You are on page 1of 504

‫مسألة اإليمان في‬

‫كفتي الميزان‬

‫‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫‬
‫مسألة اإلميان يف كفيت‬
‫امليزان‬

‫تأليف‬
‫أبي عزير عبد اإلله يوسف اليوبي الحسني‬
‫الجزائري‬

‫تقديم‬
‫فضيلة الشيخ‬ ‫فضيلة الشيخ‬
‫د‪ .‬حممد حممود أبو رح ِّيم‬ ‫أ‪ .‬حممد إبراهيم شقرة‬

‫«جاء هذا الكتاب ليكشف الحقائق وليضع األمور في مواضعها الالئقة بها؛‬
‫حقيق على طلبة العلم الجادين قراءته واالستفادة منه فهو لم يكتب إ َّال لهم!»‬

‫‬
‫حقوق ّ‬
‫الطبع محفوظة للمؤ ّلف‬

‫الطبعة األولى‬
‫‪1427‬هـ ـ ‪2006‬م‬
‫دار المأمون للنشر والتوزيع‬
‫عمان ـ المملكة األردنية الهاشمية‬
‫عمارة جوهرة القدس ـ العبدلي‬

‫الطبعة الثانية‬

‫‬
‫‪‬‬
‫تقديم‬
‫‪‬‬

‫فضيلة الشيخ األستاذ محمد إبراهيم شقرة‬

‫بسم ال َّله خير األسماء‪ ،‬في األرض وفي السماء وصلى ال َّله‬
‫وسلم على صاحب الوحي في األرض‪ ،‬وناقله ألهل األرض‪ ،‬عن‬
‫أهل السماء‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فما أجمل الكالم العربي حين يصادف مكانه‪ ،‬سواء أكان من‬
‫صناعة الشعر‪ ،‬أم كان من صنعة أهل النثر‪ ،‬وجماله ال ُي َح َّصل إ َّ‬
‫ال بأن‬
‫يكون المو ِر ُده صاحب ذوق يعرف به َّ‬
‫قدامه من ورائه‪ ،‬وموقعه الذي‬
‫ٍ‬
‫زيادة تفيض عن‬ ‫يناسبه‪ ،‬فيطابقه‪ ،‬في معناه‪ ،‬وحروفه‪ ،‬فإن كان من‬
‫حروفه‪ ،‬فكذلك هي العربية‪ ،‬رضي ال َّله عنها ورضيت عنه‪ ،‬فقد جعلها‬
‫ال َّله لغة كتابه‪ ،‬فأعلى به قدرها‪ ،‬وأعزها وألبسها من عافية كتابه فض ً‬
‫ال‬
‫تفخر به على سائر اللغات وأهلها‪ ،‬فالفخر يدور معها‪ ،‬وتسقى به من‬
‫عذب عطائه‪ ،‬ونور فيضه‪ ،‬ما تصبح به وتمسي في الدنيا بين ماليين‬
‫اعتذار عن‬ ‫اضطرار أو‬ ‫ٍ‬
‫شيء من عذ ٍر يكون فيه‬ ‫البشر‪ ،‬يبحثون عن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ألم بهم‪ ،‬أن ُيحصوا ألنفسهم أنهم عاجزون عن اإلحاطة علما‬ ‫جهل َّ‬
‫بما قعد بهم عن علمٍ ببعض ما أنزل ال َّله على نبيه صلوات ال َّله وسالمه‬
‫عليه‪ ،‬فإنهم غير واجدين‪ ،‬حتى ولو أنهم وجدوا‪ ،‬إذ إن وجدانهموا‬
‫ألم بهم‪ ،‬لماذا؟‬
‫إياه‪ ،‬إنما يكون من خطأ َّ‬

‫‬
‫ذلكم أن العربية هي اللسان‪ ،‬الذي عرفته األمة كلها‪ ،‬فهل يكون‬
‫ال أو شرع ًا ـ حينئذ أن لسانهم أعجزهم عن أن يكون هو‬ ‫مقبو ً‬
‫ال ـ عق ً‬
‫لسانهم‪ ،‬وهو هو لسانهم‪ ،‬الذي أمكنهم أن يقرءوا به النثر والشعر‪ ،‬ثم‬
‫أن يقرءوا به كتابه‪ ،‬وس َّنة نبيهم ﷺ‪ ،‬فإن كان لهم عذر‪ ،‬فليس بالعذر‬
‫ُليلتمس لمن كان عربي ًا منهم‪ ،‬بل إنه ال يقبل لمن كان أعجمي ًا‪ ،‬إن كان‬
‫قد نشأ بين ظهراني العرب‪ ،‬فإنما العربية اللسان‪ ،‬وإذا كانت العربية قد‬
‫آذنت بالرحيل عن ألسنة أهلها‪ ،‬ألنهم آذوها إيذا ًء شديد ًا‪ ،‬حتى إنها لم‬
‫تعد تطيق معه اللبث فيهم‪ ،‬فآثرت أن تدبر عنهم‪ ،‬وتضع رحلها حيث‬
‫تقدر أن تجد من يرى حق ًا له عليها‪ ،‬فال يبخسها إياه‪ ،‬وكثير هم أولئك‬
‫ّ‬
‫الذين اضطجعوا على جنوبهم‪ ،‬رجاء أن تنحط عنهم البقية الباقية من‬
‫مفردات اللغة التي أكرمها رب العزة بأن نسبها إلى القرآن‪ ،‬أو نسب‬
‫القرآن إليها‪ ،‬فقد غدوا منها على برم حا ٍّد حائ ٍر‪ ،‬وأعنتتهم هذه اللغة‬
‫يتخطفون كلمات‬ ‫َّ‬ ‫الجليلة أن تكون دائم ًا في حساب ألسنتهم‪ ،‬فأخذوا‬
‫ال من لغات األعاجم‪ ،‬يوشون بها اللغة التي نسج ال َّله بها آيات‬
‫وجم ً‬
‫وثبتوها‬
‫كتابه الجليل‪ ،‬بل ثم إنهم قد عدلوا في بعض بالدهم إليها‪َّ ،‬‬
‫على أطراف ألسنتهم ظن ًّا منهم أنها باقية‪ ،‬ثم ما لبثت أن أخذت تحيص‬
‫اساقطت‪ ،‬فال هم رعوا لغتهم العظيمة‪ ،‬وال‬ ‫في مواقعها تلك‪ ،‬حتى ّ‬
‫ٍ‬
‫بفشل‬ ‫اسطاعوا أن ينجوا اللغة التي ظنوا أنهم ما نعوها يوم ًا‪ ،‬فباءوا‬
‫ذريع‪ ،‬وسيقوا إلى ُضرام نا ٍر‪ ،‬وضعوا فوقها ِقدر ًا واسع ًا أذابوا فيه مع‬
‫لغتهم دينهم الذي ارتضاه لهم ربهم‪ ،‬إذ لوال اللغة ما عرف الدين‪.‬‬
‫والعربية لغة هندسية راقية عالية المناف‪ ،‬فالكلمة الواحدة‬

‫‬
‫بحروفها‪ ،‬أو الجملة الواحدة إذا نطق بها اللسان‪ ،‬أو أنزلها القلم على‬
‫الساقيها‪ ،‬فيكون التطابق بين‬
‫سطر القرطاس‪ ،‬فإن معناها يكاد يكون َّ‬
‫تاما‪ ،‬ولكأنما صورة الحرف هي ثوب‬ ‫الحرف وبين المعنى تطابق ًا ًّ‬
‫الموشى بوجدانات الحب واألمل‪ ،‬ليكون لباس ًا ًّ‬
‫بهيا‬ ‫َّ‬ ‫قد من الجمال‬
‫َّ‬
‫للمعنى أو المعاني التي يغشاها‪ ،‬في كل موضع يتحرك فيه اللسان‬
‫ٍ‬
‫متفرد بذاته أو مجتمع ًا إلى غيره‪ ،‬من يحب ال َّتغني بها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بحرف‬
‫واالعتضاد بمعناها‪ ،‬المتق َِّّمشين بحروفها‪ ،‬تلكم هي‪« :‬ليست النائحة‬
‫مثل مشهور‪ ،‬يصلح أن يكون قاعد ًة من قواعد‬ ‫كالمستأجرة»‪ ،‬وهو ٌ‬
‫ٌ‬
‫مجموعة كبير ٌة من أنماط السلوك االجتماعي‬ ‫السلوك‪ ،‬تتأسس عليه‬
‫الحياتي‪ ،‬الذي يبين أو يكاد‪ ،‬عن صدور الناس‪ ،‬وما تحويه من أفكا ٍر‪،‬‬
‫ويكتنفها من رؤى وتصورات‪ ،‬تبيت معه في جوانحه‪ ،‬وتصحو معه‬
‫حين ينبعث من فراشه‪ ،‬وتشاركه فرحه حينما يفرح‪ ،‬وترحه حينما‬
‫شر ٍة غرباء‪ ،‬فإنه ال يجد‬ ‫ٌ‬
‫أحوال ائتلفت عليه في َّ‬ ‫يترح‪ ،‬وإذا ما واطأته‬
‫مالذا بعافية أرجى من حروف العربية‪ ،‬في آية أو آيات‪ ،‬أو مثل طائ ٍر‪،‬‬
‫شعر ًا كان أم نثر ًا‪ ،‬أو كلمة نبوية اشتقت من أصل الوحي‪ ،‬أو تهادت‬
‫من عند قوائم العرش‪ ،‬حتى استقرت في صدر المصطفى صلوات ال َّله‬
‫وسالمه عليه‪ ،‬ثم نشرها في الدنيا على ألسنة أصحابه‪ ،‬وإخوانهم الذين‬
‫جاءوا من بعدهم من التابعين وتابعيهم بإحسان‪.‬‬
‫والعربية لغة واسعة الثراء‪ ،‬متباعدة األرجاء‪ ،‬بما جلبت عليه‪،‬‬
‫وأشد‬
‫ُّ‬ ‫وجمعت إليها من أسباب البقاء والعلو والتمكين في األرض‪،‬‬
‫هذه األسباب قو ًة ومنعة سببان اثنان‪:‬‬

‫‬
‫األول‪ :‬القرآن وقد أنزله ال َّله بها‪ ،‬ودعا إليه َّ‬
‫وبشر وأنذر بها من‬
‫بشر وأنذر‪.‬‬
‫َّ‬
‫أما الثاني‪ :‬فهو الجهاد الذي هو سنام اإلسالم‪ ،‬وحاضنة‬
‫اإليمان‪ ،‬فكان حق ًا على الذين حملوه‪ ،‬وحملوا رايته‪ ،‬أن يدعوا إليه‪،‬‬
‫أداء لحقِّ رسالة ال َّله التي أنزلها على عبده ّ‬
‫ونبيه‬ ‫ويبشروا وينذروا بلغته‪ً ،‬‬
‫محمد ﷺ‪ ،‬وهكذا ظ َّلت العربية وستظل اللغة السائدة الوارثة فخر‬
‫األديان‪ ،‬ومناط اإليمان‪ ،‬وكتاب الحكمة‪ ،‬وفصل الخطاب‪ ،‬وستكون‬
‫بعامة‪ ،‬ألنها هي اللغة الوسيلة التي ستبقى‬
‫العربية موئل الثقافة اإلنسانية َّ‬
‫بقوتها‪ ،‬قادرة على استعاب منابع الحضارة‪ ،‬وموارد المدنية‪،‬‬
‫محتفظة َّ‬
‫وقد ُحفظ بها‪ ،‬وفي حروفها القرآن العظيم‪ ،‬كالم رب العالمين‪.‬‬
‫وما رأيت مث ً‬
‫ال يصدق في ال َّناعتين أنفسهم بالسلفيين اليوم‪،‬‬
‫وبخاص ٍة الملحقين على العلم أن يقبلهم على ما هم عليه من سوء‬
‫َّ‬
‫األخالق‪ ،‬وليس يؤمل فيهم إ َّال نأي ًا وصخب ًا بالغيه وقلة البضاعة في‬
‫العلم‪ ،‬وذهاب الورع‪ ،‬وفقدان األدب‪ ،‬واستكبارهم وغرورهم‪،‬‬
‫وتطاولهم على الفضيلة‪ ،‬وتلبسهم بكل فتنة تبدو مقدماتها ثم ال تلبث‬
‫ٍ‬
‫وإحسان‪ ،‬ال بين ظهرانيهم هم‬ ‫ٍ‬
‫باتقان‬ ‫أن تشيع وتستشري على أيديهم‪،‬‬
‫وحدهم‪ ،‬بل أيض ًا في الناس‪ ،‬وأكثرهم تأثر ًا أقربهم منهم مودةً‪ ،‬على‬
‫شتى نحلهم‪ ،‬وأعراقهم‪ ،‬وألوانهم‪ ،‬وألسنتهم‪.‬‬
‫واجد نفسه‬
‫ٌ‬ ‫كل من أراد الخير لنفسه‪ ،‬فإنه ـ والبد ـ‬ ‫ذلكم أن َّ‬
‫يوم ًا ساعي ًا إلى الدين الذي أراده ال َّله أن يكون العروة والصراط للناس‬
‫كافة‪ ،‬كره ذلك أم رضي‪ ،‬فالرضا والكره في آخر األمر‪ ،‬ال يكون إ َّ‬
‫ال‬

‫‬
‫فطري في اإلنسان‪ ،‬وهو‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫تكليف‬ ‫اإلذعان‪ ،‬ألن األمر بالنسبة للدين‪،‬‬
‫الدين الذي أرتضاه خالق السماوات واألرضين‪ ،‬للناس أجمعين‪ ،‬وإذا‬
‫ما نأى اإلنسان بنفسه عن الدين علم بنأيه هذا أن خل ً‬
‫ال داخله‪ ،‬وأن‬
‫ال أن يبحث‬‫نقص ًا أدركه‪ ،‬وأن شيئ ًا كان في داخله أضاعه‪ ،‬فال يملك إ َّ‬
‫حال من االستقرار‬‫عنه ليرده إليه‪ ،‬أو ُيتِمه‪ ،‬أو يصلحه‪ ،‬فيصير إلى ٍ‬
‫َّ‬
‫النفسي‪ ،‬يستطيع معه أن يمد ساقه إلى مسافة أخرى‪ ،‬ع َّله يجد نفسه‬
‫فيها أقدر على تحقيق شيء جديد‪ ،‬يصلح أن يكون بداية ألم ٍر جديد‬
‫ٍ‬
‫أسباب‬ ‫يؤمل فيه خير ًا أصاب منه بعض ًا‪ ،‬أو كان قد و َّفق إلى سبب أو‬
‫تمكنه من الوصول إلى ذلك الشيء الذي فاته‪.‬‬ ‫لم ِّ‬
‫نفسي ًا دقيق ًا‪ ،‬الفرق بين إنسان تطحنه‬
‫هذا المثل يصور لنا تصوير ًا ّ‬
‫الهموم‪ ،‬وتمزقه اآلالم‪ ،‬لما ينزل به من ٍ‬
‫بالء ال يكاد ُيبين معه أو يستبين‪،‬‬
‫وبين إنسان آخر‪ ،‬ليس به شيء‪ ،‬مما في األول من الهموم أو اآلالم‪،‬‬
‫لكنه موصول به بواصلة من نسب أو قربى أو صداقة أو غير ذلك‪ ،‬مما‬
‫يصبره‪ ،‬أو يؤ ِّمله‪ ،‬لكنه ال يبلغ في شيء من‬
‫يواسيه‪ ،‬أو ِّ‬
‫َ‬ ‫يؤذنه ويدعوه أو‬
‫ذلك أعماق صدره‪ ،‬ليعلم حقيقة ما يفيض به قلبه من هموم أو أحزان‪،‬‬
‫شيء مما يتصور أن صاحبه ذاك قد أصاب‬ ‫ٍ‬ ‫إ َّ‬
‫ال ما يكون من استحضار‬
‫منه شيئ ًا‪ ،‬فتكون منه مقارنة بين الذي كان له وبين الذي َّ‬
‫حل بصاحبه‪،‬‬
‫ببالغ أمره منه‪ ،‬فإن الذي كان له‪ ،‬قد كان وربما‬
‫بيد أنه مع ذلك‪ ،‬فليس ٍ‬
‫حل به‪ ،‬يدينه باالستحضار وال َّت ُّ‬
‫ذكر من‬ ‫لم يبق من آثاره شيء مما َّ‬
‫صاحبه هذا‪ ،‬فتبقى الفجوة مشهودة‪ ،‬ويبقى معها المواساة بين المسلم‬
‫وأخيه موصولة‪ ،‬بكونها حقًّا الزم ًا شرعه ال َّله للمؤمنين‪ ،‬يحثهم عليه‬

‫‬
‫في مثل قوله سبحانه‪﴿ :‬ﭯ ﭰﭱ﴾‪ ،‬وتداول مثل هذا الحق‬
‫ـ وأهمها وأوالها بالتداول ـ السالم يحدث في الناس خير ًا كثير ًا‪،‬‬
‫ويقوم عوج السلوك‪ ،‬ويعين‬
‫السراء‪ِّ ،‬‬
‫ويذهب الضراء من بينهم‪ ،‬ويثيب َّ‬
‫على وضع األمور في مواضعها التي ال يختلف عليها‪ ،‬وال تزحزح عن‬
‫يمسها‪ ،‬وبمثل هذا الذي ال يحتاج‬ ‫مواقعها باضطراب يالمسها أو ٍ‬
‫خلل ّ‬
‫إلى كبير جهد أو كثير تعب تكون السالمة للمجتمع‪ ،‬وال ّ‬
‫يضل سعي‬
‫الفرد فيه أو الفئة‪ ،‬ويبرز خلق التعاون على أجمل صورة‪ ،‬وفي أحسن‬
‫هيأة‪ ،‬أال ليت يكون مثله على ما عهدناه‪ ،‬في القرون األولى التي جرت‬
‫عليها س َّنة السابقين األولين‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فقد أراد ال َّله ‪ ‬لدينه أن ينشر رواقه فوق األرض‪ ،‬وأن‬
‫تتحق نبوءة رسول ال َّله ﷺ في دنيا البشر ببشارته فيه‪« :‬فرأيت مشارقها‬
‫ومغاربها‪ ،‬وأن ملك أمته ﷺ سيبلغ المشارق والمغارب» ولست أرى‬
‫ٍ‬
‫طائفة‬ ‫إ َّ‬
‫ال هذه النبوءة‪ ،‬قد أرخت سجعها على آفاق الدنيا‪ ،‬على أيدي‬
‫أخذت على نفسها أن تصيب من علوم هذا الدين‪ ،‬الذي ورثته عن‬
‫قرن نبيها المصطفى ﷺ‪ ،‬والقرنيين اللذين من بعده‪ ،‬ولربما كان ما‬
‫ورثته هدي ًا‪ ،‬يسري بليل‪ ،‬فيصبح وقد أخذ ٍّ‬
‫بحظ واف ٍر من الفجر الذي‬
‫عد‬
‫يمأل آفاق األرض عند بزوغه‪ ،‬أو وهو يلم بأشعة الشمس وهي ّ‬
‫ضوءها فوق الجبال والسهول والبحار‪ ،‬فإذا بهذه الطائفة قد صارت‬
‫بما أصابت من هذه العلوم على ُس َّدة عالية من المعرفة‪ ،‬سواء ألقريبة‬
‫منها أم البعيدة‪ ،‬وسواء منها من وهبها ال َّله من هذه السبيل أم من غيرها‪،‬‬
‫فقد صار لها ُق َّص ٌاد من طالب العلم‪ ،‬يرتحلون إليها‪ ،‬ليأخذوا عنها‪ ،‬ما‬

‫‪10‬‬
‫يقدرون عليه مما أفاء ال َّله عليهم‪.‬‬
‫وقد عرفت عرصات العلم‪ ،‬وح َل ُقه المنيرة نفر ًا من هذه‬
‫الطائفة‪ ،‬أملت عليهم ضرورات العيش أن يعيشوا في أرض‪ ،‬تربتها‬
‫مأوى‬
‫ً‬ ‫مجبولة برطانات اللغات األعجمية التي لم تكن تعرف لها‬ ‫ٌ‬
‫عندها من قبل‪ ،‬وعلى الرغم‪ ،‬من أنَّ هؤالء النفر الذين أكرهوا على أن‬
‫يهاجروا إلى غير األرض العربية التي ولدوا فيها‪ ،‬وخ َّلفوا من ورائهم‬
‫فيها ما بقي من أنماط الثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬لكن ال َّله سبحانه ـ بما‬
‫علم فيهم من صدق إخالصهم لدينهم‪ ،‬ولغتهم‪ ،‬وأنماط الثقافة التي‬
‫رووها من قبل هجرتهم‪ ،‬وبما سقوا من مائها‪ ،‬وبما ُمألت صدورهم‬ ‫ُّ‬
‫من روحها وريحانها ـ أفاض ال َّله عليهم من فضله‪ ،‬وأجرى عليهم من‬
‫نعمه‪ ،‬ما جعل للثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬وهم في تلك الديار الغربية‬
‫شيء ال يوازى‬
‫ٌ‬ ‫النائية السلطان األقوى عليهم‪ ،‬حتى إن االبداع فيها‬
‫ممن يرفعون رؤوسهم ويحسبون أنهم به قادرون على ما تقدر عليه‬
‫هذه الفئة المباركة‪ ،‬من مثل صاحبنا العزيز أبي العزير ونظرائه‪ ،‬الذين‬
‫شادوا صرح الثقافة اإلسالمية العربية‪ ،‬في بالد الغرب‪ ،‬فكانوا هم‬
‫األحق بهم واألجدر‪ ،‬فانظر إلى آثار‬
‫َّ‬ ‫األحق بها وأهلها‪ ،‬وكانت هي‬‫َّ‬
‫رحمة ال َّله على هذه الثقافة المنيفة‪ ،‬كيف تكون حين تجد من يؤويها‬
‫إليه‪ ،‬فيكون ك َن َفها‪ ،‬والسادنها‪ ،‬والحاضنها‪ ،‬وهي بعيد ٌة عن منابتها‪،‬‬
‫ومرابضها‪ ،‬وصدورها التي سقتها من ضروعها‪َّ ،‬‬
‫وغذتها من لبنها‪ ،‬ثم‬
‫انظر إلى العار الذي لحق هذه الثقافة على أيدي ُص َّناع الجهل‪ ،‬أدعياء‬
‫وكنى‪ ،‬يستحيي تاريخ األمة‬‫ً‬ ‫العلم‪ ،‬ممن يخلعون على أنفسهم ألقاب ًا‬

‫‪11‬‬
‫حتى من أن يذكرها‪ ،‬أو يحفظها فما لهؤالء األدعياء ال يستحيون‪ ،‬وال‬
‫كرمهم ال َّله‪ ،‬وأعلى‬
‫سبة العلم وال من ذا َّمة أهله الذين َّ‬
‫يرجون نجاة من َّ‬
‫وبوأهم أرفع المنازل‪.‬‬
‫مكانتهم‪ ،‬ورفع أقدارهم‪َّ ،‬‬
‫وحسب هذا اإلبن العزيز السيد «أبو العزير» الذي دفعت به‬
‫يد الهجرة القاسية الظالمة أن يو ِّلي ظهره أرض قومه‪ ،‬و َي َ‬
‫قب َل كاره ًا‬
‫ٍ‬
‫بحرف‬ ‫أن يقيم في بقعة من بالد الغرب حيث ال يسمع لسان ًا يتحرك‬
‫من حروف العربية‪ ،‬حتى ولو أتت على أطرافه رطانة العجمة‪ ،‬بتأتأة‬
‫ِّ‬
‫الكاظين عليها‪ ،‬وال كلم ًة ُيع َل ُن بها عن ذكر ال َّله ‪ ‬فيهم‪.‬‬
‫وما كان لمثل اإلبن العزيز أبي العزير لينسى لغته العربية‬
‫العزيزة عليه‪ ،‬التي استقرت في سويداء قلبه‪ ،‬وتحرك بها لسانه مذ‬
‫وأعجب‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫كلمات‪ ،‬أو متفرقة حروف ًا‪،‬‬ ‫اسطاع أن يتحرك بها مجتمعة‬
‫وتفو ٌق على من أمسك‬‫سبق ُّ‬ ‫من ذلك وأدنى إلى البصيرة أن يكون له ٌ‬
‫ِّ‬
‫ويسطر‪،‬‬ ‫فيدون‬
‫بقائمة قلمٍ ‪ ،‬من بعد أن صار له ظهور في حلق العلماء ِّ‬
‫ويفضي إلى سواري العلم في المساجد وغيرها‪ ،‬وي ِ‬
‫حك ُم وثاق عقله‬ ‫ُ‬
‫وتأم ٍل‪ ،‬وتقليب فك ٍر في دواوين العلم‪،‬‬
‫عند أصولها‪ ،‬وذلك بأدنى نظ ٍر ُّ‬
‫ال االرتفاع واالزدياد‬‫األخصبتها سقايات العقول الث ََّّرة‪ ،‬التي ما عرفت إ َّ‬
‫بما يحام بها في معانيها ـ بالمقاربة الحرفية‪ ،‬واالستنباطات الحكمية‬
‫ـ حول قوله سبحانه‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾‬
‫فصعد بها فوق األفاق القريبة والبعيدة التي تشرق على األرض الغربية‬
‫التي يعيش فوق صعيدها‪ ،‬ليشرف منها على األرض التي هاجر منها‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫فيستذكر قطع الثقافة التي أصاب منها من قبل هجرته‪ ،‬فكانت الزاد له‬
‫في الحياة في دار غربته‪ ،‬ومن بعد الممات في وحشة القبر‪ ،‬ومن بعد‬
‫مبعثه إن شاء ال َّله‪ ،‬رجا ًء ال يغيب وال يضل‪ ،‬فاستجمعها‪ ،‬حتى إذا ما‬
‫استوت قائم ًة على ساقها في قلبه‪ ،‬ورأي منها ما استذكر به بعض ًا من‬
‫حبه لثقافته وأرض قومه‪ ،‬عجل إليه في السحاب‪ ،‬ومن فوق األرض‬
‫ِّ‬
‫تبين له‪ ،‬أن هذه الثقافة‬
‫حبات التراب‪ ،‬حينئذ َّ‬
‫من فوق الرمل ومن بين َّ‬
‫التي رأي شيئ ًا منها من تلكم األفاق البعيدة والقريبة‪ ،‬يمكنه أن يبني‬
‫على ما رأى منها ما حيل بينه وبينه‪ ،‬على نأي الدار‪ ،‬وشسوع األرض‬
‫همته‪،‬‬
‫التي ولد من فوقها‪ ،‬وترعرع على رملها وحصبائها‪ ،‬فاستوثب َّ‬
‫وعجل إلى ُهميانه الذي استخرجه معه من مهاجره مهاجر المجاهدين‬
‫الحصفاء‪ ،‬واستبصر ما حواه‪ ،‬فكان‬
‫والدعاة ُ‬
‫األلباء‪ُّ ،‬‬
‫األغيار‪ ،‬والعلماء َّ‬
‫فيه من لغة العرب ومسائل اإليمان‪ ،‬وقضايا العقيدة‪ ،‬ومشكالت‬
‫العلم‪ ،‬ما أوجب عليه أن يبتدر قلمه‪ ،‬وقد أبصر بما في هميانه‪ ،‬فقضى‬
‫عليه بواجب‪ ،‬ربما لم يكن في وسعه أن يؤ ِّديه‪ ،‬لو قدِّ ر له أن يعيش في‬
‫األرض التي خرج منها مهاجر ًا مكره ًا كما يقول المثل‪« :‬مكر ٌه أخاك‬
‫ال بطل»‪.‬‬
‫فكان أن دفع بكتابه األول‪« :‬إحقاق الحق في الرجوع إلى المذهب‬
‫الحق» صنو كتابه هذا الثاني‪« :‬مسألة اإليمان في كفتي الميزان» لست أعلم‬
‫سواء أكان‬
‫ٌ‬ ‫حسي وعلمي في بابهما قبلهما‬
‫فيما قرأت‪ ،‬أو وقع تحت ِّ‬
‫في اإلحاطة‪ ،‬والدقة‪ ،‬والموازنة‪ ،‬والمقابلة‪ ،‬واالستقصاء‪ ،‬والضبط‪،‬‬
‫واألمانة‪ ،‬أم في الشجاعة في الوقوف على المسائل العلمية‪ ،‬وعزوها‬

‫‪13‬‬
‫إلى إهلها في إحسان من أدب العلم‪ ،‬وثبات جنان ال يعرف ال َّتق ُّلب‬
‫في فطور الهوى الجموح‪ ،‬وتعانق األفكار وتسلسل الدالئل‪ ،‬وسوق‬
‫المعاني وترابطها في وضوح عبارة‪ ،‬وحسن توليف بين الحروف‬
‫والكلمات‪ ،‬وليس يخفى على من له دراية بحروف العربية أن مثل هذه‬
‫حسناء‪ ،‬كبراعة‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫براعة‬ ‫المزايا الحسناوات‪ ،‬إذا ما أصابت كالم ًا صنعته‬
‫ال وزادته حسن ًا وروا ًء‪ ،‬وأقدرته على أن يكون سه ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫أبي العزير‪ ،‬إ َّ‬
‫ٍ‬
‫هانىء‪ ،‬ال تدع منه إ َّ‬
‫ال ما‬ ‫ٍ‬
‫شغف‬ ‫محكم ًا‪ ،‬مقبو ً‬
‫ال‪ ،‬تسرع إليه العقول في‬
‫ٍ‬
‫جفاء ال يعهد في كالم العرب‪ ،‬ألن الطبع السليم يأباه‪،‬‬ ‫تحس فيه من‬
‫وليس مثل هذا الجفاء تعرفه العربية‪ ،‬وإن كان بعض العرب يعرف مثل‬
‫هذا الجفاء‪ ،‬وهم أولئك الذين قال فيهم رسول ال َّله ﷺ «من بدا جفا‬
‫ومن اتبع الصيد غفل»‪.‬‬
‫ومن يقرأ صنعة قلم أبي العزير‪ ،‬يحسبه لرهافة حسه‪ ،‬وحسن‬
‫سبكته‪ ،‬ورقة أسلوبه‪ ،‬شاعر ًا صحب المتنبي على راحلته فأفاد من‬
‫حكمته‪ ،‬أو لزم أبا التمام في دار إقامته في حلب أو طبريا فأخذ منه‬
‫شطر ًا وافر ًا من محاسن قصائده فإذا ما قرأت ما فتح ال َّله به عليه‬
‫من مسائل اإليمان وقضايا االعتقاد‪ ،‬ذكرت ابن تيمية‪ ،‬وتلميذه ابن‬
‫القيم‪ ،‬وأضرابهما من جهابذة العلم‪ ،‬وأساطين المعرفة‪ ،‬في القديم‬
‫مكن المعرفي والقدرة السامقة التي تحمل‬ ‫والحديث‪ ،‬وعرفت فيه ال َّت ُّ‬
‫القارىء على األخذ بما أظهر‪ ،‬مما كان يك ُّنه صدره من ِ‬
‫نقاء االعتقاد‪،‬‬
‫قية تزرع أبعاد نفسه‪ ،‬وتج ِّل ُل‬
‫الجمة‪ ،‬من ملكات ُخ ُل َّ‬
‫َّ‬ ‫وصفاء لوازمه‬
‫وتبصره بحائق األشياء التالدة والطارفة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بالهدى والحق روافد قلبه‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫فيأخذ منها لحاجته وضروراته‪ ،‬ما يمكن للفكرة التي ُيطيف بها قلمه‪ ،‬‬
‫ويش ِّقق به المعاني التي تستولدها فكرته‪ ،‬حتى ال يدع منها شارد ًة وال‬
‫واردة‪ ،‬إ َّ‬
‫ال وأدناها منه فال تغيب من بعد على القارىء‪ ،‬ليريد إدناء تلكم‬
‫الفكرة من قلبه‪ ،‬وتثبيتها في صدره‪ ،‬وهذا هو التوفيق الذي من هدي‬
‫إليه من طالب العلم وأهله كان هو الموفّق الذي ال تض ُّله الكلمة‪ ،‬وال‬
‫وجه‪ ،‬وأجمل صورة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫هو ُي ِض ُّلها‪ ،‬فيكون التالزم بينهما على أحسن‬
‫ما دامت الرغبة واثب ًة في قلب صاحب القلم ليريد تسهيل المسائل‬
‫َّ‬
‫ولعل هذا‬ ‫العلمية‪ ،‬وقريبها لكل من يريدها‪ ،‬ويحرص على االنتفاع بها‪،‬‬
‫بعض مما أظهره قلم اإلبن أبي العزير على الناس في أرض االغتراب‪،‬‬
‫فياليت الذي كان منه ـ جزاه ال َّله خير ًا ـ كان بعض منه‪ ،‬من أولئك الذين‬
‫اجتالتهم مقامع الشياطين باإلفساد‪ ،‬والقطيعة والرعونة العلمية البائقة‪،‬‬
‫حرمات الحقوق المنهوبة بالجور‪ ،‬وذهاب الورع‪ ،‬واستحالل‬
‫وسفك ُ‬
‫حرم ال َّله من سوافك الثواب‪ ،‬واالنكفاء على الوجه ِّ‬
‫بكل خلق‬ ‫ما َّ‬
‫ُي ْحسب على األغيار من أهله‪.‬‬
‫ولقد أتيت على كتاب أبي العزير‪ ،‬فرأيت فيه من جليالت‬
‫المسائل‪ ،‬وفريدات القضايا‪ ،‬ما ال يكفي أن تجمع في مج َّلدة واحدة‪،‬‬
‫بل أن يكفيها مقدِّ مة‪ ،‬في وقت أن المقدمة‪ ،‬ال تكفي إ َّ‬
‫ال إلبراز أهم‬
‫المسائل المبثوثة في صفحات الكتاب‪ ،‬سواء أكان الكتاب كبير ًا أم‬
‫صغير ًا‪.‬‬
‫وأهم وأجمل ما يزين هذا الكتاب‪ ،‬أنه نضيد في تبويبه‪ ،‬جميل‬
‫في تقسيم أبوابه وفصوله وترتيبه‪ ،‬حتى لكأنَّ َّ‬
‫كل باب من أبوابه‪ ،‬أو‬

‫‪15‬‬
‫ال ليفهم جيد ًا‪ ،‬أن يكون في غير‬ ‫فصل من فصوله‪ ،‬ال يليق‪ ،‬وليس أه ً‬
‫المكان الذي أثبته فيه قلم كاتبه‪ ،‬وأنه ال يفهم جيد ًا على نحو ما أراده إ َّ‬
‫ال‬
‫بمثل هذا التنضيد الذي عمد إليه جزاه ال َّله خير ًا‪ ،‬ويظهر هذا على نحو‬
‫ما أشرت إليه حيثما وقع بصر القارىء عليه في أي مكان من الكتاب‪،‬‬
‫حب أبي العزير الشيخ ناصر �‬ ‫أعده أنا أثر ًا من آثار ِّ‬
‫وهو شيء ُّ‬
‫حب األدعياء الكذبة أنالهم ال َّله من جزائه‬
‫تعالى‪ ،‬وهو على خالف ِّ‬
‫حبهم‪ ،‬وخيانتهم‬ ‫شر ِّ‬‫ما هم حقيقون به‪ ،‬وحمى ال َّله المسلمين من ِّ‬
‫ألموا بها‪ ،‬أال قاتلهم ال َّله أنَّى‬
‫اإلرجائية البغيضة الفاسدة المفسدة التي َّ‬
‫يؤفكون‪.‬‬
‫المحب أن يلوي عنان قلبه ألمر يزيد من تع ُّلق‬
‫ّ‬ ‫وليس من شأن‬
‫ٍ‬
‫بشيء‬ ‫بذاك المحبوب‪ ،‬وهل إن أصاب المحب من محبوبه‪ ،‬أو المه‬
‫حب قلبه إياه ما يقال معه‪ ،‬إنه انقلب بحبه على وجهه‪ ،‬فال‬ ‫من أذى ِّ‬
‫ال تمزيق إهابه‪ ،‬أو تمشيط لحمه‪ ،‬أو كسر عظمه‪،‬‬ ‫يكون ما يكون منه‪ ،‬إ َّ‬
‫الحب الذي‬ ‫َّ‬
‫محل ذلك‬ ‫تحول بها عنه‪ ،‬فح َّلت‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫بكراهية نكراء زاهقة‪ّ ،‬‬
‫كان‪ ،‬ثم ماذا؟!‪ ...‬أليس هو إزهاق نفسه‪ ،‬ثم ال يكون من بعد إ َّ‬
‫ال‬
‫اضمحالل سيرته‪ ،‬وغياب شأنه‪ ،‬ونسيان أمره؟!‬
‫جاثم على طمع‪ ،‬أو‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حانث‪ ،‬وال مريب‪ ،‬وال‬ ‫وإني ألقسم غير‬
‫محب الس َّنة‪ ،‬وما يكون‬
‫ٌ‬ ‫نفع أن من يحب الشيخ ناصر � تعالى هو‬
‫ٍ‬
‫من إظهار الهنات التي يعرفها الناس من الشيخ‪ ،‬أو يعرض لها طالب‬
‫علم كأبي العزير ـ بأمانة‪ ،‬وصدق‪ ،‬وحسن َّني ٍة ليست دلي ً‬
‫ال على نزول‬
‫علو فيه‪ ،‬ال تغض من علمه‪،‬‬ ‫حب الشيخ في قلبه‪ ،‬بل إنما هي ٌّ‬
‫درجة ّ‬

‫‪16‬‬
‫وال تثلم إهابه‪ ،‬وما رأيت من أبي العزير ـ جزاه ال َّله خير ًا ـ إ َّال تعظيم ًا‬
‫للشيخ � في علمه‪ ،‬وهل يكون له إ َّال مثل صنيعه هذا‪ ،‬ولو أراد‬
‫غيرها لكانت سخيم ًة غبرا َء‪ ،‬والعاقل يعرف قدر نفسه‪ ،‬وما كان‬
‫حب الشيخ‪ ،‬صنيع أولئك الصبية‬
‫ألبي العزير ـ أن يكذب في دعواه َّ‬
‫ٍ‬
‫وجهل بهناته التي أصابت منه‬ ‫الكذبة‪ *،‬ليكون الشيخ من جهل به‪،‬‬
‫ردءا‪،‬‬
‫ـ شأنه في ذلك شأن سائر البشر ـ ليكون الشيخ � بذلك ً‬
‫يصدقهم من بعد موته ـ كذبوا ـ ورب الكعبة‪ ،‬وأوغلوا في حرباء ٍ‬
‫سوء‪،‬‬
‫تداعوا إليها على داحضة مجلوبة من مبعرة‪ .‬وأنهم بها حصن التلمذة‬
‫المنهارة للشيخ وما هي إ َّال شاخب ُة حرا ٍم شربوا منها‪ ،‬استطابوها‪ ،‬وغذوا‬
‫ٍ‬
‫جائفة‪ ،‬ثم‪ ....‬لم يكن من‬ ‫ٍ‬
‫حائصة‬ ‫أجسامهم منها‪ ،‬وتساعوا إليها على‬
‫دون الشيخ في بعض‬ ‫أبي العزير يحفظه ال َّله إال أن مال بقلمه على ما َّ‬
‫كتبه ورسائله من بعض مسائل اإليمان‪ ،‬التي َّ‬
‫زل‪ ...‬فيها ـ وليس هذا‬
‫يعيبه فهو بشر كسائر البشر ـ وعالم كغيره من العلماء‪ ،‬لو لم يخطىء‬

‫حب الشيخ وهو من أكذب ما سمعت من دعوى‪ ،‬ولقد نال �‬ ‫*‬


‫ولقد غلوا يف دعواهم َّ‬
‫حب الكذبة األدعياء‪ ،‬فحسبك من‬ ‫حب الناس ـ ربام قيل فيه‪َّ ،‬‬
‫قل يف الناس من ناله ـ أما ُّ‬ ‫من ِّ‬
‫رش سامعه‪ ،‬فهذا أحدهم ُيسأل عن بعض أئمة العلم‪ ،‬كابن قدامة املقديس‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬وابن‬ ‫ٍ‬
‫القيم وأمثاهلم‪ ،‬وهل يبلغ علم الشيخ علمهم فيغضب ويقول‪ :‬أنَّى يبلغ علمهم علم الشيخ‬
‫نارص؟ ثم ُيسأل‪ :‬وماذا عن علم ابن عباس ريض اللهَّ عنهام‪ ،‬فيجيب وبسمة النفاق عىل الوجه!‬
‫أرجوا أن ال حترجني!‬
‫ وآخر يسأله سائل‪ :‬وماذا تقول يف علم ابن حجر العسقالين‪ ،‬وهل يعدل علم الشيخ نارص‪،‬‬
‫هزة النفاق بدنه الضخم ثم قال‪ :‬وإيش جاب علم ابن حجر لعلم شيخنا‪.‬‬ ‫فكاد يغمى عليه من َّ‬
‫أليس هذا هو البالء املبني‪ ،‬وهكذا أنالوا الشيخ من أذاهم ما ال قبل للشيخ به‪ ،‬ال يف حياته وال‬
‫من بعد موته‪ ،‬ولكأنام الشيخ � يده يف اللوح املحفوظ يأخذ منه فال ينسى وال خيطىء!‪ .‬‬

‫‪17‬‬
‫ما أصاب‪ ،‬وصوابه بخطئه‪ ،‬كخطئه بصوابه‪ ،‬فلماذا التنزيه عن الخطأ‪،‬‬
‫الذي يشبه أن يكون في الناس مثل عالم المآلئكة‪ ،‬الذي ال يرد عليهم‬
‫ال الصواب المطلق‪ ،‬الذي اختصه ال َّله سبحانه بهم ﴿ﯩ ﯪ ﯫ‬ ‫إ َّ‬
‫الرؤى‬ ‫ٍ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ﴾ وحتى غدوا على مسبغة من ُّ‬
‫فيالس ْعد من جي َء إليه‪ ،‬على‬
‫َ‬ ‫والروح والريحان‪،‬‬
‫المرصودة بالحق َّ‬
‫ِ‬
‫الرجاء بما وعد ال َّله به الصادقين المخلصين‪ ،‬ولكأنما أولئك‬ ‫بصيرة‬
‫صاروا على شنافر الرضوخ للباطل‪ ،‬وهم غارقون في سخائم الزور‪،‬‬
‫وحران الخسف والهوان‪ ،‬يبصرون بالشيء وال يبصرون‪ ،‬ويعقلونه‬
‫وأي شعب أنتم صاعدون‪،‬‬
‫فأي سبيل أنتم سالكون؟! َّ‬
‫وهم ال يعقلون‪َّ ،‬‬
‫بيداء أنتم هائمون؟‬
‫أي َ‬ ‫وفي ِّ‬
‫وكان حسن ًا من أبي العزير رعاه ال َّله أن يحسن للشيخ‪ ،‬و ُيعلم‬
‫ينزهه بهوى‪ ،‬وال ُيعتِ ُم أمره على‬ ‫الناس ما حنف الشيخ إليه �‪ ،‬فال ِّ‬
‫ف‪ ،‬عن خطأٍ ظاه ٍر‬ ‫الناس بقول يراب‪ ،‬وال فعل يزحزحه بقس ٍر وتك ّل ٍ‬
‫فالحب األمن ال يختلف أوله عن آخره‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫إلى صواب ذي عوج وقتام‪،‬‬
‫القوي الجلد‪ ،‬ال‬
‫ِّ‬ ‫وال ذو الشيبة عن الشباب‪ ،‬وال الضعيف الواني عن‬
‫سراء‬
‫تمس أحدهم‪ ،‬وال في َّ‬
‫ضراء ُّ‬‫يختلف هؤالء جميع ًا عن أولئك في َّ‬
‫أبيض واحد‪ ،‬فجزى ال َّله أبا العزير خير ًا‪ ،‬فقد‬
‫وجه ُ‬‫فالحب له ٌ‬
‫ُّ‬ ‫تناله‪،‬‬
‫بحبي الشيخ �‪ ،‬وكفى مذ عرفته وإلى أن آثر الرحيل عن‬‫أذكرني ِّ‬
‫هذه الدنيا‪ ،‬وكفى بالحب الصادق شاهد ًا على صاحبه فال يقع بصبره‬
‫عن وجوه المنافقين المق َّفعة‪ ،‬من أدعياء التالميذ‪ ،‬الذين صار يستحيي‬
‫السامري‪ ،‬وفاحت روائحهم‬
‫منهم حتى إبليس وينفخ في بطونهم عجل َّ‬

‫‪18‬‬
‫الكريهة في اآلفاق القريبة والبعيدة‪.‬‬
‫مصراته المكتنزة‬
‫َّ‬ ‫الحب للشيخ وأوفره‬‫ّ‬ ‫ومن أوفى في‬
‫باإلخالص والصدق والتضحية واإليثار‪ ،‬وقد أنفقنا من الجهد‪ ،‬في‬
‫ذلك ك ِّله الكثير الكثير‪ ،‬ونحن نرى الكذب ينعقد على شفاه التالميذ‬
‫نصراء الشيخ ودعوته‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الكذبة تآليل سوداء تسيل قيح ًا ودم ًا أسود‪ ،‬أنهم‬
‫ووال َّله ما زادوا على فرى يأكلون بها خبز ًا عفن ًا‪ ،‬بما يلصقون بالشيخ‬
‫وأقرانه كابن باز وابن عثيمين من علماء الدعوة المباركة ‪.Ą‬‬
‫وهل يكون لألمناء األشراف من أهل العلم ـ علماء وتالميذ‬
‫ال ما يكون من أرواح الصدق‪،‬‬ ‫ـ أن ينبلوا أنفسهم من شرف العلم إ َّ‬
‫ونوار هناءة الفردوس‬
‫والبرور‪ ،‬وما يسلكهم في نظام المغفرة والرضا َّ‬
‫والغرفات آمنين هانئين؟!‬
‫واحسبني أو ًال‪ :‬ـ وقد قرأت ما َّ‬
‫سطرت براعة أبي العزير‪ ،‬وكسبت‬
‫وأكسبت خير ًا ـ أني ما قرأت أحسن مما كتب‪ ،‬وال َّ‬
‫أتم للناقصات مما‬
‫كتب‪ ،‬وال أجمع للفرائد مما كتب‪ ،‬وال أوضح للمبهمات مما كتب‪،‬‬
‫للمخفي مما كتب‪ ،‬وال‬
‫ِّ‬ ‫وال آنق للمختلطات مما كتب‪ ،‬وال أسلم‬
‫أوثق للمعنى مما كتب‪ ،‬وال أنطق بالفضل مما كتب‪ ،‬وال أروح للعقل‬
‫وجلي‪.‬‬ ‫ظاهر‬
‫ٌ‬ ‫والنفس مما كتب‪ ،‬هذا أو ً‬
‫ال وهو‬
‫ٌّ‬
‫وأما ثاني ًا‪ :‬فال أحسبني قرأت في الدفاع عن الشيخ ناصر �‬
‫في مسائل العقيدة أحسن مما كتب أبو العزير في الدفاع عنه‪ ،‬ذلكم أن‬
‫أي ٍ‬
‫باب من أبواب العلم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أخطاء في ِّ‬ ‫يلم الكاتب من خطأٍ أو‬
‫الدفع مما ُّ‬
‫الخفي والمستور منه هو من‬
‫ّ‬ ‫إلقامته على الجادة‪ ،‬وتصويبه‪ ،‬وكشف‬

‫‪19‬‬
‫النقي‬
‫ّ‬ ‫أحسن ما يتقرب به إلى ال َّله‪ ،‬إن كان يكون بتقوى ال َّله‪ ،‬وباألدب‬
‫ويطرز به حاشيته‪ ،‬ولست أرى إ َّ‬
‫ال أن أبا‬ ‫ِّ‬ ‫يجمل الكاتب به كالمه‪،‬‬ ‫الذي ِّ‬
‫حظ نفسه‪ ،‬وأمكنه من حبل الهدى قد كان منه ذلك‪.‬‬ ‫العزير وفاه ال َّله َّ‬
‫وأما ثالث ًا‪ :‬فإن للشجاعة العلمية المكينة دورها الباهر الحازم‬
‫القاطع في إظهار الحق‪ ،‬وإسقاط المأمول الذي ال يرتجي من ميزان‬
‫الزيف والخطأ ـ الذي ال ينقص من قدر العالم في علمه‪ ،‬بل أنه ليزيد‬
‫شك في أن واحد ًا مثل الشيخ ناصر �‬ ‫من وهنه وخطئه‪ ،‬وليس من ٍّ‬
‫ُيهاب في علمه‪ ،‬فقد أوتي � في علم الس َّنة‪ ،‬ما يجعل عامة أهل‬
‫يصدون عنه صدود ًا‪ ،‬ويخشون قلمه ولسانه‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫شيء من ظن‬ ‫العلم ّ‬
‫الناس في أبي العزير‪ ،‬وهم قائلون أين أبو العزير من الشيخ ناصر عالم‬
‫الس َّنة واألثر في ديار الشام؟ لكن أبا العزير جزاه ال َّله خير ًا‪ ،‬قد أنعم‬
‫تقحم بها على الشيخ ناصر �‬ ‫ال َّله عليه‪ ،‬بما آتاه من شجاعة علمية‪َّ ،‬‬
‫دارته العلمية بأدبه الجم‪ ،‬ثم بما وهبه ال َّله سبحانه من حذق‪ ،‬وقدرة‬
‫ذكية‪ ،‬في فهم المسألة اإليمانية‪ ،‬بأصولها وفروعها‪ ،‬أمكنته أن لو كان‬
‫ّ‬
‫الشيخ � حي ًا لما وسعه فيما أظن‪ ،‬إ َّال أن يثني على عمله هذا‪،‬‬
‫ويصده على عادته‬
‫َّ‬ ‫ويدعو له‪ ،‬ولو في أدنى درجات الثناء‪ ،‬وأن ال ير َّده‬
‫يتعداه‪ ،‬صنيعه مع األخ األستاذ‬
‫�‪ ،‬ويقره على أن يثبت مكانه ال َّ‬
‫حسان عبد المنان واحد من علماء الس َّنة في زمانه‪ ،‬حين كانت وشاية‬
‫عباد الدرهم والدينار به‪ ،‬ال أحسن ال َّله إليهم‬
‫السالحين‪َّ ،‬‬
‫الصالحين‪َّ ،‬‬
‫على ما صنعوا‪.‬‬
‫أما رابعاً‪ :‬فكما أن الشجاعة العلمية تفرض على صاحبها أن‬

‫‪20‬‬
‫يقول الحق فيما يعلم حقا‪ ،‬فإن األمانة العلمية تقضي على صاحبها‬
‫ِ‬
‫وراء قلمه مسألة‪ ،‬مهما كان حجمها‪ ،‬فيظهرها في‬ ‫أن ال يخلف من‬
‫الناس طوع ًا ال كره ًا‪ ،‬وفي عالنية ال في خفاء وال في حياء‪َّ ،‬‬
‫تامة غير‬
‫منقوصة‪ ،‬على نحو ما عرفت لحظة أن قيلت‪ ،‬فإخفاؤها في ٍ‬
‫جزء من‬
‫ولست‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كإخفاء ٍ‬
‫جزء منها تمام ًا‪ ،‬وال فرق‪،‬‬ ‫الوقت الذي قيلت فيه هو‬
‫ٍّ‬
‫بظان في ولدنا أبي العزير فيما أورد من مسائل ـ وساق منها في اجتماع‬
‫أو تفريق ـ أن أورد ما أورد وساق ما ساق من تلكم المسائل إ َّ‬
‫ال بتمامها‪،‬‬
‫بكل أجزائها‪ ،‬وجميع جذاذاتها‪ ،‬وليس من األمانة العلمية‪ ،‬أن تساق‬
‫المسائل العلمية‪ ،‬بتلبيس‪ ،‬أو إيهام‪ ،‬أو معاريض‪ ،‬أو كناية يراد منها غير‬
‫المتبادر منها‪ ،‬وقد كان أبو العزير موفق ًا جد ًا في صنعته في هذه المسائل‬
‫وحبه الذي أبداه في دفاعه عن‬ ‫في شجاعته العلمية‪ ،‬وأمانته العلمية‪ِّ ،‬‬
‫تام ًة‪ ،‬جامع ًة واضح ًة‪ ،‬سالم ًة إلخ‪ ،‬ذاهب ًة‬
‫الشيخ ناصر‪ ،‬فجاءت محكمة َّ‬
‫بظنون تلكم الفئة الباغية‪ ،‬الحاطمة األمانة‪ ،‬اآلكلة الحقوق‪ ،‬الساحقة‬
‫األخالق‪ ،‬الرابية بالحرام‪ ،‬الواجلة من الحق والصدق واألمانة‪.‬‬
‫ولسوف يجد أبو العزير من كرائم الباطل ـ التي تنهال عليه‬
‫من صدور المازقين المارقين‪ ،‬الزائفين‪ ،‬المتربصين بالنبالء األشراف‬
‫المتسمنين‬
‫ِّ‬ ‫الدوائر‪ ،‬العالمين على إفساد ذات البين ليل نهار‪ ،‬الق َّتاتين‪،‬‬
‫أستاءهم بالمقام في حيارات األصنام واألنصاب ـ ما يزيده صبر ًا على‬
‫البالء‪ ،‬وقدرة وتمك ًّنا من خير العطاء‪ ،‬وعطاء الخير‪ ،‬وشدة في نفاذ‬
‫األمر على وجوهه الحسان‪ ،‬ولزوم ًا لنصرة الحق والعدل واالستقامة‬
‫حق‬
‫وعقيدة اإليمان‪ ،‬وال يضر الشيخ ناصر � تعالى أن ال ينصر في ٍّ‬

‫‪21‬‬
‫لم ينصر فيه‪ ،‬كما ال يفرحه أنه أحاط به ال ُّنصراء واألعوان في بعض‬
‫كل ما ذهب إليه‪ ،‬فازدهى به‪َ ،‬‬
‫وتذ َّهب به وجه‪ ،‬فقد عرفناه‪ ،‬ونحن‬ ‫أو ِّ‬
‫ِ‬
‫وامض»‪،‬‬ ‫أقرب إليه من ناصيته‪ ،‬أن شعاره القوي الثابت‪« :‬قل كلمتك‬
‫وكان من خطئه � ـ الذي كان يحاذر منه ـ أن جعل لبعض الغَ دَ َرة‬
‫الحر الرقيق‪،‬‬ ‫السفهاء‪ ،‬خيط ًا من رم ٍة ٍ‬
‫بالية يصله بهم‪ ،‬وأعرض عن‬
‫ِّ‬ ‫ُ َّ‬
‫صاحب صولته‪ ،‬وجولته‪ ،‬وعيبته ونغمته‪ ،‬وملعقته!‬
‫البد من التنبيه عليها‪ ،‬والداللة إليها‪ ،‬طالما كان‬
‫ومسألة أخيرة َّ‬
‫الشيخ ناصر � يدندن حولها‪ ،‬ويكثر من الحديث عنها جزاه ال َّله‬
‫خير ًا‪ ،‬وقطع ألسنة أدعياء ِّ‬
‫حبه عن ذكره‪ ،‬وخذلهم في نصرته الكاذبة‬
‫له‪ .‬تلكم هي‪ :‬أنه � ـ كغيره من كثير من العلماء الذين لم يفرقوا‬
‫بين شرطي الكمال والصحة‪ ،‬ولم يكن التفريق عندهم يتجاوز الجانب‬
‫النظري المحض‪ ،‬وإن كان هذا ال يعني في الواقع أن الفرق ٌ‬
‫زائل بينهما‬
‫من حيث الجانب العلمي المعروف عند جماهير أهل العلم‪ ،‬وكان‬
‫الشيخ � يثار حين يسأله سائل عن الفرق بينهما‪ ،‬ألن السؤال عنده‬
‫يسمى‬
‫كان يعني أنه واقع فيما هو واقع فيه ابن حجر �‪ .‬وغيره مما َّ‬
‫يغير من الواقع شيئ ًا‪ ،‬ولم يكن الشيخ �‬
‫بإرجاء الفقهاء‪ ،‬الذي ال ِّ‬
‫ليبالي هذا األمر على ما فيه من ثلمة ظاهرة في علم من يعرف بها‪،‬‬
‫ٍ‬
‫واحد من أمثال هؤالء‬ ‫لكنها تبقى ثلم ًة تكاد تكون خافي ًة‪ ،‬في علم‬
‫الج َّلة‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬واأللباني‪ ،‬والنووي ‪ Ą‬على ما بينهم من تفاوت‬
‫في المرتبة‪.‬‬
‫أن‬
‫وإن من أفرح الكذب على الشيخ أن يقول فيه قائل أو قائلون َّ‬

‫‪22‬‬
‫الشيخ لم يكن على مثل ما كان عليه ابن حجر‪ ،‬وكان يعده شيخه وهو‬
‫ما لم يكن يعنيه بل وال يباليه نفيه أو إثباته‪ ،‬وهل يضيره � أن يقول‬
‫فيه الناس ما يقولون في شيخه ابن حجر؟ وهو كان يثبته لنفسه بمثل‬
‫علي أن َي ُظ َّن الناس َّ‬
‫في أني أثبت أو أنفي أنَّ فرق ًا قائم بين‬ ‫قوله‪ :‬وماذا َّ‬
‫شرطي الكمال والصحة؟* إذ كان له من شجاعة القلب ما ال يبالي‬
‫معه أن يقول الناس فيه ما يقولون‪ ،‬وقد عرفنا فيه هذا كأحسن ما يعرف‬
‫الصاحب من صاحبه‪ ،‬غير أن عليه رحمة ال َّله لم يكن عند قوله هذا‬
‫في شرطي الصحة والكمال‪ ،‬في مسائل األحكام‪ ،‬لذا فقد أوقعه تفريقه‬
‫هذا في تناقض‪ ،‬ما كان أغناه عنه‪ ،‬ومعنى قوله بعدم تفريقه بين شرطي‬
‫الصحة والكمال الذي أعلنه كما يعتقده على المأل‪ ،‬أنه ال يجاوز في‬
‫هذه المسألة معتقد المرجئة الفقهاء‪ ،‬أما أنا فقد خالفته‪ ،‬كما أثب ُّته في‬
‫ال أرجوا أن أكون قد بلغت في‬ ‫وفصلت القول فيه تفصي ً‬‫سائر كتبي‪َّ ،‬‬
‫الغاية‪ ،‬وليس األمر بِا ْل َي ْخفى‪ ،‬وما ينبغي‪.‬‬
‫كان من ولدنا أبي العزير جزاه ال َّله خير ًا أن ألوى بعنان قلمه‬
‫على هذه المسألة التي د َّلس فيها من انتصر للشيخ‪ ،‬وكذب عليه بها‬
‫كذب ًا صراح ًا‪ ،‬ولم ينجل فيها عليه بالكذب والتكسب الفاجر‪ ،‬وإني‬
‫سائل هؤالء‪ ،‬الذين ينتصرون للشيخ فيما انتصروا له فيه‪ُّ ،‬أيهم أصوب‬

‫* وقد استطاع أحد املؤتفكة‪ ،‬أن يقلب صفحة اخلالف الذي نشأ من القول يف احلكم عىل‬
‫تارك الصالة وهي األصل إىل قول الشيخ � يف مسألة رشط الصحة والكامل يف اإليامن ال‬
‫ليتكسب هبا حتى نسيها الناس أو كادوا فامذا يريد من بعد هو وإخوان الشياطني من أمثاله؟‬
‫ِ‬
‫بالذكاء‪ ،‬فاألمة كلها‪ ،‬ومنهم التكفريون «باصمون لكم بالعشرة»‬ ‫نقر لكم‬‫إن كانوا يريدون أن َّ‬
‫فاهنؤوا واطمئنوا‪ .‬‬

‫‪23‬‬
‫قيال في مسألة تكفير تارك الصالة‪ ،‬الشيخ ناصر أم ابن باز وابن عثيمين‪،‬‬
‫علي فيها‪ ،‬وأخفيتم‬
‫فلماذا فجرتم في خصومتكم وأنتم تنتصرون للشيخ َّ‬
‫قول الشيخين في أمر تارك الصالة‪ ،‬وكانا يقوالن بكفر تاركها؟‬
‫سائل‪ ،‬أيهما أقوم سبي ً‬
‫ال في هذه المسألة العقدية اإلرجائية‬ ‫ثم إني ٌ‬
‫الشيخ ناصر أم الشيخان ابن باز وابن عثيمين‪ ،‬ومن قبلهما من جمهور‬
‫علماء سلف األمة وعلى رأسهم علمهم ابن تيمية‪ ،‬وأنتم تقولون بأن‬
‫اإلبليسي في هذه‬
‫ُّ‬ ‫أولئك الجمهور هم أشياخكم‪ ،‬فلماذا هذا اإلبالس‬
‫المسألة‪ ،‬ومحاولة التسوية فيها بين الفريقين‪ ،‬فأين تقع تقوى ال َّله منكم‬
‫وأنتم على هذا السمود والكنود؟ وهل أنتم ـ وهنا دعوني استحلفكم‬
‫بإمامكم الذي علمكم كل شيء إ َّال األمانة والوفاء والورع ـ على شيء‬
‫من الصدق‪ ،‬أو شيء من أخالق الرجولة‪ ،‬فيم أنتم واغلون فيه من‬
‫السوء‪ ،‬قد آن لكم أن تتوبوا وأن تنزعوا أنفسكم من حمأة الكذب‪ ،‬فقد‬
‫بإفساد ٍ‬
‫قيعة الفساد ك ّله‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وجبتم‬ ‫وال َّله َّ‬
‫فرقتم بما ال مزيد عليه من الفرقة‪ُ ،‬‬
‫حتى قيل لكم ال مزيد‪.‬‬
‫أحسب أن ما أتى به ولدنا أبو العزير ـ جزاه ال َّله خير من صدق‬
‫الكلمة‪ ،‬ونفاذ البصيرة‪ ،‬واألخذ بذراع الحق‪ ،‬ووضوح المسائل‪،‬‬
‫وسالمة المقصد‪ ،‬وسهولة العرض‪ ،‬وترابط األجزاء‪ ،‬وأمانة البناء‬
‫والتأسيس‪ ،‬وتمام الصورة وإحاطتها بكل قوادمها وخوافيها وكل ما‬
‫ٍ‬
‫جزء‬ ‫حسنها في كتابه هذا‪ ،‬فإنَّه ليس ُيغني القارىء اقتطاع‬
‫يجمله و ُي ِّ‬
‫ِّ‬
‫أو أجزاء من الكتاب عن اإلتيان عليه كله‪ ،‬نعم؛ إن كل مسألة من‬
‫تلك المسائل‪ ،‬تغني وحدها بذاتها عن غيرها مستقلة من سواها‪ ،‬لكن‬

‫‪24‬‬
‫األخرى ال تغني عن ذاتها إ َّ‬
‫ال بذكرها‪ ،‬مجموع ًة إلى غيرها أو قائم ًة‬
‫ٍ‬
‫حينئذ فإنها تغني‪ ،‬بما تشتمل عليه أو يضاف إليها بها‪.‬‬ ‫برأسها‬
‫جزى ال َّله أبا العزير خير الجزاء‪ ،‬وجزاء الخير‪َّ ،‬‬
‫ونبله بصنوف‬
‫البر ومثاني المعروف‪ ،‬وأمتعه بنعيم الفردوس‪ ،‬ووهبه من اإلحسان‬
‫ِّ‬
‫نبيه ﷺ تحت لواء الحمد‪ ،‬وأمكنه من رؤية‬
‫أوفره وأبهاه‪ ،‬وجمعه مع ِّ‬
‫ربه في عرصات الجنة‪ ،‬وجعل من علمه مالذ خير لجماعة المؤمنين‬
‫الصادقين‪ ،‬إنه سميع قريب مجيب‪.‬‬
‫وصلى ال َّله على حبيبنا وشفيعنا المصطفى وعلى آله وصحبه‬
‫ومن تبع هداهم‪ .‬‬
‫ ‬
‫ ‬
‫وكتب‬ ‫ ‬
‫محمد ابراهيم شقرة‬
‫أبو مالك‬

‫‪25‬‬
26
‫‪‬‬
‫تقديم‬
‫‪‬‬

‫فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمود أبو ِّ‬


‫رحيم‬

‫بسم ال َّله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد ل َّله رب العالمين والصالة والسالم على ّ‬
‫نبينا محمد‬
‫وعلى أله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فلقد بدأت شرارة االصطدام مع المنهج اإلرجائي المتدثر في‬
‫ثوب السلف في األردن خاصة بعد صدور كتاب «إحكام التقرير في‬
‫أحكام التكفير» لمراد شكري‪ .‬والذي قرأه وروج له علي حلبي‪ .‬الذي‬
‫لم يلبث غير بعيد حتى رمانا بكتابه «التحذير من فتنة التكفير»‪ .‬مؤكد ًا‬
‫ما جاء في كتاب صاحبه من عقائد باطلة بصورة أخطر! إذ تترس وراء‬
‫ثالثة من العلماء‪ :‬ابن باز وابن عثيمين واأللباني ‪ ،Ą‬فخلط الحابل‬
‫بالنابل وجاء ٍ‬
‫بإفك عظيمٍ ‪.‬‬
‫ثم كان مني موافقة على طلب حلبي لمناظرته* في منزل األستاذ‬
‫الشيخ محمد شقرة وتحكيمه‪ .‬الذي قضى بالحق بعدما ظهرت له‬
‫أخطاء حلبي العقدية واضطرابه العلمي وتجاوزه مكارم األخالق في‬

‫* طلب ذلك بواسطة صاحبه «عزمي فيصل» الذي حرض إىل منزيل إلبالغي ذلك قبل أسبوع‬
‫من تاريخ عقدها‪ .‬‬

‫‪27‬‬
‫ولما امتطى حلبي هواه مدبر ًا من غير توبة‬
‫التعامل مع كالم العلماء!! َّ‬
‫وال أوبة‪ .‬أصدرت كتابي «تحذير األمة من تعليقات الحلبي على أقوال‬
‫األئمة»‪ ،‬فر ّد عليه؛ بـ «صيحة نذير»‪.‬‬
‫وما أن حذرت اللجنة الدائمة في فتواها رقم «‪ »20212‬تاريخ‬
‫‪ 1419/2/7‬وتوقيع الشيخ ابن باز � من كتاب مراد شكري‪،‬‬
‫وأنه ليس على مذهب أهل الس َّنة والجماعة ـ لما جاء فيه من عقائد‬
‫باطلة وتقريره مذهب المرجئة ـ حتى فاجأنا حلبي ببراءته من صاحبه‬
‫الرغم من‬
‫وموكله‪ ،‬فجعلها في نشرة خاصة وزعها على الناس‪ .‬على ّ‬
‫تدوينه عقيدته في كتابه «التحذير» كما جاء في كتاب مراد شكري نفسه‬
‫ولكن بأسلوب آخر!!!‬
‫كان ذلك منه إليهام القراء واللجنة الدائمة بأنه ليس على دين‬
‫صاحبه وخليله في مسائل اإليمان وأن ما جاء في كتابيه «التحذير»‬
‫و«صيحة نذير» مغاير تمام ًا لما جاء في كتاب صاحبه‪ ،‬وأن ما جرى من‬
‫مناظرة حول كتابه «التحذير» ال يعدو زلة قلم أو سهوا وقع فيه‪!!...‬‬
‫لجأ لهذا األسلوب لخطورة موقفه واهتزاز شخصيته بعد ذيوع‬
‫المناظرة في الداخل والخارج‪ .‬فقد طالبناه بتصحيح معتقداته وإعالن‬
‫التبرؤ مما جاء في كتابه من عقائد باطلة وتحريف وتدليس وكذب‬
‫على العلماء ولكنه أبى ونأى بنفسه عن متابعة الحق‪.‬‬
‫ثم طلب حلبي النصرة من الشيخين‪ :‬األلباني وشقرة‪ .‬فقد تملق‬
‫سما «شيخنا‪ ،‬الوالد‪،‬‬
‫الشيخ شقرة ـ بعد المناظرة ـ بكالم معسول يقطر ًّ‬
‫المربي‪ !»..‬ع َّله يقف معه!‬

‫‪28‬‬
‫لما شاهد كبره‬
‫وشد عليه بقلمه وخطبه؛ َّ‬
‫َّ‬ ‫إال أن الشيخ هجره‬
‫وإصراره على الباطل وركوبه هواه من غير توبة أو أوبة إلى الحق‪.‬‬
‫أما الشيخ األلباني � فقد عاش هذه المرحلة؛ سمع فتوى‬
‫اللجنة الدائمة في مراد شكري‪ ،‬وسمع تحذيرهم مما جاء فيه من إرجاء‬
‫ومخالفات صريحة لمنهج أهل الس َّنة والجماعة في مسائل اإليمان‪.‬‬
‫ولكنه لم يحرك ساكن ًا ولم يبد رأيه سلب ًا أو إيجاب ًا في المسألة ذاتها‪.‬‬
‫ولما أصدر حلبي كتابه «التحذير»! حذرت الشيخ � من‬
‫ولفت انتباهه إلى بعض مواضع خروجه عن منهج أهل الس َّنة‬
‫ّ‬ ‫خطورته‬
‫والجماعة‪ ،‬فلم يستجب! وقصتي معه مسطورة في هذا السفر «ص‬
‫‪ »356 ،355‬بل وسمع عن المناظرة ولم يبد شيئ ًا مكتوب ًا!‬
‫أكد حلبي شهود الشيخ ومتابعته لما يجري وتأييده لما جاء به‬
‫من عقائد في كتابيه محل فتوى اللجنة الدائمة‪ .‬أكد ذلك!!!‬
‫في خاصة ـ بعد مناظرتي له وقيام‬
‫تارة تقويل الشيخ ما لم يقل َّ‬
‫الحجة عليه بشهادة الشهود ـ ألجل أن يبين للناس أن الشيخ معه! كما‬
‫(‪)1‬‬
‫مقيت؛ منذ قرأته‬
‫ٌ‬ ‫وحسد‬
‫ٌ‬ ‫حقد‬
‫جاء في زعمه على الشيخ‪ :‬كالمه ٌ‬
‫ٌ‬
‫متحامل‪ ،‬وهذه حال [بعض] الدكاترة؛ ما أن يحصل‬ ‫ٌ‬
‫جاهل‬ ‫علمت أنه‬
‫أحدهم على شهادة الدكتوراه حتى يصبح رأسه في السماء وهو ال يزل‬
‫في الحضيض ‪!)2(..‬‬

‫«الرد الربهاين ص ‪.»11 ،10‬‬ ‫(‪ )1‬ـ انظر َّ‬


‫(‪ )2‬ـ قلت‪ :‬يعلم الكذوب ـ يقين ًا ـ أن الشيخ قد قال ذلك يف غريي!! ولكن؛ إذا مل تستح‬
‫فاصنع ما شئت!!! ‬

‫‪29‬‬
‫وتارة أخرى؛ بدفع زبانيته تدوين ما ادعوا سماعه عن الشيخ في‬
‫هذه المسألة‪ ،‬كقول أحدهم في كتيب تحت عنوان‪ :‬ماذا ينقمون من‬
‫اإلمام األلباني ودعوته وتالمذته «ص ‪« :»15 ،14‬ولقد سألت أستاذنا‬
‫ناصر ًا � ما رأيك في مخالفة أبي ّ‬
‫رحيم للشيخ علي الحلبي ـ وكان‬
‫معي األخوان الكريمان «الفي الشطرات» و«كامل القشاش»؟‬
‫فقال شيخنا � بالحرف الواحد ـ وال َّله على ما أقول شهيد ـ‪:‬‬
‫رحيم‪.‬‬
‫األخ علي يعدل ألف واحد مثل أبي ِّ‬
‫مير بال عداد‬
‫وكم ألف ّ‬ ‫يعد بألف رجل‬
‫وكم رجل ّ‬
‫رحيم للشيخ‬
‫وفي نفس المجلس؛ سألت الشيخ عن انتقاد أبي ِّ‬
‫علي‪ :‬ما رأي الشيخ فيه؟ فأجاب � بالجواب الكافي الشافي ـ‬
‫رحيم في أمور يسيرة؛ فهذا ال يخلو‬
‫كعادته ـ بقوله‪ :‬إن كان انتقاد أبي ِّ‬
‫منه كتاب‪ ،‬وال يسلم منه كاتب‪ .‬وإن كانت هذه المخالفة في أمور‬
‫رحيم ليس معنا فيها؛ فنحن على استعداد للجلوس معه ـ‬
‫العقيدة وأبو ِّ‬
‫على ضيق الوقت لدينا»‪.‬‬
‫ثم فاجأنا جاهل آخر باصدار نشرة خاصة ووزعها على الناس‬
‫وعبر الشبكة العنكبوتية ذكر فيها جلوسه إلى الشيخ وسؤاله عما جرى‬
‫بيني وبين الشيخ نفسه وعن سبب اغالقه سماعة الهاتف في وجهي‪...‬‬
‫ومما جاء فيه ما دونه صاحب كتاب؛ «ماذا ينقمون من الشيخ»‪ .‬على‬
‫الغالف الخلفي لكتيبه؛ قال‪« :‬وقال [أي‪ :‬الشيخ األلباني]‪ :‬عجيب أمر‬
‫هؤالء الناس؛ من حرصت على لقائه ابتعد عنك‪ ،‬ومن كنت ال تحرص‬
‫على لقائه؛ يأتيك ويلح عليك»‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫رحيم‪ :‬إن كانت عقيدتك مثل عقيدة‬
‫«وقال‪ :‬قلت للدكتور أبي ِّ‬
‫المشايخ الثالث؛ الذين تدافع عنهم ـ وهم‪ :‬ابن باز وابن عثيمين‬
‫واأللباني ـ فعقيدة األخ علي هي مثل عقيدتهم‪ ،‬وإن كانت عقيدتك‬
‫خالف عقيدة األخ علي‪ ،‬فأنا على االستعداد للجلوس معك ـ‬
‫رغم ضيق وقتنا ـ وإلى هذه اللحظة لم يصلني الرد من الدكتور أبي‬
‫رحيم»*‪.‬‬
‫ِّ‬
‫بل تجاوز حلبي ذلك ليقرر بنفسه وقوف الشيخ معه ـ فيما‬
‫كتبه في كتابيه «التحذير» و«صيحة نذير» محل فتوى اللجنة الدائمة‬
‫ـ ونقله عنه؛ سماع ًا منه ما يعزز ما جاء فيهما!! فقد ذكر تقريظ الشيخ‬
‫لكتابه األول بقوله‪ :‬قرأه وتمتع به‪ .‬وللثاني‪ :‬بقوله له‪ :‬زادك ال َّله توفيق ًا‬
‫ثم طالبني بالمباهلة على صدقه فيما زعمه على الشيخ فقال‪ :‬بل إني‬
‫* قلت‪ :‬ال يغرنك هذا احلوار‪ .‬فهو ملفق‪ ،‬بائن الكذب! إذ مل يكن بيني وبني الشيخ �‬
‫يشء من هذا الب َّتة!! فقد أتوا بكذهبم هذا عىل عجل خلدمة هدفهم وهو إثبات أنَّ الشيخ �‬
‫معهم قلب ًا وقالب ًا! عقيدة وسلوك ًا!‬
‫ لقد صاغ هؤالء قصتي مع الشيخ وفق مرادهم!! فهم مل يكونوا معي أثناء مهاتفتي له‪ ،‬ومل‬
‫حق وباطل‬ ‫يسمعوا ما جرى بيني وبينه! ومع ذلك أمروا املسجل ـ أبا ليىل ـ فأخرج بيان ًا فيه ّ‬
‫يف خلطة مزرية ختدم عسلهم!‬
‫ فهو طاملا أساء للشيخ بمطالبته حق االنتفاع بام سجله من دروسه! وعندما هنره الشيخ‬
‫ومنعه؛ أغمي عليه ونقل إىل املستشفى بشهادة الشيخ شقرة ـ حفظه اهلل ـ وهو الذي كنت أمنعه‬
‫ال يف منزيل بعد تناوله للطعام!! لعلمي يقين ًا أن‬‫من تسجيل لقاءايت معه بالشيخ أو تلقيمه عس ً‬
‫صحبة هؤالء به مبنية عىل املصلحة والتكسب واحليلولة بينه وبني طلبة العلم اجلادين!! أما عن‬
‫مبلغه من العلم؛ فقاله منبىء عن حاله!!‬
‫ إن مثل هذا النقول ال يرسين أن تكون‪ ،‬وال حيزنني أن تذهب‪ ،‬فإن من هم أعلم من الشيخ‬
‫يف أمور العقيدة معي وكان بإمكان األدعياء االكتفاء بمكتوبات الشيخ العقدية ومسموعاته!‬
‫ولكن اهلوى أعامهم وأصمهم!! ‬

‫‪31‬‬
‫أباهلك على ذلك(‪ )1‬ثم زعم أنه قد ذم كتابي‪ :‬تحذير األمة من تعليقات‬
‫علي‬
‫الحلبي على أقوال األئمة! «مع أني مؤيد من كبار العلماء» ثم زعم َّ‬
‫أنه قد قال فيه‪« :‬خلط كثير‪ ،‬وتناقض كثير‪ ،‬وجهل كثير‪ ،‬أو قال‪ :‬كبير ـ‬
‫الشك مني»(‪.)2‬‬
‫ولما لم أقرأ للشيخ شيئ ًا مكتوب ًا حول المناظرة أو كتابي‬
‫«تحذير األمة»‪ ،‬كما أنه لم يتأكد لي صدق حلبي أو كذبه فيما نقله عن‬
‫الشيخ من حيث تأييده له؛ ال َّلهم سوى ترويج مسموعاته عن الشيخ‬
‫في نشرات خاصة وتدوينها في كتبه‪ ،‬زيادة على ما جرى بيني وبين‬
‫الشيخ من مهاتفة طلبت فيها الجلوس إليه لمدة ساعة لمناقشة ما جاء‬
‫في كتاب «التحذير» لعلي حلبي وقصتي معه � منشورة كاملة في‬
‫هذا الكتاب أتبعت كتابي «تحذير األمة» بكتاب آخر بعنوان «حقيقة‬
‫الخالف بين السلفية الشرعية وأدعيائها في مسائل اإليمان» ذكرت فيه‬
‫موقف الشيخ � في مسائل اإليمان؛ ع ّله يبين موقفه فأعرض حتى‬
‫أدركه األجل‪.‬‬
‫إن القارىء لما زعمه هؤالء على الشيخ � بعامة ونقلهم عنه‬
‫رحيم‬
‫قوله بخاصة‪« :‬وإن كانت هذه المخالفة في أمور العقيدة وأبو ِّ‬
‫ليس معنا فيها؛ فنحن على استعداد للجلوس معه ـ على ضيق الوقت‬
‫رحيم‪ :‬إن كانت‬
‫لدينا» وزعمهم عليه قوله‪« :‬وقال‪ :‬قلت للدكتور أبي ِّ‬
‫«الرد الربهاين ص ‪.»108‬‬ ‫ (‪ )1‬ـ انظر َّ‬
‫«الرد الربهاين ص ‪ !»11‬إذا كان حلبي ال يتورع عن الكذب عىل العلامء‪ ،‬فهل يف إثبات‬
‫ (‪ )2‬ـ ّ‬
‫شكه داللة عىل صدقه وأمانته؟ ‬

‫‪32‬‬
‫عقيدتك مثل عقيدة المشايخ الثالث؛ الذين تدافع عنهم ـ وهم ابن‬
‫باز وابن عثيمين واأللباني ـ فعقيدة األخ علي هي مثل عقيدتهم‪ ،‬وإن‬
‫كانت عقيدتك خالف عقيدة األخ علي‪ ،‬فأنا على االستعداد للجلوس‬
‫معك ـ رغم ضيق وقتنا ـ وإلى هذه اللحظة لم يصلني الرد من الدكتور‬
‫رحيم»‪.‬‬
‫أبي ِّ‬
‫ولما عرفناه من عقيدة الشيخ في المسألة محل النقاش مما‬
‫أثبتناه عنه في كتابي «حقيقة الخالف» وكتابي «حقيقة اإليمان عند‬
‫الشيخ األلباني»‪ ،‬تثبت بما ال مجال للشك معه أن الشيخ � موافق‬
‫على ما جاء في كتابي «التحذير من فتنة التكفير»‪ ،‬و«صيحة نذير»‪.‬‬
‫وأنه يصحح عقيدة كاتبهما فيهما وفي غيرهما‪ ،‬بل يخطىء عقيدتي‬
‫في مسائل اإليمان!!! ومات � على هذا المعتقد وهو غير راض‬
‫عني كما زعم حلبي في أحد كتبه التي أشرت إليها في كتابي «حقيقة‬
‫الخالف»‪.‬‬
‫غيه وضالله ينوش عن‬
‫بعد وفاة الشيخ � ازداد حلبي في ّ‬
‫نفسه بأساليب رثة وبالية‪ ،‬فقررت مخاطبة اللجنة الدائمة بإرسال كتبه‬
‫طالب ًا النصح والتوجيه فجاء رد اللجنة الدائمة قاصم ًا لظهره في فتواها‬
‫رقم «‪ »21517‬تاريخ ‪ 1421/6/14‬ثم أكرمني رئيسها ـ مفتي‬
‫المملكة ـ حفظه ال َّله ـ بكتاب شكر تجده مع ملحقات هذا الكتاب‪.‬‬
‫وقفة مع فتوى اللجنة الدائمة‪:‬‬
‫إن من يقرأ فتوى اللجنة الدائمة في حلبي وكتابيه يجد أنها قد‬
‫تضمنت الحديث عن الكاتب من حيث؛ عقيدته وأخالقه والتنويه‬

‫‪33‬‬
‫بقيمته العلمية‪ .‬كما تضمنت؛ الحديث عن الكتاب وما حواه من مسائل‬
‫عقدية والحكم عليها‪.‬‬
‫أما الكاتب فهو ( علي حسن (حلبي) مذهبه في مسائل اإليمان‬
‫محرف (في النقل عن ابن كثير‬
‫ّ‬ ‫(مذهب المرجئة البدعي الباطل)‪.‬‬
‫متقول (على شيخ اإلسالم ابن‬
‫وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم)‪ّ .‬‬
‫يهون (من الحكم بغير‬
‫يحمل (كالم العلماء ما اليحتمل)‪ّ .‬‬‫تيمية)‪ّ .‬‬
‫ما أنزل ال َّله)‪ .‬عليه (أن يقلع عن مثل هذه اآلراء والمسلك المزري‬
‫في تحريف كالم أهل العلم)‪ .‬وأن يتقي ال َّله في نفسه ـ (برجوعه إلى‬
‫الحق) ـ وفي المسلمين وبخاصة شبابهم‪ ،‬وأن يجتهد في تحصيل العلم‬
‫الشرعي (على أيدي العلماء الموثوق بعلمهم وحسن معتقدهم)*‪.‬‬
‫بخاصة‪:‬‬
‫َّ‬ ‫إنَّ فتوى اللجنة الدائمة لعلي حلبي بعامة وقولهم له‬
‫«وأن يجتهد في تحصيل العلم الشرعي على أيدي العلماء الموثوق‬
‫بعلمهم وحسن معتقدهم»‪.‬‬
‫وقولهم له‪« :‬أن يقلع عن مثل هذه اآلراء والمسلك المزري في‬
‫تحريف كالم أهل العلم»‪.‬‬
‫فيها إشارة واضحة وصريحة على أنه ليس من طالب العلم‬
‫يدعي أنه من‬
‫الذين يحسنون االختيار في ال ّتلقي فكيف بعد ذلك ّ‬

‫* ماذا عساه يقول ـ بعد كل هذه النقول ـ املدعو عبد العزيز بن ريس الريس! ّ‬
‫معدل أخاه ـ يف‬
‫اإلرجاء واألرحاء واالرخاء ـ جمروح العقيدة واألخالق (عيل حلبي)!! ومؤلف كتيب‪« :‬اإلمام‬
‫األلباني وموقفه من اإلرجاء»‪ .‬فيه رد على كتيب؛ «حقيقة اإليمان عند الشيخ األلباني»‪.‬‬
‫در اجلهل أمام التعامل واحلمق!‬
‫ قلت‪ :‬هلل ّ‬
‫رحيم»؛ فال أراه إ َّال شنشنة من أخرق!!‪ .‬‬
‫ أما بامحران اليمني وكتابه‪« :‬ما هكذا الحقيقة يا أبا ِّ‬

‫‪34‬‬
‫عرف نفسه أنه من كبار علماء األردن*!!‬
‫العلماء‪ ،‬بل َّ‬
‫كما أنه لم يتلق العلم عن العلماء الموثوق في علمهم وحسن‬
‫معتقدهم! وفي هذا اسقاط لدعواه بأنَّ الشيخين‪ :‬ابن باز وابن عثيمين‬
‫من مشايخه كما يزعم هو من معه ويجهر بذلك!!‬
‫لقد أثبت عليه العلماء الثقات بالدليل القاطع أنه ال يصلح أن‬
‫ألن طالب العلم الشرعي يتقي ال َّله في‬
‫يكون من طلبة العلم الشرعي! َّ‬
‫يحرف أمين في‬
‫نفسه وفي المسلمين وبخاصة شبابهم؛ فال يكذب‪ ،‬وال ّ‬
‫يقول غيره ما لم يقله‪.‬‬
‫يتقول‪ ،‬أو ّ‬
‫نقله عن العلماء؛ ال ّ‬
‫إن الكذب والتحريف والخيانة والتقول والتقويل صفات ذميمة‬
‫َّ‬
‫اكتشفها العلماء في كتابين من كتب علي حلبي مؤيدين من الشيخ‬
‫األلباني كما يدعي! فكيف بهم لو تابعوه في غيرهما!! أليس في دعوى‬
‫العلماء الثقات لحلبي أن يتقي ال َّله في نفسه وفي المسلمين وبخاصة‬
‫شبابهم ما يكفي لردعه!!‬
‫تصب في وعاء واحد‬
‫ّ‬ ‫إذا كانت نصوص حلبي وزبانيته السابقة‬
‫أن األلباني � شيخهم وأنهم تلقوا عقيدتهم عنه وأنه معهم‬ ‫وهو‪َّ :‬‬
‫فيها قو ًال واحد ًا فقد أصابت فتوى اللجنة الدائمة الشيخ األلباني �‬
‫كما أصابت حلبي يقين ًا‪.‬‬
‫لو كان حلبي ـ بعد هذه الفتوى ـ محب ًا للشيخ األلباني بحق؛‬
‫لكسر قلمه‪ ،‬وقطع لسانه وطمس رأسه في التراب! ولكن الكبر‬

‫* انظر مث ً‬
‫ال غالف كتيبه اهلزيل؟ «فقه الواقع»!‪ .‬‬

‫‪35‬‬
‫والحسد جعاله بين فكي كماشة الهوى والجهل المركب!!! ودفعاه‬
‫للرد على اللجنة المكرمة بردود مقززة وهابطة! تنم عن رجل فقد ظله‪،‬‬
‫إال من دعوى التلمذة‪ ،‬بل تجاوز كل معايير األخالق عندما جرد قلمه‬
‫اآلسن للرد على كتاب أخينا الشيخ الفاضل محمد الدوسري «رفع‬
‫الالئمة» رغم تقديم ثلة من العلماء له‪ .‬إذ لم يشفع لهم مكانتهم العلمية‬
‫وعقيدتهم الصافية النقية‪ .‬كان ذلك منه؛ للرفع من نفسه المتأرجحة‬
‫على أتون نار الفتنة وشبق األنا والتدرج في التجهم والجهل‪.‬‬
‫ولوال أن األمانة العلمية والحقيقة الواقعية اقتضت أن أبين الحق‬
‫دعيا وكذوب ًا‬
‫في المسألة محل النقاش أو أفضح أمره من حيث كونه ًّ‬
‫ومحرف ًا ومدلس ًا ـ وخاصة بعد رده واصراره على جهله ـ لما ذكرته‬
‫ّ‬
‫بكلمة يمكن أن يفهم القارىء أني أعنيه بها؛ ألني أعف نفسي عن‬
‫سن قلمي أو على لساني لما عرفت فيه من الكذب‬
‫أمر اسمه على ّ‬
‫أن ّ‬
‫والفجور!!‬
‫أما حديث الفتوى عن الكتابين وما فيهما من مسائل عقدية‬
‫والحكم عليه‪ :‬فقد حكم العلماء ـ الموثوق في علمهم وحسن معتقدهم‬
‫ـ أنهما‪ :‬مبنيان على مذهب المرجئة البدعي الباطل‪ .‬وأنه ال يجوز‬
‫طبعهما وال نشرهما وال تداولها؛ لما فيهما من الباطل والتحريف‪.‬‬
‫في الوقت الذي يزعم فيه حلبي على الشيخ األلباني أنه قد قرأ‬
‫«التحذير» وتمتع به‪ ،‬ودعا له في الثاني بقوله له‪ :‬زادك ال َّله توفيق ًا‪ .‬بله‬
‫تلك النصوص التي نسبوها للشيخ للتأكيد على إقراره بتصويب عقيدة‬
‫حلبي!! ولعل في هذه النسبة وغيرها ما يكفي في إثبات ما أثبت الشيخ‬

‫‪36‬‬
‫أحق أن يتبع؟‬
‫فأي الفريقين ّ‬
‫لنفسه ورحل عن الدنيا عليه!! ّ‬
‫قررت بعد وفاة الشيخ � ضبط عقيدته على هيئة التأصيل‬
‫المجمل في مسائل اإليمان مما دونه هو بنفسه في كتبه التي كنت قد‬
‫ذكرت ج ّلها في حياته � في كتابي «حقيقة الخالف بين السلفية‬
‫الشرعية وأدعيائها في مسائل اإليمان»‪.‬‬
‫كتبت ذلك لتثبيت الحقائق‪ ،‬إذ لم يجر منه اعتراض على ما‬
‫نقلته عنه ودونته من فحوى فهمه وتأويله لنصوص الكتاب والس َّنة في‬
‫مسائل اإليمان‪ ،‬ضبطت ذلك في كتاب أسميته «حقيقة اإليمان عند‬
‫نصية تأصيلية» تقديم األستاذ الشيخ محمد‬
‫الشيخ األلباني دارسة َّ‬
‫شقرة‪.‬‬
‫التزمت فيه بيان رأي الشيخ بأمانة‪ ،‬مشير ًا إلى أخطائه �‬
‫واضطرابه في فهم مسائل اإليمان مع تبرير ذلك‪ .‬وما أن طبع هذا‬
‫الكتاب حتى تناوله طلبة العلم والمنصفون بالقبول‪ ،‬وكتب نفاذ الطبعة‬
‫األولى بسرعة‪ .‬أما علي حلبي فقد أظهر تشنجه في كتاب تحت عنوان‬
‫«الرد البرهاني»‪ .‬تقيأ فيه ماضيه التليد؛ من ألفاظ سوقية‪ ،‬ودندنات‬
‫مزمارية! أثارت العلماء وطلبة العلم! حتى أن بعضهم قد طلب مني‬
‫رفع دعوى قضائية ضده فرفضت‪ ،‬وطالبني أخر كتابة رسالة إلى قيم‬
‫مكتبة المسجد النبوي ـ على صاحبه أفضل الصالة والسالم ـ إلخراج‬
‫كتابه منها لعظم سوئه؛ عقيدة‪ ،‬وقبحه؛ أخالق ًا‪ ،‬فاعتذرت له‪ .‬ولما‬
‫يتعرف الناس على أخالقه ويقفوا‬
‫سألني عن السبب قلت له‪ :‬حتى ّ‬
‫على حقيقته‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ثم بدا لي توجيه أحد إخواننا لكتابة كتاب يتعقب فيها أقوال‬
‫الشيخ األلباني في كتبه مما لها تعلق في مسائل اإليمان لتعزيز ما كتبته‬
‫عنه في كتابي «حقيقة اإليمان عند الشيخ األلباني» وللرد على أولئك‬
‫الذين ال يريدون أن يفهموا حقيقة ما مات عليه الشيخ في المسألة‬
‫محل النقاش‪ ،‬بل دفعهم التعصب األعمى التكسبي المتعمد لذاته إلى‬
‫عدم االعتراف بأن الشيخ قد أخطأ!!! في الوقت الذي يخطئون من هو‬
‫أفضل منه!!!‬
‫استجاب األخ أبو عزير الجزائري الحسني‪ ،‬فجمع أقوال الشيخ‬
‫وبين مراده آخذ ًا بظاهر أقواله من غير تأويل أو تحريف‬ ‫من مظانّها*‬
‫َّ‬
‫أو افتراء‪ .‬وإذا كنت قد سجلت على الشيخ في تعريفه لإليمان قولين‪:‬‬
‫أولها‪« :‬القول واالعتقاد والعمل»‪ .‬وثانيهما‪« :‬قول واعتقاد وعمل؛‬
‫والعمل شرط في كمال اإليمان»‪ .‬ورجحت فهم الشيخ للعمل على‬
‫لنصه على ذلك ولما قام عنده من أنَّ تارك العمل‬‫أنه شرط كمال‪ّ ،‬‬
‫مطلق ًا مؤمن ناقص اإليمان‪ ،‬وأنه ال يكفر إال باالستحالل أو الجحود‬
‫أو التكذيب‪.‬‬
‫فقد َّأكد أبو عزير ما أثبته عن الشيخ من نصوص أخرى غير التي‬
‫ذكرتها عنه‪ ،‬ووقف على قول آخر للشيخ في فهمه للعمل في مسمى‬
‫* اعتمد األخ أبو عزير عىل كتاب فتاوى األلباين لعكاشة عبد املنان‪ .‬ومل يكن جلامعه سوى‬
‫تفريغ األرشطة‪ .‬وقد اعرتض الشيخ عليه لترصفه بحقوق غريه كاعرتاضه عىل أيب ليىل ومنعه‬
‫من التكسب هبا!! إال َّ‬
‫أن األثرية قد ر ّدوا عىل الشيخ اعرتاضه فباعوا أرشطته ـ يف مكاتبهم‬
‫األثرية ـ ومتتعوا هبا وما زالوا‪ ،‬بل جتاوز بعضهم قنطرة األمانة فرسق خمطوطات الشيخ‪ ،‬ومل‬
‫يستح من اخراج العلم املنهوب باسمه! فهل للشيخ من بواكي؟‪ .‬‬

‫‪38‬‬
‫يعد من أخطر األقوال وأبعدها عن فهم السلف‪ .‬فها هو يقول‬
‫اإليمان ّ‬
‫في الشبهة الخامسة‪:‬‬
‫أما قوله [يعني‪ :‬الشيخ �]‪« :‬يجب نحن أن نضع أمام أعيننا‬
‫دائم ًا وأبد ًا هذه القسمة الصحيحة‪ :‬كفر اعتقادي أو قلبي وكفر عملي‬
‫أو لفظي ألن اللفظ منه العمل» [فتاوى األلباني ص ‪.]285‬‬
‫قال أبو عزير‪« :‬فهذه الطامة الكبرى والبلية العظمى إذا كان‬
‫يرى‪ :‬أن من قال فقد عمل! فهذا قول أنكره إمام أهل الس َّنة أحمد بن‬
‫حنبل � على شبابة الداعي إلى اإلرجاء‪ ،‬بل كان رأس ًا فيه! وشبابة‬
‫هذا أعجمي؛ فكما ترى غالب البالء ال يأتي إ َّ‬
‫ال من األعاجم‪ ،‬لقد‬
‫أهلكتهم العجمى حتى جعلتهم يتأولون الشيء على غير مراده‪.‬‬
‫قال أبو عبد ال َّله‪ :‬شبابة يدعو إلى اإلرجاء وكتبنا عنه قبل أن‬
‫نعلم أنه كان يقول هذه المقالة‪ ،‬كان يقول‪ :‬اإليمان قول وعمل‪ ،‬فإذا‬
‫قال فقد عمل بلسانه! قول رديء‪[ .‬الس َّنة رقم ‪ 981‬للخالل]‪.‬‬
‫قال أبو بكر األثرم‪ :‬سمعت أبا عبد ال َّله ـ وقيل له‪ :‬شبابة ّ‬
‫أي‬
‫شيء يقول فيه؟ فقال‪ :‬شبابة كان يدعو إلى اإلرجاء‪ .‬قال‪ :‬وقد حكي‬
‫عن شبابة قول أخبث من هذه األقاويل ما سمعت أحد ًا عن مثله‪.‬‬
‫قال‪ :‬قال شبابة‪ :‬إذا قال فقد عمل! قال اإليمان قول وعمل كما‬
‫يقولون فإذا قال فقد عمل بجارحته‪ ،‬أي بلسانه حين تكلم! ثم قال أبو‬
‫عبد ال َّله‪ :‬هذا قول خبيث ما سمعت أحد ًا يقول به وال بلغني‪[ .‬الس َّنة رقم‬
‫‪ 982‬للخالل]» [مسألة اإليمان في كفتي الميزان ص ‪.]221 ،220‬‬
‫دل على شيء فإنه يدل على‬‫هذا الفهم من الشيخ � إن َّ‬

‫‪39‬‬
‫تحري الحق ـ في مسائل اإليمان ـ لم تكتمل‬
‫اضطرابه‪ ،‬وأن بضاعته في ّ‬
‫الب َّتة؛ النشغاله وانحصاره في التصفية على األحاديث وكان األولى به‬
‫أن ينصب التصفية على العقيدة عامة ومسائل اإليمان خاصة!!! فإن‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية الذي يحيل إليه في كتبه دائم ًا ـ قد أفرد كتب ًا في‬
‫ذلك‪ ،‬فض ً‬
‫ال عما حوته فتاواه وما تناثر من مسائل في كتبه األخرى‪ ،‬وال‬
‫يشفع للشيخ تحقيقه لبعض كتب اإليمان أو العقيدة ألنها لم تسلم من‬
‫أخطاء ّبينة ظاهرة سجلها عليه أهل العلم من لداته وأقرانه‪.‬‬
‫َّأما ما سجل عليه � في هذا السفر أو غيره ـ فإنه ال يعد‬
‫انتقاص ًا لقدره‪ ،‬بل لكل عالم هفوة‪ ،‬ولكل جواد كبوة‪ ،‬والحق أحب‬
‫إلينا من الرجال‪ .‬ألنهم ال يعرفون إ َّ‬
‫ال به!!‬
‫جاء هذا الكتاب ليكشف الحقائق وليضع األمور في مواضعها‬
‫الالئقة بها؛ حقيق على طلبة العلم الجادين قراءته واالستفادة منه فهو‬
‫لم يكتب إ َّال لهم!‬
‫الرعاع وهوام المنتسبين إلى األشخاص فندعهم يغوصون‬ ‫أما ّ‬
‫في وحل األوهام واألهواء‪ .‬ولو خرجوا؛ ما زادونا إ َّ‬
‫ال إيمان ًا وثبات ًا‪،‬‬
‫ولكنهم أوضعوا خاللنا يبغوننا الفتنة‪ ،‬أال في الفتنة سقطوا!!‬
‫وآخر دعوانا؛ أن الحمد ل َّله رب العالمين‪ .‬‬

‫وكتب‪ :‬أبو حذيفة‬ ‫‪/20‬ذو القعدة‪1426/‬‬


‫رحيم‬
‫محمد أبو ّ‬ ‫‪2006/1/1‬‬

‫‪40‬‬
‫‪‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫‪‬‬

‫إنَّ الحمد ل َّله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بال َّله من شرور‬
‫أنفسنا‪ ،‬وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده ال َّله فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال ال َّله وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمد ًا‬
‫عبده ورسوله‪.‬‬
‫ ﴿ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ﴾‬
‫[آل عمران]‪.‬‬
‫﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ‬
‫ﭮﭯ﴾ [النساء]‪.‬‬
‫﴿ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭ ﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ﴾ [األحزاب]‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب ال َّله‪ ،‬وخير الهدی هدی محمد ﷺ‬
‫وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة وكل‬
‫ضاللة في النار‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫قال قوام الس َّنة األصبهاني �‪:‬‬
‫«األصول التي ضل بها الفرق سبعة أصول‪:‬‬
‫القول في ذات ال َّله سبحانه‪ ،‬والقول في صفاته‪،‬‬
‫والقول في أفعاله‪ ،‬والقول في الوعيد‪ ،‬والقول في‬
‫اإليمان‪ ،‬والقول في القرآن‪ ،‬والقول في اإلمامة‪.‬‬
‫فأهل التشبيه ض َّلت في ذات ال َّله‪،‬‬
‫والجهمية ض َّلت في صفات اللَّه‪ ،‬والقدرية‬
‫ض َّلت في أفعال ال َّله‪ ،‬والخوراج ض َّلت في‬
‫الوعيد‪ ،‬والمرجئة ض َّلت في اإليمان‪ ،‬والمعتزلة‬
‫ض َّلت في القرآن‪ ،‬والرافضة في اإلمامة‪[ ».‬الحجة‬
‫في بيان المحجة ‪.]409/2‬‬

‫الزهري �‪« :‬ما اب ُتدعت في‬ ‫قال ُّ‬


‫أضر على أهله من هذه ـ يعنِي‬
‫بدعة َ‬ ‫ٌ‬ ‫اإلسالم‬
‫اإلرجاء‪[ ».‬الشريعة لآلجري رقم ‪.]295‬‬

‫قال إبراهيم النخعي �‪« :‬لفتنة المرجئة على‬


‫هذه األمة أخوف عندي من فتنة األزارقة‪[ ».‬الس َّنة للخالل‬
‫ص‪.]562‬‬
‫عن أبي حمزة التمار األعور‪ ،‬قال‪ :‬قلت‬
‫«أو ْه َل َّف ُقوا‬
‫إلبراهيم‪ :‬ما تری في رأي المرجئة؟ فقال‪َّ :‬‬
‫والش ُّر من أمرهم كثير‪،‬‬ ‫قوالً‪ ،‬فأنا أخافهم على األمة‪َّ ،‬‬
‫وإياهم‪[ ».‬الشريعة لآلجري رقم ‪.]296‬‬
‫فإياك َّ‬
‫َّ‬
‫‪42‬‬
‫‪‬‬
‫المقدمة‬
‫‪‬‬

‫اعلم ـ رحمك ال َّله ـ ‪ ،‬أنَّ الدِّ ين قد كمل‪ِّ ،‬‬


‫وبين أحسن تبيين‬
‫ﭧ ﭨ ﴿ﯚ ﭼﭽﭾﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ‬
‫نبينا صلوات ال َّله وسالمه عليه‬
‫ﮄﮅ﴾ [المائدة‪ :‬ﮓ]‪ ،‬فلم يترك ّ‬
‫شيئ ًا من الدِّ ين إ َّ‬
‫ال َّبينه‪ ،‬أصوله وفروعه‪ ،‬باطنه وظاهره‪ ،‬علمه وعمله‪،‬‬
‫وهذا أصل األصول‪ ،‬وحقيقة العلم واإليمان‪.‬‬
‫«واي ُم ال َّله لقد تركتكم على مثل البيضاء؛ ليلها ونهارها‬
‫قال ﷺ‪َّ :‬‬
‫سواء ـ وفي رواية ـ ليلها كنهارها‪ ،‬ال يزيغ عنها بعدي إ َّال ٌ‬
‫هالك» [صحيح‬
‫سنن ابن ماجة رقم ‪ 5‬والسلسلة الصحيحة رقم ‪.]937‬‬
‫قال أبو الدرداء‪« :‬صدق ـ وال َّله ـ رسول ال َّله ﷺ‪ ،‬تركنا ـ وال َّله‬
‫ـ على مثل البيضاء‪ ،‬ليلها ونهارها سواء» [صحيح سنن ابن ماجة ‪]19/1‬؛‬
‫الدغل أو الميل إلى الباطل‪ ،‬بل تركهم وما‬
‫نقية من َّ‬ ‫ٍ‬
‫قلوب بيضاء َّ‬ ‫على‬
‫طائر يطير بجناحيه إ َّ‬
‫ال ذكر لهم منه علم ًا‪.‬‬
‫عن أبي ذر قال‪« :‬تركنا رسول ال َّله ﷺ وما طائر يطير بجناحيه‬
‫العندنا منه علم ـ وفي رواية ـ إ َّ‬
‫ال ذكرنا منه علم ًا‪[ ».‬صحيح ابن حبان رقم‬ ‫إ َّ‬
‫‪ ،65‬وإتحاف الخيرة المهرة رقم ‪.]371 ،370 ،369‬‬
‫يقرب من الج َّنة ويباعد من ال َّنار إ َّ‬
‫ال قد ُب ِّين أحسن‬ ‫فلم يبق شيء ِّ‬
‫للسبيلين‪ ،‬ورثته الطائفة المباركة الصادقة‬
‫المفصل َّ‬
‫َّ‬ ‫تبيين‪ ،‬وهذا ال ّتبيين‬
‫ـ رضي ال َّله عنها ـ ‪ ،‬فاعتنت بتبليغ هذا العلم‪ ،‬ومعاني القرآن‪ ،‬أكثر مما‬

‫‪43‬‬
‫اعتنت بتبليغ حروف القرآن‪ ،‬وذلك ألنَّه محفوظ بحفظ ال َّله‪ ،‬ﭧ ﭨ‬
‫﴿ﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝﮞ﴾ [الحجر]‪.‬‬
‫والشك أنَّ الس َّنة النبوية هي من الذكر‪ ،‬وهذا بفضل ال َّله خاصية‬
‫لما ّ‬
‫وكل حفظهما إلى األحبار والرهبان‬ ‫للقرآن‪ ،‬بخالف التوراة واإلنجيل َّ‬
‫فخانوا الحفظ‪ ،‬ﭧ ﭨ ﴿ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗﮘﮙ﴾ [المائدة‪ :‬ﮭ]‪.‬‬
‫ولقد مضى على البيضاء ال َّنقية الصحابة والتابعون لهم بإحسان‬
‫المورثة شيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬فظهرت‬
‫َّ‬ ‫عهدة من الزمن‪ ،‬حتى بدأ الميل عن التركة‬
‫األهواء‪ ،‬وتسأسأت األفكار‪ ،‬ومسخت الفطرة وألحد فيها‪ ،‬بسبب‬
‫فضل السبيل‪ ،‬ذلك كله أحدثه الزيغ عن األصلين‬
‫الدليل‪ُّ ،‬‬
‫الميل عن َّ‬
‫السلفيين «الفطرة» و«الشرع»‪.‬‬
‫قال ال َّله ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [آل عمران‪ :‬ﯪ]‪ ،‬أال تری أنَّ ال َّله ‪ ‬أثبت‬
‫لهؤالء الزيغ؛ الحيدة عن الطريق الواضح ال َّنقي‪ ،‬ألجل اتباع المتشابه‬
‫ُبغية تأويله التأويل الفاسد الذي ُيحدث الفتنة واالختالف‪ ،‬ثم سلوك‬
‫الب َّنيات‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫واضح‬
‫ٌ‬ ‫ومنهج احلق له‬ ‫يأبى الف َتى اَّإل اتّباع اهلوى‬
‫فالمفتون باغي الفتنة هو الذي يسلك المسلك الخلفي في‬
‫التأويل؛ االعتماد على األصلين الخلفيين‪« ،‬التعمق العقلي» و«الوجد‬
‫الصوفي»‪ ،‬وهذه خاصية لكل من رد المحكم إلى المتشابه‪ ،‬ألنَّ األصل‬
‫هو رد القليل؛ المتشابه‪ ،‬إلى الكثير؛ المحكم الواضح‪ ،‬وهذا مسلك‬

‫‪44‬‬
‫من ينتحل مذهب السلف في االعتقاد ومنه مسألة اإليمان التي هي‬
‫أصل أصوله‪ ،‬وليس لمن ينتحل مذهب الجهمية والمرجئة في الباطن‬
‫في هذه المسألة‪ ،‬ويزعم تعظيمه للسلف وأهل الحديث‪ .‬فشتان بينهما‪،‬‬
‫بل بينهما برزخ ال يبغيان؛ بين السلفية الشرعية وبين أدعيائها‪.‬‬
‫أغر َّ‬
‫محج ٌل‬ ‫ُّ‬
‫والحق في المجرى ٌّ‬
‫ٍ‬
‫ساطع‬ ‫غرته بنوٍر‬
‫ّ‬ ‫تلقاك‬
‫ما خير من يدعى ليحرز حظه‬
‫ٍ‬
‫مطاوع‬ ‫من دينه فيكون غير‬
‫أليس شعار الطائفة القوامة بأمر ال َّله هو االتباع وعدم‬
‫االبتداع؟‬
‫البد أن يأتم بهم؟‬
‫أليس كل صادق َّ‬
‫بل حقيقة صدقه الكون معهم‪ ،‬فالبد من سلوك مسلك السلف‬
‫ضل فيها من َّ‬
‫ضل‪،‬‬ ‫في هذه المسألة العظيمة؛ «مسألة اإليمان»‪ ،‬التي َّ‬
‫فاالكتفاء بما جاء من قبلهم في هذه المسألة‪ ،‬واالنتهاء إلى ما انتهوا‬
‫إليه هو حقيقة العلم‪ ،‬كيف وهم ُمدحوا بأنَّهم يقاتلون على تأويل‬
‫نبيهم صلوات ال َّله وسالمه عليه على تنزيله‪.‬‬
‫القرآن كما قاتل ُّ‬
‫«إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على‬
‫قال ﷺ‪َّ :‬‬
‫تنزيله» [أحمد رقم ‪ 8212‬وأبو يعلى الموصلي رقم ‪.]1081‬‬
‫حق مأمور به‬ ‫طريق الصحابة ‪‬‬ ‫فالشاهد من الحديث أنَّ‬
‫والباقي ُب َّنيات وجب التصدي لها‪ ،‬خاص ًة إذا علمنا أنَّ سبب نُشوئها‬
‫شذ عن طريق السلف إلى الفهم‬ ‫هو التأويل الفاسد‪ ،‬فالبد رد من َّ‬

‫‪45‬‬
‫الصحيح السليم‪ ،‬إما بـ «مجادلة» أو «مجالدة»‪ ،‬والشك أنَّ ممن نُسب‬
‫الب َّنيات المرجئة الخبيثة‪ ،‬التي عمدت إلى إخراج معتقد السلف في‬
‫إلى ُ‬
‫ثوب سابري‪.‬‬
‫فيما َّادعوا يشرتون الغي بالثمن‬ ‫ما بال قوم وقد َّ‬
‫صحت عقوهلم‬
‫ألنَّ مذهب السلف هو حمل اللفظ على ظاهره وعلى الحقيقة‬
‫اللسانية‪ ،‬وعدم العدول به عن الحقيقة إلى المجاز‪ ،‬ومن فعل غير‬
‫ذلك فقد تذرع في البدعة والبد‪ ،‬ويسمى مبتدع ًا وإن كان مغفور ًا له‬
‫ألنَّ هذا الفعل؛ العدول عن الحقيقة إلى المجاز‪ ،‬أو عدم حمل اللفظ‬
‫على ظاهره‪ ،‬هو أحد األدواء الثالثة التي فعلت باالسالم األفاعيل‪ ،‬بل‬
‫أسقطت حرمته من القلوب‪.‬‬
‫مبطل‪ ،‬وتحريف ٍ‬
‫غال‪ ،‬وتأويل‬ ‫ٍ‬ ‫وهذه األدواء هي‪ :‬انتحال‬
‫ٍ‬
‫جاهل‪ ،‬ومما يعجب له أنَّ هذا األخير انتحلته فرقة اليوم لبست ثوب‬
‫دعية‪ ،‬وهذا هو االحتباء في ثوب زور؛ متشبعة بما لم‬
‫السلفية لكن هي ِّ‬
‫تدعي أنَّ مسلكها هو مسلك الفرقة الناجية في مسألة اإليمان‪.‬‬
‫تعط‪ّ ،‬‬
‫عمدت إلى أقوال العلماء الجهابذة وأساطين العلم تلويها حتى‬
‫تتفق مع متطلباتها‪ ،‬والسبب أنَّه لما انتحلت هذا المذهب الخبيث؛‬
‫اإلرجاء‪َّ ،‬‬
‫وعظمت السلف وأقوالهم التبس أمرها على العامة‪ ،‬بل حتى‬
‫على طالب العلم‪ُ ،‬ظ َّن مسلكها الوخيم في مسألة اإليمان هو مسلك‬
‫السلف‪ ،‬وهي عن السلف في هذه المسألة العظيمة ُمبتعدة‪ ،‬ولحقائقهم‬
‫الوية‪.‬‬
‫وهاته أتيت من ِقبل فهمها الخاطىء وتأويلها الجاهل لهذه‬

‫‪46‬‬
‫المسألة‪ ،‬والحقيقة أنَّ هذا نوع من الهوی الذي يردي بصاحبه‪ ،‬ألنَّه‬
‫شبيه َ‬
‫بالك َلب الذي ال يترك عرق ًا وال مفص ً‬
‫ال إال دخله‪.‬‬
‫وعلماء األصول الجهابذة قالوا قديم ًا‪َّ :‬‬
‫«أن من أخطىء الدليل‬
‫ضل السبيل» ذلك ألنَّ المبتدع غير المتبع‪ ،‬في تحرير المسائل أو‬ ‫َّ‬
‫تحقيقها‪ ،‬فإمام المبتدع هواه ودليله بالتبع‪ ،‬وإن وجد شيئ ًا منه اعتضد‬
‫به ولم يعتمد عليه‪ ،‬فهو جاع ً‬
‫ال البرهان شبهة والشبهة برهان فتاه بينهما‬
‫لعدم رضاه بما انتهى إليه القوم‪ ،‬وباألحری تقدمه بين يدي األصول‬
‫المورثة‪ ،‬ولهذا قال السلف‪ :‬لفتنة المرجئي أعظم من فتنة األزرقي‪.‬‬
‫َّ‬
‫وذلك «أنَّ عمدته في الباطن ال على ما تلقاه عن الرسول بل‬
‫على ما رآه أو ذاقه‪ ،‬ثم إن وجد الس َّنة توافقه وإال لم يبال بذلك فإذا‬
‫وجدها تخالفه أعرض عنها تفويض ًا أو حرفها تأوي ً‬
‫ال‪ ،‬فهذا هو الفرقان‬
‫بين المؤمن الس ّني‪ ،‬والمنافق البدعي» [التفسير الكبير ‪ 164 ،163/1‬البن‬
‫تيمية بتصرف]‪.‬‬
‫ومما يعجب له‪ ،‬أنَّ المرجئي َّ‬
‫الدعي‪ ،‬أصبح ينبز السلفي الشرعي‬
‫بالخارجي كي ُين ِّفر منه العامة وطالب العلم‪ ،‬وهذا قلب للحقائق ونوع‬
‫من ال َّلي واإللحاد‪ ،‬كيف وقد أصبحت اليوم ناره مؤججة تلتهم كل من‬
‫استشرف لها‪ ،‬ممن قلت خبرته وطري عوده؛ صاحب البضاعة المزجاة‬
‫في هذه المسألة كل ذلك ليرد به السلفي الشرعي َّ‬
‫لما خالفه في مذهبه‬
‫فيقبحه في أسماع العامة‪ ،‬لين ِّفر عن السلفية الشرعية‪.‬‬
‫الخبيث‪ّ ،‬‬
‫فما امتحن اإلسالم بمحنة أعظم من محنة هؤالء األدعياء‬
‫حرفوا المعاني الصحيحة وما جاء‬
‫الدين كثوب سابري‪َّ ،‬‬
‫الذين تركوا ّ‬

‫‪47‬‬
‫عن السلف في هذه المسألة‪ ،‬بالتأويالت التي لم يردها المتكلم بها‬
‫وبدلوا اللفظ بآخر‪ ،‬وكتموا الحقيقة‪ ،‬والتحريف والتبديل والكتمان‬ ‫َّ‬
‫غيرت بسببها األديان والملل‪ ،‬ال َّلهم‬
‫هي أدواء ُعضالة وسموم قتالة‪ّ ،‬‬
‫س ّلم س ّلم‪.‬‬
‫لكن السلفية الشرعية لها أساطين العلم‪ ،‬وعلماء جهابذة‪ ،‬ينفون‬
‫عنها التحريف الغالي‪ ،‬واالنتحال المبطل‪ ،‬والتأويل الجاهل‪ ،‬وهؤالء‬
‫ُه ُم العدول الذابون النافون خبث وفتنة األدعياء المحتبين في ثوب‬
‫زور‪.‬‬
‫قال رسول ال َّله ﷺ‪« :‬يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله‪،‬‬
‫ينفون عنه تحريف الغالين‪ ،‬وتأويل الجاهلين‪ ،‬وانتحال المبطلين»‬
‫[التمهيد ‪ 49/1‬وشرح مشكل اآلثار رقم ‪.]3884‬‬
‫ومن الخلف العدول الذين نفوا عن السلفية الشرعية في مسألة‬
‫المة الجهبذ بكر بن عبد ال َّله أبو زيد في‬
‫اإليمان‪ ،‬ما انتحله أدعياؤها‪ ،‬الع َّ‬
‫«درء الفتنة عن أهل الس َّنة»‪ ،‬والع َّ‬
‫المة حمود بن العقالء الشعيبي �‬
‫في «الرد على افتراءات العنبري وبيان فساد أصل مذهبه في اإلرجاء»‬
‫الدوسري في «رفع الالئمة عن فتوی اللجنة‬
‫والشيخ محمد بن سالم َّ‬
‫الدائمة»‪.‬‬
‫الدعي المحتبي‬
‫وكان ممن قنع الغلة وشفى العلة‪ ،‬وأدخل َّ‬
‫وكسر انتحاالته‪ ،‬وكشف عوره‪ ،‬وأسكت‬
‫في ثوب زور جحر ضب‪َّ ،‬‬
‫صيحته المبتدعة‪ ،‬ونذارته الباطلة المشؤومة‪ ،‬التي من استجاب لها كان‬
‫من الهالكين‪ ،‬في رد مفحم بالحجة الدامغة‪ ،‬أنَّ ما هو فيه َّ‬
‫الدعي متبر‬

‫‪48‬‬
‫وباطل‪ ،‬ذاك هو السلفي الشرعي‪ ،‬الشيخ الفاضل د‪ .‬محمد بن محمود‬
‫رحيم في رسالة شافية وافية‪ ،‬وكل من يأتي بعدها عيال عليها ال‬
‫أبو ِّ‬
‫سماها «حقيقة الخالف بين السلفية الشرعية‬ ‫ينكر ذلك إ َّ‬
‫ال مكابر‪َّ ،‬‬
‫وأدعيائها في مسائل اإليمان»‪.‬‬
‫فإنَّ االسم عنوان المسمى ودليل عليه‪ ،‬فمن عنوانها يعلم ما في‬
‫باطنها من در ثمين‪ ،‬هذا لمن كان له قلب‪ ،‬أو ألقى السمع وهو شهيد‪،‬‬
‫سميتها‬ ‫وإن كانت التسمية حق ًا لمن ولد له‪ ،‬ال ينازعه فيها أحد‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أني َّ‬
‫«الكافية الشافية لحملة لواء السلفية الشرعية في مسائل اإليمان»‪ ،‬ثم‬
‫تأصيلية‬
‫َّ‬ ‫نصية‬
‫ثنى برسالته «حقيقة اإليمان عند الشيخ األلباني» دراسة َّ‬
‫المة محمد إبراهيم شقره حفظه ال َّله ورعاه‪ .‬‬
‫والتي قدم لها الشيخ الع َّ‬
‫فجزاهما ال َّله عن السلفية الشرعية خير ًا‪ ،‬وجعلها لهما ذخر ًا‪،‬‬
‫يوم تبيض وجوه أصحابها‪ ،‬وتسود وجوه أدعيائها‪ ،‬كيف وهي المذهب‬
‫المرتضى‪.‬‬
‫فإن شئت وصل القوم فاسلك طريقهم‬
‫عيانا‬ ‫للسالكين‬ ‫وضحت‬ ‫لقد‬
‫نسأل ال َّله أن يلهمنا السداد في هذا ّ‬
‫الذب وال ّنفي‪ ،‬وإن كان‬
‫كفونا المؤونة أساطين العلم‪ ،‬وجهابذة المنهج‪ ،‬خاص ًة األخير منهم‬
‫ال بقوله تعالى‪﴿ :‬ﮜﮝ﴾ [الحج‪ :‬ﮡ]‬ ‫لتأصيله الفذ‪ ،‬لكن عم ً‬
‫أردنا أن نشارك مشاركة متواضعة‪ ،‬ونقذف بالحجة الدامغة‪ ،‬وننصر‬
‫ُمكن له‪ ،‬ﭧ ﭨ ﴿ﯽﯾﯿﰀﰁ﴾ [يونس‪ :‬ﰅ]‪.‬‬ ‫الحق ون ِّ‬
‫فلنفند شبه هذه الجموع التي جلب عليهم الشيطان برجله‪،‬‬

‫‪49‬‬
‫الب َّنيات‪ ،‬وطريق الحق لهم واضح‪.‬‬
‫وسلك بهم الهوی ُ‬
‫واعلم أنَّ ال َّله يبغض األلد الخصم‪ ،‬الذي شنأ ما عند السلف‬
‫من وضوح في االعتقاد وثمرته بل حقيقته االنقياد‪ ،‬وهذه هي‬
‫الحقيقة اإليمانية المركبة‪ ،‬وانتحل ما عند الخلف من ال َّلي واإللحاد‬
‫والتحريف‪.‬‬
‫ال َّلهم ج ِّنبنا منكرات األخالق‪ ،‬واألهواء‪ ،‬واألعمال‪ ،‬آمين‬
‫آمين‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫وكتب‪ :‬أبو عزير عبد اإلله يوسف اليوبي‬


‫الحسني الجزائري‬
‫‪ 17‬محرم ‪ 1425‬هـ بمدينة أورهس ـ الدنمارك ـ‬

‫‪50‬‬
‫تمهيد‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫اعلم ـ رحمك ال َّله ـ ‪ ،‬أنَّ اإلسالم بدأ غريب ًا وسيعود غريب ًا كما‬
‫منزهة مقبولة عند‬
‫بدأ‪ ،‬فطوبى للغرباء‪ ،‬وهؤالء لهم صفات محمودة‪َّ ،‬‬
‫الطائفة الظاهرة على الحقِّ التي ال يضرها من خذلها أو خالفها‪.‬‬
‫وهذه الطائفة الظاهرة هي امتداد لتلك الطائفة األولى التي‬
‫جاءت بالغربة‪ ،‬وأرست قواعده‪ ،‬تبثه وتعلمه‪ ،‬وتحث عليه بالحجة‬
‫والبيان والسيف والسنان‪ ،‬وهذه الطائفة هي التي قال ال َّله ‪ ‬عنها‪:‬‬
‫﴿ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢﯣﯤ﴾ [سبأ]‪.‬‬
‫فوجه الداللة أنَّ ال َّله ـ تبارك وتعالى ـ شهد لهم بأنَّهم أوتوا‬
‫عرف هوالء‬
‫العلم‪ ،‬وهذا ثناء منه لهم وعلى من اتبع علمهم‪ ،‬فلما َّ‬
‫الغرباء الذابين عن الحقِّ أمر أن نكون معهم بقوله ـ تعالى ـ ‪:‬‬
‫﴿ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ﴾[التوبة]‪.‬‬
‫قال غير واحد من السلف‪ :‬هم أصحاب محمد ﷺ‪.‬‬
‫«فكل صادق بعدهم فيهم يأتم في صدقه‪ ،‬بل حقيقة صدقه‬
‫اتباعه لهم وكونه معهم‪ ،‬ومعلوم أنَّ من خالفهم في شيء ـ وإن وافقهم‬
‫في غيره ـ لم يكن معهم فيما خالفهم فيه‪ ،‬وحينئذ فيصدق عليه أنه ليس‬
‫معهم» [إعالم الموقعين ‪ 101/3‬البن القيم]‪.‬‬
‫خص به هذه الطائفة من «صحيح‬‫فبعد ما ذكر ال َّله ‪ ‬ما َّ‬

‫‪51‬‬
‫االعتقاد» و«صالح االنقياد»‪ ،‬أوجب على الذين من بعدهم أو الذين‬
‫كانوا على عهدهم المعية المطلقة‪ ،‬وإذا نظرنا في حال هذه المعية وما‬
‫المراد منها‪ ،‬علمنا قطع ًا أنَّ المراد منها هو االتباع بالقول والعمل‪،‬‬
‫وعدم الخروج عنها طرفة عين‪ ،‬يدل عليه قول اإلمام السلفي الشافعي‬
‫�‪« :‬هم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به‬
‫علم‪ ،‬وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا»‪.‬‬
‫فإذا علم هذا‪ ،‬امتنع أنَّ المراد م َّنا هو المخالطة باألجساد‪ ،‬ألنَّ‬
‫ال‪ ،‬والعجب ممن يحمل تأويل هذه‬ ‫هؤالء قضوا نحبهم وما بدلوا تبدي ً‬
‫مرجوح بما قدمناه آنف ًا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫اآلية على المجاهدين في كل عصر‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫قول‬
‫خاص ًة إذا علمنا أنَّ بعض المجاهدين خالفوا هذه المعية المطلقة‪ ،‬في‬
‫االعتقاد‪ ،‬ومنهم من خالف في المنهج وإن كان لهم قسط من المعية‬
‫فيما وافقوهم فيه‪ ،‬فهؤالء ال يصدق فيهم أنهم معهم بهذا القسط‪،‬‬
‫بسط في موضع آخر‪.‬‬ ‫وللمسألة ٌ‬
‫فإذا علمنا أنَّ هذه المخالطة ممتنعة اليوم‪ ،‬كذلك هي غير نافعة‬
‫لمن كان في زمنهم ولم يلتجىء إليهم‪ ،‬ويسقى من نبعهم‪.‬‬
‫ثم ال َّله ‪ ‬لم يوجب المعية المطلقة فقط‪ ،‬بل توعد من خالفها‬
‫بصلي جه َّنم وسآءت مصير ًا‪ ،‬فعلم أنَّ الغاية ليست في التخيير أو مطلق‬
‫المعية‪ ،‬إنما هي في اإلذعان والخضوع لما جاء على يد هذه الطائفة‬
‫المباركة‪ ،‬بداللة الوعيد لمن خالف ولم يتبع‪.‬‬
‫وهذه المخالفة اقتضت مشاقة الرسول‪ ،‬فمن شاق لم يتبع‪،‬‬
‫والمحآدة‬
‫َّ‬ ‫وحآد‪ ،‬فالكل مستلزم الثاني‪ ،‬والمشاقة‬
‫َّ‬ ‫ومن لم يتبع شنأ‬

‫‪52‬‬
‫هي صفة الكارهين المبتدعين الناكبين عن الصراط‪ ،‬وهم في االذلين‪،‬‬
‫وكفى بهذه الصفة عار وش َّنار وانبتار‪.‬‬
‫فإذا أمرنا أن نكون مع زمرة «صحيح االعتقاد» و«صالح‬
‫االنقياد»‪ ،‬وهذه كانت أقل فيما مضى وهي اليوم أقل فيما بقي‪ ،‬بل أقل‬
‫من كل قليل‪ ،‬فهذه حجة ال َّله على العباد وإن قلت‪ ،‬فما أحسن أثرها‬
‫على ال َّناس وما أقبح أثر الناس عليها‪ ،‬ألنها تنفي عن ال َّله ‪ ‬وعن‬
‫كتابه وعن س َّنة نبيه ﷺ انتحال المبطلين وتحريف الغالين وتأويل‬
‫الجاهلين‪ ،‬وكم هم اليوم ال كثرهم ال َّله‪.‬‬
‫ومن هؤالء المرضى الذين جعلوا الشبهة برهان ًا والبرهان‬
‫شبهة‪ ،‬وأخضعوا قول ال َّله ‪ ‬وقول رسوله ﷺ عليها هم «المرجئة‬
‫جرأوا‬ ‫على فرقها وطائفتهم الجدد»‪ ،‬الذين تركوا ّ‬
‫الدين كثوب سابري‪َّ ،‬‬
‫ال َّناس على المعاصي‪ ،‬ولفتنتهم أعظم فتنة‪ ،‬فما زالت األمة تكتوي‬
‫بآثرها اليوم‪.‬‬
‫انظر ماذا فعلوا بعد فتنة ابن األشعث وما يفعلون اليوم من إلحاد‬
‫المورثة للطائفة المباركة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫نبينا الكريم ﷺ‬
‫ولي في تركة ّ‬
‫ّ‬
‫فمن آثارهم التقبيح لكل قول س ِّني سلفي‪ ،‬واإللحاد وال َّلي في‬
‫األلفاظ التي ليس لها إ َّال حقيقتها اللسانية‪ ،‬والخروج عن مراد السلف‬
‫ولي أقوالهم حتى تتفق مع ما يهوون ويشتهون‪ ،‬واالنكار على‬
‫واألئمة‪ّ ،‬‬
‫ما عند السلفي الشرعي‪ ،‬من صحيح االعتقاد وصالح االنقياد‪ ،‬ووسمه‬
‫بالخارجية صد ًا عنه من يسمع له‪ ،‬وهؤالء لهم شبه مثل الذين قالوا‪:‬‬
‫[فصلت]‪.‬‬
‫﴿ﮰﮱﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ﴾ ِّ‬

‫‪53‬‬
‫أصلوا أصو ً‬
‫ال؛ المرجئة وطائفتهم الجدد‪ ،‬المحتبية في‬ ‫فهؤالء َّ‬
‫ثوب زور‪ ،‬خادع ًة بها منخدعة‪ ،‬واألثرية غير نافعة إذا كان صاحبها‬
‫مخالف ًا لها‪ ،‬خاص ًة إذا كانت هذه المخالفة في أصل األصول ودعامة‬
‫لما وسمت نفسها‬
‫الدِّ ين؛ مسألة اإليمان‪ ،‬كما لم تنفع المعتزلة َّ‬
‫بالموحدة‪ ،‬وهذا نوع من التلبيس إلفساد وإبطال الحقائق‪.‬‬
‫بل هو «فعل أهل السفسطة‪ ،‬والطالبين لتلبيس العلوم وإفسادها‪،‬‬
‫وإبطال الحقائق‪ ،‬وإيقاع الحيرة‪ ،‬فال شيء أعون على ذلك من تخليط‬
‫األسماء الواقعة على المعنى ومزجها‪ ،‬حتى يوقعوا على الحق اسم‬
‫الحق‪ ،‬ليوقعوا‬
‫ّ‬ ‫الباطل‪ ،‬لين ّفروا عنه ال َّناس‪ ،‬ويوقعوا على الباطل اسم‬
‫[اإلحكام في أصول‬ ‫فيه من أحسن الظن بهم‪ ،‬وليجوزوه عند ال َّناس‪».‬‬
‫األحكام ‪ 278/2‬البن حزم]‪.‬‬
‫ويكفي أنَّ سمة أهل األهواء والبدع‪ ،‬إلقاء األسماء المزيفة‬
‫والجذابة المخالفة لكنهها‪ ،‬ولقد أسهمنا القول في هذا‪ ،‬في كتابنا‬
‫الموسوم بـ «إحقاق الحق في الرجوع إلى المذهب الحق» مما يغنينا‬
‫عن اإلعادة ها هنا‪.‬‬
‫والذي يعجب له‪ ،‬أنَّ هذه الطائفة؛ المرجئة وطائفتهم الجدد‪،‬‬
‫بدعوا من خالفها وأوجبوا هجره‪،‬‬
‫أصلوا هذه األصول الهارية‪َّ ،‬‬
‫لما ّ‬
‫فأوقعوا من يحسن الظن بهم‪ ،‬نقول‪ :‬هذا إن كانت هذه الطائفة‬
‫المنتكسة على المعتقد السليم في مسائل اإليمان‪ ،‬كيف وهي مبتدعة‬
‫مهجورة على لسان الشرع تريد أن تكون هاجرة‪ ،‬وهذا إيهام بالباطل‬
‫وتلبيس وتدليس وقلب للحقائق‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫أصلت‬‫وهؤالء لهم نصيب وحظ وشبه بالمبتدعة األولى التي َّ‬
‫وبدعت من خالفها‪ ،‬ومن رزقه ال َّله البصر النافذ ونظر في حالها‬ ‫أصو ً‬
‫ال َّ‬
‫وجدها َّأول من ناقضها‪ ،‬فهم يوجبون أقوا ً‬
‫ال‪ ،‬ثم ينكرونها‪ ،‬لكثرة ما‬
‫وقع لهم من االشتباه واالضطراب‪ ،‬أو سوء القصد وفساد الطوية‪ ،‬وما‬
‫تقعيد واشتراط علي حلبي* عليك ببعيد‪ ،‬وهؤالء؛ طائفة المرجئة‬
‫الجدد‪ ،‬إنما هم في أمر مريج‪.‬‬
‫فأصبحت طائفة المرجئة‪ ،‬شانئة ما عند السلفية الشرعية من‬
‫صحيح االعتقاد في مسائل اإليمان‪ ،‬مقبحة أوصافها‪ ،‬مدخلتها في‬
‫زمرة المبتدعة‪ ،‬عامدة إلى نصوص األئمة الفطاحلة وأساطين العلم‪،‬‬
‫في ذم البدعة والمبتدعين‪ ،‬واضع ًة لها على هذه الطائفة التي وقفت عند‬
‫وزينوا ما‬
‫النصوص ولم تتقدمها‪ ،‬فقبحوا للعامة ما هو فطري شرعي‪َّ ،‬‬
‫هو بدعي عقلي‪.‬‬
‫فإذا قام قائم ودعا ال َّناس للمعتقد الصحيح‪ ،‬خاص ًة في مسائل‬
‫اإليمان‪ ،‬ألنَّ األرض ال تخلو من قائم ل َّله بالحجة‪ ،‬قالوا‪ :‬اهجروه‪،‬‬
‫اتركوه‪ ،‬و‪ ،...‬وعملهم هذا مطابق لما قامت به األشاعرة المرجئة‬
‫الجهمية‪ ،‬لما كانت نارها مؤججة‪ ،‬نكلت باألعالم وأساطين العلم‪،‬‬
‫الذين ينتمون إلى مدرسة فقه الدليل؛ السلفية الشرعية‪ُ ،‬مغتنمة ما حصل‬

‫* دلس عيل حلبي يف االسم بإدخال «ال» التعريف‪ ،‬زور ًا وهبتان ًا‪ ،‬ليظهر أنَّه من هذه العائلة‪،‬‬
‫قاله الشيخ النسابة‪« :‬معن العجيل العراقي»‪ ،‬وهذا منه كفر ًا‪ ،‬وليس عملي ًا بل أصغر‪ ،‬لقوله‬
‫كفر باهلل انتفاء من‬ ‫ٍ‬
‫بامریء ا ِّدعاء ن ََس ٍ‬ ‫ﷺ‪ُ :‬‬
‫ق ـ ويف رواية ـ ٌ‬ ‫ب ال يعرفه‪ ،‬أو جحده‪ ،‬وإن د َّ‬ ‫فر‬
‫«ك ٌ‬
‫دق» [صحيح‬ ‫تربؤُ من ٍ‬
‫نسب وإن َّ‬ ‫فر باهلل ُّ‬‫نسب ال يعرفُ ـ ويف رواية ـ ُك ٌ‬‫دق‪ ،‬وادعاء ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نسب وإن َّ‬
‫سنن ابن ماجة رقم ‪ 2233‬وسنن الدارمي رقم ‪ .]2905 ،2903‬‬

‫‪55‬‬
‫لها من تقرب وتزلف للسالطين‪ ،‬كما حصل على عهد أحمد البدعة؛‬
‫ابن أبي دؤاد‪ ،‬فمنهم من وشت به إلى السلطان فسجن‪ ،‬ومنهم من طيف‬
‫به مضروب ًا ومنهم من ّ‬
‫حرقت كتبه‪ ،‬ومنهم من وسمته بالخارجية‪ ،‬فلما‬
‫شنأت انبترت‪ ،‬فكان لها نصيب من قوله تعالى‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑﮒ﴾ [الكوثر]‪ ،‬فهي مبتدعة على لسان الشرع خارجة عن شرط‬
‫االتباع‪ ،‬فما أشبه اليوم بالبارحة‪.‬‬
‫«ومن المعلوم عند أهل العلم أنَّ مما حفظ ال َّله به دينه‪ ،‬وأبقى‬
‫به حجته‪ ،‬أنَّه ال تنقطع الدعوة إلى ال َّله في هذه األمة‪ ،‬والقيام على‬
‫المحرفين والمتغالين والزائغين‬
‫ِّ‬ ‫والرد على‬
‫الحق واإلعالن بالسنن َّ‬
‫والمبتدعين‪ ،‬وأنَّ أهل هذه الطائفة معروفة موافقتهم في كل جيل‬
‫محفوظة آثارهم عند العلماء‪ ،‬غير أنَّ غلبة الجهل وكثرة أهل الضالل‬
‫قد تحول دون بلوغ صوتهم إلى جميع ال َّناس فتری أنصار الباطل‪،‬‬
‫كلما قام داع من دعاة الحقِّ في ناحية اعترضوه بسكوت من سكت‬
‫أن هذا الداعي جاء بدين‬
‫ممن قبله وأوهموا أتباعهم المغرورين بهم َّ‬
‫جديد فيكون من أعظم ما يرد به عليهم ويبصر أولئك المغرورين بهم‬
‫وأنصار الهدي في سالف الزمان‪[ ».‬ابن‬ ‫نشر ما تقدم من كالم دعاة الحقِّ‬
‫باديس حياته وآثاره ‪.]135/3‬‬
‫فالمرجئة وطائفتهم الجدد‪« ،‬يقولون القول الموافق للس َّنة‪،‬‬
‫وينفون ما هو من لوازمه‪ ،‬غير ظانين أنَّه من لوازمه‪ ،‬ويقولون ما ينافيه‬
‫غير ظانين أنَّه ينافيه‪ ،‬ويقولون بملزومات القول المنافي الذي ينافي ما‬
‫بدعوا من خالفهم في القول المنافي وملزوماته‪،‬‬
‫أثبتوه من الس َّنة‪ ،‬وربما َّ‬

‫‪56‬‬
‫فيكون مضمون قولهم‪ :‬أن يقولوا قو ً‬
‫ال ويبدِّ عوا من يقوله‪[ ».‬درء تعارض‬
‫العقل والنقل ‪ 288 ،287/1‬البن تيمية بتصرف يسير]‪.‬‬
‫وهذا الذي أشار إليه هذا الجهبذ واإلمام الرضي � عين ما‬
‫وقع ألثري الزرقاء الذي ينتمي إلى طائفة المرجئة الجدد‪َّ ،‬‬
‫المدعية أنَّها‬
‫محصلة لعلم األلباني � ال َّناصرة لمدرسة ابن تيمية(‪ )1‬لما ابتدع‬
‫قواعد جديدة في التكفير وشرط شروط ًا في المسألة ذاتها ليس له من‬
‫(‪)2‬‬
‫بدع ووسم من هو أكثر منه علم ًا وفهم ًا وأوفر منه حظ ًا‬
‫قبل سلف ‪ ،‬ثم َّ‬
‫في االتباع وعدم االبتداع‪ ،‬بالخارجية‪ ،‬مضموم ًا لما عنده من انحراف‬
‫في فهم مراد ال َّله ومراد رسوله ﷺ ومراد األئمة وأساطين العلم‪ ،‬ألنَّ‬
‫هذا الفهم هو رأس المراد‪.‬‬
‫ألن أكثر ما يخطىء ال َّناس من جهة التأويل والقياس‪ ،‬لكن‬
‫َّ‬
‫الدعي‪ ،‬غير تأويل المريد للحقِّ المخطأه‪ ،‬كيف وقد قامت‬
‫تأويل هذا َّ‬
‫عليه الحجة وبانت له المحجة بالسلفي الشرعي‪ ،‬وقد اعترف ببعض‬
‫أخطائه‪ ،‬ثم نكص على عقبيه‪ ،‬ثم أتمم الحجة صاحب «رفع الالئمة‬
‫عن فتوی اللجنة الدائمة» فهل ركن واعترف‪ ،‬أم ذهب يهرف بما ال‬
‫يعرف؟! بقوله‪ :‬هذا ليس قولي!! أين التقول؟! أين‪...‬؟! أي شيء من‬
‫هذا القبيل‪.‬‬
‫الب َّنية‬
‫الس ِّنية‪ ،‬واقتفائه ُ‬
‫وفعله هذا يدل على عدم رضاه بالطريقة ُ‬
‫المة املحقق‪ ،‬النحوي األصويل‪ ،‬حممد إبراهيم شقرة أبو‬ ‫(‪ )1‬ـ انظر مقدمة الشيخ الفاضل والع َّ‬
‫مالك‪ ،‬لكتايب «إحقاق احلق يف الرجوع إىل املذهب احلق ‪ .»12/1‬‬
‫رحيم‪ .‬‬‫(‪ )2‬ـ انظر «حقيقة اخلالف ص ‪ »7‬للشيخ الفاضل د‪ .‬حممد حممود أبو ِّ‬

‫‪57‬‬
‫البدعية‪ ،‬ألنَّ الطريقة ُ‬
‫الس ِّنية لها منار‪ ،‬من لم يعرفه أخطأها‪ ،‬هذا إن كان‬
‫مريدها‪ ،‬ولم يلتزم لوازمها‪ ،‬فكيف بمن نفر عنها وابتدع في لوازمها‪،‬‬
‫الس ِّنية‪ ،‬هي كما قال‬
‫الس َّنية في اقتفاء الطريقة ُ‬
‫فأنَّى يهتدي لها‪ ،‬والطريقة َّ‬
‫لما سئل عنها‪.‬‬
‫ذاك الجهبذ َّ‬
‫قال رجال ألبي بكر بن عياش يا أبا بكر من الس ِّني؟ فقال‪« :‬الذي‬
‫إذا ذكرت األهواء لم يتعصب لشيء منها ـ وفي رواية ـ لم يغضب لشيء‬
‫[الشريعة رقم ‪ 2058‬وشرح أصول اعتقاد أهل الس َّنة والجماعة رقم ‪53‬‬ ‫منها‪».‬‬
‫واالعتصام ‪.]123 ،122/1‬‬
‫وأئمة الهدی ومصابيح الدجى ما كان على هذا يعولون‪ ،‬أو‬
‫الحق مبتغاهم وعند الحجة منتهاهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لمعالم الطريق محرفون‪ ،‬بل كان‬
‫وعلى لسان من ظهر‪ ،‬فالدليل الواضح والبرهان الاليح هو المثبت‬
‫على السبيل‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن عبد البر �‪« :‬وأخبرني غير واحد عن أبي‬
‫محمد قاسم بن أصبغ قال‪ :‬لما رحلت إلى المشرق نزلت القيروان‬
‫ولقيت‬
‫ُ‬ ‫رحلت إلى بغداد‬
‫ُ‬ ‫فأخذت على بكر بن حماد حديث مسدد‪ ،‬ثم‬
‫ال َّناس فلما انصرفت عدت إليه لتمام حديث مسدد‪ ،‬فقرأت عليه فيه‬
‫يوم ًا حديث النبي ﷺ أنَّه قدم عليه ٌ‬
‫قوم من مضر مجتابي النمار‪.‬‬
‫فقال لي‪ :‬إنما هو مجتابي الثمار‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬إنما هو مجتابي النمار هكذا قرأت على كل من قرأته‬
‫ُ‬
‫عليه باألندلس وبالعراق‪.‬‬
‫فقال لي‪ :‬بدخولك العراق تعارضنا وتفخر علينا أو نحو هذا‪،‬‬

‫‪58‬‬
‫ثم قال لي‪ :‬قم بنا إلى ذلك الشيخ ـ لشيخ كان في المسجد ـ فإنَّ له‬
‫بمثل هذا علم ًا‪ ،‬فقمنا إليه وسألناه عن ذلك‪.‬‬
‫قوم كانوا يلبسون‬
‫فقال‪ :‬إنما هو مجتابي النمار كما قلت‪ ،‬وهم ٌ‬
‫الثياب مشققة جيوبهم أمامهم‪ .‬والنمار جمع نمرة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬بكر بن حماد‪ :‬وأخذ بأنفه رغم أنفي للحقِّ ‪ ،‬رغم أنفي‬
‫للحقِّ‪ ،‬وانصرف‪[ ».‬جامع بيان العلم وفضله رقم ‪.]594‬‬
‫فهل علي حلبي أثري الزرقاء‪ ،‬فعل هذا بعد ما قامت عليه‬
‫رحيم بين يدي الع َّ‬
‫المة المحقق‬ ‫الحجة بالشيخ الفاضل د‪ .‬محمد أبو ِّ‬
‫محمد إبراهيم شقرة؟! أم نفر منها نفور الوحوش‪ ،‬وس َّفهها َّ‬
‫وحرفها‬
‫وضرب بأعجازها‪ ،‬مسخر ًا منها جاحد ًا ومعاند ًا لها؟!‬
‫وعمله هذا شبيه بعمل فرعون لعنه ال َّله* مع موسى كليم ال َّله‬

‫* وتشبيهه بفرعون جلحوده رغم استيقان نفسه باحلق ظل ًام وعلو ًا‪ ،‬لكونه من املرجئة اجلدد‬
‫الذين ال يرون إدخال األعامل يف اإليامن‪ ،‬وإن رصحوا بدخوهلا‪ ،‬فهي عندهم رشط كامل‪،‬‬
‫وهذا ترك واجب‪ ،‬مضموم ًا ملا عنده من برت ويل وإحلاد وروغان شبهناه هبذا‪.‬‬
‫ والكفر شعب‪ ،‬واإليامن شعب‪ ،‬واجلحود والعناد شعب‪ ،‬ففرعون جحد وعاند فكفر‪،‬‬
‫«والتي كانت تستعري احليل ويف ـ رواية ـ املتاع فتجحده‪ ،‬قطعت يدها» [صحيح سنن الرتمذي رقم‬
‫‪ ،]4905 ،4903 ،4902‬وعيل حلبي أثري الزرقاء بني ـ املعكوفتني ـ عاند وجحد للجاج اخلصم‬
‫ال عن طالب علم‪.‬‬ ‫وإبطال حقوقه‪ ،‬هذه بعض صور العناد واجلحود ال جيهلها عاقل فض ً‬
‫ وهذا لنا فيه سلف‪ ،‬قول اإلمام مالك إمام دار اهلجرة ملا كان يرى أهل العراق‪ ،‬الذين خرجوا‬
‫عىل األمة بالرأي‪ ،‬كحامد‪ ،‬وأيب حنيفة‪ ،‬يقول‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [احلج‪[ »]72 :‬اجلامع البن عبد الرب رقم ‪،]1205‬‬
‫وبالطبع أنَّ أهل العراق ليسوا بكفار‪.‬‬
‫ وكان يقول أيض ًا‪« :‬أنزلوهم منكم منزلة أهل الكتاب ال تصدقوهم وال تكذبوهم» [اجلامع‬
‫البن عبد الرب رقم ‪ ،]1204‬فلام رأی حممد بن احلسن استحيا وقال‪« :‬يا أبا عبد اهلل كذلك أدركت‬
‫أصحابنا يقولون‪ ».‬تغليظ ًا وتشنيع ًا منه ملا أحدثوا‪ .‬‬

‫‪59‬‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬لما َّبين له الحجة وأوضح له المحجة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫﴿ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫﯬﯭ﴾ [اإلسراء]‪.‬‬
‫فبعد ما أيقن أنَّ هذه اآليات من عند ال َّله‪ ،‬هل أذعن لها؟ أم‬
‫[النمل‪:‬‬ ‫جحدها؟ ﭧ ﭨ ﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ﴾‬
‫ﭝ]‪ ،‬فهل اكتفى فرعون بالجحود والعناد‪ ،‬أم سعى لل َّتثبيط عن الحقِّ ‪،‬‬
‫بل ليجتثه من جذوره بقوله‪﴿ :‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ﴾ [المؤمن]‪.‬‬
‫هذه حصيلة الذين فسدت بواطنهم ففسدت بذلك ظواهرهم‪،‬‬
‫الحق ثم جحد استكبار ًا وعناد ًا‪ ،‬ثم لم يكتف بذلك‪ ،‬فسعى‬
‫ّ‬ ‫رد‬
‫فرعون َّ‬
‫في اجتثاثه بقتل حسي‪ ،‬فأثري الزرقاء بين ـ المعكوفتين ـ استيقن‬
‫واعترف بزالته ثم نكص على عقبه بعد ذلك‪ ،‬استكبار ًا وجحود ًا‬
‫وأنف ًة‪ ،‬فهل اكتفى بذلك؟! أم بدأ َّ‬
‫يشهر ويستخف بالشيخين الفاضلين‬
‫السلفيين؟! بل استخف باللجنة الدائمة في «أجوبته المتالئمة» لما‬
‫نصحته وأرشدته أن يبتعد عن المسائل التي لم ترسخ فيها قدمه‪ ،‬بسبب‬
‫للحق وقال مثل ذاك السلفي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫قلة بضاعته‪ ،‬وعدم درايته بها‪ ،‬فهل أذعن‬
‫رغم أنفي للحق‪ ،‬رغم أنفي للحق أم استخف بها بقوله‪ :‬هذا ليس من‬
‫كالمي؟! أين التقول؟! أين‪...‬؟! و‪...‬؟!‬
‫الدعي‪ ،‬أنَّه يوصف الشيخ الفاضل‬
‫والذي يعجب له من هذا َّ‬
‫والع َّ‬
‫المة المحقق محمد بن إبراهيم شقرة أنَّه جار في الحكومة‪ ،‬قال‬
‫لي هذا أحد المروجين لهذا الفكر الضال في انجلترا‪ ،‬فلما سألته هل‬

‫‪60‬‬
‫قرأت «حقيقة الخالف»؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬فقلت‪ :‬هل قرأت «حقيقة اإليمان»؟‬
‫فقال‪ :‬ال‪ ،‬فقلت‪ :‬ال َّلهم غفر ًا‪.‬‬
‫لكن علي حلبي‪ ،‬أثري الزرقاء بين ـ المعكوفتين ـ لم يكتف‬
‫بكل هذا‪ ،‬بل كان طموحه أبعد من ذلك في سعي بقتل معنوي على‬
‫طريقة أحمد البدعة؛ ابن أبي دؤاد والسبكي و‪ ،...‬وشاية عند السلطان‪،‬‬
‫فكيف كانت الحصيلة‪ ،‬دعوة موسى بقيت‪ ،‬وهي التوحيد بأقسامه‪،‬‬
‫الشانىء‪ ،‬فكذلك بفضل ال َّله وم ّنه ظهرت دعوة وعقيدة‬
‫وانبتر فرعون َّ‬
‫الشانىء الموزور* المحتبي في ثوب‬ ‫الشيخ الفاضل المشكور‪ ،‬وانبتر َّ‬
‫زور‪.‬‬
‫فمن آثار دعوة الشيخ الفاضل المشكور‪ ،‬تحريم «اللجنة‬
‫الدائمة»‪ ،‬أدامها ال َّله ونصرها‪ ،‬وجعلها شوكة في حلقوم المبتدعة‬
‫والكفرة الفجرة على اختالف مللهم ونحلهم‪ ،‬كتابيه الداعيين إلى‬
‫اإلرجاء الفاحش‪ ،‬فلمن كانت العاقبة؟! فهل من سامع ومستجيب‪،‬‬
‫فشتان بين الحقِّ والباطل‪ ،‬والهدی والضالل‪ ،‬والنور والظلمة فاألول‬
‫انتصر لحزب ال َّله الموحدين‪ ،‬والثاني جادل عن الضالل المبتدعين‬
‫المشركين الكارهين للوحيين‪.‬‬
‫فالحصيلة أنَّ ال َّله ‪ ‬جعل لألول لكتابيه «حقيقة الخالف‬
‫بين السلفية الشرعية وأدعيائها في مسائل اإليمان» و«حقيقة اإليمان‬
‫عند الشيخ األلباني» القبول وكلما طبعت نفذت من األسواق‪ ،‬والثاني‬

‫* ألنَّه قامت عليه احلجة واعرتف ثم نكص‪ .‬‬

‫‪61‬‬
‫لكتابيه «التحذير من فتنة التكفير» و«صيحة نذير بخطر التكفير»‪،‬‬
‫النقض والتحذير منهما في األسواق ‪ ،‬وعلى كاتبهما التوبة ‪ ،‬والكف‬
‫(‪)1‬‬
‫لهز الخصر واألرداف‪ ،‬ألنَّ‬
‫والنفخ في األبواق‪ِّ ،‬‬ ‫عن الطبوليات‬
‫هز األكتاف(‪ ،)2‬وسوف نبسط الرد التفصيلي‬ ‫حنين الماضي ال ينسي َّ‬
‫أثناء تناولنا بعض العناصر من هذه الرسالة إن شاء ال َّله‪.‬‬
‫فأثر فتنة ابن األشعث و َّلد بالمقابل فتنة أعظم منها‪ ،‬ألنَّ‬
‫لكل فعل ردة فعل‪ ،‬هذا معلوم بالبديهة العقلية‪ ،‬قامت بدعة اإلفراط‬
‫فقوبلت ببدعة التفريط‪ ،‬وهنا يكمن الخطر عندما ترد البدعة بالبدعة‪،‬‬
‫فالحصيلة تفريخ جيوب من البدع والشبهات‪ ،‬كل جيب يبدِّ ع الطرف‬
‫مبدع‪ ،‬وسبب ذلك هو عدم مراعات‬
‫اآلخر‪ ،‬فأضحى كل جيب مبتدع ّ‬
‫األلفاظ الشرعية والتقيد بها‪.‬‬
‫الدجى وأساطين العلم‪ ،‬أنكروا على‬ ‫ولهذا أئمة الدِّ ين ومصابيح ُّ‬
‫ٍ‬
‫بباطل‪ ،‬أشد اإلنكار‪ ،‬ألنَّ هذا الفعل‬ ‫رد باط ً‬
‫ال‬ ‫من قابل بدعة ببدعة‪ ،‬أو َّ‬
‫الحق بين الهوی‪ ،‬فيكون صاحبه مستجير من النار بالرمضاء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يضيع‬
‫ّ‬
‫فاألئمة ‪ Ą‬لما قامت بدعة الخوارج؛ التكفير بالكبيرة‪ ،‬لم‬
‫يكترثوا لها‪ ،‬ولم يبالغوا في الرد عليها والسبب أنَّ النفس تأبى اإلفراط‬
‫وأمر‪ ،‬وال َّناس‬
‫ال فما كان فوقه أثقل ّ‬‫مرا ثقي ً‬
‫الحق ًّ‬
‫ُّ‬ ‫وتنفر منه‪ ،‬فإذا كان‬
‫سراع في قبول الباطل‪ ،‬خاص ًة إذا كان هذا الباطل فيه تفريط‪ ،‬فالنفس‬
‫ّ‬
‫تسكن إليه وتحبه وتنجذب إليه‪ ،‬لما فيه من انزواء وانطواء وخلود إلى‬

‫ (‪ )1‬ـ هي املسائل التي يراد هبا الشهرة‪ ،‬هلا صوت ورنني كالطبل‪.‬‬
‫للصد عن الدعوة السلفية الرشعية‪ .‬‬
‫وهز األكتاف هنا‪ ،‬لكل عقبة وضعت َّ‬ ‫ (‪ )2‬ـ ّ‬

‫‪62‬‬
‫األرض‪ ،‬فالنفس دوم ًا في طلب الراحة‪ ،‬تتلكأ عن الشرع‪ ،‬وهذا نوع‬
‫من اإلباء والشراد هرب ًا من العبودية‪ ،‬والتفريط يكاد يكون معه الشهامة‬
‫الحق والقول به منعدمة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في معرفة‬
‫فمن هذا الباب قال السلف‪ :‬لفتنتهم؛ المرجئة وطائفتهم الجدد‬
‫اليوم‪ ،‬أشد من فتنة األزارقة‪ ،‬لما فيها من تلبيس وتضليل بالباطل عن‬
‫أصحاب الباطل‪ ،‬هذا إن كان دعاتها ورؤساؤها ليس لهم يد وجاه عند‬
‫يصدق ذلك قول‬
‫السلطان‪ ،‬أما إن كان ذلك كذلك‪ ،‬فتلك هي الحالقة‪ّ ،‬‬
‫ابن مبارك �‪:‬‬
‫وأحبار سوء ورهبانها‬ ‫الدين اَّإل امللوك‬
‫وهل أفسد ّ‬
‫وسلك معهم اإلنصاف‬
‫واألزارقة إذا قوبلوا بالحجة والبرهان‪ُ ،‬‬
‫الصحابي ‪ ‬معروفة‬
‫والمعادلة يأمل في رجوعهم إلى الحقِّ ‪ ،‬فقصة َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫والصحابي اآلخر ‪َّ ،‬‬
‫لما قالوا له‪ :‬أبصر ماذا تقول‬ ‫َّ‬ ‫لما ناظرهم‪،‬‬
‫َّ‬
‫قال‪ :‬تقرأ في القرآن المقام المحمود‪ ،‬فرجعوا وأذعنوا للحقِّ ولم‬
‫واحد‪ )2(،‬وأما المرجئة وطائفتهم الجدد اليوم‪ ،‬ال يرجعون‬
‫ٌ‬ ‫يخرج إ َّ‬
‫ال‬
‫مهما أقمت من حجج إ َّ‬
‫ال في النادر‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫السوء؟!‬
‫فهل رجع أبو إسماعيل لما الموه على رأيه ُّ‬
‫قال جرير وكان المغيرة يقول‪« :‬نا حماد قبل أن يصير مرجئ ًا‬
‫[شرح أصول اعتقاد أهل الس َّنة‬ ‫وربما قال‪ :‬حدثنا حماد قبل أن يفسد»‪.‬‬

‫ (‪ )1‬ـ مناظرة عبد اهلل بن عباس ‪ ‬للخوارج‪.‬‬


‫ (‪ )2‬ـ مناظرة جابر بن عبد اهلل ‪ ‬للذين شغفهم رأي اخلوارج «صحيح مسلم رقم ‪.»472‬‬
‫ (‪ )3‬ـ محاد بن أيب سليامن‪ .‬‬

‫‪63‬‬
‫والجماعة رقم ‪.]1843‬‬
‫وهذا فيه إشعار أنَّ التحديث عن المبتدعة‪ ،‬إنَّما هو قبل أن‬
‫يحدثوا‪ ،‬وممن قبل روايتهم من األئمة بعد اإلحداث‪ ،‬إذا كانوا ثقات‬
‫فيما يروون‪ ،‬ولهذا قبل البخاري � رواية الخوارج‪ ،‬فهم أصدق أهل‬
‫األهواء حديث ًا ولم يقبل رواية الروافض ألنَّ دينهم الكذب‪ ،‬ويجتنب‬
‫روايتهم فيما أحدثوا‪ ،‬ألنَّ الغالب على أهل األهواء إذا أحدثوا‪ ،‬أن‬
‫يدعموا محدثاتهم بأحاديث تنصر ما يهوون ويشتهون فالخطر كامن‬
‫هنا‪ ،‬وهذا له بسط في موضع آخر‪.‬‬
‫فهل رجع تلميذه ووارث علومه أبو حنيفة؟!‬
‫وهل رجع إبراهيم التيمي؟!‬
‫وهل رجع طلق بن حبيب العنزي؟!‬
‫روی عبد ال َّله بن أحمد في الس َّنة‪ :‬عن أيوب قال‪ :‬قال لي سعيد‬
‫بن جبير‪« :‬ألم أرك مع طلق؟ قال‪ :‬قلت بلى فما له؟ قال‪ :‬ال تجالسه‬
‫فإنه مرجىء‪[ »..‬الس َّنة ‪ 323/1‬لعبد ال َّله بن أحمد بن حنبل ومنهاج الس َّنة النبوية ‬
‫‪ 292/5‬البن تيمية]‪.‬‬
‫[الس َّنة رقم ‪954‬‬ ‫وهل رجع ذر بن عبد ال َّله المرهبي الكوفي؟!‬
‫للخالل]‪.‬‬
‫وهل رجع محمد بن حازم الضرير أبو معاوية؟!‬
‫قال ابن حبان فيه‪« :‬كان حافظ ًا متقن ًا ولكن مرجئ ًا خبيثاً» [تذكرة‬
‫الحفاظ ‪ 294/1‬للذهبي]‪.‬‬
‫[تذكرة الحفاظ‬ ‫وقال أبو داود‪« :‬كان رئيس المرجئة بالكوفة»‬

‫‪64‬‬
‫‪ 294/1‬للذهبي]‪.‬‬
‫وهل رجع عمرو بن مرة المرادي؟! [شرح أصول اعتقاد أهل الس َّنة‬
‫والجماعة رقم ‪.]1847‬‬
‫وهل رجع عبد الكريم بن مالك الحراني؟!‬
‫وهل رجع سالم األفطس؟!‬
‫وهل رجع مسعر بن كدام؟!‬
‫وهل رجع عمر بن ذر؟!‬
‫رواد؟!‬
‫وهل رجع الذي جنى عليه إبنه عبد العزيز بن أبي َّ‬
‫أخرج الاللكائي بسنده عن الحسن بن وهب الجمحي قال‪:‬‬
‫رواد وهو شاب يومئذ ابن نيف وعشرين‬
‫«قدم علينا عبد العزيز بن أبي َّ‬
‫س َّنة‪ ،‬فمكث فينا أربعين أو خمسين سنة ال يعرف بشيء من اإلرجاء‬
‫حتى نشأ ابنه عبد المجيد فأدخله في اإلرجاء‪ ،‬فكان أشأم مولود ولد في‬
‫اإلسالم على أبيه!» [شرح أصول اعتقاد أهل الس َّنة والجماعة رقم ‪.]1848‬‬
‫وذكر مثل ذلك عن مالك بن أنس � أنه ذكر عنده عبد‬
‫المجيد هذا فقال مالك‪« :‬ذاك الذي أدخل أباه في اإلرجاء» [شرح أصول‬
‫اعتقاد أهل الس َّنة والجماعة رقم ‪.]1849‬‬
‫وهل رجع محمد بن كرام السجستاني؟!‬
‫وهل رجع أبو عبد ال َّله الصالحي؟!‬
‫وهل رجع أبو منصور الماتريدي؟!‬
‫وهل رجع الطحاوي؟! والبيهقي‪ ،‬والرازي والغزالي و النسفي‬
‫والتفتازاني و‪ ...‬والصابوني والغزالي والقرضاوي و‪ ...‬وطائفتهم‬

‫‪65‬‬
‫الجدد اليوم‪ ،‬المتسمة باألثرية‪ ،‬وال أثر لها إ َّال حماد وتلميذه‪.‬‬
‫فمن وقف في وجه األئمة األعالم ودعوتهم؟! أليسوا هم‪،‬‬
‫ومن وقف في وجه ابن تيمية وتالمذته؟! أليسوا هم‪ ،‬ومن وقف في‬
‫وجه الدعوة اإلصالحية المباركة التي قام بها محمد بن عبد الوهاب؟‬
‫أليسوا هم‪ ،‬ألم يقولوا عنه تكفيري يری رأي الخوارج‪ ،‬وما نعم أهل‬
‫ولما بدأ االنحراف عنها‬ ‫الحجاز اليوم إ َّ‬
‫ال من قبل دعوته المباركة‪َّ ،‬‬
‫بدأت تتقلص‪ ،‬ومن وقف في وجه دعوة ابن باديس؟! أليسوا هم‪ ،‬ومن‬
‫طعنه بسكينة وس َّلمه ال َّله منها؟! أليس واحد ًا منهم؟!‬
‫فكما جادلوا عن المشركين القبوريين على عهد محمد بن‬
‫عبد الوهاب‪ ،‬جادلوا عن الكارهين لما أنزل ال َّله‪ ،‬المشرعين للقوانين‬
‫الوضعية‪ ،‬يبتغون فيها الخيرية‪ ،‬حاملين عليها ال َّناس بالحديد والنار‪،‬‬
‫فلوال ذا‪ ،‬فمن الذي حمل أثري الزرقاء علي حلبي يقول عن حزب ال َّله‬
‫الموحدين‪ ،‬الذين لم يفرقوا بين الشرك مصدره القبور‪ ،‬وبين الشرك‬
‫الذي استشری من القصور‪ ،‬أنَّ لهم شبه بالشيعة لما جعلوا اإلمامة‬
‫أعظم مطالب أصول الدِّ ين‪ ،‬أيصدر هذا من سلفي صحيح المعتقد؟!‬
‫وإيم ال َّله ال يصدر هذا إ َّ‬
‫المن خلفي منتكس المعتقد‪ ،‬أو ليس الحاكمية‬
‫هي رأس المراد؟!‬
‫أو ليس تحقيق التوحيد والعبودية يكونان بما أمر ال َّله ‪ ‬وشرع‪،‬‬
‫وهؤالء ال يبالون إذا كان توحيدهم وعبوديتهم بما أمر ال َّله وبما ابتدع؛‬
‫ال يبالون إذا كانت الحاكمية ـ شرع ال َّله ـ نصف ل َّله ونصف َّ‬
‫للطاغوت‪،‬‬
‫ألنَّ عندهم ترك جنس العمل ال ينفي اإليمان‪ ،‬فل َّله المشتكى من هؤالء‬

‫‪66‬‬
‫القوم اليوم‪.‬‬
‫الدخالء فيها؛ وهم من‬
‫أضر على العلوم وأهلها من ُّ‬
‫«وال آفة ّ‬
‫غير أهلها‪ ،‬فإنَّهم يجهلون ويظنون أنَّهم يعلمون‪ ،‬ويفسدون ويقدِّ رون‬
‫أنَّهم ُيصلحون» [األخالق والسير ص ‪ 91‬البن حزم]‪.‬‬
‫«فتبين لطالب الحقِّ أنَّ من جادل عن المشركين المشرعين‬
‫للنظم الشيطانية‪ ،‬المضاهين للربوبية واأللوهية‪ ،‬الكارهين للفطرة‬
‫وسهل عليهم ما ارتكبوه من كفر بواح‪ ،‬واحتج لهم بالحجج‬
‫والشرع‪َّ ،‬‬
‫الباطلة‪ ،‬أنه فاقد أصل العلم‪ ،‬فيستحق أن يوصف بالجهل وإن كان‬
‫له اشتغال بأنواع من العلوم القليل نفعها» [الدرر َّ‬
‫الس َّنية ‪ 91/12‬وعقيدة‬
‫الموحدين والرد على الضالل والمبتدعين ص ‪ 39‬بتصرف]‪.‬‬
‫فلهذا نقول «لن يصلح المسلمون حتى يصلح علماؤهم فإنما‬
‫العلماء من األمة بمثابة القلب إذا صلح صلح الجسد ك ّله وإذا فسد‬
‫فسد الجسد ك ّله وصالح المسلمين إنما هو بفقههم اإلسالم وعملهم‬
‫به وإنما يصل إليهم هذا على يد علمائهم‪ ،‬فإذا كان علماؤهم أهل‬
‫جمود في العلوم وابتداع في العمل فكذلك المسلمون يكونون‪ ،‬فإذا‬
‫أردنا اصالح المسلمين فلنصلح علماءهم‪.‬‬
‫ولن يصلح العلماء إ َّ‬
‫ال إذا صلح تعليمهم‪ ،‬فالتعليم هو الذي‬
‫يطبع المتعلم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته من علمه‬
‫لنفسه وغيره فإذا أردنا أن نصلح العلماء فلنصلح التعليم ونعني‬
‫بالتعليم التعليم الذي يكون به المسلم عالم ًا من علماء اإلسالم يأخذ‬
‫عنه ال َّناس دينهم ويقتدون به فيه‪[ ».‬ابن باديس حياته وآثاره ‪.]217/3‬‬

‫‪67‬‬
‫فل َّله الحمد والم َّنة أنَّ األرض ال تخلو من قائم ل َّله بالحجة‪،‬‬
‫موضح ًا للمحجة‪ ،‬شاء من شاء وأبى من أبى‪ ،‬ﭧ ﭨ ﴿ﮄ ﮅ‬
‫ﮆﮇ ﮈﮉﮊﮋ ﮌﮍ ﮎﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝﮞ﴾ [الصف]‪ ،‬وهذا الظهور‬
‫يستحيل أن يكون بدون اعتقاد صحيح ومنهج سليم‪ ،‬فبهذا تكون‬
‫االستمرارية للطائفة المنصورة القاهرة ألعدائها‪.‬‬
‫فبوادر الخير ظاهرة‪ ،‬ومعالم هذه الفرقة بادية‪ ،‬وال َّناس فيها‬
‫أسراب إثر أسراب تتخللها بعض الفترات في بعض األمكنة وعراقيل‬
‫من أعداء األمة التقليديين‪ ،‬فلوال قائم ل َّله بالحجة‪ ،‬ما أصبحت السلفية‬
‫والسوء‬
‫ديدنة كل أحد اليوم‪ ،‬المبتغي فيها الخير‪ ،‬والمتربص بها الشر ُّ‬
‫أن‬
‫السوء‪ ،‬وأقصد بالسلفية‪ ،‬صحيحة المعتقد التي تقول َّ‬
‫عليه دآئرة ُّ‬
‫اإليمان حقيقة مركبة من اعتقاد وانقياد‪ ،‬أما أدعياؤها‪ ،‬فالبسون ثوب‬
‫زور‪.‬‬
‫ومما يؤسف له أنَّ هذه السلفية الشرعية أصبح يشنع بها‪،‬‬
‫ويقبحوها بشتى األوصاف‪ ،‬فألسقوا بها كلمة «اإلرهاب»‪ ،‬فما ذكرت‬ ‫ِّ‬
‫إ َّ‬
‫ال تبادر إلى أذهانهم هذا المصطلح الخبيث‪ ،‬وال َّن ْو َكی من هذه األمة‬
‫والمقبحين‪ ،‬فمن أحدث هذا؟ الشك أنهم‬
‫ِّ‬ ‫أصبحوا أبواق للمشنعين‬
‫الذين قالوا‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ [آل عمران‪ :‬ﮐ ]‪ ،‬فهذا‬
‫هو مبتغى القوم‪.‬‬
‫[آل‬ ‫يضرونا بهذا إ َّ‬
‫ال كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭺﭻ﴾‬ ‫ّ‬ ‫لكن لن‬

‫‪68‬‬
‫عمران‪ :‬ﮄ]‪ ،‬فاألذی منهم ثابت إلى قيام الساعة‪ ،‬يقوی ويضعف‪،‬‬
‫ٌ‬
‫دسيسة‬ ‫حسب قوة وضعف المنهج السلفي الشرعي‪ ،‬لكن األذی‬
‫وتأليب علينا‪ ،‬أما مجاهر ًة ومصادم ًة‪ ،‬فهم أحقر وأذل‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وخديعة‪،‬‬
‫﴿ﮅ ﮆﮇﮈﮉﮊ﴾ [آل عمران‪ :‬ﮪ]‪.‬‬
‫فمن باب الدسيسة والخديعة‪ ،‬انتحل بولص دين النصاری‬
‫ليفسد فيه‪ ،‬ومن هذا الباب انتحل عبد ال َّله بن سبأ الصنعاني دين‬
‫خرجت الزنادقة‬ ‫اإلسالم ليفسد فيه‪ ،‬ومن هذا الباب أنشأوا مدارس َّ‬
‫حكام ًا كرهوا ما أنزل ال َّله‬
‫والملحدين‪ ،‬ومن هذا الباب و ّلوا على األمة َّ‬
‫فأحبط ال َّله أعمالهم‪ ،‬وما و ّلوهم حتى عهدوا لهم أن يطيعوهم في كل‬
‫األمر‪ ،‬وليس في بعض األمر‪.‬‬
‫فهؤالء الذين ق َّننوا داخلون في زمرة الكارهين لما أنزل‪ ،‬ولوال‬
‫حكموا هذه القوانين الوضعية‪ ،‬وبالرغم من كل هذا الكفر‬ ‫كراهتهم ما َّ‬
‫البواح تجد من يسميهم «والة األمور» وهذا من اإللحاد في اللفظ‬
‫والخروج به عن المراد‪ ،‬وهؤالء الذين أطلقوا هذا المصطلح على‬
‫الكارهين لما أنزل هم صنفان‪:‬‬
‫ـ صنف أتي من سوء فهمه‪ ،‬وقلة بضاعته في العلوم‪ ،‬متبع لكل‬
‫ناعق‪ .‬مائل مع كل صائح مقلد غارق في ظلماته‪ ،‬كسول في طلب‬
‫الحجج معتقد الصحة بالميالد‪.‬‬
‫ـ وصنف خبيث المعتقد مندس في الصف‪ ،‬ليخلخل الجذع‬
‫السلفي‪ ،‬ولقد أخرج ال َّله أضغانهم‪ ،‬ألنَّ في قلوبهم مرض ًا‪.‬‬
‫ولذا قيل‪« :‬ما يستقر في القلب من إيمان ونفاق‪ ،‬البد أن يظهر‬

‫‪69‬‬
‫موجبه في القول والعمل‪ ،‬كما قال بعض السلف‪ :‬ما أسر أحد سريرة‬
‫إ َّ‬
‫ال أبداها ال َّله على صفحات وجهه‪ ،‬وفلتات لسانه‪ ،‬وتحريفات قلمه‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوى ‪ 377/7‬ط‪/‬جـ ‪ 620‬ط‪/‬ق البن تيمية بتصرف يسير]‪.‬‬
‫لذا قال الشاعر‪:‬‬
‫إن كان من حزبها أو من أعاديها‬ ‫والعني تعلم من عيين حمدثها‬
‫وشدة فتنة هؤالء على اإلسالم وأهله‪ ،‬بل على المنهج السلفي‬
‫الشرعي أشد من فتنة األعداء الظاهرين من أهل الكتابين‪ ،‬ذلك بأنَّ‬
‫ظاهرهم معنا‪ ،‬وباطنهم ضدنا‪ ،‬ونحن ال نصفهم بالنفاق‪ ،‬ولكن‬
‫نصفهم بالبدعة‪ ،‬واالنحراف عن المعتقد السليم في مسائل اإليمان‪،‬‬
‫وهي أعمالهم أحصيناها لهم‪.‬‬
‫وهذا االنحراف إما عن سوء قصد وفساد طوية‪ ،‬وإما توظيف ًا‬
‫من المدرسة الكارهة لما نزل ال َّله‪ ،‬سببها السذاجة والبالهة والعجب‪،‬‬
‫أو الحسد والبغي على ما عند اآلخرين من معتقد صحيح في مسائل‬
‫اإليمان‪ ،‬وثمرته القبول‪ ،‬وهذه موانع القبول واالنقياد‪ ،‬فمن أ ِّيها بغوا‬
‫علينا؟ هذا يعلم يوم يبعثر ما في القبور‪ ،‬ويحصل ما في الصدور‪.‬‬
‫«فإنَّ بلية اإلسالم بهم شديدة جد ًا‪ ،‬ألنهم منسوبون إليه‪ ،‬وإلى‬
‫نصرته ومواالته‪ ،‬وهم أعداؤه في الحقيقة‪ ،‬يخرجون عداوته في كل‬
‫قالب يظن الجاهل أنه علم وإصالح‪ .‬وهو غاية الجهل والفساد‪.‬‬
‫هدموه؟! وكم من حصن له قد‬ ‫فل َّله كم من معقل لإلسالم قد ّ‬
‫وخربوه؟! وكم من علمٍ له قد طمسوه؟! وكم من لواء‬
‫قلعوا أساسه َّ‬
‫الشبه في أصول غراسه‬
‫له مرفوع قد وضعوه؟! وكم ضربوا بمعاول ُّ‬

‫‪70‬‬
‫عموا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها؟!‬
‫ليقلعوها؟! وكم ُّ‬
‫فال يزال اإلسالم وأهله منهم في بلية‪ .‬وال يزال يطرقه‬
‫سرية بعد سرية‪ .‬ويزعمون أنهم بذلك مصلحون‬
‫َّ‬ ‫من شبههم‬
‫﴿ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ﴾ [البقرة]‪...‬‬
‫ثقلت عليهم النصوص فكرهوها‪ ،‬وأعياهم حملها فألقوها‬
‫عن أكتافهم ووضعوها‪ ،‬وتفلتت منهم السنن أن يحفظوها فأهملوها‪.‬‬
‫وصالت عليهم نصوص الكتاب والس َّنة فوضعوا لها قوانين ردوها‬
‫*‬
‫ودفعوها ‪ .‬ولقد هتك ال َّله أستارهم وكشف أسرارهم‪[ ».‬مدارج‬
‫السالكين ‪ 377/1‬ـ ‪ 386‬باختصار]‪.‬‬
‫وهؤالء األثرية؛ المرجئة الجدد‪ ،‬لما انتحلوا السلفية شعار ًا‬
‫واإلرجاء دثار ًا‪ ،‬تهافت فيها ال َّناس‪ ،‬قليلو الخبرة أطرياء العود‪،‬‬
‫ففتنتهم‪ ،‬ولهذا قال المغيرة‪« :‬لم يزل في ال َّناس بقية حتى دخل عمرو‬
‫بن مرة المرادي في اإلرجاء فتهافت ال َّناس فيه» [شرح أصول اعتقاد أهل‬
‫الس َّنة والجماعة رقم ‪.]1843‬‬
‫وذلك أنَّ زلة العالم‪ ،‬أو العابد الصالح‪ ،‬ليست كزلة الباقين‪،‬‬
‫فهذه ينفخ لها في األبواق‪ ،‬فيتهافت المائل المستجيب لكل ناعق‪،‬‬
‫ولهذا قال حبر األمة وترجمان القرآن‪« :‬ويل لألتباع من عثرات العالم»‬
‫[اإلحكام في أصول األحكام ‪ 266/2‬البن حزم]‪.‬‬
‫المنشىء برحابة‬
‫وف ُ‬‫الخ ُل ُ‬
‫وهؤالء المرجئة الجدد‪ ،‬تال َّقهم ُ‬

‫* إنحرافات عيل حلبي األثري بني ـ املعكوفتني ـ ‪ ،‬من قواعد ورشوط مبتدعة يف التكفري‬
‫وغريها‪ .‬‬

‫‪71‬‬
‫صدر‪ ،‬وألقى لهم بأعطياته‪ ،‬وبسط لهم الماء والثری‪ ،‬كيف وهم‬
‫لمعالم السلفية محرفون‪ ،‬بأعدائها محتضنون‪ ،‬ومن حرمتها مهونون‪،‬‬
‫وبمعاولهم يهدمون‪ ،‬ولمن خالفهم والمهم على ما هم فيه‪ ،‬مشّ هرون‬
‫ومبدعون ومحذرون‪ ،‬وإلى سلطان البدعة الكاره لما أنزل ال َّله ُمزفون‪،‬‬
‫ّ‬
‫فالويل لهم إنهم مخدوعون منخدعون‪ ،‬مفتونون منفتنون‪.‬‬
‫قال رسول ﷺ‪« :‬ما من نبي بعثه ال َّله في األمة قبلي إ َّال كان له‬
‫وأصحاب‪ ،‬يأخذون بس َّنته ويقتدون بأمره‪ ،‬ثم إنها‬
‫ٌ‬ ‫من أمته حواريون‬
‫تخلف من بعدهم ُخ ُل ٌ‬
‫وف يقولون ما ال يفعلون‪ ،‬ويفعلون ما ال يؤمرون‪،‬‬
‫فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪ ،‬ومن‬
‫حبة خردل‪».‬‬
‫جاهدهم بقلبه فهو مؤمن‪ ،‬وليس وراء ذلك من اإليمان َّ‬
‫[مسلم رقم ‪.]177‬‬
‫وقال رسول ال َّله ﷺ‪« :‬إنه سيعمل عليكم أمراء فتعرفون‬
‫وتنكرون‪ ،‬فمن كره فقد بریء ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي‬
‫وتابع» [مسلم رقم ‪.]4778‬‬
‫فإذا كان هذا الوعيد الشديد‪ ،‬في المشايعة والرضى‪ ،‬في أمراء‬
‫الظلم والفسق‪ ،‬الذين يتحاكمون إلى الشريعة وخالفوا في جزئية‪ ،‬أو‬
‫غيروا قواعد اإلسالم‪ ،‬وأعلنوا‬
‫قضية‪ ،‬فكيف الوعيد في مشايعة الذين َّ‬
‫بالردة جهار ًا‪ ،‬وقالوا‪ :‬ألعداء األمة‪ ،‬سنطيعكم في كل األمر‪ ،‬ثم هؤالء‬
‫يهونون لهم األمر‪ ،‬ويذبون عنهم بأقالمهم‬ ‫ال َّن ْو َكی؛ المرجئة الجدد‪ِّ ،‬‬
‫وما أتوا من وسائل شيطانية‪ ،‬ويسمونهم «والة أمور»‪ ،‬وهم عن أمر ال َّله‬
‫خرجوا‪ ،‬ومن الشرع شنأوا‪ ،‬ولما أنزل على محمد ﷺ كرهوا‪ ،‬ومن‬

‫‪72‬‬
‫الدين بدلوا‪ .‬سبحانك هذا بهتان عظيم‪.‬‬
‫الفطرة اشمأزوا‪ ،‬ولمعالم ّ‬
‫الدين‬
‫وهذا الذي نتوجع منه‪ ،‬توجع منه من كان قبلنا من أئمة ّ‬
‫ومصابيح الدجى‪ ،‬محمد بن إبراهيم آل الشيخ‪ ،‬ومحمد رشيد رضا‪،‬‬
‫وأحمد محمد شاكر‪ ،‬فقال‪« :‬ظهر َّ‬
‫حكام في كثير من البالد اإلسالمية‬
‫ُيدينون بالطاعة للكفار ـ عق ً‬
‫ال وروح ًا وعقيد ًة ـ واستذلوا الرعية من‬
‫المسلمين وبثوا فيهم عداوة اإلسالم بالتدريج‪ ،‬حتى كادوا يردوهم على‬
‫أعقابهم خاسرين وما أولئك بالمسلمين‪ .‬فإنا ل َّله وإنا إليه راجعون‪».‬‬
‫[عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير ‪.]423/1‬‬
‫فقولوا ع َّنا ماشئتم‪ ،‬وصفونا بما أحدثتم من مصطلحاتكم‬
‫الحادثة‪« :‬أصولية» و«فضولية» و«إرهابية» و«خارجية» و«بدعية»‬
‫و«جمودية»‪ ،‬فما عبأنا يوم ًا بما تقولون‪ ،‬ولكن قلنا ما ينبغي أن نقول*‬

‫ألنَّ المحامي عن عرين الدِّ ين‪ ،‬هو بمثابة المرابط على الثغور‪ ،‬المنافح‬
‫عن حرمته‪ ،‬الراجي أن يكون من الخلف العدول‪ ،‬والعدل‪ :‬هو القائل‬
‫الحق‬
‫ّ‬ ‫والعامل بالقسطاط المستقيم‪ ،‬الوارث للميزان‪ ،‬الذي يعلم‬
‫ويرحم الخلق‪.‬‬
‫ومن رحمتنا للخلق‪ ،‬أن نقول للمسلم أنت مسلم‪ ،‬وللكافر‬
‫أنت كافر‪ ،‬وللمتذبذب بينهما أنت متذبذب‪ ،‬وللمرتد أنت مرتد‪،‬‬
‫ولمن أظهر اإلسالم وأبطن خالفه‪ ،‬فليس لنا إ َّ‬
‫ال ظاهره وسريرته إلى‬
‫ال َّله‪ ،‬ولمن كان له نور وظلمة‪ ،‬أنكرنا ظلمته وأرشدناه إلى نور ال ظلمة‬
‫* انظر «عمدة التفسري عن احلافظ ابن كثري ‪ »697/1‬للع َّ‬
‫المة أمحد حممد شاكر � ـ تعاىل‬
‫ـ ط‪/‬األوىل ‪1424‬هـ لدار الوفاء‪ .‬‬

‫‪73‬‬
‫فيه‪ ،‬ولمن رضي بمذهبنا وخالفنا في بعض األمور ارتضينا منه ما‬
‫رضي‪ ،‬وأبطلنا ما خالفنا فيه بالحجة والبرهان‪ ،‬ونقيل عثرته خاص ًة إذا‬
‫الحق أزلي والباطل طاریء‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ظهر منه التحري والصواب وأخطأ‪ ،‬ألنَّ‬
‫ولمن انتحل مذهبنا ليفسد فيه‪ ،‬مثل هؤالء المرجئة الجدد الذين يرون‬
‫اإلرجاء في الباطن‪ ،‬وفي الظاهر معظمون لمذهبنا‪ ،‬نرضى منهم ما‬
‫أصر هتكنا ستره‬
‫أصابوا وندفع في نحورهم ما أخطأوا وزاغوا‪ ،‬ومن َّ‬
‫وكشفنا عوره‪ ،‬وقلنا احذروهم هم العدو‪.‬‬
‫الحق ورحمة الخلق‪ ،‬فهو «طريق الموازنة‬ ‫ّ‬ ‫فهذا هو طريق علم‬
‫والمعادلة‪ ،‬ومن سلكه كان قائم ًا بالقسط الذي أنزل ال َّله به الكتاب‬
‫والميزان‪[ ».‬مجموعة الفتاوى ‪ 212/10‬ط‪/‬جـ ‪ 366‬ط‪/‬ق البن تيمية]‪.‬‬
‫ولوال تغلل الفكر اإلرجائي في األمة حتى أصبح شعار ًا ودثار ًا‪،‬‬
‫والمذهب المرتضى‪ ،‬ومن خالفه إما خارجي ًا‪ ،‬أو مخرف ًا‪ ،‬ما كان بنا أن‬
‫نكتب هذا‪ ،‬لكن القوم؛ المرجئة الجدد‪ ،‬ك َّلما قام لهم الدليل َّ‬
‫حرفوا‬
‫السبيل‪ ،‬إما يعرضوا عنه تفويض ًا أو يحرفوه تأوي ً‬
‫ال‪.‬‬
‫قط إ َّ‬
‫ال وسببها التأويل؛ فإن محنته‬ ‫«فما امتحن اإلسالم بمحنة ُّ‬
‫إما من المتأولين‪ ،‬وإما أن يسلط عليهم الكفار بسبب ما ارتكبوا من‬
‫التأويل وخالفوا ظاهر التنزيل وتع َّللوا باألباطيل‪[ ».‬إعالم الموقعين عن‬
‫رب العالمين ‪.]193/4‬‬
‫ّ‬
‫كم ٌ‬
‫هائل من شبهات‪ ،‬وتأويالت باطلة‪ ،‬سببها قصور‬ ‫فما خلفوه ٌ‬
‫أفهامهم‪ ،‬أو هوی معتضدون عليه بشبهة دليل‪ ،‬أو هوی من غير شبهة‪،‬‬
‫سببه حطام الدنيا وخوف فواتها‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫«ولوال أنَّ القوم؛ المرجئة الجدد‪ ،‬جعلوا هذا علم ًا مقو ً‬
‫ال ودين ًا‬
‫الحق‬
‫ّ‬ ‫إن هذا هو‬
‫يردون به نصوص الكتاب والس َّنة‪ ،‬ويقولون‪َّ :‬‬ ‫مقبو ً‬
‫ال‪ُّ ،‬‬
‫الذي يجب قبوله‪ ،‬دون ما عارضه من النصوص اإللهية واألخبار‬
‫والدين ما ال يحصيه‬
‫النبوية‪ ،‬ويتبعهم على ذلك من طوائف أهل العلم ّ‬
‫إ َّال ال َّله العتقادهم َّ‬
‫أن هؤالء أحذق منهم وأعظم تحقيقاً‪ ،‬سببه الكسل‬
‫الحق بالرجال‪ ،‬لم يكن بنا حاجة إلى‬
‫ّ‬ ‫في طلب الحجج‪ ،‬أو معرفة‬
‫كشف هذه المقاالت والتحريفات والتأويالت الفاسدة‪[ ».‬درء تعارض‬
‫العقل والنقل ‪ 335/1‬البن تيمية بتصرف يسير]‪.‬‬
‫فالمعركة محتدمة‪ ،‬والعاقبة للتقوی‪ ،‬ومخازي القوم‬
‫وتحريفاتهم كثيرة‪ ،‬نكتفي بما أشرنا إليه آنف ًا‪ ،‬ولنشرع في الرد‪ ،‬وله‬
‫أسأل اإللهام والسداد‪ ،‬وما توفيقي إ َّ‬
‫ال بال َّله‪.‬‬
‫فلنختم هذا بنصيحة نافعة ووصية جامعة‪ ،‬من إمام زمانه في‬
‫المغرب األوسط من األمة اإلسالمية‪ ،‬نافح عن الحقِّ ‪ ،‬وحارب شبهات‬
‫هؤالء الذي نحن معهم في نزا ٍع وقراعٍ‪ ،‬أصلح األمة في تلك الديار‬
‫المدمر الصليبي الفرنسي وأعوانه‪ ،‬ومن‬
‫ووقف حجر عثرة في وجه ّ‬
‫قدم فيه أبناء الجزائر المسلمة‬
‫بركة إصالحه ذاك الجهاد المبارك الذي َّ‬
‫مليون ونصف المليون قتيل‪ ،‬فدحروا العدو وأخزوه بعد ما كان يقول‬
‫في احتفاله المئوي من دخول تلك الديار‪« :‬و َّلى عهد الهالل* وجاء‬
‫عهد الصليب»‪ .‬لكن الفرحة لم تدم طوي ً‬
‫ال؛ بسبب استيالء الكارهين‬

‫* اهلالل‪ :‬ليس شعار ًا لإلسالم‪ ،‬وإنام هو من البدع املحدثة التي ضحك هبا العلامنيون عىل‬
‫املسلمني بقوهلم‪ :‬أنَّ اهلالل شعار اإلسالم وبه يتبني شهر رمضان‪ ،‬والنجمة ذات اخلمسة ← ‬

‫‪75‬‬
‫لما َّنزل ال َّله بمناصب الريادة والزعامة*‪.‬‬
‫الحق المجتهد في طلبه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فهي وصية جامعة أوصي بها طالب‬
‫الحق والدعوة‬
‫ّ‬ ‫أن يجعلها قاعدة يرتكز عليها‪ ،‬في التحصيل‪ ،‬أو معرفة‬
‫إليه‪ ،‬فيهتدي ويرشد بإذن ال َّله‪ ،‬وليعلم طالب الحجة أنَّ ال َّله مع الذين‬
‫اتقوا والذين هم محسنون‪.‬‬
‫قال عبد الحميد ابن باديس �‪« :‬اعلموا جعلكم ال َّله من وعاة‬
‫وجملكم بعزة االتباع وج َّنبكم‬
‫العلم‪ ،‬ورزقكم حالوة اإلدراك والفهم‪َّ ،‬‬
‫كل مكان وزمان أن يعتقد‬ ‫ذلة االبتداع‪ ،‬أنَّ الواجب على كل مسلم في ِّ‬
‫يتشربه قلبه وتسكن له نفسه؛ وينشرح له صدره‪ ،‬ويلهج به لسانه‪،‬‬‫عقد ًا َّ‬
‫وتنبني عليه أعماله‪ ،‬أنَّ دين ال َّله تعالى من عقائد اإليمان‪ ،‬وقواعد‬
‫اإلسالم‪ ،‬وطرائق اإلحسان إنما هو في القرآن والس َّنة الثابتة الصحيحة‬
‫وعمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين وإن كل‬
‫ما خرج عن هذه األصول ولم يحظ لديها بالقبول؛ ـ قو ً‬
‫ال كان أو عم ً‬
‫ال‬
‫أو عقد ًا أو احتما ً‬
‫ال‪ ،‬فإنه باطل من أصله ـ مردود على صاحبه ـ كائن ًا‬

‫← أطراف إنام هي أركان اإلسالم‪ ،‬فجعلوها يف رايتهم‪ ،‬والشعار احلقيقي تركوه ظهريا وهو‬
‫شهادة التوحيد‪.‬‬
‫* انتحلوا االشرتاكية منهج ًا‪ ،‬وضحكوا عليهم بقوهلم‪ :‬أنَّ النبي ﷺ قال‪« :‬ال َّناس متساوون‬
‫كأسنان املشط» فغروهم هبذا حتى أصبح بعد مدة يسرية اإلحلاد شائع ًا‪ ،‬يدرس يف املدارس‬
‫واجلامعات‪ ،‬ومن أراد أن حيصل عىل الثانوية العامة البد أن يمتحن يف الذي زرع يف األمة‬
‫اإلسالمية رش ًا عظي ًام‪ ،‬الذي مهد له أمحد البدعة عىل عهد املأمون‪ ،‬املوسوم زور ًا وهبتان ًا بـ‬
‫«احلكمة اليونانية» وبأحری أن تسمى بـ «املزبلة اليونانية»‪ ،‬التي يسموهنا اليوم بالفلسفة‪ ،‬فيها‬
‫من الكفر البواح الذي فيه من اهلل برهان‪ ،‬ومن بني هذا الكفر البواح عنوان يسمى بـ «املشكلة‬
‫األلوهية» والبد من االمتحان فيه إن أردت الشهادة فل ّله املشتكى من غربة اإلسالم اليوم‪ .‬‬

‫‪76‬‬
‫كل زمان ومكان‪ ،‬فاحفظوها واعملوا بها تهتدوا وترشدوا‬ ‫من كان في ِّ‬
‫إن شاء ال َّله‪[ ».‬ابن باديس حياته وآثاره ‪.]163/3‬‬
‫فيالها من نصيحة نافعة ووصية جامعة‪ ،‬لمن وقف على فحواها‪،‬‬
‫ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪77‬‬
‫أو ًال‪ :‬تعريف اإليمان عند المبتدعة‪:‬‬
‫‪1‬ـ تعريف اإليمان عند الخوارج والمعتزلة‪:‬‬
‫قال الخوارج والمعتزلة‪« :‬اإليمان‪ :‬هو قول وعمل»‪.‬‬
‫أو‪« :‬المعرفة بالقلب بالدِّ ين واالقرار به باللسان والعمل‬
‫باألركان*»‪.‬‬
‫لكن الخوارج والمعتزلة جعلوا اإليمان شيئ ًا واحد ًا؛ ال يتبعض‬
‫أو ينقص‪ ،‬فسلبوا اإليمان عن صاحب الكبيرة وشبهتهم في ذلك أنَّ‬
‫«الطاعات ك ّلها من اإليمان‪ ،‬فإذا ذهب بعضها ذهب بعض اإليمان‪،‬‬
‫فذهب سائره فحكموا بأن صاحب الكبيرة ليس معه شيء من اإليمان‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوى ‪ 313/7‬ط‪/‬جـ ‪ 510‬ط‪/‬ق البن تيمية]‪.‬‬
‫فبنا ًء على هذا يكون هؤالء المبتدعة؛ الخوارج والمعتزلة‪،‬‬
‫خالفوا أهل الس َّنة والجماعة في االسم والحكم‪ ،‬سلبوا عن صاحب‬
‫الكبيرة اسم المؤمن‪ ،‬وأوقعوا عليه اسم الكفر‪ ،‬لكن المعتزلة تقول‪:‬‬
‫إنَّه في منزلة بين المنزلتين‪ ،‬هرب ًا من اسم الكفر‪ ،‬أما في الحكم‪ ،‬فكلتا‬
‫خالد في ال َّنار‪.‬‬
‫الطائفتين‪ ،‬تقول‪ :‬إنَّه ٌ‬
‫‪2‬ـ تعريف اإليمان عند المرجئة‪[ :‬الجهمية]‪:‬‬
‫ذهبت هذه الطائفة إلى أنَّ اإليمان إنما هو‪ :‬معرفة ال َّله تعالى‬
‫بالقلب فقط وإن أظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه‬
‫وعبادته‪ ،‬فإذا عرف ال َّله تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الج َّنة‪ ،‬وأنَّ ما‬
‫* انظر ِ‬
‫«الفصل يف امللل واألهواء والنحل ‪ »209/2‬البن حزم �‪ .‬‬

‫‪78‬‬
‫سوی المعرفة من اإلقرار باللسان‪ ،‬والخضوع بالقلب والمحبة ل َّله‬
‫ولرسوله‪ ،‬والتعظيم لهما‪ ،‬والخوف والعمل ليس بإيمان‪ ،‬فإذا أتى‬
‫اإلنسان بالمعرفة‪ ،‬ثم جحد بلسانه أنَّه ال يكفر بجحده‪ ،‬وهذا قول أبي‬
‫محرز الجهم بن صفوان الزنديق‪ ،‬وأبي الحسن األشعري‪ ،‬والقاضي‬
‫[انظر‬ ‫أبي بكر الباق َّ‬
‫الني وأبي المعالي‪ ،‬وهذا هو مذهب األشعرية‪.‬‬
‫ِ‬
‫الفصل في الملل واألهواء والنحل ‪ 209/2‬البن حزم ومجموعة الفتاوی ‪ 79/7‬و‬
‫‪ 312‬و ‪ 333‬البن تيمية ط‪/‬جـ]‪.‬‬
‫وفساد هذا القول‪ ،‬معلوم بصحيح المنقول وصريح المعقول‪ ،‬‬
‫يلزم منه أنَّ إبليس ال َّلعين وفرعون واليهود مؤمنون‪ ،‬فكل هؤالء عرفوا‬
‫ربهم‪ ،‬وهذا تحريف الكلم عن مواضعه‪ ،‬وإفك مفتری‪ ،‬ودعوی بال‬
‫َّ‬
‫برهان‪ ،‬ومجاهرة سمجة قبيحة‪.‬‬
‫‪3‬ـ تعريف اإليمان عند المرجئة‪[ :‬الكرامية]‪:‬‬
‫فهؤالء يقولون إنَّ اإليمان هو‪ :‬إقرار باللسان؛ اسم للقول‬
‫باللسان وإن لم يكن معه اعتقاد القلب؛ وإن اعتقد الكفر بقلبه‪ ،‬وهذا‬
‫القول أفسد األقوال‪ ،‬وآخرها حدوث ًا‪ ،‬وصاحبه هو محمد بن كرام‬
‫السجستاني وأصحابه‪[ .‬انظر الفصل في الملل ‪ 209/2‬البن حزم واألصبهانية‬
‫‪ 182/1‬البن تيمية]‪.‬‬
‫لكن أصحاب هذا القول يخالفون في االسم ال في الحكم‪،‬‬
‫يقولون إنَّ اإليمان باللسان دون القلب هو إيمان المنافقين وأنَّه ال‬
‫ينفع في اآلخرة‪ ،‬وأما المرجئة الجهمية يخالفون أهل الس َّنة في االسم‬
‫[انظر مجموعة الفتاوی ‪ 337/7‬ط‪/‬جـ ‪ 550‬ط‪/‬ق واألصبهانية‬ ‫والحكم‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ 182/1‬البن تيمية]‪.‬‬
‫‪4‬ـ تعريف اإليمان عند المرجئة‪[ :‬الفقهاء]‪:‬‬
‫إنَّ اإليمان عند المرجئة الفقهاء هو‪ :‬المعرفة بالقلب واإلقرار‬
‫وأقر به بلسانه فهو مسلم‬ ‫باللسان معاً‪ ،‬فإذا عرف المرء ّ‬
‫الدين بقلبه‪َّ ،‬‬
‫كامل اإليمان واإلسالم وأنَّ األعمال ال تسمى إيمان ًا ولك َّنها شرائع‬
‫اإليمان‪ ،‬وهذا قول أبي حنيفة النعمان بن ثابت الفقيه وجماعة من‬
‫الفقهاء‪[ .‬انظر ِ‬
‫الفصل في الملل‪ 209/2‬البن حزم]‪.‬‬
‫وسموا بالفقهاء ألنَّ أصحابه لهم مذهب فقهي‪ ،‬وسموا كذلك‬
‫بمرجئة فقهاء الكوفة‪ ،‬لخروجه منها‪ ،‬مع تبني بعض الفقهاء له‪ ،‬مثل‬
‫حماد بن أبي سليمان تلميذ إبراهيم النخعي‪ ،‬وإبراهيم بريء من‬
‫فعله‪ ،‬إنما اعتقاده في مسائل اإليمان اعتقاد السلف‪ ،‬كيف وهو من‬
‫التابعين‪.‬‬
‫قال ابن عون �‪« :‬كان حماد بن أبي سليمان من أصحابنا‬
‫حتى أحدث ما أحدث يعني اإلرجاء‪[ ».‬الس َّنة رقم ‪1064 ،1063 ،1062‬‬
‫للخالل]‪.‬‬
‫ورث هذه البدعة ألبي حنيفة‪ ،‬وتب َّناها معظم أصحابه‬
‫فحماد َّ‬
‫وبعض فقهاء المذاهب األخری‪ ،‬وطائفة المرجئة الجدد لكن هؤالء‬
‫قالوا في العمل شرط كمال فالخالف بينهما لفظي ًا‪.‬‬
‫وإن كان هذا القول أقرب إلى أهل الس َّنة والجماعة‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أنَّه رأي‬
‫سوء‪ ،‬عابه كثير من السلف ومنهم إمام أهل الس َّنة أحمد بن حنبل‪ ،‬ألنَّه‬
‫أخطر األقوال الشتماله على تلبيس وتضليل‪ ،‬سقَّط كثير من الفقهاء‬

‫‪80‬‬
‫األجالء والمسلمين في هوته‪ ،‬يظنون أنَّه قول السلف‪ ،‬وما نزاع اليوم‬
‫مع طائفتهم الجدد إ َّ‬
‫ال بسببه‪.‬‬
‫وغلط من يقول إنَّ بيننا وبينهم نزاع ًا لفظي ًا‪ ،‬كيف وهم يقولون‬
‫إن األعمال الظاهرة ليست من لوازم اإليمان الباطن‪ ،‬فإذا أثبتوا «أنَّها‬ ‫َّ‬
‫ال صالح ًا ظاهر ًا كان بعد‬ ‫من لوازمه‪ ،‬وأنَّ اإليمان الباطن يستلزم عم ً‬
‫ذلك قولهم إنَّ تلك األعمال الزمة لمسمى اإليمان‪ ،‬أو جزء ًا منه نزاع ًا‬
‫لفظي ًا» [مجموعة الفتاوی ‪ 356/7‬ط‪/‬جـ ‪ 584‬ط‪/‬ق البن تيمية]‪.‬‬
‫وهؤالء المبتدعة؛ المرجئة على فرقهم‪ ،‬أتوا من باب واحد‪ ،‬هو‬
‫أنَّ اإليمان في لغة العرب‪ :‬التصديق فقط‪ .‬فقد عدلوا في هذا األصل‬
‫«عن بيان الكتاب والس َّنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان‪،‬‬
‫واعتمدوا على رأيهم‪ ،‬وعلى ما تأولوه بفهمهم ل ّلغة‪ ،‬وهذه طريقة أهل‬
‫البدع؛ ولهذا كان اإلمام أحمد يقول‪ :‬أكثر ما يخطىء ال َّناس من جهة‬
‫التأويل والقياس‪.‬‬
‫ولهذا تجد المعتزلة والمرجئة والرافضة وغيرهم من أهل‬
‫البدع‪ ،‬يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم‪ ،‬وما تأولوه من اللغة‪ ،‬ولهذا‬
‫تجدهم ال يعتمدون على أحاديث النبي ﷺ والصحابة والتابعين وأئمة‬
‫المسلمين‪ ،‬فال يعتمدون ال على الس َّنة وال على إجماع السلف وآثارهم؛‬
‫وإنما يعتمدون على العقل واللغة‪[ ».‬مجموعة الفتاوی‪ 79/7‬ط‪/‬جـ ‪،118‬‬
‫‪ 119‬ط‪/‬ق البن تيمية]‪.‬‬
‫وهؤالء وأمثالهم لو أنَّهم «لم يضربوا قط كالم ربهم تعالى‬
‫بعضه ببعض وأخذوه ك ّله على مقتضاه الهتدوا ولكن من يهد ال َّله فهو‬

‫‪81‬‬
‫المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولي ًا مرشد ًا‪[ ».‬الفصل في الملل واألهواء‬
‫والنحل ‪ 240/2‬البن حزم]‪.‬‬
‫ومن هنا أتي القوم؛ المرجئة الجدد‪ ،‬لما ذهبوا يجمعون بين‬
‫طرفي النقيض‪ ،‬بين مرجئة الفقهاء الذين انتحلوا مذهبهم‪ ،‬القائلين أنَّ‬
‫اإليمان هو المعرفة بالقلب واإلقرار باللسان‪ ،‬واألعمال شرائع اإليمان‬
‫ليست منه‪ ،‬وأنَّ المفرط فيها ولم يأت بها مطلق ًا عاص ل َّله مستحق‬
‫الحق أنَّ اإليمان قول‬
‫ّ‬ ‫للوعيد دون الخلود‪ ،‬وبين مذهب السلف وهو‬
‫وعمل‪ ،‬والقول قول القلب والعمل عمل القلب والجوارح‪.‬‬
‫فحرفوا قولهم لما كانوا يرون قول مرجئة الفقهاء في الباطن‬
‫«إن العمل شرط كمال‬
‫ويعظمون مذهب السلف في الظاهر‪ ،‬فقالوا‪َّ :‬‬
‫وليس شرط صحة» فبجمعهم هذا انفتح عليهم سد المرجئة الجهمية‬
‫بعد ما كان مبني ًا بزبر الحديد‪.‬‬
‫فالزم قولهم هذا‪ ،‬إذا كانت األعمال شرط كمال‪ ،‬دخل بذلك‬
‫عمل القلب والبد ألنَّ التفريق بين المتماثالت من أقبح المحال‪ ،‬فإذا‬
‫كان أعمال الجوارح شرط كمال‪ ،‬لزم أن تكون أعمال القلوب من حب‬
‫ال َّله ورسوله‪ ،‬واالنقياد‪ ،‬والمواالة والمعاداة‪ ،‬و‪ ،...‬شرط كمال‪ ،‬ألنَّ‬
‫هذا عمل‪ ،‬وهذا عمل‪ ،‬ومن لم يأت بشرط العمل ال ينتقض إيمانه وإن‬
‫كان مستحق ًا للوعيد دون الخلود‪.‬‬
‫فتكون الخالصة عندهم‪ :‬أنَّ من أتى بالمعرفة والقول وترك‬
‫العمل مطلق ًا ناجي من الخلود‪ ،‬ولهذا طائفتهم الجدد ع َّلقوا الحكم‬
‫على المتروكات والمفعوالت على االعتقاد‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ومن تدبر هذا وجد أنَّ هذا القول‪ ،‬أو الجمع الهاري المتناقض‬
‫وأن أصحابها َن ْو َكی أتوا من باب الشبهة لما‬
‫دعوی ال يقوم عليه دليل‪َّ ،‬‬
‫جعلوها برهان ًا وعرضوا قول ال َّله ورسوله وقول السلف عليها‪ ،‬وهذا‬
‫منتهى السفسطة فيما هو بديهي ولهذا حصرهم شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫� في جحر ضب لما انتحلوا هذه المقالة‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬والمرجئة الذين قالوا‪ :‬اإليمان تصديق‬
‫القلب‪ ،‬وقول اللسان‪ ،‬واألعمال ليست منه‪ ،‬كان منهم طائفة من فقهاء‬
‫وعبادها‪ ،‬ولم يكن قولهم مثل قول جهم‪ ،‬فعرفوا أنَّ اإلنسان‬ ‫الكوفة َّ‬
‫ال يكون مؤمن ًا إن لم يتكلم باإليمان مع قدرته عليه‪ ،‬وعرفوا أنَّ إبليس‬
‫وفرعون وغيرهما كفار مع تصديق قلوبهم‪ ،‬لكنهم إذا لم يدخلوا‬
‫أعمال القلوب في اإليمان لزمهم قول جهم وإن أدخلوها في اإليمان‬
‫لزمهم دخول أعمال الجوارح ـ أيض ًا ـ فإنَّها الزمة لها‪[ ».‬مجموعة الفتاوی‬
‫‪ 124/7‬ط‪/‬جـ ‪ 194‬ط‪/‬ق البن تيمية]‪.‬‬
‫هذا منتهى دندنة القوم واضطرابهم‪ ،‬خالفوا الجهمية في االسم‪،‬‬
‫أي‪ :‬البد مع المعرفة اإلقرار باللسان حتى يطلق اسم المؤمن‪ ،‬واتفقوا‬
‫معها في الحكم‪ ،‬بأن ع َّلقوا النجاة عليها وإن كان مستحق للوعيد‪َّ ،‬‬
‫ألن‬
‫جنس العمل عندهم شرط كمال ليس شرط صحة‪ ،‬هنا وقف حمارهم‬
‫عند العقبة‪.‬‬
‫ولهذا لما نقول لهؤالء القوم أنَّ دعوتكم واعتقادكم الباطني‬
‫يدعوا لهذا‪ ،‬ينبغي عليهم أن ال يأنفوا منه وال ينفروا ع َّنا نفور الوحوش‪،‬‬
‫كيف وهي مسطرة في كتبهم مثل «الحكم بغير ما أنزل ال َّله وأصول‬

‫‪83‬‬
‫التكفير» لكاتبه خالد علي العنبري الجهمي‪ ،‬و«هزيمة الفكر التكفيري»‬
‫له أيض ًا‪ ،‬و«التحذير من فتنة التكفير» و«صيحة نذير بخطر فتنة التكفير»‬
‫كالهما ألثري الزرقاء علي حسن حلبي المرجئي و«إحكام التقرير في‬
‫الدعي* أما‬
‫أحكام التكفير» لمراد شكري الجهمي‪ ،‬أشرف على طبعه َّ‬
‫دعوتكم السلفية فهي كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وليلى ال ُّ‬
‫تقر هلم بذاكا‬ ‫وكل َّيدعي وص ًال بليلى‬
‫فمن تدبر هذا‪ ،‬علم أنَّ الخالف بيننا وبينهم ليس صوري ًا وال‬
‫لفظي ًا‪ ،‬بل خالف ًا حقيقي ًا‪ ،‬استشری بسببه الفسق والفساد في األمة‪،‬‬
‫واالستخفاف بالمحرمات‪ ،‬ولذا قام السلف يحاربونهم بال هوادة أي‪:‬‬
‫مرجئة الفقهاء‪ ،‬أمروا بهجرهم وعدم مجالستهم‪ ،‬حتى يتوبوا ويرجعوا‬
‫أن األعمال ليست من اإليمان‪.‬‬
‫عما انتحلوه‪ ،‬لشناعة قولهم؛ َّ‬
‫َّ‬
‫ومن تدبر كالم شيخ االسالم في مسألة اإليمان وردوده على‬
‫المرجئة‪ ،‬إنَّما يعني بكالمه هؤالء؛ مرجئة الفقهاء‪ ،‬الذين هم برزخ بين‬
‫الجهمية والسلفية‪ ،‬وإن كان مآل قولهم في األخير يعود إلى قول جهم؛‬
‫أنَّ اإليمان يكفي منه المعرفة‪ُّ ،‬‬
‫فأي ذم وعيب وتنفير جاء عن علماء‬
‫السلف في المرجئة‪ ،‬فهو منصرف لهم‪ ،‬ألنَّ بدعتهم الشنعاء صارت‬
‫ذريعة إلى إرجاء الغالة الجهمية وغيرهم‪ ،‬واستشری بسببها الفسق‪،‬‬

‫* بعد صدور فتوى هيئة كبار العلامء يف هذا الكتاب‪ ،‬وأنه ال يمثل عقيدة أهل الس َّنة واجلامعة‬
‫يف مسائل اإليامن تربأ حلبي من صاحبه ﴿ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ‬
‫ﯹﯺ﴾ [احلرش‪ :‬ﰀ] وإذا كان الشيطان قد أثبت خوفه من اهلل‪ ،‬فإنَّ عيل حلبي الخياف اهلل ‬
‫وال يتقه الستمراره يف تسويق هذه العقيدة الفاسدة‪ .‬‬

‫‪84‬‬
‫زياد ًة على أنَّها أصبحت عقبة في وجه المصلحين‪ ،‬الذين يدعون األمة‬
‫إلى دار القرار‪ ،‬ويحذرونها من دار البوار‪.‬‬
‫فالصراع ال يزال محتدم ًا مع هؤالء؛ طائفتهم الجدد‪ ،‬بسبب‬
‫إخراج العمل عن اإليمان‪ ،‬ألنَّ إخراجهم «العمل يشعر أنَّهم أخرجوا‬
‫صدق الرسول وأبغضه‬ ‫أعمال القلوب أيض ًا‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫باطل قطع ًا‪ ،‬فإنَّ من َّ‬
‫وعاداه بقلبه وبدنه فهو كافر قطع ًا بالضرورة‪ ،‬وإن أدخلوا أعمال القلوب‬
‫في اإليمان أخطأوا أيض ًا المتناع قيام اإليمان بالقلب من غير حركة‬
‫بدن‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪ 340/7‬ط‪/‬جـ ‪ 556‬ط‪/‬ق البن تيمية]‪.‬‬
‫الحق‪ ،‬هم الذين لزموا‬
‫ّ‬ ‫فمن تدبر هذا‪ ،‬علم أنَّ أصحاب مذهب‬
‫الدليل فلم يضلوا السبيل‪ ،‬القائلون أنَّ اإليمان قول وعمل‪ ،‬المك ّفرون‬
‫لتارك جنس العمل‪ ،‬ومن خالفهم «لزمه فساد معلوم بصريح المعقول‪،‬‬
‫وصحيح المنقول كسائر ما يلزم األقوال المخالفة ألقوال السلف‬
‫واألئمة» [مجموعة الفتاوی ‪ 357/7‬ط‪/‬جـ ‪ 585‬ط‪/‬ق البن تيمية]‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪85‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬بطالن قول الحافظ ابن حجر َّ‬
‫أن اإليمان عند‬
‫السلف هو‪« :‬االعتقاد بالقلب والنطق باللسان والعمل‬
‫باألركان والعمل شرط في كماله»‪:‬‬
‫إنَّ ا ّدعاء الحافظ ابن حجر � أنَّ العمل شرط كمال عند‬
‫السلف‪ ،‬دعوی باطلة ال يقوم عليها دليل‪ ،‬بل هي مجازفة خطيرة في‬
‫تحريف مراد السلف‪ ،‬تهافت فيها الكثير‪ ،‬بل اعتمد عليها كثير من‬
‫الفضالء الذين ز ّلوا في مسألة اإليمان‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن المرجئة الجدد‪،‬‬
‫والدعوی التي ال يقوم عليها برهان هي كما قيل‪:‬‬
‫َّ‬
‫أدعياء‬ ‫أبناؤها‬ ‫ّبينات‬ ‫والدعاوي ما مل تقيموا عليها‬
‫إذ ًا‪ ،‬دعوی الحافظ ساقطة‪ ،‬يسقطها اعتقاد الحافظ نفسه بسلوكه‬
‫طريقة المتكلمين في تقرير العقيدة‪ ،‬فهو قريب من المفوضة‪ ،‬وأحيان ًا‬
‫يشذ إلى األشاعرة‪ ،‬يعرفه من كان خبير ًا بمذهب السلف في االعتقاد‬
‫خاصة مسألة اإليمان التي نحن مع الذين اعتدوا بشبهته في نزا ٍع‬
‫نبين سقوط ا ّدعاء الحافظ‪ ،‬أود أن أذكر كالم ًا رزين ًا‬
‫وقراع‪ ،‬وقبل أن ّ‬
‫ودر ًا ثمين ًا‪ ،‬وحج ًة ساطع ًة‪ ،‬من الشيخ الفاضل د‪ .‬محمد بن محمود‬
‫ُّ‬
‫رحيم في سقوط دعوی الحافظ وبعدها عن مراد السلف بصحيح‬
‫أبو ِّ‬
‫المنقول وصريح المعقول‪.‬‬
‫يقول الشيخ الفاضل‪« :‬إنَّ االدعاء بأنَّ اإليمان عند السلف‪ :‬قول‬
‫واعتقاد وأنَّ العمل شرط في كماله عندهم؛ افتآت عظيم‪ ،‬وتدليس ّبين‬
‫ال يخفى على أهل االختصاص‪ ،‬ذلك أنَّ تعريف اإليمان بما تقدم‬
‫مخالف للمنقول والمعقول‪ ،‬أما مخالفته للمنقول؛ فمخالفته إلجماع‬

‫‪86‬‬
‫حدهم الشرعي لحقيقة اإليمان‪ ،‬وأما مخالفته للمعقول؛‬
‫السلف في ّ‬
‫فمخالفته للحدِّ المنطقي للمحدودات‪.‬‬
‫مخالفة المنقول‪ :‬أجمع السلف على قيام اإليمان على ركنين‪:‬‬
‫القول والعمل أو أربعة عند التفصيل؛ قول القلب واللسان‪ ،‬وعمل‬
‫القلب والجوارح‪ ،‬ولم ينقل عن أحدهم قوله؛ بقيام اإليمان على‬
‫ركنين؛ القول واالعتقاد وشرط كمال!!‬
‫نقل اإلجماع ابن عبد البر � وأثبته شيخ االسالم ابن‬
‫تيمية � فقال‪« :‬أجمع السلف على أنَّ اإليمان قول وعمل‪ ،‬يزيد‬
‫وينقص‪ ،‬ومعنى ذلك‪ :‬أنه قول القلب وعمل القلب‪ ،‬ثم قول اللسان‬
‫وعمل الجوارح» [الفتاوی ‪ ...]672/7‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬بعد ما ذكر أقوا ً‬
‫ال‬
‫عدة للسلف في أنَّ اإليمان مبني على ركنين إجما ً‬
‫ال أو أربعة تفصي ً‬
‫ال‪:‬‬
‫أوالً‪ُّ :‬‬
‫تنوع عبارات السلف في تعريف اإليمان؛ ومع ذلك لم‬
‫ينقل عن أحدهم القول إنَّ اإليمان‪ :‬قول واعتقاد وإن العمل شرط في‬
‫كماله‪ ،‬ومن قال غير ذلك فليأت بالدليل!!‪ ،‬بل إن ما نقل عن الحافظ‬
‫ابن حجر � إنَّما هو اجتهاد منه في فهم مراد السلف‪ ،‬ولو أخضعنا‬
‫اجتهاده أليسر قواعد التفكير لقضي بتناقضه مع أقوال السلف القائلين‬
‫بركنية العمل في مسمى اإليمان‪ ،‬وألنَّ بدائه العقول قضت بتسمية‬
‫المعرف ال شروطه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أركان‬
‫فمن السلف من قال‪ :‬اإليمان‪ :‬قول وعمل‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬قول‬
‫باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬قول وعمل‬
‫ونية‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬قول وعمل ونية وعمل بالسنة‪ .‬فأين نجد قو ً‬
‫ال‬

‫‪87‬‬
‫واحد ًا عن أئمة السلف إنَّ اإليمان‪ :‬قول واعتقاد والعمل شرط في‬
‫كماله؟!‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬فهذه أقوال السلف! فأين نجد تعريف هؤالء‬
‫أن تعريفهم لإليمان موافق لما عند أبي عذبة‬
‫بين هذه األقوال؟ الشك َّ‬
‫والبيجوري وأمثالهما من األشاعرة ومن وافقهم كالبيهقي‪.‬‬
‫قال أبو عذبة‪« :‬ثم العمل ليس من أركان اإليمان خالف ًا‬
‫للوعيدية‪ ،‬وليس ساقط ًا بالكلية حتى ال تضر المؤمن معصية خالف ًا‬
‫للمرجئة» [الروضة البهية فيما بين األشاعرة والماتريدية للحسن بن عبد المحسن‬
‫المشهور بأبي عذبة (‪.])40‬‬
‫وبين البيجوري‪ :‬أنَّ المختار عند أهل الس َّنة (وهم األشاعرة‬
‫َّ‬
‫عنده) في األعمال الصالحة أنَّها شرط كمال اإليمان فالتارك لها أو‬
‫لبعضها من غير استحالل أو عناد للشارع أو شك في مشروعيته فهو‬
‫ال محصل ألكمل‬‫فوت على نفسه الكمال‪ .‬واآلتي بها ممتث ً‬
‫مؤمن‪ .‬لك َّنه َّ‬
‫الخصال‪[ .‬تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد]‪.‬‬
‫وهناك فرق بين فهم السلف لإليمان وماهيته وأحكامه ومآالته‬
‫وبين فهم األشاعرة‪ .‬ومن ادعى االتفاق بينهم فقد أخطأ وأبعد‬
‫النجعة!!!‬
‫ثاني ًا‪ :‬وإذا قيل‪ :‬إن اعتبار األعمال شرط في كمال اإليمان هو‬
‫الذي أراده السلف من قولهم‪ :‬اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل‬
‫باألركان حسب ما فهمه الحافظ ابن حجر �! فيقال‪ :‬إنَّ تفسير‬
‫ال في المسألة‬‫الحافظ � وفهمه لما نقل عن السلف ليس فيص ً‬
‫وكذا فهم غيره‪ ،‬خاص ًة وأن المعهود في الحافظ � وغيره من شراح‬

‫‪88‬‬
‫الحديث المتأخرين عدم تحريرهم ـ غالب ًا ـ لمسائل االعتقاد على منهج‬
‫السلف الصالح‪ ،‬وكالمهم في هذه المسائل يفتقر إلى الدقة‪.‬‬
‫إن مرجع مسائل االعتقاد هي أقوال السلف مباشرة‪ ،‬ولمن قام‬
‫بتحريرها وتفسيرها على منهجهم‪ ،‬وإذا كان كذلك فال يصلح فهم‬
‫حد الشيء يضبط‬ ‫الحافظ � أن يكون حد ًا لإليمان من جهة؛ َّ‬
‫ألن َّ‬
‫المميزة له عن غيره وليس بشروطه ـ كما سيأتي بيانه ـ ومن‬
‫ِّ‬ ‫بأركانه‬
‫جهة أخری فإنَّ فهم الحافظ � معارض إلجماع السلف القائلين‬
‫مسمى اإليمان‪ ،‬وإذا كان هؤالء قد اعتمدوا‬
‫بركنية القول والعمل في َّ‬
‫مقالة الحافظ � رغم مخالفتها إلجماع السلف والحدِّ المنطقي‬
‫للمحدودات فلماذا لم يعتمدوا مقاالته في األسماء والصفات‪ ،‬ح َّتى‬
‫تكتمل الصورة؟!!‬
‫مخالفة المعقول‪ :‬اتفقت األمة بكافة فرقها‪ ،‬والعقالء على‬
‫أن الشروط ال تذكر في الحدِّ فض ً‬
‫ال عن كمال‬ ‫اختالف منابتهم؛ على َّ‬
‫المستحب‪ ،‬وإنَّما يقتصر في الحدِّ على األركان والتي يتميز بها المحدود‬
‫عن غيره‪.‬‬
‫يح ُّد‬
‫ها هو الكمال بن الهمام � وهو رأس في الماتريدية ُ‬
‫اإليمان بأركانه فيقول‪« :‬لما كان اإليمان هو التصديق؛ والتصديق كما‬
‫يكون بالقلب يكون باللسان‪ ،‬فيكون كل منهما ركن ًا في الباب فال يثبت‬
‫إ َّال بهما عند العجز» [المسايرة ص ‪.]173‬‬
‫فأفاد ـ كما أفاد نص ابن القيم � السابق؛ أن تعريف الشيء‬
‫يضبط بأركانه‪ ،‬ولهذا لما َّ‬
‫عرف األشاعرة اإليمان جاؤوا بركنه وهو‬

‫‪89‬‬
‫عرفت مرجئة الفقهاء جاؤوا بركنيه وهما‪ :‬القول‬
‫التصديق‪ ،‬وعندما َّ‬
‫واالعتقاد‪ ،‬ولم يدخل الطرفان العمل في مسمى اإليمان‪ ،‬إذ لو فعلوا‬
‫ذلك لصار العمل جز ًءا من اإليمان‪ .‬أما السلف فجاؤوا بركنيه وهما‪:‬‬
‫القول والعمل؛ قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح‪.‬‬
‫فحقيقة اإليمان عند األشاعرة تنحصر في التصديق‪ ،‬وعند‬
‫مرجئة الفقهاء مركبة من القول واالعتقاد‪ ،‬وعند السلف ومن سلك‬
‫طريقهم إ َّ‬
‫ال بالركنين (القول والعمل) باستثناء العجز عن أحدهما‪.‬‬
‫متركب من معان متغايرة ينطلق اسم المركب‬‫ذلك «أنَّ األصل في كل ِّ‬
‫عليها عند اجتماعها كان كل معنى فيه ركن ًا للمركب فأركان البيت في‬
‫المحسوسات‪ ،‬واإليجاب والقبول في البيع في المشروعات» والقول‬
‫والعمل في اإليمان ـ عند السلف ـ في االعتقادات‪[ ».‬حقيقة الخالف بين‬
‫السلفية الشرعية وأدعيائها في مسائل اإليمان ص ‪ 13‬ـ ‪ 22‬باختصار]‪.‬‬
‫الشك أنَّ هذا الكالم رزين‪ ،‬دعمه صاحبه بصحيح المنقول‬
‫وبين أنَّ القضية ليست بالتشهي‪ ،‬فمن اعتمد كالم‬
‫وصريح المعقول‪َّ ،‬‬
‫الحافظ الواهي الخالي من الحجة والبرهان في مسألة اإليمان‪ ،‬عليه‬
‫أن يعتمد سائر مقاالته في األسماء والصفات‪ ،‬حتى تكتمل الصورة‪،‬‬
‫وهذا حصر وحجة إلزامية ال محيد عنها من هذا الشيخ الفاضل لهؤالء‬
‫المرجئة‪.‬‬
‫لما كان كل كالم ُيستدل له‪ ،‬إ َّ‬
‫ال كالم ال َّله ورسوله ﷺ‬ ‫لكن َّ‬
‫يستدل به ويتعصب له إلى أقصى الحدود‪ ،‬أردنا أن نستدل لصحة هذا‬
‫الكالم‪ ،‬الذي يظهر من فحواه أنَّ صاحبه له قدم راسخة في االعتقاد‬

‫‪90‬‬
‫على منهج السلف الصالح‪ ،‬وهو من أهل االختصاص في هذه المسألة‬
‫ال يشق له غبار‪ ،‬يعرف هذا من كان يعترف بالفضل‪.‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫أنَّ هناك تالزم ًا بين مسألة االسم والحكم‪ ،‬يظهر جلي ًا على‬
‫ال وظهر‬ ‫كل من التزم اعتقاد ًا معين ًا في االسم؛ «مسألة اإليمان»‪ ،‬إ َّ‬
‫في «الحكم» والعكس صحيح‪ ،‬فلما كان اعتقاد السلف في االسم؛‬
‫اإليمان قول وعمل؛ قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح‪.‬‬
‫يتجزأ ويتبعض‪ ،‬والعمل جزء من اإليمان وشرط صحة‪ ،‬ظهر في‬
‫الحكم جلي ًا‪ ،‬بتكفيرهم «تارك االعتقاد»‪ ،‬أو «تارك القول» أو «تارك‬
‫جنس العمل»‪.‬‬
‫ولما كان اعتقاد الخوارج والمعتزلة في االسم؛ اإليمان قول‬
‫وعمل‪ ،‬ال يتجزأ وال يتبعض فاإليمان عندهم حقيقة واحدة‪ ،‬إما‬
‫أن يوجد ك ّله أو يذهب ك ّله‪ ،‬ظهر جلي ًا في الحكم‪ ،‬بتكفيرهم لتارك‬
‫االعتقاد أو تارك اإلقرار أو «تارك آحاد العمل»؛ تكفير صاحب الكبيرة‬
‫ونزع اسم المؤمن منه‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أنَّ المعتزلة جعلوا صاحب الكبيرة في منزلة‬
‫بين المنزلتين في الدنيا‪ ،‬وفي اآلخرة مخلد ًا في ال َّنار‪ ،‬موافقة للخوارج‪،‬‬
‫وإن أطلقوا على المنزلة بين المنزلتين اسم الفسق‪ ،‬فهذا عندهم الفسق‬
‫األكبر‪ ،‬ألنهم خلدوه في ال َّنار‪.‬‬
‫ولما كان اعتقاد مرجئة الفقهاء في االسم؛ اإليمان‪ ،‬االعتقاد‬
‫بالقلب واإلقرار باللسان‪ ،‬ال يتجزأ وال يتبعض؛ ليس اإليمان إ َّ‬
‫ال شيئ ًا‬
‫واحد ًا‪ ،‬استوجب أن يظهر جلي ًا في الحكم بتكفيرهم لتارك االعتقاد؛‬

‫‪91‬‬
‫تصديق القلب أو لتارك اإلقرار؛ قول اللسان‪.‬‬
‫ثم حصروا الكفر في التكذيب أو الجحود أو االستحالل‪،‬‬
‫واالستحالل عندهم هو االستحالل القلبي الذي ينفي التصديق؛ قول‬
‫القلب واإلقرار من ضمنه‪ ،‬والبد أن يكون بواح ًا‪ ،‬والبوح عندهم هو‬
‫التلفظ به‪ ،‬أما االستحالل الذي ينفي عمل القلب؛ عدم االلتزام مطلق ًا‬
‫ليس استحال ًال عندهم‪ ،‬كما سوف ّ‬
‫نبين إن شاء ال َّله‪.‬‬
‫ولما كان اعتقاد المرجئة الجهمية في الحقيقة اإليمانية‪،‬‬
‫التصديق أو المعرفة فقط‪ ،‬ال يتجزأ وال يتبعض‪ ،‬تالزم ظهوره في‬
‫الحكم جلي ًا بتكفيرهم لتارك االعتقاد فقط؛ الكفر ال يكون إ َّال تكذيب ًا‪.‬‬
‫فثمرة هذا التقسيم اآلنف‪ ،‬تبيين معتقد الحافظ ابن حجر �‬
‫ألن كل من اعتقد شيئ ًا معين ًا‬
‫في االسم‪ ،‬الذي ظهر جلي ًا في الحكم‪َّ ،‬‬
‫في االسم؛ «اإليمان»‪ ،‬ظهر والبد في الحكم‪ ،‬فالحافظ لما كان يعتقد‬
‫اعتقاد مرجئة الفقهاء في مسألة اإليمان‪ ،‬وإن كان يوافق السلف في‬
‫ال‪.‬‬ ‫عرف الكفر إجما ً‬
‫ال وتفصي ً‬ ‫الزيادة والنقصان واالستثناء‪َّ ،‬‬
‫أما إجماالً‪ :‬فقال �‪« :‬إنَّ الكفر ضد اإليمان» [الفتح ‪.]114/1‬‬
‫ٌ‬
‫شامل عند القائلين‬ ‫جامع ومفهومه‬
‫ٌ‬ ‫ال إ َّ‬
‫ال أنَّه‬ ‫وإن كان هذا التعريف مجم ً‬
‫اإليمان قول وعمل‪.‬‬
‫أما تفصي ً‬
‫ال‪َّ :‬‬
‫فعرفه بتعريف القرطبي فقال �‪« :‬قال القرطبي‪:‬‬
‫حيث جاء الكفر في لسان الشرع فهو جحد المعلوم من دين اإلسالم‬
‫بالضرورة الشرعية وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد ال ِّنعم وترك‬
‫شكر المنعم والقيام بحقه» [الفتح ‪ 573/10‬والمفهم ‪ 253/1‬للقرطبي]‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫فهذا هو التعريف الذي اعتمده‪ ،‬والشك أنَّه ناقص ألنَّه لم‬
‫يتناول جميع معاني الكفر في الشرع‪ ،‬فإبليس ال َّلعين لم يجحد أمر ال َّله‬
‫وال قابله باإلنكار‪.‬‬
‫ﭧ ﭨ ﴿ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﯓﯔ﴾‬
‫[البقرة]‪.‬‬
‫وﭧ ﭨ ﴿ﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗ‬
‫ﯘﯙﯚﯛ﴾ [ص]‪.‬‬
‫إنَّما تلقاه باإلباء واالستكبار‪ ،‬فهذا ال َّتلقي ال ينفي التصديق‪،‬‬
‫وعلماء اليهود عرفوا نعت النبي ﷺ‪ ،‬ﭧ ﭨ ﴿ﭑﭒﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘ﴾ [البقرة‪ :‬ﭠ]‪ ،‬وأقروا بألسنتهم ولم يتبعوا‬
‫شريعته*‪ ،‬وال يشك أحد من أهل القبلة أنَّهم كفار‪ ،‬فلقد أثبت لهم ‪‬‬
‫«التصديق» و«اإلقرار باللسان»‪ ،‬ولم ينفعهم‪ ،‬فكفرهم من جهة عدم‬
‫االتباع‪.‬‬
‫فحصر الكفر في الجحود لونٌ ‪ ،‬وكون الجحود صورة من صور‬
‫الكفر لونٌ آخر‪ ،‬فالحافظ لو كان يری أنواع الكفر التي جاءت عن‬
‫السلف القائلين أنَّ اإليمان‪ :‬التصديق بالقلب واإلقرار باللسان والعمل‬
‫باألركان‪ ،‬ما حصر ذاك الحصر‪ ،‬وحصره الكفر ال يكون إ َّ‬
‫ال كما قال‬
‫القرطبي يدل على اعتقاده‪ ،‬ولذا قلنا المسألة فيها تالزم‪ ،‬اعتقاد االسم‬
‫يظهره الحكم‪ ،‬والقرطبي يشبهه في االعتقاد‪ ،‬ال يقول بعلو ال َّله ‪‬‬
‫* انظر «الس َّنة رقم ‪ »745‬لعبد اهلل بن أمحد بن حنبل �‪ .‬‬

‫‪93‬‬
‫ويری التأويل في الصفات‪ ،‬فهو ينهج نهج البيهقي وأمثاله‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وعمل‪،‬‬ ‫فالحافظ � ذكر في الفتح في كتاب اإليمان‪ ،‬أنَّه ٌ‬
‫قول‬
‫يزيد وينقص‪ ،‬واستفاض في النقل من كتاب «تعظيم قدر الصالة»‬
‫لمحمد بن نصر المروزي‪.‬‬
‫فقال �‪« :‬وما نقل عن السلف َّ‬
‫صرح به عبد الرزاق في‬
‫مصنفه عن سفيان الثوري ومالك بن أنس واألوزاعي وابن جريج‬
‫ومعمر وغيرهم‪ ،‬وهؤالء فقهاء األمصار في عصرهم‪ .‬وكذلك نقله‬
‫أبو القاسم الاللكائي في «كتاب الس َّنة» عن الشافعي وأحمد بن حنبل‬
‫وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وغيرهم من األئمة‪ ،‬وروی بسنده‬
‫الصحيح عن البخاري قال‪ :‬لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء‬
‫ٌ‬
‫وعمل‪ ،‬ويزيد‬ ‫باألمصار‪ ،‬فما رأيت أحد ًا يختلف في أنَّ اإليمان ٌ‬
‫قول‬
‫وينقص‪ .‬وأطنب ابن أبي حاتم والاللكائي في نقل ذلك باألسانيد عن‬
‫جمع من الصحابة والتابعين وكل من يدور عليه اإلجماع من الصحابة‬
‫والتابعين» [الفتح ‪.]66/1‬‬
‫والعجب من الحافظ أنَّه يذكر إطناب الاللكائي وابن أبي‬
‫حاتم‪ ،‬في أنَّ اإليمان قول وعمل‪ ،‬يزيد وينقص‪ ،‬ويذكر عن المروزي‬
‫أن العمل‬
‫مثله‪ ،‬ولم يأت بأثر واحد يدل على ما ذهب إليه من قوله َّ‬
‫شرط كمال‪ ،‬كيف وأنَّ األصل في الكالم الحقيقة؟! فأين القرينة التي‬
‫خير خبىء لك دونهم لفضل عندك؟!‬
‫أخرجته عن ظاهره؟! أفهذا ٌ‬
‫والعجب من الحافظ‪ ،‬أنَّ كل هذا اإلطناب الذي رآه في اإليمان‬
‫لم ير اإلطناب في كفر تارك الصالة في الباب نفسه عند محمد بن نصر‬

‫‪94‬‬
‫وعند الاللكائي‪ ،‬والسبب ليس ألنه لم ير ذلك‪ ،‬بل رآه ولكنه لم يعتد‬
‫به‪ ،‬ألنَّه محجوب باعتقاد سابق على طريقة المرجئة‪ ،‬فلما اصطدم بما‬
‫أن العمل شرط‬ ‫حرفه تأوي ً‬
‫ال؛ َّ‬ ‫عند هما من حجة في كفر تارك الصالة‪َّ ،‬‬
‫كمال‪ ،‬وهذا الذي أوقع الحافظ‪ ،‬أوقع أحد المحدثين المشهود لهم‬
‫نبين إن شاء ال َّله‪.‬‬
‫بالعلم والفضل كما سوف ّ‬
‫فالمسألة ليست فهم ًا سقيم ًا أو استدال ً‬
‫ال ضعيف ًا‪ ،‬بل اعتقاد مبني‬
‫وأن ترك العمل المطلق ال‬‫أن الكفر ال يكون إ َّال جحود ًا أو تكذيب ًا‪َّ ،‬‬
‫على َّ‬
‫ينفي اإليمان‪ ،‬فالخالف مع الحافظ وجماعته‪ ،‬ومن تأثر بقوله أو نحا‬
‫سبب الشنآن‬‫حقيقي َّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫خالف‬ ‫منحاه‪ ،‬ليس خالف ًا صوري ًا أو لفظي ًا‪ ،‬بل هو‬
‫السوء‪.‬‬
‫بين سلفنا وسلفهم؛ حماد بن أبي سليمان ومن اتبعه في رأيه ُّ‬
‫وفي هؤالء وطائفتهم الجدد‪ ،‬يصدق قول شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية حيث قال �‪« :‬وكثير من المتأخرين ال يميزون بين مذاهب‬
‫السلف وأقوال المرجئة والجهمية*‪ :‬الختالط هذا بهذا في كالم كثير‬
‫منهم ممن هو في باطنه يری رأي الجهمية والمرجئة في اإليمان‪ ،‬وهو‬
‫معظم للسلف وأهل الحديث‪ ،‬فيظن أنَّه يجمع بينهما‪ ،‬أو يجمع بين‬
‫كالم أمثاله وكالم السلف‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪ 228/7‬ط‪/‬جـ ‪ 364‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫وهذا القول من هذا اإلمام الرضي‪ ،‬يظهر جلي ًا مذهب الشيخ‬
‫لما تأثر بهؤالء ومقاالتهم‪ ،‬كالطحاوي والبيهقي‬ ‫الع َّ‬
‫المة األلباني �‪َّ ،‬‬
‫والحافظ ابن حجر‪ ،‬أراد أن يجمع بين الكالم الباطني لهؤالء في مسألة‬
‫* إنَّ حلبي أيت من جهله باملسألة أو ً‬
‫ال‪ ،‬ولسقيم فهمه ثاني ًا‪ ،‬وسوء طويته ثالث ًا‪ ،‬فقد َّ‬
‫أقر باألوىل‬
‫وكانت الثانية تبع ًا هلا‪ ،‬أما الثالثة فارصاره واستاملته عىل تسويق باطله‪ ،‬ال َّلهم س ّلم س ّلم‪ .‬‬

‫‪95‬‬
‫اإليمان وبين تعظيمهم لمذهب السلف‪ ،‬فعاش مضطرب ًا متناقض ًا في‬
‫المة األلباني �‪ ،‬استقر‬ ‫هذه المسألة‪ ،‬وأجزم جزم ًا أنَّ الشيخ الع َّ‬
‫على مذهبهم ونافح عنه‪ ،‬بما أتي من علم ثم انتسب إلى مذهب ابن‬
‫تيمية‪ ،‬وهذا االضطراب من قلة البضاعة في تحقيق هذه المسألة‪.‬‬
‫ومن نظر في أقواله‪ ،‬وجعل الحب الذي يعمي ويصم جانب ًا‬
‫ظهر له ذلك جلي ًا‪ ،‬يذكر المسألة مفصلة على مذهب المرجئة‪ ،‬ثم‬
‫يقول‪« :‬عليك بكتاب اإليمان البن تيمية فقد استفاض في ذلك‪ ».‬وهو‬
‫ال إن شاء ال َّله‪ ،‬حتى‬
‫مفص ً‬
‫أول من خالفه‪ ،‬وسوف نبسط الكالم في هذا َّ‬
‫نجرد المتابعة للرسول ﷺ‪ ،‬وللطائفة المباركة التي يدور الهدی مع‬
‫أقوالها وجود ًا وعدم ًا‪ ،‬وطرح األقوال مخالفة لها وعدم االلتفات إليها‪،‬‬
‫مهما كانت رتبة من صدرت منه‪ ،‬والحرب قائمة بين أصحاب تجريد‬
‫المتابعة‪ ،‬وبين من اتخذ آراء الرجال مطية‪ ،‬لنصرة المذهب المشين‪،‬‬
‫الدعي علي حلبي‪ ،‬وبئس المطية‪ ،‬والمنصور من نصره ال َّله‪.‬‬
‫كما فعل َّ‬
‫يقول ابن تيمية �‪ ...« :‬لكن هؤالء ظنوا أنَّ الذين استثنوا في‬
‫ألن هؤالء وأمثالهم لم يكونوا‬
‫اإليمان من السلف كان هذا مأخذهم‪َّ ،‬‬
‫خبيرين بكالم السلف‪ ،‬بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقوه عن‬
‫المتكلمين من الجهمية ونحوهم من أهل البدع فيبقى الظاهر قول‬
‫السلف والباطن قول الجهمية الذين هم أفسد ال َّناس مقالة في اإليمان»‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 94/7‬ط‪/‬جـ ‪ 143‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫مطردة‪ ،‬تجدها في كل من ّ‬
‫يعظم السلف وأقوالهم‪،‬‬ ‫فهذه قاعدة َّ‬
‫وهو في مسألة اإليمان على طريقة جهم بن صفوان أو حماد وتلميذه‪،‬‬

‫‪96‬‬
‫ولقد استشری شرهم‪ ،‬وانتفخ سحرهم‪ ،‬ورفعت رؤوسهم؛ المرجئة‬
‫الجدد‪ ،‬وظنوا بأنفسهم أنَّهم هم العلماء المربون‪ ،‬والفقهاء الموجهون‪،‬‬
‫واألوصياء المعتمدون‪ ،‬فرموا من قال‪ :‬بكفر تارك جنس العمل‬
‫«بالخارجية»‪ ،‬ومدحوا من قال‪ :‬ال كفر إ َّال كفر الجحود أو التكذيب‬
‫«بالسلفية»‪ ،‬فبدلوا قو ً‬
‫ال غير الذي قيل لهم‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ ‬

‫ ‬
‫ ‬

‫‪97‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬حقيقة الكفر وأنواعه‪:‬‬
‫تعريف الكفر لغة‪:‬‬
‫الكفر في اللغة‪« :‬التغطية‪ ،‬يقال لالبس السالح كافر‪ ،‬وهو الذي‬
‫وك َف َر عليه َي ْك ِف ُر‪َ :‬غ َّطا ُه َو َس َت َر ُه‪ ،‬وكل من ستر شيئ ًا‪ ،‬فقد‬
‫غطاه السالح‪َ ،‬‬
‫َك َف َره َ‬
‫وك َّفره‪.‬‬
‫الز َّر ُاع‪ .‬وتقول‬ ‫راع لستره البذر بالتراب‪ُ .‬‬
‫والك َّف ُار‪ُّ :‬‬ ‫الز ُ‬
‫والكافر‪َّ :‬‬
‫للز َّراعِ ‪ :‬كافر ألنَّه َي ْك ُفر البذر المبذور بتراب األرض المثارة‬
‫العرب َّ‬
‫أمر عليها ما َل َق ُه؛ ومنه قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭶﭷﭸﭹﭺ﴾‬
‫إذا َّ‬
‫الز َّر َاع نباته‪.‬‬
‫[الحديد‪ :‬ﮒ] أي‪ :‬أعجب ُّ‬
‫والكافر‪ :‬الليل‪ ،‬وفي الصحاح‪ :‬الليل المظلم ألنَّه يستر بظلمته‬
‫وك َف َر عليه‪َ :‬غ َّطاه‪َ .‬‬
‫وك َف َر الليل على أثر‬ ‫كل شيء‪ .‬وكفر الليل الشيء َ‬
‫صاحبي‪َّ :‬‬
‫غطاه بسواده وظلمته‪ .‬والكافر‪ :‬البحر لستره ما فيه‪ ،‬والكافر‪:‬‬
‫السحاب المظلم‪.‬‬
‫قال لبيد‪:‬‬
‫في كافر ما ببه ٌ‬
‫أمت وال شرف‬ ‫َّ‬
‫فاجرم َزت ثم سار وهي الهية‬
‫أي ظلمة الليل أو الوادي‪ ،‬والكافر من األرض ما بعد عن‬
‫ال َّناس‪.‬‬
‫ضد الشكر‪َ .‬‬
‫وك َّف َر الرجل بالتشديد‪:‬‬ ‫ُ‬
‫والك ْف ُر‪ :‬حجود النعمة‪ ،‬وهو ُّ‬
‫نسبه إلى الكفر‪ .‬وأكفره إكفار ًا‪ :‬دعاه كافر ًا‪ ،‬أي حكم بكفره‪ ،‬قال شمر‪:‬‬
‫والكفر أيض ًا بمعنى البراءة‪[ ».‬اللسان مادة كفر ‪ 84/13‬ـ ‪ 88‬انظر القاموس‬
‫المحيط ‪ 217 ،216/2‬ومختار الصحاح ص ‪.]271‬‬

‫‪98‬‬
‫وحقيقته الشرعية‪:‬‬
‫«نقيض اإليمان» أي‪« :‬ضد اإليمان»‪ ،‬فهذه هي األشمل‪،‬‬
‫واألوسع من جهة أنَّ اإليمان اعتقاد وقول وعمل عند السلف‪ ،‬فقد‬
‫تكون مضادة لالعتقاد أو القول أو العمل‪ ،‬فهذه الحقيقة الشرعية للكفر‬
‫ال تخرج عن هذه الثالثة‪.‬‬
‫أنواع الكفر‪:‬‬
‫الكفر نوعان‪« :‬كفر أكبر»‪ ،‬و«كفر أصغر»؛ كفر يخرج من الم َّلة‬
‫وكفر ال يخرج من الم َّلة‪ ،‬والمخرج من الم َّلة أربعة أنواع أو خمسة‬
‫أنواع على ما قال بعض أهل العلم القائلين أنَّ اإليمان قول وعمل‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وشرط في صحته‪ ،‬وهذه األنواع المردية ـ‬ ‫ركن من أركانه‬
‫والعمل ٌ‬
‫أعاذنا ال َّله ـ منها‪ ،‬جاءت في القرآن والس َّنة النبوية‪.‬‬
‫يقول ابن قيم الجوزية �‪« :‬وأما الكفر األكبر‪ ،‬فخمسة أنواع‪:‬‬
‫كفر تكذيب‪ ،‬وكفر استكبار وإباء مع التصديق‪ ،‬وكفر إعراض‪ .‬وكفر‬
‫شك‪ .‬وكفر نفاق‪.‬‬
‫فأما كفر التكذيب‪ :‬فهو اعتقاد كذب الرسل‪ ،‬وهذا القسم قليل‬
‫في الكفار‪ ،‬فإنَّ تعالى أيد رسله‪ ،‬وأعطاهم من البراهين واآليات على‬
‫صدقهم ما أقام به الحجة‪ ،‬وأزال به المعذرة‪ .‬قال ال َّله ـ تعالى ـ عن‬
‫[النمل‪:‬‬ ‫فرعون وقومه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ﴾‬
‫ﭝ] وقال لرسوله ﷺ‪﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡ﴾ [األنعام]‪ .‬وإن سمي كفر تكذيب أيض ًا فصحيح‪ ،‬إذ هو‬
‫تكذيب باللسان‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫وأما كفر اإلباء واالستكبار‪ :‬فنحو كفر إبليس‪ ،‬فإنَّه لم يجحد‬
‫أمر ال َّله وال قابله باالنكار‪ ،‬وإنَّما تلقاه باإلباء واالستكبار‪ ،‬ومن هذا‬
‫بالحق من عند ال َّله‪ ،‬ولم ينقد له‬
‫ّ‬ ‫كفر من عرف صدق الرسول‪ ،‬وأنَّه جاء‬
‫إباء واستكبار ًا‪ .‬وهو الغالب على كفر أعداء الرسل*‪ .‬كما حكى ال َّله‬ ‫ً‬
‫تعالى عن فرعون وقومه‪﴿ :‬ﮂﮃﮄ ﮅﮆﮇﮈ﴾‬
‫[المؤمنون] وقول األمم لرسلهم‪﴿ :‬ﯧﯨﯩﯪﯫ﴾ [إبراهيم‪ :‬ﯶ]‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﭺﭻﭼﭽ﴾ [الشمس]‪.‬‬
‫وهو كفر اليهود كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦ﴾ [البقرة‪ :‬ﭬ] وقال‪﴿ :‬ﭔﭕﭖﭗ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫ﭠ]‪ .‬وهو كفر أبي طالب أيض ًا‪ ،‬فإنَّه صدقه ولم يشك في صدقه‪،‬‬
‫ولكن أخذته الحمية‪ ،‬وتعظيم آبائه أن يرغب عن ملتهم‪ ،‬ويشهد عليهم‬
‫بالكفر‪.‬‬
‫وأما كفر اإلعراض‪ :‬أن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول‪ ،‬ال‬
‫يصدقه وال يكذبه‪ ،‬وال يواليه وال يعاديه‪ ،‬وال يصغى إلى ما جاء به الب َّتة‬
‫كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي ﷺ‪« :‬وال َّله أقول لك كلمة‪ ،‬إن كنت‬
‫صادق ًا فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك‪ ،‬وإن كنت كاذب ًا‪ ،‬فأنت‬
‫أحقر من أن أكلمك»‪.‬‬
‫وأما كفر شك‪ :‬فإنَّه ال يجزم بصدقه وال يكذبه‪ ،‬بل يشك في‬
‫شكه إ َّ‬
‫ال إذا ألزم نفسه اإلعراض عن النظر في‬ ‫أمره‪ .‬وهذا ال يستمر ُّ‬

‫املرشعون للقوانني الوضعية قطع اهلل دابرهم وأراح األمة من هبتاهنم‪ .‬‬ ‫*‬
‫ومنهم اليوم ِّ‬

‫‪100‬‬
‫صدق الرسول ﷺ جملة‪ ،‬فال يسمعها وال يلتفت إليها‪ ،‬وأما مع إلتفاته‬
‫إليها‪ ،‬ونظره فيها‪ :‬فإنَّه ال يبقى معه شك‪ ،‬ألنَّها مستلزمة للصدق‪،‬‬
‫وال سيما بمجموعها‪ ،‬فإنَّ داللتها على الصدق كداللة الشمس على‬
‫ال َّنهار‪.‬‬
‫وأما كفر النفاق‪ :‬فهوأن يظهر بلسانه اإليمان‪ ،‬وينطوي بقلبه‬
‫على التكذيب‪ ،‬فهذا هو النفاق األكبر‪.‬‬
‫وكفر الجحود نوعان‪ :‬كفر مطلق عام‪ ،‬وكفر مقيد خاص‪.‬‬
‫فالمطلق‪ :‬أن يجحد جملة ما أنزله ال َّله‪ ،‬وإرساله رسله‪.‬‬
‫والخاص المقيد‪ :‬أن يجحد فرض ًا من فروض اإلسالم‪ ،‬أو‬
‫تحريم محرم من محرماته‪ ،‬أو صفة وصف ال َّله بها نفسه‪ ،‬أو خبر ًا أخبر‬
‫ال َّله به عمد ًا‪ ،‬أو تقديم ًا لقول من خالفه عليه لغرض من األغراض‪».‬‬
‫[مدارج السالكين ‪.]367 ،366/1‬‬
‫قلت‪ :‬إنَّ كفر «اإلبا»ء و«االستكبار» و«اإلعراض» ال ينفيان‬
‫ُ‬
‫التصديق ألب َّتة‪ ،‬ومن هنا أتي القوم؛ المرجئة الجدد‪ ،‬فتأمل في قوله‪:‬‬
‫«وهو كفر اليهود‪ ،‬وهو كفر أبي طالب‪ ،‬وهوكفر إبليس» يظهر لك جلي ًا‬
‫أنَّ هذا النوع من الكفر؛ «اإلباء» و«االستكبار» و«اإلعراض»‪ ،‬ال ينفي‬
‫التصديق وال ينفي اإلقرار‪ ،‬ولوال هذا لحكم لليهود وإبليس باإلسالم‪،‬‬
‫فعلم أنَّ كفر هؤالء ناتج عن عدم االنقياد والتزام الطاعة‪ ،‬اللذان هما‬
‫من لوازم عمل القلب‪ ،‬وإذا عمل القلب عملت الجوارح والبد‪ ،‬وهذا‬
‫هو التالزم بين الظاهر والباطن‪ ،‬فالحكم باإلسالم ال يكون بمجرد‬
‫االعتراف بال َّله بالقلب‪ ،‬واإلقرار به باللسان‪ ،‬بل بشيء فوق ذلك‪ ،‬وهو‬

‫‪101‬‬
‫االنقياد أي‪ :‬العمل‪ ،‬وهذا الشيء هو جزء ال يتجزأ من اإليمان وشرط‬
‫صحة فيه‪ ،‬ينتفي بانتفائه مطلق اإليمان‪.‬‬
‫يقول ابن قيم الجوزية �‪« :‬والقلب عليه واجبان ال يصير‬
‫الحب واالنقياد‬
‫ِّ‬ ‫مؤمن ًا إ َّ‬
‫ال بهما جميع ًا‪ :‬واجب المعرفة والعلم‪ ،‬وواجب‬
‫واالستسالم‪ ،‬فكما ال يكون مؤمن ًا إذا لم يأت بواجب العلم واالعتقاد‪،‬‬
‫الحب واالنقياد واالستسالم‪ ،‬بل‬
‫ِّ‬ ‫ال يكون مؤمن ًا إذا لم يأت بواجب‬
‫إذا ترك هذا الواجب مع علمه ومعرفته به‪ ،‬كان أعظم كفر ًا وأبعد عن‬
‫اإليمان‪[ ».‬مفتاح دار السعادة ‪.]332/1‬‬
‫فموضع المعركة بيننا وبين المتسلفين في الظاهر المرجئين في‬
‫الباطن‪ ،‬هذا النوع من الكفر‪ ،‬فهم ال يثبتون من الكفر إ َّ‬
‫ال كفر التكذيب‬
‫وكفر الجحود‪ ،‬وهذا النوع ينفي «المعرفة» و«اإلقرار»‪ ،‬وال دخل له‬
‫بالعمل إطالق ًا‪ ،‬وإن حوصروا وألزموا وألقموا حجر ًا من كثرة الحجج‬
‫واألدلة في ثبوت هذا النوع من الكفر‪ ،‬المتعلق بكفر اإلعراض واإلباء‬
‫واالستكبار‪ ،‬جعلوه كفر ًا ليس لذاته‪ ،‬بل لداللته على ما هم فيه ُي َط ِّبلون‬
‫ويحرفون النصوص ألجله؛ كفر التكذيب وكفر الجحود‪،‬‬‫ِّ‬ ‫ويز ِّمرون‪،‬‬
‫ٍ‬
‫محترف بار ٍع في التحريف‪ ،‬يتقن‬ ‫وسوف أثبت لك هذا جلي ًا‪ ،‬مع‬
‫الصنعة جيد ًا‪.‬‬
‫يقول ابن قيم الجوزية �‪« :‬ومن تأمل القرآن والس َّنة‪ ،‬وسير‬
‫األنبياء في أممهم ودعوتهم لهم‪ ،‬وما جری لهم معهم جزم بخطأ أهل‬
‫ٍ‬
‫ومعرفة‬ ‫أن عا َّمة كفر األمم عن تيقن وعل ٍم‬‫الكالم فيما قالوه‪ ،‬وعلم َّ‬
‫بصدق أنبيائهم وصحة دعواهم وما جاءوا به» [مفتاح دار السعادة ومنشور‬

‫‪102‬‬
‫والية أهل العلم واإلرادة ‪.]332/1‬‬
‫فقد ع َّلق الظالم لنفسه‪ ،‬المحترف المتفنن في البتر‪َّ ،‬‬
‫الدعي‬
‫أثري الزرقاء بين ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬عند كلمة «وما جاءوا به» في‬
‫الحاشية بقوله‪« :‬وهو كفر الجحود» فهل هذا التعليق صحيح؟ الشك‬
‫تعليق ٌ‬
‫باطل‪ ،‬بما أثبتناه آنف ًا من كالم اإلمام نفسه في تقسيم الكفر‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أنَّه‬
‫فهل إبليس جحد؟! وهل اليهود جحدت؟! وهل هرقل جحد؟! فهل‬
‫هؤالء جحدوا؟! أم أبوا واستكبروا؟!‬
‫فكون األمم عامتهم كفروا كفر الجحود كما ع َّلق َّ‬
‫الدعي علي‬
‫حلبي دعوی ساقطة غير صحيحة‪ ،‬وسمجة قبيحة‪ ،‬فالجحود ٌ‬
‫لون من‬
‫ألوان الكفر التي كفرت به األمم‪ ،‬ولو قلت‪ :‬أنَّ معظم األمم كفروا عن عناد‬
‫واستكبار‪ ،‬ومشحة بما حقَّقوا من حطام الدنيا وخوف فواتها‪ ،‬ما أبعدنا‬
‫وال أخطأنا‪ ،‬يدل عليه قوله ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ‬
‫ﮛﮜ﴾ [الصافات]‪.‬‬
‫فكفر الجحود في األمم ٌ‬
‫قليل‪ ،‬إنَّما فيهم من هذا النوع المنافي‬
‫لعمل القلب‪ ،‬الذي يحرفه المرجئون الجدد‪ ،‬وإن أثبتوه جعلوه داللة‬
‫كفر على الجحود والتكذيب‪.‬‬
‫فها هو اإلمام نفسه � تعالى يقول كما قلنا في أنواع الكفر‪،‬‬
‫«وأما كفر اإلباء واالستكبار‪ :‬فنحو كفر إبليس‪ ،‬فإنَّه لم يجحد أمر ال َّله‬
‫وال قابله باالنكار‪ ،‬وإنَّما تلقاه باإلباء واالستكبار‪ ،‬ومن هذا كفر من‬
‫بالحق من عند ال َّله‪ ،‬ولم ينقد له ً‬
‫إباء‬ ‫ّ‬ ‫عرف صدق الرسول‪ ،‬وأنَّه جاء‬
‫[مدارج السالكين‬ ‫واستكبار ًا‪ .‬وهو الغالب على كفر أعداء الرسل‪»...،‬‬

‫‪103‬‬
‫‪ 366/1‬البن القيم]‪.‬‬
‫فأين هذا من تحريف علي حلبي وتعليقه‪ ،‬على قول اإلمام ابن‬
‫عامة كفر األمم‪« :‬هو كفر الجحود*» كما‬‫القيم الذي ذكرنا شطره‪ ،‬أنَّ َّ‬
‫الدعي؟!‪.‬‬
‫ذكر َّ‬
‫بل كالم اإلمام ابن القيم نفسه‪ ،‬الذي ع َّلق عليه هذا َّ‬
‫الدعي‪،‬‬
‫آخره يبين مراده‪.‬‬
‫«وصحة دعواهم وما جاءوا‬
‫َّ‬ ‫يقول ابن القيم � بعد قوله‪:‬‬
‫عباد األصنام‬
‫مملوء من األخبار عن المشركين َّ‬
‫ٌ‬ ‫به»‪« :‬وهذا القرآن‬
‫أنَّهم كانوا يقرون بال َّله وأنَّه هو وحده ُّ‬
‫ربهم وخالقهم‪ ،‬وأنَّ األرض وما‬
‫ورب العرش العظيم‪ ،‬وأنَّه‬
‫رب السماوات السبع ُّ‬
‫فيها له وحده‪ ،‬وأنَّه ُّ‬
‫سخر‬
‫بيده ملكوت كل شيء‪ ،‬وهو يجير وال يجار عليه‪ ،‬وأنَّه هو الذي َّ‬
‫الشمس والقمر‪ ،‬وأنزل المطر‪ ،‬وأخرج النبات‪.‬‬
‫أقروا به من ذلك على‬
‫محتج بما ُّ‬
‫ٌ‬ ‫والقرآن مناد عليهم بذلك‪،‬‬
‫ط‬
‫مقرين ق ُّ‬
‫إن القوم لم يكونوا ِّ‬‫صحة ما دعتهم إليه رسله‪ ،‬فكيف يقال‪َّ :‬‬‫َّ‬
‫ربا وخالق ًا!!؟ هذا بهتان عظيم» [مفتاح دار السعادة ‪.]332/1‬‬
‫بأنَّ لهم ّ‬
‫مقرون‪ ،‬فالكالم بتمامه‬
‫فكفر الجحود منافي لإلقرار‪ ،‬وهؤالء ُّ‬
‫يبين مراد اإلمام‪ ،‬إنَّ الذي عناهم هنا‪ ،‬هم المستكبرون المعاندون‬
‫واضح ّ‬
‫ٌ‬
‫* انظر «مفتاح دار السعادة» البن القيم‪ ،‬تقديم وختريج عيل حلبي‪ ،‬مراجعة فضيلة الشيخ بكر‬
‫بن عبد اهلل أبو زيد «‪ »332 ،331/1‬الطبعة األوىل ‪1416‬هـ لدار ابن عفان‪.‬‬
‫ وكانت مراجعته ـ حفظه اهلل ـ من َقبل انكشاف أمر الدَّ عي واهنتاك سرته بلسانه وقلمه‪ ،‬وما‬
‫فتوى اللجنة الدائمة املمهورة بتوقيع فضيلة الشيخ بكر ـ حفظه اهلل ـ إال لسوء صنيعه‪ .‬‬

‫‪104‬‬
‫اآلبون لالنقياد واالتباع‪ ،‬بما َّ‬
‫حصلوا من حظوظ الدنيا وخافوا فواتها‪،‬‬
‫وهؤالء هم القسم الغالب في أعداء الرسل‪ ،‬ومن زمرة النوع الذي ذكره‬
‫في «مدارج السالكين ‪ »366/1‬بقوله‪« :‬وأما كفر اإلباء واالستكبار‪...،‬‬
‫وهو الغالب على كفر أعداء الرسل»‪.‬‬
‫الدعي من اإلعراب؟!‬
‫فأين محل تعليق َّ‬
‫الشك أنَّ له نهم ًا في ذلك‪ ،‬ولوال هذا‪ ،‬فلما ع َّلق في الوسط‬
‫واضح ال يختلف فيه اثنان وال ينتطح‬
‫ٌ‬ ‫ولم يعلق على األخير‪ ،‬والسبب‬
‫فيه عنزان؛ ألنَّه ال جدوی في األخير‪ ،‬وال تفي بال َّنهم‪ ،‬فمراد اإلمام‬
‫واضح‪ ،‬ففي الوسط غاية المطلوب‪ ،‬وهو المراد المحبوب‪ ،‬سرقة‬ ‫ٌ‬
‫ذهن القاریء وصرفه عن معرفة الحقيقة التي يريدها اإلمام‪ ،‬أفهذا كالم‬
‫ساطعة َّ‬
‫سطرتها‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وحجة‬ ‫علمي‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫واقع‬
‫تعوزه الواقعية العلمية؟! أم هو ٌ‬
‫يداك المحترفة في البتر‪ ،‬ال تخفى إ َّ‬
‫ال على القلب المحشو بالضالل‬
‫الذي يعمي ويصم‪.‬‬
‫أليست هذه هي الغاية التي ّ‬
‫وكلت بها؟! ضرب المدرسة‬
‫وهز أركانها‪ ،‬لما لها في القلوب من تعظيم‪ ،‬فلماذا هذا التحريف‬‫ّ‬
‫والبتر؟! أنبئنا إن كنت صادق ًا! أهذا تقويل وتهويل عليك بالباطل‪،‬‬
‫أم مما كسبت يداك؟! وصدق ال َّله إذ يقول‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ﴾ [النور]‪.‬‬
‫يقول ابن القيم �‪« :‬الثالث‪ :‬كفر إعراض محض‪ ،‬ال ينظر‬
‫يحبه‪ ،‬وال يبغضه‪ ،‬وال يواليه‪ ،‬وال يعاديه‪ ،‬بل‬
‫فيما جاء به الرسول‪ ،‬وال ُّ‬
‫هو معرض عن متابعته ومعاداته‪[ ».‬مفتاح دار السعادة ‪.]331/1‬‬

‫‪105‬‬
‫يعلق علي حلبي في الحاشية‪ ،‬عند قوله‪« :‬معرض عن متابعته‬
‫ال‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن أن يكون عنده‬ ‫ومعاداته» بقوله‪« :‬فهذا ليس عنده إيمان أص ً‬
‫خلو اإليمان من قلبه» [الحاشية رقم‬ ‫نقيضه تعمد ًا‪ ،‬فالكفر عنده ٌ‬
‫ناتج عن ِّ‬
‫(‪ )1‬جـ ‪.]331/1‬‬
‫ما مقصد علي حلبي من هذا القول؟!‬
‫نبين مقصد علي حلبي األثري بين ـ المعكوفتين ـ‬
‫فقبل أن ّ‬
‫نقول‪ :‬هل كفر اإلعراض ينفي التصديق أم عمل القلب الموجب‬
‫للحب واالنقياد والتزام الطاعة؟! الشك أنَّ عند العقالء مصينين‬
‫الفطرة المكملة‪ ،‬بالشرعة المنزهة‪ ،‬أنَّ التصديق ضده التكذيب‪،‬‬
‫واإلقرار ضده الجحود‪ ،‬وااللتزام واالنقياد ضده اإلعراض والتولي‬
‫واإلباء واالستكبار‪ ،‬فكفر اإلعراض أو التولي أو اإلباء أو االستكبار‬
‫ال ينفي التصديق بتات ًا‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬ومعلوم أنَّ اإليمان هو اإلقرار‪ ،‬ال مجرد‬
‫التصديق‪ .‬واإلقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق‪ ،‬وعمل القلب‬
‫الذي هو االنقياد ـ تصديق الرسول فيما أخبر‪ .‬واالنقياد له فيما أمر‪...،‬‬
‫والكفر هو عدم اإليمان‪ ،‬سواء كان معه تكذيب‪ ،‬أو استكبار أو إباء‬
‫أو إعراض‪ ،‬فمن لم يحصل في قلبه التصديق واالنقياد فهو كافر‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 388/7‬ط‪/‬جـ ‪ 639 ،638‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فرق شيخ اإلسالم � بين التكذيب‪ ،‬واالستكبار واإلباء‬
‫َّ‬
‫واإلعراض‪ ،‬والتصديق ضده التكذيب وهو من لوازم قول القلب‪،‬‬
‫واإلقرار من ضمنه‪ ،‬أال تری إلى قوله‪« :‬واإلقرار ضمن قول القلب‬

‫‪106‬‬
‫الذي هو التصديق» ثم قال في األخير‪« :‬فمن لم يحصل في قلبه‬
‫التصديق واالنقياد فهو كافر»‪.‬‬
‫فكفر التكذيب أو الجحود منافي للتصديق واإلقرار‪ ،‬اللذان‬
‫هما من لوازم قول القلب‪ ،‬وكفر االستكبار أو اإلباء أو اإلعراض منافي‬
‫لالنقياد الذي هو من لوازم عمل القلب‪ ،‬فعلم أنَّ كفر االستكبار أو‬
‫اإلباء أو التولي أو اإلعراض ينفي عمل القلب‪ ،‬ال يشك في ذلك إ َّ‬
‫ال‬
‫مكابر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫معاند‬
‫ٌ‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬وكل من لم يؤمن بأصل الرسالة من الهند‬
‫والبراهمة وغيرهم‪ ،‬والترك والسودان وغيرهم من األمم األميين الذين‬
‫ال كتاب لهم ـ سواء كانوا مكذبين للرسل أو معرضين عن اتباعهم»‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 181/12‬ط‪/‬جـ ‪ 335‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫ففرق بين تكذيب الرسل‪ ،‬وبين اإلعراض عن متابعتهم‪ ،‬فاألول‬
‫َّ‬
‫خاص بقول القلب والثاني خاص بعمله‪.‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬وﭧ ﭨ ﴿ﮍ ﮎ ﮏﮐ‬
‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ﴾ [ ا لنو ر ]‬
‫أن التولي ليس‬
‫والتولي‪ :‬هو التولي عن الطاعة‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬فعلم َّ‬
‫هو التكذيب‪ ،‬بل هو التولي عن الطاعة‪ ،‬فإن ال َّناس عليهم أن يصدقوا‬
‫الرسول فيما أخبر‪ ،‬ويطيعوه فيما أمر‪ ،‬وضد التصديق التكذيب‪ ،‬وضد‬
‫الطاعة التولي‪ ،‬فلهذا قال‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ﴾‬
‫وقد ﭧ ﭨ ﴿ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾[النور]‪ ،‬فنفى اإليمان عمن تولى‬

‫‪107‬‬
‫عن العمل‪ ،‬وإن كان قد أتى بالقول‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪ 94 ،93/7‬ط‪/‬جـ‬
‫‪ 142‬ط‪/‬ق]‪ .‬‬
‫فبهذه النصوص السلفية‪ ،‬ت ََّبين مراد اإلمام ابن القيم وشيخه‬
‫يمت‬
‫‪ ،K‬في كفر «اإلعراض» أنَّه منافي لعمل القلب‪ ،‬وال ّ‬
‫بصلة إلى قول القلب الذي من ضمنه «التصديق» و«اإلقرار»‪.‬‬
‫لكن قد يقول قائل‪ :‬لماذا ّ‬
‫كل هذا السرد لكالم الشيخين‬
‫واضح؟!‬
‫ٌ‬ ‫‪ K‬ومرادهما‬
‫أقول‪ :‬كالم اإلمام ابن القيم ال إشكال وال غموض فيه‪ ،‬وال‬
‫يحتاج إلى تعليق‪ ،‬فالمقصود في غاية البيان‪ ،‬وال تعوزه الواقعية العلمية‬
‫الحلبية‪.‬‬
‫فإن قال القائل‪ :‬وهل في الواقعية العلمية الحلبية ضير‪ ،‬إنَّما هي‬
‫لبيان مراد المتكلم؟!‬
‫أقول‪ :‬مراد المتكلم بعد ما كان واضح ًا ومفسر ًا‪ ،‬أصبح بالواقعية‬
‫ال ومبهم ًا‪ ،‬فهو محترف متفنن في إلقاء اإلشكال‬ ‫العلمية الحلبية مجم ً‬
‫والغموض‪ ،‬ويعلم جيد ًا من أين تؤكل الكتف؟! فواقعيته تخدم جهتين‪،‬‬
‫جهة السلفية الشرعية‪ ،‬وجهة السلفية السابرية؛ المرجئة‪ ،‬لكن نحن‬
‫نعرف مراد واقعيته وما الجهة التي تخدمها‪ ،‬من تعليقاته‪ ،‬وتهويالته‪،‬‬
‫وتعجباته‪ ،‬ومراوغاته‪.‬‬
‫خلو اإليمان من قلبه»‬
‫فواقعيته تقول‪« :‬فالكفر عنده ناتج عن ّ‬
‫فهذا الخلو يكون بزوال عمل القلب أو بزوال قول القلب‪ ،‬فاألول‪ :‬هو‬
‫مراد اإلمام ابن القيم‪ ،‬وقد بسطنا النصوص فيه‪ ،‬والثاني‪ :‬هو الواقعية‬

‫‪108‬‬
‫العلمية لعلي حلبي األثري بين ـ المعكوفتين ـ ‪.‬‬
‫فإن قال القائل‪ :‬ما الدليل في ذلك؟!‬
‫قلنا‪ :‬برهان صحة قولنا‪ ،‬اعتقاد علي حلبي نفسه‪ ،‬فهو ينصر‬
‫مقالة الحافظ ابن حجر في مسألة اإليمان؛ أنَّ العمل شرط كمال وليس‬
‫َّ‬
‫بالمسطر‪.‬‬ ‫شرط صحة‪ ،‬وإن تبرأ من هذا‪ ،‬أتينا‬
‫قلنا‪ :‬واقعيته العلمية تقول‪« :‬الحكم على المتروكات وفق‬
‫قاعدة الترك االعتقادي المبني على الجحود واإلنكار أو التكذيب أو‬
‫االستحالل ال على الترك المجرد وإ َّ‬
‫ال كان هذا قول الخوارج بعينه»‬
‫[التحذير ص ‪.]27‬‬
‫فمن قواعد األصول المقررة المتفق عليها بين المحققين‪ ،‬أنَّ ما‬
‫ال يحمل على المفسر‪ ،‬فإجماله الذي في الحاشية‪ ،‬من كتاب‬ ‫كان مجم ً‬
‫«مفتاح دار السعادة»‪ ،‬يحمل على المفسر الذي في «التحذير»‪ ،‬فخلو‬
‫اإليمان عنده بهذه القاعدة المقررة‪ ،‬يكون بزوال «قول القلب» الذي‬
‫من ضمنه «التصديق» و«اإلقرار»‪ ،‬ولهذا ال يثبت من الكفر إ َّ‬
‫ال كفر‬
‫التكذيب والجحود‪ ،‬واالستحالل المنافي للتصديق‪ ،‬أما االستحالل‬
‫المنافي لعمل القلب فال يثبته‪ ،‬بل يراه واقعية علمية خارجية كما سوف‬
‫نبسط الكالم فيه إن شاء ال َّله‪.‬‬
‫فالرجل ال يستقر له حال‪ ،‬وال يهدأ له بال‪ ،‬إ َّ‬
‫ال بخلخلة أركان‬
‫كثير تفرقوا في شعابه وطرقه‬
‫خلق ٌ‬‫البيت السلفي‪ ،‬فلقد سلك وادي ًا سلكه ٌ‬
‫لما شنأوا النصوص السلفية الواضحة‪ ،‬انبتروا ﭧ ﭨ‬
‫ومتاهاته‪َّ ،‬‬
‫﴿ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [األعراف‪ :‬ﯫ]‪ ،‬وسوف‬

‫‪109‬‬
‫نبين الغاية من سلوكه واد التحريفات والتأويالت واالحتماالت في‬
‫ّ‬
‫موضعه‪.‬‬
‫وقبل أن نختم الكالم عن تقسيم ابن قيم الجوزية �‬
‫للكفر‪ ،‬أود أن أعلق على فائدة عظيمة‪ ،‬وقريحة من قرائح هذا اإلمام‬
‫الجهبذ‪ ،‬وواقعية علمية سلفية‪ ،‬ال تخدم واقعيات األثريين الناكبين عن‬
‫الصراط‪.‬‬
‫يقول اإلمام ابن القيم � في نوع كفر الجحود‪« :‬وكفر‬
‫الجحود نوعان‪ :‬كفر مطلق عام‪ ،‬وكفر مقيد خاص‪.‬‬
‫فالمطلق‪ :‬أن يجحد جملة ما أنزل ال َّله‪ ،‬وإرساله الرسول‪.‬‬
‫والخاص المقيد‪ :‬أن يجحد فرض ًا من فروض اإلسالم‪ ،‬أو‬
‫تحريم محرم من محرماته‪ ،‬أو صفة وصف ال َّله بها نفسه‪ ،‬أو خبر ًا أخبر‬
‫ال َّله به عمد ًا‪ ،‬أو تقديم ًا لقول من خالفه عليه لغرض من األغراض‪».‬‬
‫[مدارج السالكين ‪.]367/1‬‬
‫فقوله‪« :‬أو تقديم ًا لقول من خالفه عليه لغرض من األغراض»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه القريحة والحقيقة العلمية‪ ،‬تثبت فيمن حكم بالقوانين‬
‫ُ‬
‫الوضعية الكفرية‪ ،‬لغرض من األغراض‪ ،‬إما عن سوء القصد وفساد‬
‫الطوية‪ ،‬أو طاعة للذين كرهوا ما َّنزل ال َّله‪ ،‬وهم الكفار جمل ًة‪ ،‬وأهل‬
‫الكتابين خاص ًة‪ ،‬أو لحظ من حظوظ الدنيا وخوف فواتها‪ ،‬والحاصل‬
‫األغراض لهؤالء كثيرة‪ ،‬وحججهم مبيرة‪ ،‬والمجادل عنهم إما جاهل‬
‫ال يعرف ما يقول‪ ،‬أو رقيق في الدِّ ين بسبب أعطياتهم‪ ،‬وحقيقة هؤالء‬
‫مرجئة فاسدة‪ ،‬ذووا سلعة كاسدة‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫َّ‬
‫وحكام القوانين منهم‪،‬‬ ‫وفي المخالفين لغرض من األغراض‪،‬‬
‫يقول إمام المجددين في وقته‪ ،‬محمد بن عبد الوهاب �‪ :‬في «قوله‬
‫ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ اآلية‬
‫[النحل‪ :‬ﮣ]‪.‬‬
‫فصرح أنَّ العذاب لم يكن بسبب االعتقاد‪ ،‬والجهل‪ ،‬والبغض‬
‫للدين‪ ،‬أو محبة الكفر‪ ،‬وإنَّما سببه أنَّ له في ذلك حظ ًا من حظوظ الدنيا‪،‬‬
‫فآثره على الدين وال َّله أعلم‪[ ».‬الدالئل واالشارات على كشف الشبهات ص‬
‫‪.]181‬‬
‫فتبين أنَّ فاعل الكفر‪ ،‬لخوف على فوات مصلحة دنيوية‪ ،‬أو‬
‫طمع‪ ،‬أو مداراة ألحد‪ ،‬خاصة للكارهين لما نزل من أهل الكتابين‪ ،‬أو‬
‫مشحة لوطنه‪ ،‬أو أهله‪ ،‬أو عشيرته‪ ،‬أو ماله‪ ،‬أو‪ ...‬لغرض من األغراض‪،‬‬
‫وهي كثيرة‪ ،‬غير نافعة‪ ،‬وحجة واهية ومشحة خاسرة منقطعة السبب يوم‬
‫القيامة‪﴿ ،‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ومهم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫نافع‬
‫ﮩﮪﮫ﴾ [البقرة]‪ ،‬فليتدبر هذا اللبيب فإنَّه ٌ‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬إنَّ الكفر عدم اإليمان بال َّله ورسله‪،‬‬
‫سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب بل شك وريب‪ ،‬أو‬
‫إعراض عن هذا كله حسد ًا أو كبر ًا‪ ،‬أو اتباع ًا لبعض األهواء الصارفة‬
‫عن اتباع الرسالة‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪ 181/12‬ط‪/‬جـ ‪ 335‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬الكفر تارة يكون بالنظر إلى عدم تصديق‬
‫الرسول واإليمان به‪ ،‬وهو من هذا الباب يشترك فيه كل ما أخبر به‪،‬‬
‫وتارة بالنظر إلى عدم اإلقرار بما أخبر به‪ ،‬واألصل في ذلك هو اإلخبار‬

‫‪111‬‬
‫بال َّله وبأسمائه؛ ولهذا كان جحد ما يتعلق بهذا الباب أعظم من جحد‬
‫غيره‪ ،‬وإن كان الرسول أخبر بكليهما ثم مجرد تصديقه في الخبر والعلم‬
‫بثبوت ما أخبر به‪ ،‬إذا لم يكن معه طاعة ألمره‪ ،‬ال باطن ًا وال ظاهر ًا وال‬
‫محبة ل َّله وال تعظيم له لم يكن ذلك إيمان ًا‪.‬‬
‫وكفر إبليس وفرعون واليهود ونحوهم لم يكن أصله من‬
‫فإن إبليس لم يخبره أحد بخبر‪ ،‬بل أمره‬
‫جهة عدم التصديق والعلم‪َّ ،‬‬
‫ال َّله بالسجود آلدم فأبى واستكبر‪ ،‬وكان من الكافرين‪ ،‬فكفره باإلباء‬
‫واالستكبار وما يتبع ذلك‪ ،‬ال ألجل التكذيب‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪327/7‬‬
‫ط‪/‬جـ ‪ 534‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬وال ريب أنَّ الكفر المتعلق بالرسالة‪،‬‬
‫فتكذيب الرسول كفر‪ ،‬وبغضه وسبه وعداوته مع العلم بصدقه في‬
‫الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة العلم وسائر‬
‫ال جهم ومن وافقه كالصالحي واألشعري وغيرهم‪».‬‬ ‫الطوائف‪ ،‬إ َّ‬
‫[منهاج الس َّنة النبوية ‪.]252 ،251/5‬‬
‫فهذه أقوال شيخ االسالم ابن تيمية � طافحة في كتبه‪ ،‬تقرر‬
‫أنَّ الكفر يكون تكذيب ًا أو شك ًا وهذا ال يستمر طوي ً‬
‫ال‪ ،‬أو جحد ًا أو إبا ًء‪ ،‬أو‬
‫إعراض ًا‪ ،‬أو تولي ًا‪ ،‬فاألول والثاني والثالث‪ ،‬ينفي «قول القلب»‪ ،‬والرابع‬
‫والخامس ينفي «عمل القلب»‪ ،‬الذي من ضمنه االلتزام اإلجمالي‬
‫للشريعة‪ ،‬ومحبتها واالنقياد لها‪ ،‬واألخير ينفي عمل الجوارح التي من‬
‫ضمنها االتيان بالمأمورات ورأسها وذروة سنامها الصالة‪ ،‬واجتناب‬
‫المنهيات‪ ،‬هذا هو اإليمان عند الشيخ القائم على ركنين إجما ً‬
‫ال‪ ،‬أو‬

‫‪112‬‬
‫أربعة تفصي ً‬
‫ال‪ ،‬وهذا هو اإليمان التام الصحيح‪ ،‬المستحق صاحبه‬
‫الوعد دون الوعيد‪.‬‬
‫أما من أثبت أنَّ اإليمان يكون مثل ما قال شيخ اإلسالم �‪،‬‬
‫ثم يزعم أنَّ العمل شرط كمال‪ ،‬فالشك أنَّ شيخ اإلسالم � مخالفه‬
‫ومبدعه‪ ،‬ومن أجله أ َّلف «كتاب اإليمان» وهؤالء هم الذي يسميهم‬
‫المرجئة‪ ،‬وهي التي أغلظوا عليها أئمة الدين وأساطين العلم سلف ًا عن‬
‫خلف‪ ،‬وصاحوا عليها من أقطار األرض‪ ،‬والشك أنها نفس الزمرة‬
‫التي نحن معها اليوم في نزا ٍع وقراعٍ‪ ،‬طائفة المرجئة الجدد‪ ،‬األثرية بين‬
‫ـ المعكوفتين ـ ‪.‬‬
‫فأي تقسيم غير هذا التقسيم للكفر واإليمان الذي أثبتناه وقررناه‬
‫ّ‬
‫عن اإلمام وتلميذه ‪ ،K‬فصاحبه يفضي به «إلى ترك بعض‬
‫أصله من األصل الذي ال‬
‫النصوص والبد‪ ،‬فإنَّها تتناقض في حقه لما َّ‬
‫يلتئم عليه جمع النصوص‪ ،‬فالبد أن يرد بعضها ببعض أو يستشكلها‬
‫أو يتطلب لها مستنكر التأويالت ووجوه التحريفات‪[ ».‬طريق الهجرتين‬
‫وباب السعادتين ص ‪.]395‬‬
‫يعرف ابن حزم � الكفر فيقول‪« :‬وهو في الدِّ ين‪ ،‬صفة من‬ ‫ّ‬
‫جحد شيئ ًا مما افترض ال َّله تعالى اإليمان به بعد قيام الحجة عليه ببلوغ‬
‫الحق إليه بقلبه دون لسانه أو لسانه دون قلبه‪ ،‬أو بهما مع ًا‪ ،‬أو عمل‬
‫ال جاء النص بأنَّه مخرج له بذلك عن اسم اإليمان‪[ ».‬اإلحكام في‬ ‫عم ً‬
‫أصول األحكام ‪.]49/1‬‬
‫ويقرر أيض ًا‪ ،‬أنَّ العمل إذا كان معدوم ًا ال ينفع التصديق‬
‫ِّ‬

‫‪113‬‬
‫واإلقرار‪ ،‬وصاحبه كافر إذا لم يأت به‪.‬‬
‫بقوله‪« :‬ولو كان اإليمان هو التصديق واإلقرار فقط لكان جميع‬
‫المخلدين في النار من اليهود والنصاری وسائر الكفار مؤمنين حينئذ‪،‬‬
‫ألنَّهم كلهم مصدقون بكل ما َّ‬
‫كذبوا به في الدنيا مقرون بكل ذلك‪،‬‬
‫ولكان إبليس واليهود والنصاری في الدنيا مؤمنين ضرورة وهذا كفر‬
‫مجرد ممن أجازه‪ ،‬وإنما كفر أهل ال َّنار بمنعهم األعمال‪ِ ».‬‬
‫[الفصل في‬
‫الملل واألهواء والنحل ‪.]219/2‬‬
‫ويقرر في موضع آخر‪ ،‬أنَّ الكفر يكون بسبب اإلعراض أو‬ ‫ّ‬
‫التولي‪ ،‬وعدم التزام الطاعة‪ ،‬أو اإلباء في االنقياد‪ ،‬وهذا قطع ًا من‬
‫أعمال القلوب والجوارح‪.‬‬
‫فيقول �‪« :‬وﭧ ﭨ ﴿ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﴾ [النساء]‪.‬‬
‫فنص ـ تعالى ـ وأقسم بنفسه أنَّه ال يكون مؤمن ًا إ َّ‬
‫ال بتحكيم النبي‬
‫عن ثم يسلم بقلبه وال يجد في نفسه حرج ًا مما قضى‪.‬‬ ‫ﷺ في كل ما َّ‬
‫أن التحكيم شيء غير التسليم بالقلب‪ ،‬وأنَّه هو اإليمان الذي ال‬
‫فصح َّ‬
‫إيمان لمن لم يأت به‪ِ ».‬‬
‫[الفصل في الملل ‪.]215/2‬‬
‫ويقول � أيضاً‪« :‬وﭧ ﭨ ﴿ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾‬
‫[محمد‪ :‬ﭾ]‪.‬‬
‫الحق‬
‫ّ‬ ‫وهذا نص جلي من خالفه كفر في أنَّ الكفار قد تبين لهم‬

‫‪114‬‬
‫الحق فبيقين يدري كل‬
‫ّ‬ ‫والهدی في التوحيد والنبوة والذي قد تبين له‬
‫ذي حس سليم أنَّه مصدق بالشك بقلبه‪ِ ».‬‬
‫[الفصل ‪.]223 ،222/2‬‬
‫وأقروا‪ ،‬ثم كفروا‪ ،‬إنَّما‬ ‫ويقرر في موضع آخر‪ ،‬أنَّ الذين َّ‬
‫صدقوا ُّ‬ ‫ّ‬
‫كان من جهة ما أظهروا من أعمال خالف ذلك‪.‬‬
‫حق‪ ،‬وأنَّ محمد ًا رسول ال َّله‬
‫يقول �‪« :‬يعرفون أنَّ ال َّله تعالى ّ‬
‫حق‪ ،‬ويظهرون بألسنتهم خالف ذلك‪ ،‬وما سماهم ال َّله ‪ ‬قط كفار ًا‬
‫ّ‬
‫ال بما ظهر منهم بألسنتهم وأفعالهم كما فعل إبليس وأهل الكتاب‬ ‫إ َّ‬
‫[الفصل في الملل ‪.]238/2‬‬ ‫وغيرهم‪ِ ».‬‬

‫ويقرر أيض ًا‪ ،‬أنَّ الكفر ال ينحصر في التكذيب والجحود‪ ،‬كما‬


‫ّ‬
‫موه وشغَّ ب علي حلبي األثري بين ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬وليس «الحلبي»‬
‫َّ‬
‫إنَّما هو تدليس منه‪ ،‬لينسب نفسه إلى هذه العائلة‪ ،‬فالظاهر أنَّ الرجل‬
‫كل شيء ح َّتى األنساب‪ ،‬فهو‬ ‫ٌ‬
‫مخالف‪ ،‬طالت يده َّ‬ ‫ٌ‬
‫ومؤول‬ ‫بارع‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫محرف ٌ‬
‫بارع‪ ،‬في إتقان الصنعة‪ ،‬صنعة التحريف والتبديل والكتمان والتأويل‬
‫ٌ‬
‫الفاسد‪ ،‬واالحتمال‪ ،‬وأكبر صنعة يتقنها عندما يقول في النصوص‬
‫قلت سابق ًا‪:‬‬
‫المخالفة لرأيه الفاسد‪« ،‬لعله سقط مطبعي» لذا أقول كما ُ‬
‫إنَّ المدفدف ال ينسى َّ‬
‫هز األكتاف‪.‬‬
‫يقول ابن حزم �‪« :‬وقد قال ‪﴿ :‬ﮙﮚﮛﮜ‬
‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ‬
‫ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ‬
‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬

‫‪115‬‬
‫ﯬ ﯭ ﯮﯯ﴾ [محمد]‪.‬‬
‫الحق‪ ،‬وبعد أن تبين‬
‫ّ‬ ‫فجعلهم تعالى مرتدين كفار ًا بعد علمهم‬
‫لهم الهدی بقولهم ما قالوا فقط‪ ،‬وأخبرنا تعالى أنَّه يعرف إسرارهم‪،‬‬
‫ولم يقل تعالى إنَّها جحد أو تصديق‪ ،‬بل قد صح أن في سرهم التصديق‪،‬‬
‫ألن الهدی قد تبين لهم‪ ،‬ومن تبين له شيء فال يمكن ألبتة أن يجحده‬
‫َّ‬
‫بقلبه أص ً‬
‫ال‪ ،‬وأخبرنا تعالى أنَّه قد أحبط أعمالهم باتباعهم ما أسخط‬
‫ال َّله وكراهيتهم رضوانه‪.‬‬
‫وﭧ ﭨ ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬
‫ﯕﯖﯗ﴾ [الحجرات]‪.‬‬
‫فهذا نص جلي وخطاب للمؤمنين بأن إيمانهم يبطل جملة‬
‫وأعمالهم تحبط برفع أصواتهم فوق صوت النبي ﷺ دون جحد كان‬
‫ال ولو كان منهم جحد لشعروا به‪ ،‬وال َّله تعالى أخبرنا بأن ذلك‬
‫منهم أص ً‬
‫أن من أعمال الجسد ما يكون كفر ًا مبط ً‬
‫ال‬ ‫يكون وهم ال يشعرون فصح َّ‬
‫إليمان فاعله جمل ًة‪ ،‬ومنه ما ال يكون كفر ًا لكن على ما حكم ال َّله تعالى‬
‫به في كل ذلك وال مزيد‪ِ ».‬‬
‫[الفصل في الملل ‪.]241 ،240/2‬‬
‫انظروا إلى الفقه الصحيح‪ ،‬واستنباط أولي األلباب‪ ،‬وأرباب‬
‫البصائر‪ ،‬كيف يفرق بين األعمال المذهبة لمطلق اإليمان‪ ،‬بقوله‪:‬‬
‫أن من أعمال الجسد ما يكون كفر ًا مبط ً‬
‫ال إليمان فاعله جملة»‬ ‫«فصح َّ‬
‫وهي األعمال التي تكون شرط ًا في صحة الباقي‪ ،‬كالحب والتعظيم‬
‫والتزام الطاعة والصالة وتحكيم شرع ال َّله‪ ،‬ومواالة المؤمنين ومعاداة‬

‫‪116‬‬
‫الكافرين‪ ،‬و‪ ،...‬وبين األعمال المذهبة لإليمان المطلق‪ ،‬بقوله‪« :‬ومنه‬
‫ما ال يكون كفر ًا لكن على ما حكم ال َّله تعالى به في كل ذلك وال مزيد» ‬
‫وهذه األعمال التي ال تكون شرط ًا في صحة الباقي‪ ،‬كسباب المسلم‪،‬‬
‫وإتيان الحائض‪ ،‬والمرأة في دبرها و‪ ،...‬في أشياء من هذا القبيل‪.‬‬
‫سلفي مبني على المعتقد الصحيح أنَّ اإليمان‬
‫ٌّ‬ ‫تفريق‬
‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫يتجزأ ويتبعض وال يزول بالكلية‪ ،‬بل قد يزول بعض ويبقى بعض‪ ،‬إ َّ‬
‫ال‬
‫خارجي؟! أم‬ ‫وتفريق‬
‫ٌ‬ ‫أنَّ بعض األعمال تزيل اإليمان كلي ًا‪ ،‬أفهذا ٌ‬
‫قول‬
‫ٌّ‬
‫ٌ‬
‫وعمل!!‪.‬‬ ‫مبني على معتقد السلف‪ ،‬أنَّ اإليمان ٌ‬
‫قول‬
‫يقول القرطبي � في قوله ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔﯕ ﯖ﴾ [الحجرات‪ :‬ﯗ]‪« :‬السادسة‪ :‬قال الزجاج‪﴿ :‬ﮰﮱ‬
‫ﯓ﴾ التقدير ألن تحبط‪ ،‬أي‪ :‬فتحبط أعمالكم‪ ،‬فالالم المقدرة الم‬
‫الصيرورة وليس قوله‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾‪ .‬بموجب‬
‫أن يكفر اإلنسان وهو ال يعلم‪ .‬فكما ال يكون الكافر مؤمن ًا إ َّ‬
‫ال باختياره‬
‫اإليمان على الكفر‪ ،‬كذلك ال يكون المؤمن كافر ًا من حيث ال يقصد‬
‫إلى الكفر وال يختاره بإجماع‪ .‬كذلك ال يكون الكافر كافر ًا من حيث‬
‫ال يعلم‪[ ».‬الجامع ألحكام القرآن ‪.]203/16‬‬
‫كالم ٌ‬
‫باطل يرده ظاهر اآلية‪،‬‬ ‫صحيح؟! قطع ًا هذا ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كالم‬
‫فهل هذا ٌ‬
‫فهذا دأب المتلوثين بلوثة اإلرجاء‪ ،‬كيف يرون وقوع الكفر؟ فهو ال‬
‫يری وقوع الكفر‪ ،‬إ َّ‬
‫ال باالختيار‪ ،‬وال يحبط العمل بغير شعور‪ ،‬وهذا‬
‫يرده‪ ،‬قوله ـ تعالى ـ في الذين تكلموا بالكفر من غير اعتقاد له‪.‬‬
‫ﭧ ﭨ ﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬

‫‪117‬‬
‫ﮝﮞﮟ ﮠﮡﮢﮣ﴾ [التوبة]‪.‬‬
‫«فقد أخبر أنَّهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم‪ :‬إنا تكلمنا بالكفر‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪140/7‬‬ ‫من غير اعتقاد له‪ ،‬بل كنا نخوض ونلعب‪».‬‬
‫ط‪/‬جـ ‪ 220‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫عن جندب بن عبد ال َّله ‪‬؛ قال‪ :‬قال رسول ال َّله ﷺ‪« :‬قال‬
‫ٌ‬
‫رجل‪ :‬وال َّله ال يغفر ال َّله لفالن‪ ،‬فقال ال َّله ‪ :‬من ذا الذي يتألى َّ‬
‫علي أن‬
‫ال أغفر لفالن؟ إني قد غفرت له وأحبطت عملك» [مسلم رقم ‪.]6624‬‬
‫قال أبو هريرة ‪« :‬والذي نفسي بيده لتك َّلم بكلمة أوبقت‬
‫تبين أنَّ من الكالم‬
‫وآخرته» [صحيح سنن أبي دواد رقم ‪ ،]4901‬فقد ّ‬
‫ُ‬ ‫دنيا ُه‬
‫ما يوبق صاحبه وهو ال يشعر‪.‬‬
‫يقول ابن عثيمين �‪« :‬قوله‪« :‬وأحبطت عملك» ظاهر‬
‫أن ال َّله أحبط عمله كله؛ َّ‬
‫ألن المفرد المضاف‬ ‫اإلضافة في الحديث‪َّ ،‬‬
‫األصل فيه أن يكون عام ًا‪.‬‬
‫ووجه إحباط ال َّله عمله على سبيل العموم ـ حسب فهمنا والعلم‬
‫عند ال َّله ـ أن هذا الرجل كان يتعبد ل َّله وفي نفسه إعجاب بعمله‪ ،‬وإدالل‬
‫يم ّن على ال َّله بعمله‪ ،‬وحينئذ يفتقد ركن ًا عظيم ًا‬
‫بما عمل على ال َّله كأنه ُ‬
‫إلى أن‬ ‫من أركان العبادة؛ ألن العبادة مبنية على الذل والخضوع؛‪...‬‬
‫قال‪ :‬ويحتمل معنى «أحبطت عملك»؛ أي‪ :‬عملك الذي كنت تفتخر‬
‫به على هذا الرجل‪ ،‬وهذا أهون؛ ألنَّ العمل إذا حصلت فيه إساءة بطل‬
‫وحده دون غيره‪.‬‬
‫لكن ظاهر حديث أبي هريرة يمنع هذا االحتمال‪ ،‬حيث جاء فيه‬

‫‪118‬‬
‫أن ال َّله تعالى قال‪ :‬اذهبوا به إلى النار‪ .‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬وأما قوله‪« :‬أوبقت‬
‫َّ‬
‫ألن من حبط عمله؛ فقد خسر الدنيا واآلخرة‪ .‬وأما كونها‬ ‫دنياه وآخرته» َّ‬
‫أوبقت آخرته؛ فاألمر ظاهر؛ ألنَّه من أهل النار والعياذ بال َّله‪[ ».‬القول‬
‫المفيد على كتاب التوحيد ‪ 1089/2‬ـ ‪.]1091‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬ﭧ ﭨ ﴿ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆﮇﮈﮉﮊ﴾ [التوبة‪ :‬ﮑ]‪ ،‬فاعترفوا واعتذروا؛ ولهذا قيل‪:‬‬
‫﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠﮡﮢﮣ﴾ [التوبة]‪ .‬فدل على أنَّهم لم يكونوا‬
‫عند أنفسهم قد أتوا كفر ًا‪ ،‬بل ظنوا أنَّ ذلك ليس بكفر‪ ،‬فبين أنَّ االستهزاء‬
‫بال َّله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه‪ ...،‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬
‫ولكن لم يظنوه كفر ًا وكان كفر ًا كفروا به‪ ،‬فإنَّهم لم يعتقدوا جوازه‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 173/7‬ط‪/‬جـ ‪ 273‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫يقول الشوكاني �‪« :‬لكن ال يخفى عليك ما تقرر في أسباب‬
‫الردة أنَّه ال يعتبر في ثبوتها العلم بمعنى ما قاله ما جاء بلفظ كفري أو‬
‫ّ‬
‫فعل فع ً‬
‫ال كفرياً‪ُّ ».‬‬
‫[الدر النضيد ص ‪.]39‬‬
‫فهؤالء قالوا كلمة الكفر‪ ،‬من غير اعتقاد وال ظن‪ ،‬أنَّها كلمة‬
‫موبقة‪ ،‬فأين هذا من كالم القرطبي‪« :‬ال يكون المؤمن كافر ًا من حيث‬
‫ال يقصد إلى الكفر وال يختاره بإجماع»؟!‬
‫والشك االجماع الذي ذكره القرطبي هو إجماع المتلوثين‬
‫ببدعة اإلرجاء‪ ،‬ولهذا قلنا أنَّ هناك تالزم ًا بين مسألة االسم والحكم‪،‬‬
‫كما أنَّ هناك تالزم ًا بين الظاهر والباطن‪ ،‬ف َّلما كان القرطبي على طريقة‬

‫‪119‬‬
‫شيخه في مسألة الحكم‪ ،‬أحمد بن عمر صاحب «المفهم» وتأويل‬
‫الصفات*‪ ،‬ظهر جلي ًا في مقاالته‪ ،‬وهذا التأثر أيض ًا ورثه الحافظ ابن‬
‫حجر‪ ،‬مما جعله يقول‪« :‬أنَّ العمل شرط كمال» توفيق ًا بين ما ورثه عن‬
‫القرطبي أحمد بن عمر في مسألة الحكم؛ الكفر ال يكون إ َّ‬
‫ال جحود ًا أو‬
‫تكذيب ًا وبين ما جاء عن السلف أنَّ اإليمان قول وعمل‪ ،‬وهذا التوفيق‬
‫يعتبر من أوابده‪.‬‬
‫ولهذا لم يرض اإلمام الشنقيطي � قول القرطبي فقال‪:‬‬
‫أن اإلنسان قد يحبط عمله وهو ال يشعر‪،‬‬
‫«وظاهر هذه اآلية الكريمة َّ‬
‫وقد قال القرطبي [أي‪ :‬صاحب الجامع]؛ إنَّه ال يحبط عمله بغير شعوره‬
‫وظاهر اآلية يرد عليه‪[ ».‬أضواء البيان ‪.]409/7‬‬
‫ومن أراد االستزادة في فهم هذا الضابط؛ حبوط العمل‬
‫ودوني الحنفي‬ ‫بدون شعور‪ ،‬فليراجع رسالة الحافظ ابن ُق ْط ُلو ُبغَ ا ُّ‬
‫الس ُ‬
‫الموسومة بـ «من يكفر ولم يشعر»‪ ،‬ففيها ما يقنع الغلة ويشفي العلة‪،‬‬
‫رزين من هذا اإلمام‬
‫علمي ٌ‬ ‫وتحقيق‬
‫ٌ‬ ‫سلفي‪،‬‬ ‫كل نقول‪ :‬هذا ٌ‬
‫قول‬ ‫وعلى ّ‬
‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬
‫الجهبذ‪ ،‬مبني على معتقد سليم‪ ،‬في فهم النصوص‪ ،‬على غرار جادة‬
‫السلف‪ ،‬في حمل األخبار واألوامر على ظواهرها‪ ،‬ومن أراد أن يبطل‬
‫قول اإلمام واإلمامين ابن حزم وابن تيمية ‪ ،Ą‬فليشمر عن الساعد‬
‫ويموه بحجج الباطل‪ ،‬كأن‬
‫ّ‬ ‫وليأت بالدليل والبرهان‪ ،‬وال يشغّ ب‪،‬‬
‫«ظاهري» أو «‪ »...‬وهذا من قلة اإلنصاف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫«خارجي» أو‬
‫ٌّ‬ ‫يقول‪ :‬هذا‬

‫* انظر كيف ينكر صفة اليدين هلل ـ سبحانه وتعاىل ـ ويؤوهلا عىل طريقة شيخه يف قوله ـ تعاىل‬
‫ـ ‪﴿ :‬ﯢﯣﯤ﴾ [ص‪ :‬ﯫ] [اجلامع ‪ .]148/15‬‬

‫‪120‬‬
‫وحب اإلجحاف‪ ،‬ألنَّ من بركة العلم وآدابه اإلنصاف فيه‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإن كنت صاحب ضحالة علم‪ ،‬وخرف بدون عرف‪ ،‬فما هذا‬
‫بمحمود لحملك دون درع وسيف لتدفع في نحر العدي‪ ،‬بزخرفة‬
‫القول‪ ،‬بل هذا عمل العاجز الواني‪ ،‬فأقول لك كما قال اإلمام ابن حزم‬
‫األندلسي �‪:‬‬
‫دعوني من إحراق ٍّ‬
‫رق وكاغ ٍد‬
‫وقولوا بعلم كي يرى َّ‬
‫الناس من يدري‬
‫اَّ‬
‫وإل فعودوا في المكاتب بدأة‬
‫فكم دون ما تبغون هلل من ستر‬
‫«وإن كنت ممن غلظ حجابه وكثفت نفسه وطباعه فعليك‬
‫المحرفين الكلم عن مواضعه‪ ،‬الواضعين له‬
‫ّ‬ ‫بوادي الخفا وهو وادي‬
‫على غير المراد منه‪ ،‬فهو واد قد سلكه خلق وتفرقوا في شعابه وطرقه‬
‫ومتاهاته‪ ،‬ولم تستقر لهم فيه قدم وال لجأوا منه إلى ركن وثيق‪ ،‬بل هم‬
‫الليل وحاطم السيل‪[ ».‬طريق الهجرتين وباب السعادتين ص‬ ‫فيه كحاطب‬
‫‪ 241‬البن القيم]‪.‬‬
‫وممن سلك هذا الوادي‪ ،‬ودعا إليه علي حسن حلبي دون‬ ‫َّ‬
‫«ال» التعريف األثري بين ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬فهو ممن غلظ حجابه‪،‬‬
‫وكثفت نفسه وطباعه‪ ،‬فال يهدأ له بال‪ ،‬إ َّال بالسفسطة في بدائه العقول‪،‬‬
‫والتحريف والبتر في صحيح المنقول‪ ،‬طلب ًا للرياسة‪ ،‬والظهور على‬
‫األقران‪ ،‬ليشار إليه بالبنان‪ ،‬لكن بداء المراء والجدال الذي يقسي القلب‬
‫الضغن‪ ،‬العاري عن الحجة والبرهان‪ ،‬فإن كنت في منأی عن‬
‫ويورث ّ‬

‫‪121‬‬
‫هؤالء وشبهتهم‪ ،‬فاحمد ال َّله أو ً‬
‫ال‪ ،‬واسأله العافية ثانية‪ ،‬وإن كنت ممن‬
‫استجاب لنعيق علي حلبي وزخرفته‪ ،‬فأيقن أنَّ ما استجبت له‪ ،‬هو‬
‫جهد البالء ودرك الشقاء وسوء القضاء‪ ،‬ألنَّ من سعادة ال َّله لعبده أنَّه‬
‫ملبسون‪ ،‬ال َّلهم إنَّا نعوذ بك‬ ‫ما زال يصيب‪ ،‬وهؤالء مخطئون ِّ‬
‫يخطئون ِّ‬
‫من منكرات أقوالهم‪ ،‬وسوء تلبساتهم‪ ،‬وغلظ وكثافة نفوسهم‪ ،‬آمين‬
‫آمين‪.‬‬
‫ولنعد إلى المقصود‪ ،‬نقول قد نقلنا كالم اإلمام ابن حزم �‬
‫في الذين قالوا‪ :‬للذين كرهوا ما َّنزل ال َّله سنطيعكم في بعض األمر‬
‫وال َّله يعلم أسرارهم اآلية‪ ،‬وما قرر فيه من كالم نفيس في ذهاب مطلق‬
‫اإليمان ببعض األعمال‪ ،‬دون تكذيب أو جحد‪ ،‬وتفريقه بين األعمال‬
‫المذهبة لمطلق اإليمان‪ ،‬وبين األعمال المذهبة لإليمان المطلق‪ ،‬مما‬
‫يدل على سعة اطالعه وغزارة علمه‪ ،‬وسلوكه جادة السلف في مسألة‬
‫اإليمان‪ ،‬جعلت شيخ االسالم ابن تيمية يقول فيه‪« :‬وكذلك أبو محمد‬
‫ابن حزم ـ فيما صنفه من الملل والنحل ـ إنَّما يستحمد بموافقة الس َّنة‬
‫والحديث مثل ما ذكره في مسائل «القدر» و«واإلرجاء» ونحو ذلك‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 18 ،17/4‬ط‪/‬جـ ‪ 20 ،19‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫أردنا أن نثني بكالم المزكي نفسه‪ ،‬لما فيه من وضوح وبيان‬
‫أن المخالفة المختلفة‬
‫يبين َّ‬
‫في المسألة ذاتها‪ ،‬وتطابق بين القولين‪ ،‬مما ّ‬
‫وطائفتهم الجدد إنَّما هم في أمر مريج‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬فالخوارج والمعتزلة يقولون‪ :‬صاحب‬
‫الكبائر الذي لم يتب منها مخ َّلد في النار‪ ،‬ليس معه شيء من اإليمان‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫ثم الخوارج تقول‪ :‬هو كافر‪ ،‬والمعتزلة توافقهم على الحكم ال على‬
‫االسم‪ ،‬والمرجئة تقول‪ :‬هو مؤمن تام اإليمان‪ ،‬ال نقص في إيمانه‪ ،‬بل‬
‫إيمانه كإيمان األنبياء واألولياء‪ .‬وهذا نزاع في االسم‪ .‬ثم تقول فقهاؤهم‬
‫ما تقوله الجماعة في أهل الكبائر‪ :‬فيهم من يدخل ال َّنار‪ ،‬وفيهم من ال‬
‫يدخل‪ .‬كما دلت على ذلك األحاديث الصحيحة‪ ،‬واتفق عليه الصحابة‬
‫والتابعون لهم بإحسان‪.‬‬
‫فهؤالء ال ينازعون أهل الس َّنة والحديث في حكمه في اآلخرة‪،‬‬
‫وإنَّما ينازعوهم في االسم وينازعون أيض ًا فيمن قال ولم يفعل‪ ...‬ـ إلى أن‬
‫قال ـ ‪ :‬وﭧ ﭨ ﴿ﯤﯥﯦﯧﯨ﴾ [البقرة‪ :‬ﰊ]‪ .‬وﭧ‬
‫ﭨ ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﴾ ‬
‫[الحجرات‪ .]2 :‬وﭧ‪﴿ :‬ﯥ ﯦﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮﯯ﴾ [محمد]‪.‬‬
‫فهذه النصوص وغيرها تدل على أنَّ الماضي من العمل قد يحبط‬
‫بالسيئات‪ ،‬وأنَّ العمل ال يقبل إ َّ‬
‫ال مع التقوی‪ .‬والوعد إنَّما هو للمؤمن‪.‬‬
‫وهؤالء ليسوا بمؤمنين‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬ويقولون [أي‪ :‬المرجئة] أما‬
‫قوله‪﴿:‬ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮﯯ﴾[محمد]؛ فهذه في الكفار؛ فإنَّه قال‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ﴾‬
‫[محمد]‪ .‬وكذلك قوله‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ‬

‫‪123‬‬
‫ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬
‫ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ‬
‫ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮﯯ﴾ [محمد]‪.‬‬
‫فقد أخبر سبحانه أنَّ هؤالء ارتدوا على أدبارهم من بعد‬
‫وسع‬
‫سول لهم وأملى لهم‪ ،‬أي َّ‬ ‫تبين لهم الهدی‪ ،‬وأنَّ الشيطان ّ‬
‫ما َّ‬
‫لهم في العمر‪ ،‬وكان هذا بسبب وعدهم للكفار بالموافقة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫﴿ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮﯯ﴾ [محمد]‪.‬‬
‫فسر السلف هؤالء الذين كرهوا ما نزل ال َّله الذين‬ ‫ولهذا ّ‬
‫كانوا سبب نزول هذه اآلية بالمنافقين واليهود‪ .‬قالت الوعيدية‪ :‬ال َّله‬
‫تعالى إنَّما وصفهم بمجرد كراهة ما نزل ال َّله‪ ،‬والكراهة عمل القلب‪.‬‬
‫وعند الجهمية اإليمان مجرد تصديق القلب وعمله‪ ،‬هذا قول جهم‬
‫والصالحي واألشعري في المشهور عنه وأكثر أصحابه‪.‬‬
‫وعند فقهاء المرجئة‪ :‬هو قول اللسان مع تصديق القلب‪ .‬وعلى‬
‫القولين أعمال القلوب ليست من اإليمان عندهم كأعمال الجوارح‪،‬‬
‫فيمكن أن يكون الرجل مصدِّ ق ًا بلسانه وقلبه مع كراهة ما َّنزل ال َّله‪،‬‬
‫وحينئذ فال يكون هذا كافر ًا عندهم‪ .‬واآلية تتناوله‪ ،‬وإذا دلت على كفره‬
‫دلت على فساد قولهم‪ .‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬
‫قال أهل الحديث والس َّنة‪ :‬ومن نفى عنه اإليمان فألنَّه ترك بعض‬
‫واجباته‪ .‬والعبادة ينفي اسمها بنفي بعض واجباتها‪ ،‬ألنها لم تبق كاملة‪،‬‬

‫‪124‬‬
‫وال يلزم من ذلك أن ال يبقى منه شيء‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬والذين كرهوا ما‬
‫أنزل ال َّله كفار‪ ،‬وأعمال القلوب‪ ،‬مثل حب ال َّله ورسوله‪ ،‬وخشية ال َّله‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬كلها من اإليمان‪ ،‬وكراهة ما أنزل ال َّله كفر‪ .‬وأوثق عری‬
‫اإليمان الحب في ال َّله والبغض في ال َّله‪.‬‬
‫وﭧ ﭨ ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [المجادلة‪ :‬ﮉ]‪[ ».‬منهاج الس َّنة النبوية في نقض كالم‬
‫الشيعة والقدرية ‪ 284/5‬ـ ‪.]298‬‬
‫يقول الشنقيطي �‪« :‬الظاهر أنَّ الذين ارتدوا على أدبارهم‬
‫تبين لهم الهدی‪ ،‬قوم كفروا بعد إيمانهم‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬
‫من بعد ما ّ‬
‫وظاهر اآلية تدل على أنَّ بعض األمر الذي قالوا لهم سنطيعكم فيه مما‬
‫نزل وكرهه أولئك المطاعون‪.‬‬
‫واآلية تدل على من أطاع من كره ما نزل ال َّله في معاونته له على‬
‫كراهته ومؤازرته له على ذلك الباطل‪ ،‬أنَّه كافر بال َّله بدليل قوله تعالى فيمن‬
‫كان كذلك ﴿ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮﯯ﴾ [محمد] ‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬وقوله‪﴿ :‬ﯫ ﯬ﴾‬
‫ألنَّ من أطاع من كره ما ّنزل ال َّله فقد كره رضوان ال َّله‪.‬‬
‫ألنَّ رضوانه ـ تعالى ـ ليس إ َّ‬
‫ال في العمل بما َّنزل فاستلزمت‬
‫كراهة ما نزل كراهة رضوانه ألنَّ رضوانه فيما نزل‪ ،‬ومن أطاع كارهه‪،‬‬
‫فهو ككارهه‪.‬‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﯭﯮ﴾ أي‪ :‬أبطلها‪ ،‬ألنَّ الكفر سيئة ال‬

‫‪125‬‬
‫أن هذه‬
‫تنفع معها حسنة‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬والتحقيق الذي الشك فيه َّ‬
‫اآليات عامة في ما يتناوله لفظها‪ ،‬وأن كل ما فيها من الوعيد عام لمن‬
‫أطاع من كره ما نزل ال َّله‪.‬‬
‫اعلم أن كل مسلم‪ ،‬يجب عليه في هذا الزمان‪ ،‬تأمل هذه اآليات‪،‬‬
‫من سورة محمد وتدبرها‪ ،‬والحذر التام مما تضمنته من الوعيد الشديد‪.‬‬
‫ألنَّ كثير ًا ممن ينتسبون للمسلمين داخلون بال شك فيما تضمنته من‬
‫الوعيد الشديد‪.‬‬
‫ألنَّ عامة الكفار من شرقيين وغربيين كارهون لما َّنزل ال َّله على‬
‫رسوله محمد ﷺ‪ ،‬وهو هذا القرآن وما يبينه به النبي ﷺ من السنن‪.‬‬
‫فكل من قال لهؤالء الكفار الكارهين لما نزل ال َّله‪ :‬سنطيعكم في بعض‬
‫األمر‪ ،‬فهو داخل في وعيد اآلية‪.‬‬
‫وأحری من ذلك من يقول لهم‪ :‬سنطيعكم في األمر كالذين‬
‫يتبعون القوانين الوضعية مطيعين بذلك للذين كرهوا ما نزل ال َّله‪،‬‬
‫فإنَّ هؤالء ال شك أنَّهم ممن تتوفاهم المآلئكة يضربون وجوههم‬
‫وأدبارهم‪ ،‬وأنَّهم اتبعوا ما أسخط ال َّله وكرهوا رضوانه‪ ،‬وأنَّه محبط‬
‫أعمالهم‪ .‬فاحذر كل الحذر من الدخول في الذين قالوا‪ :‬سنطيعكم في‬
‫بعض األمر‪[ ».‬أضواء البيان ‪ 389/7‬ـ ‪.]393‬‬
‫قارن بين كالم اإلمام ابن حزم واإلمام ابن تيمية واإلمام‬
‫الحق‬
‫َّ‬ ‫الشنقيطي‪ ،Ą‬تجده يخرج من مشكاة واحدة‪ ،‬ذلك أنَّ‬
‫واحد ال يتجزأ‪ ،‬وبين الذين يتظاهرون بنصر مذهبنا‪ ،‬وفي الباطن‬
‫ٌ‬
‫أن الخالف بيننا وبينهم‪،‬‬
‫يرون رأي الجهمية أو الفقهاء‪ ،‬ولهذا نقول َّ‬

‫‪126‬‬
‫والطائفة الجدد المتمثلة في األثريين بين ـ المعكوفتين ـ خالف جذري‬
‫وعقائدي‪ ،‬ومن قال غير ذلك فقد أبعد النجعة‪.‬‬
‫ما يقول األثريون في قول ابن حزم وابن تيمية والشنقيطي‪،‬‬
‫َّ‬
‫الحكام الذين‬ ‫أنَّ الكراهة مذهبة لمطلق اإليمان؟! أفهذا ينطبق على‬
‫يحكمون بالقوانين الوضعية‪ ،‬الملفقة من شرائع شتى‪ ،‬ملزمين ال َّناس‬
‫عليها بالحديد والنار؟! فهذه كراهة ومناقضة ومشاقة ل َّله ورسوله‬
‫أم ماذا؟! بالرغم أنَّ كالم اإلمام الشنقيطي صريح وواضح فيهم‪َّ ،‬‬
‫أن‬
‫باتباعهم هذا القانون الملعون قد حبطت أعمالهم وهذا دليل كراهة‪،‬‬
‫لكن هؤالء ال يعدوه كراهة‪ ،‬ألنَّ من الممكن عندهم أن يكون الرجل‬
‫مصدق ًا بلسانه وقلبه مع كراهة ما نزل ال َّله وحينئذ ال يكون كافر ًا‪.‬‬
‫وإذا قلنا لهم؛ للمرجئة األثرية بين ـ المعكوفتين ـ ما دليل‬
‫الكراهة؟!‬
‫قالوا‪ :‬حتى يجحد أو ّ‬
‫يكذب‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬الجحود والتكذيب ضمن قول القلب‪ ،‬فأين عمله؟!‬
‫وصدق ال َّله إذ يقول‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [النور]‪.‬‬
‫فمنتهى سفسفة هؤالء نصر ما لم يأذن ال َّله تعالى بنصره‪ ،‬فبسبب‬
‫الصادين عن‬
‫هذا المرض‪ ،‬وسوء المعتقد في مسألة اإليمان‪ ،‬جعلوا َّ‬
‫حكم ال َّله المعرضين عنه الكارهين له مؤمنين‪ ،‬فهم ينازعون فيمن قال‬
‫ولم يفعل‪.‬‬
‫وإذا قلنا ما دليل الحب؟!‬
‫قالوا‪ :‬التصديق المنافي للتكذيب‪ ،‬واإلقرار المنافي للجحود‪،‬‬

‫‪127‬‬
‫وبالطبع يضيفون أعمال القلوب من حب وخشية وإنابة و‪ ،...‬وسوف‬
‫نری هل يعدون أعمال القلوب من اإليمان؟! أو شرائع اإليمان؟! أو‬
‫شروط كمال؟!‬
‫لكن بدائه العقول تقول‪ :‬لكل حب من إرادة‪ ،‬فالحب الذي‬
‫في القلب يستلزم أن يتحرك البدن اتجاه المحبوب‪ ،‬بأن تحبه وتحب‬
‫محابه‪ ،‬فعدم وجود تلك اإلرادة يدل على انتفاء الحب من القلب‪.‬‬
‫ولهذا قال الشاعر‪:‬‬
‫حبه‬
‫تعصي اإلله وأنت تزعم ّ‬
‫هذا محال في القياس بديع‬
‫لو كان حبك صادق ًا ألطعته‬
‫َّ‬
‫المحب لمن يحب مطيع‬ ‫َّ‬
‫إن‬

‫لكن عند هؤالء‪ ،‬المحبة ممكنة مع اإلعراض جملة عن محابه‪،‬‬


‫ولب محابه االنقياد والتزام الطاعة والخنوع لحكمه‪ ،‬وانتفائه يدل‬
‫َّ‬
‫على انتفائها‪ ،‬ﭧ ﭨ ﴿ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮﯯ﴾ [النساء]‪ ،‬وانتفاء هذه خاصية التي ع ّلق اإليمان عليها‪ ،‬ال‬
‫تدل عند هؤالء على انتفاء المحبة والخشية التي هي من لوازمه بل من‬
‫لب الحب‪ ،‬وهذا تناقض واضطراب واضح‪ ،‬ألنَّ العمدة ليس على ما‬ ‫ّ‬
‫جاء به الرسول‪ ،‬بل على ما ذاقوه وحرفوه تأوي ً‬
‫ال‪ ،‬أو ردوه تفويض ًا‪ ،‬أو‬
‫أسقطوه تضعيف ًا‪.‬‬
‫«ومن ها هنا كانوا أكثر ال َّناس تناقض ًا واضطراب ًا فإنَّهم ينفون‬

‫‪128‬‬
‫الشيء ويثبتون ملزومه‪ ،‬ويثبتون الشيء وينفون الزمه‪ ،‬فتتناقض‬
‫[طريق‬ ‫أقوالهم وأدلتهم‪ ،‬ويقع السالك خلفهم في الحيرة والشك‪».‬‬
‫الهجرتين وباب السعادتين ص ‪.]243‬‬
‫فهلم أضرب لك مث ً‬
‫ال بكبير من كبراء هؤالء المرجئة‪ ،‬كيف‬ ‫َّ‬
‫ينفي الشيء ويثبت ملزومه أو يثبت الشيء وينفي الزمه‪.‬‬
‫يقول الطحاوي � في عقيدته‪« :‬وال يخرج العبد من اإليمان‬
‫إ َّ‬
‫ال بجحود ما أدخله فيه‪ ،‬واإليمان‪ :‬هو اإلقرار باللسان‪ ،‬والتصديق‬
‫بالجنان‪ ،‬وجميع ما صح عن رسول ال َّله ﷺ من الشرع والبيان كله‬
‫حق‪[ ».‬شرح الطحاوية ص ‪ 331‬البن أبي العز]‪.‬‬
‫صحيح؟! قطع ًا فيه من الباطل‪ ،‬وذلك أنَّ الخروج‬
‫ٌ‬ ‫كالم‬
‫هل هذا ٌ‬
‫ال بالجحود‪ ،‬وهذا معروف لمن كان على مذهب‬ ‫من اإليمان ليس إ َّ‬
‫السلف في مسألة اإليمان‪ ،‬وكذلك اإليمان ليس إ َّ‬
‫ال اإلقرار باللسان‬
‫وتصديق بالجنان‪ ،‬بل كذلك العمل باألركان‪ ،‬فالطحاوي ال يری‬
‫العمل جزء ًا من اإليمان‪.‬‬
‫صحيح‪ ،‬فهل التزمه الطحاوي؟! أم ناقضه؟!‬
‫ٌ‬ ‫فلنفرض أنَّ الكالم‬
‫الحق ال يتناقض‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وذلك أنَّ‬
‫يقول الطحاوي �‪« :‬ونحب أصحاب رسول ال َّله ﷺ‪،‬‬
‫وال نفرط في حب أحد منهم‪ ،‬وال نتبرأ من أحد منهم‪ ،‬ونبغض من‬
‫يبغضهم‪ ،‬وبغير الخير يذكرهم‪ ،‬وال نذكرهم إ َّ‬
‫ال بخير‪ ،‬وحبهم دين‬
‫[شرح الطحاوية ص‬ ‫وإيمان وإحسان‪ ،‬وبغضهم كفر ونفاق وطغيان‪».‬‬
‫‪ 467‬البن أبي العز]‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫سلفي ال نرتضي غيره‪ ،‬لكن هذا نقض لما‬
‫ٌّ‬ ‫الشك أنَّ الكالم‬
‫سطره أنَّ اإليمان هو التصديق واإلقرار‪ ،‬والعمل ليس منه‪ ،‬فهو نفى‬
‫اإليمان أن يكون تصديق ًا وإقرار ًا وعم ً‬
‫ال‪ ،‬وأثبت ملزومه؛ أنَّ حبهم دين‬
‫وإيمان وإحسان‪ ،‬وبغضهم كفر ونفاق وطغيان‪ ،‬والحب والبغض من‬
‫أعمال القلوب‪ ،‬ولهذا قلنا من لم يسلك الطرق الشرعية أحتاج إلى‬
‫أصله من األصل الذي ال يلتئم‬
‫الطرق البدعية‪ ،‬تتناقض في حقه لما َّ‬
‫عليه جمع النصوص‪.‬‬
‫ولهذا استشكل الشارح قوله‪ ،‬بقوله‪« :‬وتسمية حب الصحابة‬
‫ألن الحب عمل القلب‪ ،‬وليس هو‬ ‫إيمان ًا مشكل على الشيخ �‪َّ ،‬‬
‫التصديق‪ ،‬فيكون العمل داخ ً‬
‫ال في مسمى اإليمان‪ ،‬وقد تقدم في كالمه‪:‬‬
‫أنَّ اإليمان هو اإلقرار باللسان والتصديق بالجنان‪ ،‬ولم يجعل العمل‬
‫ال في مسمى اإليمان‪ ،‬وهذا هو المعروف من مذهب أهل الس َّنة إ َّ‬
‫ال‬ ‫داخ ً‬
‫أن تكون هذه التسمية مجاز ًا‪[ ».‬شرح الطحاوية ص ‪ 471‬البن أبي العز]‪.‬‬
‫لكن ال نرتضي من الشارح أن يجعل تسمية العمل إيمان ًا مجاز ًا‪،‬‬
‫بل حقيقة‪ ،‬فالعمل من اإليمان حقيقة‪ ،‬ﭧ ﭨ ﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ﴾ [البقرة‪ :‬ﮛ] أي‪ :‬صالتكم‪ ،‬وهذا من باب اطالق ّ‬
‫الكل وإرادة‬
‫الجزء‪ ،‬فهل هذه التسمية مجاز ًا أم حقيقة؟!‬
‫ولهذا ذهب الشارح مذهب التوفيق‪ ،‬ليظهر الخالف بيننا وبينهم‬
‫صوري ًا ونزاع ًا لفضي ًا‪ ،‬لكن نقول له‪ :‬قل لهم يثبتوا أنَّ األعمال الظاهرة‬
‫من لوازم اإليمان الباطن‪ ،‬فإذا قالوا وأثبتوا ذلك أي من لوازمه‪ ،‬وأنَّ‬
‫ال صالح ًا ظاهر ًا كان بعد ذلك توفيقك بين‬‫اإليمان الباطن يستلزم عم ً‬

‫‪130‬‬
‫خالفينا ونزاعينا التي سموها لفظية صحيح ًا‪ ،‬هذا إن صح المجاز في‬
‫محدث ال أصل له‪ ،‬هب أنَّ هناك مجاز ًا في اللغة‬
‫ٌ‬ ‫اللغة كيف وهو ٌ‬
‫باطل‬
‫والشرع‪ ،‬فهل فيه من دليل يخرج األعمال من مسمى اإليمان‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬إن لم يصح التقسيم إلى حقيقة ومجاز‪،‬‬
‫فال حاجة إلى هذا‪ ،‬وإن صح فهذا ال ينفعكم‪ ،‬بل هو عليكم ال لكم‪،‬‬
‫ألنَّ الحقيقة هي‪ :‬اللفظ الذي يدل بإطالقه بال قرينة‪ ،‬والمجاز إنَّما‬
‫يدل بقرينة‪ ،‬وقد تبين أن لفظ اإليمان حيث أطلق في الكتاب والس َّنة‪،‬‬
‫دخلت فيه األعمال‪ ،‬وإنَّما يدعى خروجها منه عند التقييد‪ ،‬وهذا يدل‬
‫الحقيقة قوله‪ :‬اإليمان بضع وسبعون شعبة‪[ ».‬مجموعة الفتاوی‬ ‫على أنَّ‬
‫‪ 78/7‬ط‪/‬جـ ‪ 117 ،116‬طـ‪/‬ق البن تيمية]‪.‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬فإن قال قائل‪ :‬اسم اإليمان يتناول األعمال‬
‫ال‪ :‬ليس هذا بأولى ممن قال‪ :‬إنَّما تخرج عنه األعمال‬ ‫مجاز ًا‪ .‬قيل أو ً‬
‫مجاز ًا‪ ،‬بل هذا أقوی‪ ،‬ألنَّ خروج العمل عنه إنَّما إذا كان مقرون ًا باسم‬
‫اإلسالم والعمل‪ ،‬وأما دخول العمل فيه فإذا أفرد في قوله ﷺ‪« :‬اإليمان‬
‫بضع وسبعون شعبة‪ ،‬أعالها قول‪ :‬ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله وأدناها إماطة األذی‬
‫عن الطريق‪ ،‬والحياء شعبة من اإليمان» فإن ما يدل مع االقتران أولى‬
‫باسم المجاز مما يدل عند التجريد واإلطالق‪.‬‬
‫ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬وقيل لمن قال‪ :‬دخول األعمال الظاهرة في‬
‫أن هذه من لوازم‬‫اسم اإليمان مجاز ًا‪ :‬نزاعك لفظي‪ ،‬فإنك إذا سلمت َّ‬
‫اإليمان الواجب الذي في القلب وموجباته كان عدم الالزم موجب ًا لعدم‬
‫الملزوم‪ ،‬فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن‪ ،‬فإذا اعترفت بهذا كان‬

‫‪131‬‬
‫النزاع لفظي ًا‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪ 353 ،352/7‬ط‪/‬جـ ‪ 577‬ـ ‪ 579‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫هكذا نقول للذي يريد أن يوفّق بين سلفنا وسلفهم‪ ،‬فهؤالء؛ ‬
‫الطحاوي وأمثاله‪ ،‬عمدة الع َّ‬
‫المة المحقق‪ ،‬والمحدث الناقد‪ ،‬األلباني‬
‫� في تحقيق مسائل اإليمان من الناحية التفصيلية‪ ،‬كاعتماده قوله‬
‫في عدم تكفير تارك الصالة‪ ،‬و‪ ،...‬واالنتساب إلى ابن تيمية � من‬
‫الناحية اإلجمالية في هذه المسألة كما سوف نبسط الكالم فيه بالتفصيل‬
‫في العنصر القادم إن شاء ال َّله‪.‬‬
‫لنعد إلى المقصود؛ مناقشة علي حسن حلبي أثري الزرقاء بين‬
‫وقلت‪ :‬إني أحبك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬في «الكراهة»‪ ،‬أقول‪ :‬لو سببتك‪،‬‬
‫أكان هذا قو ً‬
‫ال صحيح ًا؟! بالطبع ال‪.‬‬
‫وإذا أبغضتك وكرهتك‪ ،‬وسعيت في كل األحوال إلى كشف‬
‫عورك‪ ،‬وهتك سترك‪ ،‬ودليت عليك أعداءك‪ ،‬وأعنت عليك بكل‬
‫الوسائل‪ ،‬وسهلت لهم السبل لل َّنيل منك‪ ،‬وتقبيح محاسنك‪ ،‬إن كان‬
‫لك محاسن‪ ،‬وإذا رأيتك أعرضت عنك‪ ،‬و‪ ،...‬غير أني ال أصرح‬
‫بكراهتك‪ ،‬أفهذه كراهة أم محبة؟! وأحيان ًا ّ‬
‫أقر أني أحبك‪ ،‬فهل كنت‬
‫كاذب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مصدقي؟! بالطبع تقول‪ :‬أنت‬
‫أقول‪ :‬كيف تكذبني وأنا أقر لك بمحبتي‪ ،‬تقول‪ :‬عملك يدل‬
‫الحق‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫باطل‪ ،‬وهذا هو‬ ‫وزعم‬
‫ٌ‬ ‫كاذب‬
‫ٌ‬ ‫على خالف ما قلت‪ ،‬وإقرارك‬
‫وأصبت‪ ،‬ألنَّ عملي خالف إقراري‪ ،‬فلو كانت المحبة موجودة‪ ،‬وهي‬
‫من عمل القلب‪ ،‬الستلزم تحقق المراد‪ ،‬وهو‪ :‬ستر عورك والذب عنك‬
‫بما أملك من طاقة و‪ ،...‬وهذا من بدائه العقول وصحيح المنقول كما‬

‫‪132‬‬
‫أخبر بذلك رب البرية‪.‬‬
‫أقول يا علي حلبي‪ :‬إنَّ التفريق بين المتماثالت من أقبح‬
‫المحال‪ ،‬لقد كفرت بهذه البديهة العقلية‪ ،‬وأبدلتها بالتي لو عرضناها‬
‫على حمار‪ ،‬لقال‪ :‬أكره مضغ الباطل؛ السفسطة وهي مقدمات القرمطة‪،‬‬
‫وصدق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وقلت منكر ًا من القول وزور ًا‪ ،‬بزعمك أنَّ الحاكم إذا ّ‬
‫أقر‬
‫وحكم القوانين الوضعية‪ ،‬بل حارب من أجل أن تحل محل الشريعة‬ ‫َّ‬
‫نكل به وأودعه السجن وأذاقه صنوف العذاب‪،‬‬ ‫تصد له ّ‬
‫الغراء‪ ،‬ومن َّ‬
‫الحط من الشريعة‪ ،‬وق َّنن ووالى أعداء ال َّله وعاد أولياء ال َّله‬
‫ّ‬ ‫وسعى في‬
‫و‪ ،...‬وقال للذين كرهوا ما َّنزل ال َّله من أهل الكتابين سنطيعكم في كل‬
‫األمر‪.‬‬
‫غير المناهج الدراسية واحذف منها ما هو إسالمي‬
‫إذا قالوا له‪ّ :‬‬
‫يمت بصلة إلى اإلسالم‪ ،‬قال‪ :‬نعم على الرحب والسعة‪.‬‬
‫أو ّ‬
‫سم دعاة دار القرار «إرهابيين»‪ ،‬قال‪ :‬نعم على‬
‫وإذا قالوا له‪ّ :‬‬
‫الرحب والسعة‪.‬‬
‫سم دعاة دار البوار «إصالحيين» و«محافظين»‬
‫وإذا قالوا له‪ّ :‬‬
‫قال نعم هل من مزيد؟!‬
‫وإذا قالوا‪ :‬اللغة العربية‪ ،‬ليست لغة حضارة وتقدم‪ ،‬أبدلها بلغتنا‬
‫لتلحق بالركب الحضاري‪[ ،‬الدماري] قال‪ :‬نعم رأيكم أصوب‪ ،‬مسلم ًا‬
‫مؤمن ًا ما لم ّ‬
‫يكذب أو يجحد‪ ،‬وهذا بالطبع ليس كاره ًا عندك للشرع‪.‬‬
‫فكل هذا اإلعراض وعدم االلتزام بالشريعة‪ ،‬وتنحيتها و‪...‬‬
‫ليس بكراهة ما دام اإلقرار موجود ًا‪ ،‬كيف «وأنَّ الكره والرضا أمران‬

‫‪133‬‬
‫وأي عمل أظهر داللة من‬ ‫خفيان فتقوم مقامهما األعمال الظاهرة‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫وضعي وجعله دين ًا يعمل به!!» [حقيقة الخالف‬
‫ٍّ‬ ‫استبدال حكم ال َّله بشر ٍع‬
‫رحيم]‪.‬‬
‫ص ‪ 88‬ألبي ِّ‬
‫وصدق ال َّله إذ يقول‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ﴾‬
‫[الزمر]‪ ،‬وإنما جعلنا ها هنا تناقضاته وتلبساته وتحريفاته وشنعه تنفير ًا‬
‫عنه وإيحاش ًا لألغمار من المسلمين من األنس به‪ ،‬وحسن الظن بكالمه‬
‫المحرف المبتور الفاسد‪.‬‬
‫لقد أسهمنا القول في الكفر وأنواعه‪ ،‬وتناقضات من خالفنا فيه‪،‬‬
‫وتلبيساتهم‪ ،‬بما يقنع الغلة ويشفي العلة‪ ،‬ولو تتبعنا كل نصوص األئمة‬
‫لكانت سفر ًا ضخم ًا‪ ،‬فلنكتفي بهذا خشية اإلطالة‪ ،‬ونقول‪ :‬إنَّ الكفر‬
‫ال يخرج عن أنواعه الخمسة كما صرح بذلك اإلمام ابن قيم الجوزية‬
‫� تعالى‪.‬‬
‫بالحق فكفر تكذيب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫«فإذا انتفى تصديق القلب مع عدم العلم‬
‫الحق مع العلم بصدقه فكفر جحود وكتمان‪ ،‬وإن انتفى عمل‬
‫ّ‬ ‫وإن كتم‬
‫القلب من النية واإلخالص والمحبة واإلذعان مع انقياد الجوارح‬
‫الظاهرة فكفر نفاق‪ ،‬وإن انتفى عمل القلب وعمل الجوارح مع المعرفة‬
‫بالقلب واالعتراف فكفر عناد واستكبار وإباء وإعراض ككفر إبليس‬
‫وكفر غالب اليهود‪ ،...‬ومحال أن ينتفي انقياد الجوارح باألعمال‬
‫الظاهرة مع ثبوت عمل القلب‪[ ».‬معارج القبول ‪.]594 ،593/2‬‬
‫فهذه نصوص جلية تقرر أنَّ التصديق واإلقرار غير كاف‪ ،‬وأنَّ‬
‫ركن من اإليمان وجزء ًا منه‪ ،‬وشرط صحة‪ ،‬بدليل أنَّهم نفوا‬
‫العمل ٌ‬

‫‪134‬‬
‫اإليمان عمن ال يس ّلم للنصوص وينقاد لها‪ ،‬وهذا من عمل القلب‬
‫المؤثر في الظاهر‪ ،‬ألنَّهما متالزمان‪ ،‬وهذا مذهب القائلين اإليمان‬
‫قول وعمل من قبل ومن بعد‪.‬‬
‫فأين في نصوص األئمة المعتبرين الذين حفظوا اعتقادهم‬
‫على النهج الذي جاء عن الصحابة ‪ ،‬بالطبع ليس على نهج حماد‬
‫وتلميذه‪ ،‬والطحاوي والبيهقي والحافظ ابن حجر ‪ Ą‬وأمثالهم؛‬
‫أنَّ اإليمان يكفي فيه التصديق واإلقرار والعمل داخل في مسمى‬
‫اإليمان‪ ،‬إما مجاز ًا أو بشرط الكمال‪.‬‬
‫وما علم هؤالء أنَّ التصديق واإلقرار من ضمن قول القلب‪،‬‬
‫فأين عمله الموجب للقصد واإلرادة؟! ونهج هؤالء أنَّ الذي َّ‬
‫سب‬
‫سبه وتنقصه‬
‫ومقر بالذي َّ‬ ‫ٌ‬
‫مصدق ٌ‬ ‫ال َّله ورسوله وتنقص الشريعة‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أنَّه‬
‫مؤمن‪ ،‬لكن لما علموا هؤالء ال َّن ْو َكی أنَّ هذا ٌ‬
‫ملزم لهم وحجة عليهم‬ ‫ٌ‬
‫وحصر لهم في جحر ضب‪ ،‬قال من قال منهم‪ :‬إنَّ هذه‬
‫ٌ‬ ‫ال محيد عنها‪،‬‬
‫الشنائع كفر ينتفي بها التصديق‪.‬‬
‫وسوف نری من يقول أنَّها سوء تربية فيما بعد‪ ،‬أما الجهمية‬
‫الجدد ومن قبل‪ ،‬قالوا‪ :‬إنَّها ليست كفر ًا لكن دليل على أنَّ في القلب‬
‫كفر ًا‪ .‬فهذا شغب بالباطل‪ ،‬والسب كفر ظاهر ًا وباطن ًا‪.‬‬
‫كل من نطق بالكالم الذي يحكم لقائله عند أهل اإلسالم‬ ‫«بل ُّ‬
‫بحكم الكفر ال قارئ ًا وال شاهد ًا وال حاكي ًا وال مكره ًا فقد شرح بالكفر‬
‫صدر ًا بمعنى أنَّه شرح صدره لقبول الكفر المحرم على أهل اإلسالم‬
‫وعلى أهل الكفر أن يقولوه وسواء اعتقدوه أو لم يعتقدوه‪ ،‬ألنَّ هذا‬

‫‪135‬‬
‫العمل من إعالن الكفر على غير الوجوه المباحة في إيراده هو شرح‬
‫الصدر به فبطل تمويههم‪[ ».‬الفصل ‪ 230 ،229/2‬البن حزم]‪.‬‬
‫فهذا االعتقاد الفاسد‪ ،‬والشغب بالباطل وسخائف القول‪ ،‬فتح‬
‫سد الجهمية‪ ،‬وإ َّ‬
‫ال‬ ‫على علي حسن حلبي األثري بين ـ المعكوفتين ـ ّ‬
‫ويحذر من طرف الشيخ سعد بن عبد ال َّله آل حميد‬
‫ّ‬ ‫كيف ُينصح الرجل‬
‫أمام جمع من األخوة‪ ،‬بعدم طبع كتاب «إحكام التقرير ألحكام ومسائل‬
‫يصر على ذلك‪ ،‬إشراف ًا وقيام ًا وسعي ًا‬
‫التكفير» للجهمي مراد شكري‪ ،‬ثم ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫لما نزلت عليه الشهب المحرقة‪ ،‬ألنَّه آفاك أثيم‪ ،‬بدأ‬
‫في نشره ‪ ،‬ثم َّ‬
‫يتنصل من تبعاته‪ ،‬بزخرفة القول وروغان الثعلب‪ ،‬بل إنَّما براقش تجني‬
‫على نفسها‪ ،‬وفي هذا القدر كفاية‪ ،‬ولقد اتضح السبيل لمن عقل‪.‬‬
‫قال أبو العتاهية في ديوانه «ص ‪ 136‬و‪:»203‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سميت نفسك بالكالم حكيم ًا (‪ )2‬ولقد أراك على القبيح مقيم ًا‬
‫َّ‬
‫الرشاد عديم ًا‬‫ولقد أراك من الغواية مكثر ًا ولقد أراك في َّ‬
‫أصم سميع ًا‬‫َّ‬ ‫أصبحت أعمى مبصر ًا متحير ًا في ضوء باهرة‬
‫لربك سامعا ومطيع ًا (‪)4‬‬ ‫إن كنت تلتمس السالمة في األمو ر فكن ِّ‬
‫‪   ‬‬

‫ ‬

‫(‪ )1‬ـ انظر «رفع الالئمة عن فتوی اللجنة الدائمة ص ‪ »16 ،15‬للشيخ حممد بن سامل‬
‫الدّ ورسي‪.‬‬
‫ (‪ )2‬ـ «األثري» بالطبع بني ـ املعكوفتني ـ وخليفة األلباين � ـ تعاىل ـ ‪.‬‬
‫ (‪ )3‬ـ بدعة «اإلرجاء» لكن يف ثوب سلفي‪.‬‬
‫ (‪ )4‬ـ عدم التقدم بني يدي النصوص واإلحلاد فيها‪ .‬‬

‫‪136‬‬
‫رابع ًا‪ :‬طرح تقسيم الكفر إلى «اعتقادي وعملي» لما ّلبس‬
‫فيه واالكتفاء بالتقسيم السلفي «كفر أكبر وكفر دون كفر»‪:‬‬
‫اعلم أنَّ مأوی أهل األهواء والبدع غار المجمل‪ ،‬الذي يخرج‬
‫الحق بالباطل‪ ،‬وإذا نظرت في سيرة هؤالء‪ ،‬وجدت أنَّهم أدخلوا‬
‫ّ‬
‫سمومهم على األمة من هذا الباب؛ باب «اللفظ المجمل»‪ ،‬ومن هذا‬
‫الباب تس َّلط هؤالء على ّ‬
‫الضعاف قليلي الخبرة‪ ،‬فأدخلوهم متاهاته‪،‬‬
‫ألنَّ مذهب أهل الس َّنة والجماعة هو االستفسار والتفصيل في األقوال‬
‫يتبين المراد‪.‬‬
‫حتى ّ‬
‫والجناية الكبری على الملة‪ ،‬دوم ًا من هذا الباب‪ ،‬فاللفظ‬
‫المجمل هو الذي فعل بأهل األهواء على اختالف مشاربهم األفاعيل‪،‬‬
‫شيعهم شيع ًا وأحزاب ًا‪ ،‬والمصطلح الذي ال يحد األركان‪ ،‬ويضبط‬
‫َّ‬
‫الكالم‪ ،‬مصطلح خطير يؤدي إلى التحريفات والتلبيسات‪ ،‬فهو بمثابة‬
‫السم المغموس في العسل‪ ،‬والويل لمن تجرعه‪ ،‬واللفظ المجمل هو‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وباطل في اعتقادهم‪.‬‬ ‫سمة في الذين خ َّلطوا من ٍّ‬
‫حق‬
‫واللفظ المجمل الذي يستشكل مراده‪ ،‬وجب طرحه‪ ،‬ألنَّه ينذر‬
‫بشر مستطير‪ ،‬هذا إذا كان اإلنسان غير مؤهل لتفتيشه وتنقيته‪ ،‬وهذا فيه‬
‫سالمة القلب من ورود الشبهات عليه‪ ،‬وإذ لم تكن َثم مناعة علقت به‪،‬‬
‫والسالمة في البعد عن الذي يكون آخره ندامة‪.‬‬
‫ال للتنقيب والتحقيق وذاك فضل ال َّله‬
‫أما إن كان اإلنسان مؤه ً‬
‫يوتيه من يشاء‪ ،‬أن ال يرده مطلق ًا وال يقبله مطلق ًا‪ ،‬فأهل الس َّنة والجماعة‬
‫الحق ورحمة الخلق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫من سمتهم البادية على مالمحهم‪ ،‬هي معرفة‬

‫‪137‬‬
‫بالموازنة واالنصاف‪ ،‬وعدم الغلو واالجحاف‪ ،‬فإذا ورد عليهم «لفظ ًا‬
‫وباطل لم يقبلوه مطلق ًا ولم يردوه مطلق ًا حتى‬
‫ٍ‬ ‫لحق‬ ‫ال محتم ً‬
‫ال ٍّ‬ ‫مجم ً‬
‫يستفسروا قائله ماذا أراد به‪ ،‬فإن أراد معنى صحيح ًا مطابق ًا لما جاء به‬
‫الرسول ﷺ قبلوه ولم يطلقوا اللفظ المحتمل اطالق ًا‪ ،‬وإن أراد معنى‬
‫باط ً‬
‫ال ردوه ولم يطلقوا نفي اللفظ المحتمل أيض ًا‪.‬‬
‫فهذه قاعدتهم التي بها يعتصمون وعليها يعولون‪ ،‬وبسط هذه‬
‫الكلمات يستدعي أسفار ًا ال سفر ًا واحد ًا‪ ،‬ومن ال ضياء له ال ينتفع بها‬
‫وال بغيرها‪[ ».‬طريق الهجرتين وباب السعادتين ص ‪ 244‬البن القيم]‪.‬‬
‫لكن اللفظ إذا كان مفهوم ًا ومعناه معصموم ًا‪ ،‬ثم ورد ٌ‬
‫لفظ يدل‬
‫على هذا الفهم ومعناه غير معصوم ًا‪ ،‬أو العصمة قليلة في حقه‪ ،‬وجب‬
‫طرحه وعدم حمله على اللفظ المفهوم المعصوم‪ ،‬أو حتى مزاحمته به‪،‬‬
‫أن المراد متحقق بسببه‪ ،‬وهو الوحدة واالئتالف‪ ،‬فالمصلحة في‬
‫وذلك َّ‬
‫الجمع ال البعثرة‪ ،‬ولهذا أئمة ّ‬
‫الدين «كانوا يمنعون من اطالق األلفاظ‬
‫المبتدعة المجملة المشتبهة‪ ،‬لما فيها من لبس الحق بالباطل‪ ،‬مع ما‬
‫توقعه من االشتباه واالختالف والفتنة‪ ،‬بخالف األلفاظ المأثورة التي‬
‫ّبينت معانيها‪ ،‬فإن ما كان مأثور ًا حصلت به األلفة‪ ،‬وما كان معروف ًا‬
‫حصلت به المعرفة‪.‬‬
‫ال وال معناه معقو ً‬
‫ال ظهر الجفاء‬ ‫فإذا لم يكن اللفظ منقو ً‬
‫واألهواء‪[ ».‬درء تعارض العقل والنقل ‪ 158/1‬البن تيمية]‪ .‬‬
‫ومن هذه األلفاظ والمصطلحات غير المعصومة‪ ،‬التي قد‬
‫تسبب الفتنة واالختالف‪ ،‬بل ظهر بسببها الجفاء والتفريط مصطلح‬

‫‪138‬‬
‫«الكفر االعتقادي والكفر العملي» لما أخرجه البعض عما أريد به‬
‫صاحبه الذي أنشأه‪ ،‬لكن لما كان اللفظ والمصطلح المعصوم موجود ًا‬
‫وجب التقيد به وعدم الذهاب إلى غيره‪ ،‬خاصة إذا علمنا أنَّ هذا‬
‫سلفي‪ ،‬وجب االعتصام به لحصول االئتالف به‪ ،‬فالخير‬
‫ٌّ‬ ‫المصطلح‬
‫دوم ًا في اللفظ والمصطلح السلفي‪ ،‬والشّ ر كامن في الخلفي‪ ،‬وذلك‬
‫أنَّه كلما قرب من النبع أمن الكدر‪.‬‬
‫ومن المصطلح السلفي «كفر دون كفر» فلنذكر هل هو سلفي‬
‫أم خلفي؟ ومن قال به؟‬
‫قال بهذا المصطلح السلفي؛ «كفر دون كفر»‪ :‬عبد ال َّله بن‬
‫عباس ‪ ‬ومن التابعين عكرمة وطاووس وعطاء بن أبي رباح‪ ،‬و‪،...‬‬
‫وأبو عبيد القاسم بن سالم والبخاري والترمذي وابن جرير الطبري‬
‫وعلماء التفسير عموم ًا‪ ،‬قديم ًا وحديث ًا‪ ،‬أحمد بن عمر القرطبي صاحب‬
‫«المفهم» والقاضي عياض اليحصبي و ابن تيمية في كل كتبه‪ ،‬وابن‬
‫القيم ومحمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ والشنقيطي وابن‬
‫باز وابن عثيمين ‪ Ą‬تعالى إلى يومنا هذا‪ ،‬هذا على سبيل اإلجمال‬
‫ال الحصر‪.‬‬
‫يقول محمد رشيد رضا �‪« :‬وقد اصطلح علماء األصول‬
‫والفروع على التعبير بلفظ الكفر عن الخروج من الملة وما ينافي دين‬
‫الحق‪ ،‬دون لفظي الظلم والفسق‪ ،‬وال يسع أحد ًا منهم انكار إطالق‬
‫ّ‬ ‫ال َّله‬
‫القرآن لفظ الكفر على ما ليس كفر ًا في عرفهم‪ ،‬ولكنهم يقولون كفر‬
‫دون كفر»‪[ .‬تفسير المنار ‪.]333/6‬‬

‫‪139‬‬
‫سلفي‪ ،‬محدود األركان‪ ،‬معصوم‬
‫ٌّ‬ ‫فكما تری أنَّ المصطلح‬
‫المعنى‪ ،‬ال لبس فيه وال تدليس‪ ،‬فإذا سمعنا لفظ «كفر أكبر» ذهب‬
‫فهمنا أنَّ صاحبه كفر‪ ،‬إما باالعتقاد أو القول أو الفعل أو الشك‪ ،‬وهذا‬
‫متفق عليه عند القائلين اإليمان قول وعمل‪ ،‬والعمل ركن منه وشرط‬
‫في صحته‪ ،‬ونصوص الشريعة أتت تدل على هذا‪.‬‬
‫فالكفر عند السلف وأقصد الصحابة ‪ ،‬إذا اطلق لفظه حملوه‬
‫على الكفر األكبر‪ ،‬إ َّ‬
‫ال إذا أتت قرينة تصرفه عن ذلك‪ ،‬فيعبروا عنه بلفظ‬
‫«كفر دون كفر» بخالف لفظ الظلم‪ ،‬فإنَّهم ما كانوا يعلمون أنَّ هناك‬
‫ال عندهم على الظلم األصغر‪.‬‬ ‫ظلم ًا أكبر‪ ،‬بل الظلم كان محمو ً‬
‫قال البخاري حدثنا أبو الوليد قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ .‬ح‪ .‬قال وحدثني‬
‫بشر قال‪ :‬حدثنا محمد عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة‬
‫لما نزلت ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾‬ ‫عن عبد ال َّله قال‪َّ :‬‬
‫قال أصحاب رسول ال َّله ﷺ‪ّ :‬أينا لم يظلم؟ فأنزل ال َّله‪ ﴿:‬ﭱ ﭲ‬
‫ﭳﭴ﴾‪[ .‬البخاري رقم ‪.]32‬‬
‫قال الحافظ �‪« :‬ووجه الداللة منه أنَّ الصحابة فهموا من‬
‫قوله‪« :‬بظلم» عموم أنواع المعاصي‪ ،‬ولم ينكر عليهم النبي ذلك‪ ،‬وإنما‬
‫ّبين لهم أن المراد أعظم أنواع الظلم وهو الشرك‪[ ».‬الفتح ‪.]119/1‬‬
‫فالحديث فيه فائدة عظيمة‪ ،‬وداللة واضحة أنَّ الصحابة ‪ ‬‬
‫مذهبهم حمل األوامر واألخبار على ظواهرها‪ ،‬فأخرجهم النبي ﷺ‬
‫عن ذلك الظاهر بظاه ٍر آخر ّ‬
‫يبين المراد‪ ،‬ولم ينكر عليهم فعلهم‪ ،‬ولقد‬
‫الحق» بما يقنع الغلة ويشفي‬
‫ّ‬ ‫أسهمنا القول في هذا في كتابنا «إحقاق‬

‫‪140‬‬
‫العلة‪ ،‬مما يغنينا عن اإلعادة ها هنا‪.‬‬
‫فالسلف حريصون على األلفاظ التي تفصح عن المراد وتضبط‬
‫لما‬
‫المعنى‪ ،‬لحصول األلفة وعدم االختالف‪ ،‬فها هو سلفنا األول ﷺ‪َّ ،‬‬
‫سمع لفظ ًا غير محدود األركان‪ ،‬وغير معصوم المعنى‪ ،‬نهى عنه‪ ،‬وإن‬
‫كان معناه صحيح ًا‪ ،‬حتى ال يدخل تحته تلبيس فيخرجه عن المراد‪.‬‬
‫عن عبد ال َّله بن الشِّ ِّخير‪ ،‬قال‪ :‬انطلقت في وفد بني عامر إلى‬
‫«الس ّيدُ ال َّله تبارك وتعالى»‬
‫رسول ال َّله ﷺ‪ ،‬فقلنا‪ :‬أنت سيدنا! فقال‪َّ :‬‬
‫ال فقال‪« :‬قولوا بقولكم أو بعض‬ ‫ال وأعظمن ًا طو ً‬
‫قلنا‪ :‬وأفضلنا فض ً‬
‫[صحيح سنن أبي دواد رقم ‪4806‬‬ ‫قولكم‪ ،‬وال يستجري َّنكم الشيطان»‪.‬‬
‫وصحيح األدب المفرد رقم ‪.]211‬‬
‫فها هو سيد ولد آدم وال فخر‪ ،‬لما علم أنَّ هذا اللفظ قد ّ‬
‫يلبس‬
‫عليهم فيه نهاهم عن ذلك‪ ،‬سد ًا للذريعة‪ ،‬وباب سد الذرائع أحد أرباع‬
‫الدين‪ ،‬فوجب هدر كل قول أو مصطلح ال يفي بالمراد‪ ،‬أو غير معصوم‬
‫ّ‬
‫المعنى‪.‬‬
‫ومن المصطلحات غير معصومة المعنى‪ ،‬مصطلح «الكفر‬
‫ووضح‬
‫َّ‬ ‫االعتقادي والكفر العملي» وإن كان صاحبه ضبط معناه‬
‫مراده‪.‬‬
‫يقول ابن قيم الجوزية � تعالى في الحكم بين الفريقين‪،‬‬
‫وفصل الخطاب بين الطائفتين؛ بين الطائفة المك ّفرة لتارك الصالة‬
‫والطائفة غير المك ّفرة‪.‬‬
‫«معرفة الصواب في هذه المسألة مبني على معرفة حقيقة اإليمان‬

‫‪141‬‬
‫والكفر‪ ،‬ثم يصح النفي واالثبات بعد‪ ،‬فالكفر واإليمان متقابالن‪ ،‬إذا‬
‫زال أحدهما خلفه األخر‪.‬‬
‫ولما كان اإليمان أص ً‬
‫ال له شعب متعددة‪ ،‬وكل شعبة منها تسمى‬
‫إيمان ًا‪ ،‬فالصالة من اإليمان‪ ،‬وكذلك الزكاة والحج والصيام‪ ،‬واألعمال‬
‫الباطنة‪ :‬كالحياء‪ ،‬والتوكل ‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬وهذه الشعب منها ما يزول‬
‫اإليمان بزوالها‪ ،‬كشعبة الشهادة؛ ومنها ال يزول بزوالها‪ ،‬كترك إماطة‬
‫األذی عن الطريق؛‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬وكذلك الكفر ذو شعب‪ :‬فكما أن‬
‫شعب اإليمان‪ ،‬إيمان‪ ،‬فشعب الكفر كفر‪ ،‬والحياء شعبة من [شعب]‬
‫اإليمان‪ ،‬وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬
‫وشعب اإليمان قسمان‪« :‬قولية» و«فعلية»‪ .‬وكذلك شعب الكفر‬
‫نوعان‪ :‬قولية وفعلية‪ ،‬ومن شعب اإليمان القولية‪ :‬شعبة يوجب زوالها‬
‫زوال اإليمان‪ ،‬فكذلك من شعبه الفعلية ما يوجب زوالها زوال اإليمان‪،‬‬
‫وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية‪ ،‬فكما يكفر باإلتيان بكلمة الكفر‬
‫اختيار ًا‪ ،‬وهي شعبة من شعب الكفر‪ ،‬فكذلك يكفر بفعل شعبة من‬
‫شعبه‪ ،‬كالسجود للصنم‪ ،‬واالستهانة بالمصحف‪ ،‬فهذا أصل‪.‬‬
‫وها هنا أصل آخر‪ ،‬وهو أنَّ حقيقة اإليمان مركبة من قول وعمل‪،‬‬
‫والقول قسمان‪ :‬قول القلب وهو االعتقاد‪ ،‬وقول اللسان وهو التكلم‬
‫بكلمة اإلسالم‪ .‬والعمل قسمان‪ :‬عمل القلب وهو نيته وإخالصه‪،‬‬
‫وعمل الجوارح‪ ،‬فإذا زالت هذه األربعة‪ ،‬زال اإليمان بكامله‪ ،‬وإذا‬
‫زال تصديق القلب لم تنفع بقية األجزاء؛ فإن تصديق القلب شرط في‬
‫اعتقادها وكونها نافعة‪ .‬وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق‪ ،‬فهذا‬

‫‪142‬‬
‫موضع المعركة بين المرجئة وأهل الس َّنة‪.‬‬
‫فأهل الس َّنة مجمعون على زوال اإليمان‪ ،‬وأنه ال ينفع التصديق‬
‫مع انتفاء عمل القلب‪ ،‬وهو محبته وانقياده‪ ،‬كما لم ينفع إبليس‪ ،‬وفرعون‬
‫وقومه‪ ،‬واليهود‪ ،‬والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول ﷺ‬
‫بل ويقرون به سر ًا وجهر ًا‪ ،‬ويقولون‪ :‬ليس بكاذب‪ ،‬ولكن ال نتبعه‪ ،‬وال‬
‫نؤمن به‪.‬‬
‫وإذا كان اإليمان يزول بزوال عمل القلب‪ ،‬فغير مستنكر أن‬
‫يزول بزوال أعظم الجوارح‪ ،‬وال سيما إذا كان ملزوم ًا لعدم محبة القلب‬
‫وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم‪ ،‬كما تقدم تقريره‪ ،‬فإنه‬
‫يلزمه من عدم طاعة القلب‪ ،‬عدم طاعة الجوارح‪ ،‬إذ لو أطاع القلب‬
‫وانقاد‪ ،‬أطاعت الجوارح وانقادت؛ ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم‬
‫التصديق المستلزم للطاعة‪ ،‬وهو حقيقة اإليمان‪.‬‬
‫فإن اإليمان ليس مجرد التصديق كما تقدم بيانه‪ ،‬وإنما هو‬
‫التصديق المستلزم للطاعة واالنقياد‪ ،‬وهكذا الهدی‪ ،‬ليس هو مجرد‬
‫وتبينه‪ ،‬بل هو معرفته المستلزمة التباعه والعمل بموجبه‪،‬‬
‫الحق ُّ‬
‫ّ‬ ‫معرفة‬
‫وإن سمي األول هدی‪ ،‬فليس الهدی التام المستلزم لالهتداء‪ ،‬كما أن‬
‫اعتقاد التصديق وإن سمي تصديق ًا‪ ،‬فليس التصديق المستلزم لإليمان‪.‬‬
‫فعليك بمراجعة هذا األصل ومراعاته‪.‬‬
‫وها هنا أصل آخر‪ ،‬وهو أن الكفر نوعان‪ :‬كفر عمل‪ ،‬وكفر‬
‫جحود وعناد‪:‬‬
‫فكفر الجحود‪ :‬أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند ال َّله‬

‫‪143‬‬
‫جحود ًا وعناد ًا؛ من أسماء الرب‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬وأحكامه‪ ،‬وهذا‬
‫الكفر يضاد اإليمان من كل وجه‪.‬‬
‫وأما كفر العمل‪ :‬فينقسم إلى ما يضاد اإليمان وإلى ما ال يضاده‪،‬‬
‫وسبه‪ ،‬يضاد‬
‫فالسجود للصنم‪ ،‬واالستهانة بالمصحف‪ ،‬وقتل النبي‪ّ ،‬‬
‫اإليمان‪ .‬وأما الحكم بغير ما أنزل ال َّله‪ ،‬وترك الصالة‪ ،‬فهو من الكفر‬
‫العملي قطع ًا‪ .‬وال يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه ال َّله‬
‫ورسوله عليه‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬فاإليمان العملي يضاده الكفر العملي‪.‬‬
‫وااليمان االعتقادي‪ ،‬يضاده الكفر االعتقادي‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬فها هنا‬
‫كفر دون كفر‪ ،‬ونفاق دون نفاق‪ ،‬وشرك دون شرك‪ ،‬وفسوق دون‬
‫فسوق‪ ،‬وظلم دون ظلم‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬والمقصود أن سلب اإليمان‬
‫عن تارك الصالة‪ ،‬أولى من سلبه عن مرتكب الكبائر‪ ،‬وسلب اسم‬
‫اإلسالم عنه‪ ،‬أولى من سلبه عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده‪،‬‬
‫فال يسمى تارك الصالة مسلم ًا وال مؤمن ًا‪ ،‬وإن كان معه شعبة من شعب‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلسالم واإليمان ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫في عدم‬ ‫نعم‪ ،‬يبقى أن يقال‪ :‬فهل ينفعه ما معه من اإليمان‬
‫الخلود في النار؟ فيقال ينفعه إن لم يكن المتروك شرط ًا في صحة‬
‫(‪)3‬‬
‫الباقي واعتباره‪ ،‬وإن كان المتروك شرط ًا في اعتبار الباقي لم ينفعه‪.‬‬
‫ولهذا لم ينفع اإليمان بال َّله ووحدانيته وأنَّه ال إله إ َّ‬
‫ال هو‪ ،‬من أنكر رسالة‬
‫ (‪ )1‬ـ فهذه شعبة التصديق اخلاصة بقول القلب‪ ،‬وهي غري نافعة كام مل تنفع اليهود وإبليس‪.‬‬
‫فتنبه فإنه مهم‪.‬‬
‫ (‪ )2‬ـ أي‪ :‬شعبة التصديق التي ذكرها قبل‪ ،‬هي املتبقية لديه‪.‬‬
‫المة ابن القيم � هو عمل القلب‪ ،‬ملزم للمحبة واالنقياد‪.‬‬ ‫ (‪ )3‬ـ الباقي عند الع َّ‬

‫‪144‬‬
‫محمد ﷺ‪ ،‬وال تنفع الصالة من صالها عمد ًا بغير وضوء‪ .‬فشعب‬
‫اإليمان قد يتعلق بعضها ببعض‪ ،‬تعلق المشروط بشرطه» [كتاب الصالة‬
‫وحكم تاركها ص ‪ 49‬ـ ‪ 59‬باختصار]‪.‬‬
‫علمي يدل على قريحة ابن القيم �‬
‫ٌ‬ ‫تحقيق‬
‫ٌ‬ ‫الشك أنَّ هذا‬
‫صحيح عليه جمهور‬
‫ٌ‬ ‫تقسيم‬
‫ٌ‬ ‫وغزارة علمه‪ ،‬والتقسيم الذي ذكره‪ ،‬هو‬
‫المحققين‪ ،‬لكن الذي ال يرد كالم ابن القيم � بعضه إلى البعض‪،‬‬
‫فالبد أن يتقول عليه ما لم يقل‪ ،‬وفهم مراد المتكلم هو رأس المراد‪،‬‬
‫لمن أراد أن يتصدی للتحقيق في المسائل العلمية‪ ،‬واالقتصار على‬
‫جانب من الكالم هو ظلم وإجحاف لصاحب المقالة‪ ،‬والذي ال‬
‫ينصف في العلم ال يفهم وال يتفهم‪.‬‬
‫ومن تتبع كالم ابن القيم � من َّأوله إلى آخره يفهم مراده‬
‫والبد‪ ،‬فالكالم واضح ال غبار عليه‪ ،‬فهو ذكر اإليمان وشعبه أو ً‬
‫ال‪،‬‬
‫وأخبر أنَّ من هذه الشعب‪ ،‬ما يزيل اإليمان بالكلية‪ ،‬يدل عليه أنَّ‬
‫اإليمان عند السلف يتبعض ويتجزأ‪ ،‬ويزول منه بعض ويبقى بعض‪،‬‬
‫كما هو معرض للزوال بالكلية‪ ،‬وقبل تفصيله ذكر أنَّ شعب اإليمان‬
‫قسمان‪ :‬قولية وفعلية‪ ،‬وهذا التقسيم مستمد من مشكاة السلف في‬
‫ٌ‬
‫وعمل‪.‬‬ ‫حدوا أركانه بقولهم‪ٌ :‬‬
‫قول‬ ‫لما ّ‬
‫تقسيمهم لإليمان‪َّ ،‬‬
‫وهذا التقسيم لالسم من هذا اإلمام الجهبذ � حمله على‬
‫قسم شعب اإليمان‬
‫فقسم شعب الكفر كما ّ‬
‫التقسيم المتالزم لالسم‪ّ ،‬‬
‫وهذا هو التالزم الذي ذكرناه في معرض ردنا على الحافظ ابن حجر‬
‫إن كل من اعتقد حكم ًا معين ًا في االسم‪ ،‬البد أن يظهر‬
‫� بقولنا‪َّ :‬‬

‫‪145‬‬
‫جلي ًا في الحكم‪ ،‬فلما كان تقسيمه على جادة السلف في االسم؛ شعب‬
‫اإليمان‪ ،‬استلزم أن يكون تقسيمه في مسألة الحكم؛ شعب الكفر على‬
‫الجادة أيض ًا‪.‬‬
‫قسم هذا التقسيم‪ ،‬أخبر بالسبب الذي حمله على هذا‬
‫ثم لما ّ‬
‫[أي‪ :‬هذا الذي حمله على التقسيم‬ ‫التقسيم بقوله‪« :‬وها هنا أصل آخر‪،‬‬
‫المذكور] وهو أنَّ حقيقة اإليمان مركبة من قول وعمل‪ ،‬والقول قسمان‪:‬‬
‫قول القلب وهو االعتقاد‪ ،‬وقول اللسان وهو التكلم بكلمة اإلسالم‪.‬‬
‫والعمل قسمان‪ :‬عمل القلب وهو نيته وإخالصه‪ ،‬وعمل الجوارح»‬
‫[كتاب الصالة ص ‪.]50‬‬
‫فالحظ في قوله القول قسمان‪ :‬قول القلب وهو االعتقاد‪ ،‬أي‪:‬‬
‫التصديق‪ ،‬وقول اللسان التكلم بكلمة اإلسالم‪ ،‬أي‪ :‬االعتقاد واإلقرار‬
‫من ضمن القول؛ قول القلب‪ ،‬فاالعتقاد ضده التكذيب‪ ،‬واإلقرار ضده‬
‫الجحود‪ ،‬وكفر التكذيب والجحود‪ ،‬كفر خاص بقول القلب‪ ،‬لكن عند‬
‫الع َّ‬
‫المة أنَّ الحقيقة اإليمانية المركبة ال تقف عند ذلك‪ ،‬ومن ارتكز‬
‫على هذا فقط‪ ،‬فقد كذب على الع َّ‬
‫المة ابن القيم � إما بجهله‪ ،‬أو‬
‫سوء قصده‪ ،‬وفساد معتقده‪.‬‬
‫أما التركيب الثاني عند الع َّ‬
‫المة � للحقيقة اإليمانية‪ ،‬هو‬
‫قسم القول‪ :‬عمل القلب‪ :‬نيته وإخالصه‪،‬‬ ‫العمل‪ ،‬الذي قسمه كما َّ‬
‫ويعبر به بلفظ آخر‪ ،‬محبته وانقياده‪ ،‬وسوف نری فيما بعد التعبير‬
‫الشامل عند الع َّ‬
‫المة ابن القيم لعمل القلب‪ ،‬وعمل الجوارح‪ ،‬هذه هي‬
‫قريحته العلمية‪ ،‬وتركيبه الذي على الجادة‪ ،‬فها هو يقول إثر التركيب‬

‫‪146‬‬
‫يبين مراده بوضوح تام ال يتنازع فيه اثنان وال ينتطح فيه عنزان‪،‬‬
‫مما ّ‬
‫َّ‬
‫بقوله الذي يسقط كالصاعقة على قلوب المرجئة وطائفتهم الجدد‪:‬‬
‫«وإذا كان اإليمان يزول بزوال عمل القلب‪ ،‬فغير مستنكر أن‬
‫يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح‪ ،‬وال سيما إذا كان ملزوم ًا لعدم‬
‫محبة القلب وانقياده‪ ...‬فإنَّه يلزمه من عدم طاعة القلب‪ ،‬عدم طاعة‬
‫الجوارح‪ ،‬إذ لو أطاع القلب وانقاد‪ ،‬أطاعت الجوارح وانقادت؛ ويلزم‬
‫من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة‪ ،‬وهو حقيقة‬
‫اإليمان‪[ ».‬كتاب الصالة ص ‪.]51‬‬
‫فانظر إلى قوله‪« :‬فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال‬
‫الجوارح‪ ،‬وال سيما إذا كان ملزوم ًا لعدم محبة القلب وانقياده» وأعظم‬
‫أعمال الجوارح الموجبة لمحبة القلب وانقياده‪ ،‬الصالة والتحاكم إلى‬
‫الكتاب والس َّنة‪ ،‬الذي قال فيه المولى ‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶﯷ﴾ [الشوری‪ :‬ﯿ] وهذا الشيء هو نكرة في سياق الشرط؛‬
‫أي شيء كانت المنازعة‪« ،‬اعتقادية» أو «علمية» أو «عملية» أو «مالية»‬
‫ُّ‬
‫الرد‪ ،‬انتفى به محبة القلب وانقياده‪ ،‬وبسبب هذا‬
‫أو «‪ ،»...‬وإذا انتفى هذا ّ‬
‫االنتفاء‪ ،‬قال ‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡﯢﯣ‬
‫ﯤ﴾ [النساء‪ :‬ﯯ]‪ ،‬فعلم أنَّ عدم رد المنازعة كيفما كانت إلى حكمه‪،‬‬
‫هو عدم االنقياد ومحبة ذلك‪ ،‬وبسببها انتفى إيمان صاحبها‪.‬‬
‫المة ابن القيم � ال تخدم‬ ‫فهذه القريحة العلمية من الع َّ‬
‫المرجئة قديم ًا وال حديث ًا وال مستقب ً‬
‫ال‪ ،‬قطع ال َّله دابرهم‪ ،‬وأراح األمة‬
‫من تفريطهم‪ ،‬وقبل أن نكمل بيان مراد الع َّ‬
‫المة ابن القيم � هناك‬

‫‪147‬‬
‫لفتة البد من ذكرها وتوضيحها‪ ،‬حتى ال يفرح بها المرجئون‪ ،‬عند‬
‫تقسيمه لشعب اإليمان والكفر‪ ،‬وذكر أنَّ منها «قولية» و«فعلية»‪.‬‬
‫قال ابن القيم �‪« :‬فكما يكفر باإلتيان بكلمة الكفر اختيار ًا‪،‬‬
‫وهي شعبة من شعب الكفر‪ ،‬فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه‪،‬‬
‫كالسجود للصنم‪ ،‬واالستهانة بالمصحف» [كتاب الصالة ص ‪.]50‬‬
‫المة � أن الكفر ال يقع إ َّ‬
‫ال‬ ‫قلت‪ :‬هذا ليس حصر ًا من الع َّ‬
‫ُ‬
‫بهذين المثالين‪ ،‬فالمعهود عند العلماء المحققين أمثال الع َّ‬
‫المة‪ ،‬بل‬
‫يحدوا الشيء يضبطوه بأركانه‪ ،‬فهو لما َّ‬
‫حد الحقيقة‬ ‫العقالء كافة‪ ،‬لما ُّ‬
‫ٍ‬
‫لشيء بكاف‬ ‫حدها بركنيها القول والعمل‪ ،‬وإذا م ّثلوا‬‫اإليمانية المركبة‪َّ ،‬‬
‫التشبيه‪ ،‬مثّلوا من الناحية اإلجمالية ال الحصرية‪ ،‬وذلك أنَّ الع َّ‬
‫المة‬
‫� لما مثَّل للكفر‪ ،‬بالمثالين‪ ،‬لم يحصره فيهما‪ ،‬كيف وأنَّ سب‬
‫ال َّله ورسوله كفر مغلظ عنده‪ ،‬أكبر من السجود للصنم‪ ،‬أو ادعاء مقولة‬
‫النصاری في ال َّله ‪ ،‬ولقد صرح به في «ص ‪ »52‬فليتنبه اللبيب‪ ،‬وال‬
‫يفرح المرجىء‪.‬‬
‫لنعد إلى الحقيقة اإليمانية المركبة عند الع َّ‬
‫المة ابن القيم من‬
‫قسمه إلى اثنين‪« ،‬قول القلب» و«قول اللسان»‪،‬‬
‫قول وعمل‪ ،‬والقول َّ‬
‫والعمل إلى قسمين‪« ،‬عمل القلب» و«عمل الجوارح»‪ ،‬فهذه أربعة‪.‬‬
‫قال �‪« :‬فإذا زالت هذه األربعة‪ ،‬زال اإليمان بكامله‪ ،‬وإذا‬
‫زال تصديق القلب لم تنفع بقية األجزاء؛ فإن تصديق القلب شرط في‬
‫اعتقادها وكونها نافعة‪ .‬وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق‪ ،‬فهذا‬
‫موضع المعركة بين المرجئة وأهل الس َّنة‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫فأهل الس َّنة مجمعون على زوال اإليمان‪ ،‬وأنه ال ينفع التصديق‬
‫مع انتفاء عمل القلب‪ ،‬وهو محبته وانقياده‪ ،‬كما لم ينفع إبليس‪ ،‬وفرعون‬
‫وقومه‪ ،‬واليهود‪ ،‬والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول ﷺ‬
‫بل ويقرون به سر ًا وجهر ًا‪ ،‬ويقولون‪ :‬ليس بكاذب‪ ،‬ولكن ال نتبعه‪ ،‬وال‬
‫نؤمن به‪[ ».‬كتاب الصالة ص ‪.]51‬‬
‫فمن زالت عنه هذه األربعة‪ ،‬فالكل مجمعون على تكفيره‪ ،‬أهل‬
‫الس َّنة‪ ،‬والمبتدعة م ْفرطهم وم َفرطهم؛ المتبعة‪ ،‬والخوارج‪ ،‬والمعتزلة‪،‬‬
‫والمرجئة الجهمية‪ ،‬والمرجئة الفقهاء وطائفتهم الجدد‪.‬‬
‫فإذا زالت عنه اثنان وبقي اثنان؛ القول بقسميه‪ ،‬فطائفة تكفره‬
‫وطائفة ال تكفره‪ ،‬فالمك ّفرة‪ ،‬هي المتبعة والخوارج والمعتزلة‪ ،‬إ َّ‬
‫ال‬
‫ٍ‬
‫واحد منها واتفقوا إذا زال‬ ‫أنَّ الطائفتين اللتين لم تكفره‪ ،‬اختلفوا في‬
‫التصديق فهو كافر؛ المرجئة الجهمية والمرجئة الفقهاء وطائفتهم‬
‫الجدد‪ ،‬واختلفوا إذا زال عنه اإلقرار‪ ،‬فالمرجئة الجهمية تقول هو‬
‫مؤمن‪ ،‬ألنَّها ال تری الكفر إ َّ‬
‫ال تكذيب ًا‪ ،‬والمرجئة الفقهاء وطائفتهم‬
‫الجدد‪ ،‬تقول هو كافر‪ ،‬ألنَّها تری الكفر بزوال اإلقرار‪ ،‬والطائفة‬
‫الجدد هي المتسمة باألثرية‪ ،‬ومنهم ابن حسن حلبي‪ ،‬فهو رأس في‬
‫هذا العار‪ ،‬فاختلفوا في تكفيره في واحد منها؛ «اإلقرار»‪ ،‬واتفقوا على‬
‫عدم تكفيره في اثنين؛ «عمل القلب» و«عمل الجوارح»‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أنَّ الثانية‬
‫أوجبت األعمال‪ ،‬وجعلتها شرط كمال‪.‬‬
‫أما الم ّتبعة والم ْفرطة؛ «الخوارج» و«المعتزلة»‪ ،‬أجمعوا على‬
‫ٍ‬
‫واحد منها‪ ،‬فالم ّتبعة‬ ‫تكفيره إذا زال عنه العمل بقسميه‪ ،‬واختلفوا في‬

‫‪149‬‬
‫تری تكفيره بزوال أعظم أعمال الجوارح كالصالة‪ ،‬ألنَّها مذهبة‬
‫لمطلق اإليمان‪ ،‬وال تری تكفيره باألعمال المذهبة لإليمان المطلق‪،‬‬
‫كإتيان المرأة في دبرها أو هي حائض‪ ،‬فالم ّتبعة سلكت مسلك الوسط‬
‫عرفت الحقيقة اإليمانية بركنيها‪ّ ،‬‬
‫فذمت‬ ‫بجمعها لكافة األقسام‪ ،‬ألنَّها َّ‬
‫ما عند الم َفرطة؛ المرجئة الجهمية والمرجئة الفقهاء وطائفتهم الجدد‬
‫من تقصير‪ ،‬و ّذمت ما عند الم ْفرطة؛ الخوارج والمعتزلة من غلو‪،‬‬
‫وهنا تكمن مكائد الشيطان‪ ،‬والمعصوم من عصمه ال َّله من فتنتيهما؛ ‬
‫«التفريط» و«االفراط»‪ ،‬وهذا هو مسلك الموازنة والمعادلة التي دعا‬
‫إليها شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه البار ابن القيم ‪ K‬وهو‪:‬‬
‫الحق‪ ،‬ورحمة الخلق‪ ،‬والقول فيهم بالحقّ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫علم‬
‫وهو الذي أرسل ألجله الرسل‪ ،‬وأنزل الكتاب والميزان ليقوموا‬
‫به‪ ،‬وأنزل الحديد مساعدة لهم في ذلك‪ ،‬بقوله‪﴿ :‬ﭑ ﭒﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗ ﭘﭙﭚﭛ﴾ وهو‬
‫بالحق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الحق ورحمة الخلق والقول فيهم‬
‫ّ‬ ‫المسلك الذي ذكرناه؛ علم‬
‫ثم قال ‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ﴾ [الحديد]‪.‬‬
‫فالبد لهذا المسلك من سلطان المجالدة‪ ،‬ألنَّ المخالفين‬
‫صنفان‪ :‬صنف يكفي معه المجادلة للرجوع إلى المسلك الذي أشرنا‬
‫إليه آنف ًا‪ ،‬وصنف البد مع المجادلة سلطان المجالدة‪ ،‬الذي أنزل بسببه‬
‫الحديد‪ ،‬ليس لرجوعه‪ ،‬بل لخنسه وذله وركنه كي ال يصد عن هذا‬
‫أن أثري الزرقاء منهم‪.‬‬
‫المسلك‪ ،‬والشك َّ‬

‫‪150‬‬
‫لنعد إلى مقصود الع َّ‬
‫المة ابن قيم الجوزية � وتقسيمه‪ ،‬فلما‬
‫وقسمه بأقسامه‪ ،‬قال �‪« :‬وها هنا أصل آخر‪،‬‬
‫حد المركب بأركانه َّ‬
‫َّ‬
‫وهو أن الكفر نوعان‪ :‬كفر عمل‪ ،‬وكفر جحود وعناد‪ .‬فكفر الجحود‪:‬‬
‫أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند ال َّله جحود ًا وعناد ًا؛ من‬
‫أسماء الرب وصفاته‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬وأحكامه‪ ،‬وهذا الكفر يضاد اإليمان‬
‫من كل وجه‪.‬‬
‫وأما كفر العمل‪ :‬فينقسم إلى ما يضاد اإليمان‪ ،‬وإلى ما ال يضاده»‬
‫[كتاب الصالة ص ‪.]52‬‬
‫وقسم‬
‫فلما كانت الحقيقة اإليمانية مركبة عنده من قول وعمل‪َّ ،‬‬
‫القول إلى قسمين والعمل إلى قسمين‪ ،‬وهذا اعتقاده في االسم‪،‬‬
‫الحد التركيبي لالسم‪ ،‬ألنَّ هناك‬
‫ّ‬ ‫يقسم الكفر على‬
‫استوجب عليه أن ّ‬
‫وخص عمل القلب‬ ‫َّ‬ ‫فخص قول القلب بنوع من الكفر‪،‬‬
‫َّ‬ ‫تالزم ًا بينهما‪،‬‬
‫المة � اعتقاده على جادة السلف‪،‬‬ ‫بنوع من الكفر‪ ،‬لكن لما كان الع َّ‬
‫أنَّ اإليمان يتبعض ويتجزأ‪ ،‬ويزول منه بعض ويبقى بعض‪ ،‬وليس شيئ ًا‬
‫خص العمل بقسمين‪ ،‬وهذا‬ ‫واحد ًا‪َّ ،‬‬
‫خص كفر العمل بقسمين‪ ،‬كما َّ‬
‫التقسيم للكفر؛ كفر العمل بقسمين‪ ،‬قسم يضاد اإليمان وقسم ال‬
‫يضاد اإليمان هرب ًا من قول الخوارج والمعتزلة لحقيقة اإليمان التي‬
‫عندهم‪ ،‬فهي واحدة ال تتجزأ وال تتبعض‪ ،‬ثم قال قولته التي يدندن‬
‫عليها الجاهلون بمراده والمحرفون المبترون لمراده‪.‬‬
‫قال �‪« :‬فاإليمان العملي‪ ،‬يضاده الكفر العملي‪ ،‬واإليمان‬
‫االعتقادي‪ ،‬يضاده الكفر االعتقادي‪[ ».‬كتاب الصالة ص ‪.]53‬‬

‫‪151‬‬
‫إذ ًا‪ ،‬فهم مراد المتكلم بهذا المصطلح‪ ،‬هو برد الكالم بعضه‬
‫إلى بعض ومنه حمل المطلق‪ ،‬وهذا المصطلح منه‪ ،‬على المقيد‪ ،‬وهو‬
‫الحقيقة اإليمانية المركبة من قول وعمل‪ ،‬والقول قسمان والعمل‬
‫قسمان‪ ،‬الذي استلزم منه أن يكون الكفر نوعين‪ ،‬كفر خاص بقول‬
‫القلب‪ ،‬ومنه التكذيب والجحود‪ ،‬وكفر خاص بعمل القلب المرتبط‬
‫بطريقة التالزم مع الجوارح‪ ،‬الذي يزول بسببه المحبة واالنقياد‪ ،‬كما‬
‫غير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح كالصالة ونحونها‪،‬‬
‫للتالزم الذي بينهما‪.‬‬
‫فاألعمال الجوارحية المذهبة للمحبة واالنقياد وااللتزام‪،‬‬
‫هي من الكفر الذي يضاد اإليمان عند الع َّ‬
‫المة �‪ ،‬أما األعمال‬
‫الجوارحية المضعفة للمحبة واالنقياد‪ ،‬فهي التي ال تضاد اإليمان هذا‬
‫قوله � ومراده‪.‬‬
‫فاإلمام ابن القيم � ذكر هذا المصطلح؛ «الكفر االعتقادي‬
‫والكفر العملي» في معرض ترجيح أحد القولين‪ ،‬للمتنازعين في كفر‬
‫تارك الصالة‪ ،‬لقد ذكر قبل الخوض في التفصيل أدلة الفريقين‪ ،‬ثم‬
‫بدأ في التفصيل بتعريف اإليمان وحقيقته وأقسامه وشعبه‪ ،‬والكفر‬
‫وحقيقته وأقسامه وشعبه‪ ،‬ثم ذكر هذا المصطلح الذي يوافقه فيه‬
‫جمهور المحققين‪ ،‬ثم بدأ في ترجيح قول المكفرين‪.‬‬
‫قال �‪« :‬والمقصود أن سلب اإليمان عن تارك الصالة أولى‬
‫من سلبه عن مرتكب الكبائر‪ ،‬وسلب اسم اإلسالم عنه‪ ،‬أولى من سلبه‬
‫عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬فال يسمى تارك الصالة مسلم ًا‬

‫‪152‬‬
‫وال مؤمن ًا‪ ،‬وإن كان معه شعبة من شعب اإلسالم واإليمان‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬يبقى أن يقال‪ :‬فهل ينفعه ما معه من اإليمان في عدم‬
‫الخلود في النار؟ فيقال ينفعه إن لم يكن المتروك شرط ًا في صحة‬
‫الباقي واعتباره‪ ،‬وإن كان المتروك شرط ًا في اعتبار الباقي لم ينفعه‪».‬‬
‫[كتاب الصالة ص ‪.]59‬‬
‫فقوله‪« :‬فال يسمى تارك الصالة مسلم ًا وال مؤمن ًا» هذا قول‬
‫مفروغ منه لورود األدلة في تكفيره من الكتاب والس َّنة وإجماع الصحابة‬
‫والتابعين‪ ،‬كما ذكر ذلك عبد ال َّله بن شقيق �‪ ،‬وسوف ّ‬
‫نبين ذلك إن‬
‫شاء ال َّله‪.‬‬
‫وأما قوله‪« :‬وإن كان معه شعبة من شعب اإلسالم واإليمان»‬
‫هي شعبة التصديق الخاصة بقول القلب وهي غير نافعة عند أهل الس َّنة‬
‫والجماعة‪ ،‬أما عند المبتدعة؛ المرجئة بفرقها وطائفتهم الجدد‪ ،‬نافعة‪،‬‬
‫ألنَّ العمل ليس شرط صحة عندهم‪ ،‬وإن أثبتوه‪ ،‬وجب عليهم دخول‬
‫عمل الجوارح والبد‪ ،‬وإن نفوه لزمهم قول جهم‪.‬‬
‫المة الشوكاني �‪« :‬الشك أن من قال ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله‬ ‫يقول الع َّ‬
‫ولم يتبين من أفعاله ما يخالف معنى التوحيد فهو مسلم محقون الدم‬
‫والمال إذا جاء بأركان اإلسالم المذكورة في الحديث‪« :‬أمرت أن أقاتل‬
‫الناس حتى يقولوا ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله ويقموا الصالة ويؤتوا الزكاة‪»...،‬‬
‫وهكذا من قال ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله متشهد ًا بها شهادة اإلسالم ولم‬
‫يكن قد مضى عليه من الوقت ما يجب فيه شيء من أركان اإلسالم‪،‬‬
‫فالواجب حمله على اإلسالم عم ً‬
‫ال بما أقره به لسانه وأخبر به من أراد‬

‫‪153‬‬
‫قتاله‪ ،‬ولهذا قال ﷺ ألسامة بن زيد ما قال‪ ،‬وأما من تكلم بكلمة التوحيد‬
‫وفعل أفعا ًال تخالف التوحيد كاعتقاد هؤالء المعتقدين في األموات‬
‫تبين من حالهم خالف ما حكته ألسنتهم من اقرارهم‬‫فال ريب أنَّه قد َّ‬
‫بالتوحيد‪ ،‬ولو كان مجرد التكلم بكلمة التوحيد موجب ًا الدخول في‬
‫اإلسالم والخروج من الكفر سواء فعل المتكلم بها ما يطابق التوحيد‬
‫أو يخالفه لكانت نافعة لليهود‪ ...‬بل لم تنفع الخوارج فإنهم من أكمل‬
‫الناس توحيد ًا وأكثرهم عبادة وهم كالب ال َّنار‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬فمن‬
‫ترك أحد هذه الخمس لم يكن معصوم الدم وال المال‪ ،‬وأعظم من‬
‫ذلك معنى التوحيد أو المخالف له بما يأتي به من األفعال‪ُّ ».‬‬
‫[الدر النضيد‬
‫في إخالص كلمة التوحيد ص ‪.]39 ،38‬‬
‫فقول ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله غير نافعة لمن أتى باألعمال المخالفة لها‪،‬‬
‫ولو كانت نافعة لنفعت إبليس اللعين‪ ،‬والذين شهد عليهم القرآن أنَّهم‬
‫كانوا مقرين بها‪ .‬وأما قوله‪« :‬وإن كان المتروك شرط ًا في صحة الباقي‬
‫لم ينفعه»‪.‬‬
‫ٌ‬
‫شرط في صحة الباقي بالكتاب والس َّنة‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬المتروك‬
‫ُ‬
‫واإلجماع‪ ،‬ألنَّه مستلزم لعدم محبة القلب وانقياده‪ ،‬إذ لو كانت في‬
‫القلب محبة وانقياد ألتى بهذا المتروك‪ ،‬وعدم اتيانه يدل على انتفاء‬
‫الالزم‪.‬‬
‫ثم ذهب اإلمام ابن القيم � ينظر هل الصالة شرط لصحة‬
‫اإليمان‪ ،‬وهذا فيه إشعار أنَّ ابن القيم يذهب إلى قول المك ّفرين‪ ،‬يدل‬
‫على ذلك تعريجه على ذكر أدلة المكفرين مرة ثانية من أقوال التابعين‬

‫‪154‬‬
‫ومن بعدهم‪ ،‬ومن حكى اإلجماع في ذلك‪ ،‬فهذا يدل على أنَّ اإلمام‬
‫ابن القيم � يذهب مذهب هؤالء‪ ،‬وإ َّ‬
‫ال لم يذكر األدلة مرة ثانية‪،‬‬
‫فهذا ليس ركاكة في األسلوب‪ ،‬وإنَّما االقتناع بما عند المك ّفرين من‬
‫أدلة‪ ،‬هذا ظننا باإلمام ال غير‪.‬‬
‫لكن كالمنا هنا يدور على مصطلحه؛ «الكفر االعتقادي والكفر‬
‫العملي» الذي ظهر بسببه طائفتان‪ ،‬طائفة جهلت مراد اإلمام �‬
‫وحملته على غير محمله‪ ،‬وطائفة عرفت مراده وتيقنت منه‪ ،‬لكن ذهبت‬
‫مذهب البتر والتحريف ليلبسوا فيه‪ ،‬كي يدخلوا االشكال والغموض‪،‬‬
‫لينصروا معتقدهم الفاسد‪.‬‬
‫وقبل أن نفضح الطائفة الباترة المحرفة الملبسة‪ ،‬نذكر الطائفة‬
‫ال في عهد‬‫التي جهلت وأخطأت المراد‪ ،‬ونضرب لذلك بمثلين‪ ،‬مث ً‬
‫المة محمد بن‬‫اإلمام محمد بن علي الشوكاني � وصاحبه الع َّ‬
‫إسماعيل األمير �‪ ،‬ومث ً‬
‫ال في زماننا وصاحبه الع َّ‬
‫المة المحدث‬
‫محمد ناصر الدين األلباني �‪.‬‬
‫يقول الشوكاني �‪« :‬ومن جملة الشبه التي عرضت لبعض‬
‫أهل العلم ما جزم به السيد الع َّ‬
‫المة محمد بن إسماعيل األمير �‬
‫تعالى في شرحه ألبياته التي قال في أولها‪:‬‬
‫رجعتعنالنظمالذيقلتيفجندي* ‪. . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬
‫فإنه قال‪ :‬إنَّ كفر هؤالء المعتقدين لألموات هو الكفر العملي‬

‫* ومتامه‪:‬‬
‫فقد صح لي عنه خالف الذي عندي ← ‬ ‫رجعت عن النظم الذي قلت في نجدي‬

‫‪155‬‬
‫ال الكفر الجحودي‪ ،‬ونقل ما ورد في كفر تارك الصالة كما ورد في‬
‫األحاديث الصحيحة‪ ،‬وكفر تارك الحج في قوله تعالى‪﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [آل عمران] وكفر من لم يحكم بما أنزل ال َّله كما‬
‫في قوله‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ﴾‬
‫[المائدة] ونحو ذلك من األدلة الواردة فيمن زنى ومن أتى امرأة حائض ًا‬
‫أو امرأة في دبرها أو أتى كاهن ًا أو عراف ًا أو قال ألخيه يا كافر‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهذه األنواع من الكفر وإن أطلقها الشارع على فعل هذه‬

‫المة سليامن بن سمحان � تعاىل هذه املنظمومة بكتابه املعروف «تربئة‬ ‫رد الع َّ‬
‫← لقد َّ‬
‫الشيخني» وهو مطبوع‪.‬‬
‫ قلت‪ :‬رده واستنكاره فيه نظر‪ ،‬فالقصة ثابتة غري منسوبة‪ ،‬وذلك من وجهني‪:‬‬
‫ األول‪ :‬إنَّ الشوكاين � تعاىل مدقّق اإلسناد‪ ،‬ومتأنق يف التفسري‪ ،‬وال ينسب شيئ ًا إىل قائله‬
‫إلاَّ وحتقَّق من ذلك‪.‬‬
‫المة عبد القادر بن أمحد � من تالميذة الصنعاين‪ ،‬ولو مل‬ ‫ الثاين‪ :‬إنَّ شيخ الشوكاين الع َّ‬
‫تثبت عنه هذه األبيات لذكر ذلك‪.‬‬
‫ قال الشوكاين � تعاىل يف ترمجته ـ يعني‪ :‬األمري الصنعاين ـ يف «البدر الطالع‪:»65/2‬‬
‫المة عبد اهلل بن حممد يف جملد غالبه يف املباحث العلمية‬ ‫«وله شعر فصيح منسجم مجعه ولده الع َّ‬
‫والتوجع من أبناء عرصه والردود عليهم‪.».‬‬
‫ وقال � أيض ًا عن ولده عبد اهلل بن حممد‪ « :‬ـ بعد ما ذكر حماسن له عدة ـ ‪ ...‬ودراية كاملة‬
‫بمؤلفات والده ورسائله وأشعاره‪[ ».‬البدر الطالع ‪.]372/1‬‬
‫ وأنسب األقوال وأعدهلا فيه أن يقال‪ :‬القول ثابت ـ يعني‪ :‬األبيات ـ والرجوع صحيح إذا‬
‫صح تأخر مصنفه «تطهري االعتقاد» يف آخر عمره؛ فيكون ذلك نسخ ًا ملا قاله من األبيات واهلل ‬ ‫َّ‬
‫تعاىل أعلم‪.‬‬
‫رد وولد الصنعاين له أكثر من مخسني‬ ‫ ومما يبينّ عدم رجوعه عن ذلك‪ ،‬أنَّ الشوكاين � َّ‬
‫سنة‪ ،‬كام قال يف ترمجته يف «البدر الطالع»‪ ،‬فلو مل تثبت صحة األبيات لعلم هبا‪ ،‬كيف وما يكتبه‬
‫يعرضه عىل شيخه الذي أكثر األخذ عنه وهو من تالميذة الصنعاين النجباء؟!‬
‫ وولد الصنعاين كان خبري ًا بمؤلفات والده ونظمه الشعرية‪ ،‬فلو مل تثبت لعلم الشوكاين قبل‬
‫المة سليامن بن سمحان � تعاىل ‪.‬‬ ‫الع َّ‬

‫‪156‬‬
‫الكبائر فإنَّه ال يخرج به العبد عن اإليمان ويفارق به الملة ويباح به دمه‪،‬‬
‫وماله وأهله كما ظنه من لم يفرق بين الكفرين‪ ،‬ولم يميز بين األمرين‬
‫وذكر ما عقده البخاري في صحيحه من كتاب اإليمان في «كفر دون‬
‫أن الحكم بغير ما أنزل ال َّله وترك الصالة‬ ‫كفر» وما قاله الع َّ‬
‫المة ابن القيم َّ‬
‫من الكفر العملي‪ .‬وتحقيقه أن الكفر كفر عمل وكفر جحود وعناد‪،‬‬
‫فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند ال َّله جحود ًا‬
‫وعناد ًا فهذا يضاد اإليمان من كل وجه‪ .‬وأما كفر العمل فهو نوعان‪،‬‬
‫نوع يضاد اإليمان ونوع ال يضاده‪ ،‬ثم نقل عن ابن القيم كالم ًا في هذا‬
‫المعنى‪.‬‬
‫ثم قال السيد المذكور‪[ :‬أي‪ :‬محمد بن إسماعيل األمير] قلت‪ :‬ومن‬
‫هذا ‪[ ،‬يعني‪ :‬الكفر العملي] من يدعو األولياء ويهتف بهم عند الشدائد‬
‫ويطوف بقبورهم ويقبل جدرانها وينذر لها بشيء من ماله فإنه كفر‬
‫عملي ال اعتقادي فإنه مؤمن بال َّله وبرسوله ﷺ وباليوم اآلخر‪ ،‬لكن زين‬
‫له الشيطان أنَّ هؤالء عباد ال َّله الصالحين ينفعون ويشفعون ويضرون‬
‫فاعتقدوا ذلك كما اعتقد ذلك أهل الجاهلية في األصنام‪ ،‬لكن هؤالء‬
‫مثبتون للتوحيد ل َّله ال يجعلون األولياء آلهة كما قاله الكفار إنكار ًا على‬
‫رسول ال َّله ﷺ لما دعاهم إلى كلمة التوحيد ﴿ﭵﭶ ﭷ ﭸ﴾‬
‫[ص‪ :‬ﭾ]‪.‬‬
‫فهؤالء جعلوا ل َّله شركاء حقيقة‪ .‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬بخالف جهلة‬
‫مقرون ل َّله‬
‫المسلمين الذين اعتقدوا في أوليائهم النفع والضر فإنهم ُّ‬
‫وصدقوا رسله فالذي أتوه من تعظيم‬
‫ّ‬ ‫بالوحدانية وإفراده باإللهية‬

‫‪157‬‬
‫األولياء كفر عمل ال اعتقاد فالواجب وعظهم وتعريفهم جهلهم‬
‫وزجرهم ولو بالتعزير كما أمرنا بحد الزاني والشارب والسارق من‬
‫أهل الكفر العملي ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬فهذه كلها قبائح محرمة من أعمال‬
‫الجاهلية فهو من الكفر العملي‪ ،‬وقد ثبت أنَّ هذه األمة تفعل أمور ًا من‬
‫أمور الجاهلية هي من الكفر العملي‪.‬‬
‫كحديث‪« :‬أربع في أمتي من أمر الجاهلية ال يتركوهن‪ :‬الفخر‬
‫في األحساب‪ ،‬والطعن في األنساب‪ ،‬واالستسقاء بالنجوم‪ ،‬والنياحة»‬
‫أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك األشعري‪ .‬فهذه‬
‫من الكفر العملي ال تخرج به األمة عن الملة بل هم مع إتيانهم بهذه‬
‫الخصلة الجاهلية أضافهم إلى نفسه فقال‪« :‬من أمتي»‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬أهل الجاهلية تقول في أصنامهم أنهم يقربونهم إلى‬
‫ال َّله زلفى كما يقوله القبوريون ويقولون‪ :‬هؤالء شفعاؤنا عند ال َّله‪ ،‬كما‬
‫يقول القبوريون‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ال سواء فإنَّ القبوريين مثبتون التوحيد ل َّله قائلون أنه ال‬
‫إله إ َّ‬
‫ال هو ولو ضربت عنقه على أن يقول أنَّ الولي إله مع ال َّله لما قالها‬
‫بل عنده اعتقاد جهل أنَّ الولي لما أطاع ال َّله كان له بطاعته عنده تعالى‬
‫جاه به تقبل شفاعته ويرجى نفعه ال أنَّه إله مع ال َّله‪ ،‬بخالف الوثني فإنَّه‬
‫امتنع عن قول ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله ح َّتى ضربت عنقه زاعم ًا أنَّ وثنه إله مع‬
‫ال َّله ويسميه رب ًا وإله ًا‪ ...،‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬ومن هنا يعلم أنَّ الكفار غير‬
‫مقرين بتوحيد اإللهية والربوبية كما توهمه من توهم من قوله‪﴿ :‬ﯰ‬
‫ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [الزخرف‪ :‬ﯹ] ﴿ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬

‫‪158‬‬
‫ﯚﯛﯜ ﯝﯞ ﯟﯠ﴾ [الزخرف] ﴿ﯚﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [يونس‪ :‬ﯷ] إلى قوله‪﴿ :‬ﯱ ﯲ﴾‬
‫[يونس‪ :‬ﯷ]‪.‬‬
‫فهذا إقرار بتوحيد الخالقية والرازقية ونحوهما ال إنَّه إقرار‬
‫بتوحيد اإللهية ألنهم يجعلون أوثانهم أرباب ًا كما عرفت‪ ،‬فهذا الكفر‬
‫الجاهلي كفر اعتقاد ومن الزمه كفر العمل بخالف من اعتقد في‬
‫األولياء النفع والضر مع توحيد ال َّله واإليمان به وبرسوله وباليوم‬
‫وإيضاح لما هو الحق من غير‬
‫ٌ‬ ‫اآلخر فإنَّه كفر عمل‪ ،‬فهذا تحقيق بالغ‬
‫إفراط وال تفريط‪ .‬انتهى كالم السيد المذكور [أي محمد بن إسماعيل األمير‬
‫الصنعاني] � تعالى‪.‬‬
‫وأقول‪[ :‬القائل‪ :‬هو الشوكاني] هذا الكالم في التحقيق ليس بتحقيق‬
‫بالغ بل كالم متناقض متدافع وبيانه أنَّ الشك أنَّ الكفر ينقسم إلى كفر‬
‫اعتقاد وكفر عمل لكن دعوی أن ما يفعله المعتقدون في األموات من‬
‫أن كفر من‬
‫كفر العمل في غاية الفساد‪ ،‬فإنَّه قد ذكر في هذا البحث َّ‬
‫اعتقد في األولياء كفر عمل وهذا عجيب! كيف يقول كفر من يعتقد‬
‫في األولياء ويسمي ذلك اعتقاد ًا ثم يقول أنَّه من الكفر العملي؟ وهل‬
‫هذا إلاَّ التناقض البحت والتدافع الخالص؟‬
‫انظر كيف ذكر في أول البحث أنَّ كفر من يدعو األولياء ويهتف‬
‫بهم عند الشدائد ويطوف بقبورهم ويقبل جدرانها وينذر لها بشيء‬
‫من ماله هو كفر عملي‪ ،‬فليت شعري ما هو الحامل له على الدعاء‬
‫واالستغاثة وتقبيل الجدران ونذر النذورات هل هو مجرد اللعب‬

‫‪159‬‬
‫والعبث من دون اعتقاد؟ فهذا ال يفعله إ َّال مجنون‪ ،‬أم الباعث عليه‬
‫االعتقاد في الميت؟ فكيف ال يكون هذا من كفر االعتقاد الذي لواله‬
‫لم يصدر فعل من تلك الفعال بقوله‪« :‬لكن زين له الشيطان أنَّ هؤالء‬
‫ال كما اعتقده‬‫عباد ال َّله الصالحين ينفعون ويشفعون فاعتقد ذلك جه ً‬
‫أهل الجاهلية في األصنام»‪.‬‬
‫فإن طوائف الكفر‬
‫وليت شعري أي فائدة لكونه اعتقاد جهل‪َّ ،‬‬
‫بأسرها وأهل الشرك قاطبة إنما حملهم على الكفر ودفع الحق والبقاء‬
‫أن اعتقادهم اعتقاد علم؟‬ ‫على الباطل االعتقاد جه ً‬
‫ال‪ ،‬وهل يقول قائل‪َّ :‬‬
‫حتى يكون اعتقاد الجهل عذر ًا ألخوانهم المعتقدين في األموات ثم‬
‫تمم االعتذار بقوله‪« :‬لكن هؤالء مثبتون للتوحيد إلى آخر ما ذكره‪».‬‬
‫وال يخفاك أنَّ هذا عذر باطل َّ‬
‫فإن إثباتهم التوحيد إن كان‬
‫بألسنتهم فقط فهم مشتركون في ذلك هم واليهود والنصاری‪ ...‬ـ إلى أن‬
‫قال ـ ‪ :‬بل هؤالء القبوريون قد وصلوا إلى حد في اعتقادهم في األموات‬
‫لم يبلغه المشركون في اعتقادهم في أصنامهم وهو أنَّ الجاهلية كانوا‬
‫إذا مسهم الضر دعوا ال َّله وحده وإنما يدعون أصنامهم مع عدم نزول‬
‫الشدائد من األمور كما حكاه ال َّله عنهم بقوله‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ‬
‫ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ﴾ [اإلسراء]‪ ...‬بخالف المعتقدين في األموات فإنها إذا دهمتهم‬
‫الشدائد استغاثوا باألموات‪ ،‬ونذروا لهم النذور وقل من يستغيث بال َّله‬
‫سبحانه في تلك الحال‪ ،‬وهذا يعلمه كل من له بحث عن أحوالهم‪...،‬‬
‫ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫جرد النظر في بحثه السابق‬
‫وبالجملة فالسيد المذكور � قد َّ‬
‫إلى االقرار بالتوحيد الظاهري واعتبر مجرد التكلم بكلمة التوحيد فقط‬
‫من دون نظر إلى ما ينافي ذلك من أفعال المتكلم بكلمة التوحيد ويخالفه‬
‫من اعتقاده الذي صدرت عنه تلك األفعال المتعلقة باألموات‪ ،‬وهذا‬
‫االعتبار ال ينبغي التعويل عليه وال االشتغال به‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬
‫وأما ما نقله السيد � تعالى عن ابن القيم في أول كالمه من‬
‫تقسيم الكفر إلى عملي واعتقادي فهو كالم صحيح وعليه جمهور‬
‫أن االعتقاد في األموات‬
‫المحققين ولكن ال يقول ابن القيم وال غيره َّ‬
‫على الصفة التي ذكرها هو من الكفر العملي‪ .‬وسننقل ها هنا كالم ابن‬
‫القيم في أنَّ ما يفعله المعتقدون في األموات من الشرك األكبر كما‬
‫نقله عنه السيد المذكور � تعالى في كالمه السابق ثم نتبع ذلك عن‬
‫بعض أهل العلم فإنَّ السائل كثر ال َّله فوائده قد طلب ذلك في سؤاله‬
‫فنقول‪:‬‬
‫قال ابن القيم في شرح المنازل في باب التوبة‪« :‬وأما الشرك‬
‫فهو نوعان أكبر وأصغر‪ ،‬فاألكبر ال يغفره ال َّله إ َّ‬
‫ال بالتوبة منه وهو أن‬
‫يتخذ من دون ال َّله ند ًا يحبه كما يحب ال َّله بل أكثرهم يحبون آلهتهم‬
‫أعظم من محبة ال َّله ويغضبون لمنتقص معبودهم من المشايخ أعظم‬
‫مما يغضبون إذا انتقص أحد رب العالمين‪ ،‬وقد شاهدنا هذا نحن‬
‫وغيرنا منهم جهرة‪ ،‬ونری أحدهم قد اتخذ ذكر معبوده على لسانه إن‬
‫قام وقعد وإن عثر وهو ال ينكر ذلك ويزعم أنَّه باب حاجته إلى ال َّله‬
‫وشفيعه عنده‪ ،‬وهكذا كان عباد األصنام سواء‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم وتوارثه المشركون بحسب‬
‫اختالف آلهتهم فأولئك كانت آلهتهم من الحجر وغيرهم اتخذها من‬
‫البشر‪ ...،‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬وأخبر أنَّ الشفاعة كلها له‪ .‬ثم ذكر اآلية التي‬
‫في سورة سبأ وهي قوله تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾ [سبأ‪ :‬ﰊ]‬
‫وتكلم عليها ثم قال‪ :‬القرآن مملوء من أمثالها ولكن أكثر الناس ال‬
‫يشعرون بدخول الواقع تحته‪ ،‬ويظنه في قوم قد خلوا ولم يعقبوا وارث ًا‪،‬‬
‫وهذا الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن كما قال عمر بن الخطاب‬
‫‪« :‬إنَّما تنقض عری اإلسالم عروة عروة إذا نشأ في اإلسالم من ال‬
‫يعرف الجاهلية»‪.‬‬
‫وهذا ألنه لم يعرف الشرك وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره‬
‫وحسنه وهو ال يعرف أنَّه هو الذي كان عليه أهل‬
‫َّ‬ ‫وصوبه‬
‫َّ‬ ‫ودعا إليه‬
‫شر منه أو دونه فتنقض بذلك عری اإلسالم‬ ‫الجاهلية أو نظيره أو َّ‬
‫ويعود المعروف منكر ًا والمنكر معروف ًا‪ ،‬والبدعة س َّنة والس َّنة بدعة‪،‬‬
‫ويك َّفر الرجل بمحض اإليمان وتجريد التوحيد‪ ،‬ويبدع بتجريد متابعة‬
‫الرسول ﷺ ومفارقة األهواء والبدع ومن له بصيرة وقلب حي سليم‬
‫يری ذلك عيان ًا وال َّله المستعان‪.»...‬‬
‫ثم قال ابن القيم � تعالى في ذلك الكتاب بعد فراغه من‬
‫ذكر الشرك األكبر واألصغر والتعريف لهما‪:‬‬
‫ومن أنواع الشرك سجود المريد للشيخ ومن أنواعه التوبة‬
‫للشيخ فإنها شرك عظيم‪ ،‬ومن أنواعه النذر لغير ال َّله‪ ...،‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬

‫‪162‬‬
‫فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه ومعاداة أهل التوحيد ونسبتهم‬
‫إلى التنقص باألموات وهم تنقصوا الخالق بالشرك وأولياءه الموحدين‬
‫المخلصين له الذين لم يشركوا به شيئ ًا بذمهم ومعاداتهم وتنقصوا من‬
‫أشركوا به غاية التنقص إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا وأنهم أمروهم‬
‫به وأنهم يوالونهم عليه وهؤالء أعداء الرسل في كل زمان ومكان وما‬
‫أكثر المستجيبين لهم! ول َّله در خليله إبراهيم عليه الصالة والسالم‬
‫حيث يقول‪﴿ :‬ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵ ﭶ﴾ [إبراهيم‪ :‬ﮂ] وما نجا من هذا الشرك األكبر إ َّال من جرد‬
‫توحيده ل َّله وعادی المشركين في ال َّله وتقرب بمقتهم إلى ال َّله» انتهى‬
‫كالم ابن القيم‪.‬‬
‫فانظر كيف صرح بأنَّ ما يفعله هؤالء المعتقدون في األموات‬
‫هو شرك أكبر بل أصل شرك العالم‪ ،‬وما ذكره من المعاداة لهم فهو‬
‫صحيح ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ﴾ [المجادلة‪ :‬ﮉ] ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ﴾ [الممتحنة‪ :‬ﮄ] وقال شيخ اإلسالم تقي الدين في «اإلقناع»‪:‬‬
‫إن من دعا ميت ًا وإن كان من الخلفاء الراشدين فهو كافر‪َّ ،‬‬
‫وإن من شك‬ ‫َّ‬
‫في كفره فهو كافر‪ّ ».‬‬
‫[الدر النضيد ص ‪ 49‬ـ ‪ 58‬باختصار]‪.‬‬
‫فتوجع اإلمام الشوكاني � كتوجعنا اليوم من الحاملين قول‬
‫اإلمام ابن القيم � وتقسيمه؛ «الكفر االعتقادي والكفر العملي»‬
‫على غير مراده‪ ،‬وتقويله ما لم يقل‪ ،‬فمحمد بن إسماعيل األمير‬
‫لما ذهب‬
‫الصنعاني على جاللة قدره في العلم والفهم أخطأ المراد‪َّ ،‬‬

‫‪163‬‬
‫يعتذر للقبوريين بقول ابن القيم � وتقسيمه‪ ،‬وإن كان هو أخطأ فهم‬
‫المراد �‪ ،‬نسأل ال َّله ‪ ‬أن يغفر له‪ ،‬فهذا الخطأ أصبح فتنة وشبهة‬
‫لجهال التوحيد‪ ،‬يعتضدون عليها للجاج المنكرين عليهم قبيحهم‪،‬‬
‫ومحنة على المجردين المتابعة ل َّله ورسوله؛ دعاة التوحيد بأقسامه‪،‬‬
‫وهذا نهج السلفية الشرعية‪.‬‬
‫فاأللباني � على جاللة قدره في علم الحديث‪ ،‬لم يفهم‬
‫معنى ابن القيم في تقسيمه للكفر إلى «اعتقادي وعملي»‪ ،‬فخاض فيما‬
‫سد الجهمية بعد ما كان مبني ًا بزبر‬
‫يندى له الجبين‪ ،‬وفتح على نفسه َّ‬
‫الحديد‪ ،‬فخ َّلف ورائه فتنة‪ ،‬فرح بها المرجئة وطائفتهم الجدد‪ ،‬وبلية‬
‫حار في عالجها دعاة السلفية الشرعية؛ دعاة تجريد المتابعة‪ ،‬وحيرة‬
‫الدين؛ «مسألة اإليمان»‪،‬‬
‫في االعتذار له‪ ،‬من سقطاته وزالته في دعامة ّ‬
‫الزالت كبيرة واالعتذار له عسير‪ ،‬كيف وهو ذهب لتثبيت‬
‫ولعمري َّ‬
‫السد ببضاعة مزجاة فثلمه فطم وادي الجهمية على القری‪.‬‬
‫جدران َّ‬
‫فلكل جواد كبوة‪ ،‬بل كبوات‪ ،‬وكبوة األلباني � في مسألة‬
‫اإليمان‪ ،‬هي أشهر من نَّار على علم‪ ،‬يعرفها من كان من أهل االختصاص‬
‫الدعامة‪ ،‬الخالي من االجحاف وهضم حقوق األخرين‪ ،‬زيادة‬ ‫في هذه َّ‬
‫على العدالة واالنصاف‪ ،‬الذي من كان قائم ًا بهما‪ ،‬كان قائم ًا بالقسط‪.‬‬
‫فلتزل هذه العقدة من نفسك‪ ،‬عقدة أنَّ الكبير ال يخطىء‪،‬‬
‫فالخطأ ال يسلم منه أحد‪ ،‬واإلجماع منعقد على أنَّه قد يصيب المفضول‬
‫ويخطىء الفاضل‪ ،‬هذا إن كان خطأ الفاضل في بعض الفروع الفقهية‪،‬‬
‫الدين؛ مسائل اإليمان‪،‬‬
‫أما إن كان الخطأ في األصول‪ ،‬ومنها دعامة ّ‬

‫‪164‬‬
‫فتلك َّ‬
‫الطامة الكبری‪ ،‬والبلية العظمى‪ ،‬ينادي لها بالويل‪ ،‬الويل‪ ،‬فزلة‬
‫كثير‪.‬‬
‫خلق ٌ‬‫العالم بمثابة السفينة المنكسرة‪ ،‬إذا غرقت غرق معها ٌ‬
‫والزلة قد تكونان بشبهة دليل وقلة بضاعة‪ ،‬أو بهوی‬
‫لكن الكبوة َّ‬
‫والبينة‪ ،‬والثاني و ّله ما تو ّلى‬
‫بلغ مبلغ السويداء‪ ،‬فاألول يزال بالحجة ّ‬
‫ثم و ّله دبرك‪ ،‬ألنَّه من عالمات جهد البالء ودرك الشقاء‪ ،‬فهذا القسم؛‬
‫قسم الهوی‪ ،‬قد ظهر جلي ًا على مذهب أثري الزرقاء السلفي َّ‬
‫الدعي‬
‫علي حسن حلبي بدون «ال» التعريف‪ ،‬أما القسم األول‪ ،‬نحن ال نشك‬
‫المة األلباني � منه‪ ،‬ولهذا سوف نفند ز َّ‬
‫الته وكبواته‪ ،‬ز َّلة‬ ‫أنَّ الع َّ‬
‫ز َّلة‪ ،‬وكبوة كبوة‪ ،‬في مسائل اإليمان‪ ،‬زيادة على فهمه الخاطىء لتقسيم‬
‫ابن القيم � ح َّتى نجرد المتابعة ل َّله ورسوله‪.‬‬
‫«والفرق بين تجريد متابعة المعصوم وإهدار أقوال العلماء‬
‫أن تجريد المتابعة أن ال تقدم على ما جاء به قول أحد وال رأيه‬
‫وإلغائها‪َّ ،‬‬
‫كائن ًا من كان‪ ،‬بل تنظر في صحة الحديث أو ًال؛ فإذا صح لك نظرت‬
‫في معناه ثاني ًا‪ ،‬فإذا ّ‬
‫تبين لك لم تعدل عنه ولو خالفك من بين المشرق‬
‫والمغرب‪.‬‬
‫ومعاذ ال َّله أن ت َّتفق األمة على مخالفة ما جاء به ُّ‬
‫نبيها‪ ،‬بل البد‬
‫أن يكون في األمة من قال به ولو لم تعلمه‪ ،‬فال تجعل جهلك بالقائل‬
‫به حجة على ال َّله ورسوله‪ ،‬بل اذهب إلى ّ‬
‫النص وال تضعف‪ ،‬واعلم‬
‫أنَّه قد قال به قائل قطع ًا ولكن لم يصل إليك‪ ،‬هذا مع حفظ مراتب‬
‫العلماء ومواالتهم واعتقاد حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم في حفظ‬
‫الدين وضبطه‪ ،‬فهم دائرون بين األجر واألجرين والمغفرة‪ ،‬ولكن ال‬
‫ّ‬

‫‪165‬‬
‫يوجب هذا إهدار النصوص وتقديم قول الواحد منهم عليها بشبهة أنَّه‬
‫النص أعلم به منك فه َّ‬
‫ال‬ ‫أعلم بها منك‪ ،‬فإن كان كذلك فمن ذهب إلى ّ‬
‫وافقته إن كنت صادقاً‪.‬‬
‫فمن عرض أقوال العلماء على النصوص ووزنها بها‪ ،‬وخالف‬
‫منها ما خالف النص‪ ،‬لم يهدر أقوالهم‪ ،‬ولم يهضم جانبهم‪ ،‬بل اقتدی‬
‫بهم‪ ،‬فإنهم ك ّلهم أمروا بذلك؛ فمتبعهم حق ًا من امتثل ما أوصوا به ال‬
‫من خالفهم‪ ،‬فخالفهم في القول الذي جاء النص بخالفه؛ أسهل من‬
‫النص‬
‫ّ‬ ‫مخالفهم في القاعدة الكلية التي أمروا ودعوا إليها من تقديم‬
‫على أقوالهم‪.‬‬
‫يتبين الفرق بين تقليد العالم في كل ما قال وبين‬
‫ومن هنا ّ‬
‫االستعانة بفهمه واالستضاءة بنور علمه‪ ،‬فاألول يأخذ قوله من غير‬
‫نظر فيه وال طلب لدليله من الكتاب والس َّنة‪ ،‬بل يجعل ذلك كالحبل‬
‫سمي تقليد ًا‪ ،‬بخالف من استعان‬
‫الذي يلقيه في عنقه يقلده به ولذلك ّ‬
‫بفهمه واستضاء بنور علمه في الوصول إلى الرسول صلوات ال َّله‬
‫وسالمه عليه؛ فإنه يجعلهم بمنزلة الدليل إلى الدليل األول‪ ،‬فإذا وصل‬
‫[الروح ص ‪ 583 ،582‬البن‬ ‫إليه استغنى بداللته عن االستدالل بغيره‪».‬‬
‫القيم]‪.‬‬
‫فهذا هو الذي أوجب علينا تبيين الخطأ من الصواب‪ ،‬في ِّ‬
‫كل‬
‫قول‪ ،‬مهما كانت رتبة من صدر منه‪ ،‬ألنَّ تجريد المتابعة هي ّ‬
‫الدين‪،‬‬
‫والدين نصيحة والقلوب أمانة‪ ،‬يخاف عليها من هوی المحرفين‪،‬‬
‫ّ‬
‫وترهاتهم‪ ،‬كما يخاف على الثوب الذي يخالط‬
‫وشبهات المأولين ّ‬

‫‪166‬‬
‫َّ‬
‫والذباحين‪ ،‬فقلوب الجاهلين أحق بالرحمة‪ ،‬وقلوب‬ ‫الدباغين‬
‫َّ‬
‫المعاندين أحق بكل مشروع من الشدة والقسوة وفضاضة العبارة‪ ،‬حتى‬
‫شرهم وتعرف أحوالهم‪ ،‬فمنهم ّ‬
‫كل بلية‪ ،‬والقلب العاقل بين‬ ‫يخمد ّ‬
‫هذين القلبين‪ ،‬نعوذ بال َّله منهما‪.‬‬
‫فلنشرع في تبيين كبوات وز َّ‬
‫الت الع َّ‬
‫المة األلباني �‪،‬‬
‫في مسائل اإليمان‪ ،‬ومناقشتها في ضوء الكتاب والس َّنة وفهم سلفنا‬
‫الصالح‪ ،‬حتى ينتفع القلب العاقل‪ ،‬ويستنار الجاهل‪ ،‬ويندحر المعاند‪،‬‬
‫فهذه هي النصيحة ل َّله ورسوله وكتابه ودينه‪.‬‬
‫وللعلم‪ ،‬أنَّ أقوال الع َّ‬
‫المة األلباني � التي سوف نتناولها‬
‫بالرد إن شاء ال َّله في «الكفر االعتقادي والكفر العملي»‪ ،‬مأخوذة من‬
‫َّ‬
‫كتاب موسوم بـ «فتاوی الشيخ األلباني ومقارنتها بفتاوی العلماء»‬
‫جمع عكاشة عبد الم َّنان الطيبي الطبعة الثانية ‪1415‬هـ لدار الجيل‬
‫ومكتبة التراث اإلسالمي‪ ،‬وهذه تفريغ ألشرطته‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪167‬‬
‫َّ‬
‫العالمة األلباني في مسائل اإليمان‪:‬‬ ‫شبهات‬
‫المة األلباني � في سؤال عن‬ ‫‪ ‬الشبهة األولى‪ :‬يقول الع َّ‬
‫إصالح الظاهر والباطن‪« :‬مما أيض ًا يؤكد هذه القاعدة النفيسة القلبية‬
‫من ارتباط الباطن بالظاهر والظاهر بالباطن أنَّ النبي ﷺ في غير ما‬
‫حديث صحيح وفي مختلف أبواب الشريعة نهى عليه الصالة والسالم ‬
‫المسلمين أن يتشبهوا بغيرهم ذلك ألنَّ التشبه يوجب األلفة ويوجب‬
‫المتشبه به‪ ،‬وكما كان الكفار يعيشون حق ًا في‬
‫َّ‬ ‫المتشبه وبين‬
‫ِّ‬ ‫تقارب ًا بين‬
‫ضالل مبين في دنياهم فض ً‬
‫ال عن آخرتهم كان بديه ًا جد ًا أنَّ الشارع‬
‫الحكيم ينهى األمة أن تتشبه بشيء من عادات هؤالء الكفار ألنَّ ما هم‬
‫عليه ضالل في ضالل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إنَّ األحاديث التي وردت في النهي كثيرة جد ًا في نحو‬
‫أكثر من أربعين حديث ًا ألبواب مختلفة من أبواب الشريعة في الملبس‬
‫في المظهر في المساكنة والمجامعة واالختالط‪ ،‬في الصيام‪ ،‬في الطعام‬
‫في الحج في أبواب الشريعة كلها‪ ،‬جاءت نصوص تأمرنا بمخالفة‬
‫المشركين‪ ،‬هديهم خالف هدی المشركين‪ ،‬ومن المهم من ذلك أنَّ‬
‫النبي ﷺ قال‪« :‬من جامع المشرك فهو مثله»‪.‬‬
‫المجامعة هنا تعني مطلق المخالطة‪ ،‬من جامع بمعنى من‬
‫خالط المشرك‪ ،‬أي من ساكنه أي وجاوره وقاربه في مسكنه وعاش‬
‫حياته معه‪ ،‬وتعلمون هنا حتى ما يرد إشكال أنَّ المثلية ال تقتضي وال‬
‫تستلزم المشابهة بالكلية من كل الجوانب كمثل قوله تبارك وتعالى‬
‫حينما حذر المسلمين من مواالة المشركين‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫قال رب العالمين‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [المائدة‪ :‬ﭫ]‪.‬‬
‫أي‪ :‬في هذه المواالة‪ ،‬أي‪ :‬فهو منهم عم ً‬
‫ال‪ .‬وهذا بحث آخر أنَّ الكفر‬
‫والشرك ينقسم إلى قسمين‪ :‬شرك عملي وشرك اعتقادي فهذا فهو منهم‬
‫أي‪ :‬عم ً‬
‫ال وليس عقيدة‪[ ».‬فتاوی الشيخ األلباني ص ‪.]152 ،151‬‬
‫الرد على قوله �‪« :‬فهذا فهو منهم أي‪:‬‬
‫فقبل أن نشرع في َّ‬
‫عم ً‬
‫ال وليس عقيدة»‪.‬‬
‫نقول‪ :‬هل تفسيره لآلية صحيح‪ ،‬واستدالل راجح؟ أم بعيد عن‬
‫المقصود‪ ،‬وقول مرجوح جانب فيه الصواب؟‬
‫وهل هناك قرينة صارفة عن ظاهر اآلية‪ ،‬حملته أن يقول بقوله‬
‫هذا‪ ،‬أم فهم سقيم مبني على عدم فهم دعامة الدِّ ين؛ مسألة اإليمان‬
‫على جادة السلف؟‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫أنَّ الوالية ضد العداوة‪ ،‬وهي مأخوذة من القرب والدنو‪،‬‬
‫علي والية؛ مجتمعون في النصرة‪ ،‬فالولي هو التابع‬
‫والنصرة‪ ،‬يقال‪ :‬هم َّ‬
‫المحب الناصر‪ ،‬وهذه ـ الوالية ـ تقتضي الحب والموافقة‪ ،‬والحب‬
‫قلبي؛ حركة باطنية توجب تحقق المراد؛ الموافقة والنصرة و‪،...‬‬
‫عمل ٌ‬‫ٌ‬
‫وهذه مستحيلة الوقوع دون عمل باطني‪ ،‬وهذا هو سر تالزم الظاهر‬
‫والباطن‪.‬‬
‫قلبي؛ حركة‬
‫عمل ٌ‬‫والعداوة تقتضي البغض والمخالفة‪ ،‬والبغض ٌ‬
‫باطنية صادرة عن الملك‪ ،‬أي‪ :‬القلب‪ ،‬أوجبت المخالفة للمبغوض‪،‬‬
‫وهذا كما قلنا آنف ًا حركة تالزمية‪ ،‬توجب تحقق المراد‪ ،‬فإنَّه يستحيل أن‬

‫‪169‬‬
‫صحيح في القلب‪ ،‬مع والية ونصرة ودنو من المبغوض‬
‫ٌ‬ ‫يكون ٌ‬
‫بغض‬
‫في الظاهر‪.‬‬
‫لكن قد يقول قائل‪ :‬من الممكن أن يكون بغض صحيح في‬
‫القلب مع والية ونصرة للمبغوض في الظاهر‪ ،‬وهذه حالة التقاة؛‬
‫الخوف من سطوة المبغوض إذا كان له سلطان وقوة‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هذه الحالة رخصة من ال َّله ‪ ‬عند الخوف من المبغوض‪،‬‬
‫أي‪ :‬العدو‪ ،‬وعدم القدرة على إظهار العداوة له‪ ،‬وهي على عكس ما‬
‫ادعيتم‪ ،‬واستدالل سمج‪ ،‬فاألفعال واألقوال الصادرة عن خوف‪،‬‬
‫ال وأقوا ً‬
‫ال تدل على الوالية والنصرة‪ ،‬وإنما هي مداراة‬ ‫ليست أفعا ً‬
‫مرتبطة بمرحلة زمنية مؤقتة‪ ،‬ال تستمر طوي ً‬
‫ال‪ ،‬ألنَّ في حالة استمرارها‬
‫قد تنتقل إلى األفعال واألقوال الحقيقية المالزمة للباطن‪ ،‬ثم إنَّ هذه‬
‫األفعال واألقوال من تدبرها يعلم يقين ًا أنَّها غير صادرة عن موافقة في‬
‫الباطن‪ ،‬ـ يعني‪« :‬عمل القلب» ـ ‪ ،‬ألنَّ فيها اصطناع ًا في القول‪ ،‬مخالف ًة‬
‫للمبغوض في العمل‪ ،‬وهذا يدل أنَّ الباطن مخالف للظاهر‪ ،‬والرخصة‬
‫في هذا‪ ،‬ال غير‪.‬‬
‫يقول ابن عباس ‪« :‬نهى ال َّله المؤمنين أن يالطفوا الكفار‪ ،‬أو‬
‫ال أن يكون الكفار عليهم ظاهرين‪،‬‬‫يتخذوهم وليجة من دون المؤمنين‪ ،‬إ َّ‬
‫الدين‪ ،‬وذلك قوله‪﴿ :‬ﯭ ﯮ‬
‫فيظهرون لهم اللطف‪ ،‬ويخالفوهم في ّ‬
‫ﯯﯰﯱﯲ﴾ [آل عمران‪ :‬ﯺ]‪[ ».‬جامع البيان ‪ 246/2‬للطبري]‪.‬‬
‫ويقول أبو العالية �‪« :‬التقية باللسان‪ ،‬وليس بالعمل» [جامع‬
‫البيان ‪ 246/2‬للطبري]‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫يقول ابن جرير الطبري �‪﴿« :‬ﯭﯮﯯﯰ ﯱﯲ﴾ أي‪:‬‬
‫إ َّ‬
‫ال أن تكونوا في سلطانهم‪ ،‬فتخافوهم على أنفسكم‪ ،‬فتظهروا لهم‬
‫الوالية بألسنتكم‪ ،‬وتضمروا لهم العداوة‪ ،‬وال تشايعوهم على ما هم‬
‫عليه من الكفر وال تعينوهم على مسلم بفعل‪[ ».‬جامع البيان ‪.]246/2‬‬
‫فالرخصة مرخصة في سلطان المبغوض؛ العدو الكافر‪ ،‬الذي‬
‫له سطوة على الباغض‪ ،‬وهي المصانعة في القول المخالفة في الفعل‪،‬‬
‫والدل على العورة في الظاهر‪ ،‬فهي‬ ‫أما إذا كانت النصرة والمشايعة َّ‬
‫داللة واضحة على ر َّدة الفاعل وبراءة ال َّله منه‪ ،‬ألنَّ هذا العمل‪ ،‬من إراقة‬
‫دم المسلم وكشف عورته‪ ،‬وخذالنه وتسليمه للعدو الكافر‪ ،‬ال يصدر‬
‫قلبي أظهره موجباته‪،‬‬
‫عمل ٌ‬ ‫إ َّ‬
‫ال من ميل باطني اتجاه هذا العدو‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫الدخان على النار‪،‬‬ ‫ألنه قد تدل بعض َّ‬
‫الظواهر على بعض البواطن داللة ُّ‬
‫وال َّ‬
‫الزم على الملزوم‪.‬‬
‫يقول ابن جرير الطبري � في قوله تعالى‪﴿ :‬ﯜﯝﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢ ﯣ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ﴾‬
‫[آل عمران‪ :‬ﯺ]‪:‬‬
‫«تحرم هذه اآلية على المسلمين مواالة الكافرين‪ ،‬وفيها نهي‬
‫من ال َّله للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أعوان ًا وأنصار ًا‪ ...‬أي‪ :‬ال‬
‫تتخذوا أيها المؤمنون‪ ،‬الكفار أنصار ًا وأعوان ًا‪ ،‬توالونهم على دينهم‪،‬‬
‫وتظاهرونهم على المسلمين‪ ،‬وتدلوهم على عوراتهم‪.‬‬
‫﴿ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾‪ .‬أي‪ :‬فقد بریء منه‬
‫ال َّله‪ .‬وبراءة ال َّله منه‪ ،‬بارتداده عن دينه‪ ،‬ودخوله في الكفر‪[ ».‬جامع البيان‬

‫‪171‬‬
‫عن تأويل آي القرآن ‪.]245/2‬‬
‫ٌ‬
‫أعمال مكفر ٌة بذاتها‪،‬‬ ‫والدل على العورة‪،‬‬
‫فالمشايعة والنصرة َّ‬
‫دالة على ردة صاحبها‪ ،‬وإن َّادعى ما َّادعى‪ ،‬فإذا كان التشبه بالمبغوض‬
‫الكافر‪ ،‬في الهدي الظاهر‪ ،‬من ملبس وأخالق‪ ،‬قد تؤول إلى مشاركة‬
‫ومواالة باطنية‪ ،‬ومع التدرج يخاف على صاحبها سوء الخاتمة‪ ،‬فما‬
‫والدل على العورة‪.‬‬
‫بالك في النصرة والمشايعة َّ‬
‫يقول ابن حزم �‪« :‬قد علمنا أنَّ من خرج عن دار اإلسالم إلى‬
‫دار الحرب فقد أبق عن ال َّله تعالى‪ ،‬وعن إمام المسلمين وجماعتهم‪،‬‬
‫ويبين هذا حديثه ﷺ‪« :‬أنَّه بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين»‬
‫ال من الكافر‪ ،‬ﭧ ﭨ ﴿ﮑﮒﮓ‬ ‫وهو ‪ ‬ال يبرأ إ َّ‬
‫ﮔ ﮕ﴾ [التوبة‪ :‬ﮬ]‪.‬‬
‫فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختار ًا محارب ًا لمن‬
‫يليه من المسلمين‪ ،‬فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها‪ :‬من‬
‫وجوب القتل عليه‪ ،‬متى قدر عليه‪ ،‬ومن إباحة ماله‪ ،‬وانفساخ نكاحه‪،‬‬
‫وغير ذلك‪ ،‬ألنَّ رسول ال َّله ﷺ لم يبرأ من مسلم‪.‬‬
‫فر إلى أرض الحرب لظلم خافه‪ ،‬ولم يحارب‬ ‫وأما من َّ‬
‫المسلمين‪ ،‬وال أعانهم عليهم‪ ،‬ولم يجد في المسلمين من يجيره‪ ،‬فهذا‬
‫ال شيء عليه‪ ،‬ألنه مضطر مكره‪[ ».‬المحلى ‪.]125/12‬‬
‫فإذا كان االلتحاق بدار الكفر‪ ،‬مشايعة ونصرة ردة ال يشك فيها‬
‫الدين‪ ،‬فكيف بمن شايعهم وتولهم ونصرهم‪،‬‬ ‫إ َّ‬
‫ال سمج الرأي‪ ،‬رقيق ّ‬
‫بالفتك بالمسلمين ودخول ديارهم واألخذ على ما في أيديهم‪ ،‬وهذا‬

‫‪172‬‬
‫معلن أنَّ الفتك بالمسلمين اليوم واألخذ على ما في‬
‫ٌ‬ ‫العدو الكافر‪،‬‬
‫أيديهم‪ ،‬هو إمتداد لتلك الحروب الصليبية التي قام بها أسالفه‪ ،‬فهذه‬
‫وعمل‪ ،‬والعمل ركن في ‬‫ٌ‬ ‫ردة مغلظة عند القائلين أنَّ اإليمان ٌ‬
‫قول‬
‫اإليمان وشرط في صحته‪.‬‬
‫يقول الشيخ سليمان بن عبد ال َّله بن محمد بن عبد الوهاب في‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ‬
‫ﮁﮂﮃﮄﮅﮆ﴾ [الحشر]‪:‬‬
‫السر ـ بالدخول معهم ونصرتهم‬
‫«فإذا كان وعد المشركين في ّ‬
‫والخروج معهم إن جلوا ـ نفاق ًا وكفر ًا وإن كان كذب ًا‪ .‬فكيف بمن‬
‫أظهر لهم ذلك صادق ًا‪ ،‬وقدم عليهم‪ ،‬ودخل في طاعتهم‪ ،‬ودعا إليها‪،‬‬
‫ونصرهم وانقاد لهم‪ ،‬وصار من جملتهم وأعانهم بالمال والرأي؟ هذا‬
‫مع أنَّ المنافقين لم يفعلوا ذلك إ َّ‬
‫ال خوف ًا من الدوائر؛ كما قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ﴾‬
‫[المائدة‪ :‬ﮉ]‪[ ».‬الدالئل في حكم مواالة أهل اإلشراك ص ‪.]52‬‬
‫أليست هذه الصفة التي ذكرها الشيخ � واقع ملموس‬
‫وشاهد عيان ناطق بذلك؟ ولسان الحال أبلغ من لسان المقال‪ ،‬لكن‬
‫الع َّ‬
‫المة األلباني � ال يری كل هذه األعمال من مناصرة ومشايعة‬
‫كفر ًا وردة‪ ،‬ألنَّها مواالة عملية فقط‪ ،‬وظاهر اآلية يرد عليه‪.‬‬
‫يقول ابن جرير الطبري � في قوله تعالى‪﴿ :‬ﭟﭠﭡ‬
‫ﭢﭣ﴾ [المائدة‪ :‬ﭫ]‪:‬‬

‫‪173‬‬
‫يتول اليهود والنصاری‪ ،‬وينصرهم على المؤمنين‪،‬‬ ‫«أي‪ :‬من َّ‬
‫أحد أحد ًا إ َّ‬
‫ال وهو‬ ‫فهو منهم‪ ،‬ومن أهل دينهم وم َّلتهم‪ ،‬فإنَّه ال يتولى ٌ‬
‫ٍ‬
‫راض به وبدينه وبما هو عليه‪ ،‬وإذا رضي به وبدينه‪ ،‬فقد صار ُح ْك ُمه‬
‫ُح ْك َمه‪ ،‬وعادی ما خالفه وسخطه‪[ ».‬جامع البيان ‪.]253/3‬‬
‫يقول ابن حزم � في قوله‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾‬
‫[المائدة‪ :‬ﭫ]‪« :‬إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط ـ‬
‫وهذا حق ال يختلف فيه اثنان من المسلمين‪[ ».‬المحلى ‪.]33/12‬‬
‫المة األلباني � يری كل هذه األعمال التي ذكرناها‬ ‫لكن الع َّ‬
‫عن أهل العلم المعتبرين آنف ًا ليست أعما ً‬
‫ال مكفرة‪ ،‬بل والية عملية‪،‬‬
‫قسم الكفر أو الشرك‬ ‫ليست عقدية‪ ،‬والسبب أنَّ الع َّ‬
‫المة األلباني � َّ‬
‫قسمته الضيزی إلى «عملي واعتقادي» وأخرج األعمال مطلق ًا سواء‬
‫ألن المواالة الكفرية عنده محصورة في القسم‬
‫كانت جوارحية أو قلبية‪َّ ،‬‬
‫األول من القلب؛ التصديق واإلقرار من ضمنه‪.‬‬
‫والدل على‬
‫الدين جعلوا معاونة الكافر بالمال والرأي َّ‬ ‫فأئمة ّ‬
‫عورة المسلم عم ً‬
‫ال مكفر ًا بذاته‪ ،‬وهو قد جعله والية عملية فقط‪َّ ،‬‬
‫ألن‬
‫الوالية العقدية الموجبة للكفر عنده‪ ،‬هي أن تصدقهم على ما هم عليه‬
‫من الكفر‪ ،‬وهذه ال تظهر إ َّال بواح ًا‪ ،‬وهذا مبني على فهم سقيم َّ‬
‫أن الكفر‬
‫عنده ال يكون إ َّال كذب ًا أو جحود ًا‪ ،‬وهو بذلك مخالف ألئمة ّ‬
‫الدين‪،‬‬
‫ومنهم إمام المجددين في وقته محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬فاإلمام �‬
‫جعل القسم الثامن من نواقض اإلسالم‪« :‬مظاهرة المشركين ومعاونتهم‬
‫على المسلمين» ودليله في ذلك قوله ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬

‫‪174‬‬
‫ﭣ﴾ [المائدة‪ :‬ﭫ]‪ .‬‬
‫فإذا كانت موافقة الكافر في الظاهر ألجل غرض دنيوي‪ ،‬كحب‬
‫رياسة وطمع في جاه عنده ومنزلة‪ ،‬مع البغض والمخالفة في الباطن‬
‫موجبة للكفر‪ ،‬يدل عليه قوله ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙﮚﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫الدين‪ ،‬وهذا‬
‫فسماهم كافرين لتقديمهم الدنيا على ّ‬‫ﮣ﴾ [النحل] ّ‬
‫الدين‪ ،‬وهذا قول إمام المجددين في‬
‫حظ من حظوظ الدنيا آثره على ّ‬
‫وقته واإلمام محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ‪K‬‬
‫فكيف بمن ظاهرهم ونصرهم وأعانهم على ما عندهم من علمنة كاذبة‬
‫ردته مغلظة‪ ،‬ال يشك فيها إ َّ‬
‫ال السلفية المرجئة؛‬ ‫وعولمة خبيثة فهذا َّ‬
‫النابتة السمجة وعلى رأسها داعية السوء ورأس الجهل المركب‪،‬‬
‫«علي حسن حلبي» وأعوانه‪.‬‬
‫يقول الع َّ‬
‫المة ابن باز �‪« :‬قد أجمع علماء اإلسالم على أن من‬
‫ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة‪،‬‬
‫فهو كافر مثلهم كما قال سبحانه‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬
‫ﭨﭩﭪﭫ﴾ [المائدة]‪.‬‬
‫وﭧ ﭨ ﴿ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫[التوبة]» [مجموع فتاوی الع َّ‬
‫المة ابن باز‬ ‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾‬
‫‪.]995 ،994/3‬‬

‫‪175‬‬
‫وها هو صاحب تقسيم الكفر إلى «اعتقادي وعملي» اإلمام‬
‫ابن القيم �‪ ،‬يخالف ما ذهب إليه الع َّ‬
‫المة األلباني � في تفسير‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬ﭟﭠﭡﭢﭣ﴾ [المائدة‪ :‬ﭫ]‪ ،‬وقوله‪« :‬أي‪ :‬في‬
‫ال‪ ...‬فهذا فهو منهم أي عم ً‬
‫ال وليس‬ ‫هذه المواالة‪ ،‬أي‪ :‬فهو منهم عم ً‬
‫عقيدة»‪.‬‬
‫يقول ابن القيم �‪« :‬قطع ال َّله بين اليهود والنصاری وبين‬
‫المؤمنين‪ ،‬وأخبر أنه من توالهم فإنه منهم في حكمه المبين‪ ،‬فقال تعالى‬
‫وهو أصدق القائلين‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚﭛﭜ ﭝ ﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬
‫ﭪﭫ﴾ [المائدة]‪.‬‬
‫وأخبر عن حال متوليهم بما في قلبه من المرض المؤدي إلى‬
‫والدين فقال‪﴿ :‬ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ‬
‫فساد العقل ّ‬
‫ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬
‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ﴾ [المائدة]‪.‬‬
‫ثم أخبر عن حبوط أعمال متوليهم‪ ،‬ليكون المؤمن لذلك من‬
‫الحذرين‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ﴾‬
‫[المائدة]‪[ ».‬أحكام أهل الذمة ‪.]181/1‬‬
‫فأين نجد في قول ابن القيم ما ذهب إليه الع َّ‬
‫المة األلباني‬
‫�؟! فابن القيم � أخذ بظاهر اآلية‪ ،‬لعدم وجود قرينة صارفة‪،‬‬
‫أو ظاهر آخر يخرج الظاهر المراد‪ ،‬وهذه هي دعامة السلف واإلمام‬

‫‪176‬‬
‫ابن القيم منهم في أخذ األحكام من الكتاب والس َّنة‪ ،‬ومن َّادعى غير‬
‫ذلك‪ ،‬فدعواه باطلة ساقطة في القبيح‪.‬‬
‫‪ ‬الشبهة الثانية‪ :‬يقول الع َّ‬
‫المة األلباني � في قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ﴾ [المائدة]‪.‬‬
‫«هل من الضروري أن يكون هذا اللفظ‪﴿ :‬ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ﴾ أنه يعني كفر ًا خروج ًا عن الملة أم قد يعني ذلك وقد يعني‬
‫ما دون ذلك؟‬
‫هنا الدقة في فهم هذه اآلية‪ ،‬فهذه اآلية الكريمة ﴿ﮪ‬
‫ﮫﮬ﴾ قد تعني الخارجين عن الملة وقد تعني أنهم خرجوا‬
‫عمد ًا عن بعض ما جاءت به الملة‪ .‬الملة اإلسالمية‪.‬‬
‫يساعدنا على ذلك قبل كل شيء ترجمان القرآن‪ ،‬أال وهو عبد‬
‫ال َّله بن عباس ‪ ،‬ألنه من الصحابة الذين اعترف المسلمون جميع ًا‬
‫ـ إال من كان من تلك الفرقة الضالة ـ على أنه إمام في التفسير‪ ،‬ولذلك‬
‫سماه بعض السلف من الصحابة ـ ولعله هو عبد ال َّله بن مسعود ـ‬
‫بترجمان القرآن‪.‬‬
‫هذا اإلمام في التفسير والصحابي الجليل كأنه طرق سمعه‬
‫يومئذ ما نسمعه اليوم تمام ًا أن هناك أناس ًا يفهمون هذه اآلية على‬
‫ظاهرها دون التفصيل الذي أشرت إليه آنف ًا ـ وهو أنه قد يكون أحيان ًا‬
‫المقصود بالكافرين المرتدين عن دينهم وقد يكون ليس هو المقصود‬
‫وأنه ما دون ذلك‪ ،‬فقال ابن عباس ‪ :‬ليس األمر كما تذهبون أو كما‬
‫تظنون وإنما هو كفر دون كفر‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬

‫‪177‬‬
‫هذا الجواب المختصر الواضح من ترجمان القرآن في تفسير‬
‫هذه اآلية هو الذي ال يمكن أن يفهم سواه من النصوص التي ألمحت‬
‫إليها آنف ًا في مطلع كلمتي هذه‪ ،‬أن كلمة الكفر ذكرت في كثير من‬
‫النصوص‪ ،‬مع ذلك تلك النصوص ال يمكن أن تفسر بهذا التفسير‬
‫الذي فسروا به اآلية‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬تری هل يجوز لنا أن نفسر الفقرة‬
‫األولى من هذا الحديث «سباب المسلم فسوق» بالفسق المذكور في‬
‫اللفظ الثاني أو الثالث في اآلية السابقة ﴿ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾ﴾‪ ،‬فأولئك هم الفاسقون وسباب المسلم‬
‫فسوق‪.‬‬
‫نقول‪ :‬قد يكون الفسق أيضا مرادف ًا للكفر الذي بمعنى الخروج‬
‫عن الملة‪ ،‬وقد يكون الفسق مرادف ًا للكفر الذي ال يعني الخروج عن‬
‫الملة‪ ،‬وإنما يعني ما قاله ترجمان القرآن أنه كفر دون كفر‪.‬‬
‫وهذا الحديث يؤكد أن الكفر قد يكون بهذا المعنى‪ ..‬لماذا؟‬
‫ألن ال َّله ‪ ‬ذكر في القرآن الكريم اآلية المعروفة‪﴿ :‬ﮙ‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ﴾ [الحجرات‪ :‬ﯛ]‪.‬‬
‫الفرقة الباغية التي تقاتل الفرقة‬ ‫إذ ًا‪ ،‬قد ذكر هنا ربنا ‪‬‬
‫الناجية‪ ...‬الفرقة المحقة المؤمنة‪ ...‬ومع ذلك فما حكم عليها بالكفر‪،‬‬
‫مع أن الحديث يقول‪« :‬قتاله كفر»‪.‬‬
‫إذ ًا قتالهم كفر‪ :‬أي كفر دون كفر ـ كما قال ابن عباس في تفسير‬
‫اآلية السابقة‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫فقتال المسلم بغي واعتداء وفسق وكفر‪ ،‬ولكن هذا يعني أن‬
‫الكفر قد يكون كفر ًا عملي ًا وقد يكون كفر ًا اعتقادي ًا‪ ،‬ومن هنا جاء هذا‬
‫التفصيل الدقيق الذي تولى بيانه وشرحه اإلمام بحق شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية � ومن بعده تلميذه البار ابن قيم الجوزية حيث لهم الفضل‬
‫في الدندنة حول تقسيم الكفر إلى ذلك القسم الذي رفع رايته ترجمان‬
‫القرآن بتلك الكلمة الجامعة الموجزة‪.‬‬
‫فابن تيمية � وتلميذه وصاحبه ابن قيم الجوزية يفرقون أو‬
‫يدندنون دائم ًا بضرورة التفرقة بين الكفر االعتقادي والكفر العملي‪،‬‬
‫وإال وقع المسلم من حيث ال يدري في فتنة الخروج عن جماعة‬
‫المسلمين التي وقع فيها الخروج قديم ًا وبعض أذنابهم حديث ًا‪ ...‬ـ إلى‬
‫أن قال ـ ‪ :‬يا جماعة هذا الرضى إن كان رضى قلبي ًا بالحكم بغير ما أنزل‬
‫ال َّله حينئذ ينقلب الكفر العملي إلى كفر اعتقادي‪.‬‬
‫فأي حاكم يحكم بغير ما أنزل ال َّله وهو يری أنَّ هذا الحكم‬
‫هوالحكم الالئق تبنيه في هذا العصر وأنه ال يليق تبني الحكم الشرعي‬
‫الموجود في الكتاب والس َّنة‪ .‬ال شك أنَّ هذه كفره كفر اعتقادي وليس‬
‫كفر ًا عملي ًا ومن رضى بمثل هذا الحكم أيض ًا فليلحق به‪.‬‬
‫فأنتم أو ًال‪ :‬ال تستطعون أن تحكموا على كل حاكم يحكم‬
‫ببعض القوانين الغربية الكافرة أو بكثير منها أنه لو سئل ألجاب بأن‬
‫الحكم بهذه القوانين هو الالزم في العصر الحاضر وأنه ال يجوز‬
‫الحكم باإلسالم‪ ،‬لو سئلوا‪ .‬ال تستطيعون أن تقولوا بأنهم ال يجيبون‬
‫بأن الحكم بما أنزل ال َّله اليوم ال يليق وإ َّال لصاروا كفار ًا دون شك وال‬

‫‪179‬‬
‫ريب‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬إذ ًا‪ ،‬وخالصة الكالم اآلن أنه البد من معرفة‬
‫أنَّ الكفر كالفسق والظلم ينقسم إلى قسمين‪ :‬كفر‪ ،‬فسق‪ ،‬يخرج عن‬
‫الملة‪ ،‬وكل ذلك يعود إلى االستحالل القلبي‪ ،‬وخالف ذلك يعود إلى‬
‫االستحالل العملي‪.‬‬
‫فكل العصاة وبخاصة ما فشا في الزمان من استحالل الربا‪ ،‬كل‬
‫هذا كفر عملي فال يجوز لنا أن نكفر هؤالء العصاة لمجرد ارتكابهم‬
‫معصية واستحاللهم إياها عملي ًا‪ ،‬إ َّال إذا بدر منهم أو بدا منهم ما يكشف‬
‫لنا عما في قرارة نفوسهم أنهم ال يحرمون ما حرم ال َّله ورسوله عقيدة؛‬
‫فإذا عرفنا أنهم وقعوا في هذه المخالفة القلبية حكمنا حينئذ أنهم كفروا‬
‫كفر ردة‪.‬‬
‫أما إذا لم نعلم ذلك فال سبيل لنا إلى الحكم بكفرهم ألننا نخشى‬
‫أن نقع في وعيد قوله ﷺ‪« :‬من ك ّفر مسلم ًا فقد باء به أحدهما»‪ ...‬ـ إلى‬
‫أن قال ـ ‪ :‬إذ ًا الكفر االعتقادي؛ ليس له عالقة بالعمل له عالقة بالقلب‪،‬‬
‫ونحن ال نستطيع أن نقول نعلم ما في قلب الفاسق الفاجر السارق‬
‫المرابي‪ ...‬إلخ‪ ،‬إ َّال إذا عبر عما في قلبه بلسانه‪ ،‬أما عمله فعمله ينبىء‬
‫أنه خالف الشرع مخالفة عملية‪ .‬فنحن نقول أنك خالفت وأنك فسقت‬
‫وفجرت لكن ما نقول أنك كفرت وارتددت عن دينك حتى يظهر منه‬
‫شيء يكون لنا عذر ًا عند ال َّله ‪ ‬أن نحكم بردته‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬
‫يتغافل عنها أولئك الغالة الذين ليس لهم إال إعالن تكفير الحكام ثم‬
‫ال شيء وسيظلون كما ظلت جماعة من قبلهم يدعون إلى إقامة حكم‬
‫اإلسالم على األرض لكن دون أن يتخذوا لذلك األسباب المشروعة‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫[فتاوی‬ ‫سيظلون يعلنون تكفير الحكام ثم ال يصدر منهم إ َّال الفتن‪».‬‬
‫األلباني ص ‪ 244‬ـ ‪.]252‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫إنَّ الشيخ الع َّ‬
‫المة األلباني �‪ ،‬يسوي بين جميع الذنوب‬
‫أن عدم اعتماد فهم‬
‫والمعاصي ويجعلها في رتبة واحدة‪ ،‬والسبب َّ‬
‫السلف في دعامة الدِّ ين؛ مسألة اإليمان‪ ،‬موجبة لالضطراب والتناقض‬
‫والتدافع في األقوال‪ ،‬وال َّلي وااللحاد في مرادهم‪ ،‬بال َّتقول عليهم ما‬
‫وحدوا اإليمان بأركانه؛ ٌ‬
‫قول‬ ‫عرفوا ُّ‬ ‫لم يقولوا‪ ،‬وذلك أنَّ السلف َّ‬
‫لما َّ‬
‫وركن منه‪ ،‬علموا أنَّ األقوال واألعمال‬
‫ٌ‬ ‫وعمل والعمل شرط صحة‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬فمنها ما هي شرط في أصل الدِّ ين‪ ،‬ومنها ما‬ ‫ليست على ٍ‬
‫رتبة‬
‫هي دون ذلك‪ ،‬فكذلك الكفر والمعاصي شعب‪ ،‬فمنها ما يذهب أصل‬
‫الدِّ ين ومنها دون ذلك‪.‬‬
‫فقتال المسلم كفر‪ ،‬وإتيان المرأة في دبرها كفر‪ ،‬وإتيان الحائض‬
‫كفر‪ ،‬والحكم بغير ما أنزل ال َّله كفر‪ ،‬والتسوية بينها إجحاف ومجازفة‪،‬‬
‫والسبب أنها ليست على رتبة واحدة‪ ،‬فالحكم بغير ما أنزل ال َّله مذهب‬
‫لركن من أركان اإليمان وهو العمل‪ ،‬وأقصد بالعمل‪ ،‬العمل القلبي‬ ‫ٍ‬
‫الموجب لحب ال َّله ورسوله واالنقياد لدينه والتزام طاعته ومتابعة‬
‫رسوله ﷺ‪ ،‬وفي حالة خاصة يكون مضعف ًا لهذا العمل‪ ،‬غير مذهب‬
‫له‪.‬‬
‫خاصة إذا علمنا أنَّ ال َّله ‪ ‬ع َّلق اإليمان بالتحاكم إليه‪ ،‬ونفاه‬
‫عمن لم يتحاكم إليه‪ ،‬بقوله‪﴿ :‬ﯜﯝﯞﯟ ﯠﯡﯢ‬
‫َّ‬

‫‪181‬‬
‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮﯯ﴾ [النساء]‪.‬‬
‫فالحكم بغير ما أنزل ال َّله‪ ،‬قد يذهب ركن اإليمان القولي إذا‬
‫كذب أو جحد‪ ،‬أو العملي إذا استحل ولو لم يكن تلفظ ًا كما سوف‬
‫نبين إن شاء ال َّله‪ ،‬وأما إتيان المرأة في دبرها أو إتيان الحائض‪ ،‬فقد‬‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بتكذيب أو‬ ‫استحل‪ ،‬والبد أن يظهر لفظ ًا‪ ،‬إما‬
‫َّ‬ ‫الركن القولي إذا‬
‫يذهب ّ‬
‫الركن العملي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جحود‪ ،‬ما لم يكن صاحبه معذور ًا‬
‫بجهل‪ ،‬وال يذهب ّ‬
‫بل يضعفه‪ ،‬والسبب أنَّ هذا العمل ليس شرط ًا في صحة الباقي‪ ،‬وأما‬
‫شرط في صحة الباقي‪.‬‬ ‫التحكيم واالنقياد لحكم ال َّله ‪ٌ ،‬‬
‫فكما تری األعمال مختلفة ليست على رتبة واحدة‪ ،‬والتسوية‬
‫ٌ‬
‫ومجازفة واالقدام على ما فيه بأس‪ ،‬ولهذا نقول البد من‬ ‫ٌ‬
‫إجحاف‬ ‫بينها‬
‫فه ٍم سلي ٍم لقول ابن عباس ‪‬؛ «كفر دون كفر» وما يريد به صاحبه‪،‬‬
‫ألنَّ فهم مراد المتكلم هو رأس المراد‪ ،‬والع َّ‬
‫المة األلباني � لم‬
‫يفهم هذا المراد‪ ،‬لذا ذهب يضعه في غير موضعه‪ ،‬وعلماؤنا وأئمتنا‬
‫الدين؛ «مسألة اإليمان»‪ ،‬لم يذهبوا مذهب‬
‫الذين حافظوا على دعامة ّ‬
‫األلباني �‪ ،‬بل فهموا مراد صاحبه ولم يشذوا عنه‪ ،‬بوضعهم قوله‬
‫في الحالة الخاصة التي أشرنا إليها آنف ًا‪ ،‬وهي إذا كان التحاكم العام‬
‫إلى التوحيد‪ ،‬فالمخالفة الجزئية ال تذهب اإليمان العملي بل تضعفه‪،‬‬
‫أما تبديل الشرع بالقوانين الوضعية فهي مذهبة لإليمان العملي مطلق ًا‪،‬‬
‫فالبون شاسع بينهما‪.‬‬
‫وبأي‬
‫ّ‬ ‫أي شيء اعتمدت؟!‬ ‫أقول للع َّ‬
‫المة األلباني � على ّ‬

‫‪182‬‬
‫وفصلت؟! أنَّ ابن عباس‪‬‬
‫أصلت َّ‬
‫أي قاعدة َّ‬
‫منطق فهمت؟! وعلى ّ‬
‫المبدلين الشرع بالقوانين الوضعية الكافرة؟! فهل اعتمدت قوله‬
‫ّ‬ ‫أراد‬
‫في كفر تارك الصالة‪ ،‬فهو يكفره كما يكفره سائر الصحابة ‪.‬‬
‫فلقد ذكر ذلك محمد بن نصر وابن عبد البر في كتاب «التمهيد‬
‫‪ »368/2‬موقوف ًا على ابن عباس أنه قال‪« :‬من ترك الصالة فقد كفر»‬
‫أخرجه الهيثمي في «المجمع ‪ »295/1‬بل ثبت عنه تكفير تارك الزكاة‬
‫والصيام*؟! أم هي قضية تشهي مبنية على قاعدة محكمة سقط في‬
‫هوتها كل من خالف جادة السلف في االعتقاد أو العمل‪ ،‬وهي‪« :‬كل‬
‫مرر واذهب» واأللباني خالف ابن عباس‪ ،‬بل‬ ‫من خالف المذهب‪ّ ،‬‬
‫نبين إن شاء ال َّله‪ ،‬خالفوه في كفر تارك الصالة‪،‬‬
‫السلف قاطبة كما سوف ّ‬
‫فمرر قولهم وذهب‪ ،‬بل وصف من ك َّفر تارك الصالة بالخارجية‪.‬‬
‫ّ‬
‫فها هو ابن كثير المحدث المفسر الجهبذ � يقرأ كالم ابن‬
‫ويفهمه ويعلم ما يريد به صاحبه ولم يبطله‪ ،‬لكن وضعه‬ ‫عباس ‪‬‬
‫حيث أريد به‪ ،‬ومع كل هذا لم يمنعه مصطلح «كفر دون كفر» تكفير‬
‫المتحاكم إلى القوانين الوضعية‪.‬‬
‫يقول � في قوله تعالى‪﴿ :‬ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ‬
‫ﰅﰆﰇﰈﰉ﴾ [المائدة]‪« :‬ينكر تعالى على من خرج عن‬
‫حكم ال َّله المحكم المشتمل على كل خير‪ ،‬الناهي عن كل شر وعدل‬
‫إلى ما سواه من اآلراء واألهواء واالصطالحات التي وضعها الرجال‬
‫* انظر ِ‬
‫«الفصل يف امللل واألهواء والنحل ‪ »251/2‬البن حزم � تعاىل ‪ .‬‬

‫‪183‬‬
‫بال مستند من شريعة ال َّله‪ ،‬كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من‬
‫الضالالت والجهاالت مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم‪ ،‬وكما يحكم‬
‫بها التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي‬
‫وضع لهم الياسق‪ ،‬وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها‬
‫من شرائع شتى‪ :‬من اليهودية والنصرانية والملة اإلسالمية وغيرها‪،‬‬
‫وفيها كثير من األحكام أخذها من مجرد نظره وهواه‪ ،‬فصارت في بنيه‬
‫شرع ًا متبع ًا يقدمونه على الحكم بكتاب ال َّله وسنة رسوله ﷺ‪ ،‬فمن فعل‬
‫ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم ال َّله ورسوله‪ ،‬فال‬
‫يحكم سواه في قليل وال كثير‪[ ».‬تفسير ابن كثير ‪.]94 ،93/2‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد‬
‫بن عبد ال َّله خاتم األنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر‪،‬‬
‫فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع‬
‫المسلمين‪ .‬قال ال َّله ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [المائدة]‪ ،‬وﭧ ﭨ ﴿ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [النساء] صدق ال َّله العظيم‪[ ».‬البداية‬
‫والنهاية ‪ 139/13‬ترجمة جنكز خان]‪ .‬‬
‫الديار الحجازية في وقته يقرأ مصطلح ابن‬
‫جد مفتي ّ‬
‫وها هو ّ‬
‫عباس ‪ ‬ولم يبطله‪ ،‬وهو الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن‬
‫حسن بن محمد بن عبد الوهاب �‪ ،‬الذي سئل عما يحكم به أهل‬
‫السوالف من البوادي وغيرهم فأجاب‪« :‬من تحاكم إلى غير كتاب‬

‫‪184‬‬
‫ال َّله وس َّنة رسوله ﷺ بعد التعريف فهو كافر قال ال َّله تعالى‪﴿ :‬ﮤﮥ‬
‫[الدرر‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ﴾ [المائدة]‪.»...‬‬
‫الس َّنية في األجوبة النجدية ‪ 426/10‬ط‪/‬السابعة]‪.‬‬
‫َّ‬
‫فهذا يقصم ظهر المرجئة وطائفتهم الجدد‪ ،‬ولو وجدوا له سبي ً‬
‫ال‬
‫ال استعملوا المصطلح‬ ‫لحكُّوه من فتواه‪ ،‬فلما لم يجدوا إلى ذلك سبي ً‬
‫الصوفي‪ ،‬ولهذا لما ف َّند الشيخ عبد ال َّله بن عبد الرحمن آل سعد أقوال‬
‫المة عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ؛ الع َّ‬
‫المة‬ ‫الزاعمين أنَّ حفيد الع َّ‬
‫المسماة بـ «القوانين‬
‫َّ‬ ‫محمد بن إبراهيم �‪ ،‬أنه تراجع عن فتواه‬
‫الوضعية»‪.‬‬
‫قال‪« :‬وبهذا يتبين خطأ من يقول إنَّ لمحمد بن إبراهيم قو ً‬
‫ال‬
‫آخر في مسألة الحكم بغير ما أنزل ال َّله إذ ذهب يشكك في رأيه في هذه‬
‫المسألة مع كونه بهذا الوضوح التام ويكفي رد هذا والجزم بخالفه‬
‫مرة واحدة‬
‫بعض ما سلف‪ ،‬فكيف يقدم قول من لم ير محمد بن إبراهيم َّ‬
‫في حياته على قول طالبه وتالميذه الذين جالسوه والزموه وسمعوا‬
‫منه‪ ،‬بل كيف يقبل قول أولئك ويترك ما نص عليه الشيخ نفسه؟ فأين‬
‫علم أصول الحديث والفقه؟ لماذا ال تطبق ها هنا؟ وهذه القضية من‬
‫الوضوح بحيث ال يحتاج إلى كل هذا‪[ ».‬رفع الالئمة ص ‪ 60‬لمحمد بن‬
‫الدوسري]‪.‬‬
‫سالم ّ‬
‫قلت‪ :‬يا شيخ هؤالء المرجئة الجدد‪ ،‬لهم أصول أخری في‬
‫ُ‬
‫إثبات األقوال ونفيها‪ ،‬منها‪ :‬الوجد الصوفي‪ ،‬ومنه المنامات‪ ،‬أال تری‬
‫كتيبه «مع شيخنا ناصر‬
‫صاحبه أثري الزرقاء علي حلبي حين قال في ّ‬

‫‪185‬‬
‫والدين في الشهور األخيرة»‪« :‬ولئن توفي الشيخ ودفن وأنا بعيد‬
‫الس َّنة ّ‬
‫عنه‪ ..‬فقد كانت سلواي أنني كنت آخر من تكلم مع الشيخ ودعا له‬
‫وصافحه والتقاه‪.»...‬‬
‫رحيم‪« :‬قلت‪ :‬صدق حلبي في قوله‪« :‬توفي الشيخ‬
‫قال أبو ِّ‬
‫ودفن وأنا بعيد عنه‪ »..‬ولم يصدق في قوله‪« :‬إنني كنت آخر من تكلم‬
‫مع الشيخ‪ »...‬ألنَّ وفاة الشيخ كانت بعد سفر حلبي إلى السعودية بأيام‪،‬‬
‫وألن آخر من صافحه الشيخ ـ من غير أهله وذويه ـ ٌ‬
‫أخ من البحرين‬
‫على ما أفاد ولد الشيخ عبد اللطيف‪.‬‬
‫قال عاصم بن الشيخ الفاضل محمد بن إبراهيم شقرة في‬
‫السنية» في الحاشية‪« :‬لعمري ‪ ..‬هل أصبح [أي‪ :‬علي حلبي] من‬ ‫«الردود ُّ‬
‫الصوفية الذين يظهرون في مكانين مع ًا؟!» [حقيقة اإليمان عند األلباني ص‬
‫ُّ‬
‫رحيم]‪.‬‬
‫‪ 19‬ألبي ِّ‬
‫قلت‪ :‬فال مانع أن يقول صاحبه الجهمي خالد العنبري صاحب‬
‫كتاب «الحكم بغير ما أنزل ال َّله» الذي ّ‬
‫حرم طبعه من طرف «اللجنة‬
‫الدائمة» ثم أتبعه بكتاب «هزيمة الفكر التكفيري» وكان أولى لو وسمه‬
‫صاحبه بـ «تفريخ الفكر اإلرجائي» لكان أفضل بالنسبة العتقاده‪،‬‬
‫أنَّه رأی الشيخ الفاضل في المنام وقال له‪ :‬أنا تراجعت عن رسالة‬
‫تحكيم القوانين‪ ،‬أخبر الناس بذلك‪ ،‬فهذا أصل جديد في التصحيح‬
‫والتضعيف؛ تلمسانية في ثوب جديد‪.‬‬
‫الديار الحجازية في وقته محمد بن إبراهيم‬ ‫وها هو الع َّ‬
‫المة مفتي ّ‬
‫بن عبد اللطيف آل الشيخ يقرأ مصطلح ابن عباس ‪ ‬ولم يبطله‪ ،‬ومع‬

‫‪186‬‬
‫ذلك لم يمنعه من تكفير الحاكم بالقوانين الوضعية‪ ،‬بل هي عنده من‬
‫أعظم المشاقة ل َّله ورسوله‪.‬‬
‫يقول � في رسالته الفذة الموسومة بـ «تحكيم القوانين‬
‫الوضعية»‪:‬‬
‫«الخامس‪ :‬وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع‪،‬‬
‫ومكابرة ألحكامه‪ ،‬ومشاقة ل َّله ورسوله‪ ،‬ومضاهاة بالمحاكم الشرعية‪،‬‬
‫ال‪ ،‬وتفريع ًا وتشكي ً‬
‫ال وتنويع ًا وحكم ًا‬ ‫إعداد ًا وإمداد ًا وإرصاد ًا وتأصي ً‬
‫وإلزاماً‪ ،‬ومراجع ومستندات‪ .‬فكما أن للمحاكم مراجع ومستمدات‪،‬‬
‫مرجعها كلها إلى كتاب ال َّله وس َّنة رسوله ﷺ‪ ،‬فلهذه المحاكم مراجع‪،‬‬
‫هي القانون المل َّفق من شرائع شتى‪ ،‬وقوانين كثيرة‪ ،‬كالقانون الفرنسي‪،‬‬
‫والقانون األمريكي‪ ،‬والقانون البريطاني‪ ،‬وغيرها من القوانين‪ ،‬ومن‬
‫مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك‪.‬‬
‫فهذه المحاكم في كثير من أمصار اإلسالم مهيأة مكملة‪ ،‬مفتوحة‬
‫األبواب‪ ،‬والناس إليها أسراب إثر أسراب‪ ،‬يحكم حكامها بينهم بما‬
‫يخالف حكم الس َّنة والكتاب‪ ،‬من أحكام ذلك القانون‪ ،‬وتلزمهم به‪،‬‬
‫وأي مناقضة‬
‫فأي كفر فوق هذا الكفر‪ُّ ،‬‬
‫وتقرهم عليه‪ ،‬وتح ِّتمه عليهم‪ُّ .‬‬‫ُّ‬
‫للشهادة بأن محمد ًا رسول ال َّله بعد هذه المناقضة؟!!» [فتاوى ورسائل‬
‫محمد بن إبراهيم ‪ 290 ،289/12‬وتحكيم القوانين ص ‪.]21 ،20‬‬
‫وها هو اإلمام األصولي المفسر الجهبذ الشنقيطي � يقرأ‬
‫عما أراد به‬
‫مصطلح «كفر دون كفر» ولم يبطله‪ ،‬أو يلويه‪ ،‬أو يخرج به َّ‬
‫الزبلية‬
‫صاحبه‪ ،‬ومع هذا لم يمنعه من تكفير الحاكم بالقوانين الوضعية ُّ‬

‫‪187‬‬
‫التي ال خير فيها الب َّتة‪.‬‬
‫يقول الشنقيطي � بعد أن ذكر األدلة النيرة والحجج الساطعة‪،‬‬
‫في أنَّ الحكم ل َّله وحده‪« :‬وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر‬
‫أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان‬
‫غاية الظهور‪َّ :‬‬
‫على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه ال َّله جل وعال على ألسنة رسله‬
‫صلى ال َّله عليهم وسلم‪ ،‬أنَّه ال يشك في كفرهم وشركهم إ َّال من طمس‬
‫ال َّله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم‪[ ».‬أضواء البيان ‪.]66/4‬‬
‫المة المحدث الجهبذ أحمد شاكر‪ ،‬يعلنها جهرة‪،‬‬ ‫وها هو الع َّ‬
‫المميعة لقول ابن عباس‪ ،‬المحرفته تأوي ً‬
‫ال لخدمة‬ ‫ّ‬ ‫حق في وجه‬ ‫بصرخة ٍّ‬
‫مذهبها المشين‪ ،‬أال وهو اإلرجاء‪ ،‬الذي تهافت فيه الكثير‪ ،‬والذي‬
‫يعيبه فهو عندهم إما «خارجي» أو «ظاهري»‪ ،‬بل زادوا عليه المصطلح‬
‫الخبيث الجديد «إرهابي»‪.‬‬
‫يقول أحمد شاكر � في مصطلح «كفر دون كفر» الذي‬
‫أخرجه الحاكم ووافقه الذهبي على تصحيحه‪« :‬وهذه اآلثار عن ابن‬
‫عباس وغيره ـ مما يلعب به المضللون في عصرنا هذا‪ ،‬من المنتسبين‬
‫الدين‪ :‬يجعلونها عذر ًا أو إباحية‬
‫للعلم‪ ،‬ومن غيرهم من الجرآء على ّ‬
‫للقوانين الوثنية الموضوعة‪ ،‬التي ضربت على بالد اإلسالم‪.‬‬
‫وهناك أثر عن أبي مجلز‪ ،‬في جدال اإلباضية الخوارج إياه‪ ،‬فيما‬
‫كان يصنع بعض األمراء من الجور‪ ،‬فيحكمون في بعض قضائهم بما‬
‫يخالف الشريعة‪ ،‬عمد ًا إلى الهوی‪ ،‬أو جه ً‬
‫ال بالحكم‪ .‬والخوارج‪ ،‬من‬
‫مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر‪ ،‬فهم يجادلون يريدون من أبي مجلز‬

‫‪188‬‬
‫أن يوافقهم على ما يرون من كفر هؤالء األمراء‪ ،‬ليكون ذلك عذر ًا لهم‬
‫فيما يرون من الخروج عليهم بالسيف‪.‬‬
‫وهذا األثران رواهما الطبري ( ‪ )12026 ،12025‬وكتب‬
‫عليهما أخي السيد محمود شاكر تعليق ًا نفيس ًا جد ًا‪ ،‬قوي ًا صريح ًا‪.‬‬
‫فرأيت أن أثبت هنا نص أولى روايتي الطبري‪ ،‬ثم تعليق أخي على‬
‫الروايتين‪.‬‬
‫فروی الطبري (‪ )12025‬عن عمران بن حدير‪ ،‬قال‪« :‬أتى أبا‬
‫مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا مجلز‪ ،‬أرأيت قول‬
‫ال َّله ﴿ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ﴾ أحق هو؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قالوا‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ﴾ أحق هو؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قالوا‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾‬
‫أحق هو؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقالوا‪ :‬يا أبا مجلز‪ ،‬فيحكم هؤالء بما أنزل ال َّله؟‬
‫قال‪ :‬هو دينهم الذي يدينون به‪ ،‬وبه يقولون‪ ،‬وإليه يدعون‪،‬‬
‫فإن هم تركوا شيئ ًا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنب ًا‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال وال َّله‪،‬‬
‫ولكنك تفرق! قال‪ :‬أنتم أولى بهذا مني! ال أری‪ ،‬وإنكم ترون هذا وال‬
‫تحرجون! ولكنها أنزلت في اليهود والنصاری وأهل الشرك‪ ،‬أو نحو ًا‬
‫َّ‬
‫من هذا»‪.‬‬
‫ثم روی الطبري (‪ )12026‬نحو معناه‪ .‬وإسناداه صحيحان‪.‬‬
‫فكتب أخي السيد محمود‪ ،‬بمناسبة هذين األثرين ما نصه‪:‬‬

‫‪189‬‬
‫«ال َّلهم إني أبرأ إليك من الضاللة‪ .‬وبعد‪ ،‬فإن أهل الريب والفتن‬
‫ممن تصدوا للكالم في زماننا هذا*‪ ،‬قد تلمس المعذرة ألهل السلطان‬
‫في ترك الحكم بما أنزل ال َّله‪ ،‬في القضاء وفي الدماء واألعراض‬
‫واألموال بغير شريعة ال َّله التي أنزلها في كتابه‪ ،‬وفي اتخاذهم قانون‬
‫أهل الكفر شريعة في بالد اإلسالم‪ .‬فلما وقف على هذين الخبرين‪،‬‬
‫اتخذهما رأي ًا يری به صواب القضاء في األموال واألعراض والدماء‬
‫بغير ما أنزل ال َّله‪ ،‬وأن مخالفة شريعة ال َّله في القضاء العام ال تكفر‬
‫الراضي بها‪ ،‬والعامل عليها‪.‬‬
‫والناظر في هذين الخبرين ال محيص له عن معرفة السائل‬

‫* ومن هؤالء يف زماننا اليوم‪ ،‬ربيع بن هادي املدخيل وزبانيته‪ ،‬وعيل حلبي أثري الزرقاء بني‬
‫ـ املعكوفتني ـ ‪ ،‬وسليم اهلاليل‪ ،‬وحممد موسى نرص‪ ،‬و مشهور حسن سلامن‪ ،‬وحسني عودة‬
‫العوايشة‪ ،‬وباسم جوابرة‪ ،‬وعزمي جوابرة‪ ،‬واجلهمي خالد العنربي‪ ،‬وأبو اليرس املرصي‪،‬‬
‫الذين احتموا وراء الشيخ األلباين � ال ألهنم قرأوا عليه شيئ ًا من كتب احلديث أو العقيدة‬
‫أو الفقه‪ ،‬فهذا مل يكن وال عىل غريه‪ ،‬ولكنهم استغلوه فتسلقوا عليه للتكسب باسمه ولتمرير‬
‫الدين‪ ،‬وأبو احلسن املرصي‪،‬‬ ‫ختص دعامة ّ‬ ‫ما توحيه إليهم شياطني اإلنس من عقائد باطلة ُّ‬
‫وهذا نسأل اهلل السالمة‪ ،‬من االفراط؛ «مجاعة التوقف والتبينّ » الغالية‪ ،‬إىل التفريط؛ اإلرجاء‬
‫لكن يف ثوب سلفي‪ ،‬ومحدي السلفي الرتكامين‪ ،‬الحظ تلبيسهم وتضليلهم‪ ،‬إهيا ًما وتدليس ًا‬
‫باسم األثرية والسلفية‪ ،‬إغرار ًا باألغامر من املسلمني‪ ،‬فالسلفية ليست باالدعاء‪ ،‬وإنام باالتباع‬
‫والدوران معها حيث دارت‪ ،‬أما اختاذها شعار ًا واإلرجاء دثاراً‪ ،‬فهذا مجع بني النقيضني‪،‬‬
‫احلق والباطل‪ ،‬حيذر منه نصح ًا لدين‬ ‫ملبس مدلس‪ ،‬مفتون مبتغي الفتنة‪ ،‬يساوي بني ّ‬ ‫صاحبه ّ‬
‫اهلل‪ ،‬حتى ال تغرت العامة فتهلك‪ ،‬فهؤالء هم طائفة املرجئة اجلدد‪ ،‬امتداد ًا للطائفة األم‪ ،‬التي‬
‫ألن فتنتها أشد من فتنة األزارقة؛ اخلوارج‪.‬‬
‫حذر منها سلفنا أشد حتذير‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ قال اإلمام األوزاعي �‪« :‬قد كان حييى وقتادة يقوالن‪ :‬ليس من األهواء أخوف عندهم‬
‫عىل األمة من اإلرجاء»‪[ .‬الرشيعة رقم ‪ 301‬لآلجري]‪.‬‬
‫الدين كثوب سابري‪،‬‬ ‫عری جهابذة املنهج هؤالء‪ ،‬الذين أرادوا أن يرتكوا ّ‬ ‫ فللَّه احلمد‪ ،‬لقد ّ‬
‫صاحوا عليهم من أقطارها‪ ،‬وقذفوهم بشهب الوحي‪ ،‬وأعلموا األمة نصح ًا هلا‪ ،‬ألهنم أتباع‬
‫الرسل‪ ،‬أنَّ هذه هي‪ :‬طائفة ال ّتبار‪ ،‬والويل الويل لألغامر منها‪ .‬‬

‫‪190‬‬
‫والمسؤول‪ ،‬فأبو مجلز (الحق بن حميد الشيباني السدوسي) تابعي‬
‫ثقة‪ ،‬وكان يحب علي ًا ‪ ،‬وكان قوم أبي مجلز‪ ،‬وهم بنو شيبان‪ ،‬من‬
‫شيعة علي يوم الجمل وصفين‪.‬‬
‫فلما كان أمر الحكمين يوم صفين‪ ،‬واعتزلت الخوارج‪ ،‬كان‬
‫فيمن خرج على علي ‪ ،‬طائفة من بني شيبان‪ ،‬ومن بني سدوس‬
‫بن شيبان بن هذل‪ ،‬وهؤالء الذين سألوا أبا مجلز‪ ،‬ناس من بني عمرو‬
‫بن سدوس‪( ،‬كما في األثر‪ )12025 :‬وهم نفر من اإلباضية (كما‬
‫في األثر‪ ،)12026 :‬واإلباضية من جماعة الخوارج الحرورية‪ ،‬هم‬
‫أصحاب عبد ال َّله بن أباض التميمي‪ ،‬وهم يقولون بمقالة سائر الخوارج‬
‫في التحكيم‪ ،‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬ومن البين أن الذين سألوا أبا مجلز من‬
‫اإلباضية‪ ،‬إنما كانوا يريدون أن يلزموه الحجة في تكفير األمراء‪ ،‬ألنهم‬
‫في معسكر السلطان‪ ،‬وألنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم ال َّله‬
‫عن ارتكابه‪ .‬ولذلك قال لهم في الخبر األول (رقم‪« :)12025 :‬فإن‬
‫هم تركوا شيئ ًا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنب ًا»‪ ،‬وقال لهم في الخبر‬
‫الثاني‪« :‬إنهم يعملون بما يعملون ويعلمون أنه ذنب»‪.‬‬
‫وإذن‪ ،‬فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا‪ ،‬من القضاء‬
‫في األموال واألعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل اإلسالم‪،‬‬
‫وال في إصدار قانون ملزم ألهل اإلسالم‪ ،‬باالحتكام إلى حكم غير ال َّله‬
‫في كتابه وعلى لسان نبيه ﷺ‪ .‬فهذا الفعل إعراض عن حكم ال َّله‪ ،‬ورغبة‬
‫عن دينه‪ ،‬وإيثار ألحكام أهل الكفر على حكم ال َّله ‪ ،‬وهذا ال يشك‬
‫أحد من أهل القبلة على اختالفهم في تكفير القائل به والداعي إليه‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫والذي نحن فيه اليوم‪ ،‬هو هجر ألحكام ال َّله عامة بال استثناء‪،‬‬
‫وإيثار ألحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه‪ ،‬وتعطيل لكل ما في‬
‫شريعة ال َّله‪ ،‬بل بلغ األمر مبلغ االحتجاج على تفضيل أحكام القانون‬
‫الموضوع‪ ،‬على أحكام ال َّله المنزلة‪ ،‬وإدعاء المحتجين لذلك بأن‬
‫أحكام الشريعة إنما نزلت لزمان غير زماننا‪ ،‬ولعلل وأسباب انقضت‪،‬‬
‫فسقطت األحكام كلها بانقضائها‪ .‬فأين هذا مما بيناه من حديث أبي‬
‫مجلز والنفر من اإلباضية من بني عمرو بن سدوس!!‬
‫ولو كان األمر على ما ظنوا في خبر أبي مجلز‪ ،‬أنهم أرادوا‬
‫مخالفة السلطان في الحكم من أحكام الشريعة‪ .‬فإنه لم يحدث في‬
‫تاريخ اإلسالم أن سن حاكم حكم ًا وجعله شريعة ملزمة للقضاء بها‪،‬‬
‫هذه واحدة‪ .‬وأخری‪ ،‬أن الحاكم الذي حكم في قضية بعينها بغير حكم‬
‫ال َّله فيها‪ ،‬فإنه إما أن يكون حكم بها وهو جاهل‪ ،‬فهذا أمره أمر الجاهل‬
‫بالشريعة‪ .‬وإما أن يكون حكم بها هوی ومعصية‪ ،‬فهذا ذنب تناله‬
‫التوبة‪ ،‬وتلحقه المغفرة‪ .‬وإما أن يكون حكم به متأو ً‬
‫ال حكم ًا خالف‬
‫به سائر العلماء فهذا حكمه حكم كل متأول يستمد تأويله من االقرار‬
‫بنص الكتاب‪ ،‬وس َّنة رسول ال َّله‪.‬‬
‫وأما أن يكون كان في زمن أبي مجلز أو قبله أو بعده حاكم حكم‬
‫بقضاء في أمر‪ ،‬جاحد ًا لحكم من أحكام الشريعة‪ ،‬أو مؤثر ًا ألحكام أهل‬
‫الكفر على أحكام أهل اإلسالم‪ ،‬فذلك لم يكن قط‪ .‬فال يمكن صرف‬
‫كالم أبي مجلز واإلباضيين إليه‪[ ».‬عمدة التفسير ‪.]685 ،684/1‬‬
‫ويقول أحمد شاكر � أيضاً في قوله ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬ﯾ‬

‫‪192‬‬
‫ﯿ ﰀﰁ﴾ [المائدة‪ :‬ﰉ]‪ :‬‬
‫«أقول‪ :‬أفيجوز ـ مع هذا ـ في شرع ال َّله أن يحكم المسلمون‬
‫في بالدهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربة الوثنية الملحدة؟ بل‬
‫بتشريع تدخله األهواء واآلراء الباطلة‪ ،‬يغيرونه ويبدلونه كما يشاؤون‪،‬‬
‫ال يبالي واضعه أوافق شرعة اإلسالم أم خالفها؟‪.‬‬
‫إنَّ المسلمين لم يبلوا بهذا قط ـ فيما نعلم من تاريخهم ـ إال في‬
‫ذلك العهد‪ ،‬عهد التتار‪ ،‬وكان من أسوأ عهود الظلم والظالم‪ .‬ومع هذا‬
‫فإنهم لم يخضعوا له‪ ،‬بل غلب اإلسالم التتار‪ ،‬ثم مزجهم فأدخلهم في‬
‫شرعته‪ .‬وزال أثر ما صنعوا‪ ،‬بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم‪،‬‬
‫وبأن هذا الحكم السيء الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك‪ ،‬لم‬
‫يندمج فيه أحد من أفراد األمم اإلسالمية المحكومة‪ ،‬ولم يتعلموه ولم‬
‫يعلموه أبناءهم‪ .‬فما أسرع ما زال أثره‪.‬‬
‫أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير ـ في القرن‬
‫الثامن ـ لذاك القانون الوضعي‪ ،‬الذي صنعه عدو اإلسالم جنكز خان ‬
‫ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر‪ ،‬في القرن الرابع‬
‫عشر؟ إال في فرق واحد‪ ،‬أشرنا إليه آنف ًا‪ :‬أن ذلك كان في طبقة خاصة‬
‫من الحكام‪ .‬أتى عليها الزمن سريع ًا‪ ،‬فاندمجت في األمة اإلسالمية‪.‬‬
‫ثم كان المسلمون اآلن أسوأ حا ً‬
‫ال وأشد ظلم ًا وظالم ًا منهم‪ .‬ألن‬
‫أكثر األمم اإلسالمية اآلن تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة‪،‬‬
‫والتي هي أشبه شيء بذاك «الياسق» الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر‬
‫الكفر‪ .‬هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون لإلسالم‪ ،‬ثم يتعلمها‬

‫‪193‬‬
‫مرد أمرهم‬
‫أبناء المسلمين‪ ،‬ويفخرون بذلك آباء وأبناء‪ ،‬ثم يجعلون َّ‬
‫إلى معتنقي هذا «الياسق العصري»! ويحقرون من يخالفهم في ذلك‪،‬‬
‫ويسمون من يدعوهم إلى االستمساك بدينهم وشريعتهم «رجعي ًا»‬
‫و«جامد ًا»! إلى مثل ذلك من األلفاظ البذيئة‪.‬‬
‫بل إنهم أدخلوا أيديهم فيما بقي في الحكم من التشريع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬يريدون تحويله إلى «ياسقهم الجديد» بالهوينا واللين تارة‪،‬‬
‫وبالمكر والخديعة تارة‪ ،‬وبما ملكت أيديهم من السلطات تارات‪.‬‬
‫ويصرحون ـ وال يستحيون ـ بأنهم يعملون على فصل الدولة عن‬
‫الدين!!‬
‫أفيجوز إذن ـ مع هذا ـ ألحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين‬
‫الجديد‪ ،‬أعني التشريع الجديد! أو يجوز ألب أن يرسل أبناءه لتعلم‬
‫هذا واعتناقه واعتقاده والعمل به‪ ،‬عالم ًا كان األب أو جاه ً‬
‫ال؟!‬
‫أو يجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل هذا «الياسق‬
‫العصري» وأن يعمل به ويعرض عن شريعته البينة؟! ما أظن أن رج ً‬
‫ال‬
‫مسلم ًا يعرف دينه ويؤمن به جملة وتفصي ً‬
‫ال‪ ،‬ويؤمن بأن هذا القرآن‬
‫أنزله ال َّله على رسوله كتاب ًا محكم ًا‪ ،‬ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من‬
‫خلفه‪ ،‬وبأن طاعته وطاعة الرسول الذي جاء به واجبة قطعية الوجوب‬
‫في كل حال ـ ما أظنه يستطيع إال أن يجزم غير متردد وال متأول‪ ،‬والية‬
‫القضاء في هذه الحال باطلة بطالن ًا أصلي ًا‪ ،‬ال يلحقه التصحيح وال‬
‫اإلجازة!‬
‫إن األمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس‪،‬‬

‫‪194‬‬
‫هي كفر بواح‪ ،‬ال خفاء فيه وال مداورة‪ .‬وال عذر ألحد ممن ينتسبون‬
‫اإلسالم ـ كائن ًا من كان ـ في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها‪.‬‬
‫فليحذر امرؤ لنفسه‪ .‬و«كل امریء حسيب نفسه»‪.‬‬
‫أال فليصدع العلماء بالحق غير هيابين‪ ،‬وليبلغوا ما أمروا بتبليغه‪،‬‬
‫غير موانين وال مقصرين‪.‬‬
‫سيقول عني عبيد هذا «الياسق العصري» وناصروه‪ ،‬أني جامد‪،‬‬
‫وأني رجعي‪ ،‬وما إلى ذلك من األقاويل‪ .‬أال فليقولوا ما شاؤوا‪ ،‬فما‬
‫عبأت يوم ًا بما يقال عني‪ ،‬ولكني قلت ما يجب أن أقول‪[ ».‬عمدة التفسير‬
‫عن الحافظ ابن كثير ‪.]697 ،696/1‬‬
‫وها هو الع َّ‬
‫المة عبد الرزاق عفيفي �‪ ،‬يقرأ مصطلح ابن‬
‫عباس ‪« ‬كفر دون كفر»‪ ،‬ومع ذلك لم يمنعه من تكفير الحاكم‬
‫بالقوانين الوضعية‪.‬‬
‫يقول �‪« :‬الثالثة‪ :‬من كان منتسب ًا لإلسالم عالم ًا بأحكامه‪ ،‬ثم‬
‫وضع للناس أحكام ًا وهيأ لهم نظم ًا ليعملوا بها ويتحاكموا إليها وهو‬
‫يعلم أنها تخالف أحكام اإلسالم‪ ،‬فهو كافر خارج عن ملة اإلسالم‪،‬‬
‫وكذلك الحكم فيمن أمر بتشكيل لجنة أو لجان لذلك‪ ،‬ومن أمر الناس‬
‫بالتحاكم إلى تلك النظم والقوانين‪ ،‬أو حملهم على التحاكم إليها‬
‫وهو يعلم أنها مخالفة لشريعة اإلسالم‪ ،‬وكذلك من يتولى الحكم بها‬
‫وطبقها في القضايا‪ ،‬ومن أطاعهم في التحاكم إليها باختياره مع علمه‬
‫بمخالفتها لإلسالم‪ ،‬فجميع هؤالء شركاء في اإلعراض عن حكم ال َّله؛‬
‫لكن بعضهم يضع تشريع ًا يضاهي به تشريع اإلسالم ويناقضه على علم‬

‫‪195‬‬
‫وبينة وبعضهم باألمر بتطبيقه أو حمل األمة على العمل به‪ ،‬أو ولي‬
‫الحكم به بين الناس أو نفذ الحكم بمقتضاه‪ .‬وبعضهم بطاعة الوالة‬
‫والرضى بما شرعوا لهم ما لم يأذن به ال َّله ولم ينزل به سلطان ًا‪ .‬فكلهم‬
‫وصدق عليه إبليس ظنه فاتبعوه‪ ،‬وكانوا‬
‫َّ‬ ‫قد اتبع هواه بغير هدى من ال َّله‬
‫شركاء في الزيغ واإللحاد والكفر والطغيان وال ينفعهم علمهم بشرع‬
‫ال َّله واعتقادهم بما فيه مع إعراضهم عنه وتجافيهم ألحكامه بتشريع‬
‫من عند أنفسهم وتطبيقه والتحاكم إليه كما لم ينفع إبليس علمه بالحق‬
‫واعتقاده إياه مع إعراضه عنه‪ ،‬وعدم االستسالم واالنقياد إليه‪ ،‬وبهذا قد‬
‫اتخذوا هواهم إله ًا‪[»..‬شبهات حول الس َّنة ورسالة الحكم بغير ما أنزل ال َّله ص‬
‫‪.]65 ،64‬‬
‫وهذا كذلك قول حامد الفقي‪ ،‬وابن باز‪ ،‬وابن عثيمين و‪...‬‬
‫‪ Ą‬جميع ًا‪ ،‬والشك أنَّ من ذكرنا أقوالهم علماء جهابذة‪ ،‬نحن‬
‫واأللباني � عيال على مصنفاتهم وتحقيقاتهم العلمية‪ ،‬أفهؤالء‬
‫لم يعرفوا الكفر وحقيقته؟! أم لم يعلموا تقسيم ابن القيم للكفر الذي‬
‫يدندن حوله الع َّ‬
‫المة األلباني �؟!‬
‫ال بل علموا كنهه ومراد صاحبه‪ ،‬فالكفر االعتقادي عندهم‬
‫مذهب لقول القلب وعمله‪ ،‬وعرفوا قول ابن عباس «كفر دون كفر»‪،‬‬
‫وعرفوا القوانين الوضعية الكفرية ما هي‪ ،‬فعلموا أنَّ البون شاسع‬
‫بينهما‪ ،‬ولذا أعلنوها جهار ًا نهار ًا‪ ،‬بصرخة حقٍّ ال يخافون فيها لومة‬
‫كافر مرتدٌ ؛ الحاكم بالقوانين الوضعية‪ ،‬وال‬
‫أن من فعل ذلك فهو ٌ‬
‫الئم‪َّ ،‬‬
‫أقر‬
‫أي عمل عمله كالصالة ونحوها‪ ،‬وإن َّ‬
‫أي اسم تسمى به‪ ،‬وال ُّ‬
‫ينفعه ُّ‬

‫‪196‬‬
‫أنَّ الشريعة أفضل وأحكم وأعدل‪ ،‬فهو ٌ‬
‫كافر ألنه مستحل‪.‬‬
‫والسبب أنهم علموا أنَّ المعاصي شعب متفاوتة‪ ،‬ليست على رتبة‬
‫واحدة‪ ،‬وليست كلها يشترط فيها االستحالل اللفظي‪ ،‬فمنها ما تستحل‬
‫بانتفاء العمل؛ عمل القلب‪ ،‬والتحاكم إلى الشريعة شرط في صحة‬
‫بقاء هذا العمل الموجب للحب واالنقياد يدل عليه قوله تعالى‪﴿ :‬ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [النساء‪:‬ﯯ]‪.‬‬
‫واأللباني �‪ ،‬اشترط في كفره؛ الحاكم بالقوانين الوضعية‬
‫وسوی بينه وبين الفاجر والسارق والمرابي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫االستحالل القولي‪،‬‬
‫بقوله‪« :‬يا جماعة هذا الرضى إن كان قلبي ًا بالحكم بغير ما أنزل ال َّله‬
‫حينئذ ينقلب الكفر العملي إلى كفر اعتقادي‪.‬‬
‫فأي حاكم يحكم بغير ما أنزل ال َّله‪ ،‬وهو يری أن هذا الحكم‬
‫هو الحكم الالئق‪ ...،‬ـ إلى قوله ـ ‪ :‬فأنتم أو ً‬
‫ال ال تستطعون أن تحكموا‬
‫على حاكم يحكم ببعض القوانين الغربية الكافرة أو بكثير منها أنه لو‬
‫سئل ألجاب بأن الحكم بهذه القوانين هو الالزم في العصر الحاضر‬
‫وأنه ال يجوز الحكم باإلسالم لو سئلوا‪ .‬ال تستطيعون أن تقولوا بأنهم‬
‫ال يجيبون بأن الحكم بما أنزل ال َّله اليوم ال يليق وإال لصاروا كفار ًا دون‬
‫شك وال ريب‪.».‬‬
‫مسلم عند‬
‫ٌ‬ ‫فالحاكم بالقوانين الوضعية جملة أو ببعض منها‬
‫الشيخ ما لم ّ‬
‫يكذب أو يجحد‪ ،‬ليس له ضابط في ذلك إال إذا استحلها‬
‫الدعي المرجئي‪ ،‬الموسوم باألثري زور ًا وبهتان ًا‪ ،‬علي‬
‫لفظ ًا‪ ،‬وعند َّ‬
‫دعي التلمذة المزعومة ال يكفر عنده‬
‫حسن حلبي بدون «ال» التعريف ّ‬

‫‪197‬‬
‫حتى يقول هي من عند ال َّله‪.‬‬
‫المحرم من طرف اللجنة الدائمة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدعي في «التحذير»‬
‫يقول َّ‬
‫أدامها ال َّله في وجوه أمثاله‪( ،‬ص ‪« :)27‬الحكم على المتروكات وفق‬
‫قاعدة الترك االعتقادي المبني على الجحود واإلنكار أو التكذيب أو‬
‫االستحالل ال على الترك المجرد وإال كان هذا قول الخوارج بعينه»‪.‬‬
‫انظر أيها السلفي‪ ،‬بالطبع لست أعني األثري‪ ،‬إلى قوله‪« :‬الجحود‬
‫واإلنكار أو التكذيب» واالستحالل بالطبع عنده‪ ،‬البد أن يبوح به لفظ ًا‬
‫كلها مذهبة لقول القلب‪ ،‬فهال يخبرنا ما هي األعمال المكفرة المذهبة‬
‫لعمل القلب؟! ألن الكفر االعتقادي يشمل قول القلب وعمله‪ ،‬وصدق‬
‫ال َّله إذ يقول‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ﴾ [النور]‪.‬‬
‫يقول الشيخ ابن عثيمين �‪« :‬يجب على طالب العلم أن‬
‫يعرف الفرق بين التشريع الذي يجعل نظام ًا يمشي عليه ويستبدل به‬
‫القرآن‪ ،‬وبين أن يحكم في قضية معينة بغير ما أنزل ال َّله» [القول المفيد‬
‫على كتاب التوحيد ‪.]850/2‬‬
‫فالجزئية عند الشيخ ابن عثيمين‪ ،‬ال تقدح إذا كان التحاكم العام‬
‫إلى الشريعة‪ ،‬فهو على جادة من سبق ذكرهم من العلماء الجهابذة‪ ،‬فهو‬
‫مخالف بذلك للع َّ‬
‫المة األلباني كمن سبق ذكرهم؛ ابن كثير ومحمد بن‬
‫إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ و‪...‬‬
‫أقول للع َّ‬
‫المة األلباني �‪ ،‬لو قال الحاكم بالقوانين الوضعية‬
‫جملة أو ببعضها كما قلت‪ :‬إنَّ الشريعة اإلسالمية ّ‬
‫حق وأفضل وأعدل‬
‫من كل القوانين الوضعية مهما كانت رتبة من صدرت منه‪ ،‬وخاب‬

‫‪198‬‬
‫وخسر من لم يحكمها‪ ،‬ثم منع الزواج بالزوجة الثانية‪ ،‬وأصدر‬
‫قانون ًا يعاقب بذلك‪ ،‬ومن تزوج وخالف القانون يعد مجرم ًا في نظره‬
‫وأوالده غير شرعيين [قانونيين] ويحرم تسجيلهم في الحالة المدنية؛‬
‫في السجل البلدي‪ ،‬علما أنَّ هذا القانون ساري المفعول في معظم‬
‫الدول اإلسالمية الزاعمة زور ًا وبهتان ًا أنها عربية‪ ،‬وهي تحارب هذه‬
‫اللغة‪ ،‬مسلم ًا أم كافر ًا بذلك الفعل؟ ولو لم ّ‬
‫يصرح‪ ،‬بل يقول‪ :‬الشريعة‬
‫أفضل ولم يتنقصها‪ ،‬إال بعمله يمنع الحالل ويعده جريمة يعاقب عليها‬
‫القانون‪.‬‬
‫بالطبع عند الشيخ � لقوله السابق هو مسلم ما لم يكذب أو‬
‫يجحد‪ ،‬وإذا قال‪ :‬هو كافر وذلك ظننا به‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هذا تكفير بغير موجب‪ ،‬فهو لم ّ‬
‫يكذب أو يجحد؟! وهذا‬
‫تناقض واضطراب‪.‬‬
‫وإن قلت‪ :‬سبب كفره هو الحجود‪ ،‬ألنه أنكر شيئ ًا حال ً‬
‫ال معلوم ًا‬
‫الدين بالضرورة‪.‬‬
‫من ّ‬
‫قلنا‪ :‬كيف يكون جاحد ًا وهو ّ‬
‫يصرح بلسان القال أنَّ الشريعة‬
‫أقر بشيء ال يمكن أن يجحده‬
‫وأحق‪ ،‬من كل قانون زُ بلي‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬ ‫أفضل‬
‫الب َّتة‪ ،‬فكيف يصح هذا في األذهان‪.‬‬
‫فإذا قلت‪ :‬عمله هذا؛ إصداره القانون عمل كفري‪ ،‬ألنه منع‬
‫يصرح بذلك‪.‬‬
‫الحالل ولو لم ّ‬
‫قلنا‪ :‬مه ً‬
‫ال يا شيخ‪ ،‬لقد أصبحت تكفيري ًا! وأنت تقول‪ :‬الكفر‬
‫االعتقادي ليس له عالقة بالعمل‪ ،‬إ َّال إذا عبر عما في قلبه بلسانه‪ ،‬وهذا‬

‫‪199‬‬
‫تناقض واضطراب شديد‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬هو لم يلتزم الحالل‪ ،‬وهذا أعظم جرم ًا من الذي يبيح‬
‫الحرام‪ ،‬ألن هذا تشتهيه النفس‪ ،‬ومنع الحالل أين الشهوة فيه؟‬
‫قلنا‪ :‬قولك صواب‪ ،‬لكن االلتزام بالحالل أين موقعه؟‬
‫فإن قلت‪ :‬موقعه في القلب طبع ًا‪ ،‬فهل يجهل هذا أحد فض ً‬
‫ال‬
‫عن طالب علم؟!‬
‫حق هذا؛ مانع‬
‫قلنا‪ :‬الموقع الذي أشرت إليه لم ينتف في ّ‬
‫ومقر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مصدق‬
‫ّ‬ ‫الحالل بعمله‪ ،‬فهو‬
‫فإن قلت‪ :‬أال تعلم أنَّ اإليمان قول وعمل‪ ،‬قول القلب وقول‬
‫اللسان وعمل القلب والجوارح‪ ،‬وهذا قول السلف قاطبة‪ ،‬ومن قال‬
‫بغيره فهو مبتدع مرجئي مخالف للجماعة األم‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ألست تقول أنَّ األعمال شرط كمال في مسمى اإليمان‪،‬‬
‫وأنت تك ّفره بهذا العمل؟!‬
‫فإن قلت‪ :‬هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين‪ ،‬ألم أقل يعود الفضل‬
‫في تقسيم الكفر إلى «اعتقادي وعملي» البن تيمية وتلميذه ‪K‬‬
‫وهما في مسألة اإليمان على جادة السلف؟!‬
‫قلنا‪ :‬آخر تصانيفك مطلق ًا‪ ،‬أو من آخرها ّ‬
‫تصرح أنَّ األعمال‬
‫وتجهل من قال شرط صحة‪ ،‬وبقولك هذا أنت مخالف‬
‫شرط كمال‪ّ ،‬‬
‫البن تيمية‪ ،‬بل السلف قاطبة‪ ،‬موافق ألبي عذبة الذي يصرح أنَّ من قال‬
‫بهذا القول ـ «العمل شرط صحة في مسمى اإليمان فهو وعيدي»‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬‬

‫‪200‬‬
‫أدعياء‬ ‫أبناؤها‬ ‫ّبينات‬ ‫َّ‬
‫والدعاوى ما لم تقيموا عليها‬
‫قلنا‪ :‬لقد قلت في «صحيح موارد الضمآن إلى زوائد ابن حبان‬
‫‪ »112/1‬تحت باب‪« :‬فيما يخالف كمال اإليمان» في «الحاشية رقم‬
‫‪ »2‬علم ًا أنَّ صاحبه هو ابن حجر الهيثمي‪ ،‬وهو أشعري المعتقد في‬
‫مسائل األسماء والصفات‪ ،‬جهمي في مسائل اإليمان‪ ،‬وما أظن يخفى‬
‫عليك هذا‪ ،‬فهو عنون هذا الباب‪ ،‬تحت قوله ﷺ‪« :‬ال إيمان لمن ال‬
‫أمانة له‪ ،‬وال دين لمن ال عهد له» تبع ًا العتقاده وما يخدم مصلحته‪ ،‬وقد‬
‫صححته في «المشكاة برقم ‪ »35‬و«الروض النضير برقم ‪.»569‬‬
‫رد صريح على بعض الجهلة‬
‫قلت‪« :‬فيه كما ترجم المؤلف ـ ٌّ‬
‫الذين يقولون بأن األعمال الواجبة شرط صحة في اإليمان‪ ،‬فإذا تركه‬
‫كفر وخرج من الملة بزعمهم! ذلك ألنَّ أداء األمانة‪ ،‬والوفاء بالعهد‬
‫من الواجبات‪ ،‬ومع ذلك ال يوجد أحد من أهل العلم يقول بأنهما شرط‬
‫صحة؛ ما دام المخالف مؤمن ًا بالوجوب‪ ،‬معترف ًا بذنبه غير مستكبر‪،‬‬
‫فهل من معتبر؟!»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬تفسير الشيخ �‪ ،‬األمانة بما قاله آنف ًا فيه نظر‪ ،‬ألنَّ من‬
‫ُ‬
‫«أن اللفظة التي تحتمل معنيين ال يقتصر على‬‫المقرر في علم األصول‪َّ :‬‬
‫أحدهما إ َّال بنص أو إجماع متيقن» [ انظر النبذ ص ‪ 62‬البن حزم]‪.‬‬
‫فلقد جاء عن السلف ‪ ‬وأخزی ال َّله من قال فيهم بالثلب‪ ،‬‬
‫بالدين وبالغسل‪ ،‬فاالقتصار على التفسير آنف‬
‫أنهم فسروا األمانة ّ‬
‫الذكر نوع من الظلم واإلجحاف‪ ،‬ﭧ ﭨ ﴿ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ﴾ [األنفال]‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫قال المفسرون‪« :‬والمراد باألمانات ثالثة أقوال‪ :‬أحدها‪ :‬أنها‬
‫الفرائض‪ ،‬قاله ابن عباس‪ ،‬وفي خيانتها قوالن‪ :‬أحدهما‪ :‬تنقيصها‪.‬‬
‫الدين‪ ،‬قاله ابن زيد؛‪ ...‬والثالث‪ :‬أنها‬
‫والثاني‪ :‬تركها‪ .‬والثاني‪ :‬أنها ّ‬
‫عامة في خيانة كل مؤتمن» [تفسير الطبري ‪ 62/4‬وزاد المسير ص ‪.]549‬‬
‫أما حديث الباب بتمامه‪« :‬ال إيمان لمن ال أمانة له‪ ،‬وال صالة‬
‫لمن ال وضوء له وال دين لمن ال صالة له‪ »...،‬فالحديث أخرجه‬
‫الطبراني في «األوسط برقم ‪ »2313‬ولنا عودة إليه أثناء مناقشتنا‬
‫المة األلباني � في الشبه القادمة إن شاء ال َّله‪.‬‬
‫للع َّ‬
‫ولنعد إلى المقصود‪ ،‬قلنا‪ :‬مانع الزوجة الثانية بقانونه‪ ،‬مؤمن ًا‬
‫بالوجوب‪ ،‬معترف ًا بذنبه غير مستكبر‪ ،‬مصرح ًا بذلك جهار ًا نهار ًا‪،‬‬
‫الشريعة أفضل‪ ،‬أفضل‪ ،‬أفضل‪ ...،‬وهذا خان أمانة الحالل‪ ،‬وبذلك‬
‫تكون الخيانة في حقه شرط كمال‪ ،‬فإن ك ّفرته‪ ،‬كفرته بشرط الكمال‪،‬‬
‫وإن أبقيته مسلم ًا‪ ،‬فقولك أنَّ الكفر االعتقادي ليس له عالقة بالعمل‬
‫صحيح‪ ،‬إذ ًا‪ ،‬له عالقة بالقلب‪ ،‬نعم له عالقة بالقلب‪ ،‬نعم له عالقة‬
‫ٌ‬
‫بالقلب‪...،‬‬
‫فإذا كان الكفر مداره على هذه الحيثية‪ ،‬فلماذا ك ّفرت آتاتورك‬
‫بالعمل؟! لقد قلت في معرض ر ّدك على القسيس الذي أثرت حفيظته‬
‫في القطار‪ ،‬بعد ما قال لك‪ :‬إذا كان اإلسالم هكذا فلماذا المسلمون‬
‫يكفرون [آتاتورك]؟‬
‫قلت‪« :‬إنَّ المسلمين ما كفروا آتاتورك ألنه مسلم؛ ال‪ ،‬ألنه هو‬
‫تبرأ من اإلسالم حينما فرض على المسلمين نظام ًا غير نظام اإلسالم‬

‫‪202‬‬
‫من جملتها مث ً‬
‫ال أنه سوی في اإلرث بين الذكر واألنثى‪ ،‬وال َّله يقول‬
‫عندنا‪﴿ :‬ﮘﮙﮚﮛ﴾ [النساء‪ :‬ﰅ]‪ ،‬ثم فرض على الشعب‬
‫التركي المسلم القبعة!» [فتاوی األلباني ص ‪.]263‬‬
‫قلت‪ :‬ياشيخ أليس هذه سفسطة في ما هو بديهي‪ ،‬الذي‬
‫ُ‬
‫فرضه آتاتورك على الشعب التركي المسلم وكفر بسببه‪ ،‬هي القوانين‬
‫تصدى‬
‫الوضعية‪ ،‬التي فرضت على البلدان اإلسالمية األخری‪ ،‬التي َّ‬
‫لها أحمد شاكر � في مصر‪ ،‬وقال فيها هي‪ :‬الكفر البواح‪ ،‬فلماذا لم‬
‫تكفرهم؟!‬
‫أليست هي نفس القوانين؟! وأنت ك ّفرت آتاتورك بوضعه لهذا‬
‫القانون وفرضه على الشعب فقط‪ ،‬وهذا هو الصواب‪ ،‬فاالستحالل‬
‫ظهر جلي ًا في الفعل ؛ وضع القانون وفرضه‪ ،‬وهذا كفر مجرد دون نظر‬
‫إلى االعتقاد‪ ،‬فهذا الفعل أظهر عدم التزامه بالشريعة‪ ،‬وااللتزام من‬
‫عمل القلب قطع ًا‪ ،‬ألنَّ من المحال أن ينتفي انقياد الجوارح باألعمال‬
‫الظاهرة مع ثبوت عمل القلب‪ ،‬وااللتزام هو ذروة سنام عمل القلب‪،‬‬
‫وهذا هو قول شيخ اإلسالم ابن تيمية � في كلمة «التزام» كما سوف‬
‫نبينها إن شاء ال َّله‪.‬‬
‫ّ‬
‫وآتاتورك ما تلفظ يوم ًا بالبراءة من اإلسالم‪ ،‬ولو أراد التلفظ‬
‫بها‪ ،‬ما تركوه الذين أنشأوا القوانين الوضعية‪ ،‬وهم الطائفة الخبيثة على‬
‫اإلطالق‪« ،‬طائفة العلمنة» وهذه من سماتها البادية حرية األديان لكن‬
‫ضربها من األصول‪ ،‬وما أظنك تجهل هذا‪.‬‬
‫ثم ما هو الفرق بين الذي يصدر قانون ًا في اإلرث يسوي فيه‬

‫‪203‬‬
‫بين الذكر واألنثى‪ ،‬وبين الذي يصدر قانون ًا يمنع فيه منع ًا بات ًا الزواج‬
‫بالثانية‪ ،‬ومن فعل ذلك يعد مجرم ًا في نظرهم يستحق العقاب؟!‬
‫ثم ما هو الفرق بين الذي يفرض القبعة على شعب‪ ،‬وبين الذي‬
‫يفرض نزع الخمار على نساء وبنات شعب؟! هال أنبأتنا يا شيخ؟!‬
‫أليس هذا اضطراب وتناقض بعثرك كل هذه البعثرة‪ ،‬جعلك ال تدري‬
‫أين تذهب؟!‬
‫على ٍّ‬
‫كل‪ ،‬ألست توافقنا على أنَّ اإليمان قول وعمل؟ نعم‪ ،‬ألم‬
‫تقل قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح‪ ،‬نعم هذا صحيح‬
‫ٌ‬
‫سالف‪.‬‬ ‫وتقسيم‬
‫ٌ‬
‫قلنا‪ :‬إذ ًا‪ ،‬الكفر موقعه القلب‪ ،‬سوا ًء ذهب قوله أو عمله‪ ،‬نعم‬
‫هذا صحيح‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬القول هو التصديق واإلقرار من ضمنه‪ ،‬هذا قول السلف‬
‫قاطبة‪ ،‬ومنهم شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬فما هو عمله؟! هو القصد‬
‫واإلرادة‪ ،‬نريد تعريف ًا أعم من هذا يا شيخ؟!‬
‫ٍ‬
‫مفسر‪ ،‬وهو للسلف قاطبة‪ ،‬هو‪ :‬محبته‬ ‫ٍ‬
‫بتعريف‬ ‫دعني إذ ًا‪ ،‬أعرفه‬
‫وانقياده‪ ،‬والتزام طاعته ومتابعة رسوله‪ .‬‬
‫قلنا‪ :‬إذ ًا‪ ،‬مانع الحالل؛ الزوجة الثانية‪ ،‬غير ملتزم الطاعة‬
‫دل على ذلك عمله؛ منع الحالل ولو لم يصرح‪،‬‬ ‫والمتابعة واالنقياد‪َّ ،‬‬
‫فهو كاره للحالل بعمله‪ ،‬ـ بقانونه هذا ـ وهذا نوع من الكراهة المحبطة‬
‫للعمل‪ ،‬أظهر موجبها هذا الفعل المجرد؛ «القانون»‪ ،‬فهل توافقنا على‬
‫تكفيره؟! فإن قلت‪ :‬نعم‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫قلنا‪ :‬إذ ًا‪ ،‬الكفر االعتقادي الذي تدندن حوله‪ ،‬مذهب لقول‬
‫القلب وعمله‪ ،‬إذ ًا له عالقة بالعمل‪ ،‬وهذا كفر ألنه انتفى عنه عمل‬
‫عرفته به‪.‬‬
‫القلب‪ ،‬الموجب للتعريف الذي ّ‬
‫وإن قلت‪ :‬هو كافر بسبب الجحود‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬كفر الجحود يذهب اإلقرار‪ ،‬وهذا مقر‪ ،‬وكفر التكذيب‬
‫يذهب التصديق وهذا مصدق‪ ،‬وكالهما من قول القلب‪ ،‬وعلى قولك‬
‫هذا ال كفر إ َّ‬
‫ال إذا انتفى قول القلب‪ ،‬والقلب له قول وعمل‪ ،‬وهذه‬
‫سفسطة فيما هو بديهي ومحدود األركان‪ ،‬وداللة واضحة أنك تخرج‬
‫العمل مطلق ًا من اإليمان‪ ،‬وأقصد بالعمل عمل القلب‪ ،‬وهذا تناقض‬
‫ٍ‬
‫مريج‪.‬‬ ‫واضطراب جعلك في ٍ‬
‫أمر‬
‫واضطرابك هذا يدل على قريحة ابن تيمية � في مسائل‬
‫رد على من سحرك‪ ،‬الطحاوي وأمثاله‪ ،‬ألنَّ دعواك هذه‬ ‫اإليمان لما َّ‬
‫تشعر بخروج األعمال مطلق ًا من مسمى اإليمان سواء كانت قلبية أو‬
‫جوارحية‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية �‪« :‬والسلف اشتد نكيرهم‬
‫على المرجئة لما أخرجوا العمل من اإليمان‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنَّ اإليمان يتماثل‬
‫فيه‪ ،‬وال ريب أنَّ قولهم بتساوي إيمان الناس من أفحش الخطأ‪ ،‬بل ال‬
‫يتساوی الناس في التصديق‪ ،‬وال في الحب‪ ،‬وال في الخشية‪ ،‬وال في‬
‫العلم‪ ،‬بل يتفاضلون من وجوه كثيرة‪.‬‬
‫وأيض ًا فإخراجهم العمل يشعر أنهم أخرجوا أعمال القلوب‬
‫أيضا‪ ،‬وهذا باطل قطع ًا‪ ،‬فإن من ّ‬
‫صدق الرسول وأبغضه وعاداه بقلبه‬

‫‪205‬‬
‫وبدنه فهو كافر قطع ًا بالضرورة‪ ،‬وإن أدخلوا أعمال القلوب في اإليمان‬
‫أخطأوا أيض ًا‪ ،‬المتناع قيام اإليمان بالقلب من غير حركة بدن‪[ ».‬مجوعة‬
‫الفتاوی ‪ 340/7‬ط‪/‬جـ ‪ 556 ،555‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فالمانع للحالل؛ الزوجة الثانية‪ ،‬مصدق للرسول مقر به‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أنه‬
‫كافر عند شيخ اإلسالم � ال‬
‫يمنع هذا الحالل ويعاقب عليه‪ ،‬فهو ٌ‬
‫يشك في ذلك إ َّ‬
‫ال المضل الدليل المخطىء السبيل‪.‬‬
‫أما قولك‪« ،‬أنَّ الكفر االعتقادي والكفر العملي قد تولى بيانه‬
‫بحق شيخ اإلسالم ابن تيمية ومن بعده تلميذه البار ابن القيم ـ رحمهما‬
‫ال َّله ـ ‪ ،‬الذي رفع رايته ترجمان القرآن‪.».‬‬
‫أقول للشيخ‪ ،‬هال أخبرتنا أين وجدت هذا اللفظ في كتب شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية؟ إنَّ اللفظ «االعتقادي» لم يأت إ َّ‬
‫ال بتعريفين في‬
‫كتب ابن قيم الجوزية‪ ،‬التعريف األول بلفظ‪« :‬الكفر االعتقادي» وهذا‬
‫الذي نحن وأنت في نزاع بسببه‪ ،‬ومحله «كتاب الصالة وحكم تاركها»‪،‬‬
‫والثاني بلفظ‪« :‬التوحيد العلمي االعتقادي» في «الزاد»‪ ،‬و«اجتماع‬
‫الجيوش اإلسالمية»‪ ،‬و«مدارج السالكين»‪ ،‬فالشيخ األلباني �‬
‫أي لفظ أو مصطلح يذكره ابن القيم‪ ،‬يقول به شيخ اإلسالم‪ ،‬وهذا‬
‫يظن ُّ‬
‫يدل على عدم الدراية بالمصطلح من كل جوانبه‪.‬‬
‫وأما قوله �‪« :‬الكفر االعتقادي ليس له عالقة بالعمل‬
‫له عالقة بالقلب» قد سبق الحديث عليه واضطرابه فيه وأنَّ الكفر‬
‫االعتقادي عنده يذهب قول القلب وليس عمله‪ ،‬وسوف يظهر لك هذا‬
‫جلي ًا في اآلتي‪ ،‬فاضطرابه في أنَّ األعمال على رتبة واحدة استشكلت‬

‫‪206‬‬
‫له بسببها النصوص فتطلب لها مستنكر التأويالت دون أن يشعر‪.‬‬
‫وأما قول األلباني �‪« :‬سيظلون يعلنون تكفير الحكام ثم ال‬
‫يصدر منهم إ َّ‬
‫ال الفتن»‪.‬‬
‫الحق‪ ،‬أو التلبيس وال ّلي وااللحاد فيه‪ ،‬وبهذا‬
‫قلت‪ :‬الفتنة في كتمان ّ‬
‫الحق بين الهوی‪ ،‬وال َّله قد أخذ الميثاق على من قبلنا أن ال يكتموه‪،‬‬
‫يظل ّ‬
‫ﭧ ﭨ ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ﴾ [آل عمران‪ :‬ﭧ]‪ ،‬وعلى قولك هذا أنَّ ابن تيمية‪ ،‬وابن كثير‪،‬‬
‫وعبد اللطيف بن حسن آل الشيخ‪ ،‬وحفيده محمد بن إبراهيم آل الشيخ‪،‬‬
‫وأحمد شاكر وأخاه‪ ،‬والشنقيطي‪ ،‬وعبد الرزاق عفيفي‪ ،‬وحامد الفقي‪،‬‬
‫وابن باز‪ ،‬وابن عثيمين‪ ،Ą‬لما كفروا الحاكم بالقوانين الوضعية‬
‫وصدعوا الصف بفتاواهم هذه‪ ،‬ولو تدبرت هذا القول‬
‫ّ‬ ‫فتنوا األمة‪،‬‬
‫ملي ًا ما كان أن يصدر منك‪ ،‬لكن حب الشيء يعمي ويصم ويحول بين‬
‫الحق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫معرفة‬
‫‪ ‬الشبهة الثالثة‪ :‬يقول الع َّ‬
‫المة األلباني � في سؤال عن قول‬
‫الطحاوي في الطحاوية‪« :‬وال نكفر أحد ًا من أهل القبلة بذنب ما لم‬
‫يستحله»‪ .‬قال شارح الطحاوية‪ :‬ينبغي أن يقيد هذا‪ :‬وال نكفر أحد ًا من‬
‫أهل القبلة «بكل» ذنب هل هذا تقييد صحيح؟‬
‫قال �‪« :‬نعم‪ ،‬ال نكفر أحد ًا من أهل القبلة بأي ذنب صدر‬
‫منه‪ .‬الشرط الذي كنا ذكرناه بشيء من التفصيل في جلسة سابقة‪ ،‬أال‬
‫وهو‪ :‬أال يستحل بقلبه ذلك الذنب‪.‬‬
‫أما إذا واقع ذنب ًا من الذنوب‪ ،‬حتى لو كانت من الذنوب الكبائر‪،‬‬

‫‪207‬‬
‫حتى ولو كان ذلك الذنب هو ترك الصالة‪ ،‬إذا كان ما ارتكبه من هذا‬
‫الذنب أو ذاك يعترف في قرارة قلبه أنه مذنب مع ربه ‪ ‬فال يكفر‬
‫بهذا الذنب مهما كان شأنه‪.‬‬
‫أما إذا استحله بقلبه كما استحله بعمله فهذا هو الكفر المخرج‬
‫من الملة‪ ،‬فال فرق بين ذنب وذنب أي‪ :‬ال يجوز أن نكفر مسلم ًا به إ َّ‬
‫ال‬
‫بالشرط المذكور آنف ًا؛ أي ما دام ال يستحله عقيدة‪[ ».‬فتاوی األلباني ص‬
‫‪.]270‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫صحيح ال خالف فيه عند‬
‫ٌ‬ ‫تقييد‬
‫ٌ‬ ‫إنَّ تقييد شارح الطحاوية‪،‬‬
‫الدين؛ «مسألة اإليمان» على منهج السلف‪،‬‬
‫الذين حافظوا على دعامة ّ‬
‫إذا كان يريد بالذنوب ما دون المباني الخمس‪ ،‬ألنَّ الذنوب شعب‬
‫الدين‪ ،‬إ َّ‬
‫ال‬ ‫الدين‪ ،‬ومنها ال يذهب أصل ّ‬
‫متفاوتة‪ ،‬فمنها ما يذهب أصل ّ‬
‫إذا استحلت صراح ًا‪ ،‬فترك الصالة ذنب‪ ،‬والسرقة ذنب‪ ،‬وترك الحكم‬
‫ٌ‬
‫فاحش‪ ،‬بل‬ ‫بغير ما أنزل ال َّله ذنب‪ ،‬والزنا ذنب‪ ،‬والتسوية بينها خطأ‬
‫هو عقيدة المرجئة القائلين أنَّ اإليمان ال يتبعض وال يتجزأ وأهله فيه‬
‫سواء‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬ونحن إذا قلنا‪ :‬أهل الس َّنة متفقون على‬
‫أنه ال يكفر بالذنب‪ ،‬فإنما نريد به المعاصي كالزنا وشرب الخمر‪ ،‬وأما‬
‫هذه المباني ففي تكفير تاركها نزاع مشهور‪[ »...‬مجموعة الفتاوی ‪190/7‬‬
‫ط‪/‬جـ ‪ 302‬ط‪/‬ق]‪ .‬‬
‫قال عبد ال َّله بن أحمد بن حنبل‪ :‬ثنا سويد بن سعيد الهروي قال‪:‬‬

‫‪208‬‬
‫سألنا سفيان بن عيينة عن اإلرجاء فقال‪« :‬يقولون‪ :‬اإليمان قول ونحن‬
‫نقول‪ :‬اإليمان قول وعمل والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد ال إله إ َّ‬
‫ال‬
‫ال َّله مصر ًا بقلبه على ترك الفرائض وسموا ترك الفرائض ذنب ًا بمنزلة‬
‫ألن ركوب المحارم من غير استحالل‬ ‫ركوب المحارم وليس بسواء َّ‬
‫معصية وترك الفرائض متعمد ًا من غير جهل وال عذر كفر‪[ »...‬الس َّنة‬
‫رقم ‪.]745‬‬
‫فالذنوب عند السلف ليست على رتبة واحدة‪ ،‬فالتي ال تستلزم‬
‫اعتقاد وال تناقض قول القلب وعمله‪ ،‬معصية ما لم تستحل‪ ،‬وترك‬
‫صراح‪ ،‬وعند األلباني � ليس كفر ًا‬
‫ٌ‬ ‫كفر‬
‫الفرائض ومنها الصالة ٌ‬
‫حتى يجحدها أو يكذبها‪ ،‬وسوف نتناول قوله هذا في مقامه إن شاء‬
‫ال َّله‪ ،‬وهو بذلك مخالف للسلف قاطبة‪ ،‬موافق ألصحاب رأي السوء؛‬
‫المرجئة‪.‬‬
‫‪ ‬الشبهة الرابعة‪ :‬يقول الع َّ‬
‫المة األلباني � في سؤال على‬
‫قوله ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ﴾ [التوبة‪ :‬ﮣ]‪ :‬هل الكفر هنا اعتقادي أم‬
‫عملي؟‬
‫«الشك أنَّ هذا كفر اعتقادي‪ ،‬بل هذا كفر له قرنان! ألنَّ‬
‫االستهزاء بأيات ال َّله ‪ ‬ال يمكن أن يصدر من مؤمن مهما كان ضعيف‬
‫اإليمان‪ .‬وهذا النوع من الكفر هو الذي يدخل في كالمنا السابق حينما‬
‫كنا نقول‪ :‬ال يجوز تكفير مسلم إ َّال إذا ظهر من لسانه شيء يدلنا عما‬
‫وقر في قلبه فهنا استهزاؤه بآيات ال َّله ‪ ..‬هذا أكبر إقرار منه على أنه‬

‫‪209‬‬
‫ال يؤمن بما استهزأ به‪ ،‬فهو إذ ًا كافر كفر ًا اعتقادي ًا‪[ ».‬فتاوی الشيخ األلباني‬
‫ومقارنتها بفتاوى العلماء ص ‪.]271‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫إنَّ في هذه داللة واضحة أنَّ الشيخ � ال يك ّفر إ َّال إذا انتفى‬
‫أن في القلب كفر ًا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بعمل فهو دليل عنده على َّ‬ ‫وأي كفر جاء‬
‫التصديق‪ُّ ،‬‬
‫وهذا الكفر ينفي التصديق؛ كل من ك ّفره الشارع الحكيم فإنما كفره‬
‫النتفاء تصديق القلب‪ ،‬وكما ال يخفى عليك هذا هو قول جهم الخبيث‬
‫والصالحي‪.‬‬
‫أقول للشيخ األلباني � ‪ :‬إنَّ كفر التكذيب ينفي التصديق‪،‬‬
‫وهؤالء الذين كفروا بعد إيمانهم‪ ،‬كانوا مصدقين بال َّله ورسوله ومقرين‬
‫بذلك‪ ،‬بل كانوا في غزاة معه‪ ،‬فكيف يصح أنهم كانوا مكذبين‪ ،‬لكن‬
‫لما اعتذروا عما لم يعتقدوه أو يكذبوه‪ ،‬قال المولى ‪﴿ :‬ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖﮗﮘ﴾ [التوبة‪ :‬ﮣ]‪ ،‬فهؤالء أتوا بشيء لم يكونوا يظنون‬
‫أنه كفر‪ ،‬لكن كان كفر ًا كفروا به‪.‬‬
‫أقول للشيخ األلباني � يقول المولى‪﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [الحج] ويقول‪﴿ :‬ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [األنفال‪ :‬ﭸ]‪ ،‬أخبرنا عن هذا «الوجل»‬
‫أين موقعه من القلب؟ فلقد أثبت المولى ‪ ‬أنه في القلب‪ ،‬لكن‬
‫للقلب موقعين‪:‬‬
‫ـ موقع خاص بالتصديق‪ ،‬وهو قوله واإلقرار من ضمنه ـ يعني‪:‬‬
‫«قول القلب» ـ‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫ـ وموقع خاص بالعمل‪ ،‬وهو قصده وإرادته‪ ،‬والتزام طاعته‪،‬‬
‫و‪ ،...‬أي‪« :‬عمل القلب»‪.‬‬
‫أي موقع؟ الشك أنَّ موقعه في الثاني عند العقالء‬
‫فالوجل من ِّ‬
‫كافة‪ ،‬وذلك أنَّ الوجل إذا انتفى َّ‬
‫حل محله االستخفاف‪ ،‬وهذان‬
‫موقعهما الموقع الثاني الذي في القلب‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬موقعه في الموقع األول!‪.‬‬
‫فهذا يرده كفر إبليس اللعين‪ ،‬فإنه لم ينتف في حقه هذا الموقع‪،‬‬
‫وهو رأس الكفرة الفجرة‪.‬‬
‫وإن قلت‪ :‬انتفى في حقه الموقع الثاني‪ ،‬الخاص بعمل القلب‪،‬‬
‫تناقضت وأصبح قولك متدافع ًا ومضطرب ًا‪ ،‬لنفيك أنَّ الكفر االعتقادي‬
‫ليس له عالقة بالعمل‪ ،‬لقد نفيت الالزم‪ ،‬وأثبت ملزومه‪ ،‬وهذا اضطراب‬
‫واضح‪ ،‬وسفسطة في المنقول المحدود األركان‪ ،‬فدعوی أنَّ كل من‬
‫مكذب دعوی جهمية شبهتها‪ ،‬أنَّ أصل اإليمان هو التصديق‬
‫ٌ‬ ‫استخف‬
‫فقط‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬كالم ال َّله خبر وأمر‪ ،‬فالخبر يستوجب‬
‫تصديق المخبر‪ ،‬واألمر يستوجب االنقياد له واالستسالم‪ ،‬وهو عمل‬
‫في القلب ِج َماعه الخضوع واالنقياد لألمر‪ ،‬فإذا قوبل الخبر بالتصديق‪،‬‬
‫واألمر باالنقياد‪ ،‬فقد حصل أصل اإليمان في القلب وهو الطمأنينة‬
‫واإلقرار‪ ،‬فإن اشتقاقه من األمن الذي هو القرار والطمأنينة‪ ،‬وذلك‬
‫إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق واالنقياد‪ ...،‬فإذا حصل في‬
‫القلب استخفاف وإهانة امتنع أن يكون فيه انقياد واستسالم فال يكون‬

‫‪211‬‬
‫فيه إيمان‪ ،‬وهذا هو بعينه كفر إبليس‪ ،‬فإنه سمع أمر ال َّله له فلم ّ‬
‫يكذب‬
‫رسو ًال ولكن لم ينقد لألمر‪ ،‬ولم يخضع له‪ ،‬واستكبر عن الطاعة فصار‬
‫أن اإليمان‬ ‫*‬ ‫كافر ًا‪ ،‬وهذا موضع زاغ فيه ٌ‬
‫خلق من الخلف تخيل لهم َّ‬
‫ليس في األصل إ َّال التصديق‪ ،‬ثم يرون مثل إبليس وفرعون عمن لم‬
‫يصدر عنه تكذيب أو صدر عنه تكذيب باللسان ال بالقلب وكفره من‬
‫فيتحيرون ولو أنهم هدُ وا لما هدي إليه السلف الصالح‬
‫َّ‬ ‫أغلظ الكفر‬
‫وعمل‪ ،‬أعني في األصل قو ًال في القلب وعم ً‬
‫ال‬ ‫ٌ‬ ‫أن اإليمان ٌ‬
‫قول‬ ‫لعلموا َّ‬
‫في القلب‪ ،‬فإن اإليمان بحسب كالم ال َّله ورسالته‪ ،‬وكالم ال َّله ورسالته‬
‫يتضمن أخباره وأوامره فيصدق القلب أخباره تصديق ًا يوجب حا ً‬
‫ال‬
‫المصدق به‪ ،‬والتصديق هو نوع من العلم والقول‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في القلب بحسب‬
‫نوع من اإلرادة‬
‫وانقياد ألمره ويستسلم‪ ،‬وهذا االنقياد واالستسالم هو ٌ‬
‫والعمل‪ ،‬وال يكون مؤمن ًا إ َّال بمجموع األمرين‪ ،‬فمتى ترك االنقياد كان‬
‫مستكبر ًا فصار من الكافرين وإن كان مصدق ًا فالكفر ّ‬
‫أعم من التكذيب‪،‬‬
‫يكون تكذيب ًا وجه ً‬
‫ال‪ ،‬ويكون استكبار ًا وظلم ًا‪ ،‬ولهذا لم يوصف‬
‫إبليس إ َّ‬
‫ال بالكفر واالستكبار دون التكذيب‪ ،‬ولهذا كان كفر من يعلم‬
‫مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس‪ ،‬وكان كفر من يجهل مثل‬
‫النصاری ونحوهم ضال ً‬
‫ال وهو الجهل‪.‬‬
‫أال تری أن نفر ًا من اليهود جاءوا إلى النبي ﷺ وسألوه عن‬

‫* ومنهم اليوم‪ ،‬اجلهمي عيل حلبي وخالد العنربي‪ ،‬ومراد شكري‪ ،‬واملقرون قوله‪ ،‬واملرشفون‬
‫عىل طبعه‪ ،‬وهم األثريون مجلة؛ طائفة املرجئة اجلدد قطع اهلل دابرهم وأراح األمة من تفريطهم‪،‬‬
‫فمنهم كل بلية‪ .‬‬

‫‪212‬‬
‫أشياء فأخبرهم‪ ،‬فقالوا نشهد أنك نبي ولم يتبعوه‪ ،‬وكذلك هرقل‬
‫وغيره‪ ،‬فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق؟ أال تری أن من صدق‬
‫الرسول بأن ما جاء به هو رسالة ال َّله‪ ،‬وقد تضمنت خبر ًا وأمر ًا فإنه‬
‫ٍ‬
‫يحتاج إلى مقام ثان‪ ،‬وهو تصديق خبر ال َّله وانقياده ألمر ال َّله‪ ...،‬ـ إلى‬
‫أن قال ـ ‪ :‬فلما كان التصديق البد منه في كال الشهادتين ـ وهو الذي‬
‫يتلقى الرسالة بالقبول ـ ظن من ظن أنه ٌ‬
‫أصل لجميع اإليمان‪ ،‬وغفل‬
‫يصدق الرسول‬
‫ّ‬ ‫عن األصل اآلخر البد منه وهو االنقياد‪ ،‬وإ َّال فقد‬
‫ظاهر ًا وباطن ًا ثم يمتنع من االنقياد لألمر‪ ،‬إذ غايته في تصديق الرسول‬
‫أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من ال َّله ـ سبحانه وتعالى ـ كإبليس‪،‬‬
‫وهذا مما يبين لك أنَّ االستهزاء بال َّله ورسوله ينافي االنقياد له والطاعة‬
‫منافاة ذاتية‪ ...،‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬ومن استخف به واستهزأ بقلبه امتنع أن‬
‫ٌ‬
‫إهانة‬ ‫وتعظيم‪ ،‬واالستخفاف‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫إجالل‬ ‫يكون منقاد ًا ألمره‪َّ ،‬‬
‫فإن االنقياد‬
‫ٌ‬
‫وإذالل‪ ،‬وهذان ضدان‪ ،‬فمتى حصل في القلب أحدهما انتفى اآلخر‬
‫للضد‪».‬‬
‫أن االستخفاف واالستهانة ينافي اإليمان منافاة الضد ّ‬
‫فعلم َّ‬
‫[الصارم المسلول على شاتم الرسول ‪ 967/3‬ـ ‪.]969‬‬
‫ويقول � أيضاً‪« :‬وقال تعالى في حقِّ المستهزئين‪﴿ :‬ﮒ‬
‫كفار بالقول مع‬
‫فبين أنهم ٌ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ﴾ [التوبة‪ :‬ﮣ] ّ‬
‫أنهم لم يعتقدوا صحته» [الصارم المسلول ‪.]973/3‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬ﭧ ﭨ ﴿ﮋﮌﮍ ﮎﮏ‬
‫ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ﴾ [التوبة] فقد أمره أن‬

‫‪213‬‬
‫يقول لهم‪ :‬قد كفرتم بعد إيمانكم‪.‬‬
‫وقول من يقول عن مثل هذه اآليات‪ :‬إنهم كفروا بعد إيمانهم‬
‫بلسانهم مع كفرهم أو ً‬
‫ال بقلوبهم‪ ،‬ال يصح؛ ألن اإليمان باللسان مع‬
‫كفر القلب قد قارنه الكفر‪ ،‬فال يقال‪ :‬قد كفرتم بعد إيمانكم‪ ،‬فإنهم‬
‫لم يزالوا كافرين في نفس األمر‪ ،‬وإن أريد أنكم أظهرتم الكفر بعد‬
‫إظهاركم اإليمان‪ ،‬فهم لم يظهروا للناس إال لخواصهم‪ ،‬وهم مع‬
‫خواصهم ما زالوا هكذا‪ ،‬بل نافقوا وحذروا أن تنزل سورة تبين ما في‬
‫قلوبهم من النفاق‪ ،‬وتكلموا باالستهزاء‪ ،‬صاروا كافرين بعد إيمانهم‪،‬‬
‫وال يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين‪ ...،‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬ﭧ ﭨ‬
‫[التوبة‪ :‬ﮑ]‬ ‫﴿ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ﴾‬
‫فاعترفوا واعتذروا؛ ولهذا قيل‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ﴾‬
‫[التوبة] فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفر ًا‪ ،‬بل ظنوا أن‬
‫ذلك ليس بكفر‪ ،‬فبين أن االستهزاء بال َّله وآياته ورسوله كفر يكفر به‬
‫صاحبه بعد إيمانه‪ ،‬فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف‪ ،‬ففعلوا هذا‬
‫المحرم الذي عرفوا أنه محرم‪ ،‬ولكن لم يظنوه كفر ًا‪ ،‬وكان كفر ًا كفروا‬
‫به‪ ،‬فإنهم لم يعتقدوا جوازه» [مجموعة الفتاوی ‪ 173 ،172/7‬ط‪/‬جـ ‪،272‬‬
‫‪ 273‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فالشبهة التي دخلت على األلباني � هي عينها التي فندها‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية في وقته‪ ،‬معري ًا الذين يعظمون مذهب أهل‬
‫الحديث بالدعوة إليه والذب عنه‪ ،‬وهم في الباطن يرون رأي المرجئة‬

‫‪214‬‬
‫الجهمية والمرجئة الفقهاء‪ ،‬وهيهات هيهات الجمع بينهما‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬والثالث‪ :‬قولهم‪ :‬كل من كفره الشارع‬
‫فإنما كفره النتفاء تصديق القلب بالرب ـ تبارك وتعالى‪ ،‬وكثير من‬
‫المتأخرين ال يميزون بين مذاهب السلف وأقوال المرجئة والجهمية؛‬
‫الختالط هذا بهذا في كالم كثير منهم‪ ،‬ممن هو في باطنه يری رأي‬
‫الجهمية والمرجئة في اإليمان‪ ،‬وهو معظم للسلف وأهل الحديث‬
‫فيظن أنه يجمع بينهما‪ ،‬أو يجمع بين كالم أمثاله وكالم السلف‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 228/7‬ط‪/‬جـ ‪ 364‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫المة األلباني � منهم‪ ،‬بما قررناه سابق ًا‪،‬‬
‫ونحن ال نشك أنَّ الع َّ‬
‫أنَّ الكفر االعتقادي عنده هو انتفاء التصديق؛ قول القلب واإلقرار من‬
‫ضمنه‪ ،‬فأراد أن يجمع بين الكالم السلفي البن القيم‪ ،‬وبين من استقر‬
‫على رأيهم وتبنى مقولتهم في مسألة اإليمان‪ ،‬كالطحاوي والبيهقي‪،‬‬
‫وأبي عذبة واإليجي والحافظين ابن حجر والهيثمي‪ ،‬و‪ ،...‬ألم يقل‪:‬‬
‫«هذا أكبر إقرار منه على أنه ال يؤمن بما استهزأ به» وهذا عين كالم‬
‫هؤالء الذي فنده شيخ اإلسالم �‪.‬‬
‫مكذب بالذي استخف‬
‫ٌ‬ ‫فدعوی كل من استخف أو استهزأ‪،‬‬
‫واستهزأ به‪ ،‬كما قال الع َّ‬
‫المة األلباني �‪ ،‬دعوی ساقطة‪ ،‬بل هي‬
‫جهمية قديمة‪ ،‬حلبية عنبرية مرادية حديثة‪ ،‬لكن في ثوب أثري‪.‬‬
‫‪ ‬الشبهة الخامسة‪ :‬يقول الع َّ‬
‫المة األلباني � في سؤال ورد‬
‫عليه‪« :‬هل من الممكن أن يطلق بعض إخواننا على من يفرح‪ ...‬أن‬
‫يطلق على هؤالء الكفر؟‬

‫‪215‬‬
‫فأجاب �‪ :‬ال ال!! هذا كله خطأ ومعصية ألها عالقة؟! إذا‬
‫كان لها عالقة بالكفر فالكفر عملي‪ ،‬نحن نبني قاعدة ونستريح‪ ،‬الكفر‬
‫المخرج عن الملة يتعلق بالقلب ال يتعلق باللسان‪.‬‬
‫اآلن سؤالك هذا يذكرني بقسمة عادلة أخری للكفر‪ ،‬فهناك كفر‬
‫لفظي وكفر قلبي‪ ،‬التقسيم السابق كان كفر ًا اعتقادي ًا وكفر ًا عملي ًا‪ ،‬اآلن‬
‫قسمة أخری عادلة‪ :‬كفر لفظي وكفر قلبي‪ ،‬الكفر القلبي يساوي الكفر‬
‫االعتقادي‪ ،‬والكفر اللفظي يساوي الكفر العملي‪.‬‬
‫فإنسان يظهر فرح ًا بسقوط بوش ونجاح فالن أو ما شابه ذلك‬
‫فرح بال شك ال ينبغي أن يصدر من مسلم‪ ،‬فهذا ممكن أن نسميه كفر ًا‬
‫لفظي ًا‪ ...‬لكن هذا ال ننكره ألنه وقع في زمن النبي ﷺ ـ كما أعتقد أنه‬
‫ال يخفى على أحدكم شيء من ذلك ـ كمثل حديث ابن عباس لما‬
‫قال إنَّ الرسول ﷺ خطب في أصحابه فقام رجل ليقول له ما شاء ال َّله‬
‫وشئت يا رسول ال َّله‪ ،‬فقال له‪« :‬أجعلتني ل َّله ند ًا‪ ،‬قل‪ :‬ما شاء ال َّله ـ‬
‫وحده»‪.‬‬
‫فهذا كفر لفظي‪ ...‬قال له‪« :‬أجعلتني ل َّله ند ًا‪»...‬‬
‫لكنه ما ألزمه شيء من لوازم الكفر االعتقادي‪.‬‬
‫إذ ًا يجب نحن أن نضع أمام أعيننا دائم ًا وأبد ًا هذه القسمة‬
‫ألن اللفظ منه‬
‫الصحيحة‪ :‬كفر اعتقادي أو قلبي وكفر عملي أو لفظي َّ‬
‫العمل‪[ ».‬فتاوی األلباني ص ‪.]285 ،284‬‬
‫الدين وأهلها نواح‬
‫رات‪ ،‬ويناح على دعامة ّ‬
‫الع َب ُ‬
‫هنا تُسكب َ‬
‫ثكلى األكباد‪ ،‬كيف الكفر ال يتعلق باللسان؟! أليس هذا هو قول جهم‬

‫‪216‬‬
‫بن صفوان الزنديق بعينه‪ *،‬أين توجد هذه القسمة الضيزی للكفر‪ ،‬في‬
‫كتب العلماء المعتبرين؟! أهذا هو مراد ابن القيم وشيخه ‪K‬‬
‫الذي تدندن حوله‪ ،‬وتوصي باعتماده وجوب ًا؟! فإطالق التقسيمات‬
‫واالصطالحات على عواهنها دون قيد أو شرط‪ ،‬هو فتح باب البدعة‬
‫أن هذه القاعدة ال تُريح‬
‫على مصراعيه‪ ،‬وحلقة اعتضاد لألثرية‪ ،‬الشك َّ‬
‫كما قال الشيخ �‪ ،‬بل للمحظور تُبيح‪.‬‬
‫فسب ال َّله والعياذ بال َّله كفر باللسان وهو لفظي‪ ،‬وسب رسوله‬
‫كفر لفظي‪ ،‬واالستهزاء بال َّله وآياته ورسوله كفر باللسان وهو لفظي‪،‬‬
‫واالستخفاف بشعائر ال َّله كفر لفظي‪ ،‬و‪ ،...‬كل هذه باللسان‪ ،‬فكيف‬
‫يصح قولك أنَّ الكفر المخرج من الملة ال يتعلق باللسان؟! فهذا أكبر‬
‫دليل أنَّ االستهزاء عندك ليس كفر ًا لذاته‪ ،‬بل هو داللة على أنَّ في‬
‫القلب كفر ًا‪ ،‬وهذا كفر سببه التكذيب‪ ،‬ألنك قلت في آية االستهزاء‪:‬‬
‫«هذا أكبر إقرار منه على أنه ال يؤمن بما استهزأ به»‪.‬‬
‫فمضمون قولك أنَّ ال كفر إ َّ‬
‫ال كفر التكذيب‪ّ ،‬‬
‫دل عليه‬
‫أن الكفر ليس له عالقة بالعمل‪ ،‬ثم طميت‬ ‫اصطالحاتك التي تقول‪َّ :‬‬
‫الوادي على القری بما قلته آنف ًا؛ الكفر األكبر ليس له عالقة باللسان‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر‬
‫كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافر ًا‪ ،‬إذ ال يكاد يقصد الكفر أحد‬
‫إ َّ‬
‫ال ما شاء ال َّله» [الصارم المسلول ‪.]339/2‬‬

‫* وهو قول مراد شكري يف «إحكام التقرير» الذي سوقه علي حلبي بنفسه‪ .‬‬

‫‪217‬‬
‫سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب �‪ :‬عن مسائل منها‬
‫الرابعة‪ :‬قوله‪ :‬أو نطق بكلمة كفر ولم يعلم معناها فال يكفر ذلك‪،‬‬
‫هل المعنى‪ :‬نطق بها ولم يعرف شرحها‪ ،‬أو نطق بها ولم يعلم أنَّها‬
‫تكفره؟‬
‫فأجاب �‪« :‬إذا نطق بكلمة الكفر ولم يعلم معناها‪ ،‬صريح ًا‬
‫واضح ًا‪ :‬أنه يكون نطق بما ال يعرف معناه؛ وأما كونه أنه ال يعرف أنها‬
‫[التوبة‪:‬‬ ‫تكفره‪ ،‬فيكفي فيه قوله‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ﴾‬
‫ﮣ] فهم يعتذرون من النبي ﷺ ظانين أنها ال تكفرهم‪.‬‬
‫والعجب ممن يحملها على هذا‪ ،‬وهو يسمع قوله تعالى‪﴿ :‬ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [الكهف]‪﴿ ،‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [األعراف] ﴿ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [الزخرف]‪.‬‬
‫أيظن هؤالء ليسوا كفار ًا؟‬
‫وال تستنكر الجهل الواضح لهذه المسائل ألجل غربتها‪ُّ ».‬‬
‫[الدرر‬
‫الس َّنية في األجوبة النجدية ‪.]125/10‬‬
‫َّ‬
‫فهناك من األقوال واألفعال ما يعتبر كفر ًا بذاته أو بجنسه‪،‬‬
‫مرتد سواء كان ال يقصدها أو ذاه ً‬
‫ال عنها‪ ،‬أو ال يعتقدها‪،‬‬ ‫كافر ٌ‬
‫وصاحبها ٌ‬
‫الدين‪ ،‬الذي هو االعتقاد واالنقياد؛ المناقضة‬
‫وهي التي تناقض أصل ّ‬
‫لقول القلب وعمله‪ ،‬وهناك من األقوال واألفعال ما يعتبر كفر ًا بذاته أو‬
‫بجنسه‪ ،‬لكن ال يكفر صاحبها حيث ال توجد مظنة العلم بها‪ ،‬فيحتاج‬
‫إلى إقامة الحجة عليه‪ ،‬فإذا أنكر بعد ذلك كفر بذلك عين ًا وال كرامة‪،‬‬

‫‪218‬‬
‫وهذا يقع في المقاالت الخفية والمسائل غير الظاهرة فقط‪ ،‬التي يقال‬
‫في صاحبها «مخطىء ٌ‬
‫ضال‪ ،‬لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها»‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 37/4‬البن تيمية ط‪/‬جـ ‪ 54‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫أما استدالل الشيخ � بالحديث الذي فيه‪« :‬أجعلتني ل َّله‬
‫ند ًا» للذي فرح بفوز «كلينتون» وسقوط «بوش األب» وقياسه عليه‪،‬‬
‫فهو متعذر لوجود الفرق‪ ،‬فاألول أخطأ في باب التعظيم‪ ،‬فهو ّ‬
‫عظم‬
‫يعظم‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أنه تجاوز بلفظه الحد‪ ،‬فنبهه النبي ﷺ أنَّ هذه‬ ‫ما ينبغي أن ّ‬
‫اللفظة ال تحقق التجريد الكامل للتوحيد‪ ،‬وأرشده إلى تركها‪ ،‬ألنها‬
‫مسألة خفية ال تظهر‪ ،‬مثلها في الذين قالوا له‪« :‬أنت سيدنا» قال‪« :‬السيد‬
‫هو ال َّله» فالنبي ﷺ كان حريص ًا على حماية جناب التوحيد بسده على‬
‫األلفاظ الموهمة للعبادة التي ال تنبغي إ َّ‬
‫ال ل َّله ولو لم يقصدها صاحبها‪،‬‬
‫أال تری لما قالت الجويرية‪ :‬وفينا رسول ال َّله يعلم ما في الغد قال ﷺ‪:‬‬
‫«دعي هذا وقولي بالذي كنت تقولين»‪.‬‬
‫فالذي قال‪« :‬ما شاء ال َّله وشئت» «أنكر عليه أن جعله ند ًا ل َّله في‬
‫هذه الكلمة التي جمع فيها بينه وبين ال َّله في المشيئة‪ ،‬إذ مشيئة العبد‬
‫تابعة لمشيئة ال َّله‪ ،‬فال يكون شريكه‪ ،‬لما يعلم أن كون الشيء ند ًا ل َّله قد‬
‫يكون بدون أن ُيعبد العبادة التامة‪ ،‬فإن ذلك الرجل ما كان يعبد رسول‬
‫ال َّله تلك العبادة‪[ ».‬قاعدة في المحبة ص ‪ 161‬البن تيمية]‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬فرح بسقوط «بوش» وفوز «كلينتون»‪ ،‬فكالهما كافران‪،‬‬
‫وهذا الشك في سذاجته‪ ،‬فإن كانت الفرحة فرحة إجالل وتعظيم‪ ،‬فهذا‬
‫الشك في كفره‪ ،‬وإن كانت الفرحة فرحة أنَّ هذا الكافر الفاجر عاقل‪،‬‬

‫‪219‬‬
‫كما قيل‪ :‬يضر الصديق الجاهل أكثر مما يضر العدو العاقل‪ ،‬ممكن أن‬
‫يتعامل معه في مرحلة زمنية مؤقتة‪ ،‬فال حرج في ذلك‪ ،‬وليعرف أنَّ هذه‬
‫حماقة‪ ،‬ومدرسة التخريج واحدة‪ ،‬وهذا له بسط في موضع آخر‪.‬‬
‫لكن موقفنا مع الشيخ � في اصطالحه الحادث الذي ليس‬
‫له فيه سالف‪ ،‬زيادة على كونه مجم ً‬
‫ال وخطير ًا ينذر بشر مستطير؛‬
‫«الكفر اللفظي يساوي الكفر العملي» وكما علمت أنَّ األلفاظ مختلفة‬
‫ومتباينة‪ ،‬فهو كما جعل شعب الكفر في رتبة واحدة‪ ،‬واشترط في كلها‬
‫االستحالل اللفظي‪ ،‬جعل هنا األلفاظ كلها في رتبة واحدة‪ ،‬ومن القسم‬
‫العملي‪ ،‬ومن هنا يؤتى الشيخ دائم ًا‪ ،‬لما يجعل الشيء ال يتبعض وال‬
‫يتجزأ وال يتفاوت‪ ،‬وهذا هو الذي حمله في الساب ل َّله ولرسوله‬
‫والعياذ بال َّله أن يقول في صاحبه‪« :‬أتى بكفر لفظي سببه سوء التربية»‬
‫نبين ذلك إن شاء ال َّله‪.‬‬
‫كما سوف ّ‬
‫أما قوله �‪« :‬إذ ًا يجب نحن أن نضع أمام أعيننا دائم ًا وأبد ًا‬
‫ألن‬
‫هذه القسمة الصحيحة‪ :‬كفر اعتقادي أو قلبي وكفر عملي أو لفظي َّ‬
‫اللفظ منه العمل»‪.‬‬
‫فهذه الطامة الكبری والبلية العظمى إذا كان يری أنَّ من قال فقد‬
‫قول أنكره إمام أهل الس َّنة أحمد بن حنبل � على شبابة‬ ‫عمل! فهذا ٌ‬
‫الداعي إلى اإلرجاء‪ ،‬بل كان رأس ًا فيه!* وشبابة هذا أعجمي؛ فكما‬ ‫َّ‬
‫ال من األعاجم‪ ،‬لقد أهلكتهم العجمى حتى‬ ‫تری غالب البالء ال يأتي إ َّ‬

‫* هو مروان بن سوار‪ ،‬أبو عمرو الفزاري موالهم‪ ،‬املدائني‪ ،‬وأصله من خراسان‪ .‬‬

‫‪220‬‬
‫جعلتهم يتأولون الشيء على غير مراده‪.‬‬
‫قال أبو عبد ال َّله �‪« :‬شبابة يدعو إلى اإلرجاء وكتبنا عنه قبل‬
‫أن نعلم أنه كان يقول هذه المقالة‪ ،‬كان يقول‪ :‬اإليمان قول وعمل فإذا‬
‫قال فقد عمل بلسانه قول رديء» [الس َّنة رقم ‪ 981‬للخالل]‪.‬‬
‫قال أبو بكر األثرم �‪« :‬سمعت أبا عبد ال َّله ـ وقيل له‪ :‬شبابة‬
‫أي شيء يقول فيه؟ فقال‪ :‬شبابة كان يدعو إلى اإلرجاء‪ .‬قال‪ :‬وقد حكي‬
‫عن شبابة قول أخبث من هذه األقاويل ما سمعت أحد ًا عن مثله‪ .‬قال‪:‬‬
‫قال شبابة‪ :‬إذا قال فقد عمل! قال اإليمان قول وعمل كما يقولون‪ :‬فإذا‬
‫قال فقد عمل بجارحته أي بلسانه‪ .‬فقد عمل بلسانه حين تكلم! ثم قال‬
‫أبو عبد ال َّله‪ :‬هذا قول خبيث ما سمعت أحد ًا يقول به وال بلغني» [الس َّنة‬
‫رقم ‪ 982‬للخالل]‪ .‬فما أظن الشيخ � بعيد ًا عن هذا بما قال آنف ًا‪.‬‬
‫أما قوله �‪« :‬هذه القسمة الصحيحة» فال شك في بطالنها‬
‫فطرة وشرع ًا‪ ،‬أما صحتها فعند حماد وأبي حنيفة والطحاوي وابن‬
‫فورك والبيهقي وأبي عذبة واإليجي والهيثمي و‪ Ą...‬وهؤالء‬
‫تعلم من هم أيها القاریء إن كان لك عقل صحيح وفكر رجيح وبقية‬
‫من انصاف‪ ،‬وال لهوی النفس منقاد‪.‬‬
‫المة األلباني � في سؤال ورد‬ ‫‪ ‬الشبهة السادسة‪ :‬يقول الع َّ‬
‫عليه‪« :‬ما هو الفرق بين التولي والوالية‪ ،‬وهل يحكم فيها جميع ًا على‬
‫الكفر؟‬
‫فأجاب �‪ :‬ال ال يحكم بالكفر ألنَّ الكفر كما نذكر دائم ًا‬
‫ال هو‬ ‫وأبد ًا ينقسم إلى كفر عملي وكفر اعتقادي‪ ،‬فمن تولى الكفار عم ً‬

‫‪221‬‬
‫فاجر‪ ،‬أما من توالهم عقيدة‪ ،‬فهو كافر» [فتاوی األلباني ص ‪.]572‬‬
‫لقد أسهمنا في هذا‪ ،‬في الشبهة األولى مما يغنينا عن اإلعادة‬
‫ها هنا‪ ،‬علم ًا أنَّ الكفر االعتقادي عند الشيخ � مذهب لقول القلب‬
‫ال عمله‪ ،‬وهذا قد ظهر جلي ًا فيما قررناه سابق ًا‪ ،‬فعند الشيخ من ّ‬
‫صدق‬
‫أقرهم على كفرهم فهو كافر‪ ،‬وكالهما ال‬ ‫الكفار على ما هم عليه أو ّ‬
‫يظهر إ َّ‬
‫ال بواح ًا أي‪ :‬لفظ ًا‪ ،‬فهذا هو الكفر االعتقادي عنده‪ ،‬أما الكفر‬
‫الذي يذهب عمل القلب مطلق ًا فهو من القسم الثاني الذي ال يكفر‬
‫المنتفي عنه عند الشيخ‪ ،‬أي‪ :‬من الكفر العملي‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية �‪ ،‬في معرض ر ّده على المرجئة‬
‫الذين استدلوا بقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ إلى قوله‪﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ﴾ [المجادلة‪ :‬ﮉ] أنها تنفي التصديق‪.‬‬
‫«فيقال لهم‪ :‬هذه اآلية فيها نفي اإليمان عمن يواد المحادين‬
‫ل َّله ورسوله‪ ،‬وفيها أنَّ من ال يواد المحادين ل َّله ورسوله فإنَّ ال َّله كتب‬
‫في قلوبهم اإليمان‪ ،‬وأيدهم بروح منه‪ ،‬وهذا يدل على مذهب السلف‬
‫أنه البد في اإليمان من محبة القلب ل َّله ورسوله‪ ،‬ومن بغض من‬
‫يحاد ال َّله ورسوله‪ ،‬ثم لم تدل اآلية على َّ‬
‫أن العلم الذي في قلوبهم بأن‬
‫محمد ًا رسول ال َّله يرتفع ال يبقى منه شيء‪ ،‬واإليمان الذي كتب في‬
‫القلب ليس هو مجرد العلم والتصديق‪ ،‬بل هو تصديق القلب وعمل‬
‫القلب؛‪ ...‬ودلت هذه اآلية على أنه ال يوجد مؤمن يواد الكفار‪ ،‬ومعلوم‬
‫أن التصديق في قلبه لم يكذب‬‫أن خلق ًا كثير ًا من الناس يعرف من نفسه َّ‬
‫َّ‬

‫‪222‬‬
‫الرسول‪ ،‬وهو مع هذا يواد الكفار‪ ،‬فالسلف يقولون‪ :‬ترك الواجبات‬
‫الظاهرة دليل على انتفاء اإليمان الواجب من القلب‪[ ».‬مجموعة الفتاوی‬
‫‪ 97 ،96/7‬ط‪/‬جـ ‪ 147،148‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فعلم أنَّ المواالة المكفرة هي المذهبة لعمل القلب ال قوله‪،‬‬
‫واأللباني لما يقول‪« :‬توالهم عقيدة» يقصد بها‪ ،‬يصدقهم على ما‬
‫أن ليس عنده من األعمال ما تكون شرط ًا‬
‫هم عليه من كفر‪ ،‬دل عليه َّ‬
‫في صحة الباقي‪ ،‬فهو ال يكفر تارك الصالة وال المعرض كما قال‪:‬‬
‫«بالكلية عن الشريعة إلى القوانين الوضعية» فالمواالة الجوارحية‬
‫المذهبة لعمل القلب‪ ،‬ال تدل عنده على المواالة العقدية‪ ،‬فمن ظن أنَّ‬
‫يصدقهم على كفرهم‬‫ال َّله أنزل قوله‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ﴾ فيمن ّ‬
‫فقد أبعد النجعة وولج في اإلرجاء من بابه الواسع‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية � في قوله تعالى‪﴿ :‬ﭒ ﭓﭔﭕﭖ‬
‫ﭗﭘﭙ﴾ إلى قوله‪﴿ :‬ﮙﮚﮛ﴾ [المائدة]‪:‬‬
‫«والمفسرون متفقون على أنها نزلت بسبب قوم ممن كان يظهر‬
‫اإلسالم وفي قلبه مرض‪ ،‬خاف أن يغلب أهل اإلسالم فيوالي الكفار‬
‫من اليهود والنصاری وغيرهم للخوف الذي في قلوبهم‪ ،‬ال العتقادهم‬
‫أن محمد ًا كاذب‪ ،‬واليهود والنصاری صادقون‪[ ».‬مجموعة الفتاوی‬ ‫َّ‬
‫‪ 124/7‬ط‪/‬جـ ‪ 194‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فعلم أنَّ المواالة العقدية ال ّ‬
‫تمت بصلة إلى التصديق‪ ،‬وإنما لها‬
‫عالقة بعمل القلب الموجب النقياد الجوارح بطريقة التالزم‪ ،‬ولهذا‬
‫لما ك ّفر أئمتنا الحاكم بالقوانين الوضعية‪ ،‬وأنه من الذين أحبط ال َّله‬

‫‪223‬‬
‫أعمالهم‪ ،‬ال ألنه مكذب أو جاحد‪ ،‬بل بالعمل المجرد؛ وضع القوانين‬
‫محل الشريعة‪ ،‬وذلك ال يكون إ َّال بانتفاء عمل القلب الموجب لالنقياد‬
‫والتزام الطاعة‪ ،‬كما البد من التفريق بين مطلق الوالية والوالية المطلقة؛‬
‫بين العمل المضعف لعمل القلب وبين المذهبه‪ ،‬فقد تحصل لرجل‬
‫موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنب ًا ينقص به إيمانه‪ ،‬وال يكون بها‬
‫كافر ًا‪ ،‬كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة ‪ *‬لكن من لبس زيهم‬
‫وحمل السالح معهم كما يحصل هذه األيام‪ ،‬هذا ال يشك في كفره إ َّال‬
‫الدين‪ ،‬وإ َّال كيف تكون هذه الوالية المكفرة هال أخبرتمونا لقد‬
‫رقيق ّ‬
‫طال بنا االنتظار؟!‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬ومن تولى أمواتهم‪ ،‬أو أحياءهم‪ ،‬بالمحبة‬
‫والتعظيم والموافقة‪ ،‬فهو منهم كالذين وافقوا أعداء إبراهيم الخليل من‬
‫الكلدانيين وغيرهم من المشركين عباد الكواكب أهل السحر‪ ،‬والذين‬
‫وافقوا أعداء موسى من فرعون وقومه بالسحر‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬
‫وال ريب أنَّ هذه الطوائف‪ ،‬وإن كان كفرها ظاهر ًا‪ ،‬فإن كثير ًا من‬
‫الداخلين في اإلسالم‪ ،‬حتى من المشهورين بالعلم‪ ،‬والعبادة‪ ،‬واإلمارة‪،‬‬
‫قد دخل في كثير من كفرهم‪ ،‬وعظمهم‪ ،‬ويری تحكيم ما قرروه من‬
‫القواعد ونحو ذلك‪ .‬وهؤالء كثروا في المستأخرين ولبسوا الحق الذي‬
‫جاءت به الرسل بالباطل الذي كان عليه أعداؤهم‪.‬‬
‫وال َّله ـ تعالى ـ يحب تمييز الخبيث من الطيب‪ ،‬والحق من‬

‫* انظر «جمموعة الفتاوی ‪ 320/7‬ط‪/‬جـ ‪ 523‬ط‪/‬ق» البن تيمية � تعاىل‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫الباطل‪ ،‬فيعرف أنَّ هؤالء األصناف منافقون‪ ،‬أو فيهم نفاق‪ ،‬وإن كانوا‬
‫مع المسلمين‪ ،‬فإن كون الرجل مسلم ًا في الظاهر ال يمنع أن يكون‬
‫منافق ًا في الباطن‪ ،‬فإن المنافقين كلهم مسلمون في الظاهر‪ ،‬والقرآن‬
‫قد ّبين صفاتهم وأحكامهم‪ ،‬وإذا كانوا موجودين على عهد رسول ال َّله‬
‫ﷺ‪ ،‬وفي عزة اإلسالم‪ ،‬مع ظهور أعالم النبوة‪ ،‬ونور الرسالة‪ ،‬فهم‬
‫مع بعدهم عنهما أشد وجود ًا‪ ،‬ال سيما وسبب النفاق هو الكفر‪ ،‬وهو‬
‫المعارض لما جاءت به الرسل‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪ 114/28‬ط‪/‬جـ]‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأكبر معارضة ومشاقة للرسل تحكيم القوانين الوضعية‬
‫الوثنية‪ ،‬وفرضها وتحتيمها على الناس‪ ،‬ولهذا سمى أئمتنا هذا‬
‫الزبلي باألعظم واألشمل واألظهر معاندة ومناقضة للشرع‪،‬‬
‫التحكيم ُ‬
‫انضم إليها محاربة من تصدی لها بالحديد‬
‫َّ‬ ‫ومشاقة ل َّله ورسوله‪ ،‬فإذا‬
‫والنار والتعذيب وااليداع في السجون و‪ ...‬وتسميتهم باإلرهابيين‬
‫والخوارج‪.‬‬
‫فأي صراحة فوق هذه الصراحة‪ ،‬أنَّ هؤالء ناقضوا ال إله‬ ‫ّ‬
‫إال ال َّله وأنَّ محمد ًا رسول ال َّله‪ ،‬فياوي ً‬
‫ال لمن كان بوق ًا لهم‪ ،‬يردد‬
‫هذه المصطلحات الخبيثة الحادثة‪ ،‬لينبز بها الطائفة القوامة بأمر‬
‫الدين؛ مسألة اإليمان‪ ،‬فهذه هي الطائفة‬‫ال َّله المحافظة على دعامة ّ‬
‫المحمدية‪ ،‬المرابطة على الثغور‪ ،‬المجاهدة ألهل الشرك والكفر‬
‫والردة والفجور‪ ،‬إلى أن يرث ال َّله األرض ومن عليها‪ ،‬ول َّله عاقبة‬
‫ّ‬
‫األمور‪.‬‬
‫«فإذا كان من أنكر النهي عن األكل بالشمال‪ ،‬أو النهي عن‬

‫‪225‬‬
‫إسبال الثياب ـ بعد معرفته أن الرسول ﷺ نهى عن ذلك ـ فهو كافر‬
‫مرتد ولو كان من أعبد ال ّناس وأزهدهم‪.‬‬
‫فكيف بمن أنكر إخالص العبادة ل َّله وحده‪ ،‬وإخالص الدعوة‬
‫واالستغاثة والنذر والتوكل وغير ذلك من أنواع العبادة التي ال تصلح‬
‫إ َّال ل َّله وحده‪ ،‬وال يصلح منها شيء لملك مقرب وال نبي مرسل‪ ،‬التي‬
‫أرسل ال َّله جميع كتبه ألجل معرفتها والعمل بها‪ ،‬التي هي أعظم شعائر‬
‫اإلسالم الذي معنى ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله‪ ،‬فمن أنكر ذلك وأبغضه وسبه وسب‬
‫وسماهم خوارج فهو الكافر حق ًا الذي يجب قتاله حتى يكون‬ ‫َّ‬ ‫أهله‬
‫الس َّنية في األجوبة النجدية‬ ‫الدين كله ل َّله بإجماع المسلمين كلهم‪ُّ ».‬‬
‫[الدرر َّ‬ ‫ّ‬
‫‪.]182 ،181/10‬‬
‫‪ ‬الشبهة السابعة‪ :‬يقول الع َّ‬
‫المة األلباني � في سؤال‪« :‬ما‬ ‫ ‬
‫الفرق بين اإلقرار واالستحالل؟‬
‫وهل يحكم فيهما جميع ًا عدد معين بعد إقامة الحجة بالكفر؟‬
‫هذا تكملة أو تتمة للسؤال السابق‪.‬‬
‫يقول �‪ :‬نحن قلنا إنَّ الكفر نوعان‪ :‬كفر اعتقادي وكفر‬
‫عملي‪ ،‬والكفر االعتقادي ال سبيل لمعرفته إ َّال بأن يعرب الذي صدر منه‬
‫الكفر بلسانه‪ ،‬أما أن تحكم عليه بما صدر منه من عمل هو الموصوف‬
‫بأنه كفر في الشرع‪ ،‬فهذا ال يلزم منه أن نصفه بأنه كفر باطن ًا كما كفر‬
‫ظاهراً‪ ،‬وكنت آنف ًا وأنا أحدث عن موضوع التعبير عن الفرقة الناجية‬
‫وعن الطائفة المنصورة بالعبارة المتداولة اليوم ومنذ مئات السنين أهل‬
‫الس َّنة والجماعة كنت أتحدث بأن اإلسالم من كماله أنه جاء بإصالح‬

‫‪226‬‬
‫الظواهر والبواطن‪.‬‬
‫لم يأت اإلسالم إلصالح البواطن دون الظواهر‪ ،‬وإنما عنى‬
‫بإصالح األمرين كليهما‪ ،‬والسبب في هذا واضح جد ًا لمن له عناية‬
‫خاصة بتتبع كثير من األحكام الشرعية التي تنص على ارتباط الباطن‬
‫بالظاهر وارتباط الظاهر بالباطن‪ ،‬ومن ذلك مث ً‬
‫ال‪ :‬حديث النعمان بن‬
‫بشير المتفق عليه بين الشيخين وهو حديث فيه بعض الطول وفيه‬
‫وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد‬ ‫يقول الرسول ﷺ‪ :‬أال َّ‬
‫كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد ك ّله‪ ،‬أال وهي القلب»‪[ .‬فتاوی األلباني ص‬
‫‪.]573‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫لو لم تكن إ َّ‬
‫ال هذه الكبوة المبثوثة في كتبك وفتاويك لكفت‪،‬‬
‫الدين؛ مسألة اإليمان‪ ،‬وإن‬
‫فإنَّك لست على مذهب السلف في دعامة ّ‬
‫ا ّدعيت الزيادة والنقصان واالستثناء فيها‪ ،‬فحصر الكفر االعتقادي في‬
‫أن هذا مراد ابن‬
‫التكذيب والجحود‪ ،‬وهذان من قول القلب‪ ،‬ثم اال ّدعاء َّ‬
‫قيم الجوزية وشيخه افتآت عظيم‪.‬‬
‫فالزم قولك هذا‪ ،‬أنَّ إلقاء المصحف في الحش والعياذ بال َّله‬
‫من الكفر العملي‪ ،‬فهذا لم يعرب صاحبه عن هذا الفعل بلسانه كما‬
‫قلت آنف ًا‪ ،‬فلقد اشترطت في الكفر االعتقادي ذلك‪ ،‬والسجود للصنم‬
‫لم يعرب صاحبه عن هذا الفعل بلسانه‪ ،‬والسجود للمريد لم يعرب‬
‫صاحبه عن هذا الفعل بلسانه‪ ،‬والشك أنه كفر وشرك من الساجد‬
‫والمسجود له عند كافة العقالء‪ ،‬والسجود للشمس و‪ ...‬فهذه أعمال‬

‫‪227‬‬
‫ليست فيها إعراب باللسان قطع ًا‪.‬‬
‫فإن ك َّفرت أصحابها‪ ،‬فهذا تكفير بغير موجب‪َّ ،‬‬
‫ألن اشتراطك‬
‫في الكفر االعتقادي مفقود في هؤالء‪ ،‬وإن لم تكفرهم لزمك قول‬
‫جهم الزنديق‪ ،‬الذي قال ال كفر إ َّال كفر التكذيب وإن أظهر اليهودية‬
‫والمجوسية والنصرانية وسائر أنواع الكفر‪ ،‬وإن قلت‪ :‬هذه كفر صراح‬
‫وأصحابها كفار وال كرامة‪ ،‬لكن انتفى في حقهم التصديق كما قلت في‬
‫آية االستهزاء‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هذه سفسطة ودعوی باطلة‪ ،‬ومكابرة صريحة‪ ،‬وإيواء‬
‫إلى ركن غير وثيق‪« ،‬فالسلف يقولون‪ :‬ترك الواجبات الظاهرة دليل‬
‫على انتفاء اإليمان الواجب من القلب‪ ،‬لكن قد يكون بزوال عمل‬
‫القلب الذي هو حب ال َّله ورسوله‪ ،‬وخشية ال َّله ونحو ذلك ال يستلزم‬
‫أن ال يكون في القلب من التصديق شيء‪ ،‬وعند هؤالء كل من نفى‬
‫الشرع إيمانه ليس في قلبه شيء من التصديق أص ً‬
‫ال‪ ،‬وهذا سفسطة عند‬
‫جماهير العقالء‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪ 97/7‬ط‪/‬جـ ‪ 148‬ط‪/‬ق البن تيمية]‪.‬‬
‫فاختر لنفسك ما شئت‪ ،‬فليس لك إ َّ‬
‫ال هذه الثالث التي ال محيد‬
‫لك عنها‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية �‪« :‬قال أبو المعالي‪« :‬باب‬
‫في ذكر األسماء واألحكام»‪ :‬اعلم أن غرضنا في هذا الباب يستدعي‬
‫تقديم حقيقة اإليمان‪ .‬قال‪ :‬وهذا مما تباينت فيه مذاهب اإلسالميين‪،‬‬
‫ثم ذكر قول الخوارج‪ ،‬والمعتزلة‪ ،‬والكرامية‪ ،‬ثم قال‪ :‬وأما مذاهب‬
‫أصحابنا فصار أهل التحقيق من أصحاب الحديث والنظار منهم إلى‬

‫‪228‬‬
‫أن اإليمان هو التصديق‪ ،‬وبه قال‪ :‬شيخنا أبو الحسن ـ رحمة ال َّله عليه‬
‫ـ واختلف رأيه في معنى التصديق؛ وقال مرة‪ :‬المعرفة بوجوده وقدمه‬
‫وإلهيته‪ ،‬وقال مرة‪ :‬التصديق‪ :‬قول في النفس‪ ،‬غير أنه يتضمن المعرفة‪،‬‬
‫وال يصح أن يوجد دونها‪ ،‬وهذا مقتضاه‪ ،‬فإن التصديق والتكذيب‬
‫والصدق والكذب باألقوال أجدر فالتصديق إذ ًا قول في النفس يعبر‬
‫عنه باللسان‪ ،‬فتوصف العبادة بأنها تصديق‪ ،‬ألنها عبارة عن التصديق‪.‬‬
‫وقال بعض أصحابنا‪ :‬التصديق ال يتحقق إال بالقول والمعرفة جميع ًا‪،‬‬
‫فإذا اجتمعا كان تصديق ًا واحد ًا‪.‬‬
‫ومنهم من اكتفى بترك العناد‪ ،‬فلم يجعل اإلقرار أحد ركني‬
‫اإليمان‪ ،‬فيقول‪ :‬اإليمان هو التصديق بالقلب‪ ،‬وأوجب ترك العناد‬
‫بالشرع‪ ،‬وعلى هذا األصل يجوز أن يعرف الكافر ال َّله‪ ،‬وإنما يكفر‬
‫بالعناد ال ألنه ترك ما هو األهم في اإليمان‪.‬‬
‫وعلى هذا األصل يقال‪ :‬إن اليهود عالمين بال َّله ونبوة محمد‬
‫ﷺ‪ ،‬إال أنهم كفروا عناد ًا وبغي ًا وحسد ًا‪ ،‬قال‪ :‬وعلى قول شيخنا أبي‬
‫الحسن‪ :‬كل من حكمنا بكفره فنقول‪ :‬إنه ال يعرف ال َّله أص ً‬
‫ال وال عرف‬
‫رسوله وال دينه‪ ،‬قال أبو القاسم األنصاري تلميذه‪ :‬كأن المعنى‪ :‬ال‬
‫حكم إليمانه وال لمعرفته شرع ًا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وليس األمر على هذا القول كما قاله األنصاري هذا‪،‬‬
‫ولكن على قولهم‪ :‬المعاند كافر شرع ًا‪ ،‬فيجعل الكفر تارة بانتفاء‬
‫اإليمان الذي في القلب وتارة بالعناد‪ ،‬ويجعل هذا كافر ًا في الشرع‪،‬‬
‫وإن كان معه حقيقة اإليمان الذي هو التصديق‪ ،‬ويلزمه أن يكون كافر ًا‬

‫‪229‬‬
‫في الشرع‪ ،‬مع أن معه اإليمان الذي هو مثل إيمان األنبياء والمالئكة‪.‬‬
‫والحذاق في هذا المذهب‪ ،‬كأبي الحسن‪ ،‬والقاضي ومن قبلهم من‬
‫أتباع جهم‪ ،‬عرفوا أن هذا تناقض يفسد األصل فقالوا‪ :‬ال يكون أحد‬
‫كافر ًا إال إذا ذهب ما في قلبه من التصديق والتزموا أن كل من حكم‬
‫الشرع بكفره‪ ،‬فإنه ليس في قلبه من معرفة ال َّله وال معرفة رسوله؛ ولهذا‬
‫أنكر هذا عليهم جماهير العقالء‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا مكابرة وسفسطة‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 96 ،95/7‬ط‪/‬جـ ‪145‬ـ ‪ 147‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فإذا كان هذا هو اإليمان الذي يريده الع َّ‬
‫المة األلباني � فقد‬
‫عرفتم من أصحابه‪ ،‬وإن كان يريد ما قرره وحققه أئمة الهدی كشيخ‬
‫اإلسالم‪ ،‬فليس باال ّدعاء‪ ،‬وإنما بالوقوف حيث وقفوا واالنتهاء إلى ما‬
‫انتهوا إليه‪ ،‬أما اعتماده ظاهر ًا‪ ،‬وتحقيقه باطن ًا على كالم هؤالء‪ ،‬فجمع‬
‫متناقض مضطرب متدافع‪ ،‬ال يفي بالمقصود‪ ،‬ومن سلكه كاأللباني‬
‫ونحا منحاه‪ ،‬فالبد أن يضرب النصوص بعضها ببعض‪ ،‬أو يستشكلها‬
‫أو يتطلب لها مستنكر التأويالت‪.‬‬
‫أما قوله �‪« :‬كثير من األحكام الشرعية التي تنص على‬
‫ارتباط الباطن بالظاهر وارتباط الظاهر بالباطن‪ ،‬واستدالله بحديث‬
‫النعمان بن بشير»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا أكبر دليل على اضطرابك وتناقضك‪ ،‬فإن اعتمدته‬
‫فالبد لك هدم ما بنيته‪ ،‬وأكبر لبنة منه قولك‪« :‬أنَّ الكفر االعتقادي ال‬
‫سبيل لمعرفته إال بأن يعرب الذي صدر منه الكفر بلسانه» ألن الظاهر‬
‫عمدة الباطن‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫فاأللباني ظن كالذي ظن «أنَّ ليس في القلب إال التصديق‪،‬‬
‫وأن ليس الظاهر إال عمل الجوارح‪ ،‬والصواب أن القلب له عمل مع‬
‫التصديق‪ ،‬والظاهر قول ظاهر وعمل ظاهر‪ ،‬وكالهما مستلزم للباطن‪،‬‬
‫والمرجئة أخرجوا العمل الظاهر عن اإليمان؛ فمن قصد منهم إخراج‬
‫أعمال القلوب ـ أيض ًا ـ وجعلها هي التصديق‪ ،‬فهذا ضالل بين‪ ،‬ومن‬
‫قصد إخراج العمل الظاهر قيل لهم‪ :‬العمل الظاهر الزم للعمل الباطن‬
‫ال ينفك عنه‪ ،‬وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن» [مجموعة الفتاوی ‪339/7‬‬
‫البن تيمية ط‪/‬جـ ‪ 554‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فأقول للع َّ‬
‫المة األلباني �‪ ،‬إنَّ المضغة التي أشرت إليها‬
‫في الحديث‪ ،‬فيها قول وعمل‪ ،‬فهل توافقنا على أنه إذا فسد عملها‬
‫المستلزم للعمل الظاهر‪ ،‬ألن من المحال أن ينتفي انقياد الجوارح‬
‫باألعمال الظاهرة مع ثبوت عمل القلب‪ ،‬يفسد بذلك الجسد كله؟!‬
‫فإن قلت‪ :‬ال‪ ،‬فقد لزمك قول جهم الزنديق‪ ،‬ومن تبعه على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وإن قلت‪ :‬نعم‪ ،‬وجب عليك ما أصلته الذي ال يلتئم مع‬
‫النصوص إلقائه في الحش‪ ،‬وتقول بقول الشافعي � القول قول‬
‫أئمتنا‪« ،‬فهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به‬
‫علم‪ ،‬وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا»‪.‬‬
‫‪ ‬الشبهة الثامنة‪ :‬يقول الع َّ‬
‫المة األلباني � في سؤال ورد‬
‫عليه نصه‪« :‬يقولون فرق بين من قضى في قضية بهواه‪ ،‬وبين من نسف‬
‫الدين‬ ‫ال‪ ،‬وجعل بد ً‬
‫ال منها القوانين‪ ،‬هذا بدل ّ‬ ‫الشريعة جملة وتفصي ً‬

‫‪231‬‬
‫وأما هذا ال‪.‬‬
‫يقول �‪ :‬أنا ال أزال أقول الذي َّ‬
‫بدل إذا صح هذا التعبير‪،‬‬
‫أي إذا أقام القوانين الوضعية وأقام الشريعة اإلسالمية كلها تبنى‬
‫القانون اإلفرنجي أو السويسري أو‪ ...‬أو‪ ...‬إلخ‪ ،‬وأعرض عن اإلسالم‬
‫بالكلية‪.‬‬
‫جوابه هو ما سبق تمام ًا إن كان يتبني ذلك استحال ً‬
‫ال قلب ًا وليس‬
‫ال محافظة على الكرسي‪ ،‬محافظة على السلطة والرياسة‬ ‫اتباع ًا لهوی مث ً‬
‫ونحو ذلك» [فتاوی األلباني ص ‪.]581 ،580‬‬
‫أقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫إنَّ الشيخ �‪ ،‬يری التبديل والحكم في قضية بالهوی‪ ،‬شيئ ًا‬
‫واحد ًا‪ ،‬ليس له ضابط إ َّ‬
‫ال االستحالل بالقول‪ ،‬ثم هذا يعد اضطراب ًا‬
‫وتناقض ًا في أقواله‪ ،‬لما ك َّفر آتاتورك بوضع القانون أي‪ :‬التبديل‪،‬‬
‫كل هو تراجع عن هذا واستقر على مذهب من يقول ال كفر إ َّ‬
‫ال‬ ‫وعلى ٍّ‬
‫كفر التكذيب أو الجحود‪ ،‬أما كفر «اإلعراض» و«التولي» و«اإلباء»‬
‫ٌ‬
‫مخالف بذلك للذي تبنى مصطلحه؛ ابن‬ ‫و«االستكبار» ال يثبته‪ ،‬وهو‬
‫قيم الجوزية �‪ ،‬هذه األولى‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬تبني مصطلح ابن القيم؛ «الكفر االعتقادي والكفر‬
‫العملي» في الظاهر‪ ،‬ثم ّليه في الباطن على طريقة المرجئة أصحاب‬
‫الدين‪ ،‬يدل عليه إقراره لكتاب الجهمي مراد‬
‫رأي السوء في دعامة ّ‬
‫شكري‪ ،‬فصاحب المصطلح المتبنى؛ ابن القيم‪ ،‬عنده كفر عمل يضاد‬
‫اإليمان‪ ،‬والشيخ عنده الكفر ليس له عالقة بالعمل إطالق ًا‪ ،‬وابن القيم‬

‫‪232‬‬
‫يقول كفر التكذيب والجحود قليل في األمم‪ ،‬والشيخ يقول ال كفر إ َّ‬
‫ال‬
‫وأي كفر دل عليه الشارع ليس كفر ًا لذاته‬
‫كفر التكذيب أو الجحود‪ّ ،‬‬
‫وإنما سببه التكذيب‪ ،‬كما قال في المستهزىء‪ ،‬وابن القيم يری الكفر‬
‫االعتقادي مذهب ًا لقول القلب وعمله‪ ،‬والشيخ ال يری ذلك‪ ،‬إ َّ‬
‫ال إذا‬
‫انتفى قول القلب المستلزم للتصديق واإلقرار من ضمنه‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬الشيخ األلباني � يری التبديل ليس كفر ًا لذاته‪ ،‬إ َّ‬
‫ال‬
‫أي شيء على الشريعة‬ ‫إذا استحل لفظ ًا‪ ،‬والع َّ‬
‫المة ابن القيم يری تقديم ّ‬
‫محبط ًا للعمل‪.‬‬
‫يقول �‪« :‬ﭧ ﭨ ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗ﴾ [الحجرات]‪.‬‬
‫فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سبب ًا لحبوط أعمالهم فكيف‬
‫بتقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء‬
‫به ورفعها عليه؟ أليس هذا أولى أن يكون محبط ًا ألعمالهم؟‪[ ».‬إعالم‬
‫الموقعين ‪.]41/1‬‬
‫يقدم قول كارل ماركس ولينين‬
‫فكيف إذا رأی زماننا هذا‪ّ ،‬‬
‫وستالين‪ ،‬أو القانون اإلفرنجي عامة‪ ،‬ومنه اإلنجليزي والسويسري‬
‫على ما جاء به سيد ولد آدم وال فخر‪ ،‬ماذا يقول؟! أتری يقول حبوط‬
‫عمله من النوع الخاص ليس عام ًا؟!‬
‫أو يقول كما قال الشيخ األلباني حتى يستحلها لفظ ًا؟! فهل تری‬
‫يوافقه على هذا القول؟ أم يقول له‪ :‬دع عنك مصطلحي‪ ،‬فأنا أبصر به‪،‬‬

‫‪233‬‬
‫وأعني ما أقول‪ ،‬وهذا المبدل؛ صاحب القوانين الوضعية‪ ،‬أشد كفر ًا‬
‫وعتي ًا ونفور ًا عما جاء به رسول ال َّله ﷺ‪ ،‬وأعظم مناقضة وأشمل‬
‫ال عرفته البشرية جمعاء‪ ،‬ال يشك في كفره إ َّ‬
‫ال من طمس ال َّله بصره‬ ‫تبدي ً‬
‫وأعماه عن نور الوحي‪ ،‬بل يك ّفره من هو على طوره األول في تعلم‬
‫مسائل األسماء واألحكام؛ صبيان الكتاب‪ ،‬ألنها مشتملة على األمد‬
‫األقصى من الوضوح والبيان‪.‬‬
‫المة األلباني � على تبني رأي المرجئة في‬ ‫فنحن ال نلوم الع َّ‬
‫الدين‪ ،‬فال َّله يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم‪ ،‬وإنما نلومه‬
‫دعامة ّ‬
‫على تبني قول أئمتنا ومنهم صاحب المصطلح؛ الع َّ‬
‫المة ابن القيم‬
‫الحق‬
‫ّ‬ ‫�‪ ،‬ثم اإللقاء عليه ثوب المرجئة‪ ،‬فيلتبس األمر بذلك ويضل‬
‫وترهات هؤالء ال َّن ْو َكی‪.‬‬
‫بين سفسطات ّ‬
‫المة األلباني � إ َّ‬
‫ال قوله‪:‬‬ ‫وأيم ال َّله لو لم يكن من كالم الع َّ‬
‫«وأعرض عن اإلسالم ك ّلية‪ ،‬جوابه هو ما سبق تمام ًا إن كان يتبنى ذلك‬
‫استحال ًال قلباً» لكفى به داللة واضحة أنَّ الشيخ ليس على الهدی‬
‫المستقيم في مسألة اإليمان‪ ،‬قولوا لنا َّبربكم‪ ،‬أترون أنَّ ابن القيم أو‬
‫ابن تيمية ‪ K‬اللذين حمل األلباني شعارهما في مسألة اإليمان‬
‫يقولون بهذا؛ «من أعرض عن اإلسالم بالكلية» هو مسلم ما لم يكذب‬
‫أو يجحد؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!‪.‬‬
‫ﭧ ﭨ ﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾‬
‫[األحزاب]‪ .‬وﭧ ﭨ ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙﭚ﴾ [الحج]‪ .‬ال َّلهم إنا نسألك الثبات على هذا الصراط‪،‬‬

‫‪234‬‬
‫وأن ال تشذ بنا عنه طرفة عين‪ ،‬ال إفراط ًا وال تفريط ًا‪ ،‬واجعلنا من الذين‬
‫اتقوا والذين هم محسنون‪ ،‬آمين آمين‪.‬‬
‫ورأس اإلحسان وذروة سنامه المحافظة على هذه األمانة؛‬
‫مسألة اإليمان‪ ،‬كما جاءت عن الذين يغيظ بهم الكفار‪ ،‬الرحماء‬
‫بينهم األشداء على الكفار والزنادقة‪ ،‬ومنهم العلمانيين والحداثيين‪،‬‬
‫المتسمون زور ًا وبهتان ًا بالمحافظين‪ ،‬والمرفقون بالذي عنده نور‬
‫وظلمة‪ ،‬مع االنكار لظلمته وكشفها وتسليط الضوء عليها‪ ،‬حتى‬
‫أصر عليها أنبناه وقلنا له‪ :‬إنَّ ال َّله ال يحب النور والظلمة‪،‬‬
‫تنجلي ومن َّ‬
‫إنما يحب النور على النور‪ ،‬مع والئه وجوب ًا ولو ضرب ظهرنا وأخذ‬
‫مالنا‪ ،‬ويابشراه من كان على هذا النهج‪ ،‬ألنَّ ال َّله َّ‬
‫بشر أصحابه بقوله‪:‬‬
‫﴿ﮦ ﮧﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ﴾ والمحروم من حرم هذه‬
‫البشری ﴿ﯦﯧﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ﴾‪.‬‬
‫أما قوله �‪« :‬وأعرض عن اإلسالم بالكلية من أجل المحافظة‬
‫على الكرسي والسلطة والرياسة‪.»...‬‬
‫قلت‪ :‬فهذه األغراض هي التي أخزت من كان قبلنا‪ ،‬هرقل‬
‫ُ‬
‫وأمثاله‪ ،‬وهذه أغراض مستوجبة للكفر والعذاب‪ ،‬ألنها من باب إيثار‬
‫الدنيا على اآلخرة‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬فقد ذكر تعالى من كفر بال َّله بعد إيمانه‬
‫وذكر وعيده في اآلخرة‪ ،‬ثم قال‪﴿ :‬ﮖﮗﮘﮙﮚ‬
‫وبين ـ تعالى ـ أن الوعيد استحقوه بهذا‪.‬‬
‫ﮛﮜ﴾ [النحل‪ :‬ﮣ] ّ‬

‫‪235‬‬
‫ومعلوم أن باب التصديق والتكذيب والعمل والجهل ليس هو من‬
‫باب الحب والبغض‪ ،‬وهؤالء يقولون*‪ :‬إنما استحقوا الوعيد لزوال‬
‫التصديق واإليمان من قلوبهم‪ ،‬وإن كان ذلك قد يكون سببه حب‬
‫الدنيا على اآلخرة‪ ،‬وال َّله ـ سبحانه وتعالى ـ جعل استحباب الدنيا على‬
‫اآلخرة هو األصل الموجب للخسران واستحباب الدنيا على اآلخرة‬
‫قد يكون مع العلم والتصديق بأن الكفر يضر في اآلخرة‪ ،‬وبأنه ما له في‬
‫اآلخرة من خالق‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮉﮊﮋﮌﮍ﴾ أي‪ :‬الستحبابه‬
‫الدنيا على اآلخرة‪ ...،‬واآلية نزلت في عمار بن ياسر‪ ،‬وبالل بن رباح‪،‬‬
‫وأمثالهما من المؤمنين المستضعفين لما أكرههم المشركون على‬
‫سب النبي ﷺ‪ ،‬ونحو ذلك من كلمات الكفر‪ ،‬فمنهم من أجاب بلسانه‬
‫كعمار‪ ،‬ومنهم من صبر على المحنة كبالل‪ ،‬ولم يكره أحد منهم على‬
‫ّ‬
‫خالف ما في قلبه‪ ،‬بل أكرهوا على التكلم‪ ،‬فمن تكلم بدون إكراه لم‬
‫يتكلم إ َّال وصدره منشرح به‪.‬‬
‫وأيض ًا‪ :‬فقد جاء نفر من اليهود إلى النبي‪ ،‬فقالوا‪ :‬نشهد إنك‬
‫لرسول‪ ،‬ولم يكونوا مسلمين بذلك؛ ألنهم قالوا على سبيل اإلخبار عما‬
‫في أنفسهم‪ ،‬أي نعلم ونجزم أنك رسول ال َّله‪ ،‬قال‪« :‬فلم ال تتبعوني؟»‬
‫قالوا‪ :‬نخاف من يهود‪ ،‬فعلم أن مجرد العلم واإلخبار عنه ليس بإيمان‬
‫حتى يتكلم باإليمان على وجه االنشاء المتضمن لاللتزام واالنقياد‪ ،‬مع‬

‫* املرجئة املبتدعة الضالة عن اهلدی‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫تضمن ذلك اإلخبار عما في أنفسهم‪.‬‬
‫فالمنافقون قالوا مخبرين كاذبين‪ ،‬فكانوا كفار ًا في الباطن‪،‬‬
‫وهؤالء قالوها غير ملتزمين وال منقادين‪ ،‬فكانوا كفار ًا في الظاهر‬
‫والباطن‪ ،‬وكذلك أبو طالب قد استفاض عنه أنه كان يعلم بنبوة محمد‬
‫وأنشد عنه‪:‬‬
‫من خير أديان البرية دين ًا‬ ‫ولقد علمت بأن دين محمد‬
‫لكن امتنع من اإلقرار بالتوحيد والنبوة حب ًا لدين سلفه‪ ،‬وكراهة‬
‫أن يعيره قومه‪ ،‬فلما لم يقترن بعلمه الباطن الحب واالنقياد الذي يمنع‬
‫ما يضاد ذلك من حب الباطل وكراهة الحق لم يكن مؤمناً‪[ ».‬مجموعة‬
‫الفتاوی ‪ 343 ،342/7‬ط‪/‬جـ ‪ 561 ،560‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فالحاكمون بهذا القانون الوضعي‪ ،‬لو كانوا ملتزمين بالشريعة‬
‫وحكموا في قضية بخالف الشريعة‪ ،‬لقلنا هذه معصية‪ ،‬فالجزئية ال‬
‫تقدح إذا كان التحاكم العام إلى الشريعة‪ ،‬وهذا عمل مضعف لعمل‬
‫القلب غير مذهبه بالكلية‪ ،‬لكن هؤالء التزموا ما سخط ال َّله وكرهوا‬
‫رضوانه‪ ،‬بفرضهم هذا القانون على األمة بالحديد والنار‪ ،‬فعلم أنَّ‬
‫مجرد التصديق أو العلم بأن الشريعة أفضل‪ ،‬ال ينفع إذا صار في القلب‬
‫حب لما أسخط ال َّله وكرهه‪ ،‬فالتزامهم هذه الكراهة مطلق ًا‪ ،‬بل دافعوا‬
‫عنها بكل ما أتوا من قوة‪ ،‬هو سبب حبوط أعمالهم‪ ،‬فكيف يصح أن‬
‫يقال أنَّ هؤالء غلبتهم شهوة الكرسي أو الرياسة كما قال األلباني على‬
‫التزام ما أسخط ال َّله‪ ،‬لو كان عند هؤالء مسكة عقل ما تلفظوا بها‪،‬‬
‫خاصة إذا علمنا أنَّ آية المحنة ـ نفي اإليمان ـ ع ّلق بالتولي‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫فالقوانين الوضعية الكافرة‪ ،‬هي من العمل التركي الظاهري‪،‬‬
‫الالزم لإليمان الباطن؛ «االنقياد» و«االلتزام»‪ ،‬فالتربع على عرشها‬
‫والدفاع عنها‪ ،‬فهو اإليثار الموجب لخسران الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإن كان‬
‫التصديق باقي ًا‪ ،‬فهرقل آثر الكرسي وأبو طالب آثر الشرف‪ ،‬فلم ينفعهم‬
‫أن مجرد كون الشريعة أفضل دون التزامها واالنقياد لها‬
‫تصديقهم‪ ،‬فعلم َّ‬
‫هو الكفر بعينه الموجب النتفاء عمل القلب‪ ،‬فكون ال يكفر هؤالء إ َّ‬
‫ال‬
‫إذا انتفى التصديق كما تقول المرجئة الخبيثة‪ ،‬فلماذا يك ّفرون أبا طالب‬
‫وهرقل وإبليس؟ ولقد علم القوم أنَّ هذه سمجة قبيحة‪ ،‬وسفسطة فيما‬
‫هو بديهي عند جماهير العقالء‪.‬‬
‫‪ ‬الشبهة التاسعة‪ :‬يقول الع َّ‬
‫المة األلباني � ـ تعالى ـ في‬
‫سؤال ورد عليه هذا نصه‪« :‬في بعض األمور ترتكب خاصة في بلدنا‬
‫هذا من األمور الكفرية نری خطورتها أعظم من المسألة التي نحن‬
‫بصددها أال وهي‪« :‬سب الدين والرب» كثير من جماعاتنا‪ ،‬أفرادنا‪،‬‬
‫الدين والرب ويصلون‪ ،‬ولكن هذا كفر؟‬
‫يسبون ّ‬
‫يقول �‪ :‬صف الكفر الذي تسأل عنه‪.‬‬
‫السائل‪ :‬ليس دون كفر؟‬
‫يقول �‪ :‬هذا يختلف تمام ًا‪ .‬أنا أعتقد أنَّ هؤالء الذين تصدر‬
‫منهم هذه الكفريات اللفظية‪ ،‬دعونا نسميها بواقع أمرها‪ ،‬الذين تصدر‬
‫منهم هذه الكفريات اللفظية نحن نسمع الكثيرين منهم من يتبع كفره‬
‫باالستغفار‪ ،‬هذا ما معناه؟ معناه أن هذا يحتاج إلى عصايتين أو ثالثة‪،‬‬
‫ولن يعود مرة أخری إلى هذه اللفظة الكافرة‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫أريد أن أقول‪ ،‬هذا من سوء التربية وعدم قيام الحاكم بالواجب‬
‫من تربية المسلمين على شريعة ربهم كما قال رب العالمين ﴿ﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜ﴾ [البقرة]‪.‬‬
‫أن هناك نظام ًا يحكم باإلسالم على األقل من بعض الجوانب‬
‫فلو َّ‬
‫منها‪ ،‬اليوم نعرف مع األسف الشديد أنَّ فرد ًا من أفراد الرعية لو أنه‬
‫سب مقام ًا سامي ًا من البشر‪ ،‬هذا البد أن يعاقب‪ ،‬والبد أن يسجن‪ ،‬وال‬
‫يدقق فيه التدقيق الواجب شرع ًا‪ ،‬يا تری هذه تهمة أم حقيقة؟‬
‫بينما تصل القضية المتعلقة بسب رب العالمين أو سب نبيه‬
‫وبمشوها‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الكريم أو شريعة اإلسالم‪ ،‬يفهمون جيد ًا أنَّ هذا وقع‪ِ ،‬بلفوها‬
‫فهذا كله عكس للحقائق‪.‬‬
‫فلو كان هناك من يؤدب هؤالء مرة‪ ،‬مرتين‪ ،‬ثالثة‪ ،‬وشاع الخبر‬
‫بين أمثال هؤالء القليلي األدب والتربية‪ ،‬وسوف لن نسمع أحد ًا يقع‬
‫في هذا الكفر اللفظي‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬لذلك بارك ال َّله فيكم‪ ،‬نحن‬
‫يجب اآلن أن نهتم باإلصالح المزدوج‪ ،‬إصالح القلب والقالب‪ ،‬وال‬
‫أن هذا ك َف َر‪ ،‬خالص أقتله‪ ،‬ستقتله وقد تكون مخطئ ًا ألنه قد‬
‫نتحمس َّ‬
‫يكون ما كفر كفر ًا يستحل به دمه‪ ...،‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬
‫السائل‪ :‬هناك تعليق في الحديث‪ ،‬الرجل الذي ضلت ناقته‪،‬‬
‫قال‪« :‬ال َّلهم أنت عبدي وأنا ربك»‪.‬‬
‫يقول �‪ :‬هذا قال بلسانه ما ليس في قلبه‪ ،‬لكن ال يخفى على‬
‫جميع الحاضرين بخاصة أنا مثلكم أن هناك فرق ًا كبير ًا بين هذا ألن‬
‫هذا من دهشه قال هذه الكلمة الكافرة لكن ذاك من سوء تربيته» [فتاوی‬

‫‪239‬‬
‫األلباني ص ‪.]584 ،583‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫إنَّ غض الطرف عن هذه الكبوة‪ ،‬هو نصر ما لم يأذن ال َّله تعالى‬
‫بنصره بعينه‪ ،‬وال أشك أنَّ األثريين عامة ينصرون هذا‪ ،‬ويدعون إليه‬
‫جهار ًا نهار ًا‪ ،‬وهؤالء هم أهل السفسطة الذين يوقعون الباطل على‬
‫الحق‪ ،‬وقد أتوا من ر َّقة ما لبسوا‪ ،‬ولقد استحكم فيهم الداء العضال‪،‬‬
‫ّ‬
‫الذي أوهن األمة؛ «الحب الذي يعمي ويصم»‪.‬‬
‫فالحظ أيها القاریء إن كان لك عقل صحيح‪ ،‬وبقية من‬
‫انصاف‪ ،‬في قوله �‪« :‬هذه الكفريات اللفظية» علمت أنَّ الشيخ‬
‫� تعالى يساوي بين جميع الكفريات اللفظية‪ ،‬كما يسميها هو على‬
‫اصطالحه الحادث الذي ليس له فيه سلف‪ ،‬وقد أوضحت ذلك في‬
‫الشبهة الخامسة‪ ،‬أنه يقول‪ :‬في الذي قال‪« :‬ما شاء ال َّله وشئت» أنَّ هذا‬
‫كفر لفظي‪ ،‬والكفر اللفظي يساوي الكفر العملي‪ ،‬ثم يقول هنا في الذي‬
‫سب ال َّله ورسوله وانتقص شريعته والعياذ بال َّله كفر لفظي‪ ،‬سببه سوء‬
‫التربية‪ ،‬فالزم قوله على تقسيمه اآلنف أنَّ الواقع في هذه الموبقات‬
‫والعياذ بال َّله وقع في كفر عملي‪ ،‬وكفى بهذا القول السمج ضال ً‬
‫ال الذي‬
‫ما بعده ضالل‪ ،‬وصدق ال َّله إذ يقول‪﴿ :‬ﯲ ﯳﯴ ﯵﯶﯷ‬
‫ﯸﯹ ﯺ ﯻﯼ﴾ [الحج]‪.‬‬
‫سب ال َّله أو سب رسوله كفر ظاهر ًا‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬إنَّ َّ‬
‫محرم‪ ،‬أو كان مستح ً‬
‫ال له أو‬ ‫ٌ‬ ‫وباطناً‪ ،‬سواء كان الساب يعتقد أنَّ ذلك‬
‫كان ذاه ً‬
‫ال عن اعتقاده‪ ،‬وهذا مذهب الفقهاء وسائر أهل الس َّنة القائلين‬

‫‪240‬‬
‫ٌ‬
‫وعمل» [الصارم المسلول ‪.]955/3‬‬ ‫بأن اإليمان ٌ‬
‫قول‬
‫يقول الشوكاني �‪« :‬الساب ل َّله عز وجل أو لكتابه أو لرسوله‬
‫كفر بواحٌ» [السيل الجرار المتدفق‬
‫فإن هذه ٌ‬
‫أو للس َّنة المطهرة أو اإلسالم‪َّ ،‬‬
‫على حدائق األزهار ‪.]562 ،561/3‬‬
‫يقول إسحاق بن إبراهيم الحنظلي � تعالى‪ ،‬المعروف بابن‬
‫راهويه وأحد األئمة األعالم المشهود لهم بالعلم والفضل واإلمامة‬
‫في الدين‪ ،‬يعدل بالشافعي وأحمد‪« :‬قد أجمع المسلمون أنَّ من َّ‬
‫سب‬
‫سب رسوله ﷺ أو دفع شيئ ًا مما أنزل ال َّله أو قتل نبي ًا من أنبياء‬
‫ال َّله أو َّ‬
‫ال َّله أنه كافر بذلك وإن كان مقر ًا بكل ما أنزل ال َّله» [التمهيد ‪369 ،368/2‬‬
‫واالستذكار ‪ 150/2‬البن عبد البر]‪.‬‬
‫فلماذا قال األئمة األعالم بل أهل الس َّنة القائلين اإليمان قول‬
‫وعمل هذا؟ ألنهم علموا أنَّ السب استخفاف وإهانة وإذالل‪ ،‬وأنَّ‬
‫التعظيم والمحبة إجالل وإكرام‪ ،‬ومتى كان أحدهما انتفى اآلخر‪،‬‬
‫والع َّ‬
‫المة األلباني � لو قال بقول المرجئة المبتدعة الذين يقولون‬
‫اإليمان هو االعتقاد والقول في الساب لكان أرحم وأخف مما ذهب‬
‫إليه‪ ،‬وذلك أنَّ المرجئة يوافقونا في تكفيره ـ «الساب» و«المستهزأ»ـ‬
‫ويخالفونا في التعليل؛ سبب كفره‪.‬‬
‫فهؤالء المرجئة لما رأوا «أنَّ األمة قد ك َّفرت الساب فقالوا‪:‬‬
‫إنما كفر ألنَّ سبه دليل على أنه لم يعتقد أنه حرام‪ ،‬واعتقاد ح َّله تكذيب‬
‫للرسول‪ ،‬فكفر بهذا التكذيب ال بتلك اإلهانة‪ ،‬وإنما اإلهانة دليل على‬
‫التكذيب‪[ ».‬الصارم المسلول ‪ 965/3‬البن تيمية]‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫فهم يوافقونا على تكفيره‪ ،‬لكن ليس بالسب ذاته وإنما دل على‬
‫مكذب‪ ،‬لكن الع َّ‬
‫المة األلباني � قال بالبلية العظمى بقوله‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫أنَّ القلب‬
‫«وال نتحمس أنَّ هذا كفر‪ ،‬خالص أقتله‪ ،‬ستقتله وقد تكون مخطئ ًا ألنه‬
‫قد يكون ما كفر كفر ًا يستحل به دمه»‪.‬‬
‫إلمام بمسألة اإليمان على نهج السالفين‪ ،‬علم‬
‫ٌ‬ ‫فمن كان له‬
‫خبيث‪ ،‬صاحبه جهم الزنديق والصالحي‪ ،‬وشبهتهم أنهم‬ ‫ٌ‬ ‫أنَّ القول‬
‫جعلوا اإليمان هو مجرد المعرفة والتصديق بالقلب فقط وإن لم يتكلم‬
‫بلسانه‪ ،‬أوتوا من باب «أنه قد يقول بلسانه ما ليس في قلبه‪ ،‬فإذا كان‬
‫في قلبه التعظيم والتوقير للرسول لم يقدح إظهار خالف ذلك بلسانه‬
‫في الباطن كما ال ينفع المنافق إظهار ما في قلبه في الباطن‪[ ».‬الصارم‬
‫المسلول ‪ 966/3‬البن تيمية]‪.‬‬
‫فهؤالء؛ جهم والصالحي ومن قال بقولهم‪ ،‬والشك أنَّ الع َّ‬
‫المة‬
‫هيب من تكفيره‪ ،‬يجوزون «أن يكون هذا‬ ‫األلباني � منهم فلقد َّ‬
‫الساب الشاتم في الباطن عارف ًا بال َّله‪ ،‬موحد ًا له‪ ،‬مؤمن ًا به‪ ،‬فإذا أقيمت‬
‫عليهم حجة بنص أو إجماع أنَّ هذا كافر باطن ًا وظاهر ًا‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا‬
‫يقتضي أنَّ ذلك مستلزم للتكذيب الباطن‪ ،‬وأن اإليمان يستلزم عدم‬
‫ذلك‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬معنا أمران معلومان‪:‬‬
‫الدين‪.‬‬
‫أحدهما‪ :‬معلوم من االضطرار من ّ‬
‫والثاني‪ :‬معلوم باالضطرار من أنفسنا عند التأمل‪.‬‬
‫أما األول‪ :‬فإنا نعلم أنَّ من سب ال َّله ورسوله بغير كره‪ ،‬بل من‬
‫تكلم بكلمات الكفر طائع ًا غير مكره‪ ،‬ومن استهزأ بال َّله وآياته ورسوله‬

‫‪242‬‬
‫فهو كافر باطن ًا وظاهر ًا‪ ،‬وأن من قال‪ :‬إن مثل هذا قد يكون في الباطن‬
‫مؤمن ًا بال َّله وإنما هو كافر في الظاهر‪ ،‬فإنه قال قو ً‬
‫ال معلوم الفساد‬
‫بالضرورة من الدين‪...‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬فالقلب إذا كان معتقد ًا صدق الرسول وأنه رسول‬
‫ال َّله‪ ،‬وكان محب ًا لرسول ال َّله معظم ًا له‪ ،‬امتنع مع هذا أن يلعنه ويسبه‪ ،‬فال‬
‫ال مع نوع من االستخفاف به وبحرمته‪ ،‬فعلم بذلك أن‬ ‫يتصور ذلك منه إ َّ‬
‫مجرد اعتقاد أنه صادق ال يكون إيمان ًا إ َّال مع محبته وتعظيمه بالقلب‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 341 ،340/7‬البن تيمية ط‪/‬جـ ‪ 558 ،557‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فكما تری المرجئة المبتدعة‪ ،‬الذين ينهجون نهج حماد وأبي‬
‫حنيفة‪ ،‬قالت في الساب‪ :‬أنه مكذب‪ ،‬والمرجئة الجهمية قالت‪ :‬يجوز‬
‫أن يكون مع هذا السب معظم ًا ل َّله ورسوله في الباطن واأللباني �‬
‫تعالى زاد قو ً‬
‫ال ثالث ًا لم يسبق إليه ويعتبر من أوابده‪ ،‬فلم يكفره وقال‪ :‬هو‬
‫من سوء تربيته‪ ،‬وكفى بهذا شناعة‪ ،‬ورمي ًا بدعامة ّ‬
‫الدين؛ مسألة اإليمان‬
‫وراء الظهر‪ ،‬ليت شعري يخبرنا من قال بهذا‪ ،‬فهو يعظم مذهب السلف‪،‬‬
‫أهذا هو «الكفر االعتقادي والكفر العملي» الذي يقول به الع َّ‬
‫المة ابن‬
‫القيم �‪.‬‬
‫هال أخبرتنا أيها األثري‪ ،‬هل اإلمام الجليل ابن القيم صاحب‬
‫مصطلح «الكفر االعتقادي والكفر العملي» الذي يدندن حوله الع َّ‬
‫المة‬
‫األلباني � ويدعو إليه أنه يقول في ساب ال َّله ورسوله غير كافر‪ ،‬أو‬
‫صاحب سوء تربية‪ ،‬أو أنَّ هذا اللفظ الكفري كما اصطلح له األلباني‬
‫� أنه يساوي الكفر العملي؟!‬

‫‪243‬‬
‫بالطبع سوف تقول إنَّ األلباني � دعا إلى ركوب سفينة‬
‫منكسرة غرق بسببها خلق كثير‪ ،‬بل زل زلة نفخ لها األبواق‪ ،‬فتهافت‬
‫فيها الكثير‪ ،‬هذا إن كنت «صافي السر نقي الضمير‪ ،‬خالص االعتقاد‬
‫قوي اليقين‪ ،‬صحيح التوحيد‪ ،‬جيد التمييز كامل العرفان‪ ،‬عالم بالس َّنة‬
‫[الدر‬
‫ُّ‬ ‫والقرآن‪ ،‬فال لمراد نفسك اتبعت‪ ،‬وال في هوة التقليد وقعت‪».‬‬
‫النضيد ص ‪ 66‬للشوكاني]‪.‬‬
‫أما إن كنت غير ذلك‪ ،‬فاعلم أنَّ ما سوف تقوله هو الكذب‬
‫بمسودتك الرزية وتحذيرك‬
‫َّ‬ ‫الصراح وهي الفتنة ذاتها التي أشرت إليها‬
‫المشؤوم الموسوم بـ «التحذير من فتنة التكفير» فهذه هي البضاعة‬
‫التي تروج لها‪ ،‬التشكيك فيمن ك َّفره الشارع الحكيم‪ ،‬وتسمية من أقدم‬
‫على تكفيره مفتون مبتغي الفتنة‪ ،‬وفي الحقيقة هذه هي الوظيفة التي‬
‫وكلت بها أيها األثري بالطبع بين ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬ضرب مدرسة فقه‬
‫الدليل‪ ،‬أو هز أركانها‪ ،‬كيف والسم ال َّناقع مبثوث فيما تسودون فيه‬
‫الصفحات‪.‬‬
‫يقول المبتدعة طائفة المرجئة الجدد األثرية بين ـ المعكوفتين ـ‬
‫في رسالتهم الموسومة زور ًا وبهتان ًا بـ «مجمل مسائل اإليمان العلمية‬
‫في أصول العقيدة السلفية»‪ ،‬وفيها من اإلرجاء والتلبيس ما فيه برهان‪،‬‬
‫وأولى لو وسموها بـ «مجمل مسائل اإليمان العلمية في أصول العقيدة‬
‫اإلرجائية» ألنها مملوءة به‪ ،‬فكما ترون الجماعة يتقنون الصنعة جيد ًا‪،‬‬
‫صنعة التلبيس والتدليس‪ ،‬ولقد ذكرت في كتابي «إحقاق الحق في‬
‫الرجوع إلى المذهب الحق» أنَّ من سيمات أهل األهواء والبدع إلقاء‬

‫‪244‬‬
‫األسماء المزيفة والجذابة المخالفة لكنهها‪ ،‬وهذه التسمية لهذه الرسالة‬
‫ال تخرج قيد شبر عن هذا‪ ،‬وهذه كتبت لما حصر هؤالء األدعياء من‬
‫طرف أئمتنا أنهم دعاة إلى مذهب رديء‪ ،‬فأرادوا أن يتنصلوا مما هم‬
‫فيه مخالفون‪ ،‬فطموا الوادي على القری‪.‬‬
‫وذلك أنَّ الشبهة ال تستقر في القلب إ َّ‬
‫ال بداع الهوی‪ ،‬والهوی‬
‫هو إرادة في النفس بغير علم‪ ،‬فالشبهة إذا سبقت بهذا استحكمت‪،‬‬
‫وفصل المبتلي بها والعياذ بال َّله‪ ،‬إ َّال وعلى قاعدتها ّ‬
‫يقرر‪،‬‬ ‫أصل َّ‬
‫فمهما َّ‬
‫وهذا معلوم لمن رزقه ال َّله البصر النافذ‪ ،‬وكان ال لهوی النفس متبع ًا‬
‫وال بالشبهة منخدع ًا‪.‬‬
‫فالدعي أثري الزرقاء لما أراد أن يتنصل مما سطرته يداه ونزلت‬
‫َّ‬
‫فيه الشهب المحرقة من طرف أئمتنا ألنه غاوي الظهور فسقط في الذي‬
‫يقصم الظهور كان يحيل على كتابه «التعريف والتنبئة» فظن الورم‬
‫شحم ًا‪ ،‬فإذ به يعيد ما قرره في كتاب الجهمي مراد شكري‪ ،‬فانظر أيها‬
‫القاریء المنصف‪ ،‬التهويل‪ ،‬واللف والدوران‪ ،‬والتلبيس بالمجمل في‬
‫مسائل االعتقاد وبتر النصوص‪ ،‬وتحريف للكلم‪ ،‬ثم االدعاء المنهج‬
‫على جادة السلف‪ ،‬ولهذا أعيد القول بالمثل الذي عندنا في الجزائر‪،‬‬
‫«المدفدف ال ينسى هز االكتاف»‪ .‬فهؤالء األدعياء لما أنبوا على ما هم‬
‫فيه أسرعوا في كتابة هذا المجمل من االعتقاد‪ ،‬فإذا فيه ما هو يهز له‬
‫األكتاف‪.‬‬
‫يقول طائفة المرجئة الجدد األثرية بين ـ المعكوفتين ـ ‪7« :‬ـ من‬
‫الكفر العملي ـ والقولي ـ ما هو مخرج من الملة بذاته‪ ،‬وال يشترط فيه‬

‫‪245‬‬
‫استحالل قلبي؛ وهو ما كان مضاد ًا لإليمان من كل وجه؛ مثل سب ال َّله‬
‫ـ تعالى ـ ‪ ،‬وشتم الرسول ﷺ‪ ،‬والسجود للصنم وإلقاء المصحف في‬
‫القاذورات‪ ...‬وما في معناها‪.‬‬
‫وتنزيل هذا الحكم على األعيان ـ كغيره من المكفرات ـ ال يقع‬
‫إ َّ‬
‫ال بشرطه المعتبر‪[ ».‬مجمل مسائل العلمية ص ‪ 20‬الطبعة األولى ‪ 1423‬هـ‬
‫لدار المنهاج]‪.‬‬
‫انظر ُّأيها القاریء المنصف إلى قولهم‪« :‬وال يشترط فيه‬
‫استحالل قلبي» كالم مجمل محتمل لمعنيين‪ :‬ألنَّ االستحالل القلبي‬
‫فيه ما يذهب قول القلب‪ ،‬المستلزم للتصديق واإلقرار من ضمنه‪ ،‬وفيه‬
‫ما يذهب عمل القلب المستلزم اللتزام التحريم؛ التحريم المذهب‬
‫نبين ذلك إن شاء‬
‫لعمل القلب بالكلية‪ ،‬وليس المضعفه‪ .‬كما سوف ّ‬
‫ال َّله‪.‬‬
‫وقطع ًا هؤالء يريدون األول‪ ،‬ألنهم ال يثبتون من الكفر إ َّ‬
‫ال كفر‬
‫التكذيب أو الجحود‪ ،‬والكفر العملي المخرج من الملة بذاته عندهم‪،‬‬
‫والذي ال يشترطون فيه االستحالل القلبي؛ التكذيب أو الجحود‬
‫فأي كفر من هذا‬
‫ألنهما من قول القلب‪ ،‬مذهب لقول القلب ال عمله‪ّ ،‬‬
‫القبيل‪ ،‬مستلزم للتكذيب أو الجحود وإن دل بذاته كما قال شيخهم‬
‫قبل في االستهزاء‪ ،‬ألنَّ هؤالء «ممن يجعل األعمال الباطنة والظاهرة‬
‫من موجبات اإليمان ال من نفسه‪ ،‬ويجعل ما ينتفي اإليمان بإنتفائه من‬
‫[مجموعة‬ ‫لوازم التصديق اليتصور عنده تصديق باطن مع كفر قط‪».‬‬
‫الفتاوی ‪ 327/7‬البن تيمية ط‪/‬جـ ‪ 535‬ط‪/‬ق]‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫فمدرسة التخريج واحدة‪ ،‬هذه األولى‪.‬‬
‫أما الثانية‪ :‬قولهم‪« :‬وتنزيل هذا الحكم على األعيان ـ كغيره‬
‫من المكفرات ـ ال يقع إ َّال بشرطه المعتبر»‪ :‬وشرطه المعتبر‪ :‬ذكروه‬
‫في الصفحة التي قبل هذا؛ «ص ‪ »19‬وجزء ًا منه في «ص ‪ »20‬العنصر‬
‫«رقم ‪ »5‬يقول فيه األدعياء‪5« :‬ـ قد يرد في الكتاب والس َّنة ما يفهم منه‬
‫كفر؛ وال يكفر به أحد ـ عين ًا ـ إ َّ‬
‫ال‬ ‫أنَّ هذا القول‪ ،‬أو العمل‪ ،‬أو االعتقاد‪ٌ :‬‬
‫إذا أقيمت عليه الحجة‪ :‬بتحقق الشروط ـ علم ًا‪ ،‬وقصد ًا‪ ،‬واختيار ًا ـ ‪،‬‬
‫وانتفاء الموانع ـ وهي عكس هذه وأضدادها ـ ‪[ ».‬مجمل مسائل اإليمان‬
‫العلمية ص ‪.]20 ،19‬‬
‫فمضمون القول‪ ،‬وطامته الكبری‪ ،‬والواقعية العلمية لهؤالء‬
‫األدعياء تقول‪ :‬ال يجوز لنا أن نكفر ساب ال َّله والعياذ بال َّله‪ ،‬وشاتم‬
‫رسوله ﷺ‪ ،‬والملقي المصحف في القاذورات‪ ،‬عين ًا إ َّ‬
‫ال أن يكون‬
‫عالم ًا وقاصد ًا ومختار ًا لذلك‪ ،‬فالبد من إقامة الحجة عليه‪.‬‬
‫فمضمون قولهم‪ :‬أنَّ مقترف هذه الموبقات والعياذ بال َّله‪ ،‬من‬
‫الممكن أن يكون عارف ًا بال َّله معظم ًا له ولرسوله ﷺ وللمصحف في‬
‫الباطن‪ ،‬كما يقوله جهم الزنديق والصالحي‪ ،‬مع العلم أنَّ هذا المجمل‬
‫من مسائل اإليمان العلمية قرأه الشيخ ربيع المدخلي‪َّ ،‬‬
‫المدعي أنه‬
‫حامل لواء الجرح والتعديل‪ ،‬فأين اللواء هنا‪ ،‬هل سقط أو انطوی‪ ،‬أم‬
‫هو لواء موافقة في هذا العار؛ «اإلرجاء»؟‬
‫وسوف ندرج في األخير ضمن أصول وثائق المبتدعة؛ طائفة‬
‫المرجئة الجدد‪ ،‬أسماء الذين وافقوا على هذا العار‪ ،‬واإلجمال‬

‫‪247‬‬
‫والروغان‪ ،‬لكن ل َّله الحمد لم يوافق واحد من أئمتنا المعتبرين الذين‬
‫هم أسود في هذه الدعامة؛ «مسألة اإليمان»‪ ،‬كفضيلة الشيخ عبد‬
‫العزيز بن عبد ال َّله آل الشيخ‪ ،‬وفضيلة الشيخ عبد ال َّله بن عبد الرحمن‬
‫الجبرين‪ ،‬وفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان‪ ،‬وفضيلة الشيخ بكر‬
‫بن عبد ال َّله أبو زيد و‪...‬‬
‫لكن نقول كفى بهذا جفا ًء ﴿ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵﯶﯷﯸ﴾ [الرعد‪ :‬ﯾ]‪.‬‬
‫ولنعد إلى المقصود؛ مناقشة شيخهم � في قوله‪« :‬أنَّ هذا‬
‫أي‪ :‬الساب يحتاج إلى عصايتين أو ثالثة»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أنوح له نواح ثكلى األكباد وأقول فيه كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ُ‬
‫ما هكذا يا سعد تورد اإلبل‬ ‫أوردها سعد وسعد مشتمل‬ ‫ ‬
‫فهلم معي ُّأيها األثري بين ـ المعكوفتين ـ أقول لك كيف تورد‬
‫اإلبل‪ ،‬فالساب إذا كان في دولة ليس لإلسالم فيها صولة؛ الشريعة‬
‫المة األلباني �‬ ‫منحية من كل جوانب الحياة كما شهد بذلك الع َّ‬
‫في هذه الشبهة التاسعة‪ ،‬بقوله‪« :‬فلو أنَّ هناك نظام ًا يحكم باإلسالم‬
‫الحق أنَّ اإلسالم‬
‫ّ‬ ‫على األقل من بعض الجوانب»‪ .‬فهو شهد شهادة‬
‫ال يحكم في الدول التي يسميها إسالمية؛ القانون الوضعي هو الغالب‬
‫والمهيمن على شؤون حياة المسلمين‪ ،‬فهنا يكتفي باإليمان الضعيف‬
‫الذي ليس وراءه حبة خردل من إيمان‪ ،‬تكفيره عين ًا‪.‬‬
‫َّ‬
‫محكمة والقوانين‬ ‫أما إن كان معالم اإلسالم بادية والشريعة‬
‫الوضعية في المزبلة‪ ،‬ألنها من الكناسة المحتوية على النجاسة‪َّ ،‬‬
‫يحكم‬

‫‪248‬‬
‫فيه كما حكم الفقيهان الجليالن ابن حبيب المالكي األندلسي وأصبغ‬
‫بن خليل‪ K‬وهما من فقهاء قرطبة‪ ،‬في الذي قال عندما كان‬
‫المطر ينزل‪« :‬بدأ الخراز َي ُرش جلوده» والعياذ بال َّله‪.‬‬
‫قال القاضي عياض اليحصبي �‪« :‬وقد أفتى ابن حبيب‬
‫وأصبغ بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل المعروف بابن أخي عجب‪،‬‬
‫وكان خرج يوم ًا فأخذه المطر‪ ،‬فقال‪ :‬بدأ الخراز يرش جلوده وكان‬
‫بعض الفقهاء بها‪ :‬أبو زيد صاحب الثمانية‪ ،‬وعبد األعلى بن وهب‪،‬‬
‫وأبان بن عيسى قد توقفوا عن سفك دمه‪ ،‬وأشاروا أنه عبث من القول‬
‫يكفي فيه األدب‪ .‬وأفتى بمثله القاضي حينئذ موسى بن زياد‪.‬‬
‫فقال ابن حبيب‪ :‬دمه في عنقي‪ ،‬أيشتم رب ًا عبدناه ثم ال ننتصر‬
‫له؟ إنا إذ ًا لعبيد سوء ما نحن له بعابدين‪ .‬وبكى‪ ،‬ورفع المجلس إلى‬
‫األمير بها عبد الرحمن بن الحكم األموي‪ ،‬وكانت عجب عمة هذا‬
‫المطلوب من حظاياه‪ .‬وأعلم باختالف الفقهاء‪ ،‬فخرج اإلذن من عنده‬
‫باألخذ بقول ابن حبيب وصاحبه‪ ،‬وأمر بقتله فقتل وصلب بحضرة‬
‫الفقيهين‪ ،‬وعزل القاضي لتهمته بالمداهنة في هذه القصة‪ ،‬ووبخ بقية‬
‫الفقهاء وسبهم‪[ ».‬إتحاف أهل الوفا بتهذيب كتاب الشفا ص ‪ 550 ،549‬ونسيم‬
‫الرياض ‪.]400 ،399/6‬‬
‫ويقول � أيضاً‪« :‬سأل الرشيد مالك ًا � في رجل شتم‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬وذكر له أنَّ فقهاء العراق أفتوه بجلده‪ ،‬فغضب مالك وقال‪:‬‬
‫ما بقاء األمة بعد شتم نبيها؟ من شتم األنبياء قتل‪ ،‬ومن شتم أصحاب‬
‫النبي ﷺ جلد‪ .‬وهذه الحكاية رواها غير واحد من أصحاب مناقب‬

‫‪249‬‬
‫مالك ومؤلفي أخباره‪ ،‬وغيرهم وما قاله أولئك العراقيون يحتمل على‬
‫ال فاإلجماع على قتل من سب كما تقدم‪[ ».‬إتحاف أهل‬ ‫غير السب وإ َّ‬
‫الوفا ص ‪.]506‬‬
‫قلت‪ :‬يحتمل ما قاله العراقيون‪ ،‬هو من جهة بدعتهم اإلرجائية‬
‫ُ‬
‫فإنها منهم صدرت‪ ،‬خاصة جماعة الكوفة‪ ،‬فهذا هو المحتمل‪ ،‬أما من‬
‫واحد تكفيره‬
‫ٌ‬ ‫كان منهم على مذهب أهل الس َّنة في اإليمان‪ ،‬فالقول‬
‫وقتله‪ ،‬وهو مبثوث في مصنفاتهم‪ ،‬هذا هو المحتمل ال غير‪ ،‬ولقد‬
‫أطال شيخ اإلسالم ابن تيمية � تقرير هذه المسألة في كتابه الكبير‬
‫الموسوم بـ «الصارم المسلول على شاتم الرسول» بما يقنع الغلة‬
‫ويشفي العلة‪ ،‬فارجع إليه إنه نافع ومهم‪ ،‬خاصة إذا كنت تأثرت بهؤالء‬
‫األثريين بين ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬أو كنت ممن يعرف الحق بالرجال؛‬
‫كالبهيمة التي تقاد‪ ،‬فسوف تنجلي عنك الغمرة‪ ،‬وتنقشع عن قلبك‬
‫سحائب الغفلة بإذن ال َّله‪.‬‬
‫فأهل الس َّنة والجماعة القائلين اإليمان قول وعمل والعمل ركن‬
‫منه وشرط في صحته‪ ،‬يخالفون األلباني � في التهييب من تكفيره‪،‬‬
‫بل يكفرونه ويستحلون دمه سواء كان مستح ً‬
‫ال لذلك‪ ،‬أو يعتقد أنه‬
‫مر عليك آنف ًا فعل ابن حبيب‬
‫ال عن اعتقاده‪ ،‬كما َّ‬‫محرم ًا أو حتى ذاه ً‬
‫المة األلباني � في العصاة أو‬ ‫المالكي �‪ ،‬فهم ال يوافقون الع َّ‬
‫العصايتين إ َّال إذا كانت تفلق الرأس وتخرج المخ‪.‬‬
‫أما عن قياسه الضيزى‪ ،‬الذي قال فيه‪« :‬أنَّ هناك فرق ًا كبير ًا‬
‫بين هذا ألنَّ هذا من دهشه قال هذه الكلمة الكافرة لكن ذاك من سوء‬

‫‪250‬‬
‫تربيته»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إلحاق هذا بهذا من أبطل القياس مما ال خفاء به‪ ،‬ال‬
‫ينهض حتى أن يكون شبهة قياس فالبون شاسع بينهما بل بينهما برزخ‬
‫ال يبغيان‪ ،‬فالذي أخطأ بفرحته‪ ،‬قصد العبادة وعظمها‪ ،‬وهذا إجالل‬
‫وتعظيم‪ ،‬وساب ال َّله ورسوله قصد المنقصة والمسبة واعتمدها‪ ،‬وهذا‬
‫مهانة وإذالل واستخفاف‪ ،‬وال يكون إ َّال بزوال عمل القلب الموجب‬
‫للحب واالنقياد وليس من سوء التربية‪ ،‬وصاحبه كافر عين ًا وال كرامة‪.‬‬
‫فاجعل ُّأيها السلفي الشرعي هذه القاعدة عمدة في َّصك وجوه‬
‫المدلسة األثرية جملة؛ طائفة المرجئة الجدد الذي يستدلون بالشبه‪:‬‬
‫«كشبهة ذات األنواط»‪ ،‬والذي قال‪« :‬ما شاء ال َّله وشئت»‪ ،‬والذي‬
‫«أخطأ من دهشه»‪ ،‬في عدم تكفير الذي قارف الكفر وقصده‪ ،‬ومنه‬
‫الساب ل َّله ورسوله ومنتقص شريعته والعياذ بال َّله‪ ،‬وال َّله ولي التوفيق‪.‬‬
‫أما عن قوله �‪« :‬الذي يسب مقام ًا سامي ًا من البشر‪ ،‬هذا البد‬
‫أن يعاقب‪ ،‬والبد أن يسجن‪ ،‬أما سب رب العالمين ونبيه الكريم‪...،‬‬
‫بلفوها وبمشوها»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ال يقدس ال َّله قوم ًا ينتقمون للبشر‪ ،‬وال ينتقمون لرب‬
‫البشر‪ ،‬فعبد الرحمن بن الحكم األموي أراق دم الذي قال ما قال‪،‬‬
‫بالرغم أنَّ عمته كانت هي الحظية عنده‪ ،‬وهذه المنزلة لم تستطع أن‬
‫تشفع له في الذي اقترفه‪ ،‬ألنه كان تقي ًا نقي ًا غار على حرمات ال َّله‪.‬‬
‫أما هؤالء الذين‪« :‬بلفوها وبمشوها» كما قال الشيخ فقد دانت‬
‫نهايتهم وقرب انبتارهم يدل عليه قوله تعالى‪﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ‬

‫‪251‬‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ﴾ [محمد]‪ .‬فما أهون الناس على‬
‫ال َّله ‪ ‬إذا غيروا عهوده ومواثيقه وتنقصوا شريعته‪.‬‬
‫‪ ‬الشبهة العاشرة‪ :‬يقول الع َّ‬
‫المة األلباني � في سؤال ورد‬
‫عليه هذا نصه‪« :‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل يعتبر ما يعمله غالب صوفية اليوم‬
‫من المغالين في القبور والمقبورين والصالحين من مظاهر شركية‬
‫وأحوال فاسدة مخالفة للشرع‪.‬‬
‫هل يعتبرمن باب الكفر العملي‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬لما نری عليه من‬
‫جمهرة قد يكون لعلكم ترون وال َّله أعلم وأخشى أن أكون متسرع ًا‪،‬‬
‫أنكم ترون البعض يكون فيه هذا األمر اعتقادي ًا؟‬
‫قال �‪ :‬ما هذا الذي قلته اآلن؟‬
‫السائل‪ :‬قلت أنه بشكل عام‪ ،‬نری عليه كثير ًا من أهلنا وعشيرتنا‬
‫ممن حولنا من أهل بلدنا‪.‬‬
‫هل هو كفر؟ هل نطلق عليه كفر ًا عملي ًا لما يأتونه من تقبيل أو‬
‫استغاثة أو غير ذلك بالمقبورين والصالحين؟‬
‫قال �‪ :‬ال أستطيع أن نعطي قاعدة عامة قد يكون من هذا‬
‫وقد يكون من هذا ‪ ،‬قد يكون كفر ًا اعتقادي ًا وقد يكون كفر ًا عملي ًا‪ .‬أنا‬
‫أقول شيئ ًا قد يكون غريباً‪.‬‬
‫أنا ال أتجرأ على القوم بتكفير الشيعة أو من يسمونهم بالرافضة‬
‫إ َّ‬
‫ال إذا عرفنا عقيدة كل واحد منهم مث ً‬
‫ال‪ :‬الخميني أعلن عن عقيدته بما‬
‫سماه بماذا‪[ ،‬الحكومة اإلسالمية]‪ ،‬هذا كفر بال شك‪ ،‬لكن أنا مش‬
‫ضروري أتصور كل عالم شيعي هو يحمل نفس الفكرة هذه‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫فأقول‪ ،‬من كان يحمل هذه الفكرة‪ ،‬من يعتقد أن هذا القرآن‬
‫الذي بين أيدينا هو ربع القرآن الحقيقي هو في مصحف فاطمة ال شك‬
‫في كفر من يقول هذا‪ ،‬لكن أقول الشيعة كفار ألنَّ كثير ًا أو ألنَّ كتابهم‬
‫الكافي يقول كذا وكذا‪ ،‬هذا غير كافي لتعميم إطالق لفظة كفر على‬
‫الشيعة وعلى الرافضة ألنا هنا نجد سببين يمنعان من هذا اإلطالق‪.‬‬
‫األول‪ :‬أننا ال نستطيع أن نقول كل عالم شيعي يحمل هذه‬
‫العقيدة المكفرة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬ينبغي أن يتحقق الشرط الثاني وهو إقامة الحجة‪ ،‬فهذا‬
‫وهذا مفقود‪ ،‬يكفينا إذا أن نقول هؤالء ضالون‪ ،‬أما بدقة متناهية فينبغي‬
‫[فتاوی األلباني ص‬ ‫أن نعرف عقيدتهم إما من لسانهم أو من قلمهم‪».‬‬
‫‪.]639 ،638‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫إنَّ على هذا القول مآخذ كثيرة وكثيرة جد ًا‪ ،‬منها ما ّ‬
‫يبين عقيدة‬
‫الشيخ � التي استقر عليها‪ ،‬وهي مخالفة ما عليه السلف صراح ًا‪،‬‬
‫الدين والتهييب من تكفيره‪ ،‬ونحن سنتناول‬
‫والتشكيك فيمن نقض أصل ّ‬
‫هذا الكالم مأخذ ًا مأخذ ًا حتى نعرف هل الشيخ � على قدم راسخة‬
‫الدين؛ مسألة اإليمان‪ ،‬أم هو منتسب لها في الظاهر فقط؟‬ ‫في دعامة ّ‬
‫ألنَّ في بعض كالمه تدافع ًا واضطراب ًا خطير ًا وخطير ًا جد ًا‪.‬‬
‫فلنتناول المأخذ األول‪ :‬وهو اضطرابه وتشكيكه وتهييبه‬
‫من تكفير القبورية من صوفية وما شاكلها عامة‪ ،‬قبل الخوض في‬
‫الرافضة‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫أقول‪ :‬أليس تشكيكه في القبورية عامة الذين نقضوا أصل‬
‫الدين‪ ،‬هو عين تشكيك األمير الصنعاني � الذي توجع له حق‬
‫ّ‬
‫«الدر النضيد في إخالص‬
‫توجع اإلمام الشوكاني �‪ ،‬وألجله ألف ّ‬
‫كلمة التوحيد»؟‪.‬‬
‫يقول اإلمام الشوكاني �‪« :‬الشرك هو أن يفعل لغير ال َّله‬
‫شيئ ًا يختص به سبحانه سواء أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه‬
‫الجاهلية أو أطلق عليه اسم ًا آخر فال اعتبار باالسم قط ومن لم يعرف‬
‫هذا فهو جاهل ال يستحق أن يخاطب بما يخاطب به أهل العلم‪ ،‬وقد‬
‫علم كل عالم أنَّ عبادة الكفار األصنام لم تكن إ َّ‬
‫ال بتعظيمها واعتقاد أنها‬
‫تضر وتنفع واالستغاثة بها عند الحاجة والتقرب لها في بعض الحاالت‬
‫بجزء من أموالهم وهذا كله قد وقع من المعتقدين في القبور فإنهم قد‬
‫عظموها إلى حد ال يكون إ َّال ل َّله سبحانه بل ربما يترك العاصي منهم‬
‫فعل المعصية إذا كان في مشهد من يعتقده أو قريب ًا منه مخافة تعجيل‬
‫العقوبة من ذلك الميت‪ ،‬وربما ال يتركها إذا كان في حرم ال َّله أو في‬
‫مسجد من المساجد أو قريب ًا من ذلك‪ ،‬وربما حلف بعض غالتهم بال َّله‬
‫كاذب ًا ولم يحلف بالميت الذي يعتقده‪.‬‬
‫وأما اعتقادهم أنها تضر وتنفع فلوال اشتمال ضمائرهم على‬
‫هذا االعتقاد لم يدع أحد منهم ميت ًا أو حي ًا عند استجالبه لنفع أو‬
‫استدفاعه لضر قائ ً‬
‫ال يا فالن أفعل لي كذا وكذا‪ ،‬وعلى ال َّله وعليك وأنا‬
‫بال َّله وبك‪.‬‬
‫وأما التقرب لألموات فانظر ماذا يجعلونه من النذر لهم وعلى‬

‫‪254‬‬
‫قبورهم في كثير من المحالت‪ ،‬ولو طلب الواحد منهم أنَّ يسمح‬
‫بجزء من ذلك ل َّله تعالى لم يفعل‪ ،‬وهذا معلوم يعرفه من عرف أحوال‬
‫[الدر النضيد ص ‪.]33 ،32‬‬
‫هؤالء‪ّ ».‬‬
‫فانظر رحمك ال َّله كيف يجعل الفعل وحده من دعاء واستغاثة‬
‫ألن من المحال أن توجد هذه األفعال من دون‬
‫ونذر هو المكفر بذاته‪َّ ،‬‬
‫حركة باطن‪ ،‬فعلم أنَّ هذه األفعال دالة على ما اشتملت عليه ضمائرهم‬
‫من هذا االعتقاد الفاسد‪ ،‬وهذا هو الحركة التالزمية بين الباطن والظاهر‬
‫«وال أعدل من شهادة أفعال جوارح اإلنسان من بطالن ما ينطق به لسانه‬
‫من الدعاوى الباطلة العاطلة‪ّ ».‬‬
‫[الدر النضيد ص ‪ 34‬للشوكاني]‪.‬‬
‫ويقول � أيضاً‪« :‬فإن قلت‪ :‬إنَّ المشركين كانوا ال يقرون‬
‫يقرون بها‪.‬‬
‫بكلمة التوحيد وهؤالء المعتقدون في األموات ّ‬
‫قلت‪ :‬هؤالء إنما قالوها بألسنتهم وخالفوها بأفعالهم فإن من‬
‫استغاث باألموات أو طلب منهم ما ال يقدر عليه إ َّال ال َّله سبحانه‪ ،‬أو‬
‫عظمهم أو نذر عليهم بجزء من ماله أو نحر لهم فقد نزلهم منزلة اآللهة‬
‫التي كان المشركون يفعلون لها هذه األفعال فهو لم يعتقد معنى ال إله‬
‫إ َّال ال َّله وال عمل به بل خالفها اعتقاد ًا وعم ً‬
‫ال فهو في قوله ال إله إ َّال‬
‫ال َّله كاذب على نفسه‪ ،‬فإنه قد جعل إله ًا غير ال َّله يعتقد أنه يضر وينفع‬
‫وعبده بدعائه عند الشدائد واالستغاثة به عند الحاجة وبخضوعه له‬
‫وتعظيمه إياه ونحر له النحائر وقرب إليه نفائس األموال‪ ،‬وليس مجرد‬
‫قول ال إله إ َّال ال َّله من دون عمل بمعناها مثبت ًا لإلسالم فإنه لو قالها أحد‬
‫من أهل الجاهلية وعكف على صنمه يعبده لم يكن ذلك إسالم ًا‪ّ ».‬‬
‫[الدر‬

‫‪255‬‬
‫النضيد ص ‪.]37 ،36‬‬
‫يقول الشيخ ابن عثيمين �‪« :‬الثالث‪ :‬أن تدعو مخلوق ًا ميت ًا ال‬
‫يجيب بالوسائل الحسية المعلومة؛ فهذا شرك أكبر أيض ًا ألنه ال يدعو‬
‫خفي ًا في الكون‪[ ».‬القول المفيد‬
‫من كان هذه حاله حتى يعتقد أن له تصرف ًا ّ‬
‫على كتاب التوحيد ‪.]149/1‬‬
‫يقول الع َّ‬
‫المة ابن القيم � بعد ما ذكر ما يفعله القبوريون من‬
‫دعاء واستغاثة وتقبيل وطواف‪ ،‬وخشوع‪ ،‬وذل للمقبور‪.‬‬
‫«ورأيت ألبي الوفاء بن عقيل في ذلك فص ً‬
‫ال حسن ًا‪ ،‬فذكرته‬
‫الجهال َّ‬
‫والطغَ ام‪ ،‬عدلوا عن‬ ‫َّ‬ ‫بلفظه؛ قال‪ :‬لما صعبت التكاليف على‬
‫أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها ألنفسهم‪ ،‬فسهلت عليهم‪،‬‬
‫إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم ـ قال‪ :‬ـ وهم عندي كفار بهذه‬
‫األوضاع‪ ،‬مثل تعظيم القبور وإكرامها‪ ،‬بما نهى عنه الشرع ـ من إيقاد‬
‫النيران وتقبيلها وتخليقها‪ ،‬وخطاب الموتى بالحوائج‪ ،‬وكتب الرقاع‬
‫فيها‪ :‬يا موالي افعل بي كذا وكذا وأخذ تربتها تبرك ًا وإفاضة الطيب‬
‫على القبور‪[ »...‬إغاثة اللهفان ‪.]365 ،364/1‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية �‪« :‬إنَّ من دعا ميت ًا وإن كان من‬
‫وإن من شك في كفره فهو كافر» [اإلقناع‬
‫الخلفاء الراشدين فهو كافر‪َّ ،‬‬
‫السنية في األجوبة النجدية ‪.]414/9‬‬
‫والدرر َّ‬
‫ُّ‬
‫بل ثبت عنه أنه قال‪« :‬من دعا علي ًا فقد كفر ومن لم يك ّفره فقد‬
‫كفر»‪.‬‬
‫يقول ابن عثيمين �‪« :‬وكذا يوجد في بعض البلدان‬

‫‪256‬‬
‫اإلسالمية من يصلي ويزكي ويصوم ويحج‪ ،‬ومع ذلك يذهبون إلى‬
‫القبور يسجدون لها ويركعون‪ ،‬فهم ك َّفار غير موحدين‪ ،‬وال يقبل منهم‬
‫أي عمل‪ ،‬وهذا من أخطر ما يكون على الشعوب اإلسالمية؛ ألنَّ‬ ‫ّ‬
‫الكفر بما سوی ال َّله عندهم ليس بشيء‪ ،‬وهذا جهل منهم‪ ،‬وتفريط من‬
‫ألن العامي ال يأخذ إ َّال من عالمه‪ ،‬لكن بعض الناس ـ والعياذ‬
‫علمائهم؛ َّ‬
‫بال َّله ـ عالم دولة ال عالم ملة‪[ ».‬القول المفيد ‪.]139/1‬‬
‫الدين؛ عباد‬
‫فكل هذا الكفر الصراح من الذين نقضوا أصل ّ‬
‫القبور‪ ،‬فاأللباني � يشكك في كفرهم فإذا لم يكن هذا هو الشرك‬
‫األكبر الذي يفعله القبورية فما هو الشرك؟!‬
‫وكل هذه النصوص من األئمة المعتبرين في تكفيرهم‪ ،‬ثم‬
‫الع َّ‬
‫المة األلباني � يشكك‪ ،‬ألم يك ّفرهم صاحب المصطلح الذي‬
‫تبنيته؛ «الكفر االعتقادي والكفر العملي» في شرح المنازل لما تكلم‬
‫عن الشرك األكبر؟‪ ،‬ألم يقل � في كتاب «الزاد ‪ »506/3‬لما تكلم‬
‫على غزوة الطائف وما فيها من الفقه قال‪« :‬وكثير منها [أي‪ :‬القبور المعظمة‬
‫والمشاهد واألحجار] بمنزلة الالت والعزی‪ ،‬ومناة الثالثة األخری‪ ،‬أو‬
‫أعظم شرك ًا عندها‪ ،‬وبها‪ ،‬وال َّله المستعان‪.‬‬
‫ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق‬
‫وترزق‪ ،‬وتميت وتحيي‪ ،‬وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله‬
‫إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم»‪.‬‬
‫فسماهم � مشركين بهذا الفعل‪ ،‬فالتشكيك فيهم وفيما‬ ‫َّ‬
‫الدين‪ ،‬عثرة ال تقال‪ ،‬وزلة‬
‫اقترفوا من شرك أكبر‪ ،‬يخرج به صاحبه عن ّ‬

‫‪257‬‬
‫ال تغتفر‪ ،‬وهذه ينادی لها بالتهافت‪ ،‬أما اشتراطه فيمن نقضوا أصل‬
‫الدين‪ ،‬بهذه األفعال الصريحة‪ ،‬من نذر ودعاء وتقبيل وإذالل للمقبور‪،‬‬
‫ّ‬
‫إقامة الحجة في تكفيرهم فتلك هي البلية العظمى ال يكفي نواح ثكلى‬
‫األكباد لها‪ ،‬فإذا كان قول ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله دون عمل بمقتضاها تغني عن‬
‫تكفير هؤالء حتى تقام الحجة‪ ،‬فلزم أن ال نك ّفر اليهود والنصاری‪،‬‬
‫وكفى بصاحب هذا القول بعد ًا عن فهم حقيقة اإليمان‪.‬‬
‫يقول الشيخ سليمان بن عبد ال َّله � في «شرح التوحيد» في‬
‫مواضع منه‪« :‬أنَّ من تكلم بكلمة التوحيد وصلى وزكى ولكن خالف‬
‫ذلك بأفعاله وأقواله من دعاء الصالحين واالستغاثة بهم والذبح لهم‬
‫أنه شبيه باليهود والنصاری في تكلمهم بكلمة التوحيد ومخالفتهم‪،‬‬
‫فعلى هذا يلزم من قال بالتعريف للمشركين أن يقول بالتعريف باليهود‬
‫والنصاری في تكلمهم بكلمة التوحيد ومخالفتها‪ ،‬فعلى هذا يلزم من‬
‫قال بالتعريف للمشركين أن يقول بالتعريف باليهود والنصاری وال‬
‫يكفرهم إ َّ‬
‫ال بعد التعريف‪ ،‬وهذا ظاهر باالعتبار جد ًا‪[ ».‬الرسالة السادسة‬
‫من عقيدة الموحدين والرد على الضالل والمبتدعين ص ‪.]178‬‬
‫أما مأخذ الع َّ‬
‫المة األلباني الثاني‪ :‬تسميته للرافضة بالشيعة‪ ،‬وهذا‬
‫فيه إيهام وتلبيس‪ ،‬فالشيعة طوائف منها‪ ،‬المفضلة‪ ،‬والزيدية باليمن‪،‬‬
‫و‪ ،...‬والشك أنَّ هؤالء مبتدعة ضالة‪ ،‬أما اإلمامية الموجودة اليوم‬
‫فهي أغلب الشيعة على وجه المعمورة‪ ،‬وتسميتهم كما قال األلباني‬
‫� أمر خطير‪ ،‬فهؤالء رافضة فيهم من الكفر والزندقة ما فيه من ال َّله‬
‫برهان‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫ال قد يكون غريب ًا‪ ،‬أنا ال أتجرأ على‬ ‫أما قوله �‪« :‬أنا أقول قو ً‬
‫ال إذا عرفنا عقيدة كل‬ ‫القوم بتكفير الشيعة أو من يسمونهم بالرافضة إ َّ‬
‫واحد منهم»‪.‬‬
‫غريب‪ ،‬وال ينبغي التعويل عليه‪ ،‬فأنت شككت‬
‫ٌ‬ ‫أقول فع ً‬
‫ال القول‬
‫في تكفير القبورية ولم تكفرهم‪ ،‬فكيف تريد أن تكفر الرافضة؟!‬
‫وهؤالء لو كان كفرهم إ َّ‬
‫ال من جهة تعظيمهم للقبور والمشاهد‬
‫والحج إليها وقولهم يا علي‪ ،‬ويا حسين‪ ،‬ويا زينب‪ ،‬و‪ ...‬لكفى‪ ،‬فكيف‬
‫انضم إليها‪ ،‬من تكفير الصحابة والتشكيك في القرآن‪ ،‬وادعاء علم‬
‫َّ‬ ‫إذا‬
‫الغيب ألئمتهم‪ ،‬وعلم الباطن‪ ،‬ومواالة الكفار جهار ًا نهار ًا‪ ،‬وما يفعلونه‬
‫اليوم شاهد عيان‪ ،‬وتكفير أهل الس َّنة وتسميتهم ناصبة‪ ،‬وإباحة دمائهم‬
‫وأموالهم‪.‬‬
‫فهل ما يفعلونه من مظاهرة عباد الصليب على أهل اإلسالم‬
‫اليوم عن اعتقاد أم عبث؟! أم هو امتداد العتقاد ابن العلقمي ونصير‬
‫الدين الطوسي الزنديقين الذين جری بسببهما دماء زكية في الميازيب‪،‬‬
‫وذبح النساء واألطفال ذبح النعاج في مقبرة الخالل؟!‬
‫قال الخالل �‪« :‬أخبرنا أبو بكر المروذي قال‪ :‬سألت عبد‬
‫ال َّله عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة؟ قال‪ :‬ما أراه على اإلسالم قال‪:‬‬
‫وسمعت أبا عبد ال َّله يقول‪ :‬قال مالك‪ :‬الذي يشتم أصحاب النبي ﷺ‬
‫ليس لهم سهم‪ ،‬أو قال‪ :‬نصيب في اإلسالم‪[ ».‬الس َّنة رقم ‪.]779‬‬
‫ويقول � أيضاً‪« :‬أخبرنا عبد ال َّله بن أحمد بن حنبل قال‪:‬‬
‫سألت أبي عن رجل شتم رج ً‬
‫ال من أصحاب النبي ﷺ فقال‪ :‬ما أراه‬

‫‪259‬‬
‫على اإلسالم‪[ ».‬الس َّنة رقم ‪.]782‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني قال‪:‬‬
‫ثنا موسى بن هارون بن زياد قال‪ :‬سمعت الفريابي ورجل يسأله عمن‬
‫شتم أبا بكر قال‪ :‬كافر‪ ،‬قال‪ :‬فيصلى عليه؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬وسألته كيف يصنع‬
‫به وهو يقول ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله؟ قال‪ :‬ال تمسوه بأيديكم‪ ،‬ارفعوه بالخشب‬
‫حتى تواروه في حفرته‪[ ».‬الس َّنة رقم ‪.]794‬‬
‫فهذا تصريح من هؤالء األئمة األجالء ‪ Ą‬مالك وأحمد‬
‫والفريابي في تكفير الرافضة‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية �‪« :‬وقد قطع طائفة من الفقهاء‬
‫من أهل الكوفة وغيرهم بقتل من سب الصحابة وكفر الرافضة‪...‬‬
‫قال أحمد بن يونس‪ :‬لو أن يهودي ًا ذبح شاة وذبح رافضي ألكلت‬
‫ذبيحة اليهودي‪ ،‬ولم آكل ذبيحة الرافضي؛ ألنه مرتد عن اإلسالم‪.‬‬
‫وكذلك قال أبو بكر بن هانىء‪ :‬ال تؤكل ذبيحة الروافض‬
‫والقدرية كما ال تؤكل ذبيحة المرتد‪ ،‬مع أنه تؤكل ذبيحة الكتابي‪ ،‬ألن‬
‫هؤالء يقامون مقام المرتد‪ ،‬وأهل الذمة يقرون على دينهم‪ ،‬وتؤخذ‬
‫منهم الجزية‪.‬‬
‫وكذلك قال عبد ال َّله بن إدريس من أعيان أئمة الكوفة‪ :‬ليس‬
‫لرافضي شفعة ألنه ال شفعة إال لمسلم‪[ »...،‬الصارم المسلول ‪ 1061/3‬ـ‬
‫‪.]1063‬‬
‫«فإن الروافض ليسوا من المسلمين إنما‬
‫يقول ابن حزم �‪َّ :‬‬
‫هي فرقة حدث أولها بعد موت رسول ال َّله ﷺ بخمس وعشرين سنة‪،‬‬

‫‪260‬‬
‫وكان مبدؤها إجابة ممن خذله ال َّله تعالى لدعوة من كاد لإلسالم‪»...،‬‬
‫ِ‬
‫[الفصل في الملل ‪.]331/1‬‬
‫أما قوله‪« :‬لكن أنا مش ضروري أتصور كل عالم شيعي [يقصد‬
‫رافضي] هو يحمل نفس الفكرة هذه»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬التصور العاري عن الحجة والبرهان‪ ،‬هو ظن وتخرص‪،‬‬
‫والظن ال يغني من الحق شيئ ًا‪ ،‬وقد أوصى علماؤنا تالمذتهم أن‬
‫يلقى في الحش بعد البول عليه‪ ،‬فهذا االعتبار ال ينبغي التعويل عليه‪،‬‬
‫فهؤالء طبقة الحمير يقولون‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈﮉ﴾ [األحزاب]‪ ،‬وها هم يقولون لكبرآئهم‪﴿ :‬ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆﰇ﴾ [سبأ]‪.‬‬
‫عذر أوهن من بيت العنكبوت لما في قلوبهم من حب وميل إلى‬
‫الباطل‪ ،‬ولهذا أجابهم دعاة الكفر والضالل بقولهم‪﴿ :‬ﭖﭗ‬
‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ﴾ [سبأ]‪.‬‬
‫فلوال فساد طويتكم وحبكم لما نحن فيه من شناعة وتبار‪ ،‬ما‬
‫أطعتمونا‪ ،‬فالعامة دوم ًا لعلمائهم وكبرائهم وسادتهم بالتبع‪ ،‬ولهذا ك َّفر‬
‫اإلمام ابن القيم المقلدة في كتابه الماتع الموسوم بـ «طريق الهجرتين‬
‫وباب السعادتين» إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته وتأهلوا لذلك‬
‫وأعرضوا ولم يلتفتوا زيادة على إصرارهم على ما هم فيه من تبار‪،‬‬
‫وبهذا جزم اإلمام الشاطبي في كتابه الماتع «االعتصام»؛ تكفير المقلد‬
‫الذي يعرض عن الهدی‪ ،‬فارجع إليهما تجد فيهما ما يقنع الغلة ويشفي‬
‫العلة في هذا الباب‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫فإذا كان الخميني أظهر عقيدته كما قال األلباني � وهو‬
‫خليفتهم ورأسهم في هذا العار‪ ،‬فهل طبقة الحمير‪ ،‬أو من هم دونه‬
‫في فساد المعتقد خالفوه وأنكروا عليه أم رضوا وتابعوا في الكفر‬
‫والزندقة؟! أليس هؤالء في شبه كامل بالذين اتخذوا أحبارهم‬
‫ورهبانهم أرباب ًا من دون ال َّله؟! فهؤالء لم يعبدوهم بل أطاعوهم في‬
‫الكفر والضالل‪ ،‬وما أحدثوا من بدع وأهواء‪ ،‬فهذه الطاعة والمتابعة‬
‫هي التي استوجب لهم بسببها دار البوار‪.‬‬
‫أما قوله‪« :‬فينبغي أن نعرف عقيدتهم إما من لسانهم أو من‬
‫قلمهم»‪ .‬فاعتبار ساقط‪ ،‬ألنَّ الشيخ � ال يری شيئ ًا من األفعال‬
‫وحدها مكفرة بذاتها‪ ،‬ولقد علمت بطالن هذا القول بما رددنا عليه في‬
‫الشبه الماضية‪.‬‬
‫أما عن هؤالء الرافضة‪ ،‬فنعكس له القول‪ ،‬بقولنا له‪ :‬البد لهؤالء‬
‫أن يتبرؤوا مما سطره كبراؤهم وسادتهم من كفر بواح‪ ،‬حتى ال نكفرهم‪،‬‬
‫كما حصل لبعض علمائهم لما كان ينكر عليهم مندبة عاشوراء‪ ،‬كان‬
‫يقول‪ :‬البنه هؤالء حمير حق ًا‪ ،‬قال له ابنه‪ :‬كيف؟!‬
‫قال‪ :‬أليس نقول ويقولون معنا أنَّ الحسين في الجنة‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فلما هذا الندب والنواح بالباطل؟! ولما علموا‬
‫الرجل وعقيدته اغتالوه بسكينة وكان هذا عراقي ًا‪ ،‬ولقد قرأت البنه‬
‫رسالة نافعة يوم ًا‪ ،‬ينكر على ما عند هؤالء من كفر بواح‪ ،‬ال يحضرني‬
‫مما جناه السادة والكبراء‪،‬‬
‫عنوانها اآلن‪ ،‬فكذا ينبغي لمن أراد أن يتبرأ َّ‬
‫وهذا من النادر‪ ،‬والنادر ال حكم له‪ ،‬وهذا له بسط في موضع آخر‪،‬‬

‫‪262‬‬
‫ومن أراد أن يعرف مخازي القوم فعليه بـ «الخطوط العريضة» لمحب‬
‫الدين الخطيب �‪.‬‬
‫‪ ‬الشبهة الحادية عشرة‪ :‬يقول الع َّ‬
‫المة األلباني � تعالى في‬
‫حديث أودعه في سلسلته الماتعة الموسومة بـ «الصحيحة» «برقم ‪»87‬‬
‫وعنون له بـ «تدارسوا القرآن قبل رفعه» نصه‪:‬‬
‫قال رسول ال َّله ﷺ «يدرس اإلسالم كما يدرس وشي الثوب‪،‬‬
‫حتى ال يدری ما صيام وال صالة وال نسك وال صدقة‪ ،‬وليسری على‬
‫كتاب ال َّله ‪ ‬في ليلة‪ ،‬فال يبقى في األرض منه آية‪ ،‬وتبقى طوائف من‬
‫الناس‪ :‬الشيخ الكبير والعجوز يقولون‪ :‬أدركنا آباءنا على هذه الكلمة‬
‫(ال إله إ َّال ال َّله)؛ فنحن نقولها»‪.‬‬
‫يقول � في فوائد هذا الحديث‪« :‬وفي هذا الحديث نبأ خطير‪،‬‬
‫وهو أنه سوف يأتي يوم على اإلسالم يمحى أثره‪ ،‬وعلى القرآن فيرفع‪،‬‬
‫ال بعد أن يسيطر‬‫فال يبقى منه وال آية واحدة‪ ،‬وذلك ال يكون قطع ًا إ َّ‬
‫اإلسالم على الكرة األرضية جميعها‪ ،‬وتكون كلمته فيها هي العليا‪،‬‬
‫كما هو نص قول ال َّله ـ تبارك وتعالى ـ ‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [التوبة‪ :‬ﭯ]‪ ،‬وكما‬
‫شرح رسول ال َّله ﷺ ذلك في أحاديث كثيرة سبق ذكرها‪.‬‬
‫وما رفع القرآن الكريم في آخر الزمان؛ إ َّ‬
‫ال تمهيد ًا إلقامة الساعة‬
‫على شرار الخلق؛ الذين ال يعرفون شيئ ًا من اإلسالم ألب َّتة‪ ،‬حتى وال‬
‫توحيده!‬
‫وفي الحديث إشارة إلى عظمة القرآن‪.،‬إلى أن قال‪ :‬هذا وفي‬

‫‪263‬‬
‫الحديث فائدة فقهية هامة‪ ،‬وهي أنَّ شهادة أن ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله تنجي‬
‫قائلها من الخلود في النار يوم القيامة‪ ،‬ولو كان ال يقوم بشيء من‬
‫أركان اإلسالم الخمسة األخری؛ كالصالة وغيرها‪ ،‬ومن المعلوم أنَّ‬
‫العلماء اختلفوا في حكم تارك الصالة‪ ،‬خاصة مع إيمانه بمشروعيتها؛‬
‫فالجمهور على أنه ال يكفر بذلك‪ ،‬بل يفسق‪ ،‬وذهب أحمد ـ في رواية‬
‫ـ إلى أنه يكفر‪ ،‬وأنه يقتل ردة ال حد ًا‪ ،‬وقد صح عن الصحابة أنهم‬
‫كانوا ال يرون شيئ ًا من األعمال تركه كفر غير الصالة‪ .‬رواه الترمذي‬
‫والحاكم‪.‬‬
‫أن الصواب رأي الجمهور‪ ،‬وأما ما ورد عن الصحابة‬‫وأنا أری َّ‬
‫ليس نص ًا على أنهم كانوا يريدون بـ (الكفر) هنا الكفر الذي يخلد‬
‫صاحبه في النار‪ ...،‬إلى أن قال‪ :‬فاحفظ هذا؛ فإنه قد ال تجده في غير‬
‫هذا المكان‪[ ».‬السلسلة الصحيحة ‪ 171/1‬ـ ‪.]176‬‬
‫إنَّ هذه الشبهة هي أخطر شبهاته‪ ،‬واألعظم واألشمل لما‬
‫اشتملت من إيهام وتلبيس في منهج المصينين الفطرة المكملة‪،‬‬
‫والشرعة المنزهة‪ ،‬فهي زلة ال تغتفر وعثرة ال تقال‪ ،‬شبيهة بالتي رد‬
‫سمها‬ ‫عليها الشيخ الفاضل والع َّ‬
‫المة المحقق محمد بن إبراهيم شقرة‪َّ ،‬‬
‫«الدفوعات الغواني واالستنباطات الرواني‪.»...‬‬
‫بل هي أكبر منها على االطالق‪ ،‬ألنها تزلزل أركان مدرسة‬
‫الدين بالحجة‬
‫تخريج الرجال المرابطين على الثغور‪ ،‬لحماية عرين ّ‬
‫التي تقصم الظهور‪ ،‬وجعل مكر الخارجين المتربصين لهذه المدرسة‬
‫يبور‪ ،‬ومن هؤالء ال َّن ْو َكی المرجئة وطائفتهم الجدد‪ ،‬فسنتناولها عثرة‬

‫‪264‬‬
‫يعول‬
‫الحق إذا كان فيها‪ ،‬ونبطل الباطل الذي فيها‪ ،‬حتى ال َّ‬
‫ّ‬ ‫عثرة‪ ،‬فنحق‬
‫عليها الذين فارقوا الدليل فضلوا السبيل‪.‬‬
‫فينتفع صاحب العقل الصحيح والفكر الرجيح‪ ،‬المنصف الذي‬
‫يفهم ويتفهم‪ ،‬المتعبد بالدليل يدور معه حيث دار‪ ،‬وتنقشع السحب‬
‫فوق الذي يقهر هوی النفس لكن في حيرة من أمره ال يدري أين‬
‫يذهب‪ ،‬لقلة األدلة التي بين يديه‪ ،‬فهو راغب في الهدی يريد تحصيله‪،‬‬
‫لكن لضعف قريحته‪ ،‬وقلة همته ينادي بأعلى صوته ها أنا ذا أنقذوني‪،‬‬
‫بمد يد‬
‫أنا أريد الخير‪ ،‬دلوني عليه‪ ،‬فوجب علينا تحصيل مصلحته‪ّ ،‬‬
‫العون له باألدلة القاطعة والحجج الساطعة‪ ،‬ودرء عنه المفسدة؛ حتى‬
‫ال تصل إليه أيدي طائفة التبار؛ طائفة المرجئة الجدد‪ ،‬والرسل أتوا‬
‫لتحصيل هذه المصلحة وتكميلها‪ ،‬وتعطيل المفسدة وتقليلها‪ ،‬فكما‬
‫تری هذه وظيفة سامية ما يلقاها إ َّ‬
‫ال ذو حظ عظيم‪.‬‬
‫أما إن كنت ممن حجبته الحجب الشنعاء‪ ،‬مقيد بلجام يقاد به‬
‫كالبهيمة التي في أصلها تقاد‪ ،‬منهزم منكسر النفس‪ ،‬غارق في ظلمات‬
‫التقليد‪ ،‬تعرف الحق بالكثرة‪ ،‬مختل التمييز غير صافي السر‪ ،‬لست‬
‫أرجوك‪ ،‬وابقى على ما أنت عليه باق‪ ،‬ولتفرح بشيعتك التي واليت‪،‬‬
‫لكن لتعلم أنك محروم من الذي فيه فوز لدنياك وآخرتك‪ ،‬فال َّله ‪‬‬
‫بشر الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪ ،‬وأنت استمعت القول‬
‫واتبعت إما أخشنه‪ ،‬أو أوهنه‪ ،‬فإذا زدت على هذا االتباع المزري‪ ،‬أنك‬
‫تسمي األحسنه باألرهبه واألخرجه‪ ،‬فأعزيك وأحمد ال َّله الذي عفاني‬
‫مما ابتالك به‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫فالعثرة األولى‪ :‬استدالله بالحديث آنف الذكر على نجاة تارك‬
‫الصالة وقياسه عليه‪ ،‬وهذا من أقبح القياس‪ ،‬ألنه متعذر لوجود الفرق‪،‬‬
‫يعد فائدة مستنبطة من الحديث‪ ،‬بل هي زلة وعثرة سببها‬ ‫ال أن ّ‬ ‫فض ً‬
‫يمرر كل شيء‬
‫قصور الفهم‪ ،‬أو حجاب حب المذهب‪ ،‬الذي ألجله ّ‬
‫ويذهب‪ ،‬فدروس اإلسالم هو في مرحلة زمنية مؤقتة قبيل الساعة‪.‬‬
‫فها هو يقول �‪« :‬وفي هذا الحديث نبأ خطير‪ ،‬وهو أنه‬
‫سوف يأتي يوم على اإلسالم يمحى أثره وعلى القرآن فيرفع‪ ،‬فال يبقى‬
‫منه وال آية واحدة‪[ ».‬السلسلة الصحيحة ‪.]173/1‬‬
‫فهؤالء عذرهم بفترتهم هذه التي انقطع فيها كل شيء يدلهم‬
‫إلى الخير‪ ،‬وال يكلفون فوق وسعهم‪ ،‬فهم مريدون للهدی راغبون فيه‬
‫غير معرضين عنه‪ ،‬يدل عليه استمرارهم على قول تلك الكلمة الطيبة؛‬
‫ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله التي ادركوها‪ ،‬فهل يقال‪ :‬لو أدركوا الصالة والصوم‬
‫والنسك األخری ولم يقوموا بشيء منها أكانت هذه القولة كافية في‬
‫حقهم؟ بالطبع ال‪.‬‬
‫ألن عذر هؤالء باندراس اإلسالم في زمنهم‪ ،‬شبيه بعذر الذين‬
‫ماتوا في زمن النبوة ولم تكتمل الشريعة بعد‪ ،‬فهؤالء أ ّدوا الذي عليهم‬
‫وحملوا مافي وسعهم من االكتفاء بقول تلك الكلمة الطيبة‪ ،‬فهذا هو‬
‫ّ‬
‫القياس الجلي المقرون بمرحلة زمنية مؤقتة‪ ،‬فهؤالء لو اكتفوا بقول ال‬
‫إله إ َّ‬
‫ال ال َّله بعد نزول الشريعة كلها‪ ،‬ولم يقوموا بشيء منها‪ ،‬أكان هؤالء‬
‫في عداد المسلمين؟ أترون يقول فيهم حذيفة بن اليمان ‪ ‬كما قال‬

‫‪266‬‬
‫لصلة‪ :‬تنجيهم من النار‪ ،‬أم يك ّفرهم ويك ّفر من شك في كفرهم؟!‬
‫فقياس مرحلة زمنية مؤقتة مندثر فيها كل شيء‪ ،‬بمرحلة زمنية‬
‫الدين فيها ظاهرة‪ ،‬قياس سمج‪ ،‬ال يقول به حتى المفرطون في‬
‫معالم ّ‬
‫القياس المتجاوزون حدوده‪.‬‬
‫فها هو حذيفة ‪ ‬الذي قال ما قال لصلة‪ ،‬الذي فرح به الع َّ‬
‫المة‬
‫األلباني � وكذلك نحن نفرح به ألنه فقه سليم‪ ،‬يك ّفر الذي لم‬
‫الدين في وقته‪ ،‬لما رأی رج ً‬
‫ال ال يتم الركوع والسجود‬ ‫تندرس معالم ّ‬
‫مت على غير الفطرة التي فطر ال َّله محمد ًا‬ ‫قال‪« :‬ما ص َّليت ولو َّ‬
‫مت َّ‬
‫ﷺ‪[ ».‬البخاري رقم ‪.]791‬‬
‫فهل أصاب حذيفة في األول وأخطأ في الثاني؟! أم الصواب‬
‫في كليهما؟ فهكذا ينبغي للمتصدر لتحقيق المسائل‪ ،‬برد الكالم بعضه‬
‫إلى بعض وليس بضرب بعضه ببعض‪ ،‬أم أنَّ العين تقرأ ما يستهويها‬
‫قراءته وتغفل عما ال تحب أن تری؟! وفيه من الفقه السليم‪ ،‬ما بني‬
‫عليه قول األئمة المعتبرين‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬بل اإليمان والكفر يختلف باختالف‬
‫المكلف وبلوغ التكليف له‪ ،‬وبزوال الخطاب الذي به التكليف ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وكذلك اإليمان والواجب على غيره مطلق‪ ،‬ال مثل اإليمان‬
‫الواجب عليه في كل وقت‪ ،‬فإن ال َّله لما بعث محمد ًا رسو ًال إلى الخلق‪،‬‬
‫كان الواجب على الخلق تصديقه فيما أخبر‪ ،‬وطاعته فيما أمر‪ ،‬ولم‬
‫يأمرهم حينئذ بالصلوات الخمس‪ ،‬وال صيام شهر رمضان‪ ،‬وال حج‬

‫‪267‬‬
‫البيت وال حرم عليهم الخمر والربا‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬وال كان أكثر القرآن‬
‫قد نزل‪ ،‬فمن صدقه حينئذ فيما نزل من القرآن وأقر به من الشهادتين‬
‫وتوابع ذلك‪ ،‬كان ذلك الشخص حينئذ مؤمن ًا تام اإليمان الذي وجب‬
‫عليه‪ ،‬وإن كان مثل ذلك اإليمان لو أتى به بعد الهجرة لم يقبل منه‪ ،‬ولو‬
‫اقتصر عليه كان كافر ًا‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪ 318 ،317/7‬ط‪/‬جـ ‪ 518‬ق]‪.‬‬
‫ويقول � أيضاً‪« :‬وفي أوقات الفترات‪ ،‬وأمكنة الفترات‪:‬‬
‫يثاب الرجل على ما معه من اإليمان القليل‪ ،‬ويغفر ال َّله فيه لمن لم‬
‫تقم الحجة عليه ما ال يغفر به لمن قامت الحجة عليه كما في الحديث‬
‫المعروف‪« :‬يأتي على الناس زمان ال يعرفون فيه صالة وال صيام وال‬
‫حج ًا‪ ،‬وال عمرة‪ ،‬إ َّ‬
‫ال الشيخ الكبير‪ ،‬والعجوز الكبيرة‪ ،‬يقولون أدركنا‬
‫آباءنا وهم يقولون‪ :‬ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله» فقيل لحذيفة بن اليمان‪ :‬ما تغني‬
‫عنهم ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله؟ فقال‪ :‬تنجيهم من الن ّار‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪101/35‬‬
‫ط‪/‬جـ ‪ 165‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فرطا في هذا الواجب‬
‫فهذا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا ّ‬
‫فرطا؟‬
‫الذي أدركاه عن آبائهما‪ ،‬فهل يصح أن يقال ال يؤاخذان بما ّ‬
‫فالحجة قائمة عليهم بتلك البقية‪ ،‬مكلفان بها ال غير‪ ،‬يدل عليه قوله‬
‫ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [اإلسراء]‪ ،‬فها هو‬
‫المة األلباني يقول‪« :‬وما رفع القرآن في آخر الزمان؛ إ َّ‬
‫ال تمهيد ًا‬ ‫الع َّ‬
‫إلقامة الساعة على شرار الخلق» [السلسلة الصحيحة ‪ ،]171/1‬إذ ًا‪ ،‬العذر‬
‫شاسع‪ ،‬والقياس على من قامت عليهم الحجة‬
‫ٌ‬ ‫واضح‪ ،‬والبون بينهما‬
‫ٌ‬
‫سمج‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وبانت لهم المحجة‬

‫‪268‬‬
‫أما العثرة الثانية التي ال تقال‪ :‬قوله‪« :‬أنَّ ما ورد عن الصحابة‬
‫ليس نص ًا على أنهم كانوا يريدون بـ (الكفر) هنا الكفر الذي يخلد‬
‫صاحبه في النار» [السلسلة الصحيحة ‪.]175/1‬‬
‫قلت‪ :‬هنا موطن الندب إذا كان جائز ًا‪ ،‬لكن ثبت تحريمه‪ ،‬فتدمع‬
‫ُ‬
‫العين ونقول ما يرضي الرب‪ ،‬منه سبحانك هذا بهتان عظيم‪ ،‬بل ما قاله‬
‫حب المذهب‪ ،‬هو في الحقيقة هدم لكل‬ ‫الع َّ‬
‫المة األلباني � بسبب ّ‬
‫ما بناه في حياته الدعوية‪ ،‬وسخر طاقته له؛ الدعوة إلى مذهب السلف‬
‫بالقول والعمل‪ ،‬أليس األصل في الكالم الحقيقة؟! أليس كالمهم في‬
‫تكفير تارك الصالة مشتمل على األمد األقصى من الوضوح والبيان؟!‬
‫أليس األصل في الكالم حقيقته وظاهره حتى يأتي ظاهر يخرج هذه‬
‫يبين المراد؟!‬
‫الحقيقة والظاهر إلى حقيقة وظاهر أخريين ّ‬
‫فها هو يقول ُّأيها القاریء المنصف في تحقيقه لكتاب «مختصر‬
‫العلو للعلي الغفار»‪« :‬لوال أنَّ الفرق المنحرفة عن الس َّنة فتحوا على‬
‫أنفسهم وعلى الناس من بعدهم باب التأويل‪ ،‬فلقد كاد الشيطان به‬
‫لعدوه اإلنسان كيد ًا عظيم ًا‪ ،‬ومنعهم به أن يسلكوا صراط ًا مستقيم ًا‪،‬‬
‫أن األصل في الكالم أن يحمل على‬ ‫كيف ال وهم قد اتفقوا على َّ‬
‫الحقيقة‪ ،‬وأنه ال يجوز الخروج عنها إلى المجاز إ َّ‬
‫ال عند تعذر الحقيقة‪،‬‬
‫أو لقرينة عقلية أو عرفية أو لفظية كما هو مفصل في محله» [مختصر‬
‫العلو ص ‪.]22‬‬
‫فأين القرينة الصارفة لكالمهم في كفر تارك الصالة إلى‬
‫المجاز؟! هذا إن صح القول أنَّ في اللسان العربي مجاز ًا‪ ،‬كيف وهو‬

‫‪269‬‬
‫باطل من أساسه‪ ،‬لم يقل به أحد من األئمة المعتبرين‪ ،‬بل القول بالمجاز‬
‫في القرآن والس َّنة وفي اللسان‪ ،‬هو عمدة المبتدعة الذين ضلوا السبيل‬
‫كاألمدي وأبي حسين البصري وفخر الرازي ومن تبنى مقولتهم من‬
‫المتأخرين‪.‬‬
‫فكما تری أيها القاریء المنصف‪ ،‬في كالم الع َّ‬
‫المة األلباني‬
‫اآلنف‪ ،‬ما هو سلفي‪ ،‬وما هو بدعي خلفي‪ ،‬فالسلفي‪« :‬كيف ال وهم‬
‫أن األصل في الكالم أن يحمل على الحقيقة‪ ،‬وأنه ال‬
‫قد اتفقوا على َّ‬
‫يجوز الخروج عنها إلى المجاز» ومن فعل غير هذا فقد تذرع في‬
‫البدعة والبد‪.‬‬
‫أما الخلفي‪« :‬إ َّ‬
‫ال عند تعذر الحقيقة‪ ،‬أو لقرينة عقلية أو عرفية‬
‫أو لفظية كما هو مفصل في محله»‪ .‬فهذا الشطر لم يقل به الذين َّأول‬
‫كالمهم األلباني � وأخرجه عن حقيقته وال التابعون لهم بإحسان‪،‬‬
‫فهو اصطالح حادث لم تقل به الزمرة الزكية وهم أعلم الناس على‬
‫االطالق باللسان العربي المبين‪ ،‬وال حتى أئمة النحو واللغة‪ ،‬كأبي‬
‫عمرو بن العالء‪ ،‬وأبي عمرو الشيباني‪ ،‬وأبي زيد‪ ،‬واألصمعي‪،‬‬
‫والخليل‪ ،‬وسيبويه‪ ،‬والكسائي والفراء‪ ،‬و‪..‬‬
‫قسمت هذا التقسيم أو أن هذا أخذ عنها‬
‫أن العرب َّ‬
‫«فمن ظن َّ‬
‫توقيف‪ ،‬كما يوجد في كالم طائفة من المصنفين في أصول الفقه‪ ،‬فغلطه‬
‫أظهر‪ ،‬وقد وجد في كالم طائفة كأبي الحسين البصري والقاضي أبي‬
‫الطيب والقاضي أبي يعلى وغيرهم‪.‬‬
‫وأعجب من هذا دعوی تواتر هذا عن أهل الوضع وعن أهل‬

‫‪270‬‬
‫األعصار لم يزل يتناقل في أقوالها وكتبها عن أهل الوضع تسمية هذا‬
‫حقيقة وهذا مجاز ًا‪ ،‬وهذا التواتر الذي ادعاه ال يمكنه وال غيره أن‬
‫يأتي بخبر واحد فض ً‬
‫ال عن هذا التواتر الذي ادعاه‪[ ».‬مجموعة الفتاوی‬
‫‪ 247/20‬ط‪/‬جـ ‪ 454 ،453‬ط‪/‬ق البن تيمية]‪.‬‬
‫«وأيض ًا‪ ،‬فإذا قال لشجاع‪ :‬هذا األسد فعل اليوم كذا‪ ،‬ولبليد‪:‬‬
‫هذا الحمار قال اليوم كذا‪ ،‬أو لعالم أو جواد‪ :‬هذا البحر جری منه اليوم‬
‫كذا‪ ،‬أن يكون حقيقة؛ ألنَّ قوله هذا قرينة لفظية‪ ،‬فال يبقى قط مجاز ًا‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 70/7‬ط‪/‬جـ ‪ 104‬ط‪/‬ق البن تيمية]‪.‬‬
‫فكما تری ُّأيها القاریء المنصف أنَّ الطرف الثاني من كالم‬
‫المة األلباني � تعالى خلفي قطع ًا ورثه عن الطائفة المبتدعة‬
‫الع َّ‬
‫كما قلنا آنف ًا‪ ،‬لنفرض صحة هذا الطرف‪ ،‬فأين في كالم الصحابة ‪‬‬
‫في كفر تارك الصالة تجد القرينة العقلية أو العرفية أو اللفظية الصارفة‬
‫عن الظاهر المراد؟! بل هذا إن صح اعتباره والتعويل عليه حجة عليه‬
‫ليس له‪.‬‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬قال النبي ﷺ‪« :‬أريت النار‪ ،‬فإذا أكثر‬
‫أهلها النساء يكفرن‪ .‬قيل‪ :‬أيكفرن بال َّله؟ قال‪ :‬يكفرن العشير‪ ،‬ويكفرن‬
‫الدهر ثم رأت منك شيئ ًا قالت‪ :‬ما‬
‫اإلحسان‪ ،‬لو أحسنت إلى إحداهن َّ‬
‫رأيت منك خير ًا قط» [البخاري رقم ‪.]29‬‬
‫فقولهم‪ :‬أيكفرن بال َّله؟ يدل على أنَّ الكفر عندهم إذا أطلق‬
‫محمو ً‬
‫ال على الحقيقة؛ الكفر األكبر‪ ،‬وإذا كان هذا قرينة عقلية عندهم‪،‬‬
‫فالعقلية تدل على الكفر األكبر‪ ،‬وإذا كان هذا قرينة عرفية‪ ،‬فالعرفية تدل‬

‫‪271‬‬
‫عندهم على الكفر األكبر‪ ،‬وإذا كان قرينة لفظية‪ ،‬فاللفظية تدل عندهم‬
‫على الكفر األكبر‪ ،‬فكما تری هذا التخصيص ال يخدم ما ذهبت إليه‪،‬‬
‫أن الكالم عندهم محمول على الحقيقة واألوامر واألخبار‬
‫والسبب َّ‬
‫على ظواهرها‪ ،‬حتى يأتي ظاهر آخر يصرفه إلى الظاهر المراد‪.‬‬
‫وسمها بما شئت‪ ،‬حقيقة أو‬
‫ّ‬ ‫فانظر إلى حقيقة الظلم عندهم‪،‬‬
‫قرينة عقلية أو قرينة عرفية أو قرينة لفظية‪ ،‬لما نزلت‪﴿ :‬ﭑﭒﭓ‬
‫ﭔﭕﭖ﴾ [األنعام‪ :‬ﭜ] قال أصحاب رسول ال َّله ﷺ‪ :‬أينا‬
‫لم يظلم؟ فأنزل ال َّله ﴿ﭱﭲ ﭳﭴ﴾ [البخاري رقم ‪.]32‬‬
‫فلما كان الظلم في حقيقتهم‪ ،‬أو عقليتهم أو عرفهم أو لفظهم ـ‬
‫َّ‬
‫قل كما شئت ـ ‪ ،‬محمو ًال على ظلم دون ظلم مثل ظلم النفس أو ظلم‬
‫العباد بعضهم لبعض‪ ،‬ذهبوا إلى ظاهره المراد منه‪ ،‬فأخرجهم النبي ﷺ‬
‫عن الظاهر الذي حملوه عليه إلى ظاهر آخر هو المراد‪.‬‬
‫يقول ابن حجر �‪« :‬فالعموم مستفاد بحسب الظاهر كما‬
‫أن ظاهرها غير مراد‪،‬‬
‫وبين لهم النبي ﷺ َّ‬
‫فهمه الصحابة من هذه اآلية‪ّ ،‬‬
‫بل هو العام الذي أريد به الخاص‪ ،‬فالمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو‬
‫الشرك‪[ ».‬الفتح ‪.]120 ،119/1‬‬
‫فهل أنَّبهم النبي ﷺ وقال لهم أين تذهبون؟! لماذا لم تؤولوا؟‬
‫هل هذه هي الحقيقة اللسانية؟ أين عقليتكم الصحيحة؟! أين حقيقتكم‬
‫العرفية؟! هكذا يحمل اللفظ عندكم؟! فالنبي ﷺ ال يؤخر البيان عن‬
‫وقت الحاجة‪ ،‬فإذا كان المراد كما فهمه الصحابة أقره‪ ،‬وإذا كان غير‬
‫ٍ‬
‫بظاهر آخر‪.‬‬ ‫المراد ّبينه وأخرجه عن ظاهره‬

‫‪272‬‬
‫أال تری لما كان يفهم الصحابة ـ رضي ال َّله عنهم ـ قوله ـ تعالى‬
‫ـ ‪﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ﴾‬
‫[المائدة‪ :‬ﮀ] على ظاهره وهو المطلوب‪ ،‬أنهم ال يضرهم ظلم الظالم إذا‬
‫اهتدوا وإن لم يأخذوا بيده‪ ،‬فهل أقرهم على ذلك الظاهر أم أخرجهم‬
‫إلى الظاهر المراد‪ ،‬بقوله‪ :‬أين تذهبون؟! إنما هو‪« :‬يا ّأيها الذين آمنوا‬
‫ال يضركم من ضل من الكفار إذا اهتديتم» ولقد صححه الذي نحن‬
‫معه في نزاعٍ؛ الع َّ‬
‫المة األلباني � تعالى وأودعه في سلسلته الماتعة‬
‫النافعة «برقم ‪ »2560‬فأعلمهم أنه يضرهم ظلم الظالم الذي بين‬
‫أظهرهم إن لم يأخذوا بيده‪.‬‬
‫فكما تری الكالم على الحقيقة وعلى الظاهر‪ ،‬ووال َّله لئن يلقى‬
‫المرء ال َّله ‪ ‬بكل ذنب ما خال الشرك‪ ،‬وال يلقاه ببهتان المجاز‪ ،‬ألنه‬
‫ٍ‬
‫عريض‬ ‫ٍ‬
‫لباب‬ ‫إلحاد وإخالل بوسيلة الفهم لألوامر واألخبار‪ ،‬وفتح‬
‫مصراعيه للمالحدة‪.‬‬
‫المة األلباني �؛ «ليس نص ًا على‬
‫فإذا كان األمر كما قال الع َّ‬
‫أنهم كانوا يريدون الكفر األكبر»‪ .‬فلماذا نلوم فسقة التأويل الذين َّأولوا‬
‫الصفات ونفوا عن ال َّله ما يليق بجاللته‪ ،‬بل لماذا نلوم األشعري إذا‬
‫قال لنا‪ :‬إتيان ال َّله ‪ ‬والملك صف ًا صف ًا مجاز‪ ،‬فإذا َّ‬
‫بدعناه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سبحانك هذا ظلم وإجحاف وقلة إنصاف‪ ،‬كيف جاز لأللباني أن يقول‬
‫في الكالم المستولي على األمد األقصى من الوضوح والبيان‪ ،‬فالحقيقة‬
‫فيه ساطعة سطوع الشمس في كبد السماء مجاز‪ ،‬أي‪« :‬ليس نص ًا على‬
‫أنهم كانوا يريدون بـ (الكفر) هنا الذي يخلد صاحبه في النار» وال‬

‫‪273‬‬
‫يجوز لي أن أقول في إتيان ال َّله ومجيئه مجاز‪ ،‬أهذا هو العدل الذي‬
‫ألجله أنزل الكتاب والميزان‪.‬‬
‫فهل تعلم ُّأيها القارىء المنصف من أين ورث الع َّ‬
‫المة‬
‫األلباني� هذا القول الشنيع؟! ورثه عن الذي سرق عقله وأورده‬
‫موارد ال تحمد عقباها‪ ،‬الحافظ ابن حجر �‪.‬‬
‫يقول الحافظ ابن حجر � في قول حذيفة ‪ ‬الذي ك َّفر‬
‫فيه المخل بالصالة‪« :‬واستدل به على وجوب الطمأنينة في الركوع‬
‫والسجود‪ ،‬وعلى أنَّ اإلخالل بها مبطل للصالة‪ ،‬وعلى تكفير تارك‬
‫أن حذيفة نفى اإلسالم عمن أخل ببعض أركانها‬
‫ألن ظاهره َّ‬
‫الصالة َّ‬
‫فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى‪ .‬وهذا بناء على أنَّ المراد بالفطرة‬
‫الدين‪ ،‬وقد أطلق الكفر على من لم يصل كما رواه مسلم وهو إما على‬
‫ّ‬
‫بناء حقيقته عند قوم وإما على المبالغة في الزجر عند اآلخرين‪ ،‬قال‬
‫الدين‪ ،‬قال‪ :‬ويحتمل أن يكون المراد بها هنا‬
‫الخطابي‪ :‬الفطرة الملة أو ّ‬
‫السنة كما جاء «خمس من الفطرة» الحديث‪ ،‬ويكون حذيفة قد أراد‬
‫توبيخ الرجل ليرتدع في المستقبل» [الفتح ‪.]356/2‬‬
‫فقارن ُّأيها القارىء المنصف بين هذا الكالم وبين كالم الع َّ‬
‫المة‬
‫األلباني � تجده يخرج من ينبوع واحد؛ ينبوع الحافظ المرجئي‬
‫وإن قال‪ :‬بزيادة اإليمان ونقصانه واالستثناء فيه‪ ،‬زيادة على الطوام‬
‫األخری التي فيه من تأويل الصفات وغيرها كما بسطنا القول فيه‪.‬‬
‫فتأمل قوله‪« :‬وإما على المبالغة في الزجر عند اآلخرين»؛ وهؤالء‬
‫ال جحود ًا أو تكذيب ًا أو إنكار ًا أو استحال ً‬
‫ال‬ ‫هم الذين ال يرون الكفر إ َّ‬

‫‪274‬‬
‫لفظي ًا‪ ،‬وكلها لها عالقة بقول القلب وليس بعمله‪ ،‬وإن وافقونا في‬
‫القول بزيادة اإليمان ونقصانه واالستثناء فيه‪ ،‬ألن اإلرجاء أخفى من‬
‫دبيب النمل‪ ،‬فيظن الظان إذا قال بهذا القول؛ زيادة اإليمان ونقصانه‬
‫فقد برء من اإلرجاء‪ ،‬وهذا من قلة الخبرة في معرفة خبايا اإلرجاء‬
‫ومن أين تكون أبوابه‪ ،‬ومن وافق هؤالء اآلخرين ممن ينتحل مذهبنا‬
‫الدين؛ مسألة اإليمان‪ ،‬فهو إما لقلة خبرته بهذه المسألة‪ ،‬أو‬
‫في دعامة ّ‬
‫دخلت عليه شبهة هؤالء‪ ،‬وسوف نبسط الكالم على هذا في موضعه‪.‬‬
‫الدين ابن باز � شبهة الحافظ �‬
‫فلهذا لما قرأ إمام دعامة ّ‬
‫المة األلباني � لم يتركها تمر حتى ال‬ ‫التي ألقي في أحضانها الع َّ‬
‫يغتر بها‪ ،‬كما أغتر األلباني فع َّلق عليها بكالم نفيس‪.‬‬
‫الدين ابن باز في «الحاشية رقم‬
‫يقول إمام العقيدة ومنها دعامة ّ‬
‫‪ »2‬عند قوله‪« :‬وقد أطلق الكفر على من لم يصل كما رواه مسلم»‪:‬‬
‫«ولفظه‪ :‬بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصالة انتهى‪.‬‬
‫وقد ورد في معناه أحاديث‪ ،‬والصواب حمل الكفر على الحقيقة‬
‫وأن من ترك الصالة خرج من اإلسالم‪ .‬وقد حكاه عبد ال َّله بن شقيق‬
‫َّ‬
‫[الفتح‬ ‫العقيلي عن جميع الصحابة وأدلته من الكتاب والس َّنة كثيرة‪».‬‬
‫‪ 356/2‬الحاشية رقم ‪.]2‬‬
‫فهكذا ينبغي فهم مراد كالم ال َّله ‪ ‬ومراد نبيه ومراد الصحابة‬
‫‪ ،‬ألنَّ األصل في الكالم هو الحقيقة ال غير‪ ،‬وهذا هو َّأول بند عند‬
‫الدليل كما هو مبسوط في أبوابه‪ ،‬من كتب األئمة المعتبرين‪،‬‬
‫مدرسة فقه َّ‬
‫الدين‪.‬‬
‫الذين حافظوا على دعامة ّ‬

‫‪275‬‬
‫أما عثرته الثالثة‪ :‬التي يقول عندها السلفيون الشرعيون‪ ،‬وقدوتهم‬
‫في ذلك ترجمان القرآن وحبر األمة ابن عباس لما قال في التي مثلها‪:‬‬
‫«الويل الويل لألتباع من عثرات العالم‪[ »...،‬اإلحكام ‪ 266/2‬البن حزم‬
‫والجامع رقم ‪ 1040‬البن عبد البر]‪.‬‬
‫فنحن نزيد الويل الثالث والرابع ألنها تستحق أكثر من ذلك‪،‬‬
‫ألنها عثرة لم يسبق إليها فهي من أوابده‪ ،‬أما طائفة المرجئة الجدد‪،‬‬
‫األثرية بين ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬فيهزون لها الخصر واألرداف‪ ،‬ألن من‬
‫بينهم من كان مدفدف ًا فع َّلمهم َّ‬
‫هز األكتاف‪ ،‬فالهز هنا لكل عائق وحائل‬
‫يعطل فهم المراد‪ ،‬ومن بينه إخراج الكالم عن حقيقته‪.‬‬
‫فعثرته التي ال تقال تقول‪« :‬وأنا أری الصواب رأي الجمهور»‬
‫[السلسلة الصحيحة ‪.]175/1‬‬
‫فهذه الكبوة من أخطر كبواته على اإلطالق‪ ،‬بل زلة قدم يقال‬
‫عندها لليدين وللفم‪ ،‬فهي هفوة ال تغتفر‪ ،‬فكنهها يدل على تضليل‬
‫الزمرة الزكية‪ ،‬التي يدور معها الهدی حيث دارت‪ ،‬فإن الصحابة ‪‬‬
‫أي‪« :‬السلف كانوا أعظم عقو ً‬
‫ال‪ ،‬وأكثر فهوم ًا‪ ،‬وأحد أذهان ًا‪ ،‬وألطف‬
‫إدراك ًا» [درء تعارض العقل والنقل ‪ 21/4‬البن تيمية]‪.‬‬
‫عن بقية بن وليد قال‪ :‬قال لي األوزاعي‪« :‬يا بقية؛ العلم ما جاء‬
‫عن أصحاب محمد رسول ال َّله ﷺ‪ .‬وما لم يجيء عن أصحاب محمد‬
‫ﷺ فليس بعلم‪[ ».‬جامع بيان العلم وفضله رقم ‪.]802‬‬
‫قال اإلمام األوزاعي �‪« :‬اصبر نفسك على الس َّنة‪ ،‬وقف‬
‫حيث وقف القوم‪ ،‬وقل بما قالوا‪ ،‬وكف عما كفوا عنه‪ ،‬واسلك سبيل‬

‫‪276‬‬
‫خير‬
‫سلفك الصالح‪ ،‬فإنه يسعك ما وسعهم‪ ...،‬وإنه لم يدخر عنهم ٌ‬
‫خبىء لكم دونهم لفضل عندكم وهم أصحاب محمد رسول ال َّله ﷺ‬
‫ورضي ال َّله عنهم‪ ،‬اختارهم ال َّله له وبعثه فيهم‪[ »...،‬ذم الكالم رقم ‪924‬‬
‫للهروي]‪.‬‬
‫فأصحاب محمد ﷺ «هم أعلم األمة باتفاق علماء األمة‪ ،‬ولم‬
‫يدعوا الطرق المبتدعة المذمومة عجز ًا عنها‪ ،‬بل كانوا كما قال عمر بن‬
‫عبد العزيز‪ :‬على كشف األمور أقوی‪ ،‬وبالخير لو كان في تلك األمور‬
‫أحری‪[ ».‬درء تعارض العقل والنقل ‪ 22/4‬البن تيمية]‪.‬‬
‫فوال َّله لو كان لطم الخدود وشق الجيوب جائز ًا‪ ،‬لفعلناه لهذه‬
‫فحق أن يناح لها نواح ثكلى األكباد‪ ،‬ووال َّله لو صدرت من‬
‫ّ‬ ‫الزلة‪،‬‬
‫امریء ينهج نهج أبي الحسين البصري‪ ،‬واآلمدي‪ ،‬والرازي‪ ،‬و‪ ،...‬ما‬
‫عبئنا بها‪ ،‬ألننا قد عهدنا منهم هذه الكبوات‪ ،‬وأعظمها على االطالق‬
‫قولتهم الخبيثة‪« :‬مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم» ال‬
‫حققوا علمهم تحقيق ًا‪ ،‬وال نقضوا شبه خصومهم نقض ًا‪.‬‬
‫«ولهذا ال يوجد أحد من هؤالء إ َّ‬
‫ال وهو‪ :‬إما حائر شاك‪ ،‬وإما‬
‫متناقض يقول قو ً‬
‫ال ويقول ما يناقضه‪ ،‬فيلزم بطالن أحد القولين أو‬
‫كالهما‪ ،‬ال يخرجون عن الجهل البسيط مع كثرة النظر والكالم‪ ،‬أو‬
‫عن الجهل المركب الذي هو ظنون كاذبة‪ ،‬وعقائد غير مطابقة‪ ،‬وإن‬
‫كانوا يسمون ذلك براهين عقلية‪ ،‬وأدلة يقينية‪ ،‬فهم أنفسهم ونظراؤهم‬
‫الحق حائدة‪».‬‬
‫ّ‬ ‫ويبينون أنها شبهات فاسدة‪ ،‬وحجج عن‬
‫يقدحون فيها ّ‬
‫[درء تعارض العقل والنقل ‪ 20/4‬البن تيمية]‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫فلقد استعظمنا هذا القول منه‪ ،‬ألنه يدعو إلى مدرسة الزمرة‬
‫الزكية ‪ ،‬ويدعو إلى إحدی بنودها منها «إصالح الظاهر والباطن»‬
‫ال بما صلح أولها» فكيف تصدر منه‬‫ومنها «ال يصلح آخر هذه األمة إ َّ‬
‫المة األلباني � أنَّ هذه الزمرة التي َّ‬
‫خطأها‬ ‫هذه الزلة‪ ،‬أال يعلم الع َّ‬
‫أو ضللها بالتلميح هي التي يدور معها الهدی حيث دارت‪ ،‬فلو كان‬
‫األلباني � ينهج نهج األشاعرة أو المعتزلة أو‪ ،...‬في تحقيق‬
‫المسائل األصولية‪ ،‬ما تأثرنا هذا التأثر‪ ،‬ولقلنا‪ :‬الرجل ينصر ضالل من‬
‫سبقه من الضالل المبتدعة الذين عاشوا في حيرة حتى مع جسومهم‪،‬‬
‫حتى تمنى حذاقهم الموت على دين العجائز وصبيان الكتاب‪.‬‬
‫أما ينصر مذهبنا ويدعو إلى منهجنا ثم يقول هذا القول‪ ،‬فوال َّله‬
‫أي كانت منزلته‪ ،‬نقول لقد أخطأت‪ ،‬وقلت‪ :‬منكر ًا من‬
‫ال نرتضيه من ٍّ‬
‫القول وزور ًا‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬والواجب على كل مسلم يشهد أن ال إله‬
‫إ َّ‬
‫ال ال َّله وأنَّ محمد ًا رسول ال َّله أن يكون أصل قصده توحيد ال َّله بعبادته‬
‫وحده ال شريك له وطاعة رسوله‪ ،‬يدور على ذلك ويتبعه أين وجد‪،‬‬
‫ويعلم أن أفضل الخلق بعد األنبياء هم الصحابة‪ ،‬فال ينتصر لشخص‬
‫انتصار ًا مطلق ًا عام ًا‪ ،‬إ َّ‬
‫ال لرسول ال َّله ﷺ‪ ،‬وال لطائفة انتصار ًا مطلق ًا‬
‫ال الصحابة ‪ ‬أجمعين‪َّ .‬‬
‫فإن الهدی يدور مع الرسول حيث‬ ‫عام ًا‪ ،‬إ َّ‬
‫دار‪ ،‬ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا‪ ،‬فإذا أجمعوا‬
‫لم يجمعوا على خطأ قط‪[ ».‬منهاج الس َّنة النبوية ‪.]262 ،261/5‬‬
‫فأعظم إجماع على االطالق الذي فيه من ال َّله برهان‪ ،‬والنور‬

‫‪278‬‬
‫ساطع فيه سطوع الشمس في كبد السماء‪ ،‬إجماعهم على تكفير تارك‬
‫المة األلباني �‪.‬‬ ‫الصالة‪ ،‬الذي َّ‬
‫خطأهم فيه الع َّ‬
‫أقول للع َّ‬
‫المة األلباني لماذا لم تستحضر قول اإلمام الشافعي‬
‫�‪« :‬هم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به‬
‫علم‪ ،‬آراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا»‪.‬‬
‫فالحق فيه ال في غيره‪ ،‬فهذا اإلجماع معصوم من الخطأ‪ ،‬فال َّله‬
‫‪ ‬لم يجمع هذه الزمرة الزكية على ضالل‪ ،‬فإذا كان ال يجمع األمة‬
‫فالحق‬
‫ّ‬ ‫أحق بهذا الوصف‪،‬‬ ‫على ضالل‪ ،‬فهؤالء ذروة سنام األمة‪ ،‬فهم ّ‬
‫كامن فيما قالوا ونصوا عليه‪ ،‬والباطل كامن في غيره قطع ًا‪ ،‬ألنهم إذا‬
‫أجمعوا لم يجمعوا على خطأ قط‪« ،‬بخالف أصحاب عالم من العلماء‪،‬‬
‫فإنهم قد يجمعون على خطأ‪ ،‬بل كل قول قالوه ولم يقله غيرهم من‬
‫األمة ال يكون إ َّال خطأ‪[ ».‬منهاج الس َّنة النبوية ‪ 262/5‬البن تيمية]‪.‬‬
‫إذ ًا‪ ،‬ما هو الذي أصابه الجمهور وأخطأه أصحاب محمد ﷺ؟!‬
‫فإن سماجة هذا القول تلوح في األفق‪ ،‬ما كان يضر الع َّ‬
‫المة األلباني �‬ ‫َّ‬
‫لو قال لتارك الصالة الذي ثبتت فيه نصوص ًا جلية بتكفيره وإخراجه‬
‫عن اإلسالم‪ ،‬زيادة على إجماع الصحابة ‪ ‬المعصوم من الخطأ‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫االرتياب في كفرك من أعظم المسائل «فمنهم من قال بكفرك وأنت‬
‫حالل الدم‪ ،‬ومنهم من قال أنت ضال غير كافر‪ ،‬والعلماء إذا اختلفوا‬
‫في أمر‪ ،‬هل هو كفر أم ال؟ فكل عاقل يربأ بنفسه أن ينسب إلى خطة‬
‫خسف كهذه» [االعتصام ‪ 180/1‬للشاطبي بتصرف يسير]‪.‬‬
‫أما أن يقول أخطأ الصحابة ‪ ‬وأصاب الجمهور‪ ،‬فالشك في‬

‫‪279‬‬
‫فحشه‪ ،‬ومن كان من هذا القبيل‪ ،‬فحكمه كما قال اإلمام الشعبي �‬
‫حدثوك هؤالء عن رسول ال َّله ﷺ فخذ‬
‫لتلميذه مالك بن المغول‪« :‬ما َّ‬
‫به‪ ،‬وما قالوه برأيهم‪ ،‬فألقه في الحش ـ وفي رواية ـ فبل عليه‪[ ».‬الدارمي‬
‫في السنن رقم ‪ 206‬وابن عبد البر في الجامع رقم ‪.]814‬‬
‫وعلى ٍّ‬
‫كل هلموا لنری من هم الجمهور الذي يريدهم الع َّ‬
‫المة‬
‫األلباني �‪ ،‬ألن مصطلح «الجمهور» أصبح ذا شيوع وذيول ودخل‬
‫عليه إشكال كما دخل على المصطلحين «أهل الس َّنة» و«السلفية»‪،‬‬
‫فلقد استشكل كما استشكلت المصطلحات األخری لما تب ّناها طوائف‬
‫ليس بأهل لها‪ ،‬ولقد أسهمنا القول في ذلك‪ ،‬في «إحقاق الحق» بما‬
‫يقنع الغلة ويشفي العلة‪ ،‬إذ ًا فالبد من تحديده وضبطه‪.‬‬
‫ونحن ال نحده لغة لظهوره عند كل الطوائف‪ ،‬فاالشكال دخل‬
‫من الناحية االصطالحية‪ ،‬لذا نقول‪ :‬مصطلح «الجمهور» يراد به‬
‫الدين ومصابيح الدجى‪ ،‬ومعنى عند األصوليين‬
‫معنيان‪ :‬معنى عند أئمة ّ‬
‫من المتأخرين‪.‬‬
‫الدين‪ :‬يراد به الصحابة ‪ ،‬وهؤالء‬
‫فالمعنى الذي عند أئمة ّ‬
‫هم ذروة سنام الجمهور؛ «السلف الصالح»‪ ،‬فهذا المصطلح إذا اطلق‬
‫يراد به هؤالء‪ .‬‬
‫يقول اإلمام ابن حزم �‪« :‬وقد انقسم العرب ومن باليمن‬
‫وغيرهم أربعة أقسام‪ ،‬إثر موته عليه السالم‪ ،‬فطائفة ثبتت على ما كانت‬
‫عليه من اإلسالم لم تبدِّ ل شيئ ًا‪ ،‬ولزمت طاعة أبي بكر ـ رضي ال َّله عنه‬
‫ـ وهم الجمهور األكثر‪[ ».‬الفصل في الملل واألهواء والنحل ‪.]332/1‬‬

‫‪280‬‬
‫ويقول � أيضاً‪« :‬فلننقل بعون ال َّله عز وجل وتأييده في بسط‬
‫حجة القول الصحيح الذي هو قول الجمهور أهل اإلسالم ومذهب‬
‫الجماعة وأهل الس َّنة وأصحاب اآلثار من أنَّ اإليمان عقد وقول‬
‫وعمل‪ِ ».‬‬
‫[الفصل في الملل ‪.]212/2‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬ما أحد شذ بقول فاسد عن الجمهور‪،‬‬
‫يبين فساد قوله وإن كان القائل كثير ًا» [النبوات‬ ‫إ َّ‬
‫ال وفي الكتاب والس َّنة ما ّ‬
‫‪.]893/1‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬والمأثور عن الصحابة وأئمة التابعين‪،‬‬
‫وجمهور السلف‪ ،‬وهو مذهب أهل الحديث وهو المنسوب إلى الس َّنة‪:‬‬
‫أنَّ اإليمان قول وعمل‪[ »...‬مجموعة الفتاوی ‪ 310/7‬ط‪/‬جـ ‪ 505‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فلنكتفي بهذا خشية اإلطالة‪ ،‬فأقوال األئمة المعتبرين طافحة‬
‫في مصنفاتهم تدل على مصطلح «الجمهور» إذا اطلق فالمراد به‬
‫الزمرة الزكية ـ رضي ال َّله عنها ـ ‪ ،‬فاأللباني � ال يريد هؤالء بالطبع‪،‬‬
‫خطأهم وأخرج إجماعهم عن حقيقته‪ ،‬تبع ًا لمن سرق ذهنه‪ ،‬وهذا‬
‫ألنه َّ‬
‫تضليل بالتلميح‪ ،‬يخرج من مشكاة الذين يقولون عن الزمرة الزكية‪:‬‬
‫أنها لم تحقق األصول كما حققناها‪ ،‬فكالم الع َّ‬
‫المة األلباني قاب‬
‫قوسين أو أدنى من هذا‪.‬‬
‫أما عند المتأخرين سواء الذين حافظوا على التركة المورثة‬ ‫ ‬
‫ورثت‪ ،‬أو الذين يتأولون نصوص القرآن والس َّنة على غير تأويلها‪،‬‬
‫كما ّ‬
‫ويجعلون ذلك حجة ال عمدة‪ ،‬الذين جردوا الكالم المبتدع المخالف‬
‫ويسمون ذلك‬
‫ّ‬ ‫للكتاب والس َّنة‪ ،‬بل المخالف للمعقول الصحيح‪،‬‬

‫‪281‬‬
‫الرادون الباطل‬
‫أصول دين‪ ،‬الموافقون ألعدائهم في بعض الباطل‪َّ ،‬‬
‫بالباطل‪ ،‬كاآلمدي والشهرستاني والجويني والرازي و‪ ...‬ففي عرف‬
‫هؤالء‪ ،‬مصطلح «الجمهور» هم األئمة األربعة‪.‬‬
‫يصرح‬ ‫لكن في هؤالء من هو مخالف للع َّ‬
‫المة األلباني � ّ‬
‫الدين؛ مسألة‬
‫بتكفير تارك الصالة‪ ،‬ومنهم من على هدينا في دعامة ّ‬
‫الدعامة ولم يك ّفر‪ ،‬إذ ًا‬
‫اإليمان‪ ،‬ولم يك ّفر‪ ،‬ومنهم المخالف لنا في هذه ّ‬
‫من هم الذين يريدهم األلباني � تعالى حتى ينجلي لك األمر أيها‬
‫القاریء المنصف؟!‬
‫فعلى إثر هذا نقول‪ :‬إنَّ في الجهمور من هو مك ّفر لتارك الصالة‪،‬‬
‫وهو اإلمام أحمد �‪ ،‬وهذا بالطبع ال يريده الع َّ‬
‫المة األلباني �‪.‬‬
‫الدين ولم يكفروا‪ ،‬فهما اإلمام‬
‫أما الموافقون لنا على دعامة ّ‬
‫مالك وتلميذه اإلمام الشافعي‪ K‬تعالى‪ ،‬وهذان اإلمامان ال‬
‫يفرح بهما الع َّ‬
‫المة األلباني � لسببين‪:‬‬
‫السبب األول‪ :‬أنهم يقولون اإليمان قول وعمل ويبدعون من‬
‫قال غير ذلك‪ ،‬فهم ال يقولون العمل شرط كمال كما تقوله المبتدعة‪،‬‬
‫بل العمل ركن من اإليمان عندهم‪ ،‬زيادة هم مخالفون للع َّ‬
‫المة األلباني‬
‫� في ساب ال َّله ورسوله وشريعته‪.‬‬
‫قال ابن تيمية �‪« :‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع عوام أهل العلم‬
‫سب النبي ﷺ القتل‪ ،‬وممن قال مالك والليث وأحمد‬ ‫على أنَّ َّ‬
‫حد من َّ‬
‫وإسحاق وهو مذهب الشافعي» [الصارم المسلول ‪ ،]13/2‬واأللباني‬
‫� يريد تأديبه بعصاة أو عصايتين‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫وقال � أيضاً‪« :‬قال محمد بن سحنون‪ :‬أجمع العلماء على‬
‫أنَّ شاتم النبي ﷺ المتنقص له كافر‪ ،‬والوعيد جار عليه بعذاب ال َّله‬
‫له‪ ،‬وحكمه عند األئمة القتل‪ ،‬ومن شك في كفره وعذابه كفر» [الصارم‬
‫المسلول ‪ ،]16/2‬واأللباني � قال‪ :‬سوء تربية‪.‬‬
‫واإلمام مالك يخالف األلباني في كفر الرافضة الزنادقة‪.‬‬
‫قال مصعب الزبيري وابن نافع‪« :‬دخل هارون ـ يعني‪ :‬الرشيد ـ‬
‫المسجد فركع‪ ،‬ثم أتى قبر النبي ﷺ فس َّلم عليه‪ ،‬ثم أتى مجلس مالك‬
‫فقال‪ :‬السالم عليك ورحمة ال َّله وبركاته‪ ،‬ثم قال لمالك‪ :‬هل لمن َّ‬
‫سب‬
‫أصحاب رسول ال َّله ﷺ في الفيء حق؟ قال‪ :‬ال! وال كرامة وال مسرة‪.‬‬
‫قال‪ :‬من أين قلت ذلك؟‬
‫قال‪ :‬قال ال َّله عز وجل‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [الفتح‪ :‬ﮍ] فمن‬
‫الفيء‪[ ».‬االعتصام ‪121 ،120/2‬‬ ‫عابهم فهو كافر‪ ،‬وال حق لكافر في‬
‫للشاطبي]‪.‬‬
‫ولقد ذكرنا لك في الشبهة العاشرة قول أحمد � الذي‬
‫أن مالك ًا يصرح بكفرهم‪ ،‬وليس‬
‫رواه الخالل في «الس َّنة برقم ‪َّ »779‬‬
‫الغرض هنا استيفاء الكالم في هذه المسألة‪ ،‬وإنما الغرض التنبيه على‬
‫أصل عظيم‪ ،‬أنَّ هذا منبعث عن اعتقاد صحيح في دعامة ّ‬
‫الدين؛ مسألة‬
‫اإليمان‪.‬‬
‫أما السبب الثاني‪ :‬فهؤالء؛ مالك والشافعي‪ ،K‬لم‬
‫يصرحوا بتكفير تارك الصالة ليس لخلل في اعتقادهم‪ ،‬وإنما لعدم‬
‫ثبوت صحة األحاديث عندهم في كفر تارك الصالة وذلك من وجوه‪:‬‬

‫‪283‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أنَّ رواة أحاديث كفر تارك الصالة متأخرون عن‬
‫زمن مالك‪ ،‬منهم إمام مسلم والترمذي واإلمام أحمد و‪ ،Ą...‬لو‬
‫صحت عنده لقال بها‪ ،‬فالس َّنة لم تكن مدونة مثل اليوم‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنَّ من األئمة في زمانه من ثبتت عنده أحاديث‬
‫كفر تارك الصالة فقال بموجبها ولم يعتد بأي قول كائن من كان‪،‬‬
‫ومن هؤالء اإلمام عبد العزيز بن الماجشون‪ ،‬مفتي المدينة وعالمها‬
‫مع مالك‪ ،‬لقد كان من بحور العلم بالحجاز‪ ،‬نودي مرة بالمدينة بأمر‬
‫المنصور ال يفتي الناس إ َّ‬
‫ال مالك وعبد العزيز بن الماجشون‪.‬‬
‫يقول اإلمام ابن حزم �‪« :‬فروينا عن عمر بن خطاب ‪‬‬
‫ومعاذ بن جبل‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وجماعة من الصحابة ‪ ،‬وعن ابن‬
‫مبارك‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬وإسحاق بن راهويه ‪ ،Ą‬وعن تمام‬
‫ال من الصحابة والتابعين ‪ ،‬أن من ترك صالة فرض‬
‫سبعة عشر رج ً‬
‫كافر مرتدٌ‪ ،‬وبهذا يقول عبد ال َّله بن‬
‫عامد ًا ذاكر ًا حتى يخرج وقتها فإنه ٌ‬
‫*‬
‫الماجشون صاحب مالك‪ ،‬وبه يقول ابن حبيب األندلسي وغيره‪».‬‬
‫[الفصل في الملل ‪ 251 ،250/2‬والمحلى ‪.]15/2‬‬
‫ابن حبيب األندلسي هو إمام المالكية في زمانه‪ ،‬ولم يقلد اإلمام‬
‫مالك ًا‪ ،‬فلما ثبتت عنده األحاديث قال بموجبها‪ ،‬والشافعي � مذهبه‬

‫* هو أبو مروان عبد امللك السلمي تـ ‪238‬هـ فقيه وعامل بالعربية‪ ،‬انتهت إليه رئاسة األندلس‬
‫بعد حييى بن حييى روی عن ابن املاجشون ومطرف وعبد اهلل بن عبد احلكم وغريهم‪ ،‬ويقال‬
‫إنه أدرك مالك ًا يف آخر عمره‪ .‬وهو الذي أفتى يف ابن أخي حظية عبد الرمحن بن احلكم األموي‬
‫مر عليك يف شبهة األلباين العارشة‪ .‬انظر‬‫بإراقة دمه ملا استهزأ باهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ ‪ ،‬ولقد َّ‬
‫ترمجته يف «جذوة املقتبس رقم ‪ »926‬للحميدي‪ .‬‬

‫‪284‬‬
‫تكفير تارك الصالة إذا ثبتت األحاديث في ذلك‪ ،‬يدل عليه قوله العطر‬
‫لما قال إلمام أهل الس َّنة أحمد بن حنبل �‪« :‬أنتم أعلم بالحديث‬
‫مني‪ ،‬فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به أي شيء يكون كوفي ًا‬
‫[مناقب الشافعي‬ ‫أو بصري ًا أو شامي ًا حتى أذهب إليه إذا كان صحيح ًا»‬
‫‪174/1‬للبيهقي وإيقاظ الهمم ص ‪ 259‬للفالني]‪.‬‬
‫وقال �‪« :‬كل حديث عن النبي ﷺ فهو قولي‪ ،‬وإن لم‬
‫تسمعوه مني» [آداب الشافعي ص ‪ 94 ،93‬البن حاتم]‪.‬‬
‫وقال �‪« :‬كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول ال َّله ﷺ‬
‫راجع عنها في حياتي وبعد موتي»‬
‫ٌ‬ ‫عند أهل النقل بخالف ما قلت‪ ،‬فأنا‬
‫[إعالم الموقعين ‪ 363/3‬البن القيم وإيقاظ الهمم ص ‪ 262‬للفالني]‪.‬‬
‫فنقول للشافعي � لقد صحت األحاديث في كفر تارك‬
‫الصالة‪ ،‬واإلجماع من الزمرة الزكية‪ ،‬فهل تقول به؟ فيقول قطع ًا أترون‬
‫عقلي قد ذهب‪ ،‬كيف ال أقول به‪ ،‬لقد أجمع الناس على أنَّ من استبانت‬
‫له س َّنة رسول ال َّله ﷺ لم يكن له أن يدعها لقول أحد‪ ،‬فكيف أدع كفر‬
‫تارك الصالة مع ثبوته وشهرته‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬رحمة ال َّله عليك لقد بنيت أصو ً‬
‫ال على الكتاب والس َّنة‪،‬‬
‫ال أصول المتكلمة ال َّن ْو َكی الذين جهلوا المنقول‪ ،‬وألحدوا في‬
‫المعقول‪.‬‬
‫المة األلباني من الجمهور إ َّ‬
‫ال أبا حنيفة المرجئي‬ ‫إذ ًا لم يبق للع َّ‬
‫المخالف لنا في االعتقاد‪ ،‬وقطع ًا هو الذي يريده‪ ،‬وهذا عار وشنار‪،‬‬
‫وازدراء بالمهاجرين واألنصار أن يصيب أبو حنيفة وتخطأ الزمرة‬

‫‪285‬‬
‫عظيم‪ ،‬حتى ولو وافقه مالك‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫بهتان‬ ‫الزكية في إجماعها‪ ،‬سبحانك هذا‬
‫والشافعي‪ ،K‬أيترك قول المعصومين من الخطأ في إجماعهم‪،‬‬
‫ويعتد بقول مالك والشافعي؟!‬
‫فأين منزلة هؤالء من الذين لم يبدلوا تبدي ً‬
‫ال؟!‬
‫قدم قول أبي بكر وعمر ـ رضي ال َّله عنهما ـ على‬
‫فإذا كان من َّ‬
‫قول رسول ال َّله ﷺ يوشك أن تقع عليه حجارة من السماء‪ ،‬فما بالك‬
‫قدم قول األئمة األربعة على النصوص الجلية التي جاءت عن‬ ‫من َّ‬
‫رسول ال َّله ﷺ‪ ،‬وعن إجماع الزمرة الزكية‪ ،‬أال يوشك أن تقع عليه‬
‫السماء ك ّلها من فحش هذا الفعل‪.‬‬
‫المة األلباني خالف الجمهور في الذهب المحلق‪،‬‬ ‫لكن الع َّ‬
‫وأنا أشكره على هذه المخالفة وأدعو ال َّله أن يجزيه عنها خير ًا جزي ً‬
‫ال‪،‬‬
‫ويسكنه دار القرار‪ ،‬ألنَّ المخالفة لم تكن مبنية عن ظن وتخرص‪،‬‬
‫وإنما لصحة األدلة عنده‪ ،‬وهذه هي تجريد المتابعة التي دعت إليها‬
‫مدرسة فقه الدليل التي أرسى قواعدها الصحابة ‪َّ ،‬‬
‫وأصل أصولها‬
‫إمام أهل الس َّنة أحمد بن حنبل‪ ،‬كان إذا وجد النص أفتى بموجبه‪ ،‬ولم‬
‫يلتفت إلى ما خالفه وال من خالفه كائن ًا من كان‪ ،‬وهذه المدرسة هي‬
‫التي حارب ألجلها اإلمام ابن حزم حتى حرقت كتبه‪ ،‬ومن بعده ابن‬
‫تيمية حتى سجن وتلميذه حتى طيف به مضروب ًا و‪...‬‬
‫لكن أين شهرة أحاديث الذهب المحلق‪ ،‬من شهرة أحاديث‬
‫كفر تارك الصالة؟! زيادة على إجماع الصحابة القطعي المعصوم من‬
‫الخطأ الذي فيه من ال َّله برهان‪ ،‬لكن قاعدة فقه الدليل التي طالما دعا‬

‫‪286‬‬
‫إليها األلباني‪ ،‬ناقضها ولم يلتزم لوازمها‪ ،‬لما خالفت ما يهوي ويشتهي‪،‬‬
‫حتى قال تلك القولة الشنعاء التي لم يسبق إليها وأيم ال َّله لهذه هي‬
‫الحالقة والهادمة لكل ما بناه من أصول على مذهب السلف‪.‬‬
‫فالحافظ ابن عبد البر � لما ذكر التفصيل في كفر تارك‬
‫الصالة في كتاب «التمهيد ‪ 366/2‬ـ ‪ »382‬وإن كان هو ال يری كفر‬
‫تارك الصالة‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أنَّ مذهبه في مسألة اإليمان مذهب السلف‪ ،‬فلما‬
‫ذكر األدلة النيرة وإجماع الصحابة والتابعين في كفر تارك الصالة‪ ،‬ذكر‬
‫قول غير المكفرين ممن يشاركونا في مسألة اإليمان‪ ،‬أنها قول وعمل‬
‫كمالك والشافعي ولقد مضى عذرهما في ذلك‪ ،‬ذكر فائدة عزيزة ال‬
‫تخدم الع َّ‬
‫المة األلباني � في ما ذهب إليه من تصويب وتخطيء‪.‬‬
‫قال �‪« :‬هذا قول قد قال به جماعة من األئمة ممن يقول‪:‬‬
‫اإليمان قول وعمل‪ .‬وقالت به المرجئة أيض ًا‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أنَّ المرجئة تقول‪:‬‬
‫المؤمن المقر مستكمل اإليمان‪.‬‬
‫وقد ذكرنا اختالف أئمة أهل الس َّنة والجماعة في تارك‬
‫الصالة‪.‬‬
‫فأما أهل البدع‪ ،‬فإنَّ المرجئة قالت‪ :‬تارك الصالة مؤمن مستكمل‬
‫اإليمان‪ ،‬إذا كان مقر ًا غير جاحد‪ ،‬ومصدق ًا غير مستكبر‪ .‬وحكيت هذه‬
‫المقالة عن أبي حنيفة وسائر المرجئة‪ ،‬وهو قول جهم‪[ ».‬التمهيد لما في‬
‫الموطأ من المعاني والمسانيد ‪.]381/2‬‬
‫ّ‬
‫صوب قوله الع َّ‬
‫المة األلباني‬ ‫فالفائدة العزيزة تقول‪ :‬أنَّ الذي َّ‬
‫على األدلة النيرة‪ ،‬والحجج الساطعة واالجماع المعصوم‪ ،‬معدود‬

‫‪287‬‬
‫في أهل البدع عند أبي عمر بن عبد البر‪ ،‬فلقد ذكر بعده قول المبتدعة‬
‫الثانية والثالثة؛ المعتزلة والخوارج‪ ،‬فقولوا لي بربكم‪ :‬هذا يصيب‬
‫والزمرة الزكية تخطىء؟! أما الذين يشاركونا في دعامة الدين على‬
‫مذهب السلف‪ ،‬ولم يكفروا تارك الصالة‪ ،‬فلقد دخلت عليهم الشبهة‬
‫التي دخلت على المرجئة والجهمية‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬وأما الذين لم يكفروا بترك الصالة‬
‫ونحوها‪ ،‬فليست عندهم حجة إ َّ‬
‫ال وهي متناولة للجاحد كتناولها‬
‫للتارك‪ ،‬فما كان جوابهم عن الجاحد كان جواب ًا عن التارك‪ ،‬مع َّ‬
‫أن‬
‫النصوص علقت الكفر بالتولي كما تقدم‪ ،‬وهذا مثل استداللهم‬
‫بالعمومات التي يحتج بها المرجئة كقوله‪« :‬من شهد أن ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله‪،‬‬
‫وأنَّ محمد ًا رسول ال َّله‪ ،‬وأن عيسى عبد ال َّله ورسوله وكلمته ألقاها‬
‫إلى مريم وروح منه‪ ...‬أدخله ال َّله الجنة» ونحو ذلك من النصوص‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 373/7‬ط‪/‬جـ ‪ 614‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫ويقول � أيضاً‪« :‬فأما الطرف الثاني‪ ،‬فهو مبني على مسألة‬
‫ال كما تقدم‪ ،‬ومن الممتنع أن يكون الرجل‬ ‫كون اإليمان قو ً‬
‫ال وعم ً‬
‫مؤمن ًا إيمان ًا ثابت ًا في قلبه‪ ،‬بأن ال َّله فرض عليه الصالة والزكاة والصيام‬
‫والحج‪ ،‬ويعيش دهره ال يسجد ل َّله سجدة‪ ،‬وال يصوم من رمضان‪ ،‬وال‬
‫يؤدي ل َّله زكاة‪ ،‬وال يحج إلى بيته‪ ،‬فهذا ممتنع‪ ،‬وال يصدر إ َّال مع نفاق‬
‫في القلب وزندقة‪ ،‬ال مع إيمان صحيح» [مجموعة الفتاوی ‪ 372/7‬ط‪/‬جـ‬
‫‪ 611‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫وليس الغرض منا اآلن استيفاء النصوص واألدلة في كفر تارك‬

‫‪288‬‬
‫الصالة‪ ،‬فذلك مشهور مقطوع به‪ ،‬وإنما أردنا التنبيه على أنَّ الذين لم‬
‫يكفروا إنما دخلت عليهم الشبهة التي دخلت على المرجئة‪ ،‬أو بسبب‬
‫فساد معتقدهم كحماد وتلميذه‪ ،‬ومن حذا حذوهم‪.‬‬
‫يقول األثرية بين ـ المعكوفتين ـ ‪« :‬الخالف بين أهل الس َّنة ـ أتباع‬
‫ال من غير جحود وال إنكار‪ ،‬كما‬ ‫منهج السلف ـ واقع فيمن تركها تكاس ً‬
‫نقله غير واحد من أهل العلم؛ كاإلمام مالك‪ ،‬واإلمام الشافعي‪ ،‬وهي‬
‫رواية ـ مشهورة ـ عن اإلمام أحمد‪[ ».‬مجمل مسائل العلمية ص ‪.]22‬‬
‫فمن تفحص هذا القول جيد ًا‪ ،‬علم أنَّ هؤالء األدعياء‪ ،‬يعلمون‬
‫من أين تؤكل الكتف‪ ،‬فهم خبراء في التلبيس والتدليس‪ ،‬وذلك أنَّ‬
‫الدين على مذهب السلف‪،‬‬ ‫الخالف بين أهل الس َّنة الذين في دعامة ّ‬
‫قليل وقليل جد ًا‪ ،‬ولم يظهر إ َّ‬
‫ال في وقت مالك والشافعي وهما معذوران‬
‫يدعون فليأتونا بتابعي واحد‬
‫كما مر عليك‪ ،‬فإن كان ذلك كذلك كما ّ‬
‫خالف في هذه المسألة؛ كفر تارك الصالة‪ ،‬فاإلجماع منعقد من الصدر‬
‫األول إلى وقتهم‪ ،‬فكيف بعد ذلك قولهم أنَّ الخالف واقع بين أهل‬
‫الس َّنة‪.‬‬
‫قال ابن عبد البر �‪« :‬وقال إسحاق بن راهويه �‪ :‬وكذلك‬
‫كان رأي أهل العلم من لدن النبي ﷺ إلى زماننا هذا‪ :‬أنَّ تارك الصالة‬
‫عمد ًا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر‪ ،‬إذا أبى من قضائها وقال‪ :‬ال‬
‫أصليها‪.‬‬
‫قال إسحاق‪ :‬وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب‬
‫الشمس‪ ،‬والمغرب إلى طلوع الفجر‪ ،‬قال وقد أجمع العلماء أن من‬

‫‪289‬‬
‫سب ال َّله عز وجل‪ ،‬أو سب رسوله ﷺ‪ ،‬أو دفع شيئ ًا أنزله ال َّله‪ ،‬أو قتل‬
‫نبي ًا من أنبياء ال َّله‪ ،‬وهو ذلك مقر بما أنزل ال َّله‪ ،‬أنه كافر؛ فكذلك تارك‬
‫الصالة حتى يخرج وقتها عمد ًا‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولقد أجمعوا في الصالة على شيء لم يجمعوا عليه في‬
‫سائر الشرائع‪ ،‬ألنهم بأجمعهم قالوا‪ :‬من عرف بالكفر ثم رأوه يصلي‬
‫في وقتها‪ ،‬حتى صلى صلوات كثيرة في وقتها‪ ،‬ولم يعلموا منه إقرار ًا‬
‫باللسان‪ ،‬وأنه يحكم له باإليمان‪ ،‬ولم يحكموا له في الصوم والزكاة‬
‫والحج بمثل ذلك‪.‬‬
‫قال إسحاق‪ :‬فمن لم يجعل تارك الصالة كافر ًا فقد ناقض‬
‫وخالف أصل قوله‪ ،‬وقول غيره‪ ،‬قال‪ :‬ولقد كفر إبليس إذا لم يسجد‬
‫السجدة التي أمر بسجودها‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك تارك الصالة عمد ًا حتى‬
‫يذهب وقتها‪ ،‬إذا أبى من قضائها‪[ ».‬التمهيد ‪.]369 ،368/2‬‬
‫فكما تری ّأيها القاریء المنصف اإلجماع منعقد على كفر‬
‫تارك الصالة‪ ،‬بل من أوكد اإلجماع على اإلطالق كما قال اإلمام‬
‫إسحاق �‪ ،‬فهذه المقالة؛ عدم تكفير تارك الصالة‪ ،‬لم تظهر في‬
‫األمة حتى ظهر داء اإلرجاء الخبيث بعد فتنة ابن األشعث‪ ،‬فقول‬
‫األدعياء األثرية بين ـ المعكوفتين ـ ‪« :‬الخالف بين أتباع منهج السلف‬
‫واقع» ليس صحيح ًا كما ّبينا ومالك والشافعي‪ K‬معذوران كما‬
‫أوضحنا ذلك‪ ،‬نعم يبقى كالمهم صحيح ًا من وجه آخر يريدونه‪َّ ،‬‬
‫أن‬
‫الخالف واقع بين أتباع منهج السلف في الظاهر الذين يرون اإلرجاء‬
‫في الباطن‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫فأئمة هؤالء؛ طائفة المرجئة الجدد‪ ،‬األثرية بين ـ المعكوفتين ـ‬
‫عدوهم من السلف‪ ،‬وأنَّ خالفهم سلفي‪« ،‬ال يميزون بين مذاهب‬
‫الذين ُّ‬
‫السلف وأقوال المرجئة والجهمية؛ الختالط هذا بهذا في كالم كثير‬
‫منهم‪ ،‬ممن هو في باطنه يری رأي الجهمية والمرجئة في اإليمان‪ ،‬وهو‬
‫معظم للسلف وأهل الحديث فيظن أنه يجمع بينهما أو يجمع بين كالم‬
‫أمثاله وكالم السلف‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪ 228/7‬البن تيمية ط‪/‬جـ]‪.‬‬
‫فمن تدبر كالم هذا الجهبذ اإلمام الرضي‪ ،‬علم أنَّ اإلرجاء‬
‫أخفى من دبيب النمل‪ ،‬فهذا هو المسلك الذي سلكه إمامهم الذين‬
‫المة األلباني �‪ ،‬بما أوضحنا لك‪ ،‬فلقد َّ‬
‫عظم‬ ‫يدعون مشيخته الع َّ‬
‫َّ‬
‫مذهب السلف‪ ،‬واعتمد مقالة الجهمية والمرجئة فظن أنه يجمع بينهما‬
‫فتدافع كالمه واضطرب‪.‬‬
‫فلقد أضاف الكالم الردي البدعي إلى منهج السلف من حيث‬
‫ال يشعر‪ ،‬كالذي تأثر بمنهجه؛ الحافظ ابن حجر �‪ ،‬فهذا التلبيس‬
‫من إضافة األقوال الردية إلى المنهج السلفي‪ ،‬لم يسلم منه المذاهب‬
‫األربعة كذلك‪« ،‬فالحنبلي والشافعي والمالكي يخلط بمذهب مالك‬
‫والشافعي وأحمد شيئ ًا من أصول األشعرية والسالمية وغير ذلك‪،‬‬
‫ويضيفه إلى مذهب مالك والشافعي وأحمد‪ .‬وكذلك الحنفي يخلط‬
‫بمذهب أبي حنيفة شيئ ًا من أصول المعتزلة والكرامية والك َّ‬
‫البية‪،‬‬
‫ويضيفه إلى مذهب أبي حنيفة‪[ ».‬منهاج الس َّنة النبوية ‪ 261/5‬البن تيمية]‪.‬‬
‫يقول األثرية بين ـ المعكوفتين ـ ‪« :‬من ك َّفر تارك الصالة ـ‬
‫بإطالق ـ ‪ :‬لم يتهم مخالفه باإلرجاء وال يجوز له‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫ومن لم يكفر تارك الصالة ـ تكاس ً‬
‫ال ـ ‪ :‬لم يرم مخالفه بالخروج؛‬
‫وال ينبغي له‪[ ».‬مجمل مسائل اإليمان العلمية ص ‪.]23 ،22‬‬
‫كيف ال يوصفون باإلرجاء وهم ينازعون فيمن قال ولم‬
‫يعمل؟!‬
‫فالذين يعذرون هم األوائل الذين لم تثبت عندهم النصوص‬
‫وهم قلة قليلة جد ًا كاإلمامين الجليلين مالك والشافعي‪ ،‬أما والس َّنة‬
‫مدونة اليوم‪ ،‬ومميزة صحيحها من سقيمها‪ ،‬فكيف يعذر هؤالء‪ ،‬ولو‬
‫كان مخالفتهم إ َّ‬
‫ال في الصالة‪ ،‬لغض الطرف عنهم‪ ،‬كيف وهم يخالفون‬
‫في ساب ال َّله ورسوله وشريعته‪ ،‬والمستهزأ بهم‪ ،‬وإن أثبتوا ذلك قالوا‪:‬‬
‫هذا مستلزم لتكذيب الباطن؛ انتفاء قول القلب‪ ،‬ويخالفون فيمن‬
‫أعرض عن الشريعة بالكلية‪ ،‬مضموم ًا لما عندهم من بتر وتحريف‬
‫ولي وتلبيس وإيهام بالمجمل‪.‬‬
‫أما قولهم‪« :‬ومن لم يك ّفر تارك الصالة ـ تكاس ً‬
‫ال ـ‪ :‬لم يرم‬
‫مخالفه بالخروج وال ينبغي له»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬من قال هذا‪ ،‬فقد قال عظيم ًا‪ ،‬واحتمل بهتان ًا مبين ًا‪ ،‬بل‬
‫يعرف‪ ،‬وهنا تقام الحجة التي اشترطها األدعياء في ساب ال َّله تعالى‪،‬‬
‫ّ‬
‫وشاتم رسوله‪ ،‬والملقي المصحف في القاذورات‪ ،‬فإن أصر بعد ذلك‬
‫كفر‪ ،‬ألنَّ هذا يستلزم تبديع الزمرة الزكية ـ رضي ال َّله عنها ـ ‪ ،‬التي‬
‫أجمعت على كفر تارك الصالة‪ ،‬فليربأ المرء بنفسه وال يخاطر بدينه‪.‬‬
‫يقول األثرية بين ـ المعكوفتين ـ ؛ طائفة المرجئة الجدد‪6« :‬ـ‬
‫وعليه‪ :‬فالخالف في تارك الصالة ـ على وجه الحقِّ ـ خالف معتبر بين‬

‫‪292‬‬
‫أهل الس َّنة‪ ،‬ال يفسد األخوة اإليمانية؛ كما كان الحال في عهد السلف‬
‫األول؛ من األئمة الذين تلقتهم األمة بالقبول‪ ،‬وشهدت لهم باإلمامة‬
‫كاإلمام مالك واإلمام أحمد‪ ،‬واإلمام الشافعي‪ ...‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ ...‬واستمر الخالف العلمي السني ـ في ذلك ـ حتى يومنا هذا؛‬
‫كما كان بين اإلمامين الجليلين‪ :‬األلباني‪ ،‬وابن باز‪K‬وغيرهما‪».‬‬
‫[مجمل مسائل اإليمان العلمية ص ‪.]24 ،23‬‬
‫فكما تری أيها القاریء المنصف‪ ،‬القوم خبراء بالمجمالت‬
‫والمحتمالت للحق والباطل في أبواب العقيدة‪ ،‬ما تركوا منها باب ًا‬
‫إ َّ‬
‫ال وسلطوا عليه معاول مبهماتهم ومجمالتهم‪ ،‬ويكفي أنَّ عدم‬
‫االستفسار والتفصيل خاصة في أبواب العقيدة هو سمة أهل األهواء‬
‫والبدع واالفتراق‪.‬‬
‫فانظر إلى قولهم‪« :‬كما كان الحال في عهد السلف األول»‪:‬‬
‫فمن هم السلف األول؟ فعند مصينين الفطرة المكملة‪ ،‬والشرعة‬
‫المنزهة‪ ،‬هو رسول ال َّله ﷺ‪ ،‬يقول صلوات ال َّله وسالمه عليه‪َّ :‬‬
‫«إن‬
‫نبيها قبلها‪ ،‬فجعله لها فرط ًا‬
‫‪ ‬إذا أراد رحمة أمة من عباده‪ ،‬قبض ّ‬
‫وسلف ًا بين يديها‪[ »...،‬مسلم رقم ‪.]5923‬‬
‫فهذا السلف األول ﷺ‪ ،‬كما تری أيها القاریء المنصف ك َّفر‬
‫تارك الصالة‪ ،‬والنصوص في ذلك متواترة‪ ،‬وإن راوغوا فالسلف بعد‬
‫النبي ﷺ هم الصحابة ‪ ،‬وقد ّ‬
‫مر عليك كيف ك ّفر حذيفة الذي لم يتم‬
‫الركوع‪ ،‬بل أجمعوا على كفره‪ ،‬وإن لبسوا ودلسوا وقصدوا الذين من‬
‫بعد الزمرة الزكية‪ ،‬فهم على اإلجماع سائرين وال يوجد فيهم مخالف‪،‬‬

‫‪293‬‬
‫وليأتونا بواحد‪ ،‬فلم يبق إ َّ‬
‫ال العهد الذي فيه مالك والشافعي‪ ،‬وهما‬
‫معذوران كما قلنا سابق ًا‪.‬‬
‫وفي هذا العهد قال اإلمام الجليل إسحاق بن راهويه‪« :‬فمن لم‬
‫يجعل تارك الصالة كافر ًا فقد ناقض وخالف أصل قوله‪ ،‬وقول غيره»‬
‫[التمهيد ‪ 369/2‬البن عبد البر]‪.‬‬
‫إذ ًا‪ ،‬أليس أيها القاری المنصف في قولهم‪« :‬السلف األول»‬
‫تلبيس وتدليس وإيهام بالمجمل الذي هو سمة المبتدعة المخالفة‬
‫المختلفة؟!‬
‫أما قولهم‪...« :‬واستمر الخالف السني ـ في ذلك ـ حتى يومنا‬
‫هذا‪ ،‬كما كان بين اإلمامين الجليلين؛ األلباني وابن باز‪K‬‬
‫وغيرهما»‪.‬‬
‫هذا القول ّأيها القاریء المنصف من أخطر األقوال‪ ،‬الشتماله‬
‫الحق في متهاته‪ ،‬ألنه من الهوی الذي يحجب‬
‫ّ‬ ‫على تلبيس ّبين‪ ،‬يضل‬
‫الحق عن قليلي الخبرة أطرياء العود‪ ،‬واألثرية؛ طائفة المرجئة الجدد‬
‫يظنون أنَّ كل القراء بهذه الدرجة من السذاجة والبله‪ ،‬فجوابنا على هذا‬
‫البين من وجهين‪:‬‬
‫التلبيس ّ‬
‫األول‪ :‬تسمية الع َّ‬
‫المة األلباني � باإلمام فيه نظر‪ ،‬ألنَّ هذه‬
‫المنزلة‪ ،‬هي منزلة عظيمة جد ًا‪ ،‬لها شروط وقيود‪ ،‬وعند الع َّ‬
‫المة األلباني‬
‫� شرطها األساسي غير متحقق‪ ،‬وهو المحافظة على العقيدة كما‬
‫الدين‬
‫جاءت عن السالفين‪ ،‬وكما تری ّأيها القاریء المنصف دعامة ّ‬
‫عند األلباني على غير أساس متين‪ ،‬وقد بسطنا القول في ذلك في الشبه‬

‫‪294‬‬
‫الماضية وها نحن نتمم ذلك‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنَّ القاریء الذي يعرف الحق بالرجال‪ ،‬أو البليد‪،‬‬
‫أوالساذج‪ ،‬يقول الخالف قديم منذ السلف األول على قول هؤالء‪،‬‬
‫بين ـ المعكوفتين ـ على تلبيسهم‪ ،‬واأللباني إمام وابن باز إمام‪،‬‬
‫الدين‪،‬‬
‫والبون بينهما شاسع‪ ،‬فاألول سلط معاول التأويل على دعامة ّ‬
‫والثاني مرابط على ثغرها ينافح عنها‪ ،‬ناصب المنجنيق لمن انحرف‬
‫عن الطريق‪ ،‬ولقد قذف به مراد شكري الجهمي‪ ،‬فيمكن االختيار بين‬
‫القولين‪ ،‬وبأ ِّيه أخذت فهو ترجيح علمي‪ ،‬ونظر فقهي‪ ،‬وهنا الحالقة‬
‫التي يظل الحق فيها بين الهوی‪.‬‬
‫فهلم معي ّأيها القاری المنصف‪ ،‬لنعرض الخالف العلمي‬ ‫َّ‬
‫السني كما يقول األثرية في ثوبه النقي‪ ،‬لننظر ماذا يقول قليل الخبرة‬
‫طري العود‪ ،‬والساذج‪ ،‬والبليد‪ ،‬والذي يعرف الحق بالرجال‪.‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫المة األلباني‬ ‫ٌ‬
‫متهوك‪ ،‬فالع َّ‬ ‫بدعي‬
‫ٌ‬ ‫أنَّ الخالف ليس سني ًا إنما هو‬
‫مخطىء‪ ،‬وأما التابعين فال َّله‬
‫ٌ‬ ‫متأول‪ ،‬وللصحابة‬ ‫ٌ‬ ‫مخالف لرسول ال َّله‬
‫أعلم ماذا يقول فيهم‪ ،‬مخالف ألحمد بن حنبل‪ ،‬وإسحاق بن راهويه‪،‬‬
‫ويحيى بن معين‪ ،‬وعبد ال َّله بن مبارك‪ ،‬والحكم بن عيينة‪ ،‬وأيوب‬
‫السختياني‪ ،‬وأبي داود الطيالسي‪ ،‬وأبي بكر بن أبي شيبة‪ ،‬وأبي خيثمة‬
‫زهير بن حرب‪ ،‬و‪ ،...‬وابن حبيب األندلسي‪ ... ،‬والاللكائي‪ ،‬و‪...‬‬
‫والشوكاني كما صرح بذلك في آخر تصانيفه مطلق ًا «السيل الجرار»‬
‫بحق واستحقاق محمد‬
‫و‪ ،...‬ومحمد بن عبد الوهاب وأبنائه‪ ،‬واإلمام ٍّ‬

‫‪295‬‬
‫بن إبراهيم آل الشيخ‪ ،‬وابن باز‪ ،‬وابن عثيمين‪ ،‬وابن الجبرين‪ ،‬والفوزان‪،‬‬
‫وبكر بن عبد ال َّله أبو زيد و‪...‬‬
‫موافق ألبي إسماعيل حماد بن أبي سليمان صاحب رأي‬
‫السوء؛ المرجئي‪ ،‬وألبي حنيفة المرجئي‪ ،‬ولطلق المرجئي‪ ،‬ولذر‬
‫المرجئي‪ ،‬وإلبراهيم التيمي المرجئي‪ ،‬ومحمد بن كرام المرجئي‪،‬‬
‫وأبي عبد ال َّله الصالحي الجهمي المرجئي‪ ،‬وأبي منصور الماتريدي‬
‫المرجئي‪ ... ،‬والطحاوي المرجئي‪ ...،‬وابن فورك المرجئي‪ ،‬والبيهقي‬
‫المرجئي‪ ،‬والنسفي المرجئي‪ ،‬والحافظ ابن حجر المرجئي‪ ،‬وإن قال‬
‫بالزيادة والنقصان واالستثناء‪ ،‬وابن حجر الهيثمي األشعري المرجئي‪،‬‬
‫والسخاوي المرجئي‪ ،‬و‪ ...‬وألبي عذبة المرجئي‪ ،‬ومحمد الغزالي‬
‫المرجئي المستهزء بشعائر ال َّله‪ ،‬والقرضاوي األشعري المرجئي‪،‬‬
‫و‪ ...‬وهلم جر ًا‪.‬‬
‫فماذا يقول طري العود والساذج والبليد والذي يعرف الحق‬
‫بالرجال لو طرحنا هذا ّأيها القاریء المنصف؟!‬
‫ال الذي يعرف الحق بالرجال فلست‬ ‫فسوف يقول كلهم إ َّ‬
‫سماه أصحابه خالف ًا سني ًا أو ترجيح ًا علمي ًا‬ ‫أرجوه‪ّ :‬‬
‫أف لهذا القول وإن ّ‬
‫أو نظر ًا فقهي ًا‪ ،‬هكذا هو الطرح‪ ،‬لمن تصدی للتحقيق وأراد الترجيح‪،‬‬
‫أما اإليهام بالمحتمالت والمجمالت فهو إيواء إلى ركن غير وثيق‪.‬‬
‫يقول األثرية؛ طائفة المرجئة الجدد‪7« :‬ـ ال مانع شرعي من‬
‫الترجيح العلمي‪ ،‬والنظر الفقهي؛ انتصار ًا لقول ـ في هذه المسألة ـ‬
‫دون اآلخر ـ وتأييده ـ ضمن دائرة أهل الس َّنة ـ ؛ على اختالف نوع‬

‫‪296‬‬
‫الترجيح‪ ،‬وماهية القول به‪ ،‬مع المحافظة على منهجية البحث‪ ،‬وأدب‬
‫الخالف‪[ ».‬مجمل مسائل اإليمان العلمية ص ‪.]24‬‬
‫قلت‪ :‬لقد سبقكم شيخكم الع َّ‬
‫المة المحقق األلباني � الذين‬
‫تدعون التلمذة على يديه‪ ،‬إلى هذا الترجيح العلمي والنظر الفقهي‪،‬‬
‫َّ‬
‫فضلل الصحابة ‪ ‬بالتلميح‪ّ ،‬‬
‫وبدع الذين على النهج سائرين اليوم‪،‬‬
‫بقوله‪« :‬فلو قال قائل‪ :‬بأن الصالة شرط لصحة اإليمان وأن تاركها‬
‫مخلد في النار فقد التقى مع الخوارج في بعض قولهم هذا وأخطر‬
‫من ذلك أنه خالف حديث الشفاعة» [السلسة الصحيحة ‪/7‬القسم األول ص‬
‫‪.]137‬‬
‫الدين‪،‬‬
‫تدعون له اإلمامة في ّ‬
‫هذا شيخكم ومحققكم والذي ّ‬
‫يقول هذا العار‪ ،‬فماذا عسى أن تقولوا أو ترجحوا أو تحققوا؟!‬
‫سبحانك هذا بهتان عظيم‪.‬‬
‫وقبل أن نسدل الستار على هذا الموضوع؛ التلبيس والتدليس‬
‫والتهييب من تكفير تارك الصالة‪ ،‬نود أن نذكر سؤا ً‬
‫ال قد يطرأ‪ ،‬أو يطرأه‬
‫بعض الملبسة‪ ،‬فهم يتقنون الصنعة جيد ًا‪.‬‬
‫المة ابن القيم �‪« :‬أورد شيخنا الهراسي سؤا ً‬
‫ال على‬ ‫قال الع َّ‬
‫القول بكفر تارك الصالة‪ ،‬وزعم أنه ال جواب عنه‪ ،‬فقال‪ :‬إذا أراد هذا‬
‫الرجل معاودة اإلسالم فبماذا يسلم فإنه لم يترك كلمة اإلسالم؟‬
‫فأجابه ابن عقيل بأن قال‪ :‬إنما كفره بترك الصالة ال بترك الكلمة‪،‬‬
‫فهو إذا عاود فعل الصالة صارت معاودته للصالة إسالم ًا‪ ،‬فإنَّ الدال‬
‫على إسالم الكافر الكلمة أو الصالة‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا الذي ذكره شيخنا يرد عليه في كل من كفر بشيء‬
‫[بدائع الفوائد‬ ‫من األشياء مع إتيانه بالشهادتين‪ ،‬وتلك صور عديدة‪».‬‬
‫‪.]671/3‬‬
‫قلت‪ :‬بل الصالة أدل على إسالم الكافر من الكلمة‪ ،‬كما قال‬
‫إسحاق بن راهويه �‪« :‬من عرف بالكفر ثم رأوه يصلي الصالة‬
‫في وقتها‪ ،‬حتى صلى صلوات كثيرة في وقتها‪ ،‬ولم يعلموا منه إقرار ًا‬
‫باللسان أنه يحكم له باإليمان‪ ،‬ولم يحكموا له في الصوم والزكاة‬
‫والحج بمثل ذلك‪[ ».‬التمهيد ‪ 399/2‬البن عبد البر]‪ ،‬والذي ذكره هذا‬
‫اإلمام هو قول مجمع عليه كما ذكر بقوله‪« :‬ألنهم بأجمعهم قالوا‪ »:‬ثم‬
‫ساق قوله هذا‪.‬‬
‫وهذا القول الزكي من هذا اإلمام � يدل عليه حديث محجن‬
‫لما كان في مجلس مع رسول ال َّله فأذن بالصالة‪ ،‬فقام رسول ال َّله ﷺ‬
‫فصلى بالناس ومحجن الديلي جالس‪ ،‬فقال له رسول ال َّله ﷺ‪« :‬ما‬
‫منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم فقال‪ :‬بلى يا رسول ال َّله‬
‫ولكني قد صليت في أهلي فقال له رسول ال َّله ﷺ‪ :‬إذا جئت فصل مع‬
‫الناس وإن كنت قد صليت» والحديث في «موطأ مالك برقم ‪272‬‬
‫وصحيح سنن النسائي رقم ‪.»856‬‬
‫قال ابن عبد البر �‪« :‬في هذا الحديث وجوه من الفقه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬قوله ﷺ لمحجن الديلي‪ :‬ما منعك أن تصلي مع الناس؟‬
‫ألست برجل مسلم؟ وفي هذا وال َّله أعلم دليل على أن من ال يصلي‬
‫ليس بمسلم‪ ،‬وإن كان موحد ًا‪ ،‬وهذا موضع اختالف بين أهل العلم‬

‫‪298‬‬
‫وتقرير هذا الخطاب في هذا الحديث أنَّ أحد ًا ال يكون مسلم ًا إ َّ‬
‫ال أن‬
‫يصلي‪ ،‬فمن لم يصل فليس بمسلم‪.‬‬
‫وفيه أن من أقر بالصالة وبعملها وإقامتها أنه يوكل إلى ذلك إذا‬
‫قال‪ :‬إني أصلي؛ ألنَّ محجن ًا قال لرسول ال َّله ﷺ‪ :‬قد صليت في أهلي‪،‬‬
‫فقبل منه‪ .‬وال حجة في هذا الحديث لمن قال‪ :‬إن اإلقرار بدون إقامتها‬
‫يحقن الدم‪ ،‬ألنه لم يقل‪ :‬إني مؤمن بالصالة مقر بها‪ ،‬غير أني ال أصلي‪،‬‬
‫بل قال له‪ :‬قد صليت‪ .‬والظاهر أنه لم ينجه إ َّ‬
‫ال قوله لرسول ال َّله ﷺ‪:‬‬
‫قد صليت في أهلي‪[ ».‬التمهيد ‪ ]368/2‬ثم ساق � أقوال الصحابة‬
‫واألئمة المعتبرين في كفر تارك الصالة‪ ،‬ثم قول إسحاق واألحاديث‬
‫المتواترة في ذلك‪.‬‬
‫لنعد إلى كشف هؤالء األدعياء األثرية بين ـ المعكوفتين ـ ‪،‬‬
‫طائفة المرجئة الجدد‪ ،‬الملبسة والمدلسة بالمجمل من القول‪.‬‬
‫يقول هؤالء األدعياء في رسالتهم المسمومة في باب الحكم‬
‫بغير ما أنزل ال َّله‪5« :‬ـ الحاكم بغير ما أنزل ال َّله؛ ينظر حاله‪ :‬فإن ترك‬
‫ال لذلك‪ ،‬أو رأی أنه مخير فيه‪ ،‬أو أن حكم ال َّله ال‬ ‫حكم ال َّله مستح ً‬
‫يصلح لرعاية شؤون الناس‪ ،‬أو أنَّ حكم غير ال َّله أصلح لهم‪ :‬فهو كافر‬
‫خارج من الملة؛ بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع ـ حسب ما يفتي‬
‫به خاصة أهل العلم من الراسخين في الفقه في الدين ـ ‪[ ».‬مجمل مسائل‬
‫اإليمان العلمية في أصول العقيدة السلفية بين ـ المعكوفتين ـ اإلرجائية ص ‪.]26‬‬
‫انظر ّأيها القاریء المنصف‪ ،‬كيف يشم اإلرجاء في هذا القول‬
‫أن ما ذكروه من آراء وحاالت التي يكفر‬
‫من مسيرة كذا وكذا‪ ،‬وذلك َّ‬

‫‪299‬‬
‫فيها الحاكم بغير ما أنزل ال َّله بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع‪ ،‬خاصة‬
‫بقول القلب؛ كفر التكذيب أو الجحود‪ ،‬وهذا الكفر بالذات يشترط‬
‫فيه إقامة الحجة؛ تحقق الشروط وانتفاء الموانع‪ ،‬ونحن نوافقهم على‬
‫هذا‪ ،‬لكن للقلب موقعين‪ :‬موقع خاص بالقول‪ ،‬وموقع خاص بالعمل‪،‬‬
‫ولقد ذكروا حاالت األول‪ ،‬فأين الحاالت للثاني؟! هذه األولى‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أنَّ الراسخين في الفقه ّ‬
‫والدين ذكروا هذه الحالة الخاصة‬
‫بقول القلب‪ ،‬والحالة التي لو قدرتم أن تحكوها لفعلتم‪.‬‬
‫والدين‪« :‬الحكام بغير ما أنزل‬
‫يقول أحد الراسخين في الفقه ّ‬
‫ال َّله أقسام‪ ،‬تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم‪ ،‬فمن حكم‬
‫بغير ما أنزل ال َّله يری أنَّ ذلك أحسن من شرع ال َّله فهو كافر عند جميع‬
‫يحكم القوانين الوضعية بد ً‬
‫ال من شرع ال َّله‬ ‫المسلمين‪ ،‬وهكذا من ّ‬
‫ويری أن ذلك جائز‪ ،‬ولو قال إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه‬
‫استحل ما حرم ال َّله» [مجموع فتاوی ابن باز ‪.]991/3‬‬
‫فالحظ ّأيها القاریء حتى تنجلي عنك سحابة هؤالء في قوله‪:‬‬
‫«بحسب اعتقادهم وأعمالهم» لماذا لم يقل إ َّ‬
‫ال اعتقادهم؟ وذلك أنَّ‬
‫هذا الراسخ يقول‪ :‬اإليمان قول وعمل والعمل ركن منه وشرط في‬
‫صحته‪ ،‬وكما يكفر باالعتقاد يكفر بالعمل أي‪ :‬عمل القلب‪ ،‬ثم انظر‬
‫إلى قوله‪« :‬ولو قال إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل‬
‫ما حرم ال َّله»‪ .‬فأخبرنا ّأيها القاریء المنصف بالطبع لست أعني األثري‬
‫فهو ال يری ذلك‪ ،‬عن هذا االستحالل الذي ذكره هذا الراسخ‪ ،‬ماذا‬
‫الذي يذهبه من القلب؟!‬

‫‪300‬‬
‫فإن قلت‪ :‬اإلقرار‪ ،‬قلنا‪ :‬لقد قلت عظيم ًا وذهبت بعيد ًا‪ ،‬لكن‬
‫نعذرك إن كنت طري العود قليل الخبرة‪ ،‬ألنه يصرح الشريعة أفضل‪،‬‬
‫وكفر الجحود ينفي اإلقرار الذي من ضمن قول القلب‪.‬‬
‫وإن قلت‪ :‬هو استحل‪ ،‬قلنا‪ :‬نعم هو كذلك‪ ،‬لكن هذا االستحالل‬
‫ما هو الذي نفاه من القلب؟‬
‫فإن قلت‪ :‬لقد كذب‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ظلمت الرجل‪ ،‬هو مصدق يقول الشريعة أفضل‪.‬‬
‫وإن قلت‪ :‬هو جاحد‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬لقد ظلمت أيض ًا‪ ،‬فهو يقول يا ناس الشريعة أفضل‪ ،‬أفضل‪،‬‬
‫ومقر وهذا تكفير بغير موجب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أفضل‪ ،‬فهو مصدق‬
‫فإن قلت‪ :‬أخبرونا وأريحونا!‬
‫قلنا‪ :‬هذا الراسخ � يعلم جيد ًا أنَّ للقلب موقعين‪ ،‬ولكل‬
‫منهما استحالل خاص به‪ ،‬فاالستحالل الخاص بقول القلب‪ :‬البد أن‬
‫يكون بواح ًا أي‪ :‬تلفظ ًا‪ ،‬حتى نقول في صاحبه أنه مكذب أو جاحد‪،‬‬
‫والحاكم يصرح الشريعة أفضل‪ ،‬إذ ًا‪ ،‬الراسخ ال يقصد هذا النوع‪.‬‬
‫واالستحالل الخاص بعمل القلب‪ ،‬وهذا يسمى بـ «عدم التزام‬
‫التحريم» وهذا التحريم الذي يذهب عمل القلب بالكلية‪ ،‬وليس‬
‫المضعفه كما سوف نشفي في ذلك العلة إن شاء ال َّله‪ ،‬فالراسخ يقول‪:‬‬
‫أقر صاحبها أنَّ الشريعة أفضل ال‬
‫هذا التحكيم للقوانين الوضعية‪ ،‬وإن َّ‬
‫ينفعه‪ ،‬ألنَّ بتحكيمها يزول عمل القلب الذي سوف ّ‬
‫نعرفه في بابه‪.‬‬
‫فهذا القول الزكي واالعتقاد السليم‪ ،‬سببه صحة المدرسة‪ ،‬لهذا‬

‫‪301‬‬
‫قال شيخه قبله محمد بن إبراهيم آل الشيخ � في مجموع فتاويه‬
‫‪« :189/6‬لو قال من َّ‬
‫حكم القانون أنا أعتقد أنه باطل‪ ،‬فهذا ال أثر‬
‫له‪ ،‬بل هو عزل للشرع كما لو قال أحد‪ :‬أنا أعبد األوثان وأعتقد أنها‬
‫باطلة»‪ .‬‬
‫فنقول لهؤالء األدعياء؛ األثرية بين ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬هل هذا‬
‫الفقيه راسخ أم غير راسخ؟ وما نظن تقولون فيه قبيح ًا‪ ،‬ألنكم وصفتموه‬
‫الدين في مجمل اعتقادكم «ص ‪ »24‬أما الراسخ‬
‫باإلمامة الجليلة في ّ‬
‫الثاني � فسوف نؤخره في المساجلة العلمية التي سوف تكون بينه‬
‫وبين إمامكم وشيخكم � الع َّ‬
‫المة األلباني‪ ،‬حتى ينجلي الغبار‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حمار‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فرس أم‬ ‫ويعلم من كان على‬
‫يقول األثرية بين ـ المعكوفتين ـ‪« :‬وإن ترك الحكم بما أنزل‬
‫ال َّله ـ لهوی أو مصلحة‪ ،‬أو خوف أو تأويل ـ مع إقراره‪ ،‬ويقينه بخطإه‬
‫ومخالفته‪ :‬فهو واقع في الكفر األصغر‪[ »...،‬مجمل مسائل اإليمان العلمية‬
‫ص ‪.]26‬‬
‫نقول هذا صحيح‪ ،‬إن كان التحاكم العام إلى الشريعة‪ ،‬فالمخالفة‬
‫في الجزئية ال تقدح كما أوصى بذلك الراسخ في العلم محمد بن‬
‫عثيمين � في كتابه الفذ الموسوم بـ‪« :‬القول المفيد على كتاب‬
‫التوحيد ‪ »850/2‬بقوله‪« :‬يجب على طالب العلم أن يعرف الفرق‬
‫بين التشريع الذي يجعل نظام ًا يمشي عليه ويستبدل به القرآن‪ ،‬وبين أن‬
‫يحكم في قضية معينة بغير ما أنزل ال َّله»‪.‬‬
‫فهنا‪ ،‬في القضية المعينة إذا دخل الهوی والمصلحة‪ ،‬نقول‬

‫‪302‬‬
‫وقعت في كفر دون كفر‪ ،‬أما إذا كان التبديل؛ هذه القوانين الوضعية‬
‫محكمة‪ ،‬فقولكم هذا رمد في العيون‪ ،‬هال أخبرتمونا أين المصلحة‬
‫في تنحية شرع ال َّله‪ ،‬ووسم دعاته باإلرهاب؟! يقول تعالى‪﴿ :‬ﯲ ﯳ‬
‫ﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯺ ﯻﯼ﴾ [الحج]‪.‬‬
‫يقول األثرية بين ـ المعكوفتين ـ‪6« :‬ـ السعي إلقامة شرع ال َّله‬
‫ـ في البالد التي ال تحكم به ـ والعمل على استئناف الحياة اإلسالمية‬
‫ـ على منهاج النبوة ـ والتي تجمع المسلمين وتوحد كلمتهم ـ واجب‬
‫شرعي ـ ضمن منهاج التغيير الرباني‪ ...:‬وتواصي ًا بالحق والصبر؛‬
‫وتصفية لما أصاب عقائد المسلمين ـ من شوائب ـ ‪ ،‬وتربية لهم على‬
‫منهج الحقِّ الالحب‪[ ».‬مجمل مسائل اإليمان العلمية ص ‪.]27‬‬
‫قلت‪ :‬هذه التصفية التي دعوتم إليها لما أصاب عقائد المسلمين‪،‬‬
‫خلطتموها وزدتم الطين بلة‪ ،‬فلقد اعتذرتم لشاتم ال َّله ورسوله‬
‫وهيبتم من تكفيره‪ ،‬وقلتم صاحب سوء تربية‪ ،‬وألحدتم في‬
‫وشريعته‪ّ ،‬‬
‫لفظ «والة األمور» ووسمتم به الزنديق المعرض عن الشريعة بالكلية‪،‬‬
‫وشككتم في تكفير القبوريين‪ ،‬وقلتم هم على هدي خير البرية‪ ،‬أي‪ :‬لم‬
‫الدين‪ ،‬واعتذرتم للرافضة الزنادقة وقد دخلوا أبواب‬
‫ينتف عنهم أصل ّ‬
‫الكفر كلها بكرة وعشية‪ ،‬واعتذرتم لتارك الصالة‪ ،‬وقبحتم من ك ّفره‬
‫ووسمتوه بالخارجية‪ ،‬فأنتم على كل تعتذرون لمن قال ولم يفعل شيئاً‪،‬‬
‫الحق السابري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أفهذا منهج الحق الالحب؟! بل هذا منهج‬
‫والدليل ساطع‪ ،‬في المكتبة المنهجية التي أوصيتم طالب العلم‬
‫باقتنائها في خاتمة رسالتكم الموسومة زور ًا وبهتان ًا بـ «مجمل مسائل‬

‫‪303‬‬
‫اإليمان العلمية في أصول العقيدة السلفية»‪.‬‬
‫‪1‬ـ فالعاشر منها‪« :‬التحذير من فتنة التكفير» لعلي حسن حلبي‬
‫بدون «ال» التعريف و األثري بين ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬وهذا يدعو إلى‬
‫اإلرجاء الفاحش‪ ،‬ويهون من شرع ال َّله وقد نزلت فيه الشهب المحرقة‪،‬‬
‫من طرف «اللجنة الدائمة» أدامها ال َّله وأيدها على المبتدعة والكفرة‬
‫الفجرة‪ ،‬والزنادقة الملحدة‪ ،‬ورؤساؤها أئمتنا وعلماؤنا المشهود لهم‬
‫الدين‪.‬‬
‫بالقدم الراسخة في ّ‬
‫الفتوی رقم ‪ 21517‬بتاريخ ‪1421/6/14‬هـ تحذر من هذا‬
‫الكتاب ألسباب منها‪:‬‬
‫ـ بناه مؤلفه على مذهب المرجئة البدعي الباطل‪ ،‬الذين‬
‫يحصرون الكفر بكفر الجحود والتكذيب واالستحالل القلبي‪.‬‬
‫ـ تحريفه في النقل عن ابن كثير‪...،‬‬
‫تقوله على شيخ اإلسالم ابن تيمية‪...‬‬
‫ـ َّ‬
‫المة محمد بن إبراهيم في رسالة‬ ‫ـ تحريفه لمراد سماحة الع َّ‬
‫تحكيم القوانين الوضعية‪.‬‬
‫ـ تعليقه على كالم من ذكر من أهل العلم بتحميل كالمهم ما ال‬
‫يحتمله‪...،‬‬
‫ـ التهوين من الحكم بغير ما أنزل ال َّله‪...،‬‬
‫‪2‬ـ الثاني عشر منها‪« :‬التعريف والتنبئة بتأصيالت الشيخ األلباني‬
‫في مسائل اإليمان والرد على المرجئة» َّ‬
‫للدعي علي حسن حلبي أثري‬
‫الزرقاء‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫وأن‬
‫يدعو إلى اإلرجاء الفاحش؛ إخراج العمل عن اإليمان‪َّ ،‬‬
‫اإليمان يبقى مع ترك جنس العمل‪ ،‬بل أعاد ما قرره في «إحكام التقرير»‬
‫للجهمي مراد شكري‪.‬‬
‫الدعي «ص ‪ »44‬حاشية ‪« :2‬فاألعمال الظاهرة ـ‬ ‫يقول فيه َّ‬
‫طاعات ومعاصي ـ وجود ًا وعدم ًا ـ متعلقة باإليمان المطلق‪ ،‬ال مطلق‬
‫اإليمان فتنبه» اهـ‪.‬‬
‫فاألعمال عنده متعلقة بكمال اإليمان سواء كان واجب ًا أو‬
‫الدعي المرجئي‬ ‫مستحب ًا‪ ،‬وليس بأصله‪ ،‬ولهذا أعيد القول‪ :‬إنَّ هذا َّ‬
‫الجلد وجماعته‪ ،‬يجادلون عمن قال‪ ،‬ولم يفعل شيئ ًا‪.‬‬
‫‪3‬ـ السابع عشر منها‪«:‬الحكم بغير ما أنزل ال َّله وأصول التكفير‬
‫في ضوء الكتاب والس َّنة وأقوال سلف األمة» للجهمي خالد علي‬
‫العنبري‪ ،‬يدعو إلى اإلرجاء الفاحش‪ ،‬ويهون من شرع ال َّله‪.‬‬
‫وقد نزلت فيه الشهب المحرقة‪ ،‬من طرف «اللجنة الدائمة»‬
‫وفيه من العار مايلي‪:‬‬
‫ـ تحريفه لمعاني األدلة الشرعية‪ ،‬والتصرف في بعض النصوص‬
‫المنقولة عن أهل العلم؛ حذف ًا أو تغيير ًا على وجه ُيفهم منها غير المراد‬
‫أص ً‬
‫ال‪.‬‬
‫ـ تفسير بعض مقاالت أهل العلم بما ال يوافق مقاصدهم‪.‬‬
‫ـ الكذب على أهل العلم وذلك في نسبه للع َّ‬
‫المة الشيخ محمد‬
‫بن إبراهيم آل الشيخ � ما لم يقل‪.‬‬
‫ـ دعواه إجماع أهل الس َّنة على عدم كفر من حكم بغير ما أنزل‬

‫‪305‬‬
‫ال َّله في التشريع العام‪ ،‬إ َّ‬
‫ال باالستحالل القلبي كسائر المعاصي التي‬
‫دون الكفر‪ ،‬وهذا محض افتراء على أهل الس َّنة؛ منشؤه الجهل أو سوء‬
‫القصد‪ ،‬نسأل ال َّله السالمة والعافية‪.‬‬
‫‪4‬ـ الثاني والعشرون منها‪«:‬صيحة نذير بخطر التكفير» َّ‬
‫للدعي‬
‫علي حسن حلبي يدعو إلى اإلرجاء الفاحش وفيه من العار‪ ،‬كالتحذير‬
‫من فتنة التكفير‪ ،‬نزلت فيه الشهب المحرقة‪ ،‬الفتوی رقم ‪21517‬‬
‫بتاريخ ‪1421/6/14‬هـ ‪.‬‬
‫‪5‬ـ الرابع والعشرون منها‪« :‬علم أصول البدع» لعلي حسن‬
‫حمامها يسبح‪ ،‬زيادة أنه مسروق‪ ،‬كما‬
‫حلبي‪ ،‬غاطس في وحلها بل في َّ‬
‫يقول مشايخنا الثقات األثبات‪ ،‬وآخر سرقاته كتاب «النهاية في غريب‬
‫الحديث» بتحقيق الدكتور محمود الطناحي ورفيقه‪ ،‬التي اكتشفها‬
‫وأظهرها األستاذ الراجحي‪[ .‬انظر حقيقة اإليمان عند األلباني ص ‪ 108‬للشيخ‬
‫رحيم ط‪/‬األولى ‪1422‬هـ]‪.‬‬
‫الفاضل محمد بن محمود المعروف بأبي ِّ‬
‫‪6‬ـ السابع والثالثون منها‪« :‬هزيمة الفكر التكفري» للجهمي‬
‫خالد علي العنبري‪ ،‬فيه من الكذب واالفتراء‪ ،‬ما ال يخفى على قليل‬
‫الخبرة طري العود‪ ،‬ومنه زعمه أنَّ التبديل الذي يكفر به صاحبه هو‬
‫يدعي فيه أنه من عند ال َّله‪.‬‬
‫الذي َّ‬
‫وهذا التبديل غير موجود ال في األذهان وال في األعيان‪ ،‬إنما‬
‫هو سفسطة وسفسفة‪ ،‬فها هو أبو القانون جوستان من قرأ خزعبالته‬
‫ال يتجرأ أن يقول هذا من عند ال َّله‪ ،‬فنرجأه أن يأتينا بواحد من الذين‬
‫وضعوا هذا القانون يقول فيه أنه من عند ال َّله‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫هذه ضمن الكتب المنهجية التي يوصي بها األدعياء طالب‬
‫العلم‪ ،‬أفهذه كتب منهجية أم كتب بدعية؟!‬
‫أليس هذا تلبيس وتدليس؟!‬
‫أهذا هو منهج الحق الالحب؟!‬
‫قل لي أيها القاریء المنصف أتصح تسمية هذه الرسالة بـ ‬
‫«مجمل مسائل اإليمان العلمية في أصول العقيدة السلفية»؟! أم في‬
‫أصول العقيدة اإلرجائية؟!‬
‫وال َّله لم تبتل السلفية من أول ظهورها على يد السلف األول‬
‫ﷺ‪ ،‬مثل ما ابتلت به اليوم‪ ،‬وذلك من أول ظهورها‪ .‬أعداؤها إما‬
‫ظاهرون وإما مستخفون‪ ،‬ولم يكن أعداء قط ينتحلونها وفي الباطن‬
‫يخالفونها إما بالتلبيس أو التدليس أو اإللحاد وال َّلي أو االفتراء على‬
‫دعاتها‪ ،‬ولقد عرفت أيها القاریء المنصف بما يسمى من كان هذا‬
‫حاله‪.‬‬
‫وهذا العار والشنار المبثوث في هذه الرسالة قرأه جمع من‬
‫يدعون المشيخة فوافقوهم فيه وأقروهم عليه‪ ،‬وسوف تجد‬
‫الذين َّ‬
‫أسماءهم في األخير ضمن «أصول وثائق المبتدعة؛ طائفة المرجئة‬
‫الجدد» حتى يعلم الصغير والكبير أنَّ هؤالء ليسوا شيوخ ملة‪ ،‬إنما‬
‫هم شيوخ جهل ودولة‪ ،‬والبون بينهما شاسع‪ ،‬بل فيه مفاوز تنقطع فيها‬
‫أن هؤالء يذبون عن‬
‫أعناق اإلبل‪ ،‬فليزل عنك هذا الظن إن كنت تتوهم َّ‬
‫السلفية الشرعية‪ ،‬ولست أعني السلفية السابرية‪.‬‬
‫ومن أعظم إلحاد وتلبيس هؤالء األدعياء األثرية بين ـ‬

‫‪307‬‬
‫المعكوفتين ـ وعلى رأسهم علي حلبي‪ ،‬قولهم لما يسألون عن «رسالة‬
‫تحكيم القوانين الوضعية» لإلمام الع َّ‬
‫المة محمد بن إبراهيم �‬
‫«إخواننا حنابلة» ولما لم ينفع انتقلوا إلى الثاني وهو التحريف‪ ،‬لكن‬
‫لنا وقفة مع هذا المصطلح المجمل؛ «إخواننا حنابلة» وكما تعلم ّأيها‬
‫القاریء المنصف هؤالء خبراء يتقنون صنعة المجمالت والمحتمالت‬
‫جيد ًا‪.‬‬
‫وفي الحقيقة الذي جرأهم على هذا المصطلح المجمل‪،‬‬
‫يدعون التلمذة على يديه؛ الع َّ‬
‫المة‬ ‫ٍ‬
‫وباطل شيخهم الذين َّ‬ ‫لحق‬
‫المحتمل ٍّ‬
‫األلباني � فهو يقول في «السلسلة الصحيحة ‪« :»177/1‬أقول‪:‬‬
‫نقلت هذا النص من الحاشية المذكورة؛ ليعلم بعض متعصبة الحنابلة‬
‫أنَّ الذي ذهبنا إليه ليس رأي ًا‪.»...،‬‬
‫فهذا كان أثناء تقريره وانتصاره لمذهب المرجئة في عدم تكفير‬
‫تارك الصالة‪ ،‬مع استئناسه بقول ابن قدامة �‪ ،‬ظنه حجة على‬
‫الحنابلة المتعصبة كما يقول‪ ،‬فقد قال بعده‪« :‬تحملهم إن شاء ال َّله‬
‫تعالى على ترك غلوائهم واالعتدال في حكمهم»‪.‬‬
‫فعلى قوله � أنَّ الحنابلة لما كفروا تارك الصالة غالة‪،‬‬
‫غير معتدلة‪ ،‬لكن الشيخ � قبل االستئناس بقول ابن قدامة �‪،‬‬
‫استأنس واعتمد على قول السخاوي الردیء في الصفات الذي ينهج‬
‫نهج شيخه‪ ،‬والمرجئي في اإليمان‪ ،‬وظن أنه على بينة من األمر‪.‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫إنَّ هذا المصطلح المجمل؛ «إخواننا حنابلة» فيه حق وباطل‬

‫‪308‬‬
‫ال ثالث لهما‪ ،‬وذلك إن أرادوا به أنَّ هؤالء األجالء أصحاب مذهب‬
‫فقهي تلقته األمة بالقبول‪ ،‬كالمذاهب األخری فهذا ال ضير فيه وال‬
‫حرج‪ ،‬فهذه المذاهب انتشرت في البالد اإلسالمية وتفقه الناس على‬
‫قواعدها‪ ،‬لكن هذا ال يعنونه هؤالء األدعياء األثرية بين ـ المعكوفتين‪.‬‬
‫فإن قال قائل ما الحجة في ذلك؟‬
‫قلنا برهان صحة قولنا‪ :‬أنَّ رسالة «تحكيم القوانين الوضعية»‪،‬‬
‫ليست خاصة باألحكام الفقهية‪ ،‬وإنما خاصة بمسائل االعتقاد‪ ،‬إذ ًا‬
‫القوم يعلمون من أين تؤكل الكتف‪ ،‬فهذا مقصد القوم؛ «إخواننا‬
‫حنابلة» في االعتقاد‪ ،‬وهذا من أخطر األقوال على االطالق‪ ،‬وتلبيس‬
‫خطير ينذر بشر مستطير‪ ،‬وذلك أنَّ اعتقاد الحنابلة‪ ،‬ليس اعتقاد أحمد‬
‫ورثه للزمرة الزكية ـ رضي‬
‫أو غيره‪ ،‬إنما اعتقاد السلف األول ﷺ الذي ّ‬
‫ال َّله عنها ـ ‪ ،‬وهذا المصطلح الخطير؛ «إخواننا حنابلة» تصدی له شيخ‬
‫اإلسالم لما نوظر على ما سطره في «العقيدة الواسطية»‪.‬‬
‫يقول �‪« :‬ولما رأی هذا الحاكم العدل مماألتهم‪ ،‬وتعصبهم‪،‬‬
‫ورأی قلة العارف الناصر‪ ،‬وخافهم قال‪ :‬أنت صنفت اعتقاد اإلمام‬
‫أحمد‪ ،‬فتقول‪ :‬هذا اعتقاد أحمد‪ ،‬يعني والرجل يصنف على مذهبه فال‬
‫يعترض عليه‪ ،‬فإن هذا مذهب متبوع‪ ،‬وغرضه بذلك قطع مخاصمة‬
‫الخصوم‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬ما جمعت إ َّ‬
‫ال عقيدة السلف الصالح جميعهم‪ ،‬ليس‬
‫لإلمام أحمد اختصاص بهذا‪ ،‬واإلمام أحمد إنما مبلغ العلم الذي جاء‬
‫به النبي ﷺ‪ ،‬ولو قال أحمد من تلقاء نفسه ما لم يجيء به الرسول لم‬

‫‪309‬‬
‫نقبله‪ ،‬وهذه عقيدة محمد ﷺ‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪110/3‬ط‪/‬جـ]‪.‬‬
‫فاعتقاد «إخواننا حنابلة» على قولة األدعياء‪ ،‬ليس اعتقاد أحمد‪،‬‬
‫إنما هو اعتقاد الذي جاء به النبي ﷺ‪ ،‬نعم قد ينتسب بعض إلى أحمد‬
‫وهو منهم بريء كما انتسب أقوام إلى مالك والشافعي وأبي حنيفة وهم‬
‫منهم برآء‪ ،‬كما انتسب هؤالء األدعياء األثرية بين ـ المعكوفتين ـ إلى‬
‫أي شر تجده مبثوث ًا ومفتری في المذاهب‬ ‫السلفية وهي منهم بريئة‪ ،‬بل ّ‬
‫األخری‪ ،‬في الحنابلة قليل وقليل جد ًا‪.‬‬
‫بل لو كان التمذهب عندنا جائز ًا أو فيه نوع من االستحباب‬
‫لدعونا بكل طاقتنا إلى اعتناق هذا المذهب الحنبلي‪ ،‬لما فيه من‬
‫قواعد راسية على مدرسة فقه الدليل‪ ،‬مدرسة الصحابة ‪ ،‬بل هو‬
‫قبلة لمدرسة النص‪ ،‬ومن أراد أن يعرف قدر هذا المذهب وحيازه على‬
‫قصب السبق‪ ،‬فليقرأ «المحلى» البن حزم قراءة دقيقة‪ ،‬فقد ال تجد‬
‫مسألة يرد فيها على الحنابلة‪ ،‬ألن مدرسة التخريج واحدة‪ ،‬مدرسة فقه‬
‫الدليل وإن خالفك اإلنس والجن‪ ،‬لكن نحن ننبذ التمذهب ونبطله‬
‫جملة‪ ،‬وال حرج على من تفقه على مذهب بلده ثم تدرج على معرفة‬
‫المذاهب األخری‪ ،‬ولقد اسهمنا القول في هذا في كتابنا «إحقاق‬
‫الحق» وهو مطبوع بما يشفي صدر المتبعين وأخنسنا المقلدين‪ ،‬مما‬
‫يغنينا عن اإلعادة ها هنا‪.‬‬
‫وللعلم حتى يعلم القاریء المنصف‪ ،‬أنَّ المذهب الذي تفقهت‬
‫عليه في الطور األول‪ ،‬هو مذهب بلدي‪ ،‬المالكي‪ ،‬حتى ال يظن هؤالء‬
‫األدعياء أني أتعصب للمذهب كما قال شيخهم � في «الصحيحة‬

‫‪310‬‬
‫‪ ،»177/1‬إنما نحن دعاة عدالة وإنصاف‪ ،‬وليس ظلم وإجحاف‪.‬‬
‫وعلى كلٍّ سوف نساجل علمي ًا بين شيخهم الع َّ‬
‫المة األلباني‬
‫القح في األصول‪ ،‬المتخرج من‬
‫السلفي ُّ‬
‫ُّ‬ ‫� وبين حنبلي في الفروع‪،‬‬
‫أحق‬
‫مدرسة فقه الدليل المتعصب على قول شيخهم‪ ،‬ليعلم من هو ّ‬
‫باألمن‪ ،‬ومن هو على ّبينة من األمر‪ ،‬المتعصبة أم األدعياء األثرية بين ـ‬
‫المعكوفتين ـ ‪.‬‬
‫السلفي القّح في األصول‪ ،‬المتعصب‬
‫ّ‬ ‫سئل الحنبلي في الفروع‬
‫فيها إلى أقصى الحدود‪ ،‬ال في غيرها وحشاه من ذلك محمد بن صالح‬
‫عثيمين �‪ :‬هل التسمية في الوضوء واجبة؟‬
‫فأجاب �‪« :‬التسمية في الوضوء ليست واجبة ولكنها س َّنة‬
‫وذلك ألنَّ في ثبوت حديثها نظر ًا‪ .‬فقد قال اإلمام أحمد �‪« :‬إنه ال‬
‫يثبت في هذا الباب شيء» واإلمام أحمد ـ كما هو معلوم لدی الجميع‬
‫ـ من أئمة هذا الشأن ومن حفاظ هذا الشأن‪ ،‬فإذا قال إنه لم يثبت في‬
‫هذا الباب شيء‪ ،‬فإن حديثها يبقى في النفس منه شيء‪ ،‬وإذا كان في‬
‫ثبوته نظر؛ فإن اإلنسان ال يسوغ لنفسه أن يلزم عباد ال َّله بما لم يثبت‬
‫عن رسول ال َّله ﷺ ولذلك أری أنَّ التسمية في الوضوء س َّنة‪ ،‬لكن من‬
‫أن التسمية واجبة‪،‬‬
‫ثبت عنده الحديث وجب عليه القول بموجبه‪ ،‬وهو َّ‬
‫ألن قوله‪« :‬ال وضوء» الصحيح أنه نفي للصحة وليس نفي ًا للكمال‪».‬‬
‫َّ‬
‫[مجموع الفتاوی ‪ 117 ،116/4‬للعثيمين وفتاوى المرأة المسلمة ‪.]202/1‬‬
‫الدر‬
‫لنا وقفة مع هذا القول الزكي‪ ،‬الذي من تفحصه وجد فيه ّ‬
‫الثمين‪ ،‬فقوله‪« :‬إنه ال يثبت في هذا الباب شيء» ال حرج وال ضير فيه‪،‬‬

‫‪311‬‬
‫طالما أخذ بقول إمامه في الفروع‪ ،‬ألنه أعلم منه في هذا الباب‪ ،‬وذو‬
‫دراية واسعة به‪ ،‬من أئمة الدنيا في علم الحديث‪ ،‬يعتمد على الكتاب‬
‫والس َّنة وأقوال الصحابة ‪ ،‬يقول بالنص ويدعو إليه ولو خالفته‬
‫الزبالة العقلية‬
‫الدنيا بإسرها‪ ،‬يكره الذي إن عرضناه على حمار ألباه؛ ُّ‬
‫ويبدع أصحابها‪.‬‬
‫والنخالة الفكرية ّ‬
‫فهو إمام في ثمان خصال شهد له بها أصحاب الفضل والعلم‬
‫والنهى‪ ،‬قال الشافعي �‪« :‬أحمد إمام في ثمان خصال‪ :‬إمام في‬
‫الحديث‪ ،‬إمام في الفقه‪ ،‬إمام في اللغة‪ ،‬إمام في القرآن‪ ،‬إمام في الفقر‪،‬‬
‫إمام في الزهد‪ ،‬إمام في الورع‪ ،‬إمام في الس َّنة»‪.‬‬
‫لكن مع كل هذه الخصال الحميدة‪ ،‬التي من النادر أن تتوفر‬
‫الدين‪ ،‬والسبب أنَّ‬
‫في أحد اليوم‪ ،‬بل تكاد أن تكون معدومة إلى يوم ّ‬
‫صاحبها كان قريب ًا من النبع الصافي الذي كلما بعد به العهد ألحد فيه‪،‬‬
‫تعزب عنه سنن‪.‬‬
‫فهذا الحنبلي في الفروع لم يبرأ إمامه من ذلك‪ ،‬بل قال‪« :‬لكن‬
‫من ثبت عنده الحديث وجب القول بموجبه»‪.‬‬
‫لماذا قال هذا وهو حنبلي �؟!‬
‫أيقول هذا متعصب كما يقول الشيخ األلباني �؟!‬
‫ألن مدرسة فقه الدليل‪ ،‬التي هي قبلة لمدرسة النص‪ ،‬علمته‬
‫َّ‬
‫ذلك‪ ،‬ألنَّه ترعرع في أحضانها وتعلم من إمامه في الفروع‪« :‬أنه من‬
‫استبانت له س َّنة رسول ال َّله لم يكن يدعها لقول أحد‪ ،‬وال عبرة بقول‬
‫أحد في مخالفة النص»‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫ورأی إمامه «لم يلتفت إلى خالف عمر في المبتوتة لحديث‬
‫فاطمة بنت قيس‪ ،‬وال إلى خالفه في التيمم للجنب لحديث عمار‬
‫بن ياسر‪ ،‬وال خالف في استدامة المحرم الطيب الذي تطيب به قبل‬
‫إحرامه لصحة حديث عائشة في ذلك‪ ...،‬وكذلك لم يلتفت إلى قول‬
‫علي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبي بن كعب في الغسل من اإلكسال‬
‫لصحة حديث عائشة أنها فعلته هي ورسول ال َّله ﷺ فاغتسال‪»...،‬‬
‫[إعالم الموقعين ‪ 24/1‬البن القيم]‪.‬‬
‫السلفي القح في األصول‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫فنحن نقول لهذا الحنبلي في الفروع‪،‬‬
‫المبرأ من التعصب‪ ،‬لقد ثبتت التسمية في الوضوء بأسانيد صحيحة‬
‫وقال بها جمع من األئمة‪ ،‬ولقد صحح بعضها الذي نساجل بينك‬
‫وبينه‪ ،‬وقد جمعت في جزء مفرد موسوم بـ «كشف المخبوء بثبوت‬
‫التسمية عند الوضوء» ألبي إسحاق الحويني‪.‬‬
‫الدر الثمين‪ ،‬المبثوث في قوله‪« :‬ألنَّ قوله‪« :‬ال‬
‫لكن لنا وقفة مع ّ‬
‫وضوء» الصحيح أنه نفي للصحة وليس نفي ًا للكمال»‪ .‬لماذا قال هذا‬
‫وهو حنبلي في الفروع متعصب على قول الع َّ‬
‫المة األلباني؟‬
‫ألنَّ مدرسة فقه الدليل التي ترعرع في أحضانها علمته أنَّ «ال»‬
‫ال أن يأتي دليل من‬‫النافية عند العرب كافة‪ ،‬تفيد النفي والتبرئة جملة «إ َّ‬
‫نص آخر أو ضرورة حس على خالف ذلك» [المحلى ‪ 14/2‬البن حزم]‪.‬‬
‫أن الحقيقة الشرعية ال تنتفي لنفي‬
‫فمدرسة فقه الدليل علمته‪َّ ،‬‬
‫مستحب فيها‪ ،‬وإنما تنتفي لنفي ركن من أركانها‪ ،‬أو جزء من أجزائها‪،‬‬
‫[إتحاف الخيرة المهرة رقم ‪213‬‬ ‫كقوله ﷺ‪« :‬ال إيمان لمن ال أمانة له»‬

‫‪313‬‬
‫للبوصيري] وقوله ﷺ‪« :‬ال صالة لمن ال وضوء له» [صحيح سنن أبي داود‬
‫رقم ‪ ]101‬وقوله ﷺ‪« :‬ال وضوء لمن لم يذكر اسم ال َّله عليه» [صحيح‬
‫سنن أبي داود رقم ‪ ]102‬وقوله ﷺ‪« :‬ال صالة لمن ال يقرأ بفاتحة الكتاب»‬
‫[البخاري رقم ‪ 756‬ومسلم رقم ‪ ]394‬ونظير هذا كثير في كتاب ال َّله وس َّنة‬
‫وهز‬
‫رسوله‪ ،‬وهذا هو المعهود من كالم العرب‪ ،‬ومن رعد وبرق َّ‬
‫األكتاف فليأتنا بالدليل‪.‬‬
‫السلفي القّح في األصول �‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫يقول الحنبلي في الفروع‬
‫«ونفي الشيء‪ ،‬له ثالث حاالت‪ :‬فاألصل أنه نفي للوجود‪ ،‬وذلك مثل‪:‬‬
‫«ال إيمان لعابد صنم» فإن منع مانع من نفي الوجود؛ فهو نفي للصحة‪،‬‬
‫مثل‪« :‬ال صالة بغير وضوء»‪ ،‬فإن منع مانع من نفي الصحة؛ فهو نفي‬
‫للكمال مثل «ال صالة بحضرة الطعام»‪[ »...‬القول المفيد ‪.]643/2‬‬
‫السلفي‬
‫ُّ‬ ‫لكن انظروا أيها المنصفون إلى هذا الحنبلي في الفروع‬
‫القّح في األصول‪ ،‬المبرأ مما وسم به من تعصب لما جاءت «ال» النافية‬
‫التي تفيد التبرئة جملة بنقل صحيح‪ ،‬ومن شك في نقلها كفر باإلجماع‪،‬‬
‫بل الشك في كفر من لم يكفره‪ ،‬في قوله تعالى‪﴿:‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬
‫ﯬﯭﯮﯯ﴾ [النساء]‪.‬‬
‫يقول فيها �‪« :‬وهؤالء المحكمون للقوانين ال ّ‬
‫يحكمونها‬
‫في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والس َّنة‪ ،‬لهوی أو لظلم‪ ،‬ولكنهم‬
‫الدين بهذه القوانين‪ ،‬جعلوا هذا القانون يحل محل شريعة‬
‫استبدلوا ّ‬
‫ال َّله‪ ،‬وهذا كفر حتى لو صلوا وصاموا وتصدقوا وحجوا‪ ،‬فهم كفار ما‬

‫‪314‬‬
‫دموا عدلوا عن حكم ال َّله ـ وهم يعلمون بحكم ال َّله ـ إلى هذه القوانين‬
‫الوضعية المخالفة له‪.‬‬
‫فال تستغرب إذا قلنا من استبدل شريعة ال َّله بغيرها من القوانين‬
‫ألن الكفر ببعض الكتاب كفر بالكتاب كله‪،‬‬ ‫فإنه يكفر ولو صام وصلى؛ َّ‬
‫فالشرع ال يتبعض‪ ،‬إما أن تؤمن به جميع ًا‪ ،‬وإما أن تكفر به جميع ًا‪ ،‬وإذا‬
‫آمنت ببعض وكفرت ببعض‪ ،‬فأنت كافر بالجميع‪ ،‬ألنَّ حالك تقول‬
‫إنك ال تؤمن بما يخالف هواك‪.‬‬
‫وأما ما خالف هواك فال تؤمن به‪ .‬هذا هو الكفر‪ .‬فأنت بذلك‬
‫اتبعت الهوی‪ ،‬واتخذت هواك إله ًا من ال َّله‪[ ».‬شرح رياض الصالحين‬
‫‪ 312/3‬للسلفي القّح الع َّالمة محمد بن صالح عثيمين]‪.‬‬
‫فلقد كفرهم بهذا العمل المجرد؛ استبدال القوانين بالشريعة‪،‬‬
‫دون النظر إلى اعتقادهم‪ ،‬لكن ماذا يقول شيخ األثرية الع َّ‬
‫المة األلباني‬
‫�‪ ،‬في «ال» النافية التي جاءت في حديث التسمية في الوضوء و«ال»‬
‫التي جاءت بالنقل الصحيح في «اآلية ﯯ» من سورة النساء؟‪.‬‬
‫يقول � في األولى لما َّ‬
‫رد على سيد سابق � في «تمام‬
‫المنة على فقه الس َّنة ص ‪« :»89‬قلت‪ :‬أقوی ما ورد فيها حديث أبي‬
‫هريرة مرفوع ًا بلفظ‪« :‬ال صالة لمن ال وضوء له‪ ،‬وال وضوء لمن لم‬
‫يذكر اسم ال َّله»‪ .‬له ثالث طرق وشواهد كثيرة أشرت إليها في «صحيح‬
‫سنن أبي داود رقم ‪ ،»90‬فإذا كان المؤلف قد اعترف بأنَّ الحديث قوي‪،‬‬
‫فيلزمه أن يقول بما يدل عليه ظاهره‪ ،‬أال وهو وجوب التسمية‪ ،‬وال دليل‬
‫يقتضي الخروج عن ظاهره إلى القول بأن األمر فيه لالستحباب فقط‪،‬‬

‫‪315‬‬
‫فثبت الوجوب‪ ،‬وهو مذهب الظاهرية‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وإحدی الروايتين‬
‫عن أحمد‪ ،‬واختاره صديق خان‪ ،‬والشوكاني‪ ،‬وهو الحق إن شاء ال َّله‬
‫تعالى‪ ،‬وراجع له «السيل الجرار ‪.»77 ،76/1‬‬
‫قلنا‪ :‬أصبت وأسكنك ال َّله فسيح جنانه‪ ،‬لقد عملت بالظاهر‬
‫حث عليه أصحاب مدرسة فقه الدليل‪ ،‬بل هو عمل الصحابة‬
‫الذي َّ‬
‫قاطبة حتى يأتي ظاهر آخر يصرفه إلى الظاهر المراد‪ ،‬والحديث يدل‬
‫على أنَّ التسمية شرط في صحة الباقي‪.‬‬
‫يقول الشوكاني �‪« :‬واألحاديث تدل على وجوب التسمية‬
‫في الوضوء‪ ،‬ألنَّ الظاهر أنَّ النفي لكونها أقرب إلى الذات وأكثر لزوم ًا‬
‫للحقيقة فيستلزم عدمها عدم الذات‪ ،‬وما ليس بصحيح ال يجزیء وال‬
‫يقبل وال يعتد به» [نيل األوطار ‪.]180/1‬‬
‫يتبين له صحة‬ ‫ولي ال َّله ّ‬
‫الدهلوي القول‪ ،‬لما لم ّ‬ ‫ولقد أحسن ّ‬
‫حديث التسمية ألنَّ بعض أهل االختصاص والمعرفة بالحديث لم‬
‫يصححوه‪ ،‬فأراد أن يثبته بتأويل لكن صحة المدرسة؛ مدرسة فقه‬
‫الدليل منعته أن يقول بذلك‪.‬‬
‫قال �‪« :‬ويمكن أن يجمع بين الوجهين بأن المراد هو‬
‫التذكر بالقلب‪ ،‬فإن العبادات ال تقبل إ َّ‬
‫ال بالنية‪ ،‬وحينئذ يكون صيغة‬
‫«ال وضوء» على ظاهرها‪...،‬ويحتمل أن يكون المعنى ال يكمل‬
‫الوضوء لكن ال أرضى مثل هذا التأويل‪ ،‬فإنه من التأويل البعيد الذي‬
‫يعود بالمخالفة على اللفظ‪[ ».‬حجة ال َّله البالغة ‪.]395/1‬‬
‫ويقول الذي نساجل بينك وبينه �‪« :‬العمل بالظاهر واجب‬

‫‪316‬‬
‫هذه طريق السلف» [األصول من علم‬ ‫إ َّ‬
‫ال بدليل يصرفه عن ظاهره ألنَّ‬
‫األصول ص ‪.]58‬‬
‫لكن ما يقول شيخ األثرية الع َّ‬
‫المة األلباني �‪ ،‬في الظاهر الذي‬
‫هو أوضح من حديث التسمية وأصح نق ً‬
‫ال في قوله ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬ﯜ‬
‫ﯝﯞﯟ﴾ [النساء‪ :‬ﯯ]‪.‬‬
‫يقول �‪« :‬أنا ال أزال أقول الذي َّ‬
‫بدل إذا صح هذا التعبير‪،‬‬
‫أي إذا أقام القوانين الوضعية وأقام الشريعة اإلسالمية كلها تبنى القانون‬
‫اإلفرنجي أو السويسري أو ‪ ...‬إلخ وأعرض عن الشريعة اإلسالمية‬
‫بالكلية‪.‬‬
‫جوابه هو ما سبق تمام ًا إن كان يتبنى ذلك إستحال ً‬
‫ال قلب ًا‪،‬‬
‫ال محافظة على الكرسي‪ ،‬محافظة على السلطة‬ ‫وليس اتباع ًا لهوی مث ً‬
‫والرياسة ونحو ذلك» [فتاوی األلباني ص ‪.]581 ،580‬‬
‫قلت‪ :‬يا شيخ لقد أسأت قو ًال واضطربت فع ً‬
‫ال‪ ،‬هال أخبرتنا‬
‫كيف وقع لك هذا الفهم؟! فالمتروك في هذه اآلية شرط في صحة‬
‫الباقي‪ ،‬فلقد أثبت الشيء ونفيت ملزومه‪ ،‬دعوت إلى العمل بالظاهر‬
‫في حديث التسمية ألنه يفيد الوجوب‪ ،‬وأبطلته ها هنا‪ ،‬وهو أصح منه‬
‫ال وال جاء نص يخرجه عن‬ ‫وأوكد‪ ،‬بل هو «النص الذي ال يحتمل تأوي ً‬
‫ظاهر أص ً‬
‫ال وال جاء برهان بتخصيصه في بعض وجوه اإليمان‪ِ ».‬‬
‫[الفصل‬
‫في الملل ‪ 269/2‬البن حزم]‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية في هذه «ال» النافية الذي لم‬
‫يأت برهان يخصصها‪« :‬فجعل ال َّله هذه األمور شرط ًا في ثبوت حكم‬

‫‪317‬‬
‫أن اإليمان المعرفة بشرائط ال يكون معتد ًا به دونها»‬
‫اإليمان‪ ،‬فثبت َّ‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 98/7‬ط‪/‬جـ ‪ 150‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫هال أخبرتنا يا شيخ ما هو الفرق بين الالئين النافيتين؟!‬
‫فهل األولى تنفي والثانية تثبت؟!‬
‫أليس هذا إلحاد في المعهود من كالم العرب؟!‬
‫أم هو الميل عن الدليل‪ ،‬والطلب له مستنكر التأويالت؟!‬
‫فهل «ال» األولى نفت حقيقة المسمى و«ال» الثانية نفت الكمال‬
‫والحقيقة اللفظية فيهما جميع ًا؟!‬
‫فما الموجب للخروج عنها؟! وهذه مخالفة وجناية على اللفظ‪،‬‬
‫ولنفرض صحة ما ذهبت إليه وهو باطل قطع ًا‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬لقد صححت حديث ًا في سلسلتك الصحيحة الماتعة‬
‫‪ 545/4‬هذا متنه‪« :‬إذا أنت قمت إلى الصالة فأسبغ الوضوء‪ ،‬فإنه ال‬
‫صالة لمن ال وضوء له‪ ،‬وال إيمان لمن ال صالة له»‪.‬‬
‫أخبرنا يا شيخ عن «ال» األولى‪ ،‬هل هو نفي لحقيقة المسمى؟‬
‫ألنَّ الحقيقة الشرعية ال تنتفي لنفي مستحب فيها‪ ،‬وإنما تنتفي لنفي‬
‫ركن من أركانها أو جزء من أجزائها‪ ،‬أم نفي كمال؟ وهذا باطل قطع ًا‪،‬‬
‫بل من قال‪ :‬النفي للكمال فهو كفر مجرد‪ ،‬وما نظنك تقول بهذا وعفاك‬
‫ال َّله منه‪ ،‬فإذا كنت أبطلت الوضوء بدون التسمية‪ ،‬فكيف ال تبطل‬
‫الصالة بدونه؟ فالوضوء شرط في صحة الباقي‪.‬‬
‫لكن أخبرنا عن «ال» الثانية‪ ،‬هل النفي فيها لحقيقة المسمى؛‬
‫اإليمان‪ ،‬أم النفي للكمال؟! بالطبع النفي عندك للكمال‪ ،‬ألنك ال تكفر‬

‫‪318‬‬
‫تارك الصالة‪ ،‬وتسمي الذي كفره إما حنبلي متعصب أو خارجي مفرط‪،‬‬
‫لكن تفريقك بين الالئين بغير موجب‪ ،‬وهذا ما ال سبيل لك‪ ،‬ولألثرية‬
‫إلى رده‪ ،‬فأنتم مطالبون بدليل التفريق ولن تجدوا إلى ذلك سبي ً‬
‫ال‪ ،‬فإما‬
‫أن تقولوا النفي فيهما للكمال‪ ،‬وإما أن تقولوا النفي فيهما للحقيقة‪.‬‬
‫فالواجب على العالم أو المتصدر للتحقيق ترك مذهبه ليوافق‬
‫اآلية والحديث‪ ،‬ال تأويل اآلية والحديث ليوافقَ مذهبه‪.‬‬
‫والحديث الذي صححته‪ ،‬حجة عليك لما طالبت الع َّ‬
‫المة‬
‫ابن القيم �‪ ،‬في سلسلتك الماتعة «المجلد السابع القسم األول‬
‫ص ‪ »137‬قلت‪« :‬وإن كل من تأمل جوابه على هذا التساؤل [أي‪ :‬هل‬
‫الصالة شرط لصحة اإليمان؟] يالحظ أنه حاد عنه إلى القول بأن األعمال‬
‫الصالحة ال تقبل إال بالصالة‪ ،‬فأين الجواب عن كون الصالة شرط ًا‬
‫لصحة اإليمان؟ أي ليس فقط شرط كمال؟ فإن األعمال الصالحة كلها‬
‫شرط كمال عند أهل الس َّنة؛ خالف ًا للخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد‬
‫أهل الكبائر في النار؛ مع تصريح الخوارج بتكفيرهم‪ ،‬فلو قال قائل بأن‬
‫الصالة شرط لصحة اإليمان‪ ،‬وأن تاركها مخلد في النار؛ فقد التقى‬
‫مع الخوارج في بعض قولهم هذا‪ ،‬وأخطر من ذلك أنه خالف حديث‬
‫الشفاعة هذا كما تقدم بيانه‪.».‬‬
‫أن الشيخ يخالف الحجة والبرهان‪،‬‬
‫فمن تدبر هذا القول‪ ،‬علم َّ‬
‫ويخبر بما تحيله بدائه األذهان‪ ،‬ألنه ليس له على الحجة تعويل‪ ،‬وعلى‬
‫ما وافق المذهب يميل‪ .‬فقولك‪« :‬فأين الجواب عن كون الصالة شرط ًا‬
‫لصحة اإليمان؟»‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫قلنا‪ :‬الحجة فيما صححته من الحديث الذي في المجلد‬
‫‪« :545/4‬إذا أنت قمت إلى الصالة فأسبغ الوضوء‪ ،‬فإنه ال صالة لمن‬
‫ال وضوء له‪ ،‬وال إيمان لمن ال صالة له»‪.‬‬
‫فنحن نطالبك كما طالبت سيد سابق بالعمل بالظاهر ونقول‬
‫لك ال تحيد عنه كما قلت البن القيم‪ ،‬وهذا هو الحق‪ ،‬ألنَّ خروجك‬
‫عن الحقيقة في الشطر الثاني‪ ،‬مخالفة ومجازفة وجناية كبری على‬
‫النصوص‪ ،‬ورمي ًا بما أصلته في كتبك وراء الظهر‪ ،‬فإذا كانت الصالة‬
‫شرط كمال كما قلت‪ ،‬فلزمك أن تقول في الوضوء شرط كمال‪ ،‬ألنَّ‬
‫ٍ‬
‫بقول‬ ‫التفريق بين الالئين المتماثلتين من أقبح المحال‪ ،‬فأنت ملزم‬
‫ٍ‬
‫واحد إما أن تقول للع َّ‬
‫المة ابن القيم �‪ ،‬لقد أصبت‪ ،‬إنَّ الصالة‬
‫شرط في صحة اإليمان بداللة هذا الحديث‪ ،‬وإما أن تخطأه‪ ،‬وتقول‬
‫في شطره األول شرط كمال‪ ،‬وتعلم أنَّ هذا كفر مجرد من أجازه‪،‬‬
‫الدين بالضرورة‪ ،‬ومخالفة لألحاديث الصحيحة‬
‫ألنه إنكار معلوم من ّ‬
‫وإجماع الصحابة‪.‬‬
‫وقولك الخطير «فإنَّ األعمال الصالحة كلها شرط كمال»‬
‫يوجب عليك أن تقول‪ :‬في حب ال َّله شرط كمال‪ ،‬وحب رسوله شرط‬
‫كمال‪ ،‬ومواالة أولياء ال َّله شرط كمال‪ ،‬ومحبة الشريعة شرط كمال‪،‬‬
‫ألنها كلها من األعمال الصالحة‪.‬‬
‫والزم القول عندك‪ ،‬أنه من الممكن أن يبغض ال َّله ورسوله‬
‫ويكره شريعته ويعادی أولياءه مع التفويت لشرط الكمال فقط‪ ،‬والشك‬
‫هذا كفر صراح‪ ،‬وإن قلت‪ :‬معاذ ال َّله أن نقول في هذا شرط كمال‪ ،‬قلنا‪:‬‬

‫‪320‬‬
‫أليس هذا من األعمال الصالحة؟!‬
‫ألنك قلت‪« :‬كلها شرط كمال عند أهل الس َّنة» وكل من صيغ‬
‫العموم‪ ،‬فإن قلت‪ :‬هذا عمل القلب‪ ،‬إنما أقصد العمل الظاهر‪ ،‬قلنا‪:‬‬
‫الظاهر عمدة الباطن الزم له ال ينفك عنه الب َّتة‪ ،‬فاختر لنفسك ما شئت‪،‬‬
‫فأنت‪ :‬ولجت جحر ضب ال تحسد عليه‪.‬‬
‫لكن نعلم ما سوف تقول‪ ،‬من المجازفة في القول الذي يعود‬
‫على اللفظ بالمخالفة‪ ،‬وتحريف للمعهود من كالم العرب‪ ،‬تقول‪« :‬ال»‬
‫األولى تفيد النفي والتبرئة جملة‪ ،‬ومن لم يتوضأ للصالة‪ ،‬فالصالة‬
‫مرر واذهب‪،‬‬
‫باطلة‪ ،‬والواو للعطف‪ ،‬وكل عطف على مخالفة المذهب ّ‬
‫وتلتقي مع الكرخي لما قال‪« :‬كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي‬
‫مؤولة أو منسوخة‪ ،‬وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ» [تاريخ‬
‫التشريع اإلسالمي ص ‪ 219‬للخضري]‪.‬‬
‫أما قولك‪« :‬فإن األعمال الصالحة كلها شرط كمال عند أهل‬
‫الس َّنة»‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬الذين تسميهم أهل الس َّنة‪ :‬هم الطحاوي والبيهقي‪،‬‬
‫و‪ ...‬وابن حجر‪ ،‬والهيثمي‪ ،‬والسخاوي‪ ،‬واإليجي‪ ،‬وأبو عذبة‪ ،‬و‪...‬‬
‫واألثرية طائفة المرجئة الجدد‪ ،‬وهؤالء يدخلون فيه من جهة العموم‪،‬‬
‫أما من جهة الخصوص‪ ،‬ال يدخلون فيه‪ ،‬ألنهم مرجئة مبتدعة لهم أوابد‬
‫لم يسبقوا إليها‪ ،‬بنوها على شبهات فاسدة وحجج عن الحق حائدة‪،‬‬
‫«فكان ما دفعوا به أهل البدع من أصول مبتدعة باطلة وافقوهم عليها‪،‬‬
‫أو أصول مبتدعة باطلة قاتلوهم فيها‪ ،‬ض َّلة من الرأي‪ ،‬وغبن ًا فيه وخدعة‬

‫‪321‬‬
‫من الشيطان‪ ،‬بل الحق أنهم ال يوافقون على الباطل‪ ،‬وال يقابل باطلهم‬
‫بباطل‪[ ».‬درء تعارض العقل والنقل ‪ 23/4‬البن تيمية]‪.‬‬
‫ال‪ ،‬وال يدفع‬ ‫ٍ‬
‫باطل أص ً‬ ‫«وإنما الحق أن ال يوافق المبطل على‬
‫ال فيلزم المؤمن الحق‪ ،‬وهو ما بعث ال َّله به رسوله ﷺ‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬
‫بباطل أص ً‬
‫يخرج عنه إلى باطل يخالفه‪ :‬موافقة لمن قاله‪ ،‬وال معارضة بالباطل‬
‫ال‪ .‬وكال األمرين يستلزم معارضة منصوصات الكتاب‬ ‫لمن قال باط ً‬
‫والس َّنة بما يناقض ذلك‪ ،‬وإن كان ال يظهر ذلك في بادي الرأي‪[ ».‬درء‬
‫تعارض العقل والنقل ‪ 24/4‬البن تيمية]‪.‬‬
‫وهؤالء الذين تسميهم أهل الس َّنة وتأثرت بأقوالهم قابلوا‬
‫الفاسد بالفاسد‪ ،‬وردوا البدعة بالبدعة‪ ،‬فكانوا ال لألصول حققوا‪ ،‬وال‬
‫للخصوم أسكتوا‪ ،‬فلقد استأنست بكالم أحد من هؤالء؛ الطحاوي‬
‫� في حديث الشفاعة الذي قلت أنه يشمل حتى تارك الصالة‬
‫بالكلية ورقمه «‪ »3054‬الذي فات الجميع تصحيحه كما قلت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولذلك قال اإلمام أبو جعفر الطحاوي في «مشكل‬ ‫َ‬
‫اآلثار» في باب عقده في هذه المسألة‪ ،‬وحكى شيئ ًا من أدلة الفريقين‪،‬‬
‫ثم اختار أنه ال يكفر [أي‪ :‬تارك الصالة] قال (‪:)224/4‬‬
‫«والدليل على ذلك أنا نأمره أن يصلي‪ ،‬وال نأمر كافر ًا أن‬
‫يصلي‪ ،‬ولو كان بما كان منه كافر ًا ألمرناه باإلسالم‪ ،‬فإذا أسلم أمرناه‬
‫بالصالة‪ ،‬وفي تركنا لذلك وأمرنا إياه بالصالة؛ ما قد دل على أنه من‬
‫أهل الصالة‪ ،‬ومن ذلك أمر النبي ﷺ الذي أفطر في رمضان يوم ًا‬
‫متعمد ًا بالكفارة التي أمره بها وفيها الصيام؛ ال يكون الصيام إ َّ‬
‫ال من‬

‫‪322‬‬
‫المسلمين‪ .‬ولما كان الرجل يكون مسلم ًا إذا أقر باإلسالم قبل أن يأتي‬
‫بما يوجبه اإلسالم من الصلوات الخمس‪ ،‬بتركه إياه بغير جحود منه‬
‫له‪ ،‬وال يكون كافر ًا إ َّ‬
‫ال من حيث كان مسلم ًا‪ ،‬وإسالمه كان بإقراره‬
‫باإلسالم؛ فكذلك ردته ال تكون إ َّ‬
‫ال بجحود اإلسالم»‪.‬‬
‫قلت‪[ :‬القائل هو األلباني]‪ :‬وهذا فقه جيد‪ ،‬وكالم متين ال مرد له»‬
‫[السلسلة الصحيحة ‪/7‬القسم األول ص ‪.]141 ،140‬‬
‫قلت‪ :‬هذا فقه مشين‪ ،‬وكالم مزري غير رزين‪ ،‬له مرد من عدة‬
‫ُ‬
‫وجوه‪ ،‬صاحبه رد الفاسد بالفاسد‪ ،‬لينافح عن اعتقاد بارد‪ ،‬للمرجئة‪،‬‬
‫لم يسلك فيه الطرق الشرعية‪ ،‬فاحتاج إلى البنيات البدعية‪.‬‬
‫فهو يقول في عقيدته المزرية اإلرجائية‪« :‬وال يخرج العبد من‬
‫اإليمان إ َّ‬
‫ال بجحود ما أدخله فيه» [شرح العقيدة الطحاوية ص ‪ 331‬البن أبي‬
‫العز]‪ ،‬وحصر الكفر في الجحود عقيدة المرجئة وعقيدة الطائفة الجدد؛‬
‫األثرية‪ ،‬وعقيدة الع َّ‬
‫المة األلباني ألنه قال فيه‪« :‬هذا فقه جيد وكالم‬
‫متين ال مرد له»‪ ،‬فهو يوافقه على هذا الحصر‪ ،‬زيادة على المخالفات‬
‫األخری التي ذكرناها في الشبه‪ ،‬فالطحاوي وأمثاله الذين سلكوا البنية‬
‫البدعية‪ ،‬ال يتصورون أن يكون كفر مع تصديق في القلب‪ ،‬وكل ما‬
‫ينتفي اإليمان بانتفائه من لوازم التصديق‪.‬‬
‫وقبل أن نبطل هذا القول المزري‪ ،‬نقول ّأيها القاریء المنصف‪،‬‬
‫المة األلباني � لم يذكر الكالم بتمامه‪ ،‬ألنَّ فيه رج ً‬
‫ال رمي بالبدعة‪،‬‬ ‫الع َّ‬
‫فلو أودعه ّلرد‪ ،‬والكالم بتمامه هكذا‪ :‬يقول الطحاوي في «المشكل‬
‫‪« :»205/8‬ومنهم من لم يجعله بذلك مرتد ًا‪[ ،‬أي تارك الصالة]‪ ،‬وجعله‬

‫‪323‬‬
‫من فاسقي المسلمين‪ ،‬وأهل الكبائر منهم ‪ ،‬وممن قال بذلك أبو حنيفة‬
‫� وأصحابه‪ ،‬وكان هذا القول أولى عندنا بالقياس‪.»...،‬‬
‫وأبو حنيفة � معروف من أين ورث هذا العار‪ ،‬وإفراطه في‬
‫القياس معروف لطالب العلم‪ ،‬فلو ذكر اسمه لنفر منه‪ ،‬لكن األمانة‬
‫ال فهو نوع من التلبيس‬ ‫ال ذلك‪ ،‬وإ َّ‬
‫العلمية والتحقيق العلمي يأبى إ َّ‬
‫والتدليس‪ ،‬وهذا له بسط في موضع آخر‪.‬‬
‫ولنعد إلى المقصود‪ ،‬في مناقشة فقه مشين وكالم مزري غير‬
‫رزين الذي قال فيه الع َّ‬
‫المة األلباني � ال مرد له‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الذين ك َّفروا تارك الصالة‪ ،‬لم يجعلوه كافر ًا أصلي ًا‪،‬‬
‫ُ‬
‫والردة ـ والعياذ بال َّله ـ قد تكون باالعتقاد وبالقول‬
‫بل كافر ًا مرتد ًا‪ّ ،‬‬
‫ال إ َّ‬
‫ال إذا ألزم المرتد‬ ‫وبالعمل وبالشك والريب‪ ،‬وهذا ال يستمر طوي ً‬
‫نفسه اإلعراض‪ ،‬فقياس المرتد على الكافر األصلي من أبطل القياس‬
‫وأقبحه‪.‬‬
‫نقول للذي صوب الكالم وم َّتنه‪ :‬هل توافقنا في ر ّدة المستهزىء؟‬
‫فإن قلت نعم‪ ،‬وهذا ظننا بك‪ ،‬رجوعه إلى اإلسالم بم يكون؟! هل‬
‫تقول له أنت ّ‬
‫مكذب؟ بالرغم أنك قلت هذا في آيات االستهزاء‪ ،‬فإذا‬
‫وأقر بها ويستهزأ‪ ،‬فلن‬ ‫صدق ثم أعاد فعلته وأعاد وقال ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله ّ‬ ‫ّ‬
‫تستطيع أن تقول هو مكذب‪ ،‬ألنَّ من أقر بالشيء ال يمكن أن يجحده‪،‬‬
‫فهو لم يكفر بالجحود‪ ،‬فهو يقولها ويقر بها‪ ،‬فلم يبق لك من القول إ َّال‬
‫قول جهم والصالحي؛ يجوز أن يكون هذا المستهزأ معظم ًا ل َّله ورسوله‬
‫وللشريعة في الباطن‪ ،‬أو قول أصحاب قح الس َّنة وبالطبع منهم الحنابلة‬

‫‪324‬‬
‫أن هذا كفر باالستهزاء فيرجع إلى اإلسالم‬
‫المتعصبة على قولك‪َّ ،‬‬
‫بالتعظيم‪.‬‬
‫نقول لك‪ :‬الذي يلقي المصحف في القاذورات ـ والعياذ بال َّله‬
‫ـ ‪ ،‬هل هو جاحد؟! بالطبع ال‪ ،‬فهل رجوعه إلى اإلسالم باإلقرار أم‬
‫الحق كاسدة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫باإلجالل والتعظيم؟! أرأيت األقوال الفاسدة دائم ًا أمام‬
‫فلو تنبهت لقول ابن عقيل الذي ذكرناه سابق ًا‪ ،‬وكنت في دعامة‬
‫لتبين لك بطالنه‪ ،‬لما أورد الهراسي سؤا ً‬
‫ال‬ ‫الدين على أساس متين ّ‬
‫ّ‬
‫على القول بكفر تارك الصالة‪ ،‬وزعم أنه ال جواب عنه‪ ،‬وهو وكالم‬
‫الطحاوي يخرج من مشكاة واحدة‪.‬‬
‫قال‪ :‬إذا أراد الرجل معاودة اإلسالم فبماذا يسلم فإنه لم يترك‬
‫كلمة اإلسالم؟ أليس هذا كالم الطحاوي نفسه؟!‬
‫فأجاب ابن عقيل‪« :‬إنما كان كفره بترك الصالة ال بترك الكلمة‪،‬‬
‫فهو إذا عاود فعل الصالة صارت معاودته للصالة إسالم ًا‪ ،‬فإن الدال‬
‫على إسالم الكافر الكلمة أو الصالة» [بدائع الفوائد ‪ 671/3‬البن القيم]‪.‬‬
‫أليس هذا فقه صحيح وحجة قاطعة؟!‬
‫بل الصالة أدل على اإلسالم من الكلمة‪ ،‬وذلك أننا لو شاهدنا‬
‫امر ًءا يصلي هل يحتاج إلى أن نقول له أنت مسلم؟! بالطبع ال‪ ،‬وهذا‬
‫قول اإلمام إسحاق الذي ذكرناه سابق ًا‪.‬‬
‫يعقب ابن القيم � بعد هذا الكالم المتين والفقه الرزين‪،‬‬
‫بقوله‪« :‬قلت‪ :‬وهذا الذي ذكره شيخنا يرد عليه في كل من كفر بشيء‬
‫[بدائع الفوائد‬ ‫من األشياء مع إتيانه بالشهادتين‪ ،‬وتلك صور عديدة‪».‬‬

‫‪325‬‬
‫‪.]671/3‬‬
‫انظر ّأيها القاریء المنصف إلى الفقه المتين والكالم الرزين‪،‬‬
‫تجد فيه الحجة الساطعة كما قلنا آنف ًا‪ ،‬والصور العديدة التي ذكرها‬
‫اإلمام ذكرنا بعضها‪.‬‬
‫أقر بالشهادتين واستهزأ كان تعظيمه معاودة لإلسالم‪.‬‬
‫ـ فمن ّ‬
‫أقر بالشهادتين ورمى المصحف في القاذورات كان‬
‫ـ ومن ّ‬
‫إجالله وتعظيمه معاودة لإلسالم‪.‬‬
‫أقر بالشهادتين وعكف على القبر‪ ،‬كان كفره بذلك‬
‫ـ ومن ّ‬
‫ونفرته منه معاودة لإلسالم‪.‬‬
‫أقر بالشهادتين وسحر كان كفره به وتبرؤه منه معاودة‬
‫ـ ومن َّ‬
‫لإلسالم‪.‬‬
‫أقر بالشهادتين ووالى أعداء ال َّله كان ببغضه لهم والبعد‬
‫ـ ومن ّ‬
‫عنهم معاودة لإلسالم‪ .‬واألمثلة في ذلك كثيرة وكثيرة جد ًا‪ ،‬أليس‬
‫القول الذي م َّتنه أمام هذا فاسد؟!‬
‫فالزم لك إ َّ‬
‫ال أحد القولين ال مفر لك منهما‪:‬‬
‫ـ قول أصحاب قح الس َّنة والحنابلة المتعصبة على رأسهم‪.‬‬
‫ـ أو قول جهم الزنديق والصالحي ومن اتبعهم على ذلك‬
‫كاألشعري والباقالني و‪...‬‬
‫أما قوله‪« :‬فلو قال قائل‪ :‬بأنَّ الصالة شرط لصحة اإليمان‪ ،‬وأن‬
‫تاركها مخلد في النار؛ فقد التقى مع الخوارج في بعض قولهم هذا»‪.‬‬
‫وتبين بطالنه‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬لقد رددنا على هذا العوار‪ ،‬بما فيه الكفاية ّ‬

‫‪326‬‬
‫ومن تفحص هذا‪ ،‬علم ما يلزم هذا العوار‪ ،‬فالقول ال يحسد عليه‪ ،‬بل‬
‫الحمد في جهله‪.‬‬
‫أن الشيخ في أمر مريج؟!‬
‫أال تری أيها القاریء المنصف َّ‬
‫ولنعد إلى المقصود في مناقشة الع َّ‬
‫المة األلباني � في «ال»‬
‫النافية األولى التي في قوله ﷺ‪« :‬ال صالة لمن ال وضوء له» لوقلنا لك‬
‫ّأيها القاریء المنصف أنَّ الشيخ � يقول النفي فيها للكمال دون أن‬
‫مصدقنا؟! قد تقول‪ :‬قد أسأتم قو ً‬
‫ال واحتملتم وزر ًا‪ ،‬معاذ‬ ‫ّ‬ ‫يشعر‪ ،‬أكنت‬
‫ال َّله أن يقول الشيخ هذا‪.‬‬
‫تغير سبيلها‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬ال تشنع إنما هي براقش تجني على نفسها لما ّ‬
‫فالشيخ � دوم ًا في اضطراب وتناقض‪ ،‬وعلى الشبه يعتضد‪ ،‬وعندما‬
‫تصح الحجة يبتعد‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬االنقياد بالحجة والبرهان‪ ،‬وإ َّ‬
‫ال القول يهان؟!‬
‫قلنا‪ :‬برهان صحة قولنا في تصحيح الشيخ لحديث الطحاوي‬
‫المرجئي الذي في «المشكل برقم ‪ »3185‬وهذا الحديث ليس له‬
‫وجود في دواوين الس َّنة إ َّ‬
‫ال عند الطحاوي �‪ ،‬ومداره على عاصم‬
‫وهو ابن أبي النجود وهو صدوق له أوهام‪ ،‬وله شاهد من حديث ابن‬
‫عمر عند الطبراني في الكبير وإسناده ضعيف‪ ،‬لكن الذي يهمنا من‬
‫هذا الحديث ليس صحته وال ضعفه‪ ،‬وإنما تأويله‪ ،‬وصحته ال تخدم‬
‫الطحاوي وال األلباني‪.K‬‬
‫ومتنه‪ :‬عن النبي ﷺ أنه قال‪« :‬أمر بعبد من عباد ال َّله أن يضرب في‬
‫قبره مائة جلدة‪ ،‬فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة‪ ،‬فجلد‬

‫‪327‬‬
‫جلدة واحدة‪ ،‬فامتأل قبره عليه نار ًا‪ ،‬فلما ارتفع عنه وأفاق قال‪ :‬على ما‬
‫جلدتموني؟ قالوا‪ :‬إنك صليت صالة واحدة بغير طهور‪ ،‬ومررت على‬
‫مظلوم فلم تنصره» [السلسلة الصحيحة رقم ‪ ،]2774‬وعند الطحاوي في‬
‫«المشكل برقم ‪ »3185‬بدون كلمة «وأفاق» وبدون كلمة «واحدة»‪.‬‬
‫ثم نقل فقه الحديث بكالم الطحاوي فقال‪« :‬قال الطحاوي‬
‫عقبه‪ :‬فيه ما قد دل أنَّ تارك الصالة لم يكن بذلك كافر ًا‪ ،‬ألنه لو كان‬
‫ال لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭ﴾»‬ ‫كافر ًا لكان دعاؤه باط ً‬
‫[السلسلة الصحيحة ‪ /6‬القسم األول ص ‪.]641‬‬
‫قلت‪ :‬الكالم لم يذكره بتمامه‪ ،‬وال مانع أن نذكره ثم نفنده‪،‬‬
‫ُ‬
‫والكالم بتمامه يقول الطحاوي �‪« :‬فكان في ذلك ما قد دل على أنَّ‬
‫الها حتى خرج وقتها‪ ،‬وفي إجابة ال َّله عز‬
‫تارك تلك الصالة لم يكن ص َّ‬
‫وجل دعاءه‪ ،‬ما قد َّ‬
‫دل أنه لم يكن بذلك كافر ًا‪ ،‬ألنه لو كان كافر ًا‪ ،‬كان‬
‫ال في قول ال َّله عز وجل‪﴿ :‬ﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭ﴾‬ ‫دعاؤه داخ ً‬
‫[غافر‪ :‬ﭤ] وال َّله نسأله التوفيق‪[ ».‬المشكل ‪.]213/8‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الكالم ال يفرح به‪ ،‬بل ينوح له‪ ،‬ألنَّ مضمونه ينذر بشر‬
‫ُ‬
‫مستطير‪ ،‬وحجة إلزامية للطحاوي واأللباني‪ K‬ال محيد لهما‬
‫فوت شرط الكمال‪ ،‬بالطبع‬
‫أن الذي صلى بغير طهور‪َّ ،‬‬
‫عنها‪ ،‬وذلك َّ‬
‫الكمال الواجب ألنه جلد‪ ،‬والكمال الواجب ال يبطل األصل؛ ال ينفي‬
‫الحقيقة الشرعية للوضوء‪ ،‬فالزم القول أنه من الممكن أن يصلي المرء‬
‫بدون وضوء والصالة صحيحة إنما انتفى فيها شرط الكمال‪ ،‬وكلنا‬
‫يعلم من أجاز هذا ماذا نقول له بعد التعريف إن كان مظنة العلم في‬

‫‪328‬‬
‫حقه منتفية‪.‬‬
‫وإن قلتما‪ :‬ال‪ ،‬إنما الصالة باطلة بغير طهور‪ ،‬وبطالنها لم يدل‬
‫على كفره‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬الحديث ال يدل على أنه صلى تلك الصالة التي بغير طهور‬
‫ومات على إثرها‪ ،‬بل يدل على خالف ماذهبتم إليه وحجبتكم الشبهة‬
‫في معرفة كنهه‪ ،‬وذلك أنه من أهل الصالة وصلى تلك الصالة الواحدة‬
‫بغير طهور‪ ،‬فهو من أهل القبلة‪ ،‬هذه األولى‪.‬‬
‫أما الثانية‪ :‬ليس في الحديث داللة أنَّ هذا الذي صلى هذه‬
‫الصالة الواحدة بغير طهور كان متعمد ًا لتركه‪ ،‬أو لم يتوضأ‪ ،‬بل من‬
‫المحتمل على أنه توضأ وأخل بركن من األركان؛ لم يحسنه فبطل‪،‬‬
‫وهو في نظره قد توضأ‪.‬‬
‫برهان ما ذهبنا إليه‪ :‬ما جاء عن بعض أصحاب النبي ﷺ‪« :‬أنَّ‬
‫ال يص ّلي؛ وفي ظهر قدمه ُلمعة قدر ّ‬
‫الدرهم‪ ،‬لم‬ ‫النبي ﷺ رأی رج ً‬
‫يصبها الماء‪ ،‬فأمره النبي ﷺ أن يعيد الوضوء‪ ،‬والصالة‪[ ».‬صحيح سنن‬
‫أبي داود رقم ‪.]175‬‬
‫فهذا صلى‪ ،‬وأمر بإعادة الوضوء والصالة‪ ،‬فلو لم يره النبي ﷺ‬
‫أكان يعيد‪ ،‬بالطبع ال‪ ،‬ألنه رأی أنه قد َّأداها على وجهها الكامل‪ ،‬لكن‬
‫غير مجزئة لمانع اللمعة‪ ،‬فهذا الذي صلى تلك الصالة بغير طهور‪،‬‬
‫عوقب بتلك الجلدة لعدم إحسانه للطاعة المجزئة الرافعة لما في الذمة‪،‬‬
‫ومن هذه األمثلة كثير‪ ،‬كحديث مسيء الصالة الذي لم يتم الركوع‬
‫ّ‬
‫فصل فإنك لم تصل»‪ ،‬فهو أخل بركن من أركانها فلم‬ ‫قيل له‪« :‬ارجع‬

‫‪329‬‬
‫تجزىء‪.‬‬
‫ومن المحتمل أن يكون الماء مغصوب ًا «ألنه قد يصح العمل‬
‫ويتخلف القبول لمانع» كقوله ﷺ‪« :‬من أتى عراف ًا لم تقبل له صالة»‬
‫فالحديث ال يدل على أنه تارك للصالة بالكلية‪ ،‬وال تارك الوضوء‬
‫بالكلية أي‪ :‬متعمد ًا‪ ،‬وإنما هي صالة واحدة ص َّلها في حياته‪ ،‬إذ ًا فهو‬
‫كما قلنا من أهل القبلة ال يختلف في ذلك اثنان‪ ،‬فاألمر واضح ال يخفى‬
‫ال على صاحب الهوی أو الذي أثرت فيه الشبهة‪ ،‬والشيخ � تعالى‬ ‫إ َّ‬
‫من هنا دائم ًا يؤتى لما يعمد إلى األمور التي ال تدل على النفي والتبرئة‬
‫جملة‪ ،‬كقوله ﷺ‪« :‬لم يعمل خير ًا قط» فينفيها‪ ،‬والتي تدل على النفي‬
‫والتبرئة كقوله تعالى‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ وقوله ﷺ ‪ ...« :‬وال‬
‫إيمان لمن ال صالة له» [السلسلة الصحيحة ‪ ]535/4‬فيثبتها‪.‬‬
‫أما الثالثة‪ :‬نقله � تعالى كالم الحافظ ابن عبد البر بعد كالم‬
‫الحق»‪ ،‬وابن عبد البر ذكر هذا الكالم‬
‫فأقره فقال‪« :‬وهذا هو ّ‬
‫الطحاوي‪َّ ،‬‬
‫بعد ما ذكر حجج المكفرين‪ ،‬فساق كالم المانعين من التكفير فقال‪:‬‬
‫«قالوا‪ :‬والكافر جاحد‪ ،‬وتارك الصالة المقر باإلسالم ليس بجاحد‬
‫وال كافر‪ ،‬وليس بمستكبر وال معاند‪ ،‬وإنما يكفر بالصالة من جحدها‬
‫واستكبر عن أدائها» [التمهيد ‪.]381/2‬‬
‫قلت‪« :‬والكافر جاحد» ال يقبل على إطالقه‪ ،‬وذلك أنَّ هذا الكفر‬
‫ُ‬
‫قليل في الكفار‪ ،‬فمعظم الكفار كفروا عن عناد أو استكبار أو تولي أو‬
‫إعراض‪ ،‬ورأس الكفرة الفجرة‪ ،‬وداعيتهم إلى دار البوار إبليس اللعين‬
‫لم يكفر بالجحود‪ ،‬بل كفره عن استكبار‪ ،‬لكن نحن نريد أن نفند شبهة‬

‫‪330‬‬
‫أوردها المرجئة على من يشاركونا في دعامة الدِّ ين فاضطربوا وقطع ًا‬
‫المة األلباني � ليس منهم‪ ،‬إنما هم أمثال الحافظ ابن عبد البر‬ ‫الع َّ‬
‫وغيره‪ ،‬لما قالوا لهم‪« :‬وتارك الصالة المقر باإلسالم ليس بجاحد وال‬
‫كافر‪ ،‬وليس بمستكبر وال معاند»‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هال أخبرتمونا عن المانع له من الصالة؟!‬
‫بالطبع ليس الجحود وال االستكبار وال العناد‪ ،‬لكن البديهة‬
‫ال كيف يصح أن يبقى حياته‬ ‫العقلية تمنع من ذلك‪ ،‬البد من مانع وإ َّ‬
‫كلها ال يسجد ل َّله سجدة‪ ،‬وإ َّ‬
‫ال كان القول سفسطة‪ ،‬فسوف تقولون‬
‫المانع هو «الكسل»‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هذه هي الشبهة التي أوردها المرجئة على بعض أهل الس َّنة‬
‫فاضطربوا‪ ،‬ولنفرض صحة ماذهبتم إليه‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬معنا أمران معلومان يردان هذا االستدالل السمج‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬معلوم من بدائه العقول‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬معلوم بصحيح المنقول‪.‬‬
‫أما األول‪ :‬البديهة العقلية تقول‪ :‬إنَّ استمرار الكسل في حياة‬
‫اإلنسان ك ّلها أمر مرفوض ال يقبل‪ ،‬ألنه البد له من حركة‪ ،‬وإ َّ‬
‫ال كان‬
‫هذا جثة هامدة‪ ،‬وإن كان كاس ً‬
‫ال عن العبادة‪ ،‬البد أن يكون متحرك ًا‬
‫في أمور أخری دنيوية‪ ،‬فإن قلتم نعم‪ ،‬إنما هو كاسل عن أمور العبادة‪،‬‬
‫متحرك في األمور األخری‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬إذ ًا توافقونا على عدمية استمرار الكسل‪ ،‬والسبب أنَّ كل‬
‫حي البد له من حركة «فالنفس طبعها الحركة ال تسكن قط» [مجموعة‬

‫‪331‬‬
‫الفتاوی ‪ 36/7‬ط‪/‬جـ]‪ ،‬وأدنى التحرك اتجاه األمور الدنيوية‪.‬‬
‫بل هذه األمور الدنيوية يتحرك لها جميع البشر‪ ،‬ألنَّ النفس‬
‫فطرت على الحركة‪ ،‬فتكون للمؤمن عون ًا وللكافر وزر ًا‪ ،‬ولهذا قال‬
‫وهمام» [صحيح سنن أبي داود رقم‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬أصدق األسماء حارث‬
‫‪.]4950‬‬
‫«فالحارث الكاسب العامل والهمام المريد‪ ،‬فإنَّ النفس متحركة‬
‫باإلرادة‪ ،‬وحركتها اإلرادية لها من لوازم ذاتها‪ ،‬واإلرادة تستلزم مراد ًا‬
‫متصور ًا لها‪ ،‬متميز ًا عندها؛ فإن لم تتصور الحق وتطلبه وتريده؛‬
‫َّ‬ ‫يكون‬
‫تصورت الباطل وطلبته وأرادته والبد» [إغاثة اللهفان ‪ 69/1‬البن القيم]‪.‬‬
‫فالحركة قصدية إرادية تستلزم مراد ًا خير ًا كان أم شر ًا‪ ،‬ال تخرج‬
‫عن ذلك أبد ًا‪ ،‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فهذا الكسل الظاهر في األمور‬
‫العبادية ما عمدته؟! الشك أنه الباطن‪.‬‬
‫فهذا السكون االستمراري في األمور العبادية وذروة سنامها‬
‫الصالة‪ ،‬الذي تلبسون فيه باسم الكسل‪ ،‬سببه الباطن ألنَّه عمدته في‬
‫كل شيء‪ ،‬وإذا قلتم هو عفوي كان هذا عين السفسطة‪ ،‬التي تؤدي‬
‫إلى ولوج باب السفسفة‪ ،‬ألنه ما في حركة إ َّ‬
‫ال والباطن عمدتها‪ ،‬وإذا‬
‫لم تستحيوا ولزمتم هذا القول‪ ،‬قلنا لكم‪ :‬البد لكم أن تبطلوا وجوب‬
‫النية في األمور العبادية األخری‪ ،‬وتتركوها عفوية‪ ،‬وسماجة هذا‬
‫القول ال تشكون فيه أنتم وال نحن‪ ،‬ألنَّ النبي ﷺ قال‪« :‬إنما األعمال‬
‫بالنيات‪.»...،‬‬
‫ما في عمل إ َّ‬
‫ال وله عمدة في الباطن‪ ،‬وهذا الباطن له قول‬

‫‪332‬‬
‫وعمل‪ ،‬ألنه منه تكون اإلرادات‪ ،‬فليس له الخروج عن ذلك الب َّتة‪ ،‬حتى‬
‫«األهواء هي إرادات النفس بغير علم‪ ،‬فكل من فعل ما تريده نفسه بغير‬
‫هواه» [منهاج الس َّنة النبوية ‪ 330/5‬البن‬ ‫علم يتبين أنه مصلحة فهو متبع‬
‫تيمية]‪.‬‬
‫وتدعون‪ ،‬هو‬ ‫وقوله متحقق في تارك الصالة كس ً‬
‫ال كما تقولون َّ‬
‫مقر باإلسالم ليس بجاحد‪ ،‬لكن توافقونا أنَّ عمله هو القصد واإلرادة‪،‬‬
‫ألنكم توافقونا في اإليمان أنه قول وعمل‪ ،‬وأقصد بالطبع الحافظ‬
‫ابن عبد البر‪ ،‬وأمثاله الذين دخلت عليهم شبهة الكسل‪ ،‬والعمل‬
‫هو‪ :‬االنقياد والتزام الطاعة‪ ،‬فالعمل الصحيح يوجب تحقق المراد؛‬
‫اإلتيان بالمأمور واالبتعاد عن المحظور‪ ،‬والصالة ذروة سنام المأمور‪،‬‬
‫فانتفائها يدل على انتفائه‪ ،‬ووجودها يدل على وجوده‪ ،‬وإ َّ‬
‫ال نقضتم‬
‫ال والباطن عمدتها‪.‬‬ ‫العقلية الصحيحة التي تقول ما في حركة إ َّ‬
‫أما الثاني‪ :‬فلقد أخبر ‪ ‬عن المؤمنين أنه إذا ذكر ال َّله وجلت‬
‫قلوبهم‪ ،‬والوجل يقتضي خشيته والخوف منه‪ ،‬وتحققه يدعو إلى فعل‬
‫المأمور وترك المحظور‪ ،‬وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمان ًا‪ ،‬وأخبر‬
‫عن كتابة أنه أحسن الحديث‪ ،‬تقشعر منه جلود الذين آمنوا ثم تلين‬
‫جلودهم وقلوبهم لذكر ال َّله‪ ،‬فتارك الصالة إذا كان يسمع قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ﴾ [المرسالت]‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [القيامة]‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬ﰖ‬
‫ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ﴾ [المدثر] و اآليات في‬
‫ذلك كثيرة‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫ويسمع قول نبيه الكريم صلوات ال َّله وسالمه عليه‪« :‬العهد‬
‫الذي بيننا وبينهم الصالة‪ ،‬فمن تركها فقد كفر» [صحيح سنن الترمذي رقم‬
‫‪ ،]2621‬وال تتحرك نفسه إلى فعل ذلك يدل على انتفاء عمل القلب‪،‬‬
‫الذي إن وجد تحقق فعل هذا المأمور؛ الصالة التي علق األخوة في‬
‫الدين عليها‪ ،‬وإن انتفى امتنع أن يقوم بذلك‪« ،‬ألنَّ اإلرادة الجازمة‬
‫ّ‬
‫للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور» [مجموعة الفتاوی ‪392/7‬‬
‫البن تيمية ط‪/‬جـ]‪ ،‬لكن الشبهة دخلت عليكم لما َّلبستم هذا االمتناع‬
‫ثوب ًا قبيح ًا أي‪ :‬الكسل‪ ،‬ولهذا لما كان هذا القول سمج ًا‪ ،‬تبطله البديهة‬
‫العقلية والصحيحة النقلية‪ ،‬لم يرتضه شيخ اإلسالم ابن تيمية �‪.‬‬
‫فقال �‪« :‬فهذا مبني على مسألة كون اإليمان قو ً‬
‫ال وعم ً‬
‫ال كما‬
‫تقدم‪ ،‬ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمن ًا إيمان ًا ثابت ًا في قلبه‪ ،‬بأنَّ ال َّله‬
‫فرض عليه الصالة والزكاة والصيام والحج‪ ،‬ويعيش دهره ال يسجد ل َّله‬
‫سجدة‪ ...،‬فهذا ممتنع‪ ،‬ال يصدر هذا إ َّال مع نفاق في القلب وزندقة‪ ،‬ال‬
‫مع إيمان صحيح‪ ،‬ولهذا إنما يصف ـ سبحانه ـ باالمتناع من السجود‬
‫الكفار‪ ،‬كقوله‪﴿ :‬ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ ﰥﰦ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ﴾ [القلم]»‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 372/7‬ط‪/‬جـ ‪ 611‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫يقول ولي ال َّله الدهلوي �‪« :‬وقوله ﷺ‪«:‬بين العبد وبين‬
‫الكفر ترك الصالة»‪ .‬أقول الصالة من أعظم شعائر اإلسالم وعالماته‬
‫التي إذا فقدت ينبغي أن يحكم بفقده لقوة المالبسة بينها وبينه» [حجة‬
‫ال َّله البالغة ‪.]421/1‬‬

‫‪334‬‬
‫وهذا األمر؛ ترك الصالة‪ ،‬ازداد اشتباه ًا لما أخرجه المرجئة‬
‫الدين‪،‬‬
‫الذين رموا بشبهة الكسل في وجوه من يعتقد مذهبنا في دعامة ّ‬
‫من كتب العقيدة إلى كتب الفقه‪ ،‬واتبعهم على ذلك طائفة من العلماء‬
‫عد القول بتكفير تارك الصالة قو ً‬
‫ال‬ ‫ممن يری اإليمان قول وعمل‪ ،‬حتى َّ‬
‫مخالف ًا‪ ،‬بل زاد بعض من أعمى بصرهم اإلرجاء يقومون به ويقعدون‪،‬‬
‫أنَّ هذا القول قول الخوارج‪ ،‬كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون‬
‫إ َّ‬
‫ال كذب ًا‪.‬‬
‫والطحاوي �‪ ،‬معروف بقلة البضاعة في علم الحديث‪،‬‬
‫فلقد صحح أحاديث‪ ،‬أجمع أهل االختصاص ببطالنها‪ ،‬كحديث‪« :‬رد‬
‫الشمس على علي ‪.»‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬والطحاوي ليس عادته نقد الحديث‬
‫كنقد أهل العلم‪ .‬ولهذا روی في «شرح معاني اآلثار» األحاديث‬
‫يرجحه منها في الغالب من جهة القياس‬ ‫يرجح ما ّ‬ ‫المختلفة‪ ،‬وإنما ّ‬
‫الذي رآه حجة‪ ،‬ويكون أكثرها مجروح ًا من جهة اإلسناد ال يثبت‪ ،‬وال‬
‫يتعرض لذلك؛ فإنه لم تكن معرفته باإلسناد كمعرفة أهل العلم به‪ ،‬وإن‬
‫كان كثير الحديث فقيها عالم ًا‪[ ».‬منهاج الس َّنة النبوية ‪.]196 ،195/8‬‬
‫جرحه البيهقي في «معرفة السنن واآلثار ‪ »129/1‬فقال‬
‫ولقد َّ‬
‫إلي بعض إخواني من‬ ‫�‪« :‬وحين شرعت في هذا الكتاب بعث َّ‬
‫أهل العلم بالحديث بكتاب ألبي جعفر الطحاوي رحمنا ال َّله وإياه‬
‫إلي ما رأى فيه من تضعيف أخبار صحيحة عند أهل‬
‫وشكا فيما كتب َّ‬
‫العلم بالحديث حين خالفها رأيه وتصحيح أخبار ضعيفة عندهم حين‬

‫‪335‬‬
‫وافقها رأيه وسألني أن أجيب عما احتج به فيما حكم به من التصحيح‬
‫والتعليل في األخبار‪ ...‬ما تكلف هذا الشيخ من تسوية األخبار على‬
‫مذهبه وتضعيف ما ال حيلة له فيه بما ال يضعف به واالحتجاج بما هو‬
‫ضعيف عند غيره‪.».‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪ ...« :‬فبين من كالمه أن علم الحديث لم يكن‬
‫من صناعته‪ ،‬وإنما أخذ الكلمة بعد الكلمة من أهله‪ ،‬ثم لم يحكمها‪».‬‬
‫[معرفة السنن واآلثار ‪.]231 ،230/1‬‬
‫ولهذا نقول إنَّ الحديث الذي صححه الع َّ‬
‫المة األلباني �‬
‫مر عليك‪ ،‬ولكن يبقى في النفس منه‬‫ليستدل به كان حجة عليه كما ّ‬
‫شيء ألنه ليس له ذكر عند أئمة االختصاص إ َّ‬
‫ال عنده هو‪ ،‬وهذا له بسط‬
‫في موضع آخر‪.‬‬
‫ولنعد إلى المقصود‪ ،‬فنقول‪ :‬أيها القاریء المنصف لقد علمت‬
‫ما حررته لك‪ ،‬أنَّ الشيخ األلباني � في أمر مريج‪ ،‬فنحن نطالبك‬
‫أحق باألمن‪ ،‬الحنبلي في الفروع السلفي‬
‫ولبه أن تخبرنا من ّ‬
‫باإلنصاف‪ّ ،‬‬
‫المة ابن عثيمين �‪ ،‬أم شيخ‬ ‫القح في األصول المبرأ من التعصب الع َّ‬
‫األثرية �؟!‬
‫تبين لك المراد‪ ،‬فهل «الكفر االعتقادي» عند الع َّ‬
‫المة‬ ‫فإذا ّ‬
‫األلباني‪ ،‬على نهج صاحب المصطلح؛ ابن القيم �؟! أم جهله‬
‫وأخطأ مراده كالع َّ‬
‫المة الصنعاني �؟!‬
‫إذ ًا‪ ،‬المصطلح دخل عليه اللبس واإليهام من طرف هؤالء‬
‫بسبب عدم فهم المراد‪ ،‬ومن طرف األثرية بين ـ المعكوفتين ـ البتر‬

‫‪336‬‬
‫والتحريف ألنهم علموا المراد‪.‬‬
‫ولهذا أئمتنا األجالء الذين هم أسود في هذه الدعامة‪ ،‬الذين‬
‫يسميهم الع َّ‬
‫المة األلباني‪ ،‬الحنابلة الغالة‪ ،‬ألنهم ك َّفروا تارك الصالة‪،‬‬
‫وك َّفروا الحاكم بالقوانين الوضعية‪ ،‬ال يتلفظون بهذا المصطلح إ َّ‬
‫ال‬
‫نادر ًا‪ ،‬وإن كان صاحبه متخرج ًا من نفس المدرسة؛ مدرسة فقه الدليل‪،‬‬
‫ألنَّ العصمة فيه منتفية‪ ،‬فيكتفون بالمصطلح السلفي«كفر أكبر»‪.‬‬
‫ولهذا أحد الحنابلة األجالء � كأنه علم ما سوف يقع‬
‫لهذا المصطلح؛ «الكفر االعتقادي والكفر العملي» من دخول اللبس‬
‫واإليهام عليه‪ ،‬وإخراجه عن المراد‪ ،‬فوضع له قيود ًا لو قدرت أن تصل‬
‫والمحرفة‪ ،‬األثرية بين ـ المعكوفتين ـ لفعلت‪ ،‬ألنهم‬
‫ّ‬ ‫إليه أيدي المب ّترة‬
‫الدعي علي حسن حلبي أثري‬
‫خبراء في البتر والتحريف وعلى رأسهم َّ‬
‫الزرقاء‪.‬‬
‫يقول الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي � في سؤال‪« :‬إذا قيل‬
‫لنا‪ :‬هل السجود للصنم واالستهانة بالكتاب وسب الرسول والهزل‬
‫بالدين ونحو ذلك هذا كله من الكفر العملي فيما يظهر‪ ،‬فلم كان‬
‫ّ‬
‫عرفتم الكفر األصغر بالعملي؟‬ ‫مخرج ًا من ّ‬
‫الدين وقد ّ‬
‫جـ‪ :‬اعلم أنَّ هذه األربعة وما شاكلها ليست هي من الكفر‬
‫ال من جهة كونها واقعة بعمل الجوارح فيما يظهر للناس‪،‬‬‫العملي إ َّ‬
‫ولكنها ال تقع إ َّال مع ذهاب عمل القلب من نيته وإخالصه ومحبته‬
‫وانقياده ال يبقى معها شيء من ذلك‪ ،‬فهي وإن كانت عملية في الظاهر‬
‫فإنها مستلزمة للكفر االعتقادي والبد‪ ،‬ولم تكن هذه لتقع إ َّ‬
‫ال من منافق‬

‫‪337‬‬
‫مارق‪ ،‬أو معاند مارد‪ ...،‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬
‫نعرف الكفر األصغر بالعملي مطلق ًا‪ ،‬بل بالعملي‬
‫ونحن لم ّ‬
‫المحض الذي لم يستلزم االعتقاد ولم يناقض قول القلب وال عمله‪».‬‬
‫[أعالم الس َّنة المنشورة ص ‪.]182 ،181‬‬
‫ما يقول األثرية في هذا؟! أليس هو قاصم الظهر ومكشف‬
‫العور؟!‬
‫ـ فهل تنحية الشرع ومحاربة أصحابه‪ ،‬وإقامة بدله القوانين‬
‫الوضعية ال تناقض عمل القلب؟!‬
‫ـ وهل ترك الصالة ال يناقض عمل القلب؟!‬
‫ـ وهل مواالة أعداء ال َّله من لبس زيهم والمحاربة معهم ال‬
‫تناقض عمل القلب؟!‬
‫ـ وهل ما يفعله القبورية من شرك الذي قال عنه الع َّ‬
‫المة األلباني‬
‫ومن قبله الصنعاني من الكفر العملي ال يستلزم اعتقاد وال يناقض عمل‬
‫القلب؟!‬
‫سود وجهه‬ ‫فما نملك لكم من القول إ َّ‬
‫ال كما قيل‪« :‬ليس كل من َّ‬
‫قال‪ :‬أنا حداد» [موسوعة أمثال العرب ‪.]237/5‬‬
‫الدخول التحريفي لهذا المصطلح؛ «الكفر االعتقادي‬
‫فهذا ُّ‬
‫والكفر العملي» وإخراجه عن مراد صاحبه‪ّ ،‬‬
‫يذكرني بعمل المبتدعة‬
‫الجهمية النافية المتسترة وراء مصطلح «لفظي بالقرآن مخلوق» وإن‬
‫كان هذا معناه صحيح ًا ألنَّ هناك فرق ًا بين التلفظ والملفوظ‪ ،‬فالملفوظ‪:‬‬
‫كالم ال َّله ‪ ،‬والتفلظ‪ :‬حادث مخلوق‪ ،‬وهو قول غير واحد من‬

‫‪338‬‬
‫ألن المبتدعة النافية تسترت تحته‬ ‫السلف‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أنه غير محدود األركان‪َّ ،‬‬
‫لتنشر التجهم الخبيث‪ ،‬فكانت تستعمله وتقصد به الملفوظ؛ كالم‬
‫ال َّله ‪ ،‬فلما علم منهم أسد الس َّنة أحمد بن حنبل خبثهم منعه لكي‬
‫ال يدخل التلبيس على األمة‪ ،‬وكان يغضب ويوجد من بعض األئمة‬
‫الفطاحلة الذين يستعملوه في معناه الصحيح‪ ،‬ألنه أصبح عمدة النافية‬
‫في نشر خبثها‪.‬‬
‫ألجل هذا اإليهام والتلبيس كي ال تضل العامة‪ ،‬نمنع القول‬
‫بمصطلح ابن قيم الجوزية؛ «الكفر االعتقادي والكفر العملي» لتستر‬
‫طائفة المرجئة الجدد األثرية بين ـ المعكوفتين ـ تحته‪ ،‬لما حصرته‬
‫سمها ال ّناقع؛ اإلرجاء الخبيث‪ ،‬الذي هو‬
‫في قول القلب فقط‪ ،‬لنشر ّ‬
‫أخبث األهواء على اإلطالق‪ ،‬فالمصطلح قد يوهم ما ذهب إليه هؤالء‬
‫األدعياء‪ ،‬وسلفنا في ذلك أسد الس َّنة مؤسس مدرسة فقه الدليل‪ ،‬أحمد‬
‫بن حنبل �‪.‬‬
‫ألنَّ هؤالء األدعياء األثرية بين ـ المعكوفتين ـ سلكوا الطريق‬
‫والدين‪« ،‬والناس لهم في طلب العلم والدِّ ين‬
‫البدعي في طلب العلم ّ‬
‫طريقان مبتدعان وطريق شرعي‪ ،‬فالطريق الشرعي‪ :‬هو النظر فيما جاء‬
‫به الرسول‪ ،‬واالستدالل بأدلته‪ ،‬والعمل بموجبها‪ ،‬فالبد من علم بما‬
‫جاء به وعمل به ال يكفي أحدهما‪.‬‬
‫وهذا الطريق متضمن لألدلة العقلية والبراهين اليقينية؛ فإن‬
‫الرسول ّبين بالبراهين العقلية ما يتوقف السمع عليه‪ .‬والرسل ّبينوا‬
‫للناس العقليات التي يحتاجون إليها‪ ،‬كما ضرب ال َّله في القرآن من‬

‫‪339‬‬
‫كل مثل‪ .‬وهذا هو الصراط المستقيم‪ ،‬الذي أمر ال َّله عباده أن يسألوه‬
‫هدايته‪.‬‬
‫وأما الطريقان المبتدعان‪ :‬فأحدهما‪ :‬طريق أهل الكالم البدعي‬
‫والرأي البدعي؛ فإن هذا فيه باطل كثير‪ ،‬وكثير من أهله يفرطون فيما أمر‬
‫ال َّله به ورسوله من األعمال‪ ،‬فيبقى هؤالء في فساد علم وفساد عمل‪.‬‬
‫وهؤالء منحرفون إلى اليهودية الباطلة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬طريق أهل الرياضة والتصوف والعبادة البدعية‪.‬‬
‫[منهاج الس َّنة النبوية ‪،428/5‬‬ ‫وهؤالء منحرفون إلى النصرانية الباطلة‪».‬‬
‫‪ 429‬البن تيمية]‪.‬‬
‫البنية البدعية‪ ،‬المنحرفة‬
‫فأثري الزرقاء علي حسن حلبي سلك َّ‬
‫إلى اليهودية الباطلة‪ ،‬التي من معالمها التفريط فيما أمر ال َّله به ورسوله‬
‫من األعمال؛ فساد علم وفساد عمل‪ ،‬يدل عليه مجادلته عمن قال ولم‬
‫هذب مذهب الع َّ‬
‫المة‬ ‫يعمل‪ ،‬ثم لم يقف إلى هذا الحد‪ ،‬بل زعم أنه َّ‬
‫األلباني في االعتقاد والمنهج‪ ،‬وهو على وهنه زاده الوهن‪.‬‬
‫فيقول ألدعيائه المقلدة الذين زرع فيهم فساد العلم وفساد‬
‫العمل‪ ،‬قولة إمام الحرمين أبي المعالي الجويني لما قال‪« :‬ما من فقيه‬
‫ال وللشافعي عليه م َّنة إ َّ‬
‫ال أبا بكر البيهقي‪ ،‬فإنَّ الم َّنة له على‬ ‫شافعي إ َّ‬
‫الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه» [سير أعالم النبالء ‪ 532/13‬للذهبي]‬
‫أي‪ :‬ما من ألباني إ َّال واأللباني عليه م َّنة‪ ،‬إ َّال َّ‬
‫الدعي علي حسن حلبي‬
‫فإن الم َّنة له على األلباني‪ ،‬لتوهين مذهب األلباني على وهنه‪.‬‬
‫َّ‬
‫لقد قال لي هذا أحد طلبته الجامدين‪ ،‬أثناء زيارة خاطفة لمدينة‬

‫‪340‬‬
‫«لوتن» بانجلترا‪ ،‬اسمه «الشرقاوي» المكنى بأبي زرعة‪ ،‬ليبي الجنسية‪،‬‬
‫أثناء محادثة طفيفة كانت للتعارف‪ ،‬تخللتها بعض المناقشات‪ ،‬سوف‬
‫أشير إليها في العنصر اآلتي إن شاء ال َّله‪ ،‬ومن جملة ما قلت له أنذاك‪،‬‬
‫لقد تعجبت فيكم يا أيها الليبيون؟!‬
‫قال كيف؟!‬
‫قلت‪ :‬تشردكم من وطنكم بسبب زنديقكم ال يجعلكم مرجئة‬
‫[مداخلة]‪ ،‬ألنَّ البديهة العقلية ترفض ذلك‪ ،‬والسبب أنَّ لكل فعل‬
‫ردة فعل‪ ،‬فالمفروض أن تكونوا غالة مفرطة؛ خوارج أقحاح‪ ،‬أما‬
‫أن تصبحوا مرجئة م َفرطة فهذا ترده البديهة‪ ،‬فلم يبق إ َّ‬
‫ال االحتمال‬
‫اآلخر وهو وارد؛ توظيف من المدرسة الكارهة لما أنزل ال َّله‪ ،‬بسبب‬
‫السذاجة‪ ،‬لهز أركان البيت السلفي‪.‬‬
‫يقوي هذا االحتمال أيها القاریء المنصف‪ ،‬تكنيهم بكنى‬
‫ومما ّ‬
‫أئمتنا‪ ،‬الذين هم لإلرجاء مذمون‪ ،‬ولمعالمه فاضحون‪ ،‬وألصحابه‬
‫مبدعون‪ ،‬كاألوزاعي وأبي زرعة وأبي حاتم‪ ...،‬ومن عرف هؤالء‬
‫ّ‬
‫علم ما قلت‪.‬‬
‫الدعي التي يمن بها‪ ،‬ليلبس بها‪ ،‬على‬
‫وعلى كلٍّ سنناقش م َّنة َّ‬
‫أطرياء العود قليلي الخبرة‪ ،‬الذي أصم آذانهم وأعمى أبصارهم داء‬
‫اإلرجاء الخبيث‪ ،‬الذي حمل لواءه هذا َّ‬
‫الدعي المحرف المبتر المتقن‬
‫الصنعة جيد ًا‪.‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫إنَّ اإلمام الشافعي � إمام سلفي أقواله وكتاباته زكية‪ ،‬تنصر‬

‫‪341‬‬
‫يبدع المرجئة‪ ،‬شديد على أهل األهواء خاصة أهل‬
‫مذهب السلف‪ّ ،‬‬
‫الكالم المحدث الذي خاض فيه البيهقي بكل جسده‪ ،‬زيادة على‬
‫مذهبه الردیء في اإليمان‪ ،‬فهو ينهج نهج المرجئة في ذلك‪ ،‬وفي‬
‫بنية مخانيث الجهمية‪.‬‬
‫الصفات متقفي ّ‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬والسلف واألئمة ذموا أهل الكالم‬
‫المبتدعين؛ الذين خالفوا الكتاب والس َّنة‪ .‬ومن خالف الكتاب والس َّنة‬
‫لم يكن كالمه إ َّال باط ً‬
‫ال؛ فالكالم الذي ذمه السلف ُيذم ألنه باطل‪ ،‬وألنه‬
‫يخالف الشرع‪.‬‬
‫ولكن لفظ الكالم لما كان مجم ً‬
‫ال‪ ،‬لم يعرف كثير من الناس‬
‫الفرق بين الكالم الذي ذموه وغيره؛ فمن الناس من يظن أنهم إنما‬
‫أنكروا كالم القدرية فقط؛ كما ذكره البيهقي‪ ،‬وابن عساكر في تفسير‬
‫كالم الشافعي ونحوه؛ ليخرجوا أصحابهم عن الذم‪ ،‬وليس كذلك؛‬
‫بل الشافعي أنكر كالم الجهمية؛ كالم حفص الفرد وأمثاله‪ ،‬وهؤالء‬
‫كانت منازعتهم في الصفات‪ ،‬والقرآن‪ ،‬والرؤية‪ ،‬ال في القدر‪ .‬وكذلك‬
‫أحمد بن حنبل خصومه من أهل الكالم هم الجهمية الذين ناظروه‬
‫في القرآن؛ مثل أبي عيسى محمد بن عيسى برغوث؛ صاحب حسين‬
‫النجار‪ ،‬وأمثاله‪ .‬ولم يكونوا قدرية‪ ،‬وال كان النزاع في مسائل القدر‪.‬‬
‫ولهذا لم يصرح أحمد‪ ،‬وأمثاله من السلف بذم الجهمية‪ ،‬بل يكفرونهم‬
‫أعظم من سائر الطوائف‪[ ».‬النبوات ‪ 615/2‬ـ ‪.]618‬‬
‫أحببت أن أنقل الكالم بتمامه لتعلم أيها القاریء المنصف‪ ،‬أنَّ‬
‫بدع اإلمام الشافعي‬
‫الذي خاض فيه البيهقي هو الكالم المحدث الذي َّ‬

‫‪342‬‬
‫أصحابه‪ ،‬فأين الم َّنة الموجودة هنا؟! لقد أدخل على المذهب الشافعي‬
‫الذي إن عرضناه على حمار آلباه‪ ،‬وأخرجه عن مساره الحقيقي‪،‬‬
‫فدعوی أنَّ الذي ذمه الشافعي من الكالم‪ ،‬مثل ما انتحله حفص الفرد‪،‬‬
‫دعوی باطلة‪ ،‬بل ذمه متوجه ًا للذي اعتمده البيهقي َّ‬
‫وجرده على مذهب‬
‫الشافعي � وهو منه بريء‪ ،‬ولهذا قال شيخ اإلسالم في أمثال‬
‫السم‬
‫ّ‬ ‫البيهقي الذين انتحلوا مذاهب األئمة األربعة‪ ،‬وأدخلوا عليها‬
‫صير الجويني يدعو أن يموت على عقيدة عجائز نيسابور‬‫الناقع الذي َّ‬
‫وصبيان الكتاب ما لفظه‪.‬‬
‫«فالحنبلي والشافعي والمالكي يخلط بمذهب مالك والشافعي‬
‫وأحمد شيئ ًا من أصول األشعرية والسالمية وغير ذلك‪ ،‬ويضيفه إلى‬
‫مذهب مالك والشافعي وأحمد‪ .‬وكذلك الحنفي يخلط بمذهب أبي‬
‫حنيفة شيئ ًا من أصول المعتزلة والكرامية والك َّ‬
‫البية‪ ،‬ويضيفه إلى‬
‫مذهب أبي حنيفة‪[ ».‬منهاج الس َّنة النبوية ‪.]261/5‬‬
‫فاإلمام الشافعي � تقفى جادة الرسل «فهم بعثوا بتكميل‬
‫الفطرة وتقريرها‪ ،‬ال تبديلها وتغييرها‪ ،‬فال يأمرون إ َّ‬
‫ال بما يوافق‬
‫المعروف في العقول‪ ،‬الذي تتلقاه القلوب السليمة بالقبول‪[ ».‬النبوات‬
‫‪ 1091/2‬البن تيمية]‪.‬‬
‫فالشافعي � بريء من انتحال البيهقي‪ ،‬ولو ظفر به لضربه‬
‫بالجريد‪ ،‬وحمله على ناقة يطاف به في العشائر والقبائل‪ ،‬وينادی عليه‪:‬‬
‫هذا جزاء من ترك الكتاب والس َّنة وأقبل على كالم ابن فورك‪.‬‬
‫ال أنَّ أثري الزرقاء علي حسن حلبي‪ ،‬ال يضرب على إدخال‬ ‫إ َّ‬

‫‪343‬‬
‫الوهن على مذهب األلباني‪ ،‬بل هو موهون قبل ذلك‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أنه زاد على‬
‫الوهن وهن ًا َّ‬
‫سماه «التعريف والتنبئة»‪ ،‬وإنما يضرب على انتحال مدرسة‬
‫أئمتنا ابن تيمية وابن القيم وأمثالهما وإدخال البتر والتحريف عليها‪.‬‬
‫مضموم ًا لما لديه من كالم فاسد وتمويه بالباطل في أهل‬
‫الفضل الذين ال يلحق رتبتهم وال يكاد‪ ،‬علم ًا‪ ،‬وفهم ًا‪ ،‬وفض ً‬
‫ال وسلوك ًا‪،‬‬
‫بحق محمد بن إبراهيم شقرة أبو مالك‪ ،‬ذاك‬ ‫المة ّ‬ ‫ومنهج ًا‪ ،‬منهم الع َّ‬
‫الشيخ الفاضل المتواضع‪ ،‬الذي لواله ما ظهر هؤالء األدعياء األثرية‬
‫بين ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬فضله وخيره مبسوط عليهم‪ ،‬لقد جمعهم للع َّ‬
‫المة‬
‫األلباني �‪ ،‬ليجعل منهم رجا ًال أوفياء‪ ،‬فأضحوا مرجئة للسلفية‬
‫الدعي أنه جار أثناء الحكومة التي كانت بينه وبين‬
‫أدعياء‪ ،‬فلقد وصفه َّ‬
‫الدعي الشانىء‪،‬‬
‫األسد المرابط على ثغر العقيدة من قبل أن يظهر هذا ّ‬
‫رحيم‪ ،‬وكفى بالكنية سمة‬
‫الشيخ الفاضل د‪ .‬محمد بن محمود أبو ِّ‬
‫ألن لكل امریء حظ ًا من اسمه وكنيته‪.‬‬
‫تلوح على جبينه‪َّ ،‬‬
‫جر أثناءها أذيال هزيمته‪ ،‬وع َّلمه أنَّ ليس في التصنع تمتع‪،‬‬
‫فلقد َّ‬
‫فدحره بحجج المنقول والمعقول‪ ،‬وقال له‪ :‬عد إلى المكاتب بدأة‪،‬‬
‫كما دحر الصابوني من قبل‪ ،‬ذاك الضال األشعري الذي وصف األنبياء‬
‫من ال َّله عليه باالستقامة‬
‫بما ال يليق بهم‪ ،‬فهو ليس غاوي الظهور‪ ،‬فلقد َّ‬
‫بالحق لمذهب السلف‪ ،‬فيعرف فضله‬
‫ّ‬ ‫في األمر‪ ،‬والنصرة الجاهرة‬
‫أهل الفضل‪ ،‬الذين لهم حظ وافر من العلم واالستقامة على المنهج‬
‫المة الجهبذ بكر بن عبد ال َّله أبو زيد‪ ،‬فلقد نقل عنه فصو ً‬
‫ال‬ ‫كمثل الع َّ‬
‫من الشهب المحرقة التي َّنزلها في كتاب «النبوة واألنبياء»‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫قال ـ حفظه ال َّله ـ ‪« :‬وقد كشف عن هذه العورات في هذا‬
‫رحيم في رسالته‪« :‬نظرات في كتاب النبوة‬
‫الكتاب‪ :‬الشيخ محمد أبو ِّ‬
‫[الردود ص ‪.]...،320‬‬
‫واألنبياء»‪ .‬ومنه أشير إلى نماذج منها‪ُّ »...:‬‬
‫الدوسري في «رفع‬
‫ولقد ذكره كذلك الشيخ محمد بن سالم ّ‬
‫الالئمة عن فتوی اللجنة الدائمة ص ‪ »109‬ط‪/‬الثانية فقال‪« :‬انظر في‬
‫هذا المبحث‪ :‬كتاب حقيقة الخالف بين السلفية الشرعية وأدعيائها في‬
‫رحيم ـ وفقه ال َّله ـ فقد‬
‫مسائل اإليمان» للشيخ الدكتور‪/‬محمد أبو ِّ‬
‫أجاد وأفاد‪ ».‬وكذلك «ص ‪.»135‬‬
‫فكل هذه النقول العطرة‪ ،‬وشهادات أهل الفضل الزكية في‬
‫هذا الرجل الفاضل‪ ،‬ورباطه الوفي على ثغر العقيدة‪ ،‬فلقد سخره ال َّله‬
‫لكشف انتحاالت وتحريفات المبتدعين واألدعياء المستترين‪ ،‬كأمثال‬
‫األثريين‪ ،‬وستجد أيها القاریء المنصف ذلك ضمن أصول وثائق‬
‫الشيخ الفاضل في األخير‪ ،‬يقول جهار ًا نهار ًا شاكر ًا ألهل الفضل‬
‫المة المحقّق محمد بن‬ ‫فضلهم وسابقتهم‪ ،‬واصف ًا حسنهم‪« :‬أنَّ الع َّ‬
‫إبراهيم شقرة أبو مالك‪ ،‬أعلم منه‪ ،‬وأقدر منه في أبواب العلوم كلها»‪،‬‬
‫ذاك الوالد الطيب الناصح الكريم الغيور على األمة وما أصابها من‬
‫وهن‪.‬‬
‫انظر أيها القاریء المنصف كيف دفعه حسن االعتقاد وسالمة‬
‫المنهج‪ ،‬أن يتلفظ بهذه الشهادة الزكية‪ ،‬التي إن كتمها عدة خيانة‪،‬‬
‫وحاشاه من ذلك‪ ،‬فإنه لم يترب على ذلك‪ ،‬أما فاسدو االعتقاد متهوكو‬
‫أي منهج؟!‬
‫المنهج‪ ،‬فيصفون الوالد الكريم بأنه خرج على المنهج‪ّ ،‬‬

‫‪345‬‬
‫منهج التفريط فيما أمر ال َّله به ورسوله من األعمال‪ ،‬المجادل عمن‬
‫قال ولم يعمل‪ ،‬بفساد العلم والعمل‪ ،‬فهو كافر به في الدنيا ويوم يقوم‬
‫األشهاد‪ ،‬أتريدون أن تمنعوه من ورود الحوض الذي من شرب منه ال‬
‫يضمأ أبد ًا‪.‬‬
‫علي الحوض‪ :‬القدرية‪،‬‬
‫يقول ﷺ‪« :‬صنفان من أمتي ال يردان َّ‬
‫والمرجئة‪[ ».‬السلسلة الصحيحة رقم ‪.]2748‬‬
‫فكما ترون أيها األدعياء لقد صحح شيخكم هذا الحديث‬
‫أن الشانىء‬
‫وأورده في سلسلته الماتعة فاربؤوا بأنفسكم‪ ،‬واعلموا َّ‬
‫باالفراط أو التفريط هو األبتر‪ ،‬وال نشك فيكم طرفة عين أنكم مرجئة‬
‫الحق‪ ،‬والتلبيس‬
‫ّ‬ ‫أدعياء‪ ،‬محرفة مبترة أوصياء‪ ،‬من صفاتكم كتمان‬
‫على أهله‪ ،‬ورميهم بما هو بكم أليق‪ ،‬وبمذهبكم أخلق‪.‬‬
‫ترمون أهل الفضل والسبق «إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن‬
‫المنكر ودعوا إلى ال َّله ورسوله ـ بأنهم أهل فتن مفسدون في األرض‪،‬‬
‫وقد علم ال َّله والمؤمنون بأنكم أهل الفتن المفسدون في األرض‪ ،‬وإذا‬
‫دعا هؤالء األفاضل إلى كتاب ال َّله وس َّنة رسوله خالصة غير مثوبة‬
‫رميتموهم بالبدع والضالل‪ ،‬وإذا رأيتموهم زاهدين في الدنيا راغبين‬
‫في اآلخرة متمسكين بطاعة ال َّله ورسوله رميتموهم بالزكروة والتلبيس‬
‫والمحال‪ ،‬وإذا رأيتم معهم حق ًا ألبستموه لباس الباطل وأخرجتموه‬
‫لضعفاء العقول في قالب شنيع لتنفروهم عنه‪ ،‬والباطل الذي معكم ـ‬
‫اإلرجاء الخبيث ـ ألبستموه لباس الحق وأخرجتموه في قالب مزخرف‬
‫ليقبل منكم‪ .‬فوال َّله يا أثرية بين ـ المعكوفتين ـ صحبتكم توجب العار‬

‫‪346‬‬
‫والشنار‪ ،‬ومودتكم تحل غضب الجبار‪ ،‬فيا أيها السلفيون الشرعيون‬
‫الدين متمسكون‪ ،‬حذار حذار‪ ،‬هم الجزارون ألسنتهم‬
‫الذين أنتم بدعامة ّ‬
‫شفار الباليا‪[ ».‬طريق الهجرتين ص ‪ 419‬البن القيم بتصرف]‪.‬‬
‫فيا أثرية بين ـ المعكوفتين ـ‪:‬‬
‫لبئست الخلتان الجهل والجبن‬ ‫جه ًال علينا وجبن ًا عن عدوكم‬
‫عود ًا إلى المقصود‪ ،‬لمناقشة سبب ارتياب الع َّ‬
‫المة األلباني‬
‫واضطرابه في مسائل اإليمان‪ ،‬وموافقته للمرجئة في أصولهم وإن قال‬
‫بالزيادة والنقصان واالستثناء‪ ،‬ووصيته بقراءة كتاب «اإليمان» لشيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية وهو يخالفه من كل الجوانب‪ ،‬فهل قرأه؟!‬
‫فهذا سؤال يتبادر إلى الذهن‪ ،‬فلقد قال في سلسلته الماتعة‬
‫الصحيحة عن مجموعة الفتاوی لشيخ اإلسالم ابن تيمية المجلد ‪/7‬‬
‫*‬
‫القسم األول ص ‪« :115‬فإنه ُك َن ْيف ُم ِل َ‬
‫ىء علم ًا»‪.‬‬
‫فهل انتفع بالمجلد السابع الذي في الكنيف؟! أم اضطرب‬
‫وتناقض؟! ألنه يثبت الشيء وينفي الزمه؛ يدعو إلى إصالح الظاهر‬
‫والباطن وأنَّ الباطن مؤثر في الظاهر‪ ،‬وينفي الزمه كما َّ‬
‫مر عليك أيها‬
‫القاریء المنصف في الشبه التي عالجناها وكشفنا عوارها والفضل‬
‫والم َّنة ل َّله وحده من قبل ومن بعد‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫الزنفليجة يكون فيها أداة الراعي ومتاعه من مرباة ومقص وشفرة‪ ،‬وهو أيض ًا وعاء‬ ‫* ِ‬
‫الك ْن ُف‪َّ :‬‬
‫طويل يكون فيه متاع التجار وأسقاطهم‪ .‬انظر مادة‪ِ :‬‬
‫«الك ْنف» [اللسان ‪ .]121/13‬‬

‫‪347‬‬
‫َّ‬
‫العالمة األلباني في مسائل اإليمان‪:‬‬ ‫سبب اضطراب‬
‫بعد دراستي ال َّنصية التحليلية العتقاد الع َّ‬
‫المة األلباني �‬
‫وشبهه‪ ،‬وجدت أنَّ هناك عاملين لهذا االضطراب والتناقض والتدافع‪،‬‬
‫ٌ‬
‫طفيف والثاني بالغٌ ‪.‬‬ ‫أحدهما تأثيره‬
‫فاألول‪ :‬تربيته ونشأته األولى‪ ،‬فلقد كانت على يد والده نوح‬
‫نجاتي الحنفي في الفروع الماتريدي في األصول‪ ،‬كما تلقى العلم‬
‫كذلك عن شيخه سعيد البرهاني � وكان حنفي ًا ماتريدي ًا جلد ًا‪ ،‬فهذا‬
‫النشء عند أولي األبصار له تأثير ولو طفيف؛ العرق الذي ينازع‪ ،‬ولهذا‬
‫اإلمام األشعري لما رجع إلى الس َّنة من حيث الجملة‪ ،‬بقت فيه بقايا‬
‫اعتزالية تنازعه‪ ،‬يعلم هذا من كان له دراية تامة بالمعتقد‪.‬‬
‫أما العامل الثاني‪ :‬المؤثر التأثير البالغ‪ ،‬فهو عدم قراءته لكتاب‬
‫«اإليمان» لشيخ اإلسالم ابن تيمية � الذي أشار إليه في ُ‬
‫الك َن ْيف‪،‬‬
‫أبين لك ما هي القراءة‬ ‫مه ً‬
‫ال يا أثري بين ـ المعكوفتين ـ وال تتأثر‪ ،‬حتى ّ‬
‫التي لم يقرأها الع َّ‬
‫المة األلباني � من كتاب «اإليمان»‪ ،‬فلقد عهدتك‬
‫إذا ذكرت مزالق شيخك‪ ،‬عال صوتك‪ ،‬وانتفخ ودجك‪ ،‬واهتز بطنك‪،‬‬
‫الدين بال َّلي والتحريف‪ ،‬تهز الخصر واألرداف‪.‬‬
‫وإذا ألحد في دعامة ّ‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫القراءة قراءتان‪« :‬قراءة تفحصية»‪ ،‬و«قراءة تصفحية»‪:‬‬
‫فالقراءة التفحصية‪ :‬وجوبية لكل من تصدی للتحقيق العلمي‪،‬‬
‫فهي قراءة لفهم مراد المتكلم‪ ،‬وما أوقع الطوائف الضالة في الخروج‬
‫عن الجادة‪ ،‬إ َّال سوء فهم المراد‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫يقول الع َّ‬
‫المة ابن القيم �‪« :‬األمر األول‪ :‬أن يعلم أنَّ الرسل‬
‫صلوات ال َّله وسالمه عليهم لم يخبروا بما تحيله العقول وتقطع‬
‫باستحالته‪ ،‬بل إخبارهم قسمان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما تشهد به العقول والفطر‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ما ال تدركه العقول بمجردها‪ ،‬كالغيوب التي أخبروا‬
‫بها عن تفاصيل البرزخ واليوم اآلخر‪...،‬‬
‫غلو وال‬
‫واألمر الثاني‪ :‬أن يفهم عن الرسول ﷺ مراده من غير ّ‬
‫يقصر به عن مراده وما قصده‬
‫يحمل كالمه ما ال يحتمله‪ ،‬وال َّ‬
‫تقصير‪ ،‬فال َّ‬
‫من الهدی والبيان‪.‬‬
‫الضالل والعدول عن‬
‫وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من َّ‬
‫الصواب ما ال يعلمه إ َّ‬
‫ال ال َّله‪ ،‬بل سوء الفهم عن ال َّله ورسوله أصل كل‬
‫بدعة وضاللة نشأت في اإلسالم‪ ،‬بل هو أصل كل خطأ في األصول‬
‫والفروع‪ ،‬وال سيما إن أضيف إليه سوء القصد‪ ،‬في َّتفق سوء الفهم في‬
‫بعض األشياء من المتبوع مع حسن قصده وسوء القصد من التابع‪ ،‬فيا‬
‫محنة الدِّ ين وأهله! وال َّله المستعان‪.‬‬
‫وهل أوقع القدرية والمرجئة والخوارج والمعتزلة والجهمية‬
‫والرافضة وسائر طوائف أهل البدع إ َّ‬
‫ال سوء الفهم عن ال َّله ورسوله‪،‬‬
‫الدين بأيدي أكثر الناس هو موجب هذه األفهام‪ ،‬والذي‬ ‫حتى صار ّ‬
‫فهمه الصحابة ومن تبعهم عن ال َّله ورسوله فمهجور ال يلتفت إليه‬
‫وال يرفع هؤالء به رأس ًا‪ .‬ولكثرة أمثلة هذه القاعدة تركناها‪ ،‬فإنا لو‬
‫لتمر على الكتاب من َّأوله‬
‫ذكرناها لزادت على عشرة ألوف‪ ،‬حتى إنك ّ‬

‫‪349‬‬
‫إلى آخره فال تجد صاحبه فهم عن ال َّله ورسوله ومراده كما ينبغي في‬
‫موضع واحد‪.‬‬
‫وهذا إنما يعرفه من عرف ما عند الناس‪ ،‬وعرضه على ما جاء‬
‫به الرسول ﷺ‪ ،‬وأما من عكس األمر بعرض ما جاء به الرسول على ما‬
‫اعتقده أو انتحله وق َّلد فيه من أحسن به الظن‪ ،‬فليس يجدي الكالم معه‬
‫شيئ ًا‪ ،‬فدعه وما اختاره لنفسه وو ِّله ما تو َّلى‪ ،‬واحمد الذي عافاك مما‬
‫ابتاله به‪[ ».‬الروح ص ‪.]180 ،179‬‬
‫رحمة ال َّله عليك يا أبا عبد ال َّله‪ ،‬ما أبصرك‪ ،‬وما أعلمك! فهذا‬
‫الذي أوقع الع َّ‬
‫المة األلباني � لعدم فهم المراد‪ ،‬وهذا الذي أوقع‬
‫الدعي علي حسن حلبي في‬‫األثرية بين ـ المعكوفتين ـ وعلى رأسهم َّ‬
‫البدعة بسبب سوء قصده بال َّلي والتحريف في المراد‪.‬‬
‫فالدراسة التفحصية‪ ،‬علمية وجوبية لفهم مراد ال َّله ورسوله‬
‫والصحابة والتابعين‪ ،‬وكل متكلم من غير غلو وال تقصير‪ ،‬ومن عظم‬
‫هذه الدراسة الوجوبية‪ ،‬التي يوصي بها األئمة األجالء‪ ،‬حتى يتفادی‬
‫اإللحاد أو ال َّلي أو التحريف أو البتر أو التقول في كالم ال َّله ورسوله‬
‫والصحابة والتابعين‪ ،‬أو كالم ال َّناس عموم ًا‪ ،‬ابتدأ شيخ اإلسالم ابن‬
‫قصر‬ ‫تيمية �‪ ،‬كتابه «اإليمان» الذي في ُ‬
‫الك َن ْيف المملوء‪ ،‬الذي َّ‬
‫الع َّ‬
‫المة األلباني � في فهمه وأخرجه عن مراد صاحبه‪ ،‬كما فعل‬
‫في مصطلح تلميذه من قبل «الكفر االعتقادي والكفر العملي»‪ ،‬بقاعدة‬
‫عظيمة جليلة يعلمها كل من قرأ هذه القراءة «التفحصية»‪.‬‬
‫يقول �‪« :‬والمقصود هنا أنه ينبغي للمسلم أن ّ‬
‫يقدر قدر‬

‫‪350‬‬
‫كالم ال َّله ورسوله‪ ،‬بل ليس ألحد أن يحمل كالم أحد من الناس إ َّال‬
‫على ما عرف أنه أراده‪ ،‬ال على ما يحتمله ذلك اللفظ في كالم كل أحد‪،‬‬
‫فإن كثير ًا من الناس يتأول النصوص المخالفة لقوله؛ يسلك مسلك من‬
‫يجعل التأويل كأنه ذكر ما يحتمله اللفظ‪ ،‬وقصده به دفع ذلك المحتج‬
‫عليه بذلك النص وهذا خطأ» [مجموعة الفتاوی ‪ 28/7‬ط‪/‬جـ ‪ 36‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫علي بما ال‬
‫وتتقول َّ‬
‫َّ‬ ‫وكأنه يقول يا ألباني‪ ،‬ال تخطىء مرادي‪،‬‬
‫أقول‪ ،‬إنما «االستحالل» عندي على نوعين‪ ،‬نوع خاص بقول القلب‪،‬‬
‫ونوع خاص بعمل القلب‪ ،‬ويا حلبي‪ ،‬األثري بين ـ المعكوفتين ـ ال‬
‫تحرف مرادي وتبتره وتلويه‪ ،‬اتق ال َّله‪ ،‬إنما هذا صنيع المائلين لليهودية‬
‫الباطلة‪ ،‬إنما «اإليمان التام» عندي هو الصحيح‪ ،‬وليس الكامل‪ ،‬يدل‬
‫عليه قولي الذي في «الصفحة ‪ 338‬ط‪/‬جـ» من نفس المجلد‪« :‬وبهذا‬
‫تعرف أن من آمن قلبه إيمان ًا جازم ًا امتنع أال يتكلم بالشهادتين مع‬
‫القدرة‪ ،‬فعدم الشهادتين مع القدرة‪ ،‬مستلزم انتفاء اإليمان القلبي التام»؛‬
‫اإليمان الصحيح‪.‬‬
‫ومن عظم هذه القاعدة التي ابتدأ بها كتابه النفيس‪ ،‬الذي هو‬
‫شهب محرقة على المرجئة الجهمية‪ ،‬والمرجئة الفقهاء‪ ،‬والذين‬
‫يعظمون مذهب سلفنا ويرون اإلرجاء في الباطن كالع َّ‬
‫المة األلباني‬
‫� ومن حذا حذوه‪ ،‬أوردها الع َّ‬
‫المة عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪،‬‬
‫في كنيفه المملوء من كل خير وفائدة‪ ،‬الموسوم بـ «طريق الوصول إلى‬
‫العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط واألصول» «ص ‪ 12‬اللوحة‬
‫‪ ،»22‬فيه أكثر من مائة قاعدة وضابط وأصل من كتب شيخ اإلسالم‬

‫‪351‬‬
‫الدين بن تيمية وتلميذه البار ابن القيم‪ K‬تعالى‪.‬‬
‫تقي ّ‬
‫وكذلك هناك قاعدة جليلة ونفيسة ذكرها قبل هذه بصفحتين‪،‬‬
‫فاتت الع َّ‬
‫المة السعدي �‪ ،‬أوردها هنا حتى تضاف إلى ما جمعه‬
‫من قواعد وضوابط نفيسة من كالم شيخي اإلسالم‪ ،‬يقول فيها الجهبذ‬
‫اإلمام الرضي ابن تيمية‪« :‬وليس ألحد أن يحمل كالم ال َّله ورسوله‬
‫يتبين من كالم ال َّله ورسوله ما يدل على مراد‬
‫على وفق مذهبه‪ ،‬إن لم ّ‬
‫ال َّله ورسوله‪ ،‬وإ َّال فأقوال العلماء تابعة لقول ال َّله ـ تعالى ـ ورسوله ﷺ‬
‫ليس قول ال َّله ورسوله تابع ًا ألقوالهم‪ُ ».‬‬
‫[الك َن ْيف ‪ 27 ،26/7‬ط‪/‬جـ ‪35‬‬
‫ط‪/‬ق من مجموعة الفتاوی]‪.‬‬
‫وهذا الذي أجزم به جزم ًا‪ ،‬ومن حاد عنه فقد قال الباطل‪َّ ،‬‬
‫أن‬
‫المة األلباني � فعله في العمومات التي في قوله ﷺ‪« :‬من قال ال‬ ‫الع َّ‬
‫إله إ َّال ال َّله‪ ...،‬دخل الجنة»‪ ،‬وقوله ﷺ‪ ...« :‬لم يعمل خير ًا قط» وهلم‬
‫جر ًا‪.‬‬
‫إذ ًا‪ ،‬هذه القراءة «التفحصية» تنفي كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وآفته من الفهم السقيم‬ ‫عائب قو ًال صحيح ًا‬
‫وكم من ٍ‬
‫أما القراءة «التصفحية»‪ :‬فهي قراءة عجالية للظفر بالفرائد‬
‫الراحة‪ ،‬أو الملل‬
‫والشوارد والنوادر‪ ،‬يستمتع بها القاریء أثناء أوقات َّ‬
‫باب‪ ،‬خطيرة من ٍ‬
‫باب‬ ‫من الدراسة األولى الوجوبية‪ ،‬فهي قليلة النفع من ٍ‬
‫جمة‪ ،‬كالذي‬
‫جمة‪ ،‬وتعلق فيك طوام َّ‬ ‫آخر‪ ،‬وذلك أنك قد تظفر بفوائد َّ‬
‫قال‪« :‬فكيف بما علق في قلبي‪ ،‬لو علمت أنَّ ال َّله يرضى أن ألقي نفسي‬
‫من فوق هذه المنارة فعلت‪[ ».‬االعتصام ‪ 183/1‬للشاطبي]‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫فهذه خطيرة وخطيرة جد ًا‪ ،‬إذ لم يكن َثم حجر طبي؛ اعتقاد‬
‫صحيح سليم من الشبه‪ ،‬فال مانع من كانت له مناعة قوية ـ على دراية‬
‫تامة باعتقاد السالفين ـ أن يقرأ هذه القراءة «التصفحية» ـ العجالية ـ‬
‫للظفر بالفرائد‪ ،‬والشوارد‪ ،‬وإلقاء الشبه في المزبلة‪ ،‬فمن كان له زاد‪،‬‬
‫حتى لو قرأ هذه القراءة فهي قراءة زجاجية تری النقي وتمر عليها الشبهة‬
‫ال تعلق بها‪.‬‬
‫لكن الع َّ‬
‫المة األلباني � لما قرأ كتاب «اإليمان» قراءة‬
‫تصفحية؛ عجالية‪ ،‬ولم يقرأ القراءة الوجوبية؛ التفحصية التي تفي‬
‫بالمراد‪ ،‬وتريك المراد‪ ،‬وال تخرجك عن المراد‪ ،‬ظفر بفوائد قليلة النفع‬
‫مبثوثة في عدة مواطن‪ ،‬كفائدة‪« :‬اإليمان يزيد وينقص»‪ ،‬و«يستثنى فيه»‪،‬‬
‫و«قول وعمل»‪ ،‬و«إصالح الظاهر والباطن وتالزمهما»‪ ،‬إلى غير ذلك‬
‫من الفوائد‪ ،‬وهذه غير كافية لدفع الشبه الواردة من طرف المبتدعة‬
‫ولب النفع الذي في كتاب «اإليمان» لم يظفر به‪.‬‬
‫على فرقهم‪َّ ،‬‬
‫كشبه المرجئة التي يوردوها على أهل الس َّنة‪ ،‬وشبه الذين عظموا‬
‫مذهب السلف‪ ،‬وفي الباطن يرون اإلرجاء‪ ،‬وشبهة ترك الصالة كس ً‬
‫ال‪،‬‬
‫ومعنى اإليمان التام‪ ،‬وشبه جهم والصالحي ومن اتبعهما على ذلك‬
‫كاألشعري والقاضي أبي الطيب الباقالني‪ ،‬وإلى غير ذلك‪ ...،‬فلما قرأ‬
‫هذه القراءة ثم ذهب لينظر في «المشكل» و«المعاني» و«الفتح» علقت‬
‫في قلبه الطوام المبثوثة فيهم وفي غيرهم فكان كما قال الشاعر‪:‬‬
‫َّ‬
‫فتمكنا‬ ‫فصادف قلب ًا فارغ ًا‬ ‫أتاني الهوى قبل أن أعرف الهوى‬
‫فهذه القراءة ال تدفع الشبه فض ً‬
‫ال أن تفندها‪ ،‬بل هي قراءة‬

‫‪353‬‬
‫ِّسفنجية سقط في هوتها الع َّ‬
‫المة األلباني � وال منقذ له‪ ،‬وقد َّ‬
‫جرب‬
‫هذه القراءة من قبله الع َّ‬
‫المة ابن القيم � فسقط في هوتها‪ ،‬لكن‬
‫حران‪ ،‬أنقذه‪ ،‬وضربه‬
‫سخر له فتى من أرض َّ‬‫تداركته رحمة اإلله بأن َّ‬
‫الس ِفنجة‪،‬‬
‫على يده وقال له‪« :‬ال تجعل قلبك لإلرادات والشبهات مثل ِّ‬
‫تمر‬ ‫فيتشربها‪ ،‬فال ينضح إ َّال بها‪ ،‬ولكن اجعله كالزجاجة ُ‬
‫الم ْص َم َتة ّ‬
‫الشبهات بظاهرها‪ ،‬وال تستقر فيها‪ ،‬فيراها بصفائه‪ ،‬ويدفعها بصالبته‪،‬‬
‫مقرا للشبهات» [مفتاح‬ ‫وإ َّال فإذا أشربت قلبك كل شبهة ّ‬
‫تمر عليها صار ًّ‬
‫دار السعادة ‪ 443/1‬البن القيم]‪.‬‬
‫فشكر ذلك التلميذ البار‪ ،‬وقال‪« :‬فما أعلم أني انتفعت بوصية‬
‫في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك» [مفتاح دار السعادة ‪ ،]443/1‬وذلك‬
‫النفع واالنقاذ من تلك الشكوك والشبهات التي سبح فيها قبل‪ ،‬جعله‬
‫يقول عن إمامه الرضي في نونيته «ص ‪:»150‬‬
‫من مشفق وأخ لكم معوان‬ ‫يا قوم واهلل العظيم نصيحة‬
‫ِّ‬
‫الشباك ُ‬
‫وكنت ذا طيران‬ ‫تلك‬ ‫جربت هذا َّكله ووقعت في‬ ‫َّ‬
‫من ليس تجزيه يدي ولساني‬ ‫حتى أتـاح لي اإلله بفضله‬ ‫َّ‬
‫أه ًال بمن قد جاء من َّ‬
‫حران‬ ‫حبر أتى من أرض َّ‬
‫حران فيا‬ ‫ٌ‬
‫جنة المأوی مع ِّ‬
‫الرضوان‬ ‫من َّ‬ ‫فاهلل يجزيه الذي هو أهله‬
‫حتى أراني مطلع اإليمان‬ ‫أخذت يداه يدي وسار فلم يرم‬

‫كل هذا ما كان ليحدث للع َّ‬


‫المة األلباني �‪ ،‬لو استجاب‬ ‫لكن ّ‬
‫رحيم‪ ،‬فلقد أخذ‬
‫لتلميذه البار به الناصح له‪ ،‬د‪ .‬محمد بن محمود أبو ِّ‬
‫بيده وأراه مطلع اإليمان في مسألة اإليمان‪ ،‬لكن الشيخ � رفض أن‬
‫وخ َر َق اإلجماع الذي انعقد «أنه‬
‫الدين‪َ ،‬‬
‫يكون على الجادة في دعامة ّ‬

‫‪354‬‬
‫قد يخطىء الفاضل ويصيب المفضول»‪ ،‬ولقد ذكر لي الشيخ الفاضل‬
‫رحيم الحوار الذي دار في الهاتف مع شيخه‬
‫د‪ .‬محمد بن محمود أبو ِّ‬
‫الدين فهو بعيد عنها كل‬
‫في الحديث‪ ،‬أما في العقيدة وبخاصة دعامة ّ‬
‫البعد‪.‬‬
‫قال لي الشيخ الفاضل‪« :‬طلبت من الع َّ‬
‫المة األلباني �‪ ،‬أن‬
‫يعطيني ساعة من وقته‪ ،‬حتى نناقش رسالة «التحذير من فتنة التكفير»‬
‫للدعي علي حلبي‪.‬‬
‫َّ‬
‫بالرد على بعضكم‬ ‫علي قائ ً‬
‫ال‪ :‬ينبغي أن التشتغلوا َّ‬ ‫رد َّ‬
‫فقال‪َّ :‬‬
‫الرد على الخصوم‪.‬‬
‫البعض‪ ،‬واشتغلوا في َّ‬
‫قلت‪ :‬إنَّ علي حلبي كتب هذه الرسالة‪َّ ،‬‬
‫وقعد فيها هذه القواعد‬
‫التي ليس له فيها من قبل سلف‪ ،‬وجاء بشيء جديد يخالف السلف‬
‫الصالح‪ ،‬والخطورة العظيمة يا شيخ‪ ،‬تكمن في أنَّ هذه البدع المبثوثة‬
‫في هذه الرسالة المخالفة لمنهج السالفين‪ ،‬تصدرت بثالثة أسماء من‬
‫علماء األمة‪ ،‬قد يغرق بسببها الكثير الكثير‪.‬‬
‫فقال لي‪ :‬إضرب مثا ً‬
‫ال‪.‬‬
‫قعدها في الرسالة‪ :‬أنَّ‬ ‫فقلت له‪ :‬من القواعد الجديدة التي َّ‬
‫مبدله من عند ال َّله‪،‬‬
‫ال إذا ادعى المبدل أنَّ َّ‬ ‫المبدل ال يعد مبد ً‬
‫ال إ َّ‬ ‫َّ‬ ‫الحكم‬
‫وجعل ذلك شرط ًا في التبديل و شرط ًا في التكفير‪.‬‬
‫رحيم]‪ :‬كأنه استعجم عليه الكالم أو األمر‬
‫قلت‪[ :‬القائل أبو ِّ‬
‫فأعدت عليه القول مرة أخری‪.‬‬
‫فقال لي الشيخ األلباني �‪ :‬ما تقول في من جعل الحالل‬

‫‪355‬‬
‫حرام ًا أو لعله قال‪ :‬من جعل الحرام حال ً‬
‫ال هل يكفر به أو ال يكفر؟!‬
‫فقلت له‪ :‬قال ابن تيمية �‪« :‬واإلنسان متى حلل الحرام ـ‬
‫بدل الشرع ـ المجمع‬
‫حرم الحالل ـ المجمع عليه ـ أو َّ‬
‫المجمع عليه ـ أو َّ‬
‫عليه ـ كان كافر ًا مرتد ًا باتفاق الفقهاء‪ .‬وفي مثل هذا نزل قوله على‬
‫أحد القولين‪﴿ :‬ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮫ ﮬ﴾‪ ،‬هو‬
‫المستحل للحكم بغير ما أنزل ال َّله‪[ ».‬مجموعة الفتاوی ‪ 168 ،167/3‬ط‪/‬‬
‫جـ ‪ 268 ،267‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فقال لي‪ :‬أنا أسأل عن رأيك أنت‪ ،‬ال أسأل عن رأي ابن تيمية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رأيي هو رأي ابن تيمية‪ ،‬فأغلق السماعة في وجهي‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك راجعه في موضوع اغالق سماعة الهاتف الشيخ‬
‫الفاضل محمد بن إبراهيم شقرة‪ ،‬الذي أبدی استياءه من فعل الشيخ‬
‫�‪ ».‬انتهى كالمه بتمامه‪.‬‬
‫وفي نفس اليوم الذي أغلق الع َّ‬
‫المة األلباني � السماعة‬
‫أبورحيم‪ ،‬وجد الشيخ‬
‫ِّ‬ ‫في وجه الشيخ الفاضل د‪ .‬محمد بن محمود‬
‫الفاضل نفسه مضطر ًا‪ ،‬لإلجابة على طلب َّ‬
‫الدعي المحتبي في ثوب‬
‫سراب‬
‫ٌ‬ ‫ظن بنفسه‪ ،‬فإذا في كنيفه‬
‫زور علي حسن حلبي لمناظرته‪ ،‬ألنه َّ‬
‫يحسبه الظمآن ماء‪.‬‬
‫الدعي المرجئي‬‫وفي الحقيقة أيها القاریء المنصف‪ ،‬أنَّ َّ‬
‫المتشبع بما لم يعط كان مبعوث ًا من طرف الع َّ‬
‫المة األلباني لينوب عنه‪،‬‬
‫الداء نفسه‪ ،‬الذي جری في‬
‫من خالل الوسيط «عزمي جوابرة» الحامل ّ‬
‫ال إ َّ‬
‫ال دخله‪ ،‬الذي حضر‬ ‫جسده كداء الكلب‪ ،‬لم يترك عرق ًا وال مفص ً‬

‫‪356‬‬
‫رحيم‪ ،‬لعرض طلب علي‬ ‫صباح نفس اليوم لمقابلة الشيخ الفاضل أبي ِّ‬
‫حلبي بدون «ال» التعريف في مناظرته التي و َّلى فيها َّ‬
‫الدعي مذؤوم ًا‬
‫مدحور ًا جار ًا أذيال هزيمته النكراء‪ ،‬يضمد فيها جراحه بالداء الذي‬
‫ظن أنه دواء؛ داء اإلرجاء الخبيث الذي سيرهم سلفية أدعياء‪.‬‬
‫َّ‬
‫لكن الشيخ الفاضل أرجأه حتى يتصل بالشيخ الع َّ‬
‫المة األلباني‬
‫ال‪ ،‬فهو صابر على جفوة شيخه‪ ،‬وسوء تصرفه‬ ‫وتتم المناقشة بينهما أو ً‬
‫ال في رجوعه إلى‬ ‫معه بإغالق السماعة في وجهه‪ ،‬يرجو له الخير‪ ،‬آم ً‬
‫الدين‪ ،‬لكن ليقضي ال َّله أمر ًا كان مفعو ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫الطريق المستقيم في دعامة ّ‬
‫فلما رفض الع َّ‬
‫المة األلباني الرحمة التي سيقت له من طرف‬
‫رحي ٍم الذي طالت صحبته معه أزيد من ربع قرن‪ ،‬الذي لم ينس فيها‬
‫ِّ‬
‫التلميذ العشرة الطيبة والتبجيل والتوقير لمن ع َّلمه الحديث ووجهه‬
‫التوجيه الطيب‪ ،‬وجد نفسه مضطر ًا لمناظرة الهالك في وحل اإلرجاء‬
‫إلى عنقه‪ ،‬علي حلبي األثري بين ـ المعكوفتين ـ ‪.‬‬
‫وجری تحديد عصر يوم األول من شعبان في عام ‪1417‬هـ‬
‫بتحكيم الشيخ الفاضل والع َّ‬
‫المة المحقق الوالد الطيب محمد بن‬
‫يدعون األثرية بين ـ المعكوفتين ـ فيه الجور‪،‬‬
‫إبراهيم شقرة الذين َّ‬
‫وحاشاه من ذلك‪ ،‬ما على هذا تربى ونال العلم الذي رفع ذكره بين‬
‫الناس‪ ،‬نسأل ال َّله لنا وله الختام بالحسنى إنه سميع الدعاء آمين آمين‪.‬‬
‫وتم تسجيل هذا اللقاء التاريخي الذي دائم ًا يخنس فيه صوت‬
‫األدعياء‪ ،‬ويعلو فيه صوت األوفياء‪ ،‬لميراث األزكياء‪ ،‬وهذا النصر‬
‫المبين على المتهوكين‪ ،‬هو منشور عبر الشبكة العنكبوتية‪ ،‬وهذا في‬

‫‪357‬‬
‫الحقيقة يذكرني لما دحر شيخ اإلسالم المناوئين في مناظرته لمخانيث‬
‫الجهمية بسبب عقيدته الواسطية‪.‬‬
‫الدعي علي حلبي‪ ،‬ألنه ال‬ ‫فلما علم الع َّ‬
‫المة األلباني سواد وجه َّ‬
‫يتقن صناعة الحديد‪ ،‬وكان يومها أمام جمع من طالب العلم‪ ،‬نصف‬
‫الدعي‪ ،‬أيقن‬
‫على الجادة‪ ،‬ونصف على غير الجادة؛ ينهجون نهج َّ‬
‫الشيخ األلباني خطورة الموضوع ومداه‪ ،‬فأرسل لتلميذه البار به‪ ،‬الذي‬
‫طالما ترجاه أن يرجع عما خالف فيه السلف‪ ،‬قبل أن يستفحل األمر‪،‬‬
‫سكجها» لكن الشيخ‬‫ليقابله وكان المبعوث يومها زوج ابنته «نظام َّ‬
‫رحيم رفض ذلك‪ ،‬ولما سئل عن رفضه‪ ،‬قال‪ :‬كنت أتمنى‬
‫الفاضل أبي ِّ‬
‫أن يكون هذا قبل لقاء علي حلبي ومناظرتي له‪ ،‬أما اآلن وبعد ظهور‬
‫الحق وبلوغه اآلفاق فال جدوی من المقابلة‪.‬‬
‫فأخشى أن يكون الذي منع الشيخ األلباني � من اللقاء قبل‬
‫المناظرة‪ ،‬العوائق التي ذكرها الع َّ‬
‫المة المعلمي في كتابه الفذ الموسوم‬
‫بـ «القائد إلى تصحيح العقائد ص ‪ »13 ،12‬ومن ضمنها‪« :‬أن يری‬
‫اإلنسان أن االعتراف بالحق يستلزم اعترافه بأنه على باطل‪ ،‬فاإلنسان‬
‫ينشأ على دين أو اعتقاد أو مذهب أو رأي تقبله من مربيه ومعلمه على‬
‫تبين له أنه باطل شق عليه أن يعترف‬
‫أنه حق فيكون عليه مدة‪ ،‬ثم إذا ّ‬
‫يتبين‬
‫بذلك‪ ،‬وهكذا إذا كان آباؤه أو أجداده أو متبوعه على شيء‪ ،‬ثم َّ‬
‫له بطالنه‪ ،‬وذلك يری نقصهم مستلزم لنقصه‪ ،‬فاعترافه بضاللهم أو‬
‫خطأهم اعتراف بنقصه‪.»...‬‬
‫الدعي علي حسن حلبي التي جعلته ينفر من الحجة‬
‫أما عوائق َّ‬

‫‪358‬‬
‫نفور الوحوش‪ ،‬بعد ما اعترف في بعض كذبه ثم نكص على عقبه‬
‫وكابر في البعض اآلخر‪ ،‬كامنة في الوجه الثالث والرابع التي ذكرها‬
‫هذا الجهبذ � وهو «الكبر» و«الحسد»‪.‬‬
‫فالوجه الثالث‪« :‬الكبر‪ ،‬يكون اإلنسان على جهالة أو باطل‪،‬‬
‫فيجيء آخر فيبين له الحجة‪ ،‬فيری أنه إن اعترف كان معنى ذلك بأنه‬
‫ناقص‪ ،‬وإن ذلك الرجل هداه‪ ،‬ولهذا تری المنتسبين إلى العلم من ال‬
‫تبين له ببحثه ونظره‪ ،‬ويشق‬
‫يشق عليه االعتراف بالخطأ إذا كان الحق َّ‬
‫عليه إذا كان غيره هو الذي َّبين له‪.‬‬
‫أما الوجه الرابع‪ :‬الحسد؛ وذلك إذا كان غيره هو الذي َّبين‬
‫الحق فيری أن اعترافه بذلك الحق يكون اعتراف ًا لذلك ِّ‬
‫المبين بالفضل‬
‫والعلم واإلصابة‪ ،‬فيعظم ذلك في عيون الناس‪ ،‬ولعله يتبعه كثير منهم‪،‬‬
‫وإن لتجد من المنتسبين إلى العلم من يحرص على تخطئة غيره من‬
‫العلماء ولو بالباطل‪ ،‬حسد ًا منه لهم‪ ،‬ومحاولة لحط منزلتهم عند‬
‫الناس‪[ ».‬القائد إلى تصحيح العقائد ص ‪ 13‬للمعلمي]‪.‬‬
‫أما الذي منع الع َّ‬
‫المة األلباني � في نظري استبداده برأيه‪،‬‬
‫الع َجم أمام العنصر العربي‪ ،‬فمن قرأ‬ ‫وهذا خلق ضعف سببه جفوة َ‬
‫للشيخ � تصحيحاته وتضعيفاته‪ ،‬يجد ذلك بادي ًا‪ ،‬قد يتناول المرء‬
‫الذي ليس من زمرته على تصحيح حديث بشيء من العيوب والنقص‪،‬‬
‫وكأنَّ علم الحديث حكر عليه وعلى زمرته األثرية‪.‬‬
‫رحيم شبه ًا أهكذا تعالج من طرف‬
‫هب أنَّ للشيخ الفاضل أبي ِّ‬
‫الشيخ باغالق السماعة في الوجه‪ ،‬أم باالستجابة وتفنيدها؟!‬

‫‪359‬‬
‫وهل ابن تيمية كان يطرد تلميذه ابن القيم لما أكثر عليه بالشبه‪،‬‬
‫أم أرشده وأخذ بيده؟! فها هو أبو حنيفة � على جاللة قدره في‬
‫العلم وثبوت إمامته في الدِّ ين‪ ،‬على طوام عنده ومن بينها اإلرجاء‬
‫واالفراط في القياس‪ ،‬نجا من الكفر لما استجاب لتلميذه أبي يوسف‬
‫�‪ ،‬فلقد ثبت باألسانيد الصحاح صحح معظمها الع َّ‬
‫المة المعلمي‬
‫في «التنكيل» أنَّ المترجمين ألبي حنيفة قالوا‪« :‬استتيب أبو حنيفة على‬
‫الكفر مرتين»؛ قوله بخلق القرآن‪.‬‬
‫فها هو الع َّ‬
‫المة األلباني يقول في تحقيقه لمختصر «العلو للعلي‬
‫الغفار» لإلمام الذهبي � «ص ‪« :»156‬وهذا في الواقع من األدلة‬
‫الكثيرة على فضل أبي حنيفة‪ ،‬فإنه لم تأخذه العزة‪ ،‬ولم يستكبر عن‬
‫الحق معه‪ ،‬فرحمه ال َّله تعالى‬
‫َّ‬ ‫تبين له أنَّ‬
‫متابعة تلميذه أبي يوسف حين َّ‬
‫ورضي عنه»‪.‬‬
‫هذا هو أسنى المطالب في فهم الدِّ ين‪ ،‬الخضوع للحجة‪ ،‬وزد‬
‫عليها من شذ عنها بالشبهة الخلق الحسن والمجادلة بالحسنى‪ ،‬إذا كان‬
‫صاحبها مريد ًا للهدی راجي ًا تحصيله‪ ،‬أما من كان على طريق األدعياء‬
‫فال تنفع إ َّال بالضم إليها المجالدة‪ ،‬فالع َّ‬
‫المة األلباني رفض الحسنى‪،‬‬
‫رحيم في‬
‫فسقط في الخشنى‪ ،‬وذلك أنه فاته الخير الذي جاء به أبو ِّ‬
‫طبق من ذهب‪ ،‬الموقر المبجل لشيخه مع مخالفته لدعامة الدِّ ين‪ ،‬التي‬
‫من خالفها ضرب بسهام النقد‪ ،‬مع السقوط من مرتبة اإلمامة في الحياة‪،‬‬
‫وبعد الممات موضوع ًا في خانة المجروحين‪ ،‬الذي طموا الوادي‬
‫على القری كأمثال حماد وتلميذه والطحاوي‪ ...،‬ولوال هؤالء وسوء‬

‫‪360‬‬
‫معتقدهم في مسألة اإليمان ما دخل الشرك إلى الحجاز‪ ،‬فسخر ال َّله له‬
‫وجدد لألمة دينها‪.‬‬ ‫شيخ ًا فاض ً‬
‫ال طهره من تلك البقاع َّ‬
‫ولوال أدعياؤهم اليوم المتسمون باألثرية‪ ،‬وسوء معتقدهم في‬
‫مسألة اإليمان‪ ،‬ما تجرأ أحد على تحكيم القوانين الوضعية وفرضها‬
‫على ال َّناس‪ ،‬ولوال هؤالء وسوء معتقدهم في مسألة اإليمان ما تصطك‬
‫َأ َل َيات نساء دوس في المستقبل عند ذي خلصة‪ ،‬فبعد ًا لهؤالء بعد‬
‫المشرقين‪.‬‬
‫تبين ما حررته لك أيها القاریء المنصف‪ ،‬البد أن ننصف‬
‫فإذا َّ‬
‫الع َّ‬
‫المة األلباني �‪ ،‬ونضعه على كفة الميزان التي تليق به‪ ،‬ألنَّ‬
‫الحق ورحمة الخلق والقول فيهم‬
‫ّ‬ ‫مذهبنا الذي ندعو إليه هو‪« :‬علم‬
‫بالحقّ» ورثناه عن األئمة الفضالء‪ ،‬لكن للميزان كفتين‪ ،‬كفة خاصة‬
‫بأصحاب ُّقح الس َّنة‪ ،‬والشك أنَّ الع َّ‬
‫المة األلباني ال يوضع فيها لما‬
‫علمت من مزالقه في دعامة الدِّ ين‪ ،‬والكفة الثانية‪ :‬خاصة بأصحاب‬
‫الس َّنة من حيث الجملة‪ ،‬وهذه خاصة بخلق كثير على اختالف مشاربهم‬
‫وتنوع بدعهم‪.‬‬
‫وقبل أن نبدأ في هذا الميزان الدقيق‪ ،‬أحب أن أقتدي في ذلك‬
‫بإمام رضي‪ ،‬سبقني إلى هذا الترجيح الميزاني‪ ،‬الذي ثبتت له اإلمامة‬
‫مجدد مدرسة فقه الدليل‪ ،‬ذاك هو العلم الحبر شيخ اإلسالم‬
‫في الدِّ ين‪ّ ،‬‬
‫ابن تيمية � تعالى‪ ،‬في إنصافه اإلمام األشعري �‪ ،‬ألنا نريد أن‬
‫نختم هذا العنصر بهذا الترجيح الميزاني الدقيق للع َّ‬
‫المة األلباني �‬
‫ـ تعالى ـ ‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬واألشعري‪ :‬فالمعروف عنه‪ ،‬وعن‬
‫أصحابه‪ :‬أنهم يوافقون جهم ًا في قوله في اإليمان‪ ،‬وأنه مجرد تصديق‬
‫القلب‪ ،‬أو معرفة القلب‪ ،‬لكن قد يظهرون مع ذلك قول أهل الحديث‪،‬‬
‫ويتأولونه‪ ،‬ويقولون باالستثناء على الموافاة؛ فليسوا موافقين لجهم من‬
‫كل وجه‪ ،‬وإن كانوا أقرب الطوائف إليه في اإليمان‪ ،‬وفي القدر أيض ًا‪،‬‬
‫فإنه رأس الجبرية؛ يقول‪ :‬ليس للعبد فعل الب َّتة‪.‬‬
‫واألشعري يوافقه على أنَّ العبد ليس بفاعل‪ ،‬وال له قدرة مؤثرة‬
‫في الفعل‪ ،‬ولكن يقول‪ :‬هو كاسب‪[ ».‬النبوات ‪.]581 ،580/1‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬ولهذا يقول أتباعه‪[ :‬أي‪ :‬األشعري] إنه لم‬
‫يوافقنا أحد من الطوائف على قولنا في «مسألة الرؤية والكالم» فلما‬
‫كان في كالمه شوب من هذا وشوب من هذا‪ ،‬صار يقول من يقول‪ :‬إن‬
‫فيه نوع ًا من التجهم‪ .‬وأما من قال‪َّ :‬‬
‫إن قوله قول جهم‪ ،‬فقد قال الباطل‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬ليس فيه شيء من قول جهم‪ ،‬فقد قال الباطل‪ ،‬وال َّله يحب‬
‫الكالم بعلم وعدل‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬وتنزيل ال َّناس منازلهم‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوی ‪ 111/12‬ط‪/‬جـ ‪ 205‬ط‪/‬ق ]‪.‬‬
‫المة األلباني جهمي فقد قال‬ ‫أن من قال الع َّ‬
‫فعلى إثر ذلك نقول‪َّ :‬‬
‫الباطل‪ ،‬ومن برأه من التجهم فقد قال الباطل‪ ،‬ألنَّ ال َّله يحب الكالم‬
‫بعلم وعدل‪ ،‬فالع َّ‬
‫المة � كان في باب االسم مرجئي‪ ،‬وفي باب‬
‫الحكم جهمي‪ ،‬ومن أراد أن يبریء فقد قال الباطل الباطل‪ ،‬كيف وذلك‬
‫حررته لك في الشبه الماضية‪.‬‬
‫مبثوث في ما َّ‬
‫فالع َّ‬
‫المة األلباني � كان قليل الخبرة بمذهب السلف في‬

‫‪362‬‬
‫دعامة الدِّ ين‪ ،‬صاحب بضاعة مزجاة‪ ،‬فالظاهر في قوله من مذهب‬
‫السلف‪ ،‬قوله بزيادة اإليمان ونقصانه واالستثناء واثبات القول والعمل‬
‫فيه‪ ،‬والباطن قول المرجئة الجهمية والمرجئة الفقهاء؛ ال كفر إ َّال كفر‬
‫التكذيب والجحود‪.‬‬
‫فهو لم يكن على مذهب المحدثين اآلوائل‪ ،‬الذين لزموا‬
‫مذهب السلف في كل أبواب العقيدة‪ ،‬بل على مذهب المحدثين من‬
‫المتأخرين الذي خلطوا عم ً‬
‫ال صالح ًا وآخر سيئ ًا‪ ،‬لكن نرجوا أن يكون‬
‫سيؤهم مغمور ًا في بحر صالحهم يوم القيامة‪ ،‬مع حفظ منزلتهم في‬
‫القلوب؛ ال نغلوا فيهم وال نجفوا عنهم‪ ،‬كما ال يبرءون على ما أصلوا‪،‬‬
‫قرروا‪.‬‬
‫وينسبون إلى ما َّ‬
‫قرر على‬
‫قرر على المذهب األشعري فهو أشعري‪ ،‬ومن َّ‬
‫فمن َّ‬
‫قرر على المذهب الحروري‬
‫المذهب المعتزلي فهو معتزلي‪ ،‬ومن َّ‬
‫قرر على المذهب المرجئي فهو مرجئي‪ ،‬ومن‬ ‫فهو حروري‪ ،‬ومن َّ‬
‫يقرر فاضل مشكور‪ ،‬أو عالم‬
‫أكبر اإللحاد والتلبيس والتضليل عندما ّ‬
‫مذكور على مذهب ما فيحجزنا الحب الذي يعمي ويصم أن نحمله‬
‫قرر على مذهب السلف‪ ،‬وهو‬
‫ندعي بعد ذلك أنه َّ‬
‫قرره‪ ،‬ثم َّ‬
‫على ما َّ‬
‫ومهم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫نافع‬
‫يسبح في حوض الخلف‪ ،‬فتنبه فإنه ٌ‬
‫‪   ‬‬

‫‪363‬‬
‫خامس ًا‪ :‬معنى كلمة «االلتزام» عند ابن تيمية وابن القيم‬
‫شيخي اإلسالم‪:‬‬
‫اعلم رحمك ال َّله‪ ،‬أنَّ أهل األهواء والبدع واالفتراق‪ ،‬والذي ال‬
‫الدعي علي حسن حلبي منهم‪ ،‬بل هو داعيتهم في‬ ‫نشك طرفة عين أنَّ َّ‬
‫ذلك على جهل مع سوء قصد‪ ،‬ما تكاد تخمد لهم شبهة إ َّ‬
‫ال وتمسكوا‬
‫بالتي تليها‪ ،‬وذلك أنَّ عمدتهم في الباطن ال على ما جاء به الرسول‪ ،‬بل‬
‫على ماذاقوه مسبوق ًا بالهوى الذي هو إرادات في النفس بدون علم‪،‬‬
‫فأنَّى يكون لهم االنفكاك منها‪ ،‬وهكذا كلما دحرنا شبهة تمسكوا بالتي‬
‫وهلم جر ًا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫تليها‬
‫وذلك ليس أنَّ لهم أدلة تاهوا بسببها‪ ،‬بل األدلة لها منار تلوح‬
‫في األفق لمن أراد أن يهتد‪ ،‬لكن لما سبق لهؤالء في نفوسهم خلقان‬
‫خبيثان نفروا منها نفور الوحوش‪« ،‬واحد منها يشركهم فيه إبليس عليه‬
‫بريء منه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫اللعائن‪ ،‬أما اآلخر‪ ،‬فإبليس‬
‫أما األول فهو الكبر‪ ،‬وأما الثاني فهو الكذب‪ ،‬فإبليس لم يخرج‬
‫من الجنة بكذبه‪ ،‬بل بغروره وكبره» [أين تقع ال إله إ َّ‬
‫ال ال َّله في دين المرجئة‬
‫الجدد ص ‪ 75‬للشيخ الفاضل محمد بن إبراهيم شقرة]‪.‬‬
‫فعلي حلبي على كبره واستنكافه أن يكون للحقِّ تابع ًا‪ ،‬أضاف‬
‫الدليل‪،‬‬
‫الكذب والتحريف لما انتحله؛ تحريف وتشويه مدرسة فقه َّ‬
‫حتى يلبس على العامة دينهم‪ ،‬ومما جعلني أتطرق لمعنى كلمة‬
‫«االلتزام» عند الشيخين كما قلت سابق ًا‪ :‬أنَّ أحد األدعياء في طوره‬
‫األول التجريبي‪ ،‬متخرج من مدرسة البتر والتحريف وال َّلي واإليهام‬

‫‪364‬‬
‫بالمجمالت‪ ،‬مدرسة األثرية بين ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬الليبي الذي ذكرته‬
‫أثناء المناظرة الطفيفة كانت للتعارف في مدينة «لوتن» قال لي عن‬
‫كلمة «االلتزام»‪ :‬ذلك بقلبه وسكت‪.‬‬
‫فتبسمت وعلمت أنَّ الرجل ع َّلمه هذه الشنشنة خنزب‪ ،‬كما‬
‫رحيم في «حقيقة الخالف» لكن الذي حمدت‬ ‫قال الشيخ الفاضل أبو ِّ‬
‫عليه ال َّله ‪ ‬أنه لم يقل لي‪ ،‬برأسه أو ببطنه‪ ،‬وإ َّ‬
‫ال كانت تلك هي البلية‬
‫حجم الصراع‪ ،‬وحصر في موطن واحد؛ «القلب»‪،‬‬
‫العظمى‪ ،‬فقوله‪ :‬بقلبه ِّ‬
‫ونحن نعلم ما يريدونه من القلب؛ قوله فقط‪ ،‬الذي من ضمنه التصديق‬
‫واإلقرار‪ ،‬لكن نحن بعون ال َّله سوف نتبع كلمة «االلتزام» عند الشيخين‬
‫لنعلم مرادهما منها‪ ،‬وليستيقن القارىء المنصف‪ ،‬من أحق باألمن؟!‬
‫المتبعة أم المحرفة المبترة الملحدة في كالم شيخي اإلسالم‪.‬‬
‫ونحن لدينا الشهب المحرقة‪ ،‬واألدلة الساطعة في معنى كلمة‬
‫«االلتزام» عند الشيخين‪ ،‬لكن نريد أن نرجئها في األخير‪ ،‬حتى تكون‬
‫بذلك القاضية على هؤالء قطع ال َّله دابرهم وأراح األمة من تلبيسهم‬
‫وتفريطهم‪ ،‬ونناقش األخر لنعلم هل لديهم شبهة دليل في ذلك؟ أم‬
‫هو محض التقول بسبب الخلق الخبيث الذي أضافوه إلى الكبر كما‬
‫قال الشيخ الفاضل أبو مالك ـ حفظه ال َّله ـ ؛ الكذب الذي إبليس منه‬
‫بريء‪.‬‬
‫ونحن ال نتناول كل كلمة «االلتزام» التي جاءت في كتب ‬
‫الشيخين‪ ،‬فذلك يستلزم سفر ًا ضخم ًا‪ ،‬لكن نريد أن نقتصر على بعض‬
‫منها لنختصر‪ ،‬ال ألجلهم‪ ،‬لعلمنا أنَّ أنفسهم تحب هذا التفريط‪ ،‬إذ‬

‫‪365‬‬
‫ليس لهم شهامة تلحقهم بمراتب الرجال‪ ،‬إنما للعامة أو طالب العلم‪،‬‬
‫الذي ليس لهم البضاعة الكافية في تعرية شبهات هؤالء‪ ،‬ألنَّ كلمة‬
‫«االلتزام» ال تعني اإلقرار بتات ًا في كالم السلف‪ ،‬كما سوف نوضحه‬
‫بالتفصيل إن شاء ال َّله‪.‬‬
‫وكلمة «االلتزام» عند شيخي اإلسالم ‪ K‬جاءت في‬
‫كتبهم متنوعة «إلتزم» و«يلتزموا» و«ملتزم ًا» و«يلتزم» و«إلتزموا»‬
‫أن اإليمان يتضمن‬
‫و«ملتزمين» و«‪ ،»...‬وهذه قيلت‪ :‬لما كان عندهم َّ‬
‫اإلخبار؛ التصديق‪ ،‬وإنشاء االلتزام الذي هو عمل القلب المؤثر والبد‬
‫في الظاهر‪ ،‬للتالزم الذي بينهما‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬وأما أكابر أهل العلم من السلف‬
‫والخلف‪ :‬فعلموا أنها طريقة باطلة في نفسها [أي دليل األعراض وحدوث‬
‫األجسام]‪ .‬مخالفة لصريح المعقول وصحيح المنقول‪ ،‬وأنه ال يحصل‬
‫بها العلم بالصانع‪ ،‬وال بغير ذلك‪ ،‬بل يوجب سلوكها اعتقادات باطلة‬
‫توجب مخالفة كثير مما جاء به الرسول‪ ،‬مع مخالفة صريح المعقول؛‬
‫كما أصاب من سلكها من الجهمية‪ ،‬والمعتزلة‪ ،‬والكالبية‪ ،‬والكرامية‪،‬‬
‫ومن تبعهم من الطوائف‪ ،‬وإن لم يعرفوا غورها وحقيقتها‪ ،‬فإنَّ أئمة‬
‫هؤالء الطوائف صار كل منهم يلتزم ما يراه الزم ًا له ليطردها‪ ،‬فيلتزم‬
‫وبين فساد ما‬
‫لوازم مخالفة للشرع والعقل‪ ،‬فيجيء اآلخر‪ ،‬فيرد عليه‪َّ ،‬‬
‫التزمه‪ ،‬ويلتزم هو لوازم أخر ليطردها‪ ،‬فيقع أيض ًا في مخالفة الشرع‪،‬‬
‫والعقل‪.‬‬
‫فالجهمية التزموا ألجلها نفي أسماء ال َّله وصفاته‪ ...،‬اعتقدوا‬

‫‪366‬‬
‫حدوث كل موصوف بصفة‪ ،‬والرب تعالى قديم‪ .‬فالتزموا نفي صفاته‪،‬‬
‫وأسماؤه مستلزمة لصفاته؛ فنفوا أسماءه الحسنى‪ ،‬وصفاته العال‪».‬‬
‫[النبوات ‪.]262 ،261/1‬‬
‫فهل «االلتزام» هنا إخبار أي‪ :‬تصديق‪ ،‬أو إنشاء والتزام؛ دعوا‬
‫إلى هذه البدع وامتحنوا عليها؟!‬
‫وهل ما فعله أحمد البدعة مع أسد الس َّنة أحمد بن حنبل �‬
‫تعالى‪ ،‬تصديق فقط أو دعوة إليها بكل الوسائل الممكنة؟! ومن بينها‬
‫السعي في قتله‪ ،‬فهل «االلتزام» هنا تصديق القلب‪ ،‬أم عمل القلب الذي‬
‫يدفع والبد بالجوارح أن تظهر ذلك؟!‬
‫فما حمل الواثق المبتدع المعتزلي لقتل اإلمام أحمد بن نصر‬
‫الخزاعي بيده‪ ،‬التصديق بتلك البدعة فقط‪ ،‬أو الدعوة إليها ولو بقتل‬
‫نفوس زكية مثل هذا اإلمام‪ ،‬أي‪ :‬عمل القلب؟!‬
‫وهل مناظرة أحمد البدعة الخبيث والبرغوث ألحمد أسد‬
‫الس َّنة كانت ألجل التصديق بها فقط‪ ،‬أم ألجل «االلتزام» بها والتزام‬
‫لوازمها وعدم الخروج عنها؟!‬
‫فهل المأمون جهز جيوشه ألجل التصديق بها‪ ،‬أم التزام لوازمها‪،‬‬
‫ومن خرج عنها أودعه السجون؟!‬
‫فهل هذا فعل تصديق القلب الذي من ضمنه اإلقرار‪ ،‬أم عمل‬
‫القلب الموجب لاللتزام واالنقياد؟! سبحانك هذا بهتان عظيم‪.‬‬
‫فماذا تقول أيها القارىء المنصف؟! هل المعنى هنا عند شيخ‬
‫اإلسالم التصديق فقط بتلك البدع‪ ،‬أم الدعوة إليها وتحريف النصوص‬

‫‪367‬‬
‫ألجلها‪ ،‬وهل هذا يقوم به تصديق القلب أم عمل القلب؟!‬
‫يقول ابن تيمية � إثر قول اإلمام أبي ثور الذي َّ‬
‫حاج به‬
‫المرجئة الفاسدة‪« :‬قلت‪ :‬ـ يعني اإلمام أبو ثور ـ رحمه ال َّله ـ‪ :‬إنه ال‬
‫أقر ولم يلتزم‬ ‫يكون مؤمن ًا إ َّال إذا التزم بالعمل مع اإلقرار‪ ،‬وإ َّ‬
‫ال فلو َّ‬
‫العمل لم يكن مؤمن ًا‪[ ».‬مجموعة الفتاوى ‪ 243/7‬ط‪/‬جـ ‪ 389‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫ما يقول الملحدون في الفطرة المكملة بالشرعة المنزهة في‬
‫هذا القول؟! ألم يفرق ابن تيمية بين اإلقرار الذي هو من ضمن قول‬
‫القلب وبين التزام العمل الذي عمدته الباطن؛ عمل القلب؟!‬
‫فالقول ظاهر‪ ،‬أن من لم يلتزم العمل ليس مؤمن ًا عند شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية � تعالى‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬ومن حالف شخص ًا على أن يوالي من‬
‫وااله ويعادي من عاداه‪ ،‬كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل‬
‫الشيطان‪ ،‬ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل ال َّله ـ تعالى ـ وال من‬
‫جنس المسلمين‪ ،‬وال يجوز أن يكون مثل هؤالء من عسكر المسلمين‪،‬‬
‫بل هؤالء من عسكر الشيطان‪ ،‬ولكن يحسن أن يقول لتلميذه‪ :‬عليك‬
‫عهد ال َّله وميثاقه أن توالي من والى ال َّله ورسوله‪ ،‬وتعادي من عادى ال َّله‬
‫ورسوله‪ ،‬وتعاون على البر والتقوى وال تعاون على اإلثم والعدوان‬
‫وإذا كان الحق معي‪ ،‬نصرت الحق‪ ،‬وإن كنت على الباطل‪ ،‬لم تنصر‬
‫الباطل‪ .‬فمن التزم هذا‪ ،‬كان من المجاهدين في سبيل ال َّله ـ تعالى ـ‬
‫الدين كله ل َّله‪ ،‬وتكون كلمة ال َّله هي العليا‪».‬‬
‫الذين يريدون أن يكون ّ‬
‫[مجموعة الفتاوى ‪ 15/28‬ط‪/‬جـ ‪ 21 ،20‬ط‪/‬ق]‪.‬‬

‫‪368‬‬
‫صدق به وعمل ضده فال‬
‫فهل تراه يا ممسوخ الفطرة يقول من َّ‬
‫حرج؛ هو من المجاهدين في سبيل ال َّله؟!‬
‫فما معنى «االلتزام» هنا؟! أليس نصرة الحق ودحر الباطل؟!‬
‫وهل هذا يكون بالتصديق واإلقرار‪ ،‬أم بعمل القلب الذي هو‬
‫االلتزام واالنقياد المؤثر في الظاهر الذي ال يخرج عن تأثيره طرفة‬
‫عين؟! ألنَّ ما من حركة إ َّ‬
‫ال والباطن عمدتها أي‪ :‬عمل القلب؟!‬
‫إذ ًا‪ّ ،‬‬
‫تبين من كالم هذا الجهبذ أنَّ «االلتزام» هو عمل القلب‬
‫تبيين كالم المرجئة الفاسدة‪ ،‬وتلبيسهم‬
‫المؤثر في الظاهر‪ ،‬فلنشرع في ّ‬
‫في معنى «االلتزام» الذي تشبثوا به وألحدوا فيه وأخرجوه عن مراد‬
‫صاحبه كما فعلوا في كلمة «اإليمان التام» وغيرهما‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬وال ريب أنَّ من لم يعتقد وجوب الحكم‬
‫بما أنزل ال َّله على رسوله فهو كافر‪ ،‬فمن استحل أن يحكم بين الناس‬
‫بما يراه هو عد ً‬
‫ال من غير اتباع لما أنزل ال َّله فهو كافر‪ ،‬فإنه ما من أمة إ َّ‬
‫ال‬
‫وهي تأمر بالحكم بالعدل‪ ،‬وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم‪،‬‬
‫بل كثير من المنتسبين إلى اإلسالم يحكمون بعاداتهم التي لم ينزل ال َّله‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬كسوالف البادية‪ ،‬وكأوامر المطاعين [فيهم]‪ ،‬ويرون‬
‫أنَّ هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والس َّنة‪.‬‬
‫وهذا هو الكفر‪ ،‬فإنَّ كثير ًا من الناس أسلموا‪ ،‬ولكن مع هذا ال‬
‫ال بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون‪ ،‬فهؤالء‬ ‫يحكمون إ َّ‬
‫ال بما أنزل ال َّله فلم يلتزموا ذلك‪ ،‬بل‬ ‫إذا عرفوا أنه ال يجوز الحكم إ َّ‬
‫جها ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫استح ُّلوا أن يحكموا بخالف ما أنزل ال َّله فهم ك َّفار‪ ،‬وإ َّ‬
‫ال كانوا َّ‬

‫‪369‬‬
‫تقدم أمرهم‪[ ».‬منهاج الس َّنة النبوية ‪.]130/5‬‬
‫كمن َّ‬
‫فما معنى «االلتزام» هنا؟! هل التصديق فقط؟! أم العمل بذلك‬
‫التعريف الذي عرفوا أنه ال يجوز الحكم إ َّ‬
‫ال بما أنزل ال َّله؟!‬
‫أفتراه أيها القارىء المنصف يذهب إلى ما ألحد فيه علي حسن‬
‫حلبي وبثه في جماعته ومنهم ذلك الليبي الذي ذكرته‪ ،‬أم كالمه في‬
‫والتبيين؟!‬
‫ّ‬ ‫غاية الظهور‬
‫ونحن ال نريد أن نتكلم عن «االستحالل» ألنه سوف يأتي إن‬
‫شاء ال َّله في العنصر األخير مفص ً‬
‫ال‪.‬‬
‫ومن خصائص فهم المراد أيها القارىء المنصف‪ ،‬رد الكالم‬
‫لتبيين المراد‪ ،‬ولذا سوف نتمم الكالم حتى تنجلي‬
‫بعضه إلى البعض‪ّ ،‬‬
‫عنك سحابة الملبسة الذي هم فيه مدلسة‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية � ً‬
‫متمما الكالم بعد قوله‪« :‬كمن تقدم أمرهم»‪:‬‬
‫«وقد أمر ال َّله المسلمين كلهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى ال َّله‬
‫والرسول‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ‬
‫ﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ﴾ [النساء]‪.‬‬
‫وﭧ ﭨ ﴿ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯ﴾ [النساء]‪.‬‬
‫فمن لم يلتزم تحكيم ال َّله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم‬
‫ال َّله بنفسه أنه ال يؤمن‪ ،‬وأما من كان ملتزم ًا لحكم ال َّله ورسوله باطن ًا‬

‫‪370‬‬
‫وظاهر ًا‪ ،‬لكن عصى واتبع هواه‪ ،‬فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة‪ .‬ـ إلى أن‬
‫قال ـ ‪ :‬والمقصود أنَّ الحكم بالعدل واجب مطلق ًا‪ ،‬في كل زمان ومكان‬
‫على كل أحد ولكل أحد‪ ،‬والحكم بما أنزل ال َّله على محمد ﷺ هو‬
‫عدل خاص‪ ،‬وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها‪ ،‬والحكم به واجب‬
‫على النبي ﷺ وكل من اتبعه‪ ،‬ومن لم يلتزم حكم ال َّله ورسوله فهو‬
‫كافر‪[ ».‬منهاج الس َّنة النبوية ‪.]131 ،130/5‬‬
‫فماذا تقول أيها القارىء المنصف‪ ،‬لما رددنا الكالم بعضه إلى‬
‫بعض؟! ألم يتبين المراد؟ فالقاعدة المقررة المتفق عليها‪ ،‬عند مصينين‬
‫ال يحمل على المفسر‪،‬‬‫الفطرة المكملة بالشرعة المنزهة‪ ،‬ما كان مجم ً‬
‫فإذا أشكل عليك الكالم الذي في قوله‪« :‬فلم يلتزموا ذلك» وإن هو إلاَّ ‬
‫في غاية الوضوح والبيان‪ ،‬والكالم الذي في قوله‪« :‬ومن لم يلتزم حكم‬
‫ال َّله ورسوله فهو كافر» ورأيته من جنس الكالم المجمل احمله على‬
‫المفسر الذي في قوله‪« :‬وأما من كان ملتزم ًا لحكم ال َّله ورسوله باطن ًا‬
‫وظاهر ًا»‪.‬‬
‫فما معنى قوله «باطن ًا وظاهر ًا» أيها القارىء المنصف؟ فما نظن‬
‫أنك تجهل ذلك؟!‬
‫فمعنى قوله الذي ال يختلف فيه اثنان وال ينتطح فيه عنزان‪ ،‬أنَّ‬
‫التزام القلب بذلك؛ «عمل القلب»‪ ،‬دفع بالباطن أن يظهر ذلك والبد‪،‬‬
‫ولذا قال‪« :‬باطن ًا وظاهر ًا»‪ ،‬وإذا كان قصده باطن ًا يعني به قول القلب‪،‬‬
‫فالقول ال يؤثر في الظاهر‪ ،‬فلو يؤثر ألثر في اليهود وفي هرقل وفي أبي‬
‫طالب الذي قال‪:‬‬

‫‪371‬‬
‫من خير أديان البرية دين ًا‬ ‫ولقد علمت َّ‬
‫بأن دين محمد‬
‫ولذا قال ابن تيمية � في اليهود الذين صدقوا‪« :‬فقالوا‬
‫نشهد إنك لرسول‪ ،‬ولم يكونوا مسلمين بذلك؛ ألنهم قالوا على سبيل‬
‫اإلخبار عما في أنفسهم أي نعلم ونجزم أنك رسول ال َّله‪[ ».‬مجموعة‬
‫الفتاوى ‪ 343/7‬ط‪/‬جـ ‪ 561‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫ولهذا قلنا آنف ًا إنَّ التصديق إخبار‪ ،‬ال ينفع وحده ما لم يكن‬
‫معه اإلنشاء المتضمن لاللتزام الذي هو عمل القلب المؤثر والبد في‬
‫الظاهر‪ ،‬فها هو شيخ اإلسالم يوضح ذلك أنَّ اإلخبار؛ التصديق ال‬
‫يكفي وحده‪.‬‬
‫[أي‪ :‬المعرفة‬ ‫يقول �‪« :‬فعلم أنَّ مجرد العلم واإلخبار عنه‬
‫والقول] ليس بإيمان حتى يتكلم باإليمان على وجه اإلنشاء المتضمن‬
‫[أي‪ :‬عمل القلب المؤثر في الظاهر والبد]» [الجزء ‪ 7‬من‬ ‫لاللتزام واالنقياد‪.‬‬
‫الكنيف؛ مجموعة الفتاوى ‪ 343/7‬ط‪/‬جـ ‪ 561‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫فماذا يقول القارىء المنصف بعدها؟! أليس هذا هو الحق‬
‫الذي ليس بعده إ َّ‬
‫ال الضالل؟! فنحن ّبينا هذا ألنا نرجوا أن تكون ممن‬
‫إذا ظهر له الحق خضع له‪ ،‬فالدليل هو عمدتك في الباطن‪ ،‬أما هؤالء‬
‫فنوليهم الدبر‪ ،‬ونوليهم ما تولوا‪ ،‬فهم منبترون ال محالة ألنهم شنأوا‪،‬‬
‫درا ثمين ًا مبثوث ًا في قوله‪« :‬وأما‬
‫فهلم معي أيها القارىء المنصف ألريك ًّ‬
‫َّ‬
‫من كان ملتزم ًا لحكم ال َّله ورسوله باطن ًا وظاهر ًا‪ ،‬لكن عصى واتبع‬
‫هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة‪[ ».‬منهاج الس َّنة ‪ 131/5‬البن تيمية]‪.‬‬
‫أن المخالفة في الجزئية‬
‫فهو يقول اعلم أيها القارىء المنصف َّ‬

‫‪372‬‬
‫ال تقدح إذا كان التحاكم العام إلى الشريعة؛ «باطن ًا وظاهر ًا»‪ ،‬وهذا‬
‫رد على مذهب الخوارج الخبيث الذين جعلوا مطلق المخالفة كفر ًا‪،‬‬
‫ألنهم أوتوا من باب أنَّ اإليمان ال يتبعض وال يتجزأ‪ ،‬فقابلهم المرجئة‬
‫الخبيثة الذي ال نشك أنَّ َّ‬
‫الدعي علي حلبي هو كبيرهم اليوم بالباطل‪،‬‬
‫والحق مبثوث بين هذين الباطلين؛ بين الغالة وبين طائفة المرجئة‬
‫الجدد وإن كانت هذه أخبث من األولى كما قال أئمتنا‪ ،‬ألنهم ليس‬
‫لهم شهامة تلحقهم بمراتب الرجال‪ ،‬تجعلهم يعلمون الحق ويقولون‬
‫به‪.‬‬
‫الم َفرط المستكين‬
‫ألنَّ الجافي الغالي من الممكن أن تهذبه‪ ،‬أما ُ‬
‫من الصعب أن تغرس فيه هذه الشهامة‪ ،‬ومن أراد أن يعلم ما قلت‪:‬‬
‫فلينظر إلى حال كل ُم َفرط في بيته وأبنائه ومعامالته‪ ،‬فسوف يجد ذلك‬
‫عيان ًا‪.‬‬
‫يقول ابن القيم �‪« :‬وإذا حكم بغير ما أنزل ال َّله‪ ،‬أو فعل ما‬
‫سماه رسول ال َّله ﷺ كفر ًا وهو ملتزم لإلسالم وشرائعه‪ ،‬فقد قام به كفر‬
‫وإسالم‪[ ».‬كتاب الصالة وحكم تاركها ص ‪.]58‬‬
‫فما معنى ملتزم لإلسالم وشرائعه؟! هل تكون بمعنى‬
‫التصديق؟! ألنَّ التصديق ال يكون لإلسالم وشرائعه‪ ،‬إنما هو ل َّله‬
‫ورسوله‪ ،‬واالسالم هو العمل بهذا التصديق‪ ،‬فإنَّ االلتزام في اللغة‪:‬‬
‫هو المالزمة للشيء والمداومة عليه‪.‬‬
‫بالدليل القطعي في معنى كلمة «االلتزام» هل هي‬
‫وقبل أن أختم َّ‬
‫إخبار أم إنشاء المتضمن لعمل القلب‪ ،‬أريد أن أشير إلى إلحاد ُم َفرط‬

‫‪373‬‬
‫نزلت فيه الشهب المحرقة من طرف أئمتنا‪ ،‬ذاك هو الجهمي خالد‬
‫العنبري في الرسالة المحرمة والمحرفة للمراد‪ ،‬الموسومة بـ «هزيمة‬
‫الفكر التكفري» لما قال عن اإلمام الشنقيطي أنه نقل كالم القرطبي‬
‫أقره؟! فهل قول‬
‫نبين لك أيها القارىء المنصف فيما َّ‬
‫ثم أقره‪ ،‬فسوف ّ‬
‫الدعي صحيح‪ ،‬أم بسبب سوء القصد وفساد الطوية؟‬
‫َّ‬
‫يقول الع َّ‬
‫المة الشنقيطي �‪« :‬وقال القرطبي في تفسيره‪﴿ :‬ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ﴾ و﴿ﯯﯰ﴾‬
‫و﴿ﭽﭾ﴾ [المائدة]‪ ،‬نزلت كلها في الك ّفار‪ ،‬ثبت ذلك في‬
‫صحيح مسلم من حديث البراء‪ ،‬وقد تقدم وعلى هذا المعظم‪ ،‬فأما‬
‫المسلم فال يكفر وإن ارتكب كبيرة‪ ،‬وقيل فيه إضمار أي ومن لم يحكم‬
‫بما أنزل ال َّله ًّ‬
‫ردا للقرآن وجحد ًا لقول الرسول ﷺ فهو كافر‪ ،‬قاله ابن‬
‫عباس ومجاهد‪.‬‬
‫فاآلية عامة على هذا قال ابن مسعود والحسن‪ :‬هي عامة في كل‬
‫من لم يحكم بما أنزل ال َّله من المسلمين واليهود والكفار‪ ،‬أي معتقد ًا‬
‫ذلك ومستح ً‬
‫ال له‪ .‬ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬انتهى كالم القرطبي‪.‬‬
‫قال مقيده عفا ال َّله عنه‪ ... :‬واعلم أنَّ تحرير المقام في هذا‬
‫البحث أنَّ الكفر والظلم والفسق كل واحد منها ربما أطلق في الشرع‬
‫مراد ًا به المعصية تارة‪ ،‬والكفر المخرج من الملة أخرى ﴿ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ معارضة للرسل وإبطا ًال ألحكام ال َّله فظلمه‬
‫وفسقه وكفره كلها كفر مخرج عن الملة‪﴿ ،‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ﴾ معتقد ًا أنه مرتكب حرام ًا فاعل قبيح ًا فكفره وظلمه وفسقه غير‬

‫‪374‬‬
‫مخرج عن الملة‪[ ».‬أضواء البيان ‪ 79/2‬ـ ‪.]81‬‬
‫فما معنى قوله‪« :‬معارض ًة للرسل وإبطا ً‬
‫ال ألحكام ال َّله» أيها‬
‫القارىء المنصف؟!‬
‫فهل يقصد تكذيب ًا للرسل؟ وهل كفر اإلعراض ينفي التصديق؟‬
‫فلقد أشفينا لك العلة وأقنعنا لك الغلة في ذلك‪ ،‬في العنصر الثالث‪،‬‬
‫فهل هو مقر لكالم القرطبي المرجئي والرديء في الصفات على طريق‬
‫شيخه صاحب «المفهم»؟! أم َّقيده بأصول سنية؟‬
‫إذ ًا‪ ،‬ما حمل هذا الجهمي على هذا الكذب واإللحاد‪ ،‬هو كما‬
‫قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واالفتاء أدامها ال َّله في وجوه‬
‫أمثاله‪« :‬هذا محض افتراء على أهل الس َّنة منشؤه الجهل أو سوء القصد‪،‬‬
‫نسأل ال َّله السالمة والعافية» [التحذير من اإلرجاء وبعض الكتب الداعية إليه ص‬
‫‪ 22‬ط‪/‬األولى لدار عالم الفوائد]‪.‬‬
‫إن المراد يظهر برد الكالم‬
‫ألسنا نقول أيها القارىء المنصف‪َّ :‬‬
‫بعضه إلى البعض‪ ،‬وهذا كالم واضح‪ ،‬ولنفرض أشكل عليك في قوله‬
‫«معارض ًة للرسل» مع ظهوره التام‪ ،‬وهذا كان من هذا الجهبذ في‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ﴾‬
‫[المائدة]‪ ،‬فماذا كان قوله في قوله تعالى‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫فهلم معي أيها القارىء‬
‫َّ‬ ‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ﴾ [المائدة]؟!‬
‫المنصف لنرى ذلك‪.‬‬
‫يقول الع َّ‬
‫المة الشنقيطي � في قوله تعالى‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫قدمنا أنَّ العبرة‬
‫ﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾ﴾ [المائدة]‪« :‬وقد َّ‬

‫‪375‬‬
‫بعموم األلفاظ ال بخصوص األسباب‪ ،‬فمن كان امتناعه الحكم بما‬
‫أنزل ال َّله‪ ،‬لقصد معارضته ور ّده‪ ،‬واالمتناع من التزامه‪ ،‬فهو كافر ظالم‬
‫فاسق كلها بمعنى المخرج من الملة‪[ ».‬أضواء البيان ‪.]85/2‬‬
‫فهال أخبرتنا أيها القارىء المنصف‪ ،‬ما معنى «واالمتناع من‬
‫التزامه»؟!‬
‫هل تعني االمتناع من تصديقه؟! والرجل إمام في العقيدة إمام‬
‫في اللغة‪ ،‬فما أملك من القول إ َّ‬
‫ال كما قال الشاعر‪:‬‬
‫إذا احتاج َّ‬
‫النهار إلى دليل‬ ‫وليس يصح في األذهان شيء‬
‫فلما كان أيها القارىء المنصف‪ ،‬الناس يختلف إدراكهم‬
‫ٍ‬
‫بقول‬ ‫وفهمهم بالرغم ما أثبتناه واضح المعنى والمراد‪ ،‬أردنا أن نختم‬
‫ٍ‬
‫فصل في هذا العنصر؛ أنَّ كلمة «االلتزام» من عمل القلب ال غير‪ ،‬بهذا‬
‫التفصيل وبهذا القول‪ ،‬حتى يعلم المنصف وطري العود وقليل الخبرة‬
‫الحق‬
‫َّ‬ ‫ومريد الهدى الراغب في تحصيله مع قلة األدلة التي بين يديه‪ ،‬أنَّ‬
‫واحد‪.‬‬
‫ٌ‬
‫يقول الع َّ‬
‫المة ابن القيم �‪« :‬وعلى هذا فإنما لم يحكم لهؤالء‬
‫مجرد اإلقرار‬
‫ألن َّ‬
‫اليهود ـ الذين شهدوا له بالرسالة ـ بحكم اإلسالم؛ َّ‬
‫بصحة رسالته ال يوجب اإلسالم‪ ،‬إ َّال أن يلتزم طاعته ومتابعته؛‬
‫واالخبار َّ‬
‫نبي‪ ،‬ولكن ال أتبعه‪ ،‬وال أدين بدينه! كان من‬ ‫وإ َّ‬
‫ال فلو قال‪ :‬أنا أعلم أنه ٌّ‬
‫أكفر الكفار‪ ،‬كحال هؤالء المذكورين وغيرهم‪ ،‬وهذا متفق عليه بين‬
‫الصحابة والتابعين وأئمة الس َّنة‪[ ».‬مفتاح دار السعادة ‪.]330/1‬‬
‫مع هذا الكالم أيها القارىء المنصف عدة وقفات‪:‬‬

‫‪376‬‬
‫الوقفة األولى‪ :‬إنَّ هذا السفر النفيس قد نسب َّ‬
‫الدعي علي حسن‬
‫حلبي المرجئي الجلد تحقيقه له‪ ،‬وسوف تجد ذلك ضمن «أصول‬
‫وثائق المبتدعة طائفة المرجئة الجدد»‪.‬‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬عدم تسويد بالخط العريض للكالم المهم في‬
‫بصحة رسالته ال يوجب اإلسالم‪،‬‬
‫َّ‬ ‫مجرد اإلقرار واالخبار‬‫«ألن َّ‬
‫قوله‪َّ :‬‬
‫إ َّال أن يلتزم طاعته ومتابعته»‪ ،‬ألنَّ هذا ال يخدم مصلحته اإلرجائية التي‬
‫سمها في العامة‪.‬‬
‫يبث ّ‬
‫الوقفة الثالثة‪ :‬تسويده بالخط العريض على قوله‪« :‬وهذا متفق‬
‫عليه بين الصحابة والتابعين وأئمة الس َّنة» [مفتاح دار السعادة ‪،]330/1‬‬
‫نبي‪ ،‬ولكن‬
‫ال فلو قال‪ :‬أنا أعلم أنه ٌّ‬ ‫لماذا هذا؟! ألنه جاء إثر قوله‪« :‬وإ َّ‬
‫ال أتبعه‪ ،‬وال أدين بدينه! كان من أكفر الكفار»‪ ،‬وهذا يدل على كفر‬
‫سوده‪.‬‬
‫الجحود‪ ،‬متى وجد في كتب الشيخين َّ‬
‫الوقفة الرابعة والخطيرة‪ :‬أنَّ الشهاب المحرق‪ ،‬الذي إذا قذف‬
‫يبين‬
‫على الباطل يدمغه فإذا هو زاهق لم يذكره هذا المرجئي؛ الذي ّ‬
‫يسوده وهو فصل‬
‫عقيدة الشيخ في مسألة اإليمان لم يعبأ به ولم ّ‬
‫الخطاب فيما ندندن حوله‪.‬‬
‫يقول اإلمام الرباني شيخ اإلسالم الثاني ابن القيم بعد التسويد‬
‫سود ال َّّله وجهه ـ إ َّ‬
‫ال أن يتوب مما هو فيه‪« :‬أنَّ‬ ‫الدعي ـ َّ‬
‫سوده َّ‬
‫الذي َّ‬
‫بمجرده‪ ،‬وال معرفة القلب مع ذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اإليمان ال يكفي فيه قول اللسان‬
‫حبه ل َّله ورسوله وانقياده لدينه‬
‫بل البد فيه من عمل القلب ـ وهو ُّ‬
‫والتزامه طاعته ومتابعة رسوله ـ ‪ ،‬وهذا خالف من زعم أنَّ اإليمان هو‬

‫‪377‬‬
‫مجرد معرفة القلب وإقراره‪[ ».‬مفتاح دار السعادة ‪.]230/1‬‬
‫فالواقعية العلمية عند ابن القيم � تقول‪ :‬أنَّ هذا هو اإليمان‬
‫الذي من لم يأت به فليس بمؤمن‪ ،‬وأنَّ مجرد معرفة القلب واإلقرار‪،‬‬
‫ال يكفي في اإليمان‪ ،‬وهذا رد صريح على قول المرجئة وطائفتهم‬
‫الجدد‪ ،‬وأنَّ «االلتزام» عند الشيخين والشنقيطي هو من عمل القلب‪،‬‬
‫ومن المحال انتفاء عمل الجوارح وذروة سنامه هذا «االلتزام» لشريعته‬
‫مع ثبوت عمل القلب‪ ،‬فكما ترى الواقعية العلمية للسلفية الشرعية‬
‫تختلف تمام ًا عن الواقعة العلمية الحلبية‪ ،‬فمن أحق باألمن أيها‬
‫القارىء المنصف؟! من أقام على كلمة «االلتزام» دلي ً‬
‫ال‪ ،‬أم من ألحد‬
‫فيها وا َّدعى على ظاهرها تأوي ً‬
‫ال؟!‬
‫يسود علي‬
‫فلقد قلت آنذاك؛ حين قرأت هذا القول‪ ،‬لماذا لم ّ‬
‫حلبي على هذا؟! هل كتمه؟! أم ماذا يريد منه؟ فلما قرأت له في مسألة‬
‫أن الرجل صاحب هوى مكمل ببضاعة مزجاة‪ ،‬نسأل‬
‫اإليمان‪ ،‬علمت َّ‬
‫ال َّله السالمة‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪378‬‬
‫سادس ًا‪ :‬معنى «التبديل» أو «الشرع المبدل» عند شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية‪:‬‬
‫اعلم رحمك ال َّله‪ ،‬أنَّ كلمة «التبديل» أو«الشرع المبدل» هي من‬
‫جملة ما اعتضد عليه المبتدعة‪ ،‬طائفة المرجئة الجدد‪ ،‬وعلى رأسهم‬
‫ودعم هذا‬
‫الدعي علي حسن حلبي‪ ،‬أثري الزرقاء بين ـ المعكوفتين ـ‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫بقول من القاضي أبي‬ ‫االعتضاد المزري الخالي عن الحجة والبرهان‪،‬‬
‫بكر بن العربي المالكي �‪ ،‬ثم جعل ذلك شرط ًا في «التبديل»؛ ال‬
‫مبدله من عند ال َّله‪.‬‬ ‫يكفر الحاكم بغير ما أنزل ال َّله‪ ،‬إ َّ‬
‫ال إذا ادعى أنَّ َّ‬
‫هكذا يلعب المضللون‪ ،‬يشترطون الشروط ليس لهم في ذلك‬
‫سلف‪ ،‬إ َّ‬
‫ال من هم على شاكلتهم في االعتقاد‪ ،‬أو الذين يرون اإلرجاء في‬
‫الباطن‪ ،‬وينصرون مذهب السلف‪ ،‬الذين قلوبهم مثل سفنجة ال تنضح‬
‫إ َّ‬
‫ال بالشبهات التي كسبوها عن شيوخهم واستقرت في قلوبهم‪.‬‬
‫نبين بطالن ما اعتضد به علي حسن حلبي‪ ،‬من قول‬
‫وقبل أن ّ‬
‫القاضي أبي بكر �‪ ،‬نوضح أو ً‬
‫ال معنى «التبديل» في اللغة وعند‬
‫الشيخين‪ ، K‬حتى يكون القارىء المنصف على بينة من األمر؛‬
‫كما سلكنا السبيل‪ ،‬وأبطلنا التأويل في كلمة «االلتزام»‪.‬‬
‫التبديل لغة‪« :‬وضع الشيء موضع اآلخر‪ ،‬يقال استبدل الشيء‬
‫وتبدله به إذا أخذه مكانه‪ ،‬وتبديل الشيء‪ ،‬تغييره وإن لم يأت‬
‫بغيره‪َّ ،‬‬
‫حرفه» [انظر الصحاح مادة «بدل» ومختار الصحاح ص‬ ‫وبدله تبدي ً‬
‫ال‪َّ :‬‬ ‫ببدله‪َّ ،‬‬
‫‪ ،30‬والقاموس المحيط ‪.]455/3‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬فالشرع يطلق تارة على ما جاء به‬

‫‪379‬‬
‫الرسول؛ من الكتاب والس َّنة‪ .‬هذا هو الشرع المنزل‪ ،‬وهو الحق الذي‬
‫ليس ألحد خالفه‪ .‬ويطلق على ما يضيفه بعض الناس إلى الشرع إما‬
‫منزل وال‬
‫بالكذب واالفتراء‪ ،‬وإما بالتأويل والغلط‪ ،‬وهذا شرع مبدل ال ّ‬
‫يجب‪ ،‬بل وال يجوز إتباعه‪...‬‬
‫والتبديل نوعان‪ :‬أحدهما‪ :‬أن يناقضوا خبره‪ .‬والثاني‪ :‬أن يناقضوا‬
‫أمره‪ .‬فإنَّ ال َّله بعثه بالهدى ودين الحق‪ ،‬وهو صادق فيما أخبر به عن‬
‫ال َّله‪ ،‬آمر بما أمر ال َّله به؛ كما قال‪﴿ :‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ﴾‬
‫[النساء‪ :‬ﭞ]‪ .‬وأهل التبديل الذين يضيفون إلى دينه وشرعه ما ليس منه‪،‬‬
‫المبدل‪ :‬تارة يناقضونه في خبره؛ فينفون ما أثبته‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫وهم أهل الشرع‬
‫يثبتون ما نفاه؛ كالجهمية الذين ينفون ما أثبته من صفات ال َّله وأسمائه؛‬
‫والقدرية الذين ينفون ما أثبته من قدر ال َّله ومشيئته وخلقه وقدرته؛‪...‬‬
‫ويحرمون ما لم‬
‫ّ‬ ‫ثم إنهم أيض ًا يوجبون ما لم يوجبه‪ ،‬بل َّ‬
‫حرمه‬
‫يحرمه‪ ،‬بل أوجبه؛ فيوجبون اعتقاد هذه األقوال والمذاهب المناقضة‬
‫ّ‬
‫لخبره‪ ،‬ومواالة أهلها‪ ،‬ومعاداة من خالفها‪[ ».‬النبوات ‪ 329/1‬ـ ‪.]333‬‬
‫فأين نجد أيها القارى المنصف في كالم الشيخ اشتراط علي‬
‫حلبي في «التبديل»؟! وهذا من آخر تصانيفه مطلق ًا‪َّ ،‬بين فيه أنَّ‬
‫«التبديل» يكون بمناقضة الخبر‪ ،‬ويكون بمناقضة األمر‪ ،‬والشك أنه‬
‫افتراء‪ ،‬وأعظم «التبديل» إحالل القوانين الوضعية محل الشريعة‪،‬‬
‫المة محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ‪،‬‬ ‫سمى الع َّ‬
‫ولهذا َّ‬
‫هذا «التبديل» بأعظم مناقضة ومشاقة ل َّله ورسوله في رسالته الماتعة‬
‫الموسومة بـ «تحكيم القوانين»‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫المة ابن القيم �‪« :‬وأما الحكم َّ‬
‫المبدل‪ ،‬وهو الحكم‬ ‫يقول الع َّ‬
‫بغير ما أنزل ال َّله‪ ،‬فال يحل تنفيذه وال العمل به وال يسوغ اتباعه» [الروح‬
‫ص ‪.]588‬‬
‫فالتبديل عند الشيخين‪ ،‬هو إضافة الزبالة الفكرية‪ ،‬والنخالة‬
‫القولية‪ ،‬والحثالة العقلية إلى الشرع‪ ،‬إما بالكذب واالفتراء‪ ،‬وإما‬
‫بالتأويل والغلط‪ ،‬فأين ا ّدعاء علي حلبي في «التبديل»؟! فادعاء التبديل‬
‫مبدله من عند ال َّله‪ ،‬كما‬
‫يدعي فيه أنَّ َّ‬
‫الذي يكفر به صاحبه هو الذي َّ‬
‫َّادعى الجهميان علي حسن حلبي وخالد علي العنبري‪ ،‬هو تبديل‬
‫افتراضي ليس له محل ال في األذهان وال في األعيان‪ ،‬ولم يقل به أحد‬
‫من البشر‪ ،‬إنما هو افتراضات يفترضها الذين لهم خلل في اعتقادهم‪،‬‬
‫وكتب الحنفية مملوءة بهذه االفتراضات التي كان ينهى عنها السلف‪،‬‬
‫كافتراض المرجئة لتارك الصالة بقولهم‪« :‬لو عرض على السيف وقال‬
‫ال أصلي» وأبطله شيخ اإلسالم‪.‬‬
‫يقول الع َّ‬
‫المة صالح بن فوزان الفوزان في نقده لكتاب «هزيمة‬
‫الفكر التكفيري» للجهمي خالد علي العنبري‪« :‬نقول‪ :‬هذا التبديل‬
‫الذي ذكرت أنه كفر باجماع المسلمين‪ ،‬هو تبديل غير موجود‪ ،‬وإنما‬
‫هو افتراضي من عندك‪ ،‬ال يقول به أحد من الحكام اليوم وال قبل‬
‫اليوم‪ ،‬وإنما هناك استبدال هو اختيار جعل القوانين الوضعية بديلة عن‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وإلغاء المحاكم الشرعية‪ ،‬وهذا كفر ـ أيض ًا ـ؛ ألنه‬
‫وينحيها نهائي ًا‪ ،‬ويحل محلها القوانين‬
‫يزيح تحكيم الشريعة اإلسالمية ّ‬
‫الوضعية‪ ،‬فماذا يبقى لإلسالم؟!» [التحذير من اإلرجاء وبعض الكتب َّ‬
‫الداعية‬

‫‪381‬‬
‫إليه ص ‪.]34‬‬
‫المة أيض ًا‪ ،‬بعد ذكر قول اإلمام ابن كثير في كفر التتار‪،‬‬
‫ويقول الع َّ‬
‫الذي جاء في قوله تعالى‪﴿ :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇﰈﰉ﴾ [المائدة]‪.‬‬
‫«ومثل القانون الذي ذكره عن التتار وحكم بكفر من جعله بدي ً‬
‫ال‬
‫من الشريعة اإلسالمية‪ :‬القوانين الوضعية التي جعلت اليوم في كثير‬
‫من الدول هي مصادر األحكام وألغيت من أجلها الشريعة اإلسالمية‬
‫إ َّال فيما يسمونه باألحوال الشخصية‪.‬‬
‫والدليل على كفر من فعل ذلك آيات كثيرة؛ منها‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ﴾ [المائدة]‪،‬‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾‬
‫[النساء‪ :‬ﯯ]‪ ،‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [البقرة]‪».‬‬
‫والرد على أهل الشِّ رك واإللحاد ص ‪.]103‬‬
‫ُّ‬ ‫[اإلرشاد إلى صحيح االعتقاد‬
‫هلم معي أيها القارىء المنصف‪ ،‬بالطبع لست أعنيك‬ ‫وعلى ٍّ‬
‫كل َّ‬
‫أيها األثري‪ ،‬لنفحص الخيط الذي تعلق به أثري الزرقاء والعنبري‪،‬‬
‫الذي هو أوهن من خيط العنكبوت‪ ،‬المبثوث في قول اإلمام ابن‬
‫العربي المالكي لنعلم من أحق باألمن‪ ،‬المتبع أم المبتدع؟!‬
‫يقول القاضي أبو بكر بن العربي المالكي �‪« :‬المسألة‬
‫الحادية عشرة‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬

‫‪382‬‬
‫ﮬﮭ﴾ [المائدة]‪ .‬وهذا يختلف إن حكم بما عنده على أنه من‬
‫عند ال َّله؛ فهو تبديل له يوجب الكفر» [أحكام القرآن ‪.]127/2‬‬
‫تعلق المرجئيان الجهميان علي حسن حلبي وخالد علي‬
‫العنبري بهذا‪ ،‬وا ّدعيا فيه شرط التبديل؛ البد أن يقول الحاكم هذا من‬
‫عند ال َّله حتى يكفر‪ ،‬وأكد هذا الشرط أثري الزرقاء بما نقله عن الجهمي‬
‫المحرف الكذاب العنبري فقال‪« :‬هذا هو معنى «التبديل» وليس كما‬
‫ويزيفونه [أي‪ :‬أهل الس َّنة الذين هم على الجادة في مسائل اإليمان] إذ‬
‫يحرفونه ّ‬
‫ِّ‬
‫يتصور أن يترك الحاكم الشريعة الغراء ثم يقعد على عرشه ال‬
‫َّ‬ ‫«هل‬
‫الرعية بشيء؟ هذا مستحيل! البد أن يحكم بغيره» [انظر التحذير‬
‫يحكم َّ‬
‫ص ‪ 15‬والحكم بغير ما أنزل ال َّله للمرجئيين الجهميين حلبي والعنبري]‪.‬‬
‫ولقد فرح بهذا قبلهما‪ ،‬المرجئي الرديء في الصفات عبد ال َّله‬
‫القرطبي � فأودعه في «جامعه ‪ »124/6‬الذي نقل قوله اإلمام‬
‫يقره كما ادعى ذلك‬
‫وحرره ولم ّ‬
‫وبينه َّ‬
‫وقيده َّ‬
‫الشنقيطي في «األضواء» َّ‬
‫الجهمي خالد علي العنبري المصري‪ ،‬ولقد أشفينا لك الغلة في ذلك‬
‫في العنصر السابق‪ ،‬فسوف نقضي على هذه الفرحة بعون ال َّله‪ ،‬ثم بما‬
‫أورثناه عن أئمتنا األعالم في مسائل اإليمان‪ ،‬حتى تحل مكان الفرحة‬
‫أن التزييف والتحريف لنشر مذهب مشين‪ ،‬ال يبقى‬‫الحسرة‪ ،‬وليعلم َّ‬
‫والتبيين لنشر المذهب الرزين المدعم بالقول‬
‫ّ‬ ‫طوي ً‬
‫ال أمام التحقيق‬
‫المتين‪.‬‬

‫‪383‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫إنَّ هذا االشتراط الذي ذكره الفقيه ابن العربي المالكي في‬
‫«التبديل»‪ ،‬مع كونه افتراضي ال يقع الب َّتة‪ ،‬قاله بسبب خلل في االعتقاد‬
‫الدعامة؛ مسألة اإليمان‪ ،‬سلك‬
‫في مسائل اإليمان‪ ،‬فهو في هذه َّ‬
‫حررها على مذهب المتكلمين من المرجئة الجهمية‪،‬‬
‫البنية البدعية؛ ّ‬
‫َّ‬
‫ورثها أثناء دراسته السفنجية عن شيخه أبي حامد الغزالي‪ ،‬فهو ال‬
‫ال بها‪ ،‬وإن كان قد خالف شيخه في بعض األمور‪ ،‬وكذلك‬ ‫ينضح إ َّ‬
‫األشعري والقاضي الباقالني والجويني إ َّ‬
‫ال أنه مع ذلك بقي ملتزم ًا‬
‫بمذهب األشاعرة في الصفات وغيرها‪ ،‬ومن درس كتبه مثل «عارضة‬
‫األحوذي» و«قانون التأويل» و«العواصم» الدراسة التي تفي بالمراد؛‬
‫«التفحصية» يجد ذلك عيان ًا‪ ،‬فهو ش َّنع على ابن حزم شيخ أبيه مزالقه‪،‬‬
‫وهو من مخانيث الجهمية؛ «الجهمية اإلناث»‪.‬‬
‫أما في مسائل اإليمان فسلك جادة األشعري‪ ،‬ونصر قوله الذي‬
‫ذكره في «الموجز»؛ أنَّ اإليمان هو مجرد تصديق القلب ومعرفته‪،‬‬
‫وهذا وافقه عليه جمهور األشاعرة‪ ،‬فقولهم هذا خارج من مشكاة أبي‬
‫محرز‪ ،‬فاشتراطه في «التبديل» لخلل في االعتقاد‪ ،‬زيادة على أنه من‬
‫أوابده التي لم يسبق إليها‪ ،‬ألنه ال يرى الكفر إ َّ‬
‫ال تكذيب ًا‪.‬‬
‫يقول اإلمام القاضي عياض اليحصبي �‪« :‬وقال القاضي أبو‬
‫أن الكفر بال َّله هو الجهل بوجوده‪،‬‬
‫بكر [يعني‪ :‬الباقالني]‪ :‬القول عندي‪َّ :‬‬
‫واإليمان بال َّله هو العلم بوجوده‪ ،‬وأنه اليكفر أحد بقول وال رأي إ َّال‬
‫نص‬ ‫عز وجل‪ ،‬فإن عصى بقول أو فعل َّ‬ ‫أن يكون هو الجهل بال َّله َّ‬

‫‪384‬‬
‫ال َّله ورسوله أو أجمع المسلمون أنه ال يوجد إ َّ‬
‫ال من كافر‪ ،‬أو يقوم‬
‫دليل على ذلك فقد كفر‪ ،‬ليس ألجل قوله أو فعله‪ ،‬لكن لما يقارنه من‬
‫الكفر‪[ ».‬إتحاف أهل الوفا بتهذيب كتاب الشفا ص ‪.]543‬‬
‫فنحن لنا مع هذا القول عدة وقفات‪ ،‬حتى تعلم أيها القارىء‬
‫المنصف أنَّ القوم؛ المرجئة وطائفتهم الجدد‪ ،‬األثرية بين ـ المعكوفتين‬
‫عطل المعاهد السلفية في عدة فترات‪.‬‬ ‫رديا َّ‬
‫ـ ينصرون مذهب ًا ًّ‬
‫فالوقفة األولى‪ :‬هل الكفر بال َّله هو الجهل بوجوده فقط؟! وهل‬
‫كل من كفر هو جاهل بال َّله؟! وهل العلم بوجوده يستلزم اإليمان به‬
‫والبد؟!‬
‫فها هو رأس الكفرة الفجرة وداعيتهم يقول‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷﭸﭹ﴾ [الحجر]‪ ،‬وهو ـ تعالى ـ شأنه يخبر عن قوم ثمود‪:‬‬
‫﴿ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [فصلت‪ :‬ﯫ]‪ ،‬فهل كان‬
‫كفر هؤالء عن جهل؟ أم كفر عناد محض؟!‬
‫ويخبر ـ تعالى ـ عن فرعون وقومه‪﴿ :‬ﰅﰆﰇﰈ ﰉ‬
‫ﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬
‫ﭚﭛﭜﭝ﴾ [النمل]‪ ،‬فهل كفرهم عن يقين أم عن جهل؟!‬
‫ويقول المولى ‪ ‬عن أهل الكتاب أعداء األمة التقليديين‪:‬‬
‫﴿ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ‬
‫[آل‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾‬
‫عمران] «فكفركم كفر عناد وجحود عن علم وشهود‪ ،‬ال عن جهل‬
‫وخفاء‪[ ».‬مفتاح دار السعادة ‪ 323/1‬البن القيم]‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫فكفر هؤالء ومن سبق ذكرهم‪ ،‬عن دراية تامة‪ ،‬آثاروا الغواية‬
‫والضالل على الهدى والنور‪ ،‬بسبب استحباب الدنيا على اآلخرة‪ ،‬فلو‬
‫كان العلم بال َّله أي‪ :‬بوجوده‪ ،‬يستلزم الهداية‪ ،‬الستلزم في حق هؤالء‬
‫المعاندين المستكبرين‪ ،‬فإنه ال يلزم من العلم؛ بوجوده وصدق نبيه‪،‬‬
‫حصول االهتداء المطلوب‪ ،‬ودليله في أبي طالب‪ ،‬فها هو يقول‪:‬‬
‫من خير أديان البرية دين ًا‬ ‫علمت َّ‬
‫بأن دين محمد‬ ‫ُ‬ ‫ولقد‬
‫لوجدتني سمح ًا بذاك مبين ًا‬ ‫لوال المالمة أو حذار َّ‬
‫مسبة‬

‫فهو حصل له العلم التام لكن لم ينفعه‪ ،‬لقيام مانع‪ ،‬وهو خوف‬
‫تسفيه اآلباء واآلجداد واالزدراء بهم إذا اتبع الرسول‪ ،‬نعم يبقى العلم‬
‫بال َّله وبوجوده صالح ًا لالهتداء‪ ،‬إذا لم يتخلف مقتضاه‪ ،‬أو يقوم مانع‬
‫من الموانع التي تصد عن االنقياد وهي كثيرة‪ ،‬وبعضها في الجهميين‬
‫الضالين علي حلبي والعنبري ـ أعاذنا ال َّله ـ منها‪.‬‬
‫أما الوقفة الثانية‪ :‬فهي عند قوله‪« :‬فإن عصى بقول أو فعل َّ‬
‫نص‬
‫ال َّله ورسوله أو أجمع المسلمون أنه ال يوجد إ َّ‬
‫ال من كافر‪ ،‬أو يقوم‬
‫دليل على ذلك فقد كفر‪ ،‬ليس ألجل قوله أو فعله‪ ،‬لكن لما يقارنه من‬
‫الكفر‪[ ».‬إتحاف أهل الوفا بتهذيب كتاب الشفا ص ‪.]543‬‬
‫فالزم هذا القول أيها القارىء المنصف‪ ،‬أنَّ الذي يسب ال َّله‬
‫ورسوله أو يلقي المصحف في القاذورات‪ ،‬أنه كفر ليس ألجل هذا‬
‫القول أو الفعل‪ ،‬لكن لما يقارنه من الكفر‪ ،‬ومسلك ابن العربي في‬
‫مسائل اإليمان هذا هو بعينه‪ ،‬لكن َّ‬
‫هلم معي أيها المنصف ألعرض‬
‫أي ينبوع تسيل‪ ،‬لتعلم مسلك علي حلبي‬
‫عليك ثالثة أقوال لتعرف من ّ‬

‫‪386‬‬
‫واألثرية عموم ًا‪ ،‬هو مسلك بدعي يسقون من ينبوع آسن‪.‬‬
‫القول األول‪:‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬ومن هنا يظهر خطأ قول جهم بن‬
‫صفوان ومن اتبعه حيث ظنوا أنَّ اإليمان مجرد تصديق القلب وعلمه‪،‬‬
‫لم يجعلوا أعمال القلب من اإليمان‪ ،‬وظنوا أنه قد يكون اإلنسان‬
‫مؤمن ًا كامل اإليمان بقلبه‪ ،‬وهو مع هذا يسب ال َّله ورسوله‪ ،‬ويعادي ال َّله‬
‫ورسوله‪ ،‬ويعادي أولياء ال َّله‪ ،‬ويوالي أعداء ال َّله‪ ،‬ويقتل األنبياء‪ ،‬ويهدم‬
‫المساجد‪ ،‬ويهين المصاحف‪ ،‬ويكرم الكفار غاية الكرامة‪ ،‬ويهين‬
‫المؤمنين غاية اإلهانة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذه كلها معاص ال تنافي اإليمان الذي في قلبه‪ ،‬بل‬
‫يفعل هذا وهو في الباطن عند ال َّله مؤمن‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإنما ثبت له في الدنيا أحكام الكفار‪.‬‬
‫ألن هذه األقوال أمارة على الكفر ليحكم بالظاهر كما يحكم‬
‫باإلقرار والشهود‪ ،‬وإن كان في الباطن قد يكون بخالف ما أمر به‬
‫وبخالف ما شهد به الشهود‪ ،‬فإذا أورد عليهم الكتاب والس َّنة واإلجماع‬
‫على أن الواحد من هؤالء كافر في نفس األمر معذب في اآلخرة‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫فهذا دليل على انتفاء التصديق والعلم من قلبه‪ ،‬فالكفر عندهم شيء‬
‫واحد هو الجهل‪ ،‬واإليمان شيء واحد وهو العلم‪ ،‬أو تكذيب القلب‬
‫وتصديقه‪[ ».‬مجموعة الفتاوى ‪ 121 ،120/7‬ط‪/‬جـ ‪ 189 ،188‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬فهؤالء القائلون بقول جهم والصالحي‪،‬‬
‫سب ال َّله ورسوله‪ ،‬والتكلم بالتثليث‪ ،‬وكل كلمة من‬
‫قد صرحوا بأنَّ َّ‬

‫‪387‬‬
‫كالم الكفر‪ ،‬ليس هو كفر ًا في الباطن‪ ،‬ولكنه دليل في الظاهر على‬
‫الكفر‪ ،‬ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشاتم في الباطن عارف ًا‬
‫بال َّله‪ ،‬موحد ًا له‪ ،‬مؤمن ًا به‪ ،‬فإذا أقيمت عليهم حجة بنص أو إجماع َّ‬
‫أن‬
‫هذا كافر باطن ًا‪ ،‬وظاهر ًا‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا يقتضي َّ‬
‫أن ذلك مستلزم للتكذيب‬
‫الباطن» [مجموعة الفتاوى ‪ 340/7‬ط‪/‬جـ ‪ 557‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫القول الثاني‪:‬‬
‫أن الكفر‬
‫«وقال القاضي أبو بكر [يعني‪ :‬الباقالني]‪ :‬القول عندي‪َّ :‬‬
‫بال َّله هو الجهل بوجوده‪ ،‬واإليمان بال َّله هو العلم بوجوده‪ ،‬وأنه اليكفر‬
‫عز وجل‪ ،‬فإن عصى‬ ‫أحد بقول وال رأي إ َّال أن يكون هو الجهل بال َّله َّ‬
‫نص ال َّله ورسوله أو أجمع المسلمون أنه ال يوجد إ َّ‬
‫ال من‬ ‫بقول أو فعل َّ‬
‫كافر‪ ،‬أو يقوم دليل على ذلك فقد كفر‪ ،‬ليس ألجل قوله أو فعله‪ ،‬لكن‬
‫لما يقارنه من الكفر‪[ ».‬إتحاف أهل الوفا بتهذيب كتاب الشفا ص ‪.]543‬‬
‫القول الثالث‪:‬‬
‫يقول األثرية بين ـ المعكوفتين ـ‪7« :‬ـ من الكفر العملي ـ والقولي‬
‫ـ ما هو مخرج من الملة بذاته‪ ،‬وال يشترط فيه استحالل قلبي؛ وهو ما‬
‫كان مضاد ًا لإليمان من كل وجه؛ مثل‪ :‬سب ال َّله ـ تعالى ـ ‪ ،‬وشتم‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬والسجود للصنم‪ ،‬وإلقاء المصحف في القاذورات‪...‬‬
‫وما في معناها‪.‬‬
‫وتنزيل هذا الحكم على األعيان ـ كغيره من المكفرات ـ اليقع‬
‫إ َّ‬
‫ال بشرطه المعتبر‪[ ».‬مجمل مسائل اإليمان العلمية في أصول العقيدة السلفية‬
‫ص ‪.]20‬‬

‫‪388‬‬
‫والشرط المعتبر عندهم‪« :‬إقامة عليه الحجة‪ ،‬بتحقق الشروط‬
‫ـ علم ًا‪ ،‬وقصد ًا‪ ،‬واختيار ًا ـ ‪ ،‬وانتفاء الموانع ـ وهي عكس هذه‪،‬‬
‫وأضدادها ـ ‪[ ».‬مجمل مسائل اإليمان ص ‪.]20 ،19‬‬
‫فعند األثرية بين ـ المعكوفتين ـ ‪ ،‬إلقاء المصحف في القاذورات‬
‫ال إذا كان عن علم وقصد واختيار‪ ،‬فالزم القول‪ ،‬هذا العمل‬‫كفر بذاته إ َّ‬
‫ال يدل على الكفر إ َّ‬
‫ال بهذه الشروط المعتبرة‪.‬‬
‫يقول األثري بين ـ المعكوفتين ـ علي حلبي‪« :‬فاألعمال‬
‫الظاهرة ـ طاعات ومعاصي ـ وجود ًا وعدم ًا ـ متعلقة باإليمان المطلق‪،‬‬
‫ال بمطلق اإليمان فتنبه» [التعريف والتنبئة ص ‪ 44‬حاشية ‪.]2‬‬
‫فانصف أيها القارىء المنصف‪ ،‬أليست هذه األقوال الثالثة‬
‫خارجة من ينبوع واحد‪ ،‬ينبوع أبي محرز الزنديق؟!‬
‫ولهذا لما علم القاضي عياض � هذا من بعض أصحابه‪،‬‬
‫بل من شيوخه في اآلخرين وهو ابن العربي المالكي صاحب مقولة‬
‫«التبديل»‪ ،‬رماه في المزبلة ونصر قول مالك وسحنون؛ أصحابه الذين‬
‫الدعامة نهج السلف‪.‬‬
‫هم ينهجون في هذه َّ‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬وهذا قد وقع فيه طوائف كثيرة من‬
‫المتأخرين المنتسبين إلى الس َّنة والفقه والحديث المتبعين لألئمة‬
‫األربعة‪ ،‬المتعصبين للجهمية والمعتزلة بل وللمرجئة أيضا‪.‬‬
‫لكن من رحمة ال َّله بعباده المسلمين أنَّ األئمة الذين لهم في‬
‫األمة لسان صدق‪ ،‬مثل األئمة األربعة وغيرهم‪...،‬‬
‫كانوا ينكرون على أهل الكالم من الجهمية قولهم في القرآن‬

‫‪389‬‬
‫واإليمان وصفات الرب‪ ،‬وكانوا متفقين على ما كان عليه السلف من‬
‫أنَّ ال َّله يرى في اآلخرة‪ ،‬وأنَّ القرآن كالم ال َّله غير مخلوق‪ .‬وأن اإليمان‬
‫البد فيه من تصديق القلب واللسان‪ ،‬فلو شتم ال َّله ورسوله كان كافر ًا‬
‫باطن ًا وظاهر ًا عندهم كلهم‪ ،‬ومن كان موافق ًا لقول جهم في اإليمان‬
‫بسبب انتصار أبي الحسن لقوله في اإليمان‪ ،‬يبقى تارة يقول بقول‬
‫السلف واألئمة‪ ،‬وتارة يقول بقول المتكلمين الموافقين لجهم‪ ،‬حتى‬
‫في مسألة سب ال َّله ورسوله رأيت طائفة من الحنبليين‪ ،‬والشافعيين‬
‫والمالكيين‪ ،‬إذا تكلموا بكالم األئمة قالوا‪ :‬إن هذا كفر باطن ًا وظاهر ًا‪.‬‬
‫وإذا تكلموا بكالم أولئك قالوا‪ :‬هذا كفر في الظاهر‪ ،‬وهو في‬
‫الباطن يجوز أن يكون مؤمن ًا تام اإليمان‪.‬‬
‫فاإليمان عندهم ال يتبعض‪ ،‬ولهذا لما عرف القاضي عياض‬
‫*‬
‫هذا من قول بعض أصحابه أنكره‪ ،‬ونصر قول مالك وأهل الس َّنة‪،‬‬
‫وأحسن في ذلك‪.‬‬
‫وقد ذكرت بعض ما يتعلق بهذا في كتاب «الصارم المسلول‬
‫على شاتم الرسول»‪ ،‬وكذلك تجدهم في مسائل اإليمان يذكرون‬
‫أقوال األئمة والسلف‪ ،‬ويبحثون بحث ًا يناسب قول الجهمية؛ َّ‬
‫ألن‬
‫البحث أخذوه من كتب أهل الكالم الذين نصروا قول جهم في مسائل‬
‫اإليمان‪[ ».‬مجموعة الفتاوى ‪ 251 ،250/7‬ط‪/‬جـ ‪ 403 ،402‬ط‪/‬ق]‪.‬‬
‫الدراسة‬
‫فهذا الكنيف المملوء يظفر به من درس لهذا الجهبذ ّ‬

‫* أي‪ :‬شيخه ابن العريب املالكي األشعري‪ ،‬والذي هو يف مسألة اإليامن عىل قول جهم‪ .‬‬

‫‪390‬‬
‫التي تفي بالمراد وال تخرجه عن المراد؛ «الدراسة التفحصية»‪ ،‬فالتبديل‬
‫الذي ذكره ابن العربي �‪ ،‬يك ّفر صاحبه حتى جهم الزنديق‪ ،‬فهذه‬
‫الصورة لم تقع وال يشك فيها حتى من كان على قول أبي محرز‪ ،‬أما‬
‫الدعامة؛‬
‫اشتراطها من طرف ابن العربي فبسبب سوء االعتقاد في هذه َّ‬
‫مسألة اإليمان‪.‬‬
‫ولهذا لما نصحت اللجنة الدائمة ـ أدامها ال َّله ـ في وجوه‬
‫المبتدعة على اختالف مشاربهم‪ ،‬وفي وجه الكفرة الفجرة على‬
‫اختالف نحلهم‪ ،‬علي حسن حلبي أثري الزرقاء‪« :‬أن يتقي ال َّله في‬
‫نفسه وفي المسلمين‪ ،‬وبخاصة شبابهم‪ ،‬وأن يجتهد في تحصيل العلم‬
‫الشرعي على أيدي العلماء الموثوق بعلمهم وحسن معتقدهم» [التحذير‬
‫من اإلرجاء وبعض الكتب الداعية إليه ص ‪.]29 ،28‬‬
‫والشك أنَّ الع َّ‬
‫المة األلباني �‪ ،‬ليس منهم‪ ،‬بقولها‪« :‬وحسن‬
‫الدعامة كما أوضحنا لك فيما سبق‪ ،‬فنصحها‬
‫معتقدهم» فهو في هذه َّ‬
‫ليس متوجه ًا لألحياء فقط‪ ،‬بل وللذين قضوا نحبهم؛ الذين خلطوا‬
‫ال صالح ًا وآخر سيئ ًا‪ ،‬وال حرج أن نذكر بعض ًا منهم على سبيل‬‫عم ً‬
‫اإلجمال تتميم ًا للنصح‪.‬‬
‫الدعامة متهوكون‪ ،‬أبو الحسن‬
‫فمن هؤالء الذين هم في هذه َّ‬
‫األشعري‪ ،‬وأبو الحسن الطبري‪ ،‬والباقالني‪ ،‬وابن فورك‪ ،‬وعبد القاهر‬
‫البغدادي‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وأبو القاسم القشيري‪ ،‬وأبو المعالي الجويني‪،‬‬
‫وأبو حامد الغزالي‪ ،‬وأبو بكر بن العربي‪ ،‬والشهرستاني‪ ،‬وابن عساكر‪،‬‬
‫والرازي‪ ،‬واآلمدي‪ ،‬وعز الدين بن عبد السالم‪ ،‬وصفي الدين الهندي‪،‬‬

‫‪391‬‬
‫وبدر الدين بن جماعة‪ ،‬والبيضاوي‪ ،‬واإليجي‪ ،‬والسكوني‪ ،‬و‪ ...‬وابنا‬
‫حجر العسقالني والهيثمي‪ ،‬والسخاوي‪ ،‬و‪ ...‬واأللباني‪ ،‬و‪...‬‬
‫أما من الموجودين اليوم‪ ،‬ربيع بن هادي المدخلي المرجئي‪،‬‬
‫والنجمي‪ ،‬وابنه المحرف‪ ،‬والمغراوي وبازمول‪ ،‬والقوصي وعبيد‬
‫الجابري‪ ،‬واألثرية جملة و‪...‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪392‬‬
‫سابعاً‪ :‬معنى «االستحالل» عند شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:‬‬
‫إنَّ لفظ «االستحالل» هو من جملة ما تعلق به المرجئة المبتدعة‬
‫الجهمية‪ ،‬حلبية أثرية كانت أو عنبرية‪ ،‬وظنهم الذي أرداهم‪ ،‬زعموا‬
‫أنها تخدم مصلحتهم وبضاعتهم اإلرجائية التي يروجون لها‪ ،‬ألنهم‬
‫أخرجوها في ثوب سلفي تيمي‪ ،‬حتى تلقى القبول عند العامة‪ ،‬لما علم‬
‫عند المشايخ وطالب العلم خاصة‪ ،‬وعند العامة عامة‪ ،‬أنَّ مذهب ابن‬
‫تيمية وتلميذه البار‪ ،‬هو مذهب السلف الذي من أجله عانى ما عانى مع‬
‫أعدائه‪ ،‬فإذا سمع طالب العلم أو العامي كلمة ابن تيمية أو قوله‪ ،‬انشرح‬
‫صدره وتلقّاه بالقبول‪ ،‬وهذا من أثار العلم النافع والعمل الصالح الذي‬
‫يبسط له القبول‪ ،‬وذاك فضل ال َّله يؤتيه من يشاء‪ ،‬إنه جواد كريم‪.‬‬
‫لكن البالء كل البالء‪ ،‬والخطورة كل الخطورة‪ ،‬يكمنان عند‬
‫ما يلحد في هذا العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬ليخرج عن مسارهما‪،‬‬
‫لخدمة أغراض طائفة المرجئة الجدد‪ ،‬مدخلية كانت أو حلبية عنبرية‪،‬‬
‫فوجب الذب‪ ،‬بل المنافحة عن هذا الميراث الذي خ ّلفه هذا الجهبذ‬
‫اإلمام الرضي لمدرسة فقه الدليل‪ ،‬كما نافح هو عن مذهب السالفين‬
‫رضي ال َّله عنهم أجمعين‪ ،‬حتى ال يلعب طائفة المرجئة الجدد باألغمار‬
‫لخدمة مذهبهم المشين‪.‬‬
‫ومن جملة ما اعتضدت به هذه الطائفة الخبيثة‪ ،‬كلمة‬
‫«االستحالل» كما فعلت مع الكلمتين من قبل «االلتزام» و«التبديل»‬
‫حذر منهما سلف األمة‪ ،‬بل جعلهما‬‫بداء االجمال واالبهام الذي طالما ّ‬
‫سمة ألهل األهواء والبدع واالفتراق‪ ،‬وطائفة المرجئة الجدد منهم‪،‬‬

‫‪393‬‬
‫خاصة في أبواب العقيدة‪ ،‬ولهذا أحذرك ّأيها القارىء المنصف منهما‪،‬‬
‫فإذا رأيت مهرو ًال إليهما؛ إلى «االجمال» و«االبهام»‪ ،‬و«االستفسار»‬
‫و«التفصيل» يلوح له في األفق معرض ًا عنه فاعلم أنه غوي مبين‪ ،‬والذي‬
‫ال نشك فيه طرفة عين‪ ،‬أنَّ ربيع بن هادي المدخلي المرجئي‪ ،‬وأثري‬
‫الزرقاء‪ ،‬والعنبري الجهمي‪ ،‬قد أخذوا ٍ‬
‫بحظ واف ٍر من هذا الداء نسأل‬
‫ال َّله السالمة منه‪.‬‬
‫فزعم أثري الزرقاء المحتبي في ثوب زور‪ ،‬مع خليله في‬
‫التحريف العنبري‪ ،‬أنَّ معنى «االستحالل» عند شيخ االسالم ابن‬
‫تيمية يفيد انتفاء قول القلب فقط‪ ،‬الذي من ضمنه التصديق واالقرار‪،‬‬
‫فضرب بمعول اإللحاد فيها‪ ،‬ونادى بأعلى صوته‪ :‬هلموا لتروا مراد‬
‫ابن تيمية منها‪ ،‬فإذا بالصوت كان وبا ً‬
‫ال عليه‪ ،‬كالذي قال‪« :‬باسم ال َّله‬
‫ورب الغالم»‪ ،‬فانقلب خاسئ ًا وهو حسير‪ ،‬لظهورها جلية في األفق‪،‬‬
‫فهذا ما كنت منه تحيد‪.‬‬
‫فكلمة «االستحالل» التي ضربها بمعول االجمال التي في قوله‬
‫� ـ تعالى ـ ‪ ...« :‬فهؤالء إذا عرفوا أنه ال يجوز الحكم إ َّ‬
‫ال بما أنزل‬
‫ال َّله فلم يلتزموا ذلك‪ ،‬بل استحلوا أن يحكموا بخالف ما أنزل ال َّله فهم‬
‫كفار‪[ »...،‬منهاج الس َّنة النبوية ‪.]130/5‬‬
‫قال الغوي المبين‪« :‬االستحالل هنا‪ :‬ينفي قول القلب‪ ،‬وهذا‬
‫وقوعه البد أن يكون بواح ًا‪ ،‬فظن أنَّ الحكم مبني عند شيخ االسالم‬
‫على المعرفة واالعتقاد أو المعرفة واالستحالل‪ ،‬وعدم ذلك بشرطيه‬
‫سودته يداه المحرفة؛ في كل‬
‫ال يلزم منه الكفر‪ ».‬وهذا مبثوث فيما َّ‬

‫‪394‬‬
‫أثرياته‪ ،‬وللمزيد انظر صيحته المبتدعة «ص ‪ 95‬ـ ‪.»...109‬‬
‫فهلم معي ّأيها القارىء المنصف‪ ،‬لنرى معنى «االستحالل»‬
‫عند شيخ االسالم ابن تيمية � لتعلم من يحسب السراب بقيعة ماء‪،‬‬
‫المتبعة أم المبتدعة؛ طائفة المرجئة الجدد‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية �‪« :‬وبيان هذا أنَّ من فعل المحارم مستح ً‬
‫ال‬
‫لها فهو كافر باالتفاق‪ ،‬فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه‪ ،‬وكذلك‬
‫لو استحلها بغير فعل‪ ،‬واالستحالل اعتقاد أنها حالل له وذلك يكون‬
‫تارة باعتقاد أنَّ ال َّله أحلها وتارة باعتقاد أنَّ ال َّله لم يحرمها‪ ،‬وتارة بعدم‬
‫اعتقاد أنَّ ال َّله َّ‬
‫حرمها‪ ،‬وهذا يكون لخلل في اإليمان بالربوبية‪ ،‬أو لخلل‬
‫في اإليمان بالرسالة ويكون جحد ًا محض ًا غير مبني على مقدمة‪».‬‬
‫[الصارم المسلول ‪.]971/3‬‬
‫فمن تدبر هذه التارة التي ذكرها هذا الجهبذ اإلمام الرضي ـ‬
‫� ـ تعالى ـ ‪ ،‬هذا إن كان باغي ًا المراد‪ ،‬سليم ًا من العوائق وعلى‬
‫رأسها الشبهة‪ ،‬علم يقين ًا أنَّ هذه التارة تنفي التصديق واالقرار اللذان‬
‫هما من ضمن قول القلب‪ ،‬فهذا نوع من «االستحالل» الذي يريده هذا‬
‫اإلمام الرضي؛ «اعتقاد حل المحرم»‪ ،‬وهذا كفر باالتفاق‪ ،‬ال يشك فيه‬
‫المتبع السني‪ ،‬وال المرجئي البدعي‪ ،‬ألنَّ اعتقاد هذا ينافي قول القلب‪،‬‬
‫لكن لما كان هذا اإلمام المؤسس لمذهب السلف على الجادة في‬
‫مسائل اإليمان؛ أنَّ اإليمان قول وعمل‪ ،‬خص كل منهما باستحالل‪،‬‬
‫فالتارة التي ذكرناها من قوله تخص قول القلب‪ ،‬أما التارة التي تخص‬
‫عمل القلب‪ ،‬فيقول فيها �‪:‬‬

‫‪395‬‬
‫«وتارة يعلم أنَّ ال َّله َّ‬
‫حرمها‪ ،‬ويعلم أنَّ الرسول إنما حرم ما حرمه‬
‫المحرم‪ ،‬فهذا أشد كفر ًا‬
‫ِّ‬ ‫ال َّله‪ ،‬ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم‪ ،‬ويعاند‬
‫ممن قبله‪ ،‬وقد يكون هذا مع علمه بأن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه‬
‫ال َّله ّ‬
‫وعذبه‪ ،‬ثم إنَّ هذا االمتناع واإلباء إما لخلل في اعتقاد حكمة اآلمر‬
‫وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة لغرض النفس‪ ،‬وحقيقته‬
‫ويصدق بكل ما‬
‫ّ‬ ‫كفر‪ ،‬هذا ألنه يعترف ل َّله ورسوله بكل ما أخبر به‬
‫يصدق به المؤمنون‪ ،‬لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته‬
‫لمراده ومشتهاه‪ ،‬ويقول‪ :‬أنا ال أقر بذلك وال ألتزمه وأبغض هذا الحق‬
‫نوع غير النوع األول‪ ،‬وتكفير هذا معلوم باالضطرار‬
‫وانفر عنه‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫مملوء من تكفير هذا النوع؛ بل عقوبته أشد»‬
‫ٌ‬ ‫من دين اإلسالم‪ ،‬والقرآن‬
‫ا‪.‬هـ [الصارم المسلول ‪.]971/3‬‬
‫إذ ًا‪ ،‬هذا نوع آخر‪ ،‬من «االستحالل» عقوبته أشد؛ «االمتناع‬
‫عن التزام التحريم»‪ ،‬فهذه التارة تنافي عمل القلب الذي َّ‬
‫عرفه اإلمام‬
‫ابن القيم تعريف ًا شام ً‬
‫ال بقوله‪« :‬أنَّ اإليمان ال يكفي فيه قول اللسان‬
‫بمجرده‪ ،‬وال معرفة القلب مع ذلك‪ ،‬بل البد فيه من عمل القلب ـ وهو‬ ‫ّ‬
‫حبه ل َّله ورسوله وانقياده لدينه والتزامه طاعته ومتابعة رسوله ـ ‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬
‫مجرد معرفة القلب وإقراره‪[ ».‬مفتاح دار‬
‫اإليمان هو ّ‬ ‫خالف من زعم أنَّ‬
‫السعادة ‪.]330/1‬‬
‫فطالب المراد المبتغيه‪ ،‬إن أشكل عليه كلمة «االستحالل» التي‬
‫في «منهاج الس َّنة النبوية» و«مجموع الفتاوى» وإن كانت هي في غاية‬
‫الوضوح والبيان‪ ،‬حملها على القاعدة المفسرة لنوعي «االستحالل»‬

‫‪396‬‬
‫التي في «الصارم المسلول»‪ ،‬فهذه قاعدة سنية سلفية يوصي بها األئمة‬
‫األعالم؛ حمل ما كان مجم ً‬
‫ال على المفسر‪.‬‬
‫ولقد أعجبني فعل اإلمام الحافظ ابن عبد البر � في كتابه‬
‫َّ‬
‫الموطأ من المعاني والمسانيد ‪ »400/8‬يقرر‬ ‫الماتع «التمهيد لما في‬
‫فيه هذه القاعدة الجليلة رد ًا على اإلمام الطحاوي المرجئي الذي‬
‫يرجح بالرأي والقياس الفاسد مع قلة البضاعة في علم الحديث‪،‬‬
‫أن‬
‫بشهادة البيهقي في «معرفة السنن واآلثار ‪َّ ...« :»231 ،230/1‬‬
‫علم الحديث لم يكن من صناعته‪ ،‬وإنما أخذ الكلمة بعد الكلمة من‬
‫أهله‪ ،‬ثم لم يحكمها‪ ».‬وشهادة شيخ اإلسالم ابن تيمية التي في «منهاج‬
‫الس َّنة النبوية ‪.»196 ،195/8‬‬
‫قال الحافظ ابن عبد البر �‪« :‬قال الطحاوي‪ :‬وروى المغيرة‬
‫بن شعبة أنَّ رسول ال َّله ﷺ أخذ من شاربه على سواك‪ ،‬وهذا ال يكون‬
‫معه إحفاء‪.‬‬
‫وروى عكرمة عن ابن عباس قال‪« :‬كان رسول ال َّله ﷺ يجز‬
‫شاربه»‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا األغلب فيه اإلحفاء ـ وهو محتمل الوجهين‪.‬‬
‫وروى نافع عن ابن عمر أنَّ النبي ﷺ قال‪« :‬أحفوا الشوارب‬
‫وأعفوا اللحى»‪.‬‬
‫وروى العالء بن عبد الرحمن‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي ﷺ‬
‫قال‪« :‬جزوا الشوارب وأرخوا اللحى»‪ ،‬قال‪ :‬وهذا يحتمل اإلحفاء‬
‫أيض ًا‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫وقد روى عمر بن أبي سلمة عن أبيه‪ ،‬عن أبي هريرة عن النبي‬
‫ﷺ أنه قال‪« :‬أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى»‪ .‬فبان أنَّ الجز في حديثه‬
‫اآلخر اإلحفاء‪.‬‬
‫وذكر الطحاوي هذه اآلثار كلها بأسانيدها من طرق‪ ،‬وذكر‬
‫أيض ًا باألسانيد عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬وأبي أسيد ورافع بن خديج‪،‬‬
‫وسهل بن سعد‪ ،‬وعبد ال َّله بن عمر‪ ،‬وجابر بن عبد ال َّله‪ ،‬وأبي هريرة‪،‬‬
‫أنهم كانوا يحفون شواربهم‪.‬‬
‫وقال إبراهيم بن محمد بن حاطب‪ :‬رأيت ابن عمر يحفي شاربه‬
‫ـ كأنه ينتفه‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬حتى يرى بياض الجلد‪.‬‬
‫وقال الطحاوي‪ :‬لما كان التقصير مسنون ًا عند الجميع في‬
‫الشارب‪ ،‬كان الحلق فيه أفضل ـ قياس ًا على الرأس‪ ،‬قال‪ :‬وقد دعا‬
‫رسول ال َّله ﷺ للمحلقين ثالث ًا‪ ،‬وللمقصرين واحدة؛ فجعل حلق‬
‫الرأس أفضل من تقصيره‪ ،‬فكذلك الشارب؛ قال‪ :‬وما احتج به مالك‬
‫أنَّ عمر كان يفتل شاربه إذا غضب أو اهتم‪ ،‬فجائز أن يكون كان يتركه‬
‫حتى يمكن فتله‪ ،‬ثم يحلقه كما ترى كثير ًا من الناس يفعله»‪.‬‬
‫انظر ّأيها القارىء المنصف إلى القياس الفاسد والترجيح بغير‬
‫مرجح؛ الموهون‪ ،‬فكذلك تجده مبثوث ًا في مسائل اإليمان‪ ،‬وفي القول‬
‫الذي اعتمده الع َّ‬
‫المة األلباني � وم ّتنه‪ ،‬الخاص بتارك الصالة‪،‬‬
‫ولهذا لم يرتض الحافظ ابن عبد البر � هذا القياس الفاسد؛ حلق‬
‫فرده بالقاعدة المحكمة؛ «حمل المجمل‬
‫الشارب على حلق الرأس‪ّ ،‬‬
‫على المفسر»‪.‬‬

‫‪398‬‬
‫قال �‪« :‬إنما في هذا الباب أصالن‪ ،‬أحدهما‪ :‬أحفوا‬
‫الشوارب‪ ،‬وهو لفظ مجمل محتمل للتأويل‪ ،‬والثاني‪ :‬قص الشوارب ـ‬
‫وهو مفسر‪ ،‬والمفسر يقضي على المجمل ـ مع ما روي فيه أنَّ إبراهيم‬
‫أول من قص شاربه‪.‬‬
‫‪ ...‬عن المغيرة بن شعبة قال‪« :‬ضفت رسول ال َّله ﷺ ذات ليلة‪،‬‬
‫فأمر بجنب فشوى‪ ،‬ثم أخذ الشفرة فجعل يجز منها‪ ،‬فجاء بالل فآذنه‬
‫بالصالة‪ ،‬فألقى الشفرة فقال‪ :‬ما له تربت يداه‪ .‬وكان شاربي قد وفى‬
‫بعضه‪ ،‬فقصه لي على سواك»‪[ ».‬التمهيد ‪.]401 ،400/8‬‬
‫وإنما ذكرت ذلك‪ ،‬لوضوح هذه القاعدة عند السلف‪ ،‬في‬
‫ترجيح األقوال‪ ،‬ومعرفة المراد‪ ،‬فكانت مثا ً‬
‫ال في الرد على المرجئة‬
‫المبتدعة‪ ،‬حلبية كانت أم عنبرية‪ ،‬التي ألحدت في كلمة «االستحالل»‬
‫عند شيخ االسالم ابن تيمية �‪.‬‬
‫لكن قد يورد علينا هؤالء المبتدعة؛ طائفة المرجئة الجدد‬
‫شبهة‪ ،‬قد يتعلق بها طري العود قليل الخبرة‪ ،‬المريد للهدى الراغب في‬
‫تحصيله‪ ،‬أما المائل إلى مذهبهم المشين‪ ،‬يتشبث بها ال يريد االنفكاك‬
‫عنها‪ ،‬ظان ًا بأنها تخدم مصلحته‪ ،‬وهذا هو اإليواء إلى ركن غير وثيق‪.‬‬
‫فقد يقول هؤالء المبتدعة‪ :‬إذا كان «االستحالل» يظهر بعدم‬
‫التزام التحريم مطلق ًا‪ ،‬فوجب تكفير شارب الخمر المداوم عليه‪،‬‬
‫وتكفير ّ‬
‫الكذاب المداوم عليه‪ ،‬وتكفير الزاني المداوم على هذه الرذيلة‬
‫و‪،...‬؟! والشك هذه كبائر‪ ،‬وتكفير أصحابها هو مذهب الخوارج‬
‫بعينه؟! فهم مداومون عليها لم يلتزموا التحريم؟!!‬

‫‪399‬‬
‫نقول وبال َّله تعالى التوفيق‪:‬‬
‫إنَّ هذه شبهة واهية‪ ،‬إما عن سوء قصد وفساد طوية‪ ،‬وإما عن‬
‫جهل وغشاوة بسبب البدعة‪ ،‬وعلى ٍّ‬
‫كل وجب تفنيدها حتى ال يرتاب‬
‫أن ما ذهب إليه‬
‫مريد الهدى الراغب في تحصيله‪ ،‬ويستيقن المرجئي َّ‬
‫المفرط في نفس األسس البدعية‬ ‫أوهن من بيت العنكبوت‪ ،‬اشترك مع ُ‬
‫التي ظنوا بها‪ ،‬ذلك لما جعلوا اإليمان شيئ ًا واحد ًا‪ ،‬ال يتبعض وال‬
‫يتجزأ؛ إذا ذهب بعضه ذهب كله‪ ،‬فتقابلت البدعتان؛ «بدعة الخوارج»‬
‫مع «بدعة المرجئة»‪.‬‬
‫فاألولى‪ :‬كفرت بالكبيرة‪ ،‬والثانية‪ :‬جعلت «األعمال الظاهرة ـ‬
‫طاعات ومعاصي ـ وجود ًا وعدم ًا ـ متعلقة باإليمان المطلق‪ ،‬ال بمطلق‬
‫اإليمان» [التعريف والتنبئة ص ‪ 44‬حاشية ‪ 2‬للبدعي المرجئي علي حسن حلبي ـ‬
‫أثري الزرقاء ـ]‪.‬‬
‫والحق بين هذين الباطلين يلوح على جبين المتبعة؛ السلفية‬
‫الشرعية‪ ،‬التي أعطت النصوص حقها‪ ،‬فهي علمت أنَّ اإليمان ليس‬
‫شيئ ًا واحد ًا‪ ،‬بل يتبعض ويتجزأ‪ ،‬ويزول منه البعض ويبقى منه البعض‪،‬‬
‫ٌ‬
‫معرض للزوال بالكلية‪ ،‬بسبب األعمال التي تذهب أصله‪.‬‬ ‫كما هو‬
‫فهي أخذت هذا التأصيل عن السلف األول ﷺ‪ ،‬في الذي كان‬
‫يكثر من شرب الخمر‪ ،‬وكان يجلده كلما جيء به‪ ،‬ومع ذلك لما لعن‬
‫أثبت له حب ال َّله والرسول‪ ،‬كما هو مروي في «البخاري برقم ‪»6780‬‬
‫والسبب أنَّ فعل هذه المعصية؛ عدم التزام تحريمها ال تنافي أصل‬
‫اإليمان‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫«ألنه يعتقد وجوب ذلك الفعل عليه ويحب أن ال يفعله‪ ،‬لكن‬
‫الشهوة والنفرة منعته من الموافقة‪ ،‬فقد أتى من اإليمان بالتصديق‬
‫والخضوع واالنقياد وذلك قول وعمل لكن لم يكمل العمل‪[ ».‬الصارم‬
‫المسلول ‪.]972/3‬‬
‫فلما كان صحيح االعتقاد يحب ال َّله ورسوله شهد له النبي‬
‫بذلك‪ ،‬وأخبر أنَّ فعله هذا ال ينافي أصل اإليمان الذي من لوازمه الحب‬
‫والبغض‪ ،‬بل هو أصل أصوله‪ ،‬فعدم التزامه هذا يضعف عمل القلب ال‬
‫يذهبه بالكلية إ َّ‬
‫ال إذا اعتقد عدم التحريم‪ ،‬وهذا هو «االستحالل» الذي‬
‫البد أن يظهر بواح ًا؛ التارة األولى التي ذكرها شيخ االسالم من نوعي‬
‫«االستحالل»‪.‬‬
‫لكن ماذا كان قوله ﷺ في الذي تزوج امرأة أبيه؟!‬
‫عن البراء قال‪« :‬لقيت عمي ومعه راية‪ ،‬فقلت له‪ :‬أين تريد؟‬
‫قال‪ :‬بعثني رسول ال َّله ﷺ إلى رجل نكح امرأة أبيه؛ فأمرني أن أضرب‬
‫عنقه‪ ،‬وآخذ ماله‪[ ».‬صحيح سنن أبي داود رقم ‪.]4457‬‬
‫وضرب العنق مع تخميس المال‪ّ ،‬‬
‫دل على أنه كان مرتد ًا‬
‫ال لذلك‪ ،‬وهذا «االستحالل» هو من النوع الثاني الذي ذكره‬ ‫مستح ً‬
‫أن ال َّله‬
‫شيخ االسالم ابن تيمية �؛ التارة الثانية‪ ،‬بقوله‪« :‬وتارة يعلم َّ‬
‫حرمه ال َّله‪ ،‬ثم يمتنع عن التزام‬
‫أن الرسول إنما حرم ما َّ‬‫حرمها‪ ،‬ويعلم َّ‬
‫َّ‬
‫هذا التحريم‪ ،‬ويعاند المحرم‪ ،‬فهذا أشد كفر ًا ممن قبله‪ ،‬وقد يكون‬
‫أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه ال َّله وعذبه‪[ »...‬الصارم‬
‫هذا مع علمه َّ‬
‫المسلول ‪.]971/3‬‬

‫‪401‬‬
‫فدل على أنَّ العمل ينافي أصل اإليمان؛ عدم التزام هذا التحريم‬
‫يذهب عمل القلب بالكلية وال يضعفه فقط‪ ،‬وإن كان التصديق باقي ًا‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬هذا الفعل شهوة كفعل شارب الخمر‪ ،‬قلنا‪ :‬ليس‬
‫سواء‪ ،‬هناك بون شاسع بينهما‪ ،‬وإن كان يظهر لك شهوة‪ ،‬فهذه الشهوة‬
‫أي بضع كان‪،‬‬‫تذهب عمل القلب بالكلية‪ ،‬وذلك أنه قد تتأتى له في ّ‬
‫فاالقدام على هذا البضع المحرم أشد تحريم ًا ّ‬
‫دل على أنه مستهان‬
‫غير معظم جانب ال َّله والرسول‪ ،‬وهذا هو مسلك إبليس لعنه ال َّله ومن‬
‫أن الخضوع واالنقياد‬
‫سلك سبيله‪ ،‬فعدم التزام هذا التحريم دل على َّ‬
‫منتف من قلبه أي‪« :‬عمل القلب»‪ ،‬وهذا وجه كفره‪.‬‬
‫فإذا كان هذا المستحل كفر المتناعه عن التزام هذا التحريم‪،‬‬
‫فكفر الممتنع عن التزام الشريعة أظهر وأبين‪ ،‬فأين مكان االقدام على‬
‫َّ‬
‫وحل محلها القوانين الوضعية‬ ‫زوجة األب‪ ،‬من تنحية شرع ال َّله‪،‬‬
‫فأي كفر‬
‫الكفرية؟!! فإذا انضم إلى ذلك محاربة دعاته بالحديد والنار‪ّ ،‬‬
‫وأي مناقضة فوق هذه المناقضة بأنَّ محمد ًا رسول‬
‫فوق هذا الكفر‪ّ ،‬‬
‫ال َّله‪ ،‬فإذا أقصيت الشريعة فهل يبقى لإلسالم شيء؟! ووجه كفر من‬
‫فعل هذا أشد وأعظم وأبين‪ ،‬وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم‪.‬‬
‫وهذا «االستحالل»؛ االمتناع عن التزام هذا التحريم‪ ،‬المنافي‬
‫لعمل القلب الذي هو قبوله وانقياده‪ ،‬جعل السلفي القح في األصول‬
‫الحنبلي في الفروع المبرء من التعصب الع َّ‬
‫المة محمد بن صالح‬
‫عثيمين � يقول في الحاكم الذي يكفر بالفعل المجرد بدون نظر‬
‫إلى االعتقاد‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫«القسم األول‪ :‬أن يبطل حكم ال َّله ليحل محله حكم آخر‬
‫طاغوتي‪ ،‬بحيث يلغي الحكم بالشريعة بين الناس‪ ،‬ويجعل بدله حكم‬
‫آخرمن وضع البشر كالذين ينحون األحكام الشرعية في المعاملة بين‬
‫الناس‪ ،‬ويحلون مح ّلها القوانين الوضعية‪ ،‬فهذا الشك أنه استبدال‬
‫[فقه‬ ‫بشريعة ال َّله سبحانه وتعالى غيرها وهو كفر مخرج عن الملة‪».‬‬
‫العبادات ص ‪.]60‬‬
‫فاالمتناع عن االلتزام المنافي ألصل اإليمان؛ عمل القلب‪ ،‬وحل‬
‫محله القانون الوضعي هو كفر مجرد يصب في خانة «االستحالل»‬
‫المنافي لعمل القلب؛ التارة الثانية التي فصلها شيخ اإلسالم ابن تيمية‪،‬‬
‫المة محمد � منه أخذ هذا التأصيل‪ ،‬الموضح في قوله «فإنَّ‬ ‫بل الع َّ‬
‫كثير ًا أسلموا ولكن مع هذا ال يحكمون إ َّ‬
‫ال بالعادات الجارية التي يأمر‬
‫ال بما أنزل‬ ‫بها المطاعون فهؤالء إذا عرفوا أنه ال يجوز لهم الحكم إ َّ‬
‫ال َّله فلم يلتزموا ذلك‪ ،‬بل استحلوا أن يحكموا بخالف ما أنزل ال َّله فهم‬
‫ال كانوا جها ً‬
‫ال‪[ ».‬منهاج الس َّنة النبوية ‪.]130/5‬‬ ‫كفار وإ َّ‬
‫فابن تيمية والع َّ‬
‫المة محمد بن صالح عثيمين ك َّفروا هذا بفعله‬
‫المجرد الذي دل على االستحالل الذي معناه «االمتناع عن االلتزام»‬
‫مرعليك تعريف ابن القيم لعمل القلب أنه «االنقياد لدينه‬
‫ويكفي أنه قد َّ‬
‫والتزام طاعته ومتابعة رسوله»‪.‬‬
‫فانصف أيها القارىء المنصف‪ ،‬وتجرد من الهوى والتقليد‪،‬‬
‫يظهر لك ذلك جلي ًا‪ ،‬فمن المزخرف المحرف؟! المتبعة أم المرجئة‬
‫المبتدعة‪ ،‬وطائفتهم الجدد؟! المتمثلة في المدخلية والحلبية والعنبرية‬

‫‪403‬‬
‫قطع ال َّله دابرهم وأراح األمة من تفريطهم وسمومهم‪ ،‬وقبل أن نختم‬
‫هذا العنصر‪ ،‬أود أن أذكر لك ّأيها القارىء المنصف‪ ،‬تناقض أئمة‬
‫المرجئة التي تنهل منهم الطائفة الجديدة التي اجتمع فيها «الكبر»‬
‫و«الكذب»‪.‬‬
‫والسبب أنَّ أئمة هؤالء‪ ،‬سلكوا ّ‬
‫البنية البدعية وكانوا في غنى‬
‫عنها‪ ،‬أفضت بهم إلى التناقض واالضطراب لما أصلوه من أصل فاسد‬
‫ال يلتئم عليه جمع النصوص‪ ،‬فتطلبوا لها مستنكر التأويالت‪ ،‬نسأل‬
‫ال َّله السالمة‪.‬‬
‫يقول اإلمام الطحاوي المرجئي � في حديث البراء بن‬
‫عازب‪« :‬وهو أنَّ ذلك المتزوج‪ ،‬فعل ما فعل من ذلك‪ ،‬على االستحالل‪،‬‬
‫كما كانوا يفعلون في الجاهلية‪ ،‬فصار بذلك مرتد ًا‪ ،‬فأمر رسول ال َّله ﷺ‬
‫أن يفعل به ما يفعل بالمرتد‪...‬‬
‫ـ إلى أن قال ـ ‪ :‬حدثنا محمد بن علي بن داود‪ ،‬وفهد‪ ،‬ومحمد‬
‫بن الورد‪ ،‬قالوا‪ :‬حدثنا يوسف بن منازل الكوفي‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عبد ال َّله‬
‫بن إدريس‪ ،‬عن خالد بن أبي كريمة‪ ،‬عن معاوية بن قرة عن أبيه «أنَّ‬
‫عرس بامرأة أبيه أن يضرب عنقه‬
‫النبي ﷺ بعث جده معاوية إلى رجل َّ‬
‫ويخمس ماله»‪.‬‬
‫ّ‬
‫فلما أمر رسول ال َّله ﷺ في هذين الحديثين بأخذ مال المتزوج‬
‫وتخميسه دل ذلك أنَّ المتزوج كان بتزوجه مرتد ًا محارب ًا‪ ،‬فوجب أن‬
‫يقتل لردته‪[ ».‬شرح معاني اآلثار ‪.]41 ،40/3‬‬
‫نقول لإلمام الطحاوي المرجئي ومن سلك بنيته البدعية‪ ،‬إنما‬

‫‪404‬‬
‫قتل هذا بفعله هذا المجرد‪ ،‬وهذا الفعل المجرد أظهر استحالله‪ ،‬ولقد‬
‫قلت‪« :‬فعل ما فعل على وجه االستحالل» وهذا االستحالل هو التارة‬
‫الثانية التي ذكرها شيخ االسالم ابن تيمية من نوعي االستحالل؛ عدم‬
‫التزام التحريم‪ ،‬لكن بقولك هذا الصحيح‪ ،‬ناقضت لما أصلته من‬
‫أصل‪ ،‬وذلك أنك قلت في عقيدتك‪« :‬وال يخرج العبد من اإليمان إ َّ‬
‫ال‬
‫بجحود ما أدخله فيه»‪.‬‬
‫وهذا المستحل ليس بجاحد‪ ،‬والجحود ينفي قول القلب‪،‬‬
‫وكفر التكذيب وكفر الجحود واالستحالل المنافي لقول القلب البد‬
‫أن يظهر بواح ًا‪ ،‬وهذا لم يكذب ولم يجحد ولم يبوح باالستحالل‬
‫لذلك الفعل‪ ،‬إنما قتل بالفعل المجرد!‬
‫ولقد قلت أيض ًا في «شرح مشكل اآلثار ‪« :»206/8‬ولما‬
‫كان الرجل يكون مسلم ًا إذا ّ‬
‫أقر باإلسالم قبل أن يأتي بما يوجبه عليه‬
‫اإلسالم من الصلوات الخمس‪ ،‬ومن صيام رمضان‪ ،‬كان كذلك يكون‬
‫كافر ًا بجحوده لذلك‪ ،‬وال يكون كافر ًا بتركه ّإياه بغير جحود منه له‪ ،‬وال‬
‫ال من حيث كان مسلم ًا‪ ،‬وإسالمه كان باقراره باإلسالم‪،‬‬ ‫يكون كافر ًا إ َّ‬
‫وكذلك ر ّدته ال تكون إ َّ‬
‫ال بجحوده اإلسالم »‪.‬‬
‫ولقد اغتر بكالمك هذا‪ ،‬الع َّ‬
‫المة األلباني � وقال فيه‪« :‬هذا‬
‫[السلسلة الصحيحة ‪ 7‬القسم األول ص‬ ‫فقه جيد‪ ،‬وكالم متين ال مرد له»‬
‫‪.]141‬‬
‫ونحن نقول‪ :‬هذا كالم مشين وفقه غير رزين‪ ،‬وقف بسببه‬
‫أن هذا المستحل لم يترك الكلمة التي كان‬
‫حمارك عند العقبة‪ ،‬وذلك َّ‬

‫‪405‬‬
‫بها إسالمه ولم يجحدها‪ ،‬وكذلك لم يبح باستحالله لذلك الفعل حتى‬
‫نسميه جاحد ًا‪ ،‬فأين المفر؟!!‬
‫وصدق البيهقي وابن تيمية لما قاال‪ :‬إنما ترجح وتبطل اآلثار‬
‫بقياسك الفاسد‪ ،‬مع عدم البضاعة الكافية‪ ،‬وإنما أوردت هذا‪ ،‬لتعلم‬
‫ّأيها القارىء المنصف أنَّ من لم يسلك الطرق الشرعية في الترجيح‪،‬‬
‫احتاج إلى البنية البدعية‪ ،‬فتستشكل بين يديه‪ ،‬فيتطلب لها مستنكر‬
‫التأويالت‪ ،‬بوجه من وجوه التحريف‪ ،‬وهذا المسلك سلكه أيض ًا‬
‫المة األلباني � في مسائل اإليمان‪ ،‬وطائفة المرجئة الجدد؛‬ ‫الع َّ‬
‫المدخلية والحلبية والعنبرية؛ األثرية عموم ًا‪.‬‬
‫كما ال يفوتنا أن نعلق على كالم إمام المفسرين‪ ،‬هو معنا على‬
‫أحق توجيه‪،‬‬
‫الجادة في مسائل اإليمان‪ ،‬لم يوفق في توجيه هذه الحادثة ّ‬
‫أي‪ :‬الذي تزوج امرأة أبيه‪.‬‬
‫يقول ابن جرير الطبري � معلق ًا على هذه الحادثة‪« :‬وكان‬
‫الدليل على تكذيبه رسول ال َّله ﷺ فيما أتاه من ال َّله تعالى‬
‫فعله من أدل ّ‬
‫ذكره‪ ،‬وجحوده آية محكمة في تنزيله‪ ...‬فكان بذلك من فعله حكم‬
‫القتل وضرب العنق؛ فلذلك أمر رسول ال َّله ﷺ بقتله وضرب عنقه‬
‫ألنَّ ذلك كان سنته في المرتد عن اإلسالم» [تهذيب اآلثار ‪.]148/2‬‬
‫ولنفرض صحة ما ذهب إليه هذا اإلمام؛ أنَّ فعل هذا ما فعل‬
‫على الجحود‪ ،‬وهو ٌ‬
‫باطل قطع ًا‪ ،‬فهذا ليس علينا إنما لنا؛ ال يخدم الفئة‬
‫التي تقول ال كفر إ َّ‬
‫ال كفر التكذيب أوالجحود؛ طائفة المرجئة الجدد‪.‬‬
‫والسبب‪ :‬أنَّ ذلك الفعل أظهر الجحود ـ يعني‪ :‬من األعمال ما‬

‫‪406‬‬
‫يظهر الحجود‪ ،‬ولو لم يبح صاحبه بجحوده ـ هذه األولى‪.‬‬
‫أما الثانية‪ :‬إذا أعملنا صحة ما ذهب إليه هذا اإلمام‪ ،‬أنَّ من‬
‫األعمال الجوارحية ما يدل على الجحود‪ ،‬كهذا الذي وسم بالجحود‬
‫إلتيانه بضع محرم أشد تحريم ًا‪ ،‬فإقصاء الشريعة وحل محلها القوانين‬
‫الوضعية أظهر وأدل؟!‬
‫فإذا رضيتم بهذا القول؛ أنَّ هذا المستحل كان جاحد ًا‪ ،‬ضيق‬
‫الخالف بيننا إلى أبعد الحدود‪ ،‬وإن أثبتم من الكفر إ َّ‬
‫ال كفر التكذيب‬
‫أو الحجود‪.‬‬
‫إذ ًا فال تلومونا أو توسمونا بـ «الخارجية» إذا قلنا‪ :‬من األعمال ما‬
‫كافر وال كرامة وإن لم يبح بذلك‪ ،‬كالذي‬
‫يدل على الجحود‪ ،‬وصاحبه ٌ‬
‫ق َّنن؛ أقام الشريعة وأحل محلها القوانين الوضعية بفعله المجرد‪ ،‬وإن‬
‫كان ما ذهب إليه اإلمام ابن جرير الطبري يخالف كفر الجحود‪ ،‬أي‪ :‬أنه‬
‫يذهب اإلقرار‪ ،‬وهذا البد أن يكون بواح ًا‪ ،‬فهل ترضون منا ذلك؟!‬
‫أن من‬
‫بالرغم لنا في ذلك سلف؛ ما ذهب إليه اإلمام الطبري ـ َّ‬
‫األعمال ما يظهر التكذيب أو الجحود ـ ‪ ،‬فمن أحق باألمن نحن أم‬
‫أنتم؟!‬
‫وبالرغم من قوته ألنه يخدم ما حققناه ورجحناه‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أننا ال‬
‫نرتضيه ألنه يخالف قاعدة الجحود واإلقرار‪ ،‬وهذا فعل ما فعل على‬
‫وجه االستحالل‪ ،‬وهذا االستحالل هو الذي يذهب عمل القلب ال‬
‫قوله؛ «عدم التزام التحريم»؛ التارة الثانية التي ذكرها شيخ االسالم في‬
‫«الصارم المسلول» من نوعي االستحالل‪ .‬‬

‫‪407‬‬
‫فأرجوا ّأيها القارىء المنصف أن أكون قد َّبينت لك في هذا‬
‫العنصر الخطير مسلك السلفية الشرعية‪ ،‬في التعامل مع النصوص‪،‬‬
‫وبغية فهم المراد‪.‬‬
‫فإياك ثم إياك اإليواء إلى ركن غير وثيق‪ ،‬وله أسأل لنا ولك‬
‫الثبات على الكور وعدم الحور‪ ،‬آمين آمين‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪408‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬حقيقة «اإليمان» عند ابن تيمية وابن القيم شيخي‬
‫اإلسالم‪:‬‬
‫«فإن اإليمان عند أهل الس َّنة والجماعة‬
‫يقول ابن تيمية �‪َّ :‬‬
‫قول وعمل كما دل عليه الكتاب والس َّنة وأجمع عليه السلف‪ ،‬وعلى ما‬
‫هو مقرر في موضعه‪ ،‬فالقول‪ :‬تصديق الرسول ﷺ‪ ،‬والعمل‪ :‬تصديق‬
‫القول‪ ،‬فإذا خال العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمن ًا‪ ...‬ـ إلى أن قال ـ ‪:‬‬
‫الدين هو الطاعة واالنقياد‪ ،‬وذلك إنما يتم بالفعل ال‬ ‫وأيض ًا فإنَّ حقيقة ّ‬
‫بالقول فقط‪ ،‬فمن لم يفعل ل َّله شيئ ًا فما دان ل َّله دين ًا‪ ،‬ومن ال دين له فهو‬
‫كافر»أ‪.‬هـ [شرح العمدة ‪« 86/2‬كتاب الصالة»]‪.‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬فإنَّ أصل اإليمان التصديق واالنقياد فهذا‬
‫[مجموعة الرسائل‬ ‫أصل اإليمان الذي من لم يأت به فليس بمؤمن‪».‬‬
‫والمسائل ‪.]341/1‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬فاإليمان بال َّله ورسوله قول وعمل ـ أعني‬
‫بالعمل ما ينبعث عن القول واالعتقاد من التعظيم واالجالل ـ فإذا عمل‬
‫ضد ذلك من االستكبار واالستخفاف صار كافر ًا» [الصارم المسلول‬
‫‪.]865/3‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬ومن كان عقده اإليمان بالغيب وال يعمل‬
‫بأحكام اإليمان وشرائع اإلسالم‪ ،‬فهو كافر كفر ًا ال يثبت معه التوحيد‪».‬‬
‫[مجموعة الفتاوى الكنيف ‪ 209/7‬ط‪/‬جـ]‪.‬‬
‫يقول ابن قيم الجوزية �‪« :‬اإليمان له ظاهر وباطن‪ ،‬وظاهره‬
‫قول اللسان وعمل الجوارح‪ ،‬وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته‪،‬‬

‫‪409‬‬
‫فال ينفع ظاهر ال باطن له وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية‪،‬‬
‫وال يجزىء باطن ال ظاهر له إ َّ‬
‫ال إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هالك‪.‬‬
‫وخلوه من‬
‫ِّ‬ ‫فتخلف العمل ظاهر ًا مع عدم المانع دليل على فساد الباطن‬
‫اإليمان‪[ ».‬الفوائد ص ‪.]117‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬واإلسالم هو توحيد ال َّله وعبادته وحده‬
‫ال شريك له‪ ،‬واإليمان بال َّله وبرسوله وإتباعه فيما جاء به‪ ،‬فما لم يأت‬
‫العبد بهذا فليس بمسلم‪[ ».‬طريق الهجرتين ص ‪.]433‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬أنَّ اإليمان ال يكفي فيه قول اللسان‬
‫بمجرده‪ ،‬وال معرفة القلب مع ذلك‪ ،‬بل البد فيه من عمل القلب ـ وهو‬
‫حبه ل َّله ورسوله وانقياده لدينه والتزامه طاعته ومتابعة رسوله ـ‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬
‫مجرد معرفة القلب وإقراره‪[ ».‬مفتاح دار‬
‫أن اإليمان هو ّ‬
‫خالف من زعم َّ‬
‫السعادة ‪.]330/1‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬ومن تأمل ما في السير واألخبار الثابتة من‬
‫شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له ﷺ بالرسالة‪ ،‬وأنه صادق‪،‬‬
‫فلم تدخلهم هذه الشهادة في اإلسالم‪ ،‬علم أنَّ اإلسالم وراء ذلك‪ ،‬وأنه‬
‫ليس هو المعرفة فقط‪ ،‬وال المعرفة واإلقرار فقط‪ ،‬بل المعرفة واإلقرار‪،‬‬
‫واالنقياد‪ ،‬والتزام طاعته ودينه ظاهر ًا وباطن ًا‪[ ».‬زاد المعاد ‪،638/3‬‬
‫‪.]639‬‬
‫ويقول � أيض ًا‪« :‬والقلب عليه واجبان ال يصير مؤمن ًا‬
‫ال بهما جميع ًا‪ :‬واجب المعرفة والعلم‪ ،‬وواجب الحب واالنقياد‬ ‫إ َّ‬
‫واالستسالم‪ ،‬فكما ال يكون مؤمن ًا إذا لم يأت بواجب العلم واالعتقاد‪،‬‬

‫‪410‬‬
‫ال يكون مؤمن ًا إذا لم يأت بواجب الحب واالنقياد واالستسالم‪ ،‬بل‬
‫إذا ترك هذا الواجب مع علمه ومعرفته به‪ ،‬كان أعظم كفر ًا وأبعد عن‬
‫اإليمان‪[ ».‬مفتاح دار السعادة ‪.]332/1‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪411‬‬
‫‪‬‬
‫الخاتمة‬
‫‪‬‬

‫يقول المولى ـ سبحانه وتعالى ـ ‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬


‫ﮪﮫ﴾ [الشورى]‪ ،‬فلقد بغت علينا طائفة المرجئة الجدد‪،‬‬
‫المحتبية في ثوب زور؛ المدخلية والحلبية األثرية والعنبرية الخبيثة‪،‬‬
‫جرحت علماءنا وجهابذتنا والجرح بهم أولى وهم المرجئة‬ ‫التي َّ‬
‫الفاسدة ذات السلعة الكاسدة‪.‬‬
‫«وهذا هو حال أهل البدع المخالفة للكتاب والس َّنة‪ ،‬فإنهم إن‬
‫ال الظن وما تهوى األنفس‪ ،‬ففيهم جهل وظلم» [منهاج الس َّنة‬‫يتبعون إ َّ‬
‫النبوية ‪ 20/1‬البن تيمية]‪.‬‬
‫فوجب علينا االنتصار‪ ،‬وعقيدة أهل الس َّنة والجماعة؛ السلفية‬
‫الشرعية‪ ،‬االنتصار بعد البغي‪ ،‬وال يجوز االعفاء إ َّ‬
‫ال بعد القدرة‬
‫والقوة والصولة على الباغي‪ ،‬أما االعفاء قبل ذلك‪ ،‬فهو إعفاء عن‬
‫ٍ‬
‫واستكانة‪ ،‬وليس ذلك من عقيدة أهل الس َّنة والجماعة في شيء‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ذل‬
‫وإنما هو عقيدة الذين ال تستطيع أن تلحقهم بمراتب الرجال؛ المرجئة‬
‫الذليلة المهينة‪.‬‬
‫فمن سيمات أهل الس َّنة والجماعة؛ السلفية الشرعية‪ ،‬االنتصار‬
‫في الميدانين‪ ،‬ميدان العلم بالحجة والبيان‪ ،‬وميدان الفروسية بالسيف‬
‫والسنان‪ ،‬وما سطرناه سببه البغي بالكذب واالفتراء على من نحن‬
‫وخصومنا عيال على علومهم المبثوثة في كتبهم‪ ،‬التي جعل ال َّله لها‬

‫‪412‬‬
‫القبول في األرض‪ ،‬مثل ابن تيمية وتلميذه ومحمد بن عبد الوهاب‪،‬‬
‫وأوالده وتالمذته الذين سلكوا نفس النهج‪ ،‬وسليمان بن سمحان‪،‬‬
‫وعبد اللطيف آل الشيخ‪ ،‬وابنه محمد بن إبراهيم‪ ،‬والسعدي والشنقيطي‬
‫وابن باز‪ ،‬والسلفي القح في األصول المبرأ من التعصب ابن عثيمين‪،‬‬
‫وعبد العزيز آل الشيخ‪ ،‬وابن جبرين‪ ،‬والفوزان‪ ،‬وعبد العزيز بن عبد‬
‫ال َّله الراجحي و‪ ...‬والع َّ‬
‫المة الجهبذ المنافح على ثغر العقيدة بكر بن‬
‫عبد ال َّله أبو زيد‪ ،‬والع َّ‬
‫المة المحقق محمد بن إبراهيم شقرة أبو مالك‪،‬‬
‫فهو أحد الذين ألجلهم انتصرنا وطالبنا المبارزة في الميدان‪ ،‬فكان‬
‫ما كتبنا هو الذي استقر بعد ما انجلى غبار الميدان‪ ،‬فله أسأل ‪ ‬أن‬
‫تكون هذه العصارة من النفع الذي يمكث في األرض‪.‬‬
‫أما البغاة فهم طائفتان‪:‬‬
‫ـ طائفة مخانيث الجهمية‪ :‬فهذه نارها غير مؤججة ألنها‬
‫زمن ٍ‬
‫بعيد‪ ،‬على أيدي أتباع الرسل مثل شيخ االسالم ابن‬ ‫أخمدت من ٍ‬
‫تيمية وتلميذه و‪ ...‬والمعلمي و‪ Ą ...‬ـ تعالى ـ ‪.‬‬
‫ـ أما الثانية‪ :‬فهي طائفة المرجئة الجدد‪ :‬فهي أخطر من التي‬
‫قبلها‪ ،‬ألنها جعلت معتقد السلف شعار ًا واإلرجاء دثار ًا‪ ،‬فاستشكل‬
‫أمرها والتبس على العامة وطالب العلم قليلي الخبرة‪ ،‬والسبب أنَّ في‬
‫هذه الطائفة توجهين‪.‬‬
‫لما سبق إلى ذهنه من أصول واهية في‬
‫ـ توجه جهل المراد َّ‬
‫مسائل اإليمان‪ ،‬طلب لها مستنكر التأويالت ببضاعة مزجاة في دعامة‬
‫الدين؛ مسألة اإليمان‪ ،‬وهذا يمثله الع َّ‬
‫المة المحدث األلباني �‬ ‫ّ‬

‫‪413‬‬
‫ولقد ظهر ذلك جلي ًا في شبهاته‪.‬‬
‫ـ أما التوجه الثاني‪ :‬فلقد عرف المراد وأيقنه‪ ،‬فذهب مذهب‬
‫البتر والتحريف ليلحد في المراد‪ ،‬وهذا يمثله ربيع بن هادي المدخلي‬
‫المرجئي وابنه المحرف الذي أضاف كلمة «صالة» في كتاب «الحجة‬
‫في بيان المحجة» ليمرر بدعته‪ ،‬ولقد فضحه الشيخ الفاضل محمد بن‬
‫رحيم‪ ،‬وعلي حسن حلبي المرجئي أثري الزرقاء‪ ،‬وخالد‬
‫محمود أبو ِّ‬
‫علي العنبري الجهمي الضال ومن َّ‬
‫قدم له‪.‬‬
‫ولقد اجتمع في هذا التوجه الخبيث‪ ،‬صفة التعالم‪ ،‬وصفة‬
‫تصنيف الناس بالكذب واالفتراء‪ ،‬حتى اغتر بهم من اغتر‪ ،‬ولقد استبان‬
‫أمره والح في األفق؛ لقد وضح للسالكين عيان ًا‪.‬‬
‫المة الجهبذ بكر بن عبد ال َّله أبو زيد‪« :‬وما زالت ثائرة‬
‫يقول الع َّ‬
‫لجوا في‬
‫توظف هذه المكيدة في ثلب علماء األمة‪ ،‬فقد ُ‬ ‫أهل األهواء‪ّ ،‬‬
‫الحط على شيخ اإلسالم ابن تيمية ـ رحمه ال َّله تعالى ـ ألنه عمدة في‬
‫ّ‬
‫القرون المتأخرة إلحياء منهج السلف‪.‬‬
‫ونشروا في العالم التشنيع على دعوة علماء السلف في قلب‬
‫الجزيرة العربية بالرجوع إلى الوحيين الشريفين‪ ،‬ونبزهم بشتى األلقاب‬
‫للتنفير‪.‬‬
‫وفي عصرنا الحاضر يأخذ الدور في هذه الفتنة دورته في مسالخ‬
‫من المنتسبين إلى الس َّنة متلفعين بمرط ينسبونه إلى السلفية ـ ظلم ًا لها‬
‫ـ فنصبوا أنفسهم لرمي الدعاة بال ّتهم الفاجرة‪ ،‬المبنية على الحجج‬
‫الواهية‪ ،‬واشتملوا بضاللة التصنيف‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫الدين وتشتيت‬
‫وهذا بالء عريض‪ ،‬وفتنة مضلة في تقليص ظل ّ‬
‫جماعته‪ ،‬وزرع البغضاء بينهم‪ ،‬وإسقاط حملته من أعين الرعية‪ ،‬وما‬
‫هنالك من العناد‪ ،‬وجحد الحق تارة‪ ،‬ورده أخرى‪.‬‬
‫صدق األئمة الهداة‪ :‬إنَّ رمي العلماء بالنقائص‪ ،‬وتصنيفهم‬
‫البائس من البينات‪ ،‬فتح باب زندقة مكشوفة‪.‬‬
‫المد‬ ‫ويا ل َّله كم ّ‬
‫صدت هذه الفتنة العمياء عن الوقوف في وجه ّ‬
‫والمد الطرقي‪ ،‬والعبث األخالقي‪ ،‬وإعطاء الفرصة في‬
‫ّ‬ ‫اإللحادي‪،‬‬
‫استباحة أخالقيات العباد وتأجيج سبل الفساد واإلفساد‪.‬‬
‫الدين‪،‬‬
‫إلى آخر ما تجره هذه المكيدة المهينة من جنايات على ّ‬
‫وعلى علمائه‪ ،‬وعلى األمة‪ ،‬وعلى والة أمرها‪.‬‬
‫وبالجملة فهي فتنة مضلة والقائم بها «مفتون» و«منشق» عن‬
‫جماعة المسلمين‪[ ».‬تصنيف الناس بين الظن واليقين ص ‪.]29 ،28‬‬
‫ويقول أيض ًا هذا الجهبذ ـ حفظه ال َّله تعالى ـ ‪« :‬لكن بلية ال‬
‫لع ًا لها‪ ،‬وفتنة وقى ال َّله شرها حين سرت في عصرنا ـ ظاهرة الشغب‬
‫هذه إلى من شاء من المنتسبين إلى الس َّنة‪ ،‬ودعوى نصرتها‪ ،‬فاتخذوا‬
‫«التصنيف بالتجريح» دين ًا وديدن ًا‪ ،‬فصاروا إلب ًا على أقرانهم من أهل‬
‫الس َّنة‪ ،‬وحرب ًا على رؤوسهم‪ ،‬وعظمائهم‪ ،‬يلحقونهم األوصاف‬
‫المرذولة‪ ،‬ونبزوهم باأللقاب المستشنعة المهزولة‪ ،‬حتى بلغت بهم‬
‫الحال أن فاهوا بقولتهم عن إخوانهم في االعتقاد‪ ،‬والس َّنة‪ ،‬واألثر‪:‬‬
‫«هم أضر من اليهود والنصارى» و«فالن زنديق»؟؟» [تصنيف الناس بين‬
‫الظن واليقين ص ‪.]39‬‬

‫‪415‬‬
‫وهذه الصفة المزرية‪ ،‬سمة تلوح على جبين ربيع بن هادي‬
‫المدخلي المتلفع بمرط اإلرجاء‪ ،‬ولقد استبان أمره وكفر به طائفته مثل‬
‫«فالح الحربي»‪ ،...‬زيادة على البضاعة المزجاة في الجرح والتعديل‪،‬‬
‫المة بكر يفردها بمصنف وسمه بـ «التأصيل‬ ‫مما حمل الجهبذ الع َّ‬
‫للدين ورفق ًا باألمة حتى ال تسلك‬
‫لقواعد الجرح والتعديل»‪ ،‬نصح ًا ّ‬
‫مسلكه الوخيم‪.‬‬
‫أما صفة التعالم مع خبث الكبر والحسد‪ ،‬فلقد اتسم بها فريق‬
‫األثرية علي حلبي البائس وبطانته الفاسدة‪ ،‬وأحسن وصف وجدته‬
‫المة الجهبذ بكر بن عبد ال َّله أبو زيد‪.‬‬ ‫ينطبق عليه‪ ،‬ما ّ‬
‫سطره الع َّ‬
‫قال ـ حفظه ال َّله تعالى ـ ‪« :‬وستزهق بإذن ال َّله‪ :‬النظرة التبريرية‬
‫الجاثمة بين جوانح الحاملين لنظرية «تعدد الشخصيات في الشخص‬
‫الواحد»‪ :‬شخصية التعالم‪ ،‬وشخصية التقية‪ ،‬وشخصية المالينة على‬
‫حساب الحق‪[ ».‬التعالم وأثره على الفكر والكتاب ص ‪.]35‬‬
‫ويقول أيض ًا‪6« :‬ـ ومنه االنتحال‪ :‬وقد بلغ سوء الحال إلى‬
‫انتحال كتب ورسائل برمتها‪ ،‬وقد بسطت هذا أشد البسط ول َّله الحمد‬
‫في «معجم المؤلفات المنحولة» يسر ال َّله إتمامه وطبعه‪...‬‬
‫ٍ‬
‫بحث‬ ‫وأما تغيير أسماء الكتب و«تنتيف الكتب» بمعنى‪ِ :‬‬
‫أخذ‬
‫طرته تأليف فالن‬
‫من موضوع من كتاب‪ ،‬وإفراده بالطبع‪ ،‬ويرسم على ّ‬
‫دون اإلشارة على الغالف بأنه مستل من كتاب كذا‪ ،‬فهذا التغرير شيء‬
‫ال تسأل عنه فقد بلغ فيه العبث مبلغ ًا جاوز طوره‪ ،‬وازدحمت عليه‬
‫ممارسات المتأكلين وتكسرت منهم ال ّنصال على ال ّنصال من كتبيين‪،‬‬

‫‪416‬‬
‫ووراقين‪ ،‬ومحققين‪ ..‬في فوضى ال نعلم لها على وجه األرض من‬
‫رادع‪ ،‬لكن لعل التنبيه ينفع من كان له من نفسه وازع‪.‬‬
‫‪7‬ـ ومن التعالم‪ :‬نفخ الكتاب بالترف العلمي والتطويل الذي‬
‫ليس فيه من طائل‪ ،‬بل هو كالضرب في حديد بارد‪ ،‬وذلك في أعقاب‬
‫ثورة اإلنتاج الطباعي ـ تحت شعار التحقيق‪ ،‬بحيث يكون األصل لو‬
‫وضع في ظرف لوسعه» [التعالم وأثره على الفكر والكتاب ص ‪.]74 ،73‬‬
‫يسود ألجلها الصفحات‪ ،‬فلو‬‫طراته التي ّ‬ ‫ويظهر ذلك جلي ًا في َّ‬
‫طرة على حدى لوضعت في ظرف كما قال الجهبذ الع َّ‬
‫المة‬ ‫جمعت كل ّ‬
‫بكر بن عبد ال َّله أبو زيد ـ حفظه ال َّله تعالى ـ ‪.‬‬
‫ولو َّ‬
‫سودت وجهك بالمدا ًد‬ ‫فدع عنك الكتابة لست منها‬
‫فلو قال قائل‪ :‬هال نصحتم هذا المغرور التائه في ظلمات‬
‫اإلرجاء‪ ،‬الملبس المدلس‪ ،‬الملحد في تركة أئمتنا لعله يرعوي؟!‬
‫قلت‪ :‬كثير ًا ما يع ّلق هذا المرجئي الجلد في َّ‬
‫طراته‪ ،‬بقوله‪« :‬انظر‬
‫كتاب أخينا الكبير المفضال الشيخ بكر بن عبد ال َّله أبو زيد ‪.»...‬‬
‫فهذا الع َّ‬
‫المة الجهبذ‪ ،‬كما يسميه المرجئي الجلد «األخ الكبير‬
‫ظن‬
‫المفضال» والشك في فضله وغزارة علمه‪ ،‬نصحه بالتلميح لما َّ‬
‫قربوه وأكرموه‪ ،‬وخاض في دعامة‬ ‫لما َّ‬
‫بنفسه‪ ،‬وذهب يزاحم اآلكابر َّ‬
‫الدين؛ مسألة اإليمان ببضاعة مزجاة‪ ،‬بل يلحد فيها ليمرر بدعته‬ ‫ّ‬
‫الدر الثمين‪ ،‬وسمها بـ «درء الفتنة عن‬ ‫الموهونة‪َّ ،‬‬
‫حذره برسالة فيها من ّ‬
‫أهل الس َّنة»‪.‬‬
‫وكأنه يقول له هذا المفضال‪« :‬يا حلبي‪ ،‬يا أثري بين ـ المعكوفتين‬

‫‪417‬‬
‫ـ الزم حدك‪ ،‬واعرف قدرك‪ ،‬تثبت قدمك»‪ ،‬لكن هذا َّ‬
‫الدعي لم يكن من‬
‫األلباء الذين إذا أشير لهم فهموا وارعووا‪ ،‬فلما كان هذا حاله‪ ،‬نُقل‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫فاضل يعرف فضله أهل‬ ‫إلى مرحلة التصريح‪ ،‬وهذه المرة مع شيخٍ‬
‫طرته «البرهانية»‪ ،‬كشف‬
‫الدعي بـ «الرويبضة» في ّ‬
‫يسميه هذا َّ‬
‫الفضل‪ّ ،‬‬
‫سماها «حقيقة الخالف بين السلفية الشرعية‬
‫درة ثمينة َّ‬
‫عن قناعه في ّ‬
‫وأدعيائها في مسائل اإليمان»‪ ،‬فلم يرعوي‪.‬‬
‫فاضطر بعد ذلك حماة الس َّنة‪ ،‬الذين ال يعبؤون باألخوة‬
‫المفضالية على حساب العقيدة‪ ،‬فأنَّبوه وردعوه‪ ،‬بفتوى تحذر فيها‬
‫طراته وتحرم بيعها‪ ،‬فلما تعاطف معه بعض البؤساء‬
‫من كتبه بل َّ‬
‫ألنه يحسن التصنع‪ ،‬رفع هذا التعاطف المزري الشيخ الفاضل‬
‫الدوسري‪ ،‬فهل نفعه ذلك وارعوى؟! بل كان لسان‬
‫محمد بن سالم ّ‬
‫قاله وحاله يقول كما قال المولى ـ سبحانه وتعالى ـ عن قوم عاد‪:‬‬
‫﴿ﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ﴾ [الشعراء]‪.‬‬
‫المطردة «العمرية»‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الدعي الضال‪ ،‬إ َّ‬
‫ال القاعدة‬ ‫فلم يبق مع هذا َّ‬
‫الديار ويعد له العراجين‪،‬‬
‫فله أسأل أن يكون لإلسالم دولة في تلك ّ‬
‫لتطبق فيه هذه القاعدة الجليلة‪ ،‬ألنه من أهل األهواء والبدع الذين ال‬
‫العرة‬
‫ألن الغالب على الخلق خاصة ممن كان له هذه َّ‬ ‫يرعوون إ َّال بها‪َّ ،‬‬
‫كأثري الزرقاء‪ ،‬ال ينقادون للحقِّ إ َّال بالقهر‪ ،‬نسأل ال َّله السالمة من‬
‫هوى بلغ مبلغ السويداء‪ ،‬وقبل أن نختم الكالم عن هذا التوجه الضال‬
‫المنحرف‪ ،‬الملحد في تركة األئمة األعالم‪ ،‬المتمثل في المدرسة‬
‫التائهة؛ «المدخلية» و«الحلبية» و«العنبرية»‪ ،‬ليلقى بكامله في الحش‬

‫‪418‬‬
‫كما قال اإلمام الشعبي � ـ تعالى ـ ‪ ،‬أود التعليق على كالم ٍ‬
‫واه‬
‫أن‬ ‫ٍ‬
‫مجمل مرفوض بهذا األسلوب في مجال العقيدة‪ ،‬خاصة إذا علمنا َّ‬
‫عمدة هذا التوجه الضال‪ ،‬الضرب بمعاول المجمالت والمحتمالت‬
‫الدين خصوص ًا‪.‬‬
‫في العقيدة عموم ًا وفي دعامة ّ‬
‫طرته «البرهانية» ليلمز به الفضالء‬
‫فلقد اعتمده هذا الضال في ّ‬
‫الذين كشفوا عن زالت بعض العلماء الفضالء الذين ز ُّلوا في مسألة‬
‫المة األلباني � ـ تعالى ـ ‪ ،‬فتع َّلق‬
‫اإليمان‪ ،‬كالذي ناقشنا شبهاته؛ الع َّ‬
‫به فإذا به هو أوهن من خيط العنكبوت‪.‬‬
‫يقول ناصر عبد الكريم العقل‪« :‬ثامن ًا‪ :‬أنه ليس كل من رمي‬
‫باإلرجاء فهو مرجىء‪ ،‬ال سيما في عصرنا هذا‪ ،‬فإن أصحاب النزعة‬
‫التشدد‪ ،‬سواء ممن كانوا على مذاهب الخوارج أو‬
‫ّ‬ ‫التكفيرية‪ ،‬وأهل‬
‫من دونهم من الذين يجهلون قواعد السلف في األسماء واألحكام ـ‬
‫وأقول إنَّ أصحاب هذه النزعات صاروا يرمون المخالفين لهم من‬
‫العلماء وطالب العلم بأنهم مرجئة‪ ،‬وأكثر ما يكون ذلك من مسائل‬
‫الحكم بغير ما أنزل ال َّله‪ ،‬ومسائل الوالء والبراء ونحوها‪.‬‬
‫وقد يقع بعض المنتسبين للعلم والس َّنة في شيء من ذلك‬
‫أن بعض طالب العلم الكبار الذين‬
‫دون روية‪ ،‬بل من الجدير بالتنويه َّ‬
‫كتبوا في مسائل التكفير في هذا العصر رموا بعض المخالفين لهم في‬
‫التوجهات باإلرجاء في مسائل خالفية عند السلف‪ ،‬وال تدخل عند‬
‫التحقيق في أصول اإلرجاء‪ .‬وال َّله أعلم‪[ ».‬القدرية والمرجئة ص ‪.]121‬‬
‫بالغ‪ ،‬بل فيه نزعة تحاملية‪ ،‬غلب‬ ‫ٍ‬
‫بتحقيق ٍ‬ ‫أقول‪ :‬هذا الكالم ليس‬

‫‪419‬‬
‫عليها الحب الذي يعمي ويصم‪ ،‬وذلك أنَّ الكالم المجمل مرفوض‬
‫في مجال العقيدة‪ ،‬وهذا الكالم يصب في خانة المرجئة الذين كانوا‬
‫يلمزون اإلمام الجليل محمد بن عبد الوهاب وأبنائه ‪ Ą‬بالتكفير‬
‫والتشدد‪ ،‬لما كان ينهاهم عن الشرك‪ ،‬وتحكيم شرع الرفاقة‪ ،‬ومواالة‬
‫ّ‬
‫الكفار والمشركين‪ ،‬ثم من هم طالب العلم الكبار الذين رموا بعض‬
‫المخالفين لهم باإلرجاء؟!!‬
‫أتريد أن تبرىء علي حسن حلبي منه‪ ،‬وهو ينعق ألجله في ّ‬
‫كل‬
‫طراته؟!‬
‫َّ‬
‫أم تريد أن تبرىء ربيع بن هادي المدخلي وهو يدعو إليه بالنفس‬
‫والنفيس؟!‬
‫حرمت كتب‬
‫أم تريد أن تشكك في فتوى اللجنة الدائمة لما ّ‬
‫المرجئة المبتدعة كـ «صيحة نذير»‪ ،‬و«التحذير» و«الحكم بغير ما أنزل‬
‫ال َّله» للجهمي خالد علي العنبري و«ضبط الضوابط» للزهراني؟!!‬
‫أم تريد أن تبرىء الع َّ‬
‫المة األلباني � منه‪ ،‬وهو يسبح في‬
‫حوضه؟!‬
‫تسود‬
‫فإذا غلب عليك الحب الذي يعمي ويصم‪ ،‬فأرجوك ال ّ‬
‫[مفتاح دار‬ ‫ّ‬
‫«وخل المطي وحاديها‪ ،‬وأعط القوس باريها»‬ ‫الصفحات‪،‬‬
‫السعادة ‪ 334/1‬والزاد ‪ 639/3‬البن قيم الجوزية]‪.‬‬
‫أصعب ُه‬ ‫قد كابوا َّ َّ‬
‫الحب حتى الن ُ‬ ‫دع الهوى ألناس يعرفون به‬
‫سودت فيه الصفحات هو تعاريف مبثوثة في عدة‬ ‫بالرغم ما ّ‬
‫مواطن غير عزيزة‪ ،‬ولم أر أنك أسكت خصم ًا‪ ،‬وال عالجت شبه ًة‪ ،‬بل‬

‫‪420‬‬
‫من سلك نهج الحقِّ الذي َّ‬
‫قل ناصره اليوم‪ ،‬ال يتبع العالم في زلته‪،‬‬
‫وال يبرئه من كبوته‪ ،‬وال يؤاخذه على هفوته‪ ،‬فض ً‬
‫ال على أن ينافح عنه‬
‫بالباطل‪ ،‬وهذا نهج سلكه من كان قبلنا‪ ،‬وهم فوقنا في كل علم وورع‬
‫‪.Ą‬‬
‫يقول اإلمام الذهبي � في ترجمة كبير المفسرين قتادة بن‬
‫السدوسي‪« :‬ثم إنَّ الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه‪ ،‬وعلم‬
‫دعامة ّ‬
‫تحريه للحق‪ ،‬واتسع علمه‪ ،‬وظهر ذكاؤه‪ ،‬وعرف صالحه وورعه‬
‫وإتباعه‪ ،‬يغفر له زلله‪ ،‬وال نض ّلله ونطرحه وننسى محاسنه‪ ،‬نعم‪ :‬وال‬
‫نقتدي به في بدعته وخطئه‪ ،‬ونرجو التوبة من ذلك‪[ ».‬سير أعالم النبالء‬
‫‪.]91/6‬‬
‫فأين منزلة الع َّ‬
‫المة األلباني � من قتادة كبير المفسرين؟!‬
‫المة األلباني‪ ،‬ونتقرب بحبه إلى المولى ـ سبحانه‬‫فنحن نحب الع َّ‬
‫ال على أن ال ننسى فضله في خدمة الس َّنة‪ ،‬خاصة علم‬‫وتعالى ـ ‪ ،‬فض ً‬
‫الحديث‪ ،‬كما ال يجوز لنا غض الطرف عما هو يسبح فيه‪ ،‬بل غاص‬
‫الدعامة؛ «مسألة‬
‫فيه إلى القعر؛ «اإلرجاء»‪ ،‬ولقد قلنا إنه لم يكن في هذه َّ‬
‫اإليمان»‪ ،‬على أساس متين‪ ،‬فنحن نعلم الحق ونرحم الخلق ونقول‬
‫بالحق‪ ،‬نبتغي في ذلك ك ّله منازل األبرار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فيهم‬
‫فله أسأل أن يجعل ما كتبت ذخر ًا لي يوم ال ينفع مال وال بنون‬
‫علي أن يتجنب‬
‫بقلب سليمٍ ‪ ،‬كما أنصح لمن أراد أن يرد َّ‬ ‫إ َّ‬
‫ال من أتى ال َّله ٍ‬
‫الهوى وليبطل ما رقمته بالحجة والبرهان‪ ،‬وسيجدني بعد ذلك إن شاء‬
‫للحق‪ ،‬رغم أنفي‬
‫ّ‬ ‫للحق‪ ،‬رغم أنفي‬
‫ّ‬ ‫ال َّله‪ ،‬ماسك ًا أنفي وقائ ً‬
‫ال‪« :‬رغم أنفي‬

‫‪421‬‬
‫الطرة «البرهانية» بالسب والتسفيه‬
‫للحق‪ ،»...،‬أما إن ر َّد مثل صاحب َّ‬
‫ّ‬
‫والكذب الصراح‪ ،‬فأقول له‪:‬‬
‫يجد ًّ‬
‫مرا به الماء الزّالال‬ ‫ومن يك ذا فم م ٍّر مريض‬
‫قدم لي يد العون‪ ،‬وأخص‬ ‫كل من َّ‬ ‫كما ال يفوتني أن أشكر ّ‬
‫منهم بالذكر أم عزير عبد اإلله أخذ ال َّله بناصيتها للبر والتقوى‪ ،‬واألخ‬
‫أسامة السعدي أبو محمد‪ ،‬على تنضيد ما كتبت وإعداده للطباعة على‬
‫الحاسوب‪.‬‬
‫اللهم اجعل عملي هذا صالح ًا‪ ،‬ولوجهك خالص ًا‪ ،‬وال تجعل‬
‫ألحد منه شيئ ًا أبد ًا‪ ،‬وسبحان ال َّله وبحمدك أشهد أن ال إله إ َّ‬
‫ال أنت‬
‫أستغفرك وأتوب إليك وصلى ال َّله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى‬
‫ ‬ ‫آله وأصحابه أجمعين‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫وكتب‪ :‬أبو عزير عبد اإلله يوسف اليوبي‬


‫الحسني الجزائري‬
‫‪ 20‬رجب ‪ 1426‬هـ بمدينة أورهس ـ الدنمارك ـ‬

‫‪422‬‬

 ‫ أصول وثائق‬

‫هامة‬


423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
‫الفهارس‬

‫‪ ‬فهرس الموضوعات‬ ‫ ‬

‫‪ ‬المصادر والمراجع‬ ‫ ‬

‫‪483‬‬
484
‫‪‬‬
‫الفهرس‬
‫‪‬‬

‫‪ ‬خطبة الحاجة ‪41.............................................‬‬


‫‪ ‬المقدمة‪43....................................................‬‬
‫‪ ‬تمهيد‪51......................................................‬‬
‫أو ًال‪ :‬تعريف اإليمان عند المبتدعة ‪78..........................‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬بطالن قول الحافظ ابن حجر أنَّ اإليمان عند‬
‫السلف هو «االعتقاد بالقلب والنطق باللسان‬
‫والعمل باألركان والعمل شرط في كماله»‪86....................‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬حقيقة الكفر وأنواعه ‪98..................................‬‬
‫لما‬
‫رابع ًا‪ :‬طرح تقسيم الكفر إلى «اعتقادي وعملي» َّ‬
‫ّلبس فيه واالكتفاء بالتقسيم السلفي «كفر أكبر‬
‫وكفر دون كفر» ‪137..............................................‬‬
‫‪ ‬شبهات الع َّ‬
‫المة األلباني �‪168..............................‬‬
‫‪ ‬الشبهة األولى ‪168.............................................‬‬
‫‪ ‬الشبهة الثانية ‪177..............................................‬‬
‫‪ ‬الشبهة الثالثة ‪207..............................................‬‬
‫‪ ‬الشبهة الرابعة ‪209.............................................‬‬

‫‪485‬‬
‫‪ ‬الشبهة الخامسة ‪215...........................................‬‬
‫‪ ‬الشبهة السادسة ‪221...........................................‬‬
‫‪ ‬الشبهة السابعة ‪226............................................‬‬
‫‪ ‬الشبهة الثامنة ‪231..............................................‬‬
‫‪ ‬الشبهة التاسعة ‪238............................................‬‬
‫‪ ‬الشبهة العاشرة ‪252............................................‬‬
‫‪ ‬الشبهة الحادية عشرة ‪263......................................‬‬
‫‪ ‬سبب اضطراب الع َّ‬
‫المة األلباني � في‬
‫مسائل اإليمان ‪348...............................................‬‬
‫خامس ًا‪ :‬معنى كلمة «االلتزام» عند ابن تيمية‬
‫وابن القيم شيخي االسالم ‪364...................................‬‬
‫سادس ًا‪ :‬معنى «التبديل» أو «الشرع المبدل»‬
‫عند شيخ االسالم ابن تيمية ‪379..................................‬‬
‫سابع ًا‪ :‬معنى «االستحالل» عند شيخ االسالم ابن تيمية ‪393......‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬حقيقة «اإليمان» عند ابن تيمية‬
‫وابن القيم شيخي االسالم ‪409...................................‬‬
‫‪ ‬الخاتمة ‪412...................................................‬‬
‫‪ ‬أصول وثائق هامة ‪423........................................‬‬

‫‪486‬‬
‫‪‬‬
‫المصادر‬
‫‪‬‬

‫النارش‬ ‫البيان‬ ‫الرقم‬

‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشركة‬ ‫ابن باديس حياته وآثاره جمع ودراسة د‪َّ .‬‬


‫عمار‬ ‫‪2‬‬
‫الجزائرية‬ ‫طالبي الطبعة الثالثة ‪1417‬هـ‪.‬‬

‫مكتبة الرشد‬ ‫إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد‬ ‫‪3‬‬


‫العشرة تأليف أحمد بن أبي بكر بن اسماعيل‬
‫البوصيري تحقيق أبي عبد الرحمن عادل بن سعد‬
‫وأبي اسحاق السيد الطبعة األولى ‪1419‬هـ‪.‬‬

‫دار البشائر‬ ‫إتحاف أهل الوفا بتهذيب كتاب الشفا‬ ‫‪4‬‬


‫اإلسالمية‬ ‫بتعريف حقوق المصطفى لإلمام القاضي‬
‫عياض اليحصبي تأليف عبد ال َّله بن عبد القادر‬
‫التليدي الطبعة األولى ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫دار الوطن‬ ‫اآلثار الواردة عن أئمة الس َّنة في أبواب‬ ‫‪5‬‬


‫االعتقاد من كتاب سير أعالم النبالء لإلمام‬
‫الذهبي جمع ًا وتخريج ًا ودراسة إعداد د‪ .‬جمال‬
‫بن أحمد بن بشير بادي الطبعة األولى ‪1416‬هـ‪.‬‬

‫مطبعة السفير‬ ‫إحقاق الحق في الرجوع إلى المذهب‬ ‫‪6‬‬

‫‪487‬‬
‫الحق تأليف أبي عزير عبد اإلله يوسف اليوبي‬
‫الجزائري الطبعة األولى ‪1426‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫أحكام القرآن ألبي بكر محمد بن عبد ال َّله‬ ‫‪7‬‬
‫العلمية‬ ‫المعروف بابن العربي تحقيق محمد عبد القادر‬
‫عطا ‪1416‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫أحكام أهل الذمة تأليف شمس الدين أبي عبد‬ ‫‪8‬‬
‫العلمية‬ ‫ال َّله ابن قيم الجوزية الطبعة األولى ‪1415‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫اإلحكام في أصول األحكام تأليف أبي محمد‬ ‫‪9‬‬


‫العلمية‬ ‫علي بن أحمد بن حزم‪.‬‬

‫دار ابن كثير‬ ‫‪ 10‬إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم‬


‫األصول تأليف محمد بن علي الشوكاني تحقيق‬
‫محمد صبحي بن حسن حالق الطبعة األولى‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬

‫األصفهانية ألبي العباس تقي الدين بن تيمية‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫دار ابن خزيمة‬ ‫‪ 12‬اإلرشاد إلى صحيح االعتقاد والرد على‬


‫أهل الشرك واإللحاد تأليف فضيلة الشيخ د‪.‬‬
‫صالح بن فوزان بن عبد ال َّله الفوزان الطبعة الثانية ودار ابن الجوزي‬
‫‪1417‬هـ والطبعة الرابعة ‪1420‬هـ‪.‬‬

‫األصول من علم األصول تأليف محمد بن مؤسسة الرسالة‬ ‫‪13‬‬


‫صالح العثيمين الطبعة السابعة ‪1418‬هـ‪.‬‬

‫‪488‬‬
‫دار الكتب‬ ‫‪ 14‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‬
‫العلمية‬ ‫تأليف محمد األمين بن محمد الشنقيطي خرج‬
‫آياته وأحاديثه محمد عبد العزيز الخالدي الطبعة‬
‫األولى ‪1417‬هـ‪.‬‬

‫دار الخاني‬ ‫االعتصام ألبي إسحاق ابراهيم بن موسى بن‬ ‫‪15‬‬


‫محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي حققه‬
‫وخرج أحاديثه وعلق عليه أ‪ .‬د‪ .‬مصطفى أبوسليمان‬
‫الندوي الطبعة األولى ‪1416‬هـ‪ .‬‬

‫دار الطيبة‬ ‫‪ 16‬شرح أصول اعتقاد أهل الس َّنة والجماعة‬


‫من الكتاب والس َّنة وإجماع الصحابة‬
‫والتابعين من بعدهم تأليف أبي القاسم هبة‬
‫ال َّله الاللكائي تحقيق د‪ .‬أحمد بن سعد حمدان‬
‫الغامدي الطبعة السابعة ‪1422‬هـ‪.‬‬

‫دار الفضيلة‬ ‫االعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد لإلمام‬ ‫‪17‬‬


‫أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي علق عليه عبد‬
‫ودار ابن حزم‬
‫الرزاق عفيفي وعبد الرحمن بن صلح المحمود‬
‫وأبو عبد ال َّله أحمد بن إبراهيم أبو العينين الطبعة‬
‫األولى ‪1420‬هـ‪.‬‬

‫مكتبة الرشد‬ ‫‪ 18‬أعالم الس َّنة المنشورة العتقاد الطائفة‬


‫الناجية المنصورة تأليف حافظ بن أحمد‬
‫الحكمي دراسة وتحقيق أحمد بن علي علوش‬
‫مدخلي الطبعة األولى ‪1418‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫تأليف‬ ‫‪ 19‬أعالم الموقعين عن رب العالمين‬

‫‪489‬‬
‫العلمية‬ ‫شمس الدين أبي عبد ال َّله محمد بن أبي بكر ابن‬
‫قيم الجوزية رتبه وضبطه وخرج آياته محمد عبد‬
‫السالم إبراهيم الطبعة الثانية ‪1414‬هـ‪.‬‬

‫إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان تصنيف دار ابن الجوزي‬ ‫‪20‬‬


‫شمس الدين ابن قيم الجوزية تخريج محمد ناصر‬
‫الدين األلباني الطبعة األولى ‪1424‬هـ‪.‬‬

‫مكتبة العلوم‬ ‫أيسر التفاسير لكالم العلي الكبير تأليف أبي‬ ‫‪21‬‬
‫والحكم‬ ‫بكر جابر الجزائري الطبعة األولى ‪1416‬هـ‪.‬‬

‫‪ 22‬أين تقع ال إله إ َّال ال َّله في دين المرجئة‬


‫الجدد محمد إبراهيم شقرة أبو مالك الطبعة‬
‫األولى ‪1425‬هـ‪.‬‬

‫دار الحديث‬ ‫بدائع الفوائد البن قيم الجوزية تحقيق وتعليق‬ ‫‪23‬‬
‫سيد عمران وعامر صالح طبعة ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫دار المعرفة‬ ‫البداية والنهاية ألبي الفداء إسماعيل ابن كثير‬ ‫‪24‬‬
‫اعتنى به عبد الرحمن الالذقي ومحمد غازي‬
‫بيضون الطبعة الرابعة ‪1419‬هـ‪.‬‬

‫دار القلم‬ ‫تاريخ التراجم أبو الفداء زين ّ‬


‫الدين قاسم بن‬ ‫‪25‬‬
‫ودوني حققه وقدم له محمد خير‬ ‫ُقطلوبغا ُّ‬
‫الس ُ‬
‫رمضان يوسف الطبعة األولى ‪1413‬هـ‪.‬‬

‫دار عالم‬ ‫‪ 26‬التحذير من اإلرجاء وبعض الكتب الداعية‬

‫‪490‬‬
‫الفوائد‬ ‫إليه فتاوى صدرت من اللجنة الدائمة للبحوث‬
‫العلمية واإلفتاء بالمملكة العربية السعودية الطبعة‬
‫األولى ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫دار الوطن‬ ‫تحكيم القوانين لسماحة الشيخ محمد بن‬ ‫‪27‬‬


‫للنشر‬ ‫إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ الطبعة الثالثة‬
‫‪1411‬هـ‪.‬‬

‫دار العاصمة‬ ‫تصنيف الناس بين الظن واليقين بكر بن عبد‬ ‫‪28‬‬
‫ال َّله أبو زيد الطبعة األولى ‪ 1414‬هـ‪.‬‬

‫دار العاصمة‬ ‫التعالم وأثره على الفكر والكتاب بقلم بكر‬ ‫‪29‬‬
‫بن عبد ال َّله أبو زيد الطبعة األولى ‪1408‬هـ‪.‬‬

‫تفسير ابن كثير لإلمام هماد الدين أبي الفداء مكتبة دار الفيحاء‬ ‫‪30‬‬
‫إسماعيل بن كثير قدم له عبد القادر األرناؤوط ومكتبة دار السالم‬
‫الطبعة األولى ‪1414‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫تفسير المنار تأليف محمد رشيد رضا خرج‬ ‫‪31‬‬
‫العلمية‬ ‫آياته وأحاديثه إبراهيم شمس الدين الطبعة األولى‬
‫‪1420‬هـ‪.‬‬

‫دار الراية‬ ‫‪ 32‬تمام المنة في التعليق على فقه الس َّنة‬


‫تأليف محمد ناصر الدين األلباني الطبعة الرابعة‬
‫‪1417‬هـ‪.‬‬

‫مطابع الصفا‬ ‫ألبي جعفر بن محمد بن جرير‬ ‫‪ 33‬تهذيب اآلثار‬

‫‪491‬‬
‫الطبري تحقيق د‪ .‬ناصر الرشيد وعبد القيوم عبد‬
‫رب النبي ‪1402‬هـ‪.‬‬

‫دار إشبيليا‬ ‫‪ 34‬تيسير ذي جالل واإلكرام بشرح نواقض‬


‫اإلسالم إعداد سعد بن محمد القحطاني الطبعة‬
‫األولى ‪1419‬هـ‪.‬‬

‫دار القلم‬ ‫جامع البيان في تفسير آي القرآن المعروف‬ ‫‪35‬‬


‫والدار الشامية‬
‫َّ‬ ‫بتفسير الطبري لإلمام أبي جعفر محمد بن جرير‬
‫الطبري الطبعة األولى ‪1418‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫‪ 36‬جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في‬


‫العلمية‬ ‫روايته وحمله تأليف اإلمام أبي عمر بن عبد البر‬
‫تحقيق مسعد عبد الحميد محمد السعدني الطبعة‬
‫األولى ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫الجامع ألحكام القرآن ألبي عبد ال َّله محمد‬ ‫‪37‬‬
‫العلمية‬ ‫بن أحمد القرطبي تحقيق سالم مصطفى البدوي‬
‫الطبعة األولى ‪1420‬هـ‪.‬‬

‫جذوة المقتبس في ذكر والة األندلس ألبي المكتبة العصرية‬ ‫‪38‬‬


‫عبد ال َّله محمد بن أبي نصر فتوح الحميدي قدم له‬
‫وضبطه وشرحه ووضع فهارسه د‪ .‬صالح الدين‬
‫الهواري الطبعة األولى ‪ 1425‬هـ‪.‬‬

‫دار المعرفة‬ ‫حجة ال َّله البالغة لشاه ولي ال َّله الدّ هلوي‬ ‫‪39‬‬
‫علق عليه محمود طعمه حلبي الطبعة األولى‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬

‫‪492‬‬
‫دار الجوهري‬ ‫حقيقة اإليمان عند األلباني بقلم د‪.‬محمد بن‬ ‫‪40‬‬
‫محمود أبو رح ِّيم تقديم األستاذ الشيخ محمد بن‬
‫إبراهيم شقره الطبعة األولى ‪1422‬هـ‪.‬‬

‫دار الجوهري‬ ‫‪ 41‬حقيقة الخالف بين السلفية الشرعية‬


‫وأدعيائها في مسائل اإليمان بقلم د‪ .‬محمد‬
‫بن محمود أبو رح ِّيم الطبعة الثالثة ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫دار القدس‬ ‫‪ 42‬الدر النضيد في إخالص كلمة التوحيد‬


‫تأليف محمد بن علي الشوكاني حققه وخرج‬
‫أحاديثه علي بن عبد ال َّله بن عاطف المهذري‬
‫راجعه مقبل بن هادي الوادعي الطبعة األولى‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬

‫دار العاصمة‬ ‫درء الفتنة عن أهل الس َّنة بقلم بكر بن عبد ال َّله‬ ‫‪43‬‬
‫أبو زيد الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫‪ 44‬درء تعارض العقل والنقل أو موافقة‬


‫العلمية‬ ‫صحيح المنقول لصريح المعقول تأليف‬
‫تقي الدين أحمد بن تيمية ضبطه وصححه عبد‬
‫اللطيف عبد الرحمن الطبعة األولى ‪1417‬هـ‪.‬‬

‫الدرر السنية في األجوبة النجدية مجموعة‬ ‫‪45‬‬


‫رسائل ومسائل علماء نجد األعالم من عصر‬
‫الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى عصرنا هذا جمع‬
‫عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي‬
‫الطبعة السابعة ‪ 1425‬هـ‪.‬‬

‫‪493‬‬
‫مكتبة الهداية‬ ‫‪ 46‬الدالئل في حكم مواالة أهل اإلشراك‬
‫تأليف سليمان بن عبد ال َّله بن محمد بن عبد‬
‫الوهاب تحقيق الوليد الفريان‪.‬‬

‫أضواء السلف‬ ‫‪ 47‬الدالئل واإلشارات على كشف الشبهات‬


‫تأليف صالح بن محمد األسمري اعتنى به تركي بن‬
‫عوض العتيبي الطبعة األولى ‪1420‬هـ‪.‬‬

‫دار المكتبة‬ ‫ذم الكالم وأهله تأليف أبي اسماعيل الهروي‬ ‫‪48‬‬
‫العلمية‬ ‫األنصاري تحقيق أبي جابر عبد ال َّله بن محمد بن‬
‫عثمان األنصاري الطبعة األولى ‪1419‬هـ مكتبة‬
‫الغرباء‪.‬‬

‫دار العاصمة‬ ‫الردود تأليف بكر بن عبد ال َّله أبو زيد الطبعة‬
‫ُّ‬ ‫‪49‬‬
‫األولى ‪ 1414‬هـ‪.‬‬

‫دار عالم‬ ‫رفع الالئمة عن فتوى اللجنة الدائمة تأليف‬ ‫‪50‬‬


‫الفوائد‬ ‫الدوسري الطبعة الثانية ‪1423‬هـ‪.‬‬
‫محمد بن سالم ّ‬

‫دار ابن كثير‬ ‫الروح تأليف ابن قيم الجوزية حقق نصوصه‬ ‫‪51‬‬
‫وخرجه يوسف علي بدوي الطبعة الخامسة‬
‫‪1422‬هـ‪.‬‬

‫زاد المسير في علم التفسير تأليف أبي الفرج المكتب اإلسالمي‬ ‫‪52‬‬
‫بن الجوزي القرشي البغدادي الطبعة األولى ودار ابن حزم‬
‫الجديدة ‪ 1423‬هـ‪.‬‬

‫البن قيم مؤسسة الرسالة‬ ‫‪ 53‬زاد المعاد في خير هدي العباد‬

‫‪494‬‬
‫الجوزية حقق نصوصه‪ ،‬وخرج أحاديثه‪ ،‬وعلق‬
‫عليه شعيب األرنؤوط و عبد القادر األرنؤوط‬
‫الطبعة السادسة والعشرون ‪1412‬هـ‪.‬‬

‫السلسلة الصحيحة تأليف محمد ناصر ّ‬


‫الدين مكتبة المعارف‬ ‫‪54‬‬
‫األلباني الطبعة األولى ‪1422‬هـ‪.‬‬

‫‪ 55‬الس َّنة لعبد ال َّله بن أحمد بن حنبل‪.‬‬

‫دار الراية‬ ‫الس َّنة ألبي بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد‬ ‫‪56‬‬
‫الخالل دراسة وتحقيق د‪ .‬عطية بن عتيق الزهراني‬
‫الطبعة الثانية ‪1415‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫السنن الكبرى ألبي بكر أحمد بن الحسين بن‬ ‫‪57‬‬
‫العلمية‬ ‫علي البيهقي تحيقق محمد عبد القادر عطا طبعة‬
‫‪1420‬هـ‪.‬‬

‫دار الفكر‬ ‫سير أعالم النبالء وبهامشه إحكام الرجال من‬ ‫‪58‬‬
‫ميزان االعتدال تحقيق محب الدين أبي سعيد عمر‬
‫بن غالمة العمروي الطبعة األولى ‪1417‬هـ‪.‬‬

‫دار ابن كثير‬ ‫‪ 59‬السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار‬


‫تأليف محمد بن علي الشوكاني خرج أحاديثه‬
‫نصه محمد صبحي بن‬‫وحققه وع َّلق عليه وضبط َّ‬
‫حسن ح َّالق الطبعة األولى ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫دار الفضيلة‬ ‫‪ 60‬شبهات حول الس َّنة ورسالة الحكم بغير‬


‫ما أنزل ال َّله لعبد الرزاق عفيفي الطبعة األولى‬

‫‪495‬‬
‫‪1417‬هـ‪.‬‬

‫دار طيبة‬ ‫‪ 61‬شرح أصول اعتقاد أهل الس َّنة والجماعة‬


‫من الكتاب والس َّنة وإجماع الصحابة‬
‫والتابعين من بعدهم تأليف أبي القاسم هبة‬
‫ال َّله الطبري الاللكائي تحقيق د‪ .‬أحمد بن سعد بن‬
‫حمدان الغامدي الطبعة الثامنة ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫شرح العقيدة الطحاوية البن أبي العز الحنفي المكتب اإلسالمي‬ ‫‪62‬‬
‫حققها وراجعها جماعة من العلماء خرج أحاديثها‬
‫محمد ناصر الدين األلباني الطبعة التاسعة ‪ 1408‬‬
‫هـ‪.‬‬

‫دار الوطن‬ ‫‪ 63‬شرح رياض الصالحين من كالم سيد‬


‫المرسلين ألبي زكريا يحيى بن شرف النووي‬
‫شرحه وأماله محمد بن صالح العثيمين إعداد‬
‫وتقديم د‪ .‬عبد ال َّله بن محمد بن أحمد َّ‬
‫الطيار‬
‫الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ‪.‬‬

‫شرح مشكل اآلثار تأليف أبي جعفر أحمد بن مؤسسة الرسالة‬ ‫‪64‬‬
‫محمد بن سالمة الطحاوي حققه وضبط نصه‪،‬‬
‫وخرج أحاديثه‪ ،‬وعلق عليه شعيب األرنؤوط‬
‫الطبعة األولى ‪ 1415‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫شرح معاني اآلثار تأليف أبي جعفر أحمد بن‬ ‫‪65‬‬
‫العلمية‬ ‫محمد بن سالمة الطحاوي خرج أحاديثه ووضع‬
‫حواشيه إبراهيم شمس الدين الطبعة األولى ‪ 1422‬‬
‫هـ‪.‬‬

‫‪496‬‬
‫دار الوطن‬ ‫كتاب الشريعة ألبي بكر محمد بن الحسين‬ ‫‪66‬‬
‫اآلجري دارسة وتحقيق د‪ .‬عبد ال َّله بن عمر بن‬
‫سليمان الدميجي الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة‬
‫‪ 1420‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫شعب اإليمان ألبي بكر أحمد بن الحسين بن‬ ‫‪67‬‬
‫العلمية‬ ‫علي البيهقي تحيقق أبي هاجر محمد السعيد بن‬
‫بسيوني زغلول الطبعة األولى ‪1410‬هـ‪.‬‬

‫رمادي للنشر‬ ‫الصارم المسلول على شاتم الرسول تأليف‬ ‫‪68‬‬


‫تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن‬
‫تيمية دراسة وتحقيق محمد بن عبد ال َّله بن عمر‬
‫الحلواني ومحمد كبير أحمد شودري الطبعة‬
‫األولى ‪ 1417‬هـ‪.‬‬

‫الص ّديق‬
‫دار ّ‬ ‫صحيح األدب المفرد تصنيف أبي عبد ال َّله‬ ‫‪69‬‬
‫محمد بن إسماعيل البخاري بتخريجات وتعليقات‬
‫أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين األلباني الطبعة‬
‫األولى‪ 1419‬هـ‪.‬‬

‫صحيح سنن ابن ماجة تأليف محمد ناصر مكتبة المعارف‬ ‫‪70‬‬
‫الدين األلباني الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ‪.‬‬

‫صحيح سنن أبي داود تأليف محمد ناصر مكتبة المعارف‬ ‫‪71‬‬
‫الدين األلباني الطبعة الثانية ‪ 1421‬هـ‪.‬‬

‫صحيح سنن الترمذي تأليف محمد ناصر مكتبة المعارف‬ ‫‪72‬‬


‫الدين األلباني الطبعة األولى ‪ 1420‬هـ‪.‬‬

‫‪497‬‬
‫صحيح سنن النسائي تأليف محمد ناصر الدين مكتبة المعارف‬ ‫‪73‬‬
‫األلباني الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ‪.‬‬

‫دار الصميعي‬ ‫‪ 74‬صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان‬


‫مضمو ًما إليه الزوائد على الموارد بقلم محمد‬
‫ناصر الدين األلباني الطبعة األولى ‪ 1422‬هـ‪.‬‬

‫مكتبة‬ ‫طريق الهجرتين وباب السعادتين ألبي عبد‬ ‫‪75‬‬


‫دار البيان‬ ‫ال َّله شمس الدين بن قيم الجوزية حققه وخرج‬
‫أحاديثه وع َّلق عليه بشير محمد العيون الطبعة‬
‫الثانية ‪ 1419‬هـ‪.‬‬

‫دار البصيرة‬ ‫‪ 76‬طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة‬


‫القواعد والضوابط واألصول جمعها عبد‬
‫الرحمن بن ناصر السعدي‬

‫دار الطرفين‬ ‫والرد على الضالل‬ ‫َّ‬ ‫‪ 77‬عقيدة الموحدين‬


‫والمبتدعين جمع وترتيب عبد ال َّله بن سعدي‬
‫الغامدي العبدلي تقديم عبد العزيز بن عبد ال َّله بن‬
‫باز الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ‪.‬‬

‫دار الوفاء‬ ‫عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير اختصار‬ ‫‪78‬‬


‫وتحقيق أحمد محمد شاكر الطبعة األولى‬
‫‪1424‬هـ‪.‬‬

‫دار السالم‬ ‫فتح الباري شرح صحيح البخاري ألحمد‬ ‫‪79‬‬


‫ودار الفيحاء‬ ‫بن علي بن حجر العسقالني الطبعة الجديدة‬
‫المنقحة التي حقق عدة أجزاء منها عبد العزيز بن‬

‫‪498‬‬
‫عبد ال َّله بن باز الطبعة األولى ‪ 1418‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫الفصل في الملل واألهواء والنحل تأليف‬ ‫‪80‬‬


‫العلمية‬ ‫أبي محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم‬
‫األندلسي الظاهري وضع حواشيه أحمد شمس‬
‫الدين الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ‪.‬‬

‫دار العسل‬ ‫فقه العبادات محمد بن صالح العثيمين إعداد‬ ‫‪81‬‬


‫د‪ .‬عبد ال َّله بن محمد بن أحمد َّ‬
‫الطيار الطبعة الثانية‬
‫‪ 1418‬هـ‪.‬‬

‫دار اليقين‬ ‫الفوائد ألبي عبد ال َّله محمد بن قيم الجوزية‬ ‫‪82‬‬
‫ومؤسسة الريان‬ ‫الطبعة الثالثة ‪ 1420‬هـ‪.‬‬

‫القائد إلى تصحيح االعتقاد تأليف عبد المكتب اإلسالمي‬ ‫‪83‬‬


‫الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني علق عليه محمد‬
‫ناصر الدين األلباني الطبعة الثالثة ‪ 1404‬هـ‪.‬‬

‫قاعدة في المحبة تأليف أحمد بن عبد الحليم المكتب اإلسالمي‬ ‫‪84‬‬


‫بن تيمية تحقيق فواز أحمد زمرلي الطبعة األولى ودار ابن حزم‬
‫‪ 1420‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫القاموس المحيط تأليف مجد الدين محمد بن‬ ‫‪85‬‬
‫العلمية‬ ‫يعقوب الفيروز ابادي الطبعة األولى ‪ 1415‬هـ‪.‬‬

‫دار الوطن‬ ‫‪ 86‬القدرية والمرجئة ـ نشأتها ـ وأصولها‬


‫ومقف السلف منها تأليف د‪ .‬ناصر عبد الكريم‬

‫‪499‬‬
‫العقل الطبعة األولى ‪ 1418‬هـ‪.‬‬

‫القول المفيد على كتاب التوحيد تأليف مؤسسة الرسالة‬ ‫‪87‬‬


‫محمد بن صالح العثيمين الطبعة األولى ‪ 1419‬‬
‫هـ‪.‬‬

‫كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز مكتبة الرشد‬ ‫‪88‬‬


‫وجل تأليف أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وشركة الرياض‬
‫دراسة وتحقيق د‪ .‬عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان‬
‫الطبعة السادسة ‪ 1418‬هـ‪.‬‬

‫دار ابن كثير‬ ‫كتاب الصالة وحكم تاركها تأليف ابن قيم‬ ‫‪89‬‬
‫الجوزية اعتنى بضبط نصه وتخريج أحاديثه محمد‬
‫نظام الدين الفتيح الطبعة الرابعة ‪ 1423‬هـ‪.‬‬

‫المكتبة‬ ‫كتاب الصلة في تاريخ علماء األندلس ألبي‬ ‫‪90‬‬


‫العصرية‬ ‫القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال اعتنى به‬
‫ووضع فهارسه د‪ .‬صالح الدين الهواري الطبعة‬
‫األولى ‪ 1423‬هـ‪.‬‬

‫مكتبة أضواء‬ ‫كتاب النبوات ألبي العباس أحمد بن تيمية‬ ‫‪91‬‬


‫السلف‬ ‫تحقيق د‪ .‬عبد العزيز بن صالح الطويان الطبعة‬
‫األولى ‪ 1420‬هـ‪.‬‬

‫دار صادر‬ ‫لسان العرب ألبي الفضل جمال الدين محمد بن‬ ‫‪92‬‬
‫مكرم ابن منظور اإلفريقي المصري الطبعة األولى‬
‫‪ 1420‬هـ‪.‬‬

‫‪500‬‬
‫مكتبة‬ ‫متن القصيدة النونية تأليف شمس الدين أبي‬ ‫‪93‬‬
‫ابن عباس‬ ‫عبد ال َّله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية الطبعة‬
‫األولى ‪ 1425‬هـ‪.‬‬

‫‪ 94‬مجموع فتاوى محمد بن صالح العثيمين‬

‫دار الوطن‬ ‫‪ 95‬مجموع فتاوى عبد العزيز بن عبد ال َّله ابن‬


‫باز إعداد وتقديم د‪ .‬عبد ال َّله بن محمد بن أحمد‬
‫الطيار وأحمد بن عبد العزيز بن عبد ال َّله ابن باز‬
‫َّ‬
‫الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ‪.‬‬

‫فتاوى الشيخ األلباني ومقارنتها بفتاوى دار الجيل ومكتبة‬ ‫‪96‬‬


‫العلماء جمع عكاشة عبد المنان الطيبي الطبعة التراث اإلسالمي‬
‫الثانية ‪ 1415‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫مجموعة الرسائل والمسائل ألبي العباس‬ ‫‪97‬‬


‫العلمية‬ ‫تقي الدين أحمد بن تيمية تحقيق محمد رشيد رضا‬
‫الطبعة األولى ‪ 1412‬هـ‪.‬‬

‫دار الوفاء‬ ‫الدين أحمد بن‬ ‫‪ 98‬مجموعة الفتاوى لتقي ّ‬


‫ودار ابن حزم‬ ‫تيمية اعتنى بها وخرج أحاديثها عامر الجزار وأنور‬
‫الباز الطبعة الثانية ‪ 1422‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫المحلى باآلثار تصنيف أبي محمد علي بن‬ ‫‪99‬‬
‫العلمية‬ ‫أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي تحقيق د‪ .‬عبد‬
‫الغفار سليمان البنداري‪.‬‬

‫‪501‬‬
‫المكتبة‬ ‫مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر بن عبد‬ ‫‪100‬‬
‫العصرية‬ ‫القادر الرازي اعتنى به يوسف الشيخ محمد الطبعة‬
‫الخامسة ‪ 1420‬هـ‪.‬‬

‫مختصر العلو للعلي الغفار تأليف الحافظ المكتب اإلسالمي‬ ‫‪101‬‬


‫الدين‬
‫الدين الذهبي تحقيق محمد ناصر ّ‬ ‫شمس ّ‬
‫األلباني أشرف عليه زهير الشاوش الطبعة الثانية‬
‫‪ 1412‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫‪ 102‬مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك‬


‫العلمية‬ ‫نستعين تأليف أبي عبد ال َّله محمد بن أبي بكر بن‬
‫أيوب بن قيم الجوزية طبعة ‪ 1420‬هـ‪.‬‬

‫دار المغني‬ ‫الدارمي‬ ‫‪ 103‬مسند ّ‬


‫الدارمي المعروف بـ‪ :‬سنن ّ‬
‫ودار ابن حزم‬ ‫تأليف أبي محمد عبد ال َّله بن عبد الرحمن بن بهرام‬
‫الداراني الطبعة‬
‫الدارمي تحقيق حسين سليم أسد َّ‬ ‫َّ‬
‫األولى ‪ 1421‬هـ‪.‬‬

‫دار ابن القيم‬ ‫‪ 104‬معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم‬
‫ودار ابن حزم‬ ‫األصول في التوحيد تأليف حافظ بن محمد‬
‫الحكمي ضبط نصه وعلق عليه وخرج أحاديثه‬
‫عمر بن محمود أبو عمر الطبعة األولى‪ 1418‬هـ‪.‬‬

‫دار الكتب‬ ‫معرفة السنن واآلثار تصنيف أبي بكر أحمد‬ ‫‪105‬‬
‫العلمية‬ ‫بن الحسين بن علي البيهقي تحقيق سيد كسروي‬
‫حسن طبعة ‪ 1422‬هـ‪.‬‬

‫دار ابن عفان‬ ‫‪ 106‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية أهل العلم‬

‫‪502‬‬
‫واإلرادة ألبي عبد ال َّله محمد بن أبي بكر ابن قيم‬
‫قدم له علي حسن حلبي راجعه بكر بن‬ ‫الجوزية َّ‬
‫عبد ال َّله أبو زيد الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ‪.‬‬

‫دار ابن كثير‬ ‫‪ 107‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب‬


‫مسلم تأليف أبي العباس أحمد بن عمر بن‬
‫إبراهيم القرطبي حققه وعلق عليه وقدم له محيي‬
‫الدين ديب مستو ويوسف علي بديوي وأحمد‬ ‫ّ‬
‫محمد السيد ومحمود إبراهيم ّبزال الطبعة الثانية‬
‫‪ 1420‬هـ‪.‬‬

‫‪ 108‬منهاج الس َّنة النبوية في نقض كالم الشيعة‬


‫والقدرية تأليف تقي ّ‬
‫الدين أحمد بن عبد الحليم‬
‫بن تيمية تحقيق د‪ .‬محمد رشاد سالم الطبعة األولى‬
‫‪ 1406‬هـ‪.‬‬

‫دار المعرفة‬ ‫‪ 109‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‬


‫الدين النووي حقق أصوله وخرج‬
‫تأليف محي ّ‬
‫أحاديثه على الكتب الستة خليل مأمون شيحا‬
‫الطبعة الخامسة ‪ 1419‬هـ‪.‬‬

‫دار الجيل‬ ‫موسوعة أمثال العرب إعداد د‪ .‬إميل بديع‬ ‫‪110‬‬


‫يعقوب الطبعة األولى ‪ 1415‬هـ‪.‬‬

‫دار ابن حزم‬ ‫النبذ في أصول الفقه الظاهري تأليف علي‬ ‫‪111‬‬
‫بن أحمد بن حزم األندلسي حقق نصوصها وع ّلق‬
‫الق‬‫عليها وخرج أحاديثها محمد صبحي حسن ح ّ‬
‫الطبعة األولى ‪ 1413‬هـ‪.‬‬

‫‪503‬‬
‫دار الكتب‬ ‫‪ 112‬نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي‬
‫العلمية‬ ‫عياض تأليف شهاب ّ‬
‫الدين أحمد بن محمد بن‬
‫وقدم له وعلق عليه‬
‫عمر الخفاجي المصري ضبطه ّ‬
‫محمد عبد القادر عطا الطبعة األولى ‪ 1421‬هـ‪.‬‬

‫دار اإلمام‬ ‫‪ 113‬نقد القومية العربية على ضوء اإلسالم‬


‫أحمد‬ ‫والواقع إلمام أهل الس َّنة عبد العزيز بن عبد ال َّله‬
‫بن باز طبعة ‪ 1425‬هـ‪.‬‬

‫دار المعرفة‬ ‫‪ 114‬نيل األوطار شرح منتقى األخبار من‬


‫أحاديث سيد األخيار تأليف محمد بن علي‬
‫بن محمد الشوكاني خرج أحاديه وع ّلق عليه خليل‬
‫مأمون شيحا الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ‪.‬‬

‫‪504‬‬

You might also like