل ومخاصمة بين عمر بن الخطاب والحباب بن المنذر ‪.‬‬ ‫الصديق ‪ ،‬وكذا ّ‬
‫راجع كتاب مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري (ص ‪ 413‬ــ ‪.)418‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ ابن معين رواية الدوري (‪.)285/3‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ ابن معين رواية الدوري (‪.)366/3‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫قال ابن معين عن عمرو بن شمر‪> :‬ليس بشيء<‪ ،‬وقال اآلجري‪> :‬بلغني عن يحيى بن معين قال‪:‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪258‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫(‪)1‬‬
‫مثل عمرو بن‬ ‫وعمرو ابن شمر ليسوا هم بشيء<‪ ،‬فقال الدوري‪> :‬هما‬
‫شمر؟<‪ ،‬فقال يحيى‪> :‬هما شر من عمرو بن شمر<(‪.)2‬‬
‫وذكره الفسوي ضمن باب من يُرغب عن الرواية عنهم‪ ،‬والذين قال عنهم‪:‬‬
‫>وكنت أسمع أصحابنا يضعفونهم<(‪.)3‬‬
‫وقال أبو ُع َبيد اآلجري‪> :‬سألت أبا داود عنه فنفض يده وقال‪> :‬أحد يسأل‬
‫عن هذا؟<<(‪)4‬؟!‪.‬‬
‫وقــال أبــو حــاتم‪> :‬متــروك الحــديث<(‪ ،)5‬وقــال الــدارقطني‪> :‬أخبــاري‬
‫ضعيف<(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ال يحل أن يكتب عن عمرو بن شمر<‪ ،‬وقال عنه ابن حبان‪> :‬يروي الموضوعات َعن الثقات ال‬
‫يحل كتب َح ِديثه إِ َّال على ِج َهة التعجب<‪.‬‬
‫وقال الحاكم‪> :‬عمرو بن شمر الجعفي كثير الموضوعات عن جابر الجعفي وغيره‪ ،‬وإن كان جابر‬
‫الجعفي عند القوم مجروحا وليس راوي تلك الموضوعات الفاحشات عنه غير عمرو بن شمر‬
‫الجعفي‪ ،‬فوجب أن يكون الحمل فيها عليه<‪.‬‬
‫وقال أبو نعيم‪> :‬يروي عن جابر الجعفي الموضوعات المناكير<‪ ،‬واتهمه السليماني بأنه كان يضع‬
‫للغالة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬لسان الميزان (‪ ،)210/6‬سؤاالت اآلجري ألبي داود طبعة الريان (ص‪ ،)189‬المدخل‬
‫إلى الصحيح للحاكم (ص‪.)158‬‬
‫أي أبو مريم وأبو مخنف‪ ،‬ووقع في المطبوع من تاريخ ابن معين برواية الدوري >هم< والصواب‬ ‫(‪)1‬‬
‫>هما< كما عند العقيلي في الضعفاء (‪.)18/4‬‬
‫تاريخ ابن معين رواية الدوري (‪.)439/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المعرفة والتاريخ (‪.)34/3‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫لسان الميزان (‪.)430/6‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الجرح والتعديل البن أبي حاتم (‪.)182/7‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الضعفاء والمتروكون برقم (‪ ،)449‬موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني (‪.)535/2‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪259‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وذكره في الضعفاء كل من العقيلي(‪ )1‬وابن عدي(‪ )2‬وابن شاهين(‪.)3‬‬


‫وعاب أبو بكر الباقالني على من يأخذ الحديث >عن أبي مخنف‪ ،‬وأمثاله‬
‫من شيوخ أهل الكوفة‪ ...‬مع العلم بسوء مذاهبهم وقبح طرائقهم<(‪.)4‬‬
‫ولم يقتصر الطعن في أبي مخنف على علماء الجرح والتعديل‪ ،‬بل تف َّطن‬
‫ألمره بعض علماء األدب‪ ،‬كأبي عثمان الجاحظ‪ ،‬الذي اتهم أبا مخنف بتوليد‬
‫األخبار فقال وهو يعيب من ينقل أخبار أبي مخنف ونظرائه من األخباريين‬
‫رقي بن القطامي‪،‬‬‫الش ّ‬‫المتهمين دون تثبت‪> :‬ما هو ّإال أن ول َّد أبو مخنف حديثا أو ّ‬
‫الكلبي‪ ،‬أو لقيط المحاربي‪ ،‬أو شوكر أو عطاء الملط‪ ،‬أو ابن‬ ‫ّ‬ ‫أو الكلبي‪ ،‬أو ابن‬
‫الوراقين‪ّ ،‬إال رواه‬
‫صوره في كتاب‪ ،‬وألقاه في ّ‬‫ثم ّ‬ ‫دأب‪ ،‬أو أبو الحسن المدائني‪َّ ،‬‬
‫يتثبت وال يتوقّف<(‪.)5‬‬ ‫يحصل وال ّ‬‫من ال ّ‬
‫ولم يختلف قول النقاد المتأخرين عن قول المتقدمين‪ ،‬فقد اتفقوا على‬
‫توهين أبي مخنف‪ ،‬فذكره ابن الجوزي في >الضعفاء<(‪ ،)6‬وقال عنه في‬
‫>الموضوعات<‪> :‬في حديث ابن عباس‪ :‬أبو صالح الكلبي وأبو مخنف وكلهم‬
‫كذابون<(‪.)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الضعفاء للعقيلي (‪.)18/4‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الكامل في الضعفاء البن عدي (‪.)15/9‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين (ص ‪.)162‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫االنتصار للقرآن (‪.)512/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫البغال (ص‪ 27‬ــ ‪ ،)28‬رسائل الجاحظ (‪ 225/2‬ــ ‪.)226‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الضعفاء والمتروكون (‪.)28/3‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫الموضوعات (‪.)406/1‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪260‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية مبينا أحوال رواة أخبار التاريخ‪> :‬قد يكون‬
‫الرجل صادقا‪ ،‬ولكن ال خبرة له باألسانيد‪ ،‬حتى يميز بين المقبول والمردود‪،‬‬
‫أو يكون سيء الحفظ أو متهما بالكذب‪ ،‬أو بالتزيد في الرواية‪ ،‬كحال كثير من‬
‫األخبارين والمؤرخين‪ ،‬وال سيما إذا كان مثل أبي مخنف لوط بن يحيى‬
‫وأمثاله<(‪.)1‬‬
‫وعده ضمن المعروفين بالكذب فقال‪> :‬مثل أبي مخنف لوط بن يحيى‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وهشام بن محمد بن السائب‪ ،‬وأمثالهما من المعروفين بالكذب عند أهل العلم<(‪.)2‬‬
‫وقال أيضا‪> :‬أكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب‪ ،‬يرويها‬
‫الكذابون المعروفون بالكذب‪ ،‬مثل أبي مخنف لوط بن يحيى‪ ،‬ومثل هشام بن‬
‫ثم قال عن الكلبي وأبي‬
‫محمد بن السائب الكلبي وأمثالهما من الكذابين‪َّ ،<...‬‬
‫كذاب<(‪.)3‬‬‫مخنف‪> :‬كالهما متروك َّ‬
‫وقال أيضا‪> :‬جمهور المصنفين في األخبار والتواريخ والسير والفتن من‬
‫رجال الجرح والتعديل منهم من هو في نفسه متهم أو غير حافظ كأبي مخنف لوط‬
‫ابن يحيى‪ ،‬وهشام بن محمد السائب الكلبي‪ ،‬وإسحاق بن بشر‪ ،‬وأمثالهم من‬
‫الكذابين<(‪.)4‬‬
‫وو َّهاه الذهبي في أكثر من موضع من كتبه‪ ،‬فترجم له في >ميزان االعتدال<‬
‫وقال عنه‪> :‬أخباري تالف‪ ،‬ال يوثق به<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رأس الحسين (ص ‪.)198‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫منهاج السنة (‪ 58/1‬ــ ‪.)59‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫منهاج السنة (‪.)81/5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تلخيص كتاب االستغاثة المعروف بالرد على البكري (‪.)77/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ميزان االعتدال (‪.)419/3‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪261‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وقال عنه في موضع آخر‪> :‬هالك<(‪ ،)1‬وطعن فيه في أكثر من موضع في‬
‫كتابه >تاريخ اإلسالم<‪ ،‬فنقل تضعيف ابن معين وأبي حاتم والدارقطني له حين‬
‫ترجم له(‪ ،)2‬وقال مرة‪> :‬وا ٍه<(‪ ،)3‬وفي موضع آخر‪> :‬ليس بثقة‪ ،‬لكن له اعتناء‬
‫باألخبار<(‪ ،)4‬وصرح في موضع آخر بأنه كذاب فقال بعدما نقل رواية ألبي‬
‫مخنف‪> :‬هذا قول شاذ‪ ،‬وأبو مخنف كذاب<(‪.)5‬‬
‫وقال عنه في >سير أعالم النبالء<‪> :‬هو من بابة سيف بن عمر التميمي‪،‬‬
‫صاحب >الردة<‪ ،‬وعبد اهلل بن عياش المنتوف‪ ،‬وعوانة بن الحكم<(‪ ،)6‬وقال‬
‫عنه في >المغني في الضعفاء<‪َ > :‬ساقِط<(‪ ،)7‬فأبو مخنف عند الذهبي أخباري غير‬
‫ثقة‪ ،‬كذاب تالف هالك ساقط واه‪.‬‬
‫وض َّعفه ابن حجر في لسان الميزان تبعا للذهبي(‪ ،)8‬وقال عنه ابن عراق‬
‫الكناني‪َّ > :‬‬
‫كذاب تالف<(‪.)9‬‬
‫وجرح أهل العلم ألبي مخنف منصرف إلى أسانيده ومروياته التاريخية‪ ،‬إذ‬
‫ُ‬
‫إال القليل النادر‪ ،‬قال ابن عدي‪:‬‬ ‫أن أبا مخنف لم يرو من أحاديث النبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ميزان االعتدال (‪ ،)571/4‬المغني في الضعفاء (‪.)807/2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ اإلسالم (‪.)189/4‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ اإلسالم (‪.)379/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ اإلسالم (‪.)686/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تاريخ اإلسالم (‪.)915/2‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫سير أعالم النبالء (‪.)302/7‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫المغني في الضعفاء (‪.)535/2‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫لسان الميزان (‪.)430/6‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫تنزيه الشريعة المرفوعة (‪.)98/1‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫‪262‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫>ال أعلم له من األحاديث المسندة ما أذكره<(‪ ،)1‬وعليه ال يظنن ظان أن طعن‬


‫نقاد الجرح والتعديل في مرويات أبي مخنف مقصور على األحاديث النبوية‪.‬‬
‫صرح َّقوام السنة األصبهاني بأن رواية أبي مخنف لمقتل الحسين‬ ‫وقد ّ‬
‫ُمطّرحة‪ ،‬فقال‪> :‬ما رواه أبو مخنف وغيره‪ ...‬فال اعتماد بروايتهم<(‪.)2‬‬
‫واتفقت كلمة جل النقاد والمؤرخين المعاصرين على اطراح روايته‬
‫وتوهينها(‪ ،)3‬وهو ما انتهى إليه بعض الباحثين الذين تخصصوا في دراسة روايات‬
‫أبي مخنف دراسة موسعة ومقارِنة‪ ،‬مثل الدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى الذي‬
‫قام بدراسة مفصلة لروايات أبي مخنف في فترة الخالفة الراشدة مع روايات‬
‫تعم َد أبي مخنف التزوير والتحريف في‬‫غيره‪ ،‬حيث قرر في نتائج بحثه > َّ‬
‫الروايات<(‪.)4‬‬

‫* تنبيه على إشكال في كالم المؤرخ ابن كثير عن أبي مخنف‬


‫ومما ينبغي التنبيه عليه ما وقع من الحافظ المؤرخ ابن كثير في أمر أبي‬
‫مخنف‪ ،‬إذ أ َّن له اضطرابا عجيبا في تحرير حاله واالعتماد على روايته‪ ،‬فقد ع َّده‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الكامل في الضعفاء (‪.)241/7‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الحجة في بيان المحجة (‪ ،)568/2‬ونقله عنه ابن طولون في قيد الشريد من أخبار يزيد (ص ‪.)51‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نقل الدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى إجماع العلماء على ترك أبي مخنف وعدم االعتبار به‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري (ص‪ ،)487‬وراجع‪ :‬منهج كتابة التاريخ‬
‫اإلسالمي (ص ‪ ،)371‬التوسل أنواعه وأحكامه لأللباني (ص‪ ،)120‬سلسلة األحاديث‬
‫الضعيفة (‪ ،)217/4‬حقبة من التاريخ (ص ‪ ،)35‬صحيح وضعيف تاريخ الطبري (‪ 14/1‬ــ‬
‫‪.)15‬‬
‫مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري فترة الخالفة الراشدة (ص ‪.)487‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪263‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫(‪)1‬‬
‫ثم إنَّه حين شرع في تأريخ‬
‫من أئمة هذا الشأن ــ يقصد التاريخ واألخبار ــ ‪َّ ،‬‬
‫مقتل الحسين ‪ ‬ذكر أنه سيعتمد ما ذكره >أئمة هذا الشأن<(‪ ،)2‬ولن ينقل‬
‫روايات المتهمين بالغلو لما فيها >من الكذب الصريح والبهتان<‪ ،‬لكنه اتكل على‬
‫رواية أبي مخنف في عامة ما ذكره(‪ ،)3‬وبعد أن انتهى من سياق رواياته حكم على‬
‫جل ما ورد في باب مقتل الحسين ‪ ‬بالضعف واالختالق وأن أكثره من رواية‬
‫أبي مخنف فقال‪> :‬في صفة مصرع الحسين ‪ ‬كذب كثير وأخبار طويلة‪ ،‬وفيما‬
‫ذكرناه كفاية‪ ،‬وفي بعض ما أوردناه نظر‪ ،‬ولوال أن ابن جرير وغيره من الحفاظ‬
‫األئمة ذكروه ما سقته‪ ،‬وأكثره من رواية أبي مخنف لوط بن يحيى<(‪.)4‬‬
‫وقال عنه بعد أن وصفه بالغلو‪> :‬وهو ضعيف الحديث عند األئمة‪ ،‬ولكنه‬
‫أخباري حافظ‪ ،‬عنده من هذه األشياء ما ليس عند غيره‪ ،‬ولهذا يترامى عليه كثير‬
‫من المصنفين ممن بعده<(‪.)5‬‬
‫وقال في موضع آخر عن أبي مخنف‪> :‬وهو متهم فيما يرويه<(‪ ،)6‬فهو يسوق‬
‫الرواية التي يرى أنها سليمة من األكاذيب وفي نفس الوقت يتهم صاحب هذه‬
‫الرواية وهو أبو مخنف بأنه اختلق أكثر أخبار مقتل الحسين مع أن ما أورده في كتابه‬
‫مما صرح بأنه صحيح ليس إال من رواية أبي مخنف‪ ،‬ولعل ما أوقع ابن كثير في‬
‫هذا االضطراب هو صعوبة تصفية روايات مقتل الحسين من الكذب واالختالق‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫البداية والنهاية طبعة هجر (‪.)646/10‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫والظاهر أنه يقصد بذلك اإلمام الطبري ‪ ‬فجلُّ ما أورده منقول عنه‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫البداية والنهاية طبعة هجر (‪.)521/11‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫البداية والنهاية طبعة هجر (‪.)576/11‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫البداية والنهاية طبعة هجر (‪ 576/11‬ــ ‪.)577‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫البداية والنهاية طبعة هجر (‪.)28/12‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪264‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫* التنبيه على عدم صحة دعوى توثيق الطبري ألبي مخنف‬

‫زعم بعض ال ُك َّتاب المعاصرين أ َّن الطبري يرى وثاقة أبي مخنف(‪ ،)1‬وهذا‬
‫الكالم ال وجه له‪ ،‬فالظاهر من صنيع الطبري في تاريخه أنه كان يسوق ما وقف‬
‫عليه من روايات األخباريين دون النظر إلى وثاقة روايتهم‪ ،‬وكان مراده جمع‬
‫الروايات المختلفة في موضع واحد‪.‬‬
‫ولذا ساق روايات أمثال أبي مخنف والكلبي والواقدي وسيف بن عمر‬
‫وغيرهم من المتهمين والمتروكين(‪ ،)2‬وقد بين الطبري في المقدمة أنه بريء من‬
‫الروايات المستنكرة التي ساقها وأن العهدة في ذلك على الرواة(‪.)3‬‬
‫عول على خبرة القارئ وقدرته على تمييز صحيح‬ ‫والظاهر أ َّن الطبري َّ‬
‫الروايات من ضعيفها‪ ،‬وفي هذا نوع قصور‪ ،‬إذ ليس كل أح ٍد يحسن نقد األخبار‪،‬‬
‫ولذا وقع الخلل في كتابات كثير من الك َّتاب ومتأخري المؤرخين وبعض‬
‫المحدثين والمستشرقين وغيرهم ممن اعتمد على روايات الطبري دون تحر أو‬
‫(‪)4‬‬
‫تثبت من صحتها‪ ،‬وساروا في ذلك مسار حطّاب الليل‪ ،‬ومن هنا دخل الدخل‬
‫على كثير ممن استند على روايات الطبري لمقتل الحسين دون التنبه إلى ما فيها‬
‫من المنكرات واألكاذيب‪ ،‬التي تولى كبرها أبو مخنف‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تأسيس الشيعة لعلوم اإلسالم (ص ‪ ،)236‬مقتل اإلمام الحسين برواية أبي مخنف لكامل سلمان‬ ‫(‪)1‬‬
‫الجبوري (ص ‪ ،)8‬وقعة الطف ألبي مخنف للغروي (ص ‪.)20‬‬
‫راجع‪ :‬تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (ص ‪ 195‬ــ ‪ ،)196‬منهج كتابة التاريخ اإلسالمي‬ ‫(‪)2‬‬
‫(ص ‪.)489‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)8/1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الدخل‪ :‬الفساد‪ ،‬القاموس المحيط (ص‪.)998‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪265‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫* خالصة في تحرير حال أبي مخنف وأخباره‬


‫والمتحصل أ َّن األصل هو التوقف في ما رواه أبو مخنف ويتأكد ذلك عند‬
‫تفرده أو ظهور النكارة في رواياته‪ ،‬وأما إن خالفه غيره من الثقات فال ريب في‬
‫اطِّراح روايته‪.‬‬
‫وأما ما لم يثبت صحته أو كذبه‪ ،‬فالذي أراه هو التوقف فيه أو حكايته مع‬
‫التنبيه على أنه من رواية أبي مخنف المتهم‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ تحرير الكالم عن كتاب >مقتل الحسين< ومن رواه عن أبي مخنف‬
‫ليس هناك شك في أن أبا مخنف صنف كتابا في مقتل الحسين ‪ ،‬فقد‬
‫نسبه إليه من ترجم له قديما وحديثا(‪ ،)1‬لكن أصل هذا الكتاب فُقد‪ ،‬غير أن القسم‬
‫األكبر منه وصل إلينا من خالل نقوالت المتقدمين عنه‪ ،‬فقد أورد الطبري جزءا‬
‫كبيرا من هذا المقتل في >تاريخه<(‪ )2‬ورواية الطبري لمقتل الحسين هي أدق‬
‫الروايات وأجمعها إذ أنه كان يورد الروايات بأسانيدها‪ ،‬وكذا صنع أبو الفرج‬
‫األصفهاني فأورد قسما كبيرا من مقتل أبي مخنف في >مقاتل الطالبيين< غير أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الفهرست للنديم (ص ‪ ،)122‬وانظر‪ :‬الفهرست للطوسي (ص ‪ ،)204‬الوافي بالوفيات للصفدي‬
‫(‪ ،)306/24‬األعالم للزركلي (‪.)245/5‬‬
‫(‪ )2‬وقد جمع عدة من ال ُك َّتاب روايات مقتل أبي مخنف من تاريخ الطبري‪ ،‬منهم السيد الجميلي في‬
‫كتابه‪ :‬استشهاد الحسين لإلمام أبي جعفر الطبري‪ ،‬ومحمد هادي الغروي في كتابه‪ :‬وقعة الطف‬
‫ألبي مخنف‪ ،‬وكامل الجبوري في كتابه‪ :‬مقتل اإلمام الحسين بن علي برواية أبي مخنف‪ ،‬وحسين‬
‫الغفاري في كتابه‪ :‬مقتل الحسين ألبي مخنف‪ ،‬واألخوان حسان وحسن عبد اهلل أبو صالح في‬
‫كتابهما‪ :‬مقتل اإلمام الحسين وواقعة كربالء في تاريخ الطبري برواية أبي مخنف‪ ،‬ومحمد حسين‬
‫الجاللي في كتابه‪ :‬شهادة الحسين برواية الطبري‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫روايته أنقص من رواية الطبري‪.‬‬


‫وتصرف‬
‫ُّ‬ ‫وهناك من المؤرخين من أورد رواية أبي مخنف مع اختصار‬
‫وإسقاط األسانيد‪ ،‬كابن سعد في >الطبقات<‪ ،‬والبالذري في >أنساب‬
‫األشراف<‪ ،‬كما أن أبا عبد اهلل المفيد ــ من اإلمامية ــ قد نقل عن كتاب مقتل‬
‫الحسين في كتابه >اإلرشاد<‪.‬‬
‫ومن خالل تلك النقوالت نستطيع أن نتعرف على أهم مالمح كتاب >مقتل‬
‫الحسين<‪ ،‬ويمكن إيجاز مضمون الكتاب فيما يلي‪:‬‬
‫ابتدأ أبو مخنف مقتل الحسين ‪ ‬من أول وفاة معاوية ‪ ‬وبيعة يزيد‪،‬‬
‫ثم خروج الحسين من المدينة إلى مكة‪ ،‬وإرسال أهل الكوفة الكتب إلى الحسين‬‫َّ‬
‫ثم إرسال الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل إلى‬ ‫يدعونه للقدوم إلى الكوفة‪ّ ،‬‬
‫ثم مسير الحسين إلى الكوفة واستشهاده في كربالء‪ ،‬وانتهاء بمسير أهل‬
‫الكوفة‪ّ ،‬‬
‫ثم ختم مقتله بتسمية من قتل مع‬
‫بيت الحسين إلى الشام وعودتهم إلى المدينة‪ّ ،‬‬
‫الحسين ‪.‬‬
‫وقد روى كتاب >مقتل الحسين< عن أبي مخنف عدة من الرواة‪ ،‬وهؤالء‬
‫الرواة تتفاوت أحوالهم بين الثقة والضعف‪ ،‬وال بد للباحث من تحرير أحوالهم‬
‫والبحث فيها‪ ،‬فإ ّن البالء قد ال يكون مقتصرا على أبي مخنف بل قد يكون ممن‬
‫روى عنه‪ ،‬وعند النظر في طرق روايات مقتل الحسين المنقولة عن أبي مخنف‬
‫نجد أنها تتوزع على طرق ثالث‪:‬‬

‫‪267‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫* الطريق األول‪:‬‬
‫رواية هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبي مخنف(‪ ،)1‬وسائر ما نقله‬
‫البالذري والطبري عن أبي مخنف في مقتل الحسين هو من رواية الكلبي(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ولم يسم الطبري في تاريخه الواسطة بينه وبين هشام بن محمد الكلبي في الرواية عن أبي مخنف‪،‬‬
‫بل كان يقول تارة‪ُ > :‬حدثت عن أبي مخنف< بصيغة المجهول‪ ،‬وتارة يقول‪> :‬قال هشام عن أبي‬
‫مخنف<‪ ،‬فالواسطة بين الطبري وبين هشام الكلبي مجهولة‪ ،‬وأما البالذري فكان يروي عن هشام‬
‫بواسطة ابنه عباس بن هشام‪ ،‬وتارة يقول‪> :‬قال أبو مخنف<‪.‬‬
‫(‪ )2‬تنوعت آراء الباحثين في أوجه نقل الطبري عن أبي مخنف‪ ،‬حيث يرى الدكتور يحيى بن إبراهيم‬
‫اليحيى أ َّن الطبري نقل من كتب أبي مخنف بوجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬النقل من كتب أبي مخنف مباشرة وهذا ينطبق على كل ما رواه الطبري عن أبي مخنف‬
‫بصيغة‪> :‬قال أبو مخنف<‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬النقل عن أبي مخنف باألسانيد‪ .‬انظر كالمه مفصال في مرويات أبي مخنف في تاريخ‬
‫الطبري (ص ‪ 58‬ــ ‪.)62‬‬
‫ّأما محمد هادي الغروي فذهب في وقعة الطف (ص ‪ )10‬إلى أ ّن الطبري وقف على كتب أبي‬
‫مخنف مباشرة وكان ينقل عنها بال واسطة‪.‬‬
‫وأما عامر الجابري فأتى بنظرية بعيدة‪ ،‬إذ قرر أ ّن الطبري إنما أسقط سنده إلى هشام ــ راوي مقتل‬
‫ّ‬
‫أبي مخنف ــ ألنه ذكره سابقا‪ ،‬وأنه يروي عن هشام عن طريق شيخه الحارث بن محمد عن ابن‬
‫سعد عن هشام‪ ،‬وزعم أ َّن الطبري اكتفى بذكر السند السابق ألنه صار معروفا‪ .‬انظر‪ :‬أصول المقتل‬
‫الحسيني (ص ‪ 215‬ــ ‪.)216‬‬
‫وما ذكره غير صحيح فإن الطبري بعدما روى عن هشام بالسند السابق‪ ،‬كرر الرواية بالوجهين‬
‫ثت) ــ عن هشام‪ ،‬فضال عن أ ّن الطبري روى عن أبي‬ ‫ــ المتصل (باإلسناد) والمبهم (بصيغة ُح ِّد ُ‬
‫مخنف من غير طريق هشام‪ ،‬فروى من طريق ابن شبة عن المدائني عن أبي مخنف في ‪ 13‬موضعا‬
‫كما ذكر الدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى في كتابه اآلنف (ص ‪ ،)60‬وعليه فليس للطبري طريق‬
‫واحد عن أبي مخنف‪ ،‬وهذا كاف في نقض نظرية عامر الجابري‪ ،‬والذي يظهر أن ما رواه الطبري‬
‫عن أبي مخنف هو من نسخة واحدة مروية من طريق هشام الكلبي‪ ،‬وغالب ظني أ ّن هذه النسخة وقعت‬
‫للطبري باإلجازة‪ ،‬مع سماعه لجزء منها‪ ،‬وأن الطبري كان ينقل ما سمعه بإسناده إلى هشام عن أبي‬
‫مخنف‪ ،‬وأما ما أجيز له دون أن يسمعه فكان ينقله مباشرة عن أبي مخنف بال سند‪ ،‬والعلم هلل‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫والكلبي أحد أقطاب الكذابين‪ ،‬اتفق النقاد على اطِّراح أخباره‪ ،‬قال عنه‬
‫أحمد بن حنبل >إنما كان صاحب سمر ونسب‪ ،‬ما ظننت أ َّن أحدا يح ِّدث عنه<‪.‬‬
‫وذكره ابن عدي(‪ )1‬والعقيلي وابن الجارود وابن السكن في الضعفاء‪ ،‬واتهمه‬
‫األصمعي‪ ،‬واتهمه أبو الفرج األصفهاني بوضع األخبار وتوليد األشعار(‪.)2‬‬
‫وقال الدارقطني‪> :‬متروك<‪ ،‬وقال ابن عساكر‪> :‬ليس بثقة<‪.‬‬
‫وقال عنه الذهبي‪> :‬ال يوثق به<(‪ ،)3‬وقال أيضا‪> :‬أحد المتروكين<(‪.)4‬‬
‫* الطريق الثاني‪:‬‬
‫رواية علي بن محمد المدائني عن أبي مخنف‪ ،‬أوردها ابن سعد في طبقاته‬
‫مع غيرها من الروايات(‪ ،)5‬والمدائني من رواة األخبار المشهورين‪ ،‬وقد وثقه‬
‫ابن معين وأبو عاصم النبيل(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الكامل في الضعفاء (‪.)412/8‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫لسان الميزان (‪.)238/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ميزان االعتدال (‪.)305/4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫سير أعالم النبالء (‪.)101/10‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫طبقات ابن سعد طبعة الخانجي (‪ ،)421/6‬مقاتل الطالبيين (ص ‪ ،)94‬ونقل ابن الجوزي في‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الرد على المتعصب العنيد (ص ‪ )55‬رواية من طريق ابن أبي الدنيا عن المدائني عن أبي مخنف‪،‬‬
‫إال أنه قد وقع فيها سقط وإبهام‪ ،‬فجاء فيه‪> :‬قال ابن أبي الدنيا‪ :‬وثنا محمد بن صالح‪ ،‬قال‪ :‬ثنا‬
‫علي بن محمد ــ شيخ من األزد ــ عن سليمان بن أبي راشد‪ ،‬عن حميد بن مسلم<‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الصواب‪ :‬ثنا علي بن محمد عن شيخ من األزد‪ ،‬وعلي بن محمد هو المدائني والشيخ‬
‫األزدي هو أبو مخنف‪ ،‬بدليل روايته عن سليمان بن أبي راشد‪ ،‬والخبر في تاريخ الطبري‬
‫(‪ )458/5‬من طريق أبي مخنف‪.‬‬
‫تاريخ بغداد (‪.)316/13‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪269‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫* الطريق الثالث‪:‬‬
‫عمر بن سعد األسدي‪ ،‬أوردها أبو الفرج األصفهاني في مقاتله‪ ،‬من طريق‬
‫الحسين بن نصر بن مزاحم عن أبيه(‪.)1‬‬
‫وفي هذه الرواية علل ثالث(‪:)2‬‬
‫األولى‪ :‬الحسين بن نصر بن مزاحم لم أقف له على ترجمة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬نصر بن مزاحم واه متروك‪ ،‬اتفق النقاد على توهينه‪ ،‬منهم أبو خيثمة‬
‫والعجلي(‪ )3‬وصالح جزرة وأبو الفتح األزدي(‪ ،)4‬وابن معين(‪ ،)5‬وأبو حاتم‬
‫الرازي(‪ ،)6‬والدارقطني(‪ ،)7‬وابن عدي(‪ ،)8‬والعقيلي(‪ ،)9‬والخليلي(‪ ،)10‬ولم‬
‫يخالف في ذلك إال ابن حبان‪ ،‬إذ تفرد بذكره في الثقات(‪ ،)11‬وال عبرة بمخالفة‬
‫ابن حبان وحده‪ ،‬فابن حبان يذكر في ثقاته كل من ترجم له البخاري وابن أبي حاتم‬
‫دون أن يذكرا فيه جرحا أو تعديال(‪.)12‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقاتل الطالبيين (ص ‪.)92‬‬
‫(‪ )2‬مع غض الطرف عن حال أبي الفرج األصفهاني‪.‬‬
‫(‪ )3‬لسان الميزان (‪.)267/8‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ بغداد (‪.)382/15‬‬
‫(‪ )5‬التكميل في الجرح والتعديل (‪.)354/1‬‬
‫(‪ )6‬الجرح والتعديل (‪.)468/8‬‬
‫(‪ )7‬الضعفاء والمتروكون (‪ )134/3‬برقم (‪.)546‬‬
‫(‪ )8‬الكامل في الضعفاء (‪.)286/8‬‬
‫(‪ )9‬الضعفاء الكبير (‪.)300/4‬‬
‫(‪ )10‬اإلرشاد (‪.)572/2‬‬
‫(‪ )11‬الثقات (‪.)549/5‬‬
‫(‪ )12‬وقد ذكرت هذا في كتابي أولئك مبرؤون طلحة بن عبيد اهلل (ص ‪ ،)341‬ثم وجدت أن الشيخ=‬

‫‪270‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫الثالثة‪ :‬عمر بن سعد األسدي اتهمه أبو حاتم بالغلو وقال عنه‪> :‬متروك‬
‫الحديث<(‪.)1‬‬
‫والنتيجة المرتبة مما تقدم أن الرواية الموثوقة الوحيدة عن أبي مخنف‬
‫ــ حسب موازين الجرح والتعديل ــ هي رواية المدائني التي نقلها ابن سعد‪ ،‬وأما‬
‫رواية الكلبي وعمر األسدي فال يعتبر بهما‪ ،‬ويستثنى من ذلك ما وافقا فيه‬
‫المدائني فيكون ثابتا عن أبي مخنف‪.‬‬
‫إال أ َّن هذه النتيجة تواجه إشكاالت عدة‪:‬‬
‫اإلشكال األول‪ :‬أن الظاهر من صنيع الطبري وقبله البالذري هو الركون‬
‫إلى ما رواه الكلبي عن أبي مخنف‪ ،‬ولو أن الطبري ارتاب من رواية الكلبي‬
‫لتوقف فيها ولما نقلها‪ ،‬فاعتماد الطبري على رواية الكلبي ير ُّد على من يرى‬
‫تضعيفها‪ ،‬والجواب عن هذا سهل‪ ،‬فالمنهج الذي سلكه الطبري والبالذري قائم‬
‫على الجمع والتتبع للروايات دون نقدها أو تمييز الثابت منها من المردود‬
‫والسقيم‪ ،‬فلذا وقع منه التساهل في نقل الروايات‪ ،‬خالفا للمنهج المتبع في هذا‬
‫البحث‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عبد الرحمن بن يحيى المعلمي قد أشار إلى ذلك في التنكيل (‪ ،)255/1‬ثم وقفت على مقالة‬ ‫=‬
‫للدكتور شادي آل نعمان يقرر فيها ذلك فقال‪> :‬كتاب اإلمام البخاري التاريخ الكبير‪ ،‬وكتاب ابن‬
‫أبي حاتم الجرح والتعديل‪ ،‬موردان رئيسيان البن حبان في ثقاته‪ ،‬حتى قال ابن قطلوبغا إنه‬
‫يتابعهما حذو القذة بالقذة‪ ،‬إال أني الحظت احتفاله بتاريخ البخاري بأكثر من كتاب ابن أبي‬
‫حاتم<‪ ،‬انظر مقالة‪ :‬تسعون فائدة حول ابن حبان وثقاته وترتيبه‪ ،‬منشورة بموقع مركز النعمان‬
‫‪http: //shadyalnoman. com/play. php?catsmktba=1070‬‬
‫(‪ )1‬الجرح والتعديل (‪.)112/6‬‬

‫‪271‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫اإلشكال الثاني‪ :‬رواية المدائني ال يمكن تمييزها إال بالمقارنة مع رواية‬


‫الكلبي‪ ،‬أل ّن رواية المدائني إنما وصلتنا عن طريق ابن سعد في الطبقات‪ ،‬وابن‬
‫سعد روى مقتل الحسين بطريقة اإلسناد الجمعي‪ ،‬وغاية ما ينتهي إليه الباحث‬
‫في رواية ابن سعد هو استخراج الروايات التي وافق فيها المدائني رواية الكلبي‪،‬‬
‫وأما ما لم يروه الكلبي فال يمكن أن يعرف الباحث هل هو من رواية المدائني أو‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫من رواية غيره ‪ ،‬وهذا إشكال لم أجد له جوابا‪.‬‬
‫اإلشكال الثالث‪ :‬يالحظ من خالل مقارنة رواية ابن سعد برواية الطبري‬
‫أ ّن كثيرا من التفاصيل الواردة في رواية الكلبي عن أبي مخنف غير موجودة في‬
‫رواية المدائني‪ ،‬فإما أ ّن ابن سعد اختصر رواية أبي مخنف حينما جمعها مع‬
‫غيرها من الروايات‪ ،‬أو أن الكلبي زاد في رواية أبي مخنف ما ليس فيها‪ ،‬أو أن‬
‫رواية المدائني تختلف عن رواية الكلبي بأن يكون أبو مخنف قد ح ّدث كال منهما‬
‫برواية خاصة‪ ،‬واالحتمال األخير مستبعد‪ ،‬أل َّن أبا مخنف ــ على ما يظهر من تتبع‬
‫رواياته ــ كان يحدث من صحفه التي يجمعها‪ُ ،‬فيستبعد أن تكون روايته بأكثر من‬
‫وجه‪ ،‬ويبقى األمر دائرا بين احتمال زيادة الكلبي أو اختصار ابن سعد‪ ،‬وترجيح‬
‫أحد االحتمالين يحتاج تفصيال واستقراء ليس هذا محله‪.‬‬
‫ومحصل ما تقدم أن العمدة في ما نُقل عن أبي مخنف من مقتل الحسين‬
‫هي رواية الكلبي‪ ،‬وأما رواية المدائني فال يمكن استخراجها إال بعسر واستقراء‬
‫واستقصاء وتتبع ليس هذا البحث موضعه‪ ،‬وما دام األمر كذلك فالذي سأجري‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ومما يزيد األمر تعقيدا أ َّن ابن سعد حينما أورد مقتل الحسين باإلسناد الجمعي ذكر أسانيد كثيرة‬
‫ال تجدها عند غيره‪ ،‬كما أنه َّميز في مواضع متفرقة عددا قليال من الروايات األخرى كرواية‬
‫الواقدي وغيره‪ ،‬ولذلك ال يمكن تمييز رواية أخرى لمقتل الحسين غير رواية أبي مخنف‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫عليه في هذا البحث هو التسليم برواية الكلبي عن أبي مخنف‪ ،‬إال إن تبين‬
‫بالمقارنة عدم صحة رواية الكلبي‪ ،‬وثمرة هذا البحث هو التحرز والتثبت من‬
‫فجل النقاد الذين بحثوا رواية أبي مخنف لمقتل الحسين‬
‫الرواة عن أبي مخنف‪ُّ ،‬‬
‫عصبوا الجناية برأس أبي مخنف‪ ،‬وربما قد يكون أبو مخنف بريئا‪ ،‬والبالء من‬
‫ّ‬
‫الكلبي الذي روى عنه‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ كتاب >مقتل الحسين< المتداول اليوم هل هو ألبي مخنف؟‬


‫اشتهر في العصور المتأخرة كتاب منسوب إلى أبي مخنف بعنوان >مقتل‬
‫الحسين<(‪ )1‬وطبع مرات عديدة(‪ ،)2‬إال أنه كتاب مختلق وموضوع من بعض‬
‫المتأخرين كما اتفقت على ذلك كلمة أغلب المؤرخين والنقاد المعاصرين من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لهذا الكتاب عدة عناوين منها‪ :‬مقتل الحسين ومصرع أهل بيته وأصحابه في كربالء‪ ،‬كما جاء في‬
‫أكثر من طبعة‪ ،‬ومنها مصرع الحسين‪ ،‬ومنها مقتل أبي مخنف‪ ،‬وهذه العناوين ذكرت في عدة نسخ‬
‫خطية‪ ،‬كما جاء في الفهرس الموحد للمخطوطات اإليرانية (فنخا) (‪ 170/31‬ــ ‪ ،)174‬وهو‬
‫أجمع وأضخم فهرس للمخطوطات في إيران‪ ،‬وقد أحصوا من نسخ هذا الكتاب ‪ 52‬نسخة في‬
‫إيران وحدها!‪ ،‬ويرجع أقدمها إلى القرن العاشر‪ ،‬وقد انتشرت نسخه خارج إيران أيضا‪ ،‬وقد‬
‫وقفت منه على نسخ عديدة محفوظة في مكتبات المخطوطات في السعودية وتركيا ومصر واليمن‬
‫وسوريا‪ ،‬وبعض المكتبات األوروبية‪ ،‬وبالجملة فإحصاء عدد نسخ الكتاب وتتبعها مما ال يدرك‪،‬‬
‫وراجع للفائدة معجم تاريخ التراث اإلسالمي في مكتبات العالم (‪.)2314/4‬‬
‫(‪ )2‬ذكر الطهراني في الذريعة (‪ )27/22‬أن مقتل أبي مخنف طُبع طبعة حجرية في مومباي منضما‬
‫ووقفت على عدة طبعات‬
‫ُ‬ ‫إلى المجلد العاشر من بحار األنوار سنة ‪ 1287‬هـ ويبدو أنها أقدم طبعة‪،‬‬
‫أخرى للكتاب منها‪ :‬طبعة بعنوان تاريخ أبي مخنف في مقتل الحسين بمومباي سنة ‪ 1310‬هـ‪،‬‬
‫وطبعة بعنوان مقتل أبي مخنف في سنة ‪ 1347‬هـ بالمطبعة المرتضوية بالنجف‪ ،‬وطبعة بعنوان‬
‫مقتل الحسين ومصرع أهل بيته وأصحابه في كربالء بمطبعة أمير بقم سنة ‪ 1362‬هـ‪ ،‬وطبعة أخرى‬
‫بنفس العنوان في مكتبة األلفين في الكويت سنة ‪ 1408‬هـ‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫اإلمامية وغيرهم‪.‬‬
‫ومن هذا قول الشيخ عباس القمي ــ من اإلمامية ــ في >الكنى واأللقاب<‪:‬‬
‫وليعلم إ ّن ألبي ِم ْخنف كتبا كثيرة في التاريخ والسير‪ ،‬منها كتاب‪ :‬مقتل الحسين‬
‫> ُ‬
‫(ع) الذي نقل عنه أعاظم العلماء المتق ّدمين واعتمدوا عليه‪ ،...‬ولكن لألسف‬
‫وأما المقتل الذي بأيدينا وينسب إليه‪ ،‬فليس له‪،‬‬
‫أ ّنه فُقد وال يوجد منه نسخة‪ّ ،‬‬
‫بل وال ألح ٍد من المؤرخين المعتمدين‪ ،‬ومن أراد تصديق ذلك‪ ،‬فليقابل ما في‬
‫هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره عنه ح ّتى يعلم ذلك<(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وأول من‬ ‫فصل الكالم عن هذا الكتاب جماعة من علماء اإلمامية ‪ّ ،‬‬ ‫وقد َّ‬
‫وجدته بسط البحث في ذلك منهم هو الشيخ محمد هادي الغروي في كتابه >وقعة‬
‫الطف ألبي مخنف<‪ ،‬فكان مما قاله‪> :‬ل ْم يكن لي ب ّد ــ وأنا أريد تحقيق الكتاب ــ‬
‫ْأن أنظر ما في هذا المقتل الموضوع‪ ،‬فمن المقطوع به أ ّن الكتاب من جمع جامع‬
‫غير أبي ِم ْخنف‪ ،‬وال يُدرى َمن هو هذا الجامع ومتى جمعه؟ والذي يبدو لي أ ّنه‬
‫المتأخرين غير عارف بالتاريخ والحديث والرجال‪ ،‬وح ّتى األدب‬ ‫ّ‬ ‫كان من العرب‬
‫المتأخرين‬
‫ّ‬ ‫العربي؛ فإ ّنه يستعمل في الكتاب كلمات هي من استعمال العرب‬
‫العامية<(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫باللغة الدارجة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الكنى واأللقاب (‪.)148/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬اللؤلؤ والمرجان للنوري (ص‪ ،)187‬والذريعة للطهراني (‪ )27/22‬والصحيح من مقتل‬
‫سيد الشهداء (ص‪ 33‬ــ ‪ ،)34‬وأصول المقتل الحسيني (ص‪ 211‬ــ ‪ ،)213‬ومجلة اإلصالح‬
‫الحسيني العدد الثاني (ص‪ ،)138‬وجدل ومواقف من الشعائر الحسينية (ص‪ ،)130‬وفي بناء‬
‫المقامات الدينية (ص ‪.)100‬‬
‫(‪ )3‬وقعة الطف (ص‪ 23‬ــ ‪.)29‬‬

‫‪274‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ثم يقول تحت عنوان‪> :‬األخطاء الفاحشة في هذا المقتل المتداول<‪:‬‬ ‫َّ‬
‫>والكتاب يشتمل على ع ّدة أغالط فاحشة‪ ،‬هي كما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ يُفاجأ القارئ البصير في ّأول سطر من ّأول صفحة ــ من هذا المقتل‬
‫المتداول ــ بهذه الغلطة الفاضحة‪ ،‬قال أبو ِم ْخنف‪ :‬ح ّدثنا أبو المنذر هشام عن‬
‫محمد بن سائب الكلبي!‬‫ّ‬
‫فترى أبا ِم ْخنف هنا ــ وهو شيخ هشام ــ ناقال عن هشام تلميذه‪ ،‬وهو بدوره‬
‫كم كان جامع هذا الكتاب‬
‫السائب الكلبي‪ ،‬فيا ُترى ْ‬
‫محمد بن ّ‬‫مح ّدثا له عن أبيه ّ‬
‫جاهال بتراجم الرجال ح ّتى خفي عليه هذا؟!‬
‫‪ 2‬ــ وتقلِّب بعد هذا ثالثة من صحائف الكتاب‪ ،‬فتجده يقول‪ :‬وروى‬
‫الكليني في حديث‪ ،‬فليت شعري من هذا الذي يروي عن الكليني المتوفّى‬
‫(‪ 329‬هـ)‪ ،‬وقد توفّي أبو ِم ْخنف (‪ 158‬هـ)؟! والرواية بع ُد غير موجودة في‬
‫الكافي‪.‬‬
‫ثم تقلب صفحات أخرى فتجده يقول‪> :‬قال‪> :‬فأنفذ يزيد الكتاب إلى‬ ‫‪ 3‬ــ ّ‬
‫الوليد‪ ،‬وكان قدومه لعشرة ّأيام خلون من شعبان<‪.‬‬
‫هذا وقد أجمع المؤرخون ــ ومنهم أبو ِم ْخنف برواية الطبري ــ على أ ّن‬
‫الحسين (ع) دخل مكّة لثالث خلون من شعبان‪ ،‬فكيف التوفيق؟!‬
‫‪ 4‬ــ وينفرد في حديث مقتل مسلم بن عقيل‪ ،‬بنقل خبر حفر حفيرة له وقع‬
‫فيها فأُخذ مكتوفا إلى ابن زياد‪ ،‬فيقول‪> :‬وأقبل عليهم لعين‪ ،‬وقال لهم‪> :‬أنا‬

‫‪275‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ونطمه بالدغل والتراب‪ ،‬ونحمل عليه‬


‫أنصب لهم شرك‪ ،‬نحفر له بئرا في الطريق ّ‬
‫وننهزم ق ّدامه‪ ،‬وأرجو ْأن ال يفلت منه<<‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ وينفرد في حديث مقتل مسلم أيضا بقوله‪ّ > :‬لما قُتل مسلم وهاني انقطع‬
‫خبرهما عن الحسين (ع)‪ ،‬فقلق قلقا عظيما فجمع أهله‪ ...‬وأمرهم بالرحيل إلى‬
‫المدينة‪ ،‬فخرجوا سايرين بين يديه إلى المدينة ح ّتى دخلوه‪ ،‬فأتى قبر رسول اهلل‬
‫أي أصل أو‬
‫فهومت عيناه بال ّنوم<‪ ،‬وليس لهذا الخبر ّ‬ ‫وبكى بكاء شديدا‪ّ ،‬‬
‫أثر‪ ،‬في أي كتاب أو سفر‪.‬‬
‫‪ 6‬ــ وينفرد في حديث نزول اإلمام الحسين بكربالء‪ ،‬بنقل خبر ركوب‬
‫اإلمام سبعة أفراس ونزوله منها‪ ،‬وتوقفها وعدم تق ّدمه‪.‬‬
‫المحرم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 7‬ــ وينفرد بنقل حديث اإلمام علي بن الحسين ليلة العاشر من‬
‫في يوم نزول اإلمام بكربالء‪.‬‬
‫‪ 8‬ــ وينفرد بذكر عدد عساكر ابن سعد في كربالء‪> :‬ثمانين ألفا<‪.‬‬
‫‪ 9‬ــ وينفرد بنقل خطبة زهير بن القين يوم نزول العساكر بكربالء‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫يغر ّنكم كالم‬
‫ثم أقبل على أصحابه‪ ،‬وقال‪> :‬معاشر المهاجرين واألنصار‪ ،‬ال ّ‬ ‫> ّ‬
‫‪ ،‬إ ّن قوما قتلوا‬ ‫محمد‬
‫هذا الكلب الملعون وأشباهه! فإ ّنه ال ينال شفاعة ّ‬
‫ذر ّيته وقتلوا َمن نصرهم؛ فإ ّنهم في جه ّنم خالدون أبدا<<‪.‬‬
‫ّ‬
‫فلم يجد فيها ماء<‪.‬‬
‫‪ 10‬ــ وينفرد بنقل خبر حفر الحسين بئرا‪ ،‬ويقول‪ْ > :‬‬
‫‪ 11‬ــ وينفرد بتكرير حديث ليلة عاشوراء وصبيحتها ثالث ّمرات‪ ،‬فيذكر‬

‫‪276‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫العباس‪ ،‬وينفرد فيه بقوله‪> :‬فأخذ‬


‫في األولى خطبة لإلمام الحسين ومقتل أخيه ّ‬
‫ثم يقول‪> :‬ونزل إليه وحمله على ظهر جواده وأقبل به إلى الخيمة‬
‫السيف بفيه<‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫وطرحه وبكى عليه بكاء شديدا ح ّتى بكى جميع من كان حاضر<‪.‬‬
‫ثم أقبل على أصحابه‪ ،‬وقال لهم‪> :‬يا‬
‫يكر على ليلة عاشوراء‪ ،‬فيقول‪ّ > :‬‬
‫ثم ّ‬‫ّ‬
‫جن عليكم اللّيل‪ ،‬فسيروا في ظلمته<‪،‬‬
‫أصحابي‪ ،‬ليس طلب القوم غيري‪ ،‬فإذا ّ‬
‫فلما أصبح‪.<..‬‬
‫ثم يقول‪> :‬وبات تلك اللّيلة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ثم يعود على صبيحة عاشوراء ويذكر فيها خطبة أخرى لإلمام‪.‬‬
‫ّ‬
‫وينفرد بذكر إرسال رسول من قبل الحسين باسم أنس بن كاهل إلى ابن‬
‫سعد‪ ،‬بينما الرسول هو‪ :‬أنس بن الحارث(‪ )1‬بن كاهل األسدي‪.‬‬
‫يكر ثالثة على ليلة عاشوراء فيذكر الخطبة المعروفة لإلمام على أصحابه‬
‫ثم ّ‬‫ّ‬
‫ثم يعود على تعبئة الحسين وابن سعد‪.‬‬ ‫وأهل بيته في تلك اللّيلة‪ّ ...‬‬
‫‪ 12‬ــ وينفرد في أصحاب اإلمام الحسين بذكر إبراهيم بن الحسين‪.‬‬
‫‪ 13‬ــ ويذكر ال ّطرماح مع َمن قُتل مع اإلمام‪ ،‬بينما يروي الطبري عن الكلبي‬
‫عن أبي ِم ْخنف‪> :‬إ ّنه ْلم يحضر كربالء‪ْ ،‬‬
‫ولم يُقتل مع اإلمام<‪.‬‬
‫الجعفي‪،‬‬
‫الحر ُ‬
‫الحر الرياحي أبياتا هي لعبيد اهلل بن ّ‬
‫قصة ّ‬‫‪ 14‬ــ ويذكر في ّ‬
‫الحر‪ ،‬إذ يقول فيه‪:‬‬
‫يتنبه إلى عدم تناسبها مع حال ّ‬
‫صاحب قصر بني مقاتل‪ ،‬وال ّ‬
‫>وقف على أجسادهم وقبورهم<‪ ،‬فوا جهال من جامع هذا الكتاب!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال في األصل‪( :‬الحرث)‪ ،‬والصحيح ما أثبتناه‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫الحر ال ُتناسب ْأن تكون‬ ‫‪ 15‬ــ وينسب إلى اإلمام الحسين أبياتا في رثاء ّ‬
‫لإلمام‪ ،‬منه‪:‬‬
‫اســــى ُح َســــ ْينا‬ ‫مم ـا ل َ َق ـ ْد ف ـاَ َز ال َّ ـ ِذي نَ َص ـ ُروا ُح َس ـ ْينا ‪ J‬ونِ ْعــــ َم ُ‬
‫الحــــ ُّر ِإ ْذ َو َ‬ ‫َّ‬
‫‪ 16‬ــ وينسب إلى اإلمام الحسين أبياتا ثالثة في رثاء أصحابه‪ ،‬وهي‬
‫المتأخرين‪ ،‬حيث‬
‫ّ‬ ‫صريحة في أ ّنها ليست لإلمام؛ وإ ّنما هي ألحد من الشعراء‬
‫من ِف ْت َيةٍ<‪ ،‬هكذا‪.‬‬
‫الح َس ْي َن فَ َيا ل َ َها ْ‬
‫يقول فيه‪> :‬نَ َص ُروا ُ‬
‫‪ 17‬ــ وينفرد في تعيين يوم نزول اإلمام الحسين‪ :‬أ ّنه كان يوم األربعاء‪،‬‬
‫ويقول في شهادته‪ :‬إ ّنها كانت يوم اإلثنين‪.‬‬
‫المحرم‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫وهذا يقتضي ْأن يكون نزوله بكربالء في اليوم الخامس من‬
‫أجمع المؤرخون ــ ومنهم أبو ِم ْخنف برواية الطبري ــ على أ ّن نزوله كان في اليوم‬
‫المحرم‪ ،‬وأ ّنه كان يوم الخميس‪ ،‬ومقتله كان يوم الجمعة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الثاني من‬
‫عمن يُدعى‪ :‬سهل‬ ‫‪ 18‬ــ يبتدئ من الحديث رقم (‪ )105‬بإكثار ال ّنقل ّ‬
‫الشهرزوري‪ ،‬فيحشره مع أهل البيت (‪ )‬من الكوفة إلى الشام إلى المدينة‪،‬‬
‫فينسب إليه في الكوفة أبيات سليمان بن ق ّتة الهاشمي‪ ،‬على قبر اإلمام الحسين‪:‬‬
‫ات آ ِل ُم َح َّم ٍد<‪ ،‬وينسب إليه في الشام خبر سهل بن سعد‬
‫> َم َر ْر ُت َعلَى ْأب َي ِ‬
‫الساعدي باسم‪ :‬سهل بن سعيد الشهرزوري‪ ،‬فكأ ّنه يحسبه هو!‬ ‫ّ‬
‫‪ 19‬ــ وينسب إلى اإلمام الحسين يوم عاشوراء أرجوزة تشتمل على نيف‬
‫وثالثين بيتا‪ ،‬وإلى عبد اهلل بن عفيف األزدي عند عبيد اهلل بن زياد قصيدة تشتمل‬
‫على نحو من ثالثين بيت‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫المتأخرين من‬
‫ّ‬ ‫طياته على كلمات من استعمال‬ ‫‪ 20‬ــ ويحتوي الكتاب في ّ‬
‫مما ال يناسب أبا ِم ْخنف‪ ،‬كقوله فيما سبق من‬
‫العرب ال ّناطقين باللغة الدارجة‪ّ ،‬‬
‫ونطمها بالدغل‬
‫ّ‬ ‫خبر‪> :‬حفر بئر لمسلم‪ ،‬وأقبل عليهم لعين! وقال لهم‪...‬‬
‫ويتحرش<‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والتراب‪ ...‬وننهزم ق ّدامه‪ ،‬وراحت أنصاره ويقظانه‬
‫صحة نسبة هذا الكتاب إلى أبي ِم ْخنف(‪.)1‬‬
‫كل هذا ألحد ْأن يحتمل ّ‬
‫وليس بعد ّ‬
‫‪ 4‬ــ تحرير حال وسائط أبي مخنف في رواية أخبار زينب الكبرى ‪ ‬في كربالء‬
‫لو تجاوزنا حال أبي مخنف‪ ،‬وسلَّمنا جدال بعدم تعمده الكذب واالختالق‬
‫فيما يرويه‪ ،‬فإن هذا ال يعني غض النظر عن وسائطه في رواية أحداث مقتل‬
‫الحسين ‪ ،‬أل َّن من يتأمل في أحوال أخبار مقتل الحسين التي رواها أبو مخنف‬
‫يفاجأ بنتيجة صادمة‪ ،‬وهي غلبة الضعف على وسائط أبي مخنف وابتالئها‬
‫باآلفات السندية‪ ،‬بدءا بجيش من المجاهيل الذين ال تجد لهم ذكرا إال عند أبي‬
‫مخنف‪ ،‬فضال عن مجموعة من الرواة المتهمين بالكذب أو الموصوفين‬
‫بالضعف(‪ ،)2‬فضال عن غرابة األسانيد التي يأتي بها والتي ال تجدها إال عنده‪،‬‬
‫ولذا يقول عبد الحسين الحلي واصفا حال مجمل روايات أحداث كربالء‪> :‬إ َّن‬
‫وقائع الطف لم تصل إلينا إال مرسلة‪ ،‬حتى التي تلقيناها بواسطة الشيخ المفيد‬
‫والشيخ الطوسي والسيد وأضرابهم‪ ،‬وأكثر ما يرسل المؤرخون ــ وأوثقهم ابن‬
‫جرير الطبري ــ عن أبي مخنف‪ ،‬وهو لم يحضر الواقعة وكذلك غيره‪ .‬وكثيرا ما‬
‫اعتمدوا في النقل على هالل بن نافع‪ ،‬وحميد بن مسلم‪ ،‬وهالل بن معاوية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقعة الطف (ص‪ 24‬ــ ‪.)29‬‬
‫(‪ )2‬وقد قام محمد هادي الغروي بإحصاء رواة مقتل أبي مخنف وتصنيفهم إلى ست قوائم‪ ،‬وبعد أن‬
‫قمت بتتبع الرواة المذكورين‪ ،‬وجدت أغلبهم من المجاهيل ممن ال تجد له ذكرا وال ترجمة‪ ،‬انظر‬
‫وقعة الطف ألبي مخنف (ص ‪ 30‬ــ ‪.)66‬‬

‫‪279‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وغيرهم ممن شهد حرب الحسين وكان مقاتال له<(‪ )1‬إلى أن قال‪> :‬ومن ذا يا ترى‬
‫ــ غير عالم الغيب ــ يعلم أ ّن األخبار مكذوبة‪ ،‬نعم إ ّن تلك األخبار غير معلومة‬
‫الصدق‪ ،‬وهكذا جميع األخبار بال استثناء‪ ،‬وشتان بين معلوم الكذب وبين غير‬
‫معلوم الصدق<(‪.)2‬‬
‫ويتأكد هذا عند النظر في رواة أخبار زينب في كربالء‪ ،‬فعدة الروايات التي‬
‫نقلها أبو مخنف عن زينب هي تسع روايات‪ ،‬توزعت على ثالثة رواة‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ الحارث بن كعب الوالبي ــ من والبة األزد(‪ )3‬ــ‪.‬‬
‫روى عنه نصر بن مزاحم في >وقعة صفين< رواية واحدة‪ ،‬وأكثر أبو مخنف‬
‫من الرواية عنه حتى بلغت رواياته عنده خمس عشرة رواية(‪.)4‬‬
‫وهو مجهول الحال‪ ،‬فليست له ترجمة في كتب الرجال السنية‪ ،‬ولذا لما‬
‫ذكره الحافظ ابن حجر في >اللسان< قال‪> :‬ذكره الطوسي في رجال الشيعة<(‪،)5‬‬
‫وقال المامقاني (‪1351‬هـ) ــ من علماء اإلمامية ــ في >تنقيح المقال<‪> :‬ع ّده‬
‫السجاد‪ ،‬وظاهره كونه إماميا إال أ ّن حاله‬
‫الشيخ ــ أي‪ :‬الطوسي ــ من أصحاب ّ‬
‫مجهول<(‪.)6‬‬
‫وقال محقق >التنقيح< في التعليق على كالم المامقاني‪> :‬رغم الفحص‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشعائر الحسينية في الميزان الفقهي (ص ‪.)27‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الشعائر الحسينية في الميزان الفقهي (ص ‪.)29‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫قاله أبو مخنف كما في تاريخ الطبري (‪ ،)555/4‬وذكر اسم أبيه في (‪ ،)106/5‬و(‪.)122/5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬كتاب مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري (ص‪.)68‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫لسان الميزان (‪.)524/2‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫تنقيح المقال في علم الرجال (‪.)210/17‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪280‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫والتنقيب لم أقف في المصادر الرجالية والحديثية على ما يكشف عن حاله‪ ،‬فهو‬


‫غير معلوم الحال<(‪.)1‬‬
‫والنكارة فيما رواه عنه أبو مخنف ظاهرة‪.‬‬
‫منها‪ :‬رواية تذكر ر َّد زينب ‪ ‬على الشامي الذي سأل يزيد أن يهبه‬
‫فاطمة(‪ ،)2‬انفرد بها الحارث بن كعب الوالبي‪ ،‬ولم يروها غيره‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬رواية جزع زينب لما علمت أ َّن الحسين علم قُرب ساعة موته‬
‫وحوارها مع أخيها الحسين وتمنيها الموت(‪ ،)3‬وقد رواها أبو مخنف من طريق‬
‫الحارث بن كعب الوالبي وأبي الضحاك‪ ،‬وهي ضعيفة جدا‪.‬‬
‫فالحارث بن كعب ــ على ما ذكرنا ــ مجهول الحال‪.‬‬
‫وأبو الضحاك؛ ليست له رواية إال هذه‪ ،‬وال يُدرى من هو(‪.!)4‬‬
‫‪ 2‬ــ ُحميد بن مسلم األزدي‪:‬‬
‫لم أقف لحميد بن مسلم األزدي على ترجمة في كتب أهل السنة‪ ،‬وليس‬
‫له ترجمة كذلك في كتب رجال اإلمامية‪ ،‬فلم يذكره إال الطوسي في >رجاله<‬
‫وع ّده في أصحاب علي بن الحسين(‪ ،)5‬والظاهر أنه اعتمد على رواية أبي مخنف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر‪ :‬تعليق الشيخ محيي الدين المامقاني في حاشية الترجمة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ 461/5‬ــ ‪.)462‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)420 /5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وقد زعم محمد هادي الغروي في مقدمة كتابه وقعة الطف (ص ‪ 58‬ــ ‪ ،)59‬أنه أبو الضحاك‬ ‫(‪)4‬‬
‫الذي روى عن شعبة وترجم له الذهبي في ميزان االعتدال (‪ ،)540/5‬وال دليل على ذلك وإنما‬
‫هو رجم بالغيب‪.‬‬
‫رجال الطوسي (ص‪)112‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪281‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫في جعله من أصحاب علي بن الحسين‪.‬‬


‫السجاد؛‪ ،‬وهو ناقل‬
‫وقال الشاهرودي المعاصر‪ُ > :‬ع َّد من مجاهيل أصحاب َّ‬
‫جملة من قضايا كربالء على نحو يظهر منه أنه كان في وقعة الطف<(‪.)1‬‬
‫ول َّخص الجواهري حكم الخوئي فيه بأنه مجهول(‪.)2‬‬
‫وقد زعم محمد هادي الغروي في مقدمة كتابه >وقعة الطف<(‪ )3‬أ ّن حميد‬
‫ابن مسلم المذكور في >ميزان االعتدال< للذهبي هو نفسه هذا‪ ،‬ويلحق به أيضا‬
‫ما ذكره الباحث إبراهيم بن مهية في رسالته لنيل الدكتوراه والتي عنونها بـ>أخبار‬
‫االضطرابات السياسية بعد قيام الدولة األموية< حين ظن أن حميد بن مسلم قد‬
‫ذكره ابن حبان في >ثقاته<(‪ ،)4‬وهذا غلط بال ريب‪ ،‬فحميد بن مسلم المذكور‬
‫في >ميزان االعتدال< هو حميد بن مسلم أبو عبيد اهلل القرشي(‪ ،)5‬وقد ذكروا أنه‬
‫روى عن مكحول وواثلة بن األسقع‪ ،‬وذكر الذهبي في >الميزان< أن سعيد بن‬
‫أبي أيوب تفرد عنه(‪ ،)6‬وأما حميد بن مسلم الذي يروي عنه أبو مخنف فهو أزدي‬
‫وليس قرشيا‪ ،‬فمن ظن أنهما واحد فقد وقع في اشتباه ظاهر‪.‬‬
‫وقد رابني في ( ُحميد) هذا أمور‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مستدركات علم رجال الحديث (‪.)289/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المفيد من معجم رجال الحديث (ص‪.)201‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وقعة الطف (ص‪.)34‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار االضطرابات السياسية بعد قيام الدولة األموية دراسة تحليلية لألسانيد والمتون (ص‪.)109‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫كما في التاريخ الكبير للبخاري (‪ ،)385/2‬والجرح والتعديل البن أبي حاتم (‪،)229/3‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫والثقات البن حبان (‪ ،)285/3‬وتاريخ دمشق البن عساكر (‪.)302/15‬‬
‫ميزان االعتدال (‪.)616/1‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪282‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫* األمر األول‪ :‬إ ّن ُجلَّ روايات حميد بن مسلم كانت حول األحداث‬
‫ثم ما صار بعدها من خروج سليمان بن‬ ‫المتعلقة بالحسين وخروجه إلى كربالء‪ّ ،‬‬
‫ثم أمر المختار بن أبي عبيد الثقفي‪ ،‬وليس‬
‫صرد وأصحابه الذين ُس ّموا بالتوابين‪َّ ،‬‬
‫له رواية في غير ذلك إال القليل‪.‬‬
‫وعندما تتأمل في رواياته ترى الرجل وكأن همه األساسي واألول هو تتبع‬
‫األحداث وتفاصيلها بدقة غريبة‪ ،‬كما أنك تجده حاضرا في وقائع كثيرة وبعضها‬
‫وقع بعد مقتل الحسين بفترة! وكأ َّن الرجل لم يُخلق إال ليروي أحداث مقتل‬
‫الحسين‪:‬‬
‫فأول رواية رواها عنه أبو مخنف ــ في أحداث مقتل الحسين ــ يذكر فيها‬
‫حميد بن مسلم أن عبد اهلل بن أبي الحصين األزدي قال للحسين ‪ ‬بعدما منعه‬
‫جيش عمر بن سعد من الوصول للماء‪> :‬يا حسين‪ ،‬أال تنظر إلى الماء كأنه كبد‬
‫السماء! واهلل ال تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا<‪ ،‬فقال حسين‪> :‬اللهم اقتله‬
‫عطشا‪ ،‬وال تغفر له أبدا<‪ ،‬قال حميد بن مسلم‪> :‬واهلل ُلع ْد ُته بعد ذلك في مرضه‪،‬‬
‫ثم يعود فيشرب‬ ‫ثم يقيء‪ّ ،‬‬ ‫فواهلل الذي ال إله إال هو لقد رأيته يشرب حتى بغر‪ّ ،‬‬
‫حتى يبغر فما يَروى‪ ،‬فما زال ذلك دأبه حتى لفظ عصبه ــ يعني نفسه ــ<(‪.)1‬‬
‫فلتعجب كيف اتفق لحميد بن مسلم أن يحضر دعاء الحسين على عبد اهلل‬
‫ابن أبي الحصين‪ ،‬ثم يتفق له أيضا أن يظل عبد اهلل بن أبي الحصين مريضا وال‬
‫تأتيه ساعة الموت إال بعد أن عاده حميد بن مسلم ليشهد على موته عطشا كما‬
‫وقع للحسين ‪ ‬وليحدث حميد بن مسلم بذلك‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)412/5‬‬

‫‪283‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ومع أ َّن حميد بن مسلم كان مع جيش عمر بن سعد في كربالء إال أنه اطلع‬
‫على الحوار الذي دار بين عبيد اهلل بن زياد وشمر بن ذي الجوشن في الكوفة‪،‬‬
‫حين أمر ابن زياد شمرا بأن يسير إلى عمر بن سعد ويأمره بقتال الحسين ‪ ‬فإن‬
‫شمر هو األمير على الجيش(‪.)1‬‬
‫أبى سعد صار ٌ‬
‫هم شمر بن ذي الجوشن بإحراق خيام النساء‬
‫ثم نرى حميدا حاضرا واقعة ِّ‬
‫َّ‬
‫لينهاه حميد عن ذلك(‪.)2‬‬
‫ونرى ُحميدا حاضرا لتفاصيل مقتل القاسم بن الحسن(‪ ،)3‬كما أ ّنه شهد‬
‫كيف أن الحسين أخذ ثوبا يمانيا ونكثه كي ال يُسلبه‪ ،‬ثم بعد أن قُتل ‪ ‬جاء‬
‫بحر بن كعب فسلبه إياه(‪.!)4‬‬
‫ونراه يحدث عن مالك بن النسير الكندي الذي سلب برنس الحسين‪ ،‬ويتفق‬
‫لصاحبنا أن يسمع اعتراض امرأة مالك ــ وهو في بيته ــ على صنيعه بالحسين‪ّ ،‬ثم‬
‫(‪)5‬‬
‫يتفق لحميد أيضا أن يحدثه أصحاب مالك بأنه بقي فقيرا حتى مات!!‬
‫ثم شهد حميد أيضا مقتل الحسين ‪ ‬وتر ُّدد الناس في اإلقدام على جريمة‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ الطبري (‪ ،)414/5‬وقد تنبه فوزي آل السيف ــ من اإلمامية ــ إلشكال رواية حميد بن‬ ‫(‪)1‬‬
‫مسلم لهذه الواقعة التي تدل على كونه حاضرا في الكوفة وقتها‪ ،‬فرتب على ذلك أن حميد بن‬
‫ثم حاول أن يجيب عن إشكال روايته لوقائع كربالء‬ ‫مسلم لم يأت إلى كربالء إال في اليوم التاسع‪ّ ،‬‬
‫التي وقعت قبل اليوم التاسع بأجوبة غير مفيدة وال قاطعة‪ ،‬انظر‪ :‬من قضايا النهضة الحسينية (ص‬
‫‪ ،)218‬وما ذكره من عدم وجوده في كربالء قبل اليوم التاسع ال دليل عليه‪.‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)429/5‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)447/5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)451/5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)452/5‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪284‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫قتله ‪ ،‬حتى تجرأ عليها أنس بن سنان النخعي(‪.)1‬‬


‫ثم يتفق أن عمر بن سعد يختار حميد بن مسلم دون سائر الناس‪ ،‬وخولي‬ ‫َّ‬
‫ابن زياد ليبعث معهما رأس الحسين ‪ ‬إلى ابن زياد(‪ ،)2‬ويقع اختيار عمر بن‬
‫سعد على حميد بن مسلم مجددا ليبعثه إلى أهله يخبرهم بعودته سالما‪.‬‬
‫ثم يتفق أن يدخل حميد بن مسلم على ابن زياد فيجده وهو ينكث رأس‬
‫الحسين ‪ ‬بقضيب لينهاه زيد بن أرقم عن ذلك(‪ ،)3‬وبعدما تنقضي أحداث‬
‫مقتل الحسين وتدور األيام وتمضي ثالث سنوات ويجتمع أصحاب سليمان بن‬
‫ُص َرد في داره ليبرموا أمر الخروج لالنتقام من قتلة الحسين بعدما ندموا على‬
‫خذالن الحسين نجد حميد بن مسلم حاضرا ــ كالعادة ــ ليشهد تفاصيل هذه‬
‫الواقعة أيضا(‪.)4‬‬
‫ثم يتفق أن حميد بن مسلم يخرج مع أصحاب سليمان بن صرد للقتال‬ ‫َّ‬
‫ثم يُكتب له أن يشهد وقوف عبد اهلل بن غزية‬
‫وينجو بعدها وال يُقتل مع من قتل‪َّ ،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫على القتلى ودعاءه لهم بالرحمة!‬
‫ثم تمضي األيام ونجد حميد بن مسلم شاهدا لواقعة أخرى وهي خروج‬ ‫ّ‬
‫المختار وادعاؤه طلب الثأر للحسين‪ ،‬فيسمع حميد بن مسلم من المختار كيف‬
‫خدع عبد اهلل بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة وكيف وعدهما بأنه لن يخرج‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ الطبري (‪.)453/5‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)455/5‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)456/5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)554/5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)606/5‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪285‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫عليهما مع كونه يبطن في نفسه غير ذلك(‪.)1‬‬


‫ثم يكتب له ــ كالعادة ــ النجاة من حملة المختار للثأر من قتلة الحسين‬
‫ّ‬
‫ومن كان في جيش ابن زياد(‪ ،)2‬وغيرها من أخباره التي ليس هذا محل التوسع‬
‫فيها‪.‬‬
‫والشاهد أ ّن من ينظر في أخبار حميد بن مسلم وكونها مختصة في أغلبها‬
‫بأمر خروج الحسين وما تاله من األحداث مع ما مضى من االتفاق العجيب في‬
‫شهوده كثيرا من الوقائع المفصلة يستريب من أمره‪ ،‬أل ّن اتفاق هذا لرجل واحد‬
‫مع نجاته في كل تلك الوقائع من القتل من األمور الغريبة والمستبعدة‪ ،‬فالذي‬
‫يتابع هذه الروايات ال يخرج إال بتصور واحد وهو أن حميد بن مسلم كلف نفسه‬
‫بتتبع أحداث مقتل الحسين وروايتها فيما بعد‪ ،‬فتجد الرجل في سائر المواضع‬
‫مقتل‬
‫حاضر عند خيام الحسين وشاه ٌد َ‬‫ٌ‬ ‫التي وقعت فيها األحداث المهمة‪ ،‬فهو‬
‫أوالده وبكاء أهل بيته ونسائه وأخواته‪ ،‬حتى قال فوزي آل السيف عنه‪> :‬حميد‬
‫ابن مسلم األزدي شهد معركة كربالء مع جيش عمر بن سعد‪ ،‬وكان يقوم فيها‬
‫المؤرخ أو المراسل الصحفي في هذه األيام<!(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫بما يشبه دور‬
‫وقال أيضا عنه‪> :‬عاش حياته بطريقة الصحفي أو اإلعالمي الذي يبحث‬
‫متتبعا لألخبار‪،‬‬
‫المتميزة‪ ،‬ويرويها لغيره‪ ،‬لم يكن صانع خبر‪ ،‬وإ ّنما ّ‬
‫ّ‬ ‫عن الحوادث‬
‫وبالذّ ات األخبار شديدة اإلثارة<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ الطبري (‪.)9/6‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)58/6‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫من قضايا النهضة الحسينية (ص ‪.)217‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫من قضايا النهضة الحسينية (ص ‪.)228‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪286‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫فالوظيفة التي أريدت أن تكون لحميد بن مسلم هي وظيفة الراوي الذي‬


‫يحضر كل اللحظات المهمة والمرتبط بأهم األحداث والشخصيات‪ ،‬والمتتبع‬
‫لدقائق التفاصيل‪ ،‬وهذا كله يورث الريبة في أمر حميد بن مسلم ومروياته‪ ،‬وتتأكد‬
‫هذه الريبة إذا أضفنا إلى ذلك عالمات الوضع واالختالق المتكررة في صورة‬
‫روايات حميد بن مسلم وهو ما سنفصله في األمر الثاني‪.‬‬
‫* األمر الثاني‪ :‬عند تتبع روايات حميد بن مسلم نالحظ أمرا غريبا‪ ،‬وهو‬
‫أنه قريب من كل الشخصيات الرئيسية في األحداث‪ ،‬بدءا بالحسين ‪ ،‬مرورا‬
‫بعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن‪ ،‬وانتهاء بابن زياد‪ ،‬فتجده حاضرا مقتل‬
‫الحسين ‪ ‬وشاهدا لجريمة حز رأسه ‪ ،‬وتجده صديقا لعمر بن سعد أحد‬
‫قادة جيش ابن زياد(‪ ،)1‬وصديقا إلبراهيم بن األشتر أحد قادة جيش المختار‬
‫الثقفي(‪ ،)2‬وصديقا لعبيدة بن سفيان المزني الذي زعم أبو مخنف أنه ذهب ليقاتل‬
‫أهل الشام وحده بعد هزيمة سليمان بن صرد وأصحابه‪ ،‬ويتفق أ َّن ُحميدا كان‬
‫يطلب خبر موته‪ ،‬ف ُكتب له ــ كالعادة ــ أن يلتقي في مكة بعبد الملك بن جزء‬
‫(‪)3‬‬
‫األزدي الذي كان في جيش الشاميين وحصل بينه بين عبيدة بن سفيان مبارزة‬
‫ليقص له كيف استبسل عبيدة في قتال الجيش الشامي حتى قتل!‪.‬‬
‫بل إ ّنك تجده في مواقف يستغرب أن يوجد بها خاصة فيما يتعلق بالنساء‪،‬‬
‫مثل وجوده عند خيام نساء الحسين وأخواته اللواتي كن معه(‪ ،)4‬ومثل اختيار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫األخبار الطوال ألبي حنيفة الدينوري (ص ‪.)260‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)18/6‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)607/5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وهذا على رواية أبي مخنف‪ ،‬وإال فمن األمور التي أستبعدها هو خروج أخوات الحسين معه‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪287‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫عمر بن سعد له ليبعثه إلى زوجته ليبشرها بعودته‪ ،‬ومثل سماعه كالم مالك بن‬
‫النسير مع زوجته! ومثل دخوله على مجلس ابن زياد عندما ُسيِّر إليه بمن بقي من‬
‫أهل بيت الحسين‪ ،‬كما أنك تجده يركز في روايته على إثبات شهوده للواقعة‪.‬‬
‫فيقول مرة‪> :‬سماع أذني يومئذ من الحسين<(‪.)1‬‬
‫ويقول أخرى‪> :‬سمعت الحسين يومئذ وهو يقول<(‪.)2‬‬
‫ويقول أيضا‪> :‬انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي األصغر وهو منبسط‬
‫على فراش له<(‪.)3‬‬
‫ويقول‪> :‬إ ّني لقائم ِع ْن َد ابن زياد<(‪.)4‬‬
‫ويقول‪> :‬واهلل إني لشاهد بهذا اليوم يوم ولّوا سليمان ابن صرد<(‪ ،)5‬ويقول‬
‫مرة‪> :‬أشهد أ ّني في خيل المسيب بن نجبة تلك<(‪.)6‬‬
‫وهذا كله دليل على أن من صاغ روايات حميد بن مسلم أراد أن يصنع له‬
‫شخصية قريبة من كل الشخصيات المهمة واألحداث الهامة بطريقة غير طبيعية‬
‫وال عادية‪.‬‬
‫* األمر الثالث‪ :‬لو كان أمر ُحميد بن مسلم كما يزعم أبو مخنف‪ ،‬من كونه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ الطبري (‪.)446/5‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)451/5‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)454/5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)458/5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)545/5‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)597/5‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪288‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫شهد كثيرا من تفاصيل مقتل الحسين وأصحابه واجتماع أصحاب سليمان بن‬
‫صرد‪ ،‬وبداية أمر المختار‪ ،‬أكان يغفل عنه سائر األخباريين من الذين يعرف عنهم‬
‫االهتمام بمثل هذه األخبار‪ ،‬كقتادة البصري‪ ،‬ومحمد بن السائب الكلبي‬
‫الكوفي‪ ،‬والهيثم بن عدي الكوفي‪ ،‬وعلي بن محمد المدائني‪ ،‬وعوانة الكلبي‬
‫وغيرهم؟ أليس من العجب أنك عندما ترجع إلى كتب ثقات المؤرخين ورواياتهم‬
‫ال تجد لديهم إال اليسير من أخبار مقتل الحسين؟ ثم تجدها بهذا الصورة المفصلة‬
‫والواسعة عند حميد بن مسلم وحده دون سائر الناس!‬
‫ثم إ ّن األغرب واألعجب أن حميد بن مسلم ال يختار إال سليمان بن أبي‬
‫ّ‬
‫راشد ليروي له سائر أخبار كربالء‪ ،‬وال يشرك في ذلك أحدا إال الصقعب بن‬
‫زهير في خبر واحد‪.‬‬
‫وكذلك سليمان بن أبي راشد‪ ،‬ما وجد من أهل األخبار أحدا سوى أبي‬
‫مخنف ليحدثه بروايات حميد بن مسلم!‪.‬‬
‫* األمر الرابع‪ :‬وقع في روايات حميد بن مسلم أخطاء فاحشة‪ ،‬منها قوله‪:‬‬
‫>انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي األصغر وهو منبسط على فراش له‪ ،‬وهو‬
‫مريض‪ ،‬وإذا شمر بن ذي الجوشن ِفي رجالة معه يقولون‪ :‬أَال نقتل هذا؟ قال‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬أنقتل الصبيان؟ إنما هذا صبي<(‪.)1‬‬
‫وروى ُحميد بن مسلم أيضا أ ّن ابن زياد لما أدخلوا عليه علي بن الحسين‬
‫قال‪> :‬انظروا هل أدرك؟ واهلل إني ألحسبه رجال<‪ ،‬قال‪> :‬فكشف عنه مري بن‬
‫معاذ األحمر‪ ،‬فقال‪> :‬نعم قد أدرك<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)454/5‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪.)458/5‬‬

‫‪289‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫علي بن الحسين لم يكن صبيا يوم خرج مع أبيه إلى كربالء‪ ،‬بل‬‫قلت‪ :‬إ َّن ّ‬
‫كان عمره ثالثا وعشرين سنة‪ ،‬ألنه ُولد سنة ‪ 36‬هـ تقريبا وعاش إلى سنة ‪ 94‬هـ‪،‬‬
‫ومات وعمره ‪ 58‬سنة(‪.)1‬‬
‫فقد روى ابن سعد عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أنه قال‪> :‬مات‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم نقل ابن سعد عن الواقدي‬‫علي بن حسين‪ ،‬وهو ابن ثمان وخمسين سنة< ‪َّ ،‬‬
‫أنه قال‪> :‬وهذا يدلك على أن علي بن حسين كان مع أبيه‪ ،‬وهو ابن ثالث أو‬
‫أربع وعشرين سنة‪ ،‬وليس قول من قال‪ :‬إنه كان صغيرا ولم يكن أنبت بشيء‪،‬‬
‫ولكنه كان يومئذ مريضا فلم يقاتل‪ ،‬وكيف يكون يومئذ لم ينبت وقد ولد له أبو‬
‫جعفر محمد بن علي؟‪ ،‬ولقي جابر بن عبد اهلل وروى عنه‪ ،‬وإنما مات جابر سنة‬
‫ثمان وسبعين<(‪.)3‬‬
‫وقال ابن سعد‪> :‬وكان علي بن حسين مع أبيه وهو ابن ثالث وعشرين‬
‫سنة<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اختلف في سنة وفاة علي بن الحسين على أقوال كثيرة‪ ،‬تدور بين سنة ‪ 90‬إلى ‪100‬هـ‪ ،‬واألكثر‬ ‫(‪)1‬‬
‫على أن وفاته كانت سنة ‪94‬هـ‪ ،‬فإذا كان عمره ‪ 58‬سنة‪ ،‬فعلى هذا يكون علي بن الحسين من‬
‫مواليد سنة ‪ 36‬هـ‪ ،‬وانظر تهذيب التهذيب (‪.)307/7‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪ ،)219/7‬وإسناده صحيح‪ ،‬فقد رواه ابن سعد عن عبد الرحمن بن يونس عن‬ ‫(‪)2‬‬
‫سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد‪ ،‬وعبد الرحمن بن يونس هو أبو مسلم المستملي الرقي‪،‬‬
‫روى له البخاري في الصحيح‪ ،‬وقال عنه أبو حاتم‪> :‬صدوق<‪ ،‬وتكلم فيه غيره بكالم ال يضر‪،‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب التهذيب (‪ ،)302/6‬ولذا قال عنه ابن حجر في التقريب (برقم ‪> :)4048‬صدوق‬
‫طعنوا فيه للرأي<‪ ،‬وبقية اإلسناد أئمة‪ ،‬فسفيان بن عيينة إمام مشهور‪ ،‬وجعفر الصادق ثقة فقيه‬
‫مشهور أيضا‪.‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)219/7‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫طبقات ابن سعد (‪.)210/7‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪290‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وقال الليث بن سعد‪> :‬وانطُلق بعلي بن حسين وفاطمة بنت حسين وسكينة‬
‫بنت حسين إلى عبيد اهلل بن زياد وعلي يومئذ غالم قد بلغ<(‪ ،)1‬فمن يكون بمثل‬
‫هذا العمر أيقال عنه صبي؟ بل ويحتاج ابن زياد إلى الكشف عن عورته ليعلم إن‬
‫بلغ أم ال؟!‪.‬‬
‫وقد روي عن محمد الباقر بن علي بن الحسين أنه كان مع أبيه في كربالء‪،‬‬
‫وحمل مع الغلمان إلى يزيد(‪ ،)2‬وقد ولد الباقر سنة ‪ 56‬هـ(‪ ،)3‬قبل كربالء بخمس‬
‫ُ‬
‫سنوات‪ ،‬فإن ثبت هذا قُطع ببطالن هذا الخبر‪ ،‬بل إن هذه الرواية التي أوردها‬
‫أبو مخنف لتدل على أن حميد بن مسلم لم ير علي بن الحسين ولم يلقه قط‪ ،‬ولو‬
‫جعلت هذه الرواية دليال على بطالن سائر ما رواه حميد بن مسلم كونه ال يعرف‬
‫علي بن الحسين أصال ولم يلقه لكان ذلك وجيها(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المعجم الكبير للطبراني (‪.)140/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخرجه أبو العرب في المحن (ص ‪ )156‬وابن عبد ربه في العقد الفريد (‪ 131/5‬ــ ‪ ،)132‬من‬ ‫(‪)2‬‬
‫طريق أبي عبيد القاسم بن سالم‪ ،‬عن حجاج عن أبي معشر عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن‬
‫الحسين بن علي‪ ،‬وورد في اإلمامة والسياسة المنحول على ابن قتيبة (‪ )6/2‬بال إسناد‪ ،‬ونقل‬
‫القاضي أبو يعلى الحنبلي هذا الخبر عن ابن أبي الدنيا كما في كتاب المسائل العقدية من الروايتين‬
‫والوجهين (ص ‪ .)102‬ووقع في مطبوعة المحن‪> :‬محمد بن الحسن بن علي<‪ ،‬والصواب محمد‬
‫ابن الحسين بن علي والظاهر أنه محمد بن علي بن الحسين بن علي المشهور بالباقر‪ ،‬فإ ّن يزيد‬
‫ابن أبي زياد الذي روى عنه هذا الخبر معاصر له‪ ،‬فنسبه إلى جده بدل أبيه‪ ،‬واإلسناد فيه لين‬
‫والعهدة فيه على أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن فإن في حفظه مقاال‪ ،‬انظر ترجمته في تهذيب‬
‫التهذيب (‪.)422/10‬‬
‫قاله الذهبي في سير أعالم النبالء (‪ )401/4‬ونقله عن أحمد بن البقري‪ ،‬ورجحه ابن حجر في‬ ‫(‪)3‬‬
‫تهذيب التهذيب (‪.)351/9‬‬
‫وقد روى أبو مخنف رواية قريبة من رواية حميد بن مسلم عن المجالد بن سعيد‪ ،‬جاء فيها‪> :‬إن‬ ‫(‪)4‬‬
‫عبيد اهلل بن زياد لما نظر إلى علي بن الحسين قال لشرطي‪> :‬انظر هل أدرك ما يدرك الرجال؟<=‬

‫‪291‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫* األمر الخامس‪ :‬من يتابع روايات حميد بن مسلم يجد أن أكثرها روايات‬
‫ف ما صنعه جيش ابن زياد‬ ‫تذمه وتعود عليه بالطعن‪ ،‬فغالب رواياته في وص ِ‬
‫طعن في صديقه عمر بن سعد(‪ )1‬وشمر بن ذي‬ ‫بالحسين من جرائم‪ ،‬وجلها ٌ‬
‫الجوشن وابن زياد‪ ،‬وحميد بن مسلم كان في صف جيش ابن زياد وغيرهم من‬
‫المحاربين للحسين ‪ ،‬فما الذي حمل حميد بن مسلم على أن يحدث بهذه‬
‫المخازي التي تعود عليه بالذم؟‪ ،‬إذ أنه مشارك في قتل الحسين وإن حاول أن‬
‫المنكر لبعض األفعال التي قام بها جيش ابن‬
‫يظهر في بعض الروايات بمظهر ُ‬
‫زياد(‪.)2‬‬
‫فالباحث يتساءل كيف ح ّدث حميد بن مسلم بكل هذه األمور مع أن فيها‬
‫ذما له وقدحا فيه‪ ،‬فهل يح ِّدث العاقل بما يعود عليه بالضرر؟ أما كان يخشى‬
‫حميد بن مسلم من أن يبلغ أهل الكوفة أنه كان حاضرا في كل أحداث مقتل‬
‫فيهم أنصار الحسين ‪ ‬إلى االنتقام منه؟‬
‫الحسين مشاركا في ذلك‪َّ ،‬‬
‫إ َّن أقل ما ينتهي إليه من تأمل هذه التساؤالت بإنصاف وتعقل‪ ،‬هو التوقف‬
‫في مثل هذه األخبار والتريث في أمرها‪ ،‬أما الوثوق بها والركون إليها فال يمكن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= فكشط إزاره عنه‪ ،‬فقال‪> :‬نعم<‪ ،‬قال‪> :‬انطلقوا به فاضربوا عنقه<‪ ،‬فقال له علي‪> :‬إن كان بينك‬
‫وبين هؤالء النسوة قرابة فابعث معهن رجال يحافظ عليهن<‪ ،‬فقال له ابن زياد‪> :‬تعال أنت‪ ،‬فبعثه‬
‫معهن<‪ .‬تاريخ الطبري (‪ ،)457/5‬فدل هذا على أن هذه القصة من عمل أبي مخنف‪ ،‬إال أنه أراد‬
‫إيهام صحتها بورودها من وجهين‪ ،‬وجه مختصر عن المجالد بن سعيد ووجه مفصل عن حميد‬
‫ابن مسلم‪ ،‬والفطن يعلم بطالن القصة وكذبها‪.‬‬
‫(‪ )1‬األخبار الطوال ألبي حنيفة الدينوري (ص ‪.)260‬‬
‫(‪ )2‬جمع فوزي آل السيف هذه الروايات تحت عنوان‪ :‬رواية المآثر والمواقف (الجيدة) لنفسه‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫من قضايا النهضة الحسينية (ص‪ 223‬ــ ‪.)224‬‬

‫‪292‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫أن يقع ذلك من فطن متيقظ‪ ،‬ولذا فكل ما رواه حميد بن مسلم من مواقف عن‬
‫زينب ال ينبغي التعويل عليه لما مضى من اإلشكاالت واالعتراضات على حميد‬
‫ابن مسلم ومروياته(‪.)1‬‬
‫وقد روى أبو مخنف عن ُحميد بن مسلم هذا ست روايات عن زينب‪:‬‬
‫األولى‪ :‬عن كالمها مع الحسين عند هجوم الجيش عليهم(‪.)2‬‬
‫الثانية‪ :‬عن جزع زينب حين قتل علي األكبر(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وسيتأكد ذلك عند نقد متون المرويات المنسوبة إلى زينب من طريق حميد بن مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ ،)415/5‬وهذه الرواية قد توهمت أوال أنها من رواية عبد اهلل بن شريك العامري‪،‬‬
‫ثم بعد التأمل والمراجعة‬
‫وتوهم ذلك أيضا محمد هادي الغروي في وقعة الطف (ص‪ّ ،)62‬‬
‫واالستئناس بطريقة الطبري وأبي مخنف في الرواية‪ ،‬علمت أن هذا الخبر إنما هو تتمة خبر حميد‬
‫ثم في‬
‫ابن مسلم‪ ،‬وذلك أن طريقة أبي مخنف في بعض المواضع هي أنه قد يسوق رواية طويلة ّ‬
‫ثم يرجع إلى الرواية الطويلة فيظن الظان أ ّن سند‬ ‫أثنائها يسوق سندا فيه قصة عارضة قصيرة‪ّ ،‬‬
‫القصة العارضة هو سند الرواية التي بعدها‪ ،‬لكن الحقيقة أنه سند الرواية الطويلة وقد صنع أبو‬
‫مخنف ذلك في هذا الموضع‪ ،‬فساق رواية حميد بن مسلم ــ الطويلة ــ التي تذكر إرسال ابن زياد‬
‫شمر بن ذي الجوشن ــ بكتاب فيه األمر بقتل الحسين ــ إلى قائد الجيش عمر بن سعد‪ ،‬ثم أورد‬
‫أبو مخنف روايتين عارضتين قصيرتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬رواها عن أبي جناب الكلبي يذكر فيها ألفاظ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬رواها عن عبد اهلل بن شريك وفيها أن عبد اهلل بن أبي المحل طلب من ابن زياد أن يكتب‬
‫أمانا لبني أخته الذين خرجوا مع الحسين‪ ،‬وبعث به إليه فردوا أمانه‪.‬‬
‫ثم عاد أبو مخنف إلى رواية حميد بن مسلم‪ ،‬ليستأنف الخبر األول‪ ،‬وليذكر وصول الكتاب إلى‬ ‫ّ‬
‫عمر بن سعد وهجوم الجيش على الحسين ومن معه وكالم زينب حين سماعها صوت الهجوم‪،‬‬
‫ولكنه لم يبين ذلك‪ ،‬وإنما استأنف الكالم بعد نهاية رواية عبد اهلل بن أبي المحل‪ ،‬بعبارة قال‪،‬‬
‫وهي عائدة على حميد بن مسلم كما هو بين من خالل السياق وتناسب الرواية مع رواية حميد بن‬
‫مسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ الطبري (‪.)446/5‬‬

‫‪293‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫الثالثة‪ :‬عن حبسها غالما من أهل الحسين ‪ ‬حتى ال يقتل(‪.)1‬‬


‫الرابعة‪ :‬عن كالمه مع عمر بن سعد حين أحاط جيشه بالحسين ‪.)2(‬‬
‫الخامسة‪ :‬في ما وقع لها مع ابن زياد في الكوفة بعد مقتل الحسين ‪.)3(‬‬
‫السادسة‪ :‬في دفاعها عن علي بن الحسين حين هم ابن زياد بقتله(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ الطبري (‪ 450/5‬ــ ‪ ،)451‬وقد تبين لي أ ّن هذه الرواية مروية عن حميد بن مسلم‪ ،‬فقد‬ ‫(‪)1‬‬
‫ثم بعد ذلك نقل عن هشام الكلبي روايات‬ ‫ابتدأ الطبري حكايتها عن أبي مخنف من طريق حميد ّ‬
‫ثم ذكر تتمة‬
‫ثم رجع إلى رواية أبي مخنف قائال‪> :‬قال أبو مخنف في حديثه<‪ّ ،‬‬ ‫من طرق أخرى‪ّ ،‬‬
‫الرواية في قصة زينب‪ ،‬ومن استأنس بطريقة الطبري في النقل عن أبي مخنف يعلم أن هذه الرواية‬
‫ترجع إلى آخر إسناد ذكره أبو مخنف‪ ،‬وهو إسناده عن حميد بن مسلم‪.‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ ،)452/5‬وقد وقع في هذه الرواية مثل ما وقع في الرواية التي قبلها‪ ،‬إذ ساق أبو‬ ‫(‪)2‬‬
‫مخنف بسنده عن حميد بن مسلم رواية طويلة فيها مبارزة الحسين مع الرجالة‪ ،‬ولبس الحسين‬
‫ثم أورد أبو مخنف روايتين عارضتين‬ ‫لسراويل يماني وسلب بحر بن كعب إياه بعد مقتله ‪َّ ،‬‬
‫قصيرتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬رواها عن محمد بن عبد الرحمن ويذكر فيها أن يدي بحر بن كعب كانت تنضحان في‬
‫الشتاء وتيبسان في الصيف‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬عن عبد اهلل بن عمار بن عبد يغوث البارقي يذكر فيها أنه حمل على الحسين ‪ ‬بالرمح‬
‫ثم تركه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ثم رجع أبو مخنف إلى رواية حميد بن مسلم‪ ،‬واستخدم عبارة ــ قال ــ كما هي عادته‪ ،‬واستأنف‬
‫الكالم عن الرجالة وقتالهم للحسين ‪.‬‬
‫ولذا نقل المفيد في اإلرشاد (‪ )112/2‬هذا الخبر من رواية حميد بن مسلم‪ ،‬وليس من رواية‬
‫عمار البارقي‪ ،‬ولم يتنبه محمد هادي الغروي في كتابه وقعة الطف (ص ‪ )252‬لمسلك أبي‬
‫مخنف‪ ،‬فجعل هذا الخبر من رواية عبد اهلل بن عمار البارقي‪ ،‬مع أنه نقل في الهامش أن المفيد‬
‫قد جعل هذا الخبر في اإلرشاد من رواية حميد بن مسلم ــ كما هو الصواب ــ!‪ ،‬كما لم يتنبه‬
‫لذلك جعفر مرتضى العاملي فنسب هذه الرواية إلى البارقي‪ ،‬انظر‪ :‬سيرة الحسين ‪ ‬في الحديث‬
‫والتاريخ (‪ 183/18‬ــ ‪.)185‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ 456/5‬ــ ‪.)457‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)457/5‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪294‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وقد روى أبو مخنف هذه األخبار من طريق شيخه سليمان بن أبي راشد‪،‬‬
‫وهذا اإلسناد فيه علتان‪:‬‬
‫العلة األولى‪ :‬سليمان بن أبي راشد شيخ من شيوخ أبي مخنف المجاهيل‬
‫الذين ال يُعرف عنهم شيء!‬
‫أكثر عنه أبو مخنف في مقتل الحسين‪ ،‬ومدار أغلب رواياته على حميد‬
‫وقد َ‬
‫ابن مسلم‪.‬‬
‫العلة الثانية‪ :‬حميد بن مسلم األزدي‪ ،‬وقد مضى الكالم عنه‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ قُ َّرة بن قيس الحنظلي التميمي‬
‫نسب له أبو مخنف رواية وحيدة في ندب زينب ألخيها الحسين بعد مقتله‬
‫‪ ،)1(‬رواها أبو مخنف من طريق أبي زهير العبسي‪ ،‬واإلسناد كحال األسانيد‬
‫التي مضت‪.‬‬
‫فأبو زهير العبسي هو ــ على ما يزعم أبو مخنف ــ النضر بن صالح العبسي‬
‫شيخ أكثر عنه أبو مخنف‪ ،‬ال يعرف ولم يرو عنه أحد في الدنيا إال أبو مخنف‪،‬‬
‫ولذا حكم عليه نقاد الحديث بالجهالة‪ ،‬فقال ابن أبي حاتم‪> :‬روى عن سنان بن‬
‫مالك عن علي ‪ ،‬روى عنه أبو مخنف‪ ،‬سمعت أبي يقول ذلك وسمعته يقول‪:‬‬
‫النضر وسنان مجهوالن<(‪ ،)2‬وقال الذهبي عنه‪> :‬مجهول<(‪.)3‬‬
‫وأما قرة بن قيس التميمي فهو كذلك مجهول ال يدرى من هو‪ ،‬ولم أقف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)456/5‬‬
‫(‪ )2‬الجرح والتعديل (‪.)477/8‬‬
‫(‪ )3‬ميزان االعتدال (‪.)258/4‬‬

‫‪295‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫له على ترجمة‪ ،‬وقد روى عنه أبو مخنف وتلميذه الكلبي روايتين أخريين يستفاد‬
‫منهما أنه كان في جيش ابن زياد(‪.)1‬‬
‫ويظهر مما سبق أ ّن الغالب على رجال أبي مخنف هو الجهالة الشديدة‪،‬‬
‫ونقاد األخبار يجعلون إكثار الراوي عن المجاهيل تهمة له‪ ،‬وما دام األمر كذلك‪،‬‬
‫فالباحث ال يحتاج في نقد روايات أبي مخنف إلى التوسع في تحليل متونها‪ ،‬بل‬
‫لو اكتفينا بردها جملة بسبب البالء الظاهر في أسانيدها لكان في ذلك كفاية‪،‬‬
‫فكيف إذا انضم إلى هذا ما سيأتي من إشكاالت تورث الريبة في نقل أخبار مقتل‬
‫الحسين ‪ ‬عن هذا الضرب من الرواة؟‬
‫* تشجير أسانيد أبي مخنف وبيان أحوال رواته‬
‫ولعل خير ما أختم به هذا المبحث جدول يبين شجرة رواة أخبار زينب في‬
‫كربالء مع بيان أحوالهم‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر تاريخ الطبري (‪ ،)411/5‬و(‪.)427/5‬‬

‫‪296‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫أبو مخنف‬

‫الحارث بن كعب|أبو زهير العبسي|سليمان بن أبي راشد|الحارث بن كعب|أبو الضحاك‬


‫(مجهول)‬ ‫(مجهول)‬ ‫(مجهول)‬ ‫(مجهول)‬ ‫(مجهول)‬

‫علي بن الحسين‬ ‫حميد بن مسلم‬ ‫فاطمة بنت علي قرة بن قيس‬


‫(مجهول)‬ ‫(مجهول)‬

‫الروايات‪:‬‬

‫الرواية ‪2‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫الرواية ‪1 6‬‬ ‫الرواية ‪9‬‬

‫زينب الكبرى‬

‫‪297‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫‪ 5‬ــ تحرير الكالم عن اإلشكال في وجه رواية الكوفيين ألخبار زينب‬


‫الكبرى ‪ ‬في كربالء‬
‫من أهم األمور التي الحت لي أثناء البحث في رواية أبي مخنف لوقائع‬
‫كربالء‪ ،‬هو اإلشكال الكبير في الوسائط التي استند إليها أبو مخنف في حكايته‬
‫لوقائع مسير الحسين ‪ ،‬فعند النظر في أحوال رواة أبي مخنف نجد أن أكثرهم‬
‫من المجاهيل‪ ،‬وهذا يورث الريبة في روايات أبي مخنف بالكلية‪ ،‬ويتأكد الشك‬
‫والريب في الروايات المتعلقة بزينب بنت علي ‪ ،‬إذ أنها على حسب روايات‬
‫أبي مخنف كانت مع النساء‪ ،‬ومعلوم أن نساء أهل البيت من أكثر النساء حياء‬
‫وحشمة وعفة‪ ،‬فالمفترض فيهن أن يكن غير معروفات إال ألقرب الناس إليهن‪،‬‬
‫أو ممن خالطهن في المدينة فعرفهن‪ ،‬لكننا عندما ننظر في روايات أبي مخنف‬
‫عن زينب نجد أن رواة أخبارها يعلمون بشخصية زينب في الغالب‪ ،‬واثنين فقط‬
‫هما من سأال عنها حتى عرفاها‪ ،‬وعند تتبع الروايات التسع التي نقلها الطبري عن‬
‫زينب‪ ،‬نجد أن ما روي عنها من طريق أهل بيتها هو روايتين فقط‪ ،‬بواقع رواية‬
‫واحدة عن علي بن الحسين زين العابدين‪ ،‬ورواية واحدة عن فاطمة بنت علي‪،‬‬
‫وأما بقية الروايات فهي منقولة من حميد بن مسلم األزدي وعددها ست‪ ،‬ورواية‬
‫وحيدة عن قرة بن قيس التميمي‪ ،‬وهنا يقع اإلشكال‪ ،‬إذ كيف يتفق لهؤالء أن‬
‫ينقلوا أخبار زينب أكثر من أهل بيتها؟‬
‫فهل يعقل أن تكون جل أخبار زينب الكبرى مروية من طريق حميد بن‬
‫مسلم الذي كان في جيش ابن زياد‪ ،‬بينما ال يروي عنها علي بن الحسين وفاطمة‬
‫بنت علي سوى رواية واحدة لكل منهما؟ فكيف وسائر األسانيد التي روى بها‬
‫أبو مخنف أخبار زينب ال يصح منها شيء‪.‬‬
‫‪298‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫ل‬
‫اميحب الثاني‬
‫ف‬ ‫حف‬‫ي‬‫ل‬
‫ا ق ي زواية خروج زينب الكبرى‬ ‫ث‬
‫مع ا لح سين ‪ ‬الي كري أ‬
‫لء‬
‫‪$‬‬
‫ال‪ :‬أدلة عدم صحة رواية خروج زينب الكبرى مع الحسين ‪‬‬
‫أو ً‬
‫إ َّن من أهم األسباب التي دفعتني للكتابة عن زينب ‪ ،‬هو ما اكتشفته من‬
‫عدم صحة قضية خروجها مع أخيها الحسين ‪ ‬إلى كربالء‪ ،‬إذ أن هذه القضية‬
‫تع ُّد اليوم من المسلَّمات‪ ،‬بينما ال تجد لها أثرا عند قدماء المؤرخين الثقات‪،‬‬
‫وقد تبين لي من خالل البحث والتتبع أ َّن رواية خروج زينب الكبرى مع أخيها‬
‫الحسين ال صحة لها‪ ،‬واستندت في ذلك إلى دليلين‪:‬‬
‫* الدليل األول‪ :‬تقرير قدماء المؤرخين والنسابين والمحدثين لوفاة زينب ‪‬‬
‫قبل أختها أم كلثوم ‪‬‬
‫إ َّن مفتاح البحث عن قضية خروج زينب ‪ ‬إلى كربالء هو تعيين تاريخ‬
‫وفاتها‪ ،‬وهو األمر الذي خلت منه كتب التاريخ‪ ،‬إذ لم يذكر أحد من المؤرخين‬
‫السن َة التي توفيت فيها زينب الكبرى ‪ ،‬ولعل هذا ما شكل ثغرة استغلها بعض‬
‫َّ‬
‫األخباريين ليزعموا خروج زينب الكبرى مع أخيها الحسين إلى كربالء‪ ،‬ولم يتنبه‬
‫ثم صار فيما بعد من المسلَّمات‪.‬‬
‫إلى ذلك من تابعهم من متأخري المؤرخين َّ‬
‫إ َّن التأمل في كلمات قدماء المؤرخين والنسابين عن قضية زواج عبد اهلل‬
‫ابن جعفر ‪ ‬من أم كلثوم كشف أمرا مهما‪ ،‬وهو أن وفاة زينب الكبرى كانت‬
‫‪299‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫قبل أختها أم كلثوم‪ ،‬وهذا ما نص عليه جماعة من أهل العلم والنسب منهم‪:‬‬
‫والنسابة (‪ 124‬هـ)‬
‫‪ 1‬ــ اإلمام الزهري المؤرخ َّ‬
‫علي‪،‬‬
‫قال‪> :‬أخبرني غير واحد‪ ،‬أن عبد اهلل بن جعفر‪ ،‬جمع بين بنت ّ‬
‫لعلي أخرى<(‪.)1‬‬
‫ثم ماتت بنت علي‪ ،‬فتزوج عليها بنتا ّ‬
‫علي‪َّ ،‬‬
‫وامرأة ّ‬
‫فأما زينب بنت علي فتزوجها عبد اهلل بن جعفر فماتت عنده‪،‬‬‫وقال أيضا‪ّ > :‬‬
‫وقد ولدت له علي بن جعفر وأخا له‪ ،‬يقال له‪ :‬عون‪ .‬وأما أم كلثوم فتزوجها عمر‬
‫ثم قال بعد أن ذكر زواج أم كلثوم بعون بن جعفر ومحمد بن جعفر‪:‬‬‫ابن الخطاب< َّ‬
‫ثم خلف على أم كلثوم بعد محمد بن جعفر‪ ،‬عبد اهلل بن جعفر‪ ،‬فلم تلد له شيئا‬
‫> ّ‬
‫حتى توفيت عنده<(‪.)2‬‬
‫والنسابة (‪ 230‬هـ)‬
‫‪ 2‬ــ ابن سعد المؤرخ َّ‬
‫قال في ترجمة أم كلثوم بنت علي ‪ ...> :‬فخلف عليها أخوه عبد اهلل‬
‫ابن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي طالب‪ ،‬فقالت أم‬
‫كلثوم‪> :‬إني ألستحيي من أسماء بنت عميس إن ابنيها ماتا عندي وإني ألتخوف‬
‫على هذا الثالث<‪ ،‬فهلكت عنده ولم تلد ألحد منهم<(‪.)3‬‬
‫النسابة (‪ 289‬هـ)‬
‫‪ 3‬ــ أحمد بن يحيى البالذري المؤرخ و َّ‬
‫قال‪> :‬زينب تزوجها عبد اهلل بن جعفر فبانت منه ويقال ماتت عنده‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السنن الكبرى للبيهقي (‪ )13951‬بإسناد صحيح عن الزهري‪ ،‬ونقله عنه الحافظ ابن حجر في‬
‫تهذيب التهذيب (‪.)324/8‬‬
‫(‪ )2‬الذرية الطاهرة (ص ‪.)92‬‬
‫(‪ )3‬الطبقات طبعة الخانجي (‪.)429/10‬‬

‫‪300‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫وأم كلثوم تزوجها عمر بن الخطاب ‪ ‬فولدت له زيد بن عمر‪ ،‬وقُتل عنها‪،‬‬
‫فخلف عليها محمد بن جعفر بن أبي طالب‪ ،‬فتوفي عنها‪ ،‬فخلف عليها عبد اهلل‬
‫ابن جعفر‪ ،‬بعد زينب<(‪.)1‬‬
‫وقد مضى نقد قول من قال بطالق زينب من عبد اهلل بن جعفر‪ ،‬وعليه يبقى‬
‫صحة قول من قال بوفاتها‪ ،‬وإن لم يظهر من البالذري ترجيح أحد القولين‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ أبو بكر البيهقي المح ِّدث (‪ 458‬هـ)‬
‫ثم بعد ذلك نقل عن قثم مولى آل العباس أنه قال‪:‬‬
‫نقل رواية الزهري اآلنفة َّ‬
‫>جمع عبد اهلل بن جعفر بين ليلى بنت مسعود النهشلية‪ ،‬وكانت امرأة علي ‪،‬‬
‫وبين أم كلثوم بنت علي لفاطمة ‪ ،‬فكانتا امرأتيه<(‪ ،)2‬فمقتضى ذلك أنه قائل‬
‫بوفاة زينب قبل أم كلثوم‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ ابن الجوزي المؤرخ (‪ 597‬هـ)‬
‫قال‪> :‬كانت فاطمة قد ولدت لعلي الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم‪،‬‬
‫فتزوج زينب عبد اهلل بن جعفر‪ ،‬فولدت له عبد اهلل وعونا‪ ،‬وماتت عنده‪ ،‬وتزوج‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنساب األشراف (‪.)402/1‬‬
‫(‪ )2‬السنن الكبرى للبيهقي (‪ ،)13952‬ومعرفة السنن واآلثار (‪ )13856‬وأخرجه سعيد بن منصور‬
‫في سننه (‪ ،)1011 ،1010‬من طريقين عن قثم‪ ،‬ورواه عبد اهلل بن اإلمام أحمد في مسائل أبيه‬
‫(‪ ،)1286‬وفيه قيم مولى جعفر‪ ،‬ولعله تصحيف من الناسخ واألقرب‪ :‬قثم مولى جعفر‪،‬‬
‫والصواب أنه مولى آل العباس كما ورد في أكثر الطرق عن تلميذه المغيرة بن مقسم‪ ،‬وقد علقه‬
‫اإلمام البخاري في صحيحه (‪ )11/7‬دون أن يذكر اسم زوجة عبد اهلل بن جعفر فيحتمل أن تكون‬
‫زينب ويحتمل أن تكون أم كلثوم‪ ،‬وانظر تخريجه في تغليق التعليق (‪ ،)400/4‬وإسناده صحيح‬
‫إلى قثم‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ثم خلف عليها بعده عون بن جعفر‪ ،‬ثم مات‬ ‫أم كلثوم عمر‪ ،‬فولدت له زيدا‪ّ ،‬‬
‫فخلف عليها محمد بن جعفر‪ ،‬فولدت جارية‪ ،‬ثم خلف عليها بعده عبد اهلل بن‬
‫جعفر فلم تلد له‪ ،‬وماتت عنده<(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ 6‬ــ كمال الدين محمد بن طلحة (‪ 652‬هـ)‬
‫قال في كتاب >مطالب السؤول في مناقب آل الرسول<‪> :‬أما أم كلثوم فتزوج‬
‫بها عمر بن الخطاب فولدت له ولدين‪ ،‬فلما قتل عمر تزوج بها بعده عون بن‬
‫جعفر فلم تلد له‪ ،‬فلما مات تزوجها بعده محمد بن جعفر فولدت له‪ ،‬فلما مات‬
‫تزوجها بعده عبد اهلل بن جعفر بعد موت زينب فلم تلد له وماتت عنده<(‪،)3‬‬
‫وكالمه صريح في أنه يرى وفاة زينب قبل أم كلثوم ‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ ابن كثير المؤرخ (‪ 774‬هـ)‬
‫قال‪> :‬وقد تزوج عمر بن الخطاب في أيام واليته بأم كلثوم بنت علي بن‬
‫أبي طالب من فاطمة‪ ...‬ولما قتل عمر بن الخطاب تزوجها بعده ابن عمها عون‬
‫ابن جعفر فمات عنها‪ ،‬فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها‪ ،‬فتزوجها أخوهما‬
‫عبد اهلل بن جعفر فماتت عنده‪ ،‬وقد كان عبد اهلل بن جعفر تزوج بأختها زينب‬
‫بنت علي وماتت عنده أيضا<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كشف المشكل من حديث الصحيحين (‪ ،)121/1‬ثم إنّي وقفت له على كالم في المنتظم‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪ )338/5‬ينقل فيه رواية أبي مخنف عن حضور زينب في كربالء‪ ،‬والظاهر أن ابن الجوزي قد‬
‫سها ولم يتنبه لتناقض األمرين كما وقع لغيره‪.‬‬
‫وهو من المغالين في آل البيت مع تساهل غريب في رواية األحاديث الموضوعة في فضائلهم وإنما‬ ‫(‪)2‬‬
‫أوردت كالمه استئناسا‪.‬‬
‫مطالب السؤول في مناقب آل الرسول بتحقيق المحمودي (ص ‪.)45‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫البداية والنهاية (‪ ،)330/5‬وقد سها ابن كثير ‪ ‬عن هذا فيما بعد‪ ،‬فلم يتنبه إلى تعارض=‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪302‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫العالمة ابن الملقن (‪ 804‬هـ)‬


‫‪ 8‬ــ ّ‬
‫قال بعد أن نقل كالم الزهري اآلنف‪> :‬وفي حديث ابن لهيعة عن يونس‪،‬‬
‫عن ابن شهاب قال‪> :‬حدثني غير واحد أن عبد اهلل بن جعفر جمع بين امرأة علي‬
‫ثم ماتت بنت علي فتزوج عليها بنتا له أخرى<‪ ،‬قال‪ :‬وثنا قبيصة عن‬ ‫وابنته ّ‬
‫سفيان‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمن‪ ،‬عن عبد الرحمن بن مهران قال‪> :‬جمع ابن‬
‫جعفر بين بنت علي وامرأته في ليلة<‪ ،‬وعند ابن سعد من حديث ابن أبي ذئب‬
‫حدثني عبد الرحمن بن مهران >أن جعفرا تزوج بنت علي وتزوج معها امرأة علي‬
‫ليلى بنت مسعود<‪ ،‬وقال ابن سعد‪> :‬فلما توفيت زينب تزوج بعدها أم كلثوم‬
‫بنت علي بنت فاطمة<<(‪.)1‬‬

‫‪ 9‬ــ الحافظ ابن حجر العسقالني (‪ 852‬هـ)‬


‫قال بعد أن ذكر أنه قد روي عن عبد اهلل بن جعفر روايتان في أنه جمع بين‬
‫امرأة علي ليلى بنت مسعود وبين زينب بنت علي‪ ،‬وفي رواية ثانية أنه جمع بين‬
‫ليلى بنت مسعود وأم كلثوم بنت علي‪> :‬وجمع الزهري بين هذا االختالف فقال‪:‬‬
‫>أخبرني غير واحد أن عبد اهلل بن جعفر جمع بين بنت علي وامرأة علي فماتت‬
‫بنت علي فتزوج بنتا له أخرى< أخرجه البيهقي من طريقه<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ما قرره هنا مع ما نقله من المواقف المنسوبة لزينب الكبرى في كربالء اعتمادا على رواية أبي‬
‫مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬انظر البداية والنهاية (‪ ،)545/11‬وما نقله في موضع آخر عن ابن‬
‫األنباري فقال‪> :‬وروى أبو بكر بن األنباري بإسناده‪ ،‬أن زينب بنت علي بن أبي طالب من فاطمة‪،‬‬
‫وهي زوج عبد اهلل بن جعفر أم بنيه‪ ،‬رفعت سجف خبائها يوم كربالء يوم قتل الحسين‪ ...‬فاهلل‬
‫أعلم< البداية والنهاية (‪.)215/8‬‬
‫(‪ )1‬التوضيح لشرح الجامع الصحيح (‪.)311/24‬‬
‫(‪ )2‬تهذيب التهذيب (‪ 362/8‬ــ ‪ ،)363‬والظاهر أنه استفاده من ابن الملقن‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وقال في موضع آخر‪> :‬وال تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم ألنه‬
‫تزوجهما واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته وقد وقع ذلك مبينا عند ابن‬
‫سعد<(‪.)1‬‬
‫ومثله قاله العيني في عمدة القاري(‪ ،)2‬والشوكاني في نيل األوطار(‪.)3‬‬
‫والمتحصل من هذا أ َّن الزهري وابن سعد والدوالبي وكلهم من المتقدمين‬
‫قد نصوا على وفاة زينب قبل أم كلثوم‪ ،‬وتبعهم على ذلك جماعة كالبيهقي وابن‬
‫الجوزي وابن كثير وابن الملقن وابن حجر والعيني والشوكاني‪ ،‬وهذا األمر ينافي‬
‫قصة خروج زينب الكبرى مع أخيها الحسين إلى كربالء وذلك أن المقطوع به أن‬
‫أم كلثوم توفيت قبل أخيها الحسن الذي صلى عليها في جنازتها‪ ،‬وفي إمارة‬
‫سعيد بن العاص للمدينة التي ابتدأت سنة ‪ 48‬هـ‪ ،‬فالالزم من ذلك أن زينب‬
‫‪ ‬توفيت قبل سنة ‪ 48‬هـ‪ ،‬قبل خروج الحسين ‪ ‬إلى كربالء سنة ‪ 61‬هـ‪،‬‬
‫وعليه فما يروى من خروجها مع أخيها إلى كربالء ال صحة له‪.‬‬
‫ومن هاهنا اعترض بعض المتأخرين والمعاصرين(‪ )4‬على قصة زواج‬
‫عبد اهلل بن جعفر من أم كلثوم بعد وفاة أختها زينب‪ ،‬يقول فرهاد ميرزا القاجاري‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فتح الباري (‪ )155/9‬والحافظ ابن حجر قد اختلف قوله في وفاة زينب‪ ،‬فقد ذكر زينب بنت‬ ‫(‪)1‬‬
‫علي فيمن حضر مقتل الحسين في كربالء في اإلصابة (‪ ،)166/8‬والزم ذلك أن يكون عبد اهلل‬
‫ابن جعفر تزوج أم كلثوم قبل زينب‪ ،‬ألن أم كلثوم لم تدرك مقتل الحسين‪ ،‬فالظاهر أنه ‪ ‬لم‬
‫يتنبه لذلك وجرى على ما اشتهر عند بعض المتأخرين من المؤرخين‪ ،‬لكنه في التهذيب والفتح‬
‫قرر خالف ذلك حين صرح بأن عبد اهلل بن جعفر تزوج أم كلثوم بعد زينب‪.‬‬
‫عمدة القاري (‪.)101/20‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نيل األوطار (‪.)177/6‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫انظر كالمهم مع الجواب عنه في كتابنا >نسبا وصهرا< (ص ‪ 290‬ــ ‪.)300‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪304‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫(‪1305‬هـ) بعد أن نقل كالم محمد بن طلحة اآلنف متعجبا منه‪> :‬وهذه الرواية‬
‫غير صحيحة‪ ،‬التفاق المحدثين والمؤرخين من الفريقين أن أم كلثوم ‪،‬‬
‫توفيت في إمامة الحسن السبط كما ذكر آنفا‪ ،‬وكانت عقيلة بني هاشم زينب‬
‫الكبرى ‪ ‬في كربالء‪ ،‬وتحملت محنة األسر‪ ،‬وبين هاتين(‪ )1‬الواقعتين مضى‬
‫زمن طويل<(‪.)2‬‬
‫فالتعارض ظاهر بين القول بزواج عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم بعد زينب‬
‫وبين القول بخروج زينب إلى كربالء‪ ،‬ومثله قول جعفر مرتضى العاملي بعد أن‬
‫نقل األقوال المختلفة في زواج عبد اهلل بن جعفر بزينب‪> :‬وهذا ال يمكن أن‬
‫يصح‪ ،‬إال إذا كان عبد اهلل قد طلق زينب في حياة أبيها‪ ...،‬وإن كانت زينب‬
‫ماتت قبل ذلك فذلك يعني أنها لم تحضر كربالء<(‪.)3‬‬
‫وقال في موضع آخر‪> :‬وهو يعني أيضا أن تكون زينب الكبرى قد ماتت‬
‫قبل كربالء‪ ..‬إن كانت قد ماتت عند عبد اهلل بن جعفر<(‪.)4‬‬
‫ومرد إنكارهم لزواج عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم بعد زينب‪ ،‬هو ظهور‬
‫التناقض بين ذلك وبين القول أن زينب كانت مع الحسين ‪ ‬في كربالء‪،‬‬
‫لكنهم اختاروا تقديم رواية أبي مخنف على أقوال المحدثين والنسابين‬
‫والمؤرخين!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫في المطبوع هذين والتصحيح مني‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫القمقام الزخار (‪.)121/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫زينب ورقية في الشام (ص ‪.)20‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫زينب ورقية في الشام (ص ‪.)22‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪305‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫* الدليل الثاني‪ :‬عدم ذكر قدماء المؤرخين والنسابين لخروج زينب الكبرى ‪‬‬
‫إلى كربالء‬
‫إ َّن عدم ذكر قدماء المؤرخين والنسابين لخروج زينب الكبرى إلى كربالء‬
‫يورث الشك في روايات أبي مخنف عن وجود زينب في كربالء والتي تفرد بها‬
‫وتابعه عليها جماعة ممن تأخر عنه من األخباريين‪ ،‬فقد روى أحداث خروج‬
‫الحسين غير واحد غير أبي مخنف ولم يذكروا خروج زينب مع الحسين إلى‬
‫كربالء ومن هؤالء‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ 1‬ــ حصين بن عبد الرحمن السلمي (‪ 136‬هـ)‬
‫روى عنه أبو زرعة الدمشقي والبالذري والطبري أحداث خروج الحسين‬
‫من بداية مكاتبة أهل الكوفة له إلى استشهاده ‪ ،)2(‬بأسانيد صحيحة(‪ )3‬وهو‬
‫من أوثق من روى أحداث مقتل الحسين ‪ ،‬وقد صرح بأنه أدرك الحادثة‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وروي عنه أنه قال‪> :‬كنت بالكوفة‪،‬‬
‫فقال‪> :‬أدركت ذاك حين مقتل الحسين< ‪ُ ،‬‬
‫فجاءنا قتل الحسين بن علي رضوان اهلل عليهما‪ ،‬فمكثنا ثالثا كأن وجوهنا طليت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر ترجمته في سير أعالم النبالء (‪.)422/5‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص ‪ 626‬ــ ‪ )627‬مختصرا‪ ،‬أنساب األشراف (‪ ،)224/3‬تاريخ‬ ‫(‪)2‬‬
‫الطبري (‪.)393/5‬‬
‫روى خبر حصين أبو زرعة مختصرا والبالذري‪ ،‬من طريق سعيد بن سليمان عن عباد بن العوام‬ ‫(‪)3‬‬
‫عن حصين‪ ،‬ورواه الطبري بإسنادين‪ ،‬ثانيهما من طريق سعيد بن سليمان اآلنف‪ ،‬وسعيد بن‬
‫سليمان هو أبو عثمان الواسطي المعروف بسعدويه وهو ثقة مأمون كما قال أبو حاتم الرازي‪،‬‬
‫تهذيب التهذيب (‪ ،)44/4‬وعباد بن العوام وثقه ابن معين وأبو داود والنسائي وأبو حاتم كما في‬
‫تهذيب التهذيب (‪.)100/5‬‬
‫تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص ‪ ،)626‬تاريخ دمشق (‪.)221/14‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪306‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫رمادا<(‪ ،)1‬وقد روى حصين عن سعيد بن عبيدة وهالل بن يساف طرفا من‬
‫أحداث مقتل الحسين ‪.‬‬
‫وقد ذكر حصين في روايته أ َّن ابن زياد أمر لبنات الحسين ونسائه وأهله‬
‫بمنزل في مكان معتزل فأجرى عليهن رزقا وأمر لهن بكسوة ونفقة(‪.)2‬‬
‫والشاهد أن حصينا أثبت خروج بنات الحسين ونسائه فقط‪ ،‬ولم يذكر‬
‫أخواته كما ذكر أبو مخنف‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ 2‬ــ عوانة بن الحكم (‪ 147‬هـ)‬
‫روى عنه الطبري من طريق الكلبي(‪ )4‬قصة تسيير أهل بيت الحسين إلى‬
‫ابن زياد‪ ،‬وذكر كالم فاطمة بنت الحسين مع يزيد وذكر سكينة ولم يذكر زينب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه بحشل في تاريخ واسط (ص ‪ ،)100‬ومن طريقه ابن المغازلي في مناقب علي (ص ‪ 448‬ــ‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ ،)449‬وابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب (‪ ،)2641/6‬ونقله عن بحشل الكالباذي‬
‫في الهداية واإلرشاد المعروف برجال صحيح البخاري (ص ‪ )206‬وتبعه الباجي في التعديل‬
‫والتجريح (‪ ،)532/2‬وقال محققه تركي الوادعي‪> :‬إسناده ضعيف<‪ ،‬قلت‪ :‬وهو كما قال‪ :‬ففيه‬
‫أحمد بن إسماعيل بن عمر شيخ بحشل ولم أقف له على ترجمة‪ ،‬وفيه علي بن عاصم مختلف‬
‫فيه كما تراه في ترجمته المطولة في تهذيب التهذيب (‪ 344/7‬ــ ‪ ،)348‬لكن العلة واقعة في‬
‫أحاديثه المسندة‪ ،‬أما هذه الرواية فلو ثبتت عنه فالخطب فيها هين ألنه يروي عن شيخه حصين‬
‫ابن عبد الرحمن السلمي كالما مجمال حول حادثة عاصرها‪ ،‬ومثل هذا ال يحتاج فيه إلى الضبط‬
‫والتحري في الصدق‪ ،‬خاصة أن القرائن تدل على صحة الخبر‪ ،‬إذ أن حصينا قد ثبت عنه أنه كان‬
‫في الكوفة حين قُتل الحسين‪ ،‬وقد روى طرفا من أخبار مقتله‪ ،‬وهذا كله إن سلم الخبر من عهدة‬
‫شيخ بحشل‪ ،‬وعلى كل حال فالخطب في الخبر يسير وال ضير في إيراده من جهة االستئناس‪.‬‬
‫أنساب األشراف (‪ ،)226/3‬تاريخ الطبري (‪.)393/5‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر ترجمته في فهرست النديم (ص ‪.)120‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫والكلبي كذاب متهم وإنما أوردت روايته من باب االستئناس‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪307‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫بنت علي ‪.)1(‬‬


‫(‪)2‬‬
‫‪ 3‬ــ أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن (‪ 170‬هـ)‬
‫روى طرفا من مقتل الحسين عن مشيخته ونقله عنه أبو عبيد القاسم بن‬
‫سالم(‪ ،)3‬ومما قاله‪> :‬وأُسر اثنا عشر غالما من بني هاشم‪ :‬فيهم محمد بن‬
‫الحسين‪ ،‬وعلي بن الحسين وفاطمة بنت الحسين<(‪.)4‬‬
‫كما أ ّنه ذكر كالم فاطمة بنت الحسين في مجلس يزيد‪ ،‬وليس في خبره أي‬
‫ذكر لزينب‪.‬‬
‫أجل من فاطمة بنت الحسين فهي صحابية وهي ابنة‬ ‫وال ريب أن زينب ّ‬
‫بلغ أبا معشر أن زينب كانت مع أخيها الحسين في كربالء أكان يتركها‬
‫فاطمة‪ ،‬فلو َ‬
‫ويذكر من دونها في المنزلة(‪)5‬؟!‬
‫(‪)6‬‬
‫‪ 4‬ــ الليث بن سعد (‪ 175‬هـ)‬
‫ح َّدث بقصة مقتل الحسين ‪ ،‬وقال‪> :‬وانطُلق بعلي بن حسين وفاطمة‬
‫بنت حسين وسكينة بنت حسين إلى عبيد اهلل بن زياد<‪ ،‬وذكر أن فاطمة وسكينة‬
‫عندما كانتا في مجلس يزيد جعال >يتطاوالن ليريا رأس أبيهما وجعل يزيد يتطاول‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ الطبري (‪.)464/5‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫انظر ترجمته في سير أعالم النبالء (‪.)435/7‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫العقد الفريد (‪ 125/5‬ــ ‪ ،)129‬المحن ألبي العرب (ص ‪ 148‬ــ ‪.)154‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫العقد الفريد (‪ ،)134/5‬المحن (ص ‪.)156‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ومما ينبغي أن يشار إليه هو وجود تشابه كبير في رواية أبي معشر مع رواية أبي مخنف‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫انظر ترجمته في سير أعالم النبالء (‪.)136/8‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪308‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫في مجلسه ليستر عنهما رأس أبيهما<(‪.)1‬‬


‫فالليث ذكر فاطمة وسكينة ابنتي الحسين‪ ،‬ولم يذكر زينب التي هي أكبر‬
‫منهما سنا وقدرا!‪ .‬فدل ذلك على أن من ح َّدث الليث بهذا الخبر(‪ )2‬لم يكن قد‬
‫بلغه أن زينب الكبرى قد ذهبت إلى كربالء‪.‬‬
‫‪ 5‬و‪ 6‬ــ الواقدي (‪ 207‬هـ)‪ ،‬والمدائني (‪ 224‬هـ) ــ في غير ما روياه عن أبي‬
‫مخنف ــ‪.‬‬
‫فإ ّن ابن سعد قد نقل عنهما طرفا من مقتل الحسين ولكنه جمع روايتهما مع‬
‫رواية أبي مخنف‪ ،‬وعند المقارنة بين رواية أبي مخنف المنقولة في تاريخ‬
‫الطبري‪ ،‬وبين رواية ابن سعد لمقتل الحسين من طرق عدة أحدها عن أبي‬
‫مخنف‪ ،‬يتبين أن الرواية الوحيدة التي نقلها ابن سعد عن زينب والتي تذكر منعها‬
‫البن زياد من قتل علي بن الحسين‪ ،‬هي رواية أبي مخنف قطعا‪ ،‬وعليه فتكون‬
‫رواية كل من الواقدي والمدائني خالية من ذكر أي موقف لزينب ‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ محمد بن سعد (‪230‬هـ)‬
‫فقد نقل جملة من روايات أبي مخنف في مقتل الحسين ‪ ،‬ولم ينقل‬
‫أي رواية تصرح بأن زينب الكبرى كانت مع الحسين‪ ،‬وحتى الروايات التي نقلها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير للطبراني (‪ ،)2806‬ومن طريق الطبراني أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق‬
‫(‪ ،)14/70‬من طريق أبي الزنباع روح بن الفرج عن يحيى بن بكير به‪ ،‬وإسناده صحيح إلى‬
‫الليث‪ ،‬فأبو الزنباع وثقه البزار والطحاوي كما في تاريخ اإلسالم (‪ ،)750/6‬ويحيى بن بكير‬
‫ثقة في الليث خاصة‪ ،‬حتى قال ابن عدي‪> :‬هو أثبت الناس فيه< وما ورد فيه من كالم فال يضر‪،‬‬
‫انظر تهذيب التهذيب (‪.)237/11‬‬
‫(‪ )2‬ألن الليث لم يدرك واقعة كربالء فقد ولد بعدها بثالثين سنة‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ابن سعد عن أبي مخنف لم يرد فيها التنصيص على كونها زينب الكبرى بنت‬
‫فاطمة مع أن ذلك قد ورد عن أبي مخنف من طرق أخرى في أكثر من رواية(‪،)1‬‬
‫والمتأمل في كالم ابن سعد يشعر بأنه يذهب إلى أن التي خرجت مع الحسين هي‬
‫زينب الصغرى‪ ،‬فقد قال وهو يعدد اللواتي خرجن مع الحسين ‪> :‬نساء‬
‫وس َكينة‬
‫الحسين بن علي‪ ،‬وهن‪ :‬زينب وفاطمة ابنتا علي بن أبي طالب‪ ،‬وفاطمة ُ‬
‫ابنتا الحسين بن علي‪ ،)2(<...‬وأم فاطمة بنت علي أم ولد‪ ،‬ولو كانت زينب هذه‬
‫لميز ابن سعد بينها وبين أختها بقوله إنها ابنة فاطمة‪ ،‬وعدم تمييزه‬‫بنت فاطمة ّ‬
‫بينهما يفيد أنهما ليستا من بنات فاطمة‪ ،‬وأن مراده زينب الصغرى التي كانت ألم‬
‫ولد‪ ،‬فضال عن أنه لم يميز زينب هذه بلقبها الكبرى‪ ،‬وما ذاك ــ فيما يظهر ــ إال‬
‫عول على ذكرها مع فاطمة بنت علي التي ليست من بنات فاطمة‪ ،‬فالفطن‬ ‫ألنه ّ‬
‫يفهم أن المراد زينب الصغرى وليست الكبرى‪.‬‬
‫‪ 8‬ــ أبو بشر محمد بن أحمد الدوالبي (‪ 310‬هـ)‬
‫فقد ترجم لزينب في الذرية الطاهرة ولم يذكر أي شيء عن خروجها إلى‬
‫كربالء(‪.)3‬‬
‫‪ 9‬ــ أبو العرب محمد بن أحمد التميمي (‪ 333‬هـ)‬
‫ثم ذكر‬
‫فإنه قص مقتل الحسين الذي رواه القاسم بن سالم عن أبي معشر ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ومن نظر فيما نقله ابن سعد من روايات أبي مخنف التي ذكرت زينب يظهر له أن ابن سعد لم يكن‬
‫يرى أن زينب هذه هي زينب الكبرى بنت فاطمة‪ ،‬فقد تكرر في رواية الكلبي عن أبي مخنف‬
‫التنصيص على كون زينب هي ابنة فاطمة‪ ،‬وال تجد أثرا لذلك في رواية ابن سعد عن أبي مخنف‪،‬‬
‫والغالب على الظن أن هذا من تصرف ابن سعد‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات طبعة الخانجي (‪.)443/6‬‬
‫(‪ )3‬الذرية الطاهرة (ص ‪.)119‬‬

‫‪310‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫نساء الحسين وأهل بيته اللواتي كن معه فقال‪> :‬وفيهم‪ :‬فاطمة بنت الحسين بن علي‬
‫وهي أكبرهم<‪ ،‬ولم يذكر زينب ‪ ‬فيهن‪ ،‬ومعلوم أن زينب بنت علي ‪ ‬أكبر من‬
‫فاطمة بنت الحسين ‪ ،‬فتقرير أبي العرب لكون فاطمة بنت الحسين أكبر نساء‬
‫أهل البيت نص ظاهر وواضح في عدم ورود أي ذكر لزينب فيما بلغه من األخبار‪.‬‬
‫وعندما نراجع كالم علماء األنساب من اإلمامية‪ ،‬نجد أن أقدم النسابين‬
‫الذين ترجموا لزينب وهو النسابة أبو الحسن العمري لم يذكر خروجها مع‬
‫الحسين(‪ )1‬مع أنه إمامي واإلمامية اليوم يعدون خروج زينب مع الحسين عمدة‬
‫فضائلها‪ ،‬ومع ذلك لم يتعرض النسابة العمري لذكره‪.‬‬

‫والمقصود أ ّن أبا مخنف هو أول من زعم أن زينب الكبرى ‪ ‬خرجت مع‬


‫أخيها الحسين إلى كربالء‪ ،‬وكل من ذكر ذلك بع ُد‪ ،‬إنما أخذه من روايات أبي‬
‫مخنف‪.‬‬
‫وأول من ذكر خروج زينب مع الحسين إلى كربالء في ترجمتها‪ ،‬هو‬
‫المؤرخ الدمشقي أبو القاسم ابن عساكر معتمدا على رواية أبي مخنف(‪ ،)2‬وأما‬
‫أول من ذكر ذلك ــ على اإلطالق ــ فهو أبو مخنف األخباري ونقله عنه الطبري‬
‫في تاريخه‪ ،‬وقد مضى الكالم عن حال أبي مخنف‪ ،‬وقد بينت بتفصيل أن ما‬
‫يتفرد به أبو مخنف ال يعتمد عليه‪ ،‬وأن سائر أسانيده في أخبار زينب في كربالء‬
‫هي أسانيد واهية‪ ،‬وسيأتي مزيد من التفصيل عند نقد متون روايات أبي مخنف‬
‫عن زينب‪ ،‬وبذلك سيتبين أن ما رواه أبو مخنف من أخبار في هذا الباب ال يصح‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المجدي في أنساب الطالبيين (ص‪.)18‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ دمشق (‪ 176/69‬ــ ‪.)177‬‬

‫‪311‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫من جهة السند والمتن‪.‬‬


‫اعتراض وجواب‬
‫وربما يعترض معترض بأن هذا الدليل ال ينهض إلنكار خروج زينب إلى‬
‫كربالء‪ ،‬فيمكن أن يكون سبب عدم ذكر من تقدم من أهل العلم لزينب ضمن من‬
‫خرج مع الحسين ‪ ‬أنهم لم يلتزموا استقصاء ما نقل عن زينب أو أن بعضهم‬
‫اختصر أخبارها في ترجمتها‪ ،‬وغاية ما يمكن أن يقال إنه لم يبلغهم خبر خروج‬
‫زينب إلى كربالء‪ ،‬وقد ثبت عند غيرهم‪ ،‬والساكت ال ينسب إليه قول خالفا‬
‫للمثبت الذي عنده زيادة علم‪.‬‬
‫وهذا اعتراض وجيه‪ ،‬ويجاب عنه بما مضى آنفا‪ ،‬وهو أن عمدة فضائل‬
‫زينب وأهم ما يذكر عنها هو مواقفها التي نسبت إليها في كربالء والكوفة والشام‪،‬‬
‫وهي التي يدندن عليها كل من صنف عن زينب من المعاصرين‪ ،‬ومع ذلك ال‬
‫نجد هذه المواقف عند قدماء المؤرخين والنسابين‪ ،‬ويتأكد الشك في تلك‬
‫الروايات عندما نعلم أن ترجمة زينب ليست ترجمة حافلة بل جل ما ورد فيها هو‬
‫زواجها بعبد اهلل بن جعفر وما يرتبط بذلك‪ ،‬إضافة إلى ما رواه أبو مخنف من‬
‫وقائع خروجها إلى كربالء‪ ،‬وعليه فال وجه لدعوى االختصار أو أن يخفى مثل‬
‫ذلك على فطاحلة المؤرخين‪ ،‬فالمتحصل أن هذا االعتراض غير وارد في هذا‬
‫ثم إن ما سيأتي من اإلشكاالت واالعتراضات على قصة خروج زينب مع‬ ‫الباب‪ّ ،‬‬
‫الحسين تؤكد بطالنها وعدم صحتها‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫ثاني ًا‪ :‬إشكاالت القول بخروج زينب الكبرى ‪ ‬مع أخيها الحسين ‪‬‬
‫إ ّن القول بخروج زينب الكبرى مع أخيها الحسين ترتب عليه إشكاليات‬
‫كبيرة‪ ،‬بعضها ال زال محل أخذ ورد بين المتخصصين في الكتابة في السيرة‬
‫الحسينية‪ ،‬وبعضها لم يتنبه له كثير منهم‪ ،‬وإليك أهم هذه اإلشكاالت‪:‬‬
‫* اإلشكال األول‪ :‬لماذا خلت كتب التواريخ من رواية زينب الكبرى ‪‬‬
‫ألخبار المقتل الحسيني؟‬
‫ودققت فيما ينقل عنها من‬
‫ُ‬ ‫بحثت في قصة زينب الكبرى ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لما‬
‫الروايات‪ ،‬وجدت أن جل ما يؤثر عن زينب من أخبار وقصص مدارها على‬
‫خروجها مع الحسين ‪ ،)1(‬فمثار التساؤل واإلشكال مبني على أن التاريخ‬
‫الصحيح والثابت لم ينقل لنا رواية زينب الكبرى ألحداث مقتل أخيها الحسين‬
‫‪.)2(‬‬
‫فَ ُج ُّل ما يُروى في هذا الباب منقول عن رواة كوفيين من غير أهل البيت‪،‬‬
‫أما زينب فلم ينقل عنها أي شيء في ذلك‪ ،‬مع أن األخباريين يقررون أنها عاشت‬
‫جميع أحداث مقتل الحسين‪ ،‬بدءا من خروجها من المدينة وانتهاء بعودتها من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬دعك مما جاء في كتب المتأخرين من روايات مختلقة ومصنوعة عن والدتها وحياتها ووفاتها‪،‬‬
‫فقد مضى التحقيق فيها وبينت أنها من صناعة مؤلفي كتب المقتل الحسيني المتأخرين‪ ،‬والتي ال‬
‫يتعدى أقدمها القرن العاشر‪ ،‬بل إن من أسباب اختالق تلك الروايات هو الفراغ الذي وجده أولئك‬
‫الوضاعون في تاريخ زينب‪ ،‬فحاولوا مأل الفراغ باألكاذيب واألخلوقات واألساطير‪.‬‬
‫(‪ )2‬والكالم هنا عن الروايات المسندة والمصادر األصلية للتاريخ‪ ،‬أما ما جاء في بعض الكتب‬
‫المتأخرة في القرن الرابع فما بعده بال إسناد وال زمام وال خطام مثل االحتجاج ومثير األحزان‬
‫واللُّهوف وغيرها فال عبرة به‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫الشام إلى المدينة مع من بقي من أهل بيت الحسين ‪!‬‬


‫فكيف يعقل أال يُنقل عنها شيء من ذلك وهي رأس من كان مع الحسين‬
‫من آل البيت وأكبرهم سنا بعد أخيها الحسين؟‬
‫وقد انتبه محمد الحسيني ــ من اإلمامية ــ لهذه القضية فقال وهو يتحدث‬
‫عن مصادر أحداث كربالء‪> :‬إننا ال نعرف بالضبط لماذا غاب حديث بطلة كربالء‬
‫ــ أعني السيدة زينب ــ إذ لم أعثر على إفادة ما في هذا المجال<(‪.)1‬‬
‫كر في الجواب عن ذلك عدة احتماالت بعيدة‪ ،‬وأما جوابنا فظاهر‪ :‬وهو‬ ‫و َذ َ‬
‫أنها لم تحضر أصال هذه الوقائع كي ترويها‪.‬‬
‫* اإلشكال الثاني‪ :‬عدم خروج عبد الل بن جعفر زوج زينب الكبرى مع‬
‫الحسين ‪‬‬
‫محيرا‬
‫ال يزال أمر عدم خروج عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬مع الحسين ‪ ‬لغزا ّ‬
‫عجز عن ح ّله فطاحل المتخصصين في السيرة الحسينية‪ ،‬فمن يطالع الكتب‬
‫المتأخرة التي صنفت في مقتل الحسين أو حياة زينب يجد حيرة أولئك ال ُكتاب‬
‫ظاهرة عند الكالم عن تخلف عبد اهلل بن جعفر عن الخروج مع الحسين‪ ،‬فضال‬
‫عن أن أبا مخنف ــ المصدر األساسي لتفاصيل مقتل الحسين ‪ ‬ــ قد روى أن‬
‫موقف عبد اهلل بن جعفر كان معارضا لخروج الحسين رأسا(‪ ،)2‬وهنا تب َّدى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقالة أحداث كربالء النص التاريخي ووثاقة مصادره المنشورة ضمن كتاب عاشوراء النص‬
‫والوظيفة (ص ‪ ،)143‬ومن الغرائب قول يحيى ياسين اإلمامي في كتابه القضية الحسينية عرض‬
‫وتحليل (ص‪ )141‬إ ّن زينب >حفظت الواقعة بكامل تفاصيلها وروت ما حدث فيها<!!‪ ،‬فإن هذا‬
‫الكالم ال واقع له‪ ،‬وهو نقيض ما قرره محمد الحسيني!‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ 387/5‬ــ ‪ ،)388‬وما يتفرد به أبو مخنف غير معتمد كما مضى‪ ،‬وإنما ذكرت=‬

‫‪314‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫اإلشكال في قضية خروج زينب مع أخيها إلى كربالء وتعارض ذلك مع قعود‬
‫زوجها ومعارضته لخروج الحسين إلى الكوفة‪.‬‬
‫الم ْح َدثون من اإلمامية لسيرة زينب‪ ،‬أشكل عليهم‬
‫تعرض الكتاب ُ‬
‫وعندما ّ‬
‫عدم خروج عبد اهلل بن جعفر مع الحسين‪ ،‬فأجابوا عن ذلك بأجوبة عدة‪ ،‬وقد‬
‫قمت بدراسة أقوالهم وآرائهم في هذه المسألة فوجدت أقواال ينقض بعضها بعضا‬
‫وإليك إياها‪:‬‬
‫ــ القول األول‪ :‬قعود عبد اهلل بن جعفر كان بأمر من الحسين ليحفظ من‬
‫تبقى من بني هاشم‪ّ ،‬قرر ذلك نور الدين الجزائري(‪ ،)1‬وذهب محمد كاظم القزويني‬
‫إلى قول قريب منه(‪ ،)2‬مع العلم أنه جعل هذا الجواب في دائرة االحتماالت‪.‬‬
‫ــ القول الثاني‪ :‬قعود عبد اهلل بن جعفر كان لمانع صحي‪.‬‬
‫وقد اختلف قول من تبنى هذا التبرير في تعيين هذا المانع‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ فقيل‪ :‬إنه كان أعمى‪ ،‬وذهب إلى ذلك الطالقاني(‪ ،)3‬والنقدي(‪،)4‬‬
‫وتبعه حسن الصفار(‪ )5‬وإبراهيم حسين البغدادي(‪ ،)6‬وأورده محمد كاظم‬
‫القزويني من ضمن األجوبة المحتملة بشرط أن يثبت تاريخيا(‪!)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذلك إلزاما لمن يعتقد صحة روايته‪.‬‬ ‫=‬
‫الخصائص الحسينية (ص ‪.)177‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 95‬ــ ‪.)96‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫في تعليقه على عمدة الطالب (ص‪ ،)37‬وانظر مجلة نهضة عاشوراء العدد األول (ص‪.)175‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫زينب الكبرى (ص‪.)87‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫المرأة العظيمة (ص‪.)92‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫زينب بنت علي فيض النبوة وعطاء اإلمامة (ص‪.)100‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص‪.)97‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪315‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫‪ 2‬ــ وقيل‪ :‬كان مصابا بمرض شديد في فمه‪ ،‬ذكر ذلك أحمد شكر من غير‬
‫أن يذكر قائله(‪.)1‬‬
‫‪ 3‬ــ وقيل‪ :‬إنه كان مريضا دون تحديد المرض(‪.)2‬‬
‫ــ القول الثالث‪ :‬إ َّن المانع من خروج عبد اهلل بن جعفر هو ِكبر سنه‪ ،‬وقد‬
‫ض ّعف محمد كاظم القزويني هذا الجواب ور ّده بأن سن عبد اهلل بن جعفر كان‬
‫خمسا وخمسين سنة فقط(‪.)3‬‬
‫ــ القول الرابع‪ :‬إ َّن عبد اهلل بن جعفر قعد لمصلحة‪ ،‬غير أن هذه المصلحة‬
‫غير معلومة‪ ،‬أل َّن الحسين لم يوجب على عبد اهلل بن جعفر الخروج‪ ،‬وهذا ما‬
‫قرره محمد جواد مغنية(‪.)4‬‬
‫ــ القول الخامس‪ :‬إ َّن عبد اهلل بن جعفر استغنى عن الخروج مع الحسين‬
‫بإرسال ولديه معه‪ ،‬احتمل ذلك أحمد شكر(‪.)5‬‬
‫ــ القول السادس‪ :‬السبب غير معروف‪ ،‬وقرر هذا المرجع محمد تقي‬
‫المدرسي(‪ ،)6‬وذهب إليه محمد كاظم القزويني(‪ )7‬وإن ذكر احتماالت أخرى‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشمس الطالعة واألنوار الساطعة (‪.)139/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫قاله محمد بحر العلوم في كتابه في رحاب السيدة زينب (ص‪ ،)155‬ونقله عنه سعيد الخويلدي‬ ‫(‪)2‬‬
‫في زينب القدوة والرمز (ص‪.)109‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص‪ ،)97‬والصحيح أن عمره كان ‪ 60‬سنة ألنه ولد في‬ ‫(‪)3‬‬
‫الحبشة في السنة األولى من الهجرة‪ ،‬ومات سنة ‪ 80‬هـ وعمره ثمانون سنة‪ ،‬وهذا ما قرره المزي‬
‫في تهذيب الكمال (‪.)372/14‬‬
‫مع بطلة كربالء (ص ‪.)38‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الشمس الطالعة واألنوار الساطعة (‪.)139/1‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الصديقة زينب (ص‪.)23‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص‪.)95‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪316‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫والقول السادس هو األقرب إلى المنطق العلمي من بين سائر األقوال‬


‫األخرى‪ ،‬فالتاريخ لم ينقل أي شيء عن سبب قعود عبد اهلل بن جعفر عن الخروج‬
‫مع الحسين‪ ،‬وكل ما أجيب به عن ذلك ال يخرج عن أمرين‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أخبار مختلقة من صناع روايات مقتل الحسين في القرون‬
‫المتأخرة‪ ،‬مثل القول بعمى عبد اهلل بن جعفر أو أمر الحسين له بالقعود‪ ،‬فهذه ال‬
‫تعدو أن تكون أقواال صنعها المتأخرون لملء الفراغ التاريخي في هذه القضية‪.‬‬
‫ولذا فقد ر َّد عبد الرضا آبادي ــ من اإلمامية ــ كل هذه األجوبة‪ ،‬فقال بعد‬
‫عرضها‪> :‬طبعا األمور المتقدمة تعتمد على الظن والحدس‪ ،‬والشواهد التاريخية‬
‫ال تؤيدها‪.‬‬
‫من جملة ذلك‪ :‬فقدان عبد اهلل البصر‪ ،‬والذي لم يذكر في المصادر‬
‫التاريخية األساسية‪ ،‬كذلك الحال في مسألة كهولته والتي ال تعتبر مانعا حقيقيا‬
‫أمام مشاركته‪ ،‬فهو كان له من العمر حينها ‪ 71‬عاما(‪ ،)1‬وكان بإمكانه المهاجرة‬
‫مع اإلمام‪ ،‬وقد جاء في بعض األخبار أنه سافر من المدينة إلى دمشق بعد عدة‬
‫سنوات على حادثة عاشوراء‪ .‬يضاف إلى ذلك أن جيش اإلمام كان فيه أشخاص‬
‫كبار في السن أمثال حبيب بن مظاهر‪ ،‬ومسلم بن عوسجة وأنس بن حارث‪.)2(<...‬‬
‫وقال في ختام بحثه‪> :‬لم يوضح التاريخ سبب عدم التحاقه باإلمام الحسين‬
‫‪ ،‬مع العلم أن زوجته وابنيه كان لهم دور مهم في نصرة اإلمام الحسين<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مضى أن الصحيح أن عمره كان ‪ 60‬سنة ألنه ولد في الحبشة في السنة األولى من الهجرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجلة نهضة عاشوراء‪ ،‬العدد األول (ص‪ 175‬ــ ‪.)176‬‬
‫(‪ )3‬مجلة نهضة عاشوراء‪ ،‬العدد األول (ص‪.)181‬‬

‫‪317‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وهذا كاف في نقض األجوبة الماضية التي ال مستند لها من الصحة‪.‬‬


‫األمر الثاني‪ :‬احتماالت مبنية على التكهن والتوهم واالجتهاد‪ ،‬وهي كلها‬
‫أجوبة ال عبرة بها‪ ،‬فضال عن تناقضها في نفسها‪ ،‬فمن يدعي أن بقاء عبد اهلل بن‬
‫جعفر هو لحفظ من تبقى من أهل البيت بالمدينة بماذا يجيب عن خروج الحسين‬
‫بج ِّل أهل بيته من أبنائه وزوجاته وغيرهم حتى كاد ينقطع نسله وانحصر بابنه‬
‫ُ‬
‫علي‪ ،‬فهل استجاز الحسين التضحية بهم وأبقى على غيرهم ممن هم أبعد عنه‬
‫نسبا؟!‬
‫فلو كان الحسين يريد أن يحفظ أهل البيت لما خرج بأكثرهم إلى كربالء‬
‫وهو يعلم ــ حسب روايات األخباريين ــ بمقتله‪ ،‬وبمثل هذا يجاب عن دعوى‬
‫من قال‪ :‬إ ّن عبد اهلل بن جعفر قعد بالمدينة بأم ٍر من الحسين‪ ،‬ولذا قال عبد الرضا‬
‫آبادي ردا على هذا االحتمال‪ّ > :‬أما احتمال تكليفه من قبل اإلمام بأمر ما فهو وإن‬
‫كان مناسبا لشخصيته ومكانته‪ ،‬إال أ َّن الشواهد والقرائن التاريخية ال تدل عليه‪،‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أنه إذا ثبت بأن محمد ابن الحنفية كان مكلفا من قبل اإلمام‬
‫مراقبة أوضاع المدينة‪ ،‬فال معنى بعد ذلك لتكليف عبد اهلل بن جعفر بذلك‪ ،‬طبعا‬
‫لم تثبت مسألة تكليف محمد ابن الحنفية بمراقبة أوضاع المدينة أيضا‪ ،‬بل اإلمام‬
‫وافق على بقائه في المدينة وطلب منه إيصال أخبارها إليه‪ ،‬بعد أن رأى منه عدم‬
‫استعداده لمرافقته إلى مكة<(‪ ،)1‬فهذا الجواب ال عبرة به‪.‬‬
‫وأما عندما نرى روايات أبي مخنف تذكر خروج زينب مع الحسين دون‬
‫زوجها عبد اهلل بن جعفر فاإلشكال والشك والريبة يزداد حول هذه الرواية‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجلة نهضة عاشوراء‪ ،‬العدد األول (ص ‪.)176‬‬

‫‪318‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫(‪)1‬‬
‫فكيف يتصور أن يترك عبد اهلل بن جعفر زوجته تسافر دونه وهي أول زوجاته‬
‫وأقربهن إليه نسبا إن لم تكن أفضلهن دينا؟ فضال عن احتمال تعرضها للقتل في‬
‫الطريق من المناوئين للحسين!‬
‫والطريف أن بعض المتأخرين ممن تخصص في صناعة الروايات المختلقة‬
‫في المقتل الحسيني أحسوا بالفراغ الواقع في هذه القضية‪ ،‬فحاولوا سد هذه الثغرة‬
‫أيضا‪ ،‬فصنعوا رواية ال أصل لها تزعم أن عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬لما خطب زينب‬
‫من علي ‪ ،‬اشترط علي ‪ ‬عليه أن يأذن لها بالسفر مع أخيها الحسين ‪!)2(‬‬
‫وصنعوا رواية أخرى تزعم أن عبد اهلل بن جعفر أ ِذن لزينب بالخروج مع‬
‫الحسين ألنها أخبرته أنها إن لم تخرج مع أخيها ستموت من الكمد والحزن‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فأذن لها!‬
‫وقد اعترض علي آل مكي العاملي على رواية خروج زينب إلى مصر بنظير‬
‫هذا اإلشكال فقال‪> :‬كيف ال يكون لزوجها عبد اهلل بن جعفر موقف أو رأي؟‪،‬‬
‫وكيف يمكن أن يترك زوجته تسير إلى مصر ويسكت؟‪ ...‬بل لم يذكر عنه شيء‬
‫إطالقا في هذا الموضوع وكأنه ال صلة له باألمر‪ ،)4(<...‬وهذا االعتراض جار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مضى في أول الكتاب أن زينب هي أول زوجات عبد اهلل بن جعفر ألن أكبر أوالده هو جعفر وأمه‬ ‫(‪)1‬‬
‫زينب‪ ،‬ولذا كان عبد اهلل بن جعفر يكنى بأبي جعفر‪.‬‬
‫زينب الكبرى بطلة الحرية (ص‪ ،)40‬الشمس الطالعة (‪ ،)140/1‬وفاة السيدة زينب الكبرى‬ ‫(‪)2‬‬
‫لفرج آل عمران القطيفي المطبوع مع مجموع وفيات األئمة (ص ‪.)433‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)174‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫زينب من المهد إلى اللحد علي آل مكي العاملي‪ ،‬مقالة منشورة بمجلة الموسم العدد الرابع (ص‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪.)790‬‬

‫‪319‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫فيما روي من خروج زينب مع الحسين ومواقفها التي نسبت لها في الكوفة‬
‫والشام‪ ،‬فكيف ال يكون لزوجها موقف أو رأي‪ ،‬وكيف يمكن أن يترك زوجته‬
‫تسير إلى الشام بعد مقتل الحسين ‪ ،‬وتهان بتلك الصورة التي زعمها‬
‫ثم يسكت وال يذكر عنه شيء وكأنه ال صلة له باألمر؟‬
‫األخباريون ّ‬
‫ثم إ ّن غاية ما اعتذروا به عن عدم خروج عبد اهلل بن جعفر هو إرسال ابنيه‬
‫ّ‬
‫مع الحسين‪ ،‬وهذا الجواب ال ينقضي منه العجب‪ ،‬أل ّن أصل الرواية التي استدلوا‬
‫بها تذكر أن عبد اهلل بن جعفر إنما أرسل ابنيه لير ّدا الحسين‪ ،‬يقول أبو عبيد‬
‫القاسم بن سالم‪> :‬وأرسل عبد اهلل بن جعفر ابنيه عونا ومحمدا لير ّدا حسينا‪،‬‬
‫فأبى حسين أن يرجع وخرج بابني عبد اهلل بن جعفر معه<(‪.)1‬‬
‫وقد روى المفيد ــ من اإلمامية ــ هذا الخبر وزاد أن عبد اهلل بن جعفر لحق‬
‫بالحسين حتى يرده‪ ،‬فلما أبى الحسين أمر عبد اهلل بن جعفر ابنيه بالمسير مع‬
‫الحسين والجهاد دونه(‪ ،)2‬فبحسب هذه الروايات‪ ،‬لم يرسل عبد اهلل بن جعفر‬
‫ابينه ابتداء مع الحسين‪ ،‬وإنما أرسلهما معه بعد أن يئس من إرجاعه إلى المدينة‪،‬‬
‫وعليه فهذا االعتذار ضعيف‪.‬‬
‫* اإلشكال الثالث‪ :‬قيام الدواعي على خروج النساء اللواتي كن مع‬
‫الحسين ‪ ‬باستثناء زينب الكبرى ‪‬‬
‫لقد تأملت في أسماء نساء أهل البيت اللواتي كن مع الحسين ‪ ‬في‬
‫كربالء‪ ،‬فوجدتهن إما ممن كن تحت والية الحسين‪ ،‬وهن‪ :‬فاطمة وسكينة ابنتا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نقله عنه ابن عبد ربه في العقد الفريد (‪ ،)126/5‬وقريب منه في المحن ألبي العرب التميمي (ص‬
‫‪.)149‬‬
‫(‪ )2‬اإلرشاد للمفيد (‪.)69/2‬‬

‫‪320‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫الحسين ‪ ،‬ونساؤه‪ ،‬سواء كن من زوجاته أو مما ملكت يمينه(‪ ،)1‬وإما ممن‬


‫كن تحت والية أزواجهن ممن رافق الحسين في مسيره‪ ،‬كفاطمة بنت علي التي‬
‫كانت مع زوجها محمد بن سعيد بن أبي عقيل الذي استشهد في كربالء(‪،)2‬‬
‫وفاطمة بنت الحسين التي كانت رفقة زوجها الحسن المثنى(‪ ،)3‬فخروجهن مع‬
‫الحسين أو مع أزواجهن ال إشكال فيه لقيام الداعي على ذلك وهو مرافقة من‬
‫يقوم عليهن وخدمتهم(‪ ،)4‬أما زينب فهي الوحيدة التي ال يوجد أي داع لخروجها‬
‫مع الحسين ‪ ،‬أل ّن زوجها عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬كان من القاعدين في المدينة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫طرف من ذلك حين استعرضت رواة مقتل الحسين غير أبي مخنف‪ ،‬فقد جاء في رواية‬ ‫مضى ٌ‬ ‫(‪)1‬‬
‫حصين بن عبد الرحمن السلمي ذكر بنات الحسين ونسائه وأهله من غير أن يعين أسماءهن‪ ،‬وجاء‬
‫ذكر فاطمة بنت الحسين في رواية أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن‪ ،‬وجاء ذكر فاطمة وسكينة في‬
‫رواية الليث بن سعد‪ ،‬راجع (ص ‪ )306‬و(ص ‪.)308‬‬
‫انظر الطبقات البن سعد (‪ ،)432/10‬و(‪.)442/6‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر الطبقات البن سعد (‪.)478/7‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ولم أذكر جملة من النساء الالتي لم يثبت لدي من وجه صحيح أنهن كن مع الحسين في مسيره‬ ‫(‪)4‬‬
‫إلى الكوفة‪ ،‬كالرباب بنت امرئ القيس التي جاء ذكرها في تذكرة الخواص (ص ‪ ،)537‬وأم‬
‫كلثوم الصغرى بنت علي ‪ ‬التي ذكرها أبو الفرج األصفهاني في مقاتل الطالبيين (ص ‪،)119‬‬
‫وكذا رقية بنت الحسين ‪ ‬التي ُذكرت في بعض المصادر المتأخرة وهي شخصية ال وجود لها‬
‫كما بين ذلك الريشهري بتفصيل في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ 194‬ــ ‪ ،)202‬وفاطمة‬
‫بنت الحسن ‪ ‬على ما ذكره الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ ،)1094‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬فما قررته من كون سائر النساء اللواتي حضرن مع الحسين ‪ ‬كن إما تحت واليته أو تحت‬
‫والية أزواجهن ينطبق على من سلف ذكرهن‪ ،‬ألن الرباب هي زوجة الحسين ‪ ‬كما في الطبقات‬
‫البن سعد (‪ ،)400/6‬وأم كلثوم الصغرى كانت زوجة عبد اهلل بن عقيل‪ ،‬كما في المجدي (ص‬
‫‪ )200‬وسماها نفيسة‪ ،‬وعبد اهلل بن عقيل قتل مع الحسين ‪ ،‬تاريخ الطبري (‪ ،)469/5‬وقيل‬
‫كانت زوجة لمسلم بن عقيل كما في عمدة الطالب (ص‪ ،)32‬ومسلم هو رسول الحسين إلى أهل‬
‫الكوفة‪ ،‬وفاطمة بنت الحسن هي زوجة علي بن الحسين زين العابدين الذي كان مع أبيه في‬
‫كربالء كما هو معلوم‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ولم يخرج مع الحسين‪ ،‬وحتى أبناء عبد اهلل بن جعفر الذين خرجوا مع الحسين‬
‫ليسوا أبناء زينب بل هم أبناء غيرها(‪ ،)1‬فما الذي حملها على ترك زوجها‬
‫والخروج مع الحسين ‪‬؟‬
‫حشر زينب ضمن من‬
‫ال جواب عن هذا اإلشكال‪ ،‬وسبب ذلك أ ّن الذي َ‬
‫رافق الحسين لم يتنبه لهذا اإلشكال‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬نقد روايات أبي مخنف المنسوبة لزينب الكبرى ‪ ‬في كربالء‬
‫وبينا أن‬
‫بعد أن استوفينا الكالم عن أحوال رواة أخبار زينب في كربالء‪َّ ،‬‬
‫مدار كل ذلك رواية أبي مخنف‪ ،‬ال بد من التعرض لمتون هذه الروايات وبيان‬
‫ما فيها من الخلل‪ ،‬وتحقيق امتناع نسبتها إلى زينب ‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ نقد رواية لطم زينب الكبرى ‪ ‬وجهها حين حمل جيش عمر بن‬
‫سعد على الحسين وأهله ‪‬‬
‫روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد‪ ،‬عن حميد بن مسلم أ َّن >عمر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نص على ذلك أبو مخنف نفسه فقال وهو يذكر من قُتل مع الحسين ‪> :‬وقتل عون بن عبد اهلل‬
‫ابن جعفر بن أبي طالب ــ وأمه جمانة ابنة المسيب‪ ،‬وقتل محمد بن عبد اهلل بن جعفر بن أبي‬
‫طالب ــ وأمه الخوصاء ابنة خصف<‪ ،‬تاريخ الطبري (‪ ،)469/5‬وهذا ما قاله الفضيل بن الزبير‬
‫فيما روي عنه كما في تسمية من قتل مع الحسين (ص ‪ 28‬ــ ‪ ،)29‬وهذا ما جاء في المصادر‬
‫المعتبرة لإلمامية مثل اإلرشاد للمفيد (‪ ،)125/2‬وغيرها‪ ،‬وقال الريشهري في الصحيح من مقتل‬
‫سيد الشهداء (ص ‪> :)884‬الظاهر عدم صحة ما جاء في بعض المصادر من أن أمه هي زينب‬
‫‪ ،<‬أما عون بن عبد اهلل بن جعفر فقد تفرد أبو الفرج األصفهاني بأنه عون األكبر ابن زينب‬
‫الكبرى كما نبه على ذلك الريشهري في الصحيح من سيرة سيد الشهداء (ص ‪ )886‬وتبعه بعض‬
‫من جاء بعده‪ ،‬غير أن الصواب أن أمه هي جمانة كما هو قول األكثر‪ ،‬وهذا ما نص عليه ابن سعد‬
‫في الطبقات (‪ )461/6‬فذكر عونا األصغر في أبناء عبد اهلل بن جعفر وذكر أنه قتل مع الحسين‬
‫ونص على أن أمه هي جمانة بنت المسيب‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫ثم زحف نحوهم‬ ‫بن سعد نادى‪> :‬يا خيل اهلل اركبي وأبشري< فركب في الناس‪َّ ،‬‬
‫بعد صالة العصر‪ ،‬وحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه‪ ،‬إذ خفق برأسه على‬
‫ركبتيه‪ ،‬وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها‪ ،‬فقالت‪> :‬يا أخي‪ ،‬أما تسمع‬
‫األصوات قد اقتربت<! قال‪ :‬فرفع الحسين رأسه فقال‪> :‬إ ّني رأيت رسول اهلل‬
‫في المنام فقال لي‪> :‬إنك تروح إلينا<‪ ،‬قال‪ :‬فلطمت أخته وجهها‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫>يا ويلتا<‪ ،‬فقال‪> :‬ليس لك الويل يا أخية‪ ،‬اسكني رحمك الرحمن<<(‪.)1‬‬
‫وهذه أول الروايات المنسوبة لزينب في مقتل أبي مخنف الذي نقله‬
‫الطبري‪ ،‬وقد وقع فيها إشكاالن ظاهران‪:‬‬
‫األول‪ :‬كيف علم حميد بن مسلم بتفاصيل كالم زينب مع الحسين‬
‫والمفترض في حميد ــ أثناء وقوع هذا الحديث بين زينب والحسين ــ أنه كان في‬
‫جيش عمر بن سعد وهو في مكان بعيد عن الحسين ‪‬؟ خاصة عندما تالحظ‬
‫التزامن الواقع بين حادثتين‪:‬‬
‫الحادثة األولى‪ :‬صدور أمر عمر بن سعد بالهجوم على الحسين‪.‬‬
‫الحادثة الثانية‪ :‬كالم زينب مع الحسين بعد سماعها صيحة الهجوم‪.‬‬
‫فكيف اتفق لحميد بن مسلم أن يح ِّدث بأمرين وقعا في وقت واحد في‬
‫ثم إ َّن حميد بن مسلم لم يكن يعرف زينب كما سيأتي‪ ،‬فكيف‬
‫مكانين مختلفين؟ َّ‬
‫عرف أنها هي من كانت تكلم الحسين وقتها‪ ،‬ثم فيما بعد ال يعرف من هي؟ ال‬
‫ريب أن أبا مخنف غفل عن هذه النكتة وهو ينسج خيوط هذه الكذبة‪.‬‬
‫اإلشكال الثاني‪ :‬ما نسب إلى زينب من اللطم والولولة التي ال تناسب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)416/5‬‬

‫‪323‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫‪،‬‬ ‫الموقف‪ ،‬فالرواية تزعم أن الحسين ‪ ‬أخبر زينب بلحاقه بالنبي‬


‫ومقتضى ذلك أن هذه بشرى بمرافقة الحسين للنبي ‪ ،‬فالمفروض فيها وهي‬
‫ــ‬ ‫ــ والشيطان ال يتمثل بالنبي‬ ‫تسمع الحسين يحدثها بأنه رأى النبي‬
‫صورها وهي تتحسر‬ ‫أن تستبشر بلحاق الحسين بجده محمد ‪ ،‬لكن الراوي َّ‬
‫وتحزن وال تملك نفسها فتخرج عن طورها وتلطم وجهها من الحزن واألسى إلى‬
‫أن سكَّنها أخوها الحسين ‪ ،‬وهذا مخالف لما ينبغي أن تكون عليه من الثبات‬
‫والصبر بعد سماع البشرى‪ ،‬وحقيقة األمر أن أبا مخنف إنما أراد بهذه الرواية أن‬
‫يُلهب عواطف قراء كتابه عن مقتل الحسين ‪ ،‬بأن يُظهر شدة حسرة زينب‬
‫على أخيها ‪ ‬حين علمت بدنو أجله ‪ ‬ولذا اختلق هذه الرواية وحبكها على‬
‫هذه الصورة المسيئة لزينب ‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ نقد رواية جزع زينب الكبرى ‪ ‬ولطمها خدها وشقها ثيابها لما‬
‫سمعت الحسين ‪ ‬يستعد للموت‬
‫قال أبو مخنف‪> :‬ح َّدثني الحارث بن كعب وأبو الضحاك‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحسين بن علي قال‪> :‬إ ّني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها‪،‬‬
‫ي‪،‬‬
‫وعمتي زينب عندي تمرضني‪ ،‬إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له‪ ،‬وعنده ُح َو ٌّ‬
‫مولى أبي ذر الغفاري‪ ،‬وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول‪:‬‬
‫ِاإل ْش ـ َرا ِق َو ْاألَ ِص ـي ِل‬ ‫َك ـ ْم ل َ ـ َك ب ْ ِ‬ ‫‪J‬‬ ‫َيــا َد ْهــ ُر أُ ٍّف َلــ َك ِمــ ْن َخلِيــ ِل‬
‫َوالــــ َّد ْه ُر َال يَ ْق َنــــ ُع بِا ْل َبـــ ـ ِدي ِل‬ ‫‪J‬‬ ‫اح ٍب أَ ْو ط َِالــ ٍب قَ ِتيــ ِل‬ ‫ِمــ ْن َصــ ِ‬
‫َو ُكـــلُّ َحـــ ٍّي َســـالِ ُك َّ‬
‫الســـبِي ِل‬ ‫‪J‬‬ ‫َو ِإنَّ َمـــا ْاألَ ْمـــ ُر ِإ َلـــى ا ْل َجلِيـــ ِل‬
‫قال‪ :‬فأعادها مرتين أو ثالثا حتى فهمتها‪ ،‬فعرفت ما أراد‪ ،‬فخنقتني عبرتي‪،‬‬
‫‪324‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫فرددت دمعي ولزمت السكون‪ ،‬فعلمت أن البالء قد نزل‪ ،‬فأما عمتي فإنها سمعت‬
‫ما سمعت‪ ،‬وهي امرأة‪ ،‬وفي النساء الرقة والجزع‪ ،‬فلم تملك نفسها أن وثبت‬
‫تجر ثوبها‪ ،‬وإنها لحاسرة حتى انتهت إليه‪ ،‬فقالت‪> :‬واثكاله! ليت الموت‬ ‫ُّ‬
‫أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمي وعلي أبي وحسن أخي‪ ،‬يا خليفة‬
‫الماضي‪ ،‬وثِمال(‪ )1‬الباقي<‪ ،‬قال‪ :‬فنظر إليها الحسين فقال‪> :‬يا أخية‪ ،‬ال يُذهبن‬
‫حلمك الشيطا ُن<‪ ،‬قالت‪> :‬بأبي أنت وأمي يا أبا عبد اهلل! استقتلت؟(‪ ،)2‬نفسي‬
‫غصته‪ ،‬وترقرقت عيناه‪ ،‬وقال‪> :‬لو ُترك القطا ليال لنام<(‪ ،)3‬قالت‪:‬‬ ‫فداك<‪ ،‬فر ّد ّ‬
‫>يا ويلتى‪ ،‬أفتغصب نفسك اغتصابا‪ ،‬فذلك أقرح لقلبي‪ ،‬وأشد على نفسي<!‬
‫ولطمت وجهها‪ ،‬وأهوت إلى جيبها وشقته‪ ،‬وخرت مغشيا عليها‪ ،‬فقام إليها‬
‫الحسين فصب على وجهها الماء‪ ،‬وقال لها‪> :‬يا أخية‪ ،‬اتقي اهلل وتع ِّزي بعزاء‬
‫اهلل‪ ،‬واعلمي أن أهل األرض يموتون‪ ،‬وأن أهل السماء ال يبقون‪ ،‬وأن كل شيء‬
‫هالك إال وجه اهلل الذي خلق األرض بقدرته‪ ،‬ويبعث الخلق فيعودون‪ ،‬وهو فرد‬
‫وحده‪ ،‬أبي خير مني‪ ،‬وأمي خير مني‪ ،‬وأخي خير مني‪ ،‬ولي ولهم ولكل مسلم‬
‫برسول اهلل أسوة<‪ ،‬قال‪ :‬فع َّزاها بهذا ونحوه‪ ،‬وقال لها‪> :‬يا أُخية‪ ،‬إ ّني أقسم‬
‫علي وجها‪ ،‬وال تدعي‬ ‫علي جيبا‪ ،‬وال تخمشي َّ‬ ‫فأبري قسمي‪ ،‬ال تش ِّقي َّ‬
‫عليك ِّ‬
‫ثم جاء بها حتى أجلسها عندي<(‪.)4‬‬ ‫علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت<‪ ،‬قال‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قال ابن منظور‪ :‬فالن ثمال بني فالن أي عمادهم وغياث لهم يقوم بأمرهم‪ ،‬لسان العرب (‪.)94/11‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫استقتل واستمات‪ :‬طابت نفسه بالموت‪ .‬انظر لسان العرب (‪.)93/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫القطا نوع من الطيور‪ ،‬وهذا مثل سائر‪> ،‬يضرب لمن ُح ِم َل على مكروه من غير إرادته<‪ .‬قاله‬ ‫(‪)3‬‬
‫الميداني في مجمع األمثال (‪.)174/2‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ 420/5‬ــ ‪ ،)421‬مقاتل الطالبيين (ص‪ ،)75‬أنساب األشراف (‪ ،)185/3‬ومن‬ ‫(‪)4‬‬
‫مصادر اإلمامية‪ :‬اإلرشاد للمفيد (‪ ،)94/2‬إعالم الورى (ص ‪ ،)457‬مثير األحزان (ص ‪،)36‬‬
‫بحار األنوار (‪.)45/2‬‬

‫‪325‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫والعجب كيف يَ ُروج مثل هذا الخبر المنكر على كثير من أهل األخبار‬
‫فيورده مسلِّما به دون أن يتنبه إلى ما فيه من الغرائب‪ ،‬والكالم عن هذا الخبر يقع‬
‫في أمور‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬نسبة إنشاد الشعر إلى الحسين ‪ ،‬وهذا ال يُعرف عن‬
‫(‪)1‬‬
‫ثم إن هذا الشعر هو أشبه بأشعار الجاهلية من أشعار المسلمين‪،‬‬
‫الحسين ‪ّ ، ‬‬
‫يسب بنو‬
‫فقال‪ُّ > :‬‬ ‫ضجر من الدهر‪ ،‬وهو أمر نهى عنه النبي‬‫التبرم وال َّت ُّ‬
‫إذ فيه ُّ‬
‫آدم الدهر‪ ،‬وأنا الدهر‪ ،‬بيدي الليل والنهار<(‪.)2‬‬
‫يقول الشريف الرضي جامع نهج البالغة‪ ،‬مفسرا هذا الحديث‪> :‬وذلك أ َّن‬
‫العرب كانت إذا قرعتها القوارع‪ ،‬ونزلت بها النوازل‪ ،‬وحطمتها السنون‬
‫ؤمل‪ ،‬أو حميم ُمر َّجب‪،‬‬
‫الحواطم‪ ،‬وسلبت كرائم أعالقها من مال مثمر‪ ،‬أو ولد ُم ّ‬
‫ألقت المالوم على الدهر‪ ،‬فقالت في كالمها وأسجاعها‪ ،‬وأرجازها وأشعارها‪:‬‬
‫>استقاد منَّا الدهر‪ ،‬وجار علينا الدهر‪ ،‬ورمانا بسهامه الدهر<‪ ،‬كقول القائل منهم‬
‫وهو عدي بن زيد‪:‬‬
‫وكــــذاك الــــدهر يــــودي بالرجــــال‬ ‫‪J‬‬ ‫ثــــم أمســــوا لعــــب الــــدهر بهــــم‬
‫ّ‬
‫غيرنا‬
‫وكقول اآلخر‪> :‬أكل الدهر عليهم وشرب<‪ ،‬وكقول اآلخر‪> :‬والدهر ّ‬
‫وما يتغير<‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وكل ما ينسب له من شعر إنما هو من وضع بعض المتأخرين أو الوضاعين‪ ،‬وقد جمع الدكتور‬
‫أحمد خليل جمعة جملة وافرة مما نسب إلى الحسين من األشعار في كتابه رجال أهل البيت في‬
‫ضوء القرآن والحديث (ص‪ 736‬ــ ‪ ،)743‬إال أنه ولألسف لم ينتقد منها سوى قصيدة نونية‬
‫وأخرى همزية نسبها الشبلنجي (توفي بعد ‪1308‬هـ) في نور األبصار إلى الحسين!‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪ ،)6181‬صحيح مسلم (‪.)5924‬‬

‫‪326‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫واألشعار في ذلك أكثر من أن نحيط بها‪ ،‬أو نأتي على جميعها فكأنه ‪‬‬
‫قال‪> :‬ال تذموا الذي يفعل بكم هذه األفعال‪ ،‬فإ ّن اهلل سبحانه هو المعطي‬
‫والمنتزع<<(‪.)1‬‬
‫وغالب ظني أن هذه األشعار من عمل أبي مخنف فقد تكرر في رواياته‬
‫نسبة أشعار كثيرة إلى بعض أصحاب علي ‪ ،‬مما يدل على خبرته بالشعر‪،‬‬
‫ومن كان بهذه المنزلة ال يبعد أن يول ِّد أشعارا ملفقة وينسبها لبعض الشخصيات‬
‫ثم إ َّن هذا الشعر ُمولَّد على لسان العرب القديم الذي يتناقله أهل‬
‫لتناسب أخباره‪َّ ،‬‬
‫األسمار واألشعار واألخبار ــ من أمثال أبي مخنف ــ وأما الحسين ‪ ‬فهو منزه‬
‫عن هذه السفاسف‪.‬‬
‫وقد تنبه بعضهم لما في الرواية من خلل ظاهر‪ ،‬فحاول أن يصرف هذه‬
‫األبيات عن ظاهرها بتكلف وتمحل فقال‪> :‬مراد اإلمام الحسين ‪ ‬في قوله عن‬
‫الدهر‪ ،‬فالمراد به أهل الزمان‪ ،‬الذين كانوا محل الشكاية في قول اإلمام ‪،‬‬
‫وهو استعمال مجازي أيضا وال يراد به نفس الزمان‪ ..‬أو قد يكون هذا المعنى‬
‫ــ أي أن يراد به أهل الزمان ــ هو أحد معنيي الدهر‪ ،‬أي باإلضافة لمعناه المعروف‬
‫اآلخر وهو األفالك واأليام‪ ...‬فيكون استعماله له ‪ ‬في معناه حقيقة<(‪.)2‬‬
‫وأحال هذا القائل على كتاب >األمثل في تفسير كتاب اهلل المنزل< للشيخ‬
‫اإلمامي ناصر مكارم الشيرازي‪ ،‬وجاء فيه‪> :‬استعمل الدهر في بعض التعبيرات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المجازات النبوية (ص ‪.)235‬‬
‫تسبوا‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬موقع مركز األبحاث العقائدية‪ :‬األسئلة واألجوبة<‪ :‬قسم الحديث‪ :‬حديث (ال ّ‬
‫ف لك من خليل)‪:‬‬ ‫الدهر)‪ ،‬وقول اإلمام الحسين ‪( ‬يا دهر أ ٍ‬
‫‪http://www.aqaed.com/faq/3736/‬‬

‫‪327‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫بمعنى أبناء األيام‪ ،‬وأهل الزمان الذين شكا العظماء من عدم وفائهم‪ ،‬كما نقل‬
‫ثم ذكر األبيات(‪.)1‬‬
‫في الشعر المنقول عن اإلمام الحسين ‪َّ ،<‬‬
‫نسج هذه األشعار أراد أن يجعل الحسين‬
‫وال يستقيم هذا الجواب‪ ،‬فإ َّن من َ‬
‫شبه صاحب الشعر الدهر‬‫يتألم ويتضجر من الدهر بعد أن تيقن من الموت‪ ،‬وقد ّ‬
‫بالخليل‪ ،‬ووجه الشبه هو أن الدهر ونوازله المتغيرة تلحق كل أحد وترافقه في‬
‫حياته وال تفارقه إال في النادر‪ ،‬فهو بمنزلة الخليل لإلنسان‪ ،‬والخليل هو‬
‫الم ّقرب‪.‬‬
‫الصاحب ُ‬
‫ثم إ َّن بقية األبيات تدل على المراد‪ ،‬فإن معناها‪ :‬أن الدهر ال يمر له يوم أو‬
‫ّ‬
‫ثم يصير‬
‫ليلة إال ومات فيه إنسان‪ ،‬وكل من أدركه موته فالدهر ال يبغي به بدال‪ّ ،‬‬
‫أمره إلى اهلل‪ ،‬وكل األحياء سائرون إلى الموت‪ ،‬والرواية تذكر أن علي بن‬
‫الحسين لما سمع األبيات قال‪> :‬فخنقتني عبرتي‪ ،‬فرددت دمعي ولزمت‬
‫السكون‪ ،‬فعلمت أن البالء قد نزل<‪ ،‬وعليه ال صحة لما ذكره هؤالء المتكلفون‪،‬‬
‫فلفظ األبيات ومعناها ال تعلق له بالتضجر من الناس إطالقا‪ ،‬بل هو تضجر صريح‬
‫من الدهر‪ ،‬وإذا استجاز ناصر مكارم الشيرازي حمل الدهر في أول البيت على‬
‫الناس‪ ،‬فكيف يصنع مع عجز البيت الثاني الذي فيه‪> :‬والدهر ال يقنع بالبديل<؟‪،‬‬
‫فالدهر هنا ــ بال امتراء ــ هو الزمان الذي يُنهي حياة الناس على زعم الشاعر‪،‬‬
‫وقطعا ال يمكن أن يكون الدهر هنا هم أهل الزمان! فليس للناس يد في إنهاء‬
‫اآلجال‪ ،‬فظهر أن ما أجيب به عن هذه األبيات فيه تكلف‪ ،‬وظهر وجه اإلشكال‬
‫في نسبتها إلى الحسين‪ ،‬والحق أن نسبتها إلى منتحلي الشعر من أمثال أبي مخنف‬
‫ونظرائه أليق وأنسب‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬األمثل في تفسير كتاب اهلل المنزل (‪.)221 /16‬‬

‫‪328‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫سبت هذه الرواية إلى زينب ‪ ‬أمورا عدة مستنكرة ال يمكن‬ ‫األمر الثاني‪ :‬نَ ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫ثم‬
‫أن تصدر من امرأة مثل زينب‪ ،‬فأول ذلك أنها خرجت حاسرة تجر ثوبها ‪َّ ،‬‬
‫وتحسرت على موت أبيها وأمها وأخيها‪ ،‬ومع أن‬ ‫َّ‬ ‫بعد ذلك تمنَّت الموت‪،‬‬
‫الحسين نهاها عما صنعت فقال لها‪> :‬ال يُذهبن ِحلم ِ‬
‫ك الشيطا ُن< إال أنها لم تنته!‬
‫بل ازداد جزعها حين رأت الحسين يستقبل الموت راضيا به‪ ،‬فلطمت وجهها‬
‫خرت مغشيا عليها‪ ،‬فنهاها الحسين مرة ثانية عما صنعت‬ ‫وشقت جيبها حتى ّ‬
‫ثم إ َّن الحسين لما‬
‫خية‪ ،‬اتقي اهلل وتع ِّزي بعزاء اهلل<‪َّ ،‬‬‫وأمرها بالصبر قائال‪> :‬يا أُ َّ‬
‫رأى ما وقع من زينب وهو في الحياة‪ ،‬أوصاها بأال تفعل ذلك بعد مماته قائال‪:‬‬
‫علي وجها‪،‬‬‫علي جيبا‪ ،‬وال تخمشي َّ‬ ‫فأبري قسمي‪ ،‬ال ُتش ِّقي َّ‬ ‫>إ ّني أقسم عليك ِّ‬
‫هلكت<‪.‬‬
‫ُ‬ ‫علي بالويل والثبور إذا أنا‬
‫وال تدعي َّ‬
‫والذي ال يستريب فيه الباحث هو براءة زينب من هذه األفعال التي ال‬
‫يتصور أن تصدر ممن تربى في بيت علي وفاطمة ‪ ،‬وقد ماتت فاطمة وعلي‬
‫‪ ‬في حياة زينب‪ ،‬ولم يؤثَ ْر عنها ‪ ‬أنها صنعت شيئا من هذه األفعال التي‬
‫هي هنا أفعال الجاهلية‪ ،‬فهل يظن أحد بزينب العفيفة الحي ِّية أن يحملها الجزع‬
‫على أن تخرج حاسرة عن رأسها في غير بيتها؟!‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد تنبه جعفر مرتضى العاملي لما في هذا الخبر من اإلشكال‪ ،‬فقال‪> :‬من غير المعقول أن تظهر‬
‫زينب ‪ ‬حاسرة أمام الرجال<‪ ،‬وبدل أن يحكم ببطالن الخبر حاول اإلجابة عن اإلشكال بأجوبة‬
‫باردة ومتكلفة‪ ،‬منها أن الباء في قوله‪> :‬فاعتزل أبي بأصحابه< زائدة ألنها لم ترد عند المفيد‪ ،‬وأن‬
‫ثم ادعى أن ُحوي مولى أبي ذر سيبتعد عن الحسين إذا رأى‬ ‫الصواب‪> :‬فاعتزل أبي أصحابه<‪ّ ،‬‬
‫زينب متجهة للحديث مع الحسين‪ ،‬سيرة الحسين ‪ ‬في الحديث والتاريخ (‪ ،)292/15‬وكل‬
‫هذه األجوبة ال مستند لها من روايات أبي مخنف‪ ،‬وإنما هي مخارج تلمسها العاملي للتنصل مما‬
‫في هذا الخبر من النكارة الظاهرة‪ ،‬وسيأتي لهذه األجوبة الباردة نظائر سنشير إليها‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وهل يصح أن ننسب إلى زينب أنها تمنَّت الموت لمصيبةٍ نزلت بها‪ ،‬والنبي‬
‫يقول‪> :‬ال يتمنين أحد منكم الموت لضر نزل به<(‪)1‬؟‪.‬‬
‫يقول الطبرسي ــ وهو أحد كبار المفسرين عند اإلمامية ــ‪> :‬أما ما روي عن‬
‫النبي ‪ ،‬أنه قال‪> :‬ال يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به‪ ،‬ولكن ليقل‪ :‬اللهم‬
‫أحيني ما دامت الحياة خيرا لي‪ ،‬وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي<‪ ،‬فإنما نهى‬
‫عن تمني الموت‪ ،‬ألنه يدل على الجزع والمأمور به الصبر‪ ،‬وتفويض األمور إليه‬
‫تعالى<(‪.)2‬‬
‫وقد قال أنس بن مالك ‪ ‬ــ وهو راوي الحديث ــ‪> :‬لوال أ َّن رسول اهلل‬
‫قال‪« :‬ال يتمنين أحدكم الموت< لتمنَّ ُيته<(‪.)3‬‬
‫ومالزما له‪ ،‬والظن بمن كانت حفيدة النبي‬ ‫وأنس ‪ ‬كان خادم النبي‬
‫أن تكون أولى من أنس ‪ ‬بهذا‪.‬‬
‫قد ربَّى نساء الصحابة على ترك صنائع الجاهلية‬ ‫ثم أيُعقل أ َّن النبي‬
‫َّ‬
‫من شق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بالويل‪ ،‬فقال ‪> :‬ليس منا من لطم‬
‫البراءة من‬ ‫الخدود‪ ،‬وشق الجيوب‪ ،‬ودعا بدعوى الجاهلية<(‪ ،)4‬وأعلن‬
‫الصالقة والحالقة والشاقَّة(‪ ،)5‬و>لعن الخامشة وجهها‪ ،‬والشاقَّة جيبها‪ ،‬والداعية‬
‫(‪)6‬‬
‫ثم تكون حفيدته زينب ممن ال يلتزم بترك هذه األمور؟‬ ‫بالويل والثبور< ‪َّ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫صحيح البخاري (‪ ،)6351‬و(‪ ،)5671‬و(‪.)7231‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مجمع البيان (‪.)309/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫صحيح مسلم (‪.)6280‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫صحيح البخاري (‪.)1294‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫صحيح البخاري (‪ )1296‬صحيح مسلم (‪.)200‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫مصنف ابن أبي شيبة (‪ ،)11343‬سنن ابن ماجه (‪ ،)1585‬صحيح ابن حبان (‪=،)3156‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪330‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫نترك الجواب لمن يعتقد بصحة هذه الرواية‪ ،‬وهذه الرواية على ما فيها من‬
‫النكارة الظاهرة‪ ،‬إال أنها ُتذكر في الكتب المصنفة في مقتل الحسين وسيرة زينب‬
‫بال نكير‪ ،‬ولم أقف على من اعترض على هذه الرواية سوى الدكتور اإلمامي‬
‫حسين علي الشرهاني‪ ،‬فقد علق على هذه الرواية قائال‪> :‬الكثير من المصادر‬
‫نقلت هذه الروايات دون أن تدققها أو تعترض عليها‪ ،‬وأخذتها كمسلَّمات‪...‬‬
‫لكن أصحاب هذه المصادر لم ُيعوا أن هذه الروايات تحمل بين طياتها تشويها‬
‫مب ّطنا للنهضة الحسينية‪ ،‬فليس من المعقول أ ّن السيدة زينب ‪ ‬التي يقول لها‬
‫اإلمام السجاد‪> :‬وأنت بحمد اهلل عالمة غير معلَّمة‪ ،‬فاهمة غير مف َّهمة<‪ ،‬أن تصل‬
‫في حزنها على اإلمام الحسين ‪ ‬إلى حد الجزع المفرط‪ ،‬فتلطم وجهها وتشق‬
‫جيبها وتنادي بالويل وتسير حاسرة في المعسكر كما جاء في الرواية األولى‬
‫والثانية‪ ،‬ونحن ال نستطيع أن نقبل ما جاء في هذه الروايات إطالقا‪ ،‬وذلك‬
‫لمعرفتنا بطبيعة تربية ونشأة السيدة زينب ‪ ‬في البيت النبوي<(‪.)1‬‬
‫وقال أيضا بعد أن نقل رواية نهي الحسين لزينب ‪ ‬عن أن تلطم وجهها‬
‫وتشق جيبها بعد موته‪> :‬وبعد هذا كيف نتصور أن السيدة زينب ‪ ‬تخرج حاسرة‬
‫أو تلطم وجهها أو تخمش وجهها أو تشق جيبها‪ ...‬لذلك ال نستطيع قبول أي‬
‫رواية تدل على أن السيدة زينب ‪ ‬فقدت توازنها أو خرجت عما أوصاها به‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وصححه الشيخ األلباني في صحيح سنن ابن ماجه (‪ ،)85/4‬وقد وردت نظائر هذه الروايات من‬
‫طرق اإلمامية فانظرها في كتابي‪> :‬األحاديث المشتركة في العزاء والصبر على البلوى< من‬
‫إصدارات مبرة اآلل واألصحاب (ص ‪ 41‬ــ ‪.)51‬‬
‫(‪ )1‬مقالة‪ :‬لمحات من مواقف السيدة زينب في واقعة الطف‪ ،‬منشورة بمجلة تراث كربالء التي تصدر‬
‫عن العتبة العباسية‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬العدد الثالث ‪ 1436‬ــ ‪ 1437‬هـ‪ 2015/‬م‪،‬‬
‫(ص ‪.)42‬‬

‫‪331‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫اإلمام الحسين ‪ ‬أثناء وبعد المعركة<(‪.)1‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬مقتضى هذه الرواية أ َّن زينب لم تعلم بدنو موت الحسين قبل‬
‫أن تسمع أبياته التي ينعى فيها نفسه!‬

‫وهذا مناقض للرواية التي قبلها والتي تذكر أ َّن زينب لما هرعت للحسين‬
‫بعدما سمعت صوت هجوم الجيش‪ ،‬أخبرها الحسين بأنه قد تيقن موته أل ّنه رأى‬
‫النبي ‪ ،‬فلطمت زينب وجهها ودعت بالويل‪ ،‬فلماذا يفاجئها إخبار الحسين‬
‫بانتظاره الموت‪ ،‬ولم يمر فترة طويلة على إخبار الحسين لها بأنه قد علم بدنو‬
‫أجله في الرؤيا التي رآها؟‬

‫إ َّن هذا التناقض الظاهر إنما وقع فيه أبو مخنف بسبب انهماكه في استثارة‬
‫عاطفة من يقرأ روايته أو يسمعها‪ ،‬فمراده أن يصور لنا زينب بتلك الصورة‬
‫المبتذلة‪ ،‬ويريد أن يقرر أن زينب تغلبها عواطفها وأحزانها على دينها وأخالقها‬
‫ورزانتها وحيائها كلما علمت بدنو موت أخيها‪ ،‬فأظهرها أبو مخنف بصورة ال‬
‫تليق بامرأة من أهل البيت‪ ،‬حتى يصل إلى مقصوده من استثارة عواطف من يطالع‬
‫أخباره‪ ،‬فوقع في التناقض والكذب من حيث ال يدري‪.‬‬

‫والخالصة أن من يتنبه لما في هذه الرواية من اإلزراء على الحسين وزينب‬


‫‪ ‬وما نُسب إليها من أقوال وأفعال مستنكرة‪ ،‬مع مناقضتها لرواية سابقة ال يتأخر‬
‫في ردها واطراحها والحكم عليها بالوضع واالفتعال‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المصدر السابق (ص ‪.)46‬‬

‫‪332‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫‪ 3‬ــ نقد رواية جزع زينب ‪ ‬لما قتل علي األكبر بن الحسين ‪‬‬
‫قال أبو مخنف‪> :‬ح َّدثني سليمان بن أبي راشد‪ ،‬عن ُحميد بن مسلم‬
‫األزدي‪ ،‬قال‪ :‬سماع أذني يومئذ من الحسين يقول‪> :‬قتل اهلل قوما قتلوك يا بني!‬
‫ما أجرأهم على الرحمن‪ ،‬وعلى انتهاك حرمة الرسول! على الدنيا بعدك العفاء<‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي‪:‬‬
‫أخياه!< قال‪ :‬فسألت عليها‪ ،‬فقيل‪> :‬هذه زينب ابنة فاطمة ابنة‬
‫أخياه! ويا ابن ّ‬
‫>يا ّ‬
‫رسول اهلل <‪ ،‬فجاءت حتى أكبت عليه‪ ،‬فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها‬
‫إلى الفسطاط<(‪.)1‬‬
‫إ َّن اليد التي صنعت هذه الرواية هي نفس اليد التي صنعت الروايتين اللتين‬
‫قبلها وإن ّنوعت في أسانيدها فنسبتها تارة إلى حميد بن مسلم وتارة إلى علي بن‬
‫الحسين ‪ ،‬إذ أننا نجد نفس حبكة الروايتيين السابقتين تتكرر في هذه الرواية‪،‬‬
‫المصاب هذه المرة ليس هو الحسين بل هو أحد أبنائه‪ ،‬وتفصيل الكالم‬ ‫َ‬ ‫إال أن‬
‫عن هذه الرواية يقع في أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬في هذه الرواية جرأة منكرة من صانعها على زينب ‪ ،‬فقد حمله‬
‫التمادي على أن يتجرأ على حرمة زينب ‪ ‬ويشبِّهها بالشمس الطالعة ــ ملمحا‬
‫إلى ُحسنها وجمالها ــ‪ ،‬وقد جاء عند ابن كثير‪> :‬وخرجت جارية كأنها الشمس‬
‫أخياه‪ .‬فإذا هي زينب بنت علي من فاطمة<(‪.)2‬‬
‫أخياه ويا ابن ّ‬
‫حسنا‪ ،‬فقالت‪ :‬يا ّ‬
‫والظاهر أن ابن كثير أورد الرواية بالمعنى‪ ،‬ومقتضى هذه الرواية أن زينب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪ ،)446/5‬مقاتل الطالبيين (ص ‪.)115‬‬
‫(‪ )2‬البداية والنهاية (‪.)545/11‬‬

‫‪333‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫خرجت كاشفة عن وجهها أمام األجانب‪ ،‬وال ريب أن أي عاقل ال يقبل أن ينسب‬
‫وبنت فاطمة وعلي ‪ ،!‬وقد‬ ‫ذلك إلى أحد من أهله‪ ،‬فكيف بحفيدة النبي‬
‫رد جعفر مرتضى العاملي رواية في كتاب أخبار الزينبات لمثل هذه العلة فقال‪:‬‬
‫>إن السيدة زينب لم تكن امرأة (برزة) أي من النساء اللواتي يبرزن ويكشفن‬
‫وجههن للرجال األجانب‪ ،‬بل كانت من أشد الناس تحفظا في سترها‪ ،‬وسكونا‬
‫إلى خدرها‪ ...‬فمن تخاطب يزيد بهذا الخطاب الحاسم والحازم هل يمكن أن‬
‫تكشف وجهها لعبد اهلل بن عبد الرحمن األنصاري أو غيره؟!<(‪.)1‬‬
‫وقال في موضع آخر >ومن الواضح‪ :‬أن زينب العقيلة لم تكن لتكشف‬
‫وجهها!<(‪.)2‬‬
‫والعجب من التستري في >قاموسه<‪ ،‬حيث إنه انتقد صاحب أخبار‬ ‫ُ‬
‫الزينبات حين ذكر رواية عن عبد اهلل بن عبد الرحمن األنصاري جاء فيها‪> :‬رأيت‬
‫بأيام‪ ،‬فواهلل! ما رأيت مثلها وجها كأ ّنه ش ّقة‬
‫علي بمصر بعد قدومها ّ‬‫زينب بنت ّ‬
‫بتضمنه مثل ما كتب!!<(‪،)3‬‬‫قمر<‪ ،‬فقال التستري‪> :‬وكفى خزيا لصاحب الكتاب ّ‬
‫إال أنه ْقبل هذا الموضع‪ ،‬قد ذكر هذه الرواية التي ورد فيها أن زينب كالشمس‬
‫(‪)4‬‬
‫منكر‪ ،‬وتشبيهها‬ ‫ٌ‬ ‫بالقمر‬ ‫زينب‬ ‫تشبيه‬ ‫فهل‬ ‫‪،‬‬ ‫الطالعة‪ ،‬ولم يعلق عليها بشيء!!‬
‫بالشمس مباح!!‬
‫الثاني‪ :‬في هذه الرواية يجهل حميد بن مسلم شخصية زينب‪ ،‬فنراه يسأل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب ورقية في الشام (ص ‪ 60‬ــ ‪.)61‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫كربالء فوق الشبهات الطبعة السادسة (ص ‪.)129‬‬ ‫(‪(2‬‬
‫قاموس الرجال (‪.)42/11‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫قاموس الرجال (‪.)424/7‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪334‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫عن اسمها بعد أن سمعها ورآها!‪ ،‬بينما في رواية سابقة نجد حميد بن مسلم‬
‫يعرف زينب‪ ،‬فهو يقول حين انطلق جيش ابن زياد للهجوم على الحسين ‪‬‬
‫وأنصاره‪> :‬سمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها<‪ ،‬فكيف كان حميد بن‬
‫مسلم يعلم من هي زينب وقتها ثم بعدها نراه يسأل عنها ليعرف من هي؟‬
‫فإن قيل‪ :‬لعله في أول األمر ــ حين حمل جيش ابن زياد على الحسين ــ‬
‫لم يكن حميد بن مسلم يعرف زينب‪ ،‬لكنه سمع كالمها مع أخيها فحفظه‪ ،‬ثم‬
‫عرفها بع ُد فصار يحدث بأخبارها‪ ،‬فالجواب عن هذا‪ :‬ما الذي حمل حميد بن‬
‫مسلم على أن يسأل عن اسم زينب في الواقعة الثانية دون األولى؟ أما كان عليه‬
‫ثم إ ّن الزم هذا التبرير هو أن زينب كانت كاشفة‬
‫أن يعلم بشخصها أول مرة يراها‪ّ ،‬‬
‫لوجهها طوال الوقت أمام األجانب‪ ،‬وهذا فيه أيضا ح ٌّط من قدر زينب وحجابها‬
‫تبر ُز في كل وقت دون أن تهتم‬‫صورتها هذه الروايات على أنها ُ‬
‫وعفتها وحيائها إذ َّ‬
‫بسترها‪ ،‬ــ وهو أهم شيء لدى النساء في الزمن األول ــ!!‪ ،‬ثم إن هذا التبرير ال‬‫ِ‬
‫سمى له زينب‪ ،‬فالمفروض أن من في‬ ‫يعين من ّ‬
‫يتم‪ ،‬وذلك أن حميد بن مسلم لم ّ‬
‫كن مع الحسين ألنهم غرباء عن‬ ‫جيش ابن زياد ال يعرفون أسماء النساء اللواتي ّ‬
‫أهل البيت وكلهم من أهل الكوفة‪ ،‬فمن الذي عرف أن هذه المرأة هي زينب ال‬
‫غيرها وأخبر حميد بن مسلم بذلك؟‪ ،‬ال يتصور أن يكون هذا المخبر من أهل‬
‫بيت الحسين ألنهم وقتها ــ حسب رواية أبي مخنف ــ كانوا منهمكين في القتال‪،‬‬
‫ثم ال يتصور أيضا أن يسأل من في جيش ابن زياد عن امرأة من أهل بيت الحسين‪،‬‬
‫فيجيبه من كان مع الحسين بأنها زينب بنت علي‪ ،‬وكأن الموقف موقف تحاور‬
‫وليس موقف قتال!!‬
‫وقد تنبه الشيخ جعفر مرتضى العاملي ــ من اإلمامية ــ لهذا اإلشكال فقال‬
‫‪335‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫معلقا على هذه الرواية‪> :‬زينب الحوراء كانت مخدرة ومحجوبة عن نظر الناس‬
‫إليها‪ ،‬فكيف يمكن أن يعرفها أفراد ذلك الجيش المشؤوم من مجرد رؤية وجهها‬
‫إن كان قد انكشف‪ ،‬فإن وجوه المخدرات لم تكشف إال بعد استشهاد اإلمام‬
‫الحسين ‪ ،‬وسبي العيال واألطفال‪ ،‬مع أنها لم تكن لتكشف وجهها باختيارها‬
‫أمام ذلك الجيش في أي من الظروف واألحوال<(‪.)1‬‬
‫ثم إ َّن هذا ال يناسب ما جاء في رواية علي بن الحسين من أن زينب إنما‬
‫َّ‬
‫خرجت حاسرة لما سمعت الحسين ينعى نفسه بأبيات من الشعر‪ ،‬ومقتضى هذه‬
‫الواقعة أن أحدا من األجانب لم يكن هناك‪ ،‬وأن زينب إنما حسرت عن وجهها‬
‫في مكان ال يراها فيه إال محارمها‪ ،‬وعلى هذا فحميد بن مسلم ال يمكن أن يميز‬
‫وقتها تلك المرأة ويعلم أنها زينب‪.‬‬
‫ثم إ َّن رواية حميد بن مسلم تمعن في اإلساءة إلى زينب وتصورها بصورة‬‫َّ‬
‫المهملة لسترها عند نزول المصائب‪ ،‬وحاشاها من ذلك‪ ،‬وقد أشكلت هذه الرواية‬
‫على جعفر مرتضى العاملي‪ ،‬فحاول اإلجابة عنها بعدة أوجه فيها تكلف ظاهر‪ ،‬حيث‬
‫لجأ إلى بعض الروايات التي وردت في مصادر متأخرة وغير موثوق بها وأتى بنظرية‬
‫جديدة زاعما أن الرواة اختلط عليهم األمر وأن زينب كانت مستورة وكانت بجنبها‬
‫أم ولد للحسين اسمها ليلى‪ ،‬وأن ليلى هي من كشفت وجهها!‬
‫والذي أدى بجعفر مرتضى إلى اختراع هذه النظرية األقرب إلى األسطورة‬
‫هو اإلشكال الذي واجهه في هذه الرواية‪ ،‬ولذا يقول‪> :‬وبالنسبة لكشف وجهها‬
‫فال يبعد أنه لم يكن يعرف أن شأن السيدة زينب يجل عن أن تكشف وجهها أمام‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كربالء فوق الشبهات (ص ‪.)102‬‬

‫‪336‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫المأل‪ ،‬وربما كان يقيس األمور على نفسه وعلى أمثاله من الفسقة والفجرة الذين‬
‫ال يرجعون إلى دين وال ينتهون إلى وجدان‪ ..‬هذا كله‪ ..‬إن لم نسوغ ألنفسنا‬
‫احتمال التحريف والسهو من قبل نقلة هذه األخبار‪ ..‬وقديما قيل‪ :‬ما آفة األخبار‬
‫إال رواتها‪.)1(<..‬‬
‫وأنا أقول‪ :‬وما آفة مرتضى إال أنه حاطب ليل‪ ،‬يترك االعتماد على المصادر‬
‫األصلية‪ ،‬ويلجأ إلى مصادر متأخرة لكي يأتي بنظريات غريبة وعجيبة!‬
‫الثالث‪ :‬نالحظ في هذه الرواية أمرا غريبا وغير معهود في لسان العرب‪،‬‬
‫وهو نسب ُة زينب إلى أمها فاطمة ‪ ‬دون أبيها علي ‪ ،‬فإن حميد بن مسلم لما‬
‫سئل عن اسم زينب أجابه مجيب فقال‪> :‬هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول اهلل‬
‫ويندر أن تجد‬
‫ُ‬ ‫<(‪ ،)2‬وهذا خالف عادة العرب في نسبة الناس إلى آبائهم!‪،‬‬
‫في كالمهم نسبة الرجل إلى أمه إال لنكتة ما(‪ ،)3‬أما أن يكون ذلك ديدن من يذكر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كربالء فوق الشبهات (ص ‪.)103‬‬
‫(‪ )2‬وقد وقع في رواية أبي الفرج األصفهاني في مقاتله (ص ‪ )115‬وفي الفتوح المنسوب البن أعثم‬
‫(‪> :)122/5‬هذه زينب بنت علي<‪ ،‬والظاهر أن هذا من تصرف األصفهاني أو أن نسخته من مقتل أبي‬
‫مخنف كانت كذلك‪ ،‬وقد مضى أن طريقه إلى أبي مخنف مختلف عن طريق الطبري‪ ،‬وفي اإلرشاد‬
‫للمفيد (‪ )115/2‬مثل ما في الطبري‪ ،‬وسيأتي تكرر نسبة زينب إلى أمها في روايات أبي مخنف‪ ،‬انظر‬
‫تاريخ الطبري (‪ ،)452/5‬و(‪ ،)456/5‬و(‪ ،)457/5‬أما كتاب الفتوح فسيأتي الكالم عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬مثل قول ابن عمر ‪> :‬أهل العراق يسألون عن الذباب‪ ،‬وقد قتلوا ابن ابنة رسول اهلل ‪،‬‬
‫وقال النبي ‪> :‬هما ريحانتاي من الدنيا<<‪ ،‬صحيح البخاري (‪ ،)3753‬ونظير ذلك قول الناس‬
‫التي عندك‪ ،‬يريدون أم كلثوم بنت علي<‪ ،‬صحيح البخاري‬ ‫لعمر‪> :‬أعط هذا ابنة رسول اهلل‬
‫(‪ ،)2881‬فإنما أريد بذلك التنبيه على منزلة الحسين ‪ ‬وأم كلثوم ‪ ‬من النبي ‪ ،‬ومثل‬
‫اشتهار اسم محمد بن علي‪ ،‬بابن الحنفية‪ ،‬فإنما ذلك ألن عليا ‪ ‬كان له ثالثة من الولد سماهم‬
‫محمدا‪ ،‬فأريد تمييز محمد األكبر ــ وهو ابن الحنفية ــ من بقية أوالد علي بنسبته إلى أمه الحنفية‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫زينب فيتكرر منه غير ما مرة‪ ،‬فهذا فيه تأمل‪ ،‬وقديما قيل‪> :‬إن وراء األكمة ما‬
‫وراءها<‪ ،‬والذي يظهر أن صانع الرواية أراد استمالة عاطفة قراء روايته‪ ،‬بأن يركز‬
‫على انتساب زينب إلى فاطمة بضعة النبي ‪ ،‬والذي يؤكد هذا تكرر هذا‬
‫الصنيع مع الحسين ‪ ‬أيضا‪ ،‬فترى نسبة الحسين ‪ ‬إلى أمه فاطمة ‪ ‬دون‬
‫أبيه‪ ،‬في مواضع كثيرة من روايات أبي مخنف من عدة قائلين(‪ ،)1‬وعليه فما وراء‬
‫التركيز على بنوة زينب لفاطمة إنما هو أغراض وأهواء أبي مخنف‪ ،‬وهذا ما يفسر‬
‫تكرر ذلك في الروايات المنسوبة لزينب ‪ ‬أيضا‪ ،‬وبذلك يتبين أن هذه الرواية‬
‫ال تختلف عن أخواتها في كونها مصنوعة ومنسوجة من أبي مخنف‪ ،‬واهلل‬
‫المستعان‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ نقد رواية حبس زينب الكبرى ‪ ‬لغالم من أهل الحسين ‪ ‬ليلحق‬
‫به في القتال‬
‫روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم أنه قال‪:‬‬
‫غالم من أهله‪ ،‬فأخذته أخته زينب ابنة علي لتحبسه‪ ،‬فقال‬ ‫>وأقبل إلى الحسين ٌ‬
‫لها الحسين‪> :‬احبسيه<‪ ،‬فأبى الغالم‪ ،‬وجاء يشتد إلى الحسين‪ ،‬فقام إلى جنبه‬
‫قال‪ :‬وقد أهوى بحر بن كعب ــ من بني تيم اهلل بن ثعلبة بن عكابة ــ إلى الحسين‬
‫بالسيف‪ ،‬فقال الغالم‪> :‬يا ابن الخبيثة‪ ،‬أتقتل عمي؟<‪ ،‬فضربه بالسيف‪ ،‬فاتقاه‬
‫الغالم بيده فأطنَّها(‪ )2‬إال الجلدة‪ ،‬فإذا يده معلقة‪ ،‬فنادى الغالم‪> :‬يا أمتاه!<‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر تاريخ الطبري (‪ )385/5‬من قول عبد اهلل بن الزبير‪ )398/5( ،‬من قول عبد اهلل بن بقطر‪،‬‬
‫(‪ )429/5‬من قائل مجهول‪ )433/5( ،‬من قول امرأة اسمها النوار بنت جابر‪ )454/5( ،‬من‬
‫قول الناس‪ )465/5( ،‬من قول هند زوجة يزيد‪ )470/5( ،‬من قول عبيد اهلل بن الحر‪.‬‬
‫(‪ )2‬في المطبوع فأظنها والصواب هو ما أثبته‪ ،‬أ َطنَّها أي قطعها‪ ،‬انظر لسان العرب (‪.)269/13‬‬

‫‪338‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫فأخذه الحسين فضمه الى صدره‪ ،‬وقال‪> :‬يا ابن أخي‪ ،‬اصبر على ما نزل بك‪،‬‬
‫وعلي‬ ‫واحتسب في ذلك الخير‪ ،‬فإن اهلل يلحقك بآبائك الصالحين برسول اهلل‬
‫ابن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن علي‪ ،‬صلى اهلل عليهم أجمعين<(‪.)1‬‬
‫والكالم عن هذه الرواية يقع في أمور‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬هذه الرواية إنما أريد بها إيقاد عواطف من يقرأها كما هو ديدن‬
‫أبي مخنف في الروايات السابقة‪ ،‬ولذا جاءت في صورة مأساوية كسائر روايات‬
‫أبي مخنف لمقتل الحسين‪ ،‬فترى فيها التركيز على وصف دقائق األمور‪ ،‬كما‬
‫أنها ال تختلف عما سبقها من الروايات التي تبالغ في إظهار توجع وتفجع الحسين‬
‫وأهل بيته ‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬نسج أبو مخنف هذه الرواية على حبكة سابقة‪ ،‬فتأمل معي‬
‫خبرا آخر من رواية أبي مخنف في واقعة أخرى لترى تكرر األحداث مع اختالف‬
‫الوقائع‪ :‬قال أبو مخنف‪> :‬حدثني سليمان بن أبي راشد‪ ،‬عن حميد بن مسلم‪،‬‬
‫قال‪ :‬خرج إلينا غالم كأن وجهه شقة قمر‪ ،‬في يده السيف‪ ،‬عليه قميص وإزار‬
‫ونعالن قد انقطع شسع أحدهما‪ ،‬ما أنسى أنها اليسرى‪ ،‬فقال لي عمرو بن سعد‬
‫ابن نفيل األزدي‪> :‬واهلل ألشد َّن عليه<‪ ...،‬فش َّد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه‬
‫بالسيف‪ ،‬فوقع الغالم لوجهه‪ ،‬فقال‪> :‬يا عماه!< قال‪ :‬فجلى الحسين كما يجلى‬
‫ثم ش ّد ش ّدة ليث غضب‪ ،‬فضرب عمرا بالسيف‪ ،‬فاتقاه بالساعد‪،‬‬ ‫الصقر‪ّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم تنحى عنه‪ ...‬وانجلت الغبرة‪ ،‬فإذا أنا‬
‫فأطنها من لدن المرفق‪ ،‬فصاح‪َّ ،‬‬
‫بالحسين قائم على رأس الغالم‪ ،‬والغالم يفحص برجليه‪ ،‬وحسين يقول‪> :‬بُعدا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)451/5‬‬
‫(‪ )2‬في المطبوع فأظنها‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫لقوم قتلوك‪ ،‬ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك<‪ ...‬فسألت عن الغالم‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫>هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب<<(‪.)1‬‬
‫وأنت ترى أيها القارئ تكرر دفاع الغالمين عن عمهما الحسين ‪،‬‬
‫وتكرر قطع يد أحد المتبارزين‪ ،‬لكن اليد المقطوعة في قضية القاسم كانت يد‬
‫قاتله عمرو بن سعد بن نفيل‪ ،‬أما في روايتنا فيد الغالم هي التي قطعت!‪ ،‬وترى‬
‫أيضا تكرر جلَ ِد الحسين وصبره ودعائه على قتلة أهله‪ ،‬فيا ترى كيف وقع هذا‬
‫التشابه واالتفاق في واقعتين مختلفتين؟(‪ ،)2‬ولم يتخلف في رواية الغالم سوى‬
‫بيان صورة موته‪ ،‬ألن مقتضى قول الحسين له‪> :‬فإن اهلل يلحقك بآبائك‬
‫وعلي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن‬ ‫الصالحين‪ ،‬برسول اهلل‬
‫علي<‪ ،‬أن أجله دنا وأنه سيستشهد مثل من سبقه من أهل البيت‪.‬‬
‫ومن عادة الوضاعين والكذابين أن يعمدوا إلى تكرار خبر ما مع تغيير بعض‬
‫التفاصيل كما هو دأب أبي مخنف ونظرائه‪ ،‬فبان لك أن هذه الرواية منسوجة على‬
‫رواية سابقة‪ ،‬وإنما وقع االختالف في تفاصيل يسيرة‪ ،‬منها إقحام زينب في هذه‬
‫القصة‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬في هذه الرواية شخصان ال يُدرى من هما‪:‬‬
‫األول‪ :‬الغالم الذي قطعت يده‪ ،‬وهو ابن أخ للحسين‪ ،‬ألن الرواية تقول‬
‫ِين عن‬
‫إنه قال لبحر بن كعب‪> :‬أتقتل عمي<؟ وبعد البحث والتتبع‪ ،‬لم أجد ما يُب ُ‬
‫اسمه‪ ،‬وقد وقع عند المفيد في إرشاده أنه عبد اهلل بن الحسن بن علي ‪ ،‬وقد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)447/5‬‬
‫(‪ )2‬ويبدو أن هذا التشابه هو ما أوقع بعض المتأخرين في الغلط فخلطوا بين القصتين وجعلوهما‬
‫واحدة‪ ،‬انظر الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪.)881‬‬

‫‪340‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫تفرد المفيد بهذا دون سائر من روى عن أبي مخنف هذا الخبر(‪.)1‬‬
‫والظاهر أن هذا ما ظنه المفيد ال ما وقف عليه في مقتل أبي مخنف‪ ،‬وإال‬
‫فأبو مخنف قد نص على أن قاتل عبد اهلل بن الحسن ‪ ‬هو حرملة بن‬
‫الكاهل(‪ ،)2‬وعليه فالغالم المذكور في هذه الرواية غير معلوم االسم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬بحر بن كعب التيمي الذي نسب إليه أبو مخنف أنه تسبب في قطع‬
‫يد هذا الغالم‪ ،‬وهو رجل ال ذكر له إال في رواية أبي مخنف‪ .‬وإن سلَّمنا ألبي‬
‫معروف‪ ،‬فإنا ال نسلم له في إبهام اسم الغالم‬
‫ٌ‬ ‫مخنف بأن بحر بن كعب التيمي هذا‬
‫الذي قطعت يده دفاعا عن عمه الحسين ‪ ،‬وذلك أن الذين قتلوا مع الحسين‬
‫من أبناء أخيه معروفون كلهم‪ ،‬وهم ثالثة‪ :‬القاسم وعبد اهلل وأبو بكر بنو الحسن‪،‬‬
‫وقد ذكر أبو مخنف قتلَ َتهم وليس فيهم بحر بن كعب(‪ ،)3‬وأما الحسن المثنى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلرشاد (‪ ،)110/2‬ومال إلى ذلك الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ 881‬ــ‬
‫‪ ،)883‬وال أدري كيف قطع بذلك وهو يرى أن الطبري وأبا الفرج األصفهاني نقال هذه الرواية‬
‫عن أبي مخنف ولم يذكرا أن اسم الغالم هو عبد اهلل بن الحسن‪ ،‬كما أن الريشهري وقف على‬
‫تنصيص ابن سعد والكلبي وأبي الفرج األصفهاني على أن من قتل عبد اهلل بن الحسن هو حرملة‬
‫ابن الكاهل‪ ،‬أما هذا الغالم الذي لم يعلم اسمه فقاتله حسب رواية أبي مخنف هو بحر بن كعب‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ ،)468/5‬وهذا ما قرره ابن سعد في طبقاته (‪ )442/6‬ووقع عنده ابن حرملة‬
‫الكاهلي‪ ،‬وهذا ما قاله البالذري في أنساب األشراف (‪ )201/3‬ــ وفيه عبد اهلل بن حسين ولعل‬
‫الصواب‪ :‬بن حسن ــ‪ ،‬ونقله الشجري عن الفضيل بن الزبير الكوفي كما في ترتيب األمالي‬
‫الخميسية (‪ ،)225/1‬وقد طبع محمد رضا الجاللي رواية الفضيل بن زبير في كتاب مستقل‬
‫وسماه‪ :‬تسمية من قتل مع الحسين‪ ،‬فراجع (ص ‪ )28‬ونقل أبو الفرج األصفهاني في مقاتله‬
‫(ص ‪ )93‬ذلك عن أبي جعفر الباقر‪ ،‬ونقل عن المدائني بإسناده عن هانئ بن ثبيت القابضي أن‬
‫رجال منهم قتله‪.‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ الطبري (‪.)469/5‬‬

‫‪341‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وعمر بن الحسن ‪ ‬فإن أبا مخنف ذكر أنهما استصغرا فلم يقتال(‪ ،)1‬فمن يكون‬
‫هذا الغالم الذي غفل الناس عن اسمه ولم يعرفوه؟‪.‬‬
‫ومن الطرائف العجيبة أ َّن دأب حميد بن مسلم هو السؤال عمن ال يعرفه‪،‬‬
‫فقد سأل عن زينب حتى ُع ِّرفها‪ ،‬وسأل عن اسم القاسم بن الحسن فأُخبر باسمه‪،‬‬
‫ولكنه هذه المرة لم يسأل عن اسم هذا الغالم‪ ،‬فصار اسمه ضائعا‪ ،‬والحقيقة أن‬
‫أبا مخنف هو صانع هذا الغالم الذي لم تلده أرحام النساء‪ ،‬وذلك أن الذين‬
‫خرجوا مع الحسين معدودون ومعلومون‪ ،‬قتل منهم ستة عشر أو سبعة عشر رجال‬
‫عرفت أسماؤهم كلهم(‪ ،)2‬فكيف يُجهل اسم أحدهم ويبقى غير معلوم وال يكون‬
‫له ذكر وال خبر إال في رواية أبي مخنف‪ ،‬إن الحقيقة والواقع أن أبا مخنف أراد‬
‫أن يكرر مشاهد القتل والمأساة التي تثير عواطف قراء مقتله‪ ،‬لكنه خشي إن صرح‬
‫باسم هذا الغالم أن يفتضح ألن من كان مع الحسين معلومون مشهورون‪ ،‬فأبهم‬
‫اسم هذا الغالم حتى يتمكن من تمشية هذه الحكاية على من ال يعلم حقائق‬
‫األمور‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ نقد رواية خروج زينب الكبرى ‪ ‬وحسرتها على الحسين ‪‬‬
‫واستعطافها عمر بن سعد‬
‫الرجالة‬
‫روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم أ ّن ّ‬
‫لما أحاطوا بالحسين ليقتلوه >خرجت زينب ابنة فاطمة أخته‪ ،‬وكأني أنظر إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)469/5‬‬
‫(‪ )2‬انظرها من رواية أبي مخنف‪ ،‬في تاريخ الطبري (‪ )469/5‬ومن رواية غيره في‪ :‬تاريخ خليفة بن‬
‫خياط (ص ‪ ،)234‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )103/3‬المحن ألبي العرب (ص ‪،)155‬‬
‫المعقبون من ولد أمير المؤمنين (ص ‪ 95‬ــ ‪ ،)97‬وتسمية من قتل مع الحسين للفضيل بن الزبير‬
‫(ص ‪ 27‬ــ ‪ )29‬ووقع عنده تسمية تسعة عشر ممن قتلوا مع الحسين‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫قرطها يجول بين أذنيها وعاتقها وهي تقول‪> :‬ليت السماء تطابقت على‬
‫األرض!<‪ ،‬وقد دنا عمر بن سعد من حسين‪ ،‬فقالت‪> :‬يا عمر بن سعد‪ ،‬أيقتل‬
‫أبو عبد اهلل وأنت تنظر إليه؟< قال‪ :‬فكأني أنظر إلى دموع عمر وهي تسيل على‬
‫خ ّديه ولحيته‪ ،‬قال‪ :‬وصرف بوجهه عنها<(‪.)1‬‬
‫وتأتي هذه الرواية على صورة قريبة من روايات حميد بن مسلم المعهودة‪،‬‬
‫إال أنها تتميز عن بقية الروايات باإلغراق في الوصف والتفاصيل وبيان ذلك يقع‬
‫في أمور‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬تزعم هذه الرواية أن زينب خرجت مسرعة حاسرة وكاشفة عن‬
‫وجهها مجددا أمام جماعة من الرجال‪ ،‬لدرجة أن حميد بن مسلم رأى قرط زينب‬
‫يهتز‪ ،‬ورأى عاتقها مكشوفا أيضا‪ ،‬وهنا يتساءل الباحث‪ :‬كيف لزينب أن تخرج‬
‫ثم أين‬
‫بهذه الصورة المنكرة والتي ال تليق بامرأة حيية أمام كل هؤالء الرجال؟! َّ‬
‫الحسين من اإلنكار على أخته وهو يراها بتلك الصورة؟ هل يتصور أن الحسين‬
‫وتبرز للرجال بال حجاب من أجل الدفاع عنه؟‬
‫يسمح ألخته بأن تعصي ربها ُ‬
‫لعل الحسين سكت عن ذلك ألنه ظن أن القوم إن رأوا أخته على‬ ‫ال يقال‪َّ :‬‬
‫تلك الصورة امتنعوا عن قتله‪ ،‬فيجاب عن ذلك بأن مقتضى الروايات السالفة هو‬
‫وهو يخبره‬ ‫أ َّن الحسين كان متيقنا من قتله‪ ،‬ففيها أ َّن الحسين رأى النبي‬
‫بلحاقه به‪ ،‬كما أ ّنه نعى نفسه بأبيات من الشعر‪ ،‬وقد سمعت كل ذلك زينب‪ ،‬فما‬
‫الذي حملها على أن تصنع ما صنعت وهي تعلم أن الحسين مقتول قطعا‪ ،‬الجواب‬
‫هو أن صانع هذه الرواية إنما أراد اإلمعان في التصوير المأساوي لمقتل الحسين‬
‫كما هي عادته‪ ،‬ولذا أخرج هذه الرواية بهذه الصورة المبتذلة التي تسيء إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)452/5‬‬

‫‪343‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫زينب والحسين ‪ ‬وهما براء من ذلك‪.‬‬


‫األمر الثاني‪ :‬إ ّن من العجيب والغريب أن أبا مخنف روى قبل هذه الرواية‬
‫عن حميد بن مسلم(‪ )1‬أ َّن شمر بن ذي الجوشن ومن معه لما حالوا بين الحسين‬
‫رحله الذي فيه أهله قال لهم‪> :‬ويلكم إن لم يكن لكم دين‪ ،‬وكنتم ال تخافون‬
‫وبين ْ‬
‫يوم المعاد‪ ،‬فكونوا في أمر دنياكم أحرارا ذوي أحساب‪ ،‬امنعوا رحلي وأهلي من‬
‫طغامكم وجهالكم<(‪ ،)2‬فالحسين هنا قد غار على أهله لمجرد اقتراب الرجال من‬
‫مكانهم‪ ،‬إال أنه في هذه الرواية ال يصدر منه أي إنكار لما صنعته زينب وهي‬
‫تخرج بتلك الصورة!‪ ،‬وإلصاق هذا التناقض بأبي مخنف وأمثاله من األخباريين‬
‫هو األولى‪ ،‬أما الحسين فبرئ من هذه االفتراءات‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬في هذه الرواية مبالغة كبيرة في حكاية دقائق التفاصيل مما‬
‫ال يعرف عن رواة القرن األول‪ ،‬بل إن تصور تفرغ حميد بن مسلم لتتبع هذه‬
‫الدقائق في خضم المعركة أمر مستبعد‪ ،‬فهو تارة يدقق في صورة خروج زينب‬
‫لدرجة أن يشير الهتزاز قرطها في أذنها!‪.‬‬
‫وكذلك نراه يتتبع دموع عمر بن سعد حتى سالت على خديه ولحيته‪ ،‬وكأن‬
‫حميد بن مسلم أوكلت إليه مهمة تتبع تقاسيم وجوه الناس في المعركة‪ ،‬وهذا غير‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قد يظن من لم يأنس بطريقة الكلبي في رواية مقتل أبي مخنف أن هذا الخبر رواه أبو مخنف بال‬
‫إسناد‪ ،‬ولكن المحق ََّق أن هذا الخبر هو تتمة رواية أبي مخنف عن حميد بن مسلم‪ ،‬وذلك أن‬
‫الكلبي قد قطع رواية حميد بن مسلم ليذكر عدة أخبار من رواية نفسه ثم رجع إلى رواية أبي‬
‫مخنف التي توقفت عند حميد‪ ،‬وبيَّن الطبري ذلك فقال‪> :‬قال أبو مخنف في حديثه‪ <...‬ثم‬
‫ذكر الخبر بدون أن يبين إسناد أبي مخنف فيه‪ ،‬وذلك ألنه تتمة لرواية أبي مخنف عن حميد بن‬
‫مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ ،)450/5‬طبقات ابن سعد (‪.)440/6‬‬

‫‪344‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫معهود في أخبار األولين‪ ،‬وغير معقول في مثل حميد بن مسلم وهو رجل ينبغي‬
‫أن ينهمك في أمور القتال والحرب ال في تفاصيل الوقائع واألحداث‪ ،‬والحق أن‬
‫اإلغراق في التفاصيل أمر معهود في روايات أبي مخنف‪ ،‬فهو بالء هذه األخبار‪.‬‬
‫وعصب جنايتها‬
‫وقد رفض الباحث اإلمامي عقيل الحمداني هذه الرواية‪ّ ،‬‬
‫بحميد بن مسلم فقال‪> :‬كيف استطاع حميد بن مسلم أن يصل إلى خيمة نساء آل‬
‫عبد المطلب أو بقربها ومن ثم ينظر الى قرطي زينب يجوالن بأذنيها<‪.‬‬
‫وقال أيضا‪> :‬أين ذهبت الغيرة الحسينية بحيث يجعل رجال من أعداء‬
‫الحسين ‪ ‬بحيث يقترب من أخته ويرى قرطيها يجوالن في أذنيها‪ ،‬والمسافة‬
‫ربما لم تكن أكثر من ‪ 10‬أمتار كي يرى بوضوح األقراط وهي تجول بأذنها أو‬
‫وجو كربالء يومها كان مغبرا من حركة الخيل‬‫ربما المسافة أقل‪ ،‬ألن أرض ّ‬
‫والرجال‪ ،‬فكيف يدع الحسين ‪ ‬رجال أجنبيا يقترب كثيرا على زينب العقيلة‬
‫حتى يصفها وينظر إلى ما خرج من جسدها كما زعموا<‪ ،‬ولذلك جعل هذه الرواية‬
‫موضوعة ومسيئة إلى زينب ‪.)1(‬‬
‫وك َّذب جعفر مرتضى العاملي هذه الرواية ظانا أنها من رواية عبد اهلل‬
‫البارقي(‪ ،)2‬فقال تحت عنوان >أكذوبة البارقي على زينب‪ :‬والبارقي هذا زعم أنه‬
‫رأى زينب بنت علي وفاطمة ‪ ‬قد خرجت قال‪ :‬وكأني أنظر إلى قرطها يجول‬
‫بين أذنها وعاتقها وهي تقول‪> :‬ليت السماء تطابقت على األرض< الخ‪،..‬‬
‫وعلى أطهر‬ ‫فأخزى اهلل هذا الرجل الك َّذاب المفتري على حرم رسول اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المعجم الشامل لمعركة كربالء (ص ‪ 199‬ــ ‪.)203‬‬
‫يعرف زينب‪،‬‬
‫(‪ )2‬وقد مضى أن الخبر من رواية حميد بن مسلم‪ ،‬ومما يزيد ذلك بيانا أن راوي هذا الخبر ُ‬
‫قبل فعرفها ــ كما يزعم أبو مخنف‪.‬‬
‫وهذا يؤيد كون الراوي هو حميد بن مسلم ألنه سأل عن زينب ُ‬

‫‪345‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وأنقى وأعف وأتقى النساء<(‪.)1‬‬


‫وأقول‪ :‬إنما جناية الخبر على أبي مخنف‪ ،‬وأما حميد بن مسلم الراوي‬
‫للخبر‪ ،‬وكذا عبد اهلل البارقي الذي ظن العاملي أنه راوي هذا الخبر فال جناية‬
‫لهما‪ ،‬ألن هذه الرواية من عمل يد أبي مخنف كما مضى‪.‬‬
‫‪ 6‬ــ نقد رواية جزع زينب الكبرى ‪ ‬لمقتل الحسين ‪ ‬ونعيها إياه‬
‫قال أبو مخنف‪> :‬فح َّدثني أبو زهير العبسي‪ ،‬عن قرة بن قيس التميمي‪،‬‬
‫قال‪ :‬نظرت إلى تلك النسوة لما مررن بحسين وأهله وولده صحن ولطمن‬
‫وجوههن‪ ،‬قال‪ :‬فاعترضتهن على فرس‪ ،‬فما رأيت منظرا من نسوة قط كان أحسن‬
‫من منظر رأيته منهن ذلك اليوم‪ ،‬واهلل لهن أحسن من مها يَ ْبرين‪ .‬قال‪ :‬فما نسيت‬
‫من األشياء ال أ ْن َس قول زينب ابنة فاطمة حين مرت بأخيها الحسين صريعا وهي‬
‫تقول‪> :‬يا محمداه‪ ،‬يا محمداه! صلى عليك مالئكة السماء‪ ،‬هذا الحسين‬
‫بالعراء‪ ،‬مرمل بالدماء‪ ،‬مقطع األعضاء‪ ،‬يا محمداه! وبناتك سبايا‪ ،‬وذريتك‬
‫مقتلة‪ ،‬تسفي عليها الصبا<‪ ،‬قال‪ :‬فأبكت واهلل كل عدو وصديق<(‪.)2‬‬
‫وهذه الرواية إنما عملها أبو مخنف وبيان ذلك من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬كيف عرف ّقر ُة بن قيس أن المرأة التي نعت الحسين هي زينب دون‬
‫غيرها من النساء؟ فإن كان حميد بن مسلم لم يعرف زينب حتى سأل عنها فكيف‬
‫عرفها قرة بن قيس؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سيرة الحسين ‪ ‬في الحديث والتاريخ (‪.)183/18‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ ،)456/5‬ونقل ابن سعد هذا الخبر باختصار (‪ ،)445/6‬وعنده بدل >زينب‬
‫ابنة فاطمة<‪ :‬امرأة منهم‪ ،‬فأُبهم اسم القائلة‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫الثاني‪ :‬يتكرر هنا نسبة زينب إلى أمها دون أبيها‪ ،‬فقد وقع هذا في لسان‬
‫حميد بن مسلم‪ ،‬وتكرر في لسان قرة بن قيس‪ ،‬والسبب المنطقي الوحيد لهذا‬
‫هو أن الذي يتكلم على لسانهما رجل واحد‪ ،‬وهو أبو مخنف‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬وقع من نساء أهل البيت الصياح واللطم حزنا وجزعا على الحسين‬
‫‪ ،‬وهذه ثالث مرة يقع ذلك‪ ،‬فقد وقع ذلك مرتين من زينب‪ ،‬وشاركها في‬
‫الثالثة بقية النساء‪ ،‬فهل هذا هو الالئق بمن تربى في بيوت أهل البيت؟ ال قطعا‪،‬‬
‫نعم ال شك والريب أن الحزن والجزع والبكاء سيقع من النساء اللواتي كن مع‬
‫الحسين‪ ،‬لكن ال نتصور فيهن أن يبلغ حزنهن درجة مخالفة الوصايا النبوية‬
‫ويصدر منهن الجزع والصراخ واللطم‪ ،‬بل إن هذا الصنيع منهن مخالف لما أوصى‬
‫به الحسين زينب ‪ ،‬من ترك ألوان المبالغة في الجزع على الحسين كخمش‬
‫الوجه وشق الجيب‪ ،‬وحقيقة األمر أن أبا مخنف هو من أراد أن يصور نساء أهل‬
‫البيت بهذه الصورة المأساوية‪ ،‬ولذلك تكرر منه نسبة تلك األفعال المنكرة إلى‬
‫نساء أهل البيت‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬يقول ُق ّرة بن قيس واصفا نساء الحسين‪> :‬فما رأيت منظرا من نسوة‬
‫قط كان أحسن من منظر رأيته منهن ذلك اليوم‪ ،‬واهلل لهن أحسن من مها َي ْبرين(‪.<)1‬‬
‫وتتكرر إساءات روايات أبي مخنف لنساء أهل البيت‪ ،‬إذ أن روايته هذه‬
‫تتمادى في وصف حسنهن وجمالهن حتى شبِّهن بالظباء‪ ،‬ومقتضى ذلك أنهن‬
‫كن مكشوفات أمام األجانب‪ ،‬وقد يستجيز بعضهم هذا األمر هاهنا ويبرر ذلك‬
‫بأن جيش ابن زياد هو من صنع بهن ذلك‪ ،‬وهذا تأباه عادة العرب ونخوتهم‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المها معروفة‪ ،‬وهي نوع من أنواع الظباء‪ ،‬وأما يبرين فمنطقة بالجزيرة العربية انظر عنها معجم‬
‫البلدان (‪ ،)71/1‬فمراده أنهن أحسن من ظباء بالد يبرين‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ونستبعده حتى عن أمثال ابن زياد ومن معه‪ ،‬وحتى روايات أبي مخنف تأبى‬
‫ذلك‪ ،‬فإنه قد نسب إلى شمر بن ذي الجوشن أنه أجاب الحسين إلى منع جنوده‬
‫من االقتراب من نسائه‪ ،‬إذ لما قال له الحسين‪> :‬امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم‬
‫وجهالكم<‪ ،‬قال ابن ذي الجوشن‪> :‬ذلك لك يا ابن فاطمة<(‪ ،)1‬فما الذي جعل‬
‫ثم‬
‫قادة جيش ابن زياد يمتنعون من االقتراب من حرم الحسين وقد ظهروا عليه‪َّ ،‬‬
‫بعد وفاته يخرجونهن ذليالت كاشفات الوجوه؟ بل الذي يظهر من هذه الرواية‬
‫أن أبا مخنف أراد أن يصور للناس أن الحزن والجزع واألسى على الحسين شغل‬
‫نساء أهل بيته عن ستر وجوههن أمام الرجال‪ ،‬كما هو دأبه فيما نسبه إلى زينب‬
‫‪ ،‬ونحن ننزه نساء أهل البيت عن ذلك ونرى أنهن أتقى هلل وأنقى من أن‬
‫يصدر منهن ذلك‪ ،‬وأن اهلل تعالى صانهن عن مثل هذه األفائك‪.‬‬
‫نسبت هذه الرواية إلى زينب أنها ندبت الحسين بكالم غلب عليه‬
‫الخامس‪ْ :‬‬
‫التكلف في السجع‪ ،‬والمبالغة في الجزع‪ ،‬ومن يتأمل في هذا الخطاب‪ ،‬يجد أن‬
‫المراد منه هو اإلبكاء وإثارة األحزان والعواطف‪ ،‬وذلك ظاهر من ألفاظ الرواية‬
‫التي جاء فيها‪> :‬هذا الحسين بالعراء‪ ،‬مرمل بالدماء‪ ،‬مقطع األعضاء<‪ ،‬فهل هذا‬
‫موافق للصبر أم أن هذا هو السخط على القدر والجزع المبالغ فيه والندب المنهي‬
‫عنه‪ ،‬أليس المفترض بزينب وهي كبرى نساء أهل البيت أن ُتصبِّر من معها من‬
‫النساء وتمنعهن من اللطم أو الصراخ‪ ،‬أما أن تزيد أحزانهن وتهيج بكاءهن بهذه‬
‫األقوال التي هي أقرب إلى كالم نائحات الجاهلية من صالحات أهل البيت فهو‬
‫أمر ننزه زينب ‪ ‬عنه‪ ،‬والذي يظهر أن غرض أبي مخنف هو إبكاء من يقرأ هذه‬
‫وأظهر ّبينة على ذلك أن أبا مخنف زعم أن هؤالء الطُّغاة ُ‬
‫العتاة‬ ‫ُ‬ ‫الروايات‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)450/5‬‬

‫‪348‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫المجرمين ــ الذين لم يرقبوا في الحسين ‪َّ ‬إال وال ّ‬


‫ذمة وتجرؤوا على قتله ظلما‬
‫وعدوانا ــ لما سمعوا هذه الكليمات‪ ،‬دبت الرقة إلى قلوبهم فجأة وجرت عيونهم‬
‫بالبكاء!! وهكذا تكون األكاذيب السمجة المتناقضة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬من األمور المنكرة التي وردت في هذه الرواية‪ ،‬قول الراوي على‬
‫لسان زينب‪> :‬وبناتك سبايا<‪ ،‬وبما أن هذه القضية من القضايا المغلوطة التي‬
‫ارتبطت بزينب ‪ ‬في أذهان كثير من الناس اليوم فقد أفردت مبحثا خاصا لنقضها‬
‫وبيان بطالنها وأنها من أساطير أبي مخنف وغيره من األخباريين الكذابين(‪.)1‬‬

‫‪ 7‬ــ نقد رواية محاورة زينب الكبرى ‪ ‬البن زياد‬


‫روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد‪ ،‬عن حميد بن مسلم‪ ،‬أنه قال‪:‬‬
‫>لما ُدخل برأس حسين وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيد اهلل بن زياد لبست‬
‫زينب ابنة فاطمة أرذل ثيابها‪ ،‬وتنكرت‪ ،‬وح ّفت بها إماؤها‪ ،‬فلما دخلت‬
‫جلست‪ ،‬فقال عبيد اهلل بن زياد‪> :‬من هذه الجالسة؟< فلم تكلمه‪ ،‬فقال ذلك‬
‫ثالثا‪ ،‬كل ذلك ال تكلمه‪ ،‬فقال بعض إمائها‪> :‬هذه زينب ابنة فاطمة<‪ ،‬قال‪ :‬فقال‬
‫لها عبيد اهلل‪> :‬الحمد هلل الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم!< فقالت‪:‬‬
‫وطهرنا تطهيرا‪ ،‬ال كما تقول أنت‪ ،‬إنما‬ ‫>الحمد هلل الذي أكرمنا بمحمد‬
‫يفتضح الفاسق‪ ،‬ويكذب الفاجر<‪ ،‬قال‪> :‬فكيف رأيت صنع اهلل بأهل بيتك!<‬
‫قالت‪> :‬كتب عليهم القتل‪ ،‬فبرزوا إلى مضاجعهم‪ ،‬وسيجمع اهلل بينك وبينهم‪،‬‬
‫فتحاجون إليه‪ ،‬وتخاصمون عنده<‪ ،‬قال‪ :‬فغضب ابن زياد واستشاط‪ ،‬قال‪ :‬فقال‬
‫له عمرو بن حريث‪> :‬أصلح اهلل األمير! إنما هي امرأة‪ ،‬وهل تؤاخذ المرأة بشيء‬
‫من منطقها؟‪ ،‬إنها ال تؤاخذ بقول‪ ،‬وال تالم على خطل<‪ ،‬فقال لها ابن زياد‪> :‬قد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر مبحث نقد أسطورة سبي أهل البيت (ص ‪.)478‬‬

‫‪349‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ثم‬
‫أشفى اهلل نفسي من طاغيتك‪ ،‬والعصاة المردة من أهل بيتك<‪ ،‬قال‪ :‬فبكت ّ‬
‫وأبرت أهلي‪ ،‬وقطعت فرعي‪ ،‬واجتثثت‬ ‫قالت‪> :‬لعمري لقد قتلت كهلي‪ّ ،‬‬
‫أصلي‪ ،‬فإن يشفك هذا فقد اشتفيت<‪ ،‬فقال لها عبيد اهلل‪> :‬هذه سجاعة‪ ،‬قد‬
‫لعمري كان أبوك شاعرا سجاعا<(‪ ،)1‬قالت‪> :‬ما للمرأة والسجاعة! إ ّن لي عن‬
‫السجاعة لشغال‪ ،‬ولكن نفثي ما أقول<<(‪.)2‬‬
‫والكالم عن هذا الخبر يقع في أمور‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬مضى غرابة نسبة زينب إلى أمها بدل أبيها‪ ،‬وقد تكرر ذلك‬
‫في هذه الرواية ــ في مجلس واحد ــ من حميد بن مسلم ومن َأمةٍ لزينب(‪ ،)3‬ولو‬
‫س ّلمنا بأن ذلك جا َّد ُة حميد بن مسلم‪ ،‬فال نس ّلم أن يقع ذلك من َ‬
‫األمة أيضا‪ ،‬وال‬
‫ريب أن تكرر نسبة زينب إلى غير أبيها من شخصين مختلفين في موضع واحد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في طبعة روائع التراث لتاريخ الطبري بتحقيق أبي الفضل إبراهيم وهي الطبعة التي عليها العزو‬
‫في هذا البحث‪ ،‬وطبعة دار الكتب العلمية (‪ ،)337/3‬وطبعة دار صادر (‪ )1054/3‬شجاعة‬
‫بدل سجاعة‪ ،‬وشجاعا بدل سجاعا‪ ،‬وكذا في الكامل البن األثير (‪ ،)186/3‬ومرآة الزمان‬
‫(‪ ،)152/8‬والصواب ما أثبته‪ ،‬وهو ما ورد في اإلرشاد للمفيد (‪ ،)116/2‬وهو المناسب‬
‫سجاعا‪ ،‬يفيد أن زينب أخذت السجع عن أبيها ألنه شاعر أديب‪ ،‬أما‬ ‫للسياق‪ ،‬فإنه قوله شاعرا ّ‬
‫قوله‪ :‬شاعرا ُشجاعا فلم أجد له وجها مناسبا لسياق الكالم‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ ،)457/5‬وهو عند ابن سعد مختصرا (‪ ،)445/6‬ورواه ابن الجوزي بسنده عن‬
‫ابن أبي الدنيا من طريق هشام بن محمد الكلبي عن شيخ من األزد‪ ،‬انظر‪ :‬الرد العنيد البن‬
‫الجوزي (ص ‪ ،)55‬قلت‪ :‬الشيخ األزدي المبهم هو أبو مخنف قطعا وسيأتي الكالم عن رواية‬
‫ابن أبي الدنيا في محله‪.‬‬
‫(‪ )3‬ووقع في رواية ابن سعد وابن أبي الدنيا بدل ابنة فاطمة‪> :‬زينب بنت علي<‪ ،‬قلت‪ :‬يحتمل أن‬
‫التصرف وقع من ابن سعد وابن أبي الدنيا بسلوكهما الجادة في النسبة إلى اآلباء دون األمهات‪،‬‬
‫أو أن هذا ما نقل إليهما‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫دليل على أن منشأ الرواية رجل واحد هو أبو مخنف‪.‬‬


‫األمر الثاني‪ :‬ما وجه تن ُّكرِ زينب ول َ ِ‬
‫بسها أرذل ثيابها؟ فإن كان المقصود منه‬
‫إظهار حزنها على الحسين‪ ،‬فهل ذلك مناسب للصبر على القضاء الذي ينبغي أن‬
‫ثم إن هذا مناقض لما أريد لزينب أن تظهر به من‬ ‫يكون من امرأة مثل زينب؟‪ّ ،‬‬
‫الجلد والشجاعة والصبر أمام ابن زياد‪ ،‬فإذا كانت غايتها إذالل ابن زياد في‬
‫مجلسه بإظهار قوتها وصبرها مع ما نالها وأهلها من المصائب العظام‪ ،‬فلِ َم تأتي‬
‫إليه في لباس رذيل يدل على ما أصابها من الحزن والشجن؟!‬
‫فلتعجب ألهواء واضع هذه الرواية‪ ،‬فهو يجمع بين إظهار زينب مظهر‬
‫الحزينة على ما أنزله ابن زياد بأهل بيتها من المصائب‪ ،‬وبين إظهارها بمظهر‬
‫التي تجبر ابن زياد على الغضب والخروج عن طوره لما رآه من ثباتها وحسن‬
‫جوابها على شماتته!‪ ،‬وكذلك تفعل األهواء بأصحابها‪.‬‬
‫زع َم الراوي أن زينب لما جلست عند ابن زياد ح ّفت بها‬‫األمر الثالث‪َ :‬‬
‫إماؤها‪ ،‬والذي يظهر أن هذا كذب وبهتان‪ ،‬فلم يُعرف عن نساء أهل البيت‬
‫االستكثار من اإلماء وهذه فاطمة ‪ ‬وهي أم زينب وقدوتها‪ ،‬لما بلغها أن سبيا‬
‫خادما‪ ،‬فأشار عليها النبي‬ ‫بالمدينة‪ ،‬سألت النبي‬ ‫قد أُتي به إلى النبي‬
‫بترك ذلك واالشتغال بالذكر(‪ ،)1‬ولذا لم تتخذ فاطمة جواري لها وكذا صنع‬
‫بناتها‪ ،‬فلم يعلم عن أم كلثوم وال زينب ابنتي فاطمة اتخاذ الجواري والخدم‪،‬‬
‫والحق أن واضع هذا الخبر متأخر زمنا عن أيام زينب ‪ ،‬فإنه لما تقرر عنده أن‬
‫بنات ملوك العباسيين واألمويين ُك ّن يستكثرن من اإلماء ألن ذلك من عالمات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪ )3113‬و(‪ ،)3705‬صحيح مسلم (‪.)7018‬‬

‫‪351‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫العز والشرف عندهن‪ ،‬أراد أن يجعل زينب بمنزلتهن‪ ،‬ولذلك افتعل تلك الرواية‬
‫التي تزعم أن زينب دخلت مجلس ابن زياد وهي محفوفة بإمائها‪ ،‬على صورة‬
‫دخول بنات الملوك إلى المجالس‪ ،‬ولو لم يكن في هذه الرواية إال هذه السوءة‬
‫لكانت كافية في ردها‪.‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬أستبعد وقوع هذا المحاورة بين زينب وابن زياد من أصلها‪،‬‬
‫فإن طبع النساء في الزمن األول هو الحياء واالبتعاد عن مجادلة الرجال‪ ،‬فما الذي‬
‫يحمل زينب على أن تدخل في جدال مع ابن زياد مع ما رأته فيه من الظلم‬
‫والجبروت‪ ،‬فعلي بن الحسين كان في المجلس وهو أولى من زينب بالكالم مع ابن‬
‫زياد‪ ،‬ويبدو أن هذا ما جعل بعض المتأخرين يزيد في هذه الرواية أ َّن علي ابن‬
‫ثم أقبل فقال البن زياد‪:‬‬‫الحسين قال لعمته زينب‪> :‬اسكتي يا عمة حتى أكلمه<‪ّ ،‬‬
‫>أبالقتل ته ّددني يا ابن زياد‪ ،‬أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة<(‪.)1‬‬
‫ثم إ ّن هذه الرواية نسبت إلى ابن زياد كالما كله شماتة بنساء الحسين وأهل‬
‫ّ‬
‫بيته‪ ،‬وهذا مستبعد‪ ،‬فليس من شيم العرب األُ َول الشماتة بالنساء‪ ،‬وإنما هذه‬
‫ثم إن ما في هذه المحاورة بين زينب وابن زياد من‬ ‫أفعال األراذل من الناس‪ّ ،‬‬
‫الفحش مستغرب‪ ،‬وإن تنزلنا صدور ذلك من ابن زياد على فظاعته ونكارته‪،‬‬
‫كقوله‪> :‬الحمد هلل الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم< وقوله‪> :‬قد أشفى‬
‫اهلل نفسي من طاغيتك‪ ،‬والعصاة المردة من أهل بيتك<‪ ،‬فلئن حملنا هذا على‬
‫أن ابن زياد غليظ جاف جلف ال يراعي للنساء حرمة‪ ،‬فهل يتصور في زينب أن‬
‫ترد بذلك الرد المسيء وتقول له‪> :‬إنما يفتضح الفاسق‪ ،‬ويكذب الفاجر<!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اللهوف في قتلى الطفوف (ص ‪ ،)95‬وهو في الفتوح المنسوب البن أعثم (‪.)123/5‬‬

‫‪352‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫األمر الخامس‪ :‬زعموا أن زينب قالت عن قتلى أهل البيت‪> :‬كتب عليهم‬
‫القتل‪ ،‬فبرزوا إلى مضاجعهم<‪ ،‬وهذا اقتباس من قول اهلل تعالى‪{ :‬ﱹ ﱺ ﱻ‬
‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ} [آل عمران‪ ،]154 :‬وهذا‬
‫اقتباس غير حسن‪ ،‬ألن هذا الكالم جاء في موضع الذم للمنافقين‪ ،‬إذ أن هذا‬
‫يحسن‬
‫جواب لقولهم‪{ :‬ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ}‪ ،‬فهل ُ‬
‫بزينب أن تستدل بما فيه ذم في موضع المدح‪ ،‬إ ّن هذا دليل على جهل صانع‬
‫الرواية فلو استدل بما ورد في نفس السورة‪ ،‬من قول اهلل تعالى‪{ :‬ﲄ ﲅ ﲆ‬

‫ﲋ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ} [آل عمران‪ ،]169 :‬أو قوله ‪:‬‬


‫ﲌ‬ ‫ﲇﲈﲉﲊ‬

‫ﲑ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ} [آل عمران‪،]185 :‬‬ ‫ﲒ‬ ‫{ﲎ ﲏ ﲐ‬


‫بج ّهال الرواة أليق‪.‬‬
‫لكان أنسب‪ ،‬وتنزيه زينب عن مثل هذا الصنيع وإلصاقه ُ‬
‫األمر السادس‪ :‬نرى تكرر السجع المتكلف في كالم زينب ‪ ،‬فقد زعموا‬
‫قتلت كهلي‪ ،‬وأبرت أهلي‪ ،‬وقطعت فرعي‪ ،‬واجتثثت أصلي< وكأن‬ ‫أنها قالت‪َ > :‬‬
‫زينب ال شغل لها إال توليد األلفاظ على طريقةٍ منظومةٍ موزونة‪ ،‬حتى أنهم زعموا‬
‫أن ابن زياد أقر لها بأنها عارفة بالسجاعة!‪ ،‬فمن أصيب في أخيه وجماعة من‬
‫إخوانه وأهل بيته‪ ،‬هل يتصور فيه أن يتفرغ للسجع والصناعة اللغوية؟‪ ،‬بل إنها‬
‫صناعة أهل األخبار واألدب من الكذابين‪.‬‬
‫األمر السابع‪ :‬قد ورد في رواية حصين بن عبد الرحمن السلمي ما يناقض‬
‫هذا الخبر‪ ،‬فيقول >وجيء بنسائه وبناته وأهله(‪ ،)1‬وكان أحسن شيء صنعه أن‬
‫أمر لهن بمنزل في مكان معتزل‪ ،‬وأجرى عليهن رزقا‪ ،‬وأمر لهن بنفقة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أي الحسين ‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وكسوة<(‪ ،)1‬وهذا دليل على أن ابن زياد أحسن إليهن وأكرمهن‪ ،‬ال كما يزعم أبو‬
‫مخنف من أنه أدخلهن إلى مجلسه أمام الناس عنده لِ َي ْشمت بهن ووضع أمامهن‬
‫رأس الحسين ‪.!!‬‬
‫‪ 8‬ــ نقد رواية دفاع زينب الكبرى ‪ ‬عن علي بن الحسين ‪ ‬عند ابن زياد‬
‫روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال‪> :‬إني‬
‫لقائم عند ابن زياد حين ُعرض عليه علي بن الحسين فقال له‪> :‬ما اسمك؟< قال‪:‬‬
‫>أنا علي بن الحسين<‪ ،‬قال‪> :‬أو لم يقتل اهلل علي بن الحسين!<‪ ،‬فسكت‪ ،‬فقال‬
‫له ابن زياد‪> :‬ما لك ال تتكلم!<‪ ،‬قال‪> :‬قد كان لي أخ يقال له أيضا علي‪ ،‬فقتله‬
‫الناس<‪ ،‬قال‪> :‬إن اهلل قد قتله<‪ ،‬قال‪ :‬فسكت علي‪ ،‬فقال له‪> :‬ما لك ال تتكلم!<‪،‬‬
‫قال‪{ :‬ﱗ ﱘ ﱙ} [ال ُّز َمر‪{ ]42 :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ‬
‫ﲉ} [آل عمران‪ ،]145 :‬قال‪> :‬أنت واهلل منهم‪ ،‬ويحك! انظروا هل أدرك؟ واهلل‬
‫إني ألحسبه رجال<‪ ،‬قال‪ :‬فكشف عنه مري بن معاذ األحمري‪ ،‬فقال‪> :‬نعم قد‬
‫أدرك<‪ ،‬فقال‪> :‬اقتله<‪ ،‬فقال علي بن الحسين‪> :‬من توكل بهؤالء النسوة؟<‪،‬‬
‫وتعلقت به زينب عمته فقالت‪> :‬يا ابن زياد‪ ،‬حسبك منا‪ ،‬أما رويت من دمائنا!‬
‫وهل أبقيت منا أحدا!<‪ ،‬قال‪ :‬فاعتنقته‪ ،‬فقالت‪> :‬أسألك باهلل إن كنت مؤمنا إن‬
‫قتلته لما قتلتني معه<‪ ،‬قال‪ :‬وناداه علي فقال‪> :‬يا ابن زياد‪ ،‬إن كانت بينك وبينهن‬
‫قرابة فابعث معهن رجال تقيا يصحبهن بصحبة اإلسالم<‪ ،‬قال‪ :‬فنظر إليها ساعة‪،‬‬
‫ثم نظر إلى القوم فقال‪> :‬عجبا للرحم! واهلل إني ألظنها ودت لو أني قتلته أني‬ ‫َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫قتلتها معه‪ ،‬دعوا الغالم‪ ،‬انطلق مع نسائك<< ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪ ،)393/5‬أنساب األشراف (‪.)226/3‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ ،)458/5‬ووقع هذا في رواية خالد بن يزيد القسري عن عمار الدهني مختصرا‪=،‬‬

‫‪354‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫وهذه الرواية ال تختلف عن أخواتها في اشتمالها على ما يدل على سقوطها‬


‫وبطالنها وبيان ذلك من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬مضى أن من أمارات الكذب في هذه الرواية قول ابن زياد عن علي‬
‫ابن الحسين‪> :‬انظروا هل أدرك؟ واهلل إني ألحسبه رجال‪ ،‬قال‪ :‬فكشف عنه مري‬
‫ابن معاذ األحمري‪ ،‬فقال‪ :‬نعم قد أدرك<‪ ،‬فإن هذا دليل على كذب صانع هذه‬
‫الرواية‪ ،‬وقد مضى أن ِس ّن علي بن الحسين كان ثالثا أو أربعا وعشرين سنة(‪،)1‬‬
‫فمن يكون بهذا السن ال يخفى على الناس إدراكه حتى يُحتاج إلى النظر إلى‬
‫عورته!!‪ ،‬مع ما في ذلك من اإلزراء على علي بن الحسين‪ ،‬وقد قلت إن هذه‬
‫الرواية وحدها كافية لرد كل ما نسبه أبو مخنف إلى حميد بن مسلم ألنها تدل‬
‫على أنه لم ير علي بن الحسين قط‪.‬‬
‫مذامه ويصفه بأنه متعطش‬
‫الثاني‪ :‬إ َّن من أراد أن يستعطف أحدا ال يذكر له َّ‬
‫رويت من دمائنا<‪ ،‬كما نسب أبو مخنف إلى زينب‪ ،‬فإن‬ ‫َ‬ ‫للدماء ويقول له‪> :‬أما‬
‫هذا المقام ليس مقام إغالظ العبارة‪ ،‬بل هو مقام اللين والرفق واالستعطاف في‬
‫الطلب وهذا مما يزيد الوهن في هذا الخبر‪ ،‬وقد روى أبو مخنف بنفس اإلسناد‬
‫عن حميد بن مسلم أن ابن زياد قتل رجال يسمى عبد اهلل بن العفيف األزدي ألنه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= انظر (‪ ،)390/5‬وراجع‪ :‬طبقات ابن سعد (‪ ،)445/6‬أنساب األشراف (‪ ،)207/3‬اإلرشاد‬
‫للمفيد (‪ 116/2‬ــ ‪ ،)117‬وخالف أبو الفرج األصفهاني في روايته لهذا الخبر فجعله في مجلس‬
‫يزيد‪ ،‬ولم يبين سنده في ذلك‪ ،‬وفي خبره أن زينب قالت ليزيد لما هم بقتل علي بن الحسين‪> :‬يا‬
‫يزيد حسبك من دمائنا< مقاتل الطالبيين (ص‪ ،)120‬وال أدري ممن الغلط في هذا الخبر‪ ،‬هل‬
‫من أبي الفرج أم ممن روى عنه؟ ألن الطبري والبالذري والمفيد نقلوا أن زينب إنما قالت‪:‬‬
‫>حسبك من دمائنا< البن زياد وليس يزيد‪ ،‬وال عبرة بخبر أبي الفرج لمخالفته لمن سبقه‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر (ص ‪ 289‬ــ ‪ )291‬من هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫أغلظ له في الكالم(‪ ،)1‬فدل هذا على أن ابن زياد كان ال يتأخر في قتل من يغلظ‬
‫له الكالم‪ ،‬إال أنه هاهنا غير مسلكه ولم يتعرض بسوء لزينب!‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قد روى أبو مخنف ما يناقض هذا الخبر‪ ،‬ألنه هنا يذكر أن ابن‬
‫وترجته أال يقتله‪ ،‬بينما‬
‫ّ‬ ‫زياد إنما عفا عن علي بن الحسين لما استعطفته زينب‬
‫وقع في رواية مجالد بن سعيد أن ابن زياد إنما ترك علي بن الحسين ألنه قال له‪:‬‬
‫>إن كان بينك وبين هؤالء النسوة قرابة فابعث معهن رجال يحافظ عليهن<‪ ،‬فقال‬
‫له ابن زياد‪> :‬تعال أنت‪ ،‬فبعثه معهن<(‪ ،)2‬فأي الخبرين أصح؟!‬
‫قد يقال‪ :‬إ َّن خبر حميد بن مسلم أصح ألنه معاصر للواقعة خالفا لخبر‬
‫مجالد بن سعيد‪ ،‬وهذا وجيه لو كان الراوي عنهما ثقة‪ ،‬لكن الراوي عنهما ليس‬
‫قلت فيما مضى إن البالء منه ألنه أورد هذا الخبرين بطريقين‬
‫إال أبا مخنف وقد ُ‬
‫من باب استكثار الطرق وإال فالخبران متشابهان في الجملة!‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الظاهر أن أبا مخنف أراد أن يجعل لكل من زينب وعلي بن الحسين‬
‫محاورة يظهران فيها على ابن زياد‪ ،‬فأبو مخنف ينسج الخبر على صورة واحدة‬
‫وإن اختلفت بعض تفاصيله‪ ،‬ففي الخبر السابق لما ظهرت زينب على ابن زياد‬
‫وأغضبته بردها عليه‪ ،‬لم يخفف من غضبه إال تذكير عمرو بن الحريث له بأن‬
‫زينب امرأة وينبغي أال تؤاخذ بما تقول‪ ،‬وأما في هذا الخبر فإن علي بن الحسين‬
‫هم ابن زياد بقتله‪ ،‬فمنعته من ذلك‬
‫لما أغضب عبيد اهلل بن زياد وظهر عليه َّ‬
‫زينب‪ ،‬وأنت ترى التشابه المتكرر في الحبكة القصصية لروايات أبي مخنف‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪ 458/5‬ــ ‪.)459‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪.)457/5‬‬

‫‪356‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫مع التغير واالختالف في التفاصيل‪ ،‬فضال عن غرابة أصل القصة وتفرد أمثال‬
‫أبي مخنف بها‪ ،‬ومؤدى هذا هو اإلعراض عن هذه األخبار وتركها ال االشتغال‬
‫بها واالستناد إليها واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪ 9‬ــ نقد رواية دفاع زينب الكبرى ‪ ‬عن فاطمة بنت علي ‪ ‬عند يزيد‬
‫قال أبو مخنف‪ :‬عن الحارث بن كعب‪ ،‬عن فاطمة بنت علي‪ ،‬قالت‪> :‬لما‬
‫ثم إ ّن‬
‫رق لنا‪ ،‬وأمر لنا بشيء‪ ،‬وألطفنا‪ ،‬قالت‪ّ :‬‬‫أُ ْجلِسنا بين يدي يزيد بن معاوية َّ‬
‫رجال من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال‪> :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬هب لي هذه<‬
‫وفر ْقت‪ ،‬وظننت أ َّن ذلك جائز لهم‪،‬‬
‫ــ يعنيني‪ ،‬وكنت جارية وضيئة ــ فأرعدت َ‬
‫وأخذت بثياب أختي زينب‪ ،‬قالت‪ :‬وكانت أختي زينب أكبر مني وأعقل‪ ،‬وكانت‬
‫ولؤمت! ما ذلك لك وله<‪ ،‬فغضب‬ ‫َ‬ ‫تعلم أن ذلك ال يكون‪ ،‬فقالت‪> :‬كذبت واهلل‬
‫لفعلت<‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫شئت أن أفعله‬
‫ت واهلل‪ ،‬إن ذلك لي‪ ،‬ولو ُ‬ ‫يزيد‪ ،‬فقال‪> :‬كذب ِ‬
‫>كال واهلل‪ ،‬ما جعل اهلل ذلك لك إال أن تخرج من ملتنا‪ ،‬وتدين بغير ديننا<‪،‬‬
‫ثم قال‪> :‬إياي تستقبلين بهذا؟ إ ّنما خرج من الدين‬
‫قالت‪ :‬فغضب يزيد واستطار‪َّ ،‬‬
‫أبوك وأخوك<‪ ،‬فقالت زينب‪> :‬بدين اهلل ودين أبي ودين أخي وجدي اهتديت‬
‫أنت وأبوك وجدك<‪ ،‬قال‪> :‬كذبت يا عدوة اهلل<‪ ،‬قالت‪> :‬أنت أمير مسلط‪ ،‬تشتم‬
‫ثم قال‬‫ظالما‪ ،‬وتقهر بسلطانك<‪ ،‬قالت‪ :‬فواهلل لكأ ّنه استحيا‪ ،‬فسكت‪ ...‬قالت‪َّ :‬‬
‫يزيد بن معاوية‪> :‬يا نعمان بن بشير‪ ،‬جهزهم بما يصلحهم‪ ،‬وابعث معهم رجال‬
‫من أهل الشام أمينا صالحا‪ ،‬وابعث معه خيال وأعوانا فيسير بهم إلى‬
‫المدينة<‪ ....،‬فخرج بهم‪ ،...‬فلم يزل ينازلهم في الطريق هكذا‪ ،‬ويسألهم عن‬
‫حوائجهم‪ ،‬ويلطفهم حتى دخلوا المدينة‪ .‬قال الحارث بن كعب‪ :‬فقالت لي‬
‫فاطمة بنت علي‪ :‬قلت ألختي زينب‪> :‬يا أخية‪ ،‬لقد أحسن هذا الرجل الشامي‬

‫‪357‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫إلينا في صحبتنا‪ ،‬فهل لك أن نصله؟<‪ ،‬فقالت‪> :‬واهلل ما معنا شيء نصله به إال‬
‫ُح ّلينا<‪ ،‬قالت لها‪> :‬فنعطيه حلينا<‪ ،‬قالت‪ :‬فأخذت سواري ودملجي وأخذت‬
‫أختي سوارها ودملجها‪ ،‬فبعثنا بذلك إليه‪ ،‬واعتذرنا إليه‪ ،‬وقلنا له‪> :‬هذا جزاؤك‬
‫بصحبتك إيانا بالحسن من الفعل<‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪> :‬لو كان الذي صنعت إنما هو‬
‫للدنيا كان في حليكن ما يرضيني ودونه‪ ،‬ولكن واهلل ما فعلته إال هلل‪ ،‬ولقرابتكم‬
‫من رسول اهلل <(‪.)1‬‬
‫وال تختلف هذه الرواية عن سابقاتها في الحبكة المتكررة‪ ،‬والنكارة في‬
‫أصل الخبر‪ ،‬وتكرر صورة المحاورة الممجوجة والمستنكرة والمليئة بالسباب‬
‫والشتائم‪ ،‬بين أهل بيت الحسين ويزيد‪ ،‬مما يجعل هذه الرواية في عداد األخبار‬
‫المختلقة كما هو حال األخبار السالفة‪ ،‬وبيان ذلك في أمور‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬مضى الكالم عن راوي هذا الخبر وهو (الحارث بن كعب)‬
‫وإما أن يكون أبو مخنف هو‬
‫فإما أ ّنه آفة هذا الخبر‪ّ ،‬‬
‫وبينت أ ّنه مجهول ال يُعرف‪ّ ،‬‬
‫المقربين من أهل البيت‬
‫المتهم به‪ ،‬وأ ّنه أراد من وضعه أن يجعل الحارث هذا من ّ‬
‫علي بن الحسين‪ ،‬وتارة يروي عن‬
‫الذين حضروا كربالء‪ ،‬فتراه يجعله يروي عن ّ‬
‫علي!‪.‬‬
‫فاطمة بنت ّ‬
‫األمر الثاني‪ :‬إ َّن دعوى طلب الرجل الشامي من يزيد أن يهبه ابنة علي ‪،‬‬
‫ال يتصور أن تقع أصال‪ ،‬وكذا قول يزيد‪> :‬إ َّن ذلك لي‪ ،‬ولو شئت أن أفعله‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪ 461/5‬ــ ‪ .)462‬ووقع هذا في رواية خالد بن يزيد القسري عن عمار الدهني‬
‫مختصرا‪ ،‬انظر (‪ ،)390/5‬وأورده البالذري مختصرا في أنساب األشراف (‪ ،)217/3‬وانظر‬
‫اإلرشاد للمفيد (‪ .)121/2‬وقد خالف أبو الفرج األصفهاني في هذا الخبر أيضا فروى أن الرجل‬
‫الشامي طلب من يزيد أن يهبه زينب ال فاطمة بنت علي‪ ،‬انظر مقاتل الطالبيين (ص ‪ )120‬وهذا‬
‫مخالف لرواية البالذري والطبري والمفيد‪ ،‬فال عبرة به كسابقه‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫لفعلت<‪ ،‬وذلك أن عدم جواز سبي امرأة مسلمة أمر متقرر ومعروف عند سائر‬
‫المسلمين‪ ،‬فكيف إن كانت هذه المرأة من أهل بيت النبي ‪.‬‬
‫علي ‪ ‬بأنه لم ْيس ِب أهل الجمل‪،‬‬
‫وقد اشتهر أ َّن الخوارج اعترضوا على ّ‬
‫أفتس ُبون أمكم عائشة‪ ،‬تستحلون منها ما تستحلون من‬
‫فلما قال لهم ابن عباس‪ْ > :‬‬
‫غيرها وهي أمكم؟ فإن قلتم‪ :‬إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم‪،‬‬
‫وإن قلتم‪ :‬ليست بأمنا فقد كفرتم<(‪ ،)1‬انقطع الخوارج‪ ،‬وانتهى جماعة منهم عن‬
‫االعتراض والخروج ورجعوا‪.‬‬
‫ولذا ال يتصور في مسلم في العصر األول أن يستبيح سبي امرأة مسلمة‬
‫فضال عن أن يستبيح سبي ذرية النبي ‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬كيف اجتمع إغالظ يزيد لزينب في القول وجفاؤه لها في‬
‫الكالم‪ ،‬مع ما ُص ّدرت به الرواية من قول فاطمة بنت علي عن يزيد‪َّ > :‬‬
‫رق لنا‪،‬‬
‫وأمر لنا بشيء‪ ،‬وألطفنا<!‬
‫ثم ذهبت تلك الرقة فجأة أل َّن زينب ر َّد َت على‬ ‫فهل َّ‬
‫رق لهم أول األمر َّ‬
‫طلب الشامي أن يهب أختها فاطمة له؟!‬
‫علي والحسين ‪> :‬إ ّنما خرج من الدين أبوك‬ ‫األمر الرابع‪ :‬قول يزيد عن ّ‬
‫وأخوك<‪ ،‬وقوله لزينب ‪ِ > :‬‬
‫كذبت يا عد َّوة اهلل< غير متصور‪ ،‬فحتى معاوية ‪‬‬
‫الذي شجر بينه وبين علي ‪ ‬ما شجر‪ ،‬لم يقل قط إ ّن عليا ‪ ‬قد خرج من‬
‫الدين‪ ،‬ولو أ َّن يزيد قال ذلك عن الحسين ‪ ،‬لكانت أعظم مثلبة له‪ ،‬ولقام‬
‫أول من يرد عليه ذلك‪.‬‬ ‫عليه الناس لذلك‪ ،‬ولكان أصحاب النبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السنن الكبرى للنسائي (‪ )8522‬وإسناده متصل صحيح‪ ،‬رجاله كلهم ثقات‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫األمر الخامس‪ :‬إ َّن الروايات التي وردت من غير طريق أبي مخنف لم تذكر‬
‫وقوع هذا المحاورة المختلقة‪ ،‬فقد روى الليث بن سعد قصة دخول أهل بيت‬
‫الحسين ‪ ‬على يزيد‪ ،‬ولم يذكر وقوع أي محاورة بين زينب ‪ ‬ويزيد‪ ،‬بل‬
‫ألن ال‬
‫بسكينة فجعلها خلف سريره ْ‬ ‫لم يذكر زينب رأسا‪ ،‬وإنما ذكر أن يزيد >أمر ُ‬
‫ثم ذكر محاورة وقعت بينه وبين علي بن‬ ‫ترى رأس أبيها وذوي قرابتها<‪َّ ،‬‬
‫ثم >جعلت فاطمة وسكينة يتطاوالن ليريا رأس أبيهما‪ ،‬وجعل يزيد‬ ‫الحسين‪َّ ،‬‬
‫فجهزوا وأصلح إليهم‬
‫ثم أمر بهم ُ‬
‫يتطاول في مجلسه ليستر عنهما رأس أبيهما‪َّ ،‬‬
‫وأُخرجوا إلى المدينة<(‪.)1‬‬
‫وروى هشام الكلبي ــ وهو هالك ــ عن عوانة بن الحكم قال‪> :‬قالت فاطمة‬
‫بنت الحسين ــ وكانت أكبر من سكينة‪ :‬أبنات رسول اهلل سبايا يا يزيد! فقال يزيد‪:‬‬
‫يا ابنة أخي‪ ،‬أنا لهذا كنت أكره<(‪ ،)2‬ورواية الليث وعوانة تناقض رواية أبي‬
‫مخنف‪ ،‬فإنها تذكر أن فاطمة بنت الحسين لما شكت أسرها إلى يزيد ساءه ذلك‪،‬‬
‫خالفا لرواية أبي مخنف التي تزعم أنه استباح ذلك‪.‬‬
‫األمر السادس‪ :‬قد ُذكر في غير رواية أبي مخنف أن الذي رد على يزيد هو‬
‫علي بن الحسين وليست زينب‪ ،‬قال ابن سعد‪> :‬فقام رجل من أهل الشام‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫>إ َّن سباياهم لنا حالل<‪ ،‬فقال علي بن حسين‪> :‬كذبت ولؤمت‪ ،‬ما ذاك لك إال‬
‫ثم قال للشامي‪:‬‬‫مليا‪ّ ،‬‬
‫أن تخرج من ملتنا‪ ،‬وتأتي بغير ديننا<‪ ،‬فأطرق يزيد ّ‬
‫اجلس<(‪ ،)3‬فالذي رد على الشامي في هذا الخبر علي بن الحسين وليس زينب‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير للطبراني (‪ ،)2806‬ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (‪.)14/70‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪.)464/5‬‬
‫(‪ )3‬الطبقات البن سعد (‪.)448/6‬‬

‫‪360‬‬
‫التحقيق يف رواية خروج زينب الكربى مع احلسني إىل كربالء‬

‫ثم إ َّن يزيد لم يجب علي بن الحسين بل وافقه بدليل إجالسه للشامي‪ ،‬وهذا أليق‬ ‫َّ‬
‫وأسلم من رواية أبي مخنف‪ ،‬إذ صدور هذا األمر من رجل شامي جاهل َو َر ُّد‬
‫ولي من كان في المجلس من النساء ــ هو األنسب‪،‬‬‫علي بن الحسين ــ الذي هو ُّ‬
‫ال أن تنتصب امرأة لتر ّد نيابة عنه وعن النساء‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ل‬
‫لصة النظر في الرواياث امي سؤية لرينب الكبرى ‪‬‬
‫حأ‬
‫لء في مفثل اني محنف‬
‫في كري أ‬
‫‪$‬‬

‫تبين من خالل ما تقدم بعد النظر في أسانيد روايات أبي مخنف ومضامينها‪،‬‬
‫أن هذه األخبار ال تثبت ال من جهة السند وال من جهة المتن‪ ،‬وظهر من خالل‬
‫سبر روايات أبي مخنف عن زينب وتتبعها وجود مواطن عدة للخلل فيها‪،‬‬
‫ونجملها في هذا الملخص في مسائل‪:‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬عدم ثبوت جميع مرويات أبي مخنف عن زينب الكبرى ‪‬‬
‫إن كل ما روي في مقتل الحسين ألبي مخنف ال يثبت من جهة السند فهو‬
‫منقول عن رجال مجاهيل ال يُعرفون‪ ،‬واألخبار المنسوبة إلى فاطمة بنت علي‬
‫وعلي بن الحسين في مقتل أبي مخنف ال تثبت عنهما أيضا‪ ،‬ومدار تلك الروايات‬
‫المنسوبة إلى أعالم أهل البيت على رجل واحد وهو الحارث بن كعب المجهول‬
‫الذي ادعى أبو مخنف أنه روى أخبارا عن علي بن الحسين تارة وعن فاطمة بنت‬
‫علي تارة أخرى‪.‬‬
‫ومما يالحظ في أخبار أبي مخنف أن أكثر من روى أخبار زينب ـ ‪ ‬ـ هو‬
‫حميد بن مسلم األزدي الذي يفترض فيه أنه كان في جيش ابن زياد‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فقد حظي بالنصيب األعظم من أخبار زينب‪ ،‬مع أنه لم يكن يعرفها أصال وإنما‬
‫ادعى في بعض الروايات أنه عرفها بع ُد‪ ،‬وما يلف شخصية هذا الرجل من غموض‬
‫‪362‬‬
‫خالصة النظر يف الروايات املنسوبة لزينب الكربى يف كربالء يف مقتل أبي خمنف‬

‫جعلني أرتاب في أمر وجوده‪ ،‬وسائر األخبار والمواقف التي رواها عن زينب ال‬
‫تصح أيضا ال من جهة السند وال من جهة المتن‪ ،‬وكذلك الشأن فيما رواه قرة بن‬
‫قيس التميمي فهو رجل مجهول أيضا‪ ،‬وعليه فكل ما رواه أبو مخنف من أخبار زينب‬
‫ال يثبت‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬تسمية زينب الكبرى بابنة فاطمة بدل زينب بنت علي ‪‬‬
‫تكرر في أخبار أبي مخنف نسبة زينب إلى أمها فاطمة ‪ ‬بدل أبيها علي‬
‫‪ ،‬خالفا لما هو معهود من عادة العرب في نسبة الناس إلى آبائهم‪ ،‬ولو وقع‬
‫ذلك مرة واحدة لسلمنا به‪ ،‬لكن هذا األمر تكرر عدة مرات مع زينب‪ ،‬وكذا مع‬
‫أخيها الحسين‪ ،‬ألن صانع هذه األخبار أراد أن يستميل عاطفة القارئ والسامع‬
‫من جهة أمهما فاطمة بنت‬ ‫بالتركيز على انتساب زينب والحسين إلى النبي‬
‫النبي ‪ ،‬وهذا دليل على أن منبع جميع هذه الروايات إنما هو من عين واحدة‪،‬‬
‫وهي أبو مخنف األخباري المتخصص في االختالق والتزوير‪.‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬المبالغة في اإلثارة العاطفية وشحن الضغائن ضد مناوئي‬


‫الحسين ‪‬‬
‫غلب على أكثر الروايات التي نسبها أبو مخنف إلى زينب ‪ ‬تهييج‬
‫العواطف وإثارتها واستجالب الدمع والحزن من سامعها‪ ،‬مع المبالغة في‬
‫التحامل على جيش ابن زياد وإظهاره مظهر الممعن في اإلجرام(‪ ،)1‬وظهر ذلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وال يظنن ظان أن المراد بهذا الكالم هو التهوين من جرم ابن زياد وجيشه‪ ،‬فنحن وإن كنا ال‬
‫نماري في ظلمهم وتق ُّحمهم العظائم حين فتكوا بالحسين ‪ ‬ظلما وعدوانا‪ ،‬إال أن ذلك=‬

‫‪363‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫بوضوح في ما نُسب إلى زينب من المراثي والندب التي تبكي فيها الحسين ‪،‬‬
‫وهذه قرينة على أن صانع هذه الروايات إنما كان يرمي من نسبة هذه الروايات إلى‬
‫زينب إلى تحقيق أغراضه الفاسدة‪.‬‬

‫المسألة الرابعة‪ :‬النكارة الظاهرة في اإلساءة إلى زينب الكبرى ‪ ‬ونسبة‬


‫أفعال غير الئقة بها‬
‫الحظنا أثناء دراسة األخبار التي نُسبت إلى زينب في كربالء وجود إساءات‬
‫كثيرة إلى زينب ‪ ،‬بنسبة أفعال منكرة وغير الئقة بها‪ ،‬فزينب في هذه األخبار‬
‫امرأة ال تهتم بالستر والعفاف واالبتعاد عن مواطن الرجال‪ ،‬بل تخرج غير ما مرة‬
‫كاشفة عن وجهها حتى تظهر أقراطها للناظرين!‪ ،‬وكل هذه األفعال المنسوبة لها‬
‫زورا صدرت عنها وهي في حالة غير مناسبة لمن هو في مثل مقامها‪ ،‬إذ يتكرر‬
‫منها الجزع والمبالغة في الحزن والصياح والعويل‪ ،‬بل إن أخبار أبي مخنف‬
‫صورت زينب بصورة المرأة التي ال تملك صبرا عند نزول المصائب بها‪ ،‬فهي‬ ‫ّ‬
‫تتمنى الموت لما نزل بها‪ ،‬وال تترفع عن صنائع الجاهلية من شق الجيوب ولطم‬
‫الخدود وغيرها من األمور التي يفترض فيها أن تكون أبعد الناس عنها لنهي جدها‬
‫ثم إنها تنتصب لمجادلة الرجال ومحاججتهم بخطاب فيه ألوان من‬ ‫محمد ‪َّ ،‬‬
‫الغلظة والشدة والجفاء الممزوج بالسب والشتم‪ ،‬خالفا لما هو عليه طبع النساء‬
‫من األدب‬ ‫من الرقة واللين‪ ،‬فضال عما ينبغي أن تكون عليه حفيدة النبي‬
‫والرزانة والحلم والحكمة‪ ،‬وزينب عندنا بريئة من كل ما نُسب إليها ومنزهة من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ال يحملنا على التجني عليهم ونسبة أمور مستنكرة إليهم‪ ،‬وقد قال تعالى‪{ :‬ﲡ ﲢ ﲣ‬ ‫=‬
‫ﲧ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ}‪[ ،‬المائدة‪.]8 :‬‬
‫ﲨ‬ ‫ﲤﲥﲦ‬

‫‪364‬‬
‫خالصة النظر يف الروايات املنسوبة لزينب الكربى يف كربالء يف مقتل أبي خمنف‬

‫هذه األخالق التي تليق بالسفهاء والجفاة‪ ،‬ونرى أن كل هذا من عمل يد أبي‬
‫مخنف‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬تكرر حبكة أبي مخنف لمواقف زينب الكبرى ‪‬‬
‫قد ظهر من خالل تحليل مرويات أبي مخنف عن زينب ‪ ،‬وجود حبكة‬
‫ونسق واحد في غالب المرويات التي نُسبت لزينب‪ ،‬وقد تكلمنا عن ذلك بتفصيل‬
‫في الكالم عن كل رواية على حدة‪ ،‬ومن المناسب أن نبين مجمل حبكة أبي‬
‫مخنف في سائر الروايات التي مضت‪ ،‬وقد ظهر مما مضى أن حبكة أبي مخنف‬
‫لمواقف زينب في كربالء نُسجت على أربعة أركان‪:‬‬
‫الركن األول‪ :‬وقوع الفاجعة والمصيبة وبلوغ خبرها إلى زينب ‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬خروج زينب بدون حجاب حاسرة عن رأسها وكاشفة عن‬
‫وجهها‪.‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬جزع زينب وحسرتها على المصيبة‪.‬‬
‫الركن الرابع‪ :‬رد الحسين على زينب وتسكينه إياها‪.‬‬
‫وقد جرت هذه الحبكة في أربع روايات وهي الرواية األولى والثانية والثالثة‬
‫والخامسة وإن تخلَّف الركن الرابع في الرواية الخامسة‪.‬‬
‫ثم كانت الحبكة الثانية في مواقف زينب أمام كل من ابن زياد ويزيد‪ ،‬فقد‬
‫َّ‬
‫نسج أبو مخنف أخبار هذه الروايات على حبكة متقاربة‪ ،‬أركانها ثالث‪:‬‬
‫الركن األول‪ :‬صدور إساءة ضد أهل البيت‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫المساء إليه‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬رد زينب على المسيء ودفاعها عن ُ‬
‫الركن الثالث‪ :‬انتهاء المسيء عن إساءته‪.‬‬
‫وفي كال الخبرين اللذين ورد فيهما مواقف زينب مع ابن زياد ويزيد‪ ،‬نرى‬
‫أن الغرض منهما هو إظهار انتصار أهل البيت على مناوئيهم بواسطة امرأة من‬
‫أهل البيت‪.‬‬
‫والمتحصل أن النظر في هذه الروايات بعين النقد والفحص‪ ،‬وعرضها على‬
‫موازين الجرح والتعديل والتاريخ يقطع ببطالنها وبراءة زينب منها‪ ،‬وأن الخلل‬
‫في إثبات وجود زينب الكبرى في كربالء مع أنها قد توفيت قبل ذلك إنما كان‬
‫منشؤه أغراض وأهواء أبي مخنف الذي أراد استمالة عاطفة قراء مقتله بحكاية ما‬
‫زينب‪ ،‬ولذلك اختلق تلك الوقائع واألخبار التي لم‬ ‫وقع على حفيدة النبي‬
‫ينزل اهلل بها من سلطان‪ ،‬وإنما هي من وحي الكذب والخيال واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫ل‬
‫اميحب الثالب‬
‫اعبراصاث وحؤايها‬
‫‪$‬‬

‫بعد أن انتهيت من الكالم على مرويات أبي مخنف سندا ومتنا‪ ،‬وبينت‬
‫تفرده بإثبات خروج زينب مع الحسين إلى كربالء‪ ،‬ظهرت لي بعض األمور التي‬
‫وشبه‪ ،‬بعضها ناشئ من روايات‬ ‫تحتاج إلى جواب‪ ،‬وهي في الجملة اعتراضات ُ‬
‫مذكورة في بعض كتب التاريخ واألدب‪ ،‬وبعضها إشكاالت قد تطرأ على ذهن‬
‫القارئ بناء على بعض التصورات التي تكون في غالبها مبنية على أسس خاطئة‪،‬‬
‫ولذلك جمعتها وأجبت عنها في هذا المبحث‪ ،‬وإليك بيانها‪:‬‬

‫االعتراض األول‪ :‬روايات ُيتوهم أ ّن أصلها ليس من أبي مخنف‬


‫قد يعترض معترض على ما ّقررته من تفرد أبي مخنف برواية خروج زينب‬
‫الكبرى مع أخيها الحسين بأن ذلك ورد من طرق أخرى غير طريق أبي مخنف‪،‬‬
‫وهذا االعتراض وجيه إن ثبتت صحة تلك الطرق‪ ،‬لكنه عند التحقيق اعتراض ال‬
‫يصمد‪ ،‬وعمدة ما يمكن أن يستدل به في هذا الباب رواية عمار الدهني عن أبي‬
‫جعفر الباقر‪ ،‬وهي أقوى ما يمكن االعتراض به‪ ،‬وأما غيرها من الروايات خاصة‬
‫ما ُوجد منها في كتب القرن الرابع وما بعده‪ ،‬فالواضح أنها روايات مختلقة‬
‫وموضوعة صنعت على منوال مرويات أبي مخنف‪ ،‬وكذا ما روي من طرق‬
‫اإلمامية‪ ،‬ال يثبت فيه شيء على موازينهم‪ ،‬ومع ذلك أحببت أن أسردها كي يُغلق‬
‫باب االعتراض‪ ،‬وال يقع االغترار بأمثال هذه األمور ممن ال خبرة له بتتبعها‬
‫‪367‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫والبحث فيها(‪ ،)1‬وقبل أن أتعرض لهذه الروايات بالتفصيل ال بد من تقدمة مهمة‬


‫وموجزة حول مسألة مخرج األخبار وسرقة األسانيد وتركيبها‪ ،‬فإن الذي ينبغي‬
‫على من يريد معرفة أصول األخبار‪ ،‬أن تكون له مطالعة تامة وموسعة لروايات‬
‫ودربة باألخبار وألفاظها‪،‬‬
‫الباب الذي ينظر فيه‪ ،‬وبذلك تحصل عنده ملكة ُ‬
‫فيتمكن أن يميز بها بين األخبار‪ ،‬ويميز صحيحها من سقيمها‪ ،‬وإلى أي عصر‬
‫تنتمي لغتها‪ ،‬دون أن يحتاج إلى النظر في األسانيد‪ ،‬بل بمجرد أن يقرأ خبرا ما‬
‫يعلم أن هذا الخبر من رواية األخباري الفالني‪ ،‬وذلك ال يكون إال إن درس‬
‫الباحث روايات الرواة وقارن بينها واستخرج لحن كل راو‪ ،‬حتى تصير عنده‬
‫القدرة على تمييز األخبار‪ ،‬وهذا ما ينبغي أن يُ ّتبع في تمييز أخبار مقتل الحسين‬
‫‪ ،)2(‬فمن درس أخبار أبي مخنف وحفظ طريقته في السرد والحكايات وتمعن‬
‫في أسلوبه في الرواية‪ ،‬متى رأى خبرا في كتب التاريخ عرف مخرجه وأصله وقطع‬
‫بأنه من رواية أبي مخنف أو من رواية غيره بمجرد النظر في ألفاظه وجمله وكيفية‬
‫وروده ونقله‪ ،‬دون أن يحتاج إلى النظر في سنده‪ ،‬وهذا في مثل أخبار أبي مخنف‬
‫سهل يسير‪ ،‬ألن مجموع أخباره ورواياته عن مقتل الحسين والتي نقلها الطبري‬
‫في تاريخه‪ ،‬ال تعدو مجلدة واحدة‪ ،‬فمن درسها عرف طريقة أبي مخنف في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫جهدت في استيفاء واستقصاء كل ما ورد في هذا الباب من روايات‪ ،‬خاصة في كتب أهل‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )1‬وقد‬
‫السنة‪ ،‬فإن فاتني شيء منها فأنا أقطع أنه الحق بالروايات التي ذكرتها هنا‪ ،‬ألني بذلت جهدا‬
‫طويال في تتبع كل ما روي في هذه المسألة‪ ،‬حتى تقرر لدي أن سائر أخبار زينب في كربالء أصلها‬
‫من أبي مخنف وأن ما يتوهم أنه مروي من غير طريقه‪ ،‬إما أنه مأخوذ منه أو مسروق منه‪ ،‬أو ُنسب‬
‫إلى زينب غلطا والصحيح نسبته لغيرها‪ ،‬أو أنه مختلق موضوع على رسم روايات أبي مخنف‪.‬‬
‫أصل ابن القيم أصول هذه القاعدة وطبقها على كثير‬‫(‪ )2‬وانظر المنار المنيف (ص ‪ 44‬ــ ‪ ،)51‬فقد َّ‬
‫من األحاديث النبوية‪.‬‬

‫‪368‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫غيره‪ ،‬وعرف‬ ‫وميز ما تفرد به‪ ،‬وما شاركه فيه ُ‬


‫رواية األخبار وطرق نقلها وحكايتها ّ‬
‫مخرج وأصول كثير من الروايات التي رويت في مقتل الحسين ‪ ‬مما قد يتوهم‬
‫وفصل في أخبار مقتل‬ ‫أن أصله من غير أبي مخنف‪ ،‬وقد مضى أن أكثر من توسع ّ‬
‫الحسين دون سائر الناس هو أبو مخنف‪ ،‬وقد ظهر لي بعد البحث والتتبع أن خبر‬
‫تفرد به أبو مخنف‪ ،‬فهو أصل هذه‬ ‫خروج زينب الكبرى مع الحسين ‪ ‬إنما ّ‬
‫المسألة‪ ،‬ولم يشاركه في روايتها أي أحد من نظرائه من األخباريين‪ ،‬وكل من‬
‫ذكر ذلك بع ُد من أهل القرن الثالث فما بعده‪ ،‬إنما نقله من أبي مخنف سواء‬
‫صرح بذلك أم لم يصرح به(‪ ،)1‬وكذا ما يوهم ظاهره أنه مروي عن غير أبي مخنف‬
‫لكونه منقوال من طرق ال تنتهي إلى أبي مخنف‪ ،‬فما مرجع هذه الروايات إال إلى‬
‫أبي مخنف‪ ،‬وإنما وقع البالء من بعض الرواة المتأخرين الذين أرادوا أن ُيغرِبوا‬
‫برواية بعض أخبار أبي مخنف من طرق أخرى‪ ،‬فأخذ بعضهم جملة من روايات أبي‬
‫مخنف وركب لها سندا من عنده‪ ،‬وبعضهم اعتمد على ما ذكره أبو مخنف في خروج‬
‫زينب في كربالء‪ ،‬وزاد عليه أمورا ال أصل لها ولم يروها حتى أبو مخنف نفسه‪،‬‬
‫ثم صنع لها إسنادا من عنده‪ ،‬وهو ما سأبينه من خالل دراسة عدد من المرويات‬ ‫َّ‬
‫التي ورد فيها ذكر زينب في أحداث مقتل الحسين ‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كالبالذري في أنساب األشراف (‪ )186/3‬ــ (‪ )203/3‬ــ (‪ )206/3‬ــ (‪ )207/3‬ــ (‪،)217/3‬‬
‫وأبو حنيفة الدينوري في األخبار الطوال (ص ‪ ،)228‬ومصعب الزبيري في نسب قريش (ص‬
‫‪ ،)58‬والمفيد في اإلرشاد وغيرهم‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫* أو ًال‪ :‬ما روي من طرق أهل السنة‬


‫‪ 1‬ــ رواية عمار الدهني عن أبي جعفر الباقر لرد زينب الكبرى ‪ ‬على الرجل‬
‫الشامي‬
‫روى اإلمام الطبري في تاريخه(‪ ،)1‬والشجري في األمالي الخميسية(‪،)2‬‬
‫من طريق خالد بن يزيد بن أسد بن عبد اهلل القسري‪ ،‬عن عمار الدهني‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر محمد بن علي الباقر‪ ،‬رواية طويلة في مقتل الحسين ‪ ،‬وجاء فيها أن‬
‫ثم‬
‫أهل بيت الحسين لما قدموا على يزيد >جمع من كان بحضرته من أهل الشام‪َّ ،‬‬
‫أدخلوهم‪ ،‬فه ّنئوه بالفتح‪ ،‬فقال رجل منهم أزرق أحمر ونظر إلى وصيفة من بناتهم‪:‬‬
‫>يا أمير المؤمنين‪ ،‬هب لي هذه<‪ ،‬فقالت زينب‪> :‬ال واهلل وال كرامة لك وال له‪،‬‬
‫إال أن يخرج من دين اهلل<‪ ،‬قال‪ :‬فأعادها األزرق‪ ،‬فقال له يزيد‪> :‬كف عن هذا<‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مدار هذا الخبر على خالد بن يزيد القسري‪ ،‬والرواية ال تثبت عن‬
‫الباقر من جهة اإلسناد‪ ،‬كما أن متنها مأخوذ من رواية أبي مخنف كما يظهر‬
‫بالمقارنة والتتبع‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬
‫ــ نقد سند الرواية‪:‬‬
‫إ ّن هذه الرواية ال تثبت سندا عن أبي جعفر الباقر ‪ ،‬لعلل ثالث‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عف خالد بن يزيد بن خالد بن أسد بن عبد اهلل القسري‬
‫العلة األولى‪َ :‬ض ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)390/5‬‬
‫(‪ )2‬األمالي الخميسية (‪.)249/1‬‬
‫(‪ )3‬وهو حفيد خالد بن عبد اهلل القسري أمير العراق المشهور‪ ،‬قال ابن عساكر‪> :‬وج ُّده خالد أمير‬
‫العراق< تاريخ دمشق (‪ ،)285/16‬وقد وقع غلط في طبعة دار البشائر للسان الميزان (‪=)348/3‬‬

‫‪370‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫فقد تكلم فيه نقاد األخبار واتهموه؛‬


‫قال عنه أبو حاتم‪> :‬ليس بقوي<(‪ ،)1‬وقال ابن عدي‪> :‬أحاديثه كلها ال يتابع‬
‫عليها ال إسنادا‪ ،‬وال متنا‪َ ...،‬وهو عندي ضعيف إال أن أحاديثه إفرادات ومع‬
‫ضعفه كان يكتب حديثه<(‪ ،)2‬وقال العقيلي‪> :‬ال يتابع على حديثه<(‪ ،)3‬واتهمه‬
‫ٍ‬
‫حديث(‪.)4‬‬ ‫ابن الجوزي بوضع‬
‫تفر َد خالد بن يزيد برواية هذا الخبر بهذا اإلسناد عن عمار‬
‫العلة الثانية‪َّ :‬‬
‫الدهني عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر‪ ،‬ولو كان الباقر قد حدث بمقتل‬
‫الحسين ‪ ‬بهذه الصورة المطولة والمفصلة‪ ،‬لنقله عنه الثقات والمشهورون‪ ،‬أما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ففيها‪> :‬خالد بن يزيد أمير العراق‪ ،‬هو خالد بن عبد اهلل بن يزيد بن أسد البجلي القسري<‪ ،‬وهذا‬ ‫=‬
‫غلط منشأه السقط‪ ،‬وقد جاء على الصواب في ميزان االعتدال ــ وهو أصل لسان الميزان ــ طبعة‬
‫دار الرسالة (‪ )596/1‬ونبه محققه الدكتور محمد رضوان عرقسوسي عليه‪ ،‬وقد وقفت على‬
‫مخطوطة لسان الميزان المنسوخة بتاريخ ‪ 850‬هـ‪ ،‬والمحفوظة بمكتبة أحمد الثالث في متحف‬
‫طوب قابي سراي برقم (‪ ،)2944/1‬ووجدت فيها النص على الصواب كما في الميزان [ق‬
‫‪ ،]162‬وهو أيضا على الصواب في نسخة مكتبة فاضل أحمد باشا [ق ‪/167‬ب]‪ ،‬المرقمة برقم‬
‫(‪ ،)462‬وإنما وقع الخلل في المطبوع ألن النسخة األصل التي اعتمدها الشيخ أبو غدة ‪ ‬ــ‬
‫وهي مخطوطة راغب باشا برقم (‪ )347‬ــ سقط منها كلمة >ابن< فصارت الجملة‪> :‬خالد بن يزيد‬
‫أمير العراق<‪ ،‬كما في [ق‪/222‬ب]‪ ،‬ثم إن ناسخ نسخة أحمد الثالث رسم كلمة >بن< بصورة‬
‫قريبة من كلمة >هو<‪ ،‬فتوهم الشيخ أبو غدة ‪ ‬أن الكلمة هي >هو< فأثبتها في مطبوعة اللسان‪،‬‬
‫وإال فليست كلمة >هو< في نسخة راغب باشا وال في بقية النسخ التي اطلعت عليها‪ ،‬وقد سقطت‬
‫كلمة >بن< أيضا من نسخة فاضل أحمد باشا المرقمة برقم (‪[ ،)393‬ق ‪.]442‬‬
‫الجرح والتعديل (‪.)259/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الكامل البن عدي (‪ 432/3‬ــ ‪.)433‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الضعفاء (‪.)15/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الموضوعات (‪ 551/3‬ــ ‪.)552‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪371‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫أن يتفرد بذلك خالد بن يزيد عن الدهني عن الباقر‪ ،‬فهذا مما يُر ّد وال يقبل(‪.)1‬‬
‫العلة الثالثة‪ :‬من تأمل في متن هذا الخبر استيقن أن خالد بن يزيد إنما سرقه‬
‫من أبي مخنف ور ّكب له هذا اإلسناد‪ ،‬فإنك ترى سائر التفاصيل التي تفرد أبو‬
‫مخنف بروايتها مذكورة في رواية خالد بن يزيد‪ ،‬وبما أن أبا مخنف في طبقة‬
‫شيوخ خالد بن يزيد فإن وقوفه على روايات أبي مخنف في مقتل الحسين وارد‪،‬‬
‫وإليك بعض أوجه التشابه بين رواية خالد بن يزيد القسري مع رواية أبي مخنف‬
‫في تاريخ الطبري‪:‬‬
‫ــ قبول أمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان تأخير الحسين لبيعته(‪.)2‬‬
‫ــ مكاتبة أهل الكوفة للحسين بأنهم يبايعونه وال يصلون الجمعة خلف‬
‫واليهم وهو النعمان بن بشير(‪.)3‬‬
‫ــ خروج مسلم بن عقيل مع دليلين وموت أحدهما بسبب العطش ومكاتبة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد طعن عامر الجابري في كتابه أصول المقتل الحسيني (ص ‪ )137‬في هذا الخبر بزكريا بن‬
‫يحيى الضرير وخالد بن يزيد القسري‪ ،‬وزعم أن يحيى بن معين قال في زكريا بن يحيى الضرير‪:‬‬
‫>ليس بشيء<‪ ،‬قلت‪ :‬ما ذكره غريب وأغرب منه قوله‪> :‬وعن الشعبي عن يحيى بن معين أنه قال‬
‫فيه‪> :‬ليس بشيء<<!!‪ ،‬فإن أدنى من له خبرة بعلم الحديث والجرح والتعديل يعلم أن الشعبي‬
‫المتوفى سنة ‪ 107‬هـ أو بعدها بقليل ال يمكن أن يروي عن يحيى بن معين الذي ولد سنة ‪ 157‬هـ‪،‬‬
‫والصواب أن زكريا بن يحيى هذا المذكور في ميزان االعتدال (‪ ،)75/2‬هو الكندي من أتباع‬
‫التابعين ويروي عن الشعبي‪ ،‬وأين هو من زكريا بن يحيى الضرير المعدود في مشايخ اإلمام‬
‫الطبري المتوفى سنة ‪ 310‬هـ!!‪ ،‬ثم إن الضرير لم يتفرد بهذه الرواية عن القسري‪ ،‬بل تابعه أحمد‬
‫ابن غياث كما في األمالي الخميسية‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ )328/5‬وقارن بـ (‪.)347/5‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ الطبري (‪ )352/5‬وقارن بـ (‪.)347/5‬‬

‫‪372‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫مسلم للحسين ليعفيه من إكمال المسير ورد الحسين عليه بأن يمضي إلى‬
‫الكوفة(‪.)1‬‬
‫ــ خطبة النعمان بن بشير في أهل الكوفة وتحذيره إياهم من نكث البيعة‪،‬‬
‫ور ّده على رجل دعاه إلى الشدة بقوله‪> :‬أن أكون ضعيفا وأنا ِفي طاعة اهلل أحب‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫إلي من أن أكون قويا ِفي معصية اهلل<‬
‫ــ مكاتبة الرجل الذي حضر خطبة النعمان ليزيد‪ ،‬واستشارة يزيد لسرجون‬
‫ليستقر رأيه على عزل النعمان وتولية ابن زياد للكوفة(‪.)3‬‬
‫ــ دخول ابن زياد على أهل الكوفة وهو ملثم‪ ،‬وسالم أهل الكوفة عليه‬
‫بالبيعة ظنا منهم أنه الحسين ‪.)4(‬‬
‫هذه نماذج من أول الرواية المنسوبة إلى عمار الدهني وهي توافق ترتيب‬
‫رواية أبي مخنف مع بعض االختصار واالختالف اليسير‪ ،‬وأدل دليل على أن‬
‫هذه الرواية إنما سرقها خالد بن يزيد القسري من صحف أبي مخنف‪ ،‬إال أن أبا‬
‫مخنف روى هذه األحداث واألخبار بأسانيد مختلفة عن أكثر من راو‪ ،‬أما خالد‬
‫ابن يزيد فروى نفس األخبار بنفس الترتيب والتفاصيل واألسماء واألحداث‬
‫بإسناد واحد منسوب إلى أبي جعفر الباقر!!‬
‫وهذا أدل دليل على السرقة واالنتحال والتركيب‪ ،‬وينسحب هذا االنتحال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ الطبري (‪ 354/5‬ــ ‪ )355‬وقارن بـ (‪ ،)347/5‬وعند أبي مخنف أن الدليلين ماتا جميعا‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ )356/5‬وقارن بـ (‪.)348/5‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ )357/5‬وقارن بـ (‪.)348/5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ )358/5‬وقارن بـ (‪.)348/5‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪373‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫على ما نسبه خالد بن يزيد القسري إلى الباقر من رواية قصة رد زينب على الشامي‬
‫الذي سأل يزيد أن يهبه فاطمة بنت علي‪ ،‬وقولها له‪> :‬ال واهلل وال كرامة لك وال‬
‫له إال أن يخرج من دين اهلل<(‪ ،)1‬فقد رواها أبو مخنف من طريق الحارث بن‬
‫علي‪ ،‬باختالف يسير(‪.)2‬‬
‫كعب عن فاطمة بنت ّ‬
‫فهذه الرواية إنما ترجع إلى أبي مخنف فسرقها خالد بن يزيد القسري‬
‫ونسبها إلى الباقر‪ ،‬ولم يتنبه الحافظ ابن حجر إلى كون أصل رواية القسري من‬
‫ثم قال‪> :‬وقد ص ّنف جماعة من القدماء في مقتل‬
‫أبي مخنف‪ ،‬فساقها في اإلصابة ّ‬
‫القصة التي‬
‫والسقيم‪ ،‬وفي هذه ّ‬‫والصحيح ّ‬‫والسمين‪ّ ،‬‬ ‫الغث ّ‬
‫الحسين تصانيف فيها ّ‬
‫سقتها غنى<(‪.)3‬‬
‫والصحيح أن رواية عمار الدهني ليست إال نسخة أخرى من رواية أبي‬
‫مخنف‪ ،‬وذلك أ ّن أشهر من ص ّنف في مقتل الحسين ‪ ‬من القدماء هو أبو‬
‫مخنف وروايته كتب لها االنتشار والشهرة‪ ،‬وهذه الرواية جمعت الكثير من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)390/5‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ ،)462/5‬ويظهر لي أن سبب االختالف بين رواية القسري وأبي مخنف هو أمران‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن خالد بن يزيد كان يختصر رواية أبي مخنف في بعض المواضع كما يتبين من مقارنة‬
‫لذين كانا مع مسلم بن عقيل‪ ،‬فقد تفرد أبو مخنف‬‫روايتيهما ومثال ذلك رواية موت الدليلين ال ْ‬
‫برواية ذلك بصورة مفصلة‪ ،‬وذكرها القسري في روايته بصورة مختصرة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن خالد بن يزيد القسري كان يخطئ في بعض المواضع أو يتصرف في الرواية‪ ،‬ومن ذلك‬
‫أن القسري ذكر أن عدد الذين بايعوا مسلم بن عقيل من أهل الكوفة هو اثني عشر ألفا‪ ،‬تاريخ‬
‫الطبري (‪ ،)347/5‬بينما جاء في رواية أبي مخنف أن عددهم كان ثمانية عشر ألفا‪ ،‬تاريخ الطبري‬
‫(‪ ،)368/5‬ومن ذلك ما جاء في قصة الدليلين اللذين كانا مع مسلم بن عقيل‪ ،‬فقد ذكر أبو‬
‫مخنف أنهما ماتا من العطش‪ ،‬بينما ذكر خالد بن يزيد أن واحدا منهما فقط هو من مات‪.‬‬
‫(‪ )3‬اإلصابة في تمييز الصحابة (‪.)71/2‬‬

‫‪374‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫عمار الدهني ليس إال اختصارا لرواية أبي‬


‫السقيم مع القليل من الصحيح‪ ،‬وخبر ّ‬
‫مخنف‪ ،‬ولو أ ّن الحافظ ابن حجر تنبه لذلك‪ ،‬لما مدح رواية عمار الدهني ولما‬
‫جعلها ُت ْغني عن غيرها‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ رواية ابن طيفور (‪ 280‬هـ) لكالم زينب الكبرى ‪ ‬عند يزيد‬
‫ابن طيفور هو أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬وهو من أهل األدب‬
‫واألخبار‪ ،‬روى رواية طويلة في كتابه >المنثور والمنظوم< الذي طبع جزء منه‬
‫بعنوان >بالغات النساء<‪ ،‬فيها خطبة منسوبة إلى زينب ‪ ‬في مجلس يزيد‪،‬‬
‫وهي رواية تذكر أن يزيد أنشد شعر ابن الزبعرى الذي مطلعه‪:‬‬
‫لَيـــ ـ َت أَ ْشـــ ـي ِ‬
‫اخي ب َِبـــ ـ ْد ٍر َشـــ ـ ِه ُدوا ‪َ J‬جـ ـ َز َع ا ْل َخـ ـ ْز َر ِج ِمـ ـ ْن َو ْقـ ـ ِع ْاألَ َسـ ـ ْل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ثم كان عاقبة الذين أساءوا أن‬ ‫فقالت زينب‪> :‬صدق اهلل ورسوله يا يزيد‪ّ ،‬‬
‫كذبوا بآيات اهلل(‪ )1‬وكانوا بها يستهزئون‪ ،‬أظننت يا يزيد أنه حين أخذ علينا بأطراف‬
‫األرض وأكناف السماء فأصبحنا نساق كما يساق األسارى‪ ،‬أ ّن بنا هوانا على اهلل‬
‫وبك عليه كرامة؟‪ ،‬وإن هذا لعظيم خطرك‪ ،‬فشمخت بأنفك ونظرت في عطفيك‪،‬‬
‫جذالن فرحا‪ ،‬حين رأيت الدنيا مستوسقة لك واألمور متسقة عليك‪.)2(<....‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫{ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬ ‫(‪ )1‬كذا‪ ،‬وفيه سقط‪ ،‬فإن اآلية في سورة الروم هكذا‪:‬‬
‫ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ} [الروم‪ ،]10 :‬فيحتمل أن يكون السقط في أصل‬
‫الرواية‪ ،‬ويحتمل أن يكون من النساخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬بالغات النساء (ص ‪ ،)25‬وهو أقدم مصدر وقفت فيه على هذه الخطبة‪ ،‬وقد ُرويت في مصادر‬
‫متأخرة عنه‪ ،‬راجع‪ :‬نثر الدر في المحاضرات لألبِّي (‪ ،)17/4‬والظاهر أن األبي استفاد من كتاب‬
‫ابن طيفور‪ ،‬فإنه قد اتبع فيما نقله من أخبار النساء نفس ترتيب ابن طيفور‪ ،‬وقد نقل عن ابن طيفور‬
‫في بعض المواضع‪ ،‬انظرها في (‪ ،)277/1‬و(‪ ،)41/4‬و(‪ .)249/6‬ومن المصادر التي=‬

‫‪375‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وهذه الرواية ال أصل لها عن زينب ‪ ،‬وإنما افتعلها بعض من ال خالق‬


‫فالصنعة والتكلف واالختالق والتوليد ظاهر على‬ ‫له من أهل األدب المتأخرين‪ِّ ،‬‬
‫ألفاظها‪ ،‬فضال عن الطول المبالغ فيه‪ ،‬مما لم يعهد في كالم الصحابة ‪ ،‬وفي‬
‫هذا الكالم من التقعر والتعمق والتعقيد والتشدق وتشقيق الكالم ما ينزه عنه لسان‬
‫األوائل‪ ،‬وهو مما انتشر واشتهر في العصور المتأخرة خاصة في زمن الدولة‬
‫العباسية‪ ،‬وقد قال الجاحظ وهو من أعلم األدباء بألسنة الناس وممن له خبرة تامة‬
‫بمعرفة كالم العرب وتمييز كالم السلف من الخلف‪> :‬ولم أجد في ُخطب السلف‬
‫الطيب واألعراب األقحاح‪ ،‬ألفاظا مسخوطة‪ ،‬وال معاني مدخولة‪ ،‬وال طبعا‬
‫رديئا‪ ،‬وال قوال مستكرها‪ .‬وأكثر ما تجد ذلك في خطب المول ِّدين‪ ،‬وفي خطب‬
‫البلديين المتكلفين‪ ،‬ومن أهل الصنعة المتأدبين<(‪.)1‬‬
‫وقد أجاد الدكتور أحمد خليل جمعة في انتقاده لهذه الخطبة فقال‪> :‬فوجئنا‬
‫وخطب نسبت إلى زينب‪ ،‬أو قيلت عنها‪ ،‬ومنها كلمات قيلت أمام يزيد‬ ‫بكلمات ُ‬
‫بن معاوية‪ ،‬ولو تأمل البليغ هذه الكلمات لعلم أنها قيلت في غفلة عن أعين أهل‬
‫صناعة الكالم‪ ،‬وفي عصر متأخر عن عصر زينب‪ ،‬إذ فيها من األسجاع والصنعة‬
‫والتكلف ما يشهد عليها بالوضع والصنعة والتأليف‪ ،‬كما توجد فيها بعض الجمل‬
‫التي خرط القتاد دونها‪ ،‬والتي ال يعقل أن تتلفظ بها امرأة من عامة الناس‪ ،‬فكيف‬
‫وابن عمه‪ ،‬وفارس‬ ‫بابنة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ ،‬صاحب النبي‬
‫السنان والبيان<(‪ ،)2‬ثم ذكر رواية ابن طيفور‪ ،‬ثم قال‪> :‬يالحظ القارئ الكريم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وردت فيها هذه الخطبة منسوبة إلى زينب ‪ :‬التذكرة الحمدونية (‪ ،)263/6‬االحتجاج‬
‫للطبرسي (‪ ،)35/2‬مثير األحزان (ص ‪ ،)80‬اللهوف على قتلى الطفوف (ص ‪.)105‬‬
‫(‪ )1‬البيان والتبيين (‪.)8/2‬‬
‫(‪ )2‬بنات الصحابة (ص ‪.)199‬‬

‫‪376‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫أثر الصنعة في هذه الكلمات المنسوبة لزينب‪ ،‬والكلمات المنتقاة التي ال تأتي‬
‫على اللسان في مثل ذلك الموقف بين يدي يزيد أو غير يزيد‪ ،‬ثم تبشره بالنار‪،‬‬
‫وتدعوه بعدو اهلل وابن عدوه‪ ،‬وتدعوه بالسفيه‪ ،‬وهذا ــ إن صح لزينب أو غيرها‬
‫ــ ال يتناسب مع أدب البالغة وبالغة األدب‪ ،‬وجمال الخطاب‪ ...،‬ثم إن واضع‬
‫هذه ال ُخطبة‪ ،‬يختم تلكم الكلمات بالتحميد‪ ،‬وهذا ما يشبه الخطب والمقاالت‬
‫التي وضعت للوعظ واإلرشاد وما شابه ذلك‪ ...،‬إن بنات الصحابة وابنة علي‬
‫الدرك من إسفاف الكالم‪ ،‬فتشتم هذا‪ ،‬وتك ِّفر ذاك‪،‬‬
‫ال يمكن أن تنحدر إلى هذا َ‬
‫وتسخر من أولئك<(‪.)1‬‬
‫كذب ظاهر‪:‬‬
‫ثم إ ّن بعض ما جاء في هذه الخطبة ٌ‬
‫ــ فمن ذلك دعوى أن يزيد تمثل بقول ابن الزبعرى اآلنف‪ ،‬فإنه لم يُرو من‬
‫وجمع كل ما هب ودب‬ ‫َ‬ ‫طريق ثابتة(‪ ،)2‬وحتى أبو مخنف الذي تفنن في الوضع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بنات الصحابة (ص ‪ 201‬ــ ‪ )202‬الهامش ‪ ،5‬ويبدو أن الدكتور أحمد خليل جمعة قد جرى في‬
‫كتابه نساء أهل البيت في ضوء القرآن والحديث (ص ‪ ،)642‬على ما جرى عليه المؤرخون‪،‬‬
‫فذكر هذه القصة تحت عنوان >الحازمة العاقلة<‪ ،‬وسلم بها!‪ ،‬ولكن ما يهون الخطب أن كتابه ذاك‬
‫قديم فهو مطبوع سنة ‪ 1415‬هـ‪ ،‬فيبدو أنه عدل عما سطره فيه في كتابه بنات الصحابة المطبوع‬
‫سنة ‪ 1425‬هـ‪ ،‬وليته أشار إلى ذلك حتى ال يغتر به من لم يطلع على كتابه األخير‪.‬‬
‫(‪ )2‬وردت قصة تمثل يزيد بشعر ابن الزبعرى من طرق كلها واهية‪ ،‬فرواها ابن عساكر في تاريخه‬
‫ريا حاضنة يزيد‪ ،‬واإلسناد‬‫(‪ 159/69‬ــ ‪ ،)160‬من طريق أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة عن ّ‬
‫ساقط‪ ،‬فأحمد بن محمد بن يحيى واه‪ ،‬قال عنه أبو أحمد الحاكم‪> :‬فيه نظر<‪ ،‬وقال أيضا‪> :‬قد‬
‫الجهم بن طالب‬‫كان كبر‪ ،‬فكان يلقن ما ليس من حديثه‪ ،‬فيتلقن<‪ ،‬وقال أيضا‪> :‬حدثنا عنه أبو ْ‬
‫بأحاديث بواطيل عن أبيه عن جده عن مشايخ ثقات‪ ،‬ال يحتملونها<‪ ،‬تاريخ دمشق (‪،)467/5‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا من بواطيله إن صح اإلسناد إليه‪.‬‬
‫ورواها ابن الجوزي في الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد (ص ‪ )59‬بسند مظلم=‬

‫‪377‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫لإلمعان في ذم يزيد لم يرو هذا الخبر‪ ،‬بل إن تلك األبيات المنسوبة إلى ابن‬
‫الزبعرى لم ترو من وجه ثابت أيضا‪ ،‬وأقدم من رواها هو ابن إسحاق في >السيرة<‬
‫(‪)1‬‬
‫الحرة‪ ،‬وذلك‬
‫بال إسناد ‪ ،‬ومن المؤرخين من ذكر أن يزيد إنما قال ذلك يوم ّ‬
‫لمناسبة تلك األشعار التي فيها الشماتة بالخزرج الذين يسكنون المدينة‪ ،‬وعدم‬
‫تناسبها مع مقتل الحسين ‪ ،)2(‬وقد أحسن ابن كثير حين قال بعد أن ذكر أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= عن محمد بن يحيى األحمري عن ليث عن مجاهد‪ ،‬ووردت في مقتل الحسين المنسوب‬
‫للخوارزمي (‪ )65/2‬من طريق عبد اهلل بن زاهر عن أبيه عن ليث عن مجاهد‪ ،‬قلت‪ :‬ومحمد‬
‫ابن يحيى األحمري يحتمل أن يكون وقع في اسمه سقط في كتاب المتعصب العنيد‪ ،‬وأن يكون‬
‫األصل في رواية ابن الجوزي عبد اهلل بن محمد بن يحيى األحمري‪ ،‬فسقط عبد اهلل من اإلسناد‪،‬‬
‫فإن ثبت ذلك فسيكون المراد بعبد اهلل بن محمد بن يحيى األحمري هو عبد اهلل بن داهر أو زاهر‪،‬‬
‫ألن الذهبي قال في الميزان (‪ :)416/2‬ويقال‪ :‬إن اسمه عبد اهلل بن محمد‪ ،‬وهو هالك واه‪ ،‬قال‬
‫عنه أحمد‪> :‬ليس بشيء<‪ ،‬تاريخ بغداد (‪ ،)120/11‬واتهمه ابن عدي فيما يرويه من فضائل‬
‫علي‪ ،‬الكامل في الضعفاء (‪ ،)387/5‬ورماه العقيلي بالغلو‪ ،‬الضعفاء للعقيلي (‪،)250/2‬‬
‫وتفرد صالح جزرة بمدحه فقال‪> :‬شيخ صدوق<‪ ،‬تاريخ بغداد (‪.)120/11‬‬
‫قلت‪ :‬والصواب أنه ساقط متهم وقد أورد له ابن عدي والعقيلي عدة روايات مفتعلة من وضعه‪،‬‬
‫فالظاهر أن أمره خ ِف َي على صالح جزرة‪ ،‬فإن كان االختالف في اإلسناد حقيقيا فال فائدة منه ألن‬
‫مداره على عبد اهلل بن داهر‪ ،‬وعليه يكون اإلسناد ساقطا‪ ،‬ووردت في موضع آخر في مقتل الحسين‬
‫للخوارزمي بإسناد آخر واه‪ ،‬سيأتي الكالم عنه‪.‬‬
‫وذكر الطبرسي هذه األبيات منسوبة ليزيد في االحتجاج (‪ )34/2‬بال إسناد‪ ،‬وهي في كتاب‬
‫الفتوح المنسوب البن أعثم بال إسناد (‪ ،)129/5‬وعزاها سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص‬
‫(‪ )539/1‬إلى كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى ونسب فيه إلى اإلمام أحمد أنه قال‪:‬‬
‫>إن صح عن يزيد ذلك فقد فسق<‪ ،‬ولم أقف عليها في المطبوع من الروايتين والوجهين مع أن‬
‫الكالم هناك مبسوط ومستوفى في مسألة يزيد‪ ،‬فراجع المسائل العقدية من كتاب الروايتين‬
‫والوجهين (ص ‪ 93‬ــ ‪ ،)106‬ولعل هذا من تحريفات سبط ابن الجوزي‪ ،‬وستأتي أمثلة عديدة‬
‫لنماذج تحريفاته (انظر‪ :‬ص ‪.)495‬‬
‫(‪ )1‬سيرة ابن هشام (‪.)137/2‬‬
‫(‪ )2‬األخبار الطوال للدينوري (ص ‪ ،)267‬بال إسناد‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫يزيد قال ذلك بعد وقعة الحرة‪> :‬إن قاله يزيد بن معاوية فلعنة اهلل عليه ولعنة‬
‫الالعنين‪ ،‬وإن لم يكن قاله فلعنة اهلل على من وضعه عليه ليشنع عليه به<(‪.)1‬‬
‫ــ ومما اشتملت عليه هذه القصة من الكذب ما جاء على لسان زينب أنها‬
‫قالت ليزيد‪> :‬وسوقك بنات رسول اهلل ‪ ...‬من بلد إلى بلد‪ ...‬ليس معهن‬
‫(‪)2‬‬
‫كذب قطعا‪ ،‬فإن علي بن الحسين كان فيمن ُحمل‬ ‫ولي من رجالهن< ‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫ٌّ‬
‫ولي من كان في الر ْكب من نساء أهل البيت!‪.‬‬
‫إلى يزيد بال نزاع! وهو ُّ‬
‫وأما فُحش الكالم والتعرض لألعراض وغيرها من القبائح التي حفلت بها‬
‫تلك الخطبة(‪ ،)3‬فالمقطوع به أنه من عمل الكذابين‪ ،‬وزينب منه براء‪.‬‬
‫ثم إن هذه الرواية ال يُعرف مخرجها‪ ،‬فإن ابن طيفور لم يذكر لها إسنادا(‪،)4‬‬
‫وغالب ظني أن البالء فيها من ابن طيفور‪ ،‬فإنه وإن كان اشتهر عند الناس باألدب‬
‫إال أنه ليس بثقة فيما ينقله‪ ،‬فمن نظر في كتابه ذاك ورأى ما تفرد به من األخبار‬
‫الطويلة عن نساء الصحابة ومن بعدهن من التابعيات يستريب في أمره‪ ،‬ويقوى‬
‫عنده أن البالء في هذه األخبار منه‪ ،‬وقد اتهمه ابن حمدان بالسرقة الشعرية فقال‪:‬‬
‫>وكان أسرق الناس لنصف بيت وثلث بيت<(‪ ،)5‬ويظهر من كتابه >المنثور‬
‫والمنظوم< اطالعه على كثير من الكتب والتواريخ‪ ،‬وهو يسلك فيما يرويه من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫البداية والنهاية (‪.)631/11‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بالغات النساء (ص ‪.)26‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫من ذلك ما جاء على لسان زينب أنها سمت يزيد >ابن الطلقاء<‪ ،‬وعبيد اهلل بن زياد‪> :‬ابن‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرجانة<‪ ،‬وهذا تعريض بأم ابن زياد وهو يتكرر في مرويات بعض األخباريين‪.‬‬
‫وردت هذه الرواية بإسناد ملفق في كتاب مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي وسيأتي الكالم عنها‬ ‫(‪)4‬‬
‫(ص ‪.)402‬‬
‫الفهرست للنديم (ص ‪ ،)180‬معجم األدباء (‪.)282/1‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪379‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫القصص طرائق مختلفة‪ ،‬فمرة يروي ما يُقطع بأنه مفتعل ومصنوع(‪ ،)1‬ومرة يعمد‬
‫إلى أصل الخبر الذي يقف عليه‪ ،‬ويزيد عليه توليدات بلسان زمانه الذي غلب‬
‫عليه السجع وال ُكلفة والتقعير‪ ،‬ثم يركب له إسنادا(‪ )2‬برجال لم تلدهم أرحام‬
‫النساء(‪ ،)3‬وربما أعجزه أن يجد للخبر إسنادا فيعزوه إلى كتاب مجهول قائال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ومن ذلك الكالم الطويل المنسوب إلى أم المؤمنين عائشة ‪ ‬في احتضار أبيها أبي بكر الصديق‬
‫‪ ،‬ور ّد الصديق عليها‪ ،‬فقد رواه ابن طيفور من طريق أحمد بن زيد‪ ،‬وتوبع ابن طيفور‪ ،‬فرواه‬
‫أبو يعلى الموصلي مختصرا عن أحمد بن زيد في معجمه (ص ‪ ،)95‬ورواه الذهبي بسنده من‬
‫طريق أحمد بن زيد في ميزان االعتدال (‪ ،)99/1‬واستنكر الذهبي هذا الخبر‪ ،‬وال شك أنه خبر‬
‫مصنوع كما هو ظاهر‪ .‬وقد روى ابن طيفور خبرين مفتعلين عن أم المؤمنين عائشة ثم قال (ص‬
‫‪> :)11‬زعم لي ابن أبي سعد أنه صح عنده أن العتابي كلثوم بن عمر صنع هذين الحديثين وقد‬
‫كتبتهما على ما فيهما<‪ ،‬قلت‪ :‬ولكن ابن طيفور سلك مسلك العتابي وصنع أخبارا غيرها ونسبها‬
‫إلى من سلف‪.‬‬
‫(‪ )2‬ومن األسانيد المركبة التي ال تجيء‪ ،‬ما راوه ابن طيفور (ص ‪ 22‬ــ ‪ )23‬من طريق شيخ له سماه‬
‫عبد اهلل بن أحمد العبدي عن الحسين بن علوان عن عطية العوفي أنه سمع أبا بكر‪ ،‬وهذا كذب‬
‫بال ريب‪ ،‬فقد ثبت عن عطية العوفي أنه قال‪> :‬لما ولدت أتى بي أبي عليا فأخبره‪ ،‬ففرض لي في‬
‫مائة<‪ ،‬طبقات ابن سعد (‪ ،)421/8‬فعطية العوفي إنما ولد في خالفة علي ‪ ،‬ولم يدرك أبا‬
‫من ركَّب هذه األسانيد السمجة لهذا الخبر ــ وال أُراه إال ابن طيفور‬
‫بكر ‪ ،‬وهذا دليل على أ ّن ْ‬
‫ــ جاهل بالوفيات‪ ،‬وقديما قيل‪:‬‬
‫وإن خالها تخفى على الناس تعلم‬ ‫ومهما تكــن عنــد امــرئ مــن خليقــة‬
‫(‪ )3‬من رجال ابن طيفور الذين لم أقف على شيء عنهم ولم أجد لهم ذكرا إال عند ابن طيفور‪ :‬أبو‬
‫المنهال سويد بن علي بن سويد بن منجوف الذي يروي عن هشام بن عروة‪ ،‬نقل عنه بإسناده‬
‫خطبة عن أم المؤمنين عائشة (ص ‪ ،)3‬وحيان بن موسى الكشمهاني الذي يروي عن ابن مبارك‪،‬‬
‫(ص ‪ ،)3‬وأحمد بن عثمان الوركاني (ص ‪ ،)14‬وجعفر بن محمد الذي قال عنه (ص ‪:)18‬‬
‫>رجل من أهل ديار مصر لقيته بالرافقة<!!‪ ،‬وأبو حفان ــ كذا في المطبوع (ص ‪ ،)23‬وفي‬
‫مخطوطة جامعة الملك سعود برقم (‪[ ،)810‬ق‪/13‬ب]‪ ،‬أبو هفاف ــ‪ ،‬وأبو إسحاق إبراهيم بن‬
‫عبد اهلل بن عبد ربه بن القاسم بن يحيى بن مقدم (ص ‪ ،)37‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫>ووجدت في بعض الكتب<(‪ ،)1‬وأما ما في الكتاب من الفظائع والعظائم‪،‬‬


‫والتعرض لألعراض وغيرها من القبائح(‪ )2‬ونسبتها إلى السلف الصالح‪ ،‬فال‬
‫أقول فيه إال كما قال الخطيب البغدادي في عيسى بن مهران(‪ ،)3‬ــ وهو شيخ‬
‫ابن طيفور ــ حين وقف له على كتاب في الحط من الصحابة ‪ ،‬فقال الخطيب‬
‫قف شعري عند نظري فيه‪ ،‬وعظُم تعجبي‬ ‫البغدادي معلقا على الكتاب‪> :‬واهلل لقد َّ‬
‫مما أودع ذلك الكتاب من األحاديث الموضوعة‪ ،‬واألقاصيص المختلقة‪،‬‬
‫واألنباء المفتعلة باألسانيد المظلمة عن سقاط الكوفيين‪ ،‬من المعروفين‬
‫بالكذب‪ ،‬ومن المجهولين‪ ،‬ودلني ذلك على عمى بصيرة واضعه‪ ،‬وخبث سريرة‬
‫جامعه‪ ،‬وخيبة سعي طالبه‪ ،‬واحتقاب وزر كاتبه<(‪ ،)4‬وغير بعيد أن يكون ابن‬
‫طيفور قد تعلم هذه الصنعة من شيخه هذا ونظرائه واهلل المستعان‪.‬‬
‫من وضع هذا‬‫وعليه فما نسبه ابن طيفور لزينب ‪ ‬ال يعتد به والظاهر أن ْ‬
‫الخبر متأخر عن زمن أبي مخنف‪ ،‬فإن أبا مخنف ــ على بذله الجهد في جمع كل‬
‫ينسب هذه الخطبة إلى زينب‪ ،‬فلما رأى‬
‫غث وسمين في مقتل الحسين ‪ ‬ــ لم ْ‬
‫رأس‬
‫بعض الوضاعين ما ذكره أبو مخنف من دخول زينب على يزيد ونكث يزيد َ‬
‫الحسين بقضيب‪ ،‬ولَّد من ذلك تلك الخطبة المفتعلة عن زينب‪ ،‬فال ينبغي‬
‫االغترار بهذا الخبر وال التعريج عليه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بالغات النساء (ص ‪ ،)30‬ومثله في (ص ‪.)70‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫كالكالم المنسوب ألروى بنت الحارث في موسم الحج‪ ،‬وقولها لمعاوية ‪> :‬لقد كفرتم بما‬ ‫(‪)2‬‬
‫جاء به محمد <‪ ،‬وقولها لعمرو بن العاص‪> :‬لقد ا ّدعاك ستة من قريش وكلهم يزعم أنه أبوك‪،‬‬
‫ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عب ٍد عاهر<‪ ،‬بالغات النساء (ص ‪.)32‬‬
‫روى عنه في بالغات النساء (ص ‪ )35‬و(ص ‪.)37‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ بغداد (‪.)494/12‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪381‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫‪ 3‬ــ حكاية ابن برد األنطاكي (عاش في القرن الثالث) لرد زينب ‪ ‬على‬
‫الرجل الشامي‬
‫قال البالذري‪> :‬وحدثني ابن برد األنطاكي الفقيه‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬ذكروا أن‬
‫رجال من أهل الشام نظر إلى ابنة لعلي فقال ليزيد‪> :‬هب لي هذه<‪ ،‬فأسمعته‬
‫زينب كالما فغضب يزيد وقال‪> :‬لو شئت أن أهبها له فعلت< أو نحو ذلك<(‪،)1‬‬
‫قلت‪ :‬ابن برد األنطاكي هو أحمد بن الوليد بن برد الشامي الفقيه األنطاكي(‪،)2‬‬
‫لم أقف على تاريخ وفاته‪ ،‬إال أن ابن حبان قال عنه‪> :‬هو قديم الموت<(‪ ،)3‬لكن‬
‫مقتضى رواية البالذري (‪ 279‬هـ) عنه‪ ،‬أنه عاش إلى نصف القرن الثالث تقريبا‪،‬‬
‫فهو متأخر عن أبي مخنف‪ ،‬وعليه فقول أبيه الوليد بن برد‪> :‬ذكروا<‪ ،‬ينصرف‬
‫إلى أبي مخنف‪ ،‬فإن ما جاء في روايته مطابق لرواية أبي مخنف التي تفرد بها في‬
‫قصة طلب الرجل الشامي من يزيد أن يهبه فاطمة بنت علي‪ ،‬وعليه فهذه الرواية‬
‫كسابقتها ليست إال من تراث أبي مخنف‪.‬‬

‫‪ 4‬ــ رواية أبي بكر ابن األنباري (‪ 328‬هـ)‬


‫نقل ابن عساكر ‪ ‬أن أبا بكر ابن األنباري روى >بإسناد له‪ ،‬أن زينب‬
‫أخرجت رأسها من الخباء‬ ‫ْ‬ ‫بنت علي بن أبي طالب يوم قتل الحسين بن علي‪،‬‬
‫وهي رافعة عقيرتها بصوت عال تقول‪:‬‬
‫وأنـــ ُت ْم ِ‬
‫آخـــ ُر األُ َمـــمِ‬ ‫علـــ ُت ْم ْ‬
‫ـي لَكــ ْـم ‪ J‬مــــاذا فَ ْ‬
‫ـال النبــ ُّ‬
‫ولـ ـو َن ْإن قــ َ‬
‫مـــاذا َت ُق ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنساب األشراف (‪ 216/3‬ــ ‪.)217‬‬
‫(‪ )2‬الوافي بالوفيات (‪.)149/8‬‬
‫(‪ )3‬ذكره ابن حبان في ثقاته (‪ ،)24/5‬وذكر أن الفضل بن محمد العطار األنطاكي حدثه عنه‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫ِمــ ْن ُه ْم أُ َســ َارى َو ْقت َلــى ُضــ ِّر ُجوا ِبــ َدمِ‬ ‫‪J‬‬ ‫بِ ِع ْت َر ِتــــي َو ِبــــأَ ْهلِي بَ ْعــــ َد ُم ْف َت َقــــ ِدي‬
‫(‪)1‬‬
‫بشر ِفي َذوِي َر ِح ِمي!<‬ ‫تخ ُل ُفونِي ٍّ‬ ‫أن ْ‬ ‫‪J‬‬ ‫ما َكا َن َه َذا َج َزائِي ِإ ْذ َ‬
‫نص ْح ُت ل َ ُك ْم‬

‫قلت‪ :‬أبو بكر محمد بن القاسم األنباري أحد علماء اللغة واألدب في‬
‫القرن الرابع‪ ،‬ولم يذكر ابن عساكر إسناده لهذه الرواية‪ ،‬وقد وجدتها أيضا في‬
‫كتاب >الزهرة< ألبي بكر بن داود (‪297‬هـ) بال إسناد(‪ )2‬وذكرها أيضا بعض‬
‫علماء اإلمامية(‪ ،)3‬وقد نقل محمد بن يوسف الصالحي الشامي هذا النص عن‬
‫أبي بكر األنباري ونص على أن األبيات لزينب بنت عقيل(‪.)4‬‬
‫وعلى كل حال‪ ،‬فلو ثبت ذلك عن األنباري فالذي يُقطع به بعد البحث‬
‫والتتبع أن هذه الرواية منسوبة غلطا إلى زينب بنت علي ‪ ،‬فالرواية في أصلها‬
‫عين‪ ،‬فنسبها أبو مخنف ــ وهو أقدم من‬‫منسوبة إلى إحدى بنات عقيل ولم ُت ّ‬
‫وجدت عنده هذه الرواية ــ إلى ابنةٍ لعقيل دون أن يسميها(‪ ،)5‬وتابعه خالد‬
‫ُ‬
‫القسري في روايته الماضية إال أنه قال‪> :‬امرأة من بني عبد المطلب<(‪.)6‬‬
‫ونسب جماعة من أهل األخبار والنسب هذه األبيات إلى زينب بنت عقيل‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ دمشق (‪ ،)178/69‬ونقله ابن كثير في البداية والنهاية (‪.)568/11‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الزهرة (‪.)516/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مناقب آل أبي طالب (‪ ،)261/3‬االحتجاج (‪ ،)29/2‬وورد أيضا في مقتل الحسين (‪ )84/2‬ــ‬ ‫(‪)3‬‬
‫المنسوب للخوارزمي ــ بعد أن نقل األبيات ونسبها لزينب بنت عقيل‪> :‬وجاء في المسانيد أ ّن‬
‫األولين زينب بنت علي<‪.‬‬
‫القائلة للبيتين ّ‬
‫سبل الهدى والرشاد (‪.)77/11‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)466/5‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ ،)390/5‬وانظر‪ :‬أنساب السمعاني (‪ ،)476/3‬تهذيب التهذيب (‪.)305/2‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪383‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫منهم أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حميد الجهمي (عاش في القرن الثالث)(‪،)1‬‬
‫والفضيل بن الزبير (عاش في القرن الثاني)(‪ ،)2‬والبالذري (‪ 279‬هـ)(‪ ،)3‬وعلى‬
‫هذا أكثر أهل األخبار واألدب والنسب(‪ ،)4‬والظاهر من ابن عساكر ترجيح قول‬
‫من قال بأن األبيات لزينب الصغرى بنت عقيل فإنه نقل قول أبي بكر األنباري‬
‫اآلنف ثم عقب عليه بأن الزبير بن بكار نسب تلك األبيات إلى ابنة عقيل(‪.)5‬‬
‫وقد نُسبت هذه األبيات ألكثر من شخص‪ ،‬فنُسبت تارة إلى رملة بنت‬
‫عقيل(‪ ،)6‬وتارة إلى أم كلثوم بنت علي(‪ ،)7‬وتارة إلى علي بن الحسين(‪ ،)8‬وتارة‬
‫إلى أبي األسود الدؤلي(‪ ،)9‬وتارة إلى بعض الشيعة(‪ ،)10‬وتارة إلى الجن(‪،!)11‬‬
‫ومنشأ هذا االضطراب في نظري راجع إلى عدة أسباب‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير للطبراني (‪ ،)124/6‬األمالي الخميسية للشجري بترتيب العبشمي (‪.)225/1‬‬
‫(‪ )2‬نقله عنه الشجري كما في ترتيب األمالي الخميسية (‪ ،)225/1‬وانظر تسمية من قتل مع الحسين‬
‫(ص ‪.)29‬‬
‫(‪ )3‬أنساب األشراف (‪.)221/3‬‬
‫(‪ )4‬نسب قريش (ص ‪ ،)84‬تاريخ دمشق (‪ )178/69‬نقال عن الزبير بن بكار‪ ،‬مناقب علي ‪ ‬البن‬
‫المغازلي (ص ‪ ،)310‬البدء والتاريخ (‪ ،)16/2‬ربيع األبرار (‪ ،)126/4‬مرآة الزمان‬
‫(‪ ،)166/8‬ومن مصادر اإلمامية‪ :‬مروج الذهب (‪ ،)68/3‬روضة الواعظين (ص ‪ ،)193‬شرح‬
‫األخبار للقاضي النعمان (‪ ،)199/3‬اإلرشاد للمفيد (‪ 124/2‬ــ ‪ ،)125‬على ما يظهر من سياق‬
‫كالمه‪ ،‬مثير األحزان (ص ‪ ،)75‬اللهوف على قتلى الطفوف (ص ‪ ،)99‬أعيان الشيعة (‪.)607/3‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ دمشق (‪.)178/69‬‬
‫(‪ )6‬أعيان الشيعة (‪.)36/7‬‬
‫(‪ )7‬نور القبس (ص ‪.)9‬‬
‫(‪ )8‬الفتوح البن أعثم (‪.)131/5‬‬
‫(‪ )9‬ترتيب األمالي الخميسية (‪.)222/1‬‬
‫(‪ )10‬الدالئل في غريب الحديث (‪.)155/1‬‬
‫(‪ )11‬كامل الزيارات البن قولويه اإلمامي (ص ‪.)193‬‬

‫‪384‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫منها الغلط والتصحيف في القراءة‪ ،‬بأن يشتبه على الناسخ رسم كلمة‬
‫>علي< برسم كلمة >عقيل<‪ ،‬فيكتب الناسخ >بنت علي< بدل >بنت عقيل<‪.‬‬
‫نسب الخبر لغير من أُثر عنه حتى‬
‫ومنها أن بعض الرواة يحب اإلغراب‪َ ،‬في ُ‬
‫يُظن أنه أتى بما ليس عند غيره‪.‬‬
‫ومنها سوء الضبط والغفلة‪.‬‬
‫ومنها الكذب والوضع‪ ،‬وهذا كثير في رواة األخبار واألدب‪.‬‬
‫ولذا وقع هذا االضطراب واالختالف‪ ،‬وعلى أي حال فاألبيات إنما نسبت‬
‫ابتداء إلحدى بنات عقيل‪ ،‬واشتهر عند األكثر أنها زينب بنت عقيل‪ ،‬وعليه فال‬
‫وجه لنسبتها لزينب كما ظهر بوضوح من خالل تتبع المصادر األصلية والفرعية‬
‫للرواية‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ رواية ابن الجوزي (‪ 597‬هـ) لمحاورة زينب الكبرى ‪ ‬البن زياد‬
‫قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ‪> :‬قال ابن أبي الدنيا(‪:)1‬‬
‫وأخبرني أحمد بن عباد الحميري‪ ،‬عن هشام بن محمد‪ ،‬عن شيخ من األزد‪،‬‬
‫قال‪ :‬لما دخل برأس الحسين وصبيانه وأخواته ونسائه على ابن زياد‪ ،‬لبست‬
‫زينب بنت علي ‪ ‬أرذل ثيابها وتنكرت وحفَّت بها النساء<‪ ،)2(...‬وذكر رواية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬علق ابن الجوزي هذه الرواية ولم يذكر إسناده البن أبي الدنيا هنا‪ ،‬ألنه ذكر إسناده في الخبر‬
‫الذي قبل هذا‪ ،‬وسنده‪> :‬أخبرنا ابن ناصر‪ ،‬قال‪ :‬ثنا ابن السراج‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو طاهر محمد بن‬
‫علي العالف‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو الحسين بن أخي ميمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنا الحسين بن صفوان‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو بكر‬
‫بن أبي الدنيا< انظر الرد على المتعصب العنيد (ص ‪.)54‬‬
‫(‪ )2‬الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد (ص ‪.)55‬‬

‫‪385‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫محاورة زينب البن زياد بنفس ألفاظ رواية أبي مخنف مع اختالف يسير‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫الشيخ األزدي المبهم ليس إال أبا مخنف لوط بن يحيى األزدي‪ ،‬فإن الراوي عنه‬
‫هو تلميذه هشام بن محمد الكلبي‪ ،‬وهو أحد رواة >مقتل الحسين< ألبي مخنف‬
‫كما مضى‪ ،‬والرواية تطابق رواية أبي مخنف المنقولة في >تاريخ الطبري< وغيره‪،‬‬
‫فليست هذه إال بضاعة أبي مخنف(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قلت‪ :‬وقد وقع في أكثر من موضع من كتب ابن أبي الدنيا إبهام اسم أبي مخنف وإبداله بعبارة‬
‫>شيخ من األزد<‪ ،‬منها هذا الموضع‪ ،‬ومنها رواية خطبة ابن زياد التي تلي هذه الرواية‪ ،‬راجع‬
‫الرد على المتعصب العنيد (ص ‪ ،)55‬حيث إنها مروية في تاريخ الطبري من طريق أبي مخنف‬
‫(‪ ،)458/5‬ومنها ثالث روايات في كتابه مقتل علي (ص ‪ ،)73 ،59 ،49‬فقد رواها من طريق‬
‫هشام بن محمد عن شيخ من األزد عن عبد الرحمن بن جندب األزدي‪ ،‬والشيخ األزدي المبهم‬
‫هو أبو مخنف‪.‬‬

‫‪386‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫* ثاني ًا‪ :‬ما روي من طرق الزيدية‬


‫‪ 6‬ــ رواية أبي طالب الهاروني (‪ 424‬هـ) لكالم زينب الكبرى ‪ ‬مع‬
‫الحسين ‪ ‬حين نعى نفسه‬
‫قال أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني في أماليه‪> :‬أخبرنا أبي ‪،‬‬
‫قال‪ :‬أخبرنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي عن‬
‫أبيه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني بسطام بن قرة‪ ،‬عن عمرو بن ثابت قال‪ :‬لما أراد الحسين بن‬
‫علي ‪ ‬الخروج إلى العراق خطب أصحابه فحمد اهلل وأثنى عليه‪ ،<...‬إلى أن‬
‫قال‪> :‬ثم أقبل في جوف الليل يتمثل ويقول‪:‬‬
‫ِاإل ْشــــ َرا ِق َو ْاألَ ِصــــي ِل‬ ‫َيــــا َد ْهــــ ُر أُ ٍّف َلــــ َك ِمــــ ْن َخلِيــــ ِل ‪َ J‬كــــ ْم َلــــ َك ب ْ ِ‬
‫اح ٍب قَ ِتيــــ ـ ِل ‪َ J‬والــــــ ـ َّد ْه ُر َال يَ ْق َنــــــ ـ ُع بِا ْل َبــــــ ـ ِدي ِل‬ ‫وصـــــ ِ‬
‫ميـــــت َ‬ ‫ِمـــــ ْن ِّ‬
‫الســ ِبيـــ ِل‬‫َو ُكــ ُّل َحـــ ٍّي َســـالِ ُك َّ‬
‫فقالت أخته زينب‪> :‬لعلك تخبرنا بأنك تقصد نفسك<‪ ،‬فقال ‪> :‬لو ترك‬
‫القطا لنام<<(‪.)1‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الخبر ال يصح‪ ،‬وهو مركب اإلسناد والمتن‪ ،‬وبيان ذلك من‬
‫وجوه‪:‬‬
‫األول‪ُ :‬ركب هذا الخبر من عدة أخبار‪ ،‬بعضها من أخبار أبي مخنف‬
‫وبعضها من رواية غيره‪ ،‬ففي أول خبر الهاروني أن الحسين خطب أصحابه بكالم‬
‫مطلعه‪> :‬إن هذه الدنيا قد تنكّرت وأدبر معروفها فلم يبق إال صبابة كصبابة اإلناء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تيسير المطالب في ترتيب أمالي أبي طالب (ص ‪ 143‬ــ ‪.)144‬‬

‫‪387‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وخسيس عيش كالمرعى‪ ،<...‬ثم ذكر أن زهير بن القين قام فقال‪> :‬قد سمعت‬
‫مقالتك هديت‪ ،‬ولو كانت الدنيا باقية وكنا فيها مخلدين‪ ،‬وكان في الخروج‬
‫مواساتك ونصرتك الخترنا الخروج منها معك<‪ ،‬ثم ذكر أن الحسين تمثل بشعر‬
‫فقال‪:‬‬
‫إذا مـــا نـــوى حقـ ـا وجاهـــد مســـلما‬ ‫‪J‬‬ ‫سـأمضـي وما بالموت عار على الفتى‬
‫وفــــارق مثبــــورا وحــــارب مجرمــــا‬ ‫‪J‬‬ ‫وواســى الرجــال الصــالحين بنفســه‬
‫كفـــى بـــك داء أن تعـــيش وترغمـــا‬ ‫‪J‬‬ ‫فإن عشـ ـت لم أندم وإن مت لم ألـ ـم‬
‫وهذا الكالم رواه أبو مخنف عن عقبة بن أبي العيزار فقال‪> :‬قام حسين‬
‫‪ ‬بذي حسم‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى عليه ثم قال‪> :‬إنه قد نزل من األمر ما قد ترون‪،‬‬
‫وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت‪ ،‬وأدبر معروفها واستمرت جدا‪ ،‬فلم يبق منها إال‬
‫صبابة كصبابة اإلناء‪ ،‬وخسيس عيش كالمرعى الوبيل<‪ ،<...‬ثم ذكر أن زهير‬
‫ابن القين قال ألصحابه‪>> :‬تكلمون أم أتكلم<؟ قالوا‪> :‬ال‪ ،‬بل تكلم<‪ ،‬فحمد‬
‫مقالتك‪ ،‬واهلل‬ ‫اهلل فأثنى عليه ثم قال‪> :‬قد سمعنا هداك اهلل يا ابن رسول اهلل‬
‫لو كانت الدنيا لنا باقية‪ ،‬وكنا فيها مخلدين‪ ،‬إال أن فراقها في نصرك ومواساتك‪،‬‬
‫آلثرنا الخروج معك على اإلقامة فيها<<‪ ،‬ثم نقل أن الحسين تمثل بالبيتين‬
‫األولين(‪ ،)1‬فجزء كبير من رواية الهاروني ليس أصله إال من رواية أبي مخنف‪.‬‬
‫وأما موضع البحث عندنا وهو الكالم المنسوب إلى زينب‪ ،‬فقد مضى أن‬
‫أبا مخنف قد روى هذا الخبر وتفرد به‪ ،‬إال أن واضع الخبر الذي رواه الهاروني‬
‫ضم عدة أخبار من أبي مخنف وغيره‪ ،‬وسبكها في جملة واحدة‪ ،‬ونسبها بإسناد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)404/5‬‬

‫‪388‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫مظلم إلى عمرو بن ثابت‪ ،‬والمقصود أن هذا الخبر مركب من عدة أخبار إال أن‬
‫جلها من رواية أبي مخنف وذلك يتبين بالمقارنة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إسناد هذا الخبر مسلسل بالمجاهيل سواء على مسالك الزيدية أو‬
‫غيرهم‪ ،‬فال يعرف منهم عند الزيدية سوى ثالثة‪ ،‬وهم يحيى بن الحسين الهاروني‬
‫وأبوه وعمرو بن ثابت(‪ ،)1‬وأما على مسالك اإلمامية فالمعروف منهم علي بن‬
‫إبراهيم بن هاشم وأبوه وعمرو بن ثابت‪ ،‬لكن يبقى الخلل عندهم قائما في‬
‫راويين مجهولين‪ ،‬وهما أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم(‪ ،)2‬وبسطام بن‬
‫قرة(‪ ،)3‬وأما على قواعد الصناعة الحديثية المعتبرة‪ ،‬فالحديث مركب اإلسناد‪،‬‬
‫ملفق المتن من عدة متون‪ ،‬فال ريب أن عمرو بن ثابت لم يرو قط هذا الخبر‪،‬‬
‫وال رواه عنه بسطام بن قرة‪ ،‬وإنما هو من وضع بعض من تأخر في القرن الرابع‬
‫أو الخامس‪ ،‬وهذا الواضع ليس جاهال بل له اطالع على ما رواه أبو مخنف وما‬
‫رواه غيره من أصحاب األخبار‪ ،‬فلفق هذا المتن ور ّكب لهذا الخبر إسنادا ثم ب ّثه‪،‬‬
‫فحمله عنه من ال يعرف أحوال الخبر وح ّدث به‪ ،‬وعندي أنه أحمد بن علي بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ونقد الحديث من جهة اإلسناد متعسر على مسالك الزيدية‪ ،‬ألن كثيرا من الرواة لم يترجموا لهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال عنه الجواهري في المفيد من معجم رجال الحديث برقم (‪> :)677‬مجهول<‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقد يكون بسطام بن مرة‪ ،‬فقد نقل ابن حجر أن الطوسي ذكره في رجاله وذكر أنه يروي عن عمرو‬
‫ابن ثابت‪ ،‬انظر لسان الميزان (‪ ،)282/2‬وقد وثقه الجواهري في المفيد من معجم رجال‬
‫الحديث برقم (‪ )1701‬لروايته في تفسير القمي‪ ،‬والتحقيق أن قاعدة توثيق رواة تفسير القمي‬
‫قاعدة غير مقبولة وال معتمدة‪ ،‬انظر للتفصيل كتاب منطق النقد السندي (‪ 563/1‬ــ ‪ )564‬لحيدر‬
‫حب اهلل‪ ،‬فقد استعرض سائر اآلراء حول هذه القضية ورجح عدم االعتماد على قاعدة توثيق رواة‬
‫تفسير القمي‪ ،‬كما أن محمد رضا السيستاني ابن المرجع علي السيستاني قد بحث هذه القضية في‬
‫كتابه قبسات من علم الرجال (‪ )130/1‬وقال‪> :‬القول بوثاقة رواة ما يسمى بـ (تفسير القمي)‪...‬‬
‫في غاية الضعف<‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫إبراهيم بن هاشم الذي يروي عنه الحسين بن هارون والد يحيى بن الحسين‬
‫الهاروني صاحب >األمالي<‪ ،‬والمتحصل من البحث أن هذا الخبر ال عبرة به‬
‫ألنه مسروق من أبي مخنف‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ رواية يحيى الشجري (‪ 499‬هـ) لكالم زينب الكبرى ‪ ‬مع الحسين‬
‫‪ ‬حين نعى نفسه‬
‫قال يحيى بن الحسين الشجري في >أماليه<‪> :‬أخبرنا القاضي أبو الحسين‬
‫أحمد بن علي بن الحسين بن التوزي‪ ،‬بقراءتي عليه‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا القاضي أبو‬
‫الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى بن حميد بن حماد الجريري‪ ،‬قراءة عليه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو بكر يعني محمد بن الحسن بن دريد األزدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن‬
‫خضر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬بلغني أن علي بن الحسين قال‪ :‬لما كانت األيام التي قتل‬
‫بالحمى‪ ،‬وكانت عمتي زينب تمرضني فلما كان في اليوم‬ ‫فيها أبي رماني اهلل ُ‬
‫الذي قتل في غده‪ ،‬خال أبي بأصحابه في فسطاط كان يخلو فيه إذا أراد أن يشاور‬
‫أصحابه في شيء‪ ،‬فسمعته ورأسي في حجر عمتي وهو يقول‪:‬‬
‫مغبــــــرا ولــــــو دعيــــــت يزيــــــدا‬ ‫‪J‬‬ ‫ال ذعــرت الســوام فــي غلــس الصــبح‬
‫والمنايــــــا يرصــــــدنني أن أحبــــــذا‬ ‫‪J‬‬ ‫يوم أعطـي مـن خيفـة المـوت ضـيما‬
‫قال‪ :‬أما أنا فرددت عبرتي وتصبرت‪ ،‬وأما عمتي فإنه أدركها ما يدرك النساء‬
‫من الضعف‪ ،‬فوضعت رأسي على مرفقه ثم قامت فمضت نحو أبي وهي تصيح‪:‬‬
‫>يا خليفة الماضين‪ ،‬وثمال الباقين‪ ،‬استقبلت(‪ )1‬جعلني اهلل فداءك<‪ ،‬فقال‪> :‬يا‬
‫أخية‪ ،‬لو ترك القطا لنام<‪ ،‬فقالت‪> :‬ذاك أسخن لعيني وأحر لكبدي‪ ،‬أتغتصب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كذا في المطبوع‪ ،‬والصحيح >استقتلت< كما في تاريخ الطبري‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫نفسك اغتصابا يا أبا عبد اهلل<‪.)1(<...‬‬


‫وهذه الرواية هي رواية أبي مخنف التي رواها عن الحارث بن كعب وأبي‬
‫الضحاك(‪ ،)2‬ولكن زيد عليها ألفاظ وجمل ليست من أبي مخنف‪ ،‬مثل تبديل‬
‫البيتين اللذين قالهما الحسين في رواية أبي مخنف‪ ،‬وأما إسنادها ففيه مواقع‬
‫للنظر‪ ،‬وذلك ألمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬ينتهي إسناد هذه الرواية إلى أبي بكر محمد بن دريد األزدي‬
‫(‪ 321‬هـ) وأما من فوقه وهم شيخه الحسن بن خضر وأبوه فال عبرة بهما‪ ،‬وذلك‬
‫أني بعد البحث والتتبع لم أجد عنهما شيئا مفيدا(‪.)3‬‬
‫وغالب الظن أن ابن دريد هو المتهم بافتعال هذا اإلسناد‪ ،‬وذلك أن ابن‬
‫دريد وإن كان معدودا في علماء اللغة واألدب إال أنه ليس بموثوق في الرواية‪،‬‬
‫قال عنه معاصره أبو منصور األزهري (‪ 370‬هـ) أحد أئمة اللغة في زمانه‪> :‬وممن‬
‫ألّف في عصرنا الكتب ُفوسم بافتعال العربية وتوليد األلفاظ التي ليس لها أصول‪،‬‬
‫وإدخال ما ليس من كالم العرب في كالمهم‪ :‬أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد‬
‫وحضر ُته في داره ببغداد غير مرة‪ ،‬فرأيته يروي عن أبي حاتم‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫األزدي‪...‬‬
‫والرياشي‪ ،‬وعبد الرحمن ابن أخي األصمعي‪ ،‬فسألت إبراهيم بن محمد بن عرفة‬
‫الملقب بنفطويه عنه فاستخف به‪ ،‬ولم يوثقه في روايته<(‪ ،)4‬وقال عنه الدارقطني‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ترتيب األمالي الخميسية (‪.)232/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مضى الكالم عن إسناد هذه الرواية ومتنها‪ ،‬انظر (ص ‪.)324‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫روى ابن دريد بهذا اإلسناد أخبارا أخرى‪ ،‬انظر الفوائد واألخبار البن دريد (ص ‪ )21‬و(ص‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪ ،)22‬والجليس الصالح الكافي للمعافى بن زكريا (‪.)398/1( ،)49/1‬‬
‫تهذيب اللغة (‪.)27/1‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪391‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫>تكلموا فيه<(‪ ،)1‬وقال عنه مسلمة بن القاسم‪> :‬كان كثير الرواية لألخبار وأيام‬
‫الناس واألنساب غير أنه لم يكن ثقة عند جميعهم‪ ،‬وكان خليعا<‪ ،‬ثم إن ابن دريد‬
‫لم يكن عدال وال ديِّنا بل كان مبتلى بالسكر وشرب الخمر‪ ،‬قال األزهري‪> :‬دخلت‬
‫يوما عليه فوجدته سكران ال يكاد يستمر لسانه على الكالم‪ ،‬من غلبة السكر‬
‫عليه<(‪ ،)2‬وفوق كل هذا كان يأتي باألسانيد كيفما اتفق وال يضبطها‪ ،‬قال أبو بكر‬
‫األبهري المالكي‪> :‬جلست إلى جنب ابن دريد وهو يحدث ومعه جزء فيه ما قال‬
‫األصمعي‪ ،‬فكان يقول في واحد‪> :‬حدثنا الرياشي<‪ ،‬وفي آخر‪> :‬حدثنا أبو حاتم<‪،‬‬
‫وفي آخر‪> :‬حدثنا ابن أخي األصمعي‪ ،‬عن األصمعي<‪ ،‬كما يجيء على قلبه<(‪،)3‬‬
‫قلت‪ :‬ومن بالياه‪ ،‬الخطبة التي نسبها إلى الحسين في كربالء(‪ ،)4‬فإن من نظر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سؤاالت حمزة للدارقطني (ص ‪ ،)103‬موسوعة أقوال الدارقطني (‪.)564/2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تهذيب اللغة (‪ ،)27/1‬وانظر أيضا‪ :‬تاريخ بغداد (‪.)594/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ بغداد (‪ ،)594/2‬وأصلها في سؤاالت حمزة السهمي للدارقطني (ص ‪ )123‬طبعة مكتبة‬ ‫(‪)3‬‬
‫المعارف‪ ،‬و(ص ‪ )112‬في طبعة الفاروق‪ ،‬وتصحفت كلمة >جنب< إلى >أزرق< في السؤاالت‬
‫بكال طبعتيه‪ ،‬فصار‪> :‬جلست إلى أزرق بن دريد<!‪ ،‬وقد اعترض الحافظ ابن حجر على كالم‬
‫أبي بكر األبهري فقال‪> :‬قوله كما يجيء على قلبه رجم بالغيب‪ ،‬وإال فما المانع أن يكون ابن‬
‫دريد مع وفور حفظه يعرف ما حدثه به كل واحد من هؤالء على انفراده<‪ ،‬لسان الميزان (‪،)79/7‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا االعتراض ال يسلم من االعتراض‪ ،‬فإن أبا بكر األبهري لم يكن ليخفى عليه حفظ ابن‬
‫دريد من تخليطه‪ ،‬فالظاهر أنه اطلع على الجزء الذي كان عند ابن دريد ولم يجد فيه أسانيد ابن‬
‫دريد إلى األصمعي‪ ،‬فعرف أنه كان يُخلّط حينما حدث عن األصمعي بتلك األسانيد‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫رواها ابن عساكر في تاريخ دمشق (‪ ،)218/14‬وابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب‬ ‫(‪)4‬‬
‫(‪ 2087/6‬ــ ‪ )2088‬بإسنادهما إلى ابن دريد‪ ،‬وذكرها ابن حمدون في تذكرته (‪ 211/5‬ــ‬
‫‪ ،)212‬والكتبي في فوات الوفيات (‪ )527/2‬بال إسناد‪ ،‬وذكرها الطبرسي من اإلمامية في‬
‫االحتجاج بال إسناد (‪ 24/2‬ــ ‪ )25‬وتبعه ابن نما في مثير األحزان (ص ‪ 39‬ــ ‪ ،)40‬وابن‬
‫طاووس في اللهوف (ص ‪ 58‬ــ ‪.)59‬‬

‫‪392‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫فيها يقطع ببراءة الحسين منها لكون لغتها لغة متأخرة عن القرن األول بكثير‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن اإلسناد منقطع‪ ،‬فإن ابن دريد المتوفى في القرن الرابع ال يمكن‬
‫أن يروي أخبار زينب بواسطتين فقط‪ ،‬بل أقل ما يمكن أن يروي به خبرا عن‬
‫زينب الكبرى ‪ ‬هو ست وسائط‪ ،‬ثم إن الخبر منقول بالغا‪ ،‬والبالغ صيغة‬
‫منقطعة في الرواية‪ ،‬وإذا ق ّدرنا أن خضرا ــ ناقل البالغ ــ من أهل القرن الثالث‪،‬‬
‫فإن مقتضى ذلك أن الخبر إنما بلغه عن أبي مخنف‪ ،‬ألنه صاحب هذا الخبر‬
‫ومخرجه األصلي‪ ،‬ويبقى الكالم في الزيادات التي وردت في الخبر‪ ،‬والحمل‬
‫فيها على ابن دريد ــ وهو الغالب على الظن ــ‪ ،‬ثم إن ابن دريد له اطالع على‬
‫صحف أبي مخنف‪ ،‬فقد روى بإسناده بعض أخبار أبي مخنف ونقلها عنه تلميذه‬
‫المعافى بن زكريا في >الجليس الصالح الكافي<(‪ ،)1‬وعليه فالظاهر أنه أخذ رواية‬
‫أبي مخنف وزاد عليها من عنده فولّد هذا الخبر المصنوع‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(كان حيا سنة ‪ 320‬هـ) لسماع زينب‬ ‫‪ 8‬ــ رواية ابن أعثم الكوفي‬
‫الكبرى ‪ ‬لهاتف ينشد شعر ًا‬
‫جاء في كتاب >الفتوح< المنسوب البن أعثم‪> :‬وسار الحسين حتى نزل‬
‫الخزيمية وأقام بها يوما وليلة‪ ،‬فلما أصبح أقبلت إليه أخته زينب بنت علي فقالت‪:‬‬
‫>يا أخي! أال أخبرك بشيء سمعته البارحة؟<‪ ،‬فقال الحسين‪> :‬وما ذاك؟<‪،‬‬
‫فقالت‪> :‬خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف وهو يقول‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الجليس الصالح الكافي (‪.)127/1‬‬
‫(‪ )2‬ليس البن أعثم ترجمة في كتب الزيدية‪ ،‬وإنما صنفته معهم ألن مضمون كتاب الفتوح قريب من‬
‫تصورات الزيدية‪ ،‬وسيأتي الكالم في صحة نسبة كتاب الفتوح المطبوع إلى ابن أعثم‪.‬‬

‫‪393‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫الشــ َه َد ِاء بَ ْعــ ِدي‬


‫َو َمــ ْن يَ ْب ِكــي علـــى ُّ‬ ‫‪J‬‬ ‫اح َت ِفلِي ب ُِج ِهـــ ـ ٍد‬
‫أَ َال يـــــا َعـــ ـ ْي ُن َفـــ ـ ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫بِ ِم ْقـــ َدا ٍر ِإ َلـــى ِإ ْن َجـــا ِز َو ْعـــ ِدي!<‬ ‫‪J‬‬ ‫المنَ َايـــــا‬
‫َعلـــــى َقـــــ ْومٍ َت ُســـــوقُ ُه ْم َ‬
‫والكالم على هذا الخبر يقع في جهات‪:‬‬
‫الجهة األولى‪ :‬في صحة النسخة المتداولة من كتاب >الفتوح< إلى ابن‬
‫أعثم(‪ ،)2‬وذلك أن النسخة المطبوعة اعتمدت على ثالث نسخ خطية‪ ،‬يرجع‬
‫أقدمها إلى القرن التاسع(‪ ،)3‬والكتاب فيه أساليب ركيكة ومتأخرة ال يمكن أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الفتوح طبعة دار األضواء (‪ ،)70/5‬مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي (‪ )323/1‬نقال عن ابن‬
‫أعثم‪.‬‬
‫(‪ )2‬كنت قد تكلمت بإيجاز عن النسخة المتداولة من كتاب الفتوح البن أعثم في كتابي >أولئك‬
‫مبرؤون طلحة بن عبيد اهلل< (ص ‪ 232‬ــ ‪ ،)234‬وأشرت هناك إلى أدلة تشكك في صحة نسبة‬
‫وأحلت على دراسة الدكتور أبو سعدة المعنونة بـ >ابن‬
‫ُ‬ ‫النسخة المتداولة من الفتوح البن أعثم‪،‬‬
‫أعثم الكوفي ومنهجه التاريخي في كتاب الفتوح<‪ ،‬ــ وهي أحسن وأوفى دراسة عن ابن أعثم على‬
‫حد علمي ــ وقد أشار إلى بعض عيوب الكتاب‪ ،‬ثم وقفت على أمور جديدة أثناء هذه الدراسة‬
‫أوجه الخلل فيه‪ ،‬فذكرتها في‬
‫عن زينب ‪ ‬أكدت شكوكي في أمر الكتاب‪ ،‬وكشفت لي بعض ُ‬
‫هذا البحث‪ ،‬والزلت أؤكد أن هذا الكتاب بحاجة لدراسة موسعة‪.‬‬
‫(‪ )3‬أقدم طبعة لكتاب الفتوح هي طبعة دائرة المعارف العثمانية‪ ،‬وقد ذكر ُمع ّدا الفهرس الوصفي‬
‫لمطبوعات دائرة المعارف العثمانية (ص ‪ ،)140‬أن محقق الطبعة األولى لكتاب الفتوح‪ ،‬الشيخ‬
‫محمد عظيم الدين الحيدرآبادي اعتمد ثالث نسخ خطية‪ ،‬وهي نسخة مكتبة غوته بألمانيا وقد‬
‫وقفت على مصورتها‪ ،‬ونسخة المكتبة التركية‪ ،‬ــ وتبين لي أن المقصود بها هي نسخة مكتبة طوب‬
‫قابي ــ‪ ،‬ونسخة دبلن بإيرلندا‪ ،‬وهي محفوظة في مكتبة تشستربيتي ومصورتها في الجامعة‬
‫اإلسالمية برقم (‪ )7470‬وقد وقفت على مصورة لها‪ ،‬وقد جعل المحقق نسخة غوته هي األصل‬
‫كما أشار إلى ذلك في (‪ )1/1‬هامش ‪ ،1‬وقد وقع سقط في النسخ الخطية فقام المحقق بإضافة‬
‫النصوص الساقطة من الترجمة الفارسية للكتاب كما جاء في الفهرس الوصفي لمطبوعات دائرة‬
‫=‬ ‫المعارف العثمانية (ص ‪.)140‬‬

‫‪394‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫تكون لمؤرخ من القرن الرابع‪ ،‬ولغة الكتاب قريبة من أسلوب كتب الفتوح‬
‫المنحولة على الواقدي ككتاب >فتوح الشام< و>فتوح البهنسا< ونظائرها(‪،)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وقد انتحل هذه الطبعة كل من نعيم زرزور‪ ،‬في طبعته للكتاب بدار الكتب العلمية‪ ،‬وعلي شيري‬
‫غيرا بعضها زيادة ونقصانا‪ ،‬وقد‬
‫في طبعة دار األضواء‪ ،‬فقد سرقا تلك الطبعة وانتحال هوامشها و َّ‬
‫أشار الدكتور أبو سعدة إلى انتحال زرزور لطبعة دائرة المعارف في كتابه عن ابن أعثم (ص ‪49‬‬
‫الهامش)‪ ،‬وفي (ص ‪ 56‬الهامش ‪ ،)81‬وقد قام سهيل زكار بتحقيق الفتوح وطبعه في ثالثة‬
‫مجلدات ولم يتيسر لي الوقوف على هذه الطبعة‪ ،‬وذكر الدكتور جنس شينير في مقالة له عن كتب‬
‫الفتوح أن طبعة زكار ناقصة ولم تضم كل كتاب الفتوح‪ ،‬انظر مقالة‪ :‬كتابة تاريخ الفتوح‪ ،‬فتوح‬
‫األزدي وابن أعثم والواقدي‪ ،‬والمقالة مكتوبة باإلنجليزية ومنشورة في كتاب‪The :‬‬
‫‪( ،lineeaments of islam‬ص ‪ 151‬ــ ‪ ،)176‬وقد اعتمد سهيل زكار على النسخة التركية‬
‫والنسخة اإليرلندية ــ كما جاء في وصفها في مقالة عن طبعة العتبة العباسية للفتوح ــ ولم يقف‬
‫زكار على النسخة األلمانية ولذلك جاءت طبعته ناقصة على ما يظهر‪ ،‬وقامت العتبة العباسية‬
‫بإخراج >قطعة من كتاب الفتوح< تشتمل على أخبار صفين‪ ،‬وطُبعت بتحقيق قيس العطار‪ ،‬و ُكتب‬
‫على غالفها‪> :‬قوبلت على نسخة قديمة من القرن السادس الهجري<‪ ،‬غير أن المحقق قيس العطار‬
‫عرف بهذه النسخة (ص ‪> :)75‬تاريخها يعود ــ حسب ما قاله سيزكين ــ إلى القرن‬ ‫قال وهو يُ ِّ‬
‫السادس<!‪ ،‬فتبين أن عمدته في ادعائه قِدم هذه النسخة هو كالم الدكتور فؤاد سيزكين‪ ،‬ولم يذكر‬
‫قيس العطار أي شيء يثبت صحة انتساب هذه النسخة إلى القرن السادس مع أنه وقف على هذه‬
‫النسخة وحققها‪ ،‬بل إنك ستعجب حين ترى أن قيس العطار قد ذكر (ص ‪ )32‬أن سيزكين أخطأ‬
‫حين ظن أن هذا المخطوط ألبي مخنف‪ ،‬كما صرح بذلك في تاريخ التراث العربي (‪،)129/2‬‬
‫وهنا وجه العجب! فإذا كان سيزكين قد أخطأ في تعيين المؤلف فما الذي يثبت أنه لم يخطئ في‬
‫تاريخ النسخة أيضا؟! لكن يبدو أن تصريح سيزكين بأن النسخة من القرن السادس يرفع قيمتها‬
‫مقارنة ببقية النسخ‪ ،‬ولذا لم يتعقبه قيس العطار في ذلك حتى ال يحط من قدر نسخته التي عمل‬
‫عليها‪ ،‬وإال لو كان يبتغي الحقيقة لقدم األدلة على كون هذه النسخة من القرن السادس‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التزوير واالنتحال في المخطوطات العربية (ص ‪ ،)179‬وراجع مقالة‪ :‬هل تصح نسبة كتاب‬
‫=‬ ‫فتوح الشام للواقدي أم ال؟ المنشورة بملتقى أهل الحديث‪.‬‬

‫‪395‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫‪...........................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وفتوى‪ :‬الكتاب المطبوع باسم "فتوح الشام"‪ ،‬هل تصح نسبته للواقدي؟ المنشورة بموقع اإلسالم‬ ‫=‬
‫سؤال وجواب‬
‫‪/‬الكتاب ــ المطبوع ــ باسم ــ فتوح ــ الشام ‪https://islamqa.info/ar/answers/275833‬‬
‫ــ هل ــ تصح ــ نسبته ــ للواقدي‬
‫وملخص ما جاء في تلك المقالتين المفيدتين أن بعض أهل العلم َّنبهوا على عدم صحة كتب‬
‫الفتوح المنسوبة للواقدي‪ ،‬ولعل أقدمهم محمد بن عالن الصديقي (‪ 1057‬هـ) حيث قال‪> :‬ومن‬
‫الموضوع‪ :‬فتوح الشام للواقدي فيحرم قراءته< الفتوحات الربانية (‪ ،)54/2‬وتبعه القليوبي‬
‫(‪ 1069‬هـ) حيث قال‪> :‬واألولى للمعتكف االشتغال بالعبادة ومجالسة أهل العلم والحديث‪،‬‬
‫وقراءة الرقائق والمغازي غير الموضوعة‪ ،‬وإال فتحرم كفتوح الشام وقصص األنبياء وحكايتهم‬
‫المنسوبة للواقدي<‪ ،‬حاشية القليوبي على شرح المحلي (‪.)77/2‬‬
‫كما أن جماعة من المح َدثين صرحوا بعدم صحة كتب الفتوح المتأخرة المنسوبة للواقدي‪،‬‬
‫فالمستشرق ناسوليس كتب على غالف فتوح الشام‪ Commonly ascribed to Al ( :‬ــ‬
‫‪)Waqidi‬‬
‫أي الذي جرت العادة بنسبته إلى الواقدي‪ ،‬وأكد في مقدمة التحقيق (ص (‪ xiii‬أن الكتاب ليس‬
‫له)‪.‬‬
‫وقال المستشرق بتلر في فتح العرب لمصر (ص ‪> :)33‬وأما تلك الكتب التي تحمل اسمه‪ ،‬مثل‬
‫كتاب فتوح مصر‪ ،‬فإنها تنسب إليه خطأ‪ ،‬ولكنها في العادة تذكر منسوبة إلى اسمه تسهيال في‬
‫القول‪ ،‬بدل أن يقال إنها تأليف الم َّدعي بأنه الواقدي<‪.‬‬
‫وقال المستشرق جونز في مقدمة كتاب المغازي (ص ‪> :)16‬أما فتوح الشام وفتوح العراق‬
‫للواقدي‪ ،‬فقد فقدا ولم نعثر على أثر لهما‪ ،‬وما يتداوله الناس اليوم باسم «فتوح الشام< و«فتوح‬
‫العراق< وغيرها ليست له‪ ،‬إذ أنها متأخرة عنه<‪.‬‬
‫وقال الزركلي في األعالم (‪> :)311/6‬ينسب إليه كتاب (فتوح الشام ــ ط) وأكثره مما ال تصح‬
‫نسبته إليه<‪.‬‬
‫وقال الدكتور شاكر مصطفى في كتاب التاريخ العربي والمؤرخون (‪ )164/1‬في سياق تعداد‬
‫مصنفات الواقدي‪> :‬كتب الفتوح‪ :‬فتوح الشام وفتوح العراق‪ ،‬وفي نسبتها إليه كثير من الشك<‬
‫وقال في الهامش‪ ...> :‬ويالحظ على هذه الكتب أنها تحمل الطابع األسطوري الذي ال يعرفه =‬

‫‪396‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫ومما يدعم ذلك التراكيب اإلسنادية التي اتسمت بها أسانيد الكتاب على‬
‫قلتها(‪.)1‬‬
‫وأول إسناد في مطبوعة >الفتوح< ورد في أول خالفة عثمان(‪ )2‬ونصه‪> :‬قال‬
‫أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي‪ :‬حدثني أبو الحسين علي بن محمد القرشي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثني عثمان بن سليم‪ ،‬عن مجاهد عن الشعبي‪ ،‬وأبي محصن‪ ،‬عن أبي وائل‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= الواقدي‪ ،‬كما أن فيها إشارات إلى شخصيات من القرن السادس والسابع (سيدي أبو مدين ــ‬
‫سيدي أبو الحجاج األقصري)‪ ،‬مما يكاد يجزم بأن هذه الكتب ــ في حالتها التي وصلت إلينا بها‬
‫على األقل ــ ليست للواقدي‪ ،‬وقد دخلتها األسطورة في الغالب بعد القرن السابع الهجري<‪.‬‬
‫وراجع‪ :‬الطريق إلى دمشق ألحمد عادل كمال (ص ‪ 77‬ــ ‪ ،)78‬كتب حذر منها العلماء لمشهور‬
‫حسن آل سلمان (‪ 291/2‬ــ ‪ ،)292‬شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية لمحمد‬
‫شراب (‪ ،)283/3‬الواقدي وكتابه المغازي للدكتور عبد العزيز بن سليمان السلومي (‪ 93/1‬ــ‬
‫‪ )95‬و(‪ 98/1‬ــ ‪ ،)101‬الواقدي ومنهجه في السيرة والطبقات لهايل مفضي هالل (‪ 43/1‬ــ‬
‫‪.)44‬‬
‫(‪ )1‬وقد ذكر الدكتور أبو سعدة نماذج لرجال ذكروا في أسانيد ابن أعثم‪ ،‬وال وجود لهم إال في فتوح‬
‫وذكرت في كتاب أولئك مبرؤون طلحة بن عبيد اهلل (ص ‪ 232‬ــ ‪ )233‬نماذج من‬ ‫ُ‬ ‫ابن أعثم‪،‬‬
‫األسانيد المركبة في فتوح ابن أعثم‪ ،‬ثم وقفت على نظائر أخرى فذكرتها في هذه الدراسة‪.‬‬
‫(‪ )2‬وفي وصف نسخة طوب قابي‪ ،‬جاء أن أولها‪> :‬قال أبو محمد أحمد بن الكوفي‪ ،‬حدثني أبو‬
‫الحسين علي بن محمد القرشي‪ ،<...‬انظر مقالة‪ :‬المخطوطات العربية في مكتبة طوب قابي‬
‫سراي القسم األول‪ ،‬ترجمة وإعداد فاضل مهدي بيات‪ ،‬مجلة المورد العدد الثاني ‪ 1‬أبريل‬
‫‪( ،1975‬ص ‪ ،)234‬وقد وقف الدكتور فاروق عمر عليها وصرح بأنها تبتدئ من خالفة عثمان‪،‬‬
‫ونقل أولها وهي تبدأ بهذا اإلسناد أيضا‪ ،‬انظر كتابه بحوث في التاريخ العباسي (ص ‪،)17‬‬
‫وراجع‪ :‬ابن أعثم الكوفي ومنهجه التاريخي (ص ‪ ،)54‬وتبتدئ نسخة تشستربيتي بهذا اإلسناد‬
‫أيضا كما في [ق‪/2‬ب] وتوافق في نهايتها النسخة التركية‪ ،‬فالظاهر أنها منسوخة عنها‪ ،‬وعليه‬
‫فيبدو أن النسخة األلمانية في مكتبة غوته تفردت بروايات خالفة الصديق‪ ،‬ولم تبدأ باألسانيد كما‬
‫وقع في بقية النسخ وهذا غريب!‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وعلي بن مجاهد‪ ،‬عن أبي إسحاق<(‪ ،)1‬قلت‪ :‬إن هذا اإلسناد مختلق وملفق بال مرية‪،‬‬
‫فابن أعثم الذي بقي حيا إلى أوائل القرن الرابع(‪ )2‬يستحيل أن يروي عن الشعبي‬
‫وأبي وائل وأبي إسحاق بواسطتين فقط‪ ،‬ثم إن في هذا اإلسناد إشكاالت عدة‪:‬‬
‫اإلشكال األول‪ :‬أن ابن أعثم روى هنا مباشرة عن علي بن محمد القرشي‪،‬‬
‫لكننا نجده في موضع آخر يروي عنه بواسطة شيخه عبد اهلل بن محمد البلوي!(‪،)3‬‬
‫فهل سقط البلوي من اإلسناد؟ فإن كان البلوي قد سقط فاإلسناد ــ ساقط‪ ،‬إذ أن‬
‫البلوي هذا بلوى‪ ،‬قال عنه الدارقطني‪> :‬يضع الحديث<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الفتوح طبعة دار األضواء (‪.)369/2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وقع اضطراب بين الباحثين في تعيين تاريخ وفاة ابن أعثم‪ ،‬وسبب ذلك أن ابن أعثم ليست له‬ ‫(‪)2‬‬
‫ترجمة مفصلة في كتب التراجم‪ ،‬فأول من ترجم له هو حمزة بن يوسف السهمي (‪ 427‬هـ) في‬
‫تاريخ جرجان (‪ ،)81‬وقال عنه‪> :‬كان بجرجان وحدث بها<‪ ،‬ولم يزد على ذلك ولم يذكر تاريخ‬
‫وفاته‪ ،‬وذكر إسنادا له‪ ،‬يستفاد منه أن ابن عدي (‪ 365‬هـ) روى عنه‪ ،‬وعليه فال بد أن يكون حيا‬
‫إلى أوائل الثالثمائة على األقل‪ ،‬ثم ترجم له ياقوت الحموي في معجم األدباء (‪ ،)202/1‬ونقله‬
‫عنه الصفدي في الوافي بالوفيات (‪ ،)160/6‬وابن حجر في لسان الميزان (‪ ،)407/1‬وترجم‬
‫له أيضا ابن األنجب الساعي في الدر الثمين (ص ‪ ،)252‬ولم يذكروا تاريخ وفاته‪ ،‬ونقل آغا‬
‫بزرك الطهراني في الذريعة (‪ )220/3‬أن مترجم كتاب الفتوح للفارسية ذكر أن ابن أعثم ألف‬
‫كتابه سنة ‪ 204‬هـ‪ ،‬وع َّد الطهراني هذا وهما من المترجم‪ ،‬واحتج بكالم ياقوت الذي نص على‬
‫أن كتاب الفتوح ينتهي إلى أيام المقتدر‪ ،‬وقد توفي المقتدر سنة ‪ 320‬هـ‪ ،‬وذهب الطهراني إلى‬
‫أن وفاة ابن أعثم كانت سنة ‪ 314‬هـ‪ ،‬وهذا ما مال إليه قبله بروكلمان في تاريخ األدب العربي‬
‫(‪ ،)55/3‬وتبعه الزركلي أيضا في األعالم (‪ ،)206/1‬وأما الدكتور أبو سعدة فقد مال إلى أن‬
‫تاريخ وفاة ابن أعثم هو بعد سنة ‪ 320‬هـ انظر كالمه في كتاب ابن اعثم الكوفي ومنهجه التاريخي‬
‫في كتاب الفتوح (ص ‪ 47‬ــ ‪ ،)48‬وهو المتعين ألن الالزم من كالم ياقوت أن ابن أعثم عاش‬
‫إلى سنة ‪ 320‬هـ‪ ،‬ألنه ذكر أن تاريخ ابن أعثم ينتهي بأيام المقتدر المتوفى سنة ‪ 320‬هـ‪.‬‬
‫الفتوح (‪.)326/6‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ميزان االعتدال (‪ ،)491/2‬ذيل ميزان االعتدال (ص ‪.)139‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪398‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫اإلشكال الثاني‪ :‬بعد طول بحث في الرواة عن مجاهد لم أجد فيهم أحدا‬
‫اسمه عثمان بن سليم‪ ،‬ولم أجد في الرواة عن أبي وائل رجال يكنى أبا محصن!‪.‬‬
‫اإلشكال الثالث‪ :‬علي بن مجاهد ليست له رواية عن أبي إسحاق‪،‬‬
‫والظاهر أن أبا إسحاق تصحيف ابن إسحاق الذي يروي عنه علي بن مجاهد(‪،)1‬‬
‫وعلي بن مجاهد كذاب ومتروك‪ ،‬كذبه يحيى الضريس في سماعه من ابن‬
‫إسحاق(‪.)2‬‬
‫اإلشكال الرابع‪ :‬من هو أبو الحسين علي بن محمد القرشي هذا الذي‬
‫يحدث عن ثالثة من الرواة مرة واحدة‪ ،‬وهم‪ :‬عثمان بن سليم وأبو محصن وعلي‬
‫ابن مجاهد؟ فبعد البحث لم أجد له ِذكرا وال أثرا وال خبرا!‪.‬‬
‫ــ يقول مؤلف >الفتوح< بعد ذلك‪> :‬وحدثني نُعيم بن مزاحم قال‪ :‬حدثني‬
‫أبو عبد اهلل محمد بن عمر الواقدي األسلمي قال‪ :‬حدثني عبد الحميد بن جعفر‬
‫عن يزيد بن أبي حبيب الزهري<(‪ ،)3‬قلت‪ :‬نعيم بن مزاحم تصحيف لنصر بن‬
‫مزاحم وهو المنقري كما ورد في موضع آخر من >الفتوح<(‪ ،)4‬فال وجود لرجل‬
‫باسم نعيم بن مزاحم(‪ ،)5‬فإذا ثبت أنه نصر بن مزاحم فرواية ابن أعثم عنه‬
‫مستبعدة ومستغربة‪ ،‬ألن نصر بن مزاحم توفي سنة ‪ 212‬هـ‪ ،‬وابن أعثم عاش إلى‬
‫سنة ‪ 320‬هـ‪ ،‬إال أن يكون ابن أعثم من المعمرين!‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تفسير الطبري (‪.)666/22( ،)683/17( ،)682/17( ،)678/17( ،)328/16( ،)724/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تهذيب التهذيب (‪.)387/7‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الفتوح (‪.)369/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الفتوح (‪.)322/4‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وقد وقع هذا التصحيف في غالب المواضع في مطبوعة الفتوح‪ ،‬وكذا في نسخة تشستربيتي!‪ ،‬إال‬ ‫( ‪)5‬‬
‫في مبحث مقتل الحسين فجاء فيه على الصواب وسيأتي الكالم عنه‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ولو سلمنا بأن ابن أعثم أدرك نصر بن مزاحم‪ ،‬فإن رواية نصر بن مزاحم‬
‫عن الواقدي لم تتفق ــ على ح ِّد ما وقفت عليه بعد طول بحث ــ‪ ،‬في غير كتاب‬
‫>الفتوح<! وهو أمر مستبعد أيضا‪ ،‬ألن نصر بن مزاحم معدود في طبقة الواقدي‪،‬‬
‫والعادة عندهم هي الرواية عن الطبقة األعلى وليس عن القرين في الطبقة‪ ،‬ومع‬
‫أن رواية القرين عن قرينه واردة‪ ،‬غير أن تفرد كتاب >الفتوح< بها مع غرابة‬
‫اإلسناد يورث الريبة‪.‬‬
‫وأما قوله‪> :‬عن يزيد بن أبي حبيب الزهري<‪ ،‬فالظاهر سقوط >عن< بين‬
‫يزيد والزهري‪ ،‬ألن يزيد بن أبي حبيب أزدي(‪ )1‬وليس من بني زهرة وهو يروي‬
‫عن الزهري‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكل هذه الباليا والغرائب وقعت في أول إسناد‪ ،‬وهو إسناد طويل‬
‫فيه طرق أخرى يظهر عليها االختالق والتركيب‪ ،‬فضال عن لغة الكتاب الركيكة‬
‫والضعيفة والتي يمتنع تكون لغة القرن الرابع‪ ،‬إذ ترى االعتماد على أسلوب‬
‫األساطير والقصص واإلثارة والتشويق‪ ،‬والوصف والخيال‪ ،‬إضافة إلى سخافة‬
‫التراكيب‪ ،‬وركاكة العبارات‪ ،‬واإلسهاب الممل‪ ،‬والسجع المتكلف‪ ،‬وكل هذا‬
‫مجانب ألسلوب مؤرخ عاش في القرن الثالث أو الرابع‪ ،‬وقد مال الدكتور أبو‬
‫سعدة أثناء دراسته لكتاب >الفتوح< إلى أن الخلل وقع من ناسخ النسخة التركية‬
‫لكتاب >الفتوح<‪ ،‬فقال‪> :‬إنني أعتقد ــ واهلل أعلم بكل الحقائق ــ أن يدا قد‬
‫امتدت إلى أصل الفتوح الذي كتبه ابن أعثم‪ ،‬وأماله على تالميذه‪ ،‬وأخرجت‬
‫هذا األصل عن صورته األولى‪ ،‬وذلك باإلضافة إليه والزيادة عليه‪ ،‬إضافة وزيادة‬
‫مؤسفتين‪ ،‬قد شوهتا هذا الكتاب الفريد تشويها وأصابتاه إصابة منكرة‪ ،‬جعلته‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ترجمته في تهذيب (‪.)319/11‬‬

‫‪400‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫غريبا على عصره(‪ ...،)1‬وأعتقد أيضا ــ واهلل أعلم بكل الحقائق ــ أن هذه اليد‬
‫اآلثمة‪ ،‬إن هي إال يد الناسخ الذي كتب تلك النسخة التي عنها طبع الكتاب الذي‬
‫بين أيدينا‪ ،‬وهو محمد بن علي محمد الطنبذي الذي كان موجودا عام ‪ 873‬هـ‪،‬‬
‫سنة انتهائه من كتابة >الفتوح<‪ ،‬فهو من رجال القرن التاسع الهجري‪ ،‬حيث كانت‬
‫األساليب أشبه شيء باألسلوب الذي أصبح عليه فتوح ابن أعثم الكوفي<(‪،)2‬‬
‫وقد سبقه الدكتور فاروق عمر إلى الشك في جزء من كتاب >الفتوح< فقال‪> :‬إن‬
‫عدم عمق الروايات في القسم األخير من المخطوطة هذه‪ ،‬باإلضافة إلى وضوح‬
‫الميول العلوية بصورة تجلب االنتباه‪ ،‬تدعو المؤرخ إلى الشك في نسبة هذا‬
‫القسم األخير المبتدئ بظهور المسودة‪ ،‬لكتاب >الفتوح<‪ ،‬وربما كان القسم قد‬
‫أضيف إلى المخطوطة في وقت متأخر<(‪.)3‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬إن الرواية التي ورد فيها ذكر زينب لم تأت مسندة‪ ،‬بل أورد‬
‫لها مؤلف >الفتوح< إسنادا جمعيا من أكثر من طريق‪ ،‬وهو إسناد طويل وفيه‬
‫تركيبات ظاهرة‪ ،‬إال أن الذي يهمنا منه أنه ذكر طريقا يمر بأبي مخنف فقال‪:‬‬
‫>وأبو المنذر هشام بن محمد بن السائب عن أبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد‬
‫األزدي عن الحسين بن كثير األزدي عن أبيه<(‪ ،)4‬ومن تأمل في كثير مما أورده‬
‫مؤلف >الفتوح< في مقتل الحسين قطع بأن أكثره من رواية أبي مخنف مع زيادات‬
‫واختالف‪ ،‬وبناء على ذلك تكون الرواية المنسوبة إلى زينب ‪ ‬إنما اعتمد فيها‬
‫صاحب >الفتوح< على رواية أبي مخنف‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫لعل الصواب‪ :‬غريبا عن عصره‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ابن اعثم الكوفي ومنهجه التاريخي في كتاب الفتوح (ص ‪.)134‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫بحوث في التاريخ العباسي (ص ‪ ،)18‬وانظر‪ :‬ابن أعثم الكوفي ومنهجه التاريخي (ص ‪.)53‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الفتوح (‪.)322/4‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪401‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫الجهة الثالثة‪ :‬إن هذا الخبر قد نقله ابن شهرآشوب اإلمامي (‪ 588‬هـ) عن‬
‫زينب بال إسناد ولم يعزه إلى مصدره(‪ ،)1‬وعند البحث عن أصل الخبر لم نجد‬
‫له أصال عن زينب‪ ،‬وإنما روي عن غيرها‪ ،‬فروى ابن أبي الدنيا والطبراني بسند‬
‫واه عن أم سلمة ‪ ‬أنها سمعت هذه األبيات بعد مقتل الحسين(‪ ،)2‬ونقل‬
‫الشجري في >أماليه< عن الفضيل بن الزبير أن أهل المدينة كانوا يسمعون تلك‬
‫األبيات بعد مقتل الحسين(‪ ،)3‬فأصل الخبر إنما روي عن غير زينب‪ ،‬ثم استند‬
‫بعض الكذابين على ما رواه أبي مخنف من خروج زينب مع أخيها الحسين ‪،‬‬
‫فنسب هذه الواقعة إلى زينب مع اختالق قصة مكذوبة عن نزولها بالخزيمية مع‬
‫أخيها الحسين ‪ ،‬ومعلوم عند الباحثين أن من مسالك الوضاعين أن يعمدوا‬
‫إلى خبر مروي عن شخص‪ ،‬فيزيدوا فيه ويغيروه وينسبوه إلى شخص آخر‪ ،‬كما‬
‫صنع واضع هذا الخبر‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫‪ 9‬ــ رواية منسوبة للخوارزمي(‪ 568( )4‬هـ) عن خطبة زينب ‪ ‬بحضرة يزيد‬
‫(‪)5‬‬
‫للموفق الخوارزمي رواية‬ ‫ورد في كتاب >مقتل الحسين< المنسوب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مناقب آل أبي طالب (‪.)245/ 3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الهواتف البن أبي الدنيا (ص ‪ ،)110‬المعجم الكبير للطبراني برقم (‪ ،)2869‬تاريخ دمشق من‬ ‫(‪)2‬‬
‫طريق الطبراني (‪ ،)241/14‬من طريق سويد بن سعيد بن عمرو بن ثابت‪ ،‬عن حبيب بن أبي‬
‫ثابت عن أم سلمة‪ ،‬وآفة الخبر عمرو بن ثابت فإنه متهم بالكذب والغلو‪ ،‬انظر لسان الميزان‬
‫(‪ 249/3‬ــ ‪.)250‬‬
‫األمالي الخميسية (‪.)228/1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫في مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي عدة روايات عن زينب وأغلبها مـأخوذ من روايات أبي‬ ‫(‪)4‬‬
‫مخنف مع بعض االختالف والزيادة التي يظهر أنها من عمل بعض المتهمين‪ ،‬وهذه لم أتعرض لها‬
‫لظهور أمرها‪ ،‬وإنما خصصت الكالم عن الروايات التي قد ُيظن أنها ليست من رواية أبي مخنف‪.‬‬
‫=‬ ‫أقول‪ :‬إني متوقف في صحة نسبة كتاب مقتل الحسين إلى الخوارزمي‪ ،‬ألمور‪:‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪402‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫‪...........................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫األمر األول‪ :‬طبع الكتاب عن نسخة خطية وحيدة مـتأخرة جدا‪ ،‬فتاريخ نسخها هو ‪ 1306‬هـ‪،‬‬ ‫=‬
‫وطبعت أول مرة سنة ‪ 1367‬هـ‪ ،‬فالفاصل بين النسخة المطبوعة والمخطوطة ستون سنة‪ ،‬وزعم‬
‫ناسخها أنه نقلها عن نسخة مؤرخة بتاريخ ‪ 986‬هـ‪ ،‬وقد حققها ونشرها محمد طاهر السماوي‪،‬‬
‫ولم يذكر المكتبة التي توجد فيها النسخة المخطوطة بل اكتفى باإلشارة إلى أنها في تبريز‪ ،‬انظر‬
‫مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي (‪.)7/1‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬ذكر السماوي في مقدمة تحقيقه للكتاب أن ناسخ هذا الكتاب زاد فيه أخبارا نقلها‬
‫كتب‪ ،‬وكان يميز تلك الزيادات‪ ،‬ولم يبين السماوي مواضع الزيادة‪ ،‬وهذا ينقص من قيمة‬ ‫من ٍ‬
‫الناسخ والنسخة‪ ،‬إذ يقوى احتمال وقوع الدس والتزوير والزيادة والنقصان في نسخة وحيدة فريدة‬
‫متأخرة‪ ،‬استباح ناسخها أن يزيد فيها ما ليس منها وإن أشار لذلك‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬جل ما ورد عن مقتل الحسين في هذا الكتاب مأخوذ من فتوح ابن أعثم‪ ،‬قال الباحث‬
‫اإلمامي محسن رجنبر في مقالته >مع الخوارزمي في مقتله< المنشورة بمجلة نهضة عاشوراء العدد‬
‫الرابع (ص ‪> :)191‬معظم ما جاء في هذا الكتاب من الفصل التاسع وح ّتى آخر الفصل الحادي‬
‫عشر‪ ،‬ــ والذي يبدأ من حادثة طلب معاوية البيعة ليزيد‪ ،‬ويختتم بشهادة اإلمام الحسين ‪‬‬
‫وأصحابه في كربالء ــ‪ ،‬مأخوذ من كتاب >الفتوح< البن أعثم<‪ ،‬ومن األمور المستغربة في هذا‬
‫وصف ابن أعثم باإلمام في أغلب المواضع‪ ،‬انظر مثال‪،)252/1( ،)236/1( :‬‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب‪،‬‬
‫(‪ ،)254/1‬وفي موضع آخر وصفه بـ >الشيخ األجل واإلمام المبجل<!! (‪ ،)317/1‬وهذا مما‬
‫يُستغرب‪ ،‬فابن أعثم ليس له ترجمة وافية تدل على علمه ورتبته وال يعرف له كبير شأن سوى ما‬
‫نسب إليه من تأليف كتاب الفتوح‪ ،‬فكيف صار برتبة اإلمام األجل‪ ،‬ولكن إن علم السبب بطل‬
‫العجب‪ ،‬فإن مؤلف مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي وجد في أول كتاب الفتوح‪> :‬قال الشيخ‬
‫اإلمام العالم العالمة لوط أحمد بن محمد بن أعثم<‪ ،‬الفتوح المنسوب البن أعثم (‪ ،)5/1‬فصار‬
‫يطلق على ابن أعثم لقب اإلمام والعالمة‪ ،‬ثم إن كتاب الفتوح كتاب مغمور غير مشهور لم ينقل‬
‫عنه أحد من المؤرخين إال في النادر‪ ،‬ومع ذلك ُجعل في كتاب مقتل الحسين المنسوب‬
‫للخوارزمي عمدة الكتب التي اعتمد عليها المؤلف في نقل روايات مقتل الحسين ‪ ،‬دون سائر‬
‫الكتب التي ألفت في هذا الباب!‪.‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬إن الكتاب وإن كان عنوانه مقتل الحسين ‪ ،‬إال أن مؤلفه قد جعل أكثر من نصف=‬

‫‪403‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫خطبة زينب بحضرة يزيد‪ ،‬وهي نفس رواية ابن طيفور التي مرت آنفا‪ ،‬وإن‬
‫زاد عليها مؤلف الكتاب بعض األلفاظ والجمل‪ ،‬وساقها بإسناد مظلم ومسلسل‬
‫إلي من‬
‫بالمجاهيل فقال‪> :‬أخبرنا الشيخ اإلمام مسعود بن أحمد فيما كتب ّ‬
‫دهستان‪ ،‬أخبرنا شيخ اإلسالم أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي‪،‬‬
‫أخبرنا الشيخ أبو حامد‪ ،‬أخبرنا أبو حفص عمر بن الجازي بنيسابور‪ ،‬أخبرنا أبو‬
‫محمد الحسن بن محمد المؤ ّدب الساري‪ ،‬حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد‬
‫الحجري‪ ،‬أخبرنا أبو بكر محمد بن دريد األزدي‪ ،‬حدثنا المكّي‪ ،‬عن‬
‫الحرمازي‪ ،‬عن شيخ من بني تميم من أهل الكوفة<(‪ )1‬فذكر الخبر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬في هذا اإلسناد عشرة رجال!‪ ،‬المبهمون منهم أربعة وهم أبو حامد‬
‫شيخ الجشمي‪ ،‬والمكي والحرمازي والشيخ التميمي‪ ،‬والمعروفون منهم ثالثة‪:‬‬
‫هم المحسن بن كرامة الجشمي وأبو محمد المؤدب‪ ،‬وابن دريد‪ ،‬والبقية وهم‬
‫مسعود بن أحمد شيخ الخوارزمي‪ ،‬وأبو الحسين الحجري‪ ،‬لم أتمكن من معرفة‬
‫شيء عنهم‪ ،‬وآخر من ينتهي إليه اإلسناد ممن يُعرف هو ابن دريد الذي يرويه عن‬
‫فخبر مثل هذا ال ينبغي أن يظن أن له أصال عند القدماء‪ ،‬ولو‬
‫ثالثة مبهمين!‪ٌ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وأهل بيته!! مع عدم مناسبة موضوع الكتاب لذلك‪ ،‬وهذا‬ ‫= المجلد األول عن فضائل النبي‬
‫مما يستغرب أيضا‪.‬‬
‫وعموما فإن التوقف في أمر الكتاب هو المتعين حتى تتيسر دراسته دراسة وافية كافية‪ ،‬مع العلم‬
‫أن كالمي هنا ليس عن أصل وجود كتاب للخوارزمي في مقتل الحسين‪ ،‬بل كالمي عن النسخة‬
‫المتداولة التي طبع عنها الكتاب‪ ،‬وإال فقد ذكر ابن الوزير اليماني (‪ 840‬هـ) في كتابه العواصم‬
‫والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (‪ )49/8‬أنه وقف على مقتل الحسين للخوارزمي وأنه‬
‫يقع في مجلدين‪ ،‬لكن الكالم في كون أصل الكتاب هو نفس النسخة المتداولة وهو ما ال تساعد‬
‫عليه األدلة‪ ،‬واألمر يحتاج لدراسة موسعة‪.‬‬
‫(‪ )1‬مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي (‪ 72/2‬ــ ‪.)73‬‬

‫‪404‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫سلمنا بأن هذا اإلسناد له أصل فالذي يُقطع به أنه من وضع بعض من تأخر عن‬
‫ابن دريد‪ ،‬ولو ثبت أن ابن دريد حدث بهذا الخبر فإن ذلك ال تقوم به حجة‬
‫أيضا‪ ،‬لما تقدم من عدم االعتداد برواية ابن دريد(‪ ،)1‬ولو تغاضينا عن كل هذا‪،‬‬
‫فإن هذا اإلسناد فيه انقطاع بال ريب‪ ،‬فأبو بكر بن دريد توفي سنة ‪ 321‬هـ‪،‬‬
‫فيستحيل أن يروي واقعة حدثت سنة ‪ 61‬هـ بثالث وسائط فقط!!‪ ،‬فنهاية هذا‬
‫السند ــ لو سلم بثبوته ــ إلى رجل توفي قبل المائتين بقليل‪ ،‬وإذا ثبت ذلك‬
‫فالكالم فيه هو نفس ما مضى في الكالم عن رواية ابن طيفور‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر ما مضى من الكالم عن رواية ابن دريد في األمالي الخميسية‪.‬‬

‫‪405‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫(‪)1‬‬
‫* ثالث ًا‪ :‬ما روي من طرق اإلمامية‬
‫‪ 10‬ــ رواية الكليني (‪ 329‬هـ) لكالم فضة مع زينب الكبرى ‪‬‬
‫جاء في >الكافي< للكليني‪> :‬الحسين بن أحمد(‪ )2‬قال‪ :‬حدثني أبو كريب‬
‫وأبو سعيد األشج قال‪ :‬حدثنا عبد اهلل بن إدريس‪ ،‬عن إدريس بن عبد اهلل األودي‬
‫قال‪ :‬لما قتل الحسين ‪ ‬أراد القوم أن يوطئوه الخيل‪ ،‬فقالت فضة لزينب‪> :‬يا‬
‫سيدتي إن سفينة كسر به في البحر‪ ،‬فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد‪ ،‬فقال‪> :‬يا‬
‫فه ْم َه َم(‪ )3‬بين يديه حتى وقفه على‬
‫<‪َ ،‬‬ ‫أبا الحارث أنا مولى رسول اهلل‬
‫الطريق‪ ،‬واألسد رابض في ناحية‪ ،‬فدعيني أمضي إليه وأعلمه ما هم صانعون‬
‫غدا<‪ ،‬قال‪ :‬فمضت إليه فقالت‪> :‬يا أبا الحارث<‪ ،‬فرفع رأسه‪ ،‬ثم قالت‪> :‬أتدري‬
‫ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد اهلل ‪‬؟ يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره<‪،‬‬
‫قال‪ :‬فمشى حتى وضع يديه على جسد الحسين ‪ ،‬فأقبلت الخيل فلما نظروا‬
‫إليه قال لهم عمر بن سعد‪> :‬فتنة ال تثيروها انصرفوا‪ ،‬فانصرفوا<<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫والكالم هنا عن المصادر الروائية المعتمدة والقديمة لإلمامية‪ ،‬أما الكتب المتأخرة والروايات‬ ‫(‪)1‬‬
‫التي يرجع أصلها إلى القرن السابع فما بعده فال التفات إليها‪ ،‬ألني قد أسلفت أنها روايات مختلقة‬
‫وموضوعة وال أصل لها‪ ،‬وقد سردت كثيرا منها في مبحث نقد القصص المختلقة عن زينب في‬
‫كتب المقاتل‪.‬‬
‫وقع في طبعة الغفاري وغيرها من الطبعات الحسين بن محمد‪ ،‬وفي طبعة دار الحديث ــ وهي‬ ‫(‪)2‬‬
‫أتقن وأحسن تحقيق للكافي ــ الحسين بن أحمد‪ ،‬وذكروا أن ذلك هو المثبت في أكثر النسخ‬
‫الخطية وكذا بحار األنوار‪.‬‬
‫الهمهمة‪ :‬الصوت الخفي‪ ،‬لسان العرب (‪.)623/12‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الكافي بتحقيق دار الحديث (‪ 509/2‬ــ ‪ ،)510‬وطبعة دار الكتب اإلسالمية (‪ 465/1‬ــ ‪)466‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫بتحقيق الغفاري‪.‬‬

‫‪406‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫قلت‪ :‬الحسين بن أحمد(‪ ،)1‬وأبو كريب(‪ )2‬وقرينه أبو سعيد األشج(‪،)3‬‬


‫وشيخهما عبد اهلل بن إدريس(‪ ،)4‬وأبوه إدريس بن عبد اهلل(‪ )5‬وفضة‪ ،‬كلهم‬
‫مجاهيل عند اإلمامية(‪ ،)6‬ثم إن في الخبر انقطاعا‪ ،‬ألن الكليني المتوفى سنة‬
‫(‪ 329‬هـ) ال يمكن أن يروي خبرا مسندا متصال عن الحسين ‪ ‬بواسطة أربعة‬
‫رواة فقط(‪ ،)7‬فإسناد الخبر واه جدا على مسالك اإلمامية(‪ ،)8‬ولذا ضعف‬
‫المجلسي في >مرآة العقول< إسناد هذا الخبر فقال عنه‪> :‬مجهول<(‪ ،)9‬وضعفه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫لم أقف له على ترجمة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫هو عبد اهلل بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي‪ ،‬ثقة حافظ توفي سنة ‪ 257‬هـ‪ ،‬انظر تهذيب‬ ‫(‪)2‬‬
‫التهذيب (‪.)237/5‬‬
‫هو محمد بن العالء بن كريب الهمداني الكوفي‪ ،‬ثقة حافظ‪ ،‬توفي سنة ‪ 247‬هـ‪ ،‬انظر تهذيب‬ ‫(‪)3‬‬
‫التهذيب (‪.)386/9‬‬
‫هو عبد اهلل بن إدريس بن يزيد األودي الكوفي‪ ،‬ثقة فقيه‪ ،‬توفي سنة ‪ 192‬هـ‪ ،‬انظر تهذيب‬ ‫(‪)4‬‬
‫التهذيب (‪.)145/5‬‬
‫كذا في المطبوع والمخطوط وهو غلط‪ ،‬وإنما هو إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن أبو عبد اهلل‬ ‫( ‪)5‬‬
‫األودي الكوفي‪ ،‬ثقة‪ ،‬معدود في أتباع التابعين‪ ،‬انظر تهذيب التهذيب (‪ ،)195/1‬ولعل األصل‬
‫إدريس أبو عبد اهلل فتصحف في نسخ الكافي إلى ابن عبد اهلل‪.‬‬
‫وقد حكم الجواهري عليهم بالجهالة‪ ،‬انظر أسماءهم على التوالي في المفيد من معجم رجال‬ ‫(‪)6‬‬
‫الحديث األرقام‪ ،1050 ،6699 ،14307 ،14725 :‬وأما فضة فقال عنها الباحث اإلمامي‬
‫لؤي المنصوري‪> :‬لم يرد لها ذكر في كتبنا الرجالية<‪ ،‬مجلة اإلصالح الحسيني‪ ،‬العدد السادس‪،‬‬
‫(ص ‪.)201‬‬
‫روى الكليني عن الحسين خبرين بواسطة سبعة رواة‪ ،‬انظر الكافي (‪ ،)611/2‬و(‪،)437/6‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫وروى عنه مرة بواسطة خمسة رواة (‪ )445/6‬فهذا اإلسناد منقطع بال شك‪.‬‬
‫أما عند أهل الحديث فهذا اإلسناد عندهم من األسانيد المركبة‪ ،‬ثم إنه منقطع غير متصل‪ ،‬ألن‬ ‫(‪)8‬‬
‫إدريس بن يزيد األودي من أتباع التابعين وال يمكن أن يروي عن فضة ألنها معدودة في طبقة صغار‬
‫الصحابة‪ ،‬ذكرها ابن حجر في اإلصابة (‪ )281/8‬وذكر قصة لها في زمن النبي ‪ ،‬معتمدا‬
‫على خبر واه‪ ،‬قال عنه في لسان الميزان (‪> :)447/1‬حديث طويل ركيك ظاهر البطالن جدا<‪.‬‬
‫مرآة العقول (‪.)368/5‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫‪407‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫البهبودي فلم يورده في >صحيح الكافي<‪ ،‬وجعله المرجع المعاصر محمد آصف‬
‫محسني من األحاديث غير المعتبرة(‪ ،)1‬وقال جعفر مرتضى العاملي عن هذه‬
‫الرواية‪> :‬ضعيفة السند لمجهولية بعض رواتها‪ ،‬وعدم توثيق البعض اآلخر<(‪.)2‬‬
‫وع َّد مرتضى مطهري هذا الخبر من التحريفات اللفظية التي لحقت واقعة‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫عاشوراء وتأسف لورود الخبر في >الكافي< ‪ ،‬وقال الباحث اإلمامي محمد‬
‫الحسيني عن هذه الرواية‪> :‬رواية غريبة جدا<(‪ ،)4‬وجعلها محمد صحتي‬
‫ــ المتخصص في السيرة الحسينية ــ من األخبار المزيفة(‪ )5‬والموضوعة(‪،)6‬‬
‫وضعفها أيضا نعمة اهلل صالحي نجف آبادي(‪ ،)7‬ولؤي المنصوري(‪.)8‬‬
‫وأما متنه فقد استعاره واضعه ــ على عادة الوضاعين ــ من قصة تنسب‬
‫للصحابي الجليل سفينة ‪ ،‬فقد روي عنه أنه قال‪> :‬ركبت في البحر في سفينة‪،‬‬
‫فكسر بنا‪ ،‬فركبت لوحا منها فطرحني في أجمة‪ ،‬فيها األسد‪ ،‬فلم يرعني إال به‪،‬‬
‫فقلت‪> :‬يا أبا الحارث‪ ،‬إني مولى رسول اهلل <‪ ،‬فطأطأ رأسه وجعل يغمزني‬
‫بمنكبه حتى أقامني على الطريق<(‪.)9‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مشرعة البحار (‪.)156/2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سيرة الحسين ‪ ‬في الحديث والتاريخ (‪.)30/19‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الملحمة الحسينية (‪.)238/3‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫عاشوراء النص والوظيفة (ص ‪.)147‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص ‪ ،)203‬جدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص ‪.)141‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص ‪ ،)229‬جدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص ‪.)169‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫نقله عنه محمد حصتي في مقاله في مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص ‪ ،)230‬وانظر جدل‬ ‫(‪)7‬‬
‫ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص ‪.)170‬‬
‫مجلة اإلصالح الحسيني‪ ،‬العدد السادس‪( ،‬ص ‪.)200‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫رواه أبو يعلى الموصلي في المفاريد (ص ‪ ،)105‬واللفظ له‪ ،‬وأبو القاسم البغوي في معجم=‬ ‫(‪)9‬‬

‫‪408‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫الوضاع‪ ،‬لم يفسر لنا كيف تمكنت فضة من معرفة هذا األسد‬ ‫ولكن هذا ّ‬
‫وتمييزه عن بقية األسود‪ ،‬وال كيف أمكنها أن تعلم أن األسد كان في ناحية قريبة‬
‫فسر لنا كيف نسيت فضة هذه القصة حينما هجم جيش ابن زياد على‬ ‫منها‪ ،‬وال ّ‬
‫الحسين ‪ ‬ليقتلوه‪ ،‬فلو أنها أتت باألسد وقتها‪ ،‬لمنعهم من قتله كما منعهم من‬
‫وطئه‪ ،‬فكيف لم تستنجد فضة باألسد إال بعد مقتل الحسين ‪‬؟‪ ،‬ثم إن هذا‬
‫الخبر تفرد بذكر وجود فضة الجارية في كربالء‪ ،‬وقد استبعد الباحث اإلمامي‬
‫لؤي المنصوري حضور فضة في كربالء ونص على أن خبر >الكافي< تفرد بذلك‬
‫دون سائر المصادر(‪ ،)1‬وهذا يدل على أ ّن واضع هذه القصة ْ‬
‫وإن كان متقنا‬
‫الختالق القصص‪ ،‬إال أنه مغفل ومخلَّط‪ ،‬وإال لما أتى بهذه األوابد!‪.‬‬
‫وقد ق ّدم المجلسي هذا الخبر على خبر حميد بن مسلم الذي رواه أبو‬
‫مخنف(‪ ،)2‬والذي جاء فيه أن عمر بن سعد أمر الجيش أن يوطئوا الخيل على‬
‫جسد الحسين ‪ ‬ففعلوا(‪ ،)3‬وقد نوقش في ذلك فرد عليه الباحث اإلمامي لؤي‬
‫المنصوري في مقالة‪> :‬هل وطأت الخيل جسد الحسين ‪‬؟<‪ ،‬ومما قاله في‬
‫نقد كالم المجلسي‪> :‬إ ّن المجلسي لم يذكر دليال معتبرا على كالمه‪ ،‬سوى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= الصحابة ــ طبعة المبرة ــ (‪ ،)1630‬والروياني في مسنده (‪ ،)662‬والحاكم في المستدرك‬
‫(‪ )4335‬و(‪ )6550‬وصححه‪ ،‬وغيرهم من طرق عن محمد بن المنكدر عن سفينة‪ ،‬وسنده‬
‫ضعيف لالنقطاع ألن رواية محمد بن المنكدر عن سفينة مرسلة كما قال الحافظ ابن حجر في‬
‫تهذيب التهذيب (‪ ،)474/9‬وانظر‪ :‬أحاديث معلة ظاهرها الصحة (ص ‪.)163‬‬
‫(‪ )1‬مجلة اإلصالح الحسيني‪ ،‬العدد السادس‪( ،‬ص ‪.)202‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ )454/5‬وهو خبر باطل عند المحققين‪ ،‬راجع ضعيف تاريخ الطبري‬
‫(‪.)258/9‬‬
‫(‪ )3‬مرآة العقول (‪.)371/5‬‬

‫‪409‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫االستبعاد والخبر الضعيف وبعض االستشهادات التي ال تنهض كدليل<(‪،)1‬‬


‫وبذلك يتبين أن هذا الخبر ال أصل له من الناحية التاريخية والسندية‪ ،‬وأن واضعه‬
‫إنما استند على ما ورد في أخبار أبي مخنف من حضور زينب في كربالء ولفق هذه‬
‫القصة‪ ،‬والظاهر أنه استبشع خبر أبي مخنف في وطء الخيل لجسد الحسين ‪،‬‬
‫فصنع هذا الخبر األسطوري حتى يدفع تلك القصة الباطلة‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪ 11‬ــ رواية في >كامل الزيارات< عن مواساة زينب الكبرى ‪ ‬لعلي بن‬


‫الحسين ‪ ‬بخبر طويل ركيك‬
‫جاء في >كامل الزيارات<‪> :‬أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن عياش‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عيسى عبيد اهلل‬
‫ابن الفضل بن محمد بن هالل الطائي البصري ‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عثمان سعيد‬
‫ابن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن سالم بن يسار الكوفي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن‬
‫محمد الواسطي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عيسى بن أبي شيبة القاضي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني نوح بن‬
‫دراج‪ ،‬قال‪ :‬حدثني قدامة بن زائدة‪ ،‬عن أبيه<‪ ،‬وذكر أن علي بن الحسين حدثه‬
‫فقال‪> :‬إنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا وقُتل أبي ‪ ‬وقُتل من كان معه من ولده‬
‫وحملت حرمه ونساؤه على األقتاب يراد بنا الكوفة‪ ،‬فجعلت‬‫وإخوته وسائر أهله‪ُ ،‬‬
‫أنظر إليهم صرعى ولم يواروا‪ ،‬فعظم ذلك في صدري واشتد لما أرى منهم قلقي‪،‬‬
‫وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي فقالت‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫فكادت نفسي تخرج‪،‬‬
‫>ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وأخوتي<‪ ،...‬ثم قالت زينب‪:‬‬
‫زار منزل فاطمة ‪ ،<...<‬وذكر خبرا‬ ‫>حدثتني أم أيمن أن رسول اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجلة اإلصالح الحسيني‪ ،‬العدد السادس‪( ،‬ص ‪.)214‬‬

‫‪410‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫أخبر فاطمة وعليا والحسن والحسين ‪،‬‬ ‫ركيكا طويال ملخصه أن النبي‬
‫بمقتل الحسين(‪.)1‬‬

‫وهذا الخبر من زيادات راوي >كامل الزيارات< الحسين بن أحمد بن المغيرة‬


‫على الكتاب(‪ ،)2‬كما صرح بذلك فقال‪> :‬ذهب على شيخنا ‪ ‬أن يضمنه كتابه‬
‫هذا‪ ،‬وهو مما يليق بهذا الباب‪ ،‬ويشتمل أيضا على معان شتى‪ ،‬حسن تام األلفاظ‪،‬‬
‫أحببت إدخاله‪ ،‬وجعلته أول الباب<(‪ ،)3‬وليس الخبر في أصل >كامل الزيارات<‬
‫كما توهم المجلسي وغيره(‪ ،)4‬وإسناد الخبر واه على مسالك اإلمامية‪ ،‬فأحمد بن‬
‫عياش قال فيه النجاشي‪> :‬رأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه شيئا‪ ،‬وتجنبته<(‪،)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كامل الزيارات ص ‪ 444‬الهامش ‪.1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نص على ذلك محققو كامل الزيارات في مقدمة التحقيق (ص ‪ ،)29‬وأوردوا الخبر في الهامش‬ ‫(‪)2‬‬
‫ولم يذكروه في متن كامل الزيارات‪.‬‬
‫كامل الزيارات ص ‪ 444‬الهامش ‪.1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫بحار األنوار (‪ ،)55/28‬وذكر مالك وهبي العاملي في كتابه كربالء تساؤالت وقضية (ص ‪)180‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أن باقر شريف القرشي نسب هذه الرواية أيضا إلى كامل الزيارات في كتابه عن الحسين ‪ ،‬وقد‬
‫النوري الطبرسي على غلط المجلسي فقال‪> :‬ونقله العالمة المجلسي في البحار من كامل‬ ‫ُّ‬ ‫نبه‬
‫الزيارة‪ ،‬ليس من أصل الكتاب وإنما أدرجه فيه بعض تالمذته‪ ،‬ولم يتفطن المجلسي لذلك‪ ،‬فوقع‬
‫المجلسي في‬
‫َّ‬ ‫في غفلة ال بد من التنبيه عليها< خاتمة المستدرك (‪ ،)248/3‬وتعقب محقق البحار‬
‫نسبته الخبر البن قولويه فقال‪> :‬هذا الحديث وإن كان منقوال من رواية الشيخ أبي القاسم جعفر بن‬
‫محمد بن قولويه مؤلف كتاب كامل الزيارات‪ ،‬إال أنه ليس من أصل كتابه‪ ،‬بل أدرجه فيه بعض‬
‫تالمذته الذي روى الكتاب ونسخه‪ ...‬وقد صرح بذلك تلميذه في صدر الخبر‪ ،‬ولكن ذهل عنه‬
‫المؤلف قدس سره فأورده بحيث يظهر أنه من كتاب كامل الزيارات<‪ ،‬بحار األنور (‪)179/45‬‬
‫الهامش ‪.1‬‬
‫رجال النجاشي (ص ‪.)86‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪411‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وعبيد اهلل بن الفضل مجهول(‪ ،)1‬وسعيد بن محمد أبو عثمان لم أقف له على‬
‫ترجمة‪ ،‬ومحمد بن سالم بن يسار مجهول(‪ ،)2‬وأحمد بن محمد الواسطي‬
‫وعيسى بن أبي شيبة لم يذكروهما(‪ ،)3‬وقدامة بن زائدة وأبوه زائدة مجهوالن(‪،)4‬‬
‫ولذا جعل آصف محسني هذا الخبر من األحاديث غير المعتبرة(‪ ،)5‬وقال مصطفى‬
‫وهبي العاملي عنه‪> :‬الخالصة أن ههنا مشكلة في سند الرواية‪ ،‬كما أن ههنا‬
‫إشكاال في متنها<(‪.)6‬‬
‫وأما متنه الطويل الذي وقع في أربع صفحات كاملة‪ ،‬فأمارات الوضع‬
‫والكذب واالختالق ظاهرة عليه‪ ،‬ويكفي عالمة على وضعه‪ ،‬طوله المبالغ فيه‪،‬‬
‫(‪ ،)7‬فضال عن‬ ‫واشتماله على السجع والتوليد الذي ينزه عنه لسان النبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المفيد من معجم رجال الحديث برقم (‪.)7496‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ترجم له الشاهرودي في المستدركات (‪ ،)113/7‬ولم يذكر فيه توثيقا‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر على التوالي‪ :‬مستدركات علم رجال الحديث (‪ )479/1‬و(‪ ،)150/6‬وسيتكرر مصطلح لم‬ ‫(‪)3‬‬
‫يذكروه في بعض رجال اإلمامية‪ ،‬وهو مصطلح عمله الرجالي المعاصر علي النمازي الشاهرودي‪،‬‬
‫ويقصد به أن المترجم ليس له ذكر في موسوعات كتب الرجال اإلمامية التي صنفت قبله‪ ،‬وخص‬
‫بالذكر ثالثة كتب وهي جامع الرواة لألردبيلي وتنقيح المقال للمامقاني ومعجم رجال الحديث‬
‫للخوئي‪ ،‬انظر مستدركات علم رجال الحديث (‪ ،)67/1‬وباالستقراء فإن غالب الذين يقول فيهم‬
‫الشاهرودي لم يذكروه فإنك ال تجد له ذكرا في أي في كتاب رجالي قبله!‪ ،‬والشاهرودي توفي‬
‫سنة ‪ 1402‬هـ‪.‬‬
‫المفيد من معجم رجال الحديث برقم (‪ ،)9613‬و(‪.)4650‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مشرعة بحار األنوار (‪.)156/2‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫كربالء تساؤالت وقضية (ص ‪.)183‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫قال‪> :‬فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله‪ ،‬وأحاطت‬ ‫مثل قول الراوي إن النبي‬ ‫(‪)7‬‬
‫به كتائب أهل الكفر واللعنة‪ ،‬تزعزعت األرض من أقطارها‪ ،‬ومادت الجبال وكثر اضطرابها‪،‬‬
‫واصطفقت البحار بأمواجها‪ ،‬وماجت السماوات بأهلها‪ ،‬غضبا لك يا محمد ولذريتك‪ ،‬واستعظاما=‬

‫‪412‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫قال إن الحسين حين‬ ‫تضمنه لما ال يمكن تصديقه‪ ،‬إذ زعم الراوي أن النبي‬
‫يقتل >تزعزعت األرض من أقطارها‪ ،‬ومادت الجبال وكثر اضطرابها‪ ،‬واصطفقت‬
‫البحار بأمواجها<‪ ،‬وال ريب أن هذا كذب ظاهر‪ ،‬فلو وقع مثل هذا األمر العظيم‬
‫الذي يراه ويشاهده كل أحد لنقله الناس ولصار من أشهر المشهورات‪ ،‬أما أن‬
‫يأتي من طريق إسناد واحد مظلم ال يعرف رواته أصال‪ ،‬فهذا عالمة على أنه ليس‬
‫إال إفكا محضا‪ ،‬اختلقه بعض من ال خالق له‪ ،‬ونسبه إلى زينب وزينب بريئة من‬
‫هذا اإلفك الظاهر‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫‪ 12‬ــ رواية ابن بابويه (‪ 381‬هـ) لمحاورة زينب الكبرى ‪ ‬مع ابن زياد‬
‫قال ابن بابويه القمي‪> :‬حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال‪ :‬حدثنا‬
‫عبد العزيز بن يحيى البصري‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا محمد بن زكريا‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‬
‫ابن محمد بن يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو نعيم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني حاجب عبيد اهلل بن‬
‫زياد<‪ ،‬وذكر قصة ورد فيها أن ابن زياد قال لعلي بن الحسين ومن كان معه من‬
‫النسوة ــ وكانت زينب بنت علي ‪ ‬فيهم ــ‪> :‬الحمد هلل الذي فضحكم وقتلكم‪،‬‬
‫وأكذب أحاديثكم‪ .‬فقالت زينب‪ :‬الحمد هلل الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا‪،‬‬
‫إنما يفضح اهلل الفاسق ويكذب الفاجر‪ ،)1(<...‬وذكر بقية القصة ووفود أهل بيت‬
‫الحسين ‪ ‬على يزيد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وبقية ألفاظ الرواية مشابهة لرواية أبي مخنف مع زيادات واختالف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= لما ينتهك من حرمتك‪ ،‬ولشر ما تكافي به في ذريتك وعترتك‪ ،‬وال يبقى شيء من ذلك إال استأذن‬
‫اهلل ‪ ‬في نصرة أهلك‪ ،‬المستضعفين المظلومين الذين هم حجة اهلل على خلقه بعدك<‪ ،‬كامل‬
‫الزيارات (ص ‪ 447‬الهامش)‪.‬‬
‫(‪ )1‬األمالي (ص ‪ 229‬ــ ‪.)232‬‬

‫‪413‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫من عمل من تأخر عن أبي مخنف‪ ،‬وقد ساق ابن بابويه بعدها رواية من طريق‬
‫أبي مخنف تذكر قصة فاطمة بنت علي حينما أراد أحد الشاميين أن يسبيها ور ّد‬
‫زينب عليه وكالمها مع يزيد(‪.)1‬‬
‫وسند الحديث واه على مسالك اإلمامية‪ ،‬فشيخ ابن بابويه محمد بن إبراهيم‬
‫ابن إسحاق قال عنه الخوئي‪> :‬وثاقته لم تثبت‪ ،‬وليس في ترضي الصدوق عليه‬
‫داللة على الحسن‪ ،‬فضال عن الوثاقة<(‪ ،)2‬وأحمد بن محمد بن يزيد مشترك بين‬
‫أربعة كلهم مهملون لم يذكروا في كتب الرجال(‪ ،)3‬وأبو نعيم الذي يروي عن‬
‫حاجب ابن زياد ال بد أن يكون من أهل القرن األول‪ ،‬ولم أقف في كتب رجال‬
‫اإلمامية على أحد بهذه الكنية في تلك الطبقة!‪ ،‬وقد ضعف محمد آصف محسني‬
‫هذا الخبر فلم يجعله من األحاديث المعتبرة(‪ ،)4‬وأصل الخبر من رواية أبي‬
‫مخنف‪ ،‬فسرقه بعضهم وزاد فيه أشياء ليست في رواية أبي مخنف‪ ،‬ثم لفق له‬
‫هذا اإلسناد‪ ،‬ولذا ال يظنَّن ظا ٌّن أن هذا طريق مستقل‪ ،‬وإنما هي بضاعة أبي‬
‫مخنف(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ومبتدأ رواية أبي مخنف عند ابن بابويه من قوله‪> :‬فروي عن فاطمة بنت علي‪ ،‬أنها قالت‪ :‬لما‬ ‫(‪)1‬‬
‫أُ ْجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رق لنا أول شيء وألطفنا<‪ ،‬ثم ساق الرواية بطولها‪ ،‬ثم قال في‬
‫ختامها‪> :‬حدثني بذلك محمد بن علي ماجيلويه‪ ،‬عن عمه محمد بن أبي القاسم‪ ،‬عن محمد بن‬
‫علي الكوفي‪ ،‬عن نصر بن مزاحم‪ ،‬عن لوط بن يحيى‪ ،‬عن الحارث بن كعب‪ ،‬عن فاطمة بنت‬
‫علي<‪ .‬انظر أمالي ابن بابويه (ص ‪ ،)231‬وقارن بتاريخ الطبري (‪ 461/5‬ــ ‪.)462‬‬
‫معجم رجال الحديث (‪.)231/15‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر مستدركات علم رجال الحديث (‪ ،)484/1‬األرقام (‪ 1744‬ــ ‪ 1745‬ــ ‪ 1746‬ــ ‪.)1747‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مشرعة بحار األنوار (‪.)156/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ويحتمل أن يكون الغلط من ابن بابويه بأن يكون قد وقف على هذا الخبر من رواية أبي مخنف‪،‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫لكن لما أثبته في كتابه دخل عليه إسناد في آخر‪ ،‬فإن ثبت ذلك كان مرجع الخبر إلى أبي مخنف‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫‪ 13‬ــ رواية ابن بابويه (‪ 381‬هـ) لوصية الحسين ‪ ‬إلى زينب الكبرى ‪‬‬
‫روى ابن بابويه عن أحمد بن إبراهيم أن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا‬
‫أخت أبي الحسن قالت له‪> :‬إن الحسين بن علي ‪ ‬أوصى إلى أخته زينب بنت‬
‫علي بن أبي طالب ‪ ‬في الظاهر‪ ،‬وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم‬
‫ينسب إلى زينب بنت علي‪ ،‬تس ُّترا على علي بن الحسين<‪ .‬وقد روى ابن بابويه‬
‫هذا الخبر من طريقين مدارهما على أحمد بن إبراهيم‪ ،‬فقال >حدثنا علي بن‬
‫أحمد بن مهزيار قال‪ :‬حدثني أبو الحسين محمد بن جعفر األسدي قال‪ :‬حدثنا‬
‫أحمد بن إبراهيم< وذكر القصة(‪ ،)1‬وقال مرة‪> :‬حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه‬
‫المؤدب ‪ ‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبد اهلل‪ ،‬عن أبيه عبد اهلل بن جعفر الحميري‬
‫قال‪ :‬حدثني محمد بن جعفر قال‪ :‬حدثني أحمد بن إبراهيم<(‪ )2‬وذكره‪ ،‬وروى‬
‫الطوسي هذا الخبر بطريق آخر‪ ،‬فقال‪> :‬محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬عن محمد‬
‫ابن جعفر األسدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن إبراهيم قال‪ :‬دخلت على‬
‫حكيمة‪ <....‬وذكر مثله‪ ،‬وقال‪> :‬وروى هذا الخبر التلعكبري‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫محمد النهاوندي‪ ،‬عن الحسن بن جعفر بن مسلم الحنفي‪ ،‬عن أبي حامد‬
‫المراغي قال‪ :‬سألت حكيمة بنت محمد أخت أبي الحسن العسكري<(‪ ،)3‬وعامة‬
‫المعاصرين من اإلمامية فسروا جملة‪> :‬وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من‬
‫علم ينسب إلى زينب بنت علي<‪ ،‬بأن المراد بها هي ال ُخطب والمواقف المنسوبة‬
‫لزينب في كربالء‪ ،‬مع أن الناظر ال يجد تالزما بين األمرين‪ ،‬وغاية ما يمكن أن‬
‫يستفاد من الرواية‪ ،‬أن زينب بقيت حية بعد أخيها الحسين‪ ،‬ومن باب استقصاء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كمال الدين وتمام النعمة (ص ‪.)501‬‬
‫(‪ )2‬كمال الدين وتمام النعمة (ص ‪.)507‬‬
‫(‪ )3‬الغيبة (ص ‪ 230‬ــ ‪.)231‬‬

‫‪415‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ما قد يعترض به المعترضون‪ُ ،‬سقت هذه الرواية هنا لإلجابة عما قد يتوهم من‬
‫منافاتها لما قررته من تفرد أبي مخنف بخبر خروج زينب ‪ ‬إلى كربالء‪،‬‬
‫والجواب عن هذا الخبر من وجهين‪:‬‬
‫عف إسناده‪ ،‬فالخبر مداره على أحمد بن إبراهيم‪ ،‬وأحمد بن‬ ‫األول‪َ :‬ض ُ‬
‫إبراهيم هذا هو أبو حامد المراغي الذي روى عنه الطوسي هذا الخبر من طريق‬
‫التلعكبري‪ ،‬ومن زعم أنه غيره فهو واهم(‪ ،!)1‬وهذا الرجل مجهول(‪ ،)2‬ولذا ضعف‬
‫المرجع محمد آصف محسني هذا الخبر فلم يجعله من األحاديث المعتبرة(‪ ،)3‬ثم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قال علي أكبر السيفي المازندراني في >دليل تحرير الوسيلة (والية الفقيه)< (ص ‪> :)181‬أحمد‬
‫بن إبراهيم هذا هو أبو بشر‪ ،‬بقرينة رواية التلعكبري عنه‪ ،‬كما روى عنه هذه الرواية بطريق آخر‬
‫والعالمة<‪ ،‬قلت‪ :‬هذا وهم‬
‫في كتاب الغيبة‪ ،‬وهو ال إشكال في وثاقته‪ ،‬كما قال الشيخ والنجاشي َّ‬
‫واضح وسببه العجلة أو الغفلة الفاحشة‪ ،‬فإن المازندراني رأى أن الطوسي في الغيبة قال بعد أن‬
‫أورد رواية أحمد بن إبراهيم‪> :‬وروى هذا الخبر التلعكبري<‪ ،‬ووقف نظره هنا فظن أن التلعكبري‬
‫روى هذا الخبر عن أحمد بن إبراهيم‪ ،‬لكنه لو نظر لبقية كالم الطوسي لتبين له وهمه‪ ،‬فإن الطوسي‬
‫يقول في الغيبة‪> :‬وروى هذا الخبر التلعكبري‪ ،‬عن الحسن بن محمد النهاوندي‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫جعفر بن مسلم الحنفي‪ ،‬عن أبي حامد المراغي قال‪ :‬سألت حكيمة‪ ،<...‬فالتلعكبري إنما روى‬
‫عن النهاوندي‪ ،‬وبينه وبين أحمد بن إبراهيم واسطتان‪ ،‬ولو تأمل قليال أسانيد هذا الخبر لجزم‬
‫بامتناع رواية التلعكبري عن أحمد بن إبراهيم‪ ،‬إذ أن الكليني وهو شيخ التلعكبري قد روى عن‬
‫أحمد بن إبراهيم بواسطة واحدة فكيف يتفق للتلعكبري أن يروي عنه بال واسطة‪ ،‬ثم إنه لو راجع‬
‫ترجمة أحمد بن إبراهيم في رجال الكشي (‪ )815/2‬ورجال الطوسي (ص ‪ )397‬لرأى أنه كان‬
‫يكنى أبا حامد المراغي‪.‬‬
‫(‪ )2‬المفيد من معجم رجال الحديث برقم (‪.)382‬‬
‫(‪ )3‬لم يذكر محسني في مشرعته (‪ )216/2‬عدد األحاديث المعتبرة في الباب ‪ 16‬من المجلد ‪ 51‬من‬
‫بحار األنوار كما هي طريقته‪ ،‬بل اكتفى إلى اإلشارة إلى عدد من الروايات المعتبرة‪ ،‬لكن يبدو‬
‫أنه لم يكن يرى صحة هذا الخبر‪ ،‬ألنه يرى أن حكيمة التي يُروى عنها مجهولة‪ ،‬كما صرح بذلك‬
‫في المشرعة (‪ )208/2‬فقال‪> :‬حكيمة ‪ ‬لم توثق<‪ ،‬ولذا لم يذكره ضمن األحاديث المعتبرة‪=،‬‬

‫‪416‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫إن حكيمة الراوية للخبر مجهولة أيضا(‪ ،)1‬فضال عن أن خبرها منقطع‪ ،‬ــ فهي على‬
‫ما يزعم الراوي ــ قد حدثت بهذا الخبر سنة ‪ 262‬هـ‪ ،‬فبينها وبين زينب مئتي‬
‫سنة‪ ،‬فالخبر واه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬بطالن متنه‪ ،‬فالوصية المزعومة من الحسين إلى زينب ‪ ‬ال حقيقة‬
‫لها‪ ،‬والتاريخ يُكذّ بها‪ ،‬وصانع هذه الرواية علَّل الوصاية إلى زينب بأن الغاية منها‬
‫الستر على علي بن الحسين!‪ ،‬وواقع الحال أن زينب توفيت ــ عند اإلمامية ــ‬
‫بعد واقعة كربالء بوقت قريب(‪ ،)2‬وعلي بن الحسين ‪ ‬بقي إلى سنة ‪ 95‬هـ‪،‬‬
‫ودوواين‬
‫ُ‬ ‫أي ثالثين سنة بعد وفاة زينب‪ ،‬وظل علي بن الحسين ‪ ‬ينشر العلم‪،‬‬
‫اإلسالم مملوءة من أحاديثه وأخباره وفتاويه(‪ ،)3‬وقد نقل عنه اإلمامية مئات‬
‫وروى عنه أكثر من مائتي راو عندهم(‪ ،)4‬وعلى هذا فهذه الرواية ال‬ ‫الروايات‪َ ،‬‬
‫حقيقة لها‪ ،‬فال يوجد اليوم علم منقول عن زينب عند اإلمامية سوى مواقفها التي‬
‫نُسبت لها في كربالء وجلها خطب وأقوال ومواقف تروى في قصص واقعة‬
‫كربالء‪ ،‬وليست من أبواب العلوم التي يحتاج إليها الناس‪ ،‬وما روي عنها غير‬
‫ذلك قليل ونادر‪ ،‬والظاهر أن واضع الخبر لما وقف على أخبار أبي مخنف عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ولم يورده الفهداوي في كتابه >المعتبر من بحار األنوار وفقا لنظريات الشيخ آصف محسني<‪.‬‬ ‫=‬
‫مضى كالم محسني عنها في مشرعة بحار األنوار (‪ )208/2‬في الهامش السابق‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مضى نقل اختالف اإلمامية في تاريخ وفاة زينب ‪ ،‬فقيل سنة ‪ 62‬وقيل ‪.65‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫روى البخاري ‪ 25‬رواية مسندة عن علي بن الحسين‪ ،‬وروى له مسلم ‪ 14‬رواية‪ ،‬وله في مصنف‬ ‫(‪)3‬‬
‫ابن أبي شيبة قريب من ‪ 60‬رواية ما بين حديث مسند وفتوى من قوله‪ ،‬وله في السنن الكبرى‬
‫للبيهقي ‪ 62‬رواية‪ ،‬وهذه مجرد أمثلة‪ ،‬وهذه اإلحصائيات استفدتها من برنامج جامع الحديث‬
‫النبوي الذي أصدرته شركة إيجيكوم‪.‬‬
‫ذكر العطاردي في مسند اإلمام السجاد علي بن الحسين (‪ 5415/2‬ــ ‪ 237 ،)510‬راويا عن‬ ‫(‪)4‬‬
‫علي بن الحسين‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫زينب‪ ،‬أراد استعارة تلك األخبار لينسج على منوالها خبر الوصاية إلى عمة‬
‫الحسن العسكري‪ ،‬وعليه فالخبر مردود سندا ومتنا وال عبرة به‪.‬‬

‫‪ 14‬ــ رواية المفيد (‪ 413‬هـ) لخطبة زينب الكبرى ‪ ‬في الكوفة‬


‫قال المفيد‪> :‬أخبرني أبو عبيد اهلل محمد بن عمران المرزباني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثني أحمد بن محمد الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن مهران‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫موسى بن عبد الرحمن المسروقي‪ ،‬عن عمر بن عبد الواحد‪ ،‬عن إسماعيل بن‬
‫راشد‪ ،‬عن حذلم بن ستير قال‪ :‬قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدى وستين عند‬
‫منصرف علي بن الحسين ‪ ‬بالنسوة من كربالء‪ ...‬ورأيت زينب بنت علي ‪‬‬
‫ولم أر خفرة قط أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين ‪ ‬قال‪ :‬وقد‬
‫أومأت إلى الناس أن اسكتوا‪ ،‬فارتدت األنفاس وسكتت األصوات فقالت‪:‬‬ ‫ْ‬
‫>الحمد هلل والصالة على أبي رسول اهلل ‪ ،‬أما بعد يا أهل الكوفة‪ ،‬ويا أهل‬
‫الختل والخذل‪ ،‬فال رقأت العبرة‪ ،‬وال هدأت الرنة<‪ ،)1(<...‬وذكر خطبة طويلة‪،‬‬
‫وقد روى الطوسي هذا الخطبة من طريق شيخه المفيد(‪ ،)2‬ووردت في كتب‬
‫(‪)3‬‬
‫أخرى بال إسناد‪ ،‬ككتاب >البلدان< البن الفقيه (كان حيا سنة ‪ 367‬هـ)‬
‫(‪)5‬‬
‫و>الفتوح< المنسوب البن أعثم(‪ ،)4‬و>مقتل الحسين< المنسوب للخوارزمي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫األمالي للمفيد (ص ‪ 320‬ــ ‪.)324‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫األمالي للطوسي (ص ‪ 91‬ــ ‪.)93‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫البلدان (ص‪ ،)31‬وكتاب البلدان طبعه محققه بصورة ملفقة بين أصل خطي ناقص ومختصر‬ ‫(‪)3‬‬
‫مطبوع‪ ،‬والخطبة وردت في األصل الخطي‪.‬‬
‫الفتوح بتحقيق علي شيري (‪.)121/5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مقتل الحسين للخوارزمي (‪.)45/2‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪418‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫و>االحتجاج< للطبرسي(‪ ،)1‬وزاد الطبرسي في آخرها أن علي بن الحسين قال‬


‫لزينب‪>> :‬يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار‪ ،‬وأنت بحمد اهلل عالمة‬
‫غير معلَّمة‪ ،‬فهمة غير مف َّهمة‪ ،‬إن البكاء والحنين(‪ )2‬ال ير َّدان َمن قد أباده الدهر<‬
‫فسكتت<‪ ،‬والكالم على هذا الخبر يقع في سنده ومتنه‪:‬‬
‫أما اإلسناد‪ :‬فإنه إسناد واه ومر ّكب‪ ،‬وبيان ذلك من وجهين‬
‫الوجه األول‪ :‬هذا اإلسناد مسلسل بالمجاهيل ومن ال ُيعرف إال بهذا الخبر‪،‬‬
‫وليس يعرف فيهم غير شيخ المفيد محمد بن عمران المرزباني‪ ،‬فأحمد بن محمد‬
‫الجوهري لم يذكروه(‪ ،)3‬ومحمد بن مهران مشترك بين عدة كلهم مجاهيل(‪،)4‬‬
‫وموسى بن عبد الرحمن(‪ ،)5‬وعمر بن عبد الواحد(‪ ،)6‬وإسماعيل بن راشد لم‬
‫يذكروهم(‪ ،)7‬وأما حذلم بن ستير فهو اسم مصحف‪ ،‬وقد اختلف في ضبطه‪ :‬فقيل‬
‫إنه‪> :‬حذلم بن بشير<‪ ،‬وفي >اللهوف< البن طاووس >بشير بن خزيم األسدي<(‪،)8‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫االحتجاج للطبرسي (‪ 29/2‬ــ ‪.)31‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫كذا‪ ،‬ولعل األقرب‪> :‬الخنين<‪ ،‬والخنين ضرب من البكاء دون االنتحاب‪ ،‬لسان العرب‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪.)142/13‬‬
‫مستدركات علم رجال الحديث (‪ ،)444/1‬قلت‪ :‬وهو أحمد بن محمد أبو بكر الجوهري‪ ،‬ترجم‬ ‫(‪)3‬‬
‫له الخطيب في تاريخ بغداد (‪ ،)192/6‬ولم يذكر فيه جرحا وال تعديال‪ ،‬وقال عنه الذهبي في‬
‫تاريخ اإلسالم (‪> :)668/7‬مستور<‪.‬‬
‫المفيد من معجم رجال الحديث األرقام‪ 11872( :‬و‪ 11873‬و‪ 11874‬و‪.)11875‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وهو ثقة عند أهل السنة فانظر تهذيب التهذيب (‪.)256/10‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫وهو ثقة عند أهل السنة فانظر تهذيب التهذيب (‪.)479/7‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫انظر على التوالي‪ :‬مستدركات علم رجال الحديث (‪.)635/1( ،)100/6( ،)17/8‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫انظر‪ :‬أمالي المفيد (ص‪ ،)321‬تعليق المحقق في الهامش ‪ ،1‬وورد في النسخ الخطية لكتاب‬ ‫(‪)8‬‬
‫الفتوح المنسوب البن أعثم >بشر بن حريم< فغيره المحقق إلى خزيمة األسدي معتمدا على=‬

‫‪419‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫وفي البلدان البن الفقيه >جرير بن سيير<!(‪ ،)1‬وفي >االحتجاج< للطبرسي‬


‫>حذيم بن شريك األسدي<(‪ ،)2‬وقيل‪ :‬إن الصحيح >حذيم بن بشير<(‪ ،)3‬وقيل‪:‬‬
‫إن الصواب >خزيمة األسدي<(‪ ،)4‬قلت‪ :‬لعل الصواب حذام أو حذيم األسدي‬
‫كما سيأتي في الوجه الثاني‪ ،‬وعلى أي حال فهو مجهول(‪.!)5‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬إن هذا اإلسناد مفتعل ومركب‪ ،‬وفيه غلط في نسبته إلى‬
‫زينب‪ ،‬فقد روى ابن طيفور في >المنثور والمنظوم< المطبوع بعنوان >بالغات‬
‫النساء<‪ ،‬هذه الخطبة بسندين عن حذام األسدي وجعفر بن محمد عن آبائه!‬
‫ونسبها إلى أم كلثوم بنت علي‪ ،‬وإسناد ابن طيفور إسناد واه‪ ،‬وقد وقع اضطراب‬
‫وسقط في اإلسناد في مطبوعة >بالغات النساء< ومخطوطته‪ ،‬ففي المطبوعة‪:‬‬
‫>عن سعيد بن محمد الحميري أبو معاذ‪ ،‬عن عبد اهلل بن عبد الرحمن رجل من‬
‫أهل الشام‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن حذام األسدي‪ ،‬وقال مرة أخرى‪ :‬حذيم<(‪ ،)6‬وأما في‬
‫المخطوط‪> :‬حدثنا سعيد بن محمد الحميري أبو معاذ‪ ،‬عن عبد اهلل بن عبد الرحمن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كتاب الدر المنثور في طبقات ربات الخدور‪ ،‬المطبوع سنة ‪ 1312‬هـ!!‬ ‫=‬
‫البلدان البن الفقيه (ص ‪.)224‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫االحتجاج (‪ ،)29/2‬وقال محققه في الهامش‪> :‬حذيم بن شريك األسدي‪ :‬عده الشيخ في رجاله‬ ‫(‪)2‬‬
‫ص ‪ 88‬من أصحاب اإلمام علي بن الحسين<‪.‬‬
‫قاله محقق بحار األنوار (‪ )164/45‬الهامش ‪.1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫قاله محققا أمالي الطوسي طبعة دار الكتب (ص ‪ 152‬الهامش ‪ ،)2‬وهذا ما ورد في الفتوح‬ ‫(‪)4‬‬
‫المنسوب البن أعثم‪.‬‬
‫المفيد من معجم رجال الحديث برقم (‪.)2621‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫بالغات النساء (ص ‪ .)27‬وقد تكلمنا عن سند الخطبة بإيجاز في كتاب إثبات زواج عمر من أم‬ ‫(‪)6‬‬
‫كلثوم (ص ‪ 69‬ــ ‪ ،)71‬لكن اتضح لي هنا أن الكالم بحاجة إلى مزيد بيان في حال اإلسناد‬
‫والمتن‪.‬‬

‫‪420‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫رجل من أهل الشام‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن الحكم‪ ،‬عن حذام األسدي‪ ،‬وقال مرة أخرى‪:‬‬
‫حذيم<(‪ ،)1‬قلت‪ :‬فسقطت كلمة حدثنا وسقط الحكم بين شعبة وحذام‪ ،‬ثم إن ابن‬
‫طيفور ذكر اإلسناد تاما بع ُد فقال‪> :‬وحدثنيه عبد اهلل بن عمرو قال‪ :‬حدثني إبراهيم‬
‫بن عبد ربه بن القاسم بن يحيى بن مقدم المقدمي‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني سعيد ابن محمد‬
‫أبو معاذ(‪ )2‬الحميري‪ ،‬عن عبد اهلل بن عبد الرحمن رجل من أهل الشام‪ ،‬عن‬
‫حذام األسدي<(‪ ،)3‬وهنا سقط شعبة والحكم من اإلسناد‪ ،‬وثبت أن ابن طيفور‬
‫يروي عن سعيد الحميري بواسطة رجلين‪ ،‬وهذا االضطراب الفاحش في اإلسناد‬
‫كاف في إسقاطه‪ ،‬فكيف إن علمت أنه مسلسل بالمجاهيل‪ ،‬فلو غضضنا الطرف‬
‫عن شيخ ابن طيفور عبد اهلل بن عمرو(‪ ،)4‬فإن إبراهيم بن عبد ربه وشيخه أبا‬
‫معاذ وعبد اهلل بن عبد الرحمن الشامي وحذيم األسدي ال يدرى من هم‪ ،‬بل إني‬
‫أجزم أن عبد اهلل بن عبد الرحمن إنما هو اسم مختلق ال حقيقة له‪ ،‬ثم إن نسبة‬
‫مثل هذا الكذب إلى شعبة‪ ،‬من أبين الحجج على أنه من وض ِع من ال خالق له‪،‬‬
‫فإن شعبة أتقى هلل من أن يروي مثل هذه األخبار السمجة‪ ،‬وكيف يروي شعبة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مخطوط اختيار المنظوم المنثور والمنظوم [ق ‪/16‬ب]‪ ،‬المحفوظ بجامعة الملك سعود برقم‬
‫(‪ /810‬أ‪ .‬ط) وهذه صورة النص‪:‬‬

‫(‪ )2‬وفي المخطوط [ق ‪/18‬أ] ابن معاذ وهو غلط والصواب أبو معاذ‪.‬‬
‫(‪ )3‬بالغات النساء (ص ‪.)29‬‬
‫(‪ )4‬لم أهتد إليه‪ ،‬قد روى عنه ابن طيفور عدة أخبار في بالغات النساء وكتاب بغداد‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫مثل هذا ثم يغفل عنه كبار أصحابه وال يرويه إال رجل من أهل الشام ال يدرى من‬
‫هو‪ ،‬وأما سنده الثاني ونسبة روايته إلى جعفر بن محمد الصادق‪ ،‬فأوهن وأوهن‪،‬‬
‫ويكفي أن من روى عنه ابن طيفور هذا الخبر هو شيخه هارون ابن مسلم بن‬
‫سعدان‪ ،‬الذي لم يرد فيه أي توثيق أو جرح‪ .‬وال ريب عندي أن هذه الرواية من‬
‫باليا ابن طيفور‪ ،‬ولما وجد بعض الوضاعين هذا الخبر(‪ ،)1‬ر ّكب له إسنادا آخر‬
‫وغير بعض ألفاظ الرواية ثم نسبها إلى زينب بدال من أم كلثوم‪ ،‬ثم سرى الغلط‬ ‫َّ‬
‫أمر هذه الخطبة‪ ،‬فزعم أنها‬
‫إلى بقية الكتب التي نقلت الخبر‪ ،‬وقد ع َكس بعضهم َ‬
‫في األصل مروية عن زينب ثم نُسبت إلى أم كلثوم غلطا(‪ ،!)2‬وهذا ال ريب أنه‬
‫وجدت فيها هذه الخطبة هو كتاب >المنثور والمنظوم<‬
‫ُ‬ ‫قول مردود‪ ،‬إذ أول مصدر‬
‫البن طيفور‪ ،‬وقد رواها ونسبها إلى أم كلثوم ال زينب‪ ،‬وقد رتب ابن طيفور‬
‫عرج‬‫الخطبتين في كتابه بما يفيد تغايرهما‪ ،‬فنسب لزينب ُخطبة بحضرة يزيد‪ ،‬ثم ّ‬
‫بعدها على أم كثلوم ونسب لها خطبة في الكوفة‪ ،‬فدخول الغلط في ذلك عليه‬
‫بعي ٌد‪ ،‬بل الظاهر أنه أراد أن يجعل لكل من زينب وأم كلثوم ُخطبة!‪ ،‬وقد نقلها‬
‫تأخر عن ابن طيفور ناسبا إياها إلى أم كلثوم ال زينب(‪.)3‬‬
‫من َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وعندي أن البالء من شيخ المفيد محمد بن عمران المرزباني األخباري‪ ،‬فقد قال عنه األزهري‪:‬‬
‫>كان المرزباني يضع المحبرة وقنينة النبيذ‪ ،‬فال يزال يكتب‪ ،‬ويشرب‪ ...،‬وما كان ثقة<‪ ،‬ونقل‬
‫عن أبي عبيد اهلل بن الكاتب أنه قال‪> :‬أشرفت منه على أمر عرفت به أنه كذاب<‪ ،‬وقد نقل الخطيب‬
‫البغدادي هذا عن األزهري ودفع الكذب عن المرزباني فقال‪> :‬ليس حال أبي عبيد اهلل عندنا‬
‫الكذب<‪ ،‬تاريخ بغداد (‪ ،)227/4‬قلت‪ :‬ليس الخبر والظن كالمعاينة‪ ،‬فإن أبا عبيد واألزهري‬
‫قد عاينا المرزباني ورأيا ما يدل على أنه غير ثقة‪ ،‬ولو ثبت أنه روى ما نقله عنه المفيد في أماليه‬
‫من روايات يظهر عليها الوضع‪ ،‬لكان هذا أبين حجة على كونه كذابا مفتريا‪ ،‬عفا اهلل عنا وعنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)145‬‬
‫(‪ )3‬نثر الدر في المحاضرات (‪ ،)19/4‬التذكرة الحمدونية (‪.)264/2‬‬

‫‪422‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫وأما من جهة متنه‪ :‬فالقول فيه هو نفس ما قلته في خطبة زينب التي نُسبت‬
‫لها في مجلس يزيد‪ ،‬فطريقة سبك الخطبة والمبالغة في إغراقها بأنواع السجع‬
‫وتقعير الكالم‪ ،‬غريب عن لسان األوائل‪ ،‬وهو أقرب إلى الصناعة األدبية‬
‫المتأخرة عن زمانهم‪ ،‬والتي ظهرت في زمن العباسيين‪ ،‬من قبيل‪> :‬وهل فيكم‬
‫إال الصلف الظلف والضرم الشرف<‪ ،‬و>مالذ خيرتكم‪ ،‬ومفزع نازلتكم‪ ،‬وأمارة‬
‫محجتكم‪ ،‬ومدرجة حجتكم خذلتم‪ ،‬وله فتلتم<‪ ،‬و>ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد‬
‫فريتم‪ ،‬وأي دم له سفكتم‪ ،‬وأي كريمة له أصبتم<‪ ،‬وفي هذه الخطبة من إغالظ‬
‫الكالم والوعيد المبالغ فيه ما يُن َّزه عنه لسان زينب‪ ،‬ومن ذلك‪> :‬ولن تغسلوا دنسها‬
‫عنكم أبدا<‪ ،‬و>وبؤتم بغضب من اهلل<‪ ،‬و>ولعذاب اآلخرة أخزى<‪.‬‬
‫ثم هل يتصور أن تستعير زينب ‪ ‬آية نزلت في أهل الكتاب فتغير لفظها‬
‫وتجعلها في أهل الكوفة‪ ،‬فقد زعم واضع الرواية أن زينب قالت‪> :‬فبئس ما‬
‫قدمت لكم أنفسكم أن سخط اهلل عليكم‪ ،‬وفي العذاب أنتم خالدون<!!‪ ،‬وهذا‬
‫اقتباس من قوله تعالى في بني إسرائيل‪{ :‬ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬
‫ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} [المائدة‪ ،]80 :‬فزينب ‪‬‬
‫يحسن منه أن يحكم على‬ ‫منزهة عن مثل هذا العبث‪ ،‬ومن نشأ في بيت النبوة ال ُ‬
‫أحد بالهالك لذنب وقع منه‪ ،‬أليس هذا مثل قول الرجل ألخيه >ال يغفر اهلل لك<‬
‫أن قائله تألَّى على اهلل فأحبط عمله؟(‪.)1‬‬ ‫الذي أخبر النبي‬
‫وحاصل القول إن هذه الخطبة هي نظير الخطب المفتعلة المنسوبة إلى‬
‫زينب في عصور متأخرة‪ ،‬ولذا قال الدكتور أحمد خليل جمعة منتقدا نسبة هذه‬
‫الخطبة لزينب‪> :‬من بدائع الصناعة األدبية في الخطب والخطابة‪ ،‬تلكم الخطبة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم (‪.)6774‬‬

‫‪423‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫القسعاء التي نُسبت إلى زينب ابنة علي ‪ ،‬والتي تخاطب فيها أهل الكوفة‪،‬‬
‫وتعيب عليهم فعلتهم التي فعلوها‪ ،‬تم ُتعدد شنائعهم‪ ،‬والخطبة كما يالحظ‬
‫القارئ‪ ،‬مصنوعة موضوعة مصوغة صياغة خاصة في عصر متأخر عن زينب‬
‫بعشرات السنين بل بقرون‪ ،‬فهي تعتمد على الصنعة التي توشيها من أطرافها‬
‫جميعها‪ ،‬ناهيك باالقتباس الواضح من القرآن الكريم‪ ،‬واالعتماد على علم البديع‬
‫في إنشائها‪ ،‬وهذا العلم الذي نما وترعرع بعيد القرن الثاني الهجري<(‪.)1‬‬

‫‪ 15‬ــ روايات اإلمامية في كتاب >نور العين في مشهد الحسين< المنحول‬


‫على اإلسفراييني‬
‫كتاب منحول‬
‫من الكتب التي راجت على كثير من الناس ولم يتفطنوا ألمرها ٌ‬
‫على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد اإلسفراييني (‪ 418‬هـ)‪ ،‬عنوانه‪> :‬نور العين في‬
‫مشهد الحسين<(‪ ،)2‬طبع الكتاب أول مرة سنة ‪ 1291‬هـ بالمطبعة الكستلية بمصر‬
‫بتصحيح محمد باقر ال ُكلبايكاني‪ ،‬ثم توالت طبعاته‪ ،‬فطبع مرة أخرى سنة ‪ 1299‬هـ‬
‫(‪)4‬‬
‫ثم توالت طبعاته ببومباي وبغداد(‪ )3‬والنجف‬
‫وثالثة سنة ‪ 1302‬هـ في مصر‪َّ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بنات الصحابة (ص ‪ 203‬ــ ‪.)204‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وهذا الكتاب غير كتاب >نور العين في ذكر مشهد الحسين<‪ ،‬الذي ألّفه عبد الفتاح بن أبي بكر‬ ‫(‪)2‬‬
‫بن أحمد الشافعي الرسام‪ ،‬كما ورد في فهرس المخطوطات اليمنية لدار المخطوطات والمكتبة‬
‫الغربية بالجامع الكبير (‪ ،)1558/2‬وأسماء الكتب المتمم لكشف الظنون (ص ‪ ،)333‬وتوجد منه‬
‫نسخة في المتحف البريطاني برقم (‪ ،)11142‬ونسخة في جامعة الملك سعود برقم (‪ 2068‬ر)‪ ،‬فإنه‬
‫كتاب آخر‪ ،‬مؤلفه متأخر‪ ،‬وتاريخ االنتهاء منه هو ‪ 1004‬هـ‪ ،‬وموضوعه مختلف عن موضوع كتاب‬
‫نور العين المنحول‪ ،‬إذ ض َّمنه مؤلف شيئا من مقتل الحسين ‪ ‬مع إثبات دفن رأسه في مصر‪ ،‬ولعل‬
‫مختلق نور العين المنحول‪ ،‬اقتبس اسم كتابه من هذا المخطوط‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬جدل ومواقف من الشعائر الحسينية (ص ‪.)131‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تكملة الذريعة (‪.)642/2‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪424‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫وتونس(‪ ،)1‬ونسبه بعض ال ُكتبيين وأصحاب الفهارس إلى اإلسفراييني(‪ ،)2‬وأكثر‬


‫من نقل عنه هم اإلمامية(‪.)3‬‬
‫وقد ورد ذكر زينب في عدة مواضع من الكتاب‪ ،‬وبعض هذه األخبار لها‬
‫أصل من رواية أبي مخنف وزيد عليها‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫ــ قول زينب للحسين لما نعى نفسه‪> :‬ال صبر لنا على فقدك‪ ،‬وال تطيب‬
‫لنا الحياة من بعدك<(‪.)4‬‬
‫ــ قول زينب بعد مقتل علي األكبر‪> :‬واحبيباه يا ابن أخي<(‪.)5‬‬
‫ــ قول زينب بعد مقتل الحسين ‪> :‬وا محمداه هذا الحسين مرمل بالدماء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫والذي وقفت عليه من طبعات الكتاب ست وهي‪ :‬طبعة المطبعة الكستلية بمصر‪ ،‬وطبعة مطبعة‬ ‫(‪)1‬‬
‫المنار بتونس‪ ،‬وهي التي أعزو لها‪ ،‬وطبعة مطبعة عثمان عبد الرزاق المطبوعة سنة ‪ 1302‬هـ‪،‬‬
‫وطبعة المطبعة العامرة العثمانية المطبوعة سنة ‪ 1303‬هــ‪ ،‬وطبعة مكتبة الجمهورية العربية بمصر‪،‬‬
‫وطبعة مطبعة العلوم األدبية بمصر‪ ،‬وطبعة مطبعة الحلبي بالقاهرة المطبوعة سنة ‪ 1374‬هـ‪.‬‬
‫كالطهراني في الذريعة (‪ 72/17‬ــ ‪ ،)73‬وسركيس في معجم المطبوعات العربية (‪)321/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫و(‪ ،)436/1‬وإسماعيل باشا البغدادي في هدية العارفين (‪ )8/1‬وقال‪> :‬تنسب إليه< فكأنه غير‬
‫قاطع بنسبته إليه‪ ،‬وبروكلمان في تاريخ األدب العربي (‪.)4/6‬‬
‫النص واالجتهاد (ص ‪ ،)280‬موسوعة كلمات اإلمام الحسين (ص ‪ 365‬ــ ‪ 366‬ــ ‪ 457‬ــ ‪477‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ــ ‪ 492‬ــ ‪ 531‬وغيرها)‪ ،‬العقيلة والفواطم (ص ‪ ،)62‬المجالس العاشورائية في المآتم الحسينية‬
‫(ص ‪ ،)25‬موسوعة كربالء (‪ )335/2‬و(‪ ،)384/2‬موسوعة في ظالل شهداء الطف‬
‫(‪ ،)239/4‬ذخيرة الدارين فيما يتعلق بمصائب الحسين (‪ ،)42/1‬زينب الكبرى (ص ‪،)66‬‬
‫ومما يستغرب منه أن يَ ْن ِس َب الكتاب إلى اإلسفراييني‪ ،‬جعفر مرتضى العاملي في كتابه الصحيح‬
‫من سيرة اإلمام علي (‪ )295/1‬وهذا من الغرائب فمن يدعي التحقيق والتعمق في التاريخ كيف‬
‫يخفى عليه أمر هذا الكتاب؟!!‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪.)33‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪.)44‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪425‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫صريع بكربالء‪.)1(<...‬‬
‫ــ كالم زينب مع ابن زياد‪ ،‬وزيد فيه أكاذيب منها قول زينب البن زياد‪:‬‬
‫>إذا كان أخي طلب الخالفة فهي ميراث أبيه وجده‪ ،‬وأما أنت يا ابن زياد ُفر َّد جوابا‬
‫إذا كان القاضي اهلل‪ ،‬والحكم جدي‪ ،‬والشهود المالئكة‪ ،‬والسجن جهنم<(‪.)2‬‬
‫ــ كالم زينب مع يزيد‪ ،‬وزيد فيه أشياء شنيعة كقول يزيد لزينب‪> :‬يا قرة‬
‫عين علي وفاطمة الزهراء‪ ،‬جئتم لتأخذوا الخالفة مني يا زينب‪ ،‬قد أمكنني اهلل‬
‫منكم< فقالت زينب‪> :‬يا يزيد أتأخذنا بحقوق بدر وحنين؟‬
‫يا ويلك! تهتكنا وتحجب نساءك في القصور‪ ،‬وأوالد رسول اهلل‬
‫مأسرون‪ ،‬أما كفاك قتل الحسين؟‪.)3(<...‬‬
‫وبعضها من الروايات الموضوعة على زينب من غير طريق أبي مخنف مثل‬
‫خطبة زينب في أهل الكوفة(‪.)4‬‬
‫وبعضها ال أصل له إال في كتب المقاتل المتأخرة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ــ دخول الحسين إلى خيمة زينب بعد مقتل كل من معه‪ ،‬وقوله لها‪>> :‬يا‬
‫أختي‪ ،‬يا زينب‪ ،‬ناوليني ولدي الصغير حتى أو ِّدعه<‪ ،‬فقالت له‪> :‬هذا ولدك منذ‬
‫ثالثة أيام لم يذق الماء فلعلك تطلب له من القوم شربة ماء<<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪.)55‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪.)57‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪.)67‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪ 57‬ــ ‪.)58‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪.)46‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪426‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫ــ دعاء أم كلثوم بالهالك على عجوز ضربت رأس الحسين بحجر‪ ،‬فهلكت‬
‫العجوز‪ ،‬فقالت زينب‪> :‬اهلل أكبر من دعوة ما أسرع إجابتها<(‪.)1‬‬
‫ــ أسطورة الحصان ميمون!‪ ،‬وقول زينب لما رأته بعد مقتل الحسين‪> :‬وا‬
‫قتياله‪ ،‬وا غريباه‪ ،‬وا حسيناه‪ ،‬هذا الحسين بين العداء‪ ،‬مسلوب العمامة والرداء‪،‬‬
‫بدنه باألرض ورأسه منقطعة‪ ،‬واليوم يصير ماله وعياله بين العدا<‪ ،‬ثم إنشادها‬
‫شعرا أبكى من كان معها من النساء(‪.)2‬‬
‫ــ دخول خولي بن يزيد األصبحي خيمة النساء‪ ،‬وسلبه لما في الخيمة‪،‬‬
‫وقرضه قرط زينب بأسنانه ودعاء زينب عليه(‪.)3‬‬
‫ــ قول زينب ‪ ‬لما رأت رأس الحسين في مجلس يزيد‪> :‬يا حسين‪ ،‬يا‬
‫حبيب رسول اهلل ‪ ،‬يعز علينا ذلك يا أبا عبد اهلل‪ ،‬ويعز عليك لو رأيتنا في‬
‫هذه الحالة<(‪.)4‬‬
‫ــ قول يزيد لزينب‪> :‬يا زينب خذي هذا المال عوضا عن مصيبتكم< فقالت‬
‫زينب‪> :‬يا ويلك ما أقل حياءك وأصلب وجهك‪ ،‬تقتل أخي وتقول خذوا عوضه‬
‫ماال<(‪.)5‬‬
‫ــ إنشاد أم كلثوم لما وصلت إلى المدينة شعرا ومنه‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪.)64‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪ 51‬ــ ‪.)52‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪.)53‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪.)65‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫نور العين في مشهد الحسين (ص ‪.)71‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪427‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫َوفَا ِط َمـــــ ُة َو َمـــــا أَ َحـــــ ٌد ُم ِع َينـــــا‬ ‫وهــــا ِمــــ ْن ِخ َب َ‬


‫َو َز ْي َنــــ ُب أَ ْخ َر ُج َ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪J‬‬ ‫اهــــا‬
‫والكتاب ال يستريب من له أدنى خبرة بالمنقوالت بأنه كتاب مختلق‬
‫موضوع ومنحول على اإلسفراييني‪ ،‬واألدلة على ذلك عديدة‪:‬‬
‫ــ الدليل األول‪ :‬أن من ترجم لإلسفراييني من أهل العلم لم ينسب هذا‬
‫الكتاب إليه‪ ،‬ولم يذكره في عداد مصنفاته‪ ،‬فضال عن أني لم أقف على أي نص‬
‫منقول من هذا الكتاب قبل أن يطبع‪.‬‬
‫ــ الدليل الثاني‪ :‬أن لغة الكتاب لغة متأخرة ال صلة لها بلغة القرن الخامس‪،‬‬
‫بل إنها ليست لغة عربية سليمة أصال‪ ،‬بل فيها من األساليب الركيكة والتعابير‬
‫السمجة السخيفة ما يُقطع ببراءة القرون األولى منها‪ ،‬وال يمكن أن تتجاوز لغتها‬
‫أي صلة بعصر‬ ‫القرن العاشر‪ ،‬يقول محمد صحتي‪> :‬ال يمكن أن يكون له ّ‬
‫ونيف من مطلع الخامس‪ ،‬يؤيد ذلك‬ ‫اإلسفرائيني الذي عاش نهاية القرن الرابع ّ‬
‫الهوة الكبيرة بين نص الكتاب ونصوص القرن الرابع<(‪.)2‬‬
‫ــ الدليل الثالث‪ :‬أن جميع النسخ الخطية للكتاب متأخرة يرجع أقدمها‬
‫ألواخر القرن الثالث عشر‪ ،‬والذي وقفت عليه من نسخه الخطية ثالثة‪ ،‬وكلها‬
‫تضمنت كتاب >نور العين< وبعده >قرة العين<‪:‬‬
‫األولى‪ :‬نسخة مكتبة مجلس الشورى اإليراني برقم (‪ ،)30823‬ومذكورة‬
‫في فهرسها(‪ ،)3‬وناسخها محمد باقر الكلبايكاني بتاريخ ‪ 1296‬هـ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نور العين في مشهد الحسين (ص ‪.)73‬‬
‫(‪ )2‬مقالة السيرة الحسينية المصادر والمراجع المنشورة بمجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص‬
‫‪ ،)195‬ونشرت أيضا في كتاب‪ :‬جدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص ‪.)131‬‬
‫(‪ )3‬فهرس النسخ الخطية بمكتبة مجلس الشورى (بالفارسية) (‪ 33/22‬ــ ‪.)35‬‬

‫‪428‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫الثانية‪ :‬نسخة مكتبة األحقاف باليمن‪ ،‬رقمها (‪ ،)668‬ناسخها علي حيدر‬


‫مجد الدين بتاريخ ‪ 1313‬هـ(‪.)1‬‬
‫الثالثة‪ :‬نسخة مكتبة بلدية اإلسكندرية رقمها (‪ 4748‬ــ د)‪ ،‬وهي بدون‬
‫تاريخ‪ ،‬لكنها خطأ متأخر‪.‬‬
‫كما أن النقوالت عن الكتاب متأخرة أيضا عن تاريخ ظهوره‪ ،‬فقبل طباعة‬
‫الكتاب في القرن الرابع عشر لم يكن لهذا الكتاب أثر وال خبر‪ ،‬ولذا قال الباحث‬
‫محمد صحتي‪> :‬إ ّن تدوين الكتاب كان موافقا لسنة طبعه عام ‪1298‬هـ(‪ ،)2‬ولم‬
‫تكن ّثمة فترة طويلة بين تدوينه وانتشاره<(‪.)3‬‬
‫الدليل الرابع‪ :‬أن الكتاب تضمن روايات اشتهرت في كتب المقاتل‬
‫المتأخرة التي ظهرت بعد القرن العاشر(‪ ،)4‬وهذا دليل قاطع على براءة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وللكتاب نسخ أخرى ذكرها عبد العزيز الطباطبائي في كتابه أهل البيت في المكتبة العربية (ص‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ )655‬فقال‪> :‬نسخة في مكتبة سپهساالر في طهران برقم ‪ ،451‬ونسخة في جامعة كمبردج‪ ،‬برقم‬
‫‪ ،1198‬ونسخة في دار الكتب الوطنية في طهران رقم ‪/1357‬ع‪ ،‬كتبت سنة ‪ ،1296‬ونسخة في‬
‫المكتبة المركزية لجامعة طهران رقم ‪ ،1689‬كتبت سنة ‪ ،<1296‬أقول‪ :‬ونسخة المكتبة الوطنية‬
‫ليست نسخة خطية بل هي طبعة المكتبة الكستلية‪ ،‬والظاهر أن نسخة جامعة طهران هي نسخة من‬
‫المطبوعة أيضا‪ ،‬وهذه المطبوعة موجودة بمكتبة مجلس الشورى اإليراني ورقمها (‪،)5872‬‬
‫وتوجد نسخة في مكتبة المرعشي النجفي ضمن مجموع برقم (‪ ،)10910‬وتاريخ نسخها ‪ 1289‬هـ‪،‬‬
‫فإن صح ذلك فلعلها أقدم مخطوطة للكتاب‪.‬‬
‫الظاهر أنها الطبعة الثانية للكتاب‪ ،‬فقد مضى أن الطبعة األولى كانت بتاريخ ‪ 1291‬هـ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص ‪ ،)195‬جدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪.)131‬‬
‫وغالب الروايات الموضوعة عن زينب في كتاب نور العين هي من موضوعات كتب المقاتل‬ ‫(‪)4‬‬
‫المتأخرة‪ ،‬ولظهور أمر وضعها لم أتوسع في بيانها‪.‬‬

‫‪429‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫اإلسفراييني من الكتاب‪.‬‬
‫ولهذا قضى جماعة من اإلمامية ببطالن نسبة الكتاب إلى اإلسفراييني أو‬
‫ببطالن رواياته‪:‬‬
‫ــ وأولهم فيما أعلم هو علي بن عبد اهلل البحراني (‪ 1319‬هـ) فقال عن‬
‫كتاب >نور العين<‪> :‬كله أو جله كذب ومين<(‪ ،)1‬وصرح بأنه يتضمن الكذب‬
‫فصل موقفه من الكتاب فقال‪> :‬وأما كتاب >نور العين< فإنه‬ ‫والبواطيل(‪ ،)2‬ثم َّ‬
‫كذب مفترع‪ ،‬وبهتان موضوع‪ ،‬خصوصا أوائله‪ ،‬فما منه شيء يطابق الواقع‪ ،‬وما‬
‫أقدر‬
‫مغير عن أصوله‪ ،‬معدول به عن سبيله‪ ،‬فما َ‬ ‫ُقرب من الواقع من جمله فهو َّ‬
‫جامعه على جمع الكذب وتأليفه‪ ،‬وأقواه على تزوير االفتراء وتصنيفه‪.)3(<...‬‬
‫ــ والمحقق اإلمامي عبد العزيز الطباطبائي (‪ 1348‬هـ) حيث يقول‪> :‬أظن‬
‫أن الكتاب منحول منسوب(‪ ،)4‬فأسلوبه ال يالئم مصنفات القرن الرابع<(‪ ،)5‬وقال‬
‫أيضا‪> :‬ولكن الكتاب منحول<(‪.)6‬‬
‫ــ ومحمد علي القاضي الطباطبائي (‪ 1400‬هـ)‪ ،‬حيث يقول‪> :‬كتاب‬
‫>مقتل الحسين< لإلسفراييني مليء بالموضوعات وقصص القصاصين<(‪،)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قامعة أهل الباطل (ص ‪.)20‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫قامعة أهل الباطل (ص ‪.)32‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫قامعة أهل الباطل (ص ‪ ،)90‬ونقله عنه الروضاتي في تكملة الذريعة (‪.)643/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كذا‪ ،‬واألسلم‪ :‬منسوب له‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أهل البيت في المكتبة العربية (ص ‪.)655‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫أهل البيت في المكتبة العربية (ص ‪.)655‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫رجوع الركب بعد الكرب تحقيق حول األربعين (ص ‪ ،)206‬الترجمة العربية للكتاب وهي‬ ‫(‪)7‬‬
‫لألسف ليست ترجمة كاملة بل ذكر المترجم (ص ‪ )9‬أنه قام بتلخيص الكتاب‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫وحكم بأن الكتاب من الكتب الضعيفة جدا والتي ال يعتمد عليها‪ ...‬وأنه مجعول‬
‫وضعيف ومجهول المؤلف(‪.)1‬‬
‫ــ ومحمد علي الروضاتي حيث قال عن >نور العين< وعن >قرة العين<‬
‫تقية عند من ألّفهما ولم نعثر لهما على‬
‫المطبوع معه‪> :‬الكتابان مجهوالن مفتعالن ّ‬
‫مخطوطة<(‪.)2‬‬
‫أمر انتحال‬
‫أشهر َ‬
‫ــ والباحث اإلمامي محمد صحتي السردرودي وهو َم ْن َ‬
‫الكتاب ونقل قول جماعة من النقاد فيه(‪ ،)3‬وعنه انتشر خبره(‪ ،)4‬وقال عنه في‬
‫موضع آخر‪> :‬كتاب >نور العين< أقرب لألسطورة منه للواقع<(‪.)5‬‬
‫ــ ومحمد حسون الذي قال‪> :‬إ ّن نسبة النسخة المطبوعة إليه غير ثابتة؛‬
‫العراقية‪ ،‬لم تكن مستعملة في القرن الرابع‬
‫ّ‬ ‫عامية باللهجة‬
‫الحتوائها على كلمات ّ‬
‫الطف‪ ،‬لذلك شكّك بعض األعالم‬ ‫الهجري‪ ،‬ولنقله وقائع مكذوبة تتعلّق بمأساة ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫لسيد الشهداء (ص ‪ )60‬و(ص ‪ ،)221‬و(ص ‪ )294‬وهي النسخة‬ ‫دراسة األربعين األولى ّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫الفارسية الكاملة للكتاب‪ ،‬وقد نقلت عنها بواسطة مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص‬
‫‪ ،)195‬وجدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص ‪.)132‬‬
‫تكملة الذريعة (‪.)642/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مقالة السيرة الحسينية المصادر والمراجع المنشورة بمجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪ 194‬ــ ‪ ،)195‬جدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص ‪.)131‬‬
‫وقد وقفت على جماعة من الكتاب ممن نقل كالم محمد صحتي بتمامه دون أن يكلفوا أنفسهم أن‬ ‫(‪)4‬‬
‫الجصاص‪ :‬زينب (‪ )‬نطحت جبينها‬ ‫ّ‬ ‫يعزوه إليه كمحمد الحسون في مقالته >رواية مسلم‬
‫بالمحمل< (ص ‪ 12‬ــ ‪.)13‬‬
‫مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص ‪ ،)231‬جدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص‬ ‫( ‪)5‬‬
‫‪.)171‬‬

‫‪431‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫في نسبة هذا الكتاب لإلسفرائيني<(‪.)1‬‬


‫ــ وحسين الخشن حيث قال‪> :‬هذا الكتاب ال يمكن االعتماد عليه لعدم‬
‫الوثوق به‪ ،‬واحتمال الجعل فيه وارد‪ ،‬لجهة أن أسلوبه ال يتالءم مع أسلوب علماء‬
‫القرن الرابع<(‪.)2‬‬
‫ومنهم من شك في أمر الكتاب فلم يحكم بوضعه‪ ،‬ولكنه رد مروياته‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ــ المرجع محمد حسين المرعشي النجفي (‪ 1315‬هـ) الذي قال‪> :‬ليس‬
‫مما يعتمد عليه في متفرداته<(‪.)3‬‬
‫ــ والمؤرخ اإلمامي عباس القمي (‪1359‬هـ) حيث قال عن كتاب >نور‬
‫العين< وكتاب >المنتخب< للطريحي‪> :‬وال يخفى على أهل الخبرة والفن في علم‬
‫الحديث‪ ،‬حال الكتابين المذكورين<(‪.)4‬‬
‫ــ وعلي فضل القزويني حيث يقول‪> :‬ومن نظر في مقتله المطبوع >نور‬
‫العين< يعرف أن فيه أكاذيب وأمورا على خالف ما أجمع عليه الفريقان‪ ،‬وال‬
‫يهمنا نقل مجعوالته‪ ،‬ومن أراد فلينظر إلى مقتله؛ فإنا ال نعتمد على ما تفرد‬
‫به<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الجصاص زينب (‪ )‬نطحت جبينها بالمحمل< (ص ‪ ،)13‬منشورة بموقع‬ ‫مقالة >رواية مسلم ّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪http: //www.alhasun.com/b/jassas_rewaeh/1.html#0‬‬ ‫محمد الحسون‬
‫فقه الشعائر والطقوس (ص ‪ ،)234‬الحسين ثائرا ومصلحا (ص ‪.)250‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫شرح إحقاق الحق (‪.)482 /1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫منتهى اآلمال في تواريخ النبي واآلل (‪.)729/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫اإلمام الحسين وأصحابه (‪ )150/1‬بواسطة مجلة نصوص معاصرة العدد التاسع (ص ‪،)195‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫جدل ومواقف حول الشعائر الحسينية (ص ‪.)131‬‬

‫‪432‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫ــ ومحمد حسين الجاللي الذي قال عن عبارة وردت في آخر كتاب >نور‬
‫العين<‪> :‬هذا من أساليب المتأخرين من قارئي فاجعة كربالء‪ ،‬وليس من أسلوب‬
‫الرواة في القرن الخامس‪ ،‬واهلل العالم<(‪.)1‬‬
‫تنبه ألمره‪ ،‬ولم أقف على من‬‫ولندرة تداول الكتاب عند أهل السنة لم يُ َّ‬
‫كشف أمره سوى القاضي علي جالل الحسيني الذي قال‪> :‬ولم أكثرت بمثل‬
‫كتاب >نور العين في مشهد الحسين< المنسوب إلى أبي إسحاق اإلسفراييني ألنه‬
‫قصة موضوعة<(‪.)2‬‬
‫وأما مؤلف الكتاب الحقيقي فلم يظهر لي حتى اآلن من هو‪ ،‬وإن كان‬
‫االحتمال األقوى أنه محمد باقر الكلبايكاني الذي طبع الكتاب ألول مرة‪،‬‬
‫فالظاهر أنه لما رأى كثيرا من أخبار المقاتل المتأخرة ال أصل لها‪ ،‬أراد أن يجعل‬
‫لها مصدرا قديما‪ ،‬فجمع جملة منها ونسبها إلى اإلسفراييني حتى تروج على من‬
‫ال علم له‪ ،‬والذي يؤيد ذلك أنه قام بطباعة الكتاب وتصحيحه مدعيا استناده إلى‬
‫نسخة األصل فقال‪> :‬لقد بذلت جهدي في تصحيح هذه النسخة ومقابلتها بقدر‬
‫الوسع والطاقة بعدما كانت نسخة األصل مغلوطة بحيث ال يفهم منها شيء ولم‬
‫ينتفع منها إال األوحد‪ ،‬ثم قابلتها مع نسخة األصل<(‪ ،)3‬وأما الروضاتي فجنح‬
‫إلى اتهام بعض أعدائهم من الهنود بافتعال الكتاب زاعما أنه أراد أن يروج بين‬
‫اإلمامية!!(‪ ،)4‬وهذا االتهام لم أجد عليه دليال‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فهرس التراث (‪.)482/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الحسين ‪( ‬ص ‪ ،)13‬ونقله الروضاتي في تكملة الذريعة (‪.)643/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نور العين ومعه قرة العين (ص ‪ )168‬طبعة المطبعة الكستلية‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تكملة الذريعة (‪.)643/2‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪433‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫الخالصة‬
‫هذا ما وقفت عليه من روايات في هذا الباب‪ ،‬وقد ظهر مما تقدم أن كل ما‬
‫ينسب إلى زينب من الخطب واألخبار من غير طريق أبي مخنف هي روايات‬
‫وخطب مفتعلة‪ ،‬صنعها بعض الوضاعين من أهل األدب واألخبار وغيرهم‬ ‫مولَّدة ُ‬
‫من أصحاب األغراض واألهواء‪ ،‬وكلهم متأخر عن زمان أبي مخنف‪ ،‬فعمد‬
‫بعضهم إلى سرقة مروياته وتركيب أسانيد أخرى لها‪ ،‬وآخرون لما وجدوا أن‬
‫زينب ذكرت في مقتل أبي مخنف نسبوا لها مواقف وخطبا مختلقة ومفتعلة‪ ،‬وكل‬
‫ذلك ال أصل له ومرجعه أبو مخنف وأكاذيبه‪ ،‬وقد حاولت أن أستقصي كل ما‬
‫يروى في هذا الباب‪ ،‬فإن فاتني شيء فأجزم أنه الحق بما ذكرته عن سائر هذه‬
‫الروايات واهلل المعين‪.‬‬

‫‪434‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫االعتراض الثاني‪ :‬احتمال غلط الرواة في زواج أم كلثوم ‪ ‬بعد زينب‬


‫الكبرى ‪ ‬أو تعيين وفاة أم كلثوم‬
‫استندت إليها في عدم خروج زينب الكبرى ‪‬‬
‫ُ‬ ‫بما أن عمدة األدلة التي‬
‫مع الحسين ‪ ‬هو أن عبد اهلل بن جعفر قد تزوج بأم كلثوم الكبرى بعد وفاة‬
‫زينب‪ ،‬وقد ثبت بما ال يُرتاب فيه أن أم كلثوم قد توفيت قبل سنة ‪ 50‬هـ‪ ،‬فقد‬
‫يشكك معترض في هذه النتيجة‪ ،‬باحتمال وقوع الخطأ من الرواة في أحد أطراف‬
‫هذه القضية‪ ،‬ومجمل االحتماالت التي قد يعترض بها هي أربعة‪:‬‬
‫* االحتمال األول‪ :‬أن عبد الل بن جعفر ‪ ‬تزوج أم كلثوم ‪ ‬ثم ماتت‬
‫عنده فتزوج زينب الكبرى ‪ ‬بعدها‪ ،‬وقد قال بهذا بعض المتأخرين من علماء‬
‫السنة‪ ،‬وهم القسطالني(‪ )1‬وتبعه الزرقاني(‪ ،)2‬وقال بذلك من اإلمامية هبة الدين‬
‫الشهرستاني(‪ )3‬وعلي الميالني(‪ ،)4‬وعليه يكون ما ُروي من زواج عبد اهلل بن‬
‫جعفر بزينب قبل أم كلثوم غلطا!‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن هذا بعيد لوجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬إن من نص على تق ُّدم زواج عبد اهلل بن جعفر بزينب هم كبار علماء‬
‫النسب‪ ،‬على رأسهم اإلمام الزهري وابن سعد والدوالبي والبالذري وغيرهم‪،‬‬
‫وأما القول بتقدم زواج عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم على زينب فأصله وهم وغلط‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المواهب اللدنية (‪.)484/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫شرح الزرقاني على الموطأ (‪ )363/2‬طبعة المطبعة الخيرية‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نهضة الحسين (ص ‪.)114‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫خبر تزويج أم كلثوم من عمر المنشور ضمن الرسائل العشر في األحاديث الموضوعة (ص‪.)62‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪435‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ولم يقل به إال القسطالني المتوفى في القرن العاشر‪ ،‬وتبعه الزرقاني المتوفى في‬
‫القرن الحادي عشر‪ ،‬وال ينبغي من ُمنصف ترك القول المشهور المعتمد والقائم‬
‫على أدلة نقلية صحيحة وصريحة واالعتماد على قول متأخر شاذ ال حظ له من‬
‫النقل وال من التاريخ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن وقوع الخطأ في أمر هذا الزواج عند المتقدمين أمر بعيد‪ ،‬فإن‬
‫زواج رجل بامرأة ليس أمرا خفيا حتى يقع فيه الغلط‪ ،‬فما بالك واألمر يتعلق‬
‫وولد ابن عمه‪ ،‬والقول بأن فالنا تزوج فالنة ال يكون أصله‬ ‫بحفيدة النبي‬
‫إال عن معاينة ومشاهدة وخبر يقين‪ ،‬وال يكون عن اجتهاد أو تكهن‪ ،‬ويتأكد األمر‬
‫فتطرق‬
‫ُ‬ ‫جمع بين أختين واحدة بعد أخرى‪،‬‬ ‫عندما نعلم أن هذا الزواج وقع فيه ٌ‬
‫الخطأ إلى تعيين أي األختين هي األولى فيه بع ٌد شديد‪ ،‬ودخول الخطأ على ما‬
‫تقدم من أهل العلم من نظراء الزهري وغيره مستبعد‪.‬‬
‫وعليه فهذا االحتمال مردود وما استند عليه ليس إال مجرد وهم من بعض‬
‫المتأخرين ال يحسن االغترار به‪.‬‬
‫* االحتمال الثاني‪ :‬أن عبد الل بن جعفر ‪ ‬تزوج أم كلثوم ‪ ‬بعد أن‬
‫طلق زينب الكبرى ‪‬‬
‫قد يستند بعضهم إلى ما ورد في بعض كتب النسب من أن عبد اهلل بن جعفر‬
‫إنما تزوج أم كلثوم بعد طالقه لزينب ُليرتِّب على ذلك صحة خبر خروج زينب‬
‫إلى كربالء مع أخيها الحسين‪ ،‬وقد بينت أن هذا القول خطأ ٌ ال أصل له في‬
‫الروايات(‪ ،)1‬والذي يظهر أن بعض النسابين لما بلغه أن عبد اهلل بن جعفر تزوج‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مضى الكالم عن هذا في مبحث نقد القول بطالق عبد اهلل بن جعفر لزينب ـ ‪ ‬ـ ضمن ترجمة=‬

‫‪436‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫أم كلثوم بعد زينب‪ ،‬ولم يعلم أن ذلك كان بعد أن توفيت زينب‪ ،‬أشكل عليه‬
‫األمر‪ ،‬فقرر أن عبد اهلل بن جعفر قد طلق زينب‪ ،‬وهو قول خطأ يخالف ما عليه‬
‫قدماء المؤرخين والنسابين الذين نقلت عنهم خالف ذلك‪.‬‬

‫* االحتمال الثالث‪ :‬أن أم كلثوم ‪ ‬لم َّ‬


‫تتوف قبل سنة ‪50‬هـ‪ ،‬بل بعد ذلك‬
‫وقد ورد في بعض الروايات أنها كانت مع أخيها الحسين في كربالء‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن الروايات الصحيحة المؤيَّدة بأقوال جماعة من أهل العلم‬
‫ُتثبت بما ال ريب فيه أن أم كلثوم إنما توفيت في خالفة معاوية وفي إمارة سعيد‬
‫ابن العاص على المدينة‪ ،‬وفي حياة أخيها الشقيق الحسن بن علي ‪ ،‬فقد صح‬
‫ذلك عن نافع مولى ابن عمر والشعبي وعبد اهلل البهي وعمار بن أبي عمار(‪،)1‬‬
‫وأما القول بأنها كانت في كربالء مع أخيها الحسين فقول ال أصل له من رواية‬
‫صحيحة وال من قول معتمد‪ ،‬وإنما هو أوهام وظنون صنعها بعض من تأخر ثم‬
‫راجت في بعض الكتب‪ ،‬وأهل النظر والنقد والتحقيق قد أبطلوا هذا الوهم وردوه‬
‫وانتقدوا من قال به‪ ،‬بل قرر جعفر بحر العلوم وكذا فرهاد ميرزا القاجاري وهما‬
‫من علماء اإلمامية اتفاق المحدثين والمؤرخين من الفريقين على أن أم كلثوم‬
‫الكبرى توفيت في زمن أخيها الحسن ‪ ،)2(‬وعليه فال ينبغي االلتفات لما‬
‫يخالف المعلوم المشهور واالستناد إلى الضعيف المهجور(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب‪( .‬انظر ص ‪ 38‬ــ ‪.)39‬‬ ‫=‬
‫(‪ )1‬استوفيت تخريج رواياتهم في كتاب >نسبا وصهرا إثبات زوج عمر ‪ ‬من أم كلثوم ‪( ،<‬ص‬
‫‪ 132‬ــ ‪.)137‬‬
‫(‪ )2‬تحفة العالم (‪ ،)469/1‬القمقام الزخار (‪.)119/2‬‬
‫(‪ )3‬وانظر نسبا وصهرا (ص ‪ 69‬ــ ‪.)71‬‬

‫‪437‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫* االحتمال الرابع‪ :‬أن عبد الل بن جعفر ‪ ‬لم يتزوج أم كلثوم ‪ ‬أص ًال‬
‫ولم أقف على من قال بهذه المقالة سوى جعفر بحر العلوم اآلنف ذكره فقد‬
‫قال معلقا على زواج عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم الكبرى‪> :‬وكيف تزوجها عبد اهلل‬
‫ابن جعفر في زمان أخيها الحسن ‪ ،‬مع تزوجه بزينب الباقية بعد أخيها الحسين‬
‫‪ ‬مدة‪ ،‬فتدبر<(‪ ،)1‬أقول‪ :‬إن هذا الكالم دليل على التعارض الظاهر بين القول‬
‫بزواج عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم الكبرى‪ ،‬وبين القول بثبوت خروج زينب مع‬
‫أخيها الحسين‪ ،‬وإنما دخل الخلل على جعفر بحر العلوم من تصديقه بأخبار أبي‬
‫مخنف التي روت خروج زينب إلى كربالء‪ ،‬ولو تدبر في هذه األخبار وتأمل ما‬
‫فيها من الخلل والخبل لصار إلى ما صرت إليه في هذا البحث من بطالن قصة‬
‫خروج زينب مع الحسين ‪ ،‬ثم إنه قد خفي عليه أنه قد ثبت في الروايات زواج‬
‫عبد اهلل بن جعفر بأم كلثوم الكبرى‪ ،‬فقد قرر ذلك الزهري وثبت عن قثم مولى‬
‫آل العباس‪ ،‬وذكر ذلك جماعة من علماء النسب‪ ،‬ولو وقف جعفر بحر العلوم‬
‫على ذلك لكان الظن به أنه سيعدل عن هذه المقالة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تحفة العالم (‪.)469/1‬‬

‫‪438‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫االعتراض الثالث‪ :‬شهرة خروج زينب الكبرى ‪ ‬مع الحسين ‪ ‬إلى‬


‫كربالء‬
‫قد يعترض معترض بما يُتوهم من اشتهار مرافقة زينب الكبرى ألخيها‬
‫الحسين في كتب التاريخ‪ ،‬ليجعل هذه الدعوى مناطا لدفع ما تقرر في هذا البحث‬
‫من بطالن هذا األمر‪ ،‬وبما أن هذا التوهم قد يكون عمدة ما قد يتمسك به‬
‫المعترضون فإنه يحتاج في الجواب عنه إلى تفصيل ووجوه هاك بيانها‪:‬‬
‫* الوجه األول‪ :‬نقض دعوى الشهرة وذلك ألمرين‪:‬‬
‫ــ األمر األول‪ :‬إن هذه الشهرة غير حقيقية ألن مر َّدها ــ كما بينته بتفصيل‬
‫روايات أبي مخنف وحده‪ ،‬فلم يشاركه في رواية هذا الخبر أي أحد من‬ ‫ُ‬ ‫ــ‬
‫األخباريين سواء في طبقته أو الطبقة السابقة له وهم أتباع التابعين‪ ،‬أو الطبقة‬
‫الالحقة له‪ ،‬وعليه فال حقيقة لهذه الشهرة المزعومة ما دام مرجعها هو نَ ْق ُل راو‬
‫أخباري واحد‪.‬‬
‫ــ األمر الثاني‪ :‬أن العكس هو الصواب‪ ،‬فالقول بعدم خروج زينب مع أخيها‬
‫الحسين هو القول المشهور عند المتقدمين‪ ،‬فقد قرره كل من قال بوفاة زينب بعد‬
‫أم كلثوم‪ ،‬ممن سبق ذكرهم من المحدثين ورواة الحديث وعلماء النسب‪،‬‬
‫كالزهري‪ ،‬وابن سعد‪ ،‬والدوالبي‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وابن الملقن‪ ،‬كما أن من روى‬
‫أخبار خروج الحسين من القدماء لم يذكروا زينب فيمن كان معه‪ ،‬كحصين بن‬
‫عبد الرحمن السلمي‪ ،‬وعوانة بن الحكم‪ ،‬ونجيح بن عبد الرحمن‪ ،‬والليث بن‬
‫سعد‪ ،‬فلو قدرنا أن عدم ذكرهم لزينب كان لعلمهم بوفاتها في زمن أخيها‬
‫الحسن‪ ،‬أو ألنه لم يبلغهم شيء عن خروج زينب‪ ،‬لكان القول بشهرة عدم خروج‬
‫‪439‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫زينب مع الحسين عندهم قوال وجيها‪ ،‬وأولى بالصواب ممن اعتمد على قول أبي‬
‫مخنف وحده‪.‬‬
‫ــ األمر الثالث‪ :‬أن هذه الشهرة متأخرة وليست قديمة‪ ،‬وذلك أن القول‬
‫بخروج زينب مع الحسين إنما اشتهر في القرن الثالث فما بعده‪ ،‬حينما نقل‬
‫البالذري رواية أبي مخنف في مقتل الحسين في كتابه >أنساب األشراف<‪ ،‬ثم‬
‫تبعه الدينوري في >األخبار الطوال< وأبو الفرج األصفهاني في >مقاتل‬
‫الطالبيين<‪ ،‬ولو اقتصر نقل مقتل أبي مخنف على هؤالء لما كتب لهذا القول أي‬
‫شهرة‪ ،‬وإنما اشتهر األمر من بع ُد بسبب نقل الطبري لروايات أبي مخنف عن‬
‫>مقتل الحسين< في >تاريخه<‪ ،‬ثم بسبب ذكر ابن عساكر لروايات أبي مخنف‬
‫عن زينب حين ترجم لها في >تاريخ دمشق<‪ ،‬ولذا فكل من جاء بعد الطبري وابن‬
‫عساكر‪ :‬كابن األثير وابن الجوزي والقرطبي والذهبي وابن كثير وابن حجر‬
‫والنويري وغيرهم ممن تابع أبا مخنف إنما استند إما إلى >تاريخ الطبري< أو‬
‫>تاريخ ابن عساكر<‪ ،‬فهذه الشهرة لو سلمنا بها فهي شهرة نِسبية غير حقيقية‪.‬‬

‫* الوجه الثاني‪ :‬أن العبرة بالثبوت والصحة ال بمجرد الرواية والشهرة‬


‫وتحقيقه أن العبرة والفصل في القضايا الخالفية هو بإقامة الدليل والحجة‬
‫على صحة القضية‪ ،‬وأما االحتجاج بدعوى الشهرة دون إقامة الحجة والبينة عليها‬
‫فليس حسنا في القضايا الخالفية‪ ،‬وإنما الصواب هو تقرير القول وبيان صحته‪،‬‬
‫ثم االستدالل على صحته بالشهرة إن وجدت‪ ،‬وأما مجرد االشتهار فليس حجة‬
‫عند المحققين(‪ ،)1‬وما أكثر األمور التي يدعى شهرتها ثم بعد البحث يتبين أال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ويعد المرجع الخوئي ــ وهو الزعيم المطلق لحوزة النجف العلمية في عصره ــ أشهر من نقض=‬

‫‪440‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫أصل لها‪ ،‬ولذا ترى كثيرا من علماء اإلمامية قد درجوا على االستدالل بعبارة‪:‬‬
‫>رب مشهور ال أصل له<(‪ ،)1‬وأدل برهان على أن كثيرا من األمور التي يدعى‬
‫شهرتها ال أصل لها‪ :‬شهرة خروج أم كلثوم الكبرى ‪ ‬مع الحسين ‪ ‬عند كثير‬
‫من متأخري اإلمامية وجملة من المعاصرين(‪ ،)2‬حتى قال فارس حسون‪:‬‬
‫>أجمعت كتب السير والمقاتل على حضور أم كلثوم واقعة كربالء<(‪ ،)3‬مع أنه‬
‫قول مقطوع البطالن‪ ،‬لثبوت وفاة أم كلثوم في حياة أخيها الحسن الذي توفي قبل‬
‫سنة ‪ 50‬هـ‪ ،‬وهذا القول هو الذي مال إليه من حقق في هذا القول من اإلمامية(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وبسط الكالم عن ذلك في كتاب مصباح‬ ‫االستناد إلى الشهرة وجعلِها من وجوه االستدالل‪َ ،‬‬ ‫=‬
‫األصول (‪ 141/2‬ــ ‪ )146‬فعقد مبحثا في حجية الشهرة‪ ،‬وقسمها إلى ثالثة أنواع‪ ،‬وهي الشهرة‬
‫في الرواية‪ ،‬والشهرة العملية‪ ،‬وشهرة الفتوى‪ ،‬ثم ناقش وجوه حجيتها ور ّدها جميعا‪ ،‬وانظر‪:‬‬
‫دروس تمهيدية في تاريخ علم الرجال عند اإلمامية لحيدر حب اهلل (ص ‪.)398‬‬
‫ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة لمحمد بن مكي العاملي (‪ ،)78/2‬الحدائق الناضرة للبحراني‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪ ،)43/6‬و(‪ ،)219/10‬الرسائل الفقهية للبهبهاني (ص ‪ ،)81‬الرسائل الفقهية للخاجوئي‬
‫(‪ ،)55/2‬وسيأتي قول محسن األمين في أعيان الشيعة (‪ ،)17/5‬بأن قبر زينب الكبرى في الشام‬
‫من المشهورات التي ال أصل لها‪.‬‬
‫ذريعة النجاة (ص ‪ ،)310‬ناسخ التواريخ (‪ ،)34/3‬لواعج األشجان (ص ‪ ،)205‬تنقيح المقال‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪ ،)73/3‬المجالس العاشورائية في المآتم الحسينية (ص ‪ ،)455‬اإلمام الحسين من الميالد‬
‫إلى االستشهاد (ص ‪ ،)248‬حياة اإلمام الحسين دراسة وتحليل (‪ ،)349/3‬مع الركب الحسيني‬
‫(‪ ،)105/5‬معالم المدرستين (‪ ،)147/3‬موسوعة شهادة المعصومين (‪ ،)342/2‬الموسوعة‬
‫الكبرى عن فاطمة الزهرا (‪ ،)388/5‬تثقيف األمة بسيرة أوالد األئمة (ص ‪.)108‬‬
‫أعالم النساء المؤمنات (ص ‪.)229‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫قال فرهاد ميرزا القاجاري في القمقام الزخار (‪ 119/2‬ــ ‪> :)121‬أم كلثوم الكبرى بنت الصديقة‬ ‫(‪)4‬‬
‫الطاهرة توفيت في المدينة المنورة في عهد اإلمام الحسن المجتبى صلى اهلل عليه‪ ،‬ولم تكن في‬
‫واقعة كربالء على قيد الحياة<‪ ،‬وراجع‪ :‬أعيان الشيعة لمحسن األمين (‪ ،)329/1‬تحفة العالم‬
‫لجعفر بحر العلوم (‪ ،)468/1‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء للريشهري (ص ‪=)1093‬‬

‫‪441‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫* الوجه الثالث‪ :‬عدم اعتماد المخالفين على الشهرة في جملة من القضايا‬


‫التاريخية‪:‬‬
‫وبيانه أ ّن كثيرا من القضايا التاريخية قد أنكرها بعض المخالفين حتى وإن‬
‫بلغت درجة الشهرة‪ ،‬ومن هذه القضايا عدة مسائل متعلقة بأحداث مقتل الحسين‬
‫‪ ،‬وبعضها خارج عن ذلك‪ ،‬وبعضها قائم على أدلة صحيحة وصريحة‬
‫وإنكارها غير سديد‪ ،‬وبعضها ليس عليه دليل صحيح وأصابوا في إنكارها‪.‬‬
‫تردد مسلم‬‫ففيما يتعلق بوقائع كربالء‪ ،‬قد اشتهر في كتب التاريخ والمقاتل ُ‬
‫ابن عقيل ــ رسول الحسين ‪ ‬إلى أهل الكوفة ــ في إكمال المسير إلى الكوفة‬
‫فتطير من ذلك وراسل الحسين يستعفيه‪ ،‬فر َّد‬
‫لما مات الدليالن اللذان كانا معه‪َّ ،‬‬
‫بأن أمره بإكمال المسير وأغلظ له في الجواب حتى قال‪> :‬قد‬ ‫الحسين ‪ ‬عليه ْ‬
‫وجهتك‬ ‫خشيت أال يكون حملك على الكتاب إلي في االستعفاء من الوجه الذي ّ‬‫ُ‬
‫له‪ ،‬إال الجبن<‪ ،‬وظلت هذه القضية مسلمة تاريخية تنقلها كتب التواريخ وكتب‬
‫المقاتل على مر القرون إلى زمن قريب(‪ ،)1‬وأول من وقفت عليه ينكر هذه الرواية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وقد اضطرب أمره في هذه القضية فقال‪> :‬يبدو أن أمها ليست فاطمة الزهراء ‪ ،‬ذلك ألن أم‬
‫كلثوم التي هي ابنة الزهراء توفيت في حياة اإلمام الحسن ‪ ‬على المشهور<‪ ،‬ولكن في موضعين‬
‫سابقين (ص ‪ )141‬و(ص ‪ )1062‬ــ الهامش ‪ 4‬ــ لم يقطع بتعيينها‪ ،‬حيث تردد بين كون أم كلثوم‬
‫كنية لزينب الكبرى! وبين كونها أم كلثوم الصغرى‪ ،‬وبين كونها أم كلثوم الكبرى!!‪.‬‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪ 354/5‬ــ ‪ ،)355‬أنساب األشراف (‪ ،)159/3‬الكامل في التاريخ البن األثير‬
‫(‪ ،)134/3‬األخبار الطوال للدينوري (ص ‪ ،)230‬وأوردها الذهبي في سير أعالم النبالء‬
‫(‪ ،)364/4‬وابن كثير في البداية والنهاية (‪ 479/11‬ــ ‪ )480‬مع اختصار‪ ،‬ومن مصادر اإلمامية‪:‬‬
‫اإلرشاد للمفيد (‪ ،)40/2‬مناقب آل أبي طالب البن شهرآشوب (‪ ،)242/3‬مثير األحزان البن‬
‫نما (ص ‪ )45‬واختصر القصة‪ ،‬بحار األنوار (‪ )335/44‬وجالء العيون للمجلسي (‪=،)402/2‬‬

‫‪442‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫هو عبد الرزاق المقرم (‪ 1391‬هـ) فصرح بأنها افتراء(‪ ،)1‬وتبعه على ذلك جماعة‬
‫من اإلمامية‪ ،‬كباقر شريف القرشي(‪ ،)2‬والريشهري(‪ ،)3‬والطبسي(‪ ،)4‬وجعفر‬
‫مرتضى العاملي(‪ ،)5‬وغيرهم(‪ ،)6‬وأكثر اإلمامية اليوم على رد هذا الخبر ولم‬
‫يعبأوا بما يتوهم من شهرة الخبر في كتب التاريخ(‪.)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عوالم العلوم اإلمام الحسين لعبد اهلل البحراني (ص ‪ ،)185‬القمقام الزخار للقاجاري (‪،)391/1‬‬ ‫=‬
‫ذريعة النجاة للتبريزي (ص ‪ ،)48‬تسلية المجالس لمحمد بن أبي طالب الكركي (‪،)173/2‬‬
‫ذخيرة الدارين لعبد المجيد الشيرازي (ص ‪ ،)479‬ناسخ التواريخ للسان الملك (‪،)264/2‬‬
‫األسرار الحسينية لمحمد المسعودي (ص ‪ 284‬ــ ‪ ،)285‬إبصار العين في أنصار الحسين‬
‫للسماوي (ص ‪ ،)79‬لواعج األشجان (ص ‪ ،)37‬وأعيان الشيعة لمحسن األمين (‪،)589/1‬‬
‫منهاج البكاء في فجائع كربالء للفرطوسي (ص ‪ ،)79‬مقتل اإلمام الحسين للطبسي (ص ‪،)209‬‬
‫ثمرات األعواد (‪ )126/1‬وسياقه مختلف‪ ،‬عبرات المصطفين في مقتل الحسين للمحمودي‬
‫(‪ ،)297/1‬نفس المهموم لعباس القمي (ص ‪ ،)77‬اإلمام الحسين وأصحابه لفضل علي‬
‫القزويني (‪ ،)76 /1‬موسوعة التاريخ اإلسالمي لمحمد هادي الغروي (‪ ،)70/4‬في محراب‬
‫كربالء لحسين الكوراني (ص ‪ 87‬ــ ‪ ،)93‬بل إن عبد الواحد المظفر رد على ما قد يستشكل على‬
‫الخبر من وصف مسلم بن عقيل بالجبن‪ ،‬فانظر كالمه في كتابه سفير الحسين (ص ‪.)57‬‬
‫مسلم بن عقيل لعبد الرزاق المقرم (ص ‪ )82‬و(ص ‪.)84‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫حياة الشهيد الخالد مسلم بن عقيل (ص ‪ ،)117‬حياة اإلمام الحسين (‪ 342/2‬ــ ‪.)343‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص‪ 328‬ــ ‪.)339‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة (‪.)49/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫سيرة الحسين ‪ ‬في الحديث والتاريخ (‪ 159/12‬ــ ‪.)160‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫انظر‪ :‬مبعوث الحسين (ص ‪ 88‬ــ ‪ ،)94‬نهضة كربالء والعزة الحسينية (ص ‪ 224‬ــ ‪،)226‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫موسوعة الثورة الحسينية (‪ 25/5‬ــ ‪ ،)26‬مسلم بن عقيل محنة شهيد وملحمة شهادة (ص ‪ 56‬ــ‬
‫‪ ،)62‬من قضايا النهضة الحسينية (ص ‪ 352‬ــ ‪ )353‬مقالة مسلم بن عقيل دراسة لدوره في ثورة‬
‫اإلمام الحسين للدكتور محسن مشكل فهد‪ ،‬منشورة بمجلة الخليج العربي المجلد (‪ ،)42‬العدد (‪1‬‬
‫ــ ‪ )2‬لسنة (‪( ،)2014‬ص ‪ 340‬ــ ‪.)341‬‬
‫وال ريب عندي أن هذا الخبر مكذوب على مسلم بن عقيل والبالء فيه من أبي مخنف ال سواه‪،‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫ولكن عامة من رد هذا الخبر لم يطعن فيه بسبب أبي مخنف‪.‬‬

‫‪443‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ومن األمور المشتهرة الثابتة في كتب التاريخ وغيرها‪ ،‬أن الحسين عرض‬
‫خيارات ثالث على جيش ابن زياد‪ ،‬منها أن يضع يده في يد يزيد‪ ،‬وهذه القضية‬
‫قال عنها أبو مخنف‪> :‬هو ما عليه جماعة المحدثين<(‪ ،)1‬ورواها عن المجالد بن‬
‫سعيد والصقعب بن زهير‪ ،‬إال أنه نقل عن عقبة بن سمعان أنه أنكر ذلك وأن‬
‫الحسين إنما قال لهم‪> :‬دعوني فألذهب في هذه األرض العريضة حتى ننظر ما‬
‫يصير أمر الناس<(‪.)2‬‬
‫ثم إن أبا مخنف نقل من بع ُد عن إبراهيم بن مالك األشتر أنه قال وهو‬
‫يحرض على الثأر من عبيد اهلل بن زياد‪> :‬هذا عبيد اهلل بن مرجانة قاتل الحسين‬
‫ابن علي‪ ...‬منعه أن يأتي ابن عمه فيصالحه(‪ ،)3‬ومنعه أن ينصرف إلى رحله‬
‫وأهله‪ ،‬ومنعه الذهاب في األرض العريضة حتى قتله وقتل أهل بيته<(‪.)4‬‬
‫واشتهر أصل قصة عرض الحسين ‪ ‬ثالثة خيارات على جيش ابن زياد‬
‫عند قدماء المحدثين‪ ،‬فقد ثبتت بإسناد صحيح عن هالل بن إساف الكوفي(‪،)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ الطبري (‪.)412/5‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ 413/5‬ــ ‪.)414‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫والمراد بابن عمه هو يزيد بن معاوية‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)88/6‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أنساب األشراف (‪ )173/3‬و(‪ ،)225/3‬وقد رواه البالذري عن شيخه سعدويه عن عباد بن‬ ‫( ‪)5‬‬
‫العوام عن حصين بن عبد الرحمن عن هالل بن إساف‪ ،‬وسعدويه هو سعيد بن سليمان الضبي‪،‬‬
‫قال أبو حاتم عنه‪> :‬ثقة مأمون< كما في تهذيب التهذيب (‪ ،)44/4‬وعباد بن العوام وثقه جماعة‬
‫غير أن أحمد قال عنه‪> :‬مضطرب الحديث في سعيد بن أبي عروبة<‪ ،‬تهذيب التهذيب (‪،)100/5‬‬
‫قلت‪ :‬وروايته هنا عن حصين بن عبد الرحمن فالعلة منتفية‪ ،‬وحصين ثقة حجة‪ ،‬وثقه أحمد بن‬
‫حنبل ويحيى بن معين والعجلي وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه اختلط وتغير‪ ،‬لكن‬
‫العمل على توثيق روايته‪ ،‬انظر تهذيب التهذيب (‪ ،)382/2‬وأما راوي الخبر هالل بن إساف أو=‬

‫‪444‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫ورواها جرير بن حازم األزدي(‪ ،)1‬واختارها خالد بن يزيد القسري(‪ ،)2‬ونقلها‬


‫جماعة من المؤرخين(‪ ،)3‬وعلماء اإلمامية و ُك ّتابهم من القدماء والمعاصرين(‪،)4‬‬
‫ومع هذا فإن جملة من متأخري اإلمامية وأكثر المعاصرين منهم أنكروا هذا الخبر‬
‫حتى إن الباحث ليكاد يجزم بأن أكثر من كتب في هذه القضية من إمامية اليوم قد‬
‫رد هذا الخبر وأنكره(‪ ،!،)5‬ومالوا إلى االعتماد على رواية أبي مخنف عن عقبة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يساف‪ ،‬فقد وثقه ابن معين وابن سعد والعجلي كما في تهذيب التهذيب (‪ ،)87/11‬وهو من أهل‬ ‫=‬
‫الكوفة وقد عاصر حادث مقتل الحسين ‪.‬‬
‫أنساب األشراف (‪.)227/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫في روايته التي نسبها إلى أبي جعفر الباقر ومضى أن مصدره األصلي هو روايات أبي مخنف‪ ،‬انظر‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ ،)389/5‬األمالي الخميسية (‪.)251/1‬‬
‫أنساب األشراف (‪ ،)183/3‬المحن ألبي العرب (ص ‪ ،)154‬مقاتل الطالبيين (ص ‪،)114‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تجارب األمم البن مسكويه (‪ ،)71/2‬المنتظم البن الجوزي (‪ ،)336/5‬الكامل في التاريخ‬
‫البن األثير (‪ 54/4‬ــ ‪ ،)55‬تهذيب الكمال (‪ ،)428/6‬سير أعالم النبالء (‪ ،)308/3‬الجوهرة‬
‫وأصحابه العشرة (‪ ،)217/2‬البداية والنهاية (‪ ،)527/11‬نهاية األرب‬ ‫في نسب النبي‬
‫للنويري (‪ 429/20‬ــ ‪ ،)430‬اإلصابة في تمييز الصحابة (‪ ،)71/2‬السيرة الحلبية (‪.)270/1‬‬
‫تاريخ اليعقوبي ــ طبعة المكتبة الحيدرية ــ (‪ ،)236/2‬اإلرشاد للمفيد (‪،)87/2( ،)85/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تنزيه األنبياء للشريف المرتضى (ص ‪ ،)229‬ونقله عنه جماعة‪ :‬انظر تشييد المطاعن (‪،)228/3‬‬
‫ذخيرة الدارين (ص ‪ ،)151‬الدمعة الساكبة (‪ ،)28/5‬وراجع‪ :‬تلخيص الشافي للطوسي‬
‫(‪ ،)185/4‬إعالم الورى للطبرسي (ص ‪ ،)453‬مثير األحزان البن نما (ص ‪ ،)36‬اللوامع‬
‫اإللهيـة في المباحث الكالمية للمقداد السيوري (ص ‪ ،)427‬بحار األنوار للمجلسي‬
‫(‪ ،)389/44‬الدر المسلوك ألحمد بن الحسن الحر العاملي وهو أخو صاحب الوسائل‬
‫(ص ‪ ،)223‬لقد شيعني الحسين إلدريس هاني (ص ‪ ،)299‬معالم المدرستين لمرتضى‬
‫العسكري (‪ )211/3‬واختصر الخبر‪.‬‬
‫انظر‪ :‬القمقام الزخار (‪ ،)520/1‬ناسخ التواريخ (‪ ،)350/2‬لواعج األشجان (ص ‪)114‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫و(ص ‪ ،)257‬اإلمام الحسين وأصحابه (‪ ،)261/1‬رد األباطيل عن نهضة الحسين (ص ‪ 43‬ــ‬
‫‪ ،)46‬حماة الوحي (‪ 296/1‬ــ ‪ ،)299‬أنصار الحسين (ص ‪ ،)30‬موسوعة في ظالل شهداء=‬

‫‪445‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ابن سمعان التي أنكر فيها أن الحسين عرض على جيش ابن زياد أن يبايع يزيد أو‬
‫يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين‪> ،‬ولكنه قال‪ :‬دعوني فألذهب في هذه األرض‬
‫العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس<(‪ ،)1‬فتعلقوا بهذه الرواية الوحيدة ولم يرفعوا‬
‫رأسا ببقية الروايات‪ ،‬مع أن الشهرة متحققة فيها فضال عن استنادها إلى نقوالت‬
‫ثابتة‪ ،‬خالفا لرواية عقبة بن سمعان التي لو قُدر لها الصحة من جهة السند لكان حقها‬
‫هو الحكم عليها بالشذوذ لمخالفتها لرواية األوثق واألكثر‪ ،‬فكيف وهي رواية غير‬
‫ثابتة من جهة السند؟!‪ ،‬إذ أن رواتها هم‪ :‬أبو مخنف وعبد الرحمن بن جندب‬
‫وعقبة بن سمعان‪ ،‬وهذا إسناد مظلم‪ ،‬فأبو مخنف كذاب كما مضى‪ ،‬وعبد‬
‫الرحمن بن جندب وعقبة بن سمعان مجهوالن(‪.)2‬‬
‫هذان مثاالن فيما يخص حوادث كربالء‪ ،‬أما غيرها من قضايا التاريخ‬
‫المحكوم لها بالشهرة والتي أنكرها كثير من المخالفين‪ ،‬فكثيرة‪ ،‬ككون زينب‬
‫ورقية وأم كلثوم ‪ ‬بنات النبي (‪ ،)3‬ونظيره إنكار جماعة لزواج أم كلثوم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= الطف (‪ ،)227/4‬مع الركب الحسيني (‪ 117/4‬ــ ‪ ،)120‬من هم قتلة الحسين (ص ‪،)412‬‬
‫شهادة الحسين برواية الطبري (ص ‪ 173‬ــ ‪ ،)174‬قراءة في مقتل الحسين (ص ‪ 141‬ــ ‪،)160‬‬
‫حرمة القيام في غيبة اإلمام (ص ‪ )100‬وشكك في تفاصيل الخبر ولكنه أثبت أن الحسين أراد‬
‫ونقل عن بعض الكتاب‬ ‫الرجوع‪ ،‬رد الشبهات عن تاريخ اإلمام الحسين (ص ‪ 115‬ــ ‪َ )125‬‬
‫المعاصرين من السنة إنكار هذا الخبر أيضا‪ ،‬ولعل أول من أنكر هذا الخبر على اإلطالق‪ ،‬وركن‬
‫إلى رواية عقبة بن سمعان هو سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص (ص ‪.)248‬‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪ 413/5‬ــ ‪.)414‬‬
‫(‪ (2‬عبد الرحمن بن جندب األزدي شيخ أبي مخنف إن كان هو نفس المترجم في التاريخ الكبير للبخاري‬
‫(‪ ،)268/5‬فهو مجهول وإن ذكره ابن حبان في ثقاته (‪ )42/4‬على عادته في توثيق المجاهيل كما‬
‫مضى تفصيله (ص ‪ )270‬الهامش رقم ‪ ،12‬وأما عقبة بن سمعان فلم أقف له على ترجمة في كتب‬
‫الجرح والتعديل‪.‬‬
‫ال ربائبه من إصدارات مبرة اآلل واألصحاب‪.‬‬ ‫(‪ )3‬راجع كتاب‪ :‬زينب ورقية وأم كلثوم بنات النبي‬

‫‪446‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫الكبرى ‪ ‬بنت فاطمة وعلي ‪ ‬بعمر بن الخطاب ‪ ،‬مع أن رئيس علماء‬


‫اإلمامية في زمنه الشريف المرتضى جعلها من األمور المقطوع بها ضرورة(‪،)1‬‬
‫وغيرها من األمور الثابتة والمشتهرة التي أنكرها بعض المعاصرين‪ ،‬والتي ال‬
‫حاجة لنا إلى التطويل بذكرها‪.‬‬

‫االعتراض الرابع‪ :‬عدم وجود شاهد لنتائج هذا البحث في كالم العلماء‬
‫والمؤرخين‬
‫قد يعترض معترض بأن ما ّقرر ُته في هذا البحث من عدم شهود زينب ‪‬‬
‫لمقتل أخيها الحسين ‪ ‬ألنها قد توفيت قبل ذلك بزمن هو قول شاذ غير‬
‫مسبوق‪ ،‬وبذلك يكون نصيبه االطراح بسبب التفرد‪ ،‬وقد يتوهم متوهم أول األمر‬
‫أن هذا االعتراض سليم من جهة عدم وقوفي ــ حتى اآلن ــ على من أنكر روايات‬
‫أبي مخنف في خروج زينب إلى كربالء‪ ،‬إال أن النظر والتأمل يبطل هذا‬
‫االعتراض من أصله‪ ،‬وذلك بتفصيل الكالم عن مسألة التفرد ثم بالجواب عنها‪.‬‬
‫‪ 1‬ــ تفصيل الكالم عن منشأ عدم وجود كالم للمحققين في قضية خروج زينب‬
‫الكبرى ‪ ‬إلى كربالء‬
‫قد مضى في مبحث ترجمة زينب ‪ ‬أن ما ورد عنها في كتب التواريخ‬
‫والتراجم شحيح جدا ونادر‪ ،‬ال يتعدى ذكرها ضمن أبناء فاطمة ‪ ‬ثم زواجها‬
‫بعبد اهلل بن جعفر ‪ ،‬كما أنه ال يوجد نص ال على تاريخ والدتها وال وفاتها‪،‬‬
‫جرأَ أبا مخنف أن يحشرها ضمن من كان مع الحسين ‪ ‬في‬ ‫ولعل هذا ما َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من أم كلثوم ‪( <‬ص ‪ )178‬و(ص ‪ 189‬ــ ‪.)200‬‬ ‫(‪ )1‬راجع كتابنا‪> :‬نسبا وصهرا إثبات زواج عمر‬

‫‪447‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫كربالء‪ ،‬وهذا أيضا ما يفسر عدم تنبه اإلمام الطبري لهذه المسألة حتى استروح‬
‫لرواية أبي مخنف وذكرها في تاريخه(‪ ،)1‬وأما من جاء بعد الطبري من العلماء‬
‫والمؤرخين وذكر مواقف زينب في كربالء فإنما مرد كالمهم إلى تاريخ الطبري‬
‫كما مضى بسطُه‪ ،‬ثم إن مسألة خروج زينب لم يُر َّت ْب عليها تصورات مغلوطة‪،‬‬
‫وال نتج عنها غلو في زينب الكبرى ‪ ‬في القرون الماضية‪ ،‬مثلما وقع في أيامنا‬
‫هذه‪ ،‬فقد مضى أن االهتمام بقضية زينب والتوسع في الكتابة عنها أمر حديث ال‬
‫يتعدى أواخر القرن الماضي‪ ،‬فلو أن هذه األفكار المغلوطة عن زينب قد ظهرت‬
‫في قرون سابقة لربما قيض اهلل لها من أهل العلم من ينبه على غلط من ذكر زينب‬
‫ضمن من خرج مع الحسين ‪ ،‬لكن لما كان األمر مقصورا على روايات‬
‫تاريخية ُتذكر في الكتب وال يُرتب عليها شيء‪ ،‬تساهل المؤرخون في ذكر هذه‬
‫القصص اتكاال على رواية الطبري لها‪ ،‬فضال عن أن إعمال النقد في الروايات‬
‫التاريخية كان أمرا مقصورا على قلة من العلماء على مر التاريخ‪ ،‬وفي هذا يقول‬
‫األيام‬
‫ابن خلدون‪> :‬إ ّن فحول المؤرخين في اإلسالم قد استوعبوا أخبار ّ‬
‫وجمعوها‪ ،‬وسطّروها في صفحات ال ّدفاتر وأودعوها‪ ،‬وخلطها المتط ّفلون‬
‫الروايات المضعفة‬ ‫بدسائس من الباطل وهموا فيها وابتدعوها‪ ،‬وزخارف من ّ‬
‫ممن بعدهم وا ّتبعوها‪ ،‬وأ ّدوها إلينا‬
‫ل ّفقوها ووضعوها‪ ،‬واقتفى تلك اآلثار الكثير ّ‬
‫كما سمعوها‪ ،‬ولم يالحظوا أسباب الوقائع واألحوال ولم يراعوها‪ ،‬وال رفضوا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هذا لو قررنا أن ما يذكره الطبري ‪ ‬في تاريخه وال يعقب عليه هو اختياره‪ ،‬أما لو قلنا بما قال به‬
‫برئ من عهدة ما يرويه في تاريخه مما يُستنكر‪ ،‬كما ذكر في مقدمة‬
‫كثير من الباحثين من أن الطبري َ‬
‫تاريخه (‪ ،)8/1‬فال حاجة حينها للجواب عن نقل الطبري لروايات أبي مخنف عن زينب ‪،‬‬
‫ولكن بما لكل من القولين السالفين حظ من النظر‪ ،‬أجبت عن صنيع الطبري سدا لباب‬
‫االعتراض‪.‬‬

‫‪448‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اعرتاضات وجوابها‬

‫ّترهات األحاديث وال دفعوها‪ ،‬فال ّتحقيق قليل‪ ،‬وطرف ال ّتنقيح في الغالب كليل‪،‬‬
‫والغلط والوهم نسيب لألخبار وخليل<(‪ ،)1‬فهذا منشأ عدم وجود كالم سابق‬
‫ألهل العلم في تحقيق قضية خروج زينب ‪ ‬مع الحسين‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أما الجواب عن االعتراض بدعوى التفرد فيقع الكالم فيه في وجوه‪:‬‬
‫المدعى ليس حقيقيا بل هو نسبي‪ ،‬إذ أن ما قررته في هذا‬ ‫األول‪ :‬إن التفرد ُ‬
‫البحث من كون زينب ‪ ‬لم تكن مع أخيها الحسين في كربالء بل توفيت قبل‬
‫ذلك بكثير هو ما قرره قدماء المؤرخين والنسابين الذين مضى ذكر أقوالهم وعلى‬
‫رأسهم الزهري وابن سعد والدوالبي وغيرهم‪ ،‬وعليه فالتفرد لم يقع في أصل‬
‫المسألة‪ ،‬وإنما وقع في نقد روايات أبي مخنف التي زعمت خروج زينب ‪‬‬
‫مع الحسين ‪ ،‬وقد بينا منشأ السبق في هذه المسألة آنفا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬مضى أن أبا مخنف هو من تفرد بذكر خروج زينب الكبرى ‪ ‬مع‬
‫الحسين وأنه لم يُسبق إلى ذلك ممن قبله من المؤرخين‪ ،‬وأن كل من قرر هذه‬
‫القضية بعد أبي مخنف إنما اعتمد على رواية أبي مخنف‪ ،‬وعليه فإن ما اضطرنا‬
‫إلى الكالم عن هذه القضية والبحث حولها هو ابتدا ُع أبي مخنف لهذه القصة‪،‬‬
‫وإال لو لم يذكر أبو مخنف زينب في أحداث مقتل الحسين ‪ ‬لما أحوجنا إلى‬
‫كل هذا البحث والتحقيق في الرد على ما قرره‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن كثيرا من القضايا التي راجت عن زينب والحسين ‪ ‬ظلت‬
‫ُتذكر في كتب التاريخ لفترة طويلة حتى ّنبه على بطالنها من تنبه ألمرها‪ ،‬ومن‬
‫ذلك قصة سبي أهل البيت التي سيأتي الكالم عنها في مبحث مستقل‪ ،‬فقبل أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ ابن خلدون (‪ 6/1‬ــ ‪.)7‬‬

‫‪449‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دراسة رواية خروج زينب الكربى مع احلسني ‪ ‬إىل كربالء‬

‫ينتقد شيخ اإلسالم ابن تيمية هذه القصة وينكرها ويصرح بأنها من األكاذيب‪ ،‬لم‬
‫يكن أحد يستنكرها بل كانت تذكر في كتب التاريخ تبعا لذكر الطبري لها‪ ،‬ونظير‬ ‫ْ‬
‫ذلك قصة مراجعة مسلم بن عقيل للحسين في إكمال المسير إلى الكوفة حين‬
‫تطير بموت الدليلين‪ ،‬فقد ظلت مس ّلمة تاريخية عند اإلمامية إلى أن أنكرها المقرم‬‫َّ‬
‫سبق هذا البحث في‬ ‫فتبعه المعاصرون على ذلك كما مضى بيانه‪ ،‬وعليه فمجرد ْ‬
‫التنبيه إلى بطالن قصة خروج زينب مع الحسين ليس حجة منطقية في رفضه‪،‬‬
‫كما سيتبين في الوجه الرابع‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬لو سلَّمنا جدال بوجود التفرد والسبق في ما قررته في هذا البحث‬
‫في قضية خروج زينب ‪ ،‬فإن ما انتهيت إليه من نتائج كان قائما على قواعد‬
‫وأصول المحدثين في نقد األخبار‪ ،‬فضال عن االستقراء الموسع واالستقصاء‬
‫ألغلب ما ورد في هذه القضية من نصوص حتى إنني أجزم ــ بعد مطالعة عشرات‬
‫المصنفات التي أفردت عن زينب ‪ ‬ــ أ َّن هذا البحث هو أجمع وأتم دراسة‬
‫مفصلة قائمة على النقد والتحقيق واالستقصاء لغالب ما ُروي و ُك ِتب عن زينب‬
‫‪ ،‬وهذا من فضل اهلل علي فله الحمد وحده‪ ،‬ولذلك فمن يعترض على نتائج‬
‫هذه الدراسة فليقدم لنا األدلة والحجج العلمية على بطالن ما قررته في هذا‬
‫البحث‪ ،‬واهلل المعين والموفق‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫‪d‬‬
‫‪X‬‬ ‫‪X‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫‪d‬‬
‫تص‬
‫‪d‬‬

‫ي‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫ح‬


‫ح مفا م معلؤطة‬
‫عن زينب الكبرى ‪‬‬
‫‪X‬‬

‫‪X‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ي‬‫م‬‫ل‬
‫أ‬
‫ا حب الول‬
‫قصايا يازتحثة عبر يايثة عن زينب الكبرى ‪‬‬
‫‪$‬‬
‫إ َّن كثيرا من المفاهيم والتصورات التي يعتقد بها الناس يكون مصدرها‬
‫األساس هو التاريخ‪ ،‬وهنا مكمن الخطر‪ ،‬فاالعتماد على تاريخ مزور يؤدي إلى‬
‫ظهور تصورات خاطئة ومغلوطة‪ ،‬بينما يؤدي االعتماد على التاريخ الثابت‬
‫والموثوق إلى صناعة الوعي السليم المبني على أساس صحيح‪ ،‬لذا كان ال بد‬
‫على الباحثين والمفكرين أن يولوا اهتمامهم بتصحيح التاريخ وتمييز الصحيح‬
‫والسقيم منه‪ ،‬وهذا ما حملني على البحث في كثير من القضايا التاريخية التي‬
‫نسبت لزينب بنت علي ‪ ،‬والتحقيق في دقتها وثبوتها‪ ،‬وعلى رأس هذه‬
‫القضايا حكاية خروج زينب الكبرى مع الحسين إلى الكوفة والتي تفرد بها أبو‬
‫مخنف‪ ،‬وبما أن هذه الحكاية هي أصل البالء في كثير من الروايات التي تنسب‬
‫إلى زينب الكبرى فقد كان حقها أن تفرد بمبحث خاص‪ ،‬وتدرس من جهة السند‬
‫والمتن‪ ،‬وقد ترتب عن اشتهار هذه الحكاية في كتب التاريخ(‪ )1‬أن بعض‬
‫المتأخرين نسج على منوالها حكايات أخرى ال أصل لها‪ ،‬ثم بُثت هذه الحكايات‬
‫المختلقة في الكتب‪ ،‬وخاصة في الكتب المصنفة في مقتل الحسين في القرن‬
‫العاشر وما بعده‪ ،‬وهذا أدى إلى ظهور تصورات ومفاهيم تاريخية مغلوطة وخاطئة‬
‫ألصقت بزينب الكبرى وهي بريئة منها‪ ،‬وبعد تفصيل الكالم عن وجوه الخلل‬
‫في روايات خروج زينب الكبرى مع الحسين إلى كربالء في منبعها األصلي وهو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مع أنها حكاية ال تثبت‪ ،‬وقديما قيل رب مشهور ال أصل له‪.‬‬

‫‪453‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫كتاب مقتل الحسين ألبي مخنف‪ ،‬كان ال بد من التعريج على نظائرها من القصص‬
‫والروايات التي نسجت عن زينب الكبرى وانتشرت وشاعت في الكتب‬
‫المتأخرة‪ ،‬ثم إن بعض هذه القصص التي تحكى عن زينب ترتب عليها ظهور‬
‫بعض التصورات العقدية المغلوطة عنها‪ ،‬كالقول بعصمتها وتفضيلها على سائر‬
‫النساء‪ ،‬لهذا خصصت هذا الفصل لدراسة هذه القضايا ومناقشتها بتفصيل‪ ،‬مع‬
‫ما يعتري ذلك من الصعوبة والمشقة‪ ،‬خاصة في بعض القضايا التي تسالم بعضهم‬
‫على نقلها مع أنها عند التحقيق ال تثبت‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫‪454‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫م‬‫ل‬
‫ي‬ ‫ع‬
‫نقد الفصص ا حثلفة ن ز نب الكبرى ‪‬‬
‫‪$‬‬

‫‪ 1‬ــ األكاذيب الموجودة في كتب المقاتل والكتب المؤلفة عن زينب الكبرى ‪‬‬
‫لقد هالني ما وقفت عليه من األخلوقات الباطلة واألكاذيب السمجة‬
‫العاطلة‪ ،‬التي فشت في كتب المقاتل عن زينب ‪ ،‬ولو أن هذه القصص‬
‫واألساطير ظلت مقصورة على كتب المقاتل لهان الخطب‪ ،‬ل ِما يعلمه الدارسون‬
‫من اشتمال كتب المقاتل المتأخرة على هذه الموضوعات المخترعات‪ ،‬لكن‬
‫المصيبة الكبرى هي أن المؤلفات المتأخرة التي أُل ِّفت عن زينب عمدت إلى ما‬
‫تفرق في كتب المقاتل من هذه األفائك العجيبة‪ ،‬ثم جمعتها في موضع واحد‬
‫ناسبة إياها إلى زينب ‪ ،‬وزينب بريئة منها‪ ،‬وقد تولى كبر هذا النائبة عباس‬
‫المذ َّهب<‪ ،‬وقد وصف جعفر النقدي هذا‬ ‫قلي خان في كتابه الفارسي >الطراز ُ‬
‫الكتاب بأنه >جمع بين الغث والسمين<(‪ ،)1‬ومع ذلك فإن النقدي ترجم كثيرا من‬
‫قصص >الطراز المذهب< ونقلها إلى العربية‪ ،‬وليت الخطب انتهى هاهنا‪ ،‬فقد‬
‫عمد محمد كاظم القزويني إلى ما فات النقدي من القصص واستدركها عليه‬
‫وضمها إلى أخواتها في كتابه >زينب الكبرى من المهد إلى اللحد<‪ ،‬ثم صارت‬
‫فتشت‬
‫َ‬ ‫هذه القصص تحكى وتردد في غالب المصنفات عن زينب الكبرى‪ ،‬فلو‬
‫هذه المؤلفات العديدة تجدها ال تخلو من القصص واألكاذيب التي صنعها‬
‫واضعو كتب المقاتل ومن جاء بعدهم‪ ،‬وهذه القصص ــ التي جهدت أن أجمع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زينب الكبرى (ص ‪.)2‬‬

‫‪455‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫جملة وافرة منها دون أن ألتزم باإلحاطة بها واستيفائها لتعذر ذلك ــ ال تعدو‬
‫مصادرها في الغالب‪ ،‬القرن التاسع وما بعده‪ ،‬وقَ َّل منها ما ُوجد في القرن السابع‪،‬‬
‫وهي كلها أخبار ال أصل لها وال سند‪ ،‬وبعضها حاول مختلقوها أن يجعلوا لها‬
‫مصادر وهمية‪ ،‬فيعزونها إلى كتب مجهولة‪ ،‬مستعملين عبارات موهمة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫>جاء في بعض المقاتل المعتبرة<!‪ ،‬و>روى بعض الثقات عن كتاب قديم<‪،‬‬
‫وهلم جرا‪ ،‬وأصل البالء في األخبار من المستأكلين بالقصص‪ ،‬والمتكسبين‬
‫بإبكاء الناس‪.‬‬
‫ذكر‬
‫ينقل عباس القمي عن صاحب كتاب >األربعين الحسينية< أنه قال‪ُ > :‬‬
‫مصائب أهل البيت ‪ ‬أصبح اليوم وسيلة لتحصيل المعاش والتكسب‪ ،‬ولم‬
‫ُتلحظ جهة العبودية فيه غالبا‪ ،‬وبلغ األمر الى ح ّد بحيث تذكر األكاذيب الصريحة‬
‫في مجامع العلماء دون أن يُنهى عن المنكر‪ ،‬ويتجاوز البعض من الخطباء ح ّده‬
‫ويختلق الحكايات المبكية ويزعم دخوله في‪> :‬من أبكى فله الجنة<‪ ،‬ويُتداول‬
‫هذا الكالم الكاذب وهذه الحكايات المختلقة لفترة زمنية‪ ،‬حتى تشيع و ُتذكر في‬
‫التآليف الجديدة‪ ،‬وكلما منع من ذكر هذه األكاذيب مح ّد ٌث ُمطَّلع أمين‪ ،‬نسبوها‬
‫إلى كتاب مطبوع أو كالم مسموع أو تمسكا بقاعدة التسامح في أدلة السنن‪...‬‬
‫كالوقائع المعروفة المتداولة في الكتب الجديدة التي ال أثر لها لدى أهل العلم‬
‫والحديث‪.)1(<...‬‬
‫وقد َّبين النوري الطبرسي مسالك أصحاب كتب المقاتل المتأخرة في‬
‫اختالق القصص واألكاذيب وعزوِها إلى مصادر وهمية فقال‪> :‬تارة يحيلون على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬منتهى اآلمال (‪ )834/1‬تعريب هاشم الميالني وانظر‪ :‬تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن للبرقعي‬
‫(ص ‪.)491‬‬

‫‪456‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫كتاب ليس له ذكر أصال بين أهل هذا الفن‪ ،‬وثالثة على مقتل عالم جليل لم يذكر‬
‫بين مؤلفاته >مقتل< على اإلطالق(‪ ...)1‬وقد تجد في بعض الكتب من يعبر عن‬
‫مستند رواياته بقوله‪> :‬وجدت في مجموعة والدي المرحوم‪ <...،‬أو في >سفينة‬
‫األستاذ المغفور له<‪ ،‬أو >في مقتل الفاضل الفالني<‪ ،‬بل ربما يختلقون اسما‬
‫جديدا من رأس‪ ،‬وربما يبدلون في ترتيب األسماء بما يوحي أن الرواة هنا غير‬
‫الرواة هناك مما يعطي الخبر قوة لتعدد مصادره<(‪.)2‬‬
‫وعندما أل َّف الشيخ اإلمامي فضل علي القزويني رسالة عن زينب ‪ ‬وبلغ‬
‫موضع الكالم عن حياتها مع الحسين ‪ ،‬ترك نقل كثير مما يُروى ويحكى في‬
‫الكتب لكونه مما ال أصل له‪ ،‬فقال‪> :‬وقد ذكروا أمورا تتعلق بها تركناها لعدم‬
‫االعتداد بها واعتبارها‪ ...،‬وبعض الكتب المؤلفة في زماننا أو ما يقرب من‬
‫زماننا‪ ،‬فيها ما ال أصل له وال سند يعتمد عليه‪ ،‬بل نقطع بكذب جملة منها‪،‬‬
‫ذكروا فيها ما سمعوه من الذاكرين وأخذوها من أشعار الراثين‪ ،‬وجملة منها لسان‬
‫الحال أو موضع مقال‪ ،‬فحسبوها رواية أو حديثا‪ ،‬فأدرجوها في كتبهم تقليدا من‬
‫دون تتبع وتحقيق وتأمل‪.‬‬
‫هذا الخلط زاد حتى أصبح التمييز بين الصحيح والسقيم منها والغث‬
‫والسمين والمروي من المجعول والحقيقة من المجاز مشكال في زماننا‪ ،‬وكثيرا‬
‫ما اعترضت على الذاكرين في نقل كالم أو حديث أو مصيبة‪ ،‬فكان الجواب‪:‬‬
‫رأيتها في كتاب >حزن المؤمنين<‪ ،‬أو >محرق القلوب<‪ ،‬أو >روضة الشهداء<‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مثل ما ستراه قريبا من قصة ُع ِزيت إلى مقتل ابن العربي مع أن ابن العربي لم ينسب له أي أحد أنه‬
‫ألّف مقتال!! فانظر (ص ‪ )466‬الهامش ‪.3‬‬
‫المترجم للعربية ــ (ص ‪.)209‬‬‫َ‬ ‫(‪ )2‬اللؤلؤ والمرجان ــ‬

‫‪457‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫أو >آتشكده< أو في >مجموعة والدي< وغير ذلك‪ ،‬فصار األمر في زماننا‬


‫أشكل<(‪.)1‬‬
‫أقول‪ :‬وهذا كاف في رد هذه األخبار التي ال زمام لها وال خطام‪ ،‬فضال‬
‫عما اشتمل عليه كثير منها من أمارات الصناعة الظاهرة التي ال تخفى على من له‬
‫فطنة‪ ،‬كالتكرار والتشابه في القصص وإعادتها في أكثر من موضع مع تغيير بعض‬
‫وقائعها‪ ،‬والمبالغة المفرطة والفاحشة في تصوير وقائع مقتل الحسين ‪ ‬بصورة‬
‫محزنة ودموية‪ ،‬الغرض منها هو اإلبكاء فقط‪ ،‬فضال عن القصص الموغلة في‬
‫األسطورة وادعاء وقوع الخوارق العجيبة وغيرها من األمور التي ال نحتاج أن‬
‫نبسط الكالم عن بطالنها‪ ،‬ولذا اقتصرت على ذكر عناوين وملخص تلك‬
‫القصص الباطلة دون الخوض في بيان أوجه اختالقها‪ ،‬ألني قد بينت الترجمة‬
‫المعتمدة لزينب والقائمة على المصادر الموثقة من كتب الحديث والتاريخ‪ ،‬وألن‬
‫تفردت بها ولم تذكر لها‬
‫ْ‬ ‫جل هذه القصص منقولة من كتب المقاتل المتأخرة التي‬
‫أصال من الكتب السابقة‪ ،‬ومع ذلك فقد أبيِّن بإيجاز وجه الوضع واالختالق في‬
‫بعض القصص(‪ ،)2‬أو أكتفي باإلحالة على حكم الباحثين اإلمامية المتخصصين‬
‫في السيرة الحسينية على بعض القصص بالوضع واالختالق‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلمام الحسين ‪ ‬وأصحابه (‪ 164/3‬ــ ‪.)165‬‬
‫(‪ )2‬وقد ذكرت ذلك في الهامش‪ ،‬واكتفيت أيضا في توثيق تلك النصوص على المصدر األصلي‬
‫للرواية في الغالب‪ ،‬مع العلم أن جل القصص الذي ذكرتها قد فشت وانتشرت في المؤلفات عن‬
‫زينب ‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫القصص المختلقة في زمن النبي‬


‫ــ والدة زينب ‪ ‬كانت من الفخذ األيسر لفاطمة ‪ ‬وحاشاها(‪.!!)1‬‬
‫ــ فاطمة ‪ ‬أُخبرت بما سيقع لزينب ‪ ‬من المصائب ولذا كانت مهمومة‬
‫ومغمومة(‪.!!)2‬‬
‫ــ تبشير الحسين ‪ ‬ألبيه علي ‪ ‬بوالدة زينب ‪ ‬وحزن علي ‪‬‬
‫وقصه مصائب زينب على الحسين ‪.)3(‬‬
‫وبكاؤه لذلك ُّ‬
‫‪ :‬إن زينب ‪ ‬شبيهة بك في‬ ‫ــ قول أسماء بنت عميس ‪ ‬للنبي‬
‫جمال الخلقة(‪.)4‬‬
‫ألوالد فاطمة ‪ ‬بلسانه(‪.)5‬‬ ‫ــ أسطورة إرضاع النبي‬
‫ــ زينب ‪ ‬كانت ال تستقر في طفولتها إال في جنب أخيها الحسين‬
‫‪.)6(‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪ 31‬ــ ‪.)32‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪ ،)31‬تراجم سيدات بيت النبوة (ص ‪.)664‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪ ،)46‬وقال‪> :‬جاء في بعض الكتب مأثورا<!‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ابنة الزهراء بطلة الفداء (ص ‪ ،)25‬وهذا الخبر من اختالق المؤلف أحمد علي شلبي وقد سلك‬ ‫(‪)4‬‬
‫في كتابه هذا مسلك بعض الكتابات المعاصرة التي تستبيح اختالق القصص الخيالية أثناء الكتابة‬
‫عن شخصية تاريخية بحجة سد الفراغات وإبداع قصة متكاملة‪ ،‬فيحملهم ذلك على اختالق‬
‫األحداث والحوارات التي ال أصل لها‪.‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ )26‬وذكر أن صاحب الطراز المذهب نقل هذه القصة ونسبها لصاحب ناسخ‬ ‫( ‪)5‬‬
‫التواريخ‪.‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ )95‬ونسبه إلى بعض األجالء‪ ،‬الخصائص الزينبية (ص ‪ ،)240‬وذكره‬ ‫(‪)6‬‬
‫الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ ،)55‬ضمن متفردات المصادر المتأخرة‪.‬‬

‫‪459‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ قصة نوم زينب ‪ ‬في ّأيام طفولتها تحت الشمس‪ ،‬فأظلّها الحسين ‪‬‬
‫عندما رآها على هذه الحالة‪ ...‬حتى وقعت حادثة كربالء وبقي جسم اإلمام ‪‬‬
‫تحت الشمس(‪.)1‬‬
‫وعلي ‪ ‬وفاطمة ‪ ‬كلما رأو زينب ‪ ‬يحتضنونها‬ ‫ــ كان النبي‬
‫ويبكون ألن مالمح وجهها كانت تهيج أحزانهم(‪.!!)2‬‬

‫القصص المختلقة في خالفة الخلفاء الراشدين الثالثة ‪‬‬


‫ــ زواج علي ‪ ‬بأمامة ‪ ‬بوصية من فاطمة ‪ ‬وتربيتها لزينب ‪.)3(‬‬
‫ــ اجتماع النساء في مجلس زينب وأم كلثوم ‪ ‬في بيت عمر بن الخطاب‬
‫‪.)4(‬‬
‫ــ صالة زينب ‪ ‬مع أمها فاطمة ‪ ‬وتنبؤ فاطمة بأن زينب ستدافع عن‬
‫الحق المهضوم(‪.)5‬‬
‫ــ وصية فاطمة ‪ ‬لزينب ‪ ‬بأن ترعى أخويها الحسن والحسين ‪.)6(‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذكره الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ 55‬ــ ‪ ،)56‬ضمن متفردات المصادر‬ ‫(‪)1‬‬
‫المتأخرة بهذه الصورة المختصرة وعزاه إلى أنوار المجالس (ص ‪ ،)40‬ومضمون القصة غير‬
‫واضح وقد نقلته كما وجدته عند الريشهري‪.‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)49‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ ،)20‬الخصائص الزينبية (ص ‪.)156‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ابنة الزهراء بطلة الفداء (ص ‪.)112‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ابنة الزهراء بطلة الفداء (ص ‪.)108‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫تراجم سيدات بيت النبوة (ص ‪ )673‬وزينب أصغر من الحسنين‪ ،‬فكيف تكلِّفها أمها‬ ‫(‪)6‬‬
‫برعايتهما؟!‪ ،‬ولكن واضع القصة جاهل‪.‬‬

‫‪460‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ رؤية زينب ‪ ‬ألمها فاطمة ‪ ‬وهي تقوم الليل وقولها للحسين‪:‬‬
‫>الجار قبل الدار<(‪.)1‬‬
‫ــ كانت زينب ‪ ‬ال تصلي إذا دخل وقت الصالة حتى ترتوي من النظر‬
‫إلى أخيها الحسين ‪.)2(‬‬
‫القصص المختلقة في خالفة علي ‪‬‬
‫مع علي والحسنين ‪ ‬وشدة‬ ‫ــ خروج زينب ‪ ‬لزيارة قبر النبي‬
‫حيائها وخوف علي من أن يراها أحد(‪!!)3‬‬
‫ــ مناوبة علي ‪ ‬على المبيت عند الحسن والحسين وزينب ‪.)4(‬‬
‫ــ موكب زينب ‪ ‬مع أبيها علي ‪ ‬إلى الكوفة(‪.)5‬‬
‫ــ رواية >ما الخبر إن عليا كاألشقر<‪ ،‬تفرد بها ابن أبي الحديد‪ ،‬ونسبها إلى‬
‫أم كلثوم بنت علي ‪ ،‬وزاد فيها بعض المتأخرين أن أم كلثوم >تزيت بزي‬
‫الجواري وخرجت تحف بها اإلماء<‪ ،‬فجعلها جعفر النقدي في زينب!!(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ )583‬ونقله عن كتاب رياحين الشريعة (‪.)73/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)240‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ ،)22‬الخصائص الزينبية (ص ‪ ،)157‬وعلق الشيخ اإلمامي فضل علي‬ ‫(‪)3‬‬
‫القزويني على هذه الرواية قائال‪> :‬هذا الحديث لم نجده في الكتب المعتبرة‪ ،‬ولم يسنده دامت‬
‫إفاداته إلى كتاب وال إلى راو‪ ،‬ويحيى المازني مجهول لم يذكره أصحابنا في كتبهم<‪ ،‬اإلمام‬
‫الحسين ‪ ‬وأصحابه (‪.)158/3‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)170‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 92‬ــ ‪.)93‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ ،)25‬وأصله في شرح نهج البالغة (‪ 13/14‬ــ ‪ ،)14‬وانظر بحار األنوار‬ ‫(‪)6‬‬
‫(‪ 32‬ــ ‪ 90‬ــ ‪.)91‬‬

‫‪461‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫َش َّرع لنا ُحقوقا ألزواجنا كما‬ ‫ــ قول زينب ‪> :‬إ ّن ج ّدي المصطفى‬
‫َش ّرع على الرجال حقوقا مفروضة<(‪.)1‬‬

‫ــ رواية زينب ‪ ‬لوصية علي ‪ ‬إلى الحسين والحسين ‪ ‬بأن يُ ِّ‬
‫نشفا‬
‫بدنه ببردة النبي ‪ ،‬وعثورهم في موضع دفنه على كتابة فيها‪> :‬هذا قبر حفره‬
‫نوح النبي لعلي‪.)2(<...‬‬

‫القصص المختلقة في زمن الحسن ‪‬‬


‫بعد موت‬ ‫ــ طلب الحسن ‪ ‬من زينب ‪ ‬أن تعطيه حنوط النبي‬
‫علي ‪ ‬لتكفنه فيه(‪.)3‬‬
‫ــ شرح زينب ‪ ‬حديث الحالل بيِّ ٌن والحرام بيِّ ٌن للحسن والحسين!!(‪.)4‬‬
‫ــ توقف الحسن ‪ ‬عن لفظ كبده خوفا على زينب(‪.)5‬‬
‫ــ صياح زينب وبكاؤها عند احتضار الحسن ‪.)6(‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ )582‬ونقله عن كتاب عقيلة الطهر والكرم لموسى محمد‬ ‫(‪)1‬‬
‫علي وذكر أنه عزاه البن األنباري‪ ،‬وأجزم ببراءة ابن األنباري من هذه األخلوقة البيِّن من لغتها‬
‫أنها من وضع المعاصرين!‪.‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 37‬ــ ‪ ،)38‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)584‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 22‬ــ ‪ )23‬ونقله عن بحار األنوار (‪.)294/42‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ابنة الزهراء بطلة الفداء (ص ‪ 119‬ــ ‪ ،)120‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 578‬ــ‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪ )581‬وقال في مطلعه‪> :‬وجاء في كتب التاريخ<!! وليته عزا الخبر إلى مصدره األصلي وهو كتاب‬
‫ابنة الزهراء لشلبي‪.‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)22‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ ،)68‬ونقله عن كتاب معالي السبطين‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪462‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫القصص المختلقة في عهد الحسين وبعد مقتله ‪‬‬


‫* القصص المختلقة في المدينة‬
‫ــ قيام الحسين ‪ ‬لزينب ‪ ‬عندما تزوره إجالال لها(‪.)1‬‬
‫ــ استئذان زينب ‪ ‬من عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬للسفر مع الحسين ‪.)2(‬‬
‫ــ اعتراض زينب ‪ ‬على ابن عباس ‪ ‬حين أشار على الحسين ‪‬‬
‫بعدم الخروج بالنساء(‪.)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫* القصص المختلقة في الطريق إلى كربالء‬
‫ــ سفر زينب ‪ ‬مع الحسين في موكب عظيم مع المحامل المزركشة‬
‫والمزينة بالحرير والديباج(‪.)5‬‬
‫ــ مداومة زينب ‪ ‬على قيام الليل في طريق الشام وكربالء(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)22‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ ،)94‬الخصائص الزينبية (ص ‪.)174‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 94‬ــ ‪ )95‬ونسبه لكتاب الكبريت األحمر والظاهر أن المقصود كتاب الكبريت‬ ‫(‪)3‬‬
‫األحمر في شرائط أهل المنبر وهو للبيرجندي المتوفى سنة ‪ 1352‬هـ‪ ،‬الخصائص الزينبية‬
‫(ص ‪.)209‬‬
‫وقصة خروج زينب الكبرى مع الحسين إلى كربالء ال تصح أصال كما مضى تفصيله‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ ،)93‬الخصائص الزينبية (ص ‪ ،)175‬ونسبه لكتاب أسرار الشهادة‪ ،‬وقد‬ ‫( ‪)5‬‬
‫نس ُب إلى الحسين ‪ ‬الخروج في موكب عظيم‪> :‬وبحسب ذلك‬ ‫قال النوري عن خبر مماثل يَ ِ‬
‫الخبر المختلق الذي ال أساس له فقد ُجعل للحسين ‪ ‬زي الجبابرة والملوك<‪ ،‬اللؤلؤ والمرجان‬
‫المترجم للعربية ــ (ص ‪.)212‬‬
‫َ‬ ‫ــ‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ ،)62‬وذكر أن القائيني البيرجندي نقله عن بعض المقاتل المعتبرة‪=،‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪463‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ صالة زينب ‪ ‬جالسة بسبب الجوع ألنها كانت تقسم نصيبها من الطعام‬
‫على األطفال(‪.)1‬‬
‫* القصص المختلقة في كربالء قبل مقتل الحسين ‪‬‬
‫ــ قول زينب ‪ ‬للحسين ‪ ‬لما سمعته ينعى نفسه‪ُ > :‬ردنا إلى حرم‬
‫جدنا<(‪.)2‬‬
‫ــ حوار الحسين ‪ ‬مع زينب ‪ ‬وقولها‪> :‬هل استعلمت من أصحابك‬
‫نياتهم؟<(‪.)3‬‬
‫ــ خبر وصول حبيب بن مظاهر إلى كربالء وإبالغه سالم زينب ‪ ‬عند‬
‫وصوله كربالء(‪.)4‬‬
‫ــ دخول زينب ‪ ‬لخيمة الحسين ‪ ‬وخيمة العباس بن علي وخيمة‬
‫حبيب بن مظاهر وما تال ذلك من وقائع(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ونقل حكاية شبيهة من مثير األحزان لشريف الجواهري‪.‬‬ ‫=‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 62‬ــ ‪ ،)63‬ونسبه إلى بعض المتتبعين!‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مقتل الحسين المنسوب للخوارزمي (‪.)321/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 177‬ــ ‪ ،)178‬ونقله عن كتاب الدمعة الساكبة (‪)273/4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وكتاب معالي السبطين‪ ،‬وعزاه الريشهري إلى صاحب الدمعة الساكبة ثم قال‪ّ > :‬إال أنّه كما اعترف‬
‫مؤلّف هذا الكتاب أ ّن هذا الكالم ال يوجد في المصادر المعتبرة<‪ ،‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء‬
‫(ص ‪.)695‬‬
‫ذكره الريشهري ضمن متفردات المصادر المتأخرة في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪،)51‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وعزاه إلى أسرار الشهادات (‪ ،)591/2‬وقال في موضع آخر عن هذه الرواية وأمثالها‪> :‬ومن‬
‫المؤسف أ ّن الكثير من الخطباء والنعاة يستندون إليها<‪ ،‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص‬
‫‪.)718‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 181‬ــ ‪ ،)188‬ونقله عن معالي السبطين‪ ،‬وذكره=‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪464‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ أمر زينب ‪ ‬لمن حولها بأن يبلغوا سالمها لحبيب بن مظاهر‪ ،‬فلطم‬
‫حبيب رأسه وقال‪> :‬من أكون حتى تسلم علي زينب بنت أمير المؤمنين<(‪.)1‬‬
‫ــ نفاد الماء وعطش األطفال واتباعهم لزينب ‪ ‬وهم يطلبون منها‬
‫الماء(‪.)2‬‬
‫ــ إتيان زينب ‪ ‬بولديها يوم عاشوراء للحسين ‪ ‬وقولها‪> :‬لو الجهاد‬
‫فرض على النساء لوددت أن أفديك نفسي ألف ألف مرة<(‪.)3‬‬
‫في كربالء وهو يبكي مقتل‬ ‫ــ كشف بصر زينب ‪ ‬ورؤيتها النبي‬
‫الحسين ‪.!)4(‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الريشهري ضمن الروايات المكذوبة في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ )123‬نقال عن‬ ‫=‬
‫النوري في اللؤلؤ والمرجان ــ الفارسي ــ (ص ‪ ،)264‬وعزاه إلى معالي السبطين (‪،)209/1‬‬
‫وقال النوري عن هذا الخبر‪> :‬والحق أن واضع هذا الخبر قد أعمل فيه فنه ومهارته بكل إتقان<‪،‬‬
‫المترجم للعربية ــ (ص ‪ ،)212‬وقال الريشهري في موضع آخر عن هذه‬ ‫َ‬ ‫اللؤلؤ والمرجان ــ‬
‫الرواية‪> :‬إ ّننا ال نجد لها أثرا في المصادر المعتبرة‪ ،‬ومن المحتمل أن يكون صاحب كتاب الدمعة‬
‫الساكبة ّأول من روى هذه الحادثة‪ ،‬نعم هو قد نسب هذه الرواية إلى الشيخ المفيد‪ّ ،‬إال أنّها ال‬
‫توجد في شيء من كتب الشيخ المفيد‪ ،‬بل ال توجد في شيء من الكتب المعتبرة أيضا<‪ ،‬الصحيح‬
‫من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ ،)50‬وصاحب الدمعة الساكبة هو محمد باقر بن عبد الكريم البهبهاني‬
‫المتوفى سنة ‪ 1285‬هـ‪.‬‬
‫إكسير العبادات في أسرار الشهادات (‪.)743/2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 190‬ــ ‪ ،)191‬وعزاه إلى معالي السبطين الذي نقله من‬ ‫(‪)2‬‬
‫أسرار الشهادة‪.‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪ ،)209‬ولم يعلم واضع الرواية أن ابني عبد اهلل بن جعفر اللذين كانا مع‬ ‫(‪)3‬‬
‫الحسين في كربالء هم أبناء عبد اهلل بن جعفر من غير زينب كما مضت اإلشارة إليه (انظر‬
‫ص‪ )322‬الهامش ‪.1‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 66‬ــ ‪.)67‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪465‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ بكاء زينب ‪ ‬وصراخها لموت العباس بن علي(‪.)1‬‬


‫ــ توديع الحسين ‪ ‬لزينب ‪ ‬وأم كلثوم وفاطمة وسكينة ووصية‬
‫الحسين لزينب بالعيال واألطفال(‪.)2‬‬
‫ــ وصية الحسين ‪ ‬لزينب ‪ ‬بجمع األطفال بعد موته وعثورها على‬
‫طفلين ماتا من العطش(‪.)3‬‬
‫ــ وصية الحسين ‪ ‬لزينب ‪ ‬وغيرها من النساء بعلي بن الحسين(‪.)4‬‬
‫ــ وصية الحسين ‪ ‬للنساء وبكاء زينب ‪ ‬ولطمها وجهها(‪.)5‬‬

‫ــ إلقاء زينب ‪ ‬بنفسها على جسد ٍّ‬


‫علي األكبر بن الحسين قبل مجيء‬
‫الحسين ‪‬؛ أل ّنها كانت تعلم أ ّن روحه ستفارق جسمه إن رأى ابنه مقتوال(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 205‬ــ ‪.)206‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بحار األنور (‪ )47/45‬ونسبه إلى بعض الكتب‪ ،‬زينب الكبرى (ص ‪.)106‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ )109‬وعزاه إلى اإليقاد!‪ ،‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪،)252‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ونقله عن اإليقاد (ص ‪ ،)139‬وصاحب اإليقاد هو محمد علي الشاه عبد العظيمي المتوفى سنة‬
‫(‪ 1334‬هـ)‪ ،‬وقد نقله عن مقتل ابن العربي!! ولم أقف على من نسب هذا الكتاب البن العربي‬
‫قبل صاحب اإليقاد‪ ،‬وقال محقق اإليقاد في الهامش (‪> :)2‬لم أعثر على كتاب البن العربي بهذا‬
‫االسم<‪ ،‬وقد صرح فضل علي القزويني بأن رواية اإليقاد ال مستند صحيح لها‪ ،‬انظر‪ :‬اإلمام‬
‫الحسين ‪ ‬وأصحابه (‪.)171/3‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ )216‬ونقله عن الدمعة الساكبة (‪ 351/4‬ــ ‪.)352‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ )216‬ونقله عن معالي السبطين (‪ 13/2‬ــ ‪.)14‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫ذكره الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ )810‬ضمن الوقائع التي ال توجد في‬ ‫(‪)6‬‬
‫المصادر المعتبرة وعزاه إلى معالي السبطين (‪ )254/1‬وقال‪> :‬أصل مجيء زينب ‪ ‬قبل اإلمام‬
‫الحسين ‪ ‬ورد في المصادر المعتبرة‪ ،‬ولكن اإلشكال يكمن في بيان سبب غير حقيقي للحادثة<‪.‬‬

‫‪466‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ ستر الحسين ‪ ‬لوجه زينب ‪ ‬بعباءة لما رآها خرجت وهي تندب‬
‫عليا األكبر بن الحسين(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫ــ رواية‪> :‬أي جرح تشده لك زينب<؟‪ ،‬ورواية مخاطبة زينب ‪ ‬للعباس‬
‫ابن علي ‪ ‬حين عرض شمر عليه وعلى إخوته األمان(‪.)2‬‬
‫ــ موت عبد اهلل الرضيع وتسليم الحسين ‪ ‬إياه لزينب ‪ ‬بعد أن أصابه‬
‫سهم(‪.)3‬‬
‫ٌ‬
‫ــ كالم زينب ‪ ‬مع حبيب بن مظاهر وضربها عمود الخيمة برأسها بسبب‬
‫علمها بما سينالها من أذى بعد مقتل الحسين ‪.)4(‬‬
‫ــ طلب الحسين ‪ ‬فرسه في ساحة القتال فلم يكن ليأتيه به إال زينب ‪‬‬
‫وحواره معها(‪.)5‬‬
‫ــ خروج زينب ‪ ‬إلى ساحة المعركة وكالمها مع الحسين ‪ ‬أثناء‬
‫احتضاره ودفاعها عنه ضد شمر بن ذي الجوشن وغيرها من التفاصيل المكذوبة‬
‫والمنسوجة في قصة طويلة‪ُ ،‬ختمت بكالمها مع علي بن الحسين بعد مقتل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إكسير العبادات في أسرار الشهادات (‪.)645/2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ذكر محسن األمين هاتين الروايتين ضمن الروايات المكذوبة التي ال يوجد لها مصدر في رسالته‬ ‫(‪)2‬‬
‫التنزيه ألعمال الشبيه (ص ‪ ،)13‬وصرح محمد الحسون في كتابه قراءة في رسالة التنزيه (ص‬
‫‪ )97‬بأنه لم يعثر عليهما في أي مصدر‪.‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 207‬ــ ‪ ،)208‬ونقله عن معالي السبطين‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ ،)66‬ونقله عن كتاب نور العين المفترى على اإلسفراييني‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫المترجم للعربية ــ (ص ‪ ،)213‬وقال عن هذه الرواية‪:‬‬
‫َ‬ ‫ذكر ذلك النوري في اللؤلؤ والمرجان ــ‬ ‫( ‪)5‬‬
‫>ال أصل لها‪ ،‬بل إن فيها كذبا واضحا وافتراء على اإلمام ‪ ‬على المأل ومن فوق المنابر<‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫الحسين وانكساف الشمس ونزول أمطار من دم(‪.)1‬‬


‫ــ كالم زينب ‪ ‬مع الحسين ‪ ‬حين احتضاره وقوله لها‪> :‬أخية ارجعي‬
‫ِ‬
‫وزدت كربي<(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫كسرت قلبي‬ ‫إلى الخيمة فقد‬
‫ــ محاولة زينب ‪ ‬منع سنان بن أنس النخعي من قتل الحسين ‪ ‬فلكزها‬
‫برجله(‪.)3‬‬
‫ــ قول الحسين ‪ ‬لزينب ‪ ‬في وداعه األخير لها‪> :‬ال تنسيني في نافلة‬
‫الليل<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 233‬ــ ‪ )238‬ونقله عن كتاب تظلم الزهراء (ص ‪)232‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الطبعة القديمة‪ ،‬وهو في الطبعة الجديدة بتحقيق مهدي رجائي في (ص ‪ 264‬ــ ‪ ،)267‬وهو خبر‬
‫طويل ركيك ال مصدر له‪ ،‬قال ناقله‪> :‬حكى بعض نقلة األخبار<! ويبدو أن هذه القصة ُدست في‬
‫الطبعات القديمة لكتاب تظلم الزهراء فقد صرح مهدي رجائي في تحقيقه لتظلم الزهراء (ص‬
‫‪ )264‬الهامش (‪ )2‬بأن هذا الخبر ليس في النسختين الخطيتين لكتاب تظلم الزهراء! ومع ذلك‬
‫أثبته في طبعته!‪.‬‬
‫المترجم للعربية ــ (ص ‪ )128‬وجعله من مفتريات قراء العزاء‬
‫َ‬ ‫ذكره النوري في اللؤلؤ والمرجان ــ‬ ‫(‪)2‬‬
‫في المنبر‪.‬‬
‫إكسير العبادات في أسرار الشهادات (‪ )74/3‬ونسبه إلى كتاب شهاب الدين العاملي‪ ،‬وهو كتاب‬ ‫(‪)3‬‬
‫مختلق ملفق باعتراف المؤلف الدربندي نفسه! كما في إكسير العبادات (‪ ،)305/2‬وقد فصل‬
‫النوري حال الكتاب في اللؤلؤ والمرجان ــ المترجم للعربية ــ (ص ‪ 200‬ــ ‪ )201‬وبين أنه‬
‫كراسات مختلقة مفتراة ومكذوبة وال تصح نسبتها إلى شهاب الدين العاملي الذي لم يؤلف قط‬
‫كتابا عن مقتل الحسين!‪.‬‬
‫وفاة السيدة زينب الكبرى لفرج آل عمران القطيفي المطبوع مع مجموع وفيات األئمة (ص ‪،)433‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وذكر أن البيرجندي نقله عن بعض المقاتل المعتبرة!‪ ،‬وذكره الريشهري في الصحيح من مقتل‬
‫سيد الشهداء (ص ‪ )56‬ضمن متفردات المصادر المتأخرة‪.‬‬

‫‪468‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫(‪)1‬‬
‫* القصص المختلقة في كربالء بعد مقتل الحسين ‪‬‬
‫ــ قول زينب ‪ ‬مخاطبة جثمان أخيها ‪> :‬هل أنت أخي؟ هل أنت ابن‬
‫تقبل م ّنا هذا قليل‬
‫ّهم ّ‬
‫أبي؟<‪ ،‬وتقبيلها نحر أخيها وأوداجه المقطّعة‪ ،‬وقولها‪> :‬الل ّ‬
‫القربان<(‪.)2‬‬
‫ــ اعتناق زينب ‪ ‬جسد الحسين ‪ ‬بعد أن قُطع رأسه(‪.)3‬‬
‫ــ تذكُّر زينب قول أمها فاطمة ‪> ‬يا زينب قبلي حسين ًا باسمي في عنقه<(‪.)4‬‬
‫ــ دعاء زينب ‪ ‬على خولي بن يزيد ــ الذي سلب النساء ــ بأن تقطع يداه‬
‫ورجاله‪ ،‬فقطعتا في زمن المختار(‪.)5‬‬
‫ــ دعاء زينب ‪ ‬على شامي تعرض لفاطمة بنت علي بأن يصيبه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قال فضل علي القزويني‪> :‬وقد ذكروا في المقام عند ورودهن على المصرع أمورا بعضها مقطوع‬ ‫(‪)1‬‬
‫الكذب‪ ،‬وبعضها مظنونه‪ ،‬وبعضها محتمل الصدق والكذب‪ ،‬ومن أراد فليرجع إلى الطراز‬
‫المذهب‪ ،‬وقد جمع فيه من كتب المتأخرين والمعاصرين‪ ،‬كحزن المؤمنين‪ ،‬ولسان الواعظين‬
‫ومصائب المعصومين وبيت األحزان وبحر المصائب ومبكي العيون وأمثال ذلك من المصنفات‪.‬‬
‫ويا ليت مؤلف الطراز اقتصر على المنتخب ومقتل أبي مخنف المطبوع ولم يذكر ما ينقص قدره‬
‫وقدر مؤلفه<‪ ،‬اإلمام الحسين ‪ ‬وأصحابه (‪.)175/3‬‬
‫ذكره الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ )54‬ضمن متفردات المصادر المتأخرة‬ ‫(‪)2‬‬
‫وعزاه إلى‪ :‬الخصائص الحسينية (ص ‪ ،)180‬تذكرة الشهداء (ص ‪ ،)363‬معالي السبطين‬
‫(‪ ،)32/2‬الكبريت األحمر (ص ‪( )376‬نقال عن الطراز المذهب) وعنوان الكالم (ص ‪.)57‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ ،)108‬وعزاه إلى الدمعة الساكبة‪ ،‬الخصائص الزينبية (ص ‪.)210‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ذكر ذلك المطهري في الملحمة الحسينية (‪ )251/3‬ضمن األمور المكذوبة التي تذكر في‬ ‫(‪)4‬‬
‫المنابر‪ ،‬وفي (‪ )264/3‬صرح بأن هذه القصة خرافة‪.‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 101‬ــ ‪ )103‬ونسبه إلى بعض ذوي الفضل‪ ،‬وكرره في (ص ‪.)109‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪469‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫العمى فعمي(‪.)1‬‬
‫ــ مجيء زينب ‪ ‬إلى علي بن الحسين بعد استشهاد الحسين ‪ ،‬وقول‬
‫تهيئي لألسر فقد قُتل أبي<(‪.)2‬‬
‫عمة‪ّ ،‬‬
‫علي بن الحسين لها‪> :‬يا ّ‬
‫منع زينب ‪ ‬شمر بن ذي الجوشن من قتل علي بن الحسين(‪.)3‬‬
‫ــ ُ‬
‫ــ إنقاذ زينب ‪ ‬لعلي بن الحسين من االحتراق(‪.)4‬‬
‫ــ قصة رجوع فرس الحسين ‪ ‬من دون الحسين وبكاء النساء(‪.)5‬‬
‫ــ قول علي بن الحسين لزينب ‪ ‬عندما هجموا على خيامهم‪> :‬عليكن‬
‫بالفرار<(‪.)6‬‬
‫ــ رواية ربط أهل بيت الحسين ‪ ‬بحب ٍل ُربط من جانب بعلي بن‬
‫الحسين‪ ،‬ومن جانب آخر بزينب ‪.)7(‬‬
‫زجر زينب ‪ ‬لشمر بن ذي الجوشن لما أمر رجاله أن ُتحمل النساء‬
‫ــ ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ ،)66‬وعزاه إلى أرباب المقاتل‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ذكره الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ )53‬ضمن متفردات المصادر المتأخرة‬ ‫(‪)2‬‬
‫وعزاه إلى تذكرة الشهداء (ص ‪.)347‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ )109‬وعزاه إلى معدن البكاء‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪ ،)222‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ )248‬ونقله عن الطراز‬ ‫(‪)4‬‬
‫المذهب‪.‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ )109‬وعزاه إلى أبي مخنف‪ ،‬والظاهر أنه وقف عليه في المقتل المنحول على‬ ‫( ‪)5‬‬
‫أبي مخنف والذي مضى الكالم عنه‪.‬‬
‫ذكره الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ 53‬ــ ‪ )54‬ضمن متفردات المصادر‬ ‫(‪)6‬‬
‫المتأخرة وعزاه إلى معالي السبطين (‪.)52/2‬‬
‫ذكره الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ )55‬ضمن متفردات المصادر المتأخرة‬ ‫(‪)7‬‬
‫وعزاه إلى المنتخب للطريحي (ص ‪.)473‬‬

‫‪470‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫على األقتاب بال حجاب‪ ،‬وبكاؤها بعد أن رأت أجساد قتلى أهل البيت(‪.)1‬‬
‫ــ سل ُْب رجل أزرق العينين قناع زينب ‪ ‬وقرطها‪ ،‬ودعاؤها عليها بأن‬
‫تحرقه النار(‪.)2‬‬
‫ــ قول فاطمة بنت علي ‪ ‬لزينب ‪>> :‬يا عمتاه هل من خرقة أستر بها‬
‫رأسي عن أعين النظار؟<‪ ،‬فقالت زينب‪> :‬يا بنتاه وعمتك مثلك<‪ ،‬فرأيت رأسها‬
‫مكشوفة‪.)3(<...‬‬
‫ــ ندب زينب ‪ ‬للحسين ‪ ‬بكالم طويل مسجوع(‪.)4‬‬
‫* القصص المختلقة في الكوفة‬
‫ــ قصة المرأة التي سألت زينب ‪ ‬عن اسمها فلما عرفتها بكت وأهدتها‬
‫ثيابها(‪.)5‬‬
‫ــ كالم زينب ‪ ‬مع أهل الكوفة لما رأتهم يبكون على قتل الحسين(‪.)6‬‬
‫ــ دعاء زينب ‪ ‬على المرأة التي ضربت رأس الحسين ‪ ‬بحجر‪ ،‬فتهدم‬
‫قصرها(‪.)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 258‬ــ ‪.)259‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)109‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫بحار األنوار (‪ )61/45‬وعزاه إلى بعض الكتب‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)110‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪ 181‬ــ ‪.)182‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫روضة الشهداء للكاشفي (ص ‪ )705‬وقال مترجمه محمد شعاع فاخر‪> :‬توجد خطبة العقيلة في كتب‬ ‫(‪)6‬‬
‫كثيرة‪ ...‬وهذه الفصول ليست منها ولم يدلنا المؤلف على الكتاب الذي نقل منه هذه الفصول<‪.‬‬
‫إكسير العبادات في أسرار الشهادات (‪ ،)406/2‬ونسبه إلى جملة من كتب المقاتل‪ ،‬زينب‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪471‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫نطح زينب ‪ ‬جبينها برأس المحمل لما رأت رأس الحسين ‪ ‬في‬
‫ــ ُ‬
‫الكوفة(‪.)1‬‬
‫ــ كالم ابن زياد مع زينب ‪ ‬وقولها‪> :‬ما تريد وقد هتكتني بين النساء<‪،‬‬
‫وغيرة علي بن الحسين على زينب وقوله البن زياد‪> :‬إلى كم تهتك عمتي بين‬
‫من يعرفها وال يعرفها<(‪.!)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫* القصص المختلقة في الشام‬
‫ــ إنشاد زينب ‪ ‬شعرا أوله‪> :‬بَناَ ُت ُم َح َّم ٍد أَ ْض َح ْت َس َبايَا<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الكبرى (ص ‪ )67‬وعزاه إلى جماعة من الناس!‪.‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 111‬ــ ‪ ،)112‬الخصائص الزينبية (ص ‪ .)277‬ويأتي الكالم عن هذا الخبر‬ ‫(‪)1‬‬
‫في مبحث مستقل‪.‬‬
‫المنتخب للطريحي ــ طبعة األعلمي ــ (ص ‪ )467‬إكسير العبادات (‪ ،)344/3‬زينب الكبرى‬ ‫(‪)2‬‬
‫(ص ‪.)112‬‬
‫يبدو أن هناك قصصا عديدة يعسر تتبعها تروى عن وقائع مسير أهل البيت من الكوفة إلى الشام‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وقد حكم فضل علي القزويني في الفصل الذي عقده لترجمة زينب بعدم صحة هذه القصص‪،‬‬
‫فقال‪> :‬في بعض المقاتل ومؤلفات المتأخرين ذكرت أمور وقضايا وحوادث في طريق الشام‬
‫أعرضنا عن نقلها لعدم االعتداد بها واالعتماد بناقلها‪ ،‬لعدم استنادهم إلى مدرك صحيح وسند‬
‫يعتمد عليه<‪ ،‬اإلمام الحسين ‪ ‬وأصحابه (‪ ،)249/3‬ثم خص ما يروى عن زينب بالنقد فقال‪:‬‬
‫>أما ما ورد عليها بالخصوص واختصت به وجرى عليها فلم أر في الكتب المعتبرة والتواريخ‬
‫المعتمدة شيئا نذكره ونعتمد عليه‪ ،‬إال أن المؤرخ في الطراز المذهب ذكر أمورا وقضايا مختصة‬
‫بها‪ ،‬بل قد ذكر أمورا مشتركة بينها وبين غيرها‪ ،‬نقلها من الكتب غير المعتبرة عندنا بل غير‬
‫معروفة‪ ،‬بل قد ذكر أمورا في مدة مكثهن بالشام مختصة ومشتركة بعضها مقطوع الكذب وبعضها‬
‫مظنونه وبعضها محتمل الصدق والكذب‪ ،‬أعرضنا عنها لعدم االعتماد على نقلها وعدم استناد‬
‫الناقل إلى سند صحيح أو أصل وكتاب يعتمد عليه< اإلمام الحسين ‪ ‬وأصحابه (‪.)252/3‬‬
‫إكسير العبادات في أسرار الشهادات (‪ ،)633/2‬والركة ظاهرة فيه‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪472‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ أسطورة أمر زينب ‪ ‬األرض أن تبتلع شمر بن ذي الجوشن لما آذاها‬
‫بالسيف‪ ،‬ثم سماعها صوت الحسين من السماء وهو يأمرها بالصبر فأمرت‬
‫األرض بأن تتركه فتركته(‪.)1‬‬
‫نصيبين شعرا أوله‪َ > :‬ت َش ِّه ُرونَا ِفي ا ْل َبرِيَّةِ ُع ْن َوة<(‪.)2‬‬
‫ــ إنشاد زينب ‪ ‬في ِّ‬
‫ــ قول زينب ‪> :‬ال تدخلن علينا عربية إال أم ولد أو مملوكة‪ ،‬فإنهن‬
‫ُس ِبين كما ُس ِبينا<(‪.)3‬‬
‫ــ شق زينب ‪ ‬جيبها وبكاؤها في مجلس يزيد لما رأت رأس الحسين‬
‫‪ ‬وندبها للحسين بقولها‪> :‬يا حسيناه‪ ،‬يا حبيب جده الرسول ‪ ،‬ويا ثمرة‬
‫فؤاد الزهراء البتول‪ ،‬يا ابن بنت المصطفى‪ ،‬يا ابن مكة ومنى<(‪.)4‬‬
‫ــ قول زينب ‪> :‬إن سيف أخي الحسين ‪ ‬لم يترك في الكوفة بيتا إال‬
‫وفيه باك وباكية<(‪.)5‬‬
‫ــ محاورة زينب ‪ ‬ليزيد وقولها‪ > :‬وما كفاك حتى تستحث حرم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪ 237‬ــ ‪ )238‬وعزا القصة إلى كتاب التمر المذاب وكتاب مقتل‬ ‫(‪)1‬‬
‫االقتدائي اليزدي بواسطة بعض الثقات وصرح بعد نقل القصة بأنه لم يطلع على‬
‫المصدرين!!‪.‬‬
‫إكسير العبادات في أسرار الشهادات (‪.)415/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اللهوف على قتلى الطفوف (ص ‪ )95‬زينب الكبرى (ص ‪ ،)113‬زينب الكبرى من المهد إلى‬ ‫(‪)3‬‬
‫اللحد (ص ‪ ،)350‬وواضح وجود أثر النعرة الشعوبية في هذه الرواية‪.‬‬
‫مثير األحزان (ص ‪ ،)79‬زينب الكبرى (ص ‪ ،)114‬لواعج األشجان (ص ‪ ،)222‬المجالس‬ ‫(‪)4‬‬
‫الفاخرة (ص ‪ ،)279‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)385‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ 114‬ــ ‪ ،)115‬ونقله عن مقتل ابن عصفور‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪473‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫من العراق إلى الشام‪.)1(<...‬‬ ‫رسول اهلل‬


‫ــ قول زينب ‪ ‬للشامي الذي سأل يزيد أن يهبه فاطمة بنت الحسين‬
‫(‪)2‬‬

‫هذا ِ‬
‫الفاسق<‪ ،‬وقول الشامي ليزيد‪> :‬لعنك اهلل يا يزيد‪،‬‬ ‫رام َة لِ َ‬
‫‪> :‬ال‪ ،‬وال َك َ‬
‫أتقتل عترة نبيك وتسبي ذريته؟‪ ،‬واهلل ما توهمت إال أنهم سبي الروم!<(‪.)3‬‬
‫ــ قصة دخول هند زوجة يزيد على زينب ‪ ‬ومن معها من نساء أهل‬
‫البيت‪ ،‬وبكاء هند لما سمعت ما وقع للحسين ‪ ‬وأهل بيته(‪.)4‬‬
‫ــ استئذان زينب ‪ ‬من يزيد في إقامة العزاء على الحسين‪ ،‬فأذن لهم‪،‬‬
‫فأقاموا العزاء لمدة سبعة أيام(‪.)5‬‬
‫ــ إلقاء أهل الشام الرماد وجمر النار على زينب ‪.)6(‬‬
‫(‪)7‬‬
‫* القصص المختلقة عن عودتها إلى المدينة‬
‫ــ قصة إشراف علي بن الحسين على الموت بسبب العطش وشفقة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى (ص ‪ )115‬ونقله عن المنتخب للطريحي‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫كذا والذي ورد في رواية أبي مخنف فاطمة بنت علي ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اللهوف على قتلى الطفوف (ص ‪ ،)109‬بحار األنوار (‪ ،)137/45‬لواعج األشجان (ص ‪.)232‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 499‬ــ ‪ ،)502‬ونقله عن معالي السبطين (‪.)164/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫كامل البهائي (‪.)370/2‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)277‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫قال فضل علي القزويني‪> :‬في بعض مؤلفات المتأخرين من المعاصرين وغيرهم أمور نسبوها إلى‬ ‫(‪)7‬‬
‫العقيلة حين رجوعها من الشام إلى كربالء‪ ،‬وفي كربالء‪ ،‬وعند رجوعها من كربالء إلى المدينة‪،‬‬
‫نقطع بكذب جملة منها‪ ،‬وجملة منها مظنونة الكذب‪ ،‬وبعضها يحتمل الصدق والكذب‪ ،‬تركناها‬
‫لما التزمنا واشترطنا أال نذكر في الكتاب إال ما يعتمد عليه ونطمئن إلى روايته<‪ ،‬اإلمام الحسين‬
‫وأصحابه (‪ ،)301/3‬وقال أيضا‪> :‬وأما حالها بعد الوصول إلى المدينة إلى يوم وفاتها فلم نعثر‬
‫في الكتب ما يناسبه<‪.‬‬

‫‪474‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫زينب ‪ ‬عليه(‪.)1‬‬
‫ــ مرور موكب النساء وعلي بن الحسين بكربالء بعد أربعين يوما من مقتل‬
‫الحسين في طريق عودتهم للمدينة(‪ ،)2‬وأن زينب ‪ ‬هي من طلبت من الدليل‬
‫يعرج بهم على كربالء(‪.)3‬‬
‫أن ّ‬
‫ــ صراخ زينب ‪ ‬لما رأت قبر الحسين ‪.)4(‬‬
‫ــ كالم زينب ‪ ‬لما أرادت الخروج من كربالء وقولها‪> :‬يا قوم‪ ،‬ابكوا‬
‫على الغريب التريب‪.)5(<...‬‬
‫وقولها‪> :‬يا جداه إني ناعية‬ ‫ــ بكاء زينب ‪ ‬عند وصولها لمسجد النبي‬
‫من سمعه(‪.!)7‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫إليك أخي الحسين< ‪ ،‬وارتفاع أنين حزين من القبر‪ ،‬فزع له ْ‬
‫ــ التزام زينب ‪ ‬لباس أصحاب أهل العزاء بعد مقتل الحسين ‪.)8(‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)350‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)117‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تراجم سيدات بيت النبوة لبنت الشاطئ (ص ‪ 778‬ــ ‪ ،)779‬وموسوعة آل بيت النبي لها أيضا‬ ‫(‪)3‬‬
‫(ص ‪ 746‬ــ ‪ ،)747‬ونقله عنها صالح الشهرستاني في تاريخ النياحة على الحسين (‪.)78/1‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ )518‬ولم يذكر مصدره!‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ناسخ التواريخ (‪ )522/2‬بواسطة موسوعة الكلمة (‪ ،)35/22‬وعزاه إلى رياض الشهادة ومفتاح‬ ‫( ‪)5‬‬
‫البكاء‪.‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)118‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)195‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫بحار األنوار (‪ )195/45‬ونقله من مصدر مجهول قائال‪> :‬وروي في بعض مصنفات أصحابنا‬ ‫(‪)8‬‬
‫مرسال<‪ ،‬كما في (‪ ،)189/45‬الخصائص الزينبية (ص ‪ ،)201‬زينب الكبرى من المهد إلى‬
‫اللحد (ص ‪.)522‬‬

‫‪475‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ قصة تأليب زينب ‪ ‬أهل المدينة على األخذ بثأر الحسين ومكاتبة‬
‫عامل المدينة ليزيد بخبرها‪ ،‬وأمر يزيد له أن يُخرج زينب من المدينة(‪.)1‬‬
‫ــ قصة مراسلة حاكم المدينة ليزيد وقوله‪> :‬إن كان لك في المدينة حاجة‬
‫فأخرج منها زينب ‪.)2(<‬‬

‫القصص المختلقة عن وفاة زينب الكبرى ‪‬‬


‫ــ قصة خروج زينب ‪ ‬إلى مصر مع فاطمة ابنة عم الحسين وسكينة(‪،)3‬‬
‫وقصة دخولها مصر واستقبال مسلمة بن خالد لها وإسكانه إياها بداره بالحمراء(‪.)4‬‬

‫ــ احتمال موت زينب ‪ٍّ ‬‬


‫بسم ُد َّس إليها من يزيد!!(‪.)5‬‬
‫ــ رفض زينب ‪ ‬أن يداويها الطبيب عند نزول مرض الموت بها في‬
‫مصر(‪.)6‬‬
‫ــ رواية وفاة زينب ‪ ‬بمصر سنة ‪ 62‬ودفنها بدارها(‪.)7‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪ 17‬ــ ‪ ،)18‬زينب الكبرى (ص ‪ 121‬ــ ‪.)122‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ )524‬ولعل هذا الخبر من عمل المؤلف محمد كاظم‬ ‫(‪)2‬‬
‫القزويني‪ ،‬أخذ أصله من كتاب حسن قاسم وزاد عليه!‪.‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)18‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪ ،)18‬زينب الكبرى (ص‪.)122‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 591‬ــ ‪.)592‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫ابنة الزهراء بطلة الفداء (ص ‪.)114‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪ ،)18‬زينب الكبرى (ص‪.)122‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪476‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫خالصة‬
‫هذا طرف من القصص الباطلة والمختلقة التي نسجت حول زينب ‪ ،‬وما‬
‫ذكرته هنا ليس إال غيضا من فيض‪ ،‬وأما لو وسعت البحث إلى ما يقال في بعض‬
‫المجالس والمنابر من القصص التي ما أنزل اهلل بها من سلطان‪ ،‬لخرج مبحث‬
‫الروايات الموضوعة عن زينب لوحده في مجلد كامل!‪ ،‬ومن طريف ما وقفت عليه‬
‫في هذا الباب‪ ،‬ما حكاه الشيخ اإلمامي عباس القمي ـ صاحب كتاب مفاتيح الجنان ـ‬
‫عن محمد إبراهيم الكلباسي >أنه لما قال أحد الفضالء المتدينين من أهل المنبر‬
‫والخطابة ــ بعد كالم ذكره ــ إ ّن الحسين ‪ ‬قال‪« :‬يا زينب‪ ،‬يا زينب<‪ ،‬صاح ذلك‬
‫الفقيه الورع بالخطيب من تحت المنبر في مأل الناس‪> :‬فض اهلل فاك‪ ،‬لم يقل اإلمام‬
‫يا زينب ّمرتين بل قالها ّمرة واحدة<‪ ،‬فعلى أهل المنبر والخطابة الحذر والمالحظة‪،‬‬
‫وأن يطّلعوا على مفاسد الكذب في الجملة كي يتركوا الكذب والروايات المجعولة‪،‬‬
‫بل ال ينقلوا كل ما سمعوه أو رأوه‪ ،‬ويقتصروا على المطالب التي ذكرها الثقات<(‪.)1‬‬
‫أقول‪ :‬فإن صنع الكلباسي هذا مع من زاد في رواية واحدة تكرار عبارة >يا‬
‫زينب<‪ ،‬فماذا سيكون لو سمع بهذا الركام الضخم من األكاذيب عن زينب‬
‫‪‬؟‪ ،‬ولئن قال عامر الجابري ــ من اإلمامية ــ المتخصص في سيرة الحسين‬
‫عن أحد األخبار المختلقة عن مقتل الحسين ‪> :‬يبدو أن مسلسل األحاديث‬
‫الموضوعة حول واقعة الطف ليس له نهاية<(‪ ،)2‬فإني أقول‪> :‬يبدو أن مسلسل‬
‫قلت إن إحصاء األخبار‬‫األحاديث الموضوعة عن زينب ليس له نهاية<‪ ،‬ولئن ُ‬
‫المكذوبة على زينب ‪ ‬أمر ال يدرك‪ ،‬فقد ال أكون مبالغا‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬منتهى اآلمال في تواريخ النبي واآلل‪ ،‬تعريب هاشم الميالني (‪.)829/1‬‬
‫(‪ )2‬أصول المقتل الحسيني (ص ‪.)139‬‬

‫‪477‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫‪ 2‬ــ أسطورة سيب زينب الكربى ‪ ‬ونساء أهل البيت‬


‫تعد قضية سبي نساء أهل البيت من القضايا التي ينطبق عليها المقولة‬
‫الشائعة‪> :‬رب مشهور ال أصل له<‪ ،‬وذلك أن المؤلفات التي كتبت عن مقتل‬
‫الحسين ‪ ‬أو عن سيرة زينب ‪ ‬ال تخلو من ذكر هذه الحكاية‪ ،‬بل إن هذه‬
‫القضية قد كتب فيها مؤلفات مستقلة(‪ ،)1‬وأصل هذه الدعوى أن جيش ابن زياد‬
‫سبى نساء آل البيت وذراري الحسين ومن بقي من أهل البيت ثم أرسلهم إلى‬
‫الشام إلى يزيد‪ ،‬وهذه القضية ورد أصلها في روايات األخباريين وعلى رأسهم‬
‫أبو مخنف‪ ،‬وقررها بعض العلماء المتأخرين في كتبهم‪ ،‬وأقدم من وقفت عليه‬
‫يذكر ذلك هو أبو الفرج ابن الجوزي (‪ 597‬هـ) فقد قال في كتابه >التبصرة<‪:‬‬
‫>قد جمعوا في ظلم الحسين ما لم يجمعه أحد‪ ،‬ومنعوه أن يرد الماء فيمن ورد‪،‬‬
‫وأن يرحل عنهم إلى بلد‪ ،‬وسبوا أهله وقتلوا الولد<(‪ ،)2‬وقد نَسب إليه سبطه عدة‬
‫نصوص في هذا الباب غير أن نسبتها إليه لم تثبت(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقفت منها على ستة كتب وهي‪ :‬سبايا آل محمد لنبيل الحسيني‪ ،‬مسير السبايا ويوم األربعين‬
‫لمحمود الشريفي‪ ،‬ومقتل اإلمام الحسين ومسير السبايا لعبد الزهراء الكعبي‪ ،‬وموكب اإلباء للبيب‬
‫بيضون‪ ،‬وموكب األحزان (سبايا كربالء) لجعفر المهاجر‪ ،‬ومجالس السبايا من كربالء إلى الشام‬
‫من إعداد معهد سيد الشهداء‪.‬‬
‫سبوا< بضم الباء وتشديدها‪ ،‬بمعنى السب‬ ‫(‪ )2‬التبصرة (‪ ،)462/1‬وقد ضبط محقق المطبوع كلمة > ُّ‬
‫سب ْوا< بفتح الباء‪.‬‬
‫وهو غلط والصواب > َ‬
‫(‪ )3‬وقفت على نصين محرفين نسبهما يوسف بن قزواغلي المشهور بسبط ابن الجوزي إلى جده أبي‬
‫الفرج ابن الجوزي‪ ،‬ووقفت على نص ثالث ال أدري مصدره‪.‬‬
‫النص األول‪ :‬نسب سبط ابن الجوزي إلى جده أنه قال في كتاب التبصرة‪> :‬ولما أسلم وحشي‬
‫قاتل حمزة قال له ‪َ > :‬غيِّب وجهك عني فإني ال أحب من قتل األحبة< قال‪ :‬هذا واإلسالم‬
‫أن يرى من ذبح الحسين وأمر بقتله وحمل أهله على‬ ‫يجب ما قبله‪ ،‬فكيف يقدر الرسول‬
‫ُّ‬
‫=‬ ‫أقتاب الجمال؟!<‪ ،‬تذكرة خواص األمة (‪.)560/1‬‬

‫‪478‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫‪...........................................................‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وبعد مراجعة كتاب التبصرة (‪ )16/2‬تبين أن السبط حرف كالم جده وزاد فيه ما ليس منه‪ ،‬فابن‬ ‫=‬
‫الجوزي إنما قال‪> :‬لما أسلم وحشي قال له ‪> :‬غيب وجهك عني<‪ ،‬هذا واهلل والمسلم ال‬
‫أن يبصر من قتل الحسين؟<‪ ،‬وأما زيادة‪:‬‬ ‫يؤاخذ بما كان في الكفر‪ ،‬فكيف يقدر الرسول‬
‫>وأمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال< فليست من كالم ابن الجوزي!‪.‬‬
‫النص الثاني‪ :‬قال سبط ابن الجوزي‪ :‬وذكر جدي في كتاب الرد على المتعصب العنيد‪> :‬إنما‬
‫سبايا على أقتاب‬ ‫العجب من خذالن يزيد وضربه بالقضيب ثناياه‪ ،‬وحمل أهل رسول الل‬
‫الجمال وعزمه أن يدفع فاطمة بنت الحسين إلى الرجل الذي طلبها وإنشاده أبيات الزبعري‪> :‬ليت‬
‫أشياخي ببدر شهدوا<‪ ،‬ورد الرأس إلى المدينة وقد تغيرت رائحته‪ ،‬وما كان مقصوده إال الفضيحة‬
‫وإظهار رائحته للناس‪ ،‬أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟ أليس بإجماع المسلمين أن الخوارج‬
‫والبغاة يكفنون ويصلى عليهم ويدفنون؟ وكذا قول يزيد‪> :‬لي أن أسبيكم< لما طلب الرجل فاطمة‬
‫بنت الحسين‪ ،‬قول ال يقنع لقائله وفاعله باللعنة ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية‬
‫الحترم الرأس لما وصل إليه‪ ،‬ولم يضربه بالقضيب وكفنه ودفنه‪ ،‬وأحسن إلى آل رسول الل ‪،‬‬
‫تذكرة خواص األمة (‪ ،)577/1‬والمثبت في كتاب الرد على المتعصب العنيد (ص ‪ 63‬ــ ‪،)64‬‬
‫أن ابن الجوزي قال‪> :‬إنما العجب من خذالن يزيد وضربه بالقضيب على ثنية الحسين ‪،‬‬
‫تغيرت ريحه لبلوغ الغرض الفاسد‪ ،‬أفيجوز أن يُفعل هذا بالخوارج؟!‬ ‫وإعادته إلى المدينة وقد َّ‬
‫ليس في الشرع أنهم يُصلَّى عليهم ويُدفنون؟! أما قوله‪> :‬لي أن أسبيهم<‪ ،‬فأمر ال يقنع لفاعله‬ ‫َأو َ‬
‫ومعتقده إال اللعنة ولو أنه احترم الرأس حين وصوله إليه‪ ،‬وصلى عليه‪ ،‬ولم يتركه في طشت‪ ،‬ولم‬
‫يضربه بقضيب‪ ،‬ما الذي كان يضره وقد حصل له مقصوده من القتل؟! ولكن أحقاده الجاهلية‬
‫ليت أشياخي ببدر شهدوا<‪ ،‬قلت‪ :‬فشتان بين كالم السبط الذي ينسب‬ ‫ودليلها ما تق َّدم من إنشاده‪َ :‬‬
‫فيه إلى ابن الجوزي وقوع السبي‪ ،‬وبين كالم الجد الذي يتكلم عن استباحة السبي دون وقوعه‪،‬‬
‫فضال عما في كالم السبط من زيادات ليست في أصل كتاب جده وقد ميزتها كلها ووضعت تحتها‬
‫خطا حتى يتبين أن سبط ابن الجوزي كان ال يرى بأسا بالزيادة على كالم جده دون أن ينبه على‬
‫ذلك‪ ،‬وقد وقع غلط فيما نقله السبط أيضا فذكر اسم >فاطمة بنت الحسين ‪ <‬عندما نقل‬
‫الرواية‪ ،‬وكالم ابن الجوزي خال من ذكرها‪ ،‬وقد مضى أنه غلط وأن الوارد في رواية أبي مخنف‬
‫=‬ ‫أنها فاطمة بنت علي ‪.‬‬

‫‪479‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫وأما سبطه أبو المظفر يوسف بن قزاوغلي (‪ 654‬هـ)‪ ،‬فقد قرر ذلك في‬
‫عدة مواضع من كتابه >تذكرة خواص األمة<(‪ ،)1‬وكرر إطالق السبايا على آل‬
‫الحسين في عدة مواضع من كتابه >مرآة الزمان<(‪.)2‬‬
‫وممن ذكر ذلك أيضا محمد بن أحمد األنصاري القرطبي (‪671‬هـ)(‪،)3‬‬
‫وعبد اهلل بن أسعد اليافعي (‪ 768‬هـ)(‪ ،)4‬وأحمد ابن حجر الهيتمي (‪ 974‬هـ)(‪،)5‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫النص الثالث‪ :‬قال سبط ابن الجوزي في كتابه مرآة الزمان (‪ )107/22‬في ترجمة جده ابن‬ ‫=‬
‫الجوزي‪> :‬وسئل عن لعنة يزيد بن معاوية‪ ،‬فقال‪> :‬قد أجاز اإلمام أحمد ــ رحمة اهلل عليه ــ لعنته‪.‬‬
‫ـ سبايا إلى الشام‬ ‫وحمله آل رسول اهلل ـ‬ ‫ونحن نقول‪ :‬ما نحبه لما فعل بابن بنت نبينا‬
‫وتجرئه على اهلل ورسوله ‪ ،‬فإن رضيتم بهذه المصالحة في قولنا‪ :‬ما‬ ‫ُّ‬ ‫على أقتاب الجمال‪،‬‬
‫نحبه‪ ،‬وإال رجعنا إلى أصل الدعوى‪ ،‬يعني جواز لعنته‪ ،‬أما أبوه ففي خفارة الصحبة‪ ،‬فدعوه من‬
‫ــ‪> :‬من دخل دار أبي سفيان فهو آمن<‬ ‫أيديكم‪ ،‬وأنتم في ِح ِّل من االبن‪ .‬وقال رسول اهلل‬
‫وما رآها يزيد قط‪ ،‬ودخلها معاوية<‪ .‬ثم قال‪> :‬ال تدنسوا مجلسنا بذكر من ضرب بالقضيب ثنايا‬
‫فجعلها يزيد غرضا لبلوغ غرضه<<‪.‬‬ ‫كان يقبلها رسول اهلل‬
‫ولم أجد هذا الكالم في كتب ابن الجوزي المطبوعة‪ ،‬وقد نقله عن سبط ابن الجوزي أبو شامة‬
‫المقدسي في الذيل على الروضتين (ص ‪ ،)23‬وبدر الدين العيني في عقد الجمان في تاريخ أهل‬
‫الزمان (‪ ،)142/5‬ومع أن مظنة هذا الكالم هو كتاب الرد على المتعصب العنيد إال أنه خال من ذلك‪.‬‬
‫فتبين بذلك أن سبط ابن الجوزي غير موثوق فيما ينقله عن جده‪ ،‬وسيأتي أمثلة أخرى لنصوص‬
‫محرفة نقلها سبط ابن الجوزي في كتبه‪.‬‬
‫تذكرة خواص األمة (‪.)547/1( ،)544/1( ،)538/1( ،)534/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرآة األعيان (‪،)165/8( ،)160/8( ،)158/8( ،)155/8( ،)150/8( ،)149/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪.)45/10( ،)246/8( ،)171/8( ،)166/8‬‬
‫التذكرة بأحوال الموتى وأمور اآلخرة (ص ‪.)1114‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرآة الجنان (‪.)109/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الصواعق المحرقة (‪ 579/2‬ــ ‪.)580‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪480‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫وقرر ذلك أيضا بعض الكتاب المعاصرين(‪ ،)1‬إال أ َّن المحققين من أهل‬
‫العلم قد أنكروا ذلك وردوه‪.‬‬
‫وأما عند اإلمامية فهذه القضية مستفيضة في كتبهم‪ ،‬فقد ُذكرت مسألة السبي‬
‫َّ‬
‫في رواياتهم(‪ ،)2‬واتفقت كلمتهم على وقوع السبي على آل البيت في كربالء(‪،)3‬‬
‫وال تخلو الكتب المصنفة في مقتل الحسين من تفصيل قضية السبي(‪ ،)4‬ومن‬
‫ذلك ما رواه الطبرسي في خطبة زينب عند يزيد‪ ،‬فنسب إليها أنها قالت‪> :‬أمن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مثل عائشة بنت الشاطئ في كتابها‪ :‬تراجم سيدات بيت النبوة (ص ‪ ،)646‬وعلي أحمد شلبي‬ ‫(‪)1‬‬
‫في كتابه ابنة الزهراء بطلة الفداء (ص ‪.)207‬‬
‫انظر‪ :‬األمالي البن بابويه (ص ‪ )190‬و(ص ‪ ،)192‬و(ص ‪ 229‬ــ ‪ ،)232‬قرب اإلسناد (ص‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ ،)26‬كامل الزيارات (هامش ص ‪ ،)444‬روضة الواعظين (ص ‪ ،)190‬االحتجاج (‪ 34/2‬ــ‬
‫‪ ،)35‬إقبال األعمال (‪ ،)89/ 3‬المزار للمشهدي (ص ‪ ،)505‬بحار األنوار (‪ 58/45‬ــ ‪،)59‬‬
‫و(‪ ،)193/ 45‬مدينة المعاجز (‪ 122/4‬ــ ‪.)123‬‬
‫مروج الذهب (‪ ،)247/3‬مثير األحزان (ص ‪( ،)64‬ص ‪ ،)66‬سبايا آل محمد (ص ‪،)77‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫(ص ‪ ،)214‬الحسين وبطلة كربالء (ص ‪ ،)345‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪)148‬‬
‫الهامش ‪ ،1‬المجالس الحسينية لمحمد جواد مغنية (ص ‪ ،)32‬الخصائص الزينبية (ص ‪،)185‬‬
‫زينب الكبرى للنقدي (ص ‪ )73‬و(ص ‪ ،)113‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪،)154‬‬
‫(ص ‪( ،)321‬ص ‪( ،)428‬ص ‪ 463‬ــ ‪ ،)464‬الشمس الطالعة (‪ ،)93/2‬قاموس الرجال‬
‫(‪ 328/10‬ــ ‪ ،)329‬عقيلة الوحي المطبوع ضمن موسوعة عبد الحسين الموسوي (‪،)2519/6‬‬
‫(‪ ،)2522/6‬مع بطلة كربالء (ص ‪ ،)54‬المجالس الحسينية مغنية (ص ‪ ،)33‬السيدة زينب‬
‫رائدة الجهاد (ص ‪ ،)276‬معالم المدرستين (‪.)157/3‬‬
‫مثير األحزان (ص ‪ 64‬ــ ‪ 66‬ــ)‪ ،‬اللهوف على قتلى الطفوف (ص ‪ ،)78‬ذريعة النجاة (‪ 303‬ــ‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪ 322‬ــ ‪ 352‬ــ ‪ ،)383‬تظلم الزهراء (‪ ،)243‬المنتخب (ص ‪ ،)472‬مقتل اإلمام الحسين لبحر‬
‫العلوم (ص ‪ ،)309‬المجالس السنية في مصائب العترة النبوية (ص ‪ 152‬ــ ‪ 158‬ــ ‪ 166‬ــ‬
‫‪ ،)167‬المقتل الحسيني المأثور (ص‪ ،)193‬سيرة الحسين في الحديث والتاريخ (‪ 89/19‬ــ‬
‫‪ 239/19( ،)97‬ــ ‪.)313‬‬

‫‪481‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك‪ ،‬وسوقك بنات رسول اهلل‬
‫سبايا‪ ،‬قد هتكت ستورهن‪ ،‬وأبديت وجوههن؟<(‪.)1‬‬
‫وزعم ابن طاووس أن نساء آل البيت خرجن >باكيات يمشين سبايا في أسر‬
‫الذلة<(‪.)2‬‬
‫وقال أيضا‪َ > :‬ح َم َل نساءه صلوات اهلل عليه على أحالس أقتاب الجمال بغير‬
‫وطاء مكشفات الوجوه بين األعداء وهن ودائع األنبياء‪ ،‬وساقوهن كما يساق‬
‫سبي الترك والروم في أشد المصائب والهموم<(‪.)3‬‬
‫ونَسب إلى زينب أنها قالت‪> :‬ال تدخلن عربية إال أم ولد أو مملوكة فإنهن‬
‫ُسبين كما ُسبينا<(‪ ،)4‬وزاد في قصة الشامي الذي سأل يزيد أن يهبه فاطمة بنت‬
‫الحسين(‪ ،)5‬فزعم أن الشامي قال ليزيد‪> :‬لعنك اهلل يا يزيد أتقتل عترة نبيك‬
‫وتسبي ذريته‪ ،‬واهلل ما توهمت إال أنهم سبي الروم<(‪.)6‬‬
‫كما أ َّن الكتب المصنفة عن زينب بسطت الكالم عن قضية السبي‪ ،‬يقول‬
‫نور الدين الجزائري‪> :‬لقد بقوا في تلك الخربة أياما لم يزرهم فيها أحد سوى‬
‫الجواري الالتي قد ذقن مرارة األسر ولمسن ذل السبي‪ ،‬وذلك كما أخبرت به‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫االحتجاج (‪ ،)35/2‬وأصل الخبر عند ابن طيفور في بالغات النساء (ص‪ )26‬وليس فيه كلمة‬ ‫(‪)1‬‬
‫قد هتكت ستورهن وأصلحت‬ ‫سبايا‪ ،‬بل جاء عنده أن زينب قالت‪> :‬وسوقك بنات رسول اهلل‬
‫صوتهن مكتئبات تخدى بهن األباعر<‪.‬‬
‫اللهوف على قتلى الطفوف (ص ‪.)78‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اللهوف على قتلى الطفوف (ص ‪.)84‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اللهوف على قتلى الطفوف (ص ‪.)95‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مضى أن الذي في رواية أبي مخنف أنها فاطمة بنت علي ‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫اللهوف على قتلى الطفوف (ص ‪.)109‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪482‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫السيدة زينب بقولها‪> :‬ال يدخلن علي عربية إال أم ولد أو مملوكة فإنهن ُسبين‬
‫وقد ُسبينا<<(‪.)1‬‬
‫ويقول محمد كاظم القزويني‪> :‬لقد جاءوا بالنياق المهزولة لترحيل آل‬
‫رسول اهلل‪ ،‬فال غطاء وال وطاء‪ ...‬وكأنهن سبايا الكفار والمشركين!!<(‪.)2‬‬
‫وقال أيضا‪> :‬ولما أدخلوهن دمشق طافوا بهن في الشوارع المؤدية إلى قصر‬
‫الطاغية يزيد‪ ،‬ومعهن الرؤوس على الرماح‪ ،‬ثم جاؤوا بهن حتى أوقفوهن على‬
‫دكة كبيرة كانت أمام باب المسجد الجامع‪ ،‬حيث كانوا يوقفون سبايا الكفار على‬
‫تلك الدكة‪ ،‬ويعرضونهم للبيع<(‪.)3‬‬
‫كمونة‪:‬‬ ‫وكتبوا في ذلك شعرا كثيرا منه‪ ،‬قول محمد علي آل ّ‬
‫ت األط َِائـــ ِب‬
‫ول َو َح ْيــ َد َرا ‪َ J‬وفَا ِط َمـــ َة ال َّز ْهـــ َر َاء ب ِْنـــ ِ‬ ‫فمــن ُم ِّبلــ ٌغ َع ِّنــي َّ‬
‫الر ُســ َ‬ ‫َ‬
‫(‪)4‬‬
‫الش ـوازِب‬ ‫ات َ‬‫الح َســــ ْي ُن ِع َم ُاد َنــــا ‪َ J‬غ ـ َدا َم ْو ِطئــا لل َْعا ِديَ ـ ِ‬‫بِأَ َّنــــا ُســــبِينَا َو ُ‬
‫وقول محمد باقر اإليراواني‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫اجمِ‬ ‫بَ ـ ْي َن ِ‬
‫الع ـ َدى َت ْب ِكــي بِ ـ َد ْم ٍع َس ـ ِ‬ ‫‪J‬‬ ‫َوا ل َ ْه َف َتــــــ ـ ُاه لِ َز ْي َنــــــ ـ ٍب َم ْســــــ ـب َِّية‬
‫وقول محمد حسين األصفهاني‪:‬‬
‫ُمـــــذْ َســـــلَ ُبوا ِإ َز َار َهـــــا ِخ َم َار َهـــــا‬ ‫‪J‬‬ ‫واســـــ َتلَ ُبوا َيـــــا َو ْيلَ َهـــــا قَ َر َار َهـــــا‬
‫ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)185‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)257‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)374‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)630‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)676‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪483‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ار‬ ‫إل ِْســـ ـالَم ِأَ ُّ‬


‫ي َعـــ ـ َِ‬ ‫َعـــ ـ ٌار َع َلـــ ـى ا َْ‬ ‫‪J‬‬ ‫َو َســــــ ـ ْب ُي ُه ْم َو َدايـــــــ َـع ا ْل ُم ْخ َتــــــ ـا ِر‬
‫(‪)1‬‬ ‫َســـبي بَ َنـــ ِ‬
‫ات ْالـــ َو ْح ِي َوال َّت ْنزِيـــ ِل‬ ‫يَ َكـــــــ ُاد أَ ْن َيـــــــذْ َه َب ِبـــــــا ْل ُع ُقو ِل‬
‫ْ ُ‬ ‫‪J‬‬

‫كما أ َّن المتأخرين والمعاصرين من اإلمامية يذكرون زينب ضمن سبايا‬


‫كربالء(‪.)2‬‬
‫ولم أقف على مخالف من اإلمامية في هذه المسألة إال ما قاله علي الكوراني‬
‫في كالم غريب له‪ ،‬حيث زعم أن المراد بالسبي هو األسر ال االستعباد‬
‫إنكاره لوقوع‬
‫َ‬ ‫واالسترقاق‪ ،‬وذلك في سياق رده على شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫السبي(‪ ،)3‬وهذا ال يستقيم مع النقول الصريحة التي نقلتها من مرويات اإلمامية‪،‬‬
‫فضال عن اتفاق علماء اإلمامية على إثبات واقعة السبي المزعومة‪.‬‬
‫واألمر في روايات األخباريين وأضرابهم من صناع األكاذيب ال يقتصر‬
‫على السبي فقط‪ ،‬بل تعداه إلى ادعاء هتك حرمة نساء آل البيت وكشف أستارهن‬
‫وسلبهن مالبسهن‪ ،‬وقد ُص ِّور هذا في روايات القدماء بصورة مجملة وموجزة‪،‬‬
‫فروى أبو مخنف عن حميد بن مسلم أنه قال‪> :‬ومال الناس على نساء الحسين‬
‫وثَ َقله ومتاعه‪ ،‬فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى ُتغلب عليه ُفيذهب‬
‫به منها<(‪ ،)4‬وأن يزيد >دعا بالنساء والصبيان فأُجلسوا بين يديه‪ ،‬فرأى هيئة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى لجعفر النقدي (ص ‪.)134‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫راجع‪ :‬الخصائص الزينبية (ص ‪ ،)180‬أعيان الشيعة (‪ ،)41/7‬سبايا آل محمد (ص ‪،)77‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الحسين وبطلة كربالء (ص ‪ 56‬ــ ‪ ،)57‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 186‬ــ ‪،)187‬‬
‫(ص ‪ ،)585‬سيرة الحسين في الحديث والتاريخ (‪.)254/19‬‬
‫جواهر التاريخ (‪ 110/4‬ــ ‪ ،)111‬وسيأتي كالمه مع الرد عليه‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ الطبري (‪ ،)453/5‬اإلرشاد (‪.)112/2‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪484‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫قبيحة‪ ،‬فقال‪ :‬قبح اهلل ابن مرجانة! لو كانت بينه وبينكم رحم أو قرابة ما فعل هذا‬
‫بكم‪ ،‬وال بعث بكم هكذا<(‪ ،)1‬لكن روايات من تأخر عن أبي مخنف قد زيد‬
‫فيها فظائع عدة‪ ،‬فنقل ابن طيفور (‪ 280‬هـ) أن زينب قالت ليزيد‪> :‬وسوقك‬
‫قد هتكت ستورهن<(‪ ،)2‬وقال ابن حبان (‪ 354‬هـ)‪> :‬ثم‬ ‫بنات رسول اهلل‬
‫أنفذ عبيد اهلل بن زياد رأس الحسين بن علي إلى الشام مع أسارى النساء والصبيان‬
‫على أقتاب مكشفات الوجوه والشعور<(‪.)3‬‬ ‫من أهل بيت رسول اهلل‬
‫ويقول ِسبط ابن الجوزي‪َ > :‬‬
‫وأخذ ملحفة فاطمة بنت الحسين واح ٌد‪ ،‬وأخذ‬
‫وعروا نساءه وبناته من ثيابهن<(‪.)4‬‬
‫آخر‪ّ ،‬‬
‫ُح ّليها ٌ‬
‫وبالغت روايات المتأخرين من اإلمامية في تفاصيل هذه الواقعة حتى زعم‬
‫الرواة أن نساء آل البيت صرن عرايا!‪.‬‬
‫ثم اشتغلوا بنهب عيال الحسين ونسائه حتى ُتسلب‬
‫يقول ابن نما الحلي > ّ‬
‫المرأة مقنعتها من رأسها أو خاتمها من إصبعها أو قرطها من أذنها وحجلها من‬
‫ِرجلها‪ ،‬وجاء رجل من سنبس إلى ابنة الحسين ‪ ‬وانتزع ملحفتها من رأسها‬
‫وبقين عرايا تناوحهن رياح النوائب وتعبث بهن أكف المصائب<(‪.)5‬‬
‫وقرة عين‬ ‫ويقول أيضا‪> :‬واجتمع الناس للنظر إلى سبي آل الرسول‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاريخ الطبري (‪.)461/5‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بالغات النساء (ص ‪.)36‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الثقات (‪ ،)212/2‬وانظر أيضا (‪.)213/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تذكرة الخواص (ص ‪ ،)228‬طبعة منشورات الشريف الرضي‪ ،‬و(‪ )171/2‬طبعة المجمع‬ ‫(‪)4‬‬
‫العالمي آلل البيت‪.‬‬
‫مثير األحزان (ص ‪ )117‬من طبعة المكتبة الحيدرية‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪485‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫البتول فأشرفت امرأة من الكوفة وقالت‪> :‬من أي األسارى أنتن؟<‪ ،‬فقلن‪> :‬نحن‬
‫أسارى محمد <‪ ،‬فنزلت وجمعت مالءا وإزارا ومقانع وأعطتهن فتغطين<(‪.)1‬‬
‫وقال ابن طاووس‪> :‬أُخرج النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار فخرجن‬
‫(‪)2‬‬
‫وسيِّر حرم رسول اهلل من العراق إلى‬
‫حواسر مسلبات حافيات< ‪ ،‬وقال أيضا‪ُ > :‬‬
‫الشام على األقتاب مكشفات الوجوه بين األعداء وبين أهل االرتياب<(‪.)3‬‬
‫ونقل المجلسي عن بعض الكتب رواية ورد فيها‪> :‬ونساؤه سبايا‪ ،‬حفاة‬
‫عرايا<(‪ ،)4‬ونسبوا إلى أم كلثوم بنت علي ‪ ‬أنها أنشدت‪:‬‬
‫ول اهلل ِ أَ ْضـــ َح ْوا ‪َ J‬عرايــــــ ـا ِبــــــ ـالطُّ ِفو ِ‬
‫ف ُم َســــــ ـلَّبِينَا‬ ‫َو َر ْه ُطـــ َك َيـــا َر ُســـ َ‬
‫َ َ‬
‫ونقل المجلسي عن بعض الكتب أن فاطمة بنت الحسين قالت لزينب‪:‬‬
‫عمتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النُّ َّظار<؟ فقالت‪> :‬يا بنتاه‬
‫>>يا َّ‬
‫وعمتك مثلك< فرأيت رأسها مكشوفة<(‪.)5‬‬
‫َّ‬
‫وتفنن بعض الكتاب اإلمامية المعاصرين في تفصيل واقعة السبي‪ ،‬فيقول‬
‫بنهب ما في‬ ‫الكاتب اإلمامي محمد قانصو‪> :‬لم يكتف أعداء اهلل ورسوله‬
‫فسلبوا ما عليهن من مقانع ولباس‬ ‫المعسكر‪ ،‬بل عمدوا إلى نساء الرسول‬
‫حتى كشفوا رؤوسهن وشيئا من أجسادهن‪.)6(<...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مثير األحزان (ص ‪ ،)66‬ومثله في اللهوف في قتلى الطفوف البن طاووس (ص ‪.)85‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اللهوف على قتلى الطفوف (ص ‪ ،)78‬بحار األنوار (‪.)58/45‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف (ص ‪.)166‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫بحار األنوار (‪.)346/4‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫بحار األنوار (‪)61/45‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫ما بعد كربالء (ص ‪.)44‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪486‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ويقول أيضا‪> :‬ولقد استمرت نساء الرسالة هكذا مكشوفات األستار قد‬
‫ُهتكت حرمتهن طوال يوم عاشوراء والذي يليه حتى وصلوا مشارف الكوفة‪...‬‬
‫فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت من أي األسارى أنتن؟ فقلن نحن أسارى‬
‫محمد ‪ ،‬فنزلت من سطحها وجمعت مالء وأُزرا ومقانع فأعطتهن فتغطين‪..‬‬
‫ومن الواضح أن المقانع تستر الرأس‪ ،‬واألزر تستر ما تحت السرة‪ ،‬والمالء ما‬
‫توضع على الرأس إلى أسفل الجسد مما يعني أن بنات الرسالة كن يفتقدن هذه‬
‫األلبسة‪ ،‬أو كانت عليهن ممزقات إلى حين أعطتهن إياها هذه المرأة الكوفية(‪،)1‬‬
‫ومع هذه الثياب التي وصلتهم فإن بنات الرسالة بقين مكشوفات الوجوه طوال‬
‫مدة السبي<(‪.)2‬‬
‫فع َد ْوا على المخيم لنهب‬
‫ويقول محمد جعفر الطبسي‪> :‬بل جاوزوا المدى َ‬
‫بسلب ما عليهن من حلي وحجاب بصورة‬ ‫ما فيه ولهتك ستر حرم رسول اهلل‬
‫أبي غيور<(‪.)3‬‬
‫فجيعة يندى لها جبين كل ٍّ‬
‫وقال نبيل الحسيني‪> :‬فهاهن بنات علي بن أبي طالب تتقدمهن زينب بنت‬
‫فاطمة الزهراء ‪ ‬وهن مكشوفات الرؤوس<(‪.)4‬‬
‫وقال محمد كاظم القزويني‪> :‬لقد جاءوا بالنياق المهزولة لترحيل آل رسول‬
‫اهلل ‪ ،‬فال غطاء وال وطاء<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫قلت‪ :‬حاشا نساء آل البيت عن هذا الوصف المخزي الذي صوره بهن‪ ،‬وال تستغرب فهذا مآل‬ ‫(‪)1‬‬
‫روايات األخباريين‪.‬‬
‫ما بعد كربالء (ص ‪.)45‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة (‪.)55/5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫(ص ‪.)77‬‬ ‫سبايا آل محمد‬ ‫(‪)4‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)257‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪487‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ثم جاؤوا بهن حتى أوقفوهن على دكة كبيرة كانت أمام باب‬‫وقال أيضا‪ّ > :‬‬
‫المسجد الجامع‪ ،‬حيث كانوا يوقفون سبايا الكفار على تلك الدكة‪ ،‬ويعرضونهم‬
‫للبيع‪ ،‬ليتفرج عليهم المصلون لدى دخولهم إلى المسجد وخروجهم منه‪ ،‬وبذلك‬
‫يختاروا من يريدونه لالستخدام ويشتروه<(‪.)1‬‬
‫ويقول جعفر مرتضى العاملي‪> :‬إ ّن هذا السبي للنساء وحملهن على أقتاب‬
‫الجمال‪ ،‬والطواف بهن في البالد‪ ،‬وقد هتكت ستورهن‪ ،‬وأبديت وجوههن ال‬
‫ربط له بالحصول على الملك…<(‪.)2‬‬
‫ولما صارت هذه القضية بهذا المنزلة واألهمية وفشت وانتشرت في الكتب‬
‫المصنفة في مقتل الحسين وسيرة زينب‪ ،‬فضال عما فيها من اإلزراء على آل بيت‬
‫وخاصة زينب الكبرى ‪ ‬كان البد من بحث هذه المسألة وبيان‬ ‫الرسول‬
‫بطالنها‪.‬‬
‫وال يظنن ظان أن الغاية من بحث هذه القضية هو تبرئة ابن زياد أو يزيد من‬
‫اإلساءة إلى آل البيت‪ ،‬بل إنما نريد تنزيه آل البيت من دعوى وقوع السبي على‬
‫نسائهم‪ ،‬والمقصود هو التفصيل في بيان عدم ثبوت هذه الواقعة وكونها من‬
‫األباطيل التي راجت في كتب األخباريين‪ ،‬وتتأكد أهمية تفنيد هذه األسطورة لما‬
‫صار لها من التبعات التي رأيناها في أيامنا‪ ،‬خاصة حين صار بعضهم يتخذ هذه‬
‫القصة شعارا إلذكاء الصراعات بين عامة المسلمين وإصباغها لباسا طائفيا‪،‬‬
‫ورأينا من يطلق شعار >لن تسبى زينب مرتين< ويتخذه ذريعة لتبرير أغراضه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)374‬‬
‫(‪ )2‬سيرة الحسين في الحديث والتاريخ (‪.)258/19‬‬

‫‪488‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫الطائفية التي أدت إلى تأجيج الفتنة في األمة وكانت من أسباب تمزيقها‪ ،‬وبما‬
‫أن أمر هذه القضية قد بلغ هذا المبلغ الخطير كان ال بد من تسليط الضوء عليها‬
‫وبيان الحقيقة الغائبة عمن انخدع بتلك الشعارات الزائفة‪ ،‬ثم إنني لم أقف ــ بعد‬
‫فصل الرد على أسطورة سبي نساء آل البيت ودرس الروايات‬ ‫طول البحث ــ عمن َّ‬
‫الواردة في هذا الباب سندا ومتنا‪ ،‬وجل ما وقفت عليه هو كالم مجمل لشيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية عن هذه المسألة‪ ،‬وتبعه عليها سائر من تكلم في قضية السبي‪،‬‬
‫فكان هذا داعيا آخر لبحث هذه المسألة بصورة مفصلة‪.‬‬
‫* المسألة األولى‪ :‬نقد الروايات التي ورد فيها أمر السبي‬
‫أصل قضية السبي ورد ابتداء في >مقتل الحسين< الذي صنفه أبو مخنف‪،‬‬
‫وورد أيضا في أخبار غير أبي مخنف‪ ،‬وهذه األخبار بعضها ورد فيه ذكر زينب‬
‫‪ ،‬وبعضها لم تذكر فيه زينب‪ ،‬وإنما يذكر فيه نساء آل البيت دون تعيين‪،‬‬
‫فقمت بدراسة هذه األخبار كلها سواء ما ورد فيه التصريح بذكر زينب أم لم يرد‬
‫فيه‪ ،‬ألن زينب مشمولة بالروايات الواردة في أخبار نساء آل البيت اللواتي كن‬
‫مع الحسين في كربالء على ما رواه أبو مخنف‪ ،‬فكان التعرض لها واجبا لغلق‬
‫باب االعتراض والستيفاء ما ورد في هذا الباب‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫أ ــ دراسة مرويات األخباريين في السبي‬
‫وردت مسألة السبي في روايات أبي مخنف في ثالثة مواضع‪:‬‬
‫ــ الرواية األولى‪ :‬من قول زينب ‪ ‬حين قتل الحسين ‪ ،‬فنسب إليها‬
‫أبو مخنف أنها ندبته بكالم قالت فيه‪> :‬يا محمداه! وبناتك سبايا‪.)1(<...،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪ ،)456/5‬ونقل ابن سعد هذا الخبر باختصار (‪.)445/6‬‬

‫‪489‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫فصلت الكالم عن بطالن هذه الرواية فيما سلف من الكالم عن نقد‬‫وقد ّ‬


‫مرويات أبي مخنف عن زينب ‪ ،‬وبينت أوجه الخلل في سندها ومتنها فراجعه(‪.)1‬‬
‫ــ الرواية الثانية‪ ،‬روى أبو مخنف عن فاطمة بنت علي ‪ ‬أنها قالت‪> :‬إ ّن‬
‫رجال شاميا قال ليزيد بن معاوية‪> :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬هب لي هذه<‪ ،‬يعنيني‪،‬‬
‫وفرقت‪ ،‬وظننت أن ذلك جائز لهم‪ ،‬وأخذت‬ ‫ُ‬ ‫فأرعدت‬
‫ُ‬ ‫وكنت جارية وضيئة ــ‬
‫ُ‬
‫بثياب أختي زينب‪ ،‬قالت‪ :‬وكانت أختي زينب أكبر مني وأعقل‪ ،‬وكانت تعلم أن‬
‫ذلك ال يكون‪ ،‬فقالت‪> :‬كذبت واهلل ولؤمت! ما ذلك لك وله<‪ ،‬فغضب يزيد‪،‬‬
‫لفعلت<‪ ،‬قالت‪> :‬كال‬‫ُ‬ ‫شئت أن أفعله‬
‫ت واهلل‪ ،‬إن ذلك لي‪ ،‬ولو ُ‬ ‫فقال‪> :‬كذب ِ‬
‫واهلل‪ ،‬ما جعل اهلل ذلك لك إال أن تخرج من ملتنا‪ ،‬وتدين بغير ديننا‪.)2(<...‬‬

‫وأثبت بطالن سندها‬


‫ُ‬ ‫وقد مضى تفصيل الكالم أيضا عن هذه الرواية‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ثم إنها ليست دالة على وقوع السبي وغاية ما تثبته أن يزيد كان يستبيح‬
‫ومتنها ‪ّ ،‬‬
‫سبي آل البيت‪ ،‬أما إثبات وقوع السبي بهذه الرواية فممنوع‪ ،‬فلو كان السبي واقعا‬
‫على فاطمة بنت علي لما تردد يزيد في أن يهبها لمن يشاء‪ ،‬ولما منعه اعتراض‬
‫زينب عليه عن ذلك‪ ،‬بل إن الرواية تزعم أن الشامي لما عاود يزيد‪ ،‬وكرر طلبه‬
‫أن يهبه فاطمة بنت علي‪ ،‬زجره يزيد‪ ،‬فأين السبي هنا؟ غاية ما يقال إن مضمون‬
‫هذه الرواية الباطلة أن الرجل الشامي كان يظن نساء أهل البيت من السبايا‪ ،‬فطمع‬
‫في أخذ إحداهن‪ ،‬فلما اعترضت زينب بكالم فيه قوة وهي في مجلس يزيد‪ ،‬أراد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر (ص ‪.)346‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ ،)461/5‬وقد روى خالد بن يزيد القسري هذه القصة مختصرة كما في تاريخ‬
‫الطبري (‪ )390/5‬وقد مضى أنه إنما أخذ كل أخباره من أبي مخنف‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر (ص ‪.)357‬‬

‫‪490‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫يزيد إهانتها وكسر خاطرها بجوابه لها بأن له أن يهب فاطمة للشامي إن شاء‪ ،‬ولذا‬
‫كان آخر كالم زينب‪> :‬أنت أمير مسلط‪ ،‬تشتم ظالما‪ ،‬وتقهر بسلطانك< ألنه قد‬
‫قهرها بكالمه‪ ،‬فمن اخترع هذه الرواية أراد من سرد هذه القصة إثبات ظلم يزيد‬
‫الم َّدعى‪،‬‬
‫وتجبره‪ ،‬ولم يرد إثبات السبي قطعا‪ ،‬فال داللة في هذه الرواية على ُ‬
‫ومع ذلك فالعجب ممن يستدل بهذه الرواية على وقوع السبي‪ ،‬ألنها مناقضة‬
‫لذلك كما هو ظاهر لكل ناظر‪.‬‬
‫ــ الرواية الثالثة‪ :‬رواها أبو مخنف عن القاسم بن بخيت‪ ،‬قال‪> :‬لما أقبل‬
‫وفد أهل الكوفة برأس الحسين دخلوا مسجد دمشق‪ ،‬فقال لهم مروان بن الحكم‪:‬‬
‫>كيف صنعتم؟< قالوا‪> :‬ورد علينا منهم ثمانية عشر رجال‪ ،‬فأتينا واهلل على‬
‫آخرهم‪ ،‬وهذه الرؤوس والسبايا<<(‪.)1‬‬
‫وليس حال هذه الرواية بأحسن من بقية الروايات‪ ،‬فإ ّن في إسنادها عدة‬
‫علل‪:‬‬
‫ــ عبد الل الثمالي وشيخه القاسم بن بخيت ــ راوي القصة ــ‪ :‬لم أقف لهما‬
‫على ترجمة‪ ،‬وقال عنهما الشيخ أكرم بن محمد‪> :‬لم أعرفه‪ ،‬وال الراوي عنه‪،‬‬
‫ولم أجد لهما تراجم<(‪.)2‬‬
‫ــ أبو حمزة الثمالي‪ :‬أجمع أهل الحديث على ضعفه واطراح حديثه‪ ،‬فقال‬
‫عنه أحمد ويحيى بن معين‪> :‬ليس بشيء<‪ ،‬وقال أبو حاتم‪> :‬لين الحديث‪،‬‬
‫يكتب حديثه‪ ،‬وال يحتج به<‪ ،‬وقال النسائي‪> :‬ليس بثقة<‪ ،‬وقال الدارقطني‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪ ،)465/5‬تاريخ دمشق (‪.)85/62‬‬
‫(‪ )2‬المعجم الصغير لرواة اإلمام ابن جرير الطبري (‪.)459/2‬‬

‫‪491‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫>متروك<(‪ ،)1‬وقال ابن حماد‪> :‬ليس بثقة<(‪ ،)2‬وقال أبو زرعة الرازي‪> :‬واهي‬
‫الحديث<(‪ ،)3‬ولذا قال الذهبي‪> :‬متفق على ضعفه<(‪ )4‬وهذا كله مع غض الطرف‬
‫عن حال أبي مخنف‪ ،‬فالبالء في هذا الخبر والخبرين اللذين قبله منه قطعا‪.‬‬
‫وأما متنها فليس فيه داللة على وقوع السبي‪ ،‬وغاية ما يقال‪ :‬إن هذا القائل‬
‫ومن معه من جيش ابن زياد تصور أ ّن نساء الحسين المأسورات في حكم السبايا‪،‬‬
‫وأنه ومن معه كانوا يستبيحون ذلك‪ ،‬وأما وقوع السبي على أهل البيت فال يدل‬
‫عليه‪ ،‬فال داللة في الخبر على م ّدعى السبي‪.‬‬
‫ــ الرواية الرابعة‪ :‬خبر مروي عن فاطمة بنت الحسين‬
‫وقد ورد من طريقين‪:‬‬
‫األول‪ :‬قال الطبري‪> :‬قال هشام‪ :‬وأما عوانة بن الحكم الكلبي فإنه قال‪:‬‬
‫ثم إنهن أدخلن على يزيد‪،‬‬‫لما قتل الحسين وجيء باألثقال واألسارى‪ّ ...‬‬
‫فقالت فاطمة بنت الحسين ــ وكانت أكبر من سكينة‪> :‬أبنات رسول اهلل سبايا يا‬
‫يزيد؟< فقال يزيد‪> :‬يا ابنة أخي‪ ،‬أنا لهذا كنت أكره<‪.)5(<...‬‬
‫وذكر ابن سعد هذا الخبر بلفظ آخر فقال‪> :‬أتى يزيد بن معاوية بثقل الحسين‬
‫ومن بقي من أهله ونسائه‪ ،‬فأُدخلوا عليه قد قرنوا في الحبال‪ ،‬فوقفوا بين يديه‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تهذيب التهذيب (‪.)7/2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الكامل في الضعفاء (‪.)567/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الضعفاء ألبي زرعة الرازي المطبوع ضمن كتاب أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية‬ ‫(‪)3‬‬
‫(‪.)428/2‬‬
‫ديوان الضعفاء برقم (‪.)684‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)464/5‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪492‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫لو رآنا‬ ‫فقال له علي بن حسين‪> :‬أنشدك باهلل يا يزيد‪ ،‬ما ظنك برسول اهلل‬
‫وعرف‬‫مقرنين في الحبال‪ ،‬أما كان يرق لنا؟<‪ ،‬فأمر يزيد بالحبال فقطعت‪ُ ،‬‬
‫االنكسار فيه‪ ،‬وقالت له سكينة بنت حسين‪> :‬يا يزيد‪ ،‬أبنات رسول اهلل‬
‫سبايا؟<‪ ،‬فقال‪> :‬يا بنت أخي‪ ،‬هو واهلل علي أشد منه عليك‪.)1(<<...‬‬
‫الثاني‪ :‬روى أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن عن محمد بن علي بن‬
‫الحسين المشهور بالباقر‪ :‬أنه قال‪> :‬أُدخلنا على يزيد بن معاوية ونحن اثنا عشر‬
‫غالما مغللين في الجوامع وعلينا قمص‪ ،‬فقال يزيد‪> :‬أحرزتم أنفسكم لعبيد أهل‬
‫العراق واهلل ما علمت بخروج أبي عبد اهلل حين خرج وال بقتله حين قتل<‪....‬‬
‫فقالت فاطمة بنت الحسين‪> :‬يا يزيد أبنات رسول اهلل سبايا؟< قال‪ :‬فبكى حتى‬
‫كادت نفسه تخرج وبكى أهل الدار حتى علت أصواتهم‪ ،‬ثم قال‪> :‬خلوا عنهم‬
‫واذهبوا بهم إلى الحمام فاغسلوهم واضربوا عليهم القباب< ففعلوا‪ ،‬وأمال عليهم‬
‫ثم قال‪> :‬لو كان بينه وبينهم نسب ما‬
‫المطبخ وكساهم وأخرج لهم جوائز كثيرة َّ‬
‫قتلهم<‪ ،‬يعني ابن زياد ثم رجعوا إلى المدينة<(‪.)2‬‬
‫وذكر ابن عبد ربه هذا الخبر‪ ،‬فقال‪> :‬قالت فاطمة ابنة الحسين‪ :‬يا يزيد‪،‬‬
‫سبايا؟ قال‪ :‬بل حرائر كرام<(‪.)3‬‬ ‫أبنات رسول اهلل‬
‫والكالم في هذه الرواية يقع في سندها ومتنها‪:‬‬
‫أما السند‪ ،‬فإنه ال يثبت‪ ،‬فإن الراوي عن عوانة بن الحكم‪ ،‬هو هشام بن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (‪.)448/6‬‬
‫(‪ )2‬المحن ألبي العرب (ص ‪ ،)156‬المسائل العقدية من كتاب الروايتين والوجهين (ص ‪،)102‬‬
‫وانظر اإلمامة والسياسة المنحول على ابن قتيبة (‪.)6/2‬‬
‫(‪ )3‬العقد الفريد (‪.)132/5‬‬

‫‪493‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫محمد الكلبي متهم بالكذب(‪ ،)1‬فضال عن أن عوانة لم يذكر إسنادا لهذا الخبر‪،‬‬
‫وبينه وبين الواقعة قريب من مائة سنة‪ ،‬وعليه فال عبرة بهذا الخبر‪.‬‬
‫وأما لفظ ابن سعد فال يدرى عمن رواه ألنه روى قصة مقتل الحسين بإسناد‬
‫جمعي كما مضى‪.‬‬
‫وأما رواية الباقر فسندها فيه لين من جهة أبي معشر كما مضى‪ ،‬فالخبر ال‬
‫يرتقي إلى الصحة‪.‬‬
‫وأما متن رواية عوانة ففيه ما يشهد بكذبه وافتراء واضعه‪ ،‬فقد نسب إلى‬
‫سكينة بنت الحسين أنها قالت‪> :‬ما رأيت رجال كافرا باهلل خيرا من يزيد بن‬
‫معاوية‪ ،<<...‬وهذا كذب مقطوع به‪ ،‬فلم ينقل عن أحد من أهل البيت وال عن‬
‫الصحابة ‪ ‬أنه نسب يزيد إلى الكفر‪ ،‬بل هذا غلو ظاهر من واضع هذا الخبر‪،‬‬
‫ﲧﲩﲪﲫ‬ ‫ﲨ‬ ‫وقد قال اهلل تعالى‪{ :‬ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬
‫ﲬ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ} [المائدة‪.]8 :‬‬ ‫ﲭ‬

‫ثم إ َّن الخبر ليس صريحا في وقوع السبي‪ ،‬بدليل ما جاء في رواية ابن عبد‬
‫ّ‬
‫ربه من قول يزيد‪> :‬بل حرائر كرام<‪ ،‬فلو كان نساء آل البيت سبايا العتذر لهن‬
‫يزيد عما وقع لهن‪ ،‬وألخبرهن بارتفاع السبي عنهن‪ ،‬فكيف وهو يخبرهن بأنهن‬
‫لسن سبايا بل حرائر!‪.‬‬
‫ثم إ ّن بقية الخبر ورد فيه إكرام يزيد آلل البيت‪ ،‬فقد جاء في هذا الخبر أن‬
‫ّ‬
‫نساء آل البيت >أُخرجن فأُدخلن دار يزيد بن معاوية‪ ،‬فلم تبق امرأة من آل يزيد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مضى الكالم عنه بتفصيل (انظر ص ‪.)269‬‬

‫‪494‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫إال أتتهن‪ ،‬وأقمن المأتم‪ ،‬وأرسل يزيد إلى كل امرأة‪> :‬ماذا أُخذ لك؟<‪ ،‬وليس‬
‫منهن امرأة تدعي شيئا بالغا ما بلغ إال قد أضعفه لها<(‪.)1‬‬
‫وعند ابن عبد ربه أن يزيد قال لفاطمة بنت الحسين ‪> :‬ادخلي على‬
‫بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلن‪ ،‬قالت فاطمة‪> :‬فدخلت إليهن‪ ،‬فما‬
‫وجدت فيهن سفيانية إال متل ّدمة تبكي<<(‪ ،)2‬فهل هكذا يعامل السبايا؟‪.‬‬
‫وعلى هذا يحتمل أن يكون معنى قول فاطمة بنت الحسين ليزيد >أبنات‬
‫سبايا؟< هو‪ :‬استنكارها لحمل نساء آل البيت من الكوفة إلى‬ ‫رسول اهلل‬
‫الشام وهن مأسورات على الهيئة التي يُعامل بها السبايا‪ ،‬ويؤيده ما جاء في أول‬
‫الخبر عن محمد بن علي الباقر أنهم أُدخلوا على يزيد واألغالل في أيديهم‬
‫وأعناقهم‪ ،‬وهذه هي الصفة التي يؤتى بها بالسبي‪ ،‬فالظاهر أن فاطمة بنت الحسين‬
‫أرادت أن تبين أن إدخالهم بهذه الصورة على يزيد هو شبيه بما يُصنع بالسبايا‪،‬‬
‫وليس أنهن صرن سبايا حقيقة‪ ،‬وهذا على تقدير صحة الخبر‪.‬‬

‫ب ــ التنبيه على نصوص مختلقة ومحرفة من عمل سبط ابن الجوزي‬


‫مضى أن كل ما يروى عن سبي آل البيت ال يصح‪ ،‬وأصله كذب وزور‪،‬‬
‫وقد وقفت أثناء البحث على الروايات التي ورد فيها أمر السبي في كتب التاريخ‬
‫على عدة روايات منسوبة إلى مصادر تاريخية قديمة‪ ،‬تفرد بها سبط ابن الجوزي‪،‬‬
‫وثبت لي بعد مراجعة مصادر تلك النصوص أن البالء فيها من سبط ابن الجوزي‬
‫عفا اهلل عنا وعنه‪ ،‬فأحببت التنبيه عليها حتى ال يُظن أن هذه الروايات لها أصل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪ 463/5‬ــ ‪.)464‬‬
‫(‪ )2‬العقد الفريد (‪.)132/5‬‬

‫‪495‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫في المصادر التاريخية وقد وقفت على أربعة أمثلة‪:‬‬


‫المثال األول‪ :‬وهو من أغرب ما وقفت عليه في هذا الباب‪ ،‬وهو ما نسبه‬
‫سبط ابن الجوزي إلى عبد الملك بن هشام صاحب >السيرة<‪ ،‬فادعى أنه روى‬
‫رواية عما وقع لنساء آل البيت بعد مقتل الحسين فقال‪> :‬وذكر عبد الملك بن‬
‫هشام(‪ )1‬في كتاب >السيرة<‪ ،‬ثم ساق سنده إلى كتاب >سيرة ابن هشام< ونسب‬
‫إليه أنه قال‪> :‬لما أنفذ ابن زياد رأس الحسين ‪ ‬إلى يزيد بن معاوية مع األسارى‬
‫على‬ ‫ُموثَقين في الحبال‪ ،‬منهم نساء وصبيان وصبيات من بنات رسول اهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم ذكر قصة ظاهرة‬ ‫أقتاب الجمال موثقين‪ ،‬مكشفات الوجوه والرؤوس< ‪ّ ،‬‬
‫االختالق‪.‬‬
‫وابن هشام بريء من هذا الخبر قطعا‪ ،‬فليس له أثر في سيرته‪ ،‬فضال عن‬
‫وتنتهي عند وفاته ‪،‬‬ ‫أن >سيرة ابن هشام< إنما اختصت بأخبار النبي‬
‫دخل مقتل الحسين ‪ ‬بالسيرة النبوية؟!‪.‬‬
‫فما ُ‬
‫المثال الثاني‪ :‬قال سبط ابن الجوزي‪> :‬وقال ابن سعد‪> :‬بعث يزيد بالسبايا‬
‫والرأس إلى عمرو بن سعيد‪ ،‬فقام خطيبا فذكر للناس أمر الحسين<‪.)3(<...‬‬
‫وعند مراجعة >الطبقات< البن سعد نجد أن كالمه خال من ذكر كلمة‬
‫السبايا‪ ،‬حيث قال‪> :‬وبعث يزيد برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد بن‬
‫العاص‪ ....،‬ثم خرج عمرو بن سعيد إلى المنبر‪ ،‬فخطب الناس‪ ،‬ثم ذكر حسينا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في طبعتي طهران (ص ‪ ،)263‬وقم (ص ‪ ،)236‬عبد الملك بن هاشم‪ ،‬وهو غلط والصواب‬
‫ابن هشام كما في طبعة مكتبة الثقافة الدينية (ص ‪.)542‬‬
‫(‪ )2‬تذكرة خواص األمة (ص ‪.)236‬‬
‫(‪ )3‬مرآة الزمان (‪.)166/8‬‬

‫‪496‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫وما كان من أمره‪.)1(<...‬‬


‫المثال الثالث‪ :‬قال سبط ابن الجوزي‪> :‬قال يونس بن حبيب الجرمي‪:‬‬
‫>كان يزيد بن معاوية قد تغير على ابن زياد‪ ،‬وسببه أن ابن زياد لما قتل الحسين‬
‫وبني أبيه‪ ،‬وبعث برؤوسهم والسبايا إلى يزيد‪ُ ،‬س َّر بقتلهم أوال‪ ،‬وحسنت حالة‬
‫ابن زياد عنده‪ ،‬ثم لم يلبث إال يسيرا‪ ،‬فندم على قتل الحسين ‪.)2(<<...‬‬
‫وهذا الخبر مأخوذ من >تاريخ الطبري< وهو خال من ذكر كلمة السبايا!‪،‬‬
‫فقد روى أبو جعفر الطبري بسنده عن >يونس بن حبيب الجرمي قال‪> :‬لما قتل‬
‫الحسين بن علي وبني أبيه‪ ،‬بعث برءوسهم إلى يزيد بن معاوية‪،‬‬
‫َ‬ ‫عبي ُد اهلل بن زياد‬
‫وحسنت بذلك منزلة عبيد اهلل عنده‪ ،‬ثم لم يلبث إال قليال حتى‬
‫فس َّر بقتلهم أوال‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫ندم على قتل الحسين‪. <<...‬‬
‫المثال الرابع‪ :‬قال سبط ابن الجوزي‪> :‬قيل للحسن(‪> :)4‬يا أبا سعيد‪،‬‬
‫لكأنك راض عن أهل الشام؟< فقال‪> :‬قبحهم اهلل‪ ،‬أليس هم الذين هدموا الكعبة‬
‫؟ وحملوا‬ ‫وأحرقوها؟‪ ،‬وأباحوا المدينة ثالثا؟‪ ،‬وهتكوا حرم رسول اهلل‬
‫أهله سبايا إلى الشام؟ وفعلوا وفعلوا؟! ثم قرأ اآلية‪{ :‬ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬
‫ﲬ ﲭ} [الرعد‪.)5(<<]25 :‬‬
‫وأصل الخبر في تاريخ الطبري دون ذكر السبايا‪ ،‬فجاء عنده أن الحسن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطبقات البن سعد (‪.)450/6‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرآة الزمان (‪.)246/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)506/5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫هو الحسن البصري‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مرآة الزمان (‪.)249/10‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪497‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫البصري قال‪>> :‬أنا راض عن أهل الشام؟ قبحهم اهلل وبرحهم!‪ ،‬أليس هم الذين‬
‫أحلوا حرم رسول اهلل ؟‪ ،‬يقتلون أهله ثالثة أيام وثالث ليال!‪ ،‬قد أباحوهم‬
‫ألنباطهم وأقباطهم‪ ،‬يحملون الحرائر ذوات الدين‪ ،‬ال يتناهون عن انتهاك حرمة‪،‬‬
‫ثم خرجوا إلى بيت اهلل الحرام‪ ،‬فهدموا الكعبة‪ ،‬وأوقدوا النيران بين أحجارها‬
‫وأستارها‪ ،‬عليهم لعنة اهلل وسوء الدار<(‪.)1‬‬
‫ولم يقتصر األمر على الروايات التاريخية‪ ،‬فلقد وقفت على مثال خامس‬
‫لكالمٍ نسبه سبط ابن الجوزي للغزالي وهو بريء منه‪:‬‬
‫فمن غرائب نقوالت سبط ابن الجوزي‪ ،‬نقلُه عن أبي حامد الغزالي أنه‬
‫قال‪> :‬وقد زعمت طائفة أن يزيد بن معاوية لم يرض بقتل الحسين‪ ،‬وادعوا أن قتله‬
‫وقع غلطا‪ ،‬قال‪ :‬وكيف يكون هذا وحال الحسين ال يحتمل الغلط لما جرى من قتاله‬
‫ومكاتبة يزيد إلى ابن زياد بسببه وحثه على قتله ومنعه من الماء وقتله عطشانا وحمل‬
‫رأسه وأهله سبايا عرايا على أقتاب الجمال‪ ...‬هذا صورة كالم الغزالي<(‪.)2‬‬
‫كذا قال ونقل!‪ ،‬ووجه الغرابة في قوله‪> :‬هذا صورة كالم الغزالي< ألن‬
‫هذا يوهم أن ما نقله هو كالم الغزالي بال زيادة ونقصان‪ ،‬بينما واقع الحال خالف‬
‫ذلك ألمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬إن مصدر هذا النص هو كتاب >سر العالمين< المعروف عند‬
‫المحققين أنه منحول على الغزالي(‪ ،)3‬ومع غض النظر عن عدم صحة نسبة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)588/6‬‬
‫(‪ )2‬تذكرة خواص األمة (ص‪.)65‬‬
‫(‪ )3‬لم يتنبه بعض أهل العلم ألمر كتاب السر فنسبوه إلى أبي حامد الغزالي‪ ،‬لكن المحققين منهم على=‬

‫‪498‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫الكتاب إلى الغزالي‪ ،‬فإن النص المثبت في >سر العالمين< خال من ذكر السبي!‪،‬‬
‫حيث يقول مؤلفه‪> :‬إنما الذين بعدهم طائفة‪ ،‬يزعم أن يزيد لم يكن راضيا بقتل‬
‫الحسين‪ ،‬فسأضرب لك مثال في ملكين اقتتال‪ ،‬فملك أحدهما‪ ،‬أفتراه يقتله‬
‫العسكر على غير اختيار صاحبها إال غلطا؟‪ ،‬ومثل الحسين ال يحتمل حاله‬
‫الغليظة لما جرى من القتال والعطش وحمل الرأس إجماعا من جماهير‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بطالن نسبة كتاب سر العالمين إلى الغزالي‪ ،‬وأول من وقفت عليه يرتاب في أمر هذا الكتاب هو‬ ‫=‬
‫اإلمام الذهبي حيث احتمل أن يكون من وضع سبط ابن الجوزي‪ ،‬فقال بعدما نقل عن كتاب‬
‫رياض األفهام لسبط ابن جوزي أنه نقل كالما عن الغزالي في سر العالمين‪> :‬هذا إن لم يكن هذا‬
‫وضع هذا‪ ،‬وما ذاك ببعيد‪ ،‬ففي هذا التأليف باليا ال تتطبب<‪ ،‬سير أعالم النبالء (‪،)328/19‬‬
‫يعني أنه لم يستبعد أن يكون سبط ابن الجوزي وضع كتاب سر العالمين على الغزالي‪ ،‬غير أنني‬
‫أستبعد ذلك لركاكة الكتاب وكون أسلوبه أدنى من أسلوب سبط ابن الجوزي بمراتب‪.‬‬
‫وقد طعن في صحة نسبة الكتاب إلى الغزالي جماعة من أهل العلم والمحققين‪ ،‬منهم شاه الدين‬
‫الدهلوي كما في مختصر التحفة االثني عشرية (ص ‪ ،)33‬وعبد الرحمن بدوي في مؤلفات‬
‫الغزالي (ص ‪ )225‬ونقل ذلك عن عدة من المستشرقين‪ ،‬وقد استوفى الدكتور مشهد العالف في‬
‫مقدمة تحقيقه لكتاب إلجام العوام للغزالي (ص ‪ 166‬ــ ‪ )169‬أدلة بطالن نسبة كتاب سر العالمين‬
‫إلى الغزالي‪ ،‬فقال‪> :‬هذا الكتاب ليس للغزالي بل هو منحول عليه وقد اتفق الباحثون قطعا على‬
‫أنه منحول<‪ ،‬ونقل كالم من مضى من أهل العلم في الطعن فيه‪.‬‬
‫وقد ذهب إلى ذلك بعض اإلمامية أيضا‪ ،‬يقول جعفر مرتضى العاملي‪> :‬نشك في صحة نسبة هذا‬
‫الكتاب إلى الغزالي<‪ ،‬ثم سرد أدلة تشكيكه في كتابه‪ ،‬انظر مقالة لمن هذه الكتب؟ لجعفر مرتضى‬
‫العاملي‪ُ ،‬نشرت في العدد الثاني من مجلة تراثنا (ص ‪ ،)97‬ثم أعاد جعفر مرتضى نشرها في كتابه‬
‫دراسات وبحوث في التاريخ (‪ ،)83/2‬والظاهر من آغا بزرك الطهراني أنه يشكك في نسبة‬
‫الكتاب للغزالي‪ ،‬إذ قال في الذريعة (‪> )168/12‬سر العالمين المنسوب إلى الغزالي<‪ ،‬وكلمة‬
‫>منسوب< يستعملها الطهراني في الغالب عندما يشك في صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف‪ .‬وفي‬
‫الجملة‪ ،‬ال يرتاب أدنى منصف أن الغزالي بريء من هذا الكتاب‪ ،‬فأسلوبه سخيف ركيك‪ ،‬ونظم‬
‫الكالم فيه سيء مرتبك‪ ،‬وفيه تلفيق ظاهر‪ ،‬وواضع الكتاب ال شك أنه أحد الجهلة‪ ،‬واهلل‬
‫المستعان‪.‬‬

‫‪499‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫المشيرين<(‪ ،)1‬وأنت ترى ما في الخبر من ركاكة وسماجة ظاهرة‪ ،‬وما في النص‬


‫من تصحيفات وتحريفات ال تحصى(‪ ،)2‬ومع ذلك فشتان ما بين المثبت في‬
‫الكتاب وبين ما نقله سبط ابن الجوزي‪ ،‬وكالعادة فزيادة السبايا غير موجودة في‬
‫المصدر الذي نقل منه سبط ابن الجوزي(‪.)3‬‬
‫ووقفت على مثال سادس من زيادات سبط ابن الجوزي على النصوص‪،‬‬
‫وهذا المثال ــ على خالف األمثلة السابقة ورد فيه لفظ السبايا ــ‪ ،‬غير أن سبط‬
‫ابن الجوزي زاد عليه كلمات من عنده‪ ،‬فقد نقل المسعودي في >مروج الذهب<‬
‫عن صالح بن علي بن عبد اهلل بن عباس الهاشمي أنه قال لنساء مروان بن محمد‬
‫ابن مروان بن الحكم األموي في كالم طويل‪> :‬ألم يقتل يزيد بن معاوية الحسين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سر العالمين طبعة مطبعة السعادة بالقاهرة (ص ‪ ،)11‬و(ص ‪ 18‬ــ ‪ )19‬طبعة مطبعة النعمان‬
‫بالنجف‪ ،‬و(ص ‪ )19‬من طبعة دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫اعت ِمدت في طبعة سر العالمين‬
‫واقع في النسخة الخطية التي ُ‬ ‫(‪ )2‬وغالب الظن أن سقم هذا النص ٌ‬
‫المتداولة اآلن‪ ،‬فيحتمل أن يكون طابع الكتاب قد اعتمد على نسخة سقيمة ومحرفة‪ ،‬فمن‬
‫المستبعد أن يكون أصل نص سر العالمين بهذه الركاكة الظاهرة ويخفى أمره على من نسب الكتاب‬
‫إلى الغزالي‪ ،‬فلغة الغزالي أرقى من هذا النص بكثير‪.‬‬
‫(‪ )3‬فضال عن أن الثابت المشهور عن أبي حامد الغزالي خالف ما ُنسب إليه في كتاب سر العالمين‪،‬‬
‫فقد قال في كتابه إحياء علوم الدين (‪> :)125/3‬فإن قيل هل يجوز لعن يزيد ألنه قاتل الحسين‬
‫أو أمر به‪ ،‬قلنا‪ :‬هذا لم يثبت أصال فال يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت!<‪ ،‬ونقل‬
‫الصفدي وابن طولون عن الغزالي جوابه عن حكم لعن يزيد وهل كان راضيا بذلك فأجاب بنفي‬
‫أمر به وال رضيه وال كان حاضرا حين قتل‪ ،‬وال‬ ‫ذلك‪ ،‬ومما قاله‪> :‬وما صح قتله الحسين وال َ‬
‫يصح ذلك منه وال يجوز أن يُظن ذلك به<‪ ،‬الوافي بالوفيات (‪ 433/28‬ــ ‪ ،)434‬قيد الشريد‬
‫ونقل مضمون هذه الفتوى ابن حجر الهيتمي في الصواعق‬ ‫من أخبار يزيد (ص ‪ 47‬ــ ‪َ ،)48‬‬
‫المحرقة (‪ ،)637/2‬ولم أقف على من نقل عن الغزالي خالف هذه الفتوى سوى سبط ابن‬
‫الجوزي‪ ،‬وهذا مخالف للثابت عن الغزالي في كتبه وما نقله أهل العلم عنه‪.‬‬

‫‪500‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫علي على يدي عمر بن سعد مع من قتل بين يديه من أهل بيته؟ ألم يخرج‬ ‫ابن ّ‬
‫سبايا حتى ورد به َّن على يزيد بن معاوية؟<(‪ ،)1‬أما سبط‬ ‫بحرم رسول اهلل‬
‫ابن الجوزي فنسب إلى صالح بن علي أنه قال‪> :‬ألم يقتل يزيد الحسين بن علي‬
‫ومعه ثمانية عشر من ولد علي بن أبي طالب؟! ألم يخرج حرم رسول اهلل‬
‫وبناته وأهله سبايا على أقتاب الجمال بارزات كاشفات رؤوسهن موثقات ال وطاء‬
‫تحتهن وال غطاء فوقهن؟!‪ ،‬ورأس الحسين يطاف به في البلدان على قناة كأنه‬
‫موقف السبايا يتصفح‬ ‫رأس بعض الكفار؟!‪ ،‬أما أوقف بنات رسول اهلل‬
‫وجوههن أهل الشام‪ ،‬ويطلبون منه أن يهب لهم بعضهم؟! ألم يضرب ثنايا ابن‬
‫رسول اهلل <(‪ ،!)2‬فالفقرة األخيرة التي تحتها خط هي من زيادة سبط ابن‬
‫الجوزي وليست من كالم المسعودي !‪.‬‬
‫والذي يظهر من هذه األمثلة‪ ،‬ومما مضى سابقا من نصوص نسبها سبط ابن‬
‫الجوزي لجده أبي الفرج ولم تثبت عنه‪ ،‬أن سبط ابن الجوزي كان يستحل الزيادة‬
‫في النصوص التي ينقلها عن أهل العلم‪ ،‬فلو أن هذه األخطاء وقعت في نقله من‬
‫كتاب واحد لوجدنا له عذرا وقلنا‪ :‬لعل النسخة التي كان ينقل منها سقيمة‬
‫ومحرفة‪ ،‬لكن هذه النصوص المحرفة تكررت في نقوالت سبط ابن الجوزي عن‬
‫كتب مختلفة وفي أكثر من موضع‪ ،‬مما يرفع الثقة عن نقوالت سبط ابن الجوزي‪.‬‬
‫البين بطالنها هو ما حمل الذهبي على أن‬‫والظاهر أن مثل هذه النقوالت ّ‬
‫يقول عن سبط ابن الجوزي‪> :‬أل َّف كتاب مرآة الزمان‪ ،‬فتراه يأتي فيه بمناكير‬
‫الحكايات‪ ،‬وما أظنه بثقة فيما ينقله بل يخسف ويجازف<(‪ ،)3‬ونظيره قول ابن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مروج الذهب (‪.)247/3‬‬
‫(‪ )2‬مرآة الزمان (‪.)476/11‬‬
‫(‪ )3‬ميزان االعتدال (‪ ،)471/4‬وعند ابن كثير‪> :‬بل يحيف<‪ ،‬التكميل في الجرح والتعديل=‬

‫‪501‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫رجب عنه‪> :‬ليس بحجة فيما ينقله<(‪ ،)1‬وقول الصفدي عن كتابه >مرآة الزمان<‪:‬‬
‫>في المرآة صدأ المجازفة منه رحمه اهلل تعالى في أماكن معروفة<(‪ ،)2‬ولذا ال‬
‫عبرة بما نقله سبط ابن الجوزي في هذا الباب‪.‬‬
‫ج ــ ضعف روايات اإلمامية في السبي‬
‫هذا ما ورد من طرق أهل السنة‪ ،‬أما ما ورد من طرق اإلمامية فقد ُكفينا‬
‫مؤونته‪ ،‬إذ أن جل رواياتهم في هذا الباب في حيز السقوط‪ ،‬فقد ض ّعف المرجع‬
‫اإلمامي المعاصر محمد آصف محسني كل ما أورده المجلسي في >بحاره< في‬
‫ثم قال‪> :‬أكثر تفاصيل حوادث كربالء‬ ‫مقتل الحسين سوى سبع روايات‪َّ ،‬‬
‫مجهولة<(‪ ،)3‬ولم يُذكر السبي في هذه الروايات السبع سوى في روايتين(‪ ،)4‬ومع‬
‫ذلك فلم يصب محسني في تصحيح إحدى الروايتين‪ ،‬إذ أن في سند الرواية‬
‫الثانية المرقمة برقم ‪ ،23‬محمد بن علي ماجيلويه‪ ،‬شيخ ابن بابويه‪ ،‬وقد حكم‬
‫عليه الخوئي بالجهالة‪ ،‬فقال‪> :‬مهمل في كتب الرجال<(‪ ،)5‬وقال أيضا‪> :‬شيخ‬
‫الصدوق ّإال أنه لم يوثق<(‪ ،)6‬وض َّعف الخوئي إسنادا آخر ورد فيه ماجيلويه وقال‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ ،)457/2‬وأما في لسان الميزان (‪> )565/5‬بل يجنف<‪ ،‬بل إن الذهبي لم يستبعد أن يكون‬ ‫=‬
‫كتاب سر العالمين من وضع سبط ابن الجوزي نفسه كما مضى آنفا‪ ،‬وقول الذهبي هذا دليل على‬
‫أنه يرى أن سبط ابن الجوزي يستبيح الوضع‪.‬‬
‫ذيل طبقات الحنابلة (‪ ،)446/1‬لسان الميزان (‪.)565/8‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الوافي بالوفيات (‪.)122/29‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مشرعة بحار األنوار (‪.)156/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫انظر المعتبر من بحار األنوار (‪ ،)32/2‬و(‪ ،)33/2‬وهما الروايتان رقم ‪ 17‬و‪ 23‬في بحار األنوار‬ ‫(‪)4‬‬
‫(‪ )283/44‬و(‪.)285/44‬‬
‫موسوعة الخوئي‪ ،‬شرح العروة الوثقى (‪.)100/14‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫القضاء والشهادات‪ ،‬تقرير بحث الخوئي للجواهري (‪.)98/1‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪502‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫>لم يثبت فيه توثيق أو مدح<(‪ ،)1‬وض َّعفه في مواضع أخرى(‪ ،)2‬وحكم عليه‬
‫(‪)3‬‬
‫ثم إ ّن‬
‫الجواهري في تلخيصه لمعجم رجال الحديث للخوئي بالجهالة ‪َّ ،‬‬
‫الروايتين منقطعتان‪ ،‬إذ أن سندهما ينتهي إلى علي بن موسى الرضا المتوفى سنة‬
‫(‪ 203‬هـ)‪ ،‬وبينه وبين واقعة مقتل الحسين مائة وأربعون سنة‪ ،‬فهذا الضرب من‬
‫األخبار ليس بحجة عندنا‪ ،‬فضال عن أ ّن الريبة ظاهرة في أسانيدها‪ ،‬والذي أقطع‬
‫علي بن موسى الرضا بريء من هذا الخبر‪.‬‬
‫به أ ّن ّ‬
‫وغير بعيد أن يكون إسناده ومتنه من عمل ابن بابويه القمي المشهور عند‬
‫اإلمامية بالصدوق‪ ،‬وقد تتبع الباحث فريد البحريني في كتابه >تحريفات‬
‫تصرفات ابن بابويه القمي في متون األحاديث وروايات األئمة االثني‬ ‫الصدوق< ّ‬
‫التصرف واالختالق‪ ،‬وعليه فإ ّن ما يورده ابن‬
‫ّ‬ ‫وبين مواضع‬‫عشر وعلّق عليها ّ‬
‫والتصرف‪ ،‬فكيف بما ينفرد‬
‫ّ‬ ‫بابويه القمي في مؤلفاته ال يُؤمن منه الوضع وال ّدس‬
‫به وال يمكن مقارنته بغيره ومعرفة موضع الزيادة والنقصان؟‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬القضاء والشهادات‪ ،‬تقرير بحث الخوئي للجواهري (‪.)14/2‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬موسوعة الخوئي‪ ،‬شرح العروة الوثقى (‪،)184/12( ،)365/11( ،)262/11‬‬
‫(‪ ،)139/27( ،)361/24( ،)388/24( ،)12/17( ،)467/14‬وغيرها من المواضع‪ ،‬وقد‬
‫خالف الخوئي نفسه في أحد المواضع‪ ،‬فحكم على رواية بالصحة مع وجود ماجيلويه فيها‪ ،‬فتعقبه‬
‫البروجردي مقرر بحثه في الهامش مشيرا إلى ضعف الرواية‪ .‬انظر‪ :‬موسوعة الخوئي شرح العروة‬
‫الوثقى (‪ )110/13‬الهامش رقم ‪.1‬‬
‫(‪ )3‬المفيد من معجم رجال الحديث (ص ‪.)559‬‬

‫‪503‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫* المسألة الثانية‪ :‬تعارض روايات السبي مع روايات األسر‬


‫لقد ُرويت أحداث ما وقع ألهل البيت بعد مقتل الحسين ‪ ‬في روايات‬
‫أخرى من غير طريق أبي مخنف‪ ،‬ولم يرد فيها أي إشارة للسبي‪ ،‬بل الوارد فيها‬
‫هو األسر‪ ،‬والذي وقفت عليه منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ رواية حصين بن عبد الرحمن السلمي (‪ 136‬هـ)‬
‫جاء فيها أ ّن ابن زياد >أمر ببنات الحسين ‪ ‬ونسائه فكان أحسن ما صنع‬
‫بهن أن أمر لهن بمنزل في مكان معتزل فأجرى عليهن رزقا وأمر لهن بكسوة‬
‫ونفقة<(‪.)1‬‬
‫فهذه الرواية لم يرد فيها السبي إطالقا‪ ،‬بل إ ّن فيها أ ّن ابن زياد قد أحسن‬
‫إلى نساء آل البيت‪ ،‬وهذا هو الالئق بطبع العرب وشيمهم‪ ،‬ورواية حصين أوثق‬
‫وأنقى من رواية أبي مخنف‪ ،‬أل ّن حصينا كان معاصرا للواقعة وكان في الكوفة‬
‫حينما قُتل الحسين ‪ ‬كما مضى‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ رواية الليث بن سعد (‪175‬هـ)‬
‫قال‪> :‬وانطُلِق بعلي بن حسين‪ ،‬وفاطمة بنت حسين‪ ،‬وسكينة بنت حسين‬
‫إلى عبيد اهلل بن زياد‪ ،‬وعلي يومئذ غالم قد بلغ‪ ،‬فبعث بهم إلى يزيد بن‬
‫معاوية‪ ...،‬وعلي بن الحسين ‪ ‬في غل‪ ....،‬فقال علي ‪« :‬أما واهلل لو رآنا‬
‫مغلولين ألحب أن يخلينا من الغل<‪ .‬قال‪> :‬صدقت‪ ،‬فخلوهم من‬ ‫رسول اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أنساب األشراف (‪ ،)226/3‬تاريخ الطبري (‪ ،)393/5‬وقد ذكرت سابقا أن إسناد الرواية‬
‫صحيح وأن حصين بن عبد الرحمن السلمي أدرك مقتل الحسين ‪.‬‬

‫‪504‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫فجهزوا‪ ،‬فأصلح إليهم‪ ،‬وأُخرجوا إلى المدينة<(‪ ،)1‬وهذا‬ ‫ثم أمر بهم ُ‬
‫الغل<‪َّ ...‬‬
‫الخبر من جهة اإلسناد منقطع أل ّن الليث لم يدرك الواقعة‪ ،‬إال أنه خير من خبر‬
‫أبي مخنف قطعا‪ ،‬وليس فيه أي ذكر للسبي‪ ،‬وإنما ورد أن أهل البيت وردوا إلى‬
‫يزيد مغلولين على هيئة األسرى‪ ،‬فلما سأل علي بن الحسين يزيد أن يفك عنهم‬
‫األغالل أجابه إلى ذلك‪ ،‬فلو كان علي بن الحسين وأهل البيت سبايا لكان‬
‫المفترض بعلي بن الحسين أن يسأل يزيد أن يمن عليهم بالحرية!‬

‫‪ 3‬ــ رواية ابن سعد (‪ 230‬هـ)‬


‫قد مضى أن ابن سعد روى مقتل الحسين بإسناد جمعي‪ ،‬وقد جمع في‬
‫روايته بين أخبار أبي مخنف وغيره‪ ،‬وقد ذكر قضية إرسال نساء آل البيت إلى‬
‫يزيد بتفاصيل ليست في رواية أبي مخنف‪ ،‬فقد ذكر أن ابن زياد >أمر بحبس من‬
‫قدم به عليه من بقية أهل الحسين معه في القصر‪ ...‬وقدم رسول من قبل يزيد بن‬
‫معاوية يأمر عبيد اهلل أن يرسل إليه َبث َقل الحسين ومن بقي من ولده‪ ،‬وأهل بيته‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم أتى‬
‫ونسائه‪ ،‬فأسلفهم أبو خالد ذكوان عشرة آالف درهم فتجهزوا بها< ‪ّ > ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )104/3‬برقم (‪ ،)2806‬ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخ‬
‫دمشق (‪ 14/70‬ــ ‪.)15‬‬
‫وقد روي هذا الخبر من طرق أخرى‪ ،‬فأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )115/3‬برقم‬
‫(‪ ،)2846‬مختصرا من طريق الضحاك بن عثمان الخزاعي به‪ ،‬ومن طريق الخزاعي رواه ابن عبد‬
‫ربه في العقد الفريد (‪ 130/5‬ــ ‪ .)131‬بنفس اإلسناد‪ ،‬إال أنه زاد فيه‪> :‬فقال له علي بن الحسين‬
‫ــ وكان في السبي ــ‪ :‬كتاب اهلل أولى بك من الشعر<‪ ،‬وهذه الزيادة من ابن عبد ربه ليس في بقية‬
‫الطرق‪ ،‬فالظاهر أنها ليست من الرواية وإنما من كالم ابن عبد ربه‪ ،‬وعلى كل حال فإسناد الخزاعي‬
‫ضعيف لجهالة ابنه الراوي عنه محمد بن الضحاك‪.‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي ــ (‪.)446/6‬‬

‫‪505‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫يزيد بن معاوية بث َقل الحسين ومن بقي من أهله ونسائه‪ ،‬فأُدخلوا عليه قد قرنوا‬
‫في الحبال‪ ،‬فوقفوا بين يديه‪ ،‬فقال له علي بن حسين‪> :‬أنشدك باهلل يا يزيد‪ ،‬ما‬
‫لو رآنا مقرنين في الحبال‪ ،‬أما كان يرق لنا؟ فأمر يزيد‬ ‫ظنك برسول اهلل‬
‫(‪)1‬‬
‫ثم بعث يزيد إلى المدينة ف ُقدم‬
‫بالحبال فقطعت‪ ،‬وعرف االنكسار فيه< ‪َّ > ...‬‬
‫علي‪ ،‬وضم إليهم‬ ‫ثم من موالي ّ‬‫عليه بعدة من ذوي السن‪ ،‬من موالي بني هاشم‪ّ ،‬‬
‫ثم بعث بث َقل الحسين‪ ،‬ومن بقي من نسائه وأهله‬‫أيضا عدة من موالي أبي سفيان‪ّ ،‬‬
‫وولده معهم‪ ،‬وجهزهم بكل شيء لم يدع لهم حاجة بالمدينة‪ ،‬إال أمر لهم‬
‫بها<(‪.)2‬‬
‫علي بن الحسين ومن معه‬ ‫وهذا الخبر مناقض لخبر السبي‪ ،‬فإنه يذكر أن ّ‬
‫من أهل البيت أُرسلوا على هيئة األسرى إلى يزيد‪ ،‬وليس على هيئة السبايا‪ ،‬وأ ّن‬
‫ابن زياد بعد أن سجنهم في القصر أطلقهم بأم ٍر من يزيد‪.‬‬
‫ثم إنهم لما وصلوا إلى الشام‪ ،‬أمر يزيد بفك األسر عنهم وأرسلهم إلى‬
‫َّ‬
‫المدينة معززين مكرمين‪ ،‬وال ريب أن هذا خالف ما رواه أبو مخنف ونظراؤه من‬
‫إهانة يزيد لهم‪.‬‬

‫‪ 4‬ــ رواية أبي حنيفة الدينوري (‪ 282‬هـ)‬


‫قال في كتابه >األخبار الطوال<‪> :‬وأمر عمر بن سعد بحمل نساء الحسين‬
‫وأخواته وبناته وجواريه وحشمه في المحامل المستورة على اإلبل<(‪ ،)3‬وذكر أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي ــ (‪.)448/6‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي ــ (‪.)449/6‬‬
‫(‪ )3‬األخبار الطوال (ص ‪.)259‬‬

‫‪506‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ثم أمر‬
‫أهل البيت لما وصلوا إلى الشام أمر يزيد أن يدخلوا دار نساءه‪َّ > ،‬‬
‫بتجهيزهم بأحسن جهاز‪ ،‬وقال لعلي بن الحسين‪> :‬انطلق مع نسائك حتى‬
‫تبلغهن وطنهن<<(‪.)1‬‬
‫وهذه الرواية بال سند كما هو حال سائر كتاب الدينوري‪ ،‬وغالب ما ينقله‬
‫الدينوري في مقتل الحسين هو من رواية أبي مخنف‪ ،‬غير أن عنده زيادات ليست‬
‫في روايات أبي مخنف‪ ،‬فقد تفرد بذكر الهيئة التي جاء بها نساء أهل البيت إلى‬
‫الكوفة على المحامل المستورة وهذا مناقض لروايات المتأخرين التي تزعم أ ّن‬
‫النساء حملن على محامل اإلبل بغير ستر وال وطاء‪ ،‬ورواية الدينوري موافقة‬
‫لرواية ابن سعد وحصين والليث في أن يزيد أكرم نساء أهل البيت‪ ،‬ولم يرد في‬
‫روايته أي ذكر للسبي أو هتك نساء آل البيت‪ ،‬وعلى كل حال‪ ،‬فهذا الخبر وإن‬
‫كان ال يرقى إلى الثبوت إال أنه خير من رواية أبي مخنف وأضرابه‪ ،‬فضال عن‬
‫أنه ُمق َّدم على أخبار المتأخرين المكذوبة‪.‬‬
‫وبهذا يتبين أن إهانة نساء آل البيت وسبيهن لم يرد إال في روايات أبي‬
‫مخنف وعوانة‪ ،‬وهذه الروايات فضال عن سقوطها ووهائها من جهة السند‪،‬‬
‫معارضة برواية من هو أوثق منهما‪ ،‬كرواية حصين بن عبد الرحمن الصحيحة‬
‫التي ليس فيها أثر للسبي‪ ،‬وروايتي الليث وابن سعد التي جاء فيها ذكر األسر‬
‫دون السبي‪ ،‬وال ريب أن تقديم وقوع األسر هو األسلم واألقرب‪ ،‬فضال عن أن‬
‫روايات السبي مبتالة بكثير من اإلشكاالت التي سنفصلها في المناقشة اآلتية‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬األخبار الطوال (ص ‪.)261‬‬

‫‪507‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫* المسألة الثالثة‪ :‬مناقشة متنية لروايات السبي‬


‫إ ّن الباحث في التاريخ يقف على دالئل وقرائن يقطع بها ببطالن روايات‬
‫سبي آل البيت ‪ ،‬وبيان ذلك من وجوه‪:‬‬
‫ــ الوجه األول‪ :‬إ ّن السبي الذي نمنع وقوعه هو االستعباد واالسترقاق‪،‬‬
‫والذي يترتب عليه أحكام شرعية معروفة‪ ،‬فالمعلوم من سيرة المسلمين أن السبايا‬
‫رسلن إلى ولي األمر فيقسمهن على الجند‪ ،‬أو يبيعهن‪ ،‬أو يُفتدى بهن أسارى‬ ‫يُ َ‬
‫المسلمين‪ ،‬أو يمن عليهن بالحرية‪ ،‬فإذا علم هذا فإن ما ورد في روايات أبي‬
‫مخنف ليس فيه ما يدل على وقوع السبي بالمعنى الذي ننازع فيه‪ ،‬ولو سلمنا‬
‫جدال بصحة ورود لفظ السبي في الروايات التاريخية‪ ،‬فإن السبي هنا ال يحتمل‬
‫أن يكون السبي المعروف الذي تتعلق به األحكام الشرعية والفقهية‪ ،‬والذي يكون‬
‫مؤداه هو أن يصير السبي مملوكا‪ ،‬ويكون له حكم الرق‪ ،‬بل الذي ينبغي حمل‬
‫لفظ السبي عليه هو األسر وليس االسترقاق‪ ،‬وقد قرر هذا الشيخ اإلمامي‬
‫المعاصر علي الكوراني‪ ،‬فذكر أن المراد بالسبي هو األسر ال التملك(‪ ،)1‬وقد‬
‫تضمنت روايات أبي مخنف ــ وهو أصل البالء في هذه المسألة ــ ما يدل على‬
‫ذلك‪ ،‬فمن ذلك أن أبا مخنف روى أن يزيد لما قال لزينب إ َّن له أن يهب فاطمة‬
‫بنت الحسين للشامي‪ ،‬أجابته زينب بمنعه من ذلك‪ ،‬إال أن يخرج من اإلسالم‪،‬‬
‫فأقرها يزيد على ذلك ولم يعترض عليها فيما أجابته به‪ ،‬وانتقل إلى الكالم عن‬
‫أخيها الحسين ‪ ،‬وهذا دليل على أن السبي في رواية أبي مخنف لم يقع على‬
‫أهل البيت‪ ،‬وغاية ما يقال‪ :‬إن الصورة التي ُحمل بها أهل البيت من كربالء إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جواهر التاريخ (‪.)111/4‬‬

‫‪508‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫الكوفة ثم إلى الشام وهم أسارى‪ ،‬مشابهة للصورة التي يوخذ بها السبايا‪ ،‬وقد‬
‫ورد هذا في رسالة منسوبة إلى أبي جعفر المنصور رد بها على محمد النفس‬
‫الزكية‪ ،‬جاء فيها‪> :‬ثم خرج عمك الحسين بن علي على ابن مرجانة‪ ،‬فكان الناس‬
‫الذين معه عليه حتى قتلوه‪ ،‬ثم أتوا بكم على األقتاب بغير أوطية‪ ،‬كالسبي‬
‫المجلوب‪ ،‬إلى الشأم<(‪.)1‬‬
‫وأما استعمال لفظ السبي بدل األسر في روايات أبي مخنف‪ ،‬فهو إمعان‬
‫من أبي مخنف في التشنيع على ابن زياد ويزيد‪ ،‬ثم جاء بعض المتأخرين وقرر‬
‫أن أهل البيت تم سبيهم كما تسبى نساء الكفار والمحاربين وذراريهم‪.‬‬
‫ــ الوجه الثاني‪ :‬إن المستقر في سيرة المسلمين هو تحريم السبي على نساء‬
‫ولما ظهر علي ‪ ‬على أصحاب الجمل‪،‬‬ ‫المسلمين وذراريهم ولو كانوا بغاة‪َّ ،‬‬
‫لم ْيس ِب نساءهم وذراريهم(‪> ،)2‬وقد اتفق الفقهاء على عدم جواز سبي نساء البغاة‬
‫وذراريهم<(‪ ،)3‬ولذا لم يُنقل أن المسلمين سبوا امرأة مسلمة قط‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬تقرر عند المسلمين امتناع سبي نساء آل البيت‪ ،‬وهذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه المبرد بال سند في الكامل (‪ ،)98/4‬ونقله عنه العصامي في سمط النجوم العوالي‬
‫(‪ ،)175/4‬وفي الخبر مواضع للنكارة‪ ،‬وإنما أوردته استئناسا‪ ،‬وقد أورد اليعقوبي في تاريخه‬
‫(‪ ،)236/2‬كالما قريبا منه ناسبا إياه إلى ابن عباس في رده على يزيد! ولفظه‪> :‬أال ومن أعجب‬
‫العجائب‪ ،‬وما عشت أراك الدهر العجب‪ ،‬حملك بنات عبد المطلب وغلمة صغار من ولده إليك‬
‫بالشام كالسبي المجلوب تري الناس أنك قهرتنا<‪ ،‬أقول‪ :‬نسبته إلى ابن عباس كذب ظاهر‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬مصنف عبد الرزاق (‪ ،)124/10‬مصنف ابن أبي شيبة برقم (‪ ،)37759‬و(‪)37764‬‬
‫و(‪ ،)37789‬و(‪ ،)37797‬وراجع‪ :‬مرويات الخالفة الراشدة في مصنف اإلمام ابن أبي شيبة‬
‫(ص ‪ 363‬ــ ‪.)370‬‬
‫(‪ )3‬الموسوعة الفقهية الكويتية (‪.)208/4‬‬

‫‪509‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫معروف مشهور‪ ،‬حتى أن من كان في جيش علي ‪ ‬لما جادلوه في سبي نساء‬
‫(‪)1‬‬
‫وذراري أصحاب الجمل‪ ،‬أفحمهم حين قال لهم‪> :‬هذه عائشة تستأمرها؟<‬
‫قال‪ :‬قالوا‪> :‬ما هو إال هذا‪ ،‬ما هو إال هذا<<(‪ ،)2‬وفي رواية أخرى أن عسكر علي‬
‫‪> ‬قالوا‪> :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬تحل لنا دماؤهم وال تحل لنا نساؤهم؟<‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فخاصموا‪ ،‬فقال‪> :‬كذلك السيرة في أهل القبلة<‪ ،‬قال‪> :‬فهاتوا سهامكم وأقرعوا‬
‫ففرقُوا‪ ،‬وقالوا‪> :‬نستغفر اهلل<‪ ،‬قال‪:‬‬
‫على عائشة فهي رأس األمر وقائدهم<‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫فخصمهم علي<(‪.)3‬‬
‫وعندما خرج الخوارج‪ ،‬كان رؤساؤهم يحتجون على علي ‪ ‬بأنه لم ْيس ِب‬
‫نساء وذرية من قاتلهم‪ ،‬فأجابهم ابن عباس قائال‪> :‬وأما قولكم‪> :‬إنه قاتل ولم‬
‫أتس ُبون أمكم عائشة أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟‪،‬‬
‫ْيس ِب ولم يغنم<‪ْ ،‬‬
‫فقد كفرتم‪ ،‬وإن زعمتم أنها ليست أم المؤمنين فقد كفرتم وخرجتم من اإلسالم‪،‬‬
‫ﲫ ﲭ ﲮ} [األحزاب‪،]6 :‬‬ ‫ﲬ‬ ‫إن اهلل يقول‪{ :‬ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫خرجت من هذه؟< قالوا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فأنتم مترددون بين ضاللتين فاختاروا أيتهما شئتم‪ ،‬أَ‬
‫>اللهم نعم<(‪ ،)4‬وقد رجع بعد ذلك أكثر الخوارج عن مقاتلة علي ‪ ،‬فدل هذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أي‪ :‬تأمر بسبيها‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مصنف ابن أبي شيبة برقم (‪ ،)37765‬وإسناده لين‪ ،‬لكن له شواهد ترتقي بالخبر للصحة‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مصنف ابن أبي شيبة برقم (‪ ،)37780‬وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق في المصنف (‪ ،)157/10‬والنسائي في السنن الكبرى (برقم ‪،)8522‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫والحاكم في المستدرك على الصحيحين (‪ )164/2‬وصححه‪ ،‬ومن طريقه البيهقي في السنن‬
‫الكبرى (‪ ،)309/8‬وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (‪ ،)257/10‬وابن عبد البر في جامع‬
‫بيان العلم وفضله (‪ ،)962/2‬ورواه أبو داود مختصرا برقم (‪ )4037‬وكذا اإلمام أحمد في‬
‫المسند (‪ ،)3187‬وصحح إسناده ابن تيمية في منهاج السنة (‪ ،)530/8‬وحسن األلباني إسناده‬
‫في صحيح سنن أبي داود (‪.)4037‬‬

‫‪510‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫على أن ُحرمة سبي نساء آل البيت من األمور المشهورة عند المسلمين والتي ال‬
‫ينا َزع فيها‪ ،‬ولهذا ال يتصور أن يُق ِدم ُجند ابن زياد ــ مع إجرامهم وظلمهم ــ على‬
‫سبي نساء آل البيت‪.‬‬
‫ــ الوجه الرابع‪ :‬قد مضى أن أبا مخنف نفسه روى أن شمر بن ذي الجوشن‬
‫استجاب لطلب الحسين لما اقترب جيشه من ثقله ونسائه‪ ،‬يقول أبو مخنف‪> :‬ثم‬
‫إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر نحو من عشرة من رجالة أهل الكوفة قِ َبل‬
‫منزل الحسين الذي فيه ثقله وعياله‪ ،‬فمشى نحوه‪ ،‬فحالوا بينه وبين رحله‪ ،‬فقال‬
‫الحسين‪> :‬ويلكم! إن لم يكن لكم دين‪ ،‬وكنتم ال تخافون يوم المعاد‪ ،‬فكونوا‬
‫في أمر دنياكم أحرارا ذوي أحساب‪ ،‬امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم‬
‫وجهالكم<‪ ،‬فقال ابن ذي الجوشن‪> :‬ذلك لك يا ابن فاطمة<<(‪ ،)1‬فما الذي‬
‫حمل شمرا على أن يكرم الحسين حيا بمنع جالوزته من االقتراب من أهله ثم‬
‫يهينه ميتا بسبي نسائه واستعبادهن؟!‪ ،‬إن كانت غايته هي الشماتة بالحسين ‪،‬‬
‫فلماذا لم يفعل هذه الجريمة والحسين حي‪ ،‬وماذا يستفيد بما صنعه بعد أن قتل‬
‫الحسين؟ هذا التناقض في تفاصيل رواية أبي مخنف ليس له جواب إال ما قيل‬
‫قديما وهو‪ :‬إذا كنت كذوبا فكن ذكورا‪.‬‬
‫ــ الوجه الخامس‪ :‬أن هذا لو وقع لكان من أكبر مثالب يزيد ولكان من‬
‫األمور المشتهرة‪ ،‬لما فيها من إلحاق العار بنساء آل البيت‪ ،‬بل إننا نجزم أن‬
‫وله ُّبوا الستنقاذ‬
‫السبي لو مس أهل البيت بشيء ألنكر ذلك الصحابة وبنو هاشم َ‬
‫نسائهم من عار السبي‪ ،‬فلما لم ينقل ذلك‪ ،‬دل هذا على أن سبي آل البيت ال‬
‫أصل له‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الطبري (‪.)450/5‬‬

‫‪511‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫الوجه السادس‪ :‬لقد اقترنت روايات السبي بأمور منكرة ال يرضى أي عاقل‬
‫أن تنسب إلى آل البيت‪ ،‬فما رواه األخباريون من أن نساء آل البيت ُسلبن‪ ،‬و ُهتك‬
‫حجابهن حتى ظهرت أجسادهن‪ ،‬ال يمكن أن يقبله ويرضاه أي منصف‪ ،‬وقد نبه‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية على كذب هذه القصة فقال‪> :‬ومما يبين ظهور الكذب‬
‫في هذا أن المسلمين ما زالوا يسبون الكفار من أهل الكتاب وغيرهم‪ ،‬ومع هذا‬
‫فما علم أنهم قط كانوا يرحلون النساء مجردات بادية أبدانهن‪ ،‬بل غاية ما يظهر‬
‫من المرأة المسبية وجهها أو يداها أو قدمها<(‪ ،)1‬فإذا كانت هذه سيرة المسلمين‬
‫مع سبايا الكفار‪ ،‬فكيف ي ّدعى أنهم صنعوا مع سبايا أهل البيت ما لم يصنعوه مع‬
‫سبايا الكفار؟‪ .‬ولفظاعة هذا األمر فإن بعض المعاصرين من اإلمامية استبعده‬
‫واستنكره‪ ،‬وإن وقع في كالمهم تكلف وجنف ظاهر‪ ،‬فزعم علي الكوراني أنه لم‬
‫بين عرايا! حتى قرأ ذلك من ابن تيمية<‬ ‫يسمع أحدا قال إن نساء آل البيت > ُس َ‬
‫وقال‪> :‬والتسأل من أين جاء بهذا القول! فقد يكون أحد نقله له عن عامي أبله‪،‬‬
‫وقد يكون اخترعه من عنده‪ ،)2(<...‬ويقول جعفر مرتضى العاملي‪> :‬المقصود‬
‫بالعري هو سلبهن األلبسة الالئقة بهن كالمالحف والمالءات التي تكون فوق‬
‫الثياب الساترة للجسد‪ ،‬وترك األسمال‪ ،‬والثياب التي ال يليق بالمرأة الشريفة أن‬
‫تظهر بها‪ ..‬حتى وإن كانت ساترة للجسد<(‪ ،)3‬قلت‪ :‬ما أجاب به هذان‬
‫المعترضان غريب‪ ،‬فقد مضى نقل روايات اإلمامية وكالم علمائهم الصريح في‬
‫هتك حجاب آل البيت‪ ،‬والتصريح بأنهن كن ــ وحاشاهن ــ عرايا‪ ،‬ولذا زعمت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى (‪.)504/4‬‬
‫(‪ )2‬جواهر التاريخ (‪ 110/4‬ــ ‪.)111‬‬
‫مختصر مفيد (‪.)80/21‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪512‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫روايات الكذابين أن إحدى نساء الكوفة أعطت نساء آل البيت مالء وأزرا ومقانع‬
‫ليتغطين بها‪ ،‬واألغرب واألعجب‪ ،‬أن كال من الكوراني والعاملي قد نقال الروايات‬
‫التي تصرح بوقوع هذه الفظائع على آل البيت في كتبهم‪ ،‬فالكوراني نقل رواية المرأة‬
‫الكوفية التي أعطت لنساء آل البيت مالبس يستترن بها(‪ ،)1‬وهذه الرواية صريحة في‬
‫هتك ستر نساء آل البيت وعليها اعتمد بعض اإلمامية المعاصرين‪ ،‬ولكن التحامل‬
‫على شيخ اإلسالم ابن تيمية جعله ينسى ما خطته يداه في كتابه‪.‬‬
‫وأما جعفر مرتضى العاملي فرغم أنه نقل روايات صريحة في هذا الباب إال‬
‫أنه أتعب نفسه في صرف معناها عن ظاهرها‪ ،‬بل جعل بعض هذه األخبار دليال‬
‫على عدم كشف أجساد نساء آل البيت فقال‪> :‬إن حديث جمع إحدى الكوفيات‬
‫مالء وأزرا ومقانع‪ ،‬وأعطتها للنساء يدل على ما نقول<(‪ ،)2‬فلتعجب لهذا‪ ،‬وقارنه‬
‫مع قول محمود قانصو عن نفس الرواية‪> :‬ومن الواضح أن المقانع تستر الرأس‪،‬‬
‫واألزر تستر ما تحت السرة‪ ،‬والمالء ما توضع على الرأس إلى أسفل الجسد مما‬
‫يعني أن بنات الرسالة كن يفتقدن هذه األلبسة‪ ،‬أو كانت عليهن ممزقات إلى حين‬
‫أعطتهن إياها هذه المرأة الكوفية<(‪ ،)3‬وكالم العاملي إنما يصح لو كانت المرأة‬
‫الكوفية أعطت نساء آل البيت مالحف فقط‪ ،‬ألن الملحفة هي ما يُلبس فوق‬
‫الثياب‪ ،‬وقد جاء في تلك الرواية أنها أعطت النساء المقانع واألزر والمالء‪،‬‬
‫ولست أدري هل يجهل جعفر مرتضى العاملي معنى اإلزار والمالءة والفرق‬
‫بينهما وبين المقنعة أم يتجاهل ذلك؟‪ ،‬فاإلزار هو ما يستر أسفل الجسد وموضعه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جواهر التاريخ (‪.)70/4‬‬
‫مختصر مفيد (‪.)80/21‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪ )3‬ما بعد كربالء (ص ‪.)45‬‬

‫‪513‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫من الحقوين إلى الكعبين(‪ ،)1‬ولذا جاء في الحديث الصحيح‪> :‬ما أسفل من‬
‫الكعبين من اإلزار ففي النار<(‪ ،)2‬ال يقال إنه قد ورد في بعض كتب اللغة إطالق‬
‫اإلزار على الملحفة(‪ ،)3‬فإن هذا إنما خرج من باب التمثيل ال تحديد مدلول‬
‫الكلمة‪ ،‬فضال عن أن العطف في هذه الرواية يفيد المغايرة ال االتحاد‪ ،‬فاجتماع‬
‫ذكر اإلزار والرداء والملحفة في كالم واحد إنما كان الختالف مسمياتها‪.‬‬
‫ثم إن جعفر مرتضى تغاضى وتجاهل في جوابه عن الروايات الصريحة في‬
‫العري بمعنى كشف الجسد‪ ،‬وعلق على رواية وحيدة فقال‪> :‬وقول اإلمام السجاد‬
‫‪ ‬تسيرونا على األقتاب عارية إن صح‪ ،‬ال يدل على ذلك أيضا‪ ،‬ألن كلمة‬
‫عارية وصف لألقتاب<(‪ ،)4‬وهذا الكالم فيه من التمحل والتعسف ما ال ينقضي‬
‫منه العجب‪ ،‬فإن قائل هذا الشعر إنما اقتبسه من الروايات التي صرحت بأن نساء‬
‫آل البيت ُحملن وهن عرايا على أقتاب الجمال‪ ،‬كما صرح جعفر مرتضى العاملي‬
‫بنفسه ونقله في السؤال الموجه إليه‪ ،‬وهو قوله‪> :‬وحمل رأسه وأهله سبايا‪ ،‬عرايا‪،‬‬
‫على أقتاب الجمال إليه<(‪ ،!!)5‬ويبدو أن جعفر مرتضى العاملي كان ال يجد‬
‫غضاضة في نقل الروايات التي تصف نساء آل البيت بأنهن عرايا في كتابات‬
‫سابقة له‪ ،‬فتراه ينقل الرواية التي ت َّدعي بأن نساء آل البيت >هتكت ستورهن‪،‬‬
‫وأبديت وجوههن<(‪ ،)6‬لكن لما وجه إليه هذا السؤال وفيه االستنكار لتلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مشارق األنوار (‪ ،)378/1‬الصحاح للفارابي (‪.)578/2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫صحيح البخاري (‪.)5787‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫كمثل قول الفيروز آبادي في القاموس المحيط (‪> :)343/1‬واإلزار الملحفة<‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مختصر مفيد (‪.)80/21‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مختصر مفيد (‪.)75/21‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫سيرة الحسين في الحديث والتاريخ (‪ ،)258/19‬وقد طبع الكتاب سنة ‪ 1438‬هـ‪ ،‬وانظر أيضا‪=:‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪514‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫الروايات واستفظاع ما فيها‪ ،‬حتى قال السائل بعد أن ساق شيئا من روايات هتك‬
‫ستر نساء آل البيت‪> :‬كل هذه األخبار تفيد أ ّن القوم هجموا على الفاطميات‬
‫وسلبوهن كل ما عليهن من الحلي والحلل والمقانع والمآزر والمالحف وتركوهن‬
‫عرايا مسلبات‪ ...‬فهل هذا يُعقل وهل هذا يمكن أن يحصل؟! وكيف يسمح اهلل‬
‫‪ ‬بهذا االنتهاك الذي ال يحتمله قلب اإلنسان وال عقله؟! ليس كفرا ولكن‬
‫حافظكن<!!! أين‬
‫ّ‬ ‫عجبا‪ ..‬أين قول اإلمام الحسين لزينب‪> :‬واعلمي أن اهلل‬
‫الحفظ؟!<(‪ ،)1‬فلما رأى جعفر مرتضى ما في هذا السؤال من اإلشكاالت‬
‫واالعتراضات القوية التي قد تشكك السائل في عقيدته عدل عما قرره سابقا‪،‬‬
‫وأتى برأي جديد!(‪ ،)2‬لكنه لم يمتلك الشجاعة ليصرح بخطئه‪ ،‬أو يحكم على‬
‫هذه الروايات بالبطالن واالختالق‪ ،‬ويكفينا إقراره بنفي هتك نساء آل البيت‬
‫وتعريتهن دليال على فظاعة هذه القصة واستبعاد وقوعها‪ ،‬ور ِّد ما ورد من أخبارهم‬
‫في ذلك‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= عاشوراء بين الصلح الحسيني والكيد السفياني (ص ‪ ،)97‬وقد طبع الكتاب سنة ‪ 1424‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )1‬مختصر مفيد (‪.)78/21‬‬
‫(‪ )2‬كتاب مختصر مفيد الذي صرح فيه جعفر مرتضى بإنكار روايات سلب النساء ثيابهم‪ ،‬هو سلسلة‬
‫من األجوبة التي كانت تجمع وتطبع على مدار عدة سنوات‪ ،‬والمجلد الحادي والعشرون هو آخر‬
‫مجلد من تلك السلسلة‪ ،‬وهو المجلد الذي أنكر فيه جعفر مرتضى العاملي هذه الروايات‪ ،‬طبع‬
‫سنة ‪ 1439‬هـ‪.‬‬

‫‪515‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫* المسألة الرابعة‪ :‬نقد العلماء والباحثين لقصة السبي‬


‫لعل شيخ اإلسالم ابن تيمية أول من تعرض إلنكار هذه القضية‪ ،‬وقد‬
‫تعرض لهذه المسألة غير ما مرة في كتبه‪ ،‬فلما سئل‪> :‬هل صح أن أهل بيت النبي‬
‫ُس ُبوا؟‪ <...‬أجاب ‪ ...> :‬هذا من أقبح الكذب وأبينه؛ وهو مما افتراه‬
‫الزنادقة والمنافقون الذين مقصودهم الطعن في اإلسالم وأهله من أهل البيت‬
‫وغيرهم‪ ...‬ولم يُعلم في اإلسالم أن أهل البيت سبى أحدا منهم أح ٌد من‬
‫المسلمين في وقت من األوقات؛ مع العلم بأنهم من أهل البيت‪ ...‬لم يكن شيء‬
‫السبي أكثر ما يُذكر مقتل‬
‫ُ‬ ‫من ذلك عالنية في اإلسالم قط‪ ...‬والذي يُذكر لنا‬
‫الحسين وحمل أهله إلى يزيد لكنهم جهال بحقيقة ما جرى حتى يظن الظان منهم‬
‫أن أهله حملوا إلى مصر‪ ،‬وأنهم قتلوا بمصر وأنهم كانوا خلقا كثيرا‪ ،‬حتى إن‬
‫منهم من إذا رأى موتى عليهم آثار القتل قال‪> :‬هؤالء من السبي الذين قُتلوا<؛‬
‫وهذا كله جهل وكذب<(‪.)1‬‬
‫وقال أيضا‪> :‬وأما ما ذكر من سبي نسائه والذراري والدوران بهم في البالد‬
‫وحملهم على الجمال بغير أقتاب فهذا كذب وباطل‪ ،‬ما سبى المسلمون وهلل‬
‫سبي بني هاشم قط‪ ،‬ولكن‬ ‫الحمد هاشمية قط‪ ،‬وال استحلت أمة محمد‬
‫كان أهل الجهل والهوى يكذبون كثيرا‪ ...‬وفي الجملة فما يُعرف في اإلسالم أن‬
‫سب ْوا امرأة يعرفون أنها هاشمية‪ ،‬وال ُسبي عيال الحسين<(‪ ،)2‬وقال‬
‫المسلمين َ‬
‫أيضا‪> :‬ومثل هذا الكذب الظاهر قول بعض الكذابين‪> :‬إنه لما ُسبي بعض أهل‬
‫البيت حملوا على الجمال عرايا‪ ،‬فنبتت لهم سنامات من يومئذ‪ ،‬وهي البخاتي<‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى (‪ 503/4‬ــ ‪.)505‬‬
‫(‪ )2‬منهاج السنة (‪ 558/4‬ــ ‪.)559‬‬

‫‪516‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫سب أحد منهم في اإلسالم‪ ،‬وال حمل أحد من نسائهم مكشوف‬


‫وأهل البيت لم يُ َ‬
‫العورة<(‪.)1‬‬
‫وقال أيضا‪> :‬وأما ما يرويه من ال عقل له يُميِّز به ما يقول‪ ،‬وال له إلمام‬
‫البخاتي‬‫البخاتي‪ ،‬وأ ّن َ‬
‫بمعرفة المنقول‪ ،‬من أن أهل البيت ُسبوا‪ ،‬وأنهم حملوا على َ‬
‫نبت لها من ذلك الوقت سنامان‪ ،‬فهذا الكذب الواضح الفاضح لمن يقوله‪ ،‬فإ ّن‬
‫ِ‬
‫البيت أح ٌد‪ ،‬وال ُسبي منهن أحد<(‪.)2‬‬ ‫أهل‬
‫البخاتي ال تستر امرأة‪ ،‬وال َس َبى َ‬
‫َ‬
‫وقال في موضع آخر‪> :‬ولم يُ ْس َب ُّ‬
‫قط في اإلسالم أح ٌد من بني هاشم ال‬
‫علوي وال غير علوي‪ ،‬ال في خالفة يزيد وال غيرها<(‪.)3‬‬
‫وقال أيضا‪> :‬وكذلك ما ينقله بعض الكذابين من أن طائفة من أهل البيت‬
‫ُسبوا فأر ِكبوا جماال فنبت لها سنامان‪ ،‬وأنها البخاتي‪ ،‬فهذا مما اتفق أهل المعرفة‬
‫قط في وقت من األوقات أحدا من‬ ‫يسب المسلمون ُّ‬‫باألخبار على أنه كذب‪ ،‬لم ِ‬
‫ال في خالفة بني أمية‪ ،‬وال في خالفة بني العباس<(‪.)4‬‬ ‫أهل بيت النبي‬
‫وقال أيضا‪> :‬وأما أهل البيت وإركابهم على اإلبل حين ُس ُبوا(‪ )5‬بعد وقعة‬
‫كربال‪ ،‬وأن اهلل خلق لها سنامان هي البخاتي‪ ،‬فهذا أيضا من أقبح الكذب‬
‫وأبينه<(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫منهاج السنة (‪.)104/8‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رأس الحسين (ص ‪ ،)208‬مجموع الفتاوى (‪.)481/27‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المسائل واألجوبة ومعه اختيارات شيخ اإلسالم (ص ‪.)81‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (‪.)342/6‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫في المطبوع‪ :‬سيبوا وهو تصحيف ظاهر‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫مختصر الفتاوى المصرية (ص ‪.)208‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪517‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫وقد تابع ابن كثير شيخه ابن تيمية في إنكار وقوع السبي فبعد أن ذكر رواية‬
‫أبي مخنف عن اعتذار يزيد لعلي بن الحسين عن مقتل أبيه‪ ،‬قرر أن هذا يرد قول‬
‫من قال‪> :‬إنهم حملوا على جنائب اإلبل سبايا عرايا‪ ،‬حتى كذب من زعم منهم‬
‫أ ّن اإلبل البخاتي إنما نبتت لها األسنمة من ذلك اليوم لتستر عوراتهن<(‪.)1‬‬

‫ــ تنبيه على تصحيف في >منهاج السنة< ظاهره إقرار شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫بوقوع السبي‬
‫وقع في بعض مخطوطات >منهاج السنة<(‪ ،)2‬وفي طبعتي بوالق والجامعة‬
‫(‪)3‬‬
‫نفي وقوع السبي‬
‫غير كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية من ِ‬ ‫اإلسالمية ‪ ،‬تصحيف َّ‬
‫في زمن يزيد إلى إثباته!‪ ،‬فقد جاء هناك‪> :‬و ُهم الذي سعوا(‪ )4‬في سبي‬
‫الهاشميات ونحوهم إلى يزيد وأمثاله‪ ،‬فما يعيبون على غيرهم بعيب إال وهو فيهم‬
‫أعظم<‪ ،‬وبعد البحث تبين أن هذا تصحيف في بعض النسخ الخطية لمنهاج‬
‫السنة‪ ،‬وأن الصواب‪ > :‬هم الذين سعوا في سبي الهاشميات‪ ،‬ال يزيد وأمثاله‪،‬‬
‫فما تجدهم يع يبون غيرهم بعيب إال وهو فيهم أعظم<‪ ،‬وهذا هو المثبت في‬
‫نسخة مكتبة البروجردي المنسوخة سنة ‪ 738‬هـ(‪ ،)5‬أي بعد عشر سنوات من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫البداية والنهاية (‪.)563/11‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مخطوطة منهاج السنة المحفوظة بجامعة اإلمام محمد بن سعود والمرقمة برقم (‪[ ،)4994‬ق ‪/2‬أ]‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫منهاج السنة طبعة بوالق (‪ ،)258/2‬منهاج السنة بتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم (‪.)593/4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أي‪ :‬الغالة‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مخطوطة منهاج السنة المحفوظة بمكتبة البروجردي والمرقمة برقم ([‪[ ]N27‬ق‪/11‬ب]‪ ،‬وهذا‬ ‫( ‪)5‬‬
‫موضع الشاهد‬

‫‪518‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫وفاة ابن تيمية‪ ،‬وكذا نسخة الحرم المكي المنسوخة سنة ‪ 1122‬هـ(‪ ،)1‬وبهذا‬
‫يتبين منشأ الخلل في هذا النص ويتضح أن كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية في هذه‬
‫المسألة متسق وال إشكال فيه‪.‬‬
‫ــ نقد الباحثين المعاصرين لقضية السبي‬
‫تابع شيخ اإلسالم ابن تيمية جماعة من الكتاب والباحثين المعاصرين‪،‬‬
‫وأنكروا قصة سبي نساء بني هاشم بعد وقعة كربالء‪ ،‬كالدكتور محمد عبد الهادي‬
‫الشيباني‪ ،‬إذ انتقد الروايات التي تزعم أن أهل البيت ُحملوا أسارى إلى يزيد‪،‬‬
‫فنقل كالم ابن تيمية‪ ،‬ثم قال معلقا على رواية أبي مخنف التي ورد فيها أن شاميا‬
‫سأل يزيد أن يهبه فاطمة بنت علي‪> :‬وتحاول بعض الروايات‪ ...‬أن تصور أبناء‬
‫الحسين وبناته وكأنهم في مزاد علني‪ ،‬وجعل أحد أهل الشام يطلب من يزيد أن‬
‫يعطيه إحدى بنات الحسين(‪ ،)2‬فهذا من الكذب البين الذي لم يدعمه سند‬
‫صحيح أو واقعة واحدة في تاريخ المسلمين‪ ،‬ثم إنها مغايرة لما ثبت من إكرام‬
‫يزيد آلل الحسين‪ ،‬ثم إن يزيد لم يستعرض النساء ويجعلهن عرضة للجمهور‬
‫ليختار ما يشاء‪ ،‬ثم كيف يحدث هذا في الصدر األول ومع مسلمات‪ ،‬بل أعز‬
‫مع وجود الصحابة والتابعين؟<(‪.)3‬‬ ‫المسلمات لقرابتهن من رسول اهلل‬
‫وقال الشيخ الدكتور عثمان الخميس‪> :‬الكالم الذي يقال عن يزيد أنه سبى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مخطوطة منهاج السنة المحفوظة بمكتبة الحرم المكي برقم (‪[ )2281‬ق ‪ ]18‬وهذا موضع الشاهد‬

‫(‪ )2‬كذا وقد مضى التنبيه على هذا الغلط وأن الوارد في رواية أبي مخنف أنها فاطمة بنت علي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مواقف المعارضة في عهد يزيد (ص ‪ ،)360‬القول السديد في سيرة الحسين الشهيد (ص ‪169‬‬
‫ــ ‪ ،)170‬الدولة األموية للصالبي (‪.)483 /1‬‬

‫‪519‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫باطل مكذوب<(‪.)1‬‬ ‫نساء أهل بيت رسول اهلل‬


‫وقال الدكتور حامد محمد الخليفة‪> :‬بلغ من جالفة أعداء الصحابة في‬
‫رواياتهم عن آل البيت ‪ ‬أنهم يصورون في رواياتهم أن نساء آل بيت نبينا‬
‫ُعرضن وكأنهن عرايا سبايا حاشاهن ‪ ،‬مع ِعلْمهم أن المسلمين ال يفعلون‬
‫ذلك حتى مع المجوس والصليبيين واليهود‪ ،‬ولكنهم يقولون هذا وما شابهه من‬
‫روايات مكذوبة فاقدة للصحة والمصداقية‪.)2(<...‬‬
‫وقال الدكتور حمدي شاهين‪> :‬وليس صحيحا كذلك أن ابن زياد قد أساء‬
‫معاملة نساء الحسين بعد قتله‪ ،‬أو في ترحيله لهن إلى الشام‪ ،‬فالروايات التاريخية‬
‫تخبرنا أن أحسن شيء صنعه ابن زياد أنه أمر لهن بمنزل في مكان معتزل‪ ،‬وأجرى‬
‫عليهن رزقا‪ ،‬وأمر لهن بنفقة وكسوة<‪ ،‬ثم نقل كالم ابن تيمية ‪.)3(‬‬
‫وممن نقل كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية ووافقه عليه‪ :‬الشيخ محمد أبو‬
‫اليسر عابدين(‪ ،)4‬والدكتور أحمد عوض أبو الشباب(‪.)5‬‬
‫ــ وقفة مع الشيخ اإلمامي علي الكوراني في إنكاره لوقوع السبي‬
‫رغم اتفاق سائر كتاب اإلمامية المتأخرين والمعاصرين على إثبات سبي آل‬
‫البيت بعد مقتل الحسين‪ ،‬إال أن الشيخ اإلمامي علي الكوراني خالف في ذلك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫حقبة من التاريخ (ص ‪.)261‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الحسين بن علي ‪( ‬ص ‪.)179‬‬ ‫ريحانة النبي‬ ‫(‪)2‬‬
‫الدولة األموية المفترى عليها (ص ‪ ،)322‬ونقله عنه الدكتور علي الصالبي في كتابه الدولة‬ ‫(‪)3‬‬
‫األموية عوامل االزدهار وتداعيات االنهيار (‪.)479/1‬‬
‫أغاليط المؤرخين (ص ‪.)118‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تاريخ الخالفة األموية بين الحقائق واألوهام (ص ‪ 122‬ــ ‪.)123‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪520‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫وحمل السبي في الروايات على األسر كما مضى‪ ،‬والذي حمل الكوراني على‬
‫ذلك ليس استنكاره لقضية السبي‪ ،‬بل وقوفه على كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫في هذه المسألة والتي استشنع فيها وقوع السبي على آل البيت وأنكره وانتقده‪،‬‬
‫فنقل الكوراني كالم ابن تيمية ثم قال‪> :‬علم اهلل أني لم أقرأ طول عمري ولم‬
‫أسمع‪ ،‬مع أني من بالد الشام التي عاش فيها ابن تيمية‪ ،‬أن أحدا من الشيعة أو‬
‫السنة قال إن البخاتي نبت لها سنام ثا ٍن من ركوب سبايا أهل البيت ‪ ‬عليها‪...‬‬
‫حتى قرأت ذلك من ابن تيمية!‪ ،‬وال تسأل من أين جاء بهذا القول! فقد يكون‬
‫أحد نقله له عن عامي أبله‪ ،‬وقد يكون اخترعه من عنده ليقول‪ :‬وأهل البيت لم‬
‫يُ ْس َب أحد منهم في اإلسالم!‪ ،‬فينفي سبي يزيد لنساء أهل البيت ‪ ‬ليوهم نفي‬
‫أسرهم أو يخففه‪ ،‬ويقول أنا صادق ألن يزيد أسرهم وعفا عنهم ولم ْيس ِبهم‪،‬‬
‫حرف ابن‬ ‫فالسبي عنده أن يتملكهم عبيدا وإماء‪ ...،‬فمن أجل تبرئة إمامه يزيد َّ‬
‫تيمية معنى السبي وجعله التملك وليس األسر! مع أن العرب يقولون سباهم ثم‬
‫أطلقهم ولم يتملكهم<(‪ ،)1‬والجواب من وجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬إن روايات اإلمامية وكالم علمائهم صريح في وقوع السبي بمعنى‬
‫االستعباد واالسترقاق‪ ،‬وقد مضى نقل رواياتهم في هذا الباب ومنها الرواية‬
‫المنسوبة لزينب والتي جاء فيها‪> :‬ال تدخلن عربية إال أم ولد أو مملوكة فإنهن‬
‫ُسبين كما ُسبينا<(‪ ،)2‬وبذلك يظهر شدة تحامل الكوراني على ابن تيمية حين‬
‫نسب إليه أنه فسر السبي باالسترقاق دون األسر‪ ،‬فليس ابن تيمية هو من ابتدأ‬
‫هذا القول‪ ،‬بل هو ما قرره اإلمامية قبل أن يقول ذلك ابن تيمية كابن نما الحلي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جواهر التاريخ (‪ 110/4‬ــ ‪.)111‬‬
‫(‪ )2‬اللهوف على قتلى الطفوف (ص ‪.)95‬‬

‫‪521‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫(توفي في القرن السابع) وابن طاووس (‪ 664‬هـ)‪ ،‬فكان على الكوراني لو كان‬
‫صادقا أن ينتقد كتب اإلمامية ورواياتهم التي نسبت السبي بمعنى االسترقاق إلى‬
‫آل البيت‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن جزئية بخاتي اإلبل قد تعرض لها ابن تيمية في أكثر من موضع‬
‫من كتبه عند كالمه عن السبي ــ كما مضى نقل كالمه ــ‪ ،‬وكان يقول إن هذا من‬
‫قول الكذابين والغالة‪ ،‬وقد وردت إليه في سؤال مكتوب جاء فيه‪> :‬هل صح أن‬
‫ُس ُبوا؟‪ ،‬وأنهم أركبوا على اإلبل عراة ولم يكن عليهم ما‬ ‫أهل بيت النبي‬
‫يسترهم‪ ،‬فخلق اهلل تعالى لإلبل التي كانوا عليها سنامين استتروا بها؟<(‪ )1‬فأجاب‬
‫بتكذيب هذه القصة‪ ،‬فالظاهر أن هذه القصة مما كان يتداول في بعض األزمان‬
‫دون بعض‪ ،‬فكون هذه القصة غير موجودة في الكتب ال يعني تعمد ابن تيمية‬
‫الكذب‪ ،‬كما يريد الكوراني أن يوهم قراءه‪.‬‬
‫* خالصة‪:‬‬
‫والخالصة أن ما يروى من سبي زينب ‪ ‬ونساء آل البيت هي روايات‬
‫مقطوعة البطالن‪ ،‬تفرد بها أبو مخنف وأضرابه من األخباريين ولم يسندوها بسند‬
‫ثابت‪ ،‬وهي مبتالة بالتناقض والنكارة‪ ،‬ويمنع صحتها ما كان عليه المسلمون من‬
‫استعظام سبي نساء آل البيت‪ ،‬فضال عن تعارضها مع روايات أصح منها وأسلم‪،‬‬
‫تنفي السبي وتثبت وقوع األسر فقط‪ ،‬وأما روايات المتأخرين وما زيد فيها من‬
‫الشنائع والفظائع فهي مكذوبة ال أصل لها‪ ،‬بل هي من األساطير التي راجت وال‬
‫زالت تروج في كثير من المنابر والكتب‪ ،‬وأسأل اهلل أن يكون ما كتبته في هذا‬
‫وطيها وع ّدها من األكاذيب التي‬
‫البحث من نقد هذه األسطورة بابا لتفنيدها ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى (‪.)498/4‬‬

‫‪522‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫انتشرت في كتب التاريخ وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ رواية المحمل ونسبة التطبير لزينب الكبرى ‪‬‬


‫اشتهر عند كثير من مراجع اإلمامية المعاصرين‪ ،‬وجملة من ك َّتابهم‬
‫وباحثيهم االستدالل بما يسمى برواية المحمل‪ ،‬أو رواية مسلم الجصاص‪ ،‬أو‬
‫رواية النطح‪ ،‬على إباحة ممارسة التطبير في عاشوراء(‪ ،)1‬وهذه الرواية المفتراة‬
‫على السيدة الطاهرة زينب الكبرى ‪ ،‬تفرد اإلمامية بنقلها‪ ،‬حيث يقص فيها مسلم‬
‫الجصاص دخول أهل البيت إلى الكوفة‪ ،‬في رواية طويلة‪ ،‬والشاهد منها قوله‪> :‬أتوا‬
‫بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين ‪ ....‬فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت‬
‫جبينها بمقدم المحمل‪ ،‬حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها<(‪.)2‬‬
‫وقد نُسبت هذه الروايات لزينب في المؤلفات التي كتبت عنها(‪ ،)3‬وصارت‬
‫أصال يحتج به إلباحة التطبير(‪ ،)4‬و ُكتب عن هذه الرواية األسطورية مؤلفات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫طبر الشيء بالسكين وطبر‬
‫التطبير ليس له أصل في كتب اللغة العربية فهو لفظ عامي عراقي‪ ،‬يقال‪َّ :‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الخشبة بالطبر‪ ،‬أي قطعها‪ ،‬ويقال إن أصل الكلمة فارسي من الطبر والطبرزين وهو الفأس من‬
‫السالح‪ ،‬والتطبير هو طقس يقوم بها العوام في عاشوراء من كل سنة بمناسبة مقتل الحسين ‪،‬‬
‫فيجتمعون في مكان عام البسين مالبس بيضاء شبيهة باألكفان ويقومون بضرب رؤوسهم بآالت‬
‫حادة إلخراج الدماء منها ويسمى أيضا‪ :‬شعيرة اإلدماء‪ ،‬وضرب القامات‪ ،‬ولكن أشهر اسم له هو‬
‫التطبير‪ ،‬راجع‪ :‬فقه الشعائر والطقوس (ص ‪ 45‬ــ ‪ ،)46‬التطبير واإلشكالية المزمنة (ص ‪ 21‬ــ‬
‫‪ ،)22‬تطبير الرؤوس وتجريح األجساد تفجعا على مصرع الحسين (ص ‪.)15‬‬
‫المنتخب للطريحي (‪ ،)464/2‬بحار األنوار (‪.)115/45‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫زينب الكبرى للنقدي (ص ‪.)11‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫راجع‪ :‬من مصادر المبيحين للتطبير‪ :‬الشعائر الحسينية للمرجع جواد التبريزي (ص ‪ 62‬ــ ‪،)63‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫فتوى المرجع الفيروزآبادي المنشورة ضمن مراسم عاشوراء في فتاوي المراجع والعلماء =‬

‫‪523‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫مستقلة(‪ ،)1‬وبما أن هذه الرواية قد بلغت في الشهرة اليوم مبلغا عجيبا‪ ،‬وصار‬
‫كثير من العوام يظنون أن زينب هي منشأ عادة التطبير‪ ،‬كان ال بد من التعرض‬
‫لبيان بطالن هذه الرواية وبراءة زينب ‪ ‬من هذه الفرية‪ ،‬والكالم عن هذه الرواية‬
‫يقع في أصلها وفي مضمونها‪:‬‬
‫أ ــ رواية المحمل ال أصل لها وهي من وضع قصاص القرن الحادي عشر‬
‫إن هذه الرواية مختلقة مصنوعة موضوعة بال ريب وال مرية‪ ،‬فهذه الرواية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= (ص ‪ ،)93‬فتوى المرجع محمد الوحيد التبريزي المنشورة ضمن مراسم عاشوراء في فتاوي‬
‫المراجع والعلماء (ص ‪ ،)142‬فتوى المرجع محمد الوحيدي المنشورة ضمن فتاوى الفقهاء‬
‫والمراجع في الشعائر الحسينية من إعداد رابطة فذكر الثقافية (ص ‪ ،)139‬رد الهجوم عن شعائر‬
‫اإلمام الحسين المظلوم للمرجع محمد جميل حمود (ص‪ 212‬ــ ‪ ،)213‬رمزية الدم في الشعائر‬
‫الحسينية تقرير بحث المرجع محمد سند (ص ‪ ،)254‬وصيتي للعالم اإلسالمي للمرجع محمد‬
‫علي الطباطبائي (ص ‪ ،)228‬الشعائر الحسينية لحسن الشيرازي (ص ‪ ،)126‬المواكب الحسينية‬
‫لعبد اهلل المامقاني المنشور ضمن رسائل الشعائر الحسينية (‪ 231/1‬ــ ‪ ،)232‬نصرة المظلوم‬
‫لحسن إبراهيم المظفر (ص ‪ ،)37‬الشعائر الحسينية للميرزا حامد النواب (ص ‪ ،)134‬فقه‬
‫الشعائر الحسينية لفاضل الصفار (‪ ،)143/3‬الشعائر الحسينية لمحمد جمعة بادي (ص ‪،)137‬‬
‫مراسم عاشوراء (ص ‪ ،)61‬وسيرة الحسين في الحديث والتاريخ (‪ )32/20‬لجعفر مرتضى‬
‫العاملي‪ ،‬مشروعية الشعائر الحسينية لمهدي معاش (ص ‪ 177‬ــ ‪.)181‬‬
‫ومن مصادر المانعين منه‪ :‬التطبير واإلشكالية المزمنة (ص ‪ ،)44‬فقه الشعائر والطقوس لحسين‬
‫الخشن (ص ‪ ،)232‬وقفة مع التطبير (ص ‪.)31‬‬
‫الجصاص زينب (‪ )‬نطحت جبينها بالمحمل<‬ ‫(‪ )1‬كتب فارس الحسون بحثا عنوانه‪> :‬رواية مسلم ّ‬
‫ونشره في موقعه اإللكتروني‪ ،‬وكتب هاشم الهاشمي رسالة في االنتصار لرواية النطح عنوانها‪:‬‬
‫>في السيرة الحسينية‪ ،‬عرس القاسم بن الحسن بين الحقيقة والخرافة‪ ،‬رواية ضرب زينب لجبينها‬
‫بالمحمل أو رواية النطح<‪ ،‬وألّف المرجع محمد جميل حمود كتابه‪> :‬إتحاف ذوي االختصاص‬
‫بالتحقيق في خبر مسلم الجصاص<‪ ،‬وهو مطبوع في مائة وسبعة وستين صفحة!!‪.‬‬

‫‪524‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ال توجد في أي مصدر قبل القرن الحادي عشر‪ ،‬فأقدم من ذكرها هو الطريحي‬
‫(‪ 1085‬هـ) في >منتخبه<‪ ،‬ولم يعزها إلى أي مصدر ولم يذكر لها سندا‪ ،‬فهي‬
‫رواية بال أصل وال فصل‪ ،‬وقد نسبها الطريحي إلى مسلم الجصاص‪ ،‬ومسلم‬
‫الجصاص هذا رجل لم تلده أرحام النساء‪ ،‬وإنما هو من اختالق من عمل هذا‬
‫الخبر‪ ،‬ولذا فال تجد ذكرا لهذا الرجل في أي مصدر من المصادر الرجالية‬
‫لإلمامية(‪ ،)1‬وقد نُسب هذا الخبر إلى كتاب >نور العين< المنحول على‬
‫اإلسفراييني‪ ،‬إال أن الطبعات مختلفة في إثبات هذا الخبر(‪ ،)2‬فلست أدري هل‬
‫ُد ّس في بعض نسخه وطبعاته أم كان في أصل نسخ >نور العين<؟ وسواء ثبت‬
‫هذا الخبر في >نور العين< أم لم يثبت‪ ،‬فإن هذا ال عبرة به‪ ،‬ألن كتاب >نور‬
‫العين< كما مضى إنما ُوضع في القرن الثالث عشر(‪ ،)3‬فورود هذه الرواية فيه‪،‬‬
‫يزيد هذا الكتاب وهنا على وهن‪ ،‬ويؤكد أن الكتاب مختلق بآخرة‪.‬‬
‫ثم إن الرواية في >نور العين< وردت بصيغة أخرى غير التي وردت في‬
‫>المنتخب< للطريحي‪ ،‬فأضيف إليها خطبة مطولة لزينب‪ ،‬فضال عن أن نطح‬
‫زينب بالمحمل ال أثر له في رواية كتاب >نور العين<!‪.‬‬
‫وقد حاول بعضهم اإلجابة عن هذا الخلل بأجوبة باردة‪ ،‬فقد اعتذر هاشم‬
‫الهاشمي عن عدم وجود هذه الرواية في أي مصدر قبل القرن العاشر‪ ،‬باعتذار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬والمصدر الوحيد الذي ذكر مسلما الجصاص هو مستدركات رجال الحديث (‪ )411/7‬لعلي‬
‫النمازي الشاهرودي (‪ 1402‬هـ)‪ ،‬وقد حاول إصالح حال الجصاص بناء على هذه الرواية‬
‫المختلقة! وهذا من الغرائب!!‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف عليه في طبعة القاهرة‪ ،‬ووجدته في طبعة مكتبة المنار بتونس (ص ‪ ،)55‬وطبعة بومباي‬
‫كما نقل الريشهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ )54‬الهامش ‪.10‬‬
‫(‪ )3‬انظر (ص ‪ 428‬ــ ‪.)433‬‬

‫‪525‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫في غاية الغرابة‪ ،‬فقال‪> :‬ليس كل ما ح َدث نُقل إلينا‪ ،‬بل بقي الكثير تحت طي‬
‫الكتمان‪ ،‬حتى وصلت الرواية إلى المجلسي<(‪ ،)1‬وهذا جواب بارد‪ ،‬فلو صح‬
‫هذا االعتذار فلكل كاذب أن يخترع قصة وينسبها إلى القرون األولى‪ ،‬فإن طولب‬
‫بالدليل قال‪> :‬ليس ما كل حدث نُقل‪ ،‬وهذا الخبر ظل مستورا مكتوما حتى وقفت‬
‫عليه<!! وال شك أن العجز هو ما يلجئ إلى مثل هذه األجوبة السمجة الغريبة‬
‫التي ال تمت إلى أصول البحث العلمي بأي صلة‪.‬‬
‫ومن غرائب األوهام‪ ،‬عزو علي أكبر المازندراني هذا الخبر إلى ابن‬
‫طاووس (‪ 664‬هـ)‪ ،‬وأحال إلى المجلسي في البحار(‪ ،)2‬وهذا وهم فاحش‪،‬‬
‫سببه الغفلة وعدم االنتباه‪ ،‬فإن المجلسي نقل رواية عن ابن طاووس ثم نقل رواية‬
‫المحمل عن بعض الكتب المعتبرة‪ ،‬ولم يتنبه المازندراني لذلك فظن أن هذه‬
‫الرواية من كالم ابن طاووس‪ ،‬والمتحصل أن هذا الخبر هو خبر ساقط ال أصل‬
‫له‪ ،‬مختلق من أحد قُصاص القرن الحادي عشر‪ ،‬وما سيأتي من عالمات الوضع‬
‫في متنه يؤيد ذلك‪.‬‬
‫ب ــ دالئل على اختالق رواية المحمل‬
‫إن كل من استأنس باألخبار التاريخية يعلم أن هذا الخبر موضوع في القرن‬
‫العاشر فما بعده‪ ،‬فقد جاء على شاكلة األخبار التي صنعت عن مقتل الحسين في‬
‫وتتب ُع مواضع الخلل في هذا‬
‫القرن العاشر‪ ،‬والتي انتشرت في كتب المقاتل‪ُّ ،‬‬
‫الخبر من تضييع العمر‪ ،‬ولذا سأقتصر على أهم الدالئل(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في السيرة الحسينية (ص ‪.)65‬‬
‫(‪ )2‬دليل الهدى في فقه العزاء (ص ‪.)134‬‬
‫(‪ )3‬وقد انتقد هذا الخبر جماعة من اإلمامية وذكروا مواطن العلل فيه‪ ،‬وجلهم ممن تعرض للكالم=‬

‫‪526‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ الدليل األول‪ :‬جاء في الخبر أن مسلم الجصاص لما سمع الزعقات في‬
‫الكوفة سأل خادما عن ذلك فأجابه‪>> :‬الساعة أتوا برأس خارجي خرج على‬
‫يزيد<‪ ،‬فقلت‪> :‬من هذا الخارجي؟< فقال‪> :‬الحسين بن علي ‪ ،)1(<<‬أقول‪:‬‬
‫إن إطالق وصف خارجي على الحسين ‪ ‬ال يعرف في أي خبر من األخبار‪،‬‬
‫وال أحد يتصور أن يصدر هذا من عاقل‪ ،‬فضال عمن عاش في القرون األولى‪.‬‬
‫ــ الدليل الثاني‪ :‬نَسب ُمخ ِتلق هذا الخبر لعلي بن الحسين أنه أنشد أبياتا‬
‫ركيكة منها قوله‪:‬‬
‫َواهللُ يَ ْه ِتــــ ـ ُك أَ ْســــ ـ َت َار ا ْل ُم ِســــ ـي ِئينَا‬ ‫‪J‬‬ ‫الطــ ِّف قَ ـ ْد أَ ْو َر ْث ِت ِنــي ُح ْزنــا‬
‫يَ ـا َو ْق َعــ َة َّ‬
‫أقول‪ :‬لو غضضنا الطرف عن ركاكة هذا البيت‪ ،‬فإن ما يشهد باختالقه هو‬
‫أن إطالق اسم وقعة الطف على واقعة مقتل الحسين ‪ ‬في كربالء‪ ،‬هو من‬
‫األمور المتأخرة عن القرن الثاني‪ ،‬فنسبته إلى زين العابدين كذب واختالق‪.‬‬
‫ــ الدليل الثالث‪ :‬من األمور الغريبة في هذا الخبر‪ ،‬قول مسلم الجصاص‬
‫عن الحسين ‪ ‬إنه >أشبه الخلق برسول اهلل <(‪ ،)2‬فكيف عرف الجصاص‬
‫وال رآه؟‪ ،‬وليس هذا فقط‪،‬‬ ‫وهو لم يدرك النبي‬ ‫أن حسينا شبيه بالنبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= عن قضية التطبير‪ ،‬فلخصت مالحظاتهم وأضفت عليها أمورا أخرى‪ ،‬وأعرضت عن بعض‬
‫االعتراضات التي ذكروها لضعفها‪ ،‬مثل االعتراض على ذكر كلمة النطح في الرواية لكونها مختصة‬
‫بالبهائم دون البشر‪ ،‬على ما قال بعض اللغويين‪ ،‬فإن الجواب عنه سهل‪ ،‬إلمكان حمله على‬
‫المجاز‪ ،‬فضال عن أن دعوى اختصاص النطح باإلنسان دون الحيوان منقوضة بورود ذلك في‬
‫روايات مسندة‪.‬‬
‫(‪ )1‬بحار األنوار (‪.)114/45‬‬
‫(‪ )2‬بحار األنوار (‪.)115/45‬‬

‫‪527‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫فإن مسلما الجصاص في خبره هذا قص ما صنعته أم كلثوم وزينب ‪ ،‬وهنا يرد‬
‫نفس السؤال‪ :‬من أين عرف اسمهما وهو ليس من أهل البيت وال ممن‬
‫خالطهم؟!‪ ،‬الجواب بيِّن وظاهر وهو أن مختلق هذه األكذوبة لم يتنبه لهذه‬
‫المصائب في روايته!‪ .‬وبعد كل هذا‪ ،‬كيف يستريب عاقل في أن هذا الخبر‬
‫مختلق مصنوع؟‪.‬‬
‫ــ الدليل الرابع‪ :‬ادعاء ُمختلِق هذه الرواية أن زينب لما رأت رأس الحسين‬
‫ضربت رأسها بالمحمل حتى سال دمها‪ ،‬فيه مبالغة ومجازفة ظاهرة‪ ،‬وهذا‬
‫الكذاب فاق أبا مخنف في الكذب واالفتراء‪ ،‬فإن أبا مخنف إنما نسب إلى زينب‬
‫في مروياته أنها صرخت ولطمت وجهها وشقت جيبها لما علمت بدنو أجل‬
‫الحسين‪ ،‬وهذا ال يعدو ما يقع من النساء عادة‪ ،‬أما ضرب الرأس بالمحمل عند‬
‫نزول المصيبة فهذا ال يعرف عند قدماء العرب فضال عن النساء‪ ،‬وإذا كنا ال نقبل‬
‫نسبة اللطم وشق الجيب إلى زينب الذي ورد في رواية أبي مخنف‪ ،‬فكيف نقبل‬
‫هذا الخبر المغرق في الكذب والجهل؟‪ ،‬وزينب ‪ ‬عندنا أجل وأعقل من أن‬
‫يصدر منها مثل هذه األفعال التي تصدر عن السفهاء‪.‬‬
‫ج ــ موازنة بين أقوال المثبتين لرواية المحمل‪ ،‬وبين القائلين بضعفها ور ِّدها‬
‫بالرغم من كل العلل القاطعة ببطالن هذا الخبر واختالقه‪ ،‬فقد حكم بصحة‬
‫الخبر واعتباره جماعة من مراجع اإلمامية ومشايخهم‪ ،‬منهم المرجع مرتضى‬
‫الفيروزآبادي(‪ ،)1‬والمرجع صادق الشيرازي(‪ ،)2‬والمرجع محمد جميل حمود‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتاوى العلماء األعالم في تشجيع الشعائر الحسينية (ص ‪ ،)30‬مراسم عاشوراء في فتاوى‬
‫المراجع والعلماء (ص ‪.)93‬‬
‫(‪ )2‬استفتاء في الشعائر الحسينية المقدسة (ص ‪.)29‬‬

‫‪528‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫العاملي(‪ ،)1‬والمرجع المعاصر محمد صادق الروحاني(‪ ،)2‬والمرجع فتح اهلل‬


‫األصفهاني(‪ )3‬والدربندي(‪ ،)4‬ومحمد علي القاضي الطباطبائي(‪ ،)5‬وحسن‬
‫عجبت لتتابعهم على تصحيح هذا الخبر مع أنه‬
‫ُ‬ ‫الشيرازي(‪ ،)6‬والحقيقة أني قد‬
‫خبر ظاهر البطالن‪ ،‬فضال عن أنه ال أصل له وال إسناد‪ ،‬ولست أدري ما فائدة‬
‫علم الرجال وعلوم الدراية واألسانيد إن كان مؤ َّدى هذه العلوم هو تصحيح أخبار‬
‫ال أصل لها؟ بل ال أدري أي فارق على هذا المقياس بين األخبار المسندة‬
‫المروية في المصادر القديمة وبين األخبار التي ال أصل لها والتي ال يتعدى‬
‫عمرها أربعمائة سنة؟!‪ ،‬فال يوجد أي مستند علمي للحكم بصحة هذا الخبر‪.‬‬
‫ولذا يقول المرجع المعاصر بشير النجفي عن هذا الخبر‪> :‬الرواية موجودة‬
‫المعتمدة في‬
‫ومرسلة في المقاتل و ُكتب السير وإثبات صحة سندها بالموازين ُ‬
‫علم ال ّدراية والرجال َصعب<(‪ ،)7‬أقول بل هو مستحيل‪ ،‬وما ذكروه من تبرير‬
‫لتصحيح هذا الخبر هو أشبه ببيت العنكبوت‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫ــ قولهم‪ :‬إن المجلسي نقل هذه الرواية عن كتاب وصفه بالمعتبر(‪،!)8‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫صنف رسالة سماها‪ :‬إتحاف ذوي االختصاص بالتحقيق في خبر مسلم الجصاص‪ ،‬وحاول فيها‬ ‫(‪)1‬‬
‫إثبات صحة الخبر بوجوه كثيرة‪ ،‬فانظر (ص ‪ 101‬ــ ‪ ،)132‬وقد قال ملخصا نتيجة كالمه‪> :‬إن‬
‫خبر مسلم الجصاص مقبول سندا‪ ،‬وصحيح داللة على مسلكنا الرجالي<‪.‬‬
‫أجوبة المسائل االعتقادية (ص ‪.)41‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫فقه الشعائر الدينية (‪.)145/3‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫إكسير العبادات (‪.)331/3‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫في تعليقه على كتاب الفردوس األعلى (ص ‪ 21‬ــ الهامش ‪.)1‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الشعائر الحسينية (ص ‪.)126‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫استفتاء منشور في الموقع الرسمي للمرجع بشير النجفي‪:‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫‪. html‬ــ‪http://www.alnajafy.com/list/mainnews176- 677-1‬‬
‫(‪ )8‬في السيرة الحسينية لهاشم الهاشمي (ص ‪.)75‬‬

‫‪529‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫والجواب عن هذا ظاهر‪ ،‬فإن حكم المجلسي باعتبار الكتاب ال يلزم منه الحكم‬
‫بأن الرواية المنقولة منه معتبرة‪ ،‬بل لو سلمنا بهذا لما كان لحكم المجلسي أي‬
‫قيمة علمية‪ ،‬ألنه أحال على كتاب مبهم ولم يصرح باسمه‪ ،‬ثم إن الذي يظهر أن‬
‫الكتاب الذي قصده المجلسي بالمعتبر هو كتاب >المنتخب< للطريحي فقد نقل‬
‫منه كثيرا‪ ،‬وهذه الرواية موجودة فيه‪ ،‬وهذا الكتاب ساقط وغير معتمد‪ ،‬ومليء‬
‫باألخبار المختلقة والموضوعة على الحسين كما قرر ذلك جماعة من‬
‫اإلمامية(‪ ،)1‬فأي اعتبار لهذا الكتاب؟‪.‬‬
‫ــ ومن االستدالالت الذي ذكروها‪ :‬قولهم‪ :‬إن الرواية ُنقلت في عدة‬
‫مصادر(‪ ،)2‬قلت‪ :‬هذا ليس إال خياال ضعيفا‪ ،‬فإن المصدر األصلي لهذه الرواية‬
‫هو كتاب منتخب الطريحي‪ ،‬ثم نقل المجلسي الخبر في بحار األنوار‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫نُقل في كتب أخرى متأخرة‪ ،‬فال فائدة لتكرار الخبر في عدة مصادر ألن مخرجه‬
‫واحد‪ ،‬وقد نقض فضل علي القزويني هذا االستدالل فقال تعليقا على قول‬
‫مرتضى األنصاري (‪ 1282‬هـ) بشهرة هذه الرواية(‪> ،)3‬المراد من الشهرة في‬
‫كالمه قدس سره الشهرة في ألسنة الراثين والذاكرين في زمنه‪ ،‬ال الشهرة‬
‫المصطلحة‪ ...‬وال الشهرة في الرواية‪ ،‬إذ لم يُعهد شهرة هذه الحكاية قبل زمنه‬
‫قدس سره‪ ،‬وال اشتهار الرواية قبل زمن المجلسي بل وال بعده‪ ،‬إذ كثير من‬
‫المتأخرين أعرضوا عن ذكر الرواية والحكاية في كتبهم ومقاتلهم كاللواعج‬
‫والقمقام واألربعين‪ ،‬بل صرحوا بكذب الرواية<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر‪ :‬جدل ومواقف في الشعائر الحسينية (ص ‪ 137‬ــ ‪ ،)140‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء‬ ‫(‪)1‬‬
‫(ص ‪.)37‬‬
‫لماذا التطبير‪ ،‬عبد العظيم المهتدي البحراني (ص ‪ ،)46‬و(ص ‪.)142‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫كتاب الزكاة (ص ‪ 352‬ــ ‪.)353‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اإلمام الحسين وأصحابه (‪.)218/3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪530‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ولهم استدالالت أخرى أعرضت عن ذكرها خشية اإلطالة(‪.)1‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد توسع محمد جميل حمود في االنتصار لهذه الرواية‪ ،‬فذكر سبعة وجوه إلثبات صحتها في‬
‫كتابه >إتحاف ذوي االختصاص بالتحقيق في خبر مسلم الجصاص< (ص ‪ 101‬ــ ‪ ،)132‬وهي‬
‫ليست إال محض تخيالت بعيدة‪ ،‬ال أساس لها من الصحة‪:‬‬
‫فأول وجه استدل به هو صحة العمل بالوجادة‪ ،‬وهذا الوجه ال ينطبق على هذه الرواية‪ ،‬ألن صحة‬
‫العمل بالوجادة ال يلغي ضرورة اإلسناد‪ ،‬فالوجادة في أصلها كما هو مبسوط في كتب المصطلح‬
‫هو أن يجد الراوي رواية مسندة‪ ،‬فيقول مثال‪ :‬وجدت بخط فالن قال‪ :‬حدثني فالن ثم يسوق‬
‫اإلسناد‪ ،‬وأما أن يأتي الطريحي في القرن العاشر فينقل رواية بال إسناد وال زمام وال خطام فهذا‬
‫ليس من الوجادة في شيء‪ .‬ثم إن هذه الوجادة فيها إحالة على كتاب مبهم‪ ،‬وإذا كان قول الراوي‬
‫حدثني الثقة مردودا ــ كما هو مقرر في علم الدراية ــ ألنه أحال على مبهم‪ ،‬فمن باب أولى رد‬
‫قول من قال‪> :‬وجدت في كتاب معتبر<‪.‬‬
‫وثاني وجه استدل به محمد جميل حمود هو عمل مشهور المتأخرين بهذه الرواية‪ ،‬وهذا أيضا‬
‫استدالل ضعيف‪ ،‬واالستدالل بعمل المشهور غير معتمد‪ ،‬قد نوقش في محله من كتب األصول‬
‫والرجال فليرجع إليه‪ ،‬فضال عن أن دعوى عمل المشهور بهذا الخبر ممنوعة‪ ،‬فالخبر موجود في‬
‫كتاب المنتخب المصنف في القرن الحادي عشر‪ ،‬بينما أول من عمل بالخبر هو الدربندي المتوفى‬
‫في القرن الثالث عشر‪ ،‬فلو قيل بالعكس‪ ،‬وهو إعراض المشهور عن هذا الخبر لكان أقرب إلى‬
‫الصواب!‪.‬‬
‫والوجه الثالث‪ :‬عدم اشتراط قوة السند في األخبار التاريخية‪ ،‬والجواب‪ :‬لو سلمنا بذلك جدال‬
‫نقول‪ :‬أين هذا من ذاك‪ ،‬فإن هذا الخبر ال إسناد له أصال‪ ،‬فحتى شرط عدم قوة السند مفقود!!‪،‬‬
‫فكيف وهذه القاعدة غير مسلمة عند التحقيق‪.‬‬
‫والوجه الرابع‪ :‬أنه قد وقع ما هو أعظم من نطح الرأس بزعمه‪ ،‬كخمش الوجه‪ ،‬والجواب ــ دون‬
‫البحث في صحة دعوى وقوع قصة خمش الوجه ــ إن ثبوت هذا ال يعني إثبات رواية النطح!!‪،‬‬
‫فكل رواية ال بد أن يقوم الدليل على صحتها‪ ،‬وال يصح استعمال القياس المجرد من أي حجة‬
‫إلثبات صحة األخبار!!‪ ،‬ألن ذلك باب من أبواب تصحيح األكاذيب باألقيسة واالستحسانات!‪.‬‬
‫والوجه الخامس‪ :‬قول محمد جميل حمود إن خبر مسلم الجصاص مطابق لألصول العامة‬
‫للتشريع‪ ،‬والجواب‪ :‬إن العكس هو الصواب فالتشريع جاء بحفظ النفس من األذى‪ ،‬وأبواب‬
‫=‬ ‫الديات في كتب الفقه أبين حجة على بطالن كالم محمد جميل حمود‪.‬‬

‫‪531‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫وقد حكم بعدم صحة الخبر جماعة من اإلمامية‪:‬‬


‫ــ أقدمهم فيما وقفت عليه هو المؤرخ عباس القمي (‪ 1359‬هـ)‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪> :‬ال يوجد ذكر المحمل إ ّال في خبر مسلم الجصاص‪ ،‬وهذا الخبر وإن نقله‬
‫العالمة المجلسي لكن مستنده هو كتاب >منتخب< الطريحي وكتاب >نور‬
‫العين<‪ ،‬وال يخفى على أهل الخبرة والفن في علم الحديث‪ ،‬حال الكتابين‬
‫المذكورين<(‪.)1‬‬
‫ــ وتبعه المرجع الشامي محسن األمين (‪ 1371‬هـ)‪ ،‬حيث يقول‪> :‬ولكن‬
‫كثيرا من الذاكرين لمصابهم قد اختلقوا أحاديث في المصائب وغيرها لم يذكرها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وأما قوله في الوجه السادس‪ :‬إن رواية الجصاص مقبولة عند المتأخرين‪ ،‬ففضال عن كونه تكرارا‬
‫للوجه األول‪ ،‬ففيه قصور ظاهر‪ ،‬إذ زعم محمد جميل حمود (ص ‪ ،)122‬أن هذا الخبر لم يعترض‬
‫عليه المتأخرون بخدش أو لمز‪ ،‬وسيأتي تعداد جملة من علماء اإلمامية المتأخرين الذين ردوا هذا‬
‫الخبر‪ ،‬وهم في نفس طبقة من أفتى به‪ ،‬كعباس القمي ومحسن األمين‪.‬‬
‫وأما الوجه السابع‪ :‬وهو أن الميزان الصحيح لتصحيح األخبار هو مبنى الوثوق بالصدور‪ ،‬ففيه‬
‫نزاع مشهور بين اإلمامية في كتب األصول وكتب الرجال‪ ،‬وليس هذا محل التوسع فيه‪ ،‬وملخص‬
‫الجواب أن مبنى الوثوق بالصدور ليس له ضوابط واضحة‪ ،‬إذ أنه ال يشترط وثاقة الرواة إلثبات‬
‫صحة األخبار‪ ،‬بل يستند إلى قرائن تورث االطمئنان بصحة صدور الخبر عن المعصوم‪ ،‬وهذه‬
‫القرائن ال يمكن لها أن تثبت إال صحة المعنى أو بطالنه‪ ،‬لكنها ال تثبت صدور الخبر ممن نسب‬
‫إليه‪ ،‬فمن المعلوم أن بعض الوضاعين كان يضع أحاديث موافقة للقرآن وصحيح السنة وينسبها‬
‫إلى النبي ‪ ،‬والصحيح أن صحة الخبر متوقفة على وثاقة الرواة واتصال اإلسناد‪ ،‬وهذا أظهر‬
‫وجه في بطالن هذا المبنى‪ .‬ووجه آخر وهو أنهم يجعلون من قرائن الصحة موافقة القرآن‪ ،‬ومعلوم‬
‫أن كثيرا من الروايات قد وردت بأمور ال أصل لها في القرآن‪ ،‬فكيف يعلم بصحتها بناء على هذا‬
‫المبنى؟!‪ ،‬هذا باختصار رد وجيز على تلك الوجوه التي لفقها محمد جميل حمود العاملي‬
‫لتصحيح هذا الخبر الموضوع‪.‬‬
‫(‪ )1‬منتهى اآلمال (‪ )729/1‬بتعريب هاشم الميالني‪.‬‬

‫‪532‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫مؤرخ وال مؤلّف‪ ،‬مسخوا بعض األحاديث الصحيحة وزادوا ونقصوا فيها؛ لِما‬ ‫ّ‬
‫وسقمها ح ّتى‬‫بصحة األخبار ُ‬‫ّ‬ ‫يرونه من تأثيرها في نفوس المستمعين الجاهلين‬
‫ُح ِف َظ ْت على األلسن‪ ،‬وأُودعت في المجاميع‪ ،‬واشتهرت بين ال ّناس‪ ،‬وال رادع‪،‬‬
‫وهي من األكاذيب التي تغضبهم وتفتح باب القدح للقادح‪ ...‬إ ّن ما يفعله جملة‬
‫من ال ّناس؛ من جرح أنفسهم بالسيوف‪ ،‬أو اللطم المؤ ّدي إلى إيذاء البدن‪ ،‬إ ّنما‬
‫الجهال عذرا‬
‫هو من تسويالت الشيطان وتزيينه سوء األعمال‪ ...‬وانتحال بعض ّ‬
‫بمق ّدم المحمل ح ّتى‬ ‫لذلك بما ينقلونه من أ ّن إحدى الطاهرات نطحت جبينها ُ‬
‫ُرئي الدم يجري من تحت قناعها؛ هو من هذا البحر وعلى هذه القافية اللذين‬
‫ّمرت اإلشارة إليهما<(‪.)1‬‬
‫ــ ويقول الريشهري‪> :‬كيف يمكن تصديق ضرب زينب ‪ ‬رأسها‬
‫بالمحمل في المأل العام بين آالف الكوفيين ويجري دمها‪ ،‬ثم يبقى هذا الموضوع‬
‫ثم يروى بعد كل هذه المدة الطويلة في بعض‬‫مسكوتا عنه لحوالي ألف سنة‪ّ ،‬‬
‫المصادر التي تبلغ الغاية في الضعف‪ ،‬وعن شخص واحد؟!<(‪.)2‬‬
‫ــ ويقول الباحث حسن إسالمي‪> :‬يقوم هذا الدليل على حديث يذكر أنصار‬
‫جعله وكذبه‪ ،‬فلم يَرِ ْد هذا‬
‫التطبير أنه صحيح‪ ،‬إال أن تأمال بسيطا يوضح لنا ْ‬
‫أي من المصادر القديمة الروائية والتاريخية‪ ،‬فال إشارة في مقتل أبي‬
‫الحديث في ّ‬
‫مخنف إلى هذه الحادثة إطالقا‪ ،‬كذلك في المقتل المعروف البن طاووس‬
‫«اللهوف في قتلى الطفوف<‪ ،‬ال حديث عن هذا الموضوع‪ ...‬وفي الحقيقة‪ ،‬إ ّن‬
‫رواية ضرب الرأس بالمحمل إنما ظهرت في القرن الحادي عشر الهجري‪ ،‬وشيئا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية (‪ 11/1‬ــ ‪.)12‬‬
‫(‪ )2‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ ،)55‬الهامش‪.‬‬

‫‪533‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫تتحول إلى أساس لتشريع التطبير‪ ،)1(<...‬ثم ذكر كالما في أصل الخبر‬
‫فشيئا أخذت ّ‬
‫وانتشاره في بعض الكتب وحكم عليه بأنه >خبر مجعول< و>خبر كاذب<(‪.)2‬‬
‫ــ وقال باقر رستم مستغربا ممن اعتمد على هذا الخبر‪> :‬وأكبر من ذلك أن‬
‫ُتقبل رواية المحمل التي تأخرت روايتها إلى أكثر من ثالثة أو أربعة قرون عن يوم‬
‫الواقعة(‪ ،)3‬وليست موجودة في أي من أمهات المقاتل المعروفة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫يُعتمد عليها في حكم شرعي<(‪.)4‬‬
‫ــ وقال محمد الحسون عن رواية المحمل بعد بحث في سندها ومتنها‪:‬‬
‫>هذه الرواية مجهولة المصدر‪ ،‬مجهولة الراوي‪ ،‬مرسلة‪ ،‬في متنها ع ّدة‬
‫إشكاالت<(‪.)5‬‬
‫ــ وقال حسين المياحي‪> :‬هذا الخبر مدسوس موضوع مكذوب على آل‬
‫البيت وعقيلة بني هاشم‪ ،‬وقد ُوضع أيام تدوين البحار ممن ال يفقه في العربية‬
‫شيئا<(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مقالة >العزاء‪ ،‬سنة دينية أم فعل اجتماعي<‪ ،‬المنشورة ضمن كتاب جدل ومواقف في الشعائر‬ ‫(‪)1‬‬
‫الحسينية (ص ‪ 324‬ــ ‪.)325‬‬
‫المصدر السابق (ص ‪.)326‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫قلت‪ :‬بل عشرة قرون!‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫التطبير واإلشكالية المزمنة (ص ‪.)52‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الجصاص زينب (‪ )‬نطحت جبينها بالمحمل< (ص ‪ ،)21‬ومع ذلك رأى‬ ‫مقالة >رواية مسلم ّ‬ ‫( ‪)5‬‬
‫االستناد إليها من باب التأييد!‪.‬‬
‫مقالة‪> :‬هل (نطحت) العقيلة زينب جبينها بمقدم المحمل؟ أو (نطحت) مقدم المحمل؟<‪،‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫لحسين المياحي‪ ،‬منشور بموقع االجتهاد‬
‫‪/‬هل‪-‬نطحت‪-‬العقيلة‪-‬زينب‪-‬ع‪-‬جبينها‪-‬مبقدم‪-‬ال‪https://ijtihadnet.net/‬‬

‫‪534‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ووافقهم في رد هذا الخبر عدة ٌ‪ ،‬منهم‪ :‬المرجع محمد حسين فضل اهلل(‪،)1‬‬
‫والمرجع اللنكراني(‪ ،)2‬والمرجع محمد آصف محسني(‪ ،)3‬ومحمد صحتي(‪،)4‬‬
‫وعلي أكبر السيفي المازندراني(‪ ،)5‬وفوزي آل السيف(‪ ،)6‬وحسين الخشن(‪،)7‬‬
‫وياسر عودة(‪ ،)8‬وعلي دهيني(‪ ،)9‬ورشيد السراي(‪.)10‬‬
‫وال شك أن الصواب مع من حكم ببطالن هذا الخبر واختالقه‪ ،‬وال حاجة‬
‫عرف إال‬
‫للتوسع في ذلك‪ ،‬فإن أي عاقل يقطع بأن خبرا يرويه راو مجهول ال يُ ُ‬
‫كتاب أُل ِّف في القرن الحادي عشر‬
‫أقدم مصدر لهذا الخبر هو ٌ‬
‫بهذا الخبر ــ ويكون ُ‬
‫حيث كان قُ ّصاص مقتل الحسين يتنافسون في اختالق األكاذيب‪ ،‬ويكون متنه‬
‫سخيفا ركيكا ال يمت للغة القرون األولى بأي صلة ــ هو خبر مكذوب‪ ،‬وكل من‬
‫صحح هذا الخبر لم يستند إلى أي قاعدة علمية‪ ،‬بل إنما اعتمادهم على تمحالت‬
‫مح َدثة ال يتعدى‬
‫بعيدة وتوهمات عجيبة ال يراد منها إال إيجاد أصل لممارسة ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الندوة (‪.)464/1‬‬
‫(‪ )2‬نقل فتواه باقر رستم في كتابه‪> :‬التطبير اإلشكالية المزمنة< (ص ‪.)46‬‬
‫(‪ )3‬حيث لم يحكم باعتبار الخبر في مشرعة بحار األنوار (‪.)156/2‬‬
‫(‪ )4‬مقالة >السيرة الحسينية المصادروالمراجع<‪ ،‬المنشورة ضمن كتاب جدل ومواقف من الشعائر‬
‫الحسينية (ص ‪.)139‬‬
‫(‪ )5‬دليل الهدى في فقه العزاء (ص ‪.)134‬‬
‫(‪ )6‬من قضايا النهضة الحسينية (ص ‪ )193‬الهامش ‪.2‬‬
‫(‪ )7‬فقه الشعائر والطقوس (ص ‪ 232‬ــ ‪.)239‬‬
‫(‪ )8‬قضايا أثارت جدال (ص ‪.)89‬‬
‫الحسينية< المنشورة بمجلة االجتهاد والتجديد‪ ،‬العدد ‪( ،23‬ص ‪.)207‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )9‬مقالة >أحكام الشعائر‬
‫(‪ )10‬له بحث مطول حول رواية مسلم الجصاص وأدلة التطبير‪ ،‬نشره في سبع حلقات تحت عنوان‪:‬‬
‫>التطبير بين الشعائرية والتحريم<‪ ،‬منشور بالموقع اإللكتروني لمؤسسة النور للثقافة واإلعالم‪.‬‬

‫‪535‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫عمرها مائتي سنة‪ ،‬ويحاولون تبريرها وإيجاد أصل لها بنسبتها إلى زينب بنت‬
‫علي ‪ ،‬وزينب بريئة من هذه الرواية براءة الذئب من دم يوسف ‪.‬‬

‫د ــ براءة زينب الكبرى ‪ ‬من التطبير‬


‫استند بعضهم لرواية المحمل لتقرير جواز التطبير أو ما يسمى >شعيرة‬
‫اإلدماء<‪ ،‬سواء كان هذا اإلدماء باللطم حتى خروج الدم‪ ،‬أو بضرب الرأس‬
‫بالسيف!!‪ ،‬ولعل أول من استند إلى هذه الرواية لتقرير اللطم إلى درجة خروج‬
‫الدم هو اآلغا الدربندي (‪1286‬هـ)(‪ ،)1‬وأما أول من استدل بها على جواز التطبير‬
‫ــ حسبما وقفت عليه ــ فهو المرجع فتح اهلل األصفهاني (‪ 1339‬هـ)‪ ،‬المشهور‬
‫عند اإلمامية بشيخ الشريعة‪ ،‬فقد نقل عنه حسن المظفر أنه كان يصحح هذه الرواية‬
‫ويستدل بها على إباحة التطبير(‪ ،)2‬ثم تبعه على ذلك جماعة منهم‪ :‬عبد اهلل‬
‫ومحمد حسين كاشف الغطاء (‪ 1373‬هـ)(‪ ،)3‬وعبد‬ ‫ّ‬ ‫المامقاني (‪ 1351‬هـ)‪،‬‬
‫الحسين قاسم الحلّي (‪ 1375‬هـ)‪ ،‬وحسن المظفر (‪ 1388‬هـ)‪ ،‬ومرتضى ابن‬
‫الداماد (القرن الرابع العشر)(‪.)4‬‬
‫وبالغ بعضهم فزعم أن أول من أسس لممارسة التطبير المنكرة هي السيدة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إكسير العبادات (‪.)331/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الجصاص >زينب (‪ )‬نطحت جبينها‬ ‫نصرة المظلوم للمظفر (ص ‪ ،)76‬مقالة‪ :‬رواية مسلم ّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫بالمحمل (ص ‪.)22‬‬
‫الفردوس األعلى (ص ‪ )21‬وتبعه على ذلك محمد علي القاضي الطباطبائي في تعليقه على الكتاب‬ ‫(‪)3‬‬
‫في الهامش (رقم ‪.)1‬‬
‫الجصاص >زينب (‪ )‬نطحت جبينها بالمحمل<‬ ‫انظر كالمهم مع مصادره في مقالة‪ :‬رواية مسلم ّ‬ ‫(‪)4‬‬
‫(ص ‪ 22‬ــ ‪.)25‬‬

‫‪536‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫زينب الكبرى ‪ ،)1(‬حتى قال الشيخ اإلمامي عبد العظيم المهتدي البحراني‪:‬‬
‫>التطبير من بعد السيدة زينب قام به التوابون<(‪ ،)2‬ونَقل عن المرجع المعاصر‬
‫يعسوب الدين الرستكاري أنه قال‪> :‬التطبير جائز تبعا لفعل السيدة زينب‪.)3(<..‬‬
‫ويقول غفار عفراوي‪> :‬كثر الحديث عن شعيرة التطبير التي تمارس من قبل‬
‫المعزين بذكرى شهادة اإلمام الحسين ‪ ،‬ويُن َقل أن السيدة زينب كانت أول‬
‫من فعل ذلك<(‪.)4‬‬
‫وقال نمر باقر النمر‪> :‬كل هامة ُتجرح اقتداء بزينب ‪ ‬التي ضربت رأسها‬
‫بالمحمل فسال دمها<(‪ .)5‬وقال جالل الدين الصغير وهو يبرر للمطبِّرين‪> :‬وجدوا‬
‫أن الصديقة الحوراء ضربت رأسها بالمحمل فقالوا لن نتركها وحدها فراحوا‬
‫يطبرون الهامات ويضربون الرؤوس<(‪.)6‬‬
‫وقال شاعرهم هادي الخفاجي‪:‬‬
‫نشــــــج منــــــا أرؤســــــا بالمــــــدى ‪ J‬لـــرزء ســـبط المصـــطفى المرســـل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذكر الدكتور اإلمامي توفيق بوخضر هذا ضمن اآلراء التي ذكرت في نشأة التطبير ورده‪ ،‬وقفة مع‬ ‫(‪)1‬‬
‫التطبير (ص ‪.)31‬‬
‫لماذا التطبير ــ نسخة إلكترونية (ص ‪.)46‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫لماذا التطبير ــ نسخة إلكترونية (ص ‪.)131‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مقالة‪> :‬ثالثة قاموا بالتطبير‪ ..‬السجاد وزينب وهند!<‪ ،‬منشورة بموقع كتابات في الميزان‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪https://www.kitabat.info/subject.php?id=25833‬‬
‫(‪ )5‬مقالة‪> :‬اإلمام الحسين (‪ )‬نهج للشعائر اإلةيهل<‪ ،‬نشرت ضمن نشرة رسالة الحسين التي‬
‫تصدر بالعوامية‪ ،‬العدد‪ :‬العاشر ــ السنة‪ :‬الرابعة ــ ‪ 10‬محرم ‪ 1425‬هـ‪ ،‬ومنشورة في موقع نمر‬
‫باقر النمر‪http://www.sknemer.com/web/article/print/205 :‬‬
‫(‪ )6‬من خطبة >أبعاد ركضة طويريج<‪ ،‬الجمعة ‪ ،2011/12/9‬منشورة بموقعه الرسمي‪:‬‬
‫‪https://www.sh-alsagheer.com/post/508‬‬

‫‪537‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مــــذ رأســــها شــــجته بالمحمــــل‬ ‫‪J‬‬ ‫حـــــل لنـــــا مـــــن أختـــــه زينـــــب‬
‫وال شك وال ريب أن زينب براء مما نسب إليها‪ ،‬وبيان ذلك من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬إن ظهور التطبير متأخر جدا‪ ،‬ونسبته إلى زينب بناء على تلك الرواية‬
‫المختلقة كذب محض‪ ،‬وقد قرر عدة من الباحثين ــ ومنهم المؤيدون للتطبير ــ‬
‫أن طقس التطبير لم يكن له أي وجود في عصر األئمة وما بعدهم بكثير(‪،)2‬‬
‫وأكتفي بإيراد قول مرجع اإلمامية علي الخامنئي‪> :‬التطبير‪ ...‬ليس له سابقة في‬
‫عصر األئمة ‪ ،‬وما وااله‪ ،‬ولم يرد فيه تأييد من المعصوم‪.)3(<...‬‬
‫اختلِف في مبدأ ظهور التطبير‪ ،‬وأقدم زمن ينسب إليه هو القرن الحادي‬‫وقد ُ‬
‫عشر(‪ ،)4‬فنسبة ابتداع هذه الممارسة إلى زينب بناء على هذه الرواية ليس إال‬
‫تمحال‪ ،‬بل هو افتراء بيِّن‪.‬‬
‫غير ما نسب إلى زينب ‪ ،‬فإن المطبرين‬
‫الثاني‪ :‬إن ما يصنعه المطبرون ُ‬
‫يضربون رؤوسهم كل سنة في محرم بالسيوف قاصدين إخراج الدم بكامل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نقله عنه محمد جمعة بادي في كتابه الشعائر الحسينية (ص ‪.)139‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫من مصادر المحرمين للتطبير‪ :‬رسالة التنزيه ألعمال الشبيه (ص ‪ ،)6‬فقه الشعائر والطقوس (ص‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ ،)48‬التطبير واإلشكالية المزمنة (ص ‪ ،)179‬وقفة مع التطبير (ص ‪ ،)33‬تراجيديا كربالء (ص‬
‫‪ ،)460‬من وحي الثورة الحسينية (ص ‪ ،)167‬قضايا أثارت جدال (ص ‪ )86‬و(ص ‪ .)90‬ومن‬
‫مصادر المبيحين للتطبير‪ :‬صراط النجاة للخوئي (‪ ،)432/1‬الشعائر الحسينية لحسن الشيرازي‬
‫(ص ‪.)93‬‬
‫أجوبة االستفاءات (‪.)129/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تركيا إليران‬
‫نقل الدكتور اإلمامي حمزة الحسن في كتابه طقوس التشيع (ص ‪ )503‬أن زائرا ّ‬ ‫(‪)4‬‬
‫>شهد مئات المعزين الذين يضربون رؤوسهم وأجسادهم بالسيوف والسكاكين (التطبير)‪،<..‬‬
‫وراجع‪ :‬فقه الطقوس والشعائر الدينية (ص ‪ 53‬ــ ‪ ،)60‬وقفة مع التطبير (ص ‪ 33‬ــ ‪.)38‬‬

‫‪538‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قضايا تارخيية غري ثابتة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫اختيارهم‪ ،‬معتقدين أن هذه عبادة ومواساة ألهل البيت‪ ،‬بينما الرواية المنسوبة‬
‫لزينب تذكر أنها إنما ضربت جبينها بالمحمل لما رأت رأس الحسين من هول‬
‫المصيبة‪ ،‬فالظاهر من هذه الرواية أن ضرب زينب لرأسها بالمحمل إنما كان ردة‬
‫فعل لما رأته‪ ،‬وأن شدة الحزن حملتها على أن تنطح رأسها بالمحمل من غير أن‬
‫تدري أو تشعر أو تريد ذلك‪ ،‬على صورة ما يقع من النساء عند نزول المصائب‪،‬‬
‫فالقصد هنا منتف أصال‪ ،‬وعليه فال يصح القول بصدور هذا الفعل اختيارا من‬
‫زينب ‪ ‬بمقتضى هذه الرواية‪.‬‬
‫صحة‬
‫الثالث‪ :‬بيَّ نه الباحث اإلمامي حسن إسالمي فقال‪> :‬حتى لو فرضنا ّ‬
‫خبر المحمل‪ ...،‬يلزم على أنصار التطبير ــ عمال بمضمون الخبر ــ أن يلتزموا‬
‫بضرب الرؤوس في خشب المحامل ضمن مراسم خاصة‪ ،‬أي عين ذلك العمل‬
‫الذي قامت به السيدة زينب‪ ،‬ال التطبير؛ فإثبات التطبير بهذا الخبر غير‬
‫صحيح‪.)1(<...‬‬
‫الرابع‪ :‬إن زينب ‪ ‬ــ على ما جاء في هذه الرواية ــ صنعت هذا الفعل‬
‫تكرارهن‬
‫ّ‬ ‫مرة واحدة‪ ،‬و>لم يُنقل عن السيدة زينب‪ ،‬وال غيرها من نساء كربالء‪،‬‬
‫ضربن‬
‫َ‬ ‫شعورهن‪ ،‬وال‬
‫ّ‬ ‫هذا العمل في ذكرى عاشوراء السنوية الحقا‪ ،‬فلم ينشرن‬
‫رؤوسهن‪ ،‬أو لطمن وجوههن<(‪ ،)2‬خالفا لما يصنعه المطبرون الذين يُ ْق ِدمون‬
‫على هذا الفعل المنكر في عاشوراء أو يوم العشرين من صفر من كل سنة‪ ،‬وكأنه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقالة >العزاء‪ ،‬سنة دينية أم فعل اجتماعي<‪ ،‬المنشورة ضمن كتاب جدل ومواقف في الشعائر‬
‫الحسينية (ص ‪ 324‬ــ ‪.)327‬‬
‫(‪ )2‬مقالة >فقه العزاء الحسيني< لمحمد تقي أكبر نجاد‪ ،‬المنشورة في مجلة االجتهاد والتجديد‪ ،‬العدد‬
‫‪( ،17‬ص ‪.)132‬‬

‫‪539‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫عبادة منصوص عليها!!‪.‬‬


‫است ِن َد إليها في نسبة التطبير إلى زينب رواية‬
‫وبهذا يتبين أن هذه الرواية التي ُ‬
‫ال أصل لها‪ ،‬وليس لها أي إسناد‪ ،‬وهي مختلقة من فترة قريبة‪ ،‬وراويها رجل‬
‫مختلق لم تلده أرحام النساء‪ ،‬وأما متنها فعلى ركاكته وظهور بطالنه فال عالقة له‬
‫بأي وجه بما يفعله المطبرون‪.‬‬

‫‪540‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ل‬
‫اميحب الثاني‬
‫قصايا عقدية معلؤطة عن زينب الكبرى ‪‬‬
‫‪$‬‬
‫ارتبطت شخصية زينب الكبرى ‪ ‬في عصرنا بكثير من التصورات‬
‫المغرقة في الغلو‪ ،‬والتي لم يكن لها أصل في التراث الروائي والعقدي القديم‪،‬‬
‫ويبدو من خالل االستقراء أن منشأ الغلو في زينب مرتبط بالتطور الكبير الذي‬
‫حصل في مرويات مقتل الحسين ‪ ،‬وما صاحب ذلك من تضخم في التراث‬
‫المتعلق بسيرته ‪ ،‬ثم ما صاحب ذلك من الممارسات التي تقام في محرم من‬
‫كل سنة بمناسبة مقتله‪ ،‬وما ترتب عن ذلك من ازدياد عدد المجالس المخصصة‬
‫لقراءة قصة خروجه ومقتله‪ ،‬وما تال ذلك من اختالق روايات وأحداث لم يكن‬
‫لها أي وجود قبل القرن العاشر كما مضى تفصيله‪ ،‬وبما أن حضور زينب في هذه‬
‫المرويات المتأخرة متكرر في عدة مواضع كما مضى‪ ،‬فقد بدأت بعض المقوالت‬
‫والتصورات المغالية في زينب الكبرى ‪ ‬تنشأ بالتوازي مع المغاالة في الحسين‬
‫‪ ،‬ومما يدل على ذلك أ َّن كثيرا من الشخصيات التي يتكرر اسمها في مرويات‬
‫الحسين قد بلغ الغلو فيها مبلغا غريبا‪ ،‬سواء من قتل مع الحسين(‪ )1‬أو من بقي‬
‫بعد مقتل الحسين ‪ ،)2(‬فعند التأمل في منزلة هذه الشخصيات في الكتابات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كمسلم بن عقيل الذي قتل قبل الحسين ‪ ،‬والعباس بن علي ‪ ،‬وعلي األكبر بن الحسين‬
‫‪ ،‬وعبد اهلل الرضيع‪ ،‬والقاسم بن الحسن ‪ ،‬ومن غير أهل البيت‪ :‬حبيب بن مظاهر‪ ،‬وزهير‬
‫ابن القين‪ ،‬والحر بن يزيد‪.‬‬
‫(‪ )2‬وعلى رأسهم زينب الكبرى ‪ ،‬وسكينة بنت الحسين‪ ،‬ورقية بنت الحسين ــ مع أن رقية هذه‬
‫شخصية ال وجود لها ــ‪ ،‬وأم البنين‪ ،‬وغيرهن‪.‬‬

‫‪541‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫المعاصرة ومجالس العزاء‪ ،‬نجد أن الغلو فيها مرتبط بحجم ما يروى عنها في‬
‫كتب المقاتل المتأخرة‪ ،‬وكلما َخ َف َت وجود هذه الشخصيات في هذه الكتب‬
‫يخفت معه منسوب الغلو فيها‪ ،‬أو ينعدم(‪.)1‬‬
‫وقد مضى فيما تقدم بيان أصول الخلل في مرويات المقاتل‪ ،‬سواء القديم‬
‫منها كمقتل أبي مخنف‪ ،‬أو المتأخر وخاصة كتب المقاتل المصنفة في القرن‬
‫العاشر وما بعده‪ ،‬وبذلك تبطل أصول كثير من التصورات المغالية‪ ،‬لكن ال زالت‬
‫هناك بعض األفكار والمفاهيم المنتشرة عن زينب اليوم‪ ،‬والمرتبطة ببعض مسائل‬
‫االعتقاد والسلوك‪ ،‬والتي تحتاج إلى نقد مفصل‪ ،‬مبني على االحتكام إلى الكتاب‬
‫والسنة الصحيحة والتراث الثابت الصحيح المنقول عن أهل البيت‪ ،‬وهذا ما‬
‫سأتعرض له في هذا البحث‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وعلى رأس هذه الشخصيات‪ ،‬زين العابدين علي بن الحسين ‪ ،‬وأبو جعفر الباقر‪ ،‬فبالرغم من‬
‫أنهما من األئمة المعصومين عند اإلمامية‪ ،‬إال أن شخصيتهما وحضورهما في الوجدان العاطفي‬
‫للعوام ال يرتبط بخروجهما مع الحسين ‪ ،‬فعلي بن الحسين لم يكن له ذكر في كربالء‪ ،‬حيث‬
‫أنه كان مريضا وجالسا مع النساء‪ ،‬وأما أبو جعفر الباقر فكان مع األطفال‪ ،‬ومثله الحسن المثنى‬
‫ابن الحسن ‪ ،‬فمع أنه شهد كربالء وجرح فيها كما في اإلرشاد للمفيد (‪ ،)23/2‬إال أنني لم‬
‫أقف على أي عقيدة مغالية فيه‪.‬‬

‫‪542‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫لولي‬
‫الفصثة ا أ‬
‫الفؤل بعصمة زينب الكبرى ‪‬‬
‫لعل أجلى مظهر من مظاهر الغلو في زينب ‪ ‬القولُ بأنها معصومة‪ ،‬سواء‬
‫كانت هذه العصمة مثل عصمة األنبياء والمرسلين‪ ،‬أو كانت عصمة أدنى مرتبة‪،‬‬
‫أُطلق عليها مصطلح العصمة الصغرى‪ ،‬فما هو مفهوم العصمة الصغرى‪،‬؟ ومتى‬
‫نشأ؟‪ ،‬وهل قام الدليل على هذه العصمة؟‬

‫‪ 1‬ــ مفهوم العصمة الصغرى‪:‬‬


‫ذكر علماء اإلمامية تعاريف عدة ومفاهيم مختلفة للعصمة الصغرى‪ ،‬إال أن‬
‫مؤداها واحد‪.‬‬
‫عرف الدربندي العصمة التي نسبها لزينب بأنها‪> :‬القوة التي تمنع بها عن‬
‫فقد َّ‬
‫المعاصي من التمكن منها‪ ،‬فصاحب هذه العصمة يصدر منه الخطأ والنسيان وكذا‬
‫ترك األولى والمكروهات‪ ،‬وال يصدر منه فعل المحرمات حتى الصغائر<(‪.)1‬‬
‫ويقول المرجع محمد الشيرازي‪> :‬من له العصمة الكبرى يستحيل عليه‬
‫وأما من له العصمة الصغرى ال يعصي اهلل ‪ ‬طرفة‬
‫العصيان استحالة وقوعية‪ّ ،‬‬
‫عين وإن لم يكن العصيان عليه مستحيال<(‪.)2‬‬
‫وفسر عادل العلوي العصمة الصغرى بأنها عصمة أفعالية أي أن المتصفين‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إكسير العبادات (‪.)646/2‬‬
‫(‪ )2‬العباس والعصمة الصغرى (ص ‪ 5‬ــ ‪.)6‬‬

‫‪543‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫بها‪> :‬لم يرتكبوا الذنب في أفعالهم من حين والدتهم وح ّتى حين وفاتهم<(‪،)1‬‬
‫وأما القضايا االجتماعية أو‬
‫وحصرها >بالعصمة عن الذنوب والمعاصي‪ّ ،‬‬
‫االقتصادية فربما يخطئ‪ ،‬فإ ّنه غير معصوم<(‪.)2‬‬
‫وهذه العصمة ليس عصمة ذاتية إلهيـة بل هي عصمة >جزئية ومكتسبة<(‪،)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ثم إ َّن‬
‫>بجهده وتحصيله الفعلي‪ ...‬ومن هنا سموها بالعصمة األفعالية< ‪َّ ،‬‬
‫أصحاب العصمة الصغرى يحتاجون >إلى من يسلك بهم السبيل الواضح ويميز‬
‫لهم موارد الطاعة وموادها عن مساقط العصيان<(‪.)5‬‬

‫وقد ُرتِّب على القول بالعصمة الصغرى لزينب ‪ ‬أمور‪:‬‬


‫(‪)6‬‬
‫لهمة‪ ،‬وأنها كانت‬
‫األول‪ :‬القول بأن علم زينب علم ل ُدنِّي ‪ ،‬وأنها ُم َح َّدثة ُم َ‬
‫تعلم علم المنايا والباليا(‪.)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عصمة الحوراء زينب (ص ‪.)60‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫عصمة الحوراء زينب (ص ‪.)61‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عصمة الحوراء زينب (ص ‪ ،)77‬وقريب من هذا قول ياسر عودة بأن عصمة زينب ‪ ‬مكتسبة‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫انظر قضايا أثارت جدال (ص ‪.)90‬‬
‫العصمة الكبرى لولي اهلل العباس (ص ‪ ،)11‬وهناك جزئيات أخرى مذكورة في تعريف العصمة‬ ‫(‪)4‬‬
‫الصغرى والفرق بينها وبين العصمة الكبرى‪ ،‬أعرضت عنها بغية اإليجاز‪.‬‬
‫موسوعة المقرم‪ ،‬العباس بن أمير المؤمنين (ص ‪.)211‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫العلم اللَّ ُدنِّي مصطلح محدث‪ ،‬والمراد به هو العلم الخاص المنزل من اهلل‪ ،‬فهو علم إلهي ال‬ ‫(‪)6‬‬
‫يكتسب بالتعلم بل باإللهام‪.‬‬
‫قال جعفر النقدي في كتابه زينب الكبرى (ص ‪> :)36‬ويظهر من الفاضل الدربندي وغيره أنها‬ ‫(‪)7‬‬
‫كانت تعلم علم المنايا والباليا‪ ...‬وذكر قدس سره عند كالم السجاد لها‪> :‬يا عمة أنت بحمد اهلل‬
‫عالمة غير مع َّلمة وفهمة غير مف َّهمة<‪ ،‬أن هذا الكالم حجة على أن زينب بنت أمير المؤمنين كانت=‬

‫‪544‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫الثاني‪ :‬ادعاء وجود منزلة خاصة لزينب‪ ،‬سموها تارة بالوصية وتارة بالنيابة‬
‫الخاصة(‪.)1‬‬
‫الثالث‪ :‬حجية أقوالها وأفعالها(‪ ،)2‬وقد قرر المحتجون برواية المحمل أن‬
‫فعل زينب ُحجة بذاته‪ ،‬وإن حاولوا دعم هذا االستدالل بادعاء تقرير علي بن‬
‫الحسين لزينب على فعلها‪.‬‬
‫ومن خالل ما تقدم‪ ،‬يظهر أن مؤدى كالم القائلين بالعصمة الصغرى هو‬
‫أنها ملكة مكتسبة تمنع صاحبها من ارتكاب الكبائر والصغائر من منذ والدته إلى‬
‫وفاته‪ ،‬وأنها ملكة متعلقة باألفعال واألعمال الدينية فقط‪ ،‬دون المسائل الدنيوية‬
‫فالخطأ فيها وارد‪ ،‬كما أن صاحب العصمة الصغرى معرض للسهو والنسيان‬
‫والوقوع فيما هو خالف األولى‪ ،‬ومرتبة العصمة الصغرى أدنى منزلة من عصمة‬
‫األنبياء‪ ،‬لكنها أعلى من رتبة العدالة(‪.)3‬‬
‫والمتحصل من هذا أن العصمة الصغرى هي عصمة جزئية في مقابل‬
‫ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= مح َّدثة أي‪ :‬ملهمة‪ ،‬وأن علمها كان من العلوم اللدنية واآلثار الباطنية<‪ ،‬ولم أهتد لموضع هذا‬
‫الكالم في كتاب أسرار الشهادة للدربندي‪ ،‬وقال جعفر مرتضى العاملي عن زينب‪> :‬ربما كانت‬
‫غير معلَّمة من قبل البشر‪ ،‬بل هي معلَّمة من خالل فطرتها‪ ،‬وإدراكات عقلها‪ ،‬وحديث المالئكة‬
‫لها!<‪ .‬انظر‪ :‬سيرة الحسين في الحديث والتاريخ (‪.)60/20‬‬
‫(‪ )1‬الخصائص الزينبية (ص‪ ،)242‬تنقيح المقال (‪ ،)79/3‬زينب الكبرى (ص ‪ ،)53‬زينب بنت‬
‫علي فيض النبوة وعطاء اإلمامة (ص ‪ ،)124‬زينب الكبرى ودورها في النهضة الحسينية (ص‬
‫‪ ،)37‬المرأة العظيمة (ص ‪.)266‬‬
‫(‪ )2‬الفقه للمرجع محمد الشيرازي (‪.)111/59‬‬
‫(‪ )3‬وانظر‪ :‬عصمة الحوراء زينب (ص ‪.)64‬‬

‫‪545‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫العصمة المطلقة لألنبياء واألئمة عند اإلمامية‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ القول بالعصمة الصغرى لزينب ‪ ‬ونشأته‬


‫أول من وقفت عليه يطلق وصف العصمة على زينب الكبرى ‪ ‬هو اآلغا‬
‫الدربندي (‪ 1286‬هـ) فقال عن زينب إنها >من جملة من اتصف بالعصمة<(‪،)1‬‬
‫وكرر هذا الوصف في مواضع أخرى(‪ ،)2‬وقال‪> :‬إثبات مثل هذه العصمة لمثل‬
‫العباس وعلي بن الحسين(‪ )3‬وزينب وأم كلثوم وسلمان مما ال ضير وال غائلة‬
‫فيه<(‪.)4‬‬
‫المذ َّهب في‬
‫ــ وتابعه عباس قلي خان (‪ 1342‬هـ) صاحب كتاب >الطراز ُ‬
‫أحوال أم المصائب زينب< في إطالق العصمة على زينب(‪ ،)5‬وزعم أن زينب‬
‫كانت قريبة من مرتبة اإلمامة(‪.)6‬‬
‫ــ ويقول عبد اهلل المامقاني (‪ 1351‬هـ) عن زينب الكبرى‪> :‬ولو قلنا‬
‫بعصمتها لم يكن ألحد أن ينكر‪ ،‬إن كان عارفا بأحوالها في الطف وما بعده‪،‬‬
‫كيف؟‪ ،‬ولوال ذلك لما ح َّملها الحسين ‪ ‬مقدارا من ثقل اإلمامة أيام مرض‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إكسير العبادات (‪.)332/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫إكسير العبادات (‪.)441/3( ،)480/3( ،)634/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المراد بعلي بن الحسين هنا هو علي األكبر الذي مات في كربالء‪ ،‬وليس علي بن الحسين األصغر‬ ‫(‪)3‬‬
‫المشهور بلقب زين العابدين‪.‬‬
‫إكسير العبادات (‪.)646/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الطراز المذهب ــ فارسي ــ (ص ‪ 78‬ــ ‪.)79‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫وصف زينب بالعصمة‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫الطراز المذهب ــ فارسي ــ (ص‪ ،)536‬ونقل جعفر النقدي عنه َ‬ ‫(‪)6‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)27‬‬

‫‪546‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫السجاد ‪ ،‬وما أوصى إليها بجملة من وصاياه<(‪.)1‬‬


‫ــ وأطلق جعفر النقدي (‪ 1369‬هـ)‪ ،‬على زينب الكبرى ‪ ‬لقب‬
‫>المعصومة الصغرى<(‪ ،)2‬وقال‪> :‬إذا تأمل المتأمل إلى ما كانت عليه هذه الطاهرة‬
‫من العبادة هلل تعالى واالنقطاع إليه لم يُ َشك في عصمتها صلوات اهلل عليها<(‪.)3‬‬
‫ــ وقال فضل علي القزويني (‪1367‬هـ)‪> :‬لو استدل بذلك على عصمة‬
‫زينب الكبرى لقولها‪> ،‬وط َّهرنا من الرجس تطهيرا<‪ ،‬لدخولها في >ط َّهرنا< لم‬
‫يكن بذلك البعد<(‪.)4‬‬
‫ــ وجعل نور الدين الجزائري (‪ 1384‬هـ) العصمة الصغرى من خصائص‬
‫زينب وقال‪> :‬لما كانت السيدة زينب ‪ ‬عقيلة خدر الرسالة‪ ...‬تأهلت ألن‬
‫تنال حظا من العصمة المعبر عنه بالعصمة الصغرى<(‪.)5‬‬
‫ثم سار على هذا المسلك عدة من مراجع اإلمامية وعلمائهم المعاصرين‪:‬‬
‫ّ‬
‫ــ فيقول المرجع محمد الشيرازي عن زينب ‪> :‬صرح بعض العلماء بأن‬
‫لها العصمة الصغرى<(‪ ،)6‬وذكر زينب ضمن المعصومين بالعصمة الصغرى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تنقيح المقال ــ من فصل النساء ــ (‪ ،)79/3‬والمامقاني وإن لم يصرح بعصمة زينب غير أنه جعلها‬ ‫(‪)1‬‬
‫في مرتبة قريبة من العصمة وهذا نفس ما يريده أصحاب العصمة الصغرى‪ ،‬ولذا نقل المرجع‬
‫المعاصر محمد صادق الروحاني هذا النص في كتابه أجوبة المسائل االعتقادية (ص ‪ )40‬في‬
‫جواب عن مسألة عصمة زينب ‪ ،‬إال أنه حكاه بدون عزو إلى المامقاني مع حذف وزيادة‪.‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)63‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اإلمام الحسين وأصحابه (‪.)237/3‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪ ،)57‬وسماها في موضع آخر‪> :‬صاحبة العصمة الصغرى< (ص ‪.)244‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫السيدة زينب عالمة غير معلمة (ص ‪.)27‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪547‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫واألئمة لك ّنهم يمتلكون بعض‬


‫ّ‬ ‫وقال‪> :‬هؤالء ليسوا معصومين عصمة األنبياء‬
‫خواص المعصومين‪ ،‬وهذه ما أسماها البعض م ّنا بالعصمة الصغرى<(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫ــ ويقول هاشم الهاشمي‪> :‬إ ّن مقام زينب ‪ ‬أجلُّ من أن تنسب إليها‬
‫المعصية والذنب‪ ،‬وهي التي تربت في بيت النبوة واإلمامة‪ ،‬وأخذت من منهل‬
‫أهل البيت ‪ ‬وتربت في حجرهم<(‪ ،)2‬ثم نقل كالم المامقاني اآلنف‪.‬‬
‫ــ ويقول عبد العظيم المهتدي البحراني‪> :‬قضية العصمة عندنا لها‬
‫درجات‪ ،‬والسيدة زينب كانت في الدرجات العالية من العصمة<(‪.)3‬‬
‫ــ وقال محمد الحسون‪> :‬وإن لم تكن سالم اهلل عليها في عداد المعصومين‪،‬‬
‫لك ّنها في درجة قريبة من العصمة؛‪ ...‬وما صدر منها في مأساة الطف أكبر شاهد‬
‫وسموها وقربها من العصمة<(‪.)4‬‬
‫ّ‬ ‫علو منزلتها‬
‫على ّ‬
‫ــ وصدر لعادل العلوي كتاب في إثبات عصمة زينب عنوانه‪> :‬عصمة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫العباس والعصمة الصغرى (ص ‪ 5‬ــ ‪.)6‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫في السيرة الحسينية (ص ‪.)91‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫لماذا التطبير ــ نسخة إلكترونية (ص ‪ ،)142‬وهذا الكالم كان جوابا عن سؤال مفاده‪ ،‬هل زينب‬ ‫(‪)3‬‬
‫وفاطمة ‪ ‬واألئمة االثني عشر كما يعتقد اإلمامية وعليه يصير عدد‬ ‫معصومة مثل النبي‬
‫وفهمت من عدم زيادته لعدد المعصومين أنه‬
‫ُ‬ ‫المعصومين خمسة عشر؟‪ ،‬فأجاب بهذا الجواب‪،‬‬
‫يذهب إلى أن هذه العصمة عصمة صغرى‪ ،‬هذا ما ظهر لي من كالمه‪ ،‬وإال فلو ثبت أنه يقول‬
‫بالعصمة الكبرى لزينب لذكرته مع محمد جميل حمود‪ ،‬ولكن سياق الكالم ال يساعد على ذلك‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫أعالم النساء المؤمنات (ص ‪ ،)437‬ونقله صاحب عوالم العلوم والمعارف في الجزء المخصص‬ ‫(‪)4‬‬
‫لفاطمة (‪.)955/2‬‬

‫‪548‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫الحوراء زينب<(‪ ،)1‬انتهى فيه إلى أن زينب >ال ريب وال ّ‬


‫شك في أ ّنها معصومة‪،‬‬
‫ّإال أ ّن عصمتها عصمة أفعالية تختلف عن عصمة أُ ّمها فاطمة الزهراء ‪ ،‬تختلف‬
‫عن عصمة األنبياء واألئمة األطهار<(‪.)2‬‬
‫ــ وممن قرر هذا االعتقاد‪ :‬محمد مهدي الحائري (‪ 1358‬هـ)(‪،)3‬‬
‫والمرجع جواد التبريزي (‪ 1427‬هـ)(‪ ،)4‬ومحمد صادق الكرباسي(‪ ،)5‬وعلي‬
‫محمد دخيل(‪ ،)6‬ومنير الخباز(‪ ،)7‬وياسر عودة(‪ ،)8‬وعلي الحسيني الصدر(‪،)9‬‬
‫ويظهر من كالم المرجع الروحاني الميل إلى هذا القول(‪.)10‬‬
‫ثم إن المرجع المعاصر اإلمامي المشهور بغلوه محمد جميل حمود العاملي‬
‫تعدى القول بالعصمة الصغرى لزينب‪ ،‬وقرر أن عصمة زينب هي عصمة كبرى‬
‫مثل عصمة األئمة واألنبياء!!(‪ ،)11‬ولم يكتف بحصر عصمة زينب في عدم‬
‫وسع المسألة وادعى أن زينب ‪> ‬معصومة عن الخطأ‬ ‫اقتراف الذنوب‪ ،‬بل َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وأصل الكتاب محاضرات ألقاها عادل العلوي في دمشق‪ ،‬فحررها علي الفتالوي وجمعها في هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬وطبعه مركز األبحاث العقائدية التابع للمرجع علي السيستاني‪.‬‬
‫(‪ )2‬عصمة الحوراء زينب (ص ‪.)68‬‬
‫(‪ )3‬شجرة طوبى (ص ‪.)369‬‬
‫(‪ )4‬صراط النجاة (‪.)425/3‬‬
‫(‪ )5‬شريعة التشيع (ص ‪.)55‬‬
‫(‪ )6‬أعالم النساء (ص ‪.)277‬‬
‫(‪ )7‬العالمة (ص ‪ 18‬ــ ‪.)19‬‬
‫(‪ )8‬قضايا أثارت جدال (ص ‪.)90‬‬
‫(‪ )9‬العقائد الحقة (ص ‪.)345‬‬
‫(‪ )10‬ألف فتوى وسؤال في التقليد والعقائد (ص ‪ ،)253‬قربان الشهادة (ص ‪.)63‬‬
‫(‪ )11‬العصمة الكبرى لولي اهلل العباس (ص ‪.)17‬‬

‫‪549‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫والجهل والطيش والذنوب<(‪.)1‬‬


‫ومما تقدم يظهر أن أول من ابتدع مفهوم العصمة الصغرى هو اآلغا‬
‫الدربندي في القرن الثالث عشر‪ ،‬ثم أخذه عنه عباس قلي خان وذكره في كتابه‬
‫المذ َّهب< عن زينب‪ ،‬تاله جعفر النقدي في كتابه عن زينب‪ ،‬ويعد‬ ‫>الطراز ُ‬
‫عبد الرزاق المقرم (‪ 1391‬هـ) أول من توسع في تقرير مفهوم العصمة الصغرى‬
‫وتحريره(‪ )2‬وحاول أن ينسبه إلى عدة ممن سبقه(‪ ،)3‬ومن ثم صار مفهوما شائعا‬
‫في المؤلفات التي كتبت عن زينب ‪ ،‬حتى وصلت النوبة إلى محمد جميل‬
‫فطور هذه العقيدة إلى القول بالعصمة الكبرى لزينب ‪.!‬‬
‫حمود العاملي‪َّ ،‬‬

‫‪ 3‬ــ نقد دعوى العصمة الصغرى لزينب الكبرى ‪‬‬


‫جهدت أن أجد في كتابات اإلمامية نقدا لمفهوم العصمة الصغرى‪ ،‬فلم‬
‫ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إتحاف ذوي االختصاص (ص ‪ ،)18‬وانظر‪ :‬الحقيقة الغراء في تفضيل زينب الحوراء على مريم‬
‫العذراء (ص ‪.)19‬‬
‫(‪ )2‬موسوعة المقرم‪ ،‬العباس بن أمير المؤمنين (ص ‪ 211‬ــ ‪ ،)212‬وكالم المقرم هو ما ص َّدر به‬
‫محمد جميل حمود أقوال القائلين بعصمة العباس‪ ،‬انظر العصمة الكبرى لولي اهلل العباس‬
‫(ص ‪ ،)323‬وقد وقفت في كتاب الخصائص العباسية للكلباسي (‪ 1362‬هـ)‪ ،‬على فصل مفصل‬
‫في مفهوم العصمة الصغرى‪( ،‬ص ‪ ،)281‬والكلباسي متقدم على المقرم من جهة الوفاة‪ ،‬إال أن‬
‫الجزم بأن ذلك الفصل من كالم الكلباسي متعذر‪ ،‬فقد صرح مترجم الكتاب في آخره (ص ‪)363‬‬
‫بأنه أضاف إلى الترجمة ما ليس في األصل الفارسي للكتاب‪ ،‬وذكر أن بعض الخصائص المذكورة‬
‫فيه ليست من عمل المؤلف بل المترجم‪ ،‬لكي يوصل عددها إلى األربعين!!‪.‬‬
‫(‪ )3‬موسوعة المقرم‪ ،‬العباس بن أمير المؤمنين (ص ‪ 212‬ــ ‪ ،)213‬والنصوص التي نقلها عن محمد‬
‫طه نجف (‪ 1323‬هـ)‪ ،‬ومحمد علي األوردبادي (‪ 1333‬هـ)‪ ،‬ومحمد حسين األصفهاني (‪1362‬‬
‫هـ) ال داللة فيها على القول بالعصمة‪.‬‬

‫‪550‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫أقف إال على فقرات في نقدها من كالم الباحث محمد أكبر نجاد(‪ ،)1‬كما أني لم‬
‫أجد في الكتابات السنية المعاصرة من تعرض لنقد نظرية العصمة الصغرى عند‬
‫اإلمامية‪ ،‬لكن بعد بحث يسير‪ ،‬تبين لي وجود نظرية مشابهة لها وأسبق منها في‬
‫التاريخ‪ ،‬وهي نظرية حفظ األولياء‪ ،‬فمن خالل التأمل في كالم أصحاب هذه‬
‫النظرية‪ ،‬وجدت تشابها كبيرا بينها وبين نظرية العصمة الصغرى(‪ ،)2‬ولذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر مقالة‪> :‬الخلفيات الفکرية لصناعة الخرافة مطالعة ونقد (‪ ،<)2‬المنشورة بمجلة نصوص‬
‫معاصرة العدد ‪ 24‬و‪( ،25‬ص ‪ 143‬ــ ‪ ،)144‬وللمرجع اإلمامي محمد جميل حمود العاملي‬
‫كالم مفصل في نقد نظرية العصمة الصغرى‪ ،‬وسبب ذلك ليس ألنه يرى أن هذا غلو منكر مخالف‬
‫لضروريات الدين‪ ،‬بل ألنه يرى أن عصمة زينب والعباس بن علي أيضا‪ ،‬عصمةٌ كبرى مثل عصمة‬
‫األئمة االثني عشر عند اإلمامية!!‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقد صرح عبد الحسين الحلي بأن العصمة التي يثبتونها للعباس وغيره هي نفس العصمة التي‬
‫يثبتها القائلون بعصمة األولياء‪ ،‬انظر النقد النزيه لرسالة التنزيه المطبوع بعنوان الشعائر الحسينية‬
‫في الميزان الفقهي (ص ‪ ،)124‬وأما تقرير نظرية حفظ األولياء‪ ،‬ففيه عدة نصوص‪ ،‬منها قول‬
‫األلوسي‪> :‬قيل‪ :‬األولياء محفوظون وفسر بعدم صدور الذنب مع إمكانه‪ ،‬والقيد إلخراج‬
‫العصمة<‪ ،‬روح المعاني (‪ ،)140/6‬وقد نقله محمد الخضر الشنقيطي في مشتهى الخارف الجاني‬
‫(ص ‪ )466‬عن األلوسي‪ ،‬ولم يتنبه منصور التميمي إلى ذلك فنسبه إلى محمد الخضر في رسالته‬
‫النافعة >العصمة في ضوء عقيدة أهل السنة< (ص ‪ ،)372‬ومثل ذلك استدالل الشعراني بحديث‬
‫النهي عن طلب اإلمارة بهذا اللفظ >من أعطيها ــ يعني اإلمارة ــ بغير مسألة وكل اهلل تعالى به ملكا‬
‫يسدده<‪ ،‬ثم قال‪> :‬وهذا هو معنى العصمة‪ ،‬لكن األدب أن يقال‪ :‬إنه محفوظ ال معصوم<‪،‬‬
‫اليواقيت والجواهر (‪ ،)130/2‬بواسطة العصمة في ضوء عقيدة أهل السنة (ص ‪ ،)372‬ويدخل‬
‫في ذلك أيضا‪ :‬التقسيم الثالثي ألصحاب الوالية بأنهم ثالثة طبقات‪ :‬الطبقة األولى معصومون‬
‫من الكفر والشرك والنفاق‪ ،‬والطبقة الثانية‪ :‬معصومون من الصغائر والكبائر‪ ،‬والطبقة الثالثة‪:‬‬
‫معصومون عن الخواطر الفاسدة‪ ،‬انظر حلية األولياء (‪ ،)350/10‬بواسطة العصمة في ضوء‬
‫عقيدة أهل السنة (ص ‪ ،)369‬فأنت ترى أن هذه المقاالت فيها مشاكلة لمفهوم العصمة الصغرى‪،‬‬
‫ولهذا لما قرر ابن تيمية قول الغالة بالعصمة‪ ،‬قال‪> :‬ظهر في صنفين من األمة بعض بدعتهم‪=،‬‬

‫‪551‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫استعنت بكالم من انتقد نظرية حفظ األولياء في هذا المبحث‪ ،‬وبيان ذلك من‬
‫وجوه‪:‬‬
‫ــ الوجه األول‪ :‬إن نظرية العصمة الصغرى هي اعتقاد محدث مبتدع متأخر‪،‬‬
‫وليس له أصل في القرآن الكريم أو السنة النبوية‪ ،‬كما أنه اعتقاد ال دليل عليه ال‬
‫في روايات اإلمامية وأقوال علمائهم القدماء‪ ،‬فأقدم من قال بهذه النظرية هو‬
‫الدربندي في القرن الثالث عشر‪ ،‬ومنشأ القول بها هو الغلو‪ ،‬وقد اشتهر الدربندي‬
‫بغلوه واختراعه لكثير من المقاالت الغريبة والعجيبة‪ ،‬يقول الشيخ محمد عباس‬
‫غني عن التعريف في اختراع‬ ‫دهيني ــ من اإلمامية ــ‪> :‬وأعتقد أ ّن حال ال َّد ْربَ ْندي ٌّ‬
‫كثي ٍر من األمور<(‪.)1‬‬
‫ومن ذلك قوله‪> :‬إن أول من قرأ المرثية عليه(‪ )2‬وذكر مصائبه وأبكى‬
‫المالئكة والعرش الكرسي الحجب هو اهلل ‪ ،!!)3(<‬فإن هذا غلو ظاهر‪ ،‬ال‬
‫يحتاج إلى بسط الكالم فيه!‪.‬‬
‫وقد وصف الباحث اإلمامي محمد أكبر نجاد القول بعصمة زينب وغيرها‬
‫من أبناء األئمة وأحفادهم بأنه غلو‪ ،‬وقال مبينا عدم وجود دليل على عصمتهم‪:‬‬
‫>العصمة ليست مقتصرة على الظاهر‪ ،‬لذا يبقى الطريق الوحيد في إثبات أو نفي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= طائفة من النساك والعباد يزعمون في بعض المشايخ أو فيمن يقولون إنه ولي اهلل‪ ،‬أنه ال يذنب‪،‬‬
‫وربما عينوا بعض المشايخ وزعموا أنه لم يكن ألحدهم ذنب‪ ،‬وربما قال بعضهم‪ :‬النبي معصوم‬
‫والولي محفوظ<‪ ،‬جامع الرسائل (‪.)264/1‬‬
‫الع َتبات بين الشعيرة والب ِْدعة‪ ،‬منشورة بالموقع الرسمي لدهيني‪:‬‬
‫(‪ )1‬مقالة تقبيل َ‬
‫‪http://dohaini.com/?p=866‬‬
‫(‪ )2‬أي الحسين ‪.‬‬
‫(‪ )3‬إكسير العبادات (‪.)242/1‬‬

‫‪552‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫عصمتهم هو كالم المعصومين‪ ،‬ولم يصل إلينا من طريق صحيح‪ ،‬أو حتى من‬
‫غيرها من الطرق‪ ،‬أن المعصومين قالوا بعصمة هؤالء<(‪.)1‬‬
‫وقد اعترف بهذا المرجع المعاصر محمد جميل حمود العاملي فقال‪> :‬وهو‬
‫اعتقاد ليس في األدلة ما يثبته<(‪ ،)2‬وقال أيضا‪> :‬اعتمد أصحاب نظرية العصمة‬
‫الصغرى‪ ...‬على أدلة مبعثرة هنا وهناك هي أشبه بالدعاوى ال تغني وال تسمن‬
‫من جوع<(‪.)3‬‬
‫وممن يظهر من كالمه عدم القول بنظرية العصمة الصغرى‪ ،‬المرجع اإلمامي‬
‫محسن األمين‪ ،‬فعندما احتج عليه عبد الحسين صادق بفعل العباس بن علي‬
‫ــ الذي تنسب له العصمة الصغرى ــ‪ ،‬رد محسن األمين عليه قائال‪> :‬لو صح لم‬
‫يكن حجة‪ ،‬لعدم العصمة<(‪ ،)4‬وعليه فحق هذه النظرية أن ُتطَّرح و ُتهجر و ُترد‬
‫على أصحابها‪.‬‬
‫ــ الوجه الثاني‪ :‬إن األدلة الشرعية من الكتاب والسنة ال تثبت عصمة غير‬
‫األنبياء والرسل‪ ،‬فليس في القرآن وال في السنة نص على عصمة غير األنبياء‬
‫‪ ،‬وجل ما يستدل به القائلون بعصمة زينب ال يعدو روايات معدودة أصلها‬
‫يرجع إلى القرن الرابع وما بعده!‪ ،‬فلم يثبت شيء في هذا الباب حتى على موازين‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مقالة >الخلفيات الفکرية لصناعة الخرافة مطالعة ونقد (‪ ،<)2‬المنشورة بمجلة نصوص معاصرة‬ ‫(‪)1‬‬
‫العدد ‪ 24‬و‪( ،25‬ص ‪ ،)143‬ثم نقل ما استدل به إلثبات عصمة العباس بن علي وانتقده‪.‬‬
‫العصمة الكبرى لولي اهلل العباس (ص ‪ .)11‬أقول‪ :‬وهذا الكالم ينطبق حذو القذة بالقذة على‬ ‫(‪)2‬‬
‫قول محمد جميل العاملي بالعصمة الكبرى لزينب والعباس بن علي‪.‬‬
‫العصمة الكبرى لولي اهلل العباس (ص ‪.)11‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رسالة التنزيه ألعمال الشبيه (ص ‪.)20‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪553‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫اإلمامية‪ ،‬يقول الشيخ حسن الجواهري في جواب عن سؤال عن عصمة زينب‪:‬‬


‫>من الممكن أ ّنها قد وصلت إلى مرحلة أ ّنها تنظر إلى الذنب كنظرنا إلى‬
‫القاذورات‪ ،‬وال تفكر في ارتكابها فتكون معصومة ثبوتا وواقعا‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫دليل لفظي على عصمتها‪ ...‬وإن احتمل وجود ذلك لو بحثنا عنه<(‪.)1‬‬
‫فأنت ترى وجه الخلل في الجواب‪ ،‬فهو يقر بعدم ورود أي دليل على‬
‫عصمة زينب‪ ،‬وبسبب عدم وجود الدليل فقد أفتى بعصمة زينب من باب‬
‫االحتمال‪ ،‬كما أنه ترك باب االحتمال مفتوحا للعثور على دليل في الباب‪ ،‬وما‬
‫ذلك إال لعدم وجود الدليل الصريح على تلك الدعوى‪.‬‬
‫ــ الوجه الثالث‪ :‬إذا كنا نمنع القول بالعصمة لمن يعد في خيار أصحاب‬
‫كعلي والحسن والحسين وفاطمة ‪ ،‬والذين وردت لهم فضائل‬ ‫النبي‬
‫خاصة ثابتة‪ ،‬فمن باب أولى أن نمنع عصمة من دونهم في المنزلة كزينب بنت‬
‫علي ‪ ‬التي لم يثبت في حقها أي نص خاص في فضلها(‪ ،)2‬ثم إن من ادعيت‬
‫فيهم العصمة ممن هم خير من زينب ‪ ‬ثبت عنهم ما يناقض القول بالعصمة‬
‫في روايات اإلمامية‪ ،‬فمن ذلك روايتهم أن عليا كان يقول في دعائه‪> :‬الحمد هلل‬
‫الذي لم يصبح بي ميتا وال سقيما‪ ...‬وال مأخوذا بأسوإ عملي‪ ...‬وال مرتدا عن‬
‫ديني‪ ،‬وال منكرا لربي‪ ،...‬وال ملتبسا عقلي‪ ،‬أصبحت عبدا مملوكا ظالما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫السيدة زينب ال يندرج اسمها مع األئمة االثني عشر؟‪ ،‬المنشور بشبكة رافد‪:‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مقال لماذا ّ‬
‫أسئلة‪-‬وردود‪-299/‬زينب‪-‬الکبی‪-‬عليها‪-‬السالم‪-1096/‬ملاذا‪-‬السيّدة‪-‬زينب‪https://research.rafed.net/-‬‬
‫ل‪-‬يندرج‪-‬امسها‪-‬مع‪-‬األئمة‪-‬الثىن‪-‬عشر‪-‬؟‬
‫(‪ )2‬وهذا الكالم ينطبق على العصمة الصغرى والكبرى‪ ،‬ألن هذا التفريق مرده إلى عدم إمكان صدور‬
‫الخطأ ممن ادعي عصمتهم‪ ،‬فإذا ثبت صدور الخطأ بطلت العصمة‪.‬‬

‫‪554‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫لنفسي<‪ ،‬وأنه قال‪> :‬لست في نفسي بفوق أن أخطئ<‪ ،‬وغيرها من الكلمات التي‬
‫تنافي العصمة قطعا(‪.)1‬‬
‫ــ الوجه الرابع‪ :‬قيام الدليل على عدم عصمة زينب من روايات أبي مخنف‬
‫التي يصدق بها اإلمامية ويعتمدون عليها في سائر تفاصيل مقتل الحسين ‪،‬‬
‫فقد مضى أن أبا مخنف قد روى عن علي بن الحسين أن الحسين قد أنشد أبياتا‬
‫ينعى فيها نفسه‪ ،‬فصبر علي بن الحسين لما سمع ذلك‪ ،‬وقال‪> :‬أما عمتي فإنها‬
‫سمعت ما سمعت‪ ،‬وهي امرأة‪ ،‬وفي النساء الرقة والجزع‪ ،‬فلم تملك نفسها أن‬
‫وثبت تجر ثوبها‪ ،‬وإنها لحاسرة حتى انتهت إليه<(‪ ،)2‬فزينب عند علي بن‬
‫الحسين ــ حسب هذه الرواية ــ ليس إال امرأة تجزع وترق عند نزول المصيبة بها‬
‫كبقية النساء‪ ،‬فيغلبها الحزن وال تملك نفسها‪ ،‬فإن كانت حالها كذلك‪ ،‬فمن أين‬
‫لها أن تبلغ درجة العصمة الصغرى؟‪.‬‬
‫ثم إن زينب قالت‪> :‬وا ثكاله! ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت‬
‫فاطمة أمي وعلي أبي وحسن أخي‪ ،‬يا خليفة الماضي‪ ،‬وثِمال الباقي<‪ ،‬وهذا‬
‫الكالم دليل آخر على عدم عصمة زينب‪ ،‬فإنها تمنت الموت‪ ،‬وقد نهى النبي‬
‫عن تمني الموت‪ ،‬فلو كانت زينب معصومة عن الذنوب لما تمنت الموت‪.‬‬
‫ولذا لما سمع الحسين كالمها قال‪> :‬يا أخية‪ ،‬ال يُذهبن حلمك الشيطا ُن<‪،‬‬
‫أقول‪ :‬فالحسين ينهى زينب عما صنعته‪ ،‬ويبين لها أن هذا من تسويل الشيطان!!‬
‫فأين العصمة المزعومة لزينب؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر قراءة راشدة في نهج البالغة (ص ‪ 25‬ــ ‪.)29‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الطبري (‪ 420/5‬ــ ‪ ،)421‬مقاتل الطالبيين (ص ‪ ،)75‬أنساب األشراف (‪،)185/3‬‬
‫ومن مصادر اإلمامية‪ :‬اإلرشاد للمفيد (‪ ،)94/2‬إعالم الورى (ص ‪ ،)457‬مثير األحزان‬
‫(ص ‪ ،)36‬بحار األنوار (‪.)2/45‬‬

‫‪555‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ومع كل هذا فإن زينب لم تنته عن صنيعها بل قالت‪>> :‬يا ويلتى‪ ،‬أفتغصب‬
‫نفسك اغتصابا‪ ،‬فذلك أقرح لقلبي‪ ،‬وأشد على نفسي< ثم‪ :‬لطمت وجهها‪،‬‬
‫وأهوت إلى جيبها وشقته‪ ،‬وخرت مغشيا عليها<‪ ،‬فزينب ــ بحسب هذه الرواية‬
‫ــ أتت صنيعة من صنائع نساء الجاهلية التي نهى عنها النبي ‪ ،‬ولذا نهاها‬
‫الحسين مجددا عن ذلك ووعظها فقال‪> :‬يا أخية‪ ،‬اتقي اهلل وتع ِّزي بعزاء اهلل‪،‬‬
‫واعلمي أن أهل األرض يموتون‪ ،‬وأن أهل السماء ال يبقون‪ ،‬وأن كل شيء هالك‬
‫إال وجه اهلل‪ <...‬وبعد هذا‪ ،‬كيف يتصور أن يقال بعصمة زينب؟‪.‬‬
‫وال أدري كيف غفل القائلون بعصمتها عن هذه الرواية التي صورت زينب‬
‫بصورة امرأة قليلة الصبر‪ ،‬تتمنى الموت لعلمها بموت أخيها‪ ،‬وتلطم وجهها‬
‫وتشق جيبها؟‪ ،‬ونحن نزهنا زينب ‪ ‬عن هذه األفعال وسبق أن بينا بطالن هذه‬
‫الرواية(‪ ،)1‬ولكن القائلين بعصمتها متفقون على االعتماد على هذه الرواية(‪،)2‬‬
‫فهي حجة عليهم في عدم عصمة زينب‪ ،‬أما إن أرادوا رد هذه الرواية‪ ،‬فيلزمهم‬
‫أن يصنعوا هذا مع بقية األخبار التي يثبتونها لزينب مع ما فيها من اإلساءة لها‪،‬‬
‫وليسوا بفاعلين(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مضى الكالم عن هذه الرواية بتفصيل في مبحث نقد روايات أبي مخنف المنسوبة لزينب ‪ ‬في‬
‫كربالء‪( ،‬ص ‪ )322‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ ،‬إكسير العبادات للدربندي (‪ ،)171/2‬الطراز المذهب لعباس قلي خان (ص ‪،)204‬‬
‫زينب الكبرى للنقدي (ص ‪ 99‬ــ ‪ ،)100‬وكل هؤالء قائلون بالعصمة الصغرى لزينب كما مضى‪،‬‬
‫ومنهم من أورد الرواية مجتزأة وحذف منها ما يدل على عدم عصمة زينب‪ ،‬كما صنع المرجع‬
‫محمد الشيرازي في كتابه عالمة غير معلَّمة (ص ‪ ،)34‬ومنهم من لم يذكر هذه الرواية في ترجمته‬
‫لزينب‪ ،‬كمحمد علي دخيل في أعالم النساء‪.‬‬
‫(‪ )3‬ولم يذكر عادل العلوي هذه الرواية في محاضراته التي طبعت بعنوان >عصمة الحوراء<!! فإن كان‬
‫مطلعا عليها ثم أعرض عنها‪ ،‬فالظاهر أن ذلك لمناقضتها لنظرية العصمة الصغرى لزينب‪ ،‬وأما إن=‬

‫‪556‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ الوجه الخامس‪ :‬إن األدلة التي ساقها القائلون بالعصمة الصغرى لزينب‬
‫قاصرة عن إثبات هذه الدعوى سواء من جهة النقل أو العقل‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬أشهر دليل يستدل به القائلون بالعصمة الصغرى لزينب‪ ،‬هو‬
‫الكالم المنسوب لزين العابدين بعد فراغ زينب من خطبتها في أهل الكوفة‪ ،‬حيث‬
‫قال لها‪> :‬وأنت بحمد اهلل عالمة غير معلَّمة‪ ،‬فهمة غير مف َّهمة<(‪ ،)1‬وهذا‬
‫االستدالل مردود سندا وداللة‪:‬‬
‫أما من جهة السند‪ :‬قد مضى الكالم عن أصل هذه الرواية بتفصيل وبينت‬
‫أن إسنادها تالف(‪ ،)2‬وأما عبارة‪> :‬وأنت بحمد اهلل عالمة غير معلَّمة< التي نسبت‬
‫لعلي بن الحسين‪ ،‬فقد تفرد الطبرسي بحكايتها في >االحتجاج<‪ ،‬وهذه الزيادة‬
‫ال سند لها‪ ،‬فضال عن أن كل من روى الخطبة عن زينب قبل الطبرسي كالمفيد‬
‫والطوسي وابن الفقيه وابن أعثم لم يذكروها‪ ،‬فهي زيادة مفتعلة‪.‬‬
‫أما من جهة المتن‪ :‬فإن االستدالل بهذا الخبر على عصمة زينب من أغرب‬
‫ما َّمر علي‪ ،‬وذلك أن من استدل بهذه الرواية قد اجتزأها من سياقها كي يحتج بها‬
‫على مراده(‪ ،)3‬والواقع أن هذه الرواية تدل على عدم عصمة زينب ال العكس‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫لم يكن على علم بهذه الرواية‪ ،‬فاألمر كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫=‬
‫وإن كنــت تــدري فالمصــيبة أعظــم‬ ‫فــإن كنــت ال تــدري فتلــك مصــيبة‬
‫ألن من يقرر قضية خطيرة مثل عصمة زينب عن الخطأ ويكتب في ذلك كتابا مستقال‪ ،‬ثم ال يعلم‬
‫بهذه الرواية الذي تبطل هذه النظرية‪ ،‬فقد وقع في تقصير وغفلة فاحشة!‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر مثال‪ :‬عصمة الحوراء (ص ‪ ،)68‬العقائد الحقة (ص ‪.)345‬‬
‫(‪ )2‬انظر (ص ‪.)419‬‬
‫(‪ )3‬كما صنع المرجع محمد الشيرازي‪ ،‬فقد حذف من الرواية كلمة >اسكتي< واستبدلها بنقاط‪ ،‬انظر‬
‫من فقه الزهراء (‪ ،)60/2‬الهامش ‪.5‬‬

‫‪557‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫فإن سياق كالم علي بن الحسين كان في نهي زينب عن البكاء بعد أن فرغت من‬
‫خطبتها‪ ،‬فقال لها‪> :‬يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار وأنت بحمد‬
‫اهلل عالمة غير معلَّمة فهمة غير مف َّهمة‪ ،‬إن البكاء والحنين ال يردان من قد أباده‬
‫الدهر‪ ،‬فسكتت<‪ ،‬فظهر أن علي بن الحسين كان ينهى أخته عن البكاء ويأمرها‬
‫بالسكوت‪ ،‬ويبين لها أن البكاء ال يرد مصيبة الموت!‪ ،‬فتوقفت عن البكاء‪ ،‬وعليه‬
‫فهذا الخبر يدل على عدم عصمة زينب ال العكس!‪.‬‬
‫وأما قول علي بن الحسين‪> :‬أنت عالمة غير معلَّمة<‪ ،‬فليس كما فهمه‬
‫وم َح َّدثة وتتلقى‬
‫لهمة ُ‬
‫القائلون بالعصمة الصغرى‪ ،‬فزعموا أن معناه أن زينب ُم َ‬
‫العلم اللَّ ُدني اإللهي ‪ ،‬بل إنما معناه كما هو ظاهر‪ :‬أ َّن ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫من تكون في منزلة زينب‬
‫من العلم ال تحتاج أن ُتعلَّم‪ ،‬وأن يُنبِّهها أحد على أن بكاءها لن يرد الحسين إلى‬
‫الحياة‪ ،‬فالمراد‪ :‬مثلك ال يحتاج إلى التعليم ألنك عالمة‪ ،‬وهذا قريب مما فسر‬
‫به المرجع الراحل محمد حسين فضل اهلل هذه العبارة حين سئل عنها فقال‪> :‬قد‬
‫ال تكون مع ّلمة من آخرين‪ ،‬وهي معلّمة من جدها وأبيها وأمها وأخويها‪ ،‬وأي‬
‫أساتذة في العلم أعظم من هؤالء؟<(‪ ،)2‬فال داللة في هذه الجملة على العصمة‬
‫كما هو بيِّن‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬ومما دأب القائلون بالعصمة الصغرى لزينب على االستدالل‬
‫به‪ ،‬رواية ابن بابويه لوصية الحسين ‪ ‬إلى زينب ‪ ،‬وقد مضى الكالم على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جاء الحق‪ ،‬لمحمد أبو السعود القطيفي (ص ‪.)117‬‬
‫(‪ )2‬لإلنسان والحياة (ص ‪ ،)272‬وقد قرر محمد أبو السعود القطيفي في كتابه جاء الحق (ص‬
‫‪ ،)117‬بأن المرجع محمد حسين فضل اهلل ال يرى عصمة زينب ‪ ،‬واستدل بهذا النص إلثبات‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪558‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫هذه الرواية من جهة السند والمتن‪ ،‬فقد بينت وهاء إسنادها‪ ،‬وبطالن متنها‬
‫ومخالفته للتاريخ(‪ ،)1‬وأما وجه االستدالل به على العصمة فغير مسلَّم‪ ،‬فليس في‬
‫مجرد الوصية ما يفيد عصمة الموصى إليه‪ ،‬ولذا لم أقف على أحد قرر أن حكيمة‬
‫معصومة بالعصمة الصغرى وال الكبرى‪ ،‬مع أن الرواية تزعم أن العسكري أوصى‬
‫لحكيمة كما أوصى الحسين لزينب!‪ ،‬فلو كانت هذه الرواية دالة على العصمة‪،‬‬
‫فالالزم منها القول بعصمة حكيمة‪ ،‬وما دام هذا الالزم باطال لعدم القائل بعصمة‬
‫حكيمة‪ ،‬فالملزوم كذلك‪.‬‬
‫أدلة أخرى واهية‪ :‬وهناك أدلة أخرى أوهى من هذه وأبعد‪ ،‬فمن ذلك قول‬
‫عادل العلوي‪> :‬وهكذا زينب ‪ ‬كان عمرها سنتين كما ورد في الرواية وهي‬
‫بنية قولي واحد<‪،‬‬‫جالسة في حجر أبيها أمير المؤمنين ‪ ‬فقال لها أبوها‪ّ > :‬‬
‫ثم قال لها‪> :‬قولي اثنين<‪ ،‬قالت‪> :‬ال أقول يا أبتاه<‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فقالت‪> :‬واحد<‪ّ ،‬‬
‫بنيتي لِ َم ال تقولين اثنين؟< قالت‪> :‬لساني جرى على الواحد وال يجري على‬ ‫> ّ‬
‫السيدتين الجليلتين‬
‫القصة الثانية نفهم أ ّن ّ‬
‫القصة األولى وهذه ّ‬‫االثنين<‪ .‬فمن تلك ّ‬
‫تربيتا تربية نبوية علوية‪ ،‬ومثل هذه التربية ال‬
‫عالمتان غير معلّمتين‪ ،‬كما أ ّنهما ّ‬
‫تنتج ّإال عصمة أفعالية<(‪ ،)2‬أقول‪ :‬وهذا االستدالل ضعيف جدا‪ ،‬فقد مضى أن‬
‫هذه الرواية ال أصل لها وال سند‪ ،‬وأن متنها مسروق من متن رواية أخرى في‬
‫العباس بن علي‪ ،‬ومضى ركاكة ما في متنها‪ ،‬واألغرب أن مقتضى القول بعصمة‬
‫زينب بناء على هذه الرواية هو القول بعدم عصمة علي ‪ ،‬ألنه أجرى لسانه‬
‫بالواحد واالثنين‪ ،‬وهو األمر الذي رفضته زينب‪ ،‬فإذا كان فعلها داال على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر (ص ‪.)415‬‬
‫(‪ )2‬عصمة الحوراء زينب (ص ‪.)65‬‬

‫‪559‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫فاعجب لهذا‬
‫ْ‬ ‫عصمتها‪ ،‬دل على خطأ علي‪ ،‬واإلمامية ال يقولون بذلك‪،‬‬
‫االستدالل الضعيف‪.‬‬
‫وأضعف من هذا قول عادل العلوي‪> :‬عندما نطّلع على حالة زينب ‪‬‬
‫المحرم في تلك الليلة التي ته ّد‬
‫ّ‬ ‫وهي تصلّي صالة الليل في ليلة الحادي عشر من‬
‫الجبال بمصيبتها نلمس من ذلك مدى علم زينب وعصمة زينب ‪ ،)1(<‬أقول‪:‬‬
‫إن مثل هذا االستدالل ــ بغض النظر عن كون الرواية ساقطة ــ ليس مرده إال إلى‬
‫الغلو‪ ،‬فاالستدالل بقيام الليل في وقت المصائب على العصمة من أوهى‬
‫االستدالالت‪ ،‬فإن كثيرا من الصالحين المتقين يصنعون ذلك وال يمنعهم ما ينزل‬
‫بهم من المصائب من قيام الليل‪ ،‬فالقول بأن هذا دليل على العصمة مفتاح للقول‬
‫بالعصمة الصغرى لكل من يحافظ على قيام الليل في كل أحواله‪ ،‬وال ريب أن‬
‫هذا قول ال قائل به‪ .‬وال تتعجب من هذه االستدالالت‪ ،‬فعادل العلوي يرى أن‬
‫المرجع محمد حسين المرعشي النجفي معصوم بالعصمة الصغرى أيضا‪ ،‬حيث‬
‫كسيدنا األُستاذ‬
‫ممن هو أدنى منها مرتبة ّ‬‫يقول‪> :‬إ ّن هذه العصمة ثابتة لغيرها ّ‬
‫النجفي المرعشي قدس سره‪ ،‬فإ ّنه قال لي يوما وقد أقسم بفاطمة الزهراء ‪ ‬أ ّنه‬
‫ما فعل شيئا هوته نفسه قط‪ ،‬أي كان مخالفا لهواه مطيعا ألمر مواله منذ اليوم‬
‫األول‪ ،‬فلهذا على العوام أن يقلّدوه(‪ )2‬كما ورد في الحديث الشريف<(‪ ،)3‬أقول‪:‬‬
‫ّ‬
‫ومن هنا تعلم منشأ الخلل في القول بنظرية العصمة الصغرى‪ ،‬وهو تجاوز الحد‬
‫الشرعي من المحبة إلى اإلفراط في الغلو‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬عصمة الحوراء زينب (ص ‪.)65‬‬
‫(‪ )2‬أقول‪ :‬وهذا الكالم ينطبق عليه المثل السائر‪> :‬كل خباز يجر النار إلى قرصه<!‪.‬‬
‫(‪ )3‬عصمة الحوراء زينب (ص ‪.)66‬‬

‫‪560‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫الوجه السادس‪ :‬لم يقم أي دليل عقلي على عصمة غير النبي ‪ ،‬ألن‬
‫العصمة إنما احتيج لها في النبي للتصديق بما ينقله من الوحي‪ ،‬فما الحاجة‬
‫لعصمة غير النبي ؟‪ ،‬وإذا كنا نمنع عصمة األئمة االثني عشر‪ ،‬ألمور كثيرة‬
‫منها أن العصمة مختصة باألنبياء فقط‪ ،‬ولعدم الدليل على عصمتهم‪ ،‬وألن كل‬
‫تبين بطالنُها بغيبة اإلمام‬
‫ما سيق من أدلة عقلية للقول بالحاجة إلى المعصوم َّ‬
‫الثاني عشر‪ ،‬لظهور عدم الحاجة للمعصوم‪ ،‬ورجوع اإلمامية في أمور دينهم لغير‬
‫المعصوم‪ ،‬فمن باب أولى أن نمنع عصمة من لم يد ِع أحد قبل القرن الثالث عشر‬
‫أنه معصوم!‪ ،‬فضال عن عدم الحاجة لهذه العصمة المدعاة‪ ،‬وال يعني هذا الحط‬
‫من قدر أئمة أهل البيت‪ ،‬بل مكانتهم محفوظة عندنا‪ ،‬ولكننا ال نغلو فيهم وال‬
‫نرفعهم فوق مراتبهم‪ ،‬ولو أن القائلين بنظرية العصمة الصغرى‪ ،‬قالوا بأن زينب‬
‫معدودة في النساء الصالحات‪ ،‬والمؤمنات التقيات العابدات القانتات‪ ،‬لما كان‬
‫لنا اعتراض على ذلك وإن لم يقم دليل خاص على إثبات ذلك‪ ،‬ألننا نحسن‬
‫الظن بها ونرى أننا ال نحتاج إلى دليل لعدها في الصالحات ما دامت قد نالت‬
‫شرف الصحبة‪ ،‬فضال عن أن من تربَّت في بيت النبوة ال نتصور فيها إال أن تكون‬
‫من النساء الصالحات‪ ،‬أما أن يقال بأن زينب معصومة لم يصدر منها ذنب قط‬
‫فهذا غلو مذموم ومردود‪.‬‬

‫‪ 4‬ــ نقد دعوى العصمة الكبرى لزينب الكبرى ‪‬‬


‫إ َّن كل ما ذكرته في إبطال نظرية العصمة الصغرى لزينب ‪ ،‬هو دليل من‬
‫باب أولى على بطالن القول بالعصمة الكبرى لزينب ‪ ،‬وأزِي ُدك بيانا من‬
‫وجهين‪:‬‬

‫‪561‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫األول‪ :‬أن هذا القول فضال عن أنه ُمح َدث ُم َبتدع مثل سابقه‪ ،‬فإنه شاذ ال‬
‫قائل به من اإلمامية ــ على حد ما وقفت عليه وإلى حين كتابة هذه السطور ــ إال‬
‫محمد جميل حمود العاملي‪ ،‬بل هو مخالف إلجماع اإلمامية‪.‬‬
‫ولذا فإ َّن الدربندي لما ابتدع مفهوم العصمة الصغرى قام باختراع مفهوم‬
‫جديد لها‪ ،‬حتى ال يتنافى مع مسلَّمات اإلمامية فقال‪> :‬وليس مرادنا من العصمة‬
‫واألئمة الطاهرين ‪ ،‬حتى يرد‬ ‫هاهنا العصمة التي كانت في رسول اهلل‬
‫أن هذا مما يدفع اإلجماع‪ ،‬والضرورة من المذهب على خالفه<(‪ ،)1‬وعليه فقول‬
‫محمد جميل العاملي مردود على مسالك اإلمامية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إ ّن كثيرا من آراء محمد جميل حمود العاملي مغرقة في الغلو‪ ،‬فقد‬
‫اشتهر هذا الرجل بغلوه المفرط في آرائه واعتقاداته ومقاالته(‪ ،)2‬حتى أن‬
‫الدربندي مع غلوه الشديد في زينب ‪ ‬لم يجترئ أن ينسب لها العصمة التي‬
‫تنسب لألنبياء واألئمة المعصومين عند اإلمامية‪ ،‬ألنها مخالفة لضروريات‬
‫مذهبهم‪ ،‬وألن هذا غلو بين وظاهر‪ ،‬فمن قال بالعصمة الكبرى لزينب فقد تجاوز‬
‫مرحلة الغلو بكثير إلى مرحلة أشد بعدا عن سواء السبيل‪ ،‬وقد قال تعالى‪{ :‬ﳏ‬
‫ﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘﳙﳚﳛﳜﳝﳞﳟﳠ‬
‫ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ} [المائدة‪.]77 :‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إكسير العبادات (‪.)646/2‬‬
‫(‪ )2‬ومن ذلك قوله بتفضيل زينب على سائر النساء دون أمها فاطمة ‪ ،‬ومن أفحش ما بلغه من‬
‫الغلو‪ ،‬تصنيفه كتابا في الطعن في عرض أم المؤمنين عائشة ‪ ،‬وقد نزهت هذا البحث عن ذكر‬
‫عنوان كتابه‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪562‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫الفصثة الثايثة‬
‫نفصثل زينب الكبرى ‪ ‬علي ا أ‬
‫لينثاء ‪‬‬
‫ربما قد تعجب إن رأيت هذا العنوان‪ ،‬وربما قد تظن في أول األمر أن هذا‬
‫مستبعد‪ ،‬لكنها الحقيقة‪ ،‬فإن السيدة زينب التي ال تبلغ مرتبها في الفضل أن تكون‬
‫إال من سيدات أهل البيت وصغار الصحابيات الفضليات‪ ،‬قد رفع الغالة منزلتها‬
‫إلى تفضليها على األنبياء والمرسلين‪ ،‬وأصل البلوى في هذه المقالة من اآلغا‬
‫الدربندي أيضا‪ ،‬يقول في كتابه إكسير العبادات في أسرار الشهادات‪> :‬ما ورد‬
‫في شأن تلك النسوة الطاهرات الطيبات‪ ...‬والسيما الصديقة الصغرى وأختها‬
‫أم كلثوم‪ ،‬وما وصل إلينا في فضائلهن ومقاماتهم ودرجاتهن‪ ،‬في ألسنة المالئكة‬
‫والحجج الطاهرين‪ ...‬وألسنة جميع األنبياء والمرسلين واألوصياء الصديقين‬
‫والشهداء الصالحين‪ ،‬لم يرد في أحد بعد حجج اهلل المعصومين<(‪ ،)1‬وعقد‬
‫مقارنة بين زينب ‪ ‬وبين أيوب ‪ ‬ليثبت أن صبر زينب أفضل من صبر أيوب‬
‫ثم قال‪> :‬فش َّتان ما بين مقامها ومقام أيوب<(‪ ،)2‬ولكنه في موضع آخر توقف‬ ‫ّ‬
‫وتردد في التصريح بتفضيل غير األئمة على األنبياء‪ ،‬وليس ذلك من باب الورع‪،‬‬
‫بل ألنه لم يمتلك الجسارة على ذلك(‪.!)3‬‬
‫ثم تاله بعد ذلك نور الدين الجزائري‪ ،‬فصرح بتفضيل زينب على األنبياء‬
‫َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إكسير العبادات (‪.)552/2‬‬
‫(‪ )2‬إكسير العبادات (‪.)634/2‬‬
‫(‪ )3‬إكسير العبادات (‪ 708/2‬ــ ‪.)709‬‬

‫‪563‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫في عدة مواضع من كتابه الخصائص الزينبية‪ ،‬حيث يقول‪> :‬إن قلنا وفقا لهذا‬
‫المقياس بأ َّن السيدة زينب هي كأبيها وأمها وأخويها صلوات اهلل عليهم أجمعين‬
‫أفضل من األنبياء السابقين لم يكن ذلك منا غلوا‪ ،‬وال كالما شططا<(‪.)1‬‬
‫وزعم في موضع آخر أ ّن زهد زينب ‪ ‬أعظم من زهد المسيح(‪ ،)2‬وصرح‬
‫في موضع آخر أنها امتحنت امتحانا شديدا‪ ..‬فاق امتحان جميع من تقدمها ومن‬
‫تأخر عنها‪ ،‬حتى األنبياء والمرسلين(‪.)3‬‬
‫ثم قال‪> :‬وابتلي سائر األنبياء‬
‫وع َّدد في موضع آخر ابتالءات األنبياء َّ‬
‫السابقين أيضا بباليا ومصائب‪ ،‬لكن زادت عليهم جميعا السيدة زينب فيما جرى‬
‫عليها من مصائب وباليا<(‪.)4‬‬
‫وصرح في موضع آخر أن ما قدمت زينب ‪ ‬يفوق ما قدمه إبراهيم‬
‫َّ‬
‫‪.)5(‬‬
‫ثم تلقف المرجع المعاصر محمد جميل حمود العاملي هذه العقيدة‪،‬‬
‫فقررها وانتصر لها‪ ،‬ومن أقواله في ذلك‪> :‬عصمة موالتنا المعظمة الص ِّديقة‬
‫الكبرى زينب الحوراء وموالنا المعظم أبو الفضل العباس هي عصمة ذاتية كبرى‬
‫أعظم من عصمة األنبياء<(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)224‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)88‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)204‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)277‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)214‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫انظر موقعه الرسمي على هذا الرابط‪. http://aletra.org/print.php?id=1328 :‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪564‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫وظهور بطالن هذه الدعوى وكونها غلوا منكرا أظهر من أن يحتاج إلى بيان‪،‬‬
‫والذي دفعني للكالم عن هذه القضية هو أنني رأيت كيف أ َّن كثيرا من التصورات‬
‫ثم صارت اليوم من‬ ‫الخاطئة عن زينب ‪ ‬كانت إلى زمن قريب أقواال شاذة‪ّ ،‬‬
‫المسلَّمات‪ ،‬وصارت تد َّون في الكتب بال نكير وكأنها حقائق‪ ،‬ولوال ذلك لكان‬
‫اإلعراض عن حكاية هذه األقوال العجيبة هو األولى‪ ،‬والمقصود‪ ،‬أن تفضيل‬
‫زينب ‪ ‬على األنبياء باطل من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬إن القرآن الكريم قد صرح بتفضيل األنبياء والمرسلين على سائر‬
‫العالمين فقال سبحانه‪{ :‬ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ‬
‫ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤﱥ ﱦ‬
‫ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ‬
‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ} [األنعام‪ 83 :‬ــ ‪،]86‬‬
‫وهذا أصرح دليل على أن األنبياء خير الخلق‪ ،‬وقال ‪{ :‬ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ} [آل عمران‪ ،]33 :‬وقال تعالى‪{ :‬ﱁ‬
‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬
‫ﱎ} [األعراف‪ .]144 :‬ولما ذكر اهلل مراتب الفائزين في اآلخرة قال‬
‫سبحانه‪{ :‬ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬
‫ﱷ ﱹ ﱺ ﱻ} [النساء‪ ،]69 :‬وهذا أصرح‬ ‫ﱸ‬ ‫ﱵﱶ‬
‫ثم يأتي‬
‫فخيرهم األنبياء‪ّ ،‬‬
‫وأوضح نص في بيان منازل الخالئق في اآلخرة‪ُ ،‬‬
‫ثم الصالحون‪ ،‬وهذه المراتب الثالث كلها مراتب‬‫ثم الشهداء ّ‬
‫بعدهم الصديقون َّ‬
‫ثم إن القرآن لم يثن على أحد من الخلق أعظم من ثنائه على‬ ‫ألتباع األنبياء‪ّ ،‬‬
‫‪565‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫منكر‬
‫غلو ٌ‬ ‫األنبياء والمرسلين‪ ،‬فالقول بأ َّن أحدا من الخلق أفضل من األنبياء هو ٌ‬
‫معارض لصريح القرآن الكريم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫على األنبياء‪،‬‬ ‫الثاني‪ :‬إذا كنا نمنع القول بتفضيل خير أصحاب النبي‬
‫كالمهاجرين واألنصار الذين أثنى اهلل عليهم في كتابه ومدحهم مدحا عظيما وقال‬
‫فيهم‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬
‫ﱙ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬
‫ﱚ‬ ‫ﱘ‬
‫ﱦ} [آل عمران‪ ،]110 :‬فمن باب أولى أن نرد القول بتفضيل من هو دونهم‬
‫في المنزلة‪ ،‬فزينب ‪ ‬وإن كانت من سيدات بيت النبوة‪ ،‬إال أنه لم يرد لها أي‬
‫فضيلة خاصة في القرآن الكريم‪ ،‬ولم تثبت لها فضيلة خاصة في السنة النبوية‪،‬‬
‫فكيف تصير أفضل من األنبياء والمرسلين!!‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬يكفي في رد هذا القول أنه مثل القول بالعصمة الصغرى قول متأخر‬
‫محدث من زمن قريب‪ ،‬فتاريخ ظهور هذا القول ال يتعدى القرن الثالث عشر‪،‬‬
‫ولم يقل به إال قلة قليلة ممن أعماهم الغلو في زينب‪ ،‬وليس عندهم أي نص على‬
‫هذه الدعوى‪ ،‬وكل ما يسوقونه من أدلة ليست إال خياالت وأوهام وتصورات‬
‫واهية مبنية باألساس على الغلو المنكر‪ ،‬وإذا علمت أن عمدة ما يستدلون به هو‬
‫ما ينقل عن زينب من روايات وأقوال ُد ِّونت في كتب المقاتل المصنفة في القرن‬
‫قطعت بأن ما استندوا إليه ليس إال {ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ}‬ ‫َ‬ ‫العاشر‪،‬‬
‫[النور‪ ،]39 :‬وإال فلو كان ما ي َّدعونه صحيحا‪ ،‬فلماذا لم يصرح الحسين ‪ ‬في‬
‫أي رواية من الروايات التي نقلت عنه ــ حتى في كتب المقاتل المليئة‬
‫بالموضوعات ــ بأن زينب خير من األنبياء والمرسلين؟!‬

‫‪566‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫فحتى لو تنزلنا مع هؤالء وسألناهم أن يأتوا برواية موضوعة مختلقة عن‬


‫الحسين بأن زينب أفضل من األنبياء‪ ،‬سيعجزون عن ذلك‪ ،‬وكفى بهذا دليال‬
‫على أ ّن هذه المقالة مغرقة في الغلو والبعد عن الصراط المستقيم واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪567‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫الفصثة الثالثة‬
‫نفصثل زينب الكبرى ‪ ‬علي كل الي ساء سؤى امها فاطمة ‪‬‬
‫وهذه المقالة من باليا األغا الدربندي‪ ،‬فلم أقف على من سبقه إليها‪ ،‬يقول‬
‫في كتابه إكسير العبادات‪> :‬فالنساء الطاهرات والبنات الطيبات الالتي تكون‬
‫حالتهن وأوصافهن كذلك تكون وصائفهن الالتي كن معهن‪ ،‬ممن ال يشك في‬
‫أفضليتهن على سيدات النساء في األمم السابقة‪ ،‬كمريم‪ ،‬وآسية وهاجر<(‪.)1‬‬
‫وقد أقره على ذلك جعفر النقدي فقال‪> :‬جزم في >أسراره<(‪ )2‬أنها صلوات‬
‫اهلل عليها أفضل من مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وغيرهما من فضليات‬
‫النساء‪ ،‬ومن نظر في >أسرار الشهادة< رأى فيه من االستنباطات والتحقيقات في‬
‫فوصف النقدي لهذه‬
‫ُ‬ ‫حق زينب صلوات اهلل عليها ما هو أكثر مما ذكرناه<(‪.)3‬‬
‫المقاالت المغالية في زينب بأنها تحقيقات واستنباطات‪ ،‬ظاهر في موافقته‬
‫للدربندي‪.‬‬
‫كما أ ّن نور الدين الجزائري قرر هذه المقالة‪ ،‬فقال‪> :‬السيدة زينب هي‬
‫المرأة الثانية في العالم من األولين واآلخرين بعد أمها‪ ،‬يعني‪ :‬المرأة األولى‬
‫ثم بقية النساء العظيمات كخديجة الكبرى‪،‬‬ ‫ثم هي‪ّ ،‬‬ ‫أمها فاطمة الزهراء‪ّ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إكسير العبادات (‪.)554/2‬‬
‫(‪ )2‬أي الدربندي‪ ،‬والمقصود بأسراره‪ ،‬كتاب إكسير العبادات في أسرار الشهادات‪ ،‬ويسمى أيضا‬
‫أسرار الشهادة‪.‬‬
‫(‪ )3‬زينب الكبرى (ص ‪.)36‬‬

‫‪568‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫ومريم العذراء<(‪.)1‬‬
‫ويقول في موضع آخر عن زينب ‪> :‬صارت ثاني امرأة بين نساء‬
‫العالمين من األولين واآلخرين<(‪.)2‬‬
‫ويقول مجتبى الحسيني‪> :‬إننا ال نجد في النساء في اإلسالم أحدا أفضل‬
‫من السيدة زينب ‪ ‬بعد أمها الزهراء بل ال نجد بين البشر بعد المعصومين‬
‫أفضل منها<(‪.)3‬‬
‫ويظهر من المرجع عبد الحسين الموسوي الميل إلى هذه المقالة حيث قال‬
‫عن زينب ‪> :‬لم يُر أكرم منها أخالقا‪ ،‬وال أنبل فطرة‪ ،‬وال أطيب عنصرا‪ ،‬وال‬
‫أخلص جوهرا‪ ،‬إال أن يكون جدها واللّذين أولداها<(‪.)4‬‬
‫وتلقف المرجع المعاصر محمد جميل حمود العاملي هذه العقيدة المغرقة‬
‫في الغلو‪ ،‬فصنف في االنتصار لها كتابا سماه‪> :‬الحقيقة الغراء في تفضيل سيدتنا‬
‫الصديقة الكبرى زينب الحوراء على السيدة مريم العذراء<‪ ،‬مقررا أ ّن زينب‬
‫>أفضل النساء وأعقلهن وأخيرهن بعد أمها<(‪.)5‬‬
‫والجواب عن هذه المقالة المستنكرة ظاهر‪ ،‬فإن القول بتفضيل زينب على‬
‫سائر النساء سوى أمها‪ ،‬قول ُم ْح َدث مثل سابقيه‪ ،‬فضال عن أن من اخترعه وهو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)252‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الخصائص الزينبية (ص ‪.)281‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫قال ذلك في تقديمه لكتاب مرقد العقيلة زينب للسابقي (ص ‪.)17‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫عقيلة الوحي المطبوع ضمن موسوعة عبد الحسين الموسوي (‪.)2515/6‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الحقيقة الغراء في تفضيل سيدتنا الصديقة الكبرى زينب الحوراء (ص ‪.)11‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪569‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫اآل غا الدربندي اعترف بعدم وجود أي دليل عليه حتى في روايات اإلمامية‪،‬‬
‫فقال‪> :‬مقتضى القاعدة أن تكون األخبار في فضائل ودرجات النسوة الطاهرات‬
‫المسبيات يوم الطف من قبيل األخبار البالغة حد التواتر والتسامع والتظافر‪ ،‬وال‬
‫سيما في بيان شأن وفضائل الصديقة الصغرى زينب‪ ...‬بل مقتضى القاعدة أن‬
‫تكون األخبار الواردة في أفضليتهن على سيدات النساء في األمم السابقة مثل‬
‫مريم وهاجر وآسية في غاية الكثرة ونهاية الوفور‪ ،‬فما العلة والسبب في‬
‫سكوت الحجج الطاهرين عن بيان ذلك؟ وما الوجه والسر في عدم وصول‬
‫األخبار إلينا بعد فرض صدورهم عنها؟‪ ،‬أو ما تدري أن وصل إلينا في شأن‬
‫زيارة المعصومة أعني فاطمة بنت اإلمام موسى بن جعفر‪ ،‬المدفونة في قم لم‬
‫يصل مثله إلينا في شأن زيارة واحدة من تلك النسوة الطاهرات المسبيات؟‬
‫وأما ما أشرنا إليه من فضائلهن‪ ...‬فإنما كان من قبيل االستنباطات الدقيقة‪...‬‬
‫فمثل ذلك ال يدفع البحث وال يزيل اإلشكال‪ ،‬والحاصل أن لب السؤال‬
‫ومحصل اإلشكال أنه لم يصل إلينا في بيان شأنهن وفضلهن ما وصل في شأن‬
‫العباس وعلي األكبر‪ ...‬فهذا اإلشكال مما يضيق به صدري ولم أجد إلزالته‬
‫جوابا إلى هذه األيام<(‪.)1‬‬
‫فأنت ترى اعتراف الدربندي بندرة الروايات المختصة بفضائل زينب‬
‫وغيرها من النساء التي يُروى أنهن كن مع الحسين في كربالء‪ ،‬فضال عن‬
‫أفضليتهن على بقية النساء‪ ،‬والمفروض أن عدم وجود الدليل على هذه المقالة‬
‫يفضي إلى اطراحها وجعلها من المقاالت التي ال نصيب لها من الصحة‪ ،‬إال أن‬
‫الدربندي قرر عكس ذلك‪ ،‬وستعجب عندما تسمع جوابه عن هذا اإلشكال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إكسير العبادات (‪ 551/2‬ــ ‪.)552‬‬

‫‪570‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫العويص‪ ،‬حيث يقول‪> :‬هذه القضية من قبيل القضايا التي في شأنها(‪ )1‬أنها خفيت‬
‫علينا حقيقة حالها لشدة نورها وكثرة وضوحها وإفراط ظهورها<(‪ ،)2‬هذا جوابه!‬
‫ثم بعدها ادعى أن ما ورد في شأن زينب والنسوة اللواتي كن في كربالء‬
‫>لم يرد في شأن أحد بعد حجج اهلل المعصومين<(‪ ،)3‬ثم سرد كالما طويال‬
‫استحضر فيه ما يروى في كتب المقاتل عن مواقف النساء في كربالء‪.‬‬
‫هذا مبلغه من العلم‪ ،‬وأنت خبير بأن هذا الجواب مغرق في البعد عن‬
‫مسالك الهداية‪ ،‬وأنه باب من أبواب اختراع البدع والمقاالت الباطلة ونسبتها إلى‬
‫الدين بال أي برهان وال أي حجة‪ ،‬فكل مبطل يستطيع أن يدعي دعوى باطلة‪،‬‬
‫فإن قيل له ما دليلك عليها أجاب بجواب الدربندي‪ ،‬وهو أن هذه القضية واضحة‬
‫وال تحتاج إلى دليل‪ ،‬وأين هذا من قول اهلل تعالى‪{ :‬ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬
‫ﱕ} [النمل‪]64 :‬؟‬
‫فضل زينب على مثل مريم التي شرفها اهلل تعالى بذكرها في القرآن‬
‫ثم كيف ُت َّ‬
‫ّ‬
‫وقال عنها‪{ :‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ}؟‬
‫وكيف تكون زينب ‪ ‬أفضل من أم المؤمنين خديجة‪ ،‬التي قال فيها النبي‬
‫‪> :‬خير نسائها مريم ابنة عمران‪ ،‬وخير نسائها خديجة<؟(‪.)4‬‬
‫وقد ورد في مصادر اإلمامية عن أبي جعفر الباقر أنه قال‪> :‬دخل رسول الل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كذا في المطبوع‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫إكسير العبادات (‪.)552/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫إكسير العبادات (‪.)552/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫صحيح البخاري (‪ ،)3815‬صحيح مسلم (‪.)6352‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪571‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تصحيح مفاهيم مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫على خديجة حين مات القاسم ابنها وهي تبكي‪ :‬فقال لها‪> :‬ما يبكيك<‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫>درت دريرة فبكيت<‪ ،‬فقال‪> :‬يا خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجيئي‬
‫إلى باب الجنة وهو قائم فيأخذ بيدك فيدخلك الجنة وينزلك أفضلها وذلك لكل‬
‫ثم يعذبه بعدها‬
‫وأكرم أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده َّ‬
‫ُ‬ ‫أحكم‬
‫ُ‬ ‫مؤمن‪ ،‬إن اهلل عز وجل‬
‫أبدا<(‪.)1‬‬
‫وهذا الخبر على ضعفه‪ ،‬إال أن القائلين بتفضيل زينب على خديجة وبقية‬
‫النساء سوى فاطمة‪ ،‬يعجزون أن يأتوا بخبر موضوع فيه مثل هذه الفضيلة‬
‫لزينب!‪.‬‬

‫وإذا علمت هذا‪ ،‬فال حاجة للكالم عن تفضيل زينب ‪ ‬على بقية النساء‪،‬‬
‫خاصة من ثبت في فضائلهن أحاديث صحيحة عن النبي ‪ ،‬كفضليات أمهات‬
‫المؤمنين وفي مقدمتهن الصديقة بنت الصديق عائشة ‪ ،‬وفضليات نساء‬
‫الصحابة المشهورات‪ ،‬أل َّن ظهور تفضيلهن على زينب أبين من أن يحتاج إلى‬
‫االستدالل عليه‪ ،‬وقد تنازع الناس في أفضل النساء‪ ،‬فوقع االختالف في أم‬
‫‪ ،‬ومريم‪ ،‬وآسية‪،‬‬ ‫المؤمنين خديجة‪ ،‬وأم المؤمنين عائشة‪ ،‬وبضعة النبي‬
‫ولم يذكر أحد من الناس زينب معهن‪ ،‬حتى ظهرت مقالة الغالة في القرن الثالث‬
‫عشر‪ ،‬وكفى بهذا شاهدا على أن المسلمين بجميع طوائفهم لم يكونوا خالل‬
‫ثالثة عشر قرنا يرون أن زينب معدودة ضمن أفضل النساء‪ ،‬حتى اخترع أهل الغلو‬
‫هذه المقالة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الكافي (‪ ،)218/3‬وقال المجلسي في مرآة العقول (‪> :)170/14‬ضعيف<‪ ،‬وفي رواية أخرى‬
‫في الكافي (‪ )219/3‬بدل القاسم‪> :‬الطاهر<‪ ،‬وضعف المجلسي الخبر في مرآة العقول‬
‫(‪.)172/14‬‬

‫‪572‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قضايا عقدية مغلوطة عن زينب الكربى ‪‬‬

‫وقد وجدت أ َّن الباحث اإلمامي علي أكبر نجاد قد انتقد تفضيل زينب على‬
‫مريم وع َّده من الغلو فقال‪> :‬واليوم ليس فقط عوام الناس من ال يقبل بأن تكون‬
‫السيدة مريم أعلى مقاما من السيدة زينب‪ ،‬بل هناك الكثير من العلماء يجادلون‬
‫واضح ومح ِّد ٌد‬
‫ٌ‬ ‫في ذلك‪ ،‬رغم أن الحديث الذي صدر عن النبي األكرم‬
‫لمقام السيدة مريم بشكل ال يمكن نقاشه‪ ،‬حيث قال ما معناه‪ :‬أعظم النساء درجة‬
‫يوم القيامة‪ :‬آسية امرأة فرعون‪ ،‬مريم‪ ،‬خديجة الكبرى‪ ،‬وفاطمة‪ .‬فهل عدم إدخال‬
‫للسيدة زينب ضمن هؤالء األربعة ناتج عن عدم معرفته بما سيحدث‬ ‫النبي‬
‫لهذه األمة؟ أو أنه لم يكن على علم بمقام حفيدته زينب؟!‬
‫إ ّن القول بأ ّن مريم أعلى مقاما من السيدة زينب ال يعني بأي وجه من الوجوه‬
‫عن‬ ‫التنقيص من مقامها‪ ،‬وال المساس بحيثياتها‪ ،‬ولكن حين يتحدث النبي‬
‫مقام تلك النسوة األربعة فإنه حديث اإلنسان الكامل المدرك لخفايا األمور‪،‬‬
‫في مريم‬ ‫والذي لديه نظرة سماوية لألشخاص‪ ،‬باإلضافة إلى أن قول النبي‬
‫والثالثة األخريات قول وحي‪ ،‬انطالقا من األصل العقائدي الذي تح ِّدده اآلية‬
‫الكريمة من سورة النجم‪{ :‬ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ} [النجم‪.]4 :‬‬
‫لذا فإ َّن العواطف لم تكن يوما دليال يستدل به على قيمة األشخاص الدنيوية‪ ،‬فما‬
‫بالك بالمقام عند اهلل ‪ ،‬وهي مقامات ال يطلع عليها إال المعصومون والمالئكة‬
‫المقربون<(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقالة >الخلفيات الفکرية لصناعة الخرافة مطالعة ونقد (‪ ،<)2‬المنشورة بمجلة نصوص معاصرة‬
‫العدد ‪ 24‬و‪( ،25‬ص‪.)144‬‬

‫‪573‬‬
‫‪d‬‬
‫‪X‬‬ ‫‪X‬‬

‫الفصل ا لحام س‬

‫م‬ ‫ف‬ ‫ث‬‫ف‬‫ح‬‫ت‬


‫ق ي ؤضع وفاة زينب الكبرى ‪‬‬

‫‪d‬‬
‫‪d‬‬

‫ل‬ ‫س‬ ‫مي‬‫لفث ل‬


‫وا ؤز ا ؤية ا يها‬ ‫‪X‬‬

‫‪X‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫لقد ذكرت في بداية هذه الدراسة أن أحد بواعث التأليف عن زينب الكبرى‬
‫في العصور المتأخرة‪ ،‬هو القبر المنسوب لها في الشام‪ ،‬فأولى المصنفات التي‬
‫كتبت عن زينب في القرن العاشر كان سببها وجود قبر ينسب إليها في المنطقة‬
‫التي كانت تسمى قديما قرية راوية في ضواحي دمشق‪ ،‬وفي العصر الحاضر وبعد‬
‫اشتهار نسبة قبر آخر إليها في مصر بمنطقة كانت تسمى قديما قناطر السباع‪،‬‬
‫ظهرت العديد من المصنفات عن زينب في المكتبة المصرية تهدف إلى عرض‬
‫سيرتها وإثبات دفنها في مصر‪ ،‬ولذلك كان ال بد من بحث هذه المسألة بحثا‬
‫معمقا وموسعا مع االستعانة بالمصادر التاريخية الموثقة وتتبع التطور التاريخي‬
‫لهذه القبور‪ ،‬وهذا ما سأبحثه في هذا الفصل‪.‬‬

‫‪577‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ل‬
‫عن الفثؤز امي سؤية الي زينب الكبرى ‪‬‬
‫ال تخلو المصنفات المعاصرة في زينب ‪ ‬من التعرض لمسألة تعيين‬
‫قبرها‪ ،‬وذلك أن زينب ‪ ‬ينسب لها اليوم عدة مشاهد‪ ،‬أشهرها اليوم اثنان‪:‬‬
‫أ ــ القبر المنسوب لها في مصر والذي بني عليه مسجد‪.‬‬
‫ب ــ القبر المنسوب لها في الشام الذي ُش ّيد عليه مشهد‪.‬‬
‫وقد ُكتبت دراسات في إثبات صحة كل من هذين المشهدين‪> ،‬وكل من‬
‫المصادر يدلي دلوه في هذا المضمار ليكسب زينب في أرضه‪ ،‬ويدعي أنها‬
‫المدفونة عنده<(‪ ،)1‬فألّف حسن قاسم كتاب >السيدة زينب وأخبار الزينبات<‪،‬‬
‫ثم ألّف بعده‬
‫وحشد فيه كل ما أمكنه من األدلة إلثبات دخولها مصر ووفاتها بها‪ّ ،‬‬
‫محمد حسنين السابقي كتاب >كشف الغيهب في تحقيق مرقد السيدة زينب<‬
‫إلثبات دفنها في الشام‪.‬‬
‫وأما الدراسات المؤلفة في نقض صحة هذين المشهدين فقليلة بل نادرة‪،‬‬
‫ولم أقف إال على دراسة مختصرة لمحمود المراكبي‪ ،‬ضمن كتابه >القول الصريح‬
‫في حقيقة الضريح<‪ ،‬حيث تكلم فيه عن مشهد رأس الحسين ‪ ‬الموجود في‬
‫(‪)2‬‬
‫وبين عدم صحة دخولها‬‫ثم عن القبر المنسوب لزينب الكبرى في مصر ‪ّ ،‬‬‫مصر‪َّ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بنات الصحابة (ص ‪.)209‬‬
‫(‪ )2‬القول الصريح في حقيقة الضريح ــ نسخة إلكترونية ــ (ص ‪ 99‬ــ ‪.)110‬‬

‫‪578‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫لمصر‪ ،‬غير أنه اعتمد بالكلية على السابقي وتابعه في كثير من تدليساته على‬
‫ثم إ ّنه لم يتفطن لتزويرات حسن قاسم فاعتمد على بعضها(‪ ،)2‬فضال‬ ‫(‪)1‬‬
‫القراء ‪ّ ،‬‬
‫عن أن نقده اقتصر على بطالن المشهد المصري دون الشامي‪ ،‬ولهذا لم يكن بحثه‬
‫وافيا وال كافيا‪.‬‬
‫وقد كتب علي أصغر قائدان مقالتين في نقد المرقدين المنسوبين إلى زينب‬
‫في مصر والشام‪ :‬عنوان المقالة األولى >مرقد السيدة زينب الكبرى في مصر‪،‬‬
‫دراسة وتمحيص لآلراء التاريخية<(‪ ،)3‬وعنوان المقالة الثانية‪> :‬ضريح السيدة‬
‫زينب في سوريا (الزينبية) آراء ودراسة نقدية<(‪.)4‬‬
‫وبعد بحث هذه المسألة بحثا مفصال‪ ،‬وجدت أن األقوال في موضع وفاة‬
‫زينب الكبرى ‪ ‬هي خمسة أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنها ُدفنت في المدينة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مثل قوله إن شمس الدين السخاوي ألَّف كتابا عن زينب ولم يذكر دفنها في مصر‪ ،‬فإن هذا من‬ ‫(‪)1‬‬
‫اختراع السابقي كما بينته في هذه الدراسة‪ ،‬ومنها أيضا ما عزاه السابقي إلى بعض المؤلفات التي لم‬
‫يقف عليها ومع ذلك نسب إلى أصحابها أنهم لم يذكروا زينب‪ ،‬انظر القول الصريح في حقيقة‬
‫الضريح (ص ‪.)108‬‬
‫منها عدم تنبه إلى أن الرحالة الكوهيني ال وجود له وأنه من اختالق حسن قاسم‪ ،‬فقد نقل (ص ‪100‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ــ ‪ ،)101‬ــ النسخة اإللكترونية ــ أن الكوهيني زار قبر زينب في مصر ثم نقل كالم السابقي في رده‪،‬‬
‫َّثم قرر أ َّن خطأ الكوهيني كان بسبب قيام الدولة الفاطمية بكتابة اسم زينب على القبر الذي زاره‬
‫الكوهيني‪ ،‬وهذا كله غلط‪ ،‬فالفاطميون بريئون من هذه المسألة وإنما نسبها إليهم السابقي‪ ،‬أما‬
‫الرحالة الكوهيني فقد بينت أنه شخصية خيالية من اختراع حسن قاسم كما مضى بتفصيل‪.‬‬
‫نشرت بمجلة آفاق الحضارة اإلنسانية‪ ،‬السنة الخامسة عشرة‪ ،‬العدد األول‪ ،‬سنة ‪ 1433‬هـ‬ ‫(‪)3‬‬
‫(ص ‪ 121‬ــ ‪.)140‬‬
‫نشرت بمجلة العلوم اإلنسانية الدولية التي تصدر بإيران‪ ،‬العدد ‪ 2012 ،)3( 19‬م ‪ 1433/‬هـ‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪579‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫الثاني‪ :‬أنها مدفونة في الشام‪ ،‬ونُسب لها عدة مواضع‪:‬‬


‫‪ 1‬ــ قرية راوية‪ ،‬التي كانت تسمى قرية الست‪ ،‬وهو القول األشهر اليوم‬
‫حيث يوجد مشهدها‪ ،‬وتسمى هذه القرية اآلن بمنطقة السيدة زينب‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ مقبرة الباب الصغير وقد اندرس أمر هذا القبر‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ أنها توفيت حوالي الشام من دون تعيين موضع الوفاة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنها مدفونة في مصر‪ ،‬في منطقة كانت تسمى قناطر السباع وتسمى‬
‫اليوم حي السيدة زينب‪ ،‬وبُني على القبر المنسوب لها مسجد من أضخم مساجد‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنها دفنت في سنجار بالعراق‪ ،‬وشيد على هذا الموضع مرقد ال‬
‫زال قائما إلى اآلن‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن موضع دفن زينب مجهول لم يتعين‪.‬‬
‫ومن هنا كان ال بد من تحقيق القول في هذه المسألة‪ ،‬ودراسة أصول هذه‬
‫المشاهد ومبتدأ ظهورها‪ ،‬مع ترجيح الصواب فيها‪ ،‬وهذا ما أستعين اهلل في هذا‬
‫البحث‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫‪580‬‬
‫املبحث األول‪ :‬إثبات وفاة زينب الكربى ‪ ‬ودفنها باملدينة‬

‫ل‬
‫اميحب ا أ‬
‫لول‬
‫ايثاث وفاة زينب الكبرى ‪ ‬ودفيها يالمديثة‬

‫‪ 1‬ــ حتقيق وفاة زينب الكربى ‪ ‬يف املدينة‬


‫لم يرد نص عن تاريخ وفاة زينب وموضعه‪ ،‬فقد ترجم لزينب عدة من أهل‬
‫ينصوا على موضع وفاتها‪ ،‬غير أن‬
‫العلم كابن سعد والدوالبي وابن عساكر‪ ،‬ولم ُّ‬
‫الذي تركن إليه النفس في األقوال المختلفة في موضع وفاة زينب الكبرى ‪،‬‬
‫هو القول بوفاتها بالمدينة النبوية‪ ،‬وتقرير هذه المسألة يقع في ثالثة وجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬قد تقرر فيما مضى أن زينب لم تخرج مع الحسين ‪ ‬في‬
‫كربالء‪ ،‬بل لم يثبت خروجها من المدينة أصال‪ ،‬فإن زوجها عبد اهلل بن جعفر‬
‫‪ ‬كان جل مقامه بالمدينة‪ ،‬وال خالف في أن عبد اهلل بن جعفر مات بالمدينة‬
‫ودفن بالبقيع(‪ ،)1‬وإذا ثبت ذلك فإن األقرب هو أن زينب ‪ ‬دفنت في المدينة‪،‬‬
‫محل وفاة زوجها‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬إن القول بأن زينب ماتت في المدينة يجري أيضا على مسلك‬
‫الذين اعتمدوا على روايات أبي مخنف‪ ،‬وذلك أن أبا مخنف روى أن يزيد قد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قاله الواقدي‪ ،‬انظر الطبقات ــ طبعة الخانجي ــ (‪ ،)469/6‬وتابعه مصعب الزبيري كما في نسب‬
‫قريش (ص ‪ ،)86‬والزبير بن بكار في كتاب النسب‪ ،‬نقله عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق‬
‫(‪ ،)297/27‬والقاسم بن سالم كما في تاريخ دمشق البن عساكر (‪ ،)297/27‬وهو قول أبي‬
‫سليمان الربعي كما في كتابه تاريخ موالد العلماء ووفياتهم (‪ ،)199/1‬ونقله عنه ابن عساكر في‬
‫تاريخه (‪ ،)297/27‬وقول ابن حبان في مشاهير علماء األمصار (ص ‪.)27‬‬

‫‪581‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫أرسل من بقي من أهل البيت إلى المدينة بعد أن ق ِدم بهم من الكوفة‪ ،‬ولم ينقل‬
‫أبو مخنف أي شيء عن خروج زينب من المدينة بعد عودتها من الشام‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أن هذا القول هو قول المحققين من العلماء والمؤرخين من‬
‫علماء أهل السنة وغيرهم وإليك بيانه‪:‬‬
‫أ ــ أقوال علماء أهل السنة في دفن زينب الكبرى ‪ ‬بالمدينة‬
‫إ ّن أقدم من تكلم عن االختالف في مواضع دفن زينب‪ ،‬حسبما وقفت عليه‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫هو عبد الغني النابلسي (‪1143‬هـ)‪ ،‬فقد وصف قبر زينب في الشام َّ‬
‫ثم استبعد دفنها في مصر‪ ،‬ونقل كالم ابن عساكر‬ ‫>فيحتمل أنها ماتت بدمشق<‪َّ ،‬‬
‫ثم قال‪> :‬فيحتمل‬
‫الذي يذكر فيه أن يزيد أرسل من بقي من أهل البيت إلى المدينة َّ‬
‫أن زينب هذه ‪ ‬سارت إلى المدينة فماتت هناك‪ ،‬ويحتمل موتها بدمشق كما‬
‫ذكرنا<(‪.)1‬‬
‫فالنابلسي احتمل دفن زينب في الشام لسببين‪:‬‬
‫األول‪ :‬وجود قبر منسوب لها في دمشق‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬بسبب رواية أبي مخنف التي تذكر أ َّن زينب كانت مع الحسين في‬
‫كربالء وقدم بها إلى الشام‪.‬‬
‫غير أنه في آخر أمره نفى أن تكون زينب مدفونة في دمشق وسيأتي كالمه(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بالد الشام والحجاز (ص ‪.)215‬‬
‫(‪ )2‬مع اإلشارة إلى أن النابلسي كان يرى في أول أمره أن زينب المدفونة في الشام هي أم كلثوم الكبرى‬
‫‪ ‬زوجة عمر بن الخطاب ‪ ‬كما سيأتي التنبيه عليه‪.‬‬

‫‪582‬‬
‫املبحث األول‪ :‬إثبات وفاة زينب الكربى ‪ ‬ودفنها باملدينة‬

‫وأما أقدم من وقفت عليه يقطع بدفن زينب في المدينة‪ ،‬فهو المؤرخ‬
‫المغربي أحمد بن خالد الناصري (‪ 1315‬هـ)‪ ،‬فقد نقل ما قيل من دفنها في مصر‬
‫والشام ثم قال‪> :‬لكن ما تقتضيه األخبار والتواريخ أن مدفنها بالمدينة المنورة‪،‬‬
‫ال بالشام وال بمصر<(‪.)1‬‬
‫وهذا ما قطع به األديب البحاثة أحمد زكي باشا (‪ 1353‬هـ) الملقب بشيخ‬
‫العروبة‪ ،‬حيث قال عن زينب ‪> :‬الحق الذي ليس بعده إال الضالل‪ ،‬أنها‬
‫قضت باقي حياتها بالحجاز‪ ،‬إلى أن انتقلت إلى جوار ربها بالمدينة المنورة‪،‬‬
‫فكان دفنها بالبقيع‪ ،‬هذا هو الصواب وما عداه فإفك وبهتان<(‪.)2‬‬
‫ويظهر من الشيخ محمد بخيت المطيعي (‪1354‬هـ) مفتي الديار المصرية‬
‫الميل إلى هذا القول‪ ،‬حيث قال في جوابه عن قبر السيدة زينب في مصر‪> :‬جزم‬
‫كل من ابن األثير في تاريخه والطبري كذلك‪ ...‬بأن السيدة زينب بنت علي كرم‬ ‫ٌّ‬
‫اهلل وجهه وأخت الحسين ‪ ،‬قد عادت مع نساء الحسين أخيها‪ ،‬ومع أخوات‬
‫الحسين بعد مقتله إلى المدينة بعد أن طافت هي وأخواتها ونساء الحسين بكربالء‬
‫فالكوفة فالشام فالمدينة<(‪ ،)3‬فهو وإن لم يصرح بموت زينب في المدينة‪ ،‬إال أن‬
‫ظاهر كالمه أن زينب لم تخرج من المدينة بعد عودتها إليها‪ ،‬وما يؤيد هذا أنه لم‬
‫يشر إلى دفنها في الشام بشيء‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬طلعة المشتري في النسب الجعفري (‪.)26/1‬‬
‫(‪ )2‬مقال منشور بجريدة األهرام بتاريخ (‪ 1932/09/8‬م)‪ ،‬ونقل أنور الجندي مقتطفات منه في كتابه‬
‫أحمد زكي الملقب بشيخ العروبة (ص ‪ 145‬ــ ‪.)146‬‬
‫(‪ )3‬مجلة اإلسالم السنة األولى عدد ‪ 5‬شعبان ‪ 1351‬هـ‪ ،‬ونشر أيضا بمجلة الفتح‪ ،‬العدد ‪15 ،322‬‬
‫شعبان ‪ 1351‬هـ‪( ،‬ص ‪ 4‬ــ ‪ ،)5‬وانظر‪ :‬محمد بخيت المطيعي شيخ اإلسالم والمفتي العالمي‬
‫(ص ‪ 82‬ــ ‪.)83‬‬

‫‪583‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وهذا ما ذهب إليه جملة من الكتاب المعاصرين أيضا‪:‬‬


‫كالكاتب محمد عبد السمان‪ ،‬حيث قال‪> :‬إن التاريخ الثابت يؤكد ــ وهو‬
‫مطمئن غاية االطمئنان ــ بأن السيدة زينب ‪ ،‬لم تطأ قدمها مصر‪ ،‬بل ماتت‬
‫ودفنت بالبقيع<(‪.)1‬‬
‫وقد قرر هذا أيضا الدكتور أحمد خليل جمعة‪ ،‬فقال‪> :‬لعلها قد دفنت إلى‬
‫جوار نساء أهل البيت في البقيع قرب المسجد النبوي الشريف‪ ،‬ولعله قد ُجهل‬
‫ــ فيما بعد ــ محل قبرها بالبقيع‪ ،‬إال أن الدالئل الصحيحة لتشير بأنها مدفونة‬
‫هناك<(‪.)2‬‬
‫وقال أيضا‪> :‬الحقيقة كما يثبتها التاريخ بأن زينب بنت علي ‪ ‬لم تذهب‬
‫إلى مصر في حياتها‪ ،‬فضال عن أن مثواها األخير في المدينة المنورة<(‪.)3‬‬
‫وقال أيضا‪> :‬إ ّن الذي ترتاح إليه النفوس هو الذي يتوافق مع تاريخ زينب‪،‬‬
‫حيث توفيت في المدينة المنورة‪ ،‬وهناك دفنت في البقيع قرب نساء آل هاشم‪،‬‬
‫وقرب والدتها وعماتها ومعظم أمهات المؤمنين<(‪.)4‬‬
‫وقال الدكتور فتحي حافظ حديدي عن زينب الكبرى‪> :‬دفنت بالمدينة المنورة‬
‫كما هو ثابت في التاريخ وفي الواقع الحالي‪ ،‬بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مقالة أليس فيهم رجل رشيد‪ ،‬منشورة بمجلة التوحيد التي تصدرها جماعة أنصار السنة المحمدية‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المجلد السادس العدد ‪ ،61‬محرم سنة ‪ 1398‬هـ (ص ‪.)19‬‬
‫بنات الصحابة (ص ‪.)208‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫بنات الصحابة (ص ‪.)214‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫بنات الصحابة (ص ‪.)216‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة (ص ‪.)195‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪584‬‬
‫املبحث األول‪ :‬إثبات وفاة زينب الكربى ‪ ‬ودفنها باملدينة‬

‫ب ــ أقوال علماء اإلمامية في دفن زينب الكبرى ‪ ‬بالمدينة‬


‫ربما قد تعجب إن علمت أن القول األقدم في وفاة زينب الكبرى ‪ ‬عند‬
‫اإلمامية هو أنها توفيت بالمدينة‪ ،‬وأقدم كتاب وجدت فيه التصريح بوفاة زينب‬
‫في المدينة(‪ )1‬هو كتاب بحر المصائب الذي ألَّفه محمد جعفر التبريزي (كان حيا‬
‫سنة ‪ 1292‬هـ)(‪.)2‬‬
‫المذ َّهب< ــ عن التبريزي أنه‬
‫فقد نقل عباس قلي خان ــ صاحب >الطراز ُ‬
‫روى أ َّن >أم كلثوم توفيت بعد أربعة أشهر من ورود أهل البيت من الشام إلى‬
‫المدينة‪ ،‬وبعد مضي ثمانين يوما من وفاتها بكت زينب الكبرى ليلة بكاء شديدا‪،‬‬
‫وبنات البتول عليهن‬ ‫ولطمت وجهها حتى ُغشي عليها‪ ،‬واجتمع آل الرسول‬
‫السالم عند رأسها‪ ،‬ولما حركوها فإذا هي فارقت الدنيا سالم اهلل عليها<(‪،)3‬‬
‫أقول‪ :‬مع غض النظر عن ظهور الكذب والوضع في هذه الرواية‪ ،‬لكونها تزعم‬
‫أن زينب ماتت من الحزن والبكاء على الحسين‪ ،‬فإن موضع الشاهد هو أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد وهم هاشم معروف في كتابه من وحي الثورة الحسينية (ص ‪ ،)140‬حين نسب إلى‬
‫المازندراني أنه نقل في معالي السبطين عن ابن ميثم البحراني (عاش في القرن السابع) أن زينب‬
‫الكبرى توفيت في المدينة‪ ،‬فهذا قد يوهم أن القول بوفاة زينب موجود في تراث اإلمامية منذ‬
‫القرن السابع‪ ،‬غير أن هذا النقل غير صحيح‪ ،‬فإن ابن ميثم إنما ذكر أن أم كلثوم توفيت في‬
‫ثم‬
‫المدينة‪ ،‬وسبب وهم هاشم معروف أن المازندراني نقل ما قيل من وفاة زينب في مصر والشام َّ‬
‫نقل كالم ابن ميثم في وفاة أم كلثوم بالمدينة‪ ،‬فتوهم هاشم معروف أنها زينب وهذا غلط ظاهر‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكر الطهراني في الذريعة (‪ )46/3‬أنه انتهى من المجلد الثالث من كتاب بحر المصائب سنة‬
‫(‪ 1292‬هـ)‪.‬‬
‫(‪ )3‬الطراز المذهب في أحوال أم المصائب زينب ــ فارسي (ص ‪ )554‬في الطبعة التي عندي‪،‬‬
‫ونقلت الترجمة من الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (‪ ،)376/5‬وعزاه إلى الطراز المذهب‬ ‫ُ‬
‫(ص ‪.)569‬‬

‫‪585‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫المؤلف ذهب إلى وفاة زينب ‪ ‬في المدينة‪.‬‬


‫ثم إ َّن أقدم مصنِّف في ترجمة زينب من اإلمامية وهو عباس قلي خان‬ ‫َّ‬
‫المذ َّهب<‪ ،‬قد تكلم عن االختالف في موضع‬ ‫(‪ 1342‬هـ) صاحب كتاب >الطراز ُ‬
‫دفن زينب الكبرى‪ ،‬ومال إلى دفنها في المدينة‪ ،‬وملخص ما ذهب إليه‪ :‬أن‬
‫ودفنت فيها‪ ،‬وأما المنطقة‬
‫الصحيح أن زينب توفيت في المدينة بعد رجوعها إليها ُ‬
‫الزينبية في الشام‪ ،‬فاحتمل عباس قلي خان أن تكون البنةٍ للحسين‪ ،‬وأما المدفونة‬
‫في قناطر السباع فهي بنت علي من غير فاطمة ‪.)1(‬‬
‫صرح الفاضل ميرزا عباس‬‫وقد نقل ذلك عنه جعفر بحر العلوم فقال‪ّ > :‬‬
‫قليخان المستوفي في تاريخه >الطراز المذهب< بأن الذي يصح عنده أن زينب‬
‫لما رجعت من الشام توفيت بالمدينة المنورة ودفنت هناك قال‪> :‬وال أدري متى‬
‫كانت وفاتها<<(‪.)2‬‬
‫ثم انتقده فيما‬
‫ونقل علي بن عبد العظيم الخياباني كالم صاحب >الطراز<‪ّ ،‬‬
‫بعد فقال‪> :‬ال قيمة لقول صاحب الطراز الذي قال إنها في المدينة<(‪.)3‬‬
‫ونقل عباس القمي القول بدفن زينب في المدينة عن صاحب >الطراز‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الطراز المذهب (ص ‪ ،)564‬والكتاب فارسي كما مضى‪ ،‬وما نقلته ليست الترجمة الحرفية وإنما‬
‫هو ملخص كالمه حسبما ظهر لي بعد االستعانة باألخ الباحث عبيد اهلل المظفر‪ ،‬وهذا القول هو‬
‫الذي نسبه إليه جماعة من اإلمامية كما سيأتي‪.‬‬
‫(‪ )2‬تحفة العالم (‪.)460/1‬‬
‫(‪ )3‬وقائع األيام (ص ‪ )524‬فارسي‪ ،‬والترجمة منقولة من كالم السابقي في مرقد العقيلة زينب‬
‫(ص ‪.)226‬‬

‫‪586‬‬
‫املبحث األول‪ :‬إثبات وفاة زينب الكربى ‪ ‬ودفنها باملدينة‬

‫المذهب<(‪.)1‬‬
‫رجح أ ّنها ُدفنت بالمدينة في البقيع إلى جوار‬
‫وممن ّ‬
‫وقال هاشم معروف‪ّ > :‬‬
‫مرقد زوجها عبد اهلل بن جعفر‪ :‬عباس قلي خان في كتابه >الطراز المذ ّهب<‪ ،‬عن‬
‫كتاب >بحر المصائب<<(‪.)2‬‬
‫والشاهد أ ّن عباس قلي خان قرر في أقدم كتاب كتبه اإلمامية عن زينب بأنها‬
‫مدفونة في المدينة(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هدية الزائرين ــ فارسي ــ (ص ‪.)456‬‬
‫(‪ )2‬من وحي الثورة الحسينية (ص ‪.)140‬‬
‫(‪ )3‬تعمدت التوسع في تتبع نصوص الناقلين لكالم صاحب الطراز المذهب‪ ،‬ألني وقفت على من‬
‫نسب إليه غير هذا القول‪ ،‬وأغرب ما مر علي من ذلك ما قاله جواد شبر‪ ،‬فقد نسب إلى صاحب‬
‫الطراز أنه قال‪> :‬الذي يظهر من األخبار أن قبرها بالشام<‪ ،‬مقالة‪> :‬السيدة زينب<‪ ،‬المنشورة‬
‫بمجلة الموسم‪ ،‬العدد الرابع (ص ‪.)903‬‬
‫وعندي أ ّن جواد ُش َّبر غلط في هذا النص‪ ،‬فإن صاحب الطراز إنما نقل القول بأنها مدفونة بالشام‬
‫ضمن األقوال المختلفة في قبرها‪ ،‬ثم رجح دفنها في المدينة كما نقل عنه كل من جعفر بحر العلوم‬
‫ثم إ ّن نور الدين الجزائري ر ّجح أيضا وفاة زينب في‬
‫والخياباني وعباس القمي وهاشم معروف‪ّ ،‬‬
‫المدينة ــ كما يأتي ــ وإنما ذهب الجزائري إلى ذلك أل ّن ُجلَّ مادة كتابه عن زينب مأخوذة من‬
‫كتاب الطراز المذهب‪ ،‬وعليه فال عبرة بكالم جواد شبر‪ ،‬وإذا راجعت كالم شبر في تلك المقالة‪،‬‬
‫ستحكم بأحد أمرين‪ ،‬إما أ ّن الرجل عنده خلل كبير في فهم النصوص واالستدالل بها‪ ،‬أو أنه‬
‫يتعمد التدليس‪ ،‬فقد وجدته (ص ‪ )902‬ينسب إلى هبة الدين الشهرستاني أن زينب دفنت في‬
‫الشام ونقل أول كالمه فقط‪ ،‬وترك بقية كالمه الذي ينقل فيه أنها مدفونة بمصر‪ ،‬وهذا ما صنعه مع‬
‫كالم بحر العلوم (ص ‪ ،)903‬فاجتزأ منه ما نقله عن النوري في دفن زينب في الشام‪ ،‬وأعرض‬
‫عن أول كالمه الذي يصرح فيه بدفنها في المدينة‪ ،‬كما أنه لم ينقل تعقيبه على كالم النوري‬
‫باحتمال أن تكون المدفونة في دمشق هي زينب الصغرى!‪.‬‬
‫ونظير هذا‪ ،‬قول فرج عمران القطيفي إن صاحب الطراز ذكر قولين في وفاة زينب‪ ،‬في المدينة‬
‫والشام ولم يرجح أحدهما‪ ،‬راجع وفاة زينب الكبرى (ص ‪ ،)72‬والذي ظهر لي أن القطيفي=‬

‫‪587‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وهو القول الذي نصره محمد باقر البيرجندي (‪ 1352‬هـ)(‪ ،)1‬فقد نقل‬
‫اإلجماع على وفاة زينب الكبرى في المدينة(‪.)2‬‬
‫وهذا ما رجحه نور الدين الجزائري (‪ 1385‬هـ) في كتابه >الخصائص‬
‫الزينبية< الذي أفرده عن زينب وطُبع سنة (‪1341‬هـ)‪ ،‬فقد حكى األقوال‬
‫ثم رجح وفاتها بالمدينة قائال‪> :‬األقرب للصواب‬‫المختلفة في موضع وفاة زينب َّ‬
‫هو دفن هذه المظلومة في المدينة الطيبة‪ ،‬والمقام الموجود في مصر‪ ،‬يمكن أن‬
‫يكون لزينب من الهاشميات‪ ،‬وكذلك مقام الشام‪ ،‬والعلم عند اهلل<(‪ ،)3‬وقد مضى‬
‫المذ َّهب<‪ ،‬فال غرو‬
‫أ َّن نور الدين الجزائري اعتمد في غالب كتابه على >الطراز ُ‬
‫أن يتابعه في دفن زينب في المدينة‪.‬‬
‫وهذا هو المثبت في األصل الفارسي >للخصائص الزينبية<‪ ،‬إال أن مترجم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= لم يطالع كتاب الطراز‪ ،‬وإنما نقل عنه بواسطة النقدي الذي حكى عنه هذين القولين‪ ،‬وإال‬
‫فالصحيح أن صاحب الطراز حكى ثالثة أقوال في تعيين قبر زينب ثم رجح دفنها في المدينة‪.‬‬
‫(‪ )1‬ترجمته في تراجم الرجال (‪.)603/2‬‬
‫(‪ )2‬نقل ذلك عنه ذبيح اهلل المحالتي في رياحين الشريعة ــ وهو كتاب فارسي ــ (‪ ،)34/3‬فقال‪:‬‬
‫>عالمة بيرجندي در كبريت أحمر دعوى إجماع كرده است كه قبر آن مظلومة در مدينة است<‪.‬‬
‫وهذا النص منقول عن كتاب‪> :‬الكبريت األحمر في شرائط أهل المنبر< للبيرجندي‪ ،‬وقد وقفت‬
‫على طبعة حجرية قديمة له وهو مكتوب بالفارسية‪ ،‬غير أني لم أهتد لموضع هذا الكالم‪ ،‬وقد‬
‫ترجم محمد شعاع فاخر كتاب الكبريت األحمر للعربية ولم يتيسر لي الحصول عليه إلى غاية كتابة‬
‫هذه السطور‪.‬‬
‫(‪ )3‬الخصائص الزينبية ــ الفارسي ــ (ص ‪ ،)99‬الطبعة الحجرية‪ ،‬وقد استعنت بأحد اإلخوة في‬
‫ترجمة النص‪ ،‬ونص كالمه بالفارسية‪> :‬أقرب بصوابست همان دفن انمظلومة در مدينة طيبة‪،‬‬
‫ومقام موجود در مصر ممكن است از زينب نامي از هاشميات باشد‪ ،‬وكذلك مقام شام‪ ،‬العلم‬
‫عند اهلل<‪ ،‬غير أنه لم ير بأسا بزيارة سائر هذه المواضع المنسوبة لزينب!‬

‫‪588‬‬
‫املبحث األول‪ :‬إثبات وفاة زينب الكربى ‪ ‬ودفنها باملدينة‬

‫الكتاب إلى العربية حذف هذا الكالم‪ ،‬وليته اكتفى بهذا فإنه زاد على ذلك بأن‬
‫ز َّور كالم الجزائري بالكلية‪ ،‬فأضاف إلى النص العربي كالما ليس في األصل‬
‫الفارسي أصال‪ ،‬فمن ذلك قوله‪> :‬لم يطمأن بعد إلى مكان يقطع بأنه محل قبرها‬
‫الشريف‪ ،‬ــ وإن كان المشهور بل المظنون قويا كونه بالشام<(‪ ،)1‬فال وجود لهذا‬
‫الكالم في األصل الفارسي‪ ،‬ومن ذلك قوله‪> :‬هناك اختالف كبير بين المؤرخين‬
‫وأرباب المقاتل في تعيين قبرها<‪ ،‬فهي ترجمة بعيدة عن كالم المؤلف‪ ،‬فالذي‬
‫قاله المؤلف‪> :‬وكذلك بالنسبة لمدفن هذه المحترمة‪ ،‬فيه اختالف فاحش<(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫المترجم لم يذكر اسمه في الطبعة المترجمة!‪ ،‬وقد تبين لي بعد مقارنة‬ ‫وهذا‬
‫ترجمته باألصل الفارسي أن هذه الترجمة غير معتمدة إطالقا‪ ،‬ألن المترجم أباح‬
‫لنفسه التصرف في النص بالحذف والزيادة!! واهلل المستعان‪.‬‬
‫والقول بوفاة زينب ‪ ‬في المدينة هو الذي انتصر له المرجع اإلمامي‬
‫محسن األمين العاملي (‪1371‬هـ)‪ ،‬وقطع به‪ ،‬ور َّد كل األقوال المخالفة لذلك‪،‬‬
‫يقول >يجب أن يكون قبرها في المدينة المنورة‪ ،‬فإنه لم يثبت أنها بعد رجوعها‬
‫للمدينة خرجت منها وإن كان تاريخ وفاتها ومحل قبرها بالبقيع<(‪.)3‬‬
‫وهذا الذي اعتمده جعفر بحر العلوم (‪1377‬هـ)‪ ،‬فبعد أن استبعد دفن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الخصائص الزينبية المترجم إلى العربية (ص ‪.)197‬‬
‫(‪ )2‬الخصائص الزينبية ــ الفارسي ــ (ص ‪ ،)99‬الطبعة الحجرية‪ ،‬ونصه كالمه بالفارسية‪> :‬وكذلك‬
‫در مدفن اين محترمة‪ ،‬نيز اختالف فاحش<‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وال يحتاج أحد أن يتعلم الفارسية ليعلم الفرق بين الكالمين‪ ،‬ويبدو أن المترجم لم يعجبه‬
‫تنصيص المؤلف على االختالف الفاحش في تعيين قبر زينب!!‪.‬‬
‫(‪ )3‬أعيان الشيعة (‪.)140/7‬‬

‫‪589‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ثم‬
‫زينب في الشام‪ ،‬رجح دفنها في المدينة ونقل ترجيح عباس قلي خان لذلك‪ّ ،‬‬
‫ثم عقب عليه قائال‪:‬‬
‫إ ّنه نقل كالما عن النوري في أ ّن زينب مدفونة في الشام‪َّ ،‬‬
‫>ويحتمل أن تكون البقعة لزينب الصغرى بنت أمير المؤمنين المكناة أم‬
‫كلثوم<(‪.)1‬‬
‫وهذا ما ذهب إليه النسابة اإلمامي عبد الرزاق كمونة (‪ 1390‬هـ)‪ ،‬فقد ذكر‬
‫زينب الكبرى ضمن المدفونين في المدينة قائال‪> :‬وماتت بها أم الحسن(‪ )2‬زينب‬
‫الكبرى بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ ،‬قال السيد محسن العاملي إنها‬
‫توفيت بالمدينة‪ ،‬وأمها فاطمة الزهراء ‪.)3(<‬‬
‫وهذا الذي قرره ذبيح اهلل المحالتي (‪1403‬هـ)‪ ،‬فقد أفرد مبحثا للكالم‬
‫عن موضع وفاة زينب الكبرى‪ ،‬وانتقد القول بدفنها في مصر بسبعة وجوه‪ ،‬وانتقد‬
‫القول بدفن زينب الكبرى في الشام‪ ،‬وأجاب عن تعدد المواضع التي تنسب‬
‫لزينب بتعدد المسميات بزينب من بنات علي ‪ ،‬ثم رجح أن زينب الصغرى‬
‫مدفونة في الشام‪ ،‬والكبرى في المدينة(‪.)4‬‬
‫وممن حقق هذه المسألة وبحثها‪ ،‬الشيخ اإلمامي هاشم معروف (‪ 1403‬هـ)‪،‬‬
‫يبق أمامنا سوى‬
‫ثم قال‪> :‬لم َ‬
‫فقد أثبت عدم صحة القول بدفنها في الشام ومصر َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تحفة العالم (‪ 460/1‬ــ ‪.)461‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يبدو أن عبد الرزاق كمونة تابع العمري في المجدي في تكنية زينب بأم الحسن‪ ،‬والصواب أن‬ ‫(‪)2‬‬
‫كنيتها أم جعفر كما مضى تفصيله في الكالم عن كنية زينب ‪.‬‬
‫مشاهد العترة الطاهرة (ص ‪.)210‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫انظر كالمه كامال في رياحين الشريعة ــ فارسي ــ (‪ 34/3‬ــ ‪ ،)37‬وهذا ملخص ما ذكره‪ ،‬ولكنه‬ ‫(‪)4‬‬
‫لم ير بأسا بزيارة سائر المواضع التي تنسب لها‪.‬‬

‫‪590‬‬
‫املبحث األول‪ :‬إثبات وفاة زينب الكربى ‪ ‬ودفنها باملدينة‬

‫بعد رجوعها‬ ‫يرجح قائلوه إ ّنها ُدفنت في مدينة ج ّدها الرسول‬


‫القول الذي ّ‬
‫بأشه ٍر معدودات أو سنوات معدودات‪ .‬وإثبات ذلك ال يحتاج إلى‬ ‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫من السبي‬
‫مزيد من االستدالل والبحث بعد العلم القطعي أ ّنها رجعت إلى المدينة‪،)2(<...‬‬
‫وقال أيضا‪> :‬أقرب األقوال إلى الواقع أ ّنها ُدفنت في المدينة‪ ،‬وفي البقيع‪ ،‬مقبر ُة‬
‫المسلمين األوائل<(‪ ،)3‬هذا ما وقفت عليه من أقوال في هذه المسألة ولم يبق إال‬
‫مناقشة اعتراضات المخالفين‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ اعرتاضات على القول بوفاة زينب الكربى ‪ ‬يف املدينة‬


‫اعترض بعضهم على القول بدفن زينب ‪ ‬في المدينة باعتراضات ضعيفة‪:‬‬

‫* االعتراض األول‪ :‬عدم النص على موضع قبر زينب الكبرى ‪ ‬في المدينة‬
‫أشهر هذه االعتراضات هو قولهم‪ :‬لو كان لزينب قبر في المدينة لكان مكانه‬
‫معلوما!‬
‫وأصل هذا االعتراض من جعفر النقدي‪ ،‬حيث يقول‪> :‬لو صح هذا لبقي‬
‫لعظيمة بيت الوحي أثر خالد ومشهد يزار كما بقي لمن دونها في المرتبة من بني‬
‫هاشم<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقد مضى أن السبي ليس إال أسطورة من أساطير أبي مخنف ومن جاء بعده‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫من وحي الثورة الحسينية (ص ‪.)138‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫من وحي الثورة الحسينية (ص ‪.)141‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)119‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪591‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وتبعه محمد جواد مغنية‪> :‬لو كان قبرها في المدينة لعرف واشتهر<(‪.)1‬‬
‫وقال السابقي‪> :‬لو كان لها قبر بالبقيع‪ ،‬لجاء ذكره صريحا في الكتب‬
‫المؤلفة في مزارات المدينة المنورة قديما وحديثا<(‪.)2‬‬
‫وقال في موضع آخر‪> :‬قبور البقيع ذكرها المؤرخون قديما وحديثا‪ ،‬يذكرها‬
‫ابن النجار في تاريخه‪ ،‬والسمهودي في تاريخه الحافل في باب مخصوص لذكر‬
‫مزارات أهل البيت والصحابة‪ ،‬وال نجد فيها قبر العقيلة زينب ‪ ،‬ال في‬
‫القبور المعمورة‪ ،‬وال المطموسة<(‪ ،)3‬و> لكان لمرقدها ذكر ولو في القرون‬
‫األولى<(‪.)4‬‬
‫وقال أيضا‪> :‬لو كان لدينا خبر يثبت لنا أن العقيلة توفيت بالمدينة‪ ،‬ألراحنا‬
‫األمر بأن المدينة محيطة بجثمانها‪ ،‬فال يعدوها مرقدها‪ ،‬ولكنه بعيد ودون إثباته‬
‫خرط القتاد‪ ،‬والتواريخ ساكتة‪ ،‬والكتب المؤلفة في مزارات المدينة خالية عن‬
‫ذكره<(‪ ،)5‬وتكرر هذا االعتراض عند سائر من تكلم عن هذه القضية(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مع بطلة كربالء (ص ‪.)91‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)33‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)121‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)122‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)123‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫مقالة >مدفن السيدة زينب< لموسى عز الدين‪ ،‬منشورة في مجلة العرفان المجلد (‪ )40‬الجزء‬ ‫(‪)6‬‬
‫(‪ ،)5‬ونقلتها مجلة الموسم في العدد الرابع (ص‪ ،)892‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد‬
‫لمحمد كاظم القزويني (ص ‪ ،)598‬السيدة زينب رائدة الجهاد في اإلسالم لباقر القرشي‬
‫(ص‪ ،)327‬الشمس الساطعة ألحمد شكر (‪ ،)267/2‬المجالس الزينبية لمهدي تاج الدين‬
‫(ص‪ 375‬ــ ‪ ،)376‬السيدة زينب في محنة التاريخ (ص ‪ ،)185‬مزارات أهل البيت لمحمد‬
‫حسين الجاللي (ص ‪.)218‬‬

‫‪592‬‬
‫املبحث األول‪ :‬إثبات وفاة زينب الكربى ‪ ‬ودفنها باملدينة‬

‫والجواب من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬إن هذا اعتراض بعيد بل إن عكسه هو القول السديد‪ ،‬فليس من‬
‫المنطق نفي دفن إنسان في مكان ما لعدم المعرفة بموضع قبره على وجه التحديد‪،‬‬
‫بل هذا قول مغرق في البعد عن الصواب‪ ،‬ألن الزمه هو إنكار وفاة كثير من‬
‫الناس المقطوع بوفاتهم في موضع ما دون العلم بمواضع قبورهم‪ ،‬ولهذا قال‬
‫المرجع اإلمامي محسن األمين بعد أن رجح دفن زينب ‪ ‬في المدينة المنورة‪:‬‬
‫>وكم من أهل البيت أمثالها من ُجهل محل قبره وتاريخ وفاته خصوصا‬
‫النساء<(‪ ،)1‬وكالمه صحيح‪ ،‬فأكثر نساء أهل البيت المقطوع بدفنهن في المدينة‪،‬‬
‫لم تعرف مواضع قبورهن‪ ،‬ونظائر ذلك في مشاهير سادات آل البيت كثيرة‪:‬‬
‫ــ زينب ورقية وأم كلثوم ‪ ،‬وهن أفضل من زينب‬ ‫فبنات النبي‬
‫وأشهر منها ــ ُدف َّن بالبقيع‪ ،‬ولم ُتعرف مواضع قبورهن‪.‬‬
‫ــ وكذا فاطمة ‪ ،‬فالمقطوع به أن قبرها في المدينة على أقوال مختلفة‬
‫في تعيين موضع قبرها(‪.)2‬‬
‫ــ وكذا األمر بالنسبة ألمهات المؤمنين‪ ،‬فالمقطوع به أنهن دف َّن في البقيع‪،‬‬
‫فقد صح عن أم المؤمنين عائشة ‪ ‬أنها قالت لعبد اهلل بن الزبير‪> :‬ادفنِّي‬
‫مع صواحبي بالبقيع<(‪ ،)3‬ومع ذلك ال يعلم مواضع قبر عائشة ‪ ‬وال قبور بقية‬
‫أمهات المؤمنين ‪ ‬بالتحديد‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أعيان الشيعة (‪.)140/7‬‬
‫(‪ )2‬راجع كتاب أين قبر فاطمة؟ للشيخ اإلمامي حسين الراضي فقد ذكر األقوال المختلفة في موضع‬
‫قبر فاطمة ‪ ‬في المدينة (ص ‪ 133‬ــ ‪.)135‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪.)1391‬‬

‫‪593‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وقد بحث الدكتور ألطاف اهلل بن ثناء الرحمن ما روي في مواضع دفن‬
‫ثم قرر أ َّن >ما عدا قبر أم حبيبة وأم سلمة وزينب‬
‫بعض أمهات المؤمنين بتفصيل‪َّ ،‬‬
‫الالتي توفين بالمدينة‪ ،‬فلم أقف على قول من‬ ‫بنت جحش من أزواج النبي‬
‫أقوال المتقدمين(‪ )1‬ما يدل على تعيين قبورهن وتحديدها<(‪.)2‬‬
‫ــ بل إ َّن أغلب مواضع قبور الصحابة وآل البيت ومن سبق من السلف‬
‫الصالح ال ُتعلم على وجه التعيين‪ ،‬فقد ذكر أبو الحسن الهروي (‪ 611‬هـ) عدة‬
‫من القبور المنسوبة إلى الصحابة وآل البيت في البقيع ثم قال‪> :‬وخلق كثير من‬
‫الصحابة والتابعين ‪ ،‬منهم من يعرف قبره ومنهم من ال يعرف قبره‪ ،‬وقد بقي‬
‫ذكره<(‪.)3‬‬
‫المكي (‪ 686‬هـ)‪> :‬واعلم أ ّن‬
‫ّ‬ ‫الدمشقي‬
‫ّ‬ ‫وقال عبد الصمد بن عبد الوهاب‬
‫أكثر الصحابة رضوان اهلل على جميعهم‪ ،‬مدفونون بالبقيع‪ ،‬وكذلك أزواج النبي‬
‫فيه‪ ،‬ما خال خديجة رضوان اهلل عليها‪ ،‬فإنها بالحجون‪ ...‬وليس بالبقيع‬
‫قبر يعرف سوى سبعة قبور<(‪.)4‬‬
‫ٌ‬
‫وقد صرح بهذه الحقيقة عدة من علماء اإلمامية أيضا‪ ،‬فقال محمد باقر‬
‫المجلسي‪> :‬وذكر علماء السير والتواريخ فيما يتعلق بتاريخ المدينة المنورة أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ويقصد بالمتقدمين القرون الثالثة األولى‪ ،‬وقد نقل فيما بعد‪ ،‬أقوال المتأخرين من القرن السابع‬ ‫(‪)1‬‬
‫فما فوق‪ ،‬وأقدمهم ابن جبير (‪ 614‬هـ)‪.‬‬
‫المباحث العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (ص ‪ ،)901‬وهي رسالة دكتوراه قدمت بالجامعة‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلسالمية بالمدينة النبوية‪ ،‬سنة ‪ 1433‬هـ‪.‬‬
‫اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص ‪.)81‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫إتحاف الزائر (ص ‪ ،)90‬وانظر‪ :‬المباحث العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (ص ‪.)903‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪594‬‬
‫املبحث األول‪ :‬إثبات وفاة زينب الكربى ‪ ‬ودفنها باملدينة‬

‫دفنوا في البقيع‪ ،‬وذكر القاضي عياض في المدارك أن‬ ‫أكثر أصحاب النبي‬
‫هناك عشرة آالف‪ ،‬ولكن الغالب منهم مخفي‬ ‫المدفونين من أصحاب النبي‬
‫اآلثار عينا وجهة‪ ،‬وسبب ذلك أن السابقين لم يُعلِّموا القبور بالكتابة والبناء‬
‫مضافا إلى أن تمادي األيام يوجب زوال اآلثار<(‪ ،)1‬وقد استدل بهذا الكالم كل‬
‫من جعفر بحر العلوم(‪ ،)2‬وعبد الرزاق كمونة(‪.)3‬‬
‫فإذا تبين هذا فال تالزم بين عدم النص على عين القبر وعدم وجوده في‬
‫ذلك المكان‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن عدم العلم بأماكن أغلب قبور الصحابة وآل البيت هو أمر طبيعي‪،‬‬
‫فقد ُجهلت مواضع قبور عدة من أخيار السلف من الصحابة واآلل‪ ،‬مع العلم‬
‫باألمصار التي دفنوا فيها‪ ،‬ومر ُّد ذلك لعدة أسباب‪:‬‬
‫منها‪ :‬أن الصحابة وأهل البيت ‪ ‬كانوا ال يبنون على القبور‪ ،‬يقول أبو‬
‫الحسن السمهودي (‪ 911‬هـ) عن قبر فاطمة ‪> :‬وإنما أوجب عدم العلم بعين‬
‫قبر فاطمة ‪ ‬وغيرها من السلف ما كانوا عليه من عدم البناء على القبور‬
‫وتجصيصها<(‪.)4‬‬
‫ومنها‪ :‬أنهم كانوا ال يكتبون على القبور‪ ،‬يقول الذهبي‪> :‬ال نعلم صحابيا‬
‫فعل ذلك‪ ،‬وإنما هو شيء أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم ولم يبلغهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بحار األنوار (‪.)299/48‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تحفة العالم (‪.)30/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مشاهد العترة الطاهرة (ص ‪.)208‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى (‪.)93/3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪595‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫النهي<(‪ ،)1‬وهذا أدى إلى ضياع كثير من قبور الصحابة مع الزمن‪.‬‬


‫ومنها‪ :‬أنهم لم يكونوا يجعلون عالمة خاصة للقبور‪ ،‬بتجصيصها ونحو‬
‫عن ذلك‪ ،‬فعن جابر بن عبد اهلل ‪ ‬قال‪> :‬نهى رسول‬ ‫ذلك‪ ،‬لنهي النبي‬
‫أن يجصص القبر‪ ،‬وأن يقعد عليه‪ ،‬وأن يبنى عليه<(‪.)2‬‬ ‫اهلل‬
‫ولذا تقتصر معرفة القبر على أهل الميت وأقربائه ومن علم بموضع وفاته‬
‫بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الصحب واآلل لم يكونوا يبالغون في تعظيم القبور‪ ،‬يقول أبو الطاهر‬
‫محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (‪ 1415‬هـ)‪> :‬ال شك أن هذه المقبرة المقدسة‬
‫محشوة مملوءة بالجماء الغفير من سادات األمة من المهاجرين واألنصار‪ ،‬غير أن‬
‫اجتناب السلف الصالح من المبالغة في تعظيم القبور وتجصيصها أفضى إلى‬
‫انطماس آثار أكثرهم<(‪.)3‬‬
‫ومنها‪ :‬أ ّن كثرة دفن الناس لموتاهم في البقيع‪ ،‬وتعاقب األزمان مع استمرار‬
‫الدفن في البقيع أدى إلى اندراس القبور األولى واختفائها‪ ،‬وحلت محلها قبور‬
‫جديدة‪ ،‬فاختلطت القبور ببعضها حتى صار يعسر تمييزها‪ ،‬يقول الشيخ الدكتور‬
‫عبد اهلل بن عبد الرحمن الجبرين‪> :‬البقيع هو مقبرة أهل المدينة في العهد النبوي‪،‬‬
‫دفن فيها كثير من الصحابة كعثمان وعائشة وابن مظعون وأبي سلمة وأكثر أمهات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مختصر استدراك الذهبي على الحاكم البن الملقن (‪.)291/1‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم (‪.)970‬‬
‫(‪ )3‬المغانم المطابة في معالم طابة (‪ ،)508/2‬بواسطة المباحث العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية‬
‫(ص ‪.)870‬‬

‫‪596‬‬
‫املبحث األول‪ :‬إثبات وفاة زينب الكربى ‪ ‬ودفنها باملدينة‬

‫‪ ،‬ولكن الصحيح أن قبورهم اندرست واختلطت‬ ‫المؤمنين وبنات النبي‬


‫بغيرها‪ ،‬فليس هناك يقين أن هذا قبر عثمان أو أن هذا قبر زينب أو أم كلثوم‪،‬‬
‫ثم إن أهل المدينة ال‬
‫والذين ي َّدعون معرفة ذلك ال دليل عندهم لبعد العهد‪ّ ،‬‬
‫يزالون يدفنون في هذه المقابر‪ ،‬وإذا امتألت رجعوا يدفنون فيها مرة أخرى‪،‬‬
‫فيمكن أنهم يدفنون في كل مائة سنة حتى تمتلئ هذه المقبرة‪ ،‬ومعنى ذلك أنها‬
‫قد امتألت نحو أربع عشرة مرة أو أكثر<(‪.)1‬‬
‫ومنها‪ :‬طول العهد‪ ،‬وتعاقب األجيال‪ ،‬فإن هذا مدعاة لعدم ضبط أماكن‬
‫القبور وتحديد مواضعها بدقة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬تأثير الطبيعة‪ ،‬فتعاقب السيول والعواصف واألمطار والرياح‬
‫وغيرها‪ ،‬يؤدي إلى تبدل تراب األرض واختفاء القبور مع الزمن‪.‬‬
‫إلى غيرها من األسباب واألمور التي تعد علة الختفاء قبور الصحابة واآلل‬
‫وغيرهم من السلف الصالح(‪.)2‬‬
‫ولذا قال أبو الحسن الهروي (‪ 611‬هـ)‪> :‬قد ذكر بعض أصحاب التواريخ‬
‫ومن الصحابة والتابعين ‪ ،‬قتلوا أو ماتوا ببالد‬ ‫جماعة من آل الرسول‬
‫الشام والعراق وخراسان والمغرب واليمن وجزائر البحر‪ ،‬ولم أر في أكثر هذه‬
‫األماكن ما ذكروه‪ ،‬وال شك أن قبورهم اندرست‪ ،‬وآثارهم طمست‪ ،‬وذهبت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتاوى في المدينة النبوية (ص‪ 82 :‬ــ ‪ ،)،)84‬بواسطة المباحث العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية‬
‫(ص ‪.)870‬‬
‫(‪ )2‬هذا ملخص ما ذكره الدكتور ألطاف الرحمن بن ثناء اهلل في رسالته للدكتوراه‪> :‬المباحث العقدية‬
‫المتعلقة بالمدينة النبوية< (ص‪ 868‬ــ ‪ ،)880‬مع تصرف‪.‬‬

‫‪597‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫آثارها‪ ،‬وبقيت أخبارها<(‪.)1‬‬


‫فإذا تبين هذا‪ ،‬فال مانع وال غرابة في القول بوفاة زينب ‪ ‬في المدينة‬
‫دون عدم ورود نص في ذلك أو عدم معرفة موضع قبرها بالتحديد‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬غاية ما يقال‪ :‬لم يرد نص في وفاة زينب ‪ ‬بالمدينة‪ ،‬وهذا أمر‬
‫غير مدفوع‪ ،‬غير أن القبور التي تنسب لها في غير المدينة تشترك كلها في هذه‬
‫العلة‪ ،‬فإن كانت هذه العلة موجبة لنفي القول بوفاتها في المدينة‪ ،‬سيكون مآل‬
‫المسألة إلى القول بعدم صحة وفاتها في كل المواضع التي تنسب إليها‪ ،‬فإن‬
‫واف َقنَا المعترضون في هذا‪ ،‬نقول‪ :‬إن المخرج من الخالف هو القول بعدم معرفة‬
‫موضع قبرها‪ .‬لكن أصحاب هذا االعتراض لم يلتزموا بهذا‪ ،‬فمع إقرارهم بعدم‬
‫أجروا هذا االعتراض في القول‬‫ورود نص في تعيين موضع وفاة زينب‪ ،‬إال أنهم َ‬
‫بوفاتها في المدينة فقط‪ ،‬وتجاهلوه في بقية المواضع‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬إن جميع‬
‫المواضع التي تنسب إلى زينب تشترك في علة عدم النص‪ ،‬وهنا نرجع إلى‬
‫األصل‪ ،‬وهو أن المقطوع به أن زينب كانت في المدينة‪ ،‬وعلى القول الذي‬
‫اعتمدته ونصرته في هذا البحث فإنها لم تخرج مع أخيها إلى الشام وبقيت مع‬
‫زوجها في المدينة‪ ،‬وأما على قول القائلين بمقالة أبي مخنف فقد رجعت بعد‬
‫مقتل أخيها من الشام إلى المدينة‪ ،‬وعليه فأسلم األقوال وأبعدها عن اإلشكال‬
‫هو القول بوفاتها في المدينة‪ ،‬أما بقية األقوال التي تعيِّن قبرها في الشام أو مصر‬
‫وغيرها من المواضع فهي بحاجة إلى دليل‪ ،‬ألن فيها دعوى زائدة ال يمكن أن‬
‫يصار إليها إال بدليل‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص ‪.)14‬‬

‫‪598‬‬
‫املبحث األول‪ :‬إثبات وفاة زينب الكربى ‪ ‬ودفنها باملدينة‬

‫* االعتراض الثاني‪ :‬عدم ورود زيارة لقبر زينب الكبرى ‪ ‬في المدينة عن‬
‫أهل البيت‬
‫أغرب من االعتراض السابق‪ ،‬قول محمد كاظم القزويني‪> :‬كيف ولماذا‬
‫شخصيات بني هاشم‪ ..‬عند قبرها؟!‬
‫ّ‬ ‫األئمة الطاهرين أو من‬
‫شاهد أحد من ّ‬ ‫لم يُ َ‬
‫وكيف لم يتح ّدث واحد منهم عن زيارة قبرها‪ ،‬أو عن تعيين موضع قبرها في‬
‫المدينة؟!<(‪ ،)1‬وقد تبعه بعضهم على هذا االعتراض أيضا(‪.)2‬‬
‫وقال محمد جواد مغنية‪> :‬لو كان قبرها في المدينة لعرف واشتهر‪ ،‬وكان‬
‫مزارا للمؤمنين<(‪.)3‬‬
‫والجواب من وجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أ ّن هذا استدالل غير موفق‪ ،‬وذلك أ ّن المقطوع به أن بنات النبي‬
‫وال عن أهل البيت ــ سواء‬ ‫ُدف َّن في المدينة‪ ،‬ولم يثبت ال عن النبي‬
‫في مصادر السنة(‪ )4‬أو اإلمامية(‪ )5‬أي نص في تعيين موضع قبورهن أو زيارتهن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)599‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مهدي تاج الدين في المجالس الزينبية (ص ‪.)376‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مع بطلة كربالء (ص ‪.)91‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫راجع رسالة المباحث العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (ص ‪ 882‬ــ ‪.)890‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫راجعت الكتب واألبواب المخصصة للزيارات في المصادر الروائية لإلمامية‪ ،‬كأبواب الزيارات‬ ‫( ‪)5‬‬
‫في كتاب الحج في الكافي للكليني‪ ،‬وكتاب من ال يحضره الفقيه البن بابويه‪ ،‬وكتاب كامل‬
‫الزيارات البن قولويه‪ ،‬وكتاب المزار للمفيد‪ ،‬وكتاب المزار ضمن كتاب تهذيب األحكام‬
‫للطوسي‪ ،‬وكذا كتاب مصباح المتهجد له‪ ،‬ورجعت كذلك إلى مصنفات القرن السادس وما بعده‬
‫إلى القرن الثاني عشر وخاصة كتاب المزار ضمن كتاب بحار األنوار حيث أنه جمع مرويات من‬
‫أو أهل البيت في زيارة بنات النبي ‪.‬‬ ‫سبقه‪ ،‬فلم أقف فيها على أي نص مروي عن النبي‬

‫‪599‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ فهل معنى هذا أنهن لم يدف َّن في المدينة؟‪ ،‬ومن هنا يظهر فساد هذا االعتراض‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إ ّن من قال بهذا االعتراض قد وقع في التناقض‪ ،‬فإن كان هذا‬
‫االعتراض موجبا للقول بنفي وفاة زينب في المدينة‪ ،‬فإنه موجب للقول بنفي‬
‫وفاتها بمصر أو بالشام(‪ ،)1‬إذ لم ينقل عن أحد من أهل البيت أنه زار قبر زينب‬
‫‪ ‬في الشام أو مصر‪ ،‬بل لم ينقل عنهم أي نص في زيارة زينب ‪ ‬كما يأتي‪،‬‬
‫لكن أصحاب هذا االعتراض‪ ،‬لم يُ ْجروه في القول بوفاة زينب في الشام أو مصر‪،‬‬
‫بل هو جار عندهم في القول بوفاتها في المدينة فقط‪ ،‬وهذا تناقض ظاهر‪.‬‬
‫والمقصود أن القول بوفاة زينب في المدينة هو القول األقرب إلى الصواب‬
‫واألسلم من االعتراض مقارنة مع بقية األقوال األخرى‪ ،‬ولو قلنا بعدم العلم‬
‫بموضع وفاة زينب ‪ ‬لعدم النص على ذلك فهذا القول أيضا قول قريب وال‬
‫يرد عليه إشكال وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬يرى محمد كاظم القزويني أن زينب مدفونة في مصر‪ ،‬أما مهدي تاج الدين فيرى أن قبرها بالشام!‬
‫وكالهما أورد هذا االعتراض على القول بوفاة زينب في المدينة‪ ،‬وقديما قيل‪ :‬الطيور على‬
‫أشكالها تقع‪.‬‬

‫‪600‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ل‬
‫اميحب الثاني‬
‫ل‬ ‫ت‬
‫حفثق تطلأن الم شهد امي سؤث لرينب الكبرى ‪ ‬في ال سام‬

‫‪ 1‬ــ تاريخ اختالق مشهد زينب الكبرى ‪ ‬في الشام‬


‫إن هذا المشهد المبني على قبر زينب في بلدة راوية‪ ،‬والتي تشتهر اليوم‬
‫بمنطقة السيدة زينب‪ ،‬لم يحظ بهذه الشهرة إلى زمن قريب ال يتعدى عقودا‪،‬‬
‫حتى أ َّن الكاتب اإلمامي أحمد راسم النفيس قال في مقالة له عن منطقة السيدة‬
‫نشأت من العدم‪ ،‬ولم يكن أحد يسمع بها قبل عقد أو عقدين من‬
‫زينب بالشام‪ْ > :‬‬
‫الزمان<(‪.)1‬‬
‫ومن هنا كان ال بد من البحث في تاريخ نشأة هذا المشهد‪ ،‬ومتى بدأ ينسب‬
‫إلى زينب الكبرى ‪ ،‬خاصة عند اإلمامية‪ ،‬حيث إن أكثر الدراسات التي‬
‫انتصرت لصحة انتساب هذا القبر لزينب‪ ،‬كانت من كتابات اإلمامية‪.‬‬
‫أ ــ تاريخ المشهد المنسوب لزينب الكبرى ‪ ‬في قرية راوية‬
‫إن أول من تحدث عن المشهد الموجود بقرية راوية‪ ،‬هو المؤرخ الدمشقي‬
‫أبو القاسم علي بن الحسن‪ ،‬المشهور بابن عساكر (‪ 571‬هـ)‪ ،‬يقول في كتابه‬
‫مستج ٌّد على قبر أم كلثوم‪ ،‬وأم كلثوم هذه ليست‬
‫َ‬ ‫>تاريخ دمشق<‪> :‬مسجد راوية‪،‬‬
‫التي كانت عند عثمان أل ّن تلك ماتت في حياة النبي‬ ‫بنت رسول اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقالــة الســيدة زينــب المصــرية والســيدة زينــب الســورية‪ ،‬منشــورة بجريــدة القــاهرة بتــاريخ‬
‫‪ 2004/08/13‬م‪.‬‬

‫‪601‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ودفنت بالمدينة‪ ،‬وال هي أم كلثوم بنت علي من فاطمة التي تزوجها عمر بن‬
‫ودفنا‬
‫الخطاب ‪ ،‬ألنها ماتت هي وابنها زيد بن عمر بالمدينة في يوم واحد ُ‬
‫بالبقيع‪ ،‬وإنما هي امرأة من أهل البيت سميت بهذا االسم‪ ،‬وال يحفظ نسبها‪،‬‬
‫ومسجدها مسجد بناه رجل قرقوبي من أهل حلب<(‪.)1‬‬
‫وهذا النص هو أقدم نص ُكتب عن هذا المسجد‪ ،‬فلم أقف على ذكر‬
‫لمسجد أم كلثوم في أي مصدر قبل >تاريخ دمشق<‪ ،‬وكل من ذكر هذا الكالم‬
‫بعد ابن عساكر إنما نقله عنه(‪ ،)2‬فيظهر أن نشأة هذا المشهد كانت في القرن‬
‫السادس‪ ،‬ولم يكن هذا المشهد ينسب في أول أمره إلى أم كلثوم الكبرى ‪،‬‬
‫وال إلى زينب الكبرى ‪ ،‬بل إن المدفونة في هذا المشهد لم تكن امرأة مشهورة‬
‫أصال‪ ،‬بدليل أ ّن نسبها كان غير محفوظ‪ ،‬والظاهر أنها امرأة متأخرة زمانا‪ ،‬وإال‬
‫لسهل حفظ نسبها‪.‬‬
‫لو كانت من المتقدمين ُ‬
‫والمقصود أ َّن هذا النص يدل على أن سكان دمشق وعلماءها في القرن‬
‫السادس‪ ،‬وبالضبط قبل سنة ‪ 559‬هـ ــ وهو تاريخ فراغ ابن عساكر من كتابة‬
‫>تاريخه<(‪ )3‬ــ‪ ،‬لم يكن يُتداول بينهم أن هذا القبر المرأة من الصحابة أصال‪ ،‬غير‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق (‪ 309/2‬ــ ‪.)310‬‬
‫(‪ )2‬وبعضهم صرح بالنقل عن ابن عساكر كياقوت الحموي في معجم البلدان (‪ ،)20/3‬وبعضهم لم‬
‫يصرح‪ ،‬كالهروي في اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص ‪ ،)21‬وابن شداد في األعالق الخطيرة‬
‫ــ بتحقيق الدهان (ص ‪( ،)134‬ص ‪ ،)182‬وابن شاكر الكتبي على ما نقله عنه محمد كرد علي‬
‫في خطط الشام (‪ ،)64/6‬ويوسف بن عبد الهادي في ثمار المقاصد في ذكر المساجد‬
‫(ص ‪ ،)105‬والنعيمي في الدارس في تاريخ المدارس (‪ ،)260/2‬ومحمد كرد علي في غوطة‬
‫دمشق (ص ‪.)178‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪ :‬موارد ابن عساكر في تاريخ دمشق (ص ‪.)78‬‬

‫‪602‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫أن أمر هذا المرقد تطور بعد وقت قصير من ظهوره‪ ،‬فبعد عشرين سنة من كتابة‬
‫ابن عساكر لتاريخه‪ ،‬صار هذا المشهد ينسب إلى أم كلثوم بنت فاطمة ‪ ‬التي‬
‫يُ ّدعى أنها زينب الصغرى‪ ،‬وهذا ما صرح به الرحالة ابن جبير (‪ 614‬هـ) الذي‬
‫دخل إلى دمشق سنة ‪ 580‬هـ(‪ ،)1‬وقال‪> :‬ومن مشاهد أهل البيت ‪ :‬مشهد أم‬
‫علي بن أبي طالب ‪ ،‬ويقال لها زينب الصغرى‪ ،‬وأم كلثوم كنية‬ ‫كلثوم ابنة ّ‬
‫لشبهها بابنته أم كلثوم‪ ،‬واهلل أعلم بذلك<(‪ ،)2‬فمن خالل‬ ‫أوقعها عليها النبي‬
‫كالم ابن جبير‪ ،‬يظهر التطور السريع في تعيين صاحبة هذا القبر‪ ،‬فقد انتقلت‬
‫النسبة من أم كلثوم التي ال يحفظ نسبها إلى القول بأن هذا القبر لزينب الصغرى‬
‫من هو كنى زينب‬ ‫التي تكنى أم كلثوم‪ ،‬ومقتضى قول ابن جبير‪ :‬إ ّن النبي‬
‫عليا لم يتزوج على‬
‫الصغرى بأم كلثوم‪ ،‬هو ْأن تكون زينب هذه ابنة فاطمة‪ ،‬أل ّن ّ‬
‫فاطمة ‪ ‬في حياته ولم يولد له من غيرها إلى أن توفيت‪ ،‬وهذا الكالم يدل على‬
‫لزينب بكنية أم‬ ‫أن من اخترع هذه النسبة الجديدة‪ ،‬وافترى قصة تكنية النبي‬
‫وجهله بعلم النسب‪ ،‬أفراطا من الغباوة‪،‬‬ ‫كلثوم‪ ،‬جمع إلى كذبه على النبي‬
‫قطعا‪ ،‬بل ُولدت بعد وفاة النبي‬ ‫فإ ّن زينب الصغرى لم تولد في حياة النبي‬
‫لها بأم كلثوم لشبهها بأم كلثوم بنت النبي‬ ‫بزمن‪ ،‬وقصة تكنية النبي‬
‫‪ ،‬كذب محض وال أصل له‪ ،‬ولم ينقل في مصدر من مصادر السنة أو‬
‫ثم إ َّن زينب الصغرى لم يثبت أ ّن كنيتها أم كلثوم‪.‬‬‫التاريخ!‪َّ ،‬‬
‫وبعد قرن ونصف(‪ ،)3‬وبالضبط في أوائل القرن الثامن‪ ،‬في سنة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تذكرة باإلخبار عن اتفاقات األسفار‪ ،‬المشهور برحلة ابن جبير (ص ‪.)210‬‬
‫(‪ )2‬تذكرة باإلخبار عن اتفاقات األسفار‪ ،‬المشهور برحلة ابن جبير (ص ‪.)228‬‬
‫(‪ )3‬وينبغي التنبيه هنا على كالم غريب لجعفر مرتضى العاملي‪ ،‬حيث يقول في كتابه مختصر مفيد‬
‫(‪> :)323/1‬نجد في النصوص التاريخية‪ ،‬وغيرها ما يؤيد كون مرقد السيدة زينب الكبرى‪=،‬‬

‫‪603‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫‪ 726‬هـ(‪ ،)1‬نجد الرحالة المشهور أبا عبد الل ابن بطوطة (‪ 779‬هـ) يقول‪> :‬مشهد‬
‫أم كلثوم(‪ )2‬بنت علي بن أبي طالب من فاطمة‪ ،‬ويقال‪ :‬إن اسمها زينب‪ ،‬وك ّناها‬
‫أم كلثوم لشبهها بخالتها أم كلثوم بنت رسول اهلل ‪ ،‬وعليه مسجد‬ ‫النبي‬
‫ويسميه أهل دمشق قبر الست أم كلثوم<(‪.)3‬‬
‫كريم وحوله مساكن‪ ،‬وله أوقاف‪ّ ،‬‬
‫وهنا نلحظ تكرر كالم ابن جبير مع زيادة‪ ،‬وهي التصريح بأن المدفونة في‬
‫راوية هي بنت فاطمة ‪ ،‬ونرى أيضا اختفاء لقب >الصغرى< عند ذكر زينب‪،‬‬
‫فيبدو أن من تولى تصحيح أمر نسبة هذا المشهد في هذا القرن تنبه إلى الغلط‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= هو ذلك الذي في الشام‪ ،‬وهو مشهور من زمن بعيد‪ ،‬ويعرف بقبر الست‪ ،‬كما يالحظ مما ذكره‬
‫ابن عربي في فتوحاته<‪.‬‬
‫وعندما راجعت فتوحات ابن عربي (‪ )198/4‬ــ وهي نفس الطبعة التي أحال عليها العاملي ــ‪،‬‬
‫تبين لي أن جعفر مرتضى العاملي قد لجأ إلى أسلوب اإليهام‪ ،‬فمن يقرأ كالمه يفهم أن ابن عربي‬
‫يصرح بدفن زينب الكبرى في الشام‪ ،‬بينما كالم ابن عربي ليس فيه أي إشارة إلى زينب‪ ،‬وإنما‬
‫ذكر قبر الست‪ ،‬دون أن يسميها!‬
‫(‪ )1‬وهو تاريخ دخول ابن بطوطة إلى دمشق كما صرح بذلك في رحلته (‪.)297/1‬‬
‫(‪ )2‬علق الدكتور عبد الهادي التازي في تحقيقه لرحلة ابن بطوطة هنا تعليقا مش ِكال‪)323/1( ،‬‬
‫الهامش رقم ‪ ،257‬فقال‪> :‬ال ندري لماذا جعل ابن عساكر اسم بريهة عوض زينب<‪.‬‬
‫ولست أدري ما وجه هذا االعتراض وال منشأ هذا الخطأ الذي وقع فيه التازي!‪ ،‬فإن ابن عساكر‬
‫إنما ذكر أم كلثوم عندما تحدث عن مسجد راوية‪ ،‬أما بريهة‪ ،‬فهي امرأة مختلقة لم تلدها أرحام‬
‫النساء‪ ،‬وال عالقة لها ال بزينب وال بقرية راوية‪ ،‬وقد ذكرها ابن عساكر عندما نقل كالم األكفاني‬
‫عن قبور الصحابة بمقبرة الباب الصغير بدمشق التي أراه إياها عبد العزيز الكتاني‪ ،‬فقال‪ :‬وأراني‬
‫أيضا‪> :‬قبر بريهة ابنة الحسن بن علي بن أبي طالب<‪ ،‬قال ابن عساكر‪> :‬وأما قبر بريهة فال أدري‬
‫القول في نسبها يصح ألن أصحاب النسب لم يذكروا في أوالد الحسن بن علي ابنة اسمها بريهة<‪،‬‬
‫تاريخ دمشق (‪ 420/2‬ــ ‪ ،)421‬فلست أدري كيف توهم التازي أن كالم ابن عساكر عن بريهة‬
‫ينصرف إلى زينب الكبرى!‬
‫(‪ )3‬تحفة النظار في غرائب األمصار وعجائب األسفار المشهور برحلة ابن بطوطة (‪.)323/1‬‬

‫‪604‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫الذي وقع فيه من قبله‪ ،‬فأظهر هذه المقالة الجديدة في تعيين صاحبة القبر(‪ ،)1‬ومع‬
‫هذا فإن كالم ابن بطوطة ليس صريحا في انتساب هذا القبر إلى زينب الكبرى‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن نسبة هذا القبر إلى زينب هذه لم تشتهر كثيرا‪ ،‬بدليل أن كثيرا‬
‫من علماء دمشق ومؤرخيها في القرن الثامن والتاسع تتابعوا على استعمال التسمية‬
‫المبهمة لهذا القبر‪ ،‬فكانوا يطلقون عليه >قبر الست<‪ ،‬دون تعيين المراد منها‪،‬‬
‫كما صنع المؤرخ الدمشقي صالح الدين الصفدي (‪ 764‬هـ) حين عين موضع‬
‫وفاة األمير بهادر فقال‪> :‬ودفن بقبر الست ظاهر دمشق<(‪ ،)2‬ونص على موضع‬
‫دفن الشيخ غنائم بن عبد إسماعيل التدمري قائال‪> :‬بقرية راوية بقبر الست من‬
‫غوطة دمشق<(‪ ،)3‬ونص المؤرخ الدمشقي ابن رافع السالمي (‪ 774‬هـ) على أن‬
‫الست من ضواحي‬ ‫عبد الرحيم ابن الشيخ غنائم اآلنف ذكره ُدفن >بِ َق ْبر ِّ‬
‫دمشق<(‪ ،)4‬والمراد به راوية كما بين ذلك المؤرخ الدمشقي ابن قاضي شهبة‬
‫(‪ 885‬هـ) في تاريخه(‪ ،)5‬ثم إن حفيد الشيخ غنائم‪ ،‬واسمه غنائم بن عبد الرحيم‬
‫ابن غنائم تولى خدمة هذا القبر كما ذكر المؤرخ يوسف بن تغري بردي (‪ 874‬هـ)‬
‫فقال مترجما له‪> :‬غنائم بن عبد الرحيم بن غنائم التدمري الدمشقي الشافعي‬
‫خادم قبر الست خارج دمشق<(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وهناك احتمال آخر‪ ،‬أن يكون الغلط من ابن بطوطة أو من النسخ المخطوطة لرحلته‪ ،‬لكن التحقق‬ ‫(‪)1‬‬
‫من حقيقة األمر وواقع الحال متعذّ ر‪ ،‬لعدم تمكني من الوقوف على مخطوطات الرحلة‪.‬‬
‫أعيان العصر (‪ ،)60/2‬وانظر المنهل الصافي (‪.)433/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أعيان العصر (‪.)24/4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الوفيات البن رافع (‪.)333/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تاريخ ابن قاضي شهبة (‪.)336/2‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫المنهل الصافي (‪ ،)161/6‬وانظر الضوء الالمع (‪ ،)161/6‬ومن الملفت لالنتباه أن المؤرخ=‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪605‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ويبدو أن ظهور نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى ابتدأ في القرن الثامن أو‬
‫التاسع‪ ،‬فأول من نُسب له ذلك بحسب ما وقفت عليه هو الفقيه الدمشقي أبو بكر‬
‫الموصلي (‪ 797‬هـ)‪ ،‬إن صح ما نقله أبو البقاء البدري الدمشقي‪ ،‬فقد نسب إليه‬
‫أنه قال في كتابه >فتوح الرحمن<‪> :‬توفيت السيدة زينب الكبرى بنت علي ‪‬‬
‫ودفنت في قرية من ضواحي دمشق‬ ‫بغوطة دمشق عقيب محنة أخيها الحسين‪ُ ،‬‬
‫اسمها راوية<(‪ ،)1‬ولكن هذه النسبة فيها إشكال‪ ،‬فإن عثمان بن محمد ابن‬
‫الحوراني الدمشقي (كان حي ًا سنة ‪ 1117‬هـ) قد نسب هذا القبر إلى زينب التي‬
‫تكنى أم كلثوم‪ ،‬زوجة عمر بن الخطاب ‪ ،!)2(‬ثم نقل عن أبي بكر الموصلي‬
‫أنه كان يزورها ونقل نفس ما نقله البدري(‪ ،)3‬فلست أدري أيهما المصيب(‪.)4‬‬
‫ونقل أبو البقاء البدري القول بوفاة زينب الكبرى في الشام عن إبراهيم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫محمد كرد علي استعمل اسم قبر الست في كتابه غوطة دمشق (ص ‪ )178‬مع أن هذا المكان كان‬ ‫=‬
‫ينسب في زمنه لزينب‪.‬‬
‫نزهة األنام في محاسن الشام (ص ‪.)224‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وسيأتي الكالم في نقد نسبة هذا القبر إلى أم كلثوم الكبرى ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلشارات إلى أماكن الزيارات‪( ،‬ص‪ 133‬ــ ‪ ،)134‬وهو عين ما في الروضة البهية المنسوب لعز‬ ‫(‪)3‬‬
‫الدين الصيادي (ص ‪ ،)96‬وقد قلت فيما مضى إن الروضة البهية كتاب منحول وأنه مأخوذ من‬
‫اإلشارات البن الحوراني‪.‬‬
‫وقد وقفت على نسخة خطية لكتاب فتوح الرحمن وهي محفوظة بمكتبة الدولة في برلين‬ ‫(‪)4‬‬
‫ضمن مجموعة المستشرق ويتزستين برقم ( ‪ ،)We 1560‬وهذا الكتاب أشبه بكتاب خواطر‪،‬‬
‫وفيه أسئلة وأجوبة متفرقة عن مواضيع شتى‪ ،‬وقد تصفحته فلم أقف على ذكر زينب فيه‪،‬‬
‫والذي وجدت فيه أنه ذكر زيارته لبنات شيت [ق‪/31‬أ]‪ ،‬وزيارته لبنت نوح ‪ ،‬وزيارة‬
‫شيت الذي يعده أهل الكتاب في األنبياء‪ ،‬وزيارة نوح ‪[ ‬ق‪/31‬ب]‪ ،‬وزيارته لقبر الشيخ‬
‫عبد اهلل اليوناني في بعلبك [ق‪/32‬أ]‪ ،‬وزيارة حفصة بنت عمر ‪ ‬زوجة النبي‬
‫[ق ‪/36‬ب]‪.‬‬

‫‪606‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫الناجي الحلبي (‪ 900‬هـ)(‪ ،)1‬وهو القول الذي صرح به أبو البقاء البدري‬
‫الدمشقي (‪ 894‬هـ) في كتابه >نزهة األنام في محاسن الشام<(‪ ،)2‬فيبدو أن منشأ‬
‫نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى بدأت في القرن الثامن‪ ،‬مع العلم أن البدري‬
‫صرح أيضا بأن زينب بنت علي مدفونة في مقبرة الباب الصغير(‪ ،)3‬غير أنه ميز‬
‫دفينة راوية بأنها الكبرى‪ ،‬أما دفينة الباب الصغير فلم يبين من المراد بها‪.‬‬
‫وقد نُسب القول بدفن زينب الكبرى في راوية إلى أبي عبد الل محمد بن‬
‫علي الدمشقي الشهير بابن طولون (‪ 953‬هـ)‪ ،‬إن صح ما نقله عنه محمود‬
‫العدوي‪ ،‬فإنه بعد أن قرر أن زينب الكبرى مدفونة براوية قال‪> :‬ذكرها ابن طولون‬
‫في مصنف له فيها‪ ،‬وذكر لها مناقب وكرامات‪ ،‬ومشهدها المشهور الحاوي من‬
‫الجاللة واإلكرام ما هو الئق بمنصب بنت الكرام ‪ ،)4(<‬وإني متوقف في هذا‬
‫النقل‪ ،‬ألني لم أجد ابن طولون يصرح بذلك في كتابه >ضرب الحوطة على‬
‫جميع الغوطة<‪ ،‬فقد نسب هذا القبر إلى زينب بنت علي ‪ ‬دون أن يصرح بأنها‬
‫الكبرى‪ ،‬بل حكى ذلك بصيغة التمريض‪ ،‬فقال‪> :‬قبر الست‪ ،‬وهي قرية قبلي‬
‫أفردت لها تعليقا<(‪ ،)5‬كما‬
‫ُ‬ ‫دمشق‪ ،‬يقال إن زينب بنت علي مدفونة فيها‪ ...‬وقد‬
‫أنه نقل في رسالته >اللمعات البرقية< كالم ابن شداد في األعالق الخطيرة والذي‬
‫جاء فيه‪> :‬راوية بها قبر أم كلثوم‪ ،‬وقبر مدرك من الصحابة<(‪ ،)6‬ولم يعقب عليه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نزهة األنام في محاسن الشام (ص ‪.)224‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نزهة األنام في محاسن الشام (ص ‪.)224‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نزهة األنام في محاسن الشام (ص ‪.)221‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كتاب الزيارات بدمشق (ص ‪.)22‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ضرب الحوطة على جميع الغوطة البن طولون‪ ،‬نشرت في مجلة المجمع العربي في دمشق‪،‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫المجلد ‪ ،21‬شباط ‪ 1946‬م‪( ،‬ص ‪.)159‬‬
‫اللمعات البرقية في النكت التاريخية طبعة مكتبة القدسي والبدير ضمن مجموعة رسائل تاريخية=‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪607‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫بشيء‪ ،‬مع أن مقتضى كالم ابن شداد أن اسم المدفونة براوية هو أم كلثوم وليس‬
‫زينب‪ ،‬وهذا مخالف لما نسبه إليه العدوي‪.‬‬
‫وأما رسالة ابن طولون التي أل َّفها عن زينب‪ ،‬فقد مضى أن اسمها‪:‬‬
‫كف النساء عن قبر الست<‪ ،‬ولم أعثر عليها مع بذل الجهد‬
‫>التوجهات الست إلى ِّ‬
‫الواسع في البحث‪ ،‬فاهلل أعلم بحقيقة الحال‪.‬‬
‫ثم في القرن الحادي عشر‪ ،‬نجد القاضي محمود العدوي الصالحي المعروف‬
‫بالزوكاري (‪ 1032‬هـ)‪ ،‬يتابع البدري على دفن زينب في قرية راوية ونقل كالم‬
‫أبي بكر الموصلي(‪ ،)1‬والظاهر أن العدوي استفاد ذلك من كالم أبي البقاء‬
‫البدري‪ ،‬للتشابه الكبير بين ما ذكره‪ ،‬وبين المسطور في كتاب البدري‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1074‬هـ‪ ،‬زار الرحالة عبد الل بن محمد العياشي (‪ 1090‬هـ)‬
‫القبر الذي ينسب لزينب بدمشق‪ ،‬وصرح بأنه ضريح زينب الكبرى بنت علي بن‬
‫أبي طالب ‪.)2(‬‬
‫وقد تابع ياسين بن مصطفى الدمشقي (‪ 1095‬هـ)(‪ )3‬أبا البقاء البدري(‪،)4‬‬
‫فصرح في كتابه >النبذة اللطيفة في المزارات الشريفة< بدفن كل من زينب الكبرى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(ص ‪ ،)34‬اللمعات البرقية طبعة دار ابن حزم (ص ‪.)67‬‬ ‫=‬
‫كتاب الزيارات بدمشق (ص ‪ 21‬ــ ‪.)22‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الرحلة العياشية (‪ ،)447/2‬ولكنه لم يحدد موضعه‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر ترجمته في خالصة األثر في أعيان القرن الحادي عشر (‪ ،)493/4‬واألعالم للزركلي‬ ‫(‪)3‬‬
‫(‪.)130/8‬‬
‫ذكر ياسين الفرضي في أول كتابه النبذة اللطيفة في المزارات الشريفة [ق ‪/1‬ب] أنه اعتمد في كتابه‬ ‫(‪)4‬‬
‫على كتب الزيارات الشامية‪ ،‬ومنها الفضائل للبصروي والمحاسن للبدري والزيارات للعدوي‪.‬‬

‫‪608‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫وزينب الصغرى في دمشق(‪ ،)1‬فقرر أن الصغرى مدفونة بمقبرة الباب الصغير(‪،)2‬‬


‫وأن الكبرى مدفونة براوية(‪.)3‬‬
‫وفي القرن الثاني عشر نجد عدة نصوص غالبها عن علماء دمشق عن قبر‬
‫راوية‪ ،‬فقد أنشد الفقيه الدمشقي علي بن إبراهيم الدمشقي المعروف بالعمادي‬
‫(‪ 1117‬هـ) في مدح المدفونة بقبر راوية قائال‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الر ُسـ ـ ِل َمل َْجـ ـأِ ا ْل َم ْكـ ـ ُر ِ‬
‫وب‬ ‫َو َتشــــــف َّْع ُت ب ِْاب َنــــــةِ ْاب َنــــــةِ َطــــــ َه ‪َ J‬سـ ـيِّ ِد ُ‬
‫ومعنى كالمه أنه يعتقد أن المدفونة في القبر هي ابنة فاطمة ‪.‬‬
‫غير أن ذلك ال يعني أن القطع بكون زينب الكبرى هي المدفونة في هذا‬
‫القبر قد اشتهر واستقر في هذا القرن‪ ،‬وذلك أن اثنين من كبار علماء دمشق في‬
‫هذا العصر ترددا في أمر هذا القبر‪:‬‬
‫األول هو عبد الغني النابلسي (‪ 1143‬هـ) الذي تكلم في أكثر من موضع‬
‫من كتبه عن هذ القبر‪ ،‬فقد صنف رسالة سماها >ثواب المدرك في زيارة الست‬
‫زينب والشيخ مدرك< صرح فيها بدفن زينب الكبرى في قرية راوية غير أنه ذهب‬
‫إلى أنها أم كلثوم الكبرى التي تزوجها عمر بن الخطاب ‪ ،‬فقال‪> :‬على ما‬
‫يقال‪ :‬إن السيدة المذكورة مدفونة في تلك القرية‪ ،‬واهلل أعلم بذلك على وجه‬
‫اليقين القاطع للمرية‪ ،‬وبدأنا بزيارتها بمقتضى الظاهر المشهور<‪ ،‬ثم أنشد في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مخطوط النبذة اللطيفة في المزارات الشريفة [ق ‪/13‬أ]‪ ،‬المحفوظ في المكتبة الظاهرية برقم‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪ ،)11386‬وحصلت على مصورته بواسطة مكتبة جابر األحمد المركزية‪.‬‬
‫مخطوط النبذة اللطيفة في المزارات الشريفة [ق ‪/8‬ب]‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مخطوط النبذة اللطيفة في المزارات الشريفة [ق ‪/17‬ب]‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر (‪.)201/3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪609‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫مدح زينب قائال‪:‬‬


‫اب‬ ‫بَ ْحـ ـرِ َع ِلـ ـ ٍّي ب َِهـ ـا الـ ـ ُّد َع ُ‬
‫اء يُ ْسـ ـ َت َج ُ‬ ‫‪J‬‬ ‫يمــــ ـ ُة ِمــــ ـ ْن‬‫الي ِت َ‬
‫َز ْي َنــــ ـ ُب الــــ ـ ُّد َّر ُة َ‬
‫ُع َمـــ ُر ْابـــ ُن َّالـــ ِذي َهـــ َو ال َخ َّطـــ ُ‬
‫اب‬ ‫‪J‬‬ ‫َز ْو ُج ثَ ـانِي َّ‬
‫الش ـ ْي َخ ْي ِن َم ـ ْن قَ ـ ْد َت َس ـ َّمى‬

‫ثم قال‪> :‬فحمدنا اهلل تعالى الذي أتحفنا أوال بزيارة سيدة التابعين زينب‬
‫الهاشمية التي هي ابنة سيد المرسلين<(‪.)1‬‬
‫فهو ينسب هذا القبر إلى زينب بناء على المشهور دون أن يقطع بصحة‬
‫ذلك‪ ،‬لكنه صرح بأن زينب هذه من التابعيات‪ ،‬وأنها ابنة فاطمة ‪ ‬وزوجة عمر‬
‫بن الخطاب ‪ ،‬ومعلوم أن هذا خطأ بين‪ ،‬وقد تعقب العجلوني في رسالته‬
‫>عرف الزرنب< قول شيخه النابلسي بأن زينب تابعية وأنها زوجة عمر ‪.‬‬
‫ثم إن النابلسي لما رحل رحلته الثالثة إلى القدس‪ ،‬زار قبر راوية ونسبه إلى‬
‫زينب دون أن يبين المقصود بها‪ ،‬فقال في رحلته المسماة >الحضرة األنسية في‬
‫الرحلة القدسية<‪> :‬قرأنا الفاتحة للسيدة زينب والشيخ مدرك‪ ،)2(<...‬وهذه‬
‫الرحلة كانت في سنة ‪ 1101‬هـ‪.‬‬
‫ثم إن النابلسي لما رحل إلى مصر في رحلته الرابعة‪ ،‬ووقف على قبر آخر‬
‫منسوب لزينب الكبرى في قناطر السباع‪ ،‬بسط الكالم عن موضع دفن زينب‬
‫الكبرى في رحلته المسماة >الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بالد الشام ومصر‬
‫والحجاز<‪ ،‬فاحتمل أن تكون زينب مدفونة في الشام دون أن يجزم بصحة ذلك‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نقل ذلك عنه تلميذه العجلوني‪ ،‬كما في مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/69‬ب]‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحضرة األنسية في الرحلة القدسية (ص ‪.)42‬‬

‫‪610‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫واحتمل أيضا أن تكون مدفونة بالمدينة(‪.)1‬‬


‫ثم إنه في موضع رابع مال إلى عدم دفن زينب الكبرى في قرية الست‪،‬‬
‫واحتمل بأن المدفونة في تلك القرية هي >امرأة غيرها مسماة بزينب أيضا وملقبة‬
‫بالست<(‪ ،)2‬ولعل األقرب أن هذا آخر أقواله في تعيين دفينة قرية الست ألن‬
‫تلميذه العجلوني ختم بهذا النص رسالته >عرف الزرنب< التي سيأتي الكالم‬
‫عنها‪.‬‬
‫الثاني هو الفقيه الدمشقي إسماعيل العجلوني (‪ 1162‬هـ) تلميذ عبد الغني‬
‫النابلسي‪ ،‬ففي رسالته >عرف الزرنب والزينب بترجمة سيدي مدرك والسيدة‬
‫زينب< يعزو القول بدفن زينب الكبرى في قرية راوية إلى الشهرة قائال‪> :‬اشتهر‬
‫ورضي‬ ‫أن السيدة زينب بنت اإلمام علي من فاطمة الزهراء بنت رسول اهلل‬
‫اهلل عنهم أجمعين مدفونة في قرية من أرض غوطة دمشق الشام تسمى اآلن بالست‬
‫لدفن السيدة المذكورة فيها على ما اشتهر بين األنام<(‪ ،)3‬لكنه حين بلغ الكالم‬
‫عن نسبة هذا القبر إلى زينب صرح بعدم وجود أصل له فقال‪> :‬وأما كون المدفونة‬
‫في قرية راوية وهي المعروفة اآلن بقبر الست وبالست‪ ،‬هي زينب الكبرى بنت‬
‫فاطمة من علي ‪ ‬لم أر له مستندا تنشرح له الصدور<(‪ ،)4‬ويبدو أنه صرح بأن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الحقيقة والمجاز في الرحلة في رحلة بالد الشام والحجاز (ص ‪.)215‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مناجاة الحكيم ومناغاة القديم مطبوع ضمن كتاب رسائل صوفية عرفانية لعبد الغني النابلسي‬ ‫(‪)2‬‬
‫(ص ‪ ،)48‬وعزا العجلوني هذا النص إلى كتاب التجليات للنابلسي‪ ،‬انظر رسالته عرف الزرنب‬
‫[ق ‪/75‬ب]‪ ،‬ولعل التجليات عنوان ثان لكتاب مناجاة الحكيم‪ ،‬ونقل هذا النص كمال الدين‬
‫الغزي في الورد األنسي في ترجمة النابلسي (ص ‪ 407‬ــ ‪.)408‬‬
‫مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/69‬أ]‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/71‬أ]‪ ،‬وقد وقع كشط ألصل الكالم في هذا الموضع واستبدل بعبارة=‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪611‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫القول إنما صدر >ممن ليس من أهل الحديث وال ممن يعول عليه في النقل‬
‫واإلشارة<(‪ ،)1‬وذكر احتمالين آخرين‪:‬‬
‫االحتمال األول‪ :‬أن تكون المدفونة في القبر هي >زينب الصغرى‪ ،‬وهي‬
‫أيضا بنت علي بن أبي طالب لكن من غير فاطمة بنت رسول اهلل <(‪.)2‬‬
‫االحتمال الثاني‪> :‬أنها امرأة غيرهما من أهل البيت‪ ،‬فقد قيل إن امرأة من أهل‬
‫البيت وقعت عن راحلتها حين مروا بالسبي براوية‪ ،‬فاندقت عنقها ودفنت فيها<(‪.)3‬‬
‫ثم إنه أورد كالم ابن الحوراني فقال‪> :‬وذكر البصروي المشهور بابن‬
‫الحوراني(‪ )4‬أن المدفونة في راوية هي زينب الكبرى(‪ )5‬وهو مبني على المشهور‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫>لم أر له مستند ًا تنشرح له الصدور<‪ ،‬وضرب على الكالم الذي بعده كما سيأتي فيبدو أن الكالم‬ ‫=‬
‫المكتوب في األصل غير هذا‪ ،‬ولست أدري من عمل ذلك‪ ،‬ألن المخطوط بخط العجلوني نفسه‬
‫كما ورد في أول المجموع [ق ‪/1‬أ]‪ ،‬وتحققت من ذلك بمقارنة خط هذه الرسالة بخط العجلوني‬
‫في مخطوطات أخرى‪ ،‬فيحتمل أن العجلوني هو من فعل ذلك‪ ،‬ويحتمل أن يكون ذلك من عمل‬
‫غيره والل أعلم‪.‬‬
‫مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/71‬أ]‪ ،‬وهذا النص ضرب عليه بخط في األصل المخطوط‪ ،‬ولذا لم‬ ‫(‪)1‬‬
‫أجزم بنسبته إلى العجلوني‪ ،‬فإما أنه كتب ذلك ثم عدل عنه وضرب عليه ألن هذه الرسالة كانت‬
‫مسودة‪ ،‬وإما أن ذلك من عمل غيره‪ ،‬وإن كانت الثانية فسامح اهلل من فعل ذلك‪.‬‬
‫مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/71‬أ]‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/71‬أ]‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫هذا وهم‪ ،‬فالبصروي غير ابن الحوراني‪ ،‬إذ أن اسم البصروي هو أحمد بن محمد ابن اإلمام وهو‬ ‫(‪)4‬‬
‫منسوب إلى ُبصرى الشام وهو صاحب تحفة األنام في فضائل الشام‪ ،‬أما ابن الحوراني فهو عثمان‬
‫ابن محمد السويدي الحوراني المعروف بابن الحوراني نسبة إلى حوران‪ ،‬وهو مؤلف كتاب‬
‫اإلشارات إلى أماكن الزيارات‪ ،‬والنص المذكور في اإلشارات البن الحوراني (ص ‪.)133‬‬
‫هذا وهم فابن الحوراني لم يقل إنها زينب الكبرى‪ ،‬بل قرر أن زينب هذه هي أم كلثوم زوجة عمر‬ ‫( ‪)5‬‬
‫ابن الخطاب كما سيأتي‪.‬‬

‫‪612‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫بين الناس وقد يشير إليه ما تقدم من كالمهم‪.)1(<...‬‬


‫ثم إن الذي يظهر أن العجلوني حينما أل َّف هذه الرسالة لم يكن قد وقف‬
‫على كالم شيخه النابلسي في نفي كون المدفونة في راوية هي زينب الكبرى‪ ،‬ثم‬
‫لما وقف عليه استدركه في آخر الرسالة فقال‪> :‬ثم رأيت شيخنا العارف عبد الغني‬
‫بت ليلة في قرية راوية‬
‫قال في رسالة له أخرى تسمى التجليات قال فيها ما نصه‪ُّ :‬‬
‫من قرى دمشق الشام التي يسمونها قبر الست‪ ...‬ثم انتظرت أن أرى السيدة زينب‬
‫‪ ‬وطلبت أن أجتمع بها‪ ،‬فلم أجدها في القرية المذكورة أصال‪ ،‬وال في تراب‬
‫تلك القرية شيء من روحانيتها أصال‪ ،‬ولعل هناك امرأة غيرها مسماة بزينب أيضا‬
‫وملقبة بالست‪ ،‬واهلل أعلم‪ .‬انتهى فليتأمل<(‪.)2‬‬
‫والمتحصل أن العجلوني حين تحريره لهذه الرسالة تردد في نسبة هذا القبر‬
‫إلى زينب الكبرى‪ ،‬فهو تارة يصرح بعدم وجود أي مستند لهذا القول‪ ،‬لكنه بعد‬
‫ذلك يذكر أن القول بدفن زينب الكبرى في راوية هو القول المشهور ويحاول‬
‫االستئناس بكالم بعض من تأخر مثل الكالم المنسوب ألبي بكر الموصلي(‪،)3‬‬
‫وإذا حاولنا التوفيق بين أقواله فلعل األقرب أن نقول إن العجلوني كان في أول‬
‫أمره ال يعتقد بثبوت كون دفينة قرية الست هي راوية‪ ،‬لكنه جرى على المشهور‬
‫بنسبة هذا القبر إليها‪ ،‬ولذلك نجده حين يذكر أبياتا في زيارة زينب يقول‪> :‬جرينا‬
‫على المشهور كشيخنا المذكور<‪ ،‬والمقصود بشيخه عبد الغني النابلسي‪ ،‬وعلى‬
‫هذا يُحمل قول العجلوني في كتاب آخر له إن >زينب بنت علي من فاطمة أيضا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/71‬أ]‪.‬‬
‫(‪ )2‬مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/75‬ب]‪.‬‬
‫(‪ )3‬مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/72‬أ]‪.‬‬

‫‪613‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫المدفونة بقرب سيدي مدرك في قرية تسمى اآلن بالست<(‪ ،)1‬فقد جرى فيه على‬
‫المشهور كما مضى في رسالته‪.‬‬
‫لكن العجلوني لما وقف على كالم شيخه النابلسي الذي يميل فيه إلى عدم‬
‫دفن زينب الكبرى في قرية الست براوية‪ ،‬استقر أمره على عدم ثبوت دفن زينب‬
‫في هذا الموضع‪.‬‬
‫ثم إن الفقيه الدمشقي عبد الل بن عمر األفيوني (‪ 1154‬هـ) أل َّف رسالة‬
‫سماها >المنحة واإلعزاز لزيارة السيدة زينب وسيدي مدرك والشيخ عمر الخباز<‬
‫وهذه الرسالة لم أقف عليها لكن الظاهر أن مؤلفها سلك مسلك النابلسي في‬
‫رسالته >ثواب المدرك لزيارة الست زينب والشيخ مدرك<‪ ،‬للتشابه الظاهر بينهما‬
‫في العنوان‪ ،‬إضافة إلى اشتراك األفيوني والنابلسي في ذكر عمر الخباز‪.‬‬
‫والمالحظ أن البحث والتحقيق في تعيين المدفونة في قرية راوية إنما ظهر‬
‫في القرن الثاني عشر بعد أن بدأ يشتهر انتساب هذا الموضع إلى السيدة الكبرى‪،‬‬
‫ومع أن النابلسي وتلميذه العجلوني قد آل آخر أمرهما إلى إنكار نسبة هذا القبر‬
‫إلى زينب الكبرى غير أن كالمهما لم يكتب له االشتهار بين المصنفين في هذا‬
‫الباب‪.‬‬
‫وقد بدأ االهتمام بتعمير هذا القبر وبنائه في هذا القرن‪ ،‬فقد ذكر المؤرخ‬
‫عمر مزار‬
‫الدمشقي أحمد البديري في حوادث سنة ‪ 1165‬هـ‪ ،‬أن أسعد باشا قد َّ‬
‫السيدة زينب في هذه السنة(‪ ،)2‬غير أنه لم يبين المقصود بها‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الفيض الجاري على صحيح البخاري (‪.)861/6‬‬
‫(‪ )2‬حوادث دمشق اليومية (ص ‪ ،)42‬وانظر مشاهد ومزارات أهل البيت في الشام (ص ‪.)45‬‬

‫‪614‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫وبالرغم من ذلك نجد أن نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى ستظل محل‬
‫شك‪ ،‬فقد صنف الفقيه الدمشقي محمد بن الحسن الشطي (‪ 1307‬هـ) كتابه‬
‫>جامعة الفنون في أفضلية قاسيون< سنة ‪ 1275‬هـ في أواخر القرن الثالث عشر‪،‬‬
‫وقال عند ذكر راوية‪> :‬قرية راوية المعروفة اآلن بقبر الست‪ ،‬نُسبت إلى السيدة‬
‫الجليلة زينب أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ‪ ،‬ذكرها ابن السبكي(‪ )1‬تبعا‬
‫لسيدي العارف أبي بكر الموصلي‪ ،‬وأنكر سيدي الشيخ عبد الغني النابلسي أنها‬
‫هي تبعا لشيخ اإلسالم ابن تيمية واهلل أعلم<(‪ ،)2‬وما نسبه إلى النابلسي من إنكاره‬
‫دفن زينب في راوية متابعة البن تيمية غير صحيح وهو وهم‪ ،‬فسيأتي أن هذا القبر‬
‫لم يكن ينسب إلى زينب في زمن ابن تيمية ‪ ‬وإال لكان َّنبه عليه مع جملة‬
‫القبور المكذوبة التي َّبين حالها‪.‬‬
‫وفي نهاية القرن الثالث عشر‪ ،‬يذكر نعمان قساطلي (‪ 1338‬هـ) في كتابه‬
‫>الروضة الغ ّناء في دمشق الفيحاء< الذي أل َّفه سنة ‪ 1296‬هـ(‪ ،)3‬أن من الصحابة‬
‫المدفونين في قرى دمشق >السيدة زينب أم كلثوم بنت اإلمام علي‪ ،‬ماتت في‬
‫الشام ودفنت في قرية راوية وهي قبر الست<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كذا ولم أعرف المراد منه‪ ،‬فإن الشطي ذكر في مقدمة كتابه أنه سيعتمد على الفضائل للبصروي‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫والمحاسن للبدري والميمية للشيخ إبراهيم الحلبي والخريدة البن الوردي والمزارات الشريفة‬
‫للشيخ ياسين الفرضي والرحلة الحجازية للشيخ عبد الغني النابلسي وتاريخ ابن عساكر وتاريخ‬
‫الخميس‪ ،‬وغيرها‪ ،‬فلم أتبين مراده‪ ،‬إال أن يكون هذا تصحيفا‪ ،‬وذلك أن كالم أبي بكر الموصلي‬
‫قد نقله البدري والفرضي‪ ،‬فيحتمل أن ابن السبكي تصحيف ابن الفرضي واهلل أعلم‪.‬‬
‫مخطوط جامعة الفنون في أفضلية جبل قاسيون‪[ ،‬ص ‪ ،]63‬محفوظ بمكتبة جامعة هارفرد برقم‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪.)arab 341‬‬
‫انظر الروضة الغ ّناء (ص ‪.)161‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الروضة الغنّاء في دمشق الفيحاء (ص ‪ ،)132‬وانظر مشاهد ومزارات أهل البيت في الشام (ص‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪.)44‬‬

‫‪615‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وهناك من مال إلى أن تكون دفينة الشام هي بنت علي من غير فاطمة ‪،‬‬
‫وهذا ما ذهب إليه عثمان مدوخ (‪ 1317‬هـ)‪ ،‬فقد احتمل أن تكون دفينة الشام‬
‫هي زينب الوسطى أو الصغرى(‪ ،)1‬وهذا أيضا ال عبرة به ولعل منشأه َو ْه ُم الذين‬
‫سبقوه‪.‬‬
‫* تنبيه على عدم صحة نسبة قبر راوية إلى أم كلثوم الكبرى ‪‬‬
‫ومما ينبغي اإلشارة إليه أن بعضهم قد خلط في أمر المدفونة في قرية راوية‪،‬‬
‫واشتبه عليه زينب الكبرى ‪ ‬بأم كلثوم الكبرى ‪:‬‬
‫ّأولهم فيما وقفت عليه هو ابن الحوراني (كان حي ًا سنة ‪ 1117‬هـ)‪ ،‬فقد‬
‫قال في كتابه >اإلشارات إلى أماكن الزيارات<‪> :‬قرية يقال لها راوية‪ ،‬بها‬
‫مشهد(‪ )2‬السيدة زينب أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب‪ ،‬أمها فاطمة بنت رسول‬
‫اهلل‪ ،‬تزوجها عمر بن الخطاب‪ ...،‬ودفنت بهذه القرية ثم سميت القرية باسمها‬
‫وهي اآلن معروفة بقبر الست<(‪.)3‬‬
‫وكان عبد الغني النابلسي يرى أن زينب المدفونة في راوية هي زوجة عمر‬
‫ابن الخطاب‪ ،‬وقد مضى نقل كالمه‪.‬‬
‫ابن الحوراني‪ ،‬فقال‬
‫وتابع أبو النجاح أحمد بن علي المنيني (‪ 1172‬هـ) َ‬
‫في كتابه >اإلعالم في فضائل الشام< في الباب الثامن في ذكر من دفن بدمشق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬العدل الشاهد في تحقيق المشاهد (ص ‪.)68‬‬
‫(‪ )2‬في المخطوط‪ :‬مطلب‬
‫(‪ )3‬اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص ‪ 133‬ــ ‪ ،)134‬وهو عين ما في كتاب الروضة البهية المنسوب‬
‫لمحمد عز الدين الصيادي (ص ‪.)96‬‬

‫‪616‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫الشام ونواحيها من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم‪> :‬السيدة زينب أم كلثوم بنت‬
‫اإلمام علي بن أبي طالب وأمها فاطمة الزهراء ‪ ،‬قال في اإلشارات‪ :‬تزوجها‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ،<...‬ونقل بقية كالم ابن الحوراني(‪.)1‬‬
‫وممن ذهب إلى ذلك الفقيه الدمشقي عبد الرحمن بن إبراهيم الشهير بابن‬
‫عبد الرزاق الحنفي (‪ 1138‬هـ)‪ ،‬إذ أنه اعتمد كثيرا في تصنيف كتابه >حدائق‬
‫اإلنعام< على ما ذكره ابن الحوراني في كتابه >اإلشارات إلى أماكن الزيارت<‪،‬‬
‫فقد ذكر عين ما قاله ابن الحوراني ثم قال‪> :‬وقبرها معروف له االشتهار<(‪.)2‬‬
‫ومن الغريب استمرار هذا القول البي ِن غلطُه إلى القرن الرابع عشر الهجري‪،‬‬
‫فقد قال المؤرخ الدمشقي عبد الرزاق البيطار (‪ 1335‬هـ) عن قرية راوية‪ُ > :‬دفن‬
‫في هذه القرية السيدة زينب أم كلثوم بنت اإلمام علي بن أبي طالب‪ ،‬أمها فاطمة‬
‫تزوجها عمر ‪.)3(<‬‬ ‫الزهراء بنت رسول اهلل‬
‫كما أن حسن قاسم صاحب كتاب >أخبار الزينبات<‪ ،‬قد انتصر لهذه النسبة‬
‫الخاطئة‪ ،‬ولكنه سمى دفينة راوية زينب الوسطى(‪ ،)4‬وال ريب في أن هذا أيضا‬
‫غلط‪ ،‬وال ينقضي عجبي من تكرر هذا الغلط في أكثر من كتاب‪ ،‬ووجه العجب أن‬
‫ابن عساكر قد أنكر هذه النسبة في القرن السادس ونفى أن تكون دفينة راوية هي أم‬
‫كلثوم الكبرى كما مضى‪ ،‬ومع ذلك لم يتنبه هؤالء إلى أمر هذه النسبة المفتعلة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مخطوط اإلعالم في فضائل الشام‪[ ،‬ق‪/2‬أ]‪ ،‬نسخة المكتبة الظاهرية برقم (‪.)4477‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫حدائق اإلنعام في فضائل الشام (ص ‪.)190‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر (ص ‪.)1283‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)25‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪617‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫بل إنني وقفت على كالم للمؤرخ الدمشقي الحسن بن محمد البوريني‬
‫(‪ 1024‬هـ) يقرر فيه أن زينب المدفونة في قرية راوية التي تسمى >قرية قبر‬
‫علي عليهم رضوان اهلل تعالى<(‪،)1‬‬
‫الست< هي >السيدة زينب بنت الحسين بن ّ‬
‫وال شك أن هذا خطأ أيضا فليس من بنات الحسين من تسمى زينب‪.‬‬
‫غير أن ما يمكن استنتاجه من هذه األوهام الواقعة في تحديد دفينة راوية‪،‬‬
‫هو أن القول بأنها زينب الكبرى هي المدفونة في قرية راوية في دمشق قول لم يرتق‬
‫إلى مبلغ الشهرة‪ ،‬وإال لو كان أمر انتساب هذا القبر إلى زينب مشهورا ومقطوعا‬
‫به‪ ،‬فال يتصور أن يقع الخطأ في تعيين المراد بزينب المدفونة في هذا الموضع‬
‫والخلط بينها وبين أم كلثوم الكبرى‪ ،‬أو نسبتها إلى الحسين بن علي ‪.‬‬
‫ب ــ ظهور القول بوفاة زينب الكبرى ‪ ‬في الشام عند اإلمامية في القرن‬
‫الثالث عشر للهجرة!‬
‫إن أكثر اإلمامية اليوم يميلون إلى االنتصار لقول من قال إن زينب الكبرى‬
‫مدفونة في الشام في قرية راوية‪ ،‬يقول المرجع المعاصر صادق الشيرازي عن قبر‬
‫زينب‪> :‬المشهور والذي استقر عليه رأي المحققين من الفقهاء والعلماء أنه هو‬
‫الموجود في دمشق الشام<(‪.)2‬‬
‫ولكن هذا القول لم يكن له أي وجود عند اإلمامية طوال اثني عشر قرنا!!‪،‬‬
‫إذ أن القول بدفن زينب ‪ ‬في الشام لم يظهر عند اإلمامية إال في القرن الثالث‬
‫عشر الهجري‪ ،‬ومع ذلك فإن أكثر علماء اإلمامية في تلك الفترة كانوا يُرجحون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تراجم األعيان من أبناء الزمان (‪.)224/2‬‬
‫(‪ )2‬أحكام العتبات (ص ‪.)177‬‬

‫‪618‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫القبر المصري على الشامي‪ ،‬ويدل على ذلك قول محمد حسنين السابقي‪> :‬إن‬
‫أكثر المؤلفين في عصرنا يتناقلونه في بحثهم عن هذا الموضوع<(‪.)1‬‬
‫ودفنت‬
‫وقول هاشم معروف‪> :‬يبدو بعد التتبع أ ّن القائلين بأ ّنها توفيت في مصر ُ‬
‫فيها‪ ،‬أكثر من القائلين بأ ّن المرقد الموجود في ضاحية الشام هو مرقدها<(‪ ،)2‬بل‬
‫إ َّن السابقي نفسه كان يرى هذا الرأي لفترة من الزمن متابعا جعفرا النقدي‪ ،‬إلى‬
‫أن تبين له خالف ذلك فصنف كتابا في االنتصار لصحة القبر الشامي(‪.)3‬‬
‫ثم صار القول بدفن زينب الكبرى في الشام هو القول المشهور عند اإلمامية‬‫َّ‬
‫اليوم‪ ،‬وفي ذلك يقول وجيه بيضون‪> :‬وهو الشائع الثابت عند األكثرين‪...‬‬
‫وللمجتهدين من أئمة الدين في هذا الشأن فتاوى عدة‪ ،‬هي في وفرتها وإجماعها‬
‫شبه إفتاء عام‪ ،‬بأن في الشام مدفن السيدة العقيلة<(‪.)4‬‬
‫كما أن قرية راوية كانت إلى زمن قريب خالية غير معمورة‪ ،‬يدل على ذلك‬
‫أن المرجع اإلمامي محمد الشيرازي ذكر أنه زار قبر دمشق قبل أربع وأربعين‬
‫سنة‪ ،‬وقال‪> :‬ولبثنا بضعة أيام في دمشق‪ ،‬وكانت زيارتنا األولى للسيدة زينب‬
‫وكانت بقعتها في منطقة ال شيء فيها من األبنية<(‪ ،)5‬وهذه الزيارة كانت في سنة‬
‫‪ 1375‬هـ تقريبا(‪ ،)6‬أي قبل ‪ 67‬سنة‪ ،‬ففي هذا الوقت لم يشتهر عند اإلمامية أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)36‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫من وحي الثورة الحسينية (ص ‪.)130‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)36‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫نقله عنه ابنه في موسوعة كربالء (‪.)647/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫السيدة زينب عالمة غير معلمة (ص ‪.)47‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫كتب الشيرازي كتابه عن زينب سنة ‪ 1419‬هـ كما في (ص ‪ )13‬و(ص ‪ ،)58‬وإذا طرحنا من هذا‬ ‫(‪)6‬‬
‫التاريخ ‪ 44‬سنة‪ ،‬تكون النتيجة سنة ‪ 1375‬هـ‪.‬‬

‫‪619‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫زينب مدفونة في هذه البقعة‪ ،‬وإال لقاموا بعمارتها كما صنعوا مع كثير من قبور‬
‫أوالد األئمة‪ ،‬غير أنهم عندما اكتشفوا في القرن الثالث عشر أن زينب مدفونة في‬
‫الشام‪ ،‬صاروا يهتمون بعمارة هذا القبر‪ ،‬وصدرت فتاوى جمع التبرعات لتشييد‬
‫المرقد من المراجع(‪ ،)1‬إلى أن صار بهذه الصورة التي يوجد عليها اليوم‪ ،‬وصار‬
‫اآلالف يتوافدون لزيارته!‪.‬‬
‫وبعد البحث واالستقراء‪ ،‬يبدو أن أول من صرح بدفن زينب الكبرى في‬
‫قرية راوية من علماء اإلمامية‪ ،‬هو حسن يزدي الحائري (‪ 1297‬هـ)(‪ ،)2‬فقد نقل‬
‫عنه السابقي أنه صرح بدفن زينب الكبرى في الشام في كتابه >أنوار الشهادة<(‪،)3‬‬
‫وهو أول من ذكره السابقي ضمن علماء الشيعة القائلين بوفاة زينب الكبرى في‬
‫الشام‪.‬‬
‫وأما شهرة هذا القول فإنما ابتدأت في أوائل القرن الرابع عشر للهجرة(‪،)4‬‬
‫وقد نقل السابقي أقوال أكثر من ثالثين عالما إماميا قالوا بدفن زينب الكبرى في‬
‫وجلُّهم استند إلى رواية‬
‫وجلُّهم ماتوا في أوائل القرن الرابع عشر ‪ُ ،‬‬
‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الشام ‪ُ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نقل السابقي في مرقد العقيلة زينب فتوى جواز صرف الخمس في سبيل تشييد قبر زينب عن‬ ‫(‪)1‬‬
‫المرجع عبد الحسين الموسوي (ص ‪ ،)224‬وعن المرجع محسن الحكيم (ص ‪ ،)227‬ونقل‬
‫فتوى التبرع لمرقد زينب عن المرجع يونس الموسوي (ص ‪ ،)228‬والمرجع محمد كاظم‬
‫شريعتمداري (ص ‪.)229‬‬
‫تاريخ وفاته مستفاد من الذريعة (‪.)430/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)210‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫والشهرة هنا ال تعني أنه القول الوحيد عندهم في المسألة‪ ،‬بل هو قول األكثر في هذه الفترة‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 208‬ــ ‪ ،)244‬وبعض الذين ذكرهم غير قائل بذلك‪ ،‬مثل الشهرستاني‬ ‫( ‪)5‬‬
‫وذبيح اهلل المحالتي ومحمد جواد مغنية‪.‬‬
‫باستثناء حسن اليزدي‪ ،‬فكل المذكورين توفوا بعد سنة ‪ 1300‬هـ‪ ،‬وقد وقع غلط في تاريخ وفاة=‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪620‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫خروج عبد اهلل بن جعفر مع زينب من المدينة إلى الشام بسبب المجاعة التي‬
‫وقعت بالمدينة!‪ ،‬غير أن ثالثة منهم كان لهم أثر كبير في نصرة هذا القول وهم‪:‬‬
‫ــ محمد حرز الدين (‪1365‬هـ)‪:‬‬
‫فقد نسب قبر راوية لزينب الكبرى‪ ،‬وحشد إلثبات صحته عدة أدلة‪ ،‬بعضها‬
‫منقول من كتب سابقة‪ ،‬وبعضها منقول من كالم سدنة القبر‪ ،‬وبعضها روايات‬
‫شفوية من بعض علماء اإلمامية(‪.)1‬‬
‫ــ فرج آل عمران القطيفي (‪1398‬هـ)‪:‬‬
‫فقد صنف كتاب >وفاة زينب الكبرى<(‪ ،)2‬ونصر القول بدفنها في قرية‬
‫راوية بعدة استدالالت كما أنه انتقد القول بدفنها في مصر‪.‬‬
‫ــ محمد حسنين السابقي‪ ،‬فقد كان له دور كبير في إثبات القول بوفاة زينب‬
‫في قرية راوية‪ ،‬وصنف في ذلك كتاب كشف الغيهب في تحقيق مرقد العقيلة‬
‫زينب سنة ‪1395‬هـ(‪ ،)3‬وقد استفاد من كتابات من سبقه‪ ،‬خاصة كالم محمد‬
‫حرز الدين‪ ،‬وكتاب >أخبار الزينبات< لحسن قاسم‪ ،‬وكتاب >وفاة زينب‬
‫الكبرى< للقطيفي‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= الميرزا محمد الشيرازي‪ ،‬ففي المطبوع من مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)211‬أنه توفي سنة ‪ 1212‬هـ‪،‬‬
‫وهذا خطأ في الطباعة‪ ،‬فإن الشيرازي ولد سنة ‪ 1230‬هـ‪ ،‬والصواب في تاريخ وفاته ‪ 1312‬هـ‬
‫انظر الكنى واأللقاب لعباس القمي (‪ ،)222/3‬الذريعة (‪.)41/21‬‬
‫(‪ )1‬مراقد المعارف (‪ 290 /1‬ــ ‪.)292‬‬
‫(‪ )2‬وقد زار هذا القبر في السابع من صفر من سنة ‪ 1377‬هـ كما ذكر في كتابه األزهار األرجية في‬
‫اآلثار الفرجية (‪ ،)38/7‬ثم بعد شهور كتب رسالته هذه‪.‬‬
‫فصلت في مبحث سابق بعض أوجه الخلل في هذا الكتاب‪.‬‬‫ُ‬ ‫(‪ )3‬وقد‬

‫‪621‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫أما اليوم‪ ،‬فإن أغلب الكتاب المعاصرين من اإلمامية‪ ،‬وخاصة الذين كتبوا‬
‫مصنفات مستقلة في ترجمة زينب الكبرى ‪ ،‬يقررون وفاتها في الشام‪ ،‬وجلهم‬
‫إنما اعتمد على كالم السابقي وأدلته التي نقلها في كتابه اآلنف(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬جولة في األماكن المقدسة إلبراهيم الموسوي الزنجاني (ص ‪ 157‬ــ ‪ ،)167‬كتاب زينب‬
‫ورقية في الشام لجعفر مرتضى العاملي (ص ‪ ،)79‬فجل اعتمادهما على السابقي‪ ،‬وراجع‪:‬‬
‫مختصر مفيد للعاملي (‪ ،)109/9‬العقيلة والفواطم لعباس الشاكري (ص ‪ 63‬ــ ‪ ،)71‬المرأة‬
‫العظيمة لحسن الصفار (ص ‪ ،)253‬زينب الكبرى بطلة الحرية ألبي القاسم الديباجي‬
‫(ص ‪ ،)225‬المجالس الزينبية لمهدي تاج الدين (ص ‪ ،)374‬الشمس الطالعة ألحمد شكر‬
‫(‪ ،)272/2‬زينب القدوة والرمز لسعيد الخويلدي (ص ‪ ،)210‬زينب الكبرى ودورها في النهضة‬
‫الحسينية لعبد السالم كاظم الجعفري (ص ‪ ،)206‬السيدة زينب رائدة الجهاد لباقر شريف‬
‫القرشي (ص ‪.)327‬‬

‫‪622‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫‪ 2‬ــ تحرير األقوال المختلفة في دفن زينب الكبرى ‪ ‬بالشام‬


‫بعد أن تبين منشأُ القو ِل المشهور اليوم بدفن زينب الكبرى في قرية راوية‪،‬‬
‫وتاريخ هذا القبر وما مر به من تطور‪ ،‬ال بد أن أتعرض إلى تحرير األقوال المختلفة‬
‫التي قيلت حول تعيين موضع دفن زينب الكبرى في الشام‪ ،‬ألن االختالف الواقع‬
‫في هذه المسألة ينبئ بأن هذا القول لم يكن محل اتفاق فيما سلف من األزمان‪،‬‬
‫وإليك البيان‪:‬‬
‫أ ــ األقوال الواردة في تعيين دفينة قرية راوية‬
‫اختلفت أقوال أهل العلم والمؤرخين في تعيين المدفونة بقرية راوية والتي‬
‫كانت تشتهر بقبر الست‪ ،‬على سبعة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬إ ّنها أم كلثوم من أهل البيت‪ ،‬دون تعيين نسبها‪ ،‬ونفي كونها‬
‫أو بنت علي ‪.‬‬ ‫بنت النبي‬
‫وهو قول المحققين من أهل العلم‪ ،‬كابن عساكر ومن تابعه على ذلك من‬
‫أهل العلم‪ ،‬كياقوت الحموي‪ ،‬وكأبي الحسن الهروي وابن شداد وابن شاكر‬
‫الكتبي ويوسف بن عبد الهادي وعبد القادر النعيمي(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سبق نقل نصوص أقوالهم‪ ،‬انظر على التوالي‪ :‬تاريخ دمشق (‪ 309/2‬ــ ‪ ،)310‬معجم البلدان‬
‫(‪ ،)20/3‬اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص ‪ ،)21‬األعالق الخطيرة في ذكر أمراء الشام‬
‫والجزيرة تحقيق الدهان (ص ‪ ،)182‬خطط الشام نقال عن تاريخ ابن شاكر الكتبي (‪،)64/6‬‬
‫ثمار المقاصد في ذكر المساجد (ص ‪ ،)105‬الدارس في تاريخ المدارس (‪ ،)260/2‬وقريب‬
‫من هذا القول ما ذهب إليه المؤرخ محمد كرد علي في غوطة دمشق (ص ‪ )178‬حيث قال‪> :‬جامع‬
‫راوية (قبر الست)‪ ...‬والست امرأة من أهل البيت سميت بهذا االسم ولم يحفظ نسبها<‪ ،‬والظاهر‬
‫من هذا النص أنه ال يرى أن هذه المرأة تسمى أم كلثوم واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪623‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫القول الثاني‪ :‬إ ّنها أم كلثوم الكبرى ‪ ‬زوجة عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫وذكر القائلون بهذا القول أن اسمها زينب‪ ،‬وهو قول ابن الحوراني‪ ،‬وأبي‬
‫النجاح أحمد بن علي المنيني‪ ،‬وعبد الغني النابلسي وعبد الرزاق البيطار وحسن‬
‫قاسم(‪ ،)1‬وهو قول ضعيف‪ ،‬أل ّن أم كلثوم الكبرى إنما توفيت بالمدينة كما هو‬
‫الثابت الصحيح المقطوع به‪ ،‬وقد ثبت خبر وفاة أم كلثوم بالمدينة عن عمار بن‬
‫أبي عمار‪ ،‬ون َق َل نافع المدني والشعبي وعبد اهلل البهي وأبو جعفر الباقر صالة‬
‫ابن عمر ‪ ‬عليها(‪.)2‬‬
‫ومعلوم أن ابن عمر ‪ ‬كان وقتها بالمدينة‪ ،‬فضال عن أن زينب ليس اسما‬
‫ألم كلثوم الكبرى بل اسمها أم كلثوم(‪ ،)3‬وقد نفى ابن عساكر أن تكون المدفونة‬
‫براوية هي أم كلثوم الكبرى‪ ،‬وصرح بأنها مدفونة في البقيع وقد مضى نص كالمه‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬إ ّنها زينب الصغرى بنت علي ‪.‬‬
‫وهو أحد األقوال التي احتملها العجلوني(‪ ،)4‬وقول عثمان مدوخ الشافعي(‪،)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سبق نقل نصوص أقوالهم‪ ،‬انظر على التوالي‪ :‬اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص ‪ 133‬ــ ‪،)134‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مخطوط اإلعالم في فضائل الشام‪[ ،‬ق‪/2‬أ]‪ ،‬نسخة المكتبة الظاهرية برقم (‪ ،)4477‬مخطوط‬
‫عرف الزرنب للعجلوني [ق ‪/69‬ب]‪ ،‬حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر (ص ‪،)1283‬‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪ ،)25‬و(ص ‪.)65‬‬
‫انظر كتابنا >نسبا وصهرا ــ إثبات زواج عمر ‪ ‬من أم كلثوم بنت علي ‪( <‬ص ‪)72‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫و(ص ‪ 134‬ــ ‪.)138‬‬
‫انظر كتابنا >نسبا وصهرا< (ص ‪.)43‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/71‬أ]‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫العدل الشاهد (ص ‪ ،)68‬وقد احتمل أن تكون زينب المدفونة بالشام إما الصغرى أو الوسطى‪،‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫دوخ‪.‬‬‫وقد مضى أنه ال وجود للوسطى وأن هذا غلط من عثمان ُم ّ‬
‫‪624‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫وقول محمد أديب آل الحصني(‪ ،)1‬وقول بعض اإلمامية‪ ،‬كذبيح الل المحالتي(‪،)2‬‬
‫وعبد الرزاق كمونة(‪ ،)3‬واحتمله جعفر بحر العلوم(‪ ،)4‬وذهب إليه المرجع محمد تقي‬
‫بهجت(‪ ،)5‬ومال إليه محمد حسين الجاللي(‪ )6‬وهو أحد أقوال محسن األمين(‪،)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫منتخبات التواريخ بدمشق (‪.)432/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رياحين الشريعة (‪ ،)316/4‬ومع أن كالمه صريح في أن المدفونة بالشام هي زينب الصغرى‪ ،‬إال‬ ‫(‪)2‬‬
‫أن السابقي ذكره في عداد القائلين بأنها زينب الكبرى‪ ،‬يقول السابقي‪> :‬اعترف الشيخ بأن المدفونة‬
‫بقرية راوية بالشام هي السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين‪ ،‬إال أنه جاء بتوجيه آخر وقال‪:‬‬
‫ثم يقول السابقي‬
‫هي زينب الصغرى‪ ،‬وهي التي دفنت في الشام ظاهرا واشتهرت بزينب الكبرى< ّ‬
‫معقبا عليه‪> :‬سبق منا النقد على توجيهه هذا وهو ال يصح‪ ...‬إنما هو ظن وتخمين ورأيه الذي‬
‫ينفرد به<‪ ،‬مرقد العقيلة زينب (ص‪.)235‬‬
‫ولعلك تالحظ قدرة السابقي العجيبة على أن ينسب إلى قائل واحد قولين متناقضين!‪ ،‬لكن األمر‬
‫الذي ال ينقضي منه العجب هو‪ :‬إن كان السابقي يرى أن رأي المحالتي خطأ وظن وتخمين‬
‫وانفراد‪ ،‬لماذا يورده ضمن القائلين بدفن زينب الكبرى في الشام؟!‬
‫وقد مضى أ ّن المحالتي رجح دفن زينب الكبرى في المدينة في رياحين الشريعة‪ ،‬ولكن السابقي‬
‫لم ينقل ذلك‪ ،‬وليس هذا بغريب عنه‪ ،‬وقد بسطت الكالم عن نظائر هذه اإلحاالت المزورة‬
‫والمدلسة في المبحث المخصص لنقد كتاب السابقي (ص ‪ 191‬وما بعدها)‪.‬‬
‫مشاهد العترة الطاهرة (ص ‪.)82‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تحفة العالم (‪ 460/1‬ــ ‪.)461‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الرحمة الواسعة (ص ‪.)203‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫مزارات أهل البيت وتاريخها (ص ‪.)220‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫اختلف قول محسن األمين في تعيين دفينة راوية‪ ،‬ففي أوائل أعيان الشيعة (‪ ،)484/3‬ذكر أن‬ ‫(‪)7‬‬
‫ثم‬
‫زينب الصغرى هي المدفونة براوية‪ ،‬وكرر ذلك في موضع آخر في أعيان الشيعة (‪َّ ،)17/5‬‬
‫عدل عن ذلك فيما بعد كما تراه في أعيان الشيعة (‪ ،)137/7‬وهو الموضع الذي حرر فيه هذه‬
‫المسألة وأطال فيها الكالم‪ ،‬فاحتمل أن تكون المدفونة في راوية إما أم كلثوم الوسطى أو الصغرى‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وال وجود ألم كلثوم الوسطى فلم يذكر النسابون في بنات علي ‪ ‬سوى زينب الكبرى‬
‫والصغرى‪ ،‬وإنما هو اجتهاد غير صائب من محسن األمين‪ .‬ثم إنه في المواضع التالية صار يقول‬
‫عن مرقد راوية إنه منسوب إلى زينب الصغرى‪ ،‬كما في أعيان الشيعة (‪ ،)164/8‬و(‪=،)361/10‬‬

‫‪625‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وقاله محمد كاظم القزويني من باب االحتمال(‪.)1‬‬


‫وهذا القول ضعيف ال دليل عليه أيضا(‪ ،)2‬وينفيه قول ابن عساكر إن‬
‫المدفونة براوية هي أم كلثوم التي لم يُعلم نسبها‪ ،‬فلو كانت زينب الصغرى لما‬
‫ُجهلت!‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬إنها امرأة من أهل البيت اللواتي كن مع الحسين ‪‬‬
‫وهو أحد األقوال التي احتملها العجلوني‪ ،‬ولم يعزه إلى أي أحد‪ ،‬بل حكاه‬
‫بصيغة التمريض‪ ،‬فيبدو أنه من األقوال الشعبية الخرافية التي تم اختراعها من‬
‫بعضهم لمحاولة إثبات نسبة هذا القبر إلى امرأة من أهل البيت من القرن األول‪،‬‬
‫يقول العجلوني >ويحتمل أيضا أنها امرأة غيرهما(‪ )3‬من أهل البيت‪ ،‬فقد قيل إن‬
‫امرأة من أهل البيت وقعت عن راحلتها حين مروا بالسبي براوية‪ ،‬فاندقت عنقها‬
‫ودفنت فيها<(‪ ،)4‬وال ريب في بطالن هذا القول أيضا‪ ،‬ألن سائر نساء أهل البيت‬
‫اللواتي كن مع الحسين قد رجعن إلى المدينة كما ثبت في الروايات التاريخية‬
‫الصحيحة‪ ،‬وينقض هذا القول ما مضى نقله عن ابن عساكر من كون المدفونة في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كما أنه كرر عبارة >منسوب إلى زينب الصغرى< في بعض كتبه ومقاالته‪ ،‬كما في مفتاح الجنات‬ ‫=‬
‫(ص‪ ،)210‬ومقالة >الشيعة اإلسماعيلية المعروفة بالبهرة< المنشورة في مجلة العرفان الجزء‬
‫الثالث من المجلد السادس عشر‪ ،‬جمادى األولى ‪ 1347‬هـ (ص ‪ ،)256‬ويبدو لي أن قوله‪:‬‬
‫>منسوب< يعني أنه غير قاطع بصحة ذلك‪.‬‬
‫زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)605‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ولعل بعضهم قد يستدل بكالم ابن جبير اآلنف‪ ،‬وسيأتي نقده مفصال في مبحث نقد نسبة هذا‬ ‫(‪)2‬‬
‫القبر لزينب الكبرى‪ ،‬فما ذكرته هناك هو نفس ما يجاب به هنا‪.‬‬
‫أي غير زينب الكبرى وزينب الصغرى‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/71‬أ]‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪626‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫راوية امرأة من أهل البيت لم يعلم نسبها‪.‬‬

‫القول الخامس‪ :‬إ ّنها زينب بنت عبد الل األصغر بن عقيل‪ ،‬من زوجته أم‬
‫كلثوم الصغرى ابنة علي ‪ ،‬وأم كلثوم الصغرى هي ابنة علي ‪ ‬من غير‬
‫فاطمة ‪.‬‬
‫وهو القول الذي جعله هاشم معروف أقرب االحتماالت‪ ،‬ولم أقف على‬
‫من ذهب إليه سواه(‪ ،)1‬وهو قول ضعيف أيضا وال عبرة به‪.‬‬

‫القول السادس‪ :‬إ ّنها أم كلثوم بنت زينب الكبرى ‪‬‬


‫ولم أقف على من ذكره سوى الكاتب المصري توفيق أبو علم(‪ ،)2‬وهو قول‬
‫ال عبرة به‪ ،‬ويبدو أ ّن توفيقا قال بذلك للتوفيق بين القولين المتعارضين في موضع‬
‫وفاة زينب الكبرى‪ ،‬فأراد أن ينصر قول أهل مصر‪ ،‬وزعم أن دفينة راوية هي أم‬
‫كلثوم بنت زينب!‬

‫القول السابع‪ :‬إ ّنها زينب الكبرى بنت علي ‪.‬‬


‫وهو قول أبي البقاء البدري الدمشقي وإبراهيم الناجي ومحمود العدوي(‪،)3‬‬
‫والقول المنسوب لكل من أبي بكر الموصلي وابن طولون الدمشقي(‪ ،)4‬وهو قول‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من وحي الثورة الحسينية (ص ‪ 138‬و‪ 140‬و‪.)142‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫السيدة نفيسة (ص ‪.)79‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سبق نقل نصوص أقوالهم‪ ،‬انظر على التوالي‪ :‬نزهة األنام في محاسن الشام (ص ‪ ،)224‬كتاب‬ ‫(‪)3‬‬
‫الزيارات بدمشق (ص ‪ 21‬ــ ‪.)22‬‬
‫مضى الكالم عن الريبة في نسبة هذا القول إليهما آنفا‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪627‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫جماعة من متأخري اإلمامية‪ ،‬وجل المعاصرين منهم(‪.)1‬‬


‫وقد حشد القائلون بهذا القول أدلة كثيرة إلثبات ذلك‪ ،‬وصار هذا القول‬
‫مشهورا عند كثير من الناس اليوم‪ ،‬مقارنة مع بقية األقوال األخرى التي يمكن أن‬
‫نقول إنها كلها باستثناء األخير صارت أقواال مندرسة‪ ،‬ولذا كان ال بد من التعرض‬
‫لنقض هذا القول بالتفصيل‪ ،‬وهو ما سيأتي قريبا‪.‬‬

‫ب ــ قوالن مهجوران في دفن زينب الكبرى ‪ ‬في مقبرة الشام‬


‫هناك قوالن آخران عن موضع وفاة زينب الكبرى في الشام‪ ،‬إال أنهما قوالن‬
‫مهجوران ومندرسان‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬قبر زينب الكبرى ‪ ‬في مقبرة الباب الصغير‬


‫كر وفاة زينب بنت علي ‪ ‬بمقبرة‬ ‫ِ‬
‫ورد في بعض كتب الزيارات الشامية ذ ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫الباب الصغير بدمشق‪ ،‬وقد ذكر ذلك أبو البقاء البدري في كتابه >نزهة األنام<‬
‫وتابعه ياسين الفرضي في النبذة اللطيفة كما مضى‪ ،‬غير أن أبا البقاء قد ميز بين زينب‬
‫هذه وبين الكبرى‪ ،‬فقد سمى دفينة مقبرة الباب الصغير زينب بنت علي ‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مضت اإلحالة إلى بعض مصادرهم عند الكالم عن مبتدأ ظهور هذا القول عند اإلمامية‪ ،‬ويضاف‬
‫إليها‪ :‬اإلمام الحسين وأصحابه لفضل علي القزويني (‪ ،)318/3‬أضواء على عقائد الشيعة للمرجع‬
‫جعفر السبحاني (ص‪ 320‬ــ ‪ ،)321‬واألنوار اإللهيـة في المسائل العقدية للمرجع جواد التبريزي‬
‫(ص‪ ،)215‬أجوبة المسائل الحسينية (ص‪ )63‬وأحكام العتبات (ص‪ )177‬للمرجع صادق‬
‫الشيرازي‪ ،‬قربان الشهادة للمرجع محمد صادق الروحاني (ص‪ ،)65‬ومن قضايا النهضة الحسينية‬
‫لفوزي آل السيف (ص‪ ،)80‬ولماذا التطبير لعبد العظيم المهتدي البحراني (ص ‪ )11‬ــ نسخة‬
‫إلكترونية ــ‪.‬‬
‫(‪ )2‬نزهة األنام (ص ‪.)221‬‬

‫‪628‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫وأما دفينة راوية فقد سماها زينب الكبرى(‪.)1‬‬


‫ثم إ َّن ابن الحوراني ذكر أن زينب مدفونة بمقبرة الباب الصغير بدمشق‪،‬‬
‫َّ‬
‫فقال‪> :‬في كتاب >محاسن الشام<‪ :‬قبر السيدة زينب بنت اإلمام علي بمقبرة باب‬
‫الصغير‪ ،‬معروف يزار<(‪ ،)2‬وهذا عين ما قاله صاحب الروضة البهية(‪.)3‬‬
‫وقد تعقبه الفقيه الدمشقي عبد الرحمن بن إبراهيم الحنفي (‪ 1138‬هـ)‪،‬‬
‫فنقل كالم ابن الحوراني ثم قال‪> :‬لكن المعروف عند أهل دمشق أن قبر السيدة‬
‫زينب بنت اإلمام علي في قرية نسبت إليها يقال لها اآلن‪ :‬قبر الست‪ ،‬وكان يقال‬
‫لها قرية راوية<(‪ ،)4‬وقال في موضع آخر‪> :‬ما ذكره في كتاب >محاسن الشام< من‬
‫أن قبرها في باب الصغير غير معروف عند أهل دمشق كما قدمناه<(‪.)5‬‬
‫ثم إن هناك أقواال أخرى قيلت في تعيين دفينة الباب الصغير‪ ،‬ففي سنة‬
‫‪ 1200‬هـ زار الرحالة محمد بن عبد الوهاب المكناسي المغربي (‪ 1213‬هـ) قبرا‬
‫منسوبا لزينب في مقبرة الباب الصغير في قبة القبر المنسوب لبالل بن رباح ‪‬‬
‫غير أنه ذكرها باسم غريب فقال‪> :‬السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب‪ ،‬بنت‬
‫الحنفية<(‪ ،)6‬ووجه الغرابة هو قوله >بنت الحنفية<‪ ،‬والظاهر أنه ظن أن زينب‬
‫هذه هي بنت خولة بنت جعفر الحنفية‪ ،‬وأخت محمد بن علي بن أبي طالب‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نزهة األنام (ص ‪.)224‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اإلشارات إلى أماكن الزيارات (ص ‪ 54‬ــ ‪ ،)55‬وانظر‪ :‬حدائق اإلنعام في فضائل الشام (ص ‪.)183‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الروضة البهية (ص ‪ ،)83‬وقد مضى أن كتاب الروضة البهية ال يعتمد عليه ألنه منحول وجله‬ ‫(‪)3‬‬
‫مسروق من كتاب ابن الحوراني‪.‬‬
‫حدائق اإلنعام في فضائل الشام (ص ‪.)183‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫حدائق اإلنعام في فضائل الشام (ص ‪.)190‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫إحراز المعلى والرقيب المطبوع باسم رحلة المكناسي (ص ‪ 228‬ــ ‪.)229‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪629‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وهذا قول ال أدري ما وجهه‪ ،‬فإن النسابين لم يذكروا في بنات علي سوى زينب‬
‫الكبرى من فاطمة ‪ ‬وزينب الصغرى ألم ولد‪ ،‬ولم يذكروا أن عليا ولد من‬
‫خولة بنت جعفر سوى محمد األكبر المشهور بابن الحنفية(‪.)1‬‬
‫وذكر الرحالة أبو القاسم الزياني المغربي (‪1249‬هـ) في >الترجمانة‬
‫الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا< أ ّن زينب بنت علي ‪ ‬مدفونة في جبانة‬
‫بالباب الصغير(‪ ،)2‬ولم يعين كونها زينب الكبرى وال الصغرى‪.‬‬
‫وقد صرح محمد بن الحسن الشطي الدمشقي (‪ 1307‬هـ) كتابه >جامعة‬
‫الفنون في أفضلية قاسيون< بأن زينب المدفونة في باب الصغير هي >زينب‬
‫الصغرى بنت اإلمام علي ‪ ‬أخت زينب الكبرى ألبيها<(‪.)3‬‬
‫وأما محمد بن عبد الجواد القاياتي (‪1320‬هـ) فقد ذكر زينب بنت علي‬
‫‪ ‬في عداد الصحابة المدفونين بمقبرة الباب الصغير‪ ،‬في كتابه >نفحة البشام‬
‫في رحلة الشام<(‪ ،)4‬ومقتضى ذكرها في الصحابة مؤداه أنه يرى أنها زينب‬
‫الكبرى ألنها من الصحابة خالفا لزينب الصغرى المعدودة في التابعين‪.‬‬
‫ونسب صاحب >خالصة الداللة إلى أماكن الزيارة<(‪ )5‬هذا القبر إلى السيدة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي ــ (‪.)17/3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الترجمانة الكبرى (ص ‪.)182‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مخطوط جامعة الفنون في أفضلية جبل قاسيون‪[ ،‬ص ‪ ،]41‬محفوظ بمكتبة جامعة هارفرد برقم‬ ‫(‪)3‬‬
‫(‪.)arab 341‬‬
‫نفحة البشام (ص ‪.)131‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مخطوط خالصة الداللة إلى أماكن الزيارة‪ ،‬نسخة جامعة الملك سعود برقم (‪[ ،)4332‬ق‬ ‫( ‪)5‬‬
‫‪/28‬أ]‪ ،‬ولم يُذْ كر في بيانات المخطوط من هو المؤلف‪ ،‬ولم أتمكن من تعيينه بعد البحث في‬
‫فهارس الكتب والمخطوطات‪.‬‬

‫‪630‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫زينب دون بيان المراد بها عندما ذكر قبور مقبرة الباب الصغير أيضا‪.‬‬
‫وذهب محمد أديب آل الحصني (‪ 1356‬هـ) إلى أن زينب الكبرى هي‬
‫المدفونة في الباب الصغير غير أنه خلط بينها وبين أم كلثوم الكبرى‪ ،‬فبعد أن‬
‫ذكر ترجمتها وأن عمر ‪ ‬تزوجها قال‪> :‬وذهب بعضهم إلى أنها ماتت بدمشق‬
‫ودفنت في باب الصغير قرب بالل‪ ،‬يثبت ذلك وجود الحجر القديم المحفور‬
‫والمنقوش عليه اسمها‪ ،‬ونقل الفرضي المؤرخ الدمشقي في كتابه >اإلشارات<‬
‫أن زينب الصغرى هي المدفونة في الحوطة قرب بالل‪ ،‬واألول هو األولى<(‪ ،)1‬ثم‬
‫نقل عن العدوي والناجي أن زينب الكبرى مدفونة في قرية راوية ثم قال‪> :‬ونقل‬
‫بعضهم أن التي دفنت هناك هي أختها السيدة زينب الصغرى واهلل أعلم<(‪.)2‬‬
‫فيبدو أنه كان يرى أن زينب الكبرى ــ التي كان يحسب أنها أم كلثوم‬
‫الكبرى ــ دفنت في باب الصغير‪ ،‬وأن دفينة راوية هي زينب الصغرى‪ ،‬وال شك‬
‫في عدم صحة هذين القولين كما هو معلوم‪ ،‬لما مضى من أن أم كلثوم الكبرى ُدفنت‬
‫في المدينة‪ ،‬وأما خلط الحصني بينها وبين زينب الكبرى كما وقع لغيره فهو وهم‬
‫ظاهر‪.‬‬
‫وصرح عبد العزيز العظمة (‪ 1361‬هـ) بأن المدفونة في الباب الصغير هي‬
‫زينب الكبرى فقال‪> :‬مقبرة الباب الصغير‪ ،‬وفيها قبور آل البيت الكريم‪...‬‬
‫وزينب الكبرى<(‪.)3‬‬
‫وهذا ما قاله محمد كرد علي في >خطط الشام<‪ ،‬فإ ّنه ذكر أن زينب الكبرى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬منتخبات التواريخ لدمشق (‪.)432/1‬‬
‫(‪ )2‬منتخبات التواريخ لدمشق (‪.)432/1‬‬
‫(‪ )3‬مرآة الشام تاريخ دمشق وأهلها (ص ‪.)51‬‬

‫‪631‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫لها مقام في مقبرة الباب الصغير(‪.)1‬‬


‫وذكر علي أصغر قائدان أ ّن هناك قوال غير مشهور في موضع وفاة زينب‬
‫وهو مقبرة الباب الصغير(‪.)2‬‬
‫وذكر الدكتور عبد القادر الريحاوي أن قبر الباب الصغير ينسب لزينب‬
‫الصغرى(‪ ،)3‬ثم صرح بعدم صحة نسبته إلى زينب الصغرى‪.‬‬
‫ومن حسن المقادير أ َّن هذا القول لم تكتب له الشهرة‪ ،‬وإال لكان هناك قبر‬
‫ثان في الشام ينسب إلى زينب الكبرى ‪ ،‬وعلى أي حال‪ ،‬فإ ّن هذه النسبة قد‬
‫اندرست واختفت‪ ،‬ف ُكفينا مؤونة بيان بطالنها(‪.)4‬‬
‫القول الثاني‪ :‬قبر زينب الكبرى ‪ ‬في حوالي الشام‬
‫وقد ورد هذا القول في بعض كتب المقاتل المتأخرة‪ ،‬فنقله صاحب >الطراز‬
‫المذ َّهب< عن كتاب >أنوار الشهادة وبحر المصائب<‪ ،‬وذكره جعفر النقدي ثم‬
‫ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬خطط الشام (‪.)153/6‬‬
‫(‪ )2‬مقالة >ضريح السيدة زينب في سوريا (الزينبية) آراء ودراسة نقدية< (ص ‪.)1‬‬
‫(‪ )3‬مقالة قبور العظماء في دمشق‪ ،‬منشورة بمجلة المجمع العلمي العربي‪ ،‬المجلد ‪ ،34‬الجزء الرابع‪،‬‬
‫‪ 29‬ربيع األول سنة ‪ 1379‬هـ‪( ،‬ص ‪ 659‬ــ ‪.)660‬‬
‫(‪ )4‬قلت‪ :‬يوجد اآلن في مقبرة الباب الصغير في دمشق مشهد ينسب لزينب الصغرى المكناة أم كلثوم‪،‬‬
‫وقد ذكره محسن األمين في مفتاح الجنات (‪ )210/2‬وشكك في صحة ثبوته‪ ،‬ويبدو أن من بناه‬
‫استند إلى المصادر السابقة التي ذكر ُتها‪ .‬وقد زعم محمد صادق الكرباسي في كتابه >تاريخ‬
‫المراقد‪ ،‬الحسين وأهل بيته وأنصاره< (‪ )111/5‬أن هذا القبر يعود ألم كلثوم الصغرى بنت فاطمة‬
‫‪ ،‬وال ريب أن هذا غلط‪ ،‬فأبناء فاطمة ‪ ‬أربعة هم الحسن والحسين وزينب الكبرى‬
‫وأم كلثوم الكبرى‪ ،‬أما أم كلثوم الصغرى فهي بنت علي من أم ولد‪ ،‬ولم يقل أحد من النسابين إن‬
‫فاطمة ولدت أم كلثوم الصغرى!!‪.‬‬

‫‪632‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫تعقبه قائال‪> :‬ال مقيل له من ظل الحقيقة‪ ،‬وهو بالروايات الخرافية أشبه‬


‫فاإلعراض عنه أجدر<(‪.)1‬‬
‫وذكر النقدي رواية أخرى في أن زينب دفنت بالشام من دون تعيين موضع‬
‫قبرها‪ ،‬وذكر أن صاحب >الطراز المذهب< نقلها من كتاب >كنز األنساب< ثم‬
‫قال‪> :‬قائله تفرد بروايته قصة في ذلك لم تتأكد<(‪.)2‬‬
‫وقد اندرس كال القولين‪ ،‬و ُهجرا‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زينب الكبرى (ص ‪.)119‬‬
‫(‪ )2‬زينب الكبرى (ص ‪ 119‬ــ ‪.)120‬‬

‫‪633‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫‪ 3‬ــ أدلة بطالن المشهد المنسوب لزينب الكبرى ‪ ‬في الشام‬


‫لو اقتصرنا على أن هذا القول حادث وغير معروف لمدة سبعة قرون في‬
‫هذه األمة‪ ،‬لكفى بهذا شاهدا على بطالنه‪ ،‬غير أن ذلك غير كاف مع توهم كثير‬
‫من الناس اليوم بأن هذا المرقد مشهور ومتوارث!‪ ،‬ومن ثَم كان ال بد من إقامة‬
‫األدلة على بطالن القبر المنسوب لزينب الكبرى في الشام وإليك البيان(‪:)1‬‬
‫ــ الدليل األول‪ :‬خلو كتب التواريخ والخطط المختصة بالشام من ذكر لوفاة‬
‫زينب ‪ ‬بالشام‬
‫لقد صنف أهل العلم في تاريخ الشام وفضائله وخططه كتبا عديدة‪ ،‬وهي‬
‫خالية من ذكر وفاة زينب الكبرى بالشام‪ ،‬ومن أقدم ما أُل ِّف في ذلك‪> ،‬تاريخ‬
‫أبي زرعة الدمشقي< (‪ 281‬هـ)(‪ ،)2‬وقد ذكر عددا من الصحابة الذين دخلوا‬
‫الشام أو ماتوا بها في تاريخه(‪ ،)3‬ولم يذكر فيهم زينب الكبرى ‪.‬‬
‫المق ّدم‪ ،‬قد ذكر عشرات‬
‫كما أن أبا القاسم ابن عساكر مؤرخ دمشق ُ‬
‫ينص على وفاتها في‬
‫الصحابة الذين دخلوا دمشق‪ ،‬ومنهم زينب الكبرى‪ ،‬ولم َّ‬
‫دمشق‪ ،‬فدل ذلك على خلو سائر الكتب المصنفة في تاريخ دمشق والشام‬
‫وخططها والتي اعتمد عليها ابن عساكر من ِذكر وفاة زينب بالشام‪ ،‬ومن المعلوم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد حاولت أن أستوفي كل األدلة التي تصلح إلبطال هذا القول‪ ،‬وما ذكرته هنا هو خالصة ما‬
‫انتهيت إليه بعد طول مطالعة لعشرات المصنفات المطبوعة منها والخطية‪ ،‬بما ال تجده في غير‬
‫هذا الموضع‪ ،‬وهذا من فضل اهلل علي وتوفيقه‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهو أول كتاب ذكره الدكتور صالح الدين المنجد في مقالة >المؤرخون الدمشقيون< المنشورة‬
‫بمجلة معهد المخطوطات العربية‪ ،‬المجلد الثاني‪( ،‬ص ‪.)65‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص ‪ 216‬ــ ‪ ،)241‬و(ص ‪ 688‬ــ ‪.)693‬‬

‫‪634‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫أن ابن عساكر قد وقف على عدة كتب مفردة في تاريخ الشام وخططها(‪ ،)1‬ولو‬
‫مر عليه في أحدها أن زينب ماتت في دمشق لذكره ولو كان ذلك ضعيفا‪ ،‬فكيف‬
‫وهو لم يذكر من ذلك شيئا‪ ،‬وهذا من أقوى األدلة على بطالن هذا القبر المنسوب‬
‫لزينب الكبرى‪ ،‬وقد احتج بنظير هذا من سلف من أهل العلم‪ ،‬فعندما ظهر قبر‬
‫ينسب لملكة من ذرية علي بن أبي طالب ‪ ‬في المائة السابعة في دمشق‪َّ ،‬بين‬
‫العلماء بطالنه لعدم نص أحد من مؤرخي دمشق على ذلك‪ ،‬يقول الشيخ أبو‬
‫الحسن عالء الدين بن العطار الدمشقي (‪ 724‬هـ) جوابا عن سؤال عن ضريح‬
‫ملكة‪> :‬أما الضريح المذكور فهو باطل ُم ْح َدث ال أصل له‪ ،‬أُحدث ألغراض‬
‫فاسدة في المائة السابعة‪ ،‬ولم يذكره الحافظ أبو القاسم ابن عساكر ‪ ‬في قبور‬
‫دمشق وال غيره<(‪.)2‬‬
‫وهذا الكالم ينطبق حذو القذة بالقذة على القبر المنسوب لزينب الكبرى‬
‫في قرية راوية بنواحي دمشق‪ ،‬وقد استند الباحث اإلمامي علي أصغر قائدان لهذا‬
‫الدليل فقال‪> :‬لم يذكر أي مصدر من المصادر التاريخية وكتب األنساب وعلم‬
‫الرجال وبعض المصادر التاريخية التي أشارت بدقة إلى المشاهد والمزارات في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬منها‪:‬‬
‫ــ كتاب ذكر الدور في دمشق ألبي الحسين الرازي (‪ 347‬هـ) اقتبس منه ابن عساكر (‪ 35‬نصا)‬
‫كما في موارد ابن عساكر في تاريخ دمشق (‪،)409/1‬‬
‫ــ ومنها تاريخ دمشق البن أبي العجائز (ق ‪ )4‬ونقل منه ابن عساكر (‪ 122‬نصا)‪ ،‬كما في موارد‬
‫ابن عساكر في تاريخ دمشق (‪،)197/1‬‬
‫ــ ومنها كتاب لتمام بن محمد البجلي الرازي (‪ 414‬هـ)‪ ،‬وكتاب لعبد العزيز بن أحمد الكتاني‬
‫(‪ 446‬هـ)‪ ،‬وكتاب لهبة اهلل بن أحمد األكفاني (‪ 524‬هـ) على ما ذكره الدكتور سامي الدهان في‬
‫مقدمة تحقيق األعالق الخطيرة (ص ‪ 34‬ــ ‪.)35‬‬
‫(‪ )2‬نقله عنه ابن طولون في قرة العيون في أخبار باب جيرون (ص ‪.)16‬‬

‫‪635‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫دمشق ووصفها بدقة بالغة أن مرقد السيدة زينب في راوية دمشق‪.)1(<...‬‬


‫ومما يُلحق بهذا الدليل‪ ،‬أن شيخ اإلسالم ابن تيمية الدمشقي ‪ ‬قد تكلم‬
‫في عدة مواضع من كتبه عن القبور والمشاهد المكذوبة على بعض األنبياء‬
‫والصحابة وآل البيت‪ ،‬وذكر عدة قبور ومشاهد في دمشق‪ ،‬كمشهد النبي هود‪،‬‬
‫ومشهد أبي بن كعب‪ ،‬والقبور التي يُظن أنها ألمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة‬
‫وأم حبيبة ‪ ،)2(‬وقبر معاوية ‪ ‬خارج مقبرة الباب الصغير(‪ ،)3‬ولم يأت على‬
‫ذكر قبر لزينب في دمشق أو خارجها‪.‬‬
‫ــ الدليل الثاني‪ :‬خلو كتب فضائل الشام وكتب الزيارات الشامية من ذكر‬
‫قبر زينب الكبرى ‪‬‬
‫أل َّف كثير من العلماء مصنفات مفردة في فضائل الشام‪ ،‬وكان بعضهم يعتني‬
‫بذكر الصحابة الذين توفوا بالشام‪ ،‬ومن أقدم المصنفات في ذلك كتاب >فضائل‬
‫الشام< لعلي بن محمد الربعي الدمشقي (‪ 444‬هـ)‪ ،‬وقد وصلنا هذا الكتاب‪،‬‬
‫وذكر فيه أن >أبا الدرداء وواثلة بن‬
‫وقد أفرد بابا >في ذكر من قُب َِر بدمشق<‪َ ،‬‬
‫األسقع وفضالة بن عبيد وأسامة بن زيد وحفصة بنت عمر وأم حبيبة زوجتي النبي‬
‫وعدة من الصحابة‪ ،‬ماتوا بدمشق ودفنوا بها<(‪ )4‬ومنهم من لم تثبت وفاته‬
‫بدمشق أصال(‪ ،)5‬ومع ذلك فلم يذكر زينب الكبرى ضمنهم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مقالة >ضريح السيدة زينب في سوريا (الزينبية) آراء ودراسة نقدية< (ص ‪.)8‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫جامع المسائل‪ ،‬المجموعة الرابعة (ص ‪ ،)155‬مجموع الفتاوى (‪.)170/27‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مجموع الفتاوى (‪ ،)447/27‬و(‪.)491/27‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫فضائل الشام ودمشق (ص ‪.)49‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫كأسامة بن زيد ‪ ،‬فقد قال الواقدي بوفاته في المدينة‪ ،‬وروى ابن سعد بإسناد فيه لين عن=‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪636‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫وقد اختصر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن الفزاري (‪ 729‬هـ) هذا‬
‫الكتاب وسماه‪> :‬اإلعالم بفضائل الشام<‪ ،‬ولم يستدرك عليه وفاة زينب الكبرى‬
‫بالشام(‪.)1‬‬
‫ومن المؤلفات الشامية التي لم تتعرض لذكر قبر زينب الكبرى‪ ،‬كتاب‬
‫>تحفة األنام في فضائل الشام< ألحمد بن محمد البصروي (‪ 1015‬هـ)‪ ،‬فقد‬
‫عقد الباب الرابع لذكر >بعض من توفي بدمشق وغيرها من أرض الشام من األنبياء‬
‫‪ ،‬ثم من الصحابة البررة الكرام‪.)2(<...‬‬
‫أما بالنسبة للكتب المصنفة في الزيارات في الشام وغيرها‪ ،‬فقد فصلت‬
‫ينسب هذا‬
‫ُ‬ ‫الكالم عنها عند الحديث عن تاريخ قبر راوية‪ ،‬وبينت أن أقدم نص‬
‫القبر إلى زينب الكبرى إنما كان على أقصى تقدير في القرن الثامن إن صح ما‬
‫نُسب ألبي بكر الموصلي‪ ،‬وإن كان الغالب على الظن أن هذه النسبة إنما نشأت‬
‫في القرن التاسع في زمن أبي البقاء البدري‪ ،‬وعليه فلم يكن يذكر أن زينب مدفونة‬
‫في قرية راوية في المصنفات التي أُلّفت في فضائل الشام وزياراتها قبل القرن‬
‫الثامن‪ ،‬مما يدل على أن هذا القول قد حدث بعد وفاة زينب بسبعة قرون! وكفى‬
‫بذلك دليال على بطالن هذا القول‪ ،‬فإذا ثبت خلو هذه المؤلفات التي اعتنت‬
‫بذكر الصحابة المدفونين بالشام من ذكر زينب‪ ،‬تبين أن انتساب هذا القبر إليها‬
‫أمر حادث‪ ،‬كما أنه لم يكن معلوما عند كثير من المتأخرين من المصنفين في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= الزهري أنه قال‪ُ > :‬حمل أسامة بن زيد حين مات من الجرف إلى المدينة<‪ ،‬انظر الطبقات البن‬
‫سعد ــ طبعة الخانجي ــ (‪.)67/4‬‬
‫(‪ )1‬مخطوط اإلعالم بفضائل الشام [ق ‪/152‬أ]‪ ،‬ضمن مجموع برقم (‪ )3961‬محفوظ بالظاهرية‪.‬‬
‫(‪ )2‬مخطوط تحفة األنام محفوظ بالمكتبة الظاهرية برقم (‪[ )4626‬ق ‪/14‬أ]‪.‬‬

‫‪637‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫فضائل الشام ودمشق‪.‬‬


‫وقد يعترض معترض بأن هؤالء المصنفين لم يستوعبوا كل الصحابة الذين‬
‫دفنوا في الشام‪ ،‬والجواب عن هذا سهل‪ ،‬إذ أن غفلتهم عن مثل زينب الكبرى‬
‫أمر مستبعد‪ ،‬فهل يتصور أن‬ ‫بنت علي ‪ ‬وبنت فاطمة ‪ ،‬بنت النبي‬
‫يذكروا من هو أقل شهرة منها كمدرك بن زياد ويغفلوا عن ابنة البضعة النبوية؟!‬
‫بل إن زينب الكبرى لو كانت قد دفنت في الشام لسارع المصنفون القدماء في‬
‫فضائل الشام في ذكرها‪ ،‬إذ أن غرضهم من ذكر المدفونين من الصحابة في الشام‬
‫هو بيان امتياز الشام عن غيرها من البلدان باحتواء تربتها على قبور أصحاب النبي‬
‫‪ ،‬فعدم ذكر قدمائهم لوفاة زينب في الشام دليل على أن ذلك لم يكن معروفا‬
‫في زمنهم‪ ،‬وهذا بالنسبة لمن صنف في هذا الباب قبل المائة الثامنة‪ ،‬أما من جاء‬
‫بعد المائة الثامنة ولم يذكر زينب مع أن هناك من ينسب لها قبرا في الشام‪ ،‬فعدم‬
‫ذكرهم لها إما لكونهم ال يرون ثبوت ذلك‪ ،‬أو ألن أمر هذا القبر لم يبلغهم أصال‪،‬‬
‫وهذا كله يضعف حجج القائلين بدفن زينب في الشام‪ ،‬وسيأتي مزيد من البيان‬
‫عند مناقشة استدالل القائلين بدفن زينب في راوية بما ورد في كتب الزيارات‪.‬‬
‫ــ الدليل الثالث‪ :‬خلو كتب الزيارات والمشاهد في التراث اإلمامي من‬
‫تعيين قبر زينب ‪‬‬
‫جل اإلمامية اليوم على القول بوفاة زينب الكبرى في قرية راوية‪ ،‬وصنفوا‬
‫في ذلك مؤلفات إلثبات دفنها وصحة قبرها بالشام‪ ،‬بل إني أكاد أجزم أنهم اليوم‬
‫مجمعون على وفاة زينب بالشام‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإن أعجب ما وقفت عليه أثناء هذا‬
‫البحث‪ ،‬أن الكتب التي صنفها علماء اإلمامية في الزيارات والمشاهد‪ ،‬وكذا‬

‫‪638‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫أبواب الزيارات في المصادر الروائية‪ ،‬منذ القرن الرابع وإلى عهد قريب‪ ،‬لم‬
‫يذكر فيها ال زيارة زينب‪ ،‬وال موضع وفاتها(‪ ،)1‬مع أن كتب الزيارات في التراث‬
‫اإلمامي قد اهتمت بتعيين مواضع دفن كثير من آل البيت‪ ،‬كما أنها تذكر روايات‬
‫منسوبة إلى آل البيت عن فضل كل زيارة‪ ،‬واألدعية التي تقال عند زيارة‬
‫قبورهم(‪ ،)2‬مع أن هذه الكتب قد ذكرت من هو أدنى منزلة من زينب الكبرى‪،‬‬
‫مثل فاطمة بنت موسى بن جعفر الكاظم‪ ،‬الملقبة بالمعصومة‪ ،‬فقد جاء في كتب‬
‫الزيارات تعيين وفاتها بقم(‪ ،)3‬ومثل عبد العظيم الحسني‪ ،‬فقد ورد في كتب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬والكتب التي راجعتها هي‪ :‬أبواب الزيارات في الكافي للكليني (‪ 329‬هـ)‪ ،‬كتاب كامل الزيارات‬
‫البن قولويه (‪ 368‬هـ)‪ ،‬كتاب مناسك المزار للمفيد (‪ 413‬هـ)‪ ،‬أبواب الزيارات في كتاب من‬
‫ال يحضره الفقيه البن بابويه القمي (‪ 381‬هـ)‪ ،‬كتاب المزار من تهذيب األحكام وكتاب مصباح‬
‫المتهجد وكتاب مختصر المصباح كلها للطوسي (‪ 460‬هـ)‪ ،‬المزار للمشهدي (عاش في القرن‬
‫السادس)‪ ،‬مصباح الزائر البن طاووس (‪ 664‬هـ)‪ ،‬اختيار المصباح الكبير البن باقي القرشي الحلي‬
‫(عاش في القرن السابع)‪ ،‬منهاج الصالح في اختصار المصباح للحلي (‪ 726‬هـ)‪ ،‬كتاب المزار‬
‫لمحمد بن مكي (‪ 786‬هـ)‪ ،‬المصباح للكفعمي (عاش في القرن التاسع)‪ ،‬كتاب المزار من بحار‬
‫األنوار وكتاب زاد المعاد وتحفة الزائر للمجلسي (‪ 1111‬هـ)‪ ،‬عمدة الزائر لحيدر الحسني الكاظمي‬
‫(‪ 1265‬هـ) كتاب المزار لمحمد مهدي القزويني (‪ 1300‬هـ)‪ ،‬كتاب جامع الزيارات لنبيل شعبان‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقد اصطلح اإلمامية على إطالق اسم الزيارة تارة على ذهاب الزائر إلى القبر واألعمال التي يقوم‬
‫بها أثناء ذلك‪ ،‬وتارة على األدعية التي تقال عند زيارة القبر‪ ،‬فيقولون مثال‪ :‬زيارة الحسين في‬
‫عرفة‪ ،‬وزيارة عاشوراء‪ ،‬ويقصدون بذلك ما يقوله الزائر يوم عرفة‪ ،‬وما يقوله في عاشوراء‪ ،‬فإن‬
‫قال هذه األدعية دون أن يأتي إلى القبر‪ ،‬سميت زيارة عن ُبعد‪ ،‬واألصل في هذه الزيارات أن‬
‫تكون مروية عن آل البيت‪ ،‬غير أن بعض هذه الزيارات تكون من إنشاء بعض الرواة أو بعض‬
‫ينبه المصنفون في الزيارات على ذلك‪.‬‬
‫علماء اإلمامية وغالبا ما ِّ‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬كامل الزيارات (ص ‪ ،)536‬كتاب المزار من بحار األنوار (‪ ،)265/99‬تحفة الزائر ــ‬
‫فارسي ــ (ص ‪ ،)664‬عمدة الزائر (ص ‪ ،)399‬مفاتيح الجنان (ص ‪ ،)807‬مصابيح الجنان‬
‫(ص‪ ،)417‬المزار لمهدي القزويني (ص ‪ ،)190‬أبواب الجنان (ص ‪.)562‬‬

‫‪639‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫الزيارات تعيين وفاته بالري(‪.)1‬‬


‫وقد صرح بعض علماء اإلمامية بهذه الحقيقة‪ ،‬وأول من وقفت عليه يتنبه‬
‫لذلك هو األغا الدربندي‪ ،‬حيث يقول وهو يستشكل ندرة الروايات الواردة في‬
‫تبيان فضل زيارة زينب الكبرى ونساء الحسين وبناته ‪> :‬أو ما تدري أن ما‬
‫وصل إلينا في شأن زيارة المعصومة‪ ...‬لم يصل مثله إلينا في شأن زيارة واحدة‬
‫من تلك النسوة الطاهرات؟<(‪.)2‬‬
‫يالحظ أن علماءنا الذين عليهم االعتماد‬
‫ويقول محمد جواد مغنية‪َ > :‬‬
‫كالكليني والصدوق والمفيد والطوسي والحلي لم يتعرضوا لمكان قبرها<(‪.)3‬‬
‫ومع أن السابقي أتعب نفسه إلثبات دفن زينب الكبرى بالشام وحاول أن‬
‫يحشد ما أمكنه من االستدالالت‪ ،‬إال أنه وافق محمد جواد مغنية في هذه‬
‫المسألة‪ ،‬فنقل كالمه ثم قال‪> :‬نحن نوافقه فيه<(‪!)4‬‬
‫ويقول محمد الهنداوي‪> :‬واألغرب من كل ذلك هو عدم ورود شيء من‬
‫األئمة من أهل البيت في وفاة العقيلة ولم نسمع أن أحدا من أصحابهم سألهم عن‬
‫ذلك<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كامل الزيارات (ص ‪ ،)537‬كتاب المزار من بحار األنوار (‪ )268/99‬وتحفة الزائر فارسي ــ‬ ‫(‪)1‬‬
‫(ص ‪ ،)668‬عمدة الزائر (ص ‪ ،)400‬مفاتيح الجنان (ص ‪ ،)811‬مصابيح الجنان (ص‪،)417‬‬
‫المزار لمهدي القزويني (ص ‪ ،)190‬أبواب الجنان (ص ‪.)566‬‬
‫إكسير العبادات (‪.)552/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مع بطلة كربالء (ص ‪.)81‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)238‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مجمع مصائب أهل البيت (‪.)329/3‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪640‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫وجاء في كتاب السيدة زينب في تاريخ اإلسالم‪> :‬لم يذكر العلماء لزيارتها‬
‫نصا خاصا بها<(‪.)1‬‬
‫ولذا فقد أفتى بعضهم بزيارة زينب الكبرى بنفس ما يزار به أبناء األئمة‪،‬‬
‫ومنهم من استعار ما روي في زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر مع تغيير بعض‬
‫األلفاظ وجعلَه زيارة لزينب(‪.)2‬‬
‫وأول نص خاص بزيارة زينب ــ بحسب ما وقفت عليه ــ ورد في رسالة‬
‫مستقلة سماها مؤلفها(‪> )3‬الزيارة المفجعة للسيدة زينب<‪ ،‬طبعت أول مرة سنة‬
‫ثم طبعت سنة ‪ 1347‬هـ في‬ ‫‪ 1288‬هـ في هامش كتاب زاد المعاد للمجلسي‪ّ ،‬‬
‫الهند‪ ،‬وصارت فيما بعد ْأش َهر الزيارات التي يقولها من يذهب لزيارة قبر زينب‬
‫‪ ‬في راوية‪ ،‬وهذه الزيارة أُخذت من زيارة فاطمة بنت الكاظم(‪ ،)4‬واستبدل‬
‫فيها اسم فاطمة بزينب!‬
‫ّأما أقدم كتاب مخصص للزيارات جاء فيه ذكر تعيين موضع قبر زينب الكبرى‬
‫ــ حسب ما وقفت عليه ــ‪ ،‬هو كتاب >هدية الزائرين< لعباس القمي (‪ 1359‬هـ)‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ثم نقل‬
‫فقد تعرض لذكر االختالف في موضع قبر زينب ورجح دفنها في الشام ‪ّ ،‬‬
‫الزيارة اآلنفة‪ ،‬لكن الغريب أ ّن عباس القمي لم يذكر زيارة زينب وال قبرها في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫السيدة زينب في تاريخ اإلسالم من إعداد لجنة التحقيق والتأليف في شؤون الثقافة والتعليم في‬ ‫(‪)1‬‬
‫مكتب الخامنئي (ص ‪.)51‬‬
‫السيدة زينب عالمة غير معلمة (ص ‪.)44‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ولم أهتد لمعرفته‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وأصل هذه الزيارة عند المجلسي في البحار (‪ ،)266/99‬ولم أقف عليها عند أحد قبله‪ ،‬وقد‬ ‫(‪)4‬‬
‫عزاها إلى كتاب في الزيارات ولم يذكر اسمه!‪.‬‬
‫هدية الزائرين ــ فارسي ــ (ص ‪ 456‬ــ ‪.)458‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪641‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫كتابه األشهر >مفاتيح الجنان<‪ ،‬مع أنه أل َّفه بعد هدية الزائرين(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫لحسن الصدر الكاظمي‬ ‫ثم يليه كتاب >تحية أهل القبور بالمأثور<‬
‫(‪1354‬هـ)(‪.)3‬‬
‫وفي القرن الرابع عشر‪ ،‬أُنشأت زيارة جديدة لزينب‪ ،‬نقلها فرج العمراني‬
‫القطيفي (‪ 1398‬هـ) في كتابه >وفاة زينب الكبرى<‪ ،‬وذكر أن الكاتب المصري‬
‫أحمد فهمي نقلها من كتاب اسمه >ذخيرة العباد<(‪ ،)4‬وهي نفس الصيغة التي‬
‫اعتمدت في كتاب >ضياء الصالحين< المطبوع سنة ‪ 1353‬هـ(‪.)5‬‬
‫وحكى عباس الكاشاني (‪ 1431‬هـ)‪ ،‬في كتابه >مصابيح الجنان<‪ ،‬االختالف‬
‫في موضع قبر زينب الكبرى ولم يجزم بترجيح مكانه(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فرغ عباس القمي من كتابه هدية الزائرين سنة ‪ 1322‬هـ كما جاء في آخره (ص ‪ ،)720‬وأما‬ ‫(‪)1‬‬
‫مفاتيح الجنان فقد فرغ منه سنة ‪ 1344‬هـ كما جاء في آخره (ص ‪.)728‬‬
‫قال الطهراني في الذريعة (‪> :)488/3‬رتبه على عشرة أبواب فيما لزياراتهم من الوظائف واآلداب‬ ‫(‪)2‬‬
‫وجعل له خاتمة في تعيين قبور جملة من أوالد األئمة ‪ ‬وقبور العلماء<‪ ،‬وقد طبعت خاتمة‬
‫الكتاب مع كتاب >نزهة أهل الحرمين< له أيضا‪ ،‬ولم أقف على تاريخ تأليف >تحية أهل القبور<‪،‬‬
‫ولو قلنا إن الصدر قد أل َّف كتاب التحفة في نفس تاريخ تأليفه للنزهة‪ ،‬فسنؤرخ كتاب التحفة بسنة‬
‫‪ 1326‬هـ وهو تاريخ تأليف النزهة‪.‬‬
‫خاتمة تحية أهل القبور بالمأثور المطبوعة مع كتاب نزهة أهل الحرمين (ص ‪.)72‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وفاة زينب الكبرى (ص ‪.)54‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ضياء الصالحين (ص ‪ ،)335‬وجل الطبعات الحديثة تنسب الكتاب لمحمد صالح الجوهرجي‪،‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫والصحيح أن الكتاب من تأليف أحمد المستنبط‪ ،‬كما ذكر هادي األميني في معجم المطبوعات‬
‫النجفية (ص ‪ ،)235‬لكنه لم يذكر اسمه على غالف الكتاب‪ ،‬وأما الجوهرجي فإنما تبرع بنفقة‬
‫طباعة الكتاب‪ ،‬كما جاء على غالف طبعة مطبعة اآلداب بتاريخ ‪ 1389‬هـ‪ ،‬انظر مقالة‪ :‬آثار الحاج‬
‫محمد صالح الجوهرجي نموذج الباقيات الصالحات لحيدر الجد‪.‬‬
‫‪http://alhikmeh.org/yanabeemag/?p=7034‬‬
‫(‪ )6‬مصابيح الجنان (ص ‪ ،)476‬وقد أحال على كتابه >بطلة اإلسالم زينب الكبرى< وذكر أنه=‬

‫‪642‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ثم صارت زيارة زينب تذكر في غالب كتب الزيارات المعاصرة(‪ ،)1‬وبذلك‬ ‫ّ‬
‫يظهر أ ّن إدخال زيارة زينب في كتب الزيارات في التراث اإلمامي‪ ،‬كان بعد ظهور‬
‫القول بوفاتها في الشام وتشييد مرقدها في القرن الثالث عشر‪ ،‬وأما قبل ذلك فلم‬
‫يكن لزينب أي ذكر في كتب الزيارات اإلمامية‪ ،‬وهذا أدل دليل على أن القول‬
‫بوفاة زينب بالشام والمشهور عند اإلمامية اليوم‪ ،‬إنما نشأ عندهم قبيل فترة قريبة‬
‫بعد ظهور القبر المنسوب لها هناك‪ ،‬وكفى بهذا دليال على بطالن انتساب هذا‬
‫القبر لزينب بمقتضى قواعدهم‪.‬‬
‫وهذا الدليل ــ وهو خلو الكتب المصنفة في المزارات والزيارات من تعيين‬
‫قبر زينب الكبرى ــ هو نفس ما استدل به السابقي إلبطال نسبة وفاة زينب الكبرى‬
‫في مصر(‪ ،)2‬لكنه لم يعترض على القبر الشامي بهذا المسلك‪ ،‬فلم يستعرض‬
‫سائر كتب تاريخ الشام وفضائله وخططه‪ ،‬والكتب المصنفة في الزيارات الشامية‬
‫القديمة وإنما استدل بكتب متأخرة بدءا من القرن السادس فما بعده(‪ ،)3‬وما ذلك‬
‫إال لعلمه بعدم ورود أي ذكر لزينب في هذه الكتب‪ ،‬كما أنه لم يعرج على كتب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= استقصى األقوال الواردة في ذلك‪ ،‬ولم أقف على هذا الكتاب‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الدعاء والزيارة لمحمد الشيرازي (ص ‪ ،)870‬والمنتخب الحسيني (ص ‪ ،)220‬وأنيس‬
‫الداعي والزائر لعز الدين بحر العلوم (ص ‪ ،)225‬وكلهم نقلوا الصيغة التي ذكرها صاحب كتاب‬
‫ضياء الصالحين‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 40‬ــ ‪.)50‬‬
‫(‪ )3‬وما نقله عن بعض الكتب الشامية المتأخرة‪ ،‬فال يسلم له‪ ،‬ألن جزءا من نقوالته مبني على اإليهام‬
‫والتدليس‪ ،‬كما هو الشأن في استدالله بكالم ابن عساكر وابن شداد وبعضها مبني على االفتراء‬
‫المحض كما هو الشأن لما نسبه لعدة من المؤلفين‪ ،‬والذي يسلم من نقوالته فالجواب عنه أنه‬
‫متأخر جدا ويرجع إلى القرن الثامن كما مضى تفصيله عند الكالم عن تاريخ قبر راوية‪ ،‬وقد مضت‬
‫مناقشة جملة من نقوالت السابقي وتزييفها فال حاجة إلعادتها هنا‪.‬‬

‫‪643‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫الزيارات المشهورة في التراث اإلمامي والتي مضت اإلشارة إليها‪ ،‬وذلك لعدم‬
‫وجود أي ذكر لزينب فيها‪.‬‬
‫ورود‬
‫َ‬ ‫وبعد ما مضى من البيان‪ ،‬ستقطع بأن ادعاء محمد كاظم القزويني‬
‫لزيارة قبر زينب(‪ ،)1‬هو افتراء محض‪ ،‬وأقل ما‬ ‫ثواب عظيم عن رسول اهلل‬
‫فيه أنه توهم باطل ال مستند له‪.‬‬
‫وبعد سرد هذه األدلة‪ ،‬التي يكفي أحدها للحكم بأن القول بوفاة زينب‬
‫الكبرى بالشام غلط وال أصل له وال دليل عليه‪ ،‬سنتعرض لمناقشة ما يستدل به‬
‫القائلون بأن زينب الكبرى دفنت في الشام في بلدة راوية التي تسمى اليوم منطقة‬
‫السيدة زينب‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ ،)599‬وأحال المحقق في الهامش على (ص‪،)35‬‬
‫منقولة من كتاب الطراز‬ ‫وعند مراجعة تلك الصفحة لم أجد إال رواية مفتراة على النبي‬
‫المذهب عن ثواب البكاء على زينب‪ ،‬وليس فيها أي ذكر لزيارة زينب‪ ،‬فال أدري من أين استنبط‬
‫القزويني من هذه الرواية أن فيها ثوابا لزيارة زينب!!‪.‬‬

‫‪644‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫‪ 4‬ــ مناقشة األدلة التي استدل بها إلثبات دفن زينب الكبرى ‪ ‬في الشام‬
‫عندما تراجع كالم القائلين بدفن زينب الكبرى ‪ ‬في راوية‪ ،‬تجدهم‬
‫يستدلون بأدلة يدعى أنها دالة على صحة هذا القول‪ ،‬وقد نظرت فيما استدلوا به‪،‬‬
‫فتبين لي أن استدالالتهم تدور على ستة أصناف‪:‬‬
‫الصنف األول‪ :‬أدلة مفتعلة بعد انتساب هذا القبر لزينب‪ ،‬وهي من عمل‬
‫بعض المتأخرين الذين عجزوا عن اإلتيان بدليل على وفاة زينب في الشام‪،‬‬
‫فلجؤوا إلى اختالق ألوان من األدلة لنصرة هذا القول‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬استدالالت خاطئة مبنية على سوء الفهم والتدليس والخيانة‬
‫في النقل‪ ،‬وجلها من عمل محمد حسنين السابقي‪.‬‬
‫الصنف الثالث‪ :‬ما ورد في بعض كتب الزيارات وفضائل الشام من نسبة‬
‫قبر راوية إلى زينب الكبرى‪.‬‬
‫الصنف الرابع‪ :‬ما ورد في بعض كتب الرحالت‪.‬‬
‫الصنف الخامس‪ :‬دعوى الشهرة‪.‬‬
‫الصنف السادس‪ :‬ادعاء وقوع الكرامات عند القبر المنسوب لزينب‬
‫الكبرى‪ ،‬وسنناقش هذه األدلة المتوهمة مناقشة مفصلة‪.‬‬
‫ــ الصنف األول‪ :‬أدلة مختلقة على وفاة زينب الكبرى ‪ ‬بالشام‬
‫أ ــ رواية خروج عبد الل بن جعفر ‪ ‬مع زينب الكبرى ‪ ‬إلى الشام‬
‫بسبب المجاعة‬
‫ُعمدة أدلة القائلين بوفاة زينب في الشام‪ ،‬رواي ٌة مختلقة ال أصل لها‪ ،‬زعم‬
‫‪645‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫واضعها أن مجاعة أصابت المدينة‪ ،‬فاضطر عبد اهلل بن جعفر ‪ ‬للخروج للشام‬
‫ومعه زوجته زينب ‪ ،‬حيث كانت له قرى ومزارع‪ ،‬فتوفيت زينب هناك‪،‬‬
‫ودفنت بإحدى ضيعات عبد اهلل بن جعفر حيث قبرها اليوم‪ ،‬واعتمد على هذه‬
‫الرواية جماعة من علماء اإلمامية‪ ،‬كالمراغي(‪ ،)1‬والخياباني التبريزي(‪ ،)2‬والنوري‬
‫الطبرسي(‪ ،)3‬وهاشم الخراساني(‪ ،)4‬وحسن الصدر(‪ )5‬وعباس القمي(‪،)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذكرها في الخيرات الحسان ــ فارسي ــ (‪ ،)29/2‬ونقلها عنه الخياباني في وقائع األيام‬ ‫(‪)1‬‬
‫(ص ‪ ،)523‬والسابقي في مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)217‬‬
‫وقائع األيام (ص ‪.)523‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نقله عنه عباس القمي في هدية الزائرين (ص ‪ ،)457‬وانظر مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)226‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫منتخب التواريخ (ص ‪ 101‬ــ ‪ )103‬بواسطة مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)227‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تحية أهل القبور بالمأثور‪ ،‬طبع جزء منه ملحقا بكتاب نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين‬ ‫( ‪)5‬‬
‫(ص ‪.)72‬‬
‫ومن غرائب االعتراضات قول جعفر مرتضى العاملي في كتابه زينب ورقية في الشام (ص ‪:)25‬‬
‫>نالحظ هنا أن العالمة األمين يقول‪> :‬ومما ألحق برسالة نزهة الحرمين الخ‪.<..‬‬
‫وال ندري لماذا اختار هذا التعبير االتهامي‪ ،‬وهل لديه شاهد على هذا اإللحاق‪ ،‬ولماذا لم يرد‬
‫هذا التعبير عند غيره<‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ال وجه لهذا االعتراض‪ ،‬وليس في كالم محسن األمين أي اتهام أو إيهام‪ ،‬فإن حسن الصدر‬
‫صنف كال من نزهة أهل الحرمين‪ ،‬وتحية أهل القبور على حدة‪ ،‬وعندما طُبع نزهة أهل الحرمين‬
‫ثم‬
‫الطابع جزءا من كتاب تحية أهل القبور‪ ،‬فكتب‪> :‬ملحق بالكتاب<‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫سنة ‪ 1354‬هـ‪ ،‬أَ َ‬
‫لحق به‬
‫نقل ما جاء في كتاب تحية أهل القبور!‬
‫فظهر أن جعفر مرتضى العاملي لم يكلف نفسه حتى مراجعة النزهة‪ ،‬وإال لوجد فيها كلمة >ملحق<‬
‫التي اعترض على ذكر محسن األمين لها!‬
‫والذي يظهر لي أن هذا تشغيب محض‪ ،‬سببه أن محسن األمين اعترض على رواية هجرة عبد اهلل بن‬
‫جعفر بسبب المجاعة وانتقدها وبين بطالنها بوجوه عدة‪ ،‬وألن جعفر مرتضى العاملي يخالف‬
‫محسن األمين في هذه المسألة‪ ،‬فقد تهجم عليه بهذه الطريقة الغريبة‪.‬‬
‫هدية الزائرين (ص ‪ ،)457‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)226‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪646‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫والبراقي(‪ ،)1‬وفضل علي القزويني(‪ ،)2‬وفرج العمران(‪ ،)3‬ومحمد بيضون(‪،)4‬‬


‫وجعفر مرتضى العاملي(‪ ،)5‬وحسن الصفار(‪ ،)6‬وغيرهم‪.‬‬
‫والكالم عن هذه الرواية يقع في وجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬إن هذه الرواية هي من موضوعات القرن الثالث عشر قطعا‪،‬‬
‫عرف إلى اآلن ما مصدر هذه الرواية!‪ ،‬وقد صرح جماعة من علماء اإلمامية‬‫ولم يُ ْ‬
‫منهم جعفر النقدي ومحسن األمين‪ ،‬ومحمد علي الطباطبائي وعلي أصغر‬
‫قائدان(‪ )7‬بأن هذه الرواية لم توجد في أي مصدر من مصادر التاريخ‪.‬‬
‫لكن المحق ََّق أنها من تفردات بعض متأخري اإلمامية‪ ،‬يقول هاشم معروف‬
‫اإلمامي‪> :‬إ ّن الذين رووا أسطورة خروج عبد اهلل من المدينة إلى قريته بضواحيها‬
‫مع زوجته عقيلة الطالبيِّين كلّهم من متأخري المؤلفين‪ ،‬ومن غير المعروفين ببعد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نقله عنه محمد حسين حرز الدين‪ ،‬انظر مراقد المعارف (‪ )291/1‬الهامش (‪.)1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اإلمام الحسين وأصحابه (‪ 318/3‬ــ ‪.)319‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وفاة زينب الكبرى المطبوع مع وفيات األئمة (ص ‪.)469‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫نقله عنه ابنه في موسوعة كربالء (‪ ،)647/2‬ومن عجائبه قوله‪> :‬ولقد و ّكد هذه الرواية بواقعها‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫كل من ابن طولون والهروي وسبط ابن الجوزي والصيادي وغيرهم‪ ،‬كما و ّكدها أيضا أحمد بن‬ ‫ّ‬
‫خالد الناصري في (طلعة المشتري) وابن عبد البر في (االستيعاب)‪ ،‬والعبيدلي في تاريخه<‪،‬‬
‫وال شك أن هذا افتراء صرف‪ ،‬فال أحد من المذكورين ذكر هذه الرواية وال أكدها!‪.‬‬
‫زينب ورقية في الشام (ص‪ 97‬ــ ‪ ،)101‬و(ص ‪ ،)103‬الصحيح من سيرة اإلمام علي‬ ‫( ‪)5‬‬
‫(‪.)324/1‬‬
‫المرأة العظيمة (ص ‪.)341‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫انظر على التوالي‪ :‬أعيان الشيعة (‪ ،)17/5‬الفردوس األعلى لكاشف الغطاء بتعليق الطباطبائي‬ ‫(‪)7‬‬
‫(ص ‪ )61‬الهامش‪ ،‬زينب الكبرى (ص ‪ ،)120‬مقالة ضريح السيدة زينب في سوريا (الزينبية)‬
‫آراء ودراسة نقدية‪ ،‬منشورة بمجلة العلوم اإلنسانية الدولية‪ ،‬العدد ‪ 1433 ،)3( 19‬هـ‪2012/‬‬
‫(ص ‪.)7‬‬

‫‪647‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫النظر وتحري الحقائق‪ ،‬ولم يسندوها إلى أحد المؤرخين القدامى‪ ،‬وال إلى أحد‬
‫الرواة الذين كانوا يتتبعون أحداث تلك الفترة من تاريخ المسلمين<(‪.)1‬‬
‫يعين مصدرها أو‬
‫قلت‪ :‬إن واضع هذه الرواية‪ ،‬لم يكلف نفسه حتى أن َّ‬
‫يختلق لها إسنادا!‬
‫المذ َّهب< نقلها عن بعض‬
‫فقد ذكر جعفر النقدي أن صاحب >الطراز ُ‬
‫المتأخرين‪ ،‬وغير بعيد أن المقصود به محمد المراغي الملقب باعتماد السلطنة‬
‫(‪ 1313‬هـ)‪ ،‬فقد نقل المراغي في كتابه >الخيرات الحسان في تراجم النسوان<‬
‫(‪)2‬‬
‫قصة المجاعة وخروج عبد اهلل بن جعفر مع زينب‪ ،‬ولم يعزها إلى أي مصدر‬
‫بل ص ّدرها بقوله‪> :‬قال بعض المتتبعين من أهل االطالع<(‪ ،)3‬ونقل محمد حرز‬
‫الدين أنه سمع محمد حسن اإلشتياني يقول‪ :‬إن هذه الرواية في كتاب من كتب‬
‫العامة(‪ ،)4‬إال أن الوقت لم يسعه لسؤال اإلشتياني‪ ،‬ثم مات اإلشتياني قبل أن‬
‫يعرف محمد حرز الدين اسم الكتاب(‪ ،)5‬ونقلها محمد حسين األعلمي عن بعض‬
‫علماء جبل عامل دون أن يسميه(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من وحي الثورة الحسينية (ص ‪ 129‬ــ ‪.)130‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الخيرات الحسان ــ فارسي ــ (‪ ،)29/2‬ونقلت الترجمة من مرقد العقيلة زينب للسابقي‬ ‫(‪)2‬‬
‫(ص ‪ ،)217‬وانظر مراقد المعارف (‪.)290/1‬‬
‫والحق أن هذا القائل المجهول من أهل االختراع ال االطالع‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أي أهل السنة‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫معارف الرجال (‪ 240/1‬ــ ‪ ،)241‬ونقل حفيده محمد حسين حرز الدين في تعليقه على مراقد‬ ‫( ‪)5‬‬
‫المعارف (‪ )291/1‬الهامش (‪ ،)1‬رواية شفوية من كتاب الثمر المجتنى للبراقي‪ ،‬يذكر فيها أن‬
‫اإلشتياني قد ذكر اسم الكتاب الذي ُو ِجدت فيه هذه الرواية لحسين الخليلي‪ ،‬لكن الخليلي لم‬
‫يحفظ اسم الكتاب!‪.‬‬
‫تراجم أعالم النساء (‪ ،)172/2‬وانظر‪ :‬زينب ورقية في الشام لجعفر مرتضى العاملي (ص ‪.)24‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪648‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ويبدو أن بعضهم نسب هذا الرواية إلى مصدر ال توجد فيه‪ ،‬قال النقدي‪:‬‬
‫>أغرب من ذلك أ ّن بعض من (يدعي وصال بليلى) عزاه إلى كتاب لم نجده فيه‬
‫بعد الفحص والتتبع<(‪.)1‬‬
‫وذكر فضل علي القزويني هذه القصة وعزاها إلى جمع معتمد من المؤرخين‬
‫دون أن يذكر اسم أي واحد منهم(‪ ،)2‬وساق هذه القصة بزيادة تذكر سبب مرض‬
‫زينب وعزاها إلى نسخة موجودة عنده دون أن يذكر اسم الكتاب(‪.!!)3‬‬
‫وكل هذا التعتيم عن مصدر الرواية سببه عدم وجود أي أصل لها‪ ،‬بل هي‬
‫من قبيل الروايات المختلقة عن زينب الكبرى ‪ ‬التي مر الكالم عنها في مبحث‬
‫سابق‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬وردت هذه الرواية بصيغ عدة مختلفة‪ ،‬وفيها تناقضات غريبة‬
‫في بعض تفاصيلها‪ :‬فمن ذلك أن بعضهم يذكر أن هجرة عبد اهلل بن جعفر مع‬
‫زينب إلى الشام كانت في زمن يزيد(‪ ،)4‬وبعضهم يذكر أن ذلك كان في خالفة‬
‫عبد الملك بن مروان(‪ ،!)5‬وبعضهم يذكر أن القرية التي توفيت فيها زينب كانت‬
‫فيها ضيعة مملوكة لعبد اهلل بن جعفر(‪ ،)6‬وبعضهم يذكر أن معاوية هو من أهدى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب الكبرى للنقدي (ص ‪.)120‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اإلمام الحسين وأصحابه (‪.)318/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلمام الحسين وأصحابه (‪.)319/3‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تراجم أعالم النساء (ص ‪.)175‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تحية أهل القبور بالمأثور‪ ،‬طبع جزء منه ملحقا بكتاب نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين‬ ‫( ‪)5‬‬
‫(ص ‪ ،)72‬اإلمام الحسين وأصحابه (‪.)319/3‬‬
‫اإلمام الحسين وأصحابه (‪.)319/3‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪649‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫تلك الضيعة لعبد اهلل ابن جعفر(‪ ،)1‬وبعضهم يذكر أن تلك األرض التي دفنت‬
‫فيها زينب إنما أقطعها يزيد لزينب ألنها أبت أن تدخل دمشق(‪ ،)2‬وبعضهم يذكر‬
‫أن زينب بقيت في تلك األرض إلى أن توفيت(‪ ،)3‬وبعضهم يذكر أن زينب‬
‫توفيت بمجرد أن بلغت ذلك الموضع(‪ ،)4‬وبعضهم يذكر أنها بقيت هناك وأنها‬
‫توفيت ألنها اعتلت ومرضت عندما رأت دم الحسين في جدار بإحدى سكك‬
‫القرية(‪.)5‬‬
‫أقول‪ :‬وهناك اختالفات أخرى لم أذكرها‪ ،‬والمقصود أن سبب هذا التناقض‬
‫واالختالف أن الرواية لما كانت بدون أي أصل‪ ،‬كانت تروى كيف ما اتفق!‬
‫الوجه الثالث‪ :‬من دالئل الوضع في المتن‪ ،‬أنه لم يُنقل في كتب التاريخ‬
‫حدوث مجاعة في تلك السنة التي يُ َّدعى أن عبد اهلل بن جعفر خرج فيها إلى‬
‫في‬ ‫حدث من هذا النوع يصيب مدينة الرسول‬
‫الشام‪ ،‬يقول هاشم معروف‪ٌ > :‬‬
‫تلك الفترة من التاريخ ال يتجاهله التاريخ‪ ،‬وال الذين كانوا يسجلون أحداث‬
‫العالم اإلسالمي صغيرها وكبيرها! مع العلم أ ّن المؤرخين ألحداث ‪ 65‬و‪ 74‬لم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الخيرات الحسان ــ فارسي ــ (‪ ،)29/2‬ونقلت الترجمة من مرقد العقيلة زينب للسابقي‬ ‫(‪)1‬‬
‫(ص ‪ ،)217‬اإلمام الحسين وأصحابه (‪.)319/3‬‬
‫نقل محمد حرز الدين ذلك عن محمد حسن اإلشتياني‪ ،‬انظر معارف الرجال (‪ 240/1‬ــ ‪،)241‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ومراقد المعارف (‪.)292/2‬‬
‫نقل محمد حرز الدين ذلك عن محمد حسن اإلشتياني‪ ،‬انظر معارف الرجال (‪ 240/1‬ــ ‪،)241‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ومراقد المعارف (‪.)292/2‬‬
‫مراقد المعارف (‪ )291/1‬الهامش‪ ،‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)215‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الخيرات الحسان ــ فارسي ــ (‪ ،)29/2‬ونقلت الترجمة من مرقد العقيلة زينب للسابقي‬ ‫( ‪)5‬‬
‫(ص ‪ ،)217‬اإلمام الحسين وأصحابه (‪.)319/3‬‬

‫‪650‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫يتعرض أحد منهم لحدث من هذا النوع<(‪.)1‬‬


‫وقد ناقش المرجع اإلمامي محسن األمين متن هذه الرواية مناقشة طويلة‪،‬‬
‫أورد فيها وجوها عديدة لردها‪ ،‬لعل أحسنها أنه لم يُنقل أن عبد اهلل بن جعفر‬
‫كانت عنده قرى في الشام(‪ ،)2‬فهذا الخبر المختلق يحمل دالئل كذبه في‬
‫مضمونه‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬لقد رد هذه الرواية عدة من علماء اإلمامية و ُك ّتابهم‪:‬‬
‫فقال محسن األمين عن هذه الرواية‪> :‬قد جرت عادة كثير من الناس إذا‬
‫رأوا ما ال يعلمون وجهه أن يخترعوا له وجها‪ ،‬فتارة يكون له صورة ظاهرية وتارة‬
‫يكون خرافيا‪ ،‬وتارة يزيد على الخرافة كهذا<(‪.)3‬‬
‫وقال محمد علي الطباطبائي عن هذا الخبر‪> :‬ال أثر له في صفحات التاريخ‬
‫والسير<(‪.)4‬‬
‫وقال جعفر النقدي‪> :‬حديث ال أثر له في كتب التأريخ والسير واألنساب‬
‫والتراجم ولم يذكره المنقبون في اآلثار ممن كتب في أهل البيت‪ ...‬وما أدري‬
‫المنجم يدري) من أين جاء القائل بحديث المجاعة‪ ،‬وقد خلت عنه زبر‬ ‫ِّ‬ ‫(و ال‬
‫األولين الذين هم أقرب عهدا بأمثال هذه الوقائع من هذا القائل وذويه<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من وحي الثورة الحسينية (ص ‪.)129‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أعيان الشيعة (‪ 140/7‬ــ ‪.)141‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أعيان الشيعة (‪.)17/5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الفردوس األعلى لكاشف الغطاء بتعليق الطباطبائي (ص ‪ )61‬الهامش‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)120‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪651‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ووصف هاشم معروف هذه القصة بأنها أسطورة(‪ ،)1‬وانتقد الكاتب علي‬
‫أصغر قائدان هذه الرواية بتفصيل وبين مواضع الخلل فيها(‪.)2‬‬
‫بل إن بعض القائلين بوفاة ودفن زينب في الشام لم يركنوا إلى هذه الرواية‪،‬‬
‫مثل محمد باقر القرشي الذي يقول‪> :‬حدوث المجاعة فيما نعتقد ال أساس له‬
‫من الصحة‪ ،‬ألن المؤرخين والرواة لم يذكروا أنه حدثت مجاعة في يثرب في‬
‫ذلك الوقت<(‪.)3‬‬
‫ونظيره أحمد شكر الحسيني فقد رد هذه الرواية مع أنه من القائلين بدفن‬
‫زينب الكبرى في الشام(‪.)4‬‬
‫اعتراض جعفر مرتضى العاملي وتناقضه!‬
‫مع كل هذه الدالئل الظاهرة والحاكمة بأن هذه الرواية مختلقة ومصنوعة‪،‬‬
‫إال أن جعفر مرتضى العاملي حاول الدفاع عنها بكالم غريب‪ ،‬فقد أورد كالم‬
‫محسن األمين عن عدم وجود هذه الرواية في أي مصدر من مصادر المسلمين‪،‬‬
‫ثم اعترض عليه بعذر واه فقال‪> :‬إن عدم الوجدان ال يدل على عدم الوجود‪ ،‬وكم‬
‫من المصادر التي تلفت عبر العصور‪ ..‬فإنها تعد بعشرات األلوف‪ ،‬ولم يصل‬
‫إلينا منها سوى النزر اليسير<(‪ ،)5‬وقال في موضع آخر‪> :‬إننا ال ندعي ألنفسنا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من وحي الثورة الحسينية (ص ‪.)129‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مقالة ضريح السيدة زينب في سوريا (الزينبية) آراء ودراسة نقدية‪ ،‬منشورة بمجلة العلوم اإلنسانية‬ ‫(‪)2‬‬
‫الدولية‪ ،‬العدد ‪ 1433 ،)3( 19‬هـ‪( 2012/‬ص ‪.)7‬‬
‫السيدة زينب رائدة الجهاد (ص ‪.)327‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الشمس الطالعة (‪.)267/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫زينب ورقية في الشام (ص ‪.)33‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪652‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫اإلحاطة بمؤلفات السابقين‪ ،‬وال االطالع التام على كل ما وصل إلينا‪ ..‬فعدم‬
‫وجداننا هذه المنقوالت ال يدل بالضرورة على عدم وجودها فال يحق لنا المبادرة‬
‫إلى اإلنكار والنفي القاطع لها<(‪.)1‬‬
‫قلت‪ :‬إن هذا الكالم ال يصدر إال ممن ُتع ِو ُزه األدلة‪ ،‬فيلجأ لمثل هذه‬
‫المسالك الغريبة التي ال تمت إلى البحث العلمي وأصول التحقيق بأي صلة‪،‬‬
‫ومن أحسن ما قيل في رد هذا الجواب‪ :‬إننا ال ندعي عدم الوجدان‪ ،‬بل ندعي‬
‫وجدان العدم!‪ ،‬ثم إنه قد تقرر عند العقالء أن البينة على المدعي‪ ،‬وأن إثبات‬
‫مسألة ما ال يكون إال عن دليل‪ ،‬خالفا للنفي فال يحتاج إلى دليل‪ ،‬فالمثبت هو‬
‫الذي عليه أن يقيم البينة على صحة الدعوى‪.‬‬
‫ولكنك ستعجب حينما ترى أن جعفر مرتضى ينقض منطق هذا الجواب‬
‫واالعتذار في نفس الكتاب!‪ ،‬فقد قال في نقده لرواية خروج زينب من المدينة‬
‫إلى مصر‪ ،‬المروية في كتاب >أخبار الزينبات<‪> :‬ما معنى أن ال نجد لها أي ذكر‪،‬‬
‫ولم تدون في أي من المصادر التي وصلت‬ ‫ولم يُشر إليها بكلمة واحدة أي راو‪ْ ،‬‬
‫إلينا‪ ،‬وال نُقلت لنا على لسان أحد من الناس<(‪.)2‬‬
‫وستعلم بذلك أن جعفر مرتضى وقع في تناقض ظاهر‪ ،‬فرواية هجرة زينب‬
‫إلى الشام بسبب المجاعة التي ال يُعرف مصدرها يعتمد عليها جعفر مرتضى‬
‫العاملي ويرد على من ينتقدها لعدم وجودها في أي مصدر!‪ ،‬أما رواية حسن‬
‫قاسم التي تثبت وفاة زينب في مصر فيعترض عليها العاملي بعدم نقلها في أي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬زينب ورقية في الشام (ص ‪.)103‬‬
‫(‪ )2‬زينب ورقية في الشام (ص ‪.)54‬‬

‫‪653‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫مصدر‪ ،‬وما ذلك إال ألنها تناقض مراده في إثبات دفن زينب في الشام‪ ،‬مع العلم‬
‫أن دعوى حسن قاسم أقوى من دعوى أصحاب رواية المجاعة‪ ،‬ألن حسن قاسم‬
‫أتعب نفسه ونسب الرواية لكتاب >أخبار الزينبات<‪ ،‬وادعى أنه تأليف يحيى بن‬
‫الحسن العقيقي العبيدلي‪ ،‬وأنه استنسخ الكتاب من مخطوط‪ ،‬وركب لهذه الرواية‬
‫إسنادا‪ ،‬ومع ذلك لم يقبل جعفر مرتضى العاملي كالمه‪ ،‬أما صاحب رواية‬
‫المجاعة فلم يكلف نفسه حتى أن ينسب هذه الرواية إلى مصدر معروف‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فجعفر مرتضى يصدق رواية المجاعة التي ال مصدر لها ويدافع عنها!‪.‬‬
‫وال يقتصر تناقض جعفر مرتضى العاملي على ما قرره في هذا الكتاب‪ ،‬بل‬
‫إنك حين تراجع كتابه >بيان األئمة وخطبة البيان في الميزان<‪ ،‬ستجده يقرر هناك‬
‫ما يناقض كالمه هنا‪ ،‬حيث إن صاحب بيان األئمة كان ينقل عن مصادر غير‬
‫معروفة وال موجودة‪ ،‬فلم يبرر له جعفر مرتضى العاملي ذلك بقوله‪> :‬وكم من‬
‫المصادر التي تلفت عبر العصور<‪ ،‬وال بقوله‪> :‬إننا ال ندعي ألنفسنا اإلحاطة‬
‫بمؤلفات السابقين‪ ،‬وال االطالع التام على كل ما وصل إلينا‪ ..‬فعدم وجداننا‬
‫هذه المنقوالت ال يدل بالضرورة على عدم وجودها<‪ ،‬كما صنع مع رواية‬
‫المجاعة‪ ،‬بل قال هناك‪> :‬إنه قد أسند قسما آخر من منقوالته األخرى إلى كتب غير‬
‫معروفة وال مألوفة‪ ،‬وال سمع بها أحد‪ ،‬ولعله ال وجود لها إال في مخيلة مخترع‬
‫اسمها الرنان<(‪ ،)1‬وعندما ذكر صاحب بيان األئمة رواية دون أن ي ُدل على‬
‫مصدرها‪ ،‬علّق جعفر مرتضى معترضا‪> :‬ليته ذكر لنا مصدر هذه الرواية ومن أي‬
‫مخطوط أخذها<(‪ ،)2‬واعترض العاملي بنفس هذا االعتراض على مؤلف بيان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بيان األئمة وخطبة البيان في الميزان (ص ‪.)14‬‬
‫(‪ )2‬بيان األئمة وخطبة البيان في الميزان (ص ‪.)41‬‬

‫‪654‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫األئمة في مواضع كثيرة(‪ ،!)1‬فلتعجب من هذه االزدواجية العجيبة في منهج جعفر‬


‫مرتضى العاملي‪.‬‬
‫ثم لو سلمنا جدال بصحة هذا الجواب‪ ،‬وفرضنا أن أصحاب المرقد‬
‫السنجاري المنسوب لزينب الكبرى في العراق ادعوا أنهم وقفوا على رواية أخرى‬
‫في دفن زينب بسنجار‪ ،‬وأن بعض أهل العلم أو العامة أو المؤرخين المتتبعين‬
‫قالوا‪> :‬إن أهل البيت لما رجعوا من الشام إلى المدينة‪ ،‬مروا بسنجار فمرضت‬
‫زينب هناك وماتت<‪ ،‬فإن طولبوا بالدليل‪ ،‬أو قيل لهم إن هذا الخبر ال يوجد في‬
‫أي مصدر‪ ،‬أجابوا‪ :‬ليس كل المصادر قد ُوجدت بل الكثير منها مفقود‪ ،‬وعدم‬
‫الوجدان ال يدل على عدم الوجود‪ ،‬فإنهم بال ريب‪ ،‬سيفحمون جعفر مرتضى‬
‫العاملي بمثل حجته‪ ،‬ولن يكون له معهم أي كالم ألنهم احتجوا بمثل ما َّقرره‪،‬‬
‫وأنت خبير بأن هذا مسلك رديء في البحث العلمي‪ ،‬وأنه باب من أبواب اختراع‬
‫األكاذيب والخرافات‪ ،‬وبذلك أختم الكالم عن هذه الرواية‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫ب ــ قصة العثور على صخرة في القبر المنسوب لزينب الكبرى ‪‬‬
‫لجأ القائلون بوفاة زينب الكبرى في قرية راوية‪ ،‬إلى استحداث دليل آخر‬
‫على ذلك‪ ،‬وهو كتابةٌ يُدعى أنها وجدت على صخرة كانت على قبر راوية‪ ،‬وقد‬
‫ذكر محمد حرز الدين قصة في العثور على هذه الصخرة‪ ،‬فنقل عن سادن قبر‬
‫زينب‪ ،‬أن قبة المرقد سقطت سنة ‪1302‬هـ‪ ،‬فانخسف جانب منه‪ ،‬فلما أرادوا‬
‫إعادة بنائه وجدوا داخل القبر صخرة كتب فيها بالخط الكوفي القديم‪> :‬هذا قبر‬
‫السيدة زينت بنت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين<‪ ،‬قال السادن‪> :‬فوضعناها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬بيان األئمة وخطبة البيان في الميزان (ص ‪.)42 ،35 ،31 ،27‬‬

‫‪655‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫في القبر وهي اليوم موجودة وال ريب فيه<(‪.)1‬‬


‫(‪)2‬‬
‫ونقل حفيده محمد حسين هذه القصة عن الثمر المجتنى للبراقي‬
‫بزيادات‪ ،‬منها أن سادن القبر الذي ح ّدثهم بهذه القصة هو السيد سليم‪ ،‬ومنها أن‬
‫رجل‪ ،‬وأن المسلمين واليهود والنصارى عجزوا عن‬ ‫طول الصخرة كان قدر قامة ُ‬
‫قراءة ما كتب على الصخرة!‪ ،‬حتى جيء برجل كبير السن عالم بالسير والتواريخ‬
‫واأللسن فتمكن من قراءة ما في الصخرة(‪.)3‬‬
‫وقد ذكر محسن األمين أنه رأى هذه الصخرة وأن المكتوب عليها‪> :‬هذا‬
‫قبر السيدة زينب المكناة بأم كلثوم بنت سيدنا علي ‪ ،<‬قال‪> :‬وليس فيها‬
‫تاريخ‪ ،‬وصورة خطها تدل على أنها كتبت بعد الستمائة من الهجرة<(‪ ،)4‬وجعل‬
‫السابقي هذه الصخرة دليال على وفاة زينب الكبرى براوية(‪.)5‬‬
‫والجواب من وجوه‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬وقع اضطراب في تعيين المكتوب على الصخرة‪ ،‬فإن السادن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مراقد المعارف (‪.)291/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ولعل المقصود به كتاب الثمر المجتبى من خديجة الكبرى في ذرية المصطفى للبراقي‪ ،‬ذكره كامل‬ ‫(‪)2‬‬
‫سلمان الجبوري في مقدمة تحقيقه لكتاب تاريخ النجف للبراقي (ص ‪ ،)16‬ونبه على أن البراقي‬
‫سماه فيما بعد‪ :‬كشف األستار في أوالد خديجة من النبي المختار ‪ ،‬وذكر أن الكتاب مخطوط‬
‫ومحفوظ في مكتبة كاشف الغطاء تحت رقم (‪ ،)828‬وهو مذكور في معجم ما أُلّف عن الرسول‬
‫وأهل بيته لعبد الجبار الرفاعي (‪ ،)77/3‬ومعجم ما أُلّف عن المرأة واألسرة ألم علي مشكور‬
‫(‪ 466/2‬ــ ‪ )467‬و ُذكر فيهما أن رقم حفظه هو (‪22‬متنوعة‪ ،‬و‪ 36‬مجاميع)‪.‬‬
‫مراقد المعارف (‪ ،)290/1‬الهامش‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أعيان الشيعة (‪.)136/7‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 163‬ــ ‪.)164‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪656‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ومحسن األمين نقال أن المكتوب فيها كان‪> :‬هذا قبر زينب بنت علي<‪ ،‬بينما‬
‫نقل جماعة من اإلمامية منهم الشهرستاني(‪ ،)1‬وذبيح اهلل المحالتي(‪ ،)2‬ومحمد‬
‫كاظم القزويني(‪ ،)3‬أن ما ُكتب على هذه الصخرة هو >زينب الصغرى<‪ ،‬وقد نقل‬
‫محمد كاظم القزويني صورة المكتوب على الصخرة في كتابه وهذه هي‪:‬‬

‫بأن شكَّك في الصورة‬


‫وأجاب جعفر مرتضى العاملي عن هذا االختالف ْ‬
‫ٍ‬
‫لصخرة أخرى غير التي ذكرها‬ ‫التي أوردها القزويني‪ ،‬ثم مال إلى أن الصورة هي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نهضة الحسين (ص ‪ )114‬الهامش‪.‬‬
‫(‪ )2‬رياحين الشريعة (‪ ،)316/4‬بواسطة مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)132‬‬
‫(‪ )3‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪ 604‬ــ ‪.)605‬‬

‫‪657‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫محسن األمين(‪ ،)1‬وهذا ليس بشيء‪ ،‬فالذي يبدو أن أمر هذه الصخرة اندثر‪،‬‬
‫ولذلك ال يمكن التحقق من صحة وجودها والكتابة التي عليها‪ ،‬كما أن االعتماد‬
‫على ما قيل عنها مع هذا االضطراب والتناقض غير ممكن‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن الذي انتهيت إليه‪ ،‬أن قصة الصخرة مختلقةٌ من سادن القبر ــ‬
‫وهو أقوى االحتماالت ــ أو أنها مفتعلة من غيره ممن تولى أمر هذا المشهد قبله‪،‬‬
‫وقد احتمل الشيخ اإلمامي هاشم معروف اختالق هذه القصة فقال‪> :‬وال يمنع‬
‫من أن تكون الصخرة ُوضعت على القبر بعد ذلك بمئات السنين حينما بُني القبر‬
‫وشيد بشكله الحالي اعتمادا على الشهرة‪ ،‬أو ألسباب أخرى<(‪ ،)2‬فلو أن هذه‬ ‫ّ‬
‫القصة وقعت فعال فلماذا تفرد بنقلها سادن القبر الزينبي في الشام دون سائر‬
‫خبر هذه الصخرة إال في القرن الرابع عشر بعد أن صار‬
‫الناس؟‪ ،‬ولماذا لم يظهر ُ‬
‫هناك مرقد يشتهر انتسابه لزينب الكبرى؟‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إن الحق ْأن ال اعتماد ال على قصة الصخرة وما وجد مكتوبا فيها‪،‬‬
‫وال على ما جاء في الصورة‪ ،‬فما الذي يثبت أن هذه الصخرة قديمة فعال‪ ،‬وما‬
‫الذي يثبت أنها كانت موجودة على القبر حقا؟ وألجل هذا قال المرجع اإلمامي‬
‫محسن األمين عن هذه الصخرة‪> :‬ال يثبت بمثلها شيء<(‪.)3‬‬
‫ونظير هذا أنه كان في دمشق قبر منسوب إلى ملكة بنت الحسين‪ ،‬كانت‬
‫فيه صخرة ُكتب فيها‪> :‬هذا قبر السيدة ملكة بنت الحسين ابن أمير المؤمنين<(‪،)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫زينب ورقية في الشام (ص ‪.)75‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫من وحي الثورة الحسينية (ص ‪.)142‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أعيان الشيعة (‪.)136/7‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تسلية المجالس وزينة المجالس (‪.)93/2‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪658‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ومن المقطوع به أن هذا القبر مختلق‪ ،‬ألنه ال يُعرف في بنات الحسين من اسمها‬
‫ملكة!!(‪ ،)1‬وقد اندرس أمر هذا القبر بعد هدمه(‪.)2‬‬
‫الرابع‪ :‬إننا لو سلمنا جدال بصحة قصة الصخرة‪ ،‬فإن هذا ال يترتب عليه‬
‫القول بوفاة زينب الكبرى في هذه القرية‪ ،‬ألن تاريخ هذه الصخرة غير معلوم‪،‬‬
‫وقد احتمل محسن األمين أن يكون تاريخ كتابتها بعد الستمائة‪ ،‬لكن ذلك ليس‬
‫بشيء‪ ،‬فإن الذي ال ريب فيه‪ ،‬أن هذه الصخرة كتبت بعد اشتهار نسبة هذا المرقد‬
‫إلى زينب ‪ ،‬وذلك أن الصحابة ‪ ‬لم يكونوا يكتبون على القبور‪.‬‬
‫يقول محمد الريشهري اإلمامي >لم تكن على القبور أحجار يكتب عليها‬
‫اسم المتوفّى عادة وما إلى ذلك‪ ،‬ولهذا يكون احتمال الخطأ وااللتباس واردا بل‬
‫ص واحد‪ ،‬كما‬
‫قويا؛ ولذلك نجد قبورا متع ّددة في أماكن مختلفة ُتنسب إلى شخ ٍ‬‫ّ‬
‫السيدة زينب ‪ ‬مثال< ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫هو الحال في قبر ّ‬
‫ج ــ صك وقفية مرقد راوية ‪‬‬
‫من األمور التي احتج بها بعض القائلين بدفن زينب الكبرى في الشام‪ ،‬ما‬
‫نُقل عن سدنة القبر من امتالكهم لصك فيه نص بوقف األراضي المحيطة بالمرقد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي ــ (‪ )399/6‬والنسابة اإلمامي أبو الحسن العمري في‬
‫المجدي (ص ‪ ،)281‬أن الحسين كان له بنتان فقط هما فاطمة وسكينة‪.‬‬
‫(‪ )2‬تسلية المجالس (‪ ،)94/2‬وقد احتمل الريشهري أن يكون هذا القبر هو الذي شيد عليه مشهد‬
‫رقية بنت الحسين الموجود اآلن‪ ،‬انظر‪ :‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ ،)199‬ونقل أحمد‬
‫خامة يار نظير ذلك عن الطبسي في كتابه رقية بنت الحسين (ص ‪ ،)34‬كما في مقالته‪> :‬قصة‬
‫مزار الست ملكة بدمشق من الظهور إلى الزوال<‪ ،‬المنشورة على مدونته‪:‬‬
‫‪http://ahmad.kateban.com/post/3231‬‬
‫(‪ )3‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ )1106‬الهامش ‪.1‬‬

‫‪659‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫في قرية راوية على عمارة المرقد وبنائه‪ ،‬ونص هذا الصك طويل جدا‪ ،‬ملخصه‬
‫أن مفتي بعلبك حسين ابن موسى ابن علي الحسيني الشافعي‪ ،‬أوقف جميع ما‬
‫يملك من األراضي والبساتين المحيطة بقرية راوية على قبر زينب الكبرى ‪،‬‬
‫وأما مصرف الوقف فهو عمارة القبر‪ ،‬إضافة إلى أجر من يتولى أموره‪ ،‬وأن تاريخ‬
‫الوقف كان في سنة ‪ 768‬هـ‪ ،‬وشهد على ذلك أربعة قُضاة‪ ،‬وأن المحكمة‬
‫ص َّدقت هذا الصك في سنة ‪ 1010‬هـ(‪ ،)1‬وهذا الصك احتج به سليم آل مرتضى‬
‫سادن مشهد راوية ليثبت أن المدفونة بالقبر هي زينب الكبرى وادعى أن والية‬
‫القبر له وآلبائه وأجداده(‪ ،)2‬وقد تعلق محمد حسنين السابقي(‪ )3‬وجعفر مرتضى‬
‫العاملي(‪ ،)4‬وغيرهما بهذا الصك إلثبات وفاة زينب في راوية‪ ،‬ومناقشة هذه‬
‫الدعوى تقع في وجهين‪:‬‬
‫منع ثبوت صحة هذا الصك‪:‬‬
‫* الوجه األول‪ُ :‬‬
‫فالذي أميل إليه وأجزم به من خالل عدة قرائن‪ ،‬هو أن هذا الصك مختلق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نشر النص الكامل للصك في مجلة الموسم العدد الخامس والعشرين (ص ‪ 16‬ــ ‪ )29‬وقد أورد‬ ‫(‪)1‬‬
‫محمد حسين حرز الدين نص الوقف مختصرا في تعليقه على مراقد المعارف (‪ )287/1‬الهامش‬
‫‪ ،1‬وذكر السابقي جزءا منه في كتابه مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 165‬ــ ‪ )172‬وذكر أنه وجد نص‬
‫الصك في كتاب مخطوط عن زينب ‪ ،‬من تأليف عبد الرزاق المقرم النجفي (‪ 1391‬هـ)‪،‬‬
‫وأحال على كتاب >البيان العام للتبرعات والنفقات في تعمير مقام السيدة زينب< (ص ‪ ،)4‬وقد‬
‫ذكر محمد حسين حرز الدين ذلك أيضا‪ ،‬انظر تعليقه على مراقد المعارف لجده محمد حرز الدين‬
‫(‪ )287/1‬الهامش ‪.1‬‬
‫نقل محمد حسين حرز الدين كالمه من مخطوط الثمر المجتنى للبراقي‪ ،‬انظر مراقد المعارف‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪ )290/1‬الهامش‪.‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)172‬وانظر أيضا‪( :‬ص ‪ )134‬و(ص ‪ ،)162‬و(ص ‪،)165‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫و(ص ‪.)175‬‬
‫زينب ورقية في الشام (ص ‪ 86‬ــ ‪.)91‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪660‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ومزور في القرن الرابع عشر‪ ،‬وأن الذي صنع ذلك هو صاحب هذا الصك‬
‫والمستفيد األول منه‪ ،‬وهو سادن المرقد الشامي لزينب‪ ،‬ودالئل ذلك كثيرة(‪:)1‬‬
‫ــ الدليل األول‪:‬‬
‫إ ّن الذي احتج بهذا الصك ــ وهو سادن المرقد الشامي ــ إنما يجر النار‬
‫إلى قرصه‪ ،‬بادعاء أن سائر أراضي راوية تابعة لهذا المرقد المزعوم‪ ،‬وبذلك‬
‫تكون له السيطرة التامة على كل مداخيل هذه األراضي‪ ،‬ولتعلم صحة ما قررته‬
‫فتأمل مع ما جاء في هذا الصك فيما يتعلق بمصرف هذا الوقف‪ ،‬يقول صاحب‬
‫الصك‪> :‬يُصرف على عمارة أماكنها‪ ...‬ثم على خدام ذلك وأرباب شعائره ثم‬
‫على المتولي والناظر‪ ....‬والمزيد ألجوره‪ ،‬وفي الجهات المعينة بحسب الحال‬
‫على ما يرى الناظر في ذلك الوقف‪ ...‬وشرط الوقف أن له أن يغير ما شاء من‬
‫اإلدخال واإلخراج والزيادة والنقصان واإلعطاء والحرمان بما يراه‪ ،‬وأن يقرر فيه‬
‫من يشاء ويخرج من يشاء‪ ،‬كل ذلك راجع إلى رأيه وألوالده وذريته من بعده‪...‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وإن خاس الوقف في سنة من السنين عن المعروفات المذكورة فليستدين‬
‫المتولي المزبور على المستقبل‪ ،‬ويصرف بحسب ما يراه‪ ،‬وهذا الوقف ال يداخله‬
‫حاكم وال محاسب في توجيه وظيفة أو في محاسبة‪ ،‬بل المفوض هو الناظر‬
‫والمتولي من ذرية الواقف<(‪ ،)3‬قلت‪ :‬فأنت ترى أن نص هذا الوقف يعطي لمن‬
‫يتولى القبر التصرف المطلق في جميع األراضي المحيطة بالقبر‪ ،‬إضافة إلى أنه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إن هذا الصك لوحده بحاجة إلى دراسة مستقلة‪ ،‬ونصه طويل جدا يقع في ‪ 13‬صفحة‪ ،‬ولم أفصل‬
‫في نقده واكتفيت بذكر بعد الدالئل على اختالقه ووضعه‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا والصواب‪ :‬فليستدن‪.‬‬
‫(‪ )3‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 169‬ــ ‪.)170‬‬

‫‪661‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫سيضع يده على كامل مداخيلها‪ ،‬فبعد المصرف األول وهو عمارة المرقد ــ والذي‬
‫سيستفيد منه السادن بالدرجة األولى ــ فإن المصرف الثاني للوقف ينفق على‬
‫فض َل عن النفقات يذهب‬ ‫العاملين في المرقد وعلى رأسهم السادن!!‪ ،‬ثم إن ما َ‬
‫أيضا إلى جيب السادن‪ ،‬ثم إن نص الوقف يعطي السادن الصالحية التامة‬
‫للتصرف في أموال المرقد كيفما يشاء وبدون أي محاسبة حتى من الحاكم‪ ،‬وفوق‬
‫كل هذا فإن الوقف يصير متوارثا في ذرية السادن!!‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وبعد كل هذا هل تشك أن هذا الوقف إنما ُصنع على هوى سادن‬
‫المرقد؟‪ ،‬وقد شكَّك الباحث اإلمامي على أصغر قائدان في صحة هذا الصك‬
‫لكون المصدر الوحيد له هو السادن‪ ،‬فقال‪> :‬مصدرها غير معلوم وغير واضح‬
‫حتى نستند به‪ ...‬وهذا أيضا قول متولي المرقد‪ ،‬ويشبه كثيرا القصص العامية‪،‬‬
‫وال يمت بأي صلة إلى الحجة والبرهان القاطع<(‪.)1‬‬
‫ــ الدليل الثاني‪:‬‬
‫من األمور التي تشهد على بطالن هذا الصك وكونه مزورا‪ ،‬ادعاء صاحبه‬
‫أنه ُكتب في سنة ‪ 768‬هـ‪ ،‬وأن أول القضاة الذين شهدوا على صحته‪ ،‬هو قاضي‬
‫القضاة مصطفى أفندي بن مصطفى أفندي‪ ،‬وهذا كذب ظاهر‪:‬‬
‫فأوال‪ :‬لقب أفندي من األلقاب التي شاعت في عهد الخالفة العثمانية‪،‬‬
‫ويطلق على >أصحاب الوظائف الدينية والمدنية ورجال الشريعة والعلماء<(‪،)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقالة ضريح السيدة زينب في سوريا (الزينبية) آراء ودراسة نقدية‪ ،‬منشورة بمجلة العلوم اإلنسانية‬
‫الدولية‪ ،‬العدد ‪ 1433 ،)3( 19‬هـ‪( 2012/‬ص ‪.)8‬‬
‫(‪ )2‬األلقاب والوظائف العثمانية للدكتور مصطفى بركات (ص ‪.)150‬‬

‫‪662‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫فإذا تقرر ذلك‪ ،‬فدعوى كون تاريخ الصك هو ‪ 768‬هـ دليل على جهل مختلق‬
‫الصك بالتاريخ‪ ،‬ألن العثمانيين إنما فتحوا دمشق سنة ‪ 922‬هـ(‪.)1‬‬
‫بحثت في كتب التراجم المصنفة في رجال القرن الثامن للهجرة‬
‫ُ‬ ‫وثانيا‪ :‬قد‬
‫فلم أجد أثرا الستعمال العلماء والقضاة في بالد العرب للقب >أفندي<‪ ،‬وإنما‬
‫ابتدأ استعماله في القرن العاشر(‪ )2‬وكان يطلق على العلماء والمشايخ على وجه‬
‫التعظيم لهم‪ ،‬ثم في القرن الثاني عشر والثالث عشر أصبح لقبا مالزما لكل من له‬
‫منصب ديني‪ ،‬سواء في الفتيا أو المشيخة أو القضاء(‪ ،)3‬وهذا دليل ظاهر على‬
‫أن مختلق الصك استعمل لغة زمنه في كتابة صك منسوب إلى القرن الثامن!‪.‬‬
‫ــ الدليل الثالث‪:‬‬
‫إن لغة الصك بعيدة عن لغة الصكوك واألوقاف في القرن الثامن‪ ،‬ألمور عدة؛‬
‫منها‪ :‬ما فيه من الطول المفرط واإلغراق في التفاصيل مما ليس معهودا في‬
‫نصوص األوقاف في تلك الفترة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أني لم أجد أثرا ألسماء القضاة المذكورين فيه في كتب التراجم‪،‬‬
‫مع أن بعضهم تولى منصب قاضي القضاة كمصطفى أفندي حيث لم أعثر على‬
‫ترجمة له في الكتب المصنفة لتراجم علماء القرن الثامن‪ ،‬ومن يبلغ هذا المنزلة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد عاصر ذلك المؤرخ الدمشقي محمد بن علي ابن طولون (‪ 953‬هـ)‪ ،‬وروى طرفا من تفاصيله‪،‬‬
‫انظر مفاكهة الخالن بحوادث الزمان (ص ‪ ،)343‬وانظر تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص‬
‫‪.)192‬‬
‫(‪ )2‬انظر الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة (‪ ،)44/2‬و(‪ ،)106/3‬و(‪.)132/3‬‬
‫(‪ )3‬راجع فهارس كتاب سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر‪ ،‬وكتاب حلية البشر في تاريخ القرن‬
‫الثالث عشر‪.‬‬

‫‪663‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ال تغفل عنه كتب التراجم‪.‬‬


‫ومنها‪ :‬أن أسماء القضاة ُذكرت بطريقة غريبة غير معهودة عن الكتابة‬
‫التوثيقية للصكوك‪ ،‬فقد جاء في نص الصك أن القضاة الذين شهدوا بصحته هم‪:‬‬
‫مصطفى أفندي بن مصطفى أفندي‪ ،‬وإبراهيم القاضي‪ ،‬ومحمد عجالن‬
‫الحسيني‪ ،‬وعلي ابن ناجي‪ ،‬وخليل بن إبراهيم القاضي‪ ،‬ويونس بن نور الدين‬
‫الحسيني‪ ،‬والشيخ محمد بن شيخ اإلسالم عز الدين الحنبلي‪ ،‬قلت‪ :‬ووجه‬
‫الغرابة أن المعهود في كتابات القرن الثامن أن القاضي يوقع بكتابة اسمه واسم‬
‫أبيه وجده‪ ،‬وفي بعض األحيان يذكر األب الرابع‪ ،‬كما أن العلماء كانوا‬
‫يحرصون على ذكر النسبة إلى بلد المولد أو المسكن‪ ،‬أما ما ورد في هذا‬
‫الصك‪ ،‬فليس فيه شيء من ذلك‪.‬‬
‫ــ الدليل الرابع‪:‬‬
‫من الدالئل التي حملتني على القطع بأن هذا الصك مختلق ومفترى‪ ،‬وأنه‬
‫ُوضع بعد القرن الثالث عشر‪ ،‬ما جاء فيه من المبالغة والغلو في زينب ‪ ‬بما‬
‫ليس معهودا وال معروفا إال في القرن الثالث عشر‪.‬‬
‫فقد ُوصفت زينب في نص الوقف بأنها >السيدة الجليلة‪ ،‬صاحبة الفضل‬
‫والفضيلة‪ ،‬الصديقة الطاهرة الزكية الفاخرة‪ ،‬الزاهدة العابدة الراكعة الساجدة‪،‬‬
‫التي شرفت بقبرها قرية راوية‪ ،‬شقيقة السبطين‪ ،‬وبضعة البضعة المحمدية‪،‬‬
‫والجوهرة األحمدية الفاطمية العلوية‪ ،‬ورابطة عقد التولية السرمدية‪ ،‬من خصها‬
‫اهلل تعالى بالكرامة األبدية‪ ،‬السيدة الجليلة أم كلثوم زينب الكبرى<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)169‬زينب ورقية في الشام (ص ‪.)88‬‬

‫‪664‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫وهذه األوصاف التي وقع في بعض ألفاظها غلو ظاهر‪ ،‬مثل وصف زينب‬
‫بأنها رابطة عقد التولية السرمدية وصاحبة الكرامة األبدية‪ ،‬لم أعثر على نظيرها‬
‫عن زينب في سائر الكتب التي ترجمت لها إلى القرن الثالث عشر‪ ،‬وقد مضى‬
‫بتفصيل أن الغلو في زينب إنما ظهر بعد ظهور كتب المقاتل المتأخرة والمليئة‬
‫بالكذب واالختالق‪ ،‬فما جاء من المبالغة في أوصاف زينب والغلو فيها شاهد‬
‫واضح على تأخره عن القرن الثامن بقرون‪.‬‬
‫ــ الدليل الخامس‪:‬‬
‫إن مما يؤكد أن هذا الصك مصنوع ومتأخر‪ ،‬هو أن أول من أظهره وهو سليم‬
‫آل مرتضى لم تقتصر سلطته على القبر المنسوب إلى زينب في الشام‪ ،‬بل امتدت‬
‫سلطته إلى قبور أخرى‪ ،‬يقول محسن األمين عن ذرية سليم آل مرتضى‪> :‬الذين‬
‫يسكنون دمشق بيدهم إلى اليوم التولية على المشهد المنسوب للسيدة زينب‬
‫الصغرى المكناة بأم كلثوم بنت أمير المؤمنين ‪ ‬الموجود بقرية راوية‪ ،‬وقد‬
‫تكلمنا على هذا المشهد مفصال فيما يأتي من ترجمتها‪ ،‬والتولية على أوقافه‪،‬‬
‫وعلى المشهد المنسوب إلى النبي نوح بقرية الكرك وأوقافه‪ ،‬وهي كثيرة قد ذهب‬
‫أكثرها‪ ،‬وقد كانت لهم التولية على المشهد المنسوب إلى السيدة رقية بنت أمير‬
‫المؤمنين علي ‪ ‬بمحلة العمارة بدمشق<(‪.)1‬‬
‫وذكر فرج آل عمران القطيفي أن سليم بن مرتضى كان قيِّما على المشاهد‬
‫المشيدة على القبور المنسوبة إلى كل من زينب الصغرى(‪ )2‬وسكينة بنت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أعيان الشيعة (‪.)10/7‬‬
‫(‪ )2‬ال صحة لدفن زينب الصغرى في مقبرة الباب الصغير‪ ،‬وإنما ظهر ذلك في عصور متأخر لعله‬
‫القرن التاسع‪.‬‬

‫‪665‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫الحسين(‪ )1‬وعبد اهلل بن زين العابدين(‪ ،)2‬إضافة إلى مشهد الرؤوس وهو بناء‬
‫ُشيِّد على الموضع الذي يُدعى أنه مكان دفن رؤوس جماعة من آل البيت الذين‬
‫قتلوا في كربالء(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مضى فيما سبق أن جماعة من قدماء المؤرخين والنسابين نصوا على وفاة سكينة بنت الحسين في‬
‫المدينة منهم الواقدي وابن سعد‪ ،‬والبالذري‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬وابن خلكان‪ ،‬راجع (ص ‪.)162‬‬
‫(‪ )2‬لم أقف على من نص على وفاته لكن األقرب أن وفاته بالمدينة مثل أبيه‪ ،‬ويبعد أن يكون دخل‬
‫الشام أصال‪ ،‬فإنه لو دخلها لذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق‪ ،‬وأما القبر المنسوب له بدمشق فال‬
‫أصل له‪.‬‬
‫(‪ )3‬وهذا المشهد ال يصح أيضا‪ ،‬وهو متأخر جدا‪ ،‬فقد راجعت جملة من كتب الزيارات التي تعرضت‬
‫لذكر المدفونين في مقبرة الباب الصغير مثل اإلشارات في معرفة الزيارات للهروي ونزهة األنام‬
‫للبدري والزيارات للعدوي‪ ،‬فلم أجدهم يذكرون دفن رؤوس شهداء كربالء في مقبرة الباب‬
‫الصغير‪ ،‬ويبدو أن هذا المشهد حدث في القرن الرابع عشر‪ ،‬فقد ذكر محسن األمين في أعيان‬
‫الشيعة (‪ )627/1‬كيف تطور هذا المشهد من كونه مدفن ثالثة رؤوس في تاريخ قريب من سنة‬
‫‪ 1324‬هـ إلى مدفن عدة من شهداء كربالء بعد هذا التاريخ بسنين‪ ،‬وقد ذكر محمود الغريفي أن‬
‫سليم بن مرتضى هو من سعى في تشييد المشهد سنة ‪ 1330‬هـ وذكر في ذلك قصة مطولة نقال‬
‫عن األزهار األرجية‪ ،‬انظر كتاب مشهد الرؤوس (ص ‪ 32‬ــ ‪ )34‬واألمر بحاجة إلى بحث أوسع‬
‫لمعرفة تاريخ اختالق هذا المشهد‪.‬‬
‫وقد اختلف في موضع دفن الرؤوس‪ ،‬فابن سعد يذكر أن ذكوان أبا خالد استأذن ابن زياد في دفن‬
‫الرؤوس بعد وصولهم إلى الكوفة فأذن له فدفنها بالجبانة‪ ،‬الطبقات البن سعد طبعة الخانجي‬
‫(‪ ،)446/6‬أما أبو مخنف فروى أن الرؤوس أرسلت إلى يزيد‪ ،‬تاريخ الطبري (‪)459/5‬‬
‫واألقرب ما ذكره ابن سعد‪ ،‬وأما اإلمامية فمنهم من ذهب إلى كون الرؤوس مدفونة في كربالء‬
‫كما مال إليه محسن رنجبر‪ ،‬ومنهم من نصر القول المتأخر بدفنها في دمشق كمحسن األمين في‬
‫بقية‬
‫أعيان الشيعة (‪ ،)627/1‬انظر للتفصيل مقالة >الرأس المق ّدس لإلمام الحسين ‪ ‬ورؤوس ّ‬
‫ومحل دفنهم< للباحث اإلمامي محسن رنجبر‪ ،‬منشورة بمجلة نهضة عاشوراء‪،‬‬‫ّ‬ ‫الشهداء‪ ،‬مصيرهم‬
‫العدد األول (ص ‪ 106‬ــ ‪.)108‬‬

‫‪666‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫فيبدو أن سليم بن مرتضى صاحب الصك المزعوم متخصص في التسلط‬


‫على القبور وأوقافها‪ ،‬فلم يقتصر سلطانه على القبر المنسوب إلى زينب الكبرى‬
‫بل امتد إلى سبعة قبور أخرى كلها مزورة ومصنوعة‪ ،‬فمن يكون بهذه الحال ال‬
‫يوثق به‪ ،‬لوجود شبهة قوية في افتعاله لهذا الصك من أجل مصلحته الخاصة‪،‬‬
‫ومصلحة من يأتي بعده من ذريته‪ ،‬ولذلك ال تستغرب حين تعلم أن ذريته ورثوا‬
‫سلطة القيام على هذه المشاهد بعد وفاته(‪.)1‬‬
‫* الوجه الثاني في نقض االستدالل بالصك‪ :‬بمنع داللته على وفاة زينب الكبرى‬
‫‪ ‬ودفنها في راوية‪:‬‬
‫فلو تغاضينا عن كل اإلشكاالت التي تشوب هذا الصك‪ ،‬وسلَّمنا بصحته‪،‬‬
‫فإن غاية ما يقال‪ :‬إن صاحب الصك والذين شهدوا على ما فيه‪ ،‬كانوا يرون أن‬
‫هذا القبر لزينب الكبرى‪ ،‬لكن هذا ال تقوم به حجة‪ ،‬فكالمهم بحاجة إلى دليل‬
‫والدليل قاطع بغلطهم‪ ،‬ألن هؤالء إنما قالوا بهذه المقالة في القرن الثامن‪ ،‬فقولهم‬
‫ال بد له من حجة وبينة‪ ،‬ولو كان هذا القبر لزينب الكبرى لما خفي األمر على‬
‫كبار المؤرخين‪ ،‬وعلى رأسهم ابن عساكر وغيره من المؤرخين الدمشقيين الذين‬
‫ذكروا أن القبر المرأة من أهل البيت لم يحفظ نسبها!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مضى نقل كالم محسن األمين في تولي ذرية آل مرتضى لجملة من المشاهد المنسوبة آلل البيت‬
‫في دمشق وغيرها‪ ،‬وذكر فرج آل عمران القطيفي في األزهار األرجية في اآلثار الفرجية (‪)42/7‬‬
‫أن رضا بن سليم هو من ورث أباه في القيام على المشاهد المذكورة‪ ،‬وبعد وفاته صار أخوه حسني هو‬
‫القيم على هذه المشاهد‪ ،‬وقد تسلسلت وراثة التولية على هذا المشهد في ذرية سليم آل مرتضى إلى‬
‫اليوم‪ ،‬انظر مقالة >المتولون< المنشورة بمجلة الموسم العدد الخامس والعشرين (ص ‪ 13‬ــ ‪.)30‬‬

‫‪667‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ الصنف الثاني‪ :‬استدالالت خاطئة مبنية على سوء الفهم والتدليس‬
‫والخيانة في النقل‪ ،‬وجلها من عمل محمد حسنين السابقي‬
‫قد فصلت الكالم عن الصنف الثاني‪ ،‬لما تعرضت لنقد كتاب >مرقد العقيلة‬
‫زينب<(‪ ،)1‬فال حاجة إلعادته هنا‪.‬‬
‫ــ الصنف الثالث‪ :‬كالم أصحاب كتب الزيارات وفضائل الشام‬
‫احتج محمد حسنين السابقي على صحة المرقد المنسوب لزينب في قرية‬
‫راوية بما جاء في كالم بعض أصحاب كتب الزيارات وفضائل الشام من قولهم إن‬
‫دفينة راوية هي زينب الكبرى(‪ ،)2‬وهذا االستدالل واه وال يصح وبيانه من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬لقد أسلفت فيما مضى عن تاريخ قبر راوية أن هذا القبر ظهر في‬
‫المائة السادسة للهجرة‪ ،‬ونُسب في أول أمره إلى امرأة من أهل البيت تسمى أم‬
‫كلثوم دون أن يعرف نسبها‪ ،‬ثم مع ُمضي الزمان وتعاقب األجيال صار ينسب‬
‫لزينب الصغرى‪ ،‬ثم نُسب عند من تأخر إلى زينب الكبرى‪ ،‬فكيف يصح أن يُترك‬
‫القول القديم في هذه المسألة ويصار إلى قول حادث ال أصل له وال دليل عليه!!‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن ابتداء نسبة قبر راوية إلى زينب الكبرى إنما يرجع إلى القرن الثامن‬
‫على أقصى تقدير‪ ،‬وأول من أثبت دفن زينب الكبرى في الشام من أصحاب كتب‬
‫المزارات هو أبو البقاء البدري‪ ،‬وقد عزا ذلك إلى أبي بكر الموصلي وإبراهيم‬
‫الناجي‪ ،‬ثم تبعه من جاء بعده كالعدوي وغيره(‪ ،)3‬وكالم هؤالء ال تقوم به حجة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬راجع مبحث نقد منهج السابقي في سبكه ألدلة ترجيح القبر الشامي لزينب ‪( ‬ص ‪ 190‬ــ ‪.)245‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 173‬ــ ‪.)175‬‬
‫(‪ )3‬مضت اإلحالة على أقوالهم‪ ،‬في مبحث تاريخ مرقد راوية‪.‬‬

‫‪668‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫محدث في القرن الثامن‬


‫ٌ‬ ‫قول‬
‫ألنه ليس قائما على أي بينة‪ ،‬ويكفي في سقوطه أنه ٌ‬
‫بعد وفاة زينب بعدة قرون‪ ،‬وكالم هؤالء معارض بقول ابن عساكر وجماعة من‬
‫المؤرخين الدمشقيين الذين وافقوه في القول بأن دفينة راوية هي امرأة من أهل‬
‫البيت تسمى أم كلثوم وال يحفظ نسبها!(‪ ،)1‬وكالم ابن عساكر ومن تبعه‪ ،‬أقدم‬
‫من كالم القائلين بأن زينب مدفونة في راوية الذي ظهر في القرن الثامن‪ ،‬وبما‬
‫أن قول المتأخرين محدث وال دليل عليه فينبغي اطراحه واإلعراض عنه‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬إن من نظر في الكتب المصنفة في الزيارات وفضائل البلدان سواء‬


‫تعلق األمر بكتب الزيارات الشامية أو المصرية أو الحجازية‪ ،‬وتفحص ما ورد‬
‫فيها في تعيين المدفونين من الصحابة وأهل البيت في الشام‪ ،‬ينتهي إلى أن‬
‫التحقيق يقضي باإلعراض عما ورد فيها من تعيين قبور الصحابة واآلل‪ ،‬وذلك‬
‫ألمور‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬قد مضى فيما سبق أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين‬
‫كانوا ال يبنون على القبور وال يكتبون عليها‪ ،‬كما أنهم كانوا يُدفنون في المقابر‬
‫العامة للمسلمين‪ ،‬ولم يكونوا يخصصون ألنفسهم مكانا خاصا إال في النادر(‪،)2‬‬
‫ولذلك كانت تقتصر معرفة موضع القبر على من حضر الدفن أو شهده‪ ،‬أو بلغه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مضت اإلحالة على أقوالهم‪ ،‬في مبحث تاريخ مرقد راوية‪.‬‬
‫(‪ )2‬مثل ما وقع لطلحة بن عبيد اهلل ‪ ‬إذ استشهد في وقعة الجمل فدفن في شط ثم نقله أهله بعد‬
‫ذلك إلى دار من دور أبي بكرة في البصرة‪ ،‬راجع‪ :‬مصنف ابن أبي شيبة (‪ ،)536/ 7‬ومثل ما‬
‫وقع لعلي ‪ ‬فقد دفنه أبناؤه في قصر اإلمارة بالكوفة راجع‪ :‬الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي‬
‫ــ (‪ ،)134/8‬وقيل إن ذلك كان خوفا من أن ينبش الخوارج قبره ‪ ،‬وقيل إنه دفن عند مسجد‬
‫الجماعة في الرحبة بالكوفة‪ ،‬الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي ــ (‪.)36/5‬‬

‫‪669‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ذلك عمن سلفه من أهل بيته‪ ،‬ثم مع تعاقب األزمان وتبدل األجيال وطروء بعض‬
‫الحوادث(‪ )1‬اندرست قبورهم‪ ،‬فلم تعد مواضع قبور الصحابة معلومة‪ ،‬وما أحسن‬
‫وقبر‬ ‫قول من قال‪ :‬إنه ال يصح قبر نبي أو صحابي سوى قبر نبينا محمد‬
‫صاحبيه أبي بكر وعمر ‪ ،‬وهذا قول صحيح‪ ،‬وأما سائر القبور التي تنسب إلى‬
‫الصحابة وأهل البيت فال يصح منها شيء‪.‬‬

‫وإنما ظهر البناء على القبور وتشييد األبنية عليها في القرن الثالث‪ ،‬قال‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية‪> :‬لم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك‬
‫شيء في بالد اإلسالم ال في الحجاز وال اليمن وال الشام وال العراق وال مصر‬
‫وال خراسان وال المغرب ولم يكن قد أحدث مشهد ال على قبر نبي وال صاحب‬
‫وال أحد من أهل البيت وال صالح أصال؛ بل عامة هذه المشاهد محدثة بعد ذلك‪.‬‬
‫وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خالفة بني العباس وتفرقت األمة وكثر فيهم‬
‫الزنادقة الملبسون على المسلمين وفشت فيهم كلمة أهل البدع وذلك من دولة‬
‫المقتدر في أواخر المائة الثالثة<(‪ ،)2‬وقال أيضا‪> :‬بناء المشاهد على القبور‬
‫والوقف عليها فبدعة؛ لم يكن على عهد الصحابة؛ وال التابعين؛ وال تابعيهم؛‬
‫بل وال على عهد األربعة<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مثاله قول أبي الحسن الهروي في اإلشارات (ص ‪> :)22‬بالجبانة التي بدمشق خلق كثير من‬
‫المشايخ والصالحين اختصرناهم خوف التطويل‪ ،‬ويقال‪ :‬بها سبعون رجال من الصحابة ‪،‬‬
‫واهلل أعلم بالصحيح‪ ،‬وقيل‪ :‬إن جبانة دمشق حرثت وزرعت مقدار مائة سنة فلذلك ال تعرف‬
‫القبور‪ ،‬واهلل أعلم<‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجموع الفتاوى (‪.)466/27‬‬
‫(‪ )3‬مجموع الفتاوى (‪.)11/31‬‬

‫‪670‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫وترى الدكتورة سعاد ماهر ــ المتخصصة بعلم اآلثار ــ >أن أقدم ضريح في‬
‫ِ‬
‫يمت عليه قبة يرجع إلى القرن الثالث الهجري<(‪ ،)1‬وكان هذا في سنة‬ ‫اإلسالم أُق َ‬
‫‪ 284‬هـ حين توفي الخليفة المنتصر العباسي‪ ،‬قال الطبري‪> :‬وهو أول خليفة من‬
‫بني العباس ــ فيما بعد ــ ُعرف قبره‪ ،‬وذلك أن أمه طلبت إظهار قبره<(‪ ،)2‬ومع‬
‫أن هذا النص غير صريح في وجود ضريح أو قبة على القبر وقتها‪ ،‬غير أنه من‬
‫أقدم الوثائق التاريخية التي تؤرخ بداية حدوث البناء على القبور‪ ،‬وال أدل على‬
‫ذلك من قول الطبري إن المنتصر هو أول خليفة عباسي ُعرف قبره‪ ،‬فكل من قبله‬
‫من الخلفاء لم تعرف قبورهم لِما كانوا عليه من عدم البناء على القبور أو تمييز‬
‫قبور المشهورين عن غيرهم من العامة‪ ،‬فالكل كان يدفن بصورة واحدة دون‬
‫تمييز‪ ،‬وهذا أدى إلى ضياع القبور وعدم العلم بعينها‪ ،‬وقد مات ما ال يحصى‬
‫من الصحابة بمكة والمدينة‪ ،‬وذهبت قبورهم مع مضي الزمان فلم تعرف‪ ،‬ولذا‬
‫قال أبو الحسن الهروي‪> :‬بمكة خلق كثير من الصحابة‪ ....‬وأكثرهم ال تعرف‬
‫قبورهم<(‪ ،)3‬وذكر عدة من الصحابة المدفونين بالبقيع في المدينة ثم قال‪:‬‬
‫>وخلق كثير من الصحابة والتابعين ‪ ،‬منهم من يعرف قبره ومنهم من ال يعرف‬
‫قبره<(‪ ،)4‬وقال علي القاري‪> :‬دفن بمكة كثير من الصحابة الكرام أما مقابرهم‬
‫فغير معروفة<(‪.)5‬‬
‫ولذا فما حدث بعد الصحابة بزمن من نسبة عدة قبور إليهم وبناء مشاهد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مساجد مصر وأولياؤها الصالحون (‪.)46/1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)254/9‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص ‪.)77‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اإلشارات إلى معرفة الزيارات (ص ‪.)80‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫األسرار المرفوعة (ص ‪.)402‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪671‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫عليها ال عبرة به‪ ،‬ألن ذلك حدث بعد زمن طويل من وفاتهم‪ ،‬والتحقيق أنه ال‬
‫يعرف من قبور الصحابة على التعيين إال قلة قليلة نادرة‪ ،‬ولقد شهد بذلك الشيخ‬
‫اإلمامي حيدر حب اهلل حيث يقول‪> :‬ومن هنا‪ ،‬يرى الكثير من الناقدين‬
‫والمح ّققين في هذا المجال مثل السيد محسن األمين العاملي وغيره‪ ،‬أ ّن آالفا ــ‬
‫أئمة أو صحابة‬ ‫وربما عشرات اآلالف ــ من القبور أو األماكن المنسوبة ألنبياء أو ّ‬
‫الظن الغالب على‬ ‫أي دليل علمي يفيد ّ‬ ‫شخصيات معينة‪ ..‬ال يوجد ّ‬‫ّ‬ ‫أو أولياء أو‬
‫مما هو م ّدعى على امتداد‬ ‫صحة االنتساب فيها‪ ،‬وأ ّن ما هو ثابت ال يتع ّدى ــ ّ‬
‫ّ‬
‫شعبية ال‬
‫العالم اإلسالمي ــ نسبة الواحد في المائة‪ ،‬وإ ّنما هي تقاليد وموروثات ّ‬
‫علمية<(‪ ،)1‬فإذا تقرر ذلك فال ينبغي االعتماد على ما جاء في‬ ‫تقوم على معطيات ّ‬
‫كتب الزيارات من نسبة جملة من القبور إلى الصحابة‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬إن جملة كبيرة من المصنفين في باب فضائل البلدان‬
‫والزيارات هم ممن ال خبرة لهم بالتاريخ أو علم الحديث‪ ،‬كما أن جلهم ممن ال‬
‫حظ له في التحقيق‪ ،‬خاصة المتأخرون منهم بداية من القرن السابع فما بعده‪،‬‬
‫فمن تأمل في كتبهم وجد أن جل اعتمادهم على ما يشاع ويقال دون تحقيق أو‬
‫نظر‪ ،‬واألمثلة على ذلك عديدة يصعب حصرها هنا‪ ،‬لكني سأكتفي بأمثلة قليلة‬
‫الغرض منها التمثيل ال االستقصاء‪:‬‬
‫فمن ذلك‪ :‬أنهم يذكرون مشهدا منسوبا لفالن من الصحابة وآل البيت‪ ،‬مع‬
‫أن هذا الذي ينسب إليه هذا المشهد لم يُخلق أصال وال وجود له في كتب التراجم‬
‫أو األنساب(‪ ،)2‬مثل‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إضاءات في الفكر والدين واالجتماع (‪.)527/5‬‬
‫(‪ )2‬اقتصرت في توثيق مواضع وفيات الصحابة من كتاب طبقات ابن سعد لقدمه كونه عاش في القرن=‬

‫‪672‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ــ قبر سكينة بنت أبي بكر الصديق ‪ ،)1(‬ولم يذكر النسابون بنتا ألبي‬
‫بكر الصديق اسمها سكينة(‪.)2‬‬
‫ــ قبر محمد بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب(‪ ،)3‬ولم يذكر في‬
‫كتب األنساب ابن للحسن باسم إبراهيم(‪ ،)4‬فضال عن أن المتفق عليه بين‬
‫النسابين أن عقب الحسن إنما استمر في زيد بن الحسن والحسن المثنى فقط(‪.)5‬‬
‫المحسن بن الحسين ‪ ‬بمشهد الدكة بحلب(‪ ،)6‬ومشهد الصبيان‬ ‫ّ‬ ‫ــ قبر‬
‫أحمد والقاسم أوالد الحسين ‪ ‬في مدائن العراق(‪ ،)7‬مع أن أهل العلم بالنسب‬
‫لم يذكروا في أبناء الحسين من اسمه محسن أو أحمد أو القاسم(‪.)8‬‬
‫ــ قبر أم الحسن بنت حمزة بن جعفر الصادق بدمشق(‪ ،)9‬ولم يذكر في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الثالث‪ ،‬والعتماده في الغالب على الروايات المسندة في تحديد وفيات الصحابة‪ ،‬كما أن الغاية‬ ‫=‬
‫هي التنبيه على القول القديم في المسألة‪ ،‬وأن ما ورد في كتب الزيارات قول متأخر‪.‬‬
‫نزهة األنام في محاسن الشام (ص ‪.)221‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي (‪ )400/6‬أن أبناء أبي بكر الصديق هم‪ :‬عبد اهلل‬ ‫(‪)2‬‬
‫وأسماء وعبد الرحمن وعائشة ومحمد وأم كلثوم‪.‬‬
‫اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص ‪.)71‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫لم يذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي (‪ )253/6‬أن للحسن بن علي ابنا اسمه إبراهيم‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المعقبين من ولد أمير المؤمنين (ص ‪.)59‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص ‪.)16‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص ‪.)68‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫ذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي (‪ )400/6‬أن أبناء الحسين هم‪ :‬علي األكبر وعلي‬ ‫(‪)8‬‬
‫األصغر وفاطمة وسكينة‪.‬‬
‫اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص ‪.)22‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫‪673‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫كتب األنساب ابن لجعفر الصادق اسمه حمزة(‪.)1‬‬


‫ــ قبر آمنة بنت الباقر بمصر(‪ ،)2‬ولم يذكر في كتب األنساب ابنة للباقر‬
‫اسمها آمنة(‪.)3‬‬
‫ــ قبر يحيى بن زيد بن الحسن‪ ،‬ولم يذكر في كتب األنساب ابن لزيد بن‬
‫الحسن اسمه يحيى(‪.)4‬‬
‫ومن ذلك أنهم يذكرون أن فالنا من الصحابة دفن في الموضع الفالني‬
‫والثابت أن مكان موته في موضع آخر مثل‪:‬‬
‫ــ قبر أبي بن كعب في دمشق(‪ ،)5‬والصحيح أنه مات بالمدينة(‪.)6‬‬
‫ــ قبر معاذ بن جبل في دمشق(‪ )7‬والصحيح أنه مات باألردن(‪.)8‬‬
‫ــ قبر ضرار بن باألزور في دمشق(‪ )9‬والصحيح أنه استشهد باليمامة(‪.)10‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي (‪ )543/7‬أن أبناء جعفر هم‪ :‬إسماعيل وعبد اهلل وأم‬
‫فروة وموسى وإسحاق ومحمد وفاطمة ويحيى والعباس وأسماء وفاطمة الصغرى‪.‬‬
‫(‪ )2‬اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص ‪.)38‬‬
‫(‪ )3‬ذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي (‪ )315/7‬أن أبناء أبي جعفر الباقر هم‪ :‬جعفر وعبد اهلل‬
‫وإبراهيم وعلي وزينب وأم سلمة‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي (‪ )542/7‬أن أبناء زيد بن الحسن هم‪ :‬محمد والقاسم‬
‫وأم كلثوم وعلي وإبراهيم وزيد وعيسى وإسماعيل وإسحاق األعور وعبد اهلل‪ ،‬وانظر المعقبين‬
‫من ولد أمير المؤمنين للنسابة يحيى بن الحسن العقيقي تحقيق فارس حسون (ص ‪ 37‬ــ ‪.)38‬‬
‫(‪ )5‬نزهة األنام في محاسن الشام (ص ‪.)222‬‬
‫(‪ )6‬الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (‪.)466/3‬‬
‫(‪ )7‬نزهة األنام في محاسن الشام (ص ‪.)222‬‬
‫(‪ )8‬الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (‪.)554/3‬‬
‫(‪ )9‬نزهة األنام في محاسن الشام (ص ‪.)222‬‬
‫(‪ )10‬الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (‪.)162/8‬‬

‫‪674‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ــ قبر عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بدمشق(‪ ،)1‬والصحيح أنه دفن في‬
‫مكة(‪.)2‬‬
‫ــ قبر أبي دجانة سماك بن خرشة بقرى الطور ومؤتة في الشام(‪،)3‬‬
‫والصحيح أنه استشهد باليمامة في نجد(‪.)4‬‬
‫ــ قبر البراء بن مالك في الموصل(‪ ،)5‬والصحيح أن وفاته كانت بتستر ببالد‬
‫فارس(‪.)6‬‬
‫ومن ذلك ما يذكرونه من المشاهد المنسوبة لألنبياء ومن سلف من األمم‬
‫السابقة‪ ،‬وتتبع األمثلة على ذلك عسير‪ ،‬ألن ذلك يصعب حصره‪ ،‬فمن نظر في‬
‫كتاب >اإلشارات إلى معرفة الزيارات< للهروي يعجب مما يذكره من المشاهد‬
‫المنسوبة لألنبياء‪ ،‬فال يكاد يذكر موضعا إال ويحكي عن دفن نبي من األنبياء‬
‫فيه!‪ ،‬واألغرب واألعجب هو تكرر المشاهد المنسوبة إلى األنبياء في أكثر من‬
‫موضع‪ ،‬ويلحق بذلك ما ينسب إلى األنبياء من آثار ومقامات وغيرها من األمور‬
‫التي ال تقوم عليها أي حجة‪ ،‬حتى قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪َ > :‬ع َّامة القبور‬
‫المنسوبة إلى األنبياء كذب<(‪ ،)7‬ومع كل ذلك فإن كتب الزيارات مملوءة من‬
‫هذه األمور الخاطئة‪ ،‬فكيف يعتمد عليها وحالها كذلك؟‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نزهة األنام في محاسن الشام (ص ‪.)222‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (‪.)22/5‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص ‪.)26‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (‪.)516/3‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص ‪.)63‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (‪.)17/9‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫الفتاوى الكبرى (‪.)444/5‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪675‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬إن أول ُمصنِّف في الزيارات ذكر دفن زينب الكبرى في قرية‬
‫راوية بدمشق هو أبو البقاء البدري كما مضى‪ ،‬وقد نقل ذلك عن أبي بكر‬
‫الموصلي وغيره‪ ،‬وقد مضى أنني لم أقف على ما نُسب ألبي بكر الموصلي في‬
‫كتابه >الفتوح<‪ ،‬غير أن الموصلي ال يختلف حاله عن حال المصنفين في كتب‬
‫الزيارات‪ ،‬إذ أنه إنما يحكى ما يشاع ويقال وال يَ َت َّثبت من نسبة المشاهد إلى‬
‫أصحابها‪ ،‬فهو يصرح بدفن حفصة بنت عمر ‪ ‬ببعلبك في الشام(‪ ،)1‬مع أن‬
‫الثابت أنها توفيت بالمدينة(‪ ،)2‬ويكفي في بيان شهرة بطالن هذا القبر أن مثل أبي‬
‫الحسن الهروي ــ على ما مضى منه من األوهام ــ قد نبه على بطالن نسبة هذا‬
‫القبر إلى حفصة الشتهار وفاتها بالمدينة(‪ ،)3‬فمن يخفى عليه مثل هذا مع شهرته‪،‬‬
‫ال ينبغي االعتماد على قوله‪ ،‬فكيف إذا كان قوله مخالفا لقول من تقدمه من‬
‫مؤرخي دمشق كابن عساكر ومن وافقه‪.‬‬
‫وأما االستدالل بكالم أبي البقاء البدري فهو أيضا غير متجه‪ ،‬فإضافة إلى‬
‫ما مضى من تأخر زمنه ومخالفته لثقات المؤرخين كابن عساكر‪ ،‬فإنه قد قرر ما‬
‫يقال ويشاع عن قبور أربعة من الصحابة مضت اإلشارة إليهم‪ ،‬وهم أبي بن كعب‬
‫ومعاذ بن جبل وضرار بن األزور وأبو دجانة‪ ،‬وكلهم دفنوا في غير الموضع الذي‬
‫نسبهم إليهم البدري مما يدل على أنه ليس ملما بالتاريخ ولم يكلف نفسه التحقق‬
‫من هذه القبور‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مخطوط فتوح الرحمن [ق ‪/36‬ب]‪ ،‬محفوظ بمكتبة الدولة في برلين برقم (‪ ،)We 1560‬وقد‬
‫ذكر بعدها زيارته لقبر مالك األشتر ببعلبك أيضا‪.‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات البن سعد ــ طبعة الخانجي (‪.)84/10‬‬
‫(‪ )3‬اإلشارات إلى معرفة الزيارات للهروي (ص ‪ ،)19‬وقد مال الهروي إلى أن المدفونة في بعلبك‬
‫هي أم حفص أخت معاذ بن جبل‪.‬‬

‫‪676‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ولذا انتقد الباحث اإلمامي علي أصغر قائدان كالم البدري ومن تابعه فقال‪:‬‬
‫>انفرد البدري في >نزهة األنام في محاسن الشام< بذكر هذا القبر والمدفن للسيدة‬
‫زينب المكناة بأم كلثوم‪ ...،‬وال يستند قوله إلى المصادر التاريخية أوالجغرافية‪،‬‬
‫بل يميل إلى الكشف والشهود‪ ،‬وال يقبل هذا المنهج لموضوعي عيني(‪ )1‬أو‬
‫تاريخي<(‪.)2‬‬
‫وأما من جاء بعد الموصلي والبدري من المصنفين في الزيارات فال يخرج‬
‫كالمهم عن تقليد ما جاء في كتب الزيارات القديمة‪ ،‬كما أن كتبهم طافحة‬
‫باألوهام في تعيين مواضع الصحابة‪ ،‬وإذا تبين ذلك فال عبرة بما ذكر في كتب‬
‫الزيارات وال ينبغي للمنصف التعويل على ما ذكر فيها(‪.)3‬‬

‫ــ الصنف الرابع‪ :‬كالم أصحاب كتب الرحالت عن قبر راوية‬


‫احتج محمد حسنين السابقي على صحة المرقد المنسوب لزينب في قرية‬
‫راوية بما جاء في كالم بعض أصحاب كتب الرحالت على أن دفينة راوية هي‬
‫زينب الكبرى(‪ ،)4‬والجواب عن هذا االستدالل من وجوه‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كذا ولم أعرف مراده من ذلك‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مقالة >ضريح السيدة زينب في سوريا (الزينبية) آراء ودراسة نقدية< (ص ‪.)8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫إن استيفاء نقد كتب الزيارات وما وقع فيها من األوهام في تعيين مواضع وفيات األنبياء والصحابة وآل‬ ‫(‪)3‬‬
‫البيت يحتاج إلى دراسة مستقلة‪ ،‬والذي عزمت عليه هو إفراد الصحابة وآل البيت بدراسة تحقق‬
‫مواضع وفياتهم مع بيان زور كثير من المواضع التي تنسب إليهم‪ ،‬وهذا سهل لكون المصنفات‬
‫القديمة في تراجم الصحابة قد اعتنت في الغالب بذكر مواضع وفياتهم والبلدان التي دخلوها‪،‬‬
‫المزورة‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫وهذا يسهل مهمة الباحث في تزييف ما ينسب إليهم من القبور ّ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 173‬ــ ‪.)175‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪677‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫األول‪ :‬لم يثبت عن أحد من أصحاب الرحالت الذين نقل السابقي أقوالهم‬
‫التصريح بدفن زينب الكبرى في الشام‪ ،‬وما نسبه إليهم السابقي من القول بذلك‬
‫ليس له أساس من الصحة‪ ،‬وإنما بناه على مقدمة فاسدة‪ ،‬وهي أن أم كلثوم كنية‬
‫زينب الكبرى‪ ،‬وبناء عليه فقد نسب إلى كل القائلين بدفن أم كلثوم في راوية‬
‫بأنهم قائلون بدفن زينب الكبرى هناك‪ ،‬مع أن منهم من صرح بأن دفينة راوية هي‬
‫زينب الصغرى كابن جبير‪ ،‬وأما ابن بطوطة فظاهر من كالمه أنه إنما تابع ابن‬
‫جبير فيما قرره‪ ،‬وكثيرا ما يقلده ويتابعه(‪ ،)1‬ولكنه لم يذكر كلمة الصغرى‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قد وقع في كالم كل من ابن جبير وابن بطوطة أخطاء وأوهام ظاهرة‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ فقول ابن جبير إن اسم أم كلثوم هو زينب الصغرى‪ ،‬وقوله إن النبي‬
‫هو من كناها بذلك ومتابعة ابن بطوطة له على ذلك‪ ،‬غلط واضح‪ ،‬وقد‬
‫بل‬ ‫مضى الكالم عنه‪ ،‬وقلت‪ :‬إن زينب الصغرى لم تولد في حياة النبي‬
‫ولدت بعد وفاة النبي !‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ وقد ظن ابن جبير وابن بطوطة‪ ،‬أن دفينة راوية كانت ُتكنى أم كلثوم‪،‬‬
‫اسم وليس كنية‪ ،‬وقد ُسمي به عدة نساء من الصحابة وآل‬‫والصواب أن أم كلثوم ٌ‬
‫البيت‪ ،‬كأم كلثوم بنت النبي ‪ ،‬وأم كلثوم الكبرى بنت علي ‪ ،‬وأم كلثوم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر رحلة ابن بطوطة (‪ ،)57/2( ،)297/1( ،)272/1‬وقد نص الدكتور المؤرخ عبد الهادي‬
‫التازي ــ وقد حقق رحلة ابن بطوطة وكتب حولها دراسة مفصلة ــ‪ ،‬في مقالة >اكتشاف غير مسبوق‬
‫حول رحلة ابن بطوطة<‪ ،‬المنشورة بمجلة المجمع العلمي العراقي‪ ،‬المجلد الواحد والخمسون‪،‬‬
‫الجزء الثالث‪( ،‬ص ‪ )107‬على أن ابن بطوطة كان يقتبس من ابن جبير‪ ،‬وذكر في (ص ‪ )117‬أن‬
‫ابن بطوطة >مولع بتقليد ابن جبير<‪ ،‬وبخصوص دمشق‪ ،‬يذكر التازي في (ص ‪ )117‬أن ابن‬
‫بطوطة اقتدى بمسلك ابن جبير في زيارته الثانية لدمشق‪.‬‬

‫‪678‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫بنت أبي بكر الصديق ‪ ،‬وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط‪ ،‬وغيرهن‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ إن زينب الكبرى ‪ ‬لم تكن ُتك ّنى بأم كلثوم‪ ،‬بل كانت كنيتها أم‬
‫جعفر وقد نص الزبير بن بكار على ذلك كما مضى(‪ ،)1‬وهي كنية زوجها عبد اهلل‬
‫ابن جعفر‪.‬‬
‫وهذه األوهام تدل على أن ابن جبير وابن بطوطة لم يكن عندهما أي معرفة‬
‫أو تحقيق ال عن المدفونة في قرية راوية‪ ،‬وال عن زينب الكبرى بل وحتى زينب‬
‫فكالمهما ال يعتد‬
‫ُ‬ ‫الصغرى‪ ،‬وإنما َح َكيا ما سمعاه من دون تحقيق أو مراجعة‪،‬‬
‫صرح بأن دفينة راوية هي زينب الكبرى وهو ما‬
‫به‪ ،‬مع العلم ْأن ال أحد منهما ّ‬
‫سيتبين في الوجه الرابع‪.‬‬
‫ّ‬
‫الثالث‪ :‬إن االستدالل بما ورد في كالم أصحاب الرحالت استدالل‬
‫ويقصون ما رأوه وما‬
‫قاصر‪ ،‬وذلك أن المصنفين في الرحالت كانوا يحكون ُّ‬
‫سمعوه من الناس من أن فالنا مدفون في البقعة الفالنية‪ ،‬وفي كثير من األحيان‬
‫البينة الظاهرة‪ ،‬ولذلك فال ينبغي‬
‫ال يتنبهون إلى ما في هذه األقوال من األخطاء ّ‬
‫الركون إلى أقوالهم‪ ،‬ولنمثل ببعض األمثلة‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ جاء في رحلة ابن جبير تعيين موضع دفن ثالثة من أوالد النبي‬
‫في البقيع‪ ،‬وقد رد السمهودي كالم ابن جبير قائال‪> :‬لم أقف على أصل لما‬
‫ذكر<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬األخبار الموفقيات (ص ‪.)19‬‬
‫(‪ )2‬خالصة الوفا (‪ ،)392/2‬وراجع المباحث العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية (ص ‪ ،)882‬فقد‬
‫انتقد بتفصيل كالم ابن جبير وساق عددا من األدلة القوية في مناقشة كالمه‪.‬‬

‫‪679‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫‪ 2‬ــ يقول ابن جبير‪> :‬وفي الطريق الى باب البصرة مشهد حفيل البنيان‬
‫داخله قبر متسع السنام‪ ،‬عليه مكتوب‪ :‬هذا قبر عون ومعين‪ ،‬من أوالد أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ،)1(<‬قلت‪ :‬لم يذكر أحد من أهل النسب‬
‫والتاريخ اسم معين ضمن أوالد علي ‪.!‬‬
‫‪ 3‬ــ ونظير هذا قول ابن جبير إن في مصر مشهدا >لمريم ابنة علي بن أبي‬
‫طالب ‪ ‬وهو مشهور<(‪ ،)2‬فإنه ال يُعرف في بنات علي ‪ ‬امرأة باسم مريم(‪،)3‬‬
‫وحتى لو ُعرف‪ ،‬فمن أين لها أن تأتي مصرا وتموت بها!‪ ،‬فضال عن أن المحققين‬
‫قرروا أنه لم يدفن في مصر أحد من أبناء أو بنات علي ‪.)4(‬‬
‫‪ 4‬ــ سرد ابن جبير أسماء مشاهد بعض الصحابة ‪ ‬في القرافة بمصر‪،‬‬
‫فذكر منها مشهد معاذ بن جبل(‪ ،)5‬والمتفق عليه بين أهل العلم أن معاذا ‪‬‬
‫توفي بالشام(‪ ،)6‬ولم ينقل أحد من ثقات المؤرخين قبل ابن جبير أن معاذا توفي‬
‫بمصر!‬
‫!(‪،)7‬‬ ‫‪ 5‬ــ ذكر ابن جبير مشهدا في مصر ألبي الحسن صائغ رسول اهلل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رحلة ابن جبير (ص ‪.)181‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رحلة ابن جبير (ص ‪.)20‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ذكر ابن سعد في الطبقات ــ طبعة الخانجي ــ (‪ ،)18/3‬عدد بنات علي ‪ ‬وهن تسعة عشر‬ ‫(‪)3‬‬
‫امرأة وليس فيهن مريم‪ ،‬وأما ابن الطقطقي فذكر في األصيلي (ص ‪ 58‬ــ ‪ )60‬أن عدد بنات علي‬
‫‪ ‬ثمان وعشرون بنتا!!‪ ،‬ومع ذلك فليس فيهن من اسمها مريم‪.‬‬
‫سيأتي نقل كالمهم عند نقد القول بدفن زينب الكبرى في مصر‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫رحلة ابن جبير (ص ‪.)21‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫واختلفوا في أي موضع بالشام‪ ،‬فقيل باألردن‪ ،‬وقيل بعمواس‪ ،‬انظر تفصيل ذلك في تاريخ دمشق‬ ‫(‪)6‬‬
‫(‪ 455/58‬ــ ‪.)457‬‬
‫رحلة ابن جبير (ص ‪.)21‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪680‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ولم أقف لهذا الرجل على خبر أو أثر في الكتب المصنفة في الصحابة‪ ،‬فضال‬
‫لم يكن عنده صائغ!‪.‬‬ ‫عن أ ّن النبي‬
‫الرابع‪ :‬إن المحققين من أهل العلم لم يعت ُّدوا بهذه النقول عن أصحاب‬
‫كتب الرحالت‪ ،‬فقال أحمد بن خالد الناصري بعد أن استبعد دفن زينب الكبرى‬
‫في مصر‪> :‬وأبعد منه ما وقع في رحلة ألبي عبد اهلل ابن بطوطة‪ ،‬فإنه قال عند‬
‫ثم قال‪> :‬وال يخفى‬
‫ثم نقل كالم ابن بطوطة َّ‬
‫ذكره مزارات دمشق‪ ،‬ما نصه‪َّ <...،‬‬
‫ما فيه من التخليط‪ ،‬بجعل زينب هي أم كلثوم‪ ،‬ولكنه أفاد في الجملة أن مشهد‬
‫زينب بدمشق‪ ،‬ونحو ما البن بطوطة وقع ألبي سالم العياشي في رحلته‪ ،‬من أن‬
‫مشهد زينب هذه ‪ ‬بدمشق<‪ ،‬ثم نقل كالم العياشي ثم قال‪> :‬وهو أيضا يقتضي‬
‫أن مدفنها بالشام ال مصر‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬قلت‪ :‬ولكن ما تقتضيه األخبار أن مدفنها‬
‫بالمدينة المنورة ال بالشام وال بمصر<(‪.)1‬‬
‫ولم يعتد محسن األمين اإلمامي بكالم ابن جبير أيضا فقال‪> :‬ابن جبير وإن‬
‫سماها زينب الصغرى وكناها أم كلثوم‪ ...‬إال أن الظاهر أ ّن ذلك اجتهاد منه بدليل‬
‫قوله‪> :‬إ ّن أهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الست أم كلثوم< مما دل على أنها‬
‫مشهورة بأم كلثوم دون زينب<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬طلعة المشتري (‪ 25/1‬ــ ‪.)26‬‬
‫(‪ )2‬أعيان الشيعة (‪ ،)136/7‬وما مضى عن الحاجة إلى نقض ما ورد في كتب الزيارات في دراسة‬
‫مستقلة‪ ،‬يجري على ما ورد في كتب الرحالت من تعيين مواضع وفيات األنبياء والصحابة وآل‬
‫البيت‪ ،‬فالتشابه بينها كبير جدا‪ ،‬بل إن أصل التصنيف في الزيارات منشأه االرتحال والسياحة‪،‬‬
‫فأبو الحسن الهروي الرحالة يعد من أوائل من صنف في الزيارات‪ ،‬وما حمله على ذلك إال الرغبة‬
‫في تقييد ما وقع له في رحلته من مشاهدات‪.‬‬

‫‪681‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ الصنف الخامس‪ :‬دعوى الشهرة‬


‫استدل محمد حسنين السابقي ومن تبعه من القائلين بأن زينب الكبرى ‪‬‬
‫هي دفينة راوية‪ ،‬بدعوى الشهرة التي يحسن تسميتها بالشهرة الوهمية‪ ،‬ألن‬
‫منشأها ليس إال التوهم‪ ،‬فقد ادعى السابقي أن شهرة مدفن زينب الكبرى في‬
‫الشام تمتد أللف عام!(‪ ،)1‬وبعد أن اعترف بعدم ورود أي شيء عن قبر زينب‬
‫في مصادر اإلمامية قال‪> :‬عندنا كثير من مشاهد أهل البيت التي تلقيناها عن‬
‫السلف يدا عن يد بالسيرة والشهرة المستمرة<(‪ ،)2‬وهذا الكالم ال أساس له من‬
‫الصحة وبيان ذلك في وجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬لقد استعرضت فيما سلف تاريخ قبر راوية‪ ،‬وتاريخ ظهور‬
‫القول بأن زينب الكبرى هي المدفونة في هذا القبر‪ ،‬وبينت أن هذا القول لم يكن‬
‫له أصل إال في القرن الثامن على أقصى تقدير‪ ،‬وأما عند اإلمامية فلم يكن عندهم‬
‫أي علم عن هذا القبر لمدة اثني عشر قرنا‪ ،‬وأن مبتدأ القول بوفاة زينب الكبرى‬
‫في الشام لم يظهر في التراث اإلمامي إال في القرن الثالث عشر‪ ،‬وعليه فدعوى‬
‫الشهرة ال حقيقة لها‪ ،‬إال أن السابقي سلك مسلكا معوجا عندما أراد أن يثبت‬
‫شهرة نسبة هذا القبر لزينب الكبرى‪ ،‬فلجأ إلى التمويه والتدليس‪ ،‬بأ ْن زعم أن‬
‫كل من ذكر دفينة راوية قائل بأنها زينب الكبرى!! حتى لو كان غير قائل‬
‫بذلك‪ ،‬وقد مضى نقد هذا المسلك بتفصيل حينما تكلمت عن وجوه الضعف‬
‫في كتابه‪ ،‬فال حاجة لإلعادة(‪ ،)3‬وحتى لو سلّمنا جدال بهذه الدعوى‪ ،‬فإن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)137‬‬
‫(‪ )2‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)328‬‬
‫(‪ )3‬انظر (ص ‪.)196‬‬

‫‪682‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫أقدم نص موجود عن قبر راوية هو نص ابن عساكر(‪ ،)1‬وتاريخ هذا النص هو‬
‫منتصف القرن السادس‪ ،‬وعليه فهذا القول منقطع األوصال وليس له أي شهرة‬
‫قبل القرن السادس!‪ ،‬ومثل هذا الشهرة ال حقيقة لها‪ ،‬وفي مثلها يقول الشيخ‬
‫اإلمامي حسين الخشن‪> :‬إذا كانت هذه الشهرة متأخرة وغير متلقاة يدا بيد وال‬
‫متوارثة جيال بعد جيل وصوال إلى زمان دفن صاحب الضريح‪ ،‬فلن يكون لها‬
‫اعتبار في إثبات شيء أو نفيه‪ ،‬فكم من أمر اشتهر عند المتأخرين دون أن يكون‬
‫له أساس تاريخي<(‪ ،)2‬قلت‪ :‬وهذا ينطبق على المرقد المنسوب لزينب الكبرى‬
‫في الشام‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬إن االستناد إلى الشهرة في هذه المسألة ال يمكن التعويل‬
‫عليه‪ ،‬وذلك أن تعيين قبر شخص مات قبل مئات السنين ال ينبغي االستناد فيه‬
‫إلى مجرد الشهرة‪ ،‬فتحق ُُّق الشهرة الحقيقية التي يمكن االطمئنان إليها متعذّ ر في‬
‫مثل هذه القضايا‪ ،‬وأدل دليل على ذلك‪ ،‬أنك تجد اليوم قبورا ومراقد يُقطع بأنها‬
‫مزورة ومكذوبة ومع ذلك فإنها ال تزال اليوم مشهورة يزورها اآلالف‪ ،‬وأشهر‬
‫مثال على ذلك المرقد المنسوب لعلي بن أبي طالب ‪ ‬في مدينة مزار شريف‪،‬‬
‫حيث يشتهر اليوم في أفغانستان أن هذا قبر علي ‪.)3(!!‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد ادعى السابقي أن أقدم ما ورد حول هذا المرقد هو زيارة السيدة نفيسة له في سنة ‪193‬هـ‪،‬‬
‫وعزا ذلك إلى كتاب أهل البيت لتوفيق أبو علم المصري‪ ،‬وقد مضى أن هذا تدليس من السابقي‪،‬‬
‫وأن توفيقا ذكر أن نفيسة زارت قبر أم كلثوم بنت زينب الكبرى (انظر ص ‪ 224‬ــ ‪ ،!)225‬فضال‬
‫عن أن توفيقا هذا معاصر ولم يذكر مصدر هذه الدعوى!‪.‬‬
‫(‪ )2‬في بناء المقامات الدينية (ص ‪.)38‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الذريعة للطهراني (‪ 126‬ــ ‪.)140‬‬

‫‪683‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫قضية من القضايا‬
‫مجرد عرض ّ‬ ‫يقول الباحث اإلمامي محمد الريشهري >إ ّن ّ‬
‫خلفية‬
‫أو جريانها على األلسن ال تكفي في حصول االطمئنان ما لم يكن لها ّ‬
‫وجلية‪ ،‬خصوصا في األزمنة السالفة التي لم يكن فيها تدوين األحداث‬ ‫واضحة ّ‬
‫ومتداوال<(‪ ،)1‬ويقول الشيخ اإلمامي حسين الخشن‪> :‬وال يعتنى‬
‫َ‬ ‫والوقائع شائعا‬
‫بالشهرة فيما لو كانت موضعية ومحدودة وال تؤيدها الشواهد التاريخية<(‪ ،)2‬وبناء‬
‫عليه ال ينبغي االعتماد على هذه الشهرة المدعاة‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬لو س ّلمنا جدال بتحقق الشهرة في المرقد المنسوب لزينب‬
‫الكبرى في راوية‪ ،‬فيجاب عنه بتعارض هذه الشهرة مع شهرة المرقد المنسوب‬
‫لها في مصر‪ ،‬وبتعارضهما يسقط االستدالل بدعوى الشهرة‪ ،‬يقول الشيخ اإلمامي‬
‫محمد جواد مغنية‪> :‬الشهرة عند أهل الشام تعارضها الشهرة عند أهل مصر<(‪،)3‬‬
‫ومن تناقض السابقي‪ ،‬أنه قبل أن يقرر شهرة قبر زينب في الشام‪ ،‬نقض دعوى‬
‫شهرة قبرها في مصر‪ ،‬فقال معلقا على كالم مغنية في تقرير شهرة القبر المصري‪:‬‬
‫>ال يوجد لهذا المشهد باسم العقيلة ذكر في كتب القدامى<(‪ ،)4‬أقول‪ :‬وهذا األمر‬
‫ينطبق حذو القذة بالقذة على القبر الشامي‪ ،‬فالسابقي هنا نقض دليله بنفسه ووقع‬
‫في التناقض من حيث ال يدري‪ ،‬ألن اعتراضه على شهرة القبر المصري بعدم‬
‫وجود ذكر له في كتب القدامى ينطبق أيضا على القبر الشامي لزينب! وبذلك‬
‫تسقط دعوى الشهرة المدعاة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الصحيح من مقتل سيد الشهداء (ص ‪ )1106‬الهامش ‪.1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫في بناء المقامات الدينية (ص ‪.)38‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مع بطلة كربالء (ص ‪.)91‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)238‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪684‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ــ الصنف السادس‪ :‬ادعاء وقوع الكرامات عند القبر المنسوب لزينب الكبرى‪‬‬
‫استدل السابقي بصحة دفن زينب الكبرى في راوية بظهور الكرامات في‬
‫هذا القبر(‪ ،)1‬وقال عقب ذكره إحدى القصص‪> :‬هذه الكرامة حجة قاطعة على‬
‫صحة مرقد العقيلة زينب الكبرى<(‪.)2‬‬
‫وكذا فعل المرجع المعاصر صادق الشيرازي فقال بعد أن انتصر لصحة‬
‫القبر المنسوب لزينب بالشام‪> :‬وقد ظهرت منه المعاجز والكرامات الكثيرة‬
‫المؤيدة لذلك<(‪.)3‬‬
‫يم ُّت إلى العلم والتحقيق بأي صلة‪ ،‬بل‬
‫وهذا الضرب من االستدالالت ال ُ‬
‫ليس في الحقيقة إال من قبيل األوهام‪ ،‬وال حاجة لرد مثل هذا االستدالل ألنه‬
‫ليس بحجة أصال‪ ،‬وقد انتقد الشيخ اإلمامي حسين الخشن هذا النوع من الحجج‬
‫فقال‪> :‬المصدر اآلخر الذي ال يمكن التعويل عليه في إثبات صحة المراقد هو‬
‫حصول الكرامات فيها‪ ،‬من شفاء مريض أو عليل أو استجابة دعاء أو قضاء‬
‫حاجة‪ ،‬وما إلى ذلك<(‪ ،)4‬إلى أن يقول‪> :‬والسبب في رفضنا االعتماد على‬
‫الكرامات في المقام‪ ،‬ليس فقط هو حصول المبالغات أو األوهام بشأن بعض‬
‫الكرامات‪ ،‬وربما األكاذيب التي تكثر حتى في المقامات الثابتة النسبة إلى‬
‫أصحابها‪ ...‬وإنما السبب هو أن حصول الكرامة حتى لو تم التوثق منها ومن‬
‫حدوثها في مقام مشكوك النسبة إلى شخصية معينة‪ ،‬فإن ذلك ال يمثل دليال على‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)245‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)251‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أحكام العتبات (ص ‪.)177‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫في بناء المقامات الدينية (ص ‪.)42‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪685‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫صحة النسبة‪ ...،‬إذ ال مالزمة بين األمرين<(‪.)1‬‬


‫وقال الشيخ اإلمامي حيدر حب اهلل‪ّ > :‬أما الكرامات عند المراقد واألماكن‬
‫التي من هذا النوع‪ ،‬فليست دليال كافيا عادة؛ أل ّن الكرامة قد تحصل مع االشتباه‬
‫في تحديد موضع القبر؛ فإ ّن شفاء مريض عند القبر ليس مربوطا بوجود ج ّثة‬
‫صاحب القبر فيه‪ ،‬بل القضية تتصل بالروح واإليمان أكثر مما تتصل بالعنصر‬
‫أقل من احتمال ذلك‪ ،‬فمن البعيد أن يتوقّف ترتيب الكرامة على‬ ‫المادي‪ ،‬أو ال ّ‬
‫الولي<(‪.)2‬‬
‫ّ‬ ‫كون القبر هو بالفعل قبر هذا النبي أو‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في بناء المقامات الدينية (ص ‪.)43‬‬
‫(‪ )2‬إضاءات في الفكر والدين واالجتماع (‪.)526/5‬‬

‫‪686‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫‪ 5‬ــ نصوص المحققين من أهل العلم على بطالن القبر المنسوب لزينب‬
‫الكبرى ‪ ‬في الشام‬
‫لقد مضى في المبحث السابق نقل نصوص عدة من علماء أهل السنة‬
‫واإلمامية الذين ذهبوا إلى ترجيح وفاة زينب الكبرى ‪ ‬في المدينة المنورة‪،‬‬
‫ومقتضى ذلك أنهم ينفون أن تكون زينب الكبرى مدفونة في الشام‪ ،‬وبما أن‬
‫أقوالهم قد مضى نقلها فال حاجة إلعادتها هنا وسنكتفي بنقل نصوص من جزم‬
‫ببطالن نسبة القبر الشامي إلى زينب الكبرى ‪.‬‬
‫أ ــ أقوال علماء أهل السنة‬
‫لعل أول من نص على عدم صحة انتساب قبر راوية إلى زينب الكبرى ‪‬‬
‫هو عبد الغني النابلسي (‪ 1143‬هـ)‪ ،‬فقد مضى أن له أكثر من قول في المسألة‬
‫وأنه كان يرى أن زينب المدفونة في راوية هي أم كلثوم الكبرى زوجة عمر ‪،‬‬
‫ومع ذلك فإن الظاهر أنه تراجع عن ذلك وآل أمره إلى القول بعدم صحة دفنها في‬
‫قرية الست فقال‪> :‬لعل هناك امرأة غيرها مسماة بزينب أيضا وملقبة بالست<(‪.)1‬‬
‫فإذا علم هذا فال بد من التنبيه على عدم صحة دعوى كل من عبد الرزاق‬
‫المقرم والسابقي فيما نسباه إلى النابلسي من خالف ذلك‪ ،‬قال السابقي‪> :‬الطائفة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مناجاة الحكيم ومناغاة القديم مطبوع ضمن كتاب رسائل صوفية عرفانية لعبد الغني النابلسي‬
‫(ص ‪ ،)48‬وقد رجحت أن هذا آخر أقوال النابلسي ألن العجلوني أورد كالم النابلسي في رسالة‬
‫ثواب المدرك التي يثبت فيها أن دفينة راوية هي زينب ثم استدرك في آخر رسالته كالم النابلسي‬
‫في مناجاة الحكيم التي يصرح فيها بأن دفينة راوية ليست السيدة زينب‪ ،‬ولم أتمكن من الوقوف‬
‫على تاريخ تأليف رسالة مناجاة الحكيم وال رسالة ثواب المدرك‪.‬‬

‫‪687‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫الرابعة‪ :‬من علماء الشيعة والسنة من صرح بأن المدفونة بقرية راوية زينب الكبرى‬
‫بنت أمير المؤمنين التي أمها فاطمة الزهراء وشقيقة السبطين ‪ ‬وزوجة عبد اهلل‬
‫بن جعفر التي ولدت منه عليا وعونا وعباسا وأم كلثوم‪ ،‬وفي هذه الطائفة كبار‬
‫أهل الخبرة واالطالع والتتبع من علماء الفريقين<‪ ،‬ثم ذكر النابلسي فيهم فقال‪:‬‬
‫>الفقيه الحنفي عبدالغني النابلسي الدمشقي المتوفي ‪ 1142‬هـ<(‪.)1‬‬
‫ونقل في موضع آخر عن الشيخ اإلمامي عبد الرزاق المقرم أنه قال‪> :‬تواتر‬
‫الخبر عند أهل الشام أن الفقيه الحنفي الكبير وعالم دمشق في عصره الشيخ‬
‫عبد الغني النابلسي المتوفي سنة (‪ 1143‬هـ) زار مرقد العقيلة زينب (‪)‬‬
‫فلما انصرف وسار‬ ‫أشم رائحة النبوة<‪ّ ،‬‬
‫براوية‪ ،‬فلّما سألوه عن ذلك قال‪> :‬ال ّ‬
‫نحو مائتي خطوة سقط عن دابته وانكسرت رجله فأمر بإرجاعه إلى المشهد‪<..‬‬
‫ثم ذكر أن النابلسي أنشد أبياتا في مدح زينب‪> ،‬فالتأم الكسر في وقته<(‪ ،)2‬وقال‬
‫في موضع آخر‪> :‬وهذا الخبر معروف عند أهل دمشق<(‪.)3‬‬

‫وهذا الكالم المنسوب للنابلسي ال حقيقة له وال أصل‪ ،‬ولم ينقله السابقي‬
‫عن النابلسي إنما نقله عن المقرم‪ ،‬والمقرم لم ينقل ذلك من كالم النابلسي أو‬
‫كتبه‪ ،‬وإنما عزا هذه الحكاية إلى أهل دمشق‪ ،‬وال ريب أن هذه الحكاية هي كذبة‬
‫واضحة‪ ،‬ألمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬إن النابلسي كان في أول أمره ينسب هذا القبر إلى زينب بنت علي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ ،)133‬وكرر قريبا من هذا الكالم في (ص ‪.)177‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)177‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)247‬‬

‫‪688‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫بنت فاطمة لكنه كان يخلط بينها وبين أم كلثوم الكبرى كما صنع في رسالة >ثواب‬
‫المدرك في زيارة السيدة زينب والشيخ مدرك<‪ ،‬ثم بعد ذلك عدل عن هذا الرأي‬
‫وصار يرى أنها امرأة أخرى‪ ،‬وهذا عكس ما ادعاه المقرم والسابقي‪ ،‬من أنه كان‬
‫في أول أمره ينكر نسبة القبر إلى زينب‪ ،‬فتبين بذلك أن من اخترع هذه الخرافة‬
‫لم يطلع على كالم النابلسي وال كتبه‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬يبدو أن من اخترع هذه القصة وبثها بين الناس وقف على كالم‬
‫النابلسي في كتابه >مناجاة الحكيم ومناغاة القديم< حيث إن النابلسي استند إلى‬
‫ما يسمى بالكشف وحكى قصة لقائه مع عمر الخباز ومدرك بن زياد المدفونين‬
‫في قرية راوية‪ ،‬ثم قال‪> :‬ثم انتظرت أن أرى السيدة زينب ‪ ‬وطلبت أن أجتمع‬
‫بها فلم أجدها في القرية المذكورة أصال‪ ،‬وال في تراب تلك القرية من روحانيتها‬
‫أصال‪ ،‬ولعل هناك امرأة غيرها مسماة بزينب أيضا وملقبة بالست‪ ،‬واهلل أعلم<(‪،)1‬‬
‫فيبدو أن مخترع قصة كسر رجل النابلسي وعالجها بعد مدحه لزينب استند على‬
‫وغير أصل القصة وزاد فيها فرية كسر رجل النابلسي وشفائها بعد أن‬ ‫هذا النص َّ‬
‫مدح زينب‪ ،‬والمقطوع به أن هذه القصة كذب محض‪ ،‬فلو وقعت لكان ذكرها‬
‫العجلوني وهو أحد أشهر تالمذة النابلسي في رسالة >عرف الزرنب< التي تعرض‬
‫فيها لرأي النابلسي عن المدفونة في قرية راوية‪ ،‬ونقل فيها كالم النابلسي اآلنف‬
‫في مناغاة الحكيم(‪ ،)2‬فلو وقعت هذه القصة لكان العجلوني ساقها‪ ،‬وقد رجعت‬
‫إلى ترجمة النابلسي في عدة من المصادر فلم أجد أثرا لهذه القصة المفتعلة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مناجاة الحكيم ومناغاة القديم مطبوع ضمن كتاب رسائل صوفية عرفانية لعبد الغني النابلسي‬
‫(ص ‪.)48‬‬
‫(‪ )2‬مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/75‬ب]‪.‬‬

‫‪689‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وقد تبع إسماعيل بن محمد العجلوني (‪ 1162‬هـ) شيخه عبد الغني‬


‫النابلسي كما مضى‪ ،‬ولعله أول من قطع بعدم وجود أصل لنسبة هذا القبر إلى‬
‫زينب الكبرى فقال‪> :‬أما كون المدفونة في قرية راوية وهي المعروفة اآلن بقبر‬
‫الست وبالست‪ ،‬هي زينب الكبرى بنت فاطمة من علي ‪ ‬لم أر له مستندا‬
‫تنشرح له الصدور<(‪ ،)1‬بل إن الظاهر أنه صرح بأن هذا القول إنما صدر >ممن‬
‫ليس من أهل الحديث وال ممن يعول عليه في النقل واإلشارة<(‪ ،)2‬ثم إنه في‬
‫آخر رسالته التي صنفها في هذه المسألة أورد كالم شيخه النابلسي اآلنف الذي‬
‫نفى فيه أن تكون زينب دفينة راوية‪ ،‬مما يدل على أن هذا آخر أقواله أيضا‪ ،‬وأما‬
‫ما وقع منه في هذه الرسالة وكذا في كتاب آخر له فقد جرى فيه على ما اشتهر بين‬
‫الناس كما مضى تفصيله وبيانه(‪.)3‬‬
‫وقد جزم الشيخ أحمد بن خالد الناصري (‪ 1315‬هـ) ببطالن نسبة هذا‬
‫القبر إلى زينب الكبرى‪ ،‬حيث يقول‪> :‬ما تقتضيه األخبار والتواريخ أن مدفنها‬
‫بالمدينة المنورة‪ ،‬ال بالشام<(‪.)4‬‬
‫وهذا ما قرره جماعة من الكتاب المح َدثين والمعاصرين‪:‬‬
‫فقد أنكر الدكتور عبد القادر الريحاوي صحة نسبة القبور المنسوبة إلى‬
‫زينب في الشام‪ ،‬بعد أن مال إلى أنها زينب الصغرى‪ ،‬فقال‪> :‬هناك قبور أخرى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/71‬أ]‪ ،‬وقد سبق الكالم عن الكشط الذي وقع في المخطوط في هذا‬ ‫(‪)1‬‬
‫الموضع‪.‬‬
‫مخطوط عرف الزرنب [ق ‪/71‬أ]‪ ،‬ومضى الكالم عن اإلشكال في هذا النص في المخطوط إذ‬ ‫(‪)2‬‬
‫ضرب على هذا النص‪ ،‬ولذا لم أجزم بنسبته له‪.‬‬
‫انظر مبحث تاريخ قبر راوية (ص ‪ 601‬ــ ‪.)616‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫طلعة المشتري في النسب الجعفري (‪.)26/1‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪690‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫ومشاهد تنسب إلى جماعة من الصحابة وآل البيت‪ ،‬تزار ويعنى بها دون أن يثبت‬
‫تاريخيا دفن أصحابها في دمشق<‪ ،‬ثم ذكر منها قبر زينب الصغرى في قرية‬
‫راوية(‪ ،)1‬وقال عند ذكر قبور آل البيت في مقالته >قبور العظماء بدمشق<‪> :‬زينب‬
‫الصغرى بنت علي‪ ،‬وتلقب أم كلثوم‪ ،‬لها قبران في دمشق؛ األول في قرية راوية‬
‫المعروفة حاليا بالست‪ ...‬والقبر اآلخر في مقبرة الباب الصغير في قبة خاصة به‬
‫تضمه إلى مقام الست سكينة‪ ،‬ورغم كل ذلك فنحن ال نعتقد بصحة نسبة هذين‬
‫القبرين إلى زينب بنت علي بن أبي طالب<(‪.)2‬‬
‫وبعدما جزم الباحث محمد عبد السمان‪ ،‬بدفن زينب في البقيع استغرب‬
‫نسبة القبر الشامي إليها فقال‪> :‬إن التاريخ الثابت يؤكد ــ وهو مطمئن غاية‬
‫االطمئنان ــ بأن السيدة زينب ‪ ،‬لم تطأ قدمها مصر‪ ،‬بل ماتت ودفنت بالبقيع‪،‬‬
‫إال أن هذه الحقيقة المؤكدة ضائعة وسط غوغائية السذج والبسطاء‪ ،‬والعجيب‬
‫أن لها قبرا في القاهرة‪ ،‬ولها قبر آخر يزار في دمشق<(‪.)3‬‬
‫وهذا ما ذهب إليه الدكتور أحمد خليل جمعة حيث يقول‪> :‬هناك مصادر‬
‫تزعم أنها دفنت في الشام في مدينة دمشق‪ ،‬ولكن العالمة ابن عساكر لم يعين في‬
‫تاريخه مكان موتها‪ ،‬ولو كان بدمشق لذكر ذلك<(‪.)4‬‬
‫وقال الدكتور فتحي حافظ حديدي منكرا صحة نسبة القبر الشامي لزينب‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مدينة دمشق تاريخها وتراثها وتطورها العمراني والمعماري (ص ‪.)198‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مقالة قبور العظماء في دمشق‪ ،‬منشورة بمجلة المجمع العلمي العربي‪ ،‬المجلد ‪ ،34‬الجزء الرابع‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ 29‬ربيع األول سنة ‪ 1379‬هـ‪( ،‬ص ‪ 659‬ــ ‪.)660‬‬
‫مقالة أليس فيهم رجل رشيد‪ ،‬منشورة بمجلة التوحيد التي تصدرها جماعة أنصار السنة المحمدية‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المجلد السادس العدد ‪ ،61‬محرم سنة ‪ 1398‬هـ (ص ‪.)19‬‬
‫بنات الصحابة (ص ‪.)208‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪691‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫>شأنه شأن ضريحها بالقاهرة‪ ،‬ألنها دفنت بالمدينة المنورة كما هو ثابت في‬
‫التاريخ وفي الواقع الحالي‪ ،‬بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة<(‪.)1‬‬

‫ب ــ أقوال علماء اإلمامية‬


‫مع أن أكثر اإلمامية اليوم قائلون بدفن زينب الكبرى في الشام‪ ،‬إال أنك قد‬
‫تتفاجأ أيها القارئ حين ترى كثرة نصوص علمائهم إلى وقت قريب على بطالن‬
‫نسبة هذا القبر إلى زينب‪ ،‬ولكن أقوال المنكرين شبه مهجورة اليوم‪ ،‬وفي طليعة‬
‫هؤالء‪ ،‬القائلون بوفاة زينب الكبرى في المدينة وقد مضت أقوالهم‪ ،‬وكذا‬
‫الذاهبون إلى وفاتها في مصر‪ ،‬ومنهم من لم يعين قبرها وقال بخفائه‪ ،‬وقد اكتفيت‬
‫بنقل أقوال من صرح ببطالن دفن زينب الكبرى في الشام وإليك نصوصهم‪:‬‬
‫ــ يعد محسن األمين العاملي (‪ 1371‬هـ) أشهر مراجع اإلمامية الذين نفوا‬
‫دفن زينب في منطقة راوية‪ ،‬وأصر على ذلك في عدة مواضع من كتابه >أعيان‬
‫الشيعة<‪ ،‬حيث قال في أول الكتاب أثناء الكالم عن ذرية علي ‪> :‬كون القبر‬
‫الذي براوية لزينب الكبرى مقطوع بعدمه<(‪ .)2‬وقال في موضع آخر‪> :‬القول بأن‬
‫هذا القبر منسوب إلى زينب العقيلة من المشهورات التي ال أصل لها<(‪.)3‬‬
‫وبحث هذا األمر بتفصيل في ترجمة زينب الكبرى في أعيان الشيعة فقرر‬
‫أن زينب الكبرى ماتت بالمدينة‪ ،‬ونقض األدلة التي نسجها القائلون بوفاتها في‬
‫الشام‪ ،‬وقال‪> :‬قد وهم كل من زعم أن القبر الذي في قرية راوية منسوب إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة (ص ‪.)195‬‬
‫(‪ )2‬أعيان الشيعة (‪.)322/1‬‬
‫(‪ )3‬أعيان الشيعة (‪.)17/5‬‬

‫‪692‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف الشام‬

‫زينب الكبرى<(‪ ،)1‬وقال أيضا‪> :‬لم يتحقق أن صاحبة القبر الذي في راوية تسمى‬
‫زينب‪ ،‬لو لم يتحقق عدمه فضال عن أن تكون زينب الكبرى<(‪.)2‬‬
‫وترجع قيمة كالم محسن األمين لكونه من كبار مراجع اإلمامية في الشام‬
‫في زمنه‪ ،‬فضال عن أنه كان مقيما بدمشق وقريبا من منطقة راوية التي يُ َّدعى أن‬
‫زينب كانت مدفونة فيها‪.‬‬
‫وقد وافق محسن األمين في هذا القول جماعة من اإلمامية‪:‬‬
‫ــ قال جعفر بحر العلوم (‪1377‬هـ)‪> :‬إن في خارج دمشق موضعا يعرف‬
‫بالزينبية‪ ،‬وفيه بقعة يقال‪ :‬إنها بقعة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين‪ ،‬ولكن لم‬
‫أعثر في المزارات المعتبرة والمقاتل ما يؤيد ذلك<(‪.)3‬‬
‫ــ وممن أنكر دفن زينب الكبرى ‪ ‬في دمشق العالم اإلمامي جعفر‬
‫النقدي‪ ،‬وقد ذكرت أنه من أوائل علماء اإلمامية الذين صنفوا كتابا عن زينب‬
‫باللغة العربية‪ ،‬فقد قال بعد أن انتقد القول بوفاة زينب في الشام بناء على خبر‬
‫هجرتها مع زوجها عبد اهلل بن جعفر إلى الشام بعد وقوع مجاعة بالمدينة‪> :‬وهو‬
‫حديث ال أثر له في كتب التأريخ والسير واألنساب والتراجم<(‪.)4‬‬
‫ــ وقال محمد علي القاضي الطباطبائي (‪ 1400‬هـ)‪> :‬قيل‪ :‬إنها توفيت في‬
‫إحدى قرى الشام ودفنت بها‪ ،‬وهذا القول بعيد عن الصواب<(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أعيان الشيعة (‪.)140/7‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أعيان الشيعة (‪.)17/5‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تحفة العالم في شرح خطبة المعالم (‪.)460/1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫زينب الكبرى (ص ‪.)120‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الفردوس األعلى لكاشف الغطاء بتعليق الطباطبائي (ص ‪ )61‬الهامش‪.‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪693‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ وقال هاشم معروف (‪ 1403‬هـ)‪> :‬القول بأ ّن المرقد الزينبي الموجود‬


‫في ضاحية دمشق‪ ...‬هو لزينب الكبرى عقيلة الهاشميِّين ال يعتمد على دليل‬
‫مقبول<(‪ ،)1‬وقال أيضا‪> :‬أما المرقد الموجود في ضاحية الشام وفي بلدة الست‬
‫بالذّ ات الذي زارته السيدة نفيسة في طريقها إلى مصر‪ ،‬فليس لزينب الكبرى‬
‫عقيلة الطالبيِّين وبطلة كربالء كما هو الراجح<(‪.)2‬‬
‫ــ وقال الباحث علي أصغر قائدان عن قبر راوية‪> :‬انتساب هذا المكان‬
‫لزينب الكبرى بنت فاطمة ليس له أصل وال اعتبار وال حقيقة علمية<(‪.)3‬‬
‫قلت‪ :‬وبهذا ينتهي الكالم حول هذا المرقد المنسوب اليوم لزينب الكبرى‬
‫في راوية بنواحي دمشق‪ ،‬وقد بينت بتفصيل موسع أن القول بأن المدفونة في هذا‬
‫المكان هي زينب الكبرى هو قول ال أصل له وال دليل عليه‪ ،‬والمحققون من‬
‫علماء أهل السنة واإلمامية متفقون على بطالن نسبة هذا القبر إلى زينب ‪،‬‬
‫وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬من وحي الثورة الحسينية (ص ‪ ،)131‬إال أنه أجاز زيارة القبر الشامي ألن األعمال مرهونة بالنوايا‬
‫تارة!!‪ ،‬وتارة أخرى أجاز زيارة القبر الشامي أو المصري‪ ،‬ألن هذه القبور ترمز لصاحبتها (ص‬
‫‪ ،)148‬وال شك أن هذا خطأ بين‪ ،‬ألن صحة العمل ليست متوقفة على سالمة النية فقط‪ ،‬بل ال‬
‫بد أن يؤتى بالعمل على وجه صحيح‪ ،‬وأما تجويز زيارة القبر لكونه يرمز لصاحبه فهذا باب من‬
‫أبواب االختراع واالبتداع‪ ،‬فبإمكان كل أحد أن يخترع قبرا وينسبه ألحد من أهل البيت‪ ،‬فإن‬
‫طولب بالدليل قال‪ :‬إن المكان يرمز إلى صاحب القبر فال بأس بزيارته!!‪.‬‬
‫(‪ )2‬من وحي الثورة الحسينية (ص ‪.)148‬‬
‫(‪ )3‬مقالة ضريح السيدة زينب في سوريا (الزينبية) آراء ودراسة نقدية‪ ،‬منشورة بمجلة العلوم اإلنسانية‬
‫الدولية‪ ،‬العدد ‪ 1433 ،)3( 19‬هـ‪( 2012/‬ص ‪.)1‬‬

‫‪694‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫ل‬
‫اميحب الثالب‬
‫ل‬ ‫ت‬
‫حفثق تطلأن الم شهد امي سؤث لرينب الكبرى ‪ ‬في مصر‬

‫‪ 1‬ــ تاريخ اختالق مشهد زينب الكبرى ‪ ‬في مصر‬


‫إ َّن هذا القبر الذي ُشيد عليه مسجد ضخم ينسب للسيدة زينب الكبرى ‪‬‬
‫في القاهرة‪ ،‬في منطقة كانت تعرف قديما بقناطر السباع‪ ،‬وصار اسمها اليوم حي‬
‫السيدة زينب‪ ،‬لم يكن أحد يقول بأن المدفونة فيه هي زينب الكبرى قبل المائة‬
‫العاشرة من هجرة النبي ‪.‬‬
‫قال الدكتور فتحي حافظ الحديدي‪> :‬قد تبين أنه حتى القرن العاشر‬
‫الهجري لم يكن يوجد مدفن للسيدة زينب في مصر<(‪. )1‬‬
‫ويبدو أن مبتدأ ظهور هذه المقالة‪ ،‬كان في منتصف القرن العاشر للهجرة‪،‬‬
‫عمر مقام‬
‫فقد ذكر ابن أبي السرور البكري (‪ 1087‬هـ) أن الوزير علي باشا > َّ‬
‫السيدة زينب ‪ ‬بقناطر السباع عمارة جيدة<(‪ ،)2‬أثناء واليته على مصر‪ ،‬وواليته‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقالة >الحقيقة عن ضريح السيدة زينب ‪ ،<‬منشورة بجريدة األهرام‪ ،‬العدد (‪21 ،)43864‬‬
‫من ذي الحجة ‪ 1427‬هـ‪ ،‬الموافق لـ‪ 10‬يناير ‪ 2007‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬الروضة المأنوسة في أخبار مصر المحروسة (ص ‪ ،)87‬وذكر مثل ذلك في عدة من كتبه‪ :‬انظر‪:‬‬
‫المنح الرحمانية في الدولة العثمانية (ص ‪ ،)163‬مخطوطة الروضة الزهية في والة مصر والقاهرة‬
‫المعزية‪ ،‬المحفوظة بمكتبة غوته في ألمانيا برقم (‪[ )A1638‬ق ‪/31‬أ]‪ ،‬ومخطوطة الكواكب‬
‫السائرة في أخبار مصر والقاهرة [ق‪/22‬أ]‪ ،‬محفوظة بالمكتبة الوطنية الفرنسية بباريس‪ ،‬برقم‬
‫(‪ ،)1852‬وذكر ذلك أيضا ابن الوكيل (‪ 1131‬هـ)‪ ،‬في كتابه تحفة األحباب بمن ملك مصر=‬

‫‪695‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫كانت بين سنة ‪ 956‬هـ و‪ 961‬هـ‪ ،‬وبعد ظهور هذا المشهد‪ ،‬بدأ بعضهم ينسبه‬
‫إلى زينب الكبرى‪ ،‬ويذكر الدكتور فتحي حافظ حديدي(‪ )1‬أن أول من صرح‬
‫بذلك هو أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (‪ 973‬هـ) في عدة من كتبه‪،‬‬
‫وعزا ذلك إلى علي الخواص وهو أحد المجاذيب الذين احتفى بهم الشعراني في‬
‫كتبه(‪ ،)2‬فقال في كتابه >لطائف المنن<‪> :‬أخبرني سيدي علي الخواص‪ ،‬أن‬
‫السيدة زينب المدفونة بقناطر السباع ابنة اإلمام علي‪ ،‬وأنها في هذا المكان بال‬
‫شك<(‪ ،)3‬وقال في كتابه >آداب الصحبة<‪> :‬وقد صحح أهل الكشف أن السيدة‬
‫زينب ‪ ‬ابنة اإلمام علي ‪ ‬هي المدفونة بقناطر السباع بال شك<(‪.)4‬‬
‫وذكر في كتابه >لواقح األنوار في طبقات األخبار< أن >زينب المدفونة‬
‫بقناطر السباع من مصر المحروسة< هي أخت الحسين ‪ ،‬وزعم أنها >حملت‬
‫رأسه إلى مصر ودفنت بالمشهد المشهور بها‪ ،‬ومشى الناس أمامها حفاة من مدينة‬
‫غزة إلى مصر تعظيما لها ‪.)5(<‬‬
‫وغالب من قال بوفاة زينب الكبرى في مصر إنما تابع الشعراني ونقل كالمه(‪،)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫من الملوك والنواب (ص ‪.)111‬‬ ‫=‬
‫دراسات في التطور العمراني للقاهرة (ص ‪.)196‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ولم أقف لعلي الخواص على ترجمة من غير كالم تلميذه الشعراني‪ ،‬وقد ترجم له الشعراني في‬ ‫(‪)2‬‬
‫كتابه لواقح األنوار في طبقات األخيار المشهور بالطبقات الكبرى (‪ 266/2‬ــ ‪ ،)299‬وصنف‬
‫رسالة جمع فيها بعض أجوبته‪ ،‬سماها درر الغواص على فتاوى سيدي علي الخواص‪.‬‬
‫لطائف المنن المشهور بالمنن الكبرى (ص ‪.)477‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫آداب الصحبة (ص ‪ 121‬ــ ‪.)122‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫لواقح األنوار في طبقات األخيار المشهور بالطبقات الكبرى (‪ 52/1‬ــ ‪.)53‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫أشار علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية (‪ )9/5‬إلى أن دفن زينب >إنما يذكر في كتب بعض‬ ‫(‪)6‬‬
‫الصوفيـة وسير الصالحين< ونقل كالم محمد الصبان وحسن العدوي عن الشـعرانـي‪=،‬‬

‫‪696‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫كأحمد بن سالمة القليوبي (‪ )1069‬هــ(‪ ،)1‬وعبد اهلل بن محمد الشبراوي‬


‫(‪ 1172‬هـ)(‪ ،)2‬وعبد الرحمن األجهوري (‪ 1198‬هـ)(‪ ،)3‬ومحمد بن علي‬
‫الصبان (‪ 1206‬هـ)(‪ ،)4‬ومصطفى القلعاوي (‪ 1230‬هـ)(‪ ،)5‬وحسن العدوي‬
‫الحمزاوي (‪ 1303‬هـ)(‪ ،)6‬وحسن محمد الرفاعي (عاش في القرن الرابع عشر‬
‫للهجرة)(‪ ،)7‬ومؤمن الشبلنجي (عاش في القرن الرابع عشر للهجرة)(‪ ،)8‬ومؤلف‬
‫(‪)9‬‬
‫دوخ (‪1316‬هـ)‪،‬‬ ‫ثم لما وصلت النوبة إلى عثمان ُم ّ‬
‫كتاب >أنس الزائرين< ‪َّ ،‬‬
‫لم يكتف بكالم الشعراني(‪ ،)10‬بل حاول في كتابه >العدل الشاهد في تاريخ‬
‫المشاهد< أن يثبت وفاة زينب الكبرى في مصر باستحداث أدلة جديدة‪ ،‬فذكر أن‬
‫أحدهم ح ّدثه أنه وجد في بعض التواريخ أن زينب الكبرى لما رجعت إلى‬
‫المدينة‪ ،‬اشتكى واليها من وجودها في المدينة‪ ،‬فاختار أهل الشام أن تتوجه إلى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وقد ذكر السابقي جماعة من القائلين بدفن زينب في مصر‪ ،‬ذكرتهم بعدما تحققت من أقوالهم‬
‫وزدت عليهم غيرهم ممن لم يذكرهم‪.‬‬
‫(‪ )1‬تحفة الراغب في سيرة جماعة من أهل البيت األطائب (ص ‪.)9‬‬
‫(‪ )2‬اإلتحاف بحب األشراف (ص ‪.)212‬‬
‫(‪ )3‬مشارق األنوار في آل البيت األطهار (ص ‪.)81‬‬
‫(‪ )4‬إسعاف الراغبين في فضائل أهل البيت الطاهرين‪ ،‬مطبوع على هامش كتاب نور األبصار في مناقب‬
‫(ص ‪ 162‬ــ ‪.)163‬‬ ‫آل النبي المختار‬
‫(‪ )5‬مشاهد الصفا في المدفونين بمصر من آل المصطفى (ص ‪.)31‬‬
‫(‪ )6‬مشارق األنوار في فوز أهل االعتبار (ص ‪.)94‬‬
‫(‪ )7‬نور األنوار في فضائل وتراجم وتواريخ ومناقب ومزارات آل البيت األطهار (ص ‪.)13‬‬
‫(ص‪.)159‬‬ ‫(‪ )8‬نور األبصار في مناقب آل النبي المختار‬
‫(‪ )9‬مخطوط أنس الزائرين [ق‪/3‬أ] محفوظ بمكتبة جامعة الملك سعود برقم ‪ ،3047‬والمؤلف‬
‫مجهول كما مضى بيانه‪.‬‬
‫(‪ )10‬العدل الشاهد في تاريخ المشاهد (ص ‪.)70‬‬

‫‪697‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫مصر‪ ،‬فلما وصل الخبر إلى والي مصر تلقاها بصحبة العلماء والصلحاء‪ ،‬وأنزلها‬
‫ثم مرضت زينب وماتت بالقصر‪،‬‬ ‫أمير البلد في قصر من قصوره على بحر النيل‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫دوخ صرح بأنه لم يقف على هذا‬ ‫وصار موضع دفنها ضريحا لها‪ ،‬ومع أن عثمان ُم ّ‬
‫قصها عليه غير‬
‫الكتاب الذي تضمن هذه القصة إال أنه اطمئن إليها ألن الذي ّ‬
‫شا ٍّك في ذلك(‪.)1‬‬
‫يختلق كتاب >أخبار‬
‫َ‬ ‫وهذه القصة هي التي أوحت إلى حسن قاسم أن‬
‫وينسبه للنسابة يحيى بن الحسن‬ ‫الزينبات< في القرن الرابع عشر للهجرة‪ِ ،‬‬
‫العبيدلي العقيقي‪ ،‬ليثبت بذلك وفاة زينب الكبرى في قناطر السباع بنصوص‬
‫مسندة عن أحد علماء القرن الثالث‪ ،‬وبعد انتشار كتاب >أخبار الزينبات< اغتر به‬
‫كثير ممن لم يتفطن ألمره‪ ،‬واعتمدوا عليه إلثبات وفاة زينب في قناطر السباع‪.‬‬
‫تنبيهات على عدم صحة ذكر بعض العلماء لقبر زينب الكبرى في قناطر‬
‫السباع قبل القرن العاشر‬
‫إن ما ذكرته من أن ابتداء نسبة القبر الموجود بقناطر السباع في مصر إلى‬
‫زينب الكبرى في القرن العاشر‪ ،‬هو القول المحقق الذي تقتضيه األدلة التاريخية‪،‬‬
‫حيث إن كتب الخطط والزيارات وفضائل مصر التي صنفت قبل القرن العاشر لم‬
‫تذكر شيئا عن قبر زينب الكبرى في منطقة قناطر السباع‪ ،‬وما يذكر خالف هذه‬
‫الحقيقة من نصوص إما أنه مفتعل ومزور‪ ،‬مثل ما جاء في كتاب >أخبار الزينبات<‬
‫المنحول على النسابة يحيى العقيقي (‪ 277‬هـ)‪ ،‬وإما أنه قد وقع فيه تدليس‪ ،‬وإما‬
‫أن من نسب إليه ذلك لم يكن قد عاش في زمن قبل القرن العاشر‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬العدل الشاهد في تاريخ المشاهد (ص ‪ 67‬ــ ‪.)69‬‬

‫‪698‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫أ ــ عدم صحة ادعاءات حسن قاسم عن وجود زينب الكبرى في مصر قبل‬
‫القرن العاشر‬
‫ادعى حسن قاسم أن قبر زينب الكبرى في مصر كان له وجود منذ القرن‬
‫األول‪ ،‬ففي كتابه >السيدة زينب وأخبار الزينبات< زعم أن >أهل مصر قاطبة‬
‫وفيهم الفقهاء والقراء< أقاموا موسما عظيما بعد مرور عام على وفاة زينب(‪ ،)1‬ثم‬
‫ادعى أن كافور اإلخشيدي (‪ 357‬هـ) وأحمد بن طولون (‪ 270‬هـ)‪ ،‬والظافر‬
‫الفاطمي (‪ 549‬هـ) والظاهر جقمق (‪ 857‬هـ) كانوا يزورون قبرها(‪ ،)2‬أما في‬
‫كتابه >المزارات اإلسالمية< فقد نسب تجديد ضريح زينب إلى خمارويه بن‬
‫أحمد بن طولون (‪ 282‬هـ) وكافور اإلخشيدي‪ ،‬ثم ادعى أن تجديد الضريح تم‬
‫في زمن الدولة الفاطمية في حكم نزار بن المعز (‪ 386‬هـ) واآلمر بأحكام اهلل‬
‫(‪ 524‬هـ)‪ ،‬ثم في زمن الدولة األيوبية في عصر الملك العادل‪ ،‬ثم في زمن دولة‬
‫المماليك الجراكسة‪ ،‬ونسب ذلك إلى عدة من ملوكهم(‪.)3‬‬
‫وهذه االدعاءات اختلقها حسن قاسم ولم يعزها إلى أي مصدر سوى ما‬
‫نسبه إلى الكوهيني وقد مضى أن الكوهيني ورحلته من اختالق حسن قاسم‪،‬‬
‫وعليه ال ينبغي االشتغال بما ذكره حسن قاسم من نصوص لما مضى من كونه غير‬
‫موثوق في النقل‪.‬‬
‫ثم إن حسن قاسم ادعى أن كال من ابن ُم ّيسر (‪ 677‬هـ)‪ ،‬وابن ُدقماق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخبار الزينبات (ص ‪.)59‬‬
‫في مصر‬ ‫(‪ )2‬أخبار الزينبات (ص ‪ ،)60‬وقد تبعه أحمد أبو كف في كتابه أهل بيت النبي‬
‫(ص ‪ 56‬ــ ‪ )58‬فكرر كالمه غير أنه لم ينسبه إلى حسن قاسم!‪.‬‬
‫(‪ )3‬المزارات اإلسالمية (‪.)118/7‬‬

‫‪699‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫تاريخيهما لعمارة مشهد زينب في القرن السادس في زمن‬


‫ْ‬ ‫(‪ 809‬هـ)‪َّ ،‬أرخا في‬
‫(‪)1‬‬
‫أي من‬
‫المستنصر الفاطمي ‪ ،‬ولم يذكر حسن قاسم في أخبار الزينبات اسم ٍّ‬
‫الكتابين واكتفى بإإلشارة إلى وجودهما في دار الكتب المصرية‪ ،‬ثم إن حسن‬
‫قاسم ّبين مراده من كتاب ابن دقماق في كتابه >المزارات اإلسالمية واآلثار‬
‫العربية< فقال‪> :‬تاريخه هو المعنون >باالنتصار لواسطة عقد األمصار< في عدة‬
‫أجزاء‪ ،‬طبع قسم منه في جزئين بالمطبعة األهلية ببوالق سنة (‪1309‬هـ‪1891/‬م)‪،‬‬
‫قال عند ذكره مشاهد األشراف‪> :‬أمر المأمون البطائحي أن يجددوا‪ ...‬وكان‬
‫أولها في التجديد المشهد الزينبي‪ ،‬وآخره مشهد السيدة أم كلثوم<<(‪.)2‬‬
‫وقد راجعت كتاب >االنتصار لواسطة عقد األمصار< البن دقماق فلم أجد‬
‫أي أثر لذكر عمارة مسجد السيدة زينب في زمن المستنصر‪ ،‬والمذكور فيه هو‬
‫عمارة المأمون البطائحي لمشهد السيدة زينب والسيدة أم كلثوم سنة ‪ 516‬هـ‪،‬‬
‫ولم يعين من هما وال موضع قبريهما‪ ،‬وإنما ذكر أنهما من األشراف(‪.)3‬‬
‫ثم إن حسن قاسم ع َّدل كالمه في كتابه >المزارات اإلسالمية< فلم ينسب‬
‫العمارة إلى المستنصر الفاطمي كما فعل في >أخبار الزينبات< بل نسب العمارة إلى‬
‫اآلمر بأحكام اهلل في سنة (‪ 516‬هـ)‪ ،‬ويبدو أن سبب تعديله لكالمه اكتشافه أن‬
‫قوله إن المستنصر كان في القرن السادس خطأ فاحش‪ ،‬إذ أن المستنصر إنما عاش‬
‫في القرن الخامس وتوفي سنة (‪ 487‬هـ)‪ ،‬كما ذكر العالمة الذهبي في ترجمته(‪،)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أخبار الزينبات (ص ‪.)78‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المزارات اإلسالمية واآلثار العربية (‪.)123/7‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر االنتصار لواسطة عقد األمصار (‪.)121/1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تاريخ اإلسالم (‪.)588/10‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪700‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫فضال عن أن المأمون البطائحي لم يكن وزيرا للمستنصر قط‪ ،‬كيف وهو متأخر‬
‫عنه‪ ،‬وإنما كان وزيرا عند اآلمر بأحكام اهلل المتوفى سنة (‪ 524‬هـ) كما ذكره‬
‫الذهبي(‪ ،)1‬فما ذكره حسن قاسم في >أخبار الزينبات< تخليط محض‪.‬‬
‫ثم إن حسن قاسم لم يكن دقيقا فيما نسبه إلى كتاب االنتصار البن دقماق‪،‬‬
‫فلم ترد عبارة >المشهد الزينبي< في كتاب االنتصار‪ ،‬وإنما الذي فيه‪> :‬أولها‬
‫مشهد السيدة زينب وآخرها مشهد السيدة أم كلثوم<‪.‬‬
‫وأما >تاريخ ابن ميسر< فوقفت على >المنتقى< منه للمقريزي‪ ،‬وقد ذكر‬
‫عين كالم ابن دقماق فال عبرة بكالمه(‪ ،)2‬والذي يدل على أن هذا الكالم ال‬
‫يمكن أن ينصرف إلى زينب الكبرى‪ ،‬أن المقريزي الذي إليه المنتهى في الكتابة‬
‫يفهم‬
‫عن خطط مصر ومشاهدها‪ ،‬قد وقف على كالم ابن دقماق وابن ميسر‪ ،‬ولم ْ‬
‫منه أن المراد منه هو زينب الكبرى‪ ،‬ولذا لم يذكر أي شيء عن مشهد زينب‬
‫الكبرى في خططه‪.‬‬
‫ثم نسب حسن قاسم في كتابه >المزارات اإلسالمية< إلى عدة من‬
‫المؤرخين أنهم ذكروا تواريخ عمارة مشهد زينب الكبرى في مصر منذ العصر‬
‫الفاطمي(‪ ،)3‬وبعض هذه اإلحاالت من تأليف حسن قاسم كما هو الشأن بالنسبة‬
‫للنصوص التي نسبها إلى الكوهيني في رحلته والسخاوي في أوقافه كما مضى‬
‫التنبيه عليه‪ ،‬وقد علق محققو كتاب >المزارات< على ادعاء حسن قاسم وقوع‬
‫عمارة مشهد زينب في العصر الفاطمي فقالوا‪> :‬لم يرد بغالب المصادر التاريخية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ اإلسالم (‪.)422/11‬‬
‫(‪ )2‬انظر المنتقى من أخبار مصر (ص ‪.)91‬‬
‫(‪ )3‬المزارات اإلسالمية (‪ 118/7‬ــ ‪.)126‬‬

‫‪701‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫إجراء عمارة للمشهد الزينبي في العصر الفاطمي<(‪ ،)1‬وعندما ادعى حسن قاسم‬
‫أن المقريزي أشار إلى عمارة المأمون البطائحي لقبر زينب نقال عن القاضي ابن‬
‫عبد الظاهر‪ ،‬تعقبه محققو كتابه فقالوا‪> :‬في ذكر المشاهد الشريفة لم يذكر ابن‬
‫عبد الظاهر سوى أربعة مشاهد تفصيال‪ ...،‬وهذه المشاهد هي‪ :‬مشهد اإلمام‬
‫الحسين‪ ،‬مشهد السيدة رقية‪ ،‬مشهد السيدة سكينة بنت الحسين‪ ،‬مشهد اإلمام‬
‫زين العابدين علي بن الحسين<(‪ ،)2‬وباختصار فإن كل النصوص التي ادعى حسن‬
‫قاسم أنها تثبت وقوع عمارة قبر زينب الكبرى في مصر قبل القرن العاشر هي نصوص‬
‫ملفقة‪.‬‬
‫ب ــ التنبيه على عدم صحة ذكر قبر زينب بنت علي ‪ ‬في رحلة خالد‬
‫ابن عيسى البلوي‬
‫جاء في مطبوعة كتاب رحلة البلوي (كان حيا سنة ‪ 771‬هـ)(‪ )3‬المسماة‬
‫كر قبر زينب بنت علي ‪ ‬في مصر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫>تاج المفرق في تحلية علماء المشرق<‪ ،‬ذ ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المزارات اإلسالمية (‪ )118/7‬الهامش رقم ‪.2‬‬
‫(‪ )2‬المزارات اإلسالمية (‪ )123/7‬الهامش رقم ‪.3‬‬
‫(‪ )3‬ذكر األستاذ الحسن السائح في مقدمة تحقيقه لتاج المفرق للبلوي‪ ،‬أن الزركلي نص على وفاة‬
‫البلوي سنة ‪ 765‬هـ ثم تعقبه بأن البلوي قد ذكر أنه انتهى من كتابة رحلته سنة ‪ 768‬هـ‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫>على أنه من المحقق أنه توفي قبل سنة ‪ 680‬هـ ألن ابن الخطيب ذكره في الريحانة التي ألفت‬
‫سنة ‪ 680‬وترحم عليه<‪ ،‬تاج المفرق (‪ ،)26/1‬قلت‪ :‬لعل األستاذ حسن السائح يقصد سنة‬
‫‪780‬هـ وليس ‪ ،!680‬غير أن ما ذكره من كون ابن الخطيب ألف الريحانة في سنة ‪ 780‬هـ غريب‬
‫أيضا‪ ،‬ألن ابن الخطيب قتل سنة ‪ 776‬هـ‪ ،‬وقصة مقتله مبسوطة في تاريخ ابن خلدون (‪،)453/7‬‬
‫وعلى أي حال فاألقرب أن وفاته كانت بعد سنة ‪ 771‬هـ ألن هذا تاريخ فراغه من اإلبرازة األخيرة‬
‫من كتاب تاج المشرق‪ ،‬ويمكن أن يقال إنه بقي حيا إلى سنة ‪ 776‬هـ إذا صح ما ذكره األستاذ‬
‫حسن السائح عن النسخة الزيدانية من تاج المفرق التي ُذكر فيها أن البلوي فرغ من رحلته سنة‬
‫‪ 776‬هـ والعلم هلل‪.‬‬

‫‪702‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫وما وقع في المطبوع هو من عمل المحقق واجتهاده‪ ،‬فقد ذكر البلوي أنه زار قبر‬
‫رقية بنت علي بن أبي طالب بداخل القاهرة‪ ،‬فقال‪> :‬وشاهدت بداخل القاهرة‬
‫أيضا المسجد المعظم‪ ،‬حيث مشهد السيدة رقية ‪ ،‬وهو على هيئة هذا المتقدم‬
‫الذكر ونوعه‪ ،‬وعلى بابه مكتوب‪> :‬هذا مشهد السيدة رقية ابنة اإلمام أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ،<‬غير أن محقق الكتاب األستاذ الحسن السائح‬
‫استبدل اسم >رقية< في المتن باسم >زينب< ثم قال في الهامش‪> :‬في بعض‬
‫النسخ مشهد السيدة رقية وهو خطأ<(‪ ،)1‬فأوهم بذلك أن قبر زينب بنت علي كان‬
‫موجودا في مصر بالقرن الثامن!‪ ،‬والتحقيق أن هذا غير صحيح قطعا ولم يصب‬
‫المحقق فيما صنعه ألمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬يظهر لي أن تبديل المحقق اسم رقية إلى زينب هو اجتهاد منه‪،‬‬
‫وأستبعد أن يكون قد وقع هذا في النسخ الخطية لرحلة البلوي‪ ،‬ألن اسم رقية مذكور‬
‫في موضعين متقاربين‪ ،‬فكيف يتصور أن يقع التحريف فيهما مرتين مع اختالف‬
‫طريقة رسم رقية وزينب‪ ،‬واستبعاد أن يختلط األمر على أحد النساخ في موضعين‪.‬‬
‫وللتأكد من ذلك قمت بمراجعة ثالث نسخ خطية موثوقة لكتاب تاج‬
‫المفرق‪ ،‬وكلها ترجع إلى نسخة منسوخة عن أصل بخط المؤلف‪ ،‬فوجدتها متفقة‬
‫على إثبات نسبة هذا المشهد لرقية بنت علي‪ ،‬فهذا هو المثبت في نسخة مكتبة‬
‫المسجد النبوي بالمدينة وهذه صورتها(‪:)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاج المفرق (‪ ،)222/1‬الهامش ‪.89‬‬
‫(‪ )2‬هذه النسخة محفوظة في مكتبة المسجد النبوي بالمدينة‪ ،‬ورقمها (‪ ،)32 .900‬ومنسوخة بتاريخ‬
‫‪ 1165‬هـ‪[ ،‬ق ‪/34‬ب]‪.‬‬

‫‪703‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وهذا هو المثبت في نسخة المكتبة الوطنية بباريس وهذه صورتها(‪:)1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫وهذا هو المثبت أيضا في نسخة جامعة اإلمام وهذه صورتها‬

‫فتحققت بذلك أن ما نسبه المحقق إلى بعض النسخ وهم منه‪ ،‬وعلى فرض‬
‫وقوع ذلك في إحدى النسخ فهو خطأ قطعا‪ ،‬ألن النسخ الموثوقة المنقولة عن‬
‫خط المؤلف أثبتت اسم رقية(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬نسخة المكتبة الوطنية بباريس المحفوظة برقم (‪ ،)arabe 2286‬ومنسوخة بتاريخ ‪ 1245‬هـ‪،‬‬
‫[ق‪/36‬ب]‪.‬‬
‫(‪ )2‬نسخة جامعة اإلمام المحفوظة برقم (‪ ،)7614‬ومنسوخة بتاريخ ‪ 1366‬هـ‪( ،‬ص ‪ ،)71‬وقد وقع‬
‫سقط في النص النتقال نظر الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذه النسخ الثالث التي أرفقت صورها ترجع إلى نسخة منقولة عن خط المؤلف‪ ،‬فنسخة المسجد=‬

‫‪704‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫الثاني‪ :‬الصحيح أن هذا المشهد هو المنسوب إلى رقية قطعا ألن موضعه‬
‫قريب من المشهد المنسوب لنفيسة‪ ،‬وهذا يطابق ما ذكره البلوي‪ ،‬وهذا المشهد‬
‫المنسوب إلى رقية ال زال موجودا إلى اآلن في القاهرة قريبا من مسجد نفيسة(‪،)1‬‬
‫وانتسابه إلى رقية قديم‪ ،‬فقد ذكره ابن عبد الظاهر (‪ 699‬هـ)‪ ،‬في >الروضة البهية‬
‫الزاهرة< فقال‪> :‬سمعت أهل الحديث يقولون إن رقية المذكورة ليست مدفونة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= النبوي منسوخة عن نسخة ذكر ناسخها أنه انتسخها من أصل بخط المؤلف [ق‪/131‬أ]‪ ،‬وجاء‬
‫فيها‪> :‬وهذه النسخة هي آخر نسخة كتبتها من آخر مبيضة أنشأتها وهذه هي التي اعتمدتها ونقحتها‬
‫وصححتها وأرتضيها فكملت برشانة المحروسة في آخر يوم من جمادى األولى وبموافقة أول يوم‬
‫من يناير من عام إحدى وسبعين وسبعمائة< وهذا نفس ما ذكره ناسخ النسخة الباريسية في آخرها‬
‫[ق‪/113‬ب] غير أنه تردد في كون النسخة المنتسخ منها نقلت عن خط المؤلف‪ ،‬وهذا ما ورد‬
‫أيضا في آخر نسخة جامعة اإلمام محمد بن سعود (ص ‪ ،)279‬قلت‪ :‬وبذلك تكون هذه النسخ‬
‫أفضل من النسخة الفاسية المحفوظة بالقيراون‪ ،‬وهي أهم نسخة اعتمد عليها المحقق الحسن‬
‫السائح في نشرته‪ ،‬فقد كتبها حفيد المؤلف‪ ،‬وانتسخها من نسخة بخط جده‪ ،‬وقد انتهى منها‬
‫المؤلف سنة ‪ 767‬هـ‪ ،‬وهذه النسخ الثالث التي رجعت إليها متأخرة عنها‪ ،‬ولم يعتمدها المحقق‬
‫األستاذ الحسن السائح في طبعته ألنه لم يقف عليها‪ ،‬واكتفى باإلشارة إلى النسخة الباريسية في‬
‫مقدمة التحقيق (‪ ،)12 /1‬ويظهر من خالل ما جاء في أواخر عدة من النسخ الخطية‪ ،‬أن البلوي‬
‫كان يعدل في كتابه أكثر من مرة‪ ،‬فقد ذكر المحقق الحسن السايح في مقدمة تحقيقه لرحلة البلوي‬
‫(‪ )12/1‬أن هناك نسخة ثالثة محفوظة بالمكتبة الزيدانية بمكناس منقولة عن نسخة بخط المؤلف‪،‬‬
‫وذكر الناسخ أن المؤلف انتهى منها سنة ‪ 776‬هـ‪ ،‬فإن لم يكن هذا تصحيفا في التاريخ أو خطأ‬
‫من الناسخ فيبدو أن هذه النسخة هي آخر اإلبرازات التي كتبها البلوي‪ ،‬غير أن المحقق لم يعتمد‬
‫أحلت عليها أفضل من النسخ التي اعتمدها محقق‬ ‫ُ‬ ‫عليها في نشرته‪ ،‬والمقصود أن النسخ التي‬
‫النشرة المطبوعة‪ ،‬فإن تقرر ذلك فعلى تقدير وجود كلمة زينب في إحدى النسخ التي رجع إليها‬
‫فهذا ليس إال تصحيفا من أحد النساخ‪ ،‬وما في النسخ الخطية األوثق ينافيه‪ ،‬فال ينبغي االعتماد‬
‫عليه‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مساجد القاهرة ومدارسها ــ العصر الفاطمي (‪ ،)103/1‬مساجد مصر وأولياؤها الصالحون‬
‫(‪ ،)126/2‬المزارات اإلسالمية واآلثار العربية (‪.)26/7‬‬

‫‪705‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫بمصر<‪ ،‬ثم ذكر قصصا أخرى يظهر منها ميله إلى أن رقية بنت علي هي المدفونة‬
‫هناك(‪.)1‬‬
‫وبذلك يتضح أن الصحيح هو أن البلوي إنما ذكر مشهد رقية‪ ،‬وأما زينب‬
‫فلم يذكرها البلوي قطعا‪.‬‬
‫ج ــ التنبيه على ما ورد في إحدى نسخ كتاب مصباح الدياجي البن الناسخ‬
‫ورد ذكر قبر زينب في قناطر السباع في إحدى النسخ الخطية لكتاب‬
‫>مصباح الدياجي وغوث الراجي< المنسوب لمجد الدين بن عين الفضالء‬
‫اختلف في‬‫المشهور بابن الناسخ‪ ،‬ولم أقف على ترجمة للمؤلف لحد اآلن‪ ،‬وقد ُ‬
‫العصر الذي عاش فيه المؤلف اختالفا فاحشا‪ ،‬فحسن قاسم يصرح بأن المؤلف‬
‫ذكر في >المصباح< المزارات المصرية إلى القرن التاسع الهجري(‪ ،)2‬وتابعه‬ ‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫السابقي فذكر أن المؤلف توفي قرب سنة ‪ 800‬هـ ‪ ،‬وأما الدكتور فتحي حافظ‬
‫حديدي فصرح بأن المؤلف‪> :‬عاش في عصر السلطان المنصور قالوون في عصر‬
‫دولة المماليك البحرية في أواخر القرن السابع الهجري<(‪ ،)4‬وقريب منه قول‬
‫الدكتور أيمن فؤاد سيد حين قرر أن صاحب >مصباح الدياجي< توفي بعد سنة‬
‫‪ 696‬هـ‪ ،‬وذكر أن ابن الناسخ ألّف كتابه للوزير تاج الدين ابن حنا(‪ ،)5‬وهذا الوزير‬
‫توفي سنة ‪ 707‬هـ(‪ ،)6‬وهذا ما ذهب إليه الدكتور أحمد جمعة عبد الحميد أيضا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية القاهرة (ص ‪.)93‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تحفة األحباب (ص ‪ 9‬الهامش ‪.)1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)46‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫دراسات في التطور العمراني للقاهرة (ص ‪ 195‬ــ ‪.)196‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مسودة كتاب المواعظ واالعتبار للمقريزي (ص ‪.)33‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الدرر الكامنة (‪.)469/5‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪706‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫حيث جاء على غالف طبعته لكتاب >مصباح الدياجي<‪> :‬توفي بعد ‪ 696‬هـ<(‪،)1‬‬
‫ويبدو أنه تابع الدكتور أيمن فواد سيد فيما ذكره‪ ،‬ومقتضى ذلك أنه عاش في‬
‫القرن السابع‪ ،‬غير أن هذا التاريخ يرد عليه إشكال آخر‪ ،‬فقد ذكر الدكتور أيمن‬
‫فؤاد سيد أن ابن الناسخ اعتمد على السخاوي‪ ،‬والمقصود به نور الدين علي بن‬
‫أحمد السخاوي الحنفي صاحب >تحفة األحباب<‪ ،‬ويرى الدكتور أيمن أن‬
‫السخاوي عاش في القرن العاشر(‪ ،)2‬وهذا يقتضي أن ابن الناسخ عاش في القرن‬
‫العاشر أيضا على أقل تقدير وهذا يناقض ما قرره من كونه توفي بعد سنة ‪ 696‬هـ!‪.‬‬
‫وهذا االختالف الفاحش في تعيين تاريخ وفاة ابن الناسخ سببه عدم وجود‬
‫ترجمة له‪ ،‬ولذا قال الدكتور أيمن فؤاد سيد في مقدمته لتحقيق >مسودة كتاب‬
‫المواعظ واالعتبار<‪> :‬ال تذكر كتب التراجم والطبقات أي شيء عنه<(‪ ،)3‬ولذلك‬
‫حاول كل من سبق ذكرهم أن يستند إلى قرائن من كتابه لتحديد عصره‪ ،‬وإذا صح‬
‫ما ذكره الدكتور أيمن من كون صاحب المصباح نقل عن السخاوي‪ ،‬فينبغي أن‬
‫يكون عاش في القرن العاشر وما بعده‪ ،‬وأما ما ذكره من أنه ألّف الكتاب للوزير‬
‫تاج الدين ابن حنا فما أدري ما مستنده‪ ،‬والذي يظهر لي أن الدكتور أيمن فؤاد‬
‫اعتمد على ما ورد في أول المخطوط حيث قال المؤلف‪> :‬وقد سميته مصباح‬
‫الدياجي وغوث الراجي وكهف الالجي برسم الجناب الجليل التاجي<(‪ ،)4‬فيبدو‬
‫أن الدكتور أيمن احتمل أن يكون المراد بقول ابن الناسخ‪> :‬جناب الجليل التاجي<‬
‫الوزير تاج الدين ابن حنا‪ ،‬ويبدو أن هذا االحتمال ضعيف‪ ،‬ولعل األقرب أن يكون‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقفت على بيانات الكتاب وصورة من غالفه فقط‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مسودة كتاب المواعظ واالعتبار للمقريزي (ص ‪.)34‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مسودة كتاب المواعظ واالعتبار للمقريزي (ص ‪.)33‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مخطوط مصباح الدياجي نسخة تشستربيتي [ق ‪/4‬ب]‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪707‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ابن الناسخ من أهل القرن العاشر‪ ،‬والقرينة على ذلك ذكره قبر زينب في قناطر‬
‫السباع‪ ،‬فعلى تقدير أن يكون مراده زينب الكبرى فالمناسب أن يكون قد عاش‬
‫في القرن العاشر‪ ،‬ألن نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى لم تكن معروفة قبل هذا‬
‫التاريخ‪ ،‬وأما لو قلنا إن مراده ليس زينب الكبرى كما سيأتي‪ ،‬فنقلُه عن السخاوي‬
‫على ما ذكره الدكتور أيمن يقتضي أيضا أنه عاش في القرن العاشر‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وقد ورد ذكر قبر زينب في قناطر السباع في إحدى نسخ مصباح الدياجي‪،‬‬
‫حيث جاء فيها‪> :‬وذكر أهل التاريخ قبور الرؤيا من النساء مثل زينب الذي بقناطر‬
‫السباع‪ ،‬وزينب الذي بباب النصر<(‪ ،)1‬وقد أشار محمد حسنين السابقي إلى هذا‬
‫النص في كتابه >مرقد العقيلة زينب<(‪ ،)2‬وذكره الدكتور فتحي حافظ حديدي في‬
‫كتابه >دراسات في التطور العمراني للقاهرة<(‪ )3‬ليبين أن مستند هذا القبر‬
‫المنسوب لزينب الكبرى هو الرؤيا‪ ،‬وقد اعتبر السابقي أن هذا النص ال حجة فيه‬
‫ألن صاحب مصباح الدياجي >لم يصرح بأن المدفونة هنا بنت لإلمام علي ‪‬‬
‫المسماة بزينب الكبرى‪ ،‬ألن اسم «زينب< فقط ال يقتضي أنها العقيلة‬
‫الكبرى<(‪ ،)4‬ولو قدرنا أن مؤلف مصباح الدياجي لم يدرك القرن العاشر الذي‬
‫هو مبتدأ نسبة قبر قناطر السباع إلى زينب الكبرى‪ ،‬فما ذكره من كون هذا القبر‬
‫منسوبا إلى زينب ال حجة فيه‪ ،‬وال داللة فيه على أنه كان يُنسب لزينب الكبرى‪،‬‬
‫ألنه لم يصرح بذلك‪ ،‬وال َّبين نسبها‪ ،‬هذا من جهة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫هذا ما جاء في الورقة ما قبل األخيرة من نسخة المكتبة التيمورية المحفوظة بدار الكتب المصرية‬ ‫(‪)1‬‬
‫برقم (‪ 78‬بلدان تيمور) [ق ‪.]304‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)46‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫دراسات في التطور العمراني للقاهرة (ص ‪ 195‬ــ ‪.)196‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)46‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪708‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫ومن جهة ثانية فإن هذا النص ليس موجودا في نسخة ثانية لكتاب مصباح‬
‫الدياجي محفوظة بمكتبة تشستربيتي(‪ ،)1‬وآخرها يختلف عن النسخة التيمورية‪،‬‬
‫بل إن الذي ظهر لي من مقارنة سريعة بينهما وجود اختالف كبير بين النسختين‪،‬‬
‫وربما يكون هذا لنقص نسخة تشستربيتي‪.‬‬
‫وهناك نسخة ثالثة محفوظة في مكتبة برنستون‪ ،‬ولم أتمكن من الحصول‬
‫على مصورتها(‪.)2‬‬
‫وقد طُبع مصباح الدياجي مؤخرا في المعهد العلمي الفرنسي لآلثار الشرقية‬
‫ولم يتسن لي الوقوف على هذه الطبعة أثناء تحرير هذا البحث‪ ،‬وعلى كل حال‬
‫فما ورد في كتاب مصباح الدياجي ال ينقض ما ذكرته من أن قبر قناطر السباع‬
‫المنسوب لزينب ظهر في القرن العاشر‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ تحرير األقوال المختلفة في تعيين دفينة قناطر السباع‬


‫اختلفت األقوال في تعيين المرأة المدفونة في قناطر السباع على أقوال عدة‪:‬‬
‫ــ القول األول‪ :‬أ ّنها زينب الكبرى بنت علي ‪ ،‬وهو قول الشعراني ومن‬
‫تبعه من أصحاب كتب فضائل أهل البيت ومشاهد مصر(‪ ،)3‬وهو القول الذي‬
‫استمات حسن قاسم في نصرته في كتابه > السيدة زينب وأخبار الزينبات<‪،‬‬
‫فاغتر به جماعة من ال ُك ّتاب المعاصرين واتبعوه في كالمه‪ ،‬منهم علي شلبي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مخطوط مصباح الدياجي‪ ،‬نسخة مكتبة تشستربيتي برقم (‪.)4037‬‬
‫(‪ )2‬ضمن مجموعة جاريت برقم (‪.)4438‬‬
‫(‪ )3‬سبق نقل أقوالهم‪.‬‬

‫‪709‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫رئيس مجلس إدارة المسجد الزينبي(‪ ،)1‬وعائشة بنت الشاطئ(‪ ،)2‬ومحمد زكي‬
‫إبراهيم(‪ ،)3‬والدكتورة سعاد ماهر(‪ ،)4‬ومحمد رضا كحالة(‪ ،)5‬وغيرهم‪.‬‬
‫واغتر بكالم حسن قاسم جماعة من اإلمامية على رأسهم المرجع الديني‬
‫اإلمامي محمد حسين المرعشي النجفي فقال عن كتاب >أخبار الزينبات<‪> :‬وال‬
‫فانحل به من ُع َقد معاضل التاريخ‬
‫َّ‬ ‫عما فيه مع صغر حجمه‪،‬‬
‫تسأل أيها القارئ الكريم ّ‬
‫التي ال تنحل بالرجوع إلى غيره‪ ،‬كتعيين مدفن سيدتنا زينب بمصر‪ ،‬وكتعيين وفاتها‬
‫ورحلتها في منتصف رجب سنة ‪ 62‬أو سنة ‪ 63‬وغيرها من الفوائد<(‪.)6‬‬
‫وتبعه جماعة‪ ،‬كجعفر النقدي(‪ ،)7‬ومحمد علي القاضي الطباطبائي في أحد‬
‫قوليه(‪ ،)8‬ومحمد كاظم القزويني(‪ ،)9‬ومحمد مهدي شمس الدين(‪ ،)10‬والمرجع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ابنة الزهراء بطلة الفداء (ص ‪.)241‬‬
‫(‪ )2‬تراجم سيدات بيت النبوة (ص ‪ 784‬ــ ‪.)787‬‬
‫(‪ )3‬مراقد أهل البيت في القاهرة (ص ‪.)70‬‬
‫(‪ )4‬مساجد مصر وأولياؤها الصالحون (‪.)96/1‬‬
‫(‪ )5‬أعالم النساء في عالمي العرب واإلسالم (‪.)99/2‬‬
‫(‪ )6‬مقدمة أخبار الزينبات طبعة قم (ص ‪.)30‬‬
‫(‪ )7‬زينب الكبرى (ص ‪ 120‬ــ ‪.)123‬‬
‫(‪ )8‬رجوع الركب بعد الكرب تحقيق حول األربعين (ص ‪ ،)68‬فقد اعتمد على كتاب أخبار الزينبات‬
‫وانتصر لصحة نسبته إلى العبيدلي ومال إلى دفن زينب الكبرى في مصر‪ ،‬ولكنه في تعليقه على‬
‫كتاب الفردوس األعلى لكاشف الغطاء مال إلى عدم صحة دفن زينب الكبرى في مصر‪ ،‬ولم‬
‫يعتمد على ما جاء في أخبار الزينبات ووصف هذه الرسالة بأنها منسوبة إلى العبيدلي‪ ،‬واستبعد صحة‬
‫ما ذكره في تاريخ وفاتها ومدفنها بمصر‪ ،‬انظر الفردوس األعلى (ص ‪ )61‬الهامش‪ ،‬فيحتمل أن‬
‫الطباطبائي عدل عما ذكره في كتاب الفردوس األعلى ألن كتاب تحقيق حول األربعين الذي طبع سنة‬
‫‪ 1398‬هـ‪ ،‬كما في (ص ‪ )815‬من الطبعة الفارسية‪ ،‬متأخر عن تعليقاته على كتاب الفردوس‬
‫األعلى الذي طبع سنة ‪ 1372‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد (ص ‪.)610‬‬
‫(‪ )10‬واقعة كربالء في الوجدان الشعبي (ص ‪.)265‬‬

‫‪710‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫محمد تقي بهجت(‪ ،)1‬ومحمد حسين الجاللي(‪ ،)2‬فضال عمن أعاد طباعة الكتاب‬
‫وحققه بعد حسن قاسم‪ ،‬كمحمد جواد نجل المرجع محمد حسين المرعشي‪،‬‬
‫وهادي خسروشاهي‪.‬‬
‫كما يظهر من هبة الدين الشهرستاني (‪ 1386‬هـ) الميل إلى هذا القول‪،‬‬
‫ثم‬
‫قول صاحب الخيرات الحسان الذي ّقرر أن زينب مدفونة في دمشق ّ‬ ‫فقد نقل َ‬
‫عقب عليه قائال‪> :‬وقال جماعة‪ :‬إ ّن هذا لزينب الصغرى‪ ،‬كما هو مرسوم على‬
‫ودفنت في قناطر السباع حيث المزار‬
‫صخرة القبر‪ ،‬وإن الكبرى توفيت بمصر‪ُ ،‬‬
‫المشهور بالقاهرة<(‪.)3‬‬
‫وقد صار هذا القول هو أشهر األقوال في مصر اليوم! وسيأتي نقده بتفصيل‪.‬‬

‫ــ القول الثاني‪ :‬أنها زينب بنت علي ‪ ،‬من غير فاطمة‬
‫وهو أحد االحتماالت التي ذكرها ذبيح اهلل المحالتي من اإلمامية وقرر أنها‬
‫زينب الوسطى(‪ ،)4‬وهو الذي قرره المرجع محمد الشيرازي(‪ ،)5‬وأخوه المرجع‬
‫صادق الشيرازي(‪ ،)6‬وهو قول ضعيف ال دليل عليه‪ ،‬وليس منشأه إال محاولة‬
‫التوفيق بين األقوال المختلفة في تعيين موضع وفاة زينب الكبرى‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الرحمة الواسعة (ص ‪.)205‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مزارات أهل البيت (ص ‪.)258‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نهضة الحسين (ص ‪ )114‬الهامش‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رياحين الشريعة (فارسي) (‪.)36/3‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الدعاء والزيارة (ص ‪.)870‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫أحكام العتبات (ص ‪ 177‬ــ ‪.)178‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪711‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ــ القول الثالث‪ :‬أنها زينب بنت يحيى المتوج‬


‫وأول من وقفت عليه يصرح بذلك هو المرجع اإلمامي محسن األمين(‪،)1‬‬
‫ثم تبعه السابقي(‪ ،)2‬وجعفر مرتضى العاملي(‪ ،)3‬ومال إلى هذا القول ذبيح اهلل‬
‫ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫المحالتي واعتبر أنه احتمال قوي ‪.‬‬
‫وهذا القول غلط ال ريب فيه‪ ،‬أصله محاولة محسن األمين تخريج نسبة هذا‬
‫وأما من‬
‫القبر إلى امرأة من أهل البيت بوجه صحيح‪ ،‬ولكنه لم يوفّق في ذلك‪ّ ،‬‬
‫تابعه من اإلمامية فإنما قالوا ذلك للخروج من الخالف في تعيين موضع قبر زينب‬
‫الكبرى‪.‬‬
‫ووجه الغلط في هذا التوجيه أن المشهد المنسوب لزينب بنت يحيى المتوج‬
‫موضعه في القرافة‪ ،‬أما القبر المنسوب إلى زينب الكبرى في القاهرة فهو في‬
‫منطقة قناطر السباع‪ ،‬والمشهد المنسوب لبنت المتوج مذكور في كتب الزيارات‬
‫المصرية القديمة وهو أقدم من مشهد قناطر السباع‪ ،‬فقد ذكره ابن عثمان الشارعي‬
‫(‪ 615‬هـ) في >مرشد الزوار<(‪ ،)5‬وابن الزيات (‪ 814‬هـ) في >الكواكب‬
‫السيارة<(‪ ،)6‬ونور الدين السخاوي الحنفي في >تحفة األحباب<(‪.)7‬‬
‫وال زال المشهد المنسوب لزينب بنت المتوج في القرافة موجودا إلى اليوم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أعيان الشيعة (‪ ،)140/7‬و(‪ )142/7‬وله في ذلك قول آخر يأتي‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)55‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الصحيح من سيرة اإلمام علي (‪ ،)324/1‬مختصر مفيد (‪.)246/6‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رياحين الشريعة (فارسي) (‪.)36/3‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مرشد الزوار (ص ‪.)422‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة (ص ‪.)87‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫تحفة األحباب (ص ‪.)213‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪712‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫في القاهرة(‪ ،)1‬فال أدري كيف خفي على القائلين بهذا القول بعد الشقة بين‬
‫الموضعين(‪.!)2‬‬
‫ــ القول الرابع‪ :‬أنها زينب من نسل علي بن الحسين زين العابدين‪ ،‬وأول‬
‫من وقفت عليه يذهب إليه هو الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية‬
‫في جواب له عن سؤال عن تعيين السيدة زينب المدفونة في مسجد السيدة زينب‬
‫ثم قال‪> :‬وحينئذ‬
‫بالقاهرة‪ ،‬فأجاب جوابا طويال نفى فيه أن تكون زينب الكبرى ّ‬
‫ال مانع أن يقال إن الموجود في المسجد الزينبي المشهور هو زينب بنت يحيى‬
‫ابن زيد بن علي زين العابدين<(‪.)3‬‬
‫وهو أحد قولي المؤرخ اإلمامي محسن األمين(‪ ،)4‬وهو قول ضعيف أيضا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر في الكالم عنه‪ :‬المزارات اإلسالمية لحسن قاسم (‪ ،)18/7‬مقالة >مراقد أهل البيت في‬ ‫(‪)1‬‬
‫مدينة القاهرة< للدكتور عبد العظيم أحمد‪ ،‬منشورة ضمن مقاالت المؤتمر السنوي الثاني عشر‬
‫لقسم الجغرافيا بكلية اآلداب التابعة لجامعة اإلسكندرية (ص‪ ،)347‬ومراقد أهل البيت في‬
‫القاهرة (ص‪.)83‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه عليه أن السابقي نسب إلى الشيخ المطيعي أنه قائل بأن المدفونة في قناطر السباع‬ ‫(‪)2‬‬
‫هي زينب بنت المتوج‪ ،‬فقال في مرقد العقيلة زينب (ص ‪> :)68‬قال شيخ األزهر محمد بخيت‬
‫المطيعي‪ :‬إن المدفونة بالمشهد الزينبي في مصر هي زينب بنت يحيى<‪ ،‬ونسب إلى الشيخ محمد‬
‫المطيعي أنه قال >إن المدفونة في المشهد المنسوب إلى زينب بنت علي في مصر هي زينب بنت‬
‫يحيي بن زيد بن حسن األنور<‪ ،‬مرقد العقيلة زينب (ص ‪ )73‬وهذه النسبة خاطئة‪ ،‬وال أدري‬
‫ممن الخطأ هل من السابقي نفسه أم من مترجم فتوى الشيخ محمد المطيعي‪ ،‬إذ أن السابقي صرح‬
‫(ص ‪ )73‬بأنه لم يقف على أصل مقالة الشيخ المطيعي وإنما وجدها مترجمة إلى اللغة الفارسية‪،‬‬
‫فاهلل أعلم‪.‬‬
‫مجلة اإلسالم السنة األولى عدد ‪ 5‬شعبان ‪ 1351‬هـ‪ ،‬ونشر أيضا بمجلة الفتح العدد ‪10 ،322‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫شعبان ‪ 1351‬هـ‪( ،‬ص ‪ ،)341‬وانظر‪ :‬محمد بخيت المطيعي شيخ اإلسالم والمفتي العالمي‬
‫(ص ‪ 82‬ــ ‪.)83‬‬
‫رحالت محسن األمين (ص ‪.)25‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪713‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫لم تقم عليه حجة‪ ،‬فضال عن أنه مدفوع ألن يحيى بن زيد الذي تنسب له زينب‬
‫هذه توفي وعمره صغير بخراسان(‪ ،)1‬قال النسابة اإلمامي أبو نصر البخاري‪> :‬قتل‬
‫يحيى وله ثماني عشرة سنة ال عقب له‪ ،‬كانت له بنت ترضع‪ ...‬من ينتسب إلى‬
‫يحيى بن زيد فهو دع ٌّي فإنما النسب الصحيح ليحيى بن الحسين بن زيد‪ ،‬وغلط‬
‫من قال أنا من أوالد يحيى بن زيد<(‪ ،)2‬ولم أقف على أحد من النسابين ذكر بنتا‬
‫ليحيى اسمها زينب‪ ،‬وحتى لو كانت له بنت فمن أين لها أن تدخل مصر؟‪.‬‬
‫ــ القول الخامس‪ :‬أنها زينب بنت الحسين ‪ ،‬قاله الكاتب المصري محمد‬
‫فريد وجدي (‪ 1373‬هـ)(‪ ،)3‬وهو توهم محض‪ ،‬فليس في بنات الحسين من اسمها‬
‫زينب‪ ،‬فضال عن أني لم أجد من قال بهذه المقالة سوى محمد فريد وجدي‪.‬‬
‫ــ القول السادس‪ :‬أنها زينب بنت أحمد من ساللة محمد بن علي بن أبي‬
‫طالب المشهور بابن الحنفية‪ ،‬مال إلى ذلك عباس قلي خان في >الطراز‬
‫المذهب<(‪ ،)4‬وتبعه على ذلك المؤرخ اإلمامي عبد الرزاق كمونة في >مشاهد‬
‫العترة الطاهرة<(‪ ،)5‬وهو قول متعقب‪ ،‬فإن قبر زينب هذه كان وال زال بمكان‬
‫يسمى قديما باب النصر‪ ،‬وهو غير القبر المنسوب لزينب الكبرى في قناطر السباع‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطبقات البن سعد (‪ ،)325/5‬تاريخ دمشق البن عساكر (‪ ،)224/64‬تاريخ اإلسالم للذهبي‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪.)558/3‬‬
‫سر السلسلة العلوية (ص ‪ )73‬وتابعه على ذلك جماعة من نسابي اإلمامية‪ :‬راجع‪ :‬لباب األنساب‬ ‫(‪)2‬‬
‫(‪ ،)441/1‬عمدة الطالب (ص ‪.)260‬‬
‫دائرة معارف القرن العشرين (‪ 798/4‬ــ ‪ ،)799‬ونقله عنه السابقي في مرقد العقيلة زينب‬ ‫(‪)3‬‬
‫(ص ‪.)77‬‬
‫الطراز المذهب بالفارسية (ص ‪ ،)564‬وانظر‪ :‬مشاهد العترة الطاهرة لعبد الرزاق كمونة‬ ‫(‪)4‬‬
‫(ص ‪ ،)241‬فقد نقل عنه ذلك أيضا‪.‬‬
‫مشاهد العترة (ص ‪.)241‬‬ ‫( ‪)5‬‬

‫‪714‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫وقد ذكر المقريزي (‪ 845‬هـ) زينب هذه في خططه‪ ،‬وذكر أن العامة تسمي‬
‫قبرها‪> :‬مشهد الست زينب<(‪ ،)1‬وذكره ابن حجر العسقالني (‪ 852‬هـ)(‪،)2‬‬
‫وذكره شمس الدين السخاوي (‪ 902‬هـ) عدة مرات في ثنايا كتابه الضوء الالمع‬
‫وكان يسميه >مشهد الست زينب خارج باب النصر<(‪ ،)3‬كما أ َّن أبا الحسن‬
‫السخاوي (عاش في القرن التاسع)‪ ،‬قد ذكر هذا القبر في كتابه >تحفة األحباب<‬
‫ضمن قبور باب النصر(‪ )4‬وأنكر صحته فقال‪> :‬قبر الشريفة زينب بنت أحمد بن‬
‫عبد اهلل بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب ‪ ‬وهو محمد ابن الحنفية‬
‫وهذا غير صحيح ألنه لم يعلم دخولها إلى مصر<(‪.)5‬‬

‫وقد تعقَّب الشيخ اإلمامي محمد حسين الجاللي كالم عبد الرزاق كمونة‪،‬‬
‫فنقل كالم حسن قاسم في وجود هذا القبر في باب النصر(‪.)6‬‬
‫وهذا المرقد ال زال موجودا إلى اليوم(‪ ،)7‬وقد مضى أ َّن زينب هذه التي‬
‫ينسب إليها هذا القبر ال وجود لها ألن النسابين قد نصوا على أن محمد بن عبد اهلل‬
‫ابن جعفر الجد المزعوم لزينب هذه ال عقب له(‪.)8‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار (‪.)360/4‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المجمع المؤسس للمعجم المفهرس (‪.)300/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الضوء الالمع (‪ )245/1‬و(‪ ،)279/1‬و(‪ ،)294/4‬و(‪ ،)87/5‬و(‪ ،)191/6‬و(‪.)45/11‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وبداية كالمه عن قبور مقبرة باب النصر يقع في تحفة األحباب ــ طبعة مطبعة الكليات األزهرية ــ‬ ‫(‪)4‬‬
‫(ص ‪.)42‬‬
‫تحفة األحباب ــ طبعة مطبعة الكليات األزهرية ــ (ص‪.)47‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫مزارات أهل البيت (ص ‪.)263‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫ذكره حسن قاسم في كتابه المزارات اإلسالمية (‪.)165/7‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫انظر (ص ‪108‬ــ ‪.)109‬‬ ‫(‪)8‬‬

‫‪715‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وبما أ َّن القول األشهر اليوم هو أ َّن دفينة قناطر السباع هي زينب الكبرى‬
‫‪ ،‬أفردت هذا القول بالرد‪ ،‬وأما بقية األقوال فال حاجة للتعرض لنقضها‬
‫النقراضها واندراسها‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ 3‬ــ أدلة بطالن المشهد المنسوب لزينب الكبرى في قناطر السباع‬
‫إ َّن أدلة بطالن نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى عديدة وكثيرة‪ ،‬ولو اقتصرنا‬
‫على أن هذا القول لم يكن له وجود قبل المائة العاشرة من الهجرة لكفى‪ ،‬لكن‬
‫ال بد من تفصيل األدلة على براءة زينب الكبرى لكون كثير من الناس اليوم قد‬
‫خفي عليهم أمره‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬

‫أ ــ لم ُتذكر زينب الكبرى ‪ ‬ضمن الصحابة الذين دخلوا مصر‬


‫قال أحمد بن خالد الناصري‪> :‬قد ألَّف الناس في الصحابة الذين دخلوا‬
‫مصر عدة تآليف‪ ،‬ولم يذكروا فيهم زينب‪ ،‬مع أنها من الصحابيات وقد ألَّف‬
‫الحافظ السيوطي كتابه >در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة< واستفرغ فيه‬
‫علي بن أبي‬
‫يعرج فيه على ذكر زينب بنت ّ‬ ‫جهده‪ ،‬وأتى فيه بما لديه‪ ،‬ومع ذلك لم ِّ‬
‫طالب التي كالمنا فيها‪ ،‬فكيف خفي عليه أمرها وهي أشهر ممن َذ َكر بكثير؟<(‪.)2‬‬
‫وقد أحسن فيما أفاد‪ ،‬وهو أول من وقفت عليه ينبه على هذه المسألة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ولم أتوسع في نقد هذا القول كتوسعي في نقد القول بدفن زينب الكبرى في راوية نواحي دمشق‪،‬‬
‫لوجود دراسات سابقة قد استوفت الرد على دعوى وفاة زينب الكبرى في مصر‪.‬‬
‫(‪ )2‬طلعة المشتري (‪ 24/1‬ــ ‪.)25‬‬

‫‪716‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫ويؤيده أيضا أن جملة من مؤرخي مصر اعتنوا بذكر الصحابة الذين دخلوا مصر‪،‬‬
‫ولم يذكروا فيهم زينب ‪ ،‬منهم‪ :‬محمد بن الربيع صاحب اإلمام الشافعي‪،‬‬
‫وابن عبد الحكم وابن يونس وابن سعد‪ ،‬وإن لم يستوعبوا(‪ ،)1‬وقد أفرد السيوطي‬
‫كتابا عن الصحابة الذين دخلوا مصر سماه‪> :‬در السحابة فيمن دخل مصر من‬
‫الصحابة<‪ ،‬اعتمد فيه على مؤلفات من سبق ذكرهم واستدرك عليهم ومع ذلك لم‬
‫يذكر زينب ضمنهم‪ ،‬ويتأكد هذا إذا علمنا أن السيوطي أفرد جزءا في الترجمة لذرية‬
‫زينب ‪ ،‬سماه‪> :‬العجاجة الزرنبية في الساللة الزينبية< وتكلم فيه عن زينب ولم‬
‫يذكر وفاتها بمصر وال قبرها‪ ،‬فلو كان عنده خبر أنها دفنت بمصر ألتى به‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬لعل زينب دخلت مصر‪ ،‬ولكن ذلك لم يشتهر‪.‬‬
‫إلى‬ ‫فالجواب‪ :‬إ َّن احتمال دخول زينب الكبرى وهي حفيدة النبي‬
‫مصر وال يشتهر ذلك وال يعلم به أحد إلى المائة العاشرة‪ ،‬هو أمر مستبعد‪ ،‬فما‬
‫ذكره أحمد بن خالد الناصري كالم سديد‪.‬‬
‫ب ــ نص مؤرخي مصر على عدم وفاة أي ولد لصلب علي ‪ ‬في مصر‬
‫السلفي أنه قال عن علي ‪> :‬لم يمت له ولد‬
‫نقل ابن الزيات عن الحافظ ِّ‬
‫بمصر من صلبه<(‪.)2‬‬
‫ونقل أيضا عن ابن زوالق أن أول من دخل مصر من ولد علي ‪ :‬سكينة‬
‫بنت الحسين ‪.)3(‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة للسيوطي (ص ‪.)23‬‬
‫(‪ )2‬الكواكب السيارة (ص‪.)242‬‬
‫(‪ )3‬الكواكب السيارة (ص‪ ،)30‬والصحيح أن سكينة بن الحسين إنما توفيت بالمدينة‪ ،‬راجع‪ :‬الطبقات‬
‫البن سعد (‪ ،)346 /8‬الثقات البن حبان (‪ ،)217 /2‬تاريخ اإلسالم للذهبي (‪.)241 /2‬‬

‫‪717‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وقال نور الدين السخاوي‪> :‬المنقول عن السلف أنه لم يمت أحد من أوالد‬
‫اإلمام علي لصلبه بمصر<(‪ ،)1‬وقال عن سكينة بنت علي بن الحسين‪> :‬قيل‪ :‬إنها‬
‫أول علوية(‪ )2‬قدمت إلى مصر<(‪.)3‬‬
‫ونبه على ذلك علي مبارك باشا في الخطط التوفيقية أثناء كالمه عن المشهد‬
‫المنسوب لزينب الكبرى في قناطر السباع(‪.)4‬‬
‫وهذا نص صريح في امتناع كون دفينة قناطر السباع بنتا لعلي ‪ ،‬فضال‬
‫عن أن تكون زينب الكبرى‪.‬‬
‫ج ــ خلو كتب التاريخ والخطط والفضائل المختصة بمصر من ذكر قبر‬
‫(‪)5‬‬
‫زينب الكبرى ‪‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تحفة األحباب ــ طبعة مكتبة الكليات األزهرية ــ (ص ‪.)373‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وهذا معارض لما مضى ن ْقلُه عن ابن زوالق من أن أول من دخل مصر من ولد علي‪ :‬سكينة بنت‬ ‫(‪)2‬‬
‫الحسين‪ ،‬فأصل هذا النص في كتاب الكواكب السيارة البن الزيات‪ ،‬ويظهر أن السخاوي إنما أراد‬
‫اإلشارة إلى كالم ابن الزيات‪ ،‬ألن السخاوي كما مضى إنما اعتمد على كتاب ابن الزيات‪ ،‬فيحتمل‬
‫أن الخلل وقع في بعض النسخ الخطية لكتاب الكواكب السيارة‪ ،‬وأن السخاوي كان ينقل من نسخة‬
‫صحيحة‪ ،‬أو أن يكون السخاوي هو من غير اسم سكينة بنت الحسين إلى سكينة بنت علي بن الحسين‪.‬‬
‫تحفة األحباب ــ طبعة مكتبة الكليات األزهرية ــ (ص ‪ ،)94‬وانظر مرقد العقيلة زينب للسابقي‬ ‫(‪)3‬‬
‫(ص ‪ ،)39‬وقد عد ابن سعد أبناء علي بن الحسين فلم يذكر منهم سكينة‪ ،‬انظر الطبقات ــ طبعة‬
‫الخانجي (‪ ،)209/7‬وقد ذكرها النسابة اإلمامي أبو الحسن العمري في أوالد علي بن الحسين‬
‫في المجدي (ص ‪.)283‬‬
‫الخطط التوفيقية (‪ )10/5‬ونقله عن السخاوي في مزاراته‪ ،‬ويقصد به كتاب تحفة األحباب‪ ،‬وانظر‬ ‫(‪)4‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)39‬‬
‫إن االستدالل بكتب الخطط والفضائل وكذا ما سيأتي من االستدالل بكتب الزيارات ال يعني إقرار ما‬ ‫(‪)5‬‬
‫ورد في هذه الكتب من تعيين مواضع وفيات جماعة من الصحابة وآل البيت‪ ،‬وإنما يستدل بها لبيان‬
‫حدوث القبر المنسوب إلى زينب في مصر بعد زمن هؤالء المصنفين‪ ،‬وقد مضى الكالم بتفصيل‬
‫عن نقد ما ورد في كتب الزيارات الشامية‪ ،‬وما ذكرته هناك ينطبق على كتب الزيارات والخطط=‬

‫‪718‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫تزخر المكتبة اإلسالمية بمصنفات عدة عن تاريخ مصر‪ ،‬وجغرافيتها‪،‬‬


‫وخططها‪ ،‬وهي على كثرتها واهتمام جملة من مصنفيها بتعيين وفيات الصحابة وآل‬
‫البيت في مصر‪ ،‬إال أن هذه الكتب لم تذكر قبر زينب الكبرى في قناطر السباع‪.‬‬
‫يقول علي باشا مبارك‪> :‬لم أر في كتب التواريخ أن السيدة زينب بنت علي‬
‫‪ ‬جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات<(‪.)1‬‬
‫ويقول الدكتور فتحي حافظ الحديدي‪> :‬لم يذكر مطلقا في المصادر‬
‫التاريخية<(‪ ، )2‬ولو لم يكن دليل على بطالن وفاة زينب الكبرى في مصر إال هذا‬
‫لكان كافيا‪.‬‬
‫د ــ خلو كتب الزيارات والمشاهد المصرية والرحالت القديمة من ذكر قبر‬
‫زينب الكبرى ‪‬‬
‫قد تعقب الشيخ أحمد بن خالد الناصري كالم الشعراني الذي زعم أن‬
‫زينب الكبرى ‪ ‬مدفونة بقناطر السباع‪ ،‬فقد استشهد بكتاب >تحفة األحباب<‬
‫يعرج في هذا الكتاب على ذكر زينب التي كالمنا عنها‪ ،‬مع‬
‫للسخاوي وقال‪> :‬لم ِّ‬
‫أنه موضوع ل ِذكر مزارات مصر بالخصوص‪ ،‬ولو كانت بمصر لكانت ِم ْن أولى‬
‫يذكره<(‪.)3‬‬
‫من ُ‬
‫قلت‪ :‬بل إ َّن أبا الحسن السخاوي الحنفي صاحب >تحفة األحباب< قد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= والفضائل المصرية‪ ،‬وأسأل اهلل أن ييسر كتابة دراسة مستقلة النتقاد ما جاء في هذه الكتب‪.‬‬
‫(‪ )1‬الخطط التوفيقية (‪ ،)9/5‬وانظر مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)72‬‬
‫(‪ )2‬مقالة >الحقيقة عن ضريح السيدة زينب ‪ ،<‬منشورة بجريدة األهرام‪ ،‬العدد (‪21 ،)43864‬‬
‫من ذي الحجة ‪ 1427‬هـ‪ ،‬الموافق لـ‪ 10‬يناير ‪ 2007‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬طلعة المشتري (‪ 24/1‬ــ ‪.)25‬‬

‫‪719‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ذكر القبور الموجودة في قناطر السباع ولم يذكر ضمنها قبر زينب‪ ،‬وهذا ما جعل‬
‫حسن قاسم يعترض عليه‪ ،‬أل ّن ما صنعه قد استدل به من قال بعدم صحة نسبة‬
‫هذا القبر إلى زينب‪ ،‬فقال‪> :‬والسخاوي حينما وصل إلى هذه المنطقة >قناطر‬
‫السباع< كان ينبغي له أن يذكر المشهد الزينبي رضي اهلل تعالى عن صاحبته‪ ،‬وقد‬
‫كان معروفا لديه وله الشهرة التامة‪ ،‬كما بسطنا ذلك في كتابنا >تاريخ المشهد‬
‫الزينبي<‪ ،‬وقد نتج عن إغفال السخاوي لذكر المشهد الزينبي هنا‪ ،‬اتخاذ ذلك‬
‫حجة بعدم معرفة هذا المشهد لكثير ممن يقول بعدم وجوده<(‪.)1‬‬
‫وعدم ذكر أبي الحسن السخاوي الحنفي لهذا المشهد مع أنه أفرد فصال‬
‫لذكر مشاهد قناطر السباع‪ ،‬أكبر دليل على عدم وجود قبر ينسب لزينب الكبرى‬
‫في زمنه‪ ،‬وهو القرن التاسع‪ ،‬حيث إنه قد فرغ من كتابه هذا سنة ‪ 889‬هـ(‪.)2‬‬
‫ولذا يقول الدكتور فتحي حافظ عن قبر زينب في مصر‪> :‬لم يذكر مطلقا في‬
‫المصادر التاريخية‪ ...‬وال في المصادر المتخصصة في موضوع الخطط‬
‫والمزارات القاهرية‪ ،‬وال في كتب الرحالة المسلمين مثل ابن جبير ومحمد‬
‫العبدري<(‪ ، )3‬كما أنه أشار إلى خلو عدد من الكتب المصنفة في الزيارات‬
‫المصرية من ذكر قبر زينب الكبرى‪ ،‬مثل >مرشد الزوار< و>مصباح الدياجي<‬
‫و>الكواكب السيارة< و>تحفة األحباب< و>الكوكب السيار<(‪.)4‬‬
‫وبالرغم من أن ما يذكر في هذه الكتب من قبور منسوبة للصحابة وآل البيت‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تحفة األحباب (ص ‪ )111‬الهامش ‪.3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ذكر الزركلي أن السخاوي فرغ من كتابه تحفة األحباب سنة ‪ 889‬هـ‪ ،‬انظر األعالم (‪.)285/4‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مقالة >الحقيقة عن ضريح السيدة زينب ‪ ،<‬منشورة بجريدة األهرام‪ ،‬العدد (‪21 ،)43864‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫من ذي الحجة ‪ 1427‬هـ‪ ،‬الموافق لـ‪ 10‬يناير ‪ 2007‬م‪.‬‬
‫دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة (ص ‪.)194‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪720‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫ال حجة فيه كما مضى بيانه‪ ،‬إال أن عدم ذكر قبر زينب الكبرى في هذه الكتب‬
‫دليل على أن نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى لم يكن لها وجود في زمانهم‪،‬‬
‫فهذا أقل ما يستفاد من عدم ذكرهم لذلك‪.‬‬
‫فهذه جملة من األدلة القاطعة ببطالن نسبة مشهد قناطر السباع لزينب‬
‫الكبرى(‪ ،)1‬ولم يبق إال النظر فيما استدل به القائلون بدفنها في مصر‪.‬‬

‫‪ 4‬ــ نقد أدلة وفاة زينب الكبرى ‪ ‬في مصر‬


‫إن الحقيقة المقطوع بها والتي ال يشك فيها أدنى منصف‪ ،‬أنه ال وجود ألي‬
‫بينة أو حجة على وفاة زينب الكبرى ‪ ‬في مصر‪ ،‬وأن هذا القول إنما حدث‬
‫في المائة العاشرة من الهجرة‪ ،‬لكن القائلين بدفن زينب الكبرى في مصر استندوا‬
‫إلى أمرين رئيسين‪ ،‬وهما الروايات التي وردت في كتاب >أخبار الزينبات< وما‬
‫ذكره مؤلفه حسن قاسم من نصوص مفتراة على جماعة من أهل العلم‪ ،‬واألمر‬
‫الثاني هو دعوى الكشف التي استند إليها عبد الوهاب الشعراني‪ ،‬وهذان األمران‬
‫أهم ما يستحق أن يفرد بالنقد وإليك الجواب‪:‬‬

‫أ ــ روايات كتاب أخبار الزينبات‬


‫يعد كتاب >أخبار الزينبات< المصدر األول واألساس لجل من قال بوفاة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وقد ذكرها السابقي في مرقد العقيلة زينب (ص ‪ 35‬ــ ‪ ،)50‬على خلل في بعض المواضع‪ ،‬وقد‬
‫مضى بعضها فيما تقدم من نقد كتابه‪ ،‬وقد ذكرت ما أصاب فيه‪ ،‬وأعرضت عن مواضع الخطل‬
‫في كالمه‪.‬‬

‫‪721‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫زينب الكبرى في مصر من المتأخرين‪ ،‬أل ّن هذا الكتاب قد ذكر دخول زينب‬
‫الكبرى إلى مصر بروايات مسندة‪ ،‬ومؤلفه يُ َّدعى أنه من أهل القرن الثالث‪،‬‬
‫وبسبب عدم تفطن الكثير من الكتاب والباحثين إلى أمر الكتاب‪ ،‬فقد راج عليهم‬
‫فصلت‬‫واغتروا به وقالوا بوفاة زينب الكبرى في مصر بناء على ما جاء فيه‪ ،‬وقد ّ‬
‫وبينت أنه من اختالق حسن قاسم وسردت أدلة عديدة‬ ‫الكالم عن هذا الكتاب‪ّ ،‬‬
‫على ذلك‪ ،‬ونقلت أقوال العلماء والباحثين الذين تنبهوا ألمر هذا الكتاب(‪ ،)1‬وعليه‬
‫فال عبرة بما جاء فيه‪ ،‬وأصدق ما في هذا الكتاب ما جاء على غالفه من أ ّنه تأليف‬
‫حسن قاسم‪ ،‬وأما النَّسابة يحيى بن الحسن العقيقي فهو بريء من هذا اإلفك‪،‬‬
‫واهلل المستعان‪.‬‬

‫ب ــ الكشف(‪:)2‬‬
‫قد درج الذين أثبتوا وفاة زينب الكبرى ‪ ‬في مصر على االستدالل بكالم‬
‫عين مواضع قبور جماعة من‬‫الشعراني المنقول عن شيخه علي الخواص‪ ،‬فقد َّ‬
‫الصحابة وأهل البيت في مصر بناء على الكشف والمنام‪ ،‬وجل من ذكر وجود‬
‫قبر زينب الكبرى في مصر إنما اعتمد على كالم الشعراني كما مضى‪ ،‬وال عبرة‬
‫بأمثال هذه االستدالالت‪ ،‬وحتى بعض الذين يرون صحة االعتماد على الكشف‬
‫أجابوا بجواب حاصله عدم التصديق بدفن زينب الكبرى في مصر(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر مبحث نقد كتاب أخبار الزينبات (ص ‪ 87‬ــ ‪.)171‬‬
‫(‪ )2‬مصطلح يستعمله أهل التصوف‪ ،‬والكشف‪ :‬هو االطالع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية‬
‫واألمور الخفية وجودا أو شهودا‪ ،‬راجع الموسوعة العقدية‪ ،‬من إعداد الدرر السنية ــ نسخة‬
‫إلكترونية ــ (‪.)114/1‬‬
‫(‪ )3‬انظر طلعة المشتري ألحمد بن خالد الناصري (‪.)26/1‬‬

‫‪722‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫ويقول الشيخ حسين الخشن ــ من علماء اإلمامية ــ‪> :‬المصدر الثالث الذي‬
‫ال يمكن التعويل عليه في بناء المقامات الدينية هو الكشف أو الشهود‪ ...‬والسر‬
‫في ذلك عدم حجية الكشف في إثبات هذه األمور كما أنه ليس حجة في إثبات‬
‫المعتقدات وال األحكام الشرعية<(‪.)1‬‬
‫ونحن وإن كنا ال نقيم وزنا لنظائر هذه األمور‪ ،‬لكننا سقناها فقط من باب‬
‫البيان واإلشارة‪ ،‬وإال فالعمدة عندنا هو عدم االعتماد وال التصديق بهذا اللون‬
‫من االستدالالت التي يكون منشأها األحالم واألوهام‪ ،‬وغيرها من األمور التي‬
‫ال يعلم صدقها من كذبها‪.‬‬

‫‪ 5‬ــ نصوص المحققين من أهل العلم على بطالن قبر زينب الكبرى ‪‬‬
‫في مصر‬
‫أ ــ أقوال علماء أهل السنة‬
‫نص جماعة من أهل العلم على بطالن وفاة زينب الكبرى في مصر‪ ،‬وأول‬ ‫َّ‬
‫من وقفت عليه يستبعد ذلك هو عبد الغني النابلسي (‪ 1143‬هـ)‪ ،‬حيث إنه لما‬
‫زار هذا القبر في قناطر السباع استشكل دفن زينب الكبرى في مصر‪ ،‬فقال‪> :‬أما‬
‫أنها ذهبت بعد قصة دخولها إلى الشام فماتت في مصر فهو احتمال بعيد‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم<(‪.)2‬‬
‫ويظهر من المؤرخ والجغرافي المصري علي باشا مبارك (‪ 1311‬هـ) أنه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬في بناء المقامات الدينية (ص ‪.)45‬‬
‫(‪ )2‬الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بالد الشام ومصر والحجاز (ص ‪.)215‬‬

‫‪723‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫يستبعد دفن زينب الكبرى في مصر‪ ،‬إذ أنه بعد أن ذكر تاريخ عمارة القبر المنسوب‬
‫إليها في قناطر السباع‪ ،‬قال مستشكال نسبة هذا القبر إليها‪> :‬لم أر في كتب‬
‫التواريخ أن السيدة زينب بنت علي ‪ ‬جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد‬
‫الممات<(‪ ،)1‬ثم نقل عن ابن جبير الرحالة ما ذكره من مشاهد العلويات في مصر‬
‫ثم قال‪> :‬ولم يذكر مشهد السيدة زينب بنت علي أخت الحسين ‪ ،‬وفي كتاب‬
‫المزارات للسخاوي أن المنقول عن السلف أنه لم يمت أحد من أوالد اإلمام‬
‫علي لصلبه بمصر‪ ،‬انتهى‪ ،‬وإنما يذكر ذلك في كتب الصوفية وسير الصالحين<‪،‬‬
‫ثم نقل كالم الصبان وحسن العدوي اللذين نقال دفن زينب في مصر عن‬
‫الشعراني(‪ ،)2‬فعلي باشا مبارك وإن لم يصرح ببطالن نسبة هذا القبر إلى زينب‬
‫إال أن الظاهر من كالمه استبعاد صحة ذلك‪.‬‬
‫واستبعد المؤرخ المغربي أحمد بن خالد الناصري (‪ 1315‬هـ) دفن زينب‬
‫الكبرى في مصر‪ ،‬فبعد أن نقل كالم الشعراني اآلنف ع َّقب عليه بأن قبر زينب‬
‫غير مذكور في كتاب >تحفة األحباب< فقال‪> :‬لم يعرج في هذا الكتاب على ذكر‬
‫زينب التي كالمنا فيها مع أنه موضوع لذكر مزارات مصر بالخصوص‪ ،‬ولو كانت‬
‫بمصر لكانت من أولى ما يذكره<‪ ،‬واعترض أيضا بخلو كتاب >در السحابة فيمن‬
‫دخل مصر من الصحابة< للسيوطي من ذكر زينب(‪ ،)3‬ثم رد كالم الشعراني‬
‫المنقول عن شيخه علي الخواص قائال‪> :‬القول بأن مدفنها في مصر وإن ذكره‬
‫سيدي علي الخواص من طريق الكشف‪ ،‬فهو بعيد من جهة النقل<(‪ ،)4‬ثم قال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الخطط التوفيقية (‪ ،)9/5‬وانظر مرقد العقيلة زينب (ص ‪.)72‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الخطط التوفيقية (‪ /5‬ــ ‪.)10‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫طلعة المشتري (‪ 24/1‬ــ ‪.)25‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫طلعة المشتري (‪.)25/1‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪724‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫ملخصا رأيه في موضع دفنها‪> :‬ما تقتضيه األخبار أن مدفنها بالمدينة المنورة ال‬
‫بالشام وال بمصر<(‪.)1‬‬
‫وشنع البحاثة أحمد زكي باشا (‪ 1353‬هـ) الملقب بشيخ العروبة على‬
‫القائلين بدفن زينب الكبرى في القاهرة تشنيعا شديدا‪ ،‬حيث قال‪> :‬الذي يشهد‬
‫به العارفون بالحق الصريح‪ ،‬هو أن السيدة زينب بنت اإلمام علي وأخت اإلمام‬
‫أرض مصر بوطء قدمها المباركة مطلقا مطلقا مطلقا‪ ،‬والحق‬‫ُ‬ ‫تشرف‬
‫الحسين‪ ،‬لم ُ‬
‫الذي ليس بعده إال الضالل‪ ،‬أنها قضت باقي حياتها بالحجاز‪ ،‬إلى أن انتقلت‬
‫إلى جوار ربها بالمدينة المنورة‪ ،‬فكان دفنها بالبقيع‪ ،‬هذا هو الصواب وما عداه‬
‫فإفك وبهتان‪ ،‬أما المشهد القائم بالقاهرة فال يضم رفات السيدة الطاهرة التي‬
‫أنجبها اإلمام علي‪ ،‬وقد يكون قائما على ضريح امرأة من الصالحات تسمى زينب‬
‫أيضا‪ ،‬كما يجوز أن يكون المدفون فيه أي مخلوق من أي نوع كان‪ ،‬حتى ولو‬
‫ممن عبده المصريون على عهد الفراعنة‪ ،‬كل هذا جائز‪ ،‬إال أن يكون ضريح‬
‫زينب بنت علي من فاطمة الزهراء<(‪.)2‬‬
‫وع َّد القول بمجيء زينب الكبرى إلى مصر أو وفاتها بالقاهرة كذبا وبهتانا‬
‫فقال‪> :‬من أكذب الكذب‪ ،‬وفي منتهى اإلفك والبهتان‪ ،‬أن يقول إنسان ــ يحترم‬
‫الحق‪ ،‬ويحترم عقل نفسه ــ أن السيدة زينب بنت اإلمام علي‪ ،‬قد اختارت اإلقامة‬
‫بديار مصر‪ ،‬أو أن يزعم بأنها هي المدفونة بالقاهرة<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬طلعة المشتري (‪.)25/1‬‬
‫(‪ )2‬مقال منشور بجريدة األهرام بتاريخ (‪ 1932/09/8‬م)‪ ،‬ونقل أنور الجندي مقتطفات منه في كتابه‬
‫أحمد زكي الملقب بشيخ العروبة (ص ‪ 145‬ــ ‪ ،)146‬ونقله محمد عبد السمان في مقال له بمجلة‬
‫التوحيد المجلد السادس العدد ‪ ،61‬محرم سنة ‪ 1398‬هـ (ص ‪.)19‬‬
‫(‪ )3‬أحمد زكي الملقب بشيخ العروبة (ص ‪ 145‬ــ ‪.)146‬‬

‫‪725‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ووافقه في ذلك يوسف أحمد مفتش اآلثار العربية‪ ،‬فأتى بعدة >أدلة تاريخية‬
‫متعددة تؤيد القول بعدم مجيء السيدة زينب إلى مصر‪ ،‬وعدم وجود قبر لها في‬
‫هذه الديار<(‪.)1‬‬
‫وقد أنكر مفتي الديار المصرية محمد بخيت المطيعي (‪1354‬هـ) أن تكون‬
‫زينب الكبرى مدفونة في مصر(‪.)2‬‬
‫وهذا ما جزم به الكاتب محمد عبد السمان‪ ،‬حيث قال‪> :‬إن التاريخ الثابت‬
‫يؤكد ــ وهو مطمئن غاية االطمئنان ــ بأن السيدة زينب ‪ ،‬لم تطأ قدمها مصر‪،‬‬
‫بل ماتت ودفنت بالبقيع‪ ،‬إال أن هذه الحقيقة المؤكدة ضائعة وسط غوغائية‬
‫السذج والبسطاء‪ ،‬والعجيب أن لها قبرا في القاهرة‪ ،‬ولها قبر آخر يزار في‬
‫دمشق<(‪.)3‬‬
‫وقال الكاتب المصري سعد صادق محمد‪> :‬وكذلك القبر المنسوب إلى‬
‫زينب بنت علي ‪ ‬بالقاهرة‪ ،‬فإنه كذب ال أصل له<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نقل ذلك عنه أنور الجندي في كتابه أحمد زكي الملقب بشيخ العروبة (ص ‪ ،)147‬وأحال على‬ ‫(‪)1‬‬
‫جريدة األهرام ‪ 1932/09/20‬م‪.‬‬
‫مجلة اإلسالم السنة األولى عدد ‪ 5‬شعبان ‪ 1351‬هـ‪ ،‬ونشر أيضا بمجلة الفتح العدد ‪10 ،322‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫شعبان ‪ 1351‬هـ‪( ،‬ص ‪ ،)340‬وانظر‪ :‬محمد بخيت المطيعي شيخ اإلسالم والمفتي العالمي‬
‫(ص ‪ 82‬ــ ‪.)83‬‬
‫مقالة أليس فيهم رجل رشيد‪ ،‬منشورة بمجلة التوحيد التي تصدرها جماعة أنصار السنة المحمدية‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المجلد السادس العدد ‪ ،61‬محرم سنة ‪ 1398‬هـ (ص ‪.)19‬‬
‫صراع بين الحق والباطل (ص ‪ ،)100‬وقد ذكر قبل ذلك في (ص ‪ )97‬أن الفاطميين هم من‬ ‫(‪)4‬‬
‫ابتدعوا قبر زينب غير أن ذلك غير ثابت‪ ،‬والصحيح أن هذا القبر حدث في المائة العاشرة بعد‬
‫زوال دولة الفاطميين بقرون‪.‬‬

‫‪726‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حتقيق بطالن املشهد املنسوب لزينب الكربى ‪ ‬يف مصر‬

‫وساق الدكتور إسماعيل المقدم هذا النص عن سعد صادق عند كالمه عن‬
‫أضرحة المنامات والمزارات المزورة(‪.)1‬‬
‫وقد ألّف الباحث المعاصر محمود المراكبي كتاب القول الصريح عن‬
‫وخصص جزءا منه لرد القول بوفاة زينب الكبرى في مصر(‪.)2‬‬
‫حقيقة الضريح‪َّ ،‬‬
‫وقد بسط الدكتور المصري فتحي حافظ حديدي الكالم عن القبر المنسوب‬
‫إلى زينب الكبرى في القاهرة في كتابه >دراسات في التطور العمراني لمدينة‬
‫القاهرة<‪ ،‬مبينا تاريخ نشأته وكيفية ظهوره‪ ،‬ويحسب له أنه من القالئل الذين‬
‫أفردوا موضوع هذا القبر بالدراسة التاريخية والعمرانية النقدية‪ ،‬وخلص من‬
‫خاللها إلى أن ظهور نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى إنما نشأ في القرن العاشر‬
‫وقد سرد األدلة على بطالن نسبة هذا القبر إلى زينب‪ ،‬وانتقد كتاب >أخبار‬
‫الزينبات< وبين أنه كتاب مفتعل‪ ،‬بل إنه يرى أن المنطقة التي يُدعى أن زينب‬
‫الكبرى دفنت فيها كانت في جزء من النيل في القرون السالفة‪ ،‬غير أن األدلة‬
‫التي ساقها في إثبات هذه النظرية غير كافية‪ ،‬لكنه أجاد فيما ذكره في دراسته‪،‬‬
‫وقد أفدت منها في مواضع عدة من هذا البحث(‪.)3‬‬
‫ب ــ أقوال علماء اإلمامية‬
‫وقد أنكر دفن زينب الكبرى ‪ ‬في مصر جماعة من علماء اإلمامية‪ ،‬أولهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أصول بال أصول (ص ‪.)39‬‬
‫(‪ )2‬القول الصريح عن حقيقة الضريح ــ نسخة إلكترونية ــ (ص ‪ 98‬ــ ‪ ،)111‬وقد اعتمد في غالب ما‬
‫ذكره على السابقي‪.‬‬
‫(‪ )3‬دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة (ص ‪ 192‬ــ ‪ ،)204‬وقد نشر جزءا من بحثه هذا في‬
‫جريدة األهرام المصرية العدد ‪ 43864‬بتاريخ ‪ 21‬ذي الحجة ‪ 1427‬هـ الموافق لـ‪ 10‬يناير ‪ 2007‬م‬
‫بعنوان‪ :‬الحقيقة عن ضريح السيدة زينب ‪.‬‬

‫‪727‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫ثم تبعه محسن األمين(‪،)2‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫فيما وقفت عليه هو عباس قلي خان (‪ 1342‬هـ) ‪ّ ،‬‬
‫وعبد الرزاق كمونة(‪ ،)3‬وذبيح اهلل المحالتي(‪ ،)4‬وهاشم معروف(‪ ،)5‬ومحمد‬
‫حسنين السابقي(‪ ،)6‬ومحمد علي القاضي الطباطبائي في أحد قوليه(‪.)7‬‬
‫وقد ع َّد هاشم معروف القول بدفن زينب الكبرى في مصر أسطورة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫>إ ّن أسطورة نفي العقيلة إلى مصر ووفاتها فيها ليست بأقرب إلى الواقع من‬
‫خروجها من المدينة مع زوجها إلى الشام ووفاتها فيها إن لم تكن أبعد منها<(‪،)8‬‬
‫وقد صدق في ذلك‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطراز المذهب (ص ‪ )564‬والكتاب فارسي كما مضى‪ ،‬حيث مال إلى أن دفينة مصر هي زينب‬ ‫(‪)1‬‬
‫من ذرية ابن الحنفية‪ ،‬وقد مضت اإلشارة إلى ذلك‪.‬‬
‫أعيان الشيعة (‪ ،)140/7‬رحالت محسن األمين (ص ‪.)25‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مشاهد العترة الطاهرة (ص ‪.)241‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رياحين الشريعة (‪.)36/3‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫من وحي الثورة الحسينية (ص ‪ ،)143‬و(ص ‪)147‬‬ ‫( ‪)5‬‬
‫مرقد العقيلة زينب (‪ 35‬ــ ‪.)120‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫الفردوس األعلى لكاشف الغطاء بتعليق الطباطبائي (ص ‪ )61‬الهامش‪ ،‬وقد مضى أنه قال بدفنها‬ ‫(‪)7‬‬
‫في مصر في كتابه تحقيق حول األربعين‪.‬‬
‫من وحي الثورة الحسينية (ص ‪.)137‬‬ ‫(‪)8‬‬

‫‪728‬‬
‫يف العراق‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬حتقيق بطالن املقام املنسوب لزينب الكربى ‪‬‬

‫ل‬
‫اميحب الرابع‬
‫ف‬ ‫س‬ ‫مي‬‫ل‬ ‫ل‬ ‫ث‬‫حف‬‫ت‬
‫ل‬ ‫ي‬ ‫أ‬
‫ق تطلن ا مفام ا ؤث لر نب الكبرى ‪ ‬ي ا عراق‬
‫‪$‬‬
‫ينسب إلى زينب الكبرى ‪ ‬مشهد في منطقة سنجار بالعراق‪ ،‬وهذا‬
‫المشهد ال زال قائما وموجودا!‬
‫وقد وصفه الدكتور كامل حسن شميساني فقال‪> :‬من تلك المشاهد‪ ،‬المرقد‬
‫المنسوب للسيدة زينب الكبرى بنت علي‪ ،‬والذي ابتدأ أمره بمرور سبايا واقعة‬
‫الطف في هذه المنطقة<(‪.)1‬‬
‫وقد قرر الدكتور كامل حسن أن بناءه كان سنة (‪644‬هـ)‪ ،‬وعند زحف‬
‫التتار واستيالئهم على سنجار سنة (‪660‬هـ) >أصابه الخراب‪ ،‬لكنه ُجدد فيما‬
‫وجدد‬
‫بعد ومن قبل نائب التتر وهو من العجم يقال قوام الدين محمد اليزدي‪ُ ،‬‬
‫ص مكتوب على لوحة رخامية موجودة على جدار‬ ‫مرة أخرى كما يتضح من ن ٍ‬
‫غرفة الضريح من خارج البناء تقول‪« :‬جدد مزار الست زينب بنت علي العبد‬
‫الفقير سيدي باشا بن خداد‪ ..‬ثمان عشر شهر ربيع اآلخر سنة ‪1105‬هـ<(‪.)2‬‬
‫وما ذكره ال يُعتمد عليه‪ ،‬ألن ذلك غير مسنود بأي نص تاريخي‪ ،‬فليس كل‬
‫ما يكتب على جدران المراقد صحيحا وثابتا!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مقالة >مرقد السيدة زينب في سنجار شمال العراق<‪ ،‬منشورة بمجلة الموسم العدد الرابع‬
‫(ص ‪ ،)924‬وانظر المرأة العظيمة (ص ‪.)249‬‬
‫(‪ )2‬المرأة العظيمة (ص ‪ )249‬نقال عن مقالة مرقد السيدة زينب في سنجار شمال العراق‪.‬‬

‫‪729‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬حتقيق يف موضع وفاة زينب الكربى ‪‬‬

‫وقد اعترف الدكتور كامل الحسن بعدم وجود أي دليل تاريخي على صحة‬
‫هذا المرقد فقال‪> :‬المقام المنسوب لها في سنجار شمال العراق ال تسنده رواية‬
‫تاريخية فيما يتوفر من مصادر إال ما يتداول ويتوارث على ألسنة أهالي تلك‬
‫المنطقة<(‪.)1‬‬
‫سابقيه‪ ،‬فلم أقف على شيء عن هذا المشهد‬
‫وبطالن هذا المشهد أظهر من ْ‬
‫في كتب التاريخ‪ ،‬وكذا عند أصحاب المزارات والمصنفين في المشاهد وغيرهم‬
‫من أصحاب الرحالت‪ ،‬وكل ما ينقل عن هذا المشهد ليس إال روايات شفوية ال‬
‫عبرة بها‪ ،‬والمقصود أ َّن نسبة هذا القبر إلى زينب الكبرى ‪ ‬مقطوع بكذبه‪.‬‬
‫وقد جعل الباحث علي أصغر قائدان ــ من اإلمامية ــ أصل نسبة هذا المشهد‬
‫إلى زينب الكبرى رواية شاذة فقال‪> :‬الموضع الذي اعتمد على الرواية الشاذة‬
‫فهو منطقة سنجار في الموصل بالعراق<(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المرأة العظيمة (ص ‪ )250‬نقال عن مقالة مرقد السيدة زينب في سنجار شمال العراق‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرقد السيدة زينب الكبرى في مصر‪ ،‬دراسة وتمحيص لآلراء التاريخية نشرت بمجلة آفاق‬
‫الحضارة اإلنسانية‪ ،‬السنة الخامسة عشرة‪ ،‬العدد األول‪ ،‬سنة ‪ 1433‬هـ (ص ‪.)121‬‬

‫‪730‬‬
‫مسك اخلتام‬

‫لصة وم سك ا لحثام‬
‫ا لح أ‬
‫‪$‬‬
‫يتبين مما مضى في هذا البحث‪ ،‬أن زينب الكبرى ‪ ،‬البضعة العلوية‬
‫الطاهرة‪ ،‬هي من الشخصيات التاريخية التي نال سيرتها كثير من التزوير والتلفيق‪،‬‬
‫بدءا بإقحامها في أحداث مسير الحسين ‪ ‬إلى كربالء مع أنها بريئة منها براءة‬
‫الذئب من دم يوسف‪ ،‬وانتهاء بتزوير سيرتها واختراع عشرات األكاذيب‬
‫واألخلوقات عن سيرتها‪ ،‬حتى إنك لتجزم أن شخصية زينب التي ترسخت في‬
‫عقول كثير من الناس اليوم‪ ،‬ليست إال نتاجا لألكاذيب التاريخية التي ُصنعت‬
‫عنها‪ ،‬وخالصة ما وصلت إليه في هذا البحث هو كالتالي‪:‬‬
‫ــ لم يسعفنا التاريخ بكثير من تفاصيل حياة زينب الكبرى ‪ ،‬والذي‬
‫ثبت من خالل الروايات الصحيحة وكالم المحققين من أهل النسب أن زينب‬
‫من بنته فاطمة ‪ ،‬وأنها من صغار أصحاب النبي‬ ‫‪ ‬هي حفيدة النبي‬
‫‪ ،‬وأنها كانت زوجة الصحابي الجليل عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب‪،‬‬
‫وولدت له أربعة أبناء وبنتا وهم‪ :‬جعفر وعلي وعون والعباس وأم كلثوم‪ ،‬ولم يرد‬
‫في مناقبها رواية خاصة شأنها شأن أختها الشقيقة أم كلثوم الكبرى‪ ،‬غير أنها‬
‫مشمولة بفضيلة الصحبة واالنتساب إلى البيت النبوي‪ ،‬كما أنها لم ترو شيئا ال‬
‫وال عن أبويها فاطمة وعلي ‪ ،‬وأن وفاتها كانت قبل سنة ‪50‬‬ ‫عن النبي‬
‫للهجرة وهي في العقد الرابع من عمرها ‪.‬‬
‫ــ هناك هوة كبيرة بين ما ينقل عن زينب في المصادر األمهات‪ ،‬وبين‬
‫‪731‬‬
‫مسك اخلتام‬

‫المصنفات المتأخرة‪ ،‬والتي ظهرت في القرنين الماضيين‪ ،‬والسبب الرئيس في‬


‫ذلك هو ظاهرة االختالق والوضع في المصنفات المختصة برواية مقتل الحسين‬
‫‪ ‬التي تسمى كتب >المقاتل<‪.‬‬
‫ثم استفحلت في القرون‬ ‫وقد ابتدأت ظاهرة الوضع في القرن العاشر َّ‬
‫المتأخرة‪ ،‬حتى بلغ األمر إلى اختالق سيرة كاملة لزينب من والدتها حتى وفاتها!‬
‫وهذا ما يفسر التضخم الحاصل في المؤلفات المتأخرة والمعاصرة عن‬
‫تعرضت هذه الدراسة لنقد هذه الروايات المختلقة وبيان كذبها‬
‫ْ‬ ‫زينب ‪ ،‬وقد‬
‫ووهائها‪.‬‬

‫كثرت في هذا العصر المصنفات في سيرة زينب الكبرى ‪ ،‬غير أ َّن‬ ‫ْ‬ ‫ــ‬
‫ثالثة كتب هي التي تشكل النواة األساسية لكل الكتابات التي أتت بعدها‪ ،‬وهي‬
‫كتاب >السيدة زينب وأخبار الزينبات< لحسن قاسم المصري‪ ،‬وكتاب >زينب‬
‫الكبرى< لجعفر النقدي النجفي‪ ،‬وكتاب >مرقد السيدة زينب< لمحمد حسنين‬
‫السابقي النجفي‪ ،‬وكل كتاب كانت له وظيفة وتأثير محدد‪ ،‬فكتاب حسن قاسم‬
‫كان أصال في إثبات دفن زينب في مصر‪ ،‬وكتاب السابقي كان جامعا لكل‬
‫االستدالالت على دفن زينب في الشام‪.‬‬
‫َّأما كتاب النقدي فهو المصدر العربي األساسي لتفاصيل حياة زينب‪ ،‬وقد‬
‫بينت في هذه الدراسة أوجه الخلل في هذه الكتب الثالثة بصورة مفصلة‪ ،‬مؤداها‬
‫هو طرح الثقة بهذه الكتب‪ ،‬ألنها شوهت كثيرا من الحقائق عن زينب الكبرى ‪.‬‬
‫ــ ارتبطت شخصية زينب في التراث المتأخر والمعاصر بما رواه أبو مخنف‬
‫‪732‬‬
‫مسك اخلتام‬

‫من خروجها مع الحسين ‪ ‬إلى كربالء‪ ،‬وهذه القصة هي أصل البالء والداء‬
‫في سيرة زينب الكبرى‪ ،‬حيث إن قصة خروجها مع الحسين هي التي كانت فيما‬
‫بعد سببا الختالق المرويات حولها بعد االهتمام الطارئ بقصة الحسين ومقتله‬
‫تعرضت بالنقد المفصل لهذه القصة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫في العصور المتأخرة‪ ،‬وألجل ذلك فقد‬
‫وبينت من خالل دراسة مفصلة لكل ما رواه أبو مخنف عن زينب أن قصة خروجها‬
‫ُ‬
‫مع الحسين إلى كربالء قصة غير صحيحة تعتريها الكثير من اإلشكاالت‪ ،‬أولها‬
‫تفرد أبي مخنف برواية ذلك دون سائر األخباريين‪.‬‬
‫سجت حول شخصية زينب الكبرى كثير من األغلوطات والمفاهيم‬ ‫ــ نُ ْ‬
‫الخاطئة‪ ،‬والتي كان مر ُّدها الغلو في زينب‪ ،‬هذا الغلو الذي بلغ درجة القول‬
‫بعصمتها وتفضيلها على األنبياء والمرسلين!‬
‫هت ساحة زينب عن هذه المفاهيم الخاطئة وبينت أن هذه األقوال‬
‫وقد ّنز ُ‬
‫ومتأخرة‪ ،‬وأنها ليست إال نتاج غلو فاحش في زينب من بعض المتأخرين‬
‫محدثة ُ‬
‫والمعاصرين‪.‬‬
‫ــ تعد قضية تعيين موضع وفاة زينب الكبرى من القضايا التي وقع فيها‬
‫اختالف كبير وغريب‪ ،‬حيث ينسب لها اليوم ثالثة مواضع‪ ،‬موضع مغمور في‬
‫سنجار بالعراق‪ ،‬وموضع آخر بالشام في نواحي دمشق وله شهرة واسعة عند‬
‫اإلمامية‪ ،‬وموضع ثالث بالقاهرة وهو المشهور عند أهل مصر‪.‬‬
‫وقد ّبينت في هذه الدراسة عدم صحة تلك المواضع الثالثة‪ ،‬لعدم وجود‬
‫أي دليل على وفاة زينب الكبرى ‪ ‬بها‪ ،‬وأن ما يستدل به من أدلة لنصرة‬
‫المواضع التي يدعى أنها دفنت فيها‪ ،‬عبارة عن أدلة مختلقة ومفتعلة ومصنوعة‪،‬‬
‫‪733‬‬
‫مسك اخلتام‬

‫ويكفي ْأن تعلم أ ّن هذه القبور المنسوبة لزينب الكبرى ‪ ‬ظهرت بعد وفاتها‬
‫نصرت في هذا البحث القول بوفاة زينب في المدينة وبينت‬
‫ُ‬ ‫بمئات القرون‪ ،‬وقد‬
‫أنه القول األسلم من االعتراض‪.‬‬
‫وفي الختام أحمد اهلل ‪ ‬على أن وفقني إلتمام هذا البحث‪ ،‬فما كان فيه‬
‫وأما ما كان فيه من زلل أو خطأ فهو مني ومن‬
‫من توفيق وصواب فهو من اهلل‪ّ ،‬‬
‫الشيطان‪ ،‬وأستغفر اهلل وأتوب إليه منه‪ ،‬والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬

‫‪734‬‬
‫فهرس أهم املصادر واملراجع‬

‫فهرس اهم المصادز والمراجع‬


‫‪ .1‬اإلرشاد ــ محمد بن النعمان المفيد ــ تحقيق مؤسسة آل البيت ــ المفيد للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع ــ بيروت ــ لبنان ــ الطبعة الثانية ــ ‪1414‬هـ ــ ‪ 1993‬م‬
‫‪ .2‬االستيعاب ــ أبو عمر ابن عبد البر النمري ــ تحقيق علي محمد البجاوي ــ دار الجيل‪،‬‬
‫بيروت ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1412‬هـ ــ ‪1992‬م‬
‫‪ .3‬أسد الغابة ــ أبو الحسن علي ابن األثير ــ تحقيق علي محمد معوض ــ عادل أحمد‬
‫عبد الموجود ــ دار الكتب العلمية ــ الطبعة األولى ــ ‪1415‬هـ ــ ‪ 1994‬م‬
‫‪ .4‬اإلشارات إلى أماكن الزيارات ــ عثمان بن أحمد السويدي الدمشقي المعروف بابن‬
‫الحوراني ــ تحقيق بسام عبد الوهاب الجابي ــ مكتبة الغزالي ــ دمشق ــ الطبعة األولى‬
‫ــ ‪ 1981‬م‬
‫‪ .5‬اإلشارات إلى معرفة الزيارات ــ علي بن أبي بكر بن علي الهروي ــ مكتبة الثقافة‬
‫الدينية‪ ،‬القاهرة ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1423‬هـ‬
‫‪ .6‬أعيان الشيعة ــ محسن األمين ــ تحقيق حسن األمين ــ دار التعارف للمطبوعات ــ‬
‫بيروت ــ لبنان‬
‫‪ .7‬اإلمام الحسين وأصحابه ــ فضل علي القزويني ــ تحقيق أحمد الحسيني ــ مجمع اإلمام‬
‫الحسين العلمي لتحقيق تراث أهل البيت ــ كربالء ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1437‬هـ‪/‬‬
‫‪2015‬م‬
‫‪ .8‬األمالي اإلثينينية ــ يحيى بن الحسين الشجري ــ تحقيق عبد اهلل العزي ــ مؤسسة اإلمام‬
‫زيد بن علي الثقافية ــ صنعاء ــ اليمن ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1429‬هـ‬
‫‪ .9‬أنساب األشراف ــ للبالذري ــ تحقيق محمد باقر المحمودي ــ مؤسسة األعلمي‬
‫للمطبوعات ــ بيروت ــ لبنان ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1394‬هـ‬
‫‪ .10‬بحار األنوار ــ محمد باقر المجلسي ــ تحقيق محمد باقر البهبودي و آخرين ــ مؤسسة‬

‫‪735‬‬
‫فهرس أهم املصادر واملراجع‬

‫الوفاء ــ بيروت‪ ،‬لبنان ــ الطبعة الثانية ــ ‪ 1403‬هـ‬


‫‪ .11‬البداية والنهاية ــ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ــ دار هجر للطباعة والنشر ــ‬
‫الطبعة األولى ــ ‪ 1418‬هـ ــ ‪1997‬م‬
‫‪ .12‬بالغات النساء ــ أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر ابن طيفور ــ تحقيق أحمد األلفي ــ‬
‫مطبعة مدرسة والدة عباس األول ــ القاهرة ــ ‪ 1326‬هـ ــ ‪ 1908‬م‬
‫‪ .13‬تاريخ األمم والملوك= تاريخ الطبري ــ محمد بن جرير الطبري ــ دار التراث ــ بيروت‬
‫ــ الطبعةالثانية ــ ‪ 1387‬هـ‬
‫‪ .14‬تاريخ دمشق ــ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة اهلل المعروف بابن عساكر ــ تحقيق‬
‫عمرو بن غرامة العمروي ــ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ــ ‪1415‬هـ ــ ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬تاريخ اليعقوبي ــ أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر الكاتب العباسي ــ دار صادر ــ‬
‫بيروت ــ لبنان ــ مؤسسة نشر فرهنگ أهل بيت ‪ ‬ــ قم ــ إيران‬
‫‪ .16‬تجريد أسماء الصحابة ــ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ــ دار المعرفة‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع ــ بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫‪ .17‬تحفة األحباب وبغية الطّالب ــ علي بن أحمد بن عمر بن خلف بن محمود السخاوي‬
‫األزهرية ــ الطبعة الثانية ــ ‪ 1406‬هـ‬
‫ّ‬ ‫الكليات‬
‫الحنفي ــ مكتبة ّ‬
‫‪ .18‬تحفة األنام في فضائل الشام ــ أحمد بن محمد البصراوي ــ تحقيق عبد العزيز فياض‬
‫حرفوش ــ دار البشائر ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1419‬هـ‪ 1998 /‬م‬
‫‪ .19‬الجرح و التعديل ــ أبو عبد الرحمن أبي حاتم الرازي ــ مطبعة مجلس دائرة المعارف‬
‫العثمانية ــ حيدر آباد الدكن ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1371‬هـ‬
‫‪ .20‬الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بالد الشام ومصر والحجاز ــ عبد الغني النابلسي ــ‬
‫تقديم وإعداد أحمد عبد المجيد هريدي ــ الهيئة المصرية العامة للكتاب ــ ‪ 1986‬م‬
‫‪ .21‬دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة ــ فتحي حافظ الحديدي ــ لهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب ــ ‪ 2009‬م‬
‫‪ .22‬الذرية الطاهرة النبوية ــ أبو ب ِْشر محمد بن أحمد الدوالبي ــ تحقيق سعد المبارك‬

‫‪736‬‬
‫فهرس أهم املصادر واملراجع‬

‫الحسن ــ الدار السلفية ــ الكويت ــ الطبعة األولى ‪ 1407‬هـ‬


‫‪ .23‬الذرية الطاهرة النبوية ــ أبو ب ِْشر محمد بن أحمد الدوالبي ــ تحقيق د‪ .‬شريف‬
‫التشادي ــ مبرة اآلل واألصحاب ــ الكويت ــ الطبعة األولى ‪ 1439‬هـ ــ ‪ 2019‬م‬
‫‪ .24‬الذريعة إلى تصانيف الشيعة ــ آغا بزرك الطهراني ــ دار األضواء ــ بيروت ــ لبنان ــ‬
‫الطبعة الثالثة ــ ‪ 1403‬هـ‪ 1983/‬م‬
‫‪ .25‬الروضة البهية في فضائل دمشق المحمية ــ محمد عز الدين عربي كاتبي الصيادي ــ‬
‫مطبعة المقتبس ــ دمشق ــ ‪ 1330‬هـ‬
‫‪ .26‬الزيارات بدمشق ــ القاضي محمود العدوي ــ تحقيق الدكتور صالح الدين المنجد ــ‬
‫دمشق ــ ‪ 1956‬م‬
‫‪ .27‬شرح نهج البالغة ــ أبو حامد بن أبي الحديد المدائني ــ تحقيق محمد عبد الكريم‬
‫النمري ــ دار الكتب العلمية ــ بيروت لبنان ــ الطبعة األولى ــ ‪1418‬هـ ــ ‪1998‬م‬
‫‪ .28‬الصحيح من مقتل سيد الشهداء ــ محمد الريشهري ــ مؤسسة دار الحديث ــ قم ــ‬
‫إيران ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1434‬هـ‬
‫‪ .29‬الطبقات الكبرى ــ محمد بن سعد ــ تحقيق إحسان عباس ــ دار صادر ــ بيروت ــ‬
‫الطبعة األولى ــ ‪ 1968‬م‬
‫‪ .30‬الطبقات الكبرى ــ محمد بن سعد ــ تحقيق د علي محمد عمر ــ مكتبة الخانجي ــ‬
‫القاهرة ــ ‪ 1421‬هـ ــ ‪ 2001‬م‪.‬‬
‫‪ .31‬الطبقات الكبرى ــ محمد بن سعد ــ تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا ــ دار الكتب‬
‫العلمية ــ بيروت ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1410‬هـ ــ ‪ 1990‬م‬
‫‪ .32‬طلعة المشتري في النسب الجعفري ــ أحمد بن خالد الناصري ــ المؤسسة الناصرية‬
‫للثقافة والعلم ــ مطبعة سيرار ــ الدار البيضاء ــ المغرب ــ طبعة مصورة عن الطبعة‬
‫الحجرية بفاس ــ ‪ 1407‬هـ‪ 1986/‬م‬
‫‪ .33‬عمدة الطالب ــ ابن عنبة ــ تحقيق محمد حسن آل الطالقاني ــ منشورات المطبعة‬
‫الحيدرية ــ النجف األشرف ــ الطبعة الثانية ــ ‪1380‬هـ‬

‫‪737‬‬
‫فهرس أهم املصادر واملراجع‬

‫‪ .34‬الكافي ــ محمد بن يعقوب الكليني ــ تحقيق علي أكبر الغفاري ــ دار الكتب‬
‫اإلسالمية ــ طهران ــ الطبعة الخامسة‬
‫‪ .35‬المجدي في أنساب الطالبين ــ علي بن محمد العلوي العمري ــ تحقيق أحمد‬
‫الدامغاني ــ المرعشي النجفي العامة ــ قم المقدسة ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1422‬هـ‬
‫‪ .36‬مرشد الزوار إلى قبور األبرار ــ عبد الرحمن ابن الشيخ أبي الحرم مكّي بن عثمان‬
‫الشارعي ــ الدار المصرية اللبنانية ــ القاهرة ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1415‬هـ‬
‫‪ .37‬مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري ــ يحيى بن ابراهيم بن علي اليحيى ــ دار‬
‫العاصمة ـ الرياض ـ السعودية ــ ‪ 1410‬هـ‬
‫‪ .38‬المزارات اإلسالمية واآلثار العربية ــ حسن قاسم ــ تحقيق أحمد سالم سالم ــ مكتبة‬
‫اإلسكندرية ــ ‪ 2017‬م‬
‫‪ .39‬مشرعة بحار األنوار ــ محمد آصف محسني ــ مؤسسة العارف للمطبوعات ــ بيروت‬
‫ــ لبنان ــ الطبعة الثانية ــ ‪ 1426‬هـ ــ ‪2005‬م‬
‫‪ .40‬معجم األحاديث المعتبرة ــ دار النشر األديان ــ طهران ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1434‬هـ‬
‫‪ .41‬مقاتل الطالبيين ــ أبو الفرج األصبهاني ــ تحقيق السيد أحمد صقر ــ دار المعرفة ــ‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ .42‬مقاتل الطالبيين ــ أبو الفرج األصفهاني ــ منشورات المكتبة الحيدرية ــ الطبعة الثانية‬
‫ــ ‪ 1385‬ــ ‪ 1965‬م‬
‫‪ .43‬منهاج السنة النبوية ــ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم ابن‬
‫تيمية ــ تحقيق محمد رشاد سالم ــ جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ــ الطبعة‬
‫األولى ــ ‪ 1406‬هـ ــ ‪ 1986‬م‬
‫‪ .44‬موسوعة اإلمام الحسين في الكتاب والسنة والتاريخ ــ محمد الريشهري ــ تحقيق قسم‬
‫تدوين السيرة مركز بحوث دار الحديث ــ دار الحديث ــ الطبعة األولى ‪ 1431‬هـ‪/‬‬
‫‪ 2010‬م‬
‫‪ .45‬نزهة األنام في محاسن الشام ــ عبد اهلل بن محمد البدري ــ المطبعة السلفية بمصر ــ‬
‫القاهرة ــ ‪ 1341‬هـ‬

‫‪738‬‬
‫فهرس أهم املصادر واملراجع‬

‫ل‬
‫فهرس امؤلفاث عن زينب الكبرى ‪‬‬
‫‪ .46‬ابنة الزهراء بطلة الفداء زينب ‪ ‬ــ علي أحمد شلبي ــ مطابع األفست بشركة‬
‫اإلعالنات الشرقية ــ ‪ 1992‬م‬
‫الغراء في تفضيل سيدتنا الص ّديقة الكبرى زينب الحوراء على السيدة مريم‬ ‫‪ .47‬الحقيقة ّ‬
‫العذراء ــ محمد جميل حمود العاملي ــ مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث ــ‬
‫بيروت لبنان ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1436‬هـ‪ 2015/‬م‬
‫‪ .48‬حياة السيدة زينب بنت اإلمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ‬ــ جعفر النقدي‬
‫ــ مؤسسة األعلمي للمطبوعات ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1419‬هـ‪ 1998/‬م‬
‫‪ .49‬الخصائص الزينبية ــ نور الدين الجزائري ــ دار الحوراء ــ بيروت ــ لبنان ــ الطبعة‬
‫األولى ‪ 1425‬هـ‪ 2004/‬م‬
‫‪ .50‬زينب بنت علي فيض النبوة وعطاء اإلمامة ــ إبراهيم حسين البغدادي ــ مؤسسة‬
‫األعلمي ــ بيروت‪ ،‬لبنان ــ الطبعة األولى ‪ 1431‬هـ‪ 2010 /‬م‬
‫‪ .51‬زينب القدوة والرمز ــ سعيد الخويلدي ــ دار البيان العربي ــ بيروت ــ لبنان ــ الطبعة‬
‫األولى ــ ‪ 1414‬هـ‪ 1993/‬م‬
‫‪ .52‬زينب الكبرى بطلة الحرية ــ أبو القاسم الديباجي ــ مؤسسة البالغ ــ بيروت ــ لبنان‬
‫ــ الطبعة األولى ‪ 1424‬هـ ‪2003 /‬م‬
‫‪ .53‬زينب الكبرى بنت اإلمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ‬ــ جعفر النقدي ــ‬
‫منشورات المكتبة الحيدرية في النجف ــ الطبعة الرابعة ــ بدون تاريخ‬
‫‪ .54‬زينب الكبرى من المهد إلى اللحد ــ محمد كاظم القزويني ــ تحقيق مصطفى القزويني‬
‫ــ دار المرتضى ــ بيروت‬
‫‪ .55‬زينب الكبرى ودورها في النهضة الحسينية ــ عبد السالم كاظم الجعفري ــ دار الغدير‬
‫قم ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1432‬هـ‬
‫‪ .56‬السيدة زينب رائدة الجهاد في اإلسالم ـ باقر شريف القرشي ــ مطبعة شريعت ــ‬

‫‪739‬‬
‫فهرس أهم املصادر واملراجع‬

‫الطبعة األولى ‪ 1420‬هـ‪ 2000/‬م‬


‫‪ .57‬السيدة زينب عقيلة بني هاشم ــ عائشة بنت الشاطئ ــ دار الكتاب العربي ــ بيروت‬
‫لبنان ــ ‪1406‬هـ‪ 1985/‬م‬
‫‪ .58‬السيدة زينب‪ ،‬وأخبار الزينبات للعبيدلي النسابة ــ حسن قاسم ــ دار الطباعة المنيرية‬
‫ــ مصر ــ الطبعة األولى ‪ 1351‬هـ‪ 1933/‬م‬
‫‪ .59‬السيدة زينب‪ ،‬وأخبار الزينبات للعبيدلي النسابة ــ حسن قاسم ــ المطبعة المحمودية‬
‫التجارية باألزهر ــ مصر ــ الطبعة الثانية ‪ 1353‬هـ‪ 1934/‬م‬
‫‪ .60‬الشمس الطالعة واألنوار الساطعة عقيلة اإلمامة والوالية السيدة زينب الكبرى ــ أحمد‬
‫شكر الحسني ــ دار الهادي ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1420‬هـ‪1999 /‬م‬
‫‪ .61‬العجاجة الزرنبية في الساللة الزينبية ــ عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ــ تحقيق‬
‫ناصر آل سعيد ــ مجلة عالم الكتب ــ المجلد الخامس عشر ــ العدد الرابع ‪1994‬م‬
‫‪ .62‬عصمة الحوراء زينب ــ محاضرات عادل العلوي ــ تحرير وتعليق علي الفتالوي ــ‬
‫مركز األبحاث العقائدية ــ نسخة إلكترونية‬
‫‪ .63‬عقيلة بني هاشم ــ علي الهاشمي الخطيب ــ انتشارات المكتبة الحيدرية ــ مطبعة أمير‬
‫قم ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1377‬هـ ــ نسخة إلكترونية‬
‫‪ .64‬فخر النساء زينب الحوراء ــ ماجد ناصر الزبيدي ــ مؤسسة الهدى اإلسالمية ــ بيروت‬
‫ــ لبنان ــ ‪ 1427‬هـ‪ 2006/‬م‬
‫‪ .65‬المجالس الزينبية ــ مهدي تاج الدين‬
‫‪ .66‬المرأة العظيمة قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي ــ حسن الصفار ــ مؤسسة‬
‫االنتشار العربي ــ بيروت‪ ،‬لبنان ــ الطبعة األولى ــ ‪ 2000‬م‬
‫‪ .67‬مرقد العقيلة زينب في ميزان الدراسة والتحقيق والتحليل ــ محمد حسنين السابقي ــ‬
‫دار الوالء ــ بيروت لبنان ــ الطبعة الثالثة ‪ 1432‬هـ‪ 2011/‬م‬
‫‪ .68‬مع بطلة كربالء ــ محمد جواد مغنية ــ دار التيار الجديد ــ بيروت‪ ،‬لبنان ــ الطبعة‬
‫الخامسة ‪1412‬هـ‪ 1992/‬م‬

‫‪740‬‬
‫فهرس أهم املصادر واملراجع‬

‫‪ .69‬موسوعة زينب الكبرى ــ علي عاشور ــ دار نظير عبود ــ بيروت لبنان ــ الطبعة األولى‬
‫ــ ‪ 1429‬هـ‪ 2009/‬م‬
‫‪ .70‬وفاة زينب الكبرى ويليه المرقد الزينبي ــ فرج آل عمران القطيفي ــ منشورات الشريف‬
‫الرضي ــ قم ــ الطبعة األولى ــ ‪ 1412‬هـ‬

‫فهرس المصادز الفازسثة‬


‫‪ .71‬أساور من ذهب در أحوال حضرت زينب سالم اهلل عليها ــ مهدي األصفهاني ــ‬
‫أصفهان ــ ‪1350‬هـ‪.‬‬
‫‪ .72‬بررسی اعتبار کتاب أخبار الزینبات ــ حسن الفاطمي ــ مقالة منشورة في مجلة‬
‫كتابهاي إسالمي ــ العدد ‪ 21‬سنة ‪ 1426‬هـ‬
‫‪ .73‬تحفة الزائر ــ محمد باقر المجلسي ــ مؤسسة اإلمام الهادي ــ قم‬
‫‪ .74‬تحقيق درباره اول اربعين ــ محمد علي قاضي طباطبائي ــ تبريز ــ ‪ 1397‬هـ‬
‫‪ .75‬خصائص الزينبية ــ نور الدين الجزائري ــ المطبعة المرتضوية ــ النجف ــ ‪ 1341‬هـ‪.‬‬
‫‪ .76‬خيرات حسان ــ اعتماد السلطنة محمد حسن خان ــ طبعة حجرية ــ طهران‬
‫‪ .77‬رياحين الشريعة در ترجمة بانوان دانشمند شيعة ــ ذبيح اهلل محالتي ــ دار الكتب‬
‫اإلسالمية ــ طهران‬
‫‪ .78‬طراز المذهب مظفري ــ ميرزا عباس قلي خان سپهر ــ مطبعة مصطفوي ــ بمبئي ــ‬
‫‪ 1322‬هـ‪.‬‬
‫‪ .79‬وقائع األيام في أحوال شهر الصيام ــ المال علي واعظ التبريزي الخياباني ــ طبعة‬
‫حجرية ــ تبريز‬
‫م‬‫ل‬
‫ط‬
‫فهرس ا ؤطاث‬
‫خ‬
‫‪ .80‬اختيار المنظوم المنثور والمنظوم (المطبوع بعنوان بالغات النساء) ــ ابن طيفور ــ‬
‫مكتبة جامعة الملك سعود برقم (‪ /810‬أ‪ .‬ط)‬
‫‪ .81‬اإلعالم بفضائل الشام ــ إبراهيم بن عبد الرحمن الفزاري ــ المكتبة الظاهرية ــ ضمن‬
‫‪741‬‬
‫فهرس أهم املصادر واملراجع‬

‫مجموع برقم (‪.)3961‬‬


‫‪ .82‬أنس الزائرين ــ المؤلف مجهول ــ مكتبة جامعة الملك سعود برقم ‪.3047‬‬
‫‪ .83‬تاج المفرق في تحلية علماء المشرق ــ خالد بن عيسى البلوي‪:‬‬
‫ــ مكتبة المسجد النبوي برقم (‪.)32 .900‬‬
‫ــ نسخة المكتبة الوطنية بباريس برقم (‪.)arabe 2286‬‬
‫ــ مكتبة جامعة اإلمام محمد بن سعود برقم (‪.)7614‬‬
‫‪ .84‬تحفة األنام ــ أحمد بن محمد البصرواي‪:‬‬
‫ــ المكتبة الظاهرية برقم (‪.)4626‬‬
‫ــ مكتبة جامعة الملك سعود برقم (‪)2689‬‬
‫ــ مكتبة رئيس الكتاب بتركيا برقم (‪.)640‬‬
‫ــ مكتبة نور عثمانية بتركيا برقم (‪.)3448‬‬
‫ــ مكتبة أسعد أفندي بتركيا برقم (‪.)2156‬‬
‫ــ مكتبة راشد أفندي برقم (‪.)640‬‬
‫ــ دار الكتب القطرية برقم (‪.)936‬‬
‫ــ مكتبة بلدية اإلسكندرية برقم (ج ‪.)2027‬‬
‫ــ مكتبة برلين األلمانية ومصورتها محفوظة بالجامعة اإلسالمية برقم (‪.)3918‬‬
‫مكتبة غوتة بألمانيا برقم (‪.)A 93‬‬
‫‪ .85‬جامعة الفنون في أفضلية جبل قاسيون ــ محمد بن الحسن الشطي الدمشقي ــ مكتبة‬
‫جامعة هارفرد برقم (‪.)arab 341‬‬
‫‪ .86‬خالصة الداللة إلى أماكن الزيارة ــ المؤلف غير معروف ــ مكتبة جامعة الملك سعود‬
‫برقم (‪.)4332‬‬
‫‪ .87‬الروضة الزهية في والة مصر والقاهرة المعزية ــ محمد بن أبي السرور البكري ــ‬
‫مكتبة غوته في ألمانيا برقم (‪.)A1638‬‬
‫‪ .88‬عرف الزرنب في ترجمة سيدي مدرك والسيدة زينب ــ إسماعيل بن محمد العجلوني‬

‫‪742‬‬
‫فهرس أهم املصادر واملراجع‬

‫ــ مكتبة تشستربيتي‬


‫ــ محمد بن‬ ‫‪ .89‬عرف الزرنب في بيان شأن سيدتنا زينب بنت سيد العجم والعرب‬
‫أحمد السفاريني ــ المكتبة الوطنية بباريس برقم (‪ )4928‬ــ مصورة مركز الملك‬
‫فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .90‬عيون األخبار ونزهة األبصار ــ محمد بن أبي السرور البكري‪:‬‬
‫ــ مكتبة الدولة ببرلين برقم (‪ )we 380‬مصورة مكتبة جابر األحمد المركزية التابعة‬
‫لجامعة الكويت‪.‬‬
‫ــ المكتبة الوطنية بباريس برقم (‪.)1560‬‬
‫‪ .91‬فتوح الرحمن ــ أبو بكر الموصلي ــ مكتبة الدولة في برلين برقم (‪.)We 1560‬‬
‫‪ .92‬الكواكب السائرة في أخبار مصر والقاهرة ــ محمد بن أبي السرور البكري ــ ــ المكتبة‬
‫الوطنية الفرنسية بباريس‪ ،‬برقم (‪.)1852‬‬
‫‪ .93‬لسان الميزان ــ أحمد بن حجر العسقالني‪:‬‬
‫ــ مكتبة أحمد الثالث في متحف طوب قابي سراي برقم (‪.)2944/1‬‬
‫ــ مكتبة راغب باشا برقم (‪)347‬‬
‫ــ مكتبة فاضل أحمد باشا [ق ‪/167‬ب]‪ ،‬المرقمة برقم (‪)462‬‬
‫‪ .94‬مصباح الدياجي وغوث الراجي ــ مجد الدين بن عين الفضالء المشهور بابن الناسخ‪:‬‬
‫ــ مكتبة تشسربيتي برقم (‪.)4037‬‬
‫ــ دار الكتب المصرية برقم‪ 87 :‬بلدان تيمور‪.‬‬
‫‪ .95‬منهاج السنة النبوية ــ أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية‪:‬‬
‫ــ مكتبة البروجردي برقم (‪.)N27‬‬
‫ــ مكتبة جامعة اإلمام محمد بن سعود برقم (‪.)4994‬‬
‫ــ مكتبة الحرم المكي برقم (‪.)2281‬‬
‫‪ .96‬النبذة اللطيفة في المزارات الشريفة ــ ياسين بن مصطفى الدمشقي ــ المكتبة الظاهرية‬
‫برقم (‪ )11386‬مصورة مكتبة جابر األحمد المركزية التابعة لجامعة الكويت‪.‬‬

‫‪743‬‬

You might also like