You are on page 1of 1392

‫{ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء و هللا ذو الفضل العظيم}‬

‫اجلزء االول من معرب املكتوابت الشريفة املوسوم ابلدرر املكنوانت‬


‫النفيسة للفقري احملتاج اىل لطف رب العباد حممد مراد املنزلوي تولدا‬
‫املكي توطنا عربتها رجاء ان ينتفع هبا اخوان طريقتنا الذين‬
‫ال معرفة هلم ابللغة الفارسية اليت هي أصلها و الرتكية‬
‫اليت هي ترمجتها و أسأل هللا سبحانه أن جيعل‬
‫خالصا لوجهه الكرمي و أن جيريين‬
‫به من العذاب األليم‬
‫إنّه رؤف رحيم حليم‬

‫للمؤلف املعرب الالشئ‬


‫أموت و يبلي أعظمي يف املقابر * و سوف أرى ما قد حوته دفاتري‬
‫فرمت ادخارا بعد مويت من الدعاء * فأبقيت تذكارا نتاج خواطري‬
‫و يليه‬

‫{ترمجة احوال االمام الرابين للمعرب املذكور و يليه كتاب الرمحة‬


‫اهلابطة يف حتقيق الرابطة للشيخ حسني الدوسري رمحه هللا‬
‫و بعض التحشية من املعرب يفصل بينهما ابخلط}‬
‫‪-2-‬‬

‫الرحيم‬
‫الرمحن ّ‬
‫بســم هللا ّ‬

‫احلمد هلل الذي عجزت العقول عن ادراك كنه ذاته * وحتريت فهوم الفحول يف‬
‫معرفة صفاته * ابدع العامل واجلى عجائب صنعه يف جمايل مصنوعاته * وخلق نوع‬
‫االنسان واودع فيه مجيع ما يف مكوانته * وشرفه وكرمه خبالفته * وفضله على سائر برايته‬
‫* وصريها سببا لنجاته * واجناح حاجاته ورفع درجاته * وسلما لعروجاته * اىل اوج‬
‫القرب واقصى غاايته * وآليل الصلوات وجواهر التسليمات وفرائد التحيات على اشرف‬
‫خملوقاته * واكرم موجوداته واملظهر االمت لظهوراته * سيدان وموالان حممد املراد من خلق‬
‫الكونني والعلة الغائية الفاضة فيوضاته * وبث بركاته * و على آله واصحابه الذين حازوا‬
‫نعمة صحباته * وفازوا ابلتطفل يف سائر كماالته * و على مجيع اولياء امته الذين بذلوا‬
‫جهدهم يف احياء ملته واتباع سنته واقتفاء سريته يف مجيع حاالته * فاابح هللا هلم موائد‬
‫نعمه * وقلدهم لطائف مننه * وزين ظواهرهم وبواطنهم مبكارم شيمه * ونور قلوهبم من‬
‫لواقح األنوار * ومأل اسرارهم بفصوص احلكم وجواهر االسرار * وكحل ابصار بصائرهم‬
‫بكحل العناية واالستبصار * وامشهم عوارف املعارف ومنحهم قوت القلوب واطلعهم من‬
‫العلم على مكنوانته * {اما بعد} فهذه درر مكنوانت منيفة * برزت من اصداف‬
‫عبارات املكتوابت الشريفة * لالمام الرابين والغوث الصمداين * والقطب السبحاين *‬
‫والعارف الرمحاين * نقطة دائرة االرشاد * رحلة االبدال واالواتد * قدوة الكمالء االفراد *‬
‫واقف االسرار االهلية * كاشف دقائق املتشاهبات القرآنية * برهان الوالية اخلاصة احملمدية‬
‫* مسي سيد املرسلني وافضل الربية * ابالسم الذي بشر به املسيح على نبينا وعليه الصالة‬
‫و السالم والتحية * سيدان وسندان وموالان و وسيلتنا اىل هللا القدمي الكرمي االحد االبدي‬
‫الشيخ امحد بن الشيخ عبد االحد السرهندي حمتدا * الفاروقي نسبا * النقشبندي مشراب‬
‫* احلنفي مذهبا * الشهري عند االقاصي واالداين * مبجدد االلف الثاين * قدس هللا سره‬
‫و روح روحه و نور ضرحيه * وافاض علينا من بركاته * وجعل لنا نصيبا وافرا من مجيع‬
‫‪-3-‬‬

‫مقاماته * حبرمة اشرف العباد * وآله االجماد * وكانت تلك اجلواهر تصدر من جلج‬
‫مكشوفاته ومعلوماته قدس سره شيئا فشيئا على مرور االوقات واحلجج مدة حياته * من‬
‫بداية كماله اىل حني مماته * على مقدار استعداد كل من ارسل اليه * حسب ما يظهر‬
‫من عامل الغيب لديه * بعضها يف ذم الدنيا الدنية * وبعضها يف احلث والتحريض على ما‬
‫ينفع يف اآلخرة و درجاهتا العلية * وبعضها يف النصائح واملواعظ البهية وللقبول حرية *‬
‫وبعضها يف الرتغيب يف ترويج احكام الشريعة املصطفوية * واكثرها يف بيان اسرار الشريعة‬
‫احملمدية * وحتقيق حقائقها * وحل رموز الطريقة النقشبندية االمحدية وكشف دقائقها *‬
‫مقتبسة من انوار متابعة السنة السنية * مقتطفة من اشجار اقتفاء السرية املصطفوية *‬
‫وملتقطة من موائد فوائد التأدب ابآلداب النبوية * مصداق قوله صلّى هللا عليه و سلّم ان‬
‫من العلم كهيئة املكنون ال يعلمه اال اهل املعرفة ويف رواية اال العلماء ابهلل فاذا قالوه ويف‬
‫رواية تكلموا ويف رواية نطقوا به ال ينكره إال أهل الغرة ابهلل وقوله صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫(من عمل مبا علم ورثه هللا تعاىل علم ما مل يعلم) يعين من غري تعلم من احد وال اخذ من‬
‫الكتاب * بل مبجرد فتح الباب * من طرف حكيم عليم وهاب * وهو علم الوراثة‬
‫احملمدية الذي ورثه االولياء من ابطنية حممد صلّى هللا عليه و سلّم ابسانيد االهلام * ونقلة‬
‫الكشف التام * وصفاء السريرة وصدق املعاملة مع هللا تعاىل دون غريهم حلديث رواه‬
‫القسطالين يف املواهب اللدنية * وغريه يف كتب االحاديث النبوية * من قوله صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم و ( سئلين ريب فلم استطع ان أجيبه فوضع يده بني كتفي بال تكييف وال‬
‫حتديد فوجدت بردها فاورثين علم االولني واآلخرين وعلمين علوما شت فعلم اخذ على‬
‫كتمانه اذ علم انه ال يقدر على محله احد غريي وعلم خريين فيه وعلمين القرآن فكان‬
‫جربيل يذكرين به وعلم امرين بتبليغه اىل اخلاص والعام) انتهى * فتبني من هذا احلديث ان‬
‫وراء العلم الذي امر بتبليغه اىل اخلاص والعام الذي هو علم الشرائع واالحكام علمني‬
‫آخرين بل علوما شت كما قال صلّى هللا عليه و سلّم كلها حق اما العلم املأمور بكتمانه‬
‫فهو علم النبوة اذ ال يعلمه وال يقدر على محله غري النيب وال نيب بعده واما العلم الذي‬
‫‪-4-‬‬

‫خري فيه صلّى هللا عليه و سلّم فهو علم الوالية وهو علم ابطن الشريعة وحقيقتها واسرارها‬
‫املخزونة املكنونة اليت اسرها النيب صلّى هللا عليه و سلّم خلواص اصحابه كما خص ابعالم‬
‫املنافقني حذيفة رضي هللا عنه وهم اسروها اىل خواص اصحاهبم وهلم جرا الهنا امنا تؤخذ‬
‫وتتلقى ابالحوال الصادقة والعقيدة الراسخة واالعمال الصاحلة املصحوبة ابالخالص‬
‫والنية ا خلالصة ومالزمة الذكر ومداومة الفكر ومراقبة احلضور مع هللا تعاىل كذا قال خامتة‬
‫احملققني العارف ابهلل الشيخ عبد الغين النابلسي قدس سره وقال ابو هريرة رضي هللا عنه‬
‫فيما رواه البخاري يف صحيحه حفظت عن رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وعائني اما‬
‫احدمها فبثثته واما اآلخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم يعين لقتلوين حلكمهم بكفري حيث مل‬
‫يفهموا ما اشري اليه يف كالمي من حقائق املعاين واسرار الشريعة املطهرة كما وقع لالمام‬
‫حجة االسالم ايب حامد الغزايل حني اظهر بعض اسرار معاملة الدين حيث رموه ابلزندقة‬
‫واخلروج من الدين فال بد من كتمانه من غري اهله اىل ان جيئ وقت ظهوره ابذن هللا تعاىل‬
‫فان االمور مرهونة أبوقاهتا شعر‬
‫و للمرء احوال وللحال فرصة * وللدهر اوقات وللوقت حادث‬
‫كما قال صلى هللا عليه وسلم لعائشة رضي هللا عنها على ما رواه الشيخان (لوال‬
‫ان قومك حديثوا عهد بشرك هلدمت الكعبة فالزقتها ابالرض وجعلت هلا اباب شرقيا واباب‬
‫غربيا وزدت فيها ستة اذرع من احلجر فان قريشا استقصرهتا حني بنت الكعبة فان بدا‬
‫لقومك من بعدي بعد ان يبنوه فهلمي الريك ما تركوا منه) احلديث فانظر كيف ترك‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم امرا مشروعا خمافة الفتنة يف زمنه واشار اىل جواز فعل غريه‬
‫ذلك االمر يف وقت آخر لعدم توقع الفتنة فالح من هذا وجه بث املتأخرين علوم‬
‫االسرار ابلتآليف والتصانيف مع سرت املتقدمني وكتمهم اايها على ان قصدهم يف ذلك‬
‫افادة اهلها دون غريهم وهلم يف ذلك مقاصد أخرى حسنة يعلم بعضها من بعض هذه‬
‫املكتوابت {ع}‪:‬‬
‫فيا هلا قصة يف شرحها طول‬
‫‪-5-‬‬

‫و ملا كثرت تلك املكاتيب وانتشرت ويف اقطار االرض انتثرت * قام جبمعها ثالثة‬
‫من كبار اصحابه حسب االشارة واالمر * فجمعوها يف ثالثة جملدات واودعوها يف‬
‫دوالب الدهر * فبقيت على ما كانت عليه من العبارة الفارسية زماان طويال * فأما الذين‬
‫هم من اهل لساهنا فكانوا يشربون من يد خرائدها شرااب سلسبيال * ويزينون بفرائدها‬
‫تيجاان واكاليال * ويداوون بعقاقرها من سقط مريضا وعليال * واما الذين خالفتها لغاهتم‬
‫فلم يكادوا يهتدون اليه سبيال * ومل جيدوا يف وصاهلا عليهم دليال * وال من يكون عليه‬
‫عويال * فطاملا امتدت اليه اعناق االشواق * واشتد صدودها على العشاق * وهي حمجبة‬
‫أبسنة ابطال العبارات الفارسية * واالقدام عليها اشد واصعب من اقتحام وقعة القادسية‬
‫* وملا رأيت كثرة تطالب املشتاقني اايها * وتطوف العاشقني حول محاها * وسقوط‬
‫اهلائمني هبا صرعى ما بني رابها * ورأيت امليدان عن فرسان هذا الشان خاليا * والزمان‬
‫ماضيا * وهي على صدودها كما هيا * اختلج يف صدري ان القي الصالح ذات البني‬
‫يف حدود حبرها الفارسي املراسيا واقطع يف جزيرة العرب مهامه و رواسيا ملا بيين وبينها من‬
‫املعرفة واأللفة من صغر السن * اىل ان انهز العمر اآلن الثلثني * ولكن امتنعت عن ذلك‬
‫لعدم االستطاعة وقلة البضاعة يف العلوم العربية * وقصور الباع وقلة االطالع على الفنون‬
‫ت يف العري وال يف النفري‬‫االدبية * وعريت نفسي أشد تعيري قائال أين لك هذا فانك لَ ْس َ‬
‫وهب ان بينك وبينها معرفة ما ولكن اين فيك حالوة التعبري * فانك مل تلدك يعرب وأايد‬
‫* ومل تنشأ يف كوفة وال بغداد * مع ان رجال هذا الشان قد لعبت هبم ايدي النوائب‬
‫فركبوا غارب االغرتاب * وصاح على اوطاهنم البوم والغراب * وتوجهوا حنو اقليم الزوال‬
‫واالفول * وسحب الذل واملهانة على بقاايهم الذيول * فحملوا محوهلم على زوااي‬
‫االستتار واخلمول * فكل من جاء حول خيامهم جيول * يقوم راهب ديرهم ويقول‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫ان اخليام اليت قد جئت تطلبها * ابالمس كانوا هنا واآلن قد رحلوا‬
‫فريجع ابكيا مشبكا عشره على رأسه ومنشدا {شعر}‪:‬‬
‫‪-6-‬‬

‫ال والذي حجت قريش بيته * مستقبلني الركن من بطحائها‬


‫ما ابصرت عيين خيام قبيلة * اال بكيت احبيت بفنائها‬
‫اما اخليام فاهنا كخيامهم * وارى نساء احلي غري نسائها‬
‫مث بعد مدة من ذلك أتكد ما هجس يف اخلاطر الفاتر هنالك بوقوع االشارة *‬
‫ممن اشارته مشتملة على أنواع اللطف والبشارة * فاستخرت هللا سبحانه بعد هذه االشارة‬
‫* وكررت االستخارة * فانشرح صدري * ملا قصدته من امري * وعلمت ان هللا اذا اراد‬
‫شيئا فالبد وان يقع حسبما أراد * ولكن مرور االزمان من شروط ظهور املراد فتوجهت‬
‫مرتجال تلقاء مدين املآرب * راجيا من هللا سبحانه ان أكون رابعهم[‪ ]1‬كلبهم بتطفلهم يف‬
‫تلك االذواق واملشارب * وسلكت يف النقل من طريقي الرتمجة املسلك الثاين * أعين‬
‫رعاية جانب املعاين * لكونه اجود * مع رعاية االول اعين رعاية جانب اللفظ مهما‬
‫أمكن فانه أبعد عن الشبهة وأمحد * فان اتيت ببعض الفاظ ليس يف املنقول عنه ما‬
‫يرادفها من حنو اظهار املضمر وتفسري اجململ وتبديل اجلمع ابملفرد وعكسه وتغيري الغيبة‬
‫اىل اخلطاب والتكلم وعكسه وامثال ذلك فهو من لوازم هذا املسلك فان تغاير اللغتني‬
‫وتباين االصطالحني مقتضيان لذلك وما اظنك جتده اال قليال * فيما مل أجد اىل العدول‬
‫عنه سبيال * ومع ذلك هو ايضا مقتبس من ذلك النرباس * الزاحة االلتباس * ودفع‬
‫الوسواس * ال اخذ ابلتخمني والقياس * والتزمت إيراد مجيعها وان وقع مكررا فان ذلك‬
‫أسلم وأفيد * واملرجو من الناظرين أهل االنصاف * املتباعدين عن االعتساف *‬
‫اغضاؤهم عما وقع فيه من الزلل * واصالحهم ما ظهر هلم فيه من اخللل * فان هللا‬
‫سبحانه أيب ان يصح اال كتابه {شعر}‪:‬‬
‫ومن ذا الذي يرضى سجاايه كلها * كفى املرأ نبال ان تعد معائبه‬
‫وعدم االستعجال * ابطالق سهام املالم ونبال املقال * فان االشتغال برؤية‬

‫(‪ )1‬يعين رابع الذين مجعوا هذه املكتوابت كما مر بقوله قام جبمعها ثالثة من كبار أصحابه انتهى عفي عنه‬
‫‪-7-‬‬

‫عيوب الرجال من عادة السفلة وديدن االرذال {شعر}‪:‬‬


‫وكم من عائب قوال صحيحا * ومنشأه من الفهم السقيم‬
‫خصوصا اذا اجنر ذلك اىل طعن االكابر وسوء الظن فيهم احلذر احلذر من ذلك‬
‫فان سهمهم صائب وحلمهم مسموم * ومعارضهم مشئوم * و قتيلهم ال حيىي و صريعهم‬
‫ال يقوم {شعر}‪:‬‬
‫دخلت غاب اسود غاب عنك حجي * وأنت حتسبها دهناء غزالن‬
‫فان حصلت لك القناعة مبا فيه وانتفعت به فيبارك فيك * واال فدع ما يريبك اىل‬
‫ماال يريبك * وسلم االمر اىل أهله فان هللا أيمركم ان تؤدوا االماانت اىل أهلها {شعر}‪:‬‬
‫اذا مل تستطع أمرا فدعه * وجانبه اىل ما تستطيع‬
‫فان لكل ميدان رجاال * ولكل رجال مقاال وأحواال * السيف للضارب مثل‬
‫مشهور وهلل در القائل {شعر}‪:‬‬
‫و من مسع الغناء بغري قلب * ومل يطرب فال يلم املغين‬
‫وعليك االتعاظ مبا وعظك به الشيخ عبد الغين النابلسي ّروح هللا روحه و ّنور‬
‫ضرحيه حيث قال واحذر من الطعن يف احد منهم واعتقاد خمالفته ملا علمت من الكتاب‬
‫والسنة فاهنم اعلم منك هبما * واكثر فهما منك ومن أمثالك ملعانيهما * لتنور عقوهلم‬
‫بنور معرفة هللا وزايدة االطالع على سنة رسول هللا واتصافهم ابالخالص واليقني وانت‬
‫ت معرفتها من بني‬ ‫صْ‬
‫ايها الفقيه املسكني تعرف حصة من كيفية االعمال الشرعية ا ْستَ ْخلَ َ‬
‫يدي اشتغالك بشهوات بطنك وفرجك فانت فرحان هبا تظن انك بسببها صرت من‬
‫العلماء الكبار * وساويت املتقدمني أويل االبصار واالستبصار * فاعمل مبا بدا لك إن‬
‫أردت النصيحة وال تدخل يف اعمال من هو أعلى منك من اويل اهلمم الصحيحة * ومن‬
‫اين للعصفور * ان أيكل من مأكل النسور * فان حوصلته املعتادة على احلبات الصغار‬
‫* ال تشابه حوصلة النسور اليت ال يقيتها غري اللقم الكبار * قد علم كل اانس مشرهبم‬
‫يعين عذوبة واجاجا * ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا * انتهى ملخصا وجل املقصود‬
‫‪-8-‬‬

‫من ارتكاب هذا االمر اجلسيم واخلطب العظيم اداء بعض خدمة عتبة من طوقين قالئد‬
‫منح جزيلة * وانعم علي جبالئل نعم مجيلة * مرشد السالكني * ومريب الطالبني * وقدوة‬
‫الواصلني *وزبدة العارفني * شيخ احلرمني الشريفني * وامام املقامني املنيفني * حامي‬
‫مهجة الطريقة النقشبندية * وحافظ النسبة االمحدية اجملددية * سيدان وموالان ومرشدان‬
‫ووسيلتنا اىل هللا سيدي الشيخ اجلليل * والسيد النبيل * ايب عبد هللا حممد صاحل بن عبد‬
‫الرمحن الزواوي * عامله هللا تعاىل بفضله العميم ولطفه احلاوي * آمني * حبرمة جده الذي‬
‫نزل اليه الروح االمني * وليكن هذا أوان الشروع يف املقصود * مستعينا مبفيض اخلري‬
‫الرحيم احلمد هلل رب‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫واجلود * قال جامع املكاتيب رمحه هللا بعدما تيمن بب ْسم هللا َّ‬
‫العاملني اضعاف ما محده مجيع خلقه كما حيب ربنا ويرضى * والصالة و السالم على من‬
‫ارسله رمحة للعاملني كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون كما ينبغي له‬
‫وحيري * و على آله وأصحابه الربرة النقي التقى {اما بعد} فان هذا اجللد االول من‬
‫املكتوابت القدسية حلضرة غوث احملققني * قطب العارفني * برهان الوالية احملمدية *‬
‫حجة الشريعة املصطفوية * شيخ االسالم واملسلمني شيخنا وامامنا الشيخ أمحد الفاروقي‬
‫النقشبندي سلمه هللا سبحانه وابقاه مجعه هذا احلقري قليل البضاعة أقل القاعدين على‬
‫تراب اعتاب تلك اخليمة املقدسة اير حممد اجلديد البدخشي الطالقاين واورده يف قيد‬
‫التحرير رجاء وصول النفع منه اىل طاليب احلق جل وعال واملسؤل من هللا سبحانه العصمة‬
‫والتوفيق‪.‬‬

‫{املكتوب األول يف بيان االحوال اليت هلا مناسبة ابالسم الظاهر وبيان‬
‫ظهور القسم اخلاص من التوحيد و بيان العروجات الواقعة فوق احملدد و‬
‫انكشاف درجات اجلنة و ظهور مراتب بعض أهل هللا كتبه اىل شيخه‬
‫املعظم و هو الشيخ الكامل املكمل الواصل اىل درجات الوالية * اهلادي‬
‫‪-9-‬‬

‫اىل طريق اندراج النهاية يف البداية * مؤيد الدين الرضي شيخنا و امامنا‬
‫الشيخ حممد الباقي النقشبندي االحراري قدس هللا سره االقدس و بلغه اىل‬
‫اقصي ما يتمناه}‬
‫(عريضة) أقل العبيد أمحد اىل ذروة العرض يعرض احواله املتفرقة اجرتاء منه حسب‬
‫االمر الشريف قد تشرفت يف اثنآء الطريق بتجلي االسم الظاهر جتليا كليا حبيث ظهر يل‬
‫يف مجيع االشياء بتجل خاص على حدة على حدة و على اخلصوص يف كسوة النساء بل‬
‫يف اجزائهن على حدة على حدة فصرت منقادا لتلك الطائفة على وجه ال اقدر على‬
‫عرضه وكنت مضطرا يف ذلك االنقياد وهذا الظهور الذي حصل يف هذا احملل مل يكن يف‬
‫حمل آخر وما رأيت من خصوصيات اللطائف وحمسنات العجائب يف هذا اللباس مل‬
‫يظهر يف مظهر ما اصال قد ذبت ابلتمام وجريت كاملاء بني ايديهن وكذلك جتلى يل يف‬
‫كل طعام وشراب وكسوة على حدة على حدة وما كان من اللطافة واحلسن يف الطعام‬
‫اللذيذ املتكلف فيه مل يكن يف غريه وكان ذلك التفاوت بني املاء العذب وامللح بل كان‬
‫يف كل شئ حلو شئ من خصوصيات الكمال على تفاوت الدرجات على حدة على‬
‫حدة وال ميكن عرض خوصيات هذا التجلي ابلتحرير فان كنت يف املالزمة العلية‬
‫لعرضتها * ولكن كنت يف اثناء هذه التجليات مشتاقا اىل الرفيق االعلى ومل التفت اىل ما‬
‫سواه مهما امكن بَْي َد اين ملا صرت مغلواب مل اجد ب ّدا من االلتفات ويف ذلك االثناء صار‬
‫معلوما يل ان هذا التجلي ال ينايف تلك النسبة التنزيهية فان الباطن متعلق بتلك النسبة ال‬
‫التفات له اىل الظاهر اصال وامنا املتشرف هبذا التجلي هو الظاهر الذي هو خال ومعطل‬
‫عن تلك النسبة واحلق اين وجدت الباطن غري مبتال بزيغ البصر بل هو معرض عن مجيع‬
‫املعلومات والظهورات وملا كان الظاهر متوجها اىل الكثرة واالثنينية استسعد هبذا التجلي‬
‫* مث اخذت هذه التجليات يف االختفاء واالستتار بعد زمان وبقيت نسبة احلرية واجلهالة‬
‫حباهلا وصارت تلك التجليات كأن مل يكن شيئا مذكورا مث عرض بعد ذلك شئ من الفناء‬
‫اخلاص وكان ذلك التعني العلمي الذي ظهر بعد عود التعني انعدم يف هذا الفنا ومل يبق‬
‫‪- 10 -‬‬

‫اثر من مظان اان * و يف هذا الوقت شرع آاثر االسالم وعالمة اهندام معامل الشرك اخلفي‬
‫يف الظهور وكذلك رؤية القصور يف االعمال والفتور واهتام النيات واخلواطر واخلطور‬
‫وابجلملة ظهر بعض امارات العبودية واالضمحالل بلغنا هللا سبحانه و تعاىل بربكة‬
‫توجهكم مقام حقيقة العبودية والعروجات اىل ما فوق احملدد تقع كثريا (وملا وقع) العروج‬
‫يف املرتبة األوىل ووصلت اىل ما فوق احملدد بعد طي املسافة وصار اخللد مع ما حتته‬
‫مشهودا خطر يف ذلك الوقت يف اخلاطر ان أشاهد هنالك مقامات بعض الرجال وملا‬
‫توجهت وقع النظر على مقاماهتم ورأيت هؤالء االشخاص يف تلك احملال على تفاوت‬
‫درجاهتم مكاان ومكانة وذوقا وشوقا (مث وقع) العروج يف مرتبة اثنية وصارت مقامات‬
‫املشايخ العظام وائمة أهل البيت الكرام واخللفاء الراشدين املرشدين لالانم * واملقام‬
‫اخلاص بنبينا عليه الصالة و السالم * وكذلك مقامات سائر االنبياء والرسل الفخام *‬
‫على التفاوت ومقامات املالئكة املالء االعلى مشهودة فوق احملدد ووقع من العروج فوق‬
‫احملدد مقدار ما بني مركز االرض واحملدد او أقل من ذلك بيسري اىل ان انتهى اىل مقام‬
‫حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس هللا سره وكان فوق ذلك املقام عدة من املشائخ‬
‫العظام بل يف نفس ذلك املقام بفوقية يسرية مثل الشيخ معروف الكرخي والشيخ ايب‬
‫سعيد اخلراز ومقامات املشايخ الباقني بعضها فيما حتته وبعضها يف نفس ذلك املقام فاما‬
‫الذين يف املقام التحتاين فمثل الشيخ عالء الدولة السمناين والشيخ جنم الدين الكربى‬
‫والذين هم يف املقام الفوقاين فأئمة أهل البيت وما فوقه اخللفاء الراشدون رضوان هللا‬
‫عليهم أمجعني ومقامات سائر االنبياء عليهم الصالة و السالم كانت على طرف من مقام‬
‫نبينا صلى هللا عليه وسلم وكذلك مقامات املالئكة العلويني كانت على طرف آخر من‬
‫ذلك املقام وكان ملقام نبينا عليه الصالة و السالم فوقية وأصالة ابلنسبة على مجيع‬
‫املقامات وهللا سبحانه اعلم حبقائق االمور كلها ويقع العروج بعناية هللا سبحانه كلما أردته‬
‫ويقع يف بعض االوقات من غري ارادة ويشاهد أشياء اخر وترتتب اآلاثر ايضا يف بعض‬
‫العروجات و يكون اكثرها منسيا وكلما أريد ان اكتب بعض احلاالت التذكر وقت‬
‫‪- 11 -‬‬

‫العرض ال يتيسر ذلك فانه يرى حقريا يف النظر بل هو حقيق ابن يستغفر منه فضال عن‬
‫ان اكتبه وكان بعض منها يف اخلاطر يف اثناء امالء العريضة ولكنه ما وف أخريا ان اكتبه‬
‫والزايدة على ذلك اساءة االدب وحال مال قاسم على أحسن قد غلب عليه االستهالك‬
‫واالستغراق وجاوز مجيع مقامات اجلذبة ووضع قدمه فوقها وكان ّأوال يرى الصفات من‬
‫االصل واآلن يرى تلك الصفات مع وجودها مباينة لنفسه وجيد نفسه خاليا حمضا بل‬
‫يرى النور الذي قامت به الصفات مباينا لنفسه ايضا وجيد نفسه يف طرف من ذلك النور‬
‫واحوال االصحاب الباقني يف الرتقي يوما فيوما أريد ان أعرضها ابلتفصيل يف عريضة‬
‫أخرى انشاء هللا العزيز‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين يف بيان حصول الرتقيات واملباهات بعناايت احلق جل‬


‫سلطانه كتبه اىل شيخه املعظم قدس سره}‬
‫عريضة أقل العبيد امحد على ذروة العرض ان موالان شاه حممد بلغ االمر‬
‫ابالستخارة متصال بشهر رمضان املبارك فلم أجد فرصة ان أتشرف ابستالم العتبة العلية‬
‫اىل شهر رمضان فال جرم سليت نفسي مبضي الشهر املذكور ابلضرورة وماذا اعرض على‬
‫حضرتكم من عناايت احلق جل وعال اليت تفاض وتصب على التواتر والتوايل بربكة‬
‫توجهاتكم العلية {شعر}‪:‬‬
‫كأين روضة فيها سحاب * الربيع ممطر ماء زالال‬
‫فلو يل الف ألسنة واثين * هبا ما ازددت اال انفعاال‬
‫وان كان اظهار هذا القسم من االحوال مومها للجرأة وترك االدب ومشعرا‬
‫ابالفتخار واملباهات {شعر}‪:‬‬
‫ولكن سيدي اعلى مقامي * ففقت به جنوما واهلالال‬
‫ابتدأ الشروع يف عامل الصحو والبقاء من اواخر ربيع اآلخر واتشرف اىل اآلن يف‬
‫‪- 12 -‬‬

‫كل مدة ببقاء خاص جياء يب اوال من التجلي الذايت املنسوب اىل الشيخ حميي الدين‬
‫قدس سره اىل الصحو مث يذهب يب اىل السكر وحيصل وقت العروج والنزول علوم غريبة‬
‫ومعارف عجيبة واتشرف من االحسان والشهود اخلاص يف كل مرتبة مبا يناسب لبقاء‬
‫ذلك املقام وقد شرفت يف سادس شهر رمضان ببقاء واحسان ال اقدر على عرضه واظن‬
‫ان هناية االستعداد ال تتجاوز ذلك وتيسر هنا الوصل املناسب للحال ومتت اآلن جهة‬
‫اجلذبة ابلتمام ووقع الشروع يف السري يف هللا الذي هو مناسب ملقام اجلذبة وكلما كان‬
‫الفناء أمت يكون البقاء املرتتب عليه أكمل وكلما كان البقاء أكمل كان الصحو أكثر‬
‫وكلما كان الصحو أكثر تقع العلوم موافقة للشريعة الغراء فان كمال الصحو لالنبياء‬
‫عليهم الصالة و السالم واملعارف اليت ظهرت منهم هي الشرائع والعقائد اليت بينوها يف‬
‫الذات والصف ات وخمالفة ظاهرها امنا هي من بقية سكر احلال واملعارف اليت تفاض على‬
‫هذا الفقري أكثرها تفصيل املعارف الشرعية وبياهنا يصري العلم االستداليل كشفيا وضروراي‬
‫واجململ مفصال {ع}‪:‬‬
‫يطول اذا حررت تفصيل شرحه * واين خائف و وجل من ان ينجر األمر اىل‬
‫اساءة األدب‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث يف بيان توقف االصحاب يف مقام خمصوص وما يتعلق‬


‫بذلك كتبه اىل شيخه املعظم}‬
‫املعروض ان االصحاب الكائنني هنا وكذلك االصحاب الساكنون هناك كل منهم‬
‫حمبوس يف مقام واخراجهم من ذلك املقام متعسر وال أرى يف نفسي من القدرة ما يناسب‬
‫لذلك املقام ويوافيه رزقنا هللا سبحانه الرتقي بربكة توجهاتكم العلية وقد جاوز واحد من‬
‫اقرابئي ذلك املقام ووصل اىل مقدمات التجليات الذاتية وحاله حسن جدا يضع قدمه‬
‫على قدم الفقري وأرجو ذلك يف حق اآلخرين ايضا * وبعض االخوان ليس هلم مناسبة‬
‫‪- 13 -‬‬

‫بطريق املقربني بل املوافق حلاهلم طريق االبرار وما حصلوه من اليقني يف اجلملة فهو ايضا‬
‫غنيمة ينبغي أن أنمرهم بذلك الطريق {ع}‪:‬‬
‫لكل من االنسان شأن خيصه * ومل اجرتئ بتفصيل اساميهم فاهنم ال خيفون‬
‫عليكم والزايدة على ذلك خروج عن طور االدب ورأى املري السيد شاه حسني يوم حترير‬
‫العرض يف مشغوليته كأنه وصل اىل ابب عظيم ويقال له ان هذا ابب احلرية وقال ملا‬
‫نظرت اىل داخله رأيت فيه حضرة الشيخ وأنت معه وكلما أردت أن ارمي نفسي هناك ال‬
‫يساعدين رجلي‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع يف بيان فضائل شهر رمضان املبارك وبيان احلقيقة احملمدية‬
‫عليه و على آله الصالة و السالم والتحية كتبه أيضاً اىل شيخه املعظم}‬
‫عريضة احقر اخلدام أنه قد طالت املدة ومل اطلع على أحوال خدمة العتبة العلية‬
‫من طريق املفاوضة الشريفة واملراسلة املنيفة وننتظر اآلن قدوم شهر رمضان املبارك وهلذا‬
‫الشهر مناسبة اتمة ابلقرآن اجمليد احلاوي جلميع الكماالت الذاتية والشؤونية الداخل يف‬
‫دائرة األصل حبيث مل يتطرق اليه الظلية أصال والقابلية األوىل ظله وهبذه املناسبة وقع نزوله‬
‫ضا َن الَّ ِذي اُن ِز َل فِ ِيه الْ ُق ْراَ ُن * البقرة‪ )185 :‬مصدق‬
‫يف هذا الشهر قوله تعاىل ( َش ْه ُر َرَم َ‬
‫هلذا القول وهبذه املناسبة كان هذا الشهر جامعا جلميع اخلريات والربكات وكل بركة وخري‬
‫يصل اىل كل أحد من أي وجه كان يف متام السنة امنا هو قطرة من حبر بركات هذا الشهر‬
‫العظيم القدر الذي ال هناية له واجلمعية يف هذا الشهر سبب للجمعية يف مجيع السنة‬
‫والتفرقة فيه سبب للتفرقة يف كل السنة فطوىب ملن مضى عليه هذا الشهر املبارك وهو‬
‫راض عنه وويل ملن هو ساخط عليه فمنع من الربكات وحرم املربات واخلريات وأيضا ميكن‬
‫ان يكون وجه سنية ختم القرآن بواسطة حتصيل مجيع الكماالت األصلية والربكات الظلية‬
‫فمن مجع بينهما يرجي ان ال حيرم بركاته وال مينع من خرياته وان الربكات املتعلقة ابايم‬
‫‪- 14 -‬‬

‫هذا الشهر ال تشابه غريها واخلريات املتعلقة بلياليه ال يقاس عليها غريها ولعل سر احلكم‬
‫أبولوية تعجيل االفطار وأتخري السحور من هذه اجلهة ليحصل متام االمتياز بني اجزاء‬
‫الوقتني والقابلية األوىل اليت ذكرت آنفا واحلقيقة احملمدية على مظهرها الصالة و السالم‬
‫والتحية عبارة عنها ليست هي قابلية الذات لالتصاف جبميع الصفات كما حكم هبا‬
‫البعض بل هي قابلية الذات عز سلطاهنا لالعتبار العلمي الذي هو متعلق جبميع‬
‫الكماالت الذاتية والشؤونية وهو حاصل حقيقة القرآن اجمليد وقابلية االتصاف اليت هي‬
‫مناسبة ملوطن الصفات وبرزخ بني الذات والصفات هي حقائق سائر االنبياء على نبينا‬
‫وعليهم الصلوات و التسليمات وتلك القابلية مع مالحظة االعتبارات املندرجة فيها‬
‫صارت حقايق متعددة والقابلية اليت هي احلقيقة احملمدية وان كانت فيها ظلية لكن مل‬
‫ميتزج هبا لون الصفات ومل حيصل يف البني حائل اصال وحقائق مجاعة حممديي املشرب‬
‫قابليات الذا ت لالعتبار العلمي الذي يتعلق ببعض تلك الكماالت والقابلية احملمدية‬
‫برزخ بني الذات وبني هذه القابليات املتعددة وامنا حكم ذلك البعض مبا ذكر بواسطة ان‬
‫هلا موضع قدم فقط يف موطن الصفات وهناية عروج ذلك املوطن اىل تلك القابلية فال‬
‫جرم نسبها اليه صلّى هللا عليه و سلّم وملا كانت قابلية االتصاف غري مرتفعة اصال حكم‬
‫ذلك البعض ابلضرورة ابن احلقيقة احملمدية حائلة دائما واال فاحلقيقة احملمدية على‬
‫مظهرها الصلوة والتحية اليت هي جمرد اعتبار يف الذات ميكن ارتفاعها عن النظر بل هو‬
‫واقع وقابلية االتصاف وان كانت اعتبارية ايضا لكنها أخذت لون الصفات ووصفها‬
‫بواسطة الربزخية والصفات موجودة يف اخلارج بوجود زائد وارتفاعها خارج عن دائرة‬
‫االمكان فال جرم حكم بوجود ذلك احلائل دائما وامثال هذه العلوم اليت منشأها اجلامعية‬
‫بني االصالة والظلية واردة كثريا وأكثرها اكتبه يف االوراق ومقام القطبية منشأ دقائق علوم‬
‫مقام الظلية ومرتبة الفردية واسطة ورود معارف دائرة االصل واالمتياز بني الظل واألصل‬
‫ال يتيسر بدون اجتماع هاتني الدولتني وهلذا مل يقل بعض املشائخ بزايدة القابلية األوىل‬
‫اليت يقال هلا التعني األول على الذات وزعموا شهود تلك القابلية جتليا ذاتيا واحلق ما‬
‫‪- 15 -‬‬

‫حققت واألمر ما أوضحت وهللا سبحانه حيق احلق وهو يهدي السبيل والرسالة اليت كنت‬
‫مأمورا بتسويدها مل أوفق اىل اآلن المتامها بل بقيت مسودة كما هي ومل أدر يف هذا‬
‫التوقف ما احلكمة اآلهلية وزايدة اجلرأة بعيدة عن األدب‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس يف تفويض اخلواجه برهان الذي هو واحد من املخلصني‬


‫مع بيان بعض أحواله كتبه اىل شيخه املعظم}‬
‫عريضة احقر اخلدام اين قد كتبت رسالة يف بيان طريقة خواجكان قدس هللا‬
‫اسرارهم وأرسلتها حنو اجلناب العايل لعلها تكون منظورة ابلنظر املبارك ولكنها مسودة‬
‫فقط مل أجد فرصة لنقلها اىل البياض بسبب عجلة اخلواجه برهان يف التوجه والحتمال ان‬
‫يلحق هبا علوم آ خر وملا وقع نظري يوما من االايم على رسالة سلسلة االحرار خطر يف‬
‫اخلاطر الفاتر ان اعرض عليكم لتكتبوا شيئا يف بيان بعض علومها أو أتمروا الفقري‬
‫الكتب شيئا فيها وقوى هذا اخلاطر وبينا اان يف هذا اخلاطر اذ فاضت علوم هذه املسودة‬
‫فكتبتها وبينت بعض علوم تلك الرسالة يف ضمن ما كتبت يف هذه املسودة يف اجلملة‬
‫فان جعلت هذه املسودة تكملة لتلك الرسالة فبها واال فان انتخب بعض العلوم املناسبة‬
‫هلا منها واحلق هبا فله وجه وزايدة االنبساط خروج من االدب واخلواجه برهان فعل يف‬
‫هذه املدة فعال حسنا وأمرا مستحسنا وانل نصيبا من السري الثالث الذي هو مناسب‬
‫ملقام اجلذبة وصار اآلن بواسطة مهم مدد معاش صوبه املالوه مشوش احلال ومشتت البال‬
‫وقد توجه حنو اجلناب املعلى وكل شئ أمروه به يكون مباركا‪.‬‬

‫{املكتوب السادس يف بيان حصول اجلذبة و السلوك و حتصيل‬


‫الرتبية بصفيت اجلالل و اجلمال و بيان الفناء و البقاء و بيان علو نسبة‬
‫‪- 16 -‬‬

‫النقشبندية كتبه اىل شيخه احملرتم}‬


‫عريضة اقل العبيد أمحد انه قد اكرمين املرشد على االطالق جل شأنه بربكة التوجه‬
‫العايل برتبية طريق اجلذبة والسلوك ورابين بصفيت اجلمال واجلالل واآلن صار اجلالل عني‬
‫اجلمال واجلمال عني اجلالل وقد حرفوا هذه العبارة يف بعض حواشي الرسالة القدسية عن‬
‫مفهومها الصريح ومحلوها على املفهوم املوهوم واحلال ان العبارة حممولة على ظاهرها غري‬
‫قابلة للتحريف والتأويل وعالمة هذه الرتبية التحقق ابحملبة الذاتية وال امكان حلصوهلا‬
‫بدون التحقق هبا واحملبة الذاتية عالمة الفنا و الفناء عبارة عن نسيان ما سوى هللا تعاىل‬
‫فميت مل يزل العلوم عن ساحة الصدر ابلتمام ومل حيصل التحقق ابجلهل املطلق ال نصيب‬
‫من الفناء أصال وهذا اجلهل دائمي ال امكان لزواله ال أنه حيصل أحياان ويزول أخرى‬
‫غاية ما يف الباب أنه قبل البقاء جهالة حمضة وبعد البقاء جيتمع اجلهالة والعلم معا ففي‬
‫عني اجلهالة شعور ويف عني احلرية حضور وهذا موطن حق اليقني الذي ال يكون فيه كل‬
‫من العلم والعني حجااب لآلخر والعلم احلاصل قبل مثل هذه اجلهالة خارج من حيز‬
‫االعتبار مع أنه ان كان هناك علم ففي النفس وان كان شهود ففي النفس وان معرفة أو‬
‫حرية ففي النفس أيضا ومادام النظر يف اخلارج ال حاصل فيه وان كان النظر يف النفس‬
‫يعين يف اجلملة بل الالئق ان ينقطع النظر عن اخلارج ابلكلية قال اخلواجه النقشبند قدس‬
‫سره وكلما يراه أهل هللا بعد الفناء والبقاء يرونه يف أنفسهم وكلما يعرفون يعرفونه يف‬
‫أنفسهم وحريهتم تكون يف وجود أنفسهم وفهم من ذلك ايضا صرحيا ان الشهود واملعرفة‬
‫واحلرية يف النفس فحسب ليس يف اخلارج شئ منها وما دام واحد منها يف اخلارج ال حظ‬
‫من الفناء وال نصيب وان كان بعض منها يف اخلارج فأين البقاء بعد وهناية املراتب يف‬
‫الفناء والبقاء هي هذه وهذا هو الفناء املطلق ومطلق الفناء اعم منه ومن غريه والبقاء امنا‬
‫هو على مقدار الفناء وهلذا يكون لبعض أهل هللا شهود يف اخلارج بعد التحقق ابلفناء‬
‫والبقاء ولكن نسبة هؤالء األعزة يعين النقشبنديني فوق مجيع النسب {شعر}‪:‬‬
‫وهيهات ما كل النسيم حجازاي * وما كل مصقول احلديد ميانيا‬
‫‪- 17 -‬‬

‫فاذا تشرف واحد او اثنان من اكابر هذه السلسلة بعد قرون كثرية هبذه النسبة‬
‫فماذا يقولون يف سالسل أخر وهذه هي نسبة خواجه عبد اخلالق الغجدواين قدس سره‬
‫ومتممها ومكملها شيخ الشيوخ أعين حضرة اخلواجه هباء الدين املعروف ابلنقشبند قدس‬
‫سره وتشرف هبذه الدولة من خلفائه اخلواجه عالء الدين العطار قدس سره {ع}‪:‬‬
‫و تلك سعادات تكون نصيب من‬
‫و العجب من هذا األمر حيث كان كل بالء ومصيبة واقعة ابعثة على السرور‬
‫والفرح أوال وكنت أقول هل من مزيد وكلما فاتين شئ من متاع الدنيا كان يطيب به قليب‬
‫وكنت أمتن مثله وملا أنزلت اآلن اىل عامل االسباب ووقع نظري على عجزي وافتقاري‬
‫صار حيصل يل نوع حزن حبصول ضرر يسري يف أول وهلة وان زال بسرعة ومل يبق أصال‬
‫وكذا اذا دعوت هللا سبحانه لدفع بالء أو مصيبة ما كان املقصود منه رفع تلك املصيبة‬
‫بل الجل االمتثال المر ا ْدعُ ِوين واآلن صار املقصود من الدعاء رفع املصائب والبالء وقد‬
‫رجع اخلوف واحلزن اللذان قَ ْد َزاال من قبل وصار معلوما يل ان ذلك كان من السكر وأما‬
‫يف الصحو فكل ما هو موجود يف عوام الناس من العجز واالفتقار واخلوف واحلزن والغم‬
‫والفرح موجود يف صاحب الصحو ويف االبتداء وان مل يكن املقصود من الدعاء رفع البالء‬
‫ولكن ما كان قليب يطيب هبذا املعن اال أن احلال كان غالبا علي وكان أوال خيطر يف‬
‫البال أن دعوات االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات ليست من قبيل استدعاء حصول‬
‫املراد وملا شرفت اآلن بتلك احلالة صارت حقيقة االمر واضحة وعلمت أن دعوات‬
‫االنبيآء عليهم الصلوات والتحيات كانت على وجه العجز واالفتقار واخلوف واالنكسار‬
‫ال جملرد امتثال االمر وتصدر اجلرأة احياان بعرض بعض االمور الواقعة حسب االمر‪.‬‬

‫{املكتوب السابع يف بيان بعض أحواله الغريبة مع بعض استفساراته‬


‫الضرورية كتبه اىل شيخه املكرم}‬
‫‪- 18 -‬‬

‫عريضة أقل العبيد امحد ان املقام الذي كان فوق احملدد وجدت روحي هناك‬
‫بطريق العروج وكان هلذا املقام اختصاص حبضرة اخلواجه النقشبند قدس سره االقدس مث‬
‫وجدت بدين العنصري هناك بعد زمان وخيل يل يف ذلك الوقت ان هذا العامل بتمامه من‬
‫العنصرايت والفلكيا ت انزل اىل التحت ومل يبق منه اسم وال رسم وملا مل يكن يف ذلك‬
‫املقام اال بعض االوليآء الكبار واآلن أجد متام العامل شريكا يل يف احملل واملقام حصلت‬
‫احلرية ابنه مع وجود االجنبية التامة أرى نفسي معهم واحلاصل تظهر احياان حالة ال أبقى‬
‫فيها اان وال العامل وال يظهر شئ ال يف النظر وال يف العلم وتلك احلالة مستمرة اىل اآلن‬
‫ووجود العامل حمتجب عن النظر والعلم مث ظهر يف ذلك املقام قصر عال قد وضع فيه‬
‫سالمل فطلعت فيه مث تنزل ذلك املقام ايضا ابلتدريج مثل العامل ووجدتين صاعدا ساعة‬
‫فساعة فصليت اتفاقا ركعيت شكر الوضوء فظهر مقام عال جدا فرأيت فيه االكابر‬
‫االربعة[‪ ]1‬النقشبنديني قدس هللا أسرارهم وكان فيه ايضا مشائخ آخرون مثل سيد الطائفة‬
‫وغريه وكان بعض من املشائخ فوق ذلك املقام ولكن كانوا قاعدين آخذين بقوائمه وكان‬
‫بعضهم حتته على تفاوت درجاهتم ووجدت نفسي بعيدا عن ذلك املقام جدا بل مل ار يف‬
‫نفسي مناسبة هبذا املقام فحصل يل من هذه الواقعة اضطراب اتم حت كدت اكون جمنوان‬
‫وخيرج روحي من بدين من فرط احلزن واالسف فمرت على هذه النهج أوقات مث رأيت‬
‫نفسي اخريا مناسبا لذلك املقام بتوجهاتكم العلية ووجدت رأسي أوال حماذاي لذلك املقام‬
‫مث صعدت تدرجيا وقعدت فوقه مث خطر يف ابيل بعد التوجه أن ذلك املقام مقام التكميل‬
‫التام يوصل اليه بعد متام السلوك وال حظ من ذلك املقام جملذوب مل يتم السلوك وخيل يل‬
‫يف ذلك الوقت أن الوصول اىل ذلك املقام من نتايج تلك الواقعة اليت كنت رأيتها حني‬
‫كوين يف مالزمتكم وهي أين رأيت سيدان عليا كرم هللا وجهه قد جاء وقال جئتك‬
‫العلمك علم السموات اخل وملا أمعنت النظر وجدت ذلك املقام خمصوصا بسيدان علي‬

‫(‪ )1‬لعله اراد هبم اخلواجه عبداخلالق الغجدواين واخلواجه حممد هباء الدين النقشبند واخلواجه عالء الدين العطار‬
‫واخلواجه عبيدهللا االحرار قدس سرهم ملؤلفه عفي عنه (الرشحات)‬
‫‪- 19 -‬‬

‫كرم هللا وجهه من بني سائر اخللفاء الراشدين رضي هللا عنهم امجعني وهللا سبحانه و‬
‫تعاىل أعلم (واملعروض اثنيا) أنه يظهر يل أن االخالق السيئة ترتفع ساعة فساعة بعضها‬
‫خيرج من البدن مثل اخليط وبعضها مثل الدود وخييل يف بعض االوقات أن كلها قد زالت‬
‫مث يظهر يف وقت آخر (اثلثا) أن التوجه لدفع بعض االمراض والشدايد هل هو مشروط‬
‫ابن يعلم رضا احلق سبحانه أو ال أوال والظاهر من عبارة الرشحات املنقولة عن حضرة‬
‫اخلواجه يعين عبيد هللا اال حرار قدس هللا سره االقدس ان هذا ليس بشرط فبماذا حتكمون‬
‫يف هذا الباب مع ان التوجه غري مستحسن يعين عنده (رابعا) ان بعد حتقق احلضور يف‬
‫الطالبني هل يلزم املنع من الذكر واالمر ابحملافظة على احلضور أو ال مث أي مرتبة من‬
‫احلضور ال ذكر فيها مع ان البعض مل يرتك الذكر من االول اىل اآلخر ومل ميتنع من الذكر‬
‫أصال حت اهنى االمر اىل النهاية فما حقيقة االمر فيه ومباذا أتمرون (خامسا) ان حضرة‬
‫اخلواجه يعين عبيد هللا اال حرار قال يف الفقرات وأيمرون اخريا ابلذكر فان بعض املقاصد‬
‫ال يتيسر اال به وما هذه املقاصد فعينوه (سادسا) ان بعض الطالبني يطلبون تعليم الطريقة‬
‫اايهم ولكنهم ال حيتاطون يف اللقمة ومع عدم االحتياط قد حصلوا حضورا وحنوا من‬
‫االستغراق فان اكدان عليهم ابالحتياط يف اللقمة يرتكون الكل يعين خيتارون ترك الطريقة‬
‫ابلكلية من ضعف الطلب فما احلكم يف هذا الباب والبعض اآلخر يطلبون جمرد االتصال‬
‫هبذه السلسلة الشريفة بطريق االرادة من غري طلب تعليم الذكر وهل جيوز ذلك أو ال فان‬
‫كان جيوز فما طريقه وزايدة االنبساط خروج من االدب‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن يف بيان االحوال املتعلقة مبرتبة البقاء والصحو كتبه أيضاً‬
‫اىل شيخه املعظم}‬
‫عريضة أقل العبيد امحد اين ملا اخرجت اىل الصحو وشرفت ابلبقاء اخذ تظهر‬
‫العلوم الغريبة واملعارف غري املتعارفة وتفاض على التواتر والتوايل واكثرها ال يوافق بيان‬
‫‪- 20 -‬‬

‫القوم واصطالحهم املتداول وكلما بينوه يف مسئلة وحدة الوجود وقالوا به قد شرفت به يف‬
‫اوائل احلال وتيسر شهود الوحدة يف الكثرة مث ترقيت من ذلك املقام بعناية امللك العالم‬
‫اىل ما فوقه بدرجات كثرية وفاض علي يف ضمن ذلك انواع العلوم ولكن ال يوجد يف‬
‫كالم القوم مصداق تلك املقامات ومصداق هاتيك املعارف واملقاالت صرحيا ويف كالم‬
‫بعض االكابر اشارات ورموز امجالية فيها ولكن الشاهد العدل لصحتها موافقتها لظاهر‬
‫الشريعة وامجاع علماء أهل السنة حبيث ال ختالف ظاهر الشريعة الغراء يف شئ وال توافق‬
‫اقوال الفالسفة واصوهلم املعقولة بل ال توافق اصول طائفة من العلماء االسالميني هلم‬
‫خمالفة الهل السنة وقد انكشف ان االستطاعة مع الفعل وان ال قدرة قبل الفعل بل‬
‫حتصل القدرة مقاران ابلفعل والتكليف مستند اىل سالمة االسباب واالعضاء كما قرره‬
‫علماء أهل السنة واجدين يف هذا املقام على قدم اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره‬
‫فانه كان يف هذا املقام وكان حلضرة اخلواجه عالء الدين العطار نصيب أيضا من هذا‬
‫املقام ومن أكابر هذه السلسلة العلية حضرة اخلواجه عبد اخلالق الغجدواين قدس هللا‬
‫تعاىل سره االقدس ومن املتقدمني الشيخ معروف الكرخي وداود الطائي واحلسن البصري‬
‫وحبيب العجمي قدس هللا اسرارهم املقدسة وحاصل هذه كلها كمال البعد والوحشة وقد‬
‫جاوز االمر املعاجلة وما دامت احلجب مسدولة كان للسعي واالهتمام لرفعها جمال واآلن‬
‫كانت عظمة االمر حجااب له {ع}‪:‬‬
‫فال طبيب هلا وال راق‬
‫وكاهنم مسوا كمال الوحشة وعدم املناسبة وصال واتصاال هيهات هيهات وهذا‬
‫البيت موافق للحال {شعر}‪:‬‬
‫اايك اي صاح ودعوى وصاله * اين احلضيض من السماك االعزل‬
‫اين الشهود ومن الشاهد وما املشهود {ع}‪:‬‬
‫و مت يرى للخلق نور مجاله‬
‫ما للرتاب ورب االرابب وامنا للعبد أن يعلم نفسه خملوقا غري قادر وكذلك له أن‬
‫‪- 21 -‬‬

‫يعتقد مجيع العامل كذلك وان يذعن ان اخلالق والقادر هو احلق عز و جل ال يثبت نسبة‬
‫غري هذا اصال فاين العينية واملرآتية {ع}‪:‬‬
‫و أبي مرآة غدا متصورا‬
‫وعلماء الظاهر من أهل السنة واجلماعة وان كانوا مقصرين يف بعض االعمال‬
‫ولكن يظهر يف النظر أن جلمال صحة عقايدهم من النورانية ما يضمحل فيه تقصرياهتم‬
‫وتتالشى وال يوجد ذلك يف بعض املتصوفة لعدم كمال صحة عقيدهتم يف الذات‬
‫والصفات مع وجود الرايضات واجملاهدات وقد حصلت يل حمبة كثرية يف حق العلماء‬
‫وطلبة العلوم وتستحسن يل سريهتم وامتن أن اكون يف زمرهتم ونتذاكر مع طلبة العلوم‬
‫التوضيح والتلويح من املقدمات االربع ونباحث معهم ونقرأ اهلداية ايضا من الفقه واشارك‬
‫العلماء أيضا يف القول ابالحاطة واملعية العلميتني وكذلك أعلم أن احلق سبحانه ليس‬
‫عني العامل وال متصال به وال منفصال عنه وال مع العامل وال مفارقا عنه وال حميطا به وال‬
‫ساراي فيه وأعلم ان الذوات والصفات كلها خملوقة له تعاىل ال ان صفات املخلوقات‬
‫صفات له تعاىل وافعاهلا افعاله سبحانه بل أعلم أن املؤثر يف االفعال امنا هو قدرته تعاىل‬
‫ال أتثري لقدرة املخلوق كما هو مذهب علماء املتكلمني وكذلك أعلم ان الصفات السبع‬
‫موجودة وأعلم أن احلق سبحانه مريد واتصور القدرة مبعن صحة الفعل والرتك بيقني ال‬
‫مبعن ان شاء فعل وان مل يشأ مل يفعل وال اقول ان الشرطية الثانية ممتنعة الوقوع كما قال‬
‫به احلكماء يعين الفالسفة السفهاء وبعض الصوفية فان هذا ينجر اىل القول ابالجياب‬
‫ويوافق اصول احلكماء واعتقد مسئلة القضاء والقدر على طور العلماء فان للمالك ان‬
‫يتصرف يف ملكه كيف يشاء وال ارى للقابلية واالستعداد دخال اصال فانه ينجر اىل‬
‫االجياب وه و سبحانه خمتار فعال ملا يريد و على هذا القياس وملا كان عرض االحوال من‬
‫مجلة الضرورايت اجرتأان بعرضها ابلضرورة {ع}‪:‬‬
‫على املرء أن ال جيهل الدهر طوره‪.‬‬
‫‪- 22 -‬‬

‫{املكتوب التاسع يف بيان االحوال املناسبة ملقام النزول كتبه أيضاً اىل‬
‫شيخه املكرم}‬
‫عريضة املدبر االسود الوجه املقصر سيئ اخللق مغرور الوقت واحلال الكامل‬
‫االجتهاد يف خمالفة املوىل * العامل برتك العزمية واألوىل * مزين موقع نظر اخللق * وخمرب‬
‫حمل نظر احلق * تعاىل وتقدس مقصور اهلمة يف تزيني الظاهر * منحرف الباطن من هذه‬
‫اجلهة حنو االغيار قاله مناف حلاله * وحاله مبين على خياله * فماذا حيصل من هذا املنام‬
‫واخليال * وماذا ينكشف من هذا القال واحلال * نقد الوقت االدابر واخلسارة *‬
‫والبضاعة الغباوة والضاللة * ونفسه مبدأ الشر والفساد * ومنشأ الظلم ومعصية رب‬
‫العباد * وابجلملة انه ذنوب جممسة * وعيوب جمتمعة * خرياته الئقة ابللعن والرد *‬
‫وحسناته مستحقة للطعن والطرد * رب[‪ ]1‬قارئ القرآن والقرآن يلعنه شاهد عدل يف‬
‫حقه وكم[‪ ]2‬من صائم ليس له من صيامه اال الظمأ واجلوع شاهد صدق يف شأنه * فويل‬
‫ملن كان هذا حاله ومنزلته وكماله ودرجته * استغفاره ذنب كسائر الذنوب بل أشد *‬
‫وتوبته معصية كسائر املعاصي بل اقبح * كل ما يفعله القبيح قبيح مصداق هذا القول‬
‫{ع}‬
‫من يزرع الشوك مل حيصد به عنبا‬
‫مرضه ذايت ال يقبل العالج ودائه اصلي ال ينفعه الدواء كفاسد املزاج ما ابلذات ال‬
‫ينفك عن الذات {شعر}‪:‬‬
‫اىن يزول من احلبوش سوادها * ان السواد ابصله هو لوهنا‬
‫ما اذا نصنع وما ظل مهم هللا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون نعم اخلري احملض‬

‫(‪ )1‬ذكره الغزايل يف االحياء من قول انس بن مالك رضي هللا عنه وسكت عنه خمرجوا احاديثه قاطبة‬
‫(‪ )2‬اخرجه ابن ماجة والنسائي بلفظ رب صائم ليس له من صيامه اال اجلوع ويف بعض طرقه اال العطش وذكر ابن‬
‫حجر عن النسائي وابن ماجة بلفظ كم من صائم ليس له من صومه اال اجلوع والعطش ويف رواية الدارمي كم من صائم‬
‫ليس له من صيامه اال الظمأ‪.‬‬
‫‪- 23 -‬‬

‫يستدعي شريرا حمضا لتظهر حقيقة اخلريية االشياء امنا تتبني بضدها فاخلري والكمال اذا‬
‫كاان مهيأين يلزمهما الشر والنقص فان احلسن واجلمال البد هلما من املرآة واملرآة ال‬
‫تكون اال يف مقابلة شئ فال جرم كان الشر مرآة للخري والنقص مرآة للكمال فما زاد فيه‬
‫النقص والشر يكون الكمال فيه أزيد واخلري اوفر والعجب ان هذا الذم كشف عن وجه‬
‫معن املدح وصار الشر والنقصان حمال للخري والكمال فال جرم يكون مقام العبدية فوق‬
‫مجيع املقامات فان هذا املعن امت واكمل يف مقام العبدية وامنا يتشرف هبذا املقام احملبوبون‬
‫وتلذذ احملبني امنا هو بذوق الشهود وااللتذاذ ابلعبدية واالنس هبا خمتصان ابحملبوبني انس‬
‫احملبني يف مشاهدة احملبوب وانس احملبوبني يف عبودية احملبوب فهم يتشرفون يف هذا االنس‬
‫بتلك الدولة والنعمة وفارس هذا امليدان على االطالق هو سند الدنيا والدين وسيد‬
‫االولني واآلخرين وحبيب رب العاملني عليه من الصلوات امتها ومن التحيات اكملها فان‬
‫اريد ايصال شخص اىل هذه الدولة مبحض الفضل جيعل اوال متحققا بكمال متابعته‬
‫عليه الصالة و السالم مث يرفع بتلك املتابعة اىل ذروة العال ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء‬
‫وهللا ذو الفضل العظيم واملراد من الشر والنقص العلم الذوقي هبما ال االتصاف هبما‬
‫وصاحب هذا العلم متخلق أبخالق هللا تعاىل شأنه وتقدس وهذا العلم من مجلة مثرات‬
‫ذلك التخلق فكيف يكون للشر والنقص جمال يف ذلك املوطن سوى تعلق العلم هبما‬
‫وهذا العلم امنا هو بواسطة الشهود التام للخري احملض الذي يرى الكل يف جنبه شرا وهذا‬
‫الشهود بعد نزول النفس املطمئنة اىل مقامها ولذلك ما دام العبد مل يسقط حظ نفسه ومل‬
‫يضرب به االرض ومل يبلغ امره هذه املرتبة ال نصيب له من كمال مواله جل شأنه فكيف‬
‫اذا اعتقد نفسه انه عني مواله وصفاته صفاته تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا وهذا االعتقاد‬
‫احلاد يف االمساء والصفات واراببه داخلون يف زمرة مصداق قوله تعاىل وذر الذين يلحدون‬
‫يف امسائه وليس كل من تقدمت جذبته على سلوكه من احملبوبني ولكن تقدم اجلذبة شرط‬
‫يف احملبوبية نعم يف كل جذبة نوع من معن احملبوبية فان اجلذب ال يكون بدونه وذلك‬
‫املعن حصل فيهم بسبب عارض من العوارض ال ذايت والذايت غري معلل بشئ من‬
‫‪- 24 -‬‬

‫االشياء اال ترى ان كل منته تتيسر له اجلذبة اخريا مع كونه داخال يف زمرة احملبني ظهر فيه‬
‫معن احملبوبية بواسطة عارض وهو ال يكفي فيه يعين حصول هذا املعن ال يكفي يف كون‬
‫السالك حمبواب وذلك العارض هو التزكية والتصفية و يكون الباعث على حصول هذا‬
‫املعن لبعض املبتدئني يف اجلملة اتباع النيب صلّى هللا عليه و سلّم ولو يف اجلملة بل‬
‫الباعث عليه يف املنتهى ايضا هو االتباع فقط وظهور ذلك املعن الذايت والفضلي يف‬
‫احملبوبني ايضا منوط ابتباعه صلّى هللا عليه و سلّم بل اقول ان ذلك املعن الذايت بواسطة‬
‫املناسبة الذاتية للنيب صلّى هللا عليه و سلّم واالسم الذي هو ربه واقع مناسبا لالسم الذي‬
‫هو ربه صلّى هللا عليه و سلّم يف حق تلك اخلصوصية وهبذا السبب اكتسب هذه‬
‫السعادة وهللا اعلم ابلصواب واليه املرجع واملآب وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل‪.‬‬

‫{املكتوب العاشر يف حصول القرب والبعد والفرق والوصل مبعاين غري‬


‫متعارفة مع بعض العلوم املناسب لذلك املقام كتبه ايضاً اىل شيخه املعظم}‬
‫عريضة احقر اخلدمة انه قد طالت املدة وال اطالع يل على احوال خدمة تلك‬
‫العتبة العلية مع كثرة االنتظار‬
‫وال عجب ان عاد روحي اذا اتى * سالم من اخلل الويف املفارق‬ ‫شعر‬
‫علمت أبين غري الحق ركبه * فيكفي مساعي من وراه ندائه‬ ‫غريه‬
‫واعجب ابمر حيث مسوا هناية البعد قراب وغاية الفراق وصال وكأهنم اشاروا يف‬
‫ضمن ذلك اىل نفي القرب والوصال‬
‫كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف‬ ‫شعر‬
‫فال جرم كان احلزن االبدي والفكر الدائمي ممدا ومعينا والبد ان يكون املراد يف‬
‫آخر االمر مريدا ايضا ابرادته واحملبوب حمبا ومبتلى مبحبة احملبوب وهذا النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم مع وجود مقام املرادية واحملبوبية صار مريدا وحمبا فال جرم اخربوا عن حاله‬
‫‪- 25 -‬‬

‫أبنه كان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم متواصل[‪ ]1‬احلزن دائم الفكر وقال النيب صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم ما اوذي[‪ ]2‬نيب مثل ما اوذيت واحملبون هم املتحملون لثقل احملبة ومحل‬
‫هذا الثقل عسري على احملبوبني {ع}‪:‬‬
‫فيا هلا قصة يف شرحها طول‪.‬‬

‫وقصة العشق مما ال انفصام له‬ ‫{ع}‪:‬‬


‫وحامل العريضة الشيخ اله خبش قد حصل له نوع من اجلذب واحملبة وقد صار‬
‫ابعثا على كتابة كلمات اىل خدمتكم ابالبرام وحاصل املرام انه اظهر شوق املالزمة‬
‫وتوجه حنو تلك احلدود وقد كان اوال اظهر بعض االرادات وملا فهم من هذا الفقري‬
‫تقاعدا فيه وأتخرا عن اجناحه رضي مبجرد املالقاة فكتبنا الجل ذلك هذه الكلمات‬
‫وزايدة االنبساط بعيدة عن طور االدب‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي عشر يف بيان بعض الكشوف وحصول مقام رؤية قصور‬
‫نفسه واهتامها يف مجيع االحوال وظهور معىن الكلمات الثالث للشيخ ايب‬
‫سعيد ايب اخلري وسرها وبيان احوال بعض اصحابه كتبه اىل شيخه املكرم‬
‫ايضا}‬

‫(‪ )1‬هذا طرف من حديث طويل يف مشائل حليته صلّى هللا عليه و سلّم عزاه السيوطي يف مجع اجلوامع اىل ابن سعد‬
‫والرتمذي يف الشمائل والبيهقي يف الدالئل والشعب والطرباين يف الكبري والروايين وابن عساكر عن احلسن ابن علي عن‬
‫خاله ابن ايب هالة بلفظ كان متواصل االحزان دائم الفكر وال عربة ابنكار املنكر مبجرد عقله بعد ثبوته بنقل الثقات‬
‫وتقرير العلماء االثبات اه‬
‫(‪ )2‬اخرجه ابن عدي وابن عساكر عن جابر رضي هللا عنه بلفظ ما اوذي احد ما أوذيت واخرجه امحد والرتمذي وابن‬
‫حبان عن انس مرفوعا لقد اوذيت يف هللا وما يؤذي احد واخفت يف هللا وما خياف احد اه‬
‫‪- 26 -‬‬

‫عريضة اقل العبيد امحد ان املقام الذي كنت رأيتين فيه سابقا وقع النظر على عبور‬
‫اخللفاء الثالثة منه بعد املالحظة حسب االمر الشريف وملا مل يكن يل فيه مقام واستقرار‬
‫مل ارهم فيه يف اول وهلة كما انه ال استقرار فيه وال ثبات الحد من ائمة اهل البيت غري‬
‫االمامني واالمام زين العابدين رضي هللا عنهم امجعني ولكن وقع هلم العبور منه وميكن‬
‫ادراكه بدقة النظر واما وجه رؤية نفسي أوال غري مناسب هلذا املقام فعدم املناسبة على‬
‫نوعني احدمها عدم ظهور طريق من الطرق فلو أريت الطريق لزال عدم املناسبة واثنيهما‬
‫عدم مناسبة مطلقا وهذا ال يقبل الزوال بوجه من الوجوه والطريق املوصل لذلك املقام‬
‫اثنان ال اثلث هلما اعين أنه ال يظهر يف النظر طريق غري هذين الطريقني احدمها رؤية‬
‫النقص والقصور واهتام النيات يف اخلريات مع قوة اجلذب واثنيهما صحبة مكمل جمذوب‬
‫قد أمت السلوك وقد رزقين هللا سبحانه الطريق االول على قدر االستعداد بيمن عنايتكم‬
‫العلية فانه ال يصدر عين من أعمال اخلري اال اهتم فيه نفسي بل ال اسرتيح وال يستقر قليب‬
‫اىل ان اهتم فيه نفسي واراين كانه مل يصدر عين عمل قابل لكتابة ملك اليمني واعتقد ان‬
‫صحيفة مييين خالية عن اعمال اخلري كتبتها معطلون من الكتابة فكيف اكون مستحقا‬
‫لقبول احلق جل وعال واعلم ان مجيع من يف العامل من كفار االفرنج والزاندقة واملالحدة‬
‫أفضل مين بوج وه وشر اجلميع أان وجهة اجلذبة وان متت بتمام السري اىل هللا ولكن كان‬
‫بعض لوازمه وتوابعه ابقيا ومت اآلن ذلك الباقي أيضا يف ضمن الفناء الذي وقع يف مركز‬
‫مقام السري يف هللا وكنت كتبت احوال ذلك الفناء يف العريضة السابقة ابلتمام ولعل املراد‬
‫ابلفناء الواقع يف كالم اخلواجه عبيد هللا االحرار قدس سره حيث قال قال االكابر هناية‬
‫هذا االمر الفناء هو ذلك الفناء الذي يتحقق بعد التجلي الذايت والتحقق ابلسري يف هللا‬
‫وفناء االرادة من مجلة شعب ذلك الفناء {شعر}‪:‬‬
‫ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل‬
‫والذين ال منا سبة هلم هبذا املقام فهم يف النظر طائفتان طائفة متوجهون اليه‬
‫وطالبون لطريق الوصول اليه وطائفة أخرى ال التفات هلم اليه وال توجه فيهم حنوه وتوجه‬
‫‪- 27 -‬‬

‫احلضرة يعين شيخه أشد ظهورا من الطريق الثاين من طريقي الوصول اليه وتظهر مناسبته‬
‫هلذا الطريق وحيث كنت مأمورا من جانب حضرتكم نتجاسر ابمثال هذه األمور امتثاال‬
‫لألمر واال فاان ذاك أمحد االمس مل اتغري أصال (واملعروض اثنيا) أنه قد ظهر يف اثناء‬
‫مالحظة ذلك املقام مرة اثنية مقامات أخر بعضها فوق بعض وملا وصلت اىل املقام‬
‫الذي فوق املقام السابق بعد التوجه ابالنكسار واظهار االفتقار تبني يل أنه مقام حضرة‬
‫ذي النورين رضي هللا عنه وللخلفاء الباقني عبور من ذلك املقام وهذا املقام مقام التكميل‬
‫واالرشاد أيضا يف هذه املرتبة وكذلك املقامان اللذان يذكران بعد مث وقع النظر على مقام‬
‫فوقه وملا وصلت اليه تبني يل أنه مقام حضرة الفاروق رضي هللا عنه وللخلفاء الباقني‬
‫عبور من ذلك املقام مث ظهر فوقه مقام الصديق االكرب رضي هللا عنه ووصلت اليه أيضا‬
‫ووجدت اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره رفيقا يل من بني املشائخ يف مجيع‬
‫املقامات ولسائر اخللفاء عبور من هذا املقام ال تفاوت اال يف العبور واملقام واملرور‬
‫والثبات وال يرى فوقه مقام أصال اال مقام خامت النبيني واملرسلني عليه من الصلوات‬
‫أكملها ومن التحيات أمتها وظهر يف حماذاة مقام الصديق االكرب رضي هللا عنه مقام آخر‬
‫نوراين عال جدا مل أر مثله قط وكان له ارتفاع يسري من ذلك املقام كما اذا رفعوا اللوح‬
‫من االرض وتبني يل انه مقام احملبوبية وكان ذلك املقام مزينا ومنقشا فوجدت نفسي أيضا‬
‫مزينا ومنقشا من انعكاسه مث وجدت نفسي بعد ذلك لطيفا يف تلك الكيفية ورأيتين‬
‫منتشرا يف اآلفاق مثل اهلواء وقطعة السحاب حت استوعبت بعض االطراف وحضرة‬
‫اخلواجه النقشبند يف مقام الصديق واجدين يف املقام احملاذي له بكيفية معروضة‬
‫(واملعروض اثلثا) أنه ال يرى ترك االشتغال هبذا العمل مرضيا كيف والعامل على شرف‬
‫الغرق يف جلة الضاللة ومن وجد يف نفسه قوة االخراج من تلك اللجة كيف يسوغ له ان‬
‫يسامح نفسه وان كان له أمر آخر امامه ولكن االشتغال هبذا العمل ضروري ومرضي‬
‫بشرط التزام االستغفار من بعض الوساوس واهلواجس الذي حيصل يف اثناء هذا العمل‬
‫وهبذا الشرط يكون داخال حتت الرضا واما بدون مالحظة هذا الشرط فال بل يبقى أدون‬
‫‪- 28 -‬‬

‫واما اخلواجه النقشبند واخلواجه عالء الدين العطار قدس سرمها فهذا العمل مرضي منهما‬
‫من غري مالحظة هذا الشرط واما عمل هذا الفقري فاحياان داخل يف الرضا من غري‬
‫مالحظة هذا الشرط واحياان يبقى أدون (ورابعا) أنه ذكر يف النفحات ان الشيخ ااب‬
‫سعيد ااب اخلري قال اذا مل يبق العني فأين يبقى األثر ال تبقي وال تذر وقد اشكل على هذا‬
‫الكالم يف أول النظر فان الشيخ حميي الدين واتباعه ذاهبون اىل ان زوال العني الذي هو‬
‫معلوم من معلومات هللا تعاىل حمال واال إلنقلب العلم جهال فاذا مل يزل العني أين يذهب‬
‫األثر وقد كان هذا الكالم متمكنا يف الذهن هبذا الوجه فلم ينحل كالم الشيخ أيب سعيد‬
‫قط مث كشف هللا سبحانه عن وجه سر هذا الكالم بعد التوجه التام وحتقق أنه ال يبقى‬
‫العني وال األثر ووجدت هذا املعن يف نفسي ايضا فلم يبق االشكال أصال وقد وقع النظر‬
‫على مقام هذه املعرفة ايضا رأيته عاليا جدا فوق املقام الذي بينه الشيخ واتباعه وال تنايف‬
‫بني هذين املبحثني فان أحدمها من مقام واآلخر من مقام آخر وتفصيله يف العريضة‬
‫موجب للتطويل واملالل (وقد ظهر) ايضا ما قاله الشيخ يعين أاب سعيد ااب اخلري من دوام‬
‫هذا[‪ ]1‬احلديث وان احلديث عبارة عماذا ودوامه ماذا ووجدت هذا احلديث يف نفسي‬
‫دائما ولو كان من النوادر (وأيضا) ال مييل قليب اىل مطالعة الكتب وال يطيب به اال ما‬
‫كان فيه ذكر مناقب املشائخ الكبار العالية وأحواهلم السامية الواقعة يف املقامات‬
‫فيستحسن يل مطالعة امثال ذلك وأحوال املشائخ املتقدمني أكثر رغبة فيها وال اقدر‬
‫على مطالعة كتب احلقائق واملعارف خصوصا كلمات توحيد الوجود وتنزالت املراتب‬
‫واراين يف هذا الباب كثري املناسبة للشيخ عالء الدولة ومتفقا معه يف الذوق واحلال يف‬

‫(‪ )1‬وهذه القصة مذكورة يف النفحات قال فيه ان الشيخ ااب سعيد ااب اخلري قال الستاذه ايب علي الدقاق ان هذا‬
‫احلديث يكون دائما قال االستاذ ال فأطرق الشيخ مليا مث رفع رأسه وقال ان هذا احلديث كان دائما فقال االستاذ ال‬
‫ص َف َق‬
‫فاطرق الشيخ اثنيا مث رفع رأسه وقال ايها االستاذ ان هذا احلديث يدوم قال االستاذ ان كان دائما يكون اندرا فَ َ‬
‫الشيخ وقال هذا من تلك النوادر اهو املراد من هذا احلديث عند االمام الرابين قدس سره و على ما بينه يف حمل آخر‬
‫التجلي الذايت الربقي وهو دائمي عنده وان كان برقيا ابلنسبة اىل غريه كما يف بعض مكاتيبه اه‬
‫‪- 29 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫النكارها والتشديد على ارابهبا يعين كما‬ ‫هذه املسئلة ولكن العلم السابق ال يرتكين‬
‫صدر من الشيخ عآلء الدولة {وايضا} قد وقع التوجه لدفع بعض االمراض مرات وظهر‬
‫اثره وكذلك ظهرت احوال بعض املوتى اليت هي من عامل الربزخ ووقع التوجه ايضا لدفع‬
‫اآلالم والشدايد عنهم ولكن مل تبق اآلن قدرة التوجه فاين ال اقدر ان امجع نفسي بشئ‬
‫من االشياء بسبب أنه قد صدر بعض املصادرات والظلم واجلور يف حق الفقري من بعض‬
‫وجلُّوهم عن الوطن‬
‫الناس ومحلوا على الشدائد وظلموا مجعا كثريا من متعلقي هذا اجلانب َ‬
‫بغري حق ومع ذلك مل يقع الغبار على اخلاطر ومل يتطرق الكلفة والتضجر اىل القلب اصال‬
‫فضال عن صدور قصد االساءة اليهم واكتسب بعض االصحاب شهودا و معرفة يف مقام‬
‫اجلذبة ومل يضعوا اىل اآلن قدما يف منازل السلوك واان اذكر نبذة من احواهلم واعرضها‬
‫على حضرتكم عسى هللا سبحانه ان يشرفهم بدولة السلوك بعد متام جهة اجلذبة فاقول‬
‫ان الشيخ نورا مربوط وحمبوس يف ذلك املقام ومل يصل بعد اىل نقطة فوقانية من مقام‬
‫اجلذبة فانه يؤذي يف احلركات والسكنات وال مييز الطيبات من القبائح فوقع امره يف‬
‫التوقف بال اختيار وكذلك وقع التوقف يف امور اكثر االصحاب بواسطة عدم رعاية‬
‫اآلداب واان حريان يف هذا الباب فانه ال ارادة للتوقف من هذا الطرف بل االرادة لرتقيهم‬
‫ويقع املكث يف امورهم بال اختيار واال فالطريق أقرب ونزل موالان املعهود اىل النقطة‬
‫االخرية وامت امر اجلذبة ووصل اىل برزخية ذلك املقام واوصل الفرق من وجهه اىل النهاية‬
‫قد رأى الصفات اوال بل النور القائمة به الصفات مفارقا عن نفسه ووجد نفسه شبحا‬
‫خاليا مث رأى الصفات منفكة عن الذات ووصل هبذه الرؤية من مقام اجلذبة اىل االحدية‬
‫واآلن قد ذهل عن العامل وعن نفسه حبيث ال يقول ابالحاطة وال ابملعية وتوجهه اىل ابطن‬
‫البطون حبيث ال حاصل له غري احلرية واجلهالة ووصل السيد شاه حسني ايضا اىل قرب‬
‫النقطة االخرية من مقام اجلذبة على وجه وصل رأسه اىل النقطة وكذلك وجد الصفات‬

‫(‪ )1‬يريد انه مع كونه يف مشرب الشيخ ركن الدولة عالء الدين السمناين يف تلك املعرفة ال ينكر اهل معارف وحدة‬
‫الوجود حلصوهلا له قبل ذلك عفي عنه‬
‫‪- 30 -‬‬

‫منكفة عن الذات ولكن جيد الذات االحد يف كل حمل وحيتظ ابلظاهر وكذلك ميان‬
‫جعفر وصل اىل قرب النقطة االخرية وكثريا ما يظهر ابلشوق والوله وقريب من الشاه‬
‫حسني ويظهر التفاوت ايضا يف بقية االصحاب وقد وصل ميان شيخن والشيخ عيسى‬
‫والشيخ كمال اىل النقطة الفوقانية من مقام اجلذبة والشيخ كمال أيضا متوجه اىل النزول‬
‫ووصل الشيخ انكوري حتت النقطة الفوقانية ولكن امامه مسافة كثرية وبلغ من‬
‫االصحاب الكائنني هنا مثانية او تسعة بل عشر اشخاص حتت النقطة الفوقانية وبلغ‬
‫بعضهم النقطة وبعضهم هتيأ للنزول وبعضهم قريب منها وبعضهم بعيد عنها وجيد الشيخ‬
‫ميان مزمل نفسه معدوما ويرى الصفات من االصل وجيد املطلق يف كل حمل ويرى‬
‫االشياء كالسراب عدمي االعتبار بل ال يرى شيئا ويظهر موالان املعهود يف هذا الباب على‬
‫وجه يكون اجازته لتعليم الطالبني من املرضيات لكن اجازة مناسبة للجذبة وان بقي‬
‫بعض االمور الالزمة االستفادة ولكنه استعجل يف الذهاب ومل يتوقف فاذا وصل اىل‬
‫احلضور االقدس أتمرونه مبا فيه صالح امره وما هو يف علم الفقري فقد عرضته عليكم‬
‫واحلكم عندكم وكان اخلواجه ضياء الدين حممد هنا اايما واكتسب احلضور واجلمعية يف‬
‫اجلملة مث مل يقدر آخر االمر ان جيمع خاطره من قلة اسباب املعيشة فتوجه حنو العسكر‬
‫وولد موالان شري حممد متوجه حنوكم للمالزمة وله حضور ومجعية يف اجلملة ومل يرتق كما‬
‫ينبغي بواسطة بعض املوانع وزايدة االنبساط بعيدة عن االدب (ع)‪:‬‬
‫على املرأ ان ال جيهل الدهر طوره‬
‫مث عرضت بعد حترير العريضة كيفية وحالة ال ميكن بياهنا ابلتحرير وحتقق يف هذا‬
‫احملل فناء االرادة كما ان تعلق االرادة ابملرادات انعدم سابقا وبقي اصل االرادة كما‬
‫عرضته يف العريضة واآلن انقطع عرق االرادة ابلكلية فحينئذ ال مراد وال ارادة وظهرت‬
‫صورة هذا الفناء ايضا يف النظر وفاض بعض العلوم املناسب هلذا املقام وملا كان يف حترير‬
‫تلك العلوم تعسر بواسطة ضيق الوقت وغموض العلوم ال جرم صرفنا عنان القلم عن‬
‫حتريرها وحني التحقق هبذه الفناء وفيضان العلوم وقع نظرخاص على ما وراء الوحدة وان‬
‫‪- 31 -‬‬

‫كان عدم النظر اىل ما وراء الوحدة امرا مقررا بل ال نسبة فيه اصال لكن كلما اجده‬
‫اعرضه وال اجتاسر بكتابته اىل ان يبلغ مرتبة اليقني و ارى صورة ذلك املقام يف ما وراء‬
‫ال وحدة كآكرة وراء دهلي ومل يتطرق اليه شبهة قط وان مل تكن يف النظر وحدة وال ما‬
‫وراءها وال مقام آخر اعرفه بعنوان احلقية او اعرف ان احلق وراءه واحلرية واجلهالة على‬
‫صرافتهما ومل تتفاوات بسبب هذه الرؤية فال ادري ماذا اعرض فان الكل تناقض يف تناقض‬
‫ال ميكن ان يورد يف قيد القال وان كان احلال متحققا بال شبهة استغفر هللا واتوب اىل هللا‬
‫من مجيع ما كره هللا قوال وفعال وخاطر ا وانظرا وأيضا تبني يف هذا الوقت ان ما ظننته‬
‫سابقا من فناء الصفات كان يف احلقيقة فناء خصوصيات الصفات وما به امتيازها ملا‬
‫اندرجت الصفات يف ضمن الوحدة ارتفعت اخلصوصيات وتوهم من ذلك فناءها واآلن‬
‫قد اضمحل أصل الصفات وامنحى ومل يبق منها شئ ولو على سبيل االندماج واالندراج‬
‫ومل يرتك قهر االحدية شيئا قط ومل يبق التمييز الذي حصل من مرتبة العلم االمجايل أو‬
‫التفصيلي وصار النظر اىل اخلارج ابلتمام كان هللا ومل يكن معه شئ وهو اآلن كما كان‬
‫مطابق للحال يف هذا الوقت وكان سابقا العلم مبضمون هذا احلديث دون احلال واملرجو‬
‫حصول التنبيه على الصحة والسقم وقد يرى ملوالان القاسم على نصيب من مقام التكميل‬
‫وكذلك يرى من هذا املقام نصيب لبعض االصحاب وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين عشر يف بيان حصول الفناء والبقاء وظهور الوجه اخلاص‬
‫يف كل شئ وحقيقة السري يف هللا والتجلي الذايت الربقي وغري ذلك كتبه اىل‬
‫شيخه املعظم أيضا}‬
‫عريضة أقل العبيد أمحد ينهي اىل ذروة العرض انه ما يدري ماذا يعرض من‬
‫تقصرياته ما شاء هللا كان وما مل يشأ مل يكن وال حول وال قوة اال ابهلل العلي العظيم العلوم‬
‫اليت تتعلق مبقام الفناء يف هللا والبقاء ابهلل كشف عنها احلق سبحانه بعنايته وتبني أنه ما‬
‫‪- 32 -‬‬

‫الوجه اخلاص يف كل شئ وما معن السري يف هللا وما التجلي الذايت الربقي ومن حممدي‬
‫املشرب وما أشبه ذلك يقع االطالع يف كل مقام على لوازم ذلك املقام وضرورايته مث يقع‬
‫العبور عنه ومل يبق شئ مما أخرب عنه اولياء هللا تعاىل غري نبذة يسرية اال وقد أريته وأعلمته‬
‫قبل من قبل بال علة وكذلك ارى ذوات االشياء جمعولة وارى أصل القابليات‬
‫واالستعدادات جمعولة ومصنوعة وهللا سبحانه ليس مبحكوم القابليات فانه ال ينبغي أن‬
‫حيكم عليه بشئ ولنرتك زايدة االنبساط {ع}‬
‫على املرء ان ال جيهل الدهر طوره‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث عشر يف بيان عدم هناية الطريق ومطابقة علوم احلقيقة‬
‫بعلوم الشريعة كتبه اىل شيخه املعظم}‬
‫املعروض من اقل العبيد أمحد انتهى الف انتهى من عدم هناية هذا الطريق مع هذه‬
‫السرعة يف السري وكثرة االرادات والعناايت ومن ههنا قال املشايخ ان السري اىل هللا مسافة‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الر ِ‬
‫وح ال َْي ِه ِيف يَـ ْوم َكا َن م ْق َد ُارهُ‬ ‫ِ‬
‫ج ال َْم ٰلئ َكةُ َو ُّ ُ‬ ‫مخسني الف سنة وكان يف قوله تعاىل (تَـ ْع ُر ُ‬
‫ْف َسنَ ٍة * املعارج‪ )4 :‬امياء اىل هذا املعن وملا اجنر االمر اىل اليأس وانقطع‬ ‫ني اَل َ‬ ‫ِ‬
‫ََخْس َ‬
‫ش ُر‬‫ث ِم ْن بَـ ْع ِد َماقَـنَطُوا َويَـْن ُ‬‫الرجاء لزم االستمساك بقوله تعاىل ( َو ُه َو الَّ ِذي يُـنَـ ِّز ُل الْغَْي َ‬
‫َر ْمحَتَهُ * الشورى‪ )68 :‬وكان قد وقع السري يف االشياء منذ اايم وملا غال املسرتشدون‬
‫وأ ْحلَّْوا اثنيا شرعت يف امورهم يف اجلملة ولكن ال اجد نفسي قابال لذلك املقام ولكن‬
‫أعلمهم شيئا على مقتضى املروءة واحلياء الكثارهم يف االحلاح واالبرام وقد كنت يف‬
‫مسئلة توحيد الوجود متوقفا سابقا كما حررته مكررا وكنت انسب االفعال والصفات اىل‬
‫االصل وملا صار حقيقة االمر معلوما تركت التوقف ووجدت القول ابن الكل منه أحسن‬
‫ورأيت الكمال فيه أزيد منه يف القول ابن الكل هو وعلمت االفعال والصفات بلون آخر‬
‫يعين بوجه آخر وأريت الكل واحدا واحدا و جوزي يب اىل الفوق ومل يبق ريب وال شبهة‬
‫‪- 33 -‬‬

‫اصال وجاءت الكشفيات كلها مطابقة للشريعة ال خمالفة فيها لظاهر الشريعة مقدار‬
‫شعرة وما بينه بعض الصوفية من الكشفيات املخالفة لظاهر الشريعة فهو اما من السهو‬
‫أو من السكر واال فال خمالفة بني الباطن والظاهر واملخالفة امنا تعرض للنظر يف اثناء‬
‫الطريق فيحتاج اىل التوجه واجلمع واما املنتهى احلقيقي فانه جيد الباطن موافقا لظاهر‬
‫الشريعة والفرق بني معرفة العلماء ومعرفة املشايخ الكرام هو ان العلماء يعرفون‬
‫ابالستدالل والعلم واملشائخ ابلكشف والذوق واي دليل ادل على صحة حاهلم من هذه‬
‫املطابقة يضيق صدري وال ينطلق لساين نقد الوقت وال ادري ماذا اعرض وقد كنت‬
‫موفقا لتسويد بعض االحوال وال ميكن حتريره يف العرائض ولعل يف ذلك حكمة واملسؤل‬
‫أن ال حترموا هذا احملروم املهجور من التوجه الذي هو للغرابء مبذول وان ال ترتكوه يف‬
‫الطريق {شعر}‪:‬‬
‫وأنت هلذا القول قد كنت مبدأ * فان فيه اطناب فمنك مسبب‬
‫و زايدة االنبساط جرأة {ع}‪:‬‬
‫على املرء أن ال جيهل الدهر طوره‬

‫{املكتوب الرابع عشر يف بيان حصول الوقائع اليت عرضت يف اثناء الطريق‬
‫وبيان احوال بعض املسرتشدين كتبه اىل شيخه املعظم أيضاً}‬
‫عريضة اقل العبيد أمحد ان التجليات اليت ظهرت يف مراتب االكوان وقد كنت‬
‫عرضت بعضها يف العريضة السابقة ظهرت بعدها مرتبة الوجوب اليت هي جامعة‬
‫للصفات الكلية ومتثلت يف صورة امرأة دميمة مسودة اللون مث جتلت بعد ذلك مرتبة‬
‫االحدية يف صورة رجل طويل قائم على جدار رقيق غري مرتفع وظهر كل واحد من هذين‬
‫التجليني بعنوان احلقانية خبالف التجليات السابقة فاهنا ما كانت هبذا العنوان وعرض يل‬
‫يف ذلك االثناء متين املوت وخيل يل كأين قائم على ساحل البحر احمليط الرمي فيه نفسي‬
‫‪- 34 -‬‬

‫ولكين مربوط ابحلبل على ورائي فال ميكن الدخول يف البحر وصار معلوما يل ان ذلك‬
‫احلبل عبارة عن التعلق ابلبدن فتمنيت انقطاع ذلك التعلق مث عرضت كيفية خاصة‬
‫فوجدت يف ذلك الوقت بطريق الذوق انه مل يبق يف القلب مقتضى غري احلق سبحانه مث‬
‫وقع النظر على الصفات الكلية الوجوبية اليت اكتسبت اخلصوصيات ابعتبار احملال‬
‫واملظاهر مث سقطت اخلصوصيات عنها بعد ذلك ابلتمام ومل تبق الصفات اال بعنوان‬
‫الكلية الوجودية ووقع النظر أيضا على صورة جتردها عن اخلصوصيات وحينئذ صار‬
‫معلوما ان الصفات قد اعطيت اآلن لألصل حقيقة وقبل جتردها عن اخلصوصيات مل‬
‫يكن معن العطائها األصل اللهم إال ان كان على طريق التجوز كما هو حال ارابب‬
‫التجلي الصوري وحتقق الفناء احلقيقي يف هذا الوقت وبعد التحقق هبذه احلالة وجدت‬
‫يف ويف غريي على هنج واحد وارتفع امتياز احملال وتيسر يف ذلك الوقت‬ ‫الصفات اليت َّ‬
‫التخلص عن بعض دقائق انواع الشرك اخلفي فلم يبق حينئذ العرش وال الفرش وال املكان‬
‫وال الزمان وال اجلهات وال احلدود فان تفكرت فرضا سنني ال حيصل العلم ابن ذرة من‬
‫يف وكان التعني يف صورة‬
‫العامل خملوقة مث وقع النظر على تعني نفسي والوجه اخلاص الذي َّ‬
‫ثوب ابل متمزق ملبوس لشخص وعلمت ان هذا الشخص هو الوجه اخلاص لكن مل‬
‫يتصور ذلك بعنوان احلقانية مث تعلق النظر بعد ذلك جبلد رقيق فوق ذلك الشخص‬
‫متصال به مث وجدت نفسي عني ذلك اجللد ورأيت ذلك الثوب الذي هو التعني اجنبيا‬
‫لنفسي يعين مفارقا ومنفكا عنه ووقع النظر على نور يف اجللد مث غاب ذلك النور بعد‬
‫ساعة عن النظر وارتفع اجللد والثوب أيضا عن النظر وبقيت تلك اجلهالة السابقة‬
‫ولنعرض تعبري صورة هذه الواقعة املذكورة على ما بلغه علمي ليعلم صحته وسقمه وهو ان‬
‫الصورة املذكورة عبارة عن العني الثابت كالربزخ بني الوجوب واالمكان حيث افرتق كل‬
‫واحد من طرفيه عن اآلخر وحتقق بكمال الفرق واجللد الذي وقع بني الثوب والنور برزخ‬
‫بني الوجود والعدم ووجد ان نفسي عني ذلك اجللد أخريا اشارة اىل وصويل اىل الربزخية‬
‫وقد كنت وجدتين سابقا يف الوقائع برزخا بني الوجود والعدم والظاهر ان ذلك كان‬
‫‪- 35 -‬‬

‫ابلنسبة اىل اآلفاق وهذا ابلنظر اىل النفس وقد ظهر يف ذلك فرق آخر ايضا ولكين نسيته‬
‫وقت الكتابة هذا وما هو احلاصل دائما هو النكارة واجلهالة ويظهر احياان مثل هذه‬
‫الشعبذة مث ينعدم وتبقى معرفته واعجز عن تعبري بعض الوقائع والذي يقع يف اخلاطر من‬
‫تعبريه ال اعتمد عليه وهبذا السبب أجتاسر يف العرائض رجاء حصول اليقني بتنبيه احلضرة‬
‫واملرجو تيسر النجاة عن التعلقات الدنية بتوجهاتكم العلية واال فاالمر مشكل جدا‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫سود صفحته ولو هو من ملك‬
‫من مل يعنه مهيمن وخواصه * ال ّ‬
‫والشيخ طه ابن الشيخ عبد هللا النيازي الذي هو من مشاهري مشائخ سرهند وبينه‬
‫وبني احلاج عبد العزيز مودة اتمة استدعى تقبيل االقدام املباركة وفيه داعية االانبة‬
‫ايل ابلصدق واالنكسار فأمرته ابالستخارة‬‫والدخول يف هذه الطريقة العلية الشريفة والتجأ َّ‬
‫وله مناسبة يف الظاهر واالصحاب الذين اخذوا الذكر هنا مشتغلون بطريق الرابطة يف‬
‫االكثر جيئ بعضهم أبخذ الرابطة ابلرؤية يف الواقعات وكان لبعضهم رابطة قبل اجمليئ من‬
‫دهلي يذهبون اوال ابحلضور واالستغراق وبعض منهم يعطي الصفات االصل يعين يراها‬
‫منه وبعضهم ال ولكن ال يذهب منهم احد على طريق توحيد الوجود واالنوار والكشوف‬
‫ووصل املنال قاسم علي واملنال مودود حممد وعبد املؤمن ظاهرا اىل نقطة فوقانية من مقام‬
‫اجلذبة ولكن املنال قاسم متوجه اىل النزول ونزول الباقيني ليس مبعلوم والشيخ نور ايضا‬
‫قريب من النقطة ومل يصل اليها بعد واملنال عبد الرمحن ايضا قريب من النقطة ولكن يف‬
‫البني مسافة قليلة وحصل للمنال عبد اهلادي فيه حضور مع االستغراق وهو يقول اشاهد‬
‫املطلق املنزه جل شأنه يف االشياء بصفة التنزيه وأرى االفعال أيضا منه تعاىل وما يفاض‬
‫على الطالبني واملستعدين فامنا هو من دولتكم وليس هلذا الفقري نصيب يف افاضاته‬
‫{ع}‪:‬‬
‫اان ذاك أمحد مل اكن متغريا‬
‫و قد قلتم يوما فيما بني واقعة من الوقائع انه لو مل يكن فيه معن احملبوبية لوقع‬
‫‪- 36 -‬‬

‫توقف كثري يف الوصول اىل املقصد وبينتم احملبوبية ايضا بعنايتكم ويل من ذلك الكالم‬
‫رجاء اتم وهذه اجلرأة كلها من ذلك‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس عشر يف بيان االحوال اليت هلا مناسبة ملقام اهلبوط‬
‫والنزول مع بعض االسرار املكنونة كتبه اىل شيخه املعظم أيضا}‬
‫عريضة احلاضر الغائب الواجد الفاقد املقبل املعرض انه طلبه مدة مديدة فوجد‬
‫نفسه مث اجنر أمره اىل مرتبة لو طلب نفسه وجده واآلن فقده ووجد نفسه ومع فقدانه‬
‫وغيبته ال يطلبه وال يستخرب عنه فمن حيث العلم حاضر وواجد ومقبل ومن جهة الذوق‬
‫غائب وفاقد ومعرض ظاهره بقاء وابطنه فناء ففي عني البقاء فان وف عني الفناء ابق‬
‫ولكن الفناء علمي والبقاء ذوقي وتقرر أمره على اهلبوط والنزول وامتنع عن الصعود‬
‫والعروج فكما رفعوه عن القلب اىل مقلب القلب كذلك انزلوه من مقلب القلب اىل مقام‬
‫القلب ومع ختلص الروح عن النفس وخروج النفس بعد االطمئنان من غلبات انوار الروح‬
‫جعلوه جامعا جلهيت الروح والنفس وشرفوه بربزخية هاتني اجلهتني واعطوه االستفادة من‬
‫فوق واالفادة اىل سفل معا بسبب هذه الربزخية ففي عني االستفادة مفيد ويف عني‬
‫االفادة مستفيد {شعر}‪:‬‬
‫فيا هلا قصة يف شرحها طول * وكم يراع اذا حررت ينكسر‬
‫(مث املعروض) ان اليد اليسرى عبارة عن مقام القلب احلاصل قبل العروج اىل‬
‫مقلب القلوب واما مقام القلب الذي يكون النزول اليه بعد اهلبوط من فوق فهو مقام‬
‫آخر فانه برزخ بني الشمال واليمني كما هو الظاهر الراببه واجملذوبون الذين ليس هلم‬
‫سلوك من أرابب القلوب والوصول اىل مقلب القلوب مربوط ابلسلوك وتعلق مقام‬
‫بشخص كناية عن حصول شأن خاص له يف ذلك املقام وله امتياز على حدة من أرابب‬
‫ذلك املقام ومن مجلة ذلك االمتياز سبقة االجنذاب فيما حنن فيه والبقاء اخلاص الذي‬
‫‪- 37 -‬‬

‫كان منشأ للعلوم واملعارف املناسبة لذلك املقام وحتقيق علوم مقام القلب وحقيقة اجلذبة‬
‫والسلوك والفناء والبقاء وامثال ذلك مكتوبة يف الرسالة املوعودة ابلتفصيل وتوجه السيد‬
‫شاه حسني ابالضطراب والعجلة فلم تكن فرصة لنقلها اىل البياض وتتشرف انشاء هللا‬
‫تعاىل على الفور مبطالعتكم والعزيز املتوقف نزل من فوق من مقام اجلذبة ولكن ليس‬
‫وجهه اىل العامل بل توجهه اىل جهة الفوق وملا كان عروجه اىل اجلهة الفوقانية ابلقسر‬
‫كانت له مناسبة ابلطبع للجذبة واستصحب معه شيئا يسريا وقت نزوله من فوق‬
‫وبضاعة نسبته اليت كانت من توجه القاسر وكان العروج اثر ذلك التوجه ابقية اىل االن يف‬
‫نسبة اجلذبة كالروح يف اجلسد وكالنور يف الظلمة ولكن هذه اجلذبة غري جذبة خواجكان‬
‫قدس هللا اسرارهم بل هي جذبة وصلت اىل خواجه عبيد هللا االحرار قدس سره من‬
‫آابئه[‪ ]1‬الكرام وكان الشأن اخلاص هلم يف ذلك املقام وقد رأى بعض الطالبني يف الواقعة‬
‫ان ذلك العزيز املتوقف اكل اخلواجه يعين املذكور آنفا ابلتمام وظهور اثر هذه الواقعة امنا‬
‫يكون يف هذا املقام وليس هلذه اجلذبة مناسبة ملقام االفادة فأن التوجه يف مقام هذه‬
‫اجلذبة اىل جهة الفوق دائما والسكر الدائمي الزمه وبعض مقامات اجلذبة منافية‬
‫للسلوك بعد الدخول فيه وبعض آخر ليس مبناف له بل يتوجهون الجل السلوك بعد‬
‫الدخول فيه وهذه اجلذبة منافية للسلوك بعد الدخول فيه وقد توجهت اىل ذلك املقام‬
‫وقت حترير العريضة وظهر بعض دقائقه وال يتيسر التوجه من غري ابعث وهللا سبحانه‬
‫أعلم حبقيقة احلال وقد نزل ذلك العزيز منذ أشهر ولكنه مل يكن داخال يف مقام اجلذبة‬
‫املذكورة ابلتمام واملانع عدم العلم بشأن ذلك املقام مع التوجهات املوجبة للتفرقة وتشتت‬
‫البال وعسى ان يتيسر الدخول فيه ابلتمام وقت مطالعة هذه الكلمات غري املرتبطة ولعله‬
‫ينزل بعد ذلك حضرة اخلواجه ابلتمام‪.‬‬

‫(‪ )1‬يعين اجداده من طرف امه كالشيخ عمر الباغستاين واوالده واقرابئه كما هو مذكور يف الرشحات ملؤلفه عفي عنه‬
‫‪- 38 -‬‬

‫{املكتوب السادس عشر يف بيان احوال العروج والنزول وغريها كتبه اىل‬
‫شيخه املعظم ايضا}‬
‫عريضة احقر الطلبة أن موالان عالء الدين قد بلغ املكتوب املشتمل لاللتفات وقد‬
‫جعلت يف كشف كل من املقدمات املذكورة مسودة على مقتضى الوقت وكان بعض‬
‫متممات تلك العلوم املسطورة ومكمالهتا خمطورا ايضا ولكن مل توجد فرصة لتحريره لتوجه‬
‫حامل العريضة نرسله انشاء هللا تعاىل اىل خدمتكم سريعا وقد ارسلت اآلن رسالة أخرى‬
‫قد نقلت اىل البياض وكنت مجعتها بلتماس بعض االصحاب فاهنم التمسوا مين ان‬
‫اكتب هلم نصائح تكون انفعة يف الطريقة و يعملون مبضموهنا واحلق اهنا رسالة عدمية‬
‫النظري كثرية الربكة وكان بعد حتريره معلوما أن النيب صلّى هللا عليه و سلّم قد حضر مع‬
‫مجع كثري من مشائخ امته ويف يده املباركة هذه الرسالة وهو عليه الصالة و السالم يقبلها‬
‫من كمال كرمه ويريها املشائخ ويقول ينبغي ان حيصل مثل هذه املعتقدات واجلماعة‬
‫الذين استسعدوا هبذه العلوم نورانيون وممتازون و عزيزوا الوجود قائمون يف مقابلته عليه‬
‫الصالة و السالم واحلاصل أن النيب صلّى هللا عليه و سلّم امر هذا الفقري ابشاعة هذه‬
‫الواقعة واظهارها يف ذلك اجمللس {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف امر مع الكرام‬
‫وحني جئت من املالزمة مل تكن يف مناسبة كثرية ملقام االرشاد بواسطة وجود امليل‬
‫اىل جهة الفوق فاردت ان اقعد يف زاوية اوقاات وظهر الناس يف النظر مثل النمر واالسد‬
‫وكان عزم العزلة واالنزواء مصمما ولكن مل تقع االستخارة موافقة للمطلوب والعروج اىل‬
‫غاية غاايت مدارج القرب وان مل تكن هلا غاية قد تيسر وال يزال يتيسر واالحوال يف‬
‫التقلب دائما كل يوم هو يف شان وجوزي يب مقامات مجيع املشائخ اال ما شاء هللا‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫و تداولت ايدي الكرام وردة * حت اىل العايل اجلناب ترقت‬
‫‪- 39 -‬‬

‫فان عددت توسط روحانية املشايخ يف ذلك ينجر اىل االطناب والتطويل وابجلملة‬
‫قد جوزي يب من مجيع مقامات االصل كمجاوزيت مقامات الظل فماذا أبني من العناايت‬
‫العدمية الغاايت قبل من قبل بال علة وعرض عل َّي من وجوه الوالايت وكماالهتا ما ال‬
‫ميكن حتريره وانزلت يف ذي احلجة اىل مقام القلب من مدارج النزول وهذا املقام مقام‬
‫التكميل واالرشاد ولكن البد من اشياء لتتميم هذا املقام وتكميله ومت يتيسر ذلك‬
‫واالمر ليس بسهل ومع وجود املرادية يقطع من املنازل ما لو اعطي املريدون عمر نوح ال‬
‫يعلم تيسره بل هذه الوجوه خمصوصة للمرادين وال حمل هنا للمريدين وهناية عروج االفراد‬
‫ضل ِ‬
‫هللا يُـ ْؤتِ ِيه َم ْن يَ َ‬ ‫اىل بداية مقام االصل فحسب وال جماوزة لالفراد منها ( ٰذلِ َ‬
‫شآءُ‬ ‫ك فَ ْ ُ‬
‫ض ِل ال َْع ِظ ِيم * اجلمعة‪ )4 :‬وهذا هو وجه التوقف يف مراتب التكميل‬ ‫َو هللاُ ذُو الْ َف ْ‬
‫واالرشاد وعدم النورانية امنا هو بواسطة ظهور نور ظلمة الغيب ال شئ آخر وقد يعجن‬
‫الناس يف متخيالهتم اشياء ال ينبغي اعتبارها {شعر}‪:‬‬
‫كيف يدري االغبيا حال الكرام * فاقصر االقوال واسكت و السالم‬
‫واحتمال الضرر غالب يف ختيل مثل هذه الظنون فينبغي امر هؤالء اجلماعة‬
‫ابغماض نظر خياالهتم عن احوال هذا املكسور البال فان مثل هذا النظر له جمال يف‬
‫حمال أخرى كثرية {شعر}‪:‬‬
‫من كم شده ام مرا جموييد * ابكم شد كان سخن مكوييد‪.‬‬

‫{ترمجة}‬
‫كفو املالم عن الذي افن وجو * ده يف االله واحذروا من أبسه‬
‫ينبغي التفكر يف غرية احلق جل سلطانه فان التكلم والتقول يف تنقيص امر يريد‬
‫احلق سبحانه كماله غري مناسب جدا بل هو يف احلقيقة معارضته تعاىل والنزول يف مقام‬
‫القلب املار ذكره آنفا نزول يف مقام الفرق يف احلقيقة الذي هو مقام االرشاد والفرق يف‬
‫هذا املوطن عبارة عن امتياز النفس عن الروح والروح عن النفس بعد دخول النفس يف‬
‫‪- 40 -‬‬

‫نور الروح الذي هو اجلمع وما فهم من اجلمع والفرق قبل ذلك فهو من السكر فان رؤية‬
‫احلق مفارقا ومنفكا عن اخللق اليت يزعموهنا مقام الفرق ال حقيقة هلا بل يزعمون الروح‬
‫املذكورة حقا ويزعمون رؤية مفارقتها وامتيازها عن النفس رؤية مفارقة احلق وامتيازه تعاىل‬
‫وتقدس عن اخللق و على هذا القياس اكثر علوم ارابب السكر فان حقيقة االمر مفقودة‬
‫مثة واالمر عند هللا سبحانه وقد حررت علوم ارابب اجلذبة والسلوك وحقيقة كل من‬
‫هذين املقامني ابلتفصيل يف رسالة أخرى وستشرف بوقوع النظر الشريف عليها انشاء هللا‬
‫تعاىل‪.‬‬

‫{املكتوب السابع عشر يف األحوال املتعلقة ابلعروج والنزول كتبه اىل شيخه‬
‫املكرم أيضا}‬
‫عريضة احقر اخلدمة ان العزيز الذي كان متوقفا منذ أوقات ظهر يوم التحرير أنه‬
‫عرج من ذلك املقام بنحو من العروج ونزل التحت ولكنه ما نزل ابلتمام والبقااي الذين‬
‫كانوا حتت هذا املقام عرجوا ايضا وتوجهوا حنو النزول من طريق ذلك املقام الفوقاين وكل‬
‫كيفية تظهر بعد هذا نعرضها فان كتب صاحب املعاملة شيئا بعد انكشاف حاله لكان‬
‫أقرب اىل الصواب وملا كان حدوث قضية هذا النزول قواي ودفعيا وقد طرأ على الفقري‬
‫ضعف بواسطة تناول اجلالّب مل اشتغل أبمر هذا النزول ومل انظر اىل مآله وسيظهر ان‬
‫شاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن عشر يف التمكني الذي حيصل بعد التلوين وبيان مراتب‬
‫الوالايت الثالث وبيان ان وجود الواجب تعاىل زائد على ذاته تعاىل وغري‬
‫ذلك كتبه اىل شيخه املكرم ايضا}‬
‫‪- 41 -‬‬

‫عريضة أقل العبيد ذي التقصري أمحد بن عبد االحد أنه ما دامت االحوال واردة‬
‫كنا نتجاسر بعرضها وملا حرر احلق سبحانه من رقية االحوال بربكة توجهاتكم العلية‬
‫وشرف ابلتمكني بعد التخليص من التلوين ما بقي يف اليد حاصل األمر غري احلرية‬
‫والعجز وما حصل من الوصل سوى اهلجر والفصل ومن القرب غري البعد ومل يزد من‬
‫املعرفة غري النكرة ومن العلم غري اجلهل فال جرم وقع التوقف يف تقدمي العرائض ومل اجتاسر‬
‫مبجرد عرض أحوال اايم الفراق ومع ذلك قد استولت الربودة على القلب على هنج ال‬
‫يف اىل أمر ما أصال وال شوق وال اقدر على االشتغال بعمل كما هو ديدن ارابب‬ ‫ميل َّ‬
‫البطالة {شعر}‪:‬‬
‫و اين ال شئ ومن ذاك انقص * ومن هو ال شئ يكون معطال‬
‫و لنرجع اىل أصل املقصود ونقول والعجب ان احلق سبحانه قد شرفين اآلن مبقام‬
‫حق اليقني الذي ليس العلم والعني فيه بعضه حجااب عن بعض والفناء والبقاء جمتمعان‬
‫فيه ويف عني احلرية وفقدان األمارة علم وشعور ويف نفس الغيبة انس وحضور ومع وجود‬
‫العلم واملعرفة ال حيصل سوى ازدايد اجلهل والنكرة {ع}‪:‬‬
‫اال فاعجبوا من واصل متحري‬
‫وقد رزق هللا تعاىل مبحض عنايته اليت ليست هلا هناية يف مدارج القرب والكماالت‬
‫ترقيات بال هناية ففوق مقام الوالية مقام الشهادة ونسبة الوالية اىل الشهادة كنسبة‬
‫التجلي الصوري اىل التجلي الذايت بل ب ْعد ما بينهما أكثر من ب ْعد ما بني هذين التجليني‬
‫كذا مرة وفوق مقام الشهادة مقام الصديقية والتفاوت فيما بني هذين املقامني أجل من‬
‫ان يعرب عنه بعبارة واعظم من ان يشار اليه ابشارة وليس فوقه مقام اال مقام النبوة على‬
‫أهلها الصالة و السالم والتحية وال ينبغي ان يكون مقام بني الصديقية والنبوة بل هو‬
‫حمال وهذا احلكم أعين احلكم ابالستحالة علم بكشف صريح صحيح وما اثبته بعض‬
‫اهل هللا من الواسطة بني هذين املقامني ومسوها مبقام القرب قد شرفت به أيضا واطلعت‬
‫على حقيقته بعد توجه كثري وتضرع غزير ظهر اوال على طور بينه بعض االكابر مث صارت‬
‫‪- 42 -‬‬

‫حقيقة األمر معلومة نعم ان حصول هذا املقام امنا هو بعد حصول مقام الصديقية وقت‬
‫العروج ولكن كونه واسطة حمل أتمل وسنعرض حقيقة األمر ابلتفصيل بعد حصول‬
‫املالزمة الصورية ان شاء هللا تعاىل وذلك املقام عال جدا وال يعلم يف منازل العروج مقام‬
‫فوقه ويظهر يف هذا املقام زايدة الوجود على ذات هللا عز و جل كما هو املقرر عند‬
‫علماء أهل احلق شكر هللا تعاىل سعيهم ويبقى الوجود هنا ايضا يف الطريق ويقع العروج‬
‫فوقه كما قال الشيخ أبو املكارم ركن الدين عالء الدولة يف بعض مصنفاته وفوق عامل‬
‫الوجود عامل امللك الودود ومقام الصديقية من مقامات البقاء اليت هي انظرة اىل العامل‬
‫واسفل[‪ ]1‬منه مقام النبوة ويف احلقيقة هو أعلى منه وهو مقام كمال الصحو والبقاء وليس‬
‫ملقام القرب لياقة الربزخية بني هذين املقامني فانه انظر اىل التنزيه الصرف ومتام العروج‬
‫شتان ما بينهما {شعر}‪:‬‬
‫قد امسكوين وراء املرئ كدرهتم * أقول ما قال يل استاذي األزيل‬
‫وقد صارت العلوم الشرعية النظرية االستداللية ضرورية كشفية ال خمالفة بينها وبني‬
‫اصول علماء الشريعة مقدار شعرة وامنا جعلت تلك العلوم االمجالية تفصيلية واخرجت‬
‫من النظرية اىل الضرورية سئل اخلواجه االعظم يعين هباء الدين النقشبند قدس سره أنه ما‬
‫املقصود من السلوك فقال املقصود منه كون املعرفة االمجالية تفصيلية واالستداللية كشفية‬
‫ومل يقل حصول علوم سواها نعم يظهر يف الطريق علوم كثرية ومعارف غزيرة ولكن ينبغي‬
‫ان جياوزها ومادام السالك مل يصل اىل هناية النهاايت اليت هي مقام الصديقية ال يكون له‬
‫نصيب من هذه العلوم احلقيقية واملعارف اليقينية فيا ليت شعري ان من أهل هللا القائلني‬
‫حبصول هذا املقام الشريف النفسهم وليس هلم مناسبة بعلوم هذا املقام ومعارفه فما وجهه‬
‫وفوق كل ذي علم عليم واطلعت أيضا على سر مسئلة القضاء والقدر وعلمتها على هنج‬
‫ال تقع املخالفة بينها وبني أصول ظاهر الشريعة الغرآء بوجه من الوجوه مربأة ومنزهة عن‬
‫نقص االجياب وشائبة اجلرب ويف الظهور كالقمر ليلة البدر والعجب ما وجه اخفائها مع‬

‫(‪ )1‬يعين يف مراتب النزول والبقاء وهلذا قال وهو يف احلقيقة اعلى منه فافهم عفي عنه‬
‫‪- 43 -‬‬

‫عدم خمالفتها أصول الشريعة فلو كانت فيها شائبة املخالفة لكان للسرت واالخفاء شئ‬
‫من املناسبة ال يسئل عما يفعل {شعر}‪:‬‬
‫ومن الذي يف فعله يتكلم * دون الرضا اي صاح والتسليم‬
‫وتفاض العلوم واملعارف مثل فيضان املطر من سحاب الربيع حبيث تعجز القوة‬
‫املدركة عن حتملها واطالق القوة املدركة جمرد تعبري واال فال حيمل عطااي امللك اال مطاايه‬
‫وقد كان يف االوائل شوق قيد هذه العلوم الغريبة ابلكتابة ولكين مل أوفق لذلك وكان يل‬
‫حترج وثقل من هذه اجلهة فسليت آخر األمر ابن املقصود من افاضة هذه العلوم حصول‬
‫امللكة ال حفظها كما ان طلبة العلوم حيصلون العلوم لينالوا ملكة املولوية ال اهنم حيصلوهنا‬
‫الجل حفظ أصول الصرف والنحو وغريمها ولنعرض بعض العلوم املذكورة قال هللا تعاىل‬
‫صريُ * الشورى‪ )11 :‬اول هذا الكالم اثبات التنزيه‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫(لَي ِ ِ ِ‬
‫س َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ‬
‫ْ َ‬
‫صريُ * الشورى‪)11 :‬‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬
‫احملض كما هو الظاهر وقوله سبحانه و تعاىل ( َو ُه َو َّ ُ َ‬
‫متمم ومكمل للتنزيه وبيانه أن ثبوت السمع والبصر للمخلوق ملا كان مومها لثبوت‬
‫املماثلة ولو يف اجلملة نفى هللا سبحانه عنهم السمع والبصر لدفع هذا الوهم يعين أن‬
‫السميع والبصري هو تعاىل ليس اال والسمع والبصر املوجوداتن يف املخلوقات ليس هلما‬
‫مدخل يف السماع والرؤية فكما ان احلق سبحانه خلق السمع والبصر كذلك خيلق‬
‫السماع والرؤية بعد خلق هاتني الصفتني بطريق جرى العادة من غري أتثري لصفاهتم ولو‬
‫قلن ا ابلتأثري فالتأثري فيها أيضا خملوق فكما أن ذواهتم مجاد حمض كذلك صفاهتم أيضا‬
‫مجاد حمض مثال اذا خلق القادر مبحض قدرته كالما يف احلجر ال يقال ان احلجر متكلم‬
‫يف احلقيقة وان له صفة الكالم ويف هذه الصورة كما ان احلجر مجاد كذلك هذه الصفة‬
‫لو فرض اهنا موجودة فيه أيضا مجاد ال مدخل له اصال يف ظهور احلرف والصوت ومجيع‬
‫الصفات من هذا القبيل غاية ما يف الباب ان هاتني الصفتني ملا كانت اظهر من غريمها‬
‫خصهما هللا تعاىل بنفيهما و يكون لزوم نفي البواقي منها ابلطريق األوىل وخلق هللا‬
‫سبحانه يعين يف املخلوق اوال صفة العلم مث خلق توجهه حنو املعلوم مث خلق تعلقها به مث‬
‫‪- 44 -‬‬

‫جعل ذلك املعلوم منكشفا له مث خلق االنكشاف فيه بعد خلق صفة العلم مبجرد جري‬
‫العادة فعلم ان ال مدخل للعلم يف االنكشاف وكذلك خلق فيه أوال صفة السمع مث خلق‬
‫االصغاء والتوجه اىل املسموع مث خلق السماع مث خلق ادراك املسموع وكذلك خلق فيه‬
‫البصر اوال مث تقليب احلدقة والتوجه حنو املرئي مث الرؤية مث ادراك املرئي و على هذا القياس‬
‫سائر الصفات والسميع والبصري امنا هو من يكون مبدأ مساعه ورؤيته هاتني الصفتني ومن‬
‫ليس كذلك فليس بسميع وال بصري فتحقق ان صفات املخلوقني مجادات كذواهتم‬
‫فاملقصود من آخر الكالم نفي الصفات عنهم رأسا ال ان هلم صفات وتلك الصفات‬
‫اثبتة له سبحانه حت يكون مجعا بني التنزيه والتشبيه بل متام اآلية الكرمية الثبات التنزيه‬
‫ونفي املمثالة رأسا والعلم االول اعين اثبات صفات هؤالء للحق سبحانه واعتقاد ذواهتم‬
‫مجادا حمضا وزعمها يف ظه ور هذه الصفات منهم مثل الدن والكوز يف ظهور املاء منهما‬
‫من العلوم املناسبة ملقام الوالية والعلم الثاين اعين وجدان صفات هؤالء مثل اجلمادات‬
‫ت َواِ َّهنُ ْم َميِّتُو َن * الزمر‪:‬‬
‫ك َميِّ ٌ‬ ‫ِ‬
‫واعتقاداهتم ال شعور هلم كاالموات كما قال هللا تعاىل (انَّ َ‬
‫‪ )30‬من العلوم املن اسبة ملقام الشهادة ومن هنا أيضا يعلم التفاوت بني هذين املقامني‬
‫القليل يدل على الكثري والقطرة تنبئ عن الغدير {ع}‪:‬‬
‫و عام الرخص يعلم من ربيع‬
‫وكذلك جيد ارابب هذا املقام العايل أفعال املخلوقات كامليت واجلماد ال اهنم‬
‫ينسبون افعاهلم اىل احلق سبحانه ويقولون ان فاعل هذه االفعال هو هللا تعاىل عن ذلك‬
‫علوا كبريا مثال اذا حرك شخص حجرا ال يقال ان هذا الشخص متحرك بل هو موجد‬
‫للحركة يف احلجر واملتحرك امنا هو احلجر وكما ان احلجر مجاد حمض كذلك حركته مجاد‬
‫صرف فان هلك بتلك احلركة فرضا شخص ال يقال انه قتله حجر بل يقال قتله ذلك‬
‫الشخص الذي حرك احلجر وقول علماء الشريعة شكر هللا تعاىل سعيهم موافق هلذا العلم‬
‫فاهنم يقولون ان مفعول املخلوقات مصنوع احلق سبحانه مع وجود صدور االفعال عنهم‬
‫ابالرادة واالختيار وال مدخل الفعاهلم يف مصنوعيته وافعاهلم عبارة عن حركات شت من‬
‫‪- 45 -‬‬

‫غري أن يكون هلا أتثري يف جمعولية املعمول {فان قيل} فعلى هذا يكون جعل افعاهلم‬
‫مناطا للثواب والعقاب غري معقول و يكون كتكليف حجر أبمر وترتيب ذم ومدح على‬
‫فعله {قلت} فرق بني احلجر واملكلفني فان مناط التكليف القدرة واالرادة واحلجر ال‬
‫قدرة فيه وال ارادة خبالف املكلفني فان فيهم ارادة ولكن ملا كانت ارادهتم أيضا خملوقة‬
‫للحق سبحانه من غري أتثري هلا يف حصول املراد كانت تلك االرادة أيضا كامليت وفائدهتا‬
‫امنا هي كون املراد خملوقا بعد حتققها بطريق جري العادة ولو قيل ان قدرة املخلوق مؤثرة‬
‫ولو يف اجلملة كما ذهب اليه علماء ما وراء النهر فذلك التأثري ايضا خملوق فيها كما هي‬
‫خملوقة بنفسها ففي أتثريها ال اختيار له اصال فيكون أتثريها أيضا كاجلماد مثال اذا رأى‬
‫شخص حجرا انزال من فوق بتحريك حمرك واهلك حيواان فكما أن ذلك الشخص يعتقد‬
‫ان هذا احلجر مجاد كذلك يعتقد ان فعله الذي هو حركته مجاد ويعتقد ان االثر املرتتب‬
‫لذلك الفعل اعين اهلالك أيضا مجاد فالذوات والصفات واالفعال كلها مجادات حمضة‬
‫واموات صرفة فهو احلي القيوم وهو السميع البصري وهو العليم اخلبري وهو الفعال ملا يريد‬
‫قل لو كان البحر مدادا لكلمات ريب لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ريب ولو جئنا مبثله‬
‫مددا وقد كثرت اساءة االدب وجاوز االنبساط احلد فماذا اصنع فان مجال الكالم الذي‬
‫هو من اجلميل املطلق اوردين مورد ان يظن ان الكالم كلما يطول يزداد حسنا وكلما يقال‬
‫حاكيا عنه يكون من اللذة واحلالوة يف املقام االسين مع اين ال اجد يف نفسي مناسبة‬
‫الن اتكلم من ذلك اجلناب او اتفوه ابمسه {شعر}‪:‬‬
‫غسلت مباء الورد واملسك الف * مّرة يف بعد لست اهال لذكره‪.‬‬
‫{ع}‪:‬‬
‫على املرء ان ال جيهل الدهر طوره‬
‫واملرجو بذل التوجه والعناية وماذا اعرض من سوء احوايل وكل ما اجد يف نفسي‬
‫فهو من عناايت مبدأ ذلك التوجه العايل واال {ع}‪:‬‬
‫اان ذاك أمحد مل أكن متغريا‬
‫‪- 46 -‬‬

‫وظهر للميان شاه حسني طريق التوحيد فهو اآلن حمظوظ به وخيطر يف البال‬
‫اخراجه منه ليبلغ احلرية فاهنا مقصودة وحممد صادق ال يقدر ان يضبط نفسه لصغره فان‬
‫كان رفيقا يف السفر ينال ترقيات كثرية وقد كان يف سري سفح اجلبل رفيقا فنال ترقيا كثريا‬
‫وجترع من حبر احلرية فله مناسبة اتمة للفقري يف احلرية والشيخ نور ايضا يف ذلك املقام وقد‬
‫ترقى ترقيا كثريا ومن اقرابء هذا الفقري غالم له حال عال جدا قريب من التجليات الربقية‬
‫بل مستسعد هبا‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع عشر يف تفويض بعض ارابب احلوائج كتبه اىل شيخه‬
‫املكرم ايضا}‬
‫عريضة احقر ا خلدمة انه جاء شخص من العسكر واخرب ان مبلغ ارابب وظائف‬
‫فقراء دهلي وسرهند يعين وظائفهم قد منع واحيل على مالزمي العتبة العلية من اجل‬
‫مادة فصل اخلريف املار ليوصلوا اىل املستحقني بعد التحقيق احلقيقي فبناء على ذلك‬
‫صدر اجلرأة فان كان هذا اخلرب صدقا حيال على حامل العريضة الف درهم فصالنه ابسم‬
‫الشيخ احلافظ ايب احلسن وهو من اهل العلم والف درهم فصالنه ابسم الشيخ احلافظ‬
‫شاه حممد من وكالء الشيخ نواب املقررة ومها حيان قائمان ليس فيهما شائبة االشتباه‬
‫وقد ارسل كل منهما وكيله املعتمد واملشار اليهما يف سرهند‪.‬‬

‫{املكتوب العشرون يف تفويض بعض ارابب احلوائج كتبه اىل شيخه املعظم‬
‫ايضا}‬
‫عريضة احقر اخلدمة انه قد صدر منا تشويش اوقات خادمي العتبة العلية مكررا‬
‫يف ابب وظائف والدة حبيب هللا السرهندي ومنكوحته وخمادمي أخرى ممن ذكروا يف ضمن‬
‫‪- 47 -‬‬

‫العريضة فان كان مبلغ وظائف املشار اليهم يف دهلي فأمروا موالان عليا بتسليمه اليهم‬
‫وقد جاء بعضهم بطريق الوكالة وبعضهم بطريق االصالة فان مل يكن مبلغهم يف دهلي‬
‫فاملشار اليهم احياء قائمون يلتمسون تصحيح حصصهم والزايدة على ذلك انبساط‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والعشرون يف بيان درجات الوالية ال سيما الوالية‬


‫احملمدية على صاحبها الصالة و السالم والتحية ومدح الطريقة النقشبندية‬
‫العلية قدس هللا اسرار اهلها وعلو نسبتهم وفضلها على نسب سائر الطرق‬
‫ارسله اىل الشيخ حممد املكي ابن احلاج موسى القاري الالهوري}‬
‫وصل املكتوب الشريف اللطيف اىل العبد الضعيف النحيف عظم هللا سبحانه‬
‫اجركم ويسر ام ركم وتقبل عذركم حبرمة سيد البشر املطهر عن زيغ البصر عليه و على آله‬
‫من الصلوات أفضلها ومن التسلميات اكملها اعلموا اخواين ان املوت الذي قبل املوت‬
‫املعرب عنه ابلفناء عند أهل هللا ما مل يتحقق مل يتيسر الوصول اىل جناب القدس بل مل‬
‫ميكن النجاة عن عبادة املعبودات الباطلة االفاقية واآلهلة اهلوائية االنفسية فلم يتحقق‬
‫حقيقة االسالم ومل يتيسر كمال االميان فكيف حيصل الدخول يف زمرة العباد والوصول‬
‫اىل درجة االواتد مع ان هذا الفناء قدم اول يوضع يف اطوار الوالية وكمال أسبق حيصل‬
‫يف البداية فينبغي ان يقاس من اول الوالية حال آخرها ومن بدايتها درجة هنايتها ولنعم ما‬
‫قيل {ع}‪:‬‬
‫وقس من حال بستاين ربيعي‪.‬‬

‫الر ْخص يعلم من ربيع‬


‫وعام ُّ‬ ‫{وغريه}‪:‬‬
‫وللوالية درجات بعضها فوق بعض اذ على قدم كل نيب والية خاصة به واقصى‬
‫‪- 48 -‬‬

‫درجاهتا هي اليت على قدم نبينا عليه و على مجيع اخوانه من الصلوات امتها ومن‬
‫التحيات امينها اذ التجلي الذايت الذي ال اعتبار فيه لالمساء والصفات والشؤون‬
‫واالعتبارات ال ابالجياب وال ابلسلب خمصوص بواليته صلّى هللا عليه و سلّم وخرق مجيع‬
‫احلجب الوجودية واالعتبارية علما وعينا يتحقق يف هذا املقام فحينئذ حيصل الوصل‬
‫عرايان ويتحقق الوجد حقيقة ال حسباان وللكمل من متابعيه عليه الصالة والتحية نصيب‬
‫كامل وحظ وافر من هذا املقام العزيز وجوده فعليكم ابتباعه صلّى هللا عليه و سلّم ان‬
‫كنتم متوجهني اىل حتصيل هذه الوالية القصوي وتكميل هذه الدرجة العليا وهذا التجلي‬
‫الذايت برقي عند اكث ر املشائخ رمحهم هللا تعاىل يعين ان خرق احلجب عن حضرة الذات‬
‫جل سلطانه يكون يف زمان يسري كالربق مث تسدل حجب االمساء والصفات ويسرت‬
‫سطوات انوار الذات تعاىل فيكون احلضور الذايت حملة كالربق والغيبة الذاتيةكثرية جدا‬
‫وعند اكابر املشائخ النقشبندية قدس هللا اسرارهم هذا احلضور الذايت دائمي وال عربة‬
‫عندهم للحضور الزائل املتبدل ابلغيبة فيكون كمال هؤالء االكابر فوق مجيع الكماالت‬
‫ونسبتهم فوق مجيع النسب كما وقع يف عباراهتم ان نسبتنا فوق مجيع النسب وارادوا‬
‫ابلنسبة احلضور الذايت الدائمي واعجب من ذلك ان النهاية يف طريقة هؤالء الكمل‬
‫مندرجة يف البداية واقتداؤهم يف ذلك بصحابة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وابرك‬
‫وكرم فاهنم يف اول صحبة النيب عليه الصالة و السالم انلوا ما يتيسر يف النهاية وذلك‬
‫ابندراج النهاية يف البداية فكما كانت والية حممد رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‬
‫فوق والايت مجيع االنبياء والرسل عليهم الصلوات و التسليمات كذلك كانت والية‬
‫هوالء االكابر فوق مجيع والايت االولياء قدس هللا تعاىل اسرارهم كيف وان واليتهم‬
‫منسوبة اىل الصديق األكرب ت عم الفراد من كمل املشائخ قد حصلت هذه النسبة لكن‬
‫ابقتباس من الصديق االكرب رضي هللا تعاىل عنه كما اخرب ابو سعيد عن دوام هذا‬
‫احلديث وقد وصلت جبة الصديق االكرب رضي هللا عنه اىل هذا الشيخ ايب سعيد كما‬
‫نقل صاحب النفحات والغرض من اظهار بعض كماالت هذه الطريقة العلية النقشبندية‬
‫‪- 49 -‬‬

‫ترغيب الطالب يف هذه الطريقة واال فما يل ولشرح كماالهتا قال املولوي يف املثنوي‬
‫شعر‪:‬‬
‫مل يناسب شرحه للخلق بل * حق ان خيفى كعشق يف املثل‬
‫غري اين صفته كي يرغبوا * فيه قبل الفوت كيال حيزنوا‬
‫و السالم عليكم و على مجيع من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والعشرون ارسل اىل الشيخ عبد اجمليد بن الشيخ حممد‬
‫املفيت الالهوري يف بيان وجه التعلق بني الروح والنفس وبيان عروجهما‬
‫ونزوهلما وبيان الفناء اجلسدي والروحي وبقائهما وبيان مقام الدعوة والفرق‬
‫بني املستهلكني من االولياء والراجعني اىل الدعوة}‬
‫سبحان من مجع بني النور والظلمة وقرن الالمكاين املتربي عن اجلهة مع املكاين‬
‫احلاصل يف اجلهة فحببت الظلمة اىل النور فعشق هبا وامتزج معها بكمال احملبة ليزداد هبذا‬
‫التعلق جالؤه ويكمل مبجاورة الظلمة صفاؤه كاملرآة اذا أريد صقالتها وقصد ظهور‬
‫ت أوال ليظهر مبجاورة الظلمة الرتابية صفاؤها ويزداد بتعلق الكثافة الطينية‬
‫لطافتها تربَ ْ‬
‫هباؤها فنسى ذلك النور ما حصل له أوال من شهوده القدسي بل جهل نفسه وتوابعه‬
‫الوجودية الستغراقه يف شهود معشوقه الظلماين وتعلقه ابهليكل اهليوالين فصار من‬
‫اصحاب املشأمة يف مصاحبته وضاع من كرامات امليمنة يف جماورته فان بقي يف مضيق‬
‫هذا االستغراق ومل يتخلص اىل فضاء االطالق فالويل له كل الويل ملا مل يتيسر له ما هو‬
‫املقصود منه وضاع جوهر استعداده فضل ضالال بعيدا وان سبقت له احلسن وأدركته‬
‫العناية القصوي رفع رأسه وتذكر ما ضل عنه فرجع القهقري قائال {شعر}‪:‬‬
‫اليك اي منييت حجي ومعتمري * ان حج قوم على ترب واحجار‬
‫‪- 50 -‬‬

‫وان حصل له االستغراق اثنيا يف شهود املطلوب االقدس على أحسن طرق وتيسر‬
‫له التوجه اىل اجلناب املقدس أبكمل وجوه تبعه الظلمة حينئذ واندرجت يف غلبات أنواره‬
‫فاذا بلغ هذا االستغراق اىل ان نسي املتعلق الظلماين رأسا وجهل نفسه وتوابع وجوده‬
‫كلية فاستهلك يف مشاهدة نور األنوار وحصل له حضور املطلوب وراء االستار شرف‬
‫اب لفناء اجلسدي والروحي وان حصل له البقاء بذلك املشهود ايضا بعد الفناء فيه فقد‬
‫متت له جهتا الفناء والبقاء وصح حينئذ اطالق اسم الوالية عليه فحينئذ ال َخيْلو حاله من‬
‫أمرين اما االستغراق يف املشهود ابلكلية واالستهالك فيه على الدوام واما الرجوع اىل دعوة‬
‫اخللق ا ىل احلق عز سلطانه أبن يصري ابطنه مع هللا سبحانه وظاهره مع اخللق فيتخلص‬
‫النورح من الظلمة املندرجة فيه املتوجهة اىل املطلوب ويصري هبذا التخلص من اصحاب‬
‫اليمني وهو وان مل يكن له يف احلقيقة ميني وال مشال لكن اليمني أوىل حباله وانسب‬
‫لكماله جلامعيته اجلهة اخلريية مع اشرتاكهما يف اليمن والربكة كما وقع يف شأنه عز شأنه‬
‫كلتا يديه ميني[‪ ]1‬وتنزل تلك الظلمة من ذلك النور يف مقام العبادة واداء الطاعة ونعين‬
‫ابلنور الالمكاين الروح بل خالصته وابلظلمة املقيدة ابجلهة النفس وكذا املراد ابلظاهر‬
‫والباطن (فان قال) قائل ان لالولياء املستهلكني أيضا شعورا ابلعامل وتوجها اليه واختالطا‬
‫مع بين نوعهم فما معن االستهالك والتوجه على الدوام وما الفرق بينهم وبني املرجوعني‬
‫اىل العامل للدعوة (قلنا) ان االستهالك والتوجه ابلكلية عبارة عن توجه الروح والنفس معا‬
‫بعد إندراج النفس يف أنوار الروح كما مرت االشارة اليه والشعور ابلعامل وحنوه امنا يكون‬
‫ابحلواس والقوى واجلوارح اليت هي كالتفاصيل للنفس فاجململ امللخص مستهلك يف ضمن‬
‫أنوار الروح يف مطالعة املشهود وتفصيله ابق على الشعور السابق من غري تطرق فتور اليه‬
‫خبالف املرجوع اىل العامل فان نفسه بعد كوهنا مطمئنة خترج من تلك األنوار للدعوة‬
‫وحتصل له املناسبة حينئذ مع العامل فتقع الدعوة بتلك املناسبة يف معرض االجابة (وأما)‬
‫بيان ان النفس جمملة واحلواس وحنوها تفصيلها فألن النفس هلا تعلق ابلقلب الصنوبري‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم عن عبدهللا ابن عمرو والرتمذي عن ايب هريرة بلفظ وكلتا يدي ريب ميني مباركة‬
‫‪- 51 -‬‬

‫وهو املتعلق للروح بتوسط احلقيقة اجلامعة القلبية والفيوض الواردة من الروح ترد امجاال‬
‫أوال عليها مث بتوسطها اىل سائر القوى واجلوارح تفصيال فخالصتها موجودة يف النفس‬
‫امجاال فظهر الفرق بني الفريقني ومما ينبغي ان يعلم ان الطائفة األوىل من أرابب السكر‬
‫والثانية من أرابب الصحو والشرافة لألوىل والفضيلة لألخرى واملقام االول مناسب للوالية‬
‫والثاين للنبوة شرفنا هللا تعاىل بكرامات االولياء وثبتنا على كمال متابعة االنبياء صلوات‬
‫هللا تعاىل وسالمه على نبينا وعليهم و على مجيع اخوانه من املالئكة املقربني والعباد‬
‫الصاحلني اىل يوم الدين آمني احملرر الداعي وان مل حيسن العربية لعجميته لكن ملا كان‬
‫مكتوهبم الشريف حمررا ابلكلمات العربية املى القرطاس على حنو امالئهم و السالم ختام‬
‫الكالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والعشرون أرسل اىل عبد الرحيم املشتهر خبان خاانن يف‬
‫جواب كتابه يف املنع عن أخذ الطريق من الناقص وبيان مضرته واملنع عن‬
‫االلقاب الشبيهة أبهل الكفر}‬
‫جناان هللا سبحانه واايكم عن املقال * اخلايل عن احلال * والعلم املعرى عن‬
‫االعمال * حبرمة سيد البشر * املبعوث اىل االسود واالمحر * عليه و على آله من‬
‫الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها * ويرحم هللا عبدا قال آمينا * بلغ رسالتكم‬
‫االخ الصاحل الصادق تبليغا * وحكى عن جنابكم بلسان الرتمجان ما حكى * فانشدت‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫أهال لسعدي والرسول وحبذا * وجه الرسول حلب وجه املرسل‬
‫(اعلم) أيها االخ القابل لظهور الكماالت اظهر هللا سبحانه فعلكم من القوة ان‬
‫الدنيا مزرعة اآلخرة فويل ملن مل يزرع فيها وعطل ارض االستعداد واضاع بذر االعمال‬
‫ومما ينبغي ان يعلم ان اضاعة االرض وتعطيلها اما ابن ال يزرع فيها شيئا او ان يلقي فيها‬
‫‪- 52 -‬‬

‫بذرا خبيثا فاسدا وهذا القسم من االضاعة اشد مضرة واكثر فسادا من القسم االول كما‬
‫ال خيفى وخبث البذر وفساده أبن أيخذ الطريق من السالك الناقص ويسلك مسلكه الن‬
‫الناقص صاحب هوى متبع وما يشوب ابهلوي ال يؤثر وان أثر اعان على اهلوى فيحصل‬
‫ظلمة على ظلمة الن الناقص ال مييز بني الطرق املوصلة اىل هللا سبحانه وبني الطرق اليت‬
‫ال توصل اليه سبحانه اذ هو غري واصل قط وكذا ال مييز بني االستعدادات املختلفة‬
‫للطلبة واذا مل مييز طرق اجلذبة عن طرق السلوك فرمبا يكون استعداد الطالب مناسبا‬
‫لطريق اجلذبة غري مناسب لطريق السلوك ابتداء والناقص لعدم متييزه بني الطرق وبني‬
‫االستعدادات املختلفة يسلكه طريق السلوك ابتداء فأضل عن الطريق كما ضل فالشيخ‬
‫الكامل املكمل اذا اراد تربية هذا الطالب وتسليكه احتاج اوال اىل ازالة ما اصاب من‬
‫السالك الناقص واصالح ما فسد بسببه مث القى البذر الصاحل املناسب الستعداده يف‬
‫ارض االستعداد فينبت نباات حسنا ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق‬
‫االرض ما هلا من قرار ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها اثبت وفرعها يف السماء‬
‫فصحبة الشيخ الكامل املكمل كربيت أمحر نظره دواء وكلمته شفاء وبدوهنا خرط القتاد‬
‫وثبتنا هللا سبحانه واايكم على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها أفضل الصالة و‬
‫السالم والتحية اذ هو مالك االمر ومدار النجاة ومناط السعادة ولنعم ما قيل ابلفارسية‪:‬‬
‫حممد عريب كابروى هر دو سرا است * كسيكه خاك درش نيست خاك بر سر‬
‫او‪.‬‬

‫حممد سيد الكونني من عرب * تعسا ملن مل يكن يف اببه الرتاب‬ ‫{ترمجة}‬
‫ولنختم املقالة على صلوات سيد املرسلني وتسليماته وحتياته وبركاته {التتمة}‬
‫والعجب كل العجب ان االخ الصادق قد نقل ان من جلسائهم من الشعراء الفضالء‬
‫من يلقب يف الشعر ابلكفري واحلال انه من السادات العظام والنقباء الكرام فيا ليت‬
‫شعري ما محله على اختيار هذا االسم الشنيع البني شناعته واملسلم ينبغي له ان يفر من‬
‫‪- 53 -‬‬

‫هذا االسم زايدة ما يفر من االسد املهلك ويكرهه كل الكراهة الن هذا االسم ومسماه‬
‫مبغوضان على هللا تعاىل ورسوله عليه الصالة و السالم واملسلمون مأمورون بعداوة اهل‬
‫[‪]1‬‬
‫الكفر والغلظة عليهم فالتحاشي عن مثل هذا االسم القبيح واجب وما وقع يف عبارات‬
‫بعض املشائخ قدس سرهم يف غلبات السكر من مدح الكفر والرتغيب يف شد الزانر‬
‫وامثال ذلك فمصروف عن الظاهر وحممول على التأويل فان كالم السكارى حيمل‬
‫ويصرف عن الظاهر املتبادر فاهنم معذرون بغلبة السكر يف ارتكاب هذه احملظورات مع‬
‫ان كفر احلقيقة انقص ابلنسبة اىل اسالم احلقيقة عند اكابر هؤالء القوم وغري السكارى‬
‫غري معذور يف تقليدهم ال عندهم وال عند اهل الشرع الن لكل شئ مومسا ووقتا خاصا‬
‫صلح ذلك الشئ يف ذلك املوسم وقبح يف موسم آخر والعاقل ال يقيس أحدمها على‬
‫اآلخر فالتمسوه من قبَلي ان يغري هذا االسم ويبدله ابسم خري منه ويلقب ابالسالمي‬
‫فانه موافق حلال املسلم ومقاله وانتساب اىل االسالم الذي هو الدين املرضي عند هللا‬
‫سبحانه وعند الرسول عليه الصالة و السالم واجتناب عن التهمة اليت امران ابتقائها اتقوا‬
‫مواضع التهم كالم صادق ال غبار عليه قال سبحانه ولعبد مؤمن خري من مشرك و‬
‫السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والعشرون ارسل اىل حممد قليج خان يف بيان ان الصويف‬
‫كائن ابئن وان تعلق القلب ال يكون ابكثر من واحد وان ظهور احملبة‬
‫الذاتية يستلزم استوآء االيالم واالنعام من احملبوب والفرق بني عبادة‬
‫املقربني وعبادة االبرار وكذا بني االولياء املستهلكني وبني االولياء املرجوعني‬
‫اىل دعوة اخللق}‬

‫(‪ )1‬كقول احلالج شعر‪” :‬كفرت بدين هللا والكفر واجب * لدي وعند املسلمني قبيح“‬
‫‪- 54 -‬‬

‫سلمكم هللا سبحانه وعافاكم حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات املرء مع من احب فطوىب ملن مل يبق لقلبه حبا اال مع هللا سبحانه ومل يرد اال‬
‫وجهه تعاىل وتقدس فيكون هو مع هللا جل سلطانه وان كان يف ظاهره مع اخللق واشتغل‬
‫هبم صورة وهو شأن الصويف الكائن البائن اي الكائن مع هللا سبحانه والبائن من اخللق‬
‫حقيقة او ا ملراد الكائن مع اخللق صورة والبائن منهم حقيقة والقلب ال تتعلق حمبته ابكثر‬
‫من واحد فما مل يزل التعلق احليب بذلك الواحد مل يتعلق مبا سواه حمبته وما يرى من كثرة‬
‫مراداته وتعلق حمبته ابالشياء املتكثرة كاملال والولد والرايسة واملدح والرفعة عند الناس فثمة‬
‫ايضا ال يكون حمبوبه اال واحدا وهو نفسه وحمبة هؤالء فرع حمبته لنفسه فان هذه االشياء‬
‫ال يريدها اال لنفسه ال النفسهم فاذا زالت حمبته لنفسه زالت حمبتهم ابلتبعية ايضا فلهذا‬
‫قيل ان احلجاب بني العبد والرب هو نفس العبد ال العامل فان العامل يف نفسه غري مراد‬
‫للعبد حت يكون حجااب وامنا مراد العبد هو نفسه فال جرم يكون احلجاب هو العبد ال‬
‫غري فما مل خيل العبد عن مراد نفسه كلية ال يكون الرب مراده وال يسع قلبه حمبته سبحانه‬
‫و تعاىل وهذه الدولة القصوى ال تتحقق اال بعد الفناء املطلق املنوط ابلتجلي الذايت فان‬
‫رفع الظلمات رأسا ال يتص ور اال بطلوع الشمس ابزغة فاذا حصلت تلك احملبة املعرب‬
‫عنها ابحملبة الذاتية استوى عند احملب انعام احملبوب وايالمه فحينئذ حصل االخالص فال‬
‫يعبد ربه اال له ال الجل نفسه من طلب االنعام ودفع االيالم الهنما عنده سواء وهذه‬
‫مرتبة املقربني فان االبرار امنا يعبدون هللا خوفا وطمعا ومها راجعان اىل نفسهم لعدم فوزهم‬
‫بسعادة احملبة الذاتية فال جرم يكون حسنات االبرار سيئات املقربني فحسنات االبرار‬
‫حسنات من وجه وسيئات من وجه وحسنات املقربني حسنات حمضة نعم من املقربني‬
‫من يعبد هللا خوفا وطمعا ايضا بعد حتققهم ابلبقاء االكمل وتنزهلم بعامل االسباب لكن‬
‫خوفهم وطمعهم غري راجعني اىل انفسهم بل امنا يعبدون طمعا يف رضائه سبحانه وخوفا‬
‫من سخطه تعاىل وكذا امنا يطلبون اجلنة الهنا حمل رضائه تعاىل ال حلظوظ انفسهم وامنا‬
‫يستعيذون من النار الهنا حمل سخطه تعاىل ال لدفع االيالم عن انفسهم الن هؤالء‬
‫‪- 55 -‬‬

‫االكابر حمررون عن رقية االنفس وصاروا خالصني هلل سبحانه وهذه الرتبة أعلى من بني‬
‫رتب املقربني ولصاحب هذه املرتبة نصيب اتم من كماالت مقام النبوة بعد حتققه مبرتبة‬
‫الوالية اخلاصة ومن مل ينزل اىل عامل االسباب فهو من االولياء املستهلكني فال نصيب له‬
‫من كماالت مقام النبوة فال يكون أهال للتكميل خبالف االول رزقنا هللا سبحانه حمبة‬
‫هؤالء االكابر حبرمة سيد البشر عليه و على آله واتباعه من الصلوات أفضلها ومن‬
‫التسليمات أكملها فان املرء مع من أحب‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والعشرون أرسل اىل خواجه جهان يف التحريض على‬


‫متابعة سيد املرسلني ومتابعة اخللفاء الراشدين عليه وعليهم من الصلوات‬
‫أكملها ومن التسليمات أمتها}‬
‫سلم هللا تعاىل قلبكم وشرح صدركم وزكى نفسكم وأالن جلدكم كل ذلك بل‬
‫مجيع كماالت الروح والسر واخلفي واألخفى منوط مبتابعة سيد املرسلني عليه و على آله‬
‫من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها فعليكم مبتابعته ومتابعة خلفائه الراشدين‬
‫اهلادين املهديني من بعده فاهنم جنوم اهلداية ومشوس الوالية فمن شرف مبتابعتهم فقد فاز‬
‫فوزا عظيما ومن جبل على خمالفتهم فقد ضل ضالال بعيدا البقية من املقصود اظهار‬
‫االضطرار وضيق املعيشة البين املرحوم الشيخ سلطان فامللتمس من جنابكم مددهم‬
‫واعانتهم فانكم حر ّيون بذلك بل موفقون لقضاء حوائج الناس طرا زاد هللا تعاىل توفيقكم‬
‫وجعل اخلري رفيقكم و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والعشرون أرسل اىل الشيخ العامل موالان احلاج حممد‬
‫الالهوري يف بيان ان الشوق يكون لالبرار دون املقربني مع علوم تناسب‬
‫‪- 56 -‬‬

‫هذا املقام}‬
‫ثبتنا هللا تعاىل واايكم على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية ورد يف احلديث القدسي أال طال شوق االبرار اىل لقائي واان اليهم الشد‬
‫شوقا[‪ ]1‬اثبت هللا سبحانه الشوق لالبرار الن املقربني الواصلني ال شوق هلم الن الشوق‬
‫يقتضى الفقد والفقد يف حقهم مفقود أال يرى ان الشخص ال يشتاق اىل نفسه مع‬
‫افراطه يف حبه لعدم حتقق الفقد يف حقه فاملقرب الواصل الباقي ابهلل سبحانه الفاين عن‬
‫نفسه حكمه كحال الشخص مع نفسه فال جرم ال يكون املشتاق اال االبرار النه حمب‬
‫فاقد ونعين ابألبرار غري املقرب الواصل سواء كان يف االبتداء أو يف الوسط ولو بقي منه‬
‫مقدار خردلة ولنعم ما قيل يف الشعر الفارسي {شعر}‪:‬‬
‫فراق دوست اگر اندكست اندك نيست * درون ديده اگر نيم موست بسيارست‪.‬‬
‫{يعين}‬
‫وما قل هجران احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف العني ضائر‬
‫نقل عن الصديق االكرب رضي هللا عنه أنه رأي قارائ يقرأ القرآن ويبكي فقال هكذا‬
‫كنا نفعل ولكن قست قلوبنا هذا من قبيل املدح مبا يشبه الذم ومسعت شيخي قدس سره‬
‫يقول ان املنتهى الواصل رمبا يتمن الشوق والطلب الذي كان له يف االبتداء ولرفع الشوق‬
‫مقا م آخر اكمل من االول وامت وهو مقام اليأس والعجز عن االدراك فان الشوق يتصور‬
‫يف املتوقع فحيث ال توقع ال شوق واذا رجع هذا الكامل البالغ هناية الكمال اىل العامل‬
‫رجوع القهقري ال يعود اليه الشوق ايضا مع وجود الفقد ابلرجوع الن زوال شوقه ما كان‬

‫(‪ )1‬ذكره يف ا الحياء بلفظ لقد طال شوق االبرار اخل قال العراقي يف خترجيه مل اجد له اصال اال ان صاحب الفردوس‬
‫ذكره من حديث ايب الدرداء ومل يذكر له ولده يف مسند الفردوس سنده وقال الشيخ اال كرب يف موضع من فتوحاته وقد‬
‫ورد خرب ال علم يل بصحته ان هللا ذكر املشتاقني اليه وقال عن نفسه انه اشد شوقا اليهم وال علم يل به من الكشف‬
‫ايل شربا‬
‫وال من رواية صحيحة اال انه مذكور مشهور انتهى ملخصا ولكن معناه صحيح مطابق حلديث من تقرب ّ‬
‫تقربت اليه ذراعا احلديث‬
‫‪- 57 -‬‬

‫لزوال الفقد بل حلصول اليأس وهو موجود بعد الرجوع ايضا خبالف الكامل االول فانه‬
‫يعود اليه الشوق برجوعه اىل العامل حلصول الفقد الذي زال من قبل فحني وجد الفقد‬
‫ابلرجوع حصل الشوق الذي زال بزواله (ال يقال) ان مراتب الوصول ال تنقطع ابد‬
‫اآلبدين فيتوقع بعد تلك املراتب فيتصور الشوق (الان نقول) عدم انقطاع مراتب الوصول‬
‫مبين على السري التفصيلي الواقع يف االمساء والصفات والشئون واالعتبارات وهذا السالك‬
‫ال يتصور يف حقه هناية وال يزول عنه الشوق ابدا وما حنن بصدده هو املنتهى الواصل‬
‫الذي قطع تلك املراتب بطريق االمجال و انتهى اىل ما ال ميكن التعبري عنه بعبارة وال‬
‫يشار اليه ابشارة فال يتصور مثة توقع اصال فال جرم يزول عنه الشوق والطلب وهذا حال‬
‫اخلواص من االولياء الهنم هم الذين عرجوا عن ضيق الصفات ووصلوا اىل حضرة الذات‬
‫تعالت وتقدست خبالف السالكني يف الصفات مفصال والسائرين يف الشئوانت مرتبا‬
‫فاهنم حمبوسون يف التجليات الصفاتية أبد اآلبدين ومراتب الوصول يف حقهم ليست اال‬
‫الوصول اىل الصفات والعروج اىل حضرة الذات ال يتصور اال ابلسري االمجايل يف الصفات‬
‫واالعتبارات ومن وقع سريه يف االمساء ابلتفصيل حبس يف الصفات واالعتبارات ومل يزل‬
‫منه الشوق والطلب ومل يفارق عنه الوجد والتواجد فاصحاب الشوق والتواجد ليسوا اال‬
‫اصحاب التجليات الصفاتية وليس من التجليات الذاتية هلم نصيب ما داموا يف الشوق‬
‫والوجد (فان) قال قائل ما معن الشوق من هللا سبحانه وليس منه سبحانه مفقود شيئا‬
‫(قلت) ذكر الشوق ههنا حيتمل أن يكون من قبيل صنعة املشاكلة وذكر الشدة فيه‬
‫ابعتبار ان كل ما ينسب اىل العزيز اجلبار فهو شديد وغالب على ما ينسب اىل العبد‬
‫الضعيف هذا اجلواب على طريقة العلماء وللعبد الضعيف يف جوابه وجوه أخر تناسب‬
‫طريقة الصوفية ولكن تلك األجوبة تقتضى حنوا من السكر وبدون السكر ال تستحسن‬
‫بل ال جتوز الن السكارى معذورون وأرابب الصحو مسئولون وحايل اآلن الصحو‬
‫الصرف فال يليق حبايل ذكرها هذا احلمد أوال وآخرا والصالة و السالم على نبيه دائما‬
‫وسرمدا‪.‬‬
‫‪- 58 -‬‬

‫{املكتوب السابع والعشرون اىل خواجه عمك يف بيان مدح الطريقة‬


‫النقشبندية وعلو نسبة هؤالء االكابر قدس هللا اسرارهم}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ورد مكتوبكم املرسل اىل هذا‬
‫املخلص على وجه الكرم وصار ابعثا على االبتهاج والسرور واملرجو سالمتكم وال أريد‬
‫ان أصدعكم بغري مدح هذه السلسلة العلية النقشبندية (أيها املخدوم املكرم) قد وقع يف‬
‫عبارات اكابر هذه السلسلة العلية قدس هللا اسرارهم ان نسبتنا فوق مجيع النسب وأرادوا‬
‫بتلك النسبة احلضور والشعور واحلضور املعترب عندهم امنا هو حضور بال غيبة وقد عربوا‬
‫عنه بيادداشت فتكون نسبة هؤالء األعزة عبارة عن ايدداشت وايدداشت الذي تقرر يف‬
‫فهم هذا الفقري القاصر مبين على هذا التفصيل وهو ان التجلي الذايت عبارة عن ظهور‬
‫حضرة الذات تعالت وتقدست وحضوره تعاىل بال مالحظة االمساء والصفات والشئون‬
‫واالعتبارات وقالوا هلذا التجلي جتليا برقيا يعين يتحقق ارتفاع الشئون واالعتبارات حملة‬
‫يسرية مث تسدل حجب الشئون واالعتبارات وتتوارى حضرة الذات فعلى هذا التقدير ال‬
‫يتصور حضور بال غيبة بل احلضور حملة يسرية والغيبة دائمة وكائنة يف أغلب األوقات فال‬
‫تكون هذه النسبة معتربة عند هؤالء األعزة واحلال قد قال مشائخ السالسل اآلخر هلذا‬
‫التجلي هناية النهاية فاذا دام هذا احلضور ومل يقبل االحتجاب واالستتار أصال وجتلى‬
‫احلق سب حانه بال حجب االمساء والصفات والشئون واالعتبارات دائما كان حضورا بال‬
‫غيبة فينبغي ان يعلم تفاوت ما بني نسبة هؤالء االكابر ونسب اآلخرين هبذا القياس وان‬
‫يعتقدها فوق الكل بال حتاش وهذا القسم من احلضور وان كان مستبعدا عند أكثر الناس‬
‫ولكن ال بعد فيها عند أرابهبا {شعر}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫وقد عرضت هلذه النسبة غرابة على هنج لو حكيتها فرضا عند أرابب هذه‬
‫‪- 59 -‬‬

‫السلسلة العظيمة الشان حيتمل ان يكون أكثرهم يف مقام االنكار وال يصدقوها والنسبة‬
‫اليت كانت متعارفة اآلن عند أرابب هذه السلسلة عبارة عن حضور احلق سبحانه‬
‫وشهوده تعاىل على وجه يكون منزها عن وصف الشاهدية واملشهودية وعن التوجه املعرى‬
‫عن اجلهات الست املتعارفة وان تومهت جهة الفوق وظن دوامها حبسب الظاهر (وهذه)‬
‫النسبة يعين املذكورة املتعارفة اآلن تتحقق أيضا يف مقام اجلذبة فقط وال يظهر وجه كوهنا‬
‫فائقة نسب سائر الطرق خبالف ايدداشت ابملعن السابق فان حصوهلا امنا هو بعد متام‬
‫جهة اجلذبة ومقامات السلوك وعلو درجتها ال خيفى على أحد فان كان خفاء فامنا هو‬
‫يف حصوهلا فقط فان انكر حاسد بسبب حسده وجحد انقص لنقصانه فهو معذور‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫ان عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم من أفحش الكلم‬
‫هل يقطع الثعلب احملتال سلسلة * قيدت هبا أسد الدنيا أبسرهم‬
‫و السالم أوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والعشرون أرسل ايضاً اىل خواجه عمك يف بيان علو‬
‫احلال لكن بعبارة مومهة للتنزل والتباعد}‬
‫قد ابتهجت بورود مكتوبكم املرسل اىل هذا املخلص على وجه الكرم وتشرفت‬
‫مبطالعته فما أعظم نعمة تذكر االحرار املأسورين وما أجل دولة اهتمام الواصلني حبال‬
‫املهجورين واملهجور العاجز ملا مل جيد نفسه أهال للوصال اختار اخلمولة يف زاوية اهلجران‬
‫ابلضرورة وهرب من القرب واطمأ ن ابلبعد وسكن اىل االنفصال عن االتصال وملا رأى‬
‫اسرا يف اختيار احلرية اختار األسر ابملمنونية {شعر}‪:‬‬
‫چون طمع خواهد زمن سلطان دين * خاك بر فرق قناعت بعد ازين‪.‬‬
‫{يعين}‬
‫‪- 60 -‬‬

‫اذا ما أراد الطمع مين مالكي * لقلت على رأس القناعة احجار‬
‫ومباذا اصدعكم ابزيد من ذلك بعبارات غري مرتبطة واشارات غري منتظمة ثبتنا هللا‬
‫تعاىل واايكم على متابعة سيد املرسلني عليه و على آله من الصلوات افضلها ومن‬
‫التسليمات أكملها‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والعشرون صدر اىل الشيخ نظام الدين التهانيسري يف‬
‫الرتغيب يف اداء الفرائض ورعاية السنن واآلداب وعدم املباالت يف اداء‬
‫النافلة يف جنب الفرائض واملنع عن اداء العشاء يف النصف األخري من‬
‫الليل واملنع عن جتويز شرب املاء املستعمل يف الوضوء واملنع عن جتويز‬
‫سجدة املريدين يعين لشيخهم أو غريه}‬
‫عصمنا هللا سبحانه واايكم عن التعصب والتعسف وجناان واايكم عن التلهف‬
‫والتأسف حبرمة سيد البشر املنفي عنه زيغ البصر عليه و على آله من الصلوات أمتها ومن‬
‫التسليمات أكملها (واعلم) ان مقرابت االعمال اما فرائض واما نوافل فالنوافل ال اعتبار‬
‫هلا يف جنب الفرائض أصال فان اداء فرض من الفرائض يف وقت من األوقات أفضل من‬
‫اداء النوافل ألف سنة وان أديت بنية خالصة اي نفل كان من الصالة والصوم والذكر‬
‫والفكر وامثال ذلك بل أقول ان رعاية سنة من السنن وأدب من اآلداب حني اداء‬
‫الفرائض هلا ذلك[‪ ]1‬احلكم أيضا * نقل[‪ ]2‬ان سيدان عمر رضي هللا عنه صلى يوما صالة‬
‫الصبح جبماعة مث نظر اىل القوم وتفقدهم فلم ير فيهم شخصا من اصحابه فقال أمل‬
‫حيضر الفالن اجلماعة فقيل ا نه يسهر أكثر الليل فيحتمل ان يكون غلبه النوم يف هذا‬

‫(‪ )1‬يعين رعاية سنة او ادب وقت اداء الفرائض تزيد وتفضل على اداء النفل بكذا مرة حملرره‬
‫(‪ )2‬املسئول عنه سليمان ابن ايب حثنة واحلديث رواه مالك يف املوطأ‬
‫‪- 61 -‬‬

‫الوقت فقال لو انم متام الليل و صلى صالة الصبح مع اجلماعة لكان أوىل وأفضل فرعاية‬
‫األوىل واالجتناب عن املكروه وان كان تنزيهيا أوىل من الذكر والفكر واملراقبة والتوجه‬
‫مبراتب كثرية فكيف اذا كان املكروه حترمييا نعم ان مجع هذه االمور مع هذه الرعاية‬
‫واالجتناب فقد فاز فوزا عظيما وبدونه خرط القتاد فكما أن تصدق دانق مثال يف‬
‫حساب الزكاة أفضل من تصدق مقدار جبال عظام من ذهب بطريق النفل مبراتب‬
‫كذلك رعاية أدب يف تصدق ذلك الدانق كان يعطيه اىل فقري مستحق أفضل منه أيضا‬
‫مبرات ب فتأخري صالة العشاء اىل النصف االخري من الليل وجعل ذلك التأخري وسيلة اىل‬
‫قيام الليل مستنكر جدا فان اداء العشاء يف ذلك الوقت مكروه عند علماء احلنفية رضي‬
‫هللا عنهم والظاهر أهنم أرادوا هبذه الكراهة الكراهة التحرميية فاهنم أابحوا اداء العشاء اىل‬
‫نصف الليل وبعد نصف الليل قالوا بكراهته واملكروه املقابل للمباح مكروه حترميي وعند‬
‫الشافعية ال جيوز يف ذلك الوقت اداء العشاء رأسا فارتكاب هذا االمر بواسطة قيام الليل‬
‫وحصول األذواق واجلمعية يف ذلك الوقت مستكره جدا ويكفي هلذا الغرض أتخري الوتر‬
‫ايضا وذلك التأخري مستحب فيؤدى الوتر يف وقت مستحب ويتيسر الغرض من قيام‬
‫الليل والسهر فينبغي ترك هذا العمل وقضاء الصلوات الفائتة فان االمام االعظم ااب حنيفة‬
‫الكويف رضي هللا تعاىل عنه قضى صالة أربعني سنة بواسطة ترك أدب من آداب الوضوء‬
‫{وايضا} ال جيوز شرب املاء املستعمل الزالة احلدث أو بنية القربة فان ذلك املاء جنس‬
‫مغلظ عند االمام االعظم ومنع الفقهاء من شرب ذلك املاء وكرهوه نعم قالوا ان شرب‬
‫بقية الوضوء شفاء فان طلب شخص ذلك ابالعتقاد الصحيح فاعط من ذلك وقد وقع‬
‫للفقري مثل هذا االبتالء يف دهلي يف هذه النوبة بسبب ان بعض االصحاب قد رأى يف‬
‫الواقعة أنه ينبغي أن يشرب املاء املستعمل يف وضوء هذا الفقري واال يلحقه ضرر عظيم‬
‫وكلما دفعته مل ينفع ومل ميتنع فراجعت الكتب الفقهية فوجدت خملصا من ذلك حيث‬
‫قالوا ان املتوضئ لو مل ينو القربة بعد تثليث الغسل ال يكون املاء مستعمال يف املرتبة‬
‫الرابعة فكنت اعطيه ما أغسل به يف املرتبة الرابعة بال نية القربة ليشربه جتويزا له هبذه‬
‫‪- 62 -‬‬

‫احليلة {وأيضا} قد نقل رجل معتمد ان مريدي بعض خلفائكم يسجدون له وال يكتفون‬
‫بتقبيل االرض وشناعة هذا الفعل اظهر من الشمس فامنعوه من ذلك ابلتأكيد فان‬
‫االجتناب من امثال هذا الفعل مطلوب من كل احد خصوصا ممن تصدى القتداء اخللق‬
‫به فان االجتناب له من امثال هذا الفعل من أشد الضرورايت الن املقلدين يقتدون به يف‬
‫اعماله فيقعون يف بالء وابتالء وايضا ان علوم هذه الطائفة علوم االحوال واالحوال‬
‫مواريث االعمال فيكون املرياث من علوم االحوال لشخص قد صحح االعمال وقام‬
‫حبقها يف كل حال وتصحيح االعمال امنا يتيسر اذا عرف االعمال وعلم كيفية كل منها‬
‫بال امهال وذلك علم احكام الشرع من الصالة والصوم وسائر الفرائض وعلم املعامالت‬
‫كالنكاح والطالق واملبايعات وعلم كل شئ اوجبه احلق سبحانه على املكلف ودعاه اليه‬
‫وهذه العلوم اكتسابية ال بد من تعلمها لكل احد والعلم بني اجملاهدتني احدامها يف طلبه‬
‫قبل حصوله واثنيتهما اجملاهدة يف استعماله بعد حصوله فكما انه يذكر يف جملسه‬
‫الشريف من كتب التصوف كذلك ينبغي أن يذكر فيه من الكتب الفقهية والكتب‬
‫الفقهية ابلعبارة الفارسية كثرية مثل جمموعة خاين وعمدة االسالم والكنز الفارسي بل ال‬
‫ضرر اصال ان مل يذكر من كتب التصوف فانه يتعلق ابالحوال ال دخل له يف القال وعدم‬
‫مذاكرة الكتب الفقهية حمتمل للضرر وزايدة االطناب موجبة للمالل القليل بدل على‬
‫الكثري {شعر}‪:‬‬
‫وبثثت عندك من خفي ضمائر * نبذا وخفت سآمة من كثرة‬
‫رزقنا هللا سبحانه واايكم كمال متابعة حبيبه صلى هللا تعاىل عليه و على آله و‬
‫سلم‬

‫{املكتوب الثالثون يف بيان الشهود اآلفاقي واالنفسي وفرق ما بني الشهود‬


‫االنفسي والتجلي الصوري وبيان علو شان مقام العبودية ومطابقة علوم‬
‫‪- 63 -‬‬

‫ذلك املقام ابلعلوم الشرعية وما يناسب ذلك قال املال حممد صديق من‬
‫مجلة خدمته املتقدمني ان هذا املكتوب أيضا أرسل اىل الشيخ نظام الدين‬
‫التهانيسري}‬
‫شرفكم هللا بكمال االتباع احملمدي وزينكم بزي النيب املصطفوي عليه و على آله‬
‫من الصلوات أفضلها ومن التحيات أكملها ما ادري ماذا اكتب فان تكلمت من جناب‬
‫قدس موالي تعاىل وتقدس يكون كذاب صرحيا وافرتاء حمضا فان جناب كربايئه اجل من‬
‫ان يتكلم فيه مثلي فان املتكيف ابلكيف كيف يقول ويتكلم ممن تنزه عن الكيف وماذا‬
‫يريد واي شئ يدرك احملدث من القدمي واىل مت جيري املكاين ويعدو يف الالمكاىن‬
‫مسكني ال خرب له عما يف خارج نفسه وال ممر له فيما ورائه {شعر}‪:‬‬
‫ذره گر بس نيك ور بس بد بود * گرچه عمرى تگ زند در خود بود‬
‫{يعين}‬
‫ولو سعت ذرة يف عمرها طلبا * خريا وشرا تنل يف نفسها اكتمنا‬
‫وهذا املعن ايضا يتيسر يف السري االنفسي الذي يتيسر يف هناية االمر {قال}‬
‫اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره ان أهل هللا كلما يرون بعد الفناء والبقاء يرونه يف‬
‫انفسهم وكلما يعرفونه يعرفونه يف أنفسهم وحريهتم امنا تكون يف وجودهم ويف أنفسكم أفال‬
‫تبصرون وكل سري قبل ذلك داخل يف السري اآلفاقي الذي حاصله مما ال حاصل فيه‬
‫واطالق لفظ ال حاصل امنا هو ابلنسبة اىل اصل املطلب واال فهو أيضا من مجلة الشرائط‬
‫واملعدات (وال يتومهن) احد من الشهود االنفسي انه مثل التجلي الصوري الذي يف نفس‬
‫املتجلي له وال يتخيل ذلك حاشا وكال فان التجلي الصوري داخل يف السري اآلفاقي‬
‫جبميع أقسامه وحاصل يف مرتبة علم اليقني والشهود االنفسي كائن يف مرتبة حق اليقني‬
‫الذي هو هناية مراتب الكمال واطالق لفظ الشهود يف هذا املقام من ضيق ميدان العبارة‬
‫واال فكما أن مطلبهم منزه عن الكيف والكيفية كذلك نسبتهم اىل ذلك املطلب منزهة‬
‫‪- 64 -‬‬

‫عن الكيف والكيفية فانه ال سبيل للمتكيف اىل املنزه عن الكيف قال يف املثنوي‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫هست رب الناس را اب جان انس * اتصايل يب تكيف يب قياس‬
‫ليك كفتم انس را نسناس نه * انس غري ازجان جان اشناس نه‬
‫{يعين}‬
‫ان للرمحن مع ارواح انس * اتصاال دون كيف وقياس‬
‫قلت انسا دون نسناس الفال * ليس انس غري روح يف املال‬
‫ومنشأ توهم احتاد الشهود االنفسي ابلتجلي الصوري املذكور هو حصول بقاء‬
‫شخص يف كال املقامني فان التجلي الصوري ليس مبفن يعين للمتجلي له وهو وان رفع‬
‫قيدا من القيود ولكنه ال يوصل اىل حد الفناء ففيه بقية من وجود السالك والسري‬
‫االنفسي امنا هو بعد الفناء االمت والبقاء االكمل فال جرم يصعب تفرقة ما بني هذين‬
‫البقاءين لقلة املعرفة فيحكمون ابالحتاد ابلضرورة فان علموا ان البقاء الثاين معرب عندهم‬
‫ابلبقاء ابهلل وان ذلك الوجود يقال له الوجود املوهوب احلقاين فعسى ان يتخلصوا من‬
‫ذلك التوهم (وال يقال هنا) ان البقاء ابهلل عبارة عن وجدان السالك نفسه عني احلق‬
‫تعاىل وتقدس فان االمر ليس كذلك (فان) استفيد هذا املعن من بعض عبارات القوم‬
‫اجيب عن ذلك ان هذا البقاء يتيسر للبعض يف مقام اجلذبة بعد االستهالك‬
‫واالضمحالل املتشابه ابلفناء واكابر النقشبندية يعربون عن ذلك بوجود العدم وهذا قبل‬
‫حصول الفناء ويتصور له الزوال بل هو واقع فانه رمبا يؤخذ السالك عن نفسه ويغيب مث‬
‫يرجع اىل نفسه احياان يعين ترتفع عنه الصفات البشرية مث يعطاها اثنيا والبقاء الذي بعد‬
‫الفناء االمت مصون عن الزوال وحمفوظ من اخللل وفناء ارابب هذا البقاء فناء دائمي فهم‬
‫فانون يف عني البقاء وابقون يف عني الفناء فان الفناء والبقاء اللذين يتطرق اليهما الزوال‬
‫من مجلة تلوينات االوقات واالحوال وال كذلك فيما حنن بصدد بيانه قال اخلواجه هباء‬
‫الدين النقشبند قدس سره ان وجود العدم يعود اىل وجود البشرية واما وجود الفناء فال‬
‫‪- 65 -‬‬

‫يعود اىل وجود البشرية فال جرم يكون وقتهم دائميا وحاهلم سرمداي البتة بل ال وقت هلم‬
‫وال حال شغلهم م ع موقت االوقات ومعاملتهم مع حمول االحوال فصار قبول الزوال‬
‫خمصوصا ابلوقت واحلال ومن ختلص عن الوقت واحلال فقد صار ما يعرض له حمفوظا من‬
‫الزوال ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (وال يزعم) الزاعم ان‬
‫اطالقهم دوام الوقت وقوهلم به امنا هو ابعتبار بقاء أثر ذلك الوقت ودوامه من التعني‬
‫وغريه (فان) االمر ليس كذلك بل الدوام لنفس الوقت واالستمرار لعني احلال ان الظن ال‬
‫يغين من احلق شيئا بل نقول ان بعض الظن امث (قد طال) الكالم فلنرجع اىل اصل املرام‬
‫ونقول اذا مل يكن يف فضاء قدسه تعاىل جمال للكالم فلنتكلم يف مقام عبوديتنا وذلنا‬
‫وانكساران ان املقصود من اخللقة االنسانية امنا هو اداء وظائف العبودية ومن اعطي‬
‫العشق واحملبة يف الوسط واالبتداء فاملقصود منه قطع التعلق من غري جناب قدسه جل‬
‫شأنه وليس العشق واحملبة من املقاصد بل هو حلصول مقام العبودية فان السالك امنا‬
‫يكون عبد هللا تعاىل اذا ختلص عن اسر غريه تعاىل وعبوديته ابلتمام وليس فائدة العشق‬
‫سوى ان يكون وسيلة االنقطاع عن غريه سبحانه وهلذا كانت هناية مراتب الوالية مقام‬
‫العبدية وليس يف درجات الوالية مقام فوق مقام العبدية وال جيد السالك يف هذا املقام‬
‫مناسبة بينه وبني مواله تعاىل اال االحتياج من جانبه واالستغناء االمت ذاات وصفة من‬
‫جانب املوىل تعاىل وتقدس ال أنّه جيد ذاته مناسبا لذاته وصفاته لصفاته وافعاله الفعاله‬
‫عز سلطانه ولو بوجه من الوجوه حت انه يتنزه ويتربأ عن اطالق الظلية لكوهنا من مجلة‬
‫املناسبات بل يعتقد انه سبحانه خالقه وهو خملوق له تعاىل وال جيرتئ بغري ذلك بشئ‬
‫والتوحيد الفعلي الذي يظهر جلمع يف اثناء الطريق ابن ال جيدوا فاعال غري احلق سبحانه‬
‫يقول هؤالء االكابر ويعتقدون ان خالق هذه االفعال واحد ال ان مباشرها واحد فان هذا‬
‫الكالم يكاد يوصل قائله اىل الزندقة (ولنوضح) ذلك مبثال وهو ان العارف ابلشعبذة اذا‬
‫قعد وراء احلجاب وحرك بشعبذته صور مجادات متعددة واظهر منها افعاال عجيبة غريبة‬
‫فالذين فيهم حدة البصر يعرفون ان جاعل هذه االفعال يف تلك الصور هو ذلك‬
‫‪- 66 -‬‬

‫الشخص القاعد وراء احلجاب ولكن مباشر هذه االفعال هو هذه الصور وهلذا يقال ان‬
‫ا لصورة متحركة دون ان يقال ان صاحب الشعبذة متحرك وهم حمقون يف ذلك احلكم يف‬
‫نفس االمر وشرائع االنبياء انطقة بذلك واحلكم بوحدة الفاعل من مجلة السكرايت بل‬
‫احلق الصريح ان الفاعل متعدد وخالق االفعال واحد وهكذا العلوم اليت بينوها يف توحيد‬
‫الوجود مبناها على السكر وغلبة احلال وعالمة صحة العلوم اللدنية مطابقتها لصريح‬
‫العلوم الشرعية فان جاوزها مقدار شعرة وخالفها يف مثقال ذرة فهو من السكر واحلق ما‬
‫حققه العلماء من اهل السنة واجلماعة وما سوى ذلك يعين مما خيالفه اما زندقة واحلاد او‬
‫سكر وقت وغلبة حال مفضية اىل القول ابالحتاد وهذه املطابقة على وجه الكمال‬
‫والتمام امنا تتيسر يف مقام العبدية ويف ما وراء ذلك يتحقق فيه حنو من السكر {ع}‪:‬‬
‫فيا هلا قصة يف شرحها طول‬
‫(سئل) اخلواجه هباء الدين قدس سره انه ما املقصود من السلوك فقال لتصري‬
‫املعرفة االمجالية تفصيلية واالستداللية كشفية ضرورية ومل يقل ليحصل معرفة زائدة على‬
‫معارف شرعية وان حصل يف الطريق امور زائدة لكن اذا بلغ االمر هنايته تكون تلك‬
‫االمور هباء منثورا وتصري املعارف الشرعية معلومة على وجه التفصيل وخترج من مضيق‬
‫االستدالل اىل فضاء اطالق الكشف يعين كما ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم كان أيخذ‬
‫هذه العلوم من الوحي كذلك هؤالء االكابر أيخذوهنا بطريق االهلام من االصل والعلماء‬
‫بينوا هذه العلوم اخذا هلا من الدالئل الشرعية بطريق االمجال فكما ان هذه العلوم كانت‬
‫حاصلة لألنبياء عليهم الصالة و السالم تفصيال كذلك تكون تلك العلوم حاصلة هلم‬
‫كشفا على ه ذا النهج واالصالة والتبعية قائمتان يف البني وامنا ينتخب ملثل هذا القسم من‬
‫الكمال بعض من كمل االولياء بعد قرون متطاولة وازمنة متباعدة وقد كان يف اخلاطر ان‬
‫اكتب مسئلة امجالية واستداللية على وجه التفصيل لكن متت الصحيفة ومل يبق حمل‬
‫لكتابتها ولعل يف ذلك حكمة احلق سبحانه و تعاىل و السالم‪.‬‬
‫‪- 67 -‬‬

‫{املكتوب احلادي والثالثون يف بيان ظهور حقيقة التوحيد الوجودي وقربه‬


‫تعاىل ومعيته الذاتيني وجماوزة ذلك املقام مع بعض االسئلة واالجوبة املتعلقة‬
‫هبذا املقام أرسله اىل الشيخ صويف}‬
‫ثبتنا هللا سبحانه و تعاىل على متابعة سيد املرسلني عليه و على آله وعليهم من‬
‫الصلوات أفضلها ومن التسليمات اكملها قد نقل من كان يف جملسكم الشريف ان‬
‫شخصا من مريدي الشيخ ميان نظام الدين التهانيسري ذكر هذا الفقري وقال انه ينكر‬
‫وحدة الوجود والتمس انقل هذا الكالم من هذا الفقري ان اكتب اىل خدامكم ما هو‬
‫احلقيقة يف ه ذا الباب لئال يقع الناس من هذا الكالم يف سوء الظن فان بعض الظن امث‬
‫فتجرأت على تصديعكم بكلمات اجابة ملسؤله (أيها املخدوم املكرم) ان معتقد الفقري‬
‫من الصغر كان مشرب أهل التوحيد يعين توحيد الوجود وكان والد الفقري قدس سره يف‬
‫ذلك املشرب حبسب الظاهر وكان مشغوال هبذا الطريق على سبيل الدوام مع وجود‬
‫حصول التوجه التام حبسب الباطن اىل جانب املرتبة الالكيفية وحبكم ابن الفقيه نصف‬
‫الفقيه كان للفقري أيضا حظ وافر من هذا املشرب حبسب العلم وحصلت يل منه لذة‬
‫عظيمة اىل ان اوصلين هللا مبحض كرمه اىل جناب حضرة معدن االرشاد مظهر احلقائق‬
‫واملعارف مؤيد ال دين الرضي شيخنا وموالان وقبلتنا حممد الباقي قدسنا هللا تعاىل بسره‬
‫فعلم الفقري الطريقة النقشبندية وبذل التوجه البليغ يف حق هذا املسكني فانكشف‬
‫التوحيد الوجودي يف مدة يسرية بعد ممارسة هذه الطريقة العلية وعرض يل غلو يف هذا‬
‫الكشف وظهر شئ وا فر من علوم هذا املقام ومعارفه ومل تبق دقيقة من دقائق هذه املرتبة‬
‫غري منكشفة والحت دقائق علوم الشيخ حميي الدين بن العريب ومعارفه وشرفت ابلتجلي‬
‫الذايت الذي بينه صاحب الفصوص واعتقد انه هناية العروج وقال يف حقه وما بعد هذا‬
‫اال العدم احملض وحصل يل علوم ذلك التجلي ومعارفه اليت قال الشيخ حميي الدين بن‬
‫العريب اهنا خمصوصة خبامت الوالية ابلتفصيل وبلغ سكر الوقت وغلبة احلال يف هذا التوحيد‬
‫حدا كتبت اىل حضرة اخلواجه يعين شيخه يف بعض العرائض هذين البيتني اململوئني‬
‫‪- 68 -‬‬

‫ابلفاظ السكر‪{ .‬شعر}‬


‫اى دريغا كني شريعت ملت اَعمائى است * ملت ما كافرى و ملن ترسائى است‬
‫كفر و اميان زلف و روى آن پرى زيبائى است * كفر واميان هر دو اندر راه ما يكتائى‬
‫است‬
‫{يعين}‬
‫اال ان هذا الشرع ملة من عمي * وملتنا كفر و ملة جاحد‬
‫ذوائب من اهواه كفر و وجه انقيادمها * عندي على حد واحد‬
‫وامتد هذا احلال اىل مدة مديدة واجنر االمر من الشهور اىل سنني عديدة مث برزت‬
‫عناية احلق سبحانه اليت ال غاية هلا من كوة الغيب وجاءت اىل عرصة الظهور وانسدل‬
‫نقاب الالكيفي والالكيفية على وجه املطلوب املذكور وتوجهت العلوم السابقة اليت كانت‬
‫منبئة عن االحتاد ووحدة الوجود حنو الزوال والفتور واسترتت االحاطة والسراين والقرب‬
‫واملعية الذاتيات اليت كانت منكشفة يف ذلك املقام املسطور وصار معلوما بيقني يقني ان‬
‫هذه النسب املذكورة ليست بثابتة للصانع جل شأنه مع العامل بل احاطته وقربه تعاىل‬
‫حبسب العلم كما هو مقرر عند أهل احلق شكر هللا سعيهم وهو تعاىل ليس مبتحد بشئ‬
‫من االشياء هو هو تعاىل وتقدس والعامل عامل وهو تعاىل منزه عن الكيف والكيفيات‬
‫يسم الكيف من الفرق اىل القدم وال ميكن أن يقال ان املنزه عن الكيف‬
‫والعامل متسم مب َ‬
‫عني املكيف ابلكيف وان الواجب عني املمكن وال يكون القدمي عني احلادث وممتنع‬
‫العدم عني جائز العدم أصال فان انقالب احلقائق حمال عقال وشرعا وصحة محل احدمها‬
‫على اآلخر مفقودة لكونه ممتنعا اصال ورأسا والعجب من الشيخ حميي الدين واتبعيه‬
‫حيث يقولون لذات الواجب جمهولة مطلقة واهنا ليست مبحكومة حبكم من األحكام‬
‫قطعا ومع ذلك يثبتون االحاطة والقرب واملعية الذاتيات وما هذا اال حكم على الذات‬
‫تعالت وتقدست فالصواب ما قاله العلمآء من القرب واالحاطة العلميني وكان للفقري‬
‫اضطراب اتم وقت حصول العلوم واملعارف املنافية ملشرب التوحيد الوجودي لظين ابن‬
‫‪- 69 -‬‬

‫ليس وراء هذا التوحيد أمر آخر عال وكنت ادعوا هللا سبحانه و تعاىل ابلتضرع‬
‫وا النكسار ان ال يزيل هللا سبحانه عين هذه املعرفة يعين معرفة التوحيد الوجودي اىل ان‬
‫ارتفعت احلجب عن وجه االمر ابلتمام وانكشف حقيقة احلال وجلية املرام كما يقتضيه‬
‫املقام وصار معلوما ان العامل وان كان مرااي للكماالت الصفاتية وجماىل للظهورات‬
‫االمسائية ولكن املظه ر ليس عني الظاهر والظل ليس نفس االصل كما هو مذهب أهل‬
‫التوحيد الوجودي {ولنوضح} هذا املبحث مبثال وهو ان عاملا ذا فنون اراد أن خيرج‬
‫كماالته املتنوعة اىل عرصة الظهور وان يورد خفاايها املستحسنة يف معرض االيضاح‬
‫الهل الشعور فاوجد احلروف واالصوات يعين ابلتكلم واظهر كماالته املخفية يف مرااي‬
‫تلك احلروف واالصوات ففي هذه الصورة ال يقال ان هذه احلروف واالصوات اليت كانت‬
‫جماىل ومرااي لتلك الكماالت اهنا عني تلك الكماالت أو حميطة بتلك الكماالت ابلذات‬
‫او قريبة منها كذلك ابلذات او هلا معية هبا كذلك بل بينهما نسبة الدالية واملدلولية فقط‬
‫وليس لتلك احلروف واالصوات نصيب ووظيفة سوى الداللة على تلك الكماالت واما‬
‫تلك الكماالت فعلى صرافة اطالقها وتلك النسبة اليت ظهرت امنا هي يف االوهام‬
‫واخلياالت واال فال شئ منها اثبت يف احلقيقة ولكن ملا حتققت بني تلك الكماالت‬
‫واحلروف واالصوات مناسبة الظاهرية واملظهرية والدالية واملدلولية صارت هذه املناسبة‬
‫ابعثة على توهم حصول تلك النسب الومهية للبعض بواسطة بعض العوارض واال فتلك‬
‫الكماالت معراة ومربأة عن مجيع النسب يف نفس األمر وفيما حنن فيه ال شئ سوى‬
‫عالقة الدالية واملدلولية والظاهرية واملظهرية ايضا فان العامل علم لصانعه تعاىل وتقدس‬
‫ومظهر لظهور كماالته االمسائية والصفاتية وهذه العالقة رمبا تكون ابعثة على اثبات‬
‫بعض االحكام الومهية ابلنسبة اىل البعض بواسطة بعض العوارض (وقد يورد) البعض اىل‬
‫هذا املورد يعين مورد اثبات هذه االحكام كثرة مراقبة التوحيد واالحدية النتقاش صورة‬
‫تلك املراقبات يف القوة املتخيلة (ويورث) البعض حنوا من ذوق هذه االحكام ممارسة علم‬
‫التوحيد وتكراره وهذان القسمان من التوحيد يعين الوجودي معلوالن وداخالن يف دائرة‬
‫‪- 70 -‬‬

‫العلم ال مساس هلما ابحلال و يكون منشأ توهم هذه األحكام يف البعض اآلخر غلبة‬
‫احملبة فانه كثريا ما يسترت عن نظر احملب غري حمبوبه بواسطة استيالء حب حمبوبه عليه فال‬
‫يرى غري حمبوبه ال انه ليس يف نفس االمر غري حمبوبه فانه خمالف حلكم احلس والعقل‬
‫والشرع وتصري هذه احملبة احياان ابعثة على احلكم ابالحاطة والقرب الذاتيني (وهذا‬
‫القسم) من التوحيد اعلى من القسمني السابقني وداخل يف دائرة احلال وان مل يكن‬
‫مطابقا لنفس األمر وموافقا للشريعة وتطبيقه على الشريعة ونفس االمر تكلف حمض مثل‬
‫التكلفات الفلسفية الباردة حيث ان اسالميهم يريدون تطبيق اصوهلم الفاسدة على قوانني‬
‫الشريعة وكتاب اخوان الصفا وغريه من هذا القبيل غاية ما يف الباب ان للخطأ الكشفي‬
‫حكم اخلطأ االجتهادي يف ارتفاع املالم والعتاب عن صاحبه بل تتحقق فيه درجة من‬
‫درجات الصواب و امنا التفاوت بينهما ان ملقلدي اجملتهد حكم اجملتهد و هلم درجة من‬
‫درجات الصواب على تقدير اخلطأ خبالف مقلدي اهل الكشف فاهنم ليسوا مبعذورين‬
‫بل هم حمرومون عن نيل درجة الصواب على تقدير اخلطأ فان كال من االهلام و الكشف‬
‫ليس حبجة للغري و قول اجملتهد حجة للغري فتقليد االول ال جيوز على تقدير احتمال‬
‫اخلطأ و تقليد الثاين جائز على تقدير احتمال اخلطأ ايضا بل واجب (و شهود) بعض‬
‫السالكني الذي هو يف مرااي التعينات الكونية ايضا من قبيل االحكام السابقة و يسمون‬
‫هذا الشهود شهود الوحدة و شهود االحدية يف الكثرة فان[‪ ]1‬الواجب تعاىل وتقدس منزه‬
‫عن الكيف والكيفيات ال تسعه مرااي املكيف اصال وال جماىل املتكلم قطعا ال حيصل‬
‫الالمكاين يف املكان ينبغي ان يطلب املنزه عن الكيف يف خارج دائرة املكيف وان يبتغي‬
‫الالمكاين يف ما وراء املكان وكلما يشاهده يف اآلفاق واالنفس فهو من آايته سبحانه و‬
‫تعاىل وتقدس قال قطب دائرة الوالية يعين حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس هللا‬
‫تعاىل سره كلما كان مشهودا او مسموعا او معلوما فهو غريه تعاىل ينبغي نفيه يف احلقيقة‬
‫بكلمة ال {شعر}‪:‬‬

‫(‪ )1‬علة لقوله من قبيل االحكام السابقة عفي عنه‬


‫‪- 71 -‬‬

‫در تنگناى صورت معن چگونه گنجد * در كلبهء گدااين سلطان چه كار دارد‬
‫صورت پرست غافل معن چه داند آخر * كواي مجال جاانن پنهان چه كار دارد‬
‫(فان قيل) قد وقع يف عبارات كثري من مشائخ النقشبندية وغريهم صرحيا وحدة‬
‫الوجود والقرب الذايت واملعية الذاتية وشهود الوحدة واالحدية يف الكثرة (اجيب) أن تلك‬
‫األحوال امنا حصلت هلم يف توسط االحوال مث ترقوا بعد ذلك عن ذلك املقام كما كتب‬
‫هذا الفقري عن احواله فيما تقدم (وجواب) آخر ان مجعا من السالكني مع وجود التوجه‬
‫التام فيهم اىل جانب االحدية الصرفة بباطنهم تتشرف ظواهرهم اليت هي مشاهدة للكثرة‬
‫بتلك االحكام والشهود فهم حبسب الباطن متوجهون اىل االحدية ويف الظاهر مشاهدون‬
‫للمطلوب يف الكثرة كما أخربت عن حال والدي يف اوائل هذا املكتوب وتفصيل حتقيق‬
‫هذا اجلواب مسطور يف الرسالة املؤلفة يف حتقيق مراتب وحدة الوجود وال يتحمل هذا‬
‫املقام زايدة على ذلك (ال يقال) اذا كان يف نفس االمر وجودات متعددة ومل يكن قرب‬
‫ذايت واحاطة ذاتية ومل يكن شهود الوحدة يف الكثرة مطابقا للواقع يكون حكم هؤالء‬
‫االكابر كاذاب لكونه غري مطابق للواقع ونفس االمر (الان نقول) ان هؤالء االكابر امنا‬
‫حكموا على مقدار شهودهم مثل من حيكم برؤية صورة زيد يف املرآة وهذا احلكم مع‬
‫كونه غري مطابق للواقع فانه مل ير يف املرآة صورة زيد أصال ألنه ال صورة يف املرآة قطعا‬
‫حت ترى ال يقال هلذا الشخص يف العرف انه كاذب فيه وان مل يكن مطابقا لنفس االمر‬
‫فهو معذور يف هذا احلكم وعالمة الكذب مرتفعة عنه كما مر سابقا واملقصود من اظهار‬
‫االحوال الالزمة االخفاء والسرت هو االيذان واالعالم ابنه لو كان منا قبول وحدة الوجود‬
‫فهو من طريق الكشف ال على وجه التقليد وان وجد منا انكار فهو ايضا من االهلام فال‬
‫جمال اذا لالنكار يعين على هذا االنكار وان مل يكن االهلام حجة على الغري (وجواب)‬
‫آخر لدفع شبهة الكذب ان الفراد العامل اشرتاكا مع بعضهم يف بعض االمور وامتيازا يف‬
‫بعض آخر وهكذا اشرتاك املمكن مع الواجب تعاىل وتقدس يف بعض االمور العرفية يعين‬
‫يف جمرد االسم والصورة وان كاان ممتازين ابلذات امتيازا كليا فرمبا خيتفي ما به االمتياز عن‬
‫‪- 72 -‬‬

‫نظر السالك على تقدير غلبة احملبة عليه ويظهر ما به االشرتاك لنظره فعلى هذه الصورة‬
‫لو حكموا بعينية احدمها ابآلخر لكان مطابقا للواقع فال يبقى جمال للكذب اصال فينبغي‬
‫ان يقيس االحاطة الذاتية ونظائرها على ذلك و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والثالثون ارسل اىل املرزا حسام الدين امحد يف بيان‬
‫الكمال املخصوص ابالصحاب الكرام رضوان هللا تعاىل عليهم امجعني وانه‬
‫قد تشرف به قليل من االولياء وما يناسب ذلك}‬
‫قد ورد مكتوبكم املرسول على وجه االلتفات هلل سبحانه احلمد واملنة على مامل‬
‫يصر املهجورون منسيني بل ذكروا مع املذكورين ولو استطراداي {ع}‪:‬‬
‫دعوان نسلي ابالماين قلوبنا‬
‫قد اندرج يف كتابكم الشكاية من فقدان نسبة حضرة شيخنا عليه الرمحة اخلاصة‬
‫به وعدم وجداهنا واالستفسار عن سببه (ايها املخدوم) ان شرح امثال هذه الكلمات‬
‫بطريق التحرير بل ابلتقرير غري مناسب فانه ال يدري ماذا حيصل يف فهم انسان وماذا‬
‫أيخذ منه بل الالزم احلضور بشرط حسن الظن او طول الصحبة على اي هنج كان‬
‫وبدونه خرط القتاد {شعر}‪:‬‬
‫اريد صفو ليال مع ضيا قمر * حت احدث انواع احلكاايت‬
‫ولكن حبكم لكل سؤآل جواب أظهر هذا القدر إن لكل مقام علوما ومعارف‬
‫على حدة واحواال ومواجيد متمايزة ففي مقام يناسب الذكر والتوجه ويف مقام يناسب‬
‫تالوة القرآن والصلوة ومقام خمصوص ابجلذبة ومقام ابلسلوك ومقام ممتزج هباتني الدولتني‬
‫ومقام خال عن جهيت اجلذبة والسلوك حبيث ال مساس له ابجلذبة وال تعلق له ابلسلوك‬
‫وهذا املقام عال جدا واصحاب النيب عليه و على آله وعليهم من الصلوات افضلها ومن‬
‫‪- 73 -‬‬

‫التسليمات اكملها ممتازون هبذا املقام ومشرفون هبذه الدولة العظمى من بني االانم‬
‫ولصاحب هذا املقام امتياز اتم عن ارابب املقامات اآلخر واملشاهبة بني أرابب هذا املقام‬
‫قليلة خبالف ارابب مقامات اخر فان هلم مشاهبة بعضهم ببعض ولو بوجه دون وجه‬
‫وهذه النسبة تظهر بعد الصحابة رضوان هللا عليهم امجعني يف املهدي عليه السالم على‬
‫الوجه االمت انشاء هللا تعاىل وقل من اخرب عن هذا املقام من مشائخ الطبقات فكيف‬
‫التكلم من علومه ومعارفه ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم غاية ما‬
‫يف الباب ان هذه النسبة العزيزة الوجود كانت تظهر يف الصحابة يف اول القدم مث تبلغ‬
‫مرتبة الكمال مبرور الزمان واما غري الصحابة فان اريد تشريفه هبذه الدولة وترتبه على قدم‬
‫نسبة الصحابة امنا يستسعد هبا بعد قطع منازل اجلذبة ومراتب السلوك وطي علوم هذين‬
‫املقامني ومعارفهما وظهور هذه النسبة الشريفة يف االبتداء كان خمصوصا بربكة صحبة‬
‫سيد البشر عليه و على آله الصلوات والتحيات والربكات و التسليمات ولكن ميكن ان‬
‫يتشرف هبذه الربكة بعض متابعيه صلّى هللا عليه و سلّم فتكون صحبته أيضا سببا لظهور‬
‫هذه النسبة العلية يف االبتداء يعين يف ابتداء احلال قبل قطع منازل اجلذبة والسلوك‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫لو كان من فيض روح القدس من مدد * لغري عيسى ليصنع مثل ما صنعا‬
‫ويف هذا الوقت يتحقق يف هذه النسبة اندراج النهاية يف البداية ايضا كما هو‬
‫متحقق يف صورة تقدم اجلذبة على السلوك وال مساعدة للزايدة على هذا {شعر}‪:‬‬
‫ومن بعد هذا ما يدق بيانه * وما كتمه احظى لدي وامجل‬
‫(فان وقعت) املالقاة بعد ذلك واحست مظنة حسن االستماع من جانب‬
‫املستمعني ترد نبذة من هذا املقام يف معرض الظهور انشاء هللا تعاىل وهو سبحانه املوفق‬
‫(وقد) حررمت كلمات يف حق بعض االصحاب فالفقري قد عفوت زالهتم يغفر هللا هلم وهو‬
‫ارحم الرامحني ولكن ينبغي نصيحة االصحاب لئال يكونوا يف مقام االيذاء يف احلضور‬
‫والغيبة وال يغريوا اوضاعهم ان هللا ال يغري ما بقوم حىت يغريوا ما أبنفسهم واذا اراد هللا‬
‫‪- 74 -‬‬
‫ۤ‬
‫بقوم سوء فال مرد له وما هلم من دونه من وال وكتبتم يف حق الشيخ إله داد خصوصا‬
‫[‪]1‬‬
‫ال مضايقة يف حق الفقري اصال ولكن الندامة على تغري الوضع الزمة للمشار اليه الندم‬
‫توبة واالستشفاع فرع الندامة والفقري على كل حال يف مقام العفو والتجاوز من قبل نفسه‬
‫وجانبه واما اجلانب اآلخر فهو أعلم بذلك وما يلزم فيما هنالك {وأيضا} ينبغي لكم ان‬
‫تتصوروا سرهند منزل انفسكم فان عالقة احملبة ونسبة اخوة الطريقة ليست مما ينقطع‬
‫بسبب امور عارضية وماذا ازيد على ذلك وخنص املخادمي وسائر أهل البيت ابلدعاء‬
‫وبعد تسويد هذه الرقيمة وقع يف اخلاطر ان اكتب يف ابب زالت االخوان والعفو عنهم‬
‫كالما اوضح من االول فان يف االمجال ايهاما وماذا يفهم منه (فاعلم) ايها املخدوم ان‬
‫العفو امنا يتصور ويطلب على تقدير اعرتاف هؤالء اجلماعة بسوء تلك االوضاع والندامة‬
‫على فعلها واال فال مساغ للعفو وكتبتم ايضا ان حضرة شيخنا فوض هذا املقام اىل‬
‫ۤ‬
‫الشيخ إله داد بشهادة هؤالء اجلماعة وهذا الكالم يستدعي بياان فان كان التفويض مبعن‬
‫أنه خيدم الفقراء والواردين والصادرين و يكون مستخربا عما حيتاجون اليه من االكل‬
‫والشرب فذلك مسلم ال نزاع فيه ألحد وان كان مبعن انه يريب مجاعة من الطالبني وجيلس‬
‫يف مقام املشيخة فممنوع فان حضرة شيخنا قال للفقري يف آخر مالقاتنا ما تقول يف‬
‫ۤ‬
‫الشيخ إله داد لو علم بعض الطالبني املشغولية من جانبنا وبلغ احوال بعضهم الينا فانه ال‬
‫طاقة يل اآلن ابحضارهم وتعليم املشغولية والسؤال عن احواهلم فكان الفقري متوقفا يف‬
‫هذا الباب أيضا ولكن ملا اقتضت الضرورة ذلك جوزت هذا القدر فيما هنالك وال شك‬
‫يف ان هذا القسم من التبليغ من جنس السفارة احملضة خصوصا اذا كانت مبنية على‬
‫الضرورة والضرورة تقدر بقدرها فتكون تلك السفارة خمصوصة بزمن حياة شيخنا و يكون‬
‫تعليم املشغولية للطالبني وسؤال احواهلم بعد ارحتاله داخال يف اخليانة {وكتبتم} ايضا ان‬
‫نسبة حضرة شيخنا تكون ابقية البتة يعين ال تقبل الزايدة والنقصان مبرور الدهور واالزمان‬

‫(‪ )1‬اخرجه البخاري يف التاريخ وابن ماجه واحلاكم عن ابن مسعود رضي هللا عنه وكذا اخرجه احلاكم والبيهقي يف‬
‫الشعب عن انس رضي هللا عنه قال املناوي انه حديث صحيح وقال احلافظ ابن حجر يف الفتح انه حسن عفي عنه‬
‫‪- 75 -‬‬

‫{اعلم} أيها املخدوم أن تكميل الصناعة امنا يكون بتالحق االفكار اال ترى أن علم‬
‫النحو الذي وضعه سيبويه زادته افكار املتأخرين عشرة امثاهلا فان بقاء الشئ على صرافته‬
‫عني النقص فان النسبة اليت كانت خلواجه النقشبند ما كانت يف زمن اخلواجه عبد اخلالق‬
‫الغجدواين قدس سرمها و على هذا القياس يعين سائر االحوال و على اخلصوص كان‬
‫حضرة شيخنا يف صدد تكميل هذه النسبة وكان غري قائل بتماميتها فان وفته حياته‬
‫زادها ابرادة هللا تعاىل اىل ما شاء هللا سبحانه فالسعي يف عدم زايدهتا ليس مبناسب وهذا‬
‫الفقري ما يدري على اي وجه يكون بقاؤها فان لك نسبة على حدة ال مساس هلا بنسبة‬
‫ۤ‬
‫اآلخرين وكان هذا الكالم مشخصا يعين معينا يف حضوره مكررا والشيخ إله داد املسكني‬
‫من اين يعرف أن النسبة ما هي وامنا له حنو من حضور القلب ومعلوم لآلخرين ان احلالة‬
‫ما هي ومن قيم تلك النسبة ومربيها اخربوين عنه حت اكون ممدا ومعاوان له وال ينبغي‬
‫اعتبار الواقعة واالعتماد عليها فاهنا خيالية غري صادقة والشيطان عدو قوي واالمن من‬
‫تسويالته متعسر اال ملن عصمه هللا تعاىل {وكتبتم ايضا} يف حق سلب النسبة املكتسبة‬
‫فاعلم ايها املخدوم ان ذلك السلب ال يكون اال ابالختيار كما ذكر يف احلضور واآلن‬
‫هذا السلب حباله ومن اخليال تصور زواله والصوت املسموع من القلب ال تعلق له بتلك‬
‫احلالة اال ترى أن الرماد الذي زالت عنه النار وصار ابردا يصدر عنه صوت بعد صب‬
‫املاء فيه وال يقال ان النار مكنونة فيه بعد وال اعتبار للوقائع فان كان هذا الكالم خمفيا‬
‫اليوم يظهر صدقه غدا ان شاء هللا تعاىل وملا كان كتابكم مشتمال على املبالغة صدر يف‬
‫جوابه كلمات وإال ال يتيسر الكالم بال داع‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والثالثون صدر اىل احلاج املال حممد الالهوري يف بيان‬
‫مذمة علماء السوء الذين هم يف اسر حمبة الدنيا ومدح العلماء الزهاد الذين‬
‫يرغبون عن الدنيا}‬
‫‪- 76 -‬‬

‫ان حمبة الدنيا من العلماء ورغبتهم فيها كلف على وجه مجاهلم وان كان حيصل‬
‫منهم فوائد للخالئق لكن ال يكون علمهم انفعا يف حقهم وان كان أتييد الشريعة وتقوية‬
‫امللة مرتبا عليهم لكن ال اعتبار على ذلك فان التأييد والتقوية حيصل من أهل الفجور‬
‫وارابب الفتور احياان كما اخرب سيد االنبياء عليه و على آله الصلوات و التسليمات عن‬
‫أتييد الفاجر حيث قال ان هللا[‪ ]1‬ليؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر وهم كحجر الفارس‬
‫حيث ان كلما يلصق به من الشيئ االملس واحلديد يكون ذهبا وهو ابق على حجريته‬
‫وكالنار املودعة يف احلجر والشجر فانه حيصل منها منافع للعامل ولكن ال نصيب للحجر‬
‫والشجر من تلك النار املودعة يف ابطنهما بل اقول ان ذلك العلم مضر يف حقهم النه به‬
‫متت احلجة عليهم كما قال النيب عليه الصالة و السالم ان[‪ ]2‬أشد الناس عذااب يوم‬
‫القيامة عامل مل ينفعه هللا بعلمه فكيف ال يكون مضرا فان العلم الذي هو أعز األشياء عند‬
‫هللا تعاىل واشرف املوجودات جعلوه وسيلة جلمع حطام الدنيا الدنية من املال واجلاه‬
‫واالحباب واحلال ان الدنيا ذليلة عند هللا تعاىل وحقرية وابغض املخلوقات عند هللا واذالل‬
‫ما هو عزيز عند هللا واعزاز ما هو ذليل عنده يف غاية القباحة بل هو معارضة مع احلق‬
‫سبحانه يف احلقيقة والتدريس واالفتاء امنا يكوانن انفعني اذا كاان خالصني لوجه هللا تعاىل‬
‫وخاليني عن شائبة حب اجلاه والرايسة وطمع حصول املال والرفعة وعالمة خلومها عن‬
‫تلك املذكورات الزهد يف الدنيا وعدم الرغبة فيها فالعلماء الذين هم مبتلون هبذا البالء‬
‫ومأسورون يف اسر حمبة الدنيا فهم من علماء الدنيا وهم علماء السوء وشرار الناس‬
‫ولصوص الدين واحلال اهنم يعتقدون انفسهم مقتدا هبم يف الدين وأفضل اخلالئق أمجعني‬
‫وحيسبون أهنم على شئ اال اهنم هم الكاذبون استحوذ عليهم الشيطان فانساهم ذكر هللا‬
‫اولئك حزب الشيطان اال ان حزب الشيطان هم اخلاسرون رأى واحد من االكابر‬

‫(‪ )1‬أخرجه الشيخان عن ايب هريرة رضي هللا عنه والرتمذي عن انس رضي هللا عنه و الطرباين يف الكبري وابو نعيم يف‬
‫احللية وابن عدي يف الكامل أبلفاظ خمتلفة انتهى عفي عنه‬
‫(‪ )2‬هذا احلديث اخرجه ابن عساكر عن ايب هريرة رضي هللا عنه ورواه الطرباين ايضا يف الصغري والبيهقي يف الشعب‬
‫عنه وابن عدي واحلاكم يف مستدركه ايضا ابلفاظ خمتلفة انتهى عفي عنه‬
‫‪- 77 -‬‬

‫الشيطان قاعدا فارغ البال عن االغواء واالضالل فسئله عن سر قعوده بفراغ البال فقال‬
‫اللعني ان علماء السوء يف هذا الوقت قد امدوين يف امري مددا عظيما وتكفلوا يل‬
‫ابالضالل حت جعلوين فارغ البال واحلق ان كل ضعف ووهن وقع يف امور الشريعة يف‬
‫هذا الزمان وكل فتور ظهر يف ترويج امللة وتقوية الدين امنا هو من شؤم علماء السوء‬
‫وفساد نياهتم نعم ان كان العلماء راغبني عن الدنيا وحمررين من اسر حب اجلاه والرايسة‬
‫وطمع املال والرفعة فهم من علماء اآلخرة وورثة االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات‬
‫وهم افضل اخلالئق وهم الذين يوزن[‪ ]1‬مدادهم يوم القيامة بدم الشهداء يف سبيل هللا‬
‫فيرتجح مدادهم ونوم[‪ ]2‬العامل عبادة متحقق يف حقهم وهم الذين استحسن يف نظرهم‬
‫مجال اآلخرة ونضارهتا وظهرت قباحة الدنيا وشناعتها فنظروا اىل اآلخرة بنظر البقاء ورأوا‬
‫الدنيا متسمة بسمة الزوال والفناء فال جرم هربوا من الفاين واقبلوا على الباقي وشهود‬
‫عظمة اآلخرة امنا هو مثرة شهود اجلالل الاليزايل واذالل الدنيا وحتقري ما فيها من لوازم‬
‫شهود عظمة اآلخرة الن[‪ ]3‬الدنيا و اآلخرة ضراتن ان رضيت احدامها سخطت األخرى‬

‫(‪ )1‬قوله يوزن اخل اشارة اىل حديث ذكره الغزايل يف االحياء مرفوعا ولفظه يوزن ب ند ضعيف يوم القيمة مداد العلماء‬
‫بدم الشهداء اخرجه ابن عبدالرب من حديث ايب الدرداء قاله العراقي قال شارحه قلت واخرجه الشريازي يف االلقاب‬
‫من طريق انس بزايدة فريجح مداد العلماء على دم الشهداء اخرجه املرهيب يف فضل العلم عن عمران ابن احلصني وابن‬
‫اجلوزي يف العلل عن النعمان ابن بشري و الديلمي عن ابن عمر انتهى بقدر املقصود والكالم عليه مستويف يف الشرح‬
‫املذكور‬
‫(‪ )2‬قوله نوم العامل عبادة كانه تلميح اىل حديث مرفوع ذكره الغزايل يف االحياء وبعده ونفسه تسبيح قال العراقي‬
‫املعروف فيه الصائم بدل العامل ذكره املخرج قلت وال يضر ذلك فانه قد ثبت فضل العامل على الصائم القائم بل على‬
‫مطلق العابد مبراتب كثرية يف احاديث عديدة‬
‫(‪ )3‬قوله الن الدنيا واآلخرة اخل) اشارة اىل ما ورد يف احلديث من احب دنياه اضر آبخرته ومن احب آخرته اضر‬
‫بدنياه فآثروا ما يفن على ما يبقي ذكره يف االحياء عن ايب موسى االشعري مرفوعا قال العراقي رواه امحد والبزار‬
‫والط رباين وابن حبان واحلاكم وصححه على شرط الشيخني قلت وهو منقطع بني املطلب بن عبدهللا وبني ايب موسى‬
‫انتهى قال شارحه قلت سبقه اىل ذلك الذهيب وقد رواه كذلك القضاعي يف مسند الشهاب والبيهقي يف الشعب وقال‬
‫املنذري رجال امحد ثقاة وعند بعضهم ال فآثروا بزايدة ال للتنبيه انتهى وقلت وذكر يف االحياء يف موضع آخر من قول‬
‫علي كرم هللا وجهه بلفظ الدنيا واآلخرة ضراتن فبقدر ما ترضي احدامها تسخط االخرى وروى ابن عساكر عن ابن‬
‫‪- 78 -‬‬

‫فان كانت الدنيا عزيزة فاآلخرة حقرية وان كانت الدنيا حقرية فاآلخرة عزيزة ومجع هذين‬
‫االمرين من قبيل مجع االضداد {ع}‪:‬‬
‫ما احسن الدين والدنيا لو اجتمعا‬
‫نعم قد ا ختار مجع من املشائخ الذين ختلصوا عن اسر نفوسهم ومقتضيات‬
‫طبائعهم ابلكلية صورة أهل الدنيا بواسطة نيات حقانية تراهم يف الظاهر راغبني فيها‬
‫ولكن ال عالقة هلم هبا يف احلقيقة اصال بل هم فارغون عن الكل ومتخلصون عن اجلميع‬
‫رجال ال تلهيهم جتارة وال بيع عن ذكر هللا فال مينعهم البيع والشراء عن ذكر هللا فهم يف‬
‫عني التعلق هبذه االمور غري متعلقني بشئ قال اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره‬
‫رأيت يف سوق من اتجرا اجتر مبقدار مخسني الف دينار تقريبا ومل يغفل قلبه عن احلق‬
‫سبحانه حلظة‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع و الثالثون ارسل اىل احلاج حممد الالهوري ايضاً يف بيان‬
‫اجلواهر اخلمسة االمرية بطريق البسط و التفصيل مهما امكن}‬
‫اعلم ان نقد سعادة الدارين مربوط ابتباع سيد الكونني عليه و على آله من‬
‫الصلوات افضلها ومن التسليمات اكملها وملا مل تكن عني بصرية الفلسفي مكحلة‬
‫بكحل متابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية صارت يف‬
‫عماية عن حقيقة عامل االمر فضال عن ان يكون له شعور عن مرتبة الوجوب تعاىل‬
‫وتقدس ونظره القاصر مقصور على عامل اخللق وليس بتام فيه ايضا وما اثبتوه من اجلواهر‬
‫اخلمسة كلها يف عامل اخللق ومن جهالتهم عدوا العقل والنفس من اجملردات فان النفس‬
‫الناطقة هي النفس االمارة احملتاجة اىل التزكية ومهتها ابلذات يف السفالة والدانءة فما‬

‫مسعود رضي هللا عنه قال من اراد اآلخرة اضر ابلدنيا ومن اراد الدنيا اضر ابآلخرة فاضروا ابلفاين للباقي انتهى وهذا‬
‫احلديث كثري الدوران يف هذا الكتاب ابلفاظ خمتلفة فليتنبه املطالع انتهى عفي عنه‬
‫‪- 79 -‬‬

‫املناسبة بينها وبني عامل االمر واي نسبة له ابلتجرد والعقل ال يدرك من املعقوالت اال‬
‫االمور اليت هلا مناسبة ابحملسوسات بل ال يدرك اال ماله حكم احملسوسات واما االمور‬
‫اليت ال مناسبة َهلا ابحملسوسات وليس هلا شبه ومثال يف املشاهدات فال سبيل الدراك‬
‫العقل اليها وال يفتح مبفتاح العقل مغلقاهتا وهلذا كان نظره قاصرا يف احكام الالكيفي‬
‫وضاال حمضا عن الطريق يف ادراك الغيب وذلك عالمة كونه من عامل اخللق وميل عامل‬
‫االمر اىل الالكيفي وتوجهه اىل ما تنزه عن الكيفية وابتداء عامل االمر من مرتبة القلب‬
‫وفوق القلب الروح وفوق الروح السر وفوق السر اخلفي وفوق اخلفي األخفى فان قيل‬
‫هلذه اخلمسة االمرية جواهر مخسة فله وجه و من قصور نظرهم التقطوا عدة من قطعات‬
‫اخلزف وظنوها جواهر وادراك هذه اجلواهر اخلمسة االمرية واالطالع على حقائقها امنا‬
‫هو نصيب كمل اتبعي النيب صلى هللا تعاىل عليه و على آله وسلم وملا كان ما يف العامل‬
‫الصغري الذي هو االنسان امنوذجا مما يف العامل الكبري كان اصول هذه اجلواهر اخلمسة‬
‫ايضا يف العامل الكبري فالعرش اجمليد مبدأ هذه اجلواهر يف العامل الكبري كالقلب يف العامل‬
‫الصغري وهبذه املناسبة يقال للقلب عرش هللا تعاىل ايضا واملراتب الباقية من جواهر العامل‬
‫الكبري اخلمسة فوق العرش والعرش برزخ بني عامل اخللق وعامل االمر يف العامل الكبري مبثابة‬
‫قلب االنسان حيث انه برزخ بني عامل اخللق وعامل االمر يف العامل الصغري والقلب والعرش‬
‫وان كاان ظاهرين يف عامل اخللق لكنهما من عامل االمر وهلما نصيب من الالكيفي‬
‫والالكمي واالطالع على حقيقة هذه اجلواهر اخلمسة مسلم لكمل افراد اولياء هللا الذين‬
‫امتوا مراتب السلوك ابلتفصيل وبلغوا هناية النهاايت {شعر}‪:‬‬
‫هر كداى مرد ميدان كى شود * پشهء آخر سليمان كى شود‪.‬‬
‫{ترمجة}‬
‫هل كل من خلت رجال رجل معركة * او كل من صار ذا ملك سليمان‬
‫فان تفتح نظر بصرية صاحب دولة بتفصيل مرتبة الوجوب على حسب االمكان‬
‫مبحض فضل احلق سبحانه و تعاىل يطالع اصول هذه اجلواهر أيضا يف ذلك املوطن‬
‫‪- 80 -‬‬

‫وتصري هذه اجلواهر الصغريية والكبريية يف علمه كالظالل لتلك اجلواهر احلقيقية {ع}‪:‬‬
‫وهذي سعادات تكون نصيب من‬
‫ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم واملنع من اظهار حقائق عامل‬
‫االمر امنا هو بسبب دقة تلك املعاين املكنونة وماذا يدرك منها قاصروا النظر والراسخون‬
‫املشرفون بشرف خطاب وما اوتيتم من العلم اال قليال هلم اطالع على ما هنالك {ع}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها‪.‬‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫وليس يف بثّي االسرار مصلحة * وان ظهرن لنا كالشمس يف فلك‬
‫و السالم عليكم و على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه وعليهم من‬
‫الصلوات و التسليمات امتها وادومها (وأيضا) قد وقع يف اخلاطر ان احرر نبذة من بيان‬
‫اجلواهر املقدسة العليا ينبغي أن يعلم ان ابتداء تلك اجلواهر من الصفات االضافية اليت‬
‫هي كالربزخ بني الوجوب واالمكان وفوقها صفات حقيقية وللروح نصيب من جتلياهتا‬
‫وللقلب تعلق ابلصفات االضافية وهو مشرف بتجلياهتا وبقية اجلواهر العليا اليت فوق‬
‫الصفات احلقيقية داخلة يف دائرة حضرة الذات تعالت وتقدست وهلذا يقال لتجليات‬
‫هذه املراتب الثالثة جتليات ذاتية وال مصلحة يف التكلم وراء ذلك {ع}‪:‬‬
‫بلغ الرياع اىل هنا فتكسرا‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس و الثالثون يف بيان احملبة الذاتية اليت يستوي يف هذا‬


‫املقام االنعام و االيالم كتبه اىل احلاج ميان حممد الالهوري ايضاً}‬
‫جناان هللا سبحانه و اايكم عن زيع البصر حبرمة سيد البشر عليه و على آله‬
‫الصلوات و التسليمات (اعلم) أن املقصود من السري و السلوك تزكية النفس االمارة و‬
‫‪- 81 -‬‬

‫تطهريها حت يتيسر النجاة من عبادة اآلهلة الباطلة الناشئة عن اهلوي النفساين و ال تبقى‬
‫قبلة التوجه يف احلقيقة غري املعبود الواحد احلقيقي تعاىل و تقدس و ال خيتار عليه مقصد‬
‫ما اصال سواء كان من املقاصد الدينية أو من املطالب الدنياوية و املقاصد الدينية و ان‬
‫كانت من احلسنات و لكنها من شغل االبرار و املقربون يروهنا سيئة و ال يعدون سوى‬
‫الواحد من املقاصد و حصول هذه الدولة منوط حبصول الفناء و حتقق احملبة الذاتية اليت‬
‫يستوي يف ذلك املقام االنعام و االيالم و حيصل من االلتذاذ من التعذيب مثل ما حيصل‬
‫من التنعيم فان ارادوا اجلنة امنا يريدوهنا لكوهنا حمل رضائه تعاىل و تقدس و يف طلبها‬
‫مرضاه سبحانه و ان استعاذوا من النار امنا يستعيذون منها لكوهنا حمل سخطه تعاىل ال‬
‫ان مقصودهم من اجلنة استيفاء احلظوظ النفسانية و ال فرارهم من النار خلوف االمل و‬
‫االذية فان كلما حيصل من احملبوب فهو عند هؤالء االكابر حمبوب و مرغوب و عني‬
‫املطلوب فان كلما يفعله احملبوب حمبوب و ههنا تتيسر حقيقة االخالص و حيصل‬
‫اخلالص من عبادة اآلهلة الباطلة و تصح كلمة التوحيد يف هذا الوقت و بدونه خرط‬
‫القتاد و االمر من غري حصول احملبة الذاتية احلاصلة بال مالحظة االمساء و الصفات و‬
‫بال توسط انعام احملبوب و اكرامه ال خيلو من اخللل و الفناء املطلق ال حيصل بدون هذه‬
‫احملبة احملرقة املبطلة للشركة {شعر}‪:‬‬
‫ما العشق اال شعلة قد احرقت * كل الورى غري احلبيب الباقي‬
‫قد هز يف قتل السوى صمصام ال * فانظر اىل ما بعد ال ما الباقي‬
‫بشراك اي صاح قد احرتق الورى * مل يبق غري اهلنا اخلالق‬

‫{املكتوب السادس و الثالثون يف بيان ان الشريعة متكفلة جبميع‬


‫السعادات الدينية و الدنيوية و الطريقة و احلقيقة خادمتان للشريعة و ما‬
‫يناسب ذلك اىل احلاج حممد الالهوري}‬
‫‪- 82 -‬‬

‫حققنا هللا سبحانه واايكم حبقيقة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية ويرحم هللا عبدا قال آمينا (اعلم) أن للشريعة ثالثة اجزاء العلم والعمل‬
‫واالخالص وما مل يتحقق كل من هذه االجزاء الثالثة ال تتحقق الشريعة ومت حتققت‬
‫الشريعة فقد حتقق رضا احلق سبحانه و تعاىل الذي هو فوق مجيع السعادات الدنيوية‬
‫واألخروية ورضوان من هللا أكرب فكانت الشريعة متكفلة جبميع السعادات الدنيوية‬
‫واألخروية ومل يبق مطلب يقع فيه االحتياج اىل ما وراء الشريعة (والطريقة) واحلقيقة اللتان‬
‫امتازت هبما الصوفية خادمتان للشريعة يف تكميل جزئها الثالث الذي هو االخالص‬
‫فاملقصود من حتصيل كل منهما تكميل الشريعة ال أمر آخر وراء الشريعة واألحوال‬
‫واملواجيد والعلوم واملعارف اليت حتصل للصوفية يف اثناء الطريق ليست من املقاصد بل هي‬
‫اوهام وخياالت ترىب هبا اطفال الطريقة فينبغي ان جياوز مجيع ذلك وان يصل اىل مقام‬
‫الرضا الذي هو هناية مقامات السلوك واجلذبة فان املقصود من طي منازل الطريقة‬
‫واحلقيقة ليس هو شئ غري حتصيل االخالص املستلزم حلصول مقام الرضا ويوصل اىل‬
‫دولة االخالص ومقام الرضا واحد من ألوف بعد العبور به من التجليات الثالثة‬
‫ومشاهدات العارفني (والقاصرون) هم الذين يعدون االحوال واملواجيد من املقاصد‬
‫ويظنون املشاهدات والتجليات من املطالب فال جرم يبقون يف حبس الوهم واخليال‬
‫وحيرمون كماالت الشريعة هبذا االعتقال كرب على املشركني ما تدعوهم اليه هللا جيتيب اليه‬
‫من يشاء ويهدي اليه من ينيب (نعم) ان حصول مقام االخالص والوصول اىل مرتبة‬
‫الرضا منوط بطي هذه االحوال واملواجيد ومربوط بتحقق هذه العلوم واملعارف فتكون‬
‫هذه االشياء معدات للمطلوب ومقدمات للمقصود وحقيقة هذا املعن اتضحت للفقري‬
‫بعد االشتغال هبذا الطريق عشر سنني ابلتمام بربكة حبيب هللا عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم واجنلى شاهد الشريعة كما ينبغي وفيما قبل وان مل يكن يل تعلق ابالحوال‬
‫واملواجيد ومل يكن يف نظري مطلب غري التحقق حبقيقة الشريعة ولكن ظهرت حقيقة‬
‫االمر بعد عشرة كاملة ظهورا بينا واحلمد هلل على ذلك محدا كثريا طيبا مباركا فيه مباركا‬
‫‪- 83 -‬‬

‫عليه وخرب موت املغفور له الشيخ ميان مجال ابعث على حزن مجيع االسالم وتفرقة‬
‫خواطرهم وامللتمس تعزية أوالد املرحوم املتويف وقرآءة الفاحتة من جانب الفقري و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع و الثالثون صدر اىل الشيخ حممد الچرتي يف التحريض‬


‫على متابعة السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية والرتغيب‬
‫يف حتصيل النسبة النقشبندية العلية قدس سرهم}‬
‫قد حصل السرور واالبتهاج مبطالعة املكتوب الشريف الذي صدر على وجه الكرم‬
‫وقد اندرج فيه بيان استقامتكم وثباتكم على هذه الطريقة النقشبندية واحلمد هلل سبحانه‬
‫على ذلك يكرمكم هللا سبحانه برتقيات غري متناهية بربكة اكابر هذه الطريقة العلية‬
‫وطريقهم كربيت أمحر مبين على متابعة السنة السنية على مصدرها الصالة و السالم‬
‫والتحية ويكتب هذا الفقري بياان لنقد وقته وحاصله ان العلوم واملعارف واالحوال‬
‫واملقامات قد افيضت عل ّي مدة مديدة مثل مطر الربيع وكلما يلزم فعله فقد فعل بعناية‬
‫هللا تعاىل واآلن ما بقي متن غري احياء سنة من السنن املصطفوية على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية واالحوال واملواجيد امنا هي منظورة ألرابب الذوق ينبغي ان يعمر الباطن‬
‫بنسبة خواجكان قدس هللا اسرارهم وان حيلىي الظاهر ابلكلية مبتابعة السنن الظاهرة‬
‫{ع}‪:‬‬
‫هذا هو الشغل والباقي خياالت‬
‫و ينبغي ان تؤدوا الصلوات اخلمس يف أول اوقاهتا غري العشاء وقت الشتاء فان‬
‫أتخريها اىل ثلث الليل مستحب والفقري مضطر يف هذا االمر ال أريد أتخري اداء الصالة‬
‫عن اول وقتها ولو مقدار شعرة والعجز البشري مستثن‪.‬‬
‫‪- 84 -‬‬

‫{املكتوب الثامن والثالثون صدر أيضاً اىل الشيخ حممد الچرتي يف بيان‬
‫التعلق ابلذات البحت تعالت وتقدست املنزه عن اعتبار االمساء والصفات‬
‫والشئون واالعتبارات ويف مذمة الناقصني الذين زعموا املنزه عن املثل مثلياً‬
‫والالكيفي كيفياً فتعلقوا به وافتتنوا وبيان تفاوت االقدام يف الفناء املرتتب‬
‫عليه تفاوت العلوم واملعارف وامثال ذلك}‬
‫قد أورث املكتوب الشريف بوصوله فرحا كثريا جعلنا هللا سبحانه واايكم معه دائما‬
‫وال يرتكنا بغريه حلظة وكل شئ غري ذاته البحت سبحانه تعاىل معرب عنه ابلغري والسوى‬
‫وان كان ذلك الغري امساء وصفات وما قاله املتكلمون من أن صفاته تعاىل ال هو وال غريه‬
‫له معن آخر فاهنم ارادوا ابلغري الغري املصطلح ونفوا الغريية هبذا املعن ال ابملعن املطلق‬
‫ونفي اخلاص ال يستلزم نفي العام وال ميكن التعبري عن الذات بغري السلوب وكل اثبات‬
‫يف مرتبة الذات احلاد وأفضل التعبريات وأمجع العبارات فيها ليس كمثله شئ ومعناه‬
‫ابلفارسية بيچون وبيجگونه وال سبيل للعلم والشهود واملعرفة اليه سبحانه كل ما تراه‬
‫العيون أو وعاه اآلذان أو حواه الظنون فهو غريه تعاىل والتعلق به تعلق ابلغري فيلزم نفيه‬
‫بكلمة ال اله واثبات الذات املنزهة عن املثل بكلمة اال هللا وهذا االثبات يكون أوال‬
‫ابلتقليد مث ينقلب أخريا اىل التحقيق وقد زعم بعض أرابب السلوك الذين مل يبلغوا هناية‬
‫االمر املثلى واملكيف عني املنزه عن املثل والكيف وقالوا ابمكان تطرق الشهود واملعرفة‬
‫اليه وأرابب التقليد أفضل من هؤالء مبراتب فان تقليدهم مقتبس من مشكاة أنوار النبوة‬
‫على صاحبها الصالة و السالم وال سبيل للخطأ اليه ومقتدى هؤالء القاصرين الكشف‬
‫غري الصحيح {ع}‪:‬‬
‫و شتان ما بني الطريقني فانظروا‬
‫و هؤالء اجلماعة منكرون للذات يف احلقيقة وان اثبتوا شهود الذات ومل يدروا ان‬
‫نفس االثبات هنا هو عني االنكار وقد قال امام املسلمني االمام االعظم الكويف رضي‬
‫‪- 85 -‬‬

‫هللا تعاىل عنه سبحانك ما عبدانك حق عبادتك ولكن عرفناك حق معرفتك وعدم اداء‬
‫حق العبادة ظاهر واما حصول حق املعرفة فمبين على ان هناية املعرفة يف الذات تعاىل‬
‫شأهنا ليست اال معرفتها بعنوان ليس كمثله شئ وال يظن االبله من ذلك ان اخلاص‬
‫والعام و املبتدي واملنتهى متساووا االقدام يف هذه املعرفة لعدم متييزه بني العلم واملعرفة فان‬
‫العلم للمبتدئ واملعرفة للمنتهى وهي ال حتصل بدون الفناء وال تتيسر هذه الدولة لغري‬
‫الفاين قال املولوي يف املثنوي {شعر}‪:‬‬
‫و من مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل‬
‫فتكون املعرفة اذا وراء العلم ومما ينبغي ان يعلم ان وراء العلم واالدراك املتعارف ا ْمر‬
‫يعرب عنه ابملعرفة ويقال له االدراك البسيط أيضا {شعر}‪:‬‬
‫خليلي ما هذا هبَْزل وامنا * حديث عجيب من بديع الغرائب‬
‫(غريه) من املثنوي {شعر}‪:‬‬
‫ان للرمحن مع أرواح انس * اتصاال دون كيف وقياس‬
‫قلت انسا دون نسناس الفال * ليس انس غري روح يف املال‬
‫و ملا كانت االقدام متفاوتة يف الفناء ال جرم وجد التفاوت يف املعرفة بني املنتهيني‬
‫فمن كان فناؤه أمت تكون معرفته أكمل ومن كان دونه يف الفناء يكون دونه يف املعرفة و‬
‫على هذا القياس سبحان هللا اجنر الكالم من أين اىل اين بل كان الالئق حبايل ان أكتب‬
‫من عدم حاصلي وعدم حصول مرادي وعدم ثبايت واستقاميت وطلب املعونة واملدد من‬
‫االحباب وأي مناسبة يل أبمثال هذه الكلمات {شعر}‪:‬‬
‫من مل يكن خرب له عن نفسه * هل يقدر االخبار من هذا وذا‬
‫و لكن اهلمة العالية و الطينة السامية ال ترتكين ان اقنع ببضاعة دنية ودعابة ردية‬
‫فال جرم اترقى عن مرتبيت فاذا قلت فمنه أقول وان كان ال شيئا واذا طلبت فاايه أطلب‬
‫وان مل أجد شيئا وان كان يل حاصل فهو حاصلي وان مل يكن شيئا وان كنت واصال‬
‫‪- 86 -‬‬

‫فاليه وصويل وان مل يكن يل حصول وما وقع يف عبارات بعض االكابر قدس هللا اسرارهم‬
‫العلية من الشهود الذايت ال يظهر معناه لغري أرابب الكمال وفهمه حمال للناقصني‬
‫والقاصرين {شعر}‪:‬‬
‫ليس يدري االغبيا حال الكرام * فاقصر االقوال و اسكت و السالم‬
‫و قد حرر يف عنوان املكتوب كلمة هو الظاهر هو الباطن أيها املخدوم ان هو‬
‫الظاهر هو الباطن صحيح ولكن هذا الفقري ال يفهم من هذا الكالم معن التوحيد يعين‬
‫الوجودي من مدة بل أان متفق ابلعلماء يف فهم معناه وموافقهم يف صحته فان صحة‬
‫كالمهم قد صارت معلومة لدي فوق صحة قول أرابب التوحيد كل[‪ ]1‬ميسر ملا خلق له‬
‫{ع}‪:‬‬
‫لكل من االنسان شأن خيصه‬
‫و ما يلزم االنسان الذي ال بد له منه وهو مكلف به امتثال األوامر واالنتهاء عن‬
‫املناهي وما آاتكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه فانتهوا واتقوا هللا واذا كان االنسان‬
‫مأمورا ابالخالص واالخالص ال يتصور بدون الفناء واحملبة الذاتية ال جرم ينبغي ان‬
‫حيصل مقدمات الفناء اليت هي املقامات العشرة والفناء وان كان نفسه موهبة حمضة‬
‫ولكن مقدماته ومباديه متعلقة ابلكسب وان تشرف البعض حبقيقة الفناء من غري جتشم‬
‫كسب منه يف مقدماته وتصفية حقيقته ابلرايضات واجملاهدات وحينئذ ال خيلو حاله من‬
‫أحد األمرين اما ان يوقف يف موقف الواقفني أو يرجع اىل العامل لتكميل الناقصني فعلى‬
‫التقدير االول ال يقع سريه يف املقامات املذكورة وال يكون له خرب عن تفاصيل التجليات‬
‫االمسائية والصفاتية و على التقدير الثاين يقع سريه يف تفاصيل املقامات حني رجوعه اىل‬
‫العامل ويتشرف بتجليات غري متناهية وتكون له صورة اجملاهدة ولكن هو يف كمال الذوق‬
‫واللذة يف احلقيقة ابلظاهر يف الرايضات وابلباطن يف التنعم واللذات {ع}‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان عن علي كرم هللا وجهه‬


‫‪- 87 -‬‬

‫و هذي سعادة تكون تصيب من‬


‫(ال يقال) ان االخالص اذا كان من مجلة املأمورات الواجبة االمتثال ومل تتحقق‬
‫حقيقته بدون الفناء يكون العلماء والصلحاء واالخيار عاصني برتك االخالص لعدم‬
‫تشرفهم حبقيقة الفناء (الان نقول) ان نفس االخالص حاصل هلم ولو يف ضمن بعض‬
‫افراد االخالص واملتوقف على الفناء امنا هو كمال االخالص الذي يشمل مجيع افراد‬
‫االخالص وهلذا قيل ال حيصل حقيقة االخالص بدون الفناء دون ان يقال نفس‬
‫االخالص‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع و الثالثون صدر ايضا اىل الشيخ حممد الچرتي يف بيان‬
‫ان مدار األمر على القلب وأنه ال يفتح شئ من جمرد االعمال الصورية‬
‫والعبادات الرمسية وامثال ذلك}‬
‫رزقنا هللا سبحانه االعراض عما سواه واالقبال على جناب قدسه حبرمة سيد البشر‬
‫احملرر عن زيغ البصر عليه و على آله الصلوات و التسليمات اعلم ان مدار األمر على‬
‫القلب فان كان القلب مفتوان ومتعلقا بغري احلق سبحانه و تعاىل فذلك القلب خراب‬
‫وابرت وال حيصل شئ من جمرد االعمال الصورية والعبادات الرسومية بل ال بد من كل من‬
‫سالمة القلب من االلتفات اىل ما سواه تعاىل واالعمال الصاحلة املتعلقة ابلبدن اليت أمر‬
‫الشرع بفعلها ودعوى سالمة القلب بدون إتيان االعمال الصاحلة ابطلة كما ان وجود‬
‫الروح بال بدن غري متصور يف هذه النشأة وحصول االحوال القلبية من غري حصول‬
‫االعمال الصاحلة القالبية حمال وكثري من امللحدين يدعون هذه الدعوى يف هذا الزمان‬
‫جناان هللا سبحانه عن معتقداهتم السيئة حبرمة حبيبه عليه الصالة و السالم والتحية‪.‬‬
‫‪- 88 -‬‬

‫{املكتوب االربعون صدر أيضاً اىل الشيخ حممد الچرتي يف بيان حتصيل‬
‫االخالص الذي هو جزء من االجزاء الثلثة للشريعة الغراء وان الطريقة‬
‫واحلقيقة خادمتان للشريعة يف تكميل هذا اجلزء وامثال ذلك}‬
‫حنمده ونصلي على نبيه ونسلم أيها املخدوم قد صار معلوما يل بعد طي منازل‬
‫السلوك وقطع مقامات اجلذبة ان املقصود من هذا السري والسلوك حتصيل مقام‬
‫االخالص املربوط حصوله بفناء اآلهلة اآلفاقية واالنفسية وهذا االخالص جزء من اجزاء‬
‫الشريعة فان للشريعة ثالثة اجزاء العلم والعمل واالخالص فالطريقة واحلقيقة خادمتان‬
‫للشريعة يف تكميل جزء االخالص وهذا هو حقيقة االمر ولكن ال يدرك فهم كل احد‬
‫ذلك وأكثر خلق العامل قد اطمئنوا ابملنام واخليال واكتفوا ابجلوز واملوز فماذا يدركون من‬
‫أىن يصلون اىل حقيقة الطريقة واحلقيقة فيزعمون الشريعة قشرا‬ ‫كماالت الشريعة و ّ‬
‫واحلقيقة لبا وال يدرون ما حقيقة املعاملة بل يغرتون برتهات الصوفية ويفتتنون ابالحوال‬
‫واملقامات السفلية هداهم هللا سبحانه سواء الطريق و السالم علينا و على عباد هللا‬
‫الصاحلني‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي واالربعون اىل الشيخ درويش يف التحريض على متابعة‬


‫السنة السنية املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية وبيان ان‬
‫الطريقة واحلقيقة متحمتان للشريعة وما يناسب ذلك}‬
‫رزقنا هللا سبحانه و تعاىل التحلي والتزين مبتابعة السنة السنية املصطفوية على‬
‫صاحبها الصالة و السالم والتحية ظاهرا وابطنا حبرمة النيب وآله االجماد عليه وعليهم‬
‫الصلوات و التسليمات أن حممدا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حمبوب رب العاملني وكل‬
‫شئ حسن ومرغوب فهو الجل املطلوب واحملبوب وهلذا قال هللا تعاىل يف كالمه اجمليد‬
‫انك لعلى خلق عظيم وقال تعاىل وتقدس أيضا انك ملن املرسلني على صراط مستقيم‬
‫‪- 89 -‬‬

‫وقال أيضا ان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وال تتبعوا السبل فسمى ملته صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم صراطا مستقيما وجعل ما سواها داخال يف السبل ومنع عن اتباعها وقال عليه‬
‫الصالة و السالم اظهارا للشكر واعالما للخلق وهداية هلم خري[‪ ]1‬اهلدى هدي حممد‬
‫وقال عليه الصالة و السالم ايضا ادبين[‪ ]2‬ريب فأحسن أتدييب والباطن متمم للظاهر‬
‫ومكمل له ال خمالفة بينهما مقدار شعرة مثال عدم التكلم ابلكذب شريعة ونفي الكذب‬
‫عن اخلاطر طريقة وحقيقة فان ذلك النفي لو كان ابلتعمل والتكلف فطريقة واال فحقيقة‬
‫فكان الباطن الذي هو الطريقة واحلقيقة متمما ومكمال يف احلقيقة للظاهر الذي هو‬
‫الشريعة فان ظهر لسالكي سبل الطريقة واحلقيقة يف اثناء طريقهم امور خمالفة لظاهر‬
‫الشريعة واظهروا ذلك فهو مبين على سكر الوقت وغلبة احلال فان جاوزوا ذلك املقام‬
‫وخرجوا من مضيق السكر اىل فضاء الصحو ترتفع تلك املنافاة ابلكلية وتكون تلك‬
‫العلوم املتضادة هباء منثورا مثال قالت طائفة من السكر ابالحاطة الذاتية ورأوا أن احلق‬
‫حميط ابلعامل ابلذات تعاىل وتقدس وهذا احلكم خمالف آلراء علماء أهل احلق فاهنم قائلون‬
‫ابحاطة علمية وآراء العلماء أقرب اىل الصواب يف احلقيقة واذا قال هؤالء الصوفية‬
‫بنفسهم ابن ذات احلق سبحانه و تعاىل ال حيكم عليها حبكم يكون احلكم عليها‬
‫ابالحاطة والسراين خمالفا هلذا القول واحلق ان ذاته تعاىل ليس كمثله شئ ال سبيل حلكم‬
‫من االحكام اليها اصال بل يف ذلك املوطن احلرية الصرفة واجلهالة احملضة فكيف يتطرق‬
‫السراين واالحاطة اليها وميكن االعتذار من جانب الصوفية القائلني هبذه االحكام ابن‬
‫مرادهم ابلذات هو التعني االول فاهنم ملا مل يقولوا بزايدة ذلك التعني على املتعني قالوا‬
‫لذلك التعني عني الذات وذلك التعني االول املعرب عنه ابلواحدية سار يف مجيع املمكنات‬
‫فحينئذ يصح احلكم ابالحاطة الذاتية (وههنا) دقيقة ينبغي أن يعلم أن ذات احلق تعاىل‬

‫(‪( )1‬قوله وخري اهلدي هدي حممد) اخرجه مسلم عن جابر رضي هللا عنه‬
‫(‪( )2‬قوله ادبين ريب فأحسن أتدييب) اخرجه ابن السمعاين يف ادب االمالء عن ابن مسعود رضي هللا عنه ورمز‬
‫السيوطي يف اجلامع الصغري برمز الصحة قال السخاوي سنده ضعيف ومعناه صحيح وهو كذلك‬
‫‪- 90 -‬‬

‫وتقدس عند علماء أهل احلق منزهة عن املثل والكيف وكلما سواها زائد عليها حت ان‬
‫ذلك التعني لو كان اثبتا عندهم لكان زائدا على الذات وخارجا عن دائرة الالمثلية‬
‫والالكيفية فال يقال الحاطته احاطة ذاتية فكان نظر العلماء اعلى من نظر هؤالء‬
‫الصوفية فان الذات عندهم كانت داخلة فيما سواها عند العلماء و على هذا القياس‬
‫القرب واملعية الذاتيان وموافقة املعارف الباطنية لعلوم ظاهر الشريعة بتمامها وكماهلا حبيث‬
‫ال يبقى جمال املخالفة يف النقري والقطمري امنا هي يف مقام الصديقية الذي هو فوق مقام‬
‫الوالية وفوق مقام الصديقية مقام النبوة والعلوم احلاصلة للنيب بطريق الوحي منكشفة‬
‫للصديق بطريق االهلام وليس بني هذين العلمني فرق سوى كون حصول احدمها ابلوحي‬
‫واآلخر ابالهلام فكيف يكون للمخالفة جمال فيه ويف كل مقام دون مقام الصديقية حنو‬
‫من السكر والصحو التام امنا هو يف مقام الصديقية فحسب وفرق آخر بني هذين‬
‫العلمني ان يف الوحي قطعا ويف االهلام ظنا فان الوحي بتوسط امللك واملالئكة معصومون‬
‫ليس فيهم احتمال اخلطأ واالهلام وان كان له احملل املعلى واملنزل االعلى الذي هو القلب‬
‫الذي هو من عامل االمر لكن للقلب حنو من التعلق ابلعقل والنفس والنفس وان صارت‬
‫مطمئنة ابلتزكية لكنها ال ترجع عن صفاهتا اصال ابطمئناهنا فكان للخطأ جمال يف ذلك‬
‫امليدان (ومما ينبغي) أن يعلم ان لبقاء صفات النفس مع وجود اطمئناهنا منافع كثرية‬
‫وفوائد عديدة فانه لو كانت النفس ممنوعة عن ظهور صفاهتا ابلكلية لكان طريق الرتقي‬
‫مسدود او لظهر يف الروح صفة امللك حبيث تصري حمبوسة يف مقامها فان ترقيها امنا هو‬
‫بواسطة خمالفتها النفس فان مل تبق يف النفس خمالفة فمن اين حيصل الرتقي وملا رجع سيد‬
‫[‪]1‬‬
‫الكائنات عليه أفضل الصلوات وأكمل التسليمات من اجلهاد مع الكفار مرة قال‬

‫(‪ )1‬قال السيوطي روى اخلطيب يف اترخيه من حديث جابر قال قدم النيب عليه السالم من غزاة هلم فقال النيب عليه‬
‫السالم قدمتم خري مقدم وقدمتم من اجلهاد األصغر اىل اجلهاد االكرب قالوا وما اجلهاد االكرب قال جماهدة العبد هواه‬
‫انتهى من موضوعات علي القاري قلت روى السيوطي يف جامعه الكبري بعد هذا احلديث احاديث يعضده منها‬
‫اجملاهد من جاهد نفسه (ت حب) عن فضالة ابن عبيد ومنها أفضل اجلهاد ان جياهد الرجل نفسه وهواه (ابن النجار‬
‫عن ايب ذر) وقال خمرج االحاديث نسبه العراقي اىل البيهقي من حديث جابر‬
‫‪- 91 -‬‬

‫رجعنا من اجلهاد االصغر اىل اجلهاد األكرب فقال للجهاد مع النفس جهادا أكرب وخمالفة‬
‫النفس يف ذلك املوطن امنا تكون برتك ادىن عزمية بل ابرادهتا ذلك الرتك مهما أمكن لعدم‬
‫تصور حتقق الرتك فيه وحيصل هبذه االرادة من الندامة واخلجالة وااللتجاء والتضرع اىل‬
‫جناب قدسه جل سلطانه ما يتيسر هبا فوائد أمور سنة مثال يف ساعة لطيفة (ولنرجع)‬
‫اىل أصل الكالم ونقول كلما يوجد فيه مشائل احملبوب واخالقه يكون ذلك الشيئ ايضا‬
‫حمبواب بتبعية احملبوب ويف قوله تعاىل فاتبعوين حيببكم هللا بيان هلذا الرمز فالسعي يف متابعته‬
‫عليه الصالة و السالم جير اىل احملبوبية فعلى كل عاقل ذي لب السعي يف كمال اتباع‬
‫حبيبه عليه الصالة و السالم ظاهرا وابطنا وقد اجنر الكالم اىل التطويل واملأمول‬
‫مساحمتكم ومجال الكالم اذا كان من اجلميل املطلق يزداد حسنا كلما يزداد طوال قل لو‬
‫كان البحر مدادا لكلمات ريب لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ريب ولو جئنا مبثله مددا‬
‫ولننقل الكالم اىل حمل آخر ونقول ان حامل هذه الرقيمة موالان حممد حافظ من أهل‬
‫العلم وكثري العيال وبسبب قلة اسباب املعيشة توجه حنو العسكر فان بذلتم يف حقه‬
‫العناية وااللتفات وكلمتم الرئيس املنصور االمري النقيب السيد الشيخ جيو لتحصيل‬
‫الوظيفة أو االمداد للمشار اليه يكون عني الكرم وال نصدع ابزيد من ذلك‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين واالربعون اىل الشيخ حممد املذكور أيضاً يف بيان أن أفضل‬
‫صداء حمبة ما سوى احلق من احلقيقة اجلامعة القلبية متابعة‬
‫املصاقيل الزالة َ‬
‫السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية}‬
‫سلمكم هللا سبحانه و ابقاكم و اعلم ان االنسان ما دام متلواث بدنس التعلقات‬
‫الشت حمروم ومهجور وال بد من تصقيل مرآة احلقيقة اجلامعة من صداء حمبة ما سواه عز‬
‫وجل وافضل املصاقيل يف ازالة ذلك الصداء متابعة السنة السنية املصطفوية على مصدرها‬
‫الصالة و السالم والتحية ومدار ذلك على رفع العادات النفسانية ودفع الرسوم الظلمانية‬
‫‪- 92 -‬‬

‫فطوىب ملن تشرف هبذه النعمة العظمى وويل ملن حرم من هذه الدولة القصوى وبقية املرام‬
‫ان اخي االعز ميان مظفر ابن املرحوم الشيخ كهورن من اعيان الناس واوالد االكابر‬
‫وحوله من متعلقاته مجع كثري فهو حمل الرتحم فبماذا نصدع ازيد من ذلك و السالم‬
‫عليكم و على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث واالربعون اىل السيد النقيب الشيخ فريد البخاري يف‬
‫بيان أن التوحيد على قسمني شهودي ووجودي وان ما ال بد منه هو‬
‫الشهودي املربوط به الفناء وأنه يف مرتبة عني اليقني وما فوقه فهو حق‬
‫اليقني وما يناسب ذلك من االسئلة واالجوبة والتمثيالت املوضحة}‬
‫سلمكم هللا سبحانه وعصمكم عما يصمكم وصانكم عما شانكم واعلم ان‬
‫التوحيد الذي يظهر يف اثناء طريق هذه الطائفة العلية على قسمني توحيد شهودي‬
‫وتوحيد وجودي فالتوحيد الشهودي هو مشاهدة الواحد يعين ال يكون مشهود السالك‬
‫غري واحد والتوحيد الوجودي هو ان يعلم السالك ويعتقد املوجود واحدا وان يعتقد أو‬
‫يظن غريه معدوما وان يزعم الغري مع اعتقاد عدميته جمايل ذلك الواحد ومظاهره فكان‬
‫التوحيد الوجودي من قبيل علم اليقني والتوحيد الشهودي من قبيل عني اليقني وهو من‬
‫ضرورايت هذا الطريق فان الفناء ال يتحقق بدونه وال يتيسر عني اليقني بال حتققه فان‬
‫مشاهدة االحدية ابستيالئها مستلزمة لعدم رؤية ما سواه خبالف التوحيد الوجودي فانه‬
‫ليس كذلك يعين انه ليس بضروري فان علم اليقني حاصل بدون تلك املعرفة الن علم‬
‫اليقني ليس مبستلزم لنفي ما سواه تعاىل غاية ما يف الباب أنه مستلزم لنفي علم ما سواه‬
‫وقت غلبة علم ذلك الواحد واستيالئه مثال اذا حصل لشخص يقني بوجود الشمس‬
‫فاستيالء هذا اليقني غري مستلزم للعلم ابن النجوم منتفية ومعدومة يف ذلك الوقت ولكن‬
‫حني رؤيته الشمس ال يرى النجوم البتة وال يكون مشهوده غري الشمس ويف هذا الوقت‬
‫‪- 93 -‬‬

‫الذي ال يرى فيه النجوم يعلم ان النجوم ليست مبعدومة بل يعلم اهنا موجودة ولكنها‬
‫مستورة ويف تشعشع نور الشمس مغلوبة وهذا الشخص يف مقام االنكار جلماعة ينفون‬
‫وجود النجوم يف ذلك الوقت ويرى ان تلك املعرفة غري واقعية فالتوحيد الوجودي الذي‬
‫هو نفي ما سوى ذات واحدة تعالت وتقدست خمالف للعقل والشرع خبالف التوحيد‬
‫الشهودي فانه ال خمالفة يف مشاهدة الواحد ونفي النجوم وقت طلوع الشمس مثال‬
‫والقول ابهنا معدومة خمالف للواقع واما عدم رؤية النجوم يف ذلك الوقت فال خمالفة فيه‬
‫اصال بل هذا امنا هو بواسطة غلبة ظهور نور الشمس وضعف بصر الرائي فان اكتحل‬
‫بصر الرائي بنور الشمس حتصل له قوة يرى هبا ان النجوم ممتازة من الشمس وهذه الرؤية‬
‫يعين رؤية النجوم ممتازة من الشمس يف مرتبة حق اليقني (واقوال) بعض املشائخ اليت ترى‬
‫خمالفة لظاهر الشريعة احلقة ونزهلا بعض الناس اىل التوحيد الوجودي مثل قول احلسني بن‬
‫منصور احلالج اان احلق وق ول ايب يزيد البسطامي سبحاين ما اعظم شاين وأمثال ذلك‬
‫فاألوىل واالنسب تنزيلها اىل التوحيد الشهودي وابعاد املخالفة عنها فاهنم ملا اختفى ما‬
‫سوى احلق سبحانه عن نظرهم تكلموا هبذه االلفاظ يف غلبة ذلك احلال ومل يثبتوا غري‬
‫احلق سبحانه ومعن اان احلق انه احلق دون اان فانه مل ير نفسه مل يثبته ال انه رأى نفسه‬
‫وقال انه احلق فان هذا كفر (ال يقال) ان عدم االثبات مستلزم للنفي وهو التوحيد‬
‫الوجودي بعينه (الان نقول) ال يلزم من عدم االثبات النفي فان يف ذلك املوطن حرية‬
‫حبيث قد سقطت االحكام فيه ابلتمام ويف قول سبحاين ايضا تنزيه احلق ال تنزيه القائل‬
‫نفسه فان نفسه قد ارتفع عن نظره ابلكلية ال يتعلق به حكم أصال وأمثال هذه االقوال‬
‫تظهر من البعض يف مقام عني اليقني الذي هو مقام احلرية فاذا ترقوا من ذلك املقام‬
‫وبلغوا مرتبة حق اليقني يتحاشون من امثال تلك الكلمات وال يتعدون عن حد االعتدال‬
‫وقد اشاع التوحيد الوجودي يف هذا الزمان كثري من هذه الطائفة املتزيني بزي الصوفية وال‬
‫يدرون ان الكمال فيما وراءه ويقنعون من العني ابلعلم وينزلون أقوال املشائخ اىل‬
‫متخيالهتم وجيعلوهنا مقتدا هبا الوقاهتم وسندا الحواهلم ويروجون سوقهم الكاسد هبذه‬
‫‪- 94 -‬‬

‫التخيالت ولئن وقع يف عبارات بعض املشائخ املتقدمني فرضا الفاظ صرحية يف التوحيد‬
‫الوجودي كان ينبغي محلها على اهنم تكلموا هبذه الكلمات يف االبتداء حني كوهنم يف‬
‫مقام علم اليقني مث ترقى حاهلم من ذلك املقام وجاوزوا من العلم اىل العني أخريا (ال‬
‫يقال) هنا ان ارابب التوحيد الوجودي كما أهنم يعلمون الواحد فقط كذلك هم ال يرون‬
‫اال الواحد فقط فكان هلم نصيب من عني اليقني أيضا (الان نقول) ان ارابب هذا‬
‫التوحيد امنا يرون صورة التوحيد الشهودي املثالية ال اهنم حتققوا بذلك التوحيد وال مناسبة‬
‫للتوحيد الشهودي هبذه الصورة املثالية يف احلقيقة الن وقت حصول ذلك التوحيد وقت‬
‫حرية ال حكم بشئ يف ذلك املوطن وصاحب التوحيد الوجودي مع شهوده لصورة‬
‫التوحيد الشهودي املثالية من ارابب العلم فانه ينفي ما سوي الواحد والنفي حكم من‬
‫االحكام وهو من مقولة العلم والعلم ال جيتمع مع احلرية فثبت ان صاحب التوحيد‬
‫الوجودي ال حظ له من مقام عني اليقني نعم اذا وقع لصاحب التوحيد الشهودي الرتقي‬
‫من مقام احلرية يبلغ مقام املعرفة اليت هو مقام حق اليقني فيجتمع العلم يف ذلك املوطن‬
‫مع احلرية والعلم احلاصل قبل احلرية ومع احلرية هو علم اليقني (ويتضح) هذا اجلواب مبثال‬
‫وهو ان شخصا رأى نفسه مثال سلطاان يف املنام بواسطة مناسبة تتعلق مبقام السلطنة‬
‫ووجد يف نفسه لوازم السلطنة ومعلوم ان ذلك الشخص مل يصر سلطاان بعد هبذه الرؤية‬
‫بل رأى نفسه يف صورة السلطنة املثالية وال مناسبة يف احلقيقة للسلطنة بصورهتا املثالية‬
‫اصال اال ان هذا الشهود ولو كان لصورة مثالية يؤذن بوجود االستعداد يف ذلك الشخص‬
‫للتحقق حبقيقة هذه الصورة حبيث لو اجتهد بغاية جهده وكانت عناية احلق جل شأنه‬
‫شامل حاله لبلغ مقام السلطنة وفرق ما بني القوة والفعل كثري و كم من حديد له قابلية‬
‫الن يكون مرآة ال يصل اىل ايدي امللوك حت يصري مرآة ابلفعل وال حيصل له نصيب من‬
‫مجاهلم (اين وقعت) اال اين اقول ان سبب حترير هذه العلوم الغامضة هو ان اكثر ابناء‬
‫هذا الزمان قد متسك بذيل التوحيد الوجودي بعضهم ابلتقليد وبعضهم مبجرد العلم‬
‫وبعضهم ابلعلم املمزوج ابلذوق ولو يف اجلملة وبعضهم ابالحلاد والزندقة وصاروا يرون‬
‫‪- 95 -‬‬

‫ال كل من احلق بل يرون الكل حقا وطفقوا خيرجون رقاهبم هبذه احليلة من ربقة االسالم‬
‫وتكاليف الشريعة وخيرتعون انواع املداهنات يف االحكام الشرعية ويفرحون هبذه‬
‫املعامالت الغري املرعية ولئن اعرتفوا ابتيان االوامر الشرعية امنا يعرتفون به ابلتبعية‬
‫ويتخيلون املقصود االصلي وراء الشريعة العلية حاشا وكال مث حاشا وكال نعوذ ابهلل‬
‫سبحانه من هذا االعتقاد السوء فان الطريقة والشريعة كل منهما عني اآلخر ال خمالفة‬
‫بينهما مقدار شعرة وامنا الفرق بينهما ابالمجال والتفصيل واالستدالل والكشف وكلما هو‬
‫خمالف للشريعة فهو مردود وكل حقيقة ردته الشريعة فهو زندقة وطلب احلقيقة مع‬
‫االستقامة يف الشريعة حال أهل الكمال من الرجال رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة‬
‫والثبات على متابعة سيد البشر عليه و على آله الصلوات و التسليمات والتحيات ظاهرا‬
‫وابطنا وكان العارف ابهلل حضرة شيخنا وقبلتنا قدس هللا سره يف مشرب التوحيد‬
‫الوجودي زماان وبينه يف رسائله ومكاتيبه مث رزقه هللا سبحانه الرتقي من ذلك املقام أخريا‬
‫ووجه حنو الطريق االعظم وخلصه من مضيق هذه املعرفة (نقل) الشيخ ميان عبد احلق‬
‫الذي هو من مجلة خملصيه عنه انه قال قبل مرض موته جبمعة انه قد صار يل معلوما‬
‫بقني يقني ان التوحيد الوجودي َس َّكة صغرية والطريق االعظم غريه وقد كنت علمت هذا‬
‫سابقا ولكن اآلن قد حصل يل يقني آخر وكان هذا الفقري ايضا يف مشرب التوحيد مدة‬
‫حني كنت يف مالزمة شيخي وحضوره والحت يل مقدمات كشفية يف أتييد هذا الطريق‬
‫وتقويته كثريا مث جاوزت ذلك املقام بعناية هللا جل سلطانه وشرفين هللا سبحانه مبقام أراده‬
‫يل ولنكتف هبذا القدر فان الزاية على ذلك موجب لالطناب (والشيخ) ميان زكراي ال‬
‫يزال يكتب يف شأن منصبه ويظهر االلتجاء اىل عتبتكم العلية وهو يف غاية اخلوف من‬
‫احملاسبة وجعل ملجأه ومعتصمه يف عامل احلكمة جناب قدسكم وليس له مالذ وملجأ يف‬
‫الظاهر سوى توجهاتكم العلية فكما سبق التفاتكم اليه كذلك يرجو ان تعينوه وحتفظوه‬
‫من ذائب احلوادث وهو ال يتجاسر ان يعرض احواله عليكم بنفسه لكمال رعاية األدب‬
‫معكم وهلذا يتوسل ابلفقري اليكم يف اظهار أحواله واملرجو ان يقرتن مسئوله ابألجابة‪.‬‬
‫‪- 96 -‬‬

‫{املكتوب الرابع واالربعون اىل املذكور أيضاً يف مدح خري البشر عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم وبيان ان مصدقيه من خري االمم ومكذبيه من‬
‫اشرار بين آدم ويف الرتغيب يف متابعة سنته السنية عليه و على آله الصالة‬
‫و السالم والتحية}‬
‫ورد مكتوبكم الشريف يف أعز األزمنة وتشرفت مبطالعته احلمد هلل سبحانه واملنة‬
‫على ما حصلتم من مرياث الفقر احملمدي عليه و على آله الصلوات و التسليمات وحمبة‬
‫الفقراء واالرتباط هبم من نتيجة ذلك الفقر ومل أدر ماذا أكتب يف جوابه سوى أن أحرر‬
‫فقرأت بعبارة عربية مأثورة يف فضائل جدكم االعظم خري العرب والعجم عليه و على آله‬
‫من الصلوات أمتها ومن التحيات أكملها وأجعل هذا املكتوب وسيلة لنجاة أخروية ال‬
‫اين امدح به النيب عليه الصالة و السالم بل امدح به مقايل {شعر}‪:‬‬
‫ما ان مدحت حممدا مبقاليت * لكن مدحت مقاليت مبحمد‬
‫[‪]1‬‬
‫رسول هللا سيد ولد آدم وأكثر الناس‬ ‫فأقول وابهلل العصمة والتوفيق ان حممدا‬
‫تبعا يوم القيامة وأكرم[‪ ]2‬األولني واآلخرين على هللا وأول[‪ ]3‬من ينشق عنه القرب وأول‬
‫شافع وأول مشفع وأول من يقرع ابب اجلنة فيفتح هللا له وحامل[‪ ]4‬لواء احلمد يوم‬
‫القيامة حتته آدم فمن دونه وهو الذي قال عليه الصالة و السالم حنن[‪ ]5‬اآلخرون وحنن‬

‫(‪ )1‬قوله ان حممدا رسول هللا سيد ولد آدم اخل هذا حديث بني الناس مشهور ويف السنتهم مذكور ويف سائر الكتب‬
‫مسطور روى من طرق متعددة ابلفاظ خمتلفة وممن رواه مسلم وابو داود عن انس رضي هللا عنه‬
‫(‪ )2‬قوله اكرم االولني اخل رواه الرتمذي والدارمي من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما‬
‫(‪ )3‬قوله اول من ينشق اخل هو يف حديث مسلم وايب داود‬
‫(‪ )4‬قوله لواء احلمد بيدي اخل الرتمذي والدارمي من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما‬
‫(‪ )5‬قوله حنن اآلخرون اخل الدارمي من حديث عمرو بن قيس رضي هللا عنه‬
‫‪- 97 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫قائد املرسلني وال‬ ‫السابقون يوم القيامة وأين قائل قوال غري فخر واان حبيب هللا واان‬
‫فخر واان خامت النبيني وال فخر واان[‪ ]2‬حممد بن عبد هللا بن عبد املطلب ان هللا خلق‬
‫اخللق فجعلين يف خريهم مث جعلهم فريقني فجعلين يف خريهم فرقة مث جعلهم قبائل فجعلين‬
‫يف خريهم قبيلة مث جعلهم بيوات فجعلين يف خريهم بيتا فأان خريهم بيتا وخريهم نفسا‬
‫وأان[‪ ]3‬أول الناس خروجا اذا بعثوا واان قائدهم اذا وفدوا وأان خطيبهم اذا نصتوا وأان‬
‫شفيعهم اذا حبسوا وأان مبشرهم إذا يئسوا ولواء الكرم واملفاتيح يومئذ بيدي ولواء احلمد‬
‫على ألف خادم كأهنم بيض مكنون‬ ‫يومئذ بيدي واان أكرم ولد آدم على ريب يطوف ّ‬
‫[‪]5‬‬
‫واذا[‪ ]4‬كان يوم القيامة كنت امام النبيني وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غري فخر لواله‬
‫ملا خلق هللا سبحانه اخللق وملا اظهر الربوبية وكان[‪ ]6‬نبيا وآدم بني املاء والطني {شعر}‪:‬‬
‫من كان هذا مقتداه أبمره * لن يبق يف قيد الذنوب وأسره‬

‫(‪ )6‬قوله واان قائد اخرجه الدارمي من حديث جابر رضي هللا عنه‬
‫(‪ )7‬قوله واان حممد بن عبدهللا اخرجه الرتمذي من حديث عباس رضي هللا‬
‫(‪ )1‬قوله واان اول الناس خروجا اخل اخرجه الرتمذي والدارمي من حديث انس رضي هللا عنه‬
‫(‪ )2‬قوله واذا كان يوم القيمة اخل الرتمذي وامحد وابن ماجه واحلاكم من حديث ايب بن كعب رضي هللا عنه‬
‫(‪ )3‬قوله لواله ملا خلق هللا اخل اشارة اىل ما رواه الديلمي يف مسند الفردوس عن ابن عباس رضي هللا عنهما يقول هللا‬
‫وعزيت وجاليل لوالك ملا خلقت الدنيا ولوالك ملا خلقت اجلنة واورده يف املواهب معزاي اىل ابن طغر بك بلفظ لواله ما‬
‫خلقتك خطااب آلدم عليه السالم وال خلقت مساء وال ارضا مث قال ويشهد هلذا ما رواه احلاكم يف صحيحه عن عمر‬
‫رضي هللا عنه ان آدم رأى اسم حممد مكتواب على العرش وان هللا قال آلدم لو ال حممد ما خلقتك قال الزرقاين روى ابو‬
‫الشيخ واحلاكم عن ابن عباس رضي هللا عنهما اوحى هللا اىل عيسى آمن مبحمد ومر امتك ان يؤمنوا به فلوال حممد ما‬
‫خلقت آدم وال اجلنة وال النار احلديث واقره السبكي يف شفاء االسقام والبلقيين يف فتاواه ومثله ال يقال رأاي وعند‬
‫الديلمي عن ابن عباس رضي هللا عنهما رفعه ااتين جربيل فقال ان هللا يقول لوالك ما خلقت اجلنة ولوالك ما خلقت‬
‫النار قلت معن هذا احلديث ال شبهة يف صحته ومطابقته لنفس االمر عند كافة الصوفية وعامة من سواهم فهو‬
‫صحيح انشاء هللا‬
‫(‪ )4‬قوله وكان نبيا وآدم بني املاء والطني إشارة اىل حديث مشتهر يف األلسنة كنت نبيا وآدم بني املاء والطني قال‬
‫البخاري نقال عن ابن حجر انه قوى هبذا القدر وقال السيوطي ال اصل له هبذا اللفظ ولكن يف الرتمذي مت كنت نبيا‬
‫قال وآدم بني الروح واجلسد ويف صحيح ابن حبان واحلاكم اين ملكتوب عند هللا خامت النبيني وان آدم جملندل يف طينته‬
‫واحلاصل هذا احلديث كثري الدوران بني الناس خصوصا عند الصوفية‬
‫‪- 98 -‬‬

‫فال جرم يكون مصدق مثل هذا الرسول النيب الكرمي سيد البشر عليه الصالة و‬
‫السالم خري االمم البتة و يكون قوله تعاىل كنتم خري أمة اخرجت للناس نقد وقتهم‬
‫ووصف حاهلم و يكون مك ّذبوه عليه الصالة و السالم شر بين آدم و يكون قوله تعاىل‬
‫االعراب أشد كفرا ونفاقا عالمة حاهلم فيا سعادة من يشرف بدولة اتباع سنته السنية‬
‫ومتابعة شريعته املرضية واليوم يقبل األمر اليسري املقرون بتصديق حقية دينه عليه الصالة‬
‫و السالم مكان العمل الكثري وال غرو فيه اال ترى ان اصحاب الكهف انلوا ما انلوا من‬
‫الدرجات بواسطة حسنة واحدة وهي اهلجرة والفرار عن اعداء هللا تعاىل بسبب نور‬
‫اليقني االمياين وقت استيالء املعاندين وهذا كما أن العسكر اذا صدرت عنهم حركة‬
‫يسرية حني غلبة االعداء واستيالء املخالفني تكون من القبول واالعتبار مبرتبة ال تبلغها‬
‫اضعاف تلك احلركة وقت االمن واالطمئنان (وأيضا) انه صلّى هللا عليه و سلّم ملا كان‬
‫حمبوب رب العاملني ال جرم يبلغ اتباعه صلّى هللا عليه و سلّم مرتبة احملبوبية بسبب املتابعة‬
‫فان احملب اذا رأى شيئا من مشائل حمبوبه عند شخص حيب ذلك الشخص ابلضرورة‬
‫ملالبسته بشمائل حمبوبه واخالقه وقس على ذلك حال املخالفني {شعر}‪:‬‬
‫رئيس مجيع العاملني حممد * على رأس أعداه حصا وتراب‬
‫فان مل تتيسر اهلجرة الظاهرية ينبغي ان يراعي اهلجرة الباطنية بكماهلا وان يكون‬
‫معهم يعين مع الناس يف الظاهر دوهنم يعين يف الباطن * ولعل هللا حيدث بعد ذلك أمرا‬
‫وقد أتى موسم النريوز ومعلوم ان أهل اململكة يكونون يف تلك االايم متفرقي البال‬
‫ومتشتيت احلال فاذا ساعدت أرادة هللا سبحانه و تعاىل تتيسر املالقاة بعد مضي تلك‬
‫االحوال وزايدة االطناب موجبة للمالل ثبتكم هللا سبحانه على جادة آابئكم الكرام و‬
‫السالم عليكم وعليهم اىل يوم القيام‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس واالربعون كتبه اىل املذكور أيضاً اظهاراً لشكر تقويته‬
‫‪- 99 -‬‬

‫الظاهرية أمور فقراء اخلانقاه بعد ارحتال شيخه وبني فيه أيضاً كون جامعية‬
‫االنسان سبباً لنقصانه ككوهنا سبباً لكماله مع ذكر فضائل شهر رمضان‬
‫وما يناسب ذلك}‬
‫ثبتكم هللا سبحانه على جادة آابئكم الكرام وسلمكم عن موجبات التلهف‬
‫والتأسف على مرور الشهور واالايم واعلم ان اولياء هللا تعاىل حبكم املرء مع من أحب مع‬
‫هللا تعاىل وتقدس والتعلق ابلبدن نوع من موانع تلك املعية واالتصال واما بعد االنفصال‬
‫من هذا املقر اهليوالين واملفارقة عن اهليكل الظلماين فقرب يف قرب واتصال يف اتصال‬
‫امل وت جسر يوصل احلبيب اىل احلبيب بيان هلذا املعن ويف قوله تعاىل من كان يرجو لقاء‬
‫هللا فان أجل هللا آلت تسلية للمشتاقني ورمز من ذلك البيان ولكن أحوال العاجزين‬
‫الذين أخرهتم العالئق والعوائق بال دولة احلضور عند اكابر الدين خراب وابرت واالستفاضة‬
‫من روحانيات االكابر قدس هللا اسرارهم مشروطة بشرائط ال جمال لكل شخص يف‬
‫ايفائها ولكن احلمد هلل سبحانه ذي االنعام واملنة على ان جعل مريب هؤالء الفقراء‬
‫العاجزين ومعينهم وقت ظهور هذه احلادثة اهلائلة والواقعة املوحشة املفزعة من أهل بيت‬
‫النبوة على صاحبها الصالة و السالم والتحية فصار سببا النتظام هذه السلسلة العلية‬
‫وواسطة جلمعية النسبة النقشبندية وال َغ ْرو يف ذلك فان هذه النسبة العلية ملا كانت يف‬
‫هذه الداير غريبة جدا وكان أهلها يف هذه اململكة قد جاوزوا يف القلة حدا كنسبة أهل‬
‫البيت بني سائر النسب انسب ان يكون مربيها وحاميها من أهل البيت وكان تقويتها‬
‫منهم أوىل وأحرى لئال يلزم تكميل تلك الدولة العظمى ابلغري فكما أن شكر هذه النعمة‬
‫القصوى الزم للفقراء كذلك شكر هذه الدولة االمسى[‪ ]1‬الزم لذمتهم وكما أنه حيتاج اىل‬
‫اجلمعية الباطنية كذلك حيتاج اىل اجلمعية الظاهرية بل هذا االحتياج مقدم على ذلك‬

‫(‪ )1‬يعين يلزمهم ايضا ان يشكروا على من قام برتبيتهم وتقوية نسبتهم ملوجب قضية شكر النعم واجب وهو املكتوب‬
‫اليه السيد فريد البخاري منه عفي عنه‬
‫‪- 100 -‬‬

‫االحتياج واحوج اخلالئق هو االنسان وشدة احتياجه امنا هي بواسطة جامعيته فانه يلزمه‬
‫وحده ما يلزم الكل وله تعلق بكل ما حيتاج اليه فتعلقاته أكثر من تعلقات الكل وكل‬
‫تعلق مستلزم لالعراض عن جناب قدسه تعاىل فكان االنسان أشد اخلالئق وأكثرهم‬
‫حرماان من هذه احليثية {شعر}‪:‬‬
‫و مرتبة االنسان يف آخر الوري * لذلك عن عز احلضور أتخرا‬
‫فان مل يعد من بعده واغرتابه * فال شئ حمروم كأنس من الوري‬
‫و احلال ان سبب أفضليته من مجيع اخلالئق كان أيضا من جهة جامعيته وهلذا‬
‫كان مرآته أمت فكلما يظهر يف مرااي مجيع اخلالئق فهو الئح يف مرآة واحدة منه فكان‬
‫أفضل اخلالئق من هذه اجلهة هو االنسان وشر مجيع املوجودات من تلك اجلهة هو‬
‫االنسان اذ منهم حممد عليه الصالة و السالم ومنهم أبو جهل اللعني وال شك انكم‬
‫كفيل جبمعية هؤالء الفقراء يف الظاهر بتوفيق هللا عز وجل وحبكم الولد سرألبيه الرجاء اتم‬
‫حبصول اجلمعية الباطنية أيضا بسببكم وملا ورد مكتوبكم الشريف يف شهر رمضان املبارك‬
‫خطر يف اخلاطر الفاتر ان اكتب نبذة من فضائل هذا الشهر العظيم القدر (ينبغي) ان‬
‫يعلم ان شهر رمضان شهر عظيم وكل عبادة انفلة من الصالة والذكر والصدقة وأمثاهلا يف‬
‫هذا الشهر تساوي اداء فريضة فيما سواه ومن ادى فريضة فيه كان كمن ادى سبعني‬
‫فريضة فيما سواه ومن فطّر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له‬
‫مثل اجره من غري أن ينتقص من أجره شئ ومن خفف عن مملوكه فيه غفر هللا له واعتقه‬
‫من النار وكان[‪ ]1‬رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اذا دخل شهر رمضان اطلق كل أسري‬
‫واعطى كل سائل ومن وفق للخريات واالعمال الصاحلة يف هذا الشهر كان التوفيق رفيقه‬
‫يف متام هذه السنة واذا مر هذا الشهر على تفرقة يكون يف مجيع السنة على تفرقة فينبغي‬

‫(‪ )1‬رواه البيهقي يف شعب االميان عن الفارسي رضي هللا عنه بلفظ من تقرب فيه خبصلة من اخلري كان كمن ادى‬
‫فريضة فيما سواه اخل مشكاة وفسر الشراح اخلري بقوهلم اي من انواع النوافل منه عفي عنه‪ )1( .‬رواه البيهقي عن ابن‬
‫عباس مشكاة (منه)‪.‬‬
‫‪- 101 -‬‬

‫فيه أن جيتهد يف حتصيل اجلمعية مهما أمكن مغتنما هلذا الشهر فان هللا سبحانه و تعاىل‬
‫يعتق يف كل ليلة من لياليها ألوفا ممن استحق النار وتفتح[‪ ]1‬ابواب اجلنة يف هذا الشهر‬
‫وتغلق ابواب جهنم وتسلسل الشياطني وتفتح ابواب الرمحة وتعجيل[‪ ]2‬االفطار وأتخري‬
‫السحور من السنن[‪ ]3‬قد ابلغ النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف هذا الباب ويشبه أن تكون‬
‫مبالغة الظهار احتياجه املناسب ملقام العبودية واإلفطار[‪ ]4‬ابلتمر سنة ويقرأ وقت االفطار‬
‫هذا الدعاء ذهب[‪ ]5‬الظماء وابتلت العروق وثبت االجر ان شاء هللا تعاىل واداء الرتاويح‬
‫و ختم[‪ ]6‬القرآن يف هذا الشهر من السنن املؤكدة و مثمر لنتائج كثرية وفقنا هللا سبحانه‬
‫حبرمة حبيبه عليه و على آله الصالة و السالم وبقية الكالم ان الصحيفة الشريفة وردت‬
‫يف وسط شهر رمضان واال ما كنت اسامح نفسي يف التأخري عن امتثال االمر والتكلم مما‬
‫بعد الشهر املذكور حكم ابلغيب ومبين على طول االمل وابجلملة يكون ما هو مرضاكم‬
‫وال اكون يف صون نفسي بوجه من الوجوه فان حقوقكم اثبتة يف ذمتنا حنن ظاهرا وابطنا‬
‫قال حضرة قبلتنا قدس سره ان حقوق الشيخ جيو اثبتة عليكم مجيعا ومقررة لديكم فانه‬
‫هو الباعث على هذه اجلمعية وفقنا هللا سبحانه مجيعا دائما لالعمال املرضية حبرمة النيب‬
‫وآله االجماد عليه وعليهم الصلوات و التسليمات والزايدة على ذلك تصديع اتم‪.‬‬

‫(‪ )2‬رواه الشيخان والرتمذي وابن ماجة عن ايب هريرة ابلفاظ متقاربة كما يف املشكاة‬
‫(‪ )3‬قال هللا تعاىل احب عبادي اىل اعجلهم فطرا الرتمذي عن ايب هريرة مشكاة‬
‫(‪ )4‬عن زيد بن اثبت انه قال تسحران مع رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مث قمنا اىل الصالة قال انس كم كان قدر‬
‫ذلك قال قدر مخسني آية‪.‬‬
‫(‪ )5‬عن سلمان بن عامر قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اذا افطر احدكم فليفطر على مترة فان فيه بركة رواه امحد‬
‫و الرتمذي و ابو داود و ابن ماجة و الدارمي مشكاة و عن انس رضي هللا عنه قال كان النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫يفطر قبل ان يصلي على رطبات فان مل تكن رطبات فتمريات احلديث رواه ابو داود و الرتمذي و قال حسن غريب‬
‫(‪ )6‬رواه ابو داود عن انس مشكاة‬
‫(‪ )7‬يعين من سنن اخللفاء الراشدين فاهنا يقال هلا ايضا سنة كما قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم عليكم بسنيت وسنة‬
‫اخللفاء الراشدين من بعدي ‪ .‬عفي عنه‬
‫‪- 102 -‬‬

‫{املكتوب السادس واالربعون اىل املذكور ايضاً يف بيان ان وجود الواجب‬


‫تعاىل وتقدس وكذلك وحدانيته بل نبوة حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم ورسالته ومجيع ما جاء به من عند هللا كلها بديهي غري حمتاج اىل فكر‬
‫ودليل وذكر يف ايضاح ذلك مقدمات كثرية}‬
‫ثبتكم هللا سبحانه على جادة آابئكم الكرام على اوهلم وافضلهم اوال و على‬
‫بواقيهم اثنيا الصالة و السالم واعلم أن وجود الباري تعاىل وتقدس وكذلك وحدانيته‬
‫سبحانه بل نبوة حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم بل مجيع ما جاء به من عند هللا‬
‫بدي هي ال حيتاج اىل فكر ودليل على تقدير سالمة القوة املدركة من اآلفات الردية‬
‫واالمراض املعنوية والنظر والفكر فيها مقصور على زمن وجود العلة وثبوت اآلفة وأما بعد‬
‫النجاة من املرض القليب وزوال الغشاوة البصرية فال شئ سوى البداهة اال ترى أن‬
‫الصفراوي مثال ما دام مبتال بعلة الصفراء حيتاج اثبات حالوة السكر والعسل عنده اىل‬
‫الدليل ولكن اذا ختلص من تلك العلة ال حيتاج اىل دليل أصال وال منافاة بني احتياجه اىل‬
‫الدليل الناشئ عن وجود اآلفة وبني بداهته يعين يف ذاته اال ترى أن االحول يرى الواحد‬
‫اثنني وحيكم بعدم وحدته فهو معذور يف هذا احلكم وال خيرج حكمه هذا الناشئ من‬
‫اآلفة فيه وحدة ذلك الواحد من البداهة وال يدخلها يف النظرية ومن احملقق ان ميدان‬
‫االستدالل ضيق جدا و حصول اليقني من طريق الدليل والنظر والفكر متعذر فكان فكر‬
‫ازالة املرض القليب لتحصيل االميان اليقيين ضروراي كما أن ازالة علة الصفراء يف حتصيل‬
‫اليقني حبالوة السكر اشد ضرورة من اقامة الدليل على حالوة السكر وكيف حيصل‬
‫اليقني به ابقامة الدليل عليه مع حكم وجدانه مبرارته بسبب علة الصفراء القائم به وهكذا‬
‫احلكم فيما حنن فيه فان النفس االمارة منكرة لالحكام الشرعية ابلذات وحاكمة‬
‫بتناق ضها ابلطبع فتحصيل اليقني حبقية هذه االحكام الصادقة من طريق الدليل مع وجود‬
‫انكار وجدان املستدل عليه عسري جدا فكانت تزكية النفس ضرورية لتعسر حصول‬
‫‪- 103 -‬‬

‫اليقني الالزم احلصول بدوهنا قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها فتقرر ان منكر‬
‫هذه الشريعة الباهرة وامللة الطاهرة الظاهرة معلول بعلة مثل منكر حالوة السكر ولكن‪:‬‬
‫ما ضر مشس الضحى يف االفق طالعة * ان ال يرى ضوءها من ليس ذا بصر‬
‫فاملقصود من السري والسلوك وتزكية النفس وتصفية القلب هو ازالة اآلفات املعنوية‬
‫واالمراض القلبية املشار اليها بقوله تعاىل يف قلوهبم مرض لتحقق حقيقة االميان فان وجد‬
‫االميان مع وجود هذه اآلفات فامنا هو حبسب الظاهر فقط الن وجدان النفس االمارة‬
‫حاكم خبالفه وهي مصرة على كفرها ومثل هذا االميان الصوري مثل اميان الصفراوي‬
‫حبالوة السكر يف كون وجدانه حاكما وشاهدا خبالفه فكما أن اليقني احلقيقي حبالوة‬
‫الس َّكر امن ا حيصل بعد زوال مرض الصفراء كذلك حقيقة االميان يعين حبقية االحكام‬
‫ُّ‬
‫الشرعية وصدقها امنا حتصل بعد تزكية النفس واطمئناهنا وحينئذ يصري االميان وجدانيا‬
‫وهذا القسم من أقسام االميان حمفوظ من الزوال قوله تعاىل اال ان اولياء هللا ال خوف‬
‫عليهم والهم حيزنون صادق يف شأن صاحبه شرفنا هللا سبحانه بشرف هذا االميان‬
‫الكامل احلقيقي حبرمة النيب االمي القرشي عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن‬
‫التسليمات اكملها‪.‬‬

‫{املكتوب السابع و االربعون اىل املذكور ايضاً يف الشكاية من ضعف أهل‬


‫االسالم وغلبة الكفار وترغيب السالطني يف ترويج الدين وتقوية املسلمني}‬
‫ثبتكم هللا سبحانه و تعاىل على جادة آابئكم الكرام على أفضلهم سيد الكونني‬
‫أوال و على بواقيهم اثنيا الصالة والتحية و السالم اعلم أن السلطان ابلنسبة اىل العامل‬
‫مبثابة القلب ابلنسبة اىل البدن من بين آدم فكما ان القلب اذا كان صاحلا يكون البدن‬
‫صاحلا واذا كان فاسدا يكون البدن فاسدا كذلك صالح السلطان صالح العامل وفساده‬
‫فساده اال ترى أنه ما ذا جرى على أهل االسالم يف القرن السابق ويف ابتداء االسالم مع‬
‫‪- 104 -‬‬

‫كمال غربته وعجز اهله وقلتهم وضعفهم مل يورث ذلك ومل يوجب شيئا سوى ان يكون‬
‫املسلمون على دينهم والكفار على كفرهم يعين مل يقدر الكفار ان يغريوا من أمور‬
‫املسلمني شيئا وان جيروا عليهم أحكام الكفر مع قوهتم وشوكتهم ويف قوله تعاىل لكم‬
‫دينكم ويل دين بيان لذلك وأما يف القرن املاضي فقد أجرى الكفار أحكامهم يف دار‬
‫االسالم على املل بطريقة الغلبة واالستيالء حت عجز املسلمون عن اظهار احكام‬
‫االسالم حبيث من أظهره قتلوه و اويال و امصيبتا و احسرات و احزان على ما صار‬
‫مصدقوا حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم حمبوب رب العاملني اذالء حقريين عدميي‬
‫املقدار ومنكره يف غاية العز واالعتبار واملسلمون يف تعزية االسالم مع قلوب جمروحة‬
‫واملعاندون يرشون امللح على جراحاهتم ابلسخرية واالستهزإ ومشس اهلداية مستورة حتت‬
‫أفق الضاللة ونور احلق منزو ومنعزل يف حجب الباطل وقد وصل اآلن زوال مانع ظهور‬
‫االسالم وبشارة جلوس سلطان املسلمني على سرير السلطنة اىل مسامع اخلاص والعام‬
‫فينبغي ألهل االسالم ان يعدوا معاونة السلطان وامداده الزمة لذمتهم وان يدلوه على‬
‫ترويج الشريعة وتقوية امللة وهذا االمداد والتقوية ميكن ان يكون ابللسان وان يكون ابليد‬
‫واسبق االمداد ابللسان وافضله هو تبيني املسائل الشرعية واظهار العقائد الكالمية على‬
‫طبق الكتاب والسنة السنية وامجاع االمة النبوية لئال يظهر يف البني ضال ومبتدع فيسد‬
‫الطريق وينجر االمر اىل الفساد وهذا القسم من االمداد خمصوص بعلماء أهل احلق‬
‫املقبلني على اآلخرة فان علماء الدنيا الذين مهتهم التهافت على متاع الدنيا ومجع‬
‫حطامها صحبتهم سم قاتل وفسادهم فساد متعد {شعر}‪:‬‬
‫اذا كان ذو علم اسريا بنفسه * فمن ذا الذي ينجو به من غوايته‬
‫و كل بالء ظهر يف القرن املاضي امنا ظهر بسبب شآمة هؤالء اجلماعة فاهنم هم‬
‫الذين اخرجوا السلطان من الطريق احلقة بل ليست فرقة من اثنتني وسبعني فرقة اال‬
‫ومقتداهم يف اختيار طريق الضاللة هم العلماء السوء وقل من تتعدى ضاللته اىل الغري‬
‫ممن اختار الضاللة غري العلماء السوء واكثر اجلهالء املشتبهني ابلصوفية يف هذا الزمان هلم‬
‫‪- 105 -‬‬

‫حكم العلماء السوء ايضا فان فسادهم فساد متعد والظاهر ان كل من يقصر يف االمداد‬
‫مع وجود االستطاعة فيه اي نوع كان من االمداد ووقع الفتور على أمور اهل االسالم‬
‫يكون معاتبا وبناء على هذا يريد هذا الفقري ان يلقي نفسه اىل ميدان ممدي دولة االسالم‬
‫وجيتهد فيه بقدر االمكان فبحكم[‪ ]1‬من كثر سواد قوم فهو منهم حيتمل أن يكون هذا‬
‫العاجز عدمي االستطاعة داخال يف زمرة هؤالء اجلماعة وان مثلي مثل عجوز جائت بغزهلا‬
‫يف سوق مشرتيي يوسف على نبينا وعليه الصالة و السالم لتشرتيه به واملرجو ان أتشرف‬
‫بشرف احلضور عن قريب ان شاء هللا تعاىل واملتوقع من جناب شرفكم حيث يسر هللا‬
‫سبحانه و تعاىل لك االستطاعة وقرب السلطان على الوجه االمت ان جتتهد يف ترويج‬
‫الشريعة احملمدية عليه و على آله الصالة والتحية واخراج املسلمني من الكربة واالسالم‬
‫من الغربة يف خلوة وجلوة وحلامل الرقيمة موالان حامد وظيفة مقررة من االمري صاحب‬
‫االقبال والظاهر انه اخذها يف العام املاضي يف حضوركم وجاء يف هذه السنة ايضا هبذا‬
‫الرجاء يسر لكم هللا سبحانه الدولة احلقيقة واجملازية‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن و االربعون اىل املذكور ايضاً يف التحريض على تعظيم‬


‫العلماء و طلبة العلوم الذين هم محلة الشريعة الغراء}‬
‫نصركم هللا سبحانه على االعداء حبرمة سيد االنبياء عليه وعليهم الصلوات و‬
‫التسليمات والتحيات قد تشرفت مبطالعة مكتوبكم الشريف املرسل على وجه االلتفات‬
‫اىل الفقراء وحرر موالان حممد قليج موفق يف الكتاب انه قد ارسل شئ من اخلرج الجل‬
‫طلبة العلوم والصوفية وقد حسن تقدمي طلبة العلوم على الصوفية يف نظر اهلمة جدا‬
‫وحبكم الظاهر عنوان الباطن نرجو ان حيصل تقدمي هؤالء اجلماعة يف الباطن ايضا {ع}‪:‬‬

‫(‪ )1‬هذا حديث اخرجه ابو يعلي عن ابن مسعود رضي هللا عنه مرفوعا بزايدة ومن رضي عمل قوم كان شريك من‬
‫عمل به انتهى عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 106 -‬‬

‫و كل اانء ابلذي فيه ينضح‬


‫و يف تقدمي طلبة العلوم ترويج الشريعة الهنم محلة الشريعة النبوية وامللة املصطفوية‬
‫قائمة هبم والناس امنا يسئلون يوم القيامة عن الشريعة دون التصوف وكل من دخول اجلنة‬
‫وجتنب النار مربوط ابتيان الشريعة واالنبياء عليهم الصلوات و التسليمات الذين هم‬
‫افضل الكائنات امنا دعوا اخللق اىل الشرائع وجعلوا مدار النجاة عليها واملقصود من بعثة‬
‫هؤالء االكابر هو تبليغ الشرائع فاعظم اخلريات اذا هو السعي يف ترويج الشريعة واحياء‬
‫حكم من احكامه خصوصا يف الزمان الذي اهندمت فيه شعائر االسالم حبيث لو انفق‬
‫ألوفا يف سبيل هللا ال يساوي ذلك ترويج مسئلة من املسائل الشرعية فان يف هذا الفعل‬
‫اقتداء ابالنبياء عليهم الصالة و السالم الذين هم اعظم املخلوقات ومشاركة هلؤالء‬
‫االكابر ومن املقرر ان اكمل احلسنات مسلم هلم وانفاق االلوف ميسر لغري هؤالء االكابر‬
‫أيضا ويف اقامة الشريعة والعمل ابحكامها خمالفة النفس ايضا ألن الشريعة وردت على‬
‫خالف النفس ويف انفاق االموال موافقة النفس احياان نعم ان كان االنفاق لتأييد الشريعة‬
‫وترويج امللة فله درجة عليا وانفاق فلس هبذه النية يساوي انفاق الوف يف سائر االمنية‬
‫(فان قيل) ان طالب علم اسري يف يد نفسه فكيف يقدم على صويف ختلص من رقية‬
‫نفسه (اجيب) ان هذا القائل مل يفهم بعد حقيقة الكالم ومل يطلع على اصل املرام فان‬
‫طالب علم سبب لنجاة اخلالئق مع وجود اسره يف يد نفسه فان تبليغ االحكام الشرعية‬
‫منوط به وان مل ينتفع هو نفسه هبا والصويف مع وجود ختلصه امنا خلص نفسه فقط ال‬
‫إلتفات له اىل اخلالئق وأفضلية من تعلقت به جناة كثري وجم غفري ممن اقتصرت النجاة‬
‫عليه امر مقرر نعم اذا رجع الصويف اىل العامل لدعوة اخللق بعد الفناء والبقاء والسري عن‬
‫هللا وابهلل وحصل له نصيب من مقام النبوة فهو داخل يف مبلغي الشريعة وله حكم‬
‫العلماء االشراف ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫‪- 107 -‬‬

‫{املكتوب التاسع واالربعون اىل املذكور ايضاً يف التحريض على اجلمع بني‬
‫دوليت حتلية الظاهر ابتيان االحكام الشرعية وختلية الباطن عن عالقة ما‬
‫سواه تعاىل}‬
‫اسعدكم هللا سبحانه بدولة صورية وسعادة معنوية والدولة الصورية يف احلقيقة هي‬
‫كون الظاهر حملي ابالحكام الشرعية املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية‬
‫والسعادة املعنوية هي ختلص الباطن وخلوه عن عالقة ما سواه واالرتباط بغريه تعاىل فيا‬
‫فوز من تشرف هباتني الدولتني {ع}‪:‬‬
‫هذا هو االمر و الباقي من العبث‬
‫و الزايدة تصديع‪.‬‬

‫{املكتوب اخلمسون يف مذمة الدنيا الدنية اىل السيد املذكور ايضاً}‬


‫أكرمكم هللا سبحانه ابحلرية من رقية ما سواه وجعلكم متوجها اليه سبحانه ابلتمام‬
‫ومشغوفا به على الدوام حبرمة سيد البشر احملرر عن زيغ البصر عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم إعلم ان هذه الدنيا حلو يف الظاهر وهلا طراوة صورية ولكنها يف احلقيقة سم قاتل‬
‫ومتاع ابطل وليس يف التعلق واالرتباط هبا طائل مقبوهلا خمذول ومفتوهنا جمنون وحكمها‬
‫حكم جناسة طليت ابلذهب ومثلها مثل سم خملوط ابلسكر والعاقل هو الذي ال يغرت‬
‫مبثل هذا املتاع الكاسد وال يتعلق مبثل هذا الشئ الفاسد وهلذا قال الفقهاء لو اوصى مباله‬
‫للعقالء فهو للزهاد الهنم يرغبون عن الدنيا ورغبتهم عنها تدل على كمال عقلهم‬
‫وفطنتهم والزايدة على ذلك اطناب وبقية املرام أن الشيخ زكراي مبتال مبنصب استيفاء‬
‫اخلراج يف هذا السن وانه مع وجود هذا االبتالء خائف دائما من احملاسبة العاجلة اليت‬
‫هي يف غاية السهولة ابلنسبة اىل احملاسبة اآلجلة ويرى وثيقته العظمى يف عامل االسباب‬
‫‪- 108 -‬‬

‫توجهكم الشريف ويرجو أن يكون كونه من خدمة العتبة العلية ظاهرا يف الديوان اجلديد‬
‫ايضا يعين معلوما عند ارابهبا {شعر}‪:‬‬
‫اال اعطين قلبا ترى من جسارة اال * سود و ان الفيتين قبل ثعلبا‬
‫يسر هللا سبحانه الدولة الصورية واملعنوية حبرمة النيب االمي وآله االجماد عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي و اخلمسون اىل املذكور ايضاً يف الرتغيب يف ترويج‬


‫الشريعة الغراء على صاحبها الصالة و السالم}‬
‫نسئل هللا سبحانه تقوى اركان الشريعة الغراء ورواج احكام امللة السمحة البيضاء‬
‫بتوسل وجود ساللة العظام الشريفة {ع}‪:‬‬
‫هذا هو االمر و الباقي من العبث‬
‫و النجاة لغرابء اهل االسالم يف مثل هذه االايم من جلة حبر الضاللة امنا ترجى من‬
‫سفينة اهل بيت خري البشر معدن الرسالة عليه و على آله من الصلوات اكملها ومن‬
‫التسليمات افضلها قال عليه الصالة و السالم مثل[‪ ]1‬اهل بييت كمثل سفينة نوح من‬
‫ركبها جنى ومن ختلف عنها هلك فينبغي صرف اهلمة العليا يف حتصيل هذه السعادة‬
‫العظمى وقد تيسر لكم بعناية هللا سبحانه و تعاىل اجلاه واجلالل والعظمة والشوكة كلها‬
‫فان انضمت هذه العالوة اىل هذه املذكورات مع وجود الشرف الذايت فقد احرزمت قصب‬
‫السبق يف ميدان السعادة على مجيع االقران وهذا الفقري متوجه حنوكم ابرادة اظهار امثال‬
‫هذه الكلمات يف أتييد الشريعة احلقة وتروجيها ورأو ا هالل شهر رمضان يف دهلي وفهم‬
‫مرضي حضرة الوالدة يف التوقف فتوقفت ابلضرورة الستماع ختم القرآن واالمر عند هللا‬

‫(‪ )1‬اخرجه البزار عن ابن عباس وابن الزبري واحلاكم عن ايب ذر‪.‬‬
‫‪- 109 -‬‬

‫سبحانه و تعاىل واملرجو من هللا حصول سعادة الدارين‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين و اخلمسون اىل السيد املذكور ايضا يف مذمة النفس‬


‫االمارة و بيان مرضها الذايت و بيان عالج ازالة ذلك املرض}‬
‫قد تشرفت مبطالعة مكتوب االخ املكرم الذي جعل هذا الداعي املخلص ممتازا به‬
‫على وجه الشفقة والرأفة عظم هللا سبحانه اجركم ورفع قدركم وشرح صدركم ويسر أمركم‬
‫حبرمة ج ّدكم االجمد عليه و على آله من الصلوات افضلها ومن التسليمات اكملها ثبتنا‬
‫هللا سبحانه و تعاىل على متابعته ظاهرا وابطنا ويرحم هللا عبدا قال آمينا (واين) أردت ان‬
‫احرر فقرات يف الشكاية من صاحب السوء والندمي السئ اخللق فاملرجو االصغاء اليه‬
‫بسمع القبول فاعلم ايها املخدوم املكرم ان النفس االمارة االنسانية جمبولة على حب‬
‫اجلاه والرايسة ومجيع مهتها الرتفع على مجيع االقران ومتمناها ابلذات ان يكون اخلالئق‬
‫كلهم حمتاجني اليها ومنقادين اىل اوامرها ونواهيها وال تريد ان تكون هي حمتاجة اىل‬
‫الشئ وحمكومة الحد ابدا وهذه كلها هي دعوى االلوهية منها والشركة مع خالقها املنزه‬
‫عن املثل والشبه جل سلطانه بل هي البعيدة عن السعادة غري راضية ابلشركة بل تريد ان‬
‫تكون هي احلاكمة فقط ال غري و يكون الكل حتت حكمها وقد ورد يف احلديث‬
‫القدسي[‪ ]1‬عاد نفسك فاهنا انتصبت ملعادايت فرتبية النفس ابعطاء مراداهتا من اجلاه‬
‫والرايسة والرتفع والتكرب امدادها يف احلقيقة لعداوة هللا عز وجل وتقويتها لذلك فينبغي ان‬
‫يدرك شناعة هذا االمر جدا وقد ورد يف احلديث القدسي[‪ ]2‬الكربايء ردائي والعظمة‬
‫ازاري فمن انزعين يف شئ منهما ادخلته يف انري وال اابيل وامنا كانت الدنيا الدنية‬

‫(‪ )1‬قيل هذا من قدسيات داود عليه السالم‬


‫(‪( )2‬قوله والكربايء احلديث) أخرجه مسلم وامحد وأبو داود وابن ماجه عن ايب هريرة رضي هللا عنه وابن ماجة عن ابن‬
‫عباس ايضا‪ .‬اشارة ملا ورد فيه من االحاديث‪.‬‬
‫‪- 110 -‬‬

‫مبغوضة عند احلق سبحانه وملعونة بسبب ان حصوهلا ممد ومعاون يف حصول مرادات‬
‫النفس فمن امد العدو ال جرم يستحق اللعن والطرد[‪ ]1‬وامنا صار الفقر فخرا حممداي عليه‬
‫و على آله الصالة و السالم فان يف الفقر عدم حصول مراد النفس وحصول عجزها‬
‫واملقصود من بعثة االنبياء عليهم الصالة و السالم واحلكمة يف التكليفات الشرعية هو‬
‫تعجيز هذه النفس االمارة وختريبها وقد وردت الشرائع لرفع اهلوى النفساين وكلما يعمل‬
‫شئ مبقتضى الشريعة يزول من اهلوى النفساين بقدره وهلذا كان فعل شئ من االحكام‬
‫الشرعية افضل يف ازالة اهلوى النفساين من رايضات الف سنة وجماهداهتا اليت كانت من‬
‫قبل النفس بل هذه الرايضات واجملاهدات اليت مل تقع على مقتضى الشريعة الغراء مؤيدة‬
‫ومقوية للهوى النفساين ومل تقصر الربامهة واجلوكية يف الرايضات واجملاهدات شيئا ولكنها‬
‫ملا مل تكن على وفق الشريعة مل ينتفعوا هبا اصال ومل حيصل هلم غري تقوية النفس وتربيتها‬
‫(فمن) صرف مثال دانقا بنية ادآء الزكاة اليت امر هبا الشرع فهو انفع يف ختريب النفس من‬
‫صرف الف دينار من قبل نفسه وكذلك اكل الطعام يوم عيد الفطر حبكم الشريعة انفع‬
‫يف دفع اهلوى من صيام سنني من قبل نفسه وأدآء ركعيت الفجر مع اجلماعة اليت هي سنة‬
‫من السنن افضل من قيام متام الليلة ابلنافلة مع ترك اجلماعة يف الفجر وابجلملة ان النفس‬
‫ما مل ترتك من خبث ماليخوليا دعوى السيادة والرفعة فالنجاة حمال ففكر ازالة هذا املرض‬
‫ضروري كيال يفضي اىل املوت االبدي وكلمة ال اله اال هللا اليت وضعت لنفي االهلة‬
‫االفاقية واالنفسية انفع يف تزكية النفس وانسب لتطهريها و اختار اكابر الطريقة قدس هللا‬
‫اسرارهم لتزكية النفس هذه الكلمة الطيبة {شعر}‪:‬‬
‫ما دمت مل تضرب بال عنق السوى * يف قصر اال هللا لست بواصل‬

‫(‪( )1‬قوله وامنا صار الفقر اخل) اشارة ملا هو دائر بني الناس من قوله صلّى هللا عليه و سلّم الفقر فخري قال ابن حجر‬
‫وابن تيمية انه ابطل ال أصل له وقد ذكره يف الشفاء عن علي كرم هللا وجهه يف حديث طويل هبذا اللفظ على ما يف‬
‫بعض نسخه وبلفظ والعجز فخري يف بعض آخر قال القاري يف شرحه بعد الكالم فيه احلكم بوضعه وبطالنه ابعتبار‬
‫السنة ال ابعتبار مبناه املطابق معناه للكتاب يعين قوله تعاىل وهللا الغين وانتم الفقراء انتهى ملخصا‪ .‬عفي عنه‬
‫‪- 111 -‬‬

‫و ما دامت النفس يف مقام البغي والعناد ونقض العهد والفساد ينبغي ان جيدد‬
‫االميان بتكرار هذه الكلمة قال عليه الصالة و السالم جددوا[‪ ]1‬اميانكم بقول ال اله اال‬
‫هللا بل ال بد من تكرار هذه الكلمة يف مجيع االوقات فان النفس االمارة يف مقام اخلبث‬
‫دائما وقد ورد عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف فضائل هذه الكلمة حديث لو‬
‫وضعت[‪ ]2‬السموات واالرض يف كفة امليزان وهذه الكلمة يف كفة لرتجحت هذه الكفة‬
‫على األخرى و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله‬
‫الصالة االكمل و السالم االوف‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث و اخلمسون اىل السيد املذكور ايضا يف بيان ان اختالف‬


‫العلماء السوء موجب لفساد العامل و ما يناسب ذلك}‬
‫ثبتكم هللا سبحانه على جادة آابئكم الكرام قد مسعت ان سلطان االسالم‬
‫واملسلمني أمر جنابكم من حسن نشأته االسالمية اليت اودعت يف جبلته ان تنتخب‬
‫اربعة أنفار من العلماء املتدينني ليالزموه ويبينوا له املسائل الشرعية حت ال يقع امر على‬
‫خالف الشريعة احلمد هلل سبحانه على ذلك وماذا يكون للمسلمني احسن بشارة من‬
‫ذلك واي شئ يكون الهل املامت اشد تسلية مما هناك ولكن الفقري حيث كنت متوجها‬

‫(‪ )1‬عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان االميان سيخلق يف جوف احدكم كما‬
‫خيلق الثوب فا سأ لوا هللا ان جيدد االميان يف قلوبكم الطرباين يف الكبري كذا يف االمم اليقاظ اهلم للكوراين ويف رواية امحد‬
‫واحلاكم يف املستدرك بلفظ من قول ال اله اال هللا قال العزيزي اسناده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال احلافظ العراقي يف ختريج احاديث االحي اء رواه ابن السين يف عمل اليوم والليلة وصححه احلاكم عن ايب سعيد‬
‫مرفرعا قلت يف املشكاة عن ايب سعيد اخلدري قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال موسى اي رب علمين‬
‫شيئا اذكرك به او ادعوك به فقال اي موسى قل ال اله اال هللا فقال اي رب كل عبادك يقول هذا امنا اريد شيئا ختصين به‬
‫قال اي موسى لو ان السموات واالرضني السبع وضعن يف كفة وال اله اال هللا يف كفة ملالت هبن ال اله اال هللا شرح‬
‫السنة اه ‪.‬‬
‫‪- 112 -‬‬

‫حنو جانبكم العايل بواسطة هذا الغرض كما اظهرت ذلك مكررا ال اسامح نفسي وال‬
‫ارخص هلا يف السكوت والقعود عن الكتابة يف هذا الباب ابلضرورة فاملرجو مساحمتكم‬
‫اايي فان صاحب الغرض جمنون واملعروض اآلن هو ان العلماء املتدينني اقل من القليل‬
‫وهم الذين جاوزوا حب اجلاه والرايسة وخلفوه وراءهم وليس هلم مقصد ومطلب سوى‬
‫ترويج الشريعة وأتييد امللة فانه اذا كان فيهم حب اجلاه أيخذ كل واحد منهم طرفا مما‬
‫يالمي مرامه ويتمسك به ويظهر من ذلك الطرف افضليته ويورد االختالفات ويوقع‬
‫اخلالفيات يف البني وجيعل ذلك وسيلة لقرب السلطان فيكون مهم الدين ال حمالة ابرت‬
‫واقطع واختالفات العلماء هي اليت القت العامل اىل البالء يف القرن السابق فاذا كان هذا‬
‫الداء مستمرا وتلك الصحبة دائمة من اين يرجى ترويج الشريعة وكيف يكون اجملال لتأييد‬
‫امللة بل يكون ابعثا على التخريب والعياذ ابهلل سبحانه من ذلك ومن فتنة العلماء السوء‬
‫فان انتخبتم هلذا الغرض عاملا واحدا فهو افضل واحسن فان تيسر ذلك من علماء‬
‫اآلخرة فنعمت السعادة فان صحبته كربيت امحر فان مل يتيسر فاختاروا افضل هذا اجلنس‬
‫بعد التأمل الصحيح ما ال يدرك كله ال يرتك كله وال ادري ماذا اكتب فكما ان جناة‬
‫اخلالئق مربوطة بوجود العلماء كذلك خسران العامل ايضا منوط هبم وافضل العلماء افضل‬
‫العامل وشرهم شر اخلالئق قد نيطت اهلداية والضاللة هبم رأى واحد من االعزة ابليس‬
‫اللعني قاعدا على الفراغ على خالف عادته فسئله عن سر ذلك يعين متعجبا فقال‬
‫اللعني ان علماء هذا الوقت قد كفوين مؤنيت وتكفلوا يل ابالغواء واالضالل والغرض‬
‫اقدامكم على هذا األمر وشروعكم فيه بعد رعاية الفكر الصحيح والتأمل الصادق فان‬
‫االمر اذا خرج من اليد ال يقبل العالج واين وان كنت مستحييا من اظهار امثال هذه‬
‫الكلمات الرابب الفطانة الصحيحة ولكن ملا علمت ان هذا االمر وسيلة للسعادة‬
‫العظمى كنت ابعثا على التصديع‪.‬‬
‫‪- 113 -‬‬

‫{املكتوب الرابع و اخلمسون اىل السيد املذكور أيضا يف بيان ان االجتناب‬


‫من صحبة املبتدع الزم و ان ضرر صحبتهم فوق ضرر صحبة الكفار و ان‬
‫شر الفرق املبتدعة الشيعة الشنيعة و ما يناسب ذلك}‬
‫عظم هللا سبحانه أجركم ورفع قدركم ويسر أمركم وشرح صدركم حبرمة سيد البشر‬
‫املطهر عن زيغ البصر عليه و على آله الصالة االوف و السالم االوفر قد ورد ان من مل‬
‫يشكر الناس مل يشكر هللا فشكر احساانتكم الزم لنا فانكم كنتم أوال سببا جلمعية حضرة‬
‫شيخنا فطلبنا احلق سبحانه بربكتكم يف تلك اجلمعية ونلنا حظا وافرا من تلك االمنية وملا‬
‫بلغت النبوة هذه الطبقة حبكم كربت مبوت الكرباء كنتم مرة اثنية واسطة اجتماع الفقراء‬
‫وابعثا على انتظام نظام الطالبني الغرابء فجزاكم هللا سبحانه عنا خري اجلزاء { شعر}‪:‬‬
‫و لو ان يل يف كل منبت شعرة * لساان يبث الشكر كنت مقصرا‬
‫و املأمول من احلق سبحانه ان حيفظكم عما ال يليق جبنابكم يف الدنيا واآلخرة‬
‫حبرمة جدكم سيد املرسلني عليه و على آله من الصلوات أمتها ومن التسليمات أكملها‬
‫وقد بعد هذا الفقري عن صحبتكم وأنى وال أدري ان أي قسم من الناس يف جملسكم‬
‫الشريف ومن أنيسكم وجليسكم يف حمفلكم املنيف {شعر}‪:‬‬
‫من مقليت طار املنام تفكرا * من كان من ندمائكم و ضجيعكم‬
‫و أيقنوا ان فساد صحبة املبتدع أزيد من فساد صحبة الكافر واخبث مجيع‬
‫املبتدعني وأخسهم طائفة يبغضون اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وقد قال هللا‬
‫تعاىل يف القرآن اجمليد هلؤآلء الطائفة كفارا حيث قال سبحانه و تعاىل ليغيظ هبم الكفار‬
‫واملبلغون للقرآن والشريعة هم االصحاب فان كان االصحاب مطعوان فيهم يلزم الطعن يف‬
‫القرآن والشريعة والقرآن مجعه عثمان بن عفان عليه الرضوان فان كان عثمان مطعوان فيه‬
‫كان القرآن مطعوان فيه أعاذان هللا سبحانه مما يعتقده الزاندقة واالختالف الواقع بني‬
‫االصحاب عليهم الرضوان وكذا اجلدال والقتال ليس مبحمول على اهلوى النفساين فان‬
‫‪- 114 -‬‬

‫نفوسهم قد تزكت يف صحبة خري البشر وختلصت من وصف االمارية ولكن الذي نعتقده‬
‫ان احلق كان يف طرف علي كرم هللا وجهه واخلطأ يف طرف خمالفيه ولكن هذا اخلطأ خطأ‬
‫اجتهاد ي وهو ال يبلغ حد الفسق بل ال جمال للمالمة يف مثل هذا اخلطأ وللمخطئ فيه‬
‫درجة واحدة من الثواب ويزيد البعيد عن السعادة ليس من األصحاب فال كالم ألحد يف‬
‫كونه بعيدا عن ساحة السعادة فان االمر الذي فعله هو ال يفعله كفار افرنج وقد توقف‬
‫بعض العلماء من أهل السنة يف لعنه ال لكونه راضيا عنه او بفعله بل رعاية الحتمال‬
‫رجوعه وتوبته وينبغي أن يقرأ يف اجمللس الشريف كل يوم شئ من كتب قطب الزمان‬
‫خمدوم العامل ليعلم أنه كيف مدح أصحاب النيب عليه وعليهم الصالة و السالم وأبي نوع‬
‫من اآلداب ذكرهم حت يكون املخالفون حمجوبني وخمذولني وقد غاىل هذه الطائفة‬
‫الباغية الطاغية يف هذه االايم غلوا كثريا وعتوا عتوا كبريا وانتشروا يف اآلفاق واالكناف‬
‫فكتبنا يف بيان فسادهم كلمات هبذا السبب لئال تتطرق هذه الطائفة اىل اجمللس الشريف‬
‫وكيال يكون هلم اعتبار يف ذلك احملفل املنيف ثبتكم هللا سبحانه على الطريقة املرضية‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس و اخلمسون اىل السيد عبد الوهاب البخاري يف اظهار‬


‫احملبة}‬
‫قد ظهرت يف قليب حمبة جلنابكم من مدة مديدة غري االرتباط الذي حتقق سابقا‬
‫فنحن مشغولون بدعائكم اخلري من ظهر الغيب بال اختيار بناء على تلك احملبة وحيث‬
‫[‪]1‬‬
‫ورد من سيد الكائنات ومفخر املوجودات عليه و على آله الصلوات و التسليمات من‬
‫احب اخاه فليعلم اايه رأيت ان اظهار حيب أوىل وانسب وهبذه احملبة املتعلقة ابقرابء النيب‬

‫(‪ )1‬أمحد والبخاري يف االدب املفرد والرتمذي يف الزهد وابن حبان واحلاكم وصححه عن املقدام بن معديكرب وابن‬
‫حبان عن انس والبخاري يف االدب عن رجل من الصحابة بلفظ اذا احب احدكم اخاه فليعلم انه حيبه شرح اجلامع‬
‫الصغري‪.‬‬
‫‪- 115 -‬‬

‫صلّى هللا عليه و سلّم حصل يف اليد حبل الرجاء التام رزقنا هللا سبحانه االستقامة على‬
‫حمبتهم حبرمة سيد البشر عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السادس و اخلمسون اىل الشيخ عبد الوهاب ايضا يف تفويض‬


‫شخص من السادات}‬
‫ان جناب قدس السادات كثري الربكات بواسطة اجلزئية من سيد االولني واآلخرين‬
‫عليه و على آله الصلوات والتحيات اجل من أن يبني منقبتهم وحممدهتم ابللسان اال ان‬
‫جنرتئ يف هذا الباب ليكون مدحهم سببا لسعادتنا بل امنا مندح انفسنا يف ضمنه ونظهر‬
‫املودة اليت امران هللا هبا اللهم اجعلنا من حمبيهم حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم وحامل العريضة هذه السيد أمحد من زمرة السادات ومن مجلة طلبة‬
‫العلوم ومن مجاعة الصاحلني وقد توجه اىل تلك احلدود من جهة ضيق املعيشة فان كان‬
‫يف الباب العايل جمال فاملشار اليه الئق ابلنظر واالمداد ومستحق يف الغاية واال فينبغي‬
‫تفويضه اىل شخص من املخلصني ليجعله مطمئنا من جهة املعيشة وملا تيقنت ان‬
‫جلنابكم توجها امت يف احوال الفقراء واحملتاجني و على اخلصوص يف امداد السادات‬
‫العظام اقدمنا على حترير كلمات واملذكور وان مل يستسعد وقت الذهاب بسعادة الرخصة‬
‫اال أنه داخل يف زمرة املخلصني رزقنا هللا سبحانه االستقامة واالخالص يف حمبتهم والزايدة‬
‫على ذلك انبساط‪.‬‬

‫{املكتوب السابع و اخلمسون اىل الشيخ حممد يوسف يف النصيحة}‬


‫رزقكم هللا سبحانه االستقامة على جادة آابئكم الكرام حبرمة سيد املرسلني عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم إعلم أن السؤدد والرايسة واحلشمة موروثة يف مجاعتكم فينبغي‬
‫‪- 116 -‬‬

‫أن تكون معيشتكم ومعاشرتكم على هنج يتيسر لكم استحقاق هذه الوراثة اعين حتلية‬
‫الظاهر بظاهر الشريعة وتزيني الباطن بباطنها الذي هو عبارة عن احلقيقة فان الطريقة‬
‫واحلقيقة عباراتن عن حقيقة الشريعة والطريقة هي نفس تلك احلقيقة ال ان الشريعة امر‬
‫والطريقة واحلقيقة امران آخران مغايران هلا فان اعتقاد ذلك احلاد وزندقة وظن الفقري بكم‬
‫حسن جدا واجعل بعض الوقائع شاهدا هلذا املعن وقد اظهرت نبذة من ذلك لوالدكم‬
‫املاجد وبقية املرام أن الشيخ عبد الغين رجل حملي ابلصالح وحسن الشيمة فان راجع‬
‫خدمتكم يف امر من االمور فاملرجو منكم بذل االلتفات اليه و السالم واالكرام‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن و اخلمسون اىل السيد حممود يف بيان ان هذا الطريق كله‬
‫سبع خطوات و ان مشائخ النقشبندية اختاروا ابتداء السري من عامل االمر‬
‫خبالف مشائخ السالسل اآلخر و أن طريق هؤالء االكابر هو طريق‬
‫االصحاب الكرام و ما يناسب ذلك}‬
‫قد ورد مكتوبكم الشريف وملا فهمت منه شوقكم اىل استماع كلمات هؤالء‬
‫الطائفة العلية اردت ان احرر ابلضرورة كلمات اجابة للمسؤل وترغيبا يف املأمول ايها‬
‫املخدوم ان هذا الطريق الذي حنن يف صدد قطعه كله سبع اقدام بعدد اللطائف السبع‬
‫االنسانية قدمان منها يف عامل اخللق يتعلقان ابلقالب أعين البدن العنصري والنفس ومخسة‬
‫منها يف عامل االمر مربوطة ابلقلب والروح والسر واخلفي واالخفى ويف كل قدم من هذه‬
‫[‪]1‬‬
‫االقدام السبع ترتفع عشرة آالف حجاب نورانية كانت تلك احلجب أو ظلمانية ان‬

‫(‪ )1‬احلديث رواه يف املشكاة من قول جربيل كان بيين وبينه سبعون ألف حجاب وترك البياض مث احلق بعض الشراح‬
‫روى ابن حبان يف صحيح عن ابن عمر وقال ابن حجر انه صحيح مث ذكر من الصحابة جبري ابن مطعم وان تعقب‬
‫عليه علي القاري ابن ذكر العدد غري صحيح ونفس احلجاب يف صحيح مسلم من رواية ايب موسى مرفوعا حجاب‬
‫من النور لو كشفه الحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه قلت احلديث الذي يف املشكاة غري الذي‬
‫‪- 117 -‬‬

‫هلل سبعني ألف حجاب من نور وظلمة ففي القدم األوىل اليت توضع يف عامل االمر يظهر‬
‫التجلي االفعايل ويف الثانية التجلي الصفايت ويقع الشروع يف التجليات الذاتية يف الثالثة مث‬
‫ومث على تفاوت درجاهتا كما ال خيفى على أرابهبا ويف كل خطوة من اخلطوات السبع‬
‫يبعد السالك عن نفسه ويقرب من ربه سبحانه حت يتم القرب بتمام هذه االقدام‬
‫فحينئذ يتشرف ابلفناء والبقاء ويبلغ درجة الوالية اخلاصة واختار مشائخ النقشبندية العلية‬
‫قدس هللا اسرارهم السنية ابتداء هذا السري من عامل االمر وهم يقعطون مسافة عامل اخللق‬
‫أيضا يف ضمن هذا السري خبالف مشائخ سالسل أخر قدس هللا أسرارهم وهلذا كان‬
‫طريق النقشبندية أقرب الطرق فال جرم صارت هناية غريهم مندرجة يف بدايتهم {ع}‪:‬‬
‫يدل على حسن الزمان ربيعه‬
‫و طريق هؤالء االكابر هو بعينه طريق الصحابة الكرام رضوان هللا عليهم أمجعني‬
‫فان ما حصل لالصحاب يف أول صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫بطريق اندراج النهاية يف البداية قلما حيصل لكمل االولياء يف النهاية وهلذا كان الوحشي‬
‫قاتل محزة رضي هللا عنه أفضل من اويس القرين الذي هو خري التابعني لنيله صحبة النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم مرة واحدة سئل عبد هللا بن املبارك أيهما افضل معاوية أو عمر بن‬
‫عبد العزيز فقال وهللا للغبار الذي دخل انف فرس معاوية مع رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم خري من عمر ابن عبد العزيز كذا مرة[‪ ]1‬فينبغي ان يتأمل يف انه اذا كان بداية مجاعة‬
‫حبيث اندرجت فيها هناية غريهم ماذا تكون هنايتهم وكيف يسعها ادراك اآلخرين وما يعلم‬
‫جنود ربك اال هو {شعر}‪:‬‬
‫لو عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم من افحش الكلم‬

‫اخرجه مسلم والذي يف املشكاة اورده السيوطي يف حديث طويل جدا وعزاه اىل ابن زجنويه عن علي بن يزيد اهلاليل‬
‫عن القاسم بن عبدالرمحن عن ايب امامة مرفوعا بلفظ اي حممد لقد دنوت من هللا دنوا ما دنوت مثله قط فكان بيين‬
‫وبينه سبعون ألف حجاب من نور احلديث بطوله مث قال حم القاسم بن عبدالرمحن حدث عنه علي بن يزيد ابعاجيب‬
‫ما اراها اال من قبل القاسم انتهى ‪ .‬عفي عنه‬
‫(‪ )1‬يف الفتاوى احلديثية البن حجر من مائة وواحد مثل ابن عبدالعزيز اه ‪.‬‬
‫‪- 118 -‬‬

‫هل يقطع الثعلب احملتال سلسلة * قيدت هبا أسد الدنيا أبسرهم‬
‫رزقنا هللا سبحانه واايكم حمبة هؤالء الطائفة العزيزي الوجود والورقة وان كانت‬
‫حمقرة ولكنها قد اندرجت فيها معارف عالية وحقائق سامية فينبغي اعزازها يعين من‬
‫أجلها‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع و اخلمسون اىل السيد حممود ايضاً يف بيان انه ال بد يف‬
‫حصول النجاة من أمور ثالثة و اهنا ال تتصور بدون اتباع أهل السنة و‬
‫اجلماعة و ان العلم و العمل متعلقان ابلشريعة و االخالص منوط بسلوك‬
‫طريق الصوفية و ما يناسب ذلك}‬
‫رزقنا هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية واالقبال على جناب قدسه ابلكلية وقد وردت الصحيفة الشريفة املشتملة‬
‫على املفاوضة املنيفة فصارت موجبة للفرح واتضحت املقدمات املنبئة عن حمبة الفقراء‬
‫واالخالص هلؤالء الطائفة الغرابء اللهم زد واندرج فيها أيضا طلب الفوائد فاعلم أيها‬
‫املخدوم وال بد لالنسان من ثالثة أشياء حت تتيسر النجاة االبدية العلم والعمل‬
‫واالخالص والعلم على قسمني قسم املقصود منه العمل وقد تكفل ببيانه علم الفقه وقسم‬
‫املقصود منه جمرد االعتقاد واليقني القليب وذكر هذا القسم يف علم الكالم ابلتفصيل على‬
‫مقتضى آ راء اهل السنة واجلماعة الذين هم الفرقة الناجية وال امكان للنجاة وال مطمع‬
‫الحد فيها بدون اتباع هؤالء االكابر فان وقعت املخالفة هلم مقدار شعرة فاالمر يف خطر‬
‫اي خطر وهذا الكالم قد بلغ من الصحة مرتبة اليقني ابلكشف الصحيح واالهلام‬
‫الصريح ايضا ال احتمال فيه للتخلف فطوىب ملن وفق ملتابعتهم وتشرف بتقليدهم وويل‬
‫اضل وانكر الرؤية والشفاعة‬
‫ملن خالفهم واعتزهلم ورفض اصوهلم وخرج من زمرهتم فضل و ّ‬
‫وخفى عليه فضيلة الصحبة وفضل الصحابة وحرم حمبة اهل بيت الرسول ومودة اوالد‬
‫‪- 119 -‬‬

‫البتول فمنع من خري كثري انهلا اهل السنة واتفقت الصحابة على ان أفضلهم ابو بكر قال‬
‫االمام الشافعي رضي هللا عنه وهو اعلم ابحوال الصحابة اضطر الناس بعد رسول هللا‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم فلم جيدوا حتت ادمي السماء خريا من ايب بكر فولوه رقاهبم وهذا‬
‫تصريح منه ابن الصحابة متفقون على أفضلية الصديق فيكون امجاعا على أفضليته يف‬
‫الصدر االول فيكون قطعيا ال يسوغ انكاره وأهل بيت الرسول مثلهم كمثل سفينة نوح‬
‫من ركبها جنا ومن ختلف عنها هلك قال بعض العارفني ان رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم جعل أصحابه كالنجوم[‪ ]1‬وابلنجم هم يهتدون وشبه أهل بيته بسفينة نوح اشارة اىل‬
‫ان راكب السفينة البد له من رعاية النجوم ليأمن من اهلالك وبدون رعاية النجوم النجاة‬
‫ممتنعة ومما ينبغي ان يعلم ان االنكار على بعض انكار على مجيعهم فاهنم يف فضيلة‬
‫صحبة خري البشر مشرتكون وفضيلة الصحبة فوق مجيع الفضائل والكماالت وهلذا مل يبلغ‬
‫اويس القرين الذي هو خري التابعني مرتبة ادىن من صحبه عليه الصالة و السالم فال‬
‫تعدل بفضيلة الصحبة شيئا كائنا ما كان فان امياهنم بربكة الصحبة وشهود نزول الوحي‬
‫صار شهوداي ومل يتفق الحد بعد الصحابة هذه املرتبة من االميان واالعمال متفرعة على‬
‫االميان كماهلا حبسب كمال االميان وما جرى بينهم من املشاجرات واملنازعات فمحمول‬
‫على حمامل صاحلة وحكم ابلغة ما كانت عن هوى وجهل ولكن عن اجتهاد وعلم فان‬
‫اخطأ بعضهم يف االجتهاد فللمخطئ ايضا درجة عند هللا سبحانه هذا هو الطريق الوسط‬
‫بني االفراط والتفريط الذي اختاره أهل السنة واجلماعة وهو الطريق االسلم والسبيل‬
‫االحكم وابجلملة ان العلم والعمل مستفادان من الشريعة وحتصيل االخالص الذي هو‬
‫مبنزلة الروح للعلم والعمل مربوط بسلوك طريقة الصوفية ومامل يقطع السالك مسافة السري‬
‫اىل هللا ومل يتحقق له السري يف هللا فهو بعيد من حقيقة االخالص وحمروم من كماالت‬

‫(‪( )1‬اشارة اىل ما هو املشهور على االلسنة من قول اصحايب كالنجوم اخل) واحلديث متكلم فيه وقد اخرج املسلم عن‬
‫ايب موسى االشعري بلفظ النجوم أمنة اهل السماء فاذا ذهبت النجوم اتى اهل السماء ما يوعدون وأصحايب أمنة‬
‫الميت فاذا ذهب اصحايب اتى اميت مبا يوعدون انتهى عفي عنه‬
‫‪- 120 -‬‬

‫املخلصني أهل االختصاص نعم قد يتحقق االخالص يف بعض االعمال لعامة املؤمنني‬
‫ابلتعمل والتكلف ولو يف اجلملة ولكن االخالص الذي حنن يف صدد بيانه هو االخالص‬
‫يف مجيع االفعال واالقوال واحلركات والسكنات من غري تعمل وتكلف فيه وحصول هذا‬
‫االخالص منوط ابنتفاء اآلهلة اآلفاقية واالنفسية الذي هو مربوط ابلفناء والبقاء والوصول‬
‫ابلوالية اخلاصة واالخالص الذي حيتاج فيه اىل التعمل والتكلف ال يكون له دوام والبد‬
‫من سقوط التكلف يف حصول الدوام الذي هو مرتبة حق اليقني وأولياء هللا تعاىل كلما‬
‫يفعلونه يفعلونه هلل جل وعال ال حلظوظ نفوسهم فان نفوسهم كانت فداء احلق سبحانه‬
‫وال حاجة هلم اىل تصحيح النية يف حصول االخالص فان نيتهم قد صحت ابلفناء يف‬
‫هللا والبقاء ابهلل فان شخصا مثال اذا كان أسريا يف يد نفسه فكلما يفعله يفعله حلظ نفسه‬
‫نوى أو مل ينو و مت زال تعلقه بنفسه وختلص من ربقة رقيتها وحصل بدله التعلق ابحلق‬
‫جل وعال فال جرم يفعل كلما يفعله هلل نوى او مل ينو فان النية امنا حيتاج اليها يف احملتمل‬
‫وأما املتعني فال حاجة فيه التعيني اىل ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل‬
‫العظيم وصاحب االخالص الدائم هو من املخلصني بفتح الالم ومن ال دوام يف اخالصه‬
‫بل هو يف كسب االخالص دائما فهو من املخلصني بكسر الالم وشتان ما بينهما والنفع‬
‫الذي حيص ل يف العلم والعمل من طريق الصوفية هو أن تكون العلوم الكالمية االستداللية‬
‫كشفية وأن حيصل اليسر التام يف اداء االعمال وأن يزول الكسل الناشئ من جانب‬
‫النفس والشيطان {ع}‪:‬‬
‫و هذي سعادات تكون نصيب من‬
‫و السالم أوال و آخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الستون اىل السيد حممود ايضاً يف بيان نفي اخلواطر و دفع‬
‫الوساوس الكلية و ما يناسب ذلك}‬
‫‪- 121 -‬‬

‫شرف هللا سبحانه و تعاىل بدوام التعلق جبناب قدسه فان حقيقة احلرية امنا هي يف‬
‫ذلك التحقق ومنع اخلواطر ودفع الوساوس حاصل يف طريقة خواجكان قدس هللا اسرارهم‬
‫على الوجه االمت حت جلس بعض مشائخ هذه الطائفة االربعني ملالحظة خطور اخلواطر‬
‫ومنعها عن ساحة صدره يف هذه املدة كلها قال حضرة اخلواجة عبيد هللا االحرار قدس‬
‫هللا سره يف هذا املقام ان املراد بعدم خطور اخلواطر ودفعها هي اخلواطر اليت تكون مانعة‬
‫من دوام التوجه اىل املطلوب ال دفع اخلواطر مطلقا يقول واحد من خملصي هذه السلسلة‬
‫العلية خمربا عن حاله حبكم واما بنعمة ربك فح ّدث ان نفي اخلواطر عن القلب يبلغ حدا‬
‫لو اعطيت عمر نوح على نبينا وعليه الصالة و السالم فرضا ال خيطر على قليب شئ من‬
‫اخلواطر ال أنه متكلف يف هذا الدفع فان كل شئ كان حصوله ابلتكلف فهو موقت ال‬
‫يقبل الدوام ب ل لو تكلف يف اتيان اخلواطر وايقاعها سنني ال يتسري أصال وتعيني االربعني‬
‫ينبئ عن التكلف والتكلف امنا هو يف مرتبة الطريقة واما احلقيقة فهي التخلص من‬
‫التعمل والتكلف ايد كرد يف الطريقة وايدداشت يف احلقيقة فتحقق ان دوام التوجه اىل‬
‫املطلوب على تقدير حتقق منع اخلواطر املوقت بوقت من العشر واالربعني حمال ملا مر من‬
‫أن التكلف يف مرتبة الطريقة والدوام غري متصور يف الطريقة وامنا هو يف احلقيقة وذلك‬
‫لعدم جمال للتكلف يف ذلك املوطن فورود اخلاطر وخطوره يف مرتبة التكلف يكون مانعا‬
‫من دوام التوجه والذي حيصل لقلوب مبتدئ هذه السلسلة العلية من دوام التوجه فهو‬
‫أمر آخر وما حنن بصدد بيانه فعبارة عن ايد داشت الذي هو هناية مرتبة الكمال قال‬
‫حضرة اخلواجة عبد اخلالق قدس سره ليس وراء ايد داشت غري االوهام والظنون يعين‬
‫ليس وراءه مرتبة أخرى واملقصود من اظهار امثال هذه االحوال هو ترغيب طاليب هذه‬
‫الطريقة العلية وان مل يزد للمنكرين غري االنكار شيئا يضل به كثريا و يهدي به كثريا (قال‬
‫يف املثنوي)‬
‫خاب الذي قد يرى ذا القبح كاحلسن * وفاز من كان فيه حدة البصر‬
‫النيل كان دما للقبط ولبين * يعقوب ماء وذا من أعظم العرب‬
‫‪- 122 -‬‬

‫و السالم و االكرام‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي و الستون اىل السيد حممود ايضا يف التحريض على‬


‫صحبة الشيخ الكامل املكمل و االجتناب عن صحبة الناقص و ما يناسب‬
‫ذلك}‬
‫رزقكم هللا سبحانه الزايدة يف طلبه واالجتناب عن كلما ينايف الوصول اىل املطلب‬
‫حبرمة سيد البشر احملرر عن زيغ البصر عليه و على آله الصلوات و التسليمات قد شرف‬
‫مكتوبكم الشريف بوصوله وملا كان منبئا عن الطلب والشوق ومشعرا بوجود اهليام والظمأ‬
‫والذوق كان لدى النظر مستحسنا جدا فان وجود الطلب مبشر حبصول املطلوب‬
‫وحصول اهليام مقدمة الوصول اىل املقصود وقال احد من االعزة ان طلبت تعطي وان مل‬
‫تعط تزاد فينبغي ان يعد حصول دولة الطلب نعمة عظمى وان حيرتز من كلما ينافيها لئال‬
‫يتطرق الفتور اليها من غري شعور وكيال تؤثر الربودة يف تلك احلرارة ومعظم أسباب‬
‫احملافظة عليها هو القيام بشكر حصول تلك الدولة لئن شكرمت الزيدنكم ودوام االلتجاء‬
‫والتضرع اىل جناب قدس احلق جل سلطانه حت ال يصرف وجه طلبه عن كعبة مجاله‬
‫الاليزايل فان مل تتيسر حقيقة االلتجاء والتضرع ينبغي ان ال يقصر يف صورة االلتجاء‬
‫والتضرع فان مل تبكوا فتباكوا بيان هلذا املعن وهذه احملافظة امنا هي اىل زمان الوصول اىل‬
‫الشيخ الكامل املكمل مث بعد الوصول اليه ال شئ عليه سوى تفويض مجيع مراداته اليه‬
‫وكونه كامليت بني يدي الغسال لديه والفناء االول هو الفناء يف الشيخ و يكون هذا‬
‫الفناء وسيلة الفناء يف هللا {شعر}‪:‬‬
‫من اجل كونك يف البداية احوال * ال بد من شيخ يقودك اوال‬
‫فان طريق االفادة و االستفادة مبين على وجود املناسبة بني الطرفني (والطالب) ال‬
‫بد له أو ال من برزخ ذي جهتني لكونه يف االبتداء يف غاية الدانئة وهناية اخلساسة وعدم‬
‫‪- 123 -‬‬

‫مناسبته اصال جلناب قدسه جل سلطانه من هذه احليثية وذلك الربزخ هو الشيخ الكامل‬
‫املكمل واقوى اسباب وقوع الفتور على طلب الطالب هو االانبة اىل الشيخ الناقص وهو‬
‫الذي جلس على مسند املشيخة بدون امتام أمره ابلسلوك واجلذبة فصحبته سم قاتل‬
‫للطالب واالانبة اليه مرض مهلك ومثل هذه الصحبة تورث االحنطاط والتنزل لالستعداد‬
‫العايل بل ترميه من الذروة اىل احلضيض اال ترى ان املريض اذا أكل مثال دواء من طبيب‬
‫انقص يف الطب فال جرم يكون ذلك سعيا واجتهادا منه يف زايدة مرضه وتضييع قابلية‬
‫ازالة مرضه وهذا الدواء وان اورث تسكني الوجع وختفيفا ما يف اول وهلة ولكن يف‬
‫احلقيقة هو عني املضرة فان وصل هذا املريض فرضا اىل طبيب حاذق جيتهد هذا الطبيب‬
‫اوال يف ازالة أتثري ذلك الدواء ويعاجله ابملسهالت يعين ألخراجه مث يشرع يف معاجلة ازالة‬
‫املرض بعد ذوال ذلك التأثري ومدار طريق هؤالء االكابر على الصحبة ال حيصل فيه شئ‬
‫من القيل والقال والسماع العاري عن األحوال بل يورث ذلك فتورا يف طلب الرتقي اىل‬
‫مدارج القرب والكمال وحيتمل أن يقع السري اىل جانب دهلي واكره بعد اايم فان‬
‫أوصلت نفسك هناك واستفدت ابملشافهة شيئا مث رجعت بال أتخري يكون حسنا والزايدة‬
‫على ذلك تصديع وأجوبة بقية االسئلة ان الشيخ اتج صاحب املعارف واالبتهاج مغتنم‬
‫يف ذلك الطرف فانه رجل حمتشم وعظيم الشأن جدا ولكن استعدادك اىل طريقه قليلة‬
‫جدا وحصول املطلوب من غري رابطة املناسبة متعسر واالمر مفوض اليكم فان كتبتم من‬
‫أحوالكم شيئا يف بعض االحيان لنكتب من هذا اجلانب يف جوابه شيئا لكان مناسبا فان‬
‫تلك احليثية تكون ابعثة على حترك سلسلة االخالص دائما‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين و الستون اىل جانب املرزا حسام الدين أمحد يف بيان أن‬
‫اجلذبة اليت هي قبل السلوك ليست من املقاصد بل هي وسيلة لقطع منازل‬
‫السلوك ابلسهولة و اجلذبة اليت من املقاصد امنا هي بعد السلوك و ما‬
‫‪- 124 -‬‬

‫يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان طريق الوصول مركب من‬
‫جزأين جذبة وسلوك وبعبارة أخرى تصفية وتزكية واجلذبة اليت هي مقدمة على السلوك‬
‫ليست من املقاصد والتصفية اليت قبل التزكية ليست من املطالب واجلذبة املقصودة‬
‫والتصفية املطلوبة امنا مها احلاصلتان بعد متام السلوك وحصول التزكية اليت هي يف السري يف‬
‫هللا وفائدة اجلذبة والتصفية السابقتني للسلوك والتزكية امنا هي تسهيل مسالك السلوك‬
‫فان االمر ال حيصل بدون السلوك ومجال املطلوب ال يتجلي من غري قطع املنازل واجلذبة‬
‫األوىل كالصورة للجذبة الثانية ال مناسبة بينهما يف احلقيقة يعين سوى هذا فاملراد ابندراج‬
‫النهاية يف البداية كما ورد ذلك يف عبارات مشائخ هذه السلسلة العلية هو اندراج صورة‬
‫النهاي ة يف البداية واال فالبداية ال تسع حقيقة النهاية وال مناسبة بني النهاية والبداية‬
‫وحتقيق هذا املبحث مذكور ابلتفصيل يف الرسالة اليت حررهتا لتحقيق حقيقة اجلذبة‬
‫والسلوك وأمثاهلا واحلاصل أن العبور من الصورة اىل احلقيقة ضروري واالكتفاء من احلقيقة‬
‫ابلصورة مهجوري ح ققنا هللا سبحانه ابحلقيقة احلقة وجنبنا عن الصورة الباطلة حبرمة النيب‬
‫املختار وآله االبرار عليه وعليهم من الصلوات اكملها ومن التحيات أفضلها‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث و الستون اىل السيد النقيب الشيخ فريد يف بيان ان‬
‫االنبياء عليهم الصالة و السالم متفقون يف أصول الدين و اختالفهم امنا‬
‫هو يف الفروع و بيان بعض كلماهتم املتفقة}‬
‫ثبتنا هللا تعاىل واايكم على جادة اابئكم الكرام على أفضلهم أصالة و على بواقيهم‬
‫متابعة الصالة والسالة واعلم ان االنبياء صلوات هللا تعاىل وتسليماته وبركاته على مجيعهم‬
‫عموما و على افضلهم خصوصا كلهم رمحات من هللا سبحانه استسعد العامل بتوسط‬
‫‪- 125 -‬‬

‫هؤالء العظام ابلنجاة االبدية وختلصوا من البليات السرمدية فلوال وجودهم الشريف ملا‬
‫أخرب احلق سبحانه الذي هو الغين املطلق احدا من أهل العامل عن ذاته وصفاته تعاىل‬
‫وتقدس وملا دل عليها احدا وملا أهدى اىل معرفته شخصا أبدا وملا كلف عباده ابمتثال‬
‫أوامره واالنتهاء عن مناهيه سرمدا الذين كلفهم هبما مبحض كرمه لنفعهم وملا امتازت‬
‫مرضياته تعاىل من غري مرضياته فشكر هذه النعمة العظمى أبي لسان يؤدى وملن يكون‬
‫جمال اخلروج عن عهدته احلمد هلل الذي أنعم علينا وهداان اىل االسالم وجعلنا من‬
‫مصدقي االنبياء عليهم الصالة و السالم وهؤالء العظام متفقون يف االصول وكلمتهم‬
‫متحدة يف ذات احلق وصفاته تعاىل وتقدس ويف احلشر والنشر وارسال الرسل ونزول امللك‬
‫وورود الوحي ونعيم اجلنة وعذاب اجلحيم بطريق اخللود والتأبيد واختالفهم امنا هو يف‬
‫بعض االحكام املتعلقة بفروع الدين وذلك الن احلق سبحانه أرسل يف كل زمان اىل انبياء‬
‫ذلك الزمان بعض االحكام املناسبة لذلك الزمان بطريق الوحي وكلفهم ابحكام خمصوصة‬
‫والنسخ والتبديل دائران على حكم من احلق سبحانه ومصاحل وكثريا ما وردت اىل نيب‬
‫صاحب شريعة يعين مستقلة احكام متضادة يف أوقات خمتلفة بطريق النسخ والتبديل ومن‬
‫كلماهتم املتحدة وعباراهتم املتفقة نفي عبادة غري احلق سبحانه ومنع االشرتاك معه تعاىل‬
‫وتقدس ومنع املخلوقات عن اختاذ بعضهم بعضا اراباب من دون هللا وهذا احلكم خمصوص‬
‫ابالنبياء ومل يشرف هبذه الدولة غري متابعيهم ومل يتكلم هبذا الكالم احد غري االنبياء‬
‫والذين ينكرون األنبياء وان أقروا بوحدانية احلق سبحانه ولكن حاهلم غري خال عن أحد‬
‫أمرين اما تقليد أهل االسالم واما التوحيد يف وجوب الوجود فقط دون استحقاق العبادة‬
‫خبالف اهل االسالم يعين اتباع االنبياء الكرام فاهنم يوحدونه سبحانه يف وجوب الوجود‬
‫ويف استحقاق العبادة فان املراد بنطق كلمة ال اله اال هللا نفي اآلهلة الباطلة واثبات املعبود‬
‫ابحلق ومما خيتص هبؤالء العظام اعتقاد انفسهم بشرا مثل سائر الناس واعتقاد ان االله‬
‫املعبود هو احلق سبحانه ودعوة الناس اليه تعاىل وتنزيهه جل شأنه عن احللول واالحتاد‬
‫ومنكروا النبوة ليسوا كذلك بل رؤسائهم يدعون االلوهية ويثبتون حلول احلق يف أنفسهم‬
‫‪- 126 -‬‬

‫وال يتحاشون من دعوى استحقاق العبادة واطالق اسم االلوهية على انفسهم فال جرم‬
‫اهنم ال يزالون خيلعون ربقة العبودية عن رقاهبم ويقعون يف منكرات االفعال ومستقبحات‬
‫االعمال ويسلكون سبيل االابحة ويزعمون ان هللا غري ممنوع من شئ اصال وكلما يقولونه‬
‫حيسبونه صوااب وكلما يفعلون يزعمونه مباحا ضلوا فاضلوا فويل هلم والتباعهم والشياعهم‬
‫ومما اتفق عليه االنبياء عليهم الصالة و السالم وحرمه منكروهم وصاروا ال نصيب هلم من‬
‫هذه الدولة اهنم عليهم الصالة و السالم قائلون بنزول املالئكة الكرام الذين هم‬
‫معصومون مطلقا من اآلاثم وليس فيهم تلوث وتعلق ابألانم ومعتقدون اهنم أمناء الوحي‬
‫ومحلة كالم هللا تعاىل وتقدس يعين اىل االنبياء العظام فكلما يقوله هؤالء االكابر يقولونه‬
‫من احلق سبحانه وكلما يبلغون يبلغونه منه تعاىل واحكامهم االجتهادية ايضا مؤيدة‬
‫ابلوحي فان وقعت منهم زلة فرضا تداركها هللا سبحانه يف احلال ابلوحي القاطع ورؤساء‬
‫املنكرين الذين يدعون االلوهية كلما يقولون يقولونه من قبل أنفسهم وحيسبونه صوااب‬
‫بواسطة زعم االلوهية فينبغي االنصاف لو ان شخصا زعم نفسه من كمال قلة العقل اهلا‬
‫مستحقا للعبادة وهبذا الزعم الفاسد يرتكب أفعاال قبيحة أي اعتبار يكون يف كالمه وما‬
‫الباعث واملدار على اتباعه {ع}‪:‬‬
‫و كل اانء ابلذي فيه ينضح‬
‫و ايراد امثال هذه الكلمات امنا هو لزايدة االيضاح واال فاحلق ممتاز عن الباطل‬
‫والنور مباين ومغاير للظلمة جاء احلق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا اللهم ثبتنا على‬
‫متابعة هؤالء االكابر عليهم الصالة و السالم أوال وآخرا وبقية املقصود ان جنابكم أعلم‬
‫ابلسيدميان پ ري كمال فما احلاجة اىل الكتابة يف هذا الباب ولكن نكتب هذا القدر ان‬
‫الفقري حمظوظ مبودته من مدة ازمان وفيه اشتياق تقبيل العتبة العلية من مدة مديدة ولكن‬
‫اآلن طرأ عليه الضعف حبسب االبدان حت صار صاحب فراش منذ ازمان وبعد القيام‬
‫يتوجه حنو ذلك اجلانب العايل راجيا العناية من حضرتكم حمط اآلمال واالماين‪.‬‬
‫‪- 127 -‬‬

‫{املكتوب الرابع و الستون اىل السيد النقيب الشيخ فريد يف بيان اللذة و‬
‫االمل اجلسمانيني و الروحانيني و التحريض على حتمل املصائب و اآلالم‬
‫اجلسمانية و ما يناسب ذلك}‬
‫سلمكم هللا سبحانه وعافاكم يف الدارين حبرمة سيد الثقلني عليه و على آله‬
‫الصلوات و التسليمات واعلم ان لذة الدنيا واملها على قسمني جسماين وروحاين وكل‬
‫شئ فيه لذة للجسم فيه أمل للروح وكل شئ فيه أمل للجسم فيه التذاذ للروح فالروح واجلسم‬
‫ضدان ويف هذه النشأة اليت تنزلت الروح فيها اىل مقام اجلسم وتعلقت به اكتسبت حكم‬
‫اجلسم فصارت تتلذذ بتلذذه وتتأمل بتأمله وهذا هو مرتبة العوام كاالنعام وقوله تعاىل مث‬
‫رددانه أسفل سافلني صادق يف شأهنم فآها ألف انتهى لو مل تتخلص الروح من هذا‬
‫التعلق ومل ترجع اىل وطنها األصلي {شعر}‪:‬‬
‫و مرتبة االنسان يف آخر الورى * لذلك من عز احلضور أتخرا‬
‫فلومل يعد من بعده واغرتابه * فال شئ حمروم كأنس من الورى‬
‫و الروح من مرضها تزعم أملها لذة وتظن لذهتا املا ومثلها مثل الصفراوي حيث‬
‫جيد احللو بواسطة علة الصفراء مرا فالفكر يف أزالة هذا املرض الزم للعقالء حت يغشاهم‬
‫الفرح والسرور يف اآلالم واملصائب اجلسمانيتني {شعر}‪:‬‬
‫من أجل هذا العيش و املعيشة * البد من شق املرائر اي فت‬
‫فان لوحظ مالحظة جيدة لتبني أنه لو مل يكن األمل واملصيبة واملرض يف الدنيا ملا‬
‫تساوى بشعرية فان الوقائع واحلوادث هي اليت تزيل ظلمتها ومرارة احلوادث مثل مرارة‬
‫الدواء النافع املزيل للمرض وكان حمسوسا للفقري ان كثريا من الناس يهيئون الطعام لدعوة‬
‫عامة وال يقدرون ان يصححوا النية وان خيلصوها عن شائبة الرايء والسمعة فيشرع يف‬
‫ذلك االثناء طائفة من احلاضرين يف ذلك اجملمع واآلكلني من ذلك الطعام يف ذم‬
‫صاحب الطعام ومنقصته ومنقصة طعامه فيحصل لصاحب الطعام انكسار القلب من‬
‫‪- 128 -‬‬

‫هذه اجلهة وهبذا االنكسار ترتفع ظلمة الطعام اليت طرأت عليه من عدم خلوص النية‬
‫ويقع يف معرض القبول فان مل يكن شكوى هؤالء اجلماعة وذمهم ومل حيصل لصاحب‬
‫الطعام انكسار القلب بسببه لكان الطعام مملوء ابلظلمة والكدورة فكيف املساغ‬
‫الحتمال القبول يف هذه الصورة فكان مدار األمر اذا على االنكسار والعجز واالفتقار‬
‫واألمر مشكل على امثالنا أرابب الرتبية وطاليب العيش احلسن والتنعم وما خلقت اجلن‬
‫واالنس اال ليعبدون نص قاطع والعبادة عبارة عن التذلل واالنكسار فاملقصود من خلق‬
‫االنسان هو التذلل خصوصا املسلمني واملتدينني فان الدنيا سجنهم وطلب العيش احلسن‬
‫يف السجن بعيد من طور العقل فالبد اذا لالنسان من حتمل املشقة واحملنة وال مندوحة له‬
‫يف ذلك التحمل أكرمنا هللا سبحانه ابالستقامة على هذا املعن حبرمة جدكم االجمد عليه‬
‫و على آله من الصلوات أمتها ومن التحيات أمينها‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس و الستون اىل اخلان االعظم يف التأسف و التلهف على‬


‫ضعف االسالم و عجز املسلمني و التحريض على تقوية أهل االسالم و‬
‫االغراء على اجراء احكام الدين}‬
‫أيدكم هللا سبحانه ونصركم على اعداء االسالم يف اعالء االحكام قال املخرب‬
‫الصادق عليه وآله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها[‪ ]1‬االسالم بدا غريبا‬
‫وسيعود كما بدا فطوىب للغرابء وقد بلغت غربة االسالم حدا يطعن الكفار يف االسالم‬
‫بني مأل ويذمون املسلمني وجيرون احكام الكفر بال حتاش وميدحون أهله يف االزقة‬
‫واالسواق واملسلمون عاجزون ممنوعون من اجراء احكام االسالم ومطعون فيهم يف اتيان‬
‫احكام الشرائع عند هؤالء الكفرة اللئام {شعر}‪:‬‬

‫(‪( )1‬قوله االسالم) احلديث رواه مسلم عن ايب هريرة رضي هللا عنه و ابن ماجه عن ابن مسعود وانس رضي هللا عنه‬
‫والطرباين عن سلمان وسهل بن سعد وابن عباس رضي هللا عنهم اه‬
‫‪- 129 -‬‬

‫مليح عدمي املثل مرمي و ضده * يقبل منه اخلد و العني و الفم‬
‫سبحان هللا وحبمده وقد قيل الشرع حتت السيف وجعل رونق الشرع الشريف‬
‫مربوطا ابمللوك والسالطني واآلن قد انعكست القضية وانقلبت املعاملة يف هذا الزمان‬
‫واحسراته واندامتاه واويلتاه وحنن اليوم نعد وجودكم الشريف مغتنما وال ندري من املبارز‬
‫يف هذه املعركة الضعيفة املنكسرة غريكم وهللا سبحانه يكون مؤيدكم وانصركم حبرمة النيب‬
‫[‪]1‬‬
‫وآله االجماد عليه وعليهم الصلوات و التسليمات والتحيات والربكات وقد ورد يف اخلرب‬
‫لن يؤمن أحدكم حت يقال انه جمنون وهذا اجلنون الذي مبناه على فرط غرية االسالم‬
‫حمسوس يف شيمتكم يف ذلك الوقت واحلمد هلل على ذلك وهذا اليوم يوم يقبل فيه عمل‬
‫قليل ابالعتبار التام على اجر جزيل وال يعلم وقوع عمل من أصحاب الكهف سوى‬
‫هجرهتم وفرارهم من الكفار مع هذا االعتبار فيهم واالشتهار اال ترى أن العساكر اذا‬
‫صدرت عنهم خدمة يسرية واقدام قليل وقت غلبة االعداء ينالون هبا اعتبارات كثرية‬
‫وانعامات جزيلة خبالف وقت االمن وسكون االعداء وهذا اجلهاد القويل الذي تيسر لكم‬
‫اليوم ينبغي ان تغتنمه وتقول هل من مزيد معتقدا أن هذا اجلهاد القويل أفضل من جهاد‬
‫القتل وامثالنا العاجزون املقعدون مقطوعوا اليدين والرجلني حمرومون من هذه الدولة‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها * و للعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫آخر‬
‫و ابديت من كنز املرام عالمة * و ارجوك أن حتظي به ان حتاول‬
‫قال حضرة اخلواجه عبيد هللا االحرار قدس هللا سره ولو كنت يف مقام املشيخة‬

‫(‪ )1‬قالوا مل يوجد هبذا اللفظ ولكن معناه صحيح وقد ورد اكثروا ذكر هللا حت يقولوا جمنون وال يقال له جمنون اال‬
‫ملخالفته سائر الناس وال خيالفهم اال لكمال اميانه فصح ان كمال االميان منشأ هلذا القول وقد ورد ايضا خيار أميت‬
‫احداؤهم احلديث وهذا الكالم يكثر وقوعه يف هذا الكتاب وقد نقل معناه عن بعض األعزة يف املكتوب ‪ 164‬وفسر‬
‫اجلنون فراجعه فان فيه شعاء منه‬
‫‪- 130 -‬‬

‫واالرشاد ملا وجد شيخ من شيوخ العامل مريدا ولكن امرت يعين من عامل الغيب ابمر آخر‬
‫وهو ترويج الشريعة وأتييد امللة فال جرم اختار صحبة السالطني وجعلهم منقادين اليه‬
‫بتصرفه وروج الشريعة بواسطتهم وقد جعل هللا سبحانه كالمكم مؤثرا واودع فيه أتثريا‬
‫بربكة حمبتكم الكابر هذه الطائفة قدس هللا اسرارهم وظهرت عظمة اسالميتكم يف نظر‬
‫االقران فامل لتمس سعيكم يف هذا الباب ولو هلدم أكرب احكام الكفر الذي له شيوع اتم‬
‫بني أهل االسالم حت يكون أهل االسالم حمفوظني من تلك املنكرات جزاكم هللا عنا‬
‫وعن سائر املسلمني خري اجلزاء وقد فهم العناد للدين املصطفوي عليه الصالة و السالم‬
‫يف السلطنة األوىل وليس هذا العناد ظاهرا يف هذه السلطنة فان كان فمبين على عدم‬
‫العلم وحنن يف خوف من أن ينجر االمر هنا ايضا اىل العناد فتصري املعاملة ضيقة على‬
‫املسلمني {ع}‪:‬‬
‫و ما خويف لشئ غري ديين‬
‫ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعة سيد املرسلني عليه و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات والفقري قد جئت هنا بسبب من االسباب ومل استصوب ان ال اطلعكم على‬
‫جميئ وان ال اكتب بعض كلمات انفعة وان ال اخرب عن حمبة متعلقة بواحد من االعزة‬
‫حبسب املناسبة الفطرية قال عليه الصالة و السالم من احب اخاه فليعلم اايه و السالم‬
‫عليكم و على مجيع من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السادس و الستون اىل املذكور ايضاً يف مدح الطريقة العلية‬


‫النقشبندية قدس هللا اسرارهم وبيان مناسبة هذا الطريق بطريق االصحاب‬
‫الكرام وبيان فضيلة االصحاب العظام على غريهم ولو كان ذلك الغري‬
‫اويسا القرين او عمر بن عبد العزيز املرواين}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم أن طريق حضرات خواجكان‬
‫‪- 131 -‬‬

‫قدس هللا اسرارهم مبين على اندراج النهاية قال حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس‬
‫هللا سره حنن ندرج النهاية يف البداية وهذا الطريق هو طريق االصحاب الكرام بعينه فانه‬
‫كان يتيسر هلم يف أول صحبة النيب عليه الصالة و السالم ما يتيسر لسائر اولياء االمة‬
‫نبذة منه يف هناية النهاية وهلذا كان وحشي قاتل محزة رضي هللا عنه أفضل من اويس‬
‫القرين الذي هو خري التابعني وذلك لتشرفه بشرف صحبة سيد االولني واآلخرين يف بداية‬
‫اسالمه مرة واحدة وما حصل لوحشي يف أول صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة‬
‫و السالم مل يتيسر الويس القرين يف االنتهاء بتلك اخلصوصية فال جرم كان خري القرون‬
‫قرن االصحاب رضوان هللا عليهم امجعني وأخرت كلمة مث امر اآلخرين وأشارت اىل بعد‬
‫ما بني الدرجتني سئل عبد هللا بن املبارك ايهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز قال‬
‫الغبار الذي دخل انف فرس معاوية مع رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم خري من عمر بن‬
‫عبد العزيز كذا مرة فال جرم كانت سلسلة هؤالء االكابر سلسلة الذهب وكون مزية هذا‬
‫الطريق العايل على سائر الطرق كمزية قرن االصحاب على سائر القرون صار مربهنا‬
‫واالطالع على حقيقة مجاعة ذاقوا يف اول شرب من ذلك اجلام من كمال الفضل والكرم‬
‫متعذر من غريهم فان هنايتهم فوق هناية اآلخرين {ع}‪:‬‬
‫و عام اخلصب يعلم من ربيع‬
‫ذلك فضل هللا يؤتية من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم قال حضرة اخلواجه هباء‬
‫الدين النقبشند قدس سره حنن املفضلون جعلنا هللا سبحانه واايكم من حميب هؤالء االكابر‬
‫ومتابعي آاثرهم حبرمة النيب القرشي عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن التحيات‬
‫أكملها‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والستون اىل خان خاانن يف تفويض حمتاج}‬


‫ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعة سيد املرسلني عليه و على آله الصلوات و‬
‫‪- 132 -‬‬

‫التسليمات ظاهرا وابطنا ويرحم هللا عبدا قال آمينا قد اضطرين اىل تصديعكم أمران امهان‬
‫احدمها اظهار رفع مظنة االذى بل اظهار حصول املودة واالخالص واثنيهما االمياء اىل‬
‫احتياج حمتاج متحلي ابلفضيلة و الصالح ومتزين ابملعرفة والشهود كرمي من جهة النسب‬
‫شريف من جهة احلسب أيها املخدوم ان يف اظهار احلق نوعا من املرارة وان كانت‬
‫متفاوتة حبسب الشدة والضعف فيا سعادة من أيكل هذه املرارة مثل العسل ويقول هل‬
‫من مزيد وتلوينات االحوال من لوازم صفة االمكان حت أن طائفة بلغوا مرتبة التمكني مل‬
‫يتخلصوا من التلوين فان املمكن املسكني ال خيلو أما أن يكون مغلوب سلطان الصفات‬
‫اجلاللية أو يكون مغلوب الصفات اجلمالية أو يكون وقتا حمال للقبض ووقتا موطنا‬
‫للبسط ولكل موسم أحكام على حدة كان ابالمس ذلك واليوم هذا قلب[‪ ]1‬املؤمنني بني‬
‫اصبعني من اصابع الرمحن يقلبها كيف يشاء و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والستون اىل املذكور أيضاً يف بيان أن التواضع يستحسن‬


‫من ارابب الغىن واالستغناء من اصحاب الفقر وما يناسب ذلك}‬
‫اخلري فيما صنع هللا أيها املخدوم شعر‬
‫و ما هو من شرط البالغ أقوله * فخذ منه نصحا انصحا أو ماللة‬
‫التواضع مستحسن من أرابب الغن واالستغناء من أصحاب الفقر الن املعاجلة إمنا‬
‫تكون ابالضداد ومل يفهم من مكاتيبكم الثالثة شئ غري االستغناء وان كان مقصودكم‬
‫التواضع وكان يف املكتوب االخري مسطورا بعد احلمد والصالة فليعلم اخل ينبغي ان‬
‫يالحظ يف هذه العبارة مالحظة جيدة حت يظهر اهنا اىل اين يكتب واىل من ترسل نعم‬
‫قد خدمتم الفقراء كثريا ولكن رعاية االدب أيضا ضرورية لترتتب الثمرة عليها وبدوهنا‬

‫(‪ )1‬اخرج مسلم عن عبدهللا ابن عمرو بن العاص قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان قلوب بين آدم بني‬
‫اصبعني من أصابع الرمحن كقلب واحد يقلبها كيف يشاء مشكاة‪.‬‬
‫‪- 133 -‬‬

‫خرط القتاد نعم أن اتقياء أمته صلّى هللا عليه و سلّم بريئون من التكلف ولكن التكرب مع‬
‫ا ملتكربين صدقة قال شخص حلضرة اخلواجه انه متكرب فقال يف جوابه ان تكربي من‬
‫كربايئه تعاىل ال ينبغي الحد ان يظن هذه الطائفة ذليلني حقريين رب اشعث[‪ ]1‬مدفوع‬
‫ابالبواب لو اقسم على هللا ألبره حديث نبوي عليه الصالة و السالم {شعر}‪:‬‬
‫بثثت قليال من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري‬
‫و ينبغي حملبيكم االعزة وخملصيكم االجلة ان يكونوا من أصحاب املالحظة‬
‫املطابقة لنفس االمر وان يبلغوا اليك كلما هو واقع يف نفس االمر وان ينظروا يف كل‬
‫مشورة اىل ما فيه صالحكم ال اىل مافيه صالح انفسهم فانه خيانة ولقد كان من العلل‬
‫الغائية هلذا السفر افادة ما فيه بعض منافعكم ولكن حمبوكم مل يرتكوين الن االقيكم فال‬
‫تنسبوا التقصري اىل هذا الطرف وهذه املقدمات وان كانت مرا يف الظاهر ولكن من‬
‫ميدحكم ويستميلكم كثري فاكتفوا هبم واملقصود من مودة الفقراء وحمبتهم االطالع على‬
‫العيوب املكنونة وظهور الرذائل املخزونة ولكن ينبغي ان يعلم ان اظهار امثال هذه‬
‫الكلمات ليس على وجه االيذاء بل على وجه النصيحة وحرقة القلب وأيقن ان اخلواجه‬
‫حممد صديق لو تقدم يوما واحدا الوصل هذا الفقري نفسه اليكم على كل حال ولكنه‬
‫لقي يف اثناء طريق سرهند فاملأمول مساحمتكم اخلري فيما صنع هللا سبحانه‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والستون اىل املذكور أيضاً يف بيان ان التواضع موجب‬


‫للرفعة يف الدارين وان النجاة مربوطة مبتابعة أهل السنة واجلماعة الذين هم‬
‫الفرقة الناجية}‬
‫احلمد هلل والصالة و السالم على رسول هللا وصل مكتوبكم الشريف صحبة االخ‬

‫(‪ )1‬مسلم وامحد عن ايب هريرة أبلفاظ خمتلفة‬


‫‪- 134 -‬‬

‫موالان حممد صديق وقد أكرمتم جزاكم هللا سبحانه عنا خري اجلزاء وحيث انكم راعيتم‬
‫االدب مع الفقراء وسقتم الكالم ابلتواضع نرجو أن يكون هذا التنزل حبكم من[‪ ]1‬تواضع‬
‫هلل رفعه هللا موجبا للرفعة الدينية والدنياوية بل كان كذلك بشرى لكم وحيث اوردمت‬
‫الكالم يف البني من االانبة واملراجعة فتصور ان هذه االانبة قد وقعت على يد درويش من‬
‫الدراويش وكن مرتصدا لنتائجه ومثراته ولكن ينبغي لك ان تراعي حقوقه مهما أمكن وأي‬
‫شئ نكتب من الوصااي والنصائح وماذا نبني من العلوم واملعارف فان العلماء اجملتهدين‬
‫والصوفية احملققني شكر هللا سعيهم مل يقصروا يف بسط الكالم وتفصيله واظن ان بعض‬
‫االصحاب اوصل بعض مسودات هذا الفقري قليل البضاعة اىل خدمتكم ولعل نظركم‬
‫الشريف وقع عليه وابجلملة ان طريق النجاة هو متابعة أهل السنة واجلماعة كثرهم هللا‬
‫سبحانه يف االفعال واالقوال ويف الفروع واالصول فاهنم هم الفرقة الناجية وما سواهم من‬
‫الفرق فاهنم يف معرض الزوال وشرف اهلالك علمه اليوم واحد اومل يعلم واما غدا فيعلمه‬
‫كل أحد وال ينفع اللّهم نبهنا قبل ان ينبهنا املوت والسيد ابراهيم منسوب اىل تلك العتبة‬
‫العلية من قدمي االايم ومنتظم يف سلك الدعاة فالالزم لذمة الكرام ان يعينوه وأيخذوا بيده‬
‫حت خيلصوه وأهله من الفقر والعجز ليحصل له فراغ اخلاطر ويشتغل بدعاء سالمة‬
‫الدارين و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السبعون اىل املذكور ايضاً يف بيان ان جامعية االنسان سبب‬


‫لبعده كما اهنا سبب لقربه وما يناسب ذلك}‬
‫ثبتكم هللا سبحانه على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم‬
‫والتحية رحم هللا عبدا قال آمينا اعلم ان جامعية االنسان كما أهنا سبب لقربه وتكرميه‬
‫وتفضيله كذلك هي سبب ايضا لبعده وجتهيله وتضليله اما قربه فبواسطة امتية مرآته‬

‫(‪ )1‬ابو نعيم يف احللية عن ايب هريرة قال العزيزي واسناده حسن‬
‫‪- 135 -‬‬

‫وقابليته لظهور مجيع االمساء والصفات بل للتجليات الذاتية وما ورد من احلديث القدسي‬
‫ال يسعين أرضي وال مسائي[‪ ]1‬ولكن يسعين قلب عبدي املؤمن رمز من هذا البيان وأما‬
‫بعده فبسبب احتياجه اىل كل شئ من جزئيات العامل فان له احتياجا اىل كل ما يف العامل‬
‫خلق لكم ما يف االرض مجيعا فبواسطة هذا االحتياج له تعلق جبميع االشياء وهذا التعلق‬
‫هو الذي صار سببا لبعده وضالله {شعر}‪:‬‬
‫ومرتبة االنسان يف آخر الورى * لذلك عن عز احلضور أتخرا‬
‫فان مل يعد من بعده واغرتابه * فال شئ حمروم كانس من الوري‬
‫فكان االنسان اشرف املوجودات وشر الكائنات ايضا اذ منه حممد حبيب رب‬
‫العاملني عليه و على آله الصلوات و التسليمات والتحيات ومنه ابوجهل اللعني عدو رب‬
‫االرضني والسموات فال جرم كان االمر مشكال جدا ما مل يتيسر النجاة من مجيع‬
‫التعلقات الشت ومل حيصل تعلق بواحد منزه عن الوحدة ايضا ولكن مبقتضى ماال يدرك‬
‫كله ال يرتك كله ينبغي أن يلتزم كون املعاملة واملعيشة يف اايم قليلة على وفق السنة واتباع‬
‫صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة والتحية فان التخلص من عذاب اآلخرة والفوز‬
‫ابلتنعمات السرمدية مربوطة بسعادة هذا االتباع فينبغي اداء الزكاة من االموال النامية‬
‫واألنعام السائمة كما هو حقها وان جيعل ذلك وسيلة لقطع التعلق عن االموال واالنعام‬
‫وينبغي ان ال يكون حظ النفس ملحوظا ومنظورا اليه يف أكل االطعمة اللذيذة ولبس‬
‫االلبسة النفيسة بل الالئق يف استعمال االطعمة واالشربة ان ال ينوي شيئا غري حصول‬

‫(‪ )1‬ذكر الغزايل يف االحياء بلفظ مل يسعين ارضي وال مسائي ووسعين قلب عبدي املؤمن اللني الوادع قال العراقي مل‬
‫أجده هبذا اللفظ وللطرباين من حديث ايب عنبسة اخلوالين رفعه اىل النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال ان هلل آنية من‬
‫االرض وآنية ربكم قلوب عباده الصاحلني قال املخرج رواه الدميلي يف مسند الفرودس عن انس رضي هللا عنه واخرج‬
‫امحد يف الزهد عن وهب ابن منبه ان هللا فتح حلزقيل حت نظر العرش فقال سبحانك ما اعظمك اي رب فقال هللا تعاىل‬
‫السموات واالرض ضعفن ان يسعنين ووسعين قلب املؤمن الوادع اللني قال شارح االحياء بعد ان رد على من انكر‬
‫الصوفية روايتهم هلذا احلديث وبعد ان ذكر هذين الطريقني وهذا القدر يكفي للصويف وال يعرتض عليه اذا عزاه اىل‬
‫حضرة الرسالة واالنصاف من اوصاف املؤمنني اه ‪.‬‬
‫‪- 136 -‬‬

‫القوة الداء الطاعات ويف لبس الثوب النفيس ينبغي ان ينوي التزين املأمور بقوله تعاىل‬
‫خذوا زينتكم عند كل مسجد أي عند كل صالة وان ال يشوبه نية أخرى فان مل تتيسر‬
‫حقيقة النية ينبغي ان يتكلف فيها فان مل تبكوا فتباكوا وان يلتجئ ويتضرع اىل هللا‬
‫سبحانه دائما لتتيسر حقيقة النية وليتخلص من التكلف{شعر}‪:‬‬
‫ولعل يقبل دمعي املتقاطر * من كان خيلق لؤلؤا من قطرة‬
‫و على هذا القياس ينبغي أن يعامل يف مجيع االمور مبقتضى فتاوى العلماء‬
‫املتدينني الذين اختاروا العزمية واجتنبوا الرخصة وأن يعتقد ذلك وسيلة للنجاة االبدية ما‬
‫يفعل هللا بعذابكم ان شكرمت وآمنتم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والسبعون اىل املريزا داراب بن خان خاانن يف بيان ان‬
‫شكر املنعم واجب على املنعم عليه وحصول الشكر امنا هو ابتيان أحكام‬
‫الشريعة ال غري}‬
‫ايدكم هللا سبحانه ونصركم إعلم أن شكر املنعم واجب على املنعم عليه عقال‬
‫وشرعا ومن املع لوم ان وجوب الشكر على قدر وصول النعمة فكلما كان وصول النعمة‬
‫اكثر كان وجوب الشكر أزيد وأوفر فكان الشكر على االغنياء على تفاوت درجاهتم‬
‫ابضعاف ما جيب على الفقراء وهلذا ورد يف اخلرب ان فقراء هذه[‪ ]1‬االمة يدخلون اجلنة‬
‫قبل االغنياء خبمسمائة عام والشكر هلل املنعم تعاىل وتقدس امنا يكون بتصحيح العقائد‬
‫أال على مقتضى آراء الفرقة الناجية اهل السنة واجلماعة واتيان االحكام الشرعية العملية‬
‫اثنيا على وفق بيان جمتهدي هذه الفرقة العلية والتصفية والتزكية اثلثا على طبق سلوك‬

‫(‪ )1‬روى مسلم عن عبدهللا ابن عمرو ان فقراء املهاجرين يسبقون االغنياء يوم القيامة ابربعني خريفا وروي ابن ماجة‬
‫عن ايب سعيد بلفظ ان الفقراء املهاجرين يدخلون اجلنة قبل اغنيائهم خبسمائة سنة وما ذكره االمام فهو يف رواية‬
‫الرتمذي عن ايب هريرة يدخل الفقراء اجلنة قبل االغنياء خبمسمائة عام مقدار نصف يوم‪.‬‬
‫‪- 137 -‬‬

‫الصوفية العلية من هذه الفرقة الناجية السنية ووجوب هذا الركن األخري استحساين‬
‫خبالف الركنني السابقني فان اصل االسالم مربوط بذينك الركنني وامنا املنوط ابلركن‬
‫األخري هو كمال االسالم ال أصله والعمل املخالف هلذه االركان الثالثة ولو كان من‬
‫جنس الرايضات الشاقة واجملاهدات الشديدة فهو داخل يف املعصية والبغي والطغيان على‬
‫املنعم جل سلطانه ومل يقصر برامهة اهلند وفالسفة اليوانن يف الرايضات واجملاهدات شيئا‬
‫ومل يفوتوا فيها دقيقة ولكن ملا مل تكن تلك الرايضات واجملاهدات على وفق شرائع االنبياء‬
‫عليهم الصالة و السالم كانوا مردودين وصاروا من النصيب االخروي حمرومني فعليكم‬
‫مبتابعة سيدان وموالان وشفيع ذنوبنا وطبيب قلوبنا حممد رسول هللا صلى هللا تعاىل عليه و‬
‫على آله وسلم ومتابعة خلفائه الراشدين املهديني رضوان هللا تعاىل عليهم امجعني‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والسبعون اىل اخلواجة جهان يف بيان ان مجع الدين مع‬
‫الدنيا متعسر وما يناسب ذلك}‬
‫سلمكم هللا سبحانه وعافاكم (ع) ما أحسن الدين والدنيا لو اجتمعا * واجلمع‬
‫بني الدين والدنيا من قبيل اجلمع بني االضداد فالبد إذا لطالب اآلخرة من ترك الدنيا‬
‫وحيث كان تركها حقيقة متعسرا يف هذه األوان ينبغي ان يلتزم تركها حكما ابلضرورة‬
‫والرتك احلكمي عبارة عن ان يكون حمكوما مبقتضى حكم الشريعة الغراء يف األمور الدينية‬
‫وان يراعي حدود الشرع يف املطاعم واملشارب واملساكن غري جموز جملاوزهتا وان يؤدي الزكاة‬
‫املفروضة يف االموال النامية واالنعام السائمة فاذا تيسر التحلي ابالحكام الشرعية فقد‬
‫حصلت النجاة من مضرة الدنيا واجتمعت الدنيا حينئذ ابآلخرة ومن مل يتيسر له هذا‬
‫القسم أيضا من الرتك فهو خارج من املبحث وحكمه حكم املنافق وصورة االميان اليت فيه‬
‫ال تنفعه يف اآلخرة وامنا نتيجتها عصمة الدماء واالموال يف الدنيا {شعر}‪:‬‬
‫وما هو من شرط البالغ أقوله * فخذ منه نصحا انفعا أو ماللة‬
‫‪- 138 -‬‬

‫وأي صاحب دولة يسمع الكلمة احلقة بسمع القبول مع هذه الزمزمة الدنياوية‬
‫واخلدم واحلشم واالطعمة اللذيذة وااللبسة الفاخرة {شعر}‪:‬‬
‫يف اذنه من انيت صمم فال * يرضي مساع نصيحت وبكائيا‬
‫وفقنا هللا سبحانه واايكم ملتابعة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية وبقية املرام ان الشيخ ميان زكراي كان سابقا مستويف اخلراج وهو عامل‬
‫وفاضل وقد مضت مدة مديدة وهو حمبوس يف السجن بشؤم اعماله وقد عجز اآلن‬
‫بواسطة ضعف اهلرم وضيق املعيشة ومتادت مدة حبسه وقد كتب اىل الفقري يطلب‬
‫حضوري يف العسكر فاسعى يف ختليصه ولكن كثرة مسافة الطريق كانت مانعة من ذلك‬
‫وملا أراد أخي اخلواجه حممد صادق التوجه اىل خدمتكم كنت سببا للتصديع بتحرير‬
‫كلمات ابلضرورة فاملرجو رعاية التوجه العايل يف حق ذلك الضعيف فانه عامل وشيخ كبري‬
‫و السالم أوال و آخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والسبعون اىل قليج هللا ابن قليج خان يف مذمة الدنيا‬
‫وابنائها وترك حتصيل العلوم الغري النافعة واالجتناب عن فضول املباحات‬
‫والتحريض على اخلريات واالعمال الصاحلة وما يناسب ذلك}‬
‫رزقنا هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية االبدية السرمدية أيها الولدان الدنيا حمل االمتحان واالبتالء ظاهرها مموه‬
‫ومزين أبنواع املزخرفات وصورهتا منقشة وملونة ابخليالن واخلطوط والذوائب واخلدود‬
‫املوهومة حلوة يف ابدي النظر متخيلة ابلطراوة والنضارة يف البصر ولكنها يف احلقيقة جيفة‬
‫مرشوش عليها العطر ومزبلة مآلنة ابلذابب والدود سراب يرى كالشراب وسم يف صورة‬
‫سكر ابطنها خراب وابرت ومعاملتها مع ابنائها مع وجود هذه الدمامة والوقاحة شر من‬
‫جيمع ما يقال ويذكر عاشقها سفيه ومسحور ومفتوهنا جمنون وخمدوع كل من افتنت‬
‫‪- 139 -‬‬

‫بظاهرها فقد اتسم بسيمة اخلسارة االبدية وكل من نظر اىل حالوهتا وطراوهتا كان نصيبه‬
‫الندامة السرمدية قال سيد الكائنات حبيب رب العاملني عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم ما[‪ ]1‬الدنيا واآلخرة اال ضراتن ان رضيت احدامها سخطت األخرى فمن ارضى‬
‫الدنيا فقد اسخط اآلخرة على نفسه فال جرم ال يكون له نصيب من اآلخرة اعاذان هللا‬
‫سبحانه واايكم من حمبتها وحمبة اهلها (ايها الولد) هل تدري ما الدنيا كلما يعوقك‬
‫وحيجبك عن احلق سبحانه و تعاىل من النساء واالوالد واالموال واجلاه والرايسة واللهو‬
‫واللعب واالشتغال مباال يعين فهو داخل يف الدنيا والعلوم اليت ال دخل هلا يف امور اآلخرة‬
‫فهي ايضا من الدنيا فلو نفع حتصيل علم النجوم واملنطق واهلندسة واحلساب وامثاهلا من‬
‫العلوم اليت ال طائل فيها لكانت الفالسفة من أهل النجاة قال النيب عليه الصالة و‬
‫السالم عالمة[‪ ]2‬اعراضه تعاىل عن العبد اشتغاله مبا ال يعنيه {شعر}‪:‬‬
‫من كان قلبه مقدار خردلة * سوى هوى احلق فاعلم انه مرض‬
‫وما قالوا من أن معرفة علم النجوم الزمة ملعرفة اوقات الصالة ليس معناه ان معرفة‬
‫اوقات الصالة ال متكن اال مبعرفة علم النجوم بل مبعن أن علم النجوم احد طرق معرفة‬
‫االوقات وكثري من الناس ال خرب هلم من علم النجوم ومع ذلك يعرفون اوقات الصالة‬
‫ازيد من علماء علم النجوم وقريب من ذلك الوجوه اليت ذكروها يف حتصيل املنطق‬
‫واحلساب وامثاهلما من العلوم اليت هلا دخل يف اجلملة يف بعض العلوم الشرعية وابجلملة ال‬
‫يظهر وجه جواز االشتغال هبذه العلوم االّ بعد متحالت كثرية وذلك أيضا بشرط ان ال‬
‫يكون املقصود منها غري معرفة االحكام الشرعية وتقوية االدلة الكالمية واال فال جيوز‬
‫االشتغال هبا اصال ينبغي االنصاف أن االمر املباح اذا كان االشتغال به مستلزما لفوات‬

‫(‪ )1‬روى امحد واحلاكم وصححه والطرباين وابن حبان من احب دنياه اضر آبخرته ومن احب آخرته اضر بدنياه فآثروا‬
‫ما يبقي على ما يفين وقد مر التفصيل يف ص‪.56‬‬
‫(‪ )2‬قال ابن حجر يف شرح ا الربعني من عالمات اعراض هللا تعاىل عن العبد ان جيعل شغله فيما ال يعنيه انه من قول‬
‫احلسن وروى الرتمذي عن ايب هريرة مرفوعا من حسن اسالم املرء تركه ما ال يعنيه ورواه ابن ماجه وحسنه النووي بل‬
‫وصححه ابن عبدالربقال املخرج ذكر علي املتقي يف جوامع الكلم مرفوعا بلفظ الشيخ اه ‪.‬‬
‫‪- 140 -‬‬

‫امر واجب هل خيرج من االابحة اوال وال شك ان االشتغال هبذه العلوم مستلزم لفوات‬
‫االشتغال ابلعلوم الشرعية الضرورية (أيها الولد) ان احلق سبحانه قد رزقك من كمال‬
‫عنا يته اليت ال غاية هلا التوفيق للتوبة يف عنفوان الشباب ووفقك لالانبة على يد واحد من‬
‫دارويش السلسلة النقشبندية العلية قدس هللا اسرار أهلها وال ادري هل لك على تلك‬
‫التوبة ثبات او اغوتك عنها النفس ابنواع املزخرفات وارى االستقامة عليها مشكلة فان‬
‫املوسم عنفوان الش باب ومتاع الدنيا متيسر االسباب واكثر القرانء غري مناسب يف هذا‬
‫الباب (أيها الولد) ان االمر واحلزم هو االجتناب عن فضول املباحات واالكتفاء بقدر‬
‫الضرورة وأن يكون هو ايضا بنية حصول القوة واجلمعية الداء وظائف العبودية فان‬
‫املقصود من االكل مثال هو حصول القوة على اداء الطاعة ومن لبس اللباس سرت العورة‬
‫ودفع احلر والربد و على هذا القياس سائر املباحات الضرورية واختار اكابر النقشبندية‬
‫قدس هللا اسرارهم العلية العمل ابلعزمية واجتنبوا من الرخصة مهما أمكن ومن مجلة العزائم‬
‫االكتفاء بقدر الضرورة فان مل تتيسر هذه الدولة ينبغي أن ال خيرج من دائرة املباحات اىل‬
‫حد املشتبهات واحملرمات ولقد اابح هللا سبحانه بكمال كرمه تنعمات كثرية على الوجه‬
‫االمت وجعل دائرة هذه التنعمات واسعة جدا ومع قطع النظر عن هذه التنعمات اي عيش‬
‫يساوي رضا موىل العبد ابفعاله واي جفاء يشبه بسخط سيده على اعماله رضاء هللا يف‬
‫اجلنة خري من اجلنة وسخط هللا يف النار شر من النار واالنسان عبد حمكوم حبكم مل جيعله‬
‫املوىل ولده ومل يرتكه سدى حت يتهافت على كل ما يشاء فينبغي التفكر وأعمال القلب‬
‫وال حيصل غدا شئ غري الندامة واخلسارة وقت العمل امنا هو عهد الشباب والعاقل من‬
‫ال يضيع هذا الوقت ويغتنم الفرصة فان االمر مبهم فعساه ان ال يبقى اىل زمن الشيخوخة‬
‫ولئن بقي فلعله ال تتيسر له اجلمعية ولئن تيسرت فلعله ال يقدر على العمل يف اوان‬
‫استيالء الضعف والعجز واحلال أن اسباب اجلمعية كلها متيسرة اآلن ووجود الوالدين‬
‫ايضا من انعامات احلق سبحانه فان هم معيشتك على ذمتهم واملوسم موسم الفرصة‬
‫وزمان القوة واالستطاعة فبأي عذر ميكن أن يؤخر شغل اليوم اىل غد وخيتار التسويف‬
‫‪- 141 -‬‬

‫قال عليه الصالة و السالم هلك[‪ ]1‬املسوفون نعم اذا اخرت املهمات الدنياوية الدنية اىل‬
‫غد الجل االشتغال ابمور اآلخرة يف اليوم يكون مستحسنا جدا كما أن عكسه مستقبح‬
‫جدا و يف هذا الوقت الذي هو عنفوان الشباب ووقت استيالء اعداء الدين من النفس‬
‫والشيطان لعمل قليل من االعتبار ما ليس ذلك يف غري هذا الوقت الضعاف مضاعفة‬
‫كما ان يف القاعدة العسكرية للعساكر الشجعان اقوايء اجلنان اعتبار زائد وقت استيالء‬
‫االعداء حت يعترب منهم يف ذلك الوقت عمل يسري وثبات قليل و يكون ذلك منظورا وال‬
‫يكون مثل هذا االعتبار وقت االمن من شر االعداء (أيها الولد) ان املقصود من خلق‬
‫االنسان الذي هو خالصة املوجودات ليس هو اللهو واللعب وال االكل والنوم وامنا‬
‫املقصود منه اداء وظائف العبودية والذل واالنكسار والعجز واالفتقار ودوام االلتجاء‬
‫والتضرع اىل جناب قدس الغفار جل سلطانه والعبادات اليت الشرع احملمدي انطق هبا‬
‫املقصود من ادائها منافع العباد ومصاحلهم وال يعود منها شئ اىل جناب قدسه عز شأنه‬
‫فينبغي اذا اداؤها بغاية املمنونية وان يسعى وجيتهد يف انقياد االوامر وامتثاهلا واالنتهاء عن‬
‫املناهي وامتناعها وقد أكرم هللا سبحانه عباده ابالوامر والنواهي مع وجود غناه املطلق‬
‫فينبغي لنا أن نشكر على هذه النعمة على الوجه االمت وان جنتهد يف امتثال احكامها‬
‫بكمال املمنونية (اعلم) أيها الولد لو ان واحدا من ابناء الدنيا الذين حتققوا بشوكة‬
‫ظاهرية وجاه صوري انعم على واحد من متعقليه خبدمة يرجع منها نفع لآلمر هبا ايضا‬
‫كيف يعدها عزيزة ويقول ان شخصا عظيم القدر أمرين هبذه اخلدمة فينبغي يل القيام هبا‬
‫بغاية املمنونية فاي بالء نزل واي مصيبة اصابت هل كانت عظمة احلق جل شانه يف‬
‫النظر أقل من عظمة هذا الشخص حث ال جيتهد يف امتثال أحكام احلق جلت عظمته‬
‫ينبغي أن يستحي وان يتنبه من نوم االرنب وعدم امتثال أوامر هللا جل سلطانه ال خيلو‬

‫(‪( )1‬قوله هلك املسوفون) قيل مل يوجد هبذا اللفظ وقد روى الديلمي يف مسند الفردوس عن عبدالرمحن ابن عوف‬
‫بلفظ التسويف شعار الشيطان يلقيه يف قلوب املؤمنني وعن ابن عباس رضي هللا عنهما بلفظ اايك والتسويف ابلتوبة‬
‫والبخاري يف التأريخ عن عكرمة مرسال واخلطيب عن ايب هريرة رض بلفظ لعن هللا املسوفات‪.‬‬
‫‪- 142 -‬‬

‫من أمرين اما ان يكذب االخبارات الشرعية واما أن تكون عظمة أمر احلق تعاىل وتقدس‬
‫أحقر من عظمة امر ابن اء الدنيا فينبغي ان يالحظ شناعة هذين االمرين (ايها الولد) لو‬
‫أن شخصا قد جرب كذبه مرارا أخرب أبن االعداء يف صدد اهلجوم ابلليل الستيالء اتم‬
‫على قوم كذا الجتهد عقالء ذلك القوم يف احملافظة وفكر دفع تلك البلية مع علمهم ابن‬
‫ذلك املخرب متهم ابلكذب لكون االحرتاز عما يتوهم فيه اخلطر الزما وقد اخرب املخرب‬
‫الصادق عليه الصالة و السالم بتمام املبالغة عن عذاب اآلخرة ومع ذلك مل يتأثروا منه‬
‫أصال فاهنم ان أتثروا النزعجوا وتفكروا يف دفعه واحلال اهنم عرفوا عالج دفعه ببيان املخرب‬
‫الصادق عليه الصالة و السالم فبئس االميان الذي ال يكون خلرب املخرب الصادق اعتبار‬
‫عند صاحبه مثل اعتبار خرب الكاذب وصورة االسالم ال تنفع من النجاة شيئا بل البد‬
‫حلصول النجاة من حتصيل اليقني واين اليقني بل ال ظن وال وهم ايضا فان العقالء‬
‫يعتربون الوهم يف أمور فيها خطر وخوف وكذلك قال هللا تعاىل يف كتابه اجمليد وهللا بصري‬
‫مبا تعملون ومع ذلك اهنم يعملون هذه االعمال القبيحة واحلال اهنم لو احسوا اطالع‬
‫شخص حقري على اعماهلم ملا عملوا حينئذ عمال شنيعا اصال فحال هؤالء ال خيلو عن‬
‫أحد احلالني اما ان يكذبوا خرب احلق سبحانه واما ان ال يعتربوا اطالعه تعاىل فمثل هذا‬
‫العمل هل هو من االميان أو من الكفر فيلزم لذلك الولد ان جيدد االميان قال عليه‬
‫الصالة و السالم جددوا اميانكم بقول ال اله اال هللا وان يعيد توبة نصوحا من أمور ال‬
‫يرضى هبا هللا سبحانه وان جيتنب عن أمور حمرمة منهية عنها وان يؤدي الصلوات اخلمس‬
‫مع اجلماعة فان تيسر قيام الليل وصالة التهجد فنعمت السعادة واداء زكاة االموال ايضا‬
‫من اركان االسالم فالبد من ادائها البتة واسهل طرق ادائها ان يعزل حق الفقراء من املال‬
‫يف كل سنة بنية الزكاة فيحفظه عنده ويصرفه يف مصارف الزكاة يف متام السنة فعلى هذا‬
‫التقدير ال يلزم جتديد نية اداء الزكاة يف كل مرة بل تكفي النية وقت العزل مرة واحدة‬
‫ومن املعلوم انه كم يصرف اىل الفقراء واملستحقني يف مجيع النسة ولكن ملا مل يكن بنية‬
‫اداء الزكاة مل يكن حمسواب منها ويف الصورة املذكورة تسقط الزكاة من الذمة وحيصل‬
‫‪- 143 -‬‬

‫التخلص ايضا من اخلرج من غري مضايقة فان مل يصرف للفقراء يف متام السنة مقدار الزكاة‬
‫بل بقيت منها بقية ينبغي ان حيفظها كذلك معزولة عن سائر االموال فان مثل هذا‬
‫العمل حيتاج اليه يف كل عام وميت كان مال الفقراء ممتازا ومعزوال فعسى ان حيصل التوفيق‬
‫النفاقه غدا وان مل حيصل اليوم (ايها الولد) ان النفس خبيلة ابلذات وهاربة من امتثال‬
‫االحكام االهلية جل سلطانه فال جرم يصدر الكالم ابلرفق واللني واال فاالموال واالمالك‬
‫كلها حق هللا تعاىل فأين اجملال للعبد يف املكث والتوقف فيه بل ينبغي اداءها ابملمنونية‬
‫التامة وكذلك ينبغي ان ال يتساهل يف اداء العبادات ابتباع هوى النفس وان يسعى يف‬
‫اداء حقوق العباد سعيا بليغا وان يبذل اجلهد فيه حت ال يبقى الحد حق يف الذمة فان‬
‫اداء احلق هنا يعين يف الدنيا سهل حبيث ميكن حتصيله ابملالمية والتملق وأما يف اآلخرة‬
‫فاالمر مشكل غري قابل للعالج (وينبغي) االستفسار عن االحكام الشرعية واالستفتاء‬
‫فيها من علماء اآلخرة فان لكالمهم أتثريا فعسى ان حيصل التوفيق للعمل هبا بربكة‬
‫انفاسهم (وينبغي) االجتناب عن علماء الدينا الذين جعلوا العلم وسيلة للجاه اال ان ال‬
‫يوجد العلماء املتقون فريجع اليهم ابلضرورة بقدر الضرورة واحلاج ميان حممد االترة من‬
‫العلماء املتدينني هن اك والشيخ على االترة من أحبابكم وكل من هذين الشخصني مغتنم‬
‫يف تلك النواحي والرجوع إليهما يف حتقيق املسائل الشرعية انسب (ايها الولد) مالنا‬
‫والبناء الدنيا وأية مناسبة بيننا وبينهم حت نتكلم يف خريهم وشرهم وقد وردت النصائح‬
‫الشرعية يف هذا الباب على الوجه األمت واالكمل فللّه احلجة البالغة ولكن ملا كان ذلك‬
‫الولد راجعا اىل الفقراء ومنسواب اليهم من طريق االانبة كان للقلب توجه يف أكثر األوقات‬
‫اىل أحواله وكان هذا التوجه ابعثا على القيل والقال واعلم ان اكثر هذه النصائح واملسائل‬
‫قد بلغه وقرع مسعه ولكن املقصود هو العمل ال جمرد العلم اال ترى ان مريضا اذا كان عاملا‬
‫بداء مرضه ال ينفعه علمه بذلك الدواء وال حيصل الشفاء بدون أكل الدواء وكل هذا‬
‫االبرام واملبالغة الجل العمل فان العلم العاري عن العمل يقيم احلجة على صاحبه قال‬
‫عليه الصالة و السالم اشد الناس عذااب يوم القيامة عامل مل ينفعه هللا بعلمه (وليعلم) ذلك‬
‫‪- 144 -‬‬

‫الولد ان االانبة السابقة وان مل تثمر بواسطة قلة صحبة ارابب اجلمعية ولكنها تنبئ عن‬
‫نفاسة جوهر استعداده واملرجو ان يوفقه هللا سبحانه ملرضياته بربكة تلك االانبة وان جيعله‬
‫من أهل النجاة و على كل حال ينبغي ان ال يفلت حبل حمبة هذه الطائفة وان جيعل‬
‫االلتجاء والتضرع اىل هؤالء القوم شعارا وان ينتظر تشريف احلق سبحانه مبحبته بسبب‬
‫حمبة هذه الطائفة وجذبه اليه ابلتمام وختليصه من االدانس واالوساخ ابلكلية {شعر}‪:‬‬
‫ما العشق االشعلة قد أحرقت * كل الورى اال احلبيب الباقي‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والسبعون اىل املرزا بديع الزمان يف التحريض على حمبة‬
‫الفقراء والتوجه اليهم و على اتباع صاحب الشريعة عليه الصالة و‬
‫السالم}‬
‫قد وردت الرقعة الشريفة والنميقة اللطيفة محدا هلل سبحانه حيث يفهم من فحواه‬
‫حمبة الفقراء والتوجه اىل الدراويش اليت هي رأس مال السعادة الهنم جلساء هللا سبحانه‬
‫[‪]2‬‬
‫وهم[‪ ]1‬قوم ال يشقي جليسهم وكان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يستفتح‬
‫بصعاليك املهاجرين وقال عليه الصالة و السالم يف شأهنم رب أشعث مدفوع ابالبواب‬
‫لو أقسم على هللا ألبره وقد اندرجت يف الصحيفة الشريفة فقرة خديو النشأتني وهذه لغة‬
‫خمصوص اطالق ها حبضرة واجب الوجود جل سلطانه وكيف يسوغ لعبد مملوك ال يقدر‬
‫على شئ ان يبتغي املشاركة ابهلل جل شأنه بوجه من الوجوه وان يسعى ويعدو يف طريق‬
‫االستقالل خصوصا يف النشأة االخروية اليت ختتص فيها املاليكة وامللكية سواء كانت‬
‫بطريق احلقيقة او بطريق اجملاز مبالك يوم الدين ويومئذ ينادي احلق سبحانه ويقول ملن‬

‫(‪( )1‬قوله) وهم قوم ال يشقى جليسهم اخرجه مسلم يف حديث طويل عن أيب هريرة رضي هللا عنه‪.‬‬
‫(‪( )2‬قوله وكان رسول هللا يستفتح احلديث) رواه الطرباين يف الكبري وابو نعيم عن امية ابن عبدهللا ابن خالد بن اسيد‬
‫ذكره احلافظ يف االصابة وقال املنذري يف الرتغيب رواه الطرباين ورواته رواة الصحيح وهو مرسل‪.‬‬
‫‪- 145 -‬‬

‫امللك اليوم ويقول يف جوابه بنفسه هلل الواحد القهار وليس للعباد يف ذلك اليوم شئ‬
‫سوى اهلول والدهشة والندم واحلسرة وقد اخرب هللا سبحانه يف القرآن اجمليد عن شدة ذلك‬
‫اليوم وغاية اضطراب اخلالئق حيث قال تبارك و تعاىل ان زلزلة الساعة شئ عظيم يوم‬
‫تروهنا تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات محل محلها وترى الناس سكارى‬
‫وما هم بسكارى ولكن عذاب هللا شديد {شعر}‪:‬‬
‫عن الفعل ال قول بذا اليوم تسئل * قلوب ذوي االلباب تشوي وتذبل‬
‫ويدهش فيه االنبياء مجيعهم * فما عذر ذنب فيك أم كيف تفعل‬
‫وبقية النصح انه ال بد من اتباع صاحب الشريعة عليه الصالة و السالم والتحية‬
‫فان النجاة بدونه حمال وينبغي أن ال يلتفت اىل زخارف الدنيا وأن ال يعتين بوجودها‬
‫وعدمها فان الدنيا مبغوضة هللا سبحانه ال قدر هلا عنده فينبغي أن يكون عدمها خريا من‬
‫وجودها عند العباد وعدم وفائها وسرعة زواهلا مشهورة بل مشهودة فاعتربوا أببنائها الذين‬
‫مضوا من قبل وفقنا هللا واايكم ملتابعة سيد املرسلني عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والسبعون اىل املرزا بديع الزمان أيضاً يف التحريض على‬
‫متابعة سيد الكونني عليه و على آله الصالة و السالم بتصحيح العقائد‬
‫أوال وتعلم االحكام الفقهية الضرورية اثنيا وما يناسبه}‬
‫سلمكم هللا سبحانه وعافاكم اعلم أن نقد سعادة الدارين منوط مبتابعة سيد‬
‫املرسلني عليه و على آله الصلوات و التسليمات على هنج بينه علماء أهل السنة شكر‬
‫هللا سعيهم وذلك بتصحيح االعتقاد اوال على مقتضى آراء هؤالء االكابر وبتحصيل علم‬
‫احلالل واحلرام والفرض والواجب والسنة واملندوب واملباح واملشتبه اثنيا والبد من العمل‬
‫مبقتضى هذا العلم وبعد حصول هذين اجلناحني االعتقادي و العملي اذا سبقت العناية‬
‫االزلية حبصول السعادة السرمدية يتيسر الطريان حنو عامل القدس وبدوهنا خرط القتاد‬
‫‪- 146 -‬‬

‫والدنيا الدنية ليست مما خيفى فعلها حت تعد من املطالب ويظن حصول آماهلا وجاهها‬
‫من املقاصد ينبغي ان يكون عايل اهلمة فان االنسان كلما جيد من هللا سبحانه امنا جيده‬
‫ابلوسيلة فينبغي اذا طلب الوسيلة اليه تعاىل {ع}‪:‬‬
‫هذا هو االمر و الباقي من العبث‬
‫وحيث طلبت اهلمة من كمال االلتفات فبشرى لك ترجع ساملا وغامنا لكن البد‬
‫من أن تراعي شرطا واحدا وهو توحيد قبلة التوجه فان جعل قبلة التوجه متعددة القاء‬
‫السالك نفسه اىل التفرقة ومن االمثال املشهورة أن املقيم يف حمل يف كل حمل واملرتدد بني‬
‫احملال ليس يف حمل أصال رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة على جادة الشريعة‬
‫املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية و السالم على من اتبع اهلدى والتزم‬
‫متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والسبعون اىل قليج خان يف بيان ان الرتقي مربوط‬


‫ابلورع والتقوى ويف التحريض على ترك فضول املباحات وما يناسب ذلك}‬
‫عصمكم هللا سبحانه عما يصمكم وصانكم عما شانكم حبرمة سيد البشر املنفي‬
‫عنه زيغ البصر عليه و على آله من الصلوات اكملها ومن التسليمات أفضلها قال هللا‬
‫تعاىل وما آاتكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه فانتهوا فكان مدار النجاة على جزأين‬
‫امتثال االوامر واالنتهاء عن املناهي ومعظم هذين اجلزأين هو اجلزء االخري املعرب عنه‬
‫ابلورع والتقوى ذكر رجل عند رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم بعبادة واجتهاد فيها وذكر‬
‫آخر برعة فقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ال تَ ْعد ْل ابلرعة شيئا[‪ ]1‬يعين الورع وقال أيضا‬
‫عليه من الصلوات أمتها ومن التسليمات اكملها مالك[‪ ]2‬دينكم الورع وفضيلة االنسان‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي عن جابر واسناده حسن والرعة مصدر ورع يرع رعة بكسر الراء يف الثالثة كذا يف خمتار الصحاح‪.‬‬
‫(‪ )2‬اخرجه ابو الشيخ والديلمي عن ايب هريرة بلفظ مالك الدين الورع وروى الطرباين عن ابن عمر قال قال رسول هللا‬
‫‪- 147 -‬‬

‫على امللك امنا هي بسبب هذا اجلزء والرتقي يف مدارج القرب ايضا من هذا اجلزء فان‬
‫املالئكة ايضا متشاركون يف اجلزء االول والرتقي مفقود فيهم فكانت رعاية جزء الورع‬
‫والتقوى من أهم مهام االسالم واشد ضرورايت الدين ورعاية هذا اجلزء الذي مداره على‬
‫االجتناب من احملارم امنا تتيسر على وجه الكمال اذا حصل االجتناب عن فضول‬
‫املباحات واكتفى منها بقدر الضرورة فان ارخاء عنان النفس يف ارتكاب املباحات جير‬
‫اىل املشتبهات واملشتبه قريب من احملرم ومن[‪ ]1‬حام حول احلمى يوشك ان يقع فيه فالبد‬
‫اذا يف حصول كمال الورع والتقوى من االكتفاء بقدر الضرورة من املباحات وهو ايضا‬
‫مشروط بنية حتصيل القوة على اداء وظائف العبودية واال فهذا القدر ايضا وابل ولقليله‬
‫حكم الكثري وملا كان االجتناب عن فضول املباحات ابلكلية يف مجيع االوقات خصوصا‬
‫يف هذا الزمان متعسرا وعزيز الوجود لزم االجتناب عن احملرمات وتضييق دائرة ارتكاب‬
‫فضول املباحات مهما امكن وان يكون اندما على هذا االرتكاب ومستغفرا منه دائما‬
‫وان يلتجئ ويتضرع اىل هللا تعاىل يف مجيع االوقات معتقدا أن هذا الرتكاب لفضول‬
‫املباحات فتح ابب الدخول حوايل احملرمات فعسى أن تقوم هذه الندامة واالستغفار‬
‫وااللتجاء والتضرع مقام االجتناب عن فضول املباحات وان تسد مسده وان تدفع آفاهتا‬
‫وحتفظ عنها قال واحد من اعزة االكابر انكسار العاصني احب اىل هللا تعاىل من صولة‬
‫املطيعني واالجتناب عن احملرمات على قسمني قسم يتعلق حبقوق هللا سبحانه و تعاىل‬
‫وقسم يتعلق حبقوق العباد ورعاية القسم الثاين اهم من رعاية القسم االول فان احلق‬
‫سبحانه غين على االطالق وارحم الرامحني والعباد فقراء حمتاجون وخبالء ولئام ابلذات‬
‫قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم من[‪ ]2‬كانت له مظلمة الخيه من عرضه او شئ‬
‫فليتح لله منه اليوم قبل ان ال يكون دينار وال درهم وان كان له عمل صاحل اخذ منه بقدر‬

‫صلّى هللا عليه و سلّم افضل العبادة الفقه و أفضل الدين الورع‪.‬‬
‫(‪ )1‬اخرجه الشيخان من حديث نعمان بن بشري‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري عن ايب هريرة‬
‫‪- 148 -‬‬

‫مظلمته وان مل يكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه وقال ايضا صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم اتدرون[‪ ]1‬ما املفلس قالوا املفلس فينا من ال درهم له وال متاع فقال ان‬
‫املفلس من اميت من أييت يوم القيامة بصلوة وصيام وزكوة وأييت قد شتم هذا وقذف هذا‬
‫واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته‬
‫فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاايهم فطرحت عليه مث طرح يف‬
‫النار ص دق رسول هللا صلى هللا و على آله وسلم (ونقول) اظهارا حملمدتكم وشكرا على‬
‫صنيعكم ان كثريا من االحكام الشرعية صار مروجا يف بلدة الهور بوجودكم يف مثل هذا‬
‫الزمان وحصلت تقوية الدين وترويج امللة يف تلك البقعة وهذه البلدة عند الفقري ابلنسبة‬
‫اىل سائر بالد اهلند كقطب االرشاد ابلنسة اىل سائر الناس وخري هذه البلدة وبركاهتا سار‬
‫يف مجيع بالد اهلند فاذا حصل هناك ترويج يتحقق حنو من الرتويج يف كل حمل كان هللا‬
‫سبحانه مؤيديكم وانصركم قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ال يزال[‪ ]2‬طائفة من‬
‫اميت ظاهرين على احلق ال يضرهم من خذهلم حت أييت امر هللا وهم على ذلك وملا كان‬
‫حبل ارتباطكم احليب حبضرة معدن املعارف شيخنا وقبلتنا قدس سره حمكما قواي كنت‬
‫ابعثا على حتريك ذلك االرتباط احليب بتسويد االوراق وحترير بعض الكلمات والزايدة‬
‫على ذلك اطناب وحامل رقيمة الدعاء رجل صاحل ذو نسب طيب وقد وقعت له حاجة‬
‫اىل جنابكم فاملرجو رعاية التوجه الشريف يف حقه واجناح حاجته رزقنا هللا سبحانه واايكم‬
‫الدولة احلقيقية والسعادة السرمدية حبرمة النيب وآله االجماد و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم عن ايب هريرة‬


‫(‪ )2‬رواه حاكم عن عمر وكذا حاكم وابن ماجة عن ايب هريرة وابن ماجة عن مغرية بن شعبة وابو داود عن عمران بن‬
‫حصني مع اختالف يف اللفظ ومعناه واحداه وقال املخرج رواه مسلم وابن ماجة والرتمذي من حديث ثوابن رضي هللا‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪- 149 -‬‬

‫{املكتوب السابع والسبعون اىل جباري خان يف بيان ان عبادة هللا الذي‬
‫ليس كمثله شئ مىت تكون ميسرة وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى {شعر}‪:‬‬
‫وما عبدوا غري االله فباطل * فيا ويل من خيتار ما كان ابطال‬
‫و عبادة هللا الذي ليس كمثله شئ امنا تتيسر اذا ختلص العبد عن رقية سواه جل‬
‫سلطانه ابلتمام ومل تبق قبلة التوجه غري الذات االحدية ومصداق هذ التوجه استواء انعامه‬
‫وايالمه تعاىل بل يكون االيالم أرغب فيه من االنعام يف ابتداء حصول هذا املقام وان‬
‫اجنر االمر اخريا اىل التفويض وكان كلما يصل وحيصل هو األوىل واالنسب والعبادة اليت‬
‫منشأوها الرغبة والرهبة فتلك العبادة هي عبادة النفس يف احلقيقة فان املقصود منها اما‬
‫حصول جناة النفس أو سرورها {شعر}‪:‬‬
‫ما دمت مفتوان بنفسك اي خلّي * دعوى احملبة منك دعوى كاذب‬
‫و حصول هذه الدولة منوط ابلفناء املطلق وهذا التوجه من نتيجة احملبة الذاتية‬
‫ومقدمة ظهور الوالية اخلاصة احملمدية على صاحبها الصالة و السالم والتحية وحصول‬
‫هذه النعمة العظمى موقوف على كمال اتباع شريعته عليه من الصلوات امتها ومن‬
‫التحيات أكملها فان شريعة كل نيب اليت اعطاه هللا اايها من طريق النبوة مناسبة لواليته‬
‫فان التوجه يف الوالية اىل احلق ابلكلية فاذا نزل ابذن هللا سبحانه اىل مقام النبوة ينزل‬
‫بذلك النور وجيمع ذلك الكمال مع التوجه اىل اخللق وسبب حصول كماالت مقام النبوة‬
‫هو ذلك النور ايضا وهلذا قيل والية النيب افضل من نبوته فال جرم تكون شريعة كل نيب‬
‫مناسبة لواليته واتباع تلك الشريعة مستلزم للوصول اىل تلك الوالية (فان قيل) ان بعض‬
‫من يتبع شريعة نبينا عليه الصالة و السالم ال نصيب له من واليته صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫بل هو على قدم نيب آخر وله نصيب من واليته (اجيب) ان شريعة نبينا عليه الصالة و‬
‫السالم جامعة جلميع الشرائع والكتاب الذي انزل اليه شامل جلميع الكتب السماوية‬
‫‪- 150 -‬‬

‫فاتباع هذه الشريعة كأنه اتباع جلميع الشرائع فمن له مناسبة لنيب من االنبياء أيخذ نصيبا‬
‫من واليته على قدر إستعداده وال حمذور فيه بل اقول إن واليته عليه الصالة و السالم‬
‫حاوية لوالايت مجيع االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات فالوصول اىل واحدة من تلك‬
‫الوالايت وصول اىل جزء من اجزاء هذه الوالية اخلاصة و سبب عدم الوصول اىل تلك‬
‫الوالية القصور يف كمال متابعته عليه الصالة و السالم و للقصور درجات فال جرم‬
‫حصل التفاوت يف درجات الوالية ولو تيسر كمال االتباع المكن الوصول اىل تلك‬
‫الوالية واالعرتاض امنا يرد اذا حصلت الوالية احملمدية ملتابعي شرائع االنبياء اآلخر عليه‬
‫وعليهم الصلوات و التسليمات والتحيات وليس فليس احلمد هلل الذي أنعم علينا وهداان‬
‫اىل الصراط املستقيم والدين القومي والصراط املستقيم عبارة عن هذا الطريق املتني والشرع‬
‫املبني انك ملن املرسلني على صراط مستقيم دليل هلذا املعن رزقنا هللا سبحانه واايكم‬
‫كمال اتباع شريعته عليه الصالة و السالم حبرمة كمل اتباعه ومعظم أوليائه رضوان هللا‬
‫تعاىل عليهم امجعني آمني وحامل رقيمة الدعاء ملا كان يف صدد التوجه اىل تلك احلدود‬
‫صار ابعثا على حتريك سلسلة احملبة بتحرير كلمات و السالم عليكم ورمحة هللا سبحانه‬
‫لديكم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والسبعون اىل جباري خان ايضا يف بيان معىن السفر يف‬
‫الوطن والسري اآلفاقي واالنفسي وان حصول هذه الدولة موقوف على‬
‫اتباعه صلّى هللا عليه و سلّم}‬
‫رزقنا هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة احلقة على مصدرها الصالة‬
‫والتحية قد مضت مدة من العود من سفر دهلي و آگره اىل الوطن املألوف ونقد الوقت‬
‫أآلن حب[‪ ]1‬الوطن من االميان فان وقع السفر بعد الوصول اىل الوطن فهو يف نفس‬

‫(‪( )1‬قوله حب الوطن من االميان) واملشهور انه حديث قال السخاوي مل اقف عليه ومعناه صحيح من املخرج قلت‬
‫‪- 151 -‬‬

‫الوطن فان السفر يف الوطن من االصول املقررة عند اكابر الطائفة النقشبندية العلية قدس‬
‫هللا اسرارهم السنية وحيصل يف هذا الطريق ذوق من هذا السفر يف االبتداء بطريق اندراج‬
‫النهاية يف البداية وجيعل مجع من هؤالء الطائفة جمذوبني سالكني اذا أريد ذلك ويرمون‬
‫أوال يف السري اآلفاقي مث جيذبون اىل السري االنفسي بعد متام السري اآلفاقي والسفر يف‬
‫الوطن عبارة عن هذا السري االنفسي {ع}‪:‬‬
‫و هذي سعادات تكون نصيب من‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها‬ ‫(آخر)‬
‫و الوصول اىل هذه النعمة العظمى منوط ابتباع سيد األولني واآلخرين عليه و‬
‫على آله من الصلوات أكملها ومن التحيات أفضلها وما مل يفن السالك نفسه يف‬
‫الشريعة ومل يتحل حبلى امتثال األوامر واالنتهاء عن املناهي ال تصل رائحة من هذه الدولة‬
‫اىل مشام روحه فان حصلت له االحوال واملواجيد فرضا مع وجود خمالفة الشريعة ولو‬
‫مقدار شعرة فهي داخلة يف االستدراج ت ْفضحه أخريا وال امكان للخالص بدون اتباع‬
‫حمبوب رب العاملني عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكلمها‬
‫(ينبغي) للعاقل ان يصرف حياة اايم معدودة يف مرضيات هللا سبحانه و تعاىل وأي صفاء‬
‫يف عيش وأية لذة يف معيشة اذا مل يكن موىل العبد راضيا عن أفعاله واحلق سبحانه و‬
‫تعاىل مطلع على االحوال الكلية واجلزئية وحاضر وانظر فينبغي ان يستحيي منه سبحانه‬
‫فانه لو ظن اطالع خملوق على العيوب واالفعال القبيحة ملا صدرت حينئذ قبيحة وال‬
‫عيب قطعا وال يراد اطالعه على العيوب البتة فأي بالء وقع فان أكثر الناس ال يتقون وال‬
‫ينقبضون وال يبالون مع علمهم حبضور احلق سبحانه واطالعه على الضمائر والسرائر فأي‬
‫اسالم هذا حيث ال اعتبار للحق عندهم مثل اعتبار هذا املخلوق نعوذ ابهلل من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئآت اعمالنا فبحكم جددوا اميانكم بقول ال اله اال هللا ينبغي ان جيدد‬
‫االميان يف كل آن هبذا القول العظيم الشان وان يتوب اىل هللا سبحانه من مجيع االفعال‬

‫يذكره الصوفية كثريا وله عندهم معين آخر‪.‬‬


‫‪- 152 -‬‬

‫املذمومة وينيب اليه تعاىل فانه ال يدري رمبا تكون الفرصة للتوبة يف وقت آخر هلك‬
‫املسوفون حديث نبوي عليه و على آله الصلوات و التسليمات (وينبغي) ان يغتنم‬
‫الفرصة ويصرفها يف مرضاته تعاىل والتوفيق للتوبة من عناية احلق سبحانه فينبغي ان يطلب‬
‫هذا املعن دائما وان يطلب اهلمة من الدراويش الذين هلم قدم راسخ يف الشريعة ومعرفة‬
‫اتمة من عامل احلقيقة وان يستمد منهم حت تظهر عناية احلق سبحانه من ابهبم فتجذب‬
‫اىل جناب قدسه تعاىل ابلتمام فال تبقى حينئذ خمالفة أصال فانه لو وجدت من خمالفة‬
‫الشريعة مقدار شعرة فاألمر يف خطر فالبد من سد سبل املخالفة ابلتمام {شعر}‪:‬‬
‫و من احملال املشي يف طرق الصفا * اي سعد من غري اتباع املصطفى‬
‫صلوات هللا سبحانه عليه و على آله وال ينبغي االعرتاض على أهل هللا خصوصا‬
‫اذا حتقق يف البني اسم املرشدية واملريدية وكان طريق االفادة واالستفادة مفتوحا وينبغي ان‬
‫يعتقده مسا قاتال والزايدة على ذلك اطناب وقد حررت هذه الكلمات بسبب ارتباط‬
‫احملبة واالخالص فاملرجو ان ال تكون موجبة للمالل (مث ان) املال عمر وشاه حسني‬
‫كليهما من اوالد الكبار يريدان مالزمتكم فاملرجو ادخاهلما يف زمرة املالزمني املخصوصني‬
‫وجاء الشيخ امسعيل ايضا هبذه االرادة ولو كان راجال فاملأمول ان حيتظ مبا يناسب حاله‬
‫ولنكتف هبذا القدر من زايدة التصديع و السالم واالكرام‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والسبعون اىل املذكور ايضاً يف بيان ان هذه الشريعة‬


‫الغراء جامعة للشرائع املتقدمة واألتيان مبقتضى هذه الشريعة اتيان مبقتضى‬
‫الشرائع وما يناسب ذلك}‬
‫رزقكم هللا سبحانه الثبات واالستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها‬
‫الصالة و السالم والتحية وجعلكم متوجها اىل جناب قدسه ابلكلية وقد تقرر ان حممدا‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم جامع جلميع الكماالت االمسائية والصفاتية ومظهر مجيع‬
‫‪- 153 -‬‬

‫االنبياء على سبيل االعتدال والكتاب الذي انزل اليه خالصة مجيع الكتب السماوية‬
‫املنزلة على سائر االنبياء على نبينا وعليهم الصلوات و التسليمات وايضا ان الشريعة اليت‬
‫اعطيها زبدة الشرائع املتقدمة واالعمال مبقتضى هذه الشريعة احلقة منتخبة من أعمال‬
‫الشرائع بل من أعمال املالئكة ايضا صلوات هللا على نبينا وعليهم أمجعني فان بعض‬
‫املالئكة مأمورون ابلركوع وبعضهم ابلسجود وبعضهم ابلقيام وكذلك االمم السابقة كان‬
‫بعضهم مأمورين بصالة الصبح وبعضهم بصالة أخرى و ورد االمر يف هذه الشريعة ابتيان‬
‫االعمال املنتخبة من خالصة أعمال االمم السابقة واملالئكة املقربني وزبدهتا فالتصديق‬
‫هبذه الشريعة تصديق جبميع الشرائع والعمل مبقتضاها عمل مبقتضىات تلك الشرائع فال‬
‫جرم يكون مصدقوا هذه الشريعة خري االمم وكذلك تكذيب هذه الشريعة تكذيب جلميع‬
‫الشرائع وترك العمل مبوجبها ترك العمل مبوجب سائر الشرائع وكذلك انكار نبينا صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم انكار جلميع الكماالت االمسائية والصفاتية وتصديقه تصديق جبميع‬
‫ذلك فال جرم يكون منكره صلّى هللا عليه و سلّم ومكذب شريعته شر االمم وهلذا قال‬
‫هللا تعاىل االعراب أشد كفرا ونفاقا {شعر}‪:‬‬
‫حممد سيد الكونني من عرب * تعسا ملن مل يكن يف اببه تراب‬
‫احلمد هلل ذي االنعام واملنة قد صار حسن االعتقاد وحسن الظن ابلشريعة‬
‫وصاحبها عليه الصالة و السالم والتحية مشهودا فيك ابحسن الوجوه وكانت الندامة‬
‫على االوضاع املذمومة ممدتك ومعينتك دائما زادمها هللا سبحانه و تعاىل (مث ان) حامل‬
‫رقيمة الدعاء الشيخ ميان مصطفى من نسل القاضي شريح وقد كانت اسالفه االكابر‬
‫من كرباء هذه الداير وكانت هلم وظائف كثرية واسباب معيشة وافرة وقد توجه املشار اليه‬
‫اىل العسكر بسبب ضيق املعيشة ومعه اسناده ومنشوره فاملرجو حصول اجلمعية له‬
‫بواسطتكم والزايدة على ذلك موجبة للتصديع وينبغي تفويض املشار اليه اىل الصدور‬
‫العظام على هنج يتيسر له االمر فيكون سببا جلمعية ارابب التفرقة و السالم واالكرام‪.‬‬
‫‪- 154 -‬‬

‫{املكتوب الثمانون اىل املرزا فتح هللا احلكيم يف بيان أن الفرقة الناجية من‬
‫بني الفرق الثالثة والسبعني فرقة أهل السنة واجلماعة ويف املنع من االلتفات‬
‫اىل الفرق املبتدعة واالختالط معهم وما يناسب ذلك}‬
‫رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها‬
‫الصالة و السالم والتحية {ع}‪:‬‬
‫هذا هو االمر والباقي من العبث‬
‫وكل فرقة من الفرق الثالث والسبعني يدعون اهنم متبعون للشريعة وجيزمون بكوهنم‬
‫انجني كل حزب مبا لديهم فرحون مصداق حاهلم ونقد وقتهم وأما الدليل الذي بينه النيب‬
‫الصادق عليه من الصلوات أكملها ومن التسليمات أفضلها على متييز فرقة انجية من‬
‫تلك الفرق املتعددة فهو قوله صلّى هللا عليه و سلّم الذين[‪ ]1‬هم على ما اان عليه‬
‫وأصحايب وذكر االصحاب مع وجود الكفاية بذكر صاحب الشريعة عليه الصالة و‬
‫السالم وال تحية يف ذلك احملل ميكن أن يكون لاليذان ابن طريقي هو طريق االصحاب‬
‫وطريق النجاة منوط ابتباع طريقهم فحسب كما قال هللا تعاىل ومن يطع الرسول فقد‬
‫اطاع هللا فكان اطاعة الرسول عني اطاعة هللا تعاىل وخالف اطاعته صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫عني معصيته تعاىل وتقدس وقد اخرب هللا سبحانه عن حال مجاعة زعموا طاعته تعاىل‬
‫خالف طاعة الرسول وحكم بكفرهم حيث قال سبحانه يريدون أن يفرقوا بني هللا ورسله‬
‫ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض اآلية فدعوى اتباع النيب صلّى هللا عليه و سلّم بدون‬
‫اتباع طريق االصحاب رضوان هللا عليهم أمجعني دعوى ابطل بل ذلك االتباع يف احلقيقة‬
‫عني معصية الرسول عليه الصالة و السالم فاين اجملال لطمع النجاة يف ذلك الطريق‬
‫حيسبون اهنم على شئ اال اهنم هم الكاذبون مطابقة حلاهلم وال شك أن الفرقة امللتزمة‬
‫التباع أصحابه عليه وعليهم الصالة و السالم أهل السنة واجلماعة شكر هللا سعيهم فهم‬

‫(‪( )1‬قوله الذين هم على ما اان احلديث) رواه الرتمذي من حديث عبدهللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪- 155 -‬‬

‫الفرقة الناجية فان الطاعنني يف أصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كالشيعة‬
‫واخلوارج حمرمون من اتباعهم وللمعتزلة مذهب على حدة حمدث ورئيسهم واصل بن عطاء‬
‫كان من أصحاب حسن البصري مث اعتزل جملسه وصار يقول ابثبات الواسطة بني الكفر‬
‫واالميان فقال احلسن اعتزل ع نا و على هذا القياس سائر الفرق والطعن يف االصحاب‬
‫طعن يف رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يف احلقيقة ما آمن برسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم من مل يوقر أصحابه فان خبثهم ينجر اىل خبث صاحبهم نعوذ ابهلل من هذا االعتقاد‬
‫السوء (وأيضا) ان أحكام الشريعة اليت وصلت الينا من طريق القرآن واالحاديث امنا‬
‫وصلت بتوسط نقلهم فاذا كان هؤالء مطعوان فيهم يكون نقلهم ايضا مطعوان فيه وهذا‬
‫النقل ليس خمصوصا ببعض دون بعض بل كلهم يف العدالة والصدق والتبليغ فالطعن يف‬
‫واحد منهم اي واحد كان طعن يف الدين والعياذ ابهلل سبحانه منه (فان) قال الطاعنون‬
‫يف االصحاب حنن ايضا نتابعهم ولكن ال يلزم يف حتقق املتابعة متابعة اجلميع بل ذلك‬
‫غري ممكن لتناقض آرائهم واختالف مذاهبهم (اجيب) أن متابعة البعض امنا تنفع اذا مل‬
‫يوجد انكار الباقني ومت حتقق انكار البعض ال يتحقق متابعة البعض اآلخر فان عليا كرم‬
‫هللا وجهه كان يوقر اخللفاء الثالثة ويعظمهم رضوان هللا عليهم أمجعني وابيعهم عاملا‬
‫ابستحقاقهم االقتداء هبم فدعوى متابعته مع وجود انكارهم افرتاء حمض وادعاء صرف بل‬
‫انكارهم انكار يف احلقيقة لسيدان علي كرم هللا وجهه ورد صريح القواله وافعاله وجتويز‬
‫احتمال التقاة يف حق اسد هللا من غاية سخافة العقل فان العقل الصحيح ال جيوز‬
‫اضمار بغض اخللفاء الثالثة السد هللا قريبا من مدة ثالثني سنة واظهار خالفه وصحبته‬
‫معهم على النفاق أصال فان مثل هذا النفاق ال يتصور من ادىن أهل االسالم فينبغي‬
‫التأمل والتفكر يف شناعة هذا الفعل فانه يستلزم نسبة ضعف كبري و وهن كثري وخديعة‬
‫شنيعة اىل أسد هللا علي كرم هللا وجهه فلئن جوزان التقاة يف حق اسد هللا على سبيل‬
‫فرض احملال فماذا يقولون يف تعظيم رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم للخلفاء الثالثة‬
‫وتوقريه اايهم من االبتداء اىل االنتهاء فانه ال مساغ فيه للتقاة الن تبليغ ما هو احلق‬
‫‪- 156 -‬‬

‫واجب على الرسول وجتويز التقاة هناك ينجر اىل الزندقة قال هللا تعاىل اي ايها الرسول بلغ‬
‫ما انزل اليك من ربك فان مل تفعل فما بلغت رسالته قال الكفار ان حممدا يظهر من‬
‫الوحي ما يوافقه وخيفي منه ما خيالفه ومن املقرر أن تقرير النيب على اخلطأ غري جائز واال‬
‫يتطرق اخللل اىل شريعته فاذا مل يصدر منه صلّى هللا عليه و سلّم خالف تعظيم خلفاء‬
‫الثالثة ومل يظهر ما ينايف توقريهم علم ان تعظيمه وتوقريه صلّى هللا عليه و سلّم اايهم‬
‫مصون عن اخلطأ وحمفوظ عن الزوال (ولنرجع) اىل أصل الكالم ونبني جواب اعرتاضهم‬
‫يع ين شبهتهم اوضح مما سبق وانقح فنقول ان متابعة مجيع االصحاب واجبة يف اصول‬
‫الدين فانه ال اختالف بينهم يف االصول وامنا اختالفهم يف الفروع فقط فالذي يطعن يف‬
‫بعضهم فهو حمروم من متابعة مجيعهم وكلمة االصحاب وان كانت يف نفسها متفقة ولكن‬
‫شؤم االنكار الكابر الدين خيرجها من االتفاق اىل االختالف بل جير انكار القائل اىل‬
‫انكار املقول وايضا ان مبلغي الشريعة مجيع االصحاب كما مر الن االصحاب كلهم‬
‫عدول وبلغ من كل واحد شئ من الشريعة الينا وكذلك مجعوا القرآن اخذا من كل واحد‬
‫منهم آية فما فوقها فانكار البعض انكار ملبلغي القرآن فال يتحقق االتيان جبميع الشريعة‬
‫يف حق املنكر فكيف النجاة والفالح قال هللا تعاىل افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون‬
‫ببعض اآلية مع اان نقول ان جامع القرآن عثمان بل أبو بكر الصديق وعمر الفاروق‬
‫رضي هللا عنهم و ما مجعه علي كرم هللا وجهه وما حواه فهو سوى هذا القرآن فينبغي‬
‫التأمل والتفكر فان انكار هؤالء االكابر ينجر اىل انكار القرآن يف احلقيقة عياذا ابهلل‬
‫سبحانه منه (سئل) شخص جمتهد أهل التشيع يعين يف زعمهم ان القرآن مجعه عثمان‬
‫فما اعتقادك يف حق هذا القرآن فقال ال ارى املصلحة يف انكاره فان ابنكاره ينهدم‬
‫الدين ابلتمام وأيضا ان العاقل[‪ ]1‬ال جيوز اجتماع اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم على امر ابطل قبل مرور يوم من رحلته صلّى هللا عليه و سلّم ومن املقرر ان‬

‫(‪ )1‬اشار به اىل ان جمرد العقل كاف يف ذلك فكيف اذا إنضم اليه الداينة وحسن الظن ابصحاب النيب صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم حملرره‪.‬‬
‫‪- 157 -‬‬

‫اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كانوا يوم رحلته مقدار ثالث وثالثني الفا وابيع‬
‫كلهم الصديق االكرب ابلطوع واالختيار واجتماع مجيع اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم يف تلك احلالة على الضاللة من مجلة احملاالت وقد قال النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم ال جيتمع[‪ ]1‬اميت على الضاللة وأتخر علي كرم هللا وجهه يعين من البيعة يف االبتداء‬
‫ليس اال لعدم دعوهتم اايه اىل املشورة كما قال بنفسه ما غضبنا اال لتأخران عن املشورة‬
‫واال لنعلم ان ااب بكر خري منا اخل وعدم دعوهتم اايه ميكن ان يكون مبنيا على مصلحة‬
‫كتسلية اهل البيت بقعوده عندهن يف الصدمة األوىل من املصيبة او حنو ذلك‬
‫واالختالف الواقع بني االصحاب ليس منشأه اهلوى النفساين فان نفوسهم قد تزكت‬
‫وختلصت من ان تكون امارة ابلسوء وصارت مطمئنة وكانت اهواءهم اتبعة للشريعة بل‬
‫كان مبناه على االجتهاد واعالء احلق فللمخطئ منهم درجة واحدة عند هللا وللمصيب‬
‫عشر درجات فينبغي اذا حفظ اللسان من اذاهم وجفاهم وان يذكر كال منهم خبري قال‬
‫االمام الشافعي رمحه هللا تعاىل تلك دماء طهر هللا أيدينا عنها فلنطهر عنها السنتنا وقال‬
‫ايضا اضطر الناس بعد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فلم جيدوا حتت ادمي السماء خريا‬
‫من أيب بكر فولوه رقاهبم وهذا القول تصريح منه بنفي التقاة ورضاء علي كرم هللا وجهه‬
‫بيعة الصديق رضي هللا عنه (بقية) املقصود ان امليان سيدن ولد الشيخ ميان ايب اخلري من‬
‫أوالد الكبار وقد سافر اىل دكن يف رفاقتكم فريجي يف حقه التفاتكم وعنايتكم وايضا ان‬
‫موالان حممدا عارف طالب علم ومن اوالد الكبار وكان ابوه عاملا وقد جاء الجل‬
‫االستمداد يف امر املعاش فريجى التوجه اليه و السالم واالكرام‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والثمانون اىل الال بك يف التحريض على ترويج االسالم‬


‫(‪ )1‬رواه الرتمذي عن ابن عمر رضي هللا عنهما بلفظ ان هللا ال جيمع اميت اخل قال السخاوي وابجلملة فهو حديث‬
‫مشهور املنت ذو اسانيد كثرية وشواهد متعددة يف املرفوع وغريه انتهى وقال السيوطي ال جيتمع اميت على ضاللة رواه‬
‫ابن ايب عاصم يف السنة من حديث انس هبذا اللفظ اه ‪.‬‬
‫‪- 158 -‬‬

‫وبيان حصول الوهن والضعف لالسالم واملسلمني واستيالء الكفار االشرار‬


‫وغلبتهم}‬
‫زادان هللا واايكم محية االسالم وقد بلغت غربة االسالم منذ قرن واحد مبلغا وغاية‬
‫ال يرضي أهل الكفر مبجرد اجراء احكام الكفر يف بالد االسالم بل يريدون ازالة احكام‬
‫االسالم ورفعها ابلكلية وجيتهدون يف اعدام أثر االسالم واملسلمني وبلغ االمر حدا لو‬
‫اظهر مسلم شيئا من شعار االسالم يذيقونه القتل وذبح البقرة من اعظم شعائر االسالم‬
‫يف بالد اهلند ولعل الكفار يرضون ابداء اجلزية وال يرضون بذبح البقرة اصال فان حصل‬
‫الرواج والقوة لالسالم واالعتبار للمسلمني يف ابتداء السلطنة فبها واال فاالمر مشكل يف‬
‫حق املسلمني جدا الغياث الغياث مث الغياث الغياث واي سعادة من يستسعد هبذه‬
‫السعادة واي اقبال ابز يصيد هذه الدولة ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل‬
‫العظيم ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعة سيد املرسلني عليه و على آله من الصلوات‬
‫أفضلها ومن التسليمات أكملها و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والثمانون اىل اسكندرخان اللودي هي يف بيان ان سالمة‬


‫القلب ال تتصور بدون نسيان ما سوي احلق جل وعال وهذا النيسان معرب‬
‫عنه ابلفناء}‬
‫جعلكم هللا سبحانه معه على الدوام وال يرتك مع غريه من االانم حبرمة سيد البشر‬
‫املطهر عن زيغ البصر عليه و على آله الصلوات و التسليمات وما هو الالزم لنا ولكم‬
‫سالمة القلب من غري احلق سبحانه وهذه السالمة امنا تتيسر اذا مل يبق لغري احلق سبحانه‬
‫مرور وخطور على القلب وعدم مرور الغري منوط بنيسان ذلك الغري املعرب عنه ابلفناء عند‬
‫هذه الطائفة العلية ويبلغ ذلك النسيان مبلغا لو أرادوا اخطار الغري ابلبال وايقاعه يف‬
‫‪- 159 -‬‬

‫القلب ابلتكلف فرضا ال خيطر ابدا وال يقع سرمدا ومامل يبلغ النسيان هذه املرتبة فسالمة‬
‫القلب حمال وهذه النسبة يعين نسيان السوى هبذه املرتبة صارت اآلن كعنقاء املغرب بل‬
‫ال يصدق هبا ان اخرب عنها {شعر}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫و ماذا نكتب أزيد من ذلك و السالم أوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والثمانون اىل هبادر خان يف التحريض على اجلمع بني‬
‫مجعييت الظاهر والباطن مع االستقامة على الشريعة واحلقيقة}‬
‫رزقكم هللا سبحانه النجاة من تعلقات شت وجعلكم مقبال على جناب قدسه‬
‫ابلكلية حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله من الصلوات أكملها ومن التسليمات‬
‫أفضلها {شعر}‪:‬‬
‫من كان يف قلبه مثقال خردلة * سوى هوى احلق فاعلم أنه مرض‬
‫و حتلية الظاهر ابلشريعة الغراء وربط الباطن على الدوام ابهلل أمر عظيم اي‬
‫صاحب دولة يشرف هباتني النعمتني العظيمتني واجلمع بني هاتني النسبتني يف هذا الوقت‬
‫ابالستقامة على ظاهر الشريعة عزيز الوجود جدا بل أعز من الكربيت االمحر رزق هللا‬
‫سبحانه من كمال كرمه كرامة االستقامة على متابعة سيد األولني واآلخرين عليه و على‬
‫آله الصالة و السالم ظاهرا وابطنا‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والثمانون اىل السيد أمحد القادري يف بيان أن كال من‬
‫الشريعة واحلقيقة عني اآلخر وان عالمة الوصول اىل مرتبة حق اليقني‬
‫‪- 160 -‬‬

‫مطابقة علوم ذلك املقام ومعارفها ابلعلوم الشرعية ومعارفها وما يناسب‬
‫ذلك}‬
‫رزقكم هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة وجعل مجيع مهتكم التوجه اىل‬
‫جناب قدسه وأخذك عنده ابلتمام ويسرلك ولنا االعراض عما سواه ابلكلية حبرمة سيد‬
‫البشر املقدس عن زيغ البصر عليه من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها و على‬
‫آله واصحابه أمجعني آمني {ع}‪:‬‬
‫و أحسن ما ميلي حديث االحبة‬
‫وكلما قيل عن احلبيب وان مل يكن من كالمه ولكن ملا كان هلذا الكالم نوع‬
‫مناسبة جبنابه تعاىل وتقدس نغتنم هذا املعن املناسب وجنرتئ يف إطالة اللسان يف ذلك‬
‫الباب املقصود ان كال من الشريعة واحلقيقة عني اآلخر ال متايز بينهما يف احلقيقة غري‬
‫االمجال و التفصيل و االستدالل والكشف والغيبة والشهادة والتعمل وزواله فان االحكام‬
‫والعلوم اليت صارت معلومة مبوجب بيان الشريعة الغراء تنكشف تلك العلوم واالحكام‬
‫بعينها تفصيال بعد التحقق حبقيقة حق اليقني وخترج من الغيبة اىل الشهادة ويرتفع جتشم‬
‫الكسب ومتحل العمل من البني وعالمة الوصول اىل مرتبة حق اليقني مطابقة علوم ذلك‬
‫املقام ومعارفه بعلوم الشريعة ومعارفها فلو بقيت املخالفة مقدار شعرة فهو دليل على عدم‬
‫الوصول اىل حقيقة احلقائق وكلما وقع من مشائخ الطريقة مما خيالف الشريعة من علم أو‬
‫عمل فهو مبين على سكر الوقت وسكر الوقت ال يقع اال يف اثناء الطريق وحال املنتهىن‬
‫اىل هناية النهاية كله صحو والوقت مغلوب فعاهلم واحلال واملقام اتبعان لكماهلم {شعر}‪:‬‬
‫صويف ابن الوقت آمد يف املثال * كل صاف فارغ عن كل حال‬
‫فتحقق من ذلك ان خمالفة الشريعة عالمة عدم الوصول اىل حقيقة االمر ووقع يف‬
‫عبارة بعض املشائخ ان الشريعة قشر احلقيقة واحلقيقة لب الشريعة وهذا الكالم وان كان‬
‫منبئا عن عدم استقامة قائله ولكن ميكن ان يكون مراده به ان اجململ حكمه ابلنسبة اىل‬
‫‪- 161 -‬‬

‫املفصل كحكم القشر ابلنسبة اىل اللب واالستدالل يف جنب الكشف كالقشر يف جنب‬
‫اللب واما االكابر املستقيموا األحوال فال جيوزون التكلم ابمثال هذه العبارة املومهة‬
‫للمخالفة وال يثبتون الفرق بينهما غري االمجال والتفصيل واالستدالل والكشف سئل‬
‫سائل اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس هللا سره االقدس انه ما املقصود من السري‬
‫والسلوك فقال كون املعرفة االمجالية تفصيلية واالستداللية كشفية رزقنا هللا سبحانه الثبات‬
‫واالستقامة على الشريعة علما وعمال صلوات هللا وسالمه على صاحبها وبقية التصديع‬
‫ان حامل رقيمة الدعاء الشيخ مصطفى الشرحيي من نسل القاضي شريح وكان آابؤه‬
‫وأجداده من االكابر وأصحاب وظائف وفرية ومعائش كثرية وقد توجه اىل العسكر‬
‫بسبب اضطراره من فقدان اسباب املعيشة واخذ معه اسناده ومنشوره واملأمول التفاتكم‬
‫وتوجهكم اىل حاله على هنج يكون سببا حلصول اجلمعية وينجو من االضطراب والتفرقة‬
‫ولنكتفي هبذا القدر من زايدة التصديع‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والثمانون اىل املرزا فتح هللا احلكيم يف التحريض على‬
‫اتيان االعمال الصاحلة خصوصاً على اداء الصلوات ابجلماعة وما يناسب‬
‫ذلك}‬
‫وفقكم هللا سبحانه ملرضياته واعلم ان االنسان كما أنه البد له من تصحيح‬
‫االعتقادات كذلك البد له من اتيان االعمال الصاحلات وامجع العبادات واقرب الطاعات‬
‫هو اداء الصالة كما قال عليه الصالة و السالم الصالة[‪ ]1‬عماد الدين فمن اقامها فقد‬

‫(‪ )1‬رواه الديلمي عن علي كرم هللا وجه والبيهقي يف الشعب عن عمه مرفوعا وقول النووي يف التنقيح حديث منكر‬
‫ابطل رده احلافظ ابن حجر وشنع عليه مث ان الذي خرجه البيهقي هي اجلملة االوىل يعين الصالة عماد الدين فقط‬
‫واما قوله فمن تركها اخل فلم أره وقد ورد بطرق متعددة وابلفاظ خمتلفة اوردها شارح االحياء مث قال يوجد يف كتب‬
‫اصحابنا احلنفية هذا احلديث بزايدة مجلة اخرى وهي فمن اقامها فقد اقام الدين وهبذه الزايدة يفهم وجه الشبه بني‬
‫الصالة والعماد اي االقامة ابالقامة واهلدم ابلرتك كما ان اخليمة تقام ابقامة عمدها وهتدم برتك اقامتها وكان هذا هو‬
‫‪- 162 -‬‬

‫اقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين ومن وفق ملواظبة اداء الصلوة فقد امتنع عن‬
‫الفحشاء واملنكر وقوله تعاىل ان الصالة تنهي عن الفحشاء واملنكر مؤيد هلذا الكالم‬
‫والصالة اليت ليست هبذه املثابة يعين مل متنع صاحبها عن الفحشاء واملنكر فهي صورة‬
‫الصالة ال حقيقة هلا ولكن ينبغي أن ال ترتك الصورة اىل أن حتصل احلقيقة فان ما ال‬
‫يدرك كله ال يرتك كله وال يستبعد اعتبار اكرم االكرمني الصورة وأن يقبلها مكان احلقيقة‬
‫فعليكم املواظبة على اداء الصالة مع اجلماعة ومع اخلشوع واخلضوع فاهنا سبب النجاة‬
‫والفالح قال هللا تعاىل قد أفلح املؤمنون الذين هم يف صالهتم خاشعون واحلاصل أنه‬
‫ينبغي أن يعمل مع وجود اخلطر يعين الرد اال ترى أن العساكر حيصل هلم اعتبار كثري يف‬
‫مقابلة حركتهم اليسرية ومناضلتهم القليلة وقت غلبة العدو وامنا يعترب[‪ ]1‬صالح الشبان‬
‫الهنم اختاروا الصالح وكلفوا أنفسهم عليه مع وجود غلبة الشهوة النفسانية فيهم وقد انل‬
‫اصحاب الكهف مجيع تلك احلشمة والعظمة والرتبة عند هللا تعاىل بسبب هجرة واحدة‬
‫من خمالفي الدين وورد يف احلديث النبوي عليه الصالة و السالم عبادة[‪ ]2‬يف اهلرج‬
‫كهجرة اىل فكان املنايف عني الباعث يف احلقيقة وماذا نكتب ازيد من ذلك وصحبة‬
‫الفقراء غري مرغوبة فيها لدي ولدى هباء الدين بل ميله واجنذابه اىل اهل الثروة والغنا‬
‫وارابب التنعم واالستغناء وال يدري ان صحبتهم سم قاتل ولقمتهم السمينة يعين اطعمتهم‬
‫اللذيذة زائدة يف ظلمة الباطن وقساوة القلب احلذر احلذر مث احلذر احلذر منهم وورد يف‬
‫احلديث الصحيح على مصدره الصالة و السالم من[‪ ]3‬تواضع الغين لغناه ذهب ثلثا دينه‬

‫السر يف عدم جمئ االمر ابلصالة غالبا اال بلفظ االقامة يف الكتاب والسنة خبالف غريه من االعمال على ما ال خيفى‬
‫انتهى ملخصا وهو تعليل حسن‪.‬‬
‫(‪ )1‬يعين اكثر من اعتبار صالح غريهم كما هو مصرح يف اكثر املواضع حملرره‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم والرتمذي وابن ماجة عن معقل بن يسار‬
‫(‪ )3‬رواه البيهقي يف الشعب واخلطيب عن ابن مسعود وانس بلفظ من دخل على غين فتضعضع له ذهب ثلثا دينه‬
‫واخرج الديلمي من حديث ايب ذر لعن هللا فقريا تواضع الغين من اجل ماله من فعل ذلك منهم فقد ذهب ثلثا دينه‬
‫قال السيوطي ومل يصب ابن اجلوزي يف إيراده يف املوضوعات اه ‪.‬‬
‫‪- 163 -‬‬

‫فويل ملن تواضعهم لغناهم وهللا سبحانه املوفق‪.‬‬

‫{املكتوب السادس و الثمانون اىل شخص من حكام بعض القصبة يف بيان‬


‫سالمة القلب عما سواه تعاىل}‬
‫رزقكم هللا سبحانه االستقامة على حد االعتدال ومركز العدالة جباه سيد املرسلني‬
‫عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها وما هو الالزم لنا ولكم‬
‫سالمة القلب من التعلق مبا سوى احلق تعاىل وهذه السالمة امنا تتحقق على تقدير عدم‬
‫بقاء خطور غريه تعاىل يف القلب حبيث لو امتدت احلياة اىل الف سنة فرضا ال يقع الغري‬
‫يف القلب بواسطة نسيان ما سواه تعاىل احلاصل للقلب {ع}‪:‬‬
‫هذا هو االمر و الباقي من اهلوس‬
‫و قد قلتم وقت املالقاة على وجه الكرم انه اذا وقع أمر مهم الزم الرجوع فيه‬
‫ينبغي أن تكتبوه الينا فبناء على ذلك اجرتئ على التصديع ان الشيخ عبد هللا الصويف من‬
‫الصلحاء وقد ركبه الدين بسبب أداء بعض حوائجه فاملرجو حصول املدد له منكم يف‬
‫ختليص ذمته و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع و الثمانون اىل هبلوان حممود يف بيان سعادة من قبله‬


‫اولياء هللا تعاىل}‬
‫سلمكم هللا وثبتكم على جادة الشريعة على صاحبها الصالة و السالم والتحية‬
‫أول بشارات مجاعتكم قدوم الشيخ ميان مزمل وماذا ابني من بركات صحبته واي سعادة‬
‫افضل من قبول اولياء هللا عز و جل شخصا فكيف لو امتاز مبحبتهم وقرهبم هم قوم ال‬
‫يشقى جليسهم وابجلملة ينبغي اغتنام صحبتهم حت تكون مؤثرة وماذا نكتب ازيد من‬
‫‪- 164 -‬‬

‫ذلك و السالم أوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والثمانون اىل املذكور ايضا يف بيان فضيلة الشيب يف االميان‬
‫و الصالح ولزوم غلبة اخلوف يف عهد الشباب والرجاء يف الشيخوخة}‬
‫جعل كم هللا سبحانه معه على الدوام اي نعمة اعظم من الشيب يف االميان و‬
‫الصالح وورد يف احلديث النبوي عليه الصالة و السالم من[‪ ]1‬شاب شيبة يف االسالم‬
‫غفر له ينبغي بعد الشيب أن يرجح جانب الرجاء وأن يغلب ظن املغفرة فان اخلوف‬
‫ينبغي أن يكون أزيد يف عهد الشباب وأما يف سن الشيخوخة فال ينبغي اال ترجيح الرجاء‬
‫و السالم أوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والثمانون اىل املرزا على جان يف التعزية}‬


‫رزقكم هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة على صاحبها الصالة و السالم‬
‫والتحية واعلم أنه ال بد لالنسان من املوت تصديقا لقوله تعاىل كل نفس ذائقة املوت‬
‫فطوىب[‪ ]2‬ملن طال عمره وكثر عمله واملوت هو الذي يتسلى به املشتاقون وجعل وسيلة‬
‫لوصول احلبيب اىل احلبيب من كان يرجو لقاء هللا فان أجل هللا آلت نعم ان احوال‬
‫العاجزين احملرومني من دولة احلضور والوصول اىل مطلب الواصلني اجملردين من رقية‬
‫السوى خراب وأبرت وقد كانت املرحومة ولية نعمتكم مغتنمة لكم يف هذه االوان جدا‬
‫والالزم لكم اآلن مكافأة االحسان ابالحسان واالمداد ابلدعاء والصدقة ساعة فساعة‬

‫(‪ )1‬اخرج ابو داود عن عمر ابن شعيب عن ابيه عن جده من شاب شيبة يف االسالم كتب هللا له هبا حسنة وكفر عنه‬
‫هبا خطيئة ورفعه هبا درجة واخرجه الرتمذي والنسائي وابن ماجة عن كعب بن مرة بلفظ كانت له هبا نورا يوم القيامة‬
‫اه‬
‫(‪ )2‬رواه الطرباين وابو نعيم يف احلل ية عن عبدهللا ابن عمر بلفظ طويب ملن طال عمره وحسن عمله قال العزيزي اسناده‬
‫حسن قلت قد رمز املناوي يف كنوز احلقائق هلذا احلديث هبذا اللفظ رمز وقال املخرج رواه ابو داود عن عمرو بن‬
‫شعيب عن ابيه عن جده‬
‫‪- 165 -‬‬

‫فان امليت[‪ ]1‬كالغريق ينتظر دعوة ملحقة من أب أو أم أو صديق (وايضا) ينبغي لكم ان‬
‫تعتربوا من موهتا وتتذكروا موتكم وأن تقبلوا على مرضيات احلق سبحانه ابلكلية وان ال‬
‫تعدوا احلياة ا لدنيوية غري متاع الغرور فان كان للتمتعات الدنياوية مقدار شعرة من‬
‫االعتبار ملا منح هبا الكفار وملا أعطيها االشرار رزقنا هللا سبحانه واايكم االعراض عما‬
‫سوى هللا سبحانه واالقبال على جناب قدسه حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله من‬
‫الصلوات أفضلها ومن التسليمات اكملها و السالم واالكرام‪.‬‬

‫{املكتوب التسعون اىل اخلواجه قاسم يف التحريض على التوجه اىل احلق‬
‫سبحانه ابلكلية وبيان ان حصول هذه الدولة موقوف يف هذا الوقت على االخالص‬
‫هلذه الطائفة العلية النقشبندية قدس هللا اسرارهم والتوجه اليهم}‬
‫جعل هللا سبحانه الدنيا الدنية حقرية املقدار عدمية االعتبار يف نظر مهتكم وجعل‬
‫مجال اآلخرة حملى ومزينا يف مرآة بصريتكم حبرمة سيد البشر املطهر عن زيغ البصر عليه و‬
‫على آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها قد وصل مكتوبكم الشريف‬
‫املرسل على وجه االلتفات مع اهلدااي احملرتمة جزاكم هللا سبحانه على كرمكم خري اجلزاء‬
‫والنصيحة اليت ينصح هبا احملبون واملخلصون هو الرتغيب يف السعي واالجتهاد يف حتصيل‬
‫االقبال ابلكلية على جناب قدسه تعاىل واالعراض عما سواه عز شأنه {ع}‪:‬‬
‫هذا هو األمر و الباقي من العبث‬
‫و حصول هذه الدولة العظمى موقوف يف هذا الوقت على االخالص للطائفة‬
‫العلية النقشبندية والتوجه اليهم فان الذي حيصل يف صحبتهم الواحدة ال يتيسر‬
‫ابلرايضات الشديدة واجملاهدات الشاقة يف مدة مديدة وذلك الن يف طريق هؤالء االكابر‬
‫اندراج النهاية يف البداية حبيث يعطي يف أول صحبتهم ما يقع يف يد املنتهيني يف هنايتهم‬

‫(‪ )1‬اورده يف املشكاة من رواية البيهقي يف شعب االميان عن ابن عباس رضي هللا عنهما مرفوعا بلفظ ما امليت يف القرب‬
‫اال كالغريق املتغوث ينتظر دعوة تلحقه من اب او ام او اخ او صديق احلديث‪.‬‬
‫‪- 166 -‬‬

‫وطريق هؤالء االكابر هو طريق االصحاب الكرام فانه كان حيصل هلم يف أول صحبة خري‬
‫البشر عليه و على آله الصلوات و التسليمات ما يندر حصوله ألولياء االمة يف النهاية‬
‫وهذا طريق اندراج النهاية يف البداية فعليكم مبحبة هؤالء االكابر فاهنا مالك االمر و‬
‫السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والتسعون اىل الشيخ الكبري يف بيان أن تصحيح العقائد‬


‫واتيان االعمال الصاحلة كليهما جناحان للطريان اىل عامل القدس وان املقصود من‬
‫اعمال الشريعة واحوال احلقيقة هو تزكية النفس وتصفية القلب}‬
‫رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة على متابعة السنة السنية على صاحبها الصالة‬
‫و السالم والتحية واعلم ان الذي البد منه هو تصحيح االعتقاد أوال على وفق آراء‬
‫علماء اهل السنة واجلماعة الذين هم الفرقة الناجية مث العمل مبقتضى االحكام الفقهية‬
‫اثنيا فاذا حصل هذان اجلناحان االعتقادي و العملي ينبغي ان يقصد الطريان اىل عامل‬
‫القدس {ع}‪:‬‬
‫هذا هو األمر و الباقي من العبث‬
‫و املقصود من اعمال الشريعة واحوال الطريقة واحلقيقة هو تزكية النفس وتصفية‬
‫القلب وما مل ترتك النفس ال حتصل السالمة للقلب وال حيصل االميان احلقيقي الذي به‬
‫نيطت النجاة وسالمة القلب امنا تتصور اذا مل خيطر ما سواه تعاىل يف القلب أصال حبيث‬
‫لو مضى ألف سنة مثال ال يقع الغري يف القلب وال مير عليه قطعا النه قد حصل للقلب‬
‫حينئذ نسيان السوى ابلكلية حبيث لو ذكروه ابلتكليف ملا يتذكر وهذه احلالة هي املعرب‬
‫عنها ابلفناء وأول قدم يف هذا الطريق و السالم أوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والتسعون اىل املذكور أيضاً يف بيان ان اطمئنان القلب امنا‬
‫‪- 167 -‬‬

‫هو ابلذكر ال ابالستدالل والنظر}‬


‫ثبتنا هللا سبحانه واايكم على الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم‬
‫والتحية اال بدكر هللا تطمئن القلوب وطريق اطمئنان القلب امنا هو ذكر هللا تعاىل دون‬
‫النظر واالستدالل {شعر}‪:‬‬
‫اقدام أرابب احلجى كاخلزف * وما الذي متكينه اي أسفي‬
‫فان يف الذكر اكتساب املناسبة جبناب قدسه تعاىل وان مل تكن مناسبة أصال يعين‬
‫يف احلقيقة ما للرتاب ورب االرابب ولكن حيصل بني الذاكر واملذكور نوع من االرتباط‬
‫والعالقة املوجبة للمحبة فاذا استولت احملبة على الذاكر فال شئ بعده سوى االطمئنان‬
‫أصال واذا بلغ األمر اطمئنان القلب كانت الدولة االبدية نقد الوقت {شعر}‪:‬‬
‫عليكم بذكر احلق دوما فانه * جالء القلوب والغذاء الرواح‬
‫و السالم أوال و آخرا‪.‬‬

‫{ املكتوب الثالث والتسعون اىل اسكندر خان اللودي يف التحريض على‬


‫صرف األوقات اىل ذكر هللا سبحانه وتعاىل}‬
‫ينبغي صرف االوقات اىل ذكر هللا تعاىل بعد اداء الصلوات اخلمس مع اجلماعة‬
‫واداء السنن الرواتب وا ن ال يشتغل بغريه سواء كان وقت األكل أو النوم أو املشي وقد‬
‫بني لكم طريق الذكر فينبغي االشتغال به هبذا الطريق املعهود فان طرأ الفتور على اجلمعية‬
‫ينبغي البحث عن سبب ذلك الفتور وتعيينه وتشخيصه أوال مث التشبث ابسباب تاليف‬
‫التقصري اثنيا وينبغي التوجه اىل احلق سبحانه اباللتجاء والتضرع التام وان يسئله سبحانه‬
‫دفع ظلمة الفتور والتقصري وان يتوسل ابلشيخ الذي أخذ عنه الذكر وهللا سبحانه امليسر‬
‫كل عسري و السالم‪.‬‬
‫‪- 168 -‬‬

‫{املكتوب الرابع والتسعون اىل خضر خان اللودي يف بيان أنه البد لالنسان‬
‫من تصحيح العقائد واتيان االعمال الصاحلة ليطري هبذين اجلناحني اىل عامل احلقيقة}‬
‫رزقكم هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة‬
‫و السالم والتحية والذي البد منه لالنسان هو تصحيح العقائد أوال على مقتضى آراء‬
‫أهل السنة واجلماعة الصائبة الذين هم الفرقة الناجية واتيان االعمال الصاحلة اثنيا مبوجب‬
‫االحكام الفقهية فان ساعد التوفيق اآلهلي بعد تعلم احكام الفرائض والسنن والواجبات‬
‫واملستحبات واحلالل واحلرام واملشتبهات وحصول هذين اجلناحني االعتقادي و العملي‬
‫ميكن الطريان حنو عامل احلقيقة وبدون حصول هذين الساعدين يستحيل الطريان حنوها‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫و من احملال السري يف طرق الصفا * اي سعد من غري اتباع املصطفى‬
‫ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعته عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والتسعون اىل السيد امحد جبواره يف بيان ان االنسان‬


‫نسخة جامعة وقلبه ايضاً خملوق على وصف اجلامعية وتوجيهات أقوال بعض املشائخ‬
‫الواقعة حالة السكر وما يناسب ذلك}‬
‫اعلم ان االنسان نسخة جامعة وكلما هو موجود يف مجيع الكائنات متفرقا موجود‬
‫يف االنسان وحده ولكن من عامل االمكان بطريق احلقيقة ومن مرتبة الوجوب بطريق‬
‫الصورة ان هللا خلق[‪ ]1‬آدم على صورته وهذه اجلامعية اثبتة لقلب االنسان فان مجيع ما‬
‫هو يف كلية االنسان فهو موجود يف القلب وحده وهلذا يقال له احلقيقة اجلامعة ومن‬
‫حيثية هذه اجلامعية اخرب بعض املشائخ عن وسعة القلب بقوله لو القي العرش وما فيه يف‬
‫زاوية قلب العارف ملا أحس به أصال فان القلب جامع للعناصر واالفالك والعرش‬

‫(‪ )1‬متفق عليه من حديث ايب هريرة رضي هللا عنه بلفظ خلق هللا آدم على صورته اه‬
‫‪- 169 -‬‬

‫وا لكرسي والعقل والنفس وشامل للمكاين والالمكاين فال جرم ال يكون للعرش مقدار يف‬
‫جنب القلب بواسطة مشوله لالمكانية الن العرش وما فيه مع وجود الوسعة فيه داخل يف‬
‫دائرة االمكان واملكاين وان كان وسيعا يف حد ذاته لكنه ضيق يف جنب الالمكاين ال‬
‫مقدار له ابلنسبة اليه ولكن ارابب الصحو من املشائخ قدس هللا اسرارهم يعلمون أن هذا‬
‫احلكم مبين على السكر وحممول على عدم التمييز بني حقيقة الشئ وبني امنوذجه فان‬
‫العرش اجمليد الذي هو حمل الظهور التام اجل وارفع من أن يكون له حصول يف القلب‬
‫والذي يرى يف القلب من العرش فهو أمنوذج العرش ال حقيقته وال شك أنه ال مقدار هلذا‬
‫االمنوذج يف جنب القلب فانه جامع المنوذجات غري متناهية وال يقال للمرآة اليت ترى‬
‫فيها السموات مع هذه الوسعة والكرب ابشياء اخر اهنا أكرب من السموات نعم ان متثال‬
‫السموات الذي هو يف املرآة اصغر من املرآة ال حقيقة السموات (ولنوضح) هذا املبحث‬
‫مبثال وهو ان امنوذجا من عنصر كرة االرض مكمون يف بدن االنسان وال يقال ان بدن‬
‫االنسان اكرب واوسع من كرة االرض نظرا اىل جامعية االنسان بل ال مقدار لبدن االنسان‬
‫يف جنب كرة االرض أصال ومنشأ هذا احلكم امنا هو توهم اجلزء احلقري للشئ بل االمنوذج‬
‫احلق ري للشئ نفس ذلك الشئ (ومن) هذا القبيل كالم بعض املشائخ الذي صدر عنهم‬
‫وقت غلبة السكر كقوهلم أن اجلمع احملمدي أمجع من اجلمع اإلهلي جل سلطانه فاهنم ملا‬
‫زعموا أن حممدا عليه الصالة و السالم جامع حلقيقة االمكان ومرتبة الوجوب حكموا‬
‫ابن جامعية حممد عليه الصالة و السالم أمجع من جامعية هللا تعاىل شأنه وهنا ايضا‬
‫زعموا الصورة حقيقة فحكموا بذلك فان حممدا عليه و على آله الصلوات و التسليمات‬
‫جامع لصورة مرتبة الوجوب دون حقيقتها وهللا سبحانه و تعاىل وتقدس واجب الوجود‬
‫على احلقيقة فلو فرقوا بني حقيقة الوجوب وصورته ملا حكموا به حاشا وكال من امثال‬
‫هذه االحكام السكرية فان حممدا صلّى هللا عليه و سلّم عبد خملوق متناه حمدود وهللا‬
‫سبحانه غري متناه وغري حمدود (وينبغي) أن يعلم أن كلما هو من االحكام السكرية فهو‬
‫من مقام الوالية وكلما هو من أحكام الصحو فله تعلق مبقام النبوة ولكمل اتباع االنبياء‬
‫‪- 170 -‬‬

‫عليهم الصلوات و التسليمات نصيب من هذا املقام بواسطة الصحو بطريق التبعية‬
‫والبسطامية يفضلون السكر على الصحو وهلذا قال الشيخ أبو يزيد البسطامي قدس سره‬
‫لوائي أرفع من لواء حممد اراد بلوائه لواء الوالية وبلواء حممد عليه الصالة و السالم لواء‬
‫النبوة ويرج ح لواء الوالية الذي هو انظر اىل السكر على لواء النبوة الذي هو انظر اىل‬
‫الصحو (ومن هذا) القبيل قول بعضهم الوالية أفضل من النبوة وذلك ملا رأوا من أن‬
‫التوجه يف الوالية اىل احلق ويف النبوة اىل اخللق وال شك أن التوجه اىل احلق أفضل من‬
‫التوجه اىل اخللق وقال بعضهم يف توجيه هذا الكالم ان والية النيب أفضل من نبوته وأمثال‬
‫هذه الكلمات بعيدة عن الصواب عند هذا الفقري فان التوجه يف النبوة ليس اىل اخللق‬
‫فقط بل فيها توجه اىل احلق ايضا مع وجود هذا التوجه فان بواطنهم مع احلق سبحانه‬
‫وظواهرهم مع اخللق وأما الذين توجههم اىل اخللق فقط فهم من املعرضني املدبرين‬
‫واالنبياء عليهم الصلوات والتسلميات افضل مجيع املوجودات وهلم مسلم أفضل الدوالت‬
‫والوالية جزء من النبوة ومندرجة فيها والنبوة كل شامل هلا فال جرم تكون النبوة افضل من‬
‫الوالية سواء كانت والية نيب أو والية غريه فكان الصحو أفضل من السكر والسكر‬
‫مندرج يف الصحو اندراج الوالية يف النبوة والصحو اخلايل عن السكر الذي هو للعوام‬
‫خارج عن املبحث وال معن لرتجيح ذلك والصحو املتضمن للسكر افضل من السكر‬
‫البتة والعلوم الشرعية اليت مصدرها النبوة انشئة كلها من كمال الصحو وما خيالفها كائنا‬
‫ما كان من السكر وصاحب السكر معذور وما يستحق التقليد واالستمساك به هو علوم‬
‫مقام الصحو ال علوم حالة السكر ثبتنا هللا سبحانه على تقليد العلوم الشرعية على‬
‫مصدرها الصالة و السالم والتحية يرحم هللا عبدا قال آمينا وما وقع يف احلديث القدسي‬
‫حيث ورد ال يسعين ارضي وال مسائي ولكن يسعين قلب عبدي املؤمن فاملراد به وهللا‬
‫سبحانه أعلم مبراده سعته صورة مرتبة الوجوب ال حقيقتها فان احللول حمال هناك كما‬
‫تقدم فظهر ان مشول القلب لالمكانية ابعتبار الصورة ال احلقيقة حت ال يكون للعرش‬
‫وما حواه مقدار فيه فان هذا احلكم خمصوص حبقيقة الالمكانية‪.‬‬
‫‪- 171 -‬‬

‫{املكتوب السادس والتسعون اىل حممد شريف يف املنع والزجر عن التسويف‬


‫والتأخري ويف التحريض على متابعة الشريعة على صاحبها الصالة والتحية وما‬
‫يناسبه}‬
‫أيها الولد هذا الوقت الذي هو اوان الفرصة وتيسر أسباب اجلمعية كلها ال جمال‬
‫فيه للتسويف والتأخري أصال ينبغي صرف أشرف االوقات الذي هو زمان عنفوان‬
‫الشباب يف أفضل االعمال الذي هو طاعة احلق سبحانه وعبادته تعاىل وتقدس وينبغي‬
‫ايضا أن يلتزم املداومة على الصلوات اخلمس مع اجلماعة جمتنبا عن احملرمات واملشتبهات‬
‫الشرعية واداء الزكوة على تقدير وجود النصاب من ضرورايت االسالم ايضا فينبغي اذا‬
‫اداؤها بكمال الرغبة بل بقبول املنة وقد عني احلق سبحانه بكمال كرمه للعبادة يف اليوم‬
‫والليلة مخسة أوقات وعني من االموال النامية واالنعام السائمة ربع العشر حتقيقا وتقريبا‬
‫الجل الفقراء ووسع ميدان تصرف املباحات والتكاسل يف صرف ساعة واحدة من اربع‬
‫وع شرين ساعة يف طاعة احلق سبحانه والبخل ابداء سهم واحد من اربعني سهما اىل‬
‫الفقراء ووضع القدم يف خارج دائرة املباح الوسيعة الفضاء البعيدة االرجاء والوقوع يف‬
‫احملرمات واملشتبهات من غاية عدم االنصاف ويف موسم الشباب الذي هو أوان غلبة‬
‫سلطان النفس االمارة وقهرمان الشيطان اللعني يعطي على عمل قليل اجر جزيل فاذا‬
‫بلغت غدا ارذل العمر وضعفت احلواس والقوى وتشتتت أسباب اجلمعية ال حيصل غري‬
‫الندامة والتأسف ورمبا ال تبقى اىل غد فال تتيسر فرصة الندامة والتأسف اليت هي نوع‬
‫توبة والعذاب االبدي والعقاب السرمدي الذي أخرب به النيب الصادق عليه من الصلوات‬
‫افضلها ومن التسليمات أكملها وحذر عنه العصاة امامنا ال يتخلف أبدا ويف هذا اليوم‬
‫يلقى الشيطان اللعني يف التسويف والغرور واملداهنة ابظهار كرم هللا تعاىل وأيمر ابملعاصي‬
‫اتكاء بعفوه تعاىل (ينبغي) ان يتنبه ويعلم ان الدنيا اليت هي دار احملنة والبالء امتزج فيها‬
‫االعداء واالحباء واشتبه االمر ومشلت رمحته تعاىل الكل كما يشعر به قوله تعاىل ورمحيت‬
‫‪- 172 -‬‬

‫وسعت كل شئ وأما يوم القيامة الذي هو دار اجلزاء فيمتاز فيه االعداء واالحباء كما‬
‫أخرب هللا تعاىل عنه بقوله وامتازوا اليوم أيها اجملرمون وخترج قرعة الرمحة يومئذ ابسم‬
‫االحباب وتصري االعداء حمرومني مطلقا وملعونني حمققا كما يشهد به قوله تعاىل‬
‫فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم ابايتنا يؤمنون فخص الكرم والرمحة يف‬
‫اآلخرة ابالبرار وأهل االسالم االخيار نعم ان ملطلق أهل االسالم نصيبا من الرمحة على‬
‫تقدير حسن اخلامتة وجناة من عذاب جهنم ولو بعد أزمنة متطاولة ولكن كيف يبقى نور‬
‫االميان مع تراكم ظلمات املعاصي وكيف يرتك عدم املباالت ابالحكام املنزلة من هللا‬
‫سبحانه ان خيرج من الدنيا ابلسالمة وقد قال العلماء االصرار على الصغرية يفضي اىل‬
‫الكبرية واالصرار على الكبرية يفضي اىل الكفر عياذا ابهلل سبحانه {شعر}‪:‬‬
‫بثثت قليال من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري‬
‫وفقنا هللا سبحانه ملرضياته حبرمة حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم (وبقية)‬
‫املقصود ان حامل الكتاب موالان اسحق من احباب الفقري وخملصيه وله حق اجلوار من‬
‫القدمي فا ن احتاج اىل االعانة واالمداد ينبغي رعاية التوجه يف حقه وله اطالع على فن‬
‫الكتابة واالنشاء وممارسة فيه بقدر الوسع و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والتسعون اىل الشيخ درويش يف بيان ان املقصود من‬


‫العبادة هو حتصيل اليقني وما يناسبه}‬
‫شرف هللا سبحانه أمثالنا املفلسني حبقيقة االميان حبرمة سيد املرسلني عليه و على‬
‫آله من الصلوات امتها ومن التسليمات أكملها وكما ان املقصود من خلق االنسان اداء‬
‫العبادة املأمور هبا كذلك املقصود من اداء العبادة حتصيل اليقني الذي هو حقيقة االميان‬
‫وميكن ان يكون يف قوله تعاىل واعبد ربك حت أيتيك اليقني رمزا اىل هذا املعن فان كلمة‬
‫حت كما اهنا تكون للغاية تكون للعلة ايضا اي الجل ان أيتيك وكان االميان املتقدم‬
‫على اداء العبادة صورة االميان ال حقيقته اليت عرب عنها ابليقني قال هللا عز شأنه اي أيها‬
‫‪- 173 -‬‬

‫الذين آمنوا آمنوا اي الذين آمنوا صورة آمنوا حقيقة أبداء وظائف العبادة املأمور هبا‬
‫واملقصود من الفناء والبقاء اللذين الوالية عبارة عن حصول هاتني الدولتني هو هذا اليقني‬
‫فحسب فان أرادوا ابلفناء يف هللا والبقاء ابهلل معن آخر يوهم ابحلالية واحمللية فهو عني‬
‫االحلاد والزندقة ويظهر يف اثناء غلبة احلال وسكر الوقت شيئا ينبغي ان جياوزها اخريا وان‬
‫يستغفر منها قال ابراهيم بن شيبان الذي هو من مشائخ الطبقات قدس هللا أرواحهم علم‬
‫الفناء والبقاء يدور على اخالص الوحدانية وصحة العبودية وما سوى ذلك فمغاليط‬
‫وزندقة واحلق انه صادق يف هذا القول وقوله هذا ينبئ عن استقامته فان الفناء يف هللا‬
‫عبارة عن الفناء يف مرضيات احلق سبحانه و على هذا القياس السري اىل هللا والسري يف هللا‬
‫وحنومها (وبقية املرام) ان الشيخ ميان هللا خبش رجل متصف ابلصالح والتقوى والفضيلة‬
‫وقد ارتبط به مجع كثري فان احتاج اىل املعونة يف مادة من املواد فاملرجو رعاية التوجه‬
‫الشريف يف حاله و السالم عليكم و على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والتسعون اىل عبد القادر ولد الشيخ زكراي يف التحريض على‬
‫الرفق وترك العنف ابيراد االحاديث على مصدرها الصالة و السالم}‬
‫نسأل هللا االستقامة على مركز العدالة ولنورد أحاديث نبوية عليه من الصلوات‬
‫أ فضلها ومن التسليمات اكملها الواردة يف ابب التذكري والوعظ والنصيحة يسر هللا‬
‫سبحانه العمل مبقتضاها قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان هللا رفيق حيب الرفق‬
‫ويعطي على الرفق ماال يعطي على العنف وما ال يعطي على ما سواه رواه مسلم ويف‬
‫رواية له قال لعائشة رضي هللا عنها وعن أبويها عليك ابلرفق واايك والعنف والفحش فان‬
‫الرفق ال يكون يف شئ اال زانه وال ينزع من شئ اال شانه وقال عليه و على آله الصالة و‬
‫[‪]1‬‬
‫السالم والتحية ايضا من[‪ ]1‬حيرم الرفق حيرم اخلري وقال عليه الصالة و السالم ايضا ان‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم وامحد و ابو داود وابن ماجه من حديث جرير [مجيع االحاديث يف هذا املكتوب بل اكثر احاديث‬
‫املكتوابت مأخوذة من مشكاة املصابيح فليستخرج منها اه ]‬
‫‪- 174 -‬‬

‫ايل احسنكم اخالقا وقال عليه الصالة و السالم ايضا من[‪ ]2‬أعطي حظه من‬
‫من احبكم ّ‬
‫الرفق اعطي حظه من الدنيا واآلخرة وقال عليه الصالة و السالم احلياء[‪ ]3‬من االميان‬
‫واالميان يف اجلنة والبذاء من اجلفاء واجلفاء يف النار ان[‪ ]4‬هللا يبغض الفحشاء البذي اال‬
‫أخربكم[‪ ]5‬مبن حيرم على النار ومبن حيرم النار عليه على كل هني لني قريب سهل‬
‫املؤمنون[‪ ]6‬هينون لينون كاجلمل األنف ان قيد انقاد وان استنيخ على صخرة استناخ‬
‫من[‪ ]7‬كظم غيظا وهو يقدر أن ينفذه دعاه هللا على رؤس اخلالئق يوم القيامة حت خيريه‬
‫يف أي احلور شاء ان[‪ ]8‬رجال قال للنيب صلّى هللا عليه و سلّم أوصين قال ال تغضب فرد‬
‫مرارا قال ال تغضب اال اخربكم أبهل اجلنة كل ضعيف مستضعف لو اقسم على هللا ألبره‬
‫اال أخربكم أبهل النار كل عتل خعظري مستكرب اذا[‪ ]9‬غضب احدكم وهو قائم فليجلس‬
‫فان ذهب عنه الغضب واال فليضطجع[‪ ]10‬إن الغضب ليفسد االميان كما يفسد الصرب‬
‫العسل من[‪ ]11‬توا ضع هلل رفعه هللا فهو يف نفسه صغري ويف أعني الناس عظيم ومن تكرب‬
‫وضعه هللا فهو يف أعني الناس صغري ويف نفسه كبري حت هلو أهون عليهم من كلب‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري من حديث عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهما‬


‫(‪ )2‬رواه امحد والرتمذي من حديث ايب الدرداء رضي هللا عنه لكن بلفظ من اخلري بدل من الدنيا ورواه البغوي بلفظ‬
‫االمام يف شرح السنة عن عائشة رضي هللا عنها‬
‫(‪ )3‬رواه امحد والرتمذي واحلاكم والبيهقي من حديث ايب هريرة والبخاري يف االدب وابن ماجة واحلاكم والبيهقي من‬
‫حديث ايب بكرة رضي هللا عنه والبيهقي والطرباين من حديث عمران بن حصني رضي هللا عنه‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي من حديث ايب الدرداء رضي هللا عنه‬
‫(‪ )5‬رواه امحد و الرتمذي وحسنه والطرباين عن ابن مسعود وابو يعلى عن جابر رضي هللا عنه رواه الرتمذي وابن‬
‫املبارك عن مكحول مرسال والبيهقي عن ابن عمر مرفوعا‬
‫(‪ )6‬رواه أمحد وابو داود والرتمذي عن سهل بن معاذ بن أنس رضي هللا عنه‬
‫(‪ )7‬رواه البخاري وأمحد والرتمذي عن أيب هريرة رضي هللا عنه‬
‫(‪ )8‬متفق عليه من حديث حارثة بن وهب رضي هللا عنه‬
‫(‪ )9‬رواه الرتمذي و ابو داود و ابن حبان يف صحيحه عن ايب الدرداء رضي هللا عنه‬
‫(‪ )10‬رواه الطرباين والبيهقي وابن عساكر عن يهز بن حكيم عن ابيه عن جده‬
‫(‪ )11‬رواه البيهقي يف شعب االميان وأبو نعيم عن عمر رضي هللا عنه‬
‫‪- 175 -‬‬

‫وخنزير قال موسى[‪ ]1‬بن عمران على نبينا وعليه الصالة و السالم اي رب من أعز عبادك‬
‫قال من اذا قدر غفر وقال ايضا عليه الصالة و السالم من[‪ ]2‬خزن لسانه سرت هللا عورته‬
‫ومن كف غضبه كف عنه هللا عذابه يوم القيامة ومن اعتذر اىل هللا قبل هللا عذره وقال‬
‫أيضا من كانت له مظلمة ألخيه من عرضه أو شئ فليتحلل منه اليوم قبل ان ال يكون‬
‫دينار وال درهم ان كان له عمل صاحل أخذ بقدر مظلمته وان مل يكن حسنات أخذ من‬
‫سيآت صاحبه فحمل عليه وقال عليه الصالة و السالم أيضا أتدرون ما املفلس قالوا‬
‫املفلس فينا من ال درهم له وال متاع فقال ان املفلس من أميت من أييت يوم القيامة بصالة‬
‫وصيام وزكوة وأييت قد شتم هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا‬
‫من حسنات ه وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من‬
‫خطاايهم فطرحت عليه مث طرح يف النار وعن[‪ ]3‬معاوية رضي هللا عنه أنه كتب اىل‬
‫ايل كتااب توصيين فيه وال تكثري فكتبت سالم عليك أما‬
‫عائشة رضي هللا عنها أن اكتيب ّ‬
‫بعد فاين مسعت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يقول من التمس رضا هللا بسخط الناس‬
‫كفاه مؤنة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط هللا وكله هللا اىل الناس و السالم عليك‬
‫صدق رسول هللا صلى هللا تعاىل عليه و على آله وسلم وابرك رزقنا هللا سبحانه واايكم‬
‫التوفيق للعمل مبا اخرب به املخرب الصادق عليه الصالة و السالم وهذه االحاديث وان‬
‫كتبت بدون ترمجة ولكن تفهم معانيها ابلرجوع اىل الشيخ جيو وينبغي السعي واالجتهاد‬
‫للعمل مبقتضاها بقاء الدنيا قليل جدا وعذاب اآلخرة شديد يف الغاية ودائم فعليكم‬
‫استعمال العقل والفكر وان ال يغرت بطراوة الدنيا اخلالية عن احلالوة فان كانت العزة‬
‫واالفضلية بسبب الدنيا ينبغي أن تكون الكفار الذين هلم حظ وافر من الدنيا اعز وأفضل‬
‫من الكل واالخنداع بظاهر الدنيا من عدم العقل وامنا الالئق ابلعاقل ان يغتنم فرصة اايم‬

‫(‪ )1‬رواه البيهقي عن ايب هريرة رضي‬


‫(‪ )2‬رواه ابو يعلى عن انس رضي هللا عنه و اورده السيوطي يف مجع اجلوامع ابلتقدمي والتأخري و عزاه اىل ابن ايب الدنيا‬
‫يف ذم الغضب وابن شاهني واخلرائطي يف مساوى االخالق والضياء املقدسي يف املختارة عنه رضي هللا عنهم‬
‫(‪ )3‬رواه الرتمذي‬
‫‪- 176 -‬‬

‫قليلة وان جيتهد يف تلك الفرصة اليسرية يف حتصيل مرضات هللا تعاىل واالحسان اىل خلق‬
‫هللا عز و جل فان التعظيم ألمر هللا والشفقة على خلق هللا كليهما أصالن عظيمان ألجل‬
‫النجاة من عذاب اآلخرة وكلما أخرب به املخرب الصادق فهو مطابق لنفس األمر ليس‬
‫ابهلزل وال ابهلذاين فاىل ميت ميتد نوم الغفلة والغرور اليس آخره وعقباه اىل الفضيحة‬
‫واحلرمان قال هللا سبحانه * افحسبتم أمنا خلقناكم عبثا وانكم الينا ال ترجعون * واين وان‬
‫كنت أعلم أن وقتك ال يقتضى استماع امثال هذه الكلمات لكونك يف عنفوان الشباب‬
‫والتنعمات الدنيوية ميسرة واحلكومة والتسلط على اخللق حاصلة ولكن الشفقة على‬
‫أحوالك كانت ابعثة على هذا القيل والقال ومل يفت اىل اآلن شئ من الفرصة والوقت‬
‫قابل للتوبة واالانبة والشرط البالغ {ع}‪:‬‬
‫كفى احلرف لو يف داخل البيت انسان‬

‫{ املكتوب التاسع والتسعون اىل املال حسن الكشمريي يف جواب استفساره‬


‫عن كيفية دوام احلضور واجتماعه مع النوم الذي هو معدن الغفلة}‬
‫قد شرف مكتوبكم الشريف بوصوله وما وقع فيه من االستفسار عن كيفية دوام‬
‫احلضور واجتماعه مع حالة النوم اليت هي حالة الغفلة وتعطل القوى واالدراك من أوهلا‬
‫اىل آخرها كما أخرب بعض اكابر هذه الطائفة العلية حبصول هذه الدولة العظيمة (أيها‬
‫املخدوم) ان حل هذا املشكل مبين وموقوف على متهيد مقدمة ال بد من بياهنا فأقول ان‬
‫طريق الرتقي والعروج كان مسدودا للروح االنسانية قبل تعلقها هبذا اجلسم اهليوالين وكانت‬
‫مقيدة وحمبوسة يف حبس وما منا اال له مقام معلوم ولكن كانت قد أودعت يف طبعها‬
‫جوهرة نفيسة وهي االستعداد للعروج والرتقي بشرط النزول وكانت مزيتها على امللك‬
‫مقررة من هذه اجلهة فجمع احلق سبحانه من كمال كرمه ذلك اجلوهر النوراين هبذا اجلسم‬
‫الظلماين فسبحان من مجع بني النور والظلمة وقرن االمر ابخللق وملا كان كل من هذين‬
‫الشيئني واقعا يف مقابلة اآلخر ونقيضا له يف احلقيقة اعطى احلكيم املطلق جل سلطانه‬
‫‪- 177 -‬‬

‫للروح نسبة الت عشق والتعلق ابلنفس حتقيقا هلذا االجتماع وتقريرا هلذا االنتظام وجعل هذا‬
‫التعلق سببا لالنتظام ويف قوله تعاىل لقد خلقنا االنسان يف أحسن تقومي مث رددانه أسفل‬
‫سافلني رمز اىل هذا البيان وهذا التنزيل للروح وتعلقها من قبيل املدح مبا يشبه الذم يف‬
‫احلقيقة فتهافتت ال روح اىل عامل النفس ابلتمام وتوجهت اليه بكليتها بواسطة تلك النسبة‬
‫احلبية وجعلت نفسها اتبعة هلا بل نسيت نفسها مرة واحدة وصارت تعرب عن نفسها‬
‫ابلنفس االمارة وهذا لطافة أخرى للروح حيث اهنا أتخذ حكم كل شئ تتوجه اليه من‬
‫كمال لطافته فاذا نسيت نفسها فال جرم اهنا نسيت ايضا حضوره السابق مع مرتبة‬
‫الوجوب تعالت وتقدست ابلضرورة وتوغلت يف الغفلة ابلتمام وأخذ حكم الظلمة فبعث‬
‫هللا من كمال كرمه وشفقته على عباده االنبياء عليهم الصالة و السالم ودعاهم اليه‬
‫سبحانه بواسطة هؤالء االكابر وامرهم مبخالفة النفس اليت هي معشوقة الروح فمن رجع‬
‫القهقري فقد فاز فوزا عظيما ومن مل يرفع رأسه واختار اخللود اىل االرض فقد ضل ضالال‬
‫بعيدا هذا ولنرجع اىل اجلواب عن االشكال ونقول انه قد فهم من هذا املقدمة من‬
‫اجتماع الروح ابلنفس ان فناء الروح يف النفس وبقاءها هبا فحسب فال جرم تكون غفلة‬
‫الظاهر عني غفلة الباطن ما دام هذا االجتماع واالنتظام موجودا و يكون النوم الذي هو‬
‫غفلة الظاهر عني غفلة الباطن فاذا طرأ اخللل على هذه االنتظام واعرض الباطن عن حمبة‬
‫الظاهر وأقبل على حمبة ابطن البطون وزال الفناء والبقاء اللذان كاان للروح قبل وحصل هلا‬
‫الفناء يف الباقي احلقيقي والبقاء به تعاىل وتقدس فال أتثر غفلة الظاهر حينئذ يف حضور‬
‫الباطن وكيف تؤثر فان الباطن قد ادبر عن الظاهر ابلتمام وجعله خلف ظهره ومل يبق‬
‫للظاهر سبيل اىل الباطن اصال فيجوز حينئذ ان يكون الظاهر غافال والباطن حاضرا وال‬
‫حمذور فيه اال ترى ان دهن اللوز مثال مادام ممتزجا ابللوز حكمه حكم اللوز فاذا ميز عن‬
‫اللوز ظهر التغاير والتمايز يف االحكام فاذا اراد هللا سبحانه ارجاع مثل صاحب هذه‬
‫الدولة اىل العامل لتخليص اهله من الظلمات النفسانية بتوسط شريعته اليت شرعها ينزل اىل‬
‫العامل بطريق السري عن هللا ابهلل فيكون توجهه اىل العامل ابلتمام من غري تعلق هبم ألنه على‬
‫‪- 178 -‬‬

‫تعلقه السابق يعين جبناب القدس وامنا اورد اىل هذا العامل من غري اختيار منه فهذا املنتهى‬
‫له شركة صورية مع سائر املبتدئني يف االعراض عن جناب قدسه تعاىل وتقدس واالقبال‬
‫على اخللق ولكن ال مناسبة بينهما يف احلقيقة فان بني التعلق وعدم التعلق تفاوات فاحشا‬
‫(وايضا) االقبال على اخللق يف حق هذا املنتهى بال اختيار منه ال رغبة له فيه وامنا ذلك‬
‫لكون رضاء هللا تعاىل يف ذلك االقبال ويف حق املبتدئ ذايت ومع الرغبة له فيه وليس فيه‬
‫رضا احلق سبحانه و تعاىل (وفرق آخر) أن املبتدئ ميكن له االعراض عن اخللق واالقبال‬
‫على احلق تعاىل وتقدس وذلك حمال يف املنتهى فان دوام االقبال اىل اخللق الزم ملقامه‬
‫ومرتبته اال ان يتم أمر دعوته وارحتل من دار الفناء اىل دار البقاء فيكون نداء اللهم الرفيق‬
‫االعلي حينئذ نقد وقته وقد اختلف مشائخ الطريقة قدس هللا اسرارهم يف تعيني مقام‬
‫الدعوة فقال مجاعة منهم انه مقام اجلمع بني التوجه اىل اخللق والتوجه اىل احلق‬
‫واالختالف فيه مبين على االختالف يف االحوال واملقامات وقد اخرب كل شخص عن‬
‫مقامه واالمر عند هللا تعاىل وما قال سيد الطائفة جنيد رضي هللا تعاىل عنه من أن النهاية‬
‫هي الرجوع ا ىل البداية موافق ملقام الدعوة الذي حرر يف هذه املسودة فان الوجه والتوجه‬
‫يف البداية اىل اخللق ابلتمام (وحديث) تنام[‪ ]1‬عيناي وال ينام قليب الذي حررمتوه ليس فيه‬
‫اشارة اىل دوام احلضور بل هو اخبار عن عدم الغفلة عما جيري عليه و على امته عليه‬
‫الصالة و السالم وعما يصدر منه صلى هللا عليه وسلم من االحوال وهلذا مل يكن نومه‬
‫انقضا لو ضوئه عليه الصالة و السالم وملا كان النيب مثل الراعي يف حفظ امته مل تكن‬
‫الغفلة الئقة ملنصب نبوته (وحديث) يل[‪ ]2‬مع هللا وقت ال يسعين فيه ملك مقرب وال‬
‫نيب مرسل ميكن ان يكون اشارة اىل التجلي الربقي الذايت على تقدير صحته وايضا ان‬
‫هذا التجلي ليس مبستلزم للتوجه اىل جناب احلق سبحانه بل هو من ذلك اجلانب‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود عن عائشة رضي هللا عنها وعن أبويها‪.‬‬
‫(‪ )2‬يذكره الصوفية كثريا وهو يف الرسالة القشريية بلفظ يل وقت ال يسعين فيه غري ريب قلت يؤخذ منه أنه أراد ابمللك‬
‫املقرب جربيل وابلنيب املرسل نفسه اجلليلة وف يه امياء اىل مقام االستغراق املعرب عنه ابلسكر واحملو والفناء موضوعات‬
‫القاري‪.‬‬
‫‪- 179 -‬‬

‫االقدس ال صنع فيه للمتجلي له بل هو من قبيل سري املعشوق يف العاشق لشبع العاشق‬
‫من السري {شعر}‪:‬‬
‫[‪]1‬‬
‫ال الكون يف املرآة من حركاهتا * لكنها قبلت له لصفائها‬
‫وينبغي أن يعلم أن احلجب املرتفعة ال تعود على تقدير الرجوع بل مع وجود‬
‫ارتفاع احلجب يكون املنتهى مشغوال ابخللق الرتباط فالح اخللق به ومثل هؤالء االكابر‬
‫كمثل شخص له كمال التقرب من امللك حبيث ليس بينهما حائل ومانع أصال ال صورة‬
‫وال معن ومع ذلك شغله املل ك بقضاء حاجات أرابب احلوائج وخدماهتم وهذا فرق آخر‬
‫أيضا بني املبتدئ واملنتهى املرجوع فان املبتدئ حمجوب خبالف ذلك املنتهى و السالم‬
‫عليكم و على سائر مع اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب املائة اىل املال حسن الكشمريي أيضاً يف جواب سؤاله عن قول‬
‫الشيخ عبد الكرمي اليمين ان احلق سبحانه ليس بعامل الغيب}‬
‫قد شرفنا املكتوب بوصوله واتضح ما اندرج فيه أببوابه وفصوله وفروعه وأصوله ومما‬
‫اندرج فيه ان الشيخ[‪ ]2‬عبد ال كرمي اليمين قال ان هللا سبحانه ليس بعامل الغيب (ايها‬
‫املخدوم) ال طاقة للفقري ابستماع أمثال هذه الكلمات أصال ويتحرك عرقي الفاروقي من‬
‫استماعها بال اختيار حبيث ال يبقى جمال التأمل وفرصة التأويل والتوجيه سواء كان قائلها‬
‫الشيخ عبد ال كرمي اليمين أو الشيخ االكرب الشامي وامنا الالزم لنا اتباع كالم حممد العريب‬
‫عليه الصالة و السالم دون كالم حميي الدين بن العريب وصدر الدين القونوي وعبد‬
‫ال رزاق الكاشي حنن نتمسك ابلنصوص ال ابلفصوص وقد اغناان الفتوحات املدنية عن‬
‫الفتوحات املكية وقد وصف هللا سبحانه نفسه يف كالمه اجمليد بعامل الغيب واطلقه على‬
‫نفسه فنفي علم الغيب عنه تعاىل مستقبح ومستكره جدا بل هو تكذيب للحق سبحانه‬

‫(‪ )1‬يعين االنتقاش واالنطباع يف املرآة ليست من حركات املرآة بل من صفائها والبيت فارسي االصل منه عفي عنه‬
‫(‪ )2‬وهذا مسطور يف الرشحات عند ترمجة موالان حممد الروجي ابلتفصيل فراجعها منه عفي عنه‬
‫‪- 180 -‬‬

‫يف احلقيقة وارادة معن آخر من الغيب ال خيرج هذا الكالم من الشناعة كربت كلمة خترج‬
‫من افواههم (فيا ليت) شعري ما محلهم على التفوه ابمثال هذه الكلمات الصرحية يف‬
‫خالف الشريعة وابن املنصور معذور يف قوله اان احلق وكذلك البسطامي يف قوله سبحاين‬
‫لكوهنما مغلويب احلال واما امثال هذا الكالم فليست مببنية على غلبة االحوال بل هي‬
‫صادرة بعلم عن صاحبها ومستندة اىل التأويل فليست بقابلة للعذر وال يقبل يف هذا‬
‫املقام أتويل اصال وامنا يصرف عن الظاهر كالم السكارى ال غري فان كان مقصود املتكلم‬
‫من اظهار هذا الكالم مالمة اخللق اايه ونفرهتم عنه فهو ايضا مستكره ومستهجن فان‬
‫طرق حتصيل مالمة اخللق كثرية فاي ضرورة تدعو اىل ان يرتكب ما يوصل اىل حد الكفر‬
‫وحيث تكلمتم يف أتويل هذا الكالم واستفسرمت عنه فبحكم لكل سؤال جواب نتكلم يف‬
‫هذا الباب ابلضرورة وعلم الغيب عند هللا سبحانه وما قيل ان الغيب ال يكون إال معدوما‬
‫واملعدوم ال يكون معلوما فان العلم ال يتعلق ابملعدوم معناه ان الغيب ملا كان ابلنسبة اليه‬
‫سبحانه معدوما مطلقا وال شيئا حمضا ال معن لتعلق العلم به فان معلوميته خترجه عن‬
‫معدوميته املطلقة والالشيئية احملضة اال ترى أنه ال يقال ان احلق سبحانه عامل بشريكه فان‬
‫شريكه تعاىل وتقدس ليس مبوجود أصال بل هو ال شئ صرف نعم ميكن تصور مفهوم‬
‫الغيب والشريك ولكن الكالم ليس يف مفهومهما بل يف مصداقهما ومثل هذا حال مجيع‬
‫احملاالت فان مفهوماهتا ممكنة التصور ومصادقها ممتنعة التصور فان املعلومية خترج عن‬
‫االستحالة وال أقل من اعطائها الوجود الذهين واالعرتاض الذي أوردته على توجيه موالان‬
‫حممد الروجي صحيح فان نفي النسبة العلمية يف مرتبة االحدية اجملردة مستلزم لنفي مطلق‬
‫العلم وال وجه لتخصيص النفي بعلم الغيب واالشكال اآلخر على توجيه موالان ان النسبة‬
‫العلمية وان كانت منفية يف مرتبة االحدية اجملردة ولكن عامليته تعاىل قائمة على حاهلا فانه‬
‫تعاىل عامل ابلذات ال ابلصفات لكون الصفات منتفية يف تلك املرتبة اال ترى ان نفاة‬
‫الصفات رأسا يقولون ان احلق سبحانه عامل مع سلبهم الصفات عنه سبحانه و تعاىل‬
‫ويقولون ان االنكشاف الذي يرتتب على الصفات يرتتب على الذات وكذا هنا والتوجيه‬
‫‪- 181 -‬‬

‫الذي بينتموه من ارادة غيب الذات تعالت وتقدست ابلغيب وعدم جتويز تعلق العلم به‬
‫فان كان املراد ابلعلم علم الواجب تعاىل وتقدس فهو أقرب التوجيهات ولكن يف عدم‬
‫جواز تعلق علم الواجب تعاىل بذاته البحت سبحانه حبث للفقري فان الوجه الذي بينوه‬
‫يف عدم اجلواز هو اقتضاء حقيقة العلم الحاطة املعلوم والذات املطلقة تعالت متقضية‬
‫لعدم االحاطة فال جيتمعان يف هذا التعلق (وههنا) حمل خدشة فان هذا املعن يعين‬
‫اقتضاء حقيقة العلم الحاطة املعلوم امنا هو يف العلم احلصويل حلصول صورة املعلوم فيه يف‬
‫القوة العلمية واما يف العلم احلضوري فال يلزم هذا املعن أصال والعلم فيما حنن فيه‬
‫حضوري ال حصويل فال حمذور فان تعلق علم الواجب سبحانه بذاته تعاىل بطريق‬
‫احلضوري ال بطريق احلصول وهللا سبحانه أعلم حبقيقة احلال و صلى هللا على سيدان‬
‫حممد وآله الطاهرين وابرك وسلم و السالم أوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي و املائة اىل املال حسن الكشمريي ايضاً يف الرد على مجاعة‬
‫ضوا ألهل الكمال واطالوا اللسان يف حقه ابنواع املقال}‬
‫تعر ّ‬
‫أحسن هللا سبحانه حالكم واصلح ابلكم قد أوصل موالان حممد صديق املفاوضة‬
‫الشريفة محدا هلل سبحانه حيث مل تنسوا النائني املهجورين واخلطاابت اليت صدرت للنفس‬
‫حبسب الظاهر صارت واضحة يف اجلملة نعم كل اعرتاض على النفس مسلم وقت كوهنا‬
‫امارة واما بعد حصول االطمئنان هلا فال جمال لالعرتاض أصال فان النفس يف ذلك‬
‫املوطن راضية عن احلق واحلق سبحانه راض عنها فهي اذا مرضية ومقبولة وال اعرتاض‬
‫على املرضي املقب ول وكيف فان مرادها حينئذ مراد احلق سبحانه فان حصول هذه الدولة‬
‫امنا هو زمن التخلق ابخالق هللا تعاىل وساحة قدسه أعلى وأجل من اعرتاض امثالنا‬
‫وضيعي الفطرة وعدميي القدرة بل كلما نقول عائد الينا {شعر}‪:‬‬
‫من مل يكن عن نفسه ذا خربة * هل يقدر االخبار عن هذا وذا‬
‫ومن ج اهل يتصور النفس املطمئنة من كمال جهله امارة وجيري احكام االمارة‬
‫‪- 182 -‬‬

‫على املطمئنة كما زعم الكفار االشرار االنبياء عليهم الصالة و السالم مثل سائر البشر‬
‫وانكروا كماالت النبوة اعاذان هللا سبحانه من انكار هؤالء االكابر وانكار متبابعيهم‬
‫عليهم الصلوات والتحيات‪.‬‬

‫{امل كتوب الثاين واملائة اىل املال مظفر يف بيان أن احملرم يف القرض مع الفيض‬
‫يعين الراب جمموع املبلغ ال الزايدة فقط وما يتعلق بذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد قلتم يف ذلك اليوم أن الراب يف‬
‫القرض ابلفيض هو الفضل فقط واحملرم يف قرض عشرة دراهم ابثين عشر درمها هو‬
‫الدرمهان الزائدان على القرض وملا راجعت بعض الكتب الفقهية ظهر ان كل عقد فيه‬
‫فضل فهو راب يف الشريعة فيكون هذا العقد حمرما ابلضرورة وكلما يفضي اىل حتصيل احملرم‬
‫يكون حمرما فتكون الدراهم العشرة أيضا حمرمة وكان املقصود من ارسال كتاب جامع‬
‫الرموز ورواايت كتاب ابراهيم الشاهي اظهار هذا املعن وبقي صورة االحتياج (أيها‬
‫املخدوم) إن حرمة الراب اثبتة بنص قطعي شامل للمحتاج وغري احملتاج فاستثناء احملتاج من‬
‫هذا احلكم نسخ لذلك احلكم القطعي ورواية القنية ليست يف مرتبة تنسخ احلكم القطعي‬
‫وقد قال موالان مجال الالهوري الذي هو أعلم علماء الهور ان كثريا من رواية القنية ال‬
‫يستحق االعتماد عليه لكوهنا خمالفة لرواية الكتب املعتربة ولو سلم صحة هذه الرواية‬
‫ينبغي ان ينزل االحتياج اىل حالة االضطرار واملخمصة ليكون خمصص ذلك احلكم‬
‫القطعي قوله تعاىل فمن اضطر يف خممصة اآلية فانه مثله يف القوة {ع}‪:‬‬
‫و قاتل رستم امثال رستم‬
‫(وايضا لو) اخذ احملتاج أعم ينبغي أن يكون يف حمل ال يظهر فيه حكم حرمة الراب‬
‫واال فكل من يقبل اعطاء الزايدة امنا يقبله بعلة االحتياج البتة فانه ال يقدم أحد على‬
‫ضرر نفسه من غري احتياج فال يبقى هلذا احلكم املنزل من احلكيم احلميد مزيد فائدة‬
‫تعاىل كتابه العزيز من امثال هذا التوهم ولو سلم عموم االحتياج ولو على سبيل فرض‬
‫‪- 183 -‬‬

‫احملال فاقول ان االحتياج من مجلة الضرورات والضرورة تقدر بقدرها واطعام الطعام الناس‬
‫مما استقرض ابلفيض ليس بداخل يف االحتياج فانه ال تعلق للضرورة به وهلذا يستثن من‬
‫تركة امليت ما حيتاج اليه يف جتهيزه وقصروه يف الكفن والدفن ومل جيعلوا اطعام الطعام‬
‫لروحه داخال يف االحتياج مع أنه احوج اىل الصدقة يعين من الدفن والكفن فينبغي‬
‫املالحظة يف الصورة املتنازع فيها هل املستقرضون ابلفيض حمتاجون اوال و على تقدير‬
‫االحتياج هل حيل لغريهم االكل من الطعام الذي يطبخونه هلم من ذلك املبلغ او ال‬
‫وجعل الضيافة واجراء الرسم والعادة حيلة االحيتاج والقرض ابلفيض هبذه العلة واعتقاد‬
‫ذلك جائزا وحالال بعيد عن التدين والداينة ينبغي رعاية االمر ابملعروف والنهي عن‬
‫املنكر ومنع مجاعة ابتلوا هبذا البال ء وتنبيههم على عدم صدق هذه احليلة وعدم جوزاها‬
‫وكيف ينبغي لالنسان اختيار هذا القسم من االبتالء ابرتكاب حمظور فان اسباب املعاش‬
‫كثرية ليست مبحصورة على شئ واحد وحيث انكم من أهل الصالح والتقوى ارسلنا‬
‫لكم رواية الطيب يف االكل وكتبتم ان اخلايل عن الشبهة ال يوجد يف هذا الزمان فهذا‬
‫الكالم صحيح ولكن ينبغي االحرتاز من الشبهة مهما امكن وقد قيل ان الزراعة بال‬
‫طهارة منافية للطيب واالجتناب عن ذلك غري ممكن يف بالد اهلند ال يكلف هللا نفسا إال‬
‫وسعها ولكن ترك أكل طعم الراب يف غاية السهولة واعتقاد احلالل حالال واحلرام حراما امنا‬
‫هو يف احلالل واحلرام القطعيني الذين يكفر جاحدمها ويف الظنيات ليس كذلك وكم من‬
‫امور مباحة عند احلنفية غري مباحة عند الشافعية وابلعكس ففيما حنن فيه اذا توقف‬
‫شخص يف حلية القرض ابلفيض ملن يشك يف احتياجه لكونه خمالفا يف الظاهر حكم‬
‫النص القطعي ال ينبغي تضليله وتكليفه ابعتقاد حليته بل الراجح أن الصواب يف جانبه‬
‫بل هذا متيقن وخمالفه يف خطر (ونقل) بعض أصحابكم ان موالان عبد الفتاح قال يوما‬
‫يف حضوركم لو وجد قرض بال فيض فهو حسن فلماذا يستقرض االنسان ابلفيض‬
‫فزجرمتوه قائال ال تنكر احلالل (أيها املخدوم) ان امثال هذه الكلمات هلا مساغ وجمال يف‬
‫احلالل القطعي وأما ان كان مشكوكا يف حليته فال شك أن تركه أوىل وأهل الورع ال‬
‫‪- 184 -‬‬

‫أيمرون ابلرخصة بل يدلون على العزمية وقد افيت علماء الهور ابحللية بعلة االحتياج وذيل‬
‫االحتياج واسع حبيث لو مد ال يبقى راب اصال و يكون احلكم القطعي حبرمة الراب عبثا‬
‫كما سبق آنفا وكان ينبغي هلم مالحظة أن اطعام الغري أي قسم هو من احتياج‬
‫املستقرض ابلفيض ورواية القنية جموزة لالستقراض ابلفيض بعد اللّتَ يّا واليت يف حق احملتاج‬
‫نفسه فقط ال يف حق الغري فان قيل جيوز أن يطبخ احملتاج هذا الطعام لالطعام بنية كفارة‬
‫اليمني أو الظهار او غريمها وال شك أنه حمتاج اىل اداء هذه الكفارات (اقول) اذا مل يكن‬
‫فيه استطاعة االطعام يصوم هلا ال انه يستقرض ابلفيض ويكفر عنها وكلما يظهر من‬
‫أقسام االحتياج من هذا القبيل يندفع أبدىن أتمل وتوجه بربكة التقوى ومن يتق هللا جيعل‬
‫له خمرجا ويرزقه من حيث ال حيتسب والزايدة على ذلك اطناب و السالم عليكم و على‬
‫من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث واملائة اىل السيد فريد يف بيان معىن العافية وطلب القاضي‬
‫لبلد سرهند}‬
‫رزقنا هللا سبحانه واايكم العافية واملراد ابلعافية املطلوبة ما كان واحد من االعزة‬
‫يدعو هللا سبحانه دائما ويتمين منه هظ عز و جل عافية يوم واحد فسئله شخص أن‬
‫مجيع هذه االوقات اليت متر عليك اليست متر عليك على عافية قال بل أريد أن مير علي‬
‫يوم ال ارتكب فيه معصية من معاصي هللا تعاىل من الفجر اىل املغرب وقد مضت مدة‬
‫وليس يف سرهند قاض ويقع اجراء بعض االحكام الشرعية هبذا السبب يف التوقف مثال‬
‫أن يل ابن اخ وبقي له مرياث من ابويه وليس له وصي والتصرف يف ذلك املال بال اذن‬
‫شرعي غري جائز فان كان هنا قاض المكن التصرف فيه ابذنه‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع واملائة اىل قضاة بعض القصبة يف التعزية}‬


‫اعلموا أن مصيبة فوت املغفور له وان كانت شديدة جدا ومستصعبة ولكن البد‬
‫‪- 185 -‬‬

‫للعبد من الرضا بفعل احلق سبحانه و تعاىل فاان مل خنلق للبقاء يف الدنيا بل للعمل فينبغي‬
‫السعي يف العمل فان ذهب املرحوم بعمله ال ضري فيه بل هو ملك املوت جسر يوصل‬
‫احلبيب اىل احلبيب اثبت يف شأنه ليست املصيبة للفوت بل حلال القادم اىل احلبيب أنه‬
‫كيف يعامل به فينبغي االمداد ابلدعاء واالستغفار والتصدق قال رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم ما امليت اال كالغريق املتغوث ينتظر دعوة تلحقه من أب او ام أو اخ أو‬
‫صديق فاذا حلقته كان أحب اليه من الدنيا وما فيها وان هللا تعاىل ليدخل على أهل‬
‫القبور من دعاء أهل االرض امثال اجلبال من الرمحة وأن هدية االحياء اىل االموات‬
‫استغفار هلم وبلغ املكتوب الشريف واهلواء البارد شديد على الفقراء جدا واال ما كنت‬
‫أأتخر وكتب التفويض مؤكدا ينفع ان شاء هللا تعاىل والزايدة على ذلك تصديع والدعوات‬
‫الكثرية مبذولة للقاضي حسن وسائر االعزة وليكونوا راضني بفعل احلق سبحانه وشاكرين‬
‫عليه تعاىل يف مجيع األمور‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس و املائة اىل احلكيم عبد القادر يف بيان ان املريض ما مل‬
‫يصح و مل يربأ ال ينفعه غذاء أصال و ما يناسبه}‬
‫قد تقرر عند احلكماء ان املريض مادام مريضا ال ينفعه غذاء أصال ولو كان من‬
‫أعز االكل وأحسنه بل هو مقو ملرضه {ع}‪:‬‬
‫االكل ما انل العليل عليل‬
‫فيشتغلون اوال بفكر ازالة مرضه مث جيتهدون يف حتصيل القوة ابغذية مناسبة ملزاجه‬
‫وحاله ابلتدريج فكذلك االنسان مادام مبتال مبرض القلب كما قال تعاىل يف قلوهبم مرض‬
‫ال تنفعه عبادة وطاعة أصال بل هي مضرة له رب اتل للقرآن والقرآن يلعنه حديث‬
‫معروف ورب صائم ليس من صيامه اال اجلوع والظمأ خرب صحيح فاطباء القلوب ايضا‬
‫أيمرون اوال ابزالة املرض وذلك املرض عبارة عن تعلق القلب بغري احلق سبحانه و تعاىل‬
‫بل هو تعلق االنسان بنفسه فان االنسان كلما حيبه ويطلبه امنا حيبه ويطلبه لنفسه فان‬
‫‪- 186 -‬‬

‫احب اوالده حيبهم لنفسه وكذلك االموال والرايسة واجلاه فمعبوده يف احلقيقة هو نفسه‬
‫فما دام االنسان مل يتخلص من هذا التعلق واالرتباط ال وجه لرجاء النجاة ففكر ازالة‬
‫هذا املرض الزم للعلماء أويل االلباب واحلكماء ذوي االبصار {ع}‪:‬‬
‫و يكفي من له فهم اشارة‬

‫{املكتوب السادس واملائة اىل حممد صادق الكشمريي يف بيان ان حمبة هذه‬
‫الطائفة املتفرعة على معرفتهم من اجل نعم هللا جل شأنه}‬
‫قد وصل املكتوب املرغوب املنبئ عن فرط احملبة وكمال املودة هلل سبحانه املنة على‬
‫ذلك فان حمبة هذه الطائفة اليت هي متفرعة على معرفتهم من أجل نعم هللا سبحانه واي‬
‫سعادة من يتشرف هبا قال شيخ االسالم اهلروي قدس سره اهلي ما هذا الذي جعلت‬
‫اولياءك على وجه من عرفهم وجدك وما مل جيدك مل يعرفهم وبغض هذه الطائفة سم قاتل‬
‫والطعن فيهم موجب للحرمان االبدي جناان هللا سبحانه واايكم من هذا االبتالء وقال‬
‫شيخ االسالم ايضا اهلي كل من اردت سقوطه فأسقطه علينا يعين اوقعه بغيبتنا ومالمتنا‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫من مل يعنه مهمني وخواصه * االمر يف خطر ولو هو من ملك‬
‫وهذه االانبة اليت انعم هللا عليكم بتجديدها ينبغي لك ان تعتقدها نعمة عظيمة‬
‫وان نسئل هللا سبحانه االستقامة عليها و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة‬
‫املصطفى عليه و على آله الصلوات و التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب السابع واملائة اىل حممد صادق الكشمريي ايضاً يف اجوبة اسئلته‬
‫اليت كتبها اليه وفيه فوائد ضرورية انفعة يف التسليم هلذه الطائفة}‬
‫اسعدان هللا سبحانه بسعادة االميان هبذه الطائفة قد وصل الكتاب الذي ارسلته‬
‫‪- 187 -‬‬

‫مشتمال على اسئلة والسؤال الذي فيه رائحة التعنت والتعصب وان كان ال يستحق‬
‫اجلواب ولكن نتصدى على جوابه على سبيل التنزل فان مل ينفع شخصا لعله ينفع آخر‬
‫(السؤال االول) ما السبب يف كثرة ظهور الكرامات وخوارق العادات من االولياء‬
‫املتقدمني وقلة ظهورها من اكابر هذا الزمان فان كان املقصود من هذا السؤال نفي اكابر‬
‫هذا الزمان بواسطة قلة ظهور اخلوارق منهم كما هو املفهوم من فحوى العبارة فالعياذ ابهلل‬
‫سبحانه من تسويالت الشيطان فان ظهور اخلوارق ليس من اركان الوالية وال من‬
‫شرائطها خبالف املعجزة من النيب عليه الصالة و السالم فاهنا من شرائط مقام النبوة ومع‬
‫ذلك ان ظهور اخلوارق من اولياء هللا تعاىل شائع ذائع قلما يتخلف عنهم ولكن كثرة‬
‫ظهور اخلوارق ال تدل على االفضلية فان التفاضل هناك ابعتبار درجات القرب االهلي‬
‫جل سلطانه بل ميكن ان يكون ظهور اخلوارق من الويل االقرب اقل ومن االبعد اكثر اال‬
‫ترى ان اخلوارق اليت ظهرت من بعض أولياء هذه االمة مل يظهر عشر عشريه من‬
‫االصحاب الكرام رضوان هللا عليهم امجعني مع ان أفضل االولياء ال يبلغ مرتبة ادىن‬
‫الصحابة فالنظر اىل ظهور اخلوارق من قصور النظر ودليل على قصور االستعداد‬
‫التقليدي واملستحق لقبول فيوض النبوة والوالية مجاعة غلب فيهم االستعداد التقليدي‬
‫على قوهتم النظرية والصديق االكرب رضي هللا عنه بواسطة قوة استعداده التقليدي مل حيتج‬
‫يف تصديق النيب عليه و على آله الصالة و السالم اىل قول ملَ اصال وابو جهل اللعني‬
‫ب واسطة قصور هذا االستعداد فيه مل يتشرف بتصديق النبوة مع وجود ظهور آايت ابهرة‬
‫ومعجزات قاهرة وقال هللا يف شأن هؤالء املنكرين احملرومني وان يروا كل آية ال يؤمنوا هبا‬
‫حت اذا جاؤك جياد لونك يقول الذين كفروا ان هذا اال اساطري االولني على اان نقول ان‬
‫ظهور اخلوارق مل ينقل من اكثر املتقدمني يف طول عمرهم ازيد من مخسة أو ستة خوارق‬
‫حت ان اجلنيد سيد هذه الطائفة مل يدر هل نقل عنه عشرة خوارق اوالولقد اخرب هللا‬
‫سبحانه عن حال كليمه على نبينا وعليه الصالة و السالم بقوله عز من قائل ولقد آتينا‬
‫موسى تسع آايت بينات ومن اين يعلم عدم ظهور امثال هذه اخلوارق من مشائخ هذا‬
‫‪- 188 -‬‬

‫الوقت بل الولياء هللا تعاىل متقدميهم ومتأخريهم يف كل ساعة ظهور خوارق يعرفها‬
‫املدعي أم ال {شعر}‪:‬‬
‫ضر مشس الضحى يف االفق طالعة * أن ال يرى ضوءها من ليس ذا بصر‬
‫ما ّ‬
‫(والثاين) أنه هل يكون اللقاء الشيطان دخل يف كشف الطالبني الصادقني‬
‫وشهودهم فان كان فبما ذا يعلم ويتضح أنه كشف شيطاين وان مل يكن فما السبب يف‬
‫وجود الغلط يف بعض االمور امللهمة (واجلواب) هللا أعلم ابلصواب ال أحد حمفوظ من‬
‫القاء الشيطان كيف واذا كان ذلك متصورا يف االنبياء بل متحققا فبالطريق األوىل ان‬
‫يكون يف االولياء ومن هو الطالب الصادق بعد غاية ما يف الباب ان االنبياء ينبهون على‬
‫هذا االلقاء ومييز الباطل من احلق قوله تعاىل فينسخ هللا ما يلقي الشيطان مث حيكم هللا‬
‫آايته تنبيه دال على هذا املعن وليس هذا التنبيه بالزم يف االولياء فاهنم اتبعون للنيب‬
‫فكلما وجدوه على خالف ما جاء به النيب يردونه ويرون بطالنه واما يف صورة سكتت‬
‫عنها الشريعة ومل حتكم ابثباهتا ونفيها فامتياز احلق عن الباطل فيها بطريق القطع مشكل‬
‫فان االهلام ظين ولكن ال يتطرق القصور اىل الوالية بسبب عدم ذلك االمتياز اصال فان‬
‫اتيان احكام الشريعة ومتابعة النيب متكفل بنجاة الدارين واالمر املسكوت عنه زائد على‬
‫الشريعة وحنن مل نكلف ابالمور الزائدة (ومما ينبغي) ان يعلم ان الغلط يف الكشف غري‬
‫منحصر يف القاء شيطاين فانه رمبا يتخيل احكام غري صادقة يف القوة املتخيلة ال مدخل‬
‫للشيطان فيها اصال ومن هذا القبيل رؤية النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف املنام واالخذ عنه‬
‫بعض االحكام مما احلق يف احلقيقة خالف تلك االحكام واحلال ان القاء الشيطان غري‬
‫متصور يف تلك الصورة فان خمتار العلماء ان الشيطان ال يتمثل بصورة خري البشر عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم على اي صورة يرى فليس يف تلك الصورة اال تصرف املتخيلة‬
‫ابلقاء غري الواقعي واقعيا (والثالث) ان التصرف بطريق الكرامة والتصرف بطريق‬
‫االستدراج متساواين يف ابدي النظر فكيف يعرف املبتدي ان هذا ويل صاحب كرامة‬
‫وذاك مدع كذاب صاحب استدراج (اجلواب) وهللا اعلم ابلصواب ان الدليل يف هذه‬
‫‪- 189 -‬‬

‫التفرقة واضح للطالب املبتدئ وهو وجدانه الصحيح فانه ان وجد قلبه مائال ومنجذاب اىل‬
‫احلق سبحانه وحاضرا معه تعاىل يف صحبته فليعلم انه ويل صاحب كرامة وان وجد‬
‫خالف ذلك فليتيقن انه مدع كذاب صاحب استدراج فان كان يف ذلك خفاء فامنا هو‬
‫ابلنسبة اىل العوام كاالنعام دون الطالبني واخلفاء على العوام ساقط عن حيز االعتبار عند‬
‫اخلواص فان منشأه مرض القلب وغشاوة البصر وكم من شئ خفيت على العوام علمها‬
‫أشد ضرورة من ادراك هذه التفرقة (ولنختم) هذا املكتوب ببعض املعارف الذي ينفعك‬
‫يف ازالة مثل هذه الشكوك والشبهات (اعلم) ان التخلق ابخالق هللا الذي هو مأخوذ يف‬
‫الوالية يعين داخل فيها هو ان حيصل لالولياء صفات مناسبة لصفات الواجب تعاىل‬
‫ولكن تكون املناسبة يف االسم واملشاركة يف عموم الصفات ال يف خواص املعاين فان ذلك‬
‫حمال ومستلزم لقلب احلقائق (قال) اخلواجه حممد اپرسا قدس سره يف حتقيقاته يف مقام‬
‫بيان ختلقوا أبخالق هللا (والصفة األخرى امللك) ومعن امللك املتصرف على الكل‬
‫والسالك ان كان متصرفا يف نفسه وقادرا على قهرها وكان تصرفه انفذا يف القلوب يكون‬
‫موصوفا هبذه الصفة (والصفة االخرى) السميع فان مسع السالك الكالم احلق وقبله من‬
‫كل احد من غري استنكاف وفهم االسرار الغيبية واحلقائق الالريبية بسمع روحه يكون‬
‫موصوفا هبذه الصفة (والصفة األخرى البصري) فان كان بصر بصرية سالك الطريق بصريا‬
‫ورأى مجيع عيوب نفسه بنور الفراسة وشاهد كمال غريه يعين اعتقد ان كل احد افضل‬
‫منه وكان كون احلق سبحانه بصريا منظورا يف نظره حبيث يعمل كلما يعمله على وجه‬
‫يكون موجبا لقبول احلق سبحانه يكون موصوفا هبذه الصفة (والصفة االخرى) احمليي فان‬
‫قام سالك الطريق ابحياء السنة املرتوكة يكون موصوفا هبذه الصفة (والصفة االخرى)‬
‫املميت فان منع السالك البدعات اليت استعملوها مكان السنة يكون موصوفا هبذه‬
‫الصفة و على هذا القياس سائر الصفات وفهم العوام يف معن ختلقوا ابخالق هللا شيئا‬
‫آخر فال جرم وقعوا يف تيه الضاللة وزعموا ان الويل ال بد له من إحياء جسد امليت وان‬
‫ينكشف له اكثر املغيبات وامثال ذلك وهو كما ترى من الظنون الفاسدة ان بعض الظن‬
‫‪- 190 -‬‬

‫امث (وايضا) ان اخلوارق غري منحصرة يف االحياء واالماتة فان العلوم واملعارف االهلامية من‬
‫اعظم اآلايت وارفع اخلوارق وهلذا كان معجزة القرآن العظيم اقوى وابقى من سائر‬
‫املعجزات (ينبغي) ان ميعن النظر من اين حتصل هذه العلوم واملعارف اليت تفاض كمطر‬
‫الربيع وهذه العلوم مع كثرهتا موافقة للعلوم الشرعية ابلتمام ال خمالفة بينهما مقدار شعرة‬
‫وهذه اخلصوصية عالمة صحة العلوم وقد كتب حضرة شيخنا قدس سره ان علومك كلها‬
‫صحيحة ولكن ما الفائدة فان كالم حضرة شيخنا ال يكون حجة عليكم وان زعمتم‬
‫انكم منقادون اىل الشيخ وماذا نكتب أزيد من ذلك واسئلتك هذه وان كانت ثقيلة اوال‬
‫ولكن ملا كانت ابعثة على ظهور هذه العلوم واملعارف كانت حسنة يف اآلخر {شعر}‪:‬‬
‫در و‬
‫هيچ زشت نيست كورا خوبئى مهراه نيست * زنگى شب رنگ را دندان جو ّ‬
‫گوهرست‬

‫{ترمجة}‬
‫وما من قبيح ليس فيه مالحة * امل تر سن الزنج كالشهب يف الدجى‬
‫والعجب انك أظهرت يف املكتوب السابق اخالصا كثريا وزعمت ان سببه ظهور‬
‫واقعتني متعاقبتني وكتبت ان اثرمها يوجد يف االقامة ايضا على حد حتققت الندامة على‬
‫الوضع السابق ابلتمام واجلأات اىل التوبة واالانبة وجتديد االميان ومل ميض على ذلك شهر‬
‫واحد حت فهم منك التغري عن هذا الوضع وحصل االنتقال والتحول اىل الوضع السابق‬
‫برجوع القهقري حت صرت يف أبدأ وجه هلاتني الواقعتني ينجر اىل اهنما كانتا ابلقاء‬
‫الشيطان أو بغلط الكشف فما ذاك وما هذا {شعر}‪:‬‬
‫تقول فالن يفعل الشر قلت ال * يضر علينا بل عليه وابله‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات‪.‬‬
‫‪- 191 -‬‬

‫{ املكتوب الثامن واملائة اىل السيد أمحد يف بيان ان النبوة افضل من الوالية‬
‫على عكس ما قيل ان الوالية أفضل من النبوة}‬
‫ثبتنا هللا سبحانه واايكم ومجيع املسلمني على متابعة سيد املرسلني عليه و على آله‬
‫من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها قال بعض املشائخ وقت السكر ان الوالية‬
‫افضل من النبوة وأراد بعضهم هبذه الوالية والية النيب لريتفع وهم أفضلية الويل من النيب‬
‫ولكن األمر على العكس يف احلقيقة فان نبوة نيب أفضل من واليته ويف الوالية امنا ال‬
‫ميكن التوجه اىل اخللق من ضيق الصدر ويف النبوة متام انشراح الصدر حبيث ال يكون‬
‫التوجه اىل احلق مانعا من التوجه اىل اخللق وال التوجه اىل اخللق مانعا من التوجه اىل احلق‬
‫سبحانه وليس التوجه يف النبوة اىل اخللق فقط حت ترتجح الوالية بسببه عليها لكون‬
‫التوجه فيها اىل احلق عياذا ابهلل سبحانه من هذا الكالم فان التوجه اىل اخللق وحده مرتبة‬
‫العوام كاالنعام وشأن النبوة أعلى وأجل من ذلك وفهم هذا املعن ان كان عسريا فامنا هو‬
‫ابلنسبة اىل أرابب السكر واما االكابر مستقيموا االحوال فهم ممتازون مبعرفة ذلك {ع}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها‬
‫وبقية املقصود ان الشيخ ميان عبد هللا ابن الشيخ ميان عبد الرحيم له قرابة قريبة‬
‫هلذا الفقري وكان والده مالزما لبهادرخان مدة كثرية وله احتياج وهو معذور عاجز عن‬
‫الكسب لكونه ضريرا وقد أرسل ابنه ليكون عند هبادرخان فان صدرت من ذلك اجلانب‬
‫ايضا اشارة يف هذا الباب لكان حسنا و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع واملائة اىل احلكيم صدر يف بيان سالمة القلب ونسيانه ما‬
‫دون احلق سبحانه}‬
‫اعلم ان أهل هللا اطباء االمراض القلبية وازالة العلل الباطنية منوطة بتوجه هؤالء‬
‫االكابر كالمهم دواء ونظرهم شفاء هم قوم ال يشقى جليسهم وهم جلساء هللا هبم‬
‫ميطرون وهبم يرزقون ورأس االمراض القلبية ورئيس العلل الباطنية هو تعلق القلب وارتباطه‬
‫‪- 192 -‬‬

‫مبا دون احلق سبحانه و تعاىل وما مل يتيسر التخلص من هذا التعلق ابلتمام فالسالمة‬
‫حمال فانه ال جمال للشركة يف جناب احلق جل سلطانه اال هلل الدين اخلالص فكيف اذا‬
‫جعل الشريك غالبا وجعل حمبة غري احلق غالبة على حمبته تعاىل على هنج تكون حمبته‬
‫تعاىل معدومة يف جنبها أو مغلوبة غاية الوقاحة وهناية عدم احلياء ولعل املراد من احلياء يف‬
‫قوله عليه السالم احلياء من االميان هو هذا احلياء وعالمة عدم تعلق القلب مبا سواه‬
‫تعاىل نسيانه اايه ابلكلية وذهوله عنه مجلة على وجه لو كلف بتذكر االشياء ملا تذكر‬
‫فكيف يكون لتعلق القلب ابالشياء جمال يف ذلك املوطن وهذه احلالة معربة عنها عند‬
‫أهل هللا ابلفناء وهو أول قدم يوضع يف الطريقة ومبدأ ظهور أنوار القدم ومنشأ ورود‬
‫املعارف واحلكم وبدوهنا خرط القتاد‪.‬‬

‫{املكتوب العاشر واملائة اىل الشيخ صدر الدين يف بيان أن املقصود من خلق‬
‫االنسان اداء وظائف السلوك وكمال االقبال على جناب احلق سبحانه وتعاىل}‬
‫بلغكم هللا سبحانه و تعاىل اىل منتهى هناية أرابب الكمال واعلم ان املقصود من‬
‫خلق االنسان هو اداء وظائف العبودية ودوام االقبال على جناب احلق سبحانه وهذا‬
‫املعن ال يتيسر بدون التحقق بكمال اتباع سيد االولني واآلخرين عليه من الصلوات‬
‫اكلمها ومن التحيات امينها ظاهرا وابطنا رزقنا هللا سبحانه واايكم كمال متابعته صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم قوال وفعال ظاهرا وابطنا عمال واعتقادا آمني اي رب العاملني {شعر}‪:‬‬
‫وما اختذوا غري اآلله فباطل * فتعسا ملن خيتار ما كان ابطال‬
‫وكلما هو مطلوب غري احلق سبحانه ومقصود فهو معبود وامنا حتصل النجاة من‬
‫عبادة غري احلق سبحانه اذا مل يبق غري احلق مقصود جل وعال وان كان ذلك الغري من‬
‫املقاصد االخروية وتنعمات اجلنة فان املقاصد األخروية وان كانت من احلسنات لكنها‬
‫عند املقربني من مجلة السيئآت فاذا كان حال أمور اآلخرة على هذا املنوال ما تقول يف‬
‫األمور الدنياوية فان الدنيا مبغوضة احلق سبحانه حبيث مل ينظر اليها منذ خلقها وحبها‬
‫‪- 193 -‬‬

‫رأس كل خطيئة وطالهبا مستحقون للطرد واللعن الدنيا[‪ ]1‬ملعونة وملعون ما فيها اال ذكر‬
‫هللا تعاىل جن اان هللا تعاىل من شرها وشر ما فيها حبرمة حبيبه حممد سيد األولني واآلخرين‬
‫عليه الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي عشر واملائة اىل الشيخ أمحد السنبهلي يف بيان أن التوحيد‬
‫عبارة عن ختليص القلب عما دون احلق سبحانه و تعاىل وما يناسبه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (اعلم) ان التوحيد عبارة عن ختليص‬
‫القلب عن التوجه اىل ما دون احلق سبحانه وما دام القلب متعلقا مبا سواه تعاىل وان كان‬
‫أقل قليل ال يكون صاحبه من أرابب التوحيد وجمرد قول التوحيد واعتقاد التوحيد من‬
‫الفضول عند أرابب الفضائل نعم البد من القول ابلتوحيد واعتقاد التوحيد الذي هو‬
‫معترب يف التصديق واالميان لكنه مبعن آخر والفرق بني ال معبود اال هللا وبني ال موجود اال‬
‫هللا بني وتصديق االميان علمي واالدراك الوجداين حالة والتكلم به قبل حصول احلال‬
‫حم ظور وتكلم طائفة من املشائخ يف هذا الباب ال خيلو عن أحد أمرين إما أهنم يف ذلك‬
‫معذورون لكوهنم حتت غلبة احلال مستورين او كان مقصودهم من كتابة األحوال‬
‫واظهارها كوهنا حمطا ومعيارا الحوال غريهم ليعرفوا هبا استقامة أحواهلم واعوجاجها واال‬
‫فافشاء االسرار بدون حصول هذه الدولة ممنوع جعل هللا سبحانه نبذة من أحوال أرابب‬
‫الكمال نصيبا المثالنا ورزقنا االستقامة على متابعة السنة السنية املصطفوية على مصدرها‬
‫الصلوة و السالم والتحية حبرمة النيب وآله االجماد عليه وعليهم الصلوات و التسليمات‬
‫وبقية التصديع ان حامل رقيمة الدعاء الشيخ احلافظ ميان عبد الفتاح من اوالد الكبار‬

‫(‪ )1‬اخرجه الرتمذي وحسنه وابن ماجة عن ايب هريرة وزاد وما وااله وعامل او متعلم و أخرجه ابو نعيم والضياء املقدسي‬
‫من حديث جابر بلفظ اال ما كان منها هلل عز وجل واسناده حسن واالول رواه الطرباين ايضا من حديث ابن مسعود‬
‫ولفظه عاملا او متعلما و رواه بزار ايضا من هذا الطريق بلفظ اال أمرا مبعروف او هنيا عن منكر وذكر هللا و رواه الطرباين‬
‫يف الكبري من حديث ايب الدرداء بلفظ اال ما ابتغي به وجه هللا قال املنذري اسناده ال أبس به من شرح االحياء‬
‫خمتصرا‪.‬‬
‫‪- 194 -‬‬

‫وكثري العيال خصوصا البنات واضطرته قلة اسباب املعيشة اىل أن يوصل نفسه اىل ابب‬
‫الكرام واملرجو وصوله اىل ما قصده ورام يعين بيمن التفاتكم اخلاص به والعام والزايدة عن‬
‫ذلك تصديع‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين عشر واملائة اىل الشيخ عبد اجلليل يف بيان أن املدار يف‬
‫التحقيق على عقائد أهل السنة واجلماعة اخل}‬
‫حققنا هللا سبحانه و تعاىل شأنه وأمثالنا املفلسني حبقيقة معتقدات أهل احلق يعين‬
‫أهل السنة واجلماعة وجعل التوفيق لالعمال املرضية نقد الوقت وانعم علينا ابالحوال اليت‬
‫هي مثرات هذه االعمال وجذبه اىل جناب قدسه ابلتمام والكمال {ع}‪:‬‬
‫هذا هو االمر والباقي من العبث‬
‫فان االحوال واملواجيد احلاصلة بدون التحقق مبعتقدات هذه الفرقة الناجية ال‬
‫اعدها شيئا سوى االستدراج وما اظنها غري اخلذالن واحلرمان فان اعطينا مع دولة االتباع‬
‫هلذه الفرقة الناجية شيئا نكن ممنونني وجنتهد يف اداء شكره وان اعطينا هذا االتباع فقط‬
‫ومل نعط االحوال واملواجيد أصال ال نغتم وال حنزن بل نرضى به ونقول هذا أوىل وأحسن‬
‫وما ظهر من بعض املشائخ قدس هللا ارواحهم وقت غلبة احلال والسكر من بعض العلوم‬
‫واملعارف املنافية آلراء أهل احلق الصائبة ملا كان منشؤها كشفا فهم معذورن يف ذلك‬
‫ونرجو أن ال يؤاخذوا بذلك يوم القيامة بل هلم حكم اجملتهد املخطئ فيكون له اجر واحد‬
‫و احلق يف جانب علماء أهل احلق شكر هللا سعيهم فان علوم العلماء مقتسبة من‬
‫مشكاة النبوة على صاحبها الصالة و السالم والتحية املؤيدة ابلوحي القطعي ومستند‬
‫معارف الصوفية الكشف واالهلام اللذان للخطأ سبيل فيهما وعالمة صحة الكشف‬
‫واالهلام مطابقتهما بعلوم علماء أهل السنة واجلماعة فان وقعت املخالفة ولو مقدار شعرة‬
‫فخارج من دائرة الصواب هذا هو العلم الصحيح واحلق الصريح فماذا بعد احلق اال‬
‫الضالل رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة على متابعة سيد املرسلني ظاهرا وابطنا عمال‬
‫‪- 195 -‬‬

‫واعتقادا عليه و على آله من الصلوات أكملها ومن التسليمات أفضلها و السالم عليكم‬
‫و على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث عشر واملائة اىل مجال الدين حسني يف بيان الفرق بني جذبة‬
‫املبتدئ وبني جذبة املنتهى وان مشهود اجملذوبني يف االبتداء ليس االّ الروح اليت هي‬
‫فوق مقام القلب واهنم يتخيلون ان ذلك الشهود شهود احلق سبحانه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان االجنذاب واالجنرار ال يكون‬
‫اال اىل مقام هو فوق مقام السالك ال اىل ما فوق فوق مقامه وكذا احلال يف الشهود‬
‫وحنوه فليس لللمجذوبني الذين ال سلوك هلم بعد بل هلم يف مقام القلب اجنذاب اىل مقام‬
‫الروح الذي فوق مقام القلب واالجنذاب االهلي امنا هو يف جذبة املنتهى اليت ال مقام‬
‫فوقها وأما جذبة البداية فليس املشهود فيها اال الروح املنفوخ يعين يف آدم عليه السالم‬
‫وملا كانت الروح خملوقة على صورة اصله ان هللا خلق آدم على صورته اعتقدوا شهود‬
‫الروح شهود احلق تعاىل وتقدس وحيث كانت للروح مناسبة قليلة مع عامل االجسام‬
‫اطلقوا على ذلك الشهود احياان شهود االحدية يف الكثرة واحياان قالوا ابملعية وشهود‬
‫احلق جل وعال ال يتصور بدون حصول الفناء املطلق الذي يتحقق يف هناية السلوك‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل‬
‫وليس هلذا الشهود مساس ابلعلم أصال والفرق بني الشهودين أنه لو كانت له‬
‫مناسبة ابلعامل بوجه من الوجوه فليس هو شهود احلق سبحانه فان انتفت املناسبة أصال‬
‫فهو عالمة الشهود االهلي جل وعال واطالق الشهود هنا امنا هو بواسطة ضيق العبارة‬
‫واال فالنسبة ال مثلية وال كيفية كاملنتسب اليه ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع عشر و املائة اىل الصويف قرابن يف التحريض على متابعة سيد‬
‫‪- 196 -‬‬

‫املرسلني عليه و على آله الصلوات و التسليمات}‬


‫شرفنا هللا سبحانه وامثالنا املفلسني العاجزين املقعدين بدولة اتباع سيد االولني‬
‫واالخرين الذي ابرز كماالته االمسائية والصفاتية يف طفيل حمبته اىل عرصة الظهور وجعله‬
‫أفضل مجيع الكائنات عليه من الصلوات أفضلها ومن التسليمات اكملها ورزقنا‬
‫االستقامة عليه فان ذرة من هذه املتابعة املرضية أفضل من مجيع التلذذات الدنياوية‬
‫والتنعمات االخروية مبراتب كثرية والفضيلة منوطة مبتابعة سنته واملزية مربوطة ابتيان شريعته‬
‫عليه و على آله الصالة و السالم والتحية والنوم يف نصف النهار مثال الواقع على وجه‬
‫هذه املتابعة أفضل من احياء ألوف من الليايل الواقع على غري وجه املتابعة وكذلك‬
‫االفطار يف يوم عيد الفطر الذي أمرت الشريعة به أفضل من صيام أبد اآلابد الذي مل‬
‫يؤخذ من الشريعة واعطاء حبة ابمر الشارع افضل من انفاق جبل من الذهب من قبل‬
‫نفسه صلى عمر رضي هللا عنه مرة صالة الصبح ابجلماعة مث تفقد االصحاب رضي هللا‬
‫عنهم فلم ير فيهم شخصا م نهم فسئلهم عنه فقيل انه حييي الليايل كلها ولعل النوم غلب‬
‫عليه يف هذا الوقت فقال لو انم الليل كله وصلى صالة الصبح جبماعة لكان أفضل اال‬
‫ترى أن أهل الضاللة مع ارتكاهبم الرايضات الكثرية واجملاهدات الشديدة ليس هلم اعتبار‬
‫أصال بل هم أذالء يعين عند هللا تعاىل وذلك لعدم موافقة أعماهلم الشريعة احلقة فان‬
‫ترتب أجر على تلك االعمال الشاقة فهو مقصور على بعض املنافع الدنيوية وما مجيع‬
‫الدنيا وكلها حت يعترب بعضها ومثلهم مثل الكناس رايضته أزيد من رايضة الكل واجرته‬
‫اقل من اجرة الكل ومثل متابعي الشريعة مثل مجاعة يعملون يف اجلواهر النفيسة ابملاسات‬
‫لطيفة عملهم يف هناية القلة واجرهم يف غاية الرفعة حت ان عمل ساعتهم يساوي أجر‬
‫مائة الف والسر يف ذلك ان العمل اذا وقع موافقا للشريعة فهو مرضي احلق سبحانه‬
‫وخالفها غري مرضيه تعاىل فكيف يكون غري املرضي حمال للثواب بل هو موقع للعقاب‬
‫والشاهد هلذا املعن يف هذا العامل اجملازي واضح يظهر أبدىن التفات {شعر}‪:‬‬
‫كل ما انل العليل علة * والذي مال النبيل ملة‬
‫‪- 197 -‬‬

‫فرأس مجيع السعادات وأصلها متابعة السنة وهيوىل مجيع الفسادات ومادهتا خمالفة‬
‫الشريعة ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعة سيد املرسلني عليه و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس عشر واملائة اىل الشيخ عبد احلق الدهلوي يف بيان ان‬
‫الطريق الذي حنن يف صدد قطعه كله سبعة اقدام}‪.‬‬

‫و احسن ما ميلى حديث االحبة‬ ‫{ع}‪:‬‬


‫اعلم ان الطريق الذي حنن يف صدد قطعه سبعة اقدام قدمان يف عامل اخللق ومخسة‬
‫اقدام يف عامل االمر ففي أول قدم توضع يف عامل االمر يظهر التجلي االفعايل ويف الثانية‬
‫التجلي الصفايت ويف الثالثة يقع الشروع يف التجليات الذاتية مث ومث على تفاوت درجات‬
‫الكماالت كما ال خيفى على أرابهبا كل ذلك منوط مبتابعة سيد االولني واآلخرين عليه‬
‫من الصلوات أكملها ومن التسليمات افضلها وما قيل ان هذا الطريق خطواتن فاملراد‬
‫هبما عامل اخللق وعامل االمر على سبيل االمجال تسهيال لالمر يف نظر الطالبني وحقيقة‬
‫االمر ما حققته بتوفيق هللا سبحانه هذا‪.‬‬

‫{املكتوب السادس عشر واملائة اىل املال عبد الواحد الالهوري يف بيان أن‬
‫سالمة القلب موقوفه على نسيان ما سواه تعاىل وزواله من القلب ابلكلية ويف املنع‬
‫من كثرة االشتغال ابلدنيا الدنية لئال حتصل الرغبة فيها}‬
‫وصل مكتوبكم املرغوب واتضح ما اندرج فيه من بيان سالمة القلب نعم ان‬
‫سالمة القلب موقوفة على نسيان الغري وزواله من القلب على حد لو كلف تذكره ال‬
‫يتذكر فعلى هذا التقدير ال معن خلطور الغري وهذه احلالة معرب عنها بفناء القلب واول‬
‫‪- 198 -‬‬

‫قدم توضع يف هذا الطريق ومبشرة بكماالت مراتب الوالية على تفاوت درجات‬
‫االستعدادات (ينبغي) للعاقل ان يكون عايل اهلمة وان ال يقنع ابجلوز واملوز ان[‪ ]1‬هللا‬
‫حيب معايل اهلمم ويف كثرة االشتغال ابمور دنياوية خوف الرغبة يف هذه االمور الدنية وال‬
‫تغرت هبذا القدر من سالمة القلب فان للرجوع امكاان فال ينبغي االقدام على االشغاالت‬
‫الدنيوية مهما امكن لئال تظهر الرغبة فيها فتقع يف اخلسارة عياذا ابهلل سبحانه الكناسة‬
‫يف الفقر أفضل من القعود يف صدر اجمللس يف الغن ينبغي صرف مجيع اهلمة يف ان خيتار‬
‫معيشة اايم يف الفقر واليأس فر من الغن واراببه اكثر مما تفر من االسد و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع عشر واملائة اىل املال ايرحممد البدخشي القدمي يف ان القلب‬
‫اتبع للحس يف االبتداء وال تبقى تلك التبعية يف االنتهاء}‪.‬‬
‫لعل موالان ايرحممد مل ينس ان القلب اتبع للحس مدة فال جرم كلما هو بعيد عن‬
‫احلس يكون بعيدا عن القلب وحديث من مل ميلك عينه فليس القلب عنده وارد يف هذا‬
‫املرتبة فاذا مل تبق تبعية القلب للحس يف هناية االمر ال يؤثر بعد الشئ عن احلس يف بعده‬
‫عن القلب بل يكون الشئ قريبا حبسب القلب وان كان بعيدا حبسب احلس وهلذا مل جيوز‬
‫مشائخ الطريقة مفارقة املبتدئ واملتوسط صحبة الشيخ الكامل املكمل وابجلملة حبكم ما‬
‫ال يدرك كله ال يرتك كله ينبغي ان تكون على هذا الطريق وان جتتنب عن صحبة غري‬
‫اجل نس على ابلغ الوجوه وان تغتنم صحبة الشيخ ميان مزمل معتقدا قدومه مقدمة‬
‫السعادة وكن يف صحبته يف اكثر االوقات فانه عزيز الوجود جدا و السالم‪.‬‬

‫(‪( )1‬قوله ان هللا حيب احلديث) اورده السيوطي يف اجلامع الكبري عن ابن حبان والطرباين واخلرائطي وابن عساكر‬
‫والضياء املقدسي عن سهل بن سعد بلفظ ان هللا حيب مكارم االخالق ويكره سفسافها واخلرائطي ايضا عن طلحة بن‬
‫عبيد بن كريز والبيهقي يف الشعب والطرباين يف الكبري واالوسط بلفظ ان هللا حيب معايل االمور اخل واحلاكم عن طلحة‬
‫بن عبيد هللا بن كريز اخلزاعي ان رسول هللا قال ان هللا كرمي حيب الكرم ومعايل االمور ويبغض او قال يكره سفسافها‬
‫وذكر يف انيس الغرابء بلفظ ان هللا حيب معايل اهلمم ويبغض سفسافها ومل يذكر له خمرجا وال راواي وهللا اعلم‪.‬‬
‫‪- 199 -‬‬

‫{املكتوب الثامن عشر واملائة اىل املال قاسم علي البدخشي يف بيان خسارة‬
‫مجاعة يعرتضون على أهل هللا}‬
‫قد وصل الكتاب الذي ارسله حمبنا موالان القاسم علي واتضح مضمونه قال هللا‬
‫تعاىل من عمل صاحلا فلنفسه ومن اساء فعليها وقال اخلواجه عبد هللا االنصاري اهلي اذا‬
‫اردت أن هتلك احدا فاطرحه علينا {شعر}‪:‬‬
‫اخاف على قوم من القوم يضحكو * ن ان يسلب االميان عنهم ويطردوا‬
‫حفظ هللا سبحانه كافة املسلمني من انكار الفقراء والطعن يف الدراويش حبرمة‬
‫سيد البشر عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع عشر واملائة اىل املري حممد نعمان يف الرتغيب يف صحبة‬
‫الشيخ املقتدى به وبيان ان الكمالء جييزون بعض مريديهم الناقصني بتعليم الطريقة‬
‫احياان بواسطة بعض نيات صاحلة وأغراض صحيحة}‬
‫وصل املكتوب من جانب خدمة املري هذا الطريق يناسب له اجلنون وقد ورد يف‬
‫اخلرب لن يؤمن أحدكم حت يقال انه جمنون فمن كانت به جنة كان فارغا من تدبري امور‬
‫الناس واالوالد وتيسرت له اجلمعية من التفكر يف كذا وكذا وهذا اجلنون مودع يف جبلتكم‬
‫ولكنكم تدفنونه وتكتمونه بعوارض ال طائل فيها فماذا نفعل ويفهم يف هذا الكسب عدم‬
‫املناسبة جدا ينبغي ان تداركه سريعاوا ان ترفع البعد الصوري معتقدا عدم االستطاعة فان‬
‫مجعية هذه الطائفة وراء مجعية سائر اخللق واسباب مجعية اخللق ابعثة على تفرقة هذه‬
‫الطائفة فينبغي ال تشبث ابسباب تفرقة اخللق حت حتصل اجلمعية فان أعطيت هذه‬
‫الطائفة مجعية يف مجعية سائر اخللق ينبغي ان خياف منها وان يلتجئ اىل جناب احلق‬
‫سبحانه لئال تكون تلك اجلمعية آفة الروح وال ينبغي القياس على احوال فالن وفالن فان‬
‫‪- 200 -‬‬

‫قبل التمام كله مراتب النقصان على تفاوت درجاهتا {ع}‪:‬‬


‫وال تستقل صاح فراق االحبة‬
‫واعطاء االجازة لتعليم الطريقة بعض املريدين قبل بلوغ درجة الكمال من عادة‬
‫مشائخ الطريقة قال اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره ملوالان يعقوب الچرخي بعد‬
‫تعليم الطريقة وتسليكه بعض املنازل اي يعقوب كلما وصل منا اليك أوصله اىل اخللق‬
‫واحلال انه قال له تكون بعدي يف خدمة عالء الدين واشتغل هو أبكثر أمره يف خدمة‬
‫اخلواجه عالء الدين حت عده موالان عبد الرمحن اجلامي يف النفحات يف عداد مريدي‬
‫اخلواجه عالء الدين أوال مث نسبه اىل اخلواجه النقشبند اثنيا وابجلملة ان عالج هذه‬
‫التفرقة هو صحبة أرابب اجلمعية وقد كتبوا مكررا ومؤكدا ومسعنا أيضا أن موالان حممد‬
‫صديق اختار العسكرية وترك وضع الفقراء وطورهم الويل كل الويل ملن ينحط من أعلى‬
‫عليني اىل أسفل سافلني وحاله ال خيلو عن أحد االمرين اما ان يعطي اجلمعية يف‬
‫العسكرية أو ال فان أعطيها فشرو ان مل يعط فاشد ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب‬
‫لنا من لدنك رمحة إنك أنت الوهاب * و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب العشرون واملائة اىل املري حممد نعمان أيضاً يف التحريض على‬
‫صحبة أرابب اجلمعية}‬
‫كأنه طرأ النسيان على املري حت ال يتذكر بسالم وحتية الفرصة قليلة وصرفها اىل‬
‫أهم امل هام ضروري وهو صحبة أرابب اجلمعية ال تعدل ابلصحبة شيئا أاي ما كان اال ترى‬
‫أن اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وابرك فضلوا ابلصحبة على من عداهم‬
‫سوى االنبياء عليهم السالم وان كان أويسا قرنيا أو عمرا مروانيا مع بلوغهما هناية‬
‫الدرجات ووصوهلما غاية الكماالت سوى الصحبة فال جرم كان خطأ معاوية خريا من‬
‫صواهبما بربكة الصحبة وسهو عمرو بن العاص افضل من صحومها ملا أن اميان هؤالء‬
‫الكرباء صار شهوداي برؤية الرسول وحضور امللك وشهود الوحي ومعاينة املعجزات وما‬
‫‪- 201 -‬‬

‫اتفق ملن عداهم هذه الكماالت اليت هي أوصول سائر الكماالت كلها ولو علم أويس‬
‫فضيلة الصحبة هبذه اخلاصية مل مينعه مانع من الصحبة وما آثر شيئا من االشياء على‬
‫هذه الفضيلة * وهللا خيتص برمحته من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم {شعر}‪:‬‬
‫سكندر را منى خبشند آىب * بزور وزر ميسر نيست اينكار‬
‫{ترمجة}‬
‫وذو القرنني مل يظفر مباء * به احمليا مبال أو بقوة‬
‫اللهم وان مل ختلقنا يف هذه النشأة يف قرن هؤالء االكابر فاجعلنا يف النشأة اآلخرة‬
‫حمشورين يف زمرهتم حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم الصلوات والتحيات و التسليمات و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والعشرون واملائة اىل املري حممد نعمان ايضاً يف بيان ان هذا‬
‫الطريق تقرر كله على سبعة اقدام وأنه قد وصل بعض اصحابه اىل القدم السادس}‬
‫ليعلم خدمة املري بعد مطالعة الدعوات الوافرة أنه قد مضت مدة ومل يطلع على‬
‫أحواله ومل يستخرب عن أحوال فقراء هذه اجلهة هلل سبحانه احلمد واملنة ان الفقراء مَرفَّهوا‬
‫االحوال ولنبني نبذة من اطوارهم أيها احملب الصادق ان هذا الطريق تقرر كله على سبعة‬
‫أقدام وقد أوصل مجع من االخوان أمرهم اىل ستة اقدام والبعض اآلخر اىل مخسة وطائفة‬
‫اىل أربعة وفرقة اىل ثالثة على تفاوت درجاهتم واصحاب االقدام الثلث ايضا يقدرون‬
‫افادة الناس يعين الطريقة فكيف مجاعة هل م سبقة القدم ينبغي للعاقل ان يكون عايل اهلمة‬
‫دون ان يكتفي بكل حقري ونقري ومل يسع الوقت الزايدة على ذلك و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والعشرون واملائة اىل املال طاهر البدخشي يف التحريض على‬
‫علو اهلمة وعدم االكتفاء بكلما يتيسر}‬
‫‪- 202 -‬‬

‫ان موالان طاهرا معذور وموالان اير حممد يبني وجه االنتقال وحيث ان ارادة السفر‬
‫اىل جانب اهلند مصممة فليذهب وليستخرب عن االهل والعيال الباقي عند التالقي مثل‬
‫مشهور ودوام احلضور واالجتناب عن االختالط ابالغيار ضروري ينبغي ان يكون عايل‬
‫اهلمة دون ان يقنع بكلما يتيسر {شعر}‪:‬‬
‫ما از پى نوريكه بود مشرق انوار * از مغرىب وكوكب ومشكاة گذشتيم‬
‫{ترمجة}‬
‫ومن أجل نور مشرق كل انور * جتاوزت مشكاة وغراب وكوكبا‬
‫واكثر فقراء هذا الزمان يقيمون يف مقام الري واالكتفاء يعين بشئ يسري فصحبتهم‬
‫سم قاتل فر منم كما تفر من االسد وكن مالزما هلذا الطريق وليس للواقعات كثري اعتبار‬
‫فان ميدان التأويل واسع فال ينبغي االخنداع ابملنام واخليال {شعر}‪:‬‬
‫و السالم‪.‬‬ ‫كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن حتوف‬

‫{املكتوب الثالث والعشرون واملائة اىل املال طاهر البدخشي ايضاً يف بيان ان‬
‫اداء النفل وان كان حجا داخل فيما ال يعين اذا استلزم فوت فرض من الفرائض}‬
‫قد وصل مكتوب اخي االرشد ال زال كأسه طاهرا عن دنس التعلقات ايها االخ‬
‫قد ورد يف اخلرب عالمة اعراض هللا تعاىل عن العبد اشتغاله مبا ال يعنيه واالشتغال بنفل من‬
‫النوافل مع االعراض عن فرض من الفرائض داخل فيما ال يعين فلزمك تفتيش احوالك‬
‫لتعلم ان اشتغالك ابي شئ بنفل او بفرض وكم من حمظور يرتكب يف اداء احلج النفل‬
‫فينبغي ان تالحظ مالحظة جيدة العاقل تكفيه االشارة و السالم عليكم و على‬
‫رفقائكم‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والعشرون واملائة اىل املذكور ايضاً يف بيان ان االستطاعة‬


‫‪- 203 -‬‬

‫شرط لوجوب احلج واحلج مع عدم االستطاعة داخل يف تضييع االوقات ابلنسبة اىل‬
‫حتصيل املطلوب}‬
‫قد وصل مكتوب اخي اخلواجه حممد طاهر البدخشي هلل سبحانه احلمد واملنة مل‬
‫يتطرق الفتور اىل اخالصه للفقراء وحمبتهم مع وجود متادي اايم املهاجرة وهذه عالمة‬
‫سعادة عظيمة أيها احملب ملا طلبت االذن يعين لسفر احلج وصممت العزم للسفر قد‬
‫ذكرتك وقت الوداع أنه حيتمل أن احلقكم يف هذا السفر ولكن كلما قصدت مل توافق‬
‫االستخارات ومل يفهم التجويز يف هذا الباب فاخرتت التقاعد ابلضرورة ومل يكن يف‬
‫ذهابكم صالح الفقراء من االول ولكن ملا رأيت شوقكم مل امنع صرحيا واالستطاعة شرط‬
‫الدخول يف الطريق يعين طريق احلج وبدون االستطاعة تضييع لالوقات واالشتغال ابمر‬
‫غري ضروري اتركا لالمر االهم ليس مبناسب وقد كتبت اليكم هذا املضمون مكررا وصل‬
‫اليكم اوال والقول هو هذا وأنتم املخري‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والعشرون واملائة اىل املري صاحل النيسابوري يف بيان أن‬
‫العامل كبريه وصغريه مظاهر االمساء والصفات االهلية تعاىل شأنه وليس للعامل نسبة اليه‬
‫تعاىل أصال سوى املخلوقية واملظهرية وما يناسب ذلك}‬
‫اللهم اران حقائق االشياء كما هي اعلم ان العامل كله كبريه وصغريه مظاهر االمساء‬
‫والصفات االهلية تعاىل شأنه ومرااي شؤانته وكماالته الذاتية وكان عز سلطانه كنزا خمفيا‬
‫وسرا مكنوان فاراد سبحانه أن يعرض كماالته من اخلالء اىل املل وان يوردها من االمجال‬
‫اىل التفصيل فخلق اخللق على هنج يكون داال بذاته وصفاته على ذاته وصفاته تعاىل‬
‫وتقدس فليس للعامل نسبة مع صانعه اصال اال أنه خملوقه تعاىل ودال على امسائه وشئوانته‬
‫تعاىل واحلكم ابالحتاد والعينية ونسبة االحاطة والسراين واملعية الذاتيات هناك من غلبة‬
‫احلال وسكر الوقت واالكابر املستقيموا االحوال الذين هلم شرب من قدح الصحو ال‬
‫يثبتون للعامل نسبة مع صانعه اال املخلوقية واملظهرية ويقولون ابالحاطة والسراين واملعية‬
‫‪- 204 -‬‬

‫العلميات على طبق قول علماء اهل احلق شكر هللا سعيهم والعجب من بعض الصوفية‬
‫حيث يثبتون بعض النسبة الذاتية كاالحاطة واملعية مثال مع اعرتافهم بسلب مجيع النسب‬
‫عن الذات حت الصفات الذاتية فهل هذا اال تناقض واثبات املراتب يف الذات لدفع هذا‬
‫التناقض تكلف مثل التدقيقات الفلسفية وارابب الكشف الصحيح ال يشهدون الذات‬
‫اال بسيطا حقيقيا ويعدون ما ورائه كائنا ما كان داخال يف االمساء {شعر}‪:‬‬
‫وما قل هجران احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف العني ضائر‪.‬‬
‫(و لنبني) مثاال لتحقيق هذا املبحث اراد عامل حنرير متفنن مثال اظهار كماالته‬
‫املكنونة وابرازها يف عرصة الظهور فاوجد احلروف واالصوات ليجلو كماالته يف حجاب‬
‫تلك احلروف واالصوات ففي تلك الصورة ال نسبة لتلك احلروف واالصوات الدوال مع‬
‫تلك املعاين املخزونة اال أن هذه احلروف واالصوات مظاهر تلك املعايل املخفية ومرااي‬
‫الكماالت املخزونة وال معن ألن يقال ان احلروف واالصوات عني تلك املعاين املخفية‬
‫وكذلك احلكم ابالحاطة واملعية يف هذه الصورة غري مطابق للواقع بل املعاين على صرافته‬
‫املخزونة مل يتطرق التغري اليها ال يف ذاهتا وال يف صفاهتا أصال ولكن ملا كان بني تلك‬
‫املعاين وبني احلروف واالصوات الدالة نوع مناسبة من الدالية واملدلولية يتخيل منه بعض‬
‫املعاين الزائدة وتلك املعاين املخزونة منزهة ومربأة يف احلقيقة عن تلك املعاين الزائدة وهذا‬
‫هو معتقدان يف هذه املسئلة واثبات االمر الزائد على املظهرية واملرآتية من االحتاد والعينية‬
‫واالحاطة واملعية من السكر وذاته تعاىل يف احلقيقة معراة عن النسبة ومربأة عن املناسبة ما‬
‫للرتاب ورب االرابب وهبذا القدر من مناسبة الظاهرية واملظهرية يقال بوحدة الوجود اوال‬
‫[‪]1‬‬
‫بل يف الواقع وجودات متعددة لكن بطريق االصالة والظلية والظاهرية واملظهرية ال ان‬
‫املوجود واحد وم ا سواه أوهام وخياالت فان هذا املذهب بعينه مذهب السوفسطائي‬
‫واثبات احلقيقة يف العامل ال خيرجه من كونه اوهاما وخياالت كما هو مقصود السوفسطائي‬

‫(‪ )1‬هذا القول منسوخ مبا أييت بعد مرة من ان العامل واقع يف مرتبة الوهم واخليال وابداء الفرق بني مذهب‬
‫السوفسطائي وبني مذهب الصوفية املعول على ما هنالك ال على ما هنا عفي عنه‬
‫‪- 205 -‬‬

‫{شعر}‪:‬‬
‫واذا عرفته أنت من هو اوال * ونسبت نفسك حنو حضرته العلى‬
‫وعلمت انك ظل من اي من درى * كن فارغا حيا وميتا من مال‬

‫{املكتوب السادس والعشرون واملائة اىل املري صاحل النيسابوري ايضاً يف بيان‬
‫أنه ينبغي للطالب االهتمام يف نفي اآلهلة الباطلة آفاقية كانت أو أنفسية واثبات‬
‫املعبود على احلق وما يناسب ذلك}‬
‫ايها السيد النقيب ينبغي للطالب االهتمام يف نفي اآلهلة الباطلة آفاقية كانت او‬
‫انفسية وكلما يدخل يف حوصلة الفهم و حيطة الوهم وقت اثبات املعبود ابحلق جل‬
‫سلطانه ينبغي أن يدخله حتت النفي ايضا وان يكتفي مبوجودية املطلوب {ع}‪:‬‬
‫هو املوجود ال شئ سواه‬
‫وان مل يكن مساغ للوجود يف ذلك املوطن ايضا بل ينبغي ان يطلبه من ماوراء‬
‫الوجود ولقد أحسن علماء أهل السنة شكر هللا سعيهم يف قوهلم بزايدة وجود الواجب‬
‫تعاىل على ذاته سبحانه والقول بعينية الوجود مع الذات وعدم اثبات شئ وراء الوجود‬
‫من قصور النظر (قال) الشيخ عالء الدولة فوق عامل الوجود عامل امللك الودود وملا ترقى‬
‫هذا الدرويش من مرتبة الوجود كان مغلوب احلال أوقاات ووجد نفسه على وجه الذوق‬
‫والوجدان من ارابب التعطيل ومل حيكم بوجود الواجب فانه كان ترك الوجود يف الطريق ومل‬
‫جيد للوجود جماال يف مرتبة الذات وكان اسالمه يف ذلك الوقت تقليداي ال حتقيقيا‬
‫وابجلملة ان كلما حيصل يف حوصلة املمكن يكون ممكنا ابلطريق األوىل فسبحان من مل‬
‫جيعل للخلق اىل هللا سبيال اال ابلعجز عن معرفته وال يظنن أحد من حصول الفناء يف هللا‬
‫والبقاء ابهلل ان املمكن يصري واجبا حاشا من ذلك فانه حمال مستلزم لقلب احلقائق فاذا‬
‫مل يصر املمكن واجبا ال يكون نصيبه غري العجز {شعر}‪:‬‬
‫‪- 206 -‬‬

‫وال احد يصطاد عنقاء فاطرح ال *فخاخ واال دام فيك املتاعب‬
‫وعلو اهلمة يطلب مطلبا ال حيصل منه شئ وال يبدو منه اسم وال رسم وطائفة‬
‫لكل‬ ‫يطلبون شيئا جيدونه عينهم ويثبتون له قراب ومعية {ع}‪:‬‬
‫من االنسان شأن خيصه‬
‫و السالم أوال و آخرا‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والعشرون واملائة اىل املال صفر امحد الرومي يف بيان ان‬
‫خدمة الوالدين وان كانت من احلسنات ولكنها يف جنب حتصيل املطلب احلقيقي ال‬
‫شئ حمض وما يناسب ذلك}‬
‫قد وصل املكتوب املرغوب والعذر الذي ذكرته يف ابب التوقف صحيح ينبغي أن‬
‫تفعل أزيد مما وقع وان تعتقد نفسك مقصرا قال هللا تعاىل ووصينا االنسان بوالديه احساان‬
‫محلته امه كرها ووضعته كرها وقال هللا سبحانه ايضا ان اشكر يل ولوالديك وينبغي ان‬
‫تعتقد ان كل ذلك فضول حمض يف جنب الوصول اىل املطلب احلقيقي بل يف جنب طي‬
‫[‪]1‬‬
‫االبرار سيئات املقربني‬ ‫منازل السلوك ايضا تعطيل صرف وقد مسعت ان حسنات‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫كلما دون هوى احلق ولو * اكل قند فهو سم قاتل‬
‫وحق هللا سبحانه مقدم على حقوق مجيع اخلالئق فان اداء حقوق اخلالئق امنا هو‬
‫المتثال أمره تعاىل واال ملن يكون جمال ترك خدمته واالشتغال خبدمة غريه فخدمة اخلالئق‬
‫هبذا السبب من مجلة خدمات احلق سبحانه و تعاىل ولكن الفرق بني خدمة وخدمة كثري‬
‫اال ترى أن أرابب احلرث وأصحاب الزرع كلهم يف خدمة السلطان ولكن ال مناسبة بني‬
‫خدمتهم وخدمة املقربني حت أن اجراء اسم الزراعة واحلراثة على اللسان هناك معصية‬

‫(‪ )1‬هو من كالم ايب سعيد اخلراز‪.‬‬


‫‪- 207 -‬‬

‫وأجر كل أمر على مقدار ذلك االمر فاهل احلراثة أيخذون درمها واحدا على خدمة يوم‬
‫كامل مع غاية احملنة واملشقة واملقربون يستحقون االلوف على ساعة خدمة احلضور ومع‬
‫ذلك ال تعلق هلم بتلك االلوف وغاية مرامهم امنا هي قرب السلطان فحسب شتان ما‬
‫بينهما وفرخ حسني موفق جدا يعين للرتقي واالجتهاد وليطمئن قلبك من طرفه ماذا‬
‫اكتب أزيد من ذلك و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن و العشرون و املائة اىل اخلواجه مقيم يف الرتغيب يف علو‬


‫اهلمة و عدم االكتفاء بغري املطلب احلقيقي}‬
‫ان اخلواجه مقيم ال ينسى النائني املهجورين بل يراهم قريبا ال بعيدا املرء مع من‬
‫أحب املسلك يف غاية الطول واملطلب يف كمال الرفعة واهلمم يف هناية النقصان واملنازل‬
‫الوسطانية يف شبه املطلب كالسراب عياذا ابهلل سبحانه من ظن الوسط هناية وغري املقصد‬
‫مقصدا وتصور املثايل والكيفي منزها عن املثال والكيف والتوقف من الوصول اىل املطلب‬
‫احلقيقي ينبغي للعاقل ان يكون عايل اهلمة وان ال يقنع بكلما حيصل ويتيسر وان يطلب‬
‫املطلوب مما وراء الوراء وحصول مثل هذه اهلمة موقوف على توجه الشيخ املقتدى به‬
‫وتوجهه امنا يكون على قدر اخالص املريد املقتدى وحمبته ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء‬
‫وهللا ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والعشرون واملائة اىل السيد نظام يف بيان ان جامعية‬


‫االنسان ابعثة على تفرقته كما اهنا سبب جلميته كماء نيل ماء للمحبوبني وبالء‬
‫للمحجوبني}‬
‫قد وصل املكتوب الشريف اعلم ان االنسان امجع املوجودات وله تعلق وارتباط‬
‫ابملوجودات املتكثرة بواسطة كل جزء من اجزائه فكانت جامعيته ابعثة على زايدة بعده‬
‫من جناب قدس احلق جل سلطانه على بعد الكل وتعلقاته املتعددة كانت سببا لزايدة‬
‫‪- 208 -‬‬

‫حرمانه على حرمان ما سواه فان مجع نفسه من هذه التعلقات املتشتتة بتوفيق هللا عز‬
‫شأنه ورجع قهقراي فقد فاز فوزا عظيما واال فقد ضل ضالال بعيدا فكما ان االنسان‬
‫افضل املوجودات بواسطة اجلامعية كذلك هو شر املخلوقات بواسطة تلك اجلامعية‬
‫ومرآته امت بواسطة تلك اجلامعية فان جعل وجهها حنو العامل فهي اشد تكدرا من كل شئ‬
‫وان وجه وجهها حنو احلق سبحانه فاشد صفاء و إراءة من كل شئ وكمال حرية القلب‬
‫من هذه التعلقات من خواص حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مث بقية االنبياء مث‬
‫االولياء على تفاوت درجاهتم صلوات هللا وتسليماته على نبينا وعليهم و على اتباعهم‬
‫امجعني اىل يوم الدين رزقنا هللا سبحانه واايكم النجاة من هذه التعلقات حبرمة النيب‬
‫املصطفى املمدوح بقوله تعاىل ما زاغ البصر وما طغى عليه و على آله من الصلوات امتها‬
‫و من التسليمات اكملها والزايدة على ذلك موجبة للمالل و السالم واالكرام‪.‬‬

‫{املكتوب الثالثون واملائة اىل مجال الدين يف بيان ان ال اعتبار بتلوينات‬


‫االحوال بل ينبغي حتصيل مطلب منزه عن الشبه واملثال}‬
‫ليس لتلوينات االحوال كثري اعتبار ينبغي عدم االلتفات اليها سواء كان ذهااب أو‬
‫جميئا أو تكلما أو مساعا فان املقصود غري ذلك وهو مربأ ومنزه عن التكلم والسماع والرؤية‬
‫والشهود وامنا يتسلى جبوز احلال وموزه اطفال الطريقة ينبغي للعاقل ان يكون عايل اهلمة‬
‫فان األمر وراء ذلك وكل ذلك منام وخيال ومن رأى نفسه انه صار سلطاان يف املنام ليس‬
‫هو يف نفس االمر كذلك ولكن هذا املنام يورث رجاء وطمعا لصاحبه ال اعتبار للوقائع‬
‫املنامية يف الطريقة النقشبندية وهذا البيت مسطور يف كتبهم العلية {شعر}‪:‬‬
‫واين غالم الشمس أروي حديثها * و ما يل ولليل فأروي حديثه‬
‫فان حصل حال من االحوال أو زال فليس ذلك مبحل للسرور وال هذا مبوجب‬
‫للغم واالنفعال بل ينبغي ان يكون منتظرا للمقصود املنزه عن الكيف واملثال و السالم‪.‬‬
‫‪- 209 -‬‬

‫{املكتوب احلادي والثالثون واملائة اىل اخلواجه حممد اشرف الكابلي يف بيان‬
‫علو شأن طريقة حضرات خواجكان قدس هللا تعاىل اسرارهم والشكاية من مجاعة‬
‫احدثوا فيها احدااثت واعتقدوها تكملة هلذه الطريقة}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين وليعلم‬
‫اخي االرشد اخلواجه حممد اشرف شرفه هللا سبحانه بتشريفات أوليائه الكرام ان طريقة‬
‫حضرات خواجكان قدس هللا اسرارهم اقرب الطرق املوصلة وهناية سائر املشائخ مندرجة‬
‫يف بداية هؤالء االكابر ونسبتهم فوق مجيع النسب كل ذلك املزااي لوجود التزام السنة‬
‫السنية يف هذه الطريقة العلية واالجتناب عن البدعة الشنيعة مهما امكن فاهنم ال جيوزون‬
‫العمل ابلرخصة وان وجدوها انفعة المر الباطن يف الظاهر وال يفارقون العمل ابلعزمية وان‬
‫يروهنا مضرة يف السرية حبسب الصورة جيعلون االحوال واملواجيد اتبعة لالحكام الشرعية‬
‫ويعتقدون ان االذواق واملعارف خادمة للعلوم الشرعية وال يبدلون جواهر الشريعة النفيسة‬
‫مثل االطفال جبوز الوجد وموز احلال وال يغرتون برتهات جهلة الصوفية وال يفتتنون‬
‫أبابطيلهم وال يرتكون النصوص ابلفصوص وال يلتفتون اىل الفتوحات املكية اتركني‬
‫للفتوحات املدنية حاهلم على الدوام ووقتهم مستمر ومستدام والتجلي الذايت الربقي الذي‬
‫هو كالربق لغريهم دائم هلؤالء االكابر واحلضور الذي تعقبه الغيبة ساقط عن حيز االعتبار‬
‫عند هؤالء االكابر رجال التله يهم جتارة وال بيع عن ذكر هللا ولكن ال يصل فهم كل احد‬
‫اىل مذاق هؤالء االكابر بل يكاد ينكر قاصروا هذه الطريقة على بعض كماالهتم‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫لو عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم عن افحش الكلم‬
‫(نعم) قد احدث بعض متأخري هذه الطريقة احدااثت فيها وضيع اصل سرية‬
‫االك ابر وزعم مجع من مريديه اهنم كملوا الطريقة بتلك احملداثت حاشا وكال كربت كلمة‬
‫خترج من افواهم بل هم سعوا يف ختريبها وتضييعها اي أسفا كل االسف على ما احدثوا يف‬
‫هذه الطريقة بعض بدع ال وجود له يف سالسل اخر اصال حيث يصلون صالة التهجد‬
‫‪- 210 -‬‬

‫جبماعة وجيتمع الناس من االطراف واجلوانب يف ذلك الوقت لصالة التهجد ويؤدوهنا‬
‫جبمعية اتمة وهذا العمل مكروه كراهة حترميية والذين اشرتطوا التداعي لتحقق الكراهة من‬
‫الفقهاء قيدوا جواز التنفل جبماعة أبدائها يف انحية املسجد واتفقوا على حتقق الكراهة ان‬
‫زادوا على ثالثة (وايضا) ان هؤالء احملدثني يعتقدون التهجد هبذا الوضع ثالث عشرة‬
‫ركعة فيصلون اثنيت عشرة ركعة قائمني وركعتني قاعدين زاعمني ان هلما حكم ركعة واحدة‬
‫فتكون هبا ثالث عشرة ركعة وليس االمر كما زعموا فان نبينا صلّى هللا عليه و على آله و‬
‫سلّم كان[‪ ]1‬يصلي احياان ثالث عشرة ركعة واحياان احدى عشرة ركعة واحياان تسع‬
‫ركعات واحياان سبعا والفردية امنا عرضت للتهجد بصالة الوتر ال انه اعطي لركعيت القعود‬
‫حكم ركعة القيام ومنشأ امثال هذا العلم والعمل عدم تتبع السنة املصطفوية على‬
‫صاحبها الصالة و السالم والتحية والعجب من رواج امثال هذه احملداثت يف بالد‬
‫العلماء ومأوي اجملتهدين عليهم الرضوان مع ان امثالنا الفقراء يستفيضون العلوم االسالمية‬
‫من بركاهتم وهللا سبحانه امللهم للصواب {شعر}‪:‬‬
‫و السالم‬ ‫بثثت لديكم من مهومي وخفت أن * متلوا واال فالكالم كثري‬

‫{املكتوب الثاين والثالثون واملائة اىل املال حممد صديق البدخشي يف التحذير‬
‫عن صحبة أرابب الغىن والرتغيب يف صحبة الفقراء}‬
‫ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب ايها‬
‫االخ الظاهر انك مللت من صحبة الفقراء واخرتت صحبة االغنياء ولبئس ما صنعت‬
‫فان كانت عينك مغمضة اليوم ستنكشف غدا فال ترى فائدة غري الندامة والشرط اخلرب‬
‫(ايها) املهوس ان حالك ال خيلو من أحد أمرين اما ان تنال اجلمعية يف جملس االغنياء او‬

‫(‪( )1‬قوله كان يصلي اخل) اخرج الشيخان عن عائشة رضي هللا عنها كان النيب صلّى هللا عليه و سلّم يصلي من الليل‬
‫ثالث عشرة ركعة وعن مسروق سألت عائشة رضي هللا عنها عن صالة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فقالت سبع‬
‫وتسع واحدى عشرة سوى ركعيت الفجر رواه البخاري اه ‪.‬‬
‫‪- 211 -‬‬

‫ال فان تنل فشر واال فاشد شرا فانك ان تنلها فهي استدراج عياذا ابهلل سبحانه من ذلك‬
‫وان مل تنل فمصداق احلال خسر الدنيا واآلخرة كناسة الفقراء افضل من قعود االغنياء يف‬
‫الصدر وهذا الكالم يكون معقوال عندك اليوم اوال وأما يف اآلخرة فسيصري لك معلوما‬
‫ولكنه ال يفيد وامنا اوقعك يف هذا البالء اشتهاء االطعمة اللذيذة وااللبسة الفاخرة ومل‬
‫يفت االمر اآلن فينبغي التفكر يف أصل االمر والفرار من كلما يكون مانعا عن احلق‬
‫سبحانه واحلذر منه معتقدا أبنه عدو قوله تعاىل ان من ازواجكم وأوالدكم عدوا لكم‬
‫فاحذروهم نص قاطع وقد اقتضت رعاية حقوق الصحبة ان انصحك مرة واحدة تعمل‬
‫هبا اوال وقد كنت عرفت من أول االمر حني شاهدت فضولياتك ان االستقامة على‬
‫الفقر عسرية هبذا الوضع {شعر}‪:‬‬
‫قد كان ما خفت أن يكوان * اان اىل هللا راجعوان‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله من‬
‫الصلوات امتها ومن التسليمات اكملها وقد كنت متوقعا من فطرتك واستعدادك شيئا‬
‫آخر فانت رميت اجلوهر النفيس يف السرقني اان هلل واان اليه راجعون‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والثالثون واملائة اىل املال حممد صديق ايضاً يف بيان اغتنام‬
‫الفرصة وعدم تضييع الوقت}‬
‫قد وصل املكتوب الذي ارسلته ينبغي اغتنام الفرصة وعدم تضييع الوقت وال‬
‫حيصل شئ من الرسوم والعادات وال يزيد شئ من التمحل والتعلل غري اخلسارة وقد قال‬
‫املخرب الصادق عليه من الصلوات امتها ومن التسليمات اكملها هلك املسوفون وصرف‬
‫نقد العمر احملقق املوجود اىل االمر املوهوم وحفظ املوهوم للموجود مستكره جدا فان نقد‬
‫الوقت ينبغي ان يصرف يف االمر االهم والنسية تستدعي ان تدخر ملا ال يعين من‬
‫املزخرفات رزقنا هللا سبحانه ذرة من لذة الطلب وعدم القرار والسكونة حت تتيسر النجاة‬
‫من السكون اىل ما سواه تعاىل وال حاصل يف القيل والقال وامنا املطلوب سالمة القلب‬
‫‪- 212 -‬‬

‫ينبغي الفكر يف االصل واالعراض عما ال يعين ابلتمام {شعر}‪:‬‬


‫كلما دون هوى احلق ولو * أكل قند فهو سم قاتل‬
‫ما على الرسول اال البالغ‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والثالثون اىل املال حممد صديق أيضاً يف املنع عن التسويف}‬
‫رزقنا هللا سبحانه واايكم عروجات غريمتناهية يف مدارج قربه حبرمة سيد املرسلني‬
‫عليه و على آله الصلوات و التسليمات (أيها) احملب ان الوقت سيف قاطع وال يدري‬
‫انه هل تعطي الفرصة غدا او ال فينبغي تقدمي االهم يف هذا اليوم وأتخري غري االهم اىل‬
‫غد وهذا حكم العقل ومقتضاه وال اريد ابلعقل عقل املعاش بل عقل املعاد وماذا اكتب‬
‫أزيد من ذلك‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والثالثون واملائة اىل املخلص الصديق حممد صديق يف بيان‬
‫مراتب الوالية عامة كانت او خاصة مع بعض خواص اخلاصة}‬
‫أعلم ان الوالية عبارة عن الفناء والبقاء وهي اما عامة واما خاصة ونعين ابلعامة‬
‫مطلق الوالية وابخلاصة الوالية احملمدية على صاحبها افضل الصالة و السالم والتحية‬
‫الفناء فيها امت والبقاء اكمل ومن شرف هبذه النعمة العظمى فقد الن جلده للطاعة‬
‫وانشرح صدره لالسالم واطمأنت نفسه فرضيت عن موالها ورضي موالها عنها وسلم‬
‫قلبه ملقلبه وختلصت روحه كلية اىل مكاشفات حضرة صفات الالهوت وشاهد سره مع‬
‫مالحظة الشئون واالعتبارات ويف هذا املقام شرف ابلتجليات الذاتية الربقية وحتري خفيه‬
‫لكمال التنزه والتقدس والكربايء واتصل اخفاه اتصاال بال تكيف وضرب من املثال هذا‬
‫{ع}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها‬
‫‪- 213 -‬‬

‫ومما ينبغي ان يعلم ان الوالية اخلاصة احملمدية على صاحبها الصالة و السالم‬
‫والتحية متميزة عن سائر مراتب الوالية يف طرف العروج والنزول اما يف طرف العروج فالن‬
‫فناء االخفى وبقائه خمتصان بتلك الوالية اخلاصة وعروج سائر الوالايت اىل اخلفي فقط‬
‫مع تفاوت درجاهتا يعين ان عروج بعض ارابب الوالايت اىل مقام الروح وعروج البعض‬
‫اىل السر وعروج البعض اآلخر اىل اخلفي وهو اقصى درجات الوالية العامة وأما يف طرف‬
‫النزول فالن الجساد االولياء احملمدية عليه و على آله الصالة و السالم والتحية نصيبا‬
‫من كماالت درجات تلك الوالية ملا أنه صلّى هللا عليه و سلّم اسري به ليلة املعراج‬
‫ابجلسد[‪ ]1‬اىل ما شاء هللا وعرض عليه اجلنة والنار وأوحي اليه ما أوحي و شرف[‪ ]2‬مثة‬
‫ابلرؤية البصرية وهذا القسم من املعراج خمصوص به عليه الصالة و السالم واالولياء‬
‫املتابعون له كمال املتابعة السالكون حتت قدمه هلم ايضا نصيب من هذه املرتبة‬
‫املخصوصة {ع}‪:‬‬
‫ولالرض من كأس الكرام نصيب‬
‫غاية ما يف الباب ان وقوع الرؤية يف الدنيا خمصوص به عليه الصالة و السالم‬
‫واحلالة اليت حصلت لالولياء الذين حتت قدمه ليست برؤية والفرق بني الرؤية وتلك احلالة‬
‫كالفرق بني االصل والفرع والشخص والظل وليس احدمها عني اآلخر‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والثالثون واملائة اىل املال حممد صديق ايضاً يف املنع عن‬
‫التسويف والتأخري يف حتصيل املطلوب احلقيقي}‬

‫(‪( )1‬قوله ابجلسد اخل) قال علي القاري واحلق الذي عليه اكثر الناس ومعظم السلف وعامة املتأخرين من الفقهاء‬
‫واحملدثني واملتكلمني انه اسري جبسده فمن طالعها وحبث عنها ال يعدل عن الظاهر وال استحالة يف محلها على ظاهرها‬
‫حت حيتاج اىل التأويل اه‬
‫(‪( )2‬قوله وشرف مثة ابلرؤية البصرية) وهذا ايضا ما عليه اجلمهور من احملققني ويف مسند االمام امحد اريه يف اليقظة‬
‫بعينه ولو كا ن يف املنام ملا انكرت قريش وال ارتدت مجاعة انتهى قلت التعليل هبذا اوىل لكون املعراج ابجلسد فان‬
‫استبعادهم اايه اكثر من استبعاد رؤية هللا تعاىل ابلبصر كما ال خيفى من حاهلم وجهلهم ابهلل‪.‬‬
‫‪- 214 -‬‬

‫وصل املكتوب املرغوب وحيث ان القاصد وصل يف اواخر العشر املتربك كنت بعد‬
‫مضيه مشغوال بكتابة جواابت املكاتيب وقد كتب جواب مكتوب خان خاانن ومكتوب‬
‫اخلواجه عبد هللا ايضا وارسال اليهما ينبغي مطالعتهما ابملالحظة وذهابك اىل العسكر يف‬
‫هذه النوبة ليس مبعقول للفقري وما احلكمة فيه واألمر عند هللا سبحانه ينبغي املالحظة‬
‫فان هللا سبحانه قد اعطاك قوت اليوم من كمال كرمه فالالئق بك التفكر يف امرك مغتنما‬
‫ذلك دون ان جتعله وسيلة اىل حتصيل قوت يوم آخر فان األمر ينجر حينئذ اىل التسلسل‬
‫وطول األمل كفر يف طريق الفقر والتخلص من معاملة القرض ال يدري انه حيصل من‬
‫طرف خواجكي او ال فان كان فيه اشتباه فاكتب اىل خواجكي كتااب منقحا صرحيا فان‬
‫كتب يف جوابه منقحا وفهم منه الوعد املؤكد فاذهب هبذه النية ولكن ماذا يكون عالج‬
‫التسويف والتأخري وكل شيء ختتاره وتفعله ينبغي لك ان تستعجل فيه فان الفرصة غنيمة‬
‫جدا‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والثالثون واملائة اىل احلاج خضر االفغاين يف بيان علو شأن‬
‫الصالة املنوط كماهلا ابلوصول اىل هناية النهاية وما يناسب ذلك}‬
‫وصل املكتوب املرغوب واتضح ما فيه اعلم ان االلتذاذ ابلعبادة وارتفاع الكلفة يف‬
‫ادائها من أجل نعم هللا سبحانه و تعاىل خصوصا يف اداء الصالة فانه ال يتيسر فيها لغري‬
‫املنتهى خصوصا يف اداء الصلوات الفرضية فان االبتداء ال التذاذ فيه اال ابلنوافل وأما يف‬
‫النهاية فتكون تلك النسبة منوطة ابلفرائض ويرى فيها االشتغال ابلنوافل تعطيال واالمر‬
‫العظيم للمنتهى هو أداء الفرائض فقط {ع}‪:‬‬
‫وهذي سعادات تكون نصيب من‬
‫و ينبغي أن يعلم أن االلتذاذ الذي حيصل حني أداء الصالة ال حظ للنفس فيه‬
‫أصال بل هي عني ذلك االلتذاذ يف البكاء واحلزن سبحان هللا اي رتبة هذا {ع}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها‬
‫‪- 215 -‬‬

‫و التكلم مبثل هذا الكالم ومساعنا اايه أيضا غنيمة المثالنا املهوسني {ع}‪:‬‬
‫دعوان نسلي ابالماين قلوبنا‬
‫(واعلم) ايضا أن رتبة الصالة مثل رتبة الرؤية يف اآلخرة فنهاية القرب يف الدنيا امنا‬
‫هي يف الصالة وهناية القرب يف اآلخرة يف عني الرؤية وايضا ان سائر العبادات وسائل‬
‫للصالة والصالة من املقاصد و السالم واالكرام‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والثالثون واملائة اىل الشيخ هباء الدين السرهندي يف مذمة‬
‫الدنيا والتحذير من صحبة ارابهبا}‬
‫ال يكونن ولدي االرشد مغرورا ومسرورا هبذه الدنية املبغوض عليها وال يضيعن‬
‫بضاعة االقبال اىل جناب قدس احلق جل سلطانه ينبغي التفكر أي شئ يباع وأي شئ‬
‫يشرتى تبديل اآلخرة ابلدنيا واالمتناع من طلب احلق ابخللق من السفاهة واجلهالة واجلمع‬
‫بني الدنيا واآلخرة من قبيل اجلمع بني االضداد {ع}‪:‬‬
‫ما أحسن الدين والدنيا لو اجتمعا‬
‫فاخرت أاي شئت من هذين الضدين و بع نفسك من ايهما شئت عذاب اآلخرة‬
‫أبدي ومتاع الدنيا قليل والدنيا مبغوض عليها عند احلق سبحانه واآلخرة مرضية له تعاىل‬
‫وتقدس‪.‬‬
‫عش ما شئت فانك ميت * والزم ما شئت فانك مفارق‬
‫والبد من ترك العيال واالوالد أخريا وتفويضهم اىل احلق سبحانه فينبغي لك ان‬
‫حتسب نفسك اليوم ميتا وان تفوضهم اىل هللا تعاىل ان من أزواجكم وأوالدكم عدوا لكم‬
‫نص قاطع وقد مسعت مكررا ان نوم االرنب يعين الغفلة والغرور اىل مت ميتد فالبد من‬
‫التنبه والتيقظ واعلم ان صحبة أهل الدنيا واالختالط هبم سم قاتل وقتيل هذا السم ميت‬
‫ابملوت االبدي العاقل تكفيه االشارة فكيف التصريح مع هذه املبالغة والتأكيد وطعام‬
‫‪- 216 -‬‬

‫امللوك وان كان لذيذا ولكنه يزيد مرض القلب فكيف يرجى الفالح والنجاة احلذر احلذر‬
‫احلذر {شعر}‪:‬‬
‫وما هو من شرط البالغ أقوله * فخذ منه نصحا خالصا أو ماللة‬
‫فر من صحبتهم اكثر مما تفر من االسد فان الفرار منهم وان أوجب املوت‬
‫الدنيوي ولكنه قد يفيد يف اآلخرة واختالط امللوك يوجب اهلالك االبدي واخلسارة‬
‫السرمدي فاايك وصحبتهم واايك ولقمتهم واايك وحمبتهم واايك ورؤيتهم وقد ورد يف اخلرب‬
‫الصحيح من تواضع الغين لغناه ذهب ثلثا دينه ينبغي لك املالحظة ان كل ذلك التواضع‬
‫واملالينة هل هو من جهة غناهم أو من جهة شئ آخر وال شك يف انه من جهة غناهم‬
‫ونتيجته ذهاب ثلثي الدين فاين أنت من االسالم واين أنت من النجاة وكل هذه املبالغة‬
‫واالبرام ليعلم ولدي ان لقمة غري اجلنس وصحبتهم حتجب قلبه عن تذكر املواعظ وتعقل‬
‫النصائح فال يكاد يتأثر من الكلمة والكالم فاحلذر احلذر من صحبتهم واحلذر احلذر من‬
‫رؤيتهم وهللا سبحانه املوفق جناان هللا واايكم عما ال يرضى عنه ربنا املتعايل حبرمة سيد‬
‫البشر املمدوح مبا زاغ البصر عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات‬
‫اكملها و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والثالثون واملائة اىل جعفر بك التهاين يف بيان جواز هجو‬
‫مجاعة السفهاء الذين يطعنون يف أهل هللا ويف استحسان ذمهم}‬
‫قد شرف املكتوب الشريف بوروده سلمكم هللا سبحانه و تعاىل حيث تتفقدون‬
‫أحوال الفقراء وتعتقدون ان احلضور والغيبة سيان أيها املخدوم ان كفار قريش ملا ابلغوا يف‬
‫[‪]1‬‬
‫هجو أهل االسالم وسبهم من غاية خذالهنم وكمال حرماهنم عن السعادة امر النيب‬

‫(‪( )1‬قوله امر النيب عليه السالم بعض الشعراء اخل) اخرج الشيخان عن الرباء بن عازب ان رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم قال يوم قريظة حلسان اهج املشركني فان جربيل معك واخرج البخاري عن عائشة رضي هللا عنها كان رسول هللا‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم يضع حلسان منربا يف املسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وينافح‬
‫‪- 217 -‬‬

‫عليه و على آله الصالة و السالم بعض الشعراء االسالمية هبجو الكفار االشرار فكان‬
‫الشاعر املأمور يصعد املنرب يف حضور النيب عليه و على آله من الصلوات افضلها ومن‬
‫التسليمات اكملها ويهجو الكفار يف مالء ابنشاد االشعار وكان النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم يقول ان روح القدس معه ما دام يهجو الكفار واعلم ان املالمة وايذاء اخللق من‬
‫مغتنمات ارابب ا لعشق اللهم اجعلنا منهم حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله الصلوات‬
‫و التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب االربعون واملائة اىل املال حممد معصوم الكابلي يف بيان ان االمل‬
‫واحملنة من لوازم احملبة}‬
‫ايها احملب ان االمل واحملنة من لوازم احملبة والبد من االمل والغم ملن اختار الفقر‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫اال ان قصدي من هواك التأمل * واال فاسباب التنعم وافره‬
‫واحملبوب يريد وله احملب به وعدم سكونه اىل من سواه ليحصل االنقطاع عن غريه‬
‫ابلكلية واالطمئنان هنا يف عدم االطمئنان واللذة يف احلرقة والقرار يف عدم القرار والراحة‬
‫يف اجلراحة وطلب الفراغة يف هذا امل قام إلقاء نفسك اىل الفتنة ينبغي تفويض نفسك اىل‬
‫احملبوب ابلتمام وان يرضى بكلما جيئ منه وان يقبله من غري اعراض واعرتاض وهذا‬
‫الوضع هو طريق املعيشة وعليك ابالجتهاد يف حتصيل االستقامة بقدر الوسع والطاقة واال‬
‫فالفتور يف القفا وقد كان اشتغالك جيدا ولكنها ضعفت قبل حصول القوة ولكن ال أبس‬
‫فيه وال هو مما يغتم به فانك لو تشبثت ابسباب اجلمعية من هذه الرتددات يكون أحسن‬
‫من االول ينبغي لك ان تعتقد ان اسباب هذه التفرقة هي عني اسباب اجلمعية حت تقدر‬
‫ان تعمل شيئا و السالم‪.‬‬

‫ويقول رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان هللا يؤيد حسان بروح القدس ما انفح او فاخر عن رسول هللا صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم ويف الباب احاديث كثرية مذكورة يف تفسري اخلازن وغريه ويف هذا القدر كفاية‬
‫‪- 218 -‬‬

‫{املكتوب احلادي واألربعون واملائة اىل املال حممد قليج يف بيان ان العمدة يف‬
‫هذا االمر احملبة واالخالص}‬
‫انعم هللا سبحانه و تعاىل علينا وعليكم ابلرتقيات حبرمة سيد املرسلني عليه و على‬
‫آله الصلوات و التسليمات ايها احملب انك ال تكتب من أحوال القلب شيئا يف بعض‬
‫األحيان حت نطلع على كيفيته وال بد لك من كتابة شئ من هذا الباب أيضا البتة فانه‬
‫موجب للتوجه الغائيب وعمدة هذا االمر هي احملبة واالخالص وال غم ان مل يفهم الرتقي‬
‫فانه اذا بقيت االستقامة على االخالص تيسر امور سنني يف ساعات و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين واالربعون واملائة اىل املال عبد الغفور السمرقندي يف بيان‬
‫استكثار قليل من نسبة االكابر}‬
‫وصل املكتوب الشريف الذي ارسلته على وجه االلتفات ينبغي ان يعد حمبة‬
‫الفقراء من أجل نعم هللا تعاىل واملسؤل من احلق سبحانه واملرجو منه تعاىل االستقامة‬
‫عليها ووصلت اهلدية املرسلة اىل الفقراء ايضا وقرأ فاحتة السالمة والطريقة اليت اخذهتا‬
‫ووصلت منها نسبة كثرية مل يذكر شئ من هذه املقولة معاذ هللا من تطرق الفتور اليها‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫خياله طرفة العني لدى نظري * قد فاق وصل الغواين مدة العمر‬
‫فان حصل شئ من نسبة هؤالء االكابر ينبغي ان تستكثره فانه ليس بقليل الن‬
‫هناية اآلخرين مندرجة يف بدايتهم {ع}‪:‬‬
‫وقس من حال بستاين ربيعي‬
‫و لكن ينبغي ان ال تغتم من هذا الفتور اذا كانت حمبة محلة هذه النسبة قوية وقد‬
‫أرسل الثوب الذي كان ملبوسا مكررا فألبسه أحياان واحفظه بكمال االدب فانه يتوقع‬
‫‪- 219 -‬‬

‫منه فوائد كثرية وكلما تلبسه تلبسه على الوضوء وتشتغل بتكرار الذكر فعسى ان حتصل‬
‫اجلمعي ة التامة وكلما كتبت شيئا ينبغي لك ان تكتب أوال من احوال ابطنك فان احوال‬
‫الظاهر بدون أحوال الباطن ساقطة عن حيز االعتبار {ع}‪:‬‬
‫وأحسن ما ميلى حديث االحبة‬
‫ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعة سيد البشر املطهر عن زيغ البصر عليه و على‬
‫آله الصالة و السالم ظاهرا وابطنا {ع}‪:‬‬
‫هذا هو األمر والباقي من العبث‬

‫{املكتوب الثالث واالربعون واملائة اىل املال مشس الدين يف بيان اغتنام موسم‬
‫الشباب وعدم صرفه اىل ما ال يعين من اللهو واللعب}‬
‫كان حمب الفقراء موالان مشس الدين موفقا ومغتنما ملوسم الشباب ممتنعا من صرفه‬
‫يف اللهو واللعب وتعويضه ابجلوز واملوز واال ال حيصل شئ أخريا غري الندامة والتأسف وال‬
‫جيدي شيئا والشرط االخبار وينبغي اداء الصلوات اخلمس ابجلماعة ومتييز احلالل من‬
‫احلرام وطريق النجاة األخروية هو متابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات وينبغي ان ال تكون التلذذات الفانية والتنعمات اهلالكة منظورا اليها وهللا‬
‫سبحانه املوفق للخريات‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع واالربعون واملائة اىل احلافظ حممود الالهوري يف بيان معىن‬
‫السري والسلوك وبيان السري اىل هللا والسري يف هللا والسريين اآلخرين}‬
‫رزقكم هللا سبحانه ترقيات غري متناهية يف مدارج الكماالت حبرمة سيد البشر‬
‫املطهر عن زيغ البصر عليه و على آله الصلوات و التسليمات {ع}‪:‬‬
‫وأحسن ما ميلى حديث االحبة‬
‫‪- 220 -‬‬

‫(اعلم) ان السري والسلوك عبارة عن احلركة العلمية اليت هي من مقولة الكيف وال‬
‫جمال هنا للحركة االينية فالسري اىل هللا عبارة عن احلركة العلمية ذاهبا من العلم االدىن اىل‬
‫العلم االعلى ومن هذا اىل أعلى آخر وهكذا اىل ان تنتهي اىل علم الواجب تعاىل بعد‬
‫طي علوم املمكنات كلها وزواهلا ابسرها وهذه احلالة هي املعرب عنها ابلفناء والسري يف هللا‬
‫عبارة عن احلركة العلمية يف مراتب الوجوب من االمساء والصفات والشؤن واالعتبارات‬
‫والتقديسات والتنزيهات اىل ان تنتهي اىل مرتبة ال ميكن التعبري عنها بعبارة وال يشار اليها‬
‫ابشارة وال تسمى ابسم وال يكن عنها بكناية وال يعلمها عامل وال يدركها مدرك وهذا‬
‫السري يسمى ابلبقاء والسري عن هللا ابهلل الذي هو السري الثالث أيضا عبارة عن احلركة‬
‫العلمية انزال من العلم االعلى اىل العلم االدىن ومن االدىن اىل االدىن وهكذا اىل ان يرجع‬
‫اىل املمكنات رجوع القهقري وينزل من علوم مراتب الوجوب كلها وهو العارف الذي‬
‫نسي هللا ابهلل ورجع عن هللا مع هللا وهو الواجد الفاقد والواصل املهجور وهو القريب‬
‫البعيد والسري الرابع الذي هو السري يف االشياء عبارة عن حصول علوم االشياء شيئا‬
‫فشيئا بعد زوال تلك العلوم كلها يف السري االول فالسري الرابع مقابل للسري االول والسري‬
‫الثالث للثاين كما ترى والسري اىل هللا والسري يف هللا لتحصيل نفس الوالية اليت هي عبارة‬
‫عن الفناء والبقاء والسري الثالث والرابع حلصول مقام الدعوة الذي هو خمصوص ابالنبياء‬
‫املرسلني صلوات هللا وتسليماته على مجيعهم عموما و على أفضلهم خصوصا وللمتابعني‬
‫الكاملني أيضا نصيب من مقام هؤالء االكابر عليهم السالم قل هذه سبيلي ادعو اىل هللا‬
‫على بصرية اان ومن اتبعين اآل ية هذا هو حديث البداية والنهاية واملقصود من ذكره تنويه‬
‫شأنه وتشويق الطالب اليه {شعر}‪:‬‬
‫وهتافتوا يف سكر اي أهل صف * راء ألجل تغافل السوداوي‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات‪.‬‬
‫‪- 221 -‬‬

‫{املكتوب اخلامس واالربعون واملائة اىل املفيت عبد الرمحن يف بيان ان مشائخ‬
‫الطريقة النقشبندية قدس هللا تعاىل اسرارهم اختاروا ابتداء السري من عامل االمر وبيان‬
‫سر عدم أتثر بعض مبتدئ هذه الطريقة بسرعة}‬
‫ثبتنا هللا سبحانه واايكم على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية ويرحم هللا عبدا قال آمينا اعلم ان مشائخ الطريقة النقشبندية قدس هللا‬
‫اسرارهم اختاروا ابتداء السري من عامل االمر وصاروا يقطعون مسافة عامل اخللق يف ضمنه‬
‫خبالف مشائخ سائر الطرقات فان ابتداء سريهم من عامل اخللق وبعد طي مسافة عامل‬
‫اخللق يضعون القدم يف عامل االمر ويصلون اىل مقام اجلذبة وهلذا كان طريق النقشبندية‬
‫أقرب الطرق فال جرم صارت هناية اآلخرين مندرجة يف بدايتهم {ع}‪:‬‬
‫وقس من حال بستاين ربيعي‬
‫و مع كون ابتداء سريهم من عامل االمر ال يتأثر بعض الطالبني من هذه الطريقة‬
‫بسرعة وال جيدون احلالوة وال التلذذ الذي هو من مقدمة اجلذبة ابلسهولة ووجه ذلك ان‬
‫لطائف عامل االمر ضعيفة فيهم ابلنسبة اىل عامل اخللق وهذا الضعف هو الذي صار سدة‬
‫يف طريق التأثري والتأثر وامتداد زمان بطء التأثر اىل ان يقوي لطائف عامل االمر فيهم‬
‫وتغلب على عامل اخللق وأن ينعكس االمر وعالج هذا الضعف حبيث يكون مناسبا هلذه‬
‫الطريقة هو التصرف التام من صاحب التصرف والعالج املناسب لسائر الطرق تقدمي‬
‫تزكية النفس والرايضات الشديدة واجملاهدات الشاقة الواقعة على وفق الشريعة على‬
‫صاحبها الصالة و السالم والتحية وينبغي أن يعلم ان بطء التأثر ليس من عالمة نقصان‬
‫االستعداد وكم من طائفة اتمي االستعداد يبتلون هبذا البالء و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السادس واالربعون واملائة اىل شرف الدين حسني يف النصيحة‬


‫بتكرار الذكر}‬
‫وصل مكتوب ولدي شرف الدين حسني هلل سبحانه احلمد واملنة على أنه‬
‫‪- 222 -‬‬

‫مستسعد بسعادة تذكر الفقراء وليعمر االوقات بتكرار الذكر الذي أخذه وال يفوتن‬
‫الفرصة منخدعا ابلشأن والشوكة الفانية مغتنما للحياة القليلة {شعر}‪:‬‬
‫مهه اندر زمن بتو اينست * كه تو طفلى وخانه رنگينست‬
‫ونعم النعمة اكرام احلق سبحانه عبده بتوفيق التوبة يف عنْ فواَن الشباب واالنعام‬
‫عليه ابالستقامة عليها ميكن ان يقال ان مجيع التنعمات الدنيوية يف جنب تلك النعمة هلا‬
‫حكم الندى يف جنب البحر العميق فان هذه النعمة موجبة لرضا املوىل سبحانه الذي هو‬
‫فوق مجيع النعم دنيوية كانت أو أخروية ورضوان من هللا اكرب و السالم على من اتبع‬
‫اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و التسليمات أمتها وأكملها‪.‬‬

‫{املكتوب السابع و االربعون و املائة اىل اخلواجه أشرف الكابلي يف بيان أن‬
‫االنقطاع مقدم على االتصال و ابلعكس}‬
‫رزقنا هللا سبحانه واايكم الرتقيات على مدارج الكمال حبرمة سيد املرسلني عليه و‬
‫على آله الصلوات و التسليمات قالت طائفة من مشائخ الطريقة قدس هللا اسرارهم بتقدم‬
‫االنفصال واالنقطاع على االتصال وطائفة أخرى من هؤالء االكابر قدموا االتصال على‬
‫االنقطاع واالنفصال وتوقفت طائفة اثلثة فيه (قال) أبو سعيد اخلراز قدس سره ما مل‬
‫تنقطع ال جتد وما مل جتد ال تنقطع وال ادري أيهما اقدم يقول راقم هذه السطور ان‬
‫االنق طاع واالتصال يتحققان يف آن واحد وال جيوز ان ينفك االنقطاع عن االتصال وان‬
‫حيصل االتصال بدون االنقطاع واالنفصال غاية ما يف الباب ان اخلفاء ان حتقق فامنا هو‬
‫يف التقدم الذايت وتعني علية أحدمها لآلخر واختار شيخ االسالم اهلروي قدس هللا سره‬
‫املذهب الثاين قائال اب ن السبقة من ذاك الطرف أحسن والذين يقولون بتقدم االنفصال‬
‫على االتصال ال ينكرون هذه السبقة ايضا ومرادهم من االتصال الظهور التام وهو ال‬
‫ينايف الظهور املطلق فيكون الظهور املطلق مقدما على االنفصال والظهور التام مؤخرا عنه‬
‫فعلى هذا التحقيق يكون نزاعهم راجعا اىل اللفظ ولكن نظر الطائفة األوىل عال حيث‬
‫‪- 223 -‬‬

‫ال يعتربون القليل (وينبغي) ان يعلم ان على هذا التوجيه قد حصل التقدم الزماين أيضا‬
‫فافهم وهللا سبحانه امللهم للصواب و على كل حال ينبغي ان يكون مظهرا لالنفصال‬
‫واالتصال فان مرتبة الوالية منوطة هباتني املرتبتني وبدوهنما خرط القتاد واملرتبة األوىل‬
‫مربوطة ابلسري اىل هللا والثانية ابلسري يف هللا ومبجموع هذين السريين يوصل اىل مرتبة‬
‫الوالية والكمال على تفاوت درجاهتا والسري والسريان الباقيان لتحصيل مرتبة التكميل‬
‫والوصول اىل درجة الدعوة {شعر}‪:‬‬
‫انديت غري مرة * لو كان يف االحياء حي‬

‫{ املكتوب الثامن واالربعون واملائة اىل املال صادق الكابلي يف بيان ذم‬
‫صاحب الري وعدم االغرتار بتوسط روحانية املشائخ وامداداهتم}‬
‫وصل املكتوابن متصال بعضهما ببعض كان االول منبئا عن احلصول والري والثاين‬
‫عن العطش وعدم احلصول احلمد هلل سبحانه العربة ابخلامتة ان صاحب الري ليس له‬
‫حاصل والذي يرى نفسه ال حاصل له فهو الواصل وقد قيل لك مكررا ان ال تغرت‬
‫بتوسط روحانية املشائخ وامداداهتم فان صور هؤالء املشائخ اليت تراها وتشاهدها هي‬
‫لطائف الشيخ املقتدى به يف احلقيقة ظهرت هبذه الصور وتوحيد قبلة التوجه من الشروط‬
‫وتفريق التوجه موجب للخسران عياذا ابهلل سبحانه (وأيضا) اين كنت قلت لك مكررا‬
‫ومؤكدا ان قلل االشغال ليحصل املقصود بسرعة فان ترك االمر الضروري واالشتغال مبا‬
‫ال طائل فيه بعيد عن طور العقل ولكنك معتقد لرأي نفسك قلما يؤثر فيك كالم غريك‬
‫وأنت تعلم ما على الرسول اال البالغ‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع واالربعون واملائة اىل املال صادق الكابلي أيضاً يف بيان عدم‬
‫قصر النظر على سبب معني}‬
‫والعجب من أخي موالان حممد صادق حيث سلم نفسه ابلكلية اىل عامل االسباب‬
‫‪- 224 -‬‬

‫وأن جعل مسبب االسباب تعاىل وتقدس االشياء مرتبة على االسباب ولكن ما احلاجة‬
‫اىل نصب العني على سبب معني {شعر}‪:‬‬
‫وال حتزن اذا ما سد ابب * فان هللا يفتح ألف ابب‬
‫وهذا القسم من قصور النظر ينبئ عن غاية عدم املناسبة ومستهجن من امثالك‬
‫جدا ينبغي لك ان تتفكر يف حالك ساعة تفهم هذه الشناعة وكل هذا االضطراب يف‬
‫كسوة الفقر حتصيل ما هو مبغوض عليه لدى احلق سبحانه ما أشده قباحة وبئس البالء‬
‫املستنكر والعجب أنه كيف زين هذا الشئ املستنكر يف نظرك ينبغي لك ان تسعى‬
‫وجتتهد يف حتصيل األمور الضرورية بقدر الضرورة وصرف مجيع اهلمة اليها وتضييع متام‬
‫العمر يف حتصيلها سفاهة حمضة الفرصة غنيمة جدا واألسف كل األسف على حال من‬
‫يصرفها اىل حتصيل علوم ال طائل فيها والشرط هو االخبار ما على الرسول اال البالغ وال‬
‫حتزن من مقاالت الناس فيك فان نسبوا اليك شيئا ليس فيك منها شئ فال غم نعمت‬
‫الدولة ان يرى الناس شخصا شرا وهو يف احلقيقة من االخيار فان حتقق عكس هذه‬
‫القضية فقد عظم اخلطر و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلمسون واملائة اىل اخلواجه حممد قاسم يف بيان ان ال مستحق‬


‫للمطلوبية غري احلق تعاىل وتقدس}‬
‫وصل مكتوب اخينا اخلواجه حممد قاسم وصار موجبا للفرح وال تضيق صدرك من‬
‫تشتت االوضاع الدنياوية وتفرق االحوال الصورية فاهنا ال تستحق لذلك الن هذه النشأة‬
‫يف معرض الفناء بل ينبغي السعي يف حتصيل مرضاة احلق سبحانه و تعاىل سواء كان فيها‬
‫عسر أو يسر وال مستحق للمطلوبية غري ذات الواجب الوجود جل شأنه خصوصا‬
‫المثالكم االعزة ومع ذلك لو وقعت االشارة خبدمة وأمر جتتهد يف حتصيلها ابملمنونية و‬
‫السالم‪.‬‬
‫‪- 225 -‬‬

‫{املكتوب احلادي واخلمسون واملائة اىل املري مؤمن البلخي يف بيان علو شأن‬
‫الطريقة النقشبندية قدس هللا اسرار أهليها العلية وبيان معىن ايد داشت املخصوص‬
‫هبم}‪.‬‬

‫وأحسن ما ميلى حديث االحبة‬ ‫{ع}‪:‬‬


‫اعلم ان ايدداشت عبارة يف طريقة حضرات خواجكان قدس هللا اسرارهم عن‬
‫ح ضور بال غيبة أعين دوام حضور حضرة الذات تعالت وتقدست من غري ختلل احلجب‬
‫الشؤنية واالعتبارية فان وجد حضور يف وقت وغيبة يف وقت أبن ترتفع احلجب يف وقت‬
‫ابلتمام وانسدلت يف وقت آخر كما يكون يف التجلي الربقي الذايت حيث ان احلجب‬
‫ترتفع فيه عن حضرة الذات تعالت وتقدست كالربق مث حتتجب حبجب الشؤن‬
‫واالعتبارات بسرعة فهو ساقط عن حيز االعتبار عند هؤالء االكابر فعلم من هذا ان‬
‫حاصل احلضور بال غيبة هو دوام التجلي الربقي الذايت الذي هو عبارة عن ظهور حضرة‬
‫الذات بدون توسط الشؤن واالعتبارات ويتيسر ذلك يف هناية هذا الطريق ويثبت يف هذا‬
‫املقام الفناء االكمل وال رجوع فيه للحجب أصال فاهنا لو رجعت لتبدل احلضور ابلغيبة‬
‫وال يقال له ايدداشت فتحقق ان شهود هؤالء االكابر على الوجه االمت واالكمل واكملية‬
‫الفناء وأمتية البقاء على قدر امتية الشهود واكمليته {ع}‪:‬‬
‫وقس من حال بستاين ربيعي‬

‫{ املكتوب الثاين واخلمسون واملائة اىل السيد فريد يف بيان أن اطاعة الرسول‬
‫عني اطاعة احلق سبحانه وما يناسب ذلك}‬
‫قال هللا سبحانه و تعاىل من يطع الرسول فقد اطاع هللا فجعل هللا سبحانه اطاعة‬
‫الرسول عني اطاعته فاطاعة احلق هظ عز و جل بدون اطاعة الرسول ليس ابطاعة له‬
‫سبحانه ولذلك أورد كلمة قد أتكيدا هلذا املعن وحتقيقا له لئال يفرق مهوس بني هاتني‬
‫‪- 226 -‬‬

‫االطاعتني وخيتار احديهما دون األخرى وقد وبخ هللا سبحانه يف حمل آخر مجاعة فرقوا‬
‫بني هاتني االطاعتني حيث قال سبحانه يريدون ان يفرقوا بني هللا ورسله اآلية نعم قد‬
‫صدرت من بعض املشائخ وقت غلبة احلال والسكر كلمات مؤذنة ابلتفرقة بني هاتني‬
‫االطاعتني ومشعرة ابختيار حمبة احديهما على األخرى كما نقل ان السلطان حممود‬
‫الغزنوي ملا نزل مرة يف اايم سلطنته يف قرب قرية خرقان أرسل واحدا من وكالئه اىل الشيخ‬
‫ايب احلسن اخل رقاين والتمس منه احلضور عنده وقال لرسوله اذا فهمت توقفا من الشيخ‬
‫فاقرأ هذه اآلية أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأويل االمر منكم فلما فهم الرسول توقفا من‬
‫الشيخ قرأ اآلية املذكورة فقال له الشيخ يف جوابه اين مشغول ابطاعة هللا تعاىل حبيث مل‬
‫أفرغ منها بعد الطاعة رسول هللا فكيف ال طاعة أويل األمر فجعل حضرة الشيخ اطاعة‬
‫احلق سبحانه غري اطاعة الرسول وهذا الكالم بعيد عن االستقامة واملشائخ املستقيموا‬
‫االحوال يتحاشون من أمثال هذا الكالم ويعلمون ان اطاعة احلق سبحانه يف اطاعة‬
‫رسوله يف مجيع مراتب الشريعة والطريقة واحلقيقة ويعتقدون ان اطاعة احلق سبحانه يف غري‬
‫اطاعة رسوله عني الضاللة (ونقل) ايضا ان شيخ بلدة مهنة الشيخ أاب سعيد أاب اخلري‬
‫عقد جملسا وكان يف ذلك اجمللس واحد من اجلة سادات خراسان فدخل يف ذلك االثناء‬
‫اتفاقا جمذوب مغلوب احلال فقدمه الشيخ على السيد االجل فلم حيسن ذلك للسيد‬
‫فقال الشيخ للسيد ان تعظيمك بواسطة حمبة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وتعظيم‬
‫هذا اجملذوب بواسطة حمبة احلق سبحانه واالكابر املستقيموا االحوال ال جيوزون ايضا هذا‬
‫القسم من التفرقة ويرون غلبة حمبة احلق سبحانه على حمبة رسوله عليه الصالة و السالم‬
‫من سكر احلال وال يعتقدوهنا شيئا غري الفضول ولكن ينبغي ان يعلم هذا القدر ان حمبة‬
‫احلق سبحانه غالبة يف مقام الكمال الذي هو مرتبة الوالية وحمبة الرسول غالبة يف مقام‬
‫التكميل الذي فيه نصيب من مقام النبوة ثبتنا هللا سبحانه على اطاعة الرسول اليت هي‬
‫عني اطاعة هللا سبحانه‪.‬‬
‫‪- 227 -‬‬

‫{املكتوب الثالث واخلمسون واملائة اىل الشيخ ميان مزمل يف بيان اخلالص‬
‫التام من رقية ما سواه تعاىل املربوط ابلفناء املطلق}‬
‫وصل املكتوب املرسل احلمد هلل ذي االنعام واملنة قد جعل طالبيه يف قلق‬
‫واضطراب وجناهم بذلك االضطراب من السكون اىل غريه ولكن اخلالص التام من رقية‬
‫االغيار امنا يتيسر اذا حصل التشرف ابلفناء املطلق وزالت النقوش الكونية من مرآة‬
‫القلب ابلكلية ومل يبق التعلق العلمي واحليب بشئ من االشياء ومل يكن مقصود ومراد غري‬
‫احلق سبحانه و تعاىل ودونه خرط القتاد ورمبا يظن انتفاء التعلق ولكن الظن ال يغين من‬
‫احلق شيئا {ع}‪:‬‬
‫و هذي سعادات تكون نصيب من‬
‫و التعلق ابالحوال واملقامات تعلق ابلغري فما تقول يف التعلق أبشياء أخر‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫دع ما يصدك عن وصل احلبيب وما * يلهيك عنه قبيحا كان أو حسنا‬
‫وقد اجنرت مدة غربتك اىل التطويل والفرصة غنمية فان كان االصحاب واالحباب‬
‫من اهل الرخ صة فما وجه التوقف واال فما احلاجة اىل الرخصة ينبغي ان يالحظ مرضى‬
‫احلق سبحانه رضي أهل العامل أم ال وماذا يكون عدم رضاهم {ع}‪:‬‬
‫وكل القصد من تبع احلبيب‬
‫ينبغي ان تعتقد ان املقصود هو احلق سبحانه فان اجتمع مع حمبته شئ فنافع واال‬
‫فضار {ع}‪:‬‬
‫اترنوا اىل ورد وذا وجهي زاهر *و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع واخلمسون واملائة اىل ميان مزمل ايضاً يف بيان ضرورية ترك‬
‫النفس والسري اليها}‬
‫‪- 228 -‬‬

‫جعلنا احلق سبحانه معه وال يرتك مع غريه حلظة اللهم ال تكلنا اىل نفسنا طرفة‬
‫عني فنهلك وال أقل منها فنضيع وكل بالء وقع على االنسان امنا هو من التعلق ابلنفس‬
‫فاذا حصل اخلالص من يد النفس فقد حصل اخلالص مما دون احلق سبحانه حت أن‬
‫من يعبد االصنام امنا يعبد نفسه افرأيت من اختذ اهله هواه {ع}‪:‬‬
‫اذا ما تركت النفس الفيت راحة‬
‫دع نفسك وتعال وكما أن ترك النفس والتجاوز منها فرض كذلك السري واملشي‬
‫اىل النفس الزم فان الوجدان امنا هو فيها وال وجدان يف خارجها {شعر}‪:‬‬
‫ولسوف تعلم أن سريك مل يكن * اال اليك اذا بلغت املنزال‬
‫السري اآل فاقي بعد يف بعد والسري االنفسي قرب يف قرب فان كان شهود فهو يف‬
‫النفس وان كان معرفة فهي ايضا يف النفس وان كانت حرية فهي ايضا فيها ال جمال‬
‫للقدم يف خ ارج النفس اىل اين وصل الكالم وال يفهمن االبله من هذا الكالم حلوال‬
‫واحتادا فيقع يف ورطة الضاللة فان القول ابحللول كفر وكذلك االحتاد والتفكر فيه قبل‬
‫التحقق هبذا املقام ممنوع رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة على الطريقة املرضية على‬
‫صاحبها الصالة و السالم والتحية وينبغي لك ان تكتب من احوالك فان له دخال اتما‬
‫وعليك أن تكون حرا مع وجود العالئق الصورية وان تعتقد وجودها وعدمها سيان و‬
‫السالم واالكرام‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس واخلمسون واملائة اىل الشيخ مزمل ايضاً يف التحريض على‬
‫الرجوع اىل أصله}‬

‫و ما عبدوا غري االله فباطل * فبئس الذي خيتار ما كان‬ ‫{شعر}‪:‬‬


‫ابطال‬
‫‪- 229 -‬‬

‫قد تشرفت بزايرة مشاهد دهلي يف غرة مجادي األوىل يوم اجلمعة وحممد صادق‬
‫معي وبعد اقامة اايم هنا نتوجه اىل طرف الوطن االصلي ان وافقت ارادتنا ارادة احلق‬
‫سبحانه حب الوطن من االميان خرب مشهور اين يذهب العاجز املسكني وانصيته يف يده‬
‫تعاىل ما من دابة اال هو آخذ بناصيتها ان ريب على صراط مستقيم واين املفر اال أن يفر‬
‫منه اليه قائال ففروا اىل هللا و على كل حال ينبغي أن يعتقد االصل اصال والفرع تبعا له‬
‫وأن يتوجه اىل االصل {شعر}‪:‬‬
‫من كان يف قلبه مثقال خردلة * سوى هوى احلق فاعلم أنه مرض‬

‫{املكتوب السادس واخلمسون واملائة اىل املذكور ايضاً يف التحريض على‬


‫صحبة أهل هللا}‬
‫وصل الكتاب الذي ارسلته مع قاضي زاده اجلالندري يف دهلي هلل احلمد واملنة‬
‫على ما كانت حمبة الفقراء نقد الوقت وانه معهم حبكم املرء[‪ ]1‬مع من أحب وشهر رجب‬
‫وان كان حبسب االوقات واالزمان قريبا ولكنه بعيد جدا {شعر}‪:‬‬
‫أقول ألصحايب هي الشمس ضوؤها * قريب ولكن يف تناوهلا بعد‬
‫وحيث انك إخرتت هذا املعن الذي اخرتت بواسطة رعاية حقوق ارابب احلقوق‬
‫فاستقم عليه وعسى الفقري أن يكون ايضا هنا اىل رجب وهللا سبحانه أعلم ابلصواب‬
‫واليه امل رجع واملآب و على كل حال ينبغي ان تكون مع الفقراء يف اايم عمر قصري واصرب‬
‫نفسك مع الذين يدعون رهبم ابلغداة والعشي يريدون وجهه نص قاطع يف ذلك حيث‬
‫امر هللا سبحانه حبيبه صلّى هللا عليه و سلّم وقال واحد من االعزة اهلي ما هذا الذي‬
‫جعلت اولياءك على وجه من عرفهم وج دك ومن مل جيدك مل يعرفهم رزقنا هللا سبحانه‬
‫واايكم حمبة هذه الطائفة العلية الشريفة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان عن ابن مسعود‬


‫‪- 230 -‬‬

‫{املكتوب السابع واخلمسون واملائة اىل احلكيم عبد الوهاب يف بيان لزوم‬
‫اظهار التواضع واالحتياج عند حضور االكابر وبيان لزوم تصحيح العقائد}‬
‫اعلم انك قد جئت هنا وآملت قدمك وانصرفت مسرعا حت مل جتد فرصة الداء‬
‫بعض حقوق الصحبة واملقصود من املالقاة واالجتماع اما االفادة واما االستفادة فاذا خال‬
‫اجمللس من كال هذين اخلصالني فهو خارج عن االعتداد به وينبغي ملن حيضر عند واحد‬
‫من هذه الطائفة ان حيضر خاليا لريجع مآلن وأن يظهر عندهم العجز واالفالس ليكون‬
‫حمال لشفقتهم ومستحقا الفاضتهم وال معن يف اجملئ واالنصراف رايان وال شئ يف‬
‫االمتالء غري العلة وال يف االستغناء دون الطغيان قال اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس‬
‫سره البد اوال من تضرع املريض وانكساره مث بعده يتوجه اخلاطر املنكسر فكان التضرع‬
‫واالن كسار شرطي التوجه ومع ذلك كله جاء يف هذه االوان طالب علم والتمس مين‬
‫التفويض و التوصية اىل ذلك اجلانب فوقع يف اخلاطر ان جمرد جميئه ايضا حق من احلقوق‬
‫فينبغي اداء احلق من قبلي مهما أمكن فال جرم امليت بلسان القلم كلمات على مقتضى‬
‫الوقت واحلال تداركا ملا مضى وتالفيا ملا سبق وارسلت اىل ذلك اجلانب وهللا سبحانه‬
‫امللهم للصواب واملوفق للسداد (أيها) املوفق للسعادة ان ما هو الالزم لنا ولكم تصحيح‬
‫العقائد على مقتضى الكتاب والسنة على هنج اخذها علماء أهل السنة واجلماعة من‬
‫الكتاب والسنة بعدما فهموها كما ينبغي فان فهمنا وفهمكم ساقط عن حيز االعتبار اذا‬
‫مل يوافق فهم هؤالء الكبار اال ترى أن كل مبتدع وضال يدعي اخذ احكامه الباطلة من‬
‫الكتاب والسنة وفهمها منهما واحلال أنه ال يغين من احلق شيئا (مث) علم االحكام‬
‫الشرعية اثنيا من احلالل واحلرام والفرض والواجب (مث) العمل اثلثا مبقتضى هذا العلم‬
‫(مث) السلوك رابعا طريق التصفية والتزكية الذي خص ابلصوفية الكرام قدس هللا اسرارهم‬
‫فما مل تصحح العقائد ال ينفع العلم ابالحكام الشرعية وما مل يتحقق كال هذين ال جيدي‬
‫العمل شيئا وما مل حتصل الثالثة كلها فحصول التصفية والتزكية حمال وما سوى هذه‬
‫‪- 231 -‬‬

‫االركان االربعة ومتماهتا ومكمالهتا كالسنة املكملة للفرض كله من الفضول داخل يف‬
‫[‪]1‬‬
‫حسن اسالم املرء تركه ما ال يعنيه واشتغاله مبا يعنيه و السالم‬ ‫دائرة ما ال يعين ومن‬
‫على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن واخلمسون واملائة اىل الشيخ محيد البنكايل يف بيان تفاوت‬
‫مراتب الكمال حبسب تفاوت االستعدادات}‬
‫اعلم أن مراتب الكمال متفاوتة حبسب تفاوت االستعدادات والتفاوت يف الكمال‬
‫قد يكون حبسب الكمية وقد يكون حبسب الكيفية وقد يكون هبما معا فكمال البعض‬
‫مثال ابلتجلي الصفايت وكمال بعض آخر ابلتجلي الذايت مع تفاوت فاحش بني افراد‬
‫ذينك التجليني وبني ارابهبما ايضا فكمال البعض سالمة القلب وختلص الروح وكمال‬
‫اآلخر هبما و ابلشهود السري وكمال الثالث بتلك الثالث وابحلرية املنسوبة اىل اخلفي‬
‫وكمال الرابع بتلك االربع وابالتصال املنسوب اىل االخفى ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء‬
‫وهللا ذو الفضل العظيم وبعد حصول الكمال يف اي مرتبة كانت من املراتب املذكورة اما‬
‫رجوع القهقري واما ثبات واستقرار يف ذلك املوطن واالول هو مقام التكميل واالرشاد‬
‫ورجوع من طرف احلق اىل اخللق للدعوة والثاين هو موطن االستهالك والعزلة من اخللق و‬
‫السالم أوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع واخلمسون واملائة اىل شرف الدين حسني البدخشي يف‬
‫التعزية}‬
‫اعلم ان اآلالم واملصائب وان كانت مرا يف الظاهر ومؤملة للجسم ولكنها حلو يف‬

‫(‪ )1‬قوله من حسن اسالم املرء اخل اخرجه الرتمذي وابن ماجة والبيهقي من حديث ايب هريرة والشريازي يف االلقاب‬
‫عن ايب ذر واحلاكم يف الكن عن ايب بكر الصديق رضي هللا عنه وامحد والعسكري يف االمثال والطرباين وابو نعيم وابن‬
‫عبدالرب يف التمهيد عن على بن احلسني عن ابيه وغريهم‪.‬‬
‫‪- 232 -‬‬

‫الباطن ومورثة للذة الروح وذلك الن الروح واجلسم كأهنما وقعا على طريف النقيض فأمل‬
‫احدمها يستلزم لذة اآلخر فالذي ال يقدر ان مييز بني هذين النقيضني ولوازمهما خارج‬
‫عن البحث وال قابلية فيه اولئك كاالنعام بل هم أضل {شعر}‪:‬‬
‫من مل يكن ذا خربة عن نفسه * هل يقدر االخبار عن هذا وذا‬
‫ومن تنزلت روحه واستقرت يف مرتبة اجلسم وكانت لطائفه اآلمرية اتبعة للطائفه‬
‫اخللقية من اين يعرف سر هذا املعمى وما مل ترجع الروح اىل مقرها االصلية قهقري ومل‬
‫مييز االمر من اخللق ال ينجلي احلجاب عن مجال هذه املعرفة وحصول هذه الدولة مربوط‬
‫ابملوت قبل حلول األجل املسمى ووقوعه الذي عرب عنه مشائخ الطريقة قدس هللا‬
‫اسرارهم ابلفناء {شعر}‪:‬‬
‫وكن أرضا لينبت فيك ورد * فان الورد منبته الرتاب‬
‫ومن مل ميت قبل موته ينبغي تعزيته ملصيبته وقد صار خرب وفات والدك املرحوم‬
‫الذي كان مشتهرا ابخلري و الصالح ومراعيا لشيمة االمر ابملعروف والنهي عن املنكر‬
‫جدا موجبا حلزن املسلمني ومستلزما لغمهم اان هلل واان اليه راجعون فينبغي للولد االرشد‬
‫ان يلزم شيمة الصرب وان ميد االموات ويعاوهنم ابلصدقة واالستغفار والدعوات فان املوتى‬
‫اشد احتياجا اىل امداد األحياء وقد ورد يف احلديث النبوي عليه الصالة و السالم ما‬
‫امليت اال كالغريق املتغوث ينتظر دعوة تلحقه من اب او ام او اخ او صديق فاذا حلقته‬
‫كان احب اليه من الدنيا وما فيها وان هللا ليدخل على أهل القبور من دعاء اهل االرض‬
‫أمثال اجلبال من الرمحة وان هدية االحياء اىل االموات االستغفار وبقية النصح مالزمة‬
‫الذكر واملداومة على الفكر فان الفرصة قليلة جدا ينبغي ان تصرفها اىل اهم املهام و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الستون واملائة اىل اقل عبيده اعين اير حممد اجلديد البدخشي‬
‫الطالقاين يف بيان أن مشائخ الطريقة قدس هللا اسرارهم ثالثة طوائف مع شرح أحوال‬
‫‪- 233 -‬‬

‫كل منها كماالً ونقصاانً}‬


‫(اعلم) أن مشائخ الطريقة قدس هللا اسرارهم ثالثة طوائف فالطائفة األوىل قائلون‬
‫أبن العامل موجود يف اخلارج ابجياد احلق سبحانه وكلما فيه من أوصاف الكمال والنقصان‬
‫فهو ابجياد احلق سبحانه و تعاىل وال يعتقدون أنفسهم شيئا سوى شبح بل يعتقدون أن‬
‫الشبحية أيضا منه سبحانه قد غرقوا يف حبار العدم حبيث ال خرب هلم عن العامل وال عن‬
‫انفسهم مثلهم مث ل شخص ال ثوب له فليس ثوب شخص على طريق العارية عاملا أبنه‬
‫عارية وغلب عليه علم كونه عارية على وجه يرى ذلك الثوب يف يد صاحبه وجيد نفسه‬
‫عاراي عنه فاذا خرج مثل هذا الشخص من عدم الشعور والسكر اىل الصحو والشعور‬
‫وتشرف ابلبقاء بعد الفناء فانه وان وجد الثوب حينئذ يف نفسه ولكنه يعرف بيقني انه‬
‫من الغري فان ذلك الفناء مندرج اآلن يف العلم وما بقي شئ من التعلق الذي كان ابلثوب‬
‫اصال وكذلك حال من يرى اوصافه وكماالته كالثوب املستعار ولكنه يرى ان هذا الثوب‬
‫امنا هو يف الوهم فقط ال ثوب يف اخلارج أصال بل هو عار فيه ويغلب عليه هذه الرؤية‬
‫على وجه ال يري الثوب اصال بل جيد نفسه عرايان وبعد االفاقة والصحة جيد ذاك الثوب‬
‫معه ايضا ولكن فناء الشخص االول امت والبقاء املرتتب عليه أكمل كما سيجئ عن‬
‫قريب ان شاء هللا وهؤالء االكابر متفقون مع علماء أهل السنة واجلماعة يف مجيع‬
‫املعتقدات الكالمية الثابتة على وفق الكتاب والسنة وامجاع علماء االمة وال فرق بينهم‬
‫وبني املتكلمني اال ان املتكلمني يدركون هذا املعن علما واستدالال وهؤالء االكابر كشفا‬
‫وذوقا وحاال (وأيضا) ان هؤالء االكابر ال يثبتون شيئا من نسب العامل اىل احلق سبحانه‬
‫من غاية التنزيه بل يسلبون منه سبحانه مجيع النسب فكيف العينية واجلزئية تعاىل شأنه‬
‫عن ذلك اال نسبة الربوبية والعبودية والصانعية واملصنوعية بل يضيعون هذه النسبة ايضا‬
‫وقت غلبة احلال فحينئذ يتشرفون ابلفناء احلقيقي وحتصل هلم القابلية للتجليات الذاتية‬
‫واملظهرية لتجليات غري متناهية (والطائفة الثانية) يقولون ابن العامل ظل احلق سبحانه‬
‫ولكنهم قائلون بوجوده يف اخلارج بطريق الظلية ال بطريق االصالة وأن وجود العامل قائم‬
‫‪- 234 -‬‬

‫بوجود احلق سبحانه قيام الظل ابالصل مثال اذا امتد الظل من شخص وجعل ذلك‬
‫الشخص من كمال قدرته صفات نفسه منعكسة فيه كالعلم والقدرة واالرادة وغريها حت‬
‫اللذة واالمل فان وقع ذلك الظل يف النار مثال وأتمل هبا ال يقال عرفا وعقال ان ذلك‬
‫الشخص الذي هو صاحب الظل متأمل كما قالت به الطائفة الثالثة و على هذا القياس‬
‫مجيع ذمائم االفعال اليت تصدر من املخلوقات ال يقال اهنا فعل احلق سبحانه كما ان‬
‫الظل اذا حترك ابرادته ال يقال ان الشخص متحرك نعم يقال ان ذلك اثر قدرته وارادته‬
‫يعين خملوقه ومن املقرر ان خلق القبيح ليس بقبيح بل القبيح فعل القبيح وكسبه (والطائفة‬
‫الثالثة) قائلون بوحدة الوجود يعين ان يف اخلارج موجودا واحدا فقط وهو ذات احلق‬
‫سبحانه وال حتقق للعا مل يف اخلارج اصال وامنا له الثبوت العلمي ويقولون ان االعيان ما‬
‫مشت رائحة الوجود وهذه الطائفة وان قالوا ان العامل ظل احلق سبحانه ولكنهم يقولون ان‬
‫وجوده الظلي امنا هو يف مرتبة احلس فقط واما يف نفس االمر واخلارج فمعدوم حمض‬
‫ويقولون ان احلق سبحانه متصف بصفات وجوبية وامكانية ويثبتون مراتب التنزالت‬
‫ويقولون ابتصاف الذات الواحدة يف كل مرتبة ابحكام الئقة بتلك املرتبة ويثبتون للذات‬
‫التلذذ والتأمل ولكن ال ابلذات بل يف حجب هذه الظالل احملسوسة املوهومة ويلزم على‬
‫هذا حمظورات كثرية شرعا وعقال وهم قد ارتكبوا يف جواهبا متحالت كثرية وتكلفات بعيدة‬
‫(وهؤالء) الطائفة وان كانوا واصلني كاملني على تفاوت درجات الوصول والكمال ولكن‬
‫كالمهم دل اخللق على طريق الضاللة واالحلاد وافضاهم اىل الزندقة ابلقول ابالحتاد‬
‫(والطائفة) األوىل اكمل وأمت واقواهلم أوفق ابلكتاب والسنة وأسلم اما االسلمية واالوفقية‬
‫فظاهر وأما االمتية واالكملية فمبنية على أن بعض مراتب الوجود االنساين له مشاهبة‬
‫ابملبدأ ومناسبة اتمة له يف غاية اللطافة والتجرد كاخلفي واألخفى فالذين ال يقدرون على‬
‫متييز هذه املراتب من املبدأ مع وجود الفناء السري فينفوها بكلمة ال بل يبقى املبدأ‬
‫عندهم ممتزجا ومتشاهبا وجيدون انفسهم حقا يعين عينه قالوا ليس يف اخلارج اال احلق‬
‫سبحانه فقط وليس لنا وجود اصال ولكن ملا كان تعدد اآلاثر اخلارجية متحققا قالوا‬
‫‪- 235 -‬‬

‫ابلثبوت العلمي ابلضرورة ومن ههنا قالوا ان االعيان برازخ بني الوجود والعدم فاهنم ملا مل‬
‫مييزوا بعض مراتب وجودات املخلوقات من املبدأ ومل يقولوا بوجوب وجوده صرحوا‬
‫بربزخيته واثبتوا للممكن ما للواجب ومل يدروا ان الذي اثبتوه هو من لوازم املمكن يف‬
‫نفس االمر لكنه مشابه ابلواجب ولو يف الصورة واالسم فان فرقوا ذلك وميزوا املمكن من‬
‫الواجب ابلتمام ملا يقولون ابحتاد العامل ابحلق سبحانه وعينيتهما بل يرون العامل متميزا من‬
‫احلق وملا يقولون بوحدة الوجود وما دام مل يزل من شخص اثر ال يرى نفسه حقا وان زعم‬
‫انه مل يبق منه اثر[‪ ]1‬وهذا ايضا من قصور نظره والطائفة الثانية وان فرقوا هذه املراتب من‬
‫املبدأ وادخلوها حتت كلمة ال ونفوها هبا ولكن بقي جزء من بقااي وجودها اثنيا بواسطة‬
‫الظلية واالصالة فان تعلق رتبة الظل وارتباطها ابالصل قوي جدا وهذه النسبة مل تكن‬
‫ممحوة من نظرهم واما الطائفة األوىل فقد فرقوا مجيع مراتب املمكن من الواجب بواسطة‬
‫كمال املناسبة واملتابعة حلضرة خامت الرسالة عليه من الصلوات امتها ومن التحيات اكملها‬
‫ونفوا الكل من أول االمر بكلمة ال ومل يروا يف املمكن مناسبة للواجب اصال ومل يثبتوا‬
‫للواجب نسبة ما قطعا ومل يعتقدوا انفسهم غري املخلوق العاجز شيئا واعتقدوا احلق‬
‫سبحانه خالقهم وموالهم واعتقاد شخص نفسه عني مواله او ظله ثقيل على هؤالء‬
‫االكابر جدا ما للرتاب ورب األرابب وهؤالء االكابر حيبون االشياء لكوهنا خملوقة احلق‬
‫سبحانه وتكون االشياء حمبوبة يف نظرهم هبذا السبب وهبذه احليثية اعين من حيثية كون‬
‫العامل وافعاهلم مصنوع احلق سبحانه واثر افعاله وارادته وقدرته ينقادون ويستسلمون‬
‫لالشياء ابلتمام وال يقدرون على انكار افعاهلم اال مبوجب الشريعة فكما ان هذا النوع‬
‫من االنقياد واالستسالم واحملبة حيصل الرابب التوحيد بسبب اعتقادهم االشياء مظهر‬
‫الصفات احلق بل عينه تعاىل كذلك حيصل هذا النوع هلؤالء االكابر مبجرد مالحظة كون‬
‫االشياء خملوقة احلق ومصنوعته تعاىل {ع}‪:‬‬
‫وشتان ما بني الطريقني فانظروا‬

‫(‪ )1‬اي رؤية نفسه حقا ما مل يزل اثر منه عفي عنه‬
‫‪- 236 -‬‬

‫فان نفس احملبوب وعينه ميكن ان حيب أبدىن شئ من موجبات احملبة وأما‬
‫مصنوعاته وخملوقاته وعبيده فال ميكن تعلق احملبة هبم وكوهنم حمبوبني بدون حصول كمال‬
‫حمبة احملبوب وهلذه الطائفة العلية حظ وافر من مقام العبدية اليت هي هناية مقامات الوالية‬
‫واي دليل امت على صحة حال هؤالء االصفياء من كون كشفهم موافقا للكتاب والسنة‬
‫وظاهر الشريعة ابلتمام حبيث مل يتطرق إليه مقدار شعرة من خمالفة ظاهر الشريعة اللهم‬
‫اجعلنا من حمبيهم واتبعيهم حبرمة حممد املصطفى صلى هللا عليه وآله وسلم وابرك (وكان)‬
‫هذا الدرويش راقم السطور اوال معتقد التوحيد الوجود وحصل له علم هذا التوحيد من‬
‫زمن الصبا وبلغ مرتبة اليقني وان مل يكن له حال وملا دخل يف هذا الطريق انكشف له‬
‫اوال طريق التوحيد يعين على وجه احلال وسار مدة يف مراتب هذا املقام وفاضت عليه‬
‫علوم وافرة مناسبة هلذا املقام وصارت املشكالت والواردات اليت ترد الرابب التوحيد‬
‫الوجودي كلها منكشفة وافيضت علوم حلها ايضا وبعد مدة غلبت على هذا الدرويش‬
‫نسبة أخرى وتوقف يف التوحيد الوجودي يعين يف مطابقته للواقع وعدمه عند غلبتها عليه‬
‫ولكن هذا التوقف كان حبسن الظن ال ابالنكار وبقي على ذلك التوقف مدة مث اجنر‬
‫االمر اخريا اىل االنكار واهلم اليه أن هذا املقام مقام سفلي ينبغي الرتقي على مقام الظلية‬
‫ولكنه مل يكن يف هذا االنكار صاحب اختيار ومل يرض ان يفارق هذا املقام بسبب اقامة‬
‫املشائخ العظام فيه وملا وصل اىل مقام الظلية ووجد نفسه وسائر العامل ظال كما قال به‬
‫الطائفة الثانية متن عدم مفارقته ذلك لظنه ان الكمال يف وحدة الوجود وهلذا املقام يعين‬
‫مقام الظلية مناسبة بذاك املقام يف اجلملة (مث) رقوه من هذا املقام أيضا اتفاقا من كمال‬
‫العناية وغاية اللطف به على أعلى منه وبلغوه مقام العبدية فظهر خينئذ كمال هذا املقام‬
‫واتضح علوه فصار اتئبا من املقامات التحتانية ومستغفرا منها فان مل يسلكوا هبذا‬
‫الدرويش هبذا الطريق ومل يظهروا له فوقية بعض بعضا كان قد ظن ترقيه على هذا املقام‬
‫تنزال من ذاك املقام اليه فانه مل يكن عنده مقام أعلى من مقام التوحيد الوجودي وهللا حيق‬
‫احلق وهو يهدي السبيل (وينبغي) أن يعلم أن منشأ تفاوت العلوم واملعارف يف املكاتيب‬
‫‪- 237 -‬‬

‫والرسائل الصادرة من هذا الدرويش بل من كل سالك هو حصول هذه املقامات املتفاوتة‬


‫فان لكل مقام علوما ومعارف خاصة به ولكل حال قيال وقاال فعلى هذا ال تدافع يف‬
‫العلوم وال تناقض بينها بل ذلك مثل نسخ االحكام الشرعية فال تكن من املمرتين و‬
‫صلى هللا تعاىل على سيدان حممد وآله وسلم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والستون واملائة اىل املال صاحل البدخشي يف بيان ان‬
‫املقصود من طي منازل السلوك حصول االميان احلقيقي املوقوف على اطمئنان‬
‫النفس}‬
‫(اعلم) ان املق صود من طي منازل السلوك حصول االميان احلقيقي الذي هو‬
‫مربوط ابطمئنان النفس وما مل تطمئن النفس ال تتصور النجاة وال تصل النفس اىل مرتبة‬
‫االطمئنان ما مل تسلط عليها سياسة القلب وسياسة القلب امنا تتيسر اذا كان القلب‬
‫فارغا من مجيع ما هو من قبل النفس وحصلت له السالمة من التعلق مبا سوى احلق‬
‫سبحانه وعالمة سالمته من ذلك التعلق نسيانه ما سوى هللا تعاىل وتقدس وما بقي‬
‫مقدار شعرة من الشعور ابلغري فالسالمة بعيدة فطوىب ملن سلم قلبه لربه والسعي اىل ان‬
‫تشرف القلب ابلسالمة وينجر االمر اىل اطمئنان النفس الزم ذلك فضل هللا يؤتيه من‬
‫يشاء وهللا ذو الفضل العظيم و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والستون واملائة اىل اخلواجه حممد صديق يف بيان فضيلة شهر‬
‫رمضان وبيان مناسبته للقرآن اجمليد وما يناسبه}‬
‫ابمسه سبحانه (اعلم) ان شأن الكالم الذي هو من مجلة الشئوانت الذاتية جامع‬
‫جلميع الكماالت الذاتية والشئوانت الصفاتية كما ذكر يف العلوم السابقة وشهر رمضان‬
‫املبارك جامع جلميع اخلريات والربكات وكل خري وبركة فهو مفاض من حضرة الذات‬
‫تعالت وتقدست ونتيجة شئوانته سبحانه وكل شر ونقص ظهر يف عرصة الوجود فمنشأه‬
‫‪- 238 -‬‬

‫الذات احلادثة والصفات املستحدثة ما اصابك من حسنة فمن هللا وما أصابك من سيئة‬
‫فمن نفسك نص قاطع يف ذلك فجميع خريات هذا الشهر وبركاته نتيجة تلك‬
‫الكماالت الذاتية اليت استجمعت يف شأن الكالم والقرآن اجمليد حاصل متام حقيقة ذلك‬
‫الشأن اجلامع فلهذا الشهر املبارك مناسبة اتمة للقرآن اجمليد من جهة كون القرآن جامعا‬
‫جلميع الكماالت وهذا الشهر جلميع اخلريات اليت هي نتائج تلك الكماالت ومثراهتا‬
‫وهذه املناسبة كانت ابعثة على نزول القرآن يف هذا الشهر قال هللا تعاىل شهر رمضان‬
‫الذي انزل فيه القرآن وليلة القدر يف هذا الشهر خالصة هذا الشهر وزبدته فهو مبنزلة‬
‫اللب وهذا الشهر مبنزلة قشره فمن مر عليه هذا الشهر وهو متلبس ابجلمعية وصار‬
‫حمظوظا من خرياته وبركاته يكن موفقا جلمعية متام السنة ويفوز ابخلريات والربكات فيها‬
‫وفقنا هللا سبحانه للخريات والربكات يف مثل هذا الشهر املبارك ورزقنا النصيب االعظم‬
‫قال حضرة خامت الرسالة عليه الصالة و السالم والتحية اذا افطر احدكم فليفطر على مترة‬
‫فانه بركة وافطر النيب صلّى هللا عليه و سلّم ابلتمر وكون التمرة بركة الن شجرهتا النخلة‬
‫خملوقة على عنوان اجلامعية وصفات اعدلية كاالنسان وهلذا مسى النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم النخلة عمة بين آدم لكوهنا خملوقة من بقية طينة آدم عليه السالم كما قال عليه‬
‫الصالة و السالم اكرموا[‪ ]1‬عمتكم النخلة فاهنا خلقت من بقية طينة آدم عليه السالم‬
‫وتسميته بركة ميكن ان تكون ابعتبار هذه اجلامعية فاالفطار بثمرهتا اليت هي التمرة تكون‬
‫جزء من املفطر هبا وحقيقتها اجلامعية تكون جزء من حقيقته ابعتبار تلك اجلزئية و يكون‬
‫آكلها جامعا لكماالت غري متناهية مندرجة يف حقيقة التمر اجلامعة بذلك االعتبار وهذا‬
‫املعن وان كان حاصال يف أكله مطلقا ولكنه وقت االفطار الذي هو اوان خلو الصائم‬
‫عن الشهوات املانعة واللذات الفانية يكون أتثريه ازيد وظهور هذا املعن فيه يكون امت‬

‫(‪ )1‬رواه ابو يعلى يف مسنده والعقيلي يف الضعفاء وابن عدي وابن ايب حامت وابن السين وابو نعيم يف الطب وابن‬
‫مردوية يف التفسري عن علي بلفظ اكرموا عمتكم النخلفة فاهنا خلقت من فضلة طينة ابيكم آدم قال العزيزي اسانيدها‬
‫ضعيفة ولكن ابجتماعها تتقوى اه‬
‫‪- 239 -‬‬

‫واكمل وما قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم نعم[‪ ]1‬سحور املرء التمر ميكن ان يكون ذلك‬
‫ابعتبار ان يف غذائه الذي يصري جزء من اآلكل تكميل حقيقته ال تكميل حقيقة الغذاء‬
‫وملا كان هذا املعن مفقودا وقت الصوم رغب يف التسحر ابلتمر تالفيا هلذا املعن وكان يف‬
‫اكله فائدة اكل مجيع املأكوالت وتبقى بركته ابعتبار جامعيته اىل وقت االفطار وهذه‬
‫الفائدة الغذائ ية املذكورة امنا ترتتب اذا وقع ذلك الغذاء على وجه شرعي ومل جياوز حدود‬
‫الشرع مقدار شعرة وايضا ان حقيقة هذه الفائدة امنا تتيسر اذا كان آكله قد جاوز‬
‫الصورة وبلغ املعن واحلقيقة وا طمئن عن الظاهر ابلباطن فحينئذ يكون ظاهر الغذاء ممدا‬
‫لظاهره وابطنه مكمال لباطنه واال ففائدته مقصورة على االمداد الظاهري وآكله يف عني‬
‫القصور {شعر}‪:‬‬
‫اجتهد يف جعل اكل جوهرا * مث كل من بعد ذا ما تشتهي‬
‫وهذا اعين تكميل الغذاء آلكله هو سر تعجيل االفطار وأتخري السحور و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{ املكتوب الثالث والستون واملائة اىل السيد النقيب الشيخ فريد يف بيان ان‬
‫كال من االسالم والكفر ضد اآلخر واجتماعهما حمال واعزاز احدمها مستلزم الذالل‬
‫اآلخر ‪ ..‬اخل}‬
‫احلمد هلل الذي انعم علينا وهداان اىل االسالم وجعلنا من امة حممد عليه الصالة و‬
‫السالم اعلم ان نقد سعادة الدارين مربوط ابتباع سيد الكونني عليه الصالة و السالم‬
‫فحسب واالتباع امنا هو ابتيان احكام االسالم واجرائها بني االانم ورفع رسوم الكفر‬
‫وإبطاهلا ودفعها عن اخلاص والعام فان الكفر واالسالم ضدان ال جيتمعان اىل قيام الساعة‬
‫وساعة القيام فاثبات احدمها موجب لرفع اآلخر واعزاز اَ َحدمهَا مستلزم الذالل اآلخر‬

‫(‪ )1‬رواه ابو داود عن ايب هريرة رضي هللا عنه‬


‫‪- 240 -‬‬

‫وقد قال هللا سبحانه خطااب لنبييه وحبيبه صلّى هللا عليه و سلّم اي ايها النيب جاهد‬
‫الكفار واملنافقني واغلظ عليهم فاذا امر هللا سبحانه رسوله الذي هو موصوف ابخللق‬
‫العظيم جبهاد الكفار والغلظة عليهم علم ان الغلظة عليهم داخل يف اخللق العظيم فعزة‬
‫االسالم يف مذلة الكفر واهله فمن اعز اهل الكفر فقد اذل أهل االسالم واالعزاز ليس‬
‫هو عبارة عن تعظيمه واجالسهم يف الصدر البتة بل ادخاهلم يف اجملالس ومصاحبتهم‬
‫والتكلم معهم بلغاهتم كل ذلك داخل يف االعزاز فان الالئق هبم ابعادهم مثل الكالب‬
‫فان تعلق هبم غرض من االغراض الدنياوية حبيث ال يكاد يتيسر بدوهنم فحينئذ ينبغي ان‬
‫خيتلط هبم بقدر الضروة مراعيا شيمة عدم االلتفات اليهم واالعتداد هبم وكمال االسالم‬
‫يف ترك هذا الغرض ابلكلية وعدم االلتفات اليهم واالختالط هبم وقد مسى هللا سبحانه‬
‫اهل الكفر يف كالمه اجمليد عدوه وعدو رسوله فاالختالط ابعداء هللا واعداء رسوله من‬
‫أعظم اجلناايت وأقل ضرر املخالطة هبؤالء االعداء واملصاحبة معهم حصول الوهن‬
‫والضعف يف قدرة إجراء االحكام الشرعية ورفع رسوم الكفر الشنيعة ملانع حياء املؤانسة‬
‫هبم وهذا الضرر ع ظيم جدا فان املودة وااللفة مع اعداء هللا ينجر اىل عداوة هللا عز وجل‬
‫وعداوة رسوله صلّى هللا عليه و سلّم ورمبا يزعم االنسان انه من اهل االسالم وانه مؤمن‬
‫ابهلل ورسوله ولكنه ال يدري ان أمثال هذه االعمال الشنيعة يذهب دولة االسالم عنه‬
‫ابلتمام نعوذ ابهلل من شرور انفسنا ومن سيآت أعمالنا {شعر}‪:‬‬
‫حتب عدوي مث تزعم انين * احبك ان العقل منك لعازب‬
‫وشغل هؤالء املالعني اعداء الدين االستهزاء ابالسالم والسخرية ابهله منتظرين‬
‫ابهنم ان وجدوا فرصة خيرجوننا من االسالم او يقتلوننا مجيعا فينبغي الهل االسالم ايضا‬
‫االستحياء واحلمية فان احلياء من االميان واحلمية االسالمية ضرورية فالالئق ابويل االمر‬
‫ان يكونوا يف اذالل هؤالء املخذولني دائما وقد ارتفعت اجلزية من أهل الكفر يف بالد‬
‫اهلند رأسا وابلذات وذلك بواسطة شآمة مصاحبة أهل الكفر مع سالطني هذه الداير‬
‫واملقصود االصلي من اخذ اجلزية منهم هو اذالهلم وهذا االذالل يكون على حد ال‬
‫‪- 241 -‬‬

‫يقدرون لبس الثياب النفيسة خوفا من أخذ اجلزية وال يقدرون على التجمل بل يكونون‬
‫خائفني وجلني من أخذ أمواهلم على الدوام وكيف يتجاسر السالطني على املنع من اخذ‬
‫اجلزية واحلال ان احلق سبحانه وضع اجلزية ذال هلم واملقصود من أخذها فضيحتهم‬
‫ومذلتهم وغلبة أهل االسالم وعزهتم {ع}‪:‬‬
‫و يف اذالل كفر عز االسالم‬
‫و عالمة حصول دولة االسالم بغض أهل الكفر وكراهتهم وقد مساهم هللا سبحانه‬
‫يف كالمه اجمليد جنسا ويف حمل رجسا فينبغي اذا ان يكون أهل الكفر يف نظر أهل‬
‫االسالم جنسا ورجسا فاذا رأوهم كذلك فال جرم جيتنبون عن صحبتهم ويستكرهون‬
‫جمال نستهم والرجوع اىل هؤالء االعداء يف شئ من االشياء والعمل مبقتضى رأيهم‬
‫وحكمهم من كمال اعزازهم فما يكون حال من يطلب منهم اهلمة ويتوسل هبم وقد قال‬
‫هللا سبحانه يف كالمه اجمليد وما دعاء الكافرين اال يف ضالل فدعاء هؤالء االعداء ابطل‬
‫عار عن احلاصل فاىن يكون احتمال االجابة فيه بل يستلزم ذلك فسادا كبريا من اعزاز‬
‫هؤالء الكالب ولئن ابشر هؤالء املخذولون الدعاء يتوسلون ابصنامهم فينبغي التفكر اىل‬
‫اين ينجر االمر بل ال تبقى رائحة من االسالم قال واحد من االعزة ما مل يصل احدكم‬
‫اىل حد اجلنون ال يصل اىل االسالم واجلنون عبارة عن عدم االلتفات اىل نفع نفسه‬
‫وضرره وعدم املباالة حبصول شئ وفوته يف اعالء كلمة االسالم واملسلمني فاذا حصل‬
‫االسالم فقد حصل رضا احلق ورضا رسوله عليه الصالة و السالم وال دولة اعظم من‬
‫رضا املوىل سبحانه رضينا ابهلل راب وابالسالم دينا ومبحمد عليه الصالة و السالم نبيا‬
‫ورسوال واحينا اي رب على ذلك حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله من الصلوات‬
‫افضلها ومن التسليمات اكملها و السالم اوال وآخرا فقد كتبت ما هو ضروري وما البد‬
‫منه عجالة الوقت بطريق االمجال وارسلته فان كان التوفيق رفيقا بعد ذلك اكتب مفصال‬
‫وارسله وكما ان االسالم ضد الكفر كذلك اآلخرة ضد الدنيا ال جتتمع احدامها ابألخرى‬
‫وترك الدنيا على نوعني تركها مع مجيع مباحاهتا اال قدر الضرورة وهذا القسم اعلي نوعى‬
‫‪- 242 -‬‬

‫ترك الدنيا واآلخر االجتناب عن حمرماهتا ومشتبهاهتا مع التنعم مبباحاهتا وهذا القسم ايضا‬
‫عزيز الوجود جدا خصوصا يف هذه االزمان {شعر}‪:‬‬
‫اذا قسنا السما ابلعرش ينحط * وما أعاله ان قسنا ابرض‬
‫فال بد ابلضرورة من إالجتناب عن استعمال الذهب والفضة ولبس احلرير وامثاهلا‬
‫مما هو حمرم يف الشريعة املصطفوية على مصدرها الصالة و السالم والتحية فان حفظت‬
‫اواين الذهب والفضة للتجمل وزينة البيت فال أبس به بل له مساغ يف اجلملة ولكن‬
‫استعماهلا ابي وجه كان من شرب ماء واكل طعام فيها ووضع العطر واختاذ املكحلة منها‬
‫وغري ذلك حرام واحلاصل ان احلق سبحانه وسع دائرة املباح جدا حت ان التنعمات‬
‫والتمتعات هبا أزيد منها ابألمور احملرمة مع ان يف استعمال املباحات رضا احلق سبحانه‬
‫ويف استعمال احملرمات سخطه تعاىل والعقل السليم ال جيوز اصال اختيار لذة فانية فيها‬
‫عدم رضا مواله مع ان مواله جوز له بدل تلك اللذة احملرمة اللذة املباحة رزقنا هللا‬
‫سبحانه واايكم االستقامة على متابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة والتحية‬
‫وينبغي الرجوع يف املعاملة اىل العلماء املتورعني دائما واالستفسار منهم والعمل مبتقضى‬
‫فتواهم فان طريق النجاة هو الشريعة وما عدا الشريعة كله ابطل ال اعتبار له فماذا بعد‬
‫احلق اال الضالل و السالم اوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والستون واملائة اىل احلافظ هباء الدين السرهندي يف بيان ان‬
‫فيض احلق سبحانه و تعاىل وارد على اخلواص والعوام على الدوام والتفاوت امنا هو‬
‫بقبوله وعدم قبوله من طرف العبد}‬
‫رزقكم هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة مبنه وكرمه (اعلم) ان فيض احلق‬
‫سبحانه من قسم االوالد واالموال واهلداية والرشد وان كان واردا على الدوام من غري تفرقة‬
‫بني اخلواص والعوام والكرام واللئام ولكن التفاوت انش من هذا الطرف فبعض يقبل‬
‫الفيوض وآخر ال يقبلها وما ظلمهم هللا ولكن كانوا انفسهم يظلمون اال ترى ان الشمس‬
‫‪- 243 -‬‬

‫تشرق على القصار والثوب ابلسوية ومع ذلك تسود وجه القصار وتبيض الثوب وعدم‬
‫قبول فيض احلق سبحانه امنا هو بسبب االعراض عن جناب قدسه جل سلطانه فان‬
‫االدابر الزم للمعرض واحلرمان من النعمة واجب عليه (ال يقال) ان كثريا من املعرضني‬
‫متنعمون بتنعمات عاجلة ومل يكن اعراضهم سببا حلرماهنم (الان نقول) ان تلك نقمة‬
‫ظهرت يف صورة نعمة على سبيل االستدراج لطغياهنم لينهمكوا يف االعراض والضاللة‬
‫قال هللا سبحانه و تعاىل احيسبون امنا مندهم به من مال وبنني نسارع هلم يف اخلريات بل‬
‫ال يشعرون فالدنيا وتنعماهتا مع وجود االعراض عني االستدراج احلذر احلذر‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والستون واملائة اىل السيد النقيب الشيخ فريد يف الرتغيب‬
‫يف متابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة والتحية وبغض خمالفي الشريعة‬
‫وعداوهتم والغلظة عليهم}‬
‫شرفكم هللا سبحانه بتشريف املرياث املعنوي من النيب االمي القرشي اهلامشي عليه‬
‫و على آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها كما شرفكم بتشريف املرياث‬
‫الصوري ويرحم هللا عبدا قال آمينا ومرياثه الصوري يتعلق بعامل اخللق ومرياثه املعنوي بعامل‬
‫األمر الذي هو مقر االميان واملعرفة وحمل الرشد واهلداية وشكر نعمة املرياث الصوري هو‬
‫التحلي ابملرياث املعنوي وال يتيسر ذلك اال بكمال االتباع املصطفوي عليه الصالة و‬
‫السالم فعليكم ابتباعه يف أوامره ونواهيه واملتابعة فرع كمال حمبته عليه الصالة و السالم‬
‫{ع}‪:‬‬
‫ان احملب ملن حيب مطيع‬
‫و عالمة كمال احملبة كمال بغض اعدائه صلّى هللا عليه و سلّم واظهار العداوة‬
‫ملخالفي شريعته عليه الصالة و السالم وال سبيل للمداهنة يف احملبة فان احملب واله‬
‫ابحملبوب هائم به ال يطيق خمالفته وال ان مييل اىل خمالفيه وال ان يلني هلم بوجه من الوجوه‬
‫وال جيتمع حمبة املتباينني فان اجلمع بني الضدين حمال بل حمبة أحدمها تستلزم عداوة‬
‫‪- 244 -‬‬

‫اآلخر ينبغي ان يتأمل أتمال جيدا وان يتدارك ما مضى قبل فوت الفرصة فانه اذا فاتت‬
‫الفرصة ال حيصل شئ غري الندامة {شعر}‪:‬‬
‫وحني الصبح تبدو كالنهار * حقيقة من هويته يف الظالم‬

‫{غريه}‬
‫سوف ترى اذا اجنلى الغبار * افرس حتتك ام محار‬
‫ومتاع الدنيا متاع الغرور وترتبت عليه املعاملة االخروية واالبدية فان تيسرت متابعة‬
‫سيد االولني واآلخرين يف هذه االايم املعدودة فالنجاة االبدية مرجوة واال فخسارة يف‬
‫خسارة كائنا من كان وأي عمل عمله من اخلري {شعر}‪:‬‬
‫حممد سيد الكونني من عرب * خاب الذي مل يكن يف اببه الرتاب‬
‫وحصول دولة تلك املتابعة العظمى ليس مبوقوف على ترك الدنيا ابلكلية حت‬
‫يكون عسريا بل اذا أديت الزكاة املفروضة مثال فله حكم الرتك يف عدم وصول املضرة فانه‬
‫ال ضرر يف املال املزكى فمعاجلة دفع الضرر عن املال الدنياوي اخراج الزكاة وان كان الرتك‬
‫الكلي أوىل وأفضل منه ولكن اداء الزكاة يقوم مقامه {شعر}‪:‬‬
‫اذا قسنا السما ابلعرش ينحط * وما أعاله ان قسنا ابرض‬
‫فينبغي صرف مجيع اهلمة يف اتيان احكام الشريعة وتعظيم اهلها من العلماء‬
‫والصلحاء واالجتهاد يف تروجيها واذالل أهل االهواء والبدع فان من[‪ ]1‬وقر صاحب بدعة‬
‫فقد اعان على هدم االسالم ومعاداة الكفار الذين هم اعداء هللا واعداء رسوله صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم والسعي يف اهانتهم وحتقريهم وعدم اعزازهم بوجه من الوجوه وعدم ادخاهلم‬
‫يف اجملالس اصال وعدم االنس هبم وسلوك طريق الغلظة والشدة عليهم وعدم الرجوع اليهم‬

‫(‪ )1‬رواه البيهقي يف شعب االميان عن ابراهيم بن ميسرة مرسال قال القاري يعد يف التابيعن ثقة صحيح احلديث روراه‬
‫الطرباين من حديث عبدهللا بن بسر وابن عدي عن ابن عباس وايضا ابن عدي وابو نصر السجزي يف االابنة وابن‬
‫عساكر عن عائشة رضي هللا عنها اه‬
‫‪- 245 -‬‬

‫يف أمر من االمور مهما امكن فان اضطرت الضرورة فرضا اىل الرجوع اليهم ينبغي قضاء‬
‫تلك احلاجة منهم ب كره واضطرار مثل قضاء احلاجة االنسانية الطريق الذي يوصل اىل‬
‫جناب قدس جدكم املعظم هو هذا ومن مل ميش من هذا الطريق فالوصول اىل ذاك‬
‫اجلناب املقدس مشكل هيهات هيهات {شعر}‪:‬‬
‫كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف‬
‫ماذا نكتب أزيد من هذا {شعر}‪:‬‬
‫بثثت لديكم من مهومي وخفت ان * متلوا و اال فالكالم كثري‬

‫{ املكتوب السادس والستون واملائة اىل املال حممد امني يف عدم االعرتار‬
‫ابحلياة اليسرية واجلهد يف ازالة املرض القليب ابلذكر الكثري}‬
‫أيها املخدوم االم حتن اىل نفسك كاالم الشفيقة وحثام تتجرع الغصص من أجلها‬
‫وتغتم عليها كاالخت الشقيقة ينبغي ان تفرض الكل ميتا ومجادا خاليا عن احلس واحلركة‬
‫انك ميت واهنم ميتون نص قاطع يف هذا املعن وفكر ازالة املرض القليب ابلذكر الكثري يف‬
‫هذه الفرصة اليسرية من أهم املهمات ومعاجلة العلة املعنوية بذكر الرب اجلليل يف هذا‬
‫الوقت القليل من أعظم املقاصد وأجل القرابت القلب الذي هو متعلق ابلغري كيف يتوقع‬
‫منه اخلري والروح اليت هي مائلة اىل الشر النفس األمارة أفضل منها واخري املطلوب منا‬
‫هناك كله سالمة القلب وختلص الروح وصفاؤها وحنن القاصرون يف فكر حتصيل اسباب‬
‫تعلق الروح والقلب دائما هيهات هيهات وماذا نصنع وما ظلمهم هللا ولكن كانوا‬
‫أنفسهم يظلمون وال ينبغي ان تغتم من جهة الضعف الظاهري عسى ان يتبدل صحة‬
‫وعافية ان شاء هللا تعاىل وال تشويش يف خاطر هذا اجلانب من تلك اجلهة وقد طلبتم‬
‫الثوب الذي لبسه الفقري فارسلت قميصا فينبغي ان تلبسه مرتصدا لنتائجه ومثراته فانه‬
‫كثري الربكة {شعر}‪:‬‬
‫خاب الذي قد غدا يف قلبه مرض * وفاز من كان فيه حدة البصر‬
‫‪- 246 -‬‬

‫و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والستون واملائة اىل هردي رام اهلندو الذي اظهر االخالص‬
‫هلذه الطائفة العلية يف التحريض على عبادة هللا تعاىل و التحذير عن عبادة اآلهلة‬
‫الباطلة}‬
‫قد وصل الينا منكم مكتوابن وفهم من كل منهما حمبة الفقراء وااللتجاء اىل هذه‬
‫الطائفة العلية نعم النعمة ان من على شخص هبذه الدولة {شعر}‪:‬‬
‫وما هو من شرط البالغ اقوله * فخذ منه نصحا خالصا أو ماللة‬
‫( اعلم وتنبه) ان ربنا وربكم بل رب العاملني من السموات واالرضني والعلويني‬
‫والسفليني واحد ليس كمثله شئ منزه عن الشبه واملثال مربأ عن الشكل وكل ما مير على‬
‫اخليال وكل من االبوة والبنوة يف حقه حمال وليس للكفاءة والتمثال يف حضرته جمال وزعم‬
‫شائبة االحتاد واحللول مستهجن يف حضرة أنسه ومظنة الكمون والربوز مستقبح يف‬
‫جناب قدسه ليس بزماين فان الزمان خملوقه تعاىل وليس مبكاين فان املكان مصنوعه‬
‫اثبت له سبحانه وكل نقص‬ ‫سبحانه ال بداية لوجوده وال هناية لبقائه وكل خري وكمال ٌ‬
‫وزوال مسلوب عن جنابه املتعال فيكون مستحق العبادة هو تعاىل ورام وكرشن وأمثاهلما‬
‫من آهلة اهلنود كلها من أحقر خملوقاته تعاىل متولدات من املخلوقني فان رام ولد جسرت‬
‫وأخو لكهمن وزوج سيتا فاذا كان رام غري قادر على حفظ زوجته فكيف ميد الغري ينبغي‬
‫استعمال العقل ال اتباع هؤالء وتقليدهم فعار على شخص الف عار اعتقاد ان رب‬
‫العاملني هو رام وكرشن وذكره تعاىل هبما ومثله مثل شخص يذكر السلطان املعظم ابسم‬
‫ارذل الكناسني وزعم احتاد رام ورمحن من هناية عدم العقل فان اخلالق ال يتحد ابملخلوق‬
‫وقبل خلق رام وكرشن ما كان أحد يذكر رب العاملني ابسم رام وكرشن فالي شئ يطلق‬
‫امسهما عليه سبحانه و تعاىل بعد ظهورمها ويعتقدون ان ذكرمها ذكر رب العاملني حاشا‬
‫‪- 247 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫ألف‬ ‫وكال مث حاشا وكال ولقد مضى من أنبيائنا عليهم الصلوات و التسليمات مائة‬
‫واربع وعشرون ألفا تقريبا كلهم دعوا اخللق اىل عبادة اخلالق ورغبوهم فيها ومنعوهم عن‬
‫عبادة غريه واعتقدوا أنفسهم عبيدا عاجزين وكانوا خائفني ووجلني من هيبته وعظمته‬
‫تعاىل وآهلة اهلنود رغبوا اخللق يف عبادهتم واعتقدوا أنفسهم آهلة فاهنم وان كانوا قائلني‬
‫بوجود رب العاملني ولكنهم اثبتوا له سبحانه احللول فيهم واحتاده هبم فدعوا اخللق اىل‬
‫عبادهتم من هذه اجلهة وأمروهم ابن يقولوا هلم آهلة ووقعوا يف احملرمات من غري حتاش زعما‬
‫منهم ان االله ال يكون ممنوعا من شئ أصال بل يتصرف يف خلقه كيف يشاء واقسام‬
‫هذه التخيالت الفاسدة كثرية فيهم ضلوا فأضلوا خبالف أنبيائنا عليهم الصلوات و‬
‫التسليمات فاهنم امتنعوا عن كل ما منعوا اخللق منه على الوجه االمت واالكمل واعتقدوا‬
‫انفسهم بشرا مثل سائر البشر {ع}‪:‬‬
‫وشتان ما بني الطريقني فانظروا‬

‫{املكتوب الثامن و الستون و املائة اىل اخلواجه حممد قاسم بن اخلواجكي‬


‫االمكنكي يف مدح الطريقة النقشبندية و ذم من أحدث فيها ما ليس منها}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين أمجعني‬
‫وبعد تبليغ دعوات موفورة وحتيات غري حمصورة اىل اجلناب العايل ساللة املشائخ الكرام‬
‫نتيجة االولياء العظام حضرة املخدوم زاده املستقيم على اجلادة سلمه هللا سبحانه وابقاه‬
‫واظهار اشتياق رؤيته ومتن لقائه {شعر}‪:‬‬
‫كيف الوصول اىل سعاد دوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف‬
‫ليكن معلوما جلنابه العايل ان علو هذه الطريقة العلية ورفعة الطبقة النقشبندية امنا‬
‫هي بواسطة التزام السنة السنية واالجتناب عن البدعة الشنيعة وهلذا اجتنب اكابر هذه‬

‫(‪ )1‬هذا على ما اخرجه البزار والطرباين وابن مردوية وابن حبان وصححه وامحد عن ايب ذر رضي هللا عنه بلفظ مائة‬
‫الف واربعة وعشرون الفا الرسل منهم ثالمثائة ومخسة عشر مجا غفريا‪.‬‬
‫‪- 248 -‬‬

‫الطريقة العلية عن ذكر اجلهر وأمروا ابلذكر القليب ومنعوا من السماع والرقص والوجد‬
‫والتواجد وغري ذلك مما مل يكن يف عصره عليه الصالة و السالم وعصر اخللفاء الراشدين‬
‫عليهم الرضوان واختاروا اخللوة يف اجللوة بدل خلوة االربعني لعدم كوهنا يف الصدر االول‬
‫فال جرم ترتبت على ذلك االلتزام نتائج عظمى وتفرعت على ذاك االجتناب مثرات كثرية‬
‫وم ن ههنا كانت هناية غريهم مندرجة يف بدايتهم وكانت نسبتهم فوق مجيع النسب‬
‫كالمهم دواء االمراض القلبية ونظرهم شفاء العلل املعنوية توجههم الوجيه ينجي الطالبني‬
‫من تعلق الكونني ومهتهم الرفيعة الشأن ترفع املريدين اىل ذروة الوجوب من حضيض‬
‫االمكان {شعر}‪:‬‬
‫ما أحسن النقشبنديني سريهتم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم‬
‫تزيل وسوسة اخللوات صحبتهم * عن قلب أصحاهبم اي حسن ذا الكرم‬
‫و لكن قد صارت هذه النسبة الشريفة يف هذه االوان كعنقاء املغرب وتوجهت‬
‫حنو االستتار حتت احلجب حت سلك مجاعة من هذه الطبقة من عدم وجدان هذه‬
‫الدولة العظمى وفقدان تلك النعمة القصوى كل مسلك وفرحوا بنيل قطعات خزف بدال‬
‫من اجلواهر النفيسة واطمأنت قلوهبم ابجلوز واملوز مثل االطفال حت اهنم من غاية‬
‫االضطرار والتحري تركوا طريقة اكابرهم وصاروا يطلبون التسلي أحياان بذكر اجلهر وآونة‬
‫يرومون االطمئنان ابلرقص والسماع والدور وملا مل تتيسر هلم اخللوة يف اجللوة اختاروا‬
‫االربعينات وأعجب من ذلك زعمهم هذه البدعات الشنيعة متممة ومكملة هلذه النسبة‬
‫الشريفة وعدهم هذا التخريب عني التعمري أعطاهم هللا سبحانه و تعاىل االنصاف وأوصل‬
‫مشة من كماالت أكابر هذه الطريقة اىل مشام أرواحهم حت يرتكوا االعتساف ابلنون‬
‫والصاد وحبرمة النيب وآله االجماد عليه وعليهم الصلوات و التسليمات وملا شاعت هذه‬
‫احملداثت يف تلك الداير وبلغ شيوعها اىل حد اختفى اصل طريق االكابر واختار الوضيع‬
‫والشريف هذا الوضع احملدث اجلديد هناك واعرضوا عن طريق االصل والقدمي خطر يف‬
‫اخلاطر ان أظهر نبذة من هذه البلية خلدمة عتبته العلية وان افرغ القلب من االمل هبذه‬
‫‪- 249 -‬‬

‫الوسيلة وال أدري من أي طائفة أنيس املخدوم زاده يف جملسه الشريف ومن اي فرقة‬
‫مؤنسه يف حمفله املنيف {شعر}‪:‬‬
‫من مقليت طار املنام تفكرا * من كان من ندمائه وضجيعه‬
‫واملسئول من هللا سبحانه أن يعصم جناب قدسكم عن عموم هذه البلوى وان‬
‫حيفظ عتبة شرفكم عن مشول هذا االبتالء (ايها) املخدوم املكرم قد روجوا احملداثت‬
‫واملبتدعات يف هذه الطريقة حبيث لو قال املخالفون ان يف هذه الطريقة التزام البدعة‬
‫واالجتناب عن السنة لساغ هلم ذلك فاهنم يصلون صالة التهجد جبمعية اتمة ويروجون‬
‫هذه البدعة ويزينوهنا يف عيون العامة ابدائها يف املسجد مثل سنة الرتاويح ويزعمون‬
‫عملهم ذلك حسنا ويرغبون الناس فيه واحلال ان الفقهاء شكر هللا سعيهم قالوا إن اداء‬
‫النوافل ابجلماعة مكروه اشد الكراهة والذين اشرتطوا التداعي لكراهة اجلماعة يف النفل‬
‫من الفقهاء قيدوا جواز اجلماعة فيه أبدائه يف انحية املسجد واتفقوا على كراهتها اذا‬
‫زادت اجلماعة على ثالثة انفار (وأيضا) ان هؤالء يزعمون صالة التهجد هبذا الوضع‬
‫ثالث عشرة ركعة ويصلون اثنيت عشرة ركعة قائمني وركعتني قاعدين زعما منهم اهنما يف‬
‫حكم ركعة واحدة آخذي ن ذلك من قوهلم ان ثواب القاعد نصف ثواب القائم وهذا العلم‬
‫والعمل أيضا خمالف للسنة على صاحبها الصالة و السالم والتحية فان النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم امنا صلى التهجد ثالث عشرة ركعة مع الوتر والفردية يف التهجد امنا جاءت‬
‫من فردية ركعات الوتر ال كما زعم هؤالء {شعر}‪:‬‬
‫بثثت لديكم من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري‬
‫والعجب من رواج أمثال هذه البدعات يف بالد ما وراء النهر اليت هي مأوى‬
‫علماء أهل احلق وكيف شاعت فيها أمثال هذه املخرتعات واحلال اان نستفيد العلوم‬
‫الشرعية من بركاهتم وهللا سبحانه امللهم للصواب ثبتنا هللا سبحانه واايكم على جادة‬
‫الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية ويرحم هللا عبدا قال آمينا‪.‬‬
‫‪- 250 -‬‬

‫{املكتوب التاسع والستون واملائة اىل الشيخ عبد الصمد السلطان پوري يف‬
‫جواب سؤاله عن قول من قال لشيخه لو دخلت بيين وبني احلق سبحانه يف وقت‬
‫خاص يب معه تعاىل أقطع رأسك واستحسنه الشيخ منه}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين أمجعني‬
‫وصل املكتوب الشريف املرسل على وجه الكرم وصار موجبا للفرح وأما جواب‬
‫االستفسار فاعلم ايها املخدوم ان املقصد االقصى واملطلب االسن هو الوصول اىل‬
‫ج ناب قدس احلق جل سلطانه ولكن ملا كان الطالب يف االبتداء يف غاية التدنس والتنزل‬
‫بسبب تعلقات شت وجناب قدسه تعاىل يف غاية الرفعة والتنزه كانت املناسبة اليت هي‬
‫سبب االفاضة واالستفاضة مسلوبة بني الطالب واملطلوب ابلكلية فال جرم مل يكن بد من‬
‫شيخ عامل ابلطريق وبصري به وقابل للربزخية انئل للحظ الوافر من الطرفني ليكون واسطة‬
‫يف وصول الطالب اىل املطلوب وكلما حيصل شئ من املناسبة بني الطالب واملطلوب جير‬
‫الشيخ نفسه هبذا القدر من البني فاذا حصلت مناسبة اتمة بني الطالب واملطلوب فحينئذ‬
‫أيخذ الشيخ نفسه من البني ابلتمام فانه قد أوصل الطالب اىل املطلوب فلم يبق االحتياج‬
‫اىل التوسط فمشاهدة املطلوب يف االبتداء والتوسط من غري وساطة الشيخ غري ممكنة ويف‬
‫االنتهاء يتجلي مجال املطلوب بدون وساطته وحيصل فيه الوصل العراين والذي يقول ان‬
‫الشيخ لو حضر يف ذلك الوقت احز رأسه امنا يقول ذلك من جنونه فان مثل هذا الكالم‬
‫ال يظهر من أرابب االستقامة فاهنم ال يسلكون طريق اساءة االدب بل يطلبون املرادات‬
‫من بركات الشيخ‪.‬‬

‫{املكتوب السبعون واملائة اىل الشيخ نور يف بيان لزوم مراعاة حقوق اخللق‬
‫ومواساهتم كمراعاة حقوقه تعاىل}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ايها االخ االرشد كما ان االنسان‬
‫البد له من امتثال أوامر احلق جل وعال واالنتهاء عن مناهيه كذلك البد له من مراعاة‬
‫‪- 251 -‬‬

‫اداء حقوق اخللق ومواساهتم التعظيم المر هللا والشفقة على خلق هللا بيان الداء هذين‬
‫احلقني ودال على لزوم مراعاة هذين الشطرين فاالقتصار على احدمها واالكتفاء عن الكل‬
‫ابجلزء قصور وبعيد عن االتصاف ابلكمال فكان حتمل ايذاء اخللق ضروراي وحسن‬
‫معاشرهتم واجبا وال حيسن عدم التفكر وال يليق عدم االلتفات وقلة املباالة {شعر}‪:‬‬
‫وال يستقيم الغنج من كل عاشق * ولو انه حمبوب كل اخلالئق‬
‫وحيث تشرفت بصحبة الفقراء مدة كثرية ومسعت من املواعظ النصائح نبذة يسرية‬
‫اعرضنا عن اطالة الكالم واقتصران على فقرات يسرية يف افادة املرام ثبتنا هللا سبحانه‬
‫واايكم على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي و السبعون و املائة اىل الشيخ طاهر البدخشي يف بيان‬


‫فضيلة اختيار الذل و االنكسار و اداء وظائف العبودية و احملافظة على حدود‬
‫الشريعة و اتباع السنة السنية و خشية هللا تعاىل و ما يناسبه}‬
‫احلمد رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين اعلم أن‬
‫الالزم المثالنا الفقراء اختيار الذل واالفتقار والتضرع وااللتجاء اىل احلق واالنكسار دائما‬
‫واداء وظائف العبودية واحملافظة على حدود الشريعة ومتابعة السنة السنية على صاحبها‬
‫الصالة و السالم والتحية وتصحيح النيات يف حتصيل اخلريات وختليص البواطن وتسليم‬
‫الظواهر ورؤية العيوب ومشاهدة استيالء الذنوب واخلوف من انتقام عالم الغيوب‬
‫واستقالل احلسنات وان كانت كثرية واستكثار السيئات وان كانت يسرية وكراهة الشهرة‬
‫وقبول اخللق قال عليه الصالة و السالم حبسب[‪ ]1‬امرئ من الشر ان يشار اليه ابالصابع‬
‫يف دين او دنيا اال من عصمه هللا واهتام النيات واالفعال وان كانت صحيحة مثل فلق‬
‫الصبح وعدم االعتناء ابالحوال واملواجيد وان كانت مطابقة للواقع وعدم االعتماد عليها‬

‫(‪ )1‬رواه البيهقي يف الشعب عن ايب هريرة وانس اه‬


‫‪- 252 -‬‬

‫وال ينبغي ايضا استحسان جمرد أتييد الدين وتقوية امللة وترويج الشريعة ودعوة اخللق اىل‬
‫احلق جل وعال فان هذا القسم من التأييد قد يكون احياان من الكفار والفجار وقال‬
‫عليه الصالة و السالم ان هللا ليؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر وكلما جيئ مريد لطلب‬
‫الطريقة وارادة االانبة ينبغي أن يرى يف النظر مثل النمر واالسد وان خياف من أن يراد به‬
‫مكيدة واستدراج فان وجد الفرح والسرور يف النفس عند قدوم املريد ينبغي أن يعتقده‬
‫شركا وكفرا وان يتداركه ابلندامة واالستغفار اىل ان ال يبقى أثر من هذا السرور بل اىل أن‬
‫جييئ حمل السرور والفرح اخلوف واحلزن وينبغي أن جيتنب غاية االجتناب عن ظهور‬
‫الطمع والتوقع يف مال املريد ومنافعه الدنياوية فانه مانع لرشد املريد وابعث على كون‬
‫الشيخ خرااب فان املطلوب هناك كله الدين اخلالص اال هلل الدين اخلالص ال جمال للشركة‬
‫يف جناب احلضرة االهلية بوجه من الوجوه واعلم ان كل ظلمة وكدورة تطرأ على القلب‬
‫فازالتها تتيسر ابلتوبة واالستغفار والندامة وااللتجاء اىل احلق سبحانه و تعاىل أبسهل‬
‫الوجوه اال ظلمة طرأت على القلب من طريق حمبة الدنيا الدنية فاهنا جتعل القلب خرااب‬
‫وازالتها يف غاية التعسر بل يف هناية التعذر صدق رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم حيث‬
‫قال[‪ ]1‬حب الدنيا رأس كل خطيئة جناان هللا سبحانه واايكم من حمبة الدنيا وحمبة ابنائها‬
‫وارابهبا واالختالط هبم واملصاحبة معها فاهنا سم قاتل ومرض مهلك وبالء عظيم وداء‬
‫عميم واخوان االرشد الشيخ محيد مرتدد يف تلك احلدود ابحسن الوجوه فينبغي اغتنام‬
‫استماع الكلمات اجلديدة الطرية منه والباقي عند التالقي‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والسبعون و املائة اىل الشيخ بديع الدين يف بيان بعض‬

‫(‪ )1‬رواه ا لبيهقي عن احلسن مرسال وهكذا رواه الديلمي يف الفردوس من حديث علي ويعضده سنده ومل خيرجه ولده‬
‫يف املسند ورواه ابن ايب الدنيا عن احلسن مرسال وقد قال ابو زرعة كل شئ يقول احلسن قال رسول هللا صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم وجدت له اصال اثبتا ما خال اربعة احاديث وهذا القول عند البقاعي وايب نعيم من قول عيسى ابن مرمي عليهما‬
‫السالم وعند ابن ايب الدنيا يف مكائد الشيطان من قول مالك ابن دينار وعند ابن يونس من قول سعد وجزم ابن تيمية‬
‫انه من قول جندب البجلي انتهى من شرح االحياء ملخصا‬
‫‪- 253 -‬‬

‫االسرار اخلاصة به وما يناسب ذلك}‬


‫بعد احلمد والصلوة ليكن معلوما لالخ االعز أن للشريعة صورة وحقيقة فصورهتا ما‬
‫تكفل ببياهنا علماء الظاهر وحقيقتها ما امتاز هبا الصوفية العلية وهناية عروج صورة‬
‫الشريعة اىل هناية سلسلة املمكنات فان وقع السري بعد ذلك يف مراتب الوجوب تكون‬
‫الصورة ممتزجة ابحلقيقة ومعاملة هذا االمتزاج اىل العروج على شأن العلم الذي هو مبدأ‬
‫تعني سيد البشر عليه الصالة و السالم فان وقع الرتقي بعد ذلك يودع فيه الصورة‬
‫واحلقيقة كلتامها وتقع معاملة العارف يف شأن احليوة وال مناسبة بني هذا الشأن العظيم‬
‫الشان وبني العامل اصال بل هو من الشؤانت احلقيقية اليت مل متسه يد االضافة اصال حت‬
‫حيصل له تعلق ابلعامل وهذا الشأن هو دهليز املقصود ومقدمة املطلوب وجيد العارف‬
‫نفسه يف ذلك املوطن خارجا من دائرة الشريعة ولكن ملا كان حمفوظا بعناية هللا ال يفوت‬
‫دقيقة من دقائق الشريعة والذين تشرفوا هبذه الدولة العظمى أقل قليل فان بني عددهم‬
‫فلعله ال يقبله اال أقل قليل (وملا) وصل مجع كثري من الصوفية اىل ظل هذا املقام فان‬
‫لكل مقام عال ظال حتته زعموا اهنم خرجوا من دائرة الشريعة وترقوا من القشر ووصلوا اىل‬
‫اللب وهذا املقام بني الصوفية من مزال االقدام حت أن طائفة من انقصي سالكي هذا‬
‫الطريق صاروا زاندقة ومالحدة واخرجوا رؤسهم من ربقة الشريعة الغراء ضلوا فأضلوا‬
‫ومجاعة من الكملة الذين تشرفوا بدرجة من الوالية وحصلوا هذه املعرفة يف ظل من ظالل‬
‫هذا املقام العايل وان مل يصلوا اىل اصل هذا املقام ولكنهم حمفوظون ال جيوزون ترك ادب‬
‫من آداب الشريعة وان مل يعرفوا سر هذه املعرفة ومل يفهموا حقيقة املعاملة وملا انكشف‬
‫سر هذا املعمى هلذا الفقري بعناية هللا سبحانه و تعاىل وبركة حبيبه عليه الصالة و السالم‬
‫واتضحت حقيقة احلال كما ينبغي اردت ان اورد نبذة منها يف معرض البيان لعلها ترشد‬
‫الناقصني اىل سواء الطريق وتكشف للكاملني عن وجه حقيقة املعاملة (ينبغي) أن يعلم‬
‫أن التكليفات الشرعية خمصوصة ابلقالب والقلب فان تزكية النفس متفرعة عليها والذي‬
‫يضع القدم من اللطائف يف خارج دائرة الشريعة هو ما سوى هذه اللطائف املذكورة يعين‬
‫‪- 254 -‬‬

‫القالب والقلب فالذي هو مكلف ابلشريعة مكلف هبا دائما وما هو غري مكلف هبا غري‬
‫مكلف هبا أصال غاية ما يف الباب أن اللطائف كانت قبل السلوك بعضها ممتزجا ببعض‬
‫ومل تكن ممتازة عن القلب وملا ميز السري والسلوك بعضها عن بعض واوصل كال منها اىل‬
‫مقره االصلي تبني أن أاي منها كان مكلفا وأاي منها مل يكن مكلفا (فان قيل) ان العارف‬
‫قد جيد يف ذلك املقام قالبه وقلبه أيضا يف خارج دائرة الشريعة فما وجه ذلك (اجيب) أن‬
‫هذا الوجدان ليس بتحقيقي بل ختيلي ومنشأ التخيل هو انصباغ القلب والقالب بلون‬
‫ألطف اللطائف اليت وضعت االقدام يف خارج دائرة الشريعة (فان قيل) ان صورة‬
‫التكليفات الشرعية وان كانت خمصوصة ابلقلب والقالب ولكن حلقيقة الشريعة جمال فيما‬
‫وراء القلب أيضا فما معن وضع القدم يف خارج مطلق الشريعة (اجيب) ان حقيقة‬
‫الشريعة وان كان هلاجمال فيما وراء القلب ولكنها ال تتجاوز وال تتعدى الروح والسر وال‬
‫تصل اىل اخلفى واالخفي والذي يضع االقدام يف اخلارج هو اخلفي واالخفى يف احلقيقة‬
‫وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال ثبتنا هللا سبحانه ومجيع املسلمني على متابعة سيد‬
‫املرسلني عليه و على آله الصلوات و التسليمات أمتها وأكملها‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والسبعون واملائة اىل املري حممد نعمان يف جواب سؤال سأله‬
‫مع بيان اسرار غريبة متعلقة ابلنفي واالثبات}‬
‫بعد احلمد والصالة ليكن معلوم جناب السيد انك قد سألت انه ملا كان نفي كل‬
‫ما يكون حمسوسا ابلبصر أو مدركا ابخليال بكلمة ال ضرورية لكون املطلوب املثبت وراء‬
‫احلس واخليال يلزم على هذا ان يكون مشهود حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫مستحقا للنفي و يكون املطلوب املثبت وراء ذلك املشهود (ايها االخ) ان حممدا رسول‬
‫هللا صلّى هللا عليه و سلّم مع كمال علو شأنه كان بشرا ومتسما بسمة احلدوث‬
‫واالمكان فماذا يدرك البشر من خالق البشر وماذا ينال املمكن االحقر من الواجب‬
‫االكرب ام كيف حييط احلادث ابلقدمي الوارث جلت عظمته ال حييطون به علما نص قاطع‬
‫‪- 255 -‬‬

‫يف ذلك قال الشيخ فريد الدين العطار {شعر}‪:‬‬


‫اال ترى سيد الكونني ما بلغا * لكنه فقر فدع عن نفسك التعبا‬
‫(ايها االخ) االعز ان هذا املقام يستدعي تفصيال ينبغي استماعه ابذن القلب‬
‫اعلم أن للكملة الطيبة ال اله اال هللا مقامني اعين هبما النفي واالثبات ولكل من النفي‬
‫واالثبات اعتباران االعتبار االول نفي استحقاق عبادة اآلهلة الباطلة واثبات استحقاق‬
‫العبادة للمعبود ابحلق واالعتبار الثاين أن يكون النفي متعلقا مبقصودات غري مقصودة‬
‫ومتعلقات غري مطلوبة وان ال يكون متعلق االثبات غري املطلوب احلقيقى ووراء املقصود‬
‫االصلي والكمال يف االعتبار االول يف االبتداء هو أن يكون كلما هو معلوم ومشهود‬
‫داخال حتت كلمة ال ومنفيا هبا وان ال يكون شئ ما ملحوظا يف جانب االثبات غري‬
‫التكلم ابملستثين يعين لفظة اجلاللة وبعد مرور ازمان حتصل احلدة لبصر البصرية ويكتحل‬
‫بكحل غبار طريق املطلوب فحينئذ يكون املستثين ايضا مشهودا مثل املستثن منه ومع‬
‫ذلك جيد السالك نفسه متعلقا مبا وراء ذلك املشهود ويطلب املطلوب من خارجه ووجه‬
‫ذلك ان كلما كان داخال حتت كلمة ال يف ابتداء هذا الكمال كان بتمامه من دائرة‬
‫املمكنات مل يكن له ا ستحقاق العبادة اصال وصار متميزا من املعبود املستحق للعبادة‬
‫املثبت بكلمة اال بربكة هذه الكلمة الطيبة ولكن السالك بسبب ضعف بصريته مل ير‬
‫مرتبة الوجوب املستحق للعبادة املثبتة بكلمة اال ومل يكن له نصيب من ذلك املقام غري‬
‫التكلم ابلكلمة املستثناة وملا حصلت القوة للبصرية صار املستثين ايضا مشهودا مثل‬
‫املستثن منه وملا كانت مرتبة الوجوب جامعة لالمساء والصفات االهلية جل سلطانه‬
‫ومتعلق مهة السالك هو االحدية اجملردة بقي استحقاق العبادة ايضا يف ذلك املوطن مثل‬
‫عدم االستحقاق يف الطريق فال جرم يطلب السالك مقصوده فيما وراء االمساء والصفات‬
‫ويتحاشى عن التعلق مبا سواه {اشعار}‬
‫اذا سكن الفؤاد اىل حبيب * فهل يبغي من الغري الوصاال‬
‫وضع عند البالبل ألف نبت * سوى ازهار ورد قلن الال‬
‫‪- 256 -‬‬

‫وذا نيلوفر عشاق مشس * هل يرضيه رؤيته اهلالال‬


‫وهل جيدي شراب سكرى * لظمآن بغى ماء زالال‬
‫والكمال يف االعتبار الثاين الذي فيه املقصود نفي املقصودات الغري املقصودة هو‬
‫أن يكون شهود مرتبة الوجوب ايضا داخال حتت كلمة ال مثل شهود مراتب االمكان وان‬
‫ال يكون شئ ما ملحوظا يف جانب االثبات غري التفوه ابلكلمة املستثناة {شعر}‪:‬‬
‫وما ابديك من طريي عالمه * وقد اضحى كعنقاء وهامه‬
‫وللعنقاء بني الناس اسم * ومل يك السم طريي استدامه‬
‫و احلق ان الفطرة العليا و اهلمة القصوى تطلب مطلبا ال حيصل منه شئ بل ال‬
‫يصل غبار االدراك اىل ذيله اصال و الرؤية االخروية حق و لكن تصورها و متنيها يزعجنا‬
‫عن حمل القرار و مركز االصطبار و الناس مسرورن و حمظوظون بوعد الرؤية االخروية و‬
‫ليس تعلقي و تعشقي اال بغيب الغيب و اريد جبميع اهلمة ان ال خيرج شئ من املطلوب‬
‫من الغيب اىل الشهادة و أن ال تبدل املراسلة ابملواصلة و أن ال حيمل محول االمر من‬
‫العلم اىل العني ماذا نصنع قد جبلت على ذلك {ع}‪:‬‬
‫لكل من االنسان شأن خيصه‬
‫و ان كا ن يل يف هذا املقام انواع من اجلنون ولكن ال اقدر ان احرك شفيت من‬
‫االدب {ع}‪:‬‬
‫جنوين من حبيب ذي فنون‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫عمرى مضى وحديث وجدي ما انقضى * والليل قد بلغ املدى فاقنع بذا‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله أمت‬
‫الصلوات وأكمل التسليمات‪.‬‬
‫‪- 257 -‬‬

‫{املكتوب الرابع والسبعون واملائة اىل اخلواجه اشرف الكابلي يف بيان ان‬
‫واهلي هذا الطريق ال يتسلون هبذه املعية وال يطمئنون هبذا البعد املشابه ابلقرب بل‬
‫يطلبون قراب يشبه البعد ووصال يشبه اهلجر وبيان واقعته اليت رأها اخل}‬
‫قد وصل مكتوب اخينا االعز وحيث كان منبئا عن حمبة الفقراء وااللتجاء اىل هذه‬
‫الطائفة صار موجبا للفرح املرء مع من أحب نقد الوقت ومصداق احلال ولكن ينبغي أن‬
‫يعلم ان واهلي هذا الطريق ال يتسلون هبذه املعية وال يطمئنون هبذا البعد املشابه ابلقرب‬
‫بل يطلبون قراب يشبه البعد ووصال يشبه اهلجر ال جيوزون التسويف والتأخري وجيتنبون‬
‫التعطيل والتأجيل وال يصرفون نقد وقتهم اىل مزخرفات ابطلة وال يتلفون رأس مال عمرهم‬
‫يف مموهات عاطلة وال يكتفون من الشريف ابخلسيس وال يلتفتون اىل املغضوب عليه‬
‫اتركني للمرضى النفيس وال يبيعون انفسهم بلقميات مسينة لذيذة وال يبدلون حظ العبودية‬
‫أبلبسة رقيقة مزينة ويرون تلويث ختت السلطنة بقاذورات التعلقات عارا ويتحاشون من‬
‫اشراك الالت والعزى يف ملك احلق سبحانه ويعدونه شنارا (ايها االخ) ان املطلوب كله‬
‫هنا هو الدين اخلالص اال هلل الدين اخلالص ال جيوزون فيه ذرة من الشركة لئن اشركت‬
‫ليحبطن عملك في نبغي ان تتأمل ساعة يف احوالك فان تيسر هذا الدين اخلالص فبشرى‬
‫لك واال فينبغي تفكر عالج الواقعة وتدبريها قبل وقوعها والواقعة اليت كتبتها هي من‬
‫ظهور الشيطان وتصرفه الباطل وهذا القسم من ظهوره وتصرفه كثري الوقوع بني الطالبني‬
‫وال أبس فيه ان كيد الشيطان كان ضعيفا فان ظهر اثنيا ينبغي دفع ذاك املفسد بتكرار‬
‫كلمة التمجيد ال حول وال قوة اال ابهلل العلي العظيم و السالم على من اتبع اهلدى والتزم‬
‫متابعة املصطفى عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والسبعون واملائة اىل احلافظ حممود يف بيان تلوينات‬


‫االحوال وحصول التمكني ومعىن يل مع هللا وقت}‬
‫وصل املكتوب الشريف من االخ العزيز وقد اندرج فيه نبذة من تلوينات احواله‬
‫‪- 258 -‬‬

‫(اعلم) ان السالك ال بد له من تلوينات االحوال ال يف البداية وال يف النهاية غاية ما يف‬


‫الباب ان التلوين اذا كان يف القلب فالسالك من أرابب القلوب ومسمى اببن الوقت و‬
‫إ ذا ختلص القلب من التلوين وخرج من رقية احواله اىل احلرية ووصل اىل مقام التمكني‬
‫فحينئذ يكون ورود االحوال املتلونة على النفس اليت جلست مقام القلب خالفة عنه‬
‫وهذا التلوين امنا هو بعد حصول التمكني فان قيل لصاحب هذا التلوين ااب الوقت جلاز‬
‫فان ختلصت النفس ايضا من هذه التلوينات مبحض فضل احلق سبحانه ووصلت اىل‬
‫مقام التمكني واالطمئنان فحينئذ يكون ورود التلوينات على القالب الذي تركب من‬
‫أجزاء خمتلفة وهذا التلوين يعين تلوين القالب دائمي فان التمكني ال يتصور يف حق‬
‫القالب وان كان منصبغا بلون ألطف اللطائف فان التمكني الوارد من طريق هذا‬
‫االنصباغ بطريق التبعية وورود االحوال املتلونة بطريق االصالة والعربة ابالصل ال ابلتبع‬
‫وصاحب هذا املقام من اخص اخلواص وميكن أن يكون هو ااب الوقت يف احلقيقة ومعن‬
‫حديث يل مع هللا وقت الذي روى عن النيب عليه الصالة و السالم واراد مجاعة من‬
‫الوقت الوقت املستمر وطائفة الوقت النادر يكون راجعا اىل هذا البيان فانه ابلنسبة اىل‬
‫بعض اللطائف مستمر وابلنسبة اىل بعض آخر اندر فال خالف وابجلملة ينبغي حتلية‬
‫الظاهر ابلشريعة الغراء واملداومة على تكرار ذكر القلب يف السراء والضراء {شعر}‪:‬‬
‫يف ذلك البحر العميق كضفدع * كن طالبا ما تبتغي من ذا وذا‬
‫واخوان موالان حممد صديق يف آكره فلتغتنم مالقاته‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والسبعون واملائة اىل املال حممد صديق يف بيان ان حفظ‬
‫االوقات من ضرورايت هذا الطريق}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان من حسن اسالم املرء‬
‫اشتغاله مبا يعنيه واعراضه عما ال يعنيه فآلبد اذا من حفظ االوقات لئال تتلف يف امور ال‬
‫طائل فيها ينبغي ان تعتقد ان انشاد الشعر وحكاية القصص نصيب االعداء وان تشتغل‬
‫‪- 259 -‬‬

‫ابلسكوت وحفظ نسبة الباطن واجتماع االصحاب يف هذا الطريق امنا هو جلمعية الباطن‬
‫ال لتشتيت اخل اطر وهلذا اختاروا اخللطة على اخللوة وطلبوا اجلمعية من االجتماع ومت‬
‫كان االجتماع سببا للتفرقة يلزم التحاشي منه والتباعد عنه وكل شئ جيتمع مع االجتماع‬
‫فهو مبارك وإال فمشؤم وغري مبارك وينبغي للسالك ان يعيش على وجه حتصل اجلمعية‬
‫للطالبني يف صحبته ال انه يلقيهم ويرميهم اىل التفرقة وينبغي ان يقلب ايضا اوراق‬
‫نفسه[‪ ]1‬وان يبدل الكالم ابلسكوت الوقت ليس وقت املشاعرة وال حني احملاورة {ع}‪:‬‬
‫وما الوقت وقت الدرس أو كشف كشاف * و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والسبعون واملائة اىل مجال الدين حسني البدخشي يف‬
‫التحريض على تصحيح العقائد مبقتضى آراء أهل السنة واجلماعة الصائبة شكر هللا‬
‫سعيهم}‬
‫ليغتنم اخلواجه مجال الدين حسني عنفوان الشباب وليصرفه يف مرضيات احلق‬
‫سبحانه مهما أمكن يعين يلزم نفسه أوال تصحيح العقائد مبقتضى آراء أهل السنة‬
‫واجلماعة الصائبة شكر هللا سعيهم واثنيا العمل مبوجب االحكام الشرعية الفقهية واثلثا‬
‫سلوك الطريقة العلية املنسوبة اىل الصوفية الصافية قدس هللا أسرارهم فمن وفق هلذا فقد‬
‫فاز فوزا عظيما ومن ختلف عن هذا فقد خسر خسراان مبينا وليعد خدمة اوالد اخلواجه‬
‫حممد صاحل من السعادة العظمى فان هذه اخلدمة امداد واعانة للخواجه املشار اليه يف‬
‫احلقيقة الذي هو من املقبولني {ع}‪:‬‬
‫ابرزت من كنز املرام عالمة * و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والسبعون واملائة اىل املرزا مظفر يف تفويض شخص اليه‬

‫(‪ )1‬كناية عن تبديل االخالق املذمومة ابحملمودة‪.‬‬


‫‪- 260 -‬‬

‫وترغيبه يف اتباع النيب صلّى هللا عليه و سلّم}‬


‫عظم هللا أجركم ورفع قدركم ويسر امركم وشرح صدركم حبرمة سيد املرسلني عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم وما احلاجة اىل داللة املتخلقني ابالخالق النبوية عليه الصالة‬
‫و السالم على االحسان وحسن املعاشرة بل يكاد تكون تلك الداللة داخلة يف سوء‬
‫االدب غاية ما يف الباب ان االنسان قد يتشبث وقت االحتياج بكل حقري ونقري ويطلب‬
‫تسليه من كل ضعيف وحنيف فبناء على ذلك نرتكب التصديع لتسلية ارابب املسئلة‬
‫(ايها املخدوم) املكرم ان االحسان حممود يف كل حمل خصوصا اىل مجاعة هلم قرب اجلوار‬
‫فقد ابلغ[‪ ]1‬النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف اداء حقوق اجلوار على وجه ظن االصحاب‬
‫الكرام من تلك املبالغة انه سيورث اجلريان (املثنوي)‬
‫چون چنني اب يكديگر مهسايه امي * تو چو خورشيدي وما چون سايه امي‬
‫و‬ ‫جه بدي اي مايئه ىب مايگان * گر نگه دارى حق مهسايگان‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والسبعون واملائة اىل املري عبد هللا بن املري نعمان يف‬
‫النصيحة}‬
‫ليغتنم الولد االعز ال زال موفقا كامسه موسم الشباب وليشتغل بتحصيل العلوم‬
‫الشرعية والعمل مبقتضاها وليهتم يف ان ال يصرف هذا العمر العزيز فيما ال يعين وان ال‬
‫يتلفه ابللهو واللعب ووالدكم املكرم يلحقكم بعد أايم ان شاء هللا تعاىل وكن مستخربا عن‬
‫أحوال املتعلقات اىل ان يصل اليكم {ع}‪:‬‬

‫(‪( )1‬اخرج الطرباين يف مكارم االخالق عن ايب امامة الباهلي رضي هللا عنه مسعت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫وهو على انقته اجلدعاء يقول اوصيكم ابجلارحت اكثر فقلت انه يورثه وقال ابن حجر يف الفتح ولعبد هللا ابن عمر ويف‬
‫لفظ مسعت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يوصي ابجلار حت ظننت انه سيورثه انتهى واما حديث ما زال جربيل‬
‫يوصيين ابجلار اخل فهو غري هذا‪.‬‬
‫‪- 261 -‬‬

‫و من يشابه ابه فما ظلم‬

‫{املكتوب الثمانون واملائة اىل اخلواجه ايب القاسم بن اخلواجگي االمكنكي يف‬
‫االستفسار عن اسامي بعض مشائخه الذي وقع فيه الرتدد}‬
‫(ايها املخدوم املكرم) ان الذي بلغنا من حضرة شيخنا اعين اخلواجه حممد الباقي‬
‫عليه الرمحة يف حتقيق اسامي املشائخ هو أن ما بني موالان اخلواجگي االمكنكي وبني‬
‫حضرة اخلواجه احرار اثنان احدمها حضرة موالان اعين موالان درويش حممد والثاين موالان‬
‫حممد زاهد خال موالان درويش حممد وقد قدم هذه احلدود يف هذه االوان موالان اخلواجه‬
‫خاوند حممود[‪ ]1‬وجرى الكالم يف اول املالقاة يف موالان املذكور وقال انه مل يكن جمازا من‬
‫أحد وهلذا ما كان أيخذ املريد يف االوائل مث شرع يف التكلم يف أواخر عمره فقلنا له انه‬
‫كان من كرباء زمانه وسلم مجيع سكان ما وراء النهر لفضله وكماله وعلو شأنه وحاله وال‬
‫جيوز العقل أنه أيخذ املريد من غري اجازة سواء كان يف اوائل عمره أو اواخره فان مثل‬
‫هذا داخل يف اخليانة بعيد عن الداينة ال يظن صدور ذلك من أدىن مسلم فكيف من‬
‫اكابر الدين فقال اخلواجه خاوند حممود بعد ذلك جاء موالان مرة عند اخلواجه كالن‬
‫الدهبيدي وكان هو أيكل اخلربزة فاظهر موالان طلب الطريقة فقال له اخلواجه كالن ان‬
‫خربزتك قد مت أمرها وكمل نضجها فقال موالان أنت تشهد ان خربزيت قد كملت فقال‬
‫اشهد ان خربزتك اتمة كاملة فشرع موالان يف أخذ املريد من هذا الوقت وهذا النقل ايضا‬
‫يرى مستبعدا جدا فان موالان كيف يعتقد نفسه شيخا مبجرد هذا القول ويشرع يف أخذ‬
‫املريد مث قال حضرة اخلواجه خاوند حممود ان تسمية هذين الشيخني املذكورين بني‬

‫(‪ )1‬موالان اخلواجه خاوند حممود يتصل نسبه الظاهري بستة وسائط مبوالان اخلواجه عالء الدين العطار بواسطة‬
‫اخلواجه حسن العطار وحصل النسبة املعنوية يف صحبة اخلواجه اسحق الدهبيدي مث اختار السياحة والسفر حت‬
‫استوطن بكشمري وبن فيها خانقاه واشتغل هناك برتويج الطريقة مث جاء اىل االهور وتويف فيها واخلواجه اسحق هو ولد‬
‫املخدوم االعظم الدهبيدي الذي هو خليفة القاضي حممد الذي هو خليفة اخلواجه احرار قدس سرهم حصل اخلواجه‬
‫اسحق النسبة من موالان لطف هللا الذي من خلفاء والده قدس هللا اسرارهم‪ .‬عفي عنه‬
‫‪- 262 -‬‬

‫حضرة موالان وبني حضرة اخلواجه احرار هبذين االمسني واعتقاد اهنما مسميا هذين‬
‫االمسني خطأ ذكرومها بغري امسهما وقال أيضا ان درويش حممد ال نسبة له من خاله يعين‬
‫ال انتساب له اليه بل انتسابه اىل غريه فحصل تعجب كثري من كلماته هذه فارتكبنا‬
‫التصديع ابلضرورة لتكتبوا لنا امسي الشيخني املذكورين على وجه التحقيق لئال يبقى الحد‬
‫جمال الكالم يف سلسلتنا وما احلاجة اىل كتابة حديث االجازة فان عظمته وعلو شأنه‬
‫شاهد عدل ومع ذلك ان كتب كان قطعا للسان الطاعنني ومل يدر ماذا كان مقصود‬
‫اخلواجه خاوند من هذه الكلمات املشتتة فان كان مقصوده نفي هؤالء الفقراء الذين ال‬
‫بضاعة هلم أببلغ الوجوه فان نفي الشيخ مستلزم لنفي املريد آبكد الوجوه فطرق نفي‬
‫هؤالء عدميي البضاعة كثرية فما احلاجة اىل نفي االكابر هلذا الغرض وان كان مقصوده‬
‫نفي االكابر ابالصا لة ومل يكن له غرض سواه فهذا أيضا غري مستحسن كما ال خيفى‬
‫على من له أدىن دراية ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة أنك انت‬
‫الوهاب حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله الصلوات و التسليمات و السالم على من‬
‫اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والثمانون واملائة اىل حضرة املخدوم زاده ميان حممد صادق‬
‫يف جواب استفساره عن سبب مشاهدة بعض املشائخ يف مقام أعلي من مقاماهتم‬
‫وبعضهم يف أدىن من مقاماهتم وما يناسب ذلك}‬
‫قد سأل ولدي االرشد حممد صادق عن سبب (انفهام) كون طائفة من املشائخ‬
‫يف درجات عليا من مقام الزهد والتوكل والرتك والصرب والرضا مع اين أرى واشاهد ان هلم‬
‫درجة أدىن يف مراتب القرب االهلي جل سلطانه (ورؤية) طائفة أخرى من املشائخ يف‬
‫درجة سفلى من مقامات الزهد والتوكل وغريمها مع اهنم يرى هلم درجات عليا يف مقام‬
‫القرب ومن املقرر ان أكملية هذه املقامات ابعتبار أمتية اليقني وأمتية اليقني بسبب‬
‫االقربية اىل جناب قدس احلق جل شأنه فاملقام ال خيلو هنا عن أحد أمور اما تطرق‬
‫‪- 263 -‬‬

‫اخلطأ اىل النظر فرأى القريب بعيدا والبعيد قريبا أو أن سبب أكملية هذه املقامات أمر‬
‫وراء اليقني أو أن ترتب اليقني ليس على القرب (فأقول يف اجلواب) ان ترتب اليقني على‬
‫القرب فاذا كان القرب أكثر فاليقني أزيد وأوفر وسبب أكملية هذه املقامات أيضا أمتية‬
‫اليقني ال أمر آخر والنظر الكشفي أيضا صحيح غاية ما يف الباب أن حصول القرب امنا‬
‫هو أللطف اللطائف فيكون اليقني ايضا نصيبه وحيث كانت أكملية املقامات مرتتبة‬
‫على أمتية اليقني ت كون تلك االكملية ايضا حاصلة فيمكن ان حيصل رجل من االكابر‬
‫اقامة يف مقام من مقامات ألطف اللطائف مع وجود قلة قربه ومل يرجع بعد اىل أكثف‬
‫اللطائف و يكون يف املقامات املذكورة أكمل ممن له زايدة قرب وقد رجع اىل اكثف‬
‫اللطائف أعين لطيفة القالب وحيث ان لطيفة القالب حمرومة من ذلك القرب ال يكون‬
‫اليقني أيضا نصيبا هلا فمن أين حتصل هلا أكملية تلك املقامات والذي رجع اىل هذه‬
‫اللطيفة أخذ حكمها وكانت يقينات لطائفه الباقية اليت قد حصلت هلا سابقا مستورة‬
‫خبالف من ليس له رجوع اىل القالب فان حكمه حكم ألطف اللطائف والقرب واليقني‬
‫عل ى كماهلما يف حقه ومل يسترتا بعد فال جرم يكون يف املقامات املذكورة أمت وأكمل‬
‫(ولكن) ينبغي ان يعلم ان صاحب الرجوع كما أنه أكمل يف القرب واليقني كذلك هو‬
‫أكمل يف املقامات أيضا ولكن قد سرتت كماالته تلك وجعل ظاهره مثل ظاهر عوام‬
‫الناس حلصول املناسبة بينه وبني اخللق اليت هي سبب االفادة واالستفادة فيكون مستحقا‬
‫لدعوة اخللق اىل احلق وهذا املقام مقام االنبياء املرسلني عليهم الصلوات و التسليمات‬
‫ابالصالة وهلذا طلب ابراهيم اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم اطمئنان القلب‬
‫واحتاج يف حصول اليقني اىل الرؤية البصرية مثل عوام الناس و قال عزير على نبينا و عليه‬
‫الصالة و السالم اىن حيىي هذه هللا بعد موهتا و الذي مل يرجع أخرب عن يقينه بقوله لو‬
‫كشف الغطاء ما ازددت يقينا فان ثبت صدور هذا الكالم عن سيدان على كرم هللا‬
‫وجهه ينبغي محله على أنه قال ذلك قبل حصول الرجوع فان صاحب الرجوع حمتاج اىل‬
‫الدالئل والرباهني يف حصول اليقني بعد الرجوع مثل عوام الناس وقد كانت املسائل‬
‫‪- 264 -‬‬

‫الكالمية كلها بديهية هلذا الدرويش قبل الرجوع وكنت أجدها أشد يقينا من احملسوسات‬
‫واما بعد الرجوع فقد استرت ذاك اليقني وصرت حمتاجا اىل الدالئل والرباهني مثل عوام‬
‫الناس {ع}‪:‬‬
‫على مقدار ما ربوين امنو * و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والثمانون واملائة اىل املال صاحل الكواليب يف بيان كوين‬
‫اخلواطر والوساوس من كمال االميان كما ورد يف بعض االحاديث}‬
‫كان طائفة من الدراويش يوما من االايم قاعدين جمتمعني فجرى الكالم يف‬
‫[‪]1‬‬
‫خطرات الطالبني ووساوسهم فذكر يف ذلك االثناء حديث نبوي وهو أن بعض‬
‫االصحاب شكا اىل النيب صلّى هللا عليه و سلّم من اخلواطر الرديئة وقال اان جند يف‬
‫أنفسنا ما لو أن أحدان خر على رأسه لكان خريا له من ان يتكلم فقال عليه الصالة و‬
‫السالم أوجدمت ذلك ذاك من كمال االميان أو من صريح االميان فوقع يف خاطر هذا‬
‫الفقري يف ذلك الوقت يف أتويل هذا احلديث وهللا سبحانه أعلم حبقيقة احلال ان كمال‬
‫االميان عبارة عن كمال اليقني وكمال اليقني مرتب على كمال القرب فاذا حصل للقلب‬
‫وما فوقه من اللطائف زايدة القرب االهلي جل شأنه يكون االميان واليقني أزيد و يكون‬
‫عدم تعلق القلب وسائر اللطائف ابلبدن أكثر فيكون ظهور اخلطرات يف القالب أزيد‬
‫وأوفر والوساوس غري الالئقة فيه اظهر فال جرم يكون سبب اخلطرات الردية كمال االميان‬
‫ابلضرورة فعلى هذا كلما كانت اخلطرات أزيد يف املنتهى اىل هناية النهاية تكون أكملية‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم عن ايب هريرة رضي هللا عنه جاء انس من اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اىل النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم فسألوه اان جند يف انفسنا ما يتعاظم احدان ان يتكلم به قال اوقد وجدمتوه قالوا نعم قال ذاك صريح االميان‬
‫وعن انس رضي هللا عنه ان بعض اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم شكا اىل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫ما جيدون يف صدورهم من الوسوسة فقال كيف انتم يف ربكم قالوا ال نشك يف ربنا والن يقع احدان من السماء فينقطع‬
‫احب اليه من ان يتكلم مبا جيد يف صدره فقال عليه السالم هللا اكرب ذاك حمض االميان وكان اثبت يقول اللهم اكثر لنا‬
‫منه حممد بن على احلكيم الرتمذي يف نوادر االصول‪.‬‬
‫‪- 265 -‬‬

‫االميان فيه أشد فان كمال االميان يقتضى عدم املناسبة بني ألطف اللطائف وبني لطيفة‬
‫القالب وكلما كان عدم املناسبة املذكورة أكثر كان القالب أشد خلوا وأقرب اىل الظلمة‬
‫والكدورة و يكون ورود اخلواطر إليه أزيد وأوفر خبالف املبتدي واملتوسط فان مثل هذه‬
‫اخلواطر سم قاتل ابلنسبة اليهما وسبب الزدايد مرضهم الباطين فال تكن من القاصرين‬
‫وهذه املعرفة من املعارف الغامضة املختصة هبذا الفقري و السالم على من اتبع اهلدى‬
‫والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والثمانون واملائة اىل املال معصوم الكابلي يف النصيحة}‬


‫رزقكم هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة‬
‫و السالم والتحية وجعلنا واايكم متوجهني اىل جناب قدسه ابلكلية وشغلنا به عن غريه‬
‫حت ال نتوجه اىل االثنينية واملأمول ان ال تكون التعلقات الشت والتوجهات املتفرقة اليت‬
‫استولت على الظاهر مانعة ع ن النسبة الباطنية ومع ذلك ينبغي السعي واالجتهاد يف‬
‫حتقيق التفرقة الظاهرية والتفحص عنها لئال تسري يف الباطن فتمنع عن الوصول اىل‬
‫املطلب احلقيقي عياذا ابهلل سبحانه من ذلك وال تستحق الدنيا وما فيها الن تصرف‬
‫بضاعة العمر العزيز يف حتصيلها الشرط هو االخبار و اىل ميت ميتد منام االرنب {شعر}‪:‬‬
‫و ما القصر و البستان اال حمابس * و ما املال و االمالك اال مصائب‬
‫فان حصل العمل قبل املوت فبها واال فخسران يف خسران ينبغي ان يعد ذكر‬
‫القلب ومشغولية الباطن عزيزا وان يتخذ كلما ينافيه عدوا {شعر}‪:‬‬
‫كلما دون هوى احلق ولو * أكل قند فهو سم قاتل‬
‫ما على الرسول اال البالغ‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والثمانون واملائة يف التحريض على متابعة سيد املرسلني صلّى‬
‫‪- 266 -‬‬

‫هللا عليه و سلّم أرسله اىل فتح هللا}‬


‫وصل مكتوب الولد االعز املكتوب على وجه احملبة واخللوص أوصله اخلواجه‬
‫فصار موجبا للفرح جعل هللا سبحانه و تعاىل التوفيق ملرضياته رفيقنا حبرمة النيب وآله‬
‫االجماد عليه وعليهم الصالة و السالم (أيها الولد) ان الذي ينفع االنسان غدا هو متابعة‬
‫صاحب الشريعة عليه الصالة و السالم والتحية فان اجتمعت االحوال واملواجيد والعلوم‬
‫واملعارف واالشارات والرموز مع تلك املتابعة فبها ونعمت واال فال شئ سوى اخلذالن‬
‫واالستدراج رأى شخص سيد الطائفة اجلنيد بعد وفاته فسأله عن حاله فقال له اجلنيد يف‬
‫جوابه طاحت العبارات وفنيت االشارات وما نفعنا اال ركعيات ركعناها يف جوف الليل‬
‫فعليكم مبتابعته ومتابعة خلفائه الراشدين عليه وعليهم الصالة و السالم واايكم وخمالفة‬
‫شريعته قوال وعمال واعتقادا فان األوىل مين وبركة والثانية شؤم وهلكة هذا والرسالة اليت‬
‫ارسلتها قد وصلت وطالعت بعض املواضع منها فرأيته حسنا ولكن االهم امر آخر دون‬
‫التصنيف واالشتغال ابالمر االهم انسب وأوىل و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والثمانون واملائة اىل منصور عرب يف تفويض شخص اليه}‬
‫رزقكم هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة‬
‫و السالم والتحية وجعل مجيع مهتكم التوجه اىل جناب قدسه وما هو الالزم لنا ولكم هو‬
‫سالمة القلب من التعلق مبا سوى احلق سبحانه وهذه السالمة امنا تتيسر اذا مل يبق لغري‬
‫احلق سبحانه خطور يف القلب حبيث لو تيسرت حياة الف سنة فرضا ال يقع الغري يف‬
‫القلب بواسطة نسيان القلب ما سواه تعاىل {ع}‪:‬‬
‫هذا هو االمر والباقي خياالت‬
‫بقية املرام أن موالان الفاضل السرهندي الذي هو قائم خبدمتكم العلية ابوه يف‬
‫سرهند و يتمن أن يكون مسرورا ومبتهجا مبالقاة ولده وقت ضعفه وشيخوخته فبناء على‬
‫ذلك جعل الفقري وسيلة اىل التصديع واالمر عندكم بل كل من عند هللا و السالم‪.‬‬
‫‪- 267 -‬‬

‫{املكتوب السادس والثمانون واملائة اىل اخلواجه عبد الرمحن املفيت الكابلي يف‬
‫احلث على متابعة السنة واالجتناب عن البدعة وان كل بدعة ضاللة}‬
‫أسأل هللا سبحانه و تعاىل ابلتضرع واالعتذار وااللتجاء واالفتقار والتذلل‬
‫واالنكسار يف السر واجلهار أن ال يبتلي هذا الضعيف مع من هم جمتمعون لديه أو‬
‫مستندون اليه بفعل كل عمل حمدث ومبتدع يف الدين مما مل يكن يف زمن خري البشر‬
‫وزمن خلفائه الراشدين عليه وعليهم الصالة و السالم وان كان ذلك العمل مثل فلق‬
‫الصبح يف الوضوح وان ال يفتننا حبسن ذلك املتبدع حبرمة السيد املختار وآله االبرار عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم * قال بعض الناس ان البدعة على نوعني حسنة وسيئة فاحلسنة‬
‫هي كل عمل صاحل حدث بعد زمن نبينا وزمن خلفائه الراشدين عليه وعليهم الصالة و‬
‫السالم ومل يكن رافعا للسنة والسيئة ما تكون رافعة للسنة وهذا الفقري ال يشاهد يف شئ‬
‫من البدعة شيئا من احلسن والنورانية وال حيس فيها شيئا سوى الظلمة والكدورة ومن رأى‬
‫اليوم فرضا طراوة ونضارة يف االمر املبتدع بسبب ضعف البصرية ولكن سيعلم غدا بعد‬
‫حصول احلدة يف بصره أن ليس له شئ من نتيجة غري الندامة واخلسارة {شعر}‪:‬‬
‫و وقت الصبح يبدو كالنهار * حقيقة من هويته يف الظالم‬
‫قال سيد البشر عليه الصالة و السالم من احدث يف امران هذا ما ليس منه فهو‬
‫رد[‪ ]1‬فاذا كان الشئ مردودا فمن اين جيئ له احلسن وقال عليه الصالة و السالم أما بعد‬
‫فان خري[‪ ]2‬احلديث كتاب هللا وخري اهلدى هدي حممد وشر االمور حمداثهتا وكل حمدث‬
‫بدعة وكل بدعة ضاللة وقال عليه الصالة و السالم اوصيكم[‪ ]3‬بتقوى هللا والسمع‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان عن عائشة رضي هللا عنها‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم عن جابر رضي هللا عنه وقد مر بيانه‪.‬‬
‫(‪( )3‬رواه ابو داود عن العرابض بن سارية اال ان يف آخره وكل ضاللة يف النار وروى مسلم عن جابر ليس يف آخره‬
‫هذا اال ان يف اوله ما ليس هنا ورواه امحد والرتمذي وابن ماجة ايضا‪.‬‬
‫‪- 268 -‬‬

‫والطاعة وان كان عبدا حبشيا فانه من يعيش منكم بعدي فسريى اختالفا كثريا فعليكم‬
‫بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني متسكوا هبا وعضوا عليها ابلنواجذ واايكم وحمداثت‬
‫االمور فان كل حمدث بدعة وكل بدعة ضاللة فاذا كان كل حمدث بدعة وكل بدعة‬
‫ضاللة فما يكون معن احلسن يف البدعة وايضا املفهوم من االحاديث ان كل بدعة رافعة‬
‫للسنة والرفع غري خمتص ابلبعض فيكون كل بدعة سيئة قال عليه الصالة و السالم[‪ ]1‬ما‬
‫أحدث قوم بدعة اال رفع مثلها من السنة فالتمسك ابلسنة خري من احداث البدعة وعن‬
‫حسان أنه قال ما ابتدع[‪ ]2‬قوم بدعة يف دينهم اال نزع هللا من سننهم مثلها مث ال يعيدها‬
‫اليهم اىل يوم القيامة (ينبغي) أن يعلم أن بعض البدع الذي عده العلماء واملشائخ من‬
‫البدعة احلسنة اذا لوحظ فيه كمال املالحظة يعلم أنه رافع للسنة ومن ذلك أن تعميم‬
‫امليت مثال عدوه من البدعة احلسنة مع أنه رافع للسنة النه زايدة على العدد املسنون يف‬
‫الكفن وهو كونه ثالثة اثواب والزايدة نسخ والنسخ هو عني الرفع وكذلك استحسن‬
‫املش ائخ يعين بعضهم ارسال ذنب العمامة من طرف اليسار مع ان السنة ارساله[‪ ]3‬مما‬
‫بني الكتفني وكون ذلك رافعا هلذه السنة ظاهر ال سرتة فيه وكذلك استحسن العلماء‬
‫يعين بعضهم يف نية الصالة النطق ابللسان مع ارادة قلبية واحلال انه مل يثبت عن النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم وال عن اصحابه الكرام وال عن التابعني العظام يف النية النطق‬
‫ابللسان ال يف رواية صحيحة وال يف رواية ضعيفة بل كانوا يكربون للتحرمية عقب القيام‬
‫فيكون النطق بدعة وقالوا ان ذلك بدعة حسنة ويقول هذا الفقري ان هذه البدعة رافعة‬

‫(‪ )1‬روى امحد والطرباين عن عضيف بن احلارث الثملي رضي هللا عنه ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال ما من امة‬
‫ابتدعت بعد نبيها يف دينها بدعة اال اضاعت مثلها من السنة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارمي عنه موقوفا عليه‪.‬‬
‫(‪ )3‬كما رواه مسلم عن عمرو بن حريث والرتمذي يف الشمائل عن ابن عمر و ابو داود عن عبدالرمحن بن عوف‬
‫والطرباين يف االوسط عن ثوابن وكذا هو يف الكبري عن ابن عمر و اسناده على شرط الصحيح والطيالسي عن ايب‬
‫موسى وكذا عن عبدهللا بن بسر ابسناد حسن وكذا هو والبيهقي والطيالسي عن علي وجاء عن عمر و علي وواثلة‬
‫وابن الزبري رضي هللا عنهم‬
‫‪- 269 -‬‬

‫للفرض فضال عن السنة فان اكثر الناس يكتفون على هذا التقدير ابلنطق ابللسان يعين‬
‫من غري استحضار النية ابجلنان ومن غري مباالة ابلغفلة القلبية عن هذا الشان فحينئذ‬
‫يكون فرض من فرائض الصالة وهو النية القلبية مرتوكا ابلكلية ويفضي اىل فساد الصالة‬
‫و على هذا القياس سائر املبتدعات واحملداثت فاهنا زايدات على السنة ولو بوجه من‬
‫الوجوه والزايدة نسخ والنسخ رفع فعليكم ابالقتصار على متابعة سنة رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم واالكتفاء ابالقتداء ابصحابه الكرام فاهنم كالنجوم أبيهم اقتديتم اهتديتم وأما‬
‫القياس ابالجتهاد فليس من البدعة يف شئ فانه مظهر ملعن النصوص ال أنه مثبت المر‬
‫زائد فاعتربوا اي أويل االبصار و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و‬
‫على آله أفضل الصلوات وأكمل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والثمانون واملائة اىل اخلواجه أشرف الكابلي يف افضلية‬


‫طريق الرابطة على الذكر ابلنسبة اىل املريد}‬
‫قد وقع النظر على الكتاب الذي كتبته اىل االصحاب واطلعت على االحوال‬
‫املسطورة فيه (اعلم) ان حصول رابطة الشيخ للمريد بال تكلف وتعمل عالمة املناسبة‬
‫التامة بني املرشد واملريد اليت هي سبب االفادة واالستفادة وال طريق أقرب من طريق‬
‫الرابطة أصال فيا سعادة من استسعد هبذه الدولة أورد حضرة اخلواجه أحرار قدس سره يف‬
‫الفقرات أن ظل الدليل أوىل من ذكر احلق سبحانه ابعتبار النفع يعين أن ظل الدليل أوىل‬
‫للمريد من اشتغاله ابلذكر فانه مل حتصل بعد للمريد مناسبة كاملة ابملذكور جل وعال حت‬
‫ينتفع من طريق الذكر انتفاعا اتما و السالم أوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والثمانون واملائة اىل اخلواجه حممد صديق البدخشي يف حل‬
‫اشكال املسائل اليت سأل عنها}‬
‫وصل مكتوب االخ االعز وقد سئل عن أمور ثالثة (ايها) احملب ان اختفاء بعض‬
‫‪- 270 -‬‬

‫اللطائف يف مرتبة القلب مقصور على لطائف تضمنها القلب ال انه جار يف لطائف‬
‫متحققة فيما وراء القلب فانه ال معن الختفائها يف مقام القلب (الثاين) ان من كان‬
‫استعداده اىل مرتبة القلب أو الروح يقدر الشيخ صاحب التصرف على ايصاله اىل مرتبة‬
‫فوقانية لكن هنا دقيقة بياهنا موقوف على احلضور لعسر حتريره (الثالث) ان الظاهر اذا‬
‫ا نصبغ بلون الباطن وانصبغ الباطن بلون الظاهر ال عسرة حينئذ يف ظهور أحكام الظاهر‬
‫يف الباطن و يبدو أحوال الباطن يف الظاهر و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والثمانون واملائة اىل شرف الدين حسني يف بيان فضل تذكر‬
‫الفقراء مع كثرة االشتغال والتحذير عن االخنداع مبتاع الدنيا وتعظيم ذكر القلب}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين أمجعني‬
‫وصل مكتوب الولد االجنب االعز االرشد شرف الدين حسني وصار موجبا للفرحة‬
‫وابعثا على البهجة نعمت النعمة عدم نسيان الفقراء الذين ال بضاعة هلم مع وجود‬
‫تعلقات شت وهذا التذكر ينبئ عن أشد املناسبة اليت هي سبب االفادة واالستفادة‬
‫وبعض الوقائع اليت اندرج بيانه فيه حسن وأصيل وأدل دليل على االرتباط املعنوي (أيها)‬
‫الولد اايك واالخنداع بطراوة الدنيا الدنية واالفتتان مبزخرفاهتا الشنيعة اليت ال معن فيها فان‬
‫الدنيا ليس هلا مدار وال اعتبار وال هي حمل قرار وهذا املعن وان مل يكن اليوم معلوما لكم‬
‫ولكنه سيكون غدا معقوال البتة ولكن ال ينفع {شعر}‪:‬‬
‫يف اذنه من انيت صمم فال * يرضى مساع نصيحت وبكائيا‬
‫وينبغي لك ان تكون مولعا وحريصا بتكرار ذكر القلب معتقدا انه من أجل نعم‬
‫هللا جل شأنه وأن تصلي الصلوات اخلمس مع اجلماعة من غري تكاسل وفتور وان تؤدي‬
‫زكاة االموال اىل الفقراء واملساكني بنشاط القلب وان جتتنب احملرمات واملشتبهات وان‬
‫تكون مشفقا على اخللق وهذا هو طريق النجاة واخلالص و السالم‪.‬‬
‫‪- 271 -‬‬

‫{املكتوب التسعون واملائة اىل واحد من أوالد املري حممد نعمان البدخشي يف‬
‫التحريض على املداومة على الذكر واختيار الطريقة النقشبندية مع بيان كيفية الذكر}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني و على آله الطاهرين‬
‫أمجعني اعلم وتنبه ان سعادتك بل سعادة مجيع بين آدم وفالحهم وخالصهم كل ذلك يف‬
‫ذكر موالهم جل سلطانه فينبغي استغراق مجيع االوقات ابلذكر االهلي جل شأنه بقدر‬
‫االمكان وان ال جيوز الغفلة حلظة واحدة وهلل سبحانه احلمد واملنة ان دوام الذكر يتيسر‬
‫يف طريقة خواجكان قدس هللا أسرارهم يف االبتداء وحيصل ذلك فيها على طريق اندراج‬
‫النهاية يف البداية فاختيار هذه الطريقة كان للطالب أوىل وانسب بل يكون واجبا عليهم‬
‫والزما فعليك اذا صرف التوجه عن مجيع اجلهات واالقبال ابلكلية على جانب أكابر‬
‫هذه الطريقة العلية وطلب اهلمة من بواطنهم الشريفة وال بد من الذكر يف االبتداء فينبغي‬
‫ان تتوجه اىل القلب الصنوبري الشكل فان تلك املضغة كاحلجرة للقلب احلقيقي وان‬
‫جتري االسم املبارك هللا على هذا القلب وال حترك عضوا من اعضائك يف هذا الوقت‬
‫ابلقصد واقعد متوجها اىل القلب ابلكلية وال ختيل صورة القلب ابلقوة املتخيلة أصال وال‬
‫تلتفت اليها قطعا فان املقصود التوجه اىل القلب ال تصور صورته وينبغي ان تالحظ معن‬
‫اللفظ املبارك هللا بليس كمثله شئ وان ال تضم اليها شيئا من مالحظة الصفات حت‬
‫احلاضرية والناظرية لئال تنزل من ذروة حضرة الذات اىل حضيض الصفات فتقع منها اىل‬
‫شهود الوحدة يف الكثرة وتطمئن بشهود املثايل من التعلق مبن تنزه عن املثال والتوجه اليه‬
‫فان كلما يظهر يف مرآة املثايل ال يكون مصداقا لليس كمثله شئ وكلما يشاهد يف الكثرة‬
‫ال يكون واحدا حقيقيا البتة ينبغي للعاقل ان يطلب املنزه عن املثال فيما وراء املثايل وان‬
‫يلتمس البسيط احلقيقي يف خارج حيطة الكثرة فان ظهرت صورة املرشد وقت الذكر من‬
‫غري تكلف ينبغي ان ت ذهب هبا اىل القلب وان تشتغل ابلذكر حافظا هلا يف القلب‬
‫(أتدري) من املرشد املرشد من تستفيد منه طريق الوصول اىل جناب قدس احلق جل‬
‫سلطانه وجتد منه مددا واعانة يف هذا الطريق وجمرد لبس الكاله واخلرقة واخذ الشجرة‬
‫‪- 272 -‬‬

‫وغريها مما صار عرفا ورمسا بني الناس كلها خارجة عن حقيقة املرشدية واملريدية وداخلة‬
‫يف الرسوم والعادات اال ان اخلرقة ان حصلت من الشيخ الكامل املكمل وعاملت هبا‬
‫ابالعتقاد واالخالص فاحتمال حصول الثمرات والنتائج قوي يف هذه الصورة (واعلم) ان‬
‫املنامات والواقعات ال اعتماد عليها وال اعتبار هلا فان االنسان ال يكون سلطاان او قطب‬
‫الوقت يف احلقيقة بسبب رؤية نفسه كذلك يف املنام فان كان يف الواقع سلطاان او قطب‬
‫الوقت فمسلم وكذلك كلما ظهر من االحوال واملواجيد يف الصحو واالفاقة ففيه جمال‬
‫لالعتماد عليه واال فال (واعلم) أن نفع الذكر وترتب االثر عليه مربوط ابتيان احكام‬
‫الشريعة فينبغي حسن االحتياط يف أداء الفرائض والسنن واجتناب احملرم واملشتبه والرجوع‬
‫اىل العلماء يف القليل والكثري والعمل مبقتضى فتواهم و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والتسعون واملائة اىل خان خاانن يف احلث على اتباع‬
‫االنبياء عليهم السالم وانه ال عسر يف التكاليف الشرعية}‬
‫احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا‬
‫ابحلق اعلم أن السعادة االبدية والنجاة السرمدية مربوطة مبتابعة االنبياء عليهم الصالة و‬
‫السالم عموما و على أفضلهم خصوصا فان تيسرت عبادة الف سنة فرضا مع الرايضات‬
‫الشاقة واجملاهدات الشديدة ال تعدل تلك العبادات بنصف شعرية وال تساوي تلك‬
‫الرايضات ابلنوم وقت الظهرية اقتداء بصاحب الشريعة مع كونه غفلة من االول اىل‬
‫اآلخر ما مل تكن منورة بنور اتباع هؤالء االكابر يف االمور اخلطرية واحلقرية بل هي‬
‫كسراب بقيعة ومن كمال عناية احلق سبحانه و تعاىل رعاية هناية اليسر وغاية السهولة‬
‫يف مجيع التكاليف الشرعية واالحكام الدينية حيث أمر مثال بسبع عشرة ركعة من الصالة‬
‫يف الليل والنهار ال يبلغ جمموع أوقات أدائها ساعة واحدة ومع ذلك أكتفي يف قراءهتا مبا‬
‫تيسر وجوز القعود عند تعذر القيام واالضطجاع عند تعذر القعود وأمر ابالمياء عند تعذر‬
‫الركوع والسجود وجعل التيمم خلف الوضوء وقت العجز عن استعمال املاء وعني للفقراء‬
‫‪- 273 -‬‬

‫واملساكني حصة واحدة من أربعني حصة يف زكاة االمول وقيد افرتاضها أيضا بكون‬
‫االموال انمية واالنعام سائمة وفرض يف مجيع العمر حجا واحدا ومع ذلك جعله مشروطا‬
‫اب لقدرة على الزاد والراحلة وامن الطريق ووسع دائرة املباح حيث أابح نكاح أربعة من‬
‫النساء ومقدار ما ميلكه ويقدر عليه من السراري وجعل الطالق وسيلة لتبديل النساء‬
‫وجعل أكثر االطعمة واالشربة واالقمشة مباحا وجعل احملرم منها قليال وحترميه أيضا‬
‫بواسطة مصاحل العباد وان حرم شرااب واحدا مرا كثري الضرر ولكنه أابح عوضا عنه كثريا‬
‫من االشربة اللذيذة السائغة الكثرية النفع أال ترى ان عرق القرنفل وعرق الدارصيين مع‬
‫سهولة شرهبما وطيب رائحتهما مشتمالن على منافع كثرية وفوائد جزيلة ال ميكن حتريرها‬
‫فأي فائدة يف تركهما واختيار شئ مر كريه الطعم وكريه الرائحة ساتر العقل عظيم اخلطر‬
‫شتان ما بينهما ومع ذلك بينهما فرق آخر طار من جهة احللية واحلرمة فانه امر آخر‬
‫والتميز العارض من حيثية رضائه تعاىل وعدم رضائه شئ على حدة فان حرم بعض ألبسة‬
‫االبرسيم فما الضرر فيه حيث احل عوضه كثريا من االلبسة امللونة املنقشة واالقمشة املزينة‬
‫ولباس الصوف الذي ابيح مطلقا أفضل من ألبسة االبرسيم مبراتب ومع ذلك قد ابيح‬
‫لباس االبرسيم للنساء ومنافعه عائدة اىل الرجال وهكذا حال الذهب والفضة فان حلي‬
‫النساء الجل متتع الرجال فمن اعتقد االحكام الشرعية مع هذه السهولة واليسر من عدم‬
‫االنصاف متعسرة ومتعذرة فهو مبتلى مبرض قليب وعلة ابطنية وكم من امور يسرية‬
‫لالصحاء متعسرة للضعفاء عسرة اتمة ومرض القلب هو عبارة عن عدم يقني القلب‬
‫ابالحكام املنزلة من السماء وتصديقهم هبذه االحكام امنا هو صورة التصديق ال حقيقته‬
‫وعالمة حصول حقيقة التصديق ثبوت اليسر واخلفة والنشاط يف اتيان االحكام الشرعية‬
‫وبدوهنا خرط القتاد وقال هللا تبارك و تعاىل كرب على املشركني ما تدعوهم اليه هللا جيتيب‬
‫اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى‬
‫عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات‪.‬‬
‫‪- 274 -‬‬

‫{املكتوب الثاين والتسعون واملائة اىل الشيخ بديع الدين السهارنفوري يف‬
‫جواب استفساره}‬
‫استفسر االخ االعز االرشد الشيخ بديع الدين انه قد وقع يف العريضة احلادية‬
‫عشرة املكتوبة اىل حضرة اخلواجه يعين الشيخ حممد الباقي قدس سره وتيسر الوصول اىل‬
‫مقام مزين أعلى من مقام الصديق االكرب رضي هللا عنه فما يكون معن هذا الكالم‬
‫(اعلم) أرشدك هللا ال نسلم ان هذه العبارة مومهة للتفضيل مع ان لفظ أيضا واقع فيها‬
‫أيضا ولو سلم فأقول ان هذا الكالم وغريه يف هذه العريضة من مجلة الواقعات املكتوبة‬
‫اىل شيخي واملعروضة عليه ومن املقرر عند هؤالء الطائفة ان كلما حيصل للسالك من‬
‫الواقعة يظهره لشيخه بال حتاش صحيحا كان أو سقيما فان يف غري الصحيح أيضا‬
‫احتمال التأويل والتعبري فال يكون اذا بد من اظهاره ففيما حنن فيه ال يلزم حمظور عند‬
‫مالحظة هذا املعن واحلل الثاين انه قد جوز حتقق فضل يف جزئي من اجلزئيات لغري نيب‬
‫على نيب ومل يروا فيه أبسا كما وقعت الزايدة يف شأن الشهداء ليست هي يف االنبياء‬
‫عليهم السالم مع ان الفضل الكلي لالنبياء عليهم الصالة و السالم فعلى هذا التقدير لو‬
‫وقع سري غري النيب يف كماالت ذلك اجلزئي ووجد السالك نفسه يف ذلك املقام أعلى‬
‫لكان جموزا وان كان حصول الوصول له اىل ذلك املقام بواسطة متابعة النيب وللنيب ايضا‬
‫نصيب اتم من ذلك املقام حبكم حديث من[‪ ]1‬سن سنة حسنة احلديث فان كان حتقق‬
‫الفضل اجلزئي لغري النيب على النيب جموزا فعلى غري النيب يكون جموزا ابلطريق األوىل فال‬
‫اشكال اصال و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والتسعون واملائة اىل سيد فريد يف احلث على تصحيح‬
‫العقائد على وفق آراء اهل السنة واجلماعة وتعلم االحكام الفقهية والشكاية من‬

‫(‪ ( )1‬قوله من سن سنة اخل) رواه امحد ومسلم والرتمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وابو عوانة وابن حبان من‬
‫حديث جرير رضي هللا عنه‬
‫‪- 275 -‬‬

‫غربة االسالم واالغراء على تروجيه وأتييده}‬


‫كان هللا انصركم ومعينكم على كل ما يعيبكم ويشينكم اعلم ان اول الضرورايت‬
‫الواج بة على ارابب التكليف تصحيح العقائد على وفق آراء علماء اهل السنة واجلماعة‬
‫شكر هللا تعاىل سعيهم فان النجاة االخروية مربوطة ابتباع آراء هؤالء االكابر وهم‬
‫واتباعهم هم الفرقة الناجية فاهنم على طريق النيب وطريق اصحابه صلوات هللا وتسليماته‬
‫عليه وعليهم أمجعني واملعترب من العلوم املستفادة من الكتاب والسنة هو ما أخذه‬
‫واست نبطه منهما هؤالء االكابر فان كل مبتدع وضال أيخذ عقيدته الفاسدة من الكتاب‬
‫والسنة بزعمه الفاسد فال يكون كل معن مفهوم من معاين الكتاب والسنة معتربا ورسالة‬
‫االمام االجل التوربشيت مناسبة جدا الجل تصحيح العقائد واقرب اىل الفهم ولكن حيث‬
‫ان الرسالة املذكورة مشتملة على االستدالالت مع التطويل والبسط يعسر االخذ عنها‬
‫فلو كانت رسالة غريها متضمنة للمسائل الصرفة لكان أوىل وانسب وقد وقع يف خاطري‬
‫ايضا يف هذه االثناء ان اكتب يف هذا الباب رسالة متضمنة لعقائد أهل السنة واجلماعة‬
‫وتكون سهلة املأخذ فان تيسر ذلك نرسلها اىل اخلدمة بعد كتابتها وبعد تصحيح هذه‬
‫العقائد ال بد من تعلم علم احلالل واحلرام والفرض والواجب والسنة واملندوب واملكروه‬
‫وغريها مما تكفل به علم الفقه والعمل مبقتضى هذا العلم ايضا ضروري فينبغي أمر بعض‬
‫الطلبة بقرا ءة بعض كتب الفقه بعبارة فارسية مثل جمموعة اخلاين وعمدة االسالم فان وقع‬
‫عياذا ابهلل سبحانه خلل على مسئلة من املسائل االعتقادية الضرورية فقد حتقق احلرمان‬
‫من النجاة االخروية خبالف العمليات فاهنا اذا وقعت املساهلة فيها يرجى العفو والتجاوز‬
‫عنها ولو بال توبة ولئن اخذ هبا ولكن النجاة متحققة يف آخر االمر فعمدة االمر‬
‫تصحيح العقائد ونقل عن حضرة اخلواجه احرار قدس سره انه قال لو اعطينا االحوال‬
‫واملواجيد كلها ومل تكن حقيقتنا حمالة ومتزينة بعقائد أهل السنة واجلماعة ال نعتقد تلك‬
‫االحوال شيئا غري اخلذالن ولئن اجتمع فينا القصور والنقصان وحقيقتنا مستقيمة على‬
‫عقائد أهل السنة واجلماعة ال نرى أبسا يف ذلك ثبتنا هللا سبحانه واايكم على طريقتهم‬
‫‪- 276 -‬‬

‫املرضية حبرمة سيد البشر عليه و على آله الصالة و السالم وقد قدم واحد من الدراويش‬
‫من طرف الهور وقال ان الشيخ جيو كان قد حضر يف مسجد النخاس القدمي لصالة‬
‫اجلمعة فقال ميان رفيع الدين بعد التفات الشيخ اليه ان نواب الشيخ جيو قد بن‬
‫مسجدا جامعا يف قرب بيته احلمد هلل على ذلك رزقه هللا سبحانه مزيد التوفيق ومساع‬
‫امثال هذه االخبار السارة يكون ابعثا على حصول غاية السرور وهناية االبتهاج (ايها‬
‫السيد) ان االس الم غريب يف هذا الزمان جدا فصرف فلس واحد يف تقوية االسالم يف‬
‫هذا الزمان يساوي صرف ألوف من الدرهم والدينار فيا سعادة من تشرف هبذه الدولة‬
‫العظمى وترويج الدين وتقوية امللة وان كان حسنا ومرغواب فيه يف مجيع االوقات من مجيع‬
‫االشخاص ولكن صدوره يف هذا الوقت الذي هو اوان غربة االسالم من امثالكم‬
‫اصحاب املروءة واهلمة والفتوة وأهل بيت النبوة أحسن وأمجل فان هذه الدولة منتشرة من‬
‫طائفتكم العلية فهي ذاتية فيكم وعرضية يف غريكم وحقيقة الوراثة النبوية عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم امنا هي يف حتصيل هذا االمر العظيم القدر قال النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم لالصحاب انكم[‪ ]1‬يف زمان من ترك عشر ما امر به هلك مث أييت زمان من عمل‬
‫بعشر ما امر به جنا وهذا هو ذلك الوقت وهذا القوم هو ذلك القوم{شعر}‪:‬‬
‫هلموا ايها االبطال حنو ال * غنائم ما هلا اصال مدافع‬
‫وقد حسن قتل الكافر اللعني كوبنددال يف هذا الوقت وكان هذا الفعل ابعثا على‬
‫كسر عظيم يف اهلنود املردودة ابي نية كان قتله وابي غرض كان اهالكه فان مذلة‬
‫الكفار نقد وقت أهل االسالم وقد رأى هذا الفقري يف املنام قبل قتل ذلك الكافر ان‬
‫سلطان الوقت قد كسر رأس رئيس أهل الشرك واحلق أن ذلك الكافر كان رئيس أهل‬
‫الشرك وامام أهل الكفر خذهلم هللا سبحانه وقد دعى النيب عليه الصالة و السالم على‬
‫أهل الشرك يف بعض ادعيته هبذه العبارة اللهم شتت مشلهم وفرق مجعهم وخرب بنياهنم‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي عن أيب هريرة رضي هللا عنه مرفوعا ولفظه انكم يف زمان من ترك منكم عشر ما امر به هلك مث أييت‬
‫زمان من عمل منهم بعشر ما امر به جنا‪.‬‬
‫‪- 277 -‬‬

‫وخذهم اخذ عزيز مقتدر وعزة االسالم وأهله امنا هي يف مذلة الكفر واهله واملقصود من‬
‫أخذ اجلزية هو اذالل الكفار واهانتهم وحتصل املذلة الهل االسالم بقدر ما ما حتصل‬
‫العزة الهل الكفر فينبغي حسن التنبه على هذا االمر وقد ضيعه أكثر الناس وأخرب دينه‬
‫بشؤمه وجعله هباء منثورا قال هللا سبحانه و تعاىل اي أيها النيب جاهد الكفار واملنافقني‬
‫واغلظ عليهم فجهاد الكفار والغلظة عليهم من ضرورايت الدين وبقااي رسوم الكفر اليت‬
‫ظهرت يف القرن السابق تثقل على قلوب املسلمني جدا ومل يبق لسلطان الوقت توجه اىل‬
‫أهل الكفر يف هذا الوقت فالالزم ملن يقدر من املسلمني اعالم السلطان بقبح رسوم‬
‫هؤالء االشرار واالجتهاد يف دفعها وازالتها فان بقاءها حيتمل ان يكون مبنيا على عدم‬
‫علم السلطان بقبحها وابجلملة اذا وجدت مساعدة الوقت ينبغي اخبار بعض علماء اهل‬
‫االسالم ابن جييئوا ويعلموا بشناعة رسوم أهل الكفر فانه ال حاجة لتبليغ االحكام‬
‫الشرعية اىل اظهار خوارق العادات والكرامات واالعتذار بعدم التصرف ال يسمع يوم‬
‫القيامة يف القعود عن تبليغ االحكام الشرعية وقد بلغ االنبياء عليهم السالم الذين هم‬
‫افضل املوجودات االحكام الشرعية فاذا طلبوا منهم املعجزات واآلايت كانوا يقولون امنا‬
‫اآلايت واملعجزات عند هللا وما علينا اال البالغ املبني ولعل هللا سبحانه حيدث يف تلك‬
‫االثناء أمرا يكون ابعثا على ظهور حقيقة هؤالء اجلماعة و على كل حال االطالع على‬
‫حقيقة املسائل الشرعية ضروري فان وقع االمهال يف ذلك فالعهدة على ذمة العلماء‬
‫ومقريب السلطان فان حصلت االذية يف هذا القيل والقال لبعض الناس ينبغي أن يعدها‬
‫سعادة عظيمة اال ترى ان االنبياء عليهم الصالة و السالم ماذا رأوا من االذية وكم حتملوا‬
‫من احملنة حت قال أفضلهم عليه الصالة و السالم ما أوذي نيب قط مثل ما أوذيت‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫عمري مضى وحديث وجدى ما انقضي * والليل قد بلغ املدى فاقنع بذا‬
‫و السالم و االكرام‪.‬‬
‫‪- 278 -‬‬

‫{املكتوب الرابع والتسعون واملائة اىل صدر جهان يف التحريض على ترويج‬
‫امللة وأتييد الدين وما يتعلق بذلك}‬
‫سلمكم هللا سبحانه وعافاكم ان مساع اخبار ترويج االحكام الشرعية واذالل‬
‫اعداء امللة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية يورث الفرح للمسلمني‬
‫املغمومني ويزيد يف نشاط ارواحهم احلمد هلل سبحانه واملنة على ذلك واملسؤل من هللا‬
‫سبحانه امللك القدير ازدايد هذا االمر اخلطري حبرمة النيب البشري النذير عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم وحنن على يقني بكون كرباء اهل االسالم من السادات العظام والعلماء‬
‫الكرام متصدين يف اخلالء واملأل الزدايد تقوية الدين املبني وتكميل الصراط املستقيم وماذا‬
‫يظهر عدمي الطاقة وفاقد االستطاعة يف هذا الباب وقد مسعنا ان سلطان االسالم من‬
‫حسن استعداده االسالمي طالب للعلماء وراغب فيهم احلمد هلل على ذلك ومن املعلوم‬
‫ان كل فساد ظهر يف القرن السابق كان ذلك من شآمة علماء السوء فينبغي رعاية التتبع‬
‫ال تام يف هذا الباب وانتخاب العلماء املتدينني فان علماء السوء لصوص الدين مطلبهم‬
‫اجلاه والرايسة واملنزلة عند اخللق والعياذ ابهلل سبحانه من فتنتهم نعم ان أفضلهم أفضل‬
‫اخلالئق حت يوزن مدادهم يوم القيامة بدم الشهداء يف سبيل هللا فيرتجح مدادهم شر‬
‫الناس شرار العلما ء وخري الناس خيار العلماء وامللتمس اثنيا ان بعض النيات قد اضطر‬
‫ان أوصل نفسي اىل العسكر ووقع التوقف يف دهلي بسبب دخول شهر رمضان املبارك‬
‫وبعد مضي هذا الشهر املبارك نصل اىل خدمة االعزة ان شاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والتسعون واملائة اىل املذكور أيضاً يف احلث على ترويج‬
‫الشريعة وأظهار االسف على ضعف االسالم}‬
‫سلمكم هللا سبحانه وأبقاكم وحيث ان احسان السالطني حاصلة لكافة اخللق‬
‫‪- 279 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫القلوب على حب من أحسن اليهم قلوب اخلالئق مائلة اىل جانب‬ ‫فبحكم جبلت‬
‫احملسنني ابلضرورة فال جرم كأنت أخالق السالطني وأوضاعهم سارية اىل مجيع اخلالئق‬
‫بواسطة هذا االرتباط احليب على تفاوت درجات االحسان وكانه لذلك قيل الناس على‬
‫دين ملوكهم وأحوال القرن السابق مصداق هذا الكالم وملا وقع اآلن االنقالب يف الدول‬
‫وانكسرت سورة عناد أهل امللل لزم ألئمة أهل االسالم من الصدور العظام والعلماء‬
‫الكرام صرف مجيع اهلمة يف ترويج الشريعة الغراء وتقومي اركان االسالم املنهدمة واحكامها‬
‫يف بداية االمر فان التأخري ليس فيه خري وقلوب الغرابء يف غاية االضطراب من هذا‬
‫التأخري يف هذا الباب وشدائد القرن السابق متمكنة يف قلوب املسلمني فهم خائفون من‬
‫فوت تاليف ذلك فتنجر غرابة االسالم اىل الطول فاذا مل يكن يف السالطني شوق ترويج‬
‫السنة السنية يتساهل مقربوهم يف هذا الباب أيضا ويعدون حياة أايم معدودة غنيمة‬
‫فيكون االمر ضيقا على فقراء أ هل االسالم ومظلما جدا اان هلل واان اليه راجعون أنشد‬
‫واحد من االعزة {شعر}‪:‬‬
‫آنچه از من گم شده گر از سليمان گم شدى * هم سليمان هم پرى هم اهرمن‬
‫بگريست‬
‫{آخر}‪:‬‬
‫صبت عل ّي مصائب لو أهنا * صبت على االايم صرن لياليا‬
‫ومن مجلة شعائر االسالم تعيني القضاة يف بالد االسالم وقد امنحى اثره يف القرن‬
‫السابق وبلد سرهند الذي هو اعظم بالد االسالم وليس فيه قاض منذ سنني وكان آابء‬
‫حامل رقيمة الدعاء القاضي يوسف قضاة فيه منذ بنائه كما هو معلوم من اسناد‬
‫السالطني يف يده واملشار اليه حملى ابلصالح والتقوى ففوضوا هذا االمر العظيم القدر‬
‫اليه ان علمتم فيه الصالح ثبتنا هللا سبحانه واايكم على جادة الشريعة احلقة على‬

‫(‪ )1‬رواه ابو نعيم يف احللية والعسكري يف االمثال مرفوعا بلفظ جبلت القلوب على حب من احسن اليها وبغض من‬
‫اساء اليها قال السيوطي رواه البيهقي عن ابن مسعود مرفوعا وموقوفا وهو احملفوظ قال ابن عدي وهو املعروف اه‬
‫‪- 280 -‬‬

‫مصدرها الصالة و السالم والتحية‪.‬‬


‫{املكتوب السادس والتسعون واملائة اىل منصور عرب يف بيان ان هذا الطريق‬
‫الذي حنن يف صدد قطعه سبعة أقدام وما يناسبه}‬
‫وردت صحيفة املرمحة ورقيمة املكرمة يف أعز االمكنة هلل سبحانه احلمد واملنة على‬
‫ان اخلواص ليسوا بفارغني من تذكر العوام ومل خيل االكابر من تفقد أحوال االصاغر‬
‫جزاكم هللا عنا خري اجلزاء (أيها) املخدوم {ع}‪:‬‬
‫و أحسن ما ميلى حديث االحبة‬
‫ان هذا الطريق الذي حنن يف صدد قطعه كله سبعة أقدام قدمان منها يتعلقان بعامل‬
‫اخللق ومخسة منها تتعلق بعامل االمر فاذا وضع السالك قدمه يف عامل االمر يظهر يف أول‬
‫القدم التجلي االفعايل ويف القدم الثاين التجلي الصفايت ويف الثالث يقع الشروع يف‬
‫التجليات الذاتية مث ومث على تفاوت درجاهتا كما ال خيفى على ارابهبا كل ذلك منوط‬
‫مبتابعة سيد االولني واآلخرين عليه و على آله الصالة و السالم وما قيل من أن هذا‬
‫الطريق خطواتن فاملراد هبما عامل االمر وعامل اخللق على سبيل االمجال تيسريا لالمر يف‬
‫نظر الطالبني ويف كل قدم من هذه االقدام يقع السالك بعيدا عن نفسه وقريبا من احلق‬
‫سبحانه وبعد طي هذه االقدام حيصل الفناء االمت الذي يرتتب عليه البقاء االكمل‬
‫وحبصول هذا الفناء والبقاء حصول الوالية احملمدية على صاحبها الصالة و السالم‬
‫والتحية {ع}‪:‬‬
‫و هذي سعادات تكون نصيب من‬
‫و اي مناسبة المثالنا الفقراء هبذه الكلمات غري اان نبل افواهنا بزالل حال أهل‬
‫الكمال ونطيبها به {شعر}‪:‬‬
‫گرندارمي از شكر جزانم هبر * اين بسى خوشرتكه اندركام زهر‪.‬‬
‫‪- 281 -‬‬

‫اذا قسنا السما ابلعرش ينحط * وما اعاله ان قسنا أبرض‬ ‫{غريه}‬
‫و السالم أوال و آخرا‪.‬‬

‫{املكتوب السابع و التسعون و املائة اىل هبلوان حممد يف مدح من تربد قلبه‬
‫من الدنيا و أتثر من حمبة احلق سبحانه اخل}‬
‫ثبتكم هللا سبحانه على جادة الشريعة أعلم ان السعيد من تربد قلبه من الدنيا‬
‫وأتثر من حرارة حمبة احلق سبحانه وحمبة الدنيا رأس كل خطيئة وتركها رأس مجيع‬
‫العبادات فان[‪ ]1‬الدنيا مبغوضة احلق سبحانه حبيث مل ينظر اليها منذ خلقها واتسمت‬
‫هي واهلها بسمة الطرد واللعن كما ورد يف اخلرب الدنيا ملعونة وملعون ما فيها اال ما فيه‬
‫ذكر هللا تعاىل وحيث كان الذاكرون بل كل ذرة من ذراهتم مملوئني بذكر احلق سبحانه و‬
‫تعاىل كانوا خارجني من هذا الوعيد وهم ليسوا يف عداد أهل الدنيا فان الدنيا هي اليت‬
‫متنع القلب عن االشتغال بذكر احلق وتشغله بغريه سواء كان ذلك امواال واسبااب او جاها‬
‫ورايسة او عارا ومحية فأعرض عمن توىل عن ذكران نص قاطع يف ذلك وكلما هو يف‬
‫الدنيا فهو بالء الروح واهل الدنيا يف تفرقة وظلمة يف هذه النشأة دائما ويف اآلخرة من‬
‫أهل الندامة واحلسرة وحقيقة تركها عبارة عن ترك الرغبة فيها وترك الرغبة فيها امنا يتحقق‬
‫اذا كان وجودها وعدمها متساويني وحصول هذا املعن بدون صحبة ارابب اجلمعية‬
‫متعسر فان تيسرت صحبة هؤالء االكابر ينبغي ان تعدها غنيمة وان تصرف اهلمة‬
‫والعناية اليها وصحبة الشيخ ميان مزمل وان كانت غنيمة لكم فانه وامثاله من االعزة‬

‫(‪ )1‬رواه ابن ايب الدنيا يف ذم الدنيا عن موسى انه بلغه ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال ان هللا عز وجل مل خيلق‬
‫خلقا ابغض اليه من الدنيا وانه منذ خلقها مل ينظر اليها ورواه البيهقي من طريقه وهو مرسل ورواه احلاكم يف التأريخ من‬
‫حديث ايب هريرة مرفوعا بلفظ ان هللا مل خيلق خلقا ابغض اليه من الدنيا وما نظر اليها منذ خلقها بغضا هلا وروى ابن‬
‫عساكر يف التأريخ من مرسل علي بن احلسني بن علي رضي هللا عنهم ان هللا ملا خلق الدنيا اعرض عنها فلم ينظر اليها‬
‫من هواهنا عليه ومن حديث ايب هريرة مرفوعا ان هللا ملا خلق الدنيا نظر اليها مث اعرض عنها مث قال وعزيت وجاليل ال‬
‫انزلنك اال يف شرار خلقي انتهى من شرح االحياء ملخصا‪.‬‬
‫‪- 282 -‬‬

‫العزيزي الوجود اعز من الكربيت االمحر ولكن شيمة اهل الكرم االيثار يعين تقدمي حاجة‬
‫الغري على حاجة انفسهم فان اذنتم للشيخ ميان مزمل اايما لكان يف حمله وبعد الفراغ من‬
‫شغله يرجع اليكم اثنيا ان شاء هللا العزيز واالخالص الغائيب ينوب مناب احلضور يف‬
‫حصول املأمول لكم والزايدة على ذلك تصديع رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة على‬
‫متابعة سيد البشر عليه و على آله امت الصلوات واكمل التسليمات و السالم واالكرام‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والتسعون واملائة اىل خان خاانن يف بيان أن املودة بني‬
‫الفقراء واالغنياء متعسرة يف هذا الزمان جداً}‬
‫كانت الفتوحات املكية مفتاحا للفتوحات املدنية حبرمة النيب وآله االجماد عليهم‬
‫الصلوات و التسليمات وصل املكتوب املرغوب املرسل ابسم الفقراء فصار ابعثا على‬
‫زايدة احملبة بشرى لكم مث بشرى لكم (أيها) املخدوم ان حصول املودة بني الفقراء‬
‫واالغنياء متعسر جدا يف هذا الزمان فان الفقراء لو اختاروا يف احملاورات سلوك طريق‬
‫التواضع وحسن اخللق اللذين مها من لوازم الفقر لزعم القاصرون من سوء ظنهم هبم اهنم‬
‫طامعون حمتاجون فال جرم اهنم يصريون بزعمهم ذلك مصداق خسر الدنيا واآلخرة‬
‫وحيرمون بركات هؤالء االكابر وان اختاروا سلوك طريق االستغناء الذي هو أيضا من لوازم‬
‫الفقر لظن الناقصون من سوء خلقهم اهنم متكربون وسيؤا االخالق وما أدراهم ان‬
‫االستغناء أيضا من لوازم الفقر فان اجلمع بني الضدين قد خرج من حد االستحالة يف‬
‫هذا احملل قال أبو سعيد اخلراز عرفت هللا تعاىل جبمع االضداد وال ضرر يف عدم تصديق‬
‫أهل النظر هذه املقدمة وعدهم اايها حماال فان طور الوالية وراء طور نظر العقل وابقي‬
‫االحوال يعرضها موالان املري ابلتفصيل و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والتسعون واملائة اىل املال حممد أمني الكابلي يف بيان قبول‬
‫ما التمسه من الورد}‬
‫‪- 283 -‬‬

‫وردت الصحيفة املنبئة عن فرط احملبة واالخالص املشعرة بكمال املودة‬


‫واالختصاص فصارت موجبة للفرح عافاك هللا سبحانه وقد اظهرت فيها طلب ورد من‬
‫االوراد فبناء على ذلك أرسلت االخ االرشد موالان حممد صديق ليعلم ذكرا من اذكار‬
‫هذه الطريقة العلية فينبغي السعي البليغ يف امتثال ما أمر به فعسى ان يكون مثمرا للنتائج‬
‫وملا مل يكف يف ذلك جمردا لكتابة وتوقف االمر على احلضور يف الصحبة كنت ابعثا على‬
‫تصديع االخ املشار اليه و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب املويف املأاتن اىل املال شكيب االصفهاين يف حل بعض عبارات‬


‫النفحات اليت طلب شرحها منه قدس سره}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني و على آله واصحابه‬
‫الطاهرين أمجع ني (أيها) االخ انكم سئلتم أن أشرح لكم بعض عبارات النفحات الذي‬
‫فيه اغالق فبناء على ذلك اجرتأت على حترير كلمات (أيها املخدوم) ان عني القضاة‬
‫اهلمداين قدس سره قال يف بيان حال مجاعة سلكوا طريقا غري مسلوك من غري دليل‬
‫فبعضهم حفظته مغلوبيته يف كنف محايتها وكان السكر ظال على رأسه والذي كان منهم‬
‫صاحب متييز قطعوا رأسه يعين أهلكوه املراد ابلطريق املسلوك وهللا سبحانه أعلم طريق‬
‫مسلوك بطي املقامات العشرة املشهورة ابلرتتيب والتفصيل وتزكية النفس مقدمة يف هذا‬
‫الطريق على تصفية القلب واالانبة فيه شرط الوالية واهلداية والطريق الغري املسلوك عبارة‬
‫عن طريق اجلذبة واحملبة وطريق االجتباء وهو غري مشروط ابالانبة وتقدم فيه التصفية على‬
‫التزكية وهذا الطريق هو طريق احملبوبني واملرادين خبالف الطريق االول فانه طريق احملبني‬
‫واملريدين والبعض الذي كان له قوة اجلذبة منهم واستيالء احملبة الذي املغلوبية والسكر‬
‫عبارة عنه بقى حمفوظا من شر الشياطني اآلفاقية واألنفسية ومصوان من اغوائهم واضالهلم‬
‫فهم وان مل يتخذوا دليال ألنفسهم ولكن كان فضل هللا جل سلطانه هاداي هلم اىل الطريق‬
‫واوصلهم اىل املطلوب احلقيقي ومن كان منهم صاحب متيز يعين مل تكن له قوة اجلذبة‬
‫‪- 284 -‬‬

‫وكان استيالء احملبة مفقودا يف حقه ومل يكن له دليل اضلته اعداء الدين عن الطريق‬
‫وأهلكوه واذاقوه شربة املوت االبدي وكان من مجلة املغلوبني هذان الشخصان من‬
‫الرتاكمة اللذان حكي عنهما احلسني القصاب برمز وإشارة حيث قال كنت يف سفر مع‬
‫قافلة عظيمة فخرج اثنان من الرتاكمة من بني القافلة وسلكا طريقا غري مسلوك اىل آخر‬
‫القصة املراد ابلطريق الذي سلكه القافلة الطريق املسلوك الذي حيصل بقطع املقامات‬
‫العشرة املشهورة ابلرتتيب والتفصيل فان أكثر املشائخ خصوصا املتقدمني منهم وصلوا اىل‬
‫مقاصدهم من هذا الطريق واملراد ابلطريق الغري املسلوك الذي اختاره هذان الشخصان من‬
‫الرتاكمة وتبعهما احلسني القصاب يف اختيار هذا الطريق هو طريق اجلذبة واحملبة الذي هو‬
‫أقرب اىل الوصول من ذاك الطريق املسلوك املعهود ومقدمة هذا الطريق االلتذاذ والسكون‬
‫الذي هو سبب الغيبة عن احلس وابعث على الذهول عن الشعور وكين عن هذه احلالة‬
‫ابلليل وملا كانت هذه الغيبة عن اخللق متضمنة للحضور والشعور ابخلالق تعاىل وتقدس‬
‫اشار اىل هذا احلضور والشعور ابلبدر وهذا املقام يقتضى بياان ينبغي أن يسمعه بسمع‬
‫العقل اعلم ان مدبر اجلسد هو الروح ومريب القالب القلب والقوى اجلسمانية مكتسبة‬
‫من القوة الروحانية واحلواس القالبية مستفادة من النورانية القلبية فبالضرورة يتطرق الفتور‬
‫يف مبادئ احلال اليت هي اوان النقص والضعف اىل تدبري اجلسد وتربية القالب حني توجه‬
‫القلب والروح اىل جناب قدس احلق جل شأنه الذي هو الزم طريق اجلذبة فيكون ذلك‬
‫الفتور سببا لتعطل احلس والذهول عن االحساس ويفضي اىل ضعف القوى واجلوارح‬
‫والسقوط على االرض بال اختيار وعرب الشيخ االجل حميي الدين بن العريب قدس سره يف‬
‫الفتوحات املكية عن هذه احلالة ابلسماع الروحي وقال للسماع الذي يكون ابلرقص‬
‫واحلركة الدورية مساعا جسداي وابلغ يف املنع منه فتحقق من هذا البيان أن هذه الغيبة‬
‫الصورية متضمنة للحضور املعنوي وذاك الذهول الروحي مشتمل على الشعور الروحي‬
‫الذي يناسبه التعبري عنه ابلبدر ولنرجع اىل أصل الكالم ينبغي أن يعلم ان استتار وجه‬
‫البدر ابلغيم االسود كناية عن ظهور الصفات البشرية اليت حيصل احلضور والشعور‬
‫‪- 285 -‬‬

‫للمبتدئني ابستتارها وهذا االستتار ميتد اىل اواسط االحوال فان املتوسطني ليس هلم هذا‬
‫االستتار وان مل خيلو عن حنو من االستتار وميكن أن يكون انه هلذا املعن قال و ملا كان‬
‫نصف الليل ظهر البدر من الغيم اثنيا فوجدت اثر قدم هذين الشخصني فان الطريق‬
‫يتضح حالة البسط اليت هي أوان احلضور والشعور و يكون قطع املسافة أزيد وملا طلع‬
‫الفجر يعين زالت تلك الغيبة والذهول وقوى ذلك احلضور والشعور واجتمع مع التوجه‬
‫اىل اخللق وكين عن هذا احلضور بطلوع الشمس واجلبل عبارة عن وجود البشرية الذي‬
‫ظهر له يف ذلك الوقت فان تزكية النفس امنا هي بعد تصفية القلب يف هذا الطريق وملا‬
‫كانت هبذين الشخصني من الرتاكمة قوة اجلذب واستيالء احملبة فال جرم وضعا اقدامهما‬
‫على ذروة اجلبل ابلسرعة والسهولة وطلعا فوقه يف ساعة واحدة وتشرفا بنحو من الفناء و‬
‫ملا مل تكن حلسني القصاب هذه القوة طلع فوق ذلك اجلبل مبحنة كثرية وهذا ايضا امنا‬
‫تيسر له بربكة متابعته هلذين الشخصني واال لقطع رأسه واملعسكر عبارة عن االعيان‬
‫الثابتة اليت هي جامعة لتعينات احلقائق االمكانية والتعني الوجويب واخليام الغري املتناهية‬
‫كناية عن تلك التعينات واخليمة الكبرية فيما بينهما اشارة اىل التعني العلمي الوجويب‬
‫تعاىل وتقدس ولذا قيل له اهنا خيمة سلطانية وملا مسع احلسني القصاب اهنا خيمة‬
‫سلطانية ختيل أنه قد بلغ املطلب فاراد أن ينزل من مركب السكر الذي ال يتيسر قطع‬
‫مسافة هذا الطريق بدون مدده ورام أن يسرتيح ابلوصول اىل املطلوب وملا اخرج رجله‬
‫اليمن اليت هي ع بارة عن الروح فان السري امنا يكون يف هذا الطريق الغري املسلوك بقدم‬
‫الروح والقلب ال بقدم العلم والعمل فانه مناسب للطريق املسلوك واول شئ ينزل من‬
‫مركب السكر هو الروح مث بعده القلب الذي عرب عنه ابلرجل اليسرى من الركاب وصل‬
‫خطاب اهلامي اىل مسع قلبه أن السلطان ليس يف اخليمة واحلق أنه كذلك ولكن ملا مل‬
‫تكن يف احلسني القصاب قوة اجلذب نزل من السكر ببشارة قليلة وأما هذان الشخصان‬
‫فاهنما ملا كان هبما جذب قوى مل يغرتا ابمثال هذه املبشرات بل طلعا الفوق مثل‬
‫الشجعان فان انتظر احلسني القصاب هناك ألف سنة مثال ملا وجد السلطان يف اخليمة‬
‫‪- 286 -‬‬

‫أصال فانه تعاىل وراء الوراء (قوله) بل هو قعد يصطاد يعين قعد على اجملايل واملظاهر‬
‫اجلميلة وشرع يف صيد قلوب العشاق وهذا النداء املتضمن هلذا املعن امنا كان على مقدار‬
‫استعداد احلسني القصاب وحوصلة فهمه ودرايته تكلموا معه بطريق التنزل واال فال معن‬
‫للقعود فيما فيه هو تعاىل وتقدس {شعر}‪:‬‬
‫وكم من سائر ساروا وطاروا * فعادوا صفر جيب واليدين‬
‫وخيطر على اخلاطر الفاتر من هذه العبارة معن آخر مناسب ملقام التفرد والكربايء‬
‫وان مل يكن هذا املعن ايضا الئقا جلناب قدسه جل سلطانه ولكنه أوىل وانسب من‬
‫املعاين اآلخر وهو أنه قعد على الوحدة اليت هي التعني االول وفوق مرتبة الواحدية وملا‬
‫كان يف مرتبة الوحدة اضمحالل التعينات العلمية والعينية واستهالكها واالصطياد سبب‬
‫هلالك الوحوش والطيور قيل شرع يف االصطياد ملناسبته هلذا املقام والشيخ حممد معشوق‬
‫الطوسي واالمري عبور وصال اىل حمل اصطياد السلطان وصارا من صيده وأما املعشوق‬
‫الطوسي فهو أقدم وأقرب وبقى احلسني القصاب يف خيمة الواحدية رجاء أن يرجع‬
‫السلطان اليها وهللا اعلم حبقيقة املراد وما فيه من الصواب والسداد (أيها) املخدوم ان‬
‫أكابر الطريقة النقشبندية قدس هللا اسرارهم اختاروا هذا الطريق الغري املسلوك وصار هذا‬
‫الطريق عندهم طريقا مسلوكا معهودا و هم يوصلون خلق العامل من هذا الطريق اىل‬
‫املطلب ابلتوجه والتصرف والوصول الزم هلذا الطريق اذا رعي فيه آداب الشيخ املقتدى به‬
‫والشيخ والشاب متساواين يف هذا الطريق يف الوصول والنسوان والصبيان متسامهان فيه‬
‫بل املوتى راجون من هذه الدولة قال حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره‬
‫طلبت من احلق سبحانه طريقا يكون موصال ألبتة وأنشد الشيخ عالء الدين العطار قدس‬
‫سره الذي هو أول خلفائه يف هذا املعن {شعر}‪:‬‬
‫لو ما خشيت مالل قلب اخلازن * لفتحت أقفال العوامل كلها‬
‫ثبتنا هللا سبحانه على طريقة هؤالء االكابر و السالم‪.‬‬
‫‪- 287 -‬‬

‫{املكتوب احلادي واملائتان اىل كوجك بيك احلصاري يف جواب استفساره}‬


‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سأل جناب كوجك بيك‬
‫احلصاري ان شخصا يقول ان مجيع العلوم مندرجة يف حرفني أو ثالثة أحرف فهل يكون‬
‫هذا الكالم صادقا أم ال (فنقول) يف اجلواب الظاهر ان هذا الشخص امنا قال هذا‬
‫الكالم على وجه العلم والسماع ومطالعة الكتب وقد صدر أمثال هذا الكالم من‬
‫السلف قال أمري املؤمنني على كرم هللا وجهه ان مجيع العلوم مندرجة يف ابء بسم هللا بل‬
‫يف نقطة ابئه فان ادعى هذ الشخص الكشف يف هذا الكالم ال خيلو حاله من احد‬
‫االمرين فان قال انه قد انكشف يل ان مجيع العلوم مندرجة يف حرفني أو ثالثة أحرف‬
‫أعم من ان تكون تلك العلوم املندرجة فيهما أو فيها علوم نفسه أو غريه حيتمل الصدق‬
‫وان قال قد انكشف يل مجيع العلوم وأان اطالعها يف صحفة حرفني أو ثالثة أحرف فهو‬
‫مدع كذاب ال ينبغي تصديق كالمه و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى‬
‫عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين واملائتان اىل املرزا فتح هللا احلكيم يف ذم مجاعة دخلوا يف‬
‫الطريقة مث خرجوا منها بال موجب}‬
‫ثبتنا هللا سبحانه واايكم على الطريقة املستقيمة املرضية املصطفوية على صاحبها‬
‫الصالة و السالم والتحية (اعلم) انه قد جرى يوما كالم يف غرية املشائخ النقشبندية قدس‬
‫هللا تعاىل أسرارهم السنية وذكر يف اثناء ذلك الكالم انه كيف يكون حال مجاعة انسلكوا‬
‫يف سلك ارادة هؤالء االكابر وجعلوا أنفسهم اتبعني هلم وقبلهم هؤالء االكابر مث انقطعوا‬
‫عن هؤالء االكابر بعد ذلك وتركوا صحبتهم من غري سبب موجب لذلك فيما هنالك‬
‫وتشبثوا أبذايل اآلخرين ابلظن والتخمني وذكر يف ضمن ذلك امسكم واسم قاضي سنام‬
‫وال أدري امتدت هذه املذاكرة اىل حملة أو ال ومع ذلك كانت تلك املذاكرة مبنية على‬
‫سبب وسياق كالم وبعد ذلك ال يقدر هللا سبحانه ارادة الفقري اذية مسلم أو ان حيقد‬
‫‪- 288 -‬‬

‫عليه يف قلبه فليطب خاطركم الشريف من هذه اجلهة وقد صار معلوما لكم ان طريقنا‬
‫ليس طريق دعوة االمساع بل اختار اكابر هذه الطريقة االستهالك يف مسمى هذه االمساء‬
‫ابتداء توجههم اىل االحدية الصرفة ال يطلبون شيئا من االسم والصفات غري الذات فال‬
‫جرم إندرج هناية غريهم يف بدايتهم {ع}‪:‬‬
‫وقس من حال بستاين ربيعي‬
‫و ملا عرضت اآلن لتلك املذاكرة بسبب تعدد النقول وتداول االيدي هيئة أخرى‬
‫وصارت حبيث ينشأ من ذلك اجلانب تومهات أخر أقدمت على حترير كلمات لدفع ذلك‬
‫التوهم (واعلم) انه ال يزيد لنا من مودتكم وال ينقص عنا شئ من عدم مودتكم وامنا‬
‫امللحوظ واملنظور ارادة اخلري لكم ولكن الراضي ابلضرر ال يستحق النظر مثل مشهور‬
‫وتيقن ان الفقري مل يرد ضرركم وال يريده ان شاء هللا تعاىل وكان ذلك كالما على طريق‬
‫الغرية اليت تكون للدراويش وقيل ما قيل مبناسبة وسياق كالم فال يثقل على خاطركم‬
‫(واعلم اثنيا) ان حال شخص يرى نفسه أفضل من أيب بكر الصديق ال خيلو عن احد‬
‫االمرين اما زنديق حمض أو جاهل صرف وقد كتب لكم هذا الفقري قبل هذا بسنني‬
‫مكتواب يف بيان الفرقة الناجية الذين هم أهل السنة واجلماعة والعجب من جتويزكم أمثال‬
‫هذه الكلمات بعد مطالعة ذلك املكتوب فاذا كان من يقول أبفضلية علي كرم هللا وجهه‬
‫على ايب بكر الصديق رضي هللا عنه خارجا من دائرة أهل السنة واجلماعة فكيف يكون‬
‫حال من رأى نفسه أفضل من الصديق ومن املقرر عند هؤالء القوم إن السالك لو رأى‬
‫نفسه أفضل من الكالب والذابب فهو حمروم من كماالت هؤالء االكار وقد انعقد امجاع‬
‫السلف على افضلية الصديق على مجيع البشر بعد االنبياء عليهم افضل الصالة و السالم‬
‫فما اشد محاقة من يتوهم خرق هذا االمجاع وكتب هذا الفقري يف كتبه ورسائله ان‬
‫الوحشي قاتل محزة رضي هللا عنه الذي انل صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم مرة واحدة افضل من اويس القرين الذي هو خري التابعني فتخيل امثال هذه‬
‫اخلياالت يف حق مثل هذا الشخص بعيد عن العقل السليم ينبغي ان ترجع اىل العبارة‬
‫‪- 289 -‬‬

‫اليت اخرتع الناس هذا ال توهم منها تطلع على حقيقة املعاملة واي مناسبة يف التقليد اجملرد‬
‫الرابب احلسد مع ان املشائخ صدر عنهم وقت غلبة السكر كلمات غري مناسبة مثل‬
‫قول ايب يزيد البسطامي لوائي[‪ ]1‬ارفع من لواء حممد وال جيوز أن يذهب الوهم من هذه‬
‫العبارة اىل دعوى االفضلية فاهنا زندقة حاشا وكال ان يذكر امثال هذا يف عبارة الفقري و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث واملائتان اىل املال حسني يف التحريض على حمبة هذه الطائفة‬
‫وبيان نبذة من مدحتهم}‬
‫أحسن هللا سبحانه أحوالكم وأصلح سبحانه اعمالكم وملا كان املكتوب الشريف‬
‫مشعرا مبحبة الفقراء حصل بوصوله فرح وافر زاد هللا سبحانه حمبة هذه الطائفة العلية يوما‬
‫فيوما وجعل التواضع هلم وااللتجاء اليهم رأس مال العمر وحبكم املرء مع من أحب حمبهم‬
‫معهم وهم الذين جليسهم حمفوظ من الشقاوة وقد ورد يف احلديث النبوي عليه من‬
‫الصلوات أمتها ومن التحيات أكملها[‪ ]2‬إن هلل مالئكة سوى الكرام الكاتبني يطوفون يف‬
‫الطرق والسكك ويطلبون أهل الذكر فاذا وجدوا الذاكرين ينادي بعضهم بعضا أن هلموا‬
‫اىل حاجتكم فيحفوهم ابجنحتهم حت ميألوا بينهم وبني السماء فاذا تفرقوا عرجوا اىل‬
‫السماء فيسأهلم هللا عز و جل وهو أعلم حبال عباده كيف وجدمت عبادي فيقولون اهلنا‬
‫جئناهم حيمدونك ويثنون عليك ويكربونك وميجدونك ويسبحونك فيقول هللا هظ عز و‬
‫جل وهل رأوين فيقولوا ال أي رب فيقول كيف لو رأوين فيقولوا ليحمدونك وميجدونك‬
‫ويكربونك أكثر وأوفر فيقول هللا ما يطلبون مين فيقولوا يطلبون منك اجلنة فيقول وهل‬
‫رأوا جنيت فيقولوا ال فيقول كيف لو رأوها فيقولوا يطلبون اكثر ويزيد حرصهم مث يقول‬

‫(‪ )1‬وقوله حني مسع القاري يقرأ قوله تعاىل ان بطش ربك لشديد أان اشد منه بطشا ذكره يف الفتوحات يف الباب‬
‫‪366‬‬
‫(‪ )2‬رواه الشيخان عن ايب هريرة رضي هللا عنه‬
‫‪- 290 -‬‬

‫املالئكة اي رب ان هذه الطائفة خيافون من النار ويستجريونك منها فيقول هل رأوا انري‬
‫فيقولوا ال فيقول كيف لو رأوها فيقولوا الستجاروك منها كثريا وخيتارون طريق الفرار منها‬
‫أزيد فيقول هللا سبحانه للمالئكة اشهدوا أين قد غفرت هلم مجيعا فيقول املالئكة اي رب‬
‫ان فيهم فالان مل حيضر معهم للذكر بل جاء حلاجة دنياوية فيقول هللا سبحانه هم اجللساء‬
‫يعين هم جلسائي حبكم اان[‪ ]1‬جليس من ذكرين وهم قوم ال يشقى جليسهم فتبني من‬
‫هذا احلديث واحلديث السابق ان حميب هذه الطائفة يكونون معهم ومن كان معهم ال‬
‫يكون شقيا ثبتنا هللا سبحانه واايكم على حمبة هؤالء الكرام حبرمة النيب االمي اهلامشي‬
‫عليه الصالة و السالم كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وما ذكرمت من‬
‫ۤ‬
‫احوالكم يف مكتوب الشيخ ميان إله داد فاعلم أن امثال هذه العدمات والشدائد كثرية‬
‫الوقوع على الطالبني ينبغي ان تكون عايل اهلمة دون ان تقنع بكل ما يتيسر {شعر}‪:‬‬
‫بس بىي رنگ است اير دخلواه اى دل * قانع نشوى برنگ انگاه اى دل‬

‫{ترمجة}‬
‫خبيالكم ان كان غريي يكتفي * فاان الذي ال يكتفي بوصاله‬
‫وصحبة هذه الطائفة من مجلة ضرورايت الدين جعلنا هللا سبحانه يف صحبتهم‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫ان طفت حول السكارى نلت عرفهم * ان مل تنله فقد يكفيك رؤيتهم‬
‫وعليك ابملداومة على الطريق الذي تلقنته من حضرة قبلتنا يعين الشيخ حممد‬

‫(‪( )1‬قوله اان جليس من ذكرين) رواه البيهقي يف الشعب من االسرائيليات مث اورد حديثا مبعناه عن ايب هريرة مرفرعا‬
‫بلفظ أان مع عبدي ما ذكرين وحتركت شفتاه يب قال السيوطي اورده الديلمي ابلسياق االول عن عائشة ومل يسنده‬
‫واسنده من طريق عمر بن احلكم عن ثوابن مرفوعا قال هللا اي موسى اان جليس عبدي حني يذكرين واان معه اذا دعاين‬
‫واخرج ابن شاهني بسنده عن جابر رضي هللا عنه عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم اوحى هللا اىل موسى اي موسى احتب‬
‫ان أسكن معك بيتك فخر هلل ساجدا وقال اي رب فكيف تسكن معي بييت فقال اي موسى اما علمت اين جليس من‬
‫ذكرين حيثما التمسين عبدي انتهى وفيه املرتوك والضعيف من املخرج‬
‫‪- 291 -‬‬

‫الباقي أبن جتري االسم املبارك هللا على القلب مالحظا معناه بال مثلية وال كيفية بعد‬
‫التوجه اىل القلب ابلكلية من غري ان تتصوره مبعن احلاضرية والناظرية وان تالحظ معه‬
‫صفة من الصفات أصال بل الالزم استحضار هذا االسم املبارك يف القلب دائما بعد‬
‫التوجه املذكور وافادة بعض األمور الضرورية منوطة ابحلضور والصحبة فان تيسرت املالقاة‬
‫يذكر ان شاء هللا وينبغي ان تكتب االحوال املتجددة اىل زمن املالقاة فان مطالعتها‬
‫تكون ابعثة على التوجه الغائيب و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع واملائتان اىل املري حممد نعمان البدخشي يف النهي عن التأثر‬
‫من تعرضات املعاندين واحلاسدين والتحريض على االشتغال مبا هو مشغول به}‬
‫ال يكن حضرة املري نعمان متأملا ومتأذاي من كلمات أهل اخلسران قل كل يعمل‬
‫على شاكلته والالئق حبالك ان ال تتعرض هلم ابملكافاة واجملازاة فانه ال نور للبهتان والزور‬
‫وستكون كلماهتم املتناقضة ابعثة على كساد سوقهم ومن مل جيعل هللا له نورا فما له من‬
‫نور ينبغي لك ان تسعى وجتتهد يف اجراء الشغل الذي أنت مأمور به قل هللا مث ذرهم يف‬
‫خوضهم يلعبون وقد وصل اخوان الشيخ حممد صادق يف أوانه وقعد عشر االعتكاف‬
‫ابالتفاق وتشرف ابلفتوحات والواردات املتجددة واحلمد هلل سبحانه وأوقات سائر االحبة‬
‫مقرونة ابجلمعية والرتقيات املتوالية ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫{ املكتوب اخلامس واملائتنان اىل اخلواجه حممد اشرف الكابلي يف بيان ان‬
‫مالك االمر متابعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم}‬
‫شرفكم هللا سبحانه بكمال املتابعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم‬
‫والتحية فاهنا مالك األمر ومنية الصديقني وما سوى ذلك فأوهام ابطلة وخياالت فاسدة‬
‫جناان هللا سبحانه واايكم عنها و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه‬
‫و على آله الصلوات و التسليمات دائما‪.‬‬
‫‪- 292 -‬‬

‫{املكتوب السادس واملائتان اىل املال عبد الغفور السمرقندي يف مذمة الدنيا‬
‫وترك االلتفات اىل تنعماهتا}‬
‫اللهم نبهنا قب ل ان ينبهنا املوت حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله أمت الصلوات‬
‫وأفضل التسليمات وصل املكتوب الشريف املخصوص ابسم هذا احلقري املقعد يف ابدية‬
‫البعد واهلجران وصار وصوله سببا لالبتهاج والسرور جزاكم هللا عنا خري اجلزاء (ايها)‬
‫االخ ان االنسان ما قدم على الدنيا الجل اللقمة السمينة اللذيذة وااللبسة املزينة النفيسة‬
‫ومل خيلق للتمتع والتنعم واللهو واللعب وامنا املقصود من خلقه تذّّل وانكساره وعجزه‬
‫وافتقاره اليت هي حقيقة العبودية ولكن ينبغي ان يكون ذلك االنكسار واالفتقار مما‬
‫اذنت به الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية فان رايضات اهل‬
‫الباطن وجماهداهتم اليت ال توافق الشريعة الغراء ال حيصل منها شئ غري اخلسارة واخلذالن‬
‫والندامة واحلرمان وبعد التحلي والتزين ابالحكام الشرعية عمال واعتقدا على وفق رأي‬
‫علماء اهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم ينبغي تعمري الباطن بذكر هللا جل‬
‫سلطانه خصوصا بتكرار الذكر الذي تلقنته يف الطريقة النقشبندية العلية قدس هللا تعاىل‬
‫اسرارهم السنية فان يف طريق هؤالء االكابر اندراج النهاية يف البداية ونسبتهم فوق مجيع‬
‫النسب يصدق القاصرون هذا الكالم أو ال واملقصود امنا هو ترغيب االحباب وتشويق‬
‫االصحاب واملخالفون خارجون من املبحث {شعر}‪:‬‬
‫قد خاب من خال ذا هزو وهذرمة * وفاز من كان فيه حدة البصر‬
‫وابجلملة قد جعل الفالح االخروي مربوطا ابلذكر الكثري واذكروا هللا كثريا لعلكم‬
‫تفلحون شاهد هلذا املعن فينبغي االشتغال ابلذكر الكثري وبغض كل ما ينافيه وعالج‬
‫اخلالص هو هذا ما على الرسول اال البالغ {شعر}‪:‬‬
‫أال فاكثروا ذكر االله فانه * جالء صدا قلب غذاء الرواح‬
‫اال بذكر هللا تطمئن القلوب نص قاطع املسؤل من هللا سبحانه التوفيق والثبات‬
‫‪- 293 -‬‬

‫واالستقامة على ما هنالك فانه مالك االمر و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة‬
‫ا ملصطفى عليه و على آله أمت الصلوات وأفضل التسليمات وارسلت الثوب الذي تكرر‬
‫لبسه يف االوقات الطيبة ينبغي ان تلبسه جعل هللا سبحانه عواقب مجيع االمور خريا‬
‫ابلنيب وآله االجماد عليه وعليهم الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع واملائتان اىل املرزا حسام الدين أمحد يف بيان أتثري القرب‬
‫اجلسماين يف القرب الروحاين وذم االحوال الغري املوافقة للشرع}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد مضت مدة مديدة ومل يصل الينا‬
‫اخبار السالمة من جنابكم وحضرات املخادمي وولدي امليان مجال الدين حسني وسائر‬
‫ۤ‬
‫االعزة وخدمة العتبة العلية خصوصا الشيخ إله داد والشيخ هداية وال اخال املانع من‬
‫ذلك سوى نسيان النائني املهجورين نعم ان لقرب االبدان أتثريا عظيما يف قرب القلوب‬
‫وهلذا لن يبلغ ويل من االولياء مرتبة الصحايب حت أن اويسا القرين مع رفعة شأنه ما بلغ‬
‫مرتبة أدىن الصحابة لعدم وصوله اىل صحبة خري البشر عليه و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات سئل عبد هللا بن املبارك رضي هللا عنه ايهما أفضل معاوية أم عمر بن عبد‬
‫العزيز فقال الغبار الذي دخل أنف فرس معاوية مع رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم خري‬
‫من عمر بن عبد العزيز كذا مرة وأحوال فقراء هذه احلدود مع اللواحق والتوابع مقرونة‬
‫ابلعافية هلل سبحانه املنة على ذلك بل على مجيع النعماء واآلالء خصوصا على نعمة‬
‫االسالم ومتابعة سيد االانم عليه و على آله الصالة و السالم فانه مالك االمر ومدار‬
‫النجاة ومناط الفوز ابلسعادات الدنيوية واالخروية ثبتنا هللا سبحانه واايكم على ذلك‬
‫حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله الصالة و السالم {ع}‪:‬‬
‫هذا هو االمر و الباقي من العبث‬
‫و ماذا يفتح من ترهات الصوفية وماذا يزيد من أحواهلم ال يشرتى الوجد واحلال‬
‫هناك بنصف شعرة ما مل يوزن مبيزان الشرع وال تساوي االهلامات نصف شعرية مامل‬
‫‪- 294 -‬‬

‫تعرض حملك الكتاب والسنة واملقصود من سلوك طريق الصوفية ازدايد اليقني ابملعتقدات‬
‫الشرعية اليت هو حقيقة االميان وحصول اليسر أيضا يف اداء االحكام الفقهية ال انه أمر‬
‫آخر وراء ذلك فان الرؤية االخروية امنا هي يف اآلخرة وليست بواقعة يف الدنيا ألبتة‬
‫واملشاهدات والتجليات اليت الصوفية مسرورون هبا سكون اىل الظالل واطمئنان هبا وتسل‬
‫ابلشبه واملثال وهو تعاىل وراء الوراء واي عجبا من هذه املعاملة لو قيل هلم حقيقة‬
‫املشاهدات والتجليات كما هي ليخاف من وقوع الفتور يف طلب مبتدئ هذا الطريق‬
‫وحصول القصور يف شوقهم وان سكت عنها مع وجود العلم هبا خياف أيضا من التباس‬
‫احلق ابلباطل اي دليل املتحريين دلين حبرمة من جعلته رمحة للعاملني عليه و على آله‬
‫الصلوات و التسليمات فان أخربمت بكيفيات االحوال أحياان لكان موجبا الزدايد احملبة و‬
‫السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله أفضل الصلوات‬
‫وأكمل التسليمات وأجزل التحيات‪.‬‬

‫{ املكتوب الثامن واملائتان اىل الشيخ حممد صادق ولده االرشد يف جواب‬
‫سؤاله عن رؤية السالك نفسه أحياان يف مقامات االنبياء عليهم السالم وأحياان فوق‬
‫ذلك}‬
‫قد سأل ولدي ان بعض سالكي هذا الطريق جيد نفسه احياان يف مقامات العروج‬
‫يف مقامات االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات بل حيس يف بعض االوقات أنه عرج‬
‫اىل ما فوق هذا املقام فما سر هذا املعن واحلال أن من املقرر واجملمع عليه أن الفضل‬
‫لالنبياء عليهم الصالة و السالم واالولياء امنا جيدون ما جيدون واىل كماالت الوالية‬
‫يصلون بسبب متابعتهم (واجلواب) ان تلك املقامات اليت هي لالنبياء عليهم السالم‬
‫ليست هي هناية مقامات عروجاهتم بل كان عروج هؤالء العظام اىل ما فوق تلك‬
‫املقامات مبراتب فان تلك املقامات عبارات عن االمساء االهلية جل سلطانه اليت هي‬
‫مبادئ تعيناهتم ووسائل فيضان الفيوض من حضرات الذات تعالت وتقدست فانه ال‬
‫‪- 295 -‬‬

‫مناسبة بني حضرة الذات والعامل بدون توسط االمساء اصال وال نسبة بينهما سوى‬
‫االستغناء واالحتياج قطعا ان هللا لغين عن العاملني وهللا الغين وأنتم الفقراء شاهد هلذا‬
‫املعن فاذا نزل هؤآلء االكابر من مراتب العروج مقتبسني االنوار الفوقانية اىل هذه االمساء‬
‫اليت هل ا شبه ابحيازهم الطبيعية يف مراتب العروج على تفاوت درجاهتم ويتوطنون فيها‬
‫وهلذا لو طلبهم شخص بعد استقرارهم جيدهم يف تلك االمساء فعايل االستعداد املتوجه‬
‫حنو حضرة الذات تعالت وتقدست البد له من أن يصل اىل تلك االمساء وقت العروج‬
‫وأن جياوزها اىل ما فوقها مث ومث اىل ما شاء هللا تعاىل ولكن اذا نزل هذا السالك من فوق‬
‫ووصل اىل االسم الذي هو مبدأ تعني وجوده يكون ذلك االسم اسفل من االسامي اليت‬
‫هي مقامات االنبياء عليهم الصالة و السالم ألبتة وههنا يظهر تفاوت املقامات اليت هي‬
‫مناط االفضلية فكل من كان مقامه اعلى فهو أفضل وما مل يرجع السالك اىل امسه ومل‬
‫جيد امسه أسفل من اساميهم ال يعرف أفضليتهم بطريق الذوق واحلال بل يقول ابفضليتهم‬
‫ابلتقليد وحيكم أبولويتهم ابليقني السابق ولكن وجدانه مكذب حلكمه ويف هذا الوقت‬
‫يلزم االلتجاء والتضرع اىل احلق سبحانه واظهار العجز واالنكسار له تعاىل ليظهر له ما‬
‫هو حقيقة احلال وهذا املقام من مزال اقدام السالكني (ولنوضح) هذا اجلواب مبثال قال‬
‫ارابب املعقول ان الدخان مركب من االجزاء االرضية واالجزاء النارية فاذا صعد الدخان‬
‫تصعد االجزاء االرضية مبصاحبة االجزاء النارية اىل اجلهة الفوقانية وتعرج من حملها‬
‫حبصول قسر قاسر قالوا اذا كان الدخان قواي يكون عروجه اىل كرة النار وتصل االجزاء‬
‫االرضية يف هذا الصعود اىل مقامات االجزاء املائية واهلوائية اليت هلا التفوق عليها ابلطبع‬
‫مث تعرج منها صاعدة اىل ما فوقها ففي هذه الصورة ال ميكن ان تقول ان رتبة االجزاء‬
‫االرضية اعلى من رتبة االجزاء اهلوائية فان ذلك التفوق واالستعالء امنا كان ابعتبار قسر‬
‫القاسر ال ابعتبار الذات فاذا هبطت تلك االجزاء االرضية بعد وصوهلا اىل كرة النار‬
‫واستقرت يف مركزها الطبيعي يكون مقامها أسفل من مقام املاء واهلواء ألبتة ففيما حنن فيه‬
‫ان عروج هذا السالك من تلك املقامات كان ابعتبار قسر القاسر وذلك القاسر هو‬
‫‪- 296 -‬‬

‫افراط حرارة احملبة وقوة جذب العشق وأما ابعتبار الذات فمقامه حتت تلك املقامات‬
‫وهذا اجلواب الذي ذكرانه مناسب حلال املنتهى وأما اذا وقع هذا التوهم يف االبتداء‬
‫ووجد السالك نفسه يف مقامات االكابر فوجهه ان لكل مقام ظال ومثاال يف االبتداء‬
‫والتوسط فاذا وصل املبتدئ او املتوسط اىل ظالهلا يتخيل أنه قد وصل اىل حقيقة تلك‬
‫املقامات وال يقدر أن يفرق بني الظالل واحلقائق وكذا الشبه واملثال فاذا وجد االكابر يف‬
‫ظالل مقاماهتم يتخيل له أنه قد حصل الشركة مع االكابر يف املقامات وليس كذلك بل‬
‫فيه اشتباه ظل شئ بنفس الشئ اللهم اران احلقائق كما هي وجنبنا عن االشتغال ابملالهي‬
‫حبرمة سيد االولني واآلخرين عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع واملائتان اىل املري حممد نعمان البدخشي يف حل بعض‬


‫عبارات رسالة املبدإ واملعاد املغلقة وبعض عبارات اخر جوااب ملكتوبه وبياان‬
‫لضرورايت الطريقة}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين أمجعني‬
‫املطلوب كون االخ االعز السيد حممد نعمان على اجلمعية واحوال هذه احلدود مستوجبة‬
‫للحمد وقد كنت سألت انت واخي اخلواجه حممد اشرف وقت الوداع يف سراية فرخ عن‬
‫معن هذه العبارة الواقعة يف رسالة املبدإ واملعاد وملا مل تكن يف الوقت سعة ومساعدة بقى‬
‫اجلواب موقوفا واآلن قد وقع يف اخلاطر ان اكتب يف حل تلك العبارة شيئا يكون موجبا‬
‫لتشفي صدور االحباب والعبارة هي هذه وبعد الف سنة وبضع سنني من رحلة النيب‬
‫عليه و على آله الصالة و السالم جيئ زمان تعرج فيه احلقيقة احملمدية عن مقامها وتتحد‬
‫حبقيقة الكعبة فحينئذ حيصل للحقيقة احملمدية إسم احلقيقة االمحدية وتصري مظهرا للذات‬
‫االحد جل سلطانه وكل من االمسني املباركني يتحقق ابملسمى ويبقى املقام السابق خاليا‬
‫عن احلقيقة احملمدية اىل زمن نزول عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم ويعمل‬
‫ابلشريعة احملمدية ففي ذلك الوقت تعرج احلقيقة العيسوية عن مقامها وتستقر يف مقام‬
‫‪- 297 -‬‬

‫احلقيقة احملمدية الذي بقى خاليا انتهى (ينبغي) أن يعلم ان حقيقة شخص عبارة عن‬
‫التعني الوجويب الذي تعني ذلك الشخص االمكاين ظل ذلك التعني وذلك التعني‬
‫الوجويب اسم من االمساء االهلية جل شأنه كالعليم والقدير واملريد واملتكلم وامثاهلا وذلك‬
‫االسم االهلي رب ذلك الشخص ومبدأ فيضان وجوده وتوابع وجوده وهلذا االسم ابلنسبة‬
‫اىل حضرة الذات مراتب شت حيث يطلق ه ذا االسم يف مرتبة الصفة اليت وجودها زائد‬
‫عن وجود الذات ويصدق ايضا يف مرتبة الشأ ن الذي زايدته عن الذات مبجرد االعتبار‬
‫والفرق بني الصفة والشأ ن قد ذكر ابلتفصيل يف املكتوب الذي حرر يف بيان السلوك‬
‫واجلذبة فان كان فيه خفاء واشتباه فلرياجع هناك وال شك ان حصول الشأن ولو كان‬
‫جمرد اعتبار ولكن يقتضى ان يكون فوقه معن آخر زائد مناسب هلذا الشأن يكون مبدا‬
‫لوجوده االعتباري فيحصل هلذا االسم نصيب من تلك املرتبة ايضا وهذا االحتمال جار‬
‫فوق ذاك املعن الزائد أيضا ولكن القوة البشرية عاجزة عن ضبطه وهذا الفقري قليل‬
‫البضاعة قد جتاوز اىل مرتبة أخرى ولكن ال نصيب له مما فوقها غري االستهالك‬
‫واالضمحالل وفوق كل ذي علم عليم {شعر}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫وتفاضل اقدام اهل هللا بعضها على بعض وتفاوهتا امنا هو ابعتبار طي هذه‬
‫املراتب الشت على تفاوت االستعدادات والقابليات والواصلون اىل نفس االسم قليلون‬
‫من االولياء فان اكثرهم واصلون اىل ظل من ظالل ذلك االسم بعد ان عرجوا من املراتب‬
‫االمكانية ابسرها بطريق السري والسلوك التفصيلي وقد يتوهم الوصول اىل ذلك االسم يف‬
‫طريق اجلذبة الصرفة ايضا لكنه ال يعترب وال يعتد به والذين عرجوا من ذلك االسم و‬
‫قطع وا املراتب املتفاوتة قلت او كثرت فهؤالء أقل قليل منهم ولنرجع اىل اصل الكالم‬
‫ونقول كما أن حقيقة الشخص تطلق على التعني الوجويب كذلك يطلق على تعينه‬
‫االمكاين فاذا علمت هذه املقدمات أقول ان حممدا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫مركب من عامل اخللق وعامل االمر كرتكب كافة االانم منهما واالسم االهلي الذي هو رب‬
‫‪- 298 -‬‬

‫عامل خلقه شأن العليم والذي يريب عامل أمره املعن الذي هو مبدأ وجود ذلك الشأن‬
‫االعتباري كما مر واحلقيقة احملمدية عبارة عن شأن العليم واحلقيقة االمحدية كناية عن‬
‫ذلك املعن الذي هو مبدأ ذلك الشأن وحقيقة الكعبة السبحانية هي أيضا عبارة عن‬
‫ذلك املعن والنبوة اليت كانت حاصلة لنبينا قبل خلق آدم عليهما الصالة و السالم كما‬
‫أخرب عنها النيب صلّى هللا عليه و سلّم حيث قال كنت نبينا وآدم بني املاء والطني كانت‬
‫ابعتبار احلقيقة االمحدية اليت هلا تعلق بعامل االمر وهبذا االعتبار بشر عيسى على نبينا‬
‫وعليه الصالة و السالم حيث كان كلمة هلل تعاىل وكانت مناسبته بعامل االمر أزيد بقدوم‬
‫نبينا عليه الصالة و السالم ابسم أمحد حيث قال ومبشرا برسول أييت من بعدي امسه‬
‫أمحد والنبوة اليت هلا تعلق ابلنشأة العنصرية امنا هي ابعتبار احلقيقة احملمدية بل ابعتبار‬
‫احلقيقتني وربه يف هذه املرتبة ذاك الشان ومبدأه وهلذا كانت دعوة هذه املرتبة امت من‬
‫املرتبة السابقة فان دعوته يف تلك املرتبة كانت خمصوصة بعامل امره وتربيته كانت مقصورة‬
‫على الروحانيني ويف هذه املرتبة دعوته شاملة للخلق واالمر وتربيته مشتملة على االرواح‬
‫واالجسام غاية ما يف الباب ان نشأته العنصرية كانت يف هذه النشأة غالبة على نشأته‬
‫امللكية عليه الصالة و السالم وذلك لتحصل زايدة املناسبة ابخلالئق اليت هي سبب‬
‫االفادة واالستفادة فان جانب البشرية غالب فيهم وهلذا امر احلق سبحانه حبيبه االكرم‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم ابظهار بشريته آبكد الوجوه حيث قال قل امنا اان بشر مثلكم اآلية‬
‫واتيان لفظ مثلكم لتأكيد البشرية وبعد ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم من النشأة العنصرية‬
‫غلب جانبه الروحاين واخذت مناسبته البشرية يف النقصان وظهر التفاوت يف نورانية‬
‫الدعوة قال بعض االصحاب الكرام وجدان[‪ ]1‬التفاوت يف قلوبنا ومل نفرغ بعد من دفنه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم نعم قد تبدل االميان الشهودي ابالميان الغييب واجنرت املعاملة من‬
‫العيان اىل السماع وملا مضت من رحلته صلّى هللا عليه و سلّم الف سنة وهي مدة مديدة‬

‫(‪ )1‬أخرج الدارمي والرتمذي يف الشمائل عن انس رضي هللا عنه ما نفضنا أيدينا عن الرتاب واان لفي دفنه حت انكران‬
‫قلوبنا منه‪.‬‬
‫‪- 299 -‬‬

‫وازمنة متطاولة يع ين وهلا أتثري يف تغري االمور العظام وتبدهلا غلب جانب روحانيته على‬
‫هنج جعل جانب بشريته متلوان بلونه ابلتمام وصري عامل اخللق منصبغا بصبغ عامل االمر‬
‫فما كان من عامل خلقه صلّى هللا عليه و سلّم راجعا اىل حقيقته يعين احلقيقة احملمدية‬
‫عرج اىل احلقيقة االمحدية والتحق هبا ابلضرورة واحتدت احلقيقة احملمدية ابحلقيقة األمحدية‬
‫واملراد ابحلقيقة األمحدية واحلقيقة احملمدية هنا تعينه اخللقي واالمري االمكانيني ال الوجويب‬
‫الذي تعينه االمكاين ظله فانه ال معن لعرووج التعني الوجويب وال يتعلق االحتاد بذلك‬
‫التعني فاذا نزل عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم واتبع شريعة خامت الرسل عليه‬
‫الصالة و السالم يعرج عن مقام نفسه ويصل اىل مقام احلقيقة احملمدية ابلتبعية ويقوي‬
‫دينه عليه الصالة و السالم ومن ههنا ينقل عن شرائع من قبلنا انه كلما تقادم العهد‬
‫برسول من الرسل اويل العزم ابن مضي ألف سنة من ارحتاله كان يبعث من االنبياء الكرام‬
‫والرسل العظام من يقوي شريعة ذلك النيب ويعلي كلمته فاذا متت دورة دعوته كان يبعث‬
‫غريه من اويل العزم وجيدد شريعة نفسه وملا كانت شريعة خامت الرسل عليه وعليهم الصالة‬
‫و السالم حمفوظة من النسخ والتبديل اعطى علماء امته حكم االنبياء وفوض اليهم امر‬
‫تقوية الشريعة وأتييد امللة ومع ذلك تروج شريعته جبعل واحد من الرسل اويل العزم متبعا‬
‫له قال هللا تعاىل اان حنن نزلنا الذكر واان له حلافظون (اعلم) ان االولياء الذين يظهرون من‬
‫امته صلّى هللا عليه و سلّم بعد مضي الف سنة من ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم يكونون‬
‫اكمل وان كانوا أقل ليحصل تقوية الشريعة على الوجه األمت وهلذا يكون جمئ املهدي‬
‫الذي بشر خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم بقدومه املبارك بعد مضي ألف‬
‫سنة وكذلك عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم ينزل بعد ألف سنة وابجلملة ان‬
‫كماال ت أولياء هذه الطبقة شبيهة بكماالت االصحاب الكرام عليهم الرضوان وان كان‬
‫الفضل بعد االنبياء عليهم الصالة و السالم لالصحاب الكرام ولكن يكاد ال يفضل‬
‫أحدمها على اآلخر من كمال التشابه ولعل النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال الجل هذا‬
‫أميت مثل املطر ال يدري أوله خري أم آخره ومل يقل ال أدري أوهلم خري أم آخرهم لعلمه‬
‫‪- 300 -‬‬

‫حبال كل من الفريقني وهلذا قال خري[‪ ]1‬القرون قرين ولكن ملا كان من كمال التشابه حمل‬
‫تردد يعين يف تفضيل أحدمها على اآلخر ابلنسبة اىل غريه صلّى هللا عليه و سلّم قال ال‬
‫يدري (فان قيل) قد حكم النيب صلّى هللا عليه و سلّم خبريية قرن التابعني بعد قرن‬
‫الصحابة وخريية قرن تبع التابعني بعد قرن التابعني فتكون خريية هذين القرنني من هذه‬
‫الطبقة أيضا متيقنة فما يكون تشابه هذه الطبقة ابالصحاب الكرام يف الكماالت‬
‫(أجيب) ميكن أن تكون خريية هذين القرنني من هذه الطبقة ابعتبار كثرة ظهور أولياء‬
‫هللا تعاىل وقلة وجود أهل البدعة وندرة أرابب الفسق واملعصية فيهما وهذا ال ينايف كون‬
‫االفراد من أولياء هذه الطبقة خريا من افراد أولياء ذينك القرنني كحضرة املهدي مثال‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫لو انل من فيض روح القدس من مدد * غري املسيح ليصنع مثل ما صنعا‬
‫و لكن قرن االصحاب خري من مجيع الوجوه والتكلم فيه من الفضول فان‬
‫السابقني سابقون يف جنات النعيم وهم املقربون ال يبلغ انفاق غريهم مثل جبل[‪ ]2‬ذهبا‬
‫انفاقهم مد شعري وهللا خيتص برمحته من يشاء (ينبغي) أن يعلم أنه قد اتضح من البيان‬
‫السابق معن عبارة رسالة املبدأ واملعاد اليت سطرت فيها فوق العبارة املذكورة من ان‬
‫حقيقة الكعبة الرابنية صارت مسجودا اليها للحقيقة احملمدية فان حقيقة الكعبة الرابنية‬
‫هي بعينها احلقيقة األمحدية اليت احلقيقة احملمدية ظلها يف احلقيقة فتكون مسجودا اليها‬
‫للحقيقة احملمدية ابلضرورة (فان قيل) ان الكعبة قد تذهب لطواف أولياء االمة وتتربك‬
‫هبم فكيف يكون حلقيقتها تقدم على احلقيقة احملمدية وكيف جيوز هذا املعن (اجيب) ان‬
‫احلقيقة احملمدية هناية مقامات نزول حممد صلّى هللا عليه و سلّم من ا وج التنزيه وذورة‬

‫(‪ )1‬رواه امحد والرتمذي عن انس رضي هللا عنه وامحد عن عمار رضي هللا عنه وابو يعلى عن علي رضي هللا عنه‬
‫والطرباين عن ابن عمر وابن عمرو واخرج ابن عساكر عن عمرو بن عثمان رضي هللا عنه مرسال بلفظ اميت مباركة ال‬
‫يدري اوهلا خري او آخرها اه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬روى الشيخان عن ايب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ال تسبوا اصحايب فلو‬
‫ان احدكم انفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم وال نصيفه‪.‬‬
‫‪- 301 -‬‬

‫التقديس وحقيقة الكعبة هناية مقامات عروج الكعبة وأول مرتبة تعرج اليها احلقيقة‬
‫احملمدية من مراتب التنزيه هي حقيقة الكعبة[‪ ]1‬وال اطالع على هناية مراتب عروجها‬
‫الحد غري احلق سبحانه وحيث كان لكمل أولياء امته عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫نصيب اتم من عروجاته صلّى هللا عليه و سلّم فما العجب ان متنت الكعبة من بركات‬
‫هؤالء االكابر {شعر}‪:‬‬
‫عال فوق السماء وليد أرض * وخلف خلفه زمنا و ارضا‬
‫واحنلت ايضا عبارة أخرى من هذه الرسالة الواقعة يف هذا املقام وهي هذه كما ان‬
‫صورة الكعبة مسجود اليها لصور االشياء كذلك حقيقة الكعبة مسجود اليها حلقائق‬
‫االشياء فانه قد علم من املقدمات السابقة ان حقائق االشياء عبارات عن االمساء االهلية‬
‫جل سلطانه اليت هي مبادئ فيضان وجودهم وتوابع وجودهم وحقيقة الكعبة فوق تلك‬
‫االمساء فال جرم تكون حقيقة الكعبة متبوعة حلقائق االشياء ألبتة نعم اذا وقع سري كمل‬
‫االولياء فوق حقيقة الكعبة مث نزلوا اىل مراتب حقائقهم الشبيهة ابحيازهم الطبيعية يف‬
‫مراتب العروج مقتبسني لألنوار الفوقانية تتوقع الكعبة منهم الربكات كما مر آنفا (وأيضا)‬
‫قد حررت يف رسالة املبدأ واملعاد فقرات يف بيان أفضلية االنبياء أويل العزم صلوات هللا‬
‫وتسليماته تعاىل عليهم ومعن أفضلية بعضهم على بعض وملا كان مبناها على الكشف‬
‫واالهلام اللذين يفيدان الظن كنت اندما على كتابيت اايها والتفرقة والتحكم يف التفاضل‬
‫ومستغفرا منها فان التكلم يف هذا الباب بال دليل قطعي ال جيوز استغفر هللا وأتوب اىل‬
‫هللا من مجيع ما كره هللا قوال وفعال وكتبت يف مكتوبك أبين كنت سئلت يف سراي فرخ ان‬
‫ايل أو ال فقلت يف اجلواب ال (آه) ما بقي‬
‫تعليم الطريقة للطالبني هل هو مرضي ابلنسبة ّ‬
‫يف خاطر الفقري صدور النفي بل قلت مشروط ابلشرائط ليس مبرضي مطلقا واآلن ينبغي‬
‫ان تعلمها على ذلك الوجه املذكور وينبغي ان حتتاط يف رعاية الشروط ورعاية االحتياط‬

‫(‪ )1‬يعين فال حمذور يف تقدم آخر مراتب عروج الكعبة وتفضله على آخر مراتب نزول حممد صلّى هللا عليه و سلّم فال‬
‫وجه للطعن يف ذلك منه عفي عنه‬
‫‪- 302 -‬‬

‫دون املساهلة وما مل حيصل اليقني يف التعليم ابالستخارات ال ينبغي االقدام على التعليم‬
‫ودل اخاان و موالان اير حممد القدمي على هذا وأكد عليه يف ترك االستعجال يف تعليم‬
‫الطريقة ليس املقصود توسيع الدكان بل ينبغي مالحظة مرضي احلق سبحانه وما علينا اال‬
‫االخبار وأيضا أنك كنت متأذاي من مسرتشديك ومنحرفا عنهم ينبغي لك التأذي‬
‫واالحنراف من وضعك وصنعك فانك تعاشرهم على هنج تكون عاقبتها اذية ألبتة وقد‬
‫قالوا ينبغي للشيخ ان يتجمل للمريد ال أنه يفتح ابب االختالط ويسلك طريق املصاحبة‬
‫ابيراد احلكاايت والقصص و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب العاشر واملائتان اىل املال شكييب االصفهاين يف حل بعض عبارات‬


‫النفحات وبعض النصائح الضرورية اليت ألتمسها}‬
‫قد تشرفت مبطالعة املكتوب الشريف ألذي أرسلته اىل هذا احلقري القليل البضاعة‬
‫على وجه الشفقة واملرمحة وصرت مبتهجا ومسرورا عش ابلسالمة ومت وما عشت تعش‬
‫على حمبة الفقراء و اذا م ت تكن حمبتهم رأس مالك وأصل بضاعتك واذا حشرت حتشر‬
‫على حمبتهم حبرمة من افتخر ابلفقر وآثره على[‪ ]1‬الغنا عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫ورقمت على وجه الكرم أنه ما حقيقة معاملة احلكاية املذكورة يف النفحات من ان مريد‬
‫الشيخ ابن سكينة قدس سره دخل يوما الدجلة الجل االغتسال وخاض يف املاء وملا رفع‬
‫رأسه رأى نفسه يف النيل فخرج من املاء ودخل مصر وتزوج فيه وولد له أوالد واقام مبصر‬
‫سبع سنني فدخل يوما النيل اتفاقا لالغتسال وخاض يف املاء فلما رفع رأسه رأي نفسه‬
‫يف الدجلة ورأي مجيع أثوابه اليت كان وضعها يف أول مرة بساحل الدجلة على حاهلا‬
‫فلبس ثيابه وجاء منزله فقالت له امرأته الطعام الذي أمرت بطبخه للضيوف حاضر اىل‬

‫(‪( )1‬قوله وآثر الغنا) روى الرتمذي عن ايب امامة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم عرض عل ّي‬
‫ريب ان جيعل بطحاء مكة ذهبا فقلت اي رب اشبع يوما واجوع يوما انتهى وراودته اجلبال الشم من ذهب * عن نفسه‬
‫فأراها اميا مشم‪.‬‬
‫‪- 303 -‬‬

‫آخر القصة (أيها املخدوم) املكرم ان اشكال هذه احلكاية ليس من جهة حصول أمور‬
‫سنني يف ساعة واحدة فان امثال هذه املعاملة كثرية الوقوع ومن مجلتها معراج خامت الرسل‬
‫صلى هللا عليهم وسلم فانه حني رجع اىل مكانه بعد طي معارج العروج وقطع مسافة‬
‫منازل الوصول الذي يتيسر يف ألوف من السنني يعين عادة رأى[‪ ]1‬ان حرارة فراشه ابقية‬
‫على حاهلا ومل يسكن املاء الذي مأله يف االبريق للوضوء عن حركته ووجهه ما ذكره يف‬
‫النفحات من أنه من قبيل بسط الزمان وامنا اشكال هذه احلكاية من جهة كون هذه‬
‫املدة آان واحدا يف بغداد وحيصل هلذا اآلن امتداد مبصر اىل سبع سنني فاذا كان التأريخ‬
‫اهلجري ابلنسبة اىل أهل بغداد مثال ثلثمائة وستني سنة يف ذلك الوقت ينبغي ان يكون‬
‫ابلنسبة اىل أهل مصر يف عني ذلك الوقت ثلثمائة وسبع وستني سنة وهذا املعن مما ال‬
‫جيوزه العقل وال يسعه النقل وهذه املعاملة وان كانت جموزة ابلنسبة اىل شخص او‬
‫شخصني ولكنها ابلنسبة اىل بالد خمتلفة وامكنة متعددة حمال وما خيطر يف خاطر هذا‬
‫احلقري الكليل هو ان هذه احلكاية ما وقعت يف عامل اليقظة بل هي من قبيل الرؤاي‬
‫والواقعات واشتبه الرؤاي ابلرؤية للمستمع والتبس له النوم ابليقظة وهذا القسم من االشتباه‬
‫كثري الوقوع بل من مظان االشتباه كون رؤيته وقصته على شيخه وجميئه ابوالده اليه يف‬
‫املنام واحلكاية اليت نقلها عن الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره بعد هذه احلكاية‬
‫هي ايضا من هذا القبيل وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال وهللا اعلم حبقيقة االمور كلها‬
‫(والتمست) ايضا شرح هذه العبارة ان مريب اجلسد هو الروح ومريب القالب هو القلب‬
‫(أيها املخدوم) ان مؤدي هاتني العبارتني واحد وهو بيان حصول الرتبية لعامل اخللق‬
‫االنساين من عامله االمري وملا كان وقوع لفظ اجلسد مقروان بلفظ الروح يف االطالقات‬
‫واحملاورات ووقعت املناسبة اللفظية بني القالب والقلب وقع اختيار تعيني العبارة جلمع كل‬

‫(‪( )1‬قوله رأى ان حرارة فراشه ابقية على حاهلا اخل) قيل جمرد حديث املعراج يكفي الثبات املدعى واما ما ذكر فلم‬
‫يثبت قال يف اتريخ اخلميس ويف زين القصص عن عمار كان ذهابه وجميئه ثالث ساعات وعن وهب ابن منبه وحممد‬
‫ابن اسحق يف اربع ساعات ويف كالم السبكي كان قدر حلظة وال بدع الن هللا تعاىل قد يطيل الزمان القصري كما‬
‫يطوي الطويل ملن يشاء اخل قلت وهذا الكالم مما يثلج له الصدر والتقدير ابلساعة ال خيفي تكلفه وتعسفه‪.‬‬
‫‪- 304 -‬‬

‫مبا يناسبه (وصدر) ايضا طلب النصائح (أيها املخدوم) مينعين احلياء من ان اكتب شيئا‬
‫من هذا الباب مع وجود مجيع هذه اخلراابت والتعلقات والتلواثت وقلة البضاعة وعدم‬
‫احلاصل وان ارقم من هذه املقولة حرفا ابلتصريح او ابالشارة ولكن اخاف من ان انسب‬
‫اىل اخلسة والدانئة والضن والبخل لو امسكت عن القول املعروف وصنت نفسي عن‬
‫ذلك فبناء على ذلك اجرتئ على حترير كلمات (أيها املخدوم) ان بقاء الدنيا قليل جدا‬
‫وقد تلف االكثر من هذا القليل ايضا وزال وبقى االقل ومدة اآلخرة ابقية ودائمة وجعلت‬
‫معاملة االبد واخللود مربوطة ببقاء اايم معدودة وبعدها اما تنعم ابدي او عذاب سرمدي‬
‫اخرب بذلك املخرب الصادق ليس فيه احتمال التخلف فينبغي استعمال العقل املتفكر‬
‫(ايها املخدوم) قد مضى اشرف العمر يف اهلوى واهلوس وضاع يف حتصيل مراضي اعداء‬
‫هللا جل شأنه وبقى ارذل العمر فان مل نصرفه اليوم يف مرضيات احلق جل سلطانه ومل‬
‫نتالف االشرف ومل نتدراكه ولو ابالرذل ومل جنعل احملنة القليلة وسيلة اىل الراحة االبدية‬
‫ومل نكفر السيئآت الك ثرية حبسنات يسرية فبأي وجه نذهب غدا عند هللا تعاىل وأبي‬
‫حيلة نتمسك واىل مت ميتد نوم االرنب وحت مت يكون قطن الغفلة هذه كلها يف اآلذان‬
‫وسرتفع الغشاوة عن ابصار البصرية ألبتة ويزال قطن الغفلة عن السامعة ال حمالة ولكن ال‬
‫ينفع ذلك هنالك وال يكون نقد الوقت غري احلسرة والندامة على ذلك فينبغي العمل‬
‫لنفسك قبل ورود املوت والتوسد برمسك مث املوت قائال واشوقاه وال بد اوال من تصحيح‬
‫االعتقاد وتصديق ما علم من الدين ابلضرورة مث العلم والعمل مبا تكفل ببيانه علم الفقه‬
‫ايضا ضروري مث سلوك طريق الصوفية ايضا مطلوب ال الجل مشاهدة الصور واالشكال‬
‫الغيبية ومعاينة االنوار وااللوان الالريبية فان هذا داخل يف اللهو واللعب واي نقصان يف‬
‫الصور واالنوار احلسية حت يرتكها االنسان ويشتاق اىل الصور واالنوار الغيبية ويقصدها‬
‫ابرتكاب الرايضات واجملاهدات وهذه الصور واالنوار وتلك الصور واالنوار كلها خملوقة‬
‫للحق سبحانه وآايت دالة على صانعيته تعاىل ولنور الشمس والقمر اللذين يف عامل‬
‫الشهادة مزية على االنوار اليت تشاهد يف عامل املثال ولكن ملا كانت رؤيتهما دائمة‬
‫‪- 305 -‬‬

‫واشرتك فيها اخلواص والعوام اسقطوها عن نظر االعتبار واشتاقوا اىل ما يرى يف عامل‬
‫الغيب من االنوار {شعر}‪:‬‬
‫وال قدر للماء الذي دام جاراي * على ابب انسان وان كان كوثرا‬
‫بل املقصود من سلوك طريق الصوفية حتصيل ازدايد اليقني ابملعتقدات الشرعية‬
‫حت خترج من مضيق االستدالل اىل فضاء الكشف ومن االمجال اىل التفصيل مثال إن‬
‫وجود الواجب الوجود تعاىل وتقدس ووحدته سبحانه اذا كان اوال معلوما بطريق‬
‫االستدالل او التقليد وحصل اليقني به على مقدارمها فاذا تيسر سلوك طريق الصوفية‬
‫يتبدل ذلك االستدالل والتقليد كشفا وشهودا وحيصل اليقني االكمل و على هذا القياس‬
‫سائر االعتقادايت واملقصود منه ايضا حتصيل اليسر يف اداء االحكام الفقهية وازالة العسر‬
‫الذي حيصل من جهة النفس االمارة ويقني هذا الفقري ان طريق الصوفية خادم للعلوم‬
‫الشرعية ال انه امر مباين هلا وقد حققت هذا يف كتيب ورسائلي واختيار طريق النفشبندية‬
‫من بني سائر الطرق الجل حصول هذا الغرض أوىل وانسب فان هؤالء االكابر التزموا‬
‫متابعة السنة واجتناب البدعة وهلذا تراهم يفرحون ويستبشرون حبصول دولة املتابعة هلم‬
‫وان مل حيصل هلم شئ من االحوال واذا احسوا فتورا يف املتابعة مع وجود االحوال ال‬
‫يقبلون تلك االحوال قال حضرة اخلواجه احرار قدس سره لو اعطيت مجيع االحوال‬
‫واملواجيد ومل توافق ابعتقاد اهل السنة واجلماعة مثال ال ارى تلك االحوال غري الشقاوة‬
‫واخلذالن وان اعطيت اعتقاد اهل السنة واجلماعة وحرمت االحوال ابسرها فال نغتم على‬
‫ذلك وايضا ان يف هذا الطريق اندراج النهاية يف البداية فيجد اهل هذه الطريقة يف اول‬
‫قدم ما جيده غريهم يف النهاية وان كان بينهما فرق فامنا هو ابالمجال والتفصيل والشمول‬
‫وعدم الشمول وهذه النسبة هي نسبة االصحاب الكرام بعينها فاهنم عليهم الرضوان كانوا‬
‫جيدون يف اول صحبة خري البشر ماال يدرى انه يتيسر الولياء االمة سواهم يف النهاية او‬
‫ال وهلذا مل يصل اويس القرين الذي هو افضل التابعني اىل مرتبة وحشي قاتل محزة رضي‬
‫هللا عنه لنيله مرة واحدة صحبة خري البشر عليه الصالة و السالم فان فضيلة الصحبة‬
‫‪- 306 -‬‬

‫فوق مجيع الفضائل والكماالت فان امياهنم شهودي ومل تتيسر هذه الدولة لغريهم أصال‬
‫{ع}‪:‬‬
‫هل املسموع يشبه قط مبرئي‬
‫وهلذا كان انفاق مد شعري منهم أفضل من انفاق جبل ذهب من غريهم ومجيع‬
‫االصحاب متساوون يف هذه الفضيلة فينبغي تعظيم مجيعهم وذكر كلهم ابخلري فان‬
‫الصحابة كلهم عدول وكلهم متساوون يف قبول روايتهم وتبليغ االحكام ال مزية لرواية‬
‫أحدهم على رواية اآلخر منهم وهم محلة القرآن اجمليد ومنهم مجعت اآلايت املتفرقات من‬
‫هذا آيتان ومن هذا ثالث آايت وأزيد وأنقص اعتمادا على عدالتهم فمن جرح واحدا‬
‫من االصحاب فذلك اجلرح راجع اىل القرآن اجمليد فانه ميكن أن يكون حامل بعض‬
‫اآلايت ذلك اجملروح واملطعون فيه وينبغي ان يصرف املخالفات واملنازعات الواقعة بني‬
‫هؤالء االكابر اىل حمامل صحيحة وان يبعدهم وينزههم عن اهلوى والتعصب قال االمام‬
‫الشافعي رمحه هللا تعاىل وهو أعلم أبحوال الصحابة عليهم الرضوان تلك دماء طهر هللا‬
‫عنها ايدينا فلنطهر عنها ألسنتنا ونقل مثل هذه املقولة أيضا عن االمام جعفر الصادق‬
‫رضي هللا عنه و السالم أوال وأخرا‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي عشر واملائتان اىل املال اير حممد قدمي البدخشي يف جواب‬
‫سؤاله وبيان بعض لوازم مقام التكميل واالرشاد}‬
‫وصل املكتوب املرغوب من االخ االعز موالان اير حممد القدمي وصار موجبا للفرح‬
‫بلغ هللا سبحانه ذروة الكمال والتكميل حبرمة النيب املختار وآله االجماد واالبرار عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم وقد سئلت عن مقالة املولوي عليه الرمحة حيث قال ان املليح‬
‫الذي كان جبنيب كان حقا فهل جيوز هذا الكالم أم ال (اعلم) أن أمثال هذا االمر تقع‬
‫كثريا يف هذا الطريق وجتري على اللسان وهذا النوع من املعاملة يقال له التجلي الصوري‬
‫ويظن صاحب املعاملة تلك الصورة املتجلي هبا حقا تعاىل شأنه والكالم امنا هو ما قال‬
‫‪- 307 -‬‬

‫الشيخ االجل االمام الرابين حضرة اخلواجه يوسف اهلمداين قدس سره حيث قال تلك‬
‫خياالت ترىب هبا أطفال الطريقة (مث اعلم) انه ملا صدر لكم نوع اجازة تعليم الطريقة‬
‫أردت ان اكتب بعض الفوائد يف هذا الباب ينبغي استماعها أبذن العقل والعمل هبا‬
‫(أعلم) انه اذا جاء عندك طالب ابرادة الطريقة ينبغي لك ان تتأمل وتتأين كثريا يف تعليم‬
‫الطريقة اايه خوفا من ان يراد عليك االستدراج يف هذا االمر ومن ان يكون املنظور فيه‬
‫خرابيتك خصوصا اذا ظهر الفرح والسرور من جميئ املريد فينبغي سلوك طريق االلتجاء‬
‫والتضرع يف هذا الباب واالستخارات املتعددة اىل ان حيصل اليقني بكون تعليم الطريقة‬
‫اايه مرضيا وانه ال يراد به االستدراج واالضالل الن التصرف يف عبادة هللا تعاىل وتضييع‬
‫الوقت يف تربيتهم غري جموز بال اذن احلق سبحانه ويف قوله تعاىل لتخرج الناس من‬
‫الظلمات اىل النور أبذن رهبم داللة على هذا املعن حكي انه ملا تويف واحد من االعزة‬
‫جاء اخلطاب ابنه انت الذي لبس الدرع يف ديين على عبادي قال بلى قال هال وكلت‬
‫ايل وأقبلت بقلبك عل ّي واالجازة اليت صدرت لك ولغريك مشروطة ابلشروط‬ ‫خلقي ّ‬
‫ومنوطة حبصول الع لم مبرضاه تعاىل فانه ما جاء بعد وقت االجازة املطلقة فينبغي رعاية‬
‫تلك الشروط اىل ورود ذلك الوقت والشرط هو االخبار وحرر هذا املعن ايضا اىل املري‬
‫نعمان فينبغي االستعالم ايضا من هناك وابجلملة ينبغي السعي حت جيئ ذلك الوقت‬
‫ويتيسر التخلص من مضائق الشرائط و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين عشر واملائتان اىل موالان حممد صديق البدخشي يف جواب‬
‫بعض أسئلته وحل واقعة رآها}‬
‫وصل املكتوابن املرغوابن متتابيعن فازداد فرح على فرح أكرمكم هللا سبحانه‬
‫برتقيات غري متناهية حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله الصالة و السالم وسألت انه‬
‫هل يقدر الشيخ صاحب التصرف أن يوصل املريد املستعد بتصرفه اىل مراتب فوق‬
‫استعداده أو ال بلى يقدر ان يوصله ولكن اىل مراتب تناسب استعداده ال اىل مراتب‬
‫‪- 308 -‬‬

‫تباين استعداده مثال اذا كان يف مريد استعداد الوالية املوسوية وهناية قوة استعداده ما‬
‫يقدر الوصول هبا اىل نصف طريق هذه الوالية فالشيخ صاحب التصرف يستطيع ان‬
‫يوصله بتصرفه اىل اقصى درجات هذه الوالية وأما انه خيرجه من الوالية املوسوية اىل‬
‫الوالية احملمدية ومينحه هناك الرتقيات فهو ليس مبعلوم الوقوع (وسألت) أيضا انه اي‬
‫مرتبة حيصل فيها لالخفى الذي هو ألطف اللطائف االنسانية حكم النفس االمارة‬
‫وحتصل له املشاهبة يف اخلسة والدانءة (ليعلم) االخ ان االخفى وان كان ألطف اللطائف‬
‫ولكنه داخل يف دائرة االمكان ومتسمة بسمة احلدوث فاذا وضع السالك قدمه يف خارج‬
‫دائرة االمكان ووقع سريه على مراتب الواجب وترقى من ظالل الوجوب اىل أصوهلا‬
‫وختلص من التقيد ابلصفة والشان فال جرم يكون املمكن حينئذ يف نظره ذليال حقريا‬
‫عدمي االعتبار ويرى أخسه وألطفه مساويني فيها ويتخيل النفس واالخفى يف هذا املقام‬
‫كأهنما توأمان (وكتبت) ايضا انه مسعت منك بواسطة أو بال واسطة ان العبادة له تعاىل‬
‫معتقدا أبنه تعاىل حاضر وقت العبادة موجب لتنزله تعاىل ينبغي العبادة مثل العبيد فان‬
‫العبادة له تعاىل معتقدا أبنه حاضر سوء ادب (أيها) احملب ان صدور أمثال هذه املقالة‬
‫من هذا الفقري ليس مبعلوم ولعلك رأيته يف حمل آخر والواقعة اليت رأيتها ورأيت فيها‬
‫حضرة آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم حسنة جدا واصيلة واملاء كناية عن العلم‬
‫وادخال اليد فيه حصول القدرة يف العلم ومشاركة آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم‬
‫مؤكدة هلذا احلصول فان آدم عليه السالم تلميذ الرمحن وعلم آدم االمساء كلها غاية ما يف‬
‫الباب ان املراد ابلعلم يف هذه الواقعة علم الباطن بل نوع من علم الباطن له مناسبة لنسبة‬
‫أهل البيت عليهم الرضوان والباقي عند التالقي و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث عشر واملائتان اىل السيد فريد يف املواعظ والنصائح‬


‫ابلرتغيب يف اتباع علماء أهل السنة واجلماعة والتحذير عن مصاحبة علماء السوء‬
‫‪ ...‬اخل}‪.‬‬
‫‪- 309 -‬‬

‫عصمكم هللا سبحانه عما ال يليق جبنابكم حبرمة جدكم االجمد عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم قال هللا سبحانه و تعاىل هل جزاء االحسان اال االحسان وال ادري‬
‫ابي احسان اكافئ احسانكم سوى ان اكون رطب اللسان بدعاء سالمتكم يف الدارين‬
‫يف االوقات الشريفة احلمد هلل سبحانه واملنة ان هذا املعن ميسر من غري اختيار‬
‫واالحسان اآلخر الذي تليق املكافأة به التذكرة واملوعظة فيا هلا من نعمة إن وقعت يف‬
‫معرض القبول (أيها النقيب) النجيب ان خالصة املواعظ وزبدة النصائح االختالط‬
‫واالنبساط مع أصحاب الداينة وارابب التشرع وكل من التدين والتشرع مربوط بسلوك‬
‫طريقة أهل السنة واجلماعة احلقة الذين هم الفرقة الناجية من بني سائر الفرق االسالمية‬
‫والنجاة بدون متابعة هؤالء االكابر حمال والفالح من غري اتباع آرائهم ممتنع والدالئل‬
‫النقلية والعقلية والكشفية شاهدة هلذا املعن ال حتتمل التخلف أصال فاذا علم خروج‬
‫شخص مقدار خردلة م ن طريق هؤالء االكابر الذي هو الصراط املستقيم ينبغي ان تعتقد‬
‫ان صحبته سم قاتل وان ترى جمالسته كمجالسة االفعى وطلبة العلم الذين ال مباالة فيهم‬
‫فهم لصوص الدين من اي فرقة كانوا واالجتناب عن صحبتهم ايضا من الضرورايت‬
‫ومجيع هذه الفتنة واملفسدة الواقعة يف الدين من شآمة هؤالء اجلماعة الذين جعلوا آخرهتم‬
‫هباء يف مجع حطام الدنيا اولئك الذين اشرتوا الضاللة ابهلدى فما رحبت جتارهتم وما‬
‫كانوا مهتدين رأى شخص ابليس اللعني قاعدا مسرتحيا فارغ البال من االشتغال ابالغواء‬
‫واالضالل فسئله عن سر ذلك فقال اللعني ان علماء السوء يف هذا الوقت قد كفوا امري‬
‫وتكفلوا يل ابالغواء واالضالل (وموالان) عمر موصوف حبسن السرية والطوية من بني‬
‫الطلبة املوجودين اآلن هناك بشرط أن تقووا قلبه وتعاونوه على اظهار احلق واحلافظ االمام‬
‫فيه ايضا جنون االسالم وال بد من ذاك اجلنون يف االسالم لن يؤمن احدكم حت يقال‬
‫انه جمنون معلوم جلنابكم وهذا الفقري مل يقصر يف القول والكتابة يف التحريض على‬
‫الصحبة احلسنة ومل ارخص لنفسي أن ترتك املبالغة يف التحذير عن املصاحبة السوء وارى‬
‫ذلك أصال عظيما والقبول من عندكم فطوىب ملن جعل مظهرا للخري وتذكر احساانتكم‬
‫‪- 310 -‬‬

‫يوردين على هذا القيل والقال وينسيين مالحظة التصديع واالمالل و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع عشر واملائتان اىل خان خاانن يف بيان أن الدنيا مزرعة اآلخرة‬
‫ويف سر أتبيد عذاب الكفار وتفويض واحد من ارابب االفتقار}‬
‫طوىب ملن جعله هللا مظهرا للخري وقد جعل احلق سبحانه الدنيا مزرعة اآلخرة فيا‬
‫شقاوة من أكل البذر ابلتمام ومل يزرعه يف ارض االستعداد ومل جيعل احلبة الواحدة‬
‫سبعمائة حبة ومل يهيئه ذخرية ليوم االخ من اخ واالم من ولد خسارة الدنيا واآلخرة نقد‬
‫وقته وحسرة الدارين وندامتهما يف كف يده ملا كان معرضا لغضب ربه ومقته وأصحاب‬
‫الدولة هم الذين يغت نمون الفرصة يف الدنيا ال مبعن اهنم يتنعمون فيها ويتلذذون هبا فانه ال‬
‫مدار على ذلك وال ثبات ملا هنالك ومع ذلك أهنا معدات احملن والعقبات بل مبعن اهنم‬
‫يعملون فيها ويزرعون آلخرهتم وحيصلون من حبة واحدة من العمل حبكم وهللا يضاعف‬
‫ملن يشاء مثرات غري متناهية ومن ههنا كان جزاء االعمال الصاحلة يف اايم معدودة‬
‫تنعمات خملدة وهللا ذو الفضل العظيم (فان قيل) ان تضاعف االجر امنا هو يف احلسنات‬
‫دون السيئات فان اجلزاء فيها ابملثل فكيف جيوز أتبيد عذاب الكفار بواسطة سيآت‬
‫معدودة (اجيب) أن مماثلة اجلزاء للعمل مفوضة اىل علم الواجب تعاىل وتقدس وعلم‬
‫املمكن قاصر عن ادراكها اال ترى أن احلق سبحانه امر يف قذف احملصنات جبلد مثانني‬
‫جزاء مماثال ويف حد السرقة بقطع اليمني ويف حد الزان يف البكر مع البكر مبائة جلدة‬
‫وتغريب عام ويف الشيخ والشيخة حكم ابلرجم وعلم سر هذه احلدود والتقديرات خارج‬
‫من طوق البشر ذلك تقدير العزيز العليم وحيث حكم هللا سبحانه ابلعذاب املخلد على‬
‫الكفر املوقت جزاء وفاقا علم أن اجلزاء املماثل على الكفر املوقت هو ذلك العذاب‬
‫املخلد ومن اراد تطبيق مجيع االحكام الشرعية على عقله وجعلها معقول نفسه وتسويتها‬
‫ابدلة عقلية فهو منكر لطور النبوة عليه ما يستحق والتكلم معه من عدم العقل {شعر}‪:‬‬
‫من مل يصدق ابلكتاب وسنة * فجوابه أن ال جتيب وتسكتا‬
‫‪- 311 -‬‬

‫وبقية املرام أن رافع رقيمة الفقراء الشيخ ميان أمحد ولد املغفور له الشيخ سلطان‬
‫التهانيسري توجه اىل اخلدمة العلية متوسال هبذا الفقري مالحظا اللطافكم واحساانتكم اىل‬
‫والده املاجد ومن مجلة الطافكم اليه انه كان موضع يف قضاء اندري وكنتم اكرمتموه‬
‫ابعطائه إايه واالمر عندكم بل كل من عند هللا و السالم عليكم و على سائر من اتبع‬
‫اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس عشر واملائتان اىل املرزا داراب يف مذمة الدنيا}‬


‫وصل املكتوب الشريف الذي أرسلته ابلتواضع التام من حسن نشأة االستعداد‬
‫الفطري اىل الفقراء معدومي البضاعة جزاكم هللا سبحانه عنا خري اجلزاء حبرمة حبيبه عليه‬
‫و على آله الصالة و السالم (أيها) الولد ان أرابب الدنيا واصحاب الغنا مبتلون ببال‬
‫عظيم فان الدنيا مبغوضة احلق سبحانه وقد زين يف نظرهم اقبح مجيع النجاسات كنجاسة‬
‫مموهة ابلذهب وسم مغلف ابلسكر ومع ذلك لقد اهتدى العقل السليم اىل شناعة هذه‬
‫الدنية ودل على قباحة هذه الغري املرضية وهلذا قال العلماء لو أوصى شخص مباله العقل‬
‫أهل زمانه يعطي للزهاد فاهنم راغبون عن الدنيا ورغبتهم عنها من كمال عقلهم ومع ذلك‬
‫مل يكتف احلق سبحانه من كمال رمحته بشهادة العقل وحده بل ضم اليه شاهدا آخر من‬
‫النقل واطلع على حقيقة ذاك املتاع الكاسد على ألسنة الرسل عليهم الصالة و السالم‬
‫الذين هم رمحة للعاملني ومنع عن حمبة تلك القحبة والتعلق هبا منعا بليغا ومع وجود هذين‬
‫الشاهدين العدلني اذا اكل شخص السم بطمع السكر املوهوم واختار النجاسة برجاء‬
‫الذهب املتخيل فهو سفيه حمض وبليد ابلطبع بل هو منكر الخبار الرسل عليهم السالم‬
‫يف احلقيقة وحكمه حكم املنافق الذي فيه صورة االميان وهي ال تنفع يف اآلخرة وال نتيجة‬
‫هلا غري عصمة الدماء واالموال الدنياوية فينبغي رفع قطن الغفلة اليوم من االذن واال ال‬
‫حيصل شئ غدا سوى احلسرة والندامة والشرط االخبار {شعر}‪:‬‬
‫امنا هذه الدنيا متاع * الغرور الغرور من يصطفيها‬
‫‪- 312 -‬‬

‫ما مضى فات واملؤمل غيب * ولك الساعة اليت أنت فيها‬

‫{ املكتوب السادس عشر واملائتان اىل املرزا حسام الدين يف بيان سر كثرة‬
‫ظهور اخلوارق للعادات من بعض االولياء وقلة ظهورها من بعض آخر وبيان امتية‬
‫مقام التكميل واالرشاد وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين أمجعني‬
‫قد يقع يف اخلاطر الفاتر أنه ملا حال البعد الصوري بيين وبني االحبة وصارت املالقاة‬
‫الظاهرية كعنقاء املغرب كان املناسب ان اكتب اليهم بعض العلوم واملعارف أحياان فبناء‬
‫على ذلك اكتب من هذا القسم شيئا يف بعض األوقات واملرجو ان ال يكون ذلك منجرا‬
‫اىل املالل (أيها املخدوم) ملا كان مبحث الوالية فيما بيننا ونظر عوام اخلالئق اىل ظهور‬
‫اخلوارق اذكر من هذه املقولة كلمات ينبغي استماعها اعلم ان الوالية عبارة عن الفناء‬
‫والبقاء واخلوارق والكشوف من لوازمها قلت او كثرت ولكن ليس كل من تكون خوارقه‬
‫اكثر تكون واليته امت وحظه اوفر بل كثريا ما يكون ظهور اخلوارق قليال وتكون الوالية‬
‫اكمل مدار كثرة ظهور اخلوارق على أمرين كون العروج اىل الفوق اكثر يف وقت العروج‬
‫وكون النزول اىل السفل أقل يف وقت النزول بل االصل العظيم يف كثرة ظهور اخلوارق هو‬
‫قلة النزول على أي كيفية كان جانب العروج فان صاحب النزول ينزل اىل عامل االسباب‬
‫وجيد وجود االشياء مربوطا ابالسباب ويرى فعل مسبب األسباب من وراء أستار‬
‫االسباب والذي مل ينزل أو نزل ولكن مل يصل بعد اىل االسباب فنظره مقصور على فعل‬
‫مسبب االسباب فقط الن االسباب قد ارتفعت عن نظره ابلتمام وقصر نظره على فعل‬
‫مسبب االسباب فال جرم يعامل احلق سبحانه كال منهما معاملة على حدة مبقتضى ظن‬
‫كل منهما فيكل أمر من يرى االسباب اىل األسباب والذي ال يرى االسباب يهيئ أمره‬
‫بدون توسط االسباب وحديث اان[‪ ]1‬عند ظن عبدي يب شاهد هلذا املعن وقد اختلج يف‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان عن ايب هريرة رضي هللا عنه‬


‫‪- 313 -‬‬

‫اخلاطر مدة كثرية أنه ما الوجه يف عدم ظهور اخلوارق من أحد من كمل اولياء هذه االمة‬
‫مع كثرهتم فيما مضى مثل ما ظهر من حضرة السيد حميي الدين عبد القادر اجليالين‬
‫قدس سره فاظهر احلق سبحانه آخر األمر سر هذا املعمى واعلم ان عروج السيد حميي‬
‫الدين اجليالين قدس سره كان أعلى من عروج أكثر االولياء ونزل يف جانب النزول اىل‬
‫مقام الروح فقط الذي هو فوق عامل االسباب وحكاية احلسن البصري وحبيب العجمي‬
‫مناسبة هلذا يعين مؤيدة ومقوية ملا سبق نقل عن احلسن البصري أنه كان يوما واقفا‬
‫بساحل النهر منتظر السفينة ليعرب النهر فجاء حبيب العجمي يف اثناء ذلك فسأله عن‬
‫سبب وقوفه فقال انتظر السفينة فقال احلبيب ما احلاجة اىل سفينة أليس فيك يقني فقال‬
‫احلسن أليس لك علم فعرب احلبيب النهر يعين ماشيا على املاء بال استعانة سفينة وبقى‬
‫احلسن واقفا منتظرا للسفينة وكان احلسن البصري قد نزل اىل عامل االسباب فعومل‬
‫بتوسط االسباب وكان احلبيب العجمي قد طرح االسباب وازاحها عن نظره ابلتمام‬
‫فعومل من غري توسط االسباب ولكن الفضل للحسن النه صاحب العلم ومجع بني عني‬
‫اليقني وعلم اليقني وعلم االشياء كما هي فان القدرة جعلت يف نفس االمر مستورة فيما‬
‫وراء احلكمة وحبيب العجمي صحب سكر له يقني ابلفاعل احلقيقي من غري مدخلية‬
‫االسباب وهذه الرؤية ليست مبطابقة لنفس األمر ألن توسط االسباب كائن حبسب‬
‫الواقع (واما) معاملة التكميل واالرشاد فهي على عكس معاملة ظهور اخلوارق فان يف‬
‫مقام االرشاد كلما كان النزول اكثر يكون االرشاد اكمل وأوفر فان حصول املناسبة بني‬
‫املرشد واملسرتشد الزم يف االرشاد وهو منوط ابلنزول (واعلم) ان التفوق كلما كان اكثر‬
‫يكون النزول اكثر يف االغلب وهلذا كان عروج النيب صلّى هللا عليه و سلّم فوق الكل‬
‫ونزل وقت النزول اسفل من الكل ولذا كانت دعوته امت وكان مرسال اىل كافة االانم النه‬
‫قد حصلت له صلّى هللا عليه و سلّم مناسبة ابلكل بواسطة هناية النزول وكان طريق‬
‫أفادته أمت وكثريا ما تقع افادة الطالبني من متوسطي هذا الطريق ما ال يتيسر من املنتهيني‬
‫غري املرجوعني فان يف املتوسطني زايدة مناسبة للمبتدئني ابلنسبة اىل املنتهيني غري‬
‫‪- 314 -‬‬

‫املرجوعني ومن ههنا قال شيخ االسالم اهلروي قدس سره لو كان اخلرقاين وحممد القصاب‬
‫يف حمل واحد الرسلتكم اىل حممد القصاب ال اىل اخلرقاين فانه أنفع لكم من اخلرقاين يعين‬
‫كان اخلرقاين منتهىا فيكون احتظاظ املريد منه قليال يعين منتهىا غري مرجوع ال منتهىا‬
‫مطلقا فان عدم االفادة التامة غري واقع يف حقه فان حممدا رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم أزيد انتهاء من الكل واحلال ان افادته كانت أزيد من الكل فكان مدار زايدة االفادة‬
‫ونقصاهنا على الرجوع واهلبوط ال على االنتهاء وعدمه (وههنا) دقيقة ينبغي أن يعلم كما‬
‫أن يف حصول نفس الوالية ال يشرتط لصاحبها العلم بوالية نفسه كما هو مشهور كذلك‬
‫ال يشرتط العلم بوجود خوارقه العادات بل كثريا ما ينقل الناس عنه خوارق وال يكون له‬
‫على تلك اخلوارق اطالع أصال واالولياء الذين هم أصحاب العلم والكشف جيوز أن ال‬
‫يكون هلم اطالع على خوارقهم بل تظهر صورهم املثالية يف أمكنة متعددة وتظهر من‬
‫تلك الصور أمور عجيبة وحاالت غريبة يف مسافات بعيدة وال اطالع لصاحب تلك‬
‫الصور على ذلك أصال {ع}‪:‬‬
‫و ما الفعل إال منه والغري مظهر‬
‫قال حضرة خمدومي وقبليت قدس سره يعين شيخه قال واحد من االعزة اي للعجب‬
‫جيئ الناس من االطراف واجلوانب فيقول بعضهم رأيناك يف مكة املعظمة وكنت حاضرا يف‬
‫موسم احلج وحججنا معا و يقول بعضهم رأيتك يف بغداد ويظهرون احملبة واملودة وأان مل‬
‫أخرج من بييت أصال ومل أر أمثال هؤالء الناس فاي هتمة يتهمونين هبا وهللا سبحانه أعلم‬
‫حبقائق االمور كلها والزايدة على ذلك اطناب فان كان تعطشكم معلوما أكتب سريعا‬
‫أزيد من ذلك ان شاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫{املكتوب السابع عشر واملائتان اىل املال طاهر البدخشي يف بيان ان نسبة‬
‫الباطن كلما تنجر اىل اجلهالة واحلرية تكون أحسن وبيان سبب وقوع الغلط يف بعض‬
‫الكشوف والفرق بني القضاء املعلق واملربم وان املعول عليه هو الكتاب والسنة وان‬
‫‪- 315 -‬‬

‫اجازة تعليم الطريقة ال يدل على الكمال والتكميل مطلقا}‬


‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني و على آله الطاهرين‬
‫أمجعني مل تطلعوين على أحوالكم وأوضاعكم من مدة مديدة االستقامة مطلوبة على كل‬
‫حال فعليكم ابلسعي واالجتهاد لئال يقع خالف الشريعة مقدار شعرة اعتقادا وعمال‬
‫واحملافظة على النسبة الباطنية من أهم املهمات وكلما تنجر النسبة اىل جانب اجلهالة‬
‫تكون أحسن وكلما تذهب اىل طرف احلرية تكون أفضل والكشوفات االهلية والظهورات‬
‫االمسائية امنا هي يف اثناء الطريق وأما بعد الوصول فكل ذلك يقصر هنالك ال يبقى فيه‬
‫غري اجل هالة وعدم وجدان املطلوب وماذا أكتب من الكشوف الكونية فان جمال اخلطإ‬
‫فيها كثري ومظنة الغلط غالبة فينبغي اعتقاد أن وجودها وعدمها سيان (فان قيل) ما‬
‫السبب يف وقوع الغلط يف بعض الكشوف الكونية اليت يصدر عن أولياء هللا تعاىل وظهور‬
‫خالفها أخرب مثال ان فالان ميوت بعد شهر أو يرجع من سفره اىل وطنه وملا مضى ذلك‬
‫الشهر مل يقع شئ مما اخرب به (اجيب) ان حصول هذا االمر املكشوف املخرب عن وقوعه‬
‫كان مشروطا بشرائط وصاحب الكشف مل يطلع على تفاصيلها وقت االخبار به فحكم‬
‫حبصوله مطلقا أو نقول ان حكما من االحكام املسطورة يف اللوح احملفوظ ظهر لعارف‬
‫وكان ذلك احلكم قابال يف نفسه احملو والرفع وكان من قبيل القضاء املعلق ولكن مل يكن‬
‫للعارف خرب من كونه معلقا وقابليته للمحو والرفع فاذا اخرب يف هذه الصورة مبقتضى‬
‫علمه وحكم بوقوعه يكون فيه احتمال التخلف ألبتة (نقل) ان[‪ ]1‬جربيل عليه السالم‬
‫أتى النيب صلّى هللا عليه و سلّم واخربه مبوت شاب على الصباح فرتحم النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم حلاله فسأله عما يتمناه من الدنيا فقال نكاح بكر واكل حلوى فأمر‬
‫ابحضارمها حاال فبينا الشاب قاعد يف الليل مع أهله يف خلوته وطبق احللوى بني ايديهما‬
‫اذ جاء سائل اتفاقا عند الباب وسأل شيئا هلل فناوله الشاب احللوى كما هو بطبقه فلما‬
‫اصبح النيب صلّى هللا عليه و سلّم قعد منتظر اجمليئ خرب فوت الغالم فلما أتخر اخلرب قال‬

‫(‪ )1‬قال خمرج االحاديث هذا ابطل ال اصل له بل هو من خمرتعات اجلهلة وهلذا رده االمام الرابين قدس سره منه‬
‫‪- 316 -‬‬

‫أخربوين عن حال ذاك الغالم فاخربوه أبنه يف سرور وفرح فبقي متحريا فجاءه جربيل عليه‬
‫السالم فقال انه تصدق ابحللوى فدفع ذلك عنه البلوى فوجدت حتت وسادته حية‬
‫عظيمة ميتة وبطنها حمشو ابحللوى وممتلئ به حبيث ماتت من كثرته (وأان) ال اقبل هذا‬
‫النقل وال أجوز اخلطأ على جربيل فانه حامل الوحي القطعي وأرى احتمال اخلطأ من‬
‫حامل الوحي مستقبحا اللهم اال ان نقول ان عصمته وعدم احتمال اخلطأ منه خمصوصة‬
‫ابلوحي الذي هو تبليغ من قبل احلق سبحانه وهذا اخلرب ليس من قسم الوحي بل هو‬
‫اخبار من علم مستفاد من اللوح احملفوظ الذي هو حمل احملو واالثبات فيكون للخطأ‬
‫جمال يف هذا اخلرب خبالف الوحي الذي هو جمرد تبليغ فافرتقا كالفرق بني الشهادة‬
‫واالخبار فان األوىل معتربة يف الشرع ال الثاين (اعلم) أيدك هللا تعاىل ان القضاء على‬
‫قسمني قضاء معلق وقضاء مربم واحتمال التبديل والتغيري امنا هو يف القضاء املعلق وأما‬
‫القضاء املربم فال جمال فيه للتبديل والتغيري قال هللا سبحانه و تعاىل ما يبدل القول لدى‬
‫هذا يف القضاء املربم وقال يف القضاء املعلق ميحو هللا ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب‬
‫قال حضرة قبليت قدس سره يعين شيخه كتب حضرة السيد حميي الدين عبد القادر‬
‫اجليالين قدس سره يف بعض رسائله ال جمال الحد يف تبديل القضاء املربم االّ يل فاين‬
‫اتصرف فيه ايضا ان اردت ذلك وكثريا ما كان يتعجب من هذا الكالم ويستبعده وكان‬
‫هذا النقل مدة مديدة يف خزانة ذهن هذا الفقري اىل ان شرفين هللا سبحانه هبذه الدولة‬
‫العظمى حيث كنت يوما يف صدد دفع بلية متوجهة اىل بعض االحبة وكان يل يف ذلك‬
‫الوقت التجاء وتضرع وابتهال وخشوع اتم اىل هللا تعاىل فظهر أن قضاء هذا االمر ليس‬
‫مبعلق أبمر آخر يف اللوح احملفوظ وال مبشروط بشرط فحصل بعد هذا نوع أيس وحرمان‬
‫فخطر يف ذلك الوقت قول السيد عبد القادر اجليالين قدس سره فالتجأت اليه تعاىل‬
‫وتضرعت مرة اثنية وتوجهت اليه سالكا طريق اظهار العجز واالنكسار فاظهر هللا‬
‫سبحانه ابن القضاء املعلق عل ى نوعني قضاء ظهر تعليقه يف اللوح احملفوظ واطلع عليه‬
‫املالئكة وقضاء تعليقه عند احلق سبحانه فقط وهو على صورة القضاء املربم يف اللوح‬
‫‪- 317 -‬‬

‫احملفوظ ويف القسم االخري من القضاء املعلق احتمال التبديل مثل االول فصار معلوما من‬
‫هناك أن كالم السيد اجليالين مصروف اىل القسم االخري الذي له صورة القضاء املربم ال‬
‫اىل قضاء هو مربم حقيقة فان التصرف والتبديل فيه حماالن شرعا وعقال كما ال خيفي‬
‫(واحلق) أن الفراد قليلة اطالعا على حقيقة ذلك القضاء فكيف التصرف هناك ووجدت‬
‫البلية املتوجهة اىل االخ املذكور من القسم االخري وصار معلوما ان هللا سبحانه دفعها عنه‬
‫واحلمد هلل سبحانه على ذلك محدا كثريا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما حيب ربنا ويرضى‬
‫والصالة و السالم والتحية على سيد االولني اآلخرين وخامت االنبياء واملرسلني الذي ارسله‬
‫رمحة للعاملني و على آله وأصحابه و على مجيع اخوانه من النبيني والصديقني والشهداء‬
‫والصاحلني واملالئكة املقربني أمجعني اللهم اجعلنا من حمبيهم ومتابعي آاثرهم بربكة هؤالء‬
‫االكابر ويرحم هللا عبدا قال آمينا (ولنرجع) اىل اصل الكالم ونقول ان سبب وقوع اخلطإ‬
‫يف بعض العلوم االهلامية يف بعض االوقات هو أن بعض املقدمات املسلمة الثابتة عند‬
‫صاحب االهلام الكاذبة يف نفس االمر تلتبس وختتلط مع العلوم االهلامية حبيث ال يقدر‬
‫صاحب االهلام على التمييز بل يظن مجيع تلك العلوم اهلامية فال جرم يقع اخلطإ يف‬
‫اجملموع بسبب اخلطإ يف بعض اجزائها وايضا قد يرى يف بعض االحيان امور غيبية يف‬
‫الكشوف والواقعات وخييل الرأي أهنا حممولة على ظاهرها ومقصورة على صورهتا فيحكم‬
‫على مقدار خياله فيقع اخلطإ وال يدرى ان تلك االمور مصروفة عن ظاهرها وحممولة‬
‫على التأويل والتعبري وهذا املقام ايضا من مجلة مقامات االغالط الكشفية (وابجلملة) أن‬
‫ما هو القطعي احلقيقي ابالعتماد هو الكتاب والسنة فاهنما ثبتا ابلوحي القطعي وتقررا‬
‫بنزول امللك وامجاع العلماء واجتهاد اجملتهدين يعين القياس راجعان اىل هذين االصلني‬
‫وما وراء هذه االصول االربعة كائنا ما كان ان كان موافقا لواحد من هذه االصول فهو‬
‫مقبول واال فال وان كان من علوم الصوفية ومعارفهم البهية ومن االهلام والكشوفات‬
‫السنية فان الوجد واحلال ال يشرتى هناك بنصف شعرية ما مل يوزن مبيزان الشريعة واالهلام‬
‫والكشوف ال يقبل على نصف دانق ما مل جيرب مبحك الكتاب والسنة واملقصود من‬
‫‪- 318 -‬‬

‫سلوك طريق الصوفية حصول ازدايد اليقني حبقية املعتقدات الشرعية الذي هو حقيقة‬
‫االمي ان وحصول اليسر يف اداء االحكام الشرعية ال امر آخر وراء ذلك فان الرؤية موعودة‬
‫يف اآلخرة ليست بواقعة يف الدنيا واملشاهدات والتجليات اليت الصوفية مسرورون هبا‬
‫اطمئنان ابلظالل أو تسل ابلشبه واملثال وهو تعاىل وراء الوراء فان كشفت عن حقيقة‬
‫هذه املشاهدات والتجليا ت كما هي اخاف من وقوع الفتور يف طلب مبتدئي هذا‬
‫الطريق وتطرق القصور اىل شوقهم وان سكت عن ذلك مع وجود العلم به اخاف من أن‬
‫اكون جموزا اللتباس احلق ابلباطل فبالضرورة اردت ان أظهر هذا القدر وهو أن جتليات‬
‫هذا الطريق ومشاهداته ينبغي ان تعرض على حمك جتلي كليم هللا موسى على نبينا وعليه‬
‫الصالة السالم وشهوده فان مل تصح يعين مل تطابقه بل خالفته ينبغي أن حيكم عليها‬
‫بكوهنا من مجلة التجليات الظاللية واملثالية ابلضرورة وال جيوز أن تصح يعين تطابق ألبتة‬
‫فان الدك والفك مفقود والبد منه يف الدنيا سواء جتلى للباطن أو للظاهر فانه يلزمه الدك‬
‫والفك ألبتة وخامت االنبياء عليه وعليهم الصالة و السالم لكونه مربأ من هذه الوصمة‬
‫تيسرت له الرؤية يف الدنيا ومل يذهب عن مكانه مقدار شعرة وال تكون هي بال حجاب‬
‫ظل من الظالل لكمل اتبعيه صلّى هللا عليه و سلّم من الذين هلم نصيب من هذا املقام‬
‫فهمه صاحب التجلي أو ال فاذا وقع الصعق لكليم هللا موسى عليه السالم من مشاهدة‬
‫هذا احلال فقط من غري وقوع التجلي له ماذا يقع لغريه (مث اعلم) أن املقصود من اجازة‬
‫بعض املخلصني هو أن يكون ذلك اجملاز دليال وهاداي اىل طريق احلق جل وعال جلماعة‬
‫يف مثل هذا الزمان الذي فشت فيه الضاللة وعمت ويشتغل هو أيضا ابتفاق هؤالء‬
‫الطلبة ويرتقى ويسعى حمافظا على هذه النسبة وجيتهد الن يكون املسرتشدون ايضا‬
‫متشرفني هبذه الدولة ال ان االجازة توقعه يف توهم الكمال والتكميل ومتنعه من املقصود‬
‫ما على الرسول اال البالغ و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن عش ر واملائتان اىل املال داود يف بيان لزوم رعاية آداب شيخ‬
‫‪- 319 -‬‬

‫الطريقة}‬
‫وصل املكتوب الشريف من االخ االعز املال داود وصار موجبا لالبتهاج جعل‬
‫احلق سبحانه ظاهره وابطنه متحال ومتزينا مبرضياته حبرمة النيب وآله االجماد عليه وعليهم‬
‫الصالة و السالم املطلوب عدم وقوع الفتور يف تكرار ذكر القلب واالستقامة على طريقة‬
‫االكابر قدس هللا اسرارهم بسبب توجهات شت فمت طرأت الظلمة والكدورة فرضا‬
‫فعالجها االلتجاء والتضرع واالبتهال واالنكسار اىل جناب قدس احلق جل سلطانه‬
‫والتوجه التام اىل مربيه فانه هو الوسيلة اىل حصول هذه الدولة فينبغي رعاية آداب وسائل‬
‫هذه الدولة العظمى كما هو حقها يف احلضور والغيبة وان جيعل رضاء هؤالء االكابر‬
‫وسيلة اىل حتصيل رضاء احلق سبحانه وهذا هو طريق النجاة والفالح و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع عشر واملائتان اىل املرزا ايرج يف بيان ان اشتغال االنسان مبا‬
‫ال يعنيه وتركه ما يعنيه ويهمه من جهله وغفلته}‬
‫عصمكم هللا سبحانه عما يصمكم وصانكم عما شانكم حبرمة سيد االولني‬
‫واآلخرين عليه و على آله الصالة و السالم (ايها) السعيد النجيب ان االنسان اذا طرأ‬
‫عليه مرض من االمراض الظاهرة او عرضت لعضو من اعضائه آفة يسعى سعيا بليغا حت‬
‫يندفع عنه ذلك املرض وتزول عنه تلك اآلفة وقد استوىل عليه املرض القليب الذي هو‬
‫عبارة عن تعلق القلب مبا دون احلق جل وعال على هنج كاد يوقعه يف املوت االبدي‬
‫ويلقيه يف العذاب السرمدي وهو ال يتفكر بعد يف ازالته أصال وال يسعى يف دفعه قطعا‬
‫فان مل يعلم ان هذا التعلق مرض فهو سفيه حمض وان علم ومع ذلك ال يبايل به فهو بليد‬
‫صرف والجل ادراك هذا املرض البد من عقل املعاد فان عقل املعاش لقصور فكره‬
‫مقصور على ادراك الظاهر ال يتعداه اىل بواطن االمور فكما ان عقل املعاش ال يدرك‬
‫املرض املعنوي أو ال يراه مرضا بواسطة ابتالئه ابلتلذذات الفانية وانغماسه فيها كذلك‬
‫عقل املعاد ال حيس االمراض الصورية وال يعدها امراضا بسبب رجائه املثوابت االخروية‬
‫‪- 320 -‬‬

‫عقل املعاش قصري النظر وعقل املعاد حديد البصر عقل املعاد نصيب االنبياء واالولياء‬
‫عليهم الصالة و السالم وعقل املعاش مرغوب االغنياء وأرابب الدنيا شتان ما بينهما‬
‫واالسباب احملصلة لعقل املعاد ذكر املوت وتذكر أحوال اآلخرة وجمالسة قوم تشرفوا بدولة‬
‫فكر اآلخرة {شعر}‪:‬‬
‫دللتك اي هذا على كنز مقصد * فان اان مل ابلغ لعلك تبلغ‬
‫ينبغي ان يعلم كما ان مرض الظاهر موجب للعسرة والتعب يف اداء االحكام‬
‫الشرعية كذلك مرض الباطن ايضا مستلزم لذلك قال هللا تبارك و تعاىل كرب على املشركني‬
‫ما تدعوهم اليه وقال سبحانه و تعاىل واهنا لكبرية واملستلزم لذلك العسر يف الظاهر‬
‫ضعف القوي واجلوارح ويف الباطن ضعف اليقني ونقص االميان واال فليس يف التكاليف‬
‫الشرعية عسر اصال بل فيها كلها ختفيف ومتام اليسر والسهولة وقوله تعاىل يريد هللا بكم‬
‫اليسر وال يريد بكم العسر وقوله تعاىل يريد هللا ان خيفف عنكم وخلق االنسان ضعيفا‬
‫شاهدان عدالن هلذا املعن {شعر}‪:‬‬
‫ماضر مشس الضحى يف االفق طالعة * ان ال يرى ضوءها من ليس ذا بصر‬
‫فكان فكر ازالة هذا املرض الزما وااللتجاء اىل االطباء احلذاق فرضا ما على‬
‫الرسول اال البالغ و السالم واالكرام‪.‬‬

‫{املكتوب العشرون واملائتان اىل الشيخ محيد البنكايل يف بيان بعض اغالط‬
‫الصوفية وبيان منشأ غلطاهتم}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني و على آله وأصحابه‬
‫أمجعني اعلم ان أحوال فقراء هذا اجلانب واوضاعهم موجبة الزدايد الشكر يوما فيوما‬
‫ونتوقع ذلك يف حق االحباب النائني (أيها) العزيز ان مزلة أقدام السالكني يف هذا الطريق‬
‫الذي هو طريق غيب الغيب كثرية ينبغي للسالك أن يعيش حمافظا على حبل الشريعة يف‬
‫االعتقادايت والعمليات وهذا نصيحت يف احلضور والغيبة على فرض وقوع الغفلة وها اان‬
‫‪- 321 -‬‬

‫اكتب بعض اغالط هذا الطريق وأعني منشأ الغلط ينبغي مالحظته بنظر االعتبار ويعمل‬
‫فيما وراء اجلزئيات املذكورة مبقياسها (اعلم) أن بعضا من أغالط الصوفية هو أن السالك‬
‫جيد نفسه أحياان يف مقامات العروج فوق قوم ثبتت افضليتهم عليه ابمجاع العلماء ومقامه‬
‫دون مقامات هؤالء االكابر يف احلقيقة يقينا بل رمبا يكون هذا االشتباه ابلنسبة اىل‬
‫االنبياء عليهم السالم الذين هم أفضل اخلالئق قطعا عياذا ابهلل سبحانه من هذا االشتباه‬
‫ومنشأ غلط هؤالء اجلماعة هو ان هناية عروج االنبياء واالولياء أوال اىل امساء إهلية هي‬
‫مبادئ تعينات وجودهم وهبذا العروج يتحقق اسم الوالية ويستحقه السالك والعروج اثنيا‬
‫يف تلك االمساء مث من تلك االمساء اىل ما شاء هللا تعاىل ولكن مأوى كل واحد منهم‬
‫ومرجعهم ومنزهلم مع وجود هذا العروج هو ذلك االسم الذي هو مبدأ تعني وجوده وهلذا‬
‫اذا طلبهم سالك يف مقامات العروج جيدهم يف تلك االمساء فان مكان هؤالء االكابر‬
‫الطبيعي يف مراتب العروج هو هذه االمساء والعروج واهلبوط منها بواسطة العوارض‬
‫فالسالك العايل الفطرة اذا وقع سريه فوق االمساء ال جرم يرتقي على أعلى من االمساء‬
‫اليت هي مبادئ تعينات االنبياء وسائر االولياء الكبار فحيئذ يظهر ذلك التوهم عياذا ابهلل‬
‫سبحانه من ان يزيل ذلك التوهم اليقني السابق ويورث االشتباه يف افضلية االنبياء عليهم‬
‫السالم وأولوية االولياء رضي هللا عنهم وقد ثبت أفضليتهم وأولويتهم ابالمجاع وهذا املقام‬
‫من مزال اقدام السالكني وال يدري السالك يف ذلك الوقت ان هؤالء االكابر قد عرجوا‬
‫من تلك االمساء عروجات غري متناهية وبلغوا حمال ال ميكن العروج فوقه ومل يعرف ان تلك‬
‫االمساء أمكنتهم الطبيعية وله أيضا مكان طبيعي هناك أدون من تلك االمساء وأنزل فان‬
‫أفضلية كل شخص ابعتبار أقدمية االسم الذي كان مبدا لتعينه ومن هذا القبيل ما قال‬
‫بعض املشائخ ان العارف ال جيد الربزخية الكربى حائلة يف مقامات العروج احياان ويرتقي‬
‫من غري وساطتها قال حضرة شيخنا ان رابعة كانت من هذه اجلماعة ايضا وهؤالء‬
‫اجلماعة ملا جتاوزوا وقت العروج االسم الذي هو مبدأ تعني الربزخية الكربى اىل ما فوقه‬
‫تومهوا ان الربزخية الكربى مل تبق حائلة يف البني وأرادوا ابلربزخية الكربى حقيقة خامت‬
‫‪- 322 -‬‬

‫الرسالة عليه و على آله الصالة و السالم وحقيقة املعاملة هي اهنم قد جاوزوها اىل ما‬
‫فوقها (ومنشأ غلط) طائفة أخرى هو ان سري السالك اذا وقع على اسم هو مبدأ تعينه‬
‫وذلك االسم جامع جلميع االمساء على سبيل االمجال فان جامعية االنسان امنا هي‬
‫بسبب جامعية ذلك االسم فبالضرورة يقطع يف ضمن ذلك االسم االمساء اليت كانت‬
‫مبادئ تعينات مشائخ أ خر ابلسري االمجايل ويتجاوز كل واحد منها حت ينتهي سريه اىل‬
‫منتهى ذلك االسم فيتوهم حينئذ تفوقه إايهم وال يدري ان ما يراه من مقامات املشائخ‬
‫اليت تعداها امنا هي امنوذج مقاماهتم ال حقيقتها وحيث أنه وجد نفسه جامعا وظن‬
‫اآلخرين اجزاءه فال جرم يورث ذلك توهم أولويته وقال شيخ بسطام يف هذا املقام من‬
‫غلبة السكر لوائي أرفع من لواء حممد ومل يدر ان أرفعية لوائه ليس هي ابلنسبة اىل لواء‬
‫حممد صلّى هللا عليه و سلّم بل ابلنسبة اىل امنوذجه الذي صار مشهودا له يف ضمن‬
‫حقيقة امسه ومن هذا القبيل ما قاله هو ايضا خمربا عن وسعة قلبه اذا ألقي العرش وما فيه‬
‫يف زاوية قلب العارف ال يكون حمسوسا اصال وهنا ايضا اشتباه االمنوذج ابحلقيقة واال‬
‫فالعرش الذي قال احلق سبحانه يف حقه انه عظيم أي اعتبار وأي مقدار لقلب العارف‬
‫يف جنبه والظهور الذي يف العرش ليس يف القلب عشر عشريه ولو كان ذلك القلب قلب‬
‫عارف والرؤية االخروية تتحقق ابلظهور العرشي يعين تكون مثله وهذا الكالم وان كان‬
‫اليوم ثقيال على بعض الصوفية ولكنه يكون معلوما هلم يف اآلخر (ولنوضح) هذا املبحث‬
‫مبثال وهو ان االنسان جامع ملا يف عامل العناصر واالفالك فاذا وقع نظره على جامعية‬
‫نفسه ورأى العناصر واالفالك اجزاء نفسه وغلب عليه هذه الرؤية فال يبعد ان يقول اين‬
‫اكرب من كرة االرض واعظم من السموات ففي هذا الوقت يفهم العقالء اكربيته وأعظميته‬
‫ابلنسبة اىل اجزاء نفسه فان الكل أعظم من اجلزء واكر االرض والسموات ليست من‬
‫اجزائه يف احلقيقة بل جعلت امنوذجاته أجزائه واكربيته امنا هي ابلنظر اىل تلك‬
‫االمنوذجات اليت هي اجزاءه ابلنظر اىل اكر االرض والسموات وبسبب هذا االشتباه يعين‬
‫اشتباه امنوذج شئ حبقيقته قال صاحب الفتوحات املكية إن اجلمع احملمدي أمجع من‬
‫‪- 323 -‬‬

‫اجلمع االهلي فان اجلمع احملمدي مشتمل على احلقائق الكونية واالهلية فيكون امجع ومل‬
‫يدر أن ذلك اشتمال ظل من ظالل مرتبة االلوهية وامنوذج من امنوذجاهتا ال أنه مشتمل‬
‫على حقيقة تلك املرتبة املقدسة فانه ال مقدار للجمع احملمدي ابلنسبة اىل تلك املرتبة‬
‫املقدسة اليت العظمة والكربايء من لوازمها ما للرتاب ورب االرابب (وايضا) ان يف هذا‬
‫املقام الذي يقع فيه سري السالك على اسم هو ربه يظن احياان ان بعض االكابر الذين‬
‫هم افضل منه يق ينا قد وصلوا بتوسطه اىل بعض الدرجات الفوقانية وترقوا بتوسله وهذا‬
‫أيضا من مزال اقدام السالكني عياذا ابهلل سبحانه منه حيث يرى نفسه أفضل هبذا‬
‫الكمال ويقع يف اخلسارة وأي عجب وأية فضيلة اذا سار السلطان عظيم الشان اتم‬
‫الربهان حتت نصرة واحد من وزرائه الذي هو حتت حكومته وطاعته ووصل بتوسط ذلك‬
‫الوزير اىل بعض احملالت وفتح بتوسله بعض البالد واملواضع غاية ما يف الباب ان هنا‬
‫احتمال فضل جزئي وهو خارج عن املبحث فان كل حجام وحائك له فضل من بعض‬
‫وجوه خمصوص به على عامل ذي فنون وحكيم حاذق ولكن ذاك الفضل خارج من حيز‬
‫االعتبار وا ملعترب امنا هو الفضل الكلي الذي هو اثبت للعامل واحلكيم وقد وقع هلذا‬
‫الدرويش من هذه االشتباهات كثري ونشأ منها ختيالت كثرية وكانت تلك احلالة فيه مدة‬
‫كثرية ومع ذلك كان حفظ احلق سبحانه شامل حاله فلم يطرأ على يقينه السابق مقدار‬
‫شعرة من التذبذب ومل يتطرق الفتور اىل االعتقاد اجملمع عليه هلل سبحانه املنة على ذلك‬
‫و على مجيع نعمائه وما ظهر على خالف اجملمع عليه اسقطه عن حيز االعتبار وصرفه‬
‫اىل حمامل حسنة وعلم ابلعلم االمجايل هذا القدر أن هذه الزايدة املشهودة يف الكشف‬
‫تكون راجعة على تقدير صحته اىل الفضل اجلزئي وان تعارض ذلك وسوسة ان مدار‬
‫الفضل على القرب االهلي جل سلطانه وهذه الزايدة من ذلك القرب فكيف تكون فضال‬
‫جزئيا ولكن صارت هذه الوسوسة يف جنب اليقني السابق هباء منثورا ومل يبق هلا اعتبار‬
‫أصال بل التجأ اليه تعاىل ابلتوبة واالستغفار واالانبة واالنكسار ودعا له سبحانه ابلتضرع‬
‫واالبتهال لئال يظهر له مثل هذه الكشوف وكيال ينكشف له ما خيالف معتقدات أهل‬
‫‪- 324 -‬‬

‫السنة واجلماعة مقدار شعرة وقد غلب يوما خوف املؤاخذة هبذه الكشوف واملسئولية عن‬
‫هذه التومهات وازالت غلبة هذا اخلوف عين القرار وأورثتين القلق واالضطرار فصار‬
‫اإللتجاء والتضرع اىل جناب قدس احلق جل سلطانه اضعافا مضاعفة وامتدت تلك‬
‫احلالة اىل مدة مديدة فاتفق يف ذلك الوقت مروري على قرب واحد من االعزة فاستمددت‬
‫به واستعنت يف هذه املعاملة فادركتين يف تلك االثناء عناية احلق جل شأنه وانكشفت‬
‫حقيقة املعاملة كما ينبغي وحضرت يف ذلك الوقت روحانية خامت الرسالة عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم الذي هو رمحة للعاملني فسلى اخلاطر احلزين وصار معلوما يل تشريف‬
‫ان نعم ان القرب االهلي موجب للفضل الكلي ولكن هذا القرب الذي حصل لك قرب‬
‫ظل من ظالل مراتب االلوهية خمصوص ابسم هو ربك فال يكون ذلك القرب موجبا‬
‫للفضل الكل ي وانكشفت صورة هذا املقام املثالية على هنج مل يبق حمل للريب فزال التوهم‬
‫ابلكلية وقد كتب هذا الدرويش يف كتبه ورسائله بعض العلوم اليت فيها حمل اشتباه وفيها‬
‫جمال للتأويل والتوجيه فلما صرت مبشرا بذلك أردت ان أكتب منشأ اغالط تلك العلوم‬
‫على وفق ما الح يل مبحض فضل احلق جل شأنه وانشره فان الذنب املشتهر ال بد له‬
‫من اشتهار التوبة لئال يفهم الناس من تلك العلوم خالف الشريعة فيقعوا ابلتقليد على‬
‫الضاللة وكيال يسلكوا مسلك التضليل والتجهيل ابلتعصب والتكلف فان أمثال هذه‬
‫االزهار تتفتق كثريا يف هذا الطريق الذي هو طريق غيب الغيب فجماعة تؤديهم اىل‬
‫اهلداية وطائفة تؤديهم اىل الضاللة وقد مسعت والدي املاجد قدس سره يقول ان منشأ‬
‫ضاللة أكثر املبتدعني من أثنني وسبعني فرقة وخروجهم عن الصراط املستقيم هو اهنم‬
‫دخلوا يف طريق الصوفية ومل يقفوا على حقيقة االمر ومل يتموا السلوك فغلطوا وضلوا و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والعشرون واملائتان اىل السيد حسني املانبوري يف خصائص‬


‫الطريقة النقشبندية وأفضليتها على سائر الطرق ومدح أهلها وما يناسبه}‬
‫‪- 325 -‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين امجعني‬
‫لعل االخ االعز معدن السيادة املري حسني مل ينس النائني املهجورين وعساه مل يضيع‬
‫رعاية آداب هذه الطريقة العلية اليت هي ممتازة من بني سائر طرق املشائخ الكرام من‬
‫وجوه وقد كان مدة مالقاتكم وفرصة صحبتكم قليلة جدا فبناء على ذلك أردت أن احرر‬
‫بعض خصائص هذه الطريقة العلية وكماالهتا يف ضمن علوم عالية ومعارف سامية وان‬
‫كنت اعلم ان ادراك هذه القسم من العلوم واملعارف ابلفعل بعيد عن اذهان املستمعني‬
‫ولكن إظهار أمثال هذه املعارف مبين على مالحظة أمرين أحدمها ان يف املستمعني‬
‫استعدادا هلذه العلوم وان ترى بعيدة عن شأهنم ابلفعل واثنيتهما ان املخاطب وان كان‬
‫واحدا معينا يف الظاهر ولكن املخاطب يف احلقيقة شخص هو حمرم هلذه املعاملة السيف‬
‫للضارب مثل مشهور (أيها االخ) ان رأس سلسلة هذه الطريقة السنية ورئيس أهلها هو‬
‫الصديق االكرب رضي هللا عنه الذي هو أفضل مجيع بين آدم بعد االنبياء عليهم السالم‬
‫على التحقيق وهبذا االعتبار وقع يف عبارة أكابر هذه الطريقة أن نسبتنا فوق مجيع‬
‫النسب فان نسبتهم اليت هي عبارة عن احلضور والشعور اخلاص هي بعينها نسبة الصديق‬
‫وحضوره الذي فوق مجيع احلضور ويف هذا الطريق اندراج النهاية يف البداية قال اخلواجه‬
‫هباء الدين النقشبند قدس سره حنن ندرج النهاية يف البداية {ع}‪:‬‬
‫و قس من حال بستاين ربعي‬
‫(فان قيل) اذا كانت هناية غريهم مندرجة يف هنايتهم فما تكون هنايتهم وايضا اذا‬
‫كانت هناية غريهم الوصول اىل احلق سبحانه فاىل اين يكون سريهم من احلق ليس وراء‬
‫َعباد ان قرية مثل مشهور (اجيب) ان هناية هذه الطريقة ان تيسرت هي الوصل العراين‬
‫الذي عالمة حصوله حصول اليأس من حصول املطلوب فافهم فان كالمنا اشارة ال‬
‫يدركها اال االقل من اخلواص بل من أخص اخلواص وامنا ذكران عالمة حصول تلك الدولة‬
‫العظمى فان مجعا من هذه الطائفة ابحوا ابلوصل العراين وطائفة أخرى قالوا ابليأس من‬
‫حصول املطلوب وأذعنوا ابحلرمان ولكن اذا عرض عليهم اجلمع بني هاتني الدولتني‬
‫‪- 326 -‬‬

‫يكادون يظنونه مجعا بني الضدين ويعدونه من احملاالت والذين يدعون الوصل يرون اليأس‬
‫حرماان والذين يدعون اليأس يظنون الوصل عني الفصل وهذا كله عالمة عدم الوصول اىل‬
‫تلك املنزلة العليا غاية ما يف الباب انه قد أشرق على بواطنهم شعاع من ذاك املقام العايل‬
‫فظنه مجع وصال ومجع آخر أيسا وهذا التفاوت نشأ من جهة استعداد كل منهم فان‬
‫املناسب الستعداد طائفة وصل واملوافق الستعداد طائفة أخرى أيس واستعداد اليأس‬
‫أحسن عند الفقري من استعداد الوصل وان كان كل من الوصل واليأس هناك مالزما‬
‫لآلخر (وجواب) االعرتاض الثاين ايضا صار الئحا من هذا اجلواب فان الوصل املطلق‬
‫غري الوصل العراين شتان ما بينهما ونعين ابلوصل العراين رفع احلجب كلها وزوال املوانع‬
‫أبسرها وملا كان أعظم احلجب وأقواها هي التجليات املتنوعة والظهورات املختلفة البد‬
‫من ان تنقضي وتتمم تلك التجليات والظهورات بتمامها سواء كان التجلي والظهور يف‬
‫املرااي االمكانية أو اجملال الوجوبية فاهنما يف حصول احلجب هبما سيان وان كان بينهما‬
‫تفاوت ابلشرف والرتبة فانه خارج من نظر الطالب (فان قيل) يلزم من هذا البيان ان‬
‫يكون للتجليات هناية وقد صرح املشائخ أبنه ال هناية للتجليات (اجيب) ان عدم هناية‬
‫التجليات امنا هو على تقدير وقوع السري يف االمساء والصفات ابلتفصيل و على هذا‬
‫التقدير ال يتيسر الوصول اىل حضرة الذات تعالت وتقدست وال حيصل الوصل العراين‬
‫فان الوصول اىل حضرة الذات تعالت وتقدست منوط بطي االمساء والصفات على سبيل‬
‫االمجال فتكون اذا للتجليات هناية (فان قيل) قد قيل بعدم هناية التجليات الذاتية ايضا‬
‫كما صرح به موالان العارف اجلامي يف شرح اللمعات فكيف يستقيم القول بنهاية‬
‫التجليات (اجيب) ان تلك التجليات الذاتية ليست بال مالحظة الشئون واالعتبارات‬
‫ايضا فان التجلي ال ميكن بدون مالحظتها وما حنن يف صدد بيانه امر يكون فيما وراء‬
‫التجليات صفاتية كانت تلك التجليات او ذاتية فان اطالق التجلي غري جائز يف ذلك‬
‫املوطن اي جتلي كان الن التجلي عبارة عن ظهور شئ يف مرتبة اثنية او اثلثة او رابعة اىل‬
‫ما شاء هللا تعاىل وق د سقطت املراتب هنا ابسرها وطويت املسافة بتمامها (فان قيل)‬
‫‪- 327 -‬‬

‫فبأي اعتبار قيل لتلك التجليات ذاتية (اجيب) ان التجليات ان كانت مبالحظة معان‬
‫زائدة يعين على الذات فهي التجليات الصفاتية وان كانت مبالحظة معان غري زائدة فهي‬
‫التجليات الذاتية وهلذا قيل ملرتبة الوحدة اليت هي التعني االول وليست بزائدة على الذات‬
‫جتليا ذاتيا ومطلبنا حضرة الذات تعالت وتقدست وال جمال ملالحظة املعاين يف ذلك‬
‫املوطن اصال سواء كانت املعاين زائدة او ال فان املعاين قد طويت ابلكلية بطريق االمجال‬
‫وتيسر الوصل اىل حضرة الذات املقدسة املتعال (ينبغي) أن يعلم أن الوصل يف ذلك‬
‫املوطن منزه عن الكيف واملثال كاملطلب واالتصال الذي يدركه العقل ويفهمه خارج عن‬
‫املبحث وغري الئق بذلك اجلناب املقدس فانه ال سبيل للمثايل اىل املنزه عن املثال ال‬
‫حيمل عطااي امللك اال مطاايه (قال يف املثنوي)‪.‬‬
‫ان للرمحن مع ارواح انس * اتصاال دون كيف أو قياس‬
‫ومل خيرب أحد من مشائخ هذه الطريقة العلية عن هناية طريقه وقد اخربوا عن ابتداء‬
‫طريقهم حيث قالوا ان فيه اندراج النهاية يف البداية فاذا كانت بدايتهم ممتزجة ابلنهاية‬
‫فنهايتهم ايضا ينبغي ان تكون مناسبة لبدايتهم وتلك النهاية هي ما امتاز الفقري ابظهارها‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫فاذا اتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا‬
‫هلل سبحانه و تعاىل احلمد واملنة على ذلك (أيها االخ) ان الواصلني اىل هذه‬
‫النهاية من ارابب هذا الطريق الذين هم أقل من القليل ابلنسبة اىل أصحاب طرق أخر لو‬
‫عددت افرادهم يكاد املقربون يطلبون التباعد ويستبعده املبعدون ابالنكار والتعاند واي‬
‫استبعاد هناك فان كل ذلك لكمال الوصول اىل هناية النهاية بتفضل حبيبه عليه الصالة‬
‫و السالم (ومن) مجلة خصائص هذه الطريقة العلية السفر يف الوطن الذي هو عبارة عن‬
‫السري االنفسي والسري االنفسي وان كان اثبتا يف طريق مجيع املشائخ ولكنه يتيسر يف‬
‫طريقهم يف النهاية بعد قطع السري اآلفاقي خبالف هذا الطريق فان االبتداء فيه من هذا‬
‫السري والسري اآلفاقي امنا يقطع يف ضمنه ومنشأ حصول هذا السري يف االبتداء هو اندراج‬
‫‪- 328 -‬‬

‫النهاية يف البداية (وخاصة) أخرى هلذا الطريق اخللوة يف اجللوة اليت هي متفرعة على تيسر‬
‫السفر يف الوطن فيسافر يف بيت اخللوة الوطين يف عني تفرقة اخللوة وال يتطرق تفرقة‬
‫اآلفاق اىل حجرة االنفس وهذه اخللوة وان كانت متيسرة ملنتهى طرق أخر ولكن ملا تيسر‬
‫يف هذا الطريق يف االبتداء صارت من خواص هذا الطريق (وينبغي) أن يعلم ان اخللوة يف‬
‫اجللوة امنا هي على تقدير غلق ابواب بيت اخللوة الوطين وسد طاقاته يعين ال يلتفت يف‬
‫تفرقة اجللوة اىل أحد وال يكون خماطبا فيها وال متكلما ال أنه يغمض عينيه ويعطل‬
‫ابلتكلف حواسه فان ذلك مناف هلذا الطريق (ايها االخ) ان كل هذا التمحل والتكلف‬
‫إمنا هو يف االبتداء وا لوسط واما يف االنتهاء فال شئ يلزم فيه من هذه التمحالت بل فيه‬
‫مجعية يف عني التفرقة وحضور يف نفس الغفلة وال يتوهم أحد من هذا أن التفرقة وعدم‬
‫التفرقة متساويتان يف حق املنتهى مطلقا فان االمر ليس كذلك بل املراد أن التفرقة وعدم‬
‫التفرقة متساويتان يف حصول نفس مجعية الباطن ومع ذلك لو مجع الظاهر مع الباطن‬
‫ودفعت التفرقة ايضا عن الظاهر لكان أوىل وانسب قال هللا سبحانه ارشادا لنبيه صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم واذكر اسم ربك وتبتل اليه تبتيال (ينبغي) أن يعلم أنه ال يكون يف بعض‬
‫االوقات بد من تفرقة الظاهر لتؤدي حقوق اخللق فصارت تفرقة الظاهر مستحسنة أيضا‬
‫يف بعض االوقات وأما تفرقة الباطن فليست جبائزة يف وقت من االوقات أصال فانه‬
‫خالص للحق سبحانه فكانت ثالثة حصص من العباد املسلمني للحق سبحانه متام‬
‫الباطن ونصف الظاهر والنصف الثاين منه بقي الداء حقوق اخللق ولكن ملا كان يف اداء‬
‫تلك احلقوق امتثال اوامر احلق سبحانه كان ذلك النصف اآلخر ايضا راجعا اىل احلق‬
‫سبحانه اليه يرجع االمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون (ويف) هذا‬
‫الطريق تقدم اجلذبة على السلوك وابتداء السري من عامل االمر ال من عامل اخللق خبالف‬
‫أكثر طرق أخر وقطع منازل السلوك مندرج فيه يف ضمن طي معارج اجلذبة وسري عامل‬
‫اخللق ميسر يف ضمن سري عامل االمر فبهذا االعتبار لو قيل ان يف هذا الطريق اندراج‬
‫‪- 329 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫االبتداء مندرج يف هذا‬ ‫النهاية يف البداية لساغ فعلم من البيان السابق آنفا أن سري‬
‫الطريق يف سري االنتهاء ال اهنم ينزلون من سري االبتداء اىل سري االنتهاء ويسريون يف‬
‫البداية بعد متام سري النهاية فبطل زعم من قال أن هناية هذا الطريق بداية طرق سائر‬
‫املشائخ (فان قيل) قد وقع يف عبارة بعض مشائخ هذه الطريقة أن سريهم يف االمساء‬
‫والصفات يقع بعد متام نسبتهم فصح ان هنايتهم بداية غريهم فان السري يف االمساء‬
‫والصفات يف االبتداء ابلنسبة اىل السري يف التجليات الذاتية (اجيب) أن السري يف االمساء‬
‫والصفات ليس هو بعد السري يف التجليات الذاتية بل يقع ذاك السري يعين السري يف‬
‫االمساء والصفات يف ضمن هذا السري يعين السري يف التجليات الذاتية (غاية) ما يف‬
‫البا ب ان السري االمسائي والصفايت كلما ظهر بسبب عروض بعض العوارض يسترت سري‬
‫التجليات الذاتية ويتخيل انه قد مت وشرع يف التجليات االمسائية والصفاتية وليس كذلك‬
‫نعم قد يقع الرجوع اىل العامل بعد متام السري يف مدارج الوالية لدعوة اخللق اىل احلق جل‬
‫وعال فان زعم ذلك الرجوع هنايتهم وختيله بدايته فليس ذلك ببعيد ولكنه ما يقول يف‬
‫مشائخه فان هلم ايضا هذا الرجوع يف النهاية (وأيضا) ان املراد ابلبداية والنهاية بداية‬
‫الوالية وهنايتها وسري هذا الرجوع ال تعلق له ابلوالية بل هو نصيب من مرتبة الدعوة‬
‫والتبليغ (وهذا) الطريق اقرب الطرق وموصل ألبتة قال اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس‬
‫سره ان طريقنا اقرب الطرق وقال سألت احلق سبحانه طريقا يكون موصال ألبتة وصار‬
‫سؤاله هذا مقروان ابالجابة كما نقله يف الرشحات عن اخلواجه احرار قدس سره وكيف ال‬
‫يكون اقرب وموصال وقد اندرج االنتهاء يف ابتدائه فيا شقاوة من يدخل يف هذا الطريق‬
‫مث ال يقدر على االستقامة عليه ويبقى بال نصيب منه {شعر}‪:‬‬
‫ما ضر مشس الضحى يف االفق طالعة * ان ال يرى ضوءها من ليس ذا بصر‬
‫نعم اذا وقع الطالب يف يد الناقص فما ذنب الطريق وما تقصري الطالب فان‬

‫(‪ )1‬اي السري الذي يقع يف االبتداء يف سائر الطرق وهو سري عامل اخللق مندرج يف سري االنتهاء يف تلك الطرق وهو‬
‫سري عامل االمر فال يلزم احملذور املذكور عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 330 -‬‬

‫املوصل يف احلقيقة دليل هذا الطريق ال نفس ه ذا الطريق (ويف ابتداء) هذا الطريق حالوة‬
‫ووجدان ويف انتهائه مرارة وفقدان وهو من لوازم اليأس خبالف طرق أخر فان يف ابتدائها‬
‫مرارة وفقداان ويف انتهائها حالوة ووجداان (وايضا) يف ابتداء هذا الطريق قرب وشهود ويف‬
‫انتهائه بعد وحرمان خبالف طرق سائر املشائخ الكرام ينبغي ان يقيس تفاوت الطرق من‬
‫هنا وان يعرف علو هذا الطريق العايل الن القرب والشهود واحلالوة والوجدان كل ذلك‬
‫خيرب عن البعد واحلرمان خبالف املرارة والفقدان فاهنما ينبآن عن هناية القرب فهم من فهم‬
‫ولنكشف يف شرح هذا السر هذا القدر وهو انه ال اقرب اىل احد من نفسه ونسبة‬
‫القرب والشهود واحلالوة والوجدان مفقودة يف حق نفسه وهي موجودة يف حق غريه مع‬
‫ان بينهما مباينة والعاقل تكفيه االشارة (واكابر) هذه الطريقة العلية جعلوا االحوال‬
‫واملواجيد اتبعة لالحكام الشرعية واعتقدوا ان االذواق واملعارف خادمة للعلوم ال يعوضون‬
‫اجلواهر الن فيسة الشرعية جبوز الوجد وموز احلال مثل االطفال وال يغرتون برتهات الصوفية‬
‫وال يقبلون االحوال اليت حتصل ابرتكاب احملظورات الشرعية وخالف السنة السنية وال‬
‫يريدون وهلذا ال جيوزون السماع والرقص وال يقبلون على ذكر اجلهر حاهلم على الدوام‬
‫ووقتهم مستمر ومستدام التجل ي الذايت الذي هو كالربق لغريهم دائمي يف حقهم واحلضور‬
‫ط عن حيز االعتبار عند هؤالء االكابر بل معاملتهم فوق‬ ‫الذي يف قفاه غيبة َساقِ ٌ‬
‫احلضور والتجلي كما مرت االشارة اليها قال حضرة اخلواجه احرار قدس سره ان اكابر‬
‫هذه السلسلة العلية ال يقاسون على كل زراق ورقاص فا ن معاملتهم ونسبتهم عالية جدا‬
‫(واملشيخة واملريدية) يف هذا الطريق بتعليم الطريقة وتعلمها ال ابلكل والشجرة كما ان‬
‫ذلك صار رمسا يف طرق اكثر املشايخ حت ان متأخريهم جعلوا املشيخة واملريدية منحصرة‬
‫يف الكل والشجرة ومن ههنا ال جيوزون تعدد الشيخ ويسمون معلم الطريقة مرشدا ال‬
‫شيخا وال يراعون آ داب املشائخ معه حق رعايتها وهذا من كمال جهالتهم ونقصان‬
‫عقوهلم أو ال يعلمون ان مشائخهم قالوا لشيخ التعليم وشيخ الصحبة أيضا شيخا وجوزوا‬
‫تعدد الشيخ بل قالوا اذا رأى الطالب رشده يف حمل آخر جاز له ان خيتار شيخا آخر‬
‫‪- 331 -‬‬

‫ولو يف حياة شيخ ه االول بال انكار عليه وقد اخذ اخلواجه النقشبند فتوى صحيحا من‬
‫علماء خبارى يف جتويز هذا املعن نعم اذا لبس من شيخ خرقة االرادة ال يلبسها من غريه‬
‫واما خرقة التربك فال مانع من لبسها وال يلزم من ذلك ان ال يتخذ شيخا آخر اصال بل‬
‫جيوز ان يلبس خرقة االرادة من شيخ وان يتعلم الطريقة من آخر وان يصحب اثلثا ولكن‬
‫ان تيسرت هذه الدول الثالث من واحد فهي نعمة عظيمة وجيوز ان يستفيد التعليم من‬
‫مشايخ متعددة وكذلك له ان يصحب مشائخ متعددة (وينبغي) ان يعلم ان الشيخ هو‬
‫من يرى املريد طريق احلق سبحانه و تعاىل وهذا املعن ملحوظ وموجود يف تعليم الطريقة‬
‫بل ازيد واوضح وشيخ التعليم هو استاذ الشريعة ودليل الطريقة أيضا خبالف شيخ اخلرقة‬
‫فينبغي اذا رعاية آ داب شيخ التعليم حق رعايتها وان يكون هو احق ابسم الشيخوخة‬
‫(والرايضات) واجملاهدات يف هذا الطريق امنا هي ابتيان االحكام الشرعية والتزام متابعة‬
‫السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية فان املقصود من ارسال الرسل‬
‫وانزال الكتب رفع اهواء النفس االمارة اليت انتصبت ملعاداة موالها جل سلطانه فصار‬
‫رفع اهواء النفس مربوطا ابتيان االحكام الشرعية وكل من كان ارسخ يف اتيان االحكام‬
‫الشرعية يكون ابعد عن هواء النفس الشقية فاذا ال يكون شئ اشق على النفس االمارة‬
‫من امتثال االوامر الشرعية واجتناب مناهيها وال يتصور انكسار بدون تقليد صاحب‬
‫الشريعة وما خيتارون من الرايضات واجملاهدات وراء تقليد السنة فليست هي مبعتربة فان‬
‫جوكية اهلنود وبرامههم وفالسفة اليوانن شركاء يف ذلك االمر وال تزيد الرايضات يف حقهم‬
‫شيئا غري الضاللة واخلسارة (وتسليلك) الطالب يف هذا الطريق مربوط بتصرف الشيخ‬
‫املقتدى به ال يفتح االمر بدون تصرفه فان اندراج النهاية يف البداية أثر من آاثر توجهه‬
‫الشريف وحصول املعن املنزه عن الكيف واملثال نتيجة كمال تصرفه املنيف وكيفية الغيبة‬
‫والذهول اليت اعتربوها طريقا خمفيا ليس حصوهلا يف إختيار املبتدي والتوجه العاري عن‬
‫اجلهات الست ليس وجوده يف حوصلة الطالب {شعر}‪:‬‬
‫ما أحسن النقشبنديني سريهتم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم‬
‫‪- 332 -‬‬

‫وكما ان يف هؤالء االكابر قدرة كاملة على اعطاء النسبة حيث اهنم مينحون‬
‫الطالب الصادق ابحلضور والشعور يف مدة قليلة كذلك فيهم قدرة اتمة على سلب تلك‬
‫النسبة فهم جيعلون صاحب النسبة مفلسا برتك أدب واحد نعم ان الذين يعطون أيخذون‬
‫أعاذان هللا سبحانه من غضبه ومن غضب أوليائه (وأكثر) االفادة واالستفادة يف هذا‬
‫الطريق ابلسكوت وقالوا من مل ينتفع بسكوتنا كيف ينتفع بكالمنا وهذا السكوت مل‬
‫خيتاروه ابلتكلف بل هو من لوازم طريقهم فان ابتداء توجه هؤالء االكابر اىل االحدية‬
‫اجملردة ال يريدون ابالسم والصفة غري الذات ومعلوم ان املناسب واملالئم هلذا املقام هو‬
‫ف هللاَ َك َّل ل َسانه مصداق هلذا الكالم ولنختم هذه املقالة حبمد‬
‫السكوت واخلرس من َعَر َ‬
‫هللا سبحانه وبصالة حبيبه احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني‬
‫وآله الطاهرين أمجعني و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والعشرون واملائتان اىل اخلواجه حممد أشرف الكابلي يف بيان‬
‫سوء االحوال ورؤية القصور يف االعمال واهتام النيات يف احلسنات وما يناسبه}‬
‫اللهم وفقنا ملرضاتك وثبتنا على طاعتك حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم قال واحد من الكرباء ان املريد الصادق من ال يكتب عليه كاتب مشاله‬
‫شيئا مدة عشرين سنة وهذا الفقري اململوء ابلتقصري جيد نفسه ابلذوق والوجدان حبيث ال‬
‫يدري أن كاتب ميينه وجد له حسنة يدرجها يف صحيفة أعماله منذ عشرين سنة علم هللا‬
‫سبحانه انه ال يقول هذا الكالم ابلتصنع وجيد ابلذوق أيضا ان كفار االفرنج أفضل منه‬
‫مبراتب فان سئل عن مليته ال يعجز عن اجلواب ويرى نفسه أيضا بطريق الذوق حماطا‬
‫ابخلطيئات ومشموال ابلسيئات وما وجد فيه من احلسنات يرى أن كاتب مشاله أحق‬
‫بكتابته ويرى أن كاتب مشاله مشغول ابدا وكاتب ميينه معطل وفارغ سرمدا ويعلم أن‬
‫صحيفة ميينه خالية وصحيفة مشاله مملوءة ال رجاء له سوى الرمحة وال ممد له سوى املغفرة‬
‫دعاء اللهم مغفرتك أوسع من ذنويب ورمحتك أرجى عندي من عملي موافق حاله‬
‫‪- 333 -‬‬

‫والعجب أن الفيوضات االهلية والواردات الرمحانية فائضة على الدوام يف مدارج الكمال‬
‫والتكميل وتلك الواردات تؤيد رؤية القصور املذكورة وتقوي مشاهدة العيوب املسطورة‬
‫وتزيد مكان العجب منقصة وحمل الرتفع تواضعا وتنزال ففي آن واحد مشرف بكماالت‬
‫الوالية ويف ذلك اآلن متصف أيضا برؤية القصور والنقصان وكلما يعرج ويتفوق يرى‬
‫نفسه أسفل بل يكون عروجه وتفوقه سببا لرؤية تنزله وتسفله يصدق الظرفاء ذلك ام ال‬
‫فان أطلعوا على سره فلعلهم يصدقون (فان قيل) ما سر اجتماع هذين املتنافيني وكيف‬
‫يكون وجود أحد املتنافيني سببا لوجود اآلخر (اجلواب) ان استحالة اجتماع املتنافيني‬
‫مشروطة ابحتاد احملل وفيما حنن فيه احملل متعدد فان الذاهب اىل فوق لطائف عامل االمر‬
‫من االنسان الكامل والنازل اىل حتت لطائف عامل اخللق منه فانه كلما يذهب عامل االمر‬
‫اىل فوق يكون مناسبته لعامل اخللق أقل وانقص وتقلل تلك املناسبة وتنقصها يكون سببا‬
‫لتنزل عامل اخللق وكلما يتنزل عامل اخللق ويتسفل جيعل السالك فاقد احلالوة ويزيده رؤية‬
‫العيوب والنقائص وهلذا يتمن املنتهون االلتذاذ الذي كان ميسرا هلم يف االبتداء مث زال‬
‫عنهم االنتهاء وعرض مكانه فقدان االلتذاذ وعدم احلالوة وهلذا ايضا يرى العارف ان‬
‫ك ّفا ر االفرنج افضل منه الن يف الكافر نورانية بسبب امتزاج عامل االمر فيه بعامل اخللق‬
‫وهذا االمتزاج مفقود يف العارف بل بقي فيه عامل اخللق الذي يقع لفظ اان من العارف‬
‫عليه وحده وهو مملوء م ن ظلمة وكدورة من الرأس اىل القدم ولطائف عامل االمر منه وان‬
‫نزلت اىل حتت بطريق الرجوع لكن ال يكون هلا اختالط وامتزاج بعامل اخللق كما كان‬
‫ذلك بينهما يف االبتداء ووصل املكتوب املرسل صحبة أخي اخلواجه حممد طاهر‬
‫وحصول الرابطة اليت هي مبنية على املناسبة التامة يف زمان الغيبة ينبغي ان تعدها من نعم‬
‫عظيمة وليكتف بقرب القلوب اىل أن ترتفع املوانع ومع وجود هذا القرب ينبغي أن ال‬
‫خيرج متين قرب االبدان من القلب فان متام النعمة مربوط هبذا القرب أال ترى أن اويسا‬
‫القرين مع وجود قرب القلوب فيه مل يبلغ مرتبة أدىن اجلماعة اليت حصلت هلم قرب‬
‫االبدان لعدم حصول ذلك له وهلذا ال يساوي انفاق جبل ذهب منه انفاق مد شعري‬
‫‪- 334 -‬‬

‫منهم فال تعدل ابلصحبة شيئا كائنا ما كان و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والعشرون واملائتان اىل اخلواجه مجال الدين حسني الكواليب‬
‫يف التحريض على اظهار االحوال لشيخه}‬
‫مل خيرب االخ اخلواجه مجال الدين حسني منذ مدة عن كيفيات أحواله أمل يسمع ان‬
‫مشائخ الكربوية اذا مل يعرض املريد على شيخه احواله اىل ثالثة أايم يؤدبونه مضى ما‬
‫مضى فال يفعل اثنيا كذلك بل ليكتب كلما يظهر وليغتنم قدوم االخ االعز وليجتهد يف‬
‫اخلدمة واستمالة خاطره وليعتقد ان صحبته شئ عزيز {ع}‪:‬‬
‫دللتك اي هذا على كنز مقصد‬

‫{املكتوب الرابع والعشرون واملائتان اىل املري حممد نعمان البدخشي يف بيان‬
‫رعاية اآلداب ودفع التوهم واالمر ابالحتياط يف تعليم الطريقة والتحمل على شدائد‬
‫الفقر وبعض النصائح والتنبيهات املكتوبة اىل اير حممد القدمي يف ظهر هذا‬
‫املكتوب}‬
‫وصل مكتوب االخ االرشد املري حممد نعمان واتضح مضمون املقدمات اليت رتبها‬
‫وفحوى التشكيكات اليت اظهرها يقول بعض الناس يف حقكم أنه أعقل أهل زمانه وما‬
‫معن ايراد امثال هذه الكلمات بينك وبني من البد منه وال مهرب عنه وال تقدر على‬
‫مقاطعته وال ميكنك طلب مفارقته وأي مناسبة يف ذلك ومع ذلك ال خييل لك وصول‬
‫غبار من امثال هذه الكلمات اىل خاطر هذا اجلانب حت يؤدي اىل االيذاء والتأذي‬
‫فضال عن ان ينجر االمر اىل التربي فان حماسنكم منصوبة لدى االنظار وزالتكم ساقطة‬
‫عن حيز االعتبار فال تشوش خاطرك اصال وال تتصور حصول االذية اىل هذا اجلانب‬
‫قطعا فان االذية غري واقعة بوجه من الوجوه وكيف تتصور االذية مع انتفاء موجب االذية‬
‫‪- 335 -‬‬

‫واالمور اليت تظهر ابلسهو والنسيان مبقتضى البشرية ليست بالئقة للموآخذة هبا فازح‬
‫توهم التأذي عن لوح اخلاطر وكن مشغوال بتعليم الطريقة وافادة الطلبة من االكابر‬
‫واالصاغر واالمر ابالستخارة إمنا هو لتأكيد هذا االمر ال لنفيه فان العدو اللعني والنفس‬
‫اليت الشر هلا قرين ملا كان يف كمني هذا املسكني دائما البد من االحتياط والتأكيد لئال‬
‫تنقلب علينا االحوال وكيال تظهر السيئات لعيوننا يف صور احلسنات ابلتمويهات‬
‫والتسويالت الجل االضالل قيل ان الشيطان اللعني اذا جاء من طريق الطاعة وصورة‬
‫النصيحة فدفعه متعسر فينبغي لنا اذا ان نلتجئ ونتضرع اىل احلق سبحانه دائما وان‬
‫نطلب منه تعاىل ابالنكسار والبكاء ان ال يراد من هذه اجلهة خذالننا واستدراجنا وطريق‬
‫االستقامة هو الداللة على السعادة االبدية (مث إعلم) ان الفقر والفاقة مجال هذه الطائفة‬
‫العلية ويف اختياره اقتداء بسيد الكونني عليه الصالة و السالم وقد تكفل احلق سبحانه‬
‫من كمال كرمه برزق عباده وجعلنا واايكم فارغني من هذا الرتدد كلما تكون النفوس اكثر‬
‫يكون وصول االرزاق أوفر فينبغي التوجه اىل مرضيات احلق تعاىل وتقدس واحالة غم‬
‫املتعلقات على كرمه سبحانه والباقي عند التالقي * وقد أخرب بعض االصحاب الواردين‬
‫من هناك ان توهم حصول التأذي متمكن يف خاطر املري اىل اآلن فبناء على ذلك كتبنا‬
‫ابملبالغة والتأكيد يف رفع توهم االذية (وايضا) كنا حرران اىل املال اير حممد القدمي كتااب‬
‫مشتمال على النصائح واملواعظ والظاهر ان مضمونه مل يالئم طبيعته حيث مل يرسل جوابه‬
‫بل مل يسمح ابرسال الدعاء وماذا اصنع ان مل يالئم طبيعته فان مل أبني مظان غلط مجاعة‬
‫منسوبة اىل هذا احلقري ومواد خطأهم ومل اميز احلق من الباطل فكيف أخرج من العهدة‬
‫وأبي وجه اذهب اىل اآلخرة {شعر}‪:‬‬
‫وما هو من شرط البالغ أقوله * فخذ منه نصحا خالصا أو ماللة‬
‫(اعلم) ان مقام املشيخة واالرشاد ودعوة اخللق اىل احلق وطريق الرشاد مقام عال‬
‫‪- 336 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫فأي مناسبة هبذه املنزلة العلية لكل‬ ‫جدا ولعلكم مسعتم الشيخ يف قومه كالنيب يف امته‬
‫قاصر وعاجز {شعر}‪:‬‬
‫هل كل من خلت رجال رجل ميدان * أو كل من صار ذا ملك سليمان‬
‫فان العلم بتفاصيل االحوال واملقامات ومعرفة حقائق املشاهدات والتجليات‬
‫وحصول الكشوف واالهلامات وظهور تعبري الواقعات كل ذلك من لوازم هذا املقام العايل‬
‫وبدوهنا خرط القتاد غاية ما يف الباب ان اكابر الطريقة قدس هللا اسرارهم جييزون بعض‬
‫مريدهم بنوع اجازة قبل وصوله اىل مقام املشيخة مبالحظة بعض املصاحل وجيوزون يف حقه‬
‫تعليم الطريقة للطالبني يف اجلملة ليطلع على االحوال والواقعات ويلزم الشيخ املقتدى به‬
‫يف هذا النوع من التجويز أن أيمر ذلك املريد اجملاز ابالحتياط وكشف مواد الغلط‬
‫ابلتأكيد واطالعه على نقصه دائما واظهار عدم متاميته وكماله ابملبالغة فان تساهل‬
‫الشيخ يف اظهار احلق يف هذه الصورة يكون خائنا وان ساء ذلك املريد يكون خمذوال اما‬
‫يعلم ان رضا احلق جل وعال منوط برضا الشيخ وسخطه تعاىل مربوط بسخطه ما هذه‬
‫املصيبة واي بالء وقع اما فهموا ان االنقطاع عنا اىل اين ينجر فان ينقطعوا عنا اىل من‬
‫يتصلون فان تطرق اىل خاطره عياذا ابهلل سبحانه شئ من هذا القسم فقل له من غري‬
‫توقف ليتب وليستغفر هللا وليلتجئ وليتضرع اليه سبحانه ان ال يبتليه هبذا االبتالء العظيم‬
‫وان ال يوقعه يف هذا البالء اخلطري هلل سبحانه احلمد واملنة مل يقع غبار يف خاطر هذا‬
‫اجلانب مع عدم مباالت االخوان ذلك واضطراابهتم هذه كلها واملرجو من ذلك ان مير‬
‫عواقب االمور ابخلري وابقي االحوال واالوضاع يذكره االخ االرشد موالان حممد صاحل‬
‫ابلتفصيل وبعض حمال االشتباه يستعلم منه و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة‬

‫(‪ )1‬قال السيوطي يف الدرر املنتثرة اسنده الديلمي من حديث ايب رافع وذكره ايضا يف جامعه الصغري بلفظ الشيخ يف‬
‫اهله كالنيب يف امته وعزاه اىل اخلليلي وابن النجار عن ايب رافع بلفظ الشيخ يف بيته كالنيب يف قومه وعزاه اىل ابن حبان‬
‫يف الضعفاء والشريازي يف االلقاب عن ابن عمر ورده السيوطي اىل ضعفه لكن يؤيده العلماء ورثة االنبياء علماء اميت‬
‫كأنبياء بين اسرائيل فقد اسرف من عده يف املوضوعات‪.‬‬
‫‪- 337 -‬‬

‫املصطفى عليه و على آله أمت الصلوات وأفضل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والعشرون واملائتان اىل املال طاهر الالهوري يف بيان ان يف‬
‫بداية هذا الطريق حيصل ما حيصل يف هناية سائر الطرق بطريق اندراج النهاية يف‬
‫البداية اخل}‬
‫احلمد هلل ونصلي على نبيه ونسلم عليه و على آله الكرام وصلت املكتوابت‬
‫الشريفة متوالية وقد اندرج فيها بيان سعي الطالبني واجتهادهم يف االشتغال والتذاذهم به‬
‫واجتماعهم عليه فزادت فرحا على فرح غاية ما يف الباب ان هذا الطريق ملا كان فيه‬
‫اندراج النهاية يف البداية صار يقع وحيصل ملبتدئ هذا الطريق العايل يف االبتداء احوال‬
‫شبيهة ابحوال املنتهيني حبيث ال ميكن التمييز والتفريق بني هذين النوعني من االحوال اال‬
‫لعارف له حدة النظر فعلى هذا التقدير ال ينبغي اجازة تعليم الطريقة الصحاب تلك‬
‫االحوال اعتمادا على حصوهلا فان ضرر اصحاب االحوال يف هذه الصورة فوق ضرر‬
‫مسرتشد يهم الحتمال االمتناع عن الرتقي بتخيل البلوغ مرتبة الكمال بل ميكن ان يوقعه‬
‫حصول اجلاه والرايسة الذي هو من لوازم مقام االرشاد يف بالء عظيم فان نفسه االمارة‬
‫ابقية على كفرها مل حتصل هلا التزكية بعد مضي ما مضى والذين أجزهتم ينبغي لك ان‬
‫تفهمهم ابملالمية ان هذا النوع من االجازة ليس مبنيا على الكمال بل امامهم امور كثرية‬
‫وان هذه االحوال احلاصلة يف االبتداء امنا هي من قبيل اندراج النهاية يف البداية وان‬
‫تنصحهم ابلنصائح املناسبة وان تطلعهم على منقصتهم وحيث اجزهتم ال متنعهم من تعليم‬
‫الطريقة وعساهم يبلغون حقيقة مقام االرشاد بربكة انفاسكم مث انكم حيث شرعتم يف‬
‫هذا االمر يكون مباركا فينبغي السعي واالهتمام واالجتهاد واالغتنام ليكون ذلك ابعثا‬
‫على سعي الطالبني واجتهادهم وشوقهم و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والعشرون واملائتان اىل اخيه احلقيقي الشيخ ميان حممد يف‬
‫‪- 338 -‬‬

‫بيان اغتنام الفرصة}‬


‫وصل مكتوب اخي االعز فصار موجبا للفرح أيها االخ وفقنا هللا واايك ان فرصة‬
‫احلياة قليلة جدا والعذاب االبدي متفرع عليها اي اسفي على من يصرف هذه الفرصة‬
‫اليسرية يف حتصيل امور ال طائل فيها ويلتزم اآلالم املخلدة ايها االخ ان الناس من‬
‫االجانب جيتمعون من االطراف واجلوانب امثال النمل واجلراد اتركني االسباب الدنيوية‬
‫وأنتم تسعون وتعدون ابلذوق واحلرص يف طلب الدنيا الدنية وتتمنون ابلشوق حصوهلا‬
‫جاهلني لقدر دولة كائنة يف الدار احلياء[‪ ]1‬شعبة من االميان حديث نبوي عليه من‬
‫الصلوات أفضلها ومن التسليمات اكملها (أيها) االخ ان هذا النوع من اجتماع أهل هللا‬
‫وهذا القسم من اجلمعية هلل يف هللا الذي هو اليوم يف سرهند ال يدري احيصل عشر عشري‬
‫هذه الدولة عند طوف اطراف العامل أم ال وانتم ضيعتم مثل هذه الدولة جماان واستبدلتم‬
‫اجلواهر النفيسة ابجلوز واملوز مثل االطفال {ع}‪:‬‬
‫فذا عار عليكم ألف عار‬
‫(أيها االخ) لعلك ال تعطي الفرصة يف وقت آخر ولئن اعطيت فلعله ال يبقى هذا‬
‫االجتماع قائما فما العالج اذا وكيف ميكن التدارك وابي شئ حيصل التاليف غلطت‬
‫واخطأت يف الفهم اايك وان تفنت بلقمة مسينة لذيذة واايك وان تغرت أبلبسة مزينة نفيسة‬
‫فاهنا ال نتائج هلا يف الدنيا واآلخرة غري اخلسارة والندامة والقاء نفسك اىل البالء واختيار‬
‫العذاب االخروي بواسطة طلب رضا االهل والعيال بعيد عن العقل السليم املدرك املتفكر‬
‫لعواقب االمور رزقكم هللا سبحانه العقل والتنبه (أيها االخ) ان الدنيا ميثل هبا يف عدم‬
‫الوفاء وأهلها مشهورون ابخلسة والدانءة واجلفاء أليس من اخلسارة أن تصرف عمرك‬
‫العزيز النفيس يف طلب عدمي الوفاء واخلسيس ما على الرسول اال البالغ و السالم‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان عن ايب هريرة رضي هللا عنه‬


‫‪- 339 -‬‬

‫{املكتوب السابع والعشرون واملائتان اىل املال طاهر الالهوري يف بعض‬


‫النصائح واملواعظ اليت تتعلق مبقام املشيخة}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصل املكتوب الشريف وصار موجبا‬
‫للفرح وقد كتبتم من التذاذ االصحاب وحصول احلالوة هلم فزاد ذلك فرحا على فرح (أيها‬
‫االخ) ان احلق سبحانه حيث اكرمك هبذا املنصب ينبغي لك اداء شكر هذه النعمة‬
‫على الوجه االمت واالحرتاز عن صدور أمر يكون ابعثا على نفرة اخللق فانه وابل عظيم‬
‫وتنفري اخللق مناسب حلال املالمهة ال تعلق له ابملشيخة ومقام الدعوة بل مقام املالمهة‬
‫نقيض مقام املشيخة فاايك واخللط يف هذين املقامني افتتمن املالمتية يف مقام املشيخة‬
‫وهو ظلم عظيم وي نبغي لك أن جتمل نفسك يف نظر املريدين وان ال تفرط يف االختالط‬
‫واملؤا نسة ابملسرتشدين فان ذلك ابعث على االستخفاف املنايف لالفادة واالستفادة‬
‫وعليك برعاية حفظ احلدود الشرعية حق رعايتها واايك وجتويز العمل ابلرخصة مهما‬
‫امكن فانه مناف هلذه الطريقة العلية ومناقض لدعوى متابعة السنة السنية قال واحد من‬
‫االعزة رايء العارفني خري من اخالص املريدين فان رايءهم امنا هو الجنذاب قلوب الطالبني‬
‫اىل جناب قدس احلق جل سلطانه فيكون أفضل من اخالص املريدين ابلضرورة وايضا ان‬
‫اعمال العارفني اسباب ووسائط لتقليد الطالبني هلم يف اتيان االعمال فان مل يعمل‬
‫العارفون يبقى الطالبون حمرومني من العمل فصدور الرايء من العارفني امنا هو ليقتدي هبم‬
‫الطالبون وهذا الرايء عني االخالص بل افضل منه الن نفعه مقصور على صاحبه وذاك‬
‫متعد وال يتوهم املتوهم من ذلك ان اعمال العارفني امنا هي حملض تقليد الطالبني وانه ال‬
‫احتياج هلم اىل االعمال عياذا ابهلل سبحانه من ذلك فانه عني االحلاد والزندقة بل العارف‬
‫والطالب سيان يف لزوم اتيان االعمال الغن الحد عنه غاية ما يف الباب ان يف اعمال‬
‫العارفني يكون نفع الطالبني الذي مربوط ابلتقليد ملحوظا ايضا احياان وهبذا االعتبار‬
‫يسموهن ا رايء وابجلملة ينبغي التحفظ الكامل والتيقظ الشامل يف القول والفعل فان اكثر‬
‫اخللق يف هذه االوان يف شوق الطلب فال يقع امر يكون منافيا هلذا املقام وابعثا على‬
‫‪- 340 -‬‬

‫طعن اجلهال يف االكابر الكرام وعليك بطلب االستقامة من احلق سبحانه و تعاىل (وقد‬
‫كتبت أيضا) حصول نسب املشائخ وقد ذكر وجه ذلك لك مكررا ابملشافهة فال تفهم‬
‫وراء ذلك شيئا فانه مما ال خري فيه وماذا اكتب ازيد من ذلك و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والعشرون واملائتان اىل املري حممد نعمان يف بعض النصائح‬
‫املتعلقة مبقام التكميل وتعليم الطريقة وما يناسبه}‬
‫وصل مكتوب االخ معدن السيادة وصار موجبا للفرح (أيها األخ) قد قيل لك‬
‫مكررا ان مدار هذا الطريق على اصلني االستقامة على الشريعة على حد ال ينبغي ان‬
‫يرضى برتك ادىن آداهبا ورسوخ حمبة شيخ الطريقة والثبات عليها واالخالص على هنج ال‬
‫يبقى جمال االعرتاض عليه أصال بل يكون مجيع حركاته وسكناته مستحسنة وحمبوبة يف‬
‫نظر املريد ونعوذ ابهلل سبحانه من وقوع خلل يف أمر من االمور املتعلقة هبذين االصلني‬
‫فان هذين االصلني اذا كاان على االستقامة بعناية هللا سبحانه فسعادة الدنيا واآلخرة نقد‬
‫الوقت (وقد قرع) مسعكم نصائح أخر ووصااي فينبغي االحتياط يف مراعاهتا وتاليف‬
‫التقصريات ابلتضرع واالبتهال وان تعتكف يف عشر ذي احلجة هذه بنية قضاء اعتكاف‬
‫العشر االخري من شهر رمضان على تقدير تركه من الشهر املذكور فبهذه النية تصري‬
‫عامال السنة وينبغي يف هذا االعتكاف االعتذار اىل هللا سبحانه من التقصريات ابلتضرع‬
‫واالنكسار والفقري أيضا يكون ممدا لكم يف ذلك ان شاء هللا تعاىل وما املقصود من هذه‬
‫املبالغة واالحلاح كلها يف حترير االجازة وقد صدرت لك اجازة تعليم الطريقة فان مل تكف‬
‫هي فما نفع حترير االجازة وال يلزم السعي واالجتهاد يف حتصيل كلما يقع يف اخلاطر وقد‬
‫يقع أشياء تركها أوىل وانسب والنفس اللجوجة اذا ولعت أبشياء تريد ان حتصلها وتتمها‬
‫وال تالحظ يف حقيتها وبطالهنا ولقد حررت يف حقكم كلمات كثرية نفعك هللا سبحانه‬
‫هبا ينبغي لك ان تكون يف فكر نفسك وتدبري أمرك حت تذهب بسالمة االميان وماذا‬
‫تنفع االجازة واملريدون فاذا جاء طالب صادق حني اشتغالك بشأنك فحينئذ تعلمه‬
‫‪- 341 -‬‬

‫الطريقة ال انك جتعل تعليم الطريقة أصل االمر ومقصودا ابلذات وجتعل معاملتك اتبعة له‬
‫ومقصودا ابلعرض فان ذلك ضرر حمض وخسران صرف‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والعشرون واملائتان اىل املرزا حسام الدين أمحد يف دفع‬
‫توهم تغيري الطريقة بضرب املثل}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت املكتوابت الشريفة املرسلة‬
‫متوالية فصارت موجبة للفرح وابعثة على افراط احملبة جزاكم هللا سبحانه عنا خريا اجلزاء‬
‫وقد اندرج فيها بعض الشبهات والشكوك على سبيل االمجال اعلم ان طريقنا هذا هو‬
‫طريق حضرة شيخنا قدس هللا سره االقدس والنسبة هي تلك النسبة الشريفة املختصة‬
‫حبضرته أي طريق وأية نسبة أوىل وانسب من هذا الطريق العايل والنسبة العلية حت‬
‫خيتارمها االنسان غاية ما يف الباب ان تكميل الصناعة وتتميم كل نسبة امنا هو بتالحق‬
‫االفكار وتعاقب االنظار أال ترى ان النحو الذي كان يف زمن سيبويه قد زاد بتالحق‬
‫افكار املتأخرين به اضعاف امثاله وصار حمررا ومنقحا ومع ذلك هو ذلك النحو الذي‬
‫كان يف زمن سيبويه مل يزد فيه تالحق افكار املتأخرين غري هتذيبه وتنقيحه أمل تسمع‬
‫مقولة الشيخ عالء الدولة قدس سره حيث قال كلما كانت الوسائط أزيد و اكثر يكون‬
‫الط ريق أقرب وأنور وهذا القسم من الزايدة اليت حصلت هلذه النسبة العلية بطريق‬
‫التهذيب والتنقيح وأوردت يف معرض القال والتصريح أوقعت مجاعة يف التخيالت وحقيقة‬
‫املعاملة هي هذا من غري تكلف وتصنع انظروا اىل مكتوابت الفقري ورسائله حيث اثبت‬
‫فيها ان هذا الطريق هو طريق االصحاب الكرام عليهم الرضوان وبرهنت كون هذه النسبة‬
‫فوق مجيع النسب ومدحت هذا الطريق العايل واكابره على هنج مل يوفق أحد من خلفاء‬
‫هذه اجلماعة العظيمة اليراد عشر عشريه وأيضا ان الفقري أراعى آداب هذا الطرييق على‬
‫الوجه االمت يف مجيع االوقات واايم الشدائد ووقت القعود والقيام وال اجوز خمالفتها‬
‫واالحداث فيه مقدار شعرة والعجب ان هذه الصنائع كلها بقيت مستورة عن النظر فان‬
‫‪- 342 -‬‬

‫وقع فرضا كالم غري مالئم يف اايم االذية ابلنسبة اىل بعض االصحاب أثناء املكاملة‬
‫واملعاتبة كان ذلك منظورا اليه لديكم فالعجب بل أعجب تصديقكم امثال هذه‬
‫ال كلمات وانزعاجكم مبجرد مساعها فان كان ذلك مبنيا على حسن الظن فلم ختصصون‬
‫به تلك اجلماعة ألست اان قابال حلسن الظن وابجلملة لو كان املدار على القيل والقال ال‬
‫يتصور اخلالص من يد النمامني واملفرتين وال يتوقع االخالص فينبغي ترك القيل والقال‬
‫وجماوزته وعدم تذكر االمور املاضية حت يتصور االخالص وترتفع الكلفة األوىل (وكتبتم)‬
‫أنه قد جاء وقت تربية أوالد حضرة شيخنا بل كاد ان يفوت وذكرمت وصية حضرة شيخنا‬
‫قدس سره (أيها املخدوم) املكرم ما اعظم سعادة من يقوم خبدمة خمادميهم ولكين عذرت‬
‫نفسي يف هذه املدة عن اخلدمة الظاهرية بواسطة املوانع املعلومة واان منتظر لظهور زمان‬
‫ميكن فيه إجراء الوصية العلية فان علمتم اآلن عدم املانع وان طريق القيل والقال صار‬
‫ايل حت اذهب واشتغل هبذه اخلدمة اايما ولكن اذا لوحظ يف ذلك‬ ‫مسدودا فأشريوا به ّ‬
‫االمر حق املالحظة يعلم أن مباشريت لذلك االمر امنا تلزم مبجرد امتثال االمر واال‬
‫فرتبيتكم اايهم ظاهرا وابطنا كافية ال احتياج اىل آخر (وقد) اخربين اخوان موالان عبد‬
‫ال لطيف ان امليان حممد قليج أخذ املخدوم االكرب للتعليم والرتبية الظاهرية وانكم جوزمت‬
‫ذلك أيضا فأورثين مساع هذا اخلرب تعجبا فان املذكور وان ختيل شيئا من قصور ادراكه‬
‫ولكن كيف جتوزونه ذلك وأان اخاف من سراية اذية حممد قليج اىل حمل آخر‪.‬‬

‫{املكتوب الثالثون واملائتان اىل الشيخ يوسف الربكي يف علو اهلمة وعدم‬
‫االكتفاء بكل ما حيصل واالجتهاد يف الرتقي وما يناسبه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اظهر امليان اببو نبذة من أحوالكم‬
‫الكرمية أبمركم واستفسر عن حقيقتها فبناء على ذلك حنرر كلمات (أيها املخدوم) ان‬
‫امثال هذه االحوال يظهر ملبتدئ هذا الطريق كثريا يف أوائل االقدام وهم ال يعتربوهنا أصال‬
‫بل ينفوهنا وأين الوصل وأين النهاية {شعر}‪:‬‬
‫‪- 343 -‬‬

‫كيف الوصول اىل سعاد دوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف‬


‫و هللا سبحانه منزه عن الكيف واملثال وكلما هو داخل حتت الرؤية واالدراك‬
‫والشهود واملكاشفة فهو غريه سبحانه وهو تعاىل وراء الوراء فال تغرتوا أصال جبوز هذا‬
‫الطريق وموزه مثل االطفال وال تتخيلوا الوصول اىل النهاية وال تظهروا الوقائع لشيوخ‬
‫انق صني فاهنم يستكثرون القليل مبقياس وجداهنم ويزعمون البداية هناية فال جرم يقع‬
‫الطالب املستعد يف زعم الكمال ويتطرق الفتور اىل طلبه ينبغي للعاقل طلب شيخ كامل‬
‫والتماس عالج االمراض الباطنية منه وما مل يلق شيخا كامال ينبغي نفي تلك االحوال‬
‫حبرف ال واثبات املعبود ابحلق املنزه عن الكيف واملثال قال اخلواجه هباء الدين النقشبند‬
‫قدس سره كلما يكون مرئيا او مسموعا او مدركا فهو غريه تعاىل ينبغي نفيه حبقيقة كلمة‬
‫ال فعليك نفي ما يظهر يف االكثر وهو تعاىل وراء الوراء وال يتخيل يف جانب االثبات‬
‫غري التكلم بكلمة املستثن أصال وهذا هو طريق أكابر هذه الطريقة و السالم على من‬
‫اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والثالثون واملائتان اىل املري حممد نعمان يف بيان الفرق بني‬
‫الوصول واحلصول وان مبادئ تعينات االنبياء هل تكون مبادئ تعينات االولياء ام ال‬
‫والفرق بني ذكر اجلهر وغريه من احملداثت حيث مينع من االول دون الثاين}‬
‫حنمده ونصلي ونسلم على نبيه و على آله الكرام وصل املكتوابن الشريفان‬
‫متعاقبني املكتوب االول وان كان منبئا عن احلزن واالضطراب ولكن املكتوب الثاين كان‬
‫يف غاية املالئمة ومشعرا ابلشوق واحلرارة (أيها احملب) ان املري سعد الدين ملا أراد السفر‬
‫طلب الكتاب وكنت حينئذ مريضا ومنقبضا على حد ما كنت أقدر على الكتابة خبطي‬
‫فأمرت اير حممد القدمي بتحرير الكتاب قائال انه اذا اندرج فيه كلمة غري مالئمة وقت‬
‫املرض أكون معذورا مع أنه ال ينبغي االحنراف وختريب املعاملة بشئ يسري ال قدر هللا‬
‫سبحانه وقوع االذية بيننا وان اكتب شيئا بقصد االذية واالعراض فان حرر شئ ابرادة‬
‫‪- 344 -‬‬

‫النصحية ينبغي ان تفرح به وقد جعلين مكتوبك الثاين مسرورا حمظوظا َِ احلرارة الزمة يف‬
‫كل أمر يعين احلزم وليكن الكسل والعجز نصيب االعداء (وكتبتم) أنه ال ميكن فهم‬
‫الفرق بني احلصول والوصول (أيها األخ) ان احلصول متصور مع وجود البعد والوصول‬
‫متعذر يعين معه اال ترى ان العنقاء نتصوره بصورته املخصوصة به فيمكن ان نقول ان‬
‫العنقاء حاصل يف مدركتنا يعين بوجوده الذهين واما الوصول اىل العنقاء فليس ذلك‬
‫مبتحقق أصال الن الظلية اليت هي عبارة عن ظهور شئ يف مرتبة اثنية ليست مبنافية‬
‫حلصول ذلك الشئ واما الوصول اىل ذلك الشئ فهو ال جيتمع مع الظلية فافرتقا‬
‫(وسئلت) أيضا ان االمساء اليت هي مبادئ تعينات االنبياء عليهم السالم هل تكون تلك‬
‫االمساء بعينها مبادئ تعينات االولياء ام ال فان كانت فما الفرق بينهما (أيها األخ)‬
‫املعزز أن مبادئ تعينات االنبياء عليهم الصالة و السالم هي كليات االمساء ومبادئ‬
‫تعينات االولياء جزئياهتا املندرجة حتت تلك الكليات واملراد جبزئيات االمساء نفس تلك‬
‫االمساء املأخوذة بقيد من القيود كاالرادة املطلقة واالرادة املقيدة ابلشئ واذا وقع الرتقي‬
‫لالولياء بواسطة متابعة االنبياء عليهم السالم يرتفع القيد املذكور ويلتحق املقيد ابملطلق‬
‫وقد ذكرت هذا الفرق يف بعض املكاتيب ابلتفصيل فلرياجع اليه وليالحظ فيه (وسئلت‬
‫أيضا) أنه ما سبب املنع عن ذكر اجلهر بعلة البدعة مع أنه مورث للذوق والشوق ومل ال‬
‫مينع من أمور أخرى مل تكن يف زمن النيب صلّى هللا عليه و سلّم مثل لبس الفرجي والشال‬
‫والسراويل (أيها) املخدوم ان فعله صلّى هللا عليه و سلّم على نوعني فعل على سبيل‬
‫العبادة وفعل على طريق العرف والعادة فالفعل الذي صدر عنه على سبيل العبادة نعتقد‬
‫خالفه بدعة منكرة ونبالغ يف املنع عنه لكونه احدااث يف الدين وهو مردود والفعل الذي‬
‫صدر عنه صلّى هللا عليه و سلّم على طريق العرف والعادة ال نعتقد خالفه بدعة منكرة‬
‫وال نبالغ يف املنع عنه لعدم تعلقه ابلدين بل وجوده وعدمه مبنيان على العرف والعادة ال‬
‫عل ى الدين وامللة فان عرف بعض البالد على خالف عرف بعض بالد أخرى وكذلك‬
‫يقع التفاوت يف العرف يف بلدة واحدة حبسب تفاوت االزمنة ومع ذلك اذا روعيت‬
‫‪- 345 -‬‬

‫السنة العادية تكون مثمرة للنتائج ومنتجة للسعادات ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعة‬
‫سيد املرسلني عليه وعليهم و على اتبعي كل من الصلوات أفضلها ومن التسليمات‬
‫أكملها و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والثالثون واملائتان اىل خان خاانن يف بيان حقيقة الدنيا وقبح‬
‫زخرفاهتا الردية وعالج ازالة حمبة تلك الدنية وما يناسب ذلك}‬
‫جعل احلق سبحانه و تعاىل حقيقة الدنيا الدنية وقبح مزخرفاهتا ومموهاهتا الردية‬
‫منكشفة يف نظر البصرية وأجلى حسن اآلخرة ومجاهلا مع طراوة اجلنات واهنارها ومع‬
‫زايدة لقاء رب العاملني جل سلطانه فيها حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله من‬
‫الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها حت حتصل النفرة عن هذه القبيحة سريعة‬
‫الزوال وعدم الرغبة فيها و يتيسر التوجه ابلكلية اىل عامل البقاء الذي هو حمل رضاء املوىل‬
‫املتعال وما مل يظهر قبح هذه الدنية فاخلالص من أثرها حمال وما مل حيصل اخلالص‬
‫فالفالح والنجاة االخروية متعسر حب الدنيا رأس كل خطيئة قضية مقررة وحيث ان‬
‫املعاجلة تكون ابالضداد كان عالج ازالة حمبة هذه الدنية منوطا ابلرغبة يف أمور اآلخرة‬
‫واتيان االعمال الصاحلة على وفق أحكام الشريعة الغراء وقد جعل احلق سبحانه احلياة‬
‫الدنيا منحصرة يف مخسة اشياء بل يف أربعة اشياء حيث قال تعاىل امنا احليوة الدنيا لعب‬
‫وهلو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر يف االموال واالوالد فاذا اشتغل االنسان ابالعمال‬
‫الصاحلة يشرع اللعب واللهو اللذان مها جزآها االعظمان يف النقصان ابلضرورة واذا‬
‫حصل االجتناب واالحرتاز عن لبس احلرير واستعمال الذهب والفضة اليت هي عمدة يف‬
‫حتصيل الزينة يشرع جزؤها الثاين الذي هو الزينة يف الزوال وميت حصل اليقني ابن الفضيلة‬
‫والكرامة عند هللا هظ عز و جل ابلورع والتقوى ال ابحلسب والنسب ميتنع من التفاخر‬
‫ألبتة واذا علم ان االموال واالوالد مانعة عن ذكر احلق سبحانه عائقة عن التوجه اىل‬
‫جناب قدسه تعاىل خيتار التقاعد عن التكاثر فيها ابلضرورة ويعد تزايدها من املعائب‬
‫‪- 346 -‬‬

‫وابجلملة وما آاتكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه فانتهوا لئال يضركم شئ {شعر}‪:‬‬
‫دللتك اي هذا على كنز مقصد * فان اان مل ابلغ لعلك تبلغ‬
‫(وبقية املرام) أن الشيخ ميان عبد املؤمن من اوالد الكبار مشغول بسلوك الطريقة‬
‫الصوفية بعد فراغه من حتصيل العلوم ويشاهد يف ضمن سلوكه احواال غريبة والضرورة‬
‫البشرية من قبل االهل والعيال تضطره بال اختيار وهذا الفقري دللته على جنابكم لدفع‬
‫هذا االضطرار من دق ابب الكرمي يفتح و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والثالثون واملائتان اىل العايل اجلناب الشيخ فريد يف بعض‬
‫النصائح حبسن االداء}‬
‫ثبتنا هللا سبحانه وااي كم على ما جاء به جدكم االجمد عليه و على آله وأصحابه‬
‫من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها وملا جئت دهلي يف اايم عرس حضرة‬
‫اخلواجه قدس سره وقع يف اخلاطر ان اتشرف حبضور اجمللس العايل ايضا فشاع يف اثناء‬
‫ذلك خرب الرحلة فبالضرورة كنت ابعثا على التصديع بتحرير كلمات غري مرتبطة ابلتوقف‬
‫هنا واملسئول جبميع اهلمة سواء كان يف احلضور او يف الغيبة سالمتكم عما ال يليق بكم‬
‫وال ينبغي وتوردين غلبة ارادة اخلري يف بعض االوقات اختيارا مين جسارتكم أن امنع‬
‫وأمحي عتبتكم العلية عما ال يليق هبا ابلتأكيد واملبالغة وان ال اترك يف اجمللس الشريف من‬
‫ليس ابهل له ولكن أعلم أن مجيع التمين ال يتيسر فبالضرورة اكون رطب اللسان ابلدعاء‬
‫من ظهر الغيب وعسى ان يقع يف معرض القبول قال اخلواجه أحرار قدس سره وان كان‬
‫جعل شخص نفسه عظيما حبيث يلزم من خرابه خراب مجيع العامل شركا وكفرا ولكن‬
‫جعلوين عظيما بال صنع مين ومثل هذه العظمة كاد ان يصدق اليوم يف حقكم فان يف‬
‫رفاهيتكم رفاهية اخلالئق وابلعكس وهلذا كان دعاء الناس لكم ابخلري كطلب املطر يف‬
‫مشول نفعه لعامة اخللق فيكون مع تلك العظمة واجلاللة بقاء مقدار بذرة اخلشخاش وحمل‬
‫االمنلة حمروما وابال وثقال عظيما على قلوب االحباب والناصحني فينبغي التخفيف عنهم‬
‫‪- 347 -‬‬

‫على وجه الكرم وهذا الناصح مل يكتب من هذه املقولة شيئا من مدة مديدة خوفا من‬
‫كون املبالغة ثقيلة {شعر}‪:‬‬
‫وكل لطيف اجلسم يؤذيه كلما * مير به كالورد يطرحه الصبا‬
‫ولكن أرى اختيار التقاعد والسكوت مبالحظة حصول الثقل على اخلاطر بعيدا‬
‫عن املودة {شعر}‪:‬‬
‫وظيفتك الدعاء فحسب صاح * وليس لك التفكر يف قبوله‬
‫و قد وقعت يف اخلاطر داعية زايرة احلرمني الشريفني حرسهما هللا عن اآلفات منذ‬
‫اوقات والباعث على هذا السفر هو هذه الداعية وملا كان هذا املعن منوطا مبشاورتكم‬
‫واسرتضائكم أوقع خرب الرحلة هذه الداعية اىل التسويف اخلري فيما صنع هللا سبحانه و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع و الثالثون و املائتان اىل املخدوم االعظم الشيخ حممد‬


‫صادق قدس سره يف بيان حقيقة الواجب الوجود و حقائق املمكانت و معىن من‬
‫عرف نفسه و معىن التجلي الذايت و معىن هللا نور السموات و ما يناسب ذلك من‬
‫االسئلة و االجوبة}‬
‫الرحيم أما بعد محدا هلل املنزه عن املثال وصالة لنبيه اهلادي فليعلم‬
‫ب ْسم هللا الَّر ْمحَن َّ‬
‫الولد االرشد أن حقيقة احلق سبحانه وجود صرف مل ينضم اليه شئ غريه أصال وذلك‬
‫الوجود الصرف الذي هو حقيقة احلق سبحانه منشأ جلميع اخلري والكمال ومبدأ لكل‬
‫حسن ومجال وجزئي حقيقي بسيط مل يتطرق اليه تركيب اصال ال ذهنا وال خارجا وممتنع‬
‫التصور حبسب احلقيقة وحممول على الذات تعالت مواطأة ال اشتقاقا وان مل يكن لنسبة‬
‫احلمل يف ذلك املوطن جمال الن مجيع النسب ساقطة هناك والوجود العام املشرتك من‬
‫ظالل ذلك الوجود اخلاص وهذا الوجود الظلي حممول على ذاته تعاىل وتقدس و على‬
‫سائر االشياء على سبيل التشكيك اشتقاقا ال مواطأة واملراد بكون هذا الوجود ظال لذاك‬
‫‪- 348 -‬‬

‫ظهور حضرة الوجود يعين اخلاص يف مراتب التنزالت والفرد األوىل واالقدم واالشرف من‬
‫افراد ذلك الظل حممول على ذاته تعاىل اشتقاقا ففي مرتبة االصالة ميكن أن نقول هللا‬
‫وجود ال أن نقول هللا موجود ويف مرتبة الظل يصدق هللا موجود ال هللا وجود وملا قال‬
‫احلكماء وطائفة من الصوفية بعينية الوجود ومل يطلعوا على حقيقة هذا الفرق ومل مييزوا‬
‫االصل من الظل اثبتوا كال من احلمل املواطئ واحلمل االشتقاقي يف مرتبة واحدة‬
‫فاحتاجوا يف تصحيح احلمل االشتقاقي اىل متحل وتكلف واحلق ما حققت ابهلام هللا‬
‫سبحانه وهذه االصالة والظلية كاصالة سائر الصفات احلقيقة وظليتها فان محل تلك‬
‫الصفات يف مرتبة االصالة اليت هي موطن االمجال وغيب الغيب بطريق املواطأة ال بطريق‬
‫االشتقاق فيمكن ان يقال هللا علم وال ميكن أن يقال هللا عامل الن احلمل االشتقاقي البد‬
‫فيه من حصول املغايرة ولو ابالعتبار وهي مفقودة يف ذلك املوطن رأسا اذا التغاير ال‬
‫يكون اال يف مراتب الظلية وال ظلية مثة النه فوق التعني االول مبراحل الن النسب‬
‫ملحوظة بطريق االمجال يف ذلك التعني وال مالحظة لشئ من االشياء بوجه من الوجوه‬
‫يف ذلك املوطن واحلمل االشتقاقي صادق يف مرتبة الظل اليت هي تفصيل ذلك االمجال‬
‫دون احلمل ابملواطأة ولكن عينية تلك الصفة يف تلك املرتبة فرع عينية وجوده تعاىل الذي‬
‫هو مبدأ مجيع اخلري والكمال ومنشأ كل حسن ومجال وكل حمل من كتب هذا الفقري‬
‫ورسائله فيه نفي عينية الوجود ينبغي ان يراد به الوجود الظلي الذي هو مصحح احلمل‬
‫االشتقاقي وهذا الوجود الظلي أيضا مبدأ لآلاثر اخلارجية فاملاهيات اليت تتصف بذلك‬
‫الوجود ينبغي ان تكون يف كل مرتبة من املراتب موجودات خارجية فافهم فانه ينفعك يف‬
‫كثري من املواضع فتكون الصفات احلقيقية ايضا موجودات خارجية وتكون املمكنات‬
‫ايضا موجودات يف اخلارج (أيها الولد) امسع سرا غامضا ان الكماالت الذاتية يف مرتبة‬
‫حضرة الذات تعالت وتقدست عني حضرة الذات فصفة العلم مثال يف ذلك املوطن عني‬
‫حضرة الذات وكذلك القدرة واالرادة وسائر الصفات (وأيضا) ان حضرة الذات يف ذلك‬
‫املوطن بتمامها علم وكذلك بتمامها قدرة ال ان بعض حضرة الذات علم وبعضا آخر‬
‫‪- 349 -‬‬

‫منها قدرة فان التبعض والتجزي حمال هناك وهذه الكماالت كاهنا منتزعات من حضرة‬
‫الذات وعرض هلا التفصيل يف ح ضرة العلم وحصل بينها التمييز مع بقاء حضرة الذات‬
‫تعالت وتقدست على تلك الصرافة االمجالية الوحدانية ومل يبق شئ يف ذلك املوطن غري‬
‫داخل يف ذلك التفصيل وغري مميز بل مجيع الكماالت اليت كان كل واحد منها عني‬
‫الذات ورد اىل مرتبة العلم واكتسبت هذه الكماالت املفصلة يف مرتبة اثنية وجودا ظليا‬
‫ومسيت ابسم الصفات وحصل هلا القيام حبضرة الذات اليت هي اصلها واالعيان الثابتة‬
‫عند صاحب الفصوص عبارة عن تلك الكماالت املفصلة اليت اكتسبت وجودا علميا يف‬
‫موطن العلم وحقائق املمكنات عند الفقري العدمات اليت هي مبادئ مجيع الشر والنقص‬
‫مع تلك الكماالت اليت انعكست عليها وهذا الكالم يستدعي تفصيال ينبغي االستماع‬
‫له ابذن العقل (ارشدك هللا) ان العدم مقابل للوجود ونقيض له فيكون منشأ مجيع الشر‬
‫والنقص ابلذا ت بل عني مجيع الشر والفساد كما ان الوجود يف مرتبة االمجال عني كل‬
‫خري وكمال وكما ان الوجود يف موطن اصل االصل غري حممول على الذات بطريق‬
‫االشتقاق كذلك العدم املقابل لذلك الوجود غري حممول على ماهية العدم بطريق‬
‫االشتقاق وال ميكن ان يقال لتلك املاهية يف تلك املرتبة اهنا معدومة بل هي عدم حمض‬
‫ويف مراتب التفصيل العلمي املتعلق بتلك املاهية العدمية تتصف جزئيات تلك املاهية‬
‫ابلعدم ويصدق عليها العدم ابحلمل االشتقاقي ومفهوم العدم الذي هو كاملنتزع من‬
‫املاهية العدمية االمجالية وكالظل هلا حيمل على مجيع افرادها املفصلة بطريق االشتقاق كما‬
‫سيجئ وملا كان ذلك العدم يف مرتبة االمجال عني كل شر وفساد وامتاز كل فرد من افراد‬
‫الشر والفساد يف علم هللا سبحانه عن فرد آخر كما ان يف جانب الوجود كان حضرة‬
‫الوجود يف مرتبة االمجال عني كل خري وكمال ويف مرتبة التفصيل العلمي امتاز كل فرد من‬
‫افراد الكمال واخلري من فرد آخر انعكس كل فرد من افراد تلك الكماالت الوجودية على‬
‫كل فرد من افراد تلك النقائص العدمية اليت هي يف مقابلتها يف مرتبة العلم وامتزجت‬
‫صور كل منهما العلمية ابألخرى وتلك العدمات اليت هي عبارة عن الشرور والنقائص مع‬
‫‪- 350 -‬‬

‫تلك الكماالت املنعكسة عليها اللتان حصال هلما يف مرتبة حضرة العلم التفصيل العلمي‬
‫ماهيات املمكنات غاية ما يف الباب ان تلك العدمات كاصول تلك املاهيات وموادها‬
‫وتلك الكماالت كالصور احلالة فيها فاالعيان الثابتة عند هذا احلقري عبارة عن تلك‬
‫العدمات وتلك الكماالت اللتني امتزجت كل منهما ابألخرى والقادر املختار جل‬
‫سلطانه صبغ تلك املاهية العدمية مع لوزامها ومع الكماالت الظاللية الوجودية املنعكسة‬
‫عليها يف حضرة العلم املسماة مباهية املمكنات بصبغ الوجود الظلي يف وقت اراده‬
‫وجعلها موجودات خارجية ومبدأ لآلاثر اخلارجية (ينبغي) ان يعلم ان جعل الصور‬
‫العلمية اليت هي عبارة عن االعيان الثابتة املمكنة وماهياهتا منصبغة يعين ابلوجود ال مبعن‬
‫خروج الصور العلمية من موطن العلم وحصول الوجود اخلارجي هلا فان ذلك حمال‬
‫الستلزامه اجلهل له سبحانه تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا بل مبعن ان املمكنات عرض هلا‬
‫الوجود يف اخلارج على طبق تلك الصور العلمية وراء الوجود العلمي كما ان النجار‬
‫يتصور يف ذهنه صورة السرير مث خيرتعها يف اخلارج ففي هذه الصورة ال خترج تلك الصورة‬
‫الذهنية السريرية اليت هي مبثابة املاهية للسرير من علم النجار بل عرض للسرير وجود يف‬
‫اخلارج على طبق تلك الصورة الذهنية فافهم (اعلم) ان كل عدم ملا انصبغ بظل من‬
‫ظالل الكماالت الوجودية املقابلة هلا واملنعكسة عليها عرض له وجود وزينة يف اخلارج‬
‫خبالف العدم الصرف فانه مل يتأثر هبذه الظالل ومل يقبل لوان وصبغا وكيف يقبل اللون‬
‫والصبغ فانه ليس مقابال هلذه الظالل فان كانت له مقابلة فهي حبضرة الوجود الصرف‬
‫تعاىل وتقدس فالعارف التام املعرفة اذا نزل اىل مقام العدم الصرف بعد ترقيه على حضرة‬
‫الوجود الصرف حيصل هلذا العدم ايضا بتوسله انصباغ حبضرة الوجود وتزين به وحسن‬
‫فحينئذ حيصل جلميع مراتب اعدام هذا العارف اليت هي يف احلقيقة مراتبه الذاتية احلسن‬
‫واخلريية امجاال وتفصيال وحيصل هلا اجلمال والكمال وهذه اخلريية السارية يف مجيع املراتب‬
‫الذاتية خمصوصة مبثل هذا العارف فان سرت اخلريية يف غريه فهي اما مقصورة على بعض‬
‫املراتب التفصيلية من اعدامه الذاتية أو سارية يف مجيع مراتبها التفصيلية على تفاوت‬
‫‪- 351 -‬‬

‫الدرجات وهذا القسم االخري ايضا اندر الوجود واما مرتبة امجال العدم الذي هو عني كل‬
‫شر ونقص فلم حتصل فيها رائحة من اخلريية الحد سوى العارف املذكور وال نوع من‬
‫احلسن فيحصل لشيطان هذا العارف املتصف ابخلريية التامة أيضا حسن االسالم وتصري‬
‫نفسه االمارة مطمئنة وراضية عن موالها ومن ههنا قال سيد املرسلني عليه وعليهم‬
‫الصلوات و التسليمات اال ان[‪ ]1‬شيطاين قد اسلم فاذا كان كذلك فال يسبقه غاز يف‬
‫غزوة أصال وال يدل مثل الشيطان على اخلري ابدا سبحان هللا ان املعارف اليت تظهر من‬
‫هذا احلقري من غري اختيار لو اجتمع اجلم الغفري واجتهدوا يف تصورها ال يدري يتيسر أو‬
‫احلظ الوافر من هذه املعارف نصيب حضرة املهدي املوعود عليه‬ ‫ال ويشبه ان يكون ُّ‬
‫الرضوان {شعر}‪:‬‬
‫و مت أتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح و نتف سبالكا‬
‫فتبارك هللا أحسن اخلالقني و احلمد هلل رب العاملني فتكون ذوات املمكنات‬
‫عدمات انعكست عليها ظالل الكماالت الوجودية وزينتها فال جرم تكون املمكنات‬
‫مأوى كل شر وفساد ومالذ كل سوء ونقص وعناد وما فيها من اخلري والكمال فهو عارية‬
‫من حضرة الوجود الذي هو خري حمض ومفاض عليها منه ما أصابك من حسنة فمن هللا‬
‫وما أصابك من سيئة فمن نفسك شاهد هلذا املعن فاذا استولت رؤية كونه عارية على‬
‫السالك بفضل هللا جل سلطانه ورأى كماالته من ذلك الطرف جيد نفسه شرا حمضا‬
‫ونقصا خالصا وال يشاهد يف نفسه كماال أصال ولو بطريق االنعكاس و يكون كعراين‬
‫لبس ثوب العارية واستولت عليه رؤية كونه عارية غاية االستيالء على هنج يعطي الثوب‬

‫(‪ )1‬قوله اال ان شيطاين اخل اخرج مسلم عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ما‬
‫منكم من احد اال ومعه قرينه من ا جلن وقرينه من املالئكة قالوا واايك اي رسول هللا قال واايي ولكن هللا اعانين عليه‬
‫فأسلم فال أيمرين اال خبري انتهى روى بضم امليم وفتحه وهو االرجح واخرج البزار عن ايب هريرة رضي هللا عنه قال قال‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فضلت على االنبياء خبصلتني كان شيطاين كافرا فاعانين هللا حت اسلم احلديث واخرج‬
‫البيهقي وابو نعيم عن ابن عمر رضي هللا عنهما مثله اال ان فيه على آدم بدل على االنبياء والباقي سواء فهذا يقوي‬
‫رواية الفتح وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪- 352 -‬‬

‫لصاحبه ابلكلية يف التخيل فحينئذ جيد نفسه ابلذوق عاراي ألبتة وان كان متلبسا بثوب‬
‫العارية وصاحب هذه الرؤية مشرف مبقام العبدية الذي هو فوق مجيع كماالت الوالية‬
‫واجتماع اخلري والشر والكمال والنقص الذي هو اجتماع الوجود والعدم يف احلقيقة ليس‬
‫من قبيل اجتماع النقيضني الذي يعد حماال فان نقيض الوجود الصرف هو العدم الصرف‬
‫وهذه املراتب الظلية كما أهنا تنزلت يف جانب الوجود من ذروة االصل اىل حضيض‬
‫التنزالت كذلك ترقت يف جانب العدم من حضيض صرافة العدم بل اجتماعها من قبيل‬
‫اجتماع العناصر املتضادة اجملتمعة بعد كسر السورة املضادة من كل منها فسبحان من‬
‫مجع بني الظلمة والنور (فان قيل) انت حكمت فيما سبق ابنصباغ العدم الصرف‬
‫ابلوجود الصرف الذي هو نقيضه فحصل اذا اجتماع النقيضني (أقول) ان احملال امنا هو‬
‫اجتماع النقضيني يف حمل واحد وأما قيام أحد النقيضني ابآلخر واتصافه فليس ذلك‬
‫مبحال كما قال أرابب املعقول ان الوجود معدوم واتصاف الوجود ابلعدم ليس مبحال‬
‫فعلى هذا لو كان العدم موجودا ومنصبغا ابلوجود مل يكن حماال (فان قيل) ان العدم من‬
‫املعقوالت الثانية وهي منافية للوجود اخلارجي فكيف يتصف العدم ابلوجود اخلارجي‬
‫(أقول) ان ما هو من املعقوالت الثانية هو مفهوم العدم دون مصداقه فأي فساد يف‬
‫اتصاف فرد من أفراد العدم ابلوجود كما قال أرابب املعقول يف الوجود بطريق‬
‫االستشكال ان الوجود ال ينبغي ان يكون عني ذات واجب الوجود تعاىل وتقدس الن‬
‫الوجود من املعقوالت الثانية اليت ال وجود هلا يف اخلارج وذات واجب الوجود تعاىل‬
‫موجودة يف اخلارج فال يكون عينها وقالوا يف جوابه ان ما هو من املعقوالت الثانية هو‬
‫مفهوم الوجود ال جزئياته فال يكون جزئي من جزئياته منافيا للوجود اخلارجي بل ميكن ان‬
‫يكون موجودا يف اخلارج (فان قلت) قد علم من التحقيق السابق ان وجود الصفات‬
‫احلقيقية امنا هو يف مرتبة الظالل وأما يف مرتبة االصل فال وجود هلا فيها وهذا الكالم‬
‫خمالف لرأي أهل ا حلق شكر هللا سعيهم فاهنم ال جيوزون انفكاك الصفات عن الذات‬
‫أصال ويقولون ابمتناع انفكاكها عنها (أجيب) ال يلزم من هذا البيان جواز االنفكاك فان‬
‫‪- 353 -‬‬

‫ذلك الظل الزم االصل فال انفكاك غاية ما يف الباب ان العارف الذي قبلة توجهه‬
‫أحدية الذات تعالت وتقدست ال يكون له شئ من االمساء والصفات ملحوظا أصال‬
‫فيجد الذات يف ذلك املوطن ألبتة وال يكون شئ من الصفات ملحوظا له أصال ال ان‬
‫الصفات ليست حباصلة يف ذلك الوقت فانفكاك الصفات من حضرة الذات ان ثبت‬
‫ثبت ابعتبار مالحظة العارف ال ابعتبار نفس االمر حت يكون خمالفا ملا عليه أهل السنة‬
‫(وقد الح) من هذا البيان معن من عرف[‪ ]1‬نفسه فقد عرف ربه فان الشخص اذا عرف‬
‫نفسه ابلشر والنقص وعرف ان ما فيه من اخلري والكمال واحلسن واجلمال مستعار من‬
‫واجب الوجود املقدس املتعال فقد عرف احلق سبحانه ابخلري والكمال واحلسن واجلمال‬
‫ابلضرورة (واتضح) من هذه التحقيقات املعن التأويلي لقوله تعاىل هللا نور السموات‬
‫واالرض النه قد تبني ان املمكنات ابسرها عدمات وابمجعها شر وظلمات وما فيها من‬
‫اخلري والكمال واحلسن واجلمال مفاض من حضرة الوجود الذي هو عني حضرة الذات‬
‫تعالت وتقدست وعني كل خري وكمال فيكون نور السموات واالرضني هو حضرة‬
‫الوجود الذي هو حقيقة الواجب تعاىل وتقدس وملا كان ذلك النور يف السموات واالرض‬
‫بتوسط الظالل اورد متثيال لذلك النور لرفع توهم من عسى ان يتوهم انه بال توسط حيث‬
‫قال تعاىل مثل نوره كمشكاة فيها مصباح اآلية ايذاان بثبوت الوسائط وتفصيل أتويل هذه‬
‫اآلية الكرمية يثبت انشاء هللا تعاىل يف حمل آخر فان اجملال للكالم كثري هناك وهذا‬
‫املكتوب ال يسع تفصيله (وامنا) قلنا املعن التأويلي لقوله تعاىل الن املعن التفسريي‬
‫مشروط ابلنقل والسماع ولعلك مسعت من فسر[‪ ]2‬القرآن برأيه فقد كفر ويف التأويل‬

‫(‪ )1‬قوله من عرف نفسه اخل قال السيوطي قال النووي انه غري اثبت وقال ابن السمعاين انه من كالم حيىي بن معاذ‬
‫الرازي انتهى وقال ابن حجر اهليتمي انه من كالم علي رضي هللا عنه وعزاه املناوي يف كنوز احلقائق اىل الديلمي وذكره‬
‫املاوردي يف ادب الدنيا والدين عن عائشة مرفوعا اهنا قالت اي رسول هللا ميت يعرف االنسان ربه قال اذا عرف نفسه‬
‫(‪ )2‬قوله من فس ر القرآن برأيه اخل قلت احلديث اورده الغزايل يف حملني من االحياء بلفظ من فسر القران برأيه فليتبوأ‬
‫مقعده من النار قال العراقي اخرجه الرتمذي من حديث ابن حبان وحسنه وهو عند ايب داود ويف رواية ابن لعبد وعند‬
‫النسائي يف الكربى وقال شارحه بعد نقل قول العراقي قلت اخرج الرتمذي وصحه وابن االنباري يف املصاحف‬
‫‪- 354 -‬‬

‫يكفي جمرد االحتمال بشرط عدم خمالفته الكتاب والسنة فتقرر أن ذوات املمكنات‬
‫واصوهلا عدمات وصفاهتم النقائص والرذائل اليت هي مقتضيات تلك العدمات وجدت‬
‫ابجياد القادر املختار جل سلطانه والصفات الكاملة فيهم مستعارة من ظالل كماالت‬
‫حضرة الوجود تعاىل وتقدس ظهرت فيهم بطريق االنعكاس ووجدت ابجياد القادر املختار‬
‫ايضا ومصداق حسن االشياء وقبحها هو ان كلما هو انظر اىل اآلخرة ومعدهلا فهو‬
‫حسن وان مل يكن مستحسنا يف الظاهر وكلما هو انظر اىل الدنيا ومعد الجلها فهو قبيح‬
‫وان كان حسنا يف الظاهر وظاهرا ابحلالوة والطراوة كاملزخرفات الدنياوية وهلذا منع يف‬
‫الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية من النظر وامليل اىل حسن‬
‫املرد والنساء االجنبيات ومتين املزخرفات فان ذلك احلسن والطراوة من مقتضيات العدم‬
‫الذي هو مأوى كل شر وفساد فلو كان منشأ هذا احلسن واجلمال الكماالت الوجودية‬
‫ملا مينع عنه اال من جهة كون التوجه اىل الظل مع وجود االصل مستهجنا ومستقبحا‬
‫وهذا املنع منع استحساين ال وجويب خبالف املنع السابق فاحلسن الظاهر يف املظاهر‬
‫اجلميلة الدنيوية ليس هو من ظالل حسنه تعاىل بل هو من لوازم العدم اكتسبه يف الظاهر‬
‫بواسطة جماورته احلسن واال فهو يف احلقيقة قبيح انقص كسم مدسوس يف السكر وجناسة‬
‫مطلية ابلذهب وامنا جوز التمتع ابلنساء اجلميلة املنكوحة واالماء اجلميلة اململوكة بواسطة‬
‫حتصيل االوالد وابقاء النسل املطلوب لبقاء نظام العامل فما ابتلى به بعض الصوفية من‬
‫املظاهر اجلميلة والنغمات املستحسنة بتخيل أن هذا احلسن واجلمال مستعار من‬

‫والطرباين يف الكربى والبيهقي يف الشعب كلهم من رواية عبد االعلى عن سعيد ابن جبري عن ابن عباس رضي هللا‬
‫عنهما بلفظ من قال يف القرآن بغري علم فليتبوأ اخل واخرجه ابو داود والرتمذي وقال غريب والنسائي يف الكربى وابن‬
‫جرير والبغوي وابن االنباري وابن عدي والطرباين والبيهقي كلهم من رواية سهل بن ايب حزم القطفي عن ابن عمران‬
‫اجلويل عن جندب بن عبدهللا من قال يف القرآن برأيه فاصاب فقد اخطأ ويف رواية الرتمذي وغريه من قال يف كتاب هللا‬
‫ويف رواية من تكلم يف القرآن ويف الباب عن ابن عمر وجابر وايب هريرة وحديث ابن عمر من فسر القرآن برأيه فاصاب‬
‫كتبت عليه خطيئة لو قسمت بني العباد لوسعتهم وحديث جابر من فسر القرآن برأيه فقد اهتمين وحديث ايب هريرة‬
‫من فسر القرآن برأيه وهو على وضوء فليعد وضوءه اخرج هذه الثالثة الديلمي يف مسند الفردوس وطرقهن ضعاف بل‬
‫االخري منكر جدا اىل آخر ما قال بطوله ومل اظفر بلفظ االمام قدس سره‬
‫‪- 355 -‬‬

‫كماالت حضرة واجب الوجود تعاىل وتقدس ظهر يف هذه املظاهر وزعمهم هذا االبتالء‬
‫حسنا ومتحسنا بل تصورهم إ ايه طريق الوصول ثبت عند هذا احلقري خالفه كما مرت‬
‫نبذة فيما سبق والعجب أن بعضهم يورد هذا القول اايكم واملرد فان فيهم لوان كلون هللا‬
‫سندا ملطلبه وكلمة كلون هللا توقعهم يف االشتباه وال يدرون أن هذا القول مناف ملطلبهم‬
‫ومؤيد ملعرفة هذا الدرويش النه ورد فيه كلمة التحذير منعا عن التوجه اليهم وبني منشأ‬
‫الغلط ابن حسنهم مشابه حلسن احلق ومجاله سبحانه ال حسنه تعاىل لئال يقعوا يف الغلط‬
‫قال عليه الصالة و السالم ما الدنيا و اآلخرة اال ضراتن ان رضيت احدامها سخطت‬
‫األخرى ويف احلديث ايضا تصريح بوجود املباينة واملناقضة بني حسن اآلخرة وحسن الدنيا‬
‫وبني مجاليهما ومن املقرر ان احلسن الدنيوي غري مرضي واحلسن االخروي مرضي فيكون‬
‫الشر الزم احلسن الدنيوي واخلري الزم احلسن االخروي فبالضرورة يكون منشأ االول عدما‬
‫ومنشأ الثاين وجودا نعم ان بعض االشياء له وجه اىل الدنيا ووجه اىل اآلخرة فهذا قبيح‬
‫من الوجه االول وحسن من الوجه الثاين ومتييز ما بني هذين الوجهني وفرق ما بني حسنه‬
‫وقبحه مفوض اىل علم الشريعة قال هللا تعاىل وما آتيكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه‬
‫فانتهوا وقد ورد يف اخلرب أن هللا سبحانه مل ينظر اىل الدنيا منذ خلقها لكوهنا مبغوضا‬
‫عليها عنده سبحانه وكل ذلك بواسطة قبحها وشرها وفسادها اليت هي من مقتضيات‬
‫العدم الذي هو مأوى مجيع الفساد وحسن الدنيا ومجاهلا وحالوهتا وطراوهتا كل منها‬
‫كاملطروح يف الطريق ال يستحق النظر اليه واملستحق للنظر امنا هو مجال اآلخرة فانه‬
‫مرضي احلق سبحانه قال هللا سبحانه شكاية من حاهلم يريدون عرض الدنيا وهللا يريد‬
‫اآلخرة اللهم صغر الدنيا يف اعيننا وكرب اآلخرة يف قلوبنا حبرمة من افتخر ابلفقر وجتنب‬
‫عن الدنيا عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات (والشيخ) االجل حميي الدين‬
‫بن العريب قدس سره ملا مل يقع نظره على حقيقة شر املمكنات ونقصها وقبحها جعل‬
‫حقائق املمكنات الصور العلمية االهلية جل وعال وقال ان تلك الصور انعكست على‬
‫مرآة حضرة الذات اليت ال يقول بوجود شئ غريها يف اخلارج فحصلت هلا بسبب ذلك‬
‫‪- 356 -‬‬

‫االنعكاس يعين ظهور خارجي وال يرى هذه الصور العلمية غري صور شؤن الواجب‬
‫وصفاته جل سلطانه فال جرم حكم بوحدة الوجود وقال بعينية وجود املمكنات بوجود‬
‫الواجب تعاىل وتقدس وقال بنسبية الشر والنقص ونفي الشر املطلق والنقص احملض ومن‬
‫ههنا ال يقول بوجود قبيح ابلذات حت انه يقول ان قبح الكفر والضاللة امنا هو ابلنسبة‬
‫اىل االميان واهلداية ال ابلنسبة اىل ذاهتما بل يرامها عني اخلري و الصالح وحيكم ابستقامتها‬
‫ابلنسبة اىل أرابهبما وجيعل قوله تعاىل ما من دابة اال هو آخذ بناصيتها ان ريب على‬
‫صراط مستقيم شاهدا هلذا املعن نعم ان من حيكم بوحدة الوجود ال يتحاشا من أمثال‬
‫هذه الكلمات وما ظهر هلذا الفقري ان ماهيات املمكنات عدمات مع الكماالت‬
‫الوجودية املنعكسة عليها واملمتزجة هبا كما مر مفصال وهللا سبحانه حيق احلق وهو يهدي‬
‫السبيل (أيها الولد) ان هذه العلوم واملعارف اليت مل يتكلم هبا أحد من أهل هللا ال صرحيا‬
‫وال اشارة من اشرف املعارف واكمل العلوم برزت يف منصة الظهور بعد ألف سنة‬
‫وكشفت عن وجه حقيقة الواجب تعاىل وتقدس وحقائق املمكنات النقاب كما ينبغي‬
‫وحيرى حبيث ال خمالفة فيها للكتاب والسنة وال مباينة بينها وبني أقوال اهل احلق وكان‬
‫املراد واملقصود من دعاء النيب صلّى هللا عليه و سلّم الذي يشبه أن يكون صدوره عنه‬
‫لتعليم االمة حيث قال اللهم[‪ ]1‬أران حقائق االشياء كما هي هو هذه احلقائق املبينة يف‬
‫ضمن هذه العلوم املناسبة ملقام العبودية الدالة على الذل واالنكسار املالمي حلال العبيد‬
‫واي كم ال وخري يف رؤية العبد نفسه عني مواله القادر بل هي تنبئ عن كمال فقد‬
‫االدب (أيها الولد) ان هذا الوقت لوقت كان يف االمم السابقة يبعث يف مثل هذا الوقت‬
‫اململوء ابلظلمة نيب من االنبياء أويل العزم الحياء الشريعة وجتديدها ويف هذه االمة اليت‬
‫[‪]2‬‬
‫هي خري االمم ونبيهم خامت الرسل عليه و على آله الصلوات و التسليمات أعطي‬

‫(‪ )1‬قوله اللهم اران حقائق االشيئا كما هي قيل مل يوجد له اصل بل هو من كالم بعض العارفني وقيل بل ذكره الغزايل‬
‫يف العلق املضنون والدهلوي يف مدارج النبوة فالنسبة اىل بعض العارفني غلط قلت ليت ذكر خمرجه وراويه حت يتحقق‬
‫الغلط‬
‫(‪ )2‬قوله اعطي العلماء اخل اشارة اىل ما اشتهر من ان علماء اميت كانبياء بين اسرائيل قال ابن حجر والذهيب والزركشي‬
‫‪- 357 -‬‬

‫العلماء مرتبة أنبياء بين اسرائيل واكتفى بوجود العلماء من وجود االنبياء وهلذا يتعني على‬
‫رأس كل مائة جمدد من علماء هذه االمة الحياء الشريعة و على اخلصوص بعد مضي‬
‫الف سنة فانه وقت بعثة نيب من االنبياء أويل العزم يف االمم السابقة وما كان يكتفي فيه‬
‫ابي نيب كان ففي مثل هذا الوقت يلزم أن يكون عامل عارف اتم املعرفة ليكون قائما مقام‬
‫نيب من االنبياء أويل العزم من االمم السابقة {شعر}‪:‬‬
‫لو جاء من فيض روح القدس من مدد * خال املسيح ليصنع مثل ما صنعا‬
‫(أيها الولد) ان املقابل للوجود الصرف هو العدم الصرف وقد سبق ان الوجود‬
‫الصرف حقيقة واجب الوجود تعاىل وتقدس وانه عني كل خري وكمال وان مل يكن‬
‫ملالحظة هذه العينية هناك جمال ولو على سبيل االمجال لوجود شائبة الظلية فيها والعدم‬
‫الصرف الذي هو مقابل الوجود الصرف مل يتطرق اليه شئ من النسبة واالضافة وعني كل‬
‫شر ونقص وان مل يكن هلذه العينية فيه ايضا جمال لوجود رائحة االضافة فيها ومن املعلوم‬
‫ان ظهور الشئ على الوجه االمت امنا يتصور يف مقابله احلقيقي واالشياء امناتتبني بضدها‬
‫فبالضرورة حيصل ظهور الوجود على االمت يف مرآة العدم الصرف ومن املقرر ان النزول‬
‫على قدر العروج فمن حتقق عروجه بعناية هللا سبحانه اىل حضرة الوجود يكون نزوله‬
‫ابلضرورة اىل العدم املقابل له لكن وقت العروج الذي فيه استهالك العارف اجلهل الزم له‬
‫ووقت النزول الذي هو متحقق ابلصحو يكون متصفا ابلعلم واملعرفة لكونه مقامه ويف‬
‫مقام الصحو يتش رف ابلتجلي الذايت الذي هو مربأ عن شائبة الظلية ومنزه عن مالحظة‬
‫الشئون واالعتبارات الذاتية و يكون معلوما له ان مجيع التجليات اليت قبله كانت يف‬
‫حجب ظل من ظالل االمساء والصفات والشئون واالعتبارات وان اعتقد العارف أهنا بال‬
‫مالحظة االمساء والصفات والشؤن واالعتبارات وعدها جتليات وجودية صرفة سبحان هللا‬

‫انه ال أصل له وقال الدمريي هذا احلديث ال يعرف له خمرج لكن يف البخاري العلماء ورثة االنبياء ورواه ابو داود‬
‫والرتم ذي وابن ماجه واحلاكم يف صحيحه ولكن معناه صحيح كما ال خيفي على املتأمل واورده يف الفتوحات يف الباب‬
‫‪ 41‬بلفظ وقد ورد يف اخلرب عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم ان علماء هذه االمة كانبياء بين اسرائيل‬
‫‪- 358 -‬‬

‫ان هذا العدم الذي هو مأوى كل شر ونقص قد اكتسب احلسن بواسطة ظهور حضرة‬
‫الوجود فيه ظهورا اتما وانل ما مل ينله أحد وصار القبيح لذاته بواسطة احلسن العارض‬
‫مستحسنا والنفس االمارة االنسانية اليت هي مائلة ابلذات اىل الشر فيها مناسبة من بني‬
‫الكل هلذا العدم وهلذا صارت فائقة على الكل يف التجلي اخلاص وسابقة للكل يف الرتقي‬
‫واالختصاص {ع}‪:‬‬
‫أحق اخللق ابلكرم العصاة‬
‫(ينبغي) ان يعلم ان العارف التام املعرفة اذا نزل بعد طي مقامات العروج ومراتب‬
‫النزول تفصيال اىل مقام العدم الصرف وحصلت له مرآتية حضرة الوجود يظهر فيه مجيع‬
‫الكماالت ابالمسائية والصفاتية ويظهر مجيعها تفصيال مع لطائف كان مقام االمجال‬
‫متضمنا هلا وهذه الدولة ال تتيسر لغريه وتلك املرآتية لباس فاخر خميط على مقدار قدره‬
‫وصور هذا التفصيل وان كانت اثبتة يف خزانة احلضرة العلمية ولكنها مرآتية يف حضرة‬
‫العلم و مرآتية هذا العارف يف مرتبة اخلارج حيث أظهر مجيع الكماالت يف اخلارج (فان‬
‫قيل) ما معن كون العدم مرآة فانه ال شئ حمض فبأي اعتبار قيل له انه مرآة للوجود‬
‫(أجيب) ان العدم ابعتبار اخلارج ال شئ حمض وأما يف العلم فقد عرض له فيه امتياز بل‬
‫حصل له وجود علمي ايضا عند مثبيت الوجود الذهين وقيل له مرآة الوجود ابعتبار ان‬
‫كلما يثبت من الشر والنقص يف مرتبة العدم يكون مسلواب عن الوجود الذي هو نقيضه‬
‫ألبتة وكل كمال يكون مسلواب عن مرتبة العدم يكون مثبتا يف حضرة الوجود فال جرم كان‬
‫العدم سببا لظهور الكماالت الوجودية وال معن للمرآتية اال هذا فافهم فانه ينفعك وهللا‬
‫سبحانه امللهم (أيها الولد) ان هذه املعارف احملررة نرجو ان تكون من االهلامات الرمحانية‬
‫اليت ال يكون للوساوس الشيطانية فيها جمال والدليل على صدق هذا املعن اين ملا كنت‬
‫متصداي لتحرير هذه العلوم ملتجئا اىل جناب قدسه تعاىل رأيت كأن املالئكة الكرام على‬
‫نبينا وعليهم الصالة و السالم يطردون الشياطني ويدفعوهنم عن نواحي هذا املقام وال‬
‫يرتكوهنم حيومون حول هذا املكان وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال (وملا كان) اظهار النعم‬
‫‪- 359 -‬‬

‫اجلزيلة من اعظم احملامد اجلميلة جتاسرت على اظهار هذه النعمة العظمى واملرجو ان‬
‫يكون مربأ من مظنة العجب وكيف يكون فيه للعجب جمال واحلال ان نقصي وقبحي‬
‫الذاتيني نصب العني يف كل وقت بعناية هللا سبحانه والكماالت كلها منسوبة اليه تعاىل‬
‫احلمد هلل رب العاملني أوال وآخرا والصالة و السالم على رسوله دائما وسرمدا و على آله‬
‫الكرام وأصحابه العظام و السالم على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه‬
‫و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والثالثون واملائتان اىل املال عبد الغفور السمرقندي‬


‫وحاجي بيك الفركيت واخلواجه أشرف الكابلي يف بيان ان حمبة هذه الطائفة رأس كل‬
‫سعادة دنيوية وأخروية وما يناسبه}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليكن معلوما لالحباب احلقيقيني واملشتاقني‬
‫التحقيقيني انه قد حصل السرور واالبتهاج بوصول املكاتيب الشريفة املنبئة عن فرط احملبة‬
‫واالشتياق ثبتكم هللا سبحانه على هذه احملبة وينبغي لكم ان تسألو هللا سبحانه الثبات‬
‫واالستقامة عليها معتقدين أبهنا رأس سعادة دنيوية واخروية والتوفيق التيان االحكام‬
‫الشرعية نتيجة هذه احملبة وحتصيل مجعية الباطن مثرة هذه املودة ولو صبت مجيع ظلمات‬
‫العامل وكدوراته يف الباطن وهذه احملبة قائمة ينبغي ان ال يغتم اصال بل ينبغي ان يكون‬
‫راجيا ولو افيضت امثال اجلبال من االنوار واالحوال على الباطن وقد زالت مقدار شعرة‬
‫من هذه احملبة ينبغي ان ال يعتقد ذلك شيئا غري اخلذالن وينبغي ان يعده استدراجا‬
‫وعليكم ابلتوجه اىل شغلكم متمسكني حببل هذه احملبة متسكا شديدا دون ان تضيعوا‬
‫العمر العزيز ابمور ال طائل فيها {شعر}‪:‬‬
‫و اايكم و االغرتار بزخرف * سريع انتقال لن تروا نفعه اصال‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله من‬
‫الصلوات افضلها ومن التسليمات اكملها‪.‬‬
‫‪- 360 -‬‬

‫{املكتوب السادس والثالثون واملائتان اىل املخدوم زاده الشيخ ميان حممد‬
‫صادق قدس سره يف بيان بعض االسرار}‬
‫بعد احلمد والصلوات ليكن معلوما للولد االرشد انه قد فهم من مكتوبكم احملرر‬
‫يف شرح االحوال انه قد حصلت لكم مناسبة ابلوالية اخلاصة احملمدية على صاحبها‬
‫الصالة و السالم والتحية فشكرت هللا سبحانه على ذلك حق شكره وكنت متمنيا‬
‫حلصول هذه الدولة لكم من مدة مديدة فحينئذ كنت متوجها برجاء جذبكم اىل هذه‬
‫الدولة وبينا اان يف هذا الطلب اذ وجدتك داخال يف الوالية املوسوية اتفاقا فادخلتك يف‬
‫الوالية اخلاصة جاذاب لك من هناك هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك وحيث أدخلتك‬
‫يف هذه الوالية قسرا صرت اربيك اخذا يف كنفي وقد مر على ذلك ازيد من عشرين يوما‬
‫ولعله مل يكن معلوما لك من ضعف هذه النسبة وحيث حصلت هلا اآلن قوة يرجى ان‬
‫يكون معلوما لك ايضا وماذا اكتب من انعامات احلق سبحانه الفائضة على التواتر‬
‫والتوايل يف حق هذا العاصي {شعر}‪:‬‬
‫كاين بقعة فيها سحاب ال * ربيع ممطر ماء زالال‬
‫فلو يل الف السنة و اثين * هبا ما ازددت اال انفعاال‬
‫مث ان الولد االعز حممد سعيد كان قد اظهر احواله يف مكتوبه فرأيتها اصيلة جدا‬
‫مل حتصل هبذه اخلصوصية خال اانس قليلني من االصحاب واملرجو ان يشرفه احلق سبحانه‬
‫أيضا ابلوالية اخلا صة وولدي حممد معصوم قابل هلذه الدولة ابلذات بفضل هللا تعاىل‬
‫اخرجه هللا سبحانه من القوة اىل الفعل حبرمة حبيبه عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والثالثون واملائتان اىل املال حممد طالب يف الرتغيب يف‬
‫متابعة السنة السنية ومدح الطريقة العلية النقشبندية قدس هللا اسرارهم السنية}‬
‫‪- 361 -‬‬

‫ثبتنا هللا سبحانه على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم و‬
‫على آله الكرام وأصحابه العظام (ايها االخ) االرشد ان اكابر الطريقة العلية النقشبندية‬
‫قدس هللا اسرارهم التزموا متابعة السنة السنية واختاروا العمل ابلعزمية فان تشرفوا ابالحوال‬
‫واملواجيد مع هذا االلتزام واالختيار يعدوهنا نعمة عظيمة وان اعطوا االحوال واملواجيد‬
‫ووجدوا يف هذا االلتزام واالختيار فتورا ال يقبلون تلك االحوال وال يبغون تلك املواجيد‬
‫وال يرون يف ذلك الفتور شيئا سوي اخلذالن فان برامهة اهلنود وجوكيتهم وفالسفة اليوانن‬
‫هلم علوم كثرية من قسم التجليات الصورية واملكاشفات املثالية ولكن لَْيست هلا نتيجة‬
‫غري الفضيحة واخلذالن وليس هلم من نقد الوقت سوى املقت واحلرمان (وحيث) دخل‬
‫ذلك االخ بفضل هللا سبحانه يف سلك ارادة هوالء االكابر فالبد من التزام متابعتهم‬
‫واجتناب خمالفتهم ولو مقدار شعرة حت تكون منتفعا ومستفيدا من كماالهتم فالالزم أوال‬
‫تصحيح العقائد على وفق معتقدات أهل السنة واجلماعة كثرهم هللا سبحانه مث حتصيل‬
‫علم الفرض والواجب والسنة واملندوب واحلالل واحلرام واملكروه واملشتبه مما ذكر يف علم‬
‫الفقه والعمل مبقتضى هذه العلوم اثنيا مث تصل النوبة اىل علوم التصوف اثلثا وما مل يصح‬
‫هذان اجلناحان فالطريان اىل عامل القدس حمال فان حصلت االحوال واملواجيد بدون‬
‫حصول هذين اجلناحني ينبغي أن تعلم أن هالكك فيها وان تتربأ وتستعيذ منها {ع}‪:‬‬
‫هذا هو االمر والباقي خياالت‬
‫ما على الرسول اال البالغ وقدم أخي الشيخ ميان داود هناك ينبغي اغتنام صحبته‬
‫واالنقياد له فيما ينصح به أو يدل عليه فانه كثري الصحبة مبريدي هؤالء االكابر وتعلم‬
‫طريقتهم وسريهتم كما ينبغي وليغتنم االصحاب املوجودون هناك الداخلون يف هذه‬
‫الطريقة بواسطة املري نعمان صحبة املشار اليه وليكن اجتماعهم وجلوسهم يف حلقة‬
‫واحدة فانيا كل واحد يف اآلخر حت حتصل اجلمعية وترتقى املعاملة وينبغي أيضا التزام‬
‫مطالعة املكتوابت فاهنا انفعة {ع}‪:‬‬
‫دللتك اي هذا على كنز مقصد‬
‫‪- 362 -‬‬

‫و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله أمت‬
‫الصلوات وأكمل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والثلثون واملائتان اىل املري حممد نعمان يف احلث على تكثري‬
‫االخوان والتحذير عن العجب من أحوال املريدين وبيان ضرره وما يناسبه}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني و على آله الطيبني‬
‫الطاهرين أمجعني وصل املكتوب الشريف املرسل صحبة كس خواجه الرمحي وصار موجبا‬
‫لفرح وافر وحيث اندرج فيه أحوال مسرتشديكم ومريديكم ابلتفصيل زاد الفرح فان يف‬
‫االكثار من االخوان مبوجب أكثروا اخوانكم يف الدين رجاء كثريا وقوله تعاىل سنشد‬
‫عضدك أبخيك مؤيد هلذا املعن أيضا ولكن ينبغي أن يكون مطمح النظر وموقعه أحوال‬
‫نفسك وأعمالك وامللحوظ سكونك وحركتك لئال تكون ترقيات املريدين ابعثة على‬
‫توقف الشيوخ وحرارة املسرتشدين مورثة للربودة يف طلب املرشدين وهلذا ينبغي أن تكون‬
‫خائفا ووجال من هذا املعن وان ترى أحوال املريدين ومقاماهتم كالنمر واالسد فضال عن‬
‫ا ملفاخرة واملباهاة هبا لئال يفتح من هذا الطريق أبواب العجب بل ينبغي ان تكون ترقيات‬
‫املريدين حبكم احلياء شعبة من االميان ابعثة على احلياء واخلجالة واالنفعال وحرارة طلب‬
‫الطالبني موجبة للغرية والعربة وزايدة االشتغال وينبغي أيضا ان يكون رؤية قصور االعمال‬
‫واهتام النيات الزم الوقت وان يكون لسان احلال مرطواب من كلمة هل من مزيد وان كان‬
‫املتوقع من أوضاعكم احملمودة املقبولة أمثال هذه املعامالت ولكن صدر التأكيد واملبالغة‬
‫مبالحظة مكيدة اعداء الدين األمارة واللعني فال تقع الربودة يف حرارة التوجه اىل الطالبني‬
‫الن املقصود اجلمع بني هاتني الدولتني واالقتصار على أحديهما قصور وينبغي ان حيضر‬
‫اخلواجه الرمحي والسيد أمحد جملسكم وعليكم أيضا رعاية التوجه يف شأهنما على الوجه‬
‫االمت فان وفق املري عبد اللطيف ايضا للتوبة ينبغي ان متده لتحصل له االستقامة وكتبت‬
‫أيضا ان بعض الطالبني يريدون الطريقة القادرية ينبغي ان ال تعلم أحدا أصال طريقة غري‬
‫‪- 363 -‬‬

‫الطريقة النقشبندية حت ال يكون خلط بني الطريقتني واما لو طلبوا الكاله والشجرة فلك‬
‫أخذ املريد ولكن مرهم ابلصحبة و السالم عليكم و على سائر اصحابكم واحبابكم و‬
‫على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والثالثون واملائتان اىل املال أمحد الربكي يف جواب‬


‫استفساراته}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله واصحابه‬
‫الطاهرين أمجعني قد صرت مبتهجا ومسرورا مبطالعة مضامني الصحيفة الكرمية املرسلة‬
‫على وجه الشفقة والرأفة وقد كتبت فيها ان عرض االحوال امنا هي على تقدير حصول‬
‫االحوال اخل (أيها املخدوم) ان املقصود من حصول االحوال التعلق واالرتباط مبحول‬
‫االحوال فاذا حصل هذا التعلق فال ضرر من عدم حصول االحوال وكتبت ايضا أنه قد‬
‫ذكر يف احلضور اين اكث رت من القاء البذور يف حقكم اخل (أيها املخدوم) الواقع كذلك‬
‫لكن حصول الثمرات منوط مبرور الدهور واالوقات حال احلياة وبعد املماة ابشر و ال‬
‫تعجل وكتبت أيضا من مقالة موالان حممد صاحل ومل يكن موالان املذكور حاضرا حت‬
‫ينفهم مراده فال نتعرض هلا ولكنه خري ال خيطر منه شئ يف اخلاطر وكتبت أيضا من‬
‫صدور سوء األدب زالت املخلصني معفو عنها ال يقع غبار يف اخلاطر وطلبت البحث‬
‫والتفتيش من أحوالك هلل سبحانه احلمد واملنة قد كنت من املقبولني قبل من قبل بال علة‬
‫وكتبت أيضا أنه حضر أثنان من أوالد املشائخ لتلقن الذكر اخل (أيها املخدوم) ان‬
‫االستخارة مسنونة يف مجيع األمور ومباركة ولكن ال يلزم ان يظهر بعد االستخارة شئ يف‬
‫املنام أو يف الواقعة أو يف اليقظة يدل على الفعل والرتك بل ينبغي الرجوع بعد االستخارة‬
‫اىل القلب فان كان امليل واالقبال اىل األمر املطلوب أزيد من االول ففيه داللة على‬
‫الفعل وان كان مثل ما كان سابقا بال زايدة وال نقصان فال منع يف هذه الصورة أيضا‬
‫وتكرر االستخارة يف هذه الصورة اىل ان تفهم الزايدة يف االقبال وهناية تكرار االستخارة‬
‫‪- 364 -‬‬

‫اىل سبع مرات ومت فهم النقصان يف االقبال بعد اداء االستخارة فهو دليل على املنع وال‬
‫أبس يف تكرار االستخارة يف هذه الصورة أيضا بل التكرار أوىل وانسب يف مجيع التقادير‬
‫وأحوط يف االقدام واالحجام (وسألت) عن معن عبارة رسالة املبدأ واملعاد احملررة يف بيان‬
‫اجلسد املكتسب من الروح (أيها املخدوم) ان مباشرة الروح لالفعال املناسبة لالجسام امنا‬
‫هي بواسطة ذاك اجل سد املكتسب من الروح ومن هذا القبيل االمدادات الصادرة من‬
‫روحانية االكابر قدس هللا اسرارهم املناسبة لالجسام كاهالك االعداء ونصرة االحباء‬
‫بوجوه خمتلفة واحناء شت (وصدر) طلب االمان من فتنة الظلمة قد جعلك هللا بل تلك‬
‫البقعة حمفوظا من شر تلك الظلمة فكونوا متوجهني اىل جناب قدسه تعاىل وتقدس بفراغ‬
‫اخلاطر ونرجو ان ال يكون ذلك احلفظ موقتا بوقت ان ربك واسع املغفرة ولكن ينبغي‬
‫نصحية أهل تلك الداير وحتذيرهم عن تغيري وضع الصالح وارادة اخلري للمسلمني قال‬
‫هللا سبحانه ان هللا ال يغري ما بقوم حت يغريوا ما أبنفسهم و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب االربعون واملائتان اىل الشيخ يوسف الربكي يف بيان عدم هناية هذا‬
‫الطريق وبعض فوائد كلمة ال اله اال هللا}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الرسالة املشتملة على‬
‫أحوالكم اخلري فصارت مطالعتها ابعثة على املسرة {ع}‪:‬‬
‫وكم يف العشق من عجب عجيب‬
‫و لكن ينبغي الرتقي من االحوال والوصول اىل حمول االحوال وهناك كله جهالة‬
‫ونكارة فان تيسر التشرف بعد ذلك ابملعرفة فحبذت الدولة وابجلملة ان كلما يدخل‬
‫حتت الرؤية واخليال فهو قابل للنفي وان كان ذلك شهود الوحدة يف الكثرة فان الكثرة ال‬
‫تسع تلك الوحدة والذي يرى فهو شبح تلك الوحدة ومثاله ال هي نفسها فاملناسب‬
‫حلالكم يف هذا الوقت تكرار كلمة ال اله اال هللا على وجه ال ترتك شيئا يدخل حتت العلم‬
‫واالدراك وينجر االمر اىل احلرية واجلهالة وتنتهي املعاملة اىل حد الفناء وما مل ينجر االمر‬
‫‪- 365 -‬‬

‫اىل احلرية واجلهل ال نصيب من الفناء وما حسبته فناء فهو معرب عنه ابلعدم ال الفناء فاذا‬
‫تيسر الوصول اىل اجلهل وحصل الفناء يوضع القدم على هذا الطريق وأين الوصل واىل‬
‫من االتصال {شعر}‪:‬‬
‫كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف‬
‫وأحوالك صحيحة ولكن التعدي والرتقي عنها الزم و السالم على من اتبع اهلدى‬
‫وبقية النصح االستقامة على الشريعة وتطبيق االحوال على االصول الشرعية فان ظهر‬
‫عياذا ابهلل سبحانه خالف الشريعة قوال وفعال ينبغي ان تعتقد ان فيه هالكك وهذا هو‬
‫طريق أرابب االستقامة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي واالربعون واملائتان اىل موالان حممد صاحل يف بيان ترقي‬
‫بعض االصحاب}‬
‫بعد احلمد والصالة ليكن معلوما الخي االرشد ان أحوال هذه احلدود مستوجبة‬
‫للحمد واالصحاب املوجودون هنا يف فرح وسرور خصوصا موالان حممد صديق فانه‬
‫تشرف يف هذه االايم بعناية هللا سبحانه ابلوالية اخلاصة والتحقق ابالسم الكلي مرتقيا من‬
‫االسم اجلزئي ونظره مع ذلك اىل فوق وعساه ان مييل اىل الرجوع بعد حتصيل نصيب وافر‬
‫من هناك وهللا خيتص برمحته من يشاء وينبغي لك ان تكتب أحوالك وأحوال االصحاب‬
‫الذين دخلوا يف الطريقة والذين يدخلون اآلن وان تقيم هناك أايما و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين واالربعون واملائتان اىل املال بديع الدين يف جواب أسئلته}‬
‫و بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليكن معلوما الخي االعز ان الدرويش‬
‫كمال بلّغ الصحيفة الشريفة فصارت موجبة للفرح واندرج فيها بيان رؤية القصور واهتام‬
‫النيات يف االعمال فاتضح واملسئول من هللا سبحانه مزيد هذه الرؤية واملطلوب منه تعاىل‬
‫‪- 366 -‬‬

‫امتام هذا االهتام فان كال هذين األمرين من مالك األمور يف هذا الطريق وسئلت أيضا ان‬
‫االشتغال بذكر اسم الذات اىل مت وكم حجب ترفع من املداومة على هذا االسم وهناية‬
‫النفي واالثبات اىل أي حد وماذا حيصل من مثرات هذه الكلمة وكم حجب ترتفع هبا‬
‫(اعلم ) ان الذكر عبارة عن طرد الغفلة وملا كان الظاهر البد له من الغفلة يف االبتداء‬
‫واالنتهاء كان الظاهر حمتاجا اىل الذكر يف مجيع االوقات ابلضرورة غاية ما يف الباب ان‬
‫االنفع يف بعض االوقات ذكر اسم الذات واالنسب يف وقت آخر ذكر النفي واالثبات‬
‫بقيت معاملة الباطن فهناك أيضا البد من الذكر اىل ان ترتفع الغفلة ابلكلية والفرق بني‬
‫املبتدي واملنتهى يف لزوم الذكر هو ان هذين الذكرين متعينان يف االبتداء واما يف التوسط‬
‫واالنتهاء فال بل اذا حصل طرد الغفلة بتالوة القرآن أو اداء الصالة جاز االكتفاء هبما‬
‫ولكن تالوة القرآن مناسبة حلال املتوسطني واداء صالة النوافل مناسب حلال املنتهيني‬
‫(ينبغي) أن يعلم ان حضور احلق سبحانه ان كان مبالحظة االمساء والصفات فهو داخل‬
‫يف الغفلة عند املتوجهني اىل االحدية اجملردة وان كان ذلك احلضور دائما فينبغي طرد هذه‬
‫الغفلة أيضا والسري اىل ما وراء الوراء {شعر}‪:‬‬
‫و ال تستقل هجر احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف العني ضائر‬
‫وكتبت ما ظهر من الوقائع وقد كنت كتبت قبل هذا ان امثال ذلك مبشرات وما‬
‫جاء وقت ظهورها بعد فانتظر واشتغل {شعر}‪:‬‬
‫و السالم‪.‬‬ ‫كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف‬

‫{املكتوب الثالث واالربعون واملائتان اىل املال أيوب احملتسب يف الرتغيب يف‬
‫الطريقة النقشبندية العلية}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليكن معلوما الخي االعز أنك قد طلبت‬
‫النصائح دفعات يف مكاتيب متعددة ولكن مل يقدم هذا احلقري على اجابة ذلك املسؤل‬
‫نظرا اىل قبح أحوال نفسه وحيث تكرر الطلب أردت أن أكتب ابلضرورة فقرات غري‬
‫‪- 367 -‬‬

‫مرتبطة (فاستمع واعلم) ان الالزم لالنسان الذي البد منه واملكلف به امتثال االوامر‬
‫واالنتهاء عن املناهي وما آ اتكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه فانتهوا شاهد هلذا املعن‬
‫وحيث كان مأمورا ابالخالص كما قال تعاىل اال هلل الدين اخلالص وهو ال يتصور بدون‬
‫الفناء واحملبة الذاتية فال جرم كان سلوك طريق الصوفية احملصلة للفناء أيضا ضروراي‬
‫لتتحقق حقيقة االخالص وحيث كانت طرق التصوف يف مراتب الكمال والتكميل‬
‫متفاوتة كان األوىل واالنسب لالختيار طريق يكون ملتزما ملتابعة السنة وأوفق ابتيان‬
‫االحكام الشرعية وذلك الطريق هو طريق اكابر النقشبندية قدس هللا اسرارهم العلية فان‬
‫هؤالء االكابر التزموا يف هذا الطريق السنة واجتنبوا البدعة حبيث ال جيوزون العمل‬
‫ابلرخصة مهما امكن وان وجدوها انفعة يف الظاهر والباطن وال يرتكون العمل ابلعزمية وان‬
‫علموا اهنا مضرة ابلصورة يف السرية واهنم جعلوا االحوال واملواجيد اتبعة لالحكام الشرعية‬
‫واعتقدوا االذواق واملعارف خادمة للعلوم الدينية االصولية والفرعية ال يستبدلون اجلواهر‬
‫النفيسة الدينية جبوز الوجد وموز احلال مثل االطفال وال يغرتون برتهات الصوفية وال‬
‫يفتنون وال يعدلون من النصوص اىل الفصوص وال يلتفتون اىل الفتوحات املكية اتركني‬
‫للفتوحات املدنية ومن ههنا كان حاهلم على الدوام ووقتهم على االستمرار وتالشت‬
‫نقوش السوي يف جلة بواطنهم على هنج لو تكلفوا يف استحضار السوي الف سنة ال‬
‫يتيسر والتجلي الذايت الذي هو لغريهم كالربق دائمي هلؤالء الكرباء واحلضور الذي يف‬
‫قفاه غيبة وغفلة ساقط عندهم عن حيز االعتبار رجال ال تلهيهم جتارة وال بيع عن ذكر‬
‫هللا بيان حلاهلم ومع ذلك كله أن طريقهم أقرب الطرق وموصل ألبتة وهناية غريهم مندرجة‬
‫يف بدايتهم ونسبتهم اليت هي منسوبة اىل الصديق رضي هللا عنه فوق مجيع نسب املشائخ‬
‫ولكن ال يدرك فهم كل أحد مذاق هؤالء االكابر بل يكاد القاصرون من هذه الطريقة‬
‫العلية أيضا ينكرون على بعض كماالهتم {شعر}‪:‬‬
‫ان عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم من افحش الكلم‬
‫قال شاعر العرب يعين الفرزدق {شعر}‪:‬‬
‫‪- 368 -‬‬

‫أولئك آابئي فجئين مبثلهم * اذا مجعتنا اي جرير اجملامع‬


‫قال اخلواجه احرار قدس سره ان كرباء هذه السلسلة العلية قدس هللا اسرارهم ال‬
‫يقاسون على كل زراق ورقاص فان معاملتهم عالية جدا {شعر}‪:‬‬
‫لست ابغي شرحه للخلق بل * حق ان خيفى كعشق يف املثل‬
‫غري اين صفته كي يرغبوا * فيه قبل الفوت كيال حيزنوا‬
‫فلو حررت دفاتر يف بيان خصائص هؤالء الكرباء وكماالهتم لكان هلا حكم قطرة‬
‫يف جنب حبر ال هناية له {ع}‪:‬‬
‫دللتك اي هذا على كنز مقصد‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله من‬
‫الصلوات أفضلها ومن التسليمات اكملها‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع واالربعون واملائتان اىل املال حممد صاحل الكواليب يف جواب‬
‫كتابه}‬
‫وصل املكتوب من اخي االرشد اخلواجه حممد صاحل وكتب فيه من خرابية احواله‬
‫املرجو أن تكون االحوال أشد خرااب من ذلك وهناية تلك اخلرابة مندرجة يف مكتوب حمرر‬
‫ابسم ولدي االرشد يف هذه االايم ينبغي االطالع عليها طلبا منه فان تبني لكم ان‬
‫اقامتكم هناك اايما تكون سببا جلمعية االصحاب ينبغي مكث أايم اخر هناك ان علمتم‬
‫فيه خريا او صالحا وهذا الفقري أيضا يريد يف هذه االوقات سفر دهلي واالستخارات‬
‫والتوجهات بواعث على هذا السفر وفوض هذا احملل اىل ولدي االرشد عناية له وجعل‬
‫يف قبضة واليته والفقري قاعد هناك كاملسافر الغريب يف واليته واالصحاب الذين دخلوا يف‬
‫الطريقة خمصوصون ابلدعوات املتوافرة خصوصا السيد مرتضى وموالان شكر هللا والسيد‬
‫نظام ويبلغ ولدي اخلواجه حممد صادق وسائر االخوان اايكم وسائر االخوان الدعاء‪.‬‬
‫‪- 369 -‬‬

‫{املكتوب اخلامس واالربعون واملائتان اىل املال صاحل يف جواب استفساراته}‬


‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم االخ أن املكتوب الشريف املرسل‬
‫صحبة القاصد وصل وصار موجبا للفرح وكتبت ان ذكر النفي واالثبات قد بلغ واحدا‬
‫وعشرين ولكن ال حتصل املداومة ورمبا تظهر الغيبة واالستغراق (أيها احملب) الظاهر ان‬
‫شرطا من شرائط الذكر مفقود حيث مل ترتب النتيجة عليه نستفسر عنه ابملشافهة ان شاء‬
‫هللا تعاىل واستفسرت ايضا عن معن هذا القول الذي كتبته قال ابو بكر الصديق رضي‬
‫هللا عنه بعد امتام امره ذكر اللسان لقلقة وذكر القلب وسوسة وذكر الروح شرك وذكر‬
‫السركفر (اعلم) أن الذكر ملا كان منبئا عن الذاكر واملذكور اي ذكر كان واملقصود فناء‬
‫الذاكر والذكر يف املذكور فال جرم قال للذكر لقلقة ووسوسة وشركا وكفرا {شعر}‪:‬‬
‫دع ما يصدك عن وصل احلبيب وما * يلهيك عنه قبيحا كان أو حسنا‬
‫ولكن ينبغي أن يرى عروض هذه االسامي للذكر قبل حصول الفناء والبقاء فان‬
‫وجود الذاكر وثبوت الذكر له بعد حصول الفناء ليس مبذموم فان بقي خفاء يف هذا‬
‫املعن يستفسر عنه يف احلضور فان حوصلة الكتابة ضيقة فنسبة هذا القول اىل الصديق‬
‫خصوصا بعد امتام امره غري مستحسنة واستفسرت أيضا عن معن ما كتبت ان الشيخ ااب‬
‫سعيد اابخلري طلب من الشيخ ايب علي بن سينا دليال على املقصود فكتب يف جوابه ان‬
‫ادخل يف الكفر احلقيقي واخرج من االسالم اجملازي فكتب الشيخ ابو سعيد اىل عني‬
‫القضاة اين لو عبدت هللا ألف سنة ملا حصل منها ما حصل من كلمة ايب على ابن سينا‬
‫هذه فكتب عني القضاة ان لو فهموا لكانوا مثل ذلك املسكني ملومني مطعوان فيهم‬
‫(ينبغي) أن يعلم أن الكفر احلقيقي عبارة عن رفع االثنينية واستتار الكثرة ابلتمام الذي‬
‫هو مقام الفناء وفوق ذلك الكفر احلقيقي مقام االسالم احلقيقي الذي هو موطن البقاء‬
‫ويف الكفر احلقيقي منقصة اتمة ابلنسبة اىل االسالم احلقيقي وعدم داللة ابن سينا اىل‬
‫االسالم احلقيقي من قصور نظره ويف احلقيقة مل يكن له نصيب من الكفر احلقيقي ايضا‬
‫‪- 370 -‬‬

‫بل قال ما قال وكتب ما كتب على وجه العلم والتقليد بل مل أيخذ هو حظا وافرا من‬
‫االسالم اجملازي ايضا بل بقي يف اخلرافات الفلسفية حت كفره االمام الغزايل واحلق أن‬
‫اصوله الفلسفية منافية لالصول االسالمية وايضا ان زمان الشيخ ايب سعيد مقدم على‬
‫زمان عني القضاة بكثري فكيف يكتب اليه فان بقيت شائبة االشتباه يستفسر عنه يف‬
‫احلضور و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السادس واالربعون واملائتان اىل املري حممد نعمان يف بيان حصول‬
‫مقام كان يتوقعه ويرتصده يف بيان مراتب الكمال والتكميل وبيان وجه فقدان‬
‫التوفيق الذي يطرأ يف بعض االوقات}‬
‫الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫و آله وأصحابه الطاهرين أمجعني أورثت الصحائف الشريفة الواصلة متوالية ومتواترة افراحا‬
‫متوافرة ومل يوجد من يتوجه اىل تلك احلدود حت نكتب جواب كل منها على عدة‬
‫فاملرجو مساحمتكم وبعد وصول مكتوب صحبة املري داد كنت يوما قاعدا يف حلقة مع‬
‫االصحاب بعد صالة الصبح فظهر توجه مين اىل جانبكم بال قصد وصرت يف صدد رفع‬
‫بقااي اآل اثر اليت وقع النظر عليها وكنت مشتغال بكمال االهتمام بدفع الظلمات‬
‫والكدورات احملسوسة حت صار هالل كمالكم بدر التمام وانعكس على ذلك البدر ما‬
‫اودع يف مشس اهلداية حت مل يبق يف جانب الكمال شئ متوقع ومنتظر اال ان نتسع‬
‫االطراف بعد ذلك وأيخذ بقدر وسعته شيئا فشيئا وادمت النظر اىل صورة هذا املعن‬
‫املثالية زماان طويال اىل أن حصل اليقني بصدقه احلمد هلل سبحانه على ذلك وحصول‬
‫هذه الدولة هو أتويل تلك الواقعة اليت رأيتها وسئلت حصوهلا ابملبالغة والتأكيد هلل‬
‫سبحانه احلمد واملنة قد حصل مقصودكم ابلتمام وجنز املوعود وويف ابلعهود ونرجو أن‬
‫حيصل التكميل على مقدار هذا الكمال وينور اطراف تلك احلدود من وجودكم الشريف‬
‫وكتبت شكاية من فقدان التوفيق والظاهر أن سببه قبض مفرط وحيث كان قبضكم‬
‫‪- 371 -‬‬

‫مفرطا وطويل الذيل يكون مسببه ايضا طويال على قدر سببه ومع ذلك ينبغي ان تكلف‬
‫نفسك ابتيان االعمال واداء العبادات وان تكون على ذلك ابلتعمل (وقد) صدر يف هذه‬
‫السنة علوم عالية ومعارف سامية استصحب موالان حممد أمني من مجلتها مسودتني‬
‫احديهما يف حل شرح بعض رابعيات شيخنا قدس سره كتبته حني قراءة االصحاب‬
‫الفريوزآابديني اايها واندرج يف هذه الرسالة علوم التوحيد مبناسبة ما اندرجت يف تلك‬
‫الرابعيات وحصل فيها التطبيق بني ما ذهب اليه العلماء وما حققه الصوفية القائلون‬
‫بوحدة الوجود وحررت هذه املسئلة على هنج كان نزاع الفريقني راجعا اىل نزاع لفظي‬
‫واثنيتهما من تينك املسودتني مكتوب حرر اىل ولدي االرشد ابلبسط واالطناب يعرف‬
‫علو درجة تلك العلوم وقت املطالعة فان بقي أمر منه يستفسر عنه‪.‬‬

‫{املكتوب السابع واالربعون واملائتان اىل العارف املرزا حسام الدين امحد يف‬
‫بيان ان الدليل على وجود احلق سبحانه هو عني وجود احلق سبحانه ال غري وما‬
‫يناسبه}‬
‫عرفت ريب بفسخ العزائم ال بل عرفت فسخ العزائم بريب جل وعال فانه سبحانه‬
‫الدليل على ما سواه ال العكس فان الدليل أظهر من املدلول وأي شئ أظهر منه سبحانه‬
‫الن االشياء امنا ظهرت به ومنه سبحانه و تعاىل فهو الدليل على نفسه و على ما سواه‬
‫فال جرم عرفت ريب بريب وعرفت االشياء به تعاىل فالربهان ههنا ملي وزعم االكثر انه أين‬
‫والتفاوت بتفاوت النظر واالختالف ابختالف النظر بل ال جمال لالستدالل والربهان مثة‬
‫اذ ال خفاء يف وجوده سبحانه وال ريب يف ظهوره تعاىل فهو أجلى البديهيات وما خفي‬
‫ذلك على أحد االّ ملرض يف قلبه وغشاوة على بصره واالشياء حمسوسة ابحلواس الظاهرة‬
‫ومعلوم أن وجودها منه تعاىل وتقدس وفقدان هذا العلم يف البعض بواسطة عروض املرض‬
‫ال يضر يف املطلوب و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى‬
‫عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬
‫‪- 372 -‬‬

‫{املكتوب الثامن واالربعون واملائتان اىل العايل اجلناب املرزا حسام الدين أمحد‬
‫ايضاً يف بيان ان لكمل اتباع االنبياء عليهم السالم نصيباً من مجيع كماالهتم ابلتبعية‬
‫وانه ال يبلغ ويل قط درجة نيب من االنبياء وبيان معىن قوهلم ان التجلي الذايت‬
‫خمصوص بنبينا عليه الصالة و السالم وغريه}‬
‫احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدان هللا لقد جائت رسل ربنا‬
‫ابحلق صلوات هللا وسالمه سبحانه عليهم و على اتباعهم واعواهنم وخزينة أسرارهم اعلم‬
‫ان كمل اتباع االنبياء عليهم السالم جيذبون اىل انفسهم من جهة كمال املتابعة وفرط‬
‫احملبة بل مبحض العناية واملوهبة مجيع كماالت أنبيائهم املتبوعني وينصبغون بلوهنم ابلكلية‬
‫حت ال يبقى فرق بني املتبوع والتابع اال ابالصالة والتبعية واالولية واآلخرية ومع ذلك ال‬
‫يبلغ اتبع نيب قط وان كان من اتباع أفضل الرسل مرتبة نيب أصال ولو كان من أدون‬
‫االنبياء وهلذا يكون رأس الصديق رضي هللا عنه الذي هو أفضل البشر بعد االنبياء عليهم‬
‫السالم حتت قدم نيب أسفل من مجيع االنبياء دائما ومن ههنا كانت مبادئ تعينات‬
‫االنبياء وأرابهبم من مقام االصل ومبادئ تعينات االمم من االعايل واالسافل وأرابهبم من‬
‫مقامات ظالل ذلك االصل على تفاوت الدرجات فكيف تتصور املساواة بني االصل‬
‫والظل قال هللا تبارك و تعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني اهنم هلم املنصورون وان‬
‫جندان هلم الغالبون وما قيل ان التجلي الذايت خمصوص من بني االنبياء خبامت الرسل عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم ولكمل اتباعه صلّى هللا عليه و سلّم نصيب من ذلك التجلي‬
‫ليس معناه ان التجلي الذايت ال نصيب منه لألنبياء سواه وان منه نصيبا لكمل اتباعه‬
‫ابلتبعية حاشا وكال من ان يتصور هذا املعن فان فيه اثبات املزية لألولياء على االنبياء‬
‫عليهم السالم بل معناه ان حصول التجلي لغريه صلّى هللا عليه و سلّم بتطفله وتبعيته‬
‫عليه الصالة و السالم فحصوله لالنبياء بتطفله صلّى هللا عليه و سلّم ولكمل اتباعه‬
‫بتبعيته عليه الصالة و السالم فاالنبياء جلساؤه عليه وعليهم الصالة و السالم على خوان‬
‫‪- 373 -‬‬

‫هذه النعمة العظمى املخصوصة به بتطفله صلّى هللا عليه و سلّم واالولياء خدامه النائلون‬
‫للحصة منها وشتان بني اجللساء املتطفلني واخلادمني النائلني للحصة وهذا املقام من مزال‬
‫االقدام وقد ذكرت يف مكاتييب ورسائلي يف حتقيق هذه الشبهة وجوها شت واحلق ما‬
‫حققت يف هذه املسودة بفضل هللا وكرمه سبحانه و تعاىل (واعلم) ان سائر االنبياء‬
‫عليهم السالم وان كان هلم نصيب وافر من هذا التجلي بتطفله عليه الصالة و السالم‬
‫ولكن يظهر ان هذه الوالية اخلاصة مل تسر اىل أولياء اممهم ومل يكن هلم حظ وافر من هذا‬
‫التجلي فان حصول هذه الدولة الصوهلم اذا كان بطريق التطفل واالنعكاس فماذا حيصل‬
‫للفروع بطريق عكس العكس ومصداق هذا املعن الكشف الصريح ال االستدالل العقلي‬
‫وما ذكر سابقا من أن كمل االتباع جيذبون كماالت املتبوعني ابلتمام فاملراد به الكماالت‬
‫االصلية للمتبوعني ال مطلقا حت يتحقق التناقض بل هم حمتظون من والية خمصوصة‬
‫بنبيهم ابلتبعية وهذه االمة خمصوصة من بني االمم هبذا التجلي ابلتبعية ومشرفة هبذه‬
‫الدولة العظمى وهلذا كانت خري االمم وكان علماؤها كأنبياء بين اسرائيل ذلك فضل هللا‬
‫يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم وقد أردت أن أكتب نبذة من فضائل هذه الوالية‬
‫اخلاصة وخصائصها ولكن مل يساعد الوقت ذلك لضيقه ومل يف الورق ويفاض العلوم‬
‫واملعارف بعناية هللا سبحانه مثل مطر الربيع وحيصل االطالع على عجائب وغرائب‬
‫وحمارم هذه االسرار أوالدي الكرام على قدر االستعداد وبقية االصحاب اايما يف احلضور‬
‫واايما يف الغيبة ولذا قيل الويل وان كان وليا ال يبلغ مرتبة صحايب وشوق نيل املالزمة فوق‬
‫احلد وقد تشرفت بورود الصحيفة الكرمية املرسلة اىل هذا احلقري اعلم ان رؤية القصور يف‬
‫االعمال من أجل النعم واما االقتصاد يف االحوال فمحمود يف مجيع االمور واالفعال‬
‫واالفراط كالتفريط خارج عن حد االعتدال و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى‬
‫والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع واالربعون و املائتان اىل املرزا داراب يف فضائل اتباع النيب‬
‫‪- 374 -‬‬

‫صلّى هللا عليه و سلّم وما يرتتب عليه}‬


‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان اخلالص االخروي والفالح‬
‫السرمدي منوط مبتابعة سيد االولني واآلخرين عليه و على آله امت الصلوات واكمل‬
‫التسليمات ولذا يوصل مبتابعته اىل مقام احملبوبية للحق سبحانه وهبا يتشرف ابلتجلي‬
‫الذايت وهبا ميتاز مبرتبة العبدية اليت هي فوق مجيع مراتب الكمال وحصوهلا بعد حصول‬
‫مقام احملبوبية وهبا جعل كمل اتباعه مثل انبياء بين اسرائيل ويتمين االنبياء اولوا العزم‬
‫متابعته لو كان[‪ ]1‬موسى حيا يف زمنه ما وسعه اال اتباعه وقصة نزول روح هللا ومتابعته‬
‫حبيب هللا معلومة ومشهورة وصارت امته بواسطة متابعته خري االمم واكثر اهل اجلنة‬
‫وبسبب متابعته يدخلون اجلنة غدا قبل مجيع االمم ويتنعمون فيها كذا وكذا مث كذا وكذا‬
‫فعليكم مبتابعته والتزام سنته واتيان شريعته عليه و على مجيع أخوانه من الصلوات افضلها‬
‫ومن التسليمات اكملها وبقية املرام اين فوضت اليك الشيخ امساعيل وهو من احباب‬
‫صاحب املعارف احلاج عبد احلق و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلمسون واملائتان اىل املال أمحد الربكي يف حل بعض استفساراته}‬


‫الرحيم بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان احوال فقراء‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫هذه احلدود وأوضاعهم مستوجبة للحمد واملسؤل من هللا سبحانه عافيتكم والصحيفة‬
‫الشريفة قد وصلت وكتبت فيها ان الذوق والفرح الذي كنت اجده اوال ال اجده اآلن‬
‫واظن ذلك من تنزيل واحنطاطي (أعلم) ايها االخ ان احلالة األوىل كانت من قبيل حالة‬
‫اهل الوجد والسماع اليت للجسد دخل اتم فيها واما احلالة اليت تيسرت اآلن فاجلسد قليل‬
‫النصيب منها بل تعلقها ابلقلب والروح ازيد وبيان هذه املعاملة يستدعي تفصيال‬
‫وابجلملة ان احلالة الثانية فوق احلالة األوىل مبراتب وعدم وجدان الذوق وفقدان فرصة‬

‫(‪ )1‬لو كان موسى اخل رواه امحد والبيهقي يف الشعب عن جابر رضي هللا عنه‬
‫‪- 375 -‬‬

‫ا لفرح فوق وجدان الذوق والفرح الن النسبة كلما تنجر اىل اجلهالة وتنتهي اىل احلرية‬
‫وتتباعد عن اجلسد تكون اصيلة وأقرب اىل حصول املطلوب فانه ال جمال يف ذلك املوطن‬
‫لغري العجز واجلهل ويعرب عن هذا اجلهل ابملعرفة ويسمى هذا العجز ادراكا (وكتبت)‬
‫أيضا ان أتثري تلك ال نسبة الذي كان اوال مل يبق اآلن نعم مل يبق التأثري اجلسدي وأما‬
‫التأثري الروحي فقد زاد وان مل يدركه كل أحد وقد كانت مدة صحبتكم هبذا الفقري قليلة‬
‫جدا وذكر العلوم واملعارف أيضا كان قليال فان كان هللا سبحانه أراد ثبوت الصحبة‬
‫حتصل املصاحبة أايما واستفسرت ايضا عن فرضية احلج والذهاب اىل مكة مع وجود الزاد‬
‫والراحلة يف هذا الزمان وعدمه (أيها املخدوم) ان يف الرواايت الفقهية اختالفات كثرية يف‬
‫هذا الباب واملختار يف هذه املسئلة فتوى الفقيه أيب الليث حيث قال فان كان الغالب‬
‫االمن وعدم اهلالك يف الطريق فالفرضية اثبتة واال فال ولكن هذا الشرط شرط وجوب‬
‫األداء ال شرط نفس الوجوب كما هو الصحيح فتكون الوصية ابالحجاج يف هذه الصورة‬
‫واجبة وملا مل يساعد الوقت جواب استفساراتكم األخرى اخرانه اىل وقت آخر و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي واخلمسون واملائتان اىل موالان االشرف يف بيان فضائل‬


‫اخللفاء الراشدين خصوصاً الشيخني وتعظيم سائر االصحاب الكرام عليهم الرضوان‬
‫والكف عن ذكر مساويهم}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم االخ االرشد اخلواجه أشرف أين أريد‬
‫أن أكتب العلوم الغريبة واالسرار العجيبة واملواهب اللطيفة واملعارف الشريفة على قدر‬
‫الفهم القاصر وأكثرها يتعلق بفضائل الشيخني وذي النورين وأيب احلسنني وكماالهتم رضي‬
‫هللا عنهم أمجعني ينبغي االستماع واالصغاء اليها بسمع العقل (اعلم) ان حضرة الصديق‬
‫وحضرة الفاروق رضي هللا عنهما مع وجود حصول الكماالت احملمدية فيهما وبلوغهما‬
‫اقصى درجات الوالية املصطفوية فيهما مناسبة يف طرف الوالية من بني االنبياء املتقدمني‬
‫لسيدان ابراهيم على نبينا وعليه الصالة و السالم ويف طرف الدعوة اليت هي مناسبة ملقام‬
‫‪- 376 -‬‬

‫النبوة هبما مناسبة لسيدان موسى على نبينا وعليه الصالة و السالم وبذي النورين مناسبة‬
‫يف كال الطرفني لسيدان نوح صلوات هللا وتسليماته على نبينا وعليه وبسيدان علي كرم هللا‬
‫وجهه مناسبة يف كال الطرفني لسيدان عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم وحيث‬
‫كان عيسى روح هللا وكلمته كان طرف واليته غالبا على جانب نبوته وطرف الوالية‬
‫غالب أيضا يف علي كرم هللا وجهه هبذه املناسبة ومبادئ تعينات اخللفاء األربعة صفة‬
‫العلم على اختالف اجلهات امجاال وتفصيال وهذه الصفة ابعتبار االمجال رب حممد‬
‫وابعتبار التفصيل رب اخلليل وابعتبار الربزخية بني االمجال والتفصيل رب نوح عليهم‬
‫الصالة و السالم كما ان رب موسى صفة الكالم ورب عيسى صفة القدرة ورب آدم‬
‫صفة التكوين عليهم السالم (ولنرجع) اىل أصل الكالم ونقول ان الصديق والفاروق مها‬
‫حامال ثقل النبوة احملمدية على اختالف املراتب وعليا كرم هللا وجهه بواسطة مناسبته‬
‫لعيسى وغلبة جانب واليته حامل ثقل الوالية احملمدية وذا النورين ابعتبار برزخيته قيل انه‬
‫حامل كال الطرفني وميكن أن يكون اطالق ذي النورين عليه هبذا االعتبار أيضا وحيث‬
‫قالوا ان الشيخني حامال ثقل النبوة تكون مناسبتهما مبوسى عليه السالم ازيد الن مقام‬
‫الدعوة اليت هي انشئة من مرتبة النبوة أمت وأكمل فيه من بني االنبياء بعد نبينا عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم وكتابه أفضل الكتب املنزلة بعد القرآن اجمليد وهلذا تكون امته‬
‫أكثر من يدخلون اجلنة من بني االمم املتقدمني وان كانت شريعة ابراهيم وملته أفضل من‬
‫مجيع الشرائع وامللل وهلذا امر أفضل الرسل مبتابعة ملته مث اوحينا اليك أن اتبع ملة ابراهيم‬
‫حنيفا شاهد هلذا املعن واملهدي املوعود ايضاربه صفة العلم وبه مناسبة لعيسى مثل علي‬
‫وكان احدى قدمي عيسى على رأس علي واألخرى على رأس املهدي (اعلم) أن والية‬
‫موسى وقعت على ميني الوالية احملمدية والوالية العيسوية على يسارها وملا كان علي‬
‫املرتضى حامل ثقل الوالية كان اكثر سالسل االولياء منتسبا اليه وظهرت كماالته الكثر‬
‫االولياء العظام املختصني بكماالت الوالية ازيد وأكثر من كماالت الشيخني فلوال امجاع‬
‫أهل السنة على أفضلية الشيخني حلكم كشف اكثر االولياء العظام ابفضلية علي املرتضى‬
‫‪- 377 -‬‬

‫الن كماالت الشيخني تشبه كماالت االنبياء عليهم الصالة و السالم وادراك ارابب‬
‫الوالية قاصر عن الوصول اىل ذيل هذه الكماالت وكشف ارابب الكشوف بواسطة علو‬
‫درجاهتم ابق يف الطريق غري واصل اليهم وكماالت الوالية كاملطروح يف الطريق يف جنب‬
‫هذه الكماالت امنا هي مدارج ومعارج للعروج اىل كماالت النبوة فكيف يكون‬
‫للمقدمات خرب عن املقاصد وماذا يكون شعور املبادئ ابملطالب وهذا الكالم وان كان‬
‫ثقيال على االكثرين بواسطة بعد عهد النبوة وبعيدا عن القبول ولكن ماذا نصنع‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫قد امسكوين ورى املرأى كدرهتم * اقول ما قال يل استاذي االزيل‬
‫ولكن هلل سبحانه احلمد واملنة اين متفق يف هذا القيل والقال مع علماء أهل السنة‬
‫واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم وقويل موافق ابمجاعهم وجعل استدالليهم كشفيا يل‬
‫وامجاليهم تفصيليا وهذا الفقري ما مل يصل اىل كماالت مقام النبوة مبتابعة نبيه ومل حيصل له‬
‫نصيب اتم من تلك الكماالت مل يطلع على فضائل الشيخني بطريق الكشف ومل يهتد‬
‫اىل سبيل غري التقليد احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد‬
‫جائت رسل ربنا ابحلق (قال) شخص يوما قد كتب يف الكتب ان اسم علي املرتضى‬
‫مكتوب على ابب اجلنة فوقع يف اخلاطر أنه ماذا يكون حلضرة الشيخني من خصائص‬
‫ذلك املوطن فظهر بعد التوجه التام أن دخول هذه االمة اىل اجلنة امنا يكون ابذن هذين‬
‫الشيخني اجلليلني وجتويزمها وكان الصديق قائم على ابب اجلنة وأيذن للناس ابلدخول اىل‬
‫اجلنة والفاروق يدخلهم اجلنة آخذا أبيديهم وكان مشهودا ان اجلنة بتمامها مملوءة بنور‬
‫الصديق ويف نظر هذا احلقري ان للشيخني شأان على حدة فيما بني االصحاب ودرجة‬
‫ممتازة منفردة كاهنا مل يشاركهما فيها احد وكان الصديق يف بيت واحد مع النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم فان كان التفاوت فامنا هو ابلعلو والسفل والفاروق ايضا مشرف هبذه الدولة‬
‫بتطفل الصديق ونسبة سائر الصحابة اليه صلّى هللا عليه و سلّم نسبة املساكنة يف خان‬
‫واحد او يف بلدة واحدة فما يكون حظ سائر اولياء االمة {ع}‪:‬‬
‫‪- 378 -‬‬

‫حسيب اذا جاء من بعد صدا جرسه‬


‫فماذا جيد هؤالء من كماالت الشيخني وكال هذين الشيخني معدودان يف عداد‬
‫االنبياء يف العظمة وجاللة القدر و حمفوفان بفضائل االنبياء عليهم السالم قال النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم لو كان[‪ ]1‬بعدي نيب لكان عمر وذكر االمام الغزايل أن عبد هللا بن‬
‫عمر قال يف اايم مصيبة الفاروق يف حمضر من الصحابة رضوان هللا عليهم مات تسعة‬
‫اعشار العلم وملا أحس من بعض الناس توقفا يف فهم معن هذا الكالم قال املراد ابلعلم‬
‫العلم ابهلل ال علم احليض والنفاس وماذا يقال يف الصديق الذي مجيع حسنات عمر‬
‫حسنته الواحدة كما اخرب به املخرب الصادق وحيس أن احنطاط عمر الفاروق من الصديق‬
‫أكثر وازيد من احنطاط الصديق من النيب عليه و على آله الصالة و السالم فقس على‬
‫هذا احنطاط الباقني من الصديق والشيخان مل يفارقا النيب صلّى هللا عليه و سلّم بعد‬
‫املوت ايضا وسيكون حشرمها ايضا معه عليه الصالة و السالم كما ورد ذلك فتكون‬
‫االفضلية بواسطة االقريبة هلما وماذا يقول هذا احلقري قليل البضاعة من كماالهتم وماذا‬
‫يبني من فضائلهم وأين للذرة قدرة التكلم من الشمس وأين للقطرة جمال التحدث من حبر‬
‫عمان واالولياء املرجوعون لدعوة اخللق احملتظون من كال طريف الوالية والدعوة حبظ اتم‬
‫والعلماء اجملتهدون من التابعني وتبع التابعني ملا ادركوا كماالت الشيخني بنور الكشف‬
‫الصحيح والفراسة الصادقة واالخبار املتتابعة يف اجلملة ووجدوا نبذة من فضائلهما‬
‫حكموا ابفضليتهما ابلضرورة وامجعوا على ذلك وما ظهر على خالف هذا االمجاع من‬
‫الكشف محلوه على عدم الصحة ومل يعتربوه كيف وقد صحح يف الصدر االول‬
‫افضليتهما كما روى البخاري عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال كنا يف زمن النيب صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم ال نعدل أبيب بكر احدا مث عمر مث عثمان مث نرتك اصحاب النيب عليه‬
‫الصالة و السالم ال نفاضل بينهم ويف رواية اليب داود كنا نقول ورسول هللا صلّى هللا عليه‬

‫(‪ )1‬قوله لو كان بعدي نيب اخل رواه امحد والرتمذي وقال حسن غريب وابو يعلى والطرباين والبيهقي واحلاكم وابو نعيم‬
‫يف فضائل الصحابة عن عقبة بن عامر رضي هللا عنه والطرباين ايضا عن عصمة بن مالك رضي هللا عنه‬
‫‪- 379 -‬‬

‫و سلّم حي أفضل امة النيب صلّى هللا عليه و سلّم بعده أبو بكر مث عمر مث عثمان رضي‬
‫هللا عنهم ومن قال ان الوالية أفضل من النبوة فهو من أرابب السكر ومن االولياء غري‬
‫املرجوعني الذين ليس هلم نصيب وافر من كماالت مقام النبوة ولعل نظركم وقع على ما‬
‫حققه هذا الفقري يف بعض رسائله من أن النبوة أفضل من الوالية وان كانت والية النيب‬
‫واحلق هو هذا فمن قال خبالف ذلك فهو من جهالة كماالت مقام النبوة كما مر آنفا‬
‫ومن امل علوم ان سلسلة النفشبندية منتسبة من بني سالسل سائر االولياء اىل الصديق‬
‫رضي هللا عنه فتكون نسبة الصحو غالبة فيهم وتكون دعوهتم امت وتظهر كماالت‬
‫الصديق هلم اكثر وازيد وتكون نسبتهم فوق نسب سائر السالسل ابلضرورة فماذا يدرك‬
‫غريهم من كماالهتم وماذا حيسون من حقيقة معاملتهم وال اقول ان مجيع مشائخ‬
‫النقشبندية سواسية يف هذه املعاملة كيف بل لو وجد من الوف على هذه الصفة يكون‬
‫غنيمة واظن املهدي املوعود الذي ابكملية الوالية معهود يكون على هذه النسبة ويتم‬
‫هذه السلسلة العلية ويكملها فان نسبة مجيع الوالايت دون هذه النسبة العلية الن سائر‬
‫الوالايت قليلة النصيب من كماالت مرتبة النبوة وهذه الوالية هلا حظ وافر منها بواسطة‬
‫االنتساب اىل الصديق كما مر آنفا {ع}‪:‬‬
‫وشتان ما بني الطريقني اي خلي‬
‫(ايها االخ) ان االمام عليا كرم هللا وجهه ملا كان حامال لثقل الوالية احملمدية على‬
‫صاحبها الصالة و السالم والتحية كان تربية مقام االقطاب واالواتد واالبدال الذين هم‬
‫من أولياء العزلة وغلب فيهم جانب كماالت الوالية مفوضة اىل امداده واعانته ورأس‬
‫قطب االقطاب الذي هو قطب املدار حتت قدمه وجيري أمره وحيصل مهمه حبمايته‬
‫ورعايته وخيرج به عن عهدة مداريته والسيدة فاطمة و ابناها االمامان رضي هللا عنهم هم‬
‫ايضا شركاؤه يف هذا املقام (واعلم) ان أصحاب النيب عليه وعليهم الصالة و السالم كلهم‬
‫كرباء عظماء ينبغي أن يذكر كلهم ابلتعظيم روى اخلطيب عن أنس رضي هللا عنه قال‬
‫قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان هللا اختارين واختار يل أصحااب واختار يل منهم‬
‫‪- 380 -‬‬

‫أصهارا وأنصارا فمن حفظين فيهم حفظه هللا ومن آذاين فيهم آذاه هللا وروى الطرباين عن‬
‫ابن عباس رضي هللا عنهما ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال من سب أصحايب‬
‫فعليه لعنة هللا واملالئكة والناس أمجعني وروى ابن عدي عن عائشة رضي هللا عنها قال‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان شرار أميت أجرأهم على أصحايب وما وقع بينهم من‬
‫املنازعات واحملارابت ينبغي صرفها ومحلها على حمامل حسنة وابعادهم عن اهلوى‬
‫والتعصب فان تلك املخالفات كانت مبنية على االجتهاد والتأويل ال على اهلوى واهلوس‬
‫كما ان مجهور أهل السنة على ذلك (ولكن) ينبغي أن يعلم ان خمالفي االمام علي رضي‬
‫هللا عنه كانوا على اخلطإ وكان احلق يف جانبه ولكن ملا كان هذا اخلطأ خطأ اجتهاداي كان‬
‫صاحبه بعيدا عن املالمة ومرفوعا عنه املاؤخذة كما نقل شارح املواقف عن اآلمدي ان‬
‫وقعة اجلمل والصفني كانت على وجه االجتهاد وصرح الشيخ ابو شكور الساملي يف‬
‫التمهيد ان اهل السنة واجلماعة ذاهبون اىل ان معاوية مع طائفة من الصحابة الذين كانوا‬
‫معه كانوا على اخلطإ وكان خطاؤهم اجتهاداي وقال الشيخ ابن حجر يف الصواعق ان‬
‫منازعة معاوية لعلي رضي هللا عنهما كانت على وجه االجتهاد وجعل هذا القول من‬
‫معتقدات أهل السنة وما قال شارح املواقف من أن كثريا من أصحابنا ذهبوا اىل أن تلك‬
‫املنازعة مل تكن على وجه االجتهاد فمراده من االصحاب أي طائفة هو فان أهل السنة‬
‫حاكمون خبالف ذلك كما مر وكتب القوم مشحونة ابلقول ابخلطإ االجتهادي كما‬
‫صرح به الغزايل والقاضي أبو بكر وغريمها فال جيوز تفسيق خمالفي االمام علي و تضليلهم‬
‫قال القاضي يف الشفاء قال مالك رضي هللا عنه من شتم أحدا من أصحاب النيب صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم أاب بكر وعمر وعثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص رضي هللا عنهم فان‬
‫قال كانوا على ضالل وكفر قتل وان سبهم بغري هذا من مشامتة الناس نكل نكاال شديدا‬
‫فال يكون حماربوا علي كفرة كما زعمت الغالة من الرفضة وال فسقة كما زعم البعض‬
‫ونسبه شارح املوافق اىل كثري من اصحابه كيف وقد كانت الصديقة وطلحة والزبري من‬
‫الصحابة منهم وقد قتل طلحة والزبري يف قتال اجلمل مع ثالثة عشر ألفا من القتلى قبل‬
‫‪- 381 -‬‬

‫خروج معاوية فتضليلهم وتفسيقهم مما ال جيرتئ عليه مسلم اال أن يكون يف قلبه مرض‬
‫ويف ابطنه خبث وما وقع يف عبارة بعض[‪ ]1‬الفقهاء من اطالق لفظ اجلور يف حق معاوية‬
‫حيث قال كان معاوية اماما جائرا فمراده ابجلور عدم حقية خالفته يف زمن خالفة علي‬
‫ال اجلور الذي مآله فسق وضاللة ليكون موافقا القوال أهل السنة واجلماعة ومع ذلك‬
‫جيتنب أرابب االستقامة أتيان االلفاظ املومهة خالف املقصود وال جيوز الزايدة على القول‬
‫ابخلطإ كيف يكون جائرا وقد صح أنه كان اماما عادال يف حقوق هللا سبحانه وحقوق‬
‫املسلمني كما يف الصواعق وقد زاد موالان عبد الرمحن اجلامي قدس سره يف قوله خطأ‬
‫منكرا يعين زاد على ما عليه اجلمهور وكلما زاد على لفظ اخلطإ فهو خطأ وما قال بعده‬
‫فان كان هو مستحقا للعن اخل فهو أيضا غري مناسب له أين حمل الرتديد وأين حمل‬
‫االشتباه فان قال هذا الكالم يف حق يزيد فله وجه ومساغ وأما قوله ذلك يف حق معاوية‬
‫فشنيع وقد ورد يف االحاديث النبوية ابسانيد الثقات ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم دعي‬
‫ملعاوية اللهم[‪ ]2‬علمه الكتاب واحلساب وقه العذاب وقال يف حمل آخر من دعائه‬
‫اللهم[‪ ]3‬اجعله هاداي مهداي ودعاؤه عليه الصالة و السالم مقبول والظاهر ان هذا الكالم‬
‫أمنا صدر عن موالان بطريق السهو والنسيان وأيضا أنه مل يصرح ابسم أحد يف تلك‬
‫االبيات بل قال وصحايب آخر وهذه العبارة أيضا تنبئ عن الشناعة ربنا ال تؤاخذان ان‬
‫نسينا أو أخطأان وما نقل عن االمام الشعيب من ذم معاوية وأنه ابلغ يف مذمته وأوصلها‬
‫اىل ما فوق الفسق مل يبلغ مرتبة الثبوت واالمام االعظم من تالمذته فعلى تقدير صدق‬

‫(‪ )1‬هو صاحب اهلداية وعبارته فان الصحابة تقلدوا القضاء من معاوية مع ان احلق كان بيد علي يف نوبته انتهى وقوله‬
‫يف نوبته قيد لتقلدوا ولكن احلق يف يد على فيدل على انه على احلق بعد نوبة علي وامنا كان جوره يف نوبة علي فان‬
‫احلق ملا كان يف يد علي كان بيد خمالفه اجلور الذي هو ضد احلق فال غبار يف هذه العبارة وليس فيه وصف معاوية‬
‫ابجلور بل امنا اخذوا ذلك من تعليل قوله وجيوز تقلد القضاء من امام عادل وجائر بقوله فان الصحابة اخل عفي عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه حم ع طب عن عرابض بن سارية رضي هللا عنه واحلسن بن سفيان واحلسن بن عرفة والبغوي وابن قانع حل‬
‫كر عن احلرث عد كر عن ابن عباس طس طب بلفظ اللهم علم معاوية احلديث‬
‫(‪ )3‬رواه الرتمذي عن عبدالرمحن بن ايب عمرة رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪- 382 -‬‬

‫هذا القول لكان هو أحق بنقله وحكم االمام مالك الذي هو من تبع التابعني ومعاصره‬
‫بقتل شامت معاوية وعمرو بن العاص كما مر آنفا فان كان هو مستحقا للشتم فلم حكم‬
‫بقتل شامته فعلم أنه اعتقد شتمه من الكبائر فحكم بقتل شامته وأيضا أنه جعل شتمه‬
‫كشتم أيب بكر وعمر وعثمان كما مر سابقا فال يكون معاوية مستحقا للشتم والذم‬
‫(أيها االخ) ان معاوية ليس وحده يف هذه املعاملة بل كان نصف االصحاب الكرام‬
‫ختمينا شريكا له فيها فان كان حماربوا علي كفرة أو فسقة زال االعتماد عن شطر الدين‬
‫جيوز ذلك اال زنديق مقصوده ابطال الدين (أيها االخ)‬
‫الذي بلغنا من طريق تبليغهم وال ّ‬
‫ان منشأ ااثرة هذه الفتنة هو قتل عثمان رضي هللا عنه وطلب القصاص من قتلته فان‬
‫طلحة وزبريا امنا خرجا أوالِ من املدينة بسبب أتخري القصاص ووافقتهم الصديقة يف هذا‬
‫االمر فوقع حرب اجلمل اليت قتل فيها ثالثة عشر ألفا من الصحابة وقتل فيها طلحة‬
‫والزبري اللذان مها من العشرة املبشرة مث خرج معاوية من الشام وصار شريكا هلم فوقع‬
‫حرب الصفني صرح االمام الغزايل ان تلك املنازعة مل تكن ألمر اخلالفة بل كانت‬
‫الستيفاء القصاص يف بدإ خالفة علي وعد ابن حجر هذا القول من معتقدات أهل‬
‫السنة وقال الشيخ أبو شكور الساملي الذي هو من اكابر علماء احلنفية ان منازعة معاوية‬
‫لعلي كانت يف أمر اخلالفة فان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال ملعاوية اذا[‪ ]1‬ملكت‬
‫الناس فارفق هبم فحصل ملعاوية الطمع يف اخلالفة من هذا الكالم ولكن كان هو خمطئا‬
‫يف هذا االجتهاد و علي حمق فيه فان الوقت كان وقت خالفة علي والتوفيق بني هذين‬
‫القولني هو ان منشأ املنازعة ميكن ان يكون أوال أتخري القصاص مث بعد ذلك يقع يف‬
‫طمع اخلالفة و على كل االجتهاد واقع يف حمله فان خمطئا فدرجة واحدة من الثواب‬
‫وللمحق درجتان بل عشر درجات (أيها األخ) ان الطريق االسلم يف هذا املوطن‬
‫السكوت عن ذكر مشاجرات اصحاب النيب صلى هللا عليه و على آله الصالة و السالم‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم وابن ايب شيبة يف املصنف والطرباين يف الكبري هبذا اللفظ وامحد عن ايب هريرة بلفظ ان وليت امرا فاتق‬
‫هللا واعدل‪.‬‬
‫‪- 383 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫وما شجر بني‬ ‫واالعراض عن ذكر منازعتهم قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم اايكم‬
‫اصحايب وقال أيضا اذا[‪ ]2‬ذكر اصحايب فامسكوا وقال أيضا عليه ا لصالة و السالم هللا‬
‫هللا[‪ ]3‬يف اصحايب ال تتخذوهم غرضا يعين أحذروا هللا واتقوه يف حق اصحايب وال‬
‫جتعلوهم هدفا لسهم مالمتكم وطعنكم قال االمام الشافعي وهو منقول عن عمر بن عبد‬
‫العزيز ايضا تلك دماء طهر هللا عنها أيدينا فلنطهر عنها ألسنتنا ويفهم من هذه العبارة‬
‫أنه ال ينبغي اجراء خطائهم على اللسان أيضا وان يذكرهم بغري اخلري هذا ويزيد البعيد‬
‫عن السعادة من زمرة الفسقة والتوقف يف لعنه امنا هو على األصل املقرر عند أهل السنة‬
‫من أنه ال جيوز اللعن على شخص معني ولو كان كافرا اال أن يعلم موته على الكفر يقينا‬
‫كأيب هلب اجلهنمي وامرأته ال أنه غري مستحق للعن ان الذين يؤذون هللا ورسوله لعنهم‬
‫هللا يف الدنيا واآلخرة (اعلم) ان أكثر الناس يف هذه الزمان ملا اشتغلوا ببحث االمامة‬
‫وجعلوا التكلم يف اخلالفة ومنازعات الصحابة عليهم الرضوان نصب العني دائما وصاروا‬
‫ال يذكرون االصحاب الكرام ابخلري تقليد اجلهلة الرفضة ومردة أهل البدعة وينسبون اىل‬
‫جناهبم أمورا غري مناسبة كتبت نبذة مما كان معلوما يل ابلضرورة وأرسلتها اىل االحباب‬
‫قال عليه و على آله الصالة و السالم اذا[‪ ]4‬ظهر الفنت أو قال البدع وسبت اصحايب‬
‫فليظهر العامل علمه فمن مل يفعل فعليه لعنة هللا واملالئكة والناس أمجعني ال يقبل هللا له‬
‫صرفا وال عدال و لكن هلل سبحانه احلمد واملنة ان سلطان الوقت يعد نفسه حنفي‬
‫املذهب ومن أهل السنة واجلماعة واال فقد كان االمر ضيقا على املسلمني جدا فينبغي‬
‫اداء شكر هذه النع مة العظمى كما ينبغي وان جيعل مدار االعتقاد على معتقدات أهل‬
‫السنة واجلماعة وان ال يصغى اىل أقوال زيد و عمرو فان جعل مدار االمر على اخلرافات‬
‫الكاذبة تضييع االنسان نفسه وتقليد الفرقة الناجية ضروري حت حيصل رجاء النجاة‬

‫(‪ )1‬اورده ابن االثري يف النهاية‬


‫(‪ )2‬رواه الطرباين عن ابن مسعود وثوابن وابن عدي عن عمر رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الرتمذي عن عبدهللا بن مغفل رضي هللا عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره ابن حجر املكي يف الصواعق معزاي اىل جامع اخلطيب البغدادي‬
‫‪- 384 -‬‬

‫وبدونه خرط القتاد و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى‬
‫عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين واخلمسون واملائتان اىل الشيخ بديع الدين يف جواب‬


‫استفساراته}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصل مكتوب االخ االرشد فأورث‬
‫فرحا وافرا واندرج فيه استفسارات فاعلم ان مبدأ تعني سيدان نوح وسيدان ابراهيم عليهما‬
‫السالم صفة العلم كما أن مبدأ التعني احملمدي عليه الصالة و السالم هو هذه الصفة‬
‫أيضا والتفاوت امنا هو ابجلهات واالعتبارات فان هلذه الصفة وجها اىل العامل ووجها آخر‬
‫اىل املعلوم والوجه االول مناسب للوحدة والثاين للكثرة وهلذه الصفة أيضا امجال تفصيل‬
‫وكل واحد من هذه االعتبارات كان مبدأ تعني واحد من الكرباء واملعارف اليت تتعلق‬
‫بتحمل ثقل النبوة والوالية مندرجة يف املكتوب الذي حرر اىل اخلواجه حممد اشرف‬
‫تفصيال فلم اكتبها اآلن فتطلب منه وأردت ان اكتب جواب االستفسار عن الفرق بني‬
‫الغوث والقطب واخلليفة ولكن ما وجدت االذن ابلكتابة فأخرانه اىل وقت آخر و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث واخلمسون واملائتان اىل الشيخ ادريس الساماين يف بيان‬


‫جواب اسئلته وتفصيل بعض مقامات الطريق ومنازله على طريق الرمز واالمجال}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني أن أحوال فقراء هذه احلدود‬
‫واوضاعهم مستوجبة للحمد املسئول من هللا سبحانه سالمتكم واستقامتكم على الطريقة‬
‫املرضية املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية وبيان االحوال واملواجيد الذي‬
‫أحيل على موالان عبد املؤمن واستفسرت عنها بينها موالان كلها ابلتفصيل وقال انه يقول‬
‫اذا نظرت اىل جانب االرض ال أجد االرض واذا رميت نظري اىل جانب السماء ال‬
‫‪- 385 -‬‬

‫أجدها أيضا واذا أتيت شخصا ال أجد له وجودا أيضا وكذلك ال أجد للعرش والكرسي‬
‫واجلنة والنار أيضا وجودا وال أرى لنفسي ايضا وجودا ووجود احلق سبحانه غري متناه مل‬
‫جيد أحد له هناية وتكلم االكابر أيضا اىل هذا املقام فقط ومت وصلوا اليه عجزوا عن‬
‫السري ومل يقدروا على الزايدة على ذلك فان كان هذا كماال عندكم أيضا وكنتم يف هذا‬
‫املقام فالي شئ أحضر عندكم وملاذا أتعب واتعب وان كان وراء هذا الكمال أمر آخر‬
‫فاطلعوين عليه حت اذهب اىل داير يكثر فيها أمل الطلب وكان سبب التوقف من املصري‬
‫اليكم منذ سنني حصول هذا الرتدد (أيها املخدوم) ان هذه االحوال وأمثاهلا من تلوينات‬
‫القلب و يكون مشهودا ان صاحب هذه االحوال مل يطو بعد من مقامات القلب أزيد‬
‫من الربع فيلزمه طي ثالثة أرابع أخرى منها حت يطوي معاملة القلب ابلتمام وبعد‬
‫القلب روح وبعد الروح سر وبعد السر خفي وبعد اخلفي أخفى ولكل واحدة من هذه‬
‫اللطائف االربع الباقية أحوال ومواجيد على وحدة ويلزم طي كل حدة منها منفردة منفردة‬
‫والتحلي بكماالت كل منها وبعد جماوزة هذه اخلمسة االمرية وطي أصوهلا مرتبة بعد‬
‫مرتبة وقطع مدارج ظالل االمساء والصفات اليت هي أصول تلك االصول درجة بعد درجة‬
‫جتليات االمساء والصفات وظهورات الشئون واالعتبارات وبعد هذه التجليات جتليات‬
‫الذات تعالت وتقدست فتقع املعاملة حينئذ على اطمئنان النفس ويتيسر حصول رضا‬
‫احلق جل وعال والكماالت اليت حتصل يف هذه املوطن حكم الكماالت السابقة يف‬
‫جنبها كحكم القطرة يف جنب البحر احمليط الذي ال قعر له وهنا يتيسر شرح الصدر‬
‫ويتصف ابالسالم احلقيقي {ع}‪:‬‬
‫* هذا هو االمر والباقي خياالت‬
‫* وما يتوهم انه من جتليات االمساء والصفات قبل قطع منازل هذه اخلمسة‬
‫االمرية مع االص ول وأصول االصول فهو ظهورات بعض خواص عامل االمر وله نصيب‬
‫من الالمثلي والالكيفي ومن الالمكاين وليس بتجليات االمساء والصفات قال واحد من‬
‫السالكني يف هذا املقام عبدت الروح ثالثني سنة على ظن اهنا احلق سبحانه و تعاىل‬
‫‪- 386 -‬‬

‫فأين الوصول واىل من السري {شعر}‪:‬‬


‫كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف‬
‫وملا طلبتم الكشف عن حقيقة هذا الطريق على وجه االلتفات كتبت نبذة منه‬
‫على وجه االمجال واالمر عند هللا سبحانه و السالم عليكم و على من لديكم‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع واخلمسون واملائتان اىل املال امحد الربكي يف جواب بعض‬
‫اسئلته}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد كتبت ان بعض االكابر قال ان‬
‫االنسان ينبغي له ان يعمل ما يعمله ابمر صاحب الزمان حت ترتتب عليه النتيجة ولو‬
‫كان أمرا مشروعا فان كان هذا الكالم صحيحا نرجو االذن واالمر يف مجيع املشروعات‬
‫(أيها املخدوم) ان كالم االكابر صحيح واالذن لك حاصل وأنت مأذون ولكن ينبغي ان‬
‫يعلم ان املراد ابلنتيجة نتيجة معتد هبا ال مطلقا (وكتبت) أيضا انه قد حرر يف رسالة ان‬
‫اخلواجه احرار قدس سره قال ان القرآن يف احلقيقة من مرتبة عني اجلمع يعين من أحدية‬
‫الذات تعالت وتقدست فما يكون معن ما حرر يف رسالة املبدإ واملعاد أن حقيقة الكعبة‬
‫الرابنية فوق احلقيقة القرآنية (أيها املخدوم) ليس املراد أبحدية الذات هناك االحدية‬
‫اجملردة اليت ال يكون فيها شئ من الصفة والشأن ملحوظا الن حقيقة القرآن انشئة من‬
‫صفة الكالم اليت هي احدى الصفات الثمانية وحقيقة الكعبة انشئة عن مرتبة منزهة عن‬
‫تلوينات الصفات والشئوانت فيكون التفوق هلا (وكتبت) أيضا انه قد ذكر يف بعض‬
‫التفاسري لو قال شخص اان أسجد للكعبة يكفر فان السجدة ينبغي أن تكون اىل طرف‬
‫الكعبة ال للكعبة وذكر يف موضع آخر كانوا يف أول االسالم يقولون يف السجدة لك‬
‫سجدت ومدلول الضمري نفس الذات تعالت وتقدست فما يكون معن ما حرر يف‬
‫رسالة املبدإ واملعاد من ان صورة الكعبة كما اهنا مسجودة صور االشياء كذلك حقيقة‬
‫الكعبة مسجودة حقائق االشياء (أيها املخدوم) ان هذا من مساحمات العبارات كما يقال‬
‫‪- 387 -‬‬

‫إن آدم مسجود املالئكة مع ان السجدة للخالق جل سلطانه ال ملخلوقه ومصنوعه اي‬
‫خملوق كان و السالم عليكم و على أصحابكم وأحبابكم و على املال اببنده واملال‬
‫حسن‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس واخلمسون واملائتان اىل املال طاهر الالهوري يف التحريض‬


‫على احياء السنة السنية ورفع البدعة الغري املرضية}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصل املكتوب الشريف املرسل مع‬
‫احلافظ هباء الدين وأورث فرحا وافرا حبذا النعمة توجه احملبني واملخلصني جبميع مهتهم اىل‬
‫احياء سنة من السنن املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية وارادهتم بكليتهم‬
‫رفع بدعة من البدع غري املرضية فان كال من السنة والبدعة ضد األخرى ووجود احديهما‬
‫مستلزم النتفاء األخرى فيكون احياء احديهما مستلزما الماتة األخرى فاحياء السنة‬
‫موجب الماتة البدعة وابلعكس فكيف تصح تسمية البدعة حسنة مع كوهنا مستلزمة‬
‫لرفع السنة اال ان يراد ابحلسن احلسن النسيب فانه ال جمال للحسن املطلق هنا الن مجيع‬
‫السنن مراضي احلق سبحانه و تعاىل واضدادها مرضيات الشيطان وهذا الكالم وان كان‬
‫اليوم ثقيال على االكثرين بواسطة شيوع البدعة ولكنهم سيعلمون غدا اننا على اهلداية او‬
‫إايهم وورد ان املهدي املوعود اذا اراد ترويج الدين واحياء السنة يف زمان سلطنته يقول‬
‫عامل املدينة ال ذي اعتاد على العمل ابلبدعة وظنها حسنة واحلقها ابلدين هبذا الظن‬
‫متعجبا ان هذا الرجل يريد رفع ديننا وازالة ملتنا فيأمر املهدي بقتله ويرى ما اعتقد أنه‬
‫حسن سيئا ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم و السالم عليكم و‬
‫على سائر من لديكم وقد غلب النسيان على الفقري حت ال أعلم اآلن اىل من فوضت‬
‫مكتوبكم فاكتب جواب االستفسارات فريجى مساحمتكم والشيخ ميان أمحد الغرملي من‬
‫احملبني وحيث أنه واقع يف جواركم ينبغي رعاية االلتفات والتوجه يف حقه‪.‬‬
‫‪- 388 -‬‬

‫{املكتوب السادس واخلمسون واملائتان اىل الشيخ بديع الدين يف جواب‬


‫سؤاله عن القطب وقطب االقطاب والغوث واخلليفة وما يتعلق بذلك}‬
‫احلمد هلل و السالم على عباده الذين اصطفى وصل املكتوب الشريف املرسل‬
‫صحبة الدرويش فاورث فرحا وافرا و سئلت عن معن القطب وقطب االقطاب والغوث‬
‫واخلليفة وعن خدمة كل منهم ووظيفته وأنه هل هلم اطالع على خدمتهم ام ال والبشارة‬
‫بقطبية االقطاب اليت جتئ من عامل الغيب هل هلا أصل او هي من اخرتاع اخليال والوهم‬
‫(ينبغي) أن يعلم ان كمل اتباع نيب عليه وعليهم الصالة و السالم اذا امتوا ابلتبعية مقام‬
‫النبوة يشرف بعضهم مبنصب االمامة وبعضهم يكتفي مبجرد حصول ذلك الكمال‬
‫وهذان املعظ مان متساواين يف نفس حصول ذلك الكمال وامنا التفاوت يف حصول‬
‫املنصب وعدمه ويف امور تتعلق بذلك املنصب واذا امت االتباع الكمل كماالت الوالية‬
‫يشرف بعضهم مبنصب اخلالفة ويكتفي بعضهم مبجرد حصول تلك الكماالت كما مر‬
‫آنفا وكل من هذين املنصبني يتعلق ابلكماالت االصلية وأما يف الكماالت الظلية‬
‫فاملناسب ملنصب االمامة يعين الن يكون حذاءه وظله هو منصب قطب املدار االرشاد‬
‫واملناسب ملنصب اخلالفة منصب قطب وكأن هذين املقامني التحتانيني ظل ذينك‬
‫املقامني الفوقانيني (والغوث) عند الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره هو قطب املدار‬
‫املذكور وليست الغوثية عنده منصبا على حدة وممتازة عن منصب القطبية وما هو معتقد‬
‫الفقري ان الغوث غري قطب املدار بل هو ممده ومعاونه يف اموره وشئونه وقطب املدار‬
‫يستمد منه يف بعض االمور ويف تعيني مناصب االبدال ونصبهم له دخل ايضا ويقال‬
‫للقطب ابعتبار االعوان واالنصار قطب االقطاب ايضا الن اعوان قطب االقطاب‬
‫وانصاره حكام ومن هنا قال صاحب الفتوحات املكية ما من قرية مؤمنة كانت او كافرة‬
‫اال وفيها قطب (واعلم) ان صاحب املنصب صاحب علم البتة وأما الذي فيه كمال‬
‫ذلك املنصب دون نفس املنصب فال يلزم كونه من ارابب العلم وكونه مطلعا على‬
‫خدماته والبشارة اليت تصل من عامل الغيب هي بشارة حصول كماالت ذلك املقام ال‬
‫‪- 389 -‬‬

‫بشارة حصول منصب ذلك املقام اليت هي منوطة ابلعلم (وسألت) ايضا أنه ما املراد‬
‫ابالميان الواقع يف حديث لو وزن[‪ ]1‬اميان ايب بكر ابميان اميت لرجح وما سبب رجحان‬
‫االميان بواسطة رجحان املؤمن به وحيث كان متعلق اميان ايب بكر فوق متعلقات اميان‬
‫االمة يكون راجحا ألبتة (أيها) املخدوم ان معاملة السالك قد تبلغ يف عروجاته مبلغا لو‬
‫تفوق منه مقدار نقطة تكون الكماالت اليت حتصل بسبب هذا العروج والتفوق ازيد من‬
‫مجيع الكماالت السابقة الن تلك النقطة ازيد من مجيع ما حتتها وكذلك حال النقطة‬
‫اليت فوق هذه النقطة فان هذه النقطة حقرية يف جنبها و على هذا القياس فمن كان‬
‫متعلق اميانه كمال الفوق وغايته يكون راجحا ألبتة على مجيع ما حتته ومن هنا قالوا تبلغ‬
‫معاملة العارف مبلغا يكتسب يف طرفة العني مثل مجيع كماالته املتقدمة و على مقياس‬
‫حتقيق الفقري حيصل يف حملة أزيد من مجيع الكماالت املتقدمة ذلك فضل هللا يؤتيه من‬
‫يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (وسألت) ايضا أنه ذكر الشيخ ابن العريب واتباعه ان‬
‫االطفال الذين قتلوا بسبب موسى على نبينا وعليهم الصالة و السالم انتقلت‬
‫استعدادات كلهم اىل موسى عليه السالم فنرجو حترير حقيقة هذا الكالم ابلتفصيل‬
‫(اعلم) أن هذا الكالم أصيل النه مكتوب ابلتحقيق فكما ان شخصا واحدا جيعل سببا‬
‫حلصول الكماالت جلماعة كذلك جتعل اجلماعة سببا حلصول الكماالت لشخص واحد‬
‫فان الشيخ وان كان سببا حلصول الكماالت للمريدين ولكن املريدين ايضا اسباب‬
‫حلصول الكماالت للشيخ وهذا الفقري أحس هذا املعن يف املأكوالت واملشروابت اليت‬
‫صارت اجزاء بدنه حبيث كلما تناوله من طعام اوشراب صار ذلك سببا جلامعية استعداده‬
‫وظهرت به قابلية أخرى فاذا قصد يف بعض االوقات ترك املأكوالت اللذيذة منع من‬

‫(‪ )1‬قال السيوطي يف الدرر املنتثرة يف االحاديث املشتهرة قيل هو من كالم عمر قلت هو كذلك اخرجه عنه معاذ بن‬
‫املثين يف زايدات مسند مسدد واخرجه ابن عدي يف الكامل من حديث ابن عمر مرفوعا انتهى ولفظه لو وزن اميان ايب‬
‫بكر ابميان الناس لرجح اميان ايب بكر قال السخاوي سند املرفوع ضعيف ولكنه متابع وله شاهد ورواه البيهقي يف‬
‫الشعب عن عمر رضي هللا عنه ايضا موقوفا بلفظ لو وزن اميان ايب بكر ابميان اهل االرض لرجح هبم ورواه احلكيم‬
‫الرتمذي ايضا كذلك موقوفا وحسنه]‪.‬‬
‫‪- 390 -‬‬

‫ذلك بواس طة حتصيل هذه اجلامعية ومل يؤذن له برتك ذلك الطعام اللذيذ بسبب حصول‬
‫تلك القابلية وكم من استعداد انتقل من شخص اىل آخر كالا أو بعضا وصار حمسوسا أن‬
‫ذلك الشخص بقي خاليا وحصل اآلخر مجعية (وسألت) ايضا ان الشيخ[‪ ]1‬جنم الدين‬
‫الكربى ارسل واحدا من مريديه عند واحد من االعزة ليستفهم منه أنه حتت قدم اي نيب‬
‫فقال له الشيخ املرسل اليه يف اي شغل جهودك ففهم الشيخ جنم الدين من هذا الكالم‬
‫أنه حتت قدم موسى على نبينا وعليه الصالة و السالم ابي وجه يفهم هذا املعن من‬
‫هذه العبارة (اعلم) ان اجلهود يطلق على اليهود وهم من امة موسى عليه السالم‬
‫(وسألت) ايضا انه كتب يف النفحات ان والية مجيع االولياء تسلب بعد املوت اال والية‬
‫اربعة منهم (اعلم) أنه ميكن أن يكون مراده ابلوالية التصرفات وظهور الكرامات ال أصل‬
‫الوالية اليت هي عبارة عن قرب إهلي جل سلطانه وأن يكون مراده ابلسلب أيضا سلب‬
‫كثرة ظهور الكرامات ال سلب أصل الظهور مع أن هذا الكالم كشفي وجمال اخلطأ كثري‬
‫يف الكشف فال يدري ماذا رأى وماذا فهم (وطلبت) ظهور بعض كرامات االولياء فكن‬
‫منتظرا سيجعل هللا بعد عسر يسرا (وسألت) انه قال يف تفسري النيسابوري ان شانيئك‬
‫هو االبرت ابلياء فما التحقيق فيه ابلياء أو ابهلمزة (اعلم) انه ابهلمزة والذي كتب ابلياء‬
‫ميكن أن يكون قراءة غري مشهورة (وكتبت) أن بعض النساء يطلنب االشتغال ابلطريقة‬
‫(فان كن) حمارم فما املانع وإال يقعدن وراء احلجاب وأيخذن الطريقة (وسألت) ان‬
‫ارابب احلديث أثبتوا يف كل شهر أايما منهية ونقلوا احلديث يف هذا الباب فماذا نفعل‬
‫(قال) والد الفقري قدس سره ان الشيخ عبد هللا والشيخ رمحة هللا اللذين كاان من أكابر‬

‫(‪ )1‬نقل انه ملا اشتهرت جذبة الشيخ مصلح الدين احلجندي ارسل الشيخ جنم الدين الكربى واحدا من مريديه لرؤيته‬
‫علي فلما وصل املريد اليه سئله الشيخ عن بلده فقال من خوارزم فقال الشيخ آن‬ ‫وقال له كلما تسمعه منه اعرض ّ‬
‫جهود خوشست يعين كيف ذاك اليهودي طيب اراد به الشيخ جنم الدين الكربى فلما رجع املريد اليه وعرض كالم‬
‫اجملذوب عليه فرح فرحا كثريا وطاب وقته وقال كنت مدة مديدة يف الرتدد وما كنت اعرف أبين على قدم اي نيب من‬
‫اال نبياء فعلمت من اشارته أبين على قدم موسى عليه السالم انتهى معراب من سلسلة العارفني ملوالان القاضي حممد اكرب‬
‫خلفاء اخلواجه احرار قدس سرمها‬
‫‪- 391 -‬‬

‫احملدثني ولقبا يف احلرمني ابلشيخني وردا اىل اهلند وقاال ان هذا احلديث نقله الكرماين‬
‫شارح البخاري لكنه ضعيف[‪ ]1‬واحلديث الصحيح يف هذا الباب االايم أايم هللا والعباد‬
‫عباد هللا وقاال أيضا ان حنوسة األايم زالت وارتفعت بوالدة من أرسل رمحة للعاملني عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم وكانت حنوسة االايم ابلنسبة اىل االمم املاضية وعمل الفقري‬
‫ايضا على ذلك ال أرجح يوما على يوم أصال ما مل يعلم ترجيحه من الشارع كيوم اجلمعة‬
‫وأايم رمضان وحنومها (وكتبت) أيضا ابين ما وجدت املعارف املتعلقة بتحمل ثقل النبوة يف‬
‫مكتوب اخلواجه حممد أشرف من أين جتده فانه حرر يف هذه االايم ومل يبلغك ثقله‬
‫واملكتوب طويل عريضا يزيد على كراسة وقد أمرت ابرسال نقله اليكم و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع واخلمسون واملائتان اىل املري نعمان يف بيان الطرق على‬
‫طريق االمجال}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات أهني ان املكتوب الشريف املرسل صحبة‬
‫الشيخ أمحد الفرملي قد وصل وأورث بوصوله فرحا وافرا وطلبت رسالة يف بيان الطريق قد‬
‫حررت املسودات فيه فاذا نقلت اىل البياض بتوفيق هللا أرسلها واآلن اكتب فقرات يف‬
‫بيان الطريق بطريق االمجال ينبغي استماعها بسمع العقل (أيها) السيد ان الطريق الذي‬
‫اخرتانه حنن ابتداء مسريه من القلب الذي هو من عامل االمر وبعد القلب يقع السري يف‬
‫مراتب الروح اليت فوقه وبعد الروح تكون هذه املعاملة ابلسر الذي فوقها وهكذا احلال يف‬
‫اخلفي واالخفى وبعد طي منازل هذه اللطائف اخلمس وحصول العلوم املتعلقة بكل منها‬
‫على حدة على حدة وحصول املعارف كذلك وبعد حتقق االحوال واملواجيد املخصوصة‬

‫(‪ )1‬قوله لكنه ضعيف اخل قال املخرج والذي ورد يف االايم مرفوعا يوم السبت يوم مكر وخديعة ويوم االحد يوم عرس‬
‫وبناء احلديث اخرجه ابو يعلى من حديث ابن عباس بسند ضعيف وكذا يوم االربعاء يوم حنس مستمر اخرجه الطرباين‬
‫يف االوسط عن جابر قال السخاوي ال اصل له وقال القطين يف تذكرة املوضوعات سئل ابن حجر عن حديث ابن‬
‫عباس يف قوله تعاىل يف اايم حنسات االايم كلها خلق هللا بعضها سعودا وبعضها حنوسا اخل فاجاب ان هذا كذب اىل‬
‫ابن عباس رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫‪- 392 -‬‬

‫بكل واحد من هذه اخلمس منفردة منفردة يقع السري يف أصول هذه اخلمس اليت هي يف‬
‫العامل ا لكبري فان كلما هو يف العامل الصغري أصله يف العامل الكبري واملراد ابلعامل الصغري‬
‫االنسان وابلعامل الكبري سائر الكائنات وشروع السري يف اصول هذه اخلمس من العرش‬
‫اجمليد الذي هو أصل قلب االنسان وفوقه أصل الروح االنسانية وفوقه اصل السر وفوقه‬
‫أصل اخلفي وفوقه أصل االخفى فاذا طوي سري هذه االصول اخلمسة من العامل الكبري‬
‫ابلتفصيل و انتهى اىل نقطة أخرية فقد أمت سري دائرة االمكان ووضع القدم على أول‬
‫منزل من منازل الفناء فان وقع الرتقي بعد ذلك يكون السري يف ظالل االمساء والصفات‬
‫االهلية جل سلطانه وهذه الظالل كالربازخ بني الواجب واالمكان واصول لتلك االصول‬
‫اخلمسة اليت يف العامل الكبري و يكون السري يف هذه الظالل ايضا على الرتتيب املذكور يف‬
‫فروعها فان طوي بفضل هللا سبحانه املنازل املتكثرة من هذه الظالل و انتهى اىل نقطتها‬
‫االخرية يكون شروع يف امساء الواجب وصفاته جل سلطانه وتقع جتليات االمساء‬
‫والصفات وظهورات الشئون واالعتبارات فعند ذلك يكون قد امت معاملة اللطائف‬
‫اخلمس االمرية وادى حقها فان وقع الرتقي بفضل هللا سبحانه بعد ذلك من هذا املقام‬
‫تقع املعاملة على اطمئنان النفس ويتيسر حصول مقام الرضا الذي هو هناية مقامات‬
‫السلوك وحيصل يف هذا املقام شرح الصدر ويتشرف فيه ابالسالم احلقيقي والكماالت‬
‫اليت حتصل يف هذا املوطن حكم الكماالت املتعلقة بعامل االمر يف جنبها كحكم القطرة يف‬
‫جنب البحر احمليط وكل هذه الكماالت املذكورة متعلقة ابسم الظاهر والكماالت املتعلقة‬
‫ابسم الباطن هي غريها وهلا مناسبة ابالستتار والتبطن فاذا حصلت كماالت هذين‬
‫االمسني املباركني بتمامها يتيسر للسالك جناحان للطريان ليطري بقوهتما اىل عامل القدس‬
‫وحتصل له ترقيات خارجة عن القياس وتفصيل هذه املعاملة حمرر يف املسودات وولدي‬
‫االرشد جمد يف مجعه (وينبغي) لك ان جتئ بنفسك هنا مرة واحدة ان تيسر لكن بشرط‬
‫ان ال ترتك مقامك خاليا حت ال تضيع املعاملة بل جتئ وحدك وجتعل مقتدى تلك‬
‫اجلماعة من تعلم أنه أسبق قدما مث تتوجه اىل هذه احلدود فانه ال يدري هل تعطي‬
‫‪- 393 -‬‬

‫الفرصة يف وقت آخر أو ال و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن واخلمسون واملائتان اىل شريف خان يف بيان أقربيته تعاىل‬
‫وتقدس}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد حصل االبتهاج والسرور بورود‬
‫الصحيفة الشريفة املسطورة اىل فقراء هذه احلدود على وجه الكرم جزاكم هللا سبحانه خري‬
‫اجلزاء (أيها املخدوم) أن أقربية احلق سبحانه الينا منا وان كانت اثبتة بنص قاطع ولكن‬
‫ماذا نصنع انه سبحانه وراء وراء عقولنا وأفهامنا ووراء وراء علومنا وادراكاتنا مع أان نعرف‬
‫ان هذه الورائية يف جانب القرب ال يف جانب البعد فانه سبحانه أقرب من كل قريب‬
‫حت أان جند احدية ذاته سبحانه اقرب من الصفات اليت حنن من آاثر تلك الصفات‬
‫وهذه املعرفة وراء نظر العقل وطوره فان العقل ال يقدر أن يتصور شيئا أقرب اليه من‬
‫نفسه واملثال الذي يوضح هذا املبحث مل يوجد مع كثرة التتبع ومستند هذه املعرفة نص‬
‫قطعي وكشف صحيح وقد تكلم مشائخ الطريقة يف التوحيد واالحتاد وبينوا القرب واملعية‬
‫واختاروا السكوت يف اقربيته تعاىل ومل جيد منهم بيان شاف يف هذا الباب والعجب ان‬
‫اقربيته تعاىل صارت سببا البعديتنا هذا اىل أن يبلغ الكتاب أجله فافهم فان كالمنا‬
‫اشارات وبشارات و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى‬
‫عليه و على آله من الصلواة امتها ومن التسليمات أكملها‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع واخلمسون واملائتان اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد‬
‫قدس سره يف بيان فوائد ارسال الرسل وعدم استقالل العقل يف معرفته تعاىل وبيان‬
‫احلكم اخلاص فيمن نشأ يف شاهق اجلبل ومشركي زمن الفرتة واطفال مشركي دار‬
‫احلرب وحتقيق بعثة االنبياء يف ارض اهلند من اهلند سابقاً وما يناسبه}‬
‫احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا هلندي لوال ان هداان هللا لقد جائت رسل ربنا‬
‫‪- 394 -‬‬

‫ابحلق ابي لسان يؤدي شكر نعمة ارسال الرسل عليهم الصلوات و التسليمات وابي‬
‫قلب يعتقد املنعم هبا واين للجوارح أن تكافئها ابالعمال احلسنة فلوال هؤالء الكرباء من‬
‫كان يدل امثالنا القاصرين على وجود الصانع ووحدته جل سلطانه ومل يهتد قدماء‬
‫فالسفة اليوانن اىل وجود الصانع جل شأنه مع وجود الذكاوة فيهم حت نسبوا اجياد‬
‫الكائنات اىل الدهر وملا سطع انوار دعوة االنبياء عليهم الصالة و السالم يوما فيوما رد‬
‫متأخروهم بربكة تلك االنوار مذهب قدمائهم وقالوا بوجود الصانع جل شأنه واثبتوا‬
‫وحدانيته تعاىل فعقولنا مبعزل عن ادراك هذا املطلب العايل بال أتييد من انوار النبوة‬
‫وافهامنا بعيدة عن الوصول اىل هذه املعاملة بدون وساطة وجود االنبياء عليهم الصلوات‬
‫والتحيات اي ليت شعري ماذا اراد أصحابنا املاتريدية من قوهلم ابستقالل العقل يف بعض‬
‫االمور كاثبات وجود الصانع تعاىل ووحدانيته سبحانه فكلفوا من نشأ يف شاهق اجلبل و‬
‫عبد الصنم هبما وان مل تبلغه دعوة الرسول وحكموا برتك النظر فيهما بكفره وخلوده يف‬
‫النار وحنن ال نفهم احلكم ابلكفر واخللود يف النار اال بعد البالغ املبني واحلجة البالغة‬
‫املنوطة ابرسال الرسل نعم العقل حجة من حجج هللا تعاىل ولكنه ليس حبجة ابلغة يف‬
‫احملجة حت يرتتب عليه أشد العذاب (فان قلت) فان مل يكن من نشأ يف شاهق اجلبل‬
‫وعبد الصنم خملدا يف النار يكون يف اجلنة ابلضرورة وذا غري جائز فان دخول املشركني‬
‫اجلنة حرام ومأواهم النار قال هللا تعاىل حاكيا عن عيسى على نبينا وعليه الصالة و‬
‫السالم انه من يشرك ابهلل فقد حرم هللا عليه اجلنة ومأواه النار والواسطة بني اجلنة والنار‬
‫غري اثبتة وأصحاب االعراف يدخلون اجلنة بعد مدة فاخللود اما يف اجلنة واما يف النار‬
‫(قلت) إن هذا السؤال مستصعب جدا و ولدي االرشد يعرف أنه كرر هذا السؤال اىل‬
‫هذا الفقري من مدة كثرية ومل جيد له جوااب شافيا وما قال صاحب الفتوحات املكية يف‬
‫حل هذا السؤال من اثبات بعثة نيب يوم القيامة الجل دعوة هؤالء القوم واحلكم بدخول‬
‫اجلنة والنار على حسب انكارهم واقرارهم غري مستحسن عند هذا الفقري الن اآلخرة دار‬
‫اجلزاء ال دار التكليف حت يبعث فيها نيب وبعد مدة مديدة كانت عناية احلق جل‬
‫‪- 395 -‬‬

‫سلطانه دليال وهاداي واحنل هذا املعمى وكشف ان تلك اجلماعة ال خيلدون ال يف اجلنة‬
‫وال يف النار بل يعذبون ويعاقبون بعد البعث واالحياء يف اآلخرة على قدر جرميتهم يف‬
‫مقام احلساب وتستوف منهم احلقوق مث جيعلون بعد ذلك معدوما مطلقا وال شيئا حمضا‬
‫مثل حيواانت غري مكلفة فلمن يكون اخللود ومن يكون مكلفا وملا عرضت هذه املعرفة‬
‫الغريبة يف حمضر من االنبياء عليهم الصالة و السالم صدقها مجيعهم وقبلوها والعلم عند‬
‫هللا سبحانه و تعاىل واحلكم ابخالد احلق سبحانه و تعاىل عبده يف النار وأتبيد عذابه‬
‫مبجرد العقل الذي جمال اخلطإ والغلط كثري فيه جدا من غري بالغ بني بوساطة االنبياء‬
‫عليهم الصالة و السالم مع كمال رأفته ورمحته تعاىل يثقل على هذا الفقري جدا كما يثقل‬
‫احلكم ابخلل ود يف اجلنة مع وجود الشرك كما يلزم ذلك على مذهب االشعري لعدم القول‬
‫ابلواسطة بني اجلنة والنار فاحلق ما اهلمت به من اعدامه بعد استيفاء حماسبة يوم احلشر‬
‫كما مر وهذا هو حكم اطفال مشركي دار احلرب عند الفقري ايضا فان دخول اجلنة‬
‫منوط ابالميان اما ابالصالة واما ابلتبعية وان كانت تبعية دار االسالم كما هو يف أطفال‬
‫أهل الذمة واالميان مفقود يف حقهم مطلقا فال يتصور دخوهلم اجلنة ودخول النار واخللود‬
‫فيها مربوط ابلشرك بعد ثبوت التكليف وهذا أيضا مفقود يف حقهم فحكمهم حكم‬
‫البهائم من االعدام بعد البعث والنشور للحساب واستيفاء احلقوق وهذا هو احلكم أيضا‬
‫يف مشركي زمن فرتة الرسل الذين مل تبلغهم دعوة نيب من االنبياء (أيها الولد) ان هذا‬
‫الفقري كلما يالحظ وجييل النظر ال جيد حمال مل تبلغه دعوة نبينا عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم بل يكون حمسوسا ان نور دعوته صلّى هللا عليه و سلّم بلغ كل حمل مثل نور‬
‫الشمس حت اليأجوج واملأجوج الذين حال بينهم السد و ان االحظ يف االمم السابقة ال‬
‫اَجد بقعة مل يبعث فيها نيب حت يف ارض اهلند اليت ترى بعيدة عن هذه املعاملة أجد‬
‫انبياء كانوا مبعوثني من أهل اهلند ودعوا اىل احلق جل شأنه ويشاهد يف بعض بالد اهلند‬
‫أنوار االنبياء عليهم الصالة و السالم يف ظلمات الشرك كاملشاعل املسرجة فان شئت‬
‫عينت تلك البالد وأرى نبيا مل يصدقه أحد ومل يقبل دعوته ونبيا آخر آمن به شخص‬
‫‪- 396 -‬‬

‫وآخر صدقه شخصان وصدق البعض ثالثة وال يقع النظر على أزيد من ثالثة آمنوا بنيب‬
‫يف اهلند وال أرى نبيا آمن به واتبعه أربعة وما كتبه رؤساء كفرة اهلنود من وجود الواجب‬
‫وصفاته ومن تنزيهاته وتقديساته كل ذلك مقتبس من أنوار مشكاة النبوة النه مضي يف‬
‫كل عصر من االمم السابقة نيب من االنبياء واخربوا عن وجود الواجب وصفاته الثبوتية‬
‫ومن تنزيهاته وتقديساته سبحانه و تعاىل فلو ال وجود هؤالء الكرباء كيف كان هؤالء‬
‫املخذولون بعقوهلم القاصرة العمياء املتلوثة بظلمات الكفر واملعاصي مهتدين اىل هذه‬
‫الدولة وعقول هؤالء املخذولني الناقصة حاكمة يف حد ذاهتا ابلوهيتهم وال يثبتون اهلا‬
‫سواهم كما قال فرعون مصر (ما علمت لكم من اله غريي) وقال أيضا (الن اختذت اهلا‬
‫غريي الجعلنك من املسجونني) وملا علموا ابخبار االنبياء عليهم الصالة و السالم ان‬
‫للعامل صانعا واجب الوجود اطلع بعض هؤالء املخذولني على قبح ادعائه واثبت الصانع‬
‫الواجب الوجود ابلتقليد والتسرت وزعم انه سار فيه ومتحدبه ودعى اخللق اىل عبادته هبذه‬
‫احل يلة تعاىل هللا عما يقول الظاملون علوا كبريا (وال يعرتض) القاصر هنا انه لو بعث‬
‫االنبياء يف أرض اهلند لبلغنا خرب بعثته البتة بل كان ينقل ذلك اخلرب ابلتواتر لتوفر‬
‫الدواعي وليس فليس الان نقول إن دعوة هؤالء االنبياء مل تكن عامة بل كانت دعوة‬
‫بعضهم خمصوصة بقوم ودعوة بعضهم بقرية أو ببلدة وميكن أن يشرف هللا سبحانه‬
‫شخصا يف قوم أو قرية هبذه الدولة فيدعوهم اىل معرفة الصانع ومينعهم عن عبادة غريه‬
‫تعاىل فيكذبونه وينسبونه اىل اجلهالة والضاللة فاذا انتهى انكارهم وتكذيبهم اايهم اىل‬
‫هنايته وغايته يهلكهم هللا جل وعال غرية لنبيه وكذلك ميكن ان يبعث نيب آخر بعد مدة‬
‫اىل قوم أو قرية فيعاملهم كما عامل االول قومه فيفعل هبم كما فعل أبوائلهم وهكذا اىل‬
‫ما شاء هللا تعاىل وآاثر هالك القرى والبالد كثرية يف أرض اهلند وهؤالء القوم وان هلكوا‬
‫ولكن كلمة تلك الدعوة ابقية فيما بني أقراهنم وجعلها كلمة ابقية يف عقبه لعلهم يرجعون‬
‫وخرب نبوة االنبياء املبعوثة امنا يبلغنا اذا صدقهم مجع كثري وقوى أمره واما اذا جاء شخص‬
‫ودعا أايما فمضى ومل يقبل دعوته أحد مث جاء آخر وفعل مثل ما فعل االول فصدقه‬
‫‪- 397 -‬‬

‫شخص واحد وصدق اآلخر اثنان أو ثالثة فمن أين ينتشر اخلرب وكان الكفار كلهم يف‬
‫مقام االنكار وكانوا يردون على من كان خيالف دين آابئهم فمن يكون الناقل و اىل من‬
‫ينقل وأيضا ان الفاظ الرسالة والنبوة وپيغمرب من لغات العرب والفارس بواسطة احتاد‬
‫دعوة نبينا عليه الصالة و السالم وعمومها ومل تكن هذه االلفاظ يف لغة اهلند حت يقال‬
‫لالنبياء املبعوثني من اهلند رسوال أو نبيا أو پيغمرب أو يذكرون هبذه االسامي وأيضا نقول‬
‫يف جواب هذا السؤال بطريق املعارضة انه لو مل تبعث االنبياء يف اهلند ومل يدعوهم‬
‫بلساهنم لكان حكم هؤالء القوم حكم من نشأ يف شاهق اجلبل فال يدخلون النار مع‬
‫وجود التمرد ودعوى اال لوهية وال يكون هلم العذاب املخلد وهذا مما ال يرتضيه العقل‬
‫السليم وال يساعده الكشف الصحيح فاان نشاهد بعض مردهتم يف وسط اجلحيم وهللا‬
‫سبحانه أعلم حبقيقة احلال‪.‬‬

‫{املكتوب الستون واملائتان اىل املخدوم زاده الشيخ حممد صادق قدس سره‬
‫يف بيان الطريقة املختصة به وبيان الوالايت الثالث الصغرى والكربى والعليا وبيان‬
‫أفضلية النبوة من الوالية مطلقا وبيان اللطائف العشر االنسانية اليت َخس منها من‬
‫عامل االمر وَخس من عامل اخللق مع كماالت خمصوصة بكل واحدة منها وبيان‬
‫أفضلية عامل اخللق من عامل االمر مع بيان كماالت خمصوصة بعنصر الرتاب وبيان‬
‫العلوم واملعارف املناسبة لكل مقام وامثال ذلك}‬
‫الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫عليه وعليهم و على آله وأصحابه الطيبني الطاهرين (اعلم) ايها الولد أسعدك هللا سبحانه‬
‫و تعاىل ان لطائف عامل االمر اخلمس اعين القلب والروح والسر واخلفي واالخفى اليت هي‬
‫من اجزاء العامل الصغري أعين االنسان أصوهلا يف العامل الكبري كالعناصر االربعة اليت هي‬
‫اجزاء االنسان فان أصوهلا يف العامل الكبري وظهور أصول اخلمس فوق العرش حيث‬
‫يوصف ابلالمكانية ومن ههنا يقال لعامل االمر المكانيا تتم دائرة االمكان خلقه وامره‬
‫‪- 398 -‬‬

‫وصغريه وكبريه ابلوصول اىل هناية تلك االصول واىل هذا املوطن ينتهي امتزاج العدم‬
‫ابلوجود الذي هو منشأ االمكان فاذا طوى السالك الرشيد حممدي املشرب هذه اخلمس‬
‫من عامل االمر ابلرتتيب وشرع يف السري يف أصوهلا من عامل الكبري وطوى كلها ابلرتتيب‬
‫والتفصيل بعلو الفطرة بل مبحض فضل احلق سبحانه و انتهى اىل النقطة االخرية فال جرم‬
‫يكون قد امت دائرة االمكان ابلسري اىل هللا وصار مستحقا الن يطلق عليه اسم الفناء يعين‬
‫الن يوصف به وشرع يف الوالية الصغرى اليت هي والية االولياء فان وقع السري بعد ذلك‬
‫يف ظالل االمساء والصفات الوجوبية اليت هي أصل اخلمسة اليت يف العامل الكبري يف‬
‫احلقيقة ومل يتطرق اليها شائبة العدم وطوى كلها بفضل هللا سبحانه بطريق السري يف هللا‬
‫وبلغ هنايتها فقد أمت دائرة ظالل االمساء الواجبية ايضا وحصل له الوصول اىل مرتبة‬
‫االمساء والصفات الواجبية وهناية عروج الوالية الصغرى اىل هذا املقام ويف هذا املوطن‬
‫يتحقق الشروع يف حقيقة الفناء ويوضع القدم يف بداية الوالية الكربى اليت هي والية‬
‫االنبياء عليهم الصالة و السالم (ومما ينبغي) ان يعلم ان هذه الدائرة الظاللية متضمنة‬
‫ملبادئ تعينات اخلالئق سوى االنبياء الكرام واملالئكة العظام عليهم الصالة و السالم‬
‫وظل كل اسم مبدأ تعني شخص من االشخاص حت ان مبدأ تعني الصديق االكرب الذي‬
‫هو أفضل البشر بعد االنبياء عليهم الصالة و السالم النقطة الفوقانية من هذه الدائرة وما‬
‫قيل إن السالك اذا انتهى اىل اسم هو مبدأ تعينه فقد أمت السري اىل هللا ينبغي ان يكون‬
‫املراد به ظل االسم االهلي جل شأنه وجزئيا من جزئياته ال أصله وعينه وهذه الدائرة‬
‫الظاللية تفصيل مرتبة االمساء والصفات يف احلقيقة فان العلم مثال صفة حقيقية وهلا‬
‫جزئيات وتفصيل تلك اجلزئيات ظالل هذه الصفة اليت هلا مناسبة ابالمجال وكل جزئي‬
‫من تلك اجلزئيات مبدأ تعني شخص من االشخاص غري االنبياء الكرام واملالئكة الفخام‬
‫عليهم الصالة و السالم ومبادئ تعينات االنبياء واملالئكة اصول هذه الظالل يعين‬
‫كليات تلك اجلزئيات املفصلة كصفة العلم مثال وصفة القدرة وصفة االرادة وغريها‬
‫ويشرتك ا لكثريون من االشخاص يف صفة واحدة كانت مبدأ تعني ابعتبارات خمتلفة‬
‫‪- 399 -‬‬

‫وذلك ان مبدأ تعني خامت الرسل مثال شأن العلم وهذه الصفة كانت مبدأ تعني ابراهيم‬
‫عليه السالم ابعتبار آخر وهي مبدأ تعني نوح عليه السالم ايضا ابعتبار آخر وتعني تلك‬
‫االعتبارات مذكور يف مكتوب اخلواجه حممد اشرف وما قال بعض املشائخ من ان‬
‫احلقيقة احملمدية هي التعني االول الذي هو حضرة االمجال و مسمى ابلوحدة فمراده به‬
‫على ما ظهر هلذا الفقري من عامل الغيب وهللا سبحانه أعلم مركز هذه الدائرة الظاللية قد‬
‫ظن هذه الدائرة الظاللية تعينا او ال وختيل مركزها امجاال ومساه وحدة وزعم تفصيل ذلك‬
‫املركز الذي هو حميط تلك الدائرة واحدية وتصور ما فوق دائرة الظالل الذي هو دائرة‬
‫االمساء والصفات ذاات منزهة ومربأة عن التعني وليس االمر كذلك بل اقول ان مركز هذه‬
‫الدائرة الظاللية ظل مركز الدائرة الفوقانية اليت هي اصلها ومسماة بدائرة االمساء والصفات‬
‫والشئون واالعتبارات واحلقيقة احملمدية هي مركز هذه الدائرة االصلية يف احلقيقة اليت هي‬
‫امجال االمساء والشؤانت وتفصيل االمساء امنا هو يف هذه الدائرة اليت هي مرتبة الواحدية‬
‫واطالق الوحدة واالحدية على مرتبة ظالل االمساء مبين على اشتباه الظل ابالصل ومن‬
‫هذا القبيل اطالق السري يف هللا يف ذلك املوطن فان السري يف ذلك املوطن داخل يف‬
‫احلقيقة يف السري اىل هللا هذا (فان وقع) العروج بعد ذلك اىل دائرة االمساء والصفات اليت‬
‫هي أصل دائرة الظالل بطريق السري يف هللا يكون ذلك شروعا يف كماالت الوالية الكربى‬
‫وهذه الوالية الكربى خمصوصة ابالنبياء عليهم الصالة و السالم ابالصالة ووصل‬
‫أصحاهبم الكرام أيضا اىل هذه الدولة ابلتبعية والنصف االسفل من هذه الدائرة متضمن‬
‫لألمساء والصفات الزائدة ونصفها االعلى مشتمل على الشئون واالعتبارات الذاتية وهناية‬
‫عروج لطائف عامل االمر اخلمس اىل هناية هذه الدائرة يعين دائرة االمساء والشئوانت (فان‬
‫وقع) الرتقي بعد ذلك مبحض فضل احلق جل شأنه من مقام الصفات والشئوانت يكون‬
‫السري يف دائرة اصول تلك الصفات والشئوانت وبعد اجملاوزة والعبور عن دائرة تلك‬
‫االصول دائرة اصول تلك االصول وبعد طي هذه الدائرة يظهر من الدائرة الفوقانية قوس‬
‫ينبغي قطعه ايضا وحيث مل يظهر من هذه الدائرة الفوقانية غري القوس اقتصران على ذلك‬
‫‪- 400 -‬‬

‫القوس وال بد من ان يكون هنا سر ومل اطلع عليه بعد وهذه االصول الثالثة املذكورة‬
‫لالمساء والصفات جمرد اعتبارات يف حضرة الذات تعالت وتقدست كانت مبادئ‬
‫الصفات والشئوانت وحصول كماالت هذه االصول الثالثة خمصوصة ابلنفس املطمئنة‬
‫ويتيسر حصول االطمئنان هلا يف ذلك املوطن ويف هذا املقام حيصل شرح الصدر وفيه‬
‫يتشرف السالك ابالسالم احلقيقي وهذا هو ذاك املوطن الذي جتلس املطمئنة فيه على‬
‫ختت الصدر وترتقي يف مقام الرضا وهذا املوطن هو هناية الوالية الكربى اليت هي والية‬
‫االنبياء عليهم الصالة و السالم وملا انتهى يب السري اىل هذا املقام توهم يل ان االمر قد مت‬
‫فنوديت يف سري ان كل ذلك كان تفصيل االسم الظاهر الذي هو احد جناحي الطريان‬
‫واالسم الباطن امامك بعد وهو اجلناح الثاين للطريان اىل عامل القدس فاذا امتمته ابلتفصيل‬
‫فقد حصلت جناحني للطريان فلما مت سري االسم الباطن بعناية هللا سبحانه تيسر‬
‫اجلناحان للطريان احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد‬
‫جاءت رسل ربنا ابحلق (أيها الولد) ماذا أكتب من السري يف الباطن واملناسب حلال ذلك‬
‫السري االستتار والتبطن ولنكشف نبذا يسريا من هذا املقام ان السري يف االسم الظاهر‬
‫سري يف الصفات من غري ان يالحظ الذات يف ضمنها والسري يف االسم الباطن وان كان‬
‫سريا يف االمساء ولكن الذات ملحوظة يف ضمنها وتلك االمساء كاحلجب ساترة لوجه‬
‫حضرة الذ ات تعالت وتقدست فان الذات يف صفة العلم مثال ليست ملحوظة أصال ويف‬
‫اسم العليم امللحوظ هو الذات من وراء حجاب الصفات الن العليم ذات ثبت هلا العلم‬
‫فالسري يف العلم سري يف االسم الظاهر والسري يف العليم سري يف االسم الباطن وقس على‬
‫هذا سائر الصفات واالمساء وهذه االمساء املتعلقة ابالسم الباطن مبادئ تعينات املالئكة‬
‫املأل االعلي على نبينا وعليهم الصلوات والتحيات (والشروع) يف السري يف هذه االمساء‬
‫وضع القدم يف الوالية العليا اليت هي والية املل االعلى والفرق املذكور بني العلم والعليم‬
‫عند بيان االسم الظاهر واالسم الباطن ال تتخيله شيئا يسريا وال تظن ان من العلم اىل‬
‫العليم مسافة قليلة ال بل فرق ما بني مركز االرض وحمدب العرش له ابلنسبة اىل هذا‬
‫‪- 401 -‬‬

‫الفرق حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط وهو قريب يف التكلم بعيد يف احلصول ومن‬
‫هذا القبيل ذكر املقامات املبينة على سبيل االمجال كما قلنا مثال فاذا طوي هذه اخلمس‬
‫من عامل األمر وشرع يف السري يف أصوهلا فقد أمت دائرة االمكان فقد ذكر يف هذه العبارة‬
‫السري اىل هللا ابلتمام وقد قدروا مدة حصول هذا السري خبمسني ألف سنة ويف قوله تعاىل‬
‫تعرج املالئكة والروح اليه يف يوم كان مقداره مخسني ألف سنة رمز اىل هذا املعن غاية ما‬
‫يف الباب ان جذب عناية احلق جل سلطانه يكاد ييسر أمر هذه املدة املديدة يف طرفة‬
‫العني {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف أمر مع الكرام‬
‫وكذلك قلنا فاذا طوي دائرة االمساء والصفات والشئون واالعتبارات ووقع السري يف‬
‫أصوهلا اخل طي مجيع االمساء والصفات سهل يف التلفظ ولكنه مشكل عند الطي وأي‬
‫مشكل * ومن صعوبة هذا الطي قال املشائخ منازل الوصول ال تنقطع أبدا اآلبدين‬
‫ومنعوا متامية السري يعين انتهاءه يف هذه املراتب {شعر}‪:‬‬
‫وليس حلسنه حد وغاية * وال ملدحية السعدى هناية‬
‫ميوت من التعطش مستقيه * ويبقى البحر حبرا كالبداية‬
‫(وال تظنن) اهنم امنا قالوا بعدم انقطاع مراتب الوصول ابعتبار التجليات الذاتية ال‬
‫ابعتبار التجليات الصفاتية وأرادوا ابحلسن احلسن الذايت ال احلسن الصفايت (الان نقول)‬
‫ان التجليات الذاتية ليست هي بدون مالحظة الشئون واالعتبارات وال ظهور احلسن‬
‫الذايت من غري احتجاب حبج ب الصفات اجلمالية النه ال جمال للقيل والقال يف ذلك‬
‫املوطن بدون توسط احلجب واالستار من عرف هللا كل لسانه والتجلي يستدعي حنوا من‬
‫الظلية فالبد يف ذلك املقام من مالحظة الشئون فصارت منازل الوصول ومراتب احلسن‬
‫داخلة يف دائرة االمساء والشئوانت واحلال ان انقطاعها متعسر عندهم واألمر الذي ظهر‬
‫هلذا الدرويش فهو وراء التجليات وغري الظهورات سواء كان جتليا ذاتيا أو جتليا صفاتيا‬
‫ووراء احلسن واجلمال سواء كان حسنا ذاتيا أو حسنا صفاتيا وابجلملة قد نظمت‬
‫‪- 402 -‬‬

‫املطالب العالية واملقاصد السامية يف سلك عبارات حمتقرة خمتصرة بطريق االمجال ومألت‬
‫البحار العدمية النهاية يف كيزان معدودة فال تكن من القاصرين (ولنرجع) اىل أصل الكالم‬
‫فنقول انه ملا تيسر الطريان ووقعت العروجات بعد حصول جناحي االسم الظاهر والباطن‬
‫علم أن هذه الرتقيات ابالصالة نصيب العنصر الناري والعنصر اهلوائي والعنصر املائي اليت‬
‫للمالئكة الكرام على نبينا وعليهم الصالة و السالم أيضا نصيب منها كما ورد ان بعض‬
‫املالئكة خملوق من النار والثلج تسبيحه سبحان من مجع بني النار والثلج واريت يف‬
‫الواقعة يف اثناء هذا السري كأين ماش على طريق وقد حصلت يل غاية االعياء من كثرة‬
‫املشي وصرت التمس خشبة أو عصا لالتكاء رجاء حصول قدرة على املشي مبددها فلم‬
‫يتيسر فصرت امتسك واتشبث بكل حشيش متمنيا تقويته على املشي وال أجد بدا من‬
‫املشي وملا سرت مدة هبذا احلال ظهر فناء بلدة فدخلت البلدة بعد طي مسافة ذلك‬
‫الفناء واعلمت ان تلك البلدة عبارة التعني االول الذي هو (جامع) جلميع مراتب االمساء‬
‫والصفات والشئون واالعتبارات (وجامع) أيضا الصول تلك املراتب والصول تلك‬
‫االصول (ومنتهى) االعتبارات الذاتية اليت متايزها يعين متايز بعضها عن بعض مناسب‬
‫للعلم احلصويل (فان وقع) السري بعد ذلك يكون مناسبا للعلم احلضوري (أيها الولد) ان‬
‫اطال ق العلم احلصويل واحلضوري يف تلك احلضرة امنا هو ابعتبار التمثيل والتنظري فان‬
‫الصفات اليت وجودها زائد على وجود الذات تعالت وتقدست علمها مناسب ابلعلم‬
‫احلصويل واالعتبارات الذاتية اليت ال تتصور زايدهتا على الذات أصال علمها مناسب‬
‫ابلعلم احلضوري واال فليس مثة اال تعلق العلم ابملعلوم من غري أن حيصل من املعلوم فيه‬
‫شئ فافهم (وهذا) التعني االول الذي تلك البلدة اجلامعة كناية عنه جامع جلميع والايت‬
‫االنبياء الكرام واملالئكة العظام عليهم الصالة و السالم ومنتهى الوالية العليا اليت هي‬
‫خمصوصة ابملل االعلى ابالصالة ولوحظ يف هذا املقام ان هذا التعني االول هل هو‬
‫احلقيقة احملمدية أو ال مث تبني أن احلقيقة احملمدية هي اليت ذكرت فيما سبق واطالق‬
‫التعني االول عليها أن ذلك املركز ظل هذا التعني االول ابعتبار جامعيته لالمساء‬
‫‪- 403 -‬‬

‫والصفات والشئون واالعتبارات (والسري) الواقع فوق ذلك البلد يكون شروعا يف‬
‫الكماالت النبوة وحصول تلك الكماالت خمصوص ابالنبياء عليهم الصالة و السالم‬
‫وانش من مقام النبوة ولكمل اتباع االنبياء ايضا نصيب من تلك الكمالت ابلتبعية‬
‫واحلظ الوافر من تلك الكماالت ابالصالة من بني اللطائف االنسانية للعنصر الرتايب‬
‫وسائر االجزاء االنس انية سواء كانت من عامل األمر او من عامل اخللق كلها اتبعة يف هذا‬
‫املقام لذلك العنصر الرتايب ومشرفة هبذه الدولة بتطفله وملا كان هذا العنصر خمصوصا‬
‫ابلبشر كان خواص البشر أفضل من خواص املالئكة ابلضرورة النه مل يتيسر الحد ما‬
‫تيسر هلذا العنصر وبعد الدنو يظهر يف ه ذا املقام حقيقة التديل وهنا ينكشف سر قاب‬
‫قوسني أو أدىن ويرى يف هذا السري ان كماالت مجيع الوالايت سواء كانت صغرى أو‬
‫كربى أو عليا كلها ظالل كماالت مقام النبوة واهنا اشباح وامثال حلقيقة هذه الكماالت‬
‫ويلوح فيه ان النقطة اليت تقطع يف ضمن هذا السري أزيد من مجيع كماالت الوالية فينبغي‬
‫ان يتأمل أنه ماذا يكون على هذا القياس حكم الكماالت املتقدمة ابلنسبة اىل مجيع هذه‬
‫الكماالت وللقطرة نسبة اىل البحر احمليط وهذه النسبة مفقودة ههنا اال أين أقول إن نسبة‬
‫مقام الوالية اىل مقام النبوة كنسبة املتناهي اىل غري املتناهي سبحان هللا وقد يقول اجلاهل‬
‫هبذا السر ان الوالية أفضل من النبوة ويقول اآلخر يف توجيه هذه العبارة غافال عن هذه‬
‫املعاملة ان والية النيب أفضل من نبوته كربت كلمة خترج من أفواههم وملا أمتمت هذا السري‬
‫أيضا بعناية هللا سبحانه وبركة حبيبه عليه و على آله الصالة و السالم شوهد يل أنه لو‬
‫زدت فرضا خطوة واحدة يف السري القع يف عدم حمض اذ ليس ورائه اال العدم احملض‬
‫(أيها الولد) اايك والوقوع يف التوهم من هذه املعاملة ان العنقاء قد وقع يف الشرك‬
‫والسيمرغ قد تعلق يف الشبكة {شعر}‪:‬‬
‫هيهات عنقاء ان يصطاده أحد * فاترك عناك وكن من ذاك يف دعة‬
‫و هو سبحانه وراء الوراء مث وراء الوراء {شعر}‪:‬‬
‫وذا ايوان االستعالء عال * فاايكم وطمعا يف الوصال‬
‫‪- 404 -‬‬

‫و هذه الورائية ليست ابعتبار وجود احلجب الن احلجب صارت مرتفعة ابلكلية‬
‫بل ابعتبار ثبوت العظمة والكربايء املانعة لالدراك املنافية للوجدان فهو سبحانه أقرب يف‬
‫الوجود وابعد عن الوجدان نعم قد يكون بعض الكمل من املرادين فيعطون حمال من‬
‫سرادقات العظمة والكربايء وجيعلون من حمارم خيمة اجلالل بتطفل االنبياء عليهم الصالة‬
‫و السالم فيعامل معهم ما عومل معهم (أيها الولد) ان هذه املعاملة خمصوصة ابهليئة‬
‫الوحدانية االنسانية الناشئة من جمموع عامل اخللق وعامل األمر ومع ذلك الرئيس يف هذا‬
‫املوطن هو العنصر الرتايب وامنا قلت ليس وراءه اال العدم احملض الن بعد متام مراتب‬
‫الوجود اخلارجي والوجود العلمي ليس اال حصول العدم الذي نقيضه وذات هللا سبحانه‬
‫وراء هذا الوجود والعدم وكما أنه ال سبيل اليها للعدم كذلك ال جمال فيها للوجود الن‬
‫الوجود الذي قام العدم بنقاضته كيف يليق حبضرته جل سلطانه فلئن اطلقنا الوجود يف‬
‫هذه املرتبة لضيق العبارة يراد به وجود[‪ ]1‬ال يكون للعدم جمال[‪ ]2‬مناقضته وما كتب هذا‬
‫الفقري يف بعض مكاتيبه ان حقيقة احلق سبحانه وجود حمض فهو من عدم االطالع على‬
‫حقيقة هذه املعاملة ومن هذا القبيل بعض املعارف اليت حررهتا يف التوحيد الوجودي وغريه‬
‫وسره عدم االطالع وملا كنت واقفا ومنتبها على حقيقة املعاملة كنت متندما على ما‬
‫كتبته أو قلته يف االبتداء والوسط وكنت مستغفرا منه استغفر هللا وأتوب اىل هللا من مجيع‬
‫ما كره هللا سبحانه و تعاىل (والح) من هذا البيان ان كماالت النبوة يف مراتب الصعود‬
‫وان الوجه يف عروجات النبوة اىل احلق سبحانه ال كما زعمه الكثريون من ان الوجه يف‬
‫الوالية اىل احلق سبحانه و تعاىل ويف النبوة اىل اخللق وان الوالية يف مراتب العروج والنبوة‬

‫(‪ )1‬قال الشيخ صدر الدين القونوي يف اوائل مفتاح الغيب بعد ان قال ان حقيقة احلق هو الوجود احملض اخل وقولنا‬
‫وجود يعين يف قوله وانه من هذا الوجه احلق وانه من هذا الوجه ال كثرة فيه وال تركيب اخل بل وجود حبت هو للتفهيم ال‬
‫ان ذلك اسم حقيقي له انتهى بغاية االختصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقال فيه ايضا ان احلق هو الوجود احملض وانه وحدة حقيقية ال تتعلق يف مقابلة الكثرة وقال يف شرحه النه لو‬
‫كانت يف مقابلتها كثرة لتوقف تعلقها وتصورها على تعقل تلك الكثرة وتصورها انتهى وهذا كقولنا بعينه انه تعاىل‬
‫واحد ال من حيث العدد يعين يف مقابل االثنني فان كل شخص واحد هبذا املعن كما ال خيفى‪.‬‬
‫‪- 405 -‬‬

‫يف مدارج النزول ومن هنا تومهوا ان الوالية أفضل من النبوة نعم ان لكل من الوالية والنبوة‬
‫عروجا وهبوطا ويف العروج الوجه اىل احلق يف كليهما ويف اهلبوط اىل اخللق غاية ما يف‬
‫الباب ان الوجه يف مرتبة هبوط النبوة اىل اخللق ابلكلية خبالف هبوط الوالية فان الوجه‬
‫فيها ل يس اىل اخللق ابلكلية بل ابطنه ابحلق وظاهره ابخللق وسره ان صاحب الوالية انزل‬
‫قبل امتام مقامات العروج فال جرم يكون النظر اىل الفوق منازعه يف مجيع االوقات ومانعه‬
‫من التوجه بكليته اىل اخللق خبالف صاحب النبوة فانه هبط بعد امتام مقامات العروج‬
‫وهلذا يكون متوجها ب كليته اىل دعوة اخللق اىل احلق جل وعال فافهم فان هذه املعرفة‬
‫الشريفة وامثاهلا مما مل يتكلم هبا أحد (ومما ينبغي) أن يعلم ان العنصر الرتايب كما أنه‬
‫يتفوق على الكل يف مراتب العروج كذلك ينزل يف منازل اهلبوط أسفل من الكل وكيف‬
‫ال فان مكانه الطبيعي أسفل من الكل فاذا ثبت أنه ينزل أسفل من الكل تكون دعوة‬
‫صاحبه أمت ابلضرورة وافادته أكمل (اعلم) أيها الولد أن ابتداء السري يف الطريقة‬
‫النقشبندية ملا كان من القلب الذي هو من عامل االمر افتتحنا الكالم بعامل األمر خبالف‬
‫طرق سائر املشائخ الكرام فاهنم يشرعون أوال يف تزكية النفس وتطهري القالب مث يشرعون‬
‫بعد ذلك يف عامل األمر ويعرجون فيها اىل ما شاء هللا وهلذا اندرجت يف بداية هؤالء‬
‫الكرباء هناية من سواهم وصار هذا الطريق أقرب الطرق الن حصول التزكية والتطهري‬
‫ميسر يف ضمن هذا السري على أحسن الوجوه فقصرت املسافة بذلك فال جرم اعتقد‬
‫هؤالء االكابر سري عامل اخللق قصدا عبثا وعدوه تعطيال ال بل تيقنوا أنه مضر ومانع عن‬
‫الوصول اىل املطلب وذلك الن سالكي الطريق بقدم التزكية والرايضات الشاقة واجملاهدات‬
‫الشديدة اذا شرعوا يف سري عامل االمر بعد قطع بوادي صورة عامل اخللق ووقعوا يف‬
‫االجنذاب القليب وااللتذاذ الروحي كثريا ما يقنعون هبذا االجنذاب ويكتفون هبذا االلتذاذ‬
‫ومظنة ال مكانية عامل االمر تكون ممدة هلم يف تلك املعاملة وشائبة المثلية هذا العامل‬
‫متنعهم عن الالمثلي احلقيقي حت قال واحد من السالكني يف هذا املقام عبدت الروح‬
‫ثلثني سنة معتقدا ابنه احلق سبحانه و تعاىل وقال آخر ان سر االستواء وظهور تنزيه ما‬
‫‪- 406 -‬‬

‫فوق العرش من املعارف الغامضة وقد علم من البيان السابق ان ذلك التنزيه داخل يف‬
‫دائرة االمكان بل هو تشبيه يف احلقيقة يف صورة التنزيه خبالف أكابر هذه الطريقة العليا‬
‫فاهنم يشرعون من مقام اجلذبة ويرتقون مبدد االلتذاذ وهذا االجنذاب وااللتذاذ يف حقهم‬
‫مبثابة الرايضات واجملاهدات يف حق غريهم فما هو مانع عن الوصول لغريهم ممد ومعاون‬
‫هلؤالء االكابر وهم يتصورون مكانية عامل االمر عني املكانية فيتوجهون منه اىل الالمكاين‬
‫احلقيقي ويعتقدون المثلية ذلك العامل عني املثلية ويرتقون منه اىل الالمثلي احلقيقي فال‬
‫جرم اهنم ال يفتنون بغرور الوجد واحلال وال يغبنون جبوز هذا الطريق وموز االشباه‬
‫واالمثال كاالطفال وال يباهون برتهات الصوفية وال يفتخرون بشطحيات املشائخ بل هم‬
‫متوجهون اىل االحدية الصرفة ال يبغون من االسم والصفة غري الذات املقدسة (وينبغي)‬
‫أن يعلم أن هذا العروج الذي مر ذكره خمصوص مبحمدي املشرب التام االستعداد له‬
‫نصيب كامل من كماالت اجلواهر اخلمس اليت يف عامل األمر صغريه وكبريه وكذلك له‬
‫حظ وافر من اصول هذه اخلمس اعين ظالل االمساء الواجبية وكذلك من اصول هذه‬
‫الظالل اعين مقام االمساء والصفات (وامنا) قلت التام االستعداد النه كثريا ما يكون يف‬
‫الظاهر حممدي املشرب و يكون له نصيب من كماالت االخفى الذي هو هناية مراتب‬
‫عامل األمر ولكنه ال يتم معاملة االخفى وال ينتهي اىل نقطته االخرية بل يبقى يف ابتدائه‬
‫او وسطه فاذا كان له قصور يف االخفى يكون له قصور يف اصوله أيضا مبقداره فال‬
‫يتمكن من امتام معاملته وكذلك احلكم يف االربع الباقية من عامل االمر حيث ان اتمية‬
‫االستعداد يف كل مرتبة مربوطة ابلوصول اىل النقطة االخرية من تلك املرتبة والوقوف يف‬
‫االبتداء والوسط ينبئ عن النقصان ولو كان القصور يف الوصول اىل النهاية مقدار شعرة‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫وما قل هجران احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف العني ضائر‬
‫ويسري هذا القصور اىل االصول واصول االصول و يكون مانعا عن الوصول اىل‬
‫املطلب (وامنا) قلت ان هذا العروج خمصوص مبحمدي املشرب الن غري حممدي املشرب‬
‫‪- 407 -‬‬

‫منهم من يكون كماله مقصورا على الدرجة األوىل من درجات الوالية واملراد ابلدرجة‬
‫األوىل مرتبة القلب ومنهم من يكون كماله مقصورا على الدرجة الثانية من درجات الوالية‬
‫اليت هي مقام الروح ومنهم من تكون هناية عروج كماله اىل الدرجة الثالثة أعين مقام السر‬
‫ومنهم من تكون هناية عروج كماله اىل الدرجة الرابعة أعين مقام اخلفي والدرجة األوىل هلا‬
‫مناسبة بتجلي صفات االفعال وللدرجة الثانية بتجلي الصفات الثبوتية وللدرجة الثالثة‬
‫بتجلي الشؤن واالعتبارات الذاتية وللدرجة الرابعة ابلصفات السلبية اليت هي مقام التنزيه‬
‫والتقديس (وكل) درجة من درجات الوالية حتت قدم نيب من االنبياء أويل العزم فالدرجة‬
‫األوىل منها حتت قدم آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم وربه صفة التكوين اليت هي‬
‫منشأ صدور االفعال (والدرجة) الثانية حتت قدم ابراهيم ويشاركه يف هذا املقام نوح‬
‫عليهما السالم ورهبما صفة العلم اليت هي أمجع الصفات الذاتية (والدرجة) الثالثة حتت‬
‫قدم موسى عليه السالم وربه من مقامات الشؤانت شأن الكالم (والدرجة) الرابعة حتت‬
‫قدم عيسى عليه السالم وربه من الصفات السلبية ال من الثبوتية فاهنا موطن التقديس‬
‫والتنزيه وأكثر املالئكة الكرام يشاركون عيسى على نبينا وعليه السالم يف هذا املقام‬
‫والشأ ن العظيم حاصل هلم يف هذا املقام (والدرجة) اخلامسة حتت قدم خامت الرسل عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم وربه صلى هللا عليه وسلم رب االرابب الذي هو جامع مجيع‬
‫الصفات والشئوانت والتقديسات والتنزيهات ومركز دائرة هذه الكماالت ويناسب التعبري‬
‫عن هذا الشأن اجلامع يف مرتبة الصفات والشؤانت بشأن العلم لكون هذا الشأن عظيم‬
‫الشأن جامعا جلميع الكماالت وهبذه املناسبة صارت ملته صلّى هللا عليه و سلّم ملة‬
‫ابراهيم عليه السالم وقبلته قبلته (ينبغى) أن يعلم أن تفاضل االقدام يف الوالية ليس‬
‫ابعتبار تقدم الدرجات وأتخرها حت يكون صاحب األخفي افضل من غريه و على هذا‬
‫القياس بل ابعتبار القرب من االصل والبعد عنه وطي منازل درجات الظالل كثرة وقلة‬
‫فعلي هذا جيوز أن يكون صاحب القلب ابعتبار القرب من االصل افضل من صاحب‬
‫االخفي الذي مل حيصل له القرب من االصل كيف ووالية النيب اليت يف الدرجة االخرية من‬
‫‪- 408 -‬‬

‫درجا ت الوالية أفضل قطعا من والية اليت يف الدرجة الفوقانية (وال خيفي) أن سلوك‬
‫اللطائف ابلرتتيب املذكور أعين االنتقال من القلب اىل الروح ومن الروح اىل السر ومن‬
‫السر اىل اخلفي ومن اخلفي اىل االخفى خمصوص ايضا مبحمدي املشرب فانه يتم سري‬
‫هذه اخلمس من عامل االمر ابلرتتيب مث يسري يف اصوهلا ويتم السلوك بعد السري يف اصول‬
‫االصول مراعيا هلذا الرتتيب وهذا الطريق ابلرتتيب املذكور طريق سلطاين للوصول وصراط‬
‫مستقيم ملتوجهي االحدية خبالف والايت أخر وكان فيها نقبت نقبة من كل درجة اىل أن‬
‫يصل اىل املطلوب مثال نقبت نقبة من مقام القلب اىل أن تصل اىل صفات االفعال اليت‬
‫هي أصل أصله وكذلك نقبت نقبة من مقام الروح اىل الصفات الذاتية و على هذا‬
‫القياس والشك ان أفعاله تعاىل وصفاته ليست منفكة عن ذاته تعاىل فان كان االنفكاك‬
‫فهو يف الظالل ففي ذلك املوطن للواصلني اىل االفعال والصفات نصيب من جتليات‬
‫الذات املنزهة عن املثال تعالت وتقدست أيضا كما تتيسر هذه الدولة لصاحب االخفى‬
‫بعد امتام االمر وان كان التفاوت ابعتبار العلو والسفل ابقيا وادعاء صاحب القلب‬
‫املساواة لصاحب االخفى غري موجه (وال تغلطن) يف هذا املقام واعلم ان هذه التفاوت‬
‫امنا هو متصور فيما بني اال ولياء ألن صاحب الوالية القلبية أدون من صاحب الوالية‬
‫االخفوية بعد وصول كليهما اىل مرتبة الكمال وأما فيما بني األولياء واالنبياء فمفقود الن‬
‫والية نيب ولو كانت انشئة من مقام القلب أفضل من والية ويل ولو كانت انشئة من‬
‫مقام االخفى ولو كان ذلك ممن امت االمر وسر ذلك ان صاحب الوالية حتت قدم نيب‬
‫تلك الوالية دائما اي والية كانت قال هللا تعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني اهنم‬
‫هلم املنصورون وان جندان هلم الغالبون نعم ان هذا التفاوت فيما بني االنبياء بعضهم‬
‫ببعض متصور وصاحب العليا منهم أفضل من صاحب السفلى ولكن هذا التفاوت فيما‬
‫بني االنبياء عليهم السالم أيضا اىل آخر دوائر كماالت عامل االمر وليس التفاضل بعده‬
‫مربوطا ابلعلو والسفل بل ميكن ان يكون صاحب السفل يف ذلك املوطن أفضل من‬
‫صاحب العلو كما شاهدان التفاوت يف ذلك املوطن بني موسى و عيسى على نبينا‬
‫‪- 409 -‬‬

‫وعليهما الصالة و السالم فان موسى جسيم مثة ذو شأن عظيم ليس لعيسى فيه تلك‬
‫اجلسامة والشأن فعلمنا ان التفاوت يف ذلك املوطن ابمر آخر وراء ذلك العلو والسفل‬
‫وسأبينه بعد مفصال ان شاء هللا تعاىل حبسن توفيقه وكمال منّه و كرمه تعاىل وكذلك‬
‫وجدان فيه التفاوت بني خليل الرمحن وبني سائر االنبياء غري خامت الرسل عليهم الصالة و‬
‫السالم يف الكماالت اليت هلا تعلق حبقيقة الكعبة الرابنية اليت هي فوق مجيع احلقائق‬
‫البشرية وامللكية فان للخليل مثة شأان عظيما ومرتبة رفيعة مل يتيسر الحد ذلك الشأن‬
‫والرتبة ويف ذلك املقام املناسب ملقام ظهور سرادقات العظمة والكربايء كماالت مركز‬
‫ذلك املقام الذي هو مقام االمجال نصيب خامت الرسل والباقي املفصل كله مسلم للخليل‬
‫وكل من سواه من االنبياء وكمل االولياء طفيليه هناك (وكان) النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫طلب تفصيل ذلك االمجال حيث سأل صالة وبركة مشاهبتني بصالة ابراهيم على نبينا‬
‫وعليه الصالة و السالم وبركته (وقد ظهر) هلذا الفقري ان ذلك التفصيل قد تيسر له أيضا‬
‫بعد مضي ألف سنة واستجيب مسؤله واحلمد هلل على ذلك و على مجيع نعمائه‬
‫وكماالت ذلك املقام العايل فوق كماالت الوالية وفوق كماالت النبوة والرسالة وكيف ال‬
‫تكون فوقها فان تلك احلقيق ة مسجود اليها لالنبياء الكرام واملالئكة العظام عليهم‬
‫الصالة و السالم وما كتبه هذا الفقري يف رسالة املبدإ واملعاد أن احلقيقة احملمدية عرجت‬
‫من مقامها وانتهت اىل حقيقة الكعبة اليت فوقها واحتدت هبا وعرض للحقيقة احملمدية‬
‫اسم احلقيقة االمحدية كانت تلك احلقيقة أعين حقيقة الكعبة ظال من ظالل هذه احلقيقة‬
‫قد ظن قبل ظهور هذه احلقيقة حقيقة ويقع هذا االشتباه كثريا ويظن الظل قبل ظهور‬
‫االصل أصال و يسمى حقيقة ومن ههنا يظهر املقام الواحد مرات وسره ان ظهورات‬
‫ذلك املقام ابعتبار ظالل املقام وحقيقة ذلك املقام يف احلقيقة هي ما ظهرت يف املرتبة‬
‫االخرية (فان قيل) من اين يعلم ان هذه املرتبة هي املرتبة االخرية من مراتب ظهوراته حت‬
‫يعلم اهنا هي احلقيقة (قلت) ان حصول العلم بظلية الظهورات السابقة شاهد عدل‬
‫آلخرية هذا الظهور فان هذا العلم مل يكن حاصال وقت الظهورات السابقة بل كان يرى‬
‫‪- 410 -‬‬

‫كل ظهور حقيقة وما كان يظن شئ منها ظال أصال وان مل يعلم ان اختالف هذه‬
‫احلقائق من اين جاء فافهم (أيها الولد) قد علم من املعارف السباقة ان الكماالت‬
‫املتعلقة بعامل االمر مقدمات ومعارج للكماالت املتعلقة بعامل اخللق والكماالت األوىل‬
‫ليست خبالية عن الظلية وخمصوصة مبقامات الوالية والكماالت الثانية مربأة عن شائبة‬
‫الظلية املناسبة لظهورات هذه النشأة الدنيوية وفيها نصيب كامل من مقامات النبوة‬
‫فتكون الطريقة واحلقيقة اللتان مربوطان ابلوالية خادمتني للشريعة اليت هي انشئة من مقام‬
‫النبوة وتكون الوالية سلما لعروج النبوة (فعلم) من هذا البيان ان السري الذي اختاره‬
‫االكابر النقشبندية قدس هللا أسرارهم العلية الذي ابتدأوه من عامل االمر أوىل وانسب الن‬
‫الرتقي ينبغي ان يكون من االدىن الذي هو عامل االمر اىل االعلى الذي هو عامل اخللق ال‬
‫من االعلى اىل االدىن وما العالج فان هذا املعمى مل ينكشف لكل احد بل نظر‬
‫االكثرون اىل الصورة وظنوا عامل اخللق أدىن فشرعوا يف االرتقاء من االدىن اىل االعلى‬
‫الصوريني ومل يدروا ان حقيقة احلال على عكس هذا املنوال وان ما ظنوه أدىن يف احلقيقة‬
‫هو االعلى وما زعموه أعلى هو ادىن نعم ان النقطة االخرية اليت هي عامل اخللق وقعت‬
‫قريبة من النقطة األوىل اليت هي أصل االصل وهذا القرب مل يتيسر لنقطة أخرى {ع}‪:‬‬
‫أحق اخللق ابلكرم العصاة‬
‫و هذه املشاهدة مقتبسة من مشكاة النبوة وأرابب الوالية قليلوا النصيب من هذه‬
‫املعرفة وشروع االنبياء عليهم الصالة و السالم كان من عامل االمر واهنم وردوا من احلقيقة‬
‫اىل الشريعة غاية ما يف الباب أن يف كمل االولياء الذين وقع سريهم موافقا لسري االنبياء‬
‫يف االبتداء صورة الشريعة ويف الوسط الطريقة واحلقيقة املتعلقتان ابلوالية املناسبتان لعامل‬
‫االمر ويف النهاية حقيقة الشريعة اليت هي مثرة النبوة (فتقرر) من هذا أن حصول الطريقة‬
‫مقدم على حصول حقيقة الشريعة فكانت بداية االولياء الكاملني وبداية االنبياء املرسلني‬
‫من احلقيقة وهناية كل منهما اىل الشريعة فال معن لقول من قال ان بداية االولياء هناية‬
‫االنبياء واراد ببداية االولياء وهناية االنبياء الشريعة الغراء نعم ان هذا املسكني ملا مل يطلع‬
‫‪- 411 -‬‬

‫على حقيقة احلال تكلم هبذا الشطح ومل يبال (وهذه) املعارف وان مل يتكلم هبا أحد بل‬
‫ذهب االكثرون اىل عكسها واستبعدوها عن االدراك ولكن اذا الحظ منصف جانب‬
‫عظمة االنبياء عليهم السالم واستولت عليه عظمة الشريعة حيتمل أن يقبل هذه املعارف‬
‫الغامضة وجيعل هذا القبول وسيلة اىل زايدة اميانه (أيها الولد) ان االنبياء عليهم الصالة و‬
‫السالم اقتصروا دعوهتم على عامل اخللق بين االسالم[‪ ]1‬على مخس احلديث صريح يف هذا‬
‫وملا كانت مناسبة القلب بعامل اخللق أزيد دعوه أيضا ابلتصديق ومل يتكلموا فيما وراء‬
‫القلب بل جعلوه كاملطروح يف الطريق ومل يعدوه من املقاصد نعم ينبغي أن يكون كذلك‬
‫فان تنعمات اجلنة وآالم النار ودولة الرؤية واحلرمان عنها كلها مربوطة بعامل اخللق ال تعلق‬
‫لشئ منها بعامل االمر أصال (وأيضا) ان اتيان العمل الفرض والواجب والسنة متعلق‬
‫ابلقالب الذي هو من عامل اخللق وما هو نصيب عامل االمر من االعمال هو النافلة‬
‫والقرب الذي هو مثرة أداء االعمال امنا يكون على مقدار االعمال اليت هي مثرهتا فال‬
‫جرم يكون القرب الذي هو مثرة اداء الفرائض نصيب عامل اخللق والقرب الذي هو مثرة‬
‫اداء النوافل نصيب عامل االمر وال شك انه ال اعتداد ابلنفل وال اعتبار له ابلقياس على‬
‫الفرض وليت له حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط بل هذه النسبة للنفل ابلقياس على‬
‫السنة وان كانت نسبة ما بني السنة والفرض كنسبة القطرة اىل البحر فينبغي ان يقيس‬
‫تفاوت ما بني القربني على هذا وان يعلم مزية عامل اخللق على عامل االمر من هذا التفاوت‬
‫وأكثر اخلالئق ملا مل يكن هلم نصيب من هذا املعن صاروا خيربون الفرائض وجيتهدون يف‬
‫ترويج النوافل والصوفية الناقصون يعتقدون الذكر والفكر من أهم املهمات ويتساهلون يف‬
‫اتيان الفرائض والسنن وخيتارون االربعينات اتركني للجمع واجلماعات وال يعلمون أن أداء‬
‫فرض واحد مع اجلماعة أفضل من ألوف من أربعيناهتم نعم ان الذكر والفكر مع مراعاة‬
‫اآلداب الشرعية أفضل وأهم والعلماء القاصرون أيضا يسعون يف ترويج النوافل وخيربون‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان عن ابن عمر رضي هللا عنهما‬


‫‪- 412 -‬‬

‫الفرائض ويضيعوهنا ومن ذلك صالة العاشوراء مثال ومل يصح[‪ ]1‬عن النيب صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم أنه كان يصليها مع اجلماعة واجلمعية التامة واحلال أهنم يعلمون أن الرواايت‬
‫الفقهية انطقة بكراهة اجلماعة يف النافلة وهم يتكاسلون يف أداء الفرائض على حد قلما‬
‫يوجد منهم من يؤدي الفرض يف وقته املستحب بل رمبا يفوتونه عن أصل وقته وال‬
‫يتقيدون ابجلماعة كثري تقيد ويقنعون يف اجلماعة بشخص أو بشخصني بل رمبا يكتفون‬
‫ابالنفراد فاذا كانت معاملة مقتدى أهل االسالم هذه فما تقول يف غريهم من العوام ومن‬
‫شؤم هذه االفعال وسوء االعمال ظهر الضعف يف االسالم ومن ظلمة هذه املعاملة‬
‫وكدورة األحوال ظهرت البدعة بني االانم {شعر}‪:‬‬
‫بثثت لديكم من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري‬
‫وايضا أن أداء النوافل امنا يعطى قرب ظل من الظالل وأداء الفرائض يعطى قرب‬
‫االصل الذي ليس فيه شائبة الظلية اال أن النفل اذا أدى الجل تكميل الفرائض فحينئذ‬
‫يكون ذلك ايضا ممدا ومعاوان حلصول قرب االصل وملحقا ابلفرائض فيكون أداء‬
‫الفرائض ابلضرورة مناسبا لعامل اخللق الذي هو متوجه وانظر اىل االصل واداء النوافل‬
‫مناسبا لعامل االمر الذي هو انظر اىل الظل والفرائض وان كانت كلها مورثة للقرب ولكن‬
‫أفضلها وأكملها الصالة ولعلك مسعت ان الصالة[‪ ]2‬معراج املؤمن وأقرب[‪ ]3‬ما يكون‬
‫العبد من الرب يف الصالة والوقت اخلاص الذي كان للنيب صلّى هللا عليه و سلّم حيث‬
‫عرب عنه بقوله يل مع هللا وقت احلديث هو عند الفقري يف الصالة والصالة هي املكفرات‬

‫(‪ )1‬قوله (ومل يصح عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم اخل) قال ابن رجب احلنبلي روى ابو موسى املدين من حديث ايب‬
‫موسى مرفوعا هذا يوم اتب هللا فيه على قوم فاجعلوه صالة وصوما يعين عاشوراء وقال حسن غريب وليس كمال‬
‫انتهى اي ليس حبسن قلت قد ذكروا يف صالة يوم عاشوراء غري ذلك وهو ابطل ايضا وكذلك صلوات ليلة الرباءة‬
‫والرغائب وسائر ليايل رجب كلها ابطلة ال اصل هلا كما حققه احملققون‪.‬‬
‫(‪ )2‬قيل مل يوجد له اصل‬
‫(‪ )3‬قوله (اقرب ما يكون اخل) أخرجه مسلم وابو داود والنسائي عن ايب هريرة رضي هللا عنه بلفظ اقرب ما يكون العبد‬
‫من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء وابن النجار عن عائشة والطرباين والبزار عن ابن مسعود مبعناه اه‬
‫‪- 413 -‬‬

‫للسيئات والصالة هي اليت تنهى عن الفحشاء واملنكرات والصالة هي اليت كان النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم يطلب راحته فيها حيث كان يقول أرحين[‪ ]1‬اي بالل الصالة هي‬
‫اليت عماد الدين والصالة[‪ ]2‬هي اليت صارت فارقة بني االسالم والكفر (ولنرجع) اىل‬
‫أصل الكالم ولنقل من مزية عامل اخللق على عامل االمر اعلم ان عامل االمر قد انل هنا‬
‫يعين يف النشأة الدنيا حظا وافرا وحصل املشاهدة وستقع املعاملة غدا يف اجلنة على عامل‬
‫اخللق وتتيسر له رؤية بال كيف ومع ذلك أن متعلق املشاهدة ظل من ظالل الوجوب‬
‫واملرئي يف اآلخرة واجب الوجود فالفرق الذي بني املشاهدة والرؤية والظلية واالصالة هو‬
‫فرق ما بني عامل اخللق وعامل االمر (واعلم) ان املشاهدة مثرة الوالية والرؤية مثرة النبوة‬
‫وتتيسر لعامة أتباع االنبياء عليهم الصالة و السالم ومن ههنا يعرف التفاوت بني الوالية‬
‫والنبوة ايضا‪.‬‬
‫{تنبيه} كل عارف مناسبته لعامل االمر ازيد يكون قدمه يف كماالت الوالية أزيد‬
‫والذي مناسبته لعامل اخللق اكثر فقدمه يف كماالت النبوة اوفر ومن ههنا كان لعيسي عليه‬
‫السالم قدم أزيد يف الوالية وملوسى عليه السالم قدم أزيد يف النبوة فان جانب االمر‬
‫غالب يف عيسى عليه السالم وهلذا صار ملحقا ابلروحانيني وجانب اخللق غالب يف‬
‫موسى عليه السالم وهلذامل يكتف ابملشاهدة بل طلب رؤية بصر (وهذا) هو سبب‬
‫تفاوت اقدام االنبياء عليهم السالم يف كماالت النبوة الذي كنت وعدت بيانه فيما تقدم‬
‫ال علو بعض اللطائف وسفله الذي هو معترب يف تفاوت كماالت الوالية وهللا سبحانه‬
‫امللهم للصواب (ايها الولد) ان تعلق علوم النبوة اليت هي الشرائع واالحكام ابلقالب ملا‬
‫كان أزيد وكانت مناسبة االنبياء عليهم الصالة و السالم لعامل اخللق أكثر واوفر ظنوا من‬

‫(‪ )1‬قوله (ارحين اي بالل) الدار قطين يف العلل من حديث بالل واليب داود وحنوه عن رجل من الصحابة مل يسم ابسناد‬
‫صحيح ذكره العراقي يف ختريج احاديث االحياء‬
‫(‪ )2‬وكأنه اشارة اىل ما دار على االلسنة من قول الفارق بني املؤمن والكافر هو الصالة ومل ار من خرجه وقد ورد ما‬
‫معناه من قوله عليه السالم من ترك ا لصالة متعمدا فقد كفر اخرجه البزار من حديث ايب الدرداء واخرجه الطرباين من‬
‫حديث انس بزايدة لفظ جهارا يف آخره قال اهليتمي رجاله موثوقون انتهى من شرح االحياء ملخصا‪.‬‬
‫‪- 414 -‬‬

‫ذلك أن النبوة عبارة عن النزول اىل دعوة اخللق بعد العروج اىل مقامات القرب اليت تتعلق‬
‫ابلوالية ومل يعلموا أن هناية العروج وغاية القرب يف هذا املوطن والقرب احلاصل فيما سبق‬
‫كان ظال من ظالل هذا القرب الذي يتصور بصورة البعد والعروج الذي تيسر اوال كان‬
‫عكسا من عكوس هذا العروج الذي يرى يف الظاهر نزوال اال ترى أن مركز الدائرة أبعد‬
‫النقطة ابلنسبة اىل حميط الدائرة واحلال أنه ال نقطة يف احلقيقة أقرب اىل احمليط من نقطة‬
‫املركز الن احمليط تفصيل تلك النقطة االمجالية وهذه النسبة مل تتيسر لنقطة أخرى والعوام‬
‫الذين اقتصر نظرهم على الصورة ال يقدرون على وجدان هذا القرب وادراكه فيحكمون‬
‫اببعدية تلك النقطة ويزعمون احلكم ابقربيتها جهال مركبا وحيمقون احلاكم هبذا احلكم‬
‫وجيهلونه وهللا املستعان على ما يصفون (ينبغي) أن يعلم أن املطمئنة تعرج عن مقامها‬
‫بعد حصول شرح الصدر الذي هو من لوازم كماالت الوالية الكربى وترتقي اىل ختت‬
‫الصدر وحيصل هلا هناك التمكني و السلطنة وتستويل على ممالك القلب وختت الصدر‬
‫هذا يف احلقيقة فوق مجيع مقامات عروج مرتبة الوالية الكربى وينفذ نظر الصاعد اىل هذا‬
‫التخت اىل ابطن البطون ويسري اىل غيب الغيب نعم ان الشخص اذا صعد اىل ارفع‬
‫االمكنة ينفذ بصره اىل ابعد االبعاد وبعد متكني هذه املطمئنة خيرج العقل ايضا من مقامه‬
‫ويلحق هبا وينضم اليها ويعرض له حينئذ اسم عقل املعاد وتتوجه كالمها ابالتفاق بل‬
‫ابالحتاد اىل شغلهما (ايها الولد) ان هذه املطمئنة ال يبقى فيها امكان املخالفة وجمال‬
‫الطغيان بل هي متوجهة اىل املطلوب بكليتها ومشغوفة ابملقصود بتماميتها ال مهة هلا غري‬
‫حتصيل رضا رهبا وال مطلوب هلا سوى طاعته وعبادته تعاىل سبحان هللا ان االمارة اليت‬
‫كانت اوال شر مجيع اخلالئق صارت بعد االطمئنان وحصول رضاء حضرة الرمحن رئيس‬
‫لطائف عامل االمر ورأس كافة االقران نعم قد قال املخرب الصادق عليه الصالة و السالم‬
‫خياركم[‪ ]1‬يف اجلاهلية خياركم يف االسالم اذا فقهوا فان وقعت بعد ذلك صورة اخلالف‬
‫والبغي فمنشؤها اختالف طبائع العناصر االربعة اليت هي اجزاء القالب فان كانت قوة‬

‫(‪ )1‬قوله (خياركم يف اجلاهلية احلديث) رواه الشيخان عن ايب هريرة رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪- 415 -‬‬

‫غ ضبية فناشئة من هناك وان كانت شهوية فهي ايضا اثئرة من هناك وان حرصا وشرها‬
‫فقائمان من هناك وان خسة ودانئة فمنبعثتان من هناك اال ترى ان سائر احليواانت‬
‫ليست فيهن هذه النفس االمارة ومع ذلك فيهن هذه االوصاف الرذيلة ابلوجه االمت‬
‫واالكمل فيمكن أن يكون املراد ابجلهاد االكرب حيث قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫رجعنا من اجلهاد االصغر اىل اجلهاد االكرب اجلهاد مع القالب ال اجلهاد مع النفس كما‬
‫قيل الن النفس قد بلغت حد االطمئنان وصارت راضية مرضية فال تتصور منها صورة‬
‫املخالفة والبغي حت حيتاج اىل اجلهاد وصورة اخلالف والبغي من اجزاء القالب عبارة عن‬
‫ارادة ترك األوىل وارتكاب االمور املرخصة وترك العزمية ال ارادة ارتكاب احملرمات وترك‬
‫الفرائض والواجبات فان هذه االشياء صارت يف حقها نصيب االعداء (أيها الولد) ان‬
‫كماالت العناصر االربعة وان كانت فوق كماالت املطمئنة كما مر ولكن بواسطة‬
‫مناسبتها ملقام الوالية وصريورهتا ملحقة بعامل االمر صاحبة سكر ويف مقام االستغراق فال‬
‫جرم ال يبقى فيها جمال املخالفة وحيث كانت مناسبة العناصر مبقام النبوة أزيد كان‬
‫الصحو غالبا فيها فبالضرورة تبقى فيها صورة املخالفة الجل حتصيل بعض املنافع والفوائد‬
‫املربوطة هبا فافهم (ينبغي) أن يعلم أن منصب النبوة كان خمتوما خبامت الرسل عليه و على‬
‫آله الصالة و السالم ولكن التباعه صلّى هللا عليه و سلّم نصيب كامل من كماالت‬
‫ذلك املنصب ابلتبعية وهذه الكمالت كانت يف طبقة االصحاب أزيد منها يف غريها‬
‫وسرت هذه الدولة ايضا على سبيل القلة اىل التابعني وتبع التابعني مث شرعت بعدهم يف‬
‫االختفاء واالستتار وانتشرت كماالت الوالية الظلية وغلبت وشاعت ولكن املرجو ان‬
‫تتجدد هذه الدولة املسترتة بعد مضي االلف وحيصل هلا الغلبة والشيوع وان تظهر‬
‫الكماالت االصلية وتسترت الظلية وان يكون املهدي عليه الرضوان مروج هذه النسبة‬
‫العلية (ايها الولد) ان التابع الكامل للنيب عليه و على آله الصالة و السالم اذا امت‬
‫كماالت مقام النبوة ابلتبعية فان كان من اهل املناصب يشرف مبنصب االمامة واذا امت‬
‫كماالت الوالية الكربى فان كان من اهل املنصب يشرف مبنصب اخلالفة واملناسب‬
‫‪- 416 -‬‬

‫ملنصب ا المامة يف مقام الكماالت الظلية منصب قطب االرشاد واملناسب ملنصب‬
‫اخلالفة منصب قطب املدار وكان هذين املقامني التحتانيني ظل ذينك املقامني الفوقانيني‬
‫والغوث عند الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره هو عني قطب املدار وليست الغوثية‬
‫عنده منصبا على حدة وما هو معتقد الفقري ان الغوث غري قطب املدار والقطب يستمد‬
‫منه يف بعض االمور وله دخل أيضا يف نصب مناسب االبدال ذلك فضل هللا يؤتية من‬
‫يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (تذييل) ان العلوم واملعارف املناسبة ملقام النبوة وواليتها‬
‫شرائع االنبياء عليهم الصالة و السالم وملا كان يف النبوة تفاوت اقدام االنبياء ظهر‬
‫االختالف أيضا يف الشرائع مبقدار ذلك التفاوت واملعارف املناسبة ملقام والية االولياء‬
‫شطحيات املشائخ والعلوم املخربة عن التوحيد واالحتاد املنبئة عن االحاطة والسراين‬
‫املورثة لعالمة القرب واملعية املشعرة ابملرآتية والظلية املثبتة للشهود واملشاهدة وابجلملة ان‬
‫معارف االنبياء كتاب وسنة ومعارف االولياء فصوص وفتوحات مكية {ع}‪:‬‬
‫وقس من حال بستاين ربيعي‬
‫والية االولياء تطلب قرب احلق ووالية االنبياء تبدي اقربيته تعاىل والية االولياء‬
‫تدل على الشهود ووالية االنبياء تثبت النسبة اجملهولة الكيفية والية االولياء ال تعرف‬
‫االقربية إ ّهنا ما هي وال تدري اجلهالة واحلرية اهنا اي شئ هي ووالية االنبياء مع وجود‬
‫االقربية ترى القرب عني البعد وتعد الشهود عني الغيب {ع}‪:‬‬
‫يطول اذا ما قلت تفصيل شرحه‬
‫(ايها) الولد قد أطنبت يف بيان كماالت النبوة ومزيتها على الوالية والفرق بني‬
‫الوالايت الثالث أعين الصغرى والكربى والعليا وبيان املعارف املناسبة لكل منها واحملال‬
‫املتعلقة بكل منها وأدرجت يف بيان هذا املعن فقرات مكررة ومتكثرة وأطلت يف ذلك‬
‫ذيل الكالم رجاء أن خيرج عن استبعاد االفهام من كمال غرابته وأن يتخلص من مظان‬
‫االنكار وهذه العلوم كشفية ضرورية ال استداللية ونظرية وذكر بعض املقدمات امنا هو‬
‫للتنبيه والتقريب اىل افهام العوام بل للتشريح والتوضيح الجل ادراك خواص االانم (هذا)‬
‫‪- 417 -‬‬

‫هو الطريق الذي جعل احلق سبحانه و تعاىل هذا احلقري ممتازا به من بدايته اىل هناية‬
‫أساسه النسبة النقشبندية امل تضمنة الندراج النهاية يف البداية قد بنيت على هذا االساس‬
‫عمارات وقصور فان مل يكن هذا االساس ملا زادت املعاملة وما انتهت اىل هنا قد أتوا‬
‫ابلبذر الذي أصله من تراب يثرب وبطحاء من خبارى ومسرقند وزرعوه يف ارض اهلند‬
‫وسقوه مباء الفضل سنني وربوه برتبية االحسان فلما ادرك ذلك الزرع وبلغ كماله امثر هذه‬
‫العلوم واملعارف احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت‬
‫رسل ربنا ابحلق (وينبغي) ان يعلم ان سلوك هذا الطريق العايل برابطة احملبة للشيخ‬
‫املقتدى به الذي سار يف هذا الطريق ابلسري املرادي وانصبغ بقوة اجلذبة هبذه الكماالت‬
‫وصاحب هذه الكماالت امام الوقت وخليفة الزمان نظره شفاء االمراض القلبية وتوجهه‬
‫رافع العلل املعنوية االقطاب والبدالء فرحون بظالل مقاماته واالواتد والنجباء قانعون‬
‫بقطرة من حبار كماالته نور هدايته وارشاده فائض على مجيع االشخاص كنور الشمس‬
‫بال ارادته فكيف اذا اراد ان مل تكن ارادته يف اختياره فانه كثريا ما يطلب االرادة ولكن ال‬
‫حتصل له تلك االرادة وال يلزم ان يعلم هذا املعن ويطلع عليه من يهتدون بنوره‬
‫ويسرتشدون بتوسله بل رمبا ال يعلمون أصل هدايتهم ورشدهم أيضا كما ينبغي ومع ذلك‬
‫يتحققون بكماالت الشيخ املقتدى به ويهدون العامل فان العلم ابالحوال ال يعطاه كل‬
‫أحد ومعرفة تفصيل سري املقامات ال مينحها مجيع االشخاص نعم ان الشيخ الذي نيط‬
‫بوجوده الشريف مدار بناء طريق خمصوص من طرق الوصول صاحب علم ألبتة وصاحب‬
‫شعور بتفاصيل السري ويكتفي غريه بعلمه ويصلون بتوسطه اىل مرتبة الكمال والتكميل‬
‫ويشرفون ابلفناء والبقاء {شعر}‪:‬‬
‫ليس على هللا مبستنكر * أن جيمع العامل يف واحد‬
‫افادتنا واستفادتنا انعكاسية وانصباغية ينصبغ املريد بصبغ الشيخ املقتدى به ساعة‬
‫فساعة بواسطة حمبته له ويتنور ابنواره بطريق االنعكاس فالي شئ حيتاج يف هذه الصورة‬
‫اىل العلم ابالحوال يف االفادة واالستفادة اال ترى ان اخلربزة تدرك حبرارة الشمس ساعة‬
‫‪- 418 -‬‬

‫فساعة وتبلغ مرتبة الكمال مبرور االايم فمن اين يلزم ان يكون هلا علم ابدراكها ومن اين‬
‫يلزم للشمس أن تعلم ابهنا سبب ادراكها نعم ان العلم الجل السلوك والتسليك‬
‫االختيا ري الزم ولكنه مربوط بسالسل أخر واما يف طريقنا اليت هي طريقة االصحاب‬
‫الكرام عليهم الرضوان فالعلم ابلسلوك والتسليك ليس بالزم اصال وان كان الشيخ‬
‫املقتدى به الذي هو راعي هذه الطريقة موصوفا بكمال العلم ومتحققا بوفور املعرفة فال‬
‫جرم يكون االحياء واألموات والصبيان واالشياخ والشبان والكهول متساوين يف هذا‬
‫الطريق العايل يف حق الوصول الهنم يصلون اىل منتهى املقاصد اما برابطة احملبة أو بتوجه‬
‫صاحب دولة ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (ولكن ينبغي) ان‬
‫يعلم ان املنتهى وان مل يكن صاحب علم ولكن البد له من ظهور اخلوارق ورمبا ال يكون‬
‫له اختيار يف ذلك الظهور بل كثريا ما ال يكون له علم بظهورها بل يرى الناس منه‬
‫اخلوارق وليس له اطالع عليها (وما قلت) ان املنتهى وان مل يكن صاحب علم املراد بعدم‬
‫العلم عدم علم بتفصيل االحوال ال عدم العلم مطلقا حبيث ال يفهم احواله اصال كما‬
‫مرت االشارة اليه ونور هدايته املذكور يسري اىل مريديه بال واسطة أو بواسطة أو بوسائط‬
‫ما مل تلوث طريقته املخصوصة بلوث التغيريات والتبديالت ومل خترب ابحلاق املخرتعات‬
‫واملبتدعات هبا ان هللا ال يغري ما بقوم حت يغريوا ما أبنفسهم والعجب من قوم يزعمون‬
‫هذه التبديالت تكميالت هذه الطريقة ويتصورون تلك االحلاقات تتميمات هذه النسبة‬
‫وال يعلمون ان تكميل هذا االمر وتتميمه ليس لكل قاصر وانقص واالحلاق واالخرتاع‬
‫ليس يف حوصلة كل خايل الظرف هزار نكته ابريكرت زمو اينجاست * نه هر كه سر‬
‫برتاشد قلندري داند قد سرتوا نور السنة السنية بظلمات البدع وضيعوا رونق امللة‬
‫املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية بكدورات االمور املخرتعة واعجب‬
‫من هذا ظن قوم هذه احملداثت امورا مستسحنة وزعمهم تلك املبتدعات حسنات‬
‫مستملحة فيطلبون هبا تكميل الدين وتتميم امللة ويرغبون يف إتيان تلك االمور ترغيبا كثريا‬
‫هداهم هللا سبحانه سواء الصراط امل يعلموا إن الدين كان كامال قبل هذه احملداثت‬
‫‪- 419 -‬‬

‫وكانت النعمة اتمة وكان رضاء احلق سبحانه حاصال كما قال هللا تعاىل اليوم أكملت‬
‫لكم دينكم وامتمت عليكم نعميت ورضيت لكم االسالم دينا فطلب كمال الدين من هذه‬
‫احملداثت انكار يف احلقيقة على مقتضى هذه اآلية الكرمية {شعر}‪:‬‬
‫بثتت لديكم من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري‬
‫وقد أظهر العلماء اجملتهدون أحكام الدين ال اهنم احدثوا فيه ما ليس منه فال‬
‫تكون االحكام االجتهادية من االمور احملدثة بل من أصول الدين الن االصل الرابع هو‬
‫الق ياس (أيها الولد) اين قد كنت كتبت املعرفة املتعلقة بقطب االرشاد يف ابب االفادة‬
‫واالستفادة من رسالة املبدإ واملعاد ولكن ملا كانت هلا مناسبة هبذا املقام ومفيدة فيه‬
‫انسب كتابتها يف هذا املكتوب أيضا فليعترب من هنا ان قطب االرشاد الذي يكون‬
‫جامعا لكماالت الفردية أيضا عزيز الوجود جدا يظهر مثل هذا اجلوهر بعد قرون كثرية‬
‫وازمنة متطاولة وينور العامل الظلماين بنور ظهوره ونور هدايته وارشاده شامل جلميع العامل‬
‫كل من حيصل له الرشد واهلداية واالميان واملعرفة من حميط العرش اىل مركز الفرش امنا‬
‫حيصل من طريقه ويستفاد منه ال تتيسر هذه الدولة الحد بدون توسطه نوره حميط جلميع‬
‫العامل مثل البحر احمليط مثال وهذا البحر كأنه منجمد ال يتحرك اصال فالطالب الذي‬
‫متوجه اليه ومتخلص له او هو متوجه اىل الطالب كأنه تفتح وقت التوجه روزنة اىل قلب‬
‫الطالب فيصري هبذا الطريق رايان من ذلك البحر على قدر توجهه واخالصه وكذلك من‬
‫كان متوجها اىل ذكر هللا تعاىل ومقبال عليه ومل يكن متوجها اىل ذلك القطب أصال ال‬
‫من جهة االنكار عليه بل لعدم معرفته به أصال حيصل له مثل هذه االفادة لكنها يف‬
‫الصورة األوىل أزيد منها يف الصورة الثانية وأما من كان منكرا عليه أو هو متأذ منه فهو‬
‫وان كان مشغوال بذكر هللا تعاىل وتقدس ولكنه حمروم من حقيقة الرشد واهلداية وانكاره‬
‫هذا واذيته يصري سدة يف طريق فيضه وحقيقة اهلداية مفقودة فيه من غري أن يتوجه‬
‫القطب العظيم الشأ ن اىل عدم افادته ومنع استفادته وقصد ضرره بل فيه صورة الرشد‬
‫فقط والصورة اخلالية عن املعن قليلة النفع واجلدوى والذين فيهم حمبة ذلك القطب‬
‫‪- 420 -‬‬

‫واخالصه وان خلوا عن التوجه املذكور وذكر هللا تعاىل يصل اليهم نور اهلداية والرشد‬
‫بواسطة حمبتهم فقط ولتكن هذه املعرفة آخر املكتوب {شعر}‪:‬‬
‫أكتفي اذ ذاك يكفي االذكيا * صحت مرات ملن اصغى الندا‬
‫احلمد هلل رب العاملني الرمحن الرحيم أوال وآخرا والصالة و السالم على رسوله‬
‫حممد وآله وصحبه دائما وسرمدا‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والستون واملائتان اىل املري نعمان يف بيان فضائل الصالة‬
‫والكماالت املخصوصة هبا يف ضمن معارف عالية وحقائق سامية}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليكن معلوم االخ االعز أرشده هللا سبحانه‬
‫أن الصالة ركن اثن من االركان اخلمسة لالسالم وجامعة العبادات وهي وان كانت جزئية‬
‫ولكن حصلت هلا حكم الكلية من اجلامعية وصارت فوق مجيع مقرابت االعمال ودولة‬
‫الرؤية اليت كانت ميسرة لسيد العاملني عليه و على آله الصالة و السالم ليلة املعراج يف‬
‫اجلنة كانت ميسرة له بعد النزول اىل الدنيا يف الصالة مناسبة هلذه النشأة وهلذا قال عليه‬
‫الصالة و السالم الصالة معراج املؤمن وقال أيضا اقرب ما يكون العبد من الرب يف‬
‫الصالة ولكمل اتباعه عليه الصالة و السالم يف هذه النشأة حظ وافر من تلك الدولة يف‬
‫الصالة وان مل تكن رؤية فان هذه النشأة ال تطيقها فان مل أيمر هللا سبحانه ابلصالة فمن‬
‫كان يكشف النقاب عن وجه املقصود ومن كان يدل الطالب حنو املطلوب مورث اللذة‬
‫للمغمومني هو الصالة وموجب الراحة للمرضي يعين من امل البعد والفراق هو الصالة‬
‫أرحين اي بالل اشارة اىل هذا املعن وقرة عيين يف الصالة رمز من هذا املتمين وما تيسر من‬
‫االذواق واملواجيد والعلوم واملعارف واالحوال واملقامات واالنوار وااللوان والتليوانت‬
‫والتمكينات والتجليات املتكيفة وغري املتكيفة والظهورات املتلونة وغري املتلونة يف خارج‬
‫الصالة ومن غري ش عور حبقيقة الصالة منشاؤها كلها ظالل وامثال بل انشئة عن الوهم‬
‫واخليال واملصلي الذي له شعور حبقيقة الصالة كأنه خيرج من هذه النشأة الدنيا وقت اداء‬
‫‪- 421 -‬‬

‫الصالة ويدخل يف النشأة األخرى فال جرم ينال يف هذا الوقت نصيبا وافرا من دولة‬
‫خمصوصة ابآلخرة وحيصل حظا من االصل بال شائبة الظلية الن النشأة الدنيا مقصورة‬
‫عن الكماالت الظلية واملعاملة اخلارجة اخلالية عن الظلية خمصوصة ابآلخرة فالبد على‬
‫هذا من املعراج وهو الصالة يف حق املؤمنني وهذه الدولة خمصوصة هبذه االمة فاهنم امنا‬
‫شرفوا هبذه الدولة واستسعدوا هبذه السعادة تبعا لنبيهم عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫وقد تشرف هو بدولة الرؤية حيث خرج من الدنيا اىل اآلخرة ودخل اجلنة ليلة املعراج‬
‫اللهم اجزه عنا ما هو أهله واجزه عنا أفضل ما جازيت نبيا عن أمته واجز االنبياء كلهم‬
‫خريا فاهنم دعاة اخللق اىل احلق سبحانه وهداهتم اىل لقاء هللا والذين مل يطلعوا على حقيقة‬
‫الصالة من هذه الطائفة ومل يقفوا على الكماالت املخصوصة هبا صاروا يطلبون معاجلة‬
‫أمراضهم من أمور أخر ويلتمسون حصول مراداهتم من اشياء شت بل زعمت طائفة منهم‬
‫الصالة بعيدة عن احلال وجعلوا مبناها على املغايرة واملباينة وغري ذلك من احملال وزعموا‬
‫ان الصوم أفضل من الصالة قال صاحب الفتوحات املكية ان يف الصوم الذي هو ترك‬
‫األكل والشرب حتققا بصفة الصمدانية ويف الصالة خروج اىل املغايرة واملباينة واشعار‬
‫ابلعابدية واملعبودية وهو كما ترى مبين على مسئلة التوحيد الوجودي الذي هو من أحوال‬
‫السكارى ومن عدم الش عور حبقيقة الصالة وفقد اخلرب عنه صار اجلم الغفري من هذه‬
‫الطائفة يطلبون تسكني اضطراهبم من السماع والنغمات والوجد والتواجد وطفقوا‬
‫يطالعون مطلوهبم من وراء حجب النغمات فال جرم جعلوا الرقص واحلركة ديدهنم مع اهنم‬
‫مسعوا حديث وما جعل هللا شفاءكم فيما حرم عليكم نعم الغريق يتعلق بكل حشيش‬
‫وحب الشئ يعمي ويصم فلو انكشفت هلم نبذة من حقيقة الصالة ووصلت اىل مشام‬
‫اذواقهم مشة منها ملا مالوا اىل السماع والنغمة اصال وملا ركنوا اىل الوجد والتواجد قطعا‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫واذ مل يهتدوا هنج ال * حقائق قارفوا هزوا‬
‫(أيها االخ) بقدر ما يكون من الفرق بني الصالة والنغمات تتفاوت الكماالت‬
‫‪- 422 -‬‬

‫اليت منشؤها الصالة والكماالت اليت منشأوها النغمات العاقل تكفيه االشارة وهذا كمال‬
‫وجد بعد ألف سنة (وآخرية) ظهرت على صفة االولني ولوهنم ولعل النيب صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم لذلك قال ال يدرى[‪ ]1‬أوهلم خري ام آخرهم ومل يقل ام أوسطهم حيث رأى‬
‫املناسبة بني اآلخر واالول أزيد منها بني االوسط واالول فصار ذلك حمل تردد وقال عليه‬
‫الصالة و السالم يف حديث آخر أفضل[‪ ]2‬أميت أوهلم وآخرهم وبينهما كدر نعم ان‬
‫متأخري هذه االمة وان كان فيهم علو النسبة ولكن اصحاهبا قليلون بل أقل ويف‬
‫املتوسطني وا ن مل تكن النسبة هبذا العلو لكن اصحاهبا كثريون بل أكثر ولكل وجهة كمية‬
‫وكيفية ولكن أقلية هذه النسبة بلغت املتأخرين اىل الدرجات العلى واورثتهم املناسبة‬
‫ابلسابقني و جعلتهم املبشرين قال صلى هللا عليه و على آله وسلم االسالم[‪ ]3‬بدا غريبا‬
‫وسيعود كما بدا فطوىب للغرابء احلديث وشروع[‪ ]4‬آخرية هذه االمة من بداية االلف‬
‫الثاين من ارحتال النيب صلّى هللا عليه و سلّم فان ملضي األلف خاصية عظيمة يف تغري‬
‫األمور وأتثري قوي يف تبدل االشياء وملا مل يكن يف ملة هذه االمة وسريهتا نسخ وتبديل‬
‫ظهرت نسبة السابقني بطراوهتا القدمية ونضارهتا السابقة يف املتأخرين ابلضرورة وحصل‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي عن انس وامحد عنه وعن عمارة وابو يعلى عن علي والطرباين عن ابن عمر واحلديث وان كان فيه‬
‫مقال ولكن كثرة طرقه تقويه حت متسك ابن عبدالرب ابمثاله يف تفضيل غري الصحابة عليهم واجاب عنه اجلمهور‬
‫بتوجيه مضمون احلديث ال بتضعيفه وقد مر‪ .‬عفي عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال خمرج االحاديث اشارة اىل ما رواه رزين عن جعفر الصادق عن ابيه عن جده كيف هتلك امة اان اوهلا واملهدي‬
‫اوسطها واملسيح آخرها ولكن بني ذلك فوج ليسوا مين وال اان منهم انتهى قلت روى ما يف الكتاب بعينه يف نوادر‬
‫االصول للحكيم الرتمذي عن ايب الدرداء بلفظ خري اميت اوهلا وآخرها ويف وسطها الكدر انتهى و اورد فيه احاديث‬
‫فانظر اليها ان شئت ان تطلع على حقيقة االمر‪ .‬عفي عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬يعين مبدأ اتصافهم ابآلخرية وشروعهم فيها منه عفي عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم وابن ماجة عن ايب هريرة والطرباين عن سلمان وابن ماجة ايضا عن انس وامحد وابن ماجة ايضا‬
‫والرتمذي وقال حسن صحيح غريب عن ابن مسعود وسعيد بن منصور عن سلمة بن نقيل وجابر والرافعي عن شريح‬
‫اخلضري واخلطيب وابن عساكر عن ايب الدرداء وايب امامة وواثلة وانس والبخاري يف التأريخ عن بالل ابن مرداس‬
‫مرسال وابن عساكر عن ابن عمر ذكره السيوطي يف مجع اجلوامع يف مادة ان االسالم بدئ قاله املخرج قلت ويف كنز‬
‫العمال ازيد من ذلك فلرياجع‪.‬‬
‫‪- 423 -‬‬

‫أتييد الشريعة وجتديد امللة يف االلف الثاين والشاهد العدل لصدق هذه الدعوى عيسى‬
‫على نبينا وعليه الصالة و السالم واملهدي عليه الرضوان يعين وجودمها يف هذا االلف‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫لو جاء من فيض روح القدس من مدد * لغري عيسى لصنع مثل ما صنعا‬
‫(أيها االخ) ان هذا الكالم وان كان اليوم ثقيال على أكثر اخلالئق وبعيدا عن‬
‫افهامهم ولكنهم اذا انصفوا وقاسوا املعارف بعضها ببعض والحظوا صحة االقوال‬
‫وسقمها مبطابقتها العلوم الشرعية وعدم مطابقتها اايها ورأوا ان تعظيم الشريعة النبوية‬
‫وتوقريها يف أيتها أكثر لعلهم يتخلصون عن ورطة االستبعاد اال يرون ان الفقري قد كتب‬
‫يف كتبه ورسائله ان الطريقة واحلقيقة خادمتان للشريعة وان النبوة أفضل من الوالية ولو‬
‫كانت والية نيب وكتب أيضا أنه ال مقدار لكماالت الوالية يف جنب كماالت النبوة‬
‫أصال وليت هلا حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط وكتب امثال ذلك كثريا خصوصا يف‬
‫مكتوب كتب ابسم ولدي يف بيان الطريقة فليالحظوا هناك واملقصود من هذا القيل‬
‫والقال اظهار نعمة احلق سبحانه وترغيب طالب هذه الطريقة ال تفضيل نفسي على‬
‫اآلخرين ومعرفة هللا سبحانه حرام على من يرى نفسه أفضل من كفار االفرنج فكيف من‬
‫اكابر الدين {شعر}‪:‬‬
‫خليلي سيدي أعلى مقامي * ففقت به جنوما واهلالال‬
‫كأين بقعة فيها سحاب * الربيع ممطر ماء زالال‬
‫فلويل ألف السنة واثين * هبا ما ازددت اال االنفعاال‬
‫فان ظهر فيكم بعد مطالعة هذا املكتوب شوق تعلم اسرار الصالة وحتصيل بعض‬
‫كماالهتا املخصوصة وجعلكم هذا الشوق مضطراب تتوجه حنو هذه احلدود بعد‬
‫االستخارات وتصرف شطرا من العمر يف تعلم الصالة يعين اسرارها وهللا سبحانه اهلادي‬
‫اىل سبيل الرشاد و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم‪.‬‬
‫‪- 424 -‬‬

‫{املكتوب الثاين والستون واملائتان اىل موالان حمب علي يف بيان ان ارتباط‬
‫النقشبندية حبية ونسبتهم انعكاسية وما يناسبه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى حصل االبتهاج بورود الصحيفة‬
‫الشريفة املرقومة على وجه االلتفات وحيث كانت منبئة عن فرط احملبة وكمال االختصاص‬
‫أورثت ازدايد الفرح والسرور وقد اندرج فيها الكالم عن العهد السابق (أيها املخدوم)‬
‫انك على أي وضع كنت من االوضاع الشرعية ليس مبحل للمضايقة وال مستحقا به‬
‫للمعاتبة بشرط أن ال ينقطع حبل احملبة بل يتقوى يوما فيوما وبشرط أن ال تربد انئرة‬
‫االشتياق بل تزايد ساعة فساعة فان ارتباطنا حيب ونسبتنا انعكاسية وانصباغية ال تتفاوت‬
‫ابلقرب والبعد اال حبسب السرعة والبطء والعلم ببعض خصوصيات الطريق وعدم العلم به‬
‫وتطلب حتقيق هذا املعن من خامتة مكتوب حررته ابسم ولدي االرشد يف بيان الطريق‬
‫وقد جاء اصحاب اخينا املري حممد نعمان ينقل ذلك املكتوب فتطلبه من هناك وماذا‬
‫أطنب زايدة على ذلك و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والستون واملائتان اىل جناب صاحب املعارف الشيخ اتج‬
‫الدين يف بيان معارف تتعلق ابلكعبة الرابنية وبيان الفضائل الصالتية وما يناسب‬
‫ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد أورث خرب القدوم الذي هو‬
‫للمسرة مل زوم فرحا وافرا للمشتاقني هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك {شعر}‪:‬‬
‫انصف أاي فلك زاه مصابيحه * وأي هذين قد عمت تفارحيه‬
‫مشس هبا عامل متت مصاحله * ام يدري الباد من شام لوائحه‬
‫وحيث التزمت القدوم فعليك ان تشرف ابلسرعة فان املشتاقني حتت ثقل االنتظار‬
‫‪- 425 -‬‬

‫يتمنون مساع اخبار بيت هللا وعند الفقري كما ان صورة الكعبة الرابنية مسجود اليها لصور‬
‫اخلالئق بشرا كانوا أو ملكا كذلك حقيقتها مسجود اليها حلقائق تلك الصور فال جرم‬
‫كانت تلك احلقيقة فوق مجيع احلقائق والكماالت املتعلقة هبا صارت فوق الكماالت‬
‫املتعلقة بسائر احلقائق وكان هذه احلقيقة برزخ بني احلقائق الكونية واحلقائق اآلهلية واملراد‬
‫ابحلقائق االهلية سرادقات العظمة والكربايء اليت مل يصل اىل ذيل قدسها لون وال كيف ومل‬
‫يتطرق اليها ظلية أصال وهناية العروجات الدنيوية وظهوراهتا اىل منتهى احلقائق الكونية‬
‫والنصيب من احلقائق االهلية خمصوص ابآلخرة الحظ منها يف الدنيا االّ يف الصالة اليت‬
‫هي معراج املؤمن وكأن يف هذا املعراج خروجا من الدنيا اىل اآلخرة ويتيسر فيه حظ مما‬
‫يتيسر يف اآلخرة واظن ان حصول هذه الدولة يف الصالة لتوجه[‪ ]1‬املصلي فيها اىل جهة‬
‫الكعبة اليت هي موطن ظهورات احلقائق االهلية فالكعبة أعجوبة يف الدنيا فاهنا بصورهتا‬
‫من الدنيا وابحلقيقة من اآلخرة وأخذت هذه النسبة الصالة أيضا بتوسطها وصارت‬
‫بصورهتا وحقيقتها جامعة للدنيا واآلخرة وقد بلغ مرتبة التحقيق ان احلالة املتيسرة يف اداء‬
‫الصالة فوق مجيع الكماالت احلاصلة يف خارج الصالة الن تلك احلالة ليست خبارجة‬
‫من دائرة الظل وان حصل هلا العلو خبالف هذه احلالة فان هلا نصيبا من االصل وبقدر‬
‫الفرق بني االصل والظل يكون الفرق بني تلك احلالة وهذه احلالة ويشاهد ان احلالة اليت‬
‫حتصل عند املوت بعناية هللا تعاىل تكون فوق حالة الصالة فان املوت من مقدمات‬
‫أحوال اآلخرة وكلما هو أقرب اىل اآلخرة أمت وأكمل الن هنا ظهور الصورة وهناك ظهور‬
‫احلقيقة شتان ما بينهما وكذلك احلالة اليت تتيسر بكرم هللا جل سلطانه يف الربزخ الصغري‬
‫تكون فوق احلالة احلاصلة له وقت املوت و على هذا القياس احلالة املتيسرة يف الربزخ‬
‫الكبري الذي هو عرصات القيامة ابلنسبة اىل حالة الربزخ الصغري فان املشهود هناك أمت‬
‫وأكمل وملشهود جنات النعيم أمتيته وأكمليته ابلنسبة اىل مشهود الربزخ الكبري وفوق‬

‫(‪ )1‬الذي ال يتحقق ماهية الصالة اال به فال يرد انه ينبغي ان حيصل هذه احلالة لكل من يتوجه اىل الكعبة سواء كان‬
‫يف الصالة او ال‪ .‬عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 426 -‬‬

‫مجيع تلك املذكورات موطن اخرب عنه املخرب الصادق عليه الصالة و السالم حيث قال‬
‫ان هلل[‪ ]1‬جنة ليس فيها حور وال قصور يتجلي فيها ربنا ضاحكا فادىن مجيع مواطن‬
‫الظهورات الدنيا وما فيها واعلى مجيعها تلك اجلنة املذكورة بل الدنيا ليست من مواطن‬
‫الظهور أصال وظهورات الظالل ومرآتية املثال اليت هي خمصوصة ابلدنيا معدودة عند‬
‫الفقري من االمور الدنيوية وداخلة يف احلقيقة يف دائرة االمكان سوآء قيل لتلك الظهورات‬
‫جتليات االمساء أو جتليات الصفات أو جتليات الذات تعاىل هللا عما يقولون علوا كبريا‬
‫وأان الفقري مت االحظ الدنيا ابلتمام أجدها خالية حمضة وال يصل منها مشامي رائحة‬
‫املطلوب غاية ما يف الباب اهنا مزرعة اآلخرة فطلب املطلوب فيها اتعاب النفس واهالكها‬
‫على العبث أو زعم غري املطلوب مطلواب واالكثرون مبتلون بذلك ومطمئنون ابملنام‬
‫واخليال والذي فيه شئ من االصل وما يعطي رائحة من املطلوب يف هذا املوطن الصالة‬
‫ودوهنا خرط القتاد‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والستون واملائتان اىل السيد ابقر السهارنفوري يف بيان لزوم‬
‫جر امل عاملة حنو احلرية واجلهالة وعدم االعتماد على االحوال والكشوف وذكر واقعة‬
‫بعض مشائخ النواحي اليت كان حكاها له وتعبريها يف ضمن ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد أورثت الصحيفة الشريفة الصادرة‬
‫عن فرط احملبة وكمال االشتياق فرحا وافرا وعليكم ابلتوجه واالقبال على االمر الذي‬
‫يقتضيه احلال واالشتغال بذكر اسم الذات من غري مالحظة االمساء والصفات حت تنجر‬
‫املعاملة اىل اجلهالة و ينتهي االمر اىل احلرية فان مالحظة االمساء والصفات كثريا ما تكون‬
‫ابعثة على ظهور االحوال وواسطة للوجد والتواجد ولعلك مسعت ان احتمال اخلطأ يف‬
‫االحوال واملواجيد كثري واشتباه احلق ابلباطل يف ذلك املوطن وافر وقد أرسل واحد من‬

‫(‪ )1‬قوله (ان هلل جنة اخل) قال املخرج ما وجدت له اصال وقال آخر ولكنه مشهور يف كتب الصوفية وذكره شرف‬
‫الدين حيىي املنريي اه‬
‫‪- 427 -‬‬

‫مشائخ النواحي قاصدا اىل هذا الفقري يف هذه االايم مظهرا أحواله وقال قد بلغ الفناء‬
‫واالضمحالل مرتبة كل شئ نظرت اليه ال اجده انظر اىل السماء واالرض فال أجدمها‬
‫وال أجد العرش وال الكرسي واالحظين فال اجد اصال واذهب عند شخص فال اجده‬
‫وهللا سبحانه ال هناية له وما وجد احد هنايته وقد اعتقد املشائخ هذا احلال كماال فان‬
‫كنت انت ايضا تعتقد كذلك فألي شئ اجيئ عندك لطلب احلق جل وعال وان كنت‬
‫تعرف امرا كماال غريه فاكتب يل كتااب فكتبت يف جوابه ان هذه االحوال من تلوينات‬
‫القلب والقلب اول درجة من درجات هذا الطريق وصاحب هذه االحوال طوى ربعا‬
‫واحدا من احوال القلب وينبغي له ان يطوي ثالثة أرابعه الباقية وبعد ذلك ينبغي ان‬
‫يعرج اىل الدرجة الثانية اليت هي عبارة عن الروح مث اىل ما شاء هللا وبعد مدة من هذه‬
‫الكتابة قدم واحد من أصحاب الفقري وكان متوجها اىل وطنه بعد اخذ الطريقة وملا بني‬
‫احواله صار معلوما يل ان حاله موافق حلال ذلك الشيخ املستفسر بل هو اسبق قدما منه‬
‫وملا نظرت اىل حاله وامعنت النظر ظهر يل أن فناءه واضمحالله يف عنصر اهلواء الذي‬
‫هو حميط جلميع ذرة من الذرات وليس املشهود غري اهلواء وقد زعمه اهلا ال هناية له تعاىل‬
‫هللا سبحانه عن ذلك علوا كبريا وملا فتشت عن احواله مرة اثنية ايقنت أن ابتالءه ليس‬
‫امرا آخر غري اهلواء فاطلعته ايضا على هذا املعن وملا رجع هو اىل وجدانه علم أن حاصله‬
‫ليس غري اهلواء فاستغفر من هذه االحوال ورفع قدمه فوق هذا احلال (اعلم) أن القلب‬
‫برزخ بني عامل اخللق الذي هو عامل العناصر االربعة وبني عامل االرواح وفيه وصف ولون من‬
‫كال العاملني فكان نصف القلب من عامل اخللق ونصفه اآلخر من عامل االرواح فاذا نصفنا‬
‫نصفه الناظر اىل عامل اخللق تقع املعاملة على عنصر اهلواء فيكون ربع القلب عبارة عن‬
‫مقام اهلواء الذي تضمنه القلب فما ظهر اثنيا موافق للجواب االول وبيان لكشف‬
‫حقيقته احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان هللا لقد جائت رسل ربنا‬
‫ابحلق ومل يسع الوقت زايدة على ذلك و السالم عليكم و على من اتبع اهلدى والتزم‬
‫متابعة املصطفى عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها‪.‬‬
‫‪- 428 -‬‬

‫{املكتوب اخلامس والستون واملائتان اىل الشيخ عبد اهلادي يف التحذير عن‬
‫تضييع حقوق املسلمني ابلعزلة وبيان احلقوق الالزمة رعايتها وما يناسب ذلك}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات أهني أن مكتوب االخ االرشد قد وصل‬
‫فأورث فرحا وافرا هلل سبحانه احلمد واملنة على مامل يؤثر متادي اايم املفارقة يف احملبة‬
‫واالخالص واملودة واالختصاص ومع ذلك لو اتى بنفسه لكان انسب اخلري فيما صنعه‬
‫هللا سبحانه وقد متن العزلة نعم ان العزلة منية الصديقني ولك اخليار يف العزلة واالنزواء‬
‫ونرجو أن تكون مباركة ولكن ينبغي أن ال تضيع مراعات حقوق املسلمني قال النيب عليه‬
‫و على آله الصالة و السالم حق[‪ ]1‬املسلم على املسلم مخس رد السالم وعيادة املريض‬
‫واتباع اجلنائز واجابة الدعوة وتشميت العاطس ولكن يف اجابة الدعوة شرائط يف‬
‫االحياء[‪ ]2‬وميتنع من االجابة ان كان الطعام طعام شبهة ويف املوضع منكر من فرش‬
‫ديباج واواين فضة ومتاثيل على سقف او مساع شئ من املزامري واملالهي او التشاغل بنوع‬
‫من اللهو واللعب وكل ذلك مما مينع االجابة ويوجب حترميها وكراهتها وكذلك ان كان‬
‫الداعي ظاملا ا و مبتدعا أو فاسقا أو شريرا أو متكلفا طالبا للمباهاة والفخر ويف شرعة‬
‫االسالم وال جييب اىل طعام صنع رايء ومسعة ويف احمليط ال ينبغي أن يقعد على مائدة اذا‬
‫كان عليها لعب وغناء او قوم يغتابون او يشربون اخلمر كذا يف مطالب املؤمنني فان‬
‫كانت هذه املوانع كلها مفقودة البد حينئذ من االجابة وان كان فقدان هذه املوانع‬
‫عسريا يف هذا الزمان (وأيضا) ينبغي أن يعلم أن العزلة امنا تكون من االغيار ال من‬
‫االحباب فان الصحبة مع حمارم االسرار سنة مؤكدة يف هذه الطريقة العلية قال اخلواجه‬
‫النقشبند قدس سره طريقنا طريق الصحبة فان يف اخللوة شهرة ويف الشهرة آفة واملراد‬
‫ابلصحبة صحبة أهل الطريق ال صحبة املنكرين واملخالفني الهنم اشرتطوا نفي كل من‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان عن ايب هريرة رضي هللا عنه‬


‫(‪ )2‬اي ذكر يف االحياء ما سيذكر بعد‪ .‬منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 429 -‬‬

‫املصاحبني نفسه وفناءه يف اآلخر وهذا ال يتيسر بدون املوافقة وعيادة املريض سنة ان‬
‫كان للمريض متعهد وممرض واال فهي واجبة كما ذكر يف حاشية املشكاة وينبغي أن‬
‫حيضر صالة اجلنازة وان يشيع اجلنازة ولو خطوات ليؤدي حق امليت وحضور اجلمع‬
‫واجلماعات يف االوقات اخلمسة وصالة العيدين من ضرورايت االسالم البد منها مث‬
‫يصرف بقية االوقات اىل ذكر املوىل ابلتبتل واالنقطاع ولكن ينبغي أن يصحح النية اوال‬
‫وان ال يلوث العزلة بلوث غرض من االغراض العاجلة أصال وأن ال يكون مقصد غري‬
‫حتصيل مجعية الباطن بذكر هللا جل سلطانه واالعراض عن االشتغال مبا ال طائل فيه‬
‫ومجيع املالهي قطعا وينبغي أن حيتاط يف تصحيح النية غاية االحتياط لئال خيتفي ويتكمن‬
‫يف ضمنها غرض نفساين وان يلتجئ ويتضرع اىل هللا تعاىل يف هذا التصحيح كثريا وان‬
‫يكون يف مقام العجز واالنكسار فحينئذ حيتمل أن تتحقق حقيقة النية واحلاصل ينبغي‬
‫أن خيتار العزلة بنية صادقة صحيحة بعد تكرار االستخارة سبع مراة فريجى حينئذ أن‬
‫ترتتب عليه مثرات عظيمة وبقية االحوال اخران خربها اىل وقت املالقاة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والستون واملائتان اىل املخدومني املكرمني اعين ابين شيخه‬
‫اخلواجه عبد هللا واخلواجه عبيد هللا يف بيان بعض املسائل الكالمية على وفق آراء‬
‫أهل السنة واجلماعة وقد ظهرت له على طريق الكشف واالهلام ال على وجه الظنون‬
‫واالوهام والرد على الفالسفة واتباعهم املتفلسفة و على الزاندقة واملالحدة‬
‫املتشبهني ابلصوفية وبيان بعض املسائل املتعلقة ابلصالة ومدح الطريقة النقشبندية‬
‫واملنع من مساع الغناء وحضور جملس الرقص وما يناسب ذلك}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم املخادمي الكرام ان هذا الفقري مستغرق‬
‫من الق دم اىل الرأس يف احسان والدكم املاجد حيث تعلمت درس ألف ابء يف هذا‬
‫الطريق منه واخذت عنه سائر هتجي حروف هذا الطريق وحصلت بربكة صحبته دولة‬
‫اندراج النهاية يف البداية وبصدق خدمته وجدت السفر يف الوطن وتوجهه الشريف بلغ‬
‫‪- 430 -‬‬

‫هذا الفقري عدمي القابلية اىل النسبة النقشبندية يف مدة شهرين ونصف ومنحه احلضور‬
‫اخلاص هبؤالء االكابر وكيف اشرح أم كيف ابني تفصيل ما حصل يف هذه املدة القليلة‬
‫من التجليات والظهورات واالنوار وااللوان والاللونية والالكيفية بتطفله ومل يبق بتوجهه‬
‫الشريف دقيقة من دقائق معارف التوحيد واالحتاد والقرب واالحاطة والسراين غري‬
‫منكشفة هلذا الفقري وغري مطلع هو عليها وما ذا يكون شهود الوحدة يف الكثرة‬
‫ومشاهدة الكثرة يف الوحدة فاهنما من مقدمات هذه املعارف ومباديها واجراء اسم هذه‬
‫املعارف على اللسان يف جنب نسبة النقشبندية واحلضور اخلاص هبؤالء االكابر وبيان‬
‫عالمة هذه الشهود واملشاهدة كل ذلك من قصور النظر ومعاملة هؤالء االكابر عالية‬
‫جدا ال نسبة هلا بكل زراق ورقاص فاذا نلت مثل هذه الدولة العظمى من حضرة شيخنا‬
‫ال ميكن يل أداء حق شئ منها ولو مسحت رأسي مدة عمري على اقدام خدام عتبتكم‬
‫العلية فماذا اعرض عليكم من تقصريايت وماذا اظهر لكم من انفعااليت ولكن جزى هللا‬
‫سبحانه عنا اخلواجه حسام الدين امحد خري اجلزاء حيث كفاان املؤنة وشد نطاق اهلمة يف‬
‫خدمة خدام العتبة العلية وخلص امثالنا القاصرين من ذلك {شعر}‪:‬‬
‫فلو ان يل يف كل منبت شعرة * لساان يبث الشكر كنت مقصرا‬
‫وقد تشرفت بتقبيل عتبة شيخنا ثالث مرات وقال للفقري يف املرة األخرية انه قد‬
‫غلب الضعف على بدين ورجاء احلياة قليل ينبغي لك االستخبار عن احوال االطفال‬
‫وامر ابحضاركم لديه وكنتم وقتئذ يف حجور املرضعات وامر الفقري ابلتوجه اليكم فتوجهت‬
‫اليكم يف حضوره امتثاال ألمره حت ظهر اثر ذلك التوجه يف الظاهر مث قال توجه اىل‬
‫والداهتم ايضا ابلتوجه الغائيب فتوجهت اليهن ايضا حسب االمر واملرجو ان يكون ذلك‬
‫التوجه مثمرا للنتائج بربكة حضوره الشريف وال حتسنب انه قد وقع الذهول عن امره‬
‫الواجب االمتثال او طرأ التغافل عن وصيته الالزمة االجراء على كل حال كال بل انتظر‬
‫االشارة واالذن واردت اآلن ان أكتب فقرات بطريق النصيحة بنبغي إستماعها بسمع‬
‫العقل (اسعدكم هللا) سبحانه أن اول ما افرتض على العقالء تصحيح العقائد مبوجب‬
‫‪- 431 -‬‬

‫آراء اهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم فاهنم هم الفرقة الناجية ولنبني بعض‬
‫املسائل االعتقادية اليت فيها نوع خفاء (جيب ان يعلم ان هللا تعاىل موجود بذاته املقدسة‬
‫واالشياء كلها موجودة ابجياده تعاىل وانه تعاىل واحد يف ذاته وصفاته وافعاله ال شركة‬
‫الحد معه تعاىل يف احلقيقة يف امر من االمور اصال ال يف الوجود وال يف غريه واملناسبة‬
‫االمسية واملشاركة اللفظية خارجة عن املبحث وصفاته وافعاله تعاىل منزهة عن املثل‬
‫والكيف كذاته تعاىل ال مناسبة بينها وبني صفات املمكنات وافعاهلا فان صفة العلم مثال‬
‫له تعاىل صفة قدمية بسيطة حقيقية مل يتطرق اليها تعدد وتكثر أصال ولو ابعتبار تعدد‬
‫التعلقات الن هناك انكشاف واحد بسيط انكشفت به املعلومات االزلية واالبدية وعلم‬
‫به مجيع االشياء ابحواهلا املتناسبة واملتضادة وكلياهتا وجزئياهتا مع االوقات املخصوصة‬
‫بكل واحد منها يف آن واحد بسيط على وجه يعلم زيدا مثال يف ذلك اآلن موجودا‬
‫ومعدوما وجنينا وصبيا وشااب وشيخا وحيا وميتا وقائما وقاعدا ومستندا ومضطجعا‬
‫وضاحكا وابكيا ومتلذذا ومتأملا وعزيزا وذليال ويف الربزخ ويف احلشر ويف اجلنة ويف‬
‫التلذذات فيكون تعدد التعلق ايضا مفقودا يف ذلك املوطن فان تعدد التعلقات يستدعي‬
‫تعدد اآلانت وتكثر االزمنة وليس مثة االّ آن واحد بسيط من االزل اىل االبد ال تعدد فيه‬
‫أصال اذ ال جيري عليه تعاىل زمان وال تقدم وال أتخر فاذا اثبتنا لعلمه تعاىل تعلقا‬
‫ابملعلومات يكون ذلك تعلق واحد ويصري به متعلقا جبميع املعلومات وذلك التعلق ايضا‬
‫جمهول الكيفية ومنزه عن املثال والكيف كصفة العلم (ولندفع) استبعاد هذا التصوير‬
‫بضرب مثل (واقول) انه جيوز ان يعلم شخص الكلمة مع اقسامها املتباينة واحواهلا‬
‫املتغايرة واعتباراهتا املتضادة يف وقت واحد فيعلم الكلمة يف ذلك الوقت امسا وفعال وحرفا‬
‫وثالثيا ورابعيا ومعراب ومبنيا ومتمكنا وغري متمكن ومنصرفا وغري منصرف ومعرفة ونكرة‬
‫وماضيا ومستقبال وأمرا وهنيا بل جيوز أن يقول ذلك الشخص اين ارى هذه االقسام‬
‫واالعتبارات يف مراتب الكلمة يف وقت واحد ابلتفصيل فاذا كان مجع االضداد متصورا يف‬
‫علم املمكن كيف يكون مستبعدا يف علم الواجب وهلل املثل االعلى (ينبغي) ان يعلم ان‬
‫‪- 432 -‬‬

‫هنا وان كان مجع الضدين صورة ولكن الضدية مفقودة بينها يف احلقيقة فانه تعاىل وان‬
‫علم زيدا موجودا ومعدوما يف آن واحد ولكنه تعاىل علم يف ذلك اآلن ان وقت وجوده‬
‫مثال بعد الف سنة من اهلجرة ووقت عدمه السابق قبل تلك السنة املعينة ووقت عدمه‬
‫الالحق بعد الف ومائة سنة فال تضاد بينهما يف احلقيقة لتغاير الزمان و على هذا القياس‬
‫سائر اال حوال فافهم (فاتضح) من هذا التحقيق ان علمه تعاىل ال يتطرق اليه شائبة التغري‬
‫بتعلقه ابجلزئيات املتغرية وال تتوهم مظنة احلدوث فيه كما زعمت الفالسفة فان التغري امنا‬
‫يتصور على تقدير تعلق علمه تعاىل بواحد بعد اآلخر واما اذا تعلق علمه تعاىل ابلكل يف‬
‫آن واحد فال يتصور فيه التغري واحلدوث فال حاجة حينئذ اىل اثبات تعلقات متعددة له‬
‫حت يكون التغري واحلدوث راجعا اىل تلك التعلقات ال اىل صفة العلم كما فعله بعض‬
‫املتكلمني لدفع شبهة الفالسفة نعم اذا اثبتنا تعدد التعلقات يف جانب املعلومات فله‬
‫مساغ وكذلك كالمه تعاىل واحد بسيط وهو تعاىل متكلم هبذا الكالم الواحد من االزل‬
‫اىل االبد فان امر امرا فناش من هناك وان هنيا فناش ايضا من هناك وان اعالما فمأخوذ‬
‫ايضا من هناك وان استعالما فمن هناك وان متنيا فمستفادا من هناك وان ترجيا فمن‬
‫هناك ايضا ومجيع الكتب املنزلة والصحف املرسلة ورقة من ذلك الكالم البسيط فان توراة‬
‫فهي منتسخة منه وان اجنيال فمن هناك آخذ صور االلفاظ وان زبورا فمن هناك مسطور‬
‫وان قرآان فمنزل من هناك {شعر}‪:‬‬
‫لكالم موالان االله واحد * حقا ولكن يف النزول تعددا‬
‫وكذلك فعله تعاىل واحد ومجيع املصنوعات موجودة هبذا الفعل الواحد وقوله تعاىل‬
‫وما أمران اال واحدة كلمح ابلبصر اشارة اىل هذا املعن واالحياء واالماتة مربوطان هبذا‬
‫الفعل وااليالم واالنعام منوطان ايضا هبذا الفعل وكذلك االجياد واالعدام انشئان من هذا‬
‫الفعل فال يثبت تعدد التعلقات يف فعله تعاىل أيضا بل املخلوقات املاضية واآلتية موجودة‬
‫يف أوقاهتا املخصوصة بوجودها بتعلق واحد وهذا التعلق أيضا جمهول الكيفية ومعدوم‬
‫املثلية كنفس فعله تعاىل فانه ال سبيل اىل املنزه عن الكيف للمكيف ابلكيفية ال حيمل‬
‫‪- 433 -‬‬

‫عطاايه اال مطاايه وملا مل يطلع االشعري على حقيقة فعل احلق جل سلطانه قال حبدوث‬
‫التكوين وحدوث أ فعاله تعاىل ومل يدر ان هذه احلاداثت آاثر فعله تعاىل االزيل ال نفس‬
‫أفعاله ومن هذا القبيل ما اثبته بعض الصوفية من جتلي االفعال حيث مل ير يف ذلك‬
‫املوطن يف مرآة افعال املمكنات غري فعل الفاعل احلقيقي جل سلطانه وذلك التجلي يف‬
‫احلقيقة جتلي آاثر فعل احلق سبحانه ال جتلي فعله تعاىل فان فعله تعاىل الذي هو منزه‬
‫عن املثال والكيف وقدمي وقائم بذاته تعاىل ويقال له التكوين ال تسعه مرااي احملداثت وال‬
‫ظهور له يف مظاهر املمكنات {شعر}‪:‬‬
‫در تنگناى صورت معن چگونه گنجد * در كلبهء گدااين سلطان چه كار دارد‬
‫وجتلي االفعال والصفات بدون جتلي الذات غري متصور عند الفقري فانه ال انفكاك‬
‫لالفعال والصفات عن حضرة الذات أصال حت يتصور جتليها بدون جتلي الذات وما هو‬
‫منفك عن الذات تعالت وتقدست ظالل االفعال والصفات فيكون جتلي ذلك املنفك‬
‫جتلي ظالل االفعال والصفات ال جتلي االفعال والصفات ولكن ال يدرك فهم كل أحد‬
‫هذا الكمال ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (ولنرجع) اىل أصل‬
‫الكالم ونقول انه تعاىل ال حيل يف شئ وال حيل فيه شئ ولكنه تعاىل حميط ابالشياء وله‬
‫سبحانه قرب منها و معية هبا وليست تلك االحاطة والقرب واملعية اليت ندركها ابفهامنا‬
‫القاصرة فاهنا ال تليق جبناب قدسه تعاىل وكل شئ يدرك ابلكشف والشهود فهو تعاىل‬
‫منزه عن ذلك ايضا فانه ال نصيب للمكن من حقيقة ذاته وصفاته وأفعاله تعاىل غري‬
‫اجلهل واحلرية ينبغي االميان ابلغيب ونفي ما يكون منكشفا ومشهودا بكلمة ال {شعر}‪:‬‬
‫هيهات عنقاء ان يصطاده احد * فدع عناك وكن من ذاك يف دعة‬
‫وبيت مثنوي حضرة شيخنا مناسب هلذا املقام حيث قال {شعر}‪:‬‬
‫وذا ايوان االستغناء عال * فاايكم وطمعا يف الوصال‬
‫فنؤمن ابنه تعاىل حميط ابالشياء وقريب منها وانه معها ولكن ال نعرف معن‬
‫احاطته وقربه ومعيته انه ما هو والقول ابالحاطة واملعية العلميني من أتويالت املتشابه‬
‫‪- 434 -‬‬

‫وحنن لسنا بقائلني بتأويله وانه تعاىل ال يتحد بشئ أصال وال يتحد به شئ أصال وما‬
‫يفهم من عبارات بعض الصوفية من معن االحتاد فهو خالف مرادهم الن مرادهم هبذا‬
‫الكالم املوهم لالحتاد أعين قوهلم اذا مت الفقر فهو هللا هو ان الفقر اذا مت وحصل‬
‫االضمحالل الصرف والطمس احملض ال يبقى اال هللا سبحانه و تعاىل ال ان ذلك الفقري‬
‫يتحد ابهلل ويصري اهلا فانه كفر وزندقة تعاىل هللا سبحانه عما يتوهم الظاملون علوا كبريا‬
‫(قال) حضرة شيخنا قدس سره ليس معن عبارة اان احلق ابين حق بل معناه اان معدوم‬
‫واملوجود هو احلق سبحانه وال سبيل للتغري والتبدل اىل ذاته وصفاته وأفعاله تعاىل‬
‫فسبحان من ال يتغري بذاته وال بصفاته وال أبفعاله حبدوث االكوان وما أثبته الصوفية‬
‫الوجودية من التنزالت اخلمسة فليست هي من قبيل التبدل والتغري يف مرتبة الوجوب فان‬
‫القول به واثباته كفر وضاللة بل اعتربوا هذه التنزالت يف مراتب ظهورات كماله تعاىل من‬
‫غري ان يتطرق اىل ذاته وصفاته وأفعاله تعاىل تغري وتبدل (وانه) تعاىل غين مطلق ال حيتاج‬
‫اىل شئ أصال ال يف ذاته وال يف صفاته وال يف افعاله يف أمر من االمور فكما انه تعاىل‬
‫غري حمتاج يف الوجود كذلك هو غري حمتاج يف الظهور وما يفهم من عبارات بعض‬
‫الصوفية من انه تعاىل حمتاج[‪ ]1‬الينا يف ظهور كماالته االمسائية والصفاتية هذا الكالم‬
‫ثقيل على الفقري جدا واعتقادي ان املقصود من خلق اخلالئق واجياد املوجودات حصول‬
‫الكماالت هلم ال حصول كمال عائد اىل جناب قدسه تعاىل وتقدس وقوله تعاىل وما‬
‫خلقت اجلن واالنس اال ليعبدون اي ليعرفون مؤيد هلذا املعن فاملقصود من خلق اجلن‬
‫واالنس حصول املعرفة هلم اليت هي كماهلم ال أمر يكون عائدا اىل جناب قدس احلق‬

‫(‪ )1‬قال يف اليواقيت واجلواهر ذكر الشيخ يف الباب التاسع والعشرين و املائتني من الفتوحات انه ال جيوز ان يقال ان‬
‫احلق تعاىل مفتقر يف ظهور امسائه وصفاته اىل وجود العامل الن له الغن على االطالق قلت وهذا رد صريح على من‬
‫نسب اىل الشيخ انه يقول ان احلق تعاىل مفتقر يف ظهور حضرات امسائه وصفاته اىل خلقه ولوال خلقه ما ظهر وال‬
‫عرفه احد انتهى نعم يفهم ما قاله االمام الرابين من اللمعات وجييب عنه موالان اجلامي يف شرحه بنقل من الفصوص‬
‫فلرياجع‪.‬‬
‫‪- 435 -‬‬

‫سبحانه وما ورد يف احلديث القدسي من قوله صلّى هللا عليه و سلّم فخلقت[‪ ]1‬اخللق ال‬
‫عرف فاملراد هنا أيضا معرفتهم ال أنه يكون احلق سبحانه معروفا وحيصل له الكمال‬
‫مبعرفتهم اايه تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا (وانه) تعاىل منزه ومربأ عن مجيع صفات‬
‫النقص ومسات احلدوث ليس جبسم وال جسماين وال مكاين وال زماين وله تعاىل مجيع‬
‫صفات الكمال مثانية منها وجودها زائد على وجود الذات تعالت وتقدست وهي احليات‬
‫والعلم والقدرة واالرادة والبصر والسمع والكالم والتكوين وهذه الصفات الثمان موجودة‬
‫يف اخلارج ال اهنا موجودة يف العامل بوجود زائد على وجود الذات ويف اخلارج عينها كما‬
‫ظنه بعض الصوفية وقال {شعر}‪:‬‬
‫وصفات حق يف التعقل غري ذا * ت احلق لكن يف التحقق عينها‬
‫فان هذا يف احلقيقة نفي الصفات فان نفاة الصفات مثل املعتزلة والفالسفة ايضا‬
‫قائلون ابلتغاير العلمي واالحتاد اخلارجي ومل ينكروا التغاير العلمي ومل يقولوا ان مفهوم‬
‫العلم عني مفهوم الذات أو عني مفهوم القدرة واالرادة بل قالوا ابلعينية ابعتبار الوجود‬
‫اخلارجي فما مل يعتربوا تغاير الوجود اخلارجي ال خيرجون من زمرة نفاة الصفات والقول‬
‫ابلتغاير االعتباري أعين حبسب املفهوم والتعقل ال جيديهم نفعا كما عرفت (وانه) تعاىل‬
‫قدمي ازيل ليس لغريه تعاىل قدم وال ازلية أمجع مجيع املليني على هذا احلكم فمن قال بقدم‬
‫غري احلق سبحانه وازليته فقد كفر ومن هذه احليثية كفر االمام الغزايل رمحه هللا ابن سينا‬
‫والفارايب وغريمها فاهنم قائلون بقدم العقول والنفوس وقدم اهليويل والصورة وقال ايضا بقدم‬
‫السموات مبا فيها وقال حضرة شيخنا قدس سره ان الشيخ حميي الدين ابن العريب قائل‬
‫بق دم ارواح الكمل فينبغي صرف هذا الكالم عن ظاهره وان جيعله حمموال على التأويل‬
‫لئال يكون خمالفا المجاع أهل امللل (وانه) تعاىل قادر خمتار منزه عن شائبة االجياب ومربأ‬

‫(‪ )1‬قوله فخلقت اخللق العرف هذا حديث مشهور بني الصوفية ولكنه مل يثبت عند احملدثني وقال علي القاري لكن‬
‫معناه صحيح مستفاد من قوله تعاىل وما خلقت اجلن واالنس اال ليعبدون اي ليعرفون كما فسره ابن عباس رضي هللا‬
‫عنهما‪.‬‬
‫‪- 436 -‬‬

‫عن مظنة االضطرار والفالسفة احلمقاء نفوا االختيار من الواجب تعاىل واثبتوا االجياب له‬
‫سبحانه زعما منهم ان الكمال يف االجياب وهؤالء السفهاء قد جعلوا الواجب تعاىل‬
‫معطال ومهمال ومل يقولوا بصدور غري مصنوع واحد من خالق السموات واالرض وهو‬
‫ايضا صادر عندهم ابالجياب ونسبوا وجود احملداثت اىل العقل الفعال الذي مل يثبت‬
‫وجوده يف غري تومههم وال شغل هلم وال تعلق ابحلق سبحانه و تعاىل يف زعمهم الفاسد‬
‫اصال فيلزمهم ابلضرورة أن يلتجئوا وقت االضطرار اىل العقل الفعال وأن ال يرجعوا اىل‬
‫احلق سبحانه و تعاىل أصال فانه ال مدخل له تعاىل يف وجود احلوادث على زعمهم بل‬
‫القائم ابجياد احلوادث هو العقل الفعال بل ينبغي أن ال يرجعوا اىل العقل الفعال ايضا‬
‫النه ال اختيار له ايضا يف دفع بلياهتم بزعمهم وهؤالء االشقياء أسبق قدما يف اخلبط‬
‫والبالهة من مجيع الفرق الضالة فان الكفار يلتجؤن اىل هللا تعاىل ويطلبون منه دفع البلية‬
‫خبالف هؤالء السفهاء وفيهم شيئان زائدان على ما يف فرق الضالة ارابب البالهة احدمها‬
‫كفرهم ابالحكام املنزلة وانكارهم عليها ومعاندهتم ومعاداهتم لالخبار املرسلة واثنيهما‬
‫ترتيب املقدمات الفاسدة وتلبيس الدالئل والشواهد الباطلة يف اثبات مقاصدهم‬
‫ومطالبهم الواهية واخلبط الذي صدر عنهم يف اثبات مقاصدهم مل يصدر من سفيه اصال‬
‫حيث جعلوا مدار االمر على حركات السموات والكواكب واوضاعها مع اهنا متحريات‬
‫ومضطرابت يف مجيع االوقات وغمضوا عيوهنم عن خالق السموات وموجد الكواكب‬
‫وحمركها ومدبر امورهم واستبعدوا اسناد احلوادث اليه تعاىل ابلذات وابوا عنه ما أبعدهم‬
‫عن العقل ما اخذهلم وما احرمهم من السعادة واشد منهم سفها واكثر محاقة من يزعمهم‬
‫اذكياء وارابب فطانة ومن علومهم املنتظمة علم اهلندسة وهو ال يغين شيئا وال طائل فيه‬
‫أصال يف أي شئ يلزم وماذا يفيد مساوات الزوااي الثالث القائمة من الشكل املثلث واي‬
‫غرض مربوط ابلشكل العروسي والشكل املأموين اللذين مها مبثابة ارواحهم وعلم الطب‬
‫وعلم النجوم وعلم هتذيب االخالق اليت هي أشرف علومهم كل منها مسروق من كتب‬
‫االنبياء املتقدمني على نبينا وعليهم الصالة و السالم وجواهبا اابطيلهم كما صرح به‬
‫‪- 437 -‬‬

‫االمام الغزايل يف املنقذ عن الضالل وال ضرر أن غلط أهل امللة واتباع االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم يف الدالئل والرباهني الن مدار امرهم على متابعة االنبياء عليهم السالم‬
‫وامنا يوردون الرباهني والدالئل يف اثبات مطالبهم العالية على سبيل التربع واال يكفيهم‬
‫تقليدهم اايهم وهؤالء االشقياء اخرجوا رقاهبم عن ربقة التقليد وصاروا يف صدد االثبات‬
‫ابلدالئل فضلوا واضلو وملا وصلت دعوة عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم اىل‬
‫افالطون وكان هو اكرب هؤالء اخلذلة قال حنن قوم مهديون[‪ ]1‬ال حاجة بنا اىل من يهدينا‬
‫ما اسفهه وما اشقاه حيث ادرك شخصا حييي االموات ويربئ االكمه واالبرص كل ذلك‬
‫خارج عن طور حكمتهم ومع ذلك أجابه هبذا اجلواب من غري رؤيته وتفطن احواله‬
‫ومالحظة سريته وذلك من كمال العناد والسفاهة {شعر}‪:‬‬
‫الفلسفة سفه اكثرها وكذا * جمموعها اذ لكل حكم أكثره‬
‫جناان هللا سبحانه عن ظلمات معتقداهتم السوء وقد أمت ولدي حممد معصوم‬
‫مبحث اجلواهر من شرح املواقف يف هذه االايم واتضح قبائح هؤالء السفهاء يف اثناء‬
‫درسه وتربت على ذلك فوائد احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان‬
‫هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق وعبارات الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره ايضا‬
‫انظرة اىل االجياب وله موافقة للفالسفة يف معن القدرة حيث ال جيوز صحة الرتك للقادر‬
‫املختار بل يعتقد لزوم جانب الفعل والعجب أن الشيخ يرى يف النظر يعين نظر الكشف‬
‫من املقبولني وأكثر علومه اليت ختالف آراء أهل احلق تظهر خطأ غري صواب ولعله كان‬
‫معذورا يف اخلطإ الكشفي وارتفعت عنه املالمة عليه مثل اخلطإ االجتهادي وهذا اعتقاد‬
‫خاص ابلفقري يف حق الشيخ اعتقده من املقبولني وارى علومه املخالفة خطأ ومضرة وقوم‬
‫من هذه الطائفة يطعنون يف الشيخ وخيطئونه يف مجيع علومه ومجاعة أخرى من هذه‬
‫الطائفة خيتارون تقليد الشيخ ويعتقدون أنه مصيب يف مجيع علومه ويثبتون حقيقتها‬
‫ابلدالئل والشواهد والشك ان كال هذين الفريقني اختاروا جانب التفريط واالفراط يف‬

‫(‪ )1‬روى مهذبون ويهذبنا‪ .‬عفي عنه‪.‬‬


‫‪- 438 -‬‬

‫حقه وفارقوا توسط االحوال وبعدوا عنه وكيف يرد الشيخ الذي هو من االولياء املقبولني‬
‫بسبب اخلطإ الكشفي وكيف تقبل علومه البعيدة عن الصواب املخالفة آلراء أهل احلق‬
‫مبحض التقليد فاحلق هو التوسط الذي وفقين هللا سبحانه له مبنه وكرمه نعم ان اجلم‬
‫الغفري من هذه الطائفة مشاركون للشيخ يف مسئلة وحدة الوجود وان كان للشيخ يف هذه‬
‫املسئلة طرز خاص أيضا ولكنهم يشاركونه يف أصل الكالم وهذه املسئلة وان كانت أيضا‬
‫خمالفة ملعتقدات أهل احلق ولكنها قابلة للتوجيه وصاحلة للجمع هبا وقد طبق هذا الفقري‬
‫بع ناية هللا تعاىل يف شرح رابعيات حضرة شيخنا هذه املسئلة على معتقدات أهل احلق‬
‫ومجع بينهما وأعاد نزاع الفريقني اىل اللفظ وحل شكوك الطرفني وشبهاهتما على هنج مل‬
‫يبق فيها حمل ريب واشتباه أصال كما ال خيفى على الناظر فيه (ينبغي) ان يعلم ان‬
‫املمكنات أبسرها جواهرها واعراضها واجسامها وعقوهلا ونفوسها وافالكها وعناصرها‬
‫مستندة اىل اجياد القادر املختار الذي اخرجها من كتم العدم اىل عرصة الوجود وكما اهنا‬
‫حمتاجة اليه تعاىل يف الوجود كذلك هي حمتاجة اليه سبحانه يف البقاء ايضا وامنا جعل هللا‬
‫سبحانه وجود االسباب والوسائط نقااب لوجه فعله وجعل احلكمة قبااب لقدرته ال بل‬
‫جعل االسباب دالئل لثبوت فعله واحلكمة وسيلة اىل وجود قدرته فان أرابب الفطانة‬
‫الذين بصائرهم مكتحلة بكحل متابعة االنبياء عليهم الصالة و السالم يعلمون ان‬
‫االسباب والوسائل اليت هي حمتاجة يف الوجود اليه تعاىل وهلا ثبوت وقيام منه ومعه تعاىل‬
‫وتقدس يف احلقيقة مجادات حمضة كيف تؤثر يف شئ آخر مثلها وحتدثه وخترتعه بل وراء‬
‫تلك االسباب قادر يوجد ذلك الشئ ويعطيه الكماالت الالئقة به اال ترى ان العقالء‬
‫اذا رأوا فعال من مجاد حمض مثال ينتقل منه ذهنهم اىل فاعله وحمركه الهنم يعلمون يقينا ان‬
‫هذا الفعل ليس يف حوصلة حاله بل وراءه فاعل موجد هلذا الفعل فلم يكن فعل اجلماد‬
‫عند العقالء نقااب لوجه فعل الفاعل احلقيقي بل كان ذلك الفعل نظر اىل مجادية مصدره‬
‫دليال على وجود الفاعل احلقيقي فكذا هذا نعم ان فعل اجلماد نقاب لوجه فعل الفاعل‬
‫احلقيقي يف نظر االبله حيث يزعم اجلماد احملض من كمال غباوته بواسطة صدور ذلك‬
‫‪- 439 -‬‬

‫الفعل عنه صاحب قدرة ويكفر ابلفاعل احلققي يضل به كثريا ويهدي به كثريا وهذه‬
‫املعرفة مقتبسة من مشكاة النبوة ال يدركها فهم كل احد وهلذا ترى طائفة يعتقدون‬
‫الكمال يف رفع االسباب ودفعها وينسبون االشياء اىل احلق سبحانه ابتداء من غري توسط‬
‫االسباب وال يدرون ان رفع االسباب رفع احلكمة اليت يف ضمنها مصاحل ال حتصى ربنا‬
‫ما خلقت هذا ابطال كيف واالنبياء عليهم الصالة و السالم كانوا يراعون االسباب ومع‬
‫تلك املراعاة كانوا يفوضون امورهم اىل احلق سبحانه و تعاىل كما قال يعقوب على نبينا‬
‫وعليه الصالة و السالم وصية لبنيه مالحظا الصابة العني اي بين ال تدخلوا من ابب‬
‫واحد وادخلوا من ابواب متفرقة اآلية ومع وجود هذه املراعاة قال تفويضا امره اىل هللا‬
‫تعاىل وما اغين عنكم من هللا من شئ ان احلكم اال هلل عليه توكلت وعليه فليتوكل‬
‫املتوكلون واستصوب سبحانه هذه املعرفة منه واستحسنها ونسبها اىل نفسه حيث قال‬
‫بعد ذلك وانه لذو علم ملا علمناه اآلية واشار احلق سبحانه يف القرآن اجمليد فيما خاطب‬
‫[‪]1‬‬
‫به نبينا صلّى هللا عليه و سلّم اىل توسط االسباب وقال اي ايها النيب حسبك هللا ومن‬
‫اتبعك من املؤمنني (بقي) الكالم يف أتثري االسباب وجيوز ان خيلق هللا سبحانه يف بعض‬
‫االوقات أتثريا يف االسباب فتكون مؤثرة وجيوز ان ال خيلق التأثري فيها يف بعض االوقات‬
‫فال يرتتب عليها اثر اصال ابلضرورة كما اان نشاهد هذا املعن فان بعض االسباب يرتتب‬
‫عليها وجود املسببات أحياان ويف بعض االوقات ال يظهر منها أثر ما اصال فاالنكار على‬
‫أتثري االسباب مطلقا مكابرة ينبغي ان يقول ابلتأثري وينبغي ان يعتقد ان وجود ذلك‬
‫التأثري كوجود نفس السبب ابجياد هللا سبحانه هذا هو رأي الفقري يف هذه املسئلة وهللا‬
‫سبحانه اعلم (فالح) من هذا البيان ان التمسك ابالسباب ليس مبناف للتوكل كما ظن‬
‫الناقصون بل يف التمسك ابالسباب كمال التوكل فان يعقوب عليه السالم اطلق التوكل‬
‫على مراعاة االسباب مع تفويض االمر اىل احلق جل وعال حيث قال عليه توكلت وعليه‬
‫فليتوكل املتوكلون (وانه تعاىل) مريد اخلري والشر وخالق كل منهما ولكنه راض ابخلري وغري‬

‫(‪ )1‬وهذا على تقدير كون املوصول مرفوعا معطوفا على لفظ اجلاللة‪ .‬عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 440 -‬‬

‫راض ابلشر وبني الرضا واالرادة فرق دقيق هدى هللا سبحانه أهل السنة اىل هذا الفرق‬
‫وبقى سائر الفرق يف الضاللة لعدم اهتدائهم اىل هذا الفرق ومن ههنا قالت املعتزلة ان‬
‫العبد خالق الفعاله ونسبوا اجياد الكفر واملعاصي اليه ويفهم من كالم الشيخ حميي الدين‬
‫واتبا عه ان االميان مرضي االسم اهلادي وكذا االعمال الصاحلة والكفر مرضي االسم‬
‫املضل وكذا املعاصي وهذا الكالم ايضا خمالف ملا عليه اهل احلق وفيه ميل اىل االجياب‬
‫لكونه منشأ للرضا كما يقال االشراق مرضي الشمس يعين الزمها و(وقد أعطى) احلق‬
‫سبحانه عباده قدرة وارادة يكتسبون هبما االفعال ابختيارهم فخلق االفعال منسوب اىل‬
‫هللا سبحانه وكسبها اىل العباد وعادة هللا سبحانه جارية على ان العبد اذا قصد فعل شئ‬
‫من أفعاله وتشبث ابسبابه يتعلق بذلك الفعل خلقه سبحانه و تعاىل فاذا كان صدور‬
‫الفعل من العبد بقصده واختياره يكون متعلق املدح والذم والثواب والعقاب ابلضرورة وما‬
‫قيل ان اختيار العبد ضعيف فان كان املراد به أنه ضعيف ابلنسبة اىل ارادة هللا تعاىل‬
‫فمسلم وان كان أنه غري كاف يف أداء الفعل املأمور به فغري صحيح فان هللا سبحانه ال‬
‫يكلف العبد مبا ليس يف وسعه بل يريد اليسر وال يريد العسر غاية ما يف الباب ان حكمة‬
‫اجلزاء املخلد على الفعل املوقت مفوضة اىل تقدير احلق وعلمه تعاىل وقد قال يف حق‬
‫اجلزاء املخلد على الكفر املوقت جزاء وفاقا وجعل التلذذات الدائمة مسببة من االميان‬
‫املوقت ومرتتبة عليه ذلك تقدير العزيز العليم ولكن نعرف بتوفيق هللا سبحانه ان اختيار‬
‫الكفر ابلنسبة اىل احلق سبحانه و تعاىل الذي هو موىل النعم الظاهرة والباطنة وموجد‬
‫السموات واالرض وما من عظمة وكمال اال هو اثبت له تعاىل يقتضى أن يكون جزاء‬
‫ذلك الكفر من أشد العقوابت وهو اخللود يف عذاب النار وكذلك االميان ابلغيب مبثل‬
‫هذا املنعم العظيم الشأ ن وتصديقه مع وجود مزامحة النفس والشيطان وممانعة سائر‬
‫االكوان يستدعي أن يكون جزاؤه من أفضل اجلزاء وهو اخللود يف التنعمات والتلذذات يف‬
‫اجلنان قال بعض املشائخ ان دخول اجلنة مربوط يف احلقيقة بفضل احلق سبحانه وامنا‬
‫جعل منوطا ابالميان بناء على ان كلما يكون جزاء االعمال يكون ألذ وعند الفقري ان‬
‫‪- 441 -‬‬

‫دخول اجلنة يف احلقيقة مربوط ابالميان ولكن االميان فضل من املنان وعطية من ذي اجلود‬
‫واالحسان ودخول النار مربوط ابلكفر والكفر انش من هوى النفس والطغيان ما أصابك‬
‫من حسنة فمن هللا وما أصابك من سيئة فمن نفسك (ينبغي) ان يعلم ان جعل دخول‬
‫اجلنة مربوطا ابالميان يف احلقيقة تعظيم االميان بل تعظيم املؤمن به حيث ترتب عليه مثل‬
‫هذا االجر العظيم القدر وكذلك جعل دخول النار مربوطا ابلكفر حتقري للكفر وتنقيص‬
‫ملن وقع هذا الكفر ابلنسبة اليه (فرتتب) مثل هذه العقوبة الدائمة عليه خبالف ما قال به‬
‫بعض املشائخ فانه خال عن هذه الدقيقة وايضا ان هذا الوجه ال يتمشى يف دخول النار‬
‫الذي هو عديله فان دخول النار يف احلقيقة مربوط ابلكفر وهللا سبحانه امللهم للصواب‬
‫هذا (ويرى) املؤمنون احلق سبحانه يف اآلخرة يف اجلنة من غري جهة وال كيف وال شبه وال‬
‫مثال وانكر على ذلك مج يع الفرق مليهم وغري مليهم خال أهل السنة فاهنم ال جيوزون‬
‫الرؤية بال جهة وال كيف حت ان نسخ الشيخ حميي الدين ابن العريب تنزل الرؤية االخروية‬
‫اىل التجلي الصوري وال جيوز غري التجلي نقل حضرة شيخنا يوما عن الشيخ أنه قال ان‬
‫املعتزلة لو مل تقيدوا الرؤية مبرتبة التنزيه وقالوا ابلتشبيه أيضا وتصوروا الرؤية عني هذا‬
‫التجلي ملا انكروا الرؤية أصال وملا استحالوها يعين أن انكارهم عليها امنا هو من حيثية‬
‫كوهنا بال جهة وال كيف مما هو خمصوص مبرتبة التنزيه خبالف هذا التجلي فان اجلهة‬
‫والكيف ملحوظان فيه (ال خيفى) ان تنزيل الرؤية االخروية اىل التجلي الصوري انكار‬
‫عليها يف احلقيقة فان ذلك التجلي الصوري وان كان مغايرا للتجليات الصورية الدنيوية‬
‫ليس هو رؤية احلق تعاىل {نظم}‪:‬‬
‫يراه املؤمنون بغري كيف * وارداك وضرب من مثال‬
‫(وبعثة) االنبياء عليهم الصالة و السالم رمحة للعاملني فلو مل تكن وساطة هؤالء‬
‫الكرباء من كان يدلنا على معرفة ذات واجب الوجود وصفاته ومن كان مييز لنا مرضيات‬
‫موالان جل شأنه عن غري مرضياته فان عقولنا الناقصة مبعزل عن هذا املعن بدون أتييد‬
‫نور دعوهتم وافهامنا القاصرة خمبولة يف هذه املعاملة من غري تقليد هؤالء االكابر نعم ان‬
‫‪- 442 -‬‬

‫الع قل وان كان حجة ولكنه غري اتم يف احلجية وغري ابلغ مرتبة البلوغ واحلجة البالغة امنا‬
‫هي بعثة االنبياء عليهم السالم والعذاب والثواب االخرواين منوطان هبا (فان قيل) اذا‬
‫كان العذاب الدائمي االخروي منوطا ابلبعثة فبأي معن تكون البعثة رمحة للعاملني أجيب‬
‫إن البعثة عني الرمحة الهنا سبب ملعرفة ذات واجب الوجود وصفاته تعاىل وتقدس وهي‬
‫متضمنة لسعادة دنيوية وأخروية وبدولة البعثة امتاز ما هو الالئق جبناب قدسه تعاىل عما‬
‫هو غري الئق به فان عقولنا العرجي العمي اليت هي متسمة بسمة االمكان واحلدوث‬
‫كيف تعرف وكيف تدرك ما هو مناسب حلضرة الوجوب الذي من لوزامه القدم من‬
‫االمساء والصفات وماال يناسبه منها حت يطلق عليه ذاك وجيتنب من هذا بل هو كثريا ما‬
‫يزعم من نقصه الكمال نقصاان والنقص كماال وهذا التمييز عند الفقري فوق مجيع النعم‬
‫الظاهرة والباطنة وأشد احملرومني من السعادة من ينسب اىل جناب قدسه تعاىل امورا غري‬
‫مناسبة واشياء غري الئقة به تعاىل والذي ميز احلق عن الباطل هو البعثة والذي فرق بني‬
‫املستحق للعبادة وبني غري املستحق هلا هو البعثة وبواسطتها يدعي العباد اىل طريق احلق‬
‫جل وعال وهبا يصلون اىل سعادة قرب املوىل ووصله جل سلطانه وبسبب البعثة يتيسر‬
‫االطالع على مرضيات املوىل جل شأنه كما مر وهبا يتميز جواز التصرف يف ملكه تعاىل‬
‫عن عدم جوازه وامثال هذه الفوائد يف البعثة كثرية فتقرر ان البعثة رمحة ومن كان منقادا‬
‫للنفس وانكر البعثة تبعا حلكم الشيطان اللعني ومل يعمل مبقتضى حكم البعثة فما ذنب‬
‫البعثة ف يه وكيف ال تكون البعثة رمحة بسبب خذالنه (فان قيل) سلمنا أن العقل انقص‬
‫غري اتم يف حد ذاته يف حق معرفة االحكام االهلية جل شأنه ولكن مل ال جيوز ان حيصل‬
‫للعقل بعد حصول التصفية والتزكية له مناسبة واتصال بال كيف مبرتبة الوجوب تعالت‬
‫وتقدست فيأخذ االحكام هناك بتلك املناسبة واالتصال فال حيتاج حينئذ اىل البعثة اليت‬
‫هي بواسطة امللك (اجيب) أن العقل وان حصل له تلك املناسبة واالتصال ولكن ال‬
‫يزول عنه التعلق هبذا اجلسم اهليوالين ابلكلية وال حيصل له التجرد التام فتكون القوة‬
‫الومهية يف عقبه دائما وال ترتك القوة املتخيلة ذيل خياله أصال وتكون القوة الغضبية‬
‫‪- 443 -‬‬

‫والشهوية مصاحبتني له يف مجيع االزمان وتكون رذيلة احلرص وشره ندمييه يف كل أوان وال‬
‫ينفك عنه الشهوة والنسيان اللذان مها من لوازم نوع االنسان دائما وال يفارقه اخلطأ‬
‫والغلط اللذان مها من خواص هذه النشأة أبدا فال يكون العقل اذا حقيقا وحراي‬
‫ابالعتماد وال تكون االحكام املأخوذة بواسطته مصونة من سلطان الوهم وتصرف اخليال‬
‫وال حمفوظة من شائبة اخلطإ ومظنة النسيان خبالف امللك فانه منزه عن هذه االوصاف‬
‫مربأ عن هذه الرذائل فيكون مستحقا لالعتماد وتكون االحكام املتلقاة منه مصونة من‬
‫شائبة الوهم واخليال ومظنة اخلطأ والنسيان وقد حيس يف بعض االوقات أن االحكام‬
‫املأخوذة بلقاء الرحانيني واملعارف املتلقاة منهم ينضم اليها يف أثناء تبليغها ابلقوى‬
‫واحلواس بعض املقدمات املسلمة غري الصادقة احلاصلة من طريق الوهم واخليال أو غريمها‬
‫بال اختيار حبيث ال ميكن متييزها يف ذلك الوقت عن تلك االحكام ورمبا حيصل ذلك‬
‫التمييز يف وقت آخر ورمبا ال حيصل فال جرم يعرض هلذه العلوم بواسطة خمالطة تلك‬
‫املقدمات هيئة الكذب فتخرج به عن ان تكون معتمدا عليها (أو نقول) ان حصول‬
‫التزكية والتصفية منوط ابتيان االعمال الصاحلة اليت هي مرضيات احلق سبحانه و تعاىل‬
‫ومعرفة ذلك موقوفة على البعثة كما مر فال يتيسر حصول حقيقة التصفية والتزكية بدون‬
‫البعثة والصفاء احلاصل للكفار والفساق هو صفاء النفس ال صفاء القلب وصفاء النفس‬
‫ال يزيد شيئا غري الضاللة وال يورث شيئا غري اخلسارة وكشف بعض االمور الغيبية الذي‬
‫حيص ل للكفار والفساق وقت صفاء نفوسهم استدراج يف حقهم يقصد به هالكهم‬
‫وخسارهتم جناان هللا سبحانه من هذه البلية حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم الصالة و‬
‫السالم (واتضح) من هذا التحقيق ان التكاليف الشرعية الثابتة من طريق البعثة أيضا‬
‫رمحة ال كما زعمه املنكرون عليها من املالحدة والزاندقة من اعتقادها كلفة وغري معقولة‬
‫حت قالوا أي شفقة يف تكليف العباد أبمور شاقة مث يقال هلم من عمل مبقتضى هذا‬
‫التكليف يدخل اجلنة ومن ارتكب خالفه يدخل النار كيف ال يكلفون بل يرتكون‬
‫أيكلون وينامون وميشون على طور عقوهلم ومقتضى طبائعهم أما يعلم هؤالء اخلبثاء‬
‫‪- 444 -‬‬

‫اخلائبون ان شكر املنعم واجب عقال وهذه التكليفات الشرعية بيان كيفية اداء ذلك‬
‫الشكر فيكون التكليف واجبا ابلعقل وأيضا ان نظام هذا العامل وانتظام أمره منوط هبذا‬
‫التكليف فانه اذا ترك كل أحد على طوره وخلي على طبعه ال يظهر فيه غري الشر‬
‫والفساد ويعتدي كل مهوس على نفس اآلخر وماله ويتغلب عليه ابخلبث والفساد فيضيع‬
‫نفسه عند عدم الزواجر الشرعية وموانعها ويضيع غريه عياذا ابهلل سبحانه و تعاىل ولكم‬
‫يف القصاص حياة اي أويل االلباب‬
‫لوال االمري الذي ختشى بوادره * لقاءت الزنج يف حببوحة احلرم‬
‫(أو نقول) ان هللا تعاىل مالك على االطالق والعباد كلهم مماليكه سبحانه فكل‬
‫حكم وتصرف جيريه عليهم فهو عني اخلري و الصالح هلم وهو منزه ومربأ عن شائبة الظلم‬
‫والفساد يف ذلك ال يسئل عما يفعل {شعر}‪:‬‬
‫من ذا الذي يف فعله يتكلم * دون الرضا اي صاح والتسليم‬
‫فان ادخل اجلميع اىل النار وعذهبم ابلعذاب االبدي فليس ذلك منه مبحل‬
‫لالعرتاض وليس تصرفا يف ملك الغري حت تكون فيه شائبة اجلور خبالف تصرفنا يف‬
‫امالكنا اليت كلها أمالكه تعاىل يف احلقيقة ومجيع التصرفات منا فيها عني الظلم فان‬
‫صاحب الشرع امنا نسب هذه االمالك الينا بسبب بعض املصاحل واال فهي يف احلقيقة‬
‫امالكه تعاىل فجواز تصرفنا فيها مقصور على القدر الذي جوزه لنا املالك على االطالق‬
‫واابحه (ومجيع) ما اخرب به هؤالء االكابر عليهم الصالة و السالم ابعالم احلق جل وعال‬
‫وما بينوا من االحكام كلها صادقة ومطابقة للواقع وان جوز العلماء اخلطأ يف أحكامهم‬
‫االجتهادية ولكنهم مل جيوزوا تقريرهم على اخلطإ بل قالوا اهنم ينبهون عليه بال أتخري‬
‫فيتداركونه ابلصواب فال اعتداد بذلك اخلطإ (وعذاب القرب) للكافرين ولبعض عصاة‬
‫املؤمنني حق قد اخرب به املخرب الصادق (وسؤال) منكر ونكري للمؤمنني والكافرين يف‬
‫القرب أيضا حق والقرب برزخ بني الدنيا واآلخرة وعذابه ايضا من وجه مناسب لعذاب‬
‫الدنيا فيقبل االنقطاع ومن وجه مناسب لعذاب اآلخرة بل هو من عذاب اآلخرة يف‬
‫‪- 445 -‬‬

‫احلقيقة وقوله تعاىل النار يعرضون عليها غدوا وعشيا نزل يف عذاب القرب وكذلك راحة‬
‫القرب هلا جهتان والسعيد من يغفر زالته ومعاصيه بكمال الكرم والرأفة وال يؤاخذ فان‬
‫يؤاخذ امنا يؤاخذ آبالم الدنيا وحمنها و يكون ذلك كفارة لذنوبه من كمال الرمحة فان‬
‫بقيت منها بقية تكفر بضغطة القرب واحملن املهيأة لذلك املوطن حت يبعث يف احملشر‬
‫طاهرا ومطهرا و من مل يعامل به هذه املعاملة بل أخرت مؤاخذته اىل اآلخرة فهو عني‬
‫العدل ولكن ويل للعاصني واخلاطئني واما من كان من أهل االسالم فمآله اىل الرمحة‬
‫وحمفوظ من العذاب االبدي وذلك ايضا نعمة عظيمة ربنا أمتم لنا نوران واغفر لنا انك‬
‫على كل شئ قدير حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم الصالة و السالم (ويوم القيامة) حق‬
‫وتكون السموات والكواكب واالرض واجلبال والبحار واحليواانت والنبااتت واملعادن‬
‫معدومة ومتالشية ويومئذ تنشق السموات وتنتثر الكواكب و يكون االرض واجلبال هباء‬
‫منثورا وهذا االعدام واالفناء يتعلق ابلنفخة األوىل وابلنفخة الثانية يقوم اخلالئق من‬
‫قبورهم ويذهبون اىل احملشر والفالسفة ال جيوزون اعدام السموات والكواكب والفناء‬
‫والفساد هلا ويقولون أبزليتها وأبديتها ومع ذلك جيعل املتأخرون منهم أنفسهم من زمرة‬
‫أهل االسالم وأيتون ببعض احكام االسالم يعين يعملون هبا والعجب من بعض أهل‬
‫االسالم أنه كيف يصدق منهم هذا املعن ويعتقدهم مسلمني من غري حتاش واعجب من‬
‫ذلك ان بعض املسلمني يعتقد اسالم بعض من هذه اجلماعة كامال ويظن طعنهم‬
‫وتشنيعهم منكرا و احلال اهنم منكرون على النصوص القطعية وامجاع االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم قال هللا تعاىل اذا الشمس كورت واذا النجوم انكدرت وقال تعاىل اذا‬
‫السماء انشقت وأذنت لرهبا وحقت وقال تعاىل وفتحت السماء فكانت أبوااب أي شقت‬
‫وامثال ذلك يف القرآن كثرية أوال يعلمون ان جمرد التفوه بكلمة الشهادة غري كاف يف‬
‫االسالم بل البد من تصديق مجيع ما علم جميئه من الدين ابلضرورة والتربي من الكفر‬
‫ولوازمه أيضا حت يتصور االسالم وبدونه خرط القتاد (والصراط) حق وامليزان حق‬
‫واحلساب حق قد اخرب بكل منها املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫‪- 446 -‬‬

‫واستبعاد بعض اجلاهلني بطور النبوة وجود هذه االمور ساقط عن حيز االعتبار فان طور‬
‫النبوة وراء طور العقل وتطبيق مجيع أخبار االنبياء الصادقة على نظر العقل والتوفيق‬
‫بينهما انكار يف احلقيقة على طور النبوة واملعاملة هناك امنا هي ابلتقليد أمل يعلموا أن طور‬
‫النبوة خمالف لطور العقل بل ال يقدر العقل أن يهتدي اىل تلك املطالب العالية بدون‬
‫أتييد تقليد االنبياء عليهم الصالة و السالم واملخالفة غري عدم االدراك فان املخالفة امنا‬
‫تتصور بعد االدراك (واجلنة والنار) موجوداتن تدخل طائفة اجلنة بعد احملاسبة يوم القيامة‬
‫وطائفة تدخل النار وثواب أهل اجلنة وعقاب أهل النار ابداين ال ينقطعان كما دلت‬
‫عليه النصوص القطعية املؤكدة قال صاحب الفصوص مآل الكل اىل الرمحة ان رمحيت‬
‫وسعت كل شئ ويثبت ا لعذاب للكفار اىل ثلثة احقاب ويقول مث تصري النار يف حقهم‬
‫بردا وسالما كما كانت للخليل على نبينا وعليهم الصالة و السالم وجيوز اخللف يف‬
‫وعيده سبحانه ويقول مل يذهب احد من أرابب القلوب اىل خلود الكفار يف عذاب النار‬
‫وهو قد وقع يف هذه املسئلة أيضا بعيدا عن الصواب مل يدر ان سعة الرمحة وعمومها يف‬
‫حق املؤمنني والكافرين خمصوصة ابلدنيا وأما يف اآلخرة فال تصل رائحة الرمحة اىل مشام‬
‫الكفار كما قال هللا تعاىل انه ال ييأس من روح هللا اال القوم الكافرون وقال تعاىل بعد‬
‫قوله سبحانه ورمحيت وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم‬
‫آبايتنا يؤمنون وكأن الشيخ قرأ أول اآلية وترك آخرها وليس يف قوله تعاىل وال حتسنب هللا‬
‫خملف وعده رسله داللة على خصوصية عدم اجلواز خبلف الوعد النه ال جيوز االقتصار‬
‫هنا على عدم خلف الوعد بناء على ان املراد من الوعد هنا الوعد بتصرف الرسل‬
‫وتسلطهم على الكفار وغلبتهم عليهم وهو متضمن للوعد و الوعيد مجيعا وعد للرسل‬
‫ووعيد للكفار فدلت هذه االية على انتفاء خلف الوعد وخلف الوعيد مجيعا فاآلية‬
‫مستشهد هبا عليه ال له وأيضا ان اخللف يف الوعيد كاخللف يف الوعد مستلزم للكذب‬
‫وما ال يليق به سبحانه الن حقيقة هذا القول ان هللا تعاىل علم يف االزل انه ال خيلد‬
‫الكفار يف عذاب النار ومع ذلك اخرب خبالف علمه رعاية ملصلحة وقال اعذهبم ابلعذاب‬
‫‪- 447 -‬‬

‫املخلد ويف جتويز هذا املعن شناعة اتمة سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سالم على‬
‫املرسلني امجاع ارابب القلوب على عدم خلود الكفار يف عذاب النار من كشفيات‬
‫الشيخ وجمال اخلطإ يف الكشف كثري فال اعتداد به مع كونه خمالفا المجاع املسلمني‬
‫(واملالئكة) عباد هللا سبحانه معصومون من العصيان وحمفوظون من اخلطإ والنسيان ال‬
‫يعصون هللا ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ال أيكلون وال يشربون ال يوصفون بذكورة وال‬
‫انوثة فهم مربؤن عنهما ومنزهون وتذكري الضمائر الراجعة اليهم يف القرآن اجمليد امنا هو‬
‫ابعتبار شرف صنف الذكور ابلنسبة اىل صنف االانث كما اورد احلق سبحانه الضمائر‬
‫الراجعة اىل نفسه مذكرة وقد اصطفى احلق سبحانه بعضهم للرسالة كما شرف بعض‬
‫االنسان هبذه الدولة هللا يصطفي من املالئكة رسال ومن الناس ومجهور علماء أهل احلق‬
‫على ان خواص البشر أفضل من خواص املالئكة وقال االمام الغزايل وامام احلرمني‬
‫وصاحب الفتوحات املكية ابفضلية خواص املالئكة من خواص البشر وما ظهر هلذا‬
‫الفقري ان والية امللك أفضل من والية االنبياء عليهم الصالة و السالم ولكن يف النبوة‬
‫والرسالة درجة لالنبياء مل يبلغها ملك قط وهذه الدرجة انشئة من جهة العنصر الرتايب‬
‫الذي هو خمصوص ابلبشر وظهر ايضا هلذا الفقري ان كماالت الوالية ال اعتداد هبا‬
‫ابلنسبة اىل كماالت النبوة وليت هلا حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط فاملزية الناشئة‬
‫من طريق النبوة تكون زائدة ابضعاف مضاعفة على املزية الناشئة من طريق الوالية‬
‫فاالفضلية على االطالق اثبتة لالنبياء عليهم الصالة و السالم والفضل جزئي للمالئكة‬
‫الكرام عليهم السالم فالصواب ما قاله اجلمهور من العلماء االعالم شكر هللا سعيهم يوم‬
‫القيام (فال ح) من هذا التحقيق انه ال يبلغ ويل قط درجة نيب من االنبياء عليهم السالم‬
‫بل يكون رأس الويل حتت قدم نيب على الدوام (ينبغي) ان يعلم انه ما من مسئلة اختلف‬
‫فيها العلماء والصوفية اال اذا لوحظ فيها حق املالحظة يوجد احلق فيها يف جانب العلماء‬
‫وسر ذلك ان نظر العلماء بواسطة متابعة االنبياء عليهم السالم انفذ اىل كماالت النبوة‬
‫وعلومها ونظر الصوفية مقصور على كماالت الوالية ومعارفها فال جرم يكون العلم‬
‫‪- 448 -‬‬

‫املأخوذ من مشكاة النبوة اصوب واصح من العلم املأخوذ من مرتبة الوالية وحتقيق بعض‬
‫هذه املعارف مندرج يف املكتوب املسطور ابسم ولدي االرشد فان بقي هنا شئ من‬
‫اخلفاء فلرياجع هناك (واالميان) عبارة عن تصديق قليب مبا بلغنا من الدين بطريق الضرورة‬
‫والتواتر وقالوا االقرار اللساين ايضا ركن من االميان حمتمل للسقوط وعالمة هذا التصديق‬
‫التربي من الكفر والتجنب عن لوازمه وخصائصه وكلما هو من فعل الكفار كشد الزانر‬
‫وامثاله فان مل يتربأ من الكفر عياذا ابهلل سبحانه مع دعوى التصديق ظهر انه متسم بسمة‬
‫االرتداد وحكمه يف احلقيقة حكم املنافق ال اىل هؤالء وال اىل هؤالء فالبد اذا يف حتقق‬
‫االميان من التربي من الكفر وادىن هذا التربي قليب واعاله التربي حبسب القلب والقالب‬
‫والتربي عبارة عن معاداة اعداء احلق جل و عال سواء كانت هذه املعاداة ابلقلب فقط‬
‫كما اذا خيف من ضررهم أو ابلقلب والقالب معا اذا مل يكن ضرر اخلوف وقوله تعاىل اي‬
‫أيها النيب جاهد الكفار واملنافقني واغلظ عليهم مؤيد هلذا املعن فان حمبة احلق سبحانه‬
‫وحمبة رسوله عليه الصالة و السالم ال تتصور بدون معاداة اعداء هللا ورسوله {ع}‪:‬‬
‫وليس حميب من حيب اعاداي‬
‫واجراء الشيعة الشنيعة هذه القضية يف مواالة أهل البيت وجعلهم التربي من‬
‫اخللفاء الثالثة وغريهم من الصحابة شرطا هلا غري مناسب فان التربي الذي هو من شرط‬
‫مواالة االحباب هو التربي من االعداء ال مطلق التربي عمن سواهم ال جيوز عاقل‬
‫منصف كون اصحاب النيب عليه الصالة و السالم اعداء فان هؤالء االكابر بذلوا امواهلم‬
‫وانفسهم يف حمبته عليه الصالة و السالم وتركوا اجلاه والرايسة فكيف جيوز نسبة عداوة‬
‫اهل البيت اليهم ولزوم حمبة أهل بيته عليه الصالة و السالم اثبت ابلنص القطعي‬
‫وجعلت حمبتهم اجرة الدعوة قل ال اسئلكم عليه اجرا اال املودة يف القريب ومن يقرتف‬
‫حسنة نزد له فيها حسنا وابراهيم اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم امنا انل ما انل‬
‫من الدرجة القصوى وصار أصل شجرة النبوة بواسطة تربيه من اعدائه تعاىل قال هللا تعاىل‬
‫قد كانت لكم اسوة حسنة يف ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم اان برآء منكم ومما‬
‫‪- 449 -‬‬

‫تعبدون من دون هللا كفران بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابدا حت تؤمنوا ابهلل‬
‫وحده وال عمل من االعمال يف نظر هذا الفقري أفضل من هذا التربي يف حصول رضا‬
‫احلق جل وعال وان للحق سبحانه و تعاىل عداوة ذاتية مع الكفر والكفرة واآلهلة الباطلة‬
‫اآلفاقية مثل الالت والعزى وعبدهتا اعداء احلق سبحانه ابلذات واخللود يف النار جزاء هذا‬
‫العمل الشنيع وهذه احلالة مفقودة يف اآلهلة الباطلة االنفسية وسائر االعمال السيئة فان‬
‫العداوة والغضب ابلنسبة اىل هذه املذكورات ليست بذاتية فان كان هناك غضب فهو‬
‫راجع اىل الصفات وان كان عقاب او عتاب فهو راجع اىل االفعال وهلذا مل يكن اخللود‬
‫يف النار جزاء هذه السيئات بل جعل احلق سبحانه مغفرهتم منوطة مبشيئته (ينبغي) أن‬
‫يعلم أنه مل ا حتقق العداوة الذاتية يف حق الكفر والكفار امتنع أن تشمل الرمحة والرأفة‬
‫اللتان مها من صفات اجلمال يف اآلخرة الكفار وان ترفع صفة الرمحة العداوة الذاتية فان‬
‫املتعلق ابلذات اقوى وارفع مما هو متعلق ابلصفة فمقتضى الصفات ال يقدر ان يبدل‬
‫ويغري مقتضى الذات وما ورد يف احلديث القدسي سبقت[‪ ]1‬رمحيت غضيب فاملراد‬
‫ابلغضب فيه ينبغي أن يكون الغضب الصفايت الذي هو مقصور على عصاة املؤمنني ال‬
‫الغضب املخصوص ابملشركني (فان قيل) ان للكفار نصيبا من الرمحة يف الدنيا كما‬
‫حققته فيما سبق فكيف تكون صفة الرمحة يف الدنيا رافعة للعداوة الذاتية (اجيب أن‬
‫حصول الرمحة للكافرين يف الدنيا امنا هو ابعتبار الظاهر والصورة واما يف احلقيقة فهو‬
‫استدراج ومكيدة يف حقهم وقوله تعاىل احيسبون امنا مندهم به من مال وبنني نسارع هلم‬
‫يف اخلريات بل ال يشعرون وقوله تعاىل سنستدرجهم من حيث ال يعلمون واملي هلم ان‬
‫كيدي متني شاهد هلذا املعن فليفهم {فائدة جليلة} ان عذاب النار االبدي جزاء الكفر‬
‫فان قيل ان شخصا مع وجود االميان جيري رسوم الكفر ويعظم مراسم أهل الكفر وحيكم‬
‫العلماء بكفره ويعدونه من اهل االرتداد بفعله كما أن أكثر مسلمي اهلنود مبتلون هبذه‬
‫البلية فيلزم أن يكون الشخص معذاب يف اآلخرة ابلعذاب االبدي مبقتضى فتوى العلماء‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان عن ايب هريرة رضي هللا عنه‬


‫‪- 450 -‬‬

‫واحلال أنه قد ورد يف االخبار الصحاح أن من كان يف قلبه مثقال ذرة من االميان خيرج‬
‫من النريان وال خيلد يف العذاب فما حتقيق هذه املسئلة عندك (اقول) ان كان كافرا حمضا‬
‫فنصيبه العذاب املخلد اعاذان هللا سبحانه منه وان كان فيه مقدار ذرة من االميان مع‬
‫وجود اتيان مراسم الكفر يعذب يف النار ولكن املرجو خالصه من اخللود يف النار بربكة‬
‫تلك الذرة من االميان وجناته من دوام االستقرار يف عذاب النريان وقد ذهبت مرة لعيادة‬
‫شخص قد قرب من االحتضار وملا كنت متوجها اىل حاله رأيت قلبه يف ظلمات شديدة‬
‫وكلما كنت متوجها لرفع تلك الظلمات مل ترتفع فعلم بعد توجه كثري أن تلك الظلمات‬
‫انشئة من صفة الكفر اليت هي مكنونة فيه ومنشأ تلك الكدورات هو مواالته أهل الكفر‬
‫وابن يل أنه ال ينبغي التوجه لدفع تلك الظلمات فان تنقيته منها مربوطة بعذاب النار‬
‫الذي هو جزاء الكفر وعلم أيضا ان فيه مقدار ذرة من االميان وانه يتخلص من اخللود يف‬
‫عذاب النريان بربكة ذلك املقدار من االميان وملا شاهدت فيه هذا احلال وقع يف خاطري‬
‫انه هل جيوز أن يصلى عليه أوال فظهر بعد التوجه انه ينبغي أن يصلى عليه فاملسلمون‬
‫الذين جيرون رسوم أهل الكفر مع وجود االميان ويعظمون اايمهم ينبغي أن يصلى عليهم‬
‫وال ينبغي احلاقهم ابلكفار كما هو عمل اليوم وينبغي أن يرجى جناهتم من العذاب‬
‫االبدي آخر االمر فعلم مما ذكران انه ال عفو عن أهل الكفر وال مغفرة هلم ان هللا ال يغفر‬
‫ان يشرك به فان كان كافرا صرفا فجزاء كفره العذاب االبدي وان كان فيه مع فجوره‬
‫مقدار ذرة من االميان ايضا فجزاؤه العذاب املوقت ويف سائر الكبائر ان شاء هللا تعاىل‬
‫غفره وان شاء عذبه وعند الفقري أن عذاب النار خمصوص ابلكفر وصفات الكفر سواء‬
‫كان ذلك العذاب موقتا أو خملدا أو مؤبدا كما سيجئ حتقيقه وأما أهل الكبائر الذين مل‬
‫يوفقوا للتوبة فيغفر هبا ذنوهبم ومل ينالوا الشفاعة وجمرد العفو واالحسان ومل تكفر كبائرهم‬
‫ايضا آبال م الدنيوية وحمنها او بشدائد سكرات املوت فاملرجو أن يكتفي يف تعذيب طائفة‬
‫منهم بعذاب القرب ويف أخرى منهم مع وجود حمن القرب أبهوال يوم القيامة وشدائدها وأن‬
‫ال تبقي ذنوهبم حت حيتاج اىل عذاب النار وقوله تعاىل الذين آمنوا ومل يلبسوا امياهنم بظلم‬
‫‪- 451 -‬‬

‫اولئك هلم االمن اآلية مؤيد هلذا املعن فان املراد ابلظلم هنا الشرك وهللا سبحانه أعلم‬
‫حبقائق االمور كلها (فان قيل) قد ورد الوعيد بعذاب النار يف جزاء بعض السيئات غري‬
‫الكفر كما قال تعاىل ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وورد يف االخبار‬
‫من قضى[‪ ]1‬صالة واحدة متعمدا بقي يف النار حقبا فلم يكن عذاب النار خمصوصا‬
‫ابلكفار (اقول) ما ورد يف القاتل فهو خمصوص مبستحل القتل ومستحل القتل كافر كما‬
‫ذكره املفسرون وما ورد يف السيئات غري الكفر من الوعيد بعذاب النار فال ختلو تلك‬
‫السيئات من شائبة صفة الكفر مثل استخفاف تلك السيئة واستصغارها وعدم املباالة‬
‫ابتياهنا واستحقار االوامر الشرعية ونواهيها وقد ورد يف اخلرب شفاعيت[‪ ]2‬الهل الكبائر من‬
‫أميت وقال يف حديث آخر اميت[‪ ]3‬أمة مرحومة ال عذاب عليها يف اآلخرة وقوله تعاىل‬
‫الذين آمنوا ومل يلبسوا امياهنم بظلم اولئك هلم االمن اآلية مؤيد هلذا املعن كما مر واحوال‬
‫اطفال املشركني ومن نشأ يف شاهق اجلبل ومشركي زمن الفرتة مسطورة يف املكتوب الذي‬
‫كتبته لولدي حممد سعيد ابلتفصيل فلرياجع هناك (ويف) زايدة االميان ونقصانه وعدمهما‬
‫اختالف بني العلماء قال االمام االعظم ابو حنيفة رضي هللا عنه االميان ال يزيد وال‬
‫ينقص وقال االمام الشافعي رضي هللا عنه يزيد وينقص وال شك ان االميان عبارة عن‬
‫تصديق ويقني قليب وال يتصور فيه الزايدة والنقصان والذي يقبل الزايدة والنقصان فهو‬
‫داخل يف دائرة الظن ال اليقني غاية ما يف الباب ان اتيان االعمال الصاحلة يورث جالء‬
‫ذلك اليقني وصفاءه وإتيان االعمال غري املرضية يكدره ويظلم ضياءه فالزايدة والنقصان‬

‫(‪( )1‬قوله من قضى صالة اخل) اي تركها متعمدا مث قضاها قال خمرجه مل أجد له اصال ال يف الكتب املعتمدة وال يف‬
‫غري املعتمدة وامنا أدرجه بعض املتأخرين من املتفقهني يف كتابه‬
‫(‪( )2‬قوله شفاعيت الهل الكبائر من اميت) رواه الرتمذي وابو داود عن انس وابن ماجه عن جابر رضي هللا عنهم‬
‫(‪( )3‬قوله اميت امة مرحومة احلديث) اخرج اخلطيب يف املتفق واملفرتق وابن النجار عن ابن عباس رضي هللا عنهما‬
‫بلفظ اميت امة مرحومة ال عذاب عليها يف اآلخرة اذا كان يوم القيامة اعطى هللا كل رجل من اميت رجال من اهل‬
‫االداين فكان فداؤه من النار (واخرج) د طب ك عن ايب موسى بلفظ اميت هذه امة مرحومة ليس عليها عذاب يف‬
‫اآلخرة امنا عذاهبا يف الد نيا الفنت والزالزل والقتل والبالاي انتهى ويف سند االول عبدهللا بن ضرار عن ابيه قال ابن معني‬
‫ال يكتب حديثه انتهى راموز‪.‬‬
‫‪- 452 -‬‬

‫حبسب اتيان االعمال الصاحلة وضدها راجعان اىل جالء اليقني ال اىل نفس اليقني وملا‬
‫وجد طائفة جالء وصفاء يف يقينهم قالوا بزايدته ابلنسبة اىل يقني ليس فيه ذلك اجلالء‬
‫والصفاء وكاهنم مل يروا اليقني الذي ال جالء فيه يقينا بل اعتقدوا ان اليقني هو اليقني‬
‫الذي له جالء فقط دون غريه فقالوا لذاك انقصا (وأما) الذين فيهم حدة النظر فلما رأوا‬
‫ان ت لك الزايدة والنقصان راجعان اىل وصف اليقني ال اىل نفس اليقني مل يقولوا بزايدة‬
‫اليقني ونقصانه ابلضرورة ومثل ذلك كمثل املرآتني املساويتني يف الصغر والكرب املتفاوتتني‬
‫حبسب اجلالء والنورانية فرآمها شخص وقال لليت جالؤها أكثر اهنا أزيد وأكرب من‬
‫األخرى اليت ليس فيها ذلك اجلالء وقال شخص آخر املرآاتن متساويتان ال زايدة‬
‫الحديهما على األخرى وال نقصان والتفاوت امنا هو يف اجلالء واالرائة اللذين مها من‬
‫صفات املرآة فنظر الشخص الثاين صائب وانفذ اىل حقيقة الشئ ونظر االول مقصور‬
‫على الظاهر مل جياوز من الصفة اىل الذات يرفع هللا الذين آمنوا منكم والذين أوتو العلم‬
‫درجات (وهبذا) التحقيق الذي وفق هذا الفقري الظهاره اندفع اعرتاضات املخالفني على‬
‫القول بعدم زايدة االميان ونقصانه ومل يلزم كون اميان عامة املؤمنني مماثال ومساواي الميان‬
‫االنبياء عليهم السالم من مجيع الوجوه فان اميان االنبياء عليهم السالم له جالء اتم‬
‫ونورانية وله مثرات ونتائج زائدة أبضعاف مضاعفة على اميان عامة املؤمنني الذي فيه‬
‫ظلمات وكدورات على تفاوت درجاهتم وكذا ينبغي أن يكون املراد بزايدة أميان ايب بكر‬
‫رضي هللا عنه يف الوزن على اميان هذه االمة زايدته ابعتبار اجلالء والنورانية ابرجاع الزايدة‬
‫اىل الصفة الكاملة أال ترى ان االنبياء عليهم السالم وعامة الناس متساوون يف نفس‬
‫االنسانية والكل متحدون يف احلقيقة والذات والتفاضل فيما بينهم امنا هو ابعتبار‬
‫الصفات الكاملة والذي ليس له صفة كاملة كأنه خارج من نوع االنسان وحمروم من‬
‫فضائله ومع وجود هذا التفاوت مل يتطرق الزايدة والنقصان اىل نفس االنسانية وال يصح‬
‫ان يقال ان االنسانية يف أفراد االنسان قابلة للزايدة والنقصان وهللا سبحانه امللهم‬
‫للصواب (وأيضا) اهنم قالوا ان التصديق االمياين عند البعض هو التصديق املنطقي الذي‬
‫‪- 453 -‬‬

‫هو شامل للظن واليقني فعلى هذا التقدير ميكن الزايدة والنقصان يف نفس االميان لكن‬
‫الصحيح ان املراد ابلتصديق هنا اليقني واالذعان القليب ال املعن العام الشامل للظن‬
‫والوهم قال االمام االعظم اان مؤمن حقا وقال االمام الشافعي أان مؤمن ان شاء هللا‬
‫ونزاعهما يف احلقيقة لفظي مذهب االول ابعتبار الزمان احلال ومذهب الثاين ابعتبار‬
‫املآل وعاقبة االحوال ولكن التحاشي من صورة االستثناء أوىل واحوط كما ال خيفى على‬
‫املنصف (وكرامات) أولياء هللا تعاىل حق ومن كثرة وقوع خوارق العادات منهم صار هذا‬
‫املعن عادة مستمرة هلم ومنكرها منكر على العلم العادي والضروري وال اشتباه بينها وبني‬
‫معجزة النيب فان معجزة النيب مقرونة بدعوى النبوة وكرامات الويل خالية عن هذا املعن بل‬
‫هي مقرونة ابالقرار واالعرتاف مبتابعة نيب فأىن االشتباه بينهما كما زعمه املنكرون‬
‫(وترتيب) االفضلية بني اخللفاء الراشدين على ترتيب خالفتهم ولكن افضلية الشيخني‬
‫اثبتة ابمجاع الصحابة والتابعني كما نقلته مجاعة من أكابر أئمة الدين أحدهم االمام‬
‫الشافعي رضي هللا عنه قال الشيخ االمام أبو احلسن االشعري ان فضل أيب بكر مث عمر‬
‫على بقية االمة قطعي قال الذهيب وقد تواتر عن على يف خالفته وكرسي مملكته وبني اجلم‬
‫الغفري من شيعته ان ااب بكر وعمر أفضل االمة مث قال ورواه عن علي كرم هللا وجهه نيف‬
‫ومثانون نفسا وعد منهم مجاعة مث قال فقبح هللا الروافض ما أجهلهم وروى البخاري عنه‬
‫أنه قال خري الناس بعد النيب عليه الصالة و السالم أبوبكر مث عمر مث رجل آخر فقال‬
‫ابنه حممد إبن احلنفية مث انت فقال امنا أان رجل من املسلمني وصحح الذهيب وغريه عن‬
‫علي انه قال اال وانه بلغين ان رجاال يفضلونين عليهما ومن وجدته يفضلين عليهما فهو‬
‫مفرت عليه ما على املفرتي وأمثال ذلك منه ومن غريه من الصحابة متواترة حبيث ال جمال‬
‫فيها النكار احد حت قال عبد الرزاق من أكابر الشيعة أفضل الشيخني لتفضيل علي‬
‫اايمها على نفسه واال ملا فضلتهما كفى يب وزرا ان احبه مث أخالفه كل ذلك مستفاد من‬
‫الصواعق وأما تفضيل عثمان على علي رضي هللا عنهما فأكثر علماء أهل السنة على ان‬
‫االفضل بعد الشيخني عثمان مث علي ومذهب األئمة االربعة اجملتهدين أيضا هو هذا‬
‫‪- 454 -‬‬

‫والتوقف املنقول عن االمام مالك يف أفضلية عثمان على علي فقد قال القاضي عياض‬
‫انه رجع عن هذا التوقف اىل تفضيل عثمان وقال القرطيب وهو االصح ان شاء هللا تعاىل‬
‫وكذلك التوقف املفهوم من عبارة االمام االعظم أعين قوله من عالمة أهل السنة واجلماعة‬
‫تفضيل الشيخني وحمبة اخلتنني والختياره هذه العبارة عند الفقري حممل آخر وهو انه ملا‬
‫كثر ظهور الفنت واالختالل يف أمور الناس يف زمن خالفة اخلتنني وحدوث الكدورات من‬
‫هذه اجلهة يف قلوب الناس اختار االمام لفظ احملبة يف حقهما مالحظا هلذا املعن وجعل‬
‫حمبتهما من عالمات أهل السنة واجلماعة من غري ان يالحظ فيها شائبة التوقف كيف‬
‫وكتب احلنفية مشحونة ابن أفضليتهم على ترتيب خالفتهم وابجلملة ان أفضلية الشيخني‬
‫يقينية وأفضلية عثمان دوهنا ولكن االحوط أن ال نكفر منكر افضلية عثمان بل أفضلية‬
‫الشيخني بل نقول أنه مبتدع وضال فان للعلماء اختالفا يف تكفريه ويف قطعية هذا‬
‫االمجاع قيل وقال وذلك املنكر قرين يزيد اخلائب املخذول وقد توقفوا يف لعنه احتىاطا‬
‫وااليذاء الذي يصيب النيب صلّى هللا عليه و سلّم من جهة ايذاء اخللفاء الراشدين‬
‫كااليذاء الذي اصابه صلّى هللا عليه و سلّم من جهة ايذاء سبطيه قال عليه الصالة و‬
‫السالم هللا هللا يف أصحايب ال تتخذوهم غرضا من بعدي فمن احبهم فبحيب احبهم ومن‬
‫ابغضهم فببغضي ابغضهم ومن آذاهم فقد آذاين ومن آذين فقد آذى هللا ومن آذى هللا‬
‫ورسوله فيوشك أن يؤخذ وقال هللا هظ عز و جل ان الذين يؤذون هللا ورسوله لعنهم هللا‬
‫يف الدنيا واآلخرة وما عده موالان سعد الدين التفتازاين يف شرح عقائد النسفي انصافا يف‬
‫هذه االفضلية بعيد عن االنصاف والرتديد الذي ذكره فيه ال حاصل فيه الن املقرر عند‬
‫العلماء أن املراد ابالفضلية هنا ابعتبار كثرة الثواب عند هللا جل وعال ال االفضلية اليت‬
‫هي مبعن كثرة ظهور املناقب والفضائل فانه ال اعتبار هلا عند العقالء فان السلف من‬
‫الصحابة والتابعني قد نقلوا عن علي من املناقب والفضائل ما مل ينقل مثله عن صحايب‬
‫غريه حت قال االمام أمحد ما جاء الحد من الصحابة من الفضائل ما جاء لعلي ومع‬
‫ذلك حكم هو ابفضلية اخللفاء الثالث فعلم من هذا أن وجه االفضلية شئ آخر وراء‬
‫‪- 455 -‬‬

‫هذه الفضائل واملناقب واالطالع عليها امنا يتيسر ملن ادركوا زمان الوحي وشاهدوه حت‬
‫علموها ابلتصريح او ابلقرائن وهم أصحاب النيب عليه وعليهم الصالة و السالم فما قال‬
‫شارح العقائد النسفية أنه لو كان املراد ابالفضلية كثرة الثواب فللتوقف جهة ساقط عن‬
‫االعتبار النه امنا يكون للتوقف جمال لو مل يعلم االفضلية من قبل صاحب الشرع صراحة‬
‫او داللة وحيث علم فعلى ما يتوقف وان مل يعلم فلم حيكم ابالفضلية والذي يرى الكل‬
‫متساوية ويزعم تفضيل احدهم على اآلخر فضوال فهو فضويل اي فضويل حيث يزعم‬
‫امجاع أهل احلق فضوال ولعل لفظ الفضل هو الذي اورده يف موارد الفضويل (وما قال)‬
‫صاحب الفتوحات املكية ان سبب ترتيب خالفتهم مدة أعمارهم ليس فيه داللة على‬
‫مساواهتم يف الفضيلة الن امر اخلالفة غري امر االفضلية ولو سلم فهذا وامثاله من‬
‫شطحياته غري الئق ابلتمسك وأكثر كشفياته اليت ختالف علوم أهل السنة بعيدة عن‬
‫الصواب فال يتابعها احد اال مريض القلب أو مقلد صرف (وما وقع) بني االصحاب من‬
‫املنازعات واملشاجرات جيب محلها على حمامل حسنة وينبغي تربئتهم عن اهلوى والتعصب‬
‫قال التفتازاين مع افراطه يف حب علي كرم هللا وجهه وما وقع من املخالفات واحملارابت مل‬
‫يكن عن نزاع يف اخلالفة بل عن خطإ يف االجتهاد ويف حاشية اخليايل عليه فان معاوية‬
‫واحزابه بغوا عن طاعته مع اعرتافهم ابنه أفضل أهل زمانه وانه االحق ابالمامة منه بشبهة‬
‫هي ترك القصاص عن قتلة عثمان رضي هللا عنه ونقل يف حاشية قره كمال عن علي كرم‬
‫هللا وجهه أنه قال اخواننا بغوا علينا وليسوا بكفرة وال فسقة ملا هلم من التأويل والشك أن‬
‫اخلطأ االجتهادي بعيد عن املالمة عليه والطعن والتشنيع مرفوعان عن صاحبه ينبغي أن‬
‫يذكر مجيع االصحاب الكرام ابخلري مراعاة حلقوق صحبة خري البشر عليه و على آله‬
‫الصلوات والتحيات وان حيبهم حبب النيب عليه السالم قال عليه السالم من أحبهم فبحيب‬
‫أحبهم ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم يعين أن احملبة اليت تتعلق ابصحايب هي عني احملبة‬
‫اليت تتعلق يب وكذلك البغض الذي يتعلق هبم عني البغض الذي يتعلق يب وال غرض لنا‬
‫من حمبة حماريب علي كرم هللا وجهه أصال بل حيق لنا أن نتأذى منهم ولكن حيث كانوا‬
‫‪- 456 -‬‬

‫أصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم وكنا مأمورين مبحبتهم وممنوعني عن بغضهم وايذائهم‬
‫فال جرم حنب كلهم حبب النيب صلّى هللا عليه و سلّم وحنرتز عن بغضهم وايذائهم لكوهنما‬
‫منجرين اليه صلّى هللا عليه و سلّم ولكن نقول للمحق حمقا وللمبطل مبطال كان علي‬
‫على احلق وخمالفوه على اخلطإ والزايدة على ذلك من الفضول وحتقيق هذا املبحث مذكور‬
‫تفصيال يف املكتوب الذي كتبته اىل اخلواجه حممد أشرف فان بقي هنا خفاء فلرياجع‬
‫هناك (والبد بعد) تصحيح العقائد من تعلم أحكام الفقه وال مندوحة من تعلم علم‬
‫الفرض والواجب واحلالل واحلرام والسنة واملندوب واملشتبه واملكروه والعمل مبقتضى هذا‬
‫العلم ايضا ضروري ينبغي أن يعد مطالعة كتب الفقه من الضرورايت وان يراعى السعي‬
‫البليغ يف اتيان االعمال الصاحلة ولنورد هنا مشة من فضائل الصالة واركاهنا فاهنا عماد‬
‫الدين فينبغي استماعها البدا وال من اسباغ الوضوء ومن غسل كل عضو ثالاث ثالاث على‬
‫وجه التمام والكمال ليكون مؤدى على وجه السنة وينبغي االستيعاب يف مسح الرأس‬
‫واالحتياط يف مسح االذنني والرقبة وورد[‪ ]1‬ختليل أصابع الرجل خبنصر يد اليسرى من‬
‫االسفل فينبغي مراعاته أيضا وال ينبغي املساهلة يف اتيان املستحب فانه حمبوب احلق‬
‫سبحانه ومرضيه تعاىل فان علم يف مجيع الدنيا فعل واحد مرضي وحمبوب عند احلق جل‬
‫سلطانه وتيسر العمل مبقتضاه فينبغي أن يغتنمه وحكمه كحكم جواهر نفيسة اشرتاها‬
‫شخص بقطعات خزف أو روح انهلا ببذل مجاد ال طائل فيه وبعد الطهور الكامل‬
‫واسباغ الوضوء ينبغي قصد الصالة اليت هي معراج املؤمن وينبغي االهتمام يف أداء الفرض‬
‫مع اجلماعة بل ينبغي أن ال يرتك التكبرية مع االمام وينبغي أيضا أداء الصالة يف الوقت‬
‫املستحب ومراعاة القدر املسنون يف القراءة والبد من الطمأنينة يف الركوع والسجود فاهنا‬
‫اما فرض أو واجب على القول املختار وينبغي أن يستوي قائما على الكمال يف القومة‬

‫(‪( )1‬قوله وورد) اي من النيب صلّى هللا عليه و سلّم لكن التخليل ابلبنصر فقط اخرج ابن ماجه من حديث مستورد‬
‫ابن شداد رضي هللا عنه قال رأيت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم توضأ فخلل اصابع رجليه خبنصره انتهى وورد عن‬
‫االمام االعظم رضي هللا عنه انه مستحب حت روى انه قضى صالة عشرين سنة كان صالها برتك هذا املستحب‪.‬‬
‫‪- 457 -‬‬

‫على هنج يرجع كل عضو اىل حمله ويستقر يف مقره والطمأنينة الزمة أيضا بعد االستواء‬
‫قائما فأهن ا هنا اما فرض أو واجب أو سنة على اختالف االقوال وهكذا يف اجللسة اليت‬
‫هي بني السجدتني يلزم فيها الطمانينة بعد االستقرار كما يف القومة واقل تسبيحات‬
‫الركوع والسجود ثالث مرات وأكثرها اىل سبع مرات او واحد عشر مرة على اختالف‬
‫االقوال وتسبيح االمام ينبغي ان يكون على قدر حال املقتدين وينبغي ان يستحي‬
‫االنسان من اقتصار التسبيحات على أقل مرتبتها يف حال االنفراد ووقت قوة االستطاعة‬
‫بل يقول مخسا أو سبعا ووقت قصد السجدة يضع على االرض اوال ما هو اقرب اىل‬
‫االرض فيضع اوال ركبتيه مث يديه مث انفه مث جبهته وينبغي االبتداء من اليمني وقت وضع‬
‫يديه وركبتيه وحني يرفع رأسه من السجدة ينبغي ان يرفع اوال ما هو أقرب اىل السماء‬
‫فين بغي االبتداء برفع اجلبني وينبغي ان ينظر يف القيام اىل موضع سجوده يف الركوع اىل‬
‫ظهر قدميه ويف السجود اىل رأس انفه ويف القعود اىل يديه فانه اذا نصب البصر على‬
‫املواضع املذكورة ومنع النظر من التفرقة تتيسر الصالة ابجلمعية وحيصل فيها اخلشوع كما‬
‫هو املنقول عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم وكذلك تفريج االصابع يف الركوع وضمها يف‬
‫السجود سنة فينبغي مراعاهتا وتفريج االصابع وضمها ليسا بال فائدة بل فيهما فوائد‬
‫كثرية امر الشارع ابتياهنما مبالحظة تلك الفوائد وليس لنا فائدة اصال تساوي متابعة‬
‫صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة والتحية وكل هذه االحكام مذكورة يف كتب‬
‫الفقه ابلتفصيل وااليضاح واملقصود هنا الرتغيب يف االعمال مبقتضى علم الفقه وفقنا هللا‬
‫سبحانه واايكم لالعمال الصاحلة املوافقة للعلوم الشرعية بعد ان وفقنا لتصحيح العقائد‬
‫اليقينية حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم و على آل كل من الصلوات افضلها ومن‬
‫التسليمات اكملها فان وجدمت يف انفسكم شوقا اىل فضائل الصالة واالطالع على‬
‫كماالهتا املخصوصة هبا ينبغي املراجعة اىل ثالثة مكاتيب املتصل بعضها ببعض‬
‫ومطالعتها االول مكتوب ابسم ولدي حممد صادق والثاين ابسم املري حممد نعمان‬
‫والثالث ابسم الش يخ اتج الدين (وبعد) حتصيل جناحي االعتقاد والعمل اذا كان توفيق‬
‫‪- 458 -‬‬

‫احلق رفيقا ودليال ينبغي سلوك طريقة الصوفية العلية ال لغرض حتصيل شئ زائد على ذلك‬
‫االعتقاد والعمل ونيل أمر جديد سوامها فان ذلك من طول االمل املفضي اىل الزلل بل‬
‫املقصود منها حصول اليقني واالطمئنان يف املعتقدات حبيث ال تزول بتشكيك مشكك‬
‫وال تبطل ابيراد شبهة فان قدم االستدالل ال ثبات هلا وال قرار خلزف معمول من طني‬
‫واملستدل ليس له متكني اال بذكر هللا تطمئن القلوب وحصول اليسر والسهولة يف اتيان‬
‫االعمال وزوال الكسالة والعناد والتعنت الناشئة من النفس االمارة (وليس) املقصود من‬
‫سلوك طريق الصوفية ايضا مشاهدة الصور واالشكال الغيبية ومعاينة االلوان واالنوار‬
‫الالكيفية فان ذلك داخل يف اللهو واللعب واي نقصان يف االنوار والصور احلسيتني حت‬
‫يرتكها شخص ويتمين الصور واالنوار الغيبيتني ابرتكاب الرايضات واجملاهدات فان هذه‬
‫الصور واالنوار وتلك الصور وااللوان كلها خملوقة احلق جل وعال ومن اآلايت الدالة على‬
‫وجوده تعاىل واختيار الطريقة النقشبندية من بني سائر طرق الصوفية أوىل وانسب الن‬
‫هؤالء االكابر قد التزموا متابعة السنة السنية واجتناب البدعة الشنيعة وهلذا تراهم يفرحون‬
‫ويستبشرون اذا كان فيهم دولة املتابعة وان مل يكن هلم شئ من االحوال ومت احسوا فتورا‬
‫يف املتابعة مع وجود االحوال ال يقبلون تلك االحوال وال يبغوهنا ومن ههنا مل جيوزوا‬
‫الرقص والسماع ومل يقبلوا االحوال املرتتبة عليه ابتفاق منهم وامجاع بل اعتقدوا ذكر اجلهر‬
‫بدعة ومنعوا اصحاهبم عنه ومل يلتفتوا اىل مثرات ترتتب عليه كنت يوما يف جملس الطعام‬
‫الر ْمحَن‬
‫مع حضرة شيخنا فقال الشيخ كمال الذي هو من خملصي حضرة شيخنا ب ْسم هللا َّ‬
‫الرحيم جهرا حني شرع يف االكل فلم يناسب ذلك منه حلضرة شيخنا حت قال ابلزجر‬ ‫َّ‬
‫البليغ إمنعوه ال حيضر جملس طعامنا ومسعت حضرة شيخنا يقول ان اخلواجه النقشبند‬
‫قدس سره مجع علماء خبارى وجاء هبم اىل خانقاه شيخه االمري كالل ليمنعوهم من ذكر‬
‫اجلهر فقال العلماء لألمري ان ذكر اجلهر بدعة فال تفعلوه فقال يف جواهبم ال أفعل فاذا‬
‫صدر من أكابر هذه الطريقة مثل هذه املبالغة يف املنع عن ذكر اجلهر فماذا نقول يف‬
‫السماع والرقص والوجد والتواجد واالحوال واملواجيد اليت ترتتب على اسباب غري‬
‫‪- 459 -‬‬

‫مشروعة فهي من قبيل االستدراجات عند الفقري فان االحوال واالذواق قد حتصل الهل‬
‫االستدراج ايضا ويظهر هلم يف مرااي صور العامل كشف التوحيد واملكاشفة واملعاينة‬
‫وفالسفة اليوانن وجوكية اهلنود وبرامهتهم شركاء يف تلك االمور وعالمة صدق االحوال‬
‫موافقتها للعلوم الشرعية مع االجتناب من ارتكاب االمور احملرمة واملشتبهة (واعلم) ان‬
‫الرقص والسماع داخل يف احلقيقة يف اللهو واللعب وقوله تعاىل و من الناس من يشرتي‬
‫هلو احلديث اآلية انزل يف شأن املنع عن الغناء كما قال جماهد الذي هو تلميذ ابن عباس‬
‫ومن كبار التابعني ان املراد بلهو احلديث الغناء يف املدارك هلو احلديث السمر والغناء‬
‫وكان ابن عباس وابن مسعود رضي هللا عنهم حيلفان انه الغناء وقال جماهد يف قوله تعاىل‬
‫والذين ال يشهدون الزور أ ي ال حيضرون الغناء وحكي عن امام اهلدى ايب منصور‬
‫املاتريدي من قال ملقرئي زماننا احسنت عند قراءته يكفر وابنت منه امرأته واحبط هللا كل‬
‫حسناته وحكي عن ايب نصر الدبوسي عن القاضي ظهري الدين اخلوارزمي من مسع الغناء‬
‫من املغين وغريه او يرى فعال من احلرام فيحسن ذلك ابعتقاد او بغري اعتقاد يصري مرتدا‬
‫يف احلال بناء على أنه ابطل حكم الشريعة ومن أبطل حكم الشريعة فال يكون مؤمنا عند‬
‫كل جمتهد وال يقبل هللا طاعته واحبط هللا كل حسناته اعاذان هللا سبحانه من ذلك‬
‫اآلايت واالحاديث والرواايت الفقهية يف حرمة الغناء كثرية جدا على حد يتعذر إحصائها‬
‫ومع هذه كلها لو اورد شخص حديثا منسوخا او رواية شاذة يف إابحة الغناء ال ينبغي‬
‫اعتباره منه فانه مل يفت فقيه يف وقت من االوقات ابابحة الغناء ومل جيوز الرقص والضرب‬
‫ابالرجل كما هو مذكور يف ملتقط االمام اهلمام ضياء الدين الشامي وعمل الصوفية ليس‬
‫بسند يف احلل واحلرمة اما يكفيهم ان نعذرهم وال نلومهم ونفوض أمرهم اىل هللا تعاىل‬
‫واملعترب هنا قول االمام أيب حنيفة واالمام ايب يوسف واالمام حممد رمحهم هللا ال عمل‬
‫الشبلي وأيب احلسني النوري وقد جعلت الصوفية القاصرون اليوم السماع والرقص دينهم‬
‫وملتهم مستندين اىل عمل مشائخهم واختذوه طاعتهم وعبادهتم أولئك الذين اختذوا دينهم‬
‫هلوا ولعبا (وقد) علم من الرواية السابقة ان من استحسن الفعل احلرام فقد خرج من زمرة‬
‫‪- 460 -‬‬

‫أهل االسالم وصار مرتدا فينبغي التأمل ماذا يكون شناعة تعظيم جملس السماع والرقص‬
‫بل اختاذه طاعة وعبادة وهلل سبحانه احلمد واملنة مل يبتل مشائخنا هبذا االمر وخلصوا‬
‫امثالنا املقلدين من تقليد هذا االمر وقد نسمع أن املخادمي مييلون اىل السماع ويعقدون‬
‫جملس السماع وقراءة القصائد يف ليايل اجلمعة وأكثر االصحاب يوافقوهنم يف ذلك االمر‬
‫والعجب ألف عجب أن مريدي السالسل اآلخر امنا يرتكبون هذا االمر مستندين اىل‬
‫عمل مشائخهم ويدفعون احلرمة الشرعية بعملهم وان مل يكونوا حمقني يف هذا االمر يف‬
‫احلقيقة وما معذرة اصحابنا يف ارتكاب هذا االمر وفيه ارتكاب احلرمة الشرعية من طرف‬
‫وارتكاب خمالفة مشائخ طريقهم من طرف آخر فال أهل الشريعة راضون عن هذا الفعل‬
‫وال أهل الطريقة فلو مل يكن فيه ارتكاب احلرمة الشرعية لكان جمرد احداث أمر يف‬
‫الطريقة شنيعا فكيف اذا اجتمع معه ارتكاب احلرمة الشرعية واليقني ان جناب املرزا جيو‬
‫ال يرضى هبذا االمر ولكن ال يصرح ابملنع ايضا رعاية لالدب معكم وال ينهي االصحاب‬
‫عن هذا االجتماع أيضا والفقري ملا احسست توقفا يف جميئي كتبت هذه الفقرات‬
‫وأرسلتها اليكم فينبغي قراءهتا من أوهلا اىل آخرها عند املريزا جيو و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والستون واملائتان اىل املريزا حسام الدين أمحد يف بيان ان‬
‫االسرار والدقائق اليت امتاز هبا ال ميكن اظهار نبذة منها بل ال ميكن التكلم عنها‬
‫ابلرمز واالشارة واهنا مقتبسة من مشكاة النبوة ويشرتك فيها املأل االعلى أيضاً وما‬
‫يناسبه}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم ان الصحيفة الشريفة اليت ارسلتها‬
‫ابسم هذا احلقري على وجه الكرم قد وصلت وتشرفت مبطالعتها جزاكم هللا سبحانه خري‬
‫اجلزاء وماذا أكتب من انعامات احلق جل سلطانه وكيف أؤدي شكرها وما يفاض من‬
‫العلوم واملعارف يكتب أكثرها وحيرر بتوفيق هللا تعاىل ويوصل اىل مسع أهلها ولكن‬
‫االسرار والدقائق اليت كنت ممتازا هبا فال ميكن ايراد نبذة منها يف عرصة الظهور بل ال‬
‫‪- 461 -‬‬

‫ميكن التكلم م ن تلك املقولة ابلرمز واالشارة حت أنه ال يورد رمز من هذه االسرار‬
‫والدقائق بيين وبني ولدي االعز الذي هو جمموعة معاريف ونسخة مقامات السلوك‬
‫واجلذبة بل اجتهد يف سرتها منه ابلشح التام مع أين أعلم انه من حمارم االسرار وحمفوظ‬
‫من الغلط واخلطإ ولكن ماذا اصنع أيخذ دقة املعاين ابللسان يعين متنعه ويربط من لطافة‬
‫االسرار الشفتان فنقد الوقت تكرار يضيق صدري وال ينطلق لساين وليست تلك االسرار‬
‫من قبيل ما ال ينبغي ايرادها يف البني بل ال يسعها نطاق البيان {شعر}‪:‬‬
‫خليلي ما هذا هبزل وامنا * عجيب االحاديث غريب البدائع‬
‫وهذه الدولة اليت حنن جنتهد يف سرتها مقتبسة من مشكاة نبوة االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم واملأل االعلى شركاء يف هذه الدولة وكل من يشرف هبا من اتباع االنبياء‬
‫عليهم الصالة و السالم قال أبو هريرة رضي هللا عنه أخذت[‪ ]1‬عن رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم وعائني يعين من العلم أما أحدمها فقد بثثته واما اآلخر فلو بثثته قطع هذا‬
‫البلعوم وذلك العلم اآلخر هو علم االسرار وال يدركه فهم كل أحد ذلك فضل هللا يؤتيه‬
‫من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (مث املعروض) ان الكتاب الذي كتبته اىل أوالد شيخنا‬
‫ينبغي ان تطالعه (أيها املخدوم) املكرم ان احداث شئ يف الطريقة ليس هو عند الفقري‬
‫أبقل من احداث بدعة يف الدين وبركات الطريقة امنا تفاض وتعود على أهلها مامل حيدث‬
‫فيها حمدث فاذا حدث فيه حمدث ينسد طريق الفيوض والربكات فحفظ الطريقة من‬
‫احملداثت من أهم املهمات واالجتناب عن خمالفة الطريقة من الضرورايت فكل موضع‬
‫رأيت فيه خمالفة الطريقة ينبغي زجره ومنعه ابملبالغة واالجتهاد يف ترويج الطريقة وتقويتها‬
‫و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والستون واملائتان اىل خان خاانن يف بيان العلم املوروث من‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري عن ايب هريرة رضي هللا عنه‬


‫‪- 462 -‬‬

‫االنبياء وبيان املراد ابلعلماء يف حديث علماء أميت كأنبياء بين اسرائيل وان العلم‬
‫املوروث من االنبياء ليس هو االسرار اليت تكلم هباء االولياء من التوحيد الوجودي‬
‫واالحاطة والسراين وما يشاكلها بل غريها}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد فاعلم أن أحوال فقراء هذه‬
‫احلدود وأوضاعهم مست وجبة للحمد واملسؤل من هللا سبحانه سالمتكم وعافيتكم وثباتكم‬
‫واستقامتكم وملا كان مبحث علم الوراثة يف البني أردت ان اكتب كلمات من تلك املقولة‬
‫على حسب مقتضى الوقت وقد ورد يف االخبار العلماء[‪ ]1‬ورثة االنبياء والعلم الذي بقي‬
‫من االنبياء عليهم السالم نوعان علم االحكام وعلم االسرار فالعامل الوارث من يكون له‬
‫سهم من نوع ي العلم ال من يكون له نصيب من نوع واحد فقط فان ذلك مناف للوراثة‬
‫فان الوارث من يكون له نصيب من مجيع أنواع تركة املورث ال من بعض دون بعض‬
‫والذي له نصيب من البعض املعني فهو داخل يف الغرماء حيث يتعلق نصيبه جبنس حقه‬
‫وكذلك قال النيب عليه الصالة و السالم علماء أميت كأنبياء بين اسرائيل واملراد ابلعلماء‬
‫هنا علماء الوراثة ال الغرماء الذين أيخذون نصيبهم من بعض الرتكة فان الوارث ميكن أن‬
‫يقال له انه كاملورث بواسطة القرب واجلنسية خبالف الغرمي فانه خال عن هذه العالقة‬
‫فمن مل يكن واراث ال يكون عاملا اال ان نقيد علمه بنوع واحد ونقول انه عامل بعلم‬
‫االحكام مثال والعامل املطلق هو الذي يكون واراث و يكون له حظ وافر ونصيب اتم من‬
‫كال نوعي العلم (وقد) زعم االكثرون أن علم االسرار عبارة عن علوم التوحيد الوجودي‬
‫وشهود الوحدة يف الكثرة ومشاهدة الكثرة يف الوحدة وانه كناية عن معارف االحاطة‬
‫وسراين وجوده تعاىل وقربه ومعيته سبحانه على النهج الذي صارت منكشفة ومشهودة‬
‫الرابب االحوال حاشا وكال مث حاشا وكال من أن تكون هذه العلوم واملعارف من علم‬
‫االسرار والئقة مبرتبة النبوة فان مبن تلك املعارف السكر وغلبة احلال اليت هي منافية‬
‫للصحو وعلم االنبياء كله سواء كان علم االحكام او علم االسرار انش من غاية الصحو‬

‫(‪( )1‬قوله العلماء ورثة االنبياء احلديث) رواه االربعة عن ايب الدرداء رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪- 463 -‬‬

‫الذي ما امتزجت فيه ذرة من السكر بل هذه املعارف مناسبة ملقام الوالية اليت هلا قدم‬
‫راسخ يف السكر فتكون هذه العلوم من اسرار الوالية ال من اسرار النبوة والوالية وان‬
‫كانت هي أيضا اثبتة ولكن احكامها مغلوبة ويف جنب احكام النبوة متالشية ومضمحلة‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫و متىي بدت انوار بدر يف الدجا * ما للسهى من حيلة سوى االختفا‬
‫وقد كتبت يف كتيب ورسائلي وحققت أن كماالت النبوة هلا حكم البحر احمليط‬
‫وكماالت الوالية يف جنبها قطرة حمقرة ولكن ماذا نفعل وقد قال مجاعة من عدم ادراكهم‬
‫لكم االت النبوة ان الوالية أفضل من النبوة وقالت طائفة أخرى يف توجيه هذا الكالم ان‬
‫املراد به ان والية نيب أفضل من نبوته وكل من هذين الفريقني قد حكموا على الغائب من‬
‫غري علم حبقيقة النبوة وقريب من هذا احلكم احلكم برتجيح السكر على الصحو فان‬
‫عرفوا حقيقة الصحو لعرفوا أن السكر ال نسبة له اىل الصحو أصال {ع}‪:‬‬
‫ما نسبة الفرشي ابلعرشي‬
‫وكأ هنم شبهوا صحو اخلواص بصحو العوام وزعموا وجود املماثلة بينهما فرجحوا‬
‫السكر عليه وليتهم اذ زعموا وجود املماثلة بني صحو اخلواص وصحو العوام مل جيرتؤا على‬
‫هذا احلكم فان من املقرر عند العقالء أن الصحو أفضل من السكر مطلقا وهذا احلكم‬
‫دائمي عندهم سواء كان السكر والصحو جمازيني او حقيقيني وتفضيل الوالية على النبوة‬
‫وترجيح السكر على الصحو شبيه برتجيح الكفر على االسالم وتفضيل اجلهل على العلم‬
‫فان كال من الكفر واجلهل مناسب ملقام الوالية وكال من االسالم والعلم مناسب ملرتبة‬
‫النبوة قال احلسني بن منصور احلالج {شعر}‪:‬‬
‫لدي وعند املسلمني قبيح‬
‫كفرت بدين هللا والكفر واجب * ّ‬
‫وحممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم استعاذ من الكفر قل كل يعمل على‬
‫شاكلته فكما أن االسالم يف عامل اجملاز أفضل من الكفر كذلك ينبغي أن يعتقد انه يف‬
‫احلقيقة افضل من الكفر فان اجملاز قنطرة احلقيقة (فان قيل) كما أن الكفر والسكر‬
‫‪- 464 -‬‬

‫واجلهل اثبت يف مرتبة اجلمع من مقامات الوالية كذلك االسالم والصحو واملعرفة متحقق‬
‫يف مرتبة الفرق بعد اجلمع منها فكيف يصح القول مبناسبة الكفر والسكر واجلهل فقط‬
‫ملقام الوالية (أقول ) ان اثبات الصحو وامثاله يف مرتبة الفرق امنا هو ابلنسبة اىل مرتبة‬
‫اجلمع اليت ليس فيها غري السكر واحملو واال فصحو مرتبة الفرق أيضا ممتزج ابلسكر‬
‫واسالمها خمتلط ابلكفر ومعرفتها مشوبة ابجلهل فلو وجدت جماال للكتابة لذكرت احوال‬
‫مقام الفرق ومعارفه ابلتفصيل وبينت امتزاج السكر وامثاله فيها ابلصحو وامثاله ولعل‬
‫أرابب الفطانة جيدون هذا املعن ابلتفرس أيضا والعجب كل العجب أمل يفهموا ان االنبياء‬
‫عليهم الصالة و السالم امنا انلوا ما انلوا من هذه العظمة واجلاللة كلها من طريق النبوة ال‬
‫من طريق الوالية وغاية شأن الوالية امنا هي اخلادمية للنبوة فلو كانت للوالية مزية على‬
‫النبوة لكان املالئكة الذين واليتهم أكمل من سائر الوالايت أفضل من االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم وملا قالت طائفة من هؤالء القوم ابفضلية الوالية من النبوة ورأوا والية‬
‫املالئكة املأل االعلى أفضل من والية االنبياء عليهم الصالة و السالم قالوا ابلضرورة ان‬
‫املالئكة أفضل من االنبياء عليهم الصالة و السالم وفارقوا يف ذلك مجهور أهل السنة‬
‫واجلماعة وكل ذلك لعدم االطالع على حقيقة النبوة وملا كانت كماالت النبوة حقرية يف‬
‫نظر الناس يف جنب كماالت الوالية بواسطة بعد عهد النبوة بسطنا الكالم يف هذا الباب‬
‫ابلضرورة وكشفنا مشة من حقيقة املعاملة ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وثبت‬
‫اقدامنا وانصران على القوم الكافرين وحيث كان اخي االرشد الشيخ ميان داود من‬
‫املرتددين يف تلك احلدود كان ابعثا على هذا التصديع‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والستون واملائتان اىل مرتضى خان يف الرتغيب يف ايصال‬


‫االهانة اىل اعداء الدين وختريب آهلتهم الباطلة وتوهينها واظهار متنيه هذا االمر‬
‫العظيم القدر وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان لكل شخص متين امر من‬
‫‪- 465 -‬‬

‫االمور ومتين هذا الفقري التشديد على اعداء هللا جل وعال واعداء رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه و على آله وسلم وايصال االهانة هلؤالء اخلائبني واحتقار آهلتهم الباطلة واعلم يقينا‬
‫ان ال عمل ارضى عند احلق جل وعال من هذا العمل وهلذا نرغبكم يف هذا العمل‬
‫املرضي مكررا وا ارى اتيان هذا العمل من اهم مهمات االسالم وحيث وفقت للتشريف‬
‫هناك وتعينت لتحقري تلك البقعة الكثيفة واهانة اهلها ينبغي اوال اداء شكر هذه النعمة‬
‫فانه كان يذهب مجع كثري لتعظيم ذلك املقام وتوقري اهله هلل سبحانه احلمد واملنة على ما‬
‫مل يبتلنا هبذه البلية وبعد اداء شكر هذه النعمة العظمى ينبغي تقدمي السعي البليغ يف‬
‫حتقري هؤالء اخلائبني اخلاسرين وتوهني آهلتهم الباطلة واالجتهاد يف ختريب تلك اجلماعة‬
‫سرا وجهرا مهما امكن وتيسر وايصال انواع االهانة لنا حت االصنام القاصرين وعسى أن‬
‫يتاليف ويتدارك هبذا العمل بعض املداهنات الواقعة يف حقهم و يكون ذلك كفارة لتلك‬
‫ومينعين ضعف البدن وشدة الربد من الوصول هناك واالّ لوصلت اىل خدمتكم للرتغيب‬
‫يف هذا االمر ورميت هبذه املناسبة بزاقا على ذلك احلجر وجعلته رأس بضاعة السعادة‬
‫وماذا أابلغ ازيد من ذلك‪.‬‬

‫{املكتوب السبعون واملائتان اىل الشيخ نور حممد يف بيان ترجيح بعض‬
‫الصحبة على العزلة}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد نسي أخي نور حممد النائني‬
‫املهجورين على هنج ال يذكرهم بسالم وال بكالم وكان متمناكم العزلة واالنزواء فقد تيسر‬
‫ذلك ولكن بعض الصحبة يرجح ويفضل على العزلة وكفى حال أويس القرين ان يكون‬
‫مقياسا حيث اختار العزلة ومل ينل صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫فلم جيد حظا من كماالت الصحبة وصار من التابعني وأتخر من الدرجة األوىل من‬
‫درجات اخلري اىل الدرجة الثانية ويف كل يوم طرز آخر من الصحبة بعناية هللا تعاىل من‬
‫استوى يوماه فهو مغبون و السالم عليكم و على سائر من إتبع اهلدى والتزم متابعة‬
‫‪- 466 -‬‬

‫املصطفى عليه و على آله الصلوات والتحيات‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والسبعون واملائتان اىل الشيخ حسن الربكي يف حل‬


‫استفساره عن الواقعة اليت رآها}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصل مكتوب أخي االعز الشيخ‬
‫حسن أحسن هللا حاله وبلغه كماله واتضحت الواقعة املسطورة اليت ظهرت ظهورا بينا‬
‫ينبغي أن يكون راجيا وأن جتتهد يف اتيان ما أنت مأمور به ببذل الروح وأن ال جتوز جتاوز‬
‫احلدود الشرعية مقدار شعرة وان تتحلي مبعتقدات أهل السنة واجلماعة احلقة ع‪ :‬هذا هو‬
‫األمر والباقي خياالت فان اجاز والدكم ورضي االخوان ينبغي ان تغتنم سري بالد اهلند و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والسبعون واملائتان اىل السيد حمب هللا املانكپوري يف بيان‬
‫االميان الغييب واالميان الشهودي وبيان التوحيد الوجودي والتوحيد الشهودي وان‬
‫الضروري يف حتقق الفناء هو الشهودي وان أول من أظهر التوحيد الوجودي صاحب‬
‫الفتوحات املكية وما يناسب ذلك}‬
‫بعد احلمد والصلوات ليعلم االخ االعز املري حمب هللا ان االميان ابلغيب بوجود‬
‫الواجب تعاىل وسائر صفاته نصيب االنبياء واصحاهبم عليهم الصالة و السالم ونصيب‬
‫االولياء الذين ثبت هلم الرجوع ابلكلية ونسبتهم نسبة االصحاب وان كان هؤالء قليلني‬
‫بل أقل ونصيب العلماء ونصيب عامة املؤمنني ايضا واالميان الشهودي نصيب عامة‬
‫الصوفية سواء كانوا من أرابب العزلة او من اصحاب العشرة فان اصحاب العشرة وان‬
‫كانوا مرجوعني لكنهم ما رجعوا ابلكلية بل ابطنهم مستشرف اىل الفوق ومنجذب اليه‬
‫دائما فهم ابلظاهر مع اخللق وابلباطن مع احلق جل سلطانه فاالميان الشهودي نصيبهم‬
‫دائما واالنبياء عليهم السالم ملا كانوا مرجوعني ابلكلية ومتوجهني ظاهرا وابطنا اىل دعوة‬
‫‪- 467 -‬‬

‫اخللق ابحلق جل وعال كان االميان الغييب نصيبهم ابلضرورة وقد حقق هذا الفقري يف بعض‬
‫رسائله ان التوجه حنو الفوق مع وجود الرجوع من عالمة النقص وعدم الوصول اىل هناية‬
‫االمر والرجوع ابلكلية عالمة الوصول اىل هناية النهاايت والصوفية زعموا ان الكمال امنا‬
‫هو يف اجلمع بني التوجهني وعدوا اجلامع بني التشبيه والتنزيه من الكمل {ع}‪:‬‬
‫و للناس فيما يعشقون مذاهب‬
‫فاذا فرغ االنبياء عليهم الصالة و السالم من وظيفة الدعوة وتوجهوا حنو عامل‬
‫البقاء ومتت مصلحة الرجوع يكونون متوجهني بكليتهم اىل احلق جل شأنه قائلني بتمام‬
‫الشوق الرفيق االعلى متبخرتين يف مراتب القرب {شعر}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها * و للعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫والكمال عند الفقري هو ان ترتفع الكثرة وقت العروج عن النظر ابلكلية حت ال‬
‫تكون االمساء والصفات أيضا ملحوظة وال يكون غري االحدية اجملردة مشهودا مث يعامل‬
‫معه ما يعامل معه وان يقع النظر وقت الرجوع اىل الكثرة ابلتمام وال يكون مشهوده‬
‫كعامة املؤمنني غري اخللق وال يكون شغله غري اداء الطاعة ودعوة اخللق اىل احلق جل‬
‫وعال فاذا مت أمر الدعوة وودع العامل الفاين يتوجه بكليته اىل جناب قدسه تعاىل وحيول‬
‫رحله من الغيب اىل الشهادة ويبدل معاملة املراسلة مبعاملة املعانقة ذلك فضل هللا يؤتيه‬
‫من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (وال خييلن) الناقص ان الرجوع الكلي نقص وال يزعمن‬
‫ان التوجه ابلباطن اىل احلق جل وعال أفضل من التوجه اىل اخللق لدعوهتم وتكميلهم فان‬
‫صاحب الرجوع ما جاء اىل مقام الرجوع ابختيار نفسه بل نزل من أعلى اىل أسفل ابرادة‬
‫احلق جل سلطانه ورضي لنفسه ابهلجر عن الوصول فصاحب الرجوع قائم مبراد احلق جل‬
‫شأنه وفان عن مراد نفسه وصاحب التوجه حمظوظ ابلوصل والشهود ومسرور ابلقرب‬
‫واملعية {شعر}‪:‬‬
‫اذا أرضى منا قليب بعادي * فهذا اهلجر احظى من وصايل‬
‫الين يف الوصال عبيد نفسي * ويف اهلجر ان موىل للموايل‬
‫‪- 468 -‬‬

‫ب اىل من شغلي حبايل‬


‫وشغلي ابحلبيب بكل حال * أَ َح ّ‬
‫وفضائل الرجوع وكماالته كثرية وصاحب التوجه ابلنسبة اىل صاحب الرجوع قطرة‬
‫ابلنسبة اىل البحر احمليط وهذا الرجوع من فضائل النبوة وذاك التوجه من آاثر الوالية شتان‬
‫ما بينهما ولكن ال يدرك هذا الكمال فهم كل أحد ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا‬
‫ذو الفضل العظيم (وقال) بعض اجلامعني بني التشبيه والتنزيه ان االميان ابلتنزيه حاصل‬
‫جلميع املؤمنني والعارف هو الذي جيمع بينه وبني االميان ابلتشبيه ويرى اخللق ظهور‬
‫اخلالق والكثرة كسوة الوحدة ويطالع الصانع يف صنعه وابجلملة ان التوجه اىل التنزيه‬
‫الصرف نقص عندهم وشهود الوحدة بال مالحظة الكثرة عيب وهذه اجلماعة يعدون‬
‫املتوجهني اىل االحدية الصرفة انقصني ويظنون مالحظة الوحدة بال مطالعة الكثرة حتديدا‬
‫وتقييدا سبحان هللا وحبمده اما دروا أن دعوة االنبياء عليهم الصالة و السالم كلها اىل‬
‫تنزيه صرف والكتب السماوية انطقة ابالميان التنزيهي واالنبياء عليهم الصالة و السالم‬
‫ين فون اآلهلة الباطلة اآلفاقية واالنفسية ويدعون اخللق اىل ابطاهلا ويدلون على وحدة‬
‫واجب الوجود املنزه عن التشبيه والتكييف هل مسعت قط ان نبيا دعى اىل االميان‬
‫التشبيهي وقال ان اخللق ظهور اخلالق ومجيع االنبياء متفقون على توحيد واجب الوجود‬
‫تعاىل وتقدس ونفي أرابب غريه تعاىل قال هللا تعاىل قل اي أهل الكتاب تعالوا اىل كلمة‬
‫سوآء بيننا وبينكم االّ نعبد االّ هللا وال نشرك به شيئا وال يتخذ بعضنا بعضا أراباب من‬
‫دون هللا فان تولوا فقولوا اشهدوا ابان مسلمون وهؤالء اجلماعة يثبتون أراباب غري متناهية‬
‫ويتخيلون كلهم ظهورات رب االرابب وما يستشهدون به يف اثبات مطالبهم من الكتاب‬
‫والسنة ليس فيه استشهاد أصال أما الكتاب فقوله تعاىل هو االول واآلخر والظاهر‬
‫والباطن وما رميت اذر رميت ولكن هللا رمى ان الذين يبايعونك امنا يبايعون هللا يد هللا‬
‫فوق أيديهم وأما السنة فقوله عليه الصالة و السالم اللهم[‪ ]1‬أنت االول فليس قبلك شئ‬
‫وأنت اآلخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك‬

‫(‪( )1‬قوله اللهم انت االول اخل) هذه قطعة من حديث اخرجه مسلم عن ايب هريرة رضي هللا عنه‬
‫‪- 469 -‬‬

‫شئ فان مجيع احلصر يف هذه العبارات لنفي كمال الوجود عما سواه تعاىل أببلغ الوجوه‬
‫ال نفي اصل الوجود كما قال عليه الصالة و السالم ال صالة[‪ ]1‬اال بفاحتة الكتاب وقال‬
‫أيضا ال اميان[‪ ]2‬ملن ال أمانة له وأمثال ذلك يف الكتاب والسنة كثرية وهذا التوجيه ليس‬
‫من قبيل أتويل النصوص كما زعموا بل هو محل النصوص على كمال البالغة كما ان يف‬
‫العرف اذا وقع االهتمام برسالة شخص ونيابته يقال ان يده يدي واملقصود هنا ليس‬
‫احلقيقة بل اجمل از الذي هو أبلغ من احلقيقة فاذا كان وقوع الفعل أكثر وأزيد ابلنظر اىل‬
‫مقدار قدرة الفاعل الذي هو عبد مملوك لصاحب القدرة الكاملة وكان التفات ذلك‬
‫القادر املالك وتوجهه اىل ذلك الفعل مرعيا يصح للمالك أن يقول اان فعلت هذا الفعل‬
‫ال أنت وال داللة هلذا الكالم أصال ع لى احتاد الفعل وال على احتاد الذات معاذ هللا من‬
‫أن يكون فعل العبد اململوك عني فعل املالك املقتدر أو يكون ذاته عني ذاته امل تفهم هذه‬
‫اجلماعة مذاق االنبياء عليهم الصالة و السالم فان مدار دعوهتم على اثبات االثنينية‬
‫ووجود املغايرة يعين بني اخللق واخلالق وتنزيل عباراهتم على التوحيد واالحتاد من التكلفات‬
‫الباردة فان كان املوجود واحدا يف احلقيقة وكان ما سواه ظهوراته وكان عبادة ما سواه‬
‫عبادته كما زعم هؤالء اجلماعة مل منع االنبياء عليهم السالم عنها ابملبالغة والتأكيد ومل‬
‫خوفوا ابلعقوابت االبدية على عبادة ما سواه ومل قالوا لعابديه أعداء هللا ومل مل يطلعوهم‬
‫على منشإ غلطهم ومل يزيلوا عنهم رؤية املغايرة الناشئة عن اجلهل فيهم ومل يفهموهم ان‬
‫عبادة ما سواه عني عبادته جل وعال (قال) بعض هؤالء اجلماعة ان االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم امنا اخفوا اسرار التوحيد الوجودي عن العوام وبنوا أمر الدعوة على‬
‫اثبات املغايرة واخفوا الوحدة ودلوا على الكثرة بسبب قصور فهم العوام عن ذلك وهذا‬
‫القول غري مسموع منه كما ال يسمع القول ابلتقاة من الشيعة فان االنبياء عليهم السالم‬
‫احق بتبليغ ما هو مطابق لنفس االمر فان كان الوجود يف نفس االمر واحدا فلم أخفوه‬

‫(‪( )1‬قوله ال صالة اخل) اخرجه الشيخان وغريمها عن عبادة بن الصامت‬


‫(‪ )2‬قوله ال اميان ملن ال امانة له) اخرجه البيهقي يف شعب االميان‬
‫‪- 470 -‬‬

‫وأظهروا خالف ما يف نفس االمر خصوصا يف االحكام اليت تتعلق بذات واجب الوجود‬
‫وصفاته وأفعاله تعاىل وتقدس فاهنم احقاء ابعالهنا واظهارها وان كان قاصر النظر قاصرا‬
‫عن ادراكها وعاجزا عن فهمها فضال عن العوام اال ترى ان املتشاهبات القرآنية وما ورد‬
‫يف االحاديث النبوية من املتشاهبات يعجز اخلواص عن فهمها فضال عن العوام ومع ذلك‬
‫مل مينعوا ومل يعقهم توهم غلط العوام من ابدائها وهؤالء اجلماعة يسمون من يقول بتعدد‬
‫الوجود واملوجود ويتنزه عن عبادة ما سوى املعبود تعاىل وتقدس مشركا ويقولون ملن يقول‬
‫بوحدة الوجود موحدا ولو كان يعبد ألف صنم بتخيل اهنا ظهورات احلق سبحانه وان‬
‫عبادهتا عبادته سبحانه ينبغي ان يتأمل ابالنصاف اي صنف من هذين الصنفني مشرك‬
‫وأي صنف منهما موحد واالنبياء عليهم الصالة و السالم ما دعوا اخللق اىل وحدة‬
‫الوجود ومل يقولوا ملن قال بتعدد الوجود مشركا بل كانت دعوهتم اىل وحدة املعبود جل‬
‫سلطانه وأطلقوا الشرك على عبادة ما سواه تعاىل فان مل يعرف الصوفية الوجودية ما سواه‬
‫تعاىل بعنوان الغريية ال يتخلصون من الشرك وما سواه تعاىل هو ما سواه تعاىل عرفوا ذلك‬
‫أو ال وبعض املتأخرين منهم قال ان العامل ليس عني احلق جل سلطانه ويتحاشى من‬
‫القول ابلعينية ويطعن يف القائلني هبا ويشنعهم وينكر الشيخ حميي الدين بن العريب واتباعه‬
‫من هذا الوجه ويذكرهم بسوء ومع ذلك ال يقول مبغايرة العامل للحق سبحانه بل يقول انه‬
‫ليس عني احلق وال غري احلق سبحانه وهذا الكالم بعيد عن الصواب فان االثنان متغايران‬
‫قضية مقررة ومنكر املغايرة بني االثنني مصادم لبديهة العقل غاية ما يف الباب ان‬
‫املتكلمني قالوا يف صفات الواجب اهنا ال هو وال غريه وارادوا ابلغري الغري املصطلح وراعوا‬
‫جواز االنفكاك يف املتغايرين فان صفات الواجب ليست منفكة عن الذات وجواز‬
‫االنفكاك بني الذات والصفات الق دمية غري متصور فقول ال هو وال غريه صادق يف‬
‫الصفات القدمية خبالف العامل فان تلك النسبة مفقودة فيه كان[‪ ]1‬هللا ومل يكن معه شئ‬

‫(‪( )1‬ق وله كان هللا اخل) رواه البخاري عن عمران بن حصني رضي هللا عنه بلفظ كان هللا ومل يكن شئ غريه ويف رواية‬
‫فيه ومل يكن شئ قبله قال ابن حجر ويف رواية غري البخاري ومل يكن شئ معه اه‬
‫‪- 471 -‬‬

‫فنفي العينية والغريية معا من العامل بعيد عن الصدق لغة واصطالحا وهؤالء اجلماعة امنا‬
‫زعموا العامل وتصوروه كالصفات القدمية واثبتوا له احلكم املخصوص هبا من قصورهم وعدم‬
‫وصوهلم وحيث قالت هؤالء اجلماعة بنفي عينية العامل كان الالزم هلم ان يقولوا بغرييته‬
‫ايضا حت خيرجوا من زمرة أرابب التوحيد الوجودي وحيكموا بتعدد الوجود يف التوحيد‬
‫الوجودي البد من القول ابلعينية كما قال هبا الشيخ حميي الدين بن العريب واتباعه والقول‬
‫ابلعينية ال مبعن ان العامل متحد ابلصانع معاذ هللا من ذلك بل مبعن أن العامل معدوم‬
‫واملوجود هو واجب الوجود تعاىل وتقدس كما حقق هذا الفقري هذا املعن يف بعض‬
‫رسائله (فان قيل) ان الصوفية الوجودية امنا يقولون ملن يقول بتعدد الوجود مشركا ابعتبار‬
‫أنه يرى ويشاهد االثنني ومشاهد االثنني هو مشرك الطريقة (اجيب) أن رؤية االثنني اليت‬
‫هي شرك الطريقة تندفع ابلتوحيد الشهودي وال حاجة اىل التوحيد الوجودي يف ذلك‬
‫املوطن بل ينبغي ان ال يكون مشهود السالك وملحوظه غري الذات االحد املقدسة حت‬
‫يتحقق الفناء ويندفع شرك الطريقة كما اذا رأى شخص الشمس يف النهار وحدها ومل ير‬
‫النجوم يندفع رؤية االثنني وان كانت النجوم كلها موجودة يف النهار واملقصود هو كون‬
‫املشهود هو الشمس وحدها سواء كانت النجوم موجودة او معدومة بل أقول ان كمال‬
‫الفناء امنا هو يف صورة تكون االشياء موجودة ومع ذلك ال يلتفت السالك من كمال‬
‫تعلقه وشغفه ابملطلوب احلقيقي اىل شئ أصال بل ال يشاهد شيئا وال يقع نظر بصريته‬
‫اىل شئ قطعا فان مل تكن االشياء موجودة فمن اي شئ يتحقق الفناء وعمن يكون فانيا‬
‫وذاهال وانسيا (وأول) من صرح ابلتوحيد الوجودي هو الشيخ حميي الدين ابن العريب‬
‫وعبارات املشائخ املتقدمني وان كانت مشعرة ابلتوحيد ومنبئة عن االحتاد ولكنها قابلة‬
‫للحمل على التوحيد الشهودي فانه ملا مل ير غري احلق سبحانه قال بعضهم ليس يف جبيت‬
‫سوى هللا وقال بعضهم سبحاين وبعضهم ليس يف الدار غريي وهذه كلها ازهار تفتقت‬
‫من غصن رؤية الوا حد ال داللة يف واحد منها على التوحيد الوجودي والذي بوب مسئلة‬
‫وحدة الوجود وفصلها ودوهنا تدوين النحو والصرف هو الشيخ حميي الدين بن العريب‬
‫‪- 472 -‬‬

‫وخصص بعض املعارف الغامضة بني هذا املبحث بنفسه حت قال ان خامت النبوة أيخذ‬
‫بعض العلوم واملعارف عن خامت الوالية وأراد خبامت الوالية احملمدية نفسه وقال الشراح يف‬
‫توجيهه ان السلطان اذا أخذ من خازنه شيئا فاي نقصان فيه وابجلملة ال حاجة يف‬
‫حتصيل الفناء والبقاء وحصول الوالية الصغرى والكربى اىل التوحيد الوجودي بل البد يف‬
‫حتقق الفناء وحصول نسيان السوي من التوحيد الشهودي بل ميكن ان يسري السالك من‬
‫البداية اىل النهاية وال يظهر له شئ من علوم التوحيد الوجودي ومعارفها أصال بل يكاد‬
‫ينكر هذه العلوم وعند هذا الفقري ان الطريق الذي يتيسر سلوكه بدون ظهور هذه‬
‫املعارف اقرب من الطريق الذي هو متضمن لظهور هذه املعارف (وأيضا) ان أكثر‬
‫سالكي هذا الطريق يصلون اىل املطلوب وأكثر سائري ذاك الطريق يبقون يف الطريق‬
‫ويروون من البحر بقطرة ويبتلون بتوهم احتاد الظل ابالصل وحيرمون بذلك الوصل‬
‫وعلمت هذا املعن بتجاريب متعددة وهللا سبحانه امللهم للصواب وسري الفقري وان كان‬
‫من الطريق الثاين ووجد حظا وافرا من ظهورات علوم التوحيد الوجودي ومعارفه ولكن ملا‬
‫كانت عناية احلق سبحانه شاملة حلاله وكان سريه السري احملبويب طوى بوادي الطريق‬
‫ومفاويزه ابمداد فضله وعنايته تعاىل وجاوز مراتب الظالل ووصل اىل االصل بتوفيق هللا‬
‫تعاىل وعونه وملا وقعت املعاملة على املسرتشدين رأى أن الطريق اآلخر أقرب اىل الوصول‬
‫وأسهل من حيث احلصول احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان هللا‬
‫لقد جاءت رسل ربنا ابحلق (تنبيه) قد علم من التحقيق السابق أن املوجودات وان كانت‬
‫متعددة وما سواه تعاىل كان موجودا جاز أن يتحقق الفناء والبقاء وحتصل الوالية الصغرى‬
‫والكربى فان الفناء هو نسيان السوى ال اعدامه واستئصاله وما هو الالزم فيه أن تكون‬
‫رؤية السوى مفقودة ال أن يكون السوي معدوما وال شيئا حمضا وهذا الكالم مع ظهوره‬
‫قد خفي على أكثر اخلواص وماذا نقول من العوام وجعلوا معرفة وحدة الوجود من شرائط‬
‫الطريق بتخيل ان التوحيد الشهودي هو عني التوحيد الوجودي وزعموا القائل بتعدد‬
‫الوجود ضاال ومضال حت ختيل الكثريون منهم ان معرفة احلق سبحانه منحصرة يف‬
‫‪- 473 -‬‬

‫معارف التوحيد الوجودي وتصوروا ان شهود الوحدة يف مرااي الكثرة من متام االمر حت‬
‫صرح بعضهم ان نبينا صلّى هللا عليه و سلّم كان بعد حصول كماالت النبوة يف مقام‬
‫الشهود والوحدة يف الكثرة وان يف قوله تعاىل إان أعطيناك الكوثر اشارة اىل ذلك املقام‬
‫وي ّول العبارة هكذا اان أعطيناك شهود الوحدة يف الكثرة وكأنه فهم هذه االشارة من‬
‫توسط الواو بني حروف الكثر حاشا مقام النبوة من ان يليق مبثل هذه املعارف وكال فان‬
‫االنبياء عليهم الصالة و السالم امنا دعوا اىل هللا املنزه عن املماثلة واملشاهبة والذي يكون‬
‫له متسع يف مرااي املثايل ليس له نصيب من الالمثايل بل هو متسم بسمة الكيف واملثال‬
‫رزقهم هللا سبحانه االنصاف وكاهنم يزنون االنبياء عليهم الصالة و السالم مبيزان كماالهتم‬
‫ويزعمون كماالهتم مماثلة لكماالهتم كربت كلمة خترج من أفواهم {شعر}‪:‬‬
‫وليس لشئ كامن جوف صخرة * سواها مساوات لديه وال أرض‬
‫وأحقر أمته صلّى هللا عليه و سلّم يف استغفار وندامة من أمثال هذه املعرفة اليت‬
‫حصلت له يف أوائل حاله وينفي ذلك الشهود من جناب قدسه تعاىل كحلول النصارى‬
‫قال اخلواجه النقشبند قدس سره كلما يكون مرئيا أومسموعا أو متخيال أو موهوما فهو‬
‫غريه تعاىل ينبغي نفيه حبقيقة كلمة ال فكان شهود الوحدة يف الكثرة ايضا مستحقا للنفي‬
‫فهو منتف من جناب قدسه وكالم اخلواجه هذا هو الذي أخرجين من هذا الشهود‬
‫واجن اين من التعلقات ابملشاهدة واملعاينة وحول الرحل من العلم اىل اجلهل ومن املعرفة اىل‬
‫احلرية جزاه هللا سبحانه خري اجلزاء وأان هبذا الكالم الواحد مريد اخلواجه هباء الدين‬
‫النقشبند قدس سره ومقر طق االذن بكالمه هذا (واحلق) ان قليال من االولياء تكلم هبذه‬
‫العبارة ونفى مجيع املشاهدات واملعاينات على هذا النهج وقال هو يعين اخلواجه النقشبند‬
‫يف هذا املقام الذي هو مقام احلقيقة معرفة احلق سبحانه و تعاىل حرام على هباء الدين لو‬
‫مل تكن بدايته هناية ايب يزيد فان ااب يزيد مع عظم شأنه وجاللة قدره ما جاوز الشهود‬
‫واملشاهدة ومل يضع قدمه خارج مضيق سبحاين خبالف اخلواجه النقشبند فانه نفى مجيع‬
‫مشاهداته بكلمة واحدة يعين كلمة ال وجعل الكل غري احلق سبحانه وتنزيه البسطامي‬
‫‪- 474 -‬‬

‫تشبيه عند اخلواجه وال مثاليه مثايل وكماله نقص فال جرم تكون هنايته اليت مل تتجاوز‬
‫التشبيه بداية اخلواجه فان البداية تكون من التشبيه والنهاية تكون اىل التنزيه ولعله حصل‬
‫االطالع اليب يزيد يف آخر احلال على هذا النقص حيث قال قبيل االحتضار اهلي ما‬
‫ذكرتك اال عن غفلة وال خدمتك اال عن فرتة فعرف يف ذلك احلال ان حضوره السابق‬
‫كان غفلة فانه ما كان حضور احلق سبحانه بل كان حضور ظل من الظالل وظهور من‬
‫الظهورات فيكون غافال عنه تعاىل ابلضرورة فانه سبحانه غري الظالل والظهورات ووراء‬
‫الوراء والظالل والظهورات امنا هي مباد ومقدمات ومعارج ومعدات ومقال اخلواجه قدس‬
‫سره حنن ندرج النهاية يف البداية مطابق للواقع فان ابتداء توجههم اىل االحدية الصرفة ال‬
‫يري دون من االسم والصفة غري الذات وهذه احلالة حتصل للمبتدئني الرشيدين من هذه‬
‫الطائفة بطريق االنعكاس من شيخ مقتدى به مشرف هبذا الكمال عرفوا اومل يعرفوا‬
‫فتكون هناية الكمل مندرجة يف بداية هؤالء االكابر غاية ما يف الباب ان هذا التوجه اىل‬
‫االحدية لو غلب فيهم ومني وجعل الظاهر أيضا منصبغا بلون الباطن يكون السالك‬
‫حينئذ متخلصا من رقية مشاهدة السفلى وشهود االدين الذي يظهر يف مرااي املمكنات‬
‫وهاراب من املعارف التشبيهية وان مل يغلب هذا التوجه بل كان مقصورا على الباطن فكثريا‬
‫ما يكون الظاهر ملتذا بشهود الوحدة يف الكثرة وحمتظا ابلتوحيد واالحتاد ولكن هذا‬
‫الشهود مقصور يف حقهم على الظاهر غري سار اىل الباطن بل ابطنهم متوجه اىل‬
‫االحدية الصرفة وظاهرهم مشاهد للوحدة يف الكثرة بل رمبا ال يكون توجه الباطن بواسطة‬
‫غلبة نسبة الظاهر معلوما وال يكون شئ سوى الشهود الظاهري مفهوما كما كان ذلك‬
‫يف اوائل احوال حمرر هذه السطور فانه مل يكن له شعور من توجه الباطن اىل االحدية‬
‫الصرفة بواسطة غلبة نسبة الظاهر ووجد نفسه متوجها ابلكلية اىل شهود الوحدة يف‬
‫الكثرة مث رزقه احلق سبحانه بعد مدة االطالع على توجه الباطن ونصر الباطن على‬
‫الظاهر واوصل املعاملة اىل هنا احلمد هلل سبحانه على ذلك ومن هذا القبيل ما صدر من‬
‫بعض خلفاء هذه الطائفة العلية من املعارف التوحيدية واملشاهدة السفلية ال اهنم‬
‫‪- 475 -‬‬

‫متوجهون اىل هذا الشهود ومبتلون هبذه املعرفة ظاهرا وابطنا خبالف غريهم حيث أهنم‬
‫مبتلون هبذا الشهود ظاهرا وابطنا ويزعمون هذا الشهود مجعا بني التشبيه والتزيه ويعدونه‬
‫من الكمال وان كان هلم يف الباطن اميان ابلتنزيه الصرف فان االبتالء غري االميان واحلال‬
‫غري العلم واما الذين ال اميان هلم ابلتنزيه الصرف وال يعتقدون شيئا غري املشاهدة السفلية‬
‫فهم املالحدة وهم خارجون عن املبحث وشهود احلق جل وعال يف مرااي املمكنات الذي‬
‫يعده مجاعة من الصوفية كماال ويزعمونه مجعا بني التشبيه والتنزيه ليس هو عند الفقري‬
‫شهود احلق جل وعال وليس املشهود فيها غري متخيلهم ومنحوهتم وال ما يرونه يف املمكن‬
‫واجبا وال ما جيدونه يف احلادث قدميا وال ما يظهر يف التشبيه تنزيها واايك واالفتتان‬
‫برتهات الصوفية واعتقاد غري احلق حقا وهذه اجلماعة وان كانوا معذرورين يف خصوصهم‬
‫بغلبة احلال وحمفوظني من املؤا خذة بذلك كاجملتهد املخطئ ولكن ال ندري ماذا تكون‬
‫املعاملة مبقلديهم ليتهم يكونوا كمقلدي اجملتهد املخطئ واالّ فاالمر مشكل والقياس‬
‫االجت هادي أصل من االصول الشرعية وحنن مأمورون بتقليده خبالف الكشف واالهلام‬
‫فان مل نؤمر بتقليده واالهلام ليس حبجة للغري واحلكم االجتهادي حجة للغري فيجب اذا‬
‫تقليد العلماء اجملتهدين وينبغي طلب أصول الدين موافقة آلرائهم وما يقوله الصوفية أو‬
‫يفعلونه خمالفا آلراء العلماء اجملتهدين ال ينبغي تقليده بل ينبغي السكوت عن طعنهم‬
‫حبسن الظن هبم وان يعده من شطحياهتم وان يصرفه عن ظاهره والعجب ان كثريا من‬
‫الصوفية يدلون العوام على االميان أبمورهم الكشفية كوحدة الوجود مثال ويدعوهنم اليه‬
‫ويرغبوهنم يف تقليدهم فيها ويهددوهنم على عدم االميان هبا وليتهم يدلوهنم على عدم‬
‫االنكار على هذه االمور ويهددون املنكرين فان االميان غري عدم االنكار واالميان هبذه‬
‫األمور ليس بالزم ولكن ينبغي االجتناب واالحرتاز عن االنكار لئال ينجر انكار هذه‬
‫االمور اىل انكار أرابهبا فيؤدي اىل بغض أولياء احلق جل وعال وعداوهتم فالالزم لالنسان‬
‫العمل على وفق آراء علماء أهل احلق والسكوت عن كشفيات الصوفية حبسن الظن‬
‫وعدم اجلسارة بال ونعم هو احلق املتوسط بني االفراط والتفريط وهللا سبحانه امللهم‬
‫‪- 476 -‬‬

‫للصواب (ومن) أعجب العجب ان مجاعة من مدعي هذا الطريق ال يقنعون هبذا الشهود‬
‫واملشاهدة ب ل يزعمون هذا الشهود تنزال ويقولون يف اثناء ذلك ابلرؤية البصرية ويقولون‬
‫نرى ذات واجب الوجود املنزه عن املثال ويقولون ان هذه الدولة اليت كانت ميسرة للنيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم مرة واحدة يف ليلة املعراج تتيسر لنا يف كل يوم ويشبهون النور‬
‫املرئي هلم ابسفار الصبح ويزعمون ذلك النور املرتبة الالكيفية ويتخيلون ظهور ذلك النور‬
‫هناية مراتب العروج تعاىل هللا سبحانه عما يقول الظاملون علوا كبريا وأيضا اهنم يثبتون‬
‫املكاملة معه تعاىل ويقولون أمران هللا سبحانه و تعاىل بكذا وكذا وينقلون عنه سبحانه‬
‫أحياان وعيدا يف حق اعدائهم ويبشرون أحياان احباهبم ويقول بعضهم كلمت احلق‬
‫سبحانه بقية ثلث الليل او ربعه اىل صالة الصبح وسئلته عن كل ابب ووجدت منه‬
‫اجلواب لقد استكربوا يف أنفسهم وعتوا عتوا كبريا ويفهم من كلمات هؤالء اجلماعة اهنم‬
‫يعتقدون ذلك النور املرئي عني احلق سبحانه وعني ذاته تعاىل ال اهنم يقولون انه ظهور‬
‫من ظهوراته تعاىل وظل من ظالله وال شك ان اعتقاد ذلك النور ذات احلق سبحانه‬
‫افرتاء حمض واحلاد صرف وزندقة خالصة ومن هناية حتمله سبحانه و تعاىل عدم استعجاله‬
‫يف عقوبة امثال هؤالء املفرتين وتعذيبهم ابنواع العذاب وعدم استئصاهلم سبحانك على‬
‫حلم ك بعد علمك سبحانك على عفوك بعد قدرتك وقد هلك قوم موسى على نبينا‬
‫وعليه الصالة و السالم مبجرد طلب الرؤية ومسع موسى عليه السالم نداء لن تراين بعد‬
‫وخر صعقا واتب من ذلك الطلب وحممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬‫طلب الرؤية ّ‬
‫الذي هو حمبوب رب العاملني وأفضل املوجودات وسيد االولني واآلخرين مع كونه مشرفا‬
‫بدولة املعراج البدين وجتاوزه العرش والكرسي وعلوه على الزمان واملكان يعين خلوه‬
‫وخروجه منهما للعلماء اختالف يف رؤيته عليه الصالة و السالم مع وجود االشارة‬
‫القرآنية اليها وأكثرهم قائلون بعدمها قال االمام الغزايل االصح انه عليه الصالة و السالم‬
‫ما رأى ربه ليلة املعراج وهؤالء القاصرون يرون هللا سبحانه كل يوم بزعمهم الباطل مع‬
‫وجود القيل والقال بني العلماء يف رؤية حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مرة واحدة‬
‫‪- 477 -‬‬

‫فقبحهم هللا سبحانه ما أجهلهم (وأيضا) يعلم من كلمات هؤالء اجلماعة ان نسبة الكالم‬
‫الذي يسمعونه اىل هللا سبحانه عندهم كنسبة الكالم اىل املتكلم وهذا عني االحلاد معاذ‬
‫هللا سبحانه من أن يصدر عنه كالم بطريق تكلم فيه ترتيب احلروف والتقدم والتأخر فان‬
‫ذلك من عالمات احلدوث والذي أوقعهم يف االغلوطات هو كلمات املشائخ الكبار‬
‫فاهنم ا يضا اثبتوا له سبحانه الكالم واملكاملة (ولكن) ينبغي أن يعلم ان املشائخ ال يقولون‬
‫ان نسبة الكالم اليه تعاىل كنسبته اىل املتكلم بل يقولون انه كنسبة املخلوق اىل اخلالق‬
‫يقينا وال حمذور يف ذلك اصال فان موسى على نبينا وعليه الصالة و السالم مسع من‬
‫الشجرة كالم احلق سبحانه و تعاىل ونسبة هذا الكالم اىل احلق سبحانه كنسبة املخلوق‬
‫اىل اخلالق ال كنسبة الكالم اىل املتكلم وكذلك الكالم الذي كان يسمعه من جربيل عليه‬
‫السالم نسبته اىل احلق كنسبة املخلوق اىل اخلالق غاية ما يف الباب ان ذلك الكالم ايضا‬
‫كالم احلق سبحانه ومنكره كافر وزنديق وكأن كالم احلق مشرتك بني الكالم النفسي‬
‫والكالم اللفظي الذي يوجده احلق سبحانه من غري توسط امر ما فيكون الكالم اللفظي‬
‫ايضا يف احلقيقة كالم احلق سبحانه و تعاىل فيكون منكره كافرا ابلضرورة فافهم فان هذا‬
‫التحقيق ينفعك يف كثري من املواضع وهللا سبحانه املوفق (ينبغي) أن يعلم أن الوجود‬
‫الذي نثبته يف املمكنات هو وجود ضعيف كسائر صفات املمكنات وما مقدار علم‬
‫املمكن يف جنب علم الواجب تعاىل واي اعتبار للقدرة احلادثة يف جنب القدرة القدمية‬
‫وكذلك وجود املمكن يف جنب وجود الواجب ال شئ حمض فكيف يقع الناظر يف الشك‬
‫من تفاوت مراتب هذين الوجودين ان اطالق الوجود على هذين الفردين هل هو بطريق‬
‫احلقيقة او على احدمها بطريق احلقيقة و على اآلخر بطريق اجملاز اال ترى ان اجلم الغفري‬
‫من الصوفية تيقنوا ابلشق الثاين وقالوا ان اطالق الوجود على وجود املمكن امنا هو بطريق‬
‫اجملاز وال يثبت الوجود للممكنات اال العوام واخص اخلواص واملراد ابخص اخلواص‬
‫االنبياء عليهم الصالة و السالم ومن كان مشرفا بواليتهم االصلية من اممهم وطوى دائرة‬
‫الظالل ابلتمام فاما العوام فنظرهم مقصور على الظاهر فيزعمون ان وجود الواجب ووجود‬
‫‪- 478 -‬‬

‫املمكن قسمان من الوجود املطلق ويظنون كليهما موجودين (وأما) أخص اخلواص‬
‫فأبصارهم حديدة فيجدون كال الوجودين من افراد الوجود املطلق ويعدون تفاوت مراتب‬
‫افراد الوجود املطلق راجعا اىل صفات الوجود واعتباراته ال اىل حقيقته وذاته حت يكون‬
‫يف احدمها حقيقة ويف اآلخر جمازا وأما املتوسطون الذين وضعوا اقدامهم فوق رتبة العوام‬
‫وقصروا عن ادراك كماالت اخص اخلواص فعسري عليهم ان يقولوا بوجود املمكنات وأن‬
‫يطلقوا لفظ الوجود على وجود املمكن بطريق احلقيقة ومشكل ومن ههنا قالوا إن املمكن‬
‫امنا يقال له موجودا بعالقة ان له نسبة اىل الوجود كما يقال ماء الشمس ال ان الوجود‬
‫قائم به حت يكون موجودا حقيقة وبعض هؤالء اجلماعة ساكت عن وجود املمكن غري‬
‫مصرح بنفيه واثباته وبعضهم ينفي الوجود عن املمكن وال يرى موجودا غري الواجب تعاىل‬
‫وبعضهم ال يقول بغريية وجود املمكن لوجود الواجب كما ال يقول بعينيته له ويصرح‬
‫بعضهم ان املمكن موجود بعني الوج ود الذي به الواجب تعاىل موجود وهذه العبارة ايضا‬
‫تنفي الوجود عن املمكن وابجلملة حيتاج يف اثبات وجود املمكن اىل حدة النظر حت‬
‫ميكن رؤيته حني تشعشع انوار وجود الواجب تعاىل كما أن من هلم حدة البصر يرون‬
‫النجوم يف النهار مع وجود تشعشع نور الشمس والذين ليس هلم حدة البصر ال يقدرون‬
‫رؤيتها فوجود املمكنات يف جنب وجود الواجب كوجود الكواكب يف النهار من كان فيه‬
‫حدة البصر يقدر رؤيته ومن هو ضعيف البصر ال يقدرها * وليس له منها نصيب وال‬
‫سهم * فان قيل كيف يرى العوام وجود املمكنات مع وجود ضعف البصر وعمي البصرية‬
‫فيهم واحلال ان تشعشع انوار وجود الواجب مانع عن رؤيته يعين الضعاف البصر‬
‫(اجيب) أن العوام ارابب العلم ال ارابب الرؤية وكالمنا يف ارابب الرؤية ال يف ارابب العلم‬
‫فاهنم خارجون عن املبحث فكان ظهور انوار الواجب تعاىل مفقودا يف حقهم فال يكون‬
‫مانعا عن رؤية وجود املمكنات يف حقهم او نقول ان ظهور انوار الواجب امنا هو مانع‬
‫عن شهود وجود املمكنات ال انه مانع عن العلم بوجود املمكنات فان العلم كثريا ما‬
‫حيصل ابلسماع والتقليد والنظر واالستدالل كما ان العلم بوجود الكواكب يف النهار‬
‫‪- 479 -‬‬

‫حاصل لضعاف البصر ايضا مع وجود ظهور الشمس ويف العوام العلم بوجود املمكنات‬
‫ال شهوده فان الشهود من صفة البصرية وبصرية العوام مطموسة سواء كان املشهود ملكا‬
‫أو ملكوات أو جربوات أو الهوات (أيها االخ االعز) ان العوام كما اهنم مشاركون الخص‬
‫اخلواص يف هذا املبحث كذلك هلم مشاركة يف مواضع أخر و من ههنا كانت معاملة‬
‫االنبياء ومعائشهم عليهم الصالة و السالم يف كثري من االحكام كمعاملة العوام‬
‫ومعائشهم ومعاشرهتم مع أهلهم وعياهلم وكان خري البشر صلّى هللا عليه و سلّم يعامل‬
‫أهله وعياله مثل معاملتهم وحسن معاشرته صلّى هللا عليه و سلّم مشهور نقل ان النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم قبّل يوما احلسن[‪ ]1‬واحلسني رضي هللا عنهما واظهر هلما متام‬
‫االنبساط فقال شخص من احلاضرين ان يل أحد عشر ابنا ومل اقبّل واحدا منهم أصال‬
‫فقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ان هذا لرمحة اعطاها هللا سبحانه لعباده من رمحته‬
‫وحيث كانت الخص اخلواص مشاركة مع العوام يف بعض االوصاف وان كانت صورة‬
‫كان العوام حمرومني من أكثر كماالهتم بسبب نقصاهنم وقصور ادراكهم وختيلهم اايهم‬
‫كأنفسهم والذين فارقوهم يف االوصاف واخلصال تراهم يعظموهنم ويوقروهنم وهلذا يفضلون‬
‫أوصاف االولياء واخالقهم على ما سواها من االوصاف اليت تشابه أوصافهم وأخالقهم‬
‫لكوهنا مغايرة الوصافهم واخالقهم وان كانت تلك االخالق موجودة يف االنبياء عليهم‬
‫السالم (نقل) عن املخدوم الشيخ فريد گنج شكر أنه ملا تويف واحد من أوالده وبلغه خرب‬
‫وفاته مل يطرأ عليه تغري أصال وقال مات جرو الكلب فاخرجوه وملا تويف ولد سيد البشر‬

‫(‪ )1‬يف االحياء رأى االقرع بن حابس النيب صلّى هللا عليه و سلّم وهو يقبّل ولده احلسن فقال ان يل عشرة من الولد‬
‫ما قبّلت واحدا منهم فقال عليه السالم من ال يرحم ال يرحم انتهى و قد اخرج الشيخان وابو داود والرتمذي عن ايب‬
‫هريرة رضي هللا عنه قال قبّل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم احلسني بن علي وعنده االقرع بن حابس فقال االقرع ان‬
‫يل احد عشرة من الولد ما قبّلت منهم احدا فنظر رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مث قال من ال يرحم ال يرحم وزاد‬
‫رزين او املك ان كان هللا نزع منكم الرمحة ورواه ابو يعلى عن ايب هريرة لكن ذكر عيينة بن حصني بدل االقرع ابن‬
‫حابس وليس فيه الزايدة اال ان فيه يقبّل احلسن واحلسني‪.‬‬
‫‪- 480 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫بفراقك‬ ‫ابراهيم عليه السالم بكى عليه النيب صلّى هللا عليه و سلّم وحزن وقال اان‬
‫حملزونون وبني حزنه ابلتأكيد مبالغة فانظر أيهما أفضل الشيخ فريد گنج شكر ام سيد‬
‫البشر صلّى هللا عليه و سلّم وعند العوام الذين هم كاالنعام بل اضل معاملة االول أوىل‬
‫وافضل فاهنم يعدوهنا من عدم التعلق ابلسوى ويزعمون الثاين عني التعلق ابلفاين اعاذان‬
‫هللا سبحانه من معتقداهتم السوء وحيث ان هذه الدار دار امتحان وابتالء فالقاء العوام‬
‫يف االشتباه والشبهة عني احلكمة واملصلحة اللهم اران احلق حقا وارزقنا اتباعه واران الباطل‬
‫ابطال وارزقنا اجتنابه حبرمة سيد البشر عليه و على آله الصالة و السالم (ولنرجع) اىل‬
‫أصل الكالم ونقول ان اميان االنبياء عليه السالم واصحابه الكرام واالولياء امللحقني‬
‫ابالصحاب العظام بعد الشهود قد تقرر كونه ابلغيب بواسطة الرجوع اىل الدعوة كما ان‬
‫شخصا رأى الشمس يف النهار ووجد فيه االميان الشهودي بوجود الشمس فاذا جاء‬
‫الليل يتبدل اميانه الشهودي ابالميان الغيىب واميان العلماء وان كان غيبا ولكن غيبهم‬
‫عرض له حكم احلدس بواسطة نور متابعة االنبياء عليهم السالم وخرج من كونه نظراي‬
‫واستدالليا واملراد ابلعلماء هنا علماء اآلخرة فان علماء الدنيا داخلون يف عامة املؤمنني‬
‫وا فضل اقسام االميان الغييب املنسوب اىل عامة املؤمنني اميان مربوط بتقليد االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم ومنوط بقال هللا وقال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم (فان قيل) قال‬
‫العلماء ان االميان االستداليل أفضل من االميان التقليدي حت ان كثريا من العلماء عدوا‬
‫االس تدالل من شرائط االميان ومل يعتربوا االميان التقليدي وأنت تقول ان االميان التقليدي‬
‫أفضل (أجيب) ان االميان احلاصل بتقليد االنبياء عليهم السالم اميان استداليل فان‬
‫صاحب التقليد يعرف ابلدليل ان االنبياء عليهم الصالة و السالم صادقون يف تبليغ‬
‫الرسالة من هللا تعاىل فان الشخص الذي صدقه هللا سبحانه ابملعجزة صادق ألبتة‬
‫واالنبياء عليهم السالم كلهم مؤيدون ابملعجزات فيكون كلهم صادقني والتقليد الغري‬
‫املعترب هو تقليد اآلابء يف االميان فقط وال يكون صدق االنبياء عليهم السالم وحقية‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان عن انس رضي هللا عنه‪.‬‬


‫‪- 481 -‬‬

‫تبليغهم منظورا اليه أصال وهذا االميان غري معترب عند كثري من العلماء بقى االميان‬
‫االستداليل احلاصل من ترتيب مقدمات أرابب النظر من الصغرى والكربى فهو استدالل‬
‫قريب من االمكان بعيد عن الوقوع وال يعلم مضي أحد من أرابب النظر يف مقام‬
‫االستدالل على اثبات الواجب مثل موالان جالل الدين الدواين فانه حمقق ومتأخر الزمان‬
‫وقد سعى هو يف اثبات الواجب سعيا بليغا ومع ذلك ال يوجد مقدمة من مقدمات‬
‫استدالالته مسلمة من النقض واملعارضة واملنع والدخل املوجه اليت اوردها حمشيوا رسالته‬
‫ويل لصاحب استدالل حيصل االميان مبجرد االستدالل وال يكون تقليد االنبياء مستنده‬
‫ومعتمده ربنا آمنا مبا انزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والسبعون واملائتان اىل املرزا حسام الدين امحد يف بيان انه‬
‫ينبغي للسالك ان يكون اثبتا ومستقيما على طريق شيخه غري ملتفت اىل طرق اخر‬
‫وان ال يعترب الوقائع اليت تظهر على خالفه فاهنا من الشيطان العدو وما يناسب‬
‫ذلك}‬
‫احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا‬
‫ابحلق عليهم من الصلوات امتها ومن التسليمات اكملها قد حصل السرور واالبتهاج‬
‫بوصول صحيفة االلتفات املرسلة ابسم هذا احلقري على وجه الكرم جزاكم هللا سبحانه‬
‫خري اجلزاء وقد اندرج فيها انه لو كانت املبالغة يف منع السماع متضمنة للمنع عن مساع‬
‫املولد الذي هو عبارة عن قراءة القصائد النعتية واالشعار غري النعتية يعسر ترك استماع‬
‫املولد على االخ االعز املري حممد نعمان وبعض االصحاب املوجودين هنا الهنم رأوا النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم يف الواقعة وهو صلّى هللا عليه و سلّم راض عن جملس املولد جدا‬
‫ويصعب عليهم ترك ذلك جدا (أيها املخدوم) لو كان للوقائع اعتبار و على املنامات‬
‫اعتماد ال حيتاج املريدون اىل الشيوخ و يكون اختيار طريق من الطرق عبثا فان كل مريد‬
‫يعمل حينئذ مبا يوافق وقائعه ويطابق ملناماته سواء كانت تلك الوقائع واملنامات موافقة‬
‫‪- 482 -‬‬

‫لطريقة شيخه أو ال وسواء كانت مرضية عنده أو ال فعلى هذا التقدير تبطل سلسلة‬
‫الشيخوخة واملريدية وكل ذي هوس يستقل بوضعه ويستبد بطوره واملريد الصادق ال يكون‬
‫عنده اللف واقعة صادقة مقدار نصف شعرية من االعتبار مع وجود شيخه وتكون‬
‫املنامات عند الطالب الرشيد مع دولة حضور املرشد معدودة من أضغاث أحالم وال‬
‫يلتفت اىل شئ منها أصال الشيطان عدو قوي ال أيمن املنتهون من كيده وال يزالون‬
‫خائفني وجلني من مكره فماذا نقول يف حق املبتدئني واملتوسطني غاية ما يف الباب ان‬
‫املنتهىن حمفوظون ومن سلطان الشيطان مصونون خبالف املبتدئني واملتوسطني فال تكون‬
‫وقائعهم مستحقة لالعتماد وحمفوظة عن مكر عدو شديد العناد (فان قيل) ان الواقعة‬
‫اليت يرى فيها النيب صلّى هللا عليه و سلّم صادقة وحمفوظة من كيد الشيطان ومكره فان‬
‫الشيطان[‪ ]1‬ال يتمثل بصورته كما ورد فتكون وقائع ما حنن فيه صادقة وحمفوظة من مكر‬
‫الشيطان (اجيب) أن صاحب الفتوحات املكية جعل عدم متثل الشيطان خمصوصا‬
‫بصورته صلّى هللا عليه و سلّم اخلاصة به املدفونة يف املدينة وال جيوز احلكم بعدم متثله‬
‫مطلقا على أي صورة كان وال شك ان تشخيص تلك الصورة على صاحبها الصالة و‬
‫السالم خصوصا يف املنام متعسر جدا فكيف تكون مستحقة لالعتماد فان مل جنعل عدم‬
‫متثل الشيطان خمصوصا بصورته صلّى هللا عليه و سلّم اخلاصة به وجوزان عدم متثله به على‬
‫اي صورة كان كما ذهب اليه كثري من العلماء ومناسب أيضا لرفعة شأنه صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم نقول ان أخذ االحكام عن تلك الصورة وأدراك املرضي وغري املرضي له من‬
‫املشكالت فانه ميكن أن يكون العدو اللعني متوسطا يف البني ومريئا خلالف الواقع واقعيا‬
‫وموقعا للرائي يف االشتباه وااللتباس بتلبيس عبارته واشارته بعبارة رسول هللا صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم واشارته كما روي[‪ ]2‬أن سيد البشر عليه و على آله الصالة و السالم كان يوما‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان عن ايب هريرة رضي هللا عنه‬


‫(‪ )2‬هذه القصة مذكورة يف مجيع كتب السري وكافة التفاسري وفيها بني العلماء اختالفات كثرية واحسن املذكورة فيها ما‬
‫ذكره االمام قدس سره هنا من ان الشيطان اللعني ضم تلك الزايدة من قبل نفسه حماكيا نغمته وصوته بنغمة النيب‬
‫‪- 483 -‬‬

‫جالسا وكان عنده صناديد قريش ورؤساء أهل الكفر وكثري من االصحاب ايضا فقرأ النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم عليهم سورة النجم وملا بلغ ذكر آهلتهم الباطلة ضم الشطيان اللعني‬
‫كلمات يف مدح آهلتهم الباطلة اىل قراءته صلّى هللا عليه و سلّم على هنج ظنها احلاضرون‬
‫من قراءته عليه الصالة و السالم ومل جيدوا اىل متييزه سبيال أصال ففرح الكافرون وقالوا ان‬
‫حممدا صاحلنا ومدح آهلتنا وحتري منه احلاضرون من أهل االسالم ايضا ومل يطلع النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم على كالم الشيطان اللعني هذا فقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ما‬
‫الواقعة فعرض االصحاب الكرام عليه صلّى هللا عليه و سلّم ان هذه الفقرات قد ظهرت‬
‫يف اثناء كالمك فحزن النيب صلّى هللا عليه و سلّم على ذلك فجاء جربيل عليه السالم‬
‫ابلوحي لبيان أن ذلك الكالم كان القاء شيطانيا وذلك قوله تعاىل وما أرسلنا من قبلك‬
‫من رسول وال نيب اال اذا متن ألقى الشيطان يف امنيته اآلايت االربع فاذا ألقى الشيطان‬
‫كالمه الباطل يف أثناء قرائته صلّى هللا عليه و سلّم يف زمان حياته ويف حالة يقظته ويف‬
‫حمضر الصحابة حبيث ال ميتاز من قراءته صلّى هللا عليه و سلّم فمن أين يدرى أن تلك‬
‫الواقعة حمفوظة من تصرف الشيطان ومصونة من تلبيسه مع كوهنا بعد وفاته صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم ويف حالة املنام اليت هي حالة تعطيل احلواس وحمل االشتباه وااللتباس ووجود‬
‫انفراد الرأي عن سائر الناس (أو نقول) أن كونه صلّى هللا عليه و سلّم راضيا هبذا العمل‬
‫كما يرضى املمدوح عن املادحني ملا كان متمكنا يف أذهان قارئ القصائد وسامعها‬
‫ومنتقشا يف متخيالهتم جاز أن تكون تلك الصورة املرئية يف الواقعة هي الصورة املنتقشة‬
‫يف متخيالهتم من غري أن تكون لتلك الواقعة حقيقة ومتثل شيطاين وأيضا ان الواقعات‬
‫والرؤاي قد تكون حممولة على ظاهرها وحقيقتها وهي اليت يراها الرائي بعينها كما اذا رأى‬
‫مثال صورة زيد يف املنام وكان املراد هبا هو عني حقيقة زيد وقد تصرف عن الظاهر وحتمل‬
‫على التأويل والتعبري كما اذا رأى صورة زيد مثال يف املنام وأريد هبا عمرو مثال بعالقة‬

‫وصوته عليه الصالة والسالم اثناء فراءته النه كان يرتل القرآن ترتيال اتما ليفهموا ال انه القاها اىل النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم فاشبته له صلّى هللا عليه و سلّم ابلقاء جربيل فقرأها حاشا جناب الرسالة من ذلك وهذا ما عليه احملققون‪.‬‬
‫‪- 484 -‬‬

‫املناسبة بينهما ف من أين يعلم أن واقعة االصحاب حممولة على الظاهر غري مصروفة عنه‬
‫ومل ال جيوز أن يكون املراد هبا الوقائع احملتاجة اىل التعبري وأن تكون كناية عن أمور أخرى‬
‫من غري أن يكون لتمثل الشيطان فيها جمال وابجلملة ينبغي أن ال يكون مدار االعتبار‬
‫على الواقعة فان االشياء موج ودة يف اخلارج فينبغي السعي حت ترى االشياء يف اخلارج‬
‫فان ذلك هو الالئق ابالعتماد وليس فيه جمال التعبري وما يرى يف اخليال فهو منام وخيال‬
‫وأصحابنا هناك يعاملون بوضعهم ورأيهم من مدة مديدة وزمام االختيار ابيديهم وأما املري‬
‫حممد نعمان فما املخلص له غري االنقياد فان توقفوا عن االمتناع فرضا حملة بعد املنع‬
‫عياذا ابهلل سبحانه فننظر اىل من يفرون ومبن يلوذون ومبالغة الفقري امنا هي بسبب خمالفة‬
‫طريقته سواء كانت املخالفة ابلسماع والرقص أو بقراءة املوالد وانشاء القصائد ولكل‬
‫طريق وصول اىل مطلب خاص به والوصول اىل املطلب اخلاص هبذا الطريق املتوسط‬
‫منوط برتك هذه االمور فكل من فيه طلب مطلب هذا الطريق ينبغي ان جيتنب عن‬
‫خمالفة هذا الطريق وان ال تكون مطالب طرق أخر منظورة يف نظره قال اخلواجه هباء‬
‫الدين النقشبند قدس سره (ما نه اين كار ميكينم ونه انكار ميكنيم) يعين حنن ما نفعل‬
‫هذا االمر لكونه خمالفا للطريق اخلاص بنا وال ننكره أيضا لكونه معموال عند مشائخ أخر‬
‫ولكل وجهة هو موليها فاذا حدث أمر خمالف هلذه الطريقة العلية يف فريوز آابد الذي هو‬
‫ملجأ ومالذ المثالنا الفقراء ومقر قدوة أرابب املتابعة الضعفاء ال جرم يكون موجبا‬
‫الضطراب أمثالنا ال فقراء ألبتة واملخادمي الكرام احقاء ابلقيام حبفظ طريق والدهم املاجد‬
‫كما ان أوالد اخلواجه احرار قدس سره قاموا حبفظ الطريق االصل بعد عروض التغري‬
‫لطريق والدهم املاجد بعد وفاته وجادلوا املغريين كما انه واصل اىل مسعكم الشريف أيضا‬
‫ان شاء هللا وكتبتم شيئا من مشرب شيخنا القوي العذب نعم انه تساهل يف أوائل حاله‬
‫يف بعض االمور ميال منه اىل مذهب املالميت واختيارا له وارتكب ترك العزمية يف بعض‬
‫االشياء ترجيحا لذلك املذهب ولكنه اجتنب عن هذه االمور يف اآلخر ومل يذكر املالمتية‬
‫أصال لينظروا بنظر االنصاف وليتفكروا ان شيخنا اذا كان فرضا حيا يف الدنيا يف هذه‬
‫‪- 485 -‬‬

‫االوان وانعقد هذا اجمللس واالجتماع هل حيسبون انه يرضى عن هذا االمر ويستحسن‬
‫هذا االجتماع أو ال ويقني الفقري انه ما كان ليجوز هذا املعن بل ينكره وكان مقصود‬
‫الفقري االعالم تقبلون أو ال تقبلون ال مضايقة اصال وال جمال للمشاجرة قطعا فلئن‬
‫استمر املخادمي واالصحاب املوجودون هناك على ذلك الوضع واستداموا فال نصيب لنا‬
‫غري احلرمان من صحبتهم وماذا أكتب أزيد من ذلك و السالم أوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والسبعون واملائتان اىل الشيخ يوسف الربكي يف احلث على‬
‫علو اهلمة وعدم االلتفات اىل الشهودات السفلية املتعلقة مبرااي الكثرة وما يناسب‬
‫ذلك}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم ان رسائلكم الثالث املرسلة قد‬
‫وصلت واتضح ما اندرج فيها من بيان وقائع االحوال والكرامات واحلال الذي بينته يف‬
‫آخر شهود الوحدة يف الكثرة هبذه العبارة واالنتهاء الثاين هو ان يكون على احلال االول‬
‫وان يغيب الغيبة يعين اان عبد وخلق ومن أمة حممد املصطفى صلّى هللا عليه و سلّم فهذا‬
‫احلال أصيل وفوق االحوال املذكورة ولكن االنتهاء غريه والنهاية بعيدة عنه مبراحل‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫وذا ايوان االستغناء عال * فهيهات التفكر يف الوصال‬
‫وكان املقصود من تكرار الكلمة الطيبة حيث كنت أمرتك به يف املكتوب السابق‬
‫هو نفي هذا الشهود املتعلق ابلكثرة هلل سبحانه احلمد واملنة قد زال ذلك الشهود عنك‬
‫بربكة تكرار هذه الكلمة الطيبة ينبغي ان تكون عايل اهلمة وان ال تكتفي جبوز هذا‬
‫الطريق وموزه فان هللا سبحانه حيب معايل اهلمم ولقد ختلصت من سكة التوحيد‬
‫الوجودي الضيقة اىل الطريق السلطاين فيا هلا من نعمة لو مل تتذكر االحوال السابقة ومل‬
‫تتفكر لذات شهود الوحدة يف الكثرة وصرف العمر ابالستقامة يف السعي واالجتهاد يف‬
‫هذا الطريق ولقد رأينا كثريا من اخلشخاشيني تركوا شرب اخلشخاش واطلعوا على قبحه‬
‫‪- 486 -‬‬

‫واستمروا على ذلك مدة مث جرهم تذكر االحوال املرتتبة على شرب اخلشخاش وتفكر لذا‬
‫تلك االحوال اتفاقا اىل احلالة القدمية (أيها املخدوم) ان الشهود الذي يتعلق مبرااي الكثرة‬
‫موجب للذة والشهود التنزيهي الذي هو انظر اىل اجلهل االلتذاذ به متعسر بعيد والسري‬
‫إليه من غري امداد شيخ مقتدى به متعذر أال ترى ان اخاان االعز موالان امحد الربكي‬
‫يعده العوام من علماء الظاهر وهو بنفسه ايضا ال يعلم أحواله وأحوال اصحابه وسر‬
‫ذلك ان ابطنه متوجه اىل الشهود التنزيهي الذي هو موطن اجلهل واميانه مثل العلماء‬
‫اميان ابلغيب وابطنه من علو الفطرة غري ملتفت اىل شهود ممتزج ابلكثرة وظاهره غري‬
‫مفتون وغري مغرور برتهات الصوفية ووجوده الشريف مغتنم يف تلك النواحي وهذه احلالة‬
‫اليت أخربت حبصوهلا قد اتصف هبا موالان املذكور وحتقق من منذ أزمان علم أو مل يعلم‬
‫وعند الفقري ان مدار تلك البقعة على وجود موالان والعجب كيف خفي هذا املعن على‬
‫أهل الكشف يف تلك النواحي وجاللة قدر موالان ظاهرة وابهرة يف علم الفقري كوجود‬
‫الشمس وماذا أزيد على ذلك واملأمول الدعاء و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والسبعون واملائتان اىل املال أمحد الربكي يف جواب‬


‫استفساراته والتحريض على تعليم العلوم الشرعية ونشر االحكام الفقهية وما يناسب‬
‫ذلك}‬
‫وبعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات أهني انه قد وصلت الصحيفتان املرسلتان‬
‫صحبة الشيخ حسن وغريه وأورثتا فرحا وافرا وقد بينت يف احدامها أحوال اخلواجه ويس‬
‫واستفسرت يف األخرى عن قبولك فتوجهت يف تلك االثناء اىل حالك فرأيت ان سكان‬
‫تلك النواحي يعدون اىل جانبك ويلتجئون اليك فعلم من هذا انك قد جعلت مدار تلك‬
‫البقعة وجعلت اانس تلك احلدود مربوطة بك هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك وال‬
‫تظنن ان هذه املعاملة من مجلة الواقعات اليت هي مظان الريب واالشتباه بل عدها من‬
‫احملسوسات وا ملشهودات والعمدة لك يف حتصيل هذه الدولة تعليم العلوم الشرعية ونشر‬
‫‪- 487 -‬‬

‫االحكام الفقهية يف مواضع متكن فيها اجلهل ورسخت البدعة وحمبتك الولياء هللا‬
‫سبحانه واخالصك هلم وقد منحكهما هللا تعاىل مبحض فضله فعليكم بتعليم العلوم‬
‫الدينية ونشر االحكام الفقهية ما استطعتم فاهنا مالك االمر ومناط االرتقاء ومدار النجاة‬
‫وعليكم شد نطاق اهلمة واحكامه الن تكونوا يف عداد العلماء وداللة اخللق اىل طريق‬
‫احلق سبحانه ابالمر ابملعروف والنهي عن املنكر قال هللا تعاىل ان هذه تذكرة فمن شاء‬
‫اختذ اىل ربه سبيال والذكر القليب الذي أجزمت به أيضا مؤيد التيان االحكام الشرعية‬
‫ودافع لعناد النفس االمارة فينبغي اجراء هذا الطريق أيضا وان ال حتزن على عدم االطالع‬
‫على احوالك واحوال أصحابك وان الجتعله دليال على عدم احلاصل فيك واحوال‬
‫االصحاب كافية للمرآتية لكماالتك وما ظهر يف االصحاب امنا هو احوالك ظهرت‬
‫فيهم بط ريق االنعكاس والشيخ حسن احد اركان دولتك وممد ومعاون لك يف معاملتك‬
‫فان وقع يف خاطرك ارادة سفر ماوراء النهر او ممالك اهلند فرضا فالنائب منابك هناك هو‬
‫الشيخ حسن فينبغي أن تراعي االلتفات والتوجه يف حقه واالجتهاد البليغ ليتفرغ من تعلم‬
‫العلوم الدينية الضرورية سريعا وكان سفره هذا اىل اهلند مغتنما يف حقه وحقك ايضا رزقنا‬
‫هللا سبحانه واايكم االستقامة على ملة االسالم على صاحبها الصالة و السالم * وكتبت‬
‫أيضا ان واحدا من االصحاب حصل له ترق من مدة ستة اشهر وما كان يظهر له يف‬
‫حالة الغيبة وعدم الشعور من االرواح الطيبات يراه اآلن يف حالة االفاقة (أيها املخدوم)‬
‫ال داللة يف هذه الرؤية على الرتقي سواء كانت يف الشعور او يف غريه والقدم االول يف‬
‫هذا الطريق ان ال يرى غري احلق سبحانه أصال وان ال يبقى يف فكرته ما سواه تعاىل قطعا‬
‫ال مبعن أنه ال يرى االشياء غري احلق سبحانه وال يعلمها بعنوان السوى فان هذا عني‬
‫رؤية الكثرة بل ال يرى غري احلق سبحانه أصال وال حيس به قطعا وهذه احلالة معرب عنها‬
‫ابلفناء واملنزل االول من منازل هذا الطريق ودونه خرط القتاد {شعر}‪:‬‬
‫ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل‬
‫واملكتوابت املسطورة يف هذه االايم عزيزة الوجود جدا وقد اندرجت فيها فوائد‬
‫‪- 488 -‬‬

‫كثرية وقد اخذ الشيخ حسن نقلها معه فينبغي مطالعتها بكمال املالحظة وقد التمست‬
‫الدعاء لوالدتك املرحومة فأجبناه وقبلناه وبقية أحوال هذه احلدود يبينها الشيخ حسن‬
‫ابلتفصيل و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم والفقري واوالده يلتمس الدعاء حبسن اخلامتة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والسبعون واملائتان اىل الشيخ بديع الدين يف بيان‬


‫حمكمات القرآن ومتشاهباته وبيان العلماء وكماالهتم وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وعليهم وعلى آله‬
‫وأصحابه الطيبني الطاهرين أمجعني جعلنا هللا سبحانه واايكم من الراسخني يف العلم أيها‬
‫االخ ان هللا سبحانه قسم كتابه اجمليد على قسمني حمكمات ومتشاهبات فالقسم االول‬
‫منشأ لعلم الشرائع واالحكام والقسم الثاين خمزن علم احلقائق واالسرار وما ورد يف القرآن‬
‫او يف احلديث من اليد والوجه والقدم واالصابع واالانمل كلها من املتشاهبات وكذا‬
‫مقطعات احلروف الواردة يف اوائل السور القرآنية ايضا من املتشاهبات اليت مل يطلع عليها‬
‫اال العلماء الراسخون وال تتخيل ان التأويل عبارة عن القدرة اليت عربت عنها ابليد وعن‬
‫الذات اليت عرب عنها ابلوجه بل أتويلها من االسرار الغامضة اليت انكشفت الخص‬
‫اخلواص وماذا اكتب من احلروف املقطعات القرآنية فان كل حرف منها حبر مواج من‬
‫االسرار اخلفية بني العاشق واملعشوق ورمز غامض من الرموز الدقيقة بني احملب واحملبوب‬
‫واحملكمات وان كن امهات الكتاب ولكن نتائجهن ومثراهتن اليت هي املتشاهبات من‬
‫مقاصد الكتاب وليست االمهات اال وسائل حلصول النتائج قلب الكتاب هو‬
‫املتشاهبات وقشر ذلك اللب حمكمات الكتاب واملتشاهبات هي اليت تبني االصل ابلرمز‬
‫واالشارة وتنبئ عن حقيقة معاملة تلك املرتبة العالية الشأن خبالف احملكمات واملتشاهبات‬
‫هي احلقائق واحملكمات ابلنسبة اىل املتشاهبات صور تلك احلقائق والعامل الراسخ هو‬
‫الذي يقدر على اجلمع بني اللب والقشر واحلقيقة والصورة علماء القشر مسرورون‬
‫‪- 489 -‬‬

‫ابلقشر ومكتفون ابحملكمات والعلماء الراسخون حيصلون احملكمات وينالون حظا وافرا‬
‫من أت ويل املتشاهبات وجيمعون بني احلقيقة والصورة اعين املتشابه واحملكم وأما من طلب‬
‫أتويل املتشاهبات من غري علم احملكمات ومن غري عمل مبقتضاها وترك الصورة وسلك‬
‫طريق فكر احلقيقة فهو جاهل وليس له خرب عن جهله وضال وليس له شعور بضاللته ومل‬
‫يدر ان هذه النشأة مركبة من الصورة واحلقيقة وما دامت هذه النشأة موجودة ال تنفك‬
‫احلقيقة عن الصورة أصال قال هللا تعاىل واعبد ربك حت أيتيك اليقني اي املوت كما قال‬
‫املفسرون جعل هللا تعاىل غاية العبادة وهنايتها زمان حلول املوت الذي هو منتهى هذه‬
‫النشأة الن من مات فقد قامت قيامته وامنا حيصل انفكاك الصور من احلقائق يف النشأة‬
‫االخروية اليت هي حمل ظهور احلقائق فكل من النشأتني هلا حكم على حدة ال خيتلط‬
‫حكم احدامها ابألخرى اال جاهل او زنديق مقصوده ابطال الشرائع فان كل حكم شرعي‬
‫اثبت للمبتدئ فهو اثبت ايضا للمنتهى وعامة املؤمنني واخص اخلواص من العارفني‬
‫سواسية يف هذا املعن ومتساوية االقدام فيه ال فرق بني شخص وشخص واملتصوفة‬
‫القاصرون واملالحدة اخلائبون يف صدد اخراج رقاهبم من ربقة الشريعة متخيلني أبن‬
‫االحكام الشرعية خمصوصة ابلعوام واما اخلواص فهم مكلفون ابملعرفة فقط كما أهنم‬
‫يعتقدون من جهلهم ان االمراء والسالطني ليسوا مكلفني بغري العدل واالنصاف ويقولون‬
‫ان املقصود من اتيان الشريعة حصول املعرفة فاذا حصلت املعرفة سقطت التكاليف‬
‫الشرعية ويستشهدون يف اثبات مدعاهم بقوله تعاىل واعبد ربك حت أيتيك اليقني أي‬
‫ابهلل كما قال سهل التسرتي يعين انتهاء العبادة حصول معرفة احلق سبحانه والظاهر ان‬
‫مراد من فسر اليقني بكونه ابهلل هو كون انتهاء الكلفة يف العبادة حصول معرفة احلق جل‬
‫وعال ال انتهاء نفس العبادة فان ذلك مفض اىل االحلاد والزندقة وهم يزعمون ايضا ان‬
‫عبادة العارفني رايئية فاهنم يعملون ما يعملون من الطاعة والعبادة ليقتدي هبم يف ذلك‬
‫املبتدؤن واتباعهم ال لكوهنم حمتاجني اليها وينقلون يف أتييد هذا القول اقواال عن املشايخ‬
‫حيث قالوا ما مل يكن الشيخ منافقا ومرائيا ال ينتفع به املريد خذهلم هللا سبحانه ما‬
‫‪- 490 -‬‬

‫اجهلهم واحتياج العارفني اىل العبادة على هنج ليس يف املريدين عشره فان عروجاهتم‬
‫مربوطة ابلعبادة وترقياهتم منوطة ابتيان االحكام الشرعية وما يتوقع للعلوم غدا من مثرات‬
‫العبادة فهو حاصل للعارفني اليوم فهم اذا احقاء ابلعبادة واحوج اىل اتيان االحكام‬
‫الشرعية من غريهم (ينبغي) ان يعلم ان الشريعة عبارة عن جمموع الصورة واحلقيقة والصورة‬
‫ظاهر الشريعة واحلقيقة ابطن الشريعة فالقشر واللب كالمها من أجزاء الشريعة واحملكم‬
‫واملتشابه من افرادمها وعلماء الظاهر اكتفوا بقشرها والعلماء الراسخون مجعوا بني اللب‬
‫والقشر وانلوا حظا وافرا من جمموع الصورة واحلقيقة فينبغي ان يتصور الشريعة كشخص‬
‫مركب من الصورة واحلقيقة وقد تعلق مجاعة بصورهتا وشغفوا هبا وانكروا حقيقتها ومل‬
‫يعرفوا هلم شيخا يقتدون به غري اهلداية والپزدوي وهؤالء اجلماعة هم علماء القشر ومجاعة‬
‫أخرى افتتنوا حبقيقتها ولكن مل يعتقدوها حقيقة الشريعة بل زعموا الشريعة مقصورة على‬
‫الصورة والقشر وتصوروا اللب واحلقيقة وراءها ومع ذلك مل ميتنعوا من اتيان االحكام‬
‫الشرعية ومل يتخلفوا عنها مقدار شعرة ومل يضيعوا الصورة وعدوا اترك حكم من احكام‬
‫الشريعة بطاال وضاال وهؤالء اولياء هللا جل سلطانه وقد انقطعوا عما سوى هللا تعاىل‬
‫مبحبته سبحانه ودون هؤالء مجاعة أخرى وهم الذين اعتقدوا الشريعة مركبة من الصورة‬
‫واحلقيقة وتيقنوا اهنا جمموع القشر واللب وحصول صورة الشريعة بدون حتصيل احلقيقة‬
‫ساقط عندهم عن حيز االعتبار وحصول حقيقتها بدون اثبات الصورة انقص غري اتم بل‬
‫ال يعدون حصول الصورة بدون ثبوت احلقيقة من االسالم املوجب للنجاة كما هو حال‬
‫علماء الظاهر وعامة املؤمنني ويتصورون حصول احلقيقة بدون ثبوت الصورة من مجلة‬
‫احملاالت ويسمون القائل به زنديقا وضاال (وابجلملة) ان الكماالت الصورية واملعنوية‬
‫منحصرة عند هؤالء االكابر يف الكماالت الشرعية والعلوم واملعارف اليقينية مقصورة على‬
‫العقائد الكالمية الثا بتة آبراء أهل السنة واجلماعة ال يستوي عندهم الوف من الشهود‬
‫واملشاهدة مسئلة واحدة من املسائل الكالمية يف تنزيهات احلق جل وعال وال يشرتون‬
‫االحوال واملواجيد والتجليات والظهورات املخالفة حلكم من االحكام الشرعية بنصف‬
‫‪- 491 -‬‬

‫شعرية بل يعدون ظهور امثال هذه املذكورات من مظان االستدراج اولئك الذين هدى‬
‫هللا فبهديهم اقتده وهم العلماء الراسخون وهم املنعم عليهم االطالع على حقيقة املعاملة‬
‫واملوصل هبم بسبب رعايتهم اآلداب الشرعية اىل حقيقة الشريعة خبالف الفرقة الثانية‬
‫فاهنم وان كانوا متوجهني اىل احلقيقة ومفتونني هبا ومل جياوزوا احلد يف اتيان االحكام‬
‫الشرعية مقدار شعرة مهما أمكن ولكنهم ملا اعتقدوا تلك احلقيقة وراء الشريعة وتصوروا‬
‫الشريعة قشرها تنزلوا ابلضرورة اىل ظل من ظالل تلك احلقيقة ومل جيدوا للوصول اىل‬
‫حقيقة تلك املعاملة سبيال فال جرم كان واليتهم ظلية وقرهبم صفاتيا خبالف العلماء‬
‫الراسخني فان واليتهم اصلية واهنم وجدوا للوصول اىل االصول سبيال وجاوزوا حجب‬
‫الظالل ابلتمام فال جرم كانت واليتهم والية االنبياء عليهم الصالة و السالم ووالية هؤالء‬
‫االولياء ظل والية االنبياء وكان هذا الفقري متوقفا يف أتويل املتشاهبات ومفوضا اايه اىل‬
‫علم احل ق سبحانه مدة مديدة ومل اجد للعماء الراسخني نصيبا منها غري االميان هبا‬
‫والتأويالت اليت بينها علماء الصوفية مل ارها الئقة ومناسبة بشأن تلك املتشاهبات ومل ار‬
‫لالسرار القابلة لالستتار أتويالت كما قال عني القضاة يف أتويل بعض املتشاهبات مثال‬
‫يف امل اراد به االمل الالزم للعشق واحملبة وامثاهلا وملا أظهر يل هللا سبحانه مبحض فضله مشة‬
‫من أتويل املتشاهبات وفتح جدوال من ذاك البحر احمليط ومده اىل ارض استعداد هذا‬
‫املسكني علمت ان للعلماء الراسخني ايضا نصيبا وافرا من أتويالت املتشاهبات احلمد هلل‬
‫الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق واحلنا‬
‫تعبريات الوقائع املطلوبة املسطورة على احلضور ومل نكتب من تلك املقولة شيئا ماذا افعل‬
‫قد جرى القلم مبعارف أخر واستقبلت معاملة غريها هي ابلتسطري احرى واملسؤل‬
‫مساحمتكم و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و‬
‫على آله و على اخوانه الصلوات و التسليمات العلى‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والسبعون واملائتان اىل املال عبد احلي يف بيان علم اليقني‬
‫‪- 492 -‬‬

‫وعني اليقني وحق اليقني وهذا من العلوم املناسبة لوسط احلال وهناية الشهود هنا هو‬
‫الشهود االنفسي بل شهود ما وراء االنفس بل نفس الشهود ليس بشئ ابلنسبة اىل‬
‫الوصول كما يلوح ذلك من سائر مكتوابته ورسائله}‬
‫اعلم أرشدك هللا ان علم اليقني بذات احلق سبحانه عبارة عن شهود اآلايت الدالة‬
‫على قدرته تعاىل وتقدس ويقال لذلك الشهود سريا آفاقيا وأما الشهود واحلضور الذاتيني‬
‫فليس شئ منهما مبنصور يف غري السري االنفسي وهو ال يكون يف غري نفس السالك‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫فلسوف تعلم ان سريك مل يكن * اال اليك اذا بلغت املنزال‬
‫وما يشاهده يف خارجه فهو من قبيل مشاهدة اآلاثر والدالئل على ذاته تعاىل ال‬
‫مشاهدته عز سلطانه قال قطب احملققني سيد العارفني انصر الدين اخلواجه عبيد هللا‬
‫قدس سره ان السري على نوعني سري مستطيل وسري مستدير فالسري املستطيل بعد يف بعد‬
‫والسري املستدير قرب يف قرب والسري املستطيل طلب املقصود من خارج دائرة نفسه‬
‫والسري املستدير الدوران حول قلبه وطلب املقصود من نفسه فالتجليات الكائنة يف الصور‬
‫احلس ية واملثالية وكذلك التجليات الكائنة يف حجب االنوار داخلة يف علم اليقني أي‬
‫صورة كانت وأي نور كان وسواء كان النور مكيفا وملوان أو متناهيا أو ال حميطا كان‬
‫ابلكائنات أوال قال موالان املخدوم عبد الرمحن اجلامي قدس هللا سره السامي يف شرح‬
‫اللمعات عند بيان معن هذا البيت {شعر}‪:‬‬
‫اي من طلبته من مجيع مكان * وسألت عنه اقاصيا واداين‬
‫ان هذا اشارة اىل املشاهدة اآلفاقية اليت تفيد علم اليقني وحيث اهنا ال خترب عن‬
‫املقصود وال تعطي حضوره ال جرم تكون كشهود الدخان واحلرارة الدالني على ذات النار‬
‫فال خيرج ذلك الشهود من دائرة العلم وال يكون مفيدا لعني اليقني ومفنيا لوجود السالك‬
‫وعني اليقني عبارة عن شهود احلق سبحانه بعد أن كان معلوما ابلعلم اليقيين وهذا‬
‫الشهود مستلزم لفنا ء السالك وعند غلبة هذا الشهود يكون تعينه متالشيا ابلكلية وال‬
‫‪- 493 -‬‬

‫يبقى أثر منه يف عني شهوده و يكون فانيا ومستهلكا يف الشهود وهذا الشهود معرب عنه‬
‫عند هذه الطائفة العلية قدس هللا اسرارهم ابالدراك البسيط ويقال له ايضا معرفة والعوام‬
‫يشاركون اخلواص يف هذا االدراك ولكن الفرق بينهما هو أن شهود اخللق ال يكون مزامحا‬
‫يف اخلواص لشهود احلق جل وعال بل ليس املشهود بعيون شهودهم غري احلق سبحانه‬
‫واما العوام فهو مزاحم له فيهم وهلذا فيهم ذهول اتم عن هذا الشهود وليس هلم خرب عن‬
‫هذا االدراك وعني اليقني هذا حجاب علم اليقني كما ان علم اليقني حجابه وعند حتقق‬
‫هذا الشهود ال يدرك شئ غري احلرية واجلهالة ال جمال للعلم يف ذلك املوطن اصال قال‬
‫بعض الكرباء قدس هللا تعاىل سرهم علم اليقني حجاب عني اليقني وعني اليقني حجاب‬
‫علم اليقني وقال ايضا وعالمة من عرف حق املعرفة أن يطلع على سره فال جيد علما به‬
‫فذلك الكامل يف املعرفة اليت ال معرفة وراءها وقال بعضهم أيضا قدس هللا اسرارهم العلية‬
‫أعرفهم ابهلل اشدهم حتريا فيه (وحق اليقني) عبارة عن شهوده سبحانه بعد ارتفاع التعني‬
‫واضمحالل املتعني وشهوده هذا للحق ابحلق سبحانه ال به ال حيمل عطااي امللك اال‬
‫مطاايه وذلك يتصور يف البقاء ابهلل الذي هو مقام يب يسمع ويب يبصر الذي يهب احلق‬
‫سبحانه فيه للسالك وجودا من عنده مبحض عنايته بعد حتققه ابلفناء املطلق الذي هو‬
‫الفناء يف ذاته وصفاته سبحانه و تعاىل وخيرجه من السكر والغيبة اىل الصحو واالفاقة‬
‫ويقال هلذا الوجود الوجود املوهوب احلقاين ويف ذلك املوطن ال يكون العلم حجااب للعني‬
‫وال العني حجااب للعلم بل يكون يف عني الشهود عاملا ويف عني العلم مشاهدا وهذا التعني‬
‫هو الذي جيده العارف يف ذلك املوطن عني احلق سبحانه ال التعني الكوين فانه مل يبق‬
‫منه اثر يف نظر شهوده والنه من التجليات الصورية اليت هي ان جيد السالك التعينات‬
‫والصور عني احلق سبحانه وهي تعينات كونية مل يتطرق اليها الفناء اصال فاين احدمها‬
‫عن اآلخر ما للرتاب ورب االرابب وظاهر العبارة وان كان عند العوام مومها لعدم الفرق‬
‫بني التجلي الصوري الذي هو وجد ان السالك نفسه عني احلق وبني حق اليقني الذي‬
‫هو ايضا وجد انه نفسه عني احلق لكن يف احلقيقة فرق بينهما وهو ان التعبري أبان يف‬
‫‪- 494 -‬‬

‫التجلي الصوري يقع على الصورة يف حق اليقني على احلقيقة وايضا ان السالك يرى احلق‬
‫سبحانه يف التجلي الصوري بنفسه ويف هذا املوطن يرى احلق ابحلق سبحانه ال بنفسه‬
‫فانه ال ميكنه فيه رؤية نفسه فاطالق الشهود يف التجلي الصوري على سبيل التجوز فانه‬
‫ال ميكن رؤية احلق بغري احلق سبحانه وهي يف مرتبة حق اليقني اليت تتحقق فيها حقيقة‬
‫الشهود وبعض شيوخ الزمان ملا مل يطلع على هذا الفرق ومل يعلم تعينا سوى التعني الكوين‬
‫اطال لسان الطعن يف االكابر قدس هللا تعاىل اسرارهم يف تفسريهم حق اليقني على النهج‬
‫الذي قررته وزعم ان هذا اليقني قد حيصل يف التجلي الصوري الذي هو اول القدم يف‬
‫السلوك وهم فسروا به حق اليقني الذي هو هناية االقدام فكيف يستقيم بل حكم ان‬
‫احلق اليقني الذي حصل هلم يف النهاية حيصل لنا يف التجلي الصوري الذي هو اول‬
‫أقدامنا وهللا يهدي من يشاء اىل صراط مستقيم و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والسبعون واملائتان اىل املال عبد الكرمي السنامي يف بيان انه‬
‫البد لكل انسان بعد تصحيح العقائد والعمل مبقتضى االحكام الشرعية حتصيل‬
‫سالمة القلب عما دون احلق جل وعال ومدح الطريقة النقشبندية العلية ويف‬
‫التحريض على امداد املوتى واعانتهم وما يناسبه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصل مكتوب االخ وصار موجبا‬
‫للفرح والنصيحة اليت ال زلت أنصح هبا االصحاب وال أزال أنصحهم هبا اىل انقضاء‬
‫عمري بعد تصحيح العقائد على وفق ما بني يف الكتب الكالمية املخصوصة ابهل السنة‬
‫واجلماعة شكر هللا سعيهم وبعد اتيان االحكام الفقهية من الفرض والواجب والسنة‬
‫واملندوب واحلالل واحلرام واملكروه واملشتبه امتثاال وانتهاء حتصيل سالمة القلب عن التعلق‬
‫مبا سوى احلق سبحانه وهي امنا تتيسر اذا مل خيطر يف القلب ما سواه تعاىل حبيث لو‬
‫تيسرت حياة ألف سنة فرضا ال خيطر يف القلب غري احلق سبحانه و تعاىل ال مبعن ان‬
‫االشياء ختطر يف البال ولكن ال يعرفها صاحبه بعنوان غري احلق جل وعال فان هذا املعن‬
‫‪- 495 -‬‬

‫ميسر ايضا يف بداية مراقيب التوحيد بل مبعن ان االشياء ال ختطر يف القلب اصال ومبن‬
‫هذا ومداره على نسيان القلب ما دون احلق سبحانه على هنج لو ذكر ابالشياء‬
‫ابلتكليف ال يتذكر وهذه احلالة معرب عنها ابلفناء القليب واول قدم يف هذا الطريق وسائر‬
‫كماالت الوالية متفرعة على هذه الدولة {شعر}‪:‬‬
‫ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل‬
‫واقرب الطرق الجل الوصول اىل هذه الدولة العظمى هو الطريقة العلية النقشبندية‬
‫قدس هللا اسرار ارابهبا فان هؤالء االكابر اختاروا االبتداء من عامل االمر وطلبوا من القلب‬
‫طريقا اىل مقلب القل ب وهلم عوضا عن رايضات اآلخرين وجماهداهتم التزام السنة‬
‫واجتناب البدعة قال اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره طريقنا اقرب الطرق ولكن‬
‫التزام السنة امر مشكل جدا فطوىب ملن توسل هبم واقتدى هبم ملوالان اجلامي قدس سره‬
‫{اشعار}‪:‬‬
‫ما أحسن النقشبنديني اهنم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم‬
‫تزيل وسوسة اخللوات صحبتهم * عن قلب صحبهم اي نعم مغتنم‬
‫لو عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم عن افحش الكلم‬
‫هل يقطع الثعلب احملتال سلسلة * قيدت هبا أسد الدنيا أبسرهم‬
‫(واملعروض) اثنيا ان صحيفة حمبنا القاضي حممد شريف قد وصلت وحيث كانت‬
‫منبئة عن حمبة الفقراء صارت موجبة للفرح فبلغه دعاء الفقري (واثلثا) قد وصل مكتوب‬
‫اخينا الشيخ حبيب هللا وقد كتب خرب فوت والده املرحوم اان هلل واان اليه راجعون فاملرجو‬
‫تبليغ الدعاء من جانب ال فقري واداء مراسم التعزية وليمد والده املرحوم ابلدعاء وليعنه‬
‫بقراءة الفاحتة و الصدقات واالستغفار فان امليت كالغريق ينتظر دعوة تلحقه من ولد‬
‫أواب أو أخ او صديق (ورابعا) ان املكشوف ان الشيخ أمحد اختار طريقة هؤالء االكابر‬
‫وأتثر منها رزقه هللا سبحانه و تعاىل االستقامة عليها وحيث كان املشار اليه قريب عهد‬
‫ابالسالم ينبغي ان تعلمه العقائد الكالمية املذكورة يف الكتب الفارسية واالحكام الفقهية‬
‫‪- 496 -‬‬

‫كذلك حت يعرف الفرض والواجب والسنة واملندوب واحلالل واحلرام واملكروه واملشتبه‬
‫ويعمل مبقتضاها وتعلم كتاب گلستان وبستان وتعليمهما داخل فيما ال يعين و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والسبعون واملائتان اىل املال حسن الكشمريي يف أداء شكر‬
‫نعمة داللته اايه على الطريقة النشقبندية العلية وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى بلغنا مهدي على صحيفتكم الشريفة‬
‫الصادرة ابسم هذا الفقري على وجه الكرم وااللتفات فصارت موجبة للفرح الوافر سلمكم‬
‫هللا سبحانه وقد وقع االستفسار عن عبارة الشيخ حميي الدين ابن العريب قدس سره هذه‬
‫ان سبب[‪ ]1‬ترتيب خالفة اخللفاء االربعة رضي هللا عنهم مدة اعمارهم اهنا يف اي كتاب‬
‫وقعت من مصنفاته (أيها املخدوم) اين كنت رأيت هذه العبارة يف الفتوحات املكية ومل‬
‫تتيسر اآلن تعيني املوضع مع كمال التفحص فان وقع النظر عليها مرة اثنية خنرب به ان‬
‫شاء هللا تعاىل (واملعروض) ان الفقري معرتف ابلقصور يف اداء شكر نعمة داللتكم ومقر‬
‫ابلعجز يف مكافاة احسانكم وكيف ال فان هذه االمور كلها مبنية على تلك النعمة وهذه‬
‫االحوال أبسرها مربوطة بذلك االحسان وقد اعطيت حبسن وساطتكم ما مل يره اال‬
‫القليلون ومنحت بيمن وسيلتكم ما مل يذقه اال األقلون أعطيت من خواص العطااي ما مل‬
‫يتيسر لالكثرين من علوم تلك العطااي وجعلت يل االحوال واملقامات واالذواق واملواجيد‬
‫والعل وم واملعارف والتجليات والظهورات كلها معارج العروج فوصلت منها بعنايته سبحانه‬
‫اىل مدارج القرب ومنازل الوصول واختيار لفظ القرب والوصول امنا هو من ضيق ميدان‬
‫العبارة وال فال قرب مثة وال وصول وال عبارة وال اشارة وال شهود وال مشاهدة وال حلول‬
‫وال احتاد وال كيف وال اين وال زمان وال مكان وال احاطة وال سراين وال علم وال معرفة‬
‫وال جهل وال حرية {شعر}‪:‬‬

‫(‪ )1‬قلت هذه العبارة مرت يف املكتوب ‪ 266‬من هذا اجللد وهي مذكورة يف الباب ‪ 558‬من الفتوحات ذكرها يف‬
‫اليواقيت واجلواهر يف بيان افضلية اخللفاء االربعة مع توجيهها فراجعه ان شئت حملرره‬
‫‪- 497 -‬‬

‫وما ابديك من طريي عالمه * وقد اضحى كعنقاء وهامه‬


‫وللعنقاء بني الناس اسم * وليست السم طريي استدامه‬
‫وملا كان اظهار احسان هللا تعاىل وانعامه هبذه النعم اليت ظهورها مرتتب يف عامل‬
‫االسباب على نعمتكم املذكورة متضمنا لشكرها ادرجتها يف ضمن فقرات وقيدهتا بقيد‬
‫الكتابة رجاء ان يؤدي بذلك نبذة من شكر نعمتكم املسطورة و السالم عليكم و على‬
‫سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب الثمانون واملائتان اىل احلافظ حممود يف بيان ان حمبة هذه الطائفة‬
‫رأس مال السعادة وما يناسب ذلك}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم ان املكتوب الشريف املصحوب‬
‫جبناب موالان مهدي علي قد وصل وصار موجبا للفرح هلل سبحانه احلمد على رسوخ‬
‫حمبة الفقراء اليت هي رأس مال السعادة الدنيوية واألخروية رسوخا اتما حبيث مل يؤثر فيها‬
‫متادي اايم املفارقة واعلم ان احملافظة على شيئني والثبات عليهما من اللوازم متابعة‬
‫صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية وحمبة الشيخ املقتدى به مع‬
‫االخالص له وكل شئ حيصل مع وجود هذين الشيئني فهو نعمة زائدة وان مل حيصل شئ‬
‫مع وجود هذين الشيئني فال غم أصال فانه سيحصل غريمها فيما بعد وان تطرق عياذا‬
‫ابهلل سبحانه خلل على واحد من هذين وبقيت االحوال واالذواق على حاهلا ينبغي ان‬
‫يعتقد ذلك من االستدراج وان يعده من اخلذالن وهذا هو طريق االستقامة وهللا سبحانه‬
‫املوفق‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والثمانون واملائتان اىل املري حممد نعمان يف بيان شكر نعمة‬
‫االنتساب اىل سلسلة الطريقة النقشبندية العلية وبيان بعض خصائص هذا الطريق‬
‫‪- 498 -‬‬

‫وما يلزم فيه من اآلداب}‬


‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى أبي لسان نؤدي شكر هذه النعمة‬
‫العظمى حيث شرفنا هللا سبحانه و تعاىل بعد تصحيح العقائد مبوجب آراء أهل السنة‬
‫واجلماعة شكر هللا سعيهم بسلوك الطريقة النقشبندية العلية وجعلنا من مريدي هذه‬
‫الطائفة العظيمة الشأ ن ومنتسبيهم وعند الفقري ان اخلطوة الواحدة يف هذا الطريق أفضل‬
‫من سبع خطوات يف طرق أخر والطريق الذي يفتح ويوصل اىل كماالت النبوة بطريق‬
‫التبعية والوراثة خمصوص هبذا الطريق العايل و منتهى طرق أخر اىل حصول كماالت‬
‫الوالية مل يفتح منها طريق موصل اىل كماالت النبوة ومن ههنا كتبت يف كتيب ورسائلي ان‬
‫طريق هؤالء االكابر طريق االصحاب الكرام عليهم الرضوان وكما ان االصحاب انلوا من‬
‫تلك الكماالت بطريق الوراثة حظا وافرا كذلك منتهوا هذا الطريق جيدون منها نصيبا‬
‫كامال بطريق التبعية واملبتدؤون واملتوسطون امللتزمون هلذا الطريق املتصفون بكمال حمبة‬
‫املنتهىن من أهل هذا الطريق فهم أيضا راجون ذلك املرء[‪ ]1‬مع من أحب بشارة‬
‫للمهجوري ن واخلائب يف هذا الطريق واخلاسر فيه شخص يدخل فيه وال يراعي آدابه‬
‫وخيرتع فيه أمورا حمدثة ويعتمد على مناماته ووقائعه املخالفة هلذا الطريق فما ذنب الطريق‬
‫على هذا التقدير بل هو ماش على مقتضى مناماته وواقعاته متوجه اىل طرف تركستان‬
‫منحرفا عن طريق الكعبة ابختياره {شعر}‪:‬‬
‫اال هل يبلغن ام القرى من * غدا ميشي اىل صوب العراق‬
‫وال استحسن أن اشوش طريقكم هذا هناك مع وجود مجعية االصحاب واجتهاد‬
‫الطالبني فان وقعت االشارة ابلسفر اىل هذه احلدود قبل هذا كان ذلك مشروطا بشروط‬
‫واآلن أيضا مشروط ابلشروط فان تتوجه اىل هذه احلدود بعد استخارة مكررة وانشراح‬
‫صدر بال تردد وشبهة واجالس شخص مكانك على هنج ال يتطرق فتور أصال اىل‬
‫الوضع السابق فلك ذلك وبدون هذه الشرائط ال ينبغي تضييع املعاملة هناك وايقاع‬

‫(‪ )1‬املرء مع من احب رواه الشيخان عن ابن مسعود رضي هللا عنه‬
‫‪- 499 -‬‬

‫الفتور يف مجعية الطالبني وماذا اابلغ أزيد من ذلك و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والثمانون واملائتان اىل املال بديع يف بيان مالقاة اخلضر‬
‫والياس عليهما السالم وبيان نبذة من أحواهلما}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد مضت مدة من استفسار‬
‫االصحاب عن أحوال اخلضر على نبينا وعليه الصالة و السالم وملا مل يكن للفقري اطالع‬
‫على أحواله كما ينبغي كنت متوقفا يف اجلواب فرأيت اليوم يف حلقة الصبح ان الياس‬
‫واخلضر عليهما السالم حضرا يف صورة الروحانيني فقال اخلضر اباللقاء الروحاين حنن من‬
‫عامل االرواح قد اعطى احلق سبحانه أرواحنا قدرة كاملة حبيث تتشكل وتتمثل بصور‬
‫االجسام ويصدر عنها ما يصدر عن االجسام من احلركات والسكنات اجلسمانية‬
‫والطاعات والعبادات اجلسدية فقلت له يف تلك االثناء أنتم تصلون الصالة مبذهب‬
‫االمام الشافعي فقال حنن لسنا مكلفني ابلشرائع ولكن ملا كانت كفاية مهمات قطب‬
‫املدار مربوطة بنا وهو على مذهب االمام الشافعي نصلي حنن ايضا وراءه مبذهب االمام‬
‫الشافعي رضي هللا عنه فعلم يف ذلك الوقت أنه ال يرتتب اجلزاء على طاعتهم بل تصدر‬
‫عنهم الطاعة والعبادة موافقة الهل الطاعة ومراعاة لصورة العبادة وعلم أيضا ان كماالت‬
‫الوالية موافقة لفقه الشافعي ولكماالت النبوة موافقة لفقه احلنفي فعلم يف ذلك الوقت‬
‫حقيقة كالم اخلواجه حممد اپرسا قدس سره حيث ذكر يف الفصول الستة نقال ان عيسى‬
‫على نبينا وعليه الصالة و السالم يعمل بعد نزوله مبذهب االمام أيب حنيفة رضي هللا عنه‬
‫فوقع يف اخلاطر يف ذلك الوقت ان نستمد هبما وان نطلب منهما الدعاء فقال اذا كانت‬
‫عناية احلق سبحانه شاملة حلال شخص فال مدخل لنا هناك وكأهنم اخذوا أنفسهم من‬
‫البني واما الياس على نبينا وعليه الصالة و السالم فلم يتكلم يف ذلك الوقت أصال و‬
‫السالم‪.‬‬
‫‪- 500 -‬‬

‫{املكتوب الثالث والثمانون واملائتان اىل الصويف قرابن يف بيان ان رؤية النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم ربه ليلة املعراج كانت يف موطن اآلخرة ال يف موطن الدنيا}‬
‫قد سئلت أن امجاع أهل السنة واجلماعة منعقد على ان الرؤية غري واقعة يف الدنيا‬
‫حت منع اكثر علماء أهل السنة رؤية خامت الرسل والرسالة عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم ليلة املعراج قال حجة االسالم واالصح أنه عليه الصالة و السالم ما رأى ربه ليلة‬
‫املعراج وقد اعرتفت أنت يف رسائلك بوقوع رؤيته صلّى هللا عليه و سلّم ربه يف الدنيا فما‬
‫يكون وجه ذلك (أجيب) أن رؤيته صلّى هللا عليه و سلّم ربه ليلة املعراج ما وقعت يف‬
‫الدنيا بل وقعت يف اآلخرة فانه صلّى هللا عليه و سلّم ملا خرج ليلة املعراج من دائرة املكان‬
‫والزمان وخت لص عن مضيق االمكان وجد االزل واالبد آان واحدا ورأى البداية والنهاية‬
‫[‪]1‬‬
‫نقطة واحدة ورأى أهل اجلنة الذين يدخلوهنا بعد ألوف من السنني يف اجلنة حت ان‬
‫عبد ال رمحن بن عوف رضي هللا عنه الذي يدخل اجلنة بعد مخسمائة سنة من فقراء‬
‫االصحاب رضوان هللا عليهم أمجعني رآه قد دخل اجلنة بعد مضي تلك املدة وسأله عن‬
‫سر توقفه فالرؤية الواقعة يف ذلك املوطن تكون داخلة يف الرؤية األخروية فال تكون منافية‬

‫(‪( )1‬قوله حت ان عبدالرمحن بن عوف رضي هللا عنه اخل) قلت هنا امران االول انه يدخل اجلنة بعد فقراء الصحابة‬
‫والثاين ان البعدية مقدرة ابلقدر املذكور اما االول فقد ذكر الغزايل يف االحياء يف قصة طويلة منها وتفقدت اصحايب‬
‫فلم ار عبدالرمحن بن عوف مث جاءين بعد ذلك وهو يبكي فقلت ما خلفك عين قال اي رسول هللا وهللا ما وصلت‬
‫اليك حت لقيت املشيبات وظننت اين ال اراك فقلت ومل قال كنت احاسب مبايل انتهى و ذكره ايضا بعيد ذلك قال‬
‫شارحه نقال عن العراقي رواه الطرباين من حديث ايب امامة بسند ضعيف حنوه مث قال الش وروي يف احللية عن عبدهللا‬
‫بن ايب اوف ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال لعبد الرمحن بن عوف ما ابطأ بك عين فقال ما زلت بعدك‬
‫احاسب وامنا ذلك لكثرة مايل فقال هذه مائة راحلة جاءتين من مصر وهي صدقة على ارامل املدنية انتهى ابدىن‬
‫اختصار واما الثاين فكان االمام قدس سره اخذ من عموم حديث فقراء املهاجرين يدخلون اجلنة قبل اغنيائهم عام رواه‬
‫الرتمذي عن ايب سعيد اخلدري وحسن ورواه عن ايب هريرة بلفظ فقراء اميت احلديث ورواه مسلم عن عبدهللا بن عمرو‬
‫بلفظ فقراء املهاجرين احلديث اال انه قال ابربعني خريفا وكذا رواه الرتمذي من حديث جابر وانس وروى ابن ماجة‬
‫ب لفظ ان فقراء املؤمنني يدخلون اجلنة قبل اغنيائهم بنصف يوم مخسمائة عام عن ابن عمر بسند ضعيف انتهى من‬
‫شرح االحياء اختصارا وقد انقش املخرجان هنا فيما مل يذكره االمام واطاال الكالم‬
‫‪- 501 -‬‬

‫لالمجاع على عدم وقوعها واطالق الرؤية الدنيوية عليها حممول على التجوز ومبين على‬
‫الظاهر وهللا سبحانه أعلم حبقائق االمور كلها‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والثمانون واملائتان اىل املال عبد القادر االنبايل يف بيان ان‬
‫االحوال واملواجيد نصيب عامل االمر والعلم ابالحوال نصيب عامل اخللق وهذه املعرفة‬
‫من املعارف السابقة وحقيقة املعاملة هي اليت حررت يف مكتوب صدر للمخدوم‬
‫االكرب عليه الرمحة يف بيان الطريق}‬
‫اع لم ان االنسان مركب من عامل اخللق الذي هو ظاهره وعامل االمر الذي هو‬
‫ابطنه فاالحوال واملواجيد واملشاهدات والتجليات اليت تظهر يف االبتداء والوسط نصيب‬
‫عامل االمر الذي هو ابطن االنسان وكذلك احلرية واجلهالة والعجز واليأس اليت حتصل يف‬
‫االنتهاء ايضا نصيب عامل االمر الذي هو ابطن االنسان وللظاهر حبكم {ع}‪:‬‬
‫ولالرض من كأس الكرام نصيب‬
‫ايضا نصيب من تلك املعاملة عند وجود القوة فيه وان مل يكن له ثبات واستقامة‬
‫ولكن يكتسب نوعا من االنصباغ واالمر الذي يتعلق ابلظاهر ابالصالة هو العلم بتلك‬
‫االحوال فان الباطن له حصول االحوال ال العلم هبا فان مل يكن الظاهر ملا يفتح طريق‬
‫العلم والتمييز وظهور الصور املثالية ومعارج املقامات امنا هو الدراك الظاهر فاحلال للباطن‬
‫والعلم ابحلال للظاهر فعلم من هذا البيان ان االولياء الذين هم أصحاب العلم والذين ال‬
‫نصيب هلم من العلم يعين ابالحوال ال فرق بينهم يف نفس حصول االحوال فان كان‬
‫الفرق فامنا هو من جهة العلم بتلك االحوال وعدم العلم هبا كما اذا طرأت على شخص‬
‫مثال حالة اجلوع وشوشت احواله وهو يعلم أن هذه احلالة يسموهنا جوعا وشخص آخر‬
‫طرأ عليه تلك احلالة أيضا ولكنه ال يعلم أن هذه احلالة معرب عنها ابجلوع فكل من هذين‬
‫الشخصني مساو لآلخر يف نفس تلك احلالة وال فرق اال حبسب العلم وعدم العلم‬
‫(ينبغي) أن يعلم أن اجلماعة الذين ال علم هلم ابالحوال على قسمني فطائفة منهم ليس‬
‫‪- 502 -‬‬

‫هلم علم بنفس حصول االحوال وال وقوف هلم على تلويناهتا أصال وطائفة أخرى منهم هلم‬
‫خرب عن تلوينات االحوال ولكنهم ال يقدرون على تشخيص االحوال وهذه الطائفة‬
‫داخلون يف ارابب العلم وان مل يقدروا على تشخيص االحوال ومستحقون للمشيخة‬
‫وتشخيص االحوال ليس هو وظيفة كل شيخ بل تظهر هذه الدولة بعد ازمنة متطاولة‬
‫حت يتشرف هبا واحد وحيال اآلخرون على علمه وجيعلون من متطفليه كما أن االنبياء‬
‫اويل العزم صلوات هللا وتسليماته عليهم كانوا يبعثون بعد مدة مديدة وكان كل منهم‬
‫خيتص ابحكام متمايزة وكان بقية االنبياء يؤمرون ابتباعهم ويكتفون ابلدعوة بتلك‬
‫االحكام {شعر}‪:‬‬
‫ليس على هللا مبستنكر * أن جيمع العامل يف واحد‬
‫و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والثمانون واملائتان اىل السيد حمب هللا املانكپوري يف بيان‬
‫احكام السماع والوجد والرقص وبعض املعارف املتعلقة ابلروح}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (اعلم)‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫ارشدك هللا اىل طريق السداد واهلمك سبيل الرشاد ان السماع والوجد انفع جلماعة‬
‫متصفون بتقلب االحوال ومتسمون بتبدل االوقات ففي وقت حاضرون ويف وقت غائبون‬
‫واحياان واجدون واحياان فاقدون وهم ارابب القلوب ينتقلون يف مقام التجليات الصفاتية‬
‫عن صفة اىل صفة ويتحولون من اسم اىل اسم تلون االحوال نقد وقتهم وتشتت اآلمال‬
‫حاصل مقامهم ودوام احلال حمال يف حقهم واستمرار الوقت ممتنع يف شأهنم فزماان يف‬
‫القبض وزماان يف البسط فهم ابناء الوقت ومغلوبوه فمرة يعرجون ومرة يهبطون وأما ارابب‬
‫التجليات الذاتية الذين ختلصوا من مقام القلب ابلتمام واتصلوا مبقلب القلب ورجعوا‬
‫بكليتهم من رقية االحوال اىل حمول االحوال فهم ليسوا حمتاجني اىل الوجد والسماع فان‬
‫وقتهم دائ مي وحاهلم سرمدي بل ال وقت هلم وال حال فهم آابء الوقت وارابب التمكني‬
‫‪- 503 -‬‬

‫وهم الواصلون الذين ال رجوع هلم أصال وال فقد هلم قطعا فمن ال فقد له ال وجد له نعم‬
‫ان طائفة من املنتهيني ينفعهم السماع ايضا مع وجود استمرار الوقت وسيحرر بيانه‬
‫ابلتفصيل يف آخر هذا املبحث انشاء هللا تعاىل (فان قيل) قال خامت الرسل والرسالة عليه‬
‫و على آله الصالة والتحية يل مع هللا وقت ال يسعين فيه ملك مقرب وال نيب مرسل‬
‫فيفهم من هذا احلديث أن الوقت ال يكون دائما (اجيب) بعد تسليم صحة هذا احلديث‬
‫أن بعض املشائخ قد اراد ابلوقت الواقع يف احلديث وقتا مستمرا اي يل مع هللا وقت‬
‫مستمر فال اشكال (واثنيا) ان الوقت املستمر قد تعرض فيه احياان كيفية خاصة فيمكن‬
‫أن يكون املراد ابلوقت الوقت النادر و يكون املراد به هذه الكيفية النادرة فعلى هذا يرتفع‬
‫االشكال أيضا (فان قيل) ميكن أن يكون الستماع النغمة مدخل يف حتصيل تلك‬
‫الكيفية النادرة فصار املنتهى ايضا حمتاجا اىل السماع يف حتصيل تلك الكيفية (اجيب)‬
‫أن حتقق تلك الكيفية غالبا يف حني اداء الصالة فان ظهرت يف خارج الصالة احياان فهو‬
‫أيضا من نتائجها ومثراهتا وميكن أن يكون يف حديث وقرة[‪ ]1‬عيين يف الصالة إشارة اىل‬
‫هذه الكيفية النادرة (وورد) ايضا يف اخلرب أقرب ما يكون العبد من الرب يف الصالة وقال‬
‫هللا تعاىل واسجد واقرتب وال شك ان كل وقت يكون القرب االهلي فيه ازيد يكون جمال‬
‫الغري فيه أشد انتفاء ففهم من هذا احلديث وهذه اآلية ايضا ان ذلك الوقت يف الصالة‬
‫(والدليل) على استمرار الوقت ودوام الوصل اتفاق املشائخ قال ذو النون املصري ما رجع‬
‫من رجع اال من الطريق ومن وصل ال يرجع وكون ايد داشت عبارة عن دوام احلضور مع‬
‫جناب قدس احلق سبحانه امر مقرر يف طريقة خواجگان قدس هللا ارواحهم وابجلملة ان‬
‫االنكار على دوام الوقت عالمة عدم الوصول وما قاله شرذمة قليلة من املشائخ كابن‬
‫العطاء وأمثاله من جواز رجوع الواصل اىل الصفات البشرية فيفهم منه عدم دوام الوقت‬
‫فهو خالف يف جواز الرجوع ال يف الوقوع فان الرجوع غري واقع ألبتة كما ال خيفى على‬
‫اراببه فثبت امج اع املشائخ على عدم رجوع الواصل وكان خالف البعض راجعا اىل جواز‬

‫(‪ )1‬قوله (وقرة عيين يف الصالة) رواه احلاكم والنسائي عن انس رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪- 504 -‬‬

‫الرجوع هذا (وطائفة) من املنتهيني حتصل هلم برودة قوية يف الوصول اىل مشاهدة اجلمال‬
‫الاليزايل بعد وصوهلم اىل درجة من درجات الكماالت وحتصل هلم نسبة اتمة متنعهم عن‬
‫العروج اىل منازل الوصول وامامهم درجات منازل الوصول مل يقطعوها بعد ومل تنقطع‬
‫مدارج القرب ابالنتهاء اىل غايته وفيهم مع وجود الربودة ميل اىل العروج ومتين كمال‬
‫القرب فالسماع مفيد يف حقهم على تقدير هذه الصورة وموجب للحرارة ويتيسر هلم يف‬
‫كل وقت مبدد السماع العروج اىل منازل القرب وبعد التسكني يهبطون من تلك املنازل‬
‫ولكنهم يستصحبون معهم لوان ووصفا من مقامات ذلك العروج وينصبغون به وهذا‬
‫الوجد ليس هو بعد الفقد فان الفقد مفقود يف حقهم بل هو الجل الرتقي اىل منازل‬
‫الوصول مع وجود دوام الوصل ومن هذا القبيل مساع املنتهيني والواصلني ووجدهم نعم‬
‫اهنم وان منحوا ا جلذبة بعد الفناء والبقاء ولكن ملا عرضت هلم برودة قوية مل يكتفوا هبا يف‬
‫حتصيل الرتقيات اىل منازل الوصول والعروج واحتاجوا اىل السماع (وطائفة) من املشائخ‬
‫قدس هللا أسرارهم هتبط نفوسهم اىل مقام العبودية بعد وصوهلم اىل درجة الوالية وأرواحهم‬
‫متوجهة اىل جناب القدس يف مقامها االصلي بال مزامحة النفوس وكلما يصل اىل الروح‬
‫مدد من مقام النفس املطمئ نة اليت صارت متمكنة وراسخة يف مقام العبودية حتصل للروح‬
‫بواسطة ذلك االمداد مناسبة خاصة ابملطلوب واطمئنان هؤالء االكابر يف العبادة‬
‫وتسكينهم يف أداء حقوق العبودية والطاعة وميل العروج مفقود يف طباعهم وشوق‬
‫الصعود قليل يف بواطنهم جبينهم المع بنور متابعة امللة وعيون بصريهتم مكتحلة بكحل‬
‫اتباع السنة فال جرم كانت ابصارهم حديدة يبصرون من بعد ما يعجز االقربون عن رؤيته‬
‫وان كان عروجهم قليال ولكنهم نورانيون ومنورون بنور االصل وهلم يف ذلك املقام شأن‬
‫عظيم وجاللة القدر فال احتياج هلم اىل السماع والوجد بل تعطيهم العبادة ما للسماع‬
‫وتكفيهم نورانيتهم بنور االصل عن العروج واجلماعة املقلدون من اهل السماع والوجد‬
‫الذين ال وقوف هلم على عظم شأن هؤالء االكابر حيسبون أنفسهم عشاقا ويسموهنم‬
‫زهادا وكأهنم يزعمون ان العشق واحملبة منحصران يف الرقص والوجد (ومن) املنتهيني طائفة‬
‫‪- 505 -‬‬

‫مينحون بعد قطع مسالك السري اىل هللا والتحقق ابلبقاء ابهلل جذاب قواي فينجرون بسلسلة‬
‫اجلذبة جرا جرا وسراية الربودة ممنوعة هناك والتسلية غري جائزة ال حيتاجون يف العروج اىل‬
‫أمور غريبة وليس للسماع والرقص اىل مضيق خلوهتم سبيل الدخول وال الوجد والتواجد‬
‫عندهم شئ مقبول بل يصلون هبذا العروج االجنذايب اىل هناية املرتبة املمكنة الوصول‬
‫وينالون بواسطة متابعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم نصيبا من مقامه املخصوص به وهذا‬
‫النوع من الوصول خمصوص بطائفة االفراد ال نصيب من هذا املقام لالقطاب أيضا فان‬
‫أرجع الواصل اىل هناية النهاية هبذا النوع من الوصول مبحض فضل احلق سبحانه اىل العامل‬
‫واحيل عليه تربية املستعدين هتبط نفسه اىل مقام العبودية وروحه متوجهة اىل جناب‬
‫املقدس بال نفس وهو اجلامع للكماالت الفردية واحلاوي للتكميالت القطبية وأعين‬
‫ابلقطب ههنا قطب االرشاد ال قطب االواتد وعلوم املقامات الظلية ومعارف املدارج‬
‫االصلية ميسرة له بل ال ظل يف املقام الذي هو فيه وال أصل فانه قد جاوز الظل واالصل‬
‫ومثل هذا الكامل املكمل عزيز الوجود جدا حت انه لو ظهر بعد قرون متطاولة وأزمنة‬
‫متباعدة فهو ايضا مغتنم ينور به العامل نظره شفاء االمراض القلبية وتوجهه دافع االخالق‬
‫الردية الغري املرضية وهو الذي امت مدارج العروج ونزل اىل مقام العبودية واطمأن ابلعبادة‬
‫وآنس هبا وينتخب بعض هذه الطائفة ملقام العبدية الذي ال مقام فوقه من مقامات‬
‫الوالية ويشرف به وقا بلية منصب احملبوبية ايضا مسلمة اليه فهو جامع جلميع كماالت‬
‫مرتبة الوالية وحاو لتمام مقامات درجة الدعوة وحمتظ من الوالية اخلاصة مبقام النبوة‬
‫وابجلملة ان هذا املصراع صادق يف حقه {ع}‪:‬‬
‫قد اجتمعت فيه احملاسن كلها‬
‫هذا والسماع والوجد مضر للمبتدي ومناف لعروجه وان وقع ابلشرائط وسيحرر‬
‫نبذة من شرائط السماع يف آخر هذه الرسالة انشاء هللا تعاىل ووجد املبتدي معلول وحاله‬
‫وابل وحركته طبيعية وحتركه مشوب ابهلوى النفساين واعين ابملبتدي من ليس من أرابب‬
‫القلوب وارابب القلوب متوسطون بني املبتدي واملنتهى واملنتهى هو الفاين يف هللا والباقي‬
‫‪- 506 -‬‬

‫ابهلل وهو الواصل الكامل ولالنتهاء درجات بعضها فوق بعض وللوصول مراتب ال ميكن‬
‫قطعها ابد اآلبدين (وابجلملة) ان السماع انفع للمتوسطني وطائفة من املنتهيني أيضا كما‬
‫مر آنفا ولكن ينبغي ان يعلم ان السماع ال حيتاج اليه ارابب القلوب ايضا مطلقا بل‬
‫مجاعة منهم مل يشرفوا بعد بدولة اجلذبة ويريدون قطع املسافة ابلرايضات واجملاهدات‬
‫الشاقة فالسماع والوجد ممد ومعاون هلؤالء اجلماعة يف هذه الصورة واما اذا كان ارابب‬
‫القلوب من اجملذوبني فقطع مسالك سريهم مبدد اجلذبة وليسوا حمتاجني اىل السماع‬
‫(وينبغي) أيضا أن يعلم أن نفع السماع الرابب القلوب الغري اجملذوبني ليس على اطالقه‬
‫بل االنتفاع به مشروط ابلشرائط وبدوهنا خرط القتاد فمن مجلة الشرائط عدم االعتقاد‬
‫لكمال نفسه فلو كان معتقدا لتمامية نفسه فهو حمبوس نعم قد يورثه السماع أيضا من‬
‫العروج ولكنه يهبط من مقام عرج اليه وقت السماع بعد التسكني والشرائط املبينة يف‬
‫كتب االكابر مستقيمي االحوال كعوارف املعارف أكثرها مفقودة يف مساع ابناء هذا‬
‫الزمان بل مثل هذا السماع الذي شاع يف هذا الزمان وهذا االجتماع الذي صار متعارفا‬
‫يف هذه االوان ال شك يف انه مضر حمض ومناف صرف ال طمع للعروج فيه وال يتصور‬
‫الصعود والرتقي به وامداد السماع مفقود يف هذا احملل واملضرة موجودة يف ذلك احملفل‬
‫{تنبيه} ان السماع وان كان مفيدا ابلنسبة اىل بعض املنتهيني ولكن ملا كان امامهم‬
‫مراتب العروج فهم من االوساط وما مل تطو مراتب العروج املمكنة احلصول ابلتمام‬
‫فحقيقة االنتهاء مفقودة فيهم واطالق النهاية امنا هو ابعتبار هناية السري اىل هللا وهذا‬
‫السري اىل اسم اهلي كان السالك مظهره والسري بعد ذلك يكون يف ذلك االسم وما يتعلق‬
‫به فاذا جاوزه وما يتعلق مما ينكشف الراببه ووصل اىل املسمى احلقيقي وحصل له هناك‬
‫فناء وبقاء فهو حينئذ يكون منتهىا حقيقيا وهناية السري اىل هللا يف احلقيقة يتحقق يف‬
‫ذلك احملل وقد عدوا النهاية األوىل اليت هي انتهاء السري اىل االسم من هناية السري اىل هللا‬
‫واعتربوها منها ايضا وابعتبار حصول الفناء والبقاء يف تلك املرتبة اطلقوا اسم الوالية ايضا‬
‫(وما قيل) من ان ال هناية للسري يف هللا فهذا السري يف حني البقاء وبعد طي منازل العروج‬
‫‪- 507 -‬‬

‫ومعن عدم هناية ذلك السري هو ان السري اذا وقع يف ذلك االسم ابلتفصيل وختلق‬
‫ابلشؤانت املندرجة فيه ال يصل اىل هنايته أصال فان كل اسم مشتمل على شؤانت غري‬
‫متناهية وأما اذا أريد ترقيه من ذلك االسم وقت العروج فيمكن أن يطوي ذلك بقدم‬
‫واحد ويصل اىل هناية النهاية مث ان استهلك هناك فيا هلا من شرافة وان ارجع لرتبية اخللق‬
‫فيا هلا من فضيلة وكرامة وال تظنن ان الوصول اىل ذلك االسم أمر سهل بل البد من بذل‬
‫الروح حت يشرف بتلك الدولة ومن ذا الذي خيتص هبذه النعمة القصوى من بني اقرانه‬
‫وميتاز هبا وما تتخيله تنزيها وتقديسا رمبا يكون عني التشبيه والتنقيص بل أكثر املراتب‬
‫الذي تتخيله تنزيها أسفل وأدون من مقام الروح والتنزيه الذي خييل لك فوق العرش فهو‬
‫ايضا داخل يف دائرة التشبيه وذلك املكشوف املنزه من عامل االرواح فان العرش حمدد‬
‫اجلهات و منتهى االبعاد وعامل األرواح وراء عامل اجلهات واالبعاد فان الروح ال مكانية ال‬
‫يسعها املكان واثبات الروح فيما وراء العرش ال يومهنك اهنا بعيدة عنك واملسافة بينك‬
‫وبينها طويلة فان االمر ليس كذلك الن نسبة الروح مع وجود المكانيتها مساوية اىل‬
‫مجيع االزمنة والقول ابهنا وراء العرش له معن آخر ال تعرفه حت تبلغ هناك (وطائفة) من‬
‫الصوفية ملا وصلوا اىل التنزيه الروحي ووجدوها فوق العرش ختيلوه تنزيها اهليا جل شأنه‬
‫وظنوا علوم ذلك املقام ومعارفه من غوامض العلوم وحلوا أسرار االستواء يف هذا املقام‬
‫واحلق ان ذلك النور نور الروح وقد عرض للفقري أيضا مثل هذا االشتباه عند حصول‬
‫ذلك املقام ولكن ملا أدركتين عناية احلق سبحانه ورقتين من تلك الورطة علمت ان ذلك‬
‫النور كان نور الروح ال النور االهلي احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان‬
‫هداان هللا وحيث كانت الروح المكانية وخملوقة على صورة المثالية فال جرم تكون حمل‬
‫اشتباه وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل (ومجاعة) منهم ينزلون آخذين ذلك النور يعين‬
‫نور الروح اليت فوق العرش وحيصل هلم البقاء به فيظنون أنفسهم جامعني بني التشبيه‬
‫والتنزيه فان وجدوا ذلك النور منفكا عنهم يتصورون ذلك مقام الفرق بعد اجلمع وأمثال‬
‫هذه املغالطات فيما بني الصوفية كثرية وهو سبحانه العاصم عن مظان االغالط وحمال‬
‫‪- 508 -‬‬

‫االحتياط (ينبغي) ان يعلم ان الروح وان كانت ابلنسبة اىل العامل المثلية ولكنها ابلنسبة‬
‫اىل الالمثلي احلقيقي داخلة يف دائرة املثلي وكاهنا برزخ بني العامل املثلي وبني جناب‬
‫القدس احلقيقي ففيها وصف الطرفني وكال االعتبارين صحيح فيها خبالف الالمثلي‬
‫احلقيقي فانه ال سبيل للمثلي اليه أصال فما مل يعرج السالك من مجيع مقامات الروح ال‬
‫يصل اىل ذلك االسم فينبغي اوال ان يتجاوز مجيع طبقات السموات حت العرش واخلروج‬
‫من لوازم املكان ابل تمام مث يلزم اثنيا طي مراتب المكانية عامل االرواح فيصل يف ذلك‬
‫الوقت اىل ذلك االسم {شعر}‪:‬‬
‫ويظن موالان أبنه واصل * ما ان له غري الظنون حاصل‬
‫فهو سبحانه وراء الوراء فان وراء عامل اخللق هذا عامل االمر ووراء عامل االمر مراتب‬
‫االمساء والشؤانت ظال واصالة وامجاال وتفصيال فينبغي طلب املطلوب احلقيقي فيما وراء‬
‫هذه املراتب الظلية واالصلية والكونية واالهلية واالمجالية والتفصيلية فمن ذا الذي ينعم به‬
‫عليه وأي صاحب دولة يشرف هبذه الدولة ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو‬
‫الفضل العظيم ينبغي للعاقل أن يكون عايل اهلمة وأن ال يقنع بكلما يتيسر يف الطريق وأن‬
‫يطلب املطلوب فيما وراء الوراء {شعر}‪:‬‬
‫كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف‬
‫{تنبيه} آخر اعلم ان دوام الوقت واستمراره مسلم لشخص تشرف ابلبقاء ابهلل‬
‫بعد حتققه ابلفناء املطلق وتبدل علمه احلصويل حضوراي ولنوضح هذا املبحث ببيان‬
‫(اعلم) ان كل علم حيصل للعامل من وراء ذاته فطريق حصوله له هو حصول صورة املعلوم‬
‫يف ذهن العامل وكل علم ال حيتاج يف حصوله اىل حصول الصورة وهو علم االنسان بذاته‬
‫فهو علم حضوري فان الذات حاضرة عند العامل بنفسها وما دامت صورة املعلوم حاصلة‬
‫يف العلم احلصويل فهو معلوم يف ذهن املتوجه فاذا زالت الصورة عن الذهن زال ذلك‬
‫التوجه الذهين فداوم التوجه يف العلم احلصويل حمال عادي خبالفه يف العلم احلضوري فان‬
‫الغفلة عن املعلوم غري متصورة هناك فان منشأ حتقق ذلك العلم حضور ذات العامل وحيث‬
‫‪- 509 -‬‬

‫كان ذلك احلضور دائميا فالعلم ابلذات ايضا يكون دائميا وزوال التوجه اىل ذاته غري‬
‫ممكن ويف البقاء ابهلل علم حضوري ال يتصور زواله (وال تظنن) ان البقاء ابهلل عبارة عن‬
‫ان جيد السالك نفسه عني احلق كما عرب البعض من هذه الطائفة عن حق اليقني هبذه‬
‫العبارة فانه ليس كذلك فان البقاء ابهلل الذي تيسر بعد الفناء املطلق ال يناسبه امثال هذه‬
‫العلوم وحق اليقني الذي قاله البعض مناسب لبقاء حيصل يف اجلذبة والبقاء الذي هو‬
‫مقصودان غري ذلك {شعر}‪:‬‬
‫فوهللا ال تدري لذي اخلمر لذة * وال نشوة حت تذوق وتسكرا‬
‫فاستمرار التوجه ودوام احلضور امنا ثبتا يف البقاء ابهلل وال امكان لدوام التوجه قبل‬
‫التحقق ابلبقاء ابهلل وان توهم ذلك املعن لكثريين قبل الوصول اىل هذا املقام خصوصا يف‬
‫الطريقة العلية النقشبندية قدس هللا أسرار أهلها واحلق ما حققت والصواب ما أهلمت‬
‫وهللا سبحانه أعلم ابلصواب واليه املرجع واملآب احلمد هلل رب العاملني اوال وآخرا والصالة‬
‫و السالم على رسوله دائما وسرمدا‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والثمانون واملائتان اىل موالان امان هللا الفقيه يف بيان أن‬
‫االعتقاد الصحيح هو املأخوذ من الكتاب والسنة على وفق آراء اهل السنة‬
‫واجلماعة ويف رد من يستنبط من الكتاب والسنة خالف معتقدات اهل السنة‬
‫واجلماعة او أدركوا ابلكشف خالف ما عليه اهل احلق}‬
‫الرحيم اعلم ارشدك هللا واهلمك سواء الصراط ان من مجلة‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫ضرورايت الطريق للسالك االعتقاد الصحيح الذي استنبطه علماء أهل السنة واجلماعة‬
‫من الكتاب والسنة وآاثر السلف ومحل الكتاب والسنة على املعاين اليت فهمها مجهور‬
‫أهل احلق يعين علماء أهل السنة واجلماعة منهما ايضا ضروري فان ظهر فرضا بطريق‬
‫الكشف واالهلام ما خيالف تلك املعاين املفهومة ينبغي ان ال يعتربه وان يستعيذ منه مثل‬
‫اآلايت واالحاديث اليت يفهم من ظواهرها التوحيد الوجودي وكذلك االحاطة والسراين‬
‫‪- 510 -‬‬

‫والقرب واملعية الذاتية ومل يفهم علماء أهل احلق من تلك اآلايت واالحاديث هذه املعاين‬
‫فاذا انكشف للسالك يف اثناء الطريق هذه املعاين ابن ال يرى غري موجود واحد او ابن‬
‫يدرك ان هللا تعاىل حميط ابلذات او وجده قريبا ابلذات فهو وان كان معذورا يف ذلك‬
‫بسبب غلبة احلال وسكر الوقت فيما هنالك ولكن ينبغي له ان يكون ملتجئا اىل هللا‬
‫تعاىل ومتضرعا اليه دائما الن خيلصه من هذه الورطة وان يكشف له امورا مطابقة آلراء‬
‫علماء أهل احلق وان ال يظهر له ما خيالف معتقداهتم احلقة ولو مقدار شعرة (وابجلملة)‬
‫ينبغي ان جيعل املعاين اليت كانت مفهومة لعلماء أهل احلق مصداق الكشف وان ال جيعل‬
‫حمك االهلام غريها فان املعاين املخالفة للمعاين املفهومة هلم ساقطة عن حيز االعتبار الن‬
‫كل مبتدع ضال يزعم ان مقتدى معتقداته ومأخذها الكتاب والسنة فانه يفهم منهما‬
‫حبسب افهامه الركيكة معاين غري مطابقة يضل به كثريا ويهدي به كثريا وامنا قلت ان‬
‫املعترب هو املعاين املفهومة لعلماء أهل احلق وان ما سواها مما خيالفها غريمعتربة بناء على‬
‫اهنم اخذوا تلك املعاين من تتبع آاثر الصحابة والسلف الصاحلني رضوان هللا تعاىل عليهم‬
‫أمجعني واقتبسوها من أنوار جنوم هدايتهم وهلذا صارت النجاة االبدية خمصوصة هبم‬
‫والفالح السرمدي نصيبا هلم أولئك حزب هللا أال ان حزب هللا هم املفلحون فان تداهن‬
‫بعض العلماء يف الفرعيات وارتكبوا التقصريات يف العمليات مع وجود حقية االعتقاد ال‬
‫ينبغي بسبب ذلك ان ينكر العلماء مطلقا وان يطعن فيهم كليا فان ذلك حمض عدم‬
‫االنصاف وصرف املكابرة بل انكار اكثر ضرورايت الدين فان انقلي تلك الضرورايت هم‬
‫العلماء وانقدي جيدها عن رديئها هم العلماء فلوال نور هدايتهم ملا اهتدينا ولوال متييزهم‬
‫الصواب عن اخلطإ لغوينا وهم الذين بذلوا جهدهم يف اعالء كلمة الدين القومي وسلكوا‬
‫ابانس كثرية اىل صراط مستقيم فمن اتبعهم جنى وافلح ومن خالفهم ضل واضل من‬
‫الطريق االوضح (ينبغي) ان يعلم ان معتقدات الصوفية ابألخرى اعين بعد متام منازل‬
‫السلوك والوصول اىل اقصى درجات الوالية هي عني معتقدات اهل احلق فهي للعلماء‬
‫ابلنقل واالستدالل وللصوفية ابلكشف واالهلام وان ظهر لبعض الصوفية يف اثناء الطريق‬
‫‪- 511 -‬‬

‫بواسطة السكر وغلبة احلال ما خيالف تلك املعتقدات ولكن اذا جاوز تلك املقامات‬
‫وبلغ هناية االمر تكون تلك املخالفة هباء منثورا واالّ فيبقي على تلك املخالفة ولكن‬
‫املرجو ان ال يؤاخذ هبا فان حكمه حكم اجملتهد املخطئ واجملتهد خمطئ يف االستنباط‬
‫وهو يف الكشف ومن مجلة خمالفات هذه الطائفة احلكم بوحدة الوجود واالحاطة والقرب‬
‫واملعية الذاتيات كما مر وكذلك انكارهم وجود الصفات السبعة أو الثمانية يف اخلارج‬
‫بوجود زائد على ذات احلق جل شأنه فان علماء أهل السنة ذاهبون اىل وجودها يف‬
‫اخلارج بوجود زائد على وجود الذات ومنشأ انكارهم هو ان مشهودهم يف ذلك الوقت‬
‫هو الذات يف مرآة الصفات ومعلوم ان املرآة تكون خمتفية من نظر الرائي فحكموا بعدم‬
‫وجودها يف اخلارج بواسطة ذلك االختفاء وظنوا أهنا لو كانت موجودة لكانت مشهودة‬
‫وحيث ال شهود فال وجود وطعنوا يف العلماء بسبب حكمهم بوجود الصفات بل‬
‫حكموا ابلكفر والثنوية اعاذان هللا سبحانه من اجلرأة على الطعن فان تيسر هلم الرتقي من‬
‫هذا املقام وخرج شهودهم من هذا احلجاب وزال حكم املراتب لرأوا الصفات مغايرة‬
‫للذات وملا أنكروها وملا إجنر امرهم اىل طعن اكابر العلماء (ومن) مجلة خمالفاهتم حكمهم‬
‫ببعض امور يستلزم كونه تعاىل فاعال ابالجياب فاهنم وان مل يطلقوا لفظ االجياب واثبتوا‬
‫االرادة لكنهم ينفون االرادة يف احلقيقة وهم خيالفون مجيع أهل امللل يف هذا احلكم فمن‬
‫مجلة هذه االمور حكمهم ابن هللا تعاىل قادر بقدرة مبعن ان شاء فعل وان مل يشأ مل يفعل‬
‫وي قولون ابن الشرطية األوىل واجبة الصدق والثانية ممتنعة الصدق وهذا قول ابالجياب بل‬
‫انكار القدرة ابملعن املقرر عند أهل امللل فان القدرة عندهم مبعن صحة الفعل والرتك‬
‫والالزم لقوهلم وجوب الفعل وامتناع الرتك فاين أحدمها من اآلخر ومذهبهم يف هذه‬
‫املسئلة هو بعينه م ذهب الفالسفة واثبات االرادة مع القول بوجوب صدق األوىل وامتناع‬
‫صدق الثانية وامتيازهم عن الفالسفة هبذا االثبات غري انفع فان االرادة هي ختصيص‬
‫احد املتساويني فحيث ال تساوى ال ارادة وههنا التساوي معدوم للوجوب واالمتناع‬
‫فافهم (ومن) مجلة تلك االمور بياهنم يف مسئلة القضاء والقدر على هنج ظاهره اثبات‬
‫‪- 512 -‬‬

‫االجياب فمن مجلة عباراهتم يف هذا املبحث هذه العبارة احلاكم حمكوم واحملكوم حاكم‬
‫وجعل احلق سبحانه حمكوم احد واثبات حاكم عليه مع قطع النظر عن اثبات االجياب‬
‫مستقبح جدا اهنم ليقولون منكرا من القول وزورا وامثال ذلك من املخالفات كثرية كقوهلم‬
‫بعدم امكان رؤية احلق سبحانه اال ابلتجلي الصوري وهذا القول مستلزم النكار رؤية‬
‫احلق سبحانه والرؤية اليت جوزوها ابلتجلي الصوري ليست هي يف احلقيقة رؤية احلق‬
‫سبحانه بل هي ضرب من الشبه واملثال {نظم}‪:‬‬
‫يراه املؤمنون بغري كيف * وادراك وضرب من مثال‬
‫وك قوهلم بقدم ارواح الكمل وازليتها وهذا القول ايضا خمالف ملا عليه أهل االسالم‬
‫فان عندهم العامل جبميع اجزائه حمدث واالرواح من مجلة العامل الن العامل اسم جلميع ما‬
‫سوى هللا تعاىل فافهم (فينبغي) للسالك قبل بلوغه كنه االمر وحقيقته أن يعد تقليد‬
‫علماء أهل احلق الزما لنفسه مع وجود خمالفة كشفه واهلامه وان يعتقد العلماء حمقني‬
‫ونفسه خمطئا الن مستند العلماء تقليد االنبياء عليهم الصالة و السالم املؤيدين ابلوحي‬
‫القطعي املعصومني عن اخلطإ والغلط وكشفه واهلامه على تقدير خمالفته لالحكام الثابتة‬
‫خطأ وغلط فتقدمي الكشف على أقوال العلماء تقدمي له يف احلقيقة على االحكام‬
‫القطعية املنزلة وهو عني الضاللة وحمض اخلسارة (وكما) ان االعتقاد مبوجب الكتاب‬
‫والسنة ضروري كذلك العمل مبقتضامها على هنج استنبطه االئمة اجملتهدون منهما‬
‫واستخرجوا االحكام عنهما من احلالل واحلرام والفرض والواجب والسنة واملستحب‬
‫واملكروه واملشتبه والعلم هبذه االحكام ايضا ضروري وال جيوز للمقلد اخذ االحكام من‬
‫الكتاب والسنة على خالف رأي اجملتهد وأن يعمل هبا وينبغي ان خيتار يف العمل القول‬
‫املختار يف مذهب جمتهده الذي قلده وتبعه وان يعمل ابلعزمية جمتنبا عن البدعة وان‬
‫يسعى يف مجع ا قوال اجملتهدين مهما أمكن ليقع العمل على القول املتفق عليه مثال ان‬
‫االمام الشافعي اشرتط النية يف الوضوء فال يتوضأ بالنية وكذلك قال بفرضية الرتتيب يف‬
‫غسل االعضاء فيلتزم الرتتيب وافرتض االمام مالك الدلك يف غسل االعضاء فيدلك ألبتة‬
‫‪- 513 -‬‬

‫وكذلك قالوا ينقض الوضوء مبس النساء والذكر فيجدد الوضوء أن مس احدمها و على‬
‫هذا القياس يف سائر االحكام اخلالفية وبعد حصول هذين اجلناحني االعتقادي و‬
‫العملي يكون متوجها حنو العروج اىل مدارج القرب االهلي جل سلطانه وطالبا لقطع‬
‫املنازل الظلمانية واملسالك النورانية ولكن ينبغي أن يعلم ان ذلك العروج وقطع املنازل‬
‫مربوط بتوجه شيخ كامل مكمل عامل ابلطريق بصري به هاد اليه نظره شفاء االمراض‬
‫القلبية وتوجهه دافع االخالق الردية الغري املرضية فليطلب اوال الشيخ فان عرفه مبحض‬
‫فضل احلق سبحانه فليالزمه معتقدا ان معرفته اايه نعمة عظمى وليكن منقادا له يف‬
‫تصرفات ه بكليته قال شيخ االسالم اهلروي اهلي ما هذا الذي جعلت اولياءك حبيث من‬
‫عرفهم وجدك وما مل جيدك مل يعرفهم ويفين اختياره يف اختيار شيخه ابلكلية وخيلي نفسه‬
‫عن مجيع املرادات ويشد نطاق اهلمة يف خدمته و يسعى سعيا بليغا يف امتثال مجيع ما‬
‫أيمر به شيخه معتقدا ابن رأس مال سعادته فيه فان رأى الشيخ املقتدى به ان املناسب‬
‫الستعداده الذكر أيمره به وان رأى ان املناسب التوجه واملراقبة يشري هبما ايضا فيما‬
‫هنالك وان علم الكفاية مبجرد الصحبة أيمره ايضا بذلك (وابجلملة) ان االحتياج اىل‬
‫الذكر مع وجود صحبة الشيخ ليس شرطا من شرائط الطريق اصال بل أيمر الشيخ بكل‬
‫ما يراه مناسبا حلال الطالب فان وقع منه تقصري يف بعض شرائط الطريق يتالفاه بصحبة‬
‫الشيخ فيكون توجهه جابرا لنقصانه (ومن) مل يشرف بصحبة مثل هذا الشيخ فان كان‬
‫من املرادين جيذبه احلق سبحانه وجيتبيه اليه ويكفيه امره مبحض عنايته اليت ال غاية هلا وال‬
‫هناية ويعلمه كل شرط وادب الزم له وجيعل روحانية بعض االكابر وسائل طريقه ودليله‬
‫يف قطع منازل السلوك فان توسط روحانيات املشائخ يف قطع طريق السلوك الزم بطريق‬
‫جرى عادة هللا سبحانه وان كان من املريدين فامره من غري توسط شيخ مقتدى به‬
‫مشكل فينبغي أن يل تجئ اىل هللا سبحانه دائما اىل ان يصل اىل شيخ مقتدى به‬
‫(وينبغي) ايضا ان يعد رعاية شرائط الطريق الزمة وقد بينت تلك الشرائط يف كتب‬
‫املشائخ تفصيال فينبغي مراجعتها ومالحظة ما فيها ورعايتها بعد ذلك ومعظم شرائط‬
‫‪- 514 -‬‬

‫الطريق خمالفة النفس وهي موقوفة على رعاية مقام الورع والتقوى الذي هو االنتهاء عن‬
‫احملارم واالنتهاء عن احملارم ال يتصور اال بعد االجتناب من فضول املباحات فان ارخاء‬
‫العنان يف ارتكاب املباحات يفضي اىل ارتكاب املشتبهات واملشتبه قريب من احملرم‬
‫واحتمال الوقوع فيه اقوى ومن حام حول احلمى يوشك ان يقع فيه[‪ ]1‬فاجتناب احملرمات‬
‫كان موقوفا على اجتناب فضول املباحات فالبد يف حتقق الورع من اجتناب فضول‬
‫املباحات و ال بد للرتقي والعروج من حتقق الورع فانه مربوط به (وبيانه) أن لالعمال‬
‫جزئني امتثال االوامر واالنتهاء عن املناهي واالمتثال يشارك فيه القدسيون فان وقع الرتقي‬
‫ابالمتثال فقط لوقع للقدسيني أيضا واالنتهاء عن املناهي خاص ابالنسيني ليس هو يف‬
‫القدسيني فاهنم معصومون ابلذات ليس فيهم جمال املخالفة حت ينهون عنها فلزم كون‬
‫الرتقي مربوطا هبذا اجلزء وهذا االجتناب هو عني خمالفة النفس فان الشريعة امنا وردت‬
‫لرفع االهواء النفسانية ودفع الرسوم الظلمانية فان مقتضى طبيعة النفس اما ارتكاب احملرم‬
‫أو ارتكاب الفضول املفضي اخريا للمحرم فاجتناب الفضول هو عني خمالفة النفس (فان‬
‫قيل) ان يف امتثال االوامر ايضا خمالفة النفس فان النفس ال تريد االشتغال ابلعبادة‬
‫فيكون االمتثال ايضا مستلزما للرتقي ويف املالئكة ملا كانت خمالفة االمتثال مفقودة مل‬
‫يكن سببا لرتقيهم فالقياس مع الفارق (قلت) ان عدم ارادة النفس العبادة وعدم رضاها‬
‫هبا امنا هو بسبب كوهنا طالبة لفراغها حبيث ال تريد أن تكون مقيدة ومشغولة بشئ وهذا‬
‫الفراغ وعدم االشتغال ايضا داخالن يف احملرم او الفضول فجاءت خمالفة النفس يف امتثال‬
‫االوامر من طريق اجتناب احملرم والفضول ال من طريق اداء االوامر يعين املأمورات فقط‬
‫حت يقال انه موجود يف املالئكة ايضا فالقياس صحيح (فكل) طريق خمالفة النفس فيه‬
‫اكثر فهو أقرب الطرق والشك ان رعاية خمالفة النفس يف طريقة النقشبندية اكثر منها يف‬
‫سائر الطرق فان هؤالء االكابر اختاروا العمل ابلعزمية واالجتناب عن الرخصة ومن املعلوم‬
‫ان كال من اجتناب احملرم والفضول موجود يف العزمية ومرعي فيها خبالف الرخصة فان‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان من حديث نعمان بن بشري رضي هللا عنه‬


‫‪- 515 -‬‬

‫فيها اجتناب احملرم فقط (فان قيل) ميكن أن يكون املختار عند أرابب سائر الطرق أيضا‬
‫العزمي ة (قلت) ان يف أكثر الطرق مساعا ورقصا ويبلغ االمر فيه حد الرخصة بعد متحل‬
‫كثري واين فيه اجملال للعزمية بعد وكذلك ذكر اجلهر ال يتصور فيه ما فوق الرخصة وقد‬
‫احدث مشائخ سائر الطرق امورا حمدثة يف طرقهم لبعض نيات صحيحة هناية التصحيح‬
‫يف تلك االمور احلكم ابلرخصة خب الف اكابر هذه السلسلة العلية فاهنم ال جيوزون مقدار‬
‫شعرة من خمالفة السنة فتكون خمالفة النفس يف هذا الطريق امت فيكون أقرب الطرق فيكون‬
‫اختيار هذا الطريق للطالب أوىل وانسب الن الطريق يف هناية االقربية واملطلب يف كمال‬
‫الرفعة (وقد ترك) مجاعة من متأخري خلفائهم اوضاع هؤالء االكابر واحدثوا يف هذا‬
‫الطريق بعض االمور واختاروا السماع والرقص واجلهر ومنشأ ذلك عدم الوصول اىل‬
‫حقيقة نيات اكابر هذه الطريقة العلية فخالوا اهنم يكملون ويتممون هذه الطريقة هبذه‬
‫احملداثت واملبتدعات ومل يدروا أهنم يسعون هبا يف ختريبها وجيتهدون يف اضاعتها وهللا حيق‬
‫احلق وهو يهدي السبيل‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والثمانون واملائتان اىل اخيه احلقيقي منبع احلقائق ميان‬
‫غالم حممد يف بيان اجلذبة والسلوك وبيان املعارف املناسبة هلذين املقامني}‬
‫الرحيم احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق وختمهم ابفضلهم واكملهم حممد الذي جاء ابلصدق‬
‫صلوات هللا سبحانه وبركاته عليه وعليهم و على من اتبعهم أمجعني اىل يوم الدين آمني‬
‫ولقد رأيت الطالبني ينزلون املسلك الطويل واملطلب الرفيع بواسطة دانءة اهلمة وخسة‬
‫الفطرة وعدم وجدان صحبة الشيخ الكامل املكمل اىل منزلة طريق قصري ومقصد وضيع‬
‫ويقنعون بكلما يتيسر هلم يف الطريق من حقري وخطري ويظنون ذلك مقصدا ويزعمون‬
‫انفسهم حبصوله كملة وارابب هناية ويطبقون من خسة الفطرة واستيالء قواهم املتخيلة‬
‫احواهلم الناقصة على االحوال الكاملة اليت بينها الكملة الواصلون من متام امرهم وهناية‬
‫‪- 516 -‬‬

‫سريهم كما قيل {ع}‪:‬‬


‫وصار الفار يف رؤايه انقة‬
‫ويكتفون من البحر احمليط بقطرة بل بصورة قطرة ومن حبر عمان برشحة بل بصورة‬
‫رشحة ويتصورون املثايل غري املثايل ويسكنون عن غري املكيف ابملكيف ويتخيلون املثلي‬
‫المثليا وينخدعوون عن الالمثلي ابملثلي واحوال مجاعة آمنوا ابلالمثلي ابلتقليد واعتقدوه‬
‫افضل من احوال هؤالء الطالبني الذين مل يتم سلوكهم والظامئني القانعني ابلسراب مبراتب‬
‫فانه فرق كثري بني احملق واملبطل واملصيب واملخطئ فويل للطالبني القاصرين املنقطعني عن‬
‫املطلب الذين يظنون احملدث قدميا ويزعمون املثايل المثاليا ان مل يكونوا معذورين ابخلطإ‬
‫يف الكشف ويؤاخذون هبذا اخلطإ والغلط ربنا ال تؤآخذان ان نسينا أو أخطأان وهذا كما‬
‫اذا كان شخص مثال طالب كعبة وتوجه اليها بكمال الشوق فاستقبله يف اثناء الطريق‬
‫اتفاقا بيت شبيه ابلكعبة ولو حبسب الصورة فخاله كعبة وصار معتكفا هناك وشخص‬
‫آخر له علم خبواص الكعبة ابالخذ عن الواصلني اليها وصدق بوجودها حبسب علمه‬
‫فهذا الشخص وان مل خيط خطوة يف طلب الكعبة ولكنه مل يعتقد غري الكعبة كعبة وحمق‬
‫يف تصديقه فحاله أفضل من حال الطالب املذكور املخطئ نعم اذا مل يعتقد الطالب الغري‬
‫الواصل اىل املطلب غري املطلب مطلبا فحاله أفضل من حال مقلد حمق مل يضع قدمه يف‬
‫طريق املطلب فانه مع وجود حقية تصديقه ابملطلوب قاطع ملسافة طريق املطلوب ولو يف‬
‫اجلملة فله تتحقق املزية (وطائفة) منهم ايضا جعلوا أنفسهم هبذا الكمال واخليال والوصال‬
‫الومه ي يف مسند املشيخة ودعوة اخللق وضيعوا بعلة منقصتهم استعداد كثري من املستعدين‬
‫للكماالت وأزالوا بشؤم برودة صحبتهم حرارة طلب الطالبني ضلوا فاضلوا ضاعوا‬
‫فاضاعوا وختيل هذه الكماالت وتوهم الوصال يف اجملذوبني غري السالكني أكثر منه يف‬
‫السالكني اجملذوبني الغري الواصلني فان املبتدئ واملنتهى متشاهبان يف صورة اجلذبة‬
‫ومتساواين يف العشق واحملبة يف الظاهر وان مل يكن بينهما مناسبة يف احلقيقة وكانت‬
‫أحوال كل منهما مغايرة الحوال اآلخر وممتازة عنها {ع}‪:‬‬
‫‪- 517 -‬‬

‫ما نسبة الفرشي ابلعرشي‬


‫فان كل شئ يوجد يف البداية فهو معلول واىل غرض ما حممول وحيث كان ما يف‬
‫االنتهاء ابحلق فهو للحق وسيذكر تفصيل هذا الكالم عن قريب ان شاء هللا تعاىل‬
‫وتكون هذه املشاهبة الصورية واملناسبة الضرورية ابعثة على ذلك التخيل وحيث كانت‬
‫اجلذبة مقدمة على السلوك يف طريقة النقشبندية العلية كثر هذا القسم من التخيل والتوهم‬
‫يف جم اذيب هذا الطريق الذين مل يشرفوا بعد بدولة السلوك وقد حيصل جلماعة منهم‬
‫تقلبات يف مقام اجلذبة وتنقالت عن حال اىل حال فيظنون ذلك قطع منازل السلوك‬
‫وطي مسالك السري اىل هللا ويزعمون أنفسهم بتلك التقلبات من اجملذوبني السالكني‬
‫فتقرر يف اخلاطر الفاتر ان اكتب فقرات يف بيان حقيقة السلوك واجلذبة وبيان فرق ما بني‬
‫هذين املقامني مع ذكر بعض خواص مميزة لكل واحد منهما عن اآلخر وبيان الفرق بني‬
‫جذبة املبتدى وجذبة املنتهى وحقيقة مقام التكميل واالرشاد وعلوم آخر مناسبة لذلك‬
‫املقام ليحق احلق ويبطل الباطل ولو كره اجملرمون فشرعت فيه حبسن توفيقه سبحانه وهو‬
‫سبحانه يهدي السبيل وهو نعم املوىل ونعم الوكيل وهذا املكتوب مشتمل على مقصدين‬
‫وخامتة املقصد االول يف بيان معارف متعلقة مبقام اجلذبة واملقصد الثاين يف بيان ما يتعلق‬
‫ابلسلوك واخلامتة يف بعض العلوم واملعارف اليت علمها كثري املنفعة للطالبني (املقصد‬
‫االول) اعلم ان اجملذوب غري اتم السلوك وان كان له جذب قوي داخل يف زمرة ارابب‬
‫القلوب من أي طريق كان منجذاب فانه ال ميكن له جتاوز مقام القلب واالتصال مبقلب‬
‫القلب من غري سلوك وتزكية نفس فان اجنذاهبم قليب وحبهم عرضي ال ذايت وال اصلي فان‬
‫النفس ممتزجة ابلروح يف هذا املقام والظلمة خمتلطة ابلنور يف هذه املعاملة وال يتصور‬
‫اخلروج عن مضيق مقام القلب ابلكلية واالتصال مبقلب القلب وحصول االجنذاب‬
‫الروحي حنو املطلوب بدون ختلص الروح من النفس الجل التوجه اىل املطلوب وانفكاك‬
‫النفس عن الروح ونزوهلا اىل مقام العبودية ومادام هذان جمتمعني يف احلقيقة ال يتصور‬
‫االجنذاب الروحي اخلالص فان احلقيقة اجلامعة القلبية قائمة مستحكمة وختلص الروح عن‬
‫‪- 518 -‬‬

‫النفس امنا يتصور بعد قطع منازل السلوك وطي مسالك السري اىل هللا وحتقق السري يف هللا‬
‫بل بعد حصول مقام الفرق بعد اجلمع الذي يتعلق ابلسري عن هللا ابهلل {شعر}‪:‬‬
‫هل كل ذي ذكر حيويه معرتك * او كل من انل من ملك سليمان‬
‫فظهر الفرق بني جذب املنتهى وجذب املبتدئ وشهود اجملذوبني أرابب القلوب‬
‫من وراء حجاب الكثرة علموا هذا املعن او ال وليس مشهودهم اال عامل االرواح الذي هو‬
‫شبيه يف اللطافة واالحاطة والسراين مبوجده صورة فان هللا خلق آدم على صورته وهبذه‬
‫املناسبة يزعمون شهود الروح شهود احلق تعاىل وتقدس و على هذا القياس االحاطة‬
‫والسراين والقرب واملعية فان نظر السالك ال ينفذ اال اىل املقام الفوق ال اىل مقام فوق‬
‫الفوق واملقام الذي فوق مقامهم هو مقام الروح فال ينفذ نظرهم اىل ما فوق مقام الروح‬
‫وال يكون مشهودهم شيئا غري الروح والنظر اىل ما فوق مقام الروح موقوف على الوصول‬
‫اىل مقام الروح وحال احملبة واالجنذاب أيضا كحال الشهود وشهود احلق سبحانه بل حمبته‬
‫واالجنذاب اليه تعاىل مربوط حبصول الفناء املعرب عنه بنهاية السري اىل هللا {شعر}‪:‬‬
‫ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل‬
‫واطالق الشهود يف هذا املقام من ضيق ميدان العبارة واال معاملة هؤالء االكابر‬
‫متعارفة مبا وراء وراء الشهود وكما أن مقصدهم المثلي وال كيفي كذلك اتصاهلم ايضا‬
‫المثلي وال كيفي ال سبيل للمثايل اىل الالمثايل ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه {شعر}‪:‬‬
‫ان للرمحن مع ارواح انس * اتصاال دون كيف وقياس‬
‫واحاطته تعاىل وسراينه وقربه ومعيته عند احملققني ارابب السلوك الواصلني اىل هناية‬
‫االمر كلها علمية وهم موافقون لعلماء اهل احلق شكر هللا سعيهم واحلكم ابلقرب الذايت‬
‫وأمثاله عندهم من عدم احلاصل والبعد واملقربون ال حيكمون ابلقرب قال واحد من‬
‫الكرباء من قال اان قريب فهو بعيد ومن قال اان بعيد فهو قريب وهذا هو التصوف والعلم‬
‫املتعلق ابلتوحيد الوجودي منشأوه احملبة واالجنذاب القليب وارابب القلوب الذين ال جذبة‬
‫هلم بل يقطعون املنازل بطريق السلوك ال مناسبة هلذا العلم هبم وكذلك اجملذوبون‬
‫‪- 519 -‬‬

‫املتوجهون ابلسلوك من القلب اىل مقلب القلب ابلكلية يتربأون من هذه العلوم‬
‫ويستغفرون منها (وبعض) اجملذوبني وان سلكوا طريق السلوك وطووا املنازل ولكن ال‬
‫ينقطع نظرهم عن املقام املألوف وال يقدرون التوجه اىل الفوق فال يرتك امثال هذه العلوم‬
‫اذاي هلم وال يقدرون اخلروج من هذه الورطة والتخلص منها وهلذا يكون فيهم ضعف وعرج‬
‫يف العروج اىل مدارج القرب والصعود اىل معارج القدس ربنا اخرجنا من هذه القرية الظامل‬
‫اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصريا وعالمة الوصول اىل هناية‬
‫املطلب التربؤ من هذه العلوم فانه كلما حتصل زايدة املناسبة ابلتنزيه يوجد عدم مناسبة‬
‫العامل ابلصانع ازيد وال معن حينئذ يف اعتقاد أن العامل عني الصانع او يف ظن ان الصانع‬
‫حميط ابلعامل ابلذات ما للرتاب ورب االرابب (معرفة) قال اخلواجه هباء الدين النقشبند‬
‫قدس هللا تعاىل سره االقدس حنن ندرج النهاية يف البداية ومعن هذه العبارة هو ان‬
‫االجنذاب واحملبة اللذين يتيسران للمنتهىني يف االنتهاء مندرجان يف هذا الطريق يف‬
‫االجنذاب واحملبة اللذين حيصالن يف االبتداء فان اجنذاب املنتهى روحي ويف املبتدئ‬
‫جذب قليب ومن حيث ان القلب برزخ بني الروح والنفس حيصل يف ضمن اجلذب القليب‬
‫اجلذب الروحي أيضا وختصيص هذا االندراج هبذا الطريق مع أنه حاصل يف مجيع‬
‫اجلذابت هبذا املعن مبين على ان اكابر هذه الطريقة وضعوا طريقا خاصا حلصول هذا‬
‫املعن وعينوا مسلكا خمصوصا للوصول اىل هذا املطلب وحيصل هذا املعن لغريهم على‬
‫سبيل االتفاق وليس هلم يف ذلك ضابطة (وأيضا) ان هلؤالء االكابر شأان خاصا يف مقام‬
‫اجلذبة ليس هو لغريهم فان كان فنادر وهلذا حيصل لبعضهم يف هذا املقام من غري قطع‬
‫منازل السلوك فناء وبقاء شبيهان بفناء أرابب السلوك وبقائهم ويتيسر هلم شرب من مقام‬
‫التكميل شبيه مبقام السري عن هللا ابهلل يربون به املستعدين وسيجئ حتقيق هذا املبحث‬
‫عن قريب ان شاء هللا تعاىل (وههنا) دقيقة ينبغي ان يعلم ان الروح كان هلا قبل تعلقها‬
‫ابلبدن حنو من التوجه اىل املقصود فلما تعلقت ابلبدن زال عنها ذلك التوجه واكابر هذه‬
‫السلسلة العلية وضعوا طريقا لظهور ذلك التوجه ولكن ملا كانت الروح متعلقة ابلبدن‬
‫‪- 520 -‬‬

‫انتقل ذلك التوجه اىل القلب فيحصل هلم فيه توجه قليب جامع لتوجه النفس والروح وال‬
‫شك ان التوجه الروحي مندرج يف التوجه القليب واما التوجه الروحي يف املنتهيني فهو بعد‬
‫فناء الروح وب قائه ابلوجود احلقاين املعرب عنه ابلبقاء ابهلل والتوجه الروحي الذي هو يف‬
‫ضمن التوجه القليب بل توجه الروح الذي كان قبل تعلقها ابلبدن فهو توجه مع وجود‬
‫وجود الروح مل يتطرق الفناء اليها أصال والفرق بني توجه الروح مع وجود وجودها وبني‬
‫توجهها مع فنائها كثري فاطالق النهاية على ذلك التوجه الروحي املندرج امنا هو ابعتبار‬
‫توجهها الذي يبقى يف النهاية هو فقط فاملراد ابندراج النهاية يف البداية اندراج صورة‬
‫النهاية يف البداية ال حقيقتها فان اندراجها يف البداية حمال وميكن ان يكون عدم أتيان‬
‫لفظ الصورة الجل الرتغيب يف طلب هذا الطريق واحلق ما حققت بعون هللا تعاىل‬
‫والسابقون الذين اجنذاهبم من غري تعمل وكسب بل بتوجه وحضور فذلك االجنذاب أيضا‬
‫قليب وأثر من توجه الروح السابق فانه مل يزل ابلكلية بواسطة تعلقها ابلبدن والكسب‬
‫والتعمل لظهور التوجه السابق امنا هو جلماعة نسوا التوجه السابق بواسطة ذلك التعلق‬
‫وكأن الكسب الجل التنبيه على التوجه السابق والتذكري لتلك الدولة الغائبة الضائعة‬
‫ولكن استعداد الناسني للتوجه السابق ألطف من استعداد السابقني املذكورين فان نسيان‬
‫التوجه السابق ابلكلية خيرب عن التوجه الكلي اىل املتوجه اليه ابلفعل وعن الفناء فيه‬
‫خبالف عدم نسيان التوجه السابق فانه ليس كذلك غاية ما يف الباب ان السابقني حيصل‬
‫هلم ذلك التوجه على سبيل الشمول لكليتهم والسراين فيها وأيخذ بدهنم أيضا حكم‬
‫روحهم كما هو شأن احملبوبني املرادين والفرق بني مشول احملبني ومشول السابقني كالفرق‬
‫بني حقيقة الشئ وصورته كما هو الظاهر الراببه نعم ان هذا النوع من الشمول متحقق‬
‫أيضا يف احملبني والواصلني واملريدين الكاملني ولكنه كالربق فيهم ليس بدائمي والتوجه‬
‫الدائمي امنا هو من خاصة احملبوبني (معرفة) ان اجملذوبني أرابب القلوب اذا حصل هلم‬
‫متكن ورسوخ يف مقام القلب وتيسر هلم معرفة وصحو مناسب لذلك املقام يقدرون على‬
‫ايصال الفائدة اىل الطالبني وحيصل للطالبني يف صحبتهم اجنذاب وحمبة قلبية وان مل يبلغوا‬
‫‪- 521 -‬‬

‫من جهتهم مرتبة الكمال فاهنم مل يبلغوا بعد أبنفسهم حد الكمال فال يقدرون على ان‬
‫يكونوا واسطة حلصول الكمال لغريهم ومشهور ان الناقص ال جيئ منه كامل وافادهتم‬
‫على كل حال أزيد من افادة أرابب السلوك وان بلغوا هناية السلوك وحصل هلم جذب‬
‫املن تهيني ولكنهم مل ينزلوا اىل مقام القلب بطريق السري عن هللا ابهلل فان املنتهى غري‬
‫املرجوع ليس له مرتبة التكميل واالفادة النه مل يبق فيه مناسبة ابلعامل وتوجه اليه حت يقدر‬
‫على االفادة واطالق الربزخ على الشيخ املقتدى به امنا هو ابعتبار نزوله اىل مقام الربزخية‬
‫الذي هو مقام القلب وأخذه من كال جهيت الروح والنفس حظا وافرا فمن جهة الروح‬
‫يستفيد من الفوق ومن جهة النفس يفيد من دونه النه اجتمع فيه التوجه اىل احلق‬
‫سبحانه ابلتوجه اىل اخللق حبيث ال يكون أحدمها حجااب لآلخر فاالفادة واالستفادة‬
‫حاصلتان له معا و بعض املشائخ أراد بربزخية الشيخ برزخيته بني احلق واخللق وقال‬
‫للشيخ الربزخ جامعا بني التشبيه والتنزيه وال خيفى ان مثل هذه الربزخية اليت مبناها على‬
‫السكر غري الئقة مبقام املشيخة الذي مبناه على الصحو فان نفوسهم يف هذا املقام‬
‫مندرجة يف غلبات أنوار الروح وذلك االندراج هو الذي صار منشأ للسكر ويف مقام‬
‫برزخية القلب يفرتق كل من النفس والروح وميتاز عن اآلخر فال يكون فيه جمال للسكر‬
‫ابلضرورة بل فيه كله صحو فانه هو املناسب ملقام الدعوة هذا (فاذا نزل) الشيخ الكامل‬
‫اىل مقام القلب حتصل له املناسبة ابلعامل بواسطة الربزخية و يكون واسطة حلصول‬
‫الكماالت ملستعدي الكماالت وحيث كان اجملذوب املتمكن ايضا يف مقام القلب له‬
‫مناسبة ابلعامل ال يبخل ابلتوجه اىل أهل العامل وقد اكتسب نصيبا من االجنذاب وحصل‬
‫احملب ة وان كاان قلبيني فال جرم انكشف له طريق االفادة بل أقول ان كمية افادة اجملذوب‬
‫املتمكن أزيد من كمية افادة املنتهى املرجوع وكيفية افادة املنتهى املرجوع أزيد من كيفية‬
‫افادة اجملذوب فان املنتهى املرجوع وان حصلت له املناسبة ابلعامل لكنها يف الصورة فقط‬
‫ويف احلقي قة هو مفارقه ومنصبغ بلون االصل وابق به ومناسبة هذا اجملذوب ابلعامل يف‬
‫احلقيقة وهو من مجلة افراد العامل وابق ابلبقاء الذي به بقاء العامل فبواسطة املناسبة‬
‫‪- 522 -‬‬

‫احلقيقية تكون استفادة الطالبني منه أكثر ابلضرورة ومن املنتهى املرجوع أقل ولكن افادة‬
‫كمال مراتب الوالية خمصوصة ابملنتهى فال جرم يكون املنتهى يف كيفية االفادة ارجح‬
‫وأيضا ليس يف املنتهى مهة وتوجه يف احلقيقة واجملذوب صاحب مهة وتوجه فيقدم أمور‬
‫الطالبني ويرقيهم ابهلمة والتوجه وان مل يبلغهم حد الكمال (وأيضا) ان هناية التوجه الذي‬
‫حيصل للطالبني من اجملذوبني هي ذلك التوجه السابق للروح الذي نسوه فيتذكرونه يف‬
‫صحبتهم وحيصل اثنيا بطريق االندراج يف التوجه القليب خبالف التوجه احلاصل يف صحبة‬
‫املنتهيني فانه توجه حادث مل يكن موجودا قبل ذلك أصال وكان موقوفا على فناء الروح‬
‫بل على بقائها ابلوجود احلقاين فالبد وان يكون التوجه االول سهل احلصول والتوجه‬
‫الثاين متعسر الوجود وكلما هو أسهل فهو أزيد وكلما هو متعسر فهو أقل ومن هنا قالوا‬
‫ان الشيخ املقتدى به ليس بواسطة يف حتصيل جهة اجلذبة فان تلك النسبة كانت حاصلة‬
‫له أو ال وصار حمتاجا اىل التنبيه والتعليم بواسطة وهلذا يقال ملثل هذا الشيخ شيخ التعليم‬
‫ال شيخ الرتبية ويف جهة السلوك البد من شيخ مقتدى به لقطع منازل السلوك وتربيته‬
‫ضرورية فيها ال جيوز لشيخ مقتدى به ان أيذن ملثل هذا اجملذوب املتمكن ابالجازة العامة‬
‫وان جيلسه يف مقام التكميل واملشيخة فان بعض الطالبني يكون استعدادهم عاليا جدا‬
‫وتكون قابل يتهم للكمال والتكميل على الوجه االمت فان وقع مثل هذا الطالب يف صحبة‬
‫ذلك اجملذوب حيتمل ان يضيع ذلك االستعداد فيها وان تزول عنه تلك القابلية كما اذا‬
‫كانت لالرض مثال قابلية اتمة لزراعة الرب فبها فان زرعوا فيها بذرا جيدا من احلنطة تنبت‬
‫زرعا جيدا على قدر استعدادها وان زرعوا فيها بذر قمح ردئ أو بذر محص تكون‬
‫مسلوب القابلية فضال عن االنبات (فان رأى) الشيخ املقتدى به فرضا مصلحة يف‬
‫رخصته واجازته ووجد فيه صالحية االفادة ينبغي ان يقيد افادته واجازته ببعض القيود‬
‫مثل ظهور مناسبة الطالب لطريق افادته وعدم اضاعة استعداده يف صحبته وعدم طغيان‬
‫نفسه بتلك الرايسة واقتداء الناس به فان هوى النفس ما زال عنه بعد لعدم تزكية النفس‬
‫فيه فاذا علم أن الطالب قد بلغ هناية االستفادة منه وغاية افادته اايه ويف استعداد‬
‫‪- 523 -‬‬

‫الطالب قابلية للرتقي ينبغي ان يظهر له هذا املعن وان أيذن له ليتم أمره من شيخ آخر‬
‫وال يظهر له أنه منته لئال يكون قاطعا لطريق الناس هبذه احليلة واحلاصل يذكر له من‬
‫امثال هذه الشرائط ما يعلم أنه مناسب لوقته وحاله وأيذن له بعد وصية اتمة هبا (واما‬
‫املنتهى) املرجوع فالحيتاج يف افادته وتكميله اىل امثال هذه القيود فان له بواسطة جامعيته‬
‫منا سبة جبميع الطرق واالستعدادات ميكن ان يستفيد منه كل شخص على قدر استعداده‬
‫ومناسبته وان كان التفاوت ابلسرعة والبطء بواسطة قوة املناسبة وضعفها متصورا يف‬
‫صحبة الشيوخ املقتدى هبم أيضا ولكنهم متساووا االقدام يف أصل االفادة وااللتجاء اىل‬
‫جناب احلق سبحانه واالعتصام حببله املتني الزم للشيخ املقتدى به حني افادة الطالب‬
‫خوفا من مكره سبحانه يف ضمن هذا االشتهار بل ينبغي له ان ال ينفك عن هذا‬
‫االلتجاء يف مجيع االمور اليت مينحه هللا سبحانه اايها يف وقت من االوقات ويف مجيع‬
‫االحوال واالفعال فضال عن هذا االمر ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل‬
‫العظيم (املقصد الثاين) يف بيان ما يتعلق ابلسلوك اعلم ان الطالب اذا كان متوجها اىل‬
‫فوق بطريق السلوك فمت بلغ امسا هو ربه وصار فانيا ومستهلكا فيه يصح اطالق الفناء‬
‫عليه وبعد البقاء هبذا االسم يسلم اطالق البقاء عليه وهبذا الفناء والبقاء يشرف أبول‬
‫مرتبة من مراتب الوالية ولكن ههنا تفصيل وبسط الكالم فيه ضروري (متهيد) ان الفيض‬
‫الوارد من ذات احلق سبحانه و تعاىل وتقدس على نوعني نوع يتعلق ابالجياد واالبقاء‬
‫والتخليق والرتزيق واالحياء واالماتة وامثاهلا ونوع آخر يتعلق ابالميان واملعرفة وسائر‬
‫كماال ت الوالية والنبوة والنوع االول من الفيض بتوسط الصفات فقط والنوع الثاين فعلى‬
‫البعض بتوسط الصفات و على البعض اآلخر بتوسط الشؤانت والفرق بني الصفات‬
‫والشؤانت دقيق جدا ال يظهر اال على آحاد من االولياء احملمدي املشرب ومل يعلم انه‬
‫تكلم به أحد وابجلملة ان الصفات م وجودة يف اخلارج بوجود زائد على وجود الذات‬
‫والشئوانت جمرد اعتبارات يف الذات ولنوضح هذا املبحث مبثال وهو ان املاء مثال ينزل‬
‫من فوق اىل حتت ابلطبع وهذا الفعل الطبيعي يوهم اعتبار احلياة والعلم والقدرة واالرادة‬
‫‪- 524 -‬‬

‫فيه فان أرابب العلم ينزلون من أعلى اىل أسفل بواسطة ثقلهم و مبقتضى علمهم وال‬
‫يتوجهون اىل جهة الفوق والعلم اتبع للحياة واالرادة اتبع للعلم والقدرة أيضا اثبتة فان‬
‫االرادة ختصيص أحد املقدورين وهذه االعتبارات املثبتة يعين املوهومة يف ذات املاء مبنزلة‬
‫الشئوانت فلو أثبتت صفات زائدة لذات املاء مع وجود هذه االعتبارات لكانت مبنزلة‬
‫الصفات املوجودة بوجود زائد وال يصح أن يقال للماء ابالعتبار االول انه حي عامل قادر‬
‫مريد بل البد لصحة اطالق هذه االسامي من ثبوت صفات زائدة فما وقع يف عبارة‬
‫بعض املشائخ من اطالق االسامي املذكورة على املاء مبين على عدم الفرق بني الشئون‬
‫والصفا ت وكذلك احلكم بنفي وجود تلك الصفات أيضا حممول على عدم ذلك الفرق‬
‫(والفرق اآلخر) بني الشئون والصفات هو ان مقام الشئون مواجه لذي الشأن ومقام‬
‫الصفات ليس كذلك (وحممد) رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم واالولياء الذين على قدمه‬
‫رضوان هللا عليهم امجعني وصول الفيض الثاين اليهم بواسطة الشئوانت وسائر االنبياء‬
‫عليهم السالم واالولياء الذين على أقدامهم وصول هذا الفيض بل الفيض االول أيضا‬
‫اليهم بواسطة الصفات (فاقول) ان االسم الذي هو ربه صلّى هللا عليه و سلّم وواسطة‬
‫وصول الفيض الثاين اليه ظل شأن العلم وهذا الشان جامع جلميع الشئون االمجالية وظله‬
‫عبارة عن قابلية الذات تعالت وتقدست لذلك الشان بل جلميع الشئون االمجالية‬
‫والتفصيلية ولكن ابعتبار مشول شأن العلم هلا يعين ال ابلذات (ينبغي) ان يعلم ان هذه‬
‫القابلية وان كانت برزخا بني الذات وبني شأن العلم ولكن ملا كانت احدى جهتيها ال‬
‫لونية وهي جهة الذات ال يظهر لوهنا يف الربزخ فذلك الربزخ منصبغ بلون جهة أخرى‬
‫وهي جهة شأن العلم فال جرم قلنا اهنا ظل ذلك الشأن وأيضا ان ظل الشئ عبارة عن‬
‫ظهور الشئ ولو شبها ومثاال يف مرتبة اثنية وحيث كان حصول الربزخ بعد حصول‬
‫الطرفني ال جرم ينكشف هذا الربزخ وقت املكاشفة حتت ذلك الشأن فناسب اطالق‬
‫الظل ابعتبار هذا الظهور ابلضرورة (واالمساء) اليت هي أرابب طائفة من االولياء الذين‬
‫على قدمه صلّى هللا عليه و سلّم يف وصول الفيض الثاين ظالل تلك القابلية اجلامعة‬
‫‪- 525 -‬‬

‫وكالتفاصيل لذلك الظل اجململ (وأرابب) سائر االنبياء عليهم الصالة و السالم وواسطة‬
‫وصول الفيض االول والثاين اليهم قابليات اتصاف الذات ابلصفات املوجودة الزائدة‬
‫(وأرابب) طائفة من االولياء الذين على أقدامهم يف حق وصول الفيض االول والثاين‬
‫صفات وواسطة وصول الفيض االول اليه صلّى هللا عليه و سلّم قابلية اتصاف الذات‬
‫جبميع الصفات وكأن القابليات اليت هي وسائل فيضان الفيوض لسائر االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم ظالل هذه القابلية اجلامعة وكالتفاصيل لذلك اجلامع اجململ ووسائط‬
‫وصول الفيض االول اىل طائفة هم على قدمه صلّى هللا عليه و سلّم ايضا على حدة فاهنا‬
‫صفات فكأن وسائل وصول الفيض االول يف حممدي املشارب مغايرة لوسائط وصول‬
‫الفيض الثاين خبالف غريهم فاهنا واحدة فيهم وبعض املشائخ قدس هللا أسرارهم جعل ربه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم منحصرا يف قابلية االتصاف ومنشأوه عدم الفرق بني الشئون‬
‫والصفات بل عدم العلم مبقام الشئون وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل (فتحقق) ان ربه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم رب االرابب يف مقام الشئون ويف موطن الصفات وواسطة لوصول‬
‫كال الفيضني وعلم ايضا ان وصول فيض مراتب كماالت واليته عليه الصالة و السالم‬
‫من الذات من غري توسط أمر زائد الن الشئون عني الذات واعتبار الزايدة فيها من‬
‫منتزعات العقل وهلذا كان التجلي الذايت خمصوصا به صلّى هللا عليه و سلّم وملا اخذ كمل‬
‫اتبعيه الفيض من طريقه حصل هلم أيضا شرب من هذا املقام واآلخرون ملا كانت يف‬
‫وصول الفيض اليهم وساطة الصفات يف البني والصفات موجودة بوجود زائد وقع يف‬
‫البني حاجز حصني وكان التجلي الصفايت متعينا هلم (ينبغي) أن يعلم ان قابلية االتصاف‬
‫وان كانت اعتبارية وليس هلا وجود زائد والصفات موجودة دون قابلياهتا ولكن ملا كانت‬
‫القابليات كالربازخ بني الذات والصفات بل بني الشئون والصفات ومن شأن الربزخ ان‬
‫أيخذ لون طرفيه اخذت القابليات أيضا لون الصفات وحصلت احلائلية {شعر}‪:‬‬
‫وما قل هجران احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف عني ضائر‬
‫فالح من هذا البيان ان ظهور الذات تعالت وتقدست من غري حجاب ليس‬
‫‪- 526 -‬‬

‫مبناف للتجلي الشهودي ولكنه مناف للتجلي الوجودي وهلذا مل يكن يف جانب وصول‬
‫فيض كماالت الوالية اليه صلّى هللا عليه و سلّم حائل ويف جانب و صول الفيض‬
‫الوجودي حصل احلائل يف البني وهو قابلية االتصاف كما مر (ال يقال) ملا كانت الشئون‬
‫وقابلياهتا من االعتبارات العقلية ثبت هلا الوجود الذهين فلزم منه احلجاب العلمي غاية ما‬
‫يف الباب ان حجب الصفات خارجية وحجب الشئون عمليه (الان نقول ان) املوجود‬
‫الذهين ال يكون حجااب بني املوجودين اخلارجيني فان حجاب املوجود اخلارجي ال يكون‬
‫اال موجودا خارجيا ولو سلم فاحلجاب العلمي ميكن ارتفاعه من البني حبصول بعض‬
‫املعارف خبالف اخلارجي فانه ال ميكن زواله (فاذا علمت هذه املقدمات فاعلم) ان‬
‫السالك اذا كان حممدي املشرب فمنتهى سريه املسمى ابلسري اىل هللا اىل ظل الشأن‬
‫الذي هو امسه يعين ربه وبعد الفناء يف ذلك االسم يشرف ابلفناء يف هللا واذا صار ابقيا‬
‫به تيسر له البقاء ابهلل أيضا وهبذا الفناء والبقاء يكون داخال يف اول مرتبة من الوالية‬
‫اخلاصة احملمدية على صاحبها الصالة و السالم والتحية فان مل يكن حممدي املشرب‬
‫يصل اىل قابلية صفة او نفس صفة هي ربه فاذا كان فانيا يف هذا االسم يعين الصفة او‬
‫القابلية اليت وصل اليها ال يطلق عليها الفاين يف هللا وكذلك ال يكون ابقيا ابهلل على‬
‫تقدير بقائه هبا فان اسم هللا عبارة عن مرتبة جامعة جلميع الشئون والصفات وحيث‬
‫كانت الزايدة يف جهة الشئون اعتبارية كانت الشئون عني الذات وبعضها عني البعض‬
‫اآلخر فالفناء يف اعتبار واحد فناء يف مجيع االعتبارات بل فناء يف الذات وكذلك البقاء‬
‫ابعتبار واحد بقاء جبميع االعتبارات فاطالق الفاين يف هللا والباقي ابهلل يصح يف هذه‬
‫الصورة خبالفها يف جانب الصفات فاهنا موجودة بوجود زائد على الذات ومغايرهتا للذات‬
‫ومغايرة بعضها للبعض اآلخر حتقيقية فالفناء يف صفة واحدة ال يستلزم الفناء يف مجيعها‬
‫وهكذا احلال يف البقاء فال جرم ال يقال هلذا الفاين فانيا يف هللا وللباقي ابقيا ابهلل بل‬
‫يصح أن يقال له الفاين والباقي مطلقا او مقيدا بصفة يعين الفاين يف صفة العلم والباقي‬
‫بتلك الصفة فيكون فناء احملمديني امت ابلضرورة وبقاؤهم اكمل وأيضا ملا كان عروج‬
‫‪- 527 -‬‬

‫احملمدي اىل جانب الشئون وال مناسبة بني الشئون والعامل اصال الن العامل ظل الصفات‬
‫ال ظل الشئون لزم أن يكون فناء السالك يف شأن مستلزما للفناء املطلق على هنج ال‬
‫يبقى من وجود السالك وال من اثره شئ أصال وهكذا على تقدير البقاء يكون ابقيا‬
‫بتمامه وكليته بذلك الشأن خبالف الفاين يف الصفات فانه ال ينخلع عن نفسه ابلتمام‬
‫وال يزول اثره الن وجود السالك أثر تلك الصفة وظلها فظهور االصل ال يكون ماحيا‬
‫لوجود الظل ابلكلية والبقاء على مقدار الفناء فاحملمدي يكون امينا عن الرجوع اىل‬
‫الصفات البشرية وحمفوظا من خوف الرد اىل مرتبة البهيمية النه منخلع عن نفسه ابلكلية‬
‫وصار ابقيا به سبحانه فيكون العود ممنوعا على هذا التقدير خبالفه يف صورة الفناء‬
‫الصفايت فان العود هناك ممكن لبقاء أثر وجود السالك وميكن ان يكون وقوع االختالف‬
‫بني املشائخ يف جواز رجوع الواصل وعدم جوازه من هذه اجلهة واحلق هو انه ان كان‬
‫حممداي فمحفوظ من العود واال ففي اخلطر وكذلك االختالف الواقع يف زوال أثر وجود‬
‫السالك بعد فنائه حيث قال بعضهم بزوال العني واالثر والبعض اآلخر مل جيوز زوال االثر‬
‫واحلق يف هذا الباب أيضا تفصيل فان كان حممداي يزول عنه العني واالثر كالمها و اال فال‬
‫يزول عنه االثر الن اصل الصفة اليت هي أصله ابق فال ميكن زوال ظله رأسا (وههنا)‬
‫دقيقة ينبغي ان يعلم ان املراد بزوال العني واالثر الزوال الشهودي ال الوجودي فان القول‬
‫ابلزوال الوجودي مستلزم لالحلاد والزندقة ومجاعة من هذه الطائفة تصوروا الزوال زواال‬
‫وجوداي فهربوا من زوال أثر املمكن وتيقنوا ان القول به احلاد وزندقة واحلق ما حققت‬
‫ابعالمه سبحانه والعجب اهنم مع قوهلم ابلزوال الوجودي قالوا بزوال العني امل تعلموا أن‬
‫القول بزوال عني الوجود كاحلكم بزوال االثر مستلزم لالحلاد والزندقة وابجلملة ان الزوال‬
‫الوجودي حمال يف العني واالثر والشهودي ممكن يف كليهما بل واقع ولكنه خمصوص‬
‫مبحمدي املشرب فاحملمديون ينخلعون عن القلب ابلتمام ويتصلون مبقلب القلب وهم‬
‫متخلصون عن تقلب االحوال وحمررون عن رقية السوى ابلكلية وملا كان وجود اآلاثر‬
‫الزما لغريهم وتقلب االحوال نقد وقتهم ليس هلم خملص من مقام القلب الن تقلب‬
‫‪- 528 -‬‬

‫االحوال ووجود اآلاثر من شعب احلقيقة اجلامعة القلبية فيكون شهود غريهم يف احلجاب‬
‫دائما ف ان حجاب املطلوب امنا يكون على مقدار ثبوت بقااي وجود السالك وحيث كان‬
‫االثر ابقيا فاحلجاب هو ذلك االثر (معرفة) اذا وصل السالك من طريق سلوك غري‬
‫متعارف اىل مرتبة من مراتب فوق اسم هو ربه وصار فانيا ومستهلكا يف تلك املرتبة من‬
‫غري أن يصل اىل ذلك االسم فاطالق الفناء يف هللا يف هذه الصورة أيضا جائز وكذلك‬
‫البقاء بتلك املرتبة فتخصيص الفناء يف هللا بذلك االسم اعتباري لكونه اول مرتبة من‬
‫مراتب الفناء (معرفة) ان السلوك على انواع فسلوك البعض من غري تقدم اجلذبة ويف‬
‫البعض اجلذبة مقدمة على سلوكهم ومجاعة حتصل هلم اجلذبة يف اثناء قطع منازل السلوك‬
‫وطائفة يتيسر هلم طي منازل السلوك ولكنهم ال يصلون اىل حد اجلذبة فتقدم اجلذبة‬
‫للمحبوبني وابقي االقسام متعلقة ابحملبني وسلوك احملبني عبارة عن طي املقامات العشرة‬
‫املشهورة ابلرتتيب والتفصيل ويف سلوك احملبوبني حتصل خالصة املقامات العشرة ال حاجة‬
‫هلم اىل الرتتيب والتفصيل والعلم بوحدة الوجود من االحاطة والسراين واملعية الذاتية كل‬
‫ذلك مربوطة ابجلذبة املتقدمة او املتوسطة وليس للسلوك اخلاص وجذبة املنتهيني مناسبة‬
‫ابمثال هذه العلوم وال مناسبة ايضا بني حق اليقني املخصوص ابملنتهيني وبني العلوم‬
‫املناسبة ابلتوحيد الوجودي ففي كل موضع بني فيه حق اليقني املخصوص مبقام اجملذوبني‬
‫مناسبا ملقام أرابب التوحيد الوجودي فهو حق اليقني املخصوص ابجملذوب املبتدي أو‬
‫املتوسط (معرفة) قال بعض املشائخ اذا بلغ شغل الطالب اجلذبة فدليله بعد ذلك هو‬
‫تلك اجلذبة فحسب يعين انه ال حيتاج اىل توسط دليل آخر بل تلك اجلذبة كافية له فان‬
‫أراد هبذه اجلذبة جذبة السري يف هللا فنعم اهنا كافية ولكن لفظ الدليل مناف هلذه االرادة‬
‫النه ال مسافة بعد السري يف هللا حت حيتاج يف قطعها اىل دليل وكذلك اجلذبة املتقدمة‬
‫يعين على السلوك أيضا ليست مبرادة هنا كما هو معلوم من العبارة فيكون املراد هبا‬
‫ابلضرورة جذبة املتوسط وكفايتها يف الوصول اىل املطلوب ليس مبعلوم فان كثريا من‬
‫املتوسطني قد توقفوا وتقاعدوا من العروج اىل فوق عند حصول هذه اجلذبة وزعموا تلك‬
‫‪- 529 -‬‬

‫اجلذبة جذبة النهاية فان كانت كافية ملا كانت ترتكهم يف اثناء الطريق نعم اذا كانت‬
‫اجلذبة املتقدمة املتعلقة ابحملبوبني كافية فلها جمال ميكن أن جتر احملبوبني بسلسلة العناية وال‬
‫ترتكهم يف أثناء الطريق ولكن كون هذه الكفاية يف حق مجيع اجلذابت املتقدمة ممنوع‬
‫أيضا بل اجلذبة اذا آل أمرها اىل السلوك فكافية واال فمجذوب أبرت وليس من احملبوبني‬
‫{اخلامتة} قالت طائفة من املشائخ قدس هللا اسرارهم ان التجلي الذايت مزيل للشعور‬
‫ومعطل للحس وقد أخرب بعضهم عن حاله ابنه سقط ووقع على االرض عند ظهور هذا‬
‫التجلي الذايت وبقى مدة مديدة من غري حس وحركة حت ظن الناس انه قد مات‬
‫وبعضهم منع الكالم وغريه يف التجلي الذايت وحقيقة هذا الكالم ان التجلي هو يف‬
‫حجاب اسم من االمساء وبقاء احلجاب بواسطة بقااي أثر وجود صاحب التجلي يعين‬
‫املتجلَّي له وعدم الشعور أيضا بواسطة تلك البقية فان كان فانيا ابلتمام وشرف ابلبقاء‬
‫ابهلل ال يسلب التجلي عنه الشعور أصال {شعر}‪:‬‬
‫حيرق ابلنار من ميس هبا * ومن هو النار كيف حيرتق‬
‫(بل) أقول ان التجلي الذي يف احلجاب ليس هو جتليا ذاتيا بل داخل يف التجلي‬
‫الصفايت والتجلي املخصوص به صلّى هللا عليه و سلّم بال حجاب وعالمة وجود‬
‫احلجاب فقدان الشعور وفقدان الشعور من البعد وعالمة عدم احلجاب وجود الشعور‬
‫والشعور يف كمال احلضور وقد أخرب واحد من االكابر عليه الرمحة والغفران عن حال‬
‫صاحب هذا التجلي ابالصالة واالستقالل حيث قال {شعر}‪:‬‬
‫وأغمي موسى من جتلي صفاته * وأنت ترى ذات االله وتبسم‬
‫وهذا التجلي الذايت الذي ال حجاب فيه دائمي للمحبوبني وبرقي للمحبني فان‬
‫ابدان احملبوبني أخذت حكم أرواحهم وسرت تلك النسبة يف كليتهم وهذه السراية يف‬
‫احملبني على سبيل الندرة وما وقع يف احلديث النبوي من قوله عليه الصالة و السالم يل‬
‫مع هللا وقت ليس املراد ابلوقت هذا التجلي الربقي فان هذا التجلي يف حقه عليه الصالة‬
‫و السالم الذي هو رئيس امل رادين دائمي بل هو نوع من خصوصيات هذا التجلي‬
‫‪- 530 -‬‬

‫الدائمي واقع على سبيل الندرة والقلة كما ال خيفى على أراببه (معرفة) ان املشائخ قدس‬
‫هللا اسرارهم يف حديث يل مع هللا وقت ال يسعين فيه ملك مقرب وال نيب مرسل على‬
‫قسمني فطائفة أرداوا ابلوقت الوقت املستمر وطائفة أخرى قالوا بندرة الوقت واحلق ان‬
‫الوقت النادر مع وجود استمرار الوقت متحقق ايضا كما مرت االشارة اليه آنفا وحتقق‬
‫هذا الوقت النادر عند هذا احلقري هو يف حني اداء الصالة وكأن النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم اشار بقوله وقرة عيين يف الصالة اىل ذلك وأيضا قال صلّى هللا عليه و سلّم أقرب ما‬
‫يكون العبد من الرب يف الصالة وقال تبارك و تعاىل واسجد واقرتب وكل وقت فيه‬
‫القرب االهلي أزيد فمجال الغري فيه أشد انتفاء وما قال بعض املشائخ قدس هللا اسرارهم‬
‫خمربا عن حاله ووقته واستمراره حايل يف الصالة كحايل قبل الصالة ينايف االحاديث‬
‫املذكورة ب ل النص املذكور ينفي املساواة واالستمرار ينبغي ان يعلم ان استمرار الوقت‬
‫متحقق والكالم امنا هو يف ان احلالة النادرة مع وجود استمرار الوقت هل هي متحققة أو‬
‫ال والذين مل يطلعوا على ندرة الوقت قالوا بنفيها والذين هلم حظ من ذلك املقام اعرتفوا‬
‫هبا واحلق أن الذين اعطوا اجلمعية يف الصالة بتبعيته عليه الصالة و السالم واحتظوا بدولة‬
‫قرب ذلك الشرب أقل قليل رزقنا هللا سبحانه بكمال كرمه نصيبا من هذا املقام حبرمة‬
‫حممد عليه و على آله الصالة و السالم (معرفة) ا ّن املنتهيني من أرابب الصفات قريبون‬
‫من اجملذوبني يف العلوم واملعارف وكال الطائفتني على وصف واحد يف الشهود فان كليهما‬
‫من أرابب القلوب غاية ما يف الباب أن أرابب الصفات مطلعون على التفاصيل خبالف‬
‫اجملذوبني وايضا ان ارابب الصفات فيهم بواسطة السلوك والعروج اىل فوق زايدة قرب‬
‫ابلنسبة اىل اجملذوبني الذين ال عروج هلم ولكن حمبة االصل آخذة بيد اجملذوبني وان كان‬
‫يف البني حجب وال عجب لو اعترب يف اجملذوبني حبكم املرء مع من أحب قرب االصل‬
‫ومعيته فاجملذبون هلم مناسبة ابحملبوبني يف احملبة فان احلب الذايت ولو مع احلجب متحقق‬
‫يف اجملذوبني ايضا (معرفة) قد وقع يف عبارة البعض من هذه الطائفة ان لالقطاب جتلي‬
‫الصفات ولالفراد جتلي الذات ويف هذا الكالم جمال للتأمل فان القطب حممدي املشرب‬
‫‪- 531 -‬‬

‫واحملمديون هلم التجلي الذايت نعم ان يف هذا التجلي ايضا تفاوات كثريا فان القرب الذي‬
‫لالفراد ليس لالقطاب ولكن لكليهما نصيب من التجلي الذايت اال ان نقول انه ميكن ان‬
‫يكون مراده من القطب قطب االواتد الذي هو على قدم اسرافيل عليه السالم ال على‬
‫قدم حممد صلّى هللا عليه و سلّم (معرفة) ان هللا خلق آدم على صورته وهللا تعاىل منزه عن‬
‫الشبه واملثال وخلق روح آدم اليت هي خالصته على صورة ال شبهية وال مثلية فكما ان‬
‫احلق سبحانه المكاين كانت الروح ايضا المكانية ونسبة الروح اىل البدن كنسبته تعاىل‬
‫وتقدس اىل العامل ال داخلة فيه وال خارجه عنه وال متصلة به وال منفصلة عنه ال نفهم‬
‫فيها نسبة سوى القيومية ومقوم كل ذرة من ذرات البدن هو الروح كما ان هللا تبارك و‬
‫تعاىل قيوم العامل وقيوميته تعاىل للبدن بواسطة الروح وكل فيض يرد منه سبحانه على‬
‫البدن فمحل وروده ابتداء هو الروح مث يصل ذلك الفيض بواسطة الروح اىل البدن وملا‬
‫كانت الروح خملوقة على صورة ال شبهية وال مثلية ال جرم كان فيها جمال لالشبهي‬
‫والالمثايل احلقيقي ال يسعين أرضي وال مسائي ولكن يسعين قلب عبدي املؤمن فان‬
‫االرض والسماء ملا كاان مع وجود الوسعة فيهما داخلني يف دائرة املكان ومتسمني بسمة‬
‫الشبه واملثال ليس فيهما جمال الالمكاين املقدس عن الشبه واملثال فان الالمكاين ال يسعه‬
‫املكاين والالمثايل ال يتمكن يف املثايل فال جرم حتقق السعة واجملال يف قلب عبده املؤمن‬
‫الذي هو المكا ين ومنزه عن الشبه واملثال والتخصيص بقلب املؤمن مبين على ان قلب‬
‫غري املؤمن هابط عن اوج الالمكاين ومأسور للشبهي واملثايل وآخذ حكمه وملا كان‬
‫داخال يف دائرة املكاين بسبب ذلك النزول واالسر واكتسب املثالية ضيع تلك القابلية‬
‫اولئك كاالنعام بل هم أضل وكل من اخرب عن وسعة قلبه من املشائخ فمراده المكانية‬
‫القلب فان املكاين وان كان وسيعا ضيق اال ترى ان العرش مع وجود عظمته ووسعته ملا‬
‫كان مكانيا كان حكمه يف جنب الالمكاين الذي هو الروح كحكم اخلردلة بل اقل بل‬
‫اقول ان هذا القلب ملا كان حمل جتلي انوار القدم بل وجد بقاء ابلقدم لو وقع فيه العرش‬
‫وما فيه لصار مضمحال ومتالشيا حبيث ال يبقى منه اثر كما قال سيد الطائفة يف هذا‬
‫‪- 532 -‬‬

‫املقام ان احملدث اذا قورن ابلقدمي مل يبق له اثر وهذا لباس متفرد خميط على قدر قد الروح‬
‫خاصة وليست هذه اخلصوصية للمالئكة ايضا فاهنم داخلون يف دائرة املكاين ومتصفون‬
‫ابملثايل فال جرم كان االنسان خليفة الرمحن وال عجب فيه فان صورة الشئ خليفة الشئ‬
‫وما مل خيلق على صورة شئ ال يليق خبالفة الشئ وما مل يكن الئقا ابخلالفة ال يقدر ان‬
‫يتحمل ثقل أمانة اصله ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه قال تبارك و تعاىل اان عرضنا‬
‫االمانة على السموات واالرض واجلبال فابني ان حيملنها واشفقن منها ومحلها االنسان انه‬
‫كان ظلوما جهوال كثري الظلم على نفسه حبيث ال يبقى من وجوده وال من توابع وجوده‬
‫اثرا وال حكما كثري اجلهل حت ال يكون له ادراك يتعلق ابملقصود وال علم له نسبة اىل‬
‫املطلوب بل العجز عن االدراك يف ذلك املوطن ادراك واالعرتاف ابجلهل معرفة أكثرهم‬
‫معرفة ابهلل أكثرهم حتريا فيه‪.‬‬
‫{تنبيه} فان وقع يف بعض العبارات لفظ موهم ابلظرفية واملظروفية يف شأنه تعاىل‬
‫وتقدس ينبغي أن حيمله على ضيق ميدان العبارة وأن جيعل املراد واملقصود من الكالم‬
‫مطابقا آلرا ء أهل السنة (معرفة) ان العامل صغريه وكبريه مظاهر االمساء والصفات االهلية‬
‫جل شأنه ومرااي الشئوانت والكماالت الذاتية وهو سبحانه كان كنزا مكنوان وسرا خمزوان‬
‫فاراد أن يعرض نفسه من اخلأل اىل املأل وأن يورد االمجال على التفصيل فخلق العامل ليدل‬
‫على أصله وليكون عالمة حلقيقته وال نسبة بني العامل والصانع سوى أن العامل خملوقه‬
‫ودليل على كماالته املخزونة تعاىل وتقدس وكل حكم وراء ذلك من جنس االحتاد‬
‫والعينية واالحاطة واملعية من السكر وغلبة احلال واالكابر املستقيموا االحوال الذين ذاقوا‬
‫شرااب من قدح الصحو والوصال يتربأون من هذه العلوم و تسيغفرون من مثل هذا احلال‬
‫وان حصل لبعضهم هذه العلوم يف أثناء الطريق ولكنهم جياوزوهنا ابألخرى ومينحون علوما‬
‫أزلية مطابقة لعلوم الشريعة ولنبني لتحقيق هذا املبحث مثاال ان العامل النحرير ذا فنون‬
‫مثال أراد أن يربز كماالته املخزونة اىل عرصة الظهور وان جيلي فنونه املكنونة اىل املأل‬
‫فاوجد احلروف واالصوات ليظهر يف حجب تلك احلروف واالصوات كماالته املخزونة‬
‫‪- 533 -‬‬

‫وفنونه املكنونة ففي هذه الصورة ال مناسبة بني تلك احلروف واالصوات وبني املعاين‬
‫املخزونة بل بني العامل املوجد هلا أصال اال ان العامل موجدها وهي دالة على كماالته‬
‫املخزونة وال معن يف القول ابن تلك احلروف واالصوات عني ذلك العامل املوجد أو عني‬
‫تلك املعاين وكذلك احلكم ابالحاطة واملعية غري واقع يف تلك احلادثة بل املعاين على‬
‫صرافتها املخزونة نعم حيث حتقق بني املعاين وصاحبها وبني احلروف واالصوات مناسبة‬
‫الدالية واملدلولية رمبا حيدث يف التخيل بعض املعاين الزائدة واالوهام الغري الواقعة والعامل‬
‫ومعانيه املخزونة منزهان ومربآن ابحلقيقة عن تلك النسبة الزائدة وهذه احلروف واالصوات‬
‫موجودة يف اخلارج ال ان العامل واملعاين موجود فقط و احلروف واالصوات أوهام وخياالت‬
‫فكذلك العا مل الذي هو عبارة عما سواه تعاىل موجود يف اخلارج ابلوجود الظلي والكون‬
‫الطبعي ال انه أوهام وخياالت فان هذا املذهب هو عني مذهب السوفسطائي حيث‬
‫يقولون ان العامل أوهام وخياالت واثبات احلقيقة للعامل ال خيرجه عن أن يكون أوهاما‬
‫وخياالت بل تكون احلقيقة موجودة ال العامل فان العامل وراء تلك احلقيقة املفروضة‬
‫{تنبيه} ان املراد مبظهرية العامل ومرآتيته لالمساء والصفات كونه مظهرا ومرآءة لصور‬
‫االمساء والصفات ال العيان االمساء والصفات فان االسم كاملسمى ال يكون حماطا ابملرآة‬
‫أصال والصفة كاملوصوف ال تكون مقيدة مبظهر قطعا {شعر}‪:‬‬
‫وجل امسه سبحانه مثل ذاته * كذا وصفه من أن حياطا مبظهر‬
‫(معرفة) أن كمل اتباعه صلّى هللا عليه و سلّم وان كان هلم بواسطة اتباعه صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم نصيب من التجلي الذايت الذي هو من خصائصه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫ابالصالة ولسائر االنبياء عليهم السالم جتلي الصفات وجتلي الذات أشرف من جتلي‬
‫الصفات ولكن ينبغي أن يعلم ان لالنبياء عليهم الصالة و السالم يف جتلي الصفات من‬
‫مراتب القرب ما ليس لكمل التابعني من هذه االمة مع وجود جتلي الذات بطريق التبعية‬
‫وهذا كما أن شخصا مثال اذا وصل اىل الشمس بطي مدراج العروج حمبة جلماهلا حت مل‬
‫يبق بينه وبني الشمس غري حائل رقيق وشخص آخر مع وجود حمبته لذات الشمس‬
‫‪- 534 -‬‬

‫عاجز عن العروج اىل تلك املراتب وان مل يكن بينه وبني الشمس حائل أصال فال شك‬
‫أن الشخص االول أقرب اىل الشمس وأعلم بكماالهتا الدقيقة فكل من فيه القرب ازيد‬
‫ومعرفته أكثر فهو أفضل وكماله اوفر فال يبلغ ويل من اولياء هذه االمة اليت هي خري‬
‫االمم مع وجود أفضلية نبيهم مرتبة نيب من االنبياء وان حصل مبتابعة نبيه نصيب من‬
‫مقام به االفضلية والفضل الكلي امنا هو لالنبياء عليهم السالم واالولياء طفيليون وليكن‬
‫هذا آخر الكالم واحلمد هلل سبحانه على ذلك و على مجيع نعمائه والصالة و السالم‬
‫على أفضل انبيائه و على مجيع االنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني و على الصديقني‬
‫والشهداء والصاحلني‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والثمانون واملائتان اىل السيد أنبيا املانكپوري يف املنع عن‬
‫اداء صالة النفل ابجلماعة كصالة ليلة العاشوراء والرباءة وغريها وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل الذي شرفنا مبتابعة سيد املرسلني وجنبنا عن ارتكاب املبتدعات يف الدين‬
‫والصالة و السالم على من قمع بنيان الضاللة ورفع اعالم اهلداية و على آله االبرار‬
‫وصحبه االخيار ينبغي أن يعلم أن الكثر الناس يف هذا الزمان من اخلواص والعوام اهتماما‬
‫اتما يف اداء النوافل ولكنهم يتساهلون يف اداء املكتوابت وال يراعون فيها السنن‬
‫واملستحبات اال قليال يرون النوافل عزيزة والفرائض حقرية وذليلة قلما يؤدون الفرائض يف‬
‫اوقاهتا املستحبة ال يهتمون الدراك تكبري التحرمية مع اجلماعة بل ال يبالون بفوت نفس‬
‫اجلماعة أيضا وامنا يغتنمون اداء نفس الفرائض ابلتكاسل والتساهل ويؤدون النوافل‬
‫ابجلمعية التامة ورعاية كمال االهتمام يف يوم عاشوراء وليلة الرباءة والليلة السابعة‬
‫والعشرين من رجب وليلة أول مجعة منه وهي اليت يسموهنا ليلة الرغائب ويظنون فعلهم‬
‫هذا حسنا ومستحسنا وال يدرون أنه من تسويالت الشيطان الذي يرى السيآت يف‬
‫‪- 535 -‬‬

‫صورة احلسنات قال شيخ االسالم موالان عصام الدين اهلروي[‪ ]1‬يف حاشية شرح الوقاية‬
‫ان التطوع ابجلماعة وترك الفرض ابجلماعة من تسويالت الشيطان (ينبغي) أن يعلم أن‬
‫أداء النوافل ابجلماعة من البدع املذمومة واملكروهة ومن مجلة البدع اليت قال خامت الرسالة‬
‫عليه الصالة و السالم يف شأهنا من[‪ ]2‬أحدث يف ديننا هذا فهو رد (وأعلم) ان اداء‬
‫النوافل ابجلماعة مكروه مطلقا يف بعض الرواايت الفقهية ويف بعض آخر الكراهة مشروطة‬
‫ابلتداعي واجلمعية فعلى هذا لو صلى اثنان النفل يف انحية املسجد من غري تداع جيوز‬
‫بال كراهة ويف الثالثة اختالف املشايخ واالربعة مكروهة ابالتفاق يف بعض الرواايت ويف‬
‫البعض اآلخر االصح اهنا مكروهة يف الفتاوى السراجية كره التطوع ابجلماعة خبالف‬
‫الرتاويح و صالة الكسوف و يف الفتاوى الغياثية قال الشيخ االمام السرخسي رمحه هللا‬
‫ا لتطوع جبماعة خارج رمضان امنا يكره اذا كان على سبيل التداعي اما اذا اقتدى واحد‬
‫أو اثنان ال يكره ويف الثالث اختالف ويف االربع يكره بال خالف وذكر يف اخلالصة ان‬
‫التطوع جبماعة اذا كان على سبيل التداعي يكره وأما اذا صلوا جبماعة بغري اذان واقامة‬
‫يف انحية املسجد ال يكره وقال مشس االئمة احللواين اذا كان سوي االمام ثالثة ال يكره‬
‫ابالتفاق ويف االربع اختالف واالصح انه يكره ويف الفتاوى الشافية وال يصلى التطوع‬
‫ابجلماعة اال يف شهر رمضان وذلك امنا يكره اذا كان على سبيل التداعي يعين ابذان‬
‫واقامة اما لو اقتدى واحد أو اثنان ال على سبيل التداعي فال يكره واذا اقتدى ثالثة‬
‫اختلف املشايخ رمحهم هللا تعاىل وان اقتدى أربعة كره اتفاقا وأمثال هذه الرواايت كثرية‬
‫والكتب الفقهية هبا مملوءة فان وجدت رواية جموزة الداء النفل ابجلماعة مطلقا ساكتة عن‬
‫ذكر العدد ينبغي محلها على املقيد الواقع يف رواية أخرى وأن يراد ابملطلق املقيد وأن‬
‫يقصر اجلواز على اثنني أو ثالث الن العلماء احلنفية وان كانوا جيرون املطلق على اطالقه‬

‫(‪ )1‬هذا الذي ذكر قدس سره كله بدعة مستحدثة ابتفاق احملققني وان ذكره املشاهري يف كتبهم كصاحب القوت‬
‫والغزايل وغريمها منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الشيخان عن عائشة رضي هللا عنها وقد مر‪.‬‬
‫‪- 536 -‬‬

‫يف االصول وال حيملونه على املقيد ولكنهم جوزوا محل املطلق على املقيد يف الرواايت بل‬
‫عدوه الزما فان مل حيمل على طريق فرض احملال وجيري على اطالقه لكان هذا املطلق‬
‫معارضا على ذلك املقيد إ ذا تساواي يف القوة واملساواة يف القوة ممنوعة فان رواية الكراهة‬
‫مع وجود كثرهتا خمتارة ومفت هبا خبالف رواية االابحة ولو سلم مساواهتا أقول إن الرتجيح‬
‫على تقدير تعارض أدلة الكراهة وادلة االابحة يف جانب الكراهة فان فيه رعاية االحتياط‬
‫كما هو مقرر عند أهل اصول الفقه فالذين يصلون صالة النفل يوم عاشوراء وليلة الرباءة‬
‫وليلة الرغائب جبماعة عظيمة حبيث جيتمع يف املساجد مائتان أو ثلثمائة رجل‬
‫ويستحسنون تلك الصالة مبثل ذلك االجتماع واجلماعة مرتكبون أمرا مكروها ابتفاق‬
‫الفقهاء واستحسان القبائح من أعظم القبائح فان اعتقاد احلرام مباحا منجر اىل الكفر‬
‫وظن املكروه حسنا أقل منه مبرتبة واحدة فينبغي مالحظة شناعة هذا الفعل كمال‬
‫املالحظة واعتمادهم يف دفع الكراهة على عدم التداعي نعم ان عدم التداعي يدفع‬
‫الكراهة على بعض الرواايت ولكنه خمصوص مبقتد واحد واثنني وهو أيضا مشروط بكونه‬
‫يف انحية املسجد وبدونه خرط القتاد مع أن التداعي عبارة عن اعالم بعض بعضا آخر‬
‫الداء صالة النفل وهذا املعن متحقق يف تلك اجلماعة فاهنم يعلمون بعضهم بعضا قبيلة‬
‫قبيلة يف يوم عاشوراء وغريه ويقولون ينبغي أن نذهب اىل مسجد الشيخ الفالين أو العامل‬
‫الفالين وأن نؤدي الصالة هناك ابجلمعية وهم قد اعتربوا هذا الفعل فمثل هذا االعالم‬
‫أبلغ من االذان واالقامة فثبت التداعي أيضا واذا جعلنا التداعي خمصوصا ابالذان‬
‫واالقامة كما وقع يف بعض الرواايت وأردان هبما حقيقة االذان واالقامة فاجلواب هو ما مر‬
‫آنفا من ان عدم الكراهة خمصوص بواحد واثنني مع شرط آخر على ما مر ذكره (ينبغي)‬
‫أن يعلم ان بناء أداء النفل على االخفاء والسرت لكونه مظنة رايء ومسعة واجلماعة منافية‬
‫له واملطلوب يف أداء الفرض االظهار واالعالن النه مربأ عن شائبة الرايء والسمعة فيكون‬
‫املناسب ان يؤدى ابجلماعة أو نقول ان كثرة االجتماع مظنة حدوث الفتنة وهلذا اشرتطوا‬
‫يف أداء صالة اجلمعة حضور السلطان أو انئبه حت يتحقق األمن من حدوث الفتنة ويف‬
‫‪- 537 -‬‬

‫تلك اجلماعات املكروهات احتمال ايقاظ الفتنة القوية أيضا فال يكون هذا االجتماع‬
‫معروفا بل يكون منكرا و يف احلديث النبوي عليه الصالة و السالم الفتنة[‪ ]1‬انئمة لعن‬
‫هللا من ايقظها فالالزم لوالة االمور وقضاة االسالم وأهل االحتساب منع هذا االجتماع‬
‫ومراعاة الزجر اببلغ الوجوه يف هذا الباب حت يتحقق استيصال هذه البدعة املنجرة اىل‬
‫الفتنة وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والثمانون واملائتان اىل موالان بدر الدين يف بيان أسرار‬
‫القضاء والقدر وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم احلمد هلل الذي كشف سر القضاء والقدر على اخلواص من‬‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫عباده وسرت عن العوام ملكان الضالل عن سواء السبيل واقتصاده والصالة و السالم على‬
‫من اكمل به احلجة البالغة وقطع به اعذار العصاة اهلالكة و على آله وأصحابه الربرة‬
‫االتقياء الذين آمنوا ابلقدر ورضوا ابلقضاء والقدر مما قد كثر فيه احلرية والضالل غلب‬
‫على اكثر انظريها ابطل الوهم واخليال حت قال بعضهم مبحض اجلرب فيما يصدر عن‬
‫العبد ابالختيار ونفى بعضهم نسبته اىل الواحد القهار وأخذ طائفة بطرف االقتصاد يف‬
‫االعتقاد الذي هو الصراط املستقيم واملنهج القومي ولقد وفق هلذا الطريق الفرقة الناجية‬
‫الذين هم أهل السنة واجلماعة رضي هللا عنهم وعن أسالفهم وأخالفهم فرتكوا االفراط‬
‫والتفريط واختاروا الوسط والبني روى عن أيب حنيفة رضي هللا عنه أنه سأل جعفر‬
‫الصادق رضي هللا عنه فقال اي ابن رسول هللا هل فوض هللا االمر اىل العباد فقال هللا‬
‫تعاىل اجل من ان يفوض الربوبية اىل العباد فقال له هل جربهم على ذلك فقال هللا تعاىل‬
‫أعدل من أن جيربهم على ذلك مث يعذهبم فقال وكيف ذلك فقال بني بني ال جرب وال‬
‫تفويض وال كره وال تسليط هلذا قال أهل السنة ان االفعال االختيارية للعباد مقدورة هللا‬
‫تعاىل من حيث اخللق واالجياد ومقدورة العباد على وجه آخر من تعلق يعرب عنه‬

‫(‪ )1‬رواه الرافعي عن انس بن مالك وقد مر‬


‫‪- 538 -‬‬

‫ابالكتساب فحركة العبد ابعتبار نسبتها اىل قدرته تعاىل تسمى خلقا وابعتبار نسبتها اىل‬
‫قدرة العبد كسبا له غري ان االشعري منهم ذهب اىل ان ال مدخل الختيار العباد يف‬
‫أفعاهلم أصال اال ان هللا سبحانه أوجد االشياء عقيب اختيارهم بطريق جرى العادة اذ ال‬
‫أتثري للقدرة احلادثة عنده وهذا املذهب مائل اىل اجلرب وهلذا يسمى ابجلرب املتوسط قال‬
‫اال ستاذ أبو اسحق االسفرائيين بتأثري القدرة احلادثة يف أصل الفعل وحصول الفعل‬
‫مبجموع القدرتني وقد جوز اجتماع املؤثرين على أثر واحد جبهتني خمتلفتني وقال القاضي‬
‫ابو بكر الباقالين بتأثري القدرة احلادثة يف وصف الفعل ابن جتعل الفعل موصوفا مبثل كونه‬
‫طاعة ومعصية واملخ تار عند العبد الضعيف أتثري القدرة احلادثة يف أصل الفعل ويف وصفه‬
‫معا اذ ال معن للتأثري يف الوصف بدون التأثري يف االصل اذ الوصف أثره املتفرع عليه‬
‫لكنه حمتاج اىل أتثري زائد على أتثري اصل الفعل اذ وجود الوصف زائد على وجود االصل‬
‫وال حمذور يف القول ابلتأثري وا ن كرب ذلك على االشعري اذ التأثري يف القدرة أيضا ابجياد‬
‫هللا سبحانه كما ان نفس القدرة ابجياده تعاىل والقول بتأثري القدرة هو االقرب اىل‬
‫الصواب ومذهب االشعري داخل يف دائرة اجلرب يف احلقيقة اذ ال اختيار عنده حقيقة وال‬
‫أتثري للقدرة احلادثة عنده أصال اال ان الفعل االختياري عند اجلربية ال ينسب اىل الفاعل‬
‫حقيقة بل جمازا وعند االشعري ينسب اىل الفاعل حقيقة وان مل يكن االختيار اثبتا له‬
‫حقيقة الن الفعل ينسب اىل قدرة العبد حقيقة سواء كانت القدرة مؤثرة ولو يف اجلملة‬
‫كما هو مذهب غري االشعري من أهل السنة أو مدارا حمضا كما هو مذهبه وهبذا يتميز‬
‫مذهب أهل احلق عن مذهب أهل الباطل ونفي الفعل عن الفاعل حقيقة وإثباته له جمازا‬
‫كما هو مذهب اجلربية كفر حمض وأنكار على الضروري قال صاحب التمهيد ومن‬
‫اجلربية من قال ابن الفعل من العبد ظاهرا وجمازا اما يف احلقيقة ال استطاعة له والعبد‬
‫كالشجرة اذا حركتها الريح حتركت فكذلك العبد جمبور كالشجرة وهذا كفر ومن اعتقد‬
‫هذا يصري كافرا وقال ايضا يف مذهب اجلربية قوهلم ان ليس للعباد أفعال على احلقيقة ال‬
‫يف اخلري وال يف الشر وما يفعله العبد فالفاعل هو هللا سبحانه وهذا كفر (فان قلت) اذا مل‬
‫‪- 539 -‬‬

‫يكن لقدرة العبد أت ثري يف االفعال ومل يكن االختيار له حقيقة فما معن نسبة االفعال اىل‬
‫العبد حقيقة عند االشعري (قلت) ان القدرة وان مل يكن هلا أتثري يف االفعال اال أنه‬
‫سبحانه جعلها مدارا لوجود االفعال ابن خيلق هللا تعاىل االفعال عقب صرف قدرهتم‬
‫واخيتارهم اىل االفعال بطريق جري العادة وكأن القدرة علة عادية لوجود االفعال فيكون‬
‫للقدرة مدخل يف صدور االفعال عادة الهنا مل توجد بدوهنا عادة وان مل يكن هلا أتثري يف‬
‫االفعال فباعتبار العلة العادية تنسب اىل العباد افعاهلم حقيقة هذا هو النهاية يف تصحيح‬
‫مذهب االشعري والكالم بعد حمل أتمل (اعلم) أن أهل السنة واجلماعة آمنوا ابلقدر أبن‬
‫القدر خريه وشره وحلوه ومره من هللا سبحانه الن معن القدر هو االحداث واالجياد‬
‫ومعلوم ان ال حمدث وال موجد اال هللا سبحانه ال اله اال هو خالق كل شئ فاعبدوه‬
‫واملعتزلة والقدرية انكروا القضاء والقدر وزعموا ان افعال العباد حاصلة بقدرة العبد وحدها‬
‫قالوا لو قضى هللا الشر مث عذهبم على ذلك لكان ذلك جورا منه سبحانه وهذا جهل‬
‫منهم الن القضاء ال يسلب القدرة واالختيار عن العبد النه قضى ابن العبد يفعله أو‬
‫يرتكه ابختياره غاية ما يف الباب أنه يوجب االختيار وهو حمقق لالختيار ال مناف له‬
‫وايضا أنه منقوض ابفعال البارئ تعاىل الن فعله سبحانه ابلنظر اىل القضاء اما واجب أو‬
‫ممتنع النه ان تعلق القضاء ابلوجود فيجب أو ابلعدم فيمتنع فان كان وجوب الفعل‬
‫ابالختيار منافيا له مل يكن البارئ تعاىل خمتارا و هذا كفر وال خيفى ان القول ابستقالل‬
‫قدرة العبد يف اجياد افعاله مع كمال ضعفه يف غاية السخافة ومنشأ هناية السفاهة وهلذا‬
‫ابلغ مشائخ ما وراء النهر شكر هللا تعاىل سعيهم يف تضليلهم يف هذه املسئلة حت قالوا‬
‫ان اجملوس اسعد حاال منهم حيث مل يثبتوا اال شريكا واحدا واملعتزلة اثبتوا شركاء ال‬
‫حتصى وزعمت اجلربية أنه ال فعل للعبد أصال وان حركاته مبنزلة حركات اجلمادات ال‬
‫قدرة هلم أصال وال اختيار وزعموا ان العباد ال يثابون ابخلري وال يعاقبون ابلشر والكفار‬
‫والعصاة معذورون غري مسئولني الن االفعال كلها من هللا تعاىل والعبد جمبور يف ذلك‬
‫وهذا كفر وهؤالء املرجئة امللعونون الذين يقولون ابن املعصية ال تضر و العاصي ال يعاقب‬
‫‪- 540 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫املرجئة على لسان سبعني نبيا‬ ‫وروي عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم أنه قال لعنت‬
‫ومذهبهم ابطل ابلضرورة للفرق الظاهر بني حركة البطش وحركة االرتعاش ونعلم قطعا ان‬
‫االول ابختياره دون الثاين والنصوص القطعية تنفي هذا املذهب أيضا كقوله تعاىل جزاء‬
‫مبا كانوا يعملون وقوله سبحانه فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر اىل غري ذلك (واعلم)‬
‫ان كثريا من الناس لضعف مهمهم وقصور نياهتم يطلبون االعتذار ودفع السؤال عن‬
‫أنفسهم فيميلون اىل مذهب االشعري بل اىل مذهب اجلربي فتارة يقولون ابن ال اختيار‬
‫للعبد حقيقة ونسبة الفعل اليه جماز واترة يقولون بضعف االختيار املستلزم لالجبار ومع‬
‫ذلك يسمعون كالم بعض الصوفية يف هذا املقام من أن الفاعل واحد ليس اال هو وان ال‬
‫أتثري لقدرة العبد يف االفعال أصال وان حركاته مبنزلة حركات اجلمادات بل وجود العبد‬
‫ذاات وصفة كس راب بقيعة حيسبه الظمآن ماء حت اذا جاءه مل جيده شيئا ووجد هللا عنده‬
‫وامثال هذا الكالم ازدادهم جراءة على املداهنة واملساهلة يف االقوال واالفعال فنقول يف‬
‫حتقيق هذا الكالم وهللا سبحانه اعلم حبقيقة املرام ان االختيار لو مل يكن اثبتا للعبد‬
‫حقيقة كما هو مذهب اال شعري ملا نسب هللا تعاىل الظلم اىل العباد اذ ال اختيار هلم وال‬
‫أتثري لقدرهتم وامنا هي مدار حمض عنده وقد نسب هللا سبحانه الظلم اليهم يف غري موضع‬
‫من كتابه اجمليد وجمرد املدارية بدون التأثري ولو يف اجلملة ال يوجب الظلم منهم نعم ان‬
‫االيالم والتعذيب للعباد منه تعاىل من غري ان يكون االختيار اثبتا هلم ليس بظلم اصال اذ‬
‫هو سبحانه مالك على االطالق يتصرف يف ملكه كيف يشاء اما نسبة الظلم اليهم‬
‫فمستلزم لثبوت االختيار هلم واحتمال اجملاز يف هذه النسبة خالف املتبادر فال يرتكب‬
‫من غري ضرورة واما القول بضعف االختيار فال خيلو اما ان يراد به الضعف ابلنسبة اىل‬
‫اختياره تعاىل فمسلم وال نزاع فيه الحد وكذا الضعف مبعن عدم االستقالل يف صدور‬
‫االفعال أيضا مسلم واما الضعف مبعن عدم املدخلية لالختيار يف االفعال فممنوع وهو‬
‫اول املسئلة وسند املنع قد مر مفصال (ينبغي) ان يعلم ان هللا تعاىل كلف عباده بقدر‬

‫(‪ )1‬أ ورده املناوي يف كنوز احلقائق برمز البزار والسيوطي برمز احلاكم يف التاريخ عن أيب أمامة رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪- 541 -‬‬

‫طاقتهم واستطاعتهم وخفف يف التكليف لضعف خلقهم قال هللا تبارك و تعاىل يريد هللا‬
‫ان خيفف عنكم وخلق االنسان ضعيفا كيف وهو سبحانه حكيم رؤف رحيم وال يليق‬
‫ابلرمحة والرأفة واحلكمة تكليف ماال يستطيع له العبد فلم يكلف برفع الصخرة العظيمة‬
‫اليت ال يقدر على رفعها العبد بل كلف مبا هو يسري على العبد من الصالة املشتملة على‬
‫القيام والركوع والسجود والقراءة امليسرة وكل ذلك يسري غاية اليسر وكذا الصوم مثال يف‬
‫هناية السهولة والزكاة أيضا كذلك اذ قدر بربع العشر ومل يقدر ابلكل والنصف مثال لئال‬
‫يثقل على العباد ومن كمال الرأفة جعل للمأمور به خلفا ان تعسر االصل فجعل للوضوء‬
‫خلفا هو التيمم وكذا حكم ابن من مل يقدر على القيام صلى قاعدا وان مل يقدر على‬
‫القعود صلى مضطجعا وكذا من مل يقدر على الركوع والسجود صلى مؤميا اىل غري ذلك‬
‫مما ال خيفى على الناظر يف االحكام الشرعية بنظر االعتبار واالنصاف فيجد متام‬
‫التكليفات الشرعية يف غاية اليسر وهناية السهولة ويطالع كمال الرمحة منه سبحانه ابلعباد‬
‫يف صفحات التكليفات ومصداق ختفيف التكليفات متين العوام يف زايدة التكليف من‬
‫املأمورات فان بعضهم يتمن الزايدة يف الصوم املفروض وبعضهم يف الصلوات املفروضات‬
‫و على هذا القياس وما هذا التمين اال لكمال التخفيف وعدم وجدان اليسر يف اداء‬
‫االحكام للبعض مبين على وجود ظلمات نفسانية وكدورات طبيعية انشئة عن هوى‬
‫النفس االمارة املنتصبة ملعاداة هللا سبحانه قال هللا سبحانه كرب على املشركني ما تدعوهم‬
‫اليه وقال تعاىل واهنا لكبرية اال على اخلاشعني فكما ان مرض الظاهر موجب العسر يف‬
‫أداء االحكام كذلك مرض الباطن أيضا موجب لذلك العسر وقد ورد الشرع الشريف‬
‫البطال رسوم النفس االمارة ورفع هواجسها فهوى النفس ومتابعة الشريعة على طريف‬
‫نقيض فال جرم يكون وجود ذلك العسر دليل وجود هوى النفس فيقدر وجود اهلوى‬
‫بقدر العسر فاذا انتفى اهلوى كلية انتفى العسر رأسا وأما كالم بعض الصوفية املذكور‬
‫سابقا يف نفي االختيار وضعفه فاعلم ان كالمهم ان مل يكن مطابقا الحكام الشريعة فال‬
‫اعتبار له اصال فكيف يصلح للحجة والتقليد وامنا الصاحل للحجة والتقليد أقوال العلماء‬
‫‪- 542 -‬‬

‫من أهل السنة فما وافق اقواهلم من كالم الصوفية يقبل وما خالفهم ال يقبل على اان نقول‬
‫ان الصوفية املستقيمة االحوال ال يتجاوزون الشريعة أصال ال يف االحوال وال يف االعمال‬
‫وال يف االقوال وال يف العلوم وال يف املعارف ويعلمون ان بقية اخلالف مع الشريعة انشئة‬
‫عن سقم يف احلال وخلل فيه ولو صدق احلال ما خالف الشريعة احلقة وابجلملة خالف‬
‫الشريعة دليل الزندقة وعالمة االحلاد غاية ما يف الباب ان الصويف لو تكلم بكالم خمالف‬
‫للشريعة انش عن الكشف يف غلبة احلال وسكر الوقت فهو معذور وكشفه غري صحيح‬
‫وغري صاحل للتقليد بل ينبغي أن حيمل كالمه ويصرف عن ظاهره فان كالم السكارى‬
‫حيمل ويصرف عن الظاهر هذا ما تيسر يل يف هذا املقام بعون هللا سبحانه وحسن توفيقه‬
‫تعاىل احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى‪.‬‬

‫{املكتوب التسعون واملائتان اىل املال حممد هاشم يف بيان الطريق الذي خصه‬
‫هللا سبحانه به يف أوائل حاله ووفقه لتسليك الطالبني اليه وبيان الطريقة النقشبندية‬
‫العلية وبيان اندراج النهاية يف البداية وبيان احلضور املعترب عند اكابر هذا الطريق‬
‫املعرب عنه ابلنسبة النقشبندية مع ذكر بعض االحوال واالذواق واملعارف احلاصلة له‬
‫يف الطريقة النقشبندية وغريها وبيان جذابت هؤالء االكابر وما يناسبه}‬
‫الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫وآله وأصحابه الطيبني الطاهرين اعلم ان الطريق الذي هو أقرب وأسبق وأوفق وأوثق‬
‫وأسلم وأحكم وأصدق وأدل وأعلى وأجل وأرفع وأكمل هو الطريقة النقشبندية العلية‬
‫قدس هللا ارواح أهاليها وأسرار مواليها وكل عظمة هذا الطريق وعلو شأن هؤالء االكابر‬
‫بواسطة التزام متابعة السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية واجتناب‬
‫البدعة الغري املرضية وهم الذين اندرجت هناية االمر يف بدايتهم كاالصحاب الكرام عليهم‬
‫الرضوان من امللك املنان وكان شعورهم وحضورهم على سبيل الدوام وصار فوق شعور‬
‫اآلخرين بعد الوصول اىل درجة الكمال (أيها االخ) ارشدك هللا اىل سواء الطريق ملا ظهر‬
‫‪- 543 -‬‬

‫يف هذا الدرويش هوس هذا الطريق وصارت عناية احلق جل وعال هاديته وأوصلته اىل‬
‫صاحب الوالية ومعدن احلقيقة هادي طريق اندراج النهاية البداية يف واىل السبيل املوصل‬
‫اىل درجات الوالية مؤيد الدين الرضى شيخنا وامامنا حممد الباقي قدس هللا سره أحد‬
‫كبار خلفاء طائفة حضرات االكابر النقشبندية قدس هللا أسرارهم فعلم هذا الدرويش‬
‫ذكر اسم الذات وتوجه ابلطريق املعهود حت ظهر يف التذاذ اتم وعرض يل البكاء من‬
‫كمال الشوق مث ظهر بعد يوم واحد كيفية الذهول وعدم الشعور املعتربة عند هؤالء‬
‫االكابر املسماة ابلغيبة فرأيت يف تلك الغيبة حبرا حميطا ووجدت صور العامل واشكاله‬
‫كالظل يف ذلك البحر واستولت هذه الغيبة شيئا وامتدت وصارت متتد احياان اىل‬
‫ساعتني من هنار وأحياان اىل اربع ساعات وكانت يف بعض االوقات تستوعب الليل وملا‬
‫عرضت هذه الواقعة على حضرة الشيخ قال قد حصل حنو من الفناء ومنع عن الذكر‬
‫وامر حبفظ ذلك احلضور وبعد يومني حصل يل الفناء املصطلح فعرضته على حضرة‬
‫الشيخ فقال عليك ابالشتغال بشأنك مث بعد ذلك حصل فناء الفناء فعرضته عليه فقال‬
‫هل جتد متام العامل يف حمل واحد ومتصال بعضه ببعض قلت نعم فقال ان املعترب يف‬
‫حصول فناء الفناء هو حصول عدم الشعور مع وجود رؤية هذا االتصال فحصل يف تلك‬
‫الليلة فناء الفناء بتلك الصفة فعرضته عليه وعرضت ما حصل بعد الفناء من احلالة وقلت‬
‫ايل‬
‫اين أجد علمي ابلنسبة اىل احلق سبحانه حضوراي واجد االوصاف اليت كانت منسوبة ّ‬
‫منسوبة اىل احلق سبحانه مث بعد ذلك ظهر نور حميط جبميع االشياء فظننته احلق سبحانه‬
‫و تعاىل وكان لون ذلك النور سوادا فعرضته عليه فقال احلق جل وعال مشهود ولكن‬
‫ذلك الشهود يف حجاب النور وقال ان هذا االنبساط الذي يرى يف ذلك النور هو يف‬
‫العلم وامنا يرى منبسطا كذلك بواسطة تعلق ذات احلق جل وعال ابالشياء املتعددة‬
‫الواقعة اعلى وأدىن فينبغي نفي االنبساط مث شرع ذلك النور االسود املنبسط يف االنقباض‬
‫والتضايق حت صار كنقطة فقال ينبغي نفي تلك النقطة أيضا حت ينجر االمر اىل احلرية‬
‫ففعلت كذلك حت زالت تلك النقطة املوهومة أيضا من البني واجنر االمر اىل احلرية اليت‬
‫‪- 544 -‬‬

‫هناك شهود احلق سبحانه لنفسه بنفسه فلما عرضته عليه قال هذا احلضور هو احلضور‬
‫املعترب عند النقشبندية ونسبتهم عبارة عن هذا احلضور ويقال هلذا احلضور حضورا بال‬
‫غيبة أيضا واندراج النهاية يف البداية يتصور يف ذلك املوطن وحصول هذه النسبة للطالب‬
‫يف هذا الطريق كأخذ الطالب يف سالسل أخر االذكار واالوراد من شيخه ليعمل هبا‬
‫ويصل اىل مقصوده {ع}‪:‬‬
‫وقس من حال بستاين ربيعي‬
‫وكان حصول هذه النسبة ال عزيزة الوجود هلذا الدرويش بعد مضي شهرين وبضعة‬
‫أايم من ابتداء تعليم الذكر وبعد حتقق هذه النسبة حصل فناء آخر يقال له الفناء‬
‫احلقيقي وحصل للقلب من الوسعة ما ليس لتمام العامل من العرش اىل مركز الفرش قدر‬
‫يف جنبه مقدار خردلة وبعد ذلك رأيت نفسي وكل فرد من افراد العامل بل كل ذرة منه‬
‫احلق جل وعال وبعد ذلك رأيت كل ذرة فرادى فرادى عني نفسي ورأيت نفسي عني‬
‫مجيع الذرات حت وجدت متام العامل مضمحال يف ذرة واحدة مث بعد ذلك رأيت نفسي‬
‫بل مجيع ذرة منبسطا ووسيعا حبيث يسع متام العامل واضعافه بل وجدت نفسي وكل ذرة‬
‫نورا منبسطا ساراي يف كل ذرة وصور العامل واشكاله مضمحل يف ذلك النور ومتالش فيه‬
‫بل وجدت كل ذرة مقوما لتمام العامل وملا عرضت ذلك قال ان مرتبة حق اليقني يف‬
‫التوحيد هي هذا ومجع اجلمع عبارة عن هذا املقام مث وجدت صور العامل واشكاله اليت‬
‫كنت وجدهتا اوال عني احلق سبحانه موهومة يف ذلك الوقت وما كنت وجدته من‬
‫الذرات عني احلق سبحانه وجدت مجيعها من غري تفاوت ومتييز موهومة فعرضت يل‬
‫حينئذ غاية احلرية فتذكرت يف ذلك الوقت عبارة الفصوص اليت كنت مسعتها من والدي‬
‫املاجد عليه الرمحة حيث قال ان شئت قلت انه اي العامل حق وان شئت قلت انه خلق‬
‫وان شئت قلت انه من وجه حق ومن وجه خلق وان شئت قلت ابحلرية لعدم متييز بينهما‬
‫فصارت هذه العبارة مسكنة لذلك االضطراب يف اجلملة وبعد ذلك اتيت مالزمة شيخنا‬
‫وعرضت عليه حايل فقال ما كان حضورك صافيا بعد عليك ابالشتغال ابمرك حت يظهر‬
‫‪- 545 -‬‬

‫متيز املوجود من املوهوم فقرأت عليه عبارة الفصوص املشعرة بعدم التمييز فقال ان الشيخ‬
‫ما بني حال الكامل وعدم التمييز أيضا اثبت ابلنسبة اىل البعض فكنت مشغوال حسب‬
‫االمر فاظهر احلق سبحانه و تعاىل بعد يومني مبحض توجه حضرة شيخنا متييزا بني‬
‫املوجود واملوهوم حت وجدت املوجود احلقيقي ممتازا من املوهوم املتخيل ورأيت الصفات‬
‫واالفعال واآلاثر اليت ترى من املوهوم صادرة عن احلق سبحانه ووجدت تلك الصفات‬
‫واالفعال ايضا موهومة ومل ار يف اخلارج موجودا غري ذات واحدة وملا عرضت ذلك قال‬
‫هذا هو مرتبة الفرق بعد اجلمع وهناية السعي اىل هنا وبعد ذلك يظهر ما استودع يف‬
‫قابلية ك ل شخص واستعداده وقال مشائخ الطريقة هلذه املرتبة مقام التكميل (ينبغي) أن‬
‫يعلم ان هذا الدرويش ملا نظرت اىل كل ذرة من ذرايت بعدما اخرجت يف املرة األوىل من‬
‫السكر اىل الصحو وبعد ما شرفت بعد الفناء ابلبقاء مل أجد غري احلق ووجدت مجيع‬
‫الذرات مرآة لشهوده سبحانه مث اخرجت من ذلك املقام اىل احلرية وملا رجعت اىل نفسي‬
‫يعين صحوت من احلرية وجدت احلق سبحانه مع كل ذرة من ذرات وجودي ال فيها‬
‫وكان املقام السابق يف النظر اسفل وادىن من هذا املقام الثاين مث اخرجت اىل احلرية وملا‬
‫افقت وجدت احلق سبحانه يف تلك املرة ال متصال ابلعامل وال منفصال عنه وال داخل‬
‫العامل وال خارجه وصارت نسبة املعية واالحاطة والسراين على هنج كنت وجدهتا اوال‬
‫منتفية ابلكلية ومع ذلك كان مشهودا بتلك الكيفية بل كأنه حمسوس وكان العامل أيضا‬
‫مشهودا يف ذلك الوقت ولكن مل يكن للحق سبحانه شئ من تلك النسب املذكورة مث‬
‫وقعت يف احلرية وملا اخرجت اىل الصحو صار معلوما أن للحق سبحانه نسبة ابلعامل وراء‬
‫النسب املذكورة وهذه النسبة جمهولة الكيفية وكان تعاىل مشهودا ابلنسبة اجملهولة الكيفية‬
‫مث اخرجت اىل احلرية وعرض يل يف تلك املرتبة حنو من القبض وملا رجعت اىل نفسي‬
‫صار احلق سبحانه مشهود ا بغري تلك النسبة اجملهولة الكيفية على طور ال نسبة له ابلعامل‬
‫أصال ال معلومة الكيفية وال جمهولة الكيفية وكان العامل مشهودا يف ذلك الوقت بتلك‬
‫اخلصوصية وحصل يل يف ذلك الوقت علم خاص عناية من هللا سبحانه و بسبب هذا‬
‫‪- 546 -‬‬

‫العلم مل يبق احلق بني سبحانه واخللق مناسبة أصال مع وجود كال الشهودين وصار معلوما‬
‫يف ذلك الوقت أن هذا املشهود مع هذه الصفة ومع هذا التنزيه ليس هو ذات احلق‬
‫سبحانه و تعاىل عن ذلك بل هو صورة مثالية لتعلق تكوينه تعاىل الذي هو وراء‬
‫التعلقات الكونية سواء كان ذلك التعلق معلوم الكيفية أو جمهول الكيفية هيهات هيهات‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف‬
‫(أيها األخ) االعز اين ان أجريت القلم يف تفصيل االحوال وتبيني املعارف الجنر‬
‫اىل التطويل واالطناب وعلى اخلصوص لو بينت معارف التوحيد الوجودي وعلوم ظلية‬
‫االشياء لعلم الذين مضى عمرهم يف التوحيد الوجودي اهنم مل ينالوا قطرة من ذلك البحر‬
‫الذي ال هناية له والعجب ان تلك اجلماعة ال يظنون هذا الدرويش من ارابب التوحيد‬
‫الوجودي بل يعدونه من العلماء املنكرين للتوحيد الوجودي ويزعمون من قصور النظر أن‬
‫االصرار على املعارف التوحيدية من الكمال والرتقي من ذلك املقام نقص او حمال‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫كم من بليد غفول عن معائبه * يستحسن العيب زعما أنه حسن‬
‫ومستشهد هؤالء اجلماعة يف هذا االمر أقوال املشائخ املتقدمني اليت صدرت يف‬
‫التوحيد الوجودي رزقهم هللا سبحانه االنصاف من أين علموا أن هؤالء املشائخ مل حيصل‬
‫هلم ترق من ذلك املقام وبقوا حمبوسني فيه وليس الكالم يف حصول املعارف التوحيدية‬
‫فانه واقع ألبتة وامنا الكالم يف الرتقي من ذلك املقام فان قالوا لصحاب الرتقي منكرا‬
‫للتوحيد واصطلحوا على ذلك فال مناقشة فيه (ولنرجع) اىل اصل الكالم ونقول انه ملا‬
‫كان يف القليل داللة على الكثري ويف القطرة اشارة اىل البحر الغزير اكتفيت ابلقطرة‬
‫واقتصرت على القليل (أيها االخ) ان شيخنا ملا حكم يل ابلكمال والتكميل أجاز يل‬
‫بتعليم الطريقة واحال على مجاعة من الطالبني كان يل يف ذلك الوقت تردد يف كمايل‬
‫وتكميلي فقال ليس هذا حمل الرتدد فان املشائخ العظام قالوا هلذا املقام مقام الكمال‬
‫‪- 547 -‬‬

‫والتكميل فلو جاز تردد يف هذا املقام يلزمه تردد يف كمالية هؤالء املشائخ الكرام فشرعت‬
‫يف تعليم الطريقة حسب االمر وراعيت التوجهات يف أحوال الطالبني فصارت اآلاثر‬
‫العظام حمسوسة يف املسرتشدين حت تقرر على الساعات امر السنني واشتغلت هبذا‬
‫االشغال اوقاات مث ظهر آخر االمر العلم بنقصي وظهر يل ان التجلي الربقي الذي قال‬
‫املشائخ فيه انه هناية االمر مل يظهر يل يف هذا الطريق أصال ومل يعلم السري اىل هللا والسري‬
‫يف هللا ايضا اهنما ما مها والبد من حتصيل هذه الكماالت وصار العلم بنقصي مربهنا يف‬
‫ذلك الوقت فجمعت الطالبني الذين حوايل وحدثتهم حديث نقصي وودعت مجيعهم‬
‫ولكن الطالبني محلوا هذا املعن على التواضع وهضم النفس ومل يرجعوا عما هم كانوا عليه‬
‫فرزق احلق سبحانه االحوال املنتظرة حبرمة حبيبه عليه و على آله الصالة و السالم (اعلم)‬
‫ان حاصل طريقة حضرة خواجگان قدس هللا اسرارهم اعتقاد أهل السنة واجلماعة واتباع‬
‫السنة السنية املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية واجتناب البدعة الرديئة‬
‫واالهواء النفسانية والعمل ابلعزمية مهما امكن واالحرتاز عن العمل ابلرخصة واالستهالك‬
‫واالضمحالل او ال يف جهة اجلذبة وعربوا عن هذا االستهالك ابلعدم والبقاء الذي‬
‫حيصل يف هذه اجلهة بعد االستهالك معرب عنه بوجود العدم يعين وجود وبقاء مرتتب على‬
‫العدم الذي هو االستهالك وهذا االستهالك واالضمحالل ليس هو عبارة عن الغيبة عن‬
‫احلس بل قد تتفق الغيبة عن احلس للبعض مع هذا االستهالك وقد ال تقع للبعض اآلخر‬
‫وصاحب هذا البقاء ميكن أن يرجع اىل الصفات البشرية وان يعود اىل األخالق النفسانية‬
‫خبالف البقاء الذي هو مرتتب على الفناء فان العود منه غري جائز ميكن ان يكون هذا‬
‫معن ما قال اخلواجه النقشبند قدس هللا تعاىل سره االقدس ان وجود العدم يعود اىل‬
‫وجود البشرية واما وجود الفناء فال يعود اىل وجود البشرية أصال فان الباقي ابلبقاء االول‬
‫هو يف الطريق بعد والرجوع عن الطريق ممكن والثاين واصل منته وال رجوع للواصل قال‬
‫واحد من االكابر ما رجع من رجع اال من الطريق ومن وصل ال يرجع (ينبغي) أن يعلم‬
‫أن صاحب وجود العدم وان كان يف الطريق ولكن له حبكم اندراج النهاية يف البداية‬
‫‪- 548 -‬‬

‫شعور بنهاية االمر وما هو ميسر للمنتهى يف اآلخر حاصل له خالصته من هذه اجلهة‬
‫امجاال وهذه النسبة ملا كانت يف املنتهى بطريق الشمول وعموم السراين صارت حاصلة يف‬
‫روحانيته وجسمانيته البتة ويف صاحب وجود العدم مقصور على خالصة القلب ولو يف‬
‫اجلملة و على سبيل االمجال فال جرم كان املنتهى صاحب تفصيل ورجوعه اىل صفات‬
‫اجلسمانية ممتنعا فان سراين تلك النسبة يف مراتب جسمانيته خلعه عن صفاهتا وجعله‬
‫فانيا وهذا الفناء موهبة حمضة والرجوع عن املوهبة احملضة ال يليق جبناب قدسه تعاىل‬
‫وتقدس خبالف صاحب وجود العدم فان تلك السراية مفقودة يف حقه غاية ما يف الباب‬
‫ان هذه املراتب ملا كانت اتبعة للقلب كانت تلك النسبة ايضا سارية فيها وكسرت سورهتا‬
‫وجعلتها مغلوبة ولكنها ما بلغت حد الفناء والزوال فيمكن الرجوع عنه اذ املغلوب قد‬
‫يغلب بعروض بعض العوارض وحلوق بعض املوانع والزائل ال يعود كما مر (واعلم) ان‬
‫بعض املشائخ من هذه السلسلة العلية قدس هللا أرواحهم قد اطلقوا الفناء والبقاء على‬
‫االستهالك واالضمحالل املذكور والبقاء الذي يرتتب عليه واثبتوا التجلي والشهود‬
‫الذاتيني ايضا يف تلك املرتبة وقالوا هلذا الباقي واصال وقالوا بتحقق ايد داشت الذي هو‬
‫عبارة عن دوام احلضور مع جناب احلق سبحانه يف هذا املقام ايضا وكل ذلك ابعتبار‬
‫اندراج النهاية يف البداية واال فالفناء والبقاء ال يكوانن اال للمنتهى الذي هو الواصل‬
‫والتجلي الذي خمصوص به ودوام احلضور مع هللا سبحانه ال يكون اال للمنتهى الواصل‬
‫اذ هو الذي ال رجوع له أصال واما االطالق االول فهو ايضا صحيح ابالعتبار املذكور‬
‫ومبنت على وجه وجيه ومن هذا القبيل ما وقع يف كتاب الفقرات حلضرة اخلواجه عبيد هللا‬
‫االحرار قدس هللا سره االقدس من اطالق الفناء والبقاء والتجلي والشهود الذاتيني‬
‫والوصل ودوام احلضور (قال) واحد من االعزة ان مبن ذلك الكتاب الذي عبارة عن‬
‫مكتوابت ورسائل مرسلة اىل بعض خملصيه على دراية من ارسلت إليه ومعرفته وكلموا‬
‫الناس على قدر عقوهلم مرعي فيه ومن هذا القبيل ايضا رسالة سلسلة االحرار الواقعة‬
‫على طريق كالم حضرة اخلواجه احرار والرابعيات املشروحة اليت كتبها حضرة شيخنا مؤيد‬
‫‪- 549 -‬‬

‫الدين الرضي موالان حممد الباقي سلمه هللا تعاىل وهذا البقاء بل مجيع ما هو واقع يف‬
‫طرف اجلذبة انظر اىل توحيد الوجود وهلذا بني بعض املشائخ حق اليقني على هنج مآله‬
‫اىل التوحيد الوجودي وهذا البيان اوقع البعض يف اشتباه ان حق اليقني الذي هو منسوب‬
‫اليهم وخمتص هبم عبارة عن التجلي الصوري واجنر ذلك اىل الطعن والتشنيع واحلق ان هذا‬
‫حق اليقني املنسوب اليهم الذي بينه بعض املشائخ حاصل يف جهة اجلذبة وهذه املعرفة‬
‫مناسبة هلذا املقام والتجلي الصوري شيئ آخر كما ال خيفى على اراببه واطلقوا دوام‬
‫احلضور ع لى مرتبة شهود الوحدة يف مرآة الكثرة على هنج تكون املرآة خمتفية ابلتمام وال‬
‫يبقى املشهود غري الوجه الباقي اصال لرؤيتهم هذا املقام مناسبا ليادداشت يعين دوام‬
‫احلضور ويقولون هلذا الشهود جتليا ذاتيا ايضا وشهودا ذاتيا ويقال هلذا املقام مقام‬
‫االحسان وعربوا عن ذلك االستهالك واالضمحالل ابلوصل {ع}‪:‬‬
‫انت غب فيه وذا عني الوصال‬
‫وهذا االصطالح خمصوص حبضرة انصر الدين اخلواجه عبيد هللا االحرار قدس سره‬
‫ومل يتكلم هبذا االصطالح أحد من املشائخ املتقدمني من هذه السلسلة {ع}‪:‬‬
‫ومجيع ما فعل املليح مليح‬
‫ومن كلماته القدسية ان اللسان مرآة القلب والقلب مرآة الروح والروح مرآة‬
‫احلقيقة االنسانية واحلقيقة االنسانية مرآة احلق سبحانه واحلقائق الغيبية تصل اىل اللسان‬
‫من غيب الذات بقطع هذه املسافة البعيدة ومنه تقبل صورة اللفظ وتصل اىل مسامع‬
‫املستعدين للحقائق وقال ايضا كنت يف مالزمة بعض االكابر مدة فانعم عل ّي بشيئني‬
‫احدمها ان كلما اكتبه يكون جديدا ال قدميا واثنيهما ان كلما اقول يكون مقبوال ال‬
‫مردودا ويفهم من كلماته القدسية هذه جاللة شأنه وعلو منزلة معارفه واتضح ايضا انه‬
‫ليس يف البني يف هذه الكلمات يعين ال مدخل له يف صدروها عنه وامنا ظهرت منه‬
‫بطريق االنعكاس وليس وظيفته ودخله فيها غري املرآتية هلا وهللا سبحانه اعلم حبقيقة‬
‫احلال وما عنده من علو درجة ومنزلة الكمال وانشد هذه املثنوايت {شعر}‪:‬‬
‫‪- 550 -‬‬

‫كان كل الناس اصحايب على * ظنهم والقلب ابلسر اختلى‬


‫مل يكن سري بعيدا من * انيين ولكن اين فهم للدىن‬
‫وسيكتب هذا احلقري نبذة من حقيقة علومه ومعارفه يف آخر هذا املكتوب على‬
‫مقدار فهمه القاصر واالمر عند هللا سبحانه (واذا) شرف احلق سبحانه بكمال عنايته‬
‫بعد حصول اجلذبة ومتام تلك اجلهة بنعمة السلوك ميكن (ان يقطع) مبدد اجلذبة املسافة‬
‫البعيدة اليت قدروها خبمسني الف سنة ويف قوله تعرج املالئكة والروح اليه يف يوم كان‬
‫مقداره مخسني الف سنة رمز اىل هذا التقدير يف مدة قليلة وان يصل اىل حقيقة الفناء يف‬
‫هللا والبقاء ابهلل و منتهى السلوك وصول السالك اىل هناية السري اىل هللا الذي هو معرب‬
‫عنه ابلفناء املطلق وبعد ذلك ايضا مقام اجلذبة الذي عربوا عنه ابلسري يف هللا والبقاء ابهلل‬
‫والسري اىل هللا عبارة عن السري اىل االسم الذي السالك مظهره والسري يف هللا سري يف‬
‫ذلك االسم فان كل اسم جامع المساء غري متناهية فيكون السري فيه ايضا غري متناه وهلذا‬
‫الدرويش يف هذا املقام معرفة خاصة وستذكر ان شاء هللا تعاىل عن قريب وهذا االسم يف‬
‫مراتب العروج فوق العني الثابتة فان العني الثابتة للسالك ظل ذلك االسم وصورته العلمية‬
‫واجلماعة املخصوصة بفضل احلق سبحانه يعرجون من هذا االسم ايضا ويرتقون اىل ما‬
‫شاء هللا بال هناية {شعر}‪:‬‬
‫ومن بعد هذا ما يدق صفاته * وما كتمه احظي لدي وامجل‬
‫والواصلون من سائر ارابب السلوك وان كانوا مشاركني هلم يف اجلهة الثانية‬
‫ومتحققون ابلفناء يف هللا والبقاء ابهلل ولكن املسافة اليت يقطعها ارابب السلوك‬
‫ابلرايضات واجملاهدات ويصلون اىل منتهاها يف ازمنة طويلة يقطعها اكابر هذه السلسلة‬
‫العلية ابلتذاذ دولة الشهود وذوق وجدان املقصود يف ازمنة قليلة ويصلون اىل كعبة‬
‫املطلوب مث بعد الوصول حيصل هلم ترقيات غري متناهية واملنتهون من ارابب السلوك قليلوا‬
‫النصيب من ذلك الرتقي والقرب فان تقدم اجلذبة على السلوك يستدعي حنوا من احملبوبية‬
‫فانه ما مل يكن مرادا ال حيصل له جذب فاذا اجنذب يقع اقرب ألبتة وحيصل له زايدة‬
‫‪- 551 -‬‬

‫القرب والفرق بني املراد وغري املراد كثري ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل‬
‫العظيم {مثنوي}‪:‬‬
‫عشق معشوق خفي وستري * عشق عشاق بطبل ونفري‬
‫غري ان الثاين مضن للبدن * عشق معشوق مزيد يف السمن‬
‫(فان قيل) ان املرادين من سائر السالسل ايضا شركاء هلم يف هذا الرتقي والقرب‬
‫فان اجلذبة مقدمة على سلوكهم فما يكون مزية هذا الطريق على غريه من الطرق والي‬
‫شيئ يقال له انه اقرب الطرق (اجيب) ان سائر الطرق ليست مبوضوعة حلصول هذا‬
‫املعن بل حتصل هذه الدولة لبعضهم على سبيل االتفاق وهذا الطريق موضوع حلصول‬
‫هذا املعن وايد داشت الذي يقع يف عبارات اكابر هذه السلسلة العلية يتصور بعد حتقق‬
‫كال جهيت اجلذبة والسلوك واطالق النهاية عليه ابعتبار هناية مراتب الشهود واحلضور‬
‫واال فالنهاية املطلقة وراء الوراء (وتفصيله) ان الشهود اما يف مرآة الصورة او يف مرآة املعن‬
‫او فيما وراء الصورة واملعن وقالوا هلذا الشهود العاري عن احلجاب يعين حجاب الصورة‬
‫واملعن برقيا يعين ان حصول هذا الشهود كالربق مث يكون يف احلجاب فاذا حصل هلذا‬
‫الشهود مبحض فضل احلق سبحانه دوام وخرج عن مضيق احلجب ابلتمام يعربون عنه‬
‫حينئذ بيادداشت الذي هو حضور بال غيبة فان الشهود مادام حيتجب ومل حيصل له دوام‬
‫عدم االحتجاب ال يطلق عليه اسم ايدداشت (وههنا) دقيقة ينبغي ان يعلم ان كل واصل‬
‫ال رجوع له حضوره دائمي ولكن سراين تلك النسبة يف كليته كالربق خبالف احملبوبني‬
‫الذين جذبتهم مقدمة على سلوكهم فان هذا السراين دائمي فيهم وكليتهم آخذة حلكم‬
‫السر وعاملة عمل السر كما مرت االشارة اليه النت اجسادهم كما النت أرواحهم حت‬
‫صارت ظواهرهم بواطنهم وبواطنهم ظواهرهم فال جرم ال يكون يف حضورهم للغيبة جمال‬
‫فتكون هذه النسبة فوق مجيع النسب على كل حال وهذه العبارة شائعة يف كتبهم‬
‫ورسائلهم هل ذا املعن فان النسبة عبارة عن احلضور وهناية مراتب احلضور هي ان يكون‬
‫احلضور بال حجاب ودائما وختصيص مشائخ هذه الطريقة هذه النسبة أبنفسهم ابعتبار‬
‫‪- 552 -‬‬

‫وضع الطريق حلصول هذه الدولة كما مر واال فان تيسرت لبعض اكابر طرق أخر ايضا‬
‫فجائز بل واقع وقد اظهر قدوة اكابر اهل هللا الشيخ ابو سعيد ابو اخلري قدس هللا سره‬
‫رمزا من هذا احلضور وطلب حتقيقه من استاذه حيث سئله هل يكون هذا احلديث دائميا‬
‫فقال االستاذ يف جوابه ال يكون فاعاد الشيخ املسئلة اثنيا ووجد اجلواب االول مث كرر‬
‫السؤال اثلثا فقال استاذه يف جوابه فان كان فنادر فرقص الشيخ وقال هذا من تلك‬
‫النوادر (وما قلت) من ان النهاية املطلقة وراء الوراء فبيانه انه اذا وقع العروج بعد حتقق‬
‫هذا احلضور يقع السالك يف جلة احلرية وخيلف هذا احلضور وراء ظهره كسائر مراتب‬
‫العروج وهذه احلرية هي املسماة ابحلرية الكربى املخصوصة ابالكابر كما وقع يف كتب‬
‫القوم قال واحد من االكابر يف هذا املقام {شعر}‪:‬‬
‫حسن توم راكرد چنان زيرو زبر * كزخال و خط وزلف توام نيست خرب‬
‫{مضمونه}‬
‫نسيت اليوم من عشقي صاليت * فال ادري غدائي من عشائي‬
‫و قال اآلخر {شعر}‪:‬‬
‫تعاىل العشق عن كفر ودين * كذاك عن التشكك واليقني‬
‫رأيت العقل مقروان بكفر * وذي دين وشك واليقني‬
‫فجزت عواملا من غري عقل * فلم ار بعد من كفر ودين‬
‫وكل الكون سدك يف طريق * ارى ذا سد أيجوج بعني‬
‫و قال اآلخر من االعزة {شعر}‬
‫وقد ساروا وطاروا حنو اوج * فعادوا صفر جيب واليدين‬
‫وبعد حصول هذه احلرية مقام املعرفة ومن ذا يشرف هبذه الدولة ومن ذا حيتظ‬
‫ابالميان احلقيقي بعد الكفر احلقيقي الذي هو مقام احلرية وهناية مطلوب احملققني يف هذا‬
‫االميان ومقام الدعوة وكمال متابعة سيد املرسلني عليه الصالة و السالم على وفق قوله‬
‫‪- 553 -‬‬

‫تعاىل ادعوا اىل هللا على بصرية اان ومن اتبعين يف هذا املقام وكان صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫يطلب هذا االميان حيث قال يف دعائه اللهم[‪ ]1‬اعطين امياان صادقا ويقينا ليس بعده كفر‬
‫وكان يستعيذ من الكفر احلقيقي الذي هو مقام احلرية حيث قال اعوذ[‪ ]2‬بك من الكفر‬
‫والفقر وهذه املرتبة هناية مراتب حق اليقني وههنا ليس العلم والعني بعضهما حجااب عن‬
‫بعض {شعر}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫(واعلم) ارشدك هللا ان جذبة هؤالء االعزة على نوعني النوع االول واصل من‬
‫الصديق االكرب رضي هللا عنه وهبذا االعتبار ينسب طريقهم إليه رضي هللا عنه وحصول‬
‫هذا النوع ابلتوجه اىل الوجه اخلاص الذي هو قيوم مجيع املوجودات واالستهالك‬
‫واالضمحالل فيه والنوع الثاين مبدأ ظهوره يف هذا الطريق حضرة اخلواجه هباء الدين‬
‫النقشبند وهو ينبعث من طريق املعية الذاتية ووصلت تلك اجلذبة من حضرة اخلواجه اىل‬
‫اول خلفائه اخلواجه عالء الدين وملا كان هو قطب االرشاد يف وقته وضع طريقا ايضا‬
‫حلصول هذه اجلذبة وذلك الطريق مشهور فيما بني خلفاء هذه السلسلة ابلعالئي ورمبا‬
‫يقع يف عباراهتم ان أقرب الطرق الطريقة العالئية واصل هذه اجلذبة وان كان من اخلواجه‬
‫النقشنبد ولكن وضع الطريق لتحصيلها خمصوص ابخلواجه عالء الدين قدس هللا اسرارمها‬
‫واحلق ان هذا الطريق كثري الربكة وقليله أنفع من كثري طرق اآلخرين وخلفاء مشائخ‬
‫العالئية واالحرارية مشرفون وحمتظون هبذه الدولة العظمى ويربون الطالبني هبذا الطريق انل‬
‫اخلواجه احرار هذه الدولة العظمى من موالان يعقوب الچرخي عليهما الرضوان وهو من‬
‫خلفاء اخلواجه عالء الدين (والنوع االول) من اجلذبة الذي هو منسوب اىل الصديق‬
‫االكرب رضي هللا عنه وضع حلصوله طريق على حدة وذلك الطريق هو الوقوف العددي‬
‫والسلوك الذي يتحقق بعد هذه اجلذبة ايضا على نوعني بل على انواع نوع بلغ الصديق‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي و حم ّمد ابن نصر املروزي والطرباين والبيهقي يف كتاب الدعوات عن انس رضي هللا عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي واحلاكم وصححه عن انس رضي هللا عنه واقروا بتصحيحه‪.‬‬
‫‪- 554 -‬‬

‫رضي هللا عنه مقصوده من هذا الطريق وخامت الرسالة عليه الصالة و السالم ايضا وصل‬
‫من موطن اجلذبة هبذا الطريق وملا كان الصديق رضي هللا عنه متخلقا بكمال االخالق‬
‫الذي كان فيه صلّى هللا عليه و سلّم وفانيا فيه خص من بني سائر االصحاب رضوان هللا‬
‫تعاىل عليهم أمجعني خبصوصية هذا الطريق وهذه النسبة اعين نسبة اجلذبة والسلوك‬
‫املذكورين اآل ن وصلت اىل االمام جعفر الصادق هبذه اخلصوصية وملا كانت والدة االمام‬
‫من بنات اوالد الصديق رضي هللا عنه قال االمام مبالحظة كال االعتبارين ولدين ابو بكر‬
‫مرتني وحيث كان االمام اخذ نسبة على حدة من آابئه الكرام صار جامعا كال هذين‬
‫الطرفني ومجع تلك اجلذبة مع سلوكهم ووصل اىل املقصود هبذا السلوك والفرق بني هذين‬
‫السلوكني هو ان سلوك االمام علي يقطع ابلسري اآلفاقي وسلوك الصديق ال يتعلق‬
‫ابالفاق كثريا ويشبه بنقب نقبة من موطن اجلذبة اىل ان تصل اىل املقصود و يف السلوك‬
‫االول حتصيل املعارف ويف الثاين غلبة احملبة فال جرم كان االمام علي ابب مدينة العلم‬
‫[‪]1‬‬
‫وكان للصديق قابلية خلته عليه الصالة و السالم قال عليه الصالة و السالم لو كنت‬
‫متخذا خليال الختذت ااب بكر خليال وحصل االمام ابعتبار جامعيته للجذبة اليت مبناها‬
‫احملبة وجهة السلوك اآلفاقي الذي هو منشأ العلوم واملعارف نصيبا وافرا من احملبة واملعرفة‬
‫مث فوض االمام هذه النسبة املركبة بطريق الوديعة اىل سلطان العارفني وكانه محل ثقل هذه‬
‫االمانة على ظهره ليسلمها اىل اهلها ابلتدريج ووجه عنان توجهه اىل جانب آخر مل تكن‬
‫له مناسبة بتلك النسبة قبل حتمل تلك االمانة ويف هذا التحميل ايضا حكم كثري وان‬
‫كان نصيب احلاملني منها قليال ولكن هلا نصيب وافر من انوار هؤالء االكابر كما ان‬
‫نوعا من السكر مثال الذي هو مندمج وممتزج فيها من آاثر انوار سلطان العارفني وهذا‬
‫السكر جيعل املبتدئ غائبا عن احلس ويورثه عدم الشعور مث يسترت بعد ذلك ابلتدريج‬
‫وابعتبار غلبة الصحو تكون هذه النسبة مندجمة يف مراتب الصحو ففي الظاهر صحو‬

‫(‪ ( )1‬وقوله لو كنت متخذا خليال احلديث) رواه البخاري عن ابن عباس وهو وامحد عن الزبري بن العوام رضي هللا‬
‫عنهم‪.‬‬
‫‪- 555 -‬‬

‫ويف الباطن سكر وهذا البيت يف بيان حاهلم {شعر}‪:‬‬


‫بقلبك صاحبنا وجانب بظاهر * و ذا السري يف الدنيا قليل النظائر‬
‫و على هذا القياس اخذت من كل واحد من االكابر نورا ووصلت اىل اهلها وهو‬
‫العارف الرابين اخلواجه عبد اخلالق الغجدواين رأس حلقة سلسلة خواجكان قدس هللا‬
‫اسرارهم ففي ذلك الوقت حصلت لتلك النسبة طراوة كلية وبرزت يف عرصة الظهور مث‬
‫صار جانب السلوك اآلفاقي خمتفيا بعده يف هذه السلسلة وصاروا يسلكون طرقا أخر بعد‬
‫حصول اجلذبة ويعرجون منها وملا جاء حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس هللا سره‬
‫االقدس اىل عامل الظهور ظهرت تلك النسبة اثنيا بتلك اجلذبة والسلوك اآلفاقي وصار هو‬
‫هبذين اجلهتني جامعا لكمال املعرفة واحملبة ومع وجود ذلك القسم الواحد من اجلذبة‬
‫اعطي قسما آخر منها ايضا منبعثا من طريق املعية كما مر وحصل من كماالته نصيب‬
‫وافر لنائب منابه اعين حضرة اخلواجه عالء احلق والدين وتشرف بدولة كال اجلذبتني‬
‫والسلوك اآلفاقي وبلغ مقام قطبية االرشاد وكذلك اخلواجه حممد اپرسا قدس سره حاز‬
‫حظا وافرا من كماالته قال حضرة اخلواجه يف آخر حياته يف حقه من اراد ان ينظر اىل‬
‫ايل حممد ونقل عنه ايضا انه قال املقصود من وجود هباء الدين وجود حممد ومع‬ ‫فلينظر ّ‬
‫وجود هذه الكماالت يف خواجه اپ رسا منحه اخلواجه عارف الديككراين يف آخر حياته‬
‫نسبة الفردية وهذه النسبة صارت مانعة له من املشيخة وتكميل الطلبة واال كان له يف‬
‫الكمال والتكميل درجة عليا قال حضرة اخلواجه يف شأنه لو رىب هو املريدين لينور العامل‬
‫منه ووجد موالان عارف هذه النسبة اعين نسبة الفردية من والد زوجته موالان هباء الدين‬
‫يعين القشالقي (ينبغي) ان يعلم ان وجه الفردية اىل احلق سبحانه ابلتمام ال تعلق له‬
‫ابملشيخة والتكميل والدعوة فان اجتمعت تلك النسبة مع نسبة قطبية االرشاد اليت هي‬
‫مقام دعوة اخللق وتكميلهم ينبغي ان ينظر فان كانت نسبة الفردية غالبة فطرف االرشاد‬
‫والتكميل ضعيف ومغلوب على هذا التقدير واال فصاحب هاتني النسبتني يف حد‬
‫االعتدال ظاهره مع اخللق ابلتمام وابطنه مع احلق تعاىل وتقدس ابلكلية والدرجة العليا يف‬
‫‪- 556 -‬‬

‫مقام دعوة اخللق لصاحب هاتني النسبتني ونسبة قطبية االرشاد وان كانت وحدها كافية‬
‫يف الدعوة ولكن هلؤالء األكابر يف هذا املقام مرتبة على حدة نظرهم شفاء االمراض‬
‫القلبية وصحبتهم دافعة لالخالق الغري املرضية وكان سيد الطائفة جنيد مستسعدا هبذه‬
‫الدولة ومشرفا هبذه املنزلة حصلت له نسبة القطبية من شيخه السري السقطي ونسبة‬
‫الفردية من الشيخ حممد القصاب ومن كلماته القدسية ان الناس يزعمونين مريد السري اان‬
‫مريد حممد القصاب جعل نسبة الفردية غالبة ونسى نسبة القطبية ورآها معدومة يف جنبها‬
‫(وبعد) خلفاء اخلواجه النقشنبد كان سراج هذه الطائفة العلية حضرة اخلواجه عبيد هللا‬
‫االحرار قدس سره توجه اىل السري اآلفاقي بعد إمتام جذبة خواجگان قدس هللا اسرارهم‬
‫واوصل السري اىل االسم وحصل له االستهالك والفناء فيه قبل دخوله اىل االسم مث عاد‬
‫اىل موطن اجلذبة وحصل له يف تلك اجلهة استهالك واضمحالل خاص ووجد البقاء‬
‫ايضا يف تلك اجلهة وابجلملة كان له شأن عظيم يف تلك اجلهة وما يتيسر من العلوم‬
‫واملعارف من الفناء والبقاء تيسر له يف هذا املقام وان كان يف العلوم تفاوت بواسطة تغاير‬
‫اجلهتني ومن التفاوت اثبات توحيد الوجود وعدمه وكذلك اثبات امور مناسبة للتوحيد‬
‫املذكور من االحاطة والسراين واملعية الذاتيات وشهود الوحدة يف الكثرة مع اكتفاء الكثرة‬
‫ابلكلية حبيث ال يرجع كلمة اان اىل السالك اصال وامثال ذلك خبالف العلوم اليت ترتتب‬
‫على البقاء الذي بعد الفناء املطلق فاهنا ليست كذلك بل هي مطابقة لعلوم الشريعة‬
‫حقيقة غري حمتاجة اىل التمحالت والتكلفات واالسئلة واالجوبة وابجلملة ان البقاء يف‬
‫جهة اجلذبة اي جذبة كانت ال خيرج السالك من السكر وال يدخله يف الصحو وهلذا ال‬
‫يرجع اان اىل السالك الباقي مع وجود البقاء وال تقع االشارة عليه الن يف اجلذبة غلبة‬
‫احملبة وغلبة احملبة يلزمها السكر ال ينفك عنها بوجه من الوجوه وهلذا تكون علومها ممتزجة‬
‫ابلسكر يعين ابملعارف السكرية كالقول بوحدة الوجود فان مبناها على السكر وغلبة‬
‫احملبة حبيث ال يبقى يف نظر احملب سوى احملبوب فيحكم بنفي ما سواه فان خرج من‬
‫السكر اىل الصحو ال يكون شهود احملبوب مانعا عن شهود ما سواه فال حيكم بوحدة‬
‫‪- 557 -‬‬

‫الوجود والبقاء الذي بعد الفناء املطلق وهناية السلوك فهو منشأ الصحو ومبدأ املعرفة ال‬
‫مدخل للسكر يف ذلك املوطن وما غاب عن السالك يف حالة الفناء يرجع اليه كله ولكن‬
‫منصبغا بصبغ االصل وهو املعن ابلبقاء ابهلل فبالضرورة ال يكون للسكر جمال يف علوم‬
‫أرابب هذا البقاء فتكون علومهم مطابقة لعلوم االنبياء عليهم الصالة و السالم (وايضا)‬
‫اين مسعت واحدا من االعزة يقول ان حضرة اخلواجه احرار قدس سره حصل ايضا نسبة‬
‫من آابئه واجداده من طرف امه وقد كانوا اصحاب احوال غريبة وجذابت قوية وكان‬
‫حلضرة اخلواجه احرار نص يب وافر من مقام االقطاب االثنا عشر الذين أتييد الدين كان‬
‫مربوطا هبم وهلم شأن عظيم يف احملبة وحصل له أتييد الشريعة ونصرة الدين من هذه اجلهة‬
‫وقد ذكرت مشة من احواله فيما سبق مث حتقق احياء طريقة هؤالء االكابر وإشاعة آداب‬
‫هؤالء االعزة بعده خصوصا يف ممالك اهلند اليت كان اهلها حمرومني من كماالهتم بظهور‬
‫معدن االرشاد ومنبع املعارف مؤيد الدين الرضي شيخنا وموالان حممد الباقي سلمه هللا‬
‫وقد اردت ان اذكر نبذة من كماالته ايضا يف هذا املكتوب ولكن ملا مل يفهم رضاؤه يف‬
‫هذا الباب تركت اجلرأة عليه‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والتسعون واملائتان اىل موالان عبد احلي يف بيان مراتب‬
‫التوحيد الوجودي والشهودي وما يتعلق هبما من املعارف}‬
‫الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫و على آله وأصحابه امجعني اعلم ارشدك هللا تعاىل ان منشأ التوحيد الوجودي يف مجاعة‬
‫كثرة ممارسته مراقبات التوحيد ومالحظة معن ال اله اال هللا بال موجود اال هللا وتعقله‬
‫كذلك وظهور هذا القسم من التوحيد بعد التمحل والتأمل والتخيل بواسطة استيالء‬
‫سلطان اخليال فان من كثرة مزاولة معن التوحيد تنتقش هذه املعرفة يف املتخيلة وحيث‬
‫كانت جمعولة جبعل اجلاعل تكون معلومة البتة وليس صاحب هذا التوحيد من ارابب‬
‫االحوال فان ارابب االحوال ارابب القلوب وال خرب له يف ذلك الوقت عن مقام القلب‬
‫‪- 558 -‬‬

‫بل هو علمي ال غري بل للعلم درجات بعضها فوق بعض ومنشأ التوحيد الوجودي يف‬
‫مجاعة أخرى االجنذاب واحملبة القلبية حيث اشتغلوا ابتداء ابالذكار واملراقبات خالية عن‬
‫ختيل معن التوحيد وبلغوا ابجلد واجلهد او مبجرد سبق العناية مقام القلب وحصلوا اجلذب‬
‫فان ظهر هلم يف هذا املقام مجال التوحيد الوجودي فسببه ينبغي ان يكون غلبة حمبة‬
‫اجملذوب فاهنا جعلت ما سوى احملبوب خمتفيا عن نظرهم ومستورا فاذا مل يروا ما سوى‬
‫احملبوب ومل جيدوه فال جرم ال يعلمون موجودا غري احملبوب وهذا القسم من التوحيد من‬
‫األحوال ومنزه ومربأ عن علة التخيل وشائبة التوهم واالنتقاش يف اخليال فان رجعت هذه‬
‫اجلماعة الذين هم من ارابب القلوب من ذلك املقام اىل العامل يشاهدون حمبوهبم يف كل‬
‫ذرة من ذرات العامل ويرون املوجودات مرااي حسن احملبوب وجمايل مجاله فان توجهوا‬
‫مبحض فضل احلق جل سلطانه من مقام القلب اىل جناب قدس مقلب القلب تشرع‬
‫هذه املعرفة التوحيدية احلاصلة يف مقام القلب يف الزوال وكلما صعدوا يف معارج العروج‬
‫جيدون انفسهم غري مناسب لتلك املعرفة حت تبلغ مجاعة منهم حد االنكار والطعن يف‬
‫ارابب تلك املعرفة مثل شيخ ركن الدين ابو املكارم عالء الدولة السمناين وال يبقى لبعض‬
‫آخر شغل بنفي تلك املعرفة واثباهتا وكاتب هذه السطور يتحاشا من انكار ارابب هذه‬
‫املعرفة ويبعد نفسه عن طعنهم فانه امنا يكون لالنكار والطعن جمال اذا كان الرابب ذلك‬
‫احلال حني ظهوره قصد واختيار وهذا املعن ظهر فيهم من غري ارادة وصنع منهم فهم‬
‫مغلوبون لذلك احلال فيكونون معذورين البتة وال رد وال طعن للمضطر املعذور ولكين‬
‫اعلم ان فوق هذه املعرفة معرفة أخرى ووراء هذا احلال حالة أخرى واحملبوسون يف هذا‬
‫املقام ممنوعون عن كماالت كثرية وحمرومون من مقامات عديدة وقد فتح هلذا الفقري قليل‬
‫البضاعة ابب هذه املعرفة من غري ممارسة معن التوحيد يف ضمن املراقبات واالذكار بل‬
‫من غري جد وجهد بفضل احلق سبحانه يف مالزمة منبع اهلداية واالفاضة ومعدن احلقائق‬
‫واملعارف املستفاضة مؤيد الدين الرضي شيخنا وموالان حممد الباقي قدس هللا تعاىل سره‬
‫االقدس بعد تعليم الذكر وتوجهه والتفاته وايصاله اىل مقام القلب واعطيت يف هذا املقام‬
‫‪- 559 -‬‬

‫علوما غزيرة ومعارف كثرية وانكشفت دقائق هذه املعارف وبقيت مدة مديدة يف هذا‬
‫املقام مث اخرجت آخ ر االمر من مقام القلب بيمن عنايته لعبده وتوجهت هذه املعارف‬
‫يف ضمن ذلك حنو الزوال حت صارت ابلتدريج معدومة واملقصود من اظهار االحوال‬
‫ليعلم ان ما هو املسطور واملر قوم حمرر على وجه الذوق والكشف ال على وجه الظن‬
‫والتقليد وما ظهر من بعض اولياء هللا تعاىل من املعارف التوحيدية لعلها ظهرت منهم يف‬
‫ابتداء احواهلم من مقام القلب فال يلحقهم حينئذ نقص من هذه اجلهة اصال وقد كتب‬
‫هذا الفقري ايضا رسائل يف املعارف التوحيدية وملا نشر بعض االصحاب تلك الرسائل‬
‫تعسر مجعها فرتكت على حاهلا وامنا يلزم النقص اذا مل جياوزوا هذا املقام (وطائفة) أخرى‬
‫من ارابب التوحيد الذين حصل هلم االستهالك واالضمحالل يف مشهودهم على الوجه‬
‫االمت وجل مهتهم ان يكونوا مضمحلني ومعدومني يف مشهودهم دائما وان ال يرى اثر من‬
‫لوازم وجودهم ويرون رجوع اان اىل انفسهم كفرا وهناية االمر عندهم الفناء واالنعدام حت‬
‫يرون املشاهدة ايضا تعلقا قال بعضهم اشتهي عدما ال اعود ابدا وهم قتلى احملبة وحديث‬
‫من قتلته حمبيت فاان ديتهم صادق يف حقهم ومتحقق يف شأهنم وهم حتت ثقل الوجود ليال‬
‫وهنارا ال يسرتحيون حملة فان الراحة يف الغفلة وال جمال للغفلة على تقدير دوام االستهالك‬
‫(قال) شيخ االسالم اهلروي من اغفلين عن احلق سبحانه ساعة ارجو ان يغفر له مجيع‬
‫ذنوبه والغفلة الزمة للوجود البشرية وجعل احلق سبحانه تعاىل ظاهر كل منهم من كمال‬
‫كرمه مشغوال ابمور مستلزمة للغفلة على قدر استعداده ليخف عنهم اثقال الوجود يف‬
‫اجلملة الف مجاعة منهم السماع والرقص وجعل طائفة مشغولة بتصنيف الكتب وحترير‬
‫العلوم واملعارف وشغل بعضهم ابمور مباحة كان الشيخ عبد هللا االصطخري[‪ ]1‬يذهب‬
‫اىل الصحراء ومعه كالب يصطاد هبم فسأل شخص واحد من االعزة عن سره فقال‬
‫ليتخلص عن ثقل الوجود حلظة وروح بعضهم بعلوم التوحيد الوجودي وشهود الوحدة يف‬
‫الكثرة ليسرتيح من تلك االثقال ساعة ومن هذا القبيل ما ظهر من بعض اكابر مشائخ‬

‫(‪ )1‬عبدهللا االصطخري هكذا يف نسخ املكتوابت ويف نسخ النفحات عبدالرحيم وهللا اعلم ابلصواب‪ .‬عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 560 -‬‬

‫النقشبندية قدس هللا اسرارهم العلية من املعارف التوحيدية فان نسبتهم جتر اىل التنزيه‬
‫الصرف ال تعلق هلا ابلعامل وشهود العامل وما كتبه معدن االرشاد ومنبع احلقائق واملعارف‬
‫انصر الدين اخلواجه عبيد هللا االحرار من املعارف املناسبة بعلوم التوحيد الوجودي‬
‫وشهود الوحدة يف الكثرة من القسم االخري من التوحيد وكتاب الفقرات له مشتمل على‬
‫بعض علوم التوحيد وغريها منشأ علوم ذلك الكتاب واملقصود من تلك املعارف استئناسه‬
‫والفته ابلعامل وكذلك معارف شيخنا احملررة يف بعض الرسائل على طبق كالم كتاب‬
‫الفقرات وليس منشأ هذه العلوم التوحيدية اجلذبة وال غلبة احملبة وال نسبة ملشهودهم‬
‫ابلعامل وما يرى هلم يف مرآة العامل امنا هو شبه مشهودهم ومثاله ال مشهودهم احلقيقي كما‬
‫ان شخصا اذا كان عاشقا جلمال الشمس ومن كمال احملبة افن نفسه يف الشمس حبيث‬
‫مل يرتك من نفسه امسا وال رمسا فاذا اريد تسليته وانسه والفته مبا سوى الشمس ليتنفس من‬
‫غلبة تشعشع انوارها حملة ويسرتيح منها حلظة يرى له الشمس يف جمايل هذا العامل وحيصل‬
‫له بتلك العالقة انس وألفة هبذا العامل ويقال له احياان ان هذا العامل عني الشمس وال‬
‫موجود غريها اصال واحياان يرى له مجال الشمس يف مرآة ذرات العامل (ال يقال) ان العامل‬
‫اذا مل يكن عني الشمس يف نفس االمر يكون االخبار أبنه عني الشمس خالف الواقع‬
‫(الان نقول) ان لبعض افراد العامل مع بعض آخر اشرتاكا يف بعض االمور وامتيازا يف بعض‬
‫آخر واحلق سبحانه بكمال قدرته خيفي عن نظر هؤالء االكابر االمور الباعثة على‬
‫االمتياز بواسطة بعض احلكم واملصاحل و يبقى االجزاء املشرتكة فقط مشهودة فيحكمون‬
‫ابحتاد بعضها لبعض ابلضرورة فتجد الشمس فيما حنن فيه هبذه العالقة عني العامل‬
‫وكذلك احلق سبحانه وان مل يكن له مناسبة ابلعامل يف احلقيقة اصال ولكن املشاهبة االمسية‬
‫قد تصري مصححة هلذا االحتاد فان احلق سبحانه مثال موجود والعامل ايضا موجود وان مل‬
‫يكن بني الوجودين يف احلقيقة مناسبة اصال وكذلك هو تعاىل عامل ومسيع وبصري وحي‬
‫وقادر ومريد وبعض افراد العامل ايضا متصف هبذه الصفات وان كان صفات كل منهما‬
‫مغايرة لصفات اآلخر ولكن ملا كانت خصوصية الوجود االمكاين ونقائص احملداثت‬
‫‪- 561 -‬‬

‫مستورة عن نظرهم ساغ هلم او حكموا ابالحتاد وهذا القسم االخري من التوحيد اعلي‬
‫اقسام التوحيد بل ليس ارابب هذه املعرفة يف احلقيقة مغلويب هذا الوارد ومل يكن الباعث‬
‫على ه ذه املعرفة سكرهم بل اورد عليهم هذا الوارد الجل مصلحة ما واريد اخراجهم من‬
‫السكر اىل الصحو بسبب هذه املعرفة وتسليتهم هبا كما تتسلى مجاعة ابلسماع والرقص‬
‫وطائفة ابالشتغال ببعض امور مباحة (ينبغي) ان يعلم ان هؤالء املذكورين من هذه‬
‫الطوائف يشتغلون ببعض امور مغايرة ملشهودهم ويتسلون هبا على ما عرفت خبالف‬
‫هؤالء االكابر فاهنم ال يلتفتون اىل امر مغاير ملشهودهم وال يتسلون به فال جرم قد يرى‬
‫هلم العامل عني مشهودهم او يظهر هلم مشهودهم يف مرآة العامل ليخف عنهم ذلك الثقل‬
‫ساعة ومنشأ هذا القسم االخري من التوحيد مل يكن معلوما هلذا احلقري بطريق الكشف‬
‫والذوق بل املعلوم هو اجلهتان السابقتان وهذا القسم ظين وهلذا مل كتبت يف كتيب‬
‫ورسائلي االّ هاتني اجلهتني بل اجلهة الثانية فقط وجعلت التوحيد الوجودي منحصرا فيها‬
‫ولكن ملا وقع املرور ببلدة دهلي احملروسة بعد رحلة مرشدي وقبليت بنية زايرة قربه الشريف‬
‫اتفاقا وذهبت لزايرة قربه الشريف يوم عيد ظهر يف اثناء التوجه اىل مزاره املتربك من‬
‫روحا نيته املقدسة التفات اتم ومنحين من كمال الطافه واشفاقه للغرابء نسبته اخلاصة‬
‫املنسوبة اىل اخلواجه احرار قدس سره وملا وجدت تلك النسبة يف نفسي وجدت حقيقة‬
‫تلك العلوم واملعارف بطريق الذوق ابلضرورة وعلمت ان منشأ التوحيد الوجودي فيهما‬
‫ليس هو االجنذاب القليب وغلبة احملبة بل املقصود من تلك املعرفة ختفيف تلك احملبة ومل ار‬
‫اظهار هذا املعن مناسبا اىل مدة مديدة ولكن ملا كان ذلك الوجهان السابقان مذكورين‬
‫يف بعض الرسائل وقع من ذل ك اانس قليلوا الدراية يف توهم انه يلزم من هذا البيان تنقيص‬
‫هذين الشيخني اجلليلني ابن طريقهما طريق أرابب التوحيد واطالوا هبذا السبب لسان‬
‫الفتنة حت صار ذلك التوهم يف بعض الطالب القليلي االخالص واليقني ابعثا على فتور‬
‫احواهلم فرأيت املصلحة يف اظهار هذا القسم من التوحيد ابلضرورة ورأيت املناسب ذكر‬
‫تلك الواقعة لالس تشهاد فحررهتا لذلك (نقل) درويش من خملصي شيخنا عنه انه قال ان‬
‫‪- 562 -‬‬

‫الناس يزعمون ابان نكتسب النسبة من مطالعة كتب ارابب التوحيد وليس كذلك بل‬
‫املقصود ان نغفل انفسنا ساعة وهذا الكالم مؤيد للكالم السابق (ونقل) معدن الفضيلة‬
‫الشيخ عبد احل ق الذي هو من خملصي شيخنا عنه انه قال قبيل اايم رحتله قد صار‬
‫معلوما لنا بيقني يقني ان التوحيد الوجودي سكة ضعيفة والطريق السلطاين غريه وان‬
‫كنت أعلم ذلك قبل ذلك ولكن اآلن قد ظهر هذا القسم من اليقني به ويفهم من هذا‬
‫الكالم ايضا انه مل يكن ملشربه مناسبة ابلتوحيد الوجودي يف آخر االمر وان كان قد ظهر‬
‫مثل هذا التوحيد يف ابتداء احلال فليس ذلك بضائر بل قد ظهر مثل هذا التوحيد لكثري‬
‫من املشائخ يف ابتداء امرهم مث انقلعوا عنه يف اآلخر (وايضا) ان بني طريق اخلواجه‬
‫النقشبند وطريق اخلواجه احرار فرقا ومغارية بعد الوصول اىل مقام اجلذبة النقشبندية‬
‫وكذلك بني علومهما ومعارفهما ايضا فرق وغالب توجه اخلواجه احرار بعد ذلك اىل‬
‫نسبة اجداده من طرف امه وكانوا كرباء بطنا بعد بطن وهذا الفناء واالنعدام الذي ذكر‬
‫فيما سبق من لوازم نسبة هؤالء االكابر وهذا الفقري اختار لرتبية الطالبني طريق حضرة‬
‫اخلواجه النقشبند ملصلحة ابناء هذا الوقت ورأيت املناسب ظهور علوم هذا الطريق‬
‫ومعارفه اليت هي اكثر مناسبة بعلوم الشريعة يف مثل هذا الزمان الفاسد الذي ظهر فيه‬
‫ضعف اتم يف اركان الشريعة فعينت هذا الطريق الفادة الطالبني فلو اراد احلق سبحانه‬
‫ت رويج الطريقة االحرارية بواسطة هذا احلقري لنور العامل أبنوارها فاين قد اعطيت انوار كل‬
‫من هذين الشيخني املعظمني على وجه الكمال وكشف عن طريق تكميل كل منهما ان‬
‫الفضل بيد هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم {شعر}‪:‬‬
‫مليك من عنايته ولطفه * العطى للفقري العاملينا‬
‫{آخر}‪:‬‬
‫فاذا أتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا‬
‫وقد اوردت بعض االسرار اخلفية حبكم واما بنعمة ربك فحدث يف معرض الظهور‬
‫نفع احلق سبحانه الطالبني هبا واين وان كنت اعلم اهنا ال تزيد املنكرين غري االنكار ولكن‬
‫‪- 563 -‬‬

‫املقصود افادة الطالبني واملنكرون خارجون عن املبحث ومبعدون عن مطمح النظر يضل‬
‫به كثريا ويهدي به كثريا وال خيفى على ارابب البصرية ان اختيار طريق من الطرق الجل‬
‫مصلحة ال يستلزم افضلية هذا الطريق على طريق آخر وال يلزم منه تنقيصه {شعر}‪:‬‬
‫وميكن غلق ابواب احلصون * ولكن ال جناة من الكالم‬

‫{املكتوب الثاين والتسعون واملائتان اىل الشيخ محيد البنگايل يف بيان اآلداب‬
‫الضرورية للمريدين ودفع بعض الشبه}‬
‫الرحيم احلمد هلل الذي أدبنا ابآلداب النبوية وهذبنا ابالخالق‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫املصطفوية عليه و على آله افضل الصالة و السالم وازكى التحية (اعلم) ان سالكي هذا‬
‫الطريق ال خيلون عن احد احلالني اما ان يكونوا مريدين واما ان يكونوا مرادين (فان) كانوا‬
‫مرادين فطوىب هلم يوصل هبم اىل املطلب االعلى من طريق االجنذاب واحملبة من غري‬
‫اختيار ويعلمون كل ادب الزم بواسطة او بال واسطة فان صدرت عنهم زلة ينبهون عليها‬
‫سريعا وال يؤا خذون هبا فان احتاجوا اىل شيخ ظاهر يهتدون اليه من غري سعي عنهم‬
‫وابجلملة ان العناية االزلية متكفلة حلال هؤالء االكابر وال بد من حصول امرهم بسبب او‬
‫بال سبب وهللا جيتيب اليه من يشاء (وان كانوا) مريدين فأمرهم من غري شيخ كامل مكمل‬
‫عسري والشيخ ينبغي ان يكون مشرفا بدولة اجلذبة والسلوك ومستسعدا بسعادة الفناء‬
‫والبقاء وان يكون قد أمت السري اىل هللا والسري يف هللا والسري عن هللا ابهلل والسري يف‬
‫االشياء ابهلل فان كانت جذبته مقدمة على سلوكه وترىب برتبية املرادين فهو كربيت امحر‬
‫كالمه دواء ونظره شفاء احياء القلوب امليتة منوط بتوجهه الشريف وتزكية النفوس العاتية‬
‫مربوطة ابلتفاته اللطيف فان مل يوجد صاحب دولة مثل ذلك فالسالك اجملذوب ايضا‬
‫مغتنم حيصل منه تربية الناقصني ويصلون بوساطته اىل دولة الفناء والبقاء {شعر}‪:‬‬
‫مت قسنا السما ابلعرش ينحط * وما أعاله ان قسنا أبرض‬
‫فان اهتدى الطال ب يعناية احلق جل سلطانه اىل مثل هذا الشيخ الكامل املكمل‬
‫‪- 564 -‬‬

‫ووصل اليه ينبغي ان يغتنم وجوده وان يفوض نفسه اليه ابلتمام وان يعتقد سعادته يف‬
‫مرضياته وشقاوته يف خالف مرضياته وابجلملة ينبغي ان جيعل هواه اتبعا لرضاه ويف اخلرب‬
‫النبوي عليه الصالة و السالم لن يؤمن احدكم حت يكون هواه اتبعا ملا جئت به (اعلم‬
‫ان) رعاية آداب الصحبة ومراعاة شرائطها من ضرورايت هذا الطريق حت يكون طريق‬
‫االفادة واالستفادة مفتوحا وبدوهنا ال نتيجة للصحبة وال مثرة للمجالسة ولنورد بعض‬
‫اآلداب والشرائط الضرورية يف معرض البيان ينبغي استماعها بسمع العقل (اعلم) انه‬
‫ينبغي للطالب ان يعرض بقلبه عن مجيع اجلهات وان يتوجه به اىل شيخه وان ال يشتغل‬
‫ابلنوافل واالذكار مع وجود الشيخ بال اذنه وال يلتفت يف حضوره اىل غريه بل جيلس لديه‬
‫متوجها بكليته اليه حت ال يشتغل عنده ابلذكر ايضا اال ان أيمره به وال يصلي يف‬
‫حضوره غري الفرائض والسنن (ونقل) عن سلطان هذا الوقت ان وزيره كان قائما عنده‬
‫فالتفت الوزير يف ذلك الوقت اتفاقا اىل ثوبه واصلح ازراره بيده فوقع نظر السطان عليه‬
‫يف هذا احلال فرآه متوجها اىل غريه فقال له بلسان العتاب اان ال اقدر ان اهضم هذا‬
‫الفعل تكون وزيري وتلتفت يف حضوري اىل غريي وتشتغل ابصالح ازرار ثوبك فينبغي‬
‫التأمل اذا كانت رعاية اآلداب الدقيقة الزمة يف وسائل الدنيا الدنية تكون رعاية اآلداب‬
‫الزمة على الوجه االمت يف وسائل الوصول اىل هللا و مهما امكن ال يقوم يف حمل يقع ظله‬
‫على ثوب شيخه او على ظله وال يضع رجله يف مصاله وال يتوضأ يف متوضاه وال‬
‫يستعمل ظروفه اخلاصة به وال يشرب ماء وال أيكل طعاما وال يكلم احدا يف حضوره بل‬
‫ال يكون متوجها اىل احد وال ميد رجله عند غيبة شيخه اىل جانب هو فيه وال يرمي بزاقه‬
‫اىل ذلك اجلانب وكل شئ يصدر عن شيخه يعتقده صوااب وان مل ير صوااب يف الظاهر‬
‫فانه يفعل ما يفعله بطريق االهلام واالذن فال يكون لالعرتاض جمال على هذا التقدير وان‬
‫تطرق اخلطأ اىل اهلامه يف بعض الصور فان اخلطأ االهلامي كاخلطإ االجتهادي ال جيوز فيه‬
‫املالمة واالعرتاض وايضا ان املريد ال بد من ان حيصل له حمبة الشيخ وكل ما يصدر عن‬
‫احملبوب يكون حمبواب يف نظر احملب فال يكون لالعرتاض جمال وليقتد بشيخه يف الكلي‬
‫‪- 565 -‬‬

‫واجلزئي سواء كان يف االكل والشرب او اللبس او النوم او الطاعة وينبغي ان يصلي‬
‫الصالة على طرز صالته وان أيخذ الفقه من عمله {شعر}‪:‬‬
‫من كان يف قصره احلسناء قد فرغا * من التنزه يف البستان واملرج‬
‫وال يرتك يف نفسه جماال لالعرتاض على حركاته وسكناته أصال وان كان االعرتاض‬
‫مقدار حبة خردلة فانه ال نتيجة لالعرتاض غري احلرمان واشقى مجيع اخلالئق وابعدهم عن‬
‫السعادة الذين يرون عيوب هذه الطائفة جناان هللا سبحانه من هذا البالء العظيم وال‬
‫يطلب من شيخه الكرامات وخوارق العادات وان كان هذا الطلب بطريق اخلواطر‬
‫والوساوس فهل مسعت قط ان مؤمنا طلب من نبيه معجزة وامنا طلبها الكفار واهل‬
‫االنكار {شعر}‪:‬‬
‫املعجزات مفيدة قهر العدا * ونتيجة التقليد ذاك االقتدا‬
‫ما املعجزات مفيدة االميان بل * قد جيذب التقليد حنو االهتدا‬
‫فان عرضت خلاطره شبهة يعرضها على شيخه من غري توقف فان مل تنحل فلري‬
‫التقصري من نفسه وال جيوز عود منقصة اصال اىل جانب شيخه فان وقعت عليها واقعة‬
‫ال يكتمها عن شيخه ويطلب تعبري الوقائع منه ويعرض عليه ايضا ما انكشف له من‬
‫التعبري ويطلب منه متييز صوابه عن خطائه وال يعتمد على كشوفه اصال فان احلق ممتزج‬
‫ابلباطل يف هذه الدار والصواب خمتلط ابخلطإ وال يفارقه بال ضرورة وال اذن منه فان‬
‫اختيار الغري وتفضيله عليه مناف لالرادة وال يرفع صوته فوق صوته وال يتكلم معه برفع‬
‫صوته فانه سوء ادب وكل فيض وفتوح يرد عليه فليعتقد انه بواسطة شيخه فان رأى يف‬
‫الواقعة ان الفيض يرد عليه من مشائخ إخر فلريه ايضا من شيخه وليعلم ان الشيخ ملا كان‬
‫جامعا للكماالت والفيوضات وصل اليه منه فيض خاص مناسب الستعداده اخلاص‬
‫املالئم لكمال شيخ من الشيوخ أعين الذي ظهرت منه صورة االفاضة وان لطيفة من‬
‫لطائف شيخه هلا مناسبة بذلك الفيض ظهرت يف صورة ذلك الشيخ فتخيل املريد تلك‬
‫اللطيفة بواسطة االبتالء شيخا وظن ان الفيض منه وهذه مغلطة عظيمة حفظنا هللا من‬
‫‪- 566 -‬‬

‫زلة االقدام ورزقنا االستقامة على اعتقاد الشيخ وحمبته حبرمة سيد البشر عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم وابجلملة الطريق كله آداب مثل مشهور ال يصل العاري عن اآلداب اىل‬
‫هللا تعاىل فان رأى املريد نفسه مقصرا يف رعاية بعض اآلداب ومل يبلغ حدا دائها كما‬
‫ينبغي ومل يقدر ان خيرج عن عهدهتا ابلسعي فهو معفو عنه ولكن البد من االعرتاف‬
‫ابلتقصري فان مل يراع اآلداب عياذا ابهلل سبحانه ومل ير نفسه مقصرا فهو حمروم من بركات‬
‫هؤالء االكابر {شعر}‪:‬‬
‫من مل يكن حنو السعادة مقبال * فشهوده وجه النيب ال ينفعه‬
‫نعم اذا وصل املريد بربكة توجه الشيخ ومهته اىل مرتبة الفناء والبقاء وظهر له طريق‬
‫االهلام والفراسة وسلم له الشيخ ذلك وصدقه وشهد له ابلكمال واالكمال فحنيئذ يسوغ‬
‫ملث ل هذا املريد ان خيالف شيخه يف بعض األمور االهلامية وان يعمل مبقتضى اهلامه وان‬
‫حتقق عند الشيخ خالفه فان املريد قد خرج حينئذ عن ربقة التقليد والتقليد خطأ يف حقه‬
‫اال ترى ان االصحاب الكرام خالفوا رأي النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف االمور‬
‫االجتهادية واالحكام ال غري املنزلة وظهر الصواب يف بعض االوقات يف جانب االصحاب‬
‫كما ال خيفي على ارابب العلم اويل االلباب فعلم ان خمالفة الشيخ بعد الوصول اىل مرتبة‬
‫الكمال واالكمال جموز وعن سوء االدب مربأ بل االدب هنا هو هذه املخالفة واال‬
‫فاصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم كانوا مؤدبني بكمال االدب مل يفعلوا شيئا بال‬
‫تقليد وتقليد ايب يوسف ااب حنيقة رمحهما هللا تعاىل بعد بلوغه مرتبة االجتهاد خطأ‬
‫والصواب امنا هو متابعة رأيه ال رأي ايب حنيفة وقد اشتهر عن االمام ايب يوسف رمحه هللا‬
‫انه قال انزعت ااب حنيقة يف مسئلة خلق القرآن ستة اشهر (ولعلك) مسعت ان تكميل‬
‫الصناعة بتالحق االفكار فاهنا لو بقيت على فكر واحد ملا حصلت فيها الزايدة اال ترى‬
‫ان النحو الذي كان يف زمن سيبويه حصل له اليوم ابختالف اآلراء وتالحق االفكار‬
‫واالنظار زايدة مائة امثاله وبلغ هناية كماله ولكن ملا كان هو واضع بنائه ومؤسس اساسه‬
‫ك ان الفضل له الفضل للمتقدمني ولكن الكمال هلؤالء املتأخرين مثل اميت مثل املطر ال‬
‫‪- 567 -‬‬

‫يدري اوله خري ام آخره حديث نبوي عليه و على آله الصالة و السالم (تنبيه لرفع شبهة‬
‫بعض املريدين اعلم) اهنم قالوا الشيخ حييي و مييت االحياء واالماتة من لوازم مقام‬
‫املشيخة واملراد ابالحياء االحياء الروحي ال اجلسمي وكذلك املراد ابالماتة الروحية ال‬
‫اجلسمية واملراد ابحلياة واملوت الفناء والبقاء اللذان يوصالن اىل مقام الوالية والكمال‬
‫والشيخ املقتدى به متكفل هبذين االمرين ابذن هللا سبحانه فال بد اذا للشيخ من هذين‬
‫فمعن حييي و مييت يبقى ويفين وال دخل لالحياء واالماتة يف مقام املشيخة وحكم‬
‫الشيخ املقتدى به كحكم كهرابء كل من له مناسبة به يعدو من ورائه وينجذب اليه‬
‫كاحلشيش ابلنسبة اىل كهرابء وينال منه نصيبه مستويف وليست الكرامات وخوارق‬
‫العادات جلذب املريدين فان املريدين ينجذبون اليه ابملناسبة املعنوية واما الذين ال مناسبة‬
‫هلم هبؤالء االكابر فهم حمرومون من نعم كماالهتم وان شاهدوا الوفا من كراماهتم ينبغي ان‬
‫يستشهد هلذا املعن أبيب جهل وايب هلب قال هللا سبحانه يف حق الكفار وان يروا كل آية‬
‫ال يؤمنوا هبا حت اذا جاءوك جيادلونك يقول الذين كفروا ان هذا اال اساطري االولني و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والتسعون واملائتان اىل الشيخ حممد الچرتي يف جواب‬


‫سؤاله عن قوله عليه الصالة و السالم يل مع هللا وقت وقاله ابو ذر الغفاري ايضا‬
‫وعن قول الشيخ عبد القادر اجليالين قدس سره قدمي هذه على رقبة كل ويل وقاله‬
‫غريه ايضاً وهل املراد بكل ويل اولياء عصره او مطلقا وما يناسبه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد صرت مبتهجا ومسرورا بورود‬
‫الصحيفة الشريفة اليت ارسلتها اي هلا من نعمة يذكر اولياء هللا تعاىل املنقطعني املهجورين‬
‫وقد اندرج فيها ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال يل مع هللا وقت وقال ابو ذر‬
‫الغفاري رضي هللا عنه ايضا مثل ذلك وقال الشيخ حميي الدين عبد القادر اجليالين قدس‬
‫سره قدمي هذه على رقبة كل ويل وقال آخر مثل ذلك وقد تكون يف هذين الكالمني‬
‫‪- 568 -‬‬

‫منازعة يف بعض االحيان فنرجو من عنايتكم كتابة ما انطوى يف هذين الكالمني من‬
‫املعن والفرق بينهما وإرساله الينا ولتكن الكتابة ابلتوجه التام مشتملة ما هلا وما عليها من‬
‫الكالم وواضحة لتكون قريبة من فهم هذا الغريب (أيها املخدوم) ان هذا الفقري قد كتب‬
‫يف رسائله ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كان له وقت اندر مع وجود استمرار‬
‫الوقت وان ذلك الوقت النادر كان يف حني اداء الصالة ولعلك مسعت الصالة معراج‬
‫املؤمن وارحين اي بالل شاهد عدل يف اثبات هذا املطلب وميكن ان يكون ابو ذر الغفاري‬
‫ايضا مشرفا هبذه الدولة بطريق الوراثة والتبعية فان لكمل اتبعيه عليه الصالة و السالم‬
‫نصيبا وافرا وحظا كامال من مجيع كماالته صلّى هللا عليه و سلّم بطريق الوراثة (واما ما‬
‫قال) حضرة الشيخ عبد القادر اجليالين قدس سره قدمي هذه على رقبة كل ويل هللا او‬
‫مجيع االولياء فقد جعل صاحب العوارف الذي هو مريد الشيخ ايب النجيب السهروردي‬
‫ومرابه وكان من حمارم الشيخ عبد القادر ومصاحبيه هذه الكلمة من الكلمات اليت‬
‫صدرت عن املشائخ يف بداية االحوال بواسطة بقااي السكر ونقل يف النفحات عن الشيخ‬
‫محاد الذي هو من شيوخ حضرة الشيخ عبد القادر اجليالين انه قال بطريق الفراسة ان‬
‫هلذا العجمي قدما تكون يف وقته على رقبة مجيع االولياء و يكون مأمورا ألبتة ابن يقول‬
‫قدمي هذه على رقبة كل ويل هللا ويقول ذلك ألبتة ويضع االولياء مجيعهم رقاهبم يعين‬
‫تواضعا وختضعا و على كل حال ان حضرة الشيخ حمق يف هذا الكالم سواء صدر عنه‬
‫من بقااي السكر او حالة الصحو وسواء كان مأمورا ابظهاره او ال فان قدمه كانت على‬
‫رقاب مجيع االولياء يف ذلك الوقت وكان اولياء ذلك الوقت مجيعهم حتت قدمه ولكن‬
‫ينبغي ان يعلم ان هذا احلكم خمصوص ابولياء ذلك الوقت دون االولياء املتقدمني عليه‬
‫واملتأخرين عنه فاهنم خارجون عن هذا احلكم كما يفهم من كالم الشيخ محاد ان قدمه‬
‫تكون يف وقته على رقبة مجيع االولياء وأيضا انه كان يف بغداد غوث فذهب الشيخ عبد‬
‫القادر وابن السقا وعبد هللا[‪ ]1‬لزايرته فقال ذلك الغوث بطريق الفراسة يف حق الشيخ‬

‫(‪ )1‬وهو ابو سعيد عبدهللا ابن ايب عصرون ام ام الشافعية يف وقته وهوالذي نقل هذه احلكاية بطوهلا على ما يف الفتاوى‬
‫‪- 569 -‬‬

‫كأين اراك تصعد املنرب يف بغداد وتقول قدمي هذه على رقبة كل ويل هللا وارى اولياء‬
‫وقتك يضعون رقاهبم وخيفضوهنا اجالال لك واكراما ويفهم من كالم هذا الغوث ايضا ان‬
‫هذا احلكم كان خمصوصا ابولياء ذلك الوقت فاذا اعطى احلق سبحانه يف هذا الوقت‬
‫ايضا شخصا بصرا بصريا يرى مثل ما رأى ذلك الغوث ان رقاب اولياء ذلك الوقت حتت‬
‫قدمه وان هذا احلكم ال يتجاوز اىل غري اولياء ذلك الوقت وكيف جيوز هذا احلكم يف‬
‫االولياء املتقدمني فان فيهم االصحاب الكرام عليهم الرضوان وهم افضل من حضرة‬
‫الشيخ بيقني وكيف يتمشى ايضا يف املتأخرين فان فيهم املهدي الذي بشر النيب عليه‬
‫الصالة و السالم بقدومه ووجوده وقال انه خليفة هللا وكذلك عيسى على نبينا وعليه‬
‫الصالة و السالم الذي هو من االنبياء اويل العزم من السابقني وملحق ابصحاب خامت‬
‫الرسل مبتابعة شريعته عليه الصالة و السالم ولعل وجه ما قاله النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫ال يدري اوهلم خري ام آخرهم هو جاللة شأن متأخري هذه االمة (وابجلملة) ان حلضرة‬
‫الشيخ عبد القادر يف الوالية شأان عظيما ودرجة عليا اوصل الوالية اخلاصة احملمدية من‬
‫طريق السر اىل النقطة االخرية وصار رأس حلقة تلك الدائرة (ال يتوهم) هنا ان الشيخ اذا‬
‫كان رأس حلقة دائرة الوالية احملمدية ينبغي ان يكون افضل من مجيع االولياء فان الوالية‬
‫احملمدية فوق مجيع والايت االنبياء على نبينا وعليهم الصالة و السالم (الان) نقول انه‬
‫رأس حلقة الوالية احملمدية احلاصلة من طريق السر كما مر ال رأس حلقة تلك الوالية‬
‫مطلقا حت يلزم االفضلية او نقول ان كون رأس حلقة الوالية احملمدية مطلقا ليس مبستلزم‬
‫لألفضلية النه ميكن ان يكون غريه اسبق قدما منه يف كماالت النبوة احملمدية بطريق‬
‫التبعية والوراثة فتثبت االفضلية له من جهة تلك الكماالت ويف مجاعة من مريدي حضرة‬
‫الشيخ عبد ال قادر غلو كثري يف حقه وجتاوز اىل جانب االفراط يف احملبة مثل حميب علي‬
‫كرم هللا وجهه املفرطني فيه ويفهم من فحوى كالم هؤالء اجلماعة وكلماهتم اهنم يعتقدون‬
‫الشيخ افضل من مجيع االولياء املتقدمني واملتأخرين وال يعلم اهنم يفضلون عليه احدا غري‬

‫احلديثية البن حجر‪.‬‬


‫‪- 570 -‬‬

‫االنبياء عليهم الصالة و السالم وهذا من افراط احملبة (فان قيل) ان الكرامات وخوارق‬
‫العادا ت اليت ظهرت من حضرة الشيخ مل تظهر من ويل اصال فيكون الفضل له (قلت)‬
‫ان كثرة ظهور اخلوارق ال داللة فيها على االفضلية بل ميكن ان يكون الذي مل يظهر منه‬
‫خارق اصال افضل من الذي ظهرت منه خوارق وكرامات قال شيخ الشيوخ يف العوارف‬
‫بعد ذكر الكرامات وخوارق املشائخ للعادات وكل هذه مواهب هللا تعاىل وقد يكاشف‬
‫هبا قوم ويعطى وقد يكون فوق هؤالء من ال يكون له شيئ من هذا الن هذه كلها تقوية‬
‫اليقني ومن منح صرف اليقني ال حاجة له اىل شئ من هذا فكل هذه الكرامات دون ما‬
‫ذكرانه من جتوهر الذكر يف القلب وجعل كثرة ظهور اخلوارق دليال على االفضلية كجعل‬
‫كثرة فضائل علي كرم هللا وجهه ومناقبه دليال على افضليته على الصديق رضي هللا عنه‬
‫فانه مل يظهر منه هذا القدر من الفضائل واملناقب (امسع ايها االخ) ان خوارق العادات‬
‫على نوعني النوع االول العلوم واملعارف االهلية اليت تتعلق بذات الواجب جل وعال‬
‫وصفاته وافعاله وراء طور نظر العقل وخالف املتعارف املعتاد وجعل احلق سبحانه عباده‬
‫اخلاصة ممتازين هبا والنوع الثاين كشف صور املخلوقات واالخبار عن املغيبات اليت تتعلق‬
‫ابلعامل والنوع االول خمصوص ابهل احلق وارابب املعرفة والنوع الثاين شامل للمحق واملبطل‬
‫فانه حاصل الهل االستدراج ايضا والنوع االول له شرافة واعتبار عند احلق جل وعال‬
‫لكونه خمصوصا أبوليائه وعدم مشاركة اعدائه فيه والنوع الثاين معترب عند عوام اخلالئق‬
‫ومعزز ومكرم عند انظارهم حت لو ظهر ذلك من اهل االستدراج يكادون يعبدونه من‬
‫جهلهم ويطيعونه وينقادون له فيما أيمرهم به من رطب وايبس وينهاهم بل احملجوبون ال‬
‫يعدون النوع االول من اخلوارق والكرامات واخلوارق منحصرة عندهم يف النوع الثاين‬
‫والكرامات خمصوصة عندهم بكشف صور املخلوقات واالخبار عن املغيبات ما ابعدهم‬
‫عن العقل اي شرافة واي كرامة يف علم يتعلق ابحوال املخلوقات حاضرة كانت او غائبة‬
‫بل االليق واالنسب ان يبدل مثل هذا العلم جهال ليحصل نسيان املخلوقات واحواهلا‬
‫والالئق اب لشرافة والكرامة هو معرفة احلق تعاىل وتقدس وهي املستحقة لالعزاز واالحرتام‬
‫‪- 571 -‬‬

‫{شعر}‪:‬‬
‫ومليحة مهجورة ودميمة * مقبولة من اجل ذا عقلي عطل‬
‫{غريه}‬
‫ورب مليح ال حيب وضده * يقبل منه العني واخلد والفم‬
‫وقريب مما ذكران ما قال شيخ االسالم اهلروي واالمام االنصاري يف منازل السائرين‬
‫وشارحه والذي ثبت عندي ابلتجربة ان فراسة اهل املعرفة امنا هي يف متيزهم من يصلح‬
‫حلضرة هللا جل وعال ممن ال يصلح ويعرفون اهل االستعداد الذين اشتغلوا ابهلل سبحانه‬
‫ووصلوا اىل حضرة اجلمع وهذه فراسة اهل املعرفة واما فراسة اهل الرايضة ابجلوع واخللوة‬
‫وتصفية الباطن من غري وصلة اىل جانب احلق تعاىل فلهم فراسة كشف الصور واالخبار‬
‫ابملغيبات املختصة ابخللق فاهنم ال خيربون اال عن اخللق الهنم حمجوبون عن احلق سبحانه‬
‫واما اهل املعرفة فالشتغاهلم مبا يرد عليهم من معارف احلق تعاىل ال يكون اخبارهم اال عن‬
‫احلق تعاىل وملا كان العامل اكثرهم اهل انقطاع عن هللا سبحانه واشتغال ابلدنيا مالت‬
‫قلوهبم اىل اهل كشف الصور واالخبار عما غاب من احوال املخلوقات فعظموهم‬
‫واعتقدوا اهنم اهل هللا وخاصته واعرضوا عن كشف اهل احلقيقة واهتموهم فيما خيربون عن‬
‫هللا سبحانه وقالوا لو كان هؤالء اهل احلق كما يزعمون الخربوان عن احوالنا واحوال‬
‫املخلوقات واذا كانوا ال يقدرون على كشف احوال املخلوقات فكيف يقدرون على‬
‫كشف امور اعلى من هذه وكذبوهم هبذا القياس الفاسد وعميت عليهم االنباء‬
‫الصحيحة ومل يعلموا ان هللا تعاىل قد محى هؤالء عن مالحظة اخللق وخصهم وشغلهم‬
‫عما سواه محاي ة هلم وغرية عليهم ولو كانوا ممن يتعرض الحوال اخللق ما صلحوا للحق‬
‫سبحانه وقد رأينا اهل احلق اذا التفتوا ادىن التفات اىل كشف الصور ادركوا منها ما ال‬
‫يقدر غريهم على ادراكه ابلفراسة اليت يثبتها اهل املعرفة وهي الفراسة فيما يتعلق ابحلق‬
‫سبحانه وما يقرب منه واما فراسة اهل الصفاء اخلارجني املتعلقني ابخللق فال يتعلق جبناب‬
‫احلق سبحانه وال ما يقرب منه ويشرتك املسلمون و النصارى واليهود وسائر الطوائف فيها‬
‫‪- 572 -‬‬

‫الهنا ليست شريفة عند هللا سبحانه فيختص هبا اهله‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والتسعون واملائتان اىل املخدوم جامع العلوم الظاهرية‬


‫واالسرار الباطنية جمد الدين اخلواجه حممد معصوم سلمه هللا تعاىل يف بيان ما يتعلق‬
‫بصفات احلق سبحانه الثمان ويف حتقيق مبادئ تعينات االنبياء عليهم السالم‬
‫ومبادئ تعينات سائر اخلالئق وما يتعلق بذلك ويف الفرق بني جتليات االنبياء‬
‫واالولياء وشهودهم وحتقيق الوصل العراين لكمل االتباع مع وجود وساطة االنبياء‬
‫عليهم السالم ويف حتقيق الفاظ احملو واالضمحالل الواقعة يف عبارة املشائخ قدس‬
‫هللا اسرارهم وما يناسب ذلك}‬
‫اعلم ان صفات واجب الوجود تعاىل وتقدس الثمان احلقيقية اليت اوهلا احلياة‬
‫وآخرها التكوين على ثالثة اقسام قسم تعلقه ابلعامل اغلب واضافته اىل اخللق اكثر‬
‫كالتكوين ومن ههنا انكر مجاعة من اهل السنة واجلماعة وجودها وقالوا اهنا من الصفات‬
‫االضافية واحلق اهنا من الصفات احلقيقية الغالبة عليها االضافة وقسم آخر ما فيه‬
‫االضافة ولكنها اقل ابلنسبة اىل القسم السابق كالعلم والقدرة واالرادة والسمع والبصر‬
‫والكالم والقسم الثالث هو أعلى االقسام الثالثة ال تعلق له ابلعامل بوجه من الوجوه وليس‬
‫فيه رائحة من االضافة كاحلياة وهذه الصفة امجع الصفات واصل الكل واسبقها واقرب‬
‫اليها صفة العلم اليت هي مبدأ تعني خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم وبقية‬
‫الصفات مبادئ تعينات خالئق أخر وملا كان لكل صفة ابعتبار تعلقات متعددة جزئيات‬
‫فان التكوين مثال له ابعتبار تعلقات شيت جزئيات وهي التخليق والرتزيق واالحياء‬
‫واالماتة كانت تلك اجلزئيات مثل كلياهتا مبادئ تعينات اخلالئق وكل من كان مبدأ تعينه‬
‫كليا تكون ارابب تعينات مبادئها جزئيات ذلك الكلي اتباعا لذلك الشخص ومعاشرين‬
‫حتت قدمه ومن ههنا تسمعهم يقولون ان فالان حتت قدم حممد وفالان حتت قدم موسى‬
‫وفالان حتت قدم عيسى عليهم الصالة و السالم فاذا حصل لتلك اجلزئيات ترق بطريق‬
‫‪- 573 -‬‬

‫السلوك تكون ملحقة بكلياهتا و يكون شهود اجلزئيات شهود الكليات و يكون الفرق‬
‫ابالصالة والتبعية واالمتياز بوجود التوسط وعدمه فان ما جيده التابع ويراه ال ميكن ان‬
‫يكون بدون توسط االصل ورمبا ال يعلم التابع من قصوره االصل متوسطا ولكن االصل‬
‫حائل يف احلقيقة بني التابع ومشهوده ال انه حائل مانع عن الشهود بل هو ابعث على‬
‫الشهود كاملنظر الصايف وال جيوز ان يرتقى جزئيات كلي اىل غريه ابن خترج منه وتدخل‬
‫حتت كلي آخر و يكون مشهودها مشهود ذلك الكلي اآلخر مثل ان ينتقل الذين كانوا‬
‫حتت قدم موسى مثال اىل حتت قدم عيسى ولكن ميكن ان يدخلوا حتت قدم حممد بل‬
‫هم حتت قدمه صلّى هللا عليه و سلّم دائما فان رب حممد رب االرابب واصل مجيع تلك‬
‫الكليات فيكون ابلنسبة على تلك اجلزئيات اصل االصل وكأن هذا الرتقي اىل اصل‬
‫االصل ال اىل اصل مباين الصلها والفرق حينئذ بني اجلزئيات وبني كلياهتا هو ان للجزئي‬
‫حائلني احدمها اصله الذي هو كلي له واثنيهما اصل االصل والكلي الذي هو اصل‬
‫ذلك اجلزئي حجابه اصل االصل فقط فعلم من هذا ان شهود حممد رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم بال حجاب التعينات وشهود غريه يف حجب التعينات وال اقل من ان يكون‬
‫يف حجاب التعني احملمدي ومن ههنا قالوا ان جتلي الذات من خاصة حممد رسول هللا‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم وجتلي غريه يف حجب الصفات وال أقل من ان يكون يف حجاب‬
‫رب االرابب فان رب حممد فوق مجيع االمساء والصفات سوى صفة احلياة (فان قيل)‬
‫يلزم على هذا البيان ان شهود سائر االنبياء عليهم الصالة و السالم يف حجاب مبدإ‬
‫التعني احملمدي الذي هو ربه وشهود اولياء امته الذين هم حتت قدمه صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم ابالصالة ايضا يف حجاب رب االرابب كشهود سائر االنبياء فما الفرق بني شهود‬
‫سائر االنبياء وبني شهود اولياء امته عليه الصالة و السالم (قلت) ان لالنبياء عليهم‬
‫السالم شهودا آخر غري هذا الشهود الذي هو يف حجاب احلقيقة احملمدية حصل هلم‬
‫ذلك الشهود من طريق مبادئ تعيناهتم يشاهدون منه غيب الغيب ابالصالة واضعني‬
‫مناظرهم املخصوصة هبم على ابصار بصائرهم (ينبغي) ان يعلم ان حصول هذين‬
‫‪- 574 -‬‬

‫الشهودين ليس هو مبعن اهنما يتحققان معا بل مبعن ان الرتقي اذا بلغ اصل االصل‬
‫فشهوده يف حجاب احلقيقة احملمدية كعيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم حيث انه‬
‫يشرف هبذه الدولة بعد نزوله وهذا الرتقي متعسر جدا بل قريب من االستحالة البد من‬
‫الفضل العظيم من طرف هللا تعاىل ويف عامل االسباب البد من شفقة الشيخ احملمدي‬
‫املشرب فان مل يرتق من اصله ومل ينفك من حقيقته ومل يصل اىل حقيقة احلقائق فشهوده‬
‫امنا هو يف حقيقته املخصوصة به (اعلم وتنبه) كما ان اىل حضرة ذات احلق تعاىل وتقدس‬
‫طريقا من حقيقة احلقائق يوصل منه اليه تعاىل بعد منازل كثرية كذلك من سائر احلقائق‬
‫الكليات ايضا طريق اليها حيصل الوصول منه اليه تعاىل وتقدس بعد طي مراحل متكثرة‬
‫غاية ما يف الباب ان يف طريق حقيقة احلقائق الوصل العراين ويف سائر الطرق وان تيسر‬
‫وصل الذات ولكن احلجاب الرقيق كالغاللة من منتهى اصول حقيقة احلقائق العالية اليت‬
‫هي احلقيقة احملمدية حائل يف البني وهو وان مل يكن حاجزا حصينا ومانعا متينا ولكن‬
‫صا رت حاجزيته مانعة عن اطالق التجلي الذايت وإال فلسائر االنبياء عليهم السالم ايضا‬
‫نصيب من الذات تعالت وتقدست ابالصالة ولكمل اممهم ايضا بتبعيتهم (فان قيل) اذا‬
‫كانت صفة احلياة فوق صفة العلم كان تعني صفة احلياة يف طريق حقيقة احلقائق ايضا‬
‫حائال فكيف يكون فيه الوص ل العراين وكيف يكون فيه التجلي الذايت (اجيب) ان ذلك‬
‫التعني كال تعني النه يصري ممحوا ومتالشيا يف املرتبة الفوقانية وال يبقى له اعتبار يف مرتبة‬
‫الذات أصال وسائر الصفات وان مل يكن هلا أيضا اعتبار يف مرتبة الذات ولكنها قبل‬
‫وصوهلا اىل مرتبة الذات تتالشى بنوع ما خبالف صفة احلياة فاهنا تصل اىل مرتبة الذات‬
‫مث تتالشي فيها وهلذا كان تعني احلقيقة احملمدية وسائر تعينات اخلالئق دائما وصار زواهلا‬
‫يف مرتبة من املراتب حماال نعم ان الوصول اىل شئ غري االضمحالل فيه وما وقع يف عبارة‬
‫بعض املشائخ قدس هللا أسرارهم من لفظ احملو واالضمحالل فاملراد به احملو النظري ال‬
‫احملو العيين يعين يرتفع تعني السالك عن نظره ال انه يصري ممحوا يف نفس االمر فانه احلاد‬
‫وزندقة ومحل بعض انقصي ارابب هذا الطريق هذه االلفاظ املومهة على احملو‬
‫‪- 575 -‬‬

‫واالضمحالل العيين ووصلوا به اىل الزندقة وانكروا الثواب والعذاب االخرويني وختيلوا اهنم‬
‫يعودون من الكثرة اىل الوحدة مرة أخرى كما وردوا من الوحدة اىل الكثرة اول مرة وزعموا‬
‫ان تلك الكثرة تصري مضمحلة يف الوحدة وخال بعض هؤالء الزاندقة ذلك االمنحاء‬
‫واالضمحالل قيامة كربى وانكر احلشر والنشر واحلساب والصراط وامليزان ضلوا فأضلوا‬
‫كثريا من الناس ورأيت شخصا من هؤالء اجلماعة يستشهد ملطلبه بشعر موالان عبد‬
‫الرمحن اجلامي قدس سره هذا {شعر}‪:‬‬
‫جامي معاد ومبدأ ما وحدتست وبس * ما در ميانه كثرة موهوم و السالم‬
‫{ترمجة}‪:‬‬
‫ما مبدأ و ال معاد صاح اال وحدة * ما حنن يف ذالبني اال كثرة موهومة‬
‫ومل يعلموا ان مراد موالان اجلامي هبذا البيت العود والرجوع اىل الوحدة ابعتبار‬
‫النظر والشهود يعين ال يبقى املشهود غري الذات االحد وختتفي الكثرة عن النظر ابلتمام‬
‫ال الرجوع العيين والعود الوجودي ولعل هبم عمي اما يرون انه مل يزل العجز والنقص‬
‫واالحتياج عن كامل اصال فما يكون معن الرجوع الوجودي اىل الوحدة فان ختيلوا ان‬
‫هذا الرجوع امنا يكون بعد املوت فهم كفار وزاندقة حيث ينكرون العذاب االخروي‬
‫ويبطلون دعوة االنبياء عليهم السالم (فان قيل) أنت قد كتبت يف بعض رسائلك ان فناء‬
‫االخفى خمصوص ابلوالية احملمدية فما معن هذا الكالم (اجيب) قد علم من التحقيق‬
‫السابق ان الوصل العراين خمصوص ابلوالية احملمدية وان ما سواها وان ارتفعت فيها‬
‫احلجب ولكن ال بد من حيلولة حجاب رقيق كالغاللة حاصل من توسط احلقيقة احملمدية‬
‫كما مر فاالخفى الذي هو هناية املراتب االنسانية يف العلو تبقى منه بقية على قدر تلك‬
‫ا حليلولة فال جيوز اطالق الفناء املطلق فيه مبالحظة تلك البقية ومن الذي جيد بقاء تلك‬
‫البقية غري احملمدي املشرب بل ان حصلت حدة النظر هذه لواحد من الوف من احملمدي‬
‫املشرب فهو ايضا مغتنم فان مشائخ الطبقات تكلم اكثرهم اىل الروح والسر ال يدري هل‬
‫تكلم احد عن اخلفي او ال فكيف عن االخفى والذي خاض يف حبر االخفى وادرك كل‬
‫‪- 576 -‬‬

‫ذرة من ذراته واطلع عليها فهو كربيت امحر ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل‬
‫العظيم (فان قيل) ان اعتقادك هو ان كلما حيصل للنيب عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫من الكماالت يكون منها نصيب لكمل اتباعه ايضا بطريق التبعية فيلزم منه ان يكون‬
‫من الوصل العراين نصيب هلم ايضا واحلال ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم حائل يف البني‬
‫(اجيب) ان حيلولة النيب ال تضر يف الوصل العراين فان ذلك الوصل ابلتبعية ال ابالصالة‬
‫فاحليلولة تكون مؤكدة للتبعية ال منافية هلا فان معن التبعية حتقق املتوسط ال ارتفاعه فانه‬
‫مناسب لالصالة فتثبت احليلولة وحيصل الوصل العراين ايضا ابلتبعية فافهم (فان قيل) ما‬
‫وجه اطالق الوصل العراين والتجلي الذايت يف مادة كمل اتباعه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫وعدم جتويز هذا االطالق يف حق سائر االنبياء عليهم السالم وما الفرق بينهما مع ان‬
‫حيلولة نبينا صلّى هللا عليه و سلّم حاصلة يف كال املادتني (اجيب) ان جتويز هذا‬
‫االطالق يف مواد كمل االتباع ابعتبار التبعية فان توسط نيب ليس مبناف هلذا االطالق‬
‫كما مر خبالف سائر االنبياء عليهم السالم فانه لو جوز هذا االطالق يف حقهم يكون‬
‫ابعت بار االصالة فان هؤالء االكابر قطعوا املنازل ابالصالة ووصلوا اىل حضرة الذات‬
‫تعالت وتقدست وال شك ان حصول املتوسط وحتققه يف صورة االصالة يكون منافيا‬
‫لذلك االطالق فصار الفرق واضحا (ينبغي) ان يعلم ان فرق االصالة والتبعية فيما بني‬
‫االنبياء املتقدمني وكمل اولياء هذه االمة موجب الفضلية االنبياء عليهم السالم فان‬
‫االصل مقصودي والتابع طفيلي وان صح اطالق الوصل العراين والتجلي الذايت يف مادة‬
‫االتباع ومل يصح ذلك االطالق يف املتبوعني يعين االنبياء عليهم السالم ولكن ما قدر‬
‫طفيلي يف جنب املقصودي حت يدعى التساوي له وكيف يتصور املساواة فان تلك‬
‫الدولة يف االصل على الوجه االمت واالكمل ويف التابع على وجه االسم والرسم ولكن هذه‬
‫املناسبة تصحح النسبة وجتعل التابع كاملتبوع وهلذا قال خامت الرسل عليه وعليهم الصالة‬
‫و السالم علماء اميت كانبياء بين اسرائيل فالح من هذا البيان واتضح ان حصول التجلي‬
‫الذايت الولياء هذه االمة ال يكون مومها لفضلهم على االنبياء الذين ليس فيهم التجلي‬
‫‪- 577 -‬‬

‫الذايت فافهم فانه من مزلة اال قدام وانصف فان هذه العلوم مما استأثر هللا سبحانه هذا‬
‫العبد هبا حبرمة حبيبه حممد عليه و على آله الصالة و السالم (فان قيل) املقرر ان‬
‫املقصود من خلق العامل هو خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم وغريه طفيلي يف‬
‫نفس الوجود ويف حصول الكماالت ويصلون اىل الدرجات العلى بتبعيته وهلذا يكون آدم‬
‫ومن دونه حتت لوائه وانت تقول ان دولة الوصول لسائر االنبياء عليهم السالم بطريق‬
‫االصالة ال بطريق التبعية فما وجه ذلك (قلت) كما ان حملمد رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم طريقا من حقيقته اىل حضرة الذات تعالت وتقدست كذلك لسائر االنبياء عليهم‬
‫السالم ايضا من حقائقهم طرق اىل حضرة الذات تعاىل شأه ال تبعية فيهم يف هذا‬
‫الوصول خبالف االمم فاهنم يصلون اىل املطلب بتبعية االنبياء من طريق حقائقهم‬
‫املناسب الستعداد كل منهم واألصالة مفقودة يف حقهم غاية ما يف الباب ان وصول‬
‫سائر االنبياء عليهم السالم وان كان ابالصالة ولكنه ليس بوصل عراين فان حقيقة خامت‬
‫الرسل عليه الصالة و السالم صارت حجااب رقيقا عن املطلوب فكل فيض وارد يتصل‬
‫هبذه احلق يقة اوال ابلضرورة مث يصل بتوسطها اىل اآلخرين ومعن التبعية حصول هذا‬
‫التوسط فتلك االصالة ال تنايف هلذه التبعية ينبغي حسن التأمل ان التبعية اليت ثبتت يف‬
‫حقهم وراء تلك التبعية فاهنا منافية لالصالة كما مر غري مرة فافرتقا (فان قيل) هل يف‬
‫مراتب العروج نصيب للكمل من مرتبة صفة احلياة او ال (قلت) نعم (فان قيل) قد مر ان‬
‫هناية هذه الصفة اضمحالل وتالش يف حضرة الذات تعالت وتقدست فما يكون نصيب‬
‫الكمل من مقام احملو والتالش وقد قلت فيما سبق ان تعينات احلقائق ليس هلا‬
‫اضمحالل عيين فان كان فنظري فان القول ابالضمحالل العيين مفض اىل الزندقة‬
‫(قلت) من اين يلزم يف حصول النصيب منها االضمحالل العيين بل االضمحالل‬
‫النظري كاف فيه وان كانت املراتب متفاوتة يف ذلك االضمحالل فافهم وهللا سبحانه‬
‫اعلم حبقيقة احلال و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله‬
‫من الصلوات امتها ومن التسليمات اكملها‪.‬‬
‫‪- 578 -‬‬

‫{املكتوب اخلامس والتسعون واملائتان اىل احلاج يوسف الكشمريي يف بيان‬


‫النظر على القدم وهوش دردم والسفر يف الوطن واخللوة يف اجللوة اليت هي اصول‬
‫الطريقة النقشنبدية العلية قدس هللا أسرار أهاليها}‬
‫ينبغي ان يعلم ان واحدا من االصول املقررة يف الطريقة النقشبندية قدس هللا اسرار‬
‫مشائخها النظر على القدم وليس املراد ابلنظر على القدم انه ال ينبغي ان يتجاوز النظر‬
‫القدم وان مييل اىل الفوق قبل القدم فانه خالف الواقع فان النظر يتفوق القدم ويتقدم‬
‫عليه دائما وجيعل القدم رديفه فان العروج على مدارج العلي يكون اوال ابلنظر مث يصعد‬
‫بعد ذلك ابلقدم فاذا وصلت القدم اىل مرتبة النظر يتفوق النظر منها اىل درجة فوقانية‬
‫وتصعد القدم ايضا بتبعيته مث يرتقى النظر بعد ذلك من ذلك املقام مث تتبعه القدم و على‬
‫هذا القياس فان كان املراد به انه ال ينبغي ان يرتقى النظر اىل مقام ال يكون للقدم فيه‬
‫جمال فهو ايضا غري واقع فانه لو مل ينفرد النظر بعد متام السري القدمي يفوت كثري من‬
‫مراتب الكمال (بيانه) ان هناية القدم اىل هناية استعداد السالك بل اىل هناية استعداد نيب‬
‫السالك على قدمه لكن القدم االول ابالصالة والقدم الثاين ابلتبعية وال قدم له فوق‬
‫مراتب ذلك االستعداد ولكن له فيه نظر فان حصلة احلدة لذلك النظر فمنتهاه هناية‬
‫مراتب نظر ذلك النيب الذي السالك على قدمه فان لكمل اتباع نيب نصيبا من مجيع‬
‫كماالته ولكن القدم والنظر يتوافقان اىل هناية مراتب استعداد السالك ابالصالة وابلتبعية‬
‫وبعد ذلك يعجز القدم ويصعد النظر وحده ويرتقى اىل هناية مراتب نظر ذلك النيب‬
‫(فعلم) ان نظر االنبياء عليهم الصالة و السالم ايضا يصعد فوق اقدامهم وان لكمل‬
‫اتباعهم ايضا نصيبا من مقامات انظارهم كما ان هلم نصيبا من مقامات اقدامهم وفوق‬
‫قدم خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم مقام الرؤية اليت هي موعودة لغريه يف‬
‫اآلخرة فما هو ي سية لغريه نقد له ولكمل اتباعه من هذا املقام نصيب وان مل يكن رؤية‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫‪- 579 -‬‬

‫خليلي ما هذا هبزل وامنا * عجيب االحاديث بديع الغرائب‬


‫ولنرجع اىل اصل الكالم ونقول فان كان املراد به انه ينبغي ان يتخلف القدم عن‬
‫النظر عل ى وجه ال تصل اىل مقام النظر يف وقت من االوقات فحسن فان هذا املعن‬
‫ليس مبانع للرتقي وكذلك اذا كان املراد ابلنظر والقدم النظر والقدم الظاهراين فله جمال‬
‫فان النظر حتصل له التفرقة وقت املشي ويتشتت ابلوقوع على حمسوسات متلونة فان‬
‫نصب النظر اىل القدم يكون اقرب اىل اجلمعية وهذا املراد مناسب ملعن كلمة هي قرينه‬
‫وهي هذه (هوش دردم) يعين العقل يف النفس غاية ما يف الباب ان الكلمة األوىل لدفع‬
‫تفرقة منبعثة عن اآلفاق والكلمة الثانية لدفع التفرقة االنفسية والكلمة الثالثة اليت هي قرين‬
‫هاتني الكلمتني كلمة (السفر يف الوطن) وهي عبارة عن السري يف االنفس الذي هو منشأ‬
‫حصول اندراج النهاية يف البداية الذي هو خمصوص هبذه الطريقة العلية والسري يف‬
‫االنفس وان كان يف مجيع الطرق ولكنه يف سائر الطرق بعد حصول السري اآلفاقي‬
‫خبالف هذا الطريق فان فيه الشروع من هذا السري والسري اآلفاقي مندرج يف ضمنه فلو‬
‫قلنا ان يف هذا الطريق اندراج البداية يف النهاية هبذا االعتبار ايضا لساغ والكلمة الرابعة‬
‫اليت هي قرين هذه الكلمات الثالث كلمة (اخللوة يف اجللوة) ومت تيسر السفر يف الوطن‬
‫يسافر يف خلوة الوطن ايضا يف نفس اجللوة وال تتطرق تفرقة اآلفاق اىل حجرة االنفس‬
‫وهذا ايضا على تقدير غلق ابواب احلجرة وسد مجيع روزنتها وكوهتا فينبغي ان ال يكون‬
‫يف جلوة التفرقة متكلما وال خماطبا وال ملتفتا اىل احد وكل هذه التمحالت والتكلفات يف‬
‫البداية والوسط واما يف النهاية فال شئ يلزم منها اصال فان املنتهى متصف ابجلمعية يف‬
‫نفس التفرقة وابحلضور يف عني الغفلة (وال يظن) من هنا ان التفرقة وعدم التفرقة‬
‫متساواين يف حق مجعية املنتهى مطلقا فانه ليس كذلك بل املراد اهنما متساواين يف مجعية‬
‫الباطن ومع ذلك لو مجع ظاهره مع ابطنه ودفع التفرقة عن ظاهره ايضا يكون أوىل‬
‫وانسب قال هللا سبحانه و تعاىل لنبيه عليه الصالة و السالم واذكر اسم ربك وتبتل اليه‬
‫تبتيال (ينبغي) ان يعلم انه ال بد يف بعض االوقات من تفرقة الظاهر الداء حقوق احلق‬
‫‪- 580 -‬‬

‫فتكون تفرقة الظاهر يف بعض االوقات مستحسنة ايضا واما تفرقة الباطن فليست‬
‫مبستحسنة يف وقت من االوقات فانه خالص حق هللا سبحانه فيكون ثالث حصص من‬
‫العبد املسلم الجل احلق سبحانه متام الباطن ونصف الظاهر وبقى النصف اآلخر من‬
‫الظاهر الداء حقوق اخللق وملا كان يف اداء تلك احلقوق امتثال اوامر احلق سبحانه صار‬
‫ذلك النصف ايضا راجعا اىل احلق سبحانه و تعاىل اليه يرجع االمر كله فاعبده‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والتسعون و املائتان اىل املخدوم اخلواجه حممد سعيد‬


‫قدس سره يف بساطة صفات احلق جل وعال ونفي تعدد تعلقها ابالشياء}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين امجعني‬
‫(اعلم) ان صفات الواجب تعاىل وتقدس كذاته تعاىل منزهة عن الشبه واملثال وبسائط‬
‫حقيقية مثال ان صفة العلم انكشاف واحد بسيط تنكشف املعلومات االزلية واالبدية‬
‫هبذا االنكشاف الواحد وكذلك قدرة واحدة كاملة بسيطة توجد املقدروات االزلية‬
‫واالبدية بواسطتها وكذلك كالم واحد بسيط وهو سبحانه متكلم هبذا الكالم من االزل‬
‫اىل االبد و على هذا ال قياس يف سائر الصفات احلقيقية والتعدد احلاصل من تعلق العلم‬
‫والقدرة ابملعلومات واملقدروات ايضا مفقود يف تلك املرتبة واالشياء معلومة احلق سبحانه‬
‫ومقدورته ولكن ال تعلق لصفة العلم والقدرة هبا اصال وهذه املعرفة وراء طور نظر العقل‬
‫وارابب العقول ال جيوزون مثل هذا املعن اصال ويعدون عدم تعلق العلم والقدرة ابالشياء‬
‫مع كوهنا معلومة احلق سبحانه ومقدروته حماال امل يعلموا ان االزل واالبد حاضر يف تلك‬
‫املرتبة بل ال جمال لآلن فيها ايضا سوى التعبري به لكونه اقرب الشئ واوفقه هبا ومعلومات‬
‫االزل واالبد حاضرة يف ذلك اآلن ويف ذلك اآلن احلاضر يعلم احلق سبحانه زيدا مثال‬
‫معدوما وموجودا وجنينا وصبيا وشااب وشيخا وحيا وميتا وكائنا يف الربزخ واحلشر والنار‬
‫واجلنة ومعلوم انه ال تعلق لذلك اآلن هبذه االطوار اصال فانه لو حصل له تعلق خلرج عن‬
‫كونه آان و يسمى زماان ويصري ماضيا ومستقبال فهذه االطوار اثبتة يف ذلك اآلن وغري‬
‫‪- 581 -‬‬

‫اثبتة فعلى هذا لو ثبت انكشاف بسيط حقيقي ال يكون له تعلق بواحد من املعلومات‬
‫و يكون مجيع املعلومات منكشفة هبذا االنكشاف الواحد فأي عجب فيه فان استحالة‬
‫مجع الضدين مفقودة يف ذلك املوطن فاهنا مشروطة ابحتاد الزمان واجلهة وال جمال هنا‬
‫للزمان اذ ال جيرى عليه سبحانه زمان واحتاد اجلهة ايضا مفقود للفرق ابالمجال والتفصيل‬
‫وهذا كمن يقول اان ارى االسم والفعل واحلرف اليت كل واحد منها قسيم لآلخر متحدا‬
‫بعضها ببعض يف مرتبة الكلمة يف آن واحد وأجد املنصرف غري منصرف واملبين عني‬
‫معرب ويقول ومع وجود هذه اجلامعية ال تعلق للكلمة بواحد من هذه االقسام ومستغنية‬
‫عنها ابلتمام ال ينكر احد من العقالء على هذا الشخص وال يستبعدون كالمه فلم‬
‫يستبعدون ما حنن فيه ويتوقفون عن قبوله وهلل املثل االعلى (فان قيل) مل يقل احد مثل‬
‫هذا الكالم (قلت) ما الضرر فيه فانه وان مل يقل به أحد ولكنه ليس مبخالف لكالم‬
‫اآلخرين وليس ايضا مما ال يناسب ملرتبة الوجوب تعالت وتقدست {ع}‪:‬‬
‫كل انت خربزة والغري فالوذجا‬
‫(واملثال) الذي ميكن ايراده يف املخلوقات لتوضيح هذه املعرفة هو اهنم قالوا ان‬
‫العلم ابلعلة مستلزم للعلم ابملعلول واملدركة متوجهة يف هذه الصورة ابصالة اىل العلة‬
‫ومتعلقة هبا وحيصل العلم ابملعلول بتبعية العلم ابلعلة من غري جتدد تعلق آخر به ولكن‬
‫ارابب املعقول ال جيوزون معلومية املعلول يف هذه الصورة ايضا من غري تعلق العلم‬
‫ابملعلول يف مرتبة اثنية وان مل يكن ذلك التعلق ابالصالة ولكن ال يعلم وجود مثال اقرب‬
‫من هذا املثال واملقصود التوضيح ال االثبات وهللا تعاىل اعلم حبقائق االمور كلها و‬
‫السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات والتحيات‬
‫املباركات‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والتسعون واملائتان اىل موالان بدر الدين يف حتقيق احاطة‬
‫احلق وسراينه سبحانه و تعاىل وتوضيح ذلك أبمثلة وبيان رعاية حفظ املراتب‬
‫‪- 582 -‬‬

‫الوجوبية واالمكانية}‬
‫(اعلم) ان احاطة احلق سبحانه ابالشياء وسراينه فيها كاحاطة اجململ ابملفصل و‬
‫سراينه فيه كالكلمة مثال سارية يف مجيع اقسامها من االسم والفعل واحلرف وكذا يف‬
‫اقسام االقسام من املاضي واملضارع واالمر والنهي واملصدر واسم الفاعل واسم املفعول و‬
‫املستثن املنقطع واملتصل واحلال والتمييز والثالثي والرابعي واخلماسي واحلروف اجلارة و‬
‫الناصبة واحلروف املختصة ابالفعال واحلروف املختصة ابالمساء واحلروف الداخلة عليهما‬
‫اىل غري ذلك من االمساء احلاصلة من التقسيمات الغري املتناهية فهذه االقسام كلها‬
‫ليست غري الكلمة بل هذه اعتبارات مندرجة حتت الكلمة ما زاد يف تفصيلها ومتييزها عن‬
‫الكلمة ومتييز بعضها عن بعض شئ اال اعتبار العقل ويف اخلارج ليست اال الكلمة وهلذا‬
‫صح احلمل ولكن لكل مرتبة من املراتب اسم خيتص هو هبا واحكام ال توجد يف غريها‬
‫مثال الدال على املعن ابالستقالل مع االقرتان ابلزمان فعل و بغري االقرتان اسم وغري‬
‫الدال على املعن ابالستقالل حرف وكذا املقرتن ابلزمان املاضي فعل ماض وابلزمان احلال‬
‫واالستقبال مضارع وما وجد فيه علتان من العلل التسعة املشهورة فغري منصرف واال‬
‫فمنصرف وحروف عملها اجلر جارة وحروف عملها النصب انصبة فاطالق اسم مرتبة‬
‫على مرتبة أخرى واجراء احكام احديهما على األخرى كاطالق الفعل املاضي على‬
‫املضارع واملنصرف على غري املنصرف واجلارة على الناصبة مع كون املراتب كلها ليست‬
‫اال الكلمة ضاللة وخروج عن الصراط السوي فنقول وهللا سبحانه اعلم ان لكل مرتبة من‬
‫مراتب تنزل الوجود امسا خمتصا هبا واحكاما ال توجد اال فيها فالوجوب الذايت واالستغناء‬
‫الذايت خمتصان مبرتبة اجلمع وااللوهية واالمكان الذايت واالفتقار الذايت خمتصان مبرتبة‬
‫الكون والفرق واملرتبة األوىل مرتبة الربوبية واخلالقية واملرتبة الثانية مرتبة العبودية واملخلوقية‬
‫فلو اطلق اسامي احديهما على األخرى واجري االحكام املختصة مبرتبة على مرتبة أخرى‬
‫لكان زندقة وكفرا حمضا والعجب من بعض املالحدة والزاندقة اهنم كيف خيلطون املراتب‬
‫وجيرون احكام مرتبة على مرتبة أخرى فيصفون املمكن بصفات الواجب والواجب‬
‫‪- 583 -‬‬

‫بصفات املمكن مع علمهم بتمايز صفات املمكن الذي هو مرتبة واحدة بعضها عن‬
‫بعض واختالف احكامهم وعلمهم بعدم زوال متايزهم واختالف احكامهم اصال مع‬
‫احتادهم يف املرتبة الكونية فاهنم يعلمون ابلبداهة مثال ان احلرارة واالشراق من صفات النار‬
‫املختصة هبا ليست واحدة منها يف املاء وال يوصف هبا املاء وكذا الربودة اليت اختصت‬
‫ابملاء ليست يف النار وكذا مييزون ابلضرورة بني ازواجهم وامهاهتم وحيكمون بتفرقة‬
‫احكامهن وهللا سبحانه اهلادي اىل سبيل الرشاد و السالم على من اتبع اهلدي‬

‫{املكتوب الثامن والتسعون واملائتان اىل السيد حمب هللا املانكپوري يف بيان‬
‫الوصول اىل هناية االمر بطريق االشارة ولطيف العبارة ومل يطلع على سر هذا املعمى‬
‫احد غري املخدوم االكرب عليه الرمحة والرضوان}‬
‫اعلم أرشدك هللا ملا كان السري مدة مديدة يف الظالل وجدت الوصول اىل الظل‬
‫عني احلص ول واآلن ملا تيسر الوصول اىل االصل ليس احلصول غري الظل كاملرآة الكائنة‬
‫يف يد شخص الواصلة اليه ال نصيب له من الشخص اال ظله فافهم فان كالمنا اشارة‬
‫(واعلم) ان العبارة املناسبة لبيان الطريق اليت حررت بطريق الرمز واالشارة رأيتها مناسبة‬
‫هلذا املقام وجعلتها مندرج ة يف هذا املكتوب ايضا ينبغي ان يفهما ذكر كثري مأخوذ من‬
‫شيخ صاحب عرفان املداومة عليه الرجوع اىل فضل الرمحن الوصل العراين والباقي كلهم‬
‫حسبان و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله من‬
‫الصلوات أمتها ومن التسليمات أكملها‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والتسعون واملائتان اىل الشيخ فريد الراهبويل يف التعزية‬


‫والداللة على الرضا ابلقضاء وبيان فضيلة املوت ابلطاعون وان الفرار منه كبرية‬
‫كالفرار يوم الزحف}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم ان املكتوب الشريف قد وصل وقد‬
‫‪- 584 -‬‬

‫بني فيه املصيبات اان هلل واان اليه راجعون ينبغي الصرب والتحمل والرضاء ابلقدر {شعر}‪:‬‬
‫ان كنت تؤذيين فلست مبعرض * وقد استطبت من االعزة ذليت‬
‫قال هللا تبارك و تعاىل وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثري‬
‫وقال تعاىل ظهر الفساد يف الرب والبحر مبا كسبت ايدي الناس وقد هلك يف هذا الوابء‬
‫م ن شؤم اعمالنا البقرات لكثرة اختالطها بنا وماتت النساء اكثر من الرجال فان تعلق‬
‫بقاء نوع االنسان بوجودهن اكثر والذي فر من املوت يف هذا الوابء وسلم فالرتاب على‬
‫حياته والذي مل يهرب ومات فطوىب له وبشرى له ابلشهادة وقد جزم شيخ االسالم ابن‬
‫احلجر يف كتاب بذل املاع ون يف فضل الطاعون ابن امليت ابلطعن ال يسئل النه نظري‬
‫املقتول يف املعركة وابن الصابر يف الطاعون حمتسبا يعلم انه ما يصيبه اال ما كتب له اذا‬
‫مات فيه بغري الطعن ال يفنت ايضا النه نظري املرابط كذا ذكره الشيخ االجل السيوطي يف‬
‫كتاب شرح الصدور بشرح احوال املوتى والقبور وقال وهو حجة جدا والذي مل يهرب ومل‬
‫ميت من مجلة الغزات واجملاهدين ومن زمرة الصابرين واملبتلني ولكل شخص اجل مسمى‬
‫ال تقدمي فيه وال أتخري وسالمة اكثر اهلاربني امنا هي لعدم جمئ اجلهم ال ان الفرار جناهم‬
‫من املوت وهالك اكثر الصابرين امنا هو لبلوغ اجلهم فليس الفرار ينجي وال االستقرار‬
‫يهلك وهذا الفرار كالفرار يوم الزحف معصية كبرية ومن مكر هللا سبحانه حيث يسلم‬
‫اهلاربني ويهلك الصابرين يضل به كثريا ويهدي به كثريا وقد مسعنا صربكم وحتملكم‬
‫وامدادكم واعانتكم للمسلمني جزاكم هللا سبحانه خريا وال يضيقن قلبكم يف تربية‬
‫اال طفال وحتمل اذاهم فان املرجو ترتب اجر جزيل عليه وما ذا اكتب ازيد من ذلك و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب املوىف ثالمثائة اىل املخدوم زاده جامع العلوم العقلية والنقلية جمد‬
‫الدين حممد معصوم سلمه هللا تعاىل يف بيان االسرار الغامضة واملعارف الغريبة بلسان‬
‫الرمز واالشارة واندرج فيه ايضا امياء من قاب قوسني او ادىن}‬
‫‪- 585 -‬‬

‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اذا حصل لالنسان الكامل اسم‬
‫اجلامعية بعد ما طوى مراتب االمساء والصفات ابلسري التفصيلي وصار مرآة لكماالت‬
‫االمساء والصفات االهلية جل سلطانه واختفى عدمه الذايت الذي هو مرآة تلك‬
‫الك ماالت ابلتمام ومل يكن فيه شئ غري تلك الكماالت ظاهرا ففي هذا الزمان يتشرف‬
‫ابلبقاء اخلاص الذي هو منوط بتلك الكماالت بعد حصول الفناء التام الذي هو مربوط‬
‫ابختفاء عدمه ويصدق عليه اسم الوالية وبعد ذلك اذا كانت العناية االزلية شاملة حلاله‬
‫ميكن ان تنعكس تلك الكماال ت اليت كان العارف ابقيا هبا مرة اثنية يف مرآة حضرة‬
‫الذات وان تظهر فيها ويف هذا الوقت يظهر سر قاب قوسني (ينبغي) ان يعلم ان ظهور‬
‫شئ فيها يف هذا املوطن كناية عن حصول نسبة جمهولة للشيئ بتلك املرآة ال ان فيه‬
‫حقيقة املرآة وحصول الشئ فيها وهلل املثل االعلى فاذا صارت تلك الكماالت اليت كان‬
‫العارف ابقيا هبا منعكسة يف مرآة جناب القدس بطريق احلقيقة واالصالة وظهرت فيها‬
‫وحصلت هلا فيها النسبة اجملهولة الكيفية فال جرم يطلق حينئذ عليها اان الذي كان متعلقا‬
‫ابلعارف وترى نفسها عني تلك الكماالت الظاهرة وهناية عروج اان يف مقام قاب قوسني‬
‫اىل هنا (امسع أيها الولد) ان مرآة الصورة اليت ينعكس فيها احلسن واجلمال لو حصل هلا‬
‫فرضا احلياة والعلم يعين لو ادركت ظهور احلسن واجلمال فيها لكانت ابلضرورة متلذذة به‬
‫وحمتظة حبظ أوفر ويف مرآة احلقيقة وان كانت اللذة واالمل مفقودين لكوهنما من صفات‬
‫االمكان ولكن األمر الالئق بتلك املرتبة العليا املربأ عن مسات النفص واحلدوث كائن‬
‫واثبت فيها {شعر}‪:‬‬
‫خليلي ما هذا هبزل وامنا * حديث عجيب من غريب البدائع‬
‫(وهذه) الكماالت الظاهرة اليت حصلت هلا يف تلك املرتبة النسبة اجملهولة الكيفية‬
‫حكمها كحكم عامل اخللق االنساين ابلنسبة اىل عامل األمر وسر من عرف نفسه فقد‬
‫عرف ربه موجود وحاصل هنا وملا حصلت هلذه الكماالت الظاهرة اليت هي تفصيل‬
‫امجال حضرة الذات تعالت وتقدست نسبة جمهولة الكيفية حبضرة االمجال وتيسر هلا‬
‫‪- 586 -‬‬

‫اتصال بال كيف وصارت مرآة حلضرة االمجال ظهر يف حضرة االمجال التفصيل ايضا‬
‫ابلضرورة مبجرد االعتبار ومبحض التوهم وصار سببا لعروج اان العارف وهذا الكمال‬
‫مربوط مبقام او ادىن {ع}‪:‬‬
‫بلغ الرياع اىل هنا فتكسرا‬
‫وهذا هو بيان هناية النهاية وغاية الغاية الذي فهمه بعيد عن ادراك اخلواص مبراحل‬
‫فماذا تقول من العوام والذي اهتدى اىل هذه الدولة واملعرفة من اخص اخلواص ايضا اقل‬
‫قليل {شعر}‪:‬‬
‫واذا اتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا‬
‫وهذه النهاية ابعتبار الظهورات والتجليات ال يتصور بعد ذلك جتل وال ظهور‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫ومن بعد هذا ما يدق صفاته * وما كتمه احظى لدى وامجل‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله و على‬
‫مجيع االنبياء واملرسلني و على آل كل واملالئكة املقربني من الصلوات امتها واوليها ومن‬
‫التسليمات اكملها واعالها ومن التحيات ادومها وابقاها ومن الربكات أعمها وامشلها‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والثالمثائة اىل موالان امان هللا يف بيان قرب النبوة وقرب‬
‫الوالية والطرق املوصلة اىل قرب النبوة}‬
‫بعد احلمد والصلوات ليعلم ولدي امان هللا ان النبوة عبارة عن القرب االهلي جل‬
‫سلطانه الذي ليس فيه شائبة الظلية وعروجه انظر ومتوجه اىل احلق ونزوله اىل اخللق وهذا‬
‫القرب نصيب االنبياء عليهم الصالة و السالم ابالصالة وهذا املنصب خمصوص هبؤالء‬
‫االكابر عليهم السالم وخامت هذا املنصب سيد البشر صلّى هللا عليه و سلّم و يكون‬
‫عيسى عليه السالم بعد نزوله اتبعا لشريعة خامت الرسل غاية ما يف الباب ان لالتباع‬
‫‪- 587 -‬‬

‫واخلدام نصيبا من دولة املتبوعني واملخادمي وحصتهم فيكون لكمل االتباع ايضا نصيب‬
‫من قرب االنبياء عليهم الصالة و السالم و يكون من علوم ذلك املقام ومعارفه وكماالته‬
‫ايضا نصيب هلم بطريق الوراثة {ع}‪:‬‬
‫ولالرض من كأس الكرام نصيب‬
‫فحصول كماالت النبوة لالتباع بطريق التبعية والوراثة بعد بعثة خامت الرسل عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم ليس مبناف خلامتيته صلّى هللا عليه و سلّم فال تكن من املمرتين‬
‫(اعلم) اسعدك هللا ان الطريق املوصل اىل كماالت النبوة اثنان طريق مربوط بطي كماالت‬
‫مقام الوالية مفصلة ومنوط حبصول التجليات الظلية واملعارف السكرية اليت هي مناسبة‬
‫بقرب الوالية وبعد طي هذه الكماالت وحصول التجليات يوضع القدم يف كماالت‬
‫النبوة ويف هذا املقام وصول ابالصل وااللتفات اىل الظل ذنب والطريق الثاين هو الذي‬
‫يتيسر فيه الوصول اىل كماالت النبوة بدون توسط حصول كماالت الوالية وهذا الطريق‬
‫الثاين طريق سلطاين وأقرب اىل الوصول وكل من وصل اىل كماالت النبوة اال ما شاء هللا‬
‫وصل من هذا الطريق من االنبياء العظام والصحابة الكرام بتبعيتهم ووراثتهم والطريق‬
‫االول بعيد وطويل وعسري احلصول ومتعذر الوصول وقد ختيل طائفة من االولياء يف مقام‬
‫الوالية الذين تشرفوا بشرف النزول ان الكماالت اليت تتعلق مبقام النزول هي كماالت‬
‫النبوة وظنوا التوجه اىل اخللق الذي هو مناسب ملقام الدعوة انه من خصائص مقام النبوة‬
‫وليس كذلك بل هذا النزول كالعروج من مقام الوالية وفوق مقام الوالية عروج ونزول غري‬
‫ذينك يتعلقان ابلنبوة وهذا التوجه اىل اخللق غري ذاك التوجه اىل اخللق الذي هو مناسب‬
‫ملقام النبوة وهذه الدعوة غري تلك الدعوة اليت عدوها من كماالت النبوة وماذا يصنعون‬
‫فاهنم مل يضعوا اقدامهم يف خارج دائرة الوالية ومل يدركوا حقيقة كماالت النبوة وظنوا‬
‫نصف الوالية الذي هو جانب العروج متام الوالية وزعموا نصفها اآلخر الذي هو جانب‬
‫النزول مقام النبوة {شعر}‪:‬‬
‫وليس لشئ كامن جوف صخرة * سواها مسوات لديه وال ارض‬
‫‪- 588 -‬‬

‫(وميكن) ان يتيسر الوصول لشخص ابلطريق االول وجيمع كماالت الوالية والنبوة‬
‫املفصلة وحيصل له متييز ما بني كماالت هذين املقامني كما ينبغي ويفرق بني عروج كل‬
‫منهما ونزوهلما وحيكم ان نبوة نيب افضل من واليته (ينبغي) ان يعلم ان كماالت مقام‬
‫الوالية املفصلة وان مل تكن حاصلة بعد الوصول ابلطريق الثاين ولكن زبدة الوالية‬
‫وخالصتها ميسرة ابحسن الوجوه حبيث ميكن ان يقال ان أهل الوالية حصلوا من‬
‫كماالت الوالية قشرها وهذا الواصل حاز لبها نعم ان هذا الواصل قليل النصيب من‬
‫بعض العلوم السكرية والظهورات الظلية اليت حاصلة الرابب الوالية وهذا املعن ليس‬
‫مبوجب للمزية بل هذه العلوم والظهورات عيب وعار على ذلك الواصل بل تليق أبن‬
‫تعدها ذنبا وسوء ادب نعم ان واصل االصل منقبض ومستغفر من ظالل ذلك االصل‬
‫والتعلق ابلظل امنا هو حني عدم الوصول اىل اصل ذلك الظل والتعلق به بعد الوصول اىل‬
‫اصله من عدم احلاصل والتوجه اليه سوء االدب (أيها الولد) ان حصول كماالت النبوة‬
‫مربوط مبوهبة حمضة ومنوط بتكرمة صرفة ال مدخل للتمحل وجتشم الكسب فيه اصال اي‬
‫عمل واي كسب يكون منتجا هلذه الدولة العظمى واي رايضة واية جماهدة تكون مثمرة‬
‫هلذه النعمة االسن خبالف كماالت الوالية فان مباديها ومقدماهتا كسبية وحصوهلا مربوط‬
‫ابلرايضة واجملاهدة وان جاز ان يكون بعض االشخاص مشرفا هبذه الدولة ايضا من غري‬
‫جتشم كسب ومباشرة عمل والفناء والبقاء اللذان الوالية عبارة عنهما ايضا من املوهبة‬
‫يشرف هبما بعد كسب املقدمات ابلفضل والكرم كل من اريد له ذلك ورايضات رسول‬
‫هللا صلّى هللا عليه و سلّم وجماهداته قبل البعثة وبعدها مل تكن لتحصيل هذه الدولة بل‬
‫كان املنظور منافع وفوائد أخر مثل قلة احلساب وكفارة الزالت البشرية وارتفاع الدرجات‬
‫ومراعاة صحبة امللك املرسل الذي هو برئ من االكل والشرب وكثرة ظهور اخلوارق‬
‫املناسبة ملقام النبوة (ينبغي) ان يعلم ان حصول هذه املوهبة يف حق االنبياء عليهم السالم‬
‫بال توسط ويف حق اصحاهبم الذين تشرفوا هبذه الدولة ابلتعبية والوراثة امنا هو بتوسط‬
‫االنبياء عليهم السالم وبعد االنبياء واصحاهبم قل من تشرف هبذه الدولة وان كان‬
‫‪- 589 -‬‬

‫تشرفهم هبا جائزا {شعر}‪:‬‬


‫لو جاء من فيض روح القدس من مدد * غري املسيح ليصنع مثل ما صنعا‬
‫واظن ان هذه الدولة القت الظل يف كبار التابعني واكابر تبع التابعني ايضا مث‬
‫استرتت بعد ذلك حت اذا بلغت النوبة االلف الثاين من بعثتة عليه الصالة و السالم‬
‫برزت هذه الدولة يف هذا الوقت ايضا ابلتبعية والوراثة وجعلت اآلخر مشاهبا ابالول‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫فاذا أتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله امت الصلوات‬
‫وأكمل التحيات‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والثلثمائة اىل املخدوم زاده جامع العلوم الظاهرية والباطنية‬
‫جمد الدين حممد معصوم سلمه هللا تعاىل يف بيان فرق الوالايت الثالث وان النبوة‬
‫أفضل من الوالية وبعض خصائص مقام النبوة وما يناسب ذلك}‬
‫إعلم ارشدك هللا تعاىل ان الوالية عبارة عن قرب اهلي ال يتصور بال شائبة الظلية‬
‫وال حيصل بدون حيلولة احلجب فان كانت والية االولياء فمتسمة بسمة الظلية ألبتة‬
‫ووالية االنبياء وان كانت خارجة عن الظلية ولكنها غري متحققة بدون حيلولة حجب‬
‫االمساء والصفات ووالية املل االعلى وان كانت فوق حجب االمساء والصفات ولكنها‬
‫البد هلا من حجب الشؤون واالعتبارات واليت مل يتطرق عليها شائبة الظلية وتركت‬
‫حجب االمساء والصفات يف الطريق امنا هي النبوة والرسالة فتكون النبوة افضل من الوالية‬
‫ابلضرورة و يكون قرب النبوة ذاتيا واصليا ومن مل يطلع على حقيقتهما حكم ابلعكس‬
‫وجزم ابلقلب فيكون الوصول يف مرتبة النبوة واحلصول يف مقام الوالية فان احلصول ال‬
‫يتصور بدون مالحظة الظلية خبالف الوصول وايضا ان يف كمال احلصول رفع االثنينية‬
‫ويف كمال الوصول بقاء االثنينية فرفع االثنينية يكون مناسبا ملقام الوالية وبقاء االثنينية‬
‫‪- 590 -‬‬

‫مالميا ملرتبة النبوة فاذا كان رفع االثنينية مناسبا ملقام الوالية يكون السكر يف مجيع الوقت‬
‫الزما ملقام الوالية ابلضرورة وحيث كان يف مرتبة النبوة بقاء االثنينية يكون الصحو من‬
‫خواص تلك املرتبة وايضا ان حصول التجليات سواء كان يف كسوة الصور واالشكال او‬
‫يف حجب االلوان واالنوار كله يف مقامات الوالية ويف طي مقدماهتا ومباديها خبالف‬
‫مرتبة النبوة فان يف ذلك املوطن وصوال اىل االصل واستغناء عن التجليات والظهورات‬
‫اليت كلها ظالل ذلك االصل وكذلك االحتياج اىل تلك التجليات وقت طي مقدمات‬
‫تلك املرتبة ومباديها اال ان يقع العروج من طريق الوالية فحينئذ حصول تلك التجليات‬
‫بواسطة الوالية ال بواسطة طي مسافة طريق الوصول اىل كماالت النبوة وابجلملة ان‬
‫التجليات والظهورات تنبئ عن الظالل والذي ختلص عن التعلق ابلظالل ختلص عن‬
‫التجليات ينبغي ان يطلب سر ما زاغ البصر من ههنا (ايها الولد) ان اضطراب العشق‬
‫وطنطنة احملبة والنياح املهيجة للشوق والصياح املمتزجة ابلتأمل والذوق والوجد والرقص كلها‬
‫يف مقامات الظالل ويف أوان الظهورات والتجليات الظلية وبعد الوصول اىل االصل ال‬
‫يتصور حصول هذه االمور واحملبة يف ذلك املوطن مبعن ارادة الطاعة كما قال العلماء ال‬
‫أهنا معن زائد عليها منشأ للشوق والذوق كما ظن بعض الصوفية (امسع ايها الولد)‬
‫وحيث كان رفع االثنينية مطلواب يف مقام الوالية يسعى االولياء يف إزالة االرادة ابلضرورة‬
‫قال الشيخ البسطام اريد ان ال اريد وحيث كان رفع االثنينية غري منظور يف مرتبة النبوة مل‬
‫يكن زوال نفس االرادة مطلواب وكيف يكون مطلواب فان االرادة صفة كاملة يف حد ذاهتا‬
‫فان تطرق النقص اليها فامنا هو بواسطة خبث متعلقاهتا فينبغي ان ال يكون متعلقها امرا‬
‫خبيثا وغري مرضي بل يكون مجيع املرادات مرضي احلق سبحانه وكذلك جيتهدون يف مقام‬
‫الوالية يف نفي مجيع الصفات البشرية واملطلوب يف مرتبة النبوة نفي املتعلقات السوء هلذه‬
‫ال صفات ال نفي اصل هذه الصفات فاهنا كاملة يف حد ذاهتا مثال ان صفة العلم من‬
‫الصفات الكاملة فان تطرق اليها نقص فامنا هو من جهة سوء متعلقها فكان الضروري‬
‫نفي سوء املتعلق ال نفي اصلها و على هذا القياس فالذي وصل اىل مقام النبوة من طريق‬
‫‪- 591 -‬‬

‫الوالية ال بد له من نفي اصل الصفات يف اثناء الطريق والذي وصل اليه بدون توسط‬
‫الوالية ال حاجة له اىل نفي اصل الصفات بل ينبغي له نفي املتعلقات السوء هلذه‬
‫الصفات (ينبغي) ان يعلم ان املراد هبذه الوالية املذكورة الوالية الظلية اليت يعرب عنها‬
‫ابلوالية الصغرى ووالية االولياء واما والية االنبياء اليت جاوزت الظل فهي غريها واملطلوب‬
‫فيها نفي املتعلقات السوء للصفات البشرية ال نفي اصل تلك الصفات فاذا حصل نفي‬
‫متعلقات السوء للصفات حصلت والية االنبياء عليهم الصالة و السالم فان وقع العروج‬
‫بعد ذلك يكون متعلقا بكماالت النبوة فالح من هذا البيان انه ال بد للنبوة من اصل‬
‫الوالية فان الوالية من مباديها ومقدماهتا واما الوالية الظلية فال حاجة اليها يف الوصول‬
‫اىل كماالت النبوة بل تتفق للبعض وال يقع العبور عليها للبعض اآلخر فافهم وال شك ان‬
‫نفي اصل الصفات متعسر ابلنسبة اىل متعلقاهتا السوء فيكون حصول كماالت النبوة‬
‫اه ون وايسر واقرب ابلنسبة اىل حصول كماالت الوالية وهذا التفاوت ابلسري والقرب‬
‫جار يف كل امر له وصول اىل االصل ابلنسبة اىل امور مفارقة لالصل اال ترى ان كيمياء‬
‫االصل ميسر بسهولة العمل وحاصل ابقرب الطرق والذي فارق اصله يف حمنة وتعب‬
‫حبيث يفين عمره يف حتصيله ومع ذلك ال حاصل له غري احلرمان وما حصله بعد اللتيا‬
‫واليت له شباهة ابالصل وكثريا ما تزول عنه تلك الشباهة العارضة ويعود اىل اصله ويؤول‬
‫اىل الدانءة واخلباثة خبالف واصل اصله فانه مع وجود سهولة العمل وقرب الطريق امني‬
‫من خوف الزيوفة واخلباثة (وملا وصل) مجاعة من سالك هذا الطريق ابلرايضة الشاقة‬
‫واجملاهدة الشديدة اىل ظل من الظالل ظنوا ان الوصول اىل املطلب منوط ابلرايضات‬
‫الشاقة واجملادهات الشديدة ومل يعلموا ان له طريقا آخر اقرب من هذا الطريق وموصل اىل‬
‫هناية النهاية وهو طريق االجتباء الذي هو منوط مبجرد الفضل والكرم والطريق الذي‬
‫اختاره هؤالء اجلماعة هو طريق االانبة مربوط ابجملاهدة والواصلون من هذا الطريق اقل‬
‫قليل والواصلون من طريق االجتباء جم غفري االنبياء عليهم السالم كلهم ساروا على‬
‫طريق االجتباء واصحاهبم رضوان هللا عليهم امجعني ايضا وصلوا من طريق االجتباء‬
‫‪- 592 -‬‬

‫ابلتبعية والوراثة ورايضات ارابب االجتباء امنا هي الداء شكر نعمة الوصول قال عليه‬
‫الصالة و السالم يف جواب السائل عن وجه رايضاته الشديدة مع كون ذنوبه املتقدمة‬
‫واملتأخرة مغفورة افال اكون عبدا شكورا وجماهدات أهل االانبة الجل حصول الوصول‬
‫شتان ما بينهما وطريق االجتباء احلمل واجلذب على الطريق وطريق االانبة السري على‬
‫الطريق وبني اجلذب والسري فرق عظيم جيذب سريعا ويوصل به بعيدا والسائر يسري بطيئا‬
‫ورمبا يبقى يف الطريق قال حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره حنن املفضلون‬
‫نعم لوال الفضل كيف ميكن ان تكون هناية غريهم مندرجة يف بدايتهم ذلك فضل هللا‬
‫يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (ولنرجع) اىل اصل الكالم ونقول ان هذا الفقري قد‬
‫كتب فيما كتب اىل شيخه املعظم من العرائض انه قد ارتفعت مجيع املرادات ولكن نفس‬
‫االرادة ابقية على حاهلا مث كتب بعد مدة ان االرادة ايضا صارت مرتفعة مثل املرادات وملا‬
‫شرفه احلق سبحانه بوراثة االنبياء عليهم الصالة و السالم علم انه كان ارتفاع املتعلق‬
‫ابلسوء لتلك االرادة وزواله ال ارتفاع نفس االرادة فانه ال يلزم ارتفاع اصل االرادة يف‬
‫حصول ارتفاع املتعلق السوء على الوجه االمت واالكمل بل الشيئ كثريا ما يتيسر مبجرد‬
‫الفضل وال يتيسر عشر عشريه ابلتعمل والتكلف (أيها الولد) ينبغي يف مقام الوالية اليأس‬
‫واالعراض الكلي عن الدنيا واآلخرة وان يعد التعلق ابآلخرة كالتعلق ابلدنيا وان يرى‬
‫شوق اآلخرة كشوق الدنيا غري حممودة قال االمام داود الطائي ان اردت السالمة سلم‬
‫على الدنيا وان اردت الكرامة كرب على اآلخرة وقال غريه من هذه الطائفة ان يف قوله‬
‫تعاىل منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد اآلخرة اآلية شكاية من الفريقني (وابجلملة)‬
‫ان الفناء الذي هو عبارة عن نسيان ما سوى احلق سبحانه شامل للدنيا واآلخرة والفناء‬
‫والبقاء كالمها من اجزاء الوالية فال بد اذا يف الوالية من نسيان اآلخرة والتعلق ابآلخرة امنا‬
‫هو حممود يف كماالت النبوة وشوق اآلخرة امنا هو مرضي فيها بل الشوق واخلوف يف‬
‫ذلك املوطن هو شوق اآلخرة وخوفه والتعلق ابآلخرة قوله تعاىل يدعون رهبم خوفا وطمعا‬
‫وقوله تعاىل وخيشون رهبم وخيافون عذابه وقوله تعاىل والذين خيشون رهبم ابلغيب والذين‬
‫‪- 593 -‬‬

‫هم من الساعة مشفقون اوصاف ارابب هذا املقام بكاؤهم وانينهم من تذكر احوال‬
‫اآلخرة وأملهم وحزهنم من خوف اهوال يوم القيامة يستعيذون من فتنة القرب على الدوام‬
‫وخيافون من عذاب النار و يلتجئون منه اىل امللك اجلبار ابلتضرع التام شوق احلق جل‬
‫وعال عندهم هو شوق اآلخرة وحمبتهم حمبة اآلخرة فان اللقاء موعود يف اآلخرة وكمال‬
‫الرضا ايضا موقوف على اآلخرة الدنيا مبغوضة احلق جل وعال واآلخرة مرضيته وال ميكن‬
‫جعل املرضية مساوية للمبغوضة يف وقت من االوقات فان املبغوضة الئقة ابالعراض‬
‫واملرضية مستحقة لالقبال واالعراض عن املرضية عني السكر وخالف مدعوه تعاىل‬
‫املرضي وقوله تعاىل وهللا يدعو اىل دار السالم شاهد هلذا املعن وهللا سبحانه يرغب يف‬
‫اآلخرة ابملبالغة والتأكيد فاالعراض عن اآلخرة معارضة احلق سبحانه يف احلقيقة وسعي يف‬
‫رفع مرضيته وحيث كان لداود الطائي قدم راسخ يف الوالية قال مع جاللة شأنه يف حق‬
‫ترك اآلخرة انه كرامة أمل يعلم ان االصحاب الكرام عليهم الرضوان كلهم كانوا مبتلني‬
‫بفكر اآلخرة وخائفني وجلني من عذاهبا مر عمر رضي هللا عنه بدار انسان فسمع قارائ‬
‫يقرأ قوله تعاىل ان عذاب ربك لواقع ما له من دافع فسقط من مساع هذه اآلية من دابته‬
‫على االرض مغشيا عليه فحملوه اىل بيته فبقى من امل ذلك مريضا اىل مدة مديدة حت‬
‫كان الناس يعودونه نعم يتيسر نسيان الدنيا واآلخرة يف اواسط االحوال يف مقام الفناء‬
‫ويرى فيه التعلق ابآلخرة كالتعلق ابلدنيا واما اذا تيسر التشرف ابلبقاء وبلغ االمر هنايته‬
‫وألقت كماالت النبوة ظلها فحينئذ كل اهلم هم اآلخرة واالستعاذة من النار ومتين اجلنة ال‬
‫مناسبة الشجار اجلنة واهنارها وحورها وغلماهنا ابالشياء الدنيوية بل هؤالء يف طريف‬
‫النقيض مثل نقاضة الغضب والرضا واشجار اجلنة واهنارها ومجيع ما فيها نتائج االعمال‬
‫الصاحلة ومثراهتا قال رسول صلّى هللا عليه و سلّم ان اجلنة قيعان وان غراسها قولك‬
‫سبحان هللا واحلمد هلل وال اله اال هللا وهللا اكرب وقال من قال[‪ ]1‬سبحان هللا العظيم‬
‫وحبمده غرست له خنلة يف اجلنة فصارت شجرة اجلنة نتيجة التسبيح وكما ان الكماالت‬

‫(‪ )1‬اخرج الرتمذي عن جابر رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فذكره منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 594 -‬‬

‫التنزيهية يف هذه الكلمة مندرجة يف كسوة احلروف واالصوات كذلك يف اجلنة تعبأ تلك‬
‫الكماالت يف كسوة االشجار على هذا القياس مجيع ما يف اجلنة من نتائج االعمال‬
‫الصاحلة وما اندرج يف ضمن كسوة صالح قويل او فعلي من الكماالت الوجودية تعالت‬
‫وتقدست يظهر يف اجلنة يف حجب اللذات والتنعمات فيكون ذلك التلذذ والتنعم مقبوال‬
‫ومرضيا ابلضرورة ووسيلة للقاء والوصول فان كانت رابعة املسكينة واقفة على هذا السر‬
‫ملا خطر يف قلبها فكر احراق اجلنة وملا ترى التعلق هبا غري التعلق ابحلق سبحانه خبالف‬
‫التلذذ والتنعم الدنيوي فان منشأه اخلبث ونتيجته احلرمان يف اآلخرة اعاذان هللا سبحانه‬
‫منه فان كان التلذذ الدنيوي مباحا شرعيا فاحملاسبة امامنا فويل الف ويل ان مل أتخذ‬
‫الرمحة االهلية ابيدينا وان مل يكن مباحا شرعيا فهو مورد الوعيد الشديد ربنا ظلمنا انفسنا‬
‫وان مل تغفر لنا وترمحنا لنكونن من اخلاسرين فكيف يكون هلذا التلذذ مناسبة بذلك‬
‫التلذذ فان هذا سم قاتل وذاك ترايق انفع فهم اآلخرة اما نصيب عوام املؤمنني واما‬
‫نصيب اخص اخلواص واما اخلواص فهم يتربأون من هذا اهلم ويرون الكرامة يف خالفه‬
‫{ع}‪:‬‬
‫وللناس فيما يعشقون مذاهب‬

‫{املكتوب الثالث والثالمثائة اىل احلاج يوسف الكشمريي يف بيان معاين‬


‫كلمات االذان}‬
‫بعد احلمد والصلوات ينبغي ان يعلم ان كلمات االذان سبعة هللا اكرب اي هللا اكرب‬
‫ان يكون له حاجة اىل عبادة عابد كررت هذه الكلمة اربع مرات لتأكيد هذا املعن املهم‬
‫اشهد ان ال اله اال هللا أي أشهد أنه مع كربايئه و استغنائه عن العبادة ليس املستحق‬
‫حممدا رسول هللا اي اشهد انه عليه الصالة و السالم‬ ‫للعبادة االّ هو سبحانه أشهد أ ّن ّ‬
‫رسوله سبحانه ومبلغ عنه تعاىل طريق العبادة فال تكون العبادة الالئقة جبناب قدسه تعاىل‬
‫اال ما هي مأخوذة من جهة تبليغه ورسالته عليه و على آله الصالة والتحية حي على‬
‫‪- 595 -‬‬

‫الصالة حي على الفالح كلمتان لطلب املصلي اىل اداء الصالة املؤدية ايل الفالح هللا‬
‫اكرب اي اكرب من ان يليق جبناب قدسه تعاىل عبادة احد ال اله اال هللا اي انه تعاىل ال‬
‫حمالة هو املستحق للعبادة وان مل تصدر العبادة من احد ما الئقة جبناب قدسه تعاىل‬
‫ينبغي ادراك عظمة شأن الصالة من عظمة شأن هذه الكلمات املوضوعة لالعالم بوقت‬
‫الصالة {ع}‪:‬‬
‫وعام الرخص يعلم من ربيع‬
‫اللهم اجعلين من املصلني املفلحني حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم امت الصلوات‬
‫وأكمل التحيات‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والثالمثائة اىل موالان عبد احلي يف بيان االعمال الصاحلة اليت‬
‫نيط هبا وعد دخول اجلنة يف اكثر اآلايت القرآنية ويف بيان اداء الشكر وبيان بعض‬
‫معاين الصالة واسرارها}‬
‫بعد احلمد والصلوات اعلم اسعدك هللا تعاىل انه كان يل تردد من مدة مديدة يف‬
‫ان املراد ابالعمال الصاحلة اليت جعل هللا سبحانه و تعاىل وعد دخول اجلنة مربوطا هبا يف‬
‫اكثر اآلايت القرآنية هل هو مجيع االعمال الصاحلة او بعضها فان كان اجلميع فذلك‬
‫متعسر فانه قل من يكون موفقا التيان اجلميع وان كان البعض فمجهول غري متعني‬
‫فافيض يف اخلاطر اخريا مبحض فضل احلق سبحانه انه لعل املراد بتلك االعمال الصاحلة‬
‫اركان االسالم اخلمسة اليت ب ين االسالم عليها فاذا اديت هذه األصول اخلمسة على وجه‬
‫الكمال فاملرجو ان تكون النجاة والفالح نقد الوقت فان هذه اخلمسة يف حد ذاهتا‬
‫اعمال صاحلة وموانع للسيآت واملنكرات قوله تعاىل ان الصالة تنهي عن الفحشاء‬
‫واملنكر شاهد هلذا املعن واذا تيسر اتيان هذه اخلمسة يرجى حصول اداء الشكر فاذا‬
‫حصل اداء الشكر حصلت النجاة من العذاب ما يفعل هللا بعذابكم ان شكرمت وآمنتم‬
‫فينبغي لالنسان ان جيتهد يف اتيان هذه اخلمسة غاية االجتهاد خصوصا يف اقامة الصالة‬
‫‪- 596 -‬‬

‫اليت هي عماد الدين وان ال يرضى برتك ادىن ادب من آداهبا مهما امكن فمن امت الصالة‬
‫فقد حصل اصال عظيما من اصول االسالم وحاز وانل حبال متينا الجل اخلالص وفاز‬
‫وهللا سبحانه املوفق ( اعلم) ان التكبرية األوىل يف الصالة اشارة اىل استغنائه وكربايئه تعاىل‬
‫من عبادة العابدين وصالة املصلني وسائر التكبريات اليت بعد كل ركن من االركان‬
‫اشارات ورموز اىل عدم لياقة اداء كل ركن الن يكون عبادة جلناب قدسه تعاىل وحيث‬
‫كان معن التكبري ملحوظا يف تسبيح الركوع مل يشرع التكبري بعد الركوع خبالف‬
‫السجدتني فاهنما مع وجود التسبيحات فبهما شرع التكبري يف اوهلما وآخرمها وذلك لئال‬
‫يتوهم احد ان السجود ملا كان هناية االحنطاط وغاية االخنفاض وكمال التذلل واالنكسار‬
‫قد ادى فيه حق العبادة والجل دفع هذا التوهم ايضا أختري يف تسبيح السجود لفظ‬
‫اعلى وسن تكرار التكبري وملا كانت الصالة معراج املؤمن شرع يف آخرها قرائة كلمات‬
‫شرف هبا رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ليلة املعراج فينبغي للمصلي ان جيعل صالته‬
‫معراجه وان يطلب فيها غاية القرب قال عليه و على آله الصالة و السالم أقرب ما‬
‫يكون العبد من الرب يف الصالة وملا كان املصلي مناجي ربه ومشاهد عظمته وجالله‬
‫حق ان يظهر فيه رعب وهيبة وقت اداء الصالة فالجل تسليته شرع ختم الصالة‬
‫ابلتسليمتني وما ورد عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم من التسبيح والتحميد والتكبري‬
‫والتهليل مائ ة مرة بعد اداء الصالة الفرض سره يف علم الفقري ان يتاليف ابلتسبيح والتكبري‬
‫ما وقع يف اداء الصالة من القصور والتقصري واالعرتاف بعدم لياقة تلك العبادة وعدم‬
‫متاميتها وحيث كان اداء العبادة ميسرا بتوفيق هللا تعاىل لزم اداء شكر تلك النعمة‬
‫ابلتحميد وان ال يرى مستحق العبادة غريه سبحانه و تعاىل فاذا كان اداء الصالة مقروان‬
‫ابلشرائط واآلداب وحصل بعد ذلك تاليف التقصريات وشكر نعمة التوفيق ونفي‬
‫استحقاق العبادة عن غريه تعاىل من صميم القلب هبذه الكلمات الطيبة فاملرجو ان‬
‫تكون هذه الصالة الئقة بقبوله تبارك و تعاىل وان يكون صاحبها مصليا مفلحا اللهم‬
‫اجعلين من املصلني املفلحني حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم و على آله الصلوات و‬
‫‪- 597 -‬‬

‫التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والثالمثائة اىل املري حمب هللا املانكپوري يف بيان اسرار‬
‫الصالة والفرق بني صالة املبتدئ والعامي وبني صالة املنتهى}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ارشدك‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫هللا تعاىل ان متامية الصالة وكماهلا عند الفقري عبارة عن اتيان فرائضها وواجباهتا وسننها‬
‫ومستحباهتا اليت كلها مبينة يف الكتب الفقهية ابلتفصيل وليس وراء هذه االمور االربعة‬
‫امر آخر له مدخل يف متامية الصالة فان اخلشوع يف الصالة مندرج ايضا يف هذه االربعة‬
‫وخضوع القلب ايضا منوط هبا واكتفى مجاعة بعلم هذه االمور واختاروا املساهلة واملداهنة‬
‫يف العمل هبا فال جرم قل نصيبهم من كماالت الصالة واهتم مجاعة حبضور القلب مع‬
‫احلق سبحانه وقل التفاهتم اىل آداب اعمال اجلوارح واقتصروا على الفرائض والسنن وهذه‬
‫اجلماعة ايضا مل يتنبهوا على حقيقة الصالة ومل يعرفوها وطلبوا كمال الصالة من غريها ومل‬
‫يعدوا[‪ ]1‬حضور القلب من مجلة احكام الصالة وما ورد يف اخلرب من انه ال صالة اال‬
‫حبضور القلب ميكن ان يكون املراد ابحلضور حضور القلب مع هذه االمور االربعة لئال‬
‫يقع فتور يف اتيان امر من هذه االمور وال يقع يف ذهن الفقري حضور وراء هذا احلضور‬
‫(فان قيل) اذا كان متامية الصالة وكماهلا مربوطا هبذه االمور االربعة ومل يكن امرا آخر‬
‫وراءه ملحوظا يف كماهلا ماذا يكون الفرق بني صالة املبتدي وبني صالة املنتهى بل بني‬
‫صالة العامي اليت تكون مقرونة ابتيان هذه االمور (قلت) ان الفرق من جهة العامل ال‬
‫من جهة العمل فان اجر عمل واحد يتفاوت بواسطة تفاوت عاملني حبيث يكون اجره‬
‫اذا وقع من عامل مقبول حمبوب اضعاف مضاعف ذلك االجر اذا وقع من غريه الن‬

‫(‪ )1‬قوله ومل يعدوا اخل هكذا يف نسخ متعددة وهلذا ابقيناه على حاله واال ينبغي ان يكون وعدوا حضور القلب اخل النه‬
‫لو مل يكن حضور القلب عندهم من مجلة الصالة ملا صح تعليله ورده عليهم وملا صدق قوله وال يقع يف ذهن الفقري اخل‬
‫النه صريح يف انه ال يقول بوجود حضور يف الصالة غري ما ذكر كما قال به هؤالء منه‪.‬‬
‫‪- 598 -‬‬

‫العامل كلما يكون عظيم القدر يكون عمله جزيل االجر ومن ههنا قالوا ان العمل‬
‫املقرون ابلرايء من العارف افضل من عمل املريد ابالخالص فكيف اذا كان عمل العارف‬
‫مقروان ابالخالص وهلذا كان الصديق االكرب رضي هللا عنه يطلب سهو النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم معتقدا ان سهوه افضل من صوابه وعمده حيث قال اي ليتين كنت سهو‬
‫حممد متمنيا ان يكون بكليته سهوه عليه الصالة و السالم ومعتقدا ان اعماله التامة‬
‫واحواله الكاملة انقص من سهوه صلّى هللا عليه و سلّم يف العمل فسأل بتمام التمين ان‬
‫تكون درجة متامية حسناته كدرجة سهوه عليه الصالة و السالم وسهوه صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم مثل سالمه على رأس ركعتني من رابعي الفرض بطريق السهو كما روى فصالة‬
‫املنتهى مع وجود النتائج والثمرات الدنيوية فيها يرتتب عليها اجر جزيل يف اآلخرة خبالف‬
‫صالة املبتدي والعامي {ع}‪:‬‬
‫ما نسبة الفرشي ابلعرشي‬
‫ولنذكر نبذة من خصائص صالة املنتهى ليقاس عليها غريها ان املنتهى جيد لسانه‬
‫احياان عند قراءة القرآن واتيان التسليمات والتكبريات كشجرة موسوية وال يرى قواه‬
‫وجوارحه غري اآلالت والوسائط وجيد احياان ان تعلق ابطنه وحقيقته قد انقطع عن ظاهره‬
‫وصورته ابلتمام وصار ملحقا بعامل الغيب وحصل نسبة ابلغيب جمهولة الكيفية واذا فرغ‬
‫من الصالة يرجع اثنيا (او نقول) يف جواب اصل السؤال ان اتيان االمور االربعة املذكورة‬
‫على وجه الكمال امنا هو نصيب املنتهى واملبتدي والعامي بعيدان عن ان يكوان موفقني‬
‫التياهنا على وجه الكمال وان كان ممكنا فاهنا لكبرية اال على اخلاشعني و السالم على‬
‫من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والثالمثائة اىل موالان صاحل يف ذكر بعض مناقب املخدوم‬
‫زاده االكرب اخلواجه حممد صادق عليه الرمحة والغفران وكماالته واملخدومني‬
‫االصغرين اخلواجه حممد فرخ وحممد عيسى رمحهم هللا وبيان فناء أرابب الوالية وعدم‬
‫‪- 599 -‬‬

‫االحتياج اليه يف قرب النبوة وما يناسب ذلك}‬


‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ولعل اخاان مال صاحل مسع واقعات‬
‫اهل سرهند وقد اختار ولدي االعظم رضي هللا عنه مع اخويه االصغرين حممد فرخ وحممد‬
‫عيسى ايضا سفر اآلخرة اان هلل واان اليه راجعون محدا هلل سبحانه اوال على ما اعطي‬
‫الباقني القوة والصرب واثنيا على ما جعل يف البلية سرا ونعم ما قيل {شعر}‬
‫ان كنت تؤذيين فلست مبعرض * وقد استطبت من االعزة ذليت‬
‫كان ولدي املرحوم آية من آايت هللا ورمحة من رمحات رب العاملني وقد انل يف‬
‫سن اربع وعشرين ما مل ينله اال االقلون وبلغ رتبة املولوية وملكة تدريس العلوم العقلية‬
‫والنقلية حد الكمال حت ان تالمذته يشتغلون بدرس البيضاوي وشرح املواقف وامثاهلما‬
‫ابلقدرة التامة وحكاايت معرفته عرفانه وقصص شهوده وكشوفه مستغنية عن البيان‬
‫ومعلومكم انه يف سن مثان كان مغلوب احلال على هنج عاجله حضرة شيخنا قدس سره‬
‫لتسكني حاله بطعام السوق الذي هو مشكوك فيه ومشتبه وقال ان حمبيت حملمد صادق‬
‫ليست هي ال حد و كذلك حمبته لنا ليست هي الحد غريان ليعلم جاللة شأنه من هذا‬
‫الكالم وقد بلغ الوالية املوسوية اىل النقطة االخرية وكان يبني عجائب تلك الوالية‬
‫وغرائبها وكان دائما خاضعا وخاشعا و ملتجئا ومتضرعا ومتذلال ومنكسرا وكان يقول ان‬
‫كال من اولياء هللا تعاىل طلب شيئا من احلق سبحانه و تعاىل واان طلبت االلتجاء‬
‫والتضرع وما اكتب من حممد فرخ قد كان ابن احدى عشرة سنة وكان مشغوال بطلب‬
‫العلم وكان يقرأ الكافية ابلشعور وكان مشفقا من عذاب اآلخرة على الدوام وكان يدعو‬
‫ابن يفارق الدنيا الدنية يف سن الطفولية ليتخلص من عذاب اآلخرة وشاهد منه بعض‬
‫االصحاب الذين كانوا ميرضونه يف مرض موته غرائب وعجائب وما أكتب من خوارق‬
‫حممد عيسى وكراماته اليت رآها الناس قبل بلوغه مثاين سنة وابجلملة كانوا جواهر نفيسة‬
‫ايل على سبيل الوديعة هلل سبحانه احلمد واملنة سلمت االمانة اىل اهلها بال كره‬
‫مفوضة ّ‬
‫وال اكراه اللهم ال حترمنا أجرهم وال تفتنا بعدهم حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم الصالة‬
‫‪- 600 -‬‬

‫و التسليمات {ع}‪:‬‬
‫و أحسن ما ميلى حديث االحبة‬
‫(اعلم) ان املقصود من الفناء الذي هو عبارة عن نسيان ما سوى احلق تعاىل هو‬
‫زوال تعلق احملبة مبا دون احلق سبحانه فانه اذا زالت ذوات االشياء وصفاهتا وأفعاهلا عن‬
‫النظر واالدراك يزول تعلق احملبة هبا ابلضرورة وال بد يف طريق الوالية من نسيان السوى‬
‫ليزول ا لتعلق مبا دون احلق جل وعال ويف مدراج قرب النبوة ال حاجة يف زوال التعلق‬
‫ابالشياء اىل نسيان االشياء اصال فان يف قرب النبوة ال يبقى التعلق ابالصل الذي هو‬
‫حسن ومجيل يف حد ذاته امسا وال رمسا عن التعلق ابالشياء اليت هي قبيحة ال حسن فيها‬
‫يف نفسها سواء نسيت االشياء او ال فان صفة الذم امنا عرضت للعلم ابالشياء بواسطة‬
‫قبح التعلق هبا لكونه مستلزما لالعراض عن جناب قدسه تعاىل فاذا زال التعلق ابالشياء‬
‫زالت صفة الذم عن العلم هبا فلم يبق مذموما وكيف يكون العلم ابالشياء مذموما فان‬
‫االشياء كلها معلومات احلق جل سلطانه وعلمه هبا من صفاته الكاملة (فان قيل) اذا مل‬
‫يكن العلم مبا دون احلق جل وعال زائال فكيف جيتمع العلم ابحلق تعاىل مع العلم مبا سواه‬
‫سبحانه يف وقت واحد فال مندوحة اذا من نسيان ما سواه تعاىل (قلت) ان العلم املتعلق‬
‫ابالشياء من قبيل العلم احلصويل والعلم املتعلق حبضرة احلق سبحانه و تعاىل مشابه ابلعلم‬
‫احلضوري فكال العلمني جيتمعان يف وقت واحد وال يلزم منه حمذور اصال وامنا يلزم احملذور‬
‫اذا كان كال العلمني حصوليني (وامنا) قلنا من قبيل العلم احلصويل ومشابه ابلعلم‬
‫احلضوري فانه ليس هناك حقيقة احلصول وال جمال للحضور وعلمه تعاىل املتعلق ابالشياء‬
‫ليس حصوليا فانه ال حلول للحوادث يف ذاته تعاىل وصفاته وال حصول وعلم مثل هذا‬
‫العارف ظل من ذلك العلم والعلم املتعلق حبضرة احلق سبحانه ال ميكن ان يقال انه‬
‫حضوري فانه تعاىل أقرب اىل املدركة من نفس املدركة ايضا والعلم احلضوري ابلنسبة اىل‬
‫ذلك العلم كالعلم احلصويل ابلنسبة اىل العلم احلضوري وهذه املعرفة وراء طور العقل‬
‫والفكر من مل يذق مل يدر فتقرر ان العلم ابالشياء ليس مبناف للعلم ابحلق فال يكون‬
‫‪- 601 -‬‬

‫نسيان االشياء الزما اصال خبالف طريق الوالية فان زوال عالقة االشياء هناك غري‬
‫متصور بدون نسيان االشياء فان يف الوالية تعلقا ابلظالل وليس يف ذلك التعلق قدرة‬
‫ازالة التعلق ابالشياء مع وجود العلم هبا فال بد فيها اوال من نسيان االشياء حت تزول‬
‫التعلقات هبا وهذه معرفة خمصوصة هبذا الدرويش مل يتكلم هبا احد احلمد هلل الذي هداان‬
‫هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق‪.‬‬

‫{املكتوب السابع و الثالمثائة اىل موالان عبد الواحد الالهوري يف بيان معىن‬
‫الكلمة الطيبة سبحان هللا وحبمده وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم بعد احلمد والصالة ينبغي ان يعلم ان ما جيده العابد وقت‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫العبادة من احلسن والكمال يف عبادته كل ذلك راجع اىل توفيق هللا جل سلطانه ومن‬
‫حسن تربيته وإحسانه تعاىل وما جيده من النقصان والقصور يف العبادة كل ذلك عائد اىل‬
‫نفس العابد انش من خبثها اجلبلي وال شئ منها راجع اىل جناب قدسه تعاىل اصال بل‬
‫هناك حمض اخلري والكمال وكذلك كلما يقع يف العامل حسنه وكماله راجع اىل جناب‬
‫قدسه تعاىل وشره ونقصه عائد اىل دائرة املمكنات اليت هلا قدم راسخ يف العدم الذي هو‬
‫منشأ مجيع الشر والنقص والكلمة الطيبة سبحان هللا وحبمده مبينة هلذين االمرين اببلغ‬
‫الوجوه ومنزهة له سبحانه ومقدسة اايه تعاىل عما ال يليق جبناب قدسه تعاىل من الشرور‬
‫والنقائص كمال التنزيه والتقديس وبعبارة احلمد الواقعة فيها يؤدي الشكر على صفاته‬
‫احلميدة وافعاله اجلميلة و على انعاماته العديدة واحساانته اجلزيلة لكونه رأس كل شكر‬
‫وهلذا ورد يف احلديث[‪ ]1‬النبوي ان من قال هذه الكلمة الطيبة يف يوم او ليلة مائة مرة ال‬
‫يساويه احد يف العمل يف ذلك اليوم او الليلة اال من قال هذه الكلمة الطيبة مثله وكيف‬
‫يساويه فان كل عمل وعبادة أداء شكر من شكره تعاىل وقد أدى جبزء واحد من هذه‬
‫الكلمة وبقي اجلزء االخري منها الذي هو لبيان تنزيهه وتقديسه سبحانه زائدا عليه‬

‫(‪ )1‬رواه الشيخان عن ايب هريرة رضي عنه‬


‫‪- 602 -‬‬

‫فعليكم ابتيان هذه الكل مة كل يوم وليلة مائة مرة وهللا سبحانه املوفق (فان قيل) قد ورد‬
‫يف احلديث النبوي صلّى هللا عليه و سلّم سبحانه هللا[‪ ]1‬وحبمده عدد خلقه ورضاء نفسه‬
‫وزنة عرشه ومداد كلماته وورد ايضا سبحان هللا[‪ ]2‬ملء امليزان وورد ايضا اضعاف ما‬
‫محده مجيع خلقه ومل يقل القائل غري مرة واحدة ومل يقع العدد غري فرد واحد فبأي اعتبار‬
‫يقال عدد خلقه وما يكون معن رضاء نفسه وكيف يكون زنة عرشه وكيف يصح ان‬
‫يقال مداد كلماته وكيف ميأل به امليزان وأبي معن يقال انه اضعاف ما محده مجيع خلقه‬
‫(قلت) ان االنسان جامع عامل اخللق وعامل االمر وكلما هو يف عامل اخللق واالمر فهو يف‬
‫االنسان مع شئ زائد عليه وهو هيئته الوحدانية اليت نشأت من تركب اخللق واالمر وهذه‬
‫اهليئة الوحدانية مل تتيسر لشئ غريه وهي اعجوبة غربية وامنوذجة بديعة فاحلمد الذي يقع‬
‫من االنسان يكون اضعاف محد مجيع اخلالئق و على هذا القياس سائر االسئلة فينبغي‬
‫ان يكون املراد جبميع اخللق ما سوى االنسان ولئن ادخلنا فيه االنسان ايضا نقول ان‬
‫االنسان الكامل كما انه جيد مجيع افراد العامل اجزاء نفسه كذلك جيد افراد االنسان ايضا‬
‫اجزاء نفسه ويرى نفسه كال للكل فعلى هذا التقدير جيد محد نفسه اضعاف محد نفسه‬
‫واضعاف محد مجيع افراد االنسان ايضا و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة‬
‫املصطفى عليه و على آله افضل الصلوات واكمل التحيات‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والثالمثائة اىل موالان فيض هللا الپاين پيت يف بيان معىن قوله‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان يف امليزان حبيبتان اىل‬
‫الرمحن سبحان هللا وحبمده سبحان هللا العظيم اهـ}‬
‫اعلم ارشدك هللا تعاىل قال عليه و على آله الصالة و السالم كلمتان خفيفتان‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم عن جويرية رضي هللا عنها‬


‫(‪ )2‬اخرجه الديلمي عن علي كرم هللا وجهه مرفوعا من سره ان يناله يف عمره وينصر على عدوه ويوسع عليه يف رزقه‬
‫ويوقي ميتة السوء فليقل حني ميسي وحني يصبح ثالث مرات سبحان هللا ملء امليزان و منتهى العلم احلديث‪.‬‬
‫‪- 603 -‬‬

‫على اللسان ثقيلتان يف امليزان حبيبتان اىل الرمحن سبحان هللا وحبمده سبحان هللا العظيم‬
‫وجه خفتهما على اللسان ظاهر لقلة احلروف واما وجه ثقلتهما يف امليزان وكوهنما‬
‫حبيبتني اىل الرمحن فالن اجلزء االول من الكلمة األوىل يفيد تنزيهه تعاىل وتقديسه‬
‫سبحانه عما ال يليق جبناب قدسه عز وجل وابعاد جناب كربايئه عن صفات النقص‬
‫ومسات احلدوث والزوال واجلزء الثاين من تلك الكلمة يفيد اثبات صفات الكمال‬
‫وشئوانت اجلمال له تعاىل سواء كانت الصفات والشؤانت من الفضائل او من الفواضل‬
‫وجعل االضافة لالستغراق يف اجلزئني يفيد ثبوت مجيع التنزيهات والتقديسات وثبوت‬
‫مجيع صفات الكمال واجلمال له تعاىل فحاصل اجلزئني من الكلمة األوىل ارجاع مجيع‬
‫التنزيهات والتقديسات هلل سبحانه واثبات مجيع صفات الكمال واجلمال له عز وجل‬
‫وحاصل جزئي الكلمة الثانية اثبات مجيع التنزيهات والتقديسات له تعاىل مع اثبات‬
‫العظمة والكربايء له عز وجل وفيها اشارة اىل ان سلب النقائص عنه تعاىل ليس اال الجل‬
‫عظمته وكربايئه سبحانه فال جرم تكون الكلمتان ثقيلتني يف امليزان حبيبتني اىل الرمحن‬
‫وايضا ان التسبيح مفتاح التوبة بل زبدة التوبة وخالصتها كما حققت يف بعض املكاتيب‬
‫السيّئات فال جرم يكون ثقيال يف امليزان‬‫فيكون التسبيح وسيلة اىل حمو الذنوب وعفو ّ‬
‫ومرجحا لكفة احلسنات وحبيبا اىل الرمحن النه سبحانه حيب العفو وايضا ان املسبح‬
‫احلامد ملا نزه جناب قدسه عما ال يليق به واثبت صفات الكمال واجلمال له تعاىل‬
‫فاملرجو من الكرمي الوهاب جل شأنه ان ينزه املسبح عما ال يليق به ويوجد يف احلامد‬
‫صفة الكمال كما قال تعاىل هل جزاء االحسان اال االحسان فال جرم تكون الكلمتان‬
‫السيّئات بتكرارمها وحبيبتني اىل الرمحن لوجود االخالق احلميدة‬
‫ثقيلتني يف امليزان حملو ّ‬
‫بواسطتهما و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والثالمثائة اىل موالان احلاج حممد الفركيت يف بيان احملاسبة‬
‫اليومية والليلية كما ورد حاسبوا اخل}‬
‫‪- 604 -‬‬

‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات أهنيكم ان مجاعة من املشائخ الكرام قدس‬
‫هللا تعاىل اسرارهم اختاروا طريق احملاسبة وكانوا يف كل ليلة يطالعون قبيل النوم دفرت‬
‫أعماهلم واقواهلم وحركاهتم وسكناهتم اليومية ويدركون حقيقة كل منها ابلتفصيل ويتداركون‬
‫تقصرياهتم وسيآهتم ابلتوبة واالستغفار وااللتجاء والتضرع اىل العزيز الغفار ويشتغلون حبمد‬
‫هللا تعاىل وشكره على اعماهلم الصاحلة ويرجعون هبا اىل توفيقه تعاىل كان صاحب‬
‫الفتوحات املكية قدس سره من احملاسبني وقال اان زدت يف حماسبيت على مشائخ أخر‬
‫حت حاسبت خطرايت ونيايت وللتسبيح والتحميد والتكبري مائة[‪ ]1‬مرة قبيل النوم على هنج‬
‫ثبت عن املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم حكم احملاسبة عند الفقري‬
‫وكان املسبح يعتذر من تقصرياته وسيآته بتكرار كلمة التسبيح اليت هي مفتاح التوبة وينزه‬
‫السيّئات فان مرتكب السيئات اذا‬‫جناب قدسه تعاىل ويقدسه عما عاد اليه من ارتكابه ّ‬
‫كان عظمة جناب قدس االمر والناهي وكربايئه ملحوظة ومنظورة إليه ما كان يبادر اىل‬
‫ترك إمتثال أمره تعاىل وملا ابدر علم انه ال اعتداد وال اعتبار عنده المره وهنيه تعاىل اعاذان‬
‫هللا سبحانه من ذلك فبتكرار كلمة التنزيه يتالف هذا التقصري (ينبغي) ان يعلم ان يف‬
‫االستغفار طلب سرت الذنب ويف تكرار كلمة التنزيه طلب استيصال الذنب اين هذا من‬
‫ذاك سبحان هللا كلمة عجيبة ألفاظها يف غاية القلة ومعانيها ومنافعها يف غاية الكثرة‬
‫وبتكرار كلمة التحميد يؤدي شكر نعمة توفيقه وسائر نعمه تعاىل وتكرار كلمة التكبري‬
‫اشارة اىل ان جناب قدسه تعاىل اعلى واجل من ان يكون هذا االعتذار والشكر الئقا‬
‫حبضرته سبحانه فان اعتذار العبد واستغفاره حمتاج اىل اعتذارات واستغفارات كثرية ومحده‬
‫راجع اليه سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سالم على املرسلني واحلمد هلل رب‬
‫العاملني احملاسبون يكتفون ابالستغفار والشكر وهبذه الكلمات القدسية حيصل امر‬

‫(‪ )1‬اخرج ا لرتمذي عن ابن عمر رضي هللا عنهما خلتان ال حيصيهما احلديث وفيه واذا اخذت مضجعك تسبحه‬
‫وتكربه وحتمده مائة واخرج مسلم عن علي كرم هللا وجهه ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال له ولفاطمة رضي هللا‬
‫عنهما اذا آويتما اىل فراشكما او اذا اخذمتا مضاجعكما فكربا ثالاث وثالثني احلديث منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 605 -‬‬

‫االستغفار ويؤدى الشكر ويتيسر االمياء اىل نقص االستغفار والشكر ربنا تقبل منا انك‬
‫انت السميع العليم و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه الطاهرين وسلم وابرك‬
‫عليه وعليهم امجعني‪.‬‬

‫{املكتوب العاشر والثالمثائة اىل موالان حممد هاشم يف بيان جامعية االنسان‬
‫مع بعض االسرار الغامضة املتعلقة هبذا املقام وما يناسب ذلك}‬
‫بعد احلمد والصلوات ليعلم ان مجيع ما يف االنسان من الكماالت مستفادة من‬
‫مرتبة الوجوب تعالت وتقدست فان علما فمستفاد من علم تلك املرتبة وان قدرة‬
‫فمأخوذة من قدرة تلك املرتبة و على هذا القياس وأما كمال كل مرتبة فعلى مقدار تلك‬
‫املرتبة فحكم علم االنسان يف جنب علم الواجب كحكم امليت الذي هو الشئ حمض‬
‫ابلنسبة اىل حي حبياة ابدية وكذلك قدرة العبد يف جنب قدرة الواجب تعاىل وتقدس هلا‬
‫حكم قدرة العنكبوت الذي ينسج بيته ابلنسبة اىل قدرة شخص تصري السموات‬
‫واالرضون واجلبال والبحار دكا دكا وهباء منثورا بنفخته الواحدة ينبغي ان يقيس‬
‫الكماالت اآلخر على ذلك وهذا التفاوت امنا يقال من ضيق العبارة واال فما النسبة‬
‫بينهما {ع}‪:‬‬
‫ما نسبة الفرشي ابلعرشي‬
‫فصارت كماالت االنسان يف صورة كماالت مرتبة الوجوب تعالت وتقدست ومل‬
‫حيصل هلذه الكماالت من كماالت تلك املرتبة غري املشاركة يف االسم ومن ههنا ورد ان‬
‫هللا خلق آدم على صورته ومعن من عرف نفسه فقد عرف ربه يلوح من هذا البيان فان‬
‫مجيع ما يف نفس االنسان وان كان صورة هو الذي حقيقته حاصلة يف مرتبة الوجوب‬
‫تعالت وتقدست ومن ههنا يعرف سر خالفة االنسان فان صورة الشئ خليفة الشئ ويف‬
‫هذا املقام ظنت الزاندقة واجملسمة ان هللا عز وجل يف صورة االنسان واثبتوا القوى‬
‫واجلوارح االنسانية يف حضرته جل سلطانه من عدم العقل ضلوا فأضلوا ومل يعلموا ان‬
‫‪- 606 -‬‬

‫اطالق الصورة وامثاهلا يف تلك احلضرة من قبيل التشبيه والتمثيل ال على سبيل التحقيق‬
‫والتثبيت فان حقيقة الصورة تقتضى التبعض والرتكب والتجزي وكل ذلك مناف للوجوب‬
‫ومانع للقدم واملتشاهبات القرآنية ايضا مصروفات عن الظواهر وحمموالت على التأويل‬
‫قال هللا تعاىل وما يعلم أتويله اال هللا يعين ال يعلم أتويل املتشابه اال هللا فعلم من هذا ان‬
‫املتشابه حممول على التأويل عند هللا تعاىل ايضا ومصروف عن الظاهر وانه تعاىل يعطي‬
‫العلماء الراسخني ايضا نصيبا من علم هذا التأويل كما انه سبحانه يطلع خواص رسله‬
‫على علم الغيب الذي هو خمصوص به تعاىل واايك والتخيل ان هذا التأويل كتأويل اليد‬
‫ابلقدرة والوجه ابلذات حاشا وكال بل ان هذا التأويل من االسرار اليت مينح هللا علمها‬
‫اخص اخلواص (وينبغي) ان يعلم ان صاحب الفتوحات املكية واتباعه يقولون ان صفات‬
‫الواجب تعاىل وتقدس كما اهنا عني الذات كذلك بعضها عني البعض اآلخر مثال العلم‬
‫كما انه عني الذات كذلك هو عني القدرة وعني االرادة وعني السمع وعني البصر و‬
‫على هذا القياس سائر الصفات وهذا الكالم عند الفقري بعيد عن الصواب فان هذا‬
‫الكالم مبين على نفي وجود الصفات الزائدة وهو خالف مذهب اهل السنة واجلماعة‬
‫فان الصفات الثمان او السبع على وفق آراء هؤالء االكابر موجودة يف اخلارج ولعل توهم‬
‫عينية ا لذات والصفات الواجبية نشأ فيهم من ختيلهم تغاير ما يف ذاك املوطن وتباينه‬
‫كتغاير ما يف هذا املوطن وتباينه وملا مل جيدوا يف ذاك املوطن تغايرا وتباينا كتغاير هذا‬
‫املوطن وتباينه الذي هو بني ذواتنا وصفاتنا ومل يروا هناك متايزا مشاهبا لتمايز هذا املوطن‬
‫ال جرم حك موا بنفي التغاير والتمايز وقالوا بعينية بعضها بعضا ومل يدروا ان متايز ذلك‬
‫املوطن وتغايره مثل ذات الواجب وصفاته تعاىل ال كيفي وال مثلي وال مناسبة بني ذاك‬
‫التمايز وبني هذا التمايز اال حبسب الصورة واالسم فيكون التمايز والتباين متحققا يف‬
‫ذلك املوطن وحنن عاجزون عن ادراكه ال اان ننفي كلما ال ندركه وخنالف بذلك اهل‬
‫التحقيق وهللا سبحانه امللهم للصواب‪.‬‬
‫‪- 607 -‬‬

‫{املكتوب احلادي عشر والثالمثائة اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد يف‬
‫بيان االسرار الغامضة واحلقائق النادرة املتعلقة ابحلروف املقطعات اليت هي من‬
‫املتشاهبات القرآنية اليت للعلماء الراسخني اطالع عليها بطريق الرمز واالشارة}‬
‫هاى دو چشمى است مرىب ما * مهچو الف رب‬ ‫اللهم {شعر}‪:‬‬
‫حبيب خدا‬
‫الم مرىب خليل هللا است * ميم زتدبريكليم آگه است‬
‫مبدأ أمر الكليم على نبينا وعليه الصالة و السالم حقيقة االلف ومبدأ معاملة هذا‬
‫احلق ري ايضا بتبعيته ووراثته حقيقة االلف ولكن رجوع الكليم عليهم السالم اىل حقيقة‬
‫امليم ورجوع احلقري اىل حقيقة اهلاء ذات عينني ومرجعي ومالذي اآلن هو حقيقة اهلاء‬
‫وهذه احلقيقة هي اليت يعرب عنها بغيب اهلوية وهذه احلقيقة خزينة الرمحة ومستقر الرمحة‬
‫الواحدة اليت وسعت كل شئ يف الدنيا ومستودع التسعة والتسعني رمحة اليت ادخرت‬
‫للعقيب كلها هو هذه احلقيقة فكأن احدي عينيها خمزن رمحة الدنيا واألخرى خزينة رمحة‬
‫األخرى وصفة ارحم الرامحني تتشعب من هذه احلقيقة ويف ذلك املوطن ظهور مجال‬
‫صرف مل يتطرق اليه شائبة من اجلالل ومجيع ما يصيب االولياء يف الدنيا من احملنة والغم‬
‫واحلزن تربية مجالية ظاهرة يف صورة اجلالل وكلما اعطي االعداء من جنس النعمة والفرح‬
‫والسرور يف الدنيا ظهور جالل مورى ابجلمال هذا هو املكر االهلي جل سلطانه يضل به‬
‫كثريا ويهدي به كثريا ومبدأ امر خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم حقيقة فوق‬
‫حقيقة االلف وكذلك مبدأ أمر اخلليل أيضا هو هذه احلقيقة الفوقانية غاية ما يف الباب‬
‫أن حقيقة مبدإ خامت الرسل امجال تلك احلقيقة وحقيقة مبدإ اخلليل تفصيلها ومرجع خامت‬
‫الرسل عليه الصالة و السالم حقيقة االلف ومرجع اخلليل عليه السالم حقيقة الالم‬
‫وذلك الن مناسبة االمجال للوحدة اكثر فال جرم تيسر الرجوع اىل االلف الذي هو قريب‬
‫من الوحدة ومناسبة التفصيل للكثرة ازيد فبالضرورة كان رجوعه اىل الالم الذي هو قريب‬
‫من الكثرة فابراهيم على نبينا وعليه الصالة و السالم كان كثري الربكة يف املبدإ ويف املعاد‬
‫‪- 608 -‬‬

‫واملرجع ومن ههنا سأل النيب صلّى هللا عليه و سلّم صالة وبركة مماثلتني لصالة اخلليل‬
‫وبركته عليه السالم ورب خامت الرسل يف امساء هللا احلسين اليت رتبتها فوق رتبة الصفات‬
‫االسم املبارك هللا تعاىل شأنه ورب هذا احلقري االسم املبارك الرمحن جل وعال وحيث كان‬
‫هلذا احلقري مناسبة للكليم يف املبدإ وصل منه اليه بركات كثرية وان مل تكن والية هذا‬
‫احلقري والية موسوية ولكنه مملوء من بركات تلك الوالية وحصل له ترقيات كثرية من هذا‬
‫الطريق واالستفادة اليت حصلت هلذا احلقري من تلك الوالية من طريق امجال تلك الوالية‬
‫واستفادة ولدي االعظم عليه الرمحة من طريق تفصيلها ووالية هذا الفقري املستفادة من‬
‫الوالية املوسوية شبيهة بوالية رجل مؤمن من آل فرعون ووالية ولدي االعظم شبيهة بوالية‬
‫سحرة فرعون الذين آمنوا‪.‬‬

‫{ املكتوب الثاين عشر والثالمثائة اىل املريحممد نعمان يف اجوبة اسئلته من‬
‫مجلتها السؤال عن حتقيق االشارة يف التشهد عند احلنفية}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني و على اخوانه من‬
‫االنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني وعباد هللا الصاحلني وصلت الصحيفة الشريفة املرسلة‬
‫مع مال حممود فأورثت فرحا وافرا وسألت ان العلماء يقولون ان بقعة الروضة[‪ ]1‬املتربكة‬
‫املدنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية اعظم يعين قدرا من مكة املعظمة وكيف‬
‫تكون بقعة الروضة املتربكة اعظم منها مع كون صورة الكعبة وحقيقتها مسجودا اليهما‬
‫للصورة واحلقيقة احملمديتني عليه الصالة والتحية (أيها املخدوم) ان ما ثبت عند الفقري‬
‫هو ان خري البقاع الكعبة املعظمة مث بعدها الروضة املقدسة النبوية املدنية على صاحبها‬
‫الصالة والتحية مث بعدها ارض احلرم املكي حرسها هللا تعاىل عن اآلفات فان قال العلماء‬

‫(‪ )1‬هذا مبين على عدم التفرقة بني الروضة وبني القرب النبوي صلّى هللا عليه و سلّم واال ال يقول احد من العلماء‬
‫ابفضلية الروضة فقط على مكة وامنا قال مالك ابفضلية املدينة على مكة واجلمهور على خالفه ولكن قالوا ابفضلية‬
‫البقعة اليت ضمت اعظمه صلّى هللا عليه و سلّم على مكة حت على الكعبة والعرش منه عفي عنه‬
‫‪- 609 -‬‬

‫أبفضلية الروضة املتربكة على مكة املعظمة ينبغي ان يكون مرادهم بذلك ما سوى ارض‬
‫الكعبة املقدسة (وسألت) ان مالزمي موالان املرحوم اعلم هللا كتبوا رسالة يف مادة جتويز‬
‫االشارة ابلسبابة وقد ارسلت الرسالة املذكورة فبم تشري يف هذا الباب (أيها املخدوم) ان‬
‫االحاديث النبوية يف ابب جتويز االشارة ابلسبابة كثرية[‪ ]1‬جدا وورد بعض الرواايت‬
‫الفقهية احلنفية ايضا يف ه ذا الباب كما اوردها موالان يف رسالته واذا لوحظت الكتب‬
‫الفقهية احلنفية مالحظة جيدة يعلم ان رواايت جواز االشارة غري رواايت االصول وغري‬
‫ظاهر املذهب وما قال االمام حممد الشيباين رمحه هللا كان رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم يشري ونصنع كما يصنع رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مث قال وهذا قويل وقول ايب‬
‫حنيفة رضي هللا عنه من رواايت النوادر ال من رواايت االصول يف الفتاوى الغرائب يف‬
‫احمليط هل يشري ابصبعه السبابة من يده اليمين مل يذكر حممد هذه املسئلة يف االصل وقد‬
‫اختلف املشائخ فيها منهم من قال ال يشري ومنهم من قال يشري وذكر حممد يف غري‬
‫االصول حديثا عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم انه كان يشري مث قال هذا قويل وقول ايب‬

‫(‪ )1‬اخرجها كثري من احملدثني يف كتبهم عن كثري من الصحابة رضوان هللا عليهم وقد مجع علي القاري طرفا منها يف‬
‫رسالته تزيني العبارة يف حتسني االشارة وافردها كثري من احلنفية ابلتأليف خصوصا املتأخرين منهم ملا رأوا تعصب بعض‬
‫اجلهلة فيها مع وضوح سنتها وورد رواايت فقهية كثرية فيها من متقدمي احلنفية وآخر من ألف فيها شيخنا احملقق‬
‫العالمة الشيخ آخوندجان افندي املرغيناين مجع فيها الرواايت احلديثية والفقهية وقد اجاد كل االجادة واحسن ما‬
‫يعتذر عن طرف االم ام قدس سره يف هذا الباب ان الرواايت الفقهية مل تتضح له فيها غاية االتضاح كما يدل عليه‬
‫قوله وورد بعض الرواايت الفقهية احلنفية وعادته الكرمية عدم جتاوز الرواايت الفقهية مقدار ذرة كما ال خيفىي حاله على‬
‫من تتبع احواله واقواله فانه قدس سره كان جبال شاخما يف التصلب على املذهب ما كان يستفزه كلما يشاهده يف‬
‫هوامش الكتب بعنوان احلديث كما هو ديدن اجلهلة واالعتذار عنه ابن االحاديث مل تبلغه ليس مما ينبغي ابلنسبة اىل‬
‫حاله وابلنظر اىل مقاله كما سبق وكما سيجئ وان اعتذر به بعض خلفاء طريقته من مشائخنا وبعض اوالده نعم‬
‫املعتذر به كان كذلك واما قوله قدس سره رواايت االشارة غري رواية االصول وغري ظاهر املذهب قلنا مسلم هو كذلك‬
‫ولكنها من رواية النوادر كما اعرتف به نفسه قدس سره واما خالفها اعين رواية عدم االشارة فليس من رواية االصول‬
‫وال رواية النوادر بل من رواية الواقعات والفتاوى والنوازل ومرتبتها انزلة من رواية النوادر كما هو مبني يف حمله وهلذا افيت‬
‫عامة املتأخرين بسنية االشارة وافردوها ابلتأليف وهي احلق الذي ال يعدل عنه وخالفها خالفه وهللا اهلادي واحلق احق‬
‫ابالتباع حملرره مراد احلنفى اجملددي‬
‫‪- 610 -‬‬

‫حنيفة رضي هللا عنهما وقد قيل انه سنة وقيل مستحب مث قال فيها هذا ما ذكروا‬
‫وال صحيح ان االشارة حرام ويف السراجية ويكره ان يشري ابلسبابة يف الصالة عند قوله‬
‫اشهد ان ال اله اال هللا هو املختار ويف الكربى وعليه الفتوى الن مبن الصالة على‬
‫السكون والوقار ويف الغياثية من الفتاوى ال يشري ابلسبابة عند التشهد هو املختار وعليه‬
‫الفتوى ويف جامع الرموز ال يشري وال يعقد وهو ظاهر[‪ ]1‬أصول اصحابنا كما يف الزاهدي‬
‫وعليه الفتوي ك ما يف املضمرات والولواجلي واخلالصة وغريها وعن أصحابنا مجيعا انه سنة‬
‫يف خزانة الرواايت من التتارخانية مث اذا اخذ يف التشهد و انتهى اىل قوله اشهد ان ال اله‬
‫اال هللا هل يشري ابصبعه السبابة من اليد اليمن مل يذكره حممد يف االصل فقد اختلف‬
‫املشائخ فيه منهم من قال ال يشري ويف الكربى وعليه الفتوى ومنهم من قال يشري ويف‬
‫الغياثية وال يشري ابلسبابة عند التشهد هو املختار انتهى وحيث ذكرت حرمة االشارة يف‬
‫الرواايت[‪ ]2‬املعتربة وافتوا بكراهتها وهنوا عنها وقالوا اهنا ظاهر اصول اصحابنا ال جيوز‬
‫المثالنا املقلدين اجلرأة على االشارة عمال مبقتضى االحاديث وارتكاب امر حمرم او مكره‬
‫او منهي عنه بفتاوى كثري من العلماء اجملتهدين ومرتكب هذا االمر من احلنفية ال خيلو‬
‫من احد احلالني اما ان ال يثبت للعلماء اجملتهدين علم االحاديث املعروفة الورادة يف جواز‬
‫االشارة واما ان يقول بعدم عمل هؤالء االكابر مبقتضى هذه االحاديث مع علمهم‬
‫بورودها وثبوهتا عندهم ويظن أهنم حكموا ابحلرمة والكراهة على خالف االحاديث‬
‫مبتقضى آرائهم وكل من هذين الشقني فاسد ال جيوزمها اال سفيه او معاند[‪ ]3‬وما قال يف‬

‫(‪ )1‬توهم البعض من هذا القول ان عدم االشارة مذكورة يف االصل وظاهر املذهب وهو توهم ابطل فان االصل وظاهر‬
‫املذهب ليس فيه ذكر االشارة اال نفيا وال اثباات كما مر هنا مرتني ان حممدا مل يذكره يف االصل بل ال وجود لعدم‬
‫االشارة يف النوادر ايضا كما مر وامنا معناه انه مستنبط من ظاهر اصوهلم وقواعدهم اعين قوهلم مبن الصالة على‬
‫السكون وهذا االستنباط امنا يصح اذا مل توجد الرواية يف النوادر ايضا وحيث وجدت ال يصح استنباطهم‪ .‬عفي عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬ال خيفى ان هذه الرواايت ليست مبعتربة بل هي ليست براوايت عن املشائخ كما مر بل هي اقوال هؤالء املشائخ‬
‫وهم ليسوا من ارابب الرتجيح والفتاوى عندان كما ال خيفى على من له ممارسة بقواعدان احلنفية‪ .‬عفي عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬وهذا عجيب من هذا االمام اهلمام قدس سره جدا فان القائلني حبرمة االشارة وكراهتها ليسوا هم جمتهدين بل ثبت‬
‫عنهم االشارة وفق االحاديث كما نقله بنفسه واما ارابب هذه االقوال فليسوا مبجتهدين وال من اصحاب الرتجيح حت‬
‫‪- 611 -‬‬

‫ترغيب الصالة ان رفع اصبع الشهادة يف التشهد سنة العلماء املتقدمني واما العلماء‬
‫املتأخرون فقد هنوا عنها وذلك الهنم ملا رأوا غلو الروافض فيها تركوها خوفا من هتمة‬
‫السين ابلرفض خمالف لرواايت الكتب املعتربة فان ظاهر اصول اصحابنا عدم االشارة‬
‫وعدم العقد فكان عدم االشارة سنة العلماء املتقدمني ومل يكن وجه الرتك نفي التهمة‬
‫وحسن ظننا هبؤالء االكابر هو اهنم ان مل يظهر هلم يف هذا الباب دليل احلرمة والكراهة ملا‬
‫حكموا هبما وحيث قالوا بعد ذكر سنية االشارة واستحبابيتها هذا ما ذكروا والصحيح ان‬
‫االشارة حرام علم ان ادلة سنية االشارة واستحبابيتها مل تبلغ عند هؤالء االكابر مرتبة‬
‫الصحة بل صحت خالف ها غاية ما يف الباب انه ال دليل لنا على ذلك وهذا ال يستلزم‬
‫القدح يف هؤالء االكابر (فان قيل) ان لنا دليال على خالف ذلك (قلنا) ان علم املقلد‬
‫غري معترب يف اثبات احلل واحلرمة وامنا املعترب يف هذا الباب هو ظن اجملتهد[‪ ]1‬والقول يف‬
‫حق ادلة اجملتهد اهنا اوهن من بيت العنكبوت جرائة عظمية وترجيح لعلمه على علم‬
‫هؤالء االكابر وابطال لظاهر اصول اصحابنا احلنفية وختريب للرواايت املفت هبا وهؤالء‬
‫االكابر حكموا بشذوذ هذه االحاديث فاهنم لقرب عهدهم ووفور علمهم وحصول الورع‬
‫والتقوى هلم اعلم هبا من امثالنا العاجزين واعرف منا بصحتها وسقمها ونسخها وعدم‬
‫نسخها وهلم يف ترك العمل مبتقضى هذه االحاديث وجه موجه ألبتة ومبلغ علم امثالنا‬
‫قاصري الفهم ان بني رواة االحاديث اختالفا كثريا يف كيفية االشارة والعقد وكثرة‬
‫اختالفهم هذه اورثت اضطرااب يف نفس االشارة فمن بعض الرواايت يفهم ثبوت االشارة‬

‫يلزم الفساد وال فساد ان قلنا انه مل يبلغهم هذه االحاديث فاهنم ليسوا مبحدثني بل هم فقهاء وال بدع يف جهل الفقهاء‬
‫بعلم االحاديث من حيث اهنم فقهاء وال يقدح ذلك يف عظمة شأهنم يف الفقه قال علي القاري يف موضوعاته بعد ان‬
‫قال ببطالن حديث صالة ليلة الرباءة مث ال عربة بنقل صاحب النهاية وال بقية شراح اهلداية الهنم ليسوا من احملدثني‬
‫اه ‪ .‬عفي عنه‬
‫(‪ )1‬قلنا نعم هذا القول على العني والرأس وقد ثبت عن اجملتهد فعلها ال منعها وتركها فلنا دليل رواية ودراية مستوفاة‬
‫الشروط وال دليل على خالفه‪ .‬عفي عنه‬
‫‪- 612 -‬‬
‫[‪]2‬‬ ‫[‪]1‬‬
‫ومن قال ابالشارة مع العقد ففي بعض الراوايت جعل العقد ثالثة‬ ‫بال عقد‬
‫ومخسني ويف بعضها عقد ثالثة[‪ ]3‬وعشرين وبعضهم روى بقبض اخلنصر[‪ ]4‬والبنصر‬
‫وحلق االهبام والوسطى واالشارة ابلسبابة ويف رواية مبجرد وضع االهبام على الوسطى وورد‬
‫يف بعض الرواايت[‪ ]5‬انه يشري بوضع اليد اليمن على الفخذ اليسرى واليد اليسرى على‬
‫الفخذ اليمن ويف رواية أخرى انه يشري واضعا يده اليمن على ظهر يده اليسرى والرسغ‬
‫على الرسغ والساعد على الساعد ويف بعض الرواايت انه يشري بقبض مجيع[‪ ]6‬االصابع‬
‫ويف بعض الرواية اهنا من غري[‪ ]7‬حتريك السبابة ويف بعض الرواايت ابثبات التحريك‬
‫والواقع يف بعض الرواية اهنا وقت قراءة التشهد[‪ ]8‬من غري تعيني ويف بعضها اهنا وقت‬
‫التكلم بكلمة الشهادة ويف بعض الرواية مقيدة بوقت[‪ ]9‬الدعاء اعين اي مقلب القلوب‬
‫ثبت قليب على دينك وملا رأى العلماء احلنفية اضطراب الرواة يف كيفية االشارة مل يثبتوا‬
‫فعال زائدا يف الصالة على خالف القياس وهو ان بناء الصالة على السكون والوقار‬
‫وايضا ان توجيه االصابع حنو القبلة مهما امكن سنة كما قال عليه الصالة و السالم‬

‫(‪ )1‬كما يفهم من حديث ابن عمر رضي هللا عنه ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم كان اذا جلس يف الصالة وضع يده‬
‫اليمن على ركتبه ووضع اصبعه اليمن اليت تلى االهبام فدعا به احلديث رواه مسلم والرتمذي والنسائي عنه‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم عن ابن عمر ايضا‬
‫(‪ )3‬وهو وضع االهبام على اصبعه الوسطي اخرجه مسلم عن ابن الزبري رضي هللا عنهما‪ .‬عفي عنه‬
‫(‪ )4‬رواه ابو داود والنسائي وغريمها‪ .‬عفي عنه‬
‫(‪ )5‬قال املخرج ما وجدت هلما اصال‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه الرتمذي عن عاصم ابن كليب رضي هللا عنه‪.‬‬
‫(‪ )7‬التحريك يف رواية ايب داود والدارمي عن وائل بن حجر رضي هللا عنه وعدمه يف رواية ايب داود والنسائي عن ابن‬
‫الزبري رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫(‪ )8‬قال املخرج اليت ثبتت يف االحاديث ففي مطلق اجللوس واليت وقت التكلم فمن استحساانت املشائخ انتهى قلت‬
‫اول من قال به مشس االئمة احللواين رمحه هللا‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الرتمذي عن عاصم بن كليب‪.‬‬
‫‪- 613 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫من اعضائه القبلة ما استطاع (فان قيل) ان كثرة االختالف امنا يورث‬ ‫وليوجه‬
‫االضطراب اذا مل ميكن التوفيق بني الرواايت والتوفيق فيما حنن فيه ممكن فانه ميكن ان‬
‫يفعل مجيع ما ورد يف مجيع الرواايت يف اوقات خمتلفة (قلنا) قد وقع يف اكثر الرواايت‬
‫لفظ كان وهو عند غري املنطقيني من االدوات الكلية فال ميكن التوفيق وما نقل عن‬
‫االمام االعظم من قوله اذا وجدمت حديثا خمالفا لقويل فاتركوا قويل واعملوا ابحلديث فاملراد‬
‫هبذا احلديث حديث مل يبلغ االمام وحكم خبالفه بناء على عدم علمه به واحاديث‬
‫[‪]2‬‬
‫االشارة ليست من هذا القبيل فاهنا احاديث معروفة ليس فيها احتمال عدم العلم‬
‫(فان قيل) ان العلماء احلنفية قد افتوا جبواز االشارة ايضا فينبغي ان جيوز العمل بكل‬
‫منهما على مقتضى الفتاوى املتعارضة (قلنا) اذا وقع التعارض بني اجلواز وعدم اجلواز‬
‫وبني احلل واحلرمة فالرتجيح يف جانب عدم اجلواز وعدم احلرمة وايضا قال الشيخ إبن‬
‫اهلمام يف احاديث رفع اليدين اهنا معارضة الحاديث عدم الرفع فرتجح احاديث عدم‬
‫الرفع ابلقياس فان مبن الصالة على السكون واخلشوع الذي هو مطلوب ومرغوب فيه‬
‫ابالمجاع والعجب من الشيخ ابن اهلمام انه قال وعن كثري من املشائخ عدم االشارة وهو‬
‫خالف الرواية والدراية كيف نسب اجلهل اىل العلماء اجملتهدين املتمسكني ابلقياس الذي‬
‫هو االصل الرابع من ادلة الشرع وهو ظاهر املذهب وظاهر الرواية عن ايب حنيفة وهذا‬
‫الشيخ قد ضعف حديث القلتني ابالضطراب احلاصل من كثرة اختالف الرواية ويكتب‬
‫ولدي االرشد حممد سعيد رسالة يف هذا الباب[‪ ]3‬فاذا نقلت اىل البياض نرسلها ان شاء‬
‫هللا تعاىل (وكتبت) ان من طاليب الطريقة مجاعة يف كل طرف ومل اجتاسر على اجازة احد‬

‫(‪ )1‬اخرج النسائي عن ابن عمر رضي هللا عنهما ان من السنة يف الصالة ان ينصب القدم اليمن واستقباله ابصابعها‬
‫القبلة احلديث واخرج البخاري عن ايب محيد الساعدي حديثا فيه واستقبل ابطراف اصابع رجليه القبلة احلديث وأما‬
‫لفظ االمام فهو يف اهلداية قال الزيلعي انه غريب‬
‫(‪ )2‬ولذا قال االمام حممد ان االشارة قويل وقول ايب حنيفة وكذلك نقل عن الثاين يف االمايل‪ .‬عفي عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬قلت انه صنف تلك الرسالة وصنف اخوه االصغر موالان الشيخ حممد حيىي رسالة ردها على ما ذكره مشائخنا‬
‫قدس هللا اسرارهم ومل ارمها وقد علمت ان الراجح هو سنية االشارة منه‬
‫‪- 614 -‬‬

‫منهم بتعليم الطريقة يف حمل أصال فننظر مبا تكون االشارة (فاعلم) ان كل من ترونه‬
‫مناسبا يكون رئيس حلقة مجاعة وهذا االمر مفوض اىل رأيكم وليصدر االمر بعد‬
‫االستخارة والتوجه و السالم عليكم و على من لديكم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث عشر والثالمثائة اىل اخلواجه حممد هاشم يف حل اسئلة كتبها‬
‫وهي سبعة وامر ختم هذا اجمللد من املكتوابت هبذا املكتوب ملوافقة عددها لعدد‬
‫االنبياء املرسلني وعدد اصحاب بدر وامر بكتابة عرائض املخدوم زاده االعظم عليه‬
‫الرمحة يف آخر هذه املكتوابت ليذكره الناظرون ابلدعاء وقراءة الفاحتة لروحه}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليلعم اخوان اخلواجه حممد هاشم ان االسئلة‬
‫اليت اندرجت يف مكتوب املري حمب هللا وطلبت حلها نكتب يف جواهبا ما هو معلوم لنا‬
‫ونرسله (حاصل) السؤال االول ان القرب االهلي جل سلطانه حبسب الفناء والبقاء وطي‬
‫مجيع مقام ات اجلذبة والسلوك واالصحاب الكرام قد فضلوا على مجيع اولياء االمة‬
‫بصحبة خري االانم عليه وعليهم الصالة و السالم مرة واحدة فهل هذا السري والسلوك‬
‫والفناء والبقاء حصلت هلم يف تلك الصحبة الواحدة وكانت أفضل من مجيع السري‬
‫والسلوك والفناء والبقاء (وأيضا) هل حصل هلم الفناء والبقاء بتوجهه وتصرفه عليه الصالة‬
‫و السالم او مبجرد دخوهلم يف االسالم وأيضا هل كان هلم علم ابلسلوك واجلذبة حاال‬
‫ومقاما او ال فان كان فبأي اسم مسوه وان مل يكن هلم طريق السلوك واجلذبة فيمكن ان‬
‫نقول هلذه بدعة حسنة (اعلم) ان حل هذا املشكل منوط ابلصحبة وموقوف على اخلدمة‬
‫فان الكالم الذي مل يتكلم به احد يف هذه املدة كيف يكون مفهوما ومعقوال لكم بكتابة‬
‫واحدة ولكن ملا سألتم ال بد من اجلواب ومن حله على وجه االمجال ابلضرورة فينبغي‬
‫االصغاء اليه (اعلم) ان القرب الذي هو منوط ابلفناء والبقاء والسلوك واجلذبة هو قرب‬
‫الوالية الذي تشرف به اولياء االمة والقرب الذي تيسر لالصحاب الكرام يف صحبة خري‬
‫االانم عليه وعليهم الصالة و السالم هو قرب النبوة حصل هلم بطريق التبعية والوراثة وال‬
‫‪- 615 -‬‬

‫فناء يف هذا القرب وال بقاء وال جذبة وال سلوك وهذا القرب افضل من قرب الوالية‬
‫واعلى منه مبراتب فان هذا القرب قرب االصل وذلك القرب قرب الظالل شتان ما‬
‫بينهما ولكن ال يدرك فهم كل احد مذاق هذه املعرفة كاد اخلواص ان يشاركوا العوام يف‬
‫عدم فهم هذه املعرفة {شعر}‪:‬‬
‫گربو على نواى قلندر نواخت * صوف بدى هرآنكه بعامل قلندراست‬
‫نعم اذا وقع العروج اىل ذروة كماالت قرب النبوة من طريق الوالية فال مندوحة‬
‫حينئذ من الفناء والبقاء واجلذبة والسلوك فان هذه مباد ومعدات لذلك القرب وأما اذا مل‬
‫يكن السري من هذا الطريق بل وقع االختيار على الطريق السلطاين لقرب النبوة فال‬
‫حاجة حينئذ اىل الفناء والبقاء واجلذبة والسلوك وسري االصحاب الكرام من طريق قرب‬
‫النبوة السلطاين ومل حيتاجوا اىل اجلذبة والسلوك والفناء والبقاء وليطلب بيان هذه املعرفة‬
‫من املكتوب احملرر ابسم امان هللا وما كتبه الفقري يف مواضع من مكتوابته ورسائله من ان‬
‫معامليت فيما وراء السلوك واجلذبة ووراء الظهورات والتجليات املراد به هو هذا القرب‬
‫فاين حني كنت يف مالزمة حضرة شيخنا قدس سره اخذت هذه الدولة يف الظهور‬
‫فعرضتها عليه هبذه العبارة قد ظهر يل امر السري االنفسي ابلنسبة اىل هذا االمر كالسري‬
‫اآلفاقي ابلنسبة اىل السري االنفسي ومل اجد حينئذ يف نفسي قدرة التعبري عن هذه الدولة‬
‫ابزيد من هذه العبارة وملا صارت هذه املعاملة العجيبة بعد سنني منقحة وحمررة حررهتا‬
‫بعبارة جمملة احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت‬
‫رسل ربنا ابحلق فتكون عبارات[‪ ]1‬الفناء والبقاء واجلذبة والسلوك حمدثة ومن خمرتعات‬
‫املشائخ ذكر املولوي اجلامي يف النفحات ان اول من تكلم عن الفناء والبقاء ابو سعيد‬
‫اخلراز قدس سره (وحاصل) السؤال الثاين ان يف الطريقة النقشبندية العلية التزام اتباع‬
‫السنة السنية النبوية واحلال انه عليه الصالة و السالم والتحية صدر عنه رايضات عجيبة‬

‫(‪ )1‬كما ان الف اظ الفرض والواجب والسنة واملستحب وغريها واطالقها على احكام معينة خمصوصة من خمرتعات‬
‫الفقهاء فكما انه ال يعاب على هذا ال يعاب على ذاك ايضا‪ .‬عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 616 -‬‬

‫وجماهدات شديدة كاجلوع الشديد ويف هذا الطريق مينعون عن الرايضة بل يروهنا بواسطة‬
‫ظهور الكشوفات الصورية هبا مضرة والعجب انه كيف يتصور احتمال الضرر يف اتباع‬
‫السنة (ايها احملب) من قال ان الرايضة ممنوعة يف هذا الطريق ومن اين مسع اهنم يرون‬
‫الرايضة مضرة ويف هذا الطريق دوام احملافظة على اتباع السنة السنية على صاحبها الصالة‬
‫و السالم والتحية والسعي يف سرت االحوال واختيار توسط احلال ورعاية حد االعتدال يف‬
‫املطاعم واملالبس وسائر االفعال كل ذلك من الرايضات الشاقة واجملاهدات الشديدة غاية‬
‫ما يف الباب ان العوام كاالنعام ال يعدون هذه االمور من الرايضات وال يروهنا من‬
‫اجملاهدات بل الرايضة واجملاهدة منحصرة عندهم يف اجلوع وكثرة اجلوع عظيم القدر يف‬
‫نظرهم فان االكل عند هؤالء املتصفني بصفات البهائم من أهم املهام وأعظم املقاصد فال‬
‫جرم يكون تركه من الرايضة الشاقة واجملاهدة الشديدة عندهم خبالف احملافظة على السنة‬
‫والتزا م متابعتها وأمثاهلا فان هذه االمور ال قدر هلا عند العوام وال اعتداد هبا حت يرون‬
‫تركها من املنكرات وحتصليها من الرايضات فالالزم الكابر هذه الطريقة ان جيتهدوا يف‬
‫سرت االحوال وترك الرايضة اليت هي عظيمة القدر عند العوام وابعثة على قبول االانم‬
‫ومستلزمة للشهرة املتضمنة على اآلفات العظام قال عليه الصالة و السالم حبسب[‪ ]1‬امرء‬
‫من الشر اال من عصمه هللا ان يشري الناس اليه ابالصابع يف دينه ودنياه وعند الفقري‬
‫اجلوع الكثري اسهل وأيسر جدا من مراعاة حد االعتدال يف املأكوالت ورايضة رعاية‬
‫توسط احلال مستحقة الن تكون أزيد وافضل من رايضة كثرة اجلوع (قال) حضرة والدي‬
‫املاجد قدس سره رأيت يف علم السلوك رسالة ورأيت فيها ان رعاية حد االعتدال يف‬
‫املأكوالت واحملافظة على احلد الوسط فيها كافية يف الوصول اىل املطلوب الحاجة مع‬
‫هذه املراعاة اىل الذكر والفكر واحلق ان توسط احلال يف املطاعم واملالبس بل مجيع االمور‬
‫حسنة ومجيلة جدا {شعر}‪:‬‬
‫اايك واالكل حت حيدث الثقل * وال جتوعن اىل ان يضعف البدن‬

‫(‪ )1‬قوله حبسب امرئ اخل) أخرجه البيهقي يف الشعب عن أنس رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪- 617 -‬‬

‫وقد أعطى احلق سبحانه نبينا عليه الصالة و السالم قوة اربعني رجال فكان صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم يتحمل هبذه القوة ثقل اجلوع واالصحاب الكرام رضوان هللا عليهم‬
‫امج عني كانوا يتحملون هذا الثقل بربكة صحبة خري البشر عليه وعليهم الصالة و السالم‬
‫ومل يقع فتور وخلل يف أعماهلم وأفعاهلم اصال وكانت قدرهتم على حماربة االعداء مع وجود‬
‫اجلوع على هنج ال تبلغ قدرة اهل الشبع عشرها ومن ههنا غلب العشرون من الصابرين‬
‫على مائتني من الكفار ومائة منهم على الف منهم واهل اجلوع من غري الصحابة يكادون‬
‫يعجزون عن اتيان اآلداب والسنن بل رمبا خيرجون عن عهدة الفرائض ابلتكلف فتقليد‬
‫الصحابة يف هذا االمر بال قدرة تعرض للعجز عن اتيان السنن والفرائض (نقل) عن‬
‫الصديق االكرب رضي هللا عنه انه اختار صوم الوصال[‪ ]1‬تقليدا للنيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم فسقط من الضعف وعدم القوة على األرض من غري اختيار فقال عليه الصالة و‬
‫السالم على سبيل االعرتاض اين لست كاحدكم ابيت عند ريب يطعمين ويسقيين فلم‬
‫يستحسن التقليد بال قدرة وايضا ان االصحاب الكرام كانوا حمفوظني ومأمونني من‬
‫املض رات املتولدة من كثرة اجلوع بربكة صحبة خري االانم عليه وعليهم الصالة و السالم‬
‫وليس ذلك ميسرا لغريهم (بيانه) ان كثرة اجلوع مورثة للصفاء ألبتة تورث طائفة صفاء‬
‫القلب ومجاعة صفاء النفس وصفاء القلب يزيد اهلداية ويورث النور وصفاء النفس‬
‫يستتبع الضاللة ويزيد الظلمة اال ترى ان فالسفة اليوانن وبرامهة اهلنود وجوكيتهم اورثت‬
‫الرايضة كلهم صفاء النفس ودلتهم بذلك على طريق الضاللة وجرهتم اىل اخلسارة حت‬

‫(‪ )1‬روى البخاري عن ايب هريرة رضي هللا عنه يف مجلة حديث بلفظ فقال رجل من املسلمني انك تواصل اي رسول هللا‬
‫قال أيكم مثلي اين ابيت يطعمين ريب ويسقيين انتهى وليس فيه ذكر الصديق وليس يف رواية غري البخاري قاله املخرج‬
‫االول قلت عدم ذكر الصديق مسلم ولكن االقتصار على هذا مما ال وجه له فان البخاري اخرج هذا احلديث يف ابب‬
‫بركة السحور وابب صوم الوصال وكتاب التمين عن أنس وابن عمر وايب سعيد اخلدري وعائشة وايب هريرة ورواه مسلم‬
‫وغريه ايضا عن بعضهم وغريهم بل املطابق لقول االمام ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي هللا عنهما ان النيب صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم قالوا انك تواصل قال لست كهيئتكم اين اظل اطعم واسقى‬
‫انتهى واملطابقة يف قوله فشق اخل‪.‬‬
‫‪- 618 -‬‬

‫اعتمد افالطون االمحق على صفاء نفسه وجعل الصور الكشفية اخليالية مقتداه فاعجب‬
‫بنفسه ومل يصدق عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم وكان مبعواث يف زمنه وقال حنن‬
‫قوم مهديون[‪ ]1‬ال حاجة بنا اىل من يهدينا فان مل يكن فيه هذا الصفاء املوجب لزايدة‬
‫الظلمة ملا كانت الصور الكشفية اخليالية سدة يف طريقه ومانعة له عن الوصول اىل‬
‫املطلب وقد وجد هو نفسه بسبب هذا الصفاء نورانيا ومل يعلم ان ذلك الصفاء مل جياوز‬
‫القشر الرقيق من نفسه االمارة واهنا على خبثها وجناستها ومل يزد فيها شيئا سوى ان‬
‫تكون كنجاسة مغلظة مغلفة بغالف رقيق من السكر (والقلب) الذي هو نوراين يف حد‬
‫ذاته وطاهر وامنا قعد على وجهه غبار من جماورته النفس الظلمانية يرجع اىل حاله‬
‫االصلي بقليل م ن التصفية ويصري نورانيا خبالف النفس فاهنا خبيثة يف حد ذاهتا والظلمة‬
‫من صفاهتا الذاتية وما مل تزك ومل تطهر بسياسة القلب بل ابتباع السنة والتزام الشريعة‬
‫على صاحبها الصالة و السالم والتحية بل مبحض فضل هللا سبحانه ال يزول عنها خبثها‬
‫الذايت وال يتصور عنها الفالح واخلري وافالطون قد ظن صفاءه الذي تعلق بنفسه االمارة‬
‫كصفاء القلب العيسوي فتخيل نفسه ابلضرورة مهذاب ومطهرا مثله وحرم من دولة متابعته‬
‫عليه السالم وصار متسما بسمة اخلسارة االبدية اعاذان هللا سبحانه من هذا البالء وملا‬
‫كانت هذه املضرة مضمرة ومكمونة يف طبيعة اجلوع ترك اكابر هذه الطريقة قدس هللا‬
‫اسرارهم رايضة اجلوع واختاروا رايضة االعتدال يف املطعومات وجماهدة رعاية االقتصاد يف‬
‫سائر احلاالت وتركوا منافع اجلوع الحتمال الضرر العظيم وترتب اآلفات واآلخرون‬
‫الحظوا منافعه وأغمضوا عن مضاره فرغبوا فيه ومن املقرر عند العقالء انه يرتك املنافع‬
‫الكثرية الحتمال املضرة اليسرية وقريب من هذه املقالة ما قاله العلماء شكر هللا سعيهم ان‬
‫االمر اذا دار بني السنة والبدعة االفضل ترك هذا االمر الحتمال كونه بدعة دون اتيانه‬
‫بسبب احتمال كونه سنة يعين ان يف احتمال كونه بدعة احتمال الضرر ويف احتمال‬
‫كونه سنة توقع املنافع فينبغي تركه ترجيحا الحتمال الضرر على توقع املنافع فال عجب‬

‫(‪ )1‬روى مهذبون ويهذبنا‬


‫‪- 619 -‬‬

‫ل و عرض الضرر يف اتيان السنة من طريق آخر (وحقيقة) هذا الكالم هي ان هذه السنة‬
‫كاهنا كانت موقتة بذلك القرن وملا مل جيد مجاعة كوهنا موقتة بواسطة الدقة واخلفاء ابدروا‬
‫على فعلها ابلتقليد ومجاعة ملا وجدوها موقتة تركوا التقليد فيها وهللا سبحانه اعلم حبقيقة‬
‫احلال (والسؤال الثالث) قد ذكر يف كتب اكابر هذه الطريقة ان نسبتنا منسوبة اىل‬
‫الصديق رضي هللا عنه خبالف سائر الطرق فان قال مدع ان اكثر الطرق واصل اىل االمام‬
‫جعفر الصادق وهو منسوب اىل الصديق فلم ال ينسب بقية الطرق ايضا اىل الصديق‬
‫(اجلواب) ان لالمام نسبة من الصديق ونسبة من علي رضي هللا تعاىل عنهما وكماالت‬
‫كل واحدة من هاتني النسبتني مع وجود اجتماعهما يف االمام على حدة على حدة‬
‫ومتميز بعضها عن بعض فاخذت طائفة عنه النسبة الصديقية بواسطة املناسبة الصديقية‬
‫وانتسبوا اىل الصديق واخذت مجاعة عنه ايضا النسبة العلوية ابملناسبة العلوية وانتسبوا اىل‬
‫علي كرم هللا وجهه وقد كنت ذهبت بلدة بنارس حلاجة ما وهناك جيتمع هنر كنك مع هنر‬
‫مجن ومع هذا االجتماع يشاهد ان هنر كنك غري خمتلط بنهر مجن بل متمايز عنه حبيث‬
‫يتوهم ان بينهما برزخا مينع اختالط احدمها ابآلخر والذين هم يف طرف هنر كنك يشربون‬
‫من هنر كنك والذين هم على طرف هنر مجن يشربون من ماء هنر مجن (فان قيل) ان‬
‫اخلواجه حممد اپرسا قدس سره قد حقق يف رسالته القدسية ان االمام عليا كرم هللا وجهه‬
‫كما انه وجد الرتبية من خامت الرسالة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية كذلك‬
‫وجد الرتبية من الصديق رضي هللا عنه فتكون نسبة علي عني نسبة الصديق فماذا يكون‬
‫الفرق بينهما (قلنا) ان خصوصيات احملال مع وجود احتاد النسبة ابقية على حاهلا وقد‬
‫يعرض ملاء واحد بواسطة تعدد احملال خصوصيات متميزة فيجوز ان ينسب اىل كل منهما‬
‫طريق ابلنظر اىل خصوصية كل منهما (وحاصل السؤال الرابع) هو انه قد حرر يف‬
‫مكتوب مال حممد صديق انه اذا كان لشخص استعداد الوالية املوسوية ال يدري ان‬
‫صاحب تصرف هل يقدر على اخراجه اىل الوالية احملمدية او ال وحرر يف مكتوب‬
‫املخدوم زاده االكرب قدس سره ابين اخرجتك من الوالية املوسوية اىل الوالية احملمدية فما‬
‫‪- 620 -‬‬

‫وجه التوفيق (اجلواب) ان الواقع يف مكتوب مال حممد صديق هو ان االخراج من الوالية‬
‫املوسوية اىل الوالية احملمدية ليس مبعلوم الوقوع ومل يكن يف ذلك الوقت علم بوقوع هذا‬
‫االمر وملا صار معلوما بعد ذلك وحصلت قدرة التغيري والتبديل كتبت ابين اخرجتك من‬
‫هذه الوالية اىل تلك الوالية فلم يوجد احتاد الزمان حت يتصور التناقض (وحاصل السؤال‬
‫اخلامس) ان الصوفية هنا يلبسون قميصا مشقوق اجليب على الصدر ويقولون ان السنة‬
‫هي هذا واصحاب املري يلبسون قميصا مدور اجليب فما حتقيق ذلك (اعلم) اان حنن ايضا‬
‫يف الرتدد يف هذا الباب فان العرب يلبسونه مشقوق اجليب على الصدر ويرونه[‪ ]1‬سنة‬
‫ويفهم من بعض الكتب احلنفية انه ال ينبغي للرجال لبس قميص مشقوق الصدر لكونه‬
‫لباس النساء روى االمام امحد وابو داود عن ايب هريرة ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫قال لعن رجل يلبس لبس املرأة ولعنت امرأة تلبس لبس الرجل ويف مطالب املؤمنني وال‬
‫تتشبه املرأة ابلرجال وال يتشبه الرجل ابلنساء فان كال الفريقني ملعون بل يفهم ان‬
‫القميص املشقوق الصدر ليس من لباس اهل الدين واهل العلم وهلذا جوزوه الهل الذمة‬
‫يف جامع الرموز نقال عن احمليط فال يلبس اي الذمي ما خيتص ابهل الدين والعلم كالرداء‬
‫والعمامة بل قميصا خشنا من الكرابس جيبه على صدره كالنساء وايضا ان مشقوق‬
‫اجليب على الصدر ليس قميصا على قول بعض العلماء بل هو درع وامنا القميص عندهم‬

‫(‪( )1‬قوله ويرونه سنة) قلت مل يثبت عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم فيه شئ صرحيا ال فعال وال قوال ولكن عقد‬
‫البخاري يف كتاب اللباس من ص حيحه اباب ترمجه بباب جيب القميص من عند الصدر وذكر فيه حديث ايب هريرة يف‬
‫وصف السخي والبخيل وفيه قال ابو هريرة فاان رأيت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يقول ابصبعه هكذا يف جيبه‬
‫احلديث قال العيين فان الظاهر انه كان البس قميص وكان يف طوقه فتحة اىل صدره وعن هذا قال ابن بطال كان‬
‫اجليب يف ثياب السلف عند الصدر انتهى واستدل عليه ايضا حبديث قرة بن أايس املزين قال وان قميصه ملطلق االزرار‬
‫فادخلت يدي يف جيب قميصه قال احلافظ ابن حجر ومقتضى حديث قرة هذا انه كان يف صدره لقوله اوال انه رآه‬
‫مطلق االزرار اي غري مزرر انتهى ولعل هذا هو الصواب فان االعراب مل يغريوا زيهم يف اللباس اصال فدل ذلك ان‬
‫جيب العرب كان يف الصدر االول كذلك واما االستدالل جبواز لبسه للذمي فامنا هو العتياد املسلمني للبس خالفه يف‬
‫تلك البالد واملقصود خمالفتهم لعادة املسلني ليحصل االمتياز واما ان ما اعتاده املسلمون هناك سنة او ال فهو شئ‬
‫آخر‪ .‬عفي عنه‬
‫‪- 621 -‬‬

‫ما يكون مشقوق اجليب على املنكبني يف جامع الرموز يف بيان كفن املرأة ويف اهلداية بدل‬
‫القميص الدرع وفرق بينهما ان شقه اىل الصدر والقميص اىل املنكب وقالوا ابلرتادف‬
‫والصواب عند الفقري هو انه ملا كان الرجال ممنوعني عن التشبه ابلنساء توقف احلكم على‬
‫معرفة عادة النساء فننظر إذا كان يف حمل تلبس فيه النساء قميصا شقه على الصدر ينبغي‬
‫ان يرتك الرجال لبسه لئال يتشبهوا ابلنساء وان يلبسوا قميصا شقه على املنكب واذا كان‬
‫يف حمل تلبس فيه النساء قميصا شقه على املنكب خيتار الرجال قميصا شقه على الصدر‬
‫ففي بالد العرب تلبس النساء قميصا مدور اجليب فيلبس الرجال ما شقه على الصدر‬
‫ابلضرورة ويف ما وراء النهر واهلند تلبس النساء قميصا شقه على الصدر فيختار الرجال‬
‫قميصا شقه على املنكب ابلضرورة (قال) الشيخ ميان عبد احلق كنت يف مكة فرأيت‬
‫واحدا من مريدي الشيخ نظام النارنويل يطوف ابلبيت البسا قميصا مدور اجليب وصار‬
‫مجع من العرب يتعجبون من قميصه قائلني انه لبس قميص النساء فباعتبار العرف‬
‫والعادة يكون عمل كل من العرب واهلند وأهل ما وراء النهر صوااب ولكل وجهة هو‬
‫موليها فلو ثبتت سنية لبس القميص املشقوق على الصدر ملا جوز علماء احلنفية لبسه‬
‫ألهل الذمة وملا جعلوا خالفه خمصوصا أبهل العلم والدين وملا كانت النساء اقدم واسبق‬
‫يف هذا اللباس من الرجال جعلوا لباس الرجال هنا اتبعا للباس النساء (وحاصل السؤال‬
‫السادس) هو ان توجه الطالب يف هذا الطريق ملا كان اىل االحدية الصرفة من ابتداء‬
‫االمر كان الالزم ان ال جيتمع هذا التوجه مع النفي واالثبات فان التوجه وقت النفي اىل‬
‫الغري (اجلواب) ان التوجه اىل الغري امنا هو لتقوية التوجه اىل االحدية وتربيته واملقصود من‬
‫نفي الغري حصول دوام ذلك التوجه من غري مزامحة االغيار فالتوجه اىل نفس الغري ليس‬
‫مبناف للتوجه اىل االحدية وامنا املناف له التوجه اىل الغري ال التوجه اىل نفي الغري شتان ما‬
‫بينهما (وحاصل السؤال السابع) هو ان كل ذكر يستعمل ابللسان يستعمله املبتدؤن يف‬
‫هذه الطريقة ابلقلب فالنفي واالثبات هل يستعمل مجيعه ابلقلب او ال بل بعضه ابلقلب‬
‫وبعضه بغريه فان كان املستعمل ابلقلب مجيعه فكيف يستقيم مدال اىل فوق وصرفه اىل‬
‫‪- 622 -‬‬

‫ميني (اجلواب) ما النقصان ان كان املستعمل ابلقلب مجيعه فان ال ميد ابلقلب اىل فوق‬
‫ويصرف ال ه اىل ميني وجير إال هللا حنوه أي القلب مع ان النفي واالثبات يف هذا الطريق‬
‫ابلتخيل ال دخل فيه للسان واحلنك اصال حت يشرتط مواطأة القلب والقول وهذان‬
‫السؤالن االخريان م ن قبيل تشكيكات الفخر الرازي فلئن أتملتم فيهما أتمال جيدا‬
‫الندفعا (بقية املرام) ان بعض االصحاب املوجودين هناك قد كتب مكررا ان املري قليل‬
‫االلتفات اىل احوال الطالبني يف هذه االايم ومشغول ابلعمارة ويصرف مبلغ الفتوح يف‬
‫خرج العمارة ويبقى الفقراء حمرومني وكتبوا هذه املقدمات على هنج يفهم منه شائبة‬
‫االعرتاض وتفوح رائحة االنكار (فليعلموا) ان انكار هذه الطائفة سم قاتل واالعرتاض‬
‫على أفعال هؤالء االكابر واقواهلم سم االفعى يؤدي اىل املوت االبدي ويفضي اىل اهلالك‬
‫السرمدي فكيف اذا كان هذا االنكار واالعرتاض راجعا اىل الشيخ وكان سببا اليذائه‬
‫ومنكر هذه الطائفة حمروم من بركاهتم واملعرتض عليهم خائب وخاسر يف مجيع االوقات‬
‫وما مل يكن مجيع حركات الشيخ وسكناته مستحسنة يف نظر املريد ال ينال نصيبا من‬
‫كماالته فان انل يكون استدراجا و يكون عاقبته هالكا و بوارا وفضيحة ودمارا فان وجد‬
‫املريد يف نفسه جمال االعرتاض على الشيخ مقدار شعرة مع وجود كمال حمبته واخالصه‬
‫له فليتقن ان ذلك ليس اال خيبته وخسارته وحرمانه من كماالت الشيخ او رزالته فان‬
‫خطر يف قلب املريد فرضا شبهة يف فعل من افعال الشيخ ومل تندفع ابلدفع فليستفسره‬
‫عنه على هنج يكون خاليا عن شائبة االعرتاض و مربأ عن مظنة االنكار وحيث كان‬
‫احملق واملبطل ممتزجان وملتبسان يف هذا الزمان فلو ظهر من الشيخ امر خمالف للشريعة‬
‫احياان ينبغي للمريدين ان ال يقلدوه فيه بل يطلبون له حممال حبسن الظن مهما أمكن‬
‫ويبتغون وجه صحته فان مل يظهر وجه الصحة ينبغي ان يلتجئوا ويتضرعوا اىل احلق‬
‫سبحانه يف دفع هذا االبتالء عنهم ويطلبوا منه تعاىل سالمة الشيخ وعافيته ابلبكاء‬
‫واالبتهال فان عرض للمريد شبهة يف حق الشيخ الرتكابه االمر املباح ال تعترب تلك‬
‫الشبهة وال يعبأ هبا فانه اذا مل مينع مالك األمور جل سلطانه عن اتيان املباح ومل يعرتض‬
‫‪- 623 -‬‬

‫على فاعله كيف يسوغ لغريه سبحانه ان يعرتض عليه من قبل نفسه وكم من مواضع‬
‫يكون فيه ترك األوىل أوىل من اتيانه وقد ورد يف احلديث ان هللا تعاىل حيب ان تؤتى‬
‫رخصه كما حيب ان تؤتى عزائمه وحيث كان يف الشيخ املري قبض مفرط كيف يسوغ‬
‫االعرتاض عليه ان مل يلتفت اىل احوال املريد ومل يشتغل هبم وطلب تسليه من بعض‬
‫األمور املباحة وكان عبد هللا االصطخري يذهب اىل الصحراء مع كالب الصيد لتسلية‬
‫نفسه وبعض املشائخ كانوا يطلبون تسليهم يف السماع واصوات النغمة و السالم على من‬
‫اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله امت الصلوات واكمل التسليمات‪.‬‬

‫{العريضة االوىل من العرائض اليت كتبها املخدوم زاده االعظم عليه الرمحة‬
‫والغفران}‬
‫عريضة اقل العبيد حممد صادق اهني اىل العرض االشرف ان احوال هذه احلدود‬
‫واوضاعها على اجلمعية الصورية واملعنوية بيمن التوجهات العلية وقد كان اخلاطر متفرقا‬
‫ومتشتت ا منذ مدة من طرف خدمة احلضرة فقدم امليان بدر الدين يوم حترير العريضة وبلغ‬
‫خرب العافية الكاملة فحصل فرح غري حمدود وسرور غري حمصور احلمد هلل على ذلك محدا‬
‫كثريا واي قبليت ان احلافظ هباء الدين ختم القرآن اجمليد يف الليلة الثالثة عشر وشرع احلافظ‬
‫موسى يف الليلة الرابعة عشر وقرأ يف كل ليلة مخسة اجزاء مخسة اجزاء وخيتم الليلة اآلتية‬
‫اليت هي التاسعة عشر وتقرر احلافظ هباء الدين للختم يف العشر االخري املقصود سالمة‬
‫احلضرة وبينما احلافظ يقرأ القرآن ليلة يف الرتاويح ظهر مقام وسيع كثري النورانية كانه كان‬
‫مقام احلقيقة القرآ نية وان مل ميكن اجلرأة على ادعاء ذلك وصار معلوما ان احلقيقة‬
‫احملمدية على صاحبها الصالة و السالم والتحية امجال هذا املقام وكاهنا حبر كبري مليئ يف‬
‫كوز ويف هذا املقام تفصيل احلقيقة احملمدية والكثر االنبياء وكمل االولياء نصيب من‬
‫بعض هذا املقام على قدر استعدادا هتم وال يدري حصول نصيب من متام ذلك لغري نبينا‬
‫عليه الصالة و السالم وهذا احلقري ايضا انل منه نصيبا رزقنا هللا سبحانه نصيبا كامال منه‬
‫‪- 624 -‬‬

‫بربكة التوجه العايل وذلك املقام مل يتضح اىل اآلن كما ينبغي وبقية االحوال على اجلمعية‬
‫ويفهم يف هذا الشهر حصول بركة كثرية واوضاع اخي حممد سعيد طيبة اوقاته مصروفة‬
‫ابجلمعية والذكر واهل البلد ايضا حيضرون ابلذوق التام وقد حفظ الفقري اىل اآلن اربعة‬
‫اجزاء و شيئا فوقها وحيفظ اىل يوم العيد مخسة اجزاء ختمينا والعبودية (العريضة الثانية)‬
‫عريضة اقل العبيد حممد صادق اهني اىل ذروة العرض ان احوال هذه احلدود واوضاعها‬
‫مستوجبة للشكر واملطلوب واملسؤل خريية ذلك اجلناب مع مجيع اخلدام واالصحاب وقد‬
‫حصل االبتهاج مبطالعة النميقة االنيقة والصحيفة الشريفة املرسلة مع امساعيل مد هللا‬
‫سبحانه ظالل عطوفة حضرة القبلة على كافة اهل االسالم وابقاها حبرمة النيب وآله‬
‫االجماد عليه وعليهم الصالة و السالم واي قبليت ماذا اكتب من سوء االحوال ال بضاعة‬
‫يل غري احلسرة والندامة على صدور سوء االعمال وتضييع االحوال احلاصلة يف املاضي‬
‫واحلال واملتمن ان ال تفوت حلظة وال ساعة يف خالف رضائه تعاىل وهو ال يتيسر اال ان‬
‫ميد خدام ذلك اجلناب وأيخذوا بيدي {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف امر مع الكرام‬
‫هلل احلمد واملنة على نعمة االستقامة اىل اآلن على طريق امرمت به ومل يتطرق اليه‬
‫فتور بيمن ال توجه الشريف بل نرجو الرتقي والتزايد يوما فيوما وتنعقد الصحبة بعد الفجر‬
‫والظهر واحلافظ هباء الدين اذا فرغ من الرتددات ووجد الفرصة يشتغل بقراءة القرآن‬
‫والفقري مقبوض مرة ومبسوط أخرى والقبض والبسط والتوجه والذوق والسكون وغريها‬
‫تتعلق ابلبدن فقط ال تتجاوزه اىل غريه واللطائف الستة ليست مبتوجهة وال غافلة فان‬
‫كانت متوجهة فتوجهها مثل العلم احلضوري عينه وأرى التوجه والذوق وأمثاهلما داخلة‬
‫يف الظالل ال اجدها جماوزها وكانت اللطائف اوال خمتلطة ابلبدن ومل يكن امر سوى‬
‫البدن مفهوما يف نظر البصرية كما كنت عرضته يف احلضور املوفور السرور واآلن اجدها‬
‫ممتازة عن البدن وارى ذلك املقام مقام البقاء وبعد البقاء عرض ايضا نوع من الفناء‬
‫للطائف وفهم ان االمر ال يتم بدون هذا الفناء الذي يكون بعد البقاء واان اآلن مقبوض‬
‫‪- 625 -‬‬

‫منذ اايم ومعاملة السرور قليلة ننظر ماذا يظهر بعد ذلك وايل اآلن مل حيصل التوجه اىل‬
‫العامل وحيث كان عرض االحوال ضروراي جتاسران بتحرير كلمات واي قبليت ارى احلضرة يف‬
‫املنام يف كل ليلة اال ما شاء هللا وماذا اكتب ازيد من ذلك فان الزايدة داخلة يف‬
‫التكلفات الرمسية و السالم والعبودية (العريضة الثالثة) عريضة أقل العبيد حممد صادق‬
‫اهني اىل موقف العرض ان هذا احلقري كان مقبوضا ومغموما من مدة فادركت العناية‬
‫اإلهلية آخر األمر مبحض التوجه االقدس وحصل بسط عظيم وصار معلوما يف ذلك‬
‫البسط ان الذكر والتوجه مثال كاان اوال من جانب هذا الشخص واآلن كل شئ من‬
‫جانبه تعاىل وتقدس وال أجد يف نفسي غري قابلية لقبول ما يرد من جانبه تعاىل كمرآة‬
‫تطلع عليها الشمس فاحرتق بذلك الطلوع كل ظلمة وكدورة يف البدن واللطائف وحصل‬
‫هلا كل نور وبرك ة كما ينبغي فانشرح الصدر واتسع القلب وصار البدن كالنور مضيئا‬
‫ف من الروح والسر اللذين كاان قبل ذلك ووجدت التجلي االكمل من بني اللطائف‬‫اَلْطَ َ‬
‫للقلب فلما نظرت اىل القلب ظهر ان يف القلب قلبا آخر والتجلي له فلما نظرت اىل‬
‫قلب القلب ظهر ان يف ذلك القلب قلبا آخر وهكذا اىل غري النهاية فلم يظهر قلب‬
‫بسيط اال وفيه قلب آخر ولكن يتوهم اآلن انه انتهى اىل قلب بسيط وليس ذلك مبتيقن‬
‫وعلم ان احلاالت املتقدمة على هذه احلالة ابلنسبة اليها كانت كلها تكلفات صرفة وقد‬
‫كان خطر يل اسم هذا املقام ولكن ما كتبته حتاميا عن سوء االدب فيا قبليت ان هذه‬
‫كلها اثر يسري من آاثر التوجه االطهر {شعر}‪:‬‬
‫فلو ان يل يف كل منبت شعرة * لساان أبث الشكر كنت مقصرا‬
‫واملرجو سالمة احلضرة وكيف اكتب متين نيل مالزمة خدام اجلناب وكيف اشرحه‬
‫التصور ليال وهنارا بل يف كل ساعة انه يف اي وقت مسعود ويف اي ساعة سعيد حصل‬
‫املطلب االعلى واملقصد االعز وال متين يل غري هذا التمين يسر هللا سبحانه هذه الدولة‬
‫العظمى ابحسن الوجوه واوفق الطرق حبرمة النيب وآله االجماد عليه وعليهم من الصلوات‬
‫امتها وأكملها والعبودية‪.‬‬
‫‪- 626 -‬‬

‫{قد مت اجلزء االول من معرب املكتوابت ويليه اجلزء الثاين للشيخ املذكور نفع هللا‬
‫به}‬

‫{فهرسة اجللد االول من تعريب املكتوابت‬


‫الشريفة املوسوم ابلدرر املكنوانت النفيسة}‬

‫{متت الفهرست بعون هللا امللك الوهاب}‬

‫‪ 2‬ديباجة‬

‫***‬

‫{ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء و هللا ذو الفضل العظيم}‬


‫اجلزء الثاين من معرب املكتوابت الشريفة املوسوم ابلدرر املكنوانت‬
‫النفيسة للفقري احملتاج اىل لطف رب العباد حممد مراد املنزلوي‬
‫تولدا املكي توطنا عربتها رجاء ان ينتفع هبا اخوان طريقتنا الذين‬
‫ال معرفة هلم ابللغة الفارسية اليت هي أصلها و الرتكية‬
‫اليت هي ترمجتها و أسأل هللا سبحانه أن جيعل‬
‫‪- 627 -‬‬

‫خالصا لوجهه الكرمي و أن جيريين‬


‫به من العذاب األليم‬
‫إنّه رؤف رحيم حليم‬

‫للمؤلف املعرب الالشئ‬


‫أموت و يبلى أعظمي يف املقابر * و سوف أرى ما قد حوته دفاتري‬
‫فرمت ادخارا بعد مويت من الدعاء * فأبقيت تذكارا نتاج خواطري‬
‫و يليه‬
‫{ترمجة رسالة املبدإ واملعاد لالمام الرابين قدس سره}‬

‫ما شاء هللا‬

‫الر ِ‬
‫حيم‬‫الر ْمح ِن َّ‬ ‫بِس ِم ِ‬
‫هللا َّ‬ ‫ْ‬
‫احلمد هلل محدا طيبا مباركا فيه وعليه كما حيب ربنا ويرضى * والصالة و السالم‬
‫االمتان االكمالن على حبيبه حممد وآله وأصحابه وأهل بيته وكمل ورثته وسائر من اتبع‬
‫اهلدى * و على مجيع االنبياء واملرسلني * واملالئكة املقربني * كما يليق بعلو شأهنم وحيرى‬
‫(اما بعد) فهذه مكاتيب متضمنة لعلوم غريبة * ومعارف عجيبة واسرار لطيفة ودقائق‬
‫شريفة ما تكلم هبا أحد من العرفاء وما اشار اليها واحد من االولياء * متقبسة من‬
‫مشكاة انوار النبوة * لالمام اهلمام قدوة العلماء الراسخني * املشرف بتشريفات سيد‬
‫املرسلني * صاحب الوالية االصلية * خمزن االسرار االهلية * واقف دقائق املتشاهبات‬
‫القرآنية * اآلية العجيبة من اآلايت الرمحانية * جمدد االلف الثاين شيخنا وامامنا الشيخ‬
‫أمحد الفاروقي سلمه هللا سبحانه على رؤس العاملني * وملا بلغ مكتوابت اجللد االول‬
‫‪- 628 -‬‬

‫ثلثمائة وثالثة عشر مكتواب قال حضرة شيخنا لنختم على هذا العدد فانه موافق لعدد‬
‫االنبياء املرسلني صلوات هللا تعاىل على نبينا وعليهم وموافق أيضا لعدد أهل بدر رضوان‬
‫هللا تعاىل عليهم أمجعني فختم على ذلك العدد تربكا به وتيمنا مث صدرت بعد ذلك‬
‫مكاتيب قدسية فصار حضرة املخدوم زاده صاحب املعارف ومنبع احلقايق مظهر‬
‫الفيوضات االهلية ومصدر االسرار الالمتناهية جامع العلوم الظاهرية والباطنية الشيخ جمد‬
‫الدين اخلواجه حممد معصوم سلمه هللا تعاىل وأبقاه وأوصله اىل غاية ما يتمناه ابعثا على‬
‫مجع هذه املكاتيب فكان أقل خدام ذلك اجلناب اضعف عباد هللا الباري عبد احلي بن‬
‫اخلواجه چ اكر احلصاري غفر هللا تعاىل ذنوبه وسرت عيوبه وأحسن خامتته متصداي جلمع‬
‫هذه املكاتيب حسب اشارته الشريفة هو هللا املوفق وعليه التكالن‪.‬‬

‫{املكتوب االول اىل الشيخ عبد العزيز اجلونفوري يف بيان حترير مذهب‬
‫الشيخ حميي الدين بن ا لعريب قدس سره يف مسئلة وحدة الوجود وما هو خمتار حضرة‬
‫شيخنا سلمه هللا تعاىل فيها}‬
‫الرحيم احلمد هلل الذي جعل االمكان مرآة للوجوب وصري العدم‬‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫مظهرا للوجود والوجوب والوجود و ان كاان صفيت كماله سبحانه فهو تعاىل وراء مجيع‬
‫االمساء و الصفات ووراء الشئون واالعتبارات و وراء الظهور والبطون ووراء الربوز و‬
‫الكمون ووراء التجليات والظهورات ووراء املشاهدات واملكاشفات ووراء كل حمسوس‬
‫ومعقول ووراء كل موهوم ومتخيل فهو سبحانه وراء الوراء مث وراء الوراء مث وراء الوراء‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫وما ابديك من طريي عالمه * واضحى مثل عنقاء وهامه‬
‫وللنعقاء بني الناس اسم * وليست السم طريي استدامه‬
‫فال يصل محد حامد اىل جناب قدس ذاته بل منتهى مجيع احملامد دون سرادقات‬
‫عزته فهو الذي اثن على نفسه ومحد ذاته بذاته فهو سبحانه احلامد واحملمود وما سواه‬
‫‪- 629 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫عاجز عن اداء احلمد املقصود وقد عجز عن محده سبحانه من هو حامل لواء احلمد‬
‫يوم القيامة حتته آدم ومن دونه وهو أفضل الربااي وأكملهم ظهورا واقرهبم منزلة وامجعهم‬
‫كماال وامشلهم مجاال وأمتهم بدرا وارفعهم قدرا واعظمهم اهبة وشرفا واقومهم دينا واعدهلم‬
‫ملة واكرمهم حسبا واشرفهم نسبا واعرفهم بيتا لواله ملا خلق هللا سبحانه اخللق وملا اظهر‬
‫الربوبية وكان نبيا وآدم بني املاء والطني واذا كان يوم القيامة كان هو امام النبيني وخطيبهم‬
‫وصاحب شفاعتهم الذي قال حنن اآلخرون وحنن السابقون يوم القيامة واين قائل قوال‬
‫غري فخر واان حبيب هللا واان خامت النبيني وال فخر واان أول الناس خروجا اذا بعثوا واان‬
‫قائدهم اذا وفدوا واان خطيبهم اذا نصتوا واان مستشفعهم اذا حبسوا واان مبشرهم اذا يئسوا‬
‫واملفاتيح يومئذ بيدي {شعر}‪:‬‬
‫در قافلهء كه اوست دامن نرسم * اين بسكه رسد ز دور ابنك جرسم‬
‫{ترمجه}‪:‬‬
‫كيف اللحاق بركب وهو قائدهم * اينعم ان جاء من بعد صدا جرسه‬
‫صلوات هللا سبحانه وتسليماته تعاىل وحتياته عز شأنه وبركاته جل برهانه عليه‬
‫وعلى مجيع اخوانه من النبيني واملرسلني واملالئكة املقربني وعلى أهل الطاعة أمجعني صالة‬
‫وسالما وحتية وبركة هو هلا أهل وهم هلا أهل كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره‬
‫الغا فلون (وبعد) احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات وارسال التحيات ليعلم ان الصحيفة‬
‫الشريفة املرسلة اىل هذا الفقري بلغها اخي االعز الشيخ حممد طاهر فطاب الوقت وحصل‬
‫السرور وحيث كانت متضمنة حلقائق أرابب الكشف والشهود ومعارفهم زادت الفرح‬
‫على الفرح جزاكم هللا سبحانه فصار الفقري أيضا ابعثا على التصديع ابيراد كلمات يف‬
‫البني من اذواق هذه الطائفة العلية ومذاقهم على وفق ما يف صحيفتكم (أيها املخدوم)‬
‫ان من املعلوم ان الوجود مبدأ كل خري وكمال والعدم منشأ كل نقص وشر وزوال فيكون‬
‫الوجود اثبتا للواجب والعدم يكون نصيب املمكن حت يكون مجيع اخلري والكمال عائدا‬

‫(‪ )1‬قد مر بيان هذه االحاديث يف اجللد االول منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 630 -‬‬

‫اليه تعاىل وكل نقص وشر راجعا اىل املمكن واثبات الوجود للمكن وارجاع اخلري والكمال‬
‫اليه اشراكه يف احلقيقة به سبحانه يف ملكه وملكه جل سلطانه وكذلك القول بعينية‬
‫املمكن للواجب تعاىل شأنه وجعل صفاته وافعاله عني صفاته وافعاله سبحانه اساءة أدب‬
‫واحلاد يف امسائه وصفاته تعاىل واين اجملال للكناس اخلسيس املتسم ابلنقص واخلبث الذايت‬
‫ان يتصور نفسه عني سلطان ذي شأن منشأ كل خريات وكماالت ويتوهم صفاته وافعاله‬
‫الذميمة عني صفاته وافعاله اجلميلة (وعلماء) الظاهر اثبتوا للممكن وجودا وجعلوا وجود‬
‫الواجب تعاىل ووجود املمكن من افراد مطلق الوجود وغاية ما يف الباب اهنم قالوا أبقدمية‬
‫وجوب الواجب وأولويته بناء على قضية التشكيك وهذا املعن موجب لتشريك املمكن‬
‫للواجب تعاىل يف الكماالت والفضائل الناشئة من الوجود تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا‬
‫وقد ورد يف احلديث القدسي الكربايء ردائي والعظمة ازاري فلو كان لعلماء الظاهر تنبه‬
‫هلذا املعن ملا اثبتوا للممكن وجودا أصال وملا أعطوا له اخلري والكمال اللذين مها خمتصان‬
‫به سبحانه ابعتبار اختصاص الوجود به تعاىل ربنا ال تؤاخذان ان نسينا أو أخطأان (وأكثر‬
‫الصوفية) خصوصا املتأخرين منهم يعتقدون ان املمكن عني الواجب تعاىل ويزعمون‬
‫صفاته وأفعاله عني صفاته وأفعاله تعاىل ويقولون {رابعي}‪.]1[:‬‬
‫مهسايه ومهنشني ومهره مهه اوست * در دلق كدا واطلس شه مهه اوست‬
‫در اجنمن فرق وهنان خانهء مجع * ابهلل مهه اوست مث ابهلل مهه اوست‬
‫{ترمجه}‪:‬‬
‫اجلار والصحب والركبان كله هو * يف كسوة الفقر والسلطان كله هو‬
‫يف جلوة الفرق أو يف خلوة اجلمع هو * ابهلل كله هو وهللا كله هو‬
‫وهؤالء االكابر وان تنزهوا وختلصوا عن االشراك يف الوجود وهربوا من االثنينية‬
‫ولكنهم وجدوا غري الوجود وجودا واعتقدوا النقائص كماالت وقالوا ال شئ من النقص‬

‫(‪ )1‬ملوالان اجلامي اورده يف لوائحه منه عفي عنه‬


‫‪- 631 -‬‬

‫والشر الذاتيني أصال وان كان فنسيب واضايف فالسم القاتل فيه شر وقبح ابلنسبة اىل‬
‫االنسان مثال لكونه مزيال حلياته واما ابلنسبة اىل احليوان الذي فيه سم فماء احلياة‬
‫والرتايق النافع ومقتداهم يف هذا االمر ومستندهم فيه الكشف والشهود فاهنم وجدوا على‬
‫قدر ما ظهر هلم من عامل الغيب (اللهم) أران حقائق االشياء كما هي وها حنن نبني أوال‬
‫مذهب الشيخ حميي الدين ابن العريب قدس سره فانه امام متأخري الصوفية ومقتداهم يف‬
‫هذه املسئلة مث حنرر ما ظهر لنا يف هذا الباب وانكشف ليحصل الفرق بني املذهبني على‬
‫الوجه االمت وال خيتلط أحدمها ابآلخر من الدقة (قال) الشيخ حميي الدين ابن العريب‬
‫واتباعه ان امساء الواجب وصفاته جل وعال عني ذات الواجب سبحانه وكذلك بعضها‬
‫عني بعض اآلخر مثال العلم والقدرة كما اهنما عني ذاته تعاىل كذلك كل منهما عني‬
‫اآلخر أيضا فال يكون يف ذلك املوطن اسم التعدد والتكثر ورمسه أصال وال التمايز والتابني‬
‫قطعا غاية ما يف الباب ان تلك االمساء والصفات والشئون واالعتبارات حصل هلا التمايز‬
‫والتباين يف حضرة العلم امجاال وتفصيال فان كان التمايز امجاليا يعرب عنه ابلتعني االول‬
‫وان تفصيليا يسمى ابلتعني الثاين ويسمون االول وحدة ويرونه احلقيقة احملمدية ويقولون‬
‫للتعني الثاين واحدية ويظنونه حقائق سائر املمكنات ويسمون حقايق املمكنات أعياان‬
‫اثبتة ويثبتون هذين التعينني العلميني يف مرتبة الوجوب ويقولون ان تلك االعيان ما مشت‬
‫رائحة من الوجود اخلارجي وال موجود يف اخلارج غري االحدية اجملردة أصال وهذه الكثرة‬
‫ال يت ترى يف اخلارج امنا هي عكس تلك االعيان الثابتة انعكست يف مرآة ظاهر الوجود‬
‫الذي ال موجود يف اخلارج غريه وعرض هلا الوجود التخيلي كما ان صورة شخص اذا‬
‫انعكست يف املرآة يعرض هلا وجود ختيلي يف املرآة وهذه الصورة املنعكسة ليس هلا وجود‬
‫اال يف التخيل ومل يتحلل يف املرآة ومل ينتقش يف وجهها شئ أصال فان كان االنتقاش فهو‬
‫يف التخيل حيث يتوهم انه يف وجه املرآة وحيث كان هذا املتخيل املتوهم صنع احلق جل‬
‫سلطانه الذي له اتقان اتم ال يرتفع برفع الوهم واخليال ويرتتب عليه الثواب والعذاب‬
‫االبداين وهذه الكثرة املوهومة املتخيلة يف اخلارج منقسمة على ثالثة اقسام القسم االول‬
‫‪- 632 -‬‬

‫التعني الروحي والثاين التعني املثايل والثالث التعني اجلسدي وله تعلق ابلشهادة ويقولون‬
‫هلذه التعينات الثالثة تعينات خارجية ويثبتوهنا يف مرتبة االمكان والتنزالت اخلمسة عبارة‬
‫عن هذه التعينات اخلمسة ويقولون هلذه التنزالت اخلمسة احلضرات اخلمس وملا مل يثبت‬
‫عندهم شئ يف العلم وال يف اخلارج غري ذات الواجب تعاىل وغري صفاته وامسائه جل‬
‫سلطانه اليت هي عني ذاته تعاىل وتقدس وتومهوا ان الصورة العلمية عني تلك الصورة ال‬
‫شبح ها ومثاهلا وكذلك تصوروا صور االعيان الثابتة اليت صارت منعكسة يف مرآة ظاهر‬
‫الوجود عني تلك االعيان ال شبحها حكموا ابالحتاد ضرورة وقالوا الكل هو هذا هو بيان‬
‫مذهب الشيخ حميي الدين ابن العريب يف مسئلة وحدة الوجود على وجه االمجال وهذه‬
‫العلوم وامثاهلا هي اليت يزعمها الشيخ خمصوصة خبامت الوالية ويقول ان خامت النبوة أيخذ‬
‫هذه العلوم من خامت الوالية ولشراح الفصوص تكلفات يف توجيه هذا الكالم وابجلملة مل‬
‫يتكلم احد من هذه الطائفة هبذه العلوم واالسرار قبل الشيخ اصال ومل يبني هذا احلديث‬
‫على هذا النهج قطعا وان ظهر منهم كلمات مشعرة ابلتوحيد واالحتاد يف غلبات السكر‬
‫وقالوا اان احلق وسبحاين ولكنهم مل يبينوا وجه االحتاد ومل جيدوا منشأ التوحيد فصار الشيخ‬
‫برهان متقدمي هؤالء الطائفة وحجة متأخريهم ومع ذلك بقي يف هذه املسئلة دقائق كثرية‬
‫خمتفية وما جاءت االسرار الغامضة من هذا الباب يف منصة الظهور فوفق هذا الفقري‬
‫ابظهارها وبشر بتحريرها وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل (ايها املخدوم) ان صفات‬
‫الواجب تعاىل وتقدس الثمانية اليت هي موجودة يف اخلارج عند اهل احلق شكر هللا تعاىل‬
‫سعيهم تكون متميزة عن ذاته تعاىل وتقدس يف اخلارج ابلضرورة متيزا ال كيفيا وال مثليا‬
‫وكذلك بعض تلك الصفات متميز عن بعض آخر منها بتميز ال كيفي بل التميز‬
‫الالكيفي اثبت ايضا يف مرتبة الذات تعالت وتقدست النه الواسع ابلوسع اجلهول‬
‫الكيفية والتميز الذي حيصل يف حوصلة فهمنا وإدراكنا مسلوب عن جناب قدسه تعاىل‬
‫فان التجزي والتبعض غري متصور فيه والتحلل والرتكب ال سبيل هلما اىل تلك احلضرة‬
‫جل سلطاهنا وال جمال هناك للحالية واحمللية وابجلملة كلما هو من صفات املمكن ولوازمه‬
‫‪- 633 -‬‬

‫مسلوب عن ذلك اجلناب املقدس ليس كمثله شئ ال يف الذات وال يف الصفات وال يف‬
‫االفعال ومع وجود هذا التميز الالمثلي والوسعة الالكيفية عرض لالمساء والصفات‬
‫تفصيل ومتيز يف موطن العلم ايضا وصارت منعكسة ولكل اسم وصفة متميزة مقابل‬
‫ونقيض يف مرتبة العدم مثال لصفة العلم مقابل ونقيض يف مرتبة العدم وهو عدم العلم‬
‫املعرب عنه ابجلهل ولصفة القدرة مقابل هو العجز الذي عدم القدرة على هذا القياس يف‬
‫بقية الصفات وعرض هلذه العدمات املقابلة ايضا تفصيل ومتيز يف علم الواجب جل شأنه‬
‫وصارت مرااي االمساء والصفات املتقابلة هلا وكانت جمايل ظهور عكوسها وتلك العدمات‬
‫مع عكوس تلك االمساء و الصفات حقائق املمكنات عند الفقري غاية ما يف الباب أن‬
‫تلك العدمات كاصول تلك املاهيات وموادها وتلك العكوس مبثابة الصور احلالة يف تلك‬
‫املواد فحقائق املمكنات عند الشيخ حميي الدين هي تلك االمساء والصفات املتميزة يف‬
‫مرتبة العلم وعند الفقري حقائق املمكنات العدمات اليت هي نقائض االمساء والصفات مع‬
‫عكوس تلك االمساء والصفات اليت ظهرت يف مرااي تلك العدمات يف موطن العلم‬
‫وامتزجت هبا ومت اراد املختار جل سلطانه ان جيعل ماهية من تلك املاهيات املمتزجة‬
‫متصفة ابلوجود الظلي الذي هو ظل من ظالل حضرة الوجود وان جيعلها موجودة‬
‫خارجية يلقى اليها ظال من ظالل حضرة الوجود ويصريها مبدأ لآلاثر اخلارجية فوجود‬
‫املمكن يف العلم واخلارج كسائر صفاته ظل من ظالل حضرة الوجود ومن كماالته التابعة‬
‫له مثال علم املمكن ظل من علم الواجب تعاىل وتقدس الذي انعكس يف مقابله وقدرة‬
‫املمكن ظل من القدرة املنعكسة يف العجز الذي هو مقابلها فكذلك وجود املمكن ظل‬
‫من ظالل حضرة الوجود الذي انعكس يف مرآة العدم الذي هو مقابله {شعر}‪:‬‬
‫و ما جئت من ملكي بشئ و امنا * وهبت الذي عندي و ذايت و أوصايف‬
‫ولكن ظل شئ ليس عني شئ عند الفقري بل شبح ذلك الشئ ومثاله ومحل‬
‫احدمها على اآلخر ممتنع فعند الفقري مل يكن املمكن عني الواجب فان حقيقة املمكن‬
‫عدم والعكس الذي انعكس فيه من االمساء والصفات شبح تلك االمساء والصفات‬
‫‪- 634 -‬‬

‫ومثاهلا ال عينها فال يصح كله هو بل كله منه الن ما هو ذايت للممكن العدم الذي هو‬
‫منشأ للشر والنقص واخلباثة وكلما هو يف املمكن من جنس الكماالت من الوجود‬
‫وتوابعه كله مستفاد من تلك احلضرة جل سلطاهنا وظل من كماالته الذاتية سبحانه و‬
‫تعاىل فيكون هو سبحانه نور السموات واالرض ابلضرورة وما وراءه تعاىل يكون كله‬
‫ظلمة كيف ال والعدم فوق مجيع الظلمات وحتقيق هذا املبحث مسطور يف املكتوب‬
‫الذي حرر اىل ولدي االعظم املرحوم يف بيان حقيقة الوجود وحتقيق ماهيات املمكنات‬
‫فليطلب من هناك فالعامل ابسره عبارة عند الشيخ حميي الدين عن االمساء والصفات اليت‬
‫عرض هلا متيز يف مرتبة العلم وظهور يف مرآة ظاهر الوجود وعند الفقري العامل عبارة عن‬
‫العدمات اليت انعكست عليها امساء الواجب وصفاته يف موطن العلم ووجدت تلك‬
‫العدمات مع تلك العكوس يف اخلارج ابجياد احلق سبحانه بوجود ظلي فظهر يف العامل‬
‫اخلباثة الذاتية والشر اجلبلي وكان اخلري والكمال كله عائدا اىل جناب قدسه جل وعال‬
‫وقوله تعاىل ما أصابك من حسنة فمن هللا وما أصابك من سيئة فمن نفسك مؤيد هلذه‬
‫املعرفة وهللا سبحانه امللهم فعلم من هذا التحقيق أن العامل موجود يف اخلارج بوجود ظلي‬
‫كما أن احلق سبحانه موجود يف اخلارج بوجود أصلي بل بذاته غاية ما يف الباب ان هذا‬
‫اخلارج أيضا ظل ذلك اخلارج مثل الوجود والصفات فال ميكن أن يقال للعامل أنه عني‬
‫احلق جل وعال وال جيوز محل أحدمها على اآلخر فانه ال ميكن أن يقال لظل شخص أنه‬
‫عني الشخص لوجود التغاير بينهما يف اخلارج الن االثنني متغايران فان قال شخص لظل‬
‫شخص أنه عني ذلك الشخص امنا يقول ذلك على سبيل التسامح والتجوز وهو خارج‬
‫عن املبحث (فان قيل) ان الشيخ حميي الدين وتوابعه أيضا يقولون أن العامل ظل احلق‬
‫تعاىل فما يكون الفرق (قلنا) إهنم ال يرون وجود ذلك الظل يف غري الوهم وال جيوزون‬
‫وصول رائحة من الوجود اخلارجي اليه وابجلملة اهنم يعربون عن الكثرة املوهومة بظل‬
‫الوحدة املوجودة ويرون املوجود واحدا يف اخلارج شتان ما بينهما فصار منشأ محل الظل‬
‫على االصل وعدم ذلك احلمل هو اثبات الوجود اخلارجي للظل وعدم اثباته وهم ملا مل‬
‫‪- 635 -‬‬

‫يثبتوا للظل وجودا خارجيا محلوه على االصل ابلضرورة وحيث يرى هذا الفقري الظل‬
‫موجودا يف اخلارج ال يبادر اىل احلمل والفقري متفق معهم يف نفي الوجود االصلي عن‬
‫الظل ومتفق أيضا يف اثبات الوجود الظلي ولكن هذا الفقري يثبت الوجود الظلي يف‬
‫اخلارج وهم يظنون الوجود الظلي يف الوهم والتخيل وال يقولون بوجود موجود يف اخلارج‬
‫غري االحدية اجملردة وال يثبتون الصفات الثمانية اليت ثبت وجودها يف اخلارج على آراء‬
‫أهل السنة واجلماعة رضي هللا عنهم يف غري موطن العلم فوقع العلماء الظاهرية وهؤالء‬
‫االكابر رضي عنهم يف طريف االقتصاد وكان احلق املتوسط نصيب هذا الفقري ووفق به فان‬
‫عرف هؤالء االكابر أن هذا اخلارج ظل ذلك اخلارج ملا انكروا وجود العامل يف اخلارج ومل‬
‫يقتصروا على الوهم واخليال وال انكروا أيضا وجود صفات واجب الوجود يف اخلارج ولئن‬
‫تنبه العلماء أيضا ملا أثبتوا للممكن وجودا أصليا بل اكتفوا ابلوجود الظلي وما كتبه الفقري‬
‫يف بعض مكتوابته ان اطالق الوجود على املمكن بطريق احلقيقة ال بطريق اجملاز ليس‬
‫مبناف هلذا التحقيق فان املمكن موجود يف اخلارج بوجود ظلي بطريق احلقيقة ال على‬
‫سبيل التخيل والتوهم كما زعموا (فان قيل) ان صاحب الفتوحات املكية قال ابن االعيان‬
‫الثابتة برزخ بني الوجود والعدم فصار العدم داخال يف حقائق املمكنات على طريقه وطوره‬
‫أيضا فما يكون الفرق بني التحقيق وبني هذا القول (قلنا) انه امنا قال هلا برزخا ابعتبار‬
‫أن للصور العلمية وجهني وجه اىل الوجود بواسطة ثبوت العلم ووجه اىل العدم بواسطة‬
‫اخلارج وان االعيان ما مشت رائحة الوجود اخلارجي عنده والعدم الذي اندرج يف هذا‬
‫التحقيق له حقيقة أخرى وكذا املراد مبا وقع يف عبارة بعض االعزة من اطالق العدم على‬
‫املمكن هو العدم اخلارجي ال العدم الذي حقق فيما سبق وهو سبحانه و تعاىل وراء وراء‬
‫تلك االمساء والصفات املفصلة املتميزة يف موطن العلم اليت انعكست يف مرااي العدمات‬
‫وصارت حقائق املمكنات فال يكون بينه سبحانه وبني العامل مناسبة بوجه من الوجوه‬
‫أصال ان هللا لغين عن العاملني وجعل احلق سبحانه عني العامل ومتحدا به بل نسبته اىل‬
‫العامل ثقيل على هذا الفقري جدا {ع}‪:‬‬
‫‪- 636 -‬‬

‫وللناس فيما يعشقون مذاهب‬


‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سالم على املرسلني واحلمد هلل رب العاملني‬
‫و السالم عليكم و على من لديكم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين اىل املري مشس الدين اخللخايل يف بيان أن مرتبة ذات احلق‬
‫تعاىل وتقدس ومرتبة صفاته سبحانه فوق اعتبار الوجود والوجوب}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد حصل الفرح واالبتهاج بوصول‬
‫الصحيفة الشريفة الصادرة على وجه احملبة واالخالص كثرة اخوان الدين سبب الرجاء يف‬
‫اآلخرة اللهم كثر اخواننا يف الدين وثبتنا واايهم على متابعة سيد املرسلني عليه وعليهم من‬
‫الصلوات افضلها ومن التسليمات اكملها {ع}‪:‬‬
‫وأحسن ما ميلى حديث االحبة‬
‫أيها احملب أن صفات واجب الوجود السبعة أو الثمانية على اختالف االراء‬
‫صفات حقيقية موجودة يف اخلارج ومل يقل احد من الفرق املخالفة بوجود صفات واجب‬
‫الوجود تعاىل وتقدس غري أهل احلق شكر هللا تعاىل سعيهم حت ان املتأخرين من الصوفية‬
‫منم أنكروا وجود الصفات بل جعلوا زايدة الصفات راجعة اىل العلم فقط وقالوا {شعر}‪:‬‬
‫و صفات حق يف التعقل غري ذا * ت احلق لكن يف التحقق عينها‬
‫واحلق ان كالم أهل احلق حق ومقتبس من مشكاة النبوة ومؤيد بنور الكشف‬
‫والفراسة غاية ما يف الباب ان االشكال الذي أورده املخالفون يف وجود الصفات قوية‬
‫الن ال صفات لو كانت موجودة فال ختلو اما ان تكون ممكنة او واجبة واالمكان مستلزم‬
‫للحدوث الن كل ممكن حادث عندهم والقول بتعدد الواجب مناف للتوحيد وايضا على‬
‫تقدير االمكان يلزم جواز انفكاك الصفات عن الذات تعالت وتقدست وهذا موجب‬
‫جلواز اجلهل والعجز للواجب سبحانه (وحل) هذا االشكال على ما ظهر هلذا الفقري ان‬
‫‪- 637 -‬‬

‫حضرة احلق سبحانه موجود بذاته ال بوجود يكون عينا هلا او زائدا عليها وصفاته تعاىل‬
‫موجودة بذاته تعاىل ال بوجود فانه ال جمال للوجود يف ذلك املوطن وقد اشار الشيخ ركن‬
‫الدين ابو املكارم عالء الدولة السمناين قدس سره اىل هذا املقام حيث قال فوق عامل‬
‫الوجود عامل امللك الودود فال تكون نسبة االمكان والوجوب ايضا متصورة يف ذلك‬
‫املوطن فان كال من االمكان والوجوب نسبة بني املاهية والوجود فحيث ال وجود ال‬
‫امكان وال وجوب (وهذه) املعرفة وراء طور النظر والفكر واي شئ جيد املقيدون بعقال‬
‫العقل من هذه املعرفة وما يكون نصيبهم منها غري االنكار اال من عصمه هللا سبحانه و‬
‫تعاىل وابقي املرام ان السيد حمب هللا أقام هنا مدة واآلن صار متوجها اىل تلك اجلهات‬
‫واحلدود فليغتنم صحبته و السالم عليكم و على من لديكم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث اىل املخدوم زاده معدن احلقائق ومنبع املعارف الالمتناهية‬
‫ومظهر الفيوضات االهلية اخلواجه حممد سعيد سلمه هللا تعاىل يف بيان أن معاملة‬
‫اآلفاق واالنفس داخلة يف دائرة الظالل وبيان الوالية الصغرى والكربى وكماالت‬
‫النبوة وحتقيق حقيقة جتلي االفعال الذي ظهر لبعض الصوفية وانه ظل فعل احلق ال‬
‫عني فعله تعاىل}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى إعلم أن كلما يظهر يف مرااي اآلفاق‬
‫واالنفس فهو متسم بسمة الظلية فيكون مستحقا للنفي ليحصل االثبات وملا جاوزت‬
‫املعاملة حد اآلفاق واالنفس ختلصت عن قيد الظلية وتيسر الشروع يف جتلي الفعل‬
‫والصفة وعلم ان كل جتل ظهر قبل ذلك يف السري اآلفاقي واالنفسي وان اعتقدوه جتليا‬
‫ذاتيا كان متعلقا بظالل الفعل والصفة ال بنفس الفعل والصفة فضال عن كونه متعلقا‬
‫ابلذات فان دائرة الظلية تنتهي بنهاية االنفس فكلما يظهر يف اآلفاق واالنفس يكون‬
‫داخال يف تلك الدائرة والفعل والصفة وان كاان يف احلقيقة من ظالل حضرة الذات تعالت‬
‫وتقدست ولكنهما داخالن يف دائرة االصل ووالية تلك املرتبة والية اصلية خبالف والية‬
‫‪- 638 -‬‬

‫املرتبة السابقة اليت تتعلق ابآلفاق واالنفس فاهنا والية ظلية والتجلي الربقي الذي انش من‬
‫مرتبة االصل ميسر ملنتهى دائرة الظل فاهنم يتخلصون ساعة واحدة من قيد اآلفاق‬
‫واالنفس والذين جاوزوا دائرة اآلفاق واالنفس وترقوا عنها وخلفوا الظل وراءهم وحلقوا‬
‫ابالصل فالتجلي الربقي دائمي يف حقهم فان مسكن هؤالء االكابر ومأواهم دائرة االصل‬
‫اليت منها ينشأ التجلي الربقي بل معاملة هؤالء االكابر فوق التجليات والظهورات فان‬
‫كل جتل وظهور ابي مرتبة يتعلق ال خيلو عن شائبة الظلية وقد جعلهم التعلق ابصل‬
‫االصل فارغني عن الظل وخلصهم عن زيغ البصر وهناية الكمال يف الوالية الظلية اليت‬
‫هي الوالية الصغرى امنا حتصل ابلتجلي الربقي وهذا التجلي الربقي قدم اول يف الوالية‬
‫الكربى اليت هي والية االنبياء عليهم الصالة و السالم والوالية الصغرى هي والية االولياء‬
‫قدس هللا تعاىل اسرارهم ومن ههنا يعرف التفاوت بني والية االولياء ووالية االنبياء‬
‫صلوات هللا وتسليماته سبحانه عليهم فان بداية تلك الوالية هناية هذه الوالية وماذا نقول‬
‫من كماالت نبوة االنبياء عليهم الصالة و السالم فان بداية النبوة هناية هذه الوالية ولعل‬
‫حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس هللا سره انل نصيبا وافرا من والية االنبياء عليهم‬
‫الصلوات والتحيات ابلتبعية والوراثة فانه قال حنن ندرج النهاية يف البداية ومبلغ علم هذا‬
‫الفقري ان النسبة النقشبندية وحضورها اذا بلغا حد الكمال يتصالن ابلوالية الكربى‬
‫وحيصل هلم حظ وافر من كماالت تلك الوالية خبالف طرق غريهم فان هناية كماهلم‬
‫حصول التجلي الربقي (ينبغي) أن يعلم أن السري الذي يتيسر بعد سري اآلفاق واالنفس‬
‫هو سري يف أقربية احلق سبحانه و تعاىل فان فعله تعاىل أيضا أقرب الينا منا وكذلك صفته‬
‫تعاىل أقرب الينا منا ومن فعله تعاىل ايضا وذاته تعاىل أقرب الينا منا ومن فعله وصفته‬
‫تعاىل والسري يف هذه املراتب هو السري يف االقربية وحقيقة جتلي الفعل وجتلي الصفة‬
‫وجتلي الذات تتحقق يف هذا املوطن وحيصل النجاة هنا من سلطنة الوهم ودائرة اخليال‬
‫فانه ال سلطنة لسلطان الوهم واخليال يف خارج دائرة اآلفاق واالنفس وهناية تصرف الوهم‬
‫هناية دائرة الظل فحيث ال ظل ال وهم فالتخلص عن قيد الوهم يف الوالية الظلية امنا‬
‫‪- 639 -‬‬

‫حيصل بعد املوت فان الوهم ينعدم ابملوت ويف الوالية االصلية اليت هي الوالية الكربى‬
‫ا خلالص عن قيد الوهم واخليال ميسر يف هذه النشأة ومع وجود الوهم فيها خالص عن‬
‫قيد الوهم وما اجل للطائفة االوىل يف اآلخرة يتيسر للطائفة األخرى يف هذه النشأة ويف‬
‫الوالية الظلية ال حيصل شئ من املطلوب يف هذه النشأة غري منحوت الوهم واخليال ويف‬
‫الوالية االصلية املطل وب منزه ومربأ عن علة حنت الوهم وكأن موالان الرومي تضايق من‬
‫حيطة الوهم وقيد اخليال فتمنىي املوت لينال املطلوب عاراي عن لباس الوهم واخليال ومنع‬
‫من ان يقول عافاك هللا يف مبادئ املوت وقال {شعر}‪:‬‬
‫من شوم عراين زتن او زخيال * ات خرامم در هناية الوصال‬
‫{ترمجة}‪:‬‬
‫اعروا من االشباح وهو من اخليال * كيما أتبخرت يف هناايت الوصال‬
‫(وما) قلت من ان يف اآلفاق واالنفس جتليات ظالل االمساء والصفات ال جتليات‬
‫نفس االمساء والصفات بيانه هو ان التكوين من الصفات احلقيقية كما هو مذهب‬
‫العلماء املاتريدية شكر هللا سعيهم ال من الصفات االضافية كما زعمت االشعرية وحيث‬
‫كانت االضافة غالبة يف هذه الصفة ظنوها من الصفات االضافية نظرا اىل صفات أخرى‬
‫وليس كذلك بل هي من الصفات احلقيقية امتزج هبا وصف االضافة وهذه الصفة حتت‬
‫مجيع الصفات وفيها لون مجيع الصفات اليت فوقها مثال هلا نصيب من العلم واحلياة وحظ‬
‫من القدرة واالرادة أيضا وهلا جزئيات هي يف احلقيقة ظالهلا مثل الرتزيق والتخليق‬
‫واالحياء واالماتة واالنعام وااليالم وهذه اجلزئيات داخلة يف االفعال اليت هي يف احلقيقة‬
‫ظالل تلك الصفة خارجة عن دائرة الصفات احلقيقية وهلذا الفعل وجهان وجه حنو‬
‫الفاعل ووجه اىل املفعول وهذان الوجهان متمايزان يف النظر الكشفي يرى الوجه االول‬
‫عاليا والوجه الثاين سافال وأيضا يرى الوجه االول يف النظر كاالصل والوجه الثاين مثل‬
‫ظل ذلك االصل وأيضا الوجه االول فيه لون من الوجوب والوجه الثاين له لون من‬
‫االمكان وهذا الوجه الثاين مبادئ تعينات غري االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات من‬
‫‪- 640 -‬‬

‫االولياء الكرام وسائر االانم وحيث كان هلذا الفعل ابعتبار اجلهتني لون من الوجوب ولون‬
‫من االمكان يكون ممكنا ابلضرورة فان املركب من الواجب واملمكن ممكن وأيضا ان هذا‬
‫الفعل حيث كان له وجه اىل القدم ابعتبار اجلهة الفوقانية وقدم يف احلدوث ابعتبار اجلهة‬
‫التحتانية يكون حاداث ابلضرورة فان املركب من القدمي واحلادث حادث (فالذين) قالوا‬
‫بقدم فعل احلق سبحانه امنا نظروا اىل اجلهة االوىل والذين ذهبوا اىل حدوثه فمنظورهم هو‬
‫اجلهة األخرى ونظر الطائفة االوىل عال ونظر الثانية سافل وان وقع كال الفريقني يف طريف‬
‫احلق املتوسط وهو الذي امتاز به هذا الفقري ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو‬
‫الفضل العظيم ووقع مثل هذا التحقيق يف بعض املكاتيب يف شأن الصفات احلقيقية أيضا‬
‫فليطلب (ينبغي) أن يعلم أن الوجه الثاين يف الفعل عبارة عن اخللق اخلاص الذي متعلق‬
‫ب زيد مثال فخلق زيد كأنه جزئي من جزئيات مطلق اخللق مثال وهذا اخللق اخلاص الذي‬
‫تعلق بزيد له جزئيات أيضا كخلق ذات زيد وخلق صفاته وافعاله وهذه اجلزئيات‬
‫كالظالل خللق زيد وهو كالكلي هلا وخللق فعل زيد أيضا ظل ومظهر وهو كسب زيد‬
‫الذي تعلق ابلفعل فان هذا الكسب ما جاء به زيد من بيت ابيه بل هو ظل من خلق‬
‫احلق جل وعال (فعلم) من هذه املعارف أن الفعل ظل التكوين وأن الوجه الثاين من‬
‫الفعل ظل الوجه االول منه كما حقق وان للوجه الثاين أيضا ظال هو خلق زيد مثال‬
‫وخللق زيد أيضا ظال هو خلق فعل زيد وهلذا الظل ايضا ظل هو كسب زيد فاذا عرفت‬
‫هذه العلوم فاعلم أن نسبة كسب زيد اىل زيد مثال اذا إنتفت يف نظر السالك وقت‬
‫السلوك عن زيد وارتفعت اضافته اىل زيد يرى فاعل ذلك الفعل هو احلق سبحانه بل جيد‬
‫االفعال املتكثرة املتباينة للخالئق فعل فاعل واحد فيظنون ظهور هذا املعن جتليا فعليا‬
‫(ينبغي) أن ينصف هل هذا التجلي هو جتلي فعل احلق أو جتلي ظل من ظالل ذلك‬
‫الفعل الذي تنزل مبراتب كثرية وعرض له اسم الظلية وينبغي أن يقيس التجليات األخرى‬
‫على التجلي الفعلي فاهنم اكتفوا فيها أيضا بظل من الظالل وظنوه أصل االصل واطمئنوا‬
‫ابجلوز واملوز (ينبغي) ان يعلم أن وجوب الوجود حيث كان من النسب واالضافات يوجد‬
‫‪- 641 -‬‬

‫يف مرتبة الفعل ابلضرورة وملا مل يكن هلذه النسبة مناسبة ابلعلم بل هي خمصوصة بصانع‬
‫العامل تعاىل وتقدس كانت مناسبة ابلوجه االول من الفعل الذي مر ذكره (فان قيل) يلزم‬
‫من هذا البيان أن ال يكون الوجوب اثبتا يف مرتبة الذات والصفات وال يقال لذاته‬
‫وصفاته تعاىل وتقدس واجبة فيكون الوجوب مسلواب عن حضرة الذات والصفات كما ان‬
‫االمكان واالمتناع مسلوابن عنه تعاىل فظهر قسم رابع من املفهوم سوى الوجوب‬
‫واالمكان واالمتناع واحلال ان احنصار املفهوم يف هذه الثالثة كان اثبتا ابحلصر العقلي‬
‫(قلنا) ان ه ذا االحنصار امنا هو للماهية ابلنسبة اىل الوجود فحيث ال نسبة للماهية اىل‬
‫الوجود ال احنصار كما يف ذات الواجب تعاىل وصفاته سبحانه فان ذاته تعاىل موجود‬
‫بذاته ال ابلوجود عينا كان أو زائدا وصفاته تعاىل موجودة بذاته تعاىل من غري ان يتخلل‬
‫فيهاوجود فذاته تعاىل وصفا ته سبحانه فوق هذه الثالثة املنحصرة غاية ما يف الباب اذا‬
‫تصور ذاته تعاىل وتعلقت صفاته سبحانه ابلوجوه واالعتبارات اذ ال سبيل اىل الكنه‬
‫يعرض لذاته سبحانه يف الوجود التصوري الظلي الوجوب كما هو املناسب و الالئق بذاته‬
‫تعاىل و يعرض لصفاته سبحانه يف الوجود الذهين االمكان ملا هو املناسب هلا الحتياجها‬
‫اىل الذات فذاته تعاىل وصفاته سبحانه يف حد انفسها فوق مرتبة الوجوب واالمكان بل‬
‫فوق مرتبة الوجود ايضا وابعتبار الوجود التصور الظلي الوجوب يناسب الذات واالمكان‬
‫يناسب الصفات فالصفات من حيث الوجود اخلارجي ال واجبة وال ممكنة بل هي فوق‬
‫الوجوب واالمكان وابعتبار الوجود الذهين ممكنة وال يلزم من هذا االمكان احلدوث ملا‬
‫أنه ليس لذواهتا كما للممكنات بل لوجوداهتا الظلية ويناسب هذه املعرفة ما قاله أرابب‬
‫املعقول من ان الكلية واجلزئية تعرضان للماهية ابعتبار خصوصية الوجود الذهين فال‬
‫توصف هب ما املاهية حال الوجود اخلارجي فزيد املوجود يف اخلارج مثال قبل التعقل ليس‬
‫جبزئي كما أنه ليس بكلي بل يعرض له اجلزئية بعد الوجود الذهين الظلي بل نقول مجيع‬
‫النسب واالضافات واالحكام واالعتبارات اليت حتمل عليه تعاىل كااللوهية واالزلية مما هي‬
‫غري صفات الثمانية املوجودة امنا تصدق عليه سبحانه ابعتبار التصور والتعقل واال‬
‫‪- 642 -‬‬

‫فالذات من حيث هي غري متصفة بصفة وال مسماة ابسم وال حمكوم عليها حبكم‬
‫فصاحب الشرع تعاىل امنا اطلق على ذاته امساء وأحكاما ابعتبار التناسب والتشابه‬
‫لتكون قريبة من افهام املخلوقات و يكون التكلم معهم على قدر عقوهلم كما يقال لزيد‬
‫املوجود يف اخلارج بدون مالحظة وجوده الذهين أنه جزئي على سبيل التشبيه والتنظري و‬
‫يكون حكمهم جبزئيته أنسب وأشبه من حكمهم أبنه كلي فكذلك احلكم ابلوجوب‬
‫والوجود على الذات الغين العلي أوىل وأنسب من احلكم ابالمكان واالمتناع واال فال‬
‫يصل ا ىل جناب قدسه تعاىل وجوب وال وجود كما ال يليق جبناب تنزيهه تعاىل امكان‬
‫وامتناع فافهم هذه املعرفة الشريفة القدسية فاهنا اساس الدين وخالصة علم الصفات‬
‫والذات تعالت وتقدست وما تكلم هبا أحد من العظماء وال واحد من الكرباء استأثر هللا‬
‫سبحانه هذا العبد هبذه املعرفة و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع اىل املري حممد نعمان يف بيان ان علم اليقني وعني اليقني وحق‬
‫اليقني اليت قررها بعض الصوفية شطران يف احلقيقة من اقسام علم اليقني الثالثة‬
‫والقسم الثالث منه مل حيصل بعد فضال عن الوصول اىل عني اليقني وبيان ان صاحب‬
‫هذه العلوم جمدد االلف الثاين}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد مضت مدة وليس لنا اطالع على‬
‫أحوالكم احملمودة املآل املسئول من هللا سبحانه سالمتكم واستقامتكم (اعلم) ان علم‬
‫اليقني عبارة عن شهود آايت تفيد اليقني العلمي وهذا الشهود يف احلقيقة استدالل ابالثر‬
‫على املؤثر فكلما يرى ويشاهد من الظهورات والتجليات يف مرااي اآلفاق واالنفس من‬
‫قبيل االستدالل ابالثر على املؤثر وان مسوا تلك التجليات جتليات ذاتية وقالوا لتلك‬
‫الظهورات ظهورات ال كيفية فان ظهور شئ يف املرآة حصول أثر من آاثره ال حصول‬
‫عني ذلك الشئ فال يكون قدم السري اآلفاقي واالنفسي خارجا عن دائرة علم اليقني‬
‫ابلتمام وال يكون له نصيب غري االستدالل ابألثر على املؤثر قال هللا تبارك و تعاىل‬
‫‪- 643 -‬‬

‫سنريهم آايتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حت يتبني هلم انه احلق وأعتقد بعضهم أن السري‬
‫االفاقي من علم اليقني وأثبتوا عني اليقني وحق اليقني يف السري االنفسي ومل يقولوا بسري‬
‫يف خارج االنفس {ع}‪:‬‬
‫وللناس فيما يعشقون مذاهب‬
‫(واعلم) ان احلق سبحانه أقرب اىل العبد من العبد نفسه فمن العبد اىل احلق‬
‫سبحانه سري آخر يف جانب االقربية والوصول منوط بقطعه وهذا السري الثالث أيضا‬
‫مثبت لعلم اليقني يف احلقيقة فانه وان كان خارجا عن دائرة الظلية ولكنه ليس مبربإ من‬
‫شائبة الظلية فان امساء الواجب وصفاته سبحانه ظالل حضرة الذات يف احلقيقة تعالت‬
‫وتقدست وكل موضع فيه شوب الظلية داخل يف اآلاثر واآلايت فهم خصصوا بعلم‬
‫اليقني سريا واحدا من سريه الثالثة وجعلوا سريه الثاين حمصال لعني اليقني وحق اليقني ومل‬
‫حيركوا شفاههم ابلسري الثالث أصال حت يتم به دائرة علم اليقني وأين بعد عني اليقني‬
‫وحق اليقني {ع}‪:‬‬
‫وقس من حال بستاين ربيعي‬
‫وماذا أقول من عني اليقني وحق اليقني ومن يفهمه ان قلت ومن يدرك فان هذه‬
‫املعارف خارجة من حيطة الوالية وأرابب الوالية عاجزون عن ادراكها مثل علماء الظاهر‬
‫وقاصرون يف دركها وهذه العلوم مقتبسة من مشكاة أنوار النبوة على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية حصلت هلا النضارة بعد جتدد االلف الثاين وظهرت ابلطراوة وصاحب‬
‫هذه العلوم واملعارف جمدد هذا االلف كما ال خيفى على الناظرين يف علومه ومعارفه اليت‬
‫تتعلق ابلذات والصفات واالفعال وتتلبس ابالحوال واملواجيد والتجليات والظهورات‬
‫فيعلمون ان هذه املعارف والعلوم وراء علوم العلماء ووراء معارف االولياء بل علوم هؤالء‬
‫ابلنسبة اىل تلك العلوم قشر وتلك املعارف لب ذلك القشر وهللا سبحانه اهلادي (واعلم)‬
‫‪- 644 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫ومضي ولكن جمدد املائة ليس كمجدد االلف بل‬ ‫أنه قد مر على رأس كل مائة جمدد‬
‫الفرق بني جمدد املائة وجمدد االلف كالفرق بني املائة وااللف بل أزيد منه واجملدد هو‬
‫الذي بتوسطه يرد على االمة يف تلك املدة ما يرد من الفيوض وان كانوا اقطاب ذلك‬
‫الوقت وأواتده وأبداله وجنباءه {شعر}‪:‬‬
‫ليس على هللا مبستنكر * ان جيمع العامل يف واحد‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات العلى و على مجيع اخوانه من االنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني وعباد هللا‬
‫الصاحلني أمجعني‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس اىل املري مشس الدين علي اخللخايل يف بيان ان لصفات‬
‫احلق سبحانه اعتبارين االول حصوهلا يف أنفسها والثاين قيامها بذات احلق سبحانه‬
‫وكال االعتبارين متميزان يف اخلارج}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (أيها املخدوم) ان لصفات الواجب‬
‫اليت هي موجودة وقائمة بذاته تعاىل اعتبارين االعتبار االول ثبوهتا يف حد ذاهتا واالعتبار‬
‫الثاين قيامها بذات الواجب تعاىل وتقدس وهلا ابالعتبار االول مناسبة ابلعامل وبه صارت‬
‫مبادئ التعينات وابالعتبار الثاين مستغنية عن العامل ليس هلا توجه اىل العامل وما فيه أصال‬
‫وأيضا اهنا ابالعتبار االول ترى يف النظر الكشفي منفكة عن الذات تعالت وتقدست‬
‫ونثبت الذات وراءها وابالعتبار الثاين ليست كذلك بل ال يتصور االنفكاك وأيضا اهنا‬
‫ابالعتبار االول حجب للذات وابالعتبار الثاين االحتجاب مرتفع كالبياض القائم ابلثوب‬
‫فانه ليس حبجاب للثوب غاية ما يف الباب ان البياض بكال االعتبارين أعين حصوله يف‬
‫نفسه وقيامه ابلثوب ليس حبجاب لذات الثوب فانه وان كان احملسوس هو ذلك البياض‬

‫(‪ )1‬أخرج ابو دواود واحلاكم والبيهقي يف املعرفة عن ايب هريرة ان هللا تعاىل يبعث هلذه االمة على رأس كل مائة سنة‬
‫من جيدد هلا دينها انتهى اجلامع الصغري‬
‫‪- 645 -‬‬

‫ولكن احلجابية مرتفعة خبالف صفات الواجب تعاىل وتقدس فاهنا ابالعتبار االول‬
‫حاجبة وابالعتبار الثاين غري حاجبة واايك وختيل فرق ما بني االعتبارين شيئا يسريا فان‬
‫هذا الفقري مع وجود جذب قوي وسرعة سري قطع ما بني هذين االعتبارين قريبا من‬
‫مخس عشرة سنة ومل يهتد العلماء املتقدمون اىل فرق ما بني هذين االعتبارين وقالوا ان‬
‫حصول العرض يف نفسه هو عني حصوله القيامي يف اجلوهر وبعض العلماء املتأخرين تنبه‬
‫عل ى هذا الفرق وحقق ان حصوله يف نفسه غري حصوله القيامي الن العرض يقال يف‬
‫حقه أنه وجد فقام فالوجود غري القيام وحتقيق ذلك البعض يف العرض كان مرتقى العروج‬
‫يل ووسيلة ملعرفة حمتاج اليها وقد امد يف هذا السري والسلوك كثري من التحقيقات‬
‫الكالمية والتدقيقات الفلسفية وصارت واسطة للمعارف االهلية جل سلطانه و السالم‬
‫على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله واصحابه من الصلوات أمتها‬
‫ومن التسليمات أكملها‪.‬‬

‫{املكتوب السادس اىل املخدوم زاده جامع العلوم العقلية والنقلية اخلواجه‬
‫جمد الدين حممد معصوم يف بيان بعض االسرار الغامضة ويفهم منها وجه كونه صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم مأموراً ابتباع ملة ابراهيم عليه الصالة و السالم}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اظن ان املقصود من خلقي هو أن‬
‫تكون الوالية احملمدية منصبغة ابلوالية االبراهيمية عليهما الصالة والتحية وان ميتزج حسن‬
‫مالحة هذه الوالية جبمال صباحة تلك الوالية قد ورد يف احلديث اخي[‪ ]1‬يوسف اصبح‬
‫واان املح وان يبلغ مقام احملبوبية احملمدية هبذا االنصباغ درجة عليا ويشبه ان يكون‬
‫املقصود من األمر ابتباع ملة ابراهيم عليه الصالة و السالم حصول هذه الدولة العظمى‬
‫وان طلب الصلوات والربكات املماثلتني لصلوات ابراهيم وبركاته على نبينا وعليه الصالة و‬

‫(‪ )1‬قال املخرج ما وجدت له أصال وسألت موالان حممد اسحق فلم يعرفه انتهى وقال املخرج الثاين ذكره احملدث‬
‫الشيخ عبداحلق الدهلوي يف كتابه مدارج النبوة بال عز و ايل أحد اه‬
‫‪- 646 -‬‬

‫السالم امنا هو الجل هذا الغرض واملالحة والصباحة كلتامها منبئتان عن حسن الذات‬
‫تعالت وتقدست من غري مزج الصفات ولكن حسن الصفات واالفعال واآلاثر كلها‬
‫مستفاد من حسن الصباحة الكثرية الربكة وحسن املالحة انسب حبضرة االمجال وكأن‬
‫املالحة مركز للحسن والصباحة دائرة ذلك املركز وكما أن يف حضرة الذات بساطة كذلك‬
‫فيها وسعة ايضا وليست تلك البساطة والوسعة مما جيئ يف فهمنا وما ذلك االمجال‬
‫والتفصيل مما يدرك ابدراكنا ال تدركه االبصار وهو يدرك االبصار وهو اللطيف اخلبري‬
‫والبساطة والوسعة اللتان نثبتهما يف حضرة الذات كل واحدة منهما متمايزة عن األخرى‬
‫ال اهنا عني األخرى كما ظن البعض واما التميز الذي هو اثبت يف تلك املرتبة بني‬
‫االنبياء فهو خارج عن حيطة ادراكنا وبعيد عن دائرة افهامنا فتكون الصباحة واملالحة‬
‫ايضا متمايزاتن يف تلك املرتبة وتكون احكام كل واحدة منهما مغايرة الحكام األخرى‬
‫فعلم أن املقصود الذي كنت فهمته من خلقي قد حصل ومسئول ألف سنة صار مقروان‬
‫ابالجابة احلمد هلل الذي جعلين صلة بني البحرين ومصلحا بني الفئتني أكمل احلمد على‬
‫كل حال والصالة و السالم على خري االانم و على اخوانه الكرام من االنبياء واملالئكة‬
‫العظام وملا صارت الصباحة ايضا متلونة بلون املالحة ال جرم حصلت الوسعة ملقام اخللة‬
‫االبراهيمية أيضا وانل احمليط حكم املركز أيضا (ينبغي ان يعلم) أن ملقام احملبة مناسبة‬
‫مبرتبة املالحة وملقام اخللة مبرتبة الصباحة ويف احملبة كانت احملبوبية الصرفة نصيب خامت‬
‫الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم واحملبية اخلالصة خمصوصة بكليم هللا عليه الصالة و‬
‫السالم ويف اخلليل عليه الصالة و السالم نسبة اجلليسية والندميية وكل من احملب واحملبوب‬
‫غري اجلليس والندمي ولكل واحد منها نسبة على حدة وملا كان هذا الفقري مريب ابلوالية‬
‫احملمدية والوالية املوسوية على صاحبيهما الصالة و السالم والتحية كان له موطن‬
‫ومسكن يف مقام املالحة ونسبة احملبوبية غالبة فيه بواسطة حمبته للوالية احملمدية على‬
‫صاحبها الصالة و السالم والتحية ونسبة احملبية مستورة ومغلوبة (ايها الولد) اعلم انه مع‬
‫وجود هذه املعاملة اليت هي مربوطة خبلقيت أحيلت على معاملة أخرى ايضا عظيمة وليس‬
‫‪- 647 -‬‬

‫املقصود من وجودي املشيخة واملريدية وتكميل اخللق وارشادهم وهذه املعاملة غري تلك‬
‫املعاملة ويف ضمن هذه املعاملة أيخذ الفيض كل من له مناسبة واال ال ومعاملة التكميل‬
‫واالرشاد ابلنسبة اىل هذه املعاملة كاهنا أمر مطروح يف الطريق ولدعوة االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم ابلنسبة اىل معامالهتم الباطنية هذا احلكم بعينه ومنصب النبوة وان كان‬
‫خمتوما ولكن لكمل اتبعي االنبياء عليهم الصالة و السالم نصيب من كماالت النبوة‬
‫وخصائصها بطريق التبعية والوراثة‪.‬‬

‫{املكتوب السابع اىل الفقري احلقري عبد احلي جامع هذه املكتوابت الشريفة‬
‫يف بيان مراتب اخلمس احملبية واحملبوبية واحملبة واحلب والرضا ومرتبة أخرى فوقها‬
‫وخصوصية كل واحد منها بنيب من االنبياء وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و السالم على عباده الذين اصطفى اعلم ارشدك هللا تعاىل ان يف احملبة‬
‫الذاتية اليت هي حمبته سبحانه و تعاىل لذاته بذاته ثالثة اعتبارات احملبوبية واحملبية واحملبة‬
‫وظهور كماالت احملبوبية الذاتية مسلم خلامت الرسل عليه و على آله وعليهم الصلوات و‬
‫التسليمات غاية ما يف الباب ان يف جانب احملبوبية كمالني فعلي وانفعايل والفعلي أصل‬
‫واالنفعايل اتبع له ولكن االنفعايل علة غائية للفعلي فهو وان كان متأخرا يف الوجود لكنه‬
‫متقدم يف التصور (وظهور) كماالت احملبة نصيب كليم هللا على نبينا وعليه الصالة و‬
‫السالم واالعتبار الثالث الذي هو نفس احملبة كان أبو البشر آدم عليه الصالة و السالم‬
‫مشهودا فيه أ ََّوال مث ابراهيم عليه الصالة و السالم اثنيا مث نوح عليه الصالة و السالم اثلثا‬
‫واالمر اىل هللا سبحانه (وحضرة) احلق سبحانه كما انه حيب ذاته تعالت وتقدست كذلك‬
‫حيب كماالته االمسائية والصفاتية واالفعالية وظهور هذه احملبة الذاتية يعين حمبته تعاىل‬
‫بذاته المسائه وصفاته امت يف اخلليل عليه الصالة و السالم وظهور احملبوبية االمسائية‬
‫والصفاتية واالفعالية متحقق يف سائر االنبياء عليهم الصالة و السالم كظهور حمبيتها و ملا‬
‫كان لالمساء والصفات واالفعال ظالل كان ظهور حمبوبية تلك الظالل بتوسط اصوهلا‬
‫‪- 648 -‬‬

‫نصيب االولياء املرادين احملبوبني كما ان حمبية تلك الظالل كانت نصيب االولياء املريدين‬
‫احملبني (وفوق مقام احملبة) الذاتية مقام احلب الذي هو جامع لالعتبارات الثالثة وامجاهلا‬
‫ومقام الرضا فوق مقام احملبة واحلب فان مرتبة الرضا فوق مرتبة احملبة فان يف احملبة وجود‬
‫النسبة امجاال وتفصيال ويف مقام الرضا حذف النسبة وهو مناسب حلضرة الذات تعالت‬
‫وتقدست وليس فوق مقام الرضاء قدم اال ما أخرب النيب صلّى هللا عليه و سلّم عن ذلك‬
‫املقام حيث قال يل مع[‪ ]1‬هللا وقت ال يسعين فيه ملك مقرب وال نيب مرسل وكأن يف‬
‫احلديث القدسي اشارة اىل هذه اخلصوصية حيث ورد اي حممد اان[‪ ]2‬وأنت وما سواك‬
‫خلقت الجلك فقال حممد عليه و على آله الصالة و السالم اللهم أنت وما أان وما‬
‫سواك تركت الجلك ومن اين يدرك عظمة حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يف هذا‬
‫اليوم وكيف يعرف جاللة قدره عليه الصالة و السالم يف هذه النشأة فان احملق ممتزج يف‬
‫هذه الدار ابملبطل واحلق خمتلط ابلباطل لكوهنا دار ابتالء وسيعلم عظمة شأنه يوم القيامة‬
‫فانه يكون فيه امام االنبياء وصاحب شفاعتهم و يكون آدم ومن دونه حتت لوائه عليه و‬
‫على مجيع االنبياء واملرسلني من الصلوات أفضلها ومن التسليمات اكملها وجيوز أن‬
‫يعطى خادم من خدامه اآلكلني فضلة طعامه النائلني عناية اكرامه حمال يف ذلك املوطن‬
‫اخلاص الذي هو فوق مقام الرضاء بطريق الوراثة والتبعية وان جيعل حمرما لذلك اجلناب‬
‫بتطفله عليه الصالة و السالم {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف امر مع الكرام‬
‫وهذا املعن ليس مبستلزم ملزية غري االنبياء على االنبياء عليهم الصالة و السالم‬
‫والتحية فانه كيف تتصور املساواة بني اخلادم وبني أمثال هؤالء املخادمي واي نسبة بني‬
‫التابع وبني أمثال هؤالء املتابيع االصل مقصود والتابع طفيلي وهناية معاملة التابع تكون‬
‫منجرة اىل فضل جزئي وال حمذور فيه اال ترى ان لكل حائك وحجام فضال على عامل‬

‫(‪ )1‬مر يف اجللد مرارا‬


‫(‪ )2‬وهذا أيضا مر يف اجللد االول‪.‬‬
‫‪- 649 -‬‬

‫ذي فنون ابعتبار صنعته املختصة به وهو ساقط عن حيز االعتبار كالمنا اشارات ورموز‬
‫وبشارات وكنوز ال نصيب منها لالكثر اال ان يؤمنوا هبا فينتج امياهنم مثرات تنفعهم وهللا‬
‫سبحانه املوفق و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على مجيع‬
‫اخوانه من االنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني من الصلوات أفضلها ومن التسليمات‬
‫أكملها‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن اىل خان خاانن يف بيان الفرق بني اميان اخص اخلواص‬
‫ابلغيب واميان العوام واميان املتوسطني}‬
‫احلمد و سالم على عباده الذين اصطفى {ع}‪:‬‬
‫وأحسن ما يلمى حديث االحبة‬
‫قال هللا تبارك و تعاىل واذا سألك عبادي عين فاين قريب وقال تعاىل ما يكون من‬
‫جنوى ثالثة اال هو رابعهم وال مخسة اال هو سادسهم وال ادىن من ذلك وال أكثر اال هو‬
‫معهم اينما كانوا وقربه ومعيته تعاىل منزهان كذاته سبحانه عن الكيف واملثال فانه ال‬
‫سبيل للكيف اىل الالكيفي فكلما يدرك من معن القرب واملعية بفهمنا وعقلنا أو يدخل‬
‫يف حيطة كشفنا وشهودان فهو تعاىل منزه ومربأ عن ذلك املعن الذي له قدم يف مذهب‬
‫اجملسمة ونؤمن أنه تعاىل قريب منا وأنه تعاىل معنا ال ندري معن القرب واملعية انه ما هو‬
‫وهنا ية نصيب الكمل يف هذه النشأة هي االميان ابلغيب بذاته وصفاته تعاىل {شعر}‪:‬‬
‫وما فاه ارابب النهي واحلجى مبا * سوى انه املوجود الرب غريه‬
‫واالميان ابلغيب الذي هو نصيب أخص اخلواص ليس كاميان العوام ابلغيب فان‬
‫اميان العوام ابلغيب امنا حيصل ابلسماع او ابالستدالل واخص اخلواص حصل اميان‬
‫الغيب مبطالعة غيب الغيب يف حجب ظالل اجلمال واجلالل ووراء سرادقات الظهورات‬
‫والتجليات (وأما) املتوسطون فهم مسرورون ابالميان الشهودي ظانني الظالل أصال‬
‫والتجليات عني املتجلي واالميان ابلغيب نصيب االعداء يف حقهم يعين عندهم كل حزب‬
‫‪- 650 -‬‬

‫مبا لديهم فرح ون والباعث على التصديع ان موالان عبد الغفور وموالان احلاج حممد من‬
‫االصحاب املخصوصني فكل احسان من كل يقع يف حق املشار اليهما موجب المتنان‬
‫الفقري {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف امر مع الكرام * و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع اىل املال عارف اخلتين يف بيان فضائل الكلمة الطيبة ال اله‬
‫اال هللا وحتقيق مقام التنزيه وبيان أن االميان ابلغيب أمنا يتحقق اذا انتهت املعاملة اىل‬
‫االقربية فان تلك املعاملة خارجة عن حيطة الوهم واخليال}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى لينف موالان عارف اخلتين اوال اآلهلة‬
‫الباطلة وليثبت اثنيا املعبود ابحلق جل سلطانه وكلما هو متسم بسمة الكيف والكم ينبغي‬
‫ادخاهلا حتت كلمة ال وحتصيل االميان ابنه منزه عن الكيف واملثال وأمت العبارات يف النفي‬
‫واالثبات الكلمة الطيبة ال اله اال هللا قال النيب عليه و على آله الصالة و السالم أفضل‬
‫الذكر ال اله اال هللا وقال عليه و على آله الصالة و السالم حاكيا عن هللا سبحانه لو أن‬
‫السموات السبع وعامرهن غريي واالرضني السبع وضعن يف كفة وال اله اال هللا يف كفة‬
‫ملالت هبن ال اله اال هللا وكيف ال تكون أفضل وكيف ال تكون ارجح فان كلمة منها‬
‫تنفي مجيع ما سواه تعاىل سواء كان مسوات او ارضني او عرشا او كرسيا او لوحا او قلما‬
‫او عاملا او آدما وكلمة أخرى منها تثبت املعبود ابحلق جل برهانه الذي هو خالق‬
‫السموات واالرضني وما سوى احلق جل وعال من اآلفاق واالنفس كله متسم بسمة‬
‫الكيف والكم فكلما يتجلي يف مرااي اآلفاق واالنفس يكون كيفيا وكميا ابلضرورة فيكون‬
‫مستحقا للنفي فمعلومنا وموهومنا ومشهودان وحمسوسنا كلها متصفة ابلكيف واملثال‬
‫ومكتنفة بعيوب احلدوث واالمكان فان معلومنا وحمسوسنا منحوت وجمعول والتنزيه الذي‬
‫يتعلق علمنا به عني تشبيه والكمال الذي هو على مقدار فهمنا عني نقص فكلما يكون‬
‫متجليا لنا او مكشوفا او مشهودا فهو غري احلق سبحانه و تعاىل وهو تعاىل وراء الوراء‬
‫‪- 651 -‬‬

‫قال هللا تبارك و تعاىل حكاية عن اخلليل عليه السالم (أتعبدون ما تنحتون وهللا خلقكم‬
‫وما تعملون) ومنحوتنا كله خملوق احلق سبحانه و تعاىل سواء حنتناه ابيدينا او بعقولنا‬
‫واوهامنا ليس مبستحق للعبادة واملستحق للعبادة امنا هو االله املنزه عن الكيف واملثال‬
‫الذي يد ومهنا قاصرة عن الوصول اىل ذيل ادراكه وعيون كشفنا وشهودان متحرية وعاجزة‬
‫عن شهود عظمته وجالله تعاىل فاالميان مبثل هذا االله املنزه عن الكيف واملثال اليتيسر‬
‫إال بطريق الغيب فان االميان الشهودي ليس امياان به تعاىل بل هو اميان مبنحوت نفسه‬
‫الذي هو من خملوقاته تعاىل واشراك االميان بغريه ابالميان به تعاىل بل اميان بغريه تعاىل‬
‫فقط اعاذان هللا سبحانه من ذلك وامنا يتيسر االميان ابلغيب اذا مل يبق للوهم السريع السري‬
‫جمال فيه ومل ينتقش منه شئ يف املتخيلة وهذا املعن متحقق يف االقربية اليت هي خارجة‬
‫عن حيطة الوهم واخليال فان الشئ كلما يكون أبعد يكون جمال الوهم فيه أزيد واوسع و‬
‫يكون يف الدخول حتت سلطنة اخليال أقرب وأسرع وهذه الدولة خمصوصة ابالنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم واالميان ابلغيب نصيب هؤالء االكابر عليهم الصلوات و التسليمات‬
‫ابالصالة وقد يشرف به كل من أريد يف حقه ذلك بطريق التبعية هلم والوراثة منهم واالميان‬
‫الغيب الذي هو حاصل لعوام املؤمنني ليس خبارج عن حيطة الوهم فان وراء الوراء يف‬
‫حق العوام يف جانب البعد الذي فيه جمال للوهم ووراء الوراء عند هؤالء االكابر يف‬
‫جانب ال قرب الذي ال جمال فيه للوهم ومادامت الدنيا قائمة واحلياة الدنيوية موجودة ال‬
‫بد من االميان ابلغيب فان االميان ابملشهود معلول هنا واذا كانت النشأة االخروية‬
‫وانكسرت سورة الوهم واخليال يكون االميان الشهودي مقبوال ومربأ عن علة اجلعل‬
‫والنحت واظن أن حممدا رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ملا كان يف دار الدنيا مشرفا‬
‫بدولة الرؤية لو اثبتنا االميان الشهودي يف حقه هنا لكان حممودا ومنزها عن علة اجلعل‬
‫والنحت فان الذي هو موعود لغريه يف اآلخرة ميسر له صلّى هللا عليه و سلّم هنا ذلك‬
‫فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (ينبغي) أن يعلم أن كلمة النفي قد أمتها‬
‫اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم ومل يرتك اباب من ابواب الشرك غري مسدود أصال‬
‫‪- 652 -‬‬

‫وهلذا صار امام االنبياء واسبقهم قدما فان ظهور هناية الكمال يف النشأة الدنياوية منوط‬
‫ابمتام هذا النفي وظهور كماالت كلمة االثبات موقوف على نشأة اآلخرة غاية ما يف‬
‫الباب ان خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم ملا تشرف يف هذه النشأة بدولة‬
‫الرؤية وجد نصيبا وافرا من كماالت كلمة االثبات يف هذه النشأة أيضا حت ميكن ان‬
‫يقال ان كلمة االثبات قد متت ببعثته عليه الصالة و السالم مبقياس هذه النشأة وميكن‬
‫ان يكون اثبات التجلي الذايت يف حقه صلّى هللا عليه و سلّم يف هذه النشأة هلذا املعن‬
‫ووعد يف حق اآلخرين و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على‬
‫آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها‪.‬‬

‫{املكتوب العاشر اىل اخيه احلقيقي ميان حممد مودود يف بيان ان كل ظهور ال‬
‫يكون بدون شائبة الظلية خبالف ظهور ما فوق العرش وان القلب اذا انتهى اىل هنايته‬
‫يقتبس ملعة من أنوار العرش}‬
‫قال الشيخ أبو يزيد البسطامي لو ان العرش وما حواه يف زاوية من زوااي قلب‬
‫العارف ما أحس به يعين من وسعة قلبه وأيد الشيخ اجلنيد هذا القول واثبته بدليل وقال‬
‫ان احلادث اذا اقرتن ابلقدمي ال يبقى منه أثر يعين ان العرش وما فيه حادث فاذا اقرتن‬
‫ذلك احلادث بقلب العارف الذي هو حمل ظهور أنوار القدم يصري مضمحال ومتالشيا‬
‫فكيف يكون حمسوسا والعجب ألف عجب من صدور مثل هذا الكالم عن رؤساء‬
‫الصوفية سلطان العارفني وسيد الطائفة حيث ال جيعلون للعرش اجمليد اعتبارا يف جنب‬
‫قلب العارف اصال ويرون العرش حاداث خاليا من ظهور أنوار القدم ويسمون القلب قدميا‬
‫بواسطة ظهور أنوار القدم فيه فماذا أقول من غريهم وماذا اكتب وعند الفقري الذي هو‬
‫مريب اجلذابت االهلية هو ان قلب العارف اذا انتهى اىل هناية النهاية مبتقضى استعداده‬
‫اخلاص وحصل الكمال الذي ال يتصور شئ فوقه حيصل له حينئذ قابلية فيضان ملعة من‬
‫ملعات ظهور أنوار العرش اليت ال هناية هلا وتكون تلك اللمعة ابلنسبة اىل ملعات العرش‬
‫‪- 653 -‬‬

‫قطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط بل أقل والعرش هو الذي مساه هللا سبحانه عظيما وأثبت‬
‫فيه سر االستواء ويقال لقلب العارف بواسطة جامعيته على سبيل التمثيل والتشبيه عرش‬
‫هلل يعين كما ان العرش اجمليد برزخ بني عامل اخللق وعامل االمر يف العامل الكبري وجامع لكال‬
‫طريف اخللق واالمر كذلك القلب برزخ بني عامل اخللق وعامل االمر يف العامل الصغري وجامع‬
‫لكال طريف اخللق واالمر من ذلك العامل الصغري فيمكن ان يقال للقلب ايضا عرشا على‬
‫سبيل التمثيل (امسع امسع) ان قابلية ظهور أنوار القدم اليت هي منزهة ومربأة عن شائبة‬
‫الظلية خمصوصة ابلعرش اجمليد ليست تلك القابلية لشئ من عامل اخللق وال من عامل األمر‬
‫وال من العامل الكبري وال من العامل الصغري غري العرش اجمليد ويقتبس قلب العارف الكامل‬
‫من تلك االنوار بواسطة عالقة اجلامعية والربزخية ويغرتف غرفة من ذلك البحر وكل‬
‫ظهور بعد العرش وقلب العارف التام املعرفة متسم بسمة الظلية مل جيد رائحة من األصل‬
‫فان قال أبو يزيد كذلك من السكر فله ذلك ولكن صدوده من اجلنيد الذي هو مدع‬
‫للصحو ليس حبسن وماذا يصنعون فاهنم مل يتنبهوا حلقيقة املعاملة ومل خيرجوا من جلة حبر‬
‫الظلية اىل الساحل وهذا الكالم وان كان اليوم مستبعدا يف نظر أكثر اخللق ولكن الغد‬
‫قريب من اليوم فال يستعجلوا أتى أمر هللا فال تستعجلوا سبحانه و تعاىل عما يشركون و‬
‫السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات و على مجيع االنبياء واملرسلني و على املالئكة املقربني و على سائر عباد هللا‬
‫الصاحلني و على املؤمنني واملؤمنات أمجعني‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي عشر اىل املخدوم زاده معدن احلقائق واملعارف الالمتناهية‬
‫ومظهر الفيوضات االهلية جمدالدين اخلواجه حممد معصوم يف بيان بعض خصائص‬
‫ظهور ما فوق العرش ومعىن قوله تعاىل هللا نور السموات واالرض التأويلي وبعض‬
‫خواص كماالت االنسان وفضائل اجلزء االرضي منه وما يناسب ذلك}‬
‫حنمده و نصلي على عبده و على آله الكرام (اعلم) أن العامل الكبري مع وجود‬
‫‪- 654 -‬‬

‫الوسعة و التفصيل فيه ملا مل يكون فيه اهليئة الوحدانية ليست فيه قابلية ظهور البسيط‬
‫احلقيقي اجملرد عن النسب واالعتبارات املعرى عن تفاصيل الشئون والصفات واشرف‬
‫اجزاء العامل الكبري عرش الرمحن الذي هو حمل ظهور أنوار حضرة الذات املستجمعة‬
‫جلميع الصفات وما وراء العرش اجمليد من العامل الكبري ال ختلو الظهورات فيه عن شائبة‬
‫الظلية كائنا ما كان وهلذا خصص رب العاملني سر االستواء مما بني أجزاء العامل الكبري‬
‫ابلعرش اجمليد لكونه أفضل أجزاء ذلك العامل فان ظهور ظل من الظالل ليس هو ظهوره‬
‫تعاىل يف احلقيقة حت يعرب عنه بعبارة االستواء وأيضا ان الظهور الذي فيه دائمي من غري‬
‫ختلل االستتار وان كان نور السموات واالرض هو احلق سبحانه و تعاىل ولكن ذلك النور‬
‫مقرون حبجب الظالل ال ظهور له تعاىل فيها من غري توسط الظلية ومجيع تلك‬
‫الظهورات مقتبسة من أنوار الظهور العرشي ظهرت حمجبة حبجاب ظل من الظالل كماء‬
‫البحر احمليط حيمل بتوسط الظروف اىل اجلوانب واالطراف وكمشعل عظيم تشعل منه‬
‫املشاعل الصغار ويستضاء هبا اآلفاق واالكناف وكأن يف قوله تعاىل هللا نور السموات‬
‫واالرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح اآلية امياء اىل هذه املعارف فان التمثيل يف هذه‬
‫اآلية الكرمية امنا اختري لئال ينفهم ظهور ذلك النور من غري توسط ولئال يشبته االصل‬
‫ابلظل وليعلم ان نور الظل موقد مقتبس ومأخوذ من االصل يهدي هللا لنوره من يشاء‬
‫اآلية الكرمية حمم ولة على مراد هللا تعاىل وحنن اولنا بتأويل كشف لنا فنقول بعون هللا تعاىل‬
‫وحسن توفيقه سبحانه هللا نور السموات واالرض النور هو الذي تشرق به االشياء‬
‫وتستضئ والسموات واالرض امنا أشرقت به تعاىل فانه سبحانه اخرجها من ظلمات‬
‫العدم وجعلها متصفة ابلوجود وتوابعه ونورها ينبغي ان يتصور السموات واالرض اليت‬
‫أشرقت بذلك النور مثل املشكاة وان يعلم ذلك النور مبثابة املصباح الذي هو مودع يف‬
‫تلك املشكاة ودخول كاف التمثيل على املشكاة الشتماهلا على املصباح وينبغي ان‬
‫يالحظ الزجاجة حجب االمساء والصفات فان ذلك النور متلبس ابالمساء والصفات‬
‫وليس مبعري عن الشؤن واالعتبارات وزجاجة الصفات كأهنا كوكب دري من حسن‬
‫‪- 655 -‬‬

‫الوجوب ومجال القدم وذلك املصباح املودع يف تلك املشكاة موقد من شجرة مباركة‬
‫زيتونة وهي كناية عن الظهور اجلامع العرشي الذي االستواء رمز من ذلك الظهور فان‬
‫الظهورات اليت تتعلق ابلسموات واالرض مبثابة االجزاء لذلك الظهور اجلامع وحيث كان‬
‫ذلك الظهور اجلامع ال مكانيا وال جهتيا جاز ان يقال انه ال شرقي وال غريب يكاد زيتها‬
‫يضئ ولو مل متسه انر صفة مادحة لتلك الشجرة املباركة اليت هي ممثل هبا وبيان لصفاء‬
‫زيتها وتأللئه نور على نور يعين ان حجاب الزجاجة لصفائه واشراقه ازداد يف ذلك النور‬
‫و زاد يف حسنه ومجاله النه اجتمعت كماالت الصفات مع كمال الذات واقرتن حسن‬
‫الصفات جبمال الذات مع وجود تضاعف النور وكمال الظهور يهدي هللا لنوره من يشاء‬
‫بلر من مل جيعل هللا له نورا فما له من نور وهذا الظهور اجلامع الذي انتسب اىل العرش‬
‫منتهى املشاهدادت واملعاينات واملكاشفات وهناية التجليات والظهورات سواء كانت‬
‫جتليات ذاتية أو صفاتية وبعد ذلك تتقرر املعاملة على اجلهل كما سيأيت نبذة من بيان‬
‫ذلك ان شاء هللا تعاىل وهذا الظهور اجلامع وان كان مقروان ابلصفات ولكن الصفات‬
‫ليست يف هذا املوطن حجااب للذات وحجابية الصفات للذات خمصوصة ابلظهورات‬
‫الظلية اليت يف مرتبة العلم وظهور االصل يف مقام العني فالصفات حجاب للذات يف‬
‫العلم ال يف العني أال ترى ان زيدا اذا تعقلته يف مرتبة العلم يكون ظهوره يف العلم‬
‫ابلصفات كالطويل او القصري او العامل او اجلاهل او الصغري او الكبري او الشاعر او‬
‫الكاتب وكل تلك الصفات اليت تعقلها حجاب لذاته ومجيع تلك التقييدات الكلية ال‬
‫تكون مفيدة لتشخصه فاذا خرج زيد من العلم اىل العني وصار مشهودا مع وجود‬
‫الصفات وانتقلت املعاملة من الظلية وتقررت على االصالة فان الصور العلمية لزيد ظل‬
‫زيد املوجود يف اخلارج وهو أصله فحينئذ ال تكون الصفات حجااب لذاته و يكون‬
‫احملسوس شخصا مستجمعا جلميع الصفات وكذلك مفارقة الصفات حلضرة الذات‬
‫تعالت وتقدست امنا هي يف مراتب الظالل والتصورات املثالية واما اذا تيسر الوصول اىل‬
‫االصل ال توجد الصفات منفكة عن الذات وال يكون شهود الذات منفكا عن شهود‬
‫‪- 656 -‬‬

‫الصفات وجتلي الصفات الذي ميزوه عن جتلي الذات واثبتوا جتلي االفعال على حدة كل‬
‫ذلك يف مقامات الظالل وبعد الوصول اىل االصل ليس اال جتل واحد متضمن للتجليات‬
‫الثالثة مثال زيد الذي يكون مشهودا ال يكون شهود ذاته منفكا عن شهود صفاته بل‬
‫املشاهد له جيده حني شهوده عاملا فاضال فكما ان علمه وفضله ليسا حبجاب لرؤيته‬
‫كذلك ليسا مبنفكني عنه أيضا نعم اذا كان زيد متعقال ومدركا ابلصور الظلية تكون‬
‫صفاته منفكة عن ذاته وحجااب له كما مر أال ترى ان املرئي يف اآلخرة هو الذات‬
‫املستجمعة للصفات ال الذات املعراة عن االمساء والصفات فان ذلك جمرد االعتبار النه‬
‫ال جترد للذات عن الصفات أصال وليست الصفات منفكة عن الذات قطعا والتجرد امنا‬
‫يقال ابعتبار ان العارف الكامل اذا استوىل عليه التعلق ابلذات تعالت وتقدست تسقط‬
‫عن نظره مالحظة االمساء والصفات وال يبقى مشهوده غري احدية الذات أصال فتجرد‬
‫الذات عن الصفات امنا كان ابعتبار نظر العارف ال ابعتبار اخلارج ونفس االمر كما‬
‫سيجئ حتقيقه ان شاء هللا تعاىل (وأيضا) ان هذا الظهور اجلامع منتهى التصورات املثالية‬
‫والكمال الذي حيصل بعد ذلك ال ميكن كونه متصورا يف مرآة املثال فان التصور يف املثال‬
‫امنا يكون المر له مشاهبة ومناسبة مبا يف اخلارج وان كانت تلك املشاهبة يف االسم فقط‬
‫وأما االمر الذي ال مشاهبة له بشئ يف اخلارج بوجه من الوجوه فتصويره يف املثال حمال‬
‫والكماالت الفوقانية من هذا القبيل الهنا ال شئ يشاهبها بوجه من الوجوه حت ميكن‬
‫تصوي رها يف املثال ومن ههنا كان اجلهل من لوازم ذلك املوطن يف مجيع االوقات وصار‬
‫عدم االدراك فيه عالمة االدراك ويف هذه النشأة وان مل حيصل من ذلك املقام شئ غري‬
‫اجلهل وعدم الوجدان ولكن املرجو ان حيصل يف اآلخرة قوة وقلب ال يتالشى يف تشعشع‬
‫النور و يكون خبريا عن حقيقة املعاملة {شعر}‪:‬‬
‫أال أعطين قلبا ترى من جسارة ال * أسود وان الفييت قبل ثعلبا‬
‫(وال يوقعنك) بيان ظهور ما فوق العرش يف توهم ان احلق سبحانه و تعاىل مستقر‬
‫فوق العرش واثبت له تعاىل املكان واجلهة تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا وعما ال يليق‬
‫‪- 657 -‬‬

‫جبناب قدسه تعاىل فان ظهور صورة زيد يف املرآة ال يستلزم اسقرار زيد يف املرآة وان وقع‬
‫القاصرون يف التوهم وهلل املثل االعلى أال ترى ان املؤمنني يرون احلق تعاىل يف اآلخرة يف‬
‫اجلنة مع أن اجلنة وغريها سيان ابلنسبة اليه تعاىل والكل خملوقه تعاىل والتجلي الواقع يف‬
‫جبل الطور ليس فيه شائبة احلالية واحمللية غاية ما يف الباب أن بعض احملال فيه قابلية‬
‫الظهور وبعض آخر ليست فيه تلك القابلية أال ترى أن املرآة فيها قابلية لظهور الصور‬
‫وليست تلك القابلية لنعال الدواب مع ان كال منهما من احلديد فالتفاوت امنا هو يف‬
‫املظهر ال يف الظاهر ومجيع املظاهر قابلة او غري قابلة سواسية ابلنسبة اىل الظاهر وكذلك‬
‫االلفاظ اليت توهم الكلية واجلزئية ويفهم منها احلالية واحمللية مصروفة عن الظاهر ليست‬
‫بالئقة جبناب قدسه تعاىل وامنا يرتكب ايراد هذه االلفاظ من ضيق العبارة {شعر}‪:‬‬
‫اين قاعده ايد دار كاجناكه خداست * نه جزو نه كل و نه ظرف و نه مظروف‬
‫{ترمجة}‪:‬‬
‫تعاىل هللا عن جزء وكل * ومظروف وظرف أو حلول‬
‫وملا كان قلب االنسان عرش العامل الصغري ومشاهبا بعرش العامل الكبري وكان‬
‫التجلي هناك بدون شائبة الظلية كانت ملعة من ذلك التجلي بدون تلك الشائبة نصيب‬
‫ذلك القلب وان كان للسموات واالرض نصيب من ذلك التجلي ولكنه يف حجاب ظل‬
‫من الظالل خبالف القلب فانه مربأ عن شائبة الظلية مثل العرش وان كان الظهور متفاوات‬
‫ابعتبار الصغر والكرب {ع}‪:‬‬
‫ويبدو على قدر املرااي مجاله‬
‫فالتجلي بدون شائبة الظلية بعد العرش اجمليد نصيب قلب كمل االنسان وحاصل‬
‫غريهم الظلية (ينبغي) أن يعلم ان الظهور العرشي وان كان مربأ عن شائبة الظلية ولكن‬
‫الصفات ممتزجة هناك ابلذات تعالت وتقدست والشؤن واالعتبارات اثبتة يف الذات‬
‫والشئون والصفات وان مل تكن حجااب للذات يف تلك املرتبة ولكنها مشاركة يف املشاهدة‬
‫واالدراك ومسامهة يف احملبة والعالقة واسارى حمبة االحدية اجملردة تعالت وتقدست ال‬
‫‪- 658 -‬‬

‫يرضون بشركة أمر وحبكم اال هلل الدين اخلالص يطلبون الدين اخلالص (وعدم) شركة‬
‫الصفات على تفاوت الدرجات نصيب اهليئة الوحدانية االنسانية ونصيب هيئة وحدانية‬
‫قلب االنسان ونصيب اجلزء االرضي لالنسان وفوق كل ذلك هيئة وحدانية لالنسان‬
‫كائنة مبثابة جزئه االرضي وآخذة حكمه وابجلملة ان العمدة يف هذه املعاملة هي اجلزء‬
‫االرضي وبقية االمور يعين االجزاء كاحملسنات الزائدة ويف االنسان شيئان ليس شئ منهما‬
‫يف العرش وال نصيب منهما للعامل الكبري فيه جزء ارضي ليس هو يف العرش وفيه هيئة‬
‫وحدانية ليست هي يف العامل الكبري والشعور املتعلق ابهليئة الوحدانية فهو نور على نور‬
‫وخمصوص ابلعامل االصغر فاالنسان اعجوبة حصل لياقة اخلالفة وحتمل ثقل االمانة‬
‫(واستمع) ما يتلى عليك من اخلصائص الغريبة االنسانية أن معاملة االنسان تبلغ مرتبة‬
‫حتصل له قابلية مرآتية االحدية اجملردة ويصري مظهرا للذات االحد من غري اقرتان الصفات‬
‫والشؤانت واحلال أن حضرة الذات تعالت وتقدست مستجمعة جلميع الصفات‬
‫والشؤانت يف مجيع االوقات ال انفكاك بينهما اصال يف وقت من االوقات (وبيانه) ان‬
‫االنسان الكامل اذا ختلص من اسر ما سوى الذات االحدية تعالت وتقدست حيصل له‬
‫التعلق ابلذات االحد وال يكون شئ من الصفات والشؤن ملحوظا ومنظورا ومقصودا او‬
‫مطلواب له وحبكم املرء مع من احب حيصل له نوع من االتصال اجملهول الكيفية حبضرة‬
‫االحدية اجملردة وذلك التعلق الذي كان له ابلذات االحد يثبت له نسبة القرب اجملهولة‬
‫الكيفية ابلذا ت املنزهة عن الكيف فيكون االنسان الكامل يف ذلك الوقت مرآة للذات‬
‫االحد حبيث ال يكون شئ من الصفات والشؤانت مشهودا ومرئيا فيه بل تكون االحدية‬
‫اجملردة تعالت وتقدست ظاهرة ومتجلية فيه سبحان هللا العظيم ان الذات اليت مل يكن من‬
‫شأهنا االنفكاك عن الصفات اصال كانت ظاهرة ومتجلية يف مرآة مثل هذا االنسان‬
‫الكامل حبيثية التجرد وصار احلسن الذايت متميزا عن احلسن الصفايت ومل تتيسر هذه‬
‫املرآتية الحد غري االنسان الكامل ومل تكن حضرة الذات تعالت وتقدست متجلية يف‬
‫شئ غري االنسان الكامل بال اقرتان الصفات والشؤانت والعرش اجمليد امنا كان مظهر‬
‫‪- 659 -‬‬

‫احلضرة الذات املستجمعة جلميع الصفات يف العامل الكبري واالنسان الكامل صار مظهرا‬
‫للذات االحد اجملردة عن االعتبارات يف العامل الصغري وهذه املرآتية من أعجوابت االنسان‬
‫وهللا سبحانه املعطي ال مانع ملا اعطاه وال معطي ملا منعه و السالم على من اتبع اهلدى‬
‫والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله وأصحابه الصلوات و التسليمات العلى‪.‬‬

‫{ املكتوب الثاين عشر اىل أخيه احلقيقي امليان غالم حممد يف بيان ان امللك‬
‫وان كان مشاهدا لالصل وشهود االنسان يف مرآة االنفس ولكن جعلت تلك الدولة‬
‫فيه كاجلزء منه وترتب البقاء عليه وما يناسبه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (اعلم) ان املالئكة الكرام على نبينا‬
‫وعليهم الصالة و السالم مشاهدون لالصل ومتوجهون اليه ومتعلقون به وشائبة الظلية‬
‫مفقودة يف حقهم واالنسان املسكني العاجز قلما يضع قدمه يف خارج الظلية يف هذه‬
‫النشأة وحيصل شهودا دائميّا بدون وساطة مرااي اآلفاق واالنفس وبعد الوصول اىل االصل‬
‫يتجلي يف مرآة قلبه ملعة من تشعشع انوار االصل ويرجع اىل العامل وحيال فيه عليه تربية‬
‫الناقصني ويف هذا الرجوع تربية نفسه وتربية غريه فان تلك اللمعة اليت جعلت كاجلزء منه‬
‫جتعل اجزاءه اآلخر منصبغة بصبغها يف مدة رجوعه ومتلونة بلوهنا كما انه خيرج غريه من‬
‫مضيق النقص اىل فضاء الكمال ويدهلم من الغيب اىل الشهود فاذا متت مدة الدعوة‬
‫والرجوع وبلغ الكتاب اجله يظهر فيه شوق االصل ويقوم من ابطنه نداء الرفيق االعلى‬
‫ويتخلص من تعلقات شت وينقل محوله من الغيب اىل الشهادة وخترج معاملته من‬
‫املراسلة اىل املعانقة ويصدق هنا املوت جسر يوصل احلبيب اىل احلبيب (ينبغي) ان يعلم‬
‫ان امللك وان كان مشاهد االصل وشهود االنسان يف مرآة االنفس ولكن جعلت تلك‬
‫الدولة يف االنسان كاجلزء منه واعطي البقاء هبا وجعل متحققا هبا خبالف امللك فان تلك‬
‫الدول ة ما جعلت فيه كاجلزء منه بل هلم النظارة من اخلارج وليس هلم بقاء وحتقق هبا وليس‬
‫فيهم ذلك االنصباغ والتلون بلون االصل الذي تيسر لالنسان واالختصاص الذي حصل‬
‫‪- 660 -‬‬

‫للفرشيني ليس هو للقدسيني فان تفاوت ما بني الباطن واخلارج كثري وان كانت الدولة‬
‫الباطنية كاجلزء والدولة اخلارجية كالكل ولكن الباطن ابطن واخلارج خارج كالمنا أشارة‬
‫وبشارة وهلذا صارت خواص البشر أفضل من خواص املالئكة ومع مجيع ذلك حصل‬
‫استحقاق اخلالفة وهللا خيتص برمحته من يشاء وهللا ذالفضل العظيم {شعر}‪:‬‬
‫زمني زاده بر آمسان اتخته * زمني وزمانرا پس انداخته‬
‫{ترمجة}‪:‬‬
‫عال فوق السماء وليد أرض * وخلف خلفه زمنا وأرضا‬
‫وهذه الدولة امنا تيسرت لالنسان بواسطة جزئه االرضي والقلب الذي صار عرش‬
‫هللا امنا هو بدولة العنصر الرتايب الذي جامع للكل ومركز دائرة االمكان نعم امنا انلت‬
‫االرض كل هذا العلو والرفعة من الضعة وعدم الرتفع وجعلها التواضع عالية من تواضع هلل‬
‫سبحانه رفعه هللا فاذا رجع االنسان اىل االصل بعد متام مدة رجوعه ودعوته وبعد‬
‫انصباغه بصبغ االصل وصار متوجها اىل جناب القدس فاليقني ان االختصاص‬
‫واالنبساط الذي يتيسر له هناك ال يكون هو لغريه وقرب املنزلة الذي حيصل له فيه ليس‬
‫لغريه فانه صار واصال فانيا وحصل له البقاء ابالصل وصار منصبغا بصبغ االصل فاين‬
‫اجملال لغريه حت يدعون املساواة له فان انصباغ الغري وان كان العتبار التجرد والتنزه اكمل‬
‫وامت ولكنه انش من خارج فحكمه حكم عارضي وحيث كان انصباغ االنسان ابطنيا كان‬
‫حكمه حكم الذايت شتان ما بينهما وهذا الكمال خمصوص ابالنبياء صلوات هللا تعاىل‬
‫وتسليماته عليهم امجعني وهم املرادون خبواص البشر ومن يبشر هبذه الدولة العظمى‬
‫ابلوراثة والتبعية وكان حصول هذه الدولة يف اصحاب االنبياء عليهم الصالة و السالم‬
‫بربكة الصحبة اكثر وازيد ويشرف هبا غري االصحاب أيضا وان كان قليال بل أقل‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫واذا أتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا‬
‫ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا ذنوبنا انك على كل شئ قدير حبرمة سيد املرسلني عليه‬
‫‪- 661 -‬‬

‫وعليهم الصلوات والتحيات و التسليمات‪.‬‬

‫{ املكتوب الثالث عشر اىل املرزا مشس الدين يف جواب كتابه وبيان ان نصيب‬
‫علماء الظاهر ونصيب الصوفية العلية ونصيب العلماء الراسخني الذين هم ورثة‬
‫االنبياء ما هو وما يناسب ذلك}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم ان الصحيفة الشريفة الصادرة على‬
‫وجه الكرم قد بلغها اخي االعز الشيخ حممد طاهر فحصل بورودها الفرح والسرور وقد‬
‫اندرج فيها التماس النصائح بواسطة املكاتيب اىل زمن املالقاة (أيها املخدوم) املكرم ان‬
‫النصيحة هي الدين ومتابعة سيد املرسيلن عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن‬
‫التحيات أكملها ونصيب علماء الظاهر من الدين ومتابعة سيد املرسلني بعد تصحيح‬
‫العقائد هو علم الشرائع واالحكام والعمل مبقتضى ذلك العلم ونصيب الصوفية مع ما‬
‫هو للعلماء االحوال واملواجيد والعلوم واملعارف ونصيب العلماء الراسخني الذين هم ورثة‬
‫االنبياء عليهم الصالة و السالم مع ما هو لعلماء الظاهر ومع ما امتاز به الصوفية هو‬
‫االسرار والدقائق اليت جرى الرمز واالشارة اليها يف املتشاهبات القرآنية واندرجت فيها‬
‫على سبيل التأويل فهم الكاملون يف املتابعة واملتحققون ابلوراثة وهم شركاء يف دولة‬
‫االنبياء عليهم السالم اخلاصة هبم وحمارم املخدع اخلاص فال جرم تشرفوا بشرف علماء‬
‫أميت كأنبياء بين اسرائيل فعليكم مبتابعة سيد املرسلني وحبيب رب العاملني عليه و على‬
‫مجيع االنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني وأهل الطاعة أمجعني الصلوات والتحيات علما‬
‫وعمال ووجدا وحاال لتكون وسيلة اىل حصول الوراثة اليت هي هناية درجات السعادة‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع عشر اىل موالان امحد الربكي يف جواب استفساره ان صاحب‬
‫املنصب هل يكون صاحب علم ألبتة او ال وعن سبب عدم االطالع على االحوال}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫‪- 662 -‬‬

‫الصحيفتان متتابعتني وقد كتبت خرب املصيبة اان هلل واان اليه راجعون ليكرر االصحاب‬
‫واالحباب كلمة ال اله اال هللا سبعني الف مرة لروح املرحوم خواجه حممد صادق وسبعني‬
‫الف مرة لروح اخته املرحومة ام كلثوم وليهدوا ثواب كل منهما لروحانية كل منهما فان‬
‫الدعاء مأمول من االحباب والفاحتة مسئولة منهم (وكتبت) ايضا انه قد ذكر يف‬
‫املكتوابت ان صاحب املنصب صاحب علم (ايها املخدوم) ان قطب االقطاب صاحب‬
‫علم يعين مبنصبه واقطاب البقعات كاجزائه ويده ورجله يكون لبعضهم العلم مبداريته‬
‫ولبعضهم ال (وكتبت) أيضا ان الفناء يف هللا والبقاء ابهلل مل حيصال اىل اآلن ماذا نفعل‬
‫كنت انت يف الصحبة قليال ومل متكث مقدار ما نطلعك على حصول بعض أحوالك وأان‬
‫اآلن اشاهد من بالد اهلند فناءك وبقاءك وأحس هذين الكمالني املذكورين فيك وأنت‬
‫تنكر ذلك وبيننا مسافة بعيدة ومامل تتيسر املالقاة الصورية فاالطالع على االحوال‬
‫املكنونة متعسر وما تكلم به املشايخ يف الفناء والبقاء كله رمز واشارة فماذا جيد االنسان‬
‫من قبل نفسه وال يعطي احلق سبحانه الكل علما وأحواال بل يعطي الشخص علما‬
‫ابحواله وجيعله مقتدى به ويربط اجلمع به فيبلغهم مرتبة الكمال والتكميل {شعر}‪:‬‬
‫ليس على هللا مبستنكر * ان جيمع العامل يف واحد‬
‫ايليتين كنت امسكت الشيخ حسنا اايما أخر وأطلعته على بعض احوالكم مث‬
‫ارسلته اىل خدمتكم وجميئك مشكل فياحبذا لو جاء من أصحابك شخص رشيد قابل‬
‫فهي م واقام هنا اايما حت خنربه ابخبار ضرورية واملقصود هو حصول االحوال واالطالع‬
‫على االحوال هو امر آخر والباقي عند التالقي ان شاء هللا تعاىل الباقي و السالم‬
‫تسم َح نفسك‬
‫والنصيحة اليت ال بد منها هي ان جتتهد يف الدرس من غري فتور وان ال َ‬
‫برتكه فان امكنك إستغراق مجيع اوقاتك ابلدرس ال هتوسن يف الذكر والفكر فان ساعات‬
‫الليايل كافية للذكر وليشتغل الشيخ حسن ايضا ابلدرس والتعلم وال ترتكنه معطال وحيث‬
‫كانت تلك احلدود قليلة النصيب من العلم كان احياء العلوم الشرعية فيها ضروراي وماذا‬
‫أابلغ ازيد من ذلك ووصلت االوراق املندرج فيها بيان احوال اخلواجه ويس ونظرت يف‬
‫‪- 663 -‬‬

‫أكثر مواضعها فوجدهتا مبشرات فليكن راجيا من احلق سبحانه حت خترج من القوة اىل‬
‫الفعل و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس عشر اىل سادات بلدة سامانه وقضاهتا ومواليها وسائر‬
‫اهال يها يف ذم خطيب ترك ذكر اخللفاء الراشدين يف خطبة عيد االضحى وتقريعهم‬
‫على استماعها وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى الباعث على تصديع خدام ذوي‬
‫االحرتام السادات العظام والقضاة واالهايل واملوايل الكرام يف بلدة سامانه هو اان مسعنا ان‬
‫خطيب ذل ك املقام ترك ذكر اخللفاء الراشدين رضي هللا عنهم يف خطبة عيد االضحى ومل‬
‫يذكر أساميهم املتربكة ومسعنا أيضا انه ملا تعرض له مجاعة من احلاضرين مل يعرتف بسهوه‬
‫ومل يعتذر عن نسيانه وذنبه بل قابلهم ابلتمرد والعناد وقال أي شئ يلزم ان مل يذكر‬
‫اسامي اخللفاء الراشدين ومسعنا ايضا ان أكابر ذلك املقام واهاليه تساهلوا يف هذا الباب‬
‫ومل يقابلوا ذلك اخلطيب عدمي االنصاف واآلداب ابلشدة والغلظة {ع}‪:‬‬
‫فآها ألف انتهى دون مرة‬
‫وذكر اخللفاء الراشدين وان مل يكن من شرائط اخلطبة ولكنه من شعائر أهل السنة‬
‫واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم ال يرتكه عمدا ومتردا االّ من قلبه مريض وابطنه خبيث‬
‫(ولئن) فرضنا انه مل يرتك ابلتعصب والعناد فماذا يقول يف جواب وعيد من تشبه بقوم‬
‫فهو منهم وكيف يتخلص من مظان التهم وقد ورد اتقوا مواضع التهم فان كان متوقفا يف‬
‫تقدمي الشيخني وتفضيلهما فهو رافض لطريق اهل السنة واجلماعة وان كان مرتددا يف حمبة‬
‫اخلتنني فهو أيضا خارج من زمرة اهل احلق وال يبعد ان أيخذ ذلك اخلطيب الذي ال‬
‫حقيقة له املنسوب اىل كشمرية هذا اخلبث من مبتدعي كشمري فينبغي تعليمه وتفهيمه ان‬
‫افضلية الشيخني اثبتة ابمجاع الصحابة والتابعني كما نقله مجاعة من اكابر أئمة الدين‬
‫واحد منهم االمام الشافعي رضي هللا عنه قال الشيخ االمام ابو احلسن االشعري ان‬
‫‪- 664 -‬‬

‫تفضيل ايب بكر مث عمر على بقية االمة قطعي وقد تواتر عن علي رضي هللا عنه يف‬
‫خالفته وكرسي مملكته وبني اجلم الغفري من شيعته ان ااب بكر وعمر افضل االمة قال‬
‫الذهيب مث قال رواه عن علي رضي هللا عنه نيف ومثانون نفسا وعد منهم مجاعة مث قال‬
‫فقبح هللا الرافضة ما اجهلهم وروى البخاري الذي كتابه اصح الكتب بعد كتاب هللا‬
‫تعاىل عن علي رضي هللا عنه انه قال خري الناس بعد النيب عليه الصالة و السالم ابو بكر‬
‫مث عمر مث رجل آخر فقال ابنه حممد ابن احلنفية مث انت فقال امنا أان رجل من املسلمني‬
‫وأمثال ذلك عنه وعن غريه من أكابر الصحابة والتابعني كثرية شهرية ال ينكرها اال جاهل‬
‫او معاند وينبغي ان يقول لذلك املنخلع عن لباس االنصاف إننا مؤمورون مبحبة مجيع‬
‫اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وممنوعون عن بغضهم وايذائهم وحضرات‬
‫اخلتنني من اكابر الصحابة ومن اقاربه عليه الصالة و السالم فيكوانن احق ابحملبة واملودة‬
‫قال هللا تعاىل قل ال اسئلكم عليه أجرا اال املودة يف القرىب وقال النيب عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم هللا هللا يف اصحايب ال تتخذوهم غرضا من بعدي فمن احبهم فبحيب‬
‫احبهم ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم ومن آذاهم فقد آذاين ومن آذاين فقد آذى هللا‬
‫ومن آذى هللا فيوشك ان يؤخذ ومثل هذا الزهر الكريه الرائحة مل يعلم تفتقه يف بالد اهلند‬
‫من ابتداء االسالم اىل هذا الوقت ويكاد يتهم مجيع اهل البلد من هذه املعاملة بل يكاد‬
‫يرتفع ا العتماد من مجيع بالد اهلند وسلطان الوقت نصره هللا على مجيع اعداء االسالم‬
‫من اهل السنة وحنفي املذهب وابتداع مثل هذا االمر يف زمانه هناية اجلرأة بل هو منازعته‬
‫يف احلقيقة وخروج من طاعة اويل األمر والعجب من سكوت املخادمي العظام الكائنني يف‬
‫ذلك املقام يف هذه الواقعة ومساهلتهم مع صدور مجيع املذكورات قال هللا تبارك و تعاىل‬
‫يف ذم اهل الكتاب لوال ينهاهم الرابنيون واالحبار عن قوهلم االمث واكلهم السحت لبئس‬
‫ما كانوا يصنعون وقال تعاىل ايضا كانوا ال يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون‬
‫واختيار التغافل يف مثل هذه الواقعة موجب جلسارة املبتدعني وتوهني للدين ومن مثل‬
‫هذه املساهالت تدعو اجلماعة املهدوية مأل اهل احلق هناك اىل ابطلهم وخيتطفون امثال‬
‫‪- 665 -‬‬

‫الذائ ب واحدا واثنني يف مدة قليلة من ايدي الثعالب وماذا اكتب ازيد من ذلك وحيث‬
‫كان استماع هذا اخلرب املوحش ابعثا على االضطراب و حمركا لعرقي الفاروقي صرت‬
‫مضطرا اىل االقدام على حترير كلمات واملرجو مساحمتكم وعذركم و السالم عليكم و على‬
‫سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و التسليمات‬
‫والتحيات والربكات‪.‬‬

‫{ املكتوب السادس عشر اىل الشيخ بديع الدين السهارنفوري يف جواب‬


‫استفساراته ويف بيان عجائب احوال الربزخ الصغري وغرائبها وفضيلة املوت‬
‫ابلطاعون}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد وصلت الصحيفة الشريفة وقد‬
‫اندرج فيها انه قد ظهرت يف هذه احلدود حوادث قوية االوىل الطاعون والثانية القحط‬
‫اعاذان هللا سبحانه وأايكم عن البليات وحررت ايضا انه مع وجود هذه الفنت يصرف‬
‫الليل والنهار يف العبادة واملراقبة والباطن معمور هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك‬
‫(وجواب) االسئلة املندرجة فيها يقرأ يف السنن يف أكثر االوقات قل اي أيها الكافرون وقل‬
‫هو هللا أحد واملعوذاتن والكفن املسنون للرجال ثالثة أثواب والعمامة زائدة فنقتصر على‬
‫املسنون وال نكتب اجلواب انمه الحتمال التلوث ابلقاذروات ومل يثبت بسند صحيح‬
‫وعمل علماء ما وراء النهر على ذلك فان جعل القميص املتربك بدل قميص الكفن جاز‬
‫واكفان الشهداء هي اثواهبم ووصى الصديق االكرب رضي هللا عنه بتكفينه يف ثوبه حيث‬
‫قال كفنوين يف ثويب هذين وملا كان الربزخ الصغري من مواطن الدنيا من وجه جاز ان‬
‫يكون فيه جمال للرتقي وأحوال هذا املوطن فيها تفاوت فاحش ابلنظر اىل اشخاص‬
‫متفاوتة ولعلك مسعت ان االنبياء يصلون يف القبور وملا مر نبينا عليه الصالة و السالم‬
‫‪- 666 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫يصلي يف قربه وملا رقي اىل السماء يف تلك‬ ‫بقرب موسى عليه االسالم ليلة املعراج رآه‬
‫اللحظة وجد الكليم هناك ويف معاملة هذا املوطن عجائب وغرائب وحيث اننا نكثر‬
‫النظر يف هذه االايم اىل ذلك املوطن من اجل املرحوم ولدي االعظم تظهر فيه اسرار‬
‫غريبة حبيث ان ذكرت نبذة منها تكون ابعثة على الفنت وسقف اجلنة وان كان عرشا‬
‫جميدا ولكن القرب ايضا روضة من رايض اجلنة وان كان العقل القاصر عاجزا عن تصويره‬
‫والناظر اىل تلك االعجوابت هو عني أخرى وجمرد االميان وان كان منجيا بعد اللتيا و‬
‫الت ولكن رفع الكلمة الطيبة مربوط ابلعمل الصاحل والفرار من املوت كبرية كالفرار يوم‬
‫الزحف ومن ثبت يف ارض الوابء صربا ومات فهو من الشهداء ومأمون من فتنة القرب‬
‫والذي صرب ومل ميت فهو من الغزاة {شعر}‪:‬‬
‫فان قال يل مت مت مسعا وطاعة * وقلت لداعي املوت أهال ومرحبا‬
‫وقد اعجزين البلغم والسعال منذ اايم وبلغ ضعف البدن هنايته فاقتصران على‬
‫االجوبة ابلضرورة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع عشر اىل املرزا حسان الدين امحد يف بيان ان مصيبات هذا‬
‫العامل وان كانت يف الظاهر جراحات ولكنها مراهم يف احلقيقة وابعثة لرتقيات كثرية‬
‫ويف فضيلة موت الطاعون وما يناسب ذلك}‬
‫وبعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم ان الصحيفة الشريفة املرسلة مع‬
‫الشيخ مصطفى يف ابب التعزية واملصيبات قد تشرفت مبالحظة مضموهنا اان هلل واان اليه‬
‫راجعون وهذه املصيبات جراحات يف الظاهر ولكنها مراهم يف احلقيقة وموجبة للرتقيات‬
‫والثمرات والنتائج املرتبة عليها بعناية هللا تعاىل عشر عشري تلك الثمرات املتوقعة املأمولة‬
‫بعناية هللا تعاىل يف اآلخرة فوجود االوالد عني الرمحة حيث ان يف حياهتم منافع وفوائد ويف‬

‫(‪ )1‬أخرج ابن مردوية عن ايب سعيد اخلدري قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ملا اسري يب مررت مبوسى وهو‬
‫قائم يصلي يف قربه منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 667 -‬‬

‫مماهتم ايضا ترتب الثمرات والنتائج ذكر االمام االجل[‪ ]1‬حميي السنة يف حلية االبرار انه‬
‫وقع الطاعون يف زمن عبد هللا بن الزبري رضي هللا عنهما ثالثة أايم ومات يف ذلك‬
‫الطاعون ثالثة ومثانون ابنا النس رضي هللا عنه خادم نبينا عليه و على آله الصلوات و‬
‫التسليمات وقد دعا له النيب صلّى هللا عليه و سلّم ابلربكة ومات اربعون إبنا لعبد الرمحن‬
‫ابن ايب بكر رضي هللا عنهم فاذا عومل ابصحاب خري االانم عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم هذه املعاملة فاي حساب المثالنا العاصني وقد ورد يف اخلرب ان الطاعون كان‬
‫عذااب لالمم السابقة وهو شهادة هلذه االمة واحلق ان الذين ميوتون يف هذا الوابء يذهبون‬
‫حاضرين متوجهني على وجه يقضي منه العجب حت يتمن االنسان اللحاق يف هذه‬
‫االايم هبؤالء اجلماعة ارابب البالء ونقل احلمول من الدنيا اىل اآلخرة وهذا البالء يف هذه‬
‫االمة غضب يف الظاهر رمحة يف الباطن وقال الشيخ طاهر رأيت شخصا يف الهور يف‬
‫أايم الطاعون يقول من مل ميت يف هذه االايم فهو متحسر نعم اذا اجيل النظر يف احوال‬
‫هؤالء املاضني تشاهد احوال غريبة ومعامالت عجيبة ال ميتاز هبذه اخلصائص غري‬
‫الشهداء يف سبيل هللا يعين ال يناهلا غريهم (أيها) املخدوم ان مفارقة ولدي االعز قدس‬
‫سره من أعظم املصائب ال يعلم كون شخص مصااب مبثل هذه املصيبة وأما الصرب والشكر‬
‫اللذان رزقهما هللا سبحانه هلذا الضعيف يف هذه املصيبة فمن اجل احسانه وأعظم انعامه‬
‫سبحانه و تعاىل واسأل هللا سبحانه أن يؤخر جزاء هذه املصيبة اىل اآلخرة وأن يكون‬
‫معدا هلا وأن ال يظهر شئ منه يف الدنيا وان كنت أعلم ان هذه املسألة من ضيق الصدر‬
‫واال فهو تعاىل واسع الرمحة فللّه اآلخرة واالوىل املسئول من االخوان االمداد واالعانة‬
‫ودعاء سالمة اخلامتة والعفو عن الزالت الالزمة للبشرية والتجاوز عن التقصريات الناشئة‬
‫من البشرية ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وانصران على القوم الكافرين و السالم‬
‫عليكم و على سائر من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫(‪ )1‬يعين النووي يف االذكار وان كان املشهور ان يقال له حميي الدين ولكن وجد يف نسخ املكتوابت هكذا وهو‬
‫صحيح حبسب املعين منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 668 -‬‬

‫{املكتوب الثامن عشر اىل الشيخ مجال الدين الناكوري يف بيان نصيب علماء‬
‫الظاهر ونصيب العلماء الراسخني ونصيب الصوفية وجواب التماسه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى العلماء ورثة االنبياء كاف يف مدحة‬
‫العلماء وعلم الوراثة هو علم الشريعة فانه هو الذي بقى من االنبياء عليهم الصلوات و‬
‫التسليمات ولعلم الشريعة صورة وحقيقة وصورته هي نصيب علماء الظاهر شكر هللا‬
‫تعاىل سعيهم وهي اليت تتعلق مبحكمات الكتاب والسنة وحقيقته هي نصيب العلماء‬
‫الراسخني رضي هللا تعاىل عنهم وهي اليت تتعلق مبتشاهبات الكتاب والسنة واحملكمات‬
‫وان كن أم الكتاب ولكن مثراته ونتائجه املتشاهبات اليت هن مقاصد الكتاب وليست‬
‫االمهات سوى ان تكن وسائل حلصول النتائج فكان لب الكتاب املتشاهبات و‬
‫احملكمات قشر ذلك اللب واملتشاهبات هي اليت تبني االصل ابلرمز واالشارة وتكشف‬
‫عن وجه حقيقة تلك املعاملة والعلماء الراسخون مجعوا بني القشر واللب وحازوا جمموع‬
‫صورة الشريعة وحقيقتها والكرباء تصوروا الشريعة كشخص يكون قشره ولبه من صورة‬
‫الشريعة وحقيقتها ووجدوا علم احكام الشرائع صورة الشريعة وعلم احلقائق واالسرار‬
‫حقيقة الشريعة وصارت طائفة مفتونة بصورة الشريعة وانكروا حقيقتها ومل يعرفوا النفسهم‬
‫شيخا ومقتدى به غري اهلداية والپزدوي وطائفة أخرى وان حصلت هلم عالقة بتلك‬
‫احلقيقة ولكنهم ملا مل يعرفوها حقيقة الشريعة بل زعموا الشريعة مقصورة على الصورة‬
‫وظنوها قشرا فقط وتصوروا اللب وراءها فال جرم مل يدركوا حقيقة تلك احلقيقة ومل ينالوا‬
‫نصيبا من املتشاهبات والعلماء الراسخون هم الوارثون يف احلقيقة جعلنا هللا سبحانه‬
‫واايكم من حمبيهم ومقتفي آاثرهم (مث ان أخي) الشيخ ميان نور حممد اظهر من جانبكم‬
‫ابنكم قلتم ان لنا اجازات من مشائخ السالسل اآلخر ونريد من جانب النقشبندية أيضا‬
‫اجازة (أيها املخدوم) املكرم ان املشيخة واملريدية يف الطريقة النقشبندية العلية بتعليم‬
‫الطريقة وتعلمها ال ابلكاله والشجرة كما هو متعارف يف سالسل أخر وطريق هؤالء‬
‫‪- 669 -‬‬

‫االكابر صحبة وتربيتهم انعكاسية فال جرم اندرجت يف بدايتهم هناية اآلخرين وصار‬
‫طريقهم أقرب الطرق ونظرهم شفاء االمراض القلبية وتوجههم دافع العلل املعنوية‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫ما أحسن النقشبنديني سريهتم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم‬
‫واملرجو مساحمتكم {ع}‪:‬‬
‫والعذر عند كرام الناس مقبول * و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع عشر اىل املري حمب هللا يف التحريض على اتباع السنة‬
‫السنية والتحذير من ارتكاب البدعة الغري املرضية وما يناسب ذلك}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم أخي االعز السيد حمب هللا ان احوال‬
‫فقراء هذه احلدود واوضاعهم مستوجبة للحمد واملسئول من هللا سبحانه سالمتكم‬
‫وثباتكم واستقامتكم ومل يطلع يف هذه املدة على احوال فقراء تلك احلدود فان بعد‬
‫املسافة من املوانع النصيحة هي الدين ومتابعة سيد املرسلني عليه وعليهم الصالة و‬
‫ال سالم واتيان السنة السنية واالجتناب عن البدعة الغري املرضية وان كانت البدعة ترى‬
‫مثل فلق الصبح لكنها ال نور هلا يف احلقيقة وال ضياء وال للعليل منها شفاء وال للداء‬
‫منها دواء كيف والبدعة اما رافعة للسنة او ساكتة عنها والساكتة ال بد وأن تكون زائدة‬
‫على السنة فتكون انسخة هلا يف احلقيقة أيضا الن الزايدة على النص نسخ له فالبدعة‬
‫كيف كانت تكون رافعة للسنة نقيضة هلا فال خري فيها وال حسن فيا ليت شعري من‬
‫اين حكموا حبسن البدعة احملدثة يف الدين الكامل واالسالم املرضي بعد إمتام النعمة او مل‬
‫يعلموا ان االحداث بعد االكمال واالمتام وحصول الرضاء مبعزل عن احلسن فماذا بعد‬
‫احلق اال الضالل ولو علموا ان احلكم حبسن احملدث يف الدين الكامل مستلزم لعدم كماله‬
‫ومنبئ عن عدم متام النعمة ملا اجرتأوا عليه ربنا ال تؤاخذان ان نسينا أو اخطأان و السالم‬
‫عليكم و على من لديكم‪.‬‬
‫‪- 670 -‬‬

‫{املكتوب العشرون اىل موالان حممد طاهر البدخشي يف فضائل الصالة‬


‫والتحريض على تعديل االركان وتكميل الشرائط واآلداب كما ينبغي وما يناسب‬
‫ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصل املكتوب الشريف املرسل من‬
‫نواحي جونفور وحيث كان متضمنا خلرب الضعف صار ابعثا على االضطراب والتشويش‬
‫فنحن اآلن مرتصدون خلرب الصحة فارسلوه مع الواردين واكتبوا كيفيات االحوال (أيها‬
‫احملب) ان هذه الدار ملا كانت دار العمل ودار اجلزاء هي دار اآلخرة ينبغي السعي يف‬
‫اتيان االعمال الصاحلة وأفضل االعمال وأحسن العبادات هي اقامة الصالة اليت هي‬
‫عماد ال دين ومعراج املؤمنني فينبغي رعاية جانب االهتمام التام يف ادائها واالحتياط فيها‬
‫حت يؤدي كل واحد من اركاهنا وشرائطها وسننها وآداهبا كما ينبغي ويليق وينبغي املبالغة‬
‫مكررة يف رعاية الطمأنينة وتعديل االركان واحملافظة عليها حمافظة كاملة فان اكثر الناس‬
‫قد أضاعوا الصالة بتضييع الطمأنينة وتعديل االركان وورد يف حق هؤالء اجلماعة وعيد‬
‫كثري وهتديد شديد فاذا صحت الصالة وكملت فقد تيسر رجاء عظيم الجل النجاة الن‬
‫الدين كان قائما حينئذ وبلغ معراج العروج على التمام {شعر}‪:‬‬
‫وعليكم ابلسكر اي أهل صفرا * على رغم ذوي السوداء‬
‫و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على‬
‫آله الصلوات و التسليمات العلى‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والعشرون اىل الشيخ حممد صديق امللقب ابهلداية يف بيان‬
‫ان املراد ابلقلب الواقع يف احلديث القدسي ال يسعين ارضي اخل هو املضغة ال‬
‫احلقيقة اجلامعة اليت اخرب بعض املشائخ عن وسعتها وما يتعلق بذلك}‬
‫‪- 671 -‬‬

‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد كتبت‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫ابنك ذكرت يف مكتوابتك ورسائلك ابن الظهور القليب ملعة من الظهور العرشي والفضل‬
‫الكلي امنا هو للظهور العرشي وقد ورد يف احلديث القدسي ال يسعين ارضي وال مسائي‬
‫ولكن ي سعين قلب عبدي املؤمن ويلزم من هذا احلديث ان يكون الظهور القليب امت وان‬
‫يكون الفضل له (أيها احملب) ان حل هذا السؤال مبين على مقدمة اعلم ان ارابب‬
‫الوالية يقولون قلبا ويريدون به احلقيقة اجلامعة االنسانية اليت هي من عامل االمر والقلب يف‬
‫لسان النبوة على صاحبها الصالة و السالم والتحية عبارة عن املضغة اليت صالح البدن‬
‫مربوط بصالحها وفساد البدن منوط بفسادها كما ورد يف احلديث النبوي عليه و على‬
‫آله الصلوات و التسليمات ان يف جسد ابن آدم ملضغة اذا صلحت صلح اجلسد كله‬
‫واذا فسدت فسد اجلسد كله اال وهي القلب ووسعة القلب الزم الطالق االول ومن‬
‫ههنا أخرب أبو يزيد واجلنيد عن وسعة القلب وظنوا العرش وما فيه حمقرا يف جنب عظمة‬
‫القلب وضيق القلب الزم الطالق الثاين وضيق القلب يف هذا املقام على هنج ال جمال‬
‫فيه للجزء الذي ال يتجزى الذي هو أحقر االشياء وأصغرها واذا نسب ضيق القلب يف‬
‫بعض االوقات اىل اجلزء الذي ال يتجزى وقيس عليه يظهر ذلك اجلزء احملقر يف النظر‬
‫مثل طبقات السموات واالرض وهذه املعاملة وراء طور نظر العقل فال تكن من املمرتين‬
‫هذا (فاذا علمت) هذه املقدمة فاعلم ان الظهور الذي هو مربوط ابحلقيقة اجلامعة ال‬
‫شك انه ملعة ابلنسبة اىل الظهور العرشي التام والفضل الكلي يف هذا املقام للعرش وما‬
‫قال الشيخ أبو يزيد والشيخ جنيد من أن القلب اوسع من الكل وختيال العرش وما فيه‬
‫شيئا حمقرا يف جنبه فهو من قبيل اشتباه الشئ أبمنوذج الشئ حيث اهنما ملا رأاي‬
‫امنوذجات العرش وما ف يه حمقرا يف جنب جامعية القلب حكموا على حقائق العرش وما‬
‫فيه وقد كتب هذا الفقري منشأ هذا االشتباه يف كتبه ورسائله مكررا وما ورد يف احلديث‬
‫القدسي موافق للسان االنبياء عليهم الصالة و السالم واملراد به هو املضغة وال شك ان‬
‫الظهور االمت هو هنا ومرآتية احدية الذات اجملردة مسلمة له والعرش وان كان له من‬
‫‪- 672 -‬‬

‫الظهور التام الذي هو ظهور االصل نصيب وافر ولكن يف ذلك املوطن امتزاج الصفات‬
‫وحيث كانت الصفات ظالل حضرة الذات يف احلقيقة ال يكون ذلك الظهور خاليا عن‬
‫شائبة الظلية ومن ههنا للعرش توقعات من الظهور االنساين الذي يتعلق ابالصل الصرف‬
‫ومركز هذه املعاملة هو االنسان (فان قيل) املفهوم من احلديث وسعة القلب وأنت تقول‬
‫انه ضيق جدا (أجيب) ان كونه ضيقا امنا هو ابعتبار عدم اتساعه ملا سوى احلق سبحانه‬
‫ووسعته ابعتبار ظهور انوار القدم فيه فال منافاة وهذا الفقري عرب عن ذلك القلب يف‬
‫بعض رسائله هبذه العبارة الضيق االوسع البسيط االبسط واالقل االكثر (فان قيل) ان‬
‫املستحق للفضيلة هو احلقيقة اجلامعة لكوهنا من عامل االمر واملضغة من عامل اخللق ومركب‬
‫من العناصر فمن أين انل هذه الفضيلة (اجيب) ان لعامل اخللق مزية على عامل االمر‬
‫يقصر عن ادراكها افهام العوام بل ال يدركها أكثر اخلواص وهذا الفقري قد أوضح هذا‬
‫املعن يف املكتوب الذي حرر لولدي االعظم املرحوم يف بيان الطريق فان بقي تردد‬
‫فليطلب التشفي من هناك (واستمع) اآلن بيان حقيقة هذه املضغة واعلم اهنا للعوام‬
‫مضغة حاصلة من تركب العناصر االربعة وللخواص بل الخص اخلواص مضغة مصورة‬
‫من تركب االجزاء العشرة بعد السلوك واجلذبة وبعد التصفية والتزكية وبعد متكني القلب‬
‫واطمئنان النفس بل مبحض فضل احلق سبحانه وكرمه جل سلطانه أربعة أجزاء من‬
‫العناصر وواحد من النفس املطمئنة ومخسة أجزاء من عامل االمر ومع وجود التضاد‬
‫والتباين بني تلك االجزاء زالت صورة التضاد والتباين من بينها بقدرة واجب الوجود تعاىل‬
‫وتقدس واجتمعت وحصلت من اجتماعها هيئة وحدانية اعجوبة واجلزء االعظم يف هذه‬
‫املعاملة هو العنصر الرتايب وهذه اهليئة الوحدانية ايضا تشاهبت اجلزء االرضي واستقرت يف‬
‫الرتاب {شعر}‪:‬‬
‫و كن أرضا لينبت فيك ورد * فان الورد منبته الرتاب‬
‫(أيها االخ) ان يد أرابب الوالية ال تصل اىل هذه العلوم واملعارف فاهنا مقتبسة‬
‫من مشكاة أنوار النبوة على صاحبها الصالة و السالم والتحية ذلك فضل هللا يؤتيه من‬
‫‪- 673 -‬‬

‫صالة و السالم‬
‫يشاء وهللا ذو الفضل العظيم والقلب الذي سأل اخلليل على نبينا وعليه ال ّ‬
‫اطمئنانه هي هذه املضغة وان حقيقته اجلامعة كانت متمكنة ونفسه مطمئنة ان التمكني‬
‫واالطمئنان حيصالن يف مرتبة الوالية اليت هي مدرجة النبوة على أرابهبا الصالة و السالم‬
‫والتحية واملناسب لشأن النبوة هو تقلب املضغة واضطراهبا ال تقلب احلقيقة اجلامعة فانه‬
‫نصيب العوام واملراد بثبات القلب الذي طلبه خامت الرسالة عليه الصالة و السالم حيث‬
‫قال اللهم[‪ ]1‬اي مقلب القلوب ثبت قليب على طاعتك هو ثبات هذه املضغة وجيوز ان‬
‫يراد ابلقلب الوارد يف بعض االحاديث يف ابب تقلب القلب معن شامل للحقيقة اجلامعة‬
‫واملضغة نظرا اىل أحوال االمة (فان قيل) ان هذه املضغة اذا تشرفت بشرف يسعين قلب‬
‫عبدي املؤمن واستحقت مرآتية حضرة الذات تعالت وتقدست كيف يتصور فيها التقلب‬
‫واالضطراب الي شيئ حتتاج اىل االطمئنان (أجيب) ان الظهور كلما كان أمت وختلص‬
‫عن شائبة الشئون والصفات يكون اجلهل واحلرية أكثر وعدم االدراك والوجدان أزيد وأوفر‬
‫ومع وجود هذا الظهور ومع هذه الوسعة كثريا ما يطلب الدليل على وجود الصانع من‬
‫كمال اجلهل واحلرية حبيث ال حيصل اليقني بوجود الصانع بدون االستدالل والتقليد‬
‫كالعوام فيكون التقلب واالضطراب مناسبا حلاهلا وطلب االطمئنان ضروراي يف شأهنا‬
‫وهذا الفقري قد كتب يف بعض رسائله ان العارف صاحب اليقني حيتاج اىل االستدالل‬
‫بعد الرجوع وقد علم يف هذا املقام انه حيتاج اىل الدليل يف عني احلصول والوصول وهذا‬
‫املقام موافق حلال كماالت مرتبة النبوة على صاحبها الصالة و السالم والتحية وذلك‬
‫املقام مناسب حلال ا لوالية فاذا وقع لصاحب هذا القلب رجوع اىل العامل للدعوة يكون‬
‫قلق قلبه واضطرابه وتقلبه وتلونه أزيد واكثر فاذا كان يف عني الوصول حمتاجا اىل الدليل‬
‫بواسطة اجلهل واحلرية يكون يف زمان الفرقة حمتاجا اىل االستدالل ابالوىل ليحصل‬
‫بواسطة االستدالل اطمئناان يف اجلملة او نقول انه ملا اختفت عنه الدولة أايما واتسم‬
‫بسمة فرقتها حق له أن يكون قلقا ومضطراب دائما وان يكون مغموما وحمزوان على الدوام‬

‫(‪ )1‬اخرج الرتمذي وابن ماجه عن انس بلفظ اي مقلب القلوب ثبت قليب على دينك عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 674 -‬‬

‫كان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم متواصل احلزن دائم الفكر ولنبني بعض الوجوه‬
‫الفارقة بني هذين االطالقني ينبغي استماعه بسمع العقل (اعلم) ان احلقيقة اجلامعة اليت‬
‫هي من عامل االمر يتيسر هلا بعد التزكية والتصفية متكني اتم بوصف الدوام خبالف املضغة‬
‫فان اطميناهنا مربوط ابدراك احلواس وما مل تدرك الشئ ابحلواس ال خترج من القلق ولذا‬
‫قال اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم رب ارين كيف حتيي املويت والفارق الثاين هو‬
‫ان احلقيقة اجلامعة تتأثر ابلذكر واذا بلغ الذكر كماله تتحد ابلذكر وتتجوهر به قال‬
‫صاحب العوارف قدس سره هلذا املقام املقصد االسنىي وعرب عنه بذكر الذات تعالت‬
‫خبالف املضغة فانه ال سبيل اليها للذكر فاين التأثر وأين التجوهر بعد بل فيها ظهور‬
‫املذكور ابالصالة ال ابلظلية وهناية عروج الذكر اىل دهليز املذكور (والفرق) الثالث ان‬
‫احلقيقة اجلامعة اذا بلغت هناية النهاية وانلت من الوالية اخلاصة نصيبا وافرا فان حصلت‬
‫حينئذ مرآتية للمطلوب يكون الظاهر فيها ظل املطلوب ال عينه كاملرآة الظاهرة فان‬
‫الظاهر فيها شبح الشخص ال عينه خبالف املضغة فان الظاهر فيها عني املطلوب ال ظله‬
‫على خالف املرآة الظاهرة وهلذا قال يسعين قلب عبدي املؤمن وهذه املعاملة وراء طور‬
‫نظر الفكر واايك وختيل احللول والتمكن هنا فانه كفر و زندقة وان مل يصدق عقل املعاش‬
‫ابن عني شئ يظهر يف شيئ وال يكون له فيه حلول وال متكن وهذا من قصور العقل‬
‫وقياس الغائب على الشاهد فال تكن من القاصرين (والفرق) الرابع ان احلقيقة اجلامعة من‬
‫عامل االمر واملضغة من عامل اخللق بل كل من عامل اخلق واالمر جزئيها اخللق جزؤها‬
‫االعظم واالمر جزؤها االصغر ومن اجتماع هذين اجلزئني حصلت هلا هيئة وحدانية‬
‫وصارت اعجوبة الدهر وهذه االعجوبة وان كانت مغايرة لعامل اخلق واالمر وليس هلا‬
‫تناسب وتشابه بواحد منهما بواسطة اهليئة الرتكيبية ولكنها معدودة من عامل اخللق الن‬
‫اجلزء االرضي هو العمدة يف هذه املعاملة وتواضع الرتاب ابعث على رفعته (والفرق‬
‫اخل امس) ان وسعة احلقيقة اجلامعة ابعتبار ظهور صور االشياء فيها ووسعة املضغة اليت‬
‫تنكشف بعد تضيقها ابعتبار سعتها للمطلوب الذي هو غري حمدود وغري متناه وذلك‬
‫‪- 675 -‬‬

‫التضيق دهليز تضيقها حيث انه مانع لدخول ما سوى املطلوب حت ال يرتك الذكر ان‬
‫يدخل يف سرادقات املذكور وال يبقى شائبة الظلية ان حتوم حول ذلك احلرمي املقدس‬
‫(وأيضا) ان وسعة االوىل ملا كانت فيها شائبة الكيف ال تليق ان تكون مرآة لالكيفي‬
‫وحيث كان للثانية نصيب من الالكيفي ال تسع الكيفي والعجب انه يطرأ على هذا‬
‫القلب بعد الرجوع للدعوة ظلمة وغنب ومن هنا قال سيد البشر عليه و على آله‬
‫الصلوات و التسليمات انه ليغان على قليب واىل مت ابني الفرق ما للرتاب ورب االرابب‬
‫(أيها االخ) اايك وختيل هذه املضغة قطعة حلم ال يعبأ هبا فاهنا جوهرة نفسية خمزونة فيها‬
‫خزائن عامل اخللق واسراره ومدفونة فيها دفائن عامل االمر وخفاايه مع زايدة معاملة خاصة‬
‫منوطة هبيئتها الوحدانية جعلت اجزاؤها العشرة اوال ابلتصفية والتزكية واجلذبة والسلوك‬
‫والفناء والبقاء مزكاة ومطهرة وحررت عن دنس التعلقات ابلسوى مثال ختلص القلب من‬
‫التقلب وبلغ مرتبة التمكني وخرجت النفس من ان تكون امارة اىل فضاء االطمئنان‬
‫وامتنع اجلزء الناري من البغي والعناد والطغيان وارتفع العنصر الرتايب من الضعة وخسة‬
‫الفطرة و على هذا القياس ختلص كل جزء من اجزائها من صفة االفراط والتفريط وحصل‬
‫له وصف االعتدال والتوسط وبعد ذلك كله ركبت تلك اجلزاء مباء حمض الفضل والكرم‬
‫وجعلت شخصا معينا ومسي ذلك الشخص انساان كامال وعرب عن قلب ذلك الشخص‬
‫الذي هو خالصة مركز وجوده ابملضغة هذا هو حقيقة املضغة ظهرت يف كسوة القيل‬
‫والقال على مقياس العبارة واالمر اىل هللا سبحانه (فان قال) انقص ان كل انسان مركب‬
‫من هذه االجزاء العشرة وان له هيئة وحدانية من تركب تلك االجزاء (نقول) نعم انه‬
‫م ركب من تلك االجزاء ولكن تلك االجزاء مل تكن مزكاة ومطهرة ومل تتخلص عن دنس‬
‫تعلقات السوى اجلذبة والسلوك خبالف اجزاء االنسان الكامل فاهنا صارت طاهرة‬
‫ونظيفة ابلفناء والبقاء كما مر وحيث كانت تلك اجلزاء متباينة و متمايزة يف كل انسان‬
‫ولكل جزء منها اجزاء متمايزة واحوال متغايرة ال يكون له نصيب من اهليئة الوحدانية‬
‫ابلضرورة فان كانت له هيئة فهي اعتبارية ال حقيقية خبالف أجزاء االنسان الكامل فاهنا‬
‫‪- 676 -‬‬

‫صارت ممتزجة وخمتلطة بعدما خرجت من وصف التمايز والتباين وتقررت على حكم‬
‫واحد بعد ما زالت عنها األحكام املتمايزة واالحوال املتغايرة فتكون اهليئة الواحدانية فيه‬
‫حقيقة ابلضرورة ال اعتبارية كمعجون جيعل من االدوية املختلفة فانه بعد سحق اجزائه‬
‫وخلط بعضه ببعض تثبت له هيئة واحدانية وتزول عنه االحكام املتباينة ويعرض له حكم‬
‫واحد فافهم وهللا سبحانه أعلم (أيها االخ) ان كل هذه الكماالت اليت اثبتت للمضغة‬
‫امنا هي يف مقام قاب قوسني وقد يتوهم هنا يف الظاهر وصف من املظهر وان كان‬
‫الظاهر هنا هو االصل ال الظل الذي هو الصورة ولكن الشخص الظاهر يف املرآة ليس‬
‫بطاهر ومربإ عن وصف املرآة فيثبت القوسان ووراء هذا املقام مقام او أدىن وهو الذي مل‬
‫أيخذ فيه الظاهر وصفا من املظهر وال يتخيل هناك امر زائد فيكون القوسان فيه‬
‫مفقودين وال يتصور فيه غري وصف واحد فانه املناسب ملقام او ادىن معاملة هذا املقام‬
‫مغايرة ملعاملة مقام قاب قوسني ينبغي تقليب متام االوراق[‪ ]1‬حت حيمل احلمول من قاب‬
‫قوسني اىل او ادىن كالمنا اشارات ورموز وبشارات وكنوز وهللا امللهم و صلى هللا تعاىل‬
‫على سيدان حممد وصحبه وسلم وابرك‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والعشرون اىل موالان حممد صادق الكشمريي يف بيان تشرف‬
‫بلدة سرهند بربكة حضرة الشيخ سلمه هللا وفضيلتها على اكثر البالد ومشاهدة نور‬
‫مل يتطرق اليه غبار من الصفة يف ارض هو ساكن فيها وكون ذلك االرض مدفنا‬
‫للمخدوم االعظم املرحوم اخلواجه حممد صادق قدس سره}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان بلدة سرهند كاهنا ارض‬
‫احييتها بعناية هللا سبحانه والطاف حبيبه االكرم صلّى هللا عليه و على آله و سلّم وكأن‬
‫البئر العميقة املظلمة ملئت وجعلت صفة عالية يل وصارت مرتفعة من اكثر البالد والبقاع‬

‫(‪ )1‬يعين اوراق عامل االمكان الذي هو احد القوسني فال يبقى بعده اال قوس الوجوب وهو مقام او أدىن منه عفي‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪- 677 -‬‬

‫واودع يف تلك االرض نور مقتبس من نور ال وصفي وال كيفي كنور ساطع المع من‬
‫ارض حرم هللا املقدسة وقد ظهر ذلك النور هلذا الدرويش قبل ارحتال ولدي االعظم‬
‫املرحوم أبشهر وبدا بزاوية ارض فيها مسكن الفقري وكان نورا ساطعا مل يتطرق اليه غبار‬
‫من الصفة والشأن وكان مربأ ومنزها عن الكيفيات وكان متمناي ان تكون تلك البقعة‬
‫مدفنا يل وان يكون ذلك النور المعا على رأس قربي واظهرت هذا املعن لولدي االعظم‬
‫الذي كان صاحب سري واطلعته على ذلك النور والتمين فسبقين[‪ ]1‬ولدي املرحوم اىل‬
‫هذه الدولة اتفاقا وصار مستغرقا يف حبر النور وراء حجاب الرتاب {شعر}‪:‬‬
‫هنيأ الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫ومن شرافة هذه البلدة املعظمة دفن فيها مثل ولدي االعظم الذي هو من اكابر‬
‫اولياء هللا تعاىل واسرتاح مث ظهر بعد مدة ان ذلك النور املودع فيها ملعة من انوار قلب‬
‫هذا الفقري اودع فيها مقتبسا من هنا كسراج يشتعل من مشعلة قل كل من عندهللا هللا‬
‫نور السموات واالرض سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سالم على املرسلني واحلمد‬
‫هلل رب العاملني‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والعشرون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد عبد هللا سلمه هللا‬
‫تعاىل وأبقاه واوصله اىل غاية ما يتمناه يف بيان ان عمدة االمر هي اتباع السنة السنية‬
‫واالجتناب عن البدعة الغري املرضية وبيان ان مزية الطريقة النقشبندية العلية على‬
‫سالسل أخرى امنا هي بسبب اتباع صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة‬
‫والتحية والعمل ابلعزمية ويف مدح هذه الطريقة العلية وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫النصيحة اليت انصح هبا ولدي االعز سلمه هللا سبحانه وصانه عما ال يليق جبنابه وسائر‬

‫(‪ )1‬فيه اشارة اىل انه سيلحقه بعده وحيصل متمناه وصار كذلك فانه قدس سره دفن فيه وكذلك اوالده واحفاده‬
‫االجماد منه (عفي عنه)‪.‬‬
‫‪- 678 -‬‬

‫احبابه اتباع السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية واالجتناب عن البدعة‬
‫الغري املرضية وحيث طرأت الغربة على االسالم يف هذه االوان وصار املسلمون غرابء‬
‫وكذلك تزيد غربتهم مع مرور الزمان اىل ان ال يبقى على وجه االرض من يقول هللا وتقوم‬
‫الساعة على شرار الناس فالسعيد من حييي سنة من السنن املرتوكة ومييت بدعة من البدع‬
‫املستعملة وهذا زمان قد مضى من بعثة خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫ألف سنة وظهرت من عالمات القيامة واشراط الساعة امارات واسترتت السنة بواسطة‬
‫بعد عهد النبوة وجلت البدعة بعلة فشو الكذب واحتيج اىل ابز ينصر السنة و يهزم‬
‫البدعة ترويج البدعة موجب لتخريب الدين وتعظيم املبتدع ابعث على هدم االسالم‬
‫ولعلك مسعت من[‪ ]1‬وقر صاحب بدعة فقد اعان على هدم االسالم فينبغي التوجه‬
‫جبميع اهلمة ومتام النهمة لرتويج سنة من السنن ورفع بدعة من البدع واقامة مراسم‬
‫االسالم يف مجيع االوقات خصوصا يف هذه االوان اليت فيها ضعف االسالم منوطة‬
‫برتويج السنة وختريب البدعة وكأن السابقني رأوا احلسن يف البدعة حيث استحسنوا بعض‬
‫افرادها ولكن الفقري ال يوافقهم يف هذه املسئلة وال ارى يف فرد واحد من افراد البدعة‬
‫حسنا وال أحس فيها شيئا غري الظلمة والكدورة قال عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫كل بدعة ضاللة واجد السالمة يف هذه الغربة وضعف االسالم منوطة ابتيان السنة‬
‫واهلالك مربوطا بتحصيل البدعة اية بدعة كانت وارى البدعة كم ْع َول يهدم به مباين‬
‫االسالم واجد السنة مثل كوكب مشرق يهتدي به يف دجيور الضاللة وفق احلق سبحانه‬
‫علماء الوقت لعدم التفوه حبسن بدعة اصال ولعدم االفتاء ابتياهنا وان كانت تلك البدعة‬
‫جلية يف نظرهم مثل فلق الصبح فان لتسويالت الشيطان سلطاان عظيما فيما وراء السنة‬
‫وحيث كان لالسالم قوة يف االزمنة املاضية حتمل ظلمات البدع ابلضرورة ولعل بعض‬
‫تلك الظلمات خيل نورانيا يف تشعشع نور االسالم وصار ذلك التخيل ابعثا على احلكم‬
‫حبسنه وان مل يكن له يف احلقيقة نورانية وحسن اصال خبالف هذا الوقت فانه وقت‬

‫(‪ )1‬رواه البيهقي يف شعب االميان عن ابراهيم بن ميسرة مرسال‪.‬‬


‫‪- 679 -‬‬

‫ضعف االسالم ال يتصور فيه حتمل ظلمات البدع وال ينبغي هنا متشية فتوى املتقدمني‬
‫واملتأخرين فان لكل وقت احكاما على حدة ويظهر العامل يف النظر يف هذا الوقت من‬
‫كثرة ظهور البدعة مثل حبر الظلمة وحيس نور السنة من غربتها وندرهتا مثل املشاعل يف‬
‫ذلك البحر وعمل البدعة يزيد تلك الظلمة ويقلل نور السنة وعمل السنة يكون ابعثا‬
‫على تقليل تلك الظلمة وتكثري ذلك النور فمن شاء فليكثر ظلمة البدعة ومن شاء‬
‫فليكثر نور السنة ومن شاء فليكثر حزب الشيطان اال ان حزب الشيطان هم اخلاسررن‬
‫ومن شاء فليكثر حزب هللا اال ان حزب هللا هم الغالبون (ولو) انصف صوفية الوقت‬
‫والحظوا ضعف االسالم وفشو الكذب لزمهم ان ال يقلدوا شيوخهم فيما وراء السنة وان‬
‫ال جيعلوا االمور املخرتعة بعذر عمل شيوخهم هبا ديدهنم فان اتباع السنة منج البتة ومثمر‬
‫للخريات والربكات ويف تقليد غري السنة خطر يف خطر وما على الرسول اال البالغ جزى‬
‫هللا سبحانه عنا اشياخنا خري اجلزاء حيث مل يدلوا امثالنا العاجزين على اتيان االمور‬
‫املبتدعة ومل يلقوان يف ظلمات مهلكة بتقليدهم ومل يهدوان اىل ما دون متابعة السنة وغري‬
‫اتباع صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية وسوى العمل ابلعزمية‬
‫فال جرم كانت دعائم طريقتهم حمكمة االساس وايوان وصوهلم مرتفع البناء ومشرق‬
‫النرباس وهم الذين جعلوا الرقص والسماع حتت ارجلهم وشقوا الوجد والتواجد نصفني‬
‫مبسبحتهم ومكشوف اآلخرين ومشهودهم داخل عند هؤالء االكابر يف السوى واالغيار‬
‫ومعلومهم ومتخيلهم قابل ومستحق للنفي ال لالشهار ومعاملة هؤالء االكابر فيما وراء‬
‫املشاهدة واالدراك وفيما وراء املعلومات واملتخيالت وفيما وراء التجليات والظهورات‬
‫وفيما وراء املكاشفات واملعاينات اهتمام اآلخرين يف االثبات وهم هؤالء االكابر يف نفي‬
‫السوى واآلخرون يكررون كلمة النفي واالثبات لتوسيع دائرة االثبات ولينكشف هلم العامل‬
‫الذي هو ظاهر بعنوان الغريية بعنوان احلقية والعينية فريون الكل وجيدونه حقا تعاىل‬
‫وتقدس خبالف هؤالء الكرباء فان مقصودهم من تكرار الكلمة الطيبة ال اله اال هللا هو‬
‫اتساع دائرة النفي ليكون مجيع املكشوفات واملشهودات واملعلومات داخلة حتت كلمة ال‬
‫‪- 680 -‬‬

‫ويف جانب االثبات ال يكون شئ منظورا وملحوظا فان ظهر فرضا امر يف جانب االثبات‬
‫ينبغي ارجاعه اىل النفي وال يكون يف جانب االثبات نصيب اصال غري التكلم بكلمة‬
‫املستثن فيكون ذكر النفي واالثبات يف طرق اآلخرين مناسبا حلال املبتدئني وذكر هللا‬
‫الذي هو كلمة االثبات احملض يكون مناسبا بعد ذلك ليحصل بتكرار كلمة االثبات‬
‫استقرار واستمرار للمثبت املكشوف خبالف طريق هؤالء االكابر فانه على عكس ذلك‬
‫الن فيه اث باات اوال ونفي ذلك االثبات اثنيا فيكون ذكر اسم هللا يف هذا الطريق مناسبا يف‬
‫االبتداء مث يستعمل بعده النفي واالثبات (فان قال) انقص على هذا التقدير ال يكون‬
‫الكابر هذا الطريق نصيب من مقام االثبات وال يكون بضاعتهم غري النفي (أجيب) ان‬
‫اثبات اآلخرين حاصل يف اوائل حال هؤالء االكابر ولكنهم من علو اهلمة ال يلتفتون اليه‬
‫بل يرونه متسحقا للنفي فينفونه ويعتقدون املطلوب املثبت ورائه فاثبات اآلخرين ميسر‬
‫هلم ونفي ذلك االثبات الذي هو مناسب ملقام الكربايء ايضا حاصل هلم ال سبيل لكل‬
‫انقص اىل اشغاهلم واحواهلم وال شعور لكل مهوس حبقيقة معاملتهم وافعاهلم ومجيع ما‬
‫ذكر هو نبذة من عدم حصول هؤالء االكابر الذي هو عني احلصول يف ذلك املوطن فان‬
‫بني حصول اكابر االكابر للحق اخلواص ابلعوام واختار املنتهىون تعلم الف ابمثل‬
‫املبتدئني االصاغر {شعر}‪:‬‬
‫خليلي ما هذا هبزل وامنا * حديث عجيب من بديع الغرائب‬
‫ومراقبة الذات اليت اختارها اآلخرون ساقطة عندهم عن حيز االعتبار وداخلة فيما‬
‫ال حاصل فيه وليست املراقبة هناك لغري ظل من الظالل تعاىل هللا عما يقولون علوا كبريا‬
‫فان ذاته تعاىل وتقدس بل امساؤه وصفاته سبحانه خارجة عن حيطة فكران ومراقبتنا ال‬
‫نصيب من هذا امل قام غري اجلهل واحلرية وليس املراد هبذا اجلهل واحلرية ما يعرفه الناس‬
‫جهال وحرية فاهنما مذمومان بل جهل هذا املوطن وحريته عني املعرفة واالطمئنان وليس‬
‫املراد هبذه املعرفة واالطمئنان ما يدخل يف حيطة فهم االنسان فانه من مقولة الكيف ال‬
‫نصيب له من الالكيفي وكل شئ نثبته يف ذلك املوطن يكون الكيفيا سواء عربان عنه‬
‫‪- 681 -‬‬

‫ابجلهل او ابملعرفة من مل يذقه مل يدر (وايضا) ان توجه هؤالء الكرباء اىل االحدية تعالت‬
‫وتقدست ال يريدون من االسم والصفة غري الذات تعالت وتقدست وال ينزلون من‬
‫الذات اىل الصفات كغريهم وال يقعون من الذروة اىل احلضيض والعجب ان مجعا من‬
‫هذه الطائفة اختاروا ذكر اسم هللا مث مل يكتفوا به بل تنزلوا اىل الصفات وصاروا يالحظون‬
‫السميع والبصري والعليم مث يذهبون من العليم والبصري والسميع اىل اسم هللا على سبيل‬
‫العروج مل ال يكتفون ابسم هللا وحده وجيعلون قبلة التوجه غري احدية الذات تعالت‬
‫وتقدست اليس هللا بكاف عبده نص قاطع يف هذا املدعى وقل هللا مث ذرهم مؤيد هلذا‬
‫املعن (وابجلملة) ان نظر مهم اكابر هذه الطريقة عال جدا ال نسبة لكل زراق ورقاص‬
‫اليهم وهلذا صارت هناية اآلخرين مندرجة يف بدايتهم وانل مبتدؤا طريقتهم حكم منتهى‬
‫طرق أخر وتقرر سف رهم يف الوطن من إبتداء االمر وحصلت هلم اخللوة يف اجللوة وكان‬
‫دوام احلضور نقد وقتهم ورأس بضاعتهم وهم الذين صارت تربية الطالبني مربوطة‬
‫بصحبتهم العلية وكان تكميل الناقصني منوطا بتوجهاهتم الشريفة نظرهم شفاء االمراض‬
‫القلبية والتفاهتم دافع للعلل املعنوية ويعمل توجههم الواحد عمل مائة من االربعني‬
‫والتفاهتم الواحد يساوي رايضة السنني {شعر}‪:‬‬
‫ما أحسن النقشبنديني سريهتم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم‬
‫(أيها السعيد) ال يتوهم احد من هذا البيان ان هذه االوصاف والشمائل حاصلة‬
‫جلميع اساتذة الطريقة النقشبندية العلية وتالمذهتم كال بل هذه الشمائل خمصوصة ابكابر‬
‫اكابر هذه الطريقة العلية الذين بلغوا االمر اىل هناية النهاية واملبتدؤن الراشدون الذين‬
‫صححوا نسبة االرادة واالنتساب اىل هؤالء االكابر وراعوا آداهبم فاندراج النهاية يف‬
‫البداية اثبت يف حقهم واما املتبدئ الذي وصل اىل شيخ انقص من هذا الطريق فاندراج‬
‫النهاية غري متصور يف حقه فان شيخه مل يصل بعد اىل النهاية فكيف تتصور النهاية يف‬
‫حق املتبدئ {ع}‪:‬‬
‫وكل اانء ابلذي فيه ينضح‬
‫‪- 682 -‬‬

‫(أيها) الطالب لطريق النجاة ان طريق هؤالء االكابر طريق االصحاب الكرام‬
‫عليهم الرضوان وهذا االندراج اعين اندراج النهاية يف البداية اثر ذلك االندراج الذي كان‬
‫يتيسر هلم يف صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم فانه كان يتيسر هلم يف‬
‫صحبته صلّى هللا عليه و سلّم و على آله وسلم ما ال حيصل لغريهم يف االنتهاء اال قليل‬
‫وهذه الفيوضات والربكات هو عني تلك الفيوض والربكات اليت ظهرت يف القرن االول‬
‫وان كان اآلخر بعيدا من االول يف الظاهر ابلنسبة اىل الوسط ولكن االمر ابلعكس يف‬
‫احلقيقة فان اآلخر اقرب اليه من الوسط ومنصبغ بصبغه يصدقه املتوسطون او ال بل ال‬
‫يعلم ادراك اكثر املتأخرين حقيقة هذه املعاملة و السالم عليكم و على من اتبع اهلدى‬
‫والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و التسليمات العلى‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والعشرون اىل احلاج حممد الفركيت يف جواب كتابه}‬


‫احلمد هلل و سالم على عباده الذي اصطفى قد صار ورود املكتوب الشريف‬
‫املرسل من كمال االخالص واملودة موجبا لفرح كثري وجتعلك نسبة الرابطة مع صاحب‬
‫الرابطة دائما وتكون واسطة للفيوضات االنعكاسية ينبغي اداء شكر هذه النعمة العظمى‬
‫كما ينبغي والبسط و القبض كالمها جناحا الطريان يف هذا الطريق ال ينبغي احلزن‬
‫للقبض والفرح للبسط ولقد متنيت حصول مشاهدة اجلمال الاليزايل يف مجيع الذرات‬
‫(أيها) احملب ما للعب د وللتمين فان متمناه ال بد وان يكون قاصرا على مقدار فهمه‬
‫ومشاهدة اجلمال الاليزايل يف مرآة الذرات من قصور النظر فان الذرات من اين هلا جمال‬
‫ان تكون مرااي ذلك اجلمال وما يشاهد يف مرااي الذرات إمنا هو ظل من ظالل ذلك‬
‫اجلمال اليت ال هناية هلا ينبغي ان يطلبه تعاىل وراء الوراء وان يلتمسه سبحانه يف خارج‬
‫دائرة اآلفاق واالنفس والنسبة اليت هي فيك اآلن فوق ما تتمناه واايك وامليل اىل االسفل‬
‫تقليدا للناس واحذر من متين النزول من االوج اىل احلضيض فان معاملة االكابر عالية ان‬
‫هللا سبحانه حيب معايل اهلمم املسؤل من هللا سبحانه مجعيتكم الصورية واملعنوية و‬
‫‪- 683 -‬‬

‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والعشرون اىل اخلواجه شرف الدين حسني يف بيان ان كل‬
‫عمل يصدر على وفق الشريعة الغراء فهو داخل يف الذكر}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد وصلت الصحيفة الشريفة اليت‬
‫ارسلها ولدي االعز صحبة موالان عبد الرشيد وموالان جان حممد ووصل مبلغ النذر ايضا‬
‫جزاكم هللا سبحانه خريا قد اورث مساع خرب صحتكم فرحا وافرا (ايها الولد) ان الفرصة‬
‫غنمية والصحة والفراغ مغتنمان فينبغي صرف االوقات اىل الذكر االهلي جل شأنه على‬
‫الدوام وكل عمل يصدر على وفق الشريعة الغراء فهو داخل يف الذكر وان كان بيعا وشراء‬
‫فينبغي مراعاة االحكام الشرعية يف مجيع احلركات والسكنات لتصري كلها ذكرا فان الذكر‬
‫عبارة عن طرد الغفلة ومت حصلت مراعاة االوامر والنواهي يف مجيع االفعال فقد تيسرت‬
‫النجاة من اسر الغفلة عن اآلمر ابالوامر والناهي عن املناهي وحصل دوام ذكره تعاىل‬
‫وهذا الذي ذكرانه من دوام الذكر وراء ايدداشت خواجكان قدس هللا اسرارهم فانه‬
‫مقصور على الباطن وهذا متمش يف الظاهر ايضا وان كان م َتع ّسرا وفقنا هللا سبحانه‬
‫واايكم مبتابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والعشرون اىل معدن العرفان املرزا حسام الدين امحد يف‬
‫جواب كتابه الذي تفوح عنه رائحة العصبية وبيان ان تلقني الذكر مثل تعليم الفباء‬
‫للصبيان}‬
‫الرحيم احلمد هللا و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد فقد‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫تشرفت مبطالعة الصحيفة املكرمة املرسلة صحبة قاصد كشمري وحيث كانت متضمنة خبرب‬
‫خريية حضرات تلك احلدود أورثت فرحا وافرا جزاكم هللا سبحانه خريا وقد اندرج فيها ان‬
‫املخدوم زاده االعظم واخلواجه مجال الدين حسني ال يقدران على الوصول هناك بواسطة‬
‫‪- 684 -‬‬
‫ۤ‬
‫االستحياء من تلقني الشيخ ميان إله داد (أيها املخدوم) ال يزال يفوح من مثل هذا‬
‫الكالم رائحة العصبية ويفهم من هذا الوضع والطرح املباينة واملخالفة اان هلل واان اليه‬
‫راجعون وكان ينبغي للمخدوم زاده االعظم ان يستحي من خمالفة وصية والده املاجد‬
‫ۤ‬
‫واحلياء من التوجه واالفادة الواقعان يف حضوره أبمره اليهما وكان ينبغي للشيخ إله داد مع‬
‫وجود دعوى االنقياد للشيخ ان ال جيرتئ على هذا االمر وان يالحظ الوصية وسبقة‬
‫االفادة والذي كتبتموه ال بد وان يكون حقا وصوااب ولكن املكتوب الذي ارسله املخدوم‬
‫زاده االعظم مع اخيه االعز كان متضمنا لكمال التواضع ومشتمال على فرط الطلب‬
‫والشوق والعبارات اليت اختارها يف ذلك املكتوب ال يتصور ايرادها بدون جنون الطلب‬
‫ولعله تطرق اليه احنراف بعد ارساله املكتوب ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من‬
‫لدنك رمحة انك أنت الوهاب ولكن الفقري يعلم ان وصيته ال تكون بال حكمة وارجو ان‬
‫يكون هلا عاقبة حممودة ولكين اأتسف على ضياع مثل ذلك الطلب الذي فهمت نبذة‬
‫منه من مكتوبه ويقعد ضده يف حمله وهذا املعن ثقيل على االحباب الناصحني جدا‬
‫حبيث يتم عليهم املا امت بذلك (أيها املكرم) ان مت االمر مبجرد التلقني فمبارك وعند الفقري‬
‫تلقني الذكر كتعليم الف اب للصبيان فان كان جمرد ذلك التعليم حمصال مللكة املولوية فأي‬
‫مضايقة فيه واملتوقع من كرم التفاتكم هو ان ترتكوا كفة العصبية وان جتعلوا حمبتكم‬
‫ومودتكم جلميع االخوان على السوية وماذا أابلغ ازيد من ذلك و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والعشرون اىل موالان حممد طاهر البدخشي يف جواب‬


‫تشكيكات الشيخ عبد العزيز اجلونفوري يف املكتوب االول}‬
‫(املرسل اليه) بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان املكتوب الذي‬
‫ارسلتموه بعد مدة مديدة اوجب الفرح بوصوله جعلكم هللا سبحانه حملى ومزينا جبمعية‬
‫الظاهر والباطن على الدوام والفقري قد كتبت اليكم يف هذه املدة ثالثة مكاتيب ووصل‬
‫منها اليكم مكتوب واحد وبعد املسافة عذر مانع ووصل ايضا مع مكتوبكم املكتوب‬
‫‪- 685 -‬‬

‫الذي كتبه الشيخ عبد العزيز واتضح ما اندرج فيه ومما اندرج فيه انه لو كانت حقايق‬
‫املمكنات اليت هي صور علمية العدمات اليت هي اضداد الصفات يلزم حصول تلك‬
‫العدمات يف الذات تعالت وتقدست وهو سبحانه منزه عن ذلك وهذه شبهة عجيبة امل‬
‫يعلم ان احلق سبحانه يعلم االشياء الشريفة والكثيفة وليس لشئ منها حصول يف حضرة‬
‫الذات تعالت وال اتصاف للذات بشئ منها فمن اين جاء احلصول يف هذه الصورة ومنه‬
‫ان حقائق املمكنات ينبغي ان تكون وجودية وثبوتية ال عدمية فان احلقائق عبارة عن‬
‫ارواح املمكنات ونفوسها نعم ان هلا وجودا وثبوات علميني وهذا هو القدر الالزم يف‬
‫احلقائق وكان ينبغي له ان يعرتض هبذا االعرتاض اوال على الشيخ حميي الدين ابن العريب‬
‫النه قال االعيان ما مشت رائحة الوجود والعجب انه جعل احلقائق هنا عبارة عن ارواح‬
‫املمكنات ونفوسها وترك[‪ ]1‬االعيان الثابتة ومعلومات هللا تعاىل (ومنه) ان االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم واالولياء عليهم الرضوان وسائر افراد االنسان من املمكنات فلو كانت‬
‫حقائق هؤالء عدمات يكون الشرف مسلواب عن هؤالء الزمرة العلية والكمال فيهم‬
‫معدوما (كيف) يكون مسلواب ومعدوما فان احلق سبحانه جعل تلك العدمات حبكمته‬
‫البالغة وقدرته الكاملة وحبسن تربيته مرااي عكوس امسائه وصفاته وشرف بشرف النبوة‬
‫والوالية وجعل حملى حبلية ظالل كماالته وصري معززا ومكرما كما انه سبحانه خلق‬
‫االنسان من ماء مهني وبلغه الدرجات العلى والعجب اهنم يالحظون شرف االنسان‬
‫وكرامته ويضيعون تنزيه الواجب وتقديسه تعاىل وتقدس ويقولون الكل هو ويزعمون‬
‫االشياء اخلسيسة الرذيلة عني احلق تعاىل وتقدس وال يتحاشون عن امثال تلك املقولة وال‬
‫جيوزون لالنسان حقائق عدمية ويتحاشون عنه اعطاهم هللا سبحانه االنصاف (ومنه) انه‬
‫ال ميكن رفع الكالم اجملمع عليه ابملبتدع (حنن) نرى الكالم املبتدع القول ابن الكل هو ال‬
‫القول ابن الكل منه فانه مما امجع عليه العلماء وامنا تتوجه املالمة والشناعة اىل صاحب‬

‫(‪ )1‬يعين انه ادعى اوال ان احلقائق عبارة عن الصور العلمية اليت هي االعيان الثابتة فرتكه هنا و ادعى انه عبارة عن‬
‫االرواح عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 686 -‬‬

‫الفصوص اىل هذا الزمان بواسطة قوله الكل هو وحاصل معارف الفقري اليت كتبتها الكل‬
‫منه وهو مقب ول شرعا وعقال وكيف اذا كان مؤيدا ابلكشف واالهلام (مث كتب) الشيخ‬
‫بعد ذكر االعرتاضات تنزال اىل مقام الشفقة انه لو اريد حبقائق املمكنات االرواح‬
‫االنسانية فموافق للمجمهور (ومل ادر) اي صنف أراد من اجلمهور فانه مل يسمع اىل اآلن‬
‫ان احدا قال ابن حقائق املمكنات هي االرواح االنسانية والعجب من الشيخ كل‬
‫العجب حيث ختيل ان كل احد يقول ما يقول ابلقياس والتخمني وينسجه ابلتفكر‬
‫والتخيل كال ان املعارف اليت متلى وتكتب بال كشف واهلام او حترر وتقرر بدون شهود‬
‫ومشاهدة فهي هبتان وافرتاء خصوصا اذا كانت خمالفة ملا ذهب اليه القوم ومل ادر ماذا‬
‫اعتقد الشيخ املشار اليه ومن اي قبيل فهم هذه املعارف ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف‬
‫امران وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين و السالم ‪.‬‬

‫{ املكتوب الثامن والعشرون اىل موالان حممد صادق الكشمريي يف جواب‬


‫استفساراته}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان املكتوب الشريف قد وصل وحيث‬
‫كان متضمنا الحوال شريفة مقبولة صار موجبا للفرح وكتبت فيه ان املعاملة يف الدراية‬
‫بلغت مبلغا ال اقدر محل الصفات على الذات تعالت وتقدست اال ابلتكلف وارى ان‬
‫احلق سبحانه وراء الكل ينبغي السعي اىل ان ال يبقى هذا احلمل ابلتكلف ايضا وينجر‬
‫االمر اىل احلرية الصرفة (و سئلت) انه نقل يف الرشحات عن اباب آبريز انه قال ملا عجن‬
‫احلق سبحانه طينة آدم يف االزل صببت املاء يف ذلك الطني فما يكون أتويل هذا الكالم‬
‫(اعلم) ان املالئكة الكرام على نبينا وعليهم الصالة و السالم كان هلم دخل يف خدمة‬
‫طينة آدم عليه السالم كذلك جيوز ان يكون لروح املذكور دخل يف تلك اخلدمة وان‬
‫يفوض اليه خدمة صب املاء وان يكون مطلعا من عامل الغيب على هذا املعن بعد نشأته‬
‫العنصرية بل بعد كماله وجيوز ان يعطي احلق سبحانه لالرواح اجملردة قدرة تصدر هبا‬
‫‪- 687 -‬‬

‫افعال االجسام ومن هذا القب يل ما اخرب بعض الكرباء عن افعاله الشاقة الصادرة عنه قبل‬
‫وجوده العنصري بقرون متطاولة وكان صدور تلك االفعال عن ارواحهم اجملردة وحصل هلم‬
‫االطالع على هذا املعن بعد وجوده العنصري واوقع صدور هذه االفعال مجاعة يف توهم‬
‫التناسخ معاذ هللا من توهم تعلق تلك االرواح اببدان أخرى والروح اجملردة هي اليت تفعل‬
‫افعال البدن ابقدار هللا جل سلطانه وتوقع ارابب الزيغ يف الضاللة وجمال الكالم يف هذا‬
‫املقام كثري وقد فاضت حتقيقات عجيبة فان وفقنا نثبتها يف حمل ان شاء هللا تعاىل واآلن مل‬
‫يساعد الوقت (وسألت) ايضا انه قد ذكر يف الرشحات ان اخلواجه عالء الدين العطار‬
‫قدس سره ملا أتذي خاطره من موالان نظام الدين اخلاموش قدس سره اراد ان يسلب عنه‬
‫نسبته فالتجأ موالان يف ذلك الوقت اىل روحانية النيب عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫فوصل اخلطاب منه صلّى هللا عليه و سلّم اىل حضرة اخلواجه ان نظام الدين منا ليس‬
‫الحد جمال التصرف فيه وذكر يف حمل آخر من هذا الكتاب ان اخلواجه احرار قدس سره‬
‫سلب نسبة موالان حني صريورته شيخا كبريا فقال موالان ان اخلواجه وجدان شيخا فاخذ‬
‫كلما كنت نلته ومجعته وصريين مفلسا يف آخر االمر كيف يتصرف اخلواجه احرار قدس‬
‫سره فيمن قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يف حقه انه منا ليس الحد جمال التصرف‬
‫فيه (اعلم) ان حضرة شيخنا قدس سره كان ال يستحسن هذا النقل وكان يتوقف يف‬
‫تصديق سلب نسبة موالان وكان يقول ان هذا النقل مل يثبت من موالان عبد الرمحن‬
‫اجلامي وغريه من مريدي موالان سعدالدين الكاشغري الذي هو مريد موالان نظام الدين‬
‫ومل ينقل عن احد منهم ابلرد والقبول وهم مجاعة كثريون فمن اين مسعه موالان فخرالدين‬
‫علي وكتبه فان كان هذا اخلرب صادقا لنقل ابلتواتر لتوفر الدواعي على نقله وحيث مل ينقل‬
‫ابلتواتر وتقرر على خرب الواحد علم ان يف صدقه ترددا وبعض النقول اليت ينقلها صاحب‬
‫الرشحات غري هذا ايضا بعيد عن الصدق والهل هذه السلسلة العلية ترددات يف صدق‬
‫تلك النقول وهو سبحانه اعلم وايضا كان حضرة شيخنا قدس سره يقول ان التفليس‬
‫‪- 688 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫سلب االميان اعاذان هللا سبحانه منه وجتويز هذا املعن مشكل جدا ربنا ال‬ ‫يدل على‬
‫تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والعشرون اىل معدن الفضيلة الشيخ عبد احلق الدهلوي يف‬
‫بيان ان افضل االمتعة يف هذه النشأة احلزن والغم واهىن نعم هذه املائدة املصيبة‬
‫واالمل}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ايها املخدوم املكرم ان اآلالم‬
‫واملصائب وان كانت ثقيلة حيث اهنا حتمل االذى ولكن فيها رجاء الكرامات وافضل‬
‫امتعة هذه النشأة احلزن والغم واهن نعيم هذه املائدة املصيبة واالمل قد جعل هذا السكر‬
‫يف غالف رقيق من دواء مر وفتح طريق االبتالء هبذه احليلة نظر السعداء اىل حالوة ذلك‬
‫السكر وصاروا يبلعون ذلك املر مثل السكر ووجدوا املرارة حلوا على عكس الصفراوي‬
‫حيث ال جيده حلوا فان افعال احملبوب كلها حلوة وامنا جيدها مرا من كان عليال بعلة‬
‫التعلق ابلسوى واهل السعادة جيدون يف ايالم احملبوب من احلالوة واللذة مأال يتصور‬
‫وجدان مثله يف االنعام فانه وان كان كالمها من احملبوب ولكن ال مدخل يف االيالم لنفس‬
‫احملب ويف االنعام قيام مبراد النفس‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها‬
‫اللهم ال حترمنا اجرهم وال تفتنا بعدهم ووجودكم الشريف وقت غربة االسالم مغتنم‬
‫الهل االسالم سلمكم هللا سبحانه وأبقاكم و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالثون اىل اخلواجه حممد اشرف واحلاج حممد الفركيت يف جواب‬

‫(‪ )1‬قلت املراد ابلتفليس هو سلب نسبة الطريقة بل التصرفات اليت كانت له اوال ال سلب االميان واملريد امنا يذكر‬
‫مناقب شيخه فال يلزم من عدم ذكرهم كذبه وال غريه من احملذورات وهللا سبحانه اعلم منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 689 -‬‬

‫سؤاليهما احدمها عن دوام نسبة الرابطة واآلخر عن الفتور يف املشغولية}‬


‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫الصحيفة اليت ارسلها االخ االعز االشرف واتضحت الكيفيات املندرج فيها بياهنا كتب‬
‫اخلواجه حممد اشرف عن دوام نسبة الرابطة ابهنا قد استولت على حد اراها يف الصالة‬
‫مسجودة يل فان نفيتها فرضا ال تنتفي اصال (ايها) احملب ان هذه الدولة هي متمن‬
‫الطالب وال يعطاها اال واحد من الوف وصاحب هذه املعاملة مستعد اتم املناسبة حيتمل‬
‫ان جيذب مجيع الكماالت بقليل من صحبة املقتدى به وكيف تنفى الرابطة فاهنا مسجود‬
‫اليها ال مسجود هلا ومل ال تنفى احملارب واملساجد وظهور مثل هذه الدولة امنا يتيسر‬
‫للسعداء حت يعلم صاحب الرابطة واسطته يف مجيع االحوال وليكون متوجها اليه يف‬
‫مجيع االوقات ال جلماعة حرموا الدولة وزعموا انفسهم مستغنني وحيرفون قبلة توجههم عن‬
‫شيخهم ويضيعون معاملتهم وكتبت ايضا خرب فوت والدة االوالد فقلنا اان هلل واان اليه‬
‫راجعون وقرأان الفاحتة وفهم اثر االجابة يف اثناء القراءة وذكر موالان احلاج حممد انه قد‬
‫طرأ الفتور يف املشغولية م نذ شهرين ومل يبق شئ من الذوق واحلالوة اللذين كاان من قبل‬
‫(ايها) احملب ال غم اذا مل يطرأ الفتور على شيئني احدمها متابعة صاحب الشريعة عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم والتحية الثاين االخالص واحملبة لشيخه فلو طرأ الوف من‬
‫الظلمة مع وجود هذين االمرين ال يضر وال خياف عليه من الضياع ولو ظهر النقصان‬
‫عياذا ابهلل سبحانه يف واحد من هذين االمرين فخسران يف خسران وان كان يف حضور‬
‫ومجعية فانه استدراج وله سوء العاقبة ينبغي ان يطلب من احلق سبحانه ابلتضرع‬
‫واالبتهال الثبات على هذين االمرين وان يسأله سبحانه االستقامة عليهما فاهنما مالك‬
‫االمر ومدار النجاة و السالم عليكم و على سائر االخوان خصوصا على احملب القدمي‬
‫موالان عبد الغفور السمرقندي‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والثالثون اىل اخلواجه شرف الدين حسني يف الوعظ‬


‫‪- 690 -‬‬

‫والنصيحة}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (ايها) الولد االعز ان الفرصة مغتنمة‬
‫فينبغي ان ال يصرف متام العمر يف امور ال طائل فيها بل ينبغي ان يصرف متامه يف‬
‫مراضي احلق جل وعال ينبغي ان يؤدى الصلوات اخلمس ابجلمعية واجلماعة مع تعديل‬
‫االركان وينبغي ان ال ترتك صالة التهجد وان ال تضيع االستغفار يف االسحار جماان وان‬
‫ال يغرت مبنام االرنب وان ال ينخدع ابحلظوظ العاجلة وان جيعل تذكر املوت واهوال‬
‫اآلخرة نصب العني وابجلملة ينبغي ان يكون معرضا عن الدنيا ومقبال على اآلخرة وان‬
‫يشتغل ابلدنيا بقدر الضرورة وان يعمر سائر االوقات ابالشتغال ابمور اآلخرة وحاصل‬
‫الكالم هو انه ينبغي ان يتخلص القلب عن رقية االغيار والسوى وان يكون الظاهر مزينا‬
‫وحملى ابالحكام الشرعية {ع}‪:‬‬
‫هذا هو االمر والباقي خياالت‬
‫وبقية االحوال ابخلري و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والثالثون اىل املرزا قليج هللا يف جواب عريضته اليت كتبها يف‬
‫الشكاية من عدم مجعية الباطن وما يناسب ذلك}‬
‫بعد احلمد هلل والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان الصحيفة الشريفة املكتوبة يف‬
‫ابب التعزية قد وصلت اان هلل واان اليه راجعون حنن رضينا بقضاء هللا تعاىل بتوفيقه‬
‫سبحانه وينبغي لكم ايضا ان تكونوا راضني به وان تكونوا معاونني وممدين ابلدعاء‬
‫والفاحتة وصار خرب خالصكم ابعثا على املسرة والفرح وسكن به احد االملني هلل سبحانه‬
‫احلمد واملنة على ذلك (وكتبت) شكاية عن فقدان مجعية الباطن نعم ان لتشتت الظاهر‬
‫أتثريا عظيما يف تصرف الباطن فاذا وجدت الكدورة يف الباطن ينبغي تداركها ابلتوبة‬
‫واالستغفار واذا ظهرت صورة هائلة ينبغي دفعها بكلمة التمجيد ال حول وال قوة اال ابهلل‬
‫العلي العظيم وتكرار املعوذتني مغتنم يف ذلك الوقت وبقية االحوال مستوجبة للحمد هلل‬
‫‪- 691 -‬‬

‫سبحانه احلمد واملنة دائما و على كل حال واعوذ ابهلل سبحانه من حال اهل النار ويف‬
‫الفقري اثر الضعف وهلذا صرفت النظر عن حترير تفصيل االحوال رزقنا هللا سبحانه واايكم‬
‫االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والثالثون اىل موالان حممد صاحل الكواليب يف بيان ان احملبوب‬
‫حمبوب يف نظر احملب على كل حال سواء صدر عنه االنعام او االيالم بل االيالم عند‬
‫االقلني موج ب الزدايد احملبة اكثر من انعامه وبيان مزية احلمد على الشكر وما‬
‫يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد فليعلم االخ االعز موالان حممد‬
‫صاحل ان احملبوب حمبوب يف نظر احملب بل يف نفس االمر يف مجيع الوقت ويف مجيع احلال‬
‫سواء آمل او انعم فهو حمبوب على كال احلالني وعند أكثر الناس الذين تشرفوا بدولة احملبة‬
‫ان ازدايد حمبة احملبوب يف وقت االنعام اكثر منه يف وقت ايالمه او هو مساو يف الوقتني‬
‫(وعند االقل) عكس هذه املعاملة يعين ايالمه موجب الزدايد احملبة اكثر من انعامه‬
‫ومقدمة هذه الدولة العظمى حسن ظن ابحملبوب حت ان احملبوب لو امر السكني على‬
‫حلقوم احملب ومزق كل عضو منه وفرقه من اآلخر لعلم احملب ذلك عني صالحه ويتصوره‬
‫عني فالحه فاذا ارتفعت كراهة فعل احملبوب عن نظر احملب حيصول هذا الظن احلسن‬
‫تشرف بدولة احملبة الذاتية اليت هي معراة عن مجيع النسب واالعتبارات وخمصوصة حببيب‬
‫رب العاملني عليه و على آله الصلوات و التسليمات ووجد االلتذاذ والفرح يف االيالم‬
‫اكثر منهما يف االنعام وأظن ان هذا املقام فوق مقام الرضاء فان يف الرضاء دفع كراهة امل‬
‫فعل احملبوب وهنا االلتذاذ بذلك الفعل فان اجلفاء كلما كان من جانب احملبوب أجل‬
‫وأكثر يكون الفرح والسرور من جانب احملب ازيد واوفر شتان ما بينهما وحيث كان‬
‫احملبوب حمبواب يف نظر احملب بل يف نفس االمر يف مجيع االوقات ومجيع االحوال ال جرم‬
‫‪- 692 -‬‬

‫يكون احملبوب يف مجيع االوقات ومجيع االحوال بل يف الواقع ونفس االمر حممودا وممدوحا‬
‫ايضا و يكون احملب يف وقت ايالمه وانعامه مادحا له ومثنيا عليه فحينئذ يصدق هلذا‬
‫احملب الصادق ان يقال صادقا ومصدوقا و احلمد هلل رب العاملني على كل حال ويصري‬
‫هذا احملب من احلامدين له سبحانه يف السراء والضراء حقيقة ويشبه ان تكون مزية احلمد‬
‫على الشكر من جهة ان يف الشكر مالحظة انعام املنعم فيكون راجعا اىل الصفة بل اىل‬
‫الفعل وامللحوظ يف احلمد حسن احملمود ومجاله سواء كان ذاتيا او وصفيا او فعليا وسواء‬
‫كان انعاما او ايالما فان ايالمه سبحانه حسن كانعامه تعاىل فيكون احلمد ابلغ يف الثناء‬
‫وامجع ملراتب احلسن واجلمال وابقى يف حاليت السراء والضراء خبالف الشكر فانه مع‬
‫قصوره سريع الزوال على شرف اهلالك بزوال االنعام وهالك االحسان (فان قيل) انت‬
‫كتبت يف بعض مكتوابتك ان مقام الرضاء فوق مقام احملبة ومقام احلب وهنا تكتب ان‬
‫مقام هذه احملبة فوق مقام الرضاء فكيف التوفيق بني هذين الكالمني (اجيب) ان هذا‬
‫املقام اعين مقام احملبة املذكورة هنا وراء ذلك املقام اعين مقام احملبة واحلب هناك فان ذلك‬
‫املقام مشتمل على النسب واالعتبارات امجاال وتفصيال فانه وان قالوا لتلك احملبة ذاتية‬
‫وتصوروا ذلك احلب حبا ذاتيا ولكنه ليس فيه قطع النظر عن الشئون واالعتبارات خبالف‬
‫هذا املقام فانه معرى عن النسب واالضافات كما مر وما اندرج يف بعض املكتوابت من‬
‫انه ال جمال للقدم فوق مقام الرضاء اال خلامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫كأنه عبارة عن هذا املقام فانه خمصوص خبامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫وهللا أعلم حبقائق االمور كلها (ينبغي) ان يعلم ان كراهة الظاهر ليست مبنافية لرضا‬
‫الباطن ومرارة الصورة ليست مبنافية حلالوة احلقيقة فان ظاهر العارف الكامل وصورته‬
‫مرتوكان على ما مها عليه من الصفات البشرية ليكوان قبااب لكماالته وليحصل له االبتالء‬
‫واالمتحان وليكون احملق ممزوجا ابملبطل وينبغي ان يتصور نسبة ظاهر العارف الكامل‬
‫وصورته اىل ابطنه وحقيقته كنسبة ثوب اىل شخص البس لذلك الثوب ومعلوم انه ما‬
‫مقدار الثوب وقدره ابلنسبة اىل الشخص وكذلك قدر صورة العارف ابلنظر اىل حقيقته‬
‫‪- 693 -‬‬

‫ورمبا يظن مكفوفوا البصر مطموسو البصرية صورة العارف مثل اجلبل ويتخيلوهنا مثل‬
‫صورهم اليت ال حقائق هلا فال جرم يكونون يف مقام االنكار ويكتسبون احلرمان و السالم‬
‫على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والثالثون اىل نور حممد التناري يف جواب عريضته اليت كتبها‬
‫لبيان توارد االحوال}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد فقد وصل املكتوب الشريف‬
‫واتضح ما حرر فيه من توارد االحوال اعلم ان احلق سبحانه كما انه ليس داخل العامل‬
‫كذلك ليس خارج العامل وكما انه ليس مبنفصل عن العامل ليس مبتصل ابلعامل وهو سبحانه‬
‫موجود ولكن مجيع تلك الصفات اعين الدخول واخلروج واالتصال واالنفصال مسلوبة‬
‫عنه سبحانه ينبغي ان يطلبه تعاىل خاليا عن هذه الصفات االربعة وان جيده سبحانه يف‬
‫خارج هذه الصفات فان امتزج لون من هذه الصفات فليس احلاصل حينئذ غري التعلق‬
‫ابلظالل واملثال بل ينبغي ان يطلبه تعاىل بصفة ال كيفية وال مثلية منزهة عن غبار الظلية‬
‫وان حيصل اتصاال ال كيفيا بتلك املرتبة وهذه الدولة نتيجة الصحبة ال حتصل ابلتكلم‬
‫والكتابة ولئن كتبت فمن يفهمها ومن يدركها فينبغي املداومة على املشغولية ابلشوق‬
‫والذوق وكتابة كيفيات االحوال اىل حني املالقاة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والثالثون اىل شيخ زاده اخلواجه حممد عبد هللا سلمه هللا‬
‫تعاىل يف جواب استفساراته عن التوحيد وعني اليقني وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني اىل جناب‬‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫خمدوم زاده ان الصحيفة الشريفة قد وصلت وحصل الفرح الوافر مبطالعتها واندرج فيها‬
‫بيان مشول نسبة احلضور واستيالئها فحسن ومبارك وهذه الدولة اليت تيسرت لكم يف مدة‬
‫ثالثة اشهر ان تيسر هي يف سالسل أخرى يف مدة عشر سنني ليعدوهنا نعمة عظيمة‬
‫‪- 694 -‬‬

‫ويتصوروهنا امرا عظيما ينبغي اداء شكر هذه النعمة كما ينبغي وحيث اين اعرف ان‬
‫فطرتكم عالية ومربأة عن حصول شائبة العجب بتحسني مثل هذه االحوال اظهران هذه‬
‫النعمة لئن شكرمت الزيدنكم نص قاطع وكتبتم ان مقدمة التوحيد يعين الوجودي اخذت‬
‫يف الظهور فيبارك لكم هذه الدولة ايضا ينبغي قبول هذا الوارد ابالدب ولكن ينبغي رعاية‬
‫اآلداب الشرعية يف غلبة هذا احلال حق رعايتها واداء حقوق العبدية حق ادائها وان يعلم‬
‫ابن هذه الشعبذة على تقدير صحتها وصدقها انشئة بواسطة استيالء حمبة احملبوب حيث‬
‫ان احملب اذا ابصر شيئا وادركه ال يبصر وال يدرك غري حمبوبه واذا حصلت له لذة وذوق‬
‫من احد ينسبها اىل حمبوبه ويف هذه الصورة مشهود احملب هو الكثرة لكن بعنوان الوحدة‬
‫فال يتحقق الفناء يف هذا املوطن فان يف الفناء دفع شهود الكثرة ابلكلية بواسطة استيالء‬
‫شهود الواحد وامنا قيل لذلك ايضا فناء ابلنسبة اىل عدم شهود كثرة املمكنات وحقيقة‬
‫الفناء امنا تتحقق اذا اختفت كثرة االمساء والصفات والشئون واالعتبارات بتمامها ايضا‬
‫عن النظر ومل يكن شئ غري احدية الذات اجملردة تعالت ملحوظا ومنظورا اصال وحقيقة‬
‫متامية السري اىل هللا جتتلي يف هذا املقام وفيه يتصور التخلص عن التعلق ابلظالل ابلكلية‬
‫ويف هذا الوقت تقع املعاملة يف اصل االصول وتتحول من الدال اىل املدلول وحيصل‬
‫الرتقي والعروج من العلم اىل العني ومن املراسلة اىل املعانقة ويتحقق الوصل العراين وكذا‬
‫وكذا مث كذا وكذا ال ميكن التكلم واالنباء عن ذلك املوطن بغري الرمز واالشارة وهو ايضا‬
‫مبهم ومستور (وقد) طلب خمدوم زاده منا بيان عني اليقني واراد حصوله يف العلم وهذا‬
‫امر مشكل ماذا اصنع وماذا اقول وكيف ابينه واكشف عنه وافهمه فريجى من كرم خمدوم‬
‫زاده ان يعذرين وان مييل من طلب العلم اىل طلب احلال والسؤالن الصادران عن املخدوم‬
‫انبأ كل منهما عن علو الفطرة احدمها عن بيان عني اليقني بطور خاص كما مر واثنيهما‬
‫عن بيان أتويل املتشاهبات القرآنية اليت علمها نصيب العلماء الراسخني وجواب السؤال‬
‫الثاين ادق من جواب السؤال االول واخفى منه وأليق ابالستتار ومناف للظهور واالظهار‬
‫وعلم أتويل املتشاهبات كناية عن املعاملة اليت هي خمصوصة ابلرسل عليهم الصلوات و‬
‫‪- 695 -‬‬

‫التسليمات ومينح اقل قليل من االمم نبذا يسريا من هذا العلم ابلتبعية والوراثة وال يرفع‬
‫الربقع عن مجاهلا هلم يف هذه النشأة ولكن املرجو ان يشرف هبذه الدولة يف النشأة اآلخرة‬
‫جم غفري من االمم ايضا بطريق التبعية والقدر املمكن كتابته انه يصح ان يشرف البعض‬
‫اآلخر وراء ذلك االقل هبذه الدولة يف هذه النشأة ايضا ولكن ال يعطى له العلم حبقيقة‬
‫املعاملة وال ينكشف له التأويل وابجلملة جيوز ان حيصل أتويل املتشاهبات لذلك البعض‬
‫ولكنه ال يدري ما حاصله فان املتشاهبات كناية عن املعامالت ويصح ان تكون املعاملة‬
‫ايل وماذا‬
‫حاصلة وال حيصل العلم بتلك املعاملة وشاهدت هذا املعن يف فرد من املنتسبني ّ‬
‫حيصل لآلخرين وسؤالكم ا وقع يف الرجاء من هذه املعاملة ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك‬
‫على كل شئ قدير و السالم ‪.‬‬

‫{ املكتوب السادس والثالثون اىل اخلواجه حممد التقي يف بيان حبث االمامة‬
‫وحقيقة مذهب اهل السنة واجلماعة وخمالفيهم وان اهل السنة متوسطون بني االفراط‬
‫والتفريط اللذين اختارمها الروافض واخلوارج ومدح اهل بيت الرسول صلى هللا عليه‬
‫و على آله وسلم وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان حمبة الفقراء‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫واالرتباط هبم وااللفة معهم والرغبة يف استماع كلمات هذه الطائفة العلية وامليل اىل‬
‫اوضاع هذه الطبقة السنية واطوارهم من اجل نعم هللا جل سلطانه واعظم عناايته تعاىل‬
‫قال املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم املرء مع من أحب فمحبهم معهم‬
‫ويف حرم حرمي القرب طفيليهم (ايها املوفق) ان ولدي اخلواجه شرف الدين حسني قد‬
‫اخرب ان هذه االوصاف احلميدة جمتمعة فيه مع وجود تعلقات شت وهذه املعاين‬
‫املستحسنة املقبولة ملتئمة فيه مع وجود اشغاالت ال طائل فيها هلل سبحانه احلمد واملنة‬
‫على ذلك فان صالحكم موجب لصالح جم غفري وفالحكم مستلزم لفالح مجع كثري‬
‫واظهر املشار اليه ابنه حمب لكالمك وراغب يف استماع علومك فان كتبت اىل جنابه‬
‫‪- 696 -‬‬

‫كلمات لكان افضل واحسن فاردت ان اكتب كلمات اجابة للملتمس وحيث كان يف‬
‫هذه االايم ذكر حبث االمامة اكثر وكل شخص ينسج الكالم يف هذا الباب ابلظن‬
‫والتخمني اردت ان اكتب يف هذا املبحث سطورا ابلضرورة وان ابني حقيقة مذهب اهل‬
‫السنة واجلماعة ومذهب املخالفني (ايها) الطالب للنجاة ان من عالمات اهل السنة‬
‫واجلماعة تفضيل الشيخني وحمبة اخلتنني واجتماع تفضيل الشيخني مع حمبة اخلتنني من‬
‫خصائص اهل السنة واجلماعة وتفضيل الشيخني اثبت ابمجاع الصحابة والتابعني كما‬
‫نقله اكابر االئمة احدهم االمام الشافعي رمحه هللا و قال الشيخ ابو احلسن االشعري‬
‫تفضيل ايب بكر وعمر رضي هللا عنهم على سائر االمة قطعي و قد ثبت عن علي كرم‬
‫هللا وجهه ابلتواتر يف زمن خالفته وكرسي مملكته وبني اجلم الغفري من شيعته ان ااب بكر و‬
‫عمر افضل هذه االمة كما ذكره الذهيب وروى عنه االمام البخاري انه قال افضل الناس‬
‫بعد الرسول صلّى هللا عليه و سلّم ابو بكر مث عمر مث رجل آخر فقال ابنه حممد بن‬
‫احلنفية مث انت فقال ما أان اال رجل من املسلمني (وابجلملة) ان تفضيل الشيخني قد بلغ‬
‫من كثرة الرواة الثقات حد الضرورة والتواتر فانكاره اما من اجلهل واما من التعصب وملا مل‬
‫جيد عبد ال رزاق الذي هو من اكابر الشيعة جماال لالنكار قال بتفضيل الشيخني من غري‬
‫اختيار وقال حيث فضل علي الشيخني على نفسه افضلهما اان ايضا عليه لتفضيله ولوال‬
‫انه فضلهما على نفسه ملا فضلتهما عليه وابل عل ّي ان ادعي حمبة عل ّي مث اخالفه وملا كثر‬
‫يف زمان خالفة اخلتنني ظهور الفنت واالختالل يف امور الناس وحصلت من هذه اجلهة‬
‫كدورة غري حمصورة يف قلوب الناس واستولت العداوة والبغضاء فيما بني املسلمني عدت‬
‫حمبة اخلتنني ايضا ابلضرورة من مجلة شرائط كون شخص من اهل السنة واجلماعة لئال‬
‫يسئ اجلاهل الظن من هذه احليثية ابصحاب خري البشر عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم ولئال يضمر البغض والعداوة لنواب رسول هللا وقائمي مقامه عليه وعليهم الصالة‬
‫علي كرم هللا وجهه شرطا للتسنن ومن ليست فيه هذه احملبة صا‬ ‫و السالم فكانت حمبة ّ‬
‫رخارجا عن اهل السنة ويسمى خارجيا والذي اختار طرف االفراط يف حمبة عل ّي ووقع‬
‫‪- 697 -‬‬

‫منه الزايدة على القدر الالئق واظهر الغلو يف تلك احملبة واطال اللسان بسب اصحاب‬
‫خري البشر عليه وعليهم الصالة و السالم وترك طريق الصحابة والتابعني والسلف‬
‫الصاحلني رضوان هللا عليهم امجعني ورفضه مسي رافضيا فاهل السنة متوسطون بني االفراط‬
‫علي كرم هللا وجهه وبني التفريط فيها اللذين اختارمها الروافض واخلوارج وال شك‬
‫يف حمبة ّ‬
‫ان احلق يف الوسط واالفراط والتفريط كالمها مذمومان كما روى االمام امحد بن حنبل‬
‫عن عل ّي انه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فيك مثل من عيسى عاداه اليهود‬
‫حت هبتوا امه واحبه النصارى حت انزلوه منزلة ليس هو فيها يعين قالوا انه ابن هللا فقال‬
‫يف والثاين من يعاديين ويفرتي‬‫يف اثنان املفرط يف حمبيت حت يثبت يل ما ليس ّ‬
‫علي هلك ّ‬
‫علي ابلعداوة فشبه حال اخلوارج حبال اليهود وحال الروافض حبال النصاري و كالمها وقعا‬
‫من احلق الوسط يف الطرفني وما اجهل من ال يعد اهل السنة واجلماعة من حميب عل ّي‬
‫ويزعم حمبته خمتصة ابلرفضة وليست حمبة عل ّي من الرفض وامنا الرفض التربي من اخللفاء‬
‫الثالثة والتربي من االصحاب الكرام مذموم وصاحبه عليه ملوم قال االمام الشافعي رضي‬
‫هللا عنه {شعر}‪:‬‬
‫لو كان رفضا حب آل حممد * فليشهد الثقالن اين رافض‬
‫يعين ان حب آل حممد ليس برفض كما يزعمونه فان قالوا هلذا احلب رفضا فليس‬
‫برفض مذموم فان ذم الرفض امنا جاء من جهة التربي عن اآلخرين ورفضهم ال من جهة‬
‫حمبتهم يعين آل حممد فيكون حمبوا اهل بيت رسول هللا عليه وعليهم الصلوات و‬
‫التسليمات من اهل السنة واجلماعة وهم شيعة اهل البيت يف احلقيقة والشيعة الذين‬
‫يدعون حمبة اهل البيت ويعدون انفسهم من شيعتهم فان مل يقتصروا حمبتهم على اهل‬
‫البيت ومل يتربوا من اآلخرين وعظموا مجيع اصحاب النيب عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم ووقروهم حق تعظيمهم وتوقريهم ومحلوا مشاجراهتم على حمامل حسنة فهم داخلون‬
‫يف اهل السنة واجلماعة وخارجون عن اخلوارج والروافض فان عدم حمبة اهل البيت خروج‬
‫والتربي عن االصحاب رفض وحمبة اهل البيت مع تعظيم مجيع االصحاب وتوقريهم تسنن‬
‫‪- 698 -‬‬

‫(وابجلملة) ان مبن التسنن على حب مصاحبيه عليه وعليهم الصالة و السالم والعاقل‬
‫املنصف ال خيتار بغض االصحاب الكرام على حبهم اصال بل حيب مجيعهم حبب النيب‬
‫عليه وعليهم الصلوات والتحيات قال عليه الصالة و السالم من احبهم فبحيب احبهم‬
‫ومن ابضغهم فببغضي ابغضهم (ولنرجع) اىل اصل الكالم ونقول كيف يظن عدم حمبة‬
‫اهل البيت يف حق اهل السنة واجلماعة واحلال ان حمبتهم عندهم جزء االميان وسالمة‬
‫اخلامتة مربوطة عندهم برسوخ تلك احملبة وكان والد هذا الفقري املاجد يرغب يف اكثر‬
‫االوقات يف حمبة اهل البيت وكان عاملا ابلعلم الظاهري والباطين وكان يقول ان حملبتهم‬
‫مدخال عظيما يف سالمة اخلامتة ينبغي ان يراعيها كمال رعايتها وكان هذا الفقري حاضرا‬
‫يف مرض موته وملا انتهت معاملته اىل آخرها وبقى الشعور هبذا العامل قليال ذكرته بكالمه‬
‫يف ذلك الوقت واستفسرته عن تلك احملبة فقال يف تلك احلالة اين غريق يف حمبة اهل‬
‫البيت فأؤدي شكر احلق عز وجل يف ذلك الوقت وحمبة اهل البيت رأس مال اهل السنة‬
‫وامل خالفون غافلون عن هذا املعن وجاهلون مبحبتهم املتوسطة اختاروا النفسهم جانب‬
‫االفراط وظنوا وراء االفراط تفريطا وحكموا ابخلروج وزعموه مذهب اخلوارج ومل يعلموا ان‬
‫بني االفراط والتفريط حدا وسطا هو مركز احلق وموطن الصدق الذي صار نصيبا الهل‬
‫السنة واجلماعة شكر هللا سعيهم والعجب ان اهل السنة هم الذين قتلوا اخلوارج‬
‫واستأصلوا اعداء اهل البيت ومل يكن من الرفضة يف ذلك الوقت اسم وال رسم فان كان‬
‫كان له حكم العدم وكاهنم تصوروا حميب اهل البيت بزعمهم الفاسد رفضة وختيلوا اهل‬
‫السنة بتلك العالقة روافض اي هلا من معاملة عجيبة حيث يعدون أهل السنة احياان من‬
‫اخلوارج لعدم افراط احملبة ويزعموهنم احياان روافض ملا حيسون فيهم من نفس احملبة وهلذا‬
‫تراهم يزعمون من جهالتهم االولياء العظام من اهل السنة الذين يذكرون حمبة اهل البيت‬
‫ويظهرون حب آل حممد صلّى هللا عليه و سلّم روافض ويظنون كثريا من كبار علماء اهل‬
‫السنة الذين مينعون من افراط تلك احملبة وحيرضون على تعظيم اخللفاء الثالثة وتوقريهم‬
‫خوارج فآه ألف انتهى من جراءهتم الغري املناسبة اعاذان هللا سبحانه من افراط تلك احملبة‬
‫‪- 699 -‬‬

‫وتفريطها ومن افراط احملبة اشرتطوا يف حتقق حمبة علي التربي من اخللفاء الثالثة وغريهم‬
‫ينبغي االنصاف ما معن احملبة اليت يشرتط يف حصوهلا التربي من نواب النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم و قائمي مقامه وسب اصحاب خري البشر وطعنهم رضوان هللا عليهم امجعني‬
‫وذنب اهل السنة امنا هو ضمهم اىل حمبة اهل البيت توقري مجيع اصحابه صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم وتع ظيمهم ومجعهم اايمها معا حبيث ال يذكرون احدا منهم بسوء مع وجود املنازعات‬
‫واملخالفات فيما بينهم وينزهوهنم عن االهواء النفسانية والتعصبات البشرية من جهة‬
‫تعظيم صحبة النيب وتكرمي مصاحبيه عليه وعليهم الصالة و السالم ومع ذلك يقولون‬
‫للمحق حمقا وللمبطل مبطال ولكن مع تنزيه بطالنه من اهلوى واهلوس واحالته على الرأي‬
‫واالجتهاد وامنا يرضى الروافض عن اهل السنة واجلماعة اذاهم تربوا عن سائر االصحاب‬
‫الكرام مثلهم وأساؤا ظنهم هبؤالء االكابر كما ان رضاء اخلوارج عنهم مربوط بعداوة اهل‬
‫البيت ومنوط ببغض آل حممد عليه وعليهم الصلوات والربكات ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ‬
‫هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب (وكان) اصحاب رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم عند اكابر اهل السنة واجلماعة شكر هللا سعيهم يف وقت منازعة بعضهم‬
‫بعضا ثالث فرق فرقة عرفوا حقية جانب علي ابلدليل واالجتهاد (ومجاعة) أخرى وجدوا‬
‫ايضا ابلدليل واالجتهاد حقية جانب آخر (وطائفة) اثلثة كانوا متوقفني مل يرجحوا جانبا‬
‫واحدا ابلدليل (فلزمت) الطائفة االوىل نصرة جانب علي مبقتضى اجتهادهم (ولزمت)‬
‫الطائفة الثانية نصرة جانب خمالفيه على مؤدى اجتهادهم (ولزم) الطائفة الثالثة التوقف‬
‫وكان ترجيح احديهما على األخرى خطأ يف حقهم (فعمل) كل فرقة من هذه الفرق‬
‫الثالث مبقتضى اجتهادهم وادوا ما هو الواجب والالزم على ذمتهم فكيف يكون للمالمة‬
‫جمال فيهم وكيف يكون الطعن مناسبا هلم وقال االمام الشافعي ونقل عن عمر بن عبد‬
‫العزيز ايضا رضي هللا عنهما تلك دماء طهر هللا عنها ايدينا فلنطهر عنها السنتنا ويفهم‬
‫من هذه العبارة انه ال ينبغي حتريك الشفتني ايضا حبقية احديهما وختطئة األخرى وان ال‬
‫يذكر كلهم بغري اخلري وكذلك ورد يف احلديث النبوي حيث قال النيب صلّى هللا عليه و‬
‫‪- 700 -‬‬

‫سلّم اذا ذكر اصحايب فامسكوا يعين اذا ذكر اصحايب ومنازعاهتم فامتنعوا عن ذلك وال‬
‫ختتاروا احدهم على اآلخر ولكن مجهور اهل السنة ذاهبون ملا ظهر هلم بدليل اىل ان‬
‫احلق يف جانب علي كرم هللا وجهه وخمالفوه سالكون طريق اخلطأ ولكن ملا كان هذا‬
‫اخلطأ خطأ اجتهاداي بعد عن املالمة والطعن وتنزه عن التحقري وتربأ من التشنيع ونقل عن‬
‫علي رضي هللا عنه انه قال اخواننا بغوا علينا ال هم كفار وال فساق فان هلم أتويال مينع‬
‫عنهم الكفر والفسق (فاهل) السنة والرافضة كالمها خيطئون حماريب علي وكالمها يقولون‬
‫حبقية جانبه ولكن ال جيوز اهل السنة الزايدة على اطالق لفظ اخلطإ الناشئ عن التأويل‬
‫يف حق حم اربيه وحيفظون اللسان من طعنهم وتشنيعهم ويراعون حق صحبة خري البشر‬
‫عليه وعليهم الصالة و السالم قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم هللا هللا يف اصحايب ال‬
‫تتخذوهم غرضا بعدي وكرر لفظ اجلاللة للتأكيد وقال ايضا اصحايب كالنجوم ابيهم‬
‫اقتديتم اهتديتم وورد احاديث أخرى كثرية يف ابب تعظيم االصحاب وتوقريهم امجعني‬
‫فينبغي اعزازهم وتكرميهم مجيعا ومحل زالهتم على حمامل حسنة وهذا هو مذهب اهل‬
‫السنة يف هذه املسئلة والروافض يغالون يف هذا الباب حت يكفرون حماريب علي ويلوثون‬
‫السنتهم ابنواع الطعن واقسام الشتم فان كان املقصود ظهور حقية جانب علي واظهار‬
‫خطإ حماريبه فما اختاره اهل السنة كاف فيه و على حد االعتدال والطعن يف اكابر الدين‬
‫بعيد عن الداينة والتدين كما اختاره الرافضة وزعموا شتم اصحاب رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم دينهم وامياهنم ما اقبحه من دين حيث ان جزءه االعظم سب نواب النيب‬
‫وشتم خلفائه عليه وعليهم الصالة و السالم واختار كل واحدة من طوائف املبتدعة بدعة‬
‫وامتاز هبا عن اهل السنة واجلماعة ولكن فرقة اخلوارج والروافض من بني مجيع هؤالء‬
‫الطوائف بعيدة عن احلق والصواب جدا فاذا كان سب اكابر الدين ولعنهم جزء اعظم‬
‫من امياهنم كيف يكون هلم نصيب من احلق وافرتقت الروافض على اثنيت عشرة فرقة كلهم‬
‫يكفرون اصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم و يعتقدون سب اخللفاء الراشدين عبادة‬
‫وهذه اجلماعة يتحاشون عن اطالق لفظ الرفض على انفسهم ويزعمون الروافض غريهم‬
‫‪- 701 -‬‬

‫ملا ورد يف االحاديث وعيد شديد يف حق الرفضة فيا ليتهم اجتنبوا عن معن الرفضة ايضا‬
‫ومل يتربؤا عن اصحاب النيب عليه وعليهم الصالة و السالم وهنود بالد اهلند يعين جموسهم‬
‫ايضا يقولون النفسهم هنودا ويتحاشون عن الكفر وال يعتقدون انفسهم كفارا ويزعمون‬
‫ان الكفار هم سكان دار احلرب وغلطوا يف هذا الفهم بل كال الصنفني كفار ومتحققون‬
‫حبقيقة الكفر وكاهنم زعموا ان أهل بيت النيب عليه وعليهم الصالة و السالم مثلهم‬
‫وختيلوهم ايضا اعداء ايب بكر وعمر رضي هللا عنهما وهذه الطائفة يظنون أكابر اهل‬
‫البيت حبكم التقاة اليت يزعموهنا منافقني وخمادعني ويزعمون ان عليا كرم هللا وجهه‬
‫صحب اخللفاء الراشدين ثالثني سنة حبكم التقاة صحبة نفاق وعظمهم ووقرهم من غري‬
‫حق واستحقاق ما احسن هذه املعاملة وما امجلها فان كانت حمبة اهل بيت رسول هللا‬
‫بواسطة حمبة رسول هللا صلى هللا عليه وعليهم وسلم ينبغي ان يكونوا ايضا اعداء العداء‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وان يسبوهم ويلعنوهم اكثر من سب اعداء اهل البيت‬
‫ولعنهم ومل يسمع من احد من هذه الطائفة انه سب ااب جهل ولعنه مع انه اشد اعداء‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم واذاه صلّى هللا عليه و سلّم ابنواع االذية واجلفاء ومل حيرك‬
‫احد منهم لسانه بذكر مساويه وابو بكر الصديق الذي هو احب[‪ ]1‬الرجال اىل رسول‬
‫هللا صلّى هللا عليه و سلّم يزعمونه بزعمهم الفاسد عدوا الهل البيت ويطيلون السنتهم‬
‫بسبه وطعنه وينسبون اليه امورا غري مناسبة به فاي تدين هذا واي داينة ال قدر هللا‬
‫سبحانه كون ايب بكر وعمر وسائر الصحابة الكرام اعداء اهل بيت رسول هللا عليه و‬
‫عليهم الصالة و السالم ومبغضني ومعادين آلل حممد صلّى هللا عليه و سلّم وليت هؤالء‬
‫العارين عن لباس االنصاف يسبون اعداء اهل البيت من غري تعيني أسامي اكابر‬
‫الصحابة رضوان هللا عليهم امجعني ومن غري اظهار سوء ظن ابكابر الدين فرتتفع حينئذ‬
‫خمالفتهم يف هذا الباب الهل السنة فان اهل السنة ايضا يعادون اعداء اهل البيت‬

‫(‪ )1‬اخرج البخاري عن عمرو بن العاص انه سأل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اي الناس احب اليك قال عائشة‬
‫فقال من الرجال قال ابوها منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 702 -‬‬

‫ويقولون بطعنهم وتشنيعهم ومن حسن اهل السنة اهنم ال يقولون لشخص معني مبتلي‬
‫متلبس ابنواع الكفر جهنميا وال جيوزون اطالق اللعن عليه الحتمال اسالمه وتوبته يف‬
‫آخر أمره وامنا جيوزون إطالق اللعن على الكافرين مطلقا دون تعيني شخص منهم ما مل‬
‫يعلم سوء خامتته بدليل قطعي والروافض يلعنون أاب بكر وعمر رضي هللا عنهما بال حتاش‬
‫ويسبون اكابر الصحابة ويطعنون فيهم من غري اكرتاث هداهم هللا اىل سواء الصراط (ويف‬
‫هذا) املبحث اختالف عظيم بني اهل السنة وبني خمالفيهم يف مقامني (املقام) االول هو‬
‫ان اهل السنة قائلون حبقية خالفة اخللفاء االربع ويقولون لكل واحد من هؤالء االربع‬
‫خليفة حقا ألنه قد ورد يف احلديث الصحيح بطريق االخبار عن املغيبات[‪ ]1‬اخلالفة‬
‫بعدي ثالثون سنة وهذه املدة متت خبالفة علي فبمقتضى هذا احلديث يكون كل من‬
‫االربعة خليفة و يكون ترتيب اخلالفة على احلق واملخالفون ينكرون حقية خالفة اخللفاء‬
‫الثالثة ويسبون خالفتهم اىل التعصب والتغلب واليعتقدون احدا غري علي اماما على‬
‫احلق وحيملون البيعة الواقعة من علي للخلفاء الثالثة على التقاة ويظنون الصحبة الواقعة‬
‫فيما بني االصحاب الكرام صحبة نفاق ويتصورون املداراة الكائنة فيهم خمادعة فان‬
‫موافقي علي قد صحبوا يف زعم هؤالء الفرقة مع خمالفيه حبكم التقاة صحبة نفاق واظهروا‬
‫بلساهنم خالف ما يف قلوهبم وخمالفوا علي ملا كانوا يف زعم هؤالء الطائفة أعداءه وأعداء‬
‫موافقيه واحبابه كانوا احبااب هلم على سبيل النفاق واظهروا املعاداة يف صورة املواالة فيكون‬
‫مجيع اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم على زعمهم املفاسد منافقني وخمادعني‬
‫ومظهرين بظواهرهم خالف ما يف بواطنهم فيكون شرار هذه االمة عند هؤالء الفرقة هم‬
‫االصحاب الكرام و يكون شر الصحبات واخبثها صحبة خري البشر عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم حيث نشأت منها امثال هذه االخالق الذميمة و يكون شر القرون‬
‫قرن االصحاب لكونه مملوء من النفاق والعداوة والبغضاء واحلقد وقد قال هللا يف كالمه‬
‫اجمليد يف حقهم رمحاء بينهم اعاذان هللا سبحانه من اعتقاداهتم السوء فاذا جعلوا سابقي‬

‫(‪ )1‬اخرج امحد والرتمذي وابو يعلى وابن حبان عن سفينة بلفظ اخلالفة بعدي من اميت ثالثون سنة منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 703 -‬‬

‫ه ذه االمة متصفني هبذه االخالق الذميمة فكيف توجد اخلريية يف الالحقني وكأن هذه‬
‫الطائفة مل يروا اآلايت القرآنية واآلحاديث النبوية الواردة يف فضل صحبة خري البشر صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم وفضيلة اصحابه الكرام وخرية هذه االمة او رأوها ولكنهم مل يؤمنوا هبا ومل‬
‫يصدقوها وامنا وصل القرآن واالحاديث الينا بتبليغ االصحاب الكرام فاذا كان األصحاب‬
‫مطعوان فيهم يكون الدين الواصل الينا بواسطتهم ومن طرقهم ايضا مطعوان فيه ابلضرورة‬
‫نعوذ ابهلل من ذلك (ولعل) مقصود هذه الطائفة ابطال الدين وانكار شريعته عليه الصالة‬
‫و السالم ففي ظاهر الصورة يظهرون حمبة اهل بيت رسول هللا ويف احلقيقة يبطلون شريعته‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم وليتهم يرتكون عليّا وموافقيه مسلما فيهم ومل جيعلوهم متسمني‬
‫بسمة التقاة اليت هي من مسة اهل املكر والنفاق واي خري يكون يف مجاعة من موافقي‬
‫علي او خمالفيه حيث صحب بعضهم بعضا ثالثني سنة ابلنفاق وعاشروا ابملكر واخلداع‬
‫وكيف يستحقون االعتماد عليهم (وهؤالء) يطعنون يف ايب هريرة رضي هللا عنه وال‬
‫يعلمون ان يف طعنه طعنا يف نصف االحكام الشرعية وذلك ان العلماء احملققني قالوا ورد‬
‫يف االحكام ثالثة آالف حديث يعين ثبت ثالثة آالف حكم من االحكام الشرعية‬
‫ابلسنة وثبت ألف ومخسمائة منها برواية ايب هريرة فيكون الطعن فيه طعنا يف نصف‬
‫االحكام الشرعية وقال االمام البخاري ان رواة ايب هريرة ازيد من مثامنائة من االصحاب‬
‫الكرام والتابعني العظام واحد منهم ابن عباس رضي هللا عنهما وروى عنه ابن عمر ايضا‬
‫وكذلك جابر بن عبد هللا وانس بن مالك من رواته واحلديث الذي ينقلون عن علي كرم‬
‫هللا وجهه يف الطعن يف ايب هريرة رضي هللا عنه فهو حديث مفرتي كما حققه العلماء‬
‫وحديث دعائه صلّى هللا عليه و سلّم اليب هريرة رضي هللا عنه ابلفهم معروف بني العلماء‬
‫قال ابو هريرة رضي هللا عنه حضرت جملسا لرسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم[‪ ]1‬فقال من‬
‫يبسط منكم رداءه حت افيض فيه مقاليت فيضمها اليه مث ال ينساه فبسطت بردة كانت‬
‫عل َّي فافاض رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مقالته فضممتها اىل صدري فما نيست‬

‫(‪ )1‬اصله يف البخاري يف كتاب العلم منه عفي عنه‬


‫‪- 704 -‬‬

‫لعلي مبجرد الزعم وجتويز‬


‫بعد ذلك شيئا فاعقتاد شخص عظيم من أكابر الدين عدوا ّ‬
‫السب والطعن واللعن يف حقه بعيد عن االنصاف وهذه كلها من آفات افراط احملبة حت‬
‫كادوا خيرجون رؤسهم من ربقة االميان فلئن جوزت التقاة فرضا يف حق علي كرم هللا‬
‫وجهه فماذا يقولون يف اقواله اليت نقلت عنه ابلتواتر يف أفضلية الشيخني وكذلك يف‬
‫كلما ته القدسية اليت صدرت عنه يف عني خالفته وكرسي مملكته يف حقية خالفة اخللفاء‬
‫الثالثة فان التقاة امنا تكون بسرت حقية خالفته وعدم اظهار بطالن خالفة اخللفاء الثالثة‬
‫و ّأما اظهار حقي ة خالفة اخللفاء الثالثة وبيان افضلية الشيخني فامر على حدة وراء تلك‬
‫التقاة ال حممل له غري الصدق والصواب وال يتصور رفعها ابلتقاة وايضا قد وردت‬
‫االحاديث الصحيحة يف فضائل اخللفاء الثالثة وغريهم وبلغت حد الشهرة بل حد التواتر‬
‫يف املعن وبشرت مجاعة منهم ابجلنة فماذا يقولون يف هذه االحاديث فان التقاة ال جتوز‬
‫يف حق النيب عليه و على آله الصالة و السالم فان التبليغ الزم لالنبياء عليهم الصالة و‬
‫السالم وايضا قد نزلت يف هذا الباب آايت قرآنية وال يتصور فيها التقاة رزقهم هللا‬
‫سبحانه االنصاف (ومعلوم) عند ارابب العقول ان التقاة من صفات اجلبان فنسبتها اىل‬
‫اسد هللا غري مناسبة وان جوزت التقاة حبكم البشرية ساعة او ساعتني ويوما او يومني فله‬
‫مساغ وجمال واما اثباهتا السد هللا مدة ثلثني سنة والقول ابصراره على التقاة يف تلك املدة‬
‫فمستكره جدا وقد قال العلماء االصرار على الصغرية كبرية فما يكون حكم االصرار على‬
‫صفة من صفات ارابب الشقاق والنفاق اي ليتهم يفهمون قباحة هذا االمر (وهم) امنا‬
‫هربوا من تقدمي الشيخني لكونه مستلزما الهانة علي وتنقيصه يعين يف زعمهم الفاسد‬
‫واختاروا اثبات التقاة له ومل يفهموا شناعة هذه الصفة فلو فهموا شناعتها ملا جوزوها له‬
‫اصال والختاروا اهون االمرين (بل اقول) ال اهانة لعلي يف تقدمي الشيخني فان حقية‬
‫خالفته ابقية على حاهلا ودرجة واليته ورتبة هدايته ومنزلة ارشاده ايضا ابقية على ما هي‬
‫عليها ويف اثبات التقاة يلزم التنقيص والتوهني لكوهنا من خصائص ارابب النفاق ولوازم‬
‫اصحاب املكر واخلداع (واملقام الثاين) هو ان اهل السنة واجلماعة شكر هللا سعيهم‬
‫‪- 705 -‬‬

‫حيملون مشاجرات اصحاب خري البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات ومنازعاهتم‬
‫على حمامل حسنة ويعتقدوهنا بعيدة عن اهلوى والتعصب فان نفوسهم صارت مزكاة يف‬
‫صحبة خري البشر عليه وعليهم الصالة و السالم وساحة صدورهم طاهرة نظيفة من‬
‫العداوة والغل واحلقد غاية ما يف الباب انه ملا كان لكل واحد منهم رأاي واجتهادا وكان‬
‫العمل لكل جمتهد على وفق اجتهاده واجبا لزمت املشاجرة واملخالفة يف بعض االمور‬
‫بسبب خمالفة اآلراء ابلضرورة وكان اتباع كل منهم رأى نفسه صوااب فكانت خمالتهم مثل‬
‫موافقتهم الجل احلق ال للهوى واهلوس واتباع النفس االمارة (والروافض) يكفرون خمالفي‬
‫علي وحماربيه وجيوزون يف حقهم انواع الطعن والتشنيع فاذا صدرت خمالفة االصحاب‬
‫الكرام للنيب صلّى هللا عليه و سلّم يف بعض االمور االجتهادية وحكمهم خبالف‬
‫حكمه[‪ ]1‬عليه الصالة و السالم ومل تكن خمالتهم هذه مذمومة ومل يكونوا ملومني عليها‬
‫ومل جيئ منعهم عنها مع وجود نزول الوحي يف ذلك الوقت فكيف تكون خمالتهم لعلي يف‬
‫االمور االجتهادية كفرا ومل يكون املخالفون مطعوان فيهم وملومني كيف فان املخالفني‬
‫جم غفري من اهل االسالم ومن أجلة االصحاب الكرام وبعض منهم مبشر ابجلنة وليس‬
‫تكفريهم وتشنيعهم امرا يسريا كربت كلمة خترج من افوافهم فاهنم كادوا يكونون هم الذين‬
‫بلغوا قريبا من نصف الدين والشريعة فاذا كانوا مطعوان فيهم يزول االعتماد عن شطر‬
‫الدين (كيف) يكون هؤالء االكابر مطعوان فيهم فانه مل يرد احد رواية احد منهم اصال ال‬
‫علي وال غريه (وأيضا) ان صحيح البخاري اصح الكتب بعد كتاب هللا تعاىل ويعرتف به‬
‫الشيعة ايضا ومسع هذا الفقري امحد التبيت الذي كان من اكابر الشيعة يقول ان كتاب‬
‫البخاري اصح الكتب بعد كتاب هللا وفيه رواايت من موافقي علي ورواايت من خمالفيه‬
‫ومل جيعل الرجحان وعدمه مبنيا على املوافقة واملخالفة فكما انه يروي عن علي يروي عن‬
‫معاوية فلو كان يف معاوية ويف روايته شائبة الطعن ملا ادرج روايته يف كتابه اصال وكذلك مل‬

‫(‪ )1‬كما وقع يف اسارى بدر وغزوة اخلندق حني اراد النيب صلّى هللا عليه و سلّم اعطاء ثلث حمصول املدينة لغطفان‬
‫فلم يرض به االنصار كما هو مشهور بني اراببه منه عفي عنه‬
‫‪- 706 -‬‬

‫يفرق هبذا الوجه يف رواية احلديث احد من نقاد االحاديث من السلف ومل جيعل خمالفة‬
‫علي منشأ للطعن (ومما ينبغي) ان يعلم انه ال يلزم ان يكون علي رضي هللا عنه حمقا يف‬
‫مجيع االمور اخلالفية وال يقطع به وان يكون خمالفوه على اخلطإوان كان احلق يف امر‬
‫احملاربة يف جانبه فان علماء الصدر االول من التابعني واالئمة اجملتهدين اختاروا مذهب‬
‫غريه يف كثري من االحكام اخلالفية ومل حيكموا مبذهبه فان كان احلق متعينا يف جانبه ملا‬
‫كانوا حيكمون خبال فه وكان القاضي شريح من التابعني وصاحب اجتهاد ومل حيكم‬
‫مبذهب علي ومل يقبل شهادة ابنه احلسن عليهما الرضوان له بواسطة نسبة البنوة وعمل‬
‫اجملتهدون بقول شريح واخذوا به ومل جيوزوا شهادة االبن لالب واختيار االقوال اليت‬
‫ختالف رأي علي كرم هللا وجهه كثري يف مسائل أخرى ايضا ال خيفى على املتتبع املنصف‬
‫وتفصيله يستدعي تطويال فال يكون يف خمالفة علي كرم هللا وجهه جمال لالعرتاض وال‬
‫يكون خمالفوه مطعوان فيهم وملومني (وكانت) عائشة الصديقة رضي هللا تعاىل عنها حبيبة‬
‫حبيب رب العاملني ومقبولته ومنظورة اليه صلّى هللا عليه و سلّم اىل شفري اللحد و كان‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم مقيما يف حجرهتا يف مرض موته وقبض روحه الشريفة يف حجرها‬
‫وبني سحرها وحنرها ودفن يف حجرهتا املطهرة ومع ذلك الشرف كله كانت رضي هللا عنها‬
‫عاملة وجمتهدة واحال النيب صلّى هللا عليه و سلّم[‪ ]1‬بيان شطر الدين عليها ورجع‬
‫االصح اب الكرام يف مشكالت االحكام اليها ووجدوا حل املغلقات منها فالطعن يف‬
‫مثل هذه الصديقة اجملتهدة بواسطة خمالفة علي ونسبة االشياء الغري الالئقة اليها غري‬
‫مناسبة جداو بعيدة عن االميان ابلنيب صلّى هللا عليه و سلّم فان كان علي كرم هللا وجهه‬
‫ختنه وابن عمه فالصديقة زوجته املطهرة وحبيبته املقبولة عليه و على مجيع اهل بيته‬
‫الصالة و السالم (وكان) دأب الفقري قبل هذا بسنني اذا طبخ طعام كنت اجعل حصة‬

‫(‪ )1‬جاء من النيب صلّى هللا عليه و سلّم ابلفاظ خمتلفة خذوا شطر دينكم عن احلمرياء ويف رواية خذوا ثلث دينكم من‬
‫بيت احلمرياء ويف أخرى خذوا ثلث دينكم من بيت عائشة قال القاري بعد ذكره ما للحديث وما عليه لكن معناه‬
‫صحيح فان عندها من شطر الدين أستنادا يقتضي اعتمادا انتهى منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 707 -‬‬

‫منه خمصوصة بروحانيات اهل العباء نبينا صلّى هللا عليه و سلّم و علي وفاطمة واالمامني‬
‫يعين السبطني رضوان هللا عليهم امجعني فرأيت النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف املنام‬
‫فسلمت عليه وهو صلّى هللا عليه و سلّم ال يكون متوجها اىل الفقري بل يتوجه اىل‬
‫جانب آخر وقال يف تلك االثناء للفقري اان آكل الطعام يف بيت عائشة فكل من يرسل‬
‫ايل فلريسله اىل بيت عائشة فتيقن الفقري يف ذلك الوقت ان سبب عدم توجهه‬ ‫الطعام ّ‬
‫الشريف هو عدم تشريك الفقري الصديقة يف الطعام فبعد ذلك كنت اجعل الصديقة بل‬
‫سائر االزواج املطهرات الاليت كلهن من أهل البيت شركاء يف الطعام وكنت اتوسل جبميع‬
‫اهل البيت فاجلفاء وااليذاء اللذان يصيبان النيب عليه و على آله الصالة و السالم من‬
‫جهة الصديقة ازيد من اجلفاء وااليذاء اللذين يصيبانه صلّى هللا عليه و سلّم من جهة‬
‫علي وهذا املعن غري خمفي على العقالء أصحاب االنصاف (نعم) ان هذا على تقدير‬
‫كون حمبة علي و تعظيمه بواسطة حمبة الرسول وتعظيمه عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم وبواسطة قرابته صلّى هللا عليه و سلّم (واما) من اختار حمبة علي استقالال ومل‬
‫جيعل حلب النيب فيها مدخال فهو خارج عن املبحث وغري قابل للمخاطبة غرضه ابطال‬
‫الدين وهدم الشريعة يريد ان يتخذ سبيال بدون توسط النيب عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم ويرغب عن حممد يف علي وهو حمض الكفر وعني الزندقة و علي كرم هللا وجهه‬
‫برئ منه ومتأذ من صنيعه فان حب اصحابه واختانه صلّى هللا عليه و سلّم بواسطة حبه‬
‫عليه الصالة و السالم و تعظيمهم وتكرميهم بواسطة تعظيمه وتكرميه صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم قال عليه الصالة و السالم من أحبهم فبحيب احبهم وكذلك من كان مبغضا اايهم‬
‫فامنا يكون ذلك ببغضه صلّى هللا عليه و سلّم كما قال عليه الصالة و السالم ومن‬
‫ابغضهم فببغضي ابغضهم يعين ان احملبة اليت تتعلق ابصحايب عني احملبة اليت تتعلق يب‬
‫وكذلك بغضهم هو عني البغض الذي يتعلق يب (وطلحة وزبري) رضي هللا عنهما من كبار‬
‫االصحاب ومن العشرة املبشرة ابجلنة فالطعن فيهما وتشنيعهما غري مناسب ولعنهما‬
‫وطردمها عائدان اىل الالعن والطارد ومها اللذان جعلهما الفاروق من الستة اليت ترك‬
‫‪- 708 -‬‬

‫اخلالفة شورى بينهم ملا مل جيد دليال واضخا لرتجيح بعضهم على بعض فرتكا نصيب‬
‫اخلالفة عن انفسهما ابختيارمها وقال كل منهما تركت حظي وطلحة هو الذي قتل اابه‬
‫بواسطة صدور سوء ادب عنه يف حقه صلّى هللا عليه و سلّم وجاءه برأسه وورد ثناؤه على‬
‫فعله هذا يف القرآن اجمليد والزبري هو الذي أخرب املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم بكون قاتله يف جهنم حيث قال صلّى هللا عليه و سلّم قاتل الزبري يف جهنم ولعن‬
‫الزبري ليس ابدون من قتله فالعنه وقاتله متساواين فاحلذر مث احلذر مث احلذر من الطعن يف‬
‫اكابر الدين وذم كرباء االسالم الذين بذلوا جهدهم يف اعالء كلمة االسالم ونصرة سيد‬
‫االانم وانفقوا امواهلم لتأييد الدين ابلليل والنهار ويف السر واجلهار وتركوا حلب الرسول‬
‫عشائرهم وقبائلهم واوالدهم وازواجهم واوطاهنم ومساكنهم وعيوهنم وزروعهم واشجارهم‬
‫واهنارهم وآثروا نفس الرسول صلّى هللا عليه و سلّم على انفسهم واختاروا حمبته على‬
‫حمبتهم وحمبة امواهلم وذرايهتم وهم الذين انلوا شرف الصحبة وفازوا يف صحبته بربكات‬
‫النبوة وشاهدوا الوحي يعين نزوله وتشرفوا حبضور امللك ورأوا اخلوارق واملعجزات حت صار‬
‫غيبهم شهادة وعلمهم عينا واعطوا من اليقني ما ال يعطي احد من بعدهم حت ال يبلغ‬
‫انفاق غريهم مثل احد ذهبا انفاقهم مد شعري وال نصيفه وهم الذين اثن هللا تعاىل عليهم‬
‫يف القرآن اجمليد ورضي عنهم وهم رضوا عنه ذلك مثلهم يف التوراة ومثلهم يف االجنيل كزرع‬
‫اخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ هبم الكفار مسى هللا‬
‫الغائظ هبم كفارا فليحذر عن غيظهم كما حيذر عن الكفر وهللا املوفق (واجلماعة) الذين‬
‫صححوا مثل هذه النسبة برسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وصاروا مقبولني لديه‬
‫ومنظورين اليه صلّى هللا عليه و سلّم اذا خالف بعضهم بعضا يف بعض االمور وتشاجروا‬
‫وعملوا مبا ادى اليه رأيهم واجتهادهم ال يكون جمال للطعن فيهم وال لالعرتاض على‬
‫صنيعهم بل احلق والصواب يف ذلك املوطن هو عني االختالف وعدم تقليد رأي غريه أال‬
‫ترى ان تقليد االمام ايب يوسف ااب حنيفة رضي هللا عنهما بعد وصوله اىل درجة‬
‫االجتهاد خطأ والصواب امنا هو تقليد رأي نفسه حت ان االمام الشافعي رضي هللا عنه‬
‫‪- 709 -‬‬

‫ال يقدم قول صحايب اي صحايب كان سواء كان صديقا او عليا على رأيه بل يرى‬
‫الصواب يف العمل برأيه وان كان خمالفا لقول صحايب فاذا كان جملتهد من االمة غري‬
‫صحايب جمال يف خمالفة آراء االصحاب كيف يكون االصحاب مطعوان فيهم اذا خالف‬
‫بعضهم بعضا (مع اان نقول) ان االصحاب الكرام قد خالفوا يف االمور االجتهادية رأي‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ومل يرد الذم على خالفهم ذلك مع وجود نزول الوحي ومل‬
‫يرد املنع عن اختالفهم ذلك كما مر فان كان اختالفهم ذلك غري مرضي وغري مقبول‬
‫عند احلق جل شأنه لكان يرد املنع عنه وينزل الوعيد على املخالفني اال ترى كيف جاء‬
‫املنع من رفع الصوت حني رفع مجاعة اصواهتم فوق صوت النيب عليه و على آله الصالة‬
‫و السالم وترتب عليه الوعيد قال هللا تبارك و تعاىل اي ايها الذين آمنوا ال ترفعوا اصواتكم‬
‫فوق صوت النيب اآلية ووقع يف اسارى بدر اختالف عظيم حيث حكم عمر الفاروق‬
‫وسعد بن معاذ بقتل االسارى وحكم اآلخرون ابلتخليص والفدية وكان الرأي املقبول‬
‫عنده صلّى هللا عليه و سلّم احلكم ابلتخليص والفدية وسائر مواضع االختالفات كثرية‬
‫(ومن هذا القبيل) اختالفهم يف اتيان القرطاس حني طلب النيب يف مرض موته قرطاسا‬
‫ليكتب هلم شيئا فاراد مجع إتيان القرطاس ومنعه اآلخرون وكان الفاروق من الذين مل‬
‫يرضوا ابتيان القرطاس وقال حسبنا كتاب هللا فاكب الطاعنون من هذه اجلهة على‬
‫الفاروق وأطالوا لسان الطعن والتشنيع عليه وليس هذا يف احلقيقة حمال للطعن فان‬
‫الفاروق قد علم ان زمان الوحي صار منقطعا واالحكام السماوية قد متت ومل يبق جمال‬
‫الثبات االحكام غري الرأي واالجتهاد وكلما يكتب النيب صلّى هللا عليه و سلّم يكون من‬
‫االمور االجتهادية اليت فيها شركة لآلخرين بقوله تعاىل فاعتربوا اي أويل االبصار فرأي‬
‫الصواب يف ان ال يصدع النيب صلّى هللا عليه و سلّم عند غلبة وجعه وان يكتفي برأي‬
‫غريه واجتهاده حسبنا كتاب هللا يعين القرآن اجمليد مأخذ القياس واالجتهاد وكاف‬
‫للمستنبط ني فيستنبط منه االحكام وختصيص الكتاب ابلذكر ميكن ان يكون انه علم‬
‫ابلقرائن ان تلك االحكام اليت هو صلّى هللا عليه و سلّم يف صدد كتابتها مأخذها‬
‫‪- 710 -‬‬

‫الكتاب ال السنة حت يذكر السنة فكان منع الفاروق من جهة الشفقة واملرمحة لئال‬
‫يصدع النيب صلّى هللا عليه و سلّم بشئ يف شدة الوجع وكان امره صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫ابتيان القرطاس لالستحسان ال للوجوب ليكون غريه مسرتحيني من مشقة استنباطه فلو‬
‫كان امر ائتوين للوجوب لبالغ النيب صلّى هللا عليه و سلّم فيه وملا كان يعرض عنه جملرد‬
‫االختالف (فان قيل) قد قال الفاروق يف ذلك الوقت اهجر استفهموه فما يكون املراد‬
‫منه (اجيب) لعل الفاروق فهم يف ذلك الوقت ان هذا الكالم امنا صدر عنه صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم بواسطة الوجع من غري قصد واختيار كما يتوهم من لفظ اكتب فانه صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم كان اميا مل يكتب شيئا أصال وايضا انه قال لن تضلوا بعدي فاذا كان‬
‫الدين كامال وصارت النعمة متاما وحصل رضا املوىل به كيف تتصور الضاللة بعد ذلك‬
‫وماذا يقدر يكتب يف ساعة واحدة حت تندفع به الضاللة أمل يكف الذي كتب يف مدة‬
‫ثالث وعشرين سنة ومل تندفع به الضاللة ويكتب يف ساعة واحدة شئ مع وجود شدة‬
‫املرض تندفع به الضاللة فعلم الفاروق من هنا ان هذا الكالم جرى على لسانه الشريف‬
‫من غري قصد منه بناء على البشرية فقال حققوا هذا املعن ابالستفسار منه اثنيا فارتفع‬
‫الكلمات يف اثناء االختالف فقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم قوموا وال ختتلفوا فانه ال‬
‫يستحسن النزاع عند نيب ومل يقل اثنيا من هذه املقولة شيئا ومل يذكر دواات وال قرطاسا‬
‫(ينبغي) أن يعلم أن االختالف الواقع من االصحاب الكرام يف بعض االمور االجتهادية‬
‫ابلنسبة اىل النيب عليه وعليهم الصالة و السالم لو كان عياذا ابهلل سبحانه فيه شائبة‬
‫اهلوى والتعصب الجنر ذلك اىل اللحوق بزمرة اهل االرتداد واخراج الرأس من ربقة‬
‫االسالم فان سوء االدب وسوء املعاشرة معه صلّى هللا عليه و سلّم كفر أعاذان هللا‬
‫سبحانه منه بل كان هذا االختالف بناء على أمر فاعتربوا فان من كان فيه رتبة االجتهاد‬
‫فتقليده اجتهاد غريه ورأيه يف االمور االجتهادية خطأ ومنهي عنه نعم ال جمال يف‬
‫االحكام املنزلة اليت ال مدخل فيها للرأي واالجتهاد لغري التقليد واالميان واالنقياد واجب‬
‫فيها غاية ما يف الباب ان اصحاب القرن االول كانوا برآء من التكلفات ومستغنني عن‬
‫‪- 711 -‬‬

‫حتسني العبارات وامنا كان اهتمامهم يف اصالح الباطن وكان ظاهرهم مطروحا عن نظرهم‬
‫وغري ملحوظ أصال وكانت مراعاة اآلداب يف ذلك القرن ابعتبار احلقيقة واملعن ال‬
‫ابعتبار الظاهر والصورة فقط وكان حاهلم امتثال امر الرسول صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫ومعاملتهم االجتناب عما ليس مبرضي عنده صلّى هللا عليه و سلّم جعلوا آابءهم وامهاهتم‬
‫واوالدهم وازواجهم فداء له عليه الصالة و السالم ومن كمال اعتقادهم واخالصهم مل‬
‫يرتكوا بزاق النيب صلّى هللا عليه و سلّم ليقع يف االرض بل كانوا أيخذونه وميسحونه‬
‫ابداهنم ووجوههم مثل ماء احلياة وقصدهم شرب دمه صلّى هللا عليه و سلّم بعد الفصد‬
‫من كمال االخالص مشهور ومعروف فان صدرت عن هؤالء االكابر عبارة مومهة لسوء‬
‫االدب ابلنسبة اليه صلّى هللا عليه و سلّم عند اهل هذه القرون اليت هي مآلنة من‬
‫الكذب واخلداع ينبغي ان حيملها على حممل حسن وان يذهب اىل حاصل العبارة وان ال‬
‫يالحظ االلفاظ من اي قسم كانت وهذا هو طريق السالمة وهللا سبحانه املوفق (فان‬
‫قيل) اذا كان يف االمور االجتهادية جمال اخلطإ كيف يكون الوثوق جبميع االحكام‬
‫الشرعية املنقولة عنه عليه الصالة و السالم (أجيب) ان االحكام االجتهادية صارت يف‬
‫املآ ل واثين احلال أحكاما منزلة مساوية فان تقرير االنبياء على اخلطإ غري جائز فينزل يف‬
‫االحكام االجتهادية بعد ثبوت اجتهاد املستنبطني واختالف آرائهم حكم من عند احلق‬
‫جل وعال يفرق الصواب من اخلطإ ومييز احملق من املبطل فكانت االحكام االجتهادية يف‬
‫زمانه صلّى هللا عليه و سلّم بعد نزول الوحي ومتيز الصواب من اخلطإ أيضا قطعي الثبوت‬
‫مل يبق فيها احتمال اخلطإ فجميع االحكام اليت ثبتت يف زمنه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫قطعي حمفوظ عن احتمال اخلطإ الهنا ثبتت بوحي قطعي ابتداء وانتهاء وكان املقصود من‬
‫االجتهاد يف استنباط هذه االحكام هو ان حيصل للمجتهدين واملستنبطني انواع العناية‬
‫وارتفاع درجات الكرامة وينال املصيب واملخطئ ثوااب على تفاوت الدرجات ففي‬
‫االحكام االجتهادية ارتفاع درجات اجملتهدين وقطعية تلك االحكام نعم ان االحكام‬
‫االجته ادية بعد انقراض زمان النبوة ظنيات مفيدة للعمل ال مثبتة لالعتقاد حت يكون‬
‫‪- 712 -‬‬

‫منكرها كافرا اال ان ينعقد امجاع اجملتهدين على حكم فيكون حينئذ مثبتا لالعتقاد أيضا‬
‫(ولنختم امل كتوب ابخلامتة احلسنة) يف فضائل اهل بيت الرسول عليه و على آله واصحابه‬
‫الصالة و السالم روى ابن عبد الرب أنه قال عليه و على آله الصالة و السالم من أحب‬
‫عليا فقد احبين ومن ابغض عليا فقد ابغضين ومن آذى عليا فقد آذاين ومن آذاين فقد‬
‫آذى هللا واخرج الرتمذي واحلاكم وصححه عن بريدة قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم ان هللا أمرين حبب اربعة واخربين أنه حيبهم قيل اي رسول هللا مسهم لنا قال علي منهم‬
‫يقول ذلك ثالاث وأبو ذر واملقداد وسلمان اخرج الطرباين واحلاكم عن ابن مسعود رضي‬
‫هللا عنه أنه قال قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم النظر اىل علي عبادة اسناده حسن‬
‫واخرج الشيخان عن الرباء رأيت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم واحلسن على عاتقه‬
‫وهو صلّى هللا عليه و سلّم يقول اللهم اين أحبه فأحبه وأخرج البخاري عن ايب بكر قال‬
‫مسعت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم على املنرب واحلسن اىل جنبه ينظر اىل الناس مرة‬
‫واليه مرة ويقول ان ابين هذا لسيد ولعل هللا ان يصلح به بني فئتني من املسلمني اخرج‬
‫الرتمذي عن أسامة بن زيد قال رأيت النيب صلّى هللا عليه و سلّم وحسن وحسني على‬
‫وركه فقال هذان ابناي وابنا بنيت اللهم اين احبهما وأحب من حيبهما اخرج الرتمذي عن‬
‫أنس قال سئل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اي اهل بيتك احب اليلك قال احلسن‬
‫واحلسني وروى املسور ابن خمرمة ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال فاطمة بضعة‬
‫مين فمن ابغضها ابغضين ويف رواية يريبين ما أراهبا ويؤذيين ما آذاها واخرج احلاكم عن أيب‬
‫ايل منك وأنت أعز عل ّي‬
‫هريرة ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال لعلي فاطمة أحب ّ‬
‫منها وعن عائشة رضي هللا عنها قالت ان الناس كانوا يتحرون هبداايهم يوم عائشة‬
‫يبتغون بذلك مرضاة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وقالت ان نساء رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم كن حزبني فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة واحلزب اآلخر ام سلمة‬
‫وسائر نساء رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فكلم حزب ام سلمة فقلن هلا كلمي رسول‬
‫هللا صلّى هللا عليه و سلّم يكلم الناس فيقول من أراد ان يهدي اىل رسول هللا صلّى هللا‬
‫‪- 713 -‬‬

‫عليه و سلّم فليهد اليه حيث كان فكلمته فقال هلا ال تؤذيين فان الوحي مل أيتين واان يف‬
‫ثوب امرأة اال عائشة فقالت أتوب اىل هللا سبحانه من أذاك اي رسول هللا مث اهنن دعون‬
‫فاطمة فارسلن اىل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فكلمته فقال ايبنيّة أال حتبني ما أحب‬
‫قالت بلى قال فأحيب هذه وعن عائشة رضي هللا عنها قالت ما غرت على احد من‬
‫نساء رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ما غرت على خدجية وما رأيتها ولكن يكثر ذكرها‬
‫ورمبا ذبح شاة مث يقطعها اعضاء مث يبعثها يف صدائق خدجية فرمبا قلت له كأنه مل يكون‬
‫يف الدنيا امرأة اال خدجية فيقول اهنا كانت وكانت وكان يل منها ولد وعن ابن عباس‬
‫رضي هللا تعاىل عنهما انه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم العباس مين واان منه‬
‫واخرج الديلمي عن ايب سعيد ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال اشتد غضب هللا‬
‫على من آذاين يف عرتيت واخرج احلاكم عن ايب هريرة رضي هللا عنه ان رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم قال خريكم خريكم الهلي من بعدي اخرج ابن عساكر عن علي كرم هللا‬
‫وجهه ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال من صنع اىل اهل بييت يدا اكافئه عليها‬
‫يوم القيامة اخرج ابن عدي والديلمي عن علي رضي هللا عنه ان رسول هللا صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم قال اثبتكم على الصراط اشدكم حبا الهل بييت والصحايب {شعر}‪:‬‬
‫اهلى حبق بن فاطمة * كه بر قول اميان كن خامته‬
‫اگر دعومت رد كن ور قبول * من و دست و دامان آل رسول‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم و على مجيع اخوانه من االنبياء واملرسلني واملالئكة الكرام‬
‫املقربني و على سائر عباد هللا الصاحلني أمجعني‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والثالثون اىل الفقري احلقري عبد احلي الذي هو جامع هذه‬
‫املكتوابت الشريفة يف بيان فضائل الكلمة الطيبة ال اله اال هللا وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم ال اله اال هللا ال شئ أنفع من هذه الكلمة الطيبة يف‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫تسكني غضب ا لرب جل سلطانه وعال برهانه فاذا كانت هذه الكلمة سببا لتسيكن‬
‫‪- 714 -‬‬

‫غضب دخول النار تكون سببا لتسكني غضبات أخر ابلطريق االوىل فاهنا دون ذلك‬
‫كيف ال تكون سببا للتسكني فان العبد قد اعرض عن السوى انفيا له بتكرار هذه‬
‫الكلمة الطيبة وجعل قبلة توجهه املعبود على احلق وكان منشأ الغضب هو التوجهات‬
‫الشت اليت كان العبد مبتال هبا وليس فليس وشاهد هذا املعن يف عامل اجملاز هو ان‬
‫شخصا اذا أتذى عن مملوكه وغضب عليه فحينئذ لو اعرض اململوك حبسن التدبري الذي‬
‫فيه عما سوى مالكه وتوجه اىل مالكه بكليته تظهر الشفقة واملرمحة يف املالك يف حق‬
‫اململوك ابلضرورة ويرتفع عنه الغضب واالذى واجد هذه الكلمة الطيبة مفتاح خزينة تسع‬
‫وتسعني رمحة اعين ما جعلت ذخرية الجل اآلخرة واعلم انه ال شئ اشفع من هذه‬
‫الكلمة الطيبة يف دفع ظلمات الكفر وكدورات الشرك ومن صدق مبضمون هذه الكلمة‬
‫وحصل ذرة من االميان ومع ذلك كان مبتال برسوم الكفر ورذائل الشرك نرجو ان خيرج‬
‫من العذاب بشفاعة هذه الكلمة الطيبة وان ينجو من اخللود يف النار كما ان شفاعة‬
‫حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم انفع يف دفع عقوابت سائر كبائر هذه االمة‬
‫وادخل فيه وامنا قلت كبائر هذه االمة فان ارتكاب الكبائر يف سائر االمم السابقة اقل‬
‫منه يف هذه االمة بل امتزاج رسوم الكفر ورذائل الشرك ايضا اقل فيهم واالحوج اىل‬
‫الشفاعة هو هذه االمة ويف االمم السابقة كان مجع مصرا على الكفر وكان مجع آخر‬
‫مؤمنا خالصا ممتثال لالوامر قد هلكت هذه االمة الكثرية الذنوب لوال ان يكون شفيعهم‬
‫مثل الكلمة الطيبة وشافعهم مثل خامت الرسل عليه وعليهم الصلوات والتحيات امة مذنبة‬
‫ورب غفور والذي تناله هذه االمة من عفوه وغفرانه سبحانه ال يعلم نيل مجيع االمم‬
‫املاضية هذا القدر وكأن التسعة والتسعني من الرمحة ادخرت هلذه االمة املستغرقة يف‬
‫الذنوب {ع}‪:‬‬
‫أحق الناس ابلكرم العصاة‬
‫وملا كان احلق سبحانه و تعاىل حيب العفو واملغفرة وال شئ من املادة الجل العفو‬
‫واملغفرة مساواي هلذه االمة ال جرم صارت هذه االمة خري االمم والكلمة الطيبة اليت هي‬
‫‪- 715 -‬‬

‫شفيعتهم افضل الذكر وانل نبيهم الذي هو شفيعهم سيد االنبياء خطاب اولئك يبدل‬
‫هللا سيئاهتم حسنات وكان هللا غفورا رحيما نعم هكذا يكون ارحم الرامحني وهكذا يفعل‬
‫اكرم االكرمني {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف أمر مع الكرام‬
‫وكان ذلك على هللا يسريا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وثبت اقدامنا‬
‫وانصران على القوم الكافرين وامسع ايضا من فضائل هذه الكلمة الطيبة قال رسول هللا‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم وابرك وكرم من قال ال اله اال هللا دخل اجلنة ويتعجب القاصرون‬
‫كيف يتيسر دخول اجلنة ابن يقول ال اله اال هللا مرة واحدة وهذا لكوهنم غري واقفني على‬
‫بركات هذه الكلمة الطيبة وقد صار مكشوفا للفقري انه لو غفر ذنوب مجيع العامل بتكلم‬
‫هذه الكلمة الطيبة مرة واحدة وادخلوا اجلنة لساغ وكان مشهودا أيضا انه لو قسمت‬
‫بركات هذه الكلمة املقدسة بني متام العامل لكفت اجلميع اىل ابد اآلابد وألروت الكل‬
‫فكيف اذا اجتمعت هبذه الكلمة الطيبة املقدسة حممد رسول هللا وانتظم التبليغ ابلتوحيد‬
‫واقرتنت الرسالة ابلوالية وجمموعة هاتني الكلمتني جامعة جلميع كماالت الوالية والنبوة‬
‫وهادي سبيل كال هاتني السعادتني من طهر الوالية من ظلمات الظالل واوصل النبوة اىل‬
‫الدرجة العليا اللهم ال حترمنا من بركات هذه الكلمة العلية وثبتنا عليها وامتنا على‬
‫تصديقها واحشران مع املصدقني هلا وادخلنا اجلنة حبرمتها وحرمة مبلغيها عليهم الصالة‬
‫والتحيات و التسليمات والربكات وأيضا اذا عجز النظر والقدم واخنفض جناح اهلمة‬
‫وترخى ووقعت املعاملة على الغيب الصرف ال ميكن السري يف ذلك املوطن بغري قدم ال‬
‫اله اال هللا حممد رسول هللا وال ميكن قطع تلك املسافة اال يف كنف تلك الكلمة املقدسة‬
‫وكلما قال السائر يف ذلك املوطن هذه الكلمة الطيبة مرة واحدة يقطع هبا وابمداد حقيقة‬
‫هذه الكلمة املقدسة واعانتها خطوة واحدة من تلك املسافة ويقع بعيدا عن نفسه وقريبا‬
‫من احلق سبحانه وكل جزء من تلك املسافة ازيد من متام دائرة عامل االمكان بزايدة‬
‫مضاعفة فينبغي ان يعلم فضيلة هذا الذكر من ههنا حيث ال مقدار لتمام الدنيا يف جنبه‬
‫‪- 716 -‬‬

‫وال احساس ليت هلا حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط وعظمة هذه الكلمة الطيبة‬
‫ابعتبار درجات قائلها كلما كانت درجة القائل ازيد واعلى تكون تلك العظمة اكثر وأوىل‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫يزيدك وجهه حسنا * اذا ما زدته نظرا‬
‫وال يعلم يف الدنيا متن يساوي لتمين ان يقعد االنسان يف زاوية ملتذا وحمتظا بتكرار‬
‫هذه الكلمة الطيبة ولكن ما نفعل ال يتيسر مجيع التمنيات وال بد من الغفلة واالختالط‬
‫ابخللق ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير سبحان ربك رب العزة عما‬
‫يصفون و سالم على املرسلني واحلمد هللا رب العاملني‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والثالثون اىل احلاج يوسف الكشمريي يف بيان انه ال تعلق‬
‫لباطن اهل هللا ابلدنيا مقدار خردلة وان تشبثوا يف الظاهر ابلدنيا واسباهبا وما يناسب‬
‫ذلك }‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى تكون معرفة هللا جل سلطانه حراما‬
‫على شخص يكون يف ابطنه مقدار خردلة من حمبة الدنيا او من التعلق ابلدنيا او خطر‬
‫يف ابطنه هذا املقدار من خواطر الدنيا بقي ظاهره الذي وقع بعيدا من ابطنه مبراحل‬
‫وجاء من اآلخرة اىل الدنيا واختلط ابلناس حلصول املناسبة املشروطة يف االفادة‬
‫واالستفادة فان تكلم من الدنيا وتشبث ابالسباب الدنيوية جاز له ذلك وساغ وال يكون‬
‫مذموما اصال بل يكون حممودا لئال تتعطل حقوق العباد وكيال ينسد طريق االفادة‬
‫واالستفادة فباطن هذا الشخص افضل من ظاهره وحكمه حكم ابئع حنطة تشبه الشعري‬
‫و الذين نظرهم مقصور على رؤية الظاهر حيسبونه كأنفسهم مثل ابيعي شعري يشبه‬
‫احلنطة ويعتقدون ظاهره افضل من ابطنه ويتخيلون انه يرى نفسه يف الظاهر عدمي التعلق‬
‫وانه متعلق يف الباطن ربنا افتح بيننا وبني قومنا ابحلق وانت خري الفاحتني و السالم على‬
‫من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬
‫‪- 717 -‬‬

‫{املكتوب التاسع والثالثون اىل السيد عبد الباقي السارنگبوري يف بيان‬


‫اصحاب اليمني واصحاب الشمال والسابقني وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ارشدك‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫هللا تعاىل ان اصحاب الشمال هم اصحاب احلجب الظلمانية واصحاب اليمني ارابب‬
‫احلجب النورانية والسابقون هم الذين ختلصوا من هذه احلجب وتلك احلجب وحازوا‬
‫قصب السبق على اقراهنم ووصلوا اىل ميدان االصل واضعني احدى قدميهم على الشمال‬
‫واألخرى على اليمني وترقوا من الظالل االمكاين والظالل الوجويب ومل يروا من االسم‬
‫والصفة والشأن واالعتبار غري الذات تعالت وتقدست اصحاب الشمال ارابب الكفر‬
‫والشقاوة واصحاب اليمني اهل االسالم وارابب الوالية والسابقون ابالصالة هم االنبياء‬
‫عليهم الصلواة و التسليمات وابلتبعية كل من يشرف هبذه الدولة وهذه الدولة ابلتبعية‬
‫اكثر يف اكابر اصحاب االنبياء عليهم الصالة و السالم ويف غري االصحاب ايضا‬
‫متحققة على سبيل القلة والندرة وهذا الشخص ايضا من زمرة[‪ ]1‬االصحاب يف احلقيقة‬
‫وملحق بكماالت االنبياء عليهم الصلواة و التسليمات وكان النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫قال يف حقه حيث قال ال يدرى اوهلم خري ام آخرهم وان قال صلّى هللا عليه و سلّم خري‬
‫القرون قرين قال هذا ابعتبار القرون وذاك ابعتبار االشخاص وهللا سبحانه اعلم ولكن‬
‫امجاع اهل السنة على افضلية الشيخني وال احد يسبق أاببكر بعد االنبياء عليهم الصالة‬
‫و السالم وهو اسبق سابقي هذه االمة واقدم قدماء ارابب هذه امللة وتشرف الفاروق‬
‫بتوسله بدولة االفضلية وترقى بتوسطه فوق اآلخرين ومن ههنا قالوا للفاروق خليفة‬
‫الصديق وقرأوا يف اخلطبة خليفة خليفة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وفارس ميدان‬
‫هذه املعاملة هو الصديق والفاروق رديفه وحبذا الرديف حيث رافق الفارس وشاركه يف‬
‫اخص اوصافه (ولنرجع) اىل اصل الكالم ونقول ان السابقني خارجون من احكام اليمني‬

‫(‪ )1‬أي يف نيله تلك الفضيلة فقط ال يف مجيع الفضيلة فتبصر عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 718 -‬‬

‫والشمال ومتفوقون من معامالت الظلمانية والنورانية كتاهبم وراء كتاب اليمني والشمال‬
‫وحماسبتهم وراء وراء حماسبة اصحاب اليمني والشمال اشغاهلم واحواهلم على حدة‬
‫وغنجهم ودالهلم ممتاز ماذا يدرك اصحاب اليمني مثل اصحاب الشمال من كماالهتم‬
‫وماذا ينال ارابب الوالية كعامة املؤمنني من اسرارهم حروف املقطعات القرآنية رموز‬
‫اسرارهم واملتشاهبات الفرقانية كنوز مدارج وصوهلم وجعلهم الوصول اىل االصل فارغني من‬
‫الظل وابعد ارابب الظالل عن حرميهم اخلاص هبم وهم املقربون والروح والرحيان نصيبهم‬
‫وهم الذين ال حيزهنم الفزع االكرب وال يتحركون من حملهم من اهوال يوم القيامة يف احملشر‬
‫كغريهم اللهم اجعلنا من حمبيهم فان املرء مع من احب حبرمة سيد املرسلني عليه و على‬
‫آله الصلوات و التسليمات والتحيات والربكات‪.‬‬

‫{املكتوب االربعون اىل موالان بدرالدين يف بيان ان خرق احلجب ابعتبار‬


‫الشهود ال ابعتبار الوجود وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ان خرق حجب االمساء والصفات‬
‫والشئون واالعتبارات من حضرة الذات تعالت وتقدست على قسمني خرق ابعتبار‬
‫الشهود وخرق ابعتبار الوجود فاخلرق الوجودي ممتنع واخلرق الشهودي ممكن بل واقع وان‬
‫كان نصيب اقل قليل واخص خواص وما ورد يف اخلرب من قوله عليه السالم ان هلل‬
‫سبعني ألف حجاب من نور و ظلمة لو كشفت الحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه‬
‫بصره من خلقه فاملراد من هذا الكشف واخلرق الوجودي املمتنع وما كتب هذا الفقري يف‬
‫بعض رسائله من خرق مجيع احلجب من حضرة الذات تعالت وتقدست فاملراد منه‬
‫اخلرق الشهودي كما ان احلق سبحانه يكرم شخصا ببصارة يرى هبا االشياء من وراء‬
‫احلجب واالستار وخرق احلجب واالستار هنا ابعتبار الشهود فكذا هذا فعلم ان ما كتبه‬
‫الفقري من جواز خرق احلجب ليس مبناف خلرب عدم جواز خرق احلجب فان ذلك اخلرق‬
‫غري هذا اخلرق فال تكن من املمرتين و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة‬
‫‪- 719 -‬‬

‫املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي واالربعون اىل الشيخ فريد التهانيسري يف بيان ان يف مراتب‬


‫هناية النهاية تظهر مرتبة كل ذرة من ذلك املوطن ازيد من متام دائرة االمكان‬
‫ابضعاف مضاعفة وما يناسب ذلك}‬
‫قد يظهر وقت العروج اىل مراتب هناية النهاية بعناية هللا سبحانه وحرمة حبيبه عليه‬
‫و على آله الصالة و السالم مرتبة كل ذرة من ذلك املوطن ازيد من متام دائرة االمكان‬
‫ابضعاف مضاعفة فاذا قطع مسافة مقدار ذرة من ذلك املوطن ابلسلوك كأنه تيسر قطع‬
‫زايدة اضعاف دائرة االمكان فكيف اذا طوي شخص مسافة طويلة من تلك املرتبة فعلم‬
‫انه ال مقدار لدائرة االمكان ابلنسبة اىل مرتبة الوجوب فما فوقها اي ليت هلا حكم القطرة‬
‫ابلنسبة اىل البحر احمليط فبالضرورة ال ميكن وصول احد اىل منزل احلبيب بقوة قدمه وال‬
‫يقدر رؤيته ببصر نفسه ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين واالربعون اىل اخلواجه مجال الدين احلسني ولد املرزا حسام‬
‫الدين امحد يف بيان حصر الصوفية السري يف اآلفاق واألنفس واثباهتم التخلية‬
‫والتحلية يف ذلك السري ومنعه هو قدس سره هذا املعىن وإثباته هناية النهاية فيما وراء‬
‫االنفس واآلفاق بعناية هللا سبحانه}‬
‫الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫و على آله الكرام واصحابه العظام اىل يوم القيامة * ايها الولد العزيز اسعدك هللا تعاىل‬
‫امسع بسمع العقل ان السالك اذا اشتغل ابلذكر االهلي جل سلطانه بعد تصحيح النية‬
‫وختليصها وقدم الرايضات الشاقة واجملاهدات الشديدة وحصل التزكية وبدل االوصاف‬
‫الرذيلة ابالوصاف احلسنة وتيسرت له التوبة واالانبة وزال حب الدنيا عن قلبه وحصل له‬
‫الصرب والتوكل والرضا وشاهد هذه املعاين احلاصلة له يف عامل املثال ابلتدريج والرتتيب‬
‫‪- 720 -‬‬

‫ورأى نفسه طاهرا ومصفي عن الكدورات البشرية والصفات الرذيلة لكان قد امت السري‬
‫اآلفاقي ألبتة واختار طائفة يف هذا املقام االحتياط وقرروا االمر على متثل كل لطيفة من‬
‫اللطائف السبعة االنسانية يف عامل املثال بصورة نور من االنوار املناسبة هلا وجعلوا عالمة‬
‫صفاء كل لطيفة ظهور نور من تلك االنوار املثالية وابتدؤا هذا السري من لطيفة القلب و‬
‫اوصلوه ابلتدريج والرتتيب اىل اللطيفة االخفى اليت هي منتهى اللطائف وجعلوا عالمة‬
‫صفاء قلب السالك مثال ظهور ذلك القلب يف عامل املثال بصورة النور االمحر وجعلوا‬
‫عالمة صفاء الروح ظهوره بصورة النور االصفر و على هذا القياس فكان حاصل السري‬
‫اآلفاقي ان يشاهد السالك تبدل اوصافه وتغري اخالقه يف مرااي عامل املثال وان حيس زوال‬
‫ظلماته وكدوراته يف ذلك العامل حت حيصل له اليقني بصفائه ويثبت العلم بتزكيته وملا كان‬
‫السالك يف هذا السري يشاهد احواله واطواره ساعة فساعة يف عامل املثال الذي هو من‬
‫مجلة اآلفاق ورأى فيه انتقاله من هيئة اىل هيئة كأن سريه كان يف اآلفاق وان كان هذا‬
‫السري يف احلقيقة سريا يف نفس السالك وكانت احلركة حركة كيفية يف اخالقه واوصافه‬
‫ولكن ملا كان سطح نظره بعيدا يف رؤيته كان ذلك آفاقا ال انفسا وصار السري ايضا‬
‫منتسبا اىل اآلفاق وقالوا بتمام السري اىل هللا عند متام هذا السري املنسوب اىل اآلفاق‬
‫وجلعوا الفناء مربوطا هبذا السري وعربوا عن هذا السري ابلسلوك فاذا وقع السري بعد ذلك‬
‫يسمونه سريا انفسيا ويقال له ايضا السري يف هللا ويثبتون البقاء ابهلل يف هذا املوطن ويرون‬
‫يف هذا املقام حصول اجلذبة بعد السلوك وملا حصلت التزكية للطائف السالك يف السري‬
‫االول وختلصت عن الكدورات البشرية حصلت هلا قابلية ظهور ظالل االسم اجلامع‬
‫الذي هو رب السالك وعكوس ذلك االسم يف مرااي تلك اللطائف وتكون تلك اللطائف‬
‫موارد جتليات جزئيات ذلك االسم اجلامع وظهوراهتا وامنا يسمون هذا السري ابلسري‬
‫االنفسي الن االنفس صارت مرااي ظالل االمساء وعكوسها ال ان سري السالك يف‬
‫االنفس كما مر يف السري اآلفاقي من انه قيل سريا آفاقيا ابعتبار املرآتية ال لكون السري يف‬
‫اآلفاق وهذا السري يف احلقيقة سري يف ظالل االمساء يف مرااي االنفس وهلذا قيل هلذا السري‬
‫‪- 721 -‬‬

‫سري املعشوق يف العاشق {شعر}‪:‬‬


‫ما صورة املرآة من حركاهتا * لكنها انطبعت هبا لصفائها‬
‫ميكن ان يقال هلذا السري السري يف هللا ابعتبار اهنم قالوا ان السالك يتخلق يف هذا‬
‫السري ابخالق هللا وينتقل من خلق اىل خلق فان للمظهر نصيبا من بعض اوصاف‬
‫الظاهر و لو يف اجلملة فكأنه حتقق السري يف امساء هللا تعاىل هذا هناية حتقيق هذا املقام‬
‫وتصحيح هذا الكالم وال يدرى ماذا كان حال صاحب املقام واي شئ كان مراد املتكلم‬
‫من الكالم كل شخص يقول شيئا على مقدار فهمه ووجدانه يريد املتكلم من كالمه‬
‫معن ويفهم السامع من ذلك الكالم معن آخر وهم يقولون للسري االنفسي سريا يف هللا‬
‫من غري تكلف ويسمونه بقاء ابهلل بال حتاش ويزعمونه مقام الوصال واالتصال وهذه‬
‫االطالقات تثقل على الفقري جدا فال جرم يرتكب يف توجيهها وتصحيحها التمحل‬
‫والتكلف بعض ذلك التمحل مأخوذ من كالمهم وبعضه وارد من طريق االفاضة واالهلام‬
‫ويف السري اآل فاقي كأنه حصلت التخلية من الرذائل ويف السري االنفسي التحلي ابالخالق‬
‫احلميدة فان التخلية مناسبة ملقام الفناء والتحلية مناسبة ملقام البقاء ومل يثبتوا هلذا السري‬
‫االنفسي هناية وحكموا بعدم انقطاعه وان تيسر العمر االبدي وقالوا ال هناية لشمائل‬
‫احملبوب واوصافه فال يزال تتجلي صفة من صفاته يف مرآة السالك املتخلق ويظهر كمال‬
‫من كماالته فأين يكون االنقطاع وكيف جتوز النهاية قالوا {شعر}‪:‬‬
‫ولو سعت ذرة يف عمرها طلبا * خريا وشرا جتد يف نفسها اكتمنا‬
‫وهبذا الفناء والبقاء الذين حصال ابلسري اآلفاقي واالنفسي يطلقون اسم الوالية‬
‫ويرون هناية الكمال اىل هنا فان وقع السري بعد ذلك فهو سري رجوعي عندهم الذي هو‬
‫معرب ابلسري عن هللا ابهلل وكذلك السري الرابع الذي قالوه سريا يف االشياء ابهلل يتعلق‬
‫ابلنزول ايضا وقرروا هذين السريين الجل التكميل واالرشاد كما ان ذينك السريين‬
‫حلصول نفس الوالية والكمال واالسرتشاد (وقال مجع) ان سبعني الف حجاب الذي ورد‬
‫يف اخلرب ان هلل سبعني الف حجاب من نور وظلمة خيرق يف السري اآلفاقي فانه خيرق يف‬
‫‪- 722 -‬‬

‫كل لطيفة من اللطائف السبع عشرة آالف حجاب فاذا بلغ ذلك السري متامه ارتفعت‬
‫احلجب بتمامها وحتقق السالك ابلسري يف هللا وبلغ مقام الوصل هذا حاصل سري ارابب‬
‫الوالية وسلوكهم ونسخة كماهلم وتكميلهم اجلامعة وما ظهر هلذا الفقري مبحض فضل‬
‫احلق سبحانه وكرمه يف هذا الباب وما سلك هو فيه حيرره إظهارا للنعمة وشكرا على‬
‫العطية فاعتربوا اي اويل االبصار (اعلم) ارشدك هللا وهداك سواء الصراط ان احلق سبحانه‬
‫الذي هو منزه عن الكيف واملثال والشبه وما يقع يف اخليال كما انه وراء اآلفاق كذلك‬
‫هو سبحانه وراء االنفس ايضا فال يكون لتسيمة السري اآلفاقي ابلسري ابهلل والسري‬
‫االنفسي ابلسري يف هللا معن بل كال السريين اآلفاقي واالنفسي داخالن يف السري اىل هللا‬
‫والسري يف هللا هو سري بعيد عن اآلفاق واالنفس مبراحل ووراء ورائهما والعجب اهنم قرروا‬
‫السري يف هللا يف السري االنفسي وقالوا بعدم هناية ذلك السري ومل جيوزوا انقطاعه يف العمر‬
‫االبدي كما مر وحيث كانت االنفس كاآلفاق من مجلة دائرة االمكان فعلى هذا التقدير‬
‫ال ميكن قطع دائرة االمكان فال جرم يكون احلرمان دائما واخلسران سرمدا وال يتحقق‬
‫الفناء ابدا وال يتصور البقاء حينئذ فكيف الوصل واالتصال وكيف القرب والكمال‬
‫سبحان هللا اذا اكتفى الكرباء من الشراب ابلسراب وزعموا اىل هللا يف هللا وتصوروا‬
‫االمكان وجواب وعربوا عن املثلي والكيفي ابلالمثلي والالكيفي كيف نشتكي من الصغار‬
‫ووضيعي الفطرة اي بالء وقع ابي اعتبار قالوا لالنفس حقا جل وعال وظنوا سريها غري‬
‫متناه مع وجود حدها وهنايتها وظهور امساء الواجب جل سلطانه وصفاته يف مرآة‬
‫السالك الذي قرروه يف هذا السري االنفسي هو ظهور ظل من ظالل االمساء والصفات ال‬
‫ظهور عني االمساء والصفات كما حيرر حتقيق هذا املعن يف آخر هذا املكتوب ان شاء‬
‫هللا تعاىل ماذا افعل وكيف اجوز سوء االدب هذا مع جناب قدسه تعاىل مع وجود العلم‬
‫والتمييز وكيف اشرك غريه يف ملكه سبحانه و تعاىل وان اعتقدت ان حقوق هؤالء‬
‫االكابر قدس هللا اسرارهم اثبتة يف ذميت فاين مريب ابنواع تربيتهم ولكن حقوق واجب‬
‫الوجود جل سلطانه فوق مجيع حقوقهم وتربيته سبحانه فوق تربية اآلخرين ولقد جنوت‬
‫‪- 723 -‬‬

‫حبسن تربيته تعاىل من هذه الورطة ومل اشرك يف ملكه تعاىل غريه سبحانه احلمد هلل الذي‬
‫هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا وهو تعاىل منزه عن الكيف والشبه واملثال‬
‫وكلما هو متسم بسمة الكيف والكم فهو مسلوب عن جنابه تعاىل فال يكون له سبحانه‬
‫جمال يف مرااي اآلفاق وجمايل االنفس وكلما يظهر يف هؤالء يكون كاملظاهر كيفيا وكميا‬
‫فينبغي ان يتجاوز اآلفاق واالنفس وان يطلبه سبحانه يف ما ورائهما وكذلك دائرة‬
‫االمكان آفاقيا كانت او انفسيا كما انه ال جمال لذاته سبحانه فيها ال جمال ايضا المسائه‬
‫وصفاته سبحانه فيها بل كلما هو ظاهر فيها فهو ظالل االمساء والصفات تعالت‬
‫وتقدست وشبحها ومثاهلا بل ظلية االمساء والصفات ومثاليتها ايضا يف خارج اآلفاق‬
‫واالنفس ليس هنا غري التعبية وانتقاش القدرة ملن الظهور واين التجلي فان امسائه وصفاته‬
‫سبحانه كذاته تعاىل منزهة عن الكيف والشبه واملثال فمامل خترج اىل ما وراء اآلفاق‬
‫واالنفس ال تعلم معن ظلية امسائه وصفاته تعاىل فكيف الوصول اىل االمساء والصفات‬
‫تعالت وتقدست واعجب من هذه املعاملة فاين ان تكلمت من مكشوفايت ومعلومايت‬
‫اليقنية ال تكون موافقة ملذاق املشائخ ومطابقة ملكشوفاهتم فمن يصدقها مين ومن يقبل‬
‫وان مل اتكلم بل اسكت اكن جموزا اللتباس احلق ابلباطل والطالق ما ال جيوز اطالقه‬
‫على احلق تعاىل وتقدس فاظهر ابلضرورة ما هو احلق والالئق جبناب قدسه تعاىل واسلب‬
‫ما ليس مبناسب جلناب قدسه تعاىل وال اابيل من خالف اآلخرين وال اغتم به وامنا‬
‫يتحقق اخلوف من خمالفة اآلخرين اذا كان يف معامليت تذبذب ويف مكشويف اشتباه فاذا‬
‫انكشفت حقيقة االمر مثل فلق الصبح واتضحت معاملة االصل كالقمر ليلة البدر‬
‫وجتاوزت مراتب الظالل ابلتمام وارتقيت من الشبه واملثال اين يكون االشتباه وملن يعرض‬
‫التذبذب (قال) حضرة شيخنا قدس سره عالمة صحة االحوال حصول اليقني على‬
‫الكمال وايضا كيف يتصور االشتباه والتذبذب فانه قد تيسر االطالع بعنايته تعاىل اليت‬
‫ال غاية هلا على تفصيل احوال هؤالء االكابر املقررة وانكشفت معارف التوحيد واالحتاد‬
‫واسرار االحاطة والسراين وحصلت حقيقة مكشوفهم ومشهودهم واتضحت دقائق‬
‫‪- 724 -‬‬

‫علومهم ومعارفهم واخرتت االقامة مدة مديدة يف هذا املقام وادركت قليلهم وكثريهم اال ما‬
‫شاء هللا تعاىل فظهر آخر االمر بفضل هللا جل سلطانه ان هذه كلها شعبذات الظالل‬
‫وشغف ابلشبه واملثال واملطلوب فيما وراء وراء ذلك واملقصود ما سوى هذه فال جرم‬
‫صرت متوجها اىل جناب قدس الالمثلي معرضا عن الكل وتربأت عن كل ما هو متسم‬
‫بسمة الكم والكيف اين وجهت وجهي للذي فطر السموات واالرض حنيفا وما اان من‬
‫املشركني فلو مل تكن املعاملة هكذا ملا حركت شفيت على خالف املشائخ وملا اظهرت‬
‫خمالفتهم ابلظن والتخمني وايضا ان هذا اخلالف لو مل يتعلق بذات الواجب وصفاته جل‬
‫سلطانه و مل يكن الكالم من تقديسه وتنزيهه تعاىل ملا وقع اظهار خالف مكشوف‬
‫هؤالء االكابر ألبتة ومل حيصل الكالم من خمالفة علومهم فاين اقل مقتطفي عناقيد رايض‬
‫دوهلم و ارذل ملتقطي كسرات خوان نعمهم واظهر مكررا اهنم هم الذين ربوين ابنواع‬
‫الرتبية ونفعوين أبضعاف الكرم واالحسان والرتقية ولكن ماذا نفعل فان حقوق احلق‬
‫سبحانه فوق حقوقهم فاذا وقع البحث يف ذاته وصفاته تعاىل وعلم ان اطالق بعض‬
‫االمور على جناب قدسه ليس بالئق فالسكوت يف هذا املوطن خوفا من خالف‬
‫اآلخرين بعيد عن الدين والداينة ال يطيقه مقام العبودية واالطاعة خالف العلماء مع‬
‫املشائخ رمحهم هللا تعاىل يف االمور اخلالفية كمسئلة التوحيد وغريها من طريق النظر و‬
‫االستدالل وخالف هذا الفقري معهم يف هذه االمور من طريق الكشف والشهود والعلماء‬
‫قائلون بقبح هذه االمور وهذا الفقري قائل حبسن هذه االمور بشرط العبور وخالف‬
‫الشيخ عالء الدولة يف مسئلة وحدة الوجود يفهم على طور العلماء وينظر اىل قبحها وان‬
‫دخل فيها بطريق الكشف فان صاحب الكشف ال يقول بقبحها فان هذه املسئلة‬
‫متضمنة الحوال غريبة ومشتملة على معارف عجيبة غاية ما يف الباب ان دوام االقامة يف‬
‫هذا املوطن غري مستحسن واالكتفاء هبذه االحوال ليس حبسن (فان قيل) فعلى هذا‬
‫التقدير يكون املشائخ على الباطل و يكون احلق ما وراء مكشوفهم ومشهودهم (أجيب)‬
‫ان الباطل هو الذي ال يكون له حممل من الصدق وفيما حنن فيه منشأ هذه االحوال‬
‫‪- 725 -‬‬

‫واملعارف غلبة حمبة احلق سبحانه واستيالء حبه تعاىل على هنج ال يرتك يف نظر بصريهتم‬
‫امسا وال رمسا مما سواه تعاىل وجيعل اسم الغري والغريية ورمسها ممحوا ومتالشيا ففي هذا‬
‫الوقت يعلمون االغيار والسوى بواسطة السكر وغلبة احلال معدومة ابلضرورة وال يرون‬
‫موجودا غري احلق تعاىل فما الباطل هنا وأين البطالن بل يف هذا املوطن استيالء احلق‬
‫جل وعال ومل يرتكوا من‬
‫وبطالن الباطل وهؤالء االكابر ابعوا انفسهم وغريهم يف حمبة احلق ّ‬
‫انفسهم وغريهم امسا وال رمسا يكاد الباطل يفر من ظلهم وهنا كله حق والجل احلق ماذا‬
‫ينال العلماء الذين نظرهم مقصور على الظاهر من حقيقتهم وماذا يفهمون غري املخالفة‬
‫الصورية وماذا أيخذون من كماالهتم والكالم يف ان فيما وراء هذه االحوال واملعارف‬
‫كماالت أ خر حكم هذه االحوال واملعارف ابلنسبة اىل تلك الكماالت كحكم القطرة‬
‫ابلنسبة اىل البحر احمليط {شعر}‪:‬‬
‫مت قسنا السماء ابلعرش ينحط * وما اعاله ان قسنا ابرض‬
‫(ولنرجع) اىل أصل الكالم ونقول وما قالوا يف خرق احلجب من انه ترتفع يف‬
‫السري اآلفاقي احلجب الظلمانية والنورانية بتمامها كما مر فهذا الكالم عند هذا الفقري‬
‫حمل خدشة بل ثبت خالفه و شوهد ان خرق احلجب الظلمانية منوط بطي مجيع مراتب‬
‫االمكان وهو امنا يتيسر ابلسري اآلفاقي والسري االنفسي وخرق احلجب النورانية مربوط‬
‫بسري االمساء والصفات الواجبية تعالت وتقدست حت ال يبقى يف نظره اسم وال صفة وال‬
‫شأن وال اعتبار فحينئذ يتيسر له خرق احلجب النورانية بتمامها ويتشرف ابلوصل العراين‬
‫وان كان هذا الوصل اقل حصوال وهذا الوصل أعز وجودا ففي السري اآلفاقي ال يعلم انه‬
‫أخترق نصف احلجب الظلمانية ام ال فكيف يتصور هناك خرق احلجب النورانية غاية ما‬
‫يف الباب ان املراتب يف احلجب الظلمانية متفاوتة فيكون ذلك التفاوت سببا لالشتباه‬
‫فان احلجب النفسانية فوق احلجب القلبية يف الظلمة مثال وان ظهر قليل الظلمة نفسه‬
‫بعنوان النورانية النسبية وخيل الظلماين نورانيا ولكن الظلماين ظلماين يف احلقيقة والنوراين‬
‫نوراين ال خيلط حديد البصر احدمها ابآلخر وال حيكم على الظلمة ابلنور لوجدانه منشأ‬
‫‪- 726 -‬‬

‫االشتباه ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم والطريق الذي شرف هذا‬
‫الفقري بتسليكه جامع للجذبة والسلوك وكل واحد من التخلية والتحلية جمتمع مع اآلخر‬
‫وكل واحد من التصفية والتزكية مقرتن يف ذلك املوطن ابآلخر و السري االنفسي متضمن‬
‫يف ذلك املقام للسري اآلفاقي ففي عني التصفية تزكية ويف عني التخلية حتلية ونفس اجلذبة‬
‫حمصلة للسلوك واالنفس شاملة لآلفاق ولكن التقدم الذايت للتخلية واجلذبة وللتصفية‬
‫سبقة ذاتية على التزكية وملحوظ النظر االنفس ال اآلفاق فال جرم كان هذا الطريق اقرب‬
‫يف الوصول بل اقول ان هذا الطريق موصل ألبتة واحتمال عدم الوصول مفقود فيه ينبغي‬
‫ان يسأل احلق سبحانه االستقامة وان يطلب منه تعاىل الفرصة (وامنا) قلت ان هذا‬
‫الطريق موصل ألبتة فان اول قدم هذا الطريق اجلذبة اليت هي دهليز الوصول ومواقع‬
‫التوقفات اما منازل السلوك او مواطن اجلذابت اليت ال تكون متضمنة للسلوك وكال‬
‫املانعني مرتفعان يف هذا الطريق فان السلوك طفيلي حيصل يف ضمن اجلذبة فههنا ليس‬
‫سلوك خالص وال جذبة ابرت حت يكون الطريق مسدودا وهذا الطريق طريق االنبياء‬
‫عليهم الصالة و السالم وهؤالء االكابر وصلوا اىل منازل الوصول على تفاوت درجاهتم‬
‫من هذا الطريق وقطعوا اآلفاق واالنفس خبطوة واحدة ووضعوا اقدامهم اآلخر فيما وراء‬
‫اآلفاق واالنفس ورقوا املعاملة فوق السلوك واجلذبة فان هناية السلوك اىل هناية السري‬
‫اآلفاقي وهناية اجلذبة اىل هناية السري االنفسي فاذا بلغ السري اآلفاقي واالنفسي هنايته فقد‬
‫متت معاملة السلوك واجلذبة وبعد ذلك ال سلوك وال جذبة وهذا املعن ليس مما جيئ يف‬
‫حوصلة كل جمذوب سالك وسالك جمذوب فان عندهم ال جمال للقدم فيما وراء اآلفاق‬
‫واالنفس فلو انلوا عمرا ابداي ابلفرض والتقدير لصرفوه يف السري االنفسي مث ال يظنونه‬
‫متاما قال واحد من العظماء {شعر}‪:‬‬
‫ولو سعت ذرة يف عمرها طلبا * خريا و شرا تنل يف نفسها اكتمنا‬
‫كما مر وقال اآلخر والتجلي من الذات ال يكون اال بصورة املتجلي له فاملتجلى‬
‫له ما رأى غري صورته يف مرآة احلق وال ميكن ان يراه (ينبغي) ان يعلم ان شيوخي وهدايت‬
‫‪- 727 -‬‬

‫وادالئي اىل هللا تعاىل الذين فتحت عيين يف هذا الطريق بتوسلهم وحركت شفيت مبثل هذه‬
‫املقالة بتوسطهم واخذت درس ألف ابء يف الطريقة منهم وحصلت ملكة املولوية من‬
‫توجهاهتم الشريفة فان كان يل علم فهو بتطفلهم وان كانت معرفة فهي ايضا اثر التفاهتم‬
‫وتعلمت طريق اندراج النهاية يف البداية من هؤالء االكابر واخذت نسبة االجنذاب اىل‬
‫جهة القيومية ايضا منهم ورأيت بنظرهم الواحد ما ال يراه الناس يف االربعني ووجدت‬
‫بكالمهم الواحد ما ال جيده اآلخرون يف السنني {شعر}‪:‬‬
‫من انل نظرة مشس تربيز ليه * زأ ابختالء االربعني وعشرة‬
‫ولقد اجاد من قال {شعر}‪:‬‬
‫اعجب من النقشبنديني اهنم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم‬
‫ومن علو الفطرة ومسو اهلمة قرروا ابتداء الطريقة من السري االنفسي وقطعوا السري‬
‫اآلفاقي يف ضمنه والسفر يف الوطن يف عباراهتم كناية عن هذا السري واملسافة يف طريق‬
‫هؤالء االكابر قريبة واقرب اىل الوصول هناية سري اآلخرين بداية سريهم وهلذا قالوا حنن‬
‫ندرج النهاية يف البداية وابجلملة ان طريق هؤالء االكابر فيما بني سائر طرق املشائخ‬
‫قدس هللا اسرار مجيعهم عال جدا وحضورهم وشعورهم ميكن ان يقال اهنما فوق شعور‬
‫أكثرهم ومن هنا قالوا ان نسبتنا فوق مجيع النسب وارادوا ابلنسبة احلضور والشعور ولكن‬
‫ملا مل يكن فيما وراء اآلفاق واالنفس ووراء السلوك واجلذبة جمال لقدم والية االولياء وممر‬
‫مل خيرب هؤالء االكابر ايضا ابلضرورة عن خارج اآلفاق واالنفس ومل يتكلموا فيما وراء‬
‫السلوك واجلذبة ويقولون مبقياس كماالت الوالية ان اهل هللا كلما يرونه بعد الفناء والبقاء‬
‫يرونه يف انفسهم وكلما يعرفون يعرفونه يف انفسهم واحلرية فيهم يف وجود انفسهم ويف‬
‫انفس كم افال تبصرون هلل سبحانه احلمد واملنة ان هؤالء االكابر وان مل خيربوا عن خارج‬
‫االنفس ولكنهم ليسوا مببتلني ومفتونني ابالنفس ايضا بل يريدون ان جيعلوا االنفس حتت‬
‫كلمة ال كاآلفاق وان ينفوها بعلة الغريية قال اخلواجه االعظم قدس سره كلما يرى‬
‫ويسمع ويعلم فهو غريه تعاىل ينبغي نفيه حبقيقة كلمة ال {شعر}‪:‬‬
‫‪- 728 -‬‬

‫ما غرهم نقش ذا من نقش ذا بل اتوا * يف كل آن بنقش عز عن شبه‬


‫ينبغي ان يعلم ان نفي الغريية غري انتفاء الغريية شتان ما بينهما وامنا قلت ان ليس‬
‫للوالية جمال القدم يف خارج اجلذبة والسلوك واآلفاق واالنفس فان ما وراء هذه االركان‬
‫االربعة للوالية مبادئ كماالت النبوة ومقدماهتا ويد الوالية قاصرة عن تلك الشجرة العالية‬
‫الرفيعة وقد اهتدى اىل هذه الدولة االكثرون من اصحاب االنبياء عليهم الصالة و السالم‬
‫واالقلون من سائر االمم بتبعية االنبياء ووراثتهم عليهم الصلوات والتحيات وقطعوا هبذا‬
‫ا لطريق اجلامع للجذبة والسلوك منازل البعد ووضعوا اقدامهم فيما وراء السلوك واجلذبة‬
‫وخرجوا من دائرة الظالل ابلتمام وخلفوا االنفس كاآلفاق وراءهم ويف هذا املقام التجلي‬
‫الذايت الربقي الذي هو كالربق اخلاطف لغريهم دائمي هلم بل معاملة هؤالء االكابر فوق‬
‫التجلي برقيا او غريه فان التجلي يستدعي حنوا من الظلية والنقطة من الظلية جبل عظيم‬
‫هلؤالء الكرباء وبداية امر هؤالء العظماء اجلذب واحملبة االهلية جل سلطانه فاذا زادت‬
‫تلك احملبة بعناية هللا جل سلطانه وعظم شأنه اليت ال غاية هلا واستولت ساعة فساعة‬
‫وقويت وغلبت تشرع حمبة ما سواه تعاىل ابلضرورة درجة فدرجة يف الزوال ويرتفع التعلق‬
‫ابالغيار ابلتدريج فاذا زالت حمبة ما سواه تعاىل عن صاحب دولة ابستيالء حمبته جل‬
‫سلطانه ابلكلية وصار حملها التعلق واحملبة جبناب قدسه تعاىل ارتفعت عنه أوصافه الرذيلة‬
‫وأخالقه الرديئة ابلتمام وصار حملى ابالخالق احلميدة وحتقق ابملقامات العشرة وما كان‬
‫له تعلق ابلسري اآلفاقي تيسر بال مؤنة السلوك التفصيلي وبال رايضات شاقة وجماهدات‬
‫شديدة فان احملبة تقتضى اطاعة احملبوب فاذا بلغت احملبة كماهلا حصلت االطاعة بتمامها‬
‫وحيث حصلت االطاعة على الوجه االمت مبقياس القوة البشرية تيسرت املقامات العشرة‬
‫وهبذا السري احملبويب كما حصل السري اآلفاقي مت به السري االنفسي ايضا فانه قال املخرب‬
‫الصادق عليه و على آله الصالة و السالم املرء مع من احب وحيث كان احملبوب وراء‬
‫اآلفاق واالنفس ينبغي للمحب ايضا ان يتجاوز اآلفاق واالنفس حبكم املعية فيخلف‬
‫السري اال نفسي ايضا وراءه ابلضرورة وحيصل دولة املعية فهؤالء االكابر ال شغل هلم‬
‫‪- 729 -‬‬

‫ابآلفاق وال ابالنفس بربكة دولة احملبة بل اآلفاق واالنفس اتبعة ألمرهم والسلوك واجلذبة‬
‫متطفالن مبعامالهتم ورأس بضاعة هؤالء االكابر احملبة اليت اطاعة احملبوب الزمة هلا واطاعة‬
‫احملبوب مربوطة ابتيان الشريعة على صاحبها الصالة و السالم والتحية اليت هي الدين‬
‫املرضي هلل تعاىل فعالمة كمال احملبة كمال اتيان الشريعة واتيان الشريعة بكماهلا منوط‬
‫ابلعلم والعمل واالخالص واالخالص الذي يتصور يف مجيع االقوال واالعمال ومجيع‬
‫احلركات والسكنات هو نصيب املخلصني بفتح الالم واملخلصني املكسوري الالم ماذا‬
‫يدركون من هذا املعمى لعلك مسعت واملخلصون على خطر عظيم (ولنرجع) اىل اصل‬
‫الكالم فنقول ان املقصود من السلوك واجلذبة والتصفية تطهري النفس من االخالق الردية‬
‫واالوصاف الرذيلة ورأس مجيع تلك الذمائم التعلق ابلنفس وحتصيل مراداهتا وهواها‬
‫فحينئذ ال يكون بد من السري االنفسي وال مندوحة من االنتقال من الصفات الذميمة‬
‫اىل االخالق احلميدة والسري اآلفاقي خارج عن املقصود وال تعلق به لغرض معتد به فان‬
‫العالئق اآلفاقية بواسطة العالئق االنفسية فان كلما حيبه االنسان امنا حيبه حلب نفسه فاذا‬
‫احب االوالد واالموال امنا حيب الجل استمتاعه وانتفاعه فاذا زالت يف السري االنفسي‬
‫حمبته لنفسه بواسطة استيالء حمبة احلق جل وعال زالت يف ضمنه حمبته الوالده وامواله‬
‫ايضا فكان السري االنفسي ضروراي ويتيسر السري اآلفاقي ابلتطفل يف ضمنه وهلذا كان‬
‫سري اال نبياء عليهم الصلوات والتحيات مقصورا على السري االنفسي وقطع السري اآلفاقي‬
‫يف ضمنه طفيليا نعم السري اآلفاقي ايضا حسن لو وجدت الفرصة لقطعه وتيسر امتامه‬
‫من غري ختلل التوقفات فلو مل توجد الفرصة لقطعه ووقع االبتالء ابلتوقفات يكاد يعد‬
‫السري اآلفاقي داخال فيما ال يعين وحيسب من موانع حصول املطلوب والسري االنفسي‬
‫كلما يقطع فهو مغتنم فانه انتقال من السيئة اىل احلسنة اي هلا من نعمة عظيمة لو امت‬
‫السالك هبذا السري وتبخرت يف خارج دائرة االنفس والي شئ يلزم ان يشاهد شخص‬
‫تلوينات االنفس يف مرآة اآلفاق وان يعاين تغرياته فيها كما يعلم صفاء قلبه مثال يف مرآة‬
‫املثال ويرى ذلك الصفاء بصورة النور االمحر فلم ال يستعمل وجدانه ومل ال حييل صفاءه‬
‫‪- 730 -‬‬

‫على فراسته ما حاجة من بلغ اثنيت عشرة سنة اىل الطبيب مثل مشهور فانه ميكن ان‬
‫يدرك تلوينات احواله بوجدانه الصحيح وان يعلم بتفرسه الصريح صحته وسقمه نعم ان‬
‫السري اآلفاقي فيه علوم ومعارف وجتليات وظهورات كثرية ولكن كلها راجعة اىل الظالل‬
‫وتسل ابلشبه واملثال فاذا كان السري االنفسي متعلقا ابلظالل كما حققته يف رسائلي و‬
‫مكاتيىب يلزم ان يكون السري اآلفاقي متعلقا بظل الظل فان اآلفاق كالظل لالنفس ومرآة‬
‫لظهورها (ي نبغي) ان يعلم ان مثل من يشاهد احوال االنفس يف مرآة اآلفاق ويعلم‬
‫الصفاء والتخلية منها كمثل من يرى نفسه يف املنام او يف الواقعة يف عامل املثال سلطاان او‬
‫يشاهد فيه نفسه قطب الوقت فهو يف احلقيقة ليس بسلطان وال قطب الوقت فان‬
‫السلطان والقطب من يكون مشرفا يف اخلارج مبنصب السلطنة او القطبية غاية ما يف‬
‫الباب انه يعلم من هذا املنام او الواقعة استعداد السلطنة وقابلية القطبية ينبغي بذل الروح‬
‫حت خترج املعاملة من القوة اىل الفعل وتنتقل من املراسلة اىل املعانقة وفيما حنن فيه ايضا‬
‫التزكية والتحلية منوطة ابلسري االنفسي و ما رآه يف السري اال فاقي فهو استعداد التزكية‬
‫وقابلية التحلية فما مل ير نفسه مزكى ومطهرا يف اخلارج ابلسري االنفسي ومل يدرك نفسه‬
‫مصفى بوجدانه فليس له نصيب من الفناء يف احلقيقة والحظ له من التحقق ابملقامات‬
‫ومل حيصل من االطوار السبعة غري القشر فكان السري االنفسي داخال يف السري اىل هللا‬
‫ابلضرورة وكانت متامية السري اىل هللا اليت هي مقام الفناء مربوطة ابلسري االنفسي والسري‬
‫يف هللا يتصور بعد السري االنفسي مبراحل {شعر}‪:‬‬
‫كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف‬
‫(ايها السعيد) ان التعلق العلمي واحليب الذي كان منسواب اىل ذات السالك اذا‬
‫زال يف السري االنفسي يرتفع التعلق الذي كان بنفسه ويزول تعلقه ابالغيار ايضا يف‬
‫ضمن زوال تعلقه بنفسه فان عالئقه ابالغيار امنا هي بواسطة عالقته بنفسه كما تقدم‬
‫حتقيقه فصح ان السري اآلفاقي يقطع يف ضمن السري االنفسي وجنى السالك هبذا السري‬
‫الواحد من عالئق االغيار ومن عالئق نفسه ايضا فبمقياس ذلك التحقيق صح معن‬
‫‪- 731 -‬‬

‫السري االنفسي والسري اآلفاقي من غري تكلف فان السري يف احلقيقة يف االنفس ويف‬
‫اآلفاق ايضا فان قطع تعلقات االنفس ابلتدريج سري يف االنفس وقطع التعلقات اآلفاقية‬
‫الذي هو حيصل يف ضمن السري االنفسي سري يف اآلفاق خبالف السري اآلفاقي والسري‬
‫االنفسي بطور اآلخرين فانه حيتاج فيهما اىل التكلف كما مر نعم ان كل حمل فيه حقيقة‬
‫فهو حمرر عن التكلف وهللا سبحانه املوفق (امسع امسع) ان ظهور امساء الواجب وصفاته‬
‫جل سلطانه يف مرآة السالك الذي اثبتوه يف السري االنفسي وظنوه حتلية بعد ختلية ليس‬
‫ذلك الظهور يف احلقيقة ظهور االمساء والصفات وال هو حتلية بعد ختلية بل هو ظهور‬
‫ظل من ظالل االمساء والصفات وحمصل للتحلية ومسهل للتزكية والتصفية (بيانه) ان‬
‫السبقة من ذلك الطرف الهنا مناسبة للمبدئية فيحصل اوال ظهور ظل من ظالل‬
‫املطلوب يف مرآة الطالب حت يزيل ظلماته وكدوراته وحتصل له التزكية والتصفية وبعد‬
‫زوال الظلمات وحصول التزكية والتصفية الذي هو مربوط بتمامية السري االنفسي تتصور‬
‫التخلية وحيصل االستعداد للتحلية ويصري حقيقا ومستحقا لظهور امساء الواجب وصفاته‬
‫جل سلطانه ففي السري االنفسي حتصل التخلية الذي هو منوط ابلتزكية والتصفية‬
‫والتخلية اليت كانت متومهة يف السري اآلفاقي فهي صورة التخلية ال حقيقتها حت يتصور‬
‫يف السري االنفسي حصول التحلية وظهور االمساء والصفات الواجبية كما قالوا (فلزم من‬
‫هذا البيان ان االتصال ابلظل مقدم على االنقطاع واالنفصال فانه ما مل ينعكس ظل من‬
‫ظالل املطلوب يف مرآة السالك ال يتصور االنقطاع عن غري املطلوب واما االتصال‬
‫ابالصل فهو بعد حصول االنقطاع واالنفصال فمن قدم من املشائخ االتصال ينبغي ان‬
‫يراد به االتصال ابلظل ومن قدم االنفصال على االتصال ينبغي ان يراد به االتصال‬
‫ابالصل حت يكون نزاع الفريقني راجعا اىل اللفظ والشيخ أبو سعيد اخلراز قدس سره‬
‫متوقف يف هذا املقام يقول ما مل تتخلص مل تنل وما مل تنل مل تتخلص وال ادري ايهما‬
‫اقدم واسبق وقد علم ان نيل الظل مقدم على التخلص ونيل االصل بعد التخلص فال‬
‫اشتباه كما ان وقت الصبح قبل طلوع الشمس ظهور ظالل اشعة الشمس حت خيلي‬
‫‪- 732 -‬‬

‫العامل عن الظلمات ويورثه الصفاء وبعد زوال الظلمات وحصول الصفاء طلوع نفس‬
‫الشمس فظهور ظل الشمس من زوال الظلمات السابقة وطلوع نفس الشمس من زوال‬
‫الظلمات الالحقة واملناسب لطلوع السالطني ان يكون بعد التخلية والتصفية وان مل‬
‫تتصور التخلية والتصفية بدون مقدمة طلوعهم فظهر احلق وارتفع النزاع وزال االشتباه‬
‫وهللا سبحانه امللهم للصواب‪.‬‬

‫{ املكتوب الثالث واالربعون اىل موالان حممد افضل يف بيان معىن قوهلم ان ما‬
‫هو امليسر للسالك يف حق حضرة احلق سبحانه امنا هو ذوق الوجدان ال الوجدان‬
‫وحتقيق معىن اندراج النهاية يف البداية الذي هو من خاصة هذه الطريقة العلية وبيان‬
‫افضلية هذه الطريقة على سائر الطرق وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد وقع يف عبارات مشائخ هذه‬
‫الطريقة العلية قدس هللا اسرارهم السنية ان امليسر للسالك يف حق حضرة احلق جل‬
‫سلطانه ذوق الوجدان ال الوجدان وهذا الكالم مناسب ملقام اندراج النهاية يف البداية‬
‫الذي هو موطن اجلذبة اخلاصة هبؤالء االكابر وليس يف هذا املقام حقيقة الوجدان فاهنا‬
‫خمصوصة ابالنتهاء ولكن حيث مزجوا ودرجوا ذوقا وطعما من النهاية يف البداية فذوق‬
‫الوجدان ميسر فيه فاذا ترقت املعاملة من اجلذبة وبلغت من االبتداء اىل االنتهاء يشرع‬
‫ذوق الوجدان ايضا كالوجدان يف االنعدام فال يكون فيه وجدان وال ذوق الوجدان فاذا‬
‫بلغ االمر هنايته يتيسر الوجدان ويفقد ذوق الوجدان وحيث كان ذوق الوجدان مفقودا‬
‫يف املنتهى يكون االلتذاذ واحلالوة اقل يف حقه فان املنتهى قد ترك الذوق واحلالوة يف‬
‫القدم االول وصار آخرا خممول زاوية عدم احلالوة والذوق كان رسول هللا صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم متواصل احلزن دائم الفكر (فان قيل) اذا تيسر وجدان املطلوب للمنتهى فلم ال‬
‫يتيسر ذوق الوجدان فيه وحيث ال نصيب ملبتدئ من الوجدان من اين وجد ذوق‬
‫الوجدان (اجيب) ان دولة الوجدان نصيب ابطن املنتهى فانه تشرف هبذه الدولة بعد‬
‫‪- 733 -‬‬

‫انقطاع تعلقه الذي كان منه بظاهره وحيث بقى تعلق ابطنه بظاهره قليال ال تسري نسبة‬
‫ابطنه يف ظاهره ابلضرورة وال أيخذ الظاهر ذوقا من وجدان الباطن وال يكون ملتذا به‬
‫فيكون وجدان املطلوب حاصال يف ابطن املنتهى وال يكون يف ظاهره ذوق ذلك الوجدان‬
‫بقى ذوق الباطن الذي الوجدان نصيبه وحيث ان الباطن انل نصيبا من الالمثلي يكون‬
‫ذوق ذلك الوجدان أيضا من عامل الالمثلي ال حيصل يف درك الظاهر الذي هو مثلي من‬
‫القدم اىل الرأس ف كثريا ما ينفي الظاهر الذوق من الباطن ويزعم الباطن ايضا مثل نفسه‬
‫فاقد احلالوة فان ذوق املثلي غري ذوق الالمثلي ال مناسبة بينهما فاذا مل يكن لظاهر‬
‫املنتهى خرب عن ذوق ابطنه كيف يكون للعوام الذين نظرهم مقصور على الظاهر خرب‬
‫عن ابطن املنتهى وماذا يكون نصيبهم غري االنكار والذوق الذي جيئ يف فهمهم هو ذوق‬
‫الظاهر الذي هو من عامل املثل ومن ههنا كان السماع والرقص والصيحة واالضطراب‬
‫وامثاهلا مما هو من احوال الظاهر واذواق الصورة عزيزة الوجود وعظيمة القدر عندهم بل‬
‫رمبا يعتقدون احنصار االذواق واملواجيد يف هذه االمور وال يظنون كماالت الوالية يف‬
‫غريها هداهم هللا سبحانه سواء الصراط وحكم احوال الظاهر ابلنسبة اىل احوال الباطن‬
‫كحكم املثلي ابلنسبة اىل الالمثلي فثبت ان لباطن املنتهى وجدان وذوق الوجدان غاية‬
‫ما يف الباب ان ذلك الذوق ملا كان له نصيب من عامل الالمثلي وال جيئ يف درك ظاهره‬
‫بل الظاهر حاكم بنفيه وان كان الظاهر مطلعا على وجدان الباطن ولكنه ال ميكن ان‬
‫يدرك ذوق ذلك الوجدان أمكن ان يقال ابلنظر اىل الظاهر ان الوجدان موجود يف‬
‫املنتهى وذوق الوجدان مفقود فيه وامنا يثبتون ذوق الوجدان يف املبتدى الرشيد من هذا‬
‫الطريق العايل مع فقدان الوجدان وذلك الن هؤالء االكابر يدرجون يف االبتداء طعما‬
‫وذوقا من االنتهاء ويلقون ظال من النهاية يف ابطن املبتدى الرشيد بطريق االنعكاس‬
‫وحيث كان ظاهر املبتدى مرتبطا بباطنه وقوة التعلق بني الظاهر والباطن اثبتة فال جرم‬
‫يسري ظل تلك النهاية وذوق الوالية من ابطن املبتدي اىل ظاهره وجيعل ظاهره منصبغا‬
‫بلون ابطنه ويظهر ذوق الوجدان يف ظاهره من غري اختيار فصح ان حقيقة الوجدان‬
‫‪- 734 -‬‬

‫مفقودة يف املبتدى و ذوق الوجدان حاصل فيه (ومن) هذا البيان يعلم علو طريق اكابر‬
‫النقشبندية قدس هللا تعاىل اسرارهم ورفعة نسبتهم العلية ويفهم منه حسن تربية هؤالء‬
‫االكابر وكمال اهتمامهم يف حق املريدين والطالبني واهنم يعطون للمريد الرشيد والطالب‬
‫الصادق على مقدار حوصلته يف اول القدم ما هو فيهم ويرمونه بعالقة حبية وارتباط‬
‫معنوي بطريق االلتفات واالنعكاس وبعض مشايخ السالسل اآلخر قدس هللا اسرارهم يف‬
‫اشتباه من كلم ة اندراج النهاية يف البداية اليت صدرت عن هؤالء االكابر وله تردد يف‬
‫حقية هذا الكالم وال جيوز ان يكون مبتدئ هذا الطريق مساواي ملنتهى طريق آخر‬
‫والعجب انه من اين فهم مساواة مبتدى هذا الطريق ملنتهى طرق أخرى ومل يصدر عن‬
‫هؤالء االكابر غري اندراج النهاية يف البداية وليست يف هذه العبارة داللة على املساواة‬
‫ومقصودهم منها ان الشيخ املنتهى يف هذا الطريق يعطى ابلتوجه والتصرف ذوقا من دولة‬
‫هنايته ملبتد رشيد بطريق االنعكاس وميزج يف بدايته ملح هنايته فاين املساواة وما حمل‬
‫االشتباه واين اجملال للرتدد يف حقيته وهذا االندراج دولة عظيمة جدا ومبتدئ هذا الطريق‬
‫وان مل يكن له حكم املنتهى ولكنه ليس حمروما عن دولة النهاية ولو فرضنا ان هذا‬
‫املتبدئ ال يعطى فرصة قطع طريق الوصول وطي منازله ولكنه ال يذهب حمروما عن دولة‬
‫النهاية وجتعل تلك الذرة من ملح النهاية كليته مليحة ومملوحة خبالف مبتدئ طرق أخر‬
‫فاهنم بعيدون عن معاملة النهاية وعاجزون عن قطع املنازل وطي املسافات فيا ويلهم الف‬
‫ويل لو مل يقطعوا فرصة قطع املنازل وطي املسافات فاذا اتضح الفرق بني مبتدئي هذا‬
‫الطريق ومبتدئي طرق اخر والحت مزية ذلك املتبدى على سائر ارابب البداية ينبغي ان‬
‫يعلم ان هذا الفرق اثبت بني منتهى هذا الطريق ومنتهى طرق أخر وهذه املزية متحققة‬
‫بينهما بل هناية هذه الطريقة العلية وراء هناايت سائر طرق املشائخ يصدقون هذا الكالم‬
‫مين ام ال فان سلكوا طريق االنصاف لعلهم يصدقون فان النهاية اليت بدايتها ممتزجة‬
‫ابلنهاية يكون هلا امتياز عن هناايت اآلخرين ألبتة وتكون هناية تلك النهاايت ألبتة‬
‫{ع}‪:‬‬
‫‪- 735 -‬‬

‫وعام الرخص يعلم من ربيعه‬


‫ومجاعة من متعصيب سالسل أخرى يقولون لنا ان هنايتنا وصول اىل احلق سبحانه‬
‫وأنتم تقولون اهنا بدايتكم فاىل اين تذهبون من احلق وما يكون هنايتكم وراء احلق (قلنا)‬
‫نذهب من احلق اىل احلق جل سلطانه وهنرب من شائبة الظلية ونقصد اصل االصل‬
‫ونعرض عن التجليات ونطلب املتجلي وخنلف الظهورات خلف ظهوران ونلتمس الظاهر‬
‫يف أبطن البطون وحيث كانت مراتب االبطنية متفاوتة نذهب من ابطنية اىل ابطنية أخرى‬
‫ونضع القدم من ابطنية أخرى اىل ابطنية اثلثة ومنها اىل ما شاء هللا تعاىل وحضرة احلق‬
‫سبحانه وان كان بسيطا حقيقيا ولكنه تعاىل واسع ايضا ال ابلوسعة اليت هلا طول وعرض‬
‫فاهنا من أمارات االمكان وعالمات احلدوث بل وسعته تعاىل كذاته سبحانه منزهة عن‬
‫الكيف والشبه واملثال والسري الواقع يف تلك الوسعة ايضا ال مثلي وال كيفي وصاحب‬
‫السري مع وجود كونه كميا وكيفيا يقطع تلك املنازل الالمثلية بقوة ال كيفية وال مثلية‬
‫ويرغب عن املثلي يف الالمثلي ماذا يدرك العاجزون املفلسون عن حقيقة املعاملة وأي خرب‬
‫يعرف املتعلقون بعامل املثلي عن عامل الالمثلي يزعمون قصورهم اعرتاضا ويتباهون جبهاالهتم‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫كم من بليد غفول عن معايبه * استحسن العيب زعما انه حسن‬
‫امل يفهموا ان هناية االنبياء عليهم الصالة و السالم بل هناية خامت الرسل صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم أيضا وصول اىل احلق سبحانه وهناية هذه الطائفة ليست متحدة بنهاية‬
‫هؤالء االكابر بل ال مناسبة بينهما اصال فيمكن ان تتيسر جلماعة هناية تكون وراء هناية‬
‫هذه الطائفة ودون هناية هؤالء الكرباء عليهم الصلوات والتحيات فصح ان هناية الكل هو‬
‫الوصول اىل احلق سبحانه والتفاوت فيما بني الطوائف اثبت على تفاوت درجاهتم او‬
‫نقول ان الكل يزعم ان هنايته الوصول اىل احلق سبحانه لكن كثري من الناس يظن الظالل‬
‫وظهورات احلق احلق تعاىل وتقدس مع وجود تفاوت درجات تلك الظالل والظهورات‬
‫فلم تكن هناايت مجيع ارابب النهاايت يف نفس االمر الوصول اىل احلق تعاىل وتقدس بل‬
‫‪- 736 -‬‬

‫منتهى كل واحد احلق سبحانه حبسب زعمه فحينئذ اذا كان ابتداء شخص ظالل احلق‬
‫وظهوراته سبحانه اليت هي هناية اآلخر بزعم احلقانية تكون هناية ذلك الشخص الوصول‬
‫اىل احلق تعاىل الذي هو سبحانه وراء تلك الظالل والظهورات فلم يكون مستبعدا وكيف‬
‫يكون حمل اشتباه {شعر}‪:‬‬
‫لو عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * نزهت ساحتهم عن افحش الكلم‬
‫هل يقطع الثعلب احملتال سلسلة * قيدت هبا أسد الدنيا ابسرهم‬
‫ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين‪.‬‬

‫{ املكتوب الرابع واالربعون اىل حممد صادق ولد احلاج حممد مؤمن يف جواب‬
‫استفساره عن وحدة الوجود وتطبيقها على العلوم الشرعية وعن سؤاله عن حديث‬
‫اذا أحب هللا عبدا اخل وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سألت ان الصوفية قائلون بوحدة‬
‫الوجود ويعتقد العلماء هذا القول كفرا وزندقة وكلتا الطائفتني من الفرقة الناجية فما‬
‫حقيقة هذه املعاملة عندك (ايها احملب) ان هذا الفقري قد كتب حتقيق هذا املبحث يف‬
‫مكتوابته ورسائله ابلتفصيل وجعل نزاع الفريقني راجعا اىل اللفظ ومع ذلك ملا سألت‬
‫ال بد للسؤال من اجلواب فلنكتب كلمات ابلضرورة اعلم ان كل من يقول من الصوفية‬
‫العلية بوحدة الوجود ويرى االشياء عني احلق سبحانه وحيكم ابن الكل هو ليس مراده ان‬
‫االشياء متحدة ابحلق جل وعال وان التنزيه صار تشبيها متنزال وكان الواجب ممكنا‬
‫وانقلب الالمثلي مثليا فان هذه كلها كفر واحلاد وضاللة وزندقة ليس هناك احتاد وال‬
‫عينية وال تنزل وال تشبه فهو سبحانه اآلن كما كان فسبحان من ال يتغري بذاته وال‬
‫بصفاته وال أبمسائه حبدوث األكوان وهو سبحانه على صرافة اطالقه ما مال من اوج‬
‫الوجوب اىل حضيض االمكان بل معن الكل هو ان االشياء معدومة واملوجود هو تعاىل‬
‫وتقدس وليس مراد احلسني بن منصور احلالج من قوله اان احلق ابين حق ومتحد ابحلق‬
‫‪- 737 -‬‬

‫فانه كفر وموجب لقتله بل معن قوله ابين معدوم واملوجود هو احلق سبحانه غاية ما يف‬
‫الباب ان الصوفية يرون االشياء مرااي ظهورات احلق تعاىل وتقدس ويظنوهنا جمايل امسائه‬
‫وصفاته سبحانه من غري شائبة التنزل وبال مظنة التغري والتبدل كما اذا امتد ظل شخص‬
‫ال ميكن ان ي قال ان ذلك الظل متحد بذلك الشخص وله نسبة العينية معه أو ان ذلك‬
‫الشخص تنزل فظهر يف صورة الظل بل ذلك الشخص على صرافة اصالته ووجد الظل‬
‫منه من غري شائبة التنزل والتغري وان اختفى وجود الظل يف بعض االوقات عن نظر مجاعة‬
‫بواسطة كمال حمبتهم بوجود الشخص حبيث ال يكون مشهودهم شيئا غري الشخص‬
‫اصال فحينئذ لعلهم يقولون ان الظل عني الشخص يعين الظل معدوم واملوجود هو ذلك‬
‫الشخص فقط فلزم من هذا التحقيق ان االشياء عند الصوفية مرااي ظهورات احلق ال عينه‬
‫تعاىل وتقدس فتكون االشياء من احلق ال احلق جل شأنه فيكون معن كالمهم الكل هو‬
‫الك ل منه وهو خمتار العلماء الكرام فال يكون النزاع بني العلماء الكرام والصوفية العظام‬
‫كثرهم هللا سبحانه اىل يوم القيام اثبتا يف احلقيقة و يكون مآل القولني واحدا وامنا الفرق‬
‫ان الصوفية يقولون ان االشياء مرااي ظهورات احلق تعاىل والعلماء يتحاشون من هذا‬
‫اللفظ ايض ا من جهة التحرز من توهم احللول واالحتاد (فان قيل) ان الصوفية مع وجود‬
‫قوهلم بظهورات االشياء يروهنا معدومة خارجية وال يقولون مبوجود يف اخلارج غري احلق‬
‫سبحانه والعلماء يقولون بوجود االشياء يف اخلارج فثبت نزاع الفريقني يف املعن (أجيب)‬
‫أن الصوفية وان كانوا يرون العامل معدوما خارجيا لكنهم يثبتون له وجودا ومهيا يف اخلارج‬
‫ويقولون ابراءة خارجية وال ينكرون الكثرة الومهية اخلارجية ومع ذلك يقولون ان هذا‬
‫الوجود الومهي الذي حصل اراءة يف اخلارج ليس من املوجودات الومهية اليت ترتفع ابرتفاع‬
‫الوهم وليس له قرار وثبات بل ملا كان هذا الوجود الومهي وتلك االراءة اخليالية بصنع‬
‫احلق سبحانه وانتقاش قدرته الكاملة كان حمفوظا من الزوال ومصوان من اخللل ومعاملة‬
‫هذه النشأة وتلك النشأة مربوطة به والسوفسطائية الذين يظنون العامل اوهاما وخياالت‬
‫ويزعمون ارتفاعه ابرتفاع الوهم واخليال يقولون ان وجود االشياء اتبع العتقادان ليس له‬
‫‪- 738 -‬‬

‫حتقق يف نفس األمر فان اعتقدان السماء ارضا فارض واالرض ابعتقادان مساء واذا ختيلنا‬
‫احللو مرا فمر واملر ابعتقادان حلو وابجلملة ان هؤالء اجملانني ينكرون اجياد الصانع املختار‬
‫جل سلطانه وال يسندون االشياء اليه تعاىل ضلوا فاضلوا فالصوفية يثبتون لالشياء يف‬
‫اخلارج وجودا ومهيا له ثبات واستقرار ال يرتفع ابرتفاع الوهم وجيعلون معاملة هذه النشأة‬
‫وتلك النشأة اليت هي خملدة ومؤبدة مربوطة بذلك الوجود والعلماء يعتقدون االشياء‬
‫موجودة يف اخلارج ويعتقدون ترتب االحكام اخلارجية االبدية على االشياء ومع ذلك‬
‫يتصورون وجود االشياء يف جنب وجود احلق جل وعال ضعيفا وحنيفا ويعتقدون وجود‬
‫املمكن ابلنسبة اىل وجود الواجب تعاىل وتقدس هالكا فثبت لالشياء وجود يف اخلارج‬
‫عند الفريقني وكانت احكام هذه النشأة وتلك النشأة مربوطة به وانه غري مرتفع ابرتفاع‬
‫الوهم واخليال فا رتفع النزاع وزال اخلالف غاية ما يف الباب ان الصوفية يقولون لذلك‬
‫الوجود ومهيا بواسطة ان وجود االشياء يصري خمتفيا عن نظرهم وقت العروج وال يبقى يف‬
‫نظرهم غري وجود احلق جل شأنه والعلماء يتحاشون عن اطالق لفظ الوهم على ذلك‬
‫الوجود وال يقولون وجودا ومهيا لئال حيكم قاصر النظر ابرتفاعه فينكر الثواب والعذاب‬
‫االبديني (فان قيل) ان مقصود الصوفية من اثبات الوجود الومهي لالشياء هو ان هذا‬
‫الوجود مع وجود الثبات واالستقرار ليس هو يف نفس االمر ويف غري الوهم وال نصيب له‬
‫عن االراءة والعلماء يقولون بوجود االشياء يف اخلارج ونفس األمر فالنزاع ابق (أجيب)‬
‫ان الوجود الومهي واالراءة اخليالية ملا مل يرتفع ابرتفاع الوهم واخليال كان يف نفس االمر‬
‫فاان لو فرضنا زوال وهم مجيع الوامهني يكون هذا الوجود اثبتا ال يزول بزوال االوهام وال‬
‫معن للواقع ونفس االمر اال هذا ولكن فرق بني نفس االمر الذي يثبت يف وجود املمكن‬
‫وبني نفس االمر الذي هو اثبت يف وجود الواجب تعاىل فان االول له حكم الالشئ يف‬
‫جنب الثاين حت يكاد يعد من املوهومات واملتخيالت مثل اجزاء الكلي املشكك حيث‬
‫ان بينها تفاوات فاحشا كما ان وجود املمكن له حكم الالشئ ابلنسبة اىل وجود الواجب‬
‫حبيث يكاد يعد من العدمات فال نزاع يف احلقيقة (فان قيل) اذا كان وجود مجيع االشياء‬
‫‪- 739 -‬‬

‫يف نفس االمر لزم ان تكون املوجودات متعددة يف نفس االمر ال موجودا واحدا وهذا‬
‫مناف لوحدة الوجود اليت هي مقررة ومسلمة عند الصوفية (أجيب) كالمها مطابقان‬
‫لنفس االمر تعدد املوجودات ووحدة الوجود يف نفس االمر ولكن ملا كان اجلهة واالعتبار‬
‫خمتلفان ارتفع توهم اجتماع النقيضني (وليتضح) هذا املبحث مبثال وهو ان صورة زيد‬
‫مثال مرئية يف املرآة وال صورة يف املرآة يف نفس االمر اصال فان تلك الصورة املرئية ليست‬
‫حتت املرآة وال يف وجهها بل وجود تلك الصورة يف املرآة ابعتبار التوهم ليس هلا حصول‬
‫يف املرآة غري االراءة اخليالية وهذا الوجود الومهي واالراءة اخليالية اللذان عرضا للصورة يف‬
‫املرآة أيضا كائنان يف نفس االمر وهلذا لو قال شخص رأيت صورة زيد يف املرآة يصدق‬
‫يف كالمه هذا عقال وعرفا ويعد حمقا وحيث كان مبن االميان على العرف لو حلف‬
‫شخص ابن يقول وهللا رأيت صورة زيد يف املرآة ينبغي ان ال حينث به ففي هذه الصورة‬
‫عدم حصول صورة زيد يف املرآة وحصوهلا فيها ابعتبار التوهم والتخيل كالمها يف نفس‬
‫األمر والواقع ولكن االول حبسب نفس االمر مطلقا والثاين بتوسط الوهم والتخيل‬
‫(والعجب ) ان اعتبار التوهم والتخيل الذي هو مناف لنفس األمر صار هنا حمال لنفس‬
‫االمر اذ لواله ملا حصل مثة نفس االمر (واملثال) الثاين النقطة اجلوالة اليت تعرض هلا صورة‬
‫الدائرة يف اخلارج حبسب التوهم والتخيل فههنا عدم حصول الدائرة يف اخلارج وحصوهلا‬
‫ايضا فيه ابعتبار التوهم والتخيل كالمها يف نفس االمر ولكن عدم حصول الدائرة يف‬
‫نفس االمر مطلقا وحصوهلا فيه حبسب التوهم والتخيل فاالول مطلق والثاين مقيد ففيما‬
‫حنن فيه تكون وحدة الوجود حبسب نفس االمر مطلقا وتعدد الوجود يف نفس االمر‬
‫ابعتبار التوهم والتخيل فبمالحظة االطالق والتقييد ال يكون بني كون املتناقضني حبسب‬
‫نفس االمر تناقض وال يثبت اجتماع النقيضني (فان قيل) اذا فرض زوال وهم مجيع‬
‫الوامهني كيف يكون الوجود الومهي واالراءة اخليالية اثبتا (اجيب) ان هذا الوجود الومهي مل‬
‫حيصل مبجرد اخرتاع الوهم حت يزول بزوال الوهم بل هو حاصل بصنع احلق جل وعال يف‬
‫مرتبة الوهم وحصل له االتقان فال يتطرق عليه اخللل بزوال الوهم ابلضرورة وامنا يقال له‬
‫‪- 740 -‬‬

‫وجودا ومهيا ابعتبار ان احلق سبحانه خلقه يف مرتبة احلس والوهم وحيث كان خلقه تعاىل‬
‫فهو حمفوظ عن الزوال واخللل يف اي مرتبة كان وحيث ان احلق سبحانه خلقه كان يف‬
‫نفس االمر ابلضرورة يف اي مرتبة خلقه وان مل تكن تلك املرتبة نفس االمر بل جمرد اعتبار‬
‫ولكن املخلوق يف تلك املرتبة منسوب اىل نفس االمر وما قلت ان احلق سبحانه خلقه يف‬
‫مرتبة احلس والوهم يعين انه تعاىل خلق االشياء يف مرتبة ليس هلا يف تلك املرتبة حصول‬
‫وال ثبوت إال يف احلس والوهم كما يرى اهل الشعبذة اشياء غري واقعية ويرون شيئا واحدا‬
‫عشرة اشياء وليس هلذه االشياء العشرة حصول اال يف احلس والوهم وليس املوجود يف‬
‫نفس االمر غري ذلك الشئ الواحد فاذا عرض هلذه االشياء العشرة بقدرة احلق جل‬
‫سلطانه ثبات واستقرار وصارت حمفوظة عن اخللل وسرعة الزوال تصري يف نفس االمر‬
‫فهذه االشياء العشرة موجودة يف نفس االمر ومعدومة فيه ايضا لكن ابعتبارين فانه اذا‬
‫قطع النظر عن مرتبة احلس والوهم فمعدومة وبال مالحظة احلس والوهم موجودة ومن‬
‫القصص املشهورة ان ارابب الشعبذة يف بلد من بالد اهلند اسسوا بنيان الشعبذة عند‬
‫واحد من السالطني ففي ذلك االثناء اظهروا يف نظر الناس ابلطلسم والشعبذة بستان‬
‫اشجار أنبه وأروا يف ذلك اجمللس ان تلك االشجار كربت وامثرت واكل اهل اجمللس من‬
‫مثارها فامر السلطان يف ذلك الوقت بقتل ارابب الشعبذة النه كان قد مسع انه اذا قتل‬
‫صاحب الشعبذة بعد ظهور الشعبذة تبقى تلك الشعبذة على حاهلا بقدرة احلق جل‬
‫سلطانه فلما قتلوهم بقيت تلك االشجار بقدرة هللا جل سلطانه ومسعت اهنا ابقية اىل‬
‫اآلن والناس أيكلون من مثارها وما ذلك على هللا بعزيز ففي الصورة املتنازع فيها اظهر‬
‫احلق سبحانه الذي ال موجود غريه يف اخلارج ونفس االمر كماالت امسائه وصفاته بقدرته‬
‫الكاملة يف حجب صور املمكنات يف مرتبة احلس والوهم واجلى تلك الكماالت يف‬
‫جمايل االشياء بوجود ومهي وثبوت خيايل يعين اوجد االشياء على طبق تلك الكماالت‬
‫يف مرتبة احلس والوهم فوجود االشياء ابعتبار االراءة اخليالية ولكن ملا منح احلق سبحانه‬
‫و تعاىل تلك االراءة االستقرار والثبات وراعى االتقان يف صنع االشياء وجعل املعاملة‬
‫‪- 741 -‬‬

‫االبدية مربوطة هبا صار وجودها الومهي وثبوهتا اخليايل ايضا يف نفس االمر وكانت حمفوظة‬
‫عن اخللل فيمكن ان يقال ان االشياء هلا يف اخلارج ونفس االمر وجود وليس هلا وجود‬
‫كما مر مكررا قال حضرة والد هذا الفقري قدس سره وكان من العلماء احملققني سألين‬
‫القاضي جالل الدين االكري الذي كان من العلماء املتبحرين هل الواقع الوحدة او الكثرة‬
‫فان كان وحدة تصري الشريعة اليت مبناها على االحكام املتباينة واملتمايزة ابطلة وان كان‬
‫كثرة يبطل قول الصوفية الذين يقولون بوحدة الوجود قال حضرة شيخنا يف جوابه كلتامها‬
‫مطابقتان لنفس االمر وواقعتان فيه وبني ذلك ومل يبق يف خاطر الفقري ما قال يف بيانه وما‬
‫افيض على خاطر الفقري يف هذا الوقت اورده يف قيد الكتابة واالمر اىل هللا سبحانه‬
‫فالصوفية الذين يقولون بوحدة الوجود حمقون والعلماء الذين حيكمون ابلكثرة ايضا حمقون‬
‫واملناسب الحوال الصوفية الوحدة واملناسب الحوال العلماء الكثرة فان مبين الشرائع على‬
‫الكثرة وتغاير االحكام مربوط ابلكثرة ودعوة االنبياء عليهم الصالة و السالم والتنعيم‬
‫والتعذيب اآلخرويني كله متعلق ابلكثرة وحيث ان احلق سبحانه يريد الكثرة وحيب‬
‫الظهور كما قال تعاىل فأحببت ان اعرف فبقاء هذه املرتبة ايضا ضروري فان ترتيب هذه‬
‫املرتبة مرضي رب العاملني وحمبوبه تعاىل فانه ال بد لسلطان ذي شأن من اخلدم واحلشم‬
‫والذل واالفتقار واالنكسار الزم لعظمته وكربايئه ومعاملة وحدة الوجود وان كانت‬
‫كاحلقيقة ومعاملة الكثرة ابلنسبة اليه كاجملاز وهلذا يقال لذلك العامل عامل احلقيقة وهلذا‬
‫العامل عامل اجملاز ولكن ملا كانت الظهورات حمبوب رب العاملني واعطى االشياء البقاء‬
‫األبدي واورد القدرة يف لباس احلكمة وجعل االسباب نقاب أفعاله كانت تلك احلقيقة‬
‫كاملهجورة وصار هذا اجملاز متعارفا والنقطة اجلوالة وان كانت كاحلقيقة والدائرة الناشئة‬
‫من تلك النقطة كاجملاز ولكن احلقيقة مهجورة هناك وما هو املتعارف جماز وسألت عن‬
‫معن هذا القول اذا احب هللا عبدا مل يضره ذنب اعلم انه اذا احب هللا عبدا ال يصدر‬
‫عنه ذنب فان اولياء احلق جل وعال حمفوظون عن ارتكاب الذنب وان جاز صدور‬
‫الذنب عنهم خبالف االنبياء عليهم الصالة و التسليمات فاهنم معصومون عن الذنوب‬
‫‪- 742 -‬‬

‫وجواز صدور الذنب عنهم ايضا مسلوب فاذا مل يصدر الذنب عن االولياء ال يكون فيهم‬
‫ضرر الذنب ففي صورة عدم صدور الذنب يصدق ال يضره ذنب كماال خيفى على‬
‫ارابب العلم وميكن ان يكون املراد من الذنب الذنب السابق الذي صدر عنه قبل‬
‫جيب ما كان قبله[‪ ]1‬وحقيقة األمر عند هللا‬
‫الوصول اىل درجة الوالية فان االسالم ّ‬
‫سبحانه ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او اخطأان و السالم عليكم و على سائر من اتبع‬
‫اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم والتحيات العلى‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس واالربعون اىل منبع احلقائق ومعدن املعارف اخلواجه حسام‬
‫الدين امحد يف بيان ان العامل بتمامه جمايل االمساء والصفات الواجبية خبالف الذات‬
‫فانه ال نصيب للممكن منها وليس له قيام بنفسه بل هو عرض كله مل يشم رائحة من‬
‫اجلوهرية وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (أيها املخدوم) املكرم {ع}‪:‬‬
‫واحسن ما ميى حديث االحبة‬
‫حيرر من املعارف الغريبة ينبغي استماعها ويبني طريق مراقبة أخص اخلواص فليتوجه‬
‫اليه بتوجه بليغ (ين بغي) ان يعلم ان العامل بتمامه جمايل االمساء ومظاهر الصفات الواجبية‬
‫تعالت وتقدست فان كان يف املمكن حياة فهي مرآة حلياة الواجب تعاىل وتقدس وان‬
‫كان فيه علم فمرآة علمه تعاىل وان كان قدرة فمرآة قدرته تعاىل و على هذا القياس‬
‫وليس لذاته تعاىل مظهر يف العامل وال مرآة بل ال مناسبة لذاته تعاىل ابلعامل اصال وال‬
‫اشرتاك هلا به يف شئ قطعا وان كانت تلك املناسبة يف االسم وتلك املشاركة يف الصورة‬
‫ان هللا لغين عن العاملني خبالف االمساء والصفات فان هلا مع العامل مناسبة امسية ومشاركة‬
‫صورية كما ان يف الواجب تعاىل علما يف املمكن ايضا صورة ذلك العلم وكما ان هناك‬

‫(‪ )1‬واالقرب ان معين ال يضره ذنب انه كلما صدر عنه ذنب يوفق للتوبة حاال قبل كتابة كاتب الشمال فال يضره‬
‫ذنب اصال منه عفي عنه‬
‫‪- 743 -‬‬

‫قدرة هنا ايضا صورة تلك القدرة خبالف الذات فان املمكن ال نصيب له من تلك الدولة‬
‫ومل مينح القيام بنفسه بل املمكن حيث كان خملوق على صور امسائه وصفاته تعاىل فهو‬
‫عرض بتمامه مل يشم رائحة من اجلوهرية وقيامه بذات الواجب تعاىل وتقدس وتقسيم‬
‫ارابب املعقول العامل اىل اجلوهر والعرض فهو من كون نظرهم مقصورا على الظاهر وما‬
‫ثبت من قيام بعض املمكن ببعض آخر فهو من قبيل قيام العرض ابلعرض ال من قبيل‬
‫قيام العرض ابجلوهر بل قيام ذينك العرضني يف احلقيقة بذات الواجب تعاىل وتقدس مل‬
‫يثبت بينهما جوهرية وق يوم مجيع املمكنات هو تعاىل وتقدس فليس للممكن يف احلقيقة‬
‫ذات تكون صفاته قائمة بتلك الذات بل الذات للواجب تعاىل وتقدس هبا قامت صفاته‬
‫تعاىل وكذلك مجيع املمكنات واالشارة الواقعة من كل أحد اىل ذاته بلفظ أان فتلك‬
‫االشارة راجعة يف احلقيقة اىل تلك الذات االحد اليت قيام الكل هبا يعرفه املشري اوال وان‬
‫مل تكن ذاته تعاىل مشارا اليها ابشارة ومتحدة بشئ اصال وال خيلط القاصرون هذه‬
‫املعارف الغامضة مبعارف التوحيد الوجودي ال يظنون اليد واجليب متحدا بعضه ببعض‬
‫فان ارابب التوحيد الوجودي ال يقولون مبوجود غري الذات االحد تعالت وتقدست‬
‫ويزعمون امساءه وصفاته تعاىل ايضا اعتبارات علمية ويقولون يف حقائق املمكنات ما‬
‫وصلت اليها رائحة من الوجود واالعيان ما مشت رائحة الوجود من كالمهم وهذا الفقري‬
‫يعتقد ان صفاته تعاىل ايضا موجودة بوجود زائد على الذات كما قال علماء اهل احلق‬
‫ويثبت للممكنات اليت هي جمايل االمساء والصفات ايضا وجودا غاية ما يف الباب انه ال‬
‫يعلم املمكنات غري االعراض اليت ال قيام هلا بنفسها وال يثبت اجلوهرية اليت هلا قيام بذاته‬
‫يف املمكنات بل يتيقن قيام الكل بذاته تعاىل (فان قيل) يعلم من هذا التحقيق ان ذات‬
‫املمكن عني ذات الواجب تعاىل وان املمكن متحد ابلواجب جل شأنه وهذا حمال‬
‫الستلزامه قلب احلقائق (اجيب) ان ذات املمكن يعين ماهيته وحقيقته هي عني تلك‬
‫االعراض املتعددة املخصوصة اليت هي جمايل امساء الواجب وصفاته تعاىل وال عينية لتلك‬
‫االعراض مع ذات الواجب تعاىل وتقدس اصال وال احتاد بينهما بوجه ما قطعا حت يلزم‬
‫‪- 744 -‬‬

‫قلب احلقائق وليس هناك غري قيام تلك االعراض ابلذات تعالت وتقدست وقيوميته‬
‫تعاىل جبميع االشياء (فان قيل) ملا رجعت اشارة كل احد اىل ذاته بلفظ اان اىل ذات‬
‫الواجب تعاىل لزم ان تكون ذات املمكن يعين ماهيته وحقيقته عني ذات الواجب تعاىل‬
‫فان اشارة كل احد بلفظ اان اىل ماهيته وحقيقته وهذا مستلزم لقلب احلقيقة وعني كالم‬
‫ارابب التوحيد الوجودي (اجيب) نعم وان كان اشارة كل احد بلفظ اان اىل حقيقته‬
‫ولكن ملا كانت حقيقته اعراضا جمتمعة ليست فيها قابلية هذه االشارة فان االعراض‬
‫ليست بقابلة لالشارة احلسية ابالستقالل وابالصالة وملا مل تقبل حقيقته هذه االشارة‬
‫صارت االشارة راجعة اىل مقوم تلك احلقيقة فماهية املمكن هي عني تلك االعراض‬
‫اجملتمعة وان كانت االشارة بواسطة عدم قابلية حقيقته راجعة اىل مقومها الذي هو ذات‬
‫الواجب تعاىل وتقدس فلم يكن قلب احلقيقة وما صار املمكن واجبا تعاىل وتقدس وكان‬
‫الكالم مغايرا لكالم ارابب التوحيد الوجودي (والعجب) ان اان الصادر من املمكن يرجع‬
‫اىل الواجب ويبقى املمكن ممكنا على حاله وال يتكلم بقول سبحاين واان احلق بل ال‬
‫يقدر ان يقول لكونه صاحب متيز (فان قيل) ان قيام املمكن بذات الواجب تعاىل‬
‫مستلزم لقيام احلوادث بذاته تعاىل وهو ممتنع (أجيب) ان امتناع قيام احلوادث مبعن حلول‬
‫احلوادث يف ذاته تعاىل وهو حمال ولكن القيام ليس هنا مبعن احللول بل مبعن الثبوت‬
‫والتقرر يعين ان ثبوت املمكن وتقرره بذات الواجب تعاىل (فان قيل) اذا كان ثبوت‬
‫املمكن بذات الواجب وقد تقرر انه عرض بتمامه فال بد له من حمل يقوم به وما ذاك‬
‫احملل ليس هو ذات الواجب تعاىل وكذلك ال يكون املمتنع حمال له (اجيب) ان العرض‬
‫ما ال يكون له قيام بذاته بل يقوم بغريه وملا مل يفهم ارابب املعقول يف قيام العرض غري‬
‫احللول اثبتوا للعرض حمال ابلضرورة واستحالوا ثبوته من غري حمل فاذا ظهر للقيام معن‬
‫آخر كما مر ال يلزم احملل اصال وحمسوسنا ومشاهدتنا ان قيام مجيع االشياء بذات‬
‫الواجب تعاىل من غري ان يكون يف البني حلول وحمل اصال يصدقه ارابب املعقول او ال‬
‫وتشكيكهم ال يكون مصادما لبداهتنا وال يزول يقيننا بشكهم (ولنوضح) هذا املبحث‬
‫‪- 745 -‬‬

‫مبثال ان ارابب الطلسم واصحاب السيمياء يرون ويظهرون االشياء من جنس االجسام‬
‫الغريبة واالعراض العجيبة ويف هذه الصورة يعرف كل شخص ان هذه االجسام ليس هلا‬
‫قيام بنفسها كاالعراض بل قيام كليهما بذات صاحب الطلسم وال حمل هلما اصال‬
‫ويعرفون ايضا ان ليس يف هذا القيام شائبة احلالية واحمللية بل ثبوت تلك االجسام‬
‫واالعراض بذات صاحب الطلسم من غري توهم حلول وفيما حنن فيه ايضا عني هذا‬
‫التصوير فان احلق سبحانه خلق االشياء يف مرتبة احلس والوهم وراعى االتقان واالحكام‬
‫يف صنعها وجعل املعاملة االبدية والتنعيم والتعذيب السرمديني مربوطة هبا فال قيام هلذه‬
‫االشياء بذاهتا بل هي قائمة بذاته تعاىل من غري شائبة احللول وبال مظنة احلال واحملل‬
‫والتمثيل اآلخر صورة جبل او صورة مساء تظهر يف املرآة اي أبله تزعم تلك الصور‬
‫اجساما وجواهر وتظن اهنا قائمة بنفسها فان زعم فرضا شخص تلك الصور اعراضا‬
‫وقائمة ابلغري وطلب هلا حماال بعلة العرضية ويع ّد ثبوهتا من غري حمال حماال فهذا الشخص‬
‫ايضا سفيه فانه ينكر بداهة نفسه بتقليد الناس الن كل من عنده متييز يعرف ابلبداهة ان‬
‫ليس لتلك الصور حمال اصال بل ال احتياج هلا اىل احملال وهكذا مجيع املمكنات عند‬
‫ارابب الكشف والشهود وليست غري التماثيل مثل هذه الصور غاية ما يف الباب ان احلق‬
‫سبحانه و تعاىل اتقن تلك الصور والتماثيل بقدرته الكاملة واحكم على هنج صارت‬
‫مصونة عن اخللل وحمفوظة من الزوال واملعاملة االخروية االبدية مربوطة هبا كما مر غري‬
‫مرة وقال النظام من املتكلمني ومن علماء املعتزلة حبكم رمية من غري رام العامل اعراض‬
‫جممتعة وظنه خاليا من اجلواهر نعم ان الكذوب قد يصدق وملا مل يقل بقيام هذه‬
‫االعراض بذات واجب الوجود جل سلطانه من قصور نظره صار موردا لطعن العقالء‬
‫وتشنيعهم فان العرض ال بد له من قيام ابلغري وال هو قائل بوجود اجلوهر حت جيعل قيامه‬
‫مستندا اليه ومن الصوفية اعتقد صاحب الفتوحات املكية العامل اعراضا جمتمعة يف عني‬
‫واحد وجعل العني الواحد عبارة عن ذات احدية جل سلطانه ولكنه حكم بعدم بقاء‬
‫هذه االعراض يف زمانني وقال ان العامل ينعدم يف كل آن ويتجدد مثله و عند الفقري هذه‬
‫‪- 746 -‬‬

‫املعاملة شهودية ال وجودية كما حقق هذا املبحث يف حواشي شرح الرابعيات انه قد يرى‬
‫للسالك يف توسط االحوال قبل ان ترتفع االغيار عن نظره مطلقا يف آن ان العامل صار‬
‫معدوما ويف آن اثن يرى ان العامل موجود ويف آن اثلث جيده ايضا معدوما ويف آن رابع‬
‫موجودا اىل ان يشرف ابلفناء املطلق وجيد العامل معدوما دائما ففي هذا الوقت العامل‬
‫مستمر العدم يف شهوده وهكذا حني توسط حصول البقاء والرجوع اىل العامل يظهر العامل‬
‫يف النظر اترة وخيتفي أخرى ومن هناك ايضا يتوهم حالة جتدد االمثال فاذا متت هلذا‬
‫العارف معاملة البقاء والرجوع اىل العامل واستند يف مقام التكميل واالرشاد يظهر العامل يف‬
‫نظره ايضا وجيد العامل مستمر الوجود فصارت هذه املعاملة راجعة اىل شهود السالك ال‬
‫اىل وجود العامل فان وجوده ما زال على وترية واحدة فان كان تذبذب فهو يف الشهود‬
‫وهللا سبحانه امللهم للصواب واحلكم بعدم بقاء االعراض يف زمانني كما قال بعض‬
‫املتكلمني مدخول فيه مل يبلغ مرتبة الثبوت واالدلة اليت اوردوها يف عدم بقاء االعراض غري‬
‫اتمة وهذه املعارف الغامضة كاهنا درس الكثر االصحاب هناك ينبغي اعطاء نقلها لكل‬
‫من له شوق اليها وملا كان يف الفقري نوع مرض مل يكتب لكل واحد من االصحاب على‬
‫حدة واكتفي هبذه املعارف فقط و السالم عليكم و على من لديكم‪.‬‬

‫{املكتوب السادس واالربعون اىل الشيخ محيد البنگايل يف فضائل الكلمة‬


‫الطيبة اليت هي متضمنة للطريقة واحلقيقة والشريعة وبيان ان ال مقدار لكماالت‬
‫الوالية يف جنب كماالت النبوة اصال وبيان ان الوالية ال بد هلا من الشريعة وما‬
‫يناسب ذلك}‬
‫ال اله اال هللا حممد رسول هللا هذه الكلمة الطيبة متضمنة للطريقة واحلقيقة‬
‫والشريعة وما دام السالك يف مقام النفي فهو يف مقام الطريقة فاذا فرغ من النفي ابلتمام‬
‫وانتفى مجيع االغيار عن نظره وأمت الطريقة ووصل اىل مقام الفناء وجاء اىل مقام االثبات‬
‫بعد النفي ومال من السلوك اىل اجلذبة فقد حتقق مبرتبة احلقيقة واتصف ابلبقاء وهبذا‬
‫‪- 747 -‬‬

‫النفي واالثبات وهبذه الطريقة واحلقيقة وهبذا الفناء والبقاء وهبذا السلوك واجلذبة يصدق‬
‫اسم الوالية ومتيل النفس من ان تكون امارة اىل االطمئنان وتصري مزكاة ومطهرة‬
‫ف كماالت الوالية صارت مربوطة ابجلزء االول من هذه الكلمة الطيبة الذي هو النفي‬
‫واالثبات وبقى اجلزء الثاين من هذه الكلمة املقدسة الذي هو مثبت رسالة خامت الرسل‬
‫عليه و على آله الصالة و التسليمات وهذا اجلزء االخري حمصل للشريعة ومكمل هلا وما‬
‫كان حاصال يف االبتداء والوسط من الشريعة فهو صورة الشريعة وامسها ورمسها وحصول‬
‫حقيقة الشرعية امنا هو يف هذا املوطن الذي حيصل بعد حصول مرتبة الوالية وكماالت‬
‫النبوة اليت حتصل لكمل اتبعي االنبياء عليهم الصالة و السالم بتبعيتهم ووراثتهم فهي‬
‫ايضا يف هذا املوطن والطريقة واحلقيقة اللتان مها حمصلتان للوالية كأهنما من الشرائط‬
‫لتحصيل حقيقة الشريعة وحتصيل كماالت النبوة (ينبغي) ان يعقتد الوالية مثل الطهارة‬
‫والشريعة كالصالة وكأن يف الطريقة ازالة النجاسات احلقيقية ويف احلقيقة ازالة النجاسات‬
‫احلكمية وبعد الطهارة الكاملة يستحق اتيان االحكام الشرعية وحيصل قابلية اداء الصالة‬
‫اليت هي هناية مراتب القرب وعماد الدين ومعراج املؤمن ولقد وجدت اجلزء االخري من‬
‫هذه الكلمة املقدسة حبرا ال هناية له وشوهد اجلزء االول يف جنبه كالقطرة نعم ال مقدار‬
‫لكماالت الوالية يف جنب كماالت النبوة اصال وما يكون مقدار ذرة يف جنب الشمس‬
‫سبحان هللا زعم مجاعة من اعوجاج النظر ان الوالية افضل من النبوة وظنوا الشريعة اليت‬
‫هي لب اللباب قشرا وماذا يفعلون فان نظرهم مقصور على صورة الشريعة ومل حيصلوا من‬
‫اللب شيئا غري القشر وظنوا النبوة بعلة التوجه اىل اخللق قاصرة وزعموا هذا التوجه مثل‬
‫توجه ال عوام انقصا ورجحوا توجه الوالية الذي هو اىل احلق على ذلك التوجه وقالوا ان‬
‫الوالية افضل من النبوة ومل يدروا ان التوجه يف كماالت النبوة ايضا اىل احلق يف وقت‬
‫العروج كما يف مرتبة الوالية بل يف مرتبة الوالية صورة تلك الكماالت العروجية اليت‬
‫حصلت يف مقام النبوة كم ا ستذكر منه نبذة والتوجه يف وقت نزول النبوة اىل اخللق‬
‫كالوالية وامنا الفرق ان الظاهر يف الوالية متوجه اىل اخللق والباطن اىل احلق سبحانه ويف‬
‫‪- 748 -‬‬

‫نزول النبوة الظاهر والباطن كالمها متوجهان اىل اخللق وصاحبه يدعو اخللق اىل احلق‬
‫بكليته وهذا النزول امت واكمل من نزول الوالية كما حققته يف كتيب ورسائلي وتوجهه هذا‬
‫اىل اخللق ليس كتوجه العوام كما زعموا فان توجه العوام اىل اخللق من جهة تعلقهم‬
‫ابالغيار وتوجه اخص اخلواص اىل اخللق ليس هو بواسطة تعلقهم ابالغيار فان هؤالء‬
‫االكابر ودعوا التعلق ابالغيار يف اول القدم وحصلوا التعلق خبالق اخللق جل سلطانه‬
‫مكانه بل توجه هؤالء االكابر اىل اخللق هلدايتهم وارشادهم ليدلوهم على خالق اخللق‬
‫جل وعال ولريشدوهم اىل مراضي موالهم تعاىل وتقدس وال شك ان مثل هذا التوجه اىل‬
‫اخللق الذي مقصودهم منه ختليصهم عن رقية ما سواه تعاىل افضل من ذلك التوجه اىل‬
‫احلق سبحانه الجل نفسه مثال اذا كان شخص مشغوال بذكر هللا تعاىل فظهر يف ذلك‬
‫االثناء ضرير ويف طريقه بئر حبيث لو رفع قدمه لوقع فيها ففي هذه الصورة هل االفضل‬
‫هلذا الشخص الذكر او ختليص الضرير من البئر وال شك ان ختليص الضرير افضل من‬
‫الذكر فان هللا تعاىل غين عنه وعن ذكره والضرير عبد حمتاج ودفع الضرر عنه ضروري‬
‫خصوصا اذا كان مأمورا هبذا التخليص ففي هذا الوقت ختليصه عني الذكر لكونه امتثال‬
‫امره يف الذكر اداء حق واحد وهو حق املوىل جل شأنه ويف ختليص املأمور به اداء حقني‬
‫حق العبد وحق املويل تعاىل بل يكاد يدخل الذكر يف ذلك الوقت يف املعصية فان الذكر‬
‫ليس مبستحسن يف محيع االوقات بل يف بعض االوقات يستحسن عدم الذكر كما ان‬
‫االفطار يف االايم املنهية وترك الصالة يف االوقات املكروهة افضل من الصوم والصالة‬
‫(ينبغي) ان يعلم ان الذكر عبارة عن طرد الغفلة أبي وجه يتيسر ال ان الذكر مقصور‬
‫على ت كرار كلمة النفي واالثبات أو على تكرار اسم الذات كما زعم فكلما هو من‬
‫امتثال االوامر واالنتهاء عن النواهي كله داخل يف الذكر والبيع والشراء مع مراعات‬
‫الشروط ذكر وكذلك النكاح والطالق مع مراعات شروطهما ذكر فان اآلمر والناهي جل‬
‫سلطانه حني مباشرة هذه االمور مع مراعات شروطها نصب عني مبارشرها فال يكون‬
‫فيها جمال للغفلة ولكن الذكر الواقع ابسم املذكور وصفته سريع التأثري ومورث حملبة‬
‫‪- 749 -‬‬

‫املذكور وقريب االيصال اليه خبالف الذكر الواقع من طريق امتثال االوامر واالنتهاء عن‬
‫النواهي فانه قليل النصيب من هذه الصفات وان وجدت هذه الصفات يف بعض االفراد‬
‫الذين ذكرهم ابمتثال االوامر واالنتهاء عن املناهي الشرعية على سبيل الندرة قال حضرة‬
‫اخلواجه النقشبند قدس سره ان حضرة موالان زين الدين التايبادي قدس سره وصل اىل‬
‫احلق سبحانه من طريق العلم وايضا ان الذكر الذي يقع ابسم املذكور وصفته وسيلة‬
‫للذكر الذي حيصل مبراعات احلدود الشرعية فان مراعات االحكام الشرعية يف مجيع‬
‫االمور غري ميسرة بدون حمبة اتمة لناصب الشرع وهذه احملبة التامة مربوطة بذكر امسه‬
‫وصفته تعاىل فال بد اوال من ذلك الذكر حت حيصل بسببه هذا الذكر ومعاملة العناية امر‬
‫آخر ليس هناك شرط وال وسيلة هللا جيتيب اليه من يشاء (ولنرجع) اىل اصل الكالم فنقول‬
‫ان وراء هذه املعامالت الثالث الطريقة واحلقيقة والشريعة معاملة أخرى خمتصة ابآلخرين‬
‫ميكن ان يقال ان ال اعتداد بتلك املعامالت يف جنب هذه املعاملة وال اعتبار وما حصل‬
‫يف مرتبة احلقيقة مما له تعلق ابالثبات فهو صورة هذه املعاملة وهذه املعاملة حقيقة تلك‬
‫الصورة مثل صورة شريعة حاصلة يف االبتداء ملرتبة العوام وبعد حصول الطريقة واحلقيقة‬
‫تتيسر حقيقة تلك الصورة (ينبغي) التخيل والتأمل اذا كانت معاملة صورهتا حقيقة‬
‫معاملة ومقدمتها والية كيف يسعها القيل والقال وكيف يفي هبا البيان ولو بينت فرضا‬
‫من يدركها وماذا يدرك وهذه املعاملة وراثة االنبياء اويل العزم عليهم الصلوات و‬
‫التسليمات والتحيات والربكات اليت هي نصيب اقل قليل فانه اذا كان اصول هذه‬
‫املعاملة قليلة تكون فروعها اقل ابلضرورة (فان قيل) لزم من هذه املعارف ان العارف يضع‬
‫قدمه يف بعض املراتب خارج الشريعة ويعرج اىل ما وراء الشريعة (اجيب) ان الشرعية‬
‫اعمال الظاهر وهذه املعاملة متعلقة يف هذه النشأة ابلباطن والظاهر مكلف ابلشريعة‬
‫دائما والباطن مشغوف بتلك املعاملة وحيث ان هذه النشأة دار عمل فللباطن من اعمال‬
‫الظاهر مدد عظيم وترقيات الباطن مربوطة ابتيان احكام الشريعة اليت متعلقة ابلظاهر فال‬
‫بد للظاهر والباطن يف هذه النشأة من الشريعة يف مجيع االوقات فشغل الظاهر العمل‬
‫‪- 750 -‬‬

‫مبوجب الشريعة ونصيب الباطن نتائج ذلك العمل ومثراته فالشريعة ام كل الكماالت‬
‫واصل مجيع املقامات ونتائج الشريعة ومثراهتا ليست مقصورة على النشأة الدنيوية فان‬
‫الكماالت االخروية والتنعمات السرمدية ايضا من مثرات الشريعة ونتائجها فكانت‬
‫الشريعة شجرة طيبة ينتفع العامل من مثراهتا وفواكهها يف هذه النشأة ويف تلك النشأة ومنها‬
‫تؤخذ فوائد الدارين (فان قيل) يلزم من هذا البيان كون الباطن متوجها اىل احلق سبحانه‬
‫والظاهر اىل اخللق يف كماالت النبوة ايضا وقد كتبت يف مكتوابتك ورسائلك ومر يف هذا‬
‫املكتوب ايضا ان التوجه يف مقام النبوة الذي هو حمل الدعوة اىل اخللق ابلتمام فما وجه‬
‫التوفيق (اجيب) ان تلك املعاملة املذكورة تتعلق ابلعروج ومقام الدعوة مربوط ابهلبوط ففي‬
‫وقت العروج يكون الباطن مع احلق سبحانه والظاهر مع اخللق حت تتأتى أتدية حقوقهم‬
‫على وفق الشريعة الغراء ويف وقت اهلبوط يكون متوجها اىل اخللق ابلتمام ويدهلم على‬
‫احلق سبحانه بكليته فال منافاة (وحتقيق) هذا املقام هو ان التوجه اىل اخللق عني التوجه‬
‫اىل احلق سبحانه فاينما تولوا فثم وجه هللا ال مبعن ان املمكن عني الواجب او مرآة‬
‫الواجب سبحانه و تعاىل وما مقدار املمكن احلقري حت يكون عني الواجب تعاىل او‬
‫يكون قابال ملرآتيته سبحانه بل ميكن ان يقال ان الواجب تعاىل مرآة املمكن ويتوهم‬
‫االشياء يف مرآة الواجب تعاىل كصور االشياء يف مرآة الصورة فكما انه ليس لتك الصور‬
‫حلول وسراين يف مرآة الصورة كذلك ال حلول وال سراين لالشياء يف مرآة الواجب تعاىل‬
‫وكيف يتصور احللول فانه ال وجود للصور يف مرتبة املرآة ووجود الصور امنا هو يف مرتبة‬
‫التوهم والتخيل فقط فاحملل الذي فيه املرآ ة ليس فيه الصور واحملل الذي فيه الصور على‬
‫املرآة منه الف عار فانه ال ثبوت للصور غري االراءة اخليالية وال وجود هلا غري التحقق‬
‫الومهي فان كان هلا حمل فهو يف مرتبة التوهم وان كان هلا زمان فهو يف مرتبة التخيل ولكن‬
‫حيث كانت تلك االراءة اخليالية لالشياء بصنع احلق جل سلطانه فهي مصنونة من اخللل‬
‫وحمفوظة من سرعة الزوال واملعاملة االبدية مربوطة هبا والعذاب واملثوابت السرمدية منوطة‬
‫ب يها (واعلم) ان امللحوظ اوال يف مرآة الصورة هو الصور وااللتفات الثاين امنا هو لشهود‬
‫‪- 751 -‬‬

‫املرآة وامللحوظ اوال يف مرآة الواجب هو املرآة نفسها وااللتفات الثاين امنا هو لشهود‬
‫االشياء وايضا يف مرآة الصورة الصور ايضا مرااي احكام املرآة وآاثرها فان كانت املرآة‬
‫طوالنية تظهر الصور ايضا طوالنية فتصري االشياء مرااي لطول املرآة وكذلك اذا كانت‬
‫املرآة صغرية يظهر صغرها يف مرااي الصور خبالف مرآة ذات الواجب تعاىل فان االشياء ال‬
‫تكون مرااي الحكامها وآاثرها فانه ال حكم على تلك املرتبة العليا وال أثر بل مجيع‬
‫النسب مسلوب عنها فيها فان كانت االشياء مرااي ماذا يظهر فيها نعم جيوز ان يكون‬
‫االشياء مرااي لصور احكام الواجب يف مراتب التنزل الذي موطن االمساء والصفات فان‬
‫السمع والبصر والعلم والقدرة مثال اليت هي ظاهرة يف مرااي االشياء صور السمع والبصر‬
‫والعلم والقدرة الثابتة يف مرتبة الوجوب اليت هي مرآة تلك االشياء الظاهرة وما قلت ان‬
‫امللحوظ اوال يف مرآة الواجب تعاىل هو نفس املرآة وااللتفات الثاين امنا هو لشهود‬
‫االشياء اليت هي كال صور يف تلك املرآة فهو حال ابتداء الرجوع الذي تظهر الصور فيه‬
‫للنظر بعد ان كانت مرتفعة وخمتفية عن النظر ابلتمام فاذا انتهت معاملة الرجوع اىل‬
‫آخرها ووقع السري يف االشياء طوهلا وعرضها وتيسر االستقرار يف مركز دائرة االمكان‬
‫يتبدل الشهود حينئذ ابلغيب ابلضرورة ويصري االميان الشهودي امياان غيبيا واذا متت‬
‫معاملة الدعوة وقرعت مقرعة الرحيل ففي ذلك الوقت ال يبقى الغيب وال يكون فيه غري‬
‫الشهود ولكن هذا الشهود يكون امت واكمل من ذاك الشهود الذي كان حاصال قبيل‬
‫الرجوع فان الشهود الذي يتعلق ابآلخرة أكمل من الشهود الذي يتعلق ابلدنيا شعر‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫(ينبغي) ان يعلم انه قد الح من التحقيق السابق ان صورة الشئ اليت تظهر يف‬
‫املرآة ال ثبوت هلا يف غري التخيل واملرآة على صرافة جتردها من حصول تلك الصورة فيها‬
‫وميكن ان يقال لتلك الصورة ان املرآة قريبة منها وايضا ميكن ان يقال ان املرآة حميطة هبا‬
‫واهنا معها وهذا القرب واالحاطة واملعية ليست من قبيل قرب اجلسم واجلوهر واحاطتهما‬
‫ابلعرض بل هناك قرب واحاطة العقل عاجز عن تصورمها وقاصر عن ادراك كيفيتهما ففي‬
‫‪- 752 -‬‬

‫هذه الصورة ثبتت االحاطة والقرب واملعية ومل تعلم كيفيتها اصال وهلل املثل االعلى وهكذا‬
‫القرب الذي للحق مع العامل وكذلك احاطته ومعيته تعاىل معلومة اآلنية جمهولة الكيفية‬
‫نؤمن انه تعاىل قريب من العامل وحميط به ومعه ولكن ال نعلم كيفية قربه واحاطته ومعيته‬
‫تعاىل اهنا ما هي فان هذه الصفات مغايرة لصفات االشياء ومربأة عن سيما االمكان‬
‫واحلدوث وان اورد تنظريها وتشبيهها يف عامل اجملاز الذي هو قنطرة احلقيقة واومئ اليها‬
‫ابملرآة والصورة ليجتهد حديدوا البصر يف اخلروج من اجملاز اىل احلقيقة وليميلوا من الصورة‬
‫اىل املعن و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السابع واالربعون اىل اخلواجه حممد قاسم البدخشي يف النصيحة‬


‫والتنبيه}‬
‫الرحيم بعد احلمد والصالة وتبليغ الدعوات اهني انه يفهم من كلمة‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫ذاك االخ وكالمه حرارة الطلب وتفوح رائحة اجلمعية هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك‬
‫ويشبه ان تكون هذه الدولة اثر قرب الصحبة ومل ترتككم التعلقات اليت ال طائل فيها ان‬
‫تكونوا يف الصحبة مجعة واحدة وال ادري انه هل بلغ جمموع اايم صحبتكم عشرة اوال‬
‫ينبغي ان يستحي من هللا تعاىل حيث ال ينتخب له تعاىل يوما واحدا من الف اايم وال‬
‫جيمع نفسه من تعلقات شيت وقد متت عليكم احلجة ووجدت بوجدانك ان ساعة واحدة‬
‫من هذه الصحبة افضل من اربعينات اجملاهدة ومع ذلك تفرون من هذه الصحبة وترمون‬
‫انفسكم بعيدا عنها ابحليل جوهر استعدادكم نفيس ولكن ما الفائدة النه مل خيرج من‬
‫القوة اىل الفعل استعدادكم عال ولكن مهتكم وضيعة حيث قنعت عن اجلوهر النفيس‬
‫بقطعات خزف خسيس مثل االطفال {شعر}‪:‬‬
‫وحني الصبح يعلم كالنهار * حقيقة من هويته يف الظالم‬
‫وما فاتت الفرصة اآلن ينبغي الفكر يف االصل وعمدة هذا االمر صحبة ارابب‬
‫اجلمعية فان مل تتيسر هذه الدولة ينبغي صرف االوقات يف االشتغال ابلذكر االهلي جل‬
‫‪- 753 -‬‬

‫شأنه املأخوذ من صاحب دولة واالجتناب من كل شئ ينايف الذكر وينبغي حسن‬


‫االحتياط يف احلل واحلرمة الشرعيني من غري مساهلة وعليكم ابلتزام اجلماعة يف الصلوات‬
‫اخلمس ورعاية السعي البليغ يف تعديل االركان واحملافظة على اداء الصلوات يف أوقاهتا ا‬
‫املستحبة ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير‪.‬‬

‫{امل كتوب الثامن واالربعون اىل اخلواجه حممد طالب البدخشي يف الرتغيب يف‬
‫مقام الرضا}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ليكن اخلواجه‬‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫حممد طالب دائما طالب مطلوب قد كتبت خرب فوت قرة العني حممد صديق اان هلل واان‬
‫إليه راجعون (ايها االخ) االعز ان احلق سبحانه و تعاىل اعز عند املؤمنني من كل شئ‬
‫واحب سواء كان امواال او انفسا واالحياء واالماتة فعله تعاىل ال مدخل فيهما لغريه‬
‫فيكون فعله تعاىل ايضا احب واعز ابلضرورة حيق للمحبني ان يلتذوا من فعل احملبوب وان‬
‫يفرحوا وكيف ادل على الصرب فان فيه امياء اىل الكراهة ومقام الرضاء وان كان خيرب عن‬
‫الرغبة والسرور ولكن مرتبة االلتذاذ أمر آخر (اشعار)‪:‬‬
‫ما العشق اال شعلة قد احرقت * كل الورى غري احلبيب الباقي‬
‫قد سل يف قتل السوى صمصام ال * فانظر اىل ما بعد ال ما الباقي‬
‫بشراك اي عشق قد احرتق الورى * مل يبق غري إهلنا اخلالق‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع واالربعون اىل اخلواجه گدا يف بيان ان نسيان السوى قدم‬
‫اول يف هذه الطريقة فينبغي السعي حىت ال يقع القصور يف ذلك}‬
‫حنمده ونصلي على نبيه ونسلم عليه و على آله الكرام والنصيحة لالخ اخلواجه‬
‫‪- 754 -‬‬

‫حممد گدا بعد تصحيح العقائد الكالمية وبعد اتيان االحكام الفقهية هي املدوامة على‬
‫الذكر االهلي جل سلطانه على هنج حفظه وينبغي ان يستويل الذكر على حد ال يرتك يف‬
‫الباطن غري املذكور ويزيل التعلق العلمي واحليب مبا سوى املذكور فحينئذ حيصل للقلب‬
‫نسيان السوى و يكون السالك فارغا عن رؤية الغري وادراكه حبيث لو ذكر ابالشياء‬
‫ابلتكلف والتعمل ال يتذكر وال يعرف بل يكون مستهلكا ومستغرقا يف املطلوب دائما‬
‫فاذا انتهت املعاملة اىل هنا يكون قد خطى خطوة يف هذا الطريق ينبغي السعي يف ان ال‬
‫يقصر يف اخلطوة الواحدة وان ال يبقى يف اسر رؤية الغري وعلمه {شعر}‪:‬‬
‫هلموا ايها االبطال حنو السعادة * اذ خلت عن كل مانع‬
‫وتعلقاتكم ترى يف الظاهر قليلة ولكنكم جتعلون أنفسكم من مجلة ارابب التعلق‬
‫بشوق التعلق الراضي ابلضرر ال يستحق النظر مسئلة مقررة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلمسون اىل املرزا مشس الدين يف بيان ان للشريعة صورة وحقيقة‬
‫وانه ال بد من الشريعة يف االبتداء واالنتهاء وبيان متكني القلب واطمئنان النفس‬
‫واعتدال القالب اليت يف مرتبة النبوة وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان للشريعة صورة وحقيقة‬
‫فصورة الشريعة عبارة عن اتيان االحكام الشريعة بعد االميان ابهلل وسوله ومبا جاء من عند‬
‫هللا سبحانه واالميان مع وجود منازعة النفس األمارة واابئها وطغياهنا وانكارها املودعة يف‬
‫جبلتها هو صورة االميان وكذلك الصالة والصوم مع وجود صفاهتا هذه صورة الصالة‬
‫والصوم و على هذا القياس سائر االحكام الشرعية فان النفس اليت هي عمدة االنسان‬
‫وهي املشار اليها لكل فرد بقوله اان على كفرها وانكارها فكيف يتصور منها حقيقة‬
‫االميان وحقيقة االعمال الصاحلة ومن رمحته سبحانه و تعاىل قبوله جل شأنه جمرد الصورة‬
‫وبشارته بدخول اجلنة اليت هي حمل رضائه ورمحته ومن احسانه تعاىل وتقدس اكتفاؤه يف‬
‫نفس ا الميان بتصديق القلب ومل يكلف ابذعان النفس نعم للجنة ايضا صورة وحقيقة‬
‫‪- 755 -‬‬

‫حيتظ اصحاب الصورة بصورة اجلنة وارابب احلقيقة حبقيقة اجلنة وكل من اصحاب الصورة‬
‫وارابب احلقيقة يتناول من فاكهة واحدة من فواكه اجلنة فيجد صاحب الصورة منها لذة‬
‫وصاحب احلقيقة لذة أخرى وتكون االزواج املطهرات امهات املؤمنني مع النيب عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم يف جنة واحدة وأيكلون معه من فاكهة واحدة ولكن التذاذ‬
‫كل واحد وتنعمه على حدة واال يلزم فضل امهات املؤمنني على مجيع بين آدم بعد نبينا‬
‫عليه الصالة و السالم ويلزم ايضا ان كل من يكون افضل من شخص تكون زوجته ايضا‬
‫افضل منه فان الزوجة ممتزجة وخمتلطة ابلزوج وصورة الشريعة بشرط االستقامة موجبة‬
‫للفالح ومستلزمة للنجاة األخرويني ومصححة لدخول اجلنة كما مر فاذا صحت صورة‬
‫الشريعة فقد حصلت الوالية العامة وهللا ويل الذين آمنوا و يف هذا الوقت صار السالك‬
‫مستعدا الن يضع قدمه يف الطريقة وان يتخطي اىل الوالية اخلاصة وان جير نفسه ابلتدريج‬
‫من وصف االمارية اىل صفة االطمئنان ولكن ينبغي ان يعلم ان منازل الوصل اىل تلك‬
‫الوالية ايضا مربوط ابعمال الشريعة والذكر االهلي جل شأنه الذي هو العمدة يف هذا‬
‫الطريق من املأمورات الشرعية واالجتناب عن املناهي الشرعية ايضا من ضرورايت هذا‬
‫الطريق واداء الفرائض من املقرابت وطلب شيخ عارف ابلطريق وهاد اليه الذي يستحق‬
‫ان يكون وسيلة ايضا من املأمورات الشرعية قال هللا تعاىل وابتغوا اليه الوسيلة وابجلملة ال‬
‫بد من الشريعة صورة وحقيقة فان امهات مجيع كماالت الوالية والنبوة هي االحكام‬
‫الشرعية كماالت الوالية نتائج صورة الشريعة وكماالت النبوة مثرات حقيقة الشريعة كما‬
‫سيجي انشاء هللا تعاىل (ومقدمة) الوالية هي الطريقة اليت نفي ما سواه تعاىل مطلوب‬
‫فيها ورفع الغري والغريية مقصود منها فاذا صار ما سواه تعاىل بفضله جل شأنه مرتفعا عن‬
‫النظر ابلكية ومل يبق اسم وال رسم من رؤية االغيار فقد حصل الفناء وبلغ مقام الطريقة‬
‫هنايته ومت السري اىل هللا والشروع بعد ذلك يف مقام االثبات املعرب عنه ابلسري يف هللا وهذا‬
‫هو مقام البقاء الذي هو موطن احلقيقة اليت هي املقصد االقصى من الوالية وبتلك‬
‫الطريقة واحلقيقة اللتني مها الفناء والبقاء يصدق اسم الوالية وتصري االمارة مطمنئة وترجع‬
‫‪- 756 -‬‬

‫عن كفرها وانكارها وتصري راضية عن موالها و يكون املوىل جل سلطانه ايضا راضيا‬
‫عنها وتزول الكراهة اليت كانت يف جبلتها قالوا ان النفس وان وصلت اىل مقام االطمئنان‬
‫ال ترجع عن بغيها وطغياهنا {شعر}‪:‬‬
‫وان انتهت نفس اىل اطمئناهنا * لكنها ال تنتهي عن غيها‬
‫وجعلوا املراد من اجلهاد االكرب الواقع يف قوله عليه الصالة و السالم رجعنا من‬
‫اجلهاد االصغر اىل اجلهاد االكرب اجلهاد مع النفس وما ظهر يف كشف الفقري ووجده‬
‫بوجدانه خالف هذا احلكم املتعارف فاين ال اجد يف النفس بعد حصول االطمئنان عنادا‬
‫وطغياان اصال بل اراها متمكنة يف مقام االنقياد بل اجدها كالقلب املتمكن الذي نسى‬
‫السوى فارغة عن رؤية الغري والغريية وعلمهما ومتخلصة عن حب اجلاه والرايسة واللذة‬
‫واالمل فأين املخالفة ومبن العناد فان اثبتوا هلا قبل حصول االطمئنان كل شئ من املعاندة‬
‫والطغيان وان كان تفاوت احواهلا وتلوهنا مقدار شعرة فله املساغ وليس لنا فيه نزاع ولكن‬
‫بعد حصول االطمئنان ال جمال للمخالفة والطغيان ولقد طالع الفقري يف هذا الباب‬
‫ابمعان النظر وأتمل يف حل هذا املعمى لكونه خمالفا ملا تقرر عند القوم وتعمق يف الفكر‬
‫ولكن بعناية هللا سبحانه مل جيد يف النفس املطمئنة مقدار شعرة من املخالفة واملعاندة ومل‬
‫ير فيها شيئا غري االستهالك واالضمحالل فاذا جعلت النفس نفسها فداء ملوالها كيف‬
‫يكون فيها جمال املخالفة وحيث كانت النفس راضية عن حضرة احلق تعاىل وكان احلق‬
‫تعاىل راضيا عنها كيف يتصور عنها الطغيان الذي هو مناف للرضى ومرضي احلق جل‬
‫سلطانه ال يصري غري مرضي اصال وميكن ان يكون املراد من اجلهاد االكرب وهللا سبحانه‬
‫اعلم حبقيقة احلال اجلهاد مع القالب الذي هو مركب من الطبائع املختلفة اليت كل طبيعة‬
‫منها مقتضية المر ومتنفرة عن امر فان كال من القوة الشهوية والغضبية انشئة عن القالب‬
‫اال ترى ان سائر احليواانت اليت ليست هلا النفس الناطقة هذه الصفات الرذيلة كائنة فيها‬
‫وكلها متصفة ابلشهوة والغضب والشرة واحلرص وهذا اجلهاد كائن دائما ال يسكنه‬
‫اطمئنان النفس وال يرفعه متكني القلب ويف بقاء هذا اجلهاد فوائد كثرية متضمنة لتنقية‬
‫‪- 757 -‬‬

‫القالب وتطهريه حت تكون كماالت هذه النشأة ومعاملة اآلخرة مربوطة به ابالصالة فان‬
‫يف كماالت هذه النشأة القالب اتبع والقلب متبوع ويف كماالتتلك النشأة االمر ابلعكس‬
‫القلب اتبع والقالب متبوع فاذا وقع اخللل يف هذه النشأة وظهرت مقدمة تلك النشأة‬
‫ينقضي هذا اجلهاد ويرتفع هذا القتال فاذا بلغت النفس بفضل هللا سبحانه مقام‬
‫االطمئنان وصارت منقادة للحكم االهلي جل شأنه فقد تيسر االسالم احلقيقي وحصلت‬
‫حقيقة االميان وكلما يعمل بعد ذلك يكون حقيقة فاذا اديت الصالة تكون حقيقة وان‬
‫كان صوما فحقيقة الصوم وان حجا فحقيقة احلج على هذا القياس اتيان سائر االحكام‬
‫الشرعية فصار كل من الطريقة واحلقيقة متوسطة بني صورة الشريعة وحقيقتها فمن مل‬
‫يشرف ابلوالية اخلاصة ال يصل من االسالم اجملازي اىل االسالم احلقيقي فاذا كان بفضل‬
‫هللا سبحانه حملى حبقيقة الشريعة وتيسر االسالم احلقيقي صار مستعدا الن ينال حظا‬
‫وافرا ونصيبا اتما من كماالت النبوة بتبعية االنبياء ووراثتهم عليهم الصالة و السالم وكما‬
‫ان صورة الشريعة كشجرة طيبة لكماالت الوالية وهي كثمراهتا كذلك حقيقة الشريعة‬
‫ايضا كشجرة مباركة لكماالت النبوة اليت هي كثمراهتا وحيث كانت كماالت الوالية‬
‫مثرات الصورة وكماالت النبوة مثرات حقيقة تلك الصوة تكون كماالت الوالية ابلضرورة‬
‫صورا لكماالت النبوة اليت هي حقائق تلك الصور (ينبغي) ان يعلم ان الفرق بني صورة‬
‫الشريعة وحقيقتها كان انشئنا من جهة النفس حيث كان للنفس االمارة طغيان يف‬
‫الصورة وكانت على انكارها وصارت مطمنئنة يف احلقيقة ومسلمة وكذلك الفرق بني‬
‫كماالت الوالية اليت هي كالصور وبني كماالت النبوة اليت كاحلقائق انش من جهة‬
‫القالب فان اجزاء القالب ما كانت منتهىة وراجعة عن طغياهنا وعنادها يف مقام الوالية‬
‫مثال مل يرجع جزؤه الناري مع وجود اطمئنان النفس عن دعوى اخلريية وتكربها وكذلك مل‬
‫يتندم جزؤه االرضي عن اخلسة والدانئة و على هذا القياس سائر االجزاء ويف مقام‬
‫كماالت النبوة جاءت اجزاء القالب ايضا اىل حد االعتدال وامتنعت عن االفراط‬
‫والتفريط وميكن ان يكون من ههنا قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم اسلم شيطاين فكما‬
‫‪- 758 -‬‬

‫ان يف اآلفاق شيطاان يف االنفس ايضا شيطان وهو اجلزء الناري الذي هو مدع خلرييته‬
‫ومقتض لتكربه وترفعه وكل هذه اردأ الصفات الرذيلة واسالمه كناية عن زوال تلك‬
‫الصفات اليت هي ارذل الرذائل ففي كماالت النبوة متكني القلب واطمئنان النفس‬
‫واعتدال اجزاء القالب ويف الوالية متكني القلب وبعد اللتيا والليت اطمئنان النفس وامنا قلنا‬
‫بعد اللتيا والليت فان إطمئنان النفس على وجه الكمال من غري تكلف امنا هو بعد‬
‫اعتدال اجزاء القالب وهلذا جوز ارابب الوالية رجوع املطمئنة اىل صفات البشرية بواسطة‬
‫عدم اعتدال اجزاء القال ب كما مر يف اول املبحث واالطمئنان الذي حيصل للنفس بعد‬
‫اعتدال اجزاء القالب فهو مأمون ومربأ من الرجوع اىل صفات البشرية فاالختالف يف‬
‫رجوع النفس اىل الرذائل وعدم رجوعها مبين على اختالف مقامات النفس واالنظار كل‬
‫شخص اخرب عن مقامه وتكلم عن وجدانه (فان قيل) اذا جائت اجزاء القالب اىل حد‬
‫االعتدال وامتنعت عن املعاندة والطغيان كيف يتصور اجلهاد معها بل يرتفع اجلهاد عنها‬
‫(اجيب) فرق بني املطمئنة وبني هذه االجزاء فان املطمئنة صاحبة استهالك واضمحالل‬
‫وملحقة بعامل االمر ومتصفة بكمال االستهالك والسكر وهذه االجزاء ال مناسبة هلا‬
‫ابلسكر واالستهالك بواسطة اتيان االحكام الشرعية الذي مبناه على الصحو وال جمال يف‬
‫املستهلك للمخالفة وما فيه صحو فان صدرت عنه صورة املخالفة يف بعض االمور‬
‫بواسطة بعض منافعه ومصاحله فانه جيوز ولكن املرجو ان ال تكون تلك املخالفة بفضل‬
‫هللا جل سلطانه فوق ترك االستحباب وانه ال تزيد على ارتكاب الكراهة التنزيهية فيكون‬
‫اجلهاد يف مرتبة القالب مع اعتدال اجزائه متصورا ويف املطمئنة ال يكون اجلهاد جموزا و‬
‫حتقيق هذا املبحث مندرج يف مكتوب من اجلد االول احملرر يف بيان الطريق احملرر ابسم‬
‫ولدي االعظم املرحوم ابلتفصيل فان بقي خفإ فيه فلرياجع هناك فان انتهت كماالت‬
‫النبوة اليت هي نتائج حقيقة الشريعة ومثراهتا بفضل هللا جل سلطانه اىل آخرها يعين‬
‫حصلت بتمامها ال تكون الرتقيات هناك منوطة ابالعمال بل املعاملة يف ذلك املوطن‬
‫مربوطة مبحض فضل هللا واحسانه سبحانه ال اثر لالعتقاد هناك وال حكم فيه للعلم‬
‫‪- 759 -‬‬

‫والعمل بل فيه فضل يف فضل وكرم يف كرم وهذا املقام ابلنسبة اىل املقامات السابقة عال‬
‫جدا وله وسعة اتمة ونورانية مل يكن اثر منها يف املقامات السابقة وهذا املقام خمصوص‬
‫ابالصالة ابالنبياء اويل العزم عليهم الصالة و التسليمات وابلتبعية والوراثة يشرف به ومينح‬
‫كل من ادركته العناية {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف امر مع الكرام‬
‫(وال يغلطن) هنا شخص فيقول انه قد حصل يف هذا املوطن االستغناء عن صورة‬
‫الشريعة وحقيقتها ومل يبق االحتياج اىل اتيان االحكام الشرعية الان نقول ان الشريعة اصل‬
‫هذا االمر واساس هذه املعاملة وكلما يتعاىل الشجر او يتطاول البنيان ويبن فوقه القصور‬
‫وااليوان ال يستغنيان عن االصل واالساس وال يزول عنهما االحتياج الذايت فان البيت‬
‫العلو مثال كلما كان ارفع واعلى ال يكون له بد من البيت السفل وال يزول احتياجه عنه‬
‫اصال فان طرأ اخللل يف السفل فرضا يؤثر ذلك اخللل يف العلو ايضا ويستلزم زوال السفل‬
‫زوال العلو فالشريعة الزمة يف مجيع احلال ومجيع الوقت وكل شخص حمتاج اىل اتيان‬
‫احكامها فاذا ترقت املعاملة عن هذا املوطن ايضا بفضل هللا جل سلطانه وحتول االمر‬
‫من التفضل اىل احملبة يستقبل مقام عال جدا خمصوص ابالصالة خبامت الرسل عليه وعليهم‬
‫الصالة و التسليمات ويشرف به ابلتبعية والوراثة كل من اريد له ذلك وذلك القصر الذي‬
‫يظهر يف النظر من غاية الرفعة ضيقا اجد حضرة الصديق داخال فيه بطريق الوراثة اىل‬
‫سرته وحضرة الفاروق ايضا مهتد اىل هذه الدولة ومن امهات املؤمنني ارى فيه معه عليه‬
‫و على آله الصالة و السالم بعالقة االزدواج حضرة اخلدجية وحضرة الصديقة رضي هللا‬
‫عنهما واالمر اىل هللا سبحانه وملا كان االخ االعز ذواملعارف الشيخ عبد احلي الذي كان‬
‫يف الصحبة سنني متوجها اىل وطنه وكان لذلك املقام تعلق به كتبنا سطورا ابلضرورة‬
‫واطلعا على احوال املشار اليه ووجود اهل هللا مغتنم يف اي مكان كان وبشارة لسكان‬
‫ذلك املكان ويف عني ذلك املقام يقيم االخ االعز الشيخ نور حممد ويصرف اوقاته ابلفقر‬
‫وفقدان املراد ويغبط ذلك املقام حيث اجتمع فيه اثنان من اهل هللا امثاهلما وحتقق فيه‬
‫‪- 760 -‬‬

‫قران السعدين و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي واخلمسون اىل اخلواجه حممد صديق}‬


‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ايها االخ الصديق ان كالمه‬
‫سبحانه مع البشر قد يكون شفاها وذلك الفراد من االنبياء عليهم الصالة و التسليمات‬
‫وقد يكون لبعض الكمل من متابعيهم ابلتبعية والوراثة ايضا واذا كثر هذا القسم من‬
‫الكالم مع واحد منهم مسي حمداث كما كان امري املؤنني عمر رضي هللا عنه وهذا غري‬
‫االهلام وغري االلقاء يف الروع وغري الكالم الذي مع امللك امنا خياطب هبذا الكالم‬
‫االنسان الكامل اجلامع بني عاملي االمر واخللق والروح والنفس والعقل واخليال وهللا خيتص‬
‫ب رمحته من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم وال يلزم من كون الكالم شفاها ان يكون املتكلم‬
‫مرئيا للسامع جلواز ان يكون السامع ضعيف البصر ال يتحمل شعشعات انواره كما قال‬
‫عليه و على آله الصلوات و التسليمات يف جواب سؤال الرؤية عنه نوراين اراه والن يف‬
‫الشفاه خرق احلجب الشهودية فافهم فان هذه معرفة قلما تكلم هبا احد و السالم على‬
‫من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين واخلمسون اىل اخلواجه حممد مهدي علي الكشمريي يف‬
‫الرتغيب يف طريقة هذه الطائفة العلية}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الصحيفة الشريفة اليت‬
‫صدرت من كمال احملبة واالخالص مع اهلدااي رزق هللا سبحانه و تعاىل االستقامة على‬
‫حمبة هذه الطائفة وحشر معهم وهم قوم ال يشقى جليسهم وال حيرم انيسهم وال خييب‬
‫جليسهم وهم جلساء هللا وهم اذا رأوا ذكر هللا وهم من عرفهم وجد هللا نظرهم دواء‬
‫وكالمهم شفاء وصحبتهم ضياء وهباء من رأى ظاهرهم خاب وخسر ومن رأى ابطنهم‬
‫جنى وافلح ونعم ما قيل اهلي ما هذا الذي جعلت اولياءك حبيث من عرفهم وجدك وما مل‬
‫‪- 761 -‬‬

‫جيدك مل يعرفهم يعين ان معرفتهم ووجدانك ليس احدمها منفكا عن اآلخر والتقدم الذايت‬
‫ابعتبار للمعرفة وابعتبار للوجدان وخمتار القائل تقدم ذلك الطرف النه املبدأ فمنه البداية‬
‫أوىل واحرى و السالم عليكم و على من لديكم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث واخلمسون اىل واحد من مشائخ النواحي يف جواب‬


‫استفساره ابين لو عبدت هللا حيصل للنفس االستغناء وان صدرت مين زلة وخالف‬
‫الشرع تظهر الندامة واالنكسار}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سألت انه اذا جعلت نفسي يف‬
‫مقام الرايضة يعين اشتغلت هبا يظهر يف النفس االستغناء وتزعم ان ال صاحل مثلي وان‬
‫صدر شئ من خالف الشرع تتخيل نفسها حمتاجة ومسكينة فما عالج ذلك (أيها)‬
‫املوفق ان االحتياج واملسكنة الصادر يف الشق الثاين الذي ينبئ عن الندم نعمة عظيمة‬
‫والعياذ ابهلل سبحانه لو مل تظهر الندامة اليت هي من شعب التوبة بعد ارتكاب احملظور‬
‫الشرعي وكانت النفس ملتذة وحمظوظة ابتيان الذنب فان االلتذاذ ابلذنب اصرار على‬
‫الذنب فان كان االصرار على السيئة الصغرية فهو يوصل اىل الكبرية واالصرار على‬
‫الكبرية دهليز الكفر ينبغي اداء شكر هذه النعمة العظمى ليحصل ازدايد الندم فيمنع عن‬
‫ارتكاب خالف الشريعة قال هللا سبحانه و تعاىل لئن شكرمت الزيدنكم وحاصل الشق‬
‫االول حصول العجب بعد اتيان االعمال الصاحلة وهذا العجب سم قاتل ومرض مهلك‬
‫يبطل االعمال الصاحلة كما أيكل النار احلطب ومنشأ العجب هو ان يرى االعمال‬
‫الصاحلة مزينة ومستحسنة يف نظر العامل واملعاجلة ابالضداد فينبغي اهتام احلسنات وان‬
‫يظهر قبائحها يف النظر وان ينسب االنسان نفسه واعماله اىل القصور بل جيد مستحقا‬
‫للطرد واللعن قال عليه و على آله الصالة و التسليمات رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه‬
‫وكم من صائم ليس له من صيامه اال الظمأ واجلوع وال يتخيل ان ال قبح حلسنه بل لو‬
‫توجه اليه قليال لوجد بعناية هللا سبحانه كله قبيحا وال حيس رائحة من احلسن فأين‬
‫‪- 762 -‬‬

‫العجب وملن االستغناء بل يكون من علة استيالء رؤية القصور يف االعمال منفعال‬
‫ومستحيا من اتيان االعمال احلسنة ال معجبا و مستغنيا فاذا حصل رؤية القصور يف‬
‫االعمال تزيد قيمة االعمال وتكون حقيقة ابلقبول وينبغي السعي حت حيصل هذه الرؤية‬
‫فيتخلص من العجب ودونه خرط القتاد اال ان يشاء هللا وطائفة من الذين تيسرت هلم‬
‫رؤية القصور يف االعمال على وجه الكمال يظنون ان كاتب اليمني معطل وانه ال حسن‬
‫له يكتب وكاتب الشمال يف الشغل دائما وان فعله كله قبيح وسيئ فاذا انتهت معاملة‬
‫العارف اىل هذا احلد عومل معه ما عومل {ع}‪:‬‬
‫بلغ الرياع اىل هنا فتكسرا‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع واخلمسون اىل السيد شاه حممد يف بيان ان ملتابعة النيب صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم مراتب ودرجات وهي سبع درجات وبيان تفصيل كل درجة وما‬
‫يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (اعلم) ان ملتابعة النيب عليه و على‬
‫آله الصالة و السالم اليت هي رأس كل سعادة دينية ودنيوية درجات ومراتب (الدرجة‬
‫االوىل) لعوام أهل االسالم من اتيان االحكام الشرعية ومتابعة السنة السنية بعد تصديق‬
‫القلب وقبل اطمئنان النفس الذي هو مربوط بدرجة الوالية وعلماء الظاهر والعباد والزهاد‬
‫والذين مل تبلغ معاملتهم مرتبة اطمئنان النفس كلهم شركاء يف هذه الدرجة من املتابعة‬
‫وكلهم متساوية االقدام يف صورة االتباع وحيث ان النفس مل تتخلص يف هذا املقام من‬
‫كفره وانكاره ال جرم تكون هذه الدرجة خمصوصة بصورة املتابعة وصورة املتابعة هذه‬
‫كحقيقة املتابعة موجبة للفالح وجناة اآلخرة ومنجية من عذاب النار ومبشرة بدخول‬
‫اجلنة ومن كمال كرمه سبحانه مل يعترب انكار النفس بل اكتفى بتصديق القلب وجعل‬
‫النجاة مربوطة بذلك التصديق {شعر}‪:‬‬
‫‪- 763 -‬‬

‫ولعل يقبل ادمعي من كان يَ ْخ * لق لؤلؤا من قطرة االمطار‬


‫(والدرجة الثانية) من املتابعة اتباع اقواله واعماله عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫اليت تتعلق ابلباطن من هتذيب االخالق ورفع رذائل الصفات وازالة االمراض الباطنية‬
‫والعلل املعنوية مما يتعلق مبقام الطريقة وهذه الدرجة من االتباع خمصوصة أبرابب السلوك‬
‫الذين يقطعون بوادي السري اىل هللا ومفاوزه آخذين طريقة الصوفية من شيخ مقتدى‬
‫(والدرجة الثالثة) من املتابعة اتباع احواله واذواقه ومواجيده عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم اليت تتعلق مبقام الوالية اخلاصة وهذه الدرجة خمصوصة أبرابب الوالية سواء كان‬
‫جمذواب سالكا او سالكا جمذواب فاذا انتهت مرتبة الوالية اىل آخرها فقد صارت النفس‬
‫مطمئنة وامتنعت من املعاندة والطغيان وانتقلت من االنكار اىل االقرار ومن الكفر اىل‬
‫االسالم فكلما جتتهد بعد ذلك يف املتابعة تكون حقيقة املتابعة فان ادى الصالة فقد‬
‫ادى حقيقة املتابعة يعين يف اداء الصالة ويف الصوم والزكاة ايضا هذا احلكم و على هذا‬
‫القياس حقيقة املتابعة كا ئنة يف اتيان مجيع االحكام الشرعية (فان قيل) ما معن حقيقة‬
‫الصالة والصوم والصالة والصوم كل منهما عبارة عن أفعال خمصوصة فان أديت تلك‬
‫االفعال على وجه أمر به فقد أديت احلقيقة فما تكون الصورة وما تكون احلقيقة وراءها‬
‫(أجيب) ملا كان للمبتدئ النفس االمارة اليت هي منكرة لالحكام السماوية ابلذات كان‬
‫اتيان االحكام الشرعية منه ابعتبار الصورة وملا صارت نفس املنتهى مطمئنة وقبلت‬
‫االحكام الشرعية ابلرضا والرغبة كان اتيان االحكام منه ابعتبار احلقيقة مثال املنافق‬
‫واملسلم كالمها يؤداين الصالة وحيث كان يف املنافق انكار الباطن ال يصدر عنه اال اداء‬
‫صورة الصالة واملسلم بواسطة انقياده الباطين متحلى حبقيقة الصالة[‪ ]1‬فالصورة واحلقيقة‬
‫ابعتبار انكار الباطن واقراره (والدرجة الرابعة) درجة من املتابعة وكانت يف الدرجة االوىل‬
‫صورة هذه املتابعة وهنا حقيقة االتباع وهذه الدرجة الرابعة من االتباع خمصوصة ابلعلماء‬
‫الراسخني شكر هللا تعاىل سعيهم فاهنم يتحققون بدولة املتابعة بعد اطمئنان النفس وان‬

‫(‪ )1‬يعين ابلنسبة اىل املنافق منه عفي عنه‬


‫‪- 764 -‬‬

‫حصل حنو من اطمئنان النفس لالولياء قدس هللا تعاىل اسرارهم بعد متكني القلب ولكن‬
‫كمال االطمئنان حيصل للنفس يف حتصيل كماالت النبوة اليت للعلماء منها نصيب بطريق‬
‫الوراثة فيكون العلماء الراسخون متحققني حبقيقة الشريعة اليت هي حقيقة االتباع بواسطة‬
‫كمال اطمئنان النفس وحيث فقد هذا الكمال يف غريهم يتلبسون احياان بصورة الشريعة‬
‫وآونة يتحققون حبقيقة الشريعة (ولنبني) عالمة للعلماء الراسخني لئال يدعي كل عامل‬
‫ابلظاهر دعوى الرسوخ وال يزعم امارته مطمئنة العامل الراسخ هو شخص له نصيب من‬
‫أتويل متشاهبات الك تاب والسنة وحظ من اسرار مقطعات احلروف اليت يف اوائل السور‬
‫القرآنية وأتويل املتشاهبات من مجلة االسرار الغامضة وال تتخيل انه مثل أتويل اليد‬
‫ابلقدرة والوجه ابلذات فانه انش من علم الظاهر ال مساس له ابالسرار واصحاب هذه‬
‫االسرار هم االنبياء عليهم الصالة و السالم وهذه الرموزات اشارات اىل معامالهتم‬
‫ويشرف هبذه الدولة العظمى بتبعية هؤالء االكابر ووراثتهم كل من اريد له ذلك وحصول‬
‫هذه الدرجة من املتابعة اليت هي منوطة ابطمئنان النفس ووصول اىل حقيقة متابعة‬
‫صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و السالم يتيسر احياان بدون توسط الفناء‬
‫والبقاء وبال توسل السلوك واجلذبة وميكن ان ال يكون يف البني شئ من االحوال‬
‫واملواجيد والتجليات والظهورات وتكون تلك الدولة نقد الوقت ولكن الوصول اىل هذه‬
‫الدولة من طريق الوالية اقرب من الوصول اليها من طريق آخر وهذا الطريق اآلخر بزعم‬
‫الفقري هو التزام متابعة السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية واالجتناب‬
‫عن اسم البدعة ورمسها ومن مل حيرتز عن البدعة احلسنة احرتازه عن البدعة السيئة ال تصل‬
‫اىل مشام روحه رائحة من هذه الدولة وهذا املعن متعسر يف هذا اليوم فان العامل مستغرق‬
‫اليوم يف جلة حبر البدعة ومطمئن بظلماهتا ملن اجملال يف التكلم يف رفع البدعة واحياء‬
‫السنة اكثر علماء هذا الوقت يروجون البدعة وميحون السنة ويفتون جبواز بدعات واسعة‬
‫بل ابستحساهنا بعلة تعامل اخللق ويدلون الناس عليها ليت شعري ماذا يقولون لو‬
‫شاعت الضاللة وصار الباطل متعارفا تكون تعامال أما يعلمون ان كل التعامل ليس هو‬
‫‪- 765 -‬‬

‫دليل االستحسان والتعامل املعترب امنا هو ما جاء من الصدر االول وحصل ابمجاع مجيع‬
‫الناس كما ذكر يف الفتاوى الغياث ية قال شيخ االسالم الشهيد رمحه هللا سبحانه ال أنخذ‬
‫ابستحسان مشايخ بلخ وامنا أنخذ بقول أصحابنا املتقدمني رمحهم هللا سبحانه الن‬
‫التعامل يف بلدة ال يدل على اجلواز وامنا يدل على اجلواز ما يكون على االستمرار من‬
‫الصدر االول ليكون دليال على تقرير النيب عليه و على آله الصالة و السالم اايهم على‬
‫ذلك فيكون شرعا له عليه و على آله الصالة و السالم وأما اذا مل يكون كذلك ال يكون‬
‫فعلهم حجة اال اذا كان ذلك من الناس كافة يف البلدان كلها ليكون امجاعا واالمجاع‬
‫حجة اال ترى اهنم لو تعاملوا على بيع اخلمر و على الراب ال يفت ابحلل وال شك ان العلم‬
‫بتعامل كافة االانم والوقوف على عمل مجيع القرى والبلدان خارج عن حيطة قوة البشر‬
‫بقي تعامل الصدر االول الذي هو يف احلقيقة تقريره صلّى هللا عليه و سلّم وراجع اىل‬
‫سنته فاين البدعة واين حسنها وكانت صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم كافية يف حصول مجيع الكماالت لالصحاب الكرام عليهم الرضوان وكل من‬
‫تشرف من علماء السلف بدولة الرسوخ بدون اختيار طريق الصوفية وبال قطع مسافة‬
‫ابلسلوك واجلذبة كان ذلك بواسطة التزام متابعة السنة السنية على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية واالجتناب عن بدعة غري مرضية اللهم ثبتنا على متابعة السنة وجنبنا عن‬
‫ارتكاب البدعة حبرمة صاحب السنة عليه و على آله الصالة و السالم (الدرجة اخلامسة)‬
‫من املتابعة اتباع كماالته عليه و على آله الصالة و السالم وال مدخل للعلم والعمل يف‬
‫حصول تلك الكماالت بل حصوهلا مربوطة مبحض فضل احلق واحسانه جل سلطانه‬
‫وهذه الدرجة عالية جدا ال مساس للدرجات السابقة هلا وهذه الكماالت خمصوصة‬
‫ابالنبياء اويل العزم ابالصالة ويشرف هبا ابلتبعية والوراثة كل من اريد له ذلك (والدرجة‬
‫السادسة) من املتابعة اتباعه عليه و على آله الصالة و السالم يف كمال خمصوص مبقام‬
‫حمبوبيته عليه و على آله الصالة و السالم وكما ان افاضة الكماالت يف الدرجة اخلامسة‬
‫كانت مبجرد الفضل واالحسان كذلك يف الدرجة السادسة افاضة كماالهتا مبجرد احملبة‬
‫‪- 766 -‬‬

‫اليت فوق التفضل واالحسان ومن هذه الدرجة ايضا نصيب القل قليل وهذه الدرجات‬
‫اخلمس من درجات املتابعة غري الدرجة االوىل وكلها تتعلق مبقامات العروج وحصوهلا‬
‫مربوط ابلصعود (والدرجة السابعة) متابعة تتعلق ابلنزول واهلبوط وهذه الدرجة جامعة‬
‫جلميع الدرجات السابقة فان يف هذا املوطن يعين موطن النزول تصديق القلب ومتكينه‬
‫واطمئنان النفس واعتدال اجزاء القالب المتناعها وانتهائها عن الطغيان والعناد وكأن‬
‫الدرجات السابقة كانت اجزاء هذه املتابعة وهذه الدرجة كالكل لتلك االجزاء وحيصل‬
‫للتابع يف هذا املقا م شباهة ابملتبوع على هنج كانه قد ارتفع اسم التبعية من البني وزال‬
‫امتياز التابع واملت بوع ويتوهم ان التابع كلما أيخذ أيخذه من االصل كاملتبوع و كأن‬
‫كليهما يشراب ن من عني واحد وكليهما يف عناق واحد وخمدة واحدة وكاهنما لنب وسكر‬
‫اين التابع ومن املتبوع وملن التبعية فانه ال جمال للتغاير يف احتاد النسبة والعجب انه كلما‬
‫يطالع يف هذا املقام ابمعان النظر ال تكون نسبة التبعية ملحوظة ومنظورة اصال وال يكون‬
‫امتياز التابعية واملتبوعية مشهودا قطعا والذي يدرك ويدري ان التابع يعرف نفسه طفيليا‬
‫ووارث نبيه عليه و على آله الصالة و السالم وكان التابع غري الطفيلي والوارث وان كان‬
‫الكل يف سلك التبعية والظاهر ان حيلولة املتبوع الزمة يف التابع واما يف الطفيلي والوارث‬
‫فليس بالزمة اصال التابع آكل حصته والطفيلي جليس ضمين وابجلملة ان كل دولة‬
‫جاءت يف عرصة الوجود فامنا هي لالنبياء عليهم الصالة و السالم ومن سعادة االمم‬
‫احتظاظهم من تلك الدولة بتطفل االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات وتناوهلم من‬
‫حصتهم {شعر}‪:‬‬
‫علمت ابين لست أحلق ركبه * فيكفي مساعي من وراه نداه‬
‫والتابع الكامل من يكون متحلى هبذه الدرجات السبع من املتابعة والذي له‬
‫متابعة يف البعض دون البعض فهو اتبع يف اجلملة على تفاوت الدرجات وعلماء الظاهر‬
‫مسرورون ابلدرجة االوىل وليتهم يتمون تلك الدرجة ايضا وهم جعلوا املتابعة مقصورة‬
‫على صورة الشريعة وظنوا ما وراءها امرا آخر وتصورو اطريقة الصوفية اليت هي وسيلة‬
‫‪- 767 -‬‬

‫حلصول درجات املتابعة شيئا فراي ومل يعرف اكثرهم شيخا ومقتدى لنفسه غري اهلداية‬
‫والپزدوي[‪{ ]1‬شعر}‪:‬‬
‫وليس لشئ كامن جوف صخرة * سواها مسوات لديه وال ارض‬
‫حققنا هللا سبحانه واايكم حبقيقة املتابعة املصطفوية على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية و على مجيع اخوانه من االنبياء الكرام واملالئكة العظام و على مجيع‬
‫اتباعهم اىل يوم القيام‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس واخلمسون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد واملخدوم‬
‫زاده اخلواجه حممد معصوم سلمهما هللا تعاىل يف بيان ان القرآن جامع جلميع‬
‫االحكام الشرعية ويف مناقب االمام االعظم ايب حنيفة رضي هللا عنه وبيان ان اصل‬
‫هذا االمر هو الشريعة ومدح الصوفية العلية وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫القرآن اجمليد جامع جلميع االحكام الشرعية بل جامع جلميع الشرايع املتقدمة غاية ما يف‬
‫الباب ان بعض احكام هذه الشريعة يفهم بعبارة النص واشارة النص وداللة النص‬
‫واقتضاء النص والعوام واخلواص من اهل اللغة متساوية االقدام يف هذا الفهم والقسم‬
‫اآلخر من االحكام من قبيل ما يفهم بتوسط االجتهاد واالستنباط وهذا الفهم خمصوص‬
‫ابالئمة اجملتهدين سواء كان النيب صلّى هللا عليه و سلّم على قول اجلمهور او اصحابه‬
‫الكرام عليهم الرضوان او سائر جمتهدي امته عليه الصالة و السالم لكن االحكام‬
‫االجتهادية يف زمنه عليه الصالة و السالم مل تكن مرتددة بني اخلطإ والصواب لكونه اوان‬
‫الوحي بل كان يتمز صواب احلق من خطإ املخطي ابلوحي القطعي ومل يبق احلق ممتزجا‬
‫ابلباطل فان تقرير النيب وتثبيته على الباطل غري جموز خبالف االحكام احلاصلة بطريق‬

‫(‪ )1‬هذا يف عصره قدس سره واال ففي زماننا هذا مقتدى أكثرهم الفقه الكيداين واحلليب أو الدعوى اجملرد فاان هلل واان‬
‫اليه راجعون منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 768 -‬‬

‫استنباط اجملتهدين بعد انقراض زمان الوحي فاهنا مرتددة بني اخلطإ والصواب وهلذا كان‬
‫االحكام االجتهادية اليت صارت مقررة يف زمن الوحي موجبة لليقني املفيد للعمل‬
‫واالعتقاد وبعد زمان الوحي تكون موجبة للظن املفيد للعمل ال االعتقاد والقسم الثالث‬
‫من احكام القرآن مما يعجز عن فهمه الطاقة البشرية وما مل حيصل االعالم من جانب‬
‫منزل االحكام جل سلطانه ال يتصور فهم تلك االحكام وحصول ذلك االعالم خمصوص‬
‫ابلنيب عليه و على آله الصالة و السالم ال حيصل لغريه وهذه االحكام وان كانت‬
‫مأخوذة من الكتاب ولكن ملا كان مظهرها نبينا عليه و على آله الصالة و السالم نسبت‬
‫هذه االحكام اىل السنة ابلضرورة كما نسبت االحكام االجتهادية اىل القياس ابعتبار ان‬
‫القياس مظهر تلك االحكام فيكون كل من السنة والقياس مظهرا لالحكام وان كان بني‬
‫هذين املظهرين فرقا ك ثريا حيث ان احدمها مستند اىل الرأي الذي فيه جمال اخلطإ والثاين‬
‫مؤيد ابعالم احلق جل وعال الذي ال جمال فيه للخطإ ويف القسم االخري كمال الشباهة‬
‫ابالصل وكأنه مثبت لالحكام وان كان مثبت مجيع االحكام يف احلقيقة هو الكتاب‬
‫العزيز فحسب (ينبغي) ان يعلم ان لغري النيب جمال اخلالف للنيب عليه و على آله الصالة‬
‫و السالم يف االحكام االجتهادية ان بلغ هذا الغري مرتبة االجتهاد واالحكام اليت ثبتت‬
‫بعبارة النص واشارة النص وداللة النص وكذلك االحكام اليت مظهرها السنة ال جمال‬
‫ملخالفة احد فيها بل اتباع تلك االحكام الزم جلميع االمة فمتابعة رأي النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم يف االحكام االجتهادية ليست بالزمة جملتهدي االمة بل[‪ ]1‬الصواب يف ذلك‬
‫املوطن هو متابعة رأي نفسه (وههنا) دقيقة ينبغي ان يعلم ان االنبياء الذين يتبعون شرائع‬
‫االنبياء اويل العزم عليهم الصالة و السالم الواجب عليهم هو اتباع االحكام اليت ثبتت‬
‫ابلعبارة واالشارة والداللة من كتبهم وصحفهم ال اتباع االحكام اليت ظهرت ابجتهادهم‬
‫وسننهم فانه اذا مل يلزم املتابعة على جمتهدي االمة يف االحكام االجتهادية كما مر كيف‬

‫(‪ )1‬يعين يف عصره صلّى هللا عليه و سلّم واال فال جيوز ذلك قطعا ال نقال به يقينا ابعالم هللا تعاىل كما مر آنفا فثبت‬
‫منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 769 -‬‬

‫يلزم املتابعة على النيب املتابع واالحكام اليت مظهرها سنة كما اهنا حاصلة الويل العزم‬
‫ابالعالم كذلك هي اثبتة لنيب غري اويل العزم ايضا ابعالمه تعاىل فما يكون املتابعة بل ال‬
‫جمال للمتابعة فان على مقدار كل وقت ومناسبة كل طائفة احكاما على حدة اترة‬
‫يناسب احلل واترة يناسب احلرمة كان االعالم لنيب من اويل العزم حبلية امر ولنيب آخر من‬
‫غري اويل العزم حبرمته وكل من هذا احلل واحلرمة مأخوذ من صحف منزلة كما ان‬
‫اجملتهدين أيخذان من مأخذ واحد حكمني خمتلفني يفهم منه احدمها احلل واآلخر احلرمة‬
‫(فان قيل) هذا االختالف له جمال يف االجتهاد لكون مداره على الرأي الذي فيه احتمال‬
‫الصواب واخلطإ ولكن ال جمال هلذا املعن يف اعالمه تعاىل ألن كونه مرتددا بني اخلطإ‬
‫والصواب غري جائز بل احلكم عند احلق جل وعال واحد فان كان حال ال جمال للحرمة‬
‫وان كان حرمة ال جمال للحل (اجيب) جيوز ان يكون ابلنسبة اىل قوم حال وابلنسبة اىل‬
‫قوم آخر حرمة فيكون حكم هللا تعاىل متعددا يف واقعة واحدة ابلنسبة اىل تعدد القوم وال‬
‫حمذور نعم هذا املعن ال يصح يف امة خامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم فان‬
‫كافة االانم حمكوم عليهم يف هذه الشريعة حبكم واحد ليس هلل سبحانه فيها حكمان يف‬
‫واقعة واحدة (فان قيل) اذا حكم نيب من االنبياء اويل العزم حبل امر وحكم نيب آخر‬
‫متابع ابحلرمة يف ذلك االمر يلزم ان يكون احلكم الثاين انسخا للحكم االول وهذا غري‬
‫جائز فان النسخ خمصوص ابويل العزم ال يكون غريه انسخا (اجيب) ان النسخ امنا يلزم‬
‫اذا كان احلكم الثاين عاما ابلنسبة اىل كافة االانم فريفع احلكم االول الذي كان ابلنسبة‬
‫اىل قوم خمصوص واحلكم الثاين ليس بعام هنا بل هو حكم ابحلرمة مثال ابلنسبة اىل قوم‬
‫خمصوص فال منافاة بينه وبني احلكم االول اال ترى ان جمتهدا حيكم يف واقعة ابحللية‬
‫وحيكم جمتهد آخر يف عني تلك الواقعة ابحلرمة وال نسخ فيه اصال وان كان بني هذا وبني‬
‫ذاك تفاوات فاحشا فان هنا رأي وهناك اعالم ويف الرأي جمال لتعدد احلكم ويف االعالم ال‬
‫جمال للتعدد ولكن تعدد القوم جييز ذلك كما مر (فاحكام) الشرائع املتقدمة املفهومة من‬
‫كتب االنبياء اويل العزم وصحفهم حبسب اللغة ال جمال للمخالفة فيها ايضا لالنبياء‬
‫‪- 770 -‬‬

‫املتابعني بل وردت تلك االحكام ابلنسبة اىل كافة االانم فكل نيب متابع اىل اي قوم ارسل‬
‫واي قوم يدعوا ال يبلغهم خالف تلك االحكام فان حال فللكل وان حرمة فعلى اجلميع‬
‫اىل ان يبعث نيب آخر من اويل العزم فريفع هذا احلكم ففي هذا الوقت يتصور النسخ‬
‫فالنسخ امنا هو ابعتبار االحكام املأخوذة من الصحف املنزلة حبسب اللغة واالحكام اليت‬
‫ثبتت ابالجتهاد واالعالم ونسبت اىل القياس والسنة فالنسخ غري متصور فيها فان هذه‬
‫االحكام امنا هي ابلنسبة اىل بعض دون بعض فاجتهاد نيب وكذلك سنته ال يكوانن‬
‫رافعني الجتهاد نيب آخر وسنته فان ذاك ابلنسبة اىل قوم وهذا ابلنسبة اىل قوم آخرين فان‬
‫كان اختالف احلكمني ابلنسبة اىل كافة االانم او ابلنسبة اىل قوم واحد فهو نسخ البتة‬
‫كما ان احلكم يف شريعتنا ابلنسبة اىل كافة االانم واحلكم الثاين انسخ للحكم االول فسنة‬
‫نبينا عليه و على آله الصلوات و التسليمات الالحقة تكون انسخة لسنته السابقة وال‬
‫جيوز نسخ هذه الشريعة بعد نزول عيسى على نبينا و على الصالة و السالم ومتابعته‬
‫هلذه الشريعة واتباعه لسنة نبينا عليه الصالة و السالم (يكاد) ينكر علماء الظاهر‬
‫جملتهداته على نبينا وعليه الصالة و السالم من كمال الدقة وغموض املأخذ ويزعموهنا‬
‫خمالفة للكتاب والسنة ومثل روح هللا مثل االمام االعظم الكويف فانه بربكة الورع والتقوى‬
‫وبدولة متابعة السنة انل يف االجتهاد واالستنباط درجة عليا حبيث يعجز اآلخرون عن‬
‫فهمه ويزعمون جمتهداته بواسطة دقة املعاين خمالفة للكتاب والسنة ويظنونه واصحابه‬
‫اصحاب الرأي كل ذلك لعدم الوصول اىل حقيقة علمه ودرايته وعدم االطالع على‬
‫فهمه وفراسته اال ان االمام الشافعي وجد نبذة من دقة فقاهته عليهما الرضوان حيث قال‬
‫الناس كلهم عيال يف الفقه اليب حنيفة فويل لقاصري النظر على جرائتهم حيث ينسبون‬
‫قصورهم اىل الغري {شعر}‪:‬‬
‫لو عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم عن افحش الكلم‬
‫هل يقطع الثعلب احملتال سلسلة * قيدت هبا اسد الدنيا أبسرهم‬
‫وميكن ان يكون ما قاله اخلواجه حممد اپرسا قدس سره يف الفصول الستة من ان‬
‫‪- 771 -‬‬

‫عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم يعمل بعد النزول مبذهب االمام ايب حنيفة‬
‫بواسطة هذه املناسبة اليت له رضي هللا عنه حبضرة روح هللا عليه السالم يعين ان اجتهاد‬
‫روح هللا يكون موافقا الجتهاد االمام االعظم ال انه يقلد مذهبه فان شأنه عليه السالم‬
‫أعلى وأجل من ان يقلد علماء االمة ونقول من غري شائبة تكلف وتعصب ان نورانية‬
‫املذهب احلنفي ترى وتظهر يف النظر الكشفي كالبحر العظيم[‪ ]1‬وسائر املذاهب تظهر‬
‫مثل احلياض واجلداول واذا لوحظ يف الظاهر ايضا يوجد السواد االعظم من اهل االسالم‬
‫متابعني اليب حنيفة عليه الرمحة والرضوان وهذا املذهب مع كثرة متابعيه ممتاز عن سائر‬
‫املذاهب يف االصول والفروع وله يف االستنباط طريق على حدة وهذا املعن منبئ عن‬
‫احلقيقة (والعجب) ان االمام ااب حنيفة اسبق قدما من الكل يف تقليد السنة ويعتقدون‬
‫االحاديث املرسلة كاالحاديث املسندة مستحقة للمتابعة ويقدمها على رأيه وكذلك يقدم‬
‫قول الصحابة على رأيه بواسطة نيلهم شرف صحبة خري البشر عليه وعليهم الصلوات و‬
‫التسليمات واآلخرون ليسوا كذلك ومع ذلك يزعمه املخالفون صاحب رأي وينسبون اليه‬
‫الفاظا تنبئ عن سوء االدب مع ان الكل معرتفون لكمال علمه ووفور ورعه وتقواه رزقهم‬
‫هللا سبحانه التوفيق لئال يؤذوا رأس الدين ورئيس اهل االسالم والسواد االعظم من‬
‫املسلمني يريدون ان يطفؤا نور هللا أبفواههم والذين يقولون هلؤالء االكابر اصحاب الرأي‬
‫فان اعتقدوا اهنم حيكمون برأيهم ال يتبعون الكتاب والسنة يكون السواد االعظم من اهل‬
‫االسالم بزعمهم الفاسد ضالني مبتدعني بل يكونون خارجني من زمرة اهل االسالم وال‬
‫يعتق د ذلك االجاهل ليس له خرب عن جهله او زنديق مقصوده ابطال شطر الدين وما‬
‫اعظم جهالة انقص مجع احاديث معدودة وجعل احكام الشريعة منحصرة فيها وطفق‬
‫ينفي ما وراء معلومه وجيعل ما مل يثبت عنده منفيا {شعر}‪:‬‬
‫و ليس لشئ كامن جوف صخرة * سواها مسوات لديه وال ارض‬
‫ويل هلم الف مرة على تعصباهتم الباردة وانظارهم الفاسدة فان ابين الفقه هو ابو‬

‫(‪ )1‬هذا قريب مما ذكره الشعراين يف أوائل ميزانه منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 772 -‬‬

‫حنيفة وقد سلموا له يف ثالثة أرابع الفقه واشرتك الباقون يف الربع الباقي وهو صاحب‬
‫البيت يف الفقه وغريه كلهم عيال له ومع وجود التزام هذا املذهب كان يل مع االمام‬
‫الشافعي حمبة ذاتية واعتقده عظيما وهلذا اقلد مذهبه يف بعض االعمال النافلة ولكن ماذا‬
‫اصنع اجد اآلخرين يف جنب االمام ايب حنيفة مع وجود وفور العلم وكمال التقوى‬
‫كاالطفال واالمر اىل هللا سبحانه املتعال (ولنرجع) اىل اصل الكالم فنقول قد سبق ان‬
‫اختالف االحكام االجتهادية ليست مبستلزمة للنسخ وان صدر ذلك االختالف من نيب‬
‫خبالف االختالف الواقع يف احكام الكتاب والسنة فانه موجب للنسخ كما مر حتقيقه‬
‫ايضا فتقرر ان املعترب يف اثبات االحكام الشرعية هو الكتاب والسنة وقياس اجملتهدين‬
‫وامجاع االمة ايضا مثبتان لالحكام وبعد هذه االدلة االربعة الشرعية ال يكون شئ من‬
‫الدليل مثبتا لالحكام اصال ال يكون االهلام مثبتا للحل واحلرمة وال كشف ارابب الباطن‬
‫للفرض والسنة وارابب الوالية اخلاصة مساوية لعامة املؤمنني يف تقليد اجملتهدين ال يوجبهم‬
‫الكشوف واالهلامات مزية على غريهم يف ذلك وال خيرجهم عن ربقة التقليد فيما هنالك‬
‫وذو النون والبسطامي واجلنيد والشبلي مساوون لزيد وعمرو وبكر وخالد الذين هم من‬
‫عوام املؤمنني يف تقليد اجملتهدين يف االحكام االجتهادية نعم ان مزية هؤالء االكابر يف‬
‫امور أخرى وهم اصحاب الكشوف واملشاهدات وهم ايضا ارابب التجليات والظهورات‬
‫قد انقطعوا بواسطة استيالء حمبة احملبوب احلقيقي عما سواه جل سلطانه وعتقوا عن رؤية‬
‫الغري وادراك الغريية فان كان هلم حاصل فهو هو سبحانه وان كانوا واصلني فاليه تعاىل‬
‫وهم يف العامل بال عامل ومع انفسهم بال انفسهم فان عاشوا يعيشون الجله وان ماتوا‬
‫ميوتون الجله ومبتديهم يشاهد املطلوب بواسطة غلبة احملبة يف مرآة كل ذرة من ذرات‬
‫العامل وجيد كل ذرة جامعا جلميع الكماالت االمسائية والصفاتية فما ابدى من عالمات‬
‫منتهيهم فاهنم ال عالمة هلم واول قدمهم نسيان السوى فما اظهر من قدمهم الثاين فانه‬
‫يف خارج اآل فاق واالنفس واالهلام هلم والكالم معهم اكابرهم أيخذون العلوم واالسرار من‬
‫االصل بال توسط وكما ان اجملتهد اتبع لرأيه واجتهاده هم ايضا اتبعون يف املعارف‬
‫‪- 773 -‬‬

‫واملواجيد الهلامهم وفراستهم كتب حضرة اخلواجه حممد اپرسا قدس سره ان روحانية‬
‫اخلضر على نبينا وعليه الصالة و السالم متوسطة يف افاضة العلوم اللدنية والظاهر ان‬
‫هذا الكالم ابلنسبة اىل االبتداء والتوسط ومعاملة املنتهى شئ آخر كما يشهد به‬
‫الكشف الصريح (ويؤيد) هذا التحقيق ما نقل عن الشيخ عبد القادر اجليالين قدس هللا‬
‫تعاىل سره من انه كان يوما يبني العلوم واملعارف على رأس املنرب فمر عليه اخلضر يف ذلك‬
‫االثناء فقال له الشيخ أيها االسرائيلي تعال امسع كالم احملمدي[‪ ]1‬يفهم من عبارة الشيخ‬
‫هذه ان اخلضر ليس من احملمديني بل من امللل السابقة فاذا كان كذلك كيف يكون‬
‫واسطة للمحمديني (فتحقق) ان العلوم واملعارف شئ آخر ما وراء االحكام الشرعية‬
‫واهل هللا خمصوصون هبا وان كانت تلك املعارف مثرات هذه االحكام ونتائجها‬
‫(واملقصود) من غرس االشجار حصول الثمار وما دامت االشجار قائمة الثمار متوقعة‬
‫فاذا تطرق اخللل اىل أصل االشجار فقد انعدم االمثار وما أعظم محاقة من يقلع الشجر‬
‫وي توقع الثمر وكلما حيسن تربية االشجار حيصل منها جيد االمثار أكثر واوفر والثمرة وان‬
‫كانت مقصودة ولكنها فرع شجرة (فينبغي) ان يقيس ملتزم الشريعة واملداهن يف الشريعة‬
‫على هذا املعن فالذي فيه التزام الشريعة فهو صاحب معرفة وكلما كان االلتزام أكثر‬
‫تكون املعرفة أوفر والذي هو مداهن ال نصيب له من املعرفة وما فيه منها بزعمه الفاسد‬
‫ابلفرض وان مل يكن شيئا يف احلقيقة فهو من قبيل االستدراج الذي فيه شركة للجوكية‬
‫والربامهة كل حقيقة ردته الشريعة فهي زندقة واحلاد فيجوز ان يفهم خواص اهل هللا يف‬
‫معارف تتعلق بذاته وصفاته وافعاله تعاىل بعض االسرار والدقايق اليت ظاهر الشريعة‬
‫ساكت عنها وان جيدوا االذن وعدم االذن منه تعاىل يف احلركات والسكنات وان يعرفوا‬
‫مرضيه وغري مرضيه سبحانه وكثريا ما جيدون اداء بعض العبادة النافلة غري مرضي‬
‫ويكونون مأذونني برتكه ويفهمون أحياان اولوية النوم من اليقظة االحكام الشرعية موقتة‬

‫(‪ )1‬نقل أن اخلضر جاء منزل املظهر الشهيد وقال له ماذا تريد فقال له املظهر الشهيد ال حاجة يل اليك فان شيخي‬
‫السيد يكفيين يف كلما أريد منه عفي عنه‬
‫‪- 774 -‬‬

‫ابالوقات واالحكام االهلامية اثبتة يف مجيع االوقات فاذا كان حركات هؤالء االكابر‬
‫وسكناهتم مربوطة ابالذن تكون النوافل عند غريهم فرائض عندهم مثال الفعل الواحد نفل‬
‫ابلنسبة اىل شخص حبكم الشريعة وفرض ابلنسبة اىل شخص آخر حبكم االهلام فاآلخرون‬
‫يؤدون النوافل احياان ويرتكبون االمور املباحة احياان وهؤالء االكابر لصدور افعاهلم ابمر‬
‫املوىل واذنه تكون افعاهلم كلها من الفرائض واملستحب واملباح عند غريهم فرض عندهم‬
‫ليدرك علو شأن هؤالء االكابر من ههنا وعلماء الظاهر خيصون االخبارات الغيبة يف امور‬
‫الدنيا ابالنبياء عليهم الصلوات و التسليمات ال يشركون غريهم يف تلك االخبارات وهذا‬
‫املعن مناف للوراثة ونفي لكثري من العلوم واملعارف الصحيحة اليت تتعلق ابلدين املتني‬
‫نعم االحكام الشرعية مربوطة ابالدلة االربعة ال جمال فيها لالهلام ولكن األمور الدينية‬
‫وراء االحكام الشرعية كثرية واالصل اخلامس فيها اهلام بل ميكن ان يقال االصل الثالث‬
‫اهلام وبعد الكتاب والسنة هذا االصل قائم واثبت اىل انقراض العامل فما تكون نسبة‬
‫اآلخرين هلؤالء االكابر ورمبا تصدر العبادة عن اآلخرين وتكون غري مرضية وهؤالء االكابر‬
‫يرتكون العبادة يف بعض االحيان و يكون ذلك الرتك مرضيا فكانت تركهم أفضل عند‬
‫احلق جل وعال من فعل غريهم والعوام حاكمون خبالف ذلك يعتقدون ذلك عابدا وهذا‬
‫مكارا ومعطال (فان قيل) ملا كان الدين كامال ابلكتاب والسنة فما احلاجة بعد الكمال‬
‫اىل االهلام واي نقصان بقي حت يتكامل ابالهلما (اجيب) االهلام مظهر الكماالت‬
‫اخلفية للدين ال مثبت الكماالت الزائدة يف الدين كما ان االجتهاد مظهر لالحكام‬
‫واالهلام مظهر للدقائق واالسرار اليت فهم أكثر الناس قاصر عنها وان كان بني االجتهاد‬
‫واالهلام فرق واضح لكون ذلك مستندا اىل الرأي وهذا اىل خالق الرأي جل سلطانه‬
‫فظهر يف االهلام قسم من االصالة ليس هو يف االجتهاد واالهلام شبيه ابعالم النيب الذي‬
‫هو مأخذ السنة كما مر وان كان االهلام ظنيا واالعالم قطعيا ربنا آتنا من لدنك رمحة‬
‫وهئ لنا من امران رشدا و السالم على من اتبع اهلدي‬
‫‪- 775 -‬‬

‫{املكتوب السادس واخلمسون اىل موالان عبد القادر االنبايل يف بيان ان‬
‫معاملة العارف تبلغ مرتبة يكون حكم سيئات اآلخرين ابلنسبة اليه حسنات}‬
‫الرحيم قال هللا تبارك و تعاىل اولئك يبدل هللا سيئاهتم حسنات‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫تبلغ معاملة العارف بعناية هللا سبحانه وحرمة حبيبة عليه الصالة السالم مرتبة تصري‬
‫سيئات اآلخرين يف حقه حسنات وتكون الصفة الرذيلة ابلنسبة اىل غريه محيدة ابلنسبة‬
‫اليه مثال الرايء والسمعة من السيئات و من رذائل االوصاف يعرض هلما يف حقه احلسن‬
‫وأتخذ ان حكم احلمد والشكر فان ذلك الدرويش قد سلب عن نفسه مجيع اقسام‬
‫العظمة والكربايء ونسبها اىل جناب قدس احلق جل سلطانه وابعد عن نفسه مجيع انواع‬
‫احلسن واجلمال واخلري والكمال وخصصها به سبحانه و تعاىل ال جيد نفسه غري شر‬
‫ونقص وال يرة يف نفسه غري ذل وافتقار وانكسار فان كان فرد من افراد الكمال فرضا‬
‫متوجها يف الظاهر جيده مرقاة يرتقى منها اىل فوق ويصل اىل جناب يليق ابلعظمة‬
‫والكربايء وهكذا حال احلسن واجلمال واخلري والكمال ليس له نصيب منها غري ان تكون‬
‫هذه االشياء مراقي لرتقيه واالماانت راجعة اىل اهل االماانت ففي صورة الرايء والسمعة‬
‫ليس مقصوده االشتهار واالفتخار والرفعة والعظمة بل اظهار نعمة احلق واعالم احسانه‬
‫سبحانه و تعاىل اليه فكان الرايء والسمعة عني محد احلق وشكره تعاىل وتقدس وخرجا‬
‫من الرذالة اىل احملمدة و على هذا القياس سائر الصفات اولئك يبدل هللا سيئاهتم‬
‫حسنات وكان هللا غفورا رحيما و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع واخلمسون اىل املال غازي النائب يف بيان ان ذكر احلق جل‬
‫وعال أوىل من الصلوات على خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم لكن‬
‫بشرط ان يكون الذكر حقيقا ابلقبول و متلقى من شيخ مقتدى وما يناسب ذلك}‬
‫ق د كنت اوقاات مشغوال بصالة خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫أبنواعها واقسامها ووجدهتا ترتتب عليها نتائج ومثرات عاجلة واهتديت هبا الدقائق الوالية‬
‫‪- 776 -‬‬

‫اخلاصة احملمدية على صاحبها الصالة و السالم والتحية واسرارها وملا مضت مدة على‬
‫هذا العمل وقع الفتور يف هذا االشتغال اتفاقا وزال توفيق املواظبة عليه ووقع االقتصار‬
‫على صلوات موقتة واستحسن يل يف هذا الوقت االشتغال ابلتسبيح والتقديس والتهليل‬
‫بدل الصلوات فقلت ولعل يف هذا األمر حكمة انظر ماذا يظهر فعلم اخريا بعناية هللا‬
‫تعاىل ان الذكر يف هذا الوقت أفضل من الصلوات يف حق من يصلي ويف حق من يصلى‬
‫عليه وذلك من وجهني احدمها ما ورد يف احلديث القدسي من شغله ذكري عن مسئليت‬
‫اعطيته أفضل ما أعطي السائلني والوجه الثاين هو ان الذكر مأخوذ من النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم فكما ان ثواب ذلك الذكر يصل اىل الذاكر يصل اليه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫ايضا مثل ذلك الثواب قال عليه عليه الصالة و السالم من سن سنة حسنة فله اجرها‬
‫واجر من عمل هبا وكذلك كل عمل صاحل حاصل من االمة كما ان اجره يصل اىل‬
‫العامل يصل ايضا مقدار ذلك األجر اىل النيب الذي هو واضع ذلك العمل وشارعه من‬
‫غري ان ينقص من اجر العامل شئ وال يلزم ان يعمل العامل عمله بنية النيب فانه عطاء‬
‫احلق جل سلطانه ال صنع للعامل فيه نعم ان وجدت النية للنيب ايضا من العامل يكون‬
‫ابعثا على ازدايد اجر العامل وهذه الزايدة ايضا تعود اىل النيب ذلك فضل هللا يؤتيه من‬
‫يشاء وهللا ذو الفضل العظيم وال شك ان املقصود االصلي من الذكر هو تذكر احلق‬
‫سبحانه وطلب األجر طفيلي له ويف الصالة املقصود االصلي هو طلب احلاجة شتان ما‬
‫بينهما فالفيوض اليت تصل اىل النيب صلّى هللا عليه و سلّم من طريق الذكر تكون زائدة‬
‫ابضعاف على الربكات اليت تصل اليه صلّى هللا عليه و سلّم من طريق الصلوات (ينبغي)‬
‫ان يعلم ان هذه الرتبة ليست هي لكل ذكر بل هي خمصوصة ابلذكر الذي حقيق‬
‫ابلقبول والذكر الذي ليس كذلك فللصالة مزية عليه ووصول الربكات منها حينئذ اكثر‬
‫توقعا ولكن الذكر الذي اخذه الطالب عن شيخ كامل مكمل وداوم عليه بشرائط الطريقة‬
‫افضل من الصالة فان هذا الذكر وس يلة ذاك الذكر وما مل يشتغل هبذا الذكر ال يصل اىل‬
‫ذلك الذكر ومن ههنا مل جيوز مشائخ الطريقة قدس هللا تعاىل اسرارهم اشتغال املبتدئ‬
‫‪- 777 -‬‬

‫بغري الذكر وأمروه ابالقتصار على الفرائض والسنن يعين الرواتب ومنعوه من االمور النافلة‬
‫(والح) من هذا البيان انه ال حتصل لفرد من افراد االمة وان بلغ يف الكماالت درجة عليا‬
‫مساواة لنبيه فان مجيع تلك الكماالت اليت حصلت له امنا هي بواسطة متابعته لشريعة‬
‫ذلك النيب فتكون هذه الكماالت كلها ايضا اثبتة لذلك النيب مع كماالت متابعيه اآلخر‬
‫ومع كماالته املخصوصة به عليه الصالة و السالم و كذلك ال يصل هذا الفرد الكامل‬
‫اىل مرتبة نيب اصال وان مل يتبع هلذا النيب احد ومل يقبل دعوته فان كل نيب صاحب دعورة‬
‫ابالصالة ومأمور بتبليغ الشريعة وال يستلزم انكار االمم قصورا يف الدعوة والتبليغ ومن‬
‫البني الظاهر انه ال يبلغ كمال اصال مرتبة الدعوة والتبليغ فان احب عباد هللا من احب‬
‫هللا اىل عباده واحب عباد هللا اىل هللا وهو الداعي واملبلغ ولعلك مسعت ما ورد يف اخلرب‬
‫انه يوزن مداد العلماء يوم القيامة بدم الشهداء يف سبيل هللا فيرتجح مداد العلماء على دم‬
‫الشهداء وهذه الدولة مل تتيسر لالمة وما هو حاصل فيهم فهو طفيلي وضمين االصل‬
‫ا صل والفرع مستنبط ينبغي ان يدرك من ههنا فضل اعيان هذه االمة ومبلغيهم وان كان‬
‫يف الدعوة والتبليغ درجات واالعيان واملبلغون متفاوتون يف الدرجات (العلماء) خمصوصون‬
‫بتبليغ الظاهر والصوفية يهتمون ابلباطن والذي هو عامل صويف كربيت امحر ومستحق‬
‫للدعوة والتبليغ ظاهرا وابطنا وانئب النيب ووارثه عليه و على آله اصالة و السالم واعتقد‬
‫مجاعة ان حمدثي هذه االمة الذين يبلغون االحاديث النبوية عليه الصالة و السالم افضل‬
‫هذه االمة فان اعتقدوا اهنم افضل مطلقا فمحل خدشة وان اعتقدوا ذلك ابلنسبة اىل‬
‫مبلغي الظاهر فله مساغ والفضل املطلق امنا هو للمبلغ اجلامع بني تبليغ الظاهر والباطن‬
‫والدعوة الظاهرة والباطنة الن يف االقتصار قصورا ينايف اطالق الفضل فافهم وال تكن من‬
‫القاصرين (نعم) ان الظاهر وان كان عمدة ومناطا للنجاة وكثري الربكة وعميم املنفعة ولكن‬
‫كماله مربوط ابلباطن والظاهر بال ابطن غري اتم والباطن بال ظاهر غري معتد به والذي‬
‫جيمع بني الظاهر والباطن كربيت أمحر ربنا أمتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬
‫‪- 778 -‬‬

‫{املكتوب الثامن واخلمسون اىل اخلواجه حممد التقي يف جواب استفساره عن‬
‫عامل املثال ويف رد مجاعة يقولون ابلتناسخ وبيان الكمون والربوز وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسيلن‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫وآله الطاهرين قد تشرفنا مبطالعة الصحيفة الصادرة من حسن النشأة وعلو الفطرة على‬
‫وجه االلتفات سلمكم هللا تعاىل وكتبتم فيها انه نقل الشيخ حميي الدين ابن العريب قدس‬
‫سره حديثا يف فتوحاته املكية ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال ان هللا خلق مائة الف‬
‫آدم وأورد حكاية يف بعض مشاهدات عامل املثال انه قد ظهر يف وقت طواف الكعبة‬
‫املعظمة ان مجعا يطوفون ابلبيت واان ال اعرفهم وانشدوا يف اثناء الطواف بيتني عربيني‬
‫احد هذين البيتني هذا {شعر}‪:‬‬
‫لقد طفنا كما طفتم سنينا * هبذا البيت طرا امجعينا‬
‫وملا مسعت هذا البيت وقع يف اخلاطر ان هؤالء من عامل املثال فنظر احدهم اىل‬
‫جانيب مقاران هلذا اخلطور وقال اان من مجلة اجدادك فسألته انه كم مضى من فوتك قال‬
‫ازيد من ارب عني الف سنة فقلت على وجه التعجب انه مل يتم من إبتداء خلقة آدم ايب‬
‫البشر على نبينا و عليه الصالة و السالم اىل اآلن سبعة آالف سنة قال من اي آدم‬
‫تقول ان هذا هو ذاك آدم الذي خلق يف اول دور سبعة آالف قال الشيخ فوقع يف‬
‫اخلاطر يف ذلك الوقت ان احلديث النبوي الذي سبق ذكره مؤيد هلذا القول (أيها‬
‫املخدوم املكرم) ان ما ظهر هلذا الفقري يف هذه املسئلة بعناية هللا سبحانه هو ان مجيع‬
‫االوادم الذين مضوا قبل وجود حضرة آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم كان‬
‫وجودهم يف عامل املثال ال يف عامل الشهادة والذي وجد يف عامل الشهادة وانل اخلالفة يف‬
‫االرض وصار مسجود املالئكة هو حضرة آدم ابو البشر فحسب غاية ما يف الباب ان‬
‫آدم ملا كان خملوقا على صفة اجلامعية وله يف حقيقته لطائف واوصاف كثرية كان يوجد‬
‫صفة من صفاته او لطيفة من لطائفه يف كل وقت من االوقات قبل وجوده بشخصه‬
‫‪- 779 -‬‬

‫بقرون متطاولة ابجياد احلق سبحانه وتظهر بصورة آدم وتسمى ابمسه وكان يقع منها ما‬
‫سيقع من آدم املنتظر حت ظهر منها توالد وتناسل مناسب لعامل املثال وانلت كماالت‬
‫صورية ومعنوية مناسبة لذلك العامل وصارت مستحقة للثواب والعقاب بل قامت القيامة‬
‫يف حقها وذهب اجلنيت اىل اجلنة واجلهنمي اىل جهنم مث ظهرت بعد ذلك يف وقت من‬
‫االوقات مبشية هللا سبحانه صفة أخرى من صفاته او لطيفة أخرى من لطائفه على نبينا‬
‫وعليه الصالة و السالم يف ذلك العامل وظهر منها ما ظهر من االوىل وملا مت دورها ايضا‬
‫ظهر ظهور اثلث من صفاته ولطائفه على نبينا وعليه الصالة و السالم وملا امت ذلك‬
‫الظهور ايضا دوره ظهر ظهور رابع وهكذا اىل ما شاء هللا تعاىل وملا متت دوائر ظهوراته‬
‫املثالية اليت تتعلق بصفاته ولطائفه وجدت آخر األمر هذه النسخة اجلامعة يف عامل‬
‫الشهادة ابجياد هللا جل سلطانه وصارت معززة ومكرمة بعنايته تعاىل فان وجد مائة ألف‬
‫آدم فليسوا اال أجزاء آدم هذا ومواده ومقدمات وجوده ومباديه و ج ّد الشيخ االكرب‬
‫الذي مضى من فوته ازيد من اربعني الف سنة كان لطيفة يف عامل املثال من لطائف جده‬
‫فان الشيخ الذي كان له وجود يف عامل الشهادة طاف ابلبيت وقتئذ يف عامل املثال فان‬
‫للكعبة املعظمة ايضا صورة وشبها يف املثال هي قبلة ألهل ذلك العامل والفقري ارسلت‬
‫نظري يف هذا الباب بعيدا بعيدا وتعمقت فيه كثريا فلم يقع نظري اىل آدم آخر يف عامل‬
‫الشهادة ومل اجد غري شعابذة عامل املثال وما قاله البدن املثايل اعين قوله اان من مجلة‬
‫اجدادك ومضى من فوتى ازيد من اربعني الف سنة ادل دليل على ان االوادم الذين كان‬
‫وجودهم قبل وجود آدم ابو البشر عليه السالم كانوا من ظهورات صفات آدم ولطائفه‬
‫عليه السالم ال انه كانت هلم خلقة على حدة مباينة خللقة آدم هذا فانه ما نسبة املباين‬
‫آلدم هذا وكيف يكون جد الشيخ فانه مل يتم سبعة آالف سنة بعد من خلقة آدم فاين‬
‫املساغ الربعني الف سنة والذين يف قلوهبم مرض يفهمون من هذه احلكاية تناسخا‬
‫ويكادون يقولون بقدم العامل وينكرون القيامة الكربى وبعض املالحدة الذين جلسوا يف‬
‫مسند الشيخوخة ابلباطل حيكمون جبواز التناسخ ويزعمون ان النفس ما مل تبلغ حد‬
‫‪- 780 -‬‬

‫كماهلا ال بد هلا من التقلب يف االبدان ويقولون اهنا اذا بلغت حد الكمال فقد فرغت‬
‫من التقلب يف االبدان بل من التعلق ابالبدان واملقصود من خلقتها كماهلا فاذا تيسر‬
‫كماهلا فقد حصل املقصود وهذا القول كفر صريح وانكار على ما ثبت من الدين‬
‫ابلتواتر فانه اذا بلغت كل النفوس حد الكمال يف اآلخر ملن تكون جهنم ومن يكون‬
‫معذاب وقوهلم هذا انكار جلهنم وانكار للعذاب االخروي وانكار ايضا حلشر االجساد فانه‬
‫مل يبق للنفس بزعمهم الفاسد احتياج اىل اجلسد الذي هو آلة لكماالهتا حت حتشر‬
‫االجساد واعتقاد هذه اجلماعة موافق العتقاد الفالسفة فاهنم ينكرون حشر االجساد‬
‫ويقولون ابلثواب والعذاب الروحانيني بل اعتقادهم اسوء من اعتقاد الفالسفة فاهنم‬
‫ينكرون التناسخ ويردون قول من يقول به ويثبتون العذاب الروحاين وهؤالء يثبتون التناسخ‬
‫وينكرون العذاب االخروي والعذاب عند هؤالء هو عذاب الدنيا وامنا يثبتونه الجل‬
‫هتذيب النفس (فان ق يل) قد نقل عن امري املؤمنني علي كرم هللا وجهه وبعض اولياء هللا‬
‫ايضا غريه انه وقع عنهم بعض اعمال غريبة وافعال عجيبة قبل وجودهم العنصري بقرون‬
‫متطاولة يف عامل الشهادة فكيف يصح ذلك بدون جتويز التناسخ (اجيب) ان صدور هذه‬
‫االعمال واالفعال امنا هو من ارواح هؤالء االكابر صارت متجسدة ابالجساد مبشيئة هللا‬
‫تعاىل وابشرت االفعال العجيبة ال من اجساد أخر تعلقت ارواحهم هبا (والتناسخ) هو‬
‫تعلق روح قبل تعلقه هبذا البدن ببدن آخر مباين ومغاير هلذا البدن فاذا جتسدت الروح‬
‫بنفسه كيف يكون تناسخا اال ترى ان اجلن يتشكل ابشكال خمتلفة ويتجسد ابجساد‬
‫متباينة ويقع عنهم يف هذا احلال اعمال عجيبة مناسبة لتلك االشكال واالجساد وال‬
‫تناسخ فيه اصال وال حلول فاذا كان يف اجلن ابقدار هللا تعاىل قدرة التشكل ابالشكال و‬
‫وقوع االعمال الغريبة منهم كيف يكون اعطاء تلك القدرة الرواح الكمل حمل تعجب وما‬
‫احلاجة اىل بدن آخر ومن هذا القبيل ما نقل عن بعض اولياء هللا تعاىل من اهنم حيضرون‬
‫يف امكنة متعددة يف ساعة واحدة ويقع عنهم امور متباينة وههنا ايضا لطائفهم متشكلة‬
‫ابشكال متباينة ومتجسدة ابجساد خمتلفة وكذلك حال من هو متوطن يف اهلند من‬
‫‪- 781 -‬‬

‫االعزة ومل خيرج من وطنه فجاء مجا عة من مكة املعظمة وقالوا رأينا الشيخ الفالين يف حرم‬
‫مكة املكرمة مشريين اىل ذلك الشخص من االعزة وجرى بيننا وبينه كيت وكيت وقالت‬
‫مجاعة أخرى حنن رأيناه يف الروم ورآه طائفة أخرى يف بغداد كل ذلك تشكل لطائف‬
‫لذلك الشيخ ابشكال خمتلفة ورمبا ال يكون ذلك الشيخ اطالع على هذه التشكالت‬
‫وهلذا يقول يف جواب هذه اجلماعات احياان كل ذلك هتمة على اان مل اخرج من البيت‬
‫ومل ار حرم مكة وال أعرف الروم وبغداد وال ادري من انتم وكذا ارابب احلاجات‬
‫يستمدون من االعزة االحياء واالموات يف املخاوف واملهالك ويرون ان صور هؤالء‬
‫االعزة قد حضرت ودفعت عنهم البلية فأحياان يكون هلؤالء االعزة اطالع على ذلك‬
‫وأحياان ال {ع}‪:‬‬
‫فهل لنا و لكم شيئ سوى نسب‬
‫و هذا ايضا تشكل لطائف هؤالء االعزة وهذا التشكل يكون احياان يف عامل‬
‫الشهادة وأحياان يف عامل املثال كما ان ألف انسان يرون النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف‬
‫املنام يف ليلة واحدة بصورة خمتلفة ويستفيدون منه صلّى هللا عليه و سلّم أشياء هذا كله‬
‫تشكل صفاته ولطائفه صلّى هللا عليه و سلّم وكذلك املريدون يستفيدون من صور‬
‫الشيوخ املثالية اشياء وحيلون املشكالت والكمون الربوز اللذان نقال عن بعض املشائخ ال‬
‫مساس هلما ابلتناسخ فان تعلق الروح ابلبدن الثاين يف التناسخ امنا هو لثبوت احلياة‬
‫والجل حصول احلس واحلركة لذلك البدن ويف الربوز ليس تعلق النفس ببدن آخر الجل‬
‫حصول الغرض بل املقصود من هذا التعلق هو حصول الكماالت لذلك البدن ووصوله‬
‫اىل الدرجات كما ان جنيا اذا تعلق بفرد من افراد االنسان وبرز يف شخصه ليس ذلك‬
‫التعلق الجل حصول احلياة لذلك الفرد فانه حي وحساس ومتحرك قبل ذلك التعلق‬
‫والذي حيدث فيه من هذا التعلق هو ظهور صفات ذلك اجلين وحركاته وسكناته‬
‫واملشائخ املستقيموا االحوال ال يتفوهون بعبارة الكمون و الربوز و ال يرمون به الناقصني‬
‫يف البالء و الفتنة ال حاجة عند الفقري اىل الكمون و الربوز اصال بل لو اراد كامل ان‬
‫‪- 782 -‬‬

‫يريب انقصا ينبغي ان جيعل ابقدار هللا تعاىل صفاته الكاملة منعكسة يف املريد الناقص وان‬
‫جيعل ذلك االنعكاس اثبتا ومستقرا ليخرج املريد الناقص من النقص اىل الكمال ومييل من‬
‫الصفات الرذي لة اىل الصفات احلميدة من غري ان يكون يف البني كمون وبروز اصال ذلك‬
‫فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (وقال) بعض آخر بنقل االرواح يقولون‬
‫انه حيصل للروح بعد الكمال قدرة حبيث ترتك بدهنا لو شاء وتدخل يف بدن آخر نقل ان‬
‫واحدا من االعزة الذي كان له هذا الكمال وهذه القدرة ملا تويف يف جواره شاب ترك‬
‫بدن نفسه الذي كان قد ادرك سن الشيخوخة ودخل يف بدن ذلك الشاب فصار بدنه‬
‫االول ميتا وبدن الشاب حيا وهذا القول مستلزم للتناسخ الن تعلق الروح ابلبدن الثاين‬
‫على هذا التقدير امنا هو حلصول احلياة لذلك البدن وامنا الفرق بني هذا وبني التناسخ ان‬
‫القائل ابلتناسخ حاكم بنقص النفس ويثبت التناسخ الجل تكميلها والذي هو قائل بنقل‬
‫الروح يعتقد الروح كامال ويثبت االنتقال بعد كمال الروح وعند الفقري القول ابنتقال‬
‫الروح اسقط من القول ابلتناسخ فان القائل ابلتناسخ اعترب التناسخ الجل تكميل النفوس‬
‫وان كان هذا االعتبار ابطال وزعم انتقال الروح بعد حصول الكمال وان مل يكن كمال‬
‫اصال فاذا تقرر كون تبدل االبدان الجل حتصيل الكماالت فالي شئ يكون االنتقال‬
‫اىل بدن آخر بعد حصول الكمال واهل الكمال ليسوا ابرابب اهلوس بل مهتهم بعد‬
‫حصول الكمال التجرد عن االبدان ال التعلق ابالبدان فانه قد حصل ما هو املقصود من‬
‫التعلق وايضا ان يف انتقال الروح اماتة البدن االول واحياء البدن الثاين فال بد للبدن‬
‫االول من حصول احكام الربزخ كعذاب القرب وثوابه والبدن الثاين ملا اثبتوا له احلياة الثانية‬
‫ثبت يف حقه احلشر يف الدنيا واظن ان معتقدي انتقال الروح ال يقولون بعذاب القرب‬
‫وثوابه وال يعتقدون احلشر والنشر فآه ألف انتهى حيث ان امثال هؤالء البطالني جلسوا‬
‫يف مسند الشيخوخة وصاروا مقتدى هبم الهل االسالم ضلوا فأضلوا‪ .‬ربنا ال تزغ قلوبنا‬
‫بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك أنت الوهاب حبرمة سيد املرسلني عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم‬
‫‪- 783 -‬‬

‫(تذييل) يف بيان بعض العلوم واملعارف اليت تتعلق بعامل املثال (ينبغي) ان يعلم ان‬
‫عامل املثال اوسع من مجيع العوامل وكلما هو يف مجيع العوامل له صورة يف عامل املثال‬
‫وللمعقوالت واملعاين كلها صورة فيه قيل ان احلق سبحانه ليس له مثل ولكن له مثال وهلل‬
‫املثل االعلى وقد كتب هذا الفقري يف مكاتيبه كما ان ال مثل له تعاىل يف مرتبة التنزيه‬
‫الصرف ليس له سبحانه مثال ايضا فال تضربوا هلل االمثال وامنوذج عامل املثال يف العامل‬
‫الصغري هو اخليال فان صورة مجيع االشياء متصورة يف اخليال واخليال هو الذي يرى‬
‫كيفيات احوال السالك ومقاماته ابلتصوير وجيعله من ارابب العلم فلو مل يكن اخليال او‬
‫كان قاصرا لزم اجلهل ومن ههنا ليس فوق مرتبة الظالل غري اجلهل واحلرية فان جوالن‬
‫اخليال امنا هو يف مراتب الظالل وحيث ال ظالل فيه ال جمال للخيال فيه فاذا مل تكن‬
‫ا لصورة التنزيهية يف املثال كما مر كيف تتصور هي يف اخليال الذي هو ظل املثال فال‬
‫جرم ال يكون مثة اال اجلهل واحلرية وكل حمل ليس فيه علم ليس فيه قيل وقال من عرف‬
‫هللا كل لسانه عالمة ذلك وكل حمل فيه علم فيه قيل وقال من عرف هللا طال لسانه بيان‬
‫ما هنالك فيكون طول اللسان يف مقام الظالل وكل اللسان فوق مراتب الظالل فعال‬
‫كان او صفة امسا كان او مسمى وكلما هو منحوت اخليال فهو من الظالل وكلما هو‬
‫من الظالل فهو معلول وبعلة اجلعل جمعول وليس هو غري ان يكون من آاثر املطلوب‬
‫وعالماته املفيدة لعلم اليقني وعني اليقني وحق اليقني كالمها وراء الظالل واخليال‬
‫واخلالص من حن ت اخليال امنا يتسري اذا ترك السري االنفسي ايضا كالسري اآلفاقي وراء‬
‫الظهر وجال يف ما وراء االنفس واآلفاق وهذا املعن يتيسر الكثر االولياء بعد املوت وما‬
‫دامت احلياة ابقية فاخليال متشبث ابذايهلم ويتيسر لالقلني من االكابر يف هذه النشأة‬
‫فيخرجون من تصرف سلطان اخليال مع وجود احلياة الدنيوية ويعانقون املطلوب بال حنت‬
‫اخليال وجعله ففي هذا الوقت يصري التجلي الربقي دائميا يف حقهم وتظهر مبادئ الوصل‬
‫العراين {شعر}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫‪- 784 -‬‬

‫(فان قيل) قد يرى مجاعة يف الواقعات واملنامات يف املثال او اخليال اهنم صاروا‬
‫سالطني ويعاينون خدمهم وحشمهم او يرون اهنم صاروا اقطااب وتوجه اليهم مجيع العامل‬
‫ويف عامل اليقظة واالفاقة الذي هو عامل الشهادة ال يظهر شئ من تلك الكماالت فهل‬
‫هلذه الرؤية وجه من الصدق او ابطل حمض (اجيب) ان هلذه الرؤية حمال من الصدق بيانه‬
‫هو ان معن السلطنة والقطبية كائن يف تلك اجلماعة ولكنه ضعيف فيهم غري الئق الن‬
‫يظهر يف عامل الشهادة مث بعد ذلك ال خيلو عن احد احلالني اما ان حتدث هلذا املعن‬
‫بعناية هللا سبحانه قوة ويصري الئقا الن يظهر يف عامل الشهادة فيصريون بقدرة هللا‬
‫سبحانه سالطني او اقطااب واما ان ال حتدث له قوة الظهور يف عامل الشهادة فيكتفي‬
‫بذلك الظهور املثايل الذي هو اضعف الظهورات ويظهر فيه على قدر قوته (ومن) هذا‬
‫القبيل ما يراه طالبوا هذا الطريق من الواقعات حيث جيدون انفسهم يف مقامات عالية‬
‫ويرون اهن م تشرفوا مبناصب ارابب الوالية فان ظهر هذا املعن يف الشهادة ايضا فهو دولة‬
‫عظيمة وان اكتفى بظهوره يف املثال فال حاصل فيه بل هو مصيبة فان كل حائك وحجام‬
‫يرى نفسه يف املنام سلطاان وليس له حاصل غري اخلسارة والندامة فال ينبغي اعتبار‬
‫الواقعات وكلما يتيسر يف الشهادة فهو الغنيمة {شعر}‪:‬‬
‫واىن غالم الشمس اروى من الشمس * وما يل ولليل فاروى حديثه‬
‫و من ههنا مل يعترب اكابر النقشبندية الواقعات وال يتوجهون اىل توجيه وقائع‬
‫الطالبني وتعبريها لكوهنا قليل اجلدوى وامنا املعترب عندهم ما تيسر يف االفاقة واليقظة وهلذا‬
‫اعتربوا دوام الشهود واعتقدوا الدولة استمرار احلضور واحلضور الذي يقتفيه الغيبة ساقط‬
‫عن حيز االعتبار عند هؤالء االكابر ومن ههنا صار نسيان ما سوى هللا تعاىل دائميا يف‬
‫حقهم وحضور الغري يف قلبهم منفيا يف مجيع االوقات نعم اذا كانت النهاية مندرجة يف‬
‫بداية شخص كيف يستبعد عنه هذه الكماالت ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف أمران‬
‫وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين و السالم‪.‬‬
‫‪- 785 -‬‬

‫{املكتوب التاسع واخلمسون اىل اخلواجه حممد عبد هللا ولد شيخه سلمه هللا‬
‫يف بيان ان املعقول واملوهوم واملكشوف واملشهود كلها داخلة يف السوى وما يناسب‬
‫ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الصحيفة الشريفة اليت‬
‫أرسلها قرة العني وقد اندرج فيها ان تلك الشعابذة قد زالت وارتفعت بكرم هللا سبحانه و‬
‫تعاىل ومل يبق منها شئ واهلمة مصروفة يف ان ال حيصل شئ من االثبات واملعقول واملوهوم‬
‫كله داخل حتت كلمة ال كذا وكذا وكتبتم ان هذا املعن حاصل ابلتلكف واملرجو ان‬
‫يكون نصيبا من غري تكلف (أيها النجيب) ان املعقول واملوهوم بل املكشوف واملشهود‬
‫آفاقيا او انفسيا كله داخل يف السوى ومن مجلة اللهو واللعب وليس التعلق به غري التعلق‬
‫ابلشعابذة وزوال هذه التعلقات لو كان ابلتكلف فهو داخل يف الطريقة ومن مجلة علم‬
‫اليقني فان تيسرت هذه الدولة بعد اللتيا واليت بال تكلف وتبدل حال التكلف يف نفي‬
‫السوى ابنتفائه بنفسه فقد خرج من مضيق الطريقة وسكة العلم وتشرف ابلفناء وهذا‬
‫املعن يسري يف التكلم وعسري حبسب الوصول اليه اي عسري اال من يسره هللا سبحانه‬
‫واالمور اليت تتعلق ابحلقيقة فهي يف االمام وبعد املرور من النفي بل بعد جماوزة مقام‬
‫االنتفاء مقام االثبات وما وراء العلم والعني (اعلم) انه ال اعتداد ابلطريقة يف جنب‬
‫احلقيقة وال اعتبار للنفي ابلنسبة اىل االثبات اصال فان متعلق النفي هو املمكنات ومتعلق‬
‫االثبات هو الواجب سبحانه والنفي يرى يف النظر يف جنب االثبات كقطرة يف جنب‬
‫البحر احمليط وحبصول هذا النفي وذاك االثبات يوصل اىل الوالية اخلاصة وبعد حصول‬
‫الوالية اخلاصة اما العروج واما النزول وان كان النزول لذلك العروج الزما ايضا ربنا امتم لنا‬
‫نوران واغفر لنا ذنوبنا انك على كل شئ قدير السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى‬
‫والتزم متابعة املصطفى عليه الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الستون اىل حممد تقي يف بيان ان الالزم صرف العنان عن‬
‫‪- 786 -‬‬

‫فضوليات الدين واالشتغال بضرورايت الدين وما يناسب ذلك}‬


‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد تشرفت مبطاعلة الصحيفة‬
‫الشريفة وقد اندرجت فيها الدالئل اليت وفقتم القامتها وترتيبها يف ابب خالفة الصديق‬
‫رضي هللا عنه اليت ثبتت ابمجاع اهل احلل والعقد من الصدر االول الذي هو خري القرون‬
‫ويف ابب ا فضلية اخللفاء الراشدين رضوان هللا تعاىل عليهم امجعني اليت هي على ترتيب‬
‫خالفتهم ونعتها ويف ابب مالزمة السكوت عن منازعات اصحاب خري البشر‬
‫ومشاجراهتم عليه وعليهم الصالة و السالم فاورث ذلك فرحا وافرا وهذا االعتقاد كاف‬
‫يف حبث االمامة وموافق العتقاد اهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم (ايها)‬
‫املخدوم املشفق ان حبث االمامة من فروع الدين ال من اصوله وضرورايت الدين غري‬
‫ذلك الذي يتعلق ابالعتقاد والعمل مما تكفل علم الكالم وعلم الفقه ببيانه واالشتغال‬
‫ابلفضوليات برتك الضرورايت صرف العمر فيما ال يعين وقد ورد يف اخلرب عالمة اعراضه‬
‫تعاىل عن العبد اشتغاله مبا ال يعنيه فلو كان حبث االمامة من ضرورايت الدين واصول‬
‫الشريعة كما زعمت الشيعة لكان ينبغي ان يعني احلق تعاىل يف كتابه اجمليد من يستحق‬
‫االستخالف وان يشخص اخلليفة وان أيمر النيب صلّى هللا عليه و سلّم ايضا خبالفة واحد‬
‫وان جيعل الواحد خليفة ابلتنصيص والتصريح وملا مل يفهم االهتمام يف هذا االمر من‬
‫الكتاب والسنة علم ان حبث االمامة من فضول الدين ال من اصوله والفضويل يشتغل‬
‫ابلفضول مع ان امامه كثريا من ضرورايت الدين حبيث لو اشتغل هبا ملا وصلت النوبة اىل‬
‫الفضول اوال ال بد من تصحيح االعتقاد الذي يتعلق بذات الواجب وصفاته وافعاله‬
‫تعاىل وينبغي االعتقاد ايضا ان ما جاء به النيب صلّى هللا عليه و سلّم من عند احلق جل‬
‫وعال وما علم من الدين ابلضرورة والتواتر من احلشر والنشر والعذاب والثواب االخرويني‬
‫الدائمني وسائر السمعيات كله حق ليس يف شئ منها احتمال التخلف فان مل يكن هذا‬
‫االعتقاد فال جناة واثنيا ال بد من اتيان االحكام الفقهية ايضا من اداء الفرائض‬
‫والواجبات بل من اداء السنن واملستحبات ينبغي حسن رعاية احلل واحلرمة الشرعيني‬
‫‪- 787 -‬‬

‫واالحتياط يف حفظ حدود الشريعة حت يرجى الفالح واخلالص من عذاب اآلخرة فاذا‬
‫صحح االعتقاد والعمل وصلت النوبة اىل الدخول يف طريق الصوفية ورجاء حصول‬
‫كماالت الوالية وحبث االمامة ابلنسبة اىل ضرورايت الدين كاملطروح يف الطريق غاية ما‬
‫يف الباب ان املخالفني ملا غالوا يف هذا الباب وطعنوا يف اصحاب خري البشر عليه وعليهم‬
‫الصلوات و التسليمات يورد يف ردهم ابلضرورة مقدمات طويلة الذيل لكون دفع لزوم‬
‫الفساد من الدين املتني من ضرورايت الدين و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والستون يف تعزية اصحاب املرحوم موالان امحد الربكي ويف‬
‫نصيحتهم وجعل موالان احلسن رئيس حلقتهم وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان وجود‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫املرحوم املغفور له موالان امحد عليه الرمحة يف هذا الوقت كان للمسلمني آية من آايت هللا‬
‫جل وعال ورمحة من رمحاته تعاىل اللهم ال حترمنا أجره وال تفتنا بعده االمداد واالعانة‬
‫للماضني مأمول ومسئول من االصحاب واالحباب وخدمة اوالد املرحوم ومتعلقاته‬
‫واستمالة قلوهبم وتسلية خواطرهم واجبة على احملبني فينبغي سعيهم يف ان يقرأ اوالد‬
‫املرحوم وان يكونوا متحلني ابلعلوم الشرعية وليكافئوا احسان املرحوم ابالحسان اىل‬
‫اوالده هل جزاء االحسان اال االحسان وينبغي رعاية اطوار املرحوم واوضاعه واحواله‬
‫واوقاته وان تشتغلوا ابلذكر واحللقة لئال يقع الفتور وان يقعد االصحاب جمتمعني فانيا كل‬
‫واحد يف اآلخر ليظهر اثر الصحبة وقد كتب هذا الفقري قبل ذلك على سبيل االنفاق‬
‫ابن موالان لو اختار سفرا ينبغي ان ينصب الشيخ احلسن مكانه فكان املراد منه على وفق‬
‫القضاء هذا السفر واآلن ايضا االحظ يف هذا االمر مكررا واجد الشيخ احلسن متعينا يف‬
‫هذا االمر وال يثقل هذا املعن على بعض االصحاب فانه ليس ابختياران وال ابختيارهم‬
‫واالنقياد الزم ولطريق الشيخ احلسن مناسبة كثرية بطريق موالان والنسبة اليت أخذها موالان‬
‫من هذا اجلانب يف اآلخر ل لشيخ احلسن شركة معه فيها واالصحاب الباقون قليلوا‬
‫‪- 788 -‬‬

‫النصيب منها وان حصل هلم كشف وشهود وصاروا متحلني ابلتوحيد واالحتاد ولكن هذه‬
‫الدولة امر آخر ال يشرتون الكشوف والشهود هناك على شعرية ويستغفرون من ذلك‬
‫التوحيد واالحتاد وابجلملة ينبغي ان ال يتوقف االصحاب يف تقدمي الشيخ احلسن وان‬
‫يشتغلوا ابمرهم جاعلني اايه رئيس حلقتهم وليفهم اخوان اخلواجه اويس هذا املعن‬
‫لالصحاب وليدهلم على االشتغال بعقد احللقة والصحبة ويرغبهم يف الشيخ احلسن‬
‫وينبغي للشيخ احلسن ايضا حفظ خواطر الشركاء والرفقاء وأداء حقوق االخوة وان ال‬
‫يفارق مطالعة الكتب الفقهية وان جيتهد يف نشر االحكام الشرعية وان يرغب يف متابعة‬
‫السنة السنية وان حيذر عن البدعة الشنيعة وان ال يعدل عن طريق االلتجاء والتضرع‬
‫واالنكسار لئال يلقي النفس االمارة من جهة الرايسة والتقدم على االقران يف املهلكة‬
‫واحلالة السيئة وليعتقد نفسه يف مجيع االوقات وسائر احلاالت قاصرا وانقصا وليكن طالبا‬
‫لكماله والنفس والشيطان عدوان قواين يف الكمني فال خيرجان من الطريق خائبا و خاسرا‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫وذلك من نصحي لكم ان قبلتموا * جنومت واال فافعلوا ما بدا لكم‬
‫وبالد اهلند بعيد عنكم والقافلة ترد وتذهب ابالخبار يف سنة مرة واحدة فينبغي‬
‫كتابة االحوال فان مل تقدروا على الوصول فال تغفلوا عن الكتابة والشيخ يوسف قريب‬
‫منا وكان هنا مدة واخذ فوائد مجة واطلع على حقيقة الفناء ورجع اىل وطنه مبيعاد اجملئ‬
‫اثنيا وهو رجل مستعد وصادق االخالص وهللا سبحانه املوفق وحيث أنيتم عنا يبالغ يف‬
‫النصيحة تيقظوا وتنبهوا واعتقدوا الرايسة بالء الروح وكونوا خائفني ووجلني مشفقني من‬
‫حدوث لذة يف هذه الرايسة فتنجر اىل اهلالك االبدي ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران‬
‫وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سالم‬
‫على املرسلني واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والستون اىل خاخناانن يف بيان ان االنسان مدين الطبع جمبول‬
‫‪- 789 -‬‬

‫على التمدن وحمتاج اىل بين نوعه يف تعيشه وحسن االنسان ايضا يف هذا االحتياج‬
‫وما يناسب ذلك}‪.‬‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى نسأل هللا سبحانه و تعاىل ترقياتكم‬
‫الصورية واملعنوية فان خرييتكم وصالحكم متضمنة جلمعية مجيع املسلمني ورفاهيتهم‬
‫والدعاء لكم دعاء جلميع املسلمني سلمكم هللا سبحانه عما ال يليق جبنابكم حبرمة سيد‬
‫املرسلني عليه وعليهم و على آل كل من الصلوات افضلها ومن التسليمات أكملها‬
‫وحيث اعلم ان نسبة حمبتكم وارادتكم واخالصكم الكابر النقشبندية العلية قدس هللا‬
‫تعاىل اسرارهم على وجه االمت واالكمل فبناء على ذلك نصري ابعثا على تصديعكم (ايها)‬
‫املخدوم املكرم ان اهل هذه السلسلة العلية وقعوا يف هذه الداير غرابء ومناسبة اهل هذه‬
‫الداير لطريقة هؤالء االكابر الذين هم ملتزمون للسنة بواسطة شيوع البدعة يف هذه الداير‬
‫قلي لة ومن ههنا اخرتع بعض اهايل هذه السلسلة بواسطة قصور نظره يف هذه الطريقة‬
‫العلية ايضا بدعات وجذب قلوب الناس بعالقة ارتكاب تلك البدعات اىل جانبه وظن‬
‫هذا العمل بزعمه تكميال هلذه الطريقة العلية حاشاها من ذلك وكال بل هؤالء اجلماعة‬
‫جيتهدون يف ختريب الطريقة وتضييعها ومل يدركوا حقيقة معاملة اكابر هذه الطائفة هداهم‬
‫هللا سبحانه سواء الصراط وحيث ان اهل هذه السلسلة العلية عزيزوا الوجود يف هذه‬
‫الداير ينبغي ملريدي هذه السلسلة وحمبيهم امداد هؤالء األكابر وطلبة هذا الطريق‬
‫واعانتهم فان االنسان مدين الطبع جمبول على التمدن حمتاج يف تعيشه اىل بين نوعه قال‬
‫ِ‬ ‫ك هللا وِمن اتَّـبـع َ ِ‬
‫ني * االنفال‪)64 :‬‬‫ك م َن ال ُْم ْؤمنِ َ‬ ‫هللا تبارك و تعاىل ( ََي اَيُّـ َها النِ ُّ‬
‫َّيب َح ْسبُ َ ُ َ َ َ َ‬
‫فاذا كان يف كفاية مهمات خري البشر عليه و على آله الصلوات و التسليمات دخل‬
‫للمؤمني فما املضايقة على اآلخرين وأكثر أغنياء هذا الوقت يزعمون الدروشة يف عدم‬
‫االحتياج وليس كذلك فان االحتياج ذايت جلميع املمكنات بل حسن االنسان هو يف‬
‫هذا االحتياج وذل العبودية انش من هذه اجلهة فانه لو زال االحتياج فرضا عن االنسان‬
‫وحصل له االستغناء ال يكون فيه غري العصيان والعناد والطغيان قال هللا تعاىل (اِ َّن‬
‫‪- 790 -‬‬

‫استَـغْ َىن * العلق‪ )7-6 :‬غاية ما يف الباب ان الفقراء‬ ‫سا َن لَيَطْغَى * اَ ْن َرآهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫اْالنْ َ‬
‫لتخلصهم عن التعلق ابالغيار حييلون االحتياج اىل االسباب على مسبب االسباب ويرون‬
‫الدولة املبذولة العامة من خوان نعمته تعاىل ويعتقدون ان املانع واملعطي يف احلقيقة هو هللا‬
‫تعاىل وحيث اوردت االسباب يف البني بواسطة حكم ومصاحل ونسب احلسن والقبح اليها‬
‫جيعل هؤالء االكابر ايضا الشكر والشكاية راجعني اليها ويرون احلسنة والسيئة منها فاهنم‬
‫ك * آل‬ ‫ت ٰه َذا َاب ِطالً ُس ْب َحانَ َ‬
‫لو مل يعتربوا االسباب ألبطلوا معاملة عظيمة ( َربنَا َما َخلَ ْق َ‬
‫عمران‪ )190 :‬ووجود معدن احلقائق واملعارف اخي االعز السيد مري حممد نعمان مغتنم‬
‫يف تلك احلدود ودعاؤه وتوجهه كربيت أمحر وأظن ان بركات توجهاته وفيوضها قوائم‬
‫دولتكم وأجده يف احلضور والغيبة ممدكم ومعاونكم وقد كتب املرقوم قبل هذا بسنة من‬
‫حماسنكم اىل الفقري وادرج فيما كتب حمبتكم واخالصكم للفقراء واظهر فيه انه قد فوض‬
‫تولية هذه الوالية اىل آخر فهذا الوقت وقت التوجه واملدد فحصل للفقري يف اثناء مطالعة‬
‫ذلك املكتوب توجه يف هذا الباب فوجدتكم يف ذلك الوقت رفيع القدر والظاهر انه قد‬
‫كان يف تلك الساعة شخص متوجها اىل تلك اجلهة فكتبت يف جواب ذلك املكتوب‬
‫هذه العبارة ان خاخناانن يظهر يف النظر رفيع القدر واالمر عند هللا سبحانه‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث و الستون اىل نورحممد االنبايل يف جواب استفساره ابنه اذا‬
‫حضر الطالب لطلب احلق جل و عال عند شيخ آخر مع وجود شيخه هل جيوز له‬
‫ذلك او ال}‬
‫الرحيم بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان املكتوب‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫املرسل قد وصل وسألت انه مع وجود حياة الشيخ اذا حضر الطالب عند شيخ آخر‬
‫لطلب احلق جل وعال هل جيوز له ذلك او ال اعلم ان املقصود هو احلق سبحانه والشيخ‬
‫وسيلة الوصول اىل جناب احلق تعاىل فان رأى الطالب رشده عند شيخ آخر ووجد قلبه‬
‫يف صحبته حاضرا مع احلق جيوز ان حيضر عنده يف حياة شيخه االول بال اذنه ويطلب‬
‫‪- 791 -‬‬

‫منه رشده ولكن ينبغي ان ال ينكر شيخه االول وال يذكره اال خبري خصوصا يف هذا‬
‫الوقت فانه مل يبق فيه املريدية والشيخوخة غري الرسم والعادة فاذا مل يكن لشيوخ هذا‬
‫الوقت خرب عن انفسهم وال يقدرون ان يفرقوا بني االميان والكفر فكيف يكون هلم خرب‬
‫عن هللا عز وجل و على اي طريق يدلون املريد {شعر}‪:‬‬
‫من مل يكن ذا خربة عن نفسه * ال يقدر االخبار عن هذا وذا‬
‫اي ويح مريد يقعد عند مثل هذا الشيخ معتقدا له وال يرجع اىل غريه وال يعرف‬
‫طريق احلق جل وعال وهذا من اخلطرات الشيطانية الواردة من جهة الشيخ الناقص ملنع‬
‫الطالب عن طلب احلق سبحانه كل موضع رأى الطالب رشده ومجعية قلبه فيه ينبغي‬
‫الرجوع فيه بال توقف وان يستعيذ من الوساوس الشيطانية‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والستون اىل حممد مؤمن ولد املرحوم اخلواجه عليجان يف‬
‫بيان انه ينبغي ان ال يضيق الصدر عن تلون االحوال وعدم حصول اآلمال الدنياوية‬
‫الدنية}‬
‫الرحيم سلمكم هللا سبحانه عما ال يليق حبالكم اعلموا أن الدنيا‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫سجن املؤمن واملناسب حلال السجن هو الوجع واالمل واملصيبة وال ينبغي التضجر واجلزع‬
‫من تلون االحوال وعدم حصول اآلمال (فَاِ َّن َم َع الْعُ ْس ِر يُ ْس ًرا (‪ )5/94‬اِ َّن َم َع الْعُ ْس ِر‬
‫يُ ْس ًرا * االنشراح‪ )6-5 :‬فقرن هللا سبحانه بعسر واحد يسرين ويشبه ان يكون املراد‬
‫منهما يسري الدنيا واآلخرة {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف امر مع الكرام‬
‫و ابقي احوال هذه احلدود يبينها السيد عبد الباقي ابملشافهة و املشار اليه متوجه‬
‫ملالقاتكم مراعاة حلقوقكم و اشفاقا عليكم‪.‬‬
‫‪- 792 -‬‬

‫{املكتوب اخلامس والستون اىل موالان حممد هاشم اخلادم يف التحذير عن‬
‫االشتغال ابمور ال طائل فيها}‬
‫الرحيم بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني انكم ما كتبتم‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫يف هذه املدة عن احوالكم الباطنية خربا معتدا به حت يكون ابعثا على الفرح وامور الدنيا‬
‫مما ال طائل فيها وال قدر للدنيا وما فيها حت يشتغل االنسان حبشوايهتا اتركا لتذكر‬
‫احوال اآلخرة وان كانت نيتكم نية خري ولكنكم قد مسعتم ان حسنات االبرار سيئات‬
‫املقربني و على كل حال ينبغي التوجه اىل االحوال واالشتغال ابلطفيلي بقدر الضرورة‬
‫فان الضرورة تقدر بقدرها هلل سبحانه احلمد واملنة ان فقراء هذه احلدود وان مل يكن هلم‬
‫رزق معلوم ولكنهم يصرفون االوقات ابلفراغة والوسعة من غري سعي يف امر الرزق وال‬
‫اجتهاد ونصيبهم يصيبهم زايدة على قدر الكفاف والرزق هو نقد الوقت وابقي احوال‬
‫هذه احلدود مستوجب للحمد ويف هذه االشهر عاد الوابء اثنيا ومات من جاء اجله وقد‬
‫ارتفع اآلن هلل سبحانه احلمد واملنة على مجيع النعماء و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الس ادس والستون اىل خاخناانن يف بيان التوبة واالانبة والورع‬
‫والتقوى وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وحيث صرفنا‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫العمر العزيز يف املعاصي والزالت والتقصريات واهلفوات يستحسن ان نتكلم من التوبة‬
‫واالانبة والورع والتقوى قال هللا تبارك و تعاىل وتوبوا اىل هللا مجيعا ايها املؤمنون لعلكم‬
‫تفلحون وقال تعاىل اي أيها الذين آمنوا توبوا اىل هللا توبة نصوحا عسى ربكم ان يكفر‬
‫عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات جتري من حتتها االهنار وقال تعاىل وذروا ظاهر االمث‬
‫وابطنه فالتوبة من الذنوب واجبة وفرض عني يف حق كل شخص ال يتصور ان يستغين‬
‫عنها احد من البشر كيف واالنبياء عليهم الصالة و السالم مل يستغنوا عن التوبة قال‬
‫خامتهم وسيدهم عليه وعليهم صلوات هللا وحتياته انه ليغان على قليب واين الستغفر هللا يف‬
‫‪- 793 -‬‬

‫اليوم والليلة سبعني مرة[‪ ]1‬فان كانت املعاصي تتعلق حبق هللا تعاىل وال تتعلق حبقوق العباد‬
‫من املظامل كالزان وشرب اخلمر ومساع املالهي والنظر اىل غري حمرم ومس املصحف بغري‬
‫وضوء واعتقاد بدعة فالتوبة عنها ابلندم واالستغفار والتحسر واالعتذار اىل هللا عز وجل‬
‫ولو ترك فرض من الفرائض ال بد يف التوبة من ادائه وان كانت املعاصي تتعلق مبظامل‬
‫العباد فتوبتها برد املظامل اليهم واالستحالل منهم واالحسان اليهم والدعاء هلم وان كان‬
‫صاحب املال والعرض ميتا فاالستغفار واالحسان ورد املال اىل اوالده وورثته وان مل يعلم‬
‫له وارث يتصدق بقدر املال واجلناية على الفقراء واملساكني بنية صاحب املال والذي‬
‫اوذي بغري حق قال علي كرم هللا وجهه مسعت ااب بكر رضي هللا عنه يقول وهو الصادق‬
‫قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ما من عبد أذنب ذنبا فقام فتوضأ و صلى واستغفر‬
‫هللا من ذنبه اال كان حقا على هللا ان يغفر له[‪ ]2‬النه يقول جل وعال ومن يعمل سوء او‬
‫يظلم نفسه مث يستغفر هللا جيد هللا غفورا رحيما وقال عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫يف حديث آخر من أذنب ذنبا مث ندم عليه فهو كفارة ويف اخلرب ان الرجل اذا قال‬
‫[‪]3‬‬
‫استغفرك واتوب اليك مث عاد مث قاهلا مث عاد ثالث مرات كتب يف الرابعة من الكبائر‬
‫ويف احلديث النبوي انه قال عليه و على آله الصالة و السالم هلك املسوفون يقولون‬
‫سوف نتوب اوصى لقمان احلكيم البنه اي بين ال تؤخر التوبة اىل غد فان املوت أيتيك‬
‫بغتة قال جماهد من مل يتب اذا اصبح وامسى فهو من الظاملني قال عبد هللا بن املبارك‬
‫رمحه هللا سبحانه رد فلس من احلرام أفضل من مائة فلس يتصدق به وقيل رد دانق من‬
‫فضة افضل عند هللا من ستمائة حجة مربورة ربنا ظلمنا أنفسنا وان مل تغفر لنا وترمحنا‬
‫لنكونن من اخلاسرين عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم انه قال ان هللا تعاىل يقول عبدي ّاد‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم عن االغر املزين منه عفي عنه‬


‫(‪ )2‬رواه اصحاب السنن ابلفاظ خمتلفة منه عفي عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال املخرج مل يوجد هبذا اللفظ ولكن اخرج ابن ايب الدنيا والبيهقي من حديث ابن عباس املستغفر من الذنب‬
‫وهو مصر عليه كاملستهزئ بربه قال العراقي سنده ضعيف قلت هذا اذا كان استغفاره مبجرد اللسان فال ينايف قوله عليه‬
‫الصالة والسالم خياركم املفتنت التواب فان هذا ما كان ابجلنان منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 794 -‬‬

‫ما افرتضت عليك تكن أعبد الناس وانته عما هنيتك عنه تكن من اورع الناس واقنع مبا‬
‫رزقتك تكن اغن الناس[‪ ]1‬وقال صلّى هللا عليه و سلّم اليب هريرة رضي هللا عنه كن ورعا‬
‫تكن اعبد الناس[‪ ]2‬وقال احلسن البصري رمحه هللا مثقال ذرة من الورع خري من الف‬
‫مثقال من الصوم والصالة وقال ابو هريرة رضي هللا عنه جلساء هللا غدا اهل الورع والزهد‬
‫ايل املتقربون مبثل الورع‬
‫اوحى هللا اىل موسى على نبينا وعليه الصالة و السالم ال يتقرب ّ‬
‫قال بعض العلماء ابهلل ال يتم الورعا ال ان يرى عشرة اشياء فريضة على نفسه اوهلا حفظ‬
‫اللسان عن الغيبة والثاين االجتناب عن السخرية والثالث االجتناب عن سوء الظن والرابع‬
‫غض النظر عن احملارم واخلامس صدق اللسان والسادس ان يعرف منة هللا كيال يعجب‬
‫بنفسه والسابع ان ينفق ماله يف احلق وال ينفقه يف الباطل والثامن ان ال يطلب لنفسه‬
‫العلو والكرب والتاسع احملافظة على الصلوات والعاشر االستقامة على السنة واجلماعة ربنا‬
‫امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير (ايها املخدوم) املكرم املشفق االكرم إن‬
‫تيسرت التوبة عن مجيع الذنوب وحصل الورع و التقوى من مجيع احملرمات واملشتبهات‬
‫فذلك نعمة عظيمة ودولة قصوى واال فالتوبة من بعض الذنوب والورع من بعض‬
‫احملرمات ايضا مغتنمة ولعل بركات ذلك البعض وانواره تسري يف االبعاض اآلخر ويتيسر‬
‫التوفيق للتوبة والورع من سائر املعاصي ايضا وما ال يدرك كله ال يرتك كله اللهم وفقنا‬
‫ملرضاتك وثبتنا على دينك و على طاعتك حبرمة سيد املرسلني وقائد الغر احملجلني عليه‬
‫وعليهم و على آل كل من الصلوات افضلها ومن التسليمات اكملها‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والستون اىل خاجنهان يف بيان عقائد اهل السنة واجلماعة‬
‫رضوان هللا تعاىل عليهم امجعني مع بيان االركان اخلمسة االسالمية والتحريض على‬

‫(‪ )1‬اخرج امحد والرتمذي عن ايب هريرة مرفوعا بلفظ اتق احملارم تكن اعبد الناس وارض مبا قسم هللا لك تكن اغن‬
‫الناس احلديث منه عفي عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي عنه منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 795 -‬‬

‫امساع الكلمة احلقة يعين كلمة االسالم على مسع سلطان الوقت}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫الصحيفة الشريفة املرسلة ابسم الفقراء املنقطعني على وجه الكرم وااللتفات محدا هلل‬
‫سبحانه على حصول االلتفات والتواضع لالغنياء ذوي السعادة يف مثل هذا الزمان‬
‫اململوء من الشبه واالشتباه اىل الفقراء الذين ال حاصل هلم مع عدم املناسبة وحصول‬
‫االميان هلم من حسن النشأة الذي فيهم هبذه الطائفة اي هلا من نعمة عظيمة حيث مل‬
‫تكن التعلقات الشت مانعة عن حصول هذه الدولة ومل يعاوق التوجهات املتفرقة عن حمبة‬
‫هؤالء القوم ينبغي اداء شكر هذه النعمة العظمى كما حقه وان يكون راجيا املرء مع من‬
‫احب حديث نبوي عليه و على آله الصالة و السالم (أيها) السعيد النجيب ال بد‬
‫لالنسان من حتصيح العقائد مبوجب آراء الفرقة الناجية اهل السنة واجلماعة رضوان هللا‬
‫تعاىل عليهم امجعني الذين هم السواد االعظم واجلم الغفري حت يتصور الفالح األخروي‬
‫والنجاة االبدية وخبث االعتقاد الذي هو خمالفة معتقدات اهل السنة سم قاتل موصل‬
‫اىل املوت االبدي والعذاب السرمدي واملداهنة يف العمل واملساهلة فيه يرجى فيها املغفرة‬
‫واما املداهنة يف االعتقاد فال جمال فيها للمغفرة ان هللا ال يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون‬
‫ذلك ملن يشاء (ولنورد) معتقدات اهل السنة بلسان االجياز واالختصار ينبغي تصحيح‬
‫االعتقاد مبقتضاها وان يسأل احلق سبحانه ابلتضرع واالبتهال االستقامة على هذه الدولة‬
‫(اعلم) ان هللا تعاىل موجود بذاته القدمية وسائر االشياء صارت موجودة ابجياده سبحانه‬
‫وخرجت من العدم اىل الوجود بتخليقه وهو تعاىل قدمي ازيل واالشياء كلها حادثة‬
‫وموجودة بعد ان مل تكن وكلما هو قدمي ازيل فهو ابق وأبدي وكلما هو حادث ومسبوق‬
‫ابلعدم فهو فان ومستهلك يعين يف شرف الزوال وهو سبحانه واحد ال شريك له ال يف‬
‫وجوب الوجود وال يف استحقاق العبادة ال يليق وجوب الوجود لغريه تعاىل وال يتسحق‬
‫العبادة سواه سبحانه وله تعاىل صفات كاملة فمنها احلياة والعلم والقدرة واالرادة والسمع‬
‫والبصر والكالم والتكوين كلها متصفة ابلقدم واالزلية وقائمة حبضرة الذات تعالت‬
‫‪- 796 -‬‬

‫وتقدست والتعلقات احلادثة ال تورث خلال يف قدم الصفات وحدوث املتعلق ال يصري‬
‫مانعا الزليتها واستدلت الفالسفة من نقصان عقوهلم واملعتزلة من عمايتهم وغوايتهم‬
‫حبدوث املتعلق على حدوث املتعلق ونفوا الصفات الكاملة وعلمه تعاىل ابجلزئيات‬
‫الستلزامه التغري الذي هو من أمارات احلدوث ومل يعلموا ان الصفات تكون ازلية وتكون‬
‫تعلقاهتا ابملتعلقات احلادثة حادثة ونقائص الصفات مسلوبة عن جناب قدسه تعاىل وهو‬
‫تعاىل منزه عن صفات اجلواهر واالجسام واالعراض ولوازمها ال جمال للزمان واملكان‬
‫واجلهة يف حضرته تعاىل وهذه كلها خملوقاته تعاىل وزعم مجاعة ممن ال خرب هلم انه تعاىل‬
‫فوق العرش واثبتوا له سبحانه جهة الفوق والعرش وما سواه مما حواه كلها حادثة‬
‫وخملوقاته تعاىل وكيف يكون للمخلوق احلادث جمال ان يكون مكاان للخالق القدمي ومقرا‬
‫له ولكن العرش اشرف خملوقاته والنورانية والصفاء أزيد فيه منها يف غريه من املمكنات فال‬
‫جرم له حكم املرآتية الن يظهر عظمة اخلالق وكربايؤه جل وعال فيه ظهورا بينا وبعالقة‬
‫هذا الظهور يقال له عرش هللا واال فالعرش وغريه كله متساو ابلنسبة إليه تعاىل وكله‬
‫خملوقه تعاىل ولكن للعرش قابلية االراءة وليست هي لغريه أال ترى ان املرآة اليت ترى صورة‬
‫انسان ال يقال ان ذلك االنسان يف املرآة بل نسبة هذا االنسان اىل املرآة ونسبته اىل غريه‬
‫من االشياء املتقابلة اليه متساوية وامنا التفاوت من جهة القابلية وعدمها حيث ان يف‬
‫املرآة قابلية انطباع الصورة وليست هذه القابلية يف غريها وهو تعاىل ليس جبسم وال‬
‫جسماين وال جوهر وال عرض وال حمدود وال متناه وال طويل وال عريض وال قصري وال‬
‫ضيق بل واسع ال ابلوسعة اليت تدرك ابفهامنا وحميط ال ابالحاطة اليت تكون مدركا‬
‫ابدراكنا وقريب ال ابلقرب الذي يتعقل بعقولنا وهو تعاىل معنا ال ابملعية املتعارفة نؤمن‬
‫ابنه تعاىل واسع وحميط وقريب وانه معنا ولكن ال نعرف كيفيات هذه الصفات ما هي‬
‫وكلما نعرف من كيفيات هذه الصفات نعرف ان له قدما يف مذهب اجملسمة وهو تعاىل‬
‫ال يتحد بشئ اصال وال يتحد معه شئ وال حيل فيه تعاىل شئ قطعا وال يكون هو تعاىل‬
‫حاال يف شئ والتجزي والتبعض حماالن يف جناب قدسه تعاىل والرتكيب والتحليل ممنوعان‬
‫‪- 797 -‬‬

‫يف حضرته تعاىل وليس له تعاىل كفؤ وال مثل وال صاحبة له وال ولد وهو تعاىل منزه يف‬
‫ذا ته وصفاته عن الكيف والشبه واملثال ومبلغ علمنا فيه انه تعاىل موجود وابالمساء‬
‫والصفات الكاملة اليت وصف هبا نفسه واثن موصوف ولكن كلما يدرك منها ابفهامنا‬
‫وادراكنا ويتصور بعقولنا فهو تعاىل منزه عنه ومتعال كما مر ال تدركه االبصار {شعر}‪:‬‬
‫وما فاه ارابب النهى واحلجى مبا * سوى انه املوجود ال رب غريه‬
‫(ينبغي) ان يعلم ان امساء هللا تعاىل توقيفية يعين ان اطالقها عليه تعاىل موقوف‬
‫على السماع من صاحب الشرع كل اسم ورد اطالقه يف الشرع على حضرة احلق سبحانه‬
‫جيوز اطالقه عليه تعاىل وما ال فال وان كان معن الكمال مندرجا يف ذلك االسم فيجوز‬
‫اطالق اجلواد لوروده يف الشرع وال جيوز اطالق السخي لعدم وروده (والقرآن) كالم هللا‬
‫تعاىل انزل على نبينا عليه و على آله الصالة و السالم متلبسا بلباس احلرف والصوت‬
‫وامر به عباده وهناهم فكما حنن نظهر كالمنا النفسي بتوسط الفم واللسان يف لباس‬
‫احلروف واال صوات نورد به مقاصدان اخلفية يف عرصة الظهور كذلك احلق سبحانه اظهر‬
‫كالمه النفسي لعباده يف لباس احلرف والصوت بقدرته الكاملة بال توسط فم ولسان‬
‫واجلى اوامره ونواهيه اخلفية يف ضمن احلرف والصوت على منصة الظهور فكال قسمي‬
‫الكالم كالم احلق جل وعال يعين النفسي واللفظي واطالق الكالم على كال القسمني‬
‫بطريق احلقيقة كما ان كال قسمي كالمنا النفسي واللفظي كالم بطريق احلقيقة ال ان‬
‫القسم االول حقيقة والثاين جماز فان نفي اجملاز جائز ونفي الكالم اللفظي وانكار كونه‬
‫كالم هللا تعاىل كفر وكذلك سائر الكتب والصحف األخرى اليت انزلت اىل االنبياء‬
‫املتقدمني على نبينا وعليهم الصلوات و التسليمات كلها كالم هللا سبحانه وكلما اندرج‬
‫يف القرآن ويف تلك الكتب والصحف احكام هللا تعاىل كلف هبا عباده على وفق االوقات‬
‫واالزمان (ورؤية) املؤمنني احلق سبحانه يف اجلنة من غري جهة ومقابلة وبال كيف واحاطة‬
‫حق نؤمن بتلك الرؤية االخروية وال نشتغل بكيفيتها فان رؤيته تعاىل ال كيفية ال يظهر‬
‫الرابب الكيف واملثال يف هذه النشأة من حقيقتها شئ وال نصيب هلم منها غري االميان‬
‫‪- 798 -‬‬

‫هبا فيا خسارة الفالسفة واملعتزلة وسائر الفرق املبتدعة حيث ينكرون الرؤية االخروية من‬
‫العمي واحلرمان وي قيسون الغائب على الشاهد وال يشرفون ابالميان هبا وهو تعاىل كما انه‬
‫خالق العباد كذلك هو تعاىل خالق افعاهلم ايضا خريا كان فعلهم او شرا وكلها بتقدير هللا‬
‫تعاىل ولكنه راض عن اخلري غري راض عن الشر وان كان كالمها ابرادته ومشيئته تعاىل و‬
‫لكن ينبغي ان ال ينسب الشر وحده اليه تعاىل بواسطة االدب و ان ال يقول خالق الشر‬
‫بل ينبغي ان يقول خالق اخلري والشر كما قال العلماء ينبغي ان يقول انه تعاىل خالق كل‬
‫شئ وال ينبغي ان يقول خالق القاذورات واخلنازير لرعاية ادب جناب قدسه تعاىل واملعتزلة‬
‫من الثنوية اليت فيهم يزعمون ان خالق افعال العباد هو العباد وينسبون فعل اخلري والشر‬
‫اليهم والشرع والعقل يكذابهنم نعم قد جعل علماء احلق دخال لقدرة العبد يف فعله واثتبوا‬
‫فيه الكسب فان الفرق بني حركة املرتعش وحركة املختار واضح النه ال مدخل للقدرة‬
‫والكسب يف حركة االرتعاش ويف حركة االختيار مدخل هلما وهذا القدر من الفرق يكون‬
‫ابعثا على املؤاخذة ومثبتا للثواب والعقاب واكثر الناس مرتددون يف وجود القدرة‬
‫والكسب واالختيار يف العبد ويزعمون العبد مضطرا وعاجزا وهم مل يفهموا مراد العلماء‬
‫فان إثبات القدرة واالختيار يف العبد ال مبعن انه يفعل كلما يريد وال يفعل كلما ال يريد‬
‫فان التقول بذلك بعيد عن العبودية بل مبعن ان العبد يقدر ان خيرج عن عهدة مجيع ما‬
‫أمر به مثال أنه يقدر ان يؤدي الصلوات اخلمس ويقدر اعطاء الزكاة واحدا من االربعني‬
‫ويقدر صوم شهر من اثين عشر شهرا ويقدر ان حيج مرة واحدة يف عمره مع االستطاعة‬
‫اىل الزاد والراحلة و على هذا القياس ابقي االحكام الشرعية قد راعى احلق سبحانه فيها‬
‫من كمال الرأفة السهولة واليسر لضعف العبد وقلة اقتداره قال هللا تعاىل يريد هللا بكم‬
‫اليسر وال يريد بكم العسر وقال تعاىل ايضا يريد هللا ان خيفف عنكم وخلق االنسان‬
‫ضعيفا يعين يريد ان خيفف عنكم ثقل التكليفات الشاقة وخلق االنسان ضعيفا ال يصرب‬
‫عن الشهوات وال يقدر ان يتحمل التكليفات الشاقة واالنبياء عليهم الصلوات و‬
‫التسليمات رسل احلق سبحانه اىل اخللق ليدعوهم اليه تعاىل ويدلوهم من الضاللة على‬
‫‪- 799 -‬‬

‫طريق اهلداية كل من يقبل دعوهتم يبشرونه ابجلنة وكل من ينكر يهددونه بعذاب جهنم‬
‫وما بلغوه من طرف احلق سبحانه واعلموا به كله حق وصدق ليس فيه شائبة التخلف‬
‫وخامت االنبياء حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ودينه انسخ جلميع االداين السابقة‬
‫وكتابه افضل الكتب املتقدمة وال انسخ لشريعته بل هي قائمة اىل قيام القيامة وينزل‬
‫عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم ويعمل بشريعته و يكون من مجلة امته وما اخرب‬
‫به صلّى هللا عليه و سلّم من احوال اآلخرة كله حق من عذاب القرب وضغطة اللحد‬
‫وسؤال منكر ونكري فيه وفناء العامل وانشقاق السموات وانتثار الكواكب وزوال االرض‬
‫واجلبال واندكاكها واحلشر والنشر واعادة الروح اىل اجلسد وزلزلة الساعة واهوال القيامة‬
‫وحماسبة االعمال وشهادة اجلوارح ابالعمال املكتسبة واتيان دفاتر احلسنات والسيئات‬
‫ميينا ومشاال ووضع امليزان ليوزن به احلسنات والسيئات ليعرف نقصان احلسنة والسيئة‬
‫وزايدهتما فان ثقلت كفة احلسنات فعالمة النجاة وان خفت فعالمة اخلسران والشقاوة‬
‫وثقل ذلك امليزان وخفته على خالف ثقل ميزان الدنيا وخفته فان الكفة املرتفعة هي‬
‫الثقيلة هناك واملتسفلة هي اخلفيفة (وشفاعة) األنبياء والصلحاء عليهم الصالة و‬
‫التسليمات اوال واثنيا لعصاة املؤمنني ابذن مالك يوم الدين جل سلطانه اثبتة قال عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم شفاعيت الهل الكبائر من اميت والصراط يوضع على منت‬
‫جهنم فيمر منه املؤمنون ويذهبون اىل اجلنة ويزلق منه اقدام الكافرين فيسقطون يف جهنم‬
‫واجلنة اليت اعدت لتنعم املؤمنني وجهنم اليت اعدت لتعذيب الكافرين كلتامها خملوقتان‬
‫اآلن وتبقيان اىل ابد اآلابد وال تفنيان فاذا دخل املؤمنون اجلنة بعد احملاسبة يدومون فيها‬
‫ال خيرجون منها وكذلك الكفار اذا دخلوا النار يدومون فيها يعذبون فيها ابد اآلابد‬
‫وختفيف العذاب عنهم غري جائز قال تعاىل ال خيفف عنهم العذاب وال هم ينظرون ومن‬
‫كان يف قلبه مثقال ذرة من االميان فان ادخل النار بسبب افراطه يف املعاصي يعذب‬
‫بقدر عصيانه مث خيرج من النار اخريا وال يسود وجهه كما يسود وجه الكفار وال جيعل فيه‬
‫االغالل والسالسل حلرمة اميانه كما جتعل للكفار (واملالئكة) عباد هللا سبحانه املكرمون‬
‫‪- 800 -‬‬

‫ال يعصون هللا ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون مربأون من صفات الذكورة واالنوثة والتوالد‬
‫والتناسل مفقود يف حقهم اصطفى هللا سبحانه بعضهم للرسالة وشرفه بتبليغ الوحي وهم‬
‫الذين بلغوا الكتب والصحف االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات وهم حمفوظون عن‬
‫اخلطإ واخللل ومعصومون عن كيد العدو ومكره وما بلغوه من عند احلق سبحانه و تعاىل‬
‫كله صدق وصواب ليس فيه شائبة احتمال اخلطإ واالشبتاه وهؤالء الكرباء خائفون من‬
‫عظمة احلق وجالله سبحانه ال شغل هلم غري امتثال اوامره تعاىل (واالميان) تصديق‬
‫ابلقلب واقرار ابللسان مبا بلغنا من الدين ابلتواتر والضرورة امجاال وتفصيال واعمال‬
‫اجلوارح خارجة من نفس االميان ولكنها تزيد الكمال يف االميان وتورث فيه احلسن قال‬
‫االمام االعظم الكويف عليه الرمحة االميان ال يقبل الزايدة والنقصان فان التصديق القليب‬
‫عبارة عن يقني القلب واذعانه وال جمال فيه للتفاوت ابلزايدة والنقصان وما يقبل التفاوت‬
‫فهو داخل يف دائرة الظن والوهم وكمال االميان ونقصانه ابعتبار الطاعات واحلسنات‬
‫كلما زادت الطاعة زاد كمال االميان فال يكون اميان عامة املؤمنني مثل اميان االنبياء‬
‫عليهم الصلوات و التسليمات فان امياهنم بلغ ذروة الكمال بواسطة اقرتان الطاعات واميان‬
‫العوام مب راحل عن نفس الكمال فضال عن ذروته وان كان اميان كل منهما متشاركني يف‬
‫نفس التصديق ولكن اميان االنبياء عرض له بواسطة طوق الطاعات حقيقة أخرى وكأن‬
‫اميان العوام ليس فردا من ذلك االميان واملماثلة واملشاركة مفقوة بينهما اال ترى ان عوام‬
‫الناس وان كانوا شركاء لالنبياء عليهم الصالة و السالم يف نفس االنسانية ولكن‬
‫الكماالت اآلخر لالنبياء بلغتهم الدرجات العليا واثبتت هلم حقيقة أخرى وكأهنم‬
‫خارجون عن احلقيقة املشرتكة بل هم الناس والعوام هلم حكم النسناس قال االمام االعظم‬
‫عليه الرمحة اان مؤمن حقا وقال االمام الشافعي عليه الرمحة اان مؤمن ان شاء هللا تعاىل‬
‫ولكل وجهة ابعتبار احلال جيوز ان يقال اان مؤمن حقا وابعتبار اخلامتة واملآل يصح ان‬
‫يقال اان مؤمن ان شاء هللا ولكن االجتناب عن صورة االستثناء أفضل ابي وجه قال (وال‬
‫خيرج) املؤمن ابرتكاب املعاصي من االميان ولو كبرية وال يدخل يف دائرة الكفر نقل ان‬
‫‪- 801 -‬‬

‫االمام االعظم كان يوما جالسا مع مجع من العلماء فجاء شخص فقال ما تقولون يف‬
‫حق مؤمن فاسق قتل اابه بغري حق وقطع رأسه وشرب اخلمر يف كأس رأسه مث زىن ابمه‬
‫هل هو مؤمن او كافر فتكلم كل واحد من العلماء يف حقه مبا ليس بصواب ووقعوا يف‬
‫غلط فقال االما م االعظم يف ذلك االثناء انه مؤمن مل خيرج ابرتكاب هذه الكبائر من‬
‫االميان فثقل قول االمام هذا على العلماء فأطالوا لسان الطعن فيه والتشنيع عليه ولكن ملا‬
‫كان قول االمام حقا قبله كلهم اخريا واعرتفوا ابنه احلق فلو وفق املؤمن العاصي للتوبة‬
‫قبل الغرغرة فنرجو له جناة عظيمة لوعد قبول توبته وان مل يتشرف ابلتوبة واالانبة فامره اىل‬
‫هللا سبحانه فان شاء عفا وادخله اجلنة وان شاء عذبه بقدر معصيته ابلنار او بغري النار‬
‫ولكن آخر امره النجاة ومآله اجلنة فان احلرمان من رمحة هللا تعاىل يف اآلخرة خمصوص‬
‫ابهل الكفر واما من فيه ذرة من االميان فهو مستحق للرمحة والغفران وان مل تبلغه الرمحة‬
‫يف االبتداء بواسطة علة املعصية ولكنها تشمله اخريا بعناية هللا سبحانه ربنا ال تزغ قلوبنا‬
‫بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة إنّك انت الوهاب * (وحبث) االمامة واخلالفة‬
‫وان مل يكن عند اهل السنة شكر هللا تعاىل سعيهم من اصول الدين ومتعلقا ابالعتقاد‬
‫ولكن ملا غالت الشيعة يف هذا الباب وافرطوا فيه وفرطوا احلق اهل احلق رضي هللا عنهم‬
‫هذا املبحث بعلم الكالم ابلضرورة وبينوا حقيقة احلال واالمام على احلق واخلليفة على‬
‫االطالق بعد خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم أبو بكر الصديق مث عمر‬
‫الفاروق مث عثمان ذوالنورين مث علي بن ايب طالب رضوان هللا تعاىل عليهم امجعني‬
‫وافضليتهم على ترتيب خالفتهم وافضلية الشيخني اثبتة ابمجاع الصحابة والتابعني كما‬
‫نقله اكابر االئمة واحد منهم االمام الشافعي قال رئيس اهل السنة الشيخ ابو احلسن‬
‫ا الشعري ان افضلية الشيخني على ابقي االمة قطعية ال ينكرها اال جاهل او متعصب‬
‫قال علي كرم هللا وجهه من فضلين على ايب بكر وعمر فهو مفرت اضربه ابلسوط كما‬
‫يضرب املفرتون قال الشيخ عبد القادر اجليالين قدس سره يف كتابه الغنية نقال عن النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم انه قال ملا عرج يب اىل السماء سألت هللا سبحانه ان جتعل اخلليفة‬
‫‪- 802 -‬‬

‫من بعدي علي بن ايب طالب فقال املالئكة اي حممد كلما يشاء هللا يكن اخلليفة بعدك‬
‫ابو بكر وقال حضرة الشيخ ايضا قال علي كرم هللا وجهه ما خرج رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم من الدنيا حت اخذ َعلَ ّي عهدا على ان ااب بكر يلي من بعدي مث عمر مث‬
‫عثمان من بعده مث انت من بعده رضي هللا تعاىل عنهم امجعني واالمام احلسن افضل من‬
‫االمام احلسني رضي هللا عنه وعلماء اهل السنة يفضلون عائشة رضي هللا عنها على‬
‫فاطمة رضي هللا عنها يف العلم واالجتهاد والشيخ عبد القادر اجليالين قدس سره يقدم‬
‫عائشة على فاطمة رضي هللا عنهما يف كتابه الغنية وما هو معتقد الفقري ان عائشة اسبق‬
‫قدما يف العلم واالجتهاد وفاطمة اقدم يف الزهد واالنقطاع وهلذا قيل لفاطمة بتوال وهو‬
‫صيغة املبالغة يف االنقطاع وعائشة هي مرجع فتاوى الصحابة رضوان هللا تعاىل عليهم‬
‫امجعني ما وقع على اصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم مشكل يف العلم اال كان حله‬
‫عند عائشة رضي هللا عنها واحملارابت واملنازعات اليت وقعت بني االصحاب الكرام عليهم‬
‫الرضوان مثل حماربة اجلمل وحماربة الصفني ينبغي ان حيملها على حمامل صحيحة حسنة‬
‫وان يبعدهم عن اهلوى والتعصب فان نفوس هؤالء االكابر كانت مزكاة عن اهلوى واهلوس‬
‫ومطهرة عن احلقد واحلرص يف صحبة خري البشر عليه وعليهم الصالة و السالم فان‬
‫وقعت عنهم مصاحلة فهي الجل احلق وان ظهرت منهم منازعة ومشاجرة فهي ايضا‬
‫للحق سبحانه كل فرقة منهم عملوا مبقتضى اجتهادهم ودفعوا املخالف عن انفسهم بال‬
‫شائبة هوى وتعصب فكل من هو مصيب يف اجتهاده فله درجتان من الثواب ويف قول‬
‫عشر درجات ومن هو خمطئ فله درجة واحدة من الثواب فاملخطئ كاملصيب بعيد عن‬
‫املالمة بل يتوقع له درجة من درجات الثواب قال العلماء ان احلق يف تلك احملارابت كان‬
‫علي كرم هللا وجهه وكان املخالفون يف طرف من الصواب ومع ذلك ليسوا‬ ‫يف جانب ّ‬
‫علي‬
‫مبوارد للطعن وال جمال للمالمة فيهم فضال عن ان ينسب اليهم الكفر والفسق قال ّ‬
‫كرم هللا تعاىل وجهه اخواننا بغوا علينا ليسوا بكفار وال فساق فان هلم أتويال مينع عنهم‬
‫الكفر والفسق قال نبينا صلّى هللا عليه و سلّم اايكم وما شجر بني اصحايب فينبغي‬
‫‪- 803 -‬‬

‫تعظيم مجيع اصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم وان يذكر مجيعهم خبري وان ال يسئ‬
‫الظن ابحد منهم وان يرى منازعتهم افضل من مصاحلة غريهم هذا هو طريق النجاة‬
‫والفالح فان حب االصحاب الكرام بواسطة حب النيب وبغضهم ينجر اىل بغضه عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم قال واحد من الكرباء ما آمن برسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫من مل يوقر اصحابه (وعالمات) القيامة اليت اخرب عنها املخرب الصادق صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم كلها حق ليس فيها احتمال التخلف كطلوع الشمس من جانب املغرب على‬
‫خالف العادة وظهور املهدي عليه الرضوان ونزول روح هللا على نبينا وعليه الصالة و‬
‫السالم وخروج دجال وظهور أيجوج ومأجوج وخروج دابة االرض ودخان يظهر من‬
‫السماء يغشي الناس كلهم ويعذهبم بعذاب اليم ويقول الناس من االضطراب ربنا اكشف‬
‫عنا العذاب اان مؤمنون وآخر العالمات انر خترج من عدن وزعم مجاعة من اجلهالة ان‬
‫الشخص الذي ادعى املهدوية من اهل اهلند هو املهدي املوعود فاملهدي قد مضى‬
‫بزعمهم وفات ويقولون ان قربه يف فره ويف االحاديث الصحيحة اليت بلغت حد الشهرة‬
‫بل حد التواتر املعنوي ما يكذب هذه الطائفة فانه صلّى هللا عليه و سلّم بني للمهدي‬
‫عالمات وتلك العالمات مفقودة يف ذلك الشخص الذي يعتقدونه مهداي ورد يف‬
‫االحاديث النبوية انه خيرج املهدي و على رأسه قطعة سحاب فيها ملك ينادي ان هذا‬
‫الشخص مهدي فاتبعوه وقال صلّى هللا عليه و سلّم ملك مجيع االرض اربعة اثنان من‬
‫املؤمنني واثنان من الكافرين ذوالقرنني وسليمان من املؤمنني ومنرود وخبت نصر من‬
‫الكافرين وسيملك االرض خامس من اهل بييت يعين املهدي وقال صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫ال تزول الدنيا حت يبعث هللا رجال من اهل بييت امسه يوافق امسي واسم ابيه يوافق اسم ايب‬
‫فيمأل االرض قسطا وعدال كما ملئت جورا وظلما وورد يف احلديث أيضا ان اصحاب‬
‫الكهف يكونون اعوان املهدي[‪ ]1‬وينزل عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم يف‬

‫(‪ )1‬اخرج ابن عساكر يف اترخيه وابن مردويه يف تفسريه عن ابن عباس مرفوعا أصحاب الكهف أعوان املهدي عفي‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪- 804 -‬‬

‫زمانه وهو يوافق عيسى عليه السالم يف قتال الدجال ويف زمان ظهور سلطنته تنكسف‬
‫الشمس يف الرابع عشر من رمضان وينخسف القمر يف اول ذلك الشهر على خالف‬
‫العادة وخالف حساب املنجمني ينبغي ان ينظر بنظر االنصاف هل كانت هذه‬
‫العالمات يف ذلك الشخص امليت او ال وله عالمات اخر كثرية اخرب هبا املخرب الصادق‬
‫عليه و على آله الصالة و السالم وكتب الشيخ ابن حجر رسالة يف بيان عالمات‬
‫املهدي املنتظر تبلغ مائيت عالمة وبقاء مجاعة يف ضاللة مع وضوح امر املهدي املوعود‬
‫من هناية اجلهالة هداهم هللا سبحانه سوآء الصراط قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫ان بين اسرائيل تفرقت على اثنني وسبعني فرقة كلهم يف النار اال واحدة منها وستفرتق‬
‫اميت على ثالث وسبعني فرقة كلها يف النار اال فرقة واحدة قالوا ومن هذه الفرقة الناجية‬
‫اي رسول هللا قال هم على ما اان عليه واصحايب وهذه الفرقة الناجية اهل السنة واجلماعة‬
‫فاهنم هم امللتزمون متابعته ومتابعة اصحابه عليه وعليهم الصلوات و التسليمات اللهم‬
‫ثبتنا على معتقدات اهل السنة واجلماعة وامتنا يف زمرهتم واحشران معهم ربنا ال تزغ قلوبنا‬
‫بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب (وبعد) تصحيح االعتقاد ال‬
‫بد من امتثال االوامر واالنتهاء عن املناهي الشرعيتني املتعلقتني ابلعمل ينبغي ادآء‬
‫الصلوات اخلمس من غري فتور مع تعديل االركان واجلماعة والفارق بني االسالم والكفر‬
‫هو هذه الصالة فاذا تيسر اداء الصالة على الوجه املسنون فقد حصل االستمساك‬
‫ابحلبل املتني من الدين فان الصالة هي االصل الثاين من االصول اخلمسة االسالمية‬
‫االصل االول االميان ابهلل وبرسوله سبحانه واالصل الثاين الصالة والثالث اداء الزكاة‬
‫والرابع صوم شهر رمضان واخلامس حج بيت هللا االصل االول يتعلق ابالعتقاد واالصول‬
‫االربعة الباقية تتعلق ابالعمال وأمجع مجيع العبادات وأفضلها الصالة و يكون ابتدآء‬
‫احملاسبة يوم القيامة من الصالة فاذا مت امر الصالة متضي حماسبة األخرى بعناية هللا‬
‫سبحانه ابلسهولة وينبغي االجتناب عن احملظورات الشرعية مهما أمكن وأن يرى ما ال‬
‫يرضاه املوىل سبحانه مسا مهلكا وان جيعل مواد التقصريات نصب العني وان يكون خجال‬
‫‪- 805 -‬‬

‫ومنفعال من ارتكاهبا وان يكون متندما ومتحسرا على فعلها واقرتافها هذا هو طريق‬
‫العبودية وهللا املوفق والذي يرتكب مأال يرضى عنه مواله بال حتاش وال يكون خجال‬
‫ومن فعال عن ذلك العمل فهو مارد متمرد ويكاد خيرج اصراره ومترده رأسه عن ربقة‬
‫االسالم ويدخله يف دائرة االعداء ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيئ لنا من أمران رشدا‬
‫والدولة اليت جعلك هللا سبحانه ممتازا هبا وأكثر الناس غافلون عنها بل تكاد ال تدركها‬
‫أنت ايضا هي ان سلطان الوقت مسلم من جده السابع ومن اهل السنة وحنفي املذهب‬
‫وان تقرب بعض طلبة العلوم بشؤم الطمع الناشئ من خبث الباطن من منذ سنني يف‬
‫هذه االوان اليت هي اوان قرب القيامة وبعد العهد من زمان النبوة اىل االمراء والسالطني‬
‫وداخلوهم من طريق املطايبة واملداهنة واوقعوا يف الدين املتني تشكيكات واظهروا فيه‬
‫شبهات واضلوا االغبياء عن الطريق ولكن ملا كان مثل هذا السلطان عظيم الشأن مصغيا‬
‫اىل قولكم حبسن االستماع ومتلقيا اايه ابلقبول كان الالزم أن يعد ذلك دولة عظيمة و‬
‫أن يبلغ الكلمة احلقة يعين كلمة االسالم املوافقة ملعتقدات أهل السنة شكر هللا تعاىل‬
‫سعيهم صراحة او اشارة اىل مسع السلطان وأن يعرض اليه كالم اهل احلق بقدر االمكان‬
‫بل ينبغي ان يرتصد وينتظر دائما فرصة ال يراد كالم اهل املذهب احلق يف البني حت‬
‫تظهر حقيقة االسالم ويبدو بطالن الكفر وشناعته والكفر هو ظاهر البطالن ال‬
‫يستحسنه عاقل اص ال ينبغي ان يظهر بطالنه بال حتاش وان ينفي آهلتهم الباطلة من غري‬
‫توقف وان يثبت االله احلق الذي هو خالق السموات واالرض بال تردد هل كان مسموعا‬
‫اصال ان آهلتهم الباطلة خلقوا ذاببة ولو اجتمعوا له كلهم بل لو قرصهم الذابب وآذاهم ال‬
‫يقدرون حفظ انفسهم منه فضال عن حفظ غريهم وكأن الكفرة قالوا مالحظا لشناعة‬
‫هذا االمر هؤالء شفعاؤان عند هللا واهنم ليقربوان اىل هللا زلفى ومل يدر هؤالء اجملانني انه‬
‫ليس هلذه اجلمادات جمال الشفاعة وان احلق سبحانه ال يقبل شفاعة الشركاء الذين هم‬
‫يف احلقيقة اعداؤه تعاىل يف حق عبدة اعدائه مثل قيم بستان خرج على سلطان فجاء‬
‫مجاعة من البلهاء ميدون القيم بزعم انه يشفعهم عند السلطان وقت املضايقة واهنم‬
‫‪- 806 -‬‬

‫يتقربون اىل السلطان ابلتوسل به ما اعظم محاقتهم حيث خيدمون القيم ويطلبون العفو من‬
‫السلطان بشفاعته ويتقربون اليه به مل ال خيدمون السلطان على احلق ويكسرون القيم حت‬
‫يكونوا من اهل القرب واهل احلق ويكونوا يف أمن وأمان وهؤالء اجملانني ينحتون احلجر‬
‫ابيديهم ويعبدونه سنني ويطمعون منه توقعات وابجلملة الكفر ظاهر البطالن والذين‬
‫بعدوا عن الطريق احلق والصراط املستقيم من املسلمني هم اهل اهلوى والبدعة وذلك‬
‫الطريق املستق يم هو طريق النيب وطريق خلفائه الراشدين عليه وعليهم الصلوات و‬
‫التسليمات قال الشيخ عبد ال قادر اجليالين قدس سره يف كتابه الغنية ان اداين املبتدعة‬
‫الذين اصوهلم تسعة طوائف اخلوارج والشيعة واملعتزلة واملرجئة واملشبهة واجلهمية والضرارية‬
‫والنجارية والكالبية مل تكن يف زمن النيب صلّى هللا عليه و سلّم وال يف زمان خالفة ايب‬
‫علي رضي هللا عنهم امجعني ايضا واختالف هذه الطوائف وتفرقهم‬‫بكر وعمر وعثمان و ّ‬
‫امنا حدث بعد سنني من موت الصحابة والتابعني وموت الفقهاء السبعة رضي هللا عنهم‬
‫امجعني قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم انه من يعش منكم فسريى اختالفا كثريا فعليكم‬
‫بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين من بعدي ومتسكوا هبا وعضوا عليها ابلنواجذ واايكم‬
‫وحمداثت االمور فان كل حمدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ما حدث بعدي فهو رد‬
‫فاملذهب الذي حدث بعد زمان النيب وخلفائه الراشدين عليه وعليهم الصلوات و‬
‫التسليمات ساقط عن حيز االعتبار ليس بالئق به ينبغي اداء شكر نعمة احلق سبحانه‬
‫العظمى حيث جعلنا من كمال كرمه وفضله داخلني يف الفرقة الناجية الذين هم اهل‬
‫السنة واجلماعة ومل جيعلنا من فرق اهل اهلوى والبدعة ومل يبتلنا ابعتقادهم الفاسد ومل‬
‫جيعلنا من الذين يشركون العبد ابهلل يف اخص صفاته تعاىل ويزعمون ان خالق افعال العبد‬
‫هو العبد وينكرون الرؤية االخروية اليت هي رأس بضاعة السعادات الدنيوية واالخروية‬
‫وينفون الصفات الكاملة عن الواجب تعاىل ومل جيعلنا ايضا من الطائفتني اللتني يبغضون‬
‫اصحاب خري البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات ويسيؤن الظن أبكابر الدين‬
‫ويزعمون اهنم كانوا يعادون بعضهم بعضا ويتهموهنم ابلبغض املضمر واحلقد املبطن وهللا‬
‫‪- 807 -‬‬

‫سبحانه و تعاىل يقول يف حقهم رمحاء بينهم وهااتن الطائفتان يكذبون كالم احلق جل‬
‫وعال ويثبتون بينهم العداوة والبغضاء واحلقد زرقهم هللا سبحانه التوفيق وبصرهم الصراط‬
‫املستقيم ومل جيعلنا ايضا من الذين يثبتون اجلهة واملكان للحق تعاىل ويزعمونه جسما‬
‫وجسمانيا ويثبتون يف الواجب القدمي جل شأنه امارات احلدوث واالمكان ولنرجع اىل‬
‫اصل الكالم فنقول معلومكم ان السلطان كالروح وسائر الناس كاجلسد فان كانت الروح‬
‫ص احلة فالبدن صاحل وان كانت الروح فاسدة فالبدن فاسد فاالجتهاد والسعي يف اصالح‬
‫السلطان اجتهاد وسعي يف اصالح مجيع بين آدم واالصالح يف اظهار كلمة االسالم ابي‬
‫طرز كان يساعده الوقت وبعد اظهار كلمة االسالم ينبغي ان يوصل مسعه معتقدات اهل‬
‫السنة واجلماعة ايضا يف بعض االحيان وان يرد مذهب املخالف فان تيسرت هذه الدولة‬
‫فقد حصلت الوراثة العظمى من االنبياء عليهم الصلوات و السالم وهذه الدولة قد‬
‫حصلت لكم جماان فينبغي ان يعرف قدرها وماذا أابلغ أزيد من ذلك وان كانت املبالغة‬
‫مستحسنة وهللا سبحانه املوفق‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والستون اىل اخلواجه شرف الدين احلسني يف بيان العمود‬
‫النوراين وكوكب ذي ذنب طلع من جانب املشرق ويف عالمات القيامة واشراط‬
‫الساعة وما يناسب ذلك}‬
‫الرحيم احلمد هلل الذي هداان هلذا و ما كنا لنهتدي لوال ان هداان‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫هللا لقد جاءَت رسل ربنا ابحلق عليهم الصلوات والتحيات قد سرت الصحيفة الشريفة‬
‫اليت ارسلها الولد االعز صحبة موالان ايب احلسن بوصوهلا وقد استفسرمت مكررا عن العمود‬
‫العباسي‬
‫ّ‬ ‫النوراين الذي طلع من جانب املشرق اعلم انه قد ورد يف اخلرب انه اذا بلغ امللك‬
‫الذي هو من مقدمات ظهور املهدي املوعود عليه الرضوان خراسان يطلع يف جانب‬
‫‪- 808 -‬‬
‫[‪]1‬‬
‫وكتب يف احلاشية يعين يكون للعمود املذكور رأسان وكان اول‬ ‫املشرق قرن ذو سنني‬
‫طلوعه يف زمان هالك قوم نوح على نبينا وعليه الصالة و السالم وطلع ايضا يف زمان‬
‫ابراهيم على نبينا وعليه الصالة و السالم حني رموه يف النار وظهر ايضا وقت هالك‬
‫فرعون وقومه وحني قتل حيىي على نبينا وعليه السالم فمن رآه فليستعذ ابهلل سبحانه من‬
‫شر الفنت وهذا البياض الذي حدث يف جانب املشرق كان اوال يف صورة العمود املنور مث‬
‫عرض له اعوجاج وشباهة ابلقرن و ميكن ان يكون اطالق الرأسني له ابعتبار ان كال من‬
‫طرفيه صار دقيقا شبيها ابلسن فاعترب كل من طرفيه رأسا كما ان الرمح اذا كان كل من‬
‫طرفيه دقيقا يعترب كل منهما رأسا جاء أخي الشيخ حممد طاهر البدخشي من جونفور‬
‫وهو يقول ان هذا العمود كان له يف طرف الفوق ايضا رأسان شبيهان بسنني وكانت‬
‫بينهما فاصلة يسرية حصل تشخيص هذا املعن يف الصحراء واخرب مجع آخر ايضا مبثل‬
‫ذلك وهذا الطلوع غري ذاك الطلوع الذي حيدث حني ظهور املهدي فان ظهوره يكون‬
‫على رأس مائة واآلن قد مضى من املائة مثان وعشرون سنة وورد ايضا يف اخلرب يف‬
‫عالمات املهدي انه يطلع يف جانب املشرق كوكب له ذنب يضئ وهذا الكوكب ايضا‬
‫قد طلع هل هو ذاك او مثله وميكن ان يكون اطالق ذي ذنب على هذا الكوكب ملا‬
‫قالوا ان سري الثوابت من املغرب اىل املشرق فوجه ذلك الكوكب حبسب سريه حنو املشرق‬
‫وظهره حنو املغرب فهذا البياض الطويل وراء ظهره فناسب ان يسمى ذنبا وارتفاعه يف كل‬
‫يوم من املشرق اىل املغرب امنا هو بسريه القسري املربوط بسري الفلك االعظم وهللا‬
‫سبحانه اعلم حبقيقة احلال وابجلملة ان وقت ظهور املهدي قريب وكم من مقدمات ومباد‬
‫تظهر اىل رأس املأة الذي هو اوان ظهوره ومقدمات ظهوره عليه الرضوان ومباديه مثل‬
‫ارهاصات نبينا عليه و على آله الصالة و السالم اليت ظهرت قبل ظهور نبوته عليه‬

‫(‪ )1‬قال املخرج مل يثبت يف خروج العباسي شئ ومل اجد لطلوع النجم عند ظهور املهدي ما يشرح له صدري واما‬
‫طلوعه وقت والدة نبينا صلّى هللا عليه و سلّم فقد ثبت عن زبري بن ابطا من يهود املدينة أنه قال جلماعة من بين قريظة‬
‫انه قد طلع كوكب امحر وال يطلع اال خلروج نيب ومل يبق احد من االنبياء اال امحد وهذا مهاجره اخرجه ابو نعيم عن ايب‬
‫سعيد اخلدري رضي هللا عنه وقد استوف السيوطي احاديث هذا الباب يف خصائصه انتهى منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 809 -‬‬

‫السالم كما قالوا ان نطفة عبد هللا اليت كانت صورة حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم ملا استقرت يف رحم آمنة سقط مجيع االصنام يف وجه االرض على وجهها وامتنع‬
‫مجيع الشياطني عن شغلها وقلب املالئكة ختت ابليس ظهرا لبطن ورموه يف البحر وعذبوه‬
‫اربعني يوما وتزلزل ليلة والدته عليه الصالة و السالم ايوان كسرى وسقطت منه اربعة‬
‫عشر شرافات وانطفت انر جموس وقد مضى من ايقادها ألف سنة مل تنطف يف تلك‬
‫املدة قط وحيث ان املهدي يكون عظيما وحيصل بسببه لالسالم واملسلمني تقوية عظيمة‬
‫و يكون لواليته تصرف عظيم يف الظاهر والباطن و يكون صاحب خوارق وكرامات كثرية‬
‫وتظهر يف زمانه آايت عجيبة جيوز ان يظهر قبل وجوده اشياء خوارق للعادات مثل‬
‫ارهاصات النيب عليه الصالة و السالم وتكون من مبادئ ظهوراته كما يفهم ذلك من‬
‫االحاديث واعلم انه قد ورد يف اخلرب ان املهدي ال يظهر حت يستويل الكفر وجتري‬
‫احكامه على املأل فاملتوقع يف هذا الوقت هو استيالء الكفر وقوته وضعف االسالم‬
‫واملسلمني وهو ذاك الوقت الذي قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف حق غرابء اهل‬
‫ايل‬
‫االسالم فيه طوىب هلم وبشرهم وقال عليه الصالة و السالم العبادة يف اهلرج كهجرة ّ‬
‫ومعلومكم ان العساكر اذا صدرت عنهم وقت استيالء الفتنة والفساد جرأة يسرية حركة‬
‫قليلة حيصل هلم اعتبار كثري ويف وقت تسكني الفتنة ال اعتبار هلم ولو صدرت عنهم‬
‫حركات كثرية فوقت العمل ووقوعه موقع القبول هو وقت الفنت فينبغي بذل النفس‬
‫ابلتمام يف مرضيات هللا تعاىل وان ال خيتار شيئا غري متابعة السنة السنية على صاحبها‬
‫الصالة و السالم والتحية لو اردمت ان حتشروا من املقبولني أال ترى ان اصحاب الكهف‬
‫بلغوا درجة عليا هبجرة واحدة وأنتم من احملمديني وداخلون يف زمرة امته خري االمم فال‬
‫تضيعوا اوقاتكم ابللهو واللعب وال تغرتوا ابجلوز واملوز مثل االطفال {شعر}‪:‬‬
‫وابديت من كنز املرام عالمة * لعلك ان حتظي به ان حتاول‬
‫والعمود النوراين الذي طلع قبل ظهور هذا الكوكب ذي الذنب مل ير فيه ظلمة‬
‫وكدورة ومل يظهر يف النظر غري اخلري وأما الكوكب ذو الذنب فقد كانت فيه شائبة‬
‫‪- 810 -‬‬

‫الكدورة ال بل النافع والضار هو هللا سبحانه ال مدخل لشئ من الكواكب يف موت‬


‫شخص وحياته ووالدته وما يفهم من الكالم اجمليد ان االغراض اليت تتعلق ابلنجوم ثالثة‬
‫قال تعاىل ابلنجم هم يهتدون يعين يهتدون هبا اىل الطريق يف اسفار الرب والبحر وقال‬
‫تعاىل ولقد زينا السماء الدنيا مبصابيح وجعلناها رجوما للشياطني والغرض الثالث هو‬
‫رجم الشياطني لئال يسرتقوا السمع وكلما قيل ورآء هذه االغراض الثالثة فليس بثابت بل‬
‫داخل يف االوهام واخلياالت ان الظن ال يغين من احلق شيئا بل نقول ان بعض الظن امث‬
‫ويكتب للولد االعز مكررا انه قد جاء وقت التوبة واالانبة وزمان التبتل واالنقطاع فان‬
‫هذا الزمان زمان ورود الفنت يكاد يصب الفنت مثل مطر النيسان وتغشي مجيع العامل قال‬
‫سيدان ونبينا الصادق املصدوق عليه و على آله الصالة و السالم ان بني يدي الساعة‬
‫فتنا كقطع الليل املظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا وميسي كافرا وميسي مؤمنا ويصبح كافرا‬
‫القاعد فيها خري م ن القائم واملاشي فيها خري من الساعي فكسروا فيها قسيكم واقطعوا‬
‫فيها اواتركم واضربوا سيوفكم ابحلجارة فان دخل على احد منكم فليكن كخري ابين آدم‬
‫ويف رواية قالوا فما أتم ران فقال كونوا اجالس بيوتكم ويف رواية والزموا فيها اجواف بيوتكم‬
‫ولعله كان معلومكم ان كفار دار احلرب يف نواحي نكركوت ماذا فعلوا على املسلمني من‬
‫اجلور واجلفاء يف هذه االايم وماذا صنعوا يف بالد االسالم واية اهانة اصابتهم منه خذهلم‬
‫هللا سبحانه ومثل هذا الورد كريه الرائحة يتفتق كثريا مبقتضى آخر الزمان[‪ ]1‬ثبتنا هللا‬
‫سبحانه واايكم ومجيع املؤمنني على متابعة سيد املرسلني عليه وعليهم وآل كل و على‬
‫املالئكة املقربني الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والستون اىل حممد مراد البدخشي يف بيان تعديل اركان‬
‫الصالة والطمأنينة وتسوية الصفوف ولزوم تصحيح النية عند الذهاب اىل حماربة‬
‫الكفار واالمر بصالة التهجد واالحتياط يف اللقمة وما يتعلق به}‬

‫(‪ )1‬وقد وقع كل ذلك وال يزال يقع وال يزيد االمر اال شدة وال يرى املسلمون اال كربة منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 811 -‬‬

‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫الصحيفة الشريفة اليت ارسلتموها وملا كانت متضمنة لثبات االصحاب واستقامتهم اورثت‬
‫فرحا وافرا زادكم هللا سبحانه ثباات واستقامة واندرج فيها ان االمر الذي كنا مأمورين به‬
‫نداوم عليه مع مجع من االصحاب الذين دخلوا يف الطريقة و نؤدي الصلوات اخلمس‬
‫جبماعة مشتملة على مخسني او ستني نفرا محدا هلل سبحانه على ذلك اي هلا من نعمة‬
‫عظمية اذا كان الباطن معمورا ابلذكر االهلي جل شأنه والظاهر متحلى ابالحكام‬
‫الشرعية وملا كان اكثر الناس يف هذه االايم يتساهلون يف اداء الصالة وال يتقيدون‬
‫ابلطمأنينة وتعديل االركان اردت ان اكتب يف هذا الباب ابلتأكيد واملبالغة ابلضرورة‬
‫فينبغي االستماع واالصغاء قال املخرب الصادق عليه الصالة و السالم اسوأ الناس سرقة‬
‫الذي يسرق من صالته قالوا اي رسول هللا وكيف يسرق من صالته قال ال يتم ركوعها وال‬
‫سجودها وقال عليه و على آله الصالة و السالم ايضا ال ينظر هللا اىل صالة عبد ال يقيم‬
‫فيها صلبه بني خشوعها وسجودها ورأي النيب عليه و على آله الصالة و السالم رجال‬
‫يصلي وال يتم ركوعه وال سجوده فقال اما ختاف لو مت على ذلك ملت على غري دين‬
‫حممد وايضا قال عليه و على آله الصالة و السالم ال تتم صالة احدكم حت يقوم بعد‬
‫ركوعها ابلتمام ويثبت صلبه ويستقر كل عضو منه يف حمله وكذلك قال عليه الصالة و‬
‫السالم ما مل يقعد بني السجدتني ومل يقم صلبه ويثبت ال يتم صالته ومر النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم بواحد من املصلني فرآه ال يتم أحكام الصالة وأركاهنا والقومة واجللسة فقال‬
‫لو مت على ذلك ال يقال لك من اميت يوم القيامة وقال يف حمل آخر لو مت على ذلك‬
‫مت على غري دين حممد قال ابو هريرة رضي هللا عنه يكون شخص يصلي ستني سنة وال‬
‫تقبل واحدة من صلواته و هو شخص ال يتم ركوعه وال سجوده قيل رأى زيد بن وهب‬
‫رجال يصلي وال يتم الركوع والسجود فدعاه وقال منذ كم سنة تصلي هكذا قال منذ‬
‫اربعني سنة قال ما صليت يف هذه االربعني سنة لو مت ملت على غري سنة حممد نقل انه‬
‫اذا صلى املؤمن واحسن صالته وامت ركوعه وسجوده يكون لصالته بشاشة ونور فتعرج هبا‬
‫‪- 812 -‬‬

‫املالئ كة اىل السماء وتدعو الصالة للمصلي وتقول حفظك هللا كما حفظتين فان مل‬
‫حيسن اداء الصالة تكون تلك الصالة ظلمانية فتكرهها املالئكة وال يعرجون هبا اىل‬
‫السماء فتدعو الصالة على املصلي دعاء الشر وتقول ضيعك هللا تعاىل كما ضيعتين‬
‫فينبغي امتام اداء الصالة وتعديل االركان ورعاية القومة واجللسة وينبغي داللة اآلخرين‬
‫ايضا على امتام الصالة ابلطمأنينة وتعديل االركان واكثر الناس حمرومون من هذه الدولة‬
‫وهذا العمل صار مرتوكا ابلكلية واحياؤه من أهم مهمات االسالم قال رسول هللا صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم من أحيا سنيت بعد ان أميتت فله ثواب مائة شهيد[‪ ]1‬واعلم ايضا انه‬
‫ينبغي تسوية الصفوف يف صالة اجلماعة من غري ان يتقدم احد من املصلني وال يتأخر‬
‫بل ينبغي السعي يف تسوية الكل كان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اوال يسوي‬
‫الصفوف مث يشرع يف الصالة وقال صلّى هللا عليه و سلّم تسوية الصفوف من اقامة‬
‫الصالة ربنا آتنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب (ايها) السعيد العمل امنا يصح ابلنية‬
‫وحيث ذهبتم اىل اجلهاد مع كفار دار احلرب ينبغي اوال تصحيح النية حت يرتتب عليه‬
‫النتيجة ينبغي ان يكون املقصود من هذا احلرب واجلدال اعالء كلمة هللا وتوهني اعداء‬
‫الدين وختريبهم فاان مأمورون بذلك املقصود من مجيع اجلهاد هو هذا فال تبطلوا نياتكم‬
‫ابمور اخر وعلوفة الغزاة مقررة ومتعينة من بيت املال ليست مبنافية للجهاد يف سبيل هللا‬
‫وال توجب النقصان يف اجرة الغزاة وامنا يبطل العمل النيات الفاسدة فينبغي تصحيح النية‬
‫واخذ ال علوفة من بيت املال واجلهاد مع الكفار وتوقع اجر الغزاة والشهداء وحنن نغبط‬
‫حالكم حيث انكم مشغولون يف الباطن ابحلق سبحانه ويف الظاهر تؤدون الصالة مع‬
‫مجاعة كثرية ومع ذلك تشرفتم ابجلهاد مع الكفار فمن سلم فهو غاز ومن هلك فهو‬
‫شهيد ولكن كل ذلك امنا يتصور بعد تصحيح النية فان مل تتحقق حقيقة النية ينبغي‬
‫حتصيلها ابلتكلف وان يكون ملتجئا ومتضرعا اىل هللا تعاىل لتتيسر حقيقة النية ربنا امتم‬
‫لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير والنصيحة األخرى اليت انصح هبا التزام صالة‬

‫(‪ )1‬من أحيا سنة أميتت فله اجرها واجر من عمل هبا ومن متسك بسنيت عند فساد اميت فله اجر مائة شهيد مشكاة‪.‬‬
‫‪- 813 -‬‬

‫التهجد فاهنا من ضرورايت الطريق وقد قيل لكم يف احلضور ايضا اذا تعسر عليكم هذا‬
‫املعن ومل يتيسر االنتباه على خالف املعتاد ينبغي ان يوكل هلذا االمر مجعا من املتعلقني‬
‫ليوقظوكم وقت التهجد طوعا او كرها وال يرتكوكم على نوم الغفلة فاذا فعلتم ذلك اايما‬
‫يرجى ان تتيسر املداومة على ذلك من غري تكلف والنصيحة األخرى االحتياط يف اللقمة‬
‫ال ينبغي لالنسان ان أيكل كلما التقاه من اي حمل كان من غري مالحظة احللية واحلرمة‬
‫الشرعيتني فان االنسان مل يرتك سدى حت يفعل كلما يريد بل له موىل جل شأنه كلفه‬
‫ابالمر والنهي وبني مرضاه وغري مرضاه بتوسط االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات‬
‫الذين هم رمحات للعاملني واحملروم من السعادة من يقتضى خالف مرضي مواله ويتصرف‬
‫يف ملكه وملكوته بال اذنه ينبغي االستحياء حيث يراعون رضا الصاحب اجملازي وال‬
‫يريدون فوت دقيقة يف هذا الباب وموالهم احلقيقي قد هناهم عن األمور الغري املرضية‬
‫ابلتأكيد واملبالغة وزجرهم زجرا بليغا وهم ال يلتفتون اليه اصال فهذا هل هو اسالم او كفر‬
‫فليتفكروا تفكرا جيدا وما فاتت الفرصة ميكن ان يتدارك ما سبق التائب من الذنب كمن‬
‫ال ذنب له بشارة للمقصرين فلو اصر شخص على الذنب مع وجود ذلك وفرح به فهو‬
‫منافق ال ترفع صورة اسالمه عقوبته وال متنع عنه العذاب وماذا اابلغ زايدة على ذلك‬
‫العاقل تكفيه االشارة وقراءة سورة قريش يف املخاويف وحمال استيالء االعداء جمربة لألمن‬
‫والرفاهية فينبغي قراءهتا يف اليوم والليلة احدى عشرة مرة ال أقل من ذلك وورد يف احلديث‬
‫املصطفوي ان من نزل منزال مث قال اعوذ بكلمات هللا التامات من شر ما خلق ال يضره‬
‫شئ حت ارحتل من منزله ذلك و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السبعون اىل موالان عبد الواحد الالهوري يف بيان االسرار واحلقائق‬
‫املتعلقة ابلكعبة املعظمة وكما ان يف االنسان امنوذج العرش فيه امنوذج الكعبة ايضا‬
‫وما يناسب ذلك}‬
‫اعلم كما ان قلب االنسان امنوذج عرش الرمحن جل سلطانه والظهور القليب فيه‬
‫‪- 814 -‬‬

‫مثل الظهور العرشي كذلك من بيت هللا ايضا يف االنسان عالمة حيث انه معتدل وعن‬
‫اليمني والشمال ممتاز ومعتزل وحبسن الصفة متفرد ومتجمل وارابب هذه الدولة العظيمة‬
‫ابالصالة االنبياء عليهم الصالة و السالم ويشرف هبا من اممهم بتبعية هوالء االكابر‬
‫ووراثتهم كل من اريد له ذلك وكانت هذه الدولة يف اصحاب االنبياء عليهم الصالة‬
‫والتحيات بربكة صحبة االنبياء عليهم السالم اكثر وازيد وقلت بعد زمان االصحاب‬
‫حبيث لو تشرف هبا احد بعد قرون متطاولة ابلتبعية والوراثة كانت مغتنمة وكربيتا امحر‬
‫وهذا الشخص داخل يف زمرة االصحاب الكرام عليهم الرضوان[‪ ]1‬ومن مجلة السابقني‬
‫وصاحب هذه النسبة العلية ممتاز بدولة مركز املطلوب وإن كان يف نفس املركز ايضا‬
‫مراتب ولكنه مشرف بدولة السبقة وما اكشف من هذا املعمى زايدة على ذلك وما‬
‫اشرح بغري هذه الرموز فاذا ظهرت هذه النسبة العلية بفضل هللا سبحانه تزول النسب‬
‫السابقة كلها ال يبقى منها اسم وال رسم سواء كانت نسبة القلب او غريها اذا جاء هنر‬
‫هللا بطل هنر عيسى عالمة ذلك املوطن واصحاب هذه الدولة على الصراط املستقيم‬
‫الذي وقع حماذاي بوصول املطلوب والذي هو من هذا الصراط على ميني ومشال فوصوله‬
‫اىل ظل من الظالل وان كانت املراتب يف الظالل ايضا متفاوتة ولكن كلها متسمة بسمة‬
‫الظلية {شعر}‪:‬‬
‫وما قل هجران احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف العني ضائر‬
‫ومن فارق الصراط املستقيم مقدار خردلة فكلما ميشي ويسري ينأى عنه ويتباعد‬
‫عن الوصول اىل املطلوب {شعر}‪:‬‬
‫لن تبلغ الكعبة العلياء اي بدوي * ان الطريق الذي متشي اىل اخلنت‬
‫ثبتنا هللا سبحانه واايكم على الصراط املستقيم و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫(‪ )1‬يعين يف حصول هذه الفضيلة فقط ال من مجيع الوجوه عفي عنه‬
‫‪- 815 -‬‬

‫{ املكتوب احلادي والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده جامع العلوم العقلية‬
‫والنقلية اخلواجه حممد سعيد سلمه هللا تعاىل}‬
‫ال اله اال هللا حممد رسول هللا الكلمة االوىل متضمنة الثبات مرتبة الذات تعالت‬
‫وتقدست ظهور مرتبة الوجوب يف الصورة املثالية بصورة النقطة يشاهد اقرب من ظهور‬
‫تلك املرتبة بصورة الطول والعرض وان مل يكن يف تلك املرتبة جمال للنقطة وال للدائرة وال‬
‫للطول وال للعرض وال للعمق فال جرم ترى الكلمة املثبتة يف الصورة الكشفية كالنقطة‬
‫وكلمة حممد رسول هللا ملا كانت منبئة عن دعوة اخللق اليت تتعلق ابالجسام واجلواهر‬
‫وللطول والبسط فيها قدم راسخ فال جرم تظهر صورة هذا املقام املثالية يف النظر الكشفي‬
‫طويلة عريضة ويف هذا املقام جيد السالك الكلمة الثانية بواسطة بقية السكر فيه كالبحر‬
‫ويتخيل الكلمة االوىل كالنقطة يف جنب ذلك البحر ومن ههنا حكم هذا الفقري بواسطة‬
‫بقية السكر فيه وكتب ان الكلمة الثانية حبر والكلمة االوىل كالنقطة يف جنبه وقال‬
‫صاحب الفتوحات املكية ايضا يف هذا املقام ان اجلمع احملمدي امجع من اجلمع االهلي‬
‫الالمتناهي فاذا بدت وسعة مرتبة الوجوب الالكيفية تعالت وتقدست بعناية هللا سبحانه‬
‫وظهرت احاطة تلك املرتبة املقدسة الالكيفية ايضا وصار حكم العامل ابلتمام هبذا الطول‬
‫والعرض حكم اجلزء الذي ال يتجزى ابلنسبة اىل حبر ال هناية له جيد السالك يف ذلك‬
‫الوقت الشيئ الذي وجده اوال نقطة حبرا ال هناية له ويرى البحر احمليط اصغر من اجلزء‬
‫الذي ال يتجزى (وال يظنن) احد هنا ان الوالية افضل من النبوة لكون الوالية مناسبة‬
‫للكلمة االوىل والنبوة مالئمة للكلمة الثانية (الان) نقول ان النبوة عبارة عن حمصول كلتا‬
‫الكلمتني املقدستني عروج النبوة يتعلق ابلكلمة االوىل ونزوهلا ابلكلمة الثانية فيكون‬
‫جمموع الكلمتني حاصل مقام النبوة ال ان الكلمة الثانية فقط حاصل النبوة كما ظن‬
‫البعض وزعم ان الكلمة االوىل خمصوصة ابلوالية وليس كذلك بل كلتا الكلمتني حاصل‬
‫مقام الوالية ابعتبار العروج والنزول وحاصل مقام النبوة ايضا كذلك ابعتبار العروج‬
‫والنزول غاية ما يف الباب ان مقام الوالية ظل مقام النبوة وكماالت الوالية ظالل‬
‫‪- 816 -‬‬

‫لكماالت النبوة وكلما يقال يف مقام السكر معذور ومعفو عنه وهذا الفقري ايضا شريك‬
‫هلم يف السكرايت وهلذا كتب يف بعض مكاتيبه ان الكلمة االوىل مناسبة ملقام الوالية‬
‫والكلمة الثانية مناسبة ملقام النبوة والسكر ايضا نعمة عظمى ان تيسر اخلروج منه اىل‬
‫الصحو ومن كفر الطريقة اىل اسالم احلقيقة ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او أخطأان حبرمة‬
‫حبيبك عليه و على آله الصالة و السالم ويرحم هللا عبدا قال آمينا‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والسبعون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم يف بيان ان‬
‫معاملة بيت هللا املقدس املطهر فوق التجليات والظهورات وفوق الظهور العرشي ويف‬
‫بيان اللحاق والوصول اىل حقيقة الكعبة وشوق الصورة اىل زايرة صورة الكعبة‬
‫املعظمة}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى الظهور العرشي وان كان فوق مجيع‬
‫الظهورات ولكن املعاملة املربوطة بيت هللا املقدس املطهر فوق الظهورات والتجليات حت‬
‫ان ذكر اسم الظهور والتجلي عار يف ذاك احملل والتجليات والظهورات حكمها حكم‬
‫حميط الدائرة وهذه املعاملة يف حكم مركز تلك ال دائرة وال شك ان حميط الدائرة مع وجود‬
‫وسعته ظل مركز الدائرة فان نقطة املركز هي اليت وسعت ظلها وظهرت يف صفة مائة‬
‫نقطة وصارت حميط الدائرة والتعبري ابلنقطة فيما حنن فيه من قبيل التعبري عن الشئ ابقرب‬
‫االشياء اليه واال فالنقطة ايضا هناك كالدائرة مفقودة ال جمال هناك للظاهر وال للمظهر‬
‫وال مساغ لألصل وال للظل فان األصل ايضا ابق يف الطريق من الوصول اىل قصر تلك‬
‫الدولة كالظل {الشعر}‬
‫وما أبديك من طريي عالمه * وأضحى مثل عنقاء وهامه‬
‫وللعنقاء بني الناس اسم * وليست السم طريي استدامه‬
‫وكعبة انبياء بين اسرائيل عليهم الصالة و السالم اليت هي صخرة بيت املقدس‬
‫يكون رجوع كماالهتا وظهوراهتا يف اآلخر اىل كماالت هذه الكعبة املعظمة وتكون تلك‬
‫‪- 817 -‬‬

‫الكماالت ملحقة هبذه الكماالت فانه ال بد لالطراف من اللحوق ابملركز وما مل يتصل‬
‫الطرف ابملركز الذي هو الطريق املستقيم ال جيد سبيال اىل املطلب واشوقاه اىل لقاء‬
‫الكعبة املعظمة قال هللا تبارك و تعاىل ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى‬
‫للعاملني فيه آايت بينات مقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا وهلل على الناس حج البيت من‬
‫استطاع اليه سبيال ومن كفر فان هللا غين عن العاملني وان تيسر اللحاق حبقيقة الكعبة‬
‫بفض ل هللا سبحانه وحصل بعد اللحاق هبا ترقيات بال هناية ولكن شوق مالقاة الصورة‬
‫اىل الصورة موجود وقد صار احلج فرضا وحتقق امن الطريق ايضا بغلبة السالمة والشوق‬
‫ازيد واكمل ايضا من فرضية احلج ومع ذلك تسويف يف تسويف ال تساعد االستخارة‬
‫على السفر كلما كنت متوجها حبسن التوجه ال ينكشف املسري يف الطريق وال يظهر‬
‫الوصول اىل الكعبة يف النظر وماذا نصنع وكل هذه االعذار ال جتدي يف أتخري اداء‬
‫الفرض ينبغي ان خنرج من البيت بقصد اداء فرض احلج بتوفيق هللا تعاىل على اي حال‬
‫كان وان نسري لقطع املراحل فان تيسر الوصول فنعمة عظمى وان بقينا يف الطريق‬
‫فالرجاء نقد الوقت ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير و صلّى هللا تعاىل‬
‫على سيدان حممد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده جمد الدين اخلواجه حممد‬
‫معصوم سلمه هللا يف بيان ظاهر االنسان الكامل وابطنه وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان االنسان عبارة عن جمموع‬
‫عامل االمر وعامل اخللق عامل اخللق هو صورة االنسان وظاهره وعامل االمر هو حقيقة‬
‫االنسان وابطنه وامنا قالوا لالعيان الثابتة حقائق املمكنات ابعتبار ان املمكنات ظالل‬
‫تلك االعيان وتلك االعيان اصوهلا فان حقيقة املمكنات وماهيتها هي نفس ظالل تلك‬
‫االعيان الن املمكنات صارت ممكنات بتلك الظالل وحصل هلا هبا وجود ظلي خبالف‬
‫االعيان اليت يثبتون فيها تعينات وجوبية ويروهنا فوق مراتب االمكان فان تعني الوحدة‬
‫‪- 818 -‬‬

‫وتعني الواحدية اللذين مها يف مرتبة االعيان الثابتة قالوا ان كال منهما تعني وجويب‬
‫واعتقدوا التعينات الثالثة الباقية اعين التعني الروحي والتعني املثايل والتعني اجلسمي‬
‫تعينات امكانية فالقول بكون التعني الوجويب حقيقة للتعني االمكاين على سبيل التجوز‬
‫الن احلقيقة االمكانية امنا تكون من عامل االمكان ال من مرتبة الوجوب وكأن اصل الشئ‬
‫هو حقيقة الشيئ فما قالوا من ان الصويف كائن ابئن يعين بظاهره مع اخللق وبباطنه‬
‫مفارق عنهم وكائن مع احلق سبحانه وأرادوا بظاهره عامله اخللقي وبباطنه عامله األمري‬
‫وقالوا يف حق هذا املقام الذي هو مقام اجلمع بني التوجهني انه عال جدا واعتقدوه مقام‬
‫التكميل واالرشاد وظنوه مرتبة الدعوة وهلذا الفقري يف ذلك املوطن معرفة خاصة وهي انه‬
‫يكون شخص من اخص اخلواص و يكون جمموع عامل اخللق واألمر ابلنسبة اليه صورة‬
‫وظاهرا وتكون حقيقته وابطنه االسم الذي هو مبدأ تعينه مع امساء وشئوانت اخر هي‬
‫كاالصل لذلك اال سم حت تنتهي اىل حضرة الذات اجملردة عن الشئون واالعتبارات وهذا‬
‫العارف التام املعرفة اذا تيسر له الوصول اىل االسم الذي هو قيومه بعد طيه مجيع املراتب‬
‫االمكانية وصار قوله اان منقلعا عن املراتب االمكانية ومنطبقا على ذلك االسم وانطبق‬
‫على مراتب فوق ذلك االسم اليت هي كاالصول لذلك االسم آان فآان ابلرتتيب على‬
‫سبيل العروج وبلغ هبذا النمط مرتبة االحدية اجملردة تصري تلك املراتب اليت انطبق عليها‬
‫قوله اان كلها حقيقته و يكون عامله االمري كعامله اخللقي صورة تلك احلقيقة وتلك‬
‫الصورة مثل الكسوة لتلك احلقيقة وهي كالشخص الالبس لتلك الكسوة وحيث كان‬
‫اطالق أان يف اآلخرين مقصورا على عامل اخللق واالمر ال جرم تكون صورهتم وحقيقتهم‬
‫عني عامل اخللق واالمر واالمساء اليت هي مبادئ تعيناهتم ليست غري ان تكون قيومات هلم‬
‫(فان قيل) ان العارف وان حصل كمال املعرفة من مجلة املمكنات ال خيرج من االمكان‬
‫وال يتصف ابلوجوب فاالسم الذي هو قيومه ومن مرتبة الوجوب كيف يكون حقيقته‬
‫وجزؤه (أجيب) ان هذه احلقيقة ابعتبار الشهود ال ابعتبار الوجود حت يلزم احملذور كما‬
‫قالوا البقاء ابهلل وهذا الشهود ليس جمرد ختيل بل تتفرع عليه مثرات ونتائج {شعر}‪:‬‬
‫‪- 819 -‬‬

‫خليلي ما هذا هبزل و انه * حديث عجيب من بديع الغرائب‬


‫فتحقق ان ما هو جمموع الصورة واحلقيقة لآلخرين صورة هذا العارف اليت هي‬
‫ابلنسبة اىل احلقيقة كالثوب العدمي نظريه ابلنسبة اىل شخص البس اايه فماذا يدرك‬
‫اآلخرون من حقيقته وماذا يفهمون وماذا يتصورون غري كونه مماثال هلم يف صورهم‬
‫وحقائ قهم ومعرفة مثل هذا العارف مستلزمة ملعرفة احلق سبحانه اذا رؤوا ذكر هللا سبحانه‬
‫عالمتهم اهلي ما هذا الذي جعلت اولياءك حبيث من عرفهم وجدك ومن مل جيدك مل‬
‫يعرفهم وما كتبه الفقري يف بعض كتبه ورسائله من ان العارف التام املعرفة يكون بعد‬
‫رجوعه للدعوة متوجها بكليته اىل العامل الن ظاهره مع اخللق وابطنه مع احلق سبحانه‬
‫فاملراد من تلك الكلية عامليه اخللقي واالمري كما هو متعارف القوم يعين انه يكون‬
‫متوجها للدعوة بعامل اخللق وعامل االمر كليهما وأما تلك احلقيقة والباطن اللذان كتبهما‬
‫هذا الفقري فيما سبق مرادا هبما االسم القيوم وما فوقه فال معن لتوجهه اىل احلق جل‬
‫وعال فاهنما من عامل الوجوب كما مر فعلى كل تقدير توجه العارف الكامل اىل جانب‬
‫اخللق ابلتمام والذي له وجه اىل اخللق ووجه آخر اىل احلق جل وعال فهو يف توسط‬
‫السري ولكنه اعلى من الشخص الذي توجهه اىل احلق جل وعال ابلتمام فان هذا‬
‫الشخص انقص يف اداء حقوق العباد وذلك يكمل اداء كل من حق اخلالق وحق‬
‫املخلوق مهما أمكن ويدعوا اخللق اىل جانب احلق سبحانه فيكون أكمل ابلنسبة اليه‬
‫(ينبغي) أن يعلم ان التوجه اىل احلق جل سلطانه يستدعي بعدا والبعد يف حق هذا‬
‫العارف صار نصيب اآلخرين الذين حيتاجون اىل التوجه هل رأيت احدا يكون متوجها‬
‫اىل نفسه فكيف اىل شئ هو اقرب من نفسه فانه ال يتصور توجهه اليه وعدم التوجه هذا‬
‫من خصائص كماالت هذا العارف يكاد القاصرون يظنونه نقصا ويزعمون التوجه كماال‬
‫ابلنسبة اىل عدم التوجه رزقهم هللا سبحانه االنصاف حت ال حيكموا جبهلهم املركب وال‬
‫يزعموا احلسن عيبا‪.‬‬
‫‪- 820 -‬‬

‫{املكتوب الرابع والسبعون اىل اخلواجه هاشم يف أتويل قوله تعاىل فمنهم ظامل‬
‫لنفسه اآلية وبيان قوله تعاىل اان عرضنا االمانة على السماوات اآلية وبيان خالفة‬
‫االنسان الكامل وان معاملته تبلغ مبلغا جيعل قيوما جلميع االشياء وهو ظامل لنفسه‬
‫وعرب عن املقتصد ابلندمي واخلليل وعن السابق ابحملب واحملبوب ورأس حلقتهم حممد‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم}‬
‫قال هللا تعاىل وتعاظم مث اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادان فمنهم ظامل‬
‫لنفسه اآلية وقال تعاىل اان عرضنا االمانة على السموات واالرض اآلية املراد من اآليتني‬
‫ما اراده هللا سبحانه و تعاىل وحنن أنوهلما مبا ظهر لنا ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او اخطأان‬
‫(ينبغي) أن يعلم ان هللا تعاىل خلق آدم على صورته وهو تعاىل منزه عن الصورة ومتعال‬
‫فيمكن ان يكون معن خلق آدم على صورته سبحانه انه لو فرض ملرتبة التنزيه صورة يف‬
‫عامل املثال لكانت تلك الصورة جامعة واالنسان اجلامع صار موجودا على تلك الصورة‬
‫وليست لصور آخر قابلية الن تكون متثاال لتلك املرتبة املقدسة ومرآة هلا ومن ههنا صار‬
‫االنسان مستحقا خلالفته تعاىل فان الشئ ما مل خيلق على صورة شئ ال يكون مستحقا‬
‫خلالفة ذلك الشئ فان خالفة الشئ خلف ذلك الشئ وانئب منابه وملا صار االنسان‬
‫خليفة الرمحن تعني ابلضرورة لتحمل ثقل االمانة ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه من اين‬
‫ينال السموات واالرضون واجلبال اجلامعية حت ختلقوا على صورته تعاىل و لتكونوا‬
‫مستحقني خلالفته وتتحملوا ثقل امانته سبحانه وقد حيس انه لو احيلت ثقلة هذه االمانة‬
‫على السموات واالرضني لصرن قطعا قطعا ومل يبق منهن اثر اصال وتلك االمانة بزعم‬
‫هذا احلقري قيومية مجيع االشياء على سبيل النيابة اليت هي خمصوصة بكمل افراد االنسان‬
‫يعين ان معاملة االنسان الكامل تبلغ مبلغا جيعل قيوما جلميع االشياء حبكم اخلالفة‬
‫وحتصل افاضة الوجود وبقاء سائر الكماالت الظاهرية والباطنية للكل بتوسطه فان كان‬
‫ملك فبه متوسل وان كان انس اوجن فبه متشبث ويف احلقيقة توجه مجيع االشياء اىل‬
‫جانبه والكل مائل اليه عرفوا هذا املعن او ال انه كان ظلوما جهوال كثري الظلم على نفسه‬
‫‪- 821 -‬‬

‫حبيث ال يبقى من وجوده وال من توابع وجوده اثرا وال حكما وما مل يظلم نفسه مبثل هذا‬
‫ال يكون مستحقا لتحمل ثقل االمانة جهوال كثري اجلهل حبيث ال يكون له علم وال‬
‫ادراك ابملطلوب بل عجز عن االدراك وجهل عن العلم ابملقصود وهذا العجز واجلهل يف‬
‫ذلك املوطن كمال املعرفة الن اجهلهم اعرفهم مثة وال شك ان اعرفهم أليق حبمل االمانة‬
‫وهذان الوصفان كأهنما علتان حلمل ثقل االمانة وهذا العارف الذي تشرف مبنصب‬
‫قيومية االشياء حكمه حكم الوزير حيث فوضت كفاية مهمات املخلوقات اليه‬
‫واالنعامات وان كانت يف احلقيقة من السلطان ولكن وصوهلا اىل ارابهبا مربوط بتوسط‬
‫الوزير ورئيس اهل هذه الدولة ابو البشر آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم وهذا‬
‫املنصب خمصوص ابألنبياء اويل العزم عليهم الصالة والتحيات اصالة ويشرف به بتبعية‬
‫هؤالء االكابر ووراثتهم كل من اريد له ذلك {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف امر مع الكرام‬
‫وا لطائفة االوىل من وارثي الكتاب الذين هم املصطفون من عباده تعاىل هم هؤالء‬
‫الظاملون النفسهم الذين تشرفوا مبنصب الوزارة والقيومية (والطائفة الثانية) من هؤالء‬
‫املصطفني الذين عرب هللا تعاىل عنهم ابملقتصد من تشرفوا بدولة اخللة وصاروا اصحاب‬
‫سر ومشورة ومعاملة امللك والسلطنة وان كانت مربوطة ابلوزير ولكن اخلليل ندمي‬
‫وصاحب انس والفة هذا الجل فرح نفسه وذاك الجل مهمات اآلخرين شتان ما بينهما‬
‫ورأس ارابب هذا املقام العايل ابراهيم خليل الرمحن على نبينا وعليه الصالة و السالم‬
‫ويشرف به كل من اريد له ذلك وفوق مقام اخللة مقام احملبة الذي تشرف به الطائفة‬
‫الثالثة الذين هم السابقون ابخلريات ابذن هللا وفرق بني االصحاب والندمي واحملب‬
‫واحملبوب واالسرار واملعامالت اليت متر ومتضي على احملب واحملبوب ال مدخل فيها‬
‫لالحباب والندمي وان كان ميكن ايراد اسرار حقيقة احملبة يف البني يف وقت كمال االنس‬
‫وااللفة مع اخلليل اجلليل القدر وميكن ان جيعله حمرما السرار احملب واحملبوب ورئيس حلقة‬
‫احملبني كليم هللا على نبينا وعليه الصالة و السالم ورئيس زمرة احملبوبني خامت الرسل عليه‬
‫‪- 822 -‬‬

‫وعليهم الصلوات والتحيات و التسليمات ويشرف هبذين املقامني بتبعية اصحاب هاتني‬
‫الدول تني ووراثتهم كل من اريد له ذلك واملقامات اليت فوق مقام احملبة قد ذكرت يف‬
‫مكتوب من مكتوابت اجللد الثاين للفقري والصدارة فيها ايضا حمل ّمد رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم وكلها داخلة يف مقام السابقني الذي هو نصيب الفرقة الثالثة من وارثي‬
‫الكتاب ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والسبعون اىل املرزا مظفر يف بيان ان احملن والبليات‬


‫كفارات لزالت االحباب وانه ينبغي طلب العفو والعافية ابلتضرع واالبتهال اىل هللا‬
‫املتعال}‬
‫سلمكم هللا سبحانه عما ال يليق جبنابكم ان االمل واحملن والبليات يف االحباب‬
‫كفارات لزالهتم ينبغي طلب العفو والعافية من جناب قدسه تعاىل ابلتضرع واالبتهال‬
‫وااللتجاء واالنكسار اىل ان يفهم أثر االجابة ويعلم تسكني الفنت وان كان االحباب‬
‫والناصحون يف هذا االمر ولكن صاحب املعاملة احق به فان شرب الدواء واالحتماء‬
‫شغل صاحب املرض واآلخرون من االخوان ليسوا غري ان يكونوا من االعوان يف ازالة‬
‫املرض وحقيقة املعاملة هي ان كلما يصيب من احملبوب احلقيقي ينبغي ان يقبله ببشاشة‬
‫الوجه وانشراح الصدر بل ينبغي ان يتلذذ به وحصول العار الذي هو مراد احملبوب افضل‬
‫عند احملب من زواله الذي هو مراد نفسه فان مل يكن هذا املعن حاصال يف احملب فهو‬
‫انقص يف احملبة بل كاذب فيها {شعر}‪:‬‬
‫واترك ما أهوى ملا قد هويته * وارضى مبا يرضى وان هلكت نفسي‬
‫وملا رجع جناب مرجع الشريعة من اخلدمة بني احوال السفر وضيق احوال‬
‫املسافرين فقرأان الفاحتة لسالمتهم وعافيتهم ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او اخطأان ربنا وال‬
‫حتمل علينا اصرا كما محلته على الذين من قبلنا ربنا وال حتملنا ما ال طاقة لنا به واعف‬
‫عنا واغفر لنا وارمحنا انت موالان فانصران على القوم الكافرين سبحان ربك رب العزة عما‬
‫‪- 823 -‬‬

‫يصفون و سالم على املرسلني واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والسبعون اىل موالان فرخ حسني يف بيان حقيقة العرش‬
‫الذي هو برزخ بني عامل اخللق وعامل االمر وله وصف من كليهما وليس من جنس‬
‫االرض والسماء وبيان الكرسي ووسعته}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان العرش اجمليد من عجائب‬
‫مصنوعات احلق سبحانه وبرزخ بني عامل اخللق وعامل االمر يف العامل الكبري وفيه وصف من‬
‫هذا ووصف من ذاك وعامل اخللق الذي خلق يف ستة اايم واالرض والسموات واجلبال اليت‬
‫وقع ذكرها يف قوله تعاىل خلق االرض يف يومني اآلية اجياد العرش مقدم على خلق هذه‬
‫كما قال هللا تبارك و تعاىل هو الذي خلق السموات واالرض يف ستة أايم وكان عرشه‬
‫على املاء بل يفهم تقدم خلقه من هذه اآلية ايضا فالعرش اجمليد كما انه ليس من جنس‬
‫االرض ليس من جنس السموات ايضا فان له حظا وافرا من عامل االمر ايضا ليس شئ‬
‫منها هلؤالء غاية ما يف الباب ان مناسبته للسموات أزيد منها لألرض فال جرم عد من‬
‫السموات واال فكما انه ليس من االرض ليس من السموات يف احلقيقة فال جرم تكون‬
‫آاثر االرض والسموات واحكامهما مغايرة آلاثر العرش واحكامها بقيت معاملة الكرسي‬
‫والذي يفهم من قوله تعاىل وسع كرسيه السموات واالرض ان الكرسي ايضا مغاير‬
‫للسموات وا الرض واوسع منهما وال شك ان الكرسي ليس من عامل االمر فانه قيل انه‬
‫حتت العرش ومعاملة عامل االمر فوق العرش فاذا كان من عامل اخللق يكون خلقه مغايرا‬
‫خللق السموات وينبغي ان يكون خلقه يف ما وراء االايم الستة وال يلزم من هذا املعن‬
‫حمذور اصال فانه تعاىل مل خيلق متام عامل اخللق يف هذه االايم الستة فان خلق املاء كان‬
‫فيما وراء هذه االايم الستة ومقدما عليها كما مر وملا مل تكن معاملة الكرسي مكشوفة لنا‬
‫كما ينبغي اخران حتقيقه اىل وقت آخر راجيا من كرم احلق جل وعال رب زدين علما ومن‬
‫هذا التحقيق ارتفع اعرتاضان قواين احدمها انه اذا مل تكن السموات واالرض من اين كان‬
‫‪- 824 -‬‬

‫تعيني االايم الستة وتشخيصها وكيف افرتق يوم االحد من يوم االثنني وكيف امتاز يوم‬
‫الثالاثء من يوم االربعاء وأبي وجه صار يوم اخلميس متميزا من يوم اجلمعة وملا علم سبقة‬
‫خلق العرش على خلق االرض والسموات صار حصول الزمان متصورا واتضح ثبوت‬
‫االايم واندفع االعرتاض ومن اين يلزم كون امتياز االايم خمصوصا بطلوع الشمس وغروهبا‬
‫اال ترى ان اجلنة ليس فيها طلوع وال غروب وامتياز االايم اثبت كما ورد يف االخبار‬
‫واالعرتاض الثاين الذي اندفع خمصوص بعلوم الفقري وهو انه قد ورد يف احلديث القدسي‬
‫ال ي سعين ارضي وال مسائي ولكن يسعين قلب عبدي املؤمن فانه يفهم من هذا احلديث‬
‫ان الظهور االمت خمصوص بقلب املؤمن وان هذه الدولة غري ميسرة لغريه وانت قد كتبت‬
‫يف مكتوابتك خالفه حيث قلت ان الظهور االمت للعرش اجمليد والظهور القليب ملعة من‬
‫الظهور العرشي وعلم من التحقيق السابق من ان آاثر العرش اجمليد واحكامه مغايرة‬
‫الحكام االرض والسموات ال وسعة يف االرض والسموات ويف العرش وسعة نعم ان‬
‫االرض والسموات مع ما فيهن ليست هلن قابلية الوسعة غري قلب املؤمن فانه مستعد‬
‫هلذه الدولة فكان حصر الوسعة على القلب ابعتبار االرض والسموات ال ابلنسبة اىل‬
‫مجيع املصنوعات اليت تكون شاملة للعرش اجمليد ايضا حت يتصور خالف مفهوم احلديث‬
‫القدسي فاندفع االعرتاض الثاين ايضا (ينبغي) ان يعلم ان العرش اجمليد الذي هو حمل‬
‫الظهور التام اذا رمينا االرض والسموات مع ما فيهما يف مقابلته تكون متالشية‬
‫ومضمحلة بال توقف وال يبقى اثر منها اصال اال القلب االنساين الذي هو منصبغ بلونه‬
‫فانه يبقى وال يكون متالشيا حمضا وكذلك الظهور يف جانب الفوق الذي يتعلق مبا وراء‬
‫العرش الذي هو من عامل االمر الصرف حكم العرش ابلنسبة اىل تلك املرتبة حكم االرض‬
‫والسموات ابلنسبة اىل العرش وهكذا حكم كل فوق ابلنسبة اىل ما حتته هو هذا احلكم‬
‫بعينه اىل ان ينتهي عامل االمر وبعد متام هذه الدائرة تنجر املعاملة اىل اجلهل واحلرية فان‬
‫كانت معرفة فهي ايضا جمهولة الكيفية ليست مما حيصل يف حوصلة العقل احلادث ولنبني‬
‫مشة من الكماالت االنسانية والقلب االنساين ايضا {شعر}‪:‬‬
‫‪- 825 -‬‬

‫وقد اطنبت يف عيبه * فبني حسنه أيضا‬


‫العرش اجمليد وان كان اوسع ومظهرا امت ولكن ليس فيه علم حبصول هذه الدولة‬
‫وال شعور له هبذا الكمال خبالف القلب االنساين فانه صاحب شعور وابلعلم واملعرفة‬
‫معمور واملزية األخرى للقلب هي ما نبينه ينبغي ان يستمع كمال االستماع ان جمموع‬
‫االنسان الذي يسمونه عاملا صغريا وان كان مركبا من عامل اخللق واالمر ولكن له هيئة‬
‫وحدانية حقيقة واآلاثر واالحكام مرتتبة لتلك اهليئة والعامل الكبري ليست له تلك اهليئة‬
‫فان كانت فهي اعتبارية فالفيوض اليت ترد من جهة هذه اهليئة الوحدانية على االنسان‬
‫وب توسطه على قلب االنسان ال حيصل منها للعامل الكبري والعرش اجمليد الذي هو مبثابة‬
‫القلب للعامل الكبري سوى النزر اليسري فاهنما قليال النصيب من تلك الفيوض والربكات‬
‫وايضا ان اجلزء االرضي الذي هو يف احلقيقة خالصة املوجودات ومع وجود بعده أقرب‬
‫الظهورات قد سرت كماالته يف جمموعة عامل الصغري وملا مل تكن تلك اجملموعة يف العامل‬
‫الكبري يف احلقيقة فقدت فيه هذه السراية فلقلب االنسان هذه الكماالت ايضا خبالف‬
‫العرش اجمليد (ينبغي) ان يعلم ان هذه الفضائل والكماالت اليت اثبتناها يف القلب اذا‬
‫الحظنا مالحظة جيدة جندها داخلة يف فضل جزئي والفضل الكلي امنا هو للظهور‬
‫العرشي وجند مثل العرش والقلب كمثل انر وسيعة نورت مجيع الرباري والصحارى‬
‫وأوقدت من تلك النار مشعلة حصلت له بواسطة حلوق بعض االمور نورانية أخرى‬
‫ليست هي يف تلك النار وال شك ان تلك الزايدة ال يثبت هلا غري الفضل اجلزئي وهللا‬
‫سبحان ه اعلم حبقائق االمور كلها ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير و‬
‫صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه أمجعني وابرك على مجيع االنبياء واملرسلني‬
‫واملالئكة املقربني أمجعني‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والسبعون اىل موالان احلسن الربكي يف جواب عريضته اليت‬
‫اعرتض فيها على كلمات الصوفية ابعرتاضات كثرية وسائر استفساراته اآلخر اليت‬
‫‪- 826 -‬‬

‫كتبها}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد وصلت الصحيفة الشريفة من‬
‫اخينا الشيخ حسن أحسن هللا حاله وملا كانت فيها رائحة من التشرع واالستقامة اورثت‬
‫الفرح واملسرة وكتبتم ان السلوك الذي هو مشهور ومعتقد للسالكني حبسب فهمنا هو انه‬
‫ينبغي للمبتدئ ان يشتغل ابلذكر اىل ان جرى القلب ابلذكر مث اىل ان يتوقف عن الذكر‬
‫و يكون حمال لالهلامات والتجليات وان يصل السالك اىل مقام الفناء الذي هو اول قدم‬
‫يف الوالية وقالوا ان الفناء هو ان يزول عن نظر السالك وعلمه ما هو مسمى ابلغري وال‬
‫يبقى يف نظره وعلمه غري الواجب تعاىل وتقدس وقيل هلذا احلالة شهودا ومشاهدة وغريمها‬
‫واملقصود انه يرى احلق تعاىل بزعمه وال يرى املسمى ابلغري ويسمون رأي االثنني مشرك‬
‫الطريقة وكتبتم ان هذه املعارف وامثاهلا تزعزع الفقري عن حمله فانه لو كان مقصودهم انه‬
‫يرى احلق جل وعال يف الدنيا ابلبصر او ابلبصرية فان كان هلم شعور هبذا الشهود والرؤية‬
‫فهم ايضا مشركوا الطريقة وان مل يكن هلم شعور هبذا املعن فمن اي شئ خيربون ومن خيرب‬
‫وكتبتم ان كلما يرونه بكل وجه من الوجوه سواء كان جتليا صوراي او معنواي او نوراي او‬
‫غري ذلك ويعقتدون ذلك املرئي ذات احلق جل وعال من حيث هي ويعتقدون ما هو‬
‫املسمى ابلغري ظهوره تعاىل عند هذا الفقري الذي ال حاصل له بعيد عن املعاملة وخالف‬
‫نص ليس كمثله شئ وآية ال تدركه االبصار شاهدة هلذا املعن فهذا القوم ماذا يرون‬
‫وماذا يدركون حيث يقولون ال نرى غري احلق جل وعال وال ندري وعربوا عنها ابلشهود‬
‫واملشاهدة وهذه االفكار يف تدبري انفسهم وتدبري االهل والعيال هل هي موسومة ابلغري‬
‫او ال (اعلم) وتنبه ان كل ذلك النفي واالعرتاضات الطويلة الغري املالئمة على مشائخ‬
‫الطريقة قدس هللا تعاىل اسرارهم العلية منشأها عدم االطالع على مراد هؤالء االكابر‬
‫والتوحيد الشهودي الذي هو رؤية الواحد ومربوط بنيسان السوى من ضرورايت طريقة‬
‫هؤالء الكرباء وما مل حيصل ذلك ال يتيسر اخلالص عن التعلق ابالغيار وأنتم تسخرون‬
‫هبذه الدولة وابرابب هذه الدولة والشهود والرؤية اللذان وقعا يف عبارة اكابر املشائج قدس‬
‫‪- 827 -‬‬

‫هللا اسرارهم كنايتان عن حضوره تعاىل وتقدس الالكيفي املناسب ملرتبة التنزيه اخلارج عن‬
‫حيطة االدراك الذي هو من عامل الكيف وخصصوا دولة هذا احلضور يف الدنيا ابلباطن‬
‫وال بد للظاهر من رؤية االثنني يف مجيع االوقات وهلذا قالوا كما ان يف العامل الكبري مشركا‬
‫وموحدا يف العامل الصغري ايضا املشرك جمتمع ابملوحد ابطن الكامل موحد يف مجيع الوقت‬
‫وظاهره مشرك فيكون ابطنه ابهلل جل وعال وظاهره يف تدبري االهل والعيال وال يلزم حمذور‬
‫اصال واالعرتاض من عدم الفهم واايكم وامثال هذه الكلمات واحذروا من غرية احلق جل‬
‫سلط انه والظاهر ان مدعي هذا الوقت هم الذين يوردونكم على ذلك ال بد من مالحظة‬
‫جانب االكابر فاهنا ضرورية فان تتكلموا يف حمداثت املدعيني وخمرتعاهتم فله مساغ واما‬
‫ما هو مقرر عند القوم وال بد منه فالتكلم فيه غري مناسب ولقد رأيتم يف رسائل الفقري‬
‫ومكتوابته كم كتب من التوحيد الشهودي وقرره من ضرورايت الطريق وكان الالزم عليكم‬
‫ان تستفسروا عن هذا املعن وان تسلوا حبسن االدب وهذا زهر تفتق من مفارقة املرحوم‬
‫موالان أمحد عليه الرمحة ومل يظهر منكم مثل هذا الكالم يف حياة موالان اصال وقد وقعت‬
‫كتابتكم هذه موقع احلسن حيث وجدمت التنب يه وكلما يقع بعد ذلك ينبغي ان تكتبوه من‬
‫غري مالحظة صحته وسقمه فانه لو كان صحيحا يكون ابعثا للمسرة وان كان سقيما‬
‫يكون سببا لالنتباه و على كل حال ينبغي ان ال نتقاعد عن الكتابة وكتابكم امنا جيئ‬
‫بعد سنة مع القافلة والنصائح الضرورية ضرورية يف كل سنة مرة واحدة وما مل تكتبوا من‬
‫ذاك الطرف ومل تسلوا عن أشياء ال ينفتح طريق القيل والقال وسألتم ان القلب هل هو‬
‫من مجلة الظاهر او هو من مجلة الباطن وقد بينت ظاهر العارف وابطنه يف مكتوب‬
‫ابلتفصيل وآمر املال عبد احلي ابرسال نقله اليكم فرتاجعوا فيه وسألتم ايضا ان الطريق‬
‫اآلخر الذي يكون من غري جتليات وكشفيات ما طريق معرفة املتوسط و املنتهى فيه اعلم‬
‫ان هذا السالك الذي ال علم له ابحواله اذا كان يف خدمة شيخ كامل ومكمل عامل‬
‫ابلطريق وبصري به فعلم ذلك الشيخ حباله كاف له يعرف التوسط واالنتهاء ابعالمه وايضا‬
‫اذا اجازه الشيخ ابرشاد اخللق نوع اجازة تكون احوال مريديه مرااي كماالته ويطالع منها‬
‫‪- 828 -‬‬

‫نقصه وكماله وعالمة أخرى ملعرفة االنتهاء هي ان ال يبقى يف السالك مقتضى غري احلق‬
‫سبحانه و تعاىل اصال وأن يكون صدره خاليا وصافيا من مجيع املقتضيات املتعلقة‬
‫ابلسوى وللنهاية مراتب كثرية بعضها فوق بعض والقدم االول يف النهاية هو الذي ذكر‬
‫وهللا سبحانه املوفق وكتبتم ان املعارف اليت تسلي هذا الفقري القليل البضاعة هي املعارف‬
‫الشرعية وكأن كل حكم من االحكام الشرعية طريق موصل اىل منزل املقصود وعالمة من‬
‫امللك الذي ليست له عالمة وهذا البيت نصب العني {شعر}‪:‬‬
‫ما بسفر مريومي عزم متاشاگر است * ما بر اومريومي كزمهه عامل وراست‬
‫ومعرفتكم هذه اصلية جدا وعالية ومورثة للرجاء وقد جعلين مطالعة هذه املعرفة‬
‫حمظوظا جدا وأزالت عدم مالمية صدر املكتوب اوصل هللا سبحانه و تعاىل اىل املقصود‬
‫من هذا الطريق وسألتم انه قد جيئ بعض الرجال والنساء ويلتمسون الطريقة ولكن ال‬
‫حيرتزون من االكل واللبس احلاصلني من الرابء هل نعلمهم الطريقة او ال ويقولون حنن‬
‫نصلح ابحليل الشرعية (ينبغي) ان يعلمهم الطريقة وان يرغبهم يف االجتناب من احملرم‬
‫ولعلهم يتخلصون من ذلك االشبتاه بربكة الطريقة واستفسرت ايضا عن العلمني اللذين‬
‫ظهر كل منهما عقيب اآلخر من جانب املشرق وقد كتب الفقري مكتواب يف هذا الباب‬
‫ابستفسار االصحاب أنمر املال عبد احلي ابرسال نقله ايضا اليكم ان شاء هللا تعاىل‬
‫وسألتم ايضا انه هل االفضل اهداء ثواب ختم القرآن واداء صالة النفل واالشتغال‬
‫ابلتسبيح والتهليل اىل الوالدين او اىل االستاذ او االخوان او عدم االعطاء الحد فاعلم‬
‫ان االفضل االهداء فانه نفع للغري ونفع للعامل ويف عدم االهداء النفع خمصوص ابلعامل‬
‫وايضا يرجى يف االهداء قبول العمل املهدى ثوابه بربكة اآلخرين و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والسبعون اىل داراب خان يف بيان ان حمبة هذه الطائفة‬
‫العلية واخالصهم وسيلة الفناء يف هللا والبقاء ابهلل وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد حيس يف طائفتكم دولة هنيئة‬
‫‪- 829 -‬‬

‫وهي التواضع للفقراء واخلدمة هلذه الطبقة العليا مع وجود اسباب الغناء وحصول مواد‬
‫االستغناء وهذا منبئ عن حمبة هذه الطائفة العلية واالخالص هلم ومشعر مبودة هذه الفرقة‬
‫الناجية واالختصاص هبم وحديث املرء مع من احب كاف الن تكون بشارة حمليب هذه‬
‫الطائفة وحديث وهم قوم ال يشقى جليسهم واف ملسرة جلساء هذه الطبقة فاذا استولت‬
‫هذه احملبة بعناية هللا سبحانه وغلبت على هنج ال ترتك غريه يف القلب وزالت التعلقات‬
‫اآلخر عن القلب ابلتمام وظهرت لوازم احملبة اليت هي اطاعة احملبوب والقيام مبراده‬
‫والتخلق ابخالقه واوصافه فحينئذ حيصل الفناء يف احملبوب شبيه الفناء يف الشيخ الذي‬
‫هو الدرجة االوىل يف هذا الطريق وهذا الفناء يعين الفناء يف الشيخ بصري اثنيا وسيلة اىل‬
‫الفناء يف هللا الذي البقاء ابهلل مرتتب عليه وهو احملصل للوالية وابجلملة اذا تيسرت حمبة‬
‫احملبوب احلقيقي يف االبتداء من غري توسط احد فهي دولة عظيمة حمصلة للفناء والبقاء‬
‫واال ال بد من توسط كامل مكمل فينبغي اوال ان جيعل مجيع مراداته اتبعة ملرادات شيخه‬
‫وان يصري فانيا فيه ليكون ذلك الفناء وسيلة اىل الفناء يف هللا وليخلصه من تعلقات‬
‫السوى ابلتمام وليوصله اىل درجات الوالية {شعر}‪:‬‬
‫وعليكم ابلسكر اي أهل صفراء * على رغم ذوي السوداء‬
‫وأمثال هذه الكلمات امنا تورد لرتغيب الطالبني واملهوسني وتشويقهم وهللا سبحانه‬
‫املوفق للصواب بقية املرام ان رافع رقيمة دعاء الفقراء حممد قاسم من اوالد الكبار وكان‬
‫يف خدمة الفقراء ولكنه كرب يف حجر تربية اخيه االكرب ابنواع الرتبية والنعم ورأى حمن‬
‫االايم قليال وفيه شوق مالزمتكم فان جعلتموه داخال يف مالزمي االمراء وراعيتم االلتفات‬
‫يف حاله ال يكون بعيدا عن الكرم والزايدة تصديع و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والسبعون اىل الشيخ يوسف الربكي يف جواب رسالته اليت‬
‫كتبها مشتملة على االعراض عن الكفر احلقيقي ومشعرة ابالقبال على االسالم‬
‫احلقيقي وما يناسب ذلك}‬
‫‪- 830 -‬‬

‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ان الرسالة املسطورة اليت احلتموها‬
‫على موالان عبد احلي لرييها مل يرها يف هذه املدة ويوم سافر موالان اببو احضرها وملا‬
‫طالعناها صارت ابعثة على الفرح لكوهنا مشتملة على االعراض عن الكفر ومشعرة‬
‫ابالقبال على االسالم كما ان االسالم اجملازي افضل من الكفر اجملازي اسالم الطريقة‬
‫ايضا أفضل من كفر الطريقة وكفر الطريقة كله سكر واسالم الطريقة كله صحو و كما ان‬
‫الصحو اجملازي افضل من السكر اجملازي صحو الطريقة ايضا افضل من سكر الطريقة مثرة‬
‫كفر الطريقة تشبيه ونتيجة اسالم الطريقة تنزيه والفرق الذي بني التشبيه والتنزيه هو فرق‬
‫ما بني كفر الطريقة واسالم الطريقة والذين اختاروا اجلمع بني التشبيه والتنزيه واعتقدوه‬
‫كماال ذاك التنزيه ايضا من مجلة تشبيه رأوه تنزيها واال فاين اجملال للتشبيه حت جيتمع مع‬
‫التنزيه احلقيقي وال يصري مضمحال ومتالشيا يف تشعشع انواره {شعر}‪:‬‬
‫ومت بدت انوار بدر يف الدجا * ما للسهى من حيلة سوى االختفا‬
‫شرف هللا سبحانه و تعاىل حبقيقة االسالم احلقيقي ابلنيب وآله االجماد عليه وعليهم‬
‫الصلوات و التسليمات وحيث كان موالان اببو مهيئا للسفر وقع االختصار على كلمات‬
‫و السالم عليكم و على من لديكم‪.‬‬

‫{املكتوب الثمانون اىل الشيخ حامد النهاري يف جواب سؤاله عن قول عني‬
‫القضاة يف متهيداته ان الذي تعتقدونه اهلا هو عندان حممد صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫والذي تعتقدونه حممدا هو عندان اله جل سلطانه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الصحيفة الشريفة املرسلة من‬
‫كمال احملبة واالخالص ووفور املودة واالختصاص واورثت فرحا وافرا رزق هللا سبحانه‬
‫االستقامة على هذه الدولة فان حمب كل طائفة مع هذه الطائفة املرء مع من احب‬
‫حديث نبوي عليه و على آله الصالة و السالم واستفسرت عن معن عبارة متهيدات عني‬
‫القضاة انه قال ان الذي تعتقدونه اهلا هو عندان حممد عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫‪- 831 -‬‬

‫والذي تعتقدونه حممدا صلّى هللا عليه و سلّم هو عندان اله جل سلطانه (ايها املخدوم)‬
‫ان امثال هذه العبارة املنبئة عن التوحيد واالحتاد تصدر عن املشائخ قدس هللا اسرارهم يف‬
‫غلبات السكر اليت هي مرتبة اجلمع واملعربة عنه بكفر الطريقة فاهنم الرتفاع االمتياز‬
‫واالثنينية عن نظرهم جيدون املمكن عني الواجب تعاىل بل ال جيدون املمكن اصال وال‬
‫يبقى يف شهودهم غري الواجب تعاىل فمعن هذه العبارة على هذا التقدير ان االمتياز‬
‫احلاصل بني هللا جل وعال وبني حممد عليه الصالة و السالم عندكم ليس هذا االمتياز‬
‫بثا بت عندان وال مغايرة بينهما بل ذاك الواحد الذي هو منزه عن الواحدية عني ذاك‬
‫اآلخر فانه اذا ارتفعت نسبة املغايرة اىل سائر املمكنات كيف تكون نسبة االمتياز اثبتة‬
‫حملمد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم الذي هو املظهر االمت لكماالته تعاىل وهذه الرؤية‬
‫خمصوصة مبرتبة اجلمع فاذا ترقى السالك من هذا املقام وفتح عينه من افراط السكر جيد‬
‫حممدا صلّى هللا عليه و عليه آله الصالة و السالم عبده ورسوله تعاىل كما وجده يف‬
‫االبتداء كذلك ولعلك مسعت قوهلم النهاية هي الرجوع اىل البداية اعلم ان االشرتاك بني‬
‫املبتدئ واملنتهى يف الصورة فقط اليت هي قباب املنتهى واال {ع}‪:‬‬
‫ما نسبة العرشي للفرشي‬
‫فاذا مل تكن للمتوسط نسبة مع املنتهى كيف تكون للمتبدئ البعيد عن املعاملة‬
‫نسبة معه ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير و السالم عليكم و على من‬
‫لديكم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والثمانون اىل حممد مراد القوربيكي يف النصائح والتحذير‬


‫عن االغرتار مبزخرفات الدنيا الدنية وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اخشى من ان ينخدع االصحاب‬
‫اولو االلباب مثل االطفال مبزخرفات الدنيا الدنية اليت هلا طراوة وحالوة يف الظاهر‬
‫وأخاف ميالهنم من املباح اىل امل شتبه ومن املشتبه اىل احملرم فيبقون خجلني منفعلني من‬
‫‪- 832 -‬‬

‫موالهم ينبغي ان يكون يف التوبة واالانبة قدم راسخ وان يعتقد املنهيات الشرعية مسا قاتال‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫وهذا لكم نصحي صحايب فانكم * كطفل ودنياان كبيت مزخرف‬
‫وقد جعل هللا سبحانه و تعاىل بكرمه دائرة املباح وسيعة فما اشقى من يظن كل‬
‫هذه الوسعة ضيقة من ضيق صدره ويضع قدمه فيما وراء هذه الدائرة الوسيعة ويتجاوز‬
‫احلدود الشرعية ويقع يف املشتبه واحملرم ينبغي للعاقل ان يلتزم احلدود الشرعية وان ال‬
‫يتجاوزها مقدار شعرة املصلون والصائمون حبسب الرسم والعادة كثري ولكن املتقون‬
‫املتورعون احملافظون على احلدود الشرعية اقل قليل والفارق املميز بني احملق واملبطل هو‬
‫هذا االتقاء والتورع فان الصوم والصالة حبسب الصورة يصدران من كليهما قال عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم مالك دينكم الورع وقال ايضا عليه الصالة و السالم ال تعدل‬
‫ابلرعة شيئا واالصحاب وا ن كانوا أيكلون أطعمة لذيذة ويلبسون ألبسة مجيلة ولكن‬
‫االلتذاذ واالنتفاع يف طعام الفقراء ولباسهم ذلك للملوك وهذا للصعلوك والفرق بينهما‬
‫كثري فان ذاك بعيد عن رضي املوىل جل سلطانه وهذا قريب من رضاه تعاىل وايضا‬
‫حماسبة ذاك ثقيلة وحماسبة هذا خفيفة ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من أمران رشدا‬
‫وقد وفق احملظ وظ سلطان مراد للتوبة واالانبة واخذ الطريقة واملسؤل من هللا سبحانه‬
‫الثبات واالستقامة و السالم عليكم و على سائر االخوان‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والثمانون اىل اخلواجه شرف الدين احلسني يف التحذير عن‬
‫الدنيا الدنية والتحريض على الشريعة الغراء وما يناسب ذلك}‬
‫اللهم صغر الدنيا ابعيننا وكرب اآلخرة يف قولوبنا حبرمة حبيبك حممد عليه و على‬
‫آله الصالة و السالم أيها الولد العزيز صاحب التميز اايك والرغبة يف زخارف الدنيا الدنية‬
‫واالخنداع ابلشوكة الفانية وعليك ابلسعي يف العمل مبقتضى الشريعة الغراء يف مجيع‬
‫احلركات والسكنات واملعيشة على وفق امللة الزهراء فال بد اوال من تصحيح االعتقاد‬
‫‪- 833 -‬‬

‫مبقتضى ارآء علماء أهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم فانه ضروري وبعد ذلك‬
‫يصرف عنان اهلمة اىل اتيان االحكام الفقهية العملية فينبغي االهتمام التام يف أداء‬
‫الفرائض واالحتياط يف احلل واحلرمة والعبادات النافلة يف جنب الفرائض كاملطروح يف‬
‫الطريق وساقطة عن االعتبار واكثر الناس يف هذا الوقت يف ترويج النوافل وختريب‬
‫الفرائض يهتمون يف اتيان نوافل العبادات ويعدون الفرائض حقرية وعدمية االعتبار يعطون‬
‫مبلغا كليا للمستحق وغري املستحق بتقريب وبغري تقريب ولكن اعطاء فلس يف ادآء‬
‫الزكاة للمصرف متعسر عليهم وال يدرون ان اعطاء فلس من الزكاة للمصرف خري هلم من‬
‫اعطاء الوف صدقة انفلة فان يف اعطاء الزكاة جمرد امتثال امر املوىل جل سلطانه ويف‬
‫الصدقة النافلة كثري ما يكون املنشأ اهلواء النفساين وهلذا ال مساغ للرايء يف الفرض واما‬
‫النفل ففيه جمال للرايء ومن ههنا كان االوىل يف أداء الزكاة االظهار لنفي التهمة ويف‬
‫الصدقة النافلة االخفاء لكونه أليق ابلقبول وابجلملة ال بد من التزام االحكام الشرعية‬
‫حت يتصور اخلالص من مضرة الدنيا فان مل تتيسر حقيقة ترك الدنيا ينبغي ان ال يقصر‬
‫يف الرتك احلكمي وهو التزام الشريعة يف االقوال واالفعال وهللا سبحانه املوفق و السالم‬
‫على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والثمانون اىل املريماه حممود يف بيان ان حمبة هذه الطائفة‬
‫العلية رأس بضاعة مجيع السعادات وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى احوال فقراء هذه احلدود واوضاعهم‬
‫مستوجبة للحمد واملسؤل من هللا سبحانه سالمتكم وعافتيكم وثباتكم واستقامتكم على‬
‫جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والربكة والتحية الطريقة اليت‬
‫اخذها األخ االعز االرشد من هذا الفقري وان مل ترتتب على ذلك االخذ بواسطة قلة نيل‬
‫الصحبة اليت هي اصل عظيم عند هؤالء االكابر بركات ومثرات الئقة ولكن اذا بقيت مشة‬
‫احليب الذي هو من لوازم تعليم الطريقة فهي دولة عظيمة الن املرء مع من‬
‫من االرتباط ّ‬
‫‪- 834 -‬‬

‫احب والربكة االوىل اليت حتصل يف اول صحبة ملبتدئ رشيد من هذه الطريقة العلية دوام‬
‫توجه القلب اىل املطلوب احلقيقي جل سلطانه ودوام التوجه هذا يوصل يف فرصة يسرية‬
‫اىل نسيان السوي حبيث لو وف عمر السالك فرضا الف سنة ال خيطر على قلبه غري احلق‬
‫سبحانه بواسطة حصول نسيان السوى له بل لو ذكروه ابلسوى ابلتكلف والتعمل ال‬
‫يكا د يتذكر فاذا حصلت هذه النسبة فقد وضع قدم اول يف الطريقة فماذا اكتب من‬
‫القدم الثاين والثالث والرابع اىل ما شاء هللا تعاىل القليل يدل على الكثري والقطرة تنبئ عن‬
‫الغدير املقصود ترغيب االحبة نفع هللا عز وجل واوردان يف هذا القيل والقال امليان عبد‬
‫العظيم ببيان حم بتكم واالخبار عن اخالصكم السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى‬
‫والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والثمانون اىل الشيخ محيد البنگايل}‬


‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد اختار‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫اخي الشيخ ميان محيد انزواء عجيبا حبيث ان اجملال فيه للكالم و السالم ايضا قليل حت‬
‫مل يصل يف مدة سبع سنني او مثاين سنني من جانبكم اال كتاب واحد وهو ايضا غري اتم‬
‫وال يعلم انه هل تصل املكاتيب املرسلة من هذا اجلانب اليكم او ال وملا كان اخي االعز‬
‫الشيخ عبد احلي يف صدد التوجه اىل وطنه امرته ان يوصل نفسه اليكم وان يطلع على‬
‫احوالكم والشيخ عبد احلي كان يف اخلدمة قريبا من مخس سنني وكان اكثر خدمات‬
‫احلضور متعلقا به وهو راين من علوم الفقري و معارفه وخبري ابحوال السلوك واجلذبة‬
‫وامرت املشار اليه أبن يقيم يف منزلكم اايما وان يورد يف البني ما يناسب الوقت واحلال‬
‫من العلوم واملعارف وينبغي لكم ان تطلعوا املشار اليه على احوالكم املاضية وما هو نقد‬
‫الوقت من االحوال واملواجيد كلها وان تقبلوا كلما ينصح به وابقي االحوال يبينه املشار‬
‫اليه لكم ان شاء هللا تعاىل و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى‪.‬‬
‫‪- 835 -‬‬

‫{املكتوب اخلامس والثمانون اىل الشيخ نور حممد}‬


‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى احوال فقراء هذه احلدود واوضاعهم‬
‫مستوجبة للحمد واملسؤل من هللا سبحانه استقامتكم واخي الشيخ ميان عبد احلي من‬
‫بالدكم وانزل يف جواركم وهو نسخة العلوم واملعارف الغريبة وضرورايت هذا الطريق‬
‫مودعة عنده ومالقاته مغتنمة لالصحاب النائني فانه قريب عهد ابلصحبة واستصحب‬
‫معه اشياء جديدة وعنده عالمة من الفناء والبقاء وبيان من السلوك واجلذبة بل هو خبري‬
‫من ما وراء الفناء والبقاء املتعارفني واجلذبة والسلوك املقررين بل ميكن ان يقال ان له ممرا‬
‫فيها واكثر معارف املكتوابت الغريبة قد قرعت مسعه وادركها ابالستفسار مهما امكن‬
‫وهللا سبحانه املوفق ويعلم االحوال من املشار اليه ابلتفصيل فال نشتغل ابلزوائد و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والثمانون اىل الشيخ طاهر البدخشي يف جواب كتابه}‬


‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الصحيفة الشريفة من االخ‬
‫االعز واتضح ما اندرج فيها من بيان االحوال واملعارف واورث السرور والفرح ما اعظم‬
‫دولة توجه احملبني واملخلصني اىل جناب قدسه تعاىل انفضني ايديهم من الكل واقباهلم‬
‫عليه سبحانه بكليتهم ضاربني السوى أبرجلهم وابقي كيفيات هذه احلدود لعل االخ‬
‫الشيخ عبد احلي يبينها والعلوم اللسانية واملعارف الكتابية كثرية عند هذا املشار اليه وهلذا‬
‫مل نكتب شيئا من تلك املقولة جعل هللا عواقب مجيع االمور ابخلري ابلنيب وآله االجماد‬
‫عليه وعليهم الصالة و السالم والتحية‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والثمانون اىل الفتح خان االفغاين يف النصائح}‬


‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصل املكتوب الشريف املنبئ عن‬
‫كمال حمبة الفقراء واخالصهم رزق هللا سبحانه االستقامة على حمبة هؤالء الفقراء‬
‫‪- 836 -‬‬

‫والنصحية اليت انصح هبا االحبة ذوي السعادة اتباع السنة السنية على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية واالجتناب عن البدعة الغري املرضية فان من أحىي سنة من السنن اليت‬
‫صارت مرتوكة العمل هبا فله ثواب مائة شهيد فكيف من احىي فرضا من الفرائض او‬
‫واجبا من الواجبات فتعديل االركان يف الصالة الذي هو واجب عند أكثر العلماء احلنفية‬
‫وفرض عند االمام ايب يوسف واالمام الشافعي وسنة عند بعض العلماء احلنفية صار‬
‫مرتوكا عند اكثر الناس فأجر احياء هذا العمل الواحد يكون ازيد من ثواب مائة شهيد‬
‫يف سبيل هللا و على هذا القياس سائر االحكام الشرعية من احلل واحلرمة والكراهة وغريها‬
‫وقالوا ان رد نصف دانق اىل شخص اخذه عنه ظلما بال وجه شرعي افضل من ان‬
‫يتصدق مائ يت درهم وقالوا لو كان لشخص من العمل الصاحل مثل عمل نيب وبقى يف‬
‫ذمته حق شخص مقدار نصف دانق ال يدخل اجلنة حت يؤدي ذلك وابجلملة ينبغي ان‬
‫يكون متوجها اىل الباطن بعد جعل الظاهر حملى ابتيان االحكام الشرعية لئال يكون‬
‫العمل خمتلطا ابلغفلة والتحلي ابالحكام الشرعية بدون امداد الباطن متعذر وظيفة‬
‫العلماء االفتاء وشغل اهل هللا العمل واالهتمام يف الباطن مستلزم لالهتمام يف الظاهر‬
‫والذي يهتم ابلباطن ويعجز عن الظاهر فهو ملحد واحواله الباطنية استدراجاته وعالمة‬
‫صحة حال الباطن حتلي الظاهر ابالحكام الشرعية وطريق االستقامة هو هذا وهللا‬
‫سبحانه املوفق‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والثمانون اىل املال بديع الدين يف بيان الرضاء ابلقضاء}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى العبد املقبول من يكون راضيا بفعل‬
‫مواله والذي هو اتبع لرضاء نفسه فهو عبد نفسه فلو امر املوىل سكينا على حلقوم العبد‬
‫ينبغي ان يكون العبد مسرورا ومبتسما يف ذلك الوقت وان جيد فعل مواله ذلك مرضيا‬
‫لنفسه بل ينبغي ان يكون متلذذا به فلو حصلت له الكراهة من ذاك الفعل عياذا ابهلل‬
‫سبحانه وضاق منه صدره فهو بعيد عن دائرة العبودية ومطرود عن قرب املوىل ومهجور‬
‫‪- 837 -‬‬

‫وحيث كان الطاعون مراده سبحانه و تعاىل ينبغي ان يعده مراد نفسه وان يكون مسرورا‬
‫به ومتبسما وان ال يكون عبوسا وضيق الصدر من استيالء الطاعون بل ينبغي ان يكون‬
‫متلذذا به لكونه فعل احملبوب ولكل احد اجل مسمى ال احتمال فيه للزايدة والنقصان‬
‫فما معن اال ضطراب وغاية ما يف الباب ينبغي ان يطلب العافية من البلية وااللتجاء اليه‬
‫سبحانه من السخط فان رضاه تعاىل يف دعاء العبد وسؤاله قال ربكم ادعوين استجب‬
‫لكم جاء موالان عبد الرشيد وبني احوال تلك البقعة عافاكم هللا سبحانه عن البليات‬
‫الظاهرة والباطنة‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والثمانون اىل السيد مري حمب هللا يف النصيحة}‬


‫ثبتنا هللا سبحانه واايكم على جادة آابئكم الكرام حبرمة حبيبه سيد االانم عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم احوال فقراء هذه احلدود واوضاعهم مستوجبة للحمد هلل‬
‫سبحانه احلمد واملنة دائما و على نبيه الصالة و السالم سرمدا واملسؤل من هللا سبحانه‬
‫سالمتكم وعافيتكم وثباتكم واستقامتكم (ايها) املخدوم املكرم املشفق قد متضي اوقات‬
‫االشتغال ابلعمل كلما مير آن ينقص شيئ من العمر ويقرب االجل املسمى فلو مل حيصل‬
‫التنبه اليوم ال يكون نقد الوقت غدا غري احلسرة والندامة ينبغي االهتمام يف املعاملة على‬
‫وفق الشريعة الغراء يف هذه االايم املعدودة حت تتصور النجاة وهذا الوقت وقت العمل ال‬
‫وقت الراحة فان الراحة اليت هي مثرة العمل امامنا واالسرتاحة يف وقت العمل تضييع‬
‫للزراعة ومنع هلا عن الثمرات والزايدة على ذلك تصديع نسأل هللا سبحانه حصول الدولة‬
‫الصورية واملعنوية‪.‬‬

‫{املكتوب التسعون اىل املرزا عرب خان يف تفويض شخص}‬


‫أيدكم هللا سبحانه ونصركم على االعداء اآلفاقية واالنفسية وجناكم عن البليات‬
‫الصورية واملعنوية قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اخللق عيال هللا وأحب اخللق اىل‬
‫‪- 838 -‬‬

‫هللا من احسن اىل عياله وقد تكفل احلق سبحانه ابرزاق اخلالئق فتكون اخلالئق مبنزلة‬
‫عياله تعاىل ومن واسى عيال شخص وحتمل ثقله يكون حمبوب صاحب العيال ألبتة‬
‫حيث خفف عنه برفع مؤنته بناء على ذلك جنرتئ على التصديع ان احلافظ حامد رجل‬
‫صاحل واتيل القرآن اجمليد وقد يشوشه كثرة العيال وانه ال يقدر اخلروج عن عهدة تربيتهم‬
‫واملسؤل من كرمكم امداد املشار اليه واعانته ويكفي الكرماء للكرم علة جزئية و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والتسعون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد يف بيان‬
‫اسرار قاب قوسني أو أدىن}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى امسع سرا عظيما يف مقام قاب‬
‫قوسني او ادىن ان االنسان الكامل اذا حتقق ابلسري يف هللا بعد السري اىل هللا وختلق‬
‫ابخالق هللا وأمت هذا السري ايضا بطريق االمجال وامت دوائر ظهور عكوس االمساء‬
‫والصفات اليت متامها مربوط ابلسري يف هللا يصري الئقا ومستحقا الن يظهر فيه املعشوق‬
‫ابالصالة بال شا ئبة الظلية وبال توهم احلالية واحمللية وحيث ال انفكاك لصفات املعشوق‬
‫الذاتية عن ذاته يكون ظهور الذات مع الصفات يف عني العاشق ابلضرورة وحيصل‬
‫القوسان يعين قوس الصفات وقوس الذات وهذا املقام االعلى مقام قاب قوسني الذي‬
‫هو متعلق بظهور االصل بال شائبة الظل واذا ظهر يف العاشق الصادق بعناية هللا سبحانه‬
‫كمال االرتباط والتعلق بذات املعشوق على حد ال يريد شيئا من االسم والصفة ففي‬
‫هذا الوقت يسترت االسم والصفة بفضل هللا جل سلطانه عن نظره ابلتمام وال يبقى‬
‫ملحوظه ومشهوده شيئا غري الذات وان كانت الصفات موجودة ولكنها ال تكون‬
‫مشهودة له فيظهر يف هذا احلال سر او ادىن وال يبقى اثر من القوسني فاذا وقع اهلبوط‬
‫من هذا املقام االعلى يقع وضع القدم االول يف عامل اخللق بل جيلس يف عنصر الرتاب‬
‫وهذا العنصر الطاهر مع وجود بعده عن عامل القدس وكونه مهجورا عنه اقرب اىل عامل‬
‫القدس من الكل واذا نظران اىل النزول واهلبوط جند دولة القرب نصيب عامل اخللق بل‬
‫‪- 839 -‬‬

‫نصيب عنصر الرتاب نعم اذا الحظنا النقطة االوىل من الدائرة يف جانب العروج جند‬
‫اقرب النقط اىل ذلك اجلانب النقطة الثانية من تلك الدائرة واذا الحظنا يف جانب اهلبوط‬
‫جند اقرب النقط اىل النقطة االوىل النقطة االخرية مقبلة ومتوجهة اىل النقطة االوىل وشتان‬
‫ما بني املقبل واملعرض والنقطة الثانية هلا ميل اىل ظهورات النقطة االوىل والنقطة االخرية‬
‫خملفة للظهورات وراء ظهرها ومريدة للذات الظاهرة فاين هو من ذاك ربنا آتنا من لدنك‬
‫رمحة وهئ لنا من امران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والتسعون اىل املري حممد نعمان يف بيان ان الوالية عبارة عن‬
‫قرب اهلي جل سلطانه وليست اخلوارق والكرامات من شرطها وبيان حكم سجدة‬
‫التحية للسالطني وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ليطب وقت االخ االعز السيد مري‬
‫حممد نعمان وليعلم ان ظهور اخلوارق والكرامات ليس من شرط الوالية وكما ان العلماء‬
‫ليسوا مكلفني حبصول اخلوارق االولياء ايضا ليسوا مكلفني بظهور اخلوارق فان الوالية‬
‫عبارة عن قرب اهلي جل سلطانه يكرم به اولياؤه بعد نسيان السوى شخص يعطى هذا‬
‫القرب وال يعطى االطالع على احوال املغيبات واحملداثت وشخص اثن يعطى هذا‬
‫القرب ويعطى االطالع ايضا على املغيبات واحملداثت وشخص اثلث ال يعطي من القرب‬
‫شيئا ويعطى االطالع على املغيبات وهذا الشخص الثالث من اهل االستدراج وجعله‬
‫صفاء النفس مبتلى بكشف املغيبات والقاه يف الضاللة وآية و حيسبون اهنم على شئ اال‬
‫اهنم هم الكاذبون استحوذ عليهم الشيطان فانساهم ذكر هللا اولئك حزب الشيطان اال‬
‫ان حزب الشيطان هم اخلاسرون عالمة حاهلم والشخص االول والشخص الثاين اللذان‬
‫مشرفان بدولة القرب من اولياء هللا تعاىل ال يزيد كشف املغيبات شيئا يف واليتهم وال‬
‫ينقص عدم الكشف شيئا من واليتهم والتفاوت بينهم امنا هو ابعتبار درجات القرب‬
‫وكثريا ما يكون صاحب عدم كشف الصور الغيبية افضل من صاحب كشف تلك الصور‬
‫‪- 840 -‬‬

‫واسبق منه قدما بواسطة مزية القرب احلاصل له صرح هبذا املعن صاحب العوارف الذي‬
‫هو شيخ الشيوخ ومقبول مجيع الطوائف يف كتابه العوارف فمن مل يصدق هذا الكالم مين‬
‫فلرياجع ذلك الكتاب فانه ذكر فيه بعد ذكر الكرامات واخلوارق وكل هذه مواهب هللا‬
‫تعاىل وقد يكاشف هبا قوم ويعطي وقد يكون فوق هؤالء من ال يكون له شئ من هذا‬
‫الن هذه كلها تقوية اليقني ومن منح صرف اليقني ال حاجة له اىل شئ من هذا فكل‬
‫هذه الكرامات دون ما ذكرانه من جتوهر الذكر يف القلب ووجود ذكر الذات انتهى قال‬
‫امام هذه الطائفة اخلواجه عبد هللا االنصاري امللقب بشيخ االسالم يف كتابه منازل‬
‫السائرين ان الفراسة على نوعني فراسة اهل املعرفة وفراسة أهل اجلوع والرايضة ففراسة‬
‫اهل املعرفة يف متييزهم من يصلح حلضرة هللا جل وعال ممن ال يصلح ومعرفتهم اهل‬
‫االستعداد الذين اشتغلوا بذكر هللا سبحانه ووصلوا اىل حضرة اجلمع وفراسة اهل الرايضة‬
‫وارابب اجلوع خمصوصة بكشف الصور واالخبار عن املغيبات املختصة ابملخلوقات وملا‬
‫كان العامل اكثرهم اهل انقطاع عن هللا سبحانه واشتغال ابلدنيا مالت قلوهبم اىل اهل‬
‫كشف الصور واالخبار عما غاب من احوال املخلوقات فعظموهم واعتقدوا اهنم من أهل‬
‫هللا وخاصته واعرضوا عن كشف اهل احلقيقة واهتموهم فيما خيربون عن هللا سبحانه وقالوا‬
‫لو كان هؤالء اهل هللا كما يزعمون ألخربوان عن احوالنا الغيبية وأحوال سائر املخلوقات‬
‫واذا كانوا ال يقدرون على كشف احوال املخلوقات فكيف يقدرون على كشف امور‬
‫اعلى من هذه وكذبوهم يف فراستهم املتعلقة بذات الواجب وصفاته جل وعال هبذا القياس‬
‫الفاسد وعميت عليهم االنباء الصحيحة ومل يعلموا ان هللا قد محى هؤالء عن مالحظة‬
‫اخللق وخصهم جبناب قدسه وشغلهم عما سواه محاية هلم وغرية عليهم ولو كانوا ممن‬
‫يتعرضون الحوال اخللق ما صلحوا للحق سبحانه انتهى كالمه وقال كلمات اخر ايضا‬
‫امثال ذلك واان مسعت حضرة شيخي قدس سره يقول كتب الشيخ حميي الدين بن العريب‬
‫ان بعض االولياء الكرام الذي ظهرت منه كرامات وخوارق كثرية ندم يف آخر النفس من‬
‫ظهور تلك الكرامات وقال متنيا اي ليت هذه الكرامات مل تظهر مين فلو كان التفاضل‬
‫‪- 841 -‬‬

‫ابعتبار كثرة ظهور اخلوارق ال يكون للندامة على ذلك الطور معن (فان قيل) اذا مل يكن‬
‫ظهور اخلوارق شرطا يف الوالية كيف يتميز الويل من غري الويل وكيف يتبني احملق من‬
‫املبطل (اجيب) ال يلزم التمييز بل يكون احملق ممتزجا ابملبطل فان اختالط احلق ابلباطل‬
‫الزم هلذه النشأة الدنيوية والعلم بوالية ويل ليس بالزم اصال وكثري من اولياء هللا تعاىل ال‬
‫اطالع هلم على واليتهم فكيف يكون االطالع على واليتهم الزما لغريهم ويف النيب ال بد‬
‫من اخلوارق ليتميز النيب من غري النيب فان العلم بنبوة نيب واجب والويل ملا كان داعيا اىل‬
‫شريعة نبيه كفاه معجزة نبيه فلو كان الويل يدعو اىل ما وراء الشريعة ملا كان له بد من‬
‫خارق وحيث كانت دعوته خمصوصة بشريعة نيب ال يلزم اخلارق اصال العلماء يدعون اىل‬
‫ظاهر الشريعة واالولياء يدعون اىل ظاهر الشريعة وابطن الشريعة يدلون املريدين والطالبني‬
‫اوال على التوبة واالانبة ويرغبوهنم يف اتيان االحكام الشرعية ويهدوهنم اثنيا اىل طريق ذكر‬
‫احلق جل وعال ويؤكدون يف استغراق مجيع اوقاهتم ابلذكر االهلي جل سلطانه اىل ان‬
‫يستويل الذكر وال يبقى يف القلب غري املذكور اصال ليحصل النيسان عن مجيع ما سوى‬
‫املذكور حت لو كلف بتذكر االشياء ال يكاد يتذكر ومن اليقني انه ال حاجة للويل الجل‬
‫هذه الدعوة اليت تتعلق بظاهر الشريعة وابطنها اىل اخلوارق اصال والشيخوخة واملريدية‬
‫عباراتن عن هذه الدعوة اليت ال تعلق هلا ابخلوارق وال مساس هلا ابلكرامة مع اان نقول ان‬
‫املريد الرشيد والطالب املستعد حيس يف كل ساعة يف اثناء سلوك الطريق خوارق شيخه و‬
‫كراماته ويستمد منه يف املعاملة الغيبية يف كل زمان وجيد منه فيها مددا وظهور اخلوارق‬
‫ابلنسبة اىل االغيار ليس بالزم واما ابلنسبة اىل املريدين فكرامات يف كرامات وخوارق يف‬
‫خوارق وكيف ال حيس املريد خوارق الشيخ‪ .‬فان الشيخ احيا القلب امليت واوصل اىل‬
‫املكاشفة واملشاهدة فاذا كان عند العوام االحياء اجلسدي عظيم الشان فعند اخلواص‬
‫االحياء القليب والروحي برهان رفيع البنيان كتب اخلواجه حممد اپرسا قدس سره يف الرسالة‬
‫القدسية وملا كان االحياء اجلسدي معتربا عند اكثر الناس اعرض عنه اهل هللا واشتغلوا‬
‫ابالحياء الروحي وتوجهوا اىل احياء القلب امليت واحلق ان االحياء اجلسدي ابلنسبة اىل‬
‫‪- 842 -‬‬

‫االحياء القليب والروحي كاملطروح يف الطريق وداخل يف العبث ابلنظر اليه فان هذا االحياء‬
‫سبب حياة اايم معدودة وذاك االحياء وسيلة للحياة الدائمية بل نقول ان وجود اهل هللا‬
‫يف احلقيقة كرامة من الكرامات ودعوهتم اخللق اىل احلق جل سلطانه رمحة من رمحات هللا‬
‫تعاىل واحياؤهم القلوب امليتة آية من اآلايت العظمى وهم أمان اهل االرض وغنائم االايم‬
‫هبم ميطرون وهبم يرزقون وارد يف شأهنم كالمهم دواء ونظرهم شفاء هم جلساء هللا وهم‬
‫قوم ال يشقى جليسهم وال خييب انيسهم والعالمة اليت يتميز هبا حمق هذه الطائفة من‬
‫مبطلهم هي انه اذا كان شخص له استقامة على الشريعة وحيصل للقلب يف جملسه ميل‬
‫وتوجه اىل احلق سبحانه و تعاىل ويفهم حصول برودة عما سواه تعاىل فذلك الشخص‬
‫شخص حمق والن يعد من االولياء على تفاوت الدرجات مستحق وهذا ايضا ابلنظر اىل‬
‫ارابب املناسبة والذي ال مناسبة له فهو حمض حمروم مطلق {شعر}‪:‬‬
‫من مل يكن يف نفسه ميل اهلدى * فشهوده وجه النيب ال ينفعه‬
‫وقد اندرجت يف املكتوب الشريف مشة من طلب سلطان الوقت هلل تعاىل من‬
‫حسن النشأة ووقع رمز اىل العدالة والتزام االحكام الشرعية فاورثت مطالعة ذلك فرحا‬
‫وافرا وذوقا كما ان احلق سبحانه نور العامل بنور عدل سلطان الوقت وعدالته نصر الشريعة‬
‫احملمدية واعز امللة املصطفوية ايضا حبسن اهتمامه ايها احملب حبكم الشريعة حتت السيف‬
‫رواج الشريعة الغراء مربوط حبسن اهتمام السالطني العظام وهذا املعن قد طرأ عليه‬
‫الضعف من منذ اوقات فصار االسالم ضعيفا ابلضرورة وطفق كفار اهلند يهدمون‬
‫املساجد بال حتاش ويعمرون يف مواضعها معابدهم كان يف اتنيسر يف داخل حوض‬
‫كركيهت مسجد وقرب واحد من االعزة فهدموه وبنوا موضعه ديرا كبريا وايضا الكفار‬
‫جيرون مراسم الكفر على املأل كما شاؤا واملسلمون عاجزون عن اجراء احكام االسالم‬
‫ويوم الكادس للهنود الذين يرتكون فيه االكل والشرب يهتمون يف ان ال يطبخ وال يبيع‬
‫احد من املسلم ني خبزا يف أسواق بالد املسلمني ويف شهر رمضان املبارك يطبخون اخلبز‬
‫والطعام يف املأل ويبيعون وال يقدر احد من ضعف االسالم على منعه اي أسفا على ذلك‬
‫‪- 843 -‬‬

‫مائة الف أسف سلطان الوقت منا وحنن الفقراء هبذا الضعف والوهن وقد قوي االسالم‬
‫ابكرام أصحاب الدولة واعزازهم اايه وكان العلماء والصوفية معززين وحمرتمني وكانوا‬
‫جيتهدون يف ترويج الشريعة بتقوية هؤالء ومسعت ان األمري تيمور عليه الرمحة كان يوما مير‬
‫من بعض ازقة خبارى وكان دراويش خانقاه اخلواجه النقشبند ينفضون فرش خانقاه‬
‫اخلواجه اتفاقا فتوقف االمري يف ذلك احملل من حسن نشأته االسالمية حت جعل غبار‬
‫اخلانقاه عنربا لنفسه وصندال يتشرف بربكات فيوض الدراويش ولعله هبذا التواضع‬
‫واالنكسار تشرف حبسن اخلامتة نقل ان حضرة اخلواجه النقشنبد قدس سره قال بعد وفاة‬
‫االمري تيمور أمري مرد و اميان يرد[‪ ]1‬يعين مات االمري واستصحب اميانه هل تعلم ما وجه‬
‫نزول اخلطباء اىل درجة سفلية عند ذكر اسامي السالطني يف خطبة اجلمع هو تواضع‬
‫السالطني العظام ابلنسبة اىل نبينا وخلفائه الراشدين عليه وعليهم الصالة و السالم ومل‬
‫جيوزوا ان تذكر اساميهم مع اسامي اكابر الدين يف درجة واحدة شكر هللا تعاىل سعيهم‬
‫(تذييل) أيها االخ ان السجدة اليت هي عبارة عن وضع اجلبني على االرض متضمنة‬
‫لنهاية التذلل واالنكسار ومشتملة على كمال التواضع واالفتقار وهلذا جعلوا هذا القسم‬
‫من التواضع خمصوصا بعبادة واجب الوجوب جل سلطانه ومل جييزوه لغريه تعاىل نقل ان‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كان يوما ميشي على طريق فجاء اعرايب فطلب منه‬
‫معجزة حت يؤمن فقال له صلّى هللا عليه و سلّم قل هلذه الشجرة ان رسول هللا يطلبك‬
‫فتحركت وانقلعت عن حملها وجاءت حت وقفت بني يدي رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم فلما شاهد االعرايب هذا احلال أسلم وقال ائذن يل اسجد لك اي رسول هللا قال ال‬
‫جتوز السجدة لغري هللا تعاىل لو أمرت احدا ان يسجد الحد المرت املرأة ان تسجد‬
‫لزوجها وبعض الفقهاء وان جوزوا سجدة التحية للسالطني ولكن الالئق حبال السالطني‬
‫العظام ان يتواضعوا يف هذا االمر حلضرة احلق سبحانه و تعاىل وان ال جيوزوا هناية التذلل‬

‫(‪ )1‬هذا هو املشهور بني اهل خبارى وقائله غري اخلواجه النقشبند قدس سره يف احلقيقة فان اخلواجه النقشبند تويف قبل‬
‫موت تيمرلنك بسة عشرة سنة حملرره‪.‬‬
‫‪- 844 -‬‬

‫واالنكسار ه ذه لغريه تعاىل وقد سخر هلم هللا سبحانه العامل واحوجهم اليهم فينبغي اداء‬
‫شكر هذه النعمة العظمى وان خيصصوا مثل هذا التواضع املنبئ عن كمال العجز‬
‫واالنكسار جبناب قدسه تعاىل وأن ال جيوزوا الشركة معه تعاىل يف هذا االمر وان جوز‬
‫مجع هذا املعن ولكن ينبغي حلسن تواضعهم ان ال جيوزوه هل جزاء االحسان اال‬
‫االحسان وحيث ان سلطان الوقت نزل اىل دار اخلالفة راجعا من اقصى ممالكه حيتمل ان‬
‫يوصل هذا الفقري نفسه عن قريب اىل دار اخلالفة مبشيئة هللا تعاىل والباقي عند التالقي و‬
‫السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و التسليمات‬
‫العلى‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والتسعون اىل اخلواجه هاشم البدخشي الكشمي يف بيان ان‬
‫لكل من لطائف عامل اخللق وعامل االمر ظاهرا وابطنا وحلوق هذا الباطن ابسم هو‬
‫قيوم العارف وبيان ان العارف يف وقت النزول اىل القلب متوجه اىل دعوة العباد‬
‫ظاهرا وابطنا}‬
‫اعلم ان عامل اخللق وعامل االمر للعارف التام املعرفة وان كان كالمها داخلني يف‬
‫الظاهر والصورة ابلنسبة اىل االسم القيوم الذي هو وجهه اخلاص ويف احلقيقة هو ابطنه‬
‫وحقيقته كما حرر حتقيقه يف مكتوب ولكن اذا الحظنا هذا الظاهر والصورة حبدة النظر‬
‫اليت هي صارت موهبة مبحض فضل هللا جل سلطانه يظهر هنا ايضا ظاهر وابطن وتبدو‬
‫صورة وحقيقة ال انه جند عامل اخللق ابلتمام ظاهرا وعامل االمر ابطنا كما ظن مجاعة بل يف‬
‫كل لطيفة من لطائف عامل اخللق واالمر صورة وحقيقة عنصر الرتاب له ظاهر وابطن‬
‫وكذلك االخفى له ظاهر وابطن وهذا الباطن الذي يتعلق بعامل اخللق وعامل االمر يكون‬
‫يوما فيوما بتوسط االعمال الصاحلة بل مبحض موهبة هللا جل سلطانه ملحقا بذاك‬
‫الباطن الذي هو مربوط ابالسم القيوم شيئا فشيئا اىل حد ال يبقى من هذا الباطن اثر‬
‫اصال وكلما هو غري الظاهر الصرف يصري خمتفيا وحلاق هذا الباطن ابالسم القيوم ليس‬
‫‪- 845 -‬‬

‫هو مبعن ان هذا الباطن يكون يف ذلك االسم وانه يتحد معه فان ذلك احلاد سبحان من‬
‫ال يتغري بذاته وال بصفاته وال ابمسائه حبدوث االكوان بل مبعن انه حتصل هلذا الباطن‬
‫نسبة اىل ذلك االسم جمهولة الكيفية تكون مومهة للحلول واالحتاد ويف احلقيقة ال حلول‬
‫وال احتاد فان ذلك مستلزم لقلب حقيقة االمكان اىل حقيقة الوجوب تعالت وتقدست‬
‫وهو حمال عقلي وزندقة يف الشريعة وذاك الظاهر الصرف الذي يبقى وان كان من عامل‬
‫الشهادة فانه مشهود ومرئي ولكنه منصبغ بلون الباطن وان كان الباطن خارجا من حيطة‬
‫الشهود واالدراك وصار ملحقا ابلغيب واخذ لونه فان الكيفي ما مل أيخذ لون الالكيفي‬
‫ومل خيرج من حيطة االدراك الكيفي ومل حيمل محوله من الشهادة اىل الغيب ال ينال نصيبا‬
‫من الالكيفي احلقيقي وال يكون مطلعا على غيب الغيب (ينبغي) ان يعلم ان هذا الظاهر‬
‫الذي بقي على حاله متميزا من الباطن وجهه اىل اخللق ابلتمام والطاعات والعبادات‬
‫الشرعية مربوطة به ومعاملة الدعوة والتكميل ايضا منوطة به وابطن هذا العارف صاحب‬
‫التكميل سواء كان متعلقا ابملراتب االمكانية او ابملقامات الوجوبية ايضا متوجه اىل‬
‫الظاهر واىل اي شئ يتوجه الظاهر يتوجه الباطن ايضا اىل تلك اجلهة الجل التكميل‬
‫والرتبية وتتميم العبادة فان هذه الدار دار العمل وهذا املوطن موطن الدعوة وحقيقة‬
‫الشهود واملشاهدة امنا هي يف اآلخرة ومعاملة الكشف واملعاينة امامنا وعبادة املعبود جل‬
‫سلطانه يف هذا املوطن افضل من االستغراق يف املعبود تعاىل وانتظار املطلوب الذي هو‬
‫انش من احملبة خري من االستهالك يف املطلوب يصدق ارابب السكر ذلك اوال وتوجه‬
‫الظاهر والباطن هذا الذي حصل لعارف صاحب تكميل اىل جانب اخللق هو اىل بلوغ‬
‫االجل املسمى الذي هو منتهى مقام الدعوة فاذا بلغ االجل يطلع على جسر املوت‬
‫ويضع قدمه يف منزل وصال احملبوب ويشرف بدولة الوصل واالتصال بال مزامحة االغيار‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫ربنا أمتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير والصالة و السالم والتحية‬
‫‪- 846 -‬‬

‫والربكة على خري خلق هللا و على اخوانه الكرام و على آله وصحبه العظام اىل يوم القيام‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والتسعون اىل موالان عبد القادر االنبايل يف بيان حقيقة الفناء‬
‫والبقاء وانفكاك العدم من حقيقة العارف وصورته وتكميل نسبة اجملاورة}‬
‫الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫اعلم ان حقائق املمكنات بعلم هذا الفقري كما كتب يف بعض املكاتيب عبارة عن‬
‫العدمات اليت هي منشأ مجيع الشر والنقص مع عكوس الصور العلمية لالمساء والصفات‬
‫االهلية جل شأنه اليت ظهرت يف تلك العدمات غاية ما يف الباب ان تلك العدمات مثل‬
‫اهليويل وتلك العكوس كالصورة احلالة يف اهليويل تشخص تلك العدمات ومتيزها بتلك‬
‫العكوس الظاهرة فيها وقيام تلك العكوس بتلك العدمات املتميزة وهذا القيام ليس هو‬
‫كقيام العرض ابجلوهر بل كقيام الصورة ابهليويل على ما قالوا ان قيام الصورة ابهليويل‬
‫وتشخيص اهليويل ابلصورة فاذا كان السالك متوجها بتوفيق هللا سبحانه اىل جناب قدس‬
‫احلق جل شأنه ابلذكر واملراقبة واعرض عما سواه سبحانه ساعة فساعة حتصل لتلك‬
‫الصور العلمية للصفات الواجبة جل شأنه يف كل آن قوة وغلبة وتستويل على قرينها الذي‬
‫هو العدمات وتتسلط اال ان حزب هللا هم الغالبون وتبلغ املعاملة مبلغا تشرع العدمات‬
‫اليت هي كاالص ل واهليويل لتلك العكوس يف االستتار بل تكون خمتفية عن نظر السالك‬
‫ابلتمام وال يبقى يف نظره غري العكوس واالصول واصول االصول بل تكون العكوس اليت‬
‫هي مرااي اصوهلا خمتفية عن النظر فانه ال بد للمرااي من االختفاء وهذا املقام مقام الفناء‬
‫وعال جدا فان شرف هذا السالك الفاين ابلبقاء ابهلل وارجع اىل العامل جيد عدمه كاجللد‬
‫الضيق الذي هو لوقاية البدن ويكاد يعرب عنه من غاية عدم مناسبته له بقميص من شعر‬
‫وجيده مباينا لنفسه ولكن ما كان العدم مباينا له يف هذا املوطن يف احلقيقة بل هو داخل‬
‫يف مظان أاننيته وابجلملة ان العدم يف هذا املقام جزؤه املغلوب واملستور ومتنزل عن احلالة‬
‫اليت كانت له فيما قبل وصار اتبعا بل قائما بتلك العكوس اليت كان قيامها به وهذا‬
‫‪- 847 -‬‬

‫الفقري كان يف هذا املقام سنني ووجد عدمه مباينا لنفسه كقميص من شعر وملا كانت‬
‫عناية هللا سبحانه اليت ال غاية هلا شاملة حلاله بعد اللتيا والليت رأى ان ذلك اجلزء املغلوب‬
‫احنل من هذا الرتكيب وفارقه وفقد التشخص الذي كان عارضا له حبصول تلك العكوس‬
‫وكأنه صار ملحقا ابلعدم املطلق كصورة جتعل يف قالب وجيعل قيامها به فاذا كملت‬
‫وحصل هلا ثبات ورسوخ يكسر ذلك القالب وخترج الصورة منه وجيعل قائمة بنفسها‬
‫وفيما حنن فيه ايضا العكوس اليت كان قيامها به حصل هلا قيامها بنفسها بل ابصوهلا ففي‬
‫هذا الوقت مل يبق اطالق اان على غري العكوس واصول تلك العكوس وكان اجلزء العدمي‬
‫مل يكن له مساس هبا ووجدان حقيقة الفناء امنا حصلت يف هذا املوطن وكأن الفناء‬
‫السابق كان صورة هذا ال فناء وملا اخرج اىل البقاء من هذا املقام وارجع اىل العامل اعيد‬
‫ذلك العدم الذي كانت له نسبة اجلزئية وكانت له االصالة والغلبة وجعل جماورا وقرينا له‬
‫ومباينا عن حقيقته وصورته وابعد عن اطالق لفظ اان عليه والبس هو اايه كقميص الشعر‬
‫اثنيا الجل حكم ومصاحل ويف هذه احلالة وان أعيد العدم ولكن مل جيعل قيام تلك‬
‫العكوس مربوطا به بل جعل قيام العدم بتلك العكوس كما مر يف البقاء السابق فاذا كان‬
‫يف ذلك البقاء هذه النسبة تكون هذه النسبة يف تلك احلالة اليت هي حقيقة البقاء على‬
‫الوجه االمت غاية ما يف الباب ان للثوب أتثريا يف صاحب الثوب بعد لبسه فانه اذا كان‬
‫الثوب حارا يتأثر الالبس ابحلرارة وان كان ابردا يتأثر ابلربودة وكذلك هذا العدم املشابه‬
‫ابلثوب وجد له أتثريا يف نفسه ورأى اثره ساراي يف مجيع بدنه ولكن يعرف ان هذا التأثري‬
‫والسراية ظاهري ال ابطين عرضي ال ذايت حاصل من اجملاور اخلارج ال من اجملانس الداخل‬
‫وان وجد الشر والنقص اللذان انشيان من ذلك العدم فهما ايضا عرضيان خارجيان ال‬
‫ذاتيان اصليان وصاحب هذا املقام وان كان مشاركا لسائر الناس يف البشرية ومسامها مع‬
‫غريه يف صدور الصفات البشرية ولكن ظهور الصفات البشرية منه ومن ابناء جنسه‬
‫عرضي ان ش من اجملاور ومن اآلخرين ذايت واصلي شتان ما بينهما والعوام يتصورون‬
‫اخلواص بل اخص اخلواص كأنفسهم مالحظني املشاركة الصورية ويكونون يف مقام‬
‫‪- 848 -‬‬

‫االنكار عليهم وحيرمون بركاهتم قوله تعاىل فقالوا ابشر يهدوننا فكفروا وقوله تعاىل وقالوا‬
‫ما هلذا الرسول أيكل الطعام وميشي يف االسواق عالمة حاهلم وكلما ارى يف نفسي من‬
‫الصفات البشرية أجد بعناية هللا سبحانه ان حامل تلك الصفات هو ذلك العدم اجملاور‬
‫الذي جري يف كلييت وسري واجد نفسي ابلتمام والكمال طاهرا ومربأ من تلك الصفات‬
‫وال أحس يف نفسي نبذة من تلك الصفات هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك وهذه‬
‫الصفات اليت تظهر بسبب اجملاورة كحمرة تظهر من شخص البس لباسا أمحر بسبب‬
‫محرة اللباس اجملاور واحلمقاء لعدم متييزهم يظنون محرة جماور شخص محرة ذلك الشخص‬
‫وينسبون اليه احكاما خمالفة للواقع {شعر}‪:‬‬
‫خاب الذي قد يرى ذا القبح كاحلسن * وفاز من كان فيه حدة البصر‬
‫النيل كان دما للقبط ولبين * يعقوب ماء وذا من أعظم العرب‬
‫ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك أنت الوهاب و‬
‫السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والتسعون اىل مقصود على التربيزي يف جواب سؤاله عن‬
‫الكفر احلقيقي}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت‬ ‫ب ْسم هللا الَّر ْمحَن َّ‬
‫الصحيفة الشريفة ووقع فيها االستفسار عن بعض كلمات الصوفية أيها املخدوم وان مل‬
‫يقتض الوقت واملكان قوال وكتابة ولكن ال بد للسؤال من اجلواب فحررت ابلضرورة‬
‫كلمات وجممل الكالم يف حل مجيع تلك املسائل هو انه كما ان يف الشريعة كفرا‬
‫واسالما يف الطريقة ايضا كفر و اسالم وكما ان كفر الشريعة شر ونقص واالسالم كمال‬
‫كذلك كفر الطريقة ايضا نقص وشر واسالمها كمال وكفر الطريقة عبارة عن مقام اجلمع‬
‫الذي هو حمل االستتار ومتيز احلق من الباطل مفقود يف هذا املوطن فان مشهود السالك‬
‫فيه يف املرااي اجلميلة والرذيلة هو مجال وحدة احملبوب فال جيد اخلري والشر والكمال‬
‫‪- 849 -‬‬

‫والنقص غري مظاهر لتلك الوحدة وظالهلا فال جرم يكون نظر االنكار الذي انش عن‬
‫التمييز معدوما يف حقه فبالضرورة يكون مع الكل يف مقام الصلح وجيد الكل على صراط‬
‫مستقيم ويرتمن هبذه اآلية الكرمية وما من دابة اال هو آخذ بناصيتها ان ريب على صراط‬
‫مستقيم واحياان يرى املظهر عني الظاهر فيظن اخللق عني احلق واملربوب عني الرب وكل‬
‫هذه ازهار تتفتق من مرتبة اجلمع قال احلالج يف هذا املقام {شعر}‪:‬‬
‫كفرت بدين هللا والكفر واجب * لدي وعند املسلمني قبيح‬
‫ولكفر الطريقة هذا مناسبة اتمة بكفر الشريعة وان كان كافر الشريعة مردودا‬
‫ومستحقا للعذاب وكافر الطريقة مقبوال ومستوجبا للدرجات فان هذا الكفر واالستتار‬
‫انش من غلبة حمبة اجملبوب احلقيقي ونسيان غريه كله فيكون مقبوال وذاك الكفر حاصل‬
‫من استيالء اجلهل والتمرد فيكون مردودا ابلضرورة واسالم الطريقة عبارة عن مقام الفرق‬
‫بعد اجلمع الذي هو مقام التمييز واحلق واخلري متميزان هنا من الباطل والشر والسالم‬
‫الطريقة هذا مناسبة اتمة ابسالم الشريعة بل اذا بلغ اسالم الشريعة كماله حتصل له نسبة‬
‫االختاذ هبذا االسالم بل كال االسالمني اسالم الشريعة والفرق بينهما بظاهر الشريعة‬
‫وابطن الشريعة وبصورة الشريعة وحقيقة الشريعة ومرتبة كفر الطريقة اعلى من مرتبة اسالم‬
‫صورة الشريعة وان كانت أدون ابلنسبة اىل اسالم حقيقة الشريعة {شعر}‪:‬‬
‫مت قسنا السما ابلعرش ينحط * وما أعاله ان قسنا ابرض‬
‫وكل من تكلم من املشائخ قدس هللا اسرارهم ابلشطحيات من الكلمات املخالفة‬
‫لظاهر الشريعة كل ذلك يف مقام كفر الطريقة الذي هو موطن السكر وعدم التمييز‬
‫والكرباء الذين تشرفوا بدولة اسالم احلقيقة فهم منزهون ومربأون من امثال هذه الكلمات‬
‫ومقتدون ابالنبياء ومتابعون هلم ظاهرا وابطنا فالشخص الذي يتكلم ابلشطحيات و‬
‫يكون يف مقام الصلح مع الكل ويظن اجلميع على صراط مستقيم وال يثبت التمييز بني‬
‫احلق واخللق وال يقول بوجود االثنينية فان وصل هذا الشخص اىل مقام اجلمع وحتقق‬
‫بكفر الطريقة ونسى السوى فهو مقبول وكلماته انشئة من السكر ومصروفة عن الظاهر‬
‫‪- 850 -‬‬

‫وان تكلم هبذه الكلمات بدون حصول هذا احلال وبال وصول اىل الدرجة االوىل من‬
‫الكمال وزعم الكل على حق و على صراط مستقيم ومل مييز الباطل من احلق فهو من‬
‫الزاندقة واملالحدة الذين مقصودهم ابطال الشريعة ومطلوهبم رفع دعوة االنبياء الذين هم‬
‫رمحة للعاملني عليهم الصلوات والتحيات فهذه الكلمات اخلالفية تصدر من احملق وتصدر‬
‫من املبطل وهي للمحق ماء احلياة وللمبطل سم قاتل كماء نيل حيث كان لبين اسرائيل‬
‫ماء زالال وللقبط دما ونكاال وهذا املقام من مزلة االقدام قد احنرف جم غفري من اهل‬
‫االسالم عن الصراط املستقيم بتقليد كلمات اكابر ارابب السكر ووقعوا يف بوادي‬
‫الضاللة واخلسارة وجعلوا دينهم هباء منثورا ومل يعلموا ان قبول هذا الكالم مشروط‬
‫ابلشرائط وهي موجودة يف ارابب السكر ومفقودة يف هؤالء ومعظم هذه الشرائط نسيان‬
‫ما سوى احلق سبحانه ألذي هو دهليز القبول ومصداق امتياز احملق من املبطل االستقامة‬
‫على الشريعة وعدم االستقامة عليه والذي هو حمق ال يرتكب خالف الشريعة مقدار‬
‫شعرة مع وجود السكر وعدم التمييز كان احلالج مع صدور قول أان احلق عنه يصلي كل‬
‫ليلة يف السجن مخسمائة ركعة مع قيد ثقيل و كان ال أيكل الطعام الذي مسه يد الظلمة‬
‫ولو كان من وجه حالل والذي هو مبطل يكون اتيان االحكام الشرعية ثقيال عليه مثل‬
‫جبل قاف كرب على املشركني ما تدعوهم اليه عالمة حاهلم ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ‬
‫لنا من أمران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والتسعون اىل اخلواجه أيب احلسن هباء البدخشي الكشمي‬
‫يف حل منع الفاروق اتيان القرطاس حني طلبه النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف مرض‬
‫موته ليكتب شيئا بوجوه شىت}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (سؤال) ان حضرة خامت الرسل‬
‫والرسالة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية طلب قرطاسا يف مرض موته وقال‬
‫أيتوين بقرطاس اكتب لكم كتااب لن تضلوا بعدي ومنع الفاروق مع مجع آخر من‬
‫‪- 851 -‬‬

‫االصحاب رضوان هللا عليهم اتيان القرطاس وقال حسبنا كتاب هللا وقال ايضا أهجر‬
‫استفهموه وما قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم بطريق الوحي كما قال هللا تعاىل وما ينطق‬
‫عن اهلوى ان هو اال وحي يوحى ومنع الوحي ورده كفر كما قال تعاىل ومن مل حيكم مبا‬
‫انزل هللا فأولئك هم الكافرون وأيضا ان جتويز اهلجر واهلذاين للنيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫مستلزم لرفع االعتماد على االحكام الشرعية وهو كفر واحلاد وزندقة فما حل هذه الشبهة‬
‫القوية (اعلم) أرشدك هللا وهداك سواء الصراط ان هذه الشبهة وأمثاهلا اليت يوردها مجاعة‬
‫على حضرات اخللفاء الثالثة و على سائر الصحابة الكرام رضي هللا عنهم ويريدون هبذه‬
‫التشكيكات ردهم لو انصف هوالء اجلماعة وقبلوا شرف صحبة خري البشر عليه و على‬
‫آله الصالة و السالم وعلموا ان نفوسهم كانت مزكاة يف صحبة خري البشر من اهلوى‬
‫واهلوس وصارت صدورهم صافية عن احلقد والعداوة وعلموا اهنم اكابر الدين وكرباء‬
‫االسالم واهنم بذلوا جهدهم يف اعالء كلمة االسالم ونصرة سيد االانم وانفقوا امواهلم يف‬
‫أتييد الدين املتني ليال وهنارا سرا وجهارا وتركوا يف حمبة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫عشائرهم وقبائلهم واوالدهم وازواجهم واوطاهنم ومساكنهم وعيوهنم وزروعهم واشجارهم‬
‫واهنارهم وآثروا نفس رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم على نفوسهم واختاروا حمبة رسول‬
‫هللا على حمبة انفسهم وحمبة اوالدهم وامواهلم واهنم الذين شاهدوا الوحي وامللك ورأوا‬
‫املعجزات واخلوارق حت صار غيبهم شهادة وعلمهم عينا وهم الذين أثن هللا تعاىل عليهم‬
‫يف القرآن اجمليد رضي هللا عنهم ورضوا عنه ذلك مثلهم يف التوراة ومثلهم يف االجنيل فاذا‬
‫كان مجيع االصحاب الكرام شركاء يف هذه الكرامات فماذا أظهر من جاللة شأن أكابر‬
‫االصحاب الذين هم اخللفاء الراشدون والفاروق هو الذي قال هللا سبحانه و تعاىل يف‬
‫شأنه لرسوله اي ايها النيب حسبك هللا ومن اتبعك من املؤمنني قال ابن عباس رضي هللا‬
‫عنهما ان سبب نزول هذه اآلية اسالم عمر رضي هللا عنه فبعد حصول نظر االنصاف‬
‫وقبول شرف صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة والتحيات وبعد علم جاللة شأن‬
‫اصحابه الكرام وعلو درجاهتم عليهم الرضوان يكاد يتصور املعرتضون واملشككون هذه‬
‫‪- 852 -‬‬

‫الشبهات مثل املغالطات والسفسطة املزخرفة ويسقطوهنا عن درجة االعتبار وان مل‬
‫يشخصوا مادة الغلط يف تلك الشبهات ومل يعينوا حمل السفسطة فال اقل من ان يعرفوا‬
‫جممال ان مؤدي هذه التشكيكات وحاصل هذه الشبهات مما ال حاصل له بل هي‬
‫مصادمة للبداهة والضرورة االسالمية ومردودة ابلكتاب والسنة النبوية ومع ذلك نكتب يف‬
‫جواب هذا السؤال وتعيني مواد تلك الشبهة مقدمات بعون هللا تعاىل (امسع) ان حل هذا‬
‫االشكال على وجه الكمال مبنت على مقدمات وان كان كل مقدمة جوااب على حدة‬
‫(املقدمة) االوىل مجيع منطوقاته ومقوالته صلّى هللا عليه و على آله وسلم مل تكن مبوجب‬
‫الوحي وآية وما ينطق عن اهلوى خمصوصة ابلنطق القرآين كما قاله أهل التفسري وايضا لو‬
‫كان مجيع منطوقاته صلّى هللا عليه و سلّم مبوجب الوحي ملا ورد االعرتاض من عند احلق‬
‫جل شأنه على بعض مقوالته عليه و على آله الصالة و السالم وملا كان للعفو عنه معن‬
‫قال هللا تعاىل خطااب لنبيه صلّى هللا عليه و سلّم عفا هللا عنك مل أذنت هلم (و املقدمة)‬
‫الثانية ان االصحاب الكرام كان هلم جمال القيل والقال يف االحكام االجتهادية واالمور‬
‫العقلية مع النيب صلّى هللا عليه و سلّم مبوجب قوله تعاىل فاعتربوا اي اويل االبصار وقوله‬
‫تعاىل وشاروهم يف االمر وكان هلم يف هذه االمور مساغ للرد والتبديل فان االمر ابالعتبار‬
‫واملشورة ال يتصور من غري حصول رد وتبديل وقد وقع االختالف يف قتل اسارى بدر‬
‫وا خذ الفدية عنهم وحكم الفاروق ابلقتل فورد الوحي موافقا لرأي فاروق ونزل الخذ‬
‫الفدية وعيد فقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم لو نزل العذاب ملا جنى غري عمر وسعد بن‬
‫معاذ فان سعدا ايضا كان اشار اىل قتل االسارى (و املقدمة) الثالثة ان السهو والنسيان‬
‫جائزان للنيب صلّى هللا عليه و سلّم بل واقعان وقد ورد يف حديث ذي اليدين انه صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم سلم يف رابعي الفرض على ركعتني فقال له ذو اليدين اقصرت الصالة ام‬
‫نسيت اي رسول هللا وبعد ثبوت صدق ذي اليدين قام رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّموضم اليهما ركعتني اخريني وسجد للسهو فاذا كان السهو والنسيان جائزين يف حالة‬
‫الصحة والفراغة مبقتضى البشرية فصدور الكالم منه صلّى هللا عليه و سلّم من غري قصد‬
‫‪- 853 -‬‬

‫واختيار يف مرض املوت ووقت استيالء الوجع مبقتضى البشرية مل ال يكن جائزا ومل يرتفع‬
‫االعتماد عن االحكام الشرعية فان احلق سبحانه اطلعه صلّى هللا عليه و سلّم على سهوه‬
‫ونسيانه ابلوحي القطعي وميز الصواب من اخلطأ فان تقرير النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫على اخلطأ ليس جبائز لكونه مستلزما لرفع االعتماد عن االحكام الشرعية فثبت ان‬
‫موجب رفع االعتماد ليس نفس السهو والنسيان بل التقرير على السهو والنسيان ومن‬
‫املقرر ان ذلك التقدير ليس مبجوز (املقدمة) الرابعة ان حضرة الفاروق بل اخللفاء الثالثة‬
‫مبشرون ابجلنة ابلكتاب والسنة واالحاديث الواردة يف ابب بشارهتم ابجلنة خبصوصها‬
‫ميكن ان يقال من كثرة الرواة الثقات اهنا بلغت حد الشهرة بل حد التواتر املعنوي‬
‫فانكارها اما من اجلهل او من العناد ورواة االحاديث الصحاح واحلسان اهل السنة‬
‫اخذوها من اسانيدهم من التابعني والصحابة ورواة مجيع الفرق املخالفة لو مجع كلها ال‬
‫يعلم اهنم يبلغون عشر عشري اهل السنة او ال كما ال خيفىي على املتتبع املتفحص املنصف‬
‫وكتب اهل السنة مشحونة ببشارة هوالء األكابر ابجلنة وال غم لو مل ترد هذه البشارة يف‬
‫كتب األحاديث املخصوصة ببعض الفرق املخالفة فإن عدم رواية البشارة ال يدل على‬
‫عدم البشارة وأما ثبوت بشارة هؤالء االكابر ابجلنة يف القرآن اجمليد آبايت متكثرة فكاف‬
‫قال هللا تبارك و تعاىل والسابقون االولون من املهاجرين واالنصار والذين اتبعوهم ابحسان‬
‫رضي هللا عنهم ورضوا عنه وأعد هلم جنات جتري حتتها االهنار خالدين فيها ابدا ذلك‬
‫الفوز العظيم وقال تبارك و تعاىل ال يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك‬
‫أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكال وعدهللا احلسن اآلية فاذا كان مجيع‬
‫الصحابة الذين أنفقوا وقاتلوا قبل الفتح وبعده مبشرين ابجلنة فما تقول يف أكابر‬
‫الصحابة الذين هم االسبقون يف االنفاق واملقاتلة واملهاجرة وماذا نقدر ان نقول وكيف‬
‫ندرك اعظمية درجاهتم اهنا ما هي قال اهل التفسري قوله تعاىل ال يستوي منكم اآلية نزل‬
‫يف حق الصديق رضي هللا عنه الذي هو أسبق السابقني يف االنفاق واملقاتلة وقال‬
‫سبحانه و تعاىل لقد رضي هللا عن املؤمنني اذ يبايعونك حتت الشجرة اآلية نقل االمام‬
‫‪- 854 -‬‬

‫البغوي حميي السنة يف معامل التنزيل عن جابر رضي هللا عنه انه قال قال رسول هللا صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم ال يدخل النار أحد ممن ابيع حتت الشجرة وهذه البيعة يقال هلا بيعة‬
‫الرضوان الن احلق سبحانه رضي فيها عن هؤالء القوم وال شك ان تكفري شخص مبشر‬
‫ابلكتاب والسنة كفر ومن أقبح القبائح (املقدمة اخلامسة) ان توقف الفاروق يف اتيان‬
‫القرطاس مل يكن على وجه الرد واالنكار عياذا ابهلل سبحانه من ذلك كيف يصدر هذا‬
‫القسم من سوء االدب من وزراء النيب صلّى هللا عليه و سلّم الذي هو متصف ابخللق‬
‫العظيم وندمائه صلّى هللا عليه و سلّم بل ال يتوقع هذا املعن من ادىن الصحابة الذي‬
‫تشرف بشرف صحبة خري البشر مرة او مرتني بل ال يتوهم مثل هذا الرد واالنكار من‬
‫عوام امته صلّى هللا عليه و سلّم الذي استسعد بدولة االسالم فكيف يتخيل هذا املعن‬
‫فيمن كان من أكابر الوزراء والندماء ومن أعاظم املهاجرين واالنصار رزقهم هللا سبحانه‬
‫االنصاف حت ال يسيؤا الظن أبكابر الدين وال يؤاخذ بكل كلمة وكالم بال فهم بل كان‬
‫مقص ود الفاروق االستفهام واالستفسار كما قال استفهموه يعين لو طلب القرطاس ابجلد‬
‫و االهتمام جياء به وان مل يطلب ابجلد ال يصدع يف مثل هذا الوقت فانه لو طلب‬
‫القرطاس ابلوحي واالمر لكان يطلبه ابملبالغة والتأكيد ويكتب ما كان مأمورا بكتابته فان‬
‫تبليغ الوحي واجب على النيب صلّى هللا عليه و سلّم وان مل يكن هذا الطلب ابالمر‬
‫والوحي بل اراد انه يكتب شيئا على وجه االجتهاد والفكر فالوقت ال يساعد ذلك‬
‫ومرتبة االجتهاد ابقية بعد ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم واملستنبطون من امته يستنبطون‬
‫االحكام االجتهادية من الكتاب الذي هو اصل اصول الدين فاذا كان الستنباط‬
‫املستنبطني جمال يف حضوره الذي هو اوان نزول الوحي فبعد ارحتاله الذي هو زمان‬
‫انقطاع الوحي يكون استنباط اويل العلم واجتهادهم مقبوال ابلطريق االوىل وملا مل يهتم‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف هذا الباب ومل جيد بل اعرض عن هذا االمر علم انه مل‬
‫يكن على وجه الوحي والتوقف جملرد االستفسار ليس مبذموم وقد عرض املالئكة الكرام‬
‫على وجه االستفسار واالستعالم من وجه خالفة آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم‬
‫‪- 855 -‬‬

‫على امللك العالم بقوهلم أجتعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وحنن نسبح حبمدك‬
‫ونقدس لك و قال زكراي حني بشر بيحىي على نبينا وعليهما الصالة و السالم اىن يكون‬
‫يل غالم وكانت امرأيت عاقرا وقد بلغت من الكرب عتيا وقالت مرمي رضي هللا تعاىل عنها‬
‫اىن يكون يل غالم ومل ميسسين بشر ومل أك بغيا فما املضايقة لو توقف الفاروق ايضا يف‬
‫اتيان القرطاس الجل االستفهام واالستفسار واي شر واي ضرر فيه (املقدمة) السادسة‬
‫ان حصول حسن الظن بصحبة خري البشر وأبصحابه عليه وعليهم الصالة و السالم‬
‫الزم ومعرفة ان خري القرون قرنه صلّى هللا عليه و سلّم وان أصحابه افضل بين آدم بعد‬
‫االنبياء عليهم الصالة و السالم ايضا الزمة حت حيصل اليقني ابن اجلماعة الذين هم‬
‫أفضل بين آدم بعد االنبياء عليهم السالم ال جيتمعون يف خري القرون على عمل ابطل‬
‫بعد ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم واهنم ال جيلسون مكانه صلّى هللا عليه و سلّم فسقة وال‬
‫كفرة وامنا قلت ان االصحاب أفضل بين آدم فان هذه االمة خري االمم بنص القرآن وهم‬
‫أفضل هذه االمة النه ال يبلغ ويل مرتبة صحايب اصال فينبغي الرجوع اىل االنصاف قليال‬
‫وان يفهم ان منع اتيان القرطاس لو كان كفرا من الفاروق ملا نص الصديق الذي هو اتقى‬
‫هذه االمة اليت هي خري االمم بنص القرآن خبالفته وملا ابيعه املهاجرون واالنصار الذين‬
‫اثن عليهم احلق سبحانه و تعاىل يف القرآن اجمليد ورضي عنهم ووعدهم ابجلنة وملا‬
‫اجلسوه مكانه صلّى هللا عليه و سلّم فاذا حصل حسن الظن بصحبته وأصحابه صلى‬
‫هللا عليه وسلم الذي هو مقدمة احملبة فقد تيسر النجاة من مزامحة أمثال هذه الشبهات‬
‫وحصل حدس بطالن هذه التشكيكات فان مل حيصل عياذا ابهلل سبحانه حسن الظن‬
‫بصحبته وابصحابه عليهم الصالة و السالم بل اجنر االمر اىل سوء الظن يكون ذاك الظن‬
‫السوء منجرا اىل صاحب تلك الصحبة وصاحب االصحاب ابلضرورة بل ينجر اىل موىل‬
‫ذاك الصاحب ايضا ينبغي وجدان شناعة هذا االمر كما ينبغي ما آمن برسول هللا من مل‬
‫يوقر أصحابه قال عليه و على آله الصالة و السالم يف شأن اصحابه الكرام عليهم‬
‫الرضوان من احبهم فبحيب احبهم ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم فصارت حمبة االصحاب‬
‫‪- 856 -‬‬

‫مستلزمة حملبته وبغض االصحاب مستلزما لبغضه عليه وعليهم الصالة و السالم فاذا‬
‫علمت هذه املقدمات حصل جواب هذه الشبهة وامثال هذه الشبهة بال تكفل بل‬
‫حصلت اجوبة متعددة فان كل مقدمة من هذه املقدمات ميكن ان يقال اهنا جواب من‬
‫اجوبة معتد هبا كما مر وجمموع هذه املقدمات حتسم مادة هذه الشبهة بعون هللا سبحانه‬
‫وخترج دفع هذا التشكيك من النظر اىل احلدس كما ال خيفى على الفطن املنصف ولفظ‬
‫احلدس امنا جيري على اللسان مقحما وإال فأمثال هذه التشكيكات بديهية البطالن‬
‫واملقدمات اليت اوردت يف بيان بطالن تلك الشبهات امنا هي من قبيل التنبيهات على‬
‫تلك البديهة بل امثال هذه الشبهات والتشكيكات عند الفقري كصنعة ذي فنون جاء‬
‫عند قوم محقاء واخ ذ حجرا حمسوسا هلم واثبت ابلدالئل واملقدمات املزخرفة انه ذهب‬
‫وحيث كان هؤالء احلمقى عاجزين عن دفع تلك املقدمات املموهة وقاصرين يف تعيني‬
‫مواد غلط تلك الدالئل يقعون يف االشتباه بل يعتقدون ذهبيته يقينا وينسون حسهم بل‬
‫يتهمونه والذكي ينبغي ان يعتمد على ضرورة احلس وان يتهم املقدمات املموهة وفيما حنن‬
‫فيه ايضا ان جاللة شأن اخللفاء الثالثة وعلو درجاهتم بل جاللة مجيع اصحاب خري‬
‫البشر عليه وعليهم الصالة و السالم مبقتضى الكتاب والسنة حمسوسة ومشهودة وقدح‬
‫القادحني وطعن الطاعنني فيهم بدالئل مموهة كالقدح والطعن يف وجود ذلك احلجر‬
‫ومغالطتهم فيه ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت‬
‫الوهاب فيا ليت شعري ما محلهم على سب اكابر الدين وطعن كرباء االسالم وليس‬
‫طعن احد وسب شخص من الفسقة والكفرة مما يعد يف الشرع عبادة وكرامة وفضيلة‬
‫ووسيلة اىل النجاة فكيف سب هداة ال دين وطعن محاة االسالم ومل يرد يف الشرع ان‬
‫سب اعداء الرسول عليه و على آله الصالة و السالم كأيب جهل وايب هلب مثال وطعنهم‬
‫مما يعد عبادة وكرامة بل االعراض عنهم وعن احواهلم اوىل و انسب و اسلم عن تضييع‬
‫الوقت واالشتغال مبا ال يعنيه تلك امة قد خلت هلا ما كسبت ولكم ما كسبتم وال‬
‫تسئلون عما كانوا يعملون قال هللا سبحانه و تعاىل يف القرآن اجمليد يف صفة اصحاب‬
‫‪- 857 -‬‬

‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم رمحاء بينهم فظن العداوة والشحناء يف حق هؤالء االكابر‬
‫مناف لنص القرآن وايضا ان اثبات العداوة واحلقد يف هؤالء االكابر يستلزم القدح يف كال‬
‫الفريقني ويرفع االمان من الطائفتني فيلزم ان يكون كال الفريقني من االصحاب مطعوان‬
‫فيهم عياذا ابهلل سبحانه من ذلك فيكون أفضل الناس بعد االنبياء عليهم الصالة و‬
‫السالم شر الناس و يكون أفضل القرون شر القرون فان اهل ذاك القرن كانوا كلهم‬
‫متصفني ابلعداوة واحلقد وال جيرتئ على التفوه بذلك أحد من املسلمني وال جيوز هذا‬
‫املعن أي جاللة وأي عظمة لعلي كرم هللا وجهه يف كون اخللفاء الثالثة معادين له و‬
‫يكون فيه عداوة مبطنة هلؤالء احلضرات وما ذاك االّ قدح يف الطرفني مل ال يكون بعضهم‬
‫مع بعض كاللنب مع السكر وال يكون بعضهم فانيا يف البعض ومل يكن أمر اخلالفة مرغواب‬
‫فيه عندهم ومطلواب هلم حت يكون سببا للعداوة واحلقد كيف وقول أقيلوين معروف‬
‫ومشهور من الصديق وقال الفاروق لو وجدت من يشرتي اخلالفة لبعتها على دينار‬
‫وحماربة علي كرم هللا وجهه مع معاوية ومنازعته معه مل تكن بواسطة امليل اىل أمر اخلالفة‬
‫والرغبة فيه بل لكون القتال مع البغاة فرضا ودفعهم ضروراي قال هللا تبارك و تعاىل فقاتلوا‬
‫اليت تبغي حت تفيئ اىل أمر هللا غاية ما يف الباب ان حماريب علي ملا كانوا ابغني مؤولني‬
‫واصحاب رأي واجتهاد وان كانوا خمطئني يف هذا االجتهاد كانوا مربئني عن الطعن‬
‫واملالمة وبعيدين عن التفسيق والتكفري قال علي يف شأهنم اخواننا بغوا علينا ليسوا كفرة‬
‫وال فسقة ملا هلم من التأويل قال الشافعي وهو منقول عن عمر بن عبد العزيز تلك دماء‬
‫طهر هللا عنها ايدينا فلنطهر عنها ألسنتنا ربنا اغفر لنا والخواننا الذين سبقوان ابالميان وال‬
‫جتعل يف قلوبنا غال للذين آمنوا ربنا انك رؤف رحيم والصالة و السالم على سيد االانم‬
‫و على آله واصحابه الكرام اىل يوم القيام‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والتسعون اىل اخلواجه حممد هاشم الكشمي يف جواب طلبه‬
‫حل ما يف املكتوب السادس}‬
‫‪- 858 -‬‬

‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سألتم أنه ما معن هذه العبارة‬
‫الواقعة يف املكتوب السادس اظن ان املقصود من خلقيت هو ان تنصبغ الوالية احملمدية‬
‫ابلوالية االبراهيمية عليهما الصالة و السالم وان يكون حسن مالحة هذه الوالية ممتزجا‬
‫جبمال صباحة تلك الوالية وان يبلغ مقام احملبوبية احملمدية هبذا االنصباغ واالمتزاج درجة‬
‫علياء (اعلم) ان منصب الداللة واملشاطة ليس مبمنوع وال حمذور فيه اصال والدالل الذي‬
‫جيعل حبسن الداللة كال من احملبوبني صاحيب اجلمال والكمال خمتلطا ابآلخر وجيعل‬
‫حسن كل منهما مقرتان حبسن اآلخر فعله هذا من كمال خدمته وهناية شرفه وسعادته وال‬
‫يلزم من هذا املعن نقص وال قصور يف شأهنما اصال وكذلك اذا زاد يف حسنهما ومجاهلما‬
‫ابملشاطة وحصلت هلما بسببه طراوة وزينة أخرى فذلك شرافته وسعادته وال يلزم من ذلك‬
‫نقص وقصور هلما اصال {شعر}‪:‬‬
‫يف جمدكم ال يلحق النقصان من * هذا و يل يف ذاك الف شرافة‬
‫وابجلملة ان حصول االنتفاع واالستفادة الصحاب الدولة من جهة الغلمان‬
‫واخلدمة ليس مبمنوع وال حمذور فيه اصال النه ليس مبستلزم للقصور والنقصان بل كمال‬
‫اصحاب الدولة يف خدمة الغلمان واخلدمة وقاصر الدولة من ال يكون منتفعا ومتمتعا‬
‫ابخلدمة ويعد االنتفاع والتمتع هبم نقصاان واالستمداد واالستفادة منهم قصورا قال هللا‬
‫تبارك و تعاىل اي أيها النيب حسبك هللا ومن اتبعك من املؤمنني قال ابن عباس رضي هللا‬
‫عنهما ان سبب نزول هذه اآلية اسالم الفاروق رضي هللا عنه ومن البديهي ان خدمات‬
‫االصاغر و االسافل موجبة ملزية مرتبة االكابر واالعايل فمن مل يهتد ألمر بديهي فما‬
‫قصور العبارة اال ترى ان السالطني واألمراء حمتاجون اىل اخلدم واحلشم يف التجمل‬
‫والتسلط ويرون ان كماالهتم مربوطة هبم وال قصور وال نقصان من هذا املعن يف مراتبهم‬
‫اصال كما هو معلوم للوضيع والشريف ومنشأ هذا االشتباه عدم الفرق بني التمتع‬
‫واالن تفاع احلاصل من جانب االصاغر والتمتع واالنتفاع احلاصل من جانب االعايل وقد‬
‫تبني ان االول موجب للكمال والثاين يزيد يف النقصان واالول جموز والثاين ممتنع وهللا‬
‫‪- 859 -‬‬

‫سبحانه امللهم للصواب ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من أمران رشدا و السالم على‬
‫من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكت وب الثامن والتسعون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد واملخدوم‬
‫زاده جامع االسرار والعلوم اخلواجه حممد معصوم}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سألتم ان العلماء قالوا ان احلق‬
‫سبحانه و تعاىل ليس داخل العامل و ال خارج العامل وال متصال ابلعامل وال منفصال عن‬
‫العامل فما حتقيق هذا املبحث اجلواب ان حصول نسبة الدخول واخلروج واالتصال‬
‫واالنفصال امنا يتصور ابلنظر اىل املوجودين فان احد املوجودين ال خيلو من احدى هذه‬
‫النسب ابلنظر اىل اآلخر وال حتقق للموجودين فيما حنن فيه حت يتصور حصول نسبة‬
‫من هذه النسب فانه تعاىل موجود والعامل الذي هو ما سواه تعاىل موهوم ومتخيل وان‬
‫حصل للعامل بصنعه سبحانه و تعاىل اتقان واستحكام على هنج ال يرتفع ابرتفاع الوهم‬
‫واخليال وكانت معاملة التنعيم والتعذيب االبديني مربوطة به ولكن ثبوته يف مرتبة احلس‬
‫والوهم وال مقر له خارج احلس والوهم ومن كمال قدرته سبحانه و تعاىل اعطي للموهوم‬
‫املتخيل حكم املوجود يف حق الثبات واالستقرار وأجري عليه احكام املوجود ولكن‬
‫املوجود موجود واملوهوم موهوم وان تصوره من قصر نظرهم على الظاهر موجودا نظرا اىل‬
‫ثباته واستقراره وحكموا أبنه موجود وحتقيق هذا املعن مكتوب يف كتيب ورسائلي‬
‫ابلتفصيل فان وقع االحتياج فلرياجع هناك فال شئ يثبت للموجود من هذه النسب‬
‫ابلنسبة اىل موهوم بل ميكن ان يقال ان املوجود ليس داخل املوهوم وال خارجه وال‬
‫متصال به وال منفصال عنه فان هناك موجود فقط ال اسم للموهوم وال رسم حت تتصور‬
‫النسبة معه (ولنوضح) هذا املبحث مبثال ان النقطة اجلوالة تتوهم من سرعة سريها بصورة‬
‫الدائرة واملوجود هناك هو تلك النقطة فقط وصورة الدائرة ال ثبوت هلا يف غري الوهم واحملل‬
‫الذي فيه النقطة ال اسم فيه من الدائرة املوهومة وال رسم ففي هذه الصورة ال ميكن ان‬
‫‪- 860 -‬‬

‫يقال ان النقطة يف داخل الدائرة وال اهنا يف خارجها ايضا وكذا ال يتصور بينهما االتصال‬
‫واالنفصال ايضا فانه ال دائرة يف تلك املرتبة حت تتصور النسبة اثبّت اجلدار او ال مث‬
‫انقش (فان قيل) ان احلق سبحانه اثبت نسبة قربه واحاطته ابلعامل واحلال انه ما نسبة‬
‫قرب املوجود اىل املوهوم وأي احاطة له به فانه ال اسم من املوهوم وال رسم فيما فيه‬
‫املوجود حت يتصور احمليط واحملاط به (اجيب) ان ذاك القرب واالحاطة ليس من قبيل‬
‫قرب جسم من جسم واحاطة جسم جبسم بل مها من النسب اجملهولة الكيفية واملعلومة‬
‫اآلنية نثبت القرب واالحاطة له سبحانه ونؤمن هبما ولكن ال نعرف كيفيتهما ما هي‬
‫خبالف النسب االربع اليت نفيناها فيما سبق فاهنا كما أهنا جمهولة الكيفية غري معلومة‬
‫اآلنية ايضا فان الشرع مل يرد بثبوت هذه النسب حت نثبتها ونقول اهنا جمهولة الكيفية‬
‫وان امكن جتويز معن اتصال ال كيفي فيه سبحانه و تعاىل مثل معن قرب واحاطة ال‬
‫كيفي ول كن ملا مل يرد اطالق لفظ االتصال كما ورد لفظ القرب واالحاطة ال ينبغي ان‬
‫يقول متصال وجيوز ان يقول قريبا وحميطا واطالق االنفصال واخلروج والدخول ايضا مل يرد‬
‫مثل اطالق االتصال ويف املثال املذكور ايضا لو اثبتنا للنقطة اجلوالة احاطة وقراب ومعية‬
‫ابلنسبة اىل الدائرة املوهومة تكون تلك املذكورات جمهولة الكيفية فانه ال بد للنسبة من‬
‫املنتسبني وليس املوجود اال النقطة اجلوالة وكذلك االتصال واالنفصال واخلروج والدخول‬
‫الالكيفية متصورة فيما حنن فيه وان مل يثبت املنتسبني فان لزوم وجود الطرفني امنا هو‬
‫لنسبة معلومة الكيفية لكوهن ا متعارفة ومعتادة وما هو جمهول الكيفية فهو خارج عن‬
‫حيطة العقل واحلكم فيها بلزوم وجود الطرفني من االحكام الومهية اليت هي ساقطة عن‬
‫حيز االعتبار لكونه قياس الغائب على الشاهد (تنبيه) وقولنا ان العامل موهوم ومتخيل‬
‫مبعن ان العامل واقع يف مرتبة الوهم واخليال ووضعه حاصل يف درجة احلس واالراءة كما اذا‬
‫خلق القادر املتصف ابلكمال بصنعه الكامل الدائرة املوهومة اليت ال نصيب هلا غري‬
‫اخرتاع الوهم واخليال يف مرتبة الوهم واخليال وجعلها يف تلك املرتبة متقنة ومستحكمة‬
‫على هنج لو ارتفع الوهم واخليال ابلكلية ال يتطرق اخللل اىل ثبوهتا وال يطرأ القصور على‬
‫‪- 861 -‬‬

‫بقائها وهذه الدائرة املوهومة وان مل يكن هلا ثبوت يف اخلارج واملوجود يف اخلارج هو تلك‬
‫النقطة فقط ولكن هلا انتساب اىل وجود خارجي واستناد اىل موجود خارجي فانه لو مل‬
‫تكن النقطة من اين تكون الدائرة انشئة {شعر}‪:‬‬
‫اين اوري لغريي حني اذكرها * بذكر زينب عن ليلى فاومهه‬
‫وجيوز ان نقول هلذه الدائرة اهنا نقاب تلك النقطة ويسوغ ايضا ان نقول اهنا مرآة‬
‫لشهود النقطة ولو قلنا اهنا دليل على تلك النقطة وهاد اليها فله وجه ايضا اطالق‬
‫النقاب ابلنظر اىل العوام واطالق مرآة الشهود والظهور مناسب ملقام الوالية ومالئم‬
‫لالميان الشهودي واطالق الدليل واهلادي مناسب ملرتبة كماالت النبوة ومالئم لالميان‬
‫الغييب الذي هو امت واكمل من االميان الشهودي فانه ال بد يف الشهود من التعلق ابلظل‬
‫ويف الغيب فراغة من هذا التعلق ويف الغيب وان مل يكن حاصل ابلفعل ولكن فيه وصول‬
‫وتعلق ابالصل ويف الشهود وان كان حاصل ولكن ليس فيه وصول الن فيه تعلقا ابلغري‬
‫وهو ظل االصل وابجلملة ان احلصول نقص والوصول كمال وهذا الكالم ليس مما حيصل‬
‫يف حوصلة قاصر وانقص بل يكادون يزعمون احلصول افضل من الوصول والسوفسطائي‬
‫يقول من عدم عقله العامل موهوم ومتخيل مبعن انه ال ثبوت له وال حتقق بغري اخرتاع‬
‫الوهم وحن ت اخليال فاذا تبدل الوهم واخليال يتغري ذلك الثبوت والتحقق ايضا مثال اذا‬
‫تصور الوهم شيئا ابحلالوة فهو حلو واذا تصور عني ذلك الشئ يف وقت آخر ابملرارة فهو‬
‫مر وهؤالء املخذولون غافلون عن خلق هللا سبحانه وصنعه تعاىل بل منكرون وابنتسابه‬
‫اىل وجود خارجي و استناده اىل موجود خارجي جاهلون يريدون هبذه البالهة رفع‬
‫االحكام اخلارجية اليت هي مربوطة ابلعامل ودفع العذاب والثواب االخرويني الدائميني وقد‬
‫أخرب عنهما املخرب الصادق عليه الصالة و السالم وال احتمال فيه للتخلف اولئك حزب‬
‫الشيطان اال ان حزب الشيطان هم اخلاسرون (فان قيل) حيث اثبت الثبات واالستقرار‬
‫للعامل ولو يف مرتبة الوهم واخليال واثبت يف حقه معاملة التعذيب والتنعيم االبديني ايضا‬
‫فلم ال جتوز اطالقات الوجود عليه وال نقول انه موجود واحلال ان الثبوت والوجود‬
‫‪- 862 -‬‬

‫مرتادفان كما هو مقرر عند املتكلمني (اجيب) ان الوجود عند هذه الطائفة العلية اشرف‬
‫االشياء واكرمها واعزها ويعتقدون انه مبدأ كل خري ومنشأ كل كمال فال جيوزون اطالق‬
‫مثل هذا اجلوهر النفيس على ما سوى احلق سبحانه الذي هو نقص وشر من القدم اىل‬
‫الرأس وال يرضون ابعطاء االشرف اىل االخس ومقتداهم يف هذا االمر الكشف والفراسة‬
‫وقد صار مكشوفا وحمسوسا هلم ان الوجود خمصوص حبضرة احلق سبحانه و تعاىل واذا‬
‫قالوا لغريه تعاىل موجود فامنا هو ابعتبار ان لذلك الغري نسبة واربتاطا ابلوجود وان كانت‬
‫جمهولة الكفية وانه قائم بذلك الوجود قيام الظل ابالصل وايضا ان الثبوت الذي حصل‬
‫له يف مرتبة الوهم واخليال هو ظل من ظالل ذلك الوجود وملا كان ذلك الوجود خارجيا‬
‫واحلق سبحانه موجود يف اخلارج لو قيل ملرتبة الوهم بعد صنعه تعاىل واتقانه اهنا ظل من‬
‫ظالل ذلك اخلارج جلاز ولو قيل هلذا الثبوت الومهي ابعتبار هاتني الظليتني ايضا وجودا‬
‫خارج يا لساغ بل لو قيل للعامل ابعتبار هذه الظلية ايضا موجودا خارجيا لكان جائزا‬
‫(وابجلملة) ان كلما هو يف املمكن مستفاد من حضرة الوجود تعاىل وتقدس ما جاء بشئ‬
‫من بيت ابيه والقول ابنه موجود خارجي بدون مالحظة الظلية امر عسري واشراك له مع‬
‫احلق تعاىل يف اخص اوصافه تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا وما كتبه الفقري يف بعض‬
‫مكاتيبه ورسائله من ان العامل موجود خارجي ينبغي ارجاعه اىل هذا البيان ومحله اىل‬
‫اعتبار الظلية وما قال املتكلمون من ترادف الوجود للثبوت والتحقق لعله ابعتبار املعن‬
‫اللغوي واال فاين الوجود واين الثبوت قال جم غفري من ارابب الكشف والشهود ومن‬
‫اهل النظر واالستدالل يف حق الوجود انه عني حقيقة واجب الوجود تعاىل والثبوت من‬
‫املعقوالت الثانوية شتان ما بيه نا (فائدة) كما ان الوجود مبدأ كل خري وكمال ومنشأ كل‬
‫حسن ومجال كذلك العدم الذي هو مقابله يكون ألبتة مبدأ كل شر ونقص ومنشأ كل‬
‫قبح وفساد فان كان وابل فمنه انش وان ضالل فمنه كائن ومع ذلك فيه حماسن مودعة‬
‫وحرف مكنونة فمن حماسنه جعله نفسه يف مقابلة الوجود عدما مطلقا وال شيئا حمضا‬
‫ومن حرفه املستملحة جعل نفسه وقاية للوجود واخذه الشرور والنقص لنفسه وايضا‬
‫‪- 863 -‬‬

‫اظهاره لكماالت الوجود ومتييزه كل واحد من تلك الكماالت من األخرى يف خارج‬


‫موطن العلم وايراده اايها من االمجال اىل التفصيل من صفاته املستحسنة وابجلملة انه قائم‬
‫خبدمات الوجود وحسن الوجود ومجاله وكماله ظاهر من قبحه وشره ونقصه واستغناء‬
‫الوجود من افتقاره وعزه من ذله وثبوت العظمة والكربايء للوجود بواسطة تسفله ودانئته‬
‫وشرافة الوجود من خسته وسيادة الوجود من عبوديته {شعر}‪:‬‬
‫اان الذي جعل االستاذ استاذا * عبد و لكنين اعتقت موالاي‬
‫و ابليس اللعني الذي هو منشأ كل فساد وضالل شر من العدم ايضا واحلرف اليت‬
‫هي كائنة يف العدم هذا املخذول حمروم عنها ايضا وصدور قول اان خري منه حسم مادة‬
‫اخلريية منه ودل على شرارته الصرفة وحيث قابل العدم الوجود بال شيئية وعدمية فال جرم‬
‫صار مرآة للوجود وملا عارضه اللعني بوجوده وخرييته كان مردودا ومطرودا ابلضرورة‬
‫(ينبغي) ان يتعلم حسن التقابل من العدم حيث قابل الوجودية ابلعدمية والكمال‬
‫ابلنقص وحيث وقع على طرف من العزة واجلالل ظهر بذله وانكساره وكأن اللعني جر‬
‫مجيع قباحة العدم على نفسه بعلة التكرب والتمرد اللذين كاان فيه ويتخيل انه مل يبق يف‬
‫العدم شيئا غري اخلري نعم لوال اخلري ملا يكون مرآة ومظهرا للخري ال حيمل عطااي امللك اال‬
‫مطاايه مثل مشهور وعلم ان ابليس كان الزما يف هذا املوطن العايل ليأخذ مزابل الكل‬
‫على رأسه بكناسيته وليطهر غريه ولكن ملا جاء املخذول من طريق التكرب والرتفع واورد‬
‫خرييته يف نظره وحبط عمله وحرم االجر كان خسر الدنيا واآلخرة عالمة حاله يف احلقيقة‬
‫خبالف العدم فانه مع وجود الشر والنقص والالشيئية الذاتيات فيه خرج من احلرمان‬
‫وشرف مبرآتية حضرة الوجود (فان قيل) من اين نشأت كثرة الشر يف ابليس فان فيما وراء‬
‫العدم وجودا ومل يتطرق اليه شر (اجيب) كما ان العدم مرآة للوجود ومظهر للخري‬
‫والكمال الوجود ايضا مرآة للعدم ومظهر للشر والنقص وابليس عليه اللعنة كما انه اخذ‬
‫الشر يف جانب العدم من العدم الذي هو موطن الشر اخذ يف جانب الوجود اخلباثة‬
‫املتومهة اليت ظهرت يف مرآة الوجود من جهة مرآتيته ومظهريته للعدم فكان حامال لشر‬
‫‪- 864 -‬‬

‫الطرفني الذايت والعرضي واالصلي والظلي فبالضرورة جعله ماليخوليا الوجود املشابه ابلشر‬
‫حمروما من العدمية والالشيئية اليت من الصفات احلسنة للعدم ومع ذلك كان الشر املتوهم‬
‫يف جانب الوجود من مرآتيته للعدم ايضا نصيبه فاوصله ابلضرورة اىل اخلسارة االبدية ربنا‬
‫ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب و السالم على‬
‫من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله امت الصالة وأكمل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والتسعون اىل املري حممد نعمان يف جواب أسئلته}‬


‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سألتم ان السالك يرى نفسه‬
‫أحياان يف وقت العروج يف مقامات اصحاب االنبياء عليهم الصلوات والتحيات الذين هم‬
‫افضل منه ابالمجاع بل رمبا جيد نفسه يف مقامات االنبياء عليهم الصالة و السالم فما‬
‫حقيقة هذه املعاملة وبعض الناس هنا يتومهون مساواة ذلك السالك الرابب تلك‬
‫املقامات ويتخيلون شركته يف تلك املقامات مع ارابب تلك املقامات وهبذا التوهم‬
‫والتخيل يردونه ويطعنون فيه ويطيلون يف حقه لسان املالمة والشكاية ينبغي كشف‬
‫الغطاء عن وجه هذا املعمى (جوابه) هو ان وصول االسافل اىل مقامات االعايل يكون‬
‫احياان من قبيل وصول الفقراء واحملتاجني اىل ابواب اصحاب الدول وامكنة ارابب النعم‬
‫اخلاصة هبم ليطلبوا من هناك حاجة ويسألوا من دوهلم ونعمهم جماجة والقاصر يف امره‬
‫يزعم هذا الوصول مساواة وشركة هلم وكثريا ما يكون هذا الوصول من قبيل النظارة والتنزه‬
‫يف االماكن اخلاصة ابالمراء والسالطني ابلوسائط والوسائل لينظر بنظر االعتبار وليحصل‬
‫له رغبة يف علو االنظار واين اجملال لتوهم املساواة يف هذا الوصول وكيف يتصور ختيل‬
‫الشركة من هذا التنزه والنظارة ووصول اخلادمني اىل امكنة خاصة ابملخدومني الداء‬
‫حقوق اخلدمة حمسوس الوضيع والشريف واالبله يتوهم من هذا الوصول املساواة والشركة‬
‫وكل فراش وذاب ذابب وسياف قرانء السالطني وحاضرون يف اخص امكنتهم فمن توهم‬
‫الشركة واملساواة من ههنا فقد كشف عن غاية خبطه {ع}‪:‬‬
‫‪- 865 -‬‬

‫بالء ذوي اآلالم من كل جانب‬


‫و الناس يطلبون العلة ملالمة غريب وخيرتعون احليلة لطعنه وتشنيعه رزقهم هللا‬
‫سبحانه و تعاىل االنصاف وكان الالئق هبم ان يطلبوا حممال لرفع الشرور ودفع املالمة عن‬
‫الضعيف وان جيتهدوا يف حفظ عرض االسالمية وامرهم يف الطعن ال خيلو عن أحد‬
‫احلالني اما ان يعتقدوا ان صاحب هذا احلال معتقد للشركة واملساواة الرابب تلك‬
‫املقامات او ال فان اعتقدوا ذلك فقد حكموا عليه ابلكفر والزندقة واخرجوه من زمرة‬
‫اهل االسالم فان اعتقاد الشركة لالنبياء واملساواة معهم عليهم الصلوات و التسليمات‬
‫كفر وكذلك اعتقاد املساواة للشيخني عليهما الرضوان الذين ثبتت افضليتهما ابمجاع‬
‫الصحابة والتابعني كما نقله مجاعة من أكابر االئمة واحد منهم االمام الشافعي عليهم‬
‫الرضوان بل الفضل جلميع الصحابة على ابقي االمة فانه ال تكون فضلية من الفضائل‬
‫اصال عديلة لفضل صحبة خري البشر عليه الصالة و السالم والفعل اليسري الذي صدر‬
‫من االصحاب الكرام عليهم الرضوان وقت ضعف االسالم وقلة املسلمني لتأييد الدين‬
‫املتني ونصرة سيد املرسلني عليه وعليهم الصلوات و التسليمات لو صرف غريهم مجيع‬
‫عمرهم يف الطاعات ابلرايضات واجملاهدات ال يبلغ ذلك مرتبة ذاك الفعل القليل من‬
‫االصحاب وهلذا قال عليه و على آله الصالة و السالم لو انفق احدكم مثل احد ذهبا ال‬
‫يبلغ مد شعريهم وال نصيفه وافضلية الصديق رضي هللا تعاىل عنه امنا هي من جهة انه‬
‫اسبق السابقني يف االميان وانفاق االموال الكثرية واخلدمات الالئقة وهلذا نزل يف شأنه‬
‫قوله تعاىل ال يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل اآلية وصرف مجاعة نظرهم اىل‬
‫كثرة فضائل غريه ومناقبه وتوقفوا يف افضليته وال يعلمون ان سبب االفضلية لو كان كثرة‬
‫الفضائل واملناقب يكون كثري من آحاد االمة الذين فيهم هذه الفضائل أفضل من نبيهم‬
‫الذي ليست فيه هذه الفضائل فما به التفاضل شئ آخر وراء هذه الفضائل واملناقب‬
‫وهو يف زعم هذا الفقري االسبقية يف أتييد الدين واالقدمية يف انفاق االموال وبذل االنفس‬
‫لنصرة احكام دين رب العاملني وحيث كان النيب اسبق من الكل يكون افضل من الكل‬
‫‪- 866 -‬‬

‫وكذلك كل من هو اسبق يف هذا االمر فهو افضل من املسبوقني وكأن السابق استاذ‬
‫الالحقني ومعلمهم يف امر الدين والالحقون يقتبسون من انوار السابقني ويستفيدون من‬
‫بركاهتم وصاحب هذه الدولة العظمى يف هذه االمة بعد نبينا عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم الصديق االكرب رضي هللا تعاىل عنه فانه اسبق السابقني يف انفاق االموال الكثرية‬
‫واملقاتلة واجملاهدة الشديدة وبذل العرض واجلاه ورفع الفساد واالشتباه لتأييد الدين املتني‬
‫ونصرة سيد املرسلني عليه وعليهم الصالة و السالم فاالفضلية على غريه مسلمة اليه‬
‫وحيث طلب النيب عليه و على آله الصالة و السالم عزة االسالم وغلبته ابمداد عمر‬
‫وكفى هللا سبحانه يف نصرة حبيبه يف عامل االسباب به وقال اي ايها النيب حسبك هللا ومن‬
‫اتبعك من املؤمنني قال ابن عباس رضي هللا عنهما سبب نزول هذه اآلية اسالم عمر‬
‫تتعني االفضلية بعد الصديق رضي هللا عنه له وهلذا إنعقد امجاع الصحابة والتابعني على‬
‫أفضلية هذين الشيخني املعظمني كما مر وقال علي كرم هللا وجهه أيضا ان ااب بكر وعمر‬
‫أفضل هذه االئمة فمن فضلين عليهما فهو مفرت أضربه ابلسياط كما يضرب املفرتون‬
‫وحتقيق هذا املبحث مندرج يف كتيب ورسائلي ابلتفصيل ال جمال للزايدة على ذلك يف هذا‬
‫املقام واالبله من جيعل نفسه عديال الصحاب خري البشر عليه وعليهم الصلوات و‬
‫التسليمات واجلاهل ابالخبار واآلاثر من يتصور نفسه من السابقني ولكن ينبغي ان يعلم‬
‫ان دولة تلك السبقة اليت هي ابعثة على االفضلية خمصوصة أبهل القرن االول الذين‬
‫تشرفوا بشرف صحبة خري البشر عليه و على آله الصلوات و التسليمات وهذا املعن‬
‫مفقود يف قرن آخر بل يكون الحقوا بعض القرون افضل من سابقي قرون اخر بل جيوز‬
‫ان يكون الالحق يف قرن افضل من السابق يف ذلك القرن بصر هللا سبحانه الطاعنني‬
‫بشناعة طعن مسلم وطرد مؤمن مبجرد التوهم والتخيل وبقباحة تكفري مسلم وتضليله‬
‫مبحض التعنت والتعصب فما العالج لو مل يكن املقول فيه قابال للتكفري ومستحقا‬
‫للتضليل يرجع ذاك الكفر والضالل ابلضرورة اىل ارابب ذاك القول ويتصل من املرمى‬
‫‪- 867 -‬‬

‫ابلكفر اىل الرامي به كما ورد يف احلديث النبوي عليه و على آله الصالة و السالم[‪ ]1‬ربنا‬
‫اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين ولنرجع اىل‬
‫اصل الكالم فنبني الشق الثاين ونقول لو مل يكن للطاعنني هذا االعتقاد يف حق صاحب‬
‫هذا احلال وال يوصلون معاملته اىل حد الكفر فحاهلم ايضا ال خيلو من احد احلالني اما‬
‫ان حيمل وا واقعته على الكذب والبهتان فهذا عني سوء الظن ابملسلم وهو حمظور عنه‬
‫شرعا واما ان ال حيملوا على الكذب والبهتان وان ال يظنوه معتقدا للشركة واملساواة‬
‫فحينئذ ما وجه الطعن واملالمة وما سبب تشنيعه وتعييبه فان الالئق ابلواقعة الصادقة ان‬
‫حيمل على حمامل صحيحة ال ان يشنع صاحبها ويقبح (فان قيل) ما وجه اظهار مثل‬
‫هذه الواقعة املوجبة للفتنة (نقول) ان ظهور مثل هذه االحوال من مشائخ الطريقة كثري‬
‫الوقوع وذلك عادة مستمرة هلم وليس هذا اول قارورة كسرت يف االسالم وال يكون بال‬
‫نيات حقانية وارادة صادقة واملقصود من هذه الكتابة احياان اظهار احواله املوهوبة عند‬
‫شيخه ليبني صحة حاله وسقمه وليطلعه على تعبريه وأتويله وأحياان ترغيب الطالب‬
‫والتالمذة وحتريضهم وأحياان ال يكون مقصود من الكتابة ال هذا وال ذاك بل يورده يف‬
‫هذا القيل والقال جمرد السكر وغلبة احلال ليتنفس مما به قليال وليخفف عن نفسه حملة‬
‫ومن كان مقصوده من اظهار امثال هذه االحوال الشهرة وقبول اخللق فهو مدع بطال‬
‫وهذه االحوال استدراج عليه و وابل ومتضمنة خلذالنه وانواع االهوال ربنا ال تزغ قلوبنا‬
‫بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب وما ابرئ نفسي ان النفس‬
‫المارة ابلسوء اال م ا رحم ريب ان ريب لغفور رحيم (وسألتم) ايضا انه ما السبب يف ان‬
‫االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات واالولياء عليهم الرضوان يبتلون يف الدنيا ابشد‬
‫البالء واملصائب واحملن كما قيل ان اشد الناس بالء االنبياء مث األولياء مث االمثل‬

‫(‪ )1‬اخرج الشيخان عن ابن عمر رضي هللا عنهما مرفوعا اميا رجل قال الخيه اي كافر فقد ابء هبا احدمها منه عفي‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪- 868 -‬‬

‫فاألمثل[‪ ]1‬وقال هللا سبحانه و تعاىل يف كتابه اجمليد وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت‬
‫ايديكم ويفهم من هذه اآلية الكرمية ان كل من يكون اكتسابه للسيئات اكثر يكون موردا‬
‫للمصيبة يف االكثر فينبغي ان يبتلى ابشد البالء واملصيبة غري االنبياء عليهم الصلوات و‬
‫التسليمات وغري األولياء عليهم الرضوان دون االنبياء واالولياء عليهم الصالة و السالم‬
‫وايضا ان هؤالء الكرباء حمبوبوا احلق سبحانه اصالة وتبعا ومن خواص مقربيه تعاىل فكيف‬
‫يصح احالة البليات واحملن اىل احملبوبني وخواص املقربني وأبي وجه جيوز اذاهم وكيف‬
‫يستقيم كون االعداء يف راحة ونعيم واقامة األحباء يف بليات وعذاب اليم (اعلم) ارشدك‬
‫هللا وهداك سواء الصراط ان الدنيا ليست مبوضوعة للتنعم والتلذذ وامنا املعد للتنعم والتلذذ‬
‫هي اآلخرة وحيث كان بني الدنيا واآلخرة نسبة الضدية والنقاضة ورضاء احدامها مستلزم‬
‫لسخط األخرى يكون التلذذ يف احدامها مستلزما للتأمل يف األخرى ابلضرورة فمن يكون‬
‫تلذذه وتنعمه يف الدنيا اوفر يكون أتمله وتندمه يف اآلخرة اكثر وكذلك من كان ابتالؤه‬
‫ابلبليات واحملن يف الدنيا اكثر يكون احتظاظه وسروره يف اآلخرة ابلتنعمات والتلذذات‬
‫ازيد وافور وليت لبقاء الدنيا ابلنسبة اىل بقاء اآلخرة حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر‬
‫احمليط نعم ماذا تكون نسبة املتناهي اىل غري املتناهي فال جرم كان الالئق مبقتضى الكرم‬
‫ابتالء األحباب مبحنة اايم يف هذه الدار ليحتظوا ويفرحوا بتنعمات ابدية وكان املناسب‬
‫مبوجب املكر واالستدراج احتظاظ االعداء بتلذذات قليلة ليبتلوا بتأملات كثرية (فان قيل)‬
‫ان الكافر الفقري الذي هو حمروم يف الدنيا واآلخرة مل يكن أتمله يف الدنيا مستلزما لتلذذه‬
‫يف اآلخرة فما وجه ذلك (نقول) ان الكافر عدو هللا جل سلطانه ومستحق للعذاب‬
‫الدائمي ورفع العذاب عنه يف الدنيا وتركه على وضعه وحاله عني التلذذ والتنعم ونفس‬
‫االحسان يف حقه وهلذا قيل لنفس الدنيا يف حق الكافر اهنا جنة غاية ما يف الباب ان‬
‫بعض الكفار يرفع عنه العذاب يف الدنيا ويعطى بعض التلذذات األخرى ايضا وبعض‬

‫(‪ )1‬رواه عن سعد والطرباين عن اخت حذيفة وابو عوانة واحلاكم بسند صحيح عن ايب سعيد اخلدري ابلفاظ خمتلفة‬
‫متقاربة منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 869 -‬‬

‫آخر يرفع عنه العذاب وال يعطي له شئ من تلذذات أخرى بل يكتفي يف حقه ابلتذاذ‬
‫اعطاء الفرصة واملهلة ورفع العذاب لكل ذلك حكم ومصاحل (فان قيل) ان هللا تعاىل‬
‫قادر على كل شئ و مقتدر الكرام اوليائه بتلذذات دنياوية وتنعمات اخروية من غري ان‬
‫يكون التلذذ يف احدامها مستلزما للتأمل يف األخرى يف حقهم (أجيب) بوجوه (االول) اهنم‬
‫لو مل يذوقوا يف الدنيا بليات اايم قليلة وحمن اويقات يسرية ال يعرفون قدر تلذذات‬
‫وتنعمات ابدية وال يدركون قدر نعمة الصحة والعافية الدائمة كما ينبغي نعم من مل جيع‬
‫بطنه ال جيد لذة الطعام ومن مل يكن مبتلى ال يعرف قدر الفراغة وكأن املقصود من أتملهم‬
‫املوقت حتصيلهم لكمال التلذذ الدائمي وظهر اجلمال يف حق هؤالء االكابر بصورة‬
‫اجلالل البتالء العوام يضل به كثريا و يهدي به كثريا (والثاين) ان البليات واحملن وان‬
‫كانت عند العوام من اسباب التأمل ولكن كلما يصيب من اجلميل املطلق فهو من أسباب‬
‫التنعم وااللتذاذ عند هؤالء االكابر وهم جيدون من التلذذ ابلبالاي ما جيدون من التنعم‬
‫ابلنعماء بل احتظاظهم من البالاي اكثر لكوهنا خالص مراد احملبوب وليس هذا اخللوص‬
‫يف النعماء فان النفس ايضا مريدة هلا وهاربة من البالاي فيكون البالء عند هؤالء االكابر‬
‫أفضل من النعمة و يكون التذاذهم من البالء اكثر من التذاذهم من النعمة وحظهم يف‬
‫الدنيا من البليات واملصائب فلو مل يكن هذا امللح يف الدنيا ملا ساوت عندهم بشعرية ولو‬
‫مل تكن هذه احلالوة فيها لكانت عبثا يف نظرهم {شعر}‪:‬‬
‫اال ان قصدي من هواك أتملي * و اال فاسباب النعيم كثرية‬
‫فأولياؤه تعاىل متلذذون يف الدنيا وحمتظون ومسرورون يف اآلخرة ولذهتم هذه يف‬
‫الدنيا ال تنايف حظهم يف اآلخرة والتلذذ الذي ينايف حظ اآلخرة هو غري ذلك مما هو‬
‫حاصل للعوام اهلي ما هذا الذي جعلت اولياءك حبيث ان ما هو سبب أتمل اآلخرين‬
‫سبب اللتذاذهم وما هو زمحة على اآلخرين رمحة هلؤالء االكابر ونقمة اآلخرين نعمة هلم‬
‫الناس مسرورون يف السرور و مغمومون يف الغم وهؤالء الكرباء مسرورن يف السرور‬
‫وفرحون يف الغم فان نظرهم مصروف عن خصوصيات االفعال اجلميلة والرذيلة ومقصور‬
‫‪- 870 -‬‬

‫على مجال فاعل تلك االفعال الذي هو مجيل مطلق وكانت االفعال عندهم ايضا حمبوبة‬
‫حبب الفاعل ومورثة لاللتذاذ كلما يصدر يف العامل مبراد الفاعل اجلميل جل سلطانه وان‬
‫كان م ن ايالمهم واضرارهم فهو عني مرادهم احملبوب هلم وسبب التذاذهم اهلي ما هذا‬
‫الفضل والكرامة حيث اعطيت مثل هذه الدولة اخلفية والنعمة اهلنيئة الوليائك خمفيا اايها‬
‫من نظر االغيار وأقمتهم مبرادك دائما حمتظني ومتلذذين ورفعت عنهم الكراهة والتأمل‬
‫وجعلتها نصيب غريهم وجعلت العار والفضيحة اللذين من عيوب اآلخرين مجال هذه‬
‫الطائفة العلية وكماهلم واودعت مرادهم يف عني عدم حصول املراد وجعلت التذاذهم‬
‫وسرورهم العاجلني سببا لزايدة حظوظهم االخروية على عكس اآلخرين ذلك فضل هللا‬
‫يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (والثالث) ان هذه الدار دار ابتالء واحلق ممتزج فيها‬
‫ابلباطل واحملق خمتلط ابملبطل فلو مل يعط االولياء احملن والبالء بل اعطيهما االعداء ملا‬
‫يتميز االولياء من االعداء ولتبطل حكمة االختبار واالمتحان وذلك مناف لالميان‬
‫ابلغيب الذي السعادة الدنوية واالخروية مودعة يف ضمنه قوله تعاىل الذين يؤمنون‬
‫ابلغيب وقوله تعاىل وليعلم هللا من ينصره ورسله ابلغيب شاهد هلذا املعن فجعل هللا‬
‫سبحانه اولياءه مبتلني بصورة البالء واحملن ورمى يف عيون االعداء الرتاب لتتم بذلك‬
‫حكمة االبتالء واالمتحان وليكون اولياؤه متلذذين يف عني البالء وليكون االعداء‬
‫مطموسوا ا لبصرية خائبني وخاسرين غافلني عن هذا االبتالء يضل به كثريا ويهدي به‬
‫كثريا وكانت معاملة االنبياء مع الكفار ان تكون الغلبة احياان يف هذا اجلانب واحياان يف‬
‫ذاك اجلانب كانت النصرة يف البدر يف جانب اهل االسالم وكانت الغلبة يف االحد يف‬
‫جانب الكفار قال هللا تبارك و تعاىل ان ميسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك‬
‫االايم نداوهلا بني الناس وليعلم هللا الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء وهللا ال حيب الظاملني‬
‫وليمحص هللا الذين آمنوا وميحق الكافرين (والرابع) ان احلق سبحانه و تعاىل وان كان‬
‫قادرا على كل شئ ومقتدرا على اكرام اوليائه ابلتنعم الدنيوي واالخروي ولكن هذا املعن‬
‫مناف حلكمته وعادته سبحانه و تعاىل وهو تعاىل حيب ان جيعل قدرته مستورة حتت‬
‫‪- 871 -‬‬

‫حكمته وعادته وان جيعل العلل واالسباب نقاب جناب قدسه فبحكم النقاضة بني الدنيا‬
‫واآلخرة ال بد لالولياء من حمن الدنيا وبليتها حت تكون هلم تنعمات اآلخرة هنيئة مريئة‬
‫وقد مر يف جواب اصل السؤال رمز اىل هذا املعن (ولنرجع) اىل أصل الكالم ونبني تتمة‬
‫اجلواب من أصل السؤال ونقول ان سبب االمل و البالء و املصيبة وان كان كسب الذنوب‬
‫والسيئات ولكن البليات مكفرة يف احلقيقة للسيئات واملصيبات مزيلة لظلمات الذنوب‬
‫واخلطيات فالكرم يف زايدة حمن االولياء وبلياهتم لتكون كفارة لسيئاهتم ومزيلة لظلمات‬
‫ذنوهبم وزالهتم وال ينبغي أن تتصور سيئآت األولياء وذنوهبم مثل سيئات االعداء وذنوهبم‬
‫ولعلكم مسعتم قوهلم حسنات االبرار سيئات املقربني فلو صدر عنهم الذنب والعصيان ال‬
‫يكون ذلك كذنب غريهم وعصيانه بل يكون من قسم السهو والنسيان بعيدا من العزم‬
‫واجلد والطغيان قال هللا تبارك و تعاىل ولقد عهدان اىل آدم من قبل فنسي ومل جند له عزما‬
‫فكثرة اآلالم واملصائب والبليات تدل على كثرة كفارة السيئات ال على كثرة كسب‬
‫السيئات فيعطى اكثر البالء لالولياء ليكفر عنهم سيآهتم فيقدمون اىل رهبم طاهرين‬
‫مطهرين ويكونون حمفوظني من حمنة اآلخرة ومصونني (نقل) ان يف حني احتضار النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم ظهر فيه قلق واضطراب فلما شاهدت فاطمة رضي هللا عنها منه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم ذلك صارت من كمال شفقتها وحتننها لرسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم ولقوله صلّى هللا عليه و سلّم فاطمة بضعة مين مضطربة ومنزعجة فلما شاهد النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم ذاك االضطراب واالنزعاج من فاطمة الزهراء يف ذلك الوقت قال‬
‫لتسليتها رضي هللا عنها ان حمنة ابيك هي هذه فقط ال مكروه بعد ذلك ما اعظم دولة‬
‫لو ارتفع العذاب االشد واال بقي مبحنة اايم قليلة وامنا يعامل هبذه املعاملة االولياء دون‬
‫غريهم فان ذنوب غريهم ال تكفر هنا كما ينبغي بل يؤخر جمازاهتم اىل اآلخرة فيكون‬
‫االولياء احقاء بكثرة اآلالم والبليات الدنيوية وليس غريهم مستحقني هلذه الدولة فان‬
‫ذنوهبم كبرية ومشغوليتهم اباللتجاء والتضرع واالستغفار واالنكسار قليلة ونفوسهم على‬
‫كسب املعاصي جسورة يكتسبون الذنوب ابجلد والعزم وال خيلون من التمرد والطغيان‬
‫‪- 872 -‬‬

‫والرجم بل يكادون يستهزؤن ويسخرون آبايت هللا عز وجل واجلزاء على قدر اجلرمية فان‬
‫كانت اجلرمية خفيفة وصاحبها ملتجئا ومتضرعا اىل هللا تعاىل فهي قابلة للكفارة ابلبالء‬
‫الدنوي اما اذا كانت غليظة وصاحب اجلرمية متمرد ومتكرب فهي حرية ابجلزاء األخروي‬
‫الذي هو اشد وأدوم وما ظلمهم هللا ولكن كانوا انفسهم يظلمون وكتبتم ايضا ان الناس‬
‫يستهزؤن ويسخرون ويقولون ان احلق سبحانه مل يبتلي اولياءه ابحملنة والبالء ومل ال جيعلهم‬
‫يف التلذذ والتنعم دائما ويريدون نفي هذه اجلماعة هبذا القيل والقال نعم قد قال الكفار‬
‫امثال هذه الكلمات يف حقه صلّى هللا عليه و سلّم قال تعاىل وقالوا ما هلذا الرسول أيكل‬
‫الطعام وميشي يف االسواق لوال انزل عليه ملك فيكون معه نذيرا او يلقى اليه كنز او‬
‫تكون له جنة أيكل منها اآلية ومدار امثال هذه الكلمات على انكار اآلخرة وانكار‬
‫العذاب والثواب الدائمني و على االعتداد ابلتلذذات الفانية العاجلة والذي يؤمن ابآلخرة‬
‫ويذعن ابلثواب والعذاب الدائمني ال يورد حمنة اايم قليلة على نظره اصال بل يتصور هذه‬
‫احملنة املوقتة اليت هي سبب راحة مؤبدة عني الراحة ال ينبغي االصغاء اىل قيل الناس‬
‫وقاهلم واالمل والبالء واحملنة من شواهد احملبة فان زعمها مطموس البصرية منافية للمحبة‬
‫ماذا نصنع ال عالج غري االعراض عن اجلاهلني ومقالتهم فاصرب صربا مجيال (جواب)‬
‫آخ ر عن اصل السؤال ان البالء سوط احملبوب مينع احملب من االلتفات اىل ما سوى‬
‫احملبوب وجيعله متوجها بكليته اىل جناب قدسه فيكون املستحق لألمل والبالء االولياء‬
‫ليكون هذا البالء مكفرا لسيئة التفاهتم اىل ما سواه وال يكون غريهم الئقا هبذه الدولة‬
‫وكيف ال جياء هبم اىل جناب احملبوب بال اختيار فان كل من سبقت له العناية االزلية جياء‬
‫به اىل جانب احملبوب ابجلر والضرب وجيتيب للمحبوبية ومن ال فيرتك على اختياره فان‬
‫ادركته السعادة األبدية يسلك طريق االانبة ويصل اىل املقصد ابمداد الفضل والعناية واال‬
‫فاايه وحاله اللهم ال تكلين اىل نفسي طرفة عني فعلم من هذا ان البالء يف املرادين يكون‬
‫اكثر منه يف املريدين وهلذا قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم الذي هو رئيس املرادين‬
‫واحملبوبني ما أوذي نيب مثل ما أوذيت فظهر يف البالء معن الداللية حيث انه أوصل‬
‫‪- 873 -‬‬

‫احلبيب اىل احلبيب حبسن داللته وجعله صافيا من االلتفات اىل غري احلبيب والعجب ان‬
‫االولياء لو وجدوا الوفا الشرتوا هبا البالء وغريهم يريدون دفع البالء ابعطاء الوف (فان‬
‫قيل) قد يفهم االضطراب والكراهة يف االولياء ايضا وقت اصابة االمل والبالء يف بعض‬
‫االحيان فما وجه ذلك (اجيب) ان ذلك االضطراب صوري يصدر عنهم احياان مبقتضى‬
‫الطينة البشرية ويف ابقائه حكم ومصاحل فان اجلهاد مع النفس ال يتصور بدونه وقد مسعت‬
‫ما ظهر من سيد االولني واآلخرين عليه و على آله الصالة و السالم من االضطراب‬
‫والقلق يف سكرات املوت وكان ذلك بقية اجلهاد مع النفس ليكون خامتة خامت الرسل‬
‫عليه وعليهم الصالة و السالم على اجلهاد مع اعداء هللا تعاىل وشدة اجملاهدة حتسم مواد‬
‫الصفات البشرية وتوصل النفس اىل كمال االنقياد وحقيقة االطمئنان وجتعلها صافية‬
‫زاكية فصار البالء دالل سوق احملبة ومن ال حمبة له ال شغل له ابلدالل وال حيتاج اىل‬
‫الداللية وال يكون هلا عنده قدر وال قيمة ووجه آخر لألمل والبالء حصول االمتياز بني‬
‫احملب الصادق وبني املدعي الكاذب فان من كان صادقا يكون ملتذا وحمتظا ابلبالء ومن‬
‫كان مدعيا ال يكون نصيبه من البالء غري التأمل والكراهة وال يهتدي اىل هذا التمييز اال‬
‫من كان فيه شائبة من الصدق حت مييز بني حقيقة التأمل وصورته ويفرق بني حقيقة‬
‫الصفات البشرية وصورهتا الويل يعرف الويل رمز اىل هذا البيان وهللا سبحانه اهلادي اىل‬
‫سبيل الرشاد (وسألتم) أيضا ان العدم ال شئ حمض كما قالوا فال يكون له وجود فاذا مل‬
‫يكن له وجود كيف تكون له آاثر وترقيات مع الوجود الذي عرض له يف الذهن فان‬
‫كانت تكون ذهنية فكيف خترج عن دائرة اخليال (اعلم) ان العدم وان كان الشيئا ولكن‬
‫معاملة االشياء كلها قائمة به ومنشأ تفصيل االشياء وكثرهتا مرآتيته والصور العلمية‬
‫لالمساء االهلية جل شأنه اليت انعكست يف مرآة العدم جعلته متميزا واستلزمته ثبوات علميا‬
‫فبالضرورة اخرجته ايضا من الالشيئية احملضة وصريته منشئا لآلاثر واالحكام وهذه اآلاثر‬
‫واالحكام ايضا كائنة يف خارج موطن العلم واثبتة يف مرتبة احلس والوهم وحيث حصل هلا‬
‫يف تلك املرتبة ابستحكام صنع هللا جل شأنه ثبات واستقرار حبيث ال ترتفع بزوال احلس‬
‫‪- 874 -‬‬

‫والوه م ميكن ان يقال ان هذه اآلاثر واالحكام خارجية وانتم كيف تتعجبون من ترقيات‬
‫العدم فان مجيع معاملة الكائنات مبتنية على العدم ينبغي ان يشاهد كمال قدرة هللا جل‬
‫شأنه حيث وسع دائرة املعاملة هذه كلها من العدم واظهر كماالت الوجود بنقائصه ووجه‬
‫ترقيه يف كمال الوضوح فا ن الصور العلمية لالمساء االهلية جل سلطانه متمكنة فيه وكائنة‬
‫به ومن الصور اىل احلقيقة والظالل اىل االصل طريق سلطاين ومن مل حيس ذلك فهو‬
‫مطموس البصرية ان هذه تذكرة فمن شاء اختذ اىل ربه سبيال ولفظ الذهن واخليال ال‬
‫يوقعنك يف االشتباه واالحتمال وال جيعلن صدور اآلاثر والرتقيات عسريا يف نظركم فانه ما‬
‫من معاملة اال وهي يف العلم واخليال ليست خبارجة منهما غاية ما يف الباب ان بني خيال‬
‫وخيال فرقا كثريا فان اخللق يف مرتبة الوهم واخليال غري اخرتاع الوهم واخليال فان االول‬
‫واقعي وكائن يف نفس االمر وميكن ان يقال انه موجود خارجي والثاين قليل النصيب من‬
‫هذه الدولة وقليل احلظ من الثبات واالستقرار وقد كتبت بعض خصائص العدم يف معرفة‬
‫على حدة واخذ نقلها املري حمب هللا فان اردمت االطالع عليها ينبغي املراجعة اليها‬
‫(وسألتم) ايضا عن الفناء والبقاء وقد كتب هذا الفقري معن هاتني الكلمتني يف مواضع‬
‫كثرية من كتبه ورسائله ومع ذلك لو بقي اخلفاء فيه فعالجه احلضور واملشافهة فان متام‬
‫احلقيقة ال حيصل ابلكتابة فان حصل رمبا يكون اظهاره بعيدا عن املصلحة فانه ال يدري‬
‫ماذا يفهم منه االنسان وماذا يدرك الفناء والبقاء شهوداين ال وجوداين العبد ال يكون‬
‫متالشيا ومتحدا ابحلق تعاىل‪.‬‬
‫العبد عبد ابدا * و الرب رب سرمدا‬
‫زاندقة من يزعمون الفناء و البقاء وجوديني ويظنون ان العبد يرفع عن نفسه‬
‫تعينات وجوده ويتحد مع اصله الذي منزه عن التعينات والقيودات ويصري مضمحال‬
‫ومتالشيا وابقيا بربه كقطرة تكون فانية عن نفسه وتلحق ابلبحر وترفع عن نفسه القيد‬
‫وتتحد ابملطلق أعاذان هللا سبحانه من معتقداهتم السوء وحقيقة الفناء عبارة عن نسيان ما‬
‫سواه تعاىل وعدم التعلق بغريه وتطهري ساحة الصدر عن مجيع مرادات النفس ومقتضياهتا‬
‫‪- 875 -‬‬

‫الذي هو مناسب ملقام العبودية واملناسب ملقام البقاء هو قيام العبد مبرادات مواله جل‬
‫سلطانه وان جيد مراداته سبحانه عني مرادات نفسه وذلك بعد شهود اآلايت األنفسية‬
‫(وسألتم) ايضا انه قد اثبتم سريا فيما وراء االنفس والسري يف املراتب العشرة لعامل اخللق‬
‫وعامل االمر وسري اهليئة الواحدانية داخل يف السري االنفسي فما يكون السري فيما وراء‬
‫اال نفس (اعلم) ان االنفس كاآلفاق ظالل االمساء االهلية جل سلطانه فاذا نسي الظل‬
‫بفضل هللا جل سلطانه نفسه وتوجه اىل اصله وحصل له متام حمبة االصل فبحكم املرء مع‬
‫من احب جيد نفسه عني اصله ويصرف لفظ اان الذي كان يطلقه على نفسه اليه وكذلك‬
‫هلذا االصل اصل ايضا فيتوجه من هذا االصل اىل ذاك االصل بل جيد نفسه عني ذاك‬
‫االصل وهلم جرا اىل ان يبلغ الكتاب اجله وهذا السري سري فيما وراء االنفس واآلفاق‬
‫ولكن ينبغي ان يعلم ان مجاعة من القوم قالوا للسري االنفسي انه سري يف هللا وذاك السري‬
‫الذي بيناه آنفا غري هذا السري الذي قاله بعض املشائخ فان هذا السري حصويل وذاك‬
‫السري وصويل والفرق بني احلصول والوصول مذكور يف مكاتيب متعددة ابلتفصيل فليعلم‬
‫من هناك (وسألتم) ايضا عن اقربية ذاته وصفاته وافعاله جل سلطانه بيانه ايضا متعلق‬
‫ابحلضور فانه ال مصلحة يف كتابته ولئن كتبناه يكون مغلقا ال يعلم انفهامه بل لو فهم‬
‫ابلتقرير يف احلضور فهو ايضا مغتنم (وسألتم) ايضا عن كماالت مرتبة النبوة قائال ابن‬
‫الفناء والبقاء والتجلي ومبدأية التعني كلها يف مراتب كماالت الوالايت الثالثة فبأي كيفية‬
‫يكون السري يف مراتب كماالت النبوة (اعلم) ان مراتب العروج مادام بعضها متميزا عن‬
‫بعض وحيصل السري من اصل اىل اصل فكل كماالت حاصلة فيها داخلة يف دائرة‬
‫الوالايت فاذا زال ذلك التميز وانعدم التفصيل ووقعت املعاملة يف االمجال والبساطة يقع‬
‫الشروع يف كماالت مرتبة النبوة وان كان يف تلك املرتبة ايضا وسعة ان هللا واسع عليهم‬
‫ولكن تلك الوسعة وسعة أخرى فان كان فيها متيز فهو ايضا متيز آخر وما ذا اكتب زايدة‬
‫على ذلك وماذا يفهم منه ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا (وسألتم) ايضا‬
‫عن بعض اسرار الصالة فاخران جوابه اىل وقت آخر فان الوقت اآلن ضيق جدا وامنا‬
‫‪- 876 -‬‬

‫نكتب بعض املعارف بسرقة الوقت من يد الزمان واهله ارمحوا الفقري وال جتاسروا يف‬
‫اإل ستفسار ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين‬
‫احلمد هلل رب العاملني اوال وآخرا و الصالة والتحية على رسوله دائما وسرمدا و على آله‬
‫الكرام وصحبه العظام اىل يوم القيام‪.‬‬

‫{مت اجلزء الثاين ويليه اجلزء الثالث اوله اما بعد فهذه كلمات اخل}‬

‫{ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء و هللا ذوالفضل العظيم}‬

‫اجلزء الثالث من معرب املكتوابت الشريفة املوسوم ابلدرر املكنوانت‬


‫النفيسة للفقري احملتاج اىل لطف رب العباد حممد مراد املنزلوي‬
‫تولدا املكي توطنا عربتها رجاء ان ينتفع هبا اخوان طريقتنا‬
‫الذين ال معرفة هلم ابللغة الفارسية اليت هي اصلها والرتكية‬
‫اليت هي ترمجتها واسأل هللا سبحانه ان جيعل‬
‫خالصا لوجهه الكرمي وان جيريين به من‬
‫‪- 877 -‬‬

‫العذاب األليم انه رؤف‬


‫رحيم حليم‬

‫للمؤلف املعرب الالشي‬

‫أموت و يبلى اعظمي يف املقابر * وسوف أرى ما قد حوته دفاتري‬


‫فرمت ادخارا بعد مويت من الدعا * فأبقيت تذكارا نتاج خواطري‬

‫وهبامشه عطية الوهاب * الفاصلة بني اخلطأ والصواب‬


‫للشيخ حممد بك االوزبكي رمحه هللا تعاىل‬

‫ما شاء هللا‬

‫الرِح ِيم‬
‫الر ْمحَ ِن َّ‬ ‫بِس ِم ِ‬
‫هللا َّ‬ ‫ْ‬
‫اما بعد فهذه كلمات طيبات * وحروف عاليات * كل نقطة منها مركز فرجار‬
‫القلوب املضطربة العدمية القرار * يتفجر منها عيون املعارف واالسرار * امثال االهنار‬
‫والبحار * وخال مزين خلدود عروس احلقائق *وانسان ابصار نقاد الدقائق * او درة التاج‬
‫استخرجها من جلة حبر االحدية يد الباطن الطويل اىل الساحل * او النافجة احمليية للروح‬
‫جاء هبا بنان البيان من سرة ظباء بيداء اهلوية اىل احملافل اغن هللا فقراءه هبذا الدر اليتيم‬
‫وروح مشام ارواحهم هبذا الشميم (االشعارالفارسية) زهريك نقطه اش چون انفهء تر *‬
‫مشيم وصل جاانن ميزند سر * وىل آن كز برودت در زكام ست * چه داند تنافه اش گر‬
‫‪- 878 -‬‬

‫در مشام ست * سرامي مدح آن سياح غواص * كنم خورشيد را چون ذره رقاص * مهني‬
‫فرزند فاروقست چون آب * كنون نطق أز زابن او كندرب * سرا اپ نسخهء أخالق‬
‫فاروق * بزهر منقصت ترايق فاروق * چراغ نقشبند هفت حمفل * نگاهش نقشبند هللا‬
‫ازدل * غوث اخلالئق * غواص احلقائق * معراج الوصول * منهاج القبول * خزينة الرمحة‬
‫* دفينة احلكمة مشرف القلوب مشرق الغيوب جلة العمل حجة الكمل حدقة االخيار‬
‫حديقة االحبار نور الطريقة نور احلقيقة زين العاملني عني العاملني ذروة املنا عروة الرجا‬
‫مرآة االرائة مرقاة احملبة مطلع الرموز واالشارات *منبع الكنوز والبشارات * مالح حبر‬
‫املالحة * مصباح بيت الصباحة * الصلة بني البحرين * املصلح بني الفئتني * م ْستَشهد‬
‫املتكلمني * مستمسك املتوحدين * برهان السلف * سلطان اخللف * وثيقة هذه الوفود‬
‫* طليعة املهدي املوعود ذكاء االصل والفرع * سناء الدين والشرع وارث سيد البشر منور‬
‫املائة احلادية عشر جمدد االلف الثاين * االمام الرابين {شعر}‪:‬‬
‫كجا گردد ز وصفش خامه آگاه * چه من دراي بد از درايى پركاه‬
‫مهان هبرتكزين بس گوش ابشم * سرامي نغمه وخاموش ابشم‬
‫مسي املصطفى ابالسم الذي بشر به عيسى الشيخ امحد ابن الشيخ عبد االحد‬
‫الفاروقي نسبا واحلنفي مذهبا والنقشنبدي مشراب أدام هللا سبحانه ظالل حياته على‬
‫العاملني وارواهم من حبار بركاته اىل يوم الدين حبذا حال الناظرين السليمي البال الذين‬
‫يفتحون سواد النظر اىل هذا املداد الذي هو السواد االعظم من االسرار واحلكم *‬
‫فيجدون من هذا املداد ابعالم رابين امداد احلضور * ومن ذلك السواد تكون سويداء‬
‫قلوهبم مآلنة ابلنور * ونعم مال القارئني املستقيمي االحوال * الذين اذا الفت السنتهم‬
‫هبذه املعارف العالية تغيب ارواحهم ابهلام سبحاين يف سكر السكر والشكر * ومرحبا‬
‫ابملستعدين املستسعدين بصفاء الطبيعة وحسن االعتقاد الذين اذا مل يرتفع هلم احلجاب‬
‫عن مجال هذه النكات والرموز اليت هي وراء طور العقل من غاية الدقة والغموض يعرتفون‬
‫بقصورهم وعدم وجداهنم ويسلمون للكل سالكني طريق صدقنا قائلني {ع}‪:‬‬
‫‪- 879 -‬‬

‫وليس يدري سواهم منهم احدا‬


‫فيحوزون نقد مثرات السعادات االبدية ذلك ملن خشي ربه (واي حسرات) على‬
‫القارئني الناظرين اليه شزرا * والسامعني املهذرين يف الكالم هذرا * الذين اذا وافق من‬
‫هذه امللهمات الغيبية شئ طبعهم وانسب فهمهم حيملونه على مهارة صاحب املقال يف‬
‫القيل والقال وحنت اخليال * وما مل جيدوه كذلك يبسطون السنتهم ابلسوء من قصور‬
‫النظر و حبكم املرء ال يزال عدوا ملا جهله يزمرون مزامري اجلدال املنحوس االثر * وال‬
‫يعلمون ان هذه الطائفة العلية ليسوا يف البني يف اظهار هذه االسرار اخلفية {شعر}‪:‬‬
‫ليس منهم هذه اال * حلان بل من مطرب‬
‫بصر هللا سبحانه اخواننا سرائر عيوهبم * واطلعهم على االسرار الغيبية الصادرة من‬
‫اهل الصفاء بطهارة قلوهبم * ورزقهم خملصا من قيد الكيد وغل الغل للمخلصني * وما‬
‫قلت اهنم ليسوا يف البني يف اظهار االسرار ليسمع شاهده ايضا من صاحب هذه االسرار‬
‫ع‬
‫و حلاله يف حاله برهان‬
‫(و ملا) اختتم اجللد االول من املكتوابت معدن الفتوحات الذي در املعرفة امسه‬
‫وأتريخ اختتامه بلغ بعض متعطشي زالل املقال اىل العرض االقدس انه لو وردت االشارة‬
‫العالية جبَ ْمع اهنار االسرار اليت تنبع بعد ذلك من عيون االقالم ليجتمع حبر اجللد الثاين‬
‫فقال حضرة شيخنا يف اجلواب من غاية االنكسار واخلشية اين يف فكرة ان كل هذه‬
‫العلوم اليت بينت وحررت هل تكون مقبولة ومرضية ام ال فسكت مرتصدا لالشارة‬
‫والبشارة مث قال يف غداة ذلك اليوم انه قد هتف يب هاتف ابالمس ان هذه العلوم اليت‬
‫كتبتها بل ما جرى على لسانك كلها مقبولة ومرضية وقيل اشارة اىل ما كتبته ان كل‬
‫ذلك مقالتنا وبياننا واورد يف ذلك الوقت مجيع تلك العلوم يف نظري فنظرت اىل كل‬
‫واحد منها امجاال وتفصيال سيما اىل العلوم اليت كان يل فيها تردد فوجدت كلها داخلة يف‬
‫ذلك احلكم احلمد هلل على االحسان فشرع يف اجراء اقدام االقالم احملرتمة بكتابة االسرار‬
‫‪- 880 -‬‬

‫وملا بلغ ما حواه ذلك اجللد تسعا وتسعني مكتواب مطابقا لالمساء احلسين اختتم على‬
‫ذلك يف عام أترخيه ظاهر من نور اخلالئق مث ملا ورد بعض املكاتيب اىل منصة الظهور‬
‫وجملة السطور التمس االمري النسيب والسيد احلبيب قطب الزمان حرز االمان {شعر}‪:‬‬
‫در تفريد را حبرى وكاىن * تن جتريد را روحى وجاىن‬
‫دم از آئينه سازد نور زائل * دم او صيقل آئينهء دل‬
‫معدن االيقان والعرفان حممد نعمان بن مشس الدين حيىي الشهري مبري بزرگ‬
‫البدخشاين سلمه هللا تعاىل وأبقاه وهو من كمل خلفاء حضرة شيخنا مقيم يف صوب‬
‫دكن هبداية الربية وترويج الطريقة العلية ابمره العايل نظم تلك الآليل املنثورة ليجعل دفينة‬
‫اجللد الثالث فصار ملتمسه مقروان ابالجابة وملا بلغ املكاتيب زهاء ثلثني حالت املهاجرة‬
‫الصورية الضرورية بني السيد املذكور وبني ذلك اجلناب ومل يرغب خاطر حضرة شيخنا‬
‫ايضا يف حترير املعارف وتقرير املكاشف مدة طويلة اىل ان استسعد هذا الضعيف الذي‬
‫ذكر امسه يف آخر املكتوب االول من هذا اجللد بعد مضي سنني بتأييد هللا وهدايته‬
‫سبحانه ابجللوس على تراب العتبة العلية يف السنة اليت تظهر من خاك نشني فشرع حبر‬
‫نيسان حضرة شيخنا يف التموج ابلتقرير وانبوب بنانه يف النبع ابلتحرير وامتاز هذا الفقري‬
‫من غاية رمحته وعنايته له جبمع تلك املسودات ونقلها اىل البياض وتشرف ابمتام اجللد‬
‫الثالث يف تلك السنة اليت تظهر ايضا من لفظ اثلث ابمداد مبدأ الفياض وملا بلغ عدد‬
‫املكاتيب مائة وثالثة عشر مكتواب موافقا لعدد حروف ابقي وكان التقرير على ذلك يف‬
‫غاية اللياقة ابعتبارات ثالثة اختتم عليه يف عام يلوح حسابه من كأس الراسخني وملا ظهر‬
‫بعض املكاتيب بعد ذلك بعلوم جديدة واسرار غريبة امر ان جنعله به مسك اخلتام‬
‫فباحلاقه طابق عدد املكاتيب بعدد سور القرآن احلمد هلل اوال وآخرا وظاهرا وابطنا رزق‬
‫هللا سبحانه للطالب من هذه املائدة قوت االرواح وقوة االميان اىل يوم التناد حبق احلق‬
‫اهلادي اىل سبيل الرشاد‪.‬‬
‫‪- 881 -‬‬

‫{املكتوب االول اىل السيد املري حممد نعمان يف جواب سؤاله عن اقربية افعال‬
‫الواجب وصفاته وذاته جل سلطانه}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫الصحيفة الشريفة قد ارتكبتم مشقة كثرية جعل هللا سبحانه سعيكم مشكورا وملا‬
‫استفسرمت عن اقربية افعال الواجب وصفاته وذاته جل سلطانه مكررا ووهلتم ببيانه اردان ان‬
‫نذكر منها قدرا يسريا (اعلم) ان كل شئ هو ذلك الشئ مباهيته وجعل اجلاعل لثبوت‬
‫املاهية لذلك الشئ ليس بالزم اصال فان ثبوت الشئ لنفسه ضروري ومن ههنا قالوا ان‬
‫اجلعل ليس بثابت يف نفس املاهية واملاهية ليست مبجعولة واجلعل امنا هو التصاف املاهية‬
‫ابلوجود اال ترى ان فعل الصباغ امنا هو يف اتصاف الثوب ابللون ال انه جيعل الثوب ثواب‬
‫واللون لوان فانه حمال لكونه حتصيل احلاصل فلم يكن اجلعل يف نفس الشئ بل يف‬
‫اتصاف الشئ ابلوجود فثبت ان الشئ امنا يكون شيئا مباهيته و هذا املعن مفقود يف ظل‬
‫الشئ وعكس الشئ يف النظر الكشفي فان عكس الشئ وظله ليسا بظل وعكس‬
‫مباهي تهما الظلية والعكسية بل مباهية اصلهما فان الظل ال ماهية له والظاهر به امنا هو‬
‫ماهية االصل اظهرت نفسها ابلظل فيكون االصل اقرب اىل الظل من نفسه فان الظل‬
‫ظل ابصله ال بنفسه وحيث ان العامل ظالل افعال الواجب جل سلطانه وعكوسها تكون‬
‫االفعال اليت هي اصوهلا اقرب اىل العامل من العامل ابلضرورة وكذلك االفعال ظالل صفات‬
‫الواجب جل شأنه فتكون اقرب اىل العامل من العامل واصوله اليت هي االفعال لكوهنا اصل‬
‫االصل وحيث ان الصفات ظالل حضرة الذات اليت هي اصل مجيع االصول فال جرم‬
‫تكون الذات اقرب اىل العامل من العامل ومن االفعال والصفات الواجبية هذا هو بيان‬
‫اقربيته تعاىل املمكن ايراده يف حيز التحرير فلو انصف العقالء حيتمل اهنم يقبلون هذا‬
‫املعن فان مل يقبلوا فال غم النه خارج عن املبحث وحيث اندرج يف هذا البيان املقدمات‬
‫املعقولة لو اشركتم السيد املري مشس الدين علي يف مطالعة هذا املكتوب لساغ وكتبتم انه‬
‫قد اردان الشروع يف مجع اجللد الثالث من املكتوابت فامضوا على ما أردمت فان أهل هللا‬
‫‪- 882 -‬‬

‫اذا رأوا يف امر صالحا حيتمل ان يكون مباركا واذا فوضتم هذا االمر اىل املري املشار اليه‬
‫فليجعل النسخ متعددة ولريسل نسخة اىل سرهند وليحفظ املسودات ولعلها يقع‬
‫االحتياج اليها والفقري متحري يف سفركم وقعودكم فمن جهة انه حريص على مالقاتكم ال‬
‫يقدر ان حيرك شفتيه بسفركم وال يقدر ان يدلكم على القعود ايضا خلوف كون القعود‬
‫سببا لفوت مصاحل مجع كثري ولكن اذا سافرمت ارسلوا هنا اخلواجه حممد هاشم ليكون يف‬
‫الصحبة اايما وليأخذ بعض العلوم واملعارف فانه يرى شااب قابال وحيث ان املشار اليه‬
‫مرابكم وعارف مبذاقكم ينبغي ان حتيلوا االستفسارات عليه فيستمع اجلواب ويؤديه اليكم‬
‫و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين اىل جامع االسرار والعلوم حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد‬
‫معصوم سلمه هللا تعاىل يف املواعظ و االنقطاع عن اخللق و االلتجاء اىل جناب احلق‬
‫سبحانه و تعاىل}‬
‫احلمد هلل رب العاملني يف السراء والضراء ويف اليسر والعسر ويف النعمة والنقمة ويف‬
‫الرمحة والزمحة ويف الشدة والرخاء ويف العطية والبالء والصالة و السالم على من ما اوذي‬
‫نيب مثل إيذائه وما ابتلى رسول بنحو ابتالئه هلذا صار رمحة للعاملني وسيد االولني‬
‫واآلخرين ايها االوالد الكرام ان وقت االبتالء وان كان مرا كريه الطعم ولكن الفرصة‬
‫مغتنمة وحيث انكم اعطيتم الفرصة يف هذا الوقت ينبغي ان تؤدوا محدا هلل جل شأنه وان‬
‫تتوجهوا اىل امركم من غري ان جتوزوا النفسكم فراغة حملة وحلظة وال ينبغي لكم اخللو عن‬
‫احد امور ثالثة تالوة القرآن اجمليد واداء الصالة بطول القراءة وتكرار الكلمة الطيبة ال اله‬
‫اال هللا ينبغي ان ينفى بكلمة ال اهلَةَ أهواء النفس وان يدفع املقاصد واملرادات فان طلب‬
‫االنسان مراده دعوى منه االلوهية ينبغي ان ال يكون يف ساحة الصدر جمال مراد اصال‬
‫وان ال يبقى هوس يف املتخ يلة قطعا حت تتحقق حقيقة العبودية طلب العبد حصول‬
‫مرا ده مستلزم لدفع مراد مواله ومعارضة على ربه وهذا املعن مستلزم لنفي مواله واثبات‬
‫‪- 883 -‬‬

‫مولوية نفسه ينبغي ان يدرك قبح هذا االمر وان ينفي دعوى االلوهية عن نفسه اىل ان ال‬
‫يبقى شئ من االهواء واهلوسات واملرادات غري مراد املوىل وهذا املعن نرجو ان يتيسر يف‬
‫اايم البالء واوقات االبتالء ابلسهولة بعناية هللا سبحانه واما يف غري هذه االايم فكل‬
‫واحد من هذه االهواء واهلوسات كسد أيجوج فينبغي االشتغال هبذا االمر قاعدين يف‬
‫الزوااي فان الفرصة مغتنمة القليل يف اايم الفنت يتقبل ابلكثري ويف غري اايم الفنت ال بد من‬
‫الرايضات واجملاهدات اخلرب شرط يقع املالقاة ام ال والنصيحة هي ان ال يبقى مراد وال‬
‫هوس اصال واطلعوا والدتكم ايضا على هذا املعن ودلوها عليه واحوال هذه النشأة حيث‬
‫كانت ماضية ما ذا نورد منها يف معرض البيان ارمحوا الصغار ورغبوهم يف القراءة وارضوا‬
‫اهل احلقوق من جانبنا مهما امكن وكونوا ممدين ومعاونني بدعاء سالمة االميان ولنكتب‬
‫مكررا ومؤكدا انه ال تصرفوا هذا الوقت يف امور ال طائل فيها وينبغي ان ال تشتغلوا بشئ‬
‫غري ذكر هللا جل شأنه وان كان مطالعة الكتب وتعليم الطلبة فان الوقت وقت الذكر‬
‫واجعلوا االهواء النفسانية داخلة حتت ال حت تكون منتفية ابلتمام وال يبقى مراد‬
‫ومقصود يف الصدر حت ان ختلصين ابلفعل الذي هو من اهم مقاصدكم ينبغي ان ال‬
‫يكون مرادا لكم وارضوا بتقديره وفعله وارادته تعاىل وينبغي ان ال يكون يف جانب‬
‫االثبات من الكلمة الطيبة شئ غري غيب اهلوية الذي هو وراء وراء املعلومات و‬
‫املتخيالت وهم الدار والقصر والبئر والبستان والكتب واشياء اخر سهل ينبغي ان ال‬
‫يكون شئ مزامحا لوقتكم وال يكون شئ غري مرضيات احلق جل وعال مرضيا ومرادا لكم‬
‫فاان لو ذهبنا ذهبت هذه االشياء كلها فلتذهب يف حياتنا ال تتفكروا فيها وقد ترك‬
‫األولياء هذه االمور ابختيارهم فلنرتكها حنن ابختياره تعاىل ونشكره سبحانه فعسى ان‬
‫نكون من املخلصني بفتح الالم وكل موضع قعدمت فيه ينبغي ان تعتقدوه وطنا ويف اي‬
‫حمل متر حياة اايم قليلة ينبغي ان متر بذكر احلق جل شأنه فان معاملة الدنيا سهلة ينبغي‬
‫التوجه اىل معاملة اآلخرة وينبغي ان تسلوا والدتكم وان ترغبوها يف اآلخرة فان قدر هللا‬
‫سبحانه املالقاة يف الدنيا فتتيسر واال فينبغي الرضاء والتسليم بتقدير هللا تعاىل والدعاء‬
‫‪- 884 -‬‬

‫الن جيمع هللا سبحانه و تعاىل يف دار السالم حميال لتاليف مالقات الدنيا بكرمه تعاىل‬
‫على اآلخرة احلمد هلل على كل حال‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث اىل املري حمب هللا املانكپوري يف بيان معىن الكلمة الطيبة‬
‫الِ اله اال هللا}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ال اله اال هللا ال احد يستحق‬
‫االلوهية واملعبودية اال هللا الذي ال نظري له الواجب الوجود املنزه عن مسات النقص املربأ‬
‫عن صفات احلدوث فان املستحق للعبادة اليت هي عبارة عن كمال التذلل واخلضوع‬
‫واالنكسار ثبت من له مجيع الكماالت وسلب عنه مجيع النقائص واحتاج اليه مجيع‬
‫االشياء يف الوجود وتوابع الوجود وهو ليس مبحتاج يف أمر اىل شئ وهو الضار النافع ال‬
‫شئ يقدر ايصال ضرر او نفع اىل احد بال اذنه واملتصف هبذه الصفات الكاملة ليس اال‬
‫هللا تعاىل وال ينبغي ان يكون فانه لو حتقق غريه تعاىل هبذه الصفات الكاملة من غري‬
‫زايدة وال نقصان ال يكون غريه تعاىل الن الغريين متمايزان وال متايز مثة فلو اثبتنا الغريية‬
‫ابثبات التمايز يلزم نقصه وهو مناف لاللوهية واملعبودية وذلك الان لو مل نثبت له مجيع‬
‫الكماالت ليحصل التمايز يلزم نقصه وكذلك لو مل نسلب عنه مجيع النقائص يلزم نقصه‬
‫ايضا فان مل تكن االشياء حمتاجة اليه فالي شئ يكون مستحقا للعبادة فان كان هو‬
‫حمتاجا اىل شئ من االشياء يف أمر من االمور يكون انقصا وكذلك لو مل يكن انفعا‬
‫وضارا فبما ذا يكون احتياج االشياء اليه ومل يكون مستحقا لعبادهتم اايه فان قدر احد‬
‫على ايصال ضر او نفع اىل االشياء بال اذنه يكون معطال ال يبقى مستقحا للعبادة فال‬
‫يكون اجلامع هلذه الصفات الكاملة اال واحدا ال شريك له وال يستحق للعبادة اال هو‬
‫الواحد القهار (فان قيل) ان التمايز هبذه الصفات وان كان مستلزما للنقص على ما بني‬
‫وهو مناف لاللوهوية واملعبودية ولكن ميكن ان تكون لذاك الغري صفات اخر تكون ابعثة‬
‫على االمتياز ال يلزم نقص اصال وان مل تعرف تلك الصفات اهنا ما هي (اجيب) ان‬
‫‪- 885 -‬‬

‫هذه الصفات ايضا ال ختلو اما ان تكون من الصفات الكاملة او من الصفات الناقصة و‬
‫على كال التقديرين يلزم احملذور املذكور وان مل نعرف تلك الصفات خبصوصها اهنا ما هي‬
‫ولكن نعرف اهنا ليست خبارجة من دائرة الكمال او النقصان و على كال التقديرين‬
‫النقص الزم كما مر (ودليل آخر) على عدم استحقاق غري احلق سبحانه و تعاىل‬
‫للمعبودية ه و ان هللا تعاىل اذا كان كافيا يف مجيع ضرورايت وجود االشياء وتوابع وجودها‬
‫وكان نفع االشياء وضررها مربوطا به سبحانه يكون غريه تعاىل معطال حمضا ال يقع‬
‫احتياج االشياء اليه اصال فمن اي جهة حيصل له استحقاق العبادة والي شيئ تتوجه‬
‫اليه االشياء ابلذلة واخلضوع واالنكسار والكفار االشرار يعبدون غري احلق سبحانه و‬
‫تعاىل وجيعلون االصنام املنحوتة معبودهم بزعم اهنا تكون شفعاءهم عند هللا تعاىل‬
‫ويتقربون اىل هللا تعاىل بتوسلها ما اعظم محاقتهم من أين علموا ان هلا مرتبة الشفاعة وانه‬
‫تعاىل أيذن هلا يف الشفاعة واشراك احد يف عبادته جل وعال مبجرد التوهم هناية اخلذالن‬
‫واخلسارة العبادة ليست ابمر سهل حت يعبد كل حجر ومجاد ويتصور كل عاجز بل‬
‫اعجز من العابد مستحقا للعبادة فان استحقاق العبادة ال يتصور بدون حتقق معن‬
‫االلوهية فمن فيه صالحية االلوهية فمستحق للعبادة ومن ال فال وصالحية االلوهية‬
‫مربوطة بوجوب الوجود فمن ليس فيه وجوب الوجود ال يليق اباللوهية فال يستحق‬
‫للعبادة ما اشد سفاهة من ال يشركون ابهلل سبحانه شيئا يف وجوب الوجود ومع ذلك‬
‫يشركون به تعاىل شركاء يف العبادة أمل يعلموا ان وجوب الوجود شرط استحقاق العبادة‬
‫فان مل يكن له شريك يف وجوب الوجود ال يكون له تعاىل ايضا شريك يف استحقاق‬
‫العبادة واالشراك يف استحاق العبادة مستلزم لالشراك يف وجوب الوجود ايضا فينبغي ان‬
‫ينفي بتكرار هذه الكلمة الطيبة شريك وجوب الوجود وشريك استحقاق العبادة بل‬
‫االهم واالحوج اليه واالنفع يف هذا الطريق نفي شريك استحقاق العبادة املخصوص‬
‫بدعوة االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات فان املخالفني الذين ليسوا مبلتزمني ملة نيب‬
‫من االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات ايضا ينفون شريك وجوب الوجود بدالئل‬
‫‪- 886 -‬‬

‫عقلية وال يثبتون غري واحد من واجب الوجود ولكنهم غافلون عن معاملة استحقاق‬
‫العبادة وفارغ ون عن نفي شريك استحقاق العبادة ال يتحاشون من عبادة الغري وال‬
‫يتكاسلون من عمارة الدير االنبياء هم الذين يهدمون الدير وينهون عن عبادة الغري‬
‫واملشرك يف لسان هؤالء االكابرمن يكون اسريا لعبادة غري احلق سبحانه وان كان قائال‬
‫بنفي شريك وجوب الوجود فان اهتمامهم يف نفي عبادة ما سوى احلق سبحانه املتعلقة‬
‫ابلعمل واملعاملة املستلزم لنفي شريك الوجوب الوجود فمن مل يتحقق بشرائع هؤالء‬
‫االكابر عليهم الصلوات و التسليمات املنبئة عن نفي استحقاق ما سوى هللا سبحانه‬
‫للعبادة ال يتخلص من الشرك وال ينجو من شعب شرك عبادة االهلة االفاقية واالنفسية‬
‫فان املتكفل هبذا املعن هو شرائع االنبياء عليهم الصلوات والتحيات بل املقصود من‬
‫بعثتهم هو حتصيل هذه الدولة والنجاة من هذا الشرك غري متيسرة يف غري شرائع هؤالء‬
‫االكابر والتوحيد غري ممكن بدون التزام ملتهم عليهم الصلوات والتحيات قال هللا تبارك و‬
‫تعاىل ان هللا ال يغفر ان يشرك به اآلية املراد من اآلية الكرمية ما اراد هللا سبحانه وحيتمل‬
‫ان يراد ال يغفر ان ال يلتزم ابلشرائع الن عدم التزام الشرائع الزم للشرك فذكر امللزوم واراد‬
‫الالزم فحينئذ يندفع ما يتوهم من ان الشرك كما ال يغفر ال يغفر انكار سائر الشرعيات‬
‫ايضا فما وجه التخصيص وحيتمل ان يكون معن ان يشرك به ان يكفر به الن انكار‬
‫الشرائع كفر ابهلل سبحانه فال يغفر والعالقة بني الشرك والكفر ابلعموم واخلصوص فان‬
‫الشرك كفر خاص من مطلق الكفر فذكر اخلاص واراد العام (ينبغي) ان يعلم ان عدم‬
‫استحقاق غري احلق سبحانه للعبادة بديهي فان مل يكن بديهيا فال اقل من ان يكون‬
‫حدسيا فان من فهم معن العبادة كما ينبغي وأتمل غري احلق سبحانه كما هو حقه حيكم‬
‫بعدم استحقاقه للعبادة بال توقف واملقدمات اليت اوردت يف بيان هذا املعن فهي من‬
‫قبيل التنبيهات على البديهيات ال جمال اليراد النقض واملناقضة واملعارضة على هذه‬
‫املقدمات وال بد من نور االميان حت تدرك هذه املقدمات ابلفراسة وكثري من البديهيات‬
‫بقي خمفيا على القاصرين واالغبياء وكذلك الذين مبتلون مبرض الظاهر وعلة الباطن‬
‫‪- 887 -‬‬

‫صارت البديهيات اجللية واخلفية خمفية عليهم (فان قيل) قد وقع يف عبارة مشائخ الطريقة‬
‫قدس هللا اسرارهم ان كلما هو مقصودك فهو معبودك فما معن هذه العبارة وما احململ هلا‬
‫من الصدق (اجيب) ان مقصود الشخص هو املتوجه اليه لذلك الشخص فما دام ذلك‬
‫الشخص حيا ال يفرت وال يتقاعد عن حتصيل ذلك املقصود وكل ذل وانكسار يصيبه يف‬
‫حتصيله يتحمله ويهون ذ لك عليه وال يرتكه به وهذا املعن هو مؤدي العبادة لكونه كمال‬
‫الذل واالنكسار فمقصودية الشئ مستلزمة ملعبوديته فنفي معبودية غري احلق سبحانه امنا‬
‫يتحقق اذا مل يبق مقصود غري احلق تعاىل ومل يكن مراد سواه واملناسب حلال السالك يف‬
‫حتصيل هذه الدولة ان يالحظ معن الكلمة الطيبة ال اله اال هللا بعنوان ال مقصود اال هللا‬
‫وينبغي ان يكرر هذه الكلمة اىل ان ال يبقى من مقصودية الغري اسم وال رسم وال يكون‬
‫مراد غريه تعاىل ليكون صادقا يف نفي معبودية الغري وحمقا يف رفع االهلة املتكثرة ونفي‬
‫اآلهلة املتكثرة هبذا املنوال والتوصل من نفي املقصودية اىل نفي املعبودية على ما سبق بيانه‬
‫ابملقال من شرط كمال االميان عند اهل احلال املربوط ابلوالية املنوطة بنفي آهلة اال هواء‬
‫النفسانية وما مل تكن النفس مطمئنة ال يتوقع هذا املعن واطمئنان النفس امنا يتصور بعد‬
‫كمال الفناء والبقاء (وتوجيهها) يف ظاهر الشريعة الغراء الذي هو منبئ عن اليسر‬
‫والسهولة ومشعر برفع احلرج عن العباد الذين خلقوا على الضعف هو ان من اخرج رأسه‬
‫عياذا ابهلل سبحانه من ربقة الشريعة يف حتصيل مقصوده وجتاوز احلدود الشرعية يف‬
‫حصوله يكون ذلك املقصود معبوده واهله فان مل يكن ذلك املقصود كذلك ومل يرتكب يف‬
‫حتصيله وحصوله املنكرات الشرعية ال يكون ذلك املقصود ممنوعا شرعيا وكأن ذلك‬
‫املقصود ليس من مقاصده والشئ املطلوب ليس من مطالبه بل مقصوده يف احلقيقة هو‬
‫احلق سبحانه ومطلوبه امره تعاىل وهنيه الشرعيني ومل حيدث لذلك الشئ مقصودية سوى‬
‫ميله الطبيعي اليه وه و ايضا مغلوب االحكام الشرعية وحسم مادة مقصودية الغري‬
‫مطلوب يف حقيقة الشريعة اليت تدل على كمال االميان فانه لو جوز مقصودية غري احلق‬
‫سبحانه و تعاىل رمبا تكون تلك املقصودية ابمداد استيالء اهلوى واعانة غلبة اهلوس‬
‫‪- 888 -‬‬

‫معارضة ملقصودية احلق سبحانه و تعاىل بل كثريا ما خيتار يف حصوهلا على حصول‬
‫مراضي احلق جل وعال فيؤدي اىل اخلسارة االبدية فنفي مقصودية الغري كان ضرواي يف‬
‫كمال االميان مطلقا حت يكون مأموان وحمفوظا من الزوال والرجوع عنه نعم قد جيعل‬
‫بعض االولياء صاحب ارادة واختيار بعد نفي االرادة ورفع االختيار ويعطى له االختيار‬
‫واالرادة الكليان بعد سلب االختيار واالرادة اجلزئيني عنه وسيجئ حتقيق هذا املعن يف‬
‫مكتوب آخر ان شاء هللا تعاىل ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير و‬
‫السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على مجيع االنبياء امت الصلوات‬
‫واكمل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع اىل معدن السيادة والرشادة املري حممد نعمان يف أتويل قوله‬
‫تعاىل ال ميسه اال املطهرون}‬
‫قال هللا تعاىل انه لقرآن كرمي يف كتاب مكنون ال ميسه اال املطهرون املراد من اآلية‬
‫الكرمية ما اراد هللا سبحانه و تعاىل والرمز الذي خيطر يف اخلاطر الفاتر ويقع يف الفهم‬
‫القاصر يف هذا املقام انه ال ميس االسرار املكنونة القرآنية اال الذين صفت سرائرهم من‬
‫لوث التعلقات البشرية فاذا كان نصيب االطهار مساس االسرار القرآنية ماذا يصيب‬
‫لغريهم ورمز آخر ال يقرأ القرآن يعين ال ينبغي ان يقرأ القرآن اال الذين زكت نفوسهم عن‬
‫اهلوى واهلوس وطهرت عن الشرك اجللي واخلفي ومن اآلهلة اآلفاقية واالنفسية بيانه ان‬
‫املناسب حلال مبتدى السلوك هو الذكر ونفي ما سوي مذكور على حد ال يبقى شئ مما‬
‫سواه تعاىل معلوما وال يكون مراده شيئا غري احلق سبحانه فان ذكروه ابالشياء ابلتكليف‬
‫ال يكاد يتذكر وال يكون مقصوده فاذا صار طاهرا من الشرك وحمررا من اآلهلة اآلفاقية‬
‫واالنفسية فحينئذ يستحق ان يقرأ القرآن بدل الذكر ويرتقى بدولة التالوة وتالوة القرآن‬
‫قبل حصول هذه احلالة املذكورة داخلة يف اعمال االبرار وبعد حصول هذه احلالة داخلة‬
‫يف اعمال املقربني كما ان الذكر قبل حصول هذه النسبة كان من عداد اعمال املقربني‬
‫‪- 889 -‬‬

‫واعمال االبرار من مجلة العبادات واعمال املقربني من مجلة التفكرات ولعلكم مسعتم تفكر‬
‫ساعة خري من عبادة سنة او سبعني سنة والتفكر عبارة عن االنتقال من الباطل اىل احلق‬
‫والفرق بني االبرار واملقربني هو فرق ما بني عبادة ذاك وتفكر هذا (ينبغي) ان يعلم ان‬
‫الذكر الذي يكون يف عداد اعمال املقربني من املبتدئ هو ما أخذه من الشيخ الكامل‬
‫املكمل وكان مقصوده سلوك الطريقة واال فالذكر ايضا من مجلة اعمال االبرار وهللا‬
‫سبحانه امللهم للصواب و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على‬
‫آله امت الصلوات اكمل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس اىل السيد املري حممد نعمان يف بيان بعض االحوال‬
‫واالذواق اخلاصة حبضرة شيخنا مد ظله العايل}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ال خيفى انه ما مل تنجل عناية هللا‬
‫سبحانه بعنايته تعاىل بص ورة جالله وغضبه تعاىل ومل اكن حمبوسا يف قفص السجن مل‬
‫اختلص من مضيق االميان الشهودي ابلكلية ومل اخرج من سكك ظالل اخليال واملثال‬
‫ابلتمام ومل اتبخرت يف طريق االميان الغيبيب مطلق العنان ومل احتول من احلضور اىل الغيب‬
‫ومن العني اىل العلم ومن الشهود اىل االستدالل على وجه الكمال ومل اجد حماسن‬
‫اآلخرين عيواب وعيوهبم حماسن ابلذوق الكامل والوجدان الصادق ومل اذق زالل الذل‬
‫واالنكسار ولذائذ مريب احلقارة والفضيحة واالفتقار ومل أحتظ من مجال طعن اخللق‬
‫ومالمتهم ومل التذ حبسن بالء الناس وجفائهم ومل اترك االرادة واالختيار ابلكلية كائنا‬
‫كامليت بني يدي الغسال ومل اقطع حبال التعلقات اآلفاقية واالنفسية على وجه التمام‬
‫والكمال ومل احز حقيقة التضرع وااللتجاء واالانبة واالستغفار والذل واالنكسار ومل‬
‫اشاهد قسطاس استغناء احلق سبحانه الرفيع املنزلة احملفوف بسرادقات العظمة والكربايء‬
‫ومل اعتق د نفسي عبدا حقريا ذليال عدمي االعتبار العاري عن اخلاصية مفقود االقتدار‬
‫كامل االحتياج واالفتقار وما ابرئ نفسي ان النفس المارة ابلسوء اال ما رحم ريب فلو مل‬
‫‪- 890 -‬‬

‫يكن تواتر الفيوض والواردات االهلية جل سلطانه وتوايل عطياته وانعاماته الالمتناهية يف‬
‫دار احملنة هذه شامال حلال هذا العبد املكسور البال كادت املعاملة تنجر اىل اليأس‬
‫واوشك حبل الرجاء ان ينقطع احلمد هلل الذي عافاين يف عني البالء وكرمين يف نفس‬
‫اجلفاء واحسن يل يف حالة العناء ووفقين على الشكر يف السراء والضراء وجعلين من‬
‫متابعي االنبياء ومن مقتفي آاثر االولياء ومن حميب العلماء والصلحاء صلوات هللا سبحانه‬
‫وتسليماته على االنبياء اوال و على مصدقهم اثنيا‪.‬‬

‫{املكتوب السادس اىل صاحب املعارف الشيخ بديع الدين يف بيان ان ايالم‬
‫احملبوب وجالله احب من انعامه ومجاله}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباد الذين اصطفى وصلت الصحيفة الشريفة املرسلة‬
‫مصحوبة ابلشيخ فتح هللا وقد كتبتم الشكاية من جفاء اخللق ومالمتهم واحلال اهنا عني‬
‫مجال هذه الطائفة وصيقل صدائهم فكيف تكون ابعثة على القبض والكدورة وملا وصل‬
‫هذا الفقري يف اوائل احلال اىل هذه القلعة صار حمسوسا ان انوار مالمة اخللق ترد من‬
‫القرى والبالد متوالية ومتتابعة كالسحاب النوراين وترقى املعاملة من احلضيض اىل االوج‬
‫وقد قطعتم املراحل سنني ابلرتبية اجلمالية فينبغي اآلن ان تقطعوا املسافة ابلرتبية اجلاللية‬
‫وان تكونوا يف مقام الصرب بل يف مقام الرضاء وان تروا اجلمال واجلالل متساويني وكتبتم‬
‫ايضا ان من وقت ظهور الفتنة مل يبق ذوق وال حال كان ينبغي ان يتضاعف الذوق‬
‫واحلال فان جفاء احملبوب يورث اللذة اكثر من وفائه اي بالء وقع حت يتكلم مثل العوام‬
‫ويتباعد من احملبة الذاتية ينبغي ان يعتقد اجلالل فوق اجلمال وان يتصور االيالم افضل‬
‫من االنعام على خالف ما مضى فان يف اجلمال واالنعام مراد احملبوب مشوب مبراد‬
‫النفس ويف اجلالل وااليالم خالص مراد احملبوب وخالف مراد النفس والوقت واحلال هنا‬
‫غري الوقت واحلال السابقني شتان ما بينهما وكتبتم يف حق زايرة احلرمني الشريفني ال مانع‬
‫منه حسبنا هللا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫‪- 891 -‬‬

‫{املكتوب السابع اىل السيد املري حمب هللا املانكپوري يف التحريض على‬
‫التحمل اليذاء اخللق}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني انه قد وصلت الصحيفة الشريفة من‬
‫اخي السيد املري حمب هللا فاورثت فرحا وافرا ال بد من حتمل ايذاء اخللق وال مهرب من‬
‫جفاء االقارب قال هللا تعاىل آمرا حلبيبه عليه و على آله الصالة و السالم فاصرب كما‬
‫صرب اولو العزم من الرسل وال تستعجل هلم وامللح يف سكونة ذاك املقام هو هذا االيذاء‬
‫واجلفاء وانتم تريدون الفرار من ذلك امللح نعم ان مألوف السكر ال يطيق امللح ماذا‬
‫نصنع {شعر}‪:‬‬
‫ال يستقيم تدلل من عاشق * لو انه حمبوب كل خالئق‬
‫واندرج فيها انه لو صدرت االجازة الخرتت منزال يف اله آابد عينوا منزال حت‬
‫تذهبوا هناك وتتخلصوا من افراط اجلفاء هذا هو طريق الرخصة وطريق العزمية الصرب‬
‫والتحمل على االيذاء وقد غلب الضعف على الفقري يف هذه االايم كما هو معلومكم‬
‫وهلذا اقتصران على كلمات و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن اىل صاحب احلقائق موالان حممد صديق يف بيان اصالة‬
‫الغيب وظلية الشهود}‬
‫أيها احملب ان الغيب مقابل الشهود الذي فيه شائبة الظلية والغيب مربأ من ذاك‬
‫الشوب فيكون اكمل من الشهود ولكن اذا كان سيد البشر عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم مشرفا يف ليلة املعراج بدولة الرؤية اليت هي ما وراء وراء سرادقات الظالل واقدس‬
‫من الشوب بشائبة الظلية ملا يكون الغيب يف حقه صلّى هللا عليه و سلّم اكمل من الرؤية‬
‫وقد كان االكتفاء ابلغيب لرفع الظلية وحيث تيسر رفع الظلية ابلكلية يف عني احلضور‬
‫ملاذا حيتاج اىل الغيب هذه دولة خمصوصة بسيد الكونني عليه و على آله الصالة و‬
‫‪- 892 -‬‬

‫السالم ولكمل اتبعيه ايضا نصيب من هذا املقام ابلتبعية والوراثة كما انه ليس برؤية ليس‬
‫بشهود ومشاهدة ايضا فالتعبري عنه ابلغيب احسن العبارات وتفصيل ذاك املقام ال ميكن‬
‫ابلقول بل كل من جيده جيده على مقدار وجدانه وهو وراء ذلك وال نصيب منه اال القل‬
‫القليل و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع اىل السيد حممد نعمان يف بيان قوله تعاىل وما آاتكم الرسول‬
‫فخذوه اآلية}‬
‫الرحيم قال هللا تعاىل وما آاتكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫فانتهوا واتقوا هللا اآلية ذكر التقوى بعد ذكر االمتثال لالوامر واالنتهاء عن املناهي اشارة‬
‫اىل االهتمام ابالنتهاء الذي هو حقيقة التقوى وانه هو مالك الدين قال رسول صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم وابرك مالك دينكم الورع وقال صلّى هللا عليه و سلّم يف مواضع اخر ال‬
‫تعدل ابلرعة شيئا والرعة هو الورع والوجه هلذا االهتمام وهللا سبحانه اعلم ابلصواب ان‬
‫االنتهاء اعم وجودا واكثر نفعا ملا انه يوجد يف ضمن االمتثال ايضا الن االتيان ابالمر‬
‫انتهاء عن ضده وهو ظاهر واما كثرة نفع االنتهاء بغري جهة عمومه فالنه خمالفة حمضة‬
‫مع النفس ال حظ للنفس فيه خبالف صور االمتثال فان النفس قد تتلذذ فيه وكل ما فيه‬
‫زايدة خمالفة مع النفس ال شك انه اكثر نفعا واقرب طرق اىل النجاة فان املقصود االصلي‬
‫من التكليفات الشرعية قهر النفس الهنا انتصبت ملعادات هللا سبحانه وورد يف احلديث‬
‫القدسي عاد نفسك فاهنا انتصبت ملعادايت فكل طريق من طرق املشائخ تكون رعاية‬
‫االحكام الشرعية فيها اكثر يكون اقرب طرق اىل هللا سبحانه لوجود كثرة املخالفة مع‬
‫النفس اال وهو طريق النقشبندية وهلذا قال سيدان وقبلتنا الشيخ االجل هباء الدين املشتهر‬
‫بنقشبند قدس سره وجدت طريقا اقرب طرق اىل هللا سبحانه لوجود كثرة املخالفة مع‬
‫النفس واما بيان زايدة رعاية احكام الشريعة يف هذه الطريقة فما ال خيفى على املنصف‬
‫الفطن اخلائض يف طرق املشائخ ومع ذلك بينته بزايدة االيضاح يف بعض الرسائل وهللا‬
‫‪- 893 -‬‬

‫سبحانه اعلم حبقيقة احلال وهو سبحانه حسيب ونعم الوكيل و صلى هللا على سيدان حممد‬
‫وآله وصحبه وسلم وابرك وكرم و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب العاشر اىل السيد حممد نعمان يف تفسري قوله تعاىل واذا سئلك‬
‫عبادي عين اآلية}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قال هللا تعاىل واذا سئلك عبادي عين‬
‫فاين قريب قرب احلق سبحانه و تعاىل وان كان الكيفيا والمثليا ولكن للوهم هناك جمال‬
‫واخلارج من حيطة الوهم ودائرة اخليال هو اقربيته تعاىل وهلذا كان العامل ابلقرب كثريا والعامل‬
‫ابالقربية اقل قليل وهناية القرب اىل حصول االحتاد وان كان االحتاد ايضا جمرد توهم‬
‫واالقربية امنا هي بعد جماوزة االحتاد وان تصور العقل يف جانب القرب من هو اقرب من‬
‫نفس ه بعيدا وذلك من قصور نظر العقل حيث اعتاد رؤية العبد ومل جيد اقرب من نفسه و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي عشر اىل السيد املري مشس الدين علي اخللخايل يف بيان‬
‫جامعية االنسان الذي هو مركب من اجزاء عامل اخللق واالمر وترجيح قلب االنسان‬
‫على العرش اجمليد}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان االنسان نسخة جامعة‬
‫مركب من االجزاء العشرة العناصر االربعة والنفس الناطقة والقلب والروح والسر واخلفي‬
‫واالخفى وسائر القوى واجلوارح يف االنسان راجعة اىل هذه االجزاء وبني هذه االجزاء‬
‫تضاد وتضاد بعض العناصر ببعض آخر ظاهر وكذلك تضاد عامل اخللق بعامل االمر ايضا‬
‫ابهر وكل واحد من اجزاء عامل االمر اخلمسة خمصوص أبمر ومنسوب اىل كمال والنفس‬
‫الناطقة هي مقتضية هلواها ال تريد اطاعة احد سواها وقد مجع هللا سبحانه هذه االشياء‬
‫املتضادة كاسرا سورة كل منها بعنايته الشاملة وقدرته الكاملة واعطاها مزاجا خاصا وهيئة‬
‫‪- 894 -‬‬

‫وحدانية وبعد حصول املزاج اخلاص واهليئة الوحدانية وهب هلا صورة حبكمته البالغة حت‬
‫حتفظ اجزاءه املتفرقة املتضادة ومسي هذا اجملموع ابالنسان وشرفه بشرف استعداد اخلالفة‬
‫ابعتبار جامعيته وحصول اهليئة الوحدانية وهذه الدولة مل تتيسر لشئ غري االنسان والعامل‬
‫الكبري وان كان عظيما ولكنه خال من اجلامعية وال نصيب له من اهليئة الوحدانية وهذه‬
‫املعاملة جارية يف مجيع افراد االنسان وعوام االنسان مشاركة فيها خلواصه (ينبغي) ان يعلم‬
‫ان اشرف اجزاء العامل الكبري هوالعرش اجمليد والتجلي املخصوص به فوق جتليات االجزاء‬
‫اآلخر فان ذاك التجلي جامع وذلك الظهور مستجمع لالمساء والصفات الوجوبية تعالت‬
‫وتقدست وايضا ان ذاك التجلي دائمي ال جمال فيه لالستتار وقلب االنسان الكامل‬
‫الذي له مناسبة للعرش ويقال له عرش هللا له نصيب وافر من جتلي العرش وحظ كامل‬
‫غاية ما يف الباب ان ذاك التجلي كلي وهذا التجلي ابلنسبة اليه جزئي ولكن يف القلب‬
‫مزية ليست هي يف العرش وهي الشعور ابملتجلي وايضا ان القلب مظهر له تعلق مبا ظهر‬
‫فيه خبالف العرش فانه خال عن هذا التعلق فال جرم امكن الرتقي للقلب بواسطة هذا‬
‫الشعور والتعلق بل هو واقع فان القلب حبكم املرء من احب مع من له تعلق به ومفتون‬
‫مبحبته فان كان حمبا لالمساء والصفات فمع االمساء والصفات وان كان حمبا للذات تعالت‬
‫وتقدست فقد صحح املعية هناك وترقى من التعلق ابالمساء والصفات خبالف العرش‬
‫اجمليد فان التجلي اجملرد عن االمساء والصفات غري واقع يف حقه و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين عشر اىل السيد املري حممد نعمان يف بيان فوائد التضرع‬
‫واالنكسار والذكر وتالوة القرآن وطول القنوت يف الصالة}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الصحيفة الشريفة من اخي‬
‫معدن السيادة فاورثت سرورا وقد كتبتم فيها انه هل االفضل الدعاء والتضرع واالنكسار‬
‫ودوام االلتجاء اىل حضرة احلق سبحانه والذكر او هذه املذكورات ممزوجة ابلذكر (ال بد)‬
‫من الذكر وكل شئ جيتمع معه فهو دولة وقد وضعوا مدار الوصول على الذكر واشياء‬
‫‪- 895 -‬‬

‫أخرى غريه كثمراته ونتائجه (وسألتم) ايضا ان هذه الثلثة افضل النفي واالثبات او تالوة‬
‫القرآن او ال صالة بطول القنوت اعلم ان ذكر النفي واالثبات كالوضوء الذي هو شرط‬
‫الصالة وما مل يوجد الوضوء ال يصح الشروع يف الصالة كذلك ما مل تتم معاملة النفي‬
‫واالثبات فكل عمل يعمل غري الفرائض والواجبات والسنن داخل فيما ال يعين ينبغي اوال‬
‫ازالة املرض وهي مربوطة ابلنفي واالثبات مث االشتغال بعد ذلك بعبادات وحسنات اخر‬
‫مما هو كالغذاء الصاحل للبدن وكل غذاء يتناول قبل زوال املرض فهو فاسد ومفسد‬
‫{ع}‪:‬‬
‫وكلما اخذ املعلول معلول‬
‫و متامية هذه املعاملة ال يلزم ان تتعني فان تلك احلالة انطقة بتماميتها بنفسها‬
‫(وكتبتم) ايضا ان اجللد الثالث يسجل بسم من والظاهر ان الفقري كنت كتبت قبل ذلك‬
‫انه جيعل مسجال ابمسكم ويف جواب كتابكم اآلن ايضا الكالم هو هذا ومن يكون افضل‬
‫واحق به منكم ميكن ان يقال ان ميالن القلب دائما اىل جانبكم وال يعلم وجه قعودكم‬
‫يف اكره فانه وان كان يف اجلوار ولكن ملا كان خاليا عن املالقات فهو عار عن االعتبار ال‬
‫ينبغي اقامتكم هناك الجل الفقري توجهوا اىل الوطن مفوضني الفقري اىل ارحم الرامحني‬
‫واجعلوا املشتاقني هناك مسرورين فان كان يف قلبكم وجه آخر لقعودكم هناك فهو امر‬
‫آخر ولتكن والدة حممد أمني موفقة مصحوبة ابلعصمة والعفة قد طالعت ما كتبت من‬
‫واقعاهتا الطويلة العريضة وان كانت فيه اشياء موحشة ومكدرة ولكنه خري سينقلب مآل‬
‫كل منها اىل اخلري يف اآلخر ولتكن متنبهة من امثال هذه الواقعات ومتالفية للتقصريات‬
‫ابلتوبة واالستغفارات ولتعلم ان التمتعات الدنيوية واملزخرفات الفانية ال شئ حمض ال‬
‫يصري العاقل مفتوان ومبتال هبا ينبغي ان تكون احوال اآلخرة نصب العني وان يكون‬
‫مشغوال ابلذكر والي شئ يلزم حصول لذة اتمة يف الذكر وظهور اشياء يف النظر فان‬
‫ذلك داخل يف اللهو واللعب بل كلما توجد املشقة يف الذكر يكون افضل وانفع ينبغي‬
‫تعمري االوقات ابلذكر االهلي جل شأنه بعد اداء الصلوات اخلمس دون ان يتعطل‬
‫‪- 896 -‬‬

‫اباللتذاذ ابلذكر وينبغي هلا ان تلتمس رضاكم مغتنمة خلدمتكم وينبغي لكم ايضا ان‬
‫ترفقوا هبا وان جتذبوها اىل جانبكم وان تدلوها على احلسنات و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث عشر اىل السيد املري حمب هللا املانكپوري يف التحريض على‬
‫كمال متابعة صاحب الشريعة الغراء عليه و على آله الصالة و السالم ومتابعة شيخ‬
‫الطريقة}‬
‫الرحيم وصل املكتوب الشريف من مرجع السيادة اخي املري حمب‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫هللا واتضحت مقدمات اليأس املندرجة على وجه االضطرار واالضطراب اليأس كفر يلزم‬
‫ان تكونوا راجني لو كان رسوخ يف امرين فال غم متابعة صاحب الشريعة الغراء عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم واالعتقاد يف شيخ الطريقة وحمبته ينبغي ان تكونوا واقفني‬
‫وملتجئني ومتفرغني لئال يقع الفتور يف هذه الدولة وكل شئ سواها سهل كائنا ما كان‬
‫وتالفيه ممكن وقد كنت كتبت فيما قبل انه اذا كنتم كارهني لالقامة يف مانكپور ينبغي‬
‫إختيار الوطن يف اله آابد حيتمل ان يكون مباركا وانتم فهمتم منه العكس ومل يدل لفظ‬
‫املبارك ايضا على املقصود والكالم اآلن ايضا هو ذاك وقد ظهر الليلة يف النظر انه قد‬
‫حول رحلكم من مانكپور اىل اله آابد فاختاروا هناك خرابة وعمروا اوقاتكم ابلذكر االهلي‬
‫جل شأنه وال يكون لكم شغل ابحد والتزموا ذكر النفي واالثبات واخرجوا بتكرار هذه‬
‫الكلمة الطيبة من ساحة الصدر مجيع املرادات حت ال يكون املقصود واملطلوب واحملبوب‬
‫غري واحد فان عجز القلب عن الذكر فقولوا ابللسان بشرط االخفاء فان اجلهر ممنوع يف‬
‫هذا الطريق وقد علمتم بقية طرز الطريقة واوضاعها واايكم والعدول عن طريق التقليد ما‬
‫استطعتم فان لتقليد شيخ الطريقة مثرات ويف اخلالف لطريقه خطرات وماذا اكتب زايدة‬
‫على ذلك و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله‬
‫واصحابه امت الصلوات وأكمل التحيات‪.‬‬
‫‪- 897 -‬‬

‫{املكتوب الرابع عشر اىل املري مشس الدين علي يف جواب سؤاله عن وجود‬
‫واجب الوجود تعاىل}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد صرت حمظوظا وملتذا مبطالعة‬
‫الصحيفة الشريفة املرسلة على وجه الكرم والشفقة جزاكم هللا سبحانه خريا واندرج فيها‬
‫ان ذات احلق سبحانه و تعاىل اذا كانت موجودة مباهيتها ال ابلوجود عينا كان او زائدا‬
‫فكيف يتحقق التقابل بني واجب الوجود الذي هو ذات هللا سبحانه بال اعتبار الوجوب‬
‫والوجود وبني ممتنع الوجود وابي وجه ميكن اطالق واجب الوجود على الذات املعراة عن‬
‫الوجوب والوجود وكيف يثبت استحقاق العبادة الذي هو منوط بوجوب الوجود وأبي‬
‫اعتبار يكون اطالق واجب الوجود على الذات العدمية الوجوب والوجود (ايها املخدوم)‬
‫ان جواب هذه االسئلة مندرج ابلتفصيل يف مكتوب من مكتوابت اجللد الثاين والظاهر‬
‫انه حمرر ابسم واحد من اوالد الفقري فان طالعتموه لعلكم حتتظون به وابجلملة ميكن ان‬
‫تكون ماهية الواجب جل سلطانه موجودة بنفسها ال ابلوجود واطالق الوجوب على‬
‫تلك احلضرة يكون من قبيل منتزعات العقل بل هلل املثل االعلى وكما ان وجوب الوجود‬
‫من قبيل املنتزعات امتناع العدم ايضا يف تلك احلضرة جل سلطاهنا من املنتزعات وكما ان‬
‫الذات البحت ليست فيها نسبة وجوب الوجود ليست فيها ايضا نسبة امتناع العدم‬
‫حيث ظهرت نسبة وجوب الوجود حصلت نسبة امتناع العدم الذي هو مقابله وظهرت‬
‫نسبة استحقاق العبادة الذي هو متفرع على وجوب الوجود كان هللا ومل يكن معه شئ‬
‫وان كان من النسب واالعتبارات فاذا ظهرت النسب ظهر التقابل و السالم اوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس عشر اىل املري حممد نعمان يف بيان ان لذة ايالم احملبوب ألذ‬
‫واجلى يف نظر احملب من لذة انعامه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ليكن معلوم األخ السيد حممد نعمان‬
‫انه صار مفهوما ان االحباب الناصحني كلما اجتهدوا يف التشبث ابسباب اخلالص مل‬
‫‪- 898 -‬‬

‫يكن انفعا اخلري فيما صنعه هللا سبحانه فحدث من هذا االمر نوع حزن مبقتضى البشرية‬
‫وظهر ضيق الصدر مث بعد زمان تبدل احلزن وضيق الصدر بفضل هللا جل سلطانه ابلفرح‬
‫وشرح الصدر وعلمت بيقني خاص ان مراد هذه اجلماعة الذين يف صدد االيذاء لو كان‬
‫موافقا ملراد احلق جل شأنه ال معن لالستكراه وضيق الصدر بل هو مناف لدعوى احملبة‬
‫فان ايالم احملبوب مثل انعامه حمبوب للمحب ومرغوب فيه له كما ان احملب يلتذ ابنعامه‬
‫يلتذ ايضا ابيالمه بل جيد اللذة يف ايالمه اكثر لكونه مربأ من شائبة حظ النفس ومرادها‬
‫وحيث ان احلق سبحانه مجيل مطلق فاذا اراد ايذاء شخص تكون ارادته تعاىل بعنايته‬
‫سبحانه يف نظر ذلك الشخص مجيلة ألبتة بل تكون سببا لاللتذاذ وحيث ان مراد هذه‬
‫اجلماعة موافق ملراد احلق سبحانه وروزنة ملراده تعاىل فمرادهم ايضا مستحسن يف النظر‬
‫وموجب لاللتذاذ وفعل ا لشخص الذي هو مظهر لفعل احملبوب حمبوب ايضا كنفس فعل‬
‫احملبوب وذلك الشخص الفاعل ايضا يظهر يف نظر احملب هبذه العالقة حمبواب والعجب ان‬
‫اجلفاء كلما يتصور من ذلك الشخص ازيد يظهر يف نظر احملب احسن واجمد لكون إرائته‬
‫لصورة غضب احملبوب اكثر وازيد وامر واهلى هذا الطريق مقلوب ومعكوس وارادة السوء‬
‫لذاك الشخص واساءته منافية حملبة احملبوب فان ذلك الشخص ليس ابزيد يف ذلك من‬
‫اين يكون مرآة لفعل احملبوب والذين هم يف صدد االيذاء يظهرون يف النظر حمبوبني‬
‫ابلنسبة اىل سائر اخلالئق فليزل االخوان ضيق الصدر عن انفسهم وال حيقدوا على الذين‬
‫يف صدد االيذاء بل ينبغي ان يكونوا متلذذين بفعلهم نعم حيث كنا مأمورين ابلدعاء‬
‫واحلق سبحانه حيب الدعاء وااللتجاء والتضرع واالبتهال ينبغي الدعاء لدفع البلية وسؤال‬
‫العفو والعافية وامنا قلت مرآة صورة الغضب فان حقيقة الغضب نصيب االعداء وصورة‬
‫الغضب مع االحباء ع ني الرمحة يف احلقيقة وكم من منافع حملب اودعت يف صورة الغضب‬
‫هذه ال ميكن شرحه وايضا يف صورة الغضب اليت اعطيها االحباء هالك املنكرين وهي‬
‫ابعثة على ابتالئهم ولعلكم علمتم معن عبارة الشيخ حميي الدين ابن العريب قدس سره‬
‫حيث قال ال مهة للعارف يعين ان اهلمة اليت يقصد هبا دفع البلية مسلوبة عن العارف فان‬
‫‪- 899 -‬‬

‫العارف اذا رأى البلية من احملبوب وتيقن اهنا مراده كيف يصرف مهته لدفعها وكيف يريد‬
‫رفعها وانه وان اجرى دعاء الدفع على لسانه حبسب الصورة المتثال االمر ابلدعاء ولكنه‬
‫ال يريد شيئا يف احلقيقة بل هو ملتذ بكلما يصيبه و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السادس عشر اىل موالان امحد الديبين يف بيان سر عدم اطالع‬
‫السالك على احواله ومشاهدهتا يف مرااي املسرتشدين}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصل املكتوب الشريف وذكرمت فيه‬
‫أبين ال اجد يف نفسي شيئا من احوال هذه الطائفة العلية ومواجيدهم وعلومهم ومعارفهم‬
‫ومع ذلك كنت علمت الطالبني الطريقة فتأثرا أتثرا كثريا وظهرت منهما احوال غريبة فما‬
‫يكون وجه ذلك (اعلم) ان االحوال اليت ظهرت من ذينك الشخصني كانت من عكس‬
‫احوالكم ظهر يف مرااي استعدادمها وملا كاان صاحيب علم عرفا احواهلما ودالكم ايضا على‬
‫العلم حبصول احلال املستور كمرآة تدل على كماالت خفية يف االنسان وتظهر حماسنه‬
‫املكنونة املقصود حصول االحوال والعلم ابالحوال دولة أخرى يعطى مجع هذا العلم ومجع‬
‫آخر ال يعطاه ومع ذلك يكون كالمها من ارابب الوالية ومتساويني يف القرب فمنا من‬
‫علم ومنا من جهل من كالم هذه الطائفة ينبغي ان ال يكون حمزوان ومتأملا من عدم العلم‬
‫ابالحوال وينبغي السعي حت حيصل االحوال بل حت حيصل الوصول اىل حمول االحوال‬
‫جتاوزا من االحوال فان مل حيصل العلم ابالحوال بال توسط املسرتشدين ينبغي ان يقنع‬
‫مبطالعتها يف مراايهم وان يكون حمتظا من طريق املظاهر وليحصل االحوال فان مل يتسري‬
‫العلم ابالحوال بال توسط فعساه أن حيصل بتوسط (وكتبتم) أيضا ان دوام احلضور عبارة‬
‫عن اي شئ وكثريا ما حيس ذهول القلب عن هذا احلضور يف بعض املشاغل فنيبغي‬
‫تشخيص احلضور ودوام احلضور (اعلم) ان احلضور عبارة عن حضور الباطن مع جناب‬
‫قدس احلق جل سلطانه شبيه ابلعلم احلضوري الذي الدوام الزمه هل مسعت احدا انه‬
‫غفل عن نفسه يف وقت من االوقات وذهل والغفلة والذهول امنا يتصوران يف العلم‬
‫‪- 900 -‬‬

‫احلصويل لوجود املغايرة يف البني ويف العلم احلضوري حضور يف حضور دائما وان كان‬
‫االبله يف جهل من هذا احلضور ونفور وحبصول يف غرور فكان الدوام الزما للحضور‬
‫والذي ال دوام له فهو ميالن اىل املطلوب وله شباهة ابحلضور املذكور ودوامه متعذر‬
‫لكونه شبيها ابلعلم احلصويل الذي هو قليل النصيب من الدوام وهلل املثل االعلى واطالق‬
‫العلم احلصويل والعلم احلضوري ابلنسبة اىل جناب قدسه تعاىل امنا هو على سبيل التشبيه‬
‫والتنظري فانه تعاىل اذا كان اقرب اىل االنسان من نفسه يكون خارجا عن حيطة العلم‬
‫احلضوري والعلم احلصويل وان عجز ارابب املعقول عن تصوره ومل جيدوا اقرب من انفسهم‬
‫ولكن هذا املعن واضح عند ارابب العلم اللدين وحاصل ابلسهولة بعناية هللا تعاىل ربنا‬
‫آتنا من لدنك رمحة وهيئ لنا من امران رشدا مث ال خيفى ان الخي السيد حقوقا كثرية‬
‫عليكم وهو متأذ جمليئكم بغري اذنه فينبغي حضوركم يف مالزمته بال توقف لياليف االيذاء‬
‫فان جئتم أبذنه فال مضايقة ينبغي ان تعاملوا موافقا ملرضاه وان جتيئوا ابذنه وما أكتب‬
‫زايدة على ذلك‪.‬‬

‫{املكتوب السابع عشر اىل امرأة صاحلة من اهل االرادة يف بيان العقائد‬
‫الدينية والرتغيب على العبادات الشرعية}‬
‫احلمد هلل الذي انعم علينا وهداان اىل االسالم وجعلنا من امة حممد سيد االانم‬
‫عليه و على آله الصالة و السالم (ينبغي) ان يعلم ان احلق سبحانه و تعاىل منعم على‬
‫االطالق فان كان وجود فموهوب من جناب قدسه تعاىل وان بقاء فعطاء من حضرته‬
‫جل سلطانه وان صفات كاملة فمن رمحته الشاملة واحلياة والعلم والقدرة والبصر والسمع‬
‫والنطق كلها مستفادة من حضرته جل شأنه وانواع النعم وصنوف الكرم اليت خارجة عن‬
‫احل د والعد كلها مفاضة من جناب قدسه تعاىل وهو تعاىل يزيل العسر والشدة وجييب‬
‫الدعوة ويدفع البلية رزاق ال مينع االرزاق عن عباده من كمال رأفته بعلة ذنوهبم ستار ال‬
‫يهتك سرت حرمتهم من وفور عفوه وجتاوزه ابرتكاب السيئات وال يفضحهم بعيوهبم حليم‬
‫‪- 901 -‬‬

‫ال يستعجل يف مؤاخذهتم وعقوابهتم كرمي ال مينع عموم كرمه عن االحباء واالعداء واجل‬
‫هذه النعم واعظمها واعزها واكرمها الدعوة اىل االسالم واهلداية اىل دار السالم والداللة‬
‫على متابعة سيد االانم عليه و على آله الصالة و السالم فان احلياة االبدية والتنعمات‬
‫السرمدية مربوطة هبذه ورضا املوىل سبحانه و تعاىل منوط هبا وابجلملة ان انعامه واكرامه‬
‫واحسانه تعاىل اظهر من الشمس واجلى من القمر وابني من األمس وانعام غريه تعاىل‬
‫ابقداره ومتكينه سبحانه وطلب االحسان منهم من قبل االستعارة من املستعري والسؤال‬
‫من الفقري اجلاهل كالعامل مقر هبذا املعن والغيب مثل ذكي معرتف هبذا االمر {شعر}‪:‬‬
‫فلو ان يل يف كل منبت شعرة * لساان يبث الشكر كنت مقصرا‬
‫وال شك ان بداهة العقل حاكمة بوجوب شكر املنعم ولزوم توقريه وتعظيمه فصار‬
‫شكر احلق سبحانه و تعاىل الذي هو املنعم احلقيقي واجبا ببديهة العقل وكان تكرميه‬
‫وتعظيمه تعاىل الزما وحيث كان احلق سبحانه و تعاىل يف كمال التنزه والتقدس والعباد يف‬
‫غاية التلوث والتدنس تعذر من كمال عدم املناسبة وجدان ان تعظيمه وتكرميه تعاىل يف‬
‫اي شئ و على اي كيفية فان العباد كثريا ما يستحسنون اطالق بعض االمور على‬
‫جناب قدسه تعاىل و يكون هو يف احلقيقة مستهجنا عنده تعاىل وخيالون شيئا تعظيما و‬
‫يكون توهينا ويزعمون شيئا تكرميا و يكون حتقريا فما مل يكن تعظيمه وتكرميه تعاىل‬
‫مستفادا من جناب قدسه ال يكون الئقا ابداء الشكر به وقابال لعبادته تعاىل فان احلمد‬
‫الذي يصدر عن العباد من قبلهم رمبا يكون هجوا ومدحهم قدحا والتعظيم والتوقري‬
‫والتكرمي اليت كانت مستفادة من حضرته سبحانه هي عني شريعتنا احلقة على مصدرها‬
‫الصالة و السالم والتحية فان كان تعظيم قليب فمبني يف الشريعة احلقة وان ثناء لساين‬
‫فمربهن هناك واالعمال واالفعال اجلوارحية ايضا بينها صاحب الشريعة ابلتفصيل فاداء‬
‫شكره تعاىل صار منحصرا يف اتيان احكام الشريعة قلبا وقالبا اعتقادا وعمال وكل تعظيم‬
‫وعبادة له تعاىل يؤدي مبا وراء الشريعة ال يكون قابال لالعتماد بل كثريا ما يكون حمصال‬
‫لالضداد واحلسنة املتومهة تكون سيئة يف احلقيقة فبمالحظة البيان املذكور كان العمل‬
‫‪- 902 -‬‬

‫ابلشريعة ايضا واجبا ابلعقل وكان اداء شكر املنعم تعاىل متعذرا بدون االتيان هبا والشريعة‬
‫هلا جزآن اعتقادي و عملي فاالعتقادي من اصول الدين والعملي من فروع الدين وفاقد‬
‫االعتقاد ليس من اهل النجاة واخلالص من عذاب اآلخرة غري متصور يف حقه وفاقد‬
‫العمل امره مفوض اىل مشيئته سبحانه و تعاىل فان شاء عفى عنه وان شاء عذبه بقدر‬
‫ذنبه واخللود يف النار خمصوص بفاقد االعتقاد ومقصور على منكر ضرورايت الدين وفاقد‬
‫العمل وان كان معذاب ولكن اخللود يف النار مفقود يف حقه وملا كانت االعتقادايت من‬
‫اصول الدين وضرورايت االسالم لزم ان نبينه ابلضرورة وحيث كان تفصيل يف العمليات‬
‫مع وجود فرعياهتا احلنا بياهنا على كتب الفقه مع بيان مشة للرتغيب يف بعض العمليات‬
‫الضرورية (االعتقادايت) ان هللا تعاىل موجود بذاته االقدس ووجوده تعاىل بنفسه سبحانه‬
‫وكما انه تعاىل موجود كان دائميا و يكون دائميا ال سبيل للعدم السابق والعدم الالحق‬
‫اىل جناب قدسه تعاىل فان وجوب الوجود احقر خدام ذلك اجلناب املقدس وسلب‬
‫العدم اذل كناس ذاك املوطن احملرتم وهو تعاىل واحد ال شريك له ال يف وجوب الوجود‬
‫وال يف االلوهية واستحقاق العبادة فان الشريك امنا حيتاج اليه اذا مل يكن هللا تعاىل كافيا‬
‫ومستقال وذلك نقص مناف لاللوهية فاذا كان كافيا ومستقال يكون الشريك معطال‬
‫وعبثا ومها ايضا من عالمة النقص املنايف لاللوهية فصار اثبات الشريك مستلزما لنقص‬
‫احد الشريكني املنايف للشركة فصار اثبات الشركة مستلزما لنفي الشركة وهو حمال فشريك‬
‫الباري تعاىل ايضا حمال (وله تعاىل) صفات كاملة من احلياة والعلم والقدرة واالرادة‬
‫والسمع والبصر والكالم والتكوين ويقال هلذه الصفات الثمانية صفات حقيقية وهي‬
‫قدمية موجودة يف اخلارج بوجود زائد على وجود الذات تعالت وتقدست كما هو مقرر‬
‫عند علماء اهل احلق شكر هللا تعاىل سعيهم ومل يقل بوجود الصفات الزائدة احد من‬
‫الفرق املخالفة غري اهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم حت ان الصوفية املتأخرين‬
‫من الفرقة الناجية قالوا بعينية الصفات للذات ووافقوا يف ذلك املخالفني فاهنم وان حتاشوا‬
‫عن نفي الصفات ولكنه الزم على اصوهلم وتبادر عباراهتم وقد زعم املخالفون الكمال يف‬
‫‪- 903 -‬‬

‫نفي الصفات الكاملة وفارقوا النصوص القرآنية بعقوهلم هداهم هللا سبحانه سواء الصراط‬
‫(وسائر) الصفات اما اعتبارية او سلبيةكالقدم واالزلية وااللوهية كما قالوا وهو تعاىل ليس‬
‫جبسم وال جسماين وال عرض وال جوهر وال مكاين وال زماين وال حال وال حمل وال حمدود‬
‫وال متناه ال جهة له وال نسبة والكفاءة واملثلية مسلوبة عن جناب قدسه والضدية والندية‬
‫مفقودة يف حضرة انسه وهو تعاىل منزه ومربأ من والد ووالدة وصاحبة وولد فان هذه كلها‬
‫من امارات احلدوث ومستلزمة للنقص ومجيع الكماالت اثبتة جلناب قدسه ومجيع‬
‫النقائص مسلوبة عن حضرة انسه وابجلملة ينبغي ان يسلب عن جناب قدسه تعاىل مجيع‬
‫صفات االمكان واحلدوث اليت هي نقص وشر من القدم اىل الرأس وهو تعاىل عامل‬
‫ابلكليات واجلزئيات ومطلع على االسرار اخلفيات وال خيرج عن حيطة علمه سبحانه يف‬
‫السموات واالرضني مثقال ذرة حقرية نعم حيث كان خالق مجيع االشياء هو سبحانه‬
‫ينبغي ان يكون ايضا عاملا جبميعها فان اخللق ال بد له من علم اخلالق به والذين حرموا‬
‫السعادة يزعمون ان هللا تعاىل ليس بعامل ابجلزئيات ويظنون ذلك بعقوهلم الناقصة كماال‬
‫كما اهنم يقولون من كمال سخافة عقوهلم انه مل يصدر من واجب الوجود جل سلطانه‬
‫غري شئ واحد وهو ايضا صدر عنه من غري اختيار منه تعاىل ويظنون ذلك ايضا كماال‬
‫ما اجهلهم حيث يزعمون اجلهل كماال ويرجحون االضطرار على االختيار ومن اجلهل‬
‫الذي فيهم يزعمون سائر االشياء مستندة اىل غريه تعاىل وينحتون من عند انفسهم عقال‬
‫فعاال وينسبون االشياء اليه ويزعمون خالق السموات واالرضني معطال وعند الفقري مل‬
‫يوجد يف العامل احد اشد سفاهة من هذه الطائفة سبحان هللا وقد زعم مجاعة هؤالء‬
‫السفهاء ارابب املعقول وينسبون اقواهلم اىل احلكمة ولعلهم يظنون احكامهم الكاذبة‬
‫مطابقة لنفس االمر ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت‬
‫الوهاب (وهو) تعاىل متكلم من االزل اىل االبد بكالم واحد فهو آمر انه خمرب به‬
‫والتورات واالجنيل والزبور والفرقان وكذلك سائر الصحف املنزلة اىل االنبياء عليهم‬
‫الصلوات و التسليمات كلها دالة على هذا الكالم الواحد وعالمة له وتفصيل له فاذا‬
‫‪- 904 -‬‬

‫كان االزل واالبد هبذه الوسعة واالمتداد آان واحدا بل ال جمال لآلن ايضا هناك واطالق‬
‫اآلن امنا وقع لضيق العبارة فالكالم الذي يصدر يف ذلك اآلن يكون كلمة واحدة بل‬
‫حرفا واحدا بل نقطة واحدة واطالق النقطة ايضا هناك كاطالق اآلن واقع من ضيق‬
‫العبارة واال فال جمال للنقطة ايضا هناك والوسعة يف ذاته وصفاته جل سلطانه ال كيفية وال‬
‫كمية وهو تعاىل مربأ منزه بذاته وصفاته من هذه الوسعة والضيق اللذين من صفات‬
‫االمكان (ويراه) سبحانه املؤمنون يف اجلنة بعنوان الال كيفي والالمثلي فان الرؤية اليت‬
‫تتعلق ابلالكيفي تكون ال كيفية بل ينال الرائي ايضا حظا وافرا من الالكيفي حت‬
‫يستطيع رؤية الالكيفي ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه وقد حل سبحانه اليوم هذا‬
‫املعمى ال خص اخلواص من اوليائه وجعله منكشفا هلم فهذه املسئلة الغامضة حتقيقية عند‬
‫هؤالء االكابر وتقليدية عند غريهم ومل يقل هبذه املسئلة احد من الفرق املخالفني مؤمنيهم‬
‫وكافريهم غري اهل السنة ويعد رؤية احلق سبحانه عدا هؤالء االكابر كلهم حماال و‬
‫مستشهد املخالفني قياس الغائب على الشاهد البني الفساد وحصول االميان مبثل هذه‬
‫املسئلة الغامضة بال نور متابعة السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية‬
‫متعذر {شعر}‪:‬‬
‫الئق دولت نبود هر سرى * ابر مسيحا نكشد هر خرى‬
‫والعجب انه كيف يستسعد حبصول سعادة الرؤية من ال اميان هلم هبا فان نصيب‬
‫املنكر حرمان وكيف ال يراه من يدخل اجلنة فان املتبادر من الشرع حصول دولة الرؤية‬
‫جلميع اهل اجلنة فانه مل يرد يف الشرع ان بعض اهل اجلنة يراه وبعضهم ال يراه تعاىل‬
‫واجلواب يف حق هؤالء هو جواب موسى على نبينا وعليه الصالة و السالم لسؤال فرعون‬
‫قال هللا تعاىل حاكيا عنهما قال فما ابل القرون االوىل قال علمها عند ريب يف كتاب ال‬
‫يضل ريب وال ينسى (ينبغي) ان يعلم ان اجلنة وما وراء اجلنة كلها ابلنسبة اىل احلق‬
‫سبحانه متساوية فان كلها خملوق هللا تعاىل وليس له سبحانه حلول ومتكن يف شئ منها‬
‫ولكن ليس لبعض املخلوقات لياقة ظهور انوار الواجب جل سلطانه خبالف بعض آخر‬
‫‪- 905 -‬‬

‫فان فيه هذه اللياقة كما ان املرآة فيها لياقة ظهور الصور وليست هذه اللياقة يف احلجر‬
‫واملدر فالتفاوت يف هذا الطرف مع وجود نسبة املساواة ال يف حضرته سبحانه و تعاىل‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫اين قاعده ايد دار آجنا كه خداست * نه جزو نه كل نه ظرف نه مظروف است‬
‫والرؤية ليست بواقعة يف الدنيا فان هذا احملل ليس فيه لياقة ظهور هذه الدولة وكل‬
‫من قال بوقوع الرؤية يف الدنيا فهو كذاب ومفرت زعم غري احلق حقا سبحانه فلو تيسرت‬
‫هذه الدولة يف هذه النشأة كان كليم هللا على نبينا وعليه الصالة و السالم احق هبا وان‬
‫تشرف نبينا عليه و على آله الصالة و السالم هبذه الدولة مل يكن وقوعها يف الدنيا بل‬
‫دخل اجلنة ورأى فيها وهي من عامل اآلخرة ال انه رأى يف الدنيا بل خرج من الدنيا وصار‬
‫ملحقا ابآلخرة فرأى (وهو) تعاىل خالق السموات واالرضني وخالق اجلبال والبحار‬
‫وخالق االشجار واالمثار وخالق املعادن والنبااتت وكما أنه سبحانه زين السماء خبلق‬
‫النجوم وزين االرض خبلق االنسان فان كان بسيط فكائن ابجاده تعاىل وان مركب‬
‫فمخلوق خبل قه تعاىل وابجلملة اخرج سبحانه مجيع االشياء من كتم العدم اىل عرصة‬
‫الوجود واحدثها بعد ان مل تكن ال يليق القدم بغريه تعاىل وال شئ بقدمي سواه سبحانه‬
‫وامجاع مجيع اهل امللل منعقد على حدوث ما سواه سبحانه وكلهم متفقون على ان ال‬
‫قدمي غريه تعاىل وحيكمون بتضليل من يقول بقدم غريه تعاىل بل حيكمون بتكفريه صرح‬
‫االمام الغزايل هبذا يف رسالته املنقذ من الضالل وحكم بكفر مجاعة قائلني بقدم غريه‬
‫تعاىل والذين يقولون بقدم السموات والكواكب وامثاهلا يكذهبم القرآن اجمليد كما قال هللا‬
‫تعاىل هللا الذي خلق السموات واالرض وما بينهما يف ستة اايم مث استوى على العرش‬
‫وامثال هذه من اآلايت القرآنية كثرية وسفيه من خيالف النصوص القرآنية بعقله الناقص‬
‫ومن مل جيعل هللا له نورا فما له من نور (وكما) ان العباد خملوق احلق سبحانه افعال العباد‬
‫أيضا خملوقه تعاىل فان اخللق ال يليق بغريه واجياد ممكن ال جيئ من ممكن فانه متسم‬
‫بقصور القدرة و متصف بنقص العلم ال يليق ابالجياد واخللق ودخل العبد يف افعاله‬
‫‪- 906 -‬‬

‫االختيارية امنا هو بكسبه الواقع بقدرته وارادته وخلق الفعل من هللا سبحانه وكسبه من‬
‫العبد ففعل العبد االختياري واقع مبجموع كسب العبد وخلق احلق جل وعال فلو مل يكن‬
‫لك سب العبد واختياره مدخل يف فعله يكون حكمه حكم فعل املرتعش والفرق حمسوس‬
‫ومشاهد فاان نعلم ابلبداهة ان فعل املرتعش غري فعل املختار وهذا القدر من الفرق يكفي‬
‫ملدخلية كسب العبد يف فعله وجعل احلق سبحانه خلقه اتبعا لقصد العبد يف فعله من‬
‫كمال رأفته حيث يوجد الفعل يف العبد بعد تعلق قصد العبد به فيكون العبد ابلضرورة‬
‫ممدوحا وملوما ومعاقبا ومثااب وقصد العبد واختياره اللذان اعطيهما من قبل احلق سبحانه‬
‫يتعلقان جبهيت الفعل والرتك وايضا قد بني احلق سبحانه حسن الفعل والرتك وقبحهما‬
‫بلسان االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات ابلتفصيل فمع وجود ذلك لو اختار العبد‬
‫احدى اجلهتني ال بد من ان يكون مالما او ممدوحا وال شك ان احلق سبحانه اعطى‬
‫العبد من القدرة واالختيار مقدار ما ميكن له اخلروج من عهدة االوامر والنواهي الشرعيتني‬
‫وملاذا يلزم اعطاء قدرة كاملة واختيار اتم وقد اعطى مقدار ما حيتاج اليه وانكار املنكرين‬
‫مصادم للبداهة وهبم مرض قليب عجزوا به عن اتيان االحكام الشرعية كرب على املشركني‬
‫ما تدعوهم اليه وهذه املسئلة من غوامض املسائل الكالمية وهناية شرحها وغاية بياهنا هي‬
‫ما سود يف هذه االوراق وهللا سبحانه املوفق (ينبغي) االميان مبا قاله علماء اهل احلق دون‬
‫ان يقع يف البحث واجلدل {شعر}‪:‬‬
‫نه هر جائى مركب توان اتخنت * كه جاها سپر ابيد انداخنت‬
‫(واالنبياء) عليهم الصلوات و التسليمات رمحات للعاملني بعثهم هللا سبحانه هلداية‬
‫اخللق ودعى عباده بتوسط هؤالء االكابر اىل جناب قدسه وهداهم اىل دار السالم اليت‬
‫هي حمل رضاه وانسه واملخ ذول من ال جيب دعوة الكرمي وال ينتفع من مائدة دولته وما‬
‫بلغ هؤالء االكابر من طرف احلق سبحانه كله حق وصدق واالميان به الزم والعقل وان‬
‫كان حجة ولكنه انقص يف احلجية واحلجة البالغة امنا حصلت ببعثة االنبياء عليهم‬
‫الصلوات و التسليمات فاهنا مل ترتك حمال للعذر واول االنبياء عليهم السالم آدم وآخرهم‬
‫‪- 907 -‬‬

‫وخامت نبوهتم حممد رسول هللا عليه وعليهم الصالة و السالم ينبغي االميان جبميع االنبياء‬
‫وان يعقتد كلهم معصومني صادقني وعدم االميان بواحد منهم مستلزم لعدم االميان‬
‫جبميعهم فان كلمتهم متفقة واصول دينهم واحدة وينزل عيسى على نبينا وعليه الصالة و‬
‫السالم ويتبع شريعة خامت الرسل عليه وعليهم الصلوات و التسليمات واورد اخلواجه حممد‬
‫اپ رسا الذي هو من كمل خلفاء اخلواجه النقشبند قدس سرمها وعامل وحمدث نقال معتمدا‬
‫يف كتابه الفصول الستة ان عيسى عليه السالم يعمل بعد النزول مبذهب االمام ايب حنيفة‬
‫رضي هللا عنه وحيل حالله وحيرم حرامه (واملالئكة) عباد هللا تعاىل املكرمون وبدولة الرسالة‬
‫وتبليغ وحيه تعاىل مشرفون وما هو مأمورون به ممتثلون والعصيان واخلروج عن طاعة هللا‬
‫تعاىل مفقود يف حقهم ال أيكلون وال يشربون وال يلبسون وال يوصفون بذكورة وال انوثة‬
‫وليس هلم توالد وال تناسل والكتب والصحف االهلية كلها نزلت بتوسطهم وبقيت حمفوظة‬
‫ومصونة بصداقتهم يف اداء امانتهم واالميان هبم ايضا من ضرورايت الدين وتصديقهم من‬
‫واجبات االسالم وخواص البشر افضل من خواص امللك عند مجهور اهل احلق فان‬
‫وصول البشر مع وجود العوائق وقرب القدسيني حاصل هلم بال مزامحة االشتغال وممانعة‬
‫اخلالئق وان كان التسبيح والتقديس شغل القدسيني ولكن مجع اجلهاد هبذه الدولة شغل‬
‫كمل االنسيني قال هللا تعاىل فضل هللا اجملاهدين أبمواهلم وانفسهم على القاعدين درجة‬
‫وما أخرب عنه املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم من احوال القرب و اهوال‬
‫القيامة واحلشر و النشر ومن اجلنة والنار كله حق واالميان ابآلخرة كاالميان ابهلل من‬
‫ضرورايت الدين ومنكر اآلخرة كمنكر الصانع كافر قطعا وعذاب القرب من الضغطة‬
‫وغريها حق واملنكر له وان مل يكن كافرا ولكنه مبتدع لكونه منكرا لالحاديث املشهورة‬
‫وحيث ان القرب برزخ بني الدنيا واآلخرة يشبه عذابه من وجه بعذاب الدنيا وهو قبوله‬
‫االنقطاع ومن وجه بعذاب اآلخرة وهو كونه من جنسه واكثر من يبتلي به من ال‬
‫يستنزهون من البول ومن ميشون ابلنميمة (وسؤال) منكر ونكري يف القرب ايضا حق وهو‬
‫فتنة ع ظيمة وابتالء جسيم يف القرب ثبتنا هللا سبحانه ابلقول الثابت ويوم القيامة حق واقع‬
‫‪- 908 -‬‬

‫ألبتة يومئذ تنشق السموات وتنتثر الكواكب وتتقطع االرض واجلبال وتكون ملحقة‬
‫ابلعدم كما ان النصوص القرآنية انطقة هبا وامجاع مجيع الفرق االسالمية منعقد عليه‬
‫واملنكر عليها كافر وان سول كفره مبقدمات موهومة واضل هبا السفهاء عن الطريق‬
‫والبعث يومئذ عن القرب واحياء العظام البالية املتفرقة كله حق وحساب االعمال ووضع‬
‫امليزان وطراين صحف االعمال وجميئ صحف ارابب اليمني من اليمني وصحف‬
‫اصحاب الشمال من الشمال ايضا حق والصراط الذي يوضع على منت جهنم فيمر عليه‬
‫اجلنيت اىل اجلنة ويسقط اجلهنمي يف جهنم ايضا حق فان هذه كلها امور ممكنة اخرب‬
‫املخرب الصادق بوقوعها فينبغي قبوهلا بال توقف من غري ان يتشكك ويرتدد مبقدمات‬
‫ومهية وما آاتكم الرسول فخذوه نص قطعي وشفاعة الصلحاء واالخيار يومئذ يف حق‬
‫العصاة واالشرار ابذن الغفار حق قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم شفاعيت الهل‬
‫الكبائر من أميت وخلود الكفار بعد احلساب يف النار وعذاهبا ايضا حق وكذلك خلود‬
‫املؤمنني يف اجلنة وتنعماهتا ايضا حق واملؤمن الفاسق وان جاز يف حقه دخول النار وكونه‬
‫معذاب فيها أايما ولكن اخللود يف النار مفقود يف حقه ومن كان يف قلبه مثقال ذرة من‬
‫االميان ال يكون خملدا يف النار بل مآل حاله اىل الرمحة ومرجع امره اىل اجلنة ومدار االميان‬
‫والكفر على اخلامتة وكثريا ما يكون االنسان متصفا بواحدة من هاتني الصفتني طول عمره‬
‫ويتحقق بضدها يف اآلخر وامنا العربة ابخلوامت ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا‬
‫من لدنك رمحة انك انت الوهاب واالميان عبارة عن تصديق قليب مبا علم من الدين‬
‫بطريق الضرورة والتواتر واالقرار به أيضا ضروري كاالميان بوجود الصانع وتوحيده تعاىل‬
‫وكذلك االميان حبقية الكتب والصحف املنزلة واالميان ابالنبياء الكرام واملالئكة العظام‬
‫عليهم الصالة و السالم اىل يوم القيام واالميان ابآلخرة من حشر االجساد وخلود‬
‫العذاب والثواب يف النار واجلنة وانشقاق السموات وانتثار الكواكب واندكاك االرض‬
‫واجلبال وكذلك االميان بفرضية الصلوات اخلمس وتعيني اعداد ركعتها وبفرضية زكاة‬
‫اال موال وصوم رمضان وحج بيت هللا احلرام على تقدير االستطاعة وكذلك االميان حبرمة‬
‫‪- 909 -‬‬

‫شرب اخلمر وقتل النفس بغري حق وعقوق الوالدين والسرقة والزان واكل مال اليتيم واكل‬
‫الراب وامثاهلا مما ثبت ابلتواتر وصار من ضرورايت الدين وال خيرج املؤمن ابرتكاب الكبرية‬
‫من االميان واس تحالل الكبرية كفر وارتكاهبا فسق وينبغي للمؤمن ان يعتقد نفسه مؤمنا‬
‫حقا يعين ينبغي ان يعرتف بثبوت اميانه وحتققه وال ينبغي ان جيعل كلمة االستثناء يعين‬
‫كلمة ان شاء هللا مقرونة ابالميان لكوهنا منبئة عن الشك ومنافية لثبوت االميان حبسب‬
‫الصورة وان جعل االستثناء را جعا اىل اخلامتة لكوهنا مبهمة ولكنه ال خيلو من اشتباه‬
‫الثبوت احلايل فاالحتياط يف ترك صورة الشك واالشتباه وافضلية اخللفاء االربعة على‬
‫ترتيب خالفتهم فان امجاع اهل احلق منعقد على ان افضل البشر بعد االنبياء صلوات هللا‬
‫تعاىل وتسليماته سبحانه عليهم امجعني ابو بكر الصديق مث عمر الفاروق رضي هللا عنهما‬
‫ووجه االفضلية على ما فهمه هذا الفقري ليس كثرة الفضائل واملناقب بل االسبقية يف‬
‫االميان واالقدمية يف انفاق االموال واالولية يف بذل االنفس يف كل حال لتأييد الدين‬
‫وترويج ملة سيد املرسلني فان السابق كانه استاذ الالحق يف امر الدين وكلما ينال الالحق‬
‫يناله من مائدة دولة السابق وجمموع هذه الصفات الكاملة الثالثة منحصرة يف حضرة‬
‫الصديق رضي هللا عنه فان الذي مجع بني االسبقية يف االميان وبني انفاق املال وبذل‬
‫النفس هو هو رضي هللا عنه وهذه الدولة مل تتيسر يف هذه االمة لغريه قال رسول هللا‬
‫أمن عل ّي يف‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم يف مرضه الذي مات فيه انه ليس من الناس احد ّ‬
‫نفسه وماله من ايب بكر ابن ايب قحافة ولو كنت متخذا من الناس خليال الختذت ااب‬
‫بكر خليال ولكن اخوة االسالم افضل سدوا عين كل خوخة غري خوخة ايب بكر وقال‬
‫عليه و على آله الصالة و السالم ان هللا بعثين اليكم فقلتم كذبت وقال ابو بكر صدقت‬
‫وواساين بنفسه وماله فهل انتم اتركون يل صاحيب وقال عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫لو كان بعدي نيب لكان عمر بن اخلطاب وقال امري املؤمنني علي رضي هللا عنه ان ااب‬
‫بكر وعمر كليهما افضل هذه االمة ومن فضلين عليهما فهو مفرت أضربه كما يضرب‬
‫املفرتي وما وقع بني اصحاب خري البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات من‬
‫‪- 910 -‬‬

‫املنازعات واحملارابت ينبغي ان حيملها على حمامل حسنة وان يبعدهم عن مظنة اهلوى‬
‫واهلوس ومن حب اجلاه والرايسة ومن طلب الرفعة واملنزلة فان هذه الرذائل من النفس‬
‫األ مارة ونفوس هؤالء االكابر صافية ومزكاة يف صحبة خري البشر عليه وعليهم الصالة و‬
‫السالم ولكن احلق كان يف جانب امري املؤمنني علي كرم هللا وجهه يف تلك املشاجرات‬
‫واحملارابت الواقعة يف حق خالفته وخمالفوه كانوا خمطئني ابخلطإ االجتهادي الذي ال جمال‬
‫فيه للمالمة والطع ن فضال عن التفسيق فان الصحابة كلهم عدول ومروايهتم مقبولة و‬
‫مروايت موافقي علي وخمالفيه كلها متساوية يف الصدق والوثوق ومل تصر املشاجرة واحملاربة‬
‫علة جلرح احد فينبغي ان حيب مجيعهم فان حبهم حبب النيب عليه وعليهم الصلوات و‬
‫التسليمات فانه قال من احبهم فبحيب احبهم وينبغي االجتناب عن بغضهم وعدواهتم‬
‫فان بغضهم ببغضه صلّى هللا عليه و سلّم كما قال ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم ويف‬
‫تعظيم هؤالء االكابر وتوقريهم تعظيم خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم وتوقريه‬
‫ويف عدم تعظيمهم عدم تعظيمه فينبغي تعظيم مجيعم من جهة تعظيم خري البشر عليه‬
‫الصالة و السالم قال الشيخ الشبلي ما آمن برسول هللا من مل يوقر اصحابه (وبعد)‬
‫تصحيح االعتقاد ال بد من اتيان االعمال ايضا قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم بين‬
‫االسالم على مخس شهادة ان ال اله اال هللا وان حممدا رسول هللا وهي عبارة عن االميان‬
‫واالعتقاد مبا ثبت بتبليغ حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كما مر والثاين اداء‬
‫الصلوات اخلمس اليت هي عماد الدين والثالث اداء زكاة املال والرابع صوم شهر رمضان‬
‫واخلامس حج بيت هللا احلرام فالصالة أفضل العبادات بعد االميان ابهلل ورسوله وحسن‬
‫لذاته مثل االميان خبالف سائر العبادات فان حسنها ليس بذايت فينبغي اداء الصالة‬
‫حبسن التأمل والتقيد بعد طهارة كاملة كما بني يف كتب الشرع من غري فتور وينبغي‬
‫االحتياط يف القراءة والركوع والسجود والقومة واجللسة وسائر االركان حت تؤدى على‬
‫وجه الكمال وينبغي التزام السكونة والطمأنينة يف الركوع والسجود والقومة واجللسة‬
‫وينبغي االحرتاز عن املساهلة وينبغي اداؤها يف أوائل اوقاهتا من غري ان جيوز التأخري على‬
‫‪- 911 -‬‬

‫وجه التكاسل والتجاهل والعبد املقبول من ميتثل امر مواله مبجرد امره فان التأخري يف‬
‫امتثال األمر من التمرد وسوء االدب وينبغي ان يستصحب من الكتب الفقهية ما كتب‬
‫بعبارة فارسية مثل ترغيب الصالة وتيسري االحكام وامثاهلما يف مجيع االوقات وان أيخذ‬
‫املسائل الشرعية منها والعمل مبقتضاها وكتاب كلستان ومثله داخل يف فضول يف جنب‬
‫كتب الفقه الفارسية بل مما ال يعين ابلنسبة اىل االمور الضرورية وما حيتاج اليه يف الدين‬
‫ينبغي ان يعده الزما دون ان يلتفت اىل ما ورائه وصالة التهجد ايضا كأهنا من ضرورايت‬
‫هذا الطريق فينبغي السعي حت ال ترتك من غري ضرورة فان كان هذا املعن متعسرا يف‬
‫االبتداء ومل يتيسر التيقظ ينبغي تعيني مجاعة من اخلدام ليوقظوا يف ذلك الوقت بال‬
‫اختيار وال ي رتكوا على النوم وبعد اعتياد القيام اايما ال حتتاج اىل التكلف والتعمل ومن‬
‫اراد ان يقوم يف آخر الليل ينبغي ان ينام يف اوله بعد العشاء من غري ان يشتغل مبا ال‬
‫طائل فيه وينبغي ان يغتنم االستغفار والتوبة وااللتجاء والتضرع وتذكر املعاصي والذنوب‬
‫وتفكر النقائص والع يوب وخوف العذاب االخروي واالشفاق من االمل الدائمي يف ذلك‬
‫الوقت وان يطلب العفو واملغفرة من احلق سبحانه و تعاىل وان يقول هذه الكلمة ابللسان‬
‫متوجها اىل القلب مائة مرة استغفر هللا العظيم الذي ال اله اال هو احلي القيوم واتوب اليه‬
‫سبحانه وينبغي ان يقول هذه الكلمة بعد اداء العصر ايضا مائة مرة من غري ان يرتكها‬
‫بطهارة او بال طهارة وقد ورد يف اخلرب طوىب ملن وجد يف صحيفته استغفار كثري واداء‬
‫صالة الضحى ان تيسر دولة عظيمة فينبغي السعي حت تؤدى ركعتان منها على الدوام‬
‫واكثر ركعاهتا كصالة التهجد اثتنا عشرة ركعة ومقدار ما يؤدي مبقتضى الوقت واحلال‬
‫مغتنم وينبغي ان جيتهد لقراءة آية الكرسي بعد اداء كل فرض فانه قد ورد يف اخلرب من قرأ‬
‫آية الكرسي بعد كل صالة فرض ال مينعه من دخول اجلنة اال املوت وايضا ينبغي ان‬
‫يقول بعد كل صالة من صلوات اخلمس كلمة التنزيه سبحان هللا ثالاث وثالثني مرة وكلمة‬
‫التحميد احلمد هلل ثالاث وثالثني مرة وكلمة التكبري هللا اكرب ثالاث وثالثني مرة ومرة ال اله‬
‫اال هللا وحده ال شريك له له امللك وله احلمد حييي و مييت و هو على كل قد ير حت‬
‫‪- 912 -‬‬

‫يستمكل العدد مائة ويقول ايضا يف كل يوم وليلة سبحان هللا وحبمده مائة مرة فان فيها‬
‫ثوااب كثريا ويقول وقت الصبح مرة اللهم ما اصبح يب من نعمة أو أبحد من خلقك فمنك‬
‫وحدك ال شريك لك فلك احلمد ولك الشكر ويقول يف املغرب بدل ما اصبح ما امسى‬
‫ويتم وورد يف احلديث النبوي ان من قرأ هذا الدعاء يف النهار فقد ادى شكر ذلك النهار‬
‫ومن قرأه يف الليل فقد ادى شكر ذلك الليل وال يلزم ان يكون قراءة هذا الورد على‬
‫طهارة بل ينبغي قراءته يف مجيع االوقات (واداء) زكاة االموال ايضا من ضرورايت الدين‬
‫فينبغي اداؤها وايصاهلا اىل مصارفها ابلرغبة وقبول املنة فاذا قال هللا سبحانه اعطوا الفقراء‬
‫واملساكني حصة واحدة من اربعني حصة من عطييت وانعامي فأعطيكم يف مقابلته اجرا‬
‫جزيال وجزاء مجيال فالتوقف يف اداء هذا اجلزء احملقر والبخل يف اعطائه من غاية عدم‬
‫االنصاف بل من التمرد واالعتساف وامثال هذا التوقف يف امتثال األوامر الشرعية‬
‫منشؤها مرض قليب وعدم يقني ابالحكام السماوية وال يكفي جمرد النطق بكلمة الشهادة‬
‫بدون تصديق قليب مبضموهنا فان املنافقني ايضا انطقون هبذه الكلمة وعالمة يقني القلب‬
‫اتيان األوامر الشرعية بطوع ورغبة واعطاء فلس لفقري بنية اداء الزكاة افضل من انفاق‬
‫ألوف بغري هذه النية فان ذاك اداء فرض وهذا اتيان نفل وال اعتداد التيان النفل ابلنسبة‬
‫اىل اداء الفرض اصال وال اعتبار وليت له حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط ومن‬
‫تسويالت الشيطان اللعني منعهم من اداء الفرائض ومحلهم على اداء النوافل وصدهم عن‬
‫اداء الزكاة (وصوم) شهر رمضان املبارك ايضا من واجبات االسالم وضرورايت الدين‬
‫فينبغي االهتما م يف ادائه ايضا وال ينبغي االفطار ابعذار غري مسموعة قال النيب عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم والتحية الصوم جنة من انر جهنم فان كان بعض االعذار‬
‫مانعا من الصوم وملجأ اىل االفطار كمرض وركوب منت االسفار ينبغي قضاؤه بال مهلة‬
‫بعد زوال االعذار دون ان يؤخره ابلتكاسل اىل مرور اآلصال واالبكار فان العبد ليس له‬
‫اختيار كلي بل له موىل ال بد له من املعاشرة مبقتضى اوامره ونواهيه حت يتصور رجاء‬
‫النجاة فلو مل يكن كذلك يكون عبدا متمردا جزاؤه انواع العقوابت (والركن) اخلامس من‬
‫‪- 913 -‬‬

‫اركان االسالم حج البيت احلرام وله شرائط مذكورة يف كتب الفقه فاذا حتققت شرائطه‬
‫جيب اداؤه قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم احلج يهدم ما كان قبله من املعاصي وينبغي‬
‫حسن االحتياط يف احلل واحلرمة الشرعيني واالمتناع عما منع عنه صاحب الشريعة عليه‬
‫و على آله الصالة والتحية واحملافظة على احلدود الشرعية لو كان املطلوب السالمة‬
‫والنجاة اىل مت ميتد نوم االرنب و حت مت قطن الغفلة يف الصماخ فان االرنب سيوقظ‬
‫والقطن سينزع فال يكون نقد الوقت حينئذ غري الندامة واحلسرة واخلجالة واخلسارة املوت‬
‫قريب وانواع عذاب اآلخرة مهيأة من مات فقد قامت قيامته ينبغي االنتباه قبل ان ينبه‬
‫فانه ال ينفع والعمل مبقتضى االوامر والنواهي الشرعيتني واالجتناب عن موجبات العذاب‬
‫االخروي قال هللا تعاىل قوا انفسكم واهليكم انرا وقودها الناس واحلجارة اآلية وبعد‬
‫تصحيح االعتقاد واتيان االعمال الصاحلة مبقتضى الشريعة احلقة على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية ينبغي تعمري االوقات ابلذكر االهلي جل شأنه وان ال يكون فارغا عن‬
‫ذكره تعاىل اصال فان كان الظاهر مشغوال ابخللق ينبغي ان جيعل الباطن ابحلق سبحانه‬
‫وان يكون ملتذا بذكره تعاىل وهذه الدولة متيسرة للمبتدئني يف طريقة خواجكان قدس هللا‬
‫اسرارهم يف اول قدم يف صحبة الشيخ الكامل املكمل بعناية هللا سبحانه و تعاىل ولعله‬
‫حصل لكم االميان هبذا املعن بل تيسر نصيب منه ولو كان قليال وكلما حصل ينبغي‬
‫احملافظة عليه والقيام بشكره والرجاء يف الزايدة وحيث ان يف طريقة احلضرات النقشبندية‬
‫اندراج النهاية يف البداية فان حصل قليل منها فهو كثري فان السالك له خرب يف البداية‬
‫من النهاية ولكن ينبغي للمبتدئ ان يستقل ما حصله وان كان كثريا من غري ان يكون‬
‫فارغا عن شكره بل ينبغي اداء شكره وطلب الزايدة واملقصود االصلي من الذكر زوال‬
‫التعلق مبا دون احلق سبحانه الذي املرض القليب عبارة عنه وما مل حيصل هذا الزوال ال‬
‫يكون نصيب من حقيقة االميان وال يتيسر اليسر والسهولة يف اداء االحكام الشرعية‬
‫اال فاذكروا رب الربااي فانه * صفاء القلوب والغذاء الرواح‬
‫وينبغي ان ال يكون املطلوب من اكل الطعام حظ النفس بل يكون حصول القوة‬
‫‪- 914 -‬‬

‫واالستطاعة على العبادة فان مل تتيسر هذه النية يف االبتداء ينبغي ان يكون عليها‬
‫ابلتكلف وان يلتجئ ويتضرع لتتيسر هذه النية وكذلك ينبغي ان تكون النية يف لبس‬
‫اللباس التزين للعبادة وأداء الصالة فانه قد ورد يف القرآن اجمليد خذوا زينتكم عند كل‬
‫مسجد وال يكون املقصود من لبس االلبسة املزينة مرا اة اخللق فاهنا ممنوع عنها وكذلك‬
‫ينبغي ان يسعى يف ان يكون املنظور يف مجيع االفعال واحلركات والسكنات رضي املوىل‬
‫جل سلطانه وان يعمل مبتقضى شريعته احلقة ففي هذا الوقت يكون كل من الظاهر‬
‫والباطن متوجها اىل احلق تعاىل وذاكرا له سبحانه مثال اذا اختار العبد النوم الذي هو‬
‫غفلة من اوله اىل آخره بنية دفع التكاسل يف اداء الطاعة يكون ذلك النوم هبذه النية عني‬
‫العبادة فما دام يف ذاك النوم فكأنه يف الطاعة لكونه بنية اداء الطاعة وقد ورد يف اخلرب‬
‫نوم العلماء عبادة وان كنت اعلم ان حصول هذا املعن فيكم اليوم متعذر هلجوم املوانع‬
‫ووجود التزام العادات والرسوم وكون املنظور احلمية واالنفة اليت هي مضادة للشريعة الغراء‬
‫فان الشريعة واردة لدفع الرسوم والعادات ورفع احلمية اجلاهلية الناشئة عن النفس االمارة‬
‫ولكن اذا حصلت املداومة على الذكر القليب واداء الصلوات اخلمس بشرائطها من غري‬
‫فتور بتوفيق هللا سبحانه وتيسر االحتياط يف احلل واحلرمة الشرعيني مهما امكن حيتمل ان‬
‫يظهر مجال هذا املعن وحيصل الرغبة فيه (ووجه) آخر لكتابة امثال هذه النصائح هو انه‬
‫وان مل حيصل العمل مبتقضى هذه النصائح فال اقل من ان حيصل االعرتاف ابلقصور‬
‫والنقص وهو ايضا دولة عظيمة {شعر}‪:‬‬
‫ومن انل يلقى دولة فوق قدره * ومن ال فيكفيه االسى من فواهتا‬
‫ونعوذ ابهلل سبحانه من حال من ال ينال وال يغتم من عدم نيله وال يعمل وال‬
‫يتندم من عدم عمله وال يكون ذلك اال جاهال متمردا اخرج رأسه من ربقة العبودية‬
‫ورجله من قيد الرقية ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا وان مل يقتض الوقت‬
‫واحلال والزمان واملكان حترير شئ ولكن ملا رأيت شوقكم ورغبتكم على وجه الكمال كتبنا‬
‫سطورا ابلتكلف وسلمناها اىل كمال الدين حسني رزق هللا سبحانه العمل مبقتضاها و‬
‫‪- 915 -‬‬

‫السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن عشر اىل املري حممد نعمان يف بيان عدم التعلق مبا سوى‬
‫احلق والرتغيب يف صحبة طاليب احلق جل وعال}‬
‫احلمد هلل رب العامل يم دائما على كل حال يف السراء والضراء قد وصلت الصحيفة‬
‫الشريفة املرسلة مع سليمان مع اهلدية جزاكم هللا خريا وكتبتم فيها ان املقصود من هذا‬
‫السفر كان حصول بعض املقاصد املتعسر احلصول عليكم ابلرجاء فان مع العسر يسرا ان‬
‫مع العسر يسرا قال ابن عباس رضي هللا عنهما لن يغلب عسر يسرين وماذا اكتب من‬
‫احوايل املآلنة ابالهوال واشوش هبا خواطر االحباب ومع ذلك الشكر هلل ألف ألف مرة‬
‫على ما رزقنا العافية يف عني البالء فسبحان من مجع بني الضدين وقرن بني املتنافيني‬
‫كنت يوما اتلو القرآن اجمليد فوصلت اىل هذه اآلية قل ان كان آابؤكم وأبنائكم واخوانكم‬
‫اآلية فاستوىل عل ّي من تالوهتا بكاء عظيم وغلب اخلوف فطالعت حايل يف تلك االثناء‬
‫فوجدتين ان ال تعلق يل بواحد منها حبيث لو تلف كلها وتالشت ال يقع جتويز امر منكر‬
‫ومستقبح يف الشريعة وال ختتار تلك االمور على ذلك االمر بقية املرام ان االصحاب‬
‫حيث كانوا يصحبوننا هلل ينبغي لنا ايضا ان نكرمهم ونستخرجهم عن احواهلم الظاهرية‬
‫والباطنية وهذا احلديث القدسي اي داود اذا رأيت يل طالبا فكن له خادما مشهور فينبغي‬
‫التوجه اىل الطالبني بعد ذلك ازيد مما كان سابقا وان ال جيعل شيمة التغافل وعدم‬
‫االلتفات منظورة واثنيا ينبغي ان تكتب انه هل كان مكتوب االقربية معقوال او ال فان‬
‫كان فبها واال فاكتبوا بتشخيص حمل الرتدد وما اكتب زايدة على ذلك املسؤل من هللا‬
‫سبحانه سالمتكم وعافيتكم وثباتكم واستقامتكم ومزيد توفيقكم وحسن عاقبتكم و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع عشر اىل السيد املري حممد نعمان يف الصرب والرضاء بقضائه‬
‫‪- 916 -‬‬

‫تعاىل}‬
‫احلمد هلل رب العاملني يف السراء والضراء ويف العافية والبالء فعل احلكيم جل‬
‫سلطانه ال خيلو عن حكمة لعل هللا يريد به الصالح وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خري‬
‫لكم وعسى ان حتبوا شيئا وهو شر لكم وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون فاصربوا على بالئه‬
‫وارضوا بضائه سبحانه و تعاىل واثبتوا على طاعاته واجتنبوا عن معاصيه سبحانه اان هلل‬
‫واليه راجعون قال هللا تبارك و تعاىل وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو‬
‫عن كثري فتوبوا ا ىل هللا سبحانه واستغفروا عما كسبت ايدينا واسئلوا العفو والعافية من هللا‬
‫سبحانه فانه تعاىل حيب العفو واجتنبوا عن البالء ما استطعتم فان الفرار مما ال يطاق من‬
‫سنن املرسلني عليهم الصلوات و التسليمات وحنن يف عني البالء مع العافية فللّه سبحانه‬
‫احلمد و املنة و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى و التزم متابعة املصطفى عليه‬
‫و على آله الصلوات و التسليمات العلى‪.‬‬

‫{املكتوب العشرون اىل موالان أمان هللا يف التحريض على علو اهلمة وارجاع‬
‫وصول مجيع النعم اىل شيخه}‬
‫وصل مكتوب االخ أمان هللا واتضح ما حرر من بيان احواله ومواجيده واملتوقع‬
‫منكم ازيد من هذه االمور وكلما يعطى ينبغي قبوله ابالدب وقبول املنة وان يطلب الزايدة‬
‫واملقام الفوقاين ابلتضرع واالبتهال وااللتجاء واالنكسار قائال هل من مزيد وان يراعى‬
‫اتيان االحكام الشرعية مراعاة كاملة مصدق االحوال ومصححها االستقامة على الشريعة‬
‫وتعبري الواقعة من عامل املثال اليت حررت قريب من املعاملة واالمر اىل هللا سبحانه وملا كنتم‬
‫يف الصحبة كثريا وقع نظركم عاليا ال تغرتون ابجلوز واملوز مثل االطفال ان هللا سبحانه‬
‫حيب معايل اهلمم وكتبتم واقعة تربية عيسى على نبينا و عليه الصالة و السالم الخينا‬
‫احلافظ مهدي علي نعم ان للحافظ مناسبة كثرية بطريقنا ولكن ينبغي ان يعلم ان الدولة‬
‫من اي حمل حيصل يف الصورة ينبغي ارجاعها يف احلقيقة اىل شيخه لئال تتفرق قبلة توجهه‬
‫‪- 917 -‬‬

‫وال يتطرق اخللل اىل املعاملة ومن اي حمل حيصل الفيض ينبغي ان يراه من شيخه فانه‬
‫جامع فبأي صورة تظهر تربيته فهي يف احلقيقة منه وهذا املقام من مزال اقدام الطالب‬
‫ينبغي ان يكون واقفا متيقظا حت ال جيد العدو اللعني سبيال ولعلكم مسعتم ان من كان‬
‫يف حمل واحد فهو يف كل حمل ومن كان يف كل حمل فليس هو يف حمل اصال وبلغوا احلافظ‬
‫مين الدعاء و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والعشرون اىل املري حممد نعمان يف جواب أسئلته عن كونه‬
‫تعاىل مشارا اليه ابلضمائر وعن فضل الزهاد وعن كيفية علم احلق تعاىل بذاته جل‬
‫سلطانه وعم احسانه}‬
‫احلمد هلل وسالمه على عباده الذين اصطفى قد سألتم انه اذا مل تكن االشياء‬
‫اشياء مباهيتها الظلية بل مباهية اصلها ينبغي أن يكون املشار اليه بلفظ هو وانت واان هو‬
‫ذاك االصل فحينئذ كيف يصدق محل بعض الصفات الغري املالئم لذاك االصل على‬
‫الضمائر كقولنا اان آكل واان انئم (اعلم) ان الظل وان كان قائما أبصله ولكن ثبوته‬
‫الظلي وان كان يف مرتبة احلس واخليال متحقق دائما واحكامه الظلية دائمة وابقية و‬
‫خلقتم لألبد شاهد لذلك ومحل الصفات على تلك الضمائر امنا هو مبالحظة اعتبار‬
‫ظليتها ولكل مرتبة من مراتب الوجود حكم على حدة وكلما هو متالش ومضمحل يف‬
‫االله ليس ابله جل وعال وسألتم ايضا عن معن احلديث القدسي الوارد يف فضائل الزهاد‬
‫الكرام معاين ال فاظه ظاهرة وليس ببعيد عن فضله وكرمه تعاىل ان خيصص مجاعة بفضائل‬
‫وخصائص وان ينعم عليهم بدرجات ومراتب يغبطهم فيها غريهم وعدم حساب هؤالء‬
‫ليس مبحمل تردد فان كثريا من امة خري البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات‬
‫يدخلون اجلنة بغري حساب ومن مجلة ذلك ما ورد يف احلديث الصحيح يدخل اجلنة من‬
‫اميت سبعون ألفا بغري حساب فقالوا من هم اي رسول هللا قال الذين ال يكتوون وال‬
‫يسرتقون و على رهبم يتوكلون ويف هذا املقام سر عظيم ال مصلحة يف اظهاره لكونه بعيدا‬
‫‪- 918 -‬‬

‫عن افهام االكثرين فان اتفقت املالقاة ينبغي ان تذكروا هبا فنذكر مشة منه مشافهة ورمز‬
‫من هذا السر مندرج يف مكتوب من مكتوابت اجللد الثاين فاذا وجدمتوه لعلكم جتدونه‬
‫(وسألتم) ايضا ان علم احلق سبحانه هل يكون حميطا بكنه ذاته او ال فان كان حميطا يلزم‬
‫تناهي الذات (اعلم) ان العلم على قسمني حصويل وحضوري وحمال ان يتعلق العلم‬
‫احلصويل بكنه ذات الواجب جل سلطانه لكونه مستلزما لالحاطة والتناهي واما العلم‬
‫احلضوري فيجوز ان يتعلق بكنه ذاته تعاىل وال يلزم منه تناه اصال و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والعشرون اىل املال مقصود علي التربيزي يف بيان املراد من‬
‫جناسة املشركني خبثهم الباطين واعتقادهم السوء ال كوهنم جنس العني}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ايها املخدوم املشفق مل يعلم املقصود‬
‫من ارسال التفسري احلسيين وصاحب التفسري بني معن اآلية الكرمية موافقا الئمة احلنفية‬
‫ويريد من النجاسة الشرك وخبث الباطن وسوء االعتقاد وما قاله بعد ذلك من ان هؤالء‬
‫ال جيت نبون عن النجاسات فهذا املعن موجود يف اكثر اهل االسالم ايضا يف هذه االايم‬
‫والفرق بني عوام اهل االميان وبني الكفار مفقود من هذه احليثية فلو كان عدم االجتناب‬
‫عن النجاسة سببا لنجاسة الشخص تصري املعاملة ضيقة وال حرج يف االسالم وما نقل‬
‫عن ابن عباس رضي هللا عنهما من ان املشركني جنس العني مثل الكالب امثال هذا النقل‬
‫الشاذ وردت كثريا من اكابر الدين وكلها حممولة على التوجيه والتأويل كيف يكون جنس‬
‫العني فان النيب عليه و على آله الصالة و السالم قد أكل الطعام من بيت يهودي وتوضأ‬
‫من ظرف مشرك وتوضأ الفاروق رضي هللا عنه ايضا من ظرف امرأة نصرانية (فان قيل)‬
‫جيوز ان يكون قوله تعاىل امنا املشركون جنس متأخرا وانسخا للمذكورات (اجيب) انه‬
‫جيوز ان يكون كذلك ال يكفي يف هذا املقام بل ال بد من اثبات التأخر حت تصح‬
‫دعوى النسخ فان اخلصم من وراء املنع ولو سلم انه متأخر ينبغي ان ال يكون مثبتا‬
‫للحرمة و يكون املراد من النجاسة خبث الباطن النه قد نقل انه مل يرتكب نيب من‬
‫‪- 919 -‬‬

‫االنبياء امرا يكون مآله يف شريعته او يف شريعة غريه من االنبياء منجرا اىل احلرمة و يكون‬
‫حمرما يف اآلخر وان كان مباحا حني االرتكاب اال ترى ان اخلمر كان مباحا اوال مث حرم‬
‫ومل يشربه نيب قط فلو كان مآل أمر املشركني اىل النجاسة الظاهرة وكانوا مثل الكالب‬
‫جنس العني ملا كان النيب صلّى هللا عليه و سلّم الذي هو حمبوب رب العاملني ميس ظروفهم‬
‫فضال عن اكل طعامهم وايضا ان النجس العني جنس عني يف مجيع االوقات ال جمال فيه‬
‫لالابحة سابقة والحقة فلو كان املشركون جنس عني ينبغي ان يكونوا كذلك يف االبتداء‬
‫وان يعامل النيب صلّى هللا عليه و سلّم هبم مبقياسه ومقتضاه يف االول وليس فليس‬
‫(وايضا) ان احلرج مدفوع عن الدين ومعلوم ان احلكم بنجاستهم واعتقاد أهنم جنس عني‬
‫تضييق على املسلمني جدا والقاؤهم يف احلرج واملشقة ينبغي ان يقبل املنة من أئمة احلنفية‬
‫رضي هللا عنهم حيث هيأوا خملصا للمسلمني واخرجوهم من ارتكاب احلرام دون ان‬
‫يطعن فيهم وزعم حسنهم قبحا وعيبا واين جمال االعرتاض على اجملتهد فان خلطائه ايضا‬
‫درجة من الثواب وتقليده وان كان خمطئا موجب للنجاة واجتناب مجاعة يقولون حبرمة‬
‫اطعمة الكفار واشربتهم عن ارتكاب اكلها وشرهبا حمال عادي خصوصا يف بالد اهلند‬
‫فان هذا االبتالء اكثر فيها واذا كان يف مسئلة دينية عموم البلوى فاالوىل ان يفت ابسهل‬
‫االمور وايسرها بقول اي جمتهد كان وان مل يكن موافقا ملذهبه قال هللا تعاىل يريد هللا بكم‬
‫ا ليسر وال يريد بكم العسر وقال تعاىل يريد هللا ان خيفف عنكم وخلق االنسان ضعيفا‬
‫والتضييق على خلق هللا وايذاؤهم حرام ومناف لرضا احلق سبحانه والشافعية يفتون يف‬
‫بعض املسائل الذي ضيق فيه االمام الشافعي مبذهب احلنفية ليسهل للخلق مثال يف‬
‫مصارف الزكاة ينبغي ان تصرف الزكاة عند الشافعي على مجيع اصنافها وواحد منها‬
‫املؤلفة القلوب وهم مفقودون يف هذه االايم فافت علماء الشافعية مبذهب احلنفية ابهنا اذا‬
‫اديت على اي صنف منها يكفي وايضا اذا كان املشركون جنس العني ينبغي ان ال‬
‫يطهروا ابالميان ايضا فعلم ان كوهنم جنسا امنا هو بواسطة خبث اعتقادهم القابل للزوال‬
‫ومقصور على الباطن الذي هو حمل االعتقاد وجناسة الباطن ال تنايف طهارة الظاهر كما‬
‫‪- 920 -‬‬

‫هو معلوم للوضيع والشريف وايضا ان قوله تعاىل امنا املشركون جنس اخبار عن حال‬
‫املشركني واالخبار ال يكون انسخا وال منسوخا فان النسخ يف انشاء حكم شرعي ال يف‬
‫االخبار عن شئ فينبغي ان يكون املشركون جنسا يف مجيع االوقات و يكون املراد من‬
‫النجس خبث االعتقاد حت ال تتعارض االدلة وال يكون مساسهم حمظورا يف وقت من‬
‫االوقات ويوم قرأت قوله تعاىل وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم اآلية قلتم يف مقابلته‬
‫ان املراد من الطعام هنا الرب واحلمص والعدس فلو قبل هذا التوجيه اهل العرف فما‬
‫املضايقة ولكن ال بد من االنصاف واملقصود االصلي من هذا التصديع واطالة الكالم هو‬
‫انه ينبغي ان يرحم اخللق وان ال حيكم بعموم جناستهم وان ال يعتقد جناسة اهل االسالم‬
‫ايضا بواسطة اختالطهم ابلكفار الذي ال بد منه وال مهرب عنه وان ال جيتنب عن‬
‫اطعمة املسلمني واشربتهم بعلة النجاسة املتومهة فيحصل التربي من الكل من هذه احلجة‬
‫ويظن ذلك احتىاطا و احلال ان االحتياط يف ترك هذا االحتياط وماذا أكتب زايدة على‬
‫ذلك {شعر}‪:‬‬
‫بَثَثْت لديكم من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والعشرون اىل اخلواجه ابراهيم القبادايين يف بيان ان هللا تعاىل‬
‫اخرب بواسطة االنبياء عليهم السالم عن ذاته وصفاته واعمال العبادة املرضية وغري‬
‫املرضية اليت ال مدخل فيها للعقل}‬
‫احلمد هلل الذي انعم علينا وهداان اىل االسالم وجعلنا من امة حممد عليه و على‬
‫آله الصالة و السالم ان االنبياء رمحات للعاملني أخرب احلق سبحانه و تعاىل بواسطة بعثة‬
‫هؤالء االكابر عن ذاته وصفاته المثالنا انقصي العقول وقاصري االدراك واطلعنا على‬
‫كماالته الذاتية والصفاتية مبقياس افهامنا وفرق مراضيه عن غري مراضيه وميز منافعنا‬
‫الدنيوية واالخروية عن مضاران فلو مل يكن توسط وجودهم الشريف لكانت العقول‬
‫البشرية عاجزة يف اثبات الصانع تعاىل وقاصرة يف ادراك كماالته تعاىل وكانت قدماء‬
‫‪- 921 -‬‬

‫الفالسفة الذين يزعمون انفسهم اكابر ارابب العقول منكرين للصانع عز وجل وكانوا‬
‫ينسبون االشياء اىل الدهر من نقصان عقوهلم وجمادلة النمرود الذي كان سلطان مجيع‬
‫اهل االرض مع اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم يف اثبات خالق السموات‬
‫واالرض مشهورة ويف القرآن اجمليد مذكورة وقال فروعون املخذول ما علمت لكم من اله‬
‫غريي وقال ايضا خطااب ملوسى عليه السالم لئن اختذت اهلا غريي الجعلنك من‬
‫املسجونني وقال ايضا هلامان اي هامان ابن يل صرحا لعلي ابلغ االسباب اسباب‬
‫السموات فاطلع اىل اله موسى واين الظنه كاذاب (وابجلملة) ان العقل قاصر يف اثبات‬
‫هذه الدولة العظمى ال يكاد يهتدي اليها (بدون) هداية هؤالء االكابر وملا اشتهرت‬
‫دعوة االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات اىل هللا الذي هو خالق االرض والزمان‬
‫والسموات وتواترت وعلت كلماهتم وارتفعت اطلع سفهاء كل وقت كان هلم تردد يف‬
‫ثبوت الصانع على قبائحهم وقالوا بوجود الصانع بال اختيار وجعلوا االشياء مستندة اليه‬
‫تعاىل وهذا نور مقتبس من انوار االنبياء ونعمة مستفادة من موائدهم عليهم الصلوات و‬
‫التسليمات اىل يوم التناد بل اىل ابد اآلابد وكذلك سائر السمعيات بلغتنا بتبليغ االنبياء‬
‫عليهم الصالة و السالم من وجود صفاته تعاىل الكاملة وبعثة االنبياء و عصمة املالئكة‬
‫عليهم السالم ومن احلشر والنشر ومن وجود اجلنة والنار والتنعيم والتعذيب الدائمني‬
‫وأمثاهلا مما نطقت به الشريعة والعقل قاصر عن ادراكه وانقص يف اثباته من غري مساع من‬
‫هؤالء االكابر ال استقالل له يف شئ منها وكما ان طور العقل وراء طور احلس حيث‬
‫يدرك ابلعقل ما ال يدرك ابحلس طور النبوة ايضا وراء طور العقل يدرك هبا ما ال يدرك‬
‫ابلعقل ومن مل يثبت للمعرفة طريقا وراء طور العقل فهو يف احلقيقة منكر لطور النبوة‬
‫ومصادم للبداهة فال بد من وجود االنبياء ليدلوا على كيفية اداء شكر املنعم الذي هو‬
‫واجب عقال وليظهروا تعظيم موىل النعم جل وعال املتعلق ابلعلم والعمل املتلقي من قبله‬
‫سبحانه فان التعظيم الذي مل يكن مستفادا من عنده سبحانه ال يكون الئقا ابداء شكره‬
‫تعاىل فان القوة البشرية عاجزة عن ادراكه بل كثريا ما يظن غري تعظيمه تعاىل تعظيما‬
‫‪- 922 -‬‬

‫فيعدل عن الشكر اىل اهلجو وطريق استفادة تعظيمه سبحانه من حضرته تعاىل وتقدس‬
‫مقصور على النبوة ومنحصر يف تبليغ االنبياء عليهم الصالة و السالم واالهلام الذي هو‬
‫لالولياء عليهم السالم مقتبس من انوار النبوة ومستفاض من بركات متابعة االنبياء‬
‫وفيوضها فلو كان العقل كافيا يف هذا االمر ملا بقي فالسفة اليوانن الذين جعلوا مقتداهم‬
‫عقوهلم يف تيه الضاللة ولعرفوا احلق سبحانه قبل كل الناس واحلال ان اشد الناس جهالة‬
‫يف ذات احلق وصفاته سبحانه هو هؤالء حيث زعموا احلق سبحانه فارغا ومعطال ومل‬
‫جيعلوا غري شئ واحد مستندا اليه تعاىل وهو ايضا ابالجياب ال ابالختيار و حنتوا من‬
‫عندهم عقال فعاال ونسبوا احلوادث اليه مانعني اايها من خالق السموات واالرض وصرفوا‬
‫االثر عن املؤثر احلقيقي جل شأنه وزعموه اثر منحوهتم فان املعلول عندهم اثر العلة‬
‫القريبة ال يرون للعلة البعيدة أتثريا يف حصول املعلول وزعموا عدم استناد االشياء اليه‬
‫سبحانه من جهلهم كماال له سبحانه وظنوا التعطيل تبجيال اايه واحلال ان احلق سبحانه‬
‫ميدح نفسه خبلق السموات واالرض ويقول يف مدح نفسه رب املشرق ورب املغرب وال‬
‫احتياج هلؤالء السفهاء اىل حضرة احلق سبحانه بزعمهم الفاسد اصال وال التجاء هلم اليه‬
‫تعاىل قطعا ينبغي هلم ان يراجعوا وقت االضطرار واالحتياج اىل العقل الفعال وان يطلبوا‬
‫قض اء حوائجهم منه بل ال يتصور طلب قضاء احلاجة من العقل الفعال ايضا لكونه‬
‫موجبا ومضطرا غري خمتار يف زعمهم ان الكافرين ال موىل هلم وما هو العقل الفعال حت‬
‫يدبر االشياء وتكون احلوادث مستندة اليه ويف نفس وجوده وثبوته الف كالم فان حتققه‬
‫وحصوله مبنت على املقدمات املموهة الفلسفية اليت هي غري اتمة على االصول االسالمية‬
‫واالبله من يصرف استناد االشياء عن القادر املختار جل شأنه وجيعلها مستندة اىل مثل‬
‫هذا االمر املوهوم بل يلحق االشياء الف عار وفضيحة من كوهنا مستندة اىل منحوت‬
‫الفلسفي بل االشياء تكون راضية ومسرورة بعدمها وال متيل اىل الوجود اصال من فضيحة‬
‫استناد وجودها اىل جمعول الفلسفي وخوف احلرمان من سعادة االنتساب اىل قدرة القادر‬
‫املختار جل سلطانه كربت كلمة خترج من افواههم ان يقولون اال كذاب وكفار دار احلرب‬
‫‪- 923 -‬‬

‫مع وجود عبادة االصنام احسن حاال من هذه اجلماعة فاهنم يلتجئون اىل احلق سبحانه‬
‫يف املضايق وال جيعلون اصنامهم غري وسائل الشفاعة عنده تعاىل واعجب من هذا ان‬
‫مجاعة يسمون هؤالء السفهاء حكماء وينسبون اقواهلم اىل احلكمة واكثر احكامهم سيما‬
‫يف االهليات اليت هي املقصد االسن كاذبة وخمالفة للكتاب والسنة فبأي اعتبار يطلق‬
‫احلكماء على هؤالء الذين ال نصيب هلم غري اجلهل املركب اللهم اال اذا قيل على سبيل‬
‫التهكم واالستهزاء او يعد من قبيل اطالق البصر على االعمى (ومجع) من هذه السفهاء‬
‫اختاروا طريق الرايضات واجملاهدات من غري التزام طريق االنبياء عليهم الصالة و السالم‬
‫بل مبجرد تقليد صوفية اهلية كانوا يف كل عصر من متابعي االنبياء عليهم السالم واغرتوا‬
‫بصفاء اوقاهتم واعتمدوا على مناماهتم وخياالهتم وجعلوا كشوفهم اخليالية مقتداهم يف‬
‫سائر حاالهتم ضلوا فاضلوا ومل يعلموا ان ذلك الصفاء هو صفاء النفس الذي يؤدي اىل‬
‫طريق الضاللة ال صفاء القلب الذي هو روزنة اهلداية فان صفاء القلب منوط مبتابعة‬
‫االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات وتزكية النفس مربوطة بصفاء القلب وسياسته اايها‬
‫وحكم تصفية النفس مع وجود ظلمة القلب الذي هو حمل ظهور انوار القدم كحكم‬
‫اسراج سراج لنهب العدو الذي هو يف الكمني وهو ابليس اللعني (وابجلملة) ان طريق‬
‫الرايضة واجملاهدة كطريق النظر واالستدالل امنا يعترب ويعتمد عليه اذا كان مقروان بتصديق‬
‫االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات الذين يبلغون االمانة من قبل احلق جل وعال‬
‫ومؤيدون بتأييده سبحانه ومعاملتهم حمفوظة من كيد اللعني ومكرم بنزول املالئكة‬
‫املعصومني ان عبادي ليس لك عليهم سلطان نقد و قتهم وهذه الدولة مل تتيسر لغريهم‬
‫ومل حيصل هلم التخلص من شرك اللعني اال اذا التزم متابعة هؤالء االكابر و مشى على‬
‫آاثرهم عليهم الصلوات و التسليمات {شعر}‪:‬‬
‫و من احملال املشي يف طرق الصفا * اي سعد من غري اتباع املصطفى‬
‫عليه و على مجيع اخوانه الصلوات و التسليمات العلى سبحان هللا ان افالطون‬
‫الذي هو رئيس الفالسفة ادرك دولة بعثة عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم ومل‬
‫‪- 924 -‬‬

‫يصدقه زعما منه جبهالته انه مستغن عنه ومل ينل نصيبا من بركات النبوة ومن مل جيعل هللا‬
‫له نورا فما له من نور قال هللا تبارك و تعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني اهنم هلم‬
‫املنصورون وان جندان هلم الغالبون والعجب ان طور عقول الفالسفة الناقصة كأنه واقع‬
‫على طرف نقيض طور النبوة يف املبدإ ويف املعاد واحكامهم خمالفة الحكام االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم فاهنم ما صححوا االميان ابهلل وال االميان ابآلخرة وقالوا بقدم العامل‬
‫واحلال ان االمجاع املتني منعقد على حدوث العامل جبميع اجزائه ومل يقولوا ابنشقاق‬
‫السموات وانتثار الكواكب واندكاك اجلبال وانفجار البحار املوعودة يف يوم القيامة‬
‫وينكرون حشر االجساد وخيالفون النصوص القرآنية ومتأخروهم الذين عدوا انفسهم‬
‫داخلني يف زمرة اهل االسالم راسخون يف اصوهلم الفلسفية كما هي وقائلون بقدم‬
‫السموات والكواكب وامثاهلا وحاكمون بعدم فنائها وهالكها قوهتم تكذيب النصوص‬
‫القرآنية ورزقهم انكار ضرورايت الدين واملسائل اليقينية يؤمنون ابهلل وبرسوله وال يقبلون ما‬
‫أمر هللا به و رسوله فهل تتجاوز السفاهة عن ذلك {شعر}‪:‬‬
‫أكثر فلسفة جاء سفها فكذا * مجيعه اذ لكل حكم أكثره‬
‫و هذه اجلماعة صرفوا اعمارهم يف تعليم آلة عاصمة للذهن عن اخلطإ الفكري‬
‫وتعلمه ودققوا فيها تدقيقات كثرية و ملا بلغوا املقصد االقصى يعين مسائل الذات‬
‫والصفات واالفع ال الواجبية جل سلطانه ضيغوا حواسهم واضاعوا اآللة العاصمة وخبطوا‬
‫خبط عشواء وبقوا يف تيه الضاللة كمن يهيئ آالت احلرب سنني مث اذا جاء وقت احلرب‬
‫يضيع حواسه وال يستعمل اآللة والناس يظنون علوم الفالسفة متسقة ومنتظمة ويزعموهنا‬
‫حمفوظة عن الغلط واخلطأ ومصونة و على تقدير التسليم امنا يكون هذا احلكم صادقا يف‬
‫علوم للعقل فيها استقالل واستبداد وهي خارجة عن املبحث وداخلة يف دائرة ما ال يعين‬
‫ال تعلق هلا ابآلخرة اليت هي دائمية والنجاة االخروية ليست مبربوطة هبا فان الكالم امنا‬
‫هو يف علوم العقل عاجز عن ادراكها وقاصر ومربوطة بطور النبوة والنجاة االخروية منوطة‬
‫هبا قال حجة االسالم االمام العزايل يف رسالته املنقذ عن الضالل ان الفالسفة سرقوا علم‬
‫‪- 925 -‬‬

‫الطب وعلم النجوم من كتب االنبياء املتقدمني على نبينا وعليهم الصالة و السالم‬
‫واقتبسوا خواص االدوية وغريها مما ال سبيل للعقل اىل ادراكه من الصحف والكتب املنزلة‬
‫اىل االنبياء عليهم السالم وسرقوا علم هتذيب االخالق عن كتب الصوفية املتأهلني‬
‫املوجودين يف كل عصر ويف امة كل نيب لرتويج أابطيلهم فهذه العلوم الثالثة املعتربة لديهم‬
‫كانت مسروقة وقد ذكرت مشة من خبطهم يف العلم االهلي يف مباحث الذات والصفات‬
‫واالفعال الواجبية ويف االميان ابهلل واالميان ابآلخرة وخمالفتهم النصوص القرآنية فيما سبق‬
‫فبقي علم اهلندسة ومثله مما له نوع اختصاص به فلو كان متسقا ومنتظما فما لزومه والي‬
‫شئ حيتاج اليه وأي عذاب اآلخرة يبعد به ويدفع عالمة اعراض هللا تعاىل عن العبد‬
‫اشتغاله مبا ال يعنيه وكلما هو غري انفع يف اآلخرة فهو مما ال يعن وعلم املنطق الذي هو‬
‫آلة وقالوا انه عاصم عن اخلطأ مل ينفعهم ومل خيرجهم عن الغلط واخلطأ يف املقصد االسن‬
‫كيف ينفع اآلخرين وكيف خيلصهم عن اخلطإ ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا‬
‫من لدنك رمحة انك انت الوهاب وبعض الناس الذين هلم رغبة يف العلوم الفلسفية‬
‫ومفتونون ابلتسويالت الفلسفية يعتقدون هذه اجلماعة حكماء ويزعموهنم عديل االنبياء‬
‫عليهم الصالة و السالم بل يكادون يقدمون علومهم الكاذبة بظن اهنا صادقة على شرائع‬
‫االنبياء عليهم السالم اعاذان هللا سبحانه عن االعتقاد السوء نعم اذ اعتقدوا هؤالء‬
‫حكماء وزعموا علومهم حكمة يقعون يف هذا البالء ابلضرورة فان احلكمة عبارة عن‬
‫العلم ابلشئ مطابقا لنفس االمر فتكون العلوم اليت ختالفها غري مطابقة لنفس االمر‬
‫(وابجلملة) ان تصديق هؤالء وتصديق علومهم مستلزم لتكذيب االنبياء وتكذيب‬
‫علومهم عليهم الصلوات والتحيات وهذان العلمان واقعان يف طريف النقيض فتصديق‬
‫احدمها مستلزم لتكذيب اآلخر من شاء فليلتزم ملة االنبياء يكن من حزب هللا سبحانه‬
‫ومن اهل النجاة ومن شاء فليكن فلسفيا يكن من حزب الشيطان وخائبا وخاسرا قال هللا‬
‫تبارك و تعاىل فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر اان اعتدان للظاملني انرا احاط هبم‬
‫سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا مباء كاملهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا‪ .‬و‬
‫‪- 926 -‬‬

‫السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على مجيع اخوانه من االنبياء‬
‫الكرام واملالئكة العظام أمت الصلوات وأكمل التسليمات و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والعشرون اىل املال حممد مراد الكشمي الذي هو من خدام‬
‫املري حممد نعمان يف بيان مناقب اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ورمحتهم‬
‫ورأفتهم فيما بينهم}‬
‫قال هللا تبارك و تعاىل حممد رسول هللا والذين معه اشداء على الكفار رمحاء بينهم‬
‫اآلية مدح هللا سبحانه يف هذه اآلية أصحاب خري البشر عليه وعليهم الصالة و السالم‬
‫بكمال رمحة بعضهم لبعض اليت كانوا عليها فان الرحيم الذي هو واحد رمحاء متضمن‬
‫للمبالغة يف الرمحة وحيث ان للصفة املشبهة داللة على االستمرار ايضا ينبغي ان يكون‬
‫رمحة بعضهم بعضا على صفة الدوام واالستمرار سواء كان يف حضوره صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم او بعد ارحتاله وكلما هو مناف لرمحة بعضهم بعضا ينبغي ان يكون مسلواب عنهم‬
‫على الدوام و يكون احتمال البغض واحلقد واحلسد وعداوة بعضهم لبعض منتفيا عنهم‬
‫على سبيل االستمرار فاذا كان مجيع الصحابة الكرام متصفني هبذه الصفة املرضية كما هو‬
‫مقتضى كلمة والذين اليت هي من صيغ العموم واالستغراق ماذا نقول من اكابر الصحابة‬
‫فان هذه الصفة تكون فيهم امت واكمل واوف وهلذا قال صلّى هللا عليه و سلّم ارحم اميت‬
‫أبميت ابو بكر وقال صلّى هللا عليه و سلّم يف شأن الفاروق رضي هللا عنه لو كان بعدي‬
‫نيب لكان عمر يعين ان لوازم النبوة وكماالهتا كلها حاصلة يف عمر ولكن ملا ختم منصب‬
‫النبوة خبامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم مل يشرف بدولة منصب النبوة واحد‬
‫لوازم النبوة كمال الرمحة والشفقة على اخللق وايضا ان الرذائل اليت تنايف الشفقة والرمحة‬
‫ومن ذمامئم االخالق من احلسد والبغض واحلقد والعداوة كيف تتصور من قوم تشرفوا‬
‫بشرف صحبة خري البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات فاهنم افضل هذه االمة‬
‫ال يت هي خري االمم واسبق اهل هذه امللة اليت هي انسخة جلميع امللل الن قرهنم كان خري‬
‫‪- 927 -‬‬

‫القرون وصاح بهم كان افضل االنبياء واملرسلني فلو كانوا موصوفني هبذه الصفات الردية‬
‫اليت على احقر هذه االمة املرحومة عار منها كيف يكونون افضل هذه االمة وأبي وجه‬
‫تكون هذه االمة خري االمم واي مزية واي فضيلة تكون السبقية االميان و اولوية انفاق‬
‫االموال وبذل االنفس واي أتثري يكون خلريية القرن واي اثر يرتتب على فضيلة صحبة‬
‫خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم والذين يكونون يف صحبة اولياء هذه االمة‬
‫ينجون من هذه الرذائل فكيف تتوهم هذه الذمائم يف حق مجاعة صرفوا اعمارهم يف‬
‫صحبة افضل الرسل عليه وعليهم الصلوات و التسليمات وبذلوا امواهلم وانفسهم لتأييد‬
‫دينه ونصرة ملته واعالء كلمته اال اذا سقط عياذا ابهلل سبحانه عظمة خري البشر عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم وجاللته عن النظر وتوهم ان صحبته صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫انقص من صحبة ويل االمة نعوذ ابهلل سبحانه منه ومن املقرر انه ال يبلغ ويل من اولياء‬
‫االمة مرتبة صحايب من صحابة تلك االمة فكيف مبرتبة نبيها قال الشيخ الشبلي عليه‬
‫الرمحة ما آمن برسول هللا من مل يوقر اصحابه (ومجاعة من الناس) يظنون ان اصحاب‬
‫النيب عليه وعليهم الصالة و السالم كانوا فرقتني فرقة كانت هلم خمالفة مع علي رضي هللا‬
‫عنه وعنهم وفرقة كانت هلم موافقة به كرم هللا وجهه وكان يف كل واحدة من هاتني‬
‫الفرقتني عداوة وبغض وحقد يف حق األخرى وبعض منهم بطن صفاته هذه تقية‬
‫ومالحظة لبعض املصاحل وزعموا ان تلك الرذائل امتدت فيهم اىل قرن واحد وما كانوا‬
‫كانت فيهم هذه الذمامي وهبذه التوهم يذكرون خمالفي علي كرم هللا وجهه ابلشر وينسبون‬
‫اليهم اشياء غري مناسبة ينبغي ان ينصف فانه على هذا التقدير يكون كال الفريقني موردا‬
‫للطعن ومتصفني برذائل الصفات ويصري افضل هذه االمة شر هذه االمة بل شر مجيع‬
‫االمم وتتبدل خريية تلك الفرقة ابلشرية اي انصاف يف ذكر الشيخني رضي هللا عنهما‬
‫بسوء هبذا التوهم ونسبة امور غري مناسبة اىل كرباء الدين وحضرة الصديق رضي هللا عنه‬
‫اتقي هذه االمة حبكم نص القرآن فان املفسرين ابن عباس وغريه امجعوا على ان قوله‬
‫تعاىل وسيجنبها االتقى اآلية نزل يف شأن الصديق رضي هللا عنه واملراد من االتقي هو‬
‫‪- 928 -‬‬

‫الصديق رض ي هللا عنه فاذا قال هللا تعاىل يف حق شخص انه اتقى هذه االمة اليت هي‬
‫خري االمم ينبغي ان يتأمل ان تكفريه وتفسيقة وتضليله اىل اي حد من الشناعة يوصل‬
‫(واستدل) االمام الفخر الرازي هبذه اآلية الكرمية على افضلية الصديق رضي هللا عنه فان‬
‫اكرم هذه االمة املخاطبة بقوله تعاىل ان اكرمكم عند هللا اتقاكم حبكم هذه اآلية هو اتقى‬
‫هذه االمة وحيث كان الصديق اتقى هذه االمة بنص القرآن ينبغي ان يكون اكرم هذه‬
‫االمة عند احلق جل و عال حبكم النص الالحق هو الصديق رضي هللا تعاىل عنه ايضا‬
‫واثبت اكابر ائمة السلف واحد منهم االمام الشافعي رضي هللا تعاىل عنهم امجاع‬
‫الصحابة والتابعني على افضلية الشيخني رضي هللا عنهما وحكم علي كرم هللا وجهه ايضا‬
‫ابفضلية الشيخني قال الذهيب الذي هو من اكابر احملدثني روى ذلك عن علي نيف‬
‫ومثانون نفرا وعبد الرزاق الذي هو من اكابر الشيعة حكم أبفضلية الشيخني مبوجب هذا‬
‫النقل وقال هبذه العبارة افضل الشيخني لتفضيل على اايمها على نفسه واال ملا فضلتهما‬
‫كفى يب وزرا ان احبه مث اخالفه فتنقيص من كانوا افضل هذه االمة اليت هي خري االمم‬
‫حبكم الكتاب والسنة وامجاع االمة وابعرتاف علي ايضا وحتقريهم من اي انصاف ومن‬
‫اي داينة واي خري مودع يف ضمنه فلو كان يف سب احد معن اخلريية والعبادة لكان يف‬
‫سب ايب جهل وايب هلب الذين مها ملعوانن ومطرودان حبكم نص القرآن وحلصل يف‬
‫ضمنه حسنات كثرية اي خريية يف السب الذي هو متضمن للفحش والقطيعة خصوصا‬
‫يف حق شخص ال يستحقه وال يكون اهالله ووضع الشئ يف غري موضعه ظلم وفرق بني‬
‫شئ وشئ وتفاوت بني موضع وموضع فيكون بني ظلم وظلم بوان بعيدا (وخالفة) ذي‬
‫النورين رضي هللا تعاىل عنه اثبتة ابمجاع الصحابة الكرام وابتفاق صغار ذلك القرن الذي‬
‫هو خري القرون وكبارهم وذكورهم واانثهم وهلذا قال العلماء ان االتفاق واالمجاع الذي‬
‫وقع يف خ الفة ذي النورين مل يتفق يف خالفة احد من سائر اخللفاء الثالثة فانه ملا كان يف‬
‫بدء خالفته نوع تردد راعى اهل ذلك القرن يف تلك املادة احتىاطا كثريا مث اقدموا عليها‬
‫(ينبغي) ان يعلم ان االصحاب الكرام رضي هللا تعاىل عنهم مبلغوا الكتاب والسنة وكان‬
‫‪- 929 -‬‬

‫االمجاع ايضا منوطا بقرهنم فلو كان مجيعهم او بعضهم متصفني ابلضاللة والفسق يرتفع‬
‫االعتماد عن كل الدين او بعضه وتكون فائدة بعثة خامت االنبياء وأفضل الرسل قليلة‬
‫وجامع القرآن اجمليد هو حضرة عثمان بل حضرة الصديق وحضرة الفاروق رضي هللا تعاىل‬
‫عنهم فلو كان هؤالء مطعوان فيهم ومسلويب العدالة اي اعتماد يبقى على القرآن وابي‬
‫شئ يكون الدين قائما ينبغي ان يتأمل يف شناعة هذا االمر اصحاب النيب صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم كلهم عدول وكلما بلغنا بتبليغهم حق وصدق واملخالفات واملنازعات والواقعة يف‬
‫زمن خالفة علي رضي هللا تعاىل عنه مل تكن من جهة اهلوى واهلوس وال الجل حب اجلاه‬
‫والرايسة بل كانت على وجه االجتهاد واالستنباط وان كان يف اجتهاد واحد منهم خطأ‬
‫و استنباطه بعيدا عن الصواب ومن املقرر عند علماء اهل السنة واجلماعة رضي هللا تعاىل‬
‫عنهم ان احملق يف تلك احملارابت واملشاجرات كان عليا كرم هللا وجهه وخمالفوهم كانوا‬
‫على خطإ ولكن ملا كان منشأ هذا اخلطإ االجتهاد كان صاحبه بعيدا عن الطعن واملالمة‬
‫عليه واملقصود حقية جانب علي وخطاء جانب خمالفيه واهل السنة قائلون بذلك واللعن‬
‫والطعن زايدة بال فائدة بل متضمنة الحتمال الضرر فاهنم اصحاب النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم ورضي عنهم وبعضهم مبشر ابجلنة وبدري مغفور له والعذاب االخروي مرفوع عنه‬
‫كما ورد يف االحاديث الصحاح ان هللا اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فاين قد‬
‫غفرت لكم وبعضهم تشرف ببيعة الرضوان وقد قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ال يدخل‬
‫النار أحد ممن ابيع حتت الشجرة بل قال العلماء يفهم من القرآن اجمليد ان مجيع الصحابة‬
‫من أهل اجلنة لقوله تعاىل ال يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك اعظم‬
‫درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكال وعد هللا احلسن وهللا مبا تعملون خبري‬
‫واحلسن هي اجلنة فكل صحايب انفق وقاتل قبل الفتح وبعده موعود له ابجلنة قالوا ان‬
‫صفة االنفاق والقتال ليست للتقييد بل للمدح فان مجيع الصحابة كانوا متصفني هباتني‬
‫الصفتني فكلهم يكونون موعودا هلم ابجلنة فينبغي املالحظة ان ذكر امثال هؤالء االكابر‬
‫بشر وسوء الظن هبم فكيف يكون من االنصاف والداينة (فان قيل) قال مجاعة ان بعض‬
‫‪- 930 -‬‬

‫االصحاب الكرام مل يبق بعد ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم على ذلك الطريق بل احنرف‬
‫من طريق احلق بواسطة حب اخلالفة وطلب اجلاه والرايسة وغصب عن علي كرم هللا‬
‫وجهه منصب اخلالفة بل يظنون ان احنرافه بلغ حد الكفر والضاللة فيكون هؤالء‬
‫املذكورون بزعم هذه اجلماعة حمرومني عما وعد به االصحاب الكرام فان نيل فضيلة‬
‫الصحبة فرع حتقق االسالم فاذا كان يف اسالمهم كالم كيف يكون للصحبة أتثري‬
‫(اجيب) ان اخللفاء الثالثة رضي هللا عنهم مبشرون ابجلنة ثبت ذلك ابحاديث صحيحة‬
‫بلغت حدا التواتر املعنوي فاحتمال الكفر والضاللة مدفوع عنهم والشيخان من اهل بدر‬
‫وهم مغفور هلم مطلقا على ما يف االحاديث الصحاح وايضا اهنم من اهل بيعة الرضوان‬
‫وهم من اهل اجلنة ابحاديث صحيحة كما مر وعثمان مل حيضر بدرا الن النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم تركه يف املدينة لتمريض اهله بنت النيب صلّى هللا عليه و سلّم قائال ابن لك‬
‫من االجر ما الهل بدر ومل حيضر بيعة الرضوان الن النيب صلّى هللا عليه و سلّم كان‬
‫ارسله اىل مكة عند قريش وابيع عنه النيب صلّى هللا عليه و سلّم بنفسه كما هو مشهور‬
‫وايضا ان القرآن اجمليد يشهد جباللة شأن هؤالء االكابر وخيرب عن علو درجاهتم فمن‬
‫أغمض عن الكتاب والسنة فهو خارج عن املبحث قال الشيخ السعدي رمحه هللا‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫من مل يقف عند الكتاب وسنة * فجوابه ان ال جتيب وتسكتا‬
‫اي بالء وقع لو كان يف الصديق احتمال الكفر والضاللة ملا اجلسه الصحابة مع‬
‫عدالتهم وكثرهتم مكان النيب صلّى هللا عليه و سلّم ويف تكذيب خالفة الصديق تكذيب‬
‫ثالث وثالثني ألفا من اهل ذلك القرن الذي هو خري القرون وال جيوز ذلك من له ادىن‬
‫دراية اي خري يبقى يف قرن جيتمع من اهله ثالث وثالثون الفا على الباطل وجيلسون‬
‫مكان النيب صلّى هللا عليه و سلّم ضاال ومضال رزق هللا سبحانه هلؤالء اجلماعة االنصاف‬
‫حت يكفوا لساهنم عن الطعن يف اكابر الدين ويراعوا حق صحبة النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم قال عليه و على آله الصالة و السالم هللا هللا يف اصحايب ال تتخذوهم غرضا من‬
‫‪- 931 -‬‬

‫بعدي من احبهم فبحيب أحبهم ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم ماذا اكتب زايدة على‬
‫ذلك وكيف اجلي اجلى البديهات والقرآن اجمليد مملوء مبدح الصديق نزلت فيه سورة الليل‬
‫وآايت اخر وروي يف كماالته وفضائله من االحاديث الصحاح ما ال يعد وال حيصى وورد‬
‫يف كتب االنبياء املتقدمني ذكر مشائله وأوصافه بل ذكر مجيع الصحابة كما قال هللا تعاىل‬
‫مثلهم يف التوراة ومثلهم يف االجنيل ورأس هذه االمة املرحومة اليت خري االمم ورئيسهم هو‬
‫الصديق فاذا رموه ابلكفر والضاللة مبا يعتذرون يف حق غريه وأبي طريق يتكلمون اللهم‬
‫فاطر السموات واالرض عامل الغيب والشهادة انت حتكم بني عبادك فيما كانوا فيه‬
‫خيتلفون و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله امت‬
‫الصلوات وأكمل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والعشرون اىل املال طاهر البدخشي يف بيان النتائج وترقي‬
‫املراتب اليت حتصل من الذكر وتالوة القرآن واداء الصلوة}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ال بد ملبتدئ طلبة هذا الطريق من‬
‫الذكر فان ترقيه مربوط بت كرار الذكر بشرط ان أيخذه من الشيخ الكامل املكمل فان مل‬
‫يكن هبذا الشرط فكثريا ما يكون من قبيل اوراد االبرار اليت نتيجتها الثواب ال درجة‬
‫القرب اليت تتعلق ابملقربني وامنا قلت كثريا ما يكون من قبيل اوراد االبرار فانه جيوز ان‬
‫يرىب فضل احلق جل سلطانه الطالب بال توسط شيخ وجيعله تكرار الذكر من املقربني بل‬
‫جيوز ان يشرف مبراتب القرب من غري تكرار ذكر ايضا و يكون من اوليائه تعاىل والشرط‬
‫املذكور امنا هو ابعتبار االكثر االغلب و على وفق احلكمة والعادة فاذا متت املعاملة اليت‬
‫كانت مربوطة ابلذكر بفضل هللا سبحانه وتيسر اخلالص من التعلق آبهلة اهلوى وصارت‬
‫األمارة مطمئنة فحينئذ ال حيصل الرتقي من الذكر و يكون حكم الذكر حكم اوراد االبرار‬
‫وقطع مراتب القرب يف ذلك املوطن مربوط بتالوة القرآن واداء الصالة بطول القنوت وما‬
‫كان يتيسر اوال ابلذكر يتيسر بتالوة القرآن خصوصا اذا كانت يف الصالة وابجلملة ان‬
‫‪- 932 -‬‬

‫الذكر حينئذ يكون حكمه حكم تالوة القرآن يف االبتداء يف كونه من قبيل اوراد االبرار و‬
‫يكون حكم التالوة حكم الذكر يف االبتداء والوسط حيث كان من املقرابت والعجب ان‬
‫الذكر اذا كرر يف ذلك الوقت بعنوان تالوة القرآن لكونه من كلمات اآلايت القرآنية‬
‫وشرع ف يه ابالستعاذة يرتتب عليه من الفائدة ما يرتتب على تالوة القرآن وان مل يكرر‬
‫بعنوان القرائة يكون مثل عمل االبرار ولكل عمل مقام وموسم فان ادي يف مومسه يكون‬
‫له حسن ومالحة واال فكثريا ما يكون خطأ وان كان حسنة يف ذاته اال ترى ان قراءة‬
‫الفاحتة يف التشهد خطأ وان كانت ام الكتاب فكان الشيخ يف هذا الطريق من‬
‫الضرورايت وتعليمه من اهم املهمات وبدونه خرط القتاد قال واحد من االعزة {شعر}‪:‬‬
‫من أجل كونك يف البداية احوال * البد من شيخ يقودك اوال‬
‫و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والعشرون اىل السيد حممد نعمان يف بيان ان احلق سبحانه‬
‫كما هو موجود بذاته ال ابلوجود حي وعامل وموصوف ابلصفات الثمانية بذاته ال‬
‫بصفات زائدة وما يناسب ذلك}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان احلق سبحانه كاف بذاته‬
‫األ قدس يف نفس الوجود ويف سائر كماالت الوجود وتوابعه من احلياة والعلم والقدرة‬
‫والسمع والبصر واالرادة والكالم والتكوين ليس مبحتاج يف حصول هذه الكماالت اىل‬
‫صفات زائدة وان كانت له سبحانه صفات كاملة زائدة ايضا فهو تعاىل كما انه موجود‬
‫بذاته االقدس ال ابلوجود حي بذاته ال ابحلياة اليت هي صفته تعاىل عامل بذاته ال بصفة‬
‫العلم بصري بذاته ال بصفة البصر مسيع بذاته ال بصفة السمع وقادر بذاته ال بصفة القدرة‬
‫مريد بذاته ال بصفة االرادة ومتكلم بذاته ال بصفة الكالم ومبدأ اجياد الكائنات بذاته ال‬
‫بصفة التكوين وان كان وجود العامل بتوسط التكوين وسائر الصفات كما سيجئ حتقيق‬
‫هذا املعن وهذا التكوين وراء القدرة فان يف القدرة صحة الفعل والرتك ويف التكوين‬
‫‪- 933 -‬‬

‫جانب الفعل متعني وايضا للقدرة تقدم على االرادة والتكوين بعد االرادة وهذا التكوين‬
‫شبيه ابستطاعة العبد اليت قال علماء اهل احلق اهنا مقرونة ابلفعل ووراء القدرة واالرادة‬
‫القدرة مصححة لكال طريف الفعل والرتك واالرادة مرجحة الحد الطرفني واالجياد يتعلق‬
‫ابلتكوين بعد ترجيح االرادة فلو مل تثبت القدرة اليت هي مصححة الطرفني يلزم االجياد‬
‫ولو مل يثبت التكوين يلزم االجياد من غري مستند فان القدرة مصححة االجياد والتكوين‬
‫مباشر االجياد فال بد اذا من اثبات التكوين وقد اهتدى اليه علماء املاتريدية وملا وجد‬
‫االشاعرة اضافته وتعلقه اىل االشياء اكثر ظنوه من الصفات االضافية وهللا حيق احلق وهو‬
‫يهدي السبيل وارجاع التخليق والرتزيق واالحياء واالماتة وامثاهلا اىل صفة التكوين أحسن‬
‫من القول بكون كل منها صفة قدمية برأسها لئال يلزم اثبات قدماء متكثرة من غري ضرورة‬
‫فالح من هذا البيان ان ما يتيسر لغريه تعاىل ابجياده سبحانه بواسطة الصفات حاصل له‬
‫تعاىل بذاته من غري توسط الصفات فان ذاته تعاىل جامعة جلميع الكماالت من غري‬
‫مالحظة امر واعتبار بل هي عني كل كمال فان التبعض والتجزي مفقود يف حضرته فهو‬
‫سبحانه عامل بتمام ذاته ومسيع ابلتمام وبصري ابلتمام على هذا القياس سائر الصفات ومع‬
‫ذلك له سبحانه و تعاىل صفات سبعة بل مثانية كما قال هبا علماء اهل احلق شكر هللا‬
‫تعاىل سعيهم وهذه الصفات الكاملة القدمية ظالل تلك الكماالت الذاتية ومظاهرها‬
‫وميكن ان يقال اهنا نقاب تلك الكماالت وحجب انوارها املكنونة (فان قيل) اذا كان‬
‫ذاته تعاىل كافية يف حصول مجيع الكماالت فألي شئ تثبت الصفات ومل يقال بوجود‬
‫تعدد القدماء وهلذا اكتفى الفالسفة واملعتزلة ابلذات وهربوا من القول بتعدد القدماء‬
‫وقالوا بنفي الصفات (اجيب) أن حضرة الذات تعالت وتقدست وان كانت كافية يف‬
‫حصول الكماالت ولكن ال بد يف تكوين االشياء وختليقها من الصفات الزائدة فان ذاته‬
‫تعاىل يف هناية التنزه والتقدس ويف غاية العظمة وجالل الكربايء وكمال الغناء ال مناسبة هلا‬
‫ابالشياء ان هللا لغين عن العاملني و مبقتضى احلكمة ووفق العادة ال بد يف االفادة‬
‫واالفاضة من املناسبة للمستفيد واملستفيض والصفات قد تنزلت درجة واحدة وحصلت‬
‫‪- 934 -‬‬

‫ظلية ومناسبة ابالشياء ولو يف اجلملة فلو مل يكن توسط الصفات ملا يتصور حصول شئ‬
‫من االشياء فانه ال نصيب لالشياء يف سطوة اشعة انوار حضرة الذات تعالت وتقدست‬
‫غري اهلالك والفناء واالمنحاء واالنعدام وال فكر فيمن ينسب اجياد االشياء اىل الذات‬
‫البحت من غري اثبات الصفات وما هو الصادر االول حت ال يكون مضمحال ومتالشيا‬
‫يف سبحات وجه ذاته تعاىل (فان قيل) ان الفالسفة واملعتزلة وان مل يثبتوا الصفات يف‬
‫اخلارج ولكنهم قائلون ابعتبارات علمية ومثبتون لكماالت ذاتية متمايزة يف العلم فلم يكن‬
‫اجياد االشياء منسواب اىل الذات البحت بل بتوسط االعتبارات (اجيب) ان اجياد العامل يف‬
‫اخلارج والعامل موجود يف اخلارج فال بد من احلجب اخلارجية حت ميكن ان تكون وسيلة‬
‫لوجود االشياء يف اخلارج وحافظة اايها عن االمنحاء واالستهالك واالعتبارات العلمية ال‬
‫جتدي شيئا يف الوجودات اخلارجية وال يكفي احلجاب العلمي يف حمافظة املوجودات‬
‫اخلارجية وبعض الصوفية الذين ال يقولون بوجود العامل يف غري العلم لعل االعتبارات‬
‫العلمية تنفعهم وميكن ان تكون وسيلة لوجودات علمية ولكن العامل موجود يف اخلارج وان‬
‫كان هذا اخلارج ظل ذلك اخلارج وهذا الوجود ظل ذاك الوجود فال بد من احلجب‬
‫اخلارجية حت ميكن ان تكون وسيلة لوجود العامل يف اخلارج فينبغي ان تكون الصفات‬
‫احلقيقية موجودة يف اخلارج ومربية لالشياء وجملية للكماالت الذاتية بوساطة نفسها يف‬
‫مرااي العامل وموردة اايها يف منصة الظهور والصفات وان كانت حجبا للذات تعالت‬
‫ولكن ظهور الكماالت الذاتية مربوط بوجودها وحجابية الصفات كحجابية املنظرة اليت‬
‫هي سبب لالراءة وهذا الظهور وان كان ظليا ولكن ماذا نصنع قد جعل وجودان مربوطا‬
‫ابلظل وحتققنا منوطا ابحلجاب ما ابلذات ال ينفك عن الذات {ع}‪:‬‬
‫سياهى از حبشي كى رود كه خود رنگ ست‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫و من بعد هذا ما يدق صفاته * و ما كتمه احظى لدي و امجل‬
‫العبد ال يكون حقا سبحانه ولكن بفضله تعاىل ال ينفك عن احلق جل شأنه املرء‬
‫‪- 935 -‬‬

‫مع من أحب وان كانت له سبحانه نسبة املعية جبميع االشياء ولكن هذه املعية اليت‬
‫منش ؤها احملبة غري تلك املعية ومن ال حمبة له ال معرفة له بتلك املعية وحيث ان الدرجات‬
‫متفاوتة يف احملبة فالتفاوت ايضا حاصل يف املعية بقدر تفاوت احملبة وهذه املعية هي‬
‫السبب للتخلص عن الظلية والواسطة لالضمحالل ابلكلية وهي املزيلة للرقية واملثبتة‬
‫للحرية يف عني العبدية وهي املسقطة لالاننية بل الرافعة لالاننية اىل الدرجات الكمالية‬
‫(ينبغي) ان يعلم انه سبحانه قال يف املعية العامة ابالشياء وهو معكم فاثبت املعية يف‬
‫طرفه سبحانه ويف املعية اخلاصة حبكم املرء مع من احب اثبت املعية يف هذا الطرف‬
‫مبقتضى احملبة شتان ما بني املعيتني فان يف املعية اخلاصة اثبات املعية من الطرفني ويف‬
‫املعية العامة من ذاك الطرف فقط فيلزمها احلرمان يف عني الوجدان اي حسرات على ما‬
‫فرطت يف جنب هللا والعامل وان كان ظالل الصفات وعرض له الوجود والبقاء بتوسط‬
‫الصفات ولكن حمب حضرة الذات تعالت وتقدست بتوسط احملبة الذاتية مع حضرة‬
‫الذات تعالت قد ترقى من الصفات اليت هي اصوله بعروج الكيفي واتصل ابصل االصول‬
‫متجاوزا االصول ولكن اتصاله الكيفي فلو مل يرتق عن اصله فما تكون الفائدة يف جميئه‬
‫يعين وجوده وما احلاجة اىل احملبة فانه كان له اتصال أبصله يف مجيع االوقات وكان‬
‫ا لوصل الظلي ميسرا له دائما واالمر هو جعل االصل مرقاة كالظل والرتقي ابجنحة احملبة‬
‫اىل ما فوقه وفهم هذا العروج ليس مما حيصل يف حوصلة فهم كل احد والرتقي عن نفسه‬
‫اتركا لنفسه ليس مما يكون معقوال الرابب النظر والفكر بل الصوفية ايضا يشرف منهم‬
‫هبذه الدولة واحد من الوف وينكشف له سر هذا املعمى {شعر}‪:‬‬
‫هزار نكتهء ابريكرت ز مو اينجاست * نه هركه سر برتاشد قلندرى داند‬
‫(فان قيل) ان هذا السري هل هو آفاقي او انفسي (اجيب) انه ليس آبفاقي وال‬
‫انفسي فان املراد من اآلفاق واالنفس الداخل واخلارج وهذه املعاملة وراء الدخول واخلروج‬
‫وان كانت حماال عند ارابب النظر فانه اذا كان املطلوب اقدس من الدخول واخلروج تكون‬
‫النسبة معه ايضا منزهة عن الدخول واخلروج ابلضرورة وهذا السري مع هذا االشكال ومع‬
‫‪- 936 -‬‬

‫هذه الدقة معلوم ومتميز عند اراببه ان كان من ارابب العلم كسري الدهلى وآكره وكل‬
‫منزل ممتاز عن منزل آخر {تنبيه} ان العامل وان كان ظالل الصفات والصفات ظالل‬
‫حضرة الذات ولكن للظلية درجات ومراتب كل منها حجاب للمطلوب ان هلل سبعني‬
‫الف حجاب من نور وظلمة وما مل خترتق احلجب ابلتمام ال يتخلص من الظلية واملراد‬
‫من خرق احلجاب هنا خرق شهودي وما ورد يف آخر هذا اخلرب من منع خرق مجيع‬
‫احلجب فاملراد منه خرق وجودي وهو ممتنع النه مستلزم لرفع الصفات القدمية وهو حمال‬
‫ولكن اذا حصلت املعية الغري املتكيفة فلها حكم اخلرق الوجودي ومع احلجب كانه ال‬
‫حجب فان للمعية دقة حبيث ال تطيق احلائل ربنا أتتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل‬
‫شئ قدير احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وعليهم و على آله‬
‫الطاهرين امجعني‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والعشرون اىل املال علي الكشمي يف بيان ان الالئق ابلعبد‬
‫ان خيرج عن مراداته ابلتمام وان يكون على مراده سبحانه و تعاىل مع بيان املرض‬
‫الذايت والعرضي}‬
‫ينبغ ي للعبد ان ال يكون له مراد ومطلوب غري مواله عز وجل وغري مراده اصال‬
‫فلو مل يكن كذلك فهو خمرج رأسه عن ربقة العبودية وقدمه عن قيد الرقية والعبد اذا كان‬
‫يف أسر مرادات نفسه ومنخدعا هبواه وهوسه فهو عبد نفسه ويف اطاعة الشيطان اللعني‬
‫وتلك الدولة املذكورة مربوط حصوهلا حبصول الوالية اخلاصة املربوط حصوهلا ابلفناء االمت‬
‫والبقاء االكمل (فان قيل) رمبا تظهر املرادات واملقتضيات من الكمل ايضا وحيس متنيات‬
‫حصول مطالب شيت من الكرباء االول وكان امام االنبياء وسلطان االولياء عليه وعليهم‬
‫امت الصلوات واكمل التسليمات حيب املاء البارد واحللوى وحرصه على هداية االمة مبني‬
‫يف القرآن اجمليد فما يكون وجه بقاء امثال هذه املقتضيات يف هؤالء االكابر (اجيب) ان‬
‫بعض املقتضيات منشاؤها الطبيعة فما دامت نشأة الطبيعة قائمة فتلك املقتضيات ابقية‬
‫‪- 937 -‬‬

‫فان الطبيعة مائلة اىل الربودة وقت احلرارة من غري اختيار وراغبة اىل احلرارة وقت الربودة‬
‫ابالضطرار ومثل هذا االقتضاء ال ينايف العبودية وال هو سبب التعلق ابهلوى واهلوس فان‬
‫ضرورايت الطبيعة خارجة من دائرة التكليف وليست هي من هوى النفس االمارة فان‬
‫ميالن النفس اما اىل فضول املباح او اىل املشتبه واحملرم وما هو ضروري ال مدخل فيه‬
‫للنفس فظهر ان منشأ التعلق والتعوق هو االشتغال بفضوليات االفعال وان كانت من‬
‫قسم املباح فان لفضول املباح نسبة قرب اجلوارابحملرم فلو رفع قدمه منه ابغواء العدو‬
‫اللعني ليضع يف احملرم بال اختيار فكان االقتصار على املباح ضروراي فانه لو رفع القدم منه‬
‫يوضع يف فضول املباح خبالف ما اذا اقام يف فضول املباح او ال فانه لو وقع القدم خارجه‬
‫ليقع يف احملرم كما مر آنفا (وظهور) بعض املرادات رمبا يكون بسبب من خارج مع‬
‫خلوص الشخص يف نفسه عن املرادات وهذا السبب اخلارج اما واعظ الرمحن فيلقي‬
‫اخلريات فان هلل سبحانه واعظا يف قلب كل مؤمن او الشيطان فيلقي الشرور والعداوة‬
‫يعدهم ومينيهم وما يعدهم الشيطان اال غرورا وهذا الفقري كان يوما بعد صالة الصبح‬
‫قاعدا بطريق السكوت كما هو شيمة اهل هذه الطريقة العلية اايم اقاميت يف القلعة فهجم‬
‫على اخلاطر متنيات ال طائل فيها وسلبت احلالوة هبجومها ومنعت من اجلمعية مث رجعت‬
‫اجلمعية بعد حملة بعناية هللا سبحانه اىل حاهلا فرأيت ان تلك التمنيات خرجت من اخلاطر‬
‫وارتفعت كقطع السحاب وخرجت من الباب مع ملقيها وخلت البيت عنها فعلم يف ذاك‬
‫الوقت ان تلك املرادات امنا ظهرت من خارج ال من داخل حت تنايف العبودية (وابجلملة)‬
‫ان كل فساد منشاؤه النفس االمارة فهو مرض ذايت وسم قاتل ومناف ملقام العبودية وكل‬
‫فساد حصل من خارج ولو كان ابلقاء الشيطان فهو من االمراض العارضية الزائلة أبدىن‬
‫العالج قال هللا تبارك و تعاىل ان كيد الشيطان كان ضعيفا وبالؤان امنا هو انفسنا وعدو‬
‫ارواحنا مصاحبنا السوء والعدو اخلارجي يستوىل علينا مبدده اايه ويزيلنا عن منزلتنا ابعانته‬
‫اليه واشد االشياء جهالة هو النفس االمارة فاهنا عدو نفسه ومريدة ابلسوء اايها ومهتها‬
‫اهالك نفسها ومتمناها معصية رهبا الذي هو موالها وويل نعمها واطاعة الشيطان الذي‬
‫‪- 938 -‬‬

‫هو عدوها (ينبغي) ان يعلم ان التمييز بني املرض الذايت والعرضي ومعرفة الفساد الداخلي‬
‫واخلارجي يف غاية التعذر ورمبا يظن الناقص نفسه كامال بزعم ان مرضه عارضي ال ذايت‬
‫فيبقى يف اخلسارة االبدية ومن هذا اخلوف مل اجرتئ يف حترير هذا السر ومل استحسن‬
‫اظهار هذا املعن وكنت يف هذا االشتباه مدة سبعة عشر سنة ووجدت الفساد الذايت‬
‫خمتلطا ابلفساد العارضي ويف هذا الوقت ميز احلق سبحانه احلق من الباطل واابن الفساد‬
‫الذايت من الفساد العارضي هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك و على مجيع نعمائه و احد‬
‫اسباب اظهار امثال هذه االسرار وحكمة من حكمه االشفاق على قاصر النظر لئال‬
‫يظن الكامل انقصا بوجود امثال هذه التمنيات واملرادات اخلارجية فيه فيحرم من بركاته‬
‫وكان سبب حرمان الكفار من دولة تصديق االنبياء عليهم الصالة و السالم وجود امثال‬
‫هذه الصفات فيهم فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وما قيل ان احلق سبحانه جيعل العارف‬
‫بعد زوال املرادات واملقتضيات عنه صاحب ارادة واختيار فتفصيله يذكر وحيرر بعناية هللا‬
‫تعاىل يف حمل آخر وهذا الوقت ال يساعد ذلك و السالم على من اتبع اهلدى والتزم‬
‫متابعة املصطفى عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات}‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والعشرون اىل املال صاحل الرتك يف بيان كيفية التصدق عن‬
‫ارواح املوتى}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وقع يوما يف اخلاطر ان اتصدق عن‬
‫ارواح بعض االقارب املوتى فظهر يف ذلك االثناء انه قد حصل الفرح والسرور لذلك‬
‫امليت املرحوم مبجرد هذه النية وظهر يف النظر فرحا ومسرورا و ملا جاء وقت اعطاء تلك‬
‫الصدقة قصدت هبا اوال روحانية خامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم كما كان‬
‫ذلك عاديت مث روحانية ذلك امليت فاحسست يف ذلك امليت يف ذاك الوقت غما وحزان‬
‫وظهر ابلوحشة والكدورة فحصل يل تعجب اتم من مشاهدة هذا احلال النه مل يظهر‬
‫وجه تكدره ووح شته مع انه كان حمسوسا انه قد حصل له من تلك الصدقة بركات‬
‫‪- 939 -‬‬

‫عظيمة ومل يظهر فيه اثر فرح وسرور وكذلك نذرت يوما مبلغا لروحانيته صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم وادخلت يف ذلك النذر سائر االنبياء الكرام على نبينا وعليهم الصالة و السالم فلم‬
‫يعلم مرضاه صلّى هللا عليه و سلّم يف ذلك االمر وكذلك اذا اشركت سائر االنبياء نبينا‬
‫عليهم الصالة و السالم يف الصلوات يف بعض االوقات ال يظهر رضاه صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم مع انه قد علم انه اذا تصدقت عن روحانية واحد واشركت فيها مجيع املؤمنني يصل‬
‫ثواهبا اىل الكل من غري ان ينقص شئ من ثواب الشخص املنوي عنه ان ربك واسع‬
‫املغفرة فما يكون وجه التكدر وعدم الرضاء يف ذلك التقدير وبقي هذا االشكال مدة‬
‫فظهر آخر االمر بفضل هللا سبحانه ان وجه التكدر واحلزن هو ان الصدقة اذا تصدق هبا‬
‫عن امليت بال شركة حيمل ذلك امليت تلك الصدقة من جانبه اىل مالزمة النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم بطريق اهلدية وأيخذ عنه صلّى هللا عليه و سلّم ف يوضا وبركات بوساطتها‬
‫خبالف ما اذا قصد صاحب الصدقة بصدقته النيب صلى هللا عليه و سلم فانه ال نفع‬
‫حينئذ للميت سوى الثواب ففي صورة الشركة ان قبلت الصدقة فللميت ثواب تلك‬
‫الصدقة ويف عدم الشركة ان قبلت ثواب الصدقة وبركات احتاف تلك الصدقة وفيوض‬
‫اهدائها له صلّى هللا عليه و سلّم وهذا املعن كائن يف كل صدقة يشرك فيها امليت ابلغري‬
‫فان يف صورة الشركة درجة واحدة من الثواب ويف صورة عدم الشركة درجتان درجة‬
‫الصدقة ودرجة محلها من عنده اىل ذلك الغري وكذلك صار معلوما ان غريبا اذا محل حتفة‬
‫وهدية اىل واحد من االكابر االفضل ان حيملها اليه من غري شركة احد به ولو كان طفيليا‬
‫واملهدى اليه يعطيها من عنده من شاء من اخوانه وغريهم واآلل واالصحاب الذين هم‬
‫مبثابة عياله عليه وعليهم الصلوات و التسليمات فلو جعلهم داخال يف هديته صلّى هللا‬
‫هدايت اىل‬
‫عليه و سلّم يكون ذلك مرضيا و مقبوال نعم من املعروف ان من اهدى ّ‬
‫واحد من االعزة واشرك به فيها اقرانه يكون ذلك بعيدا من االدب والتماس رضا املهدى‬
‫اليه خبالف ما اذا اهدي اىل خدمته بتبعيته فان ذلك يكون مرضيا الن اعزاز خدمة‬
‫شخص اعزاز ذلك الشخص فعلم ان اكثر رضاء املوتى يف افراد الصدقة ال يف االشراك‬
‫‪- 940 -‬‬

‫ولكن اذا قصد التصدق عن ميت ينبغي ان يهدي اوال شيئا بنية روحانية النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم على حدة مث يتصدق عن امليت فان حقوقه صلّى هللا عليه و سلّم فوق‬
‫حقوق سائر اخللق وايضا ان يف هذا التقدير احتمال كون الصدقة مقبولة بربكة النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم وهذا الفقري اذا عجز عن تصحيح النية يف بعض الصدقات عن‬
‫املوتى ال جيد عالجا افضل من ان اتصدق هبا بنيته صلّى هللا عليه و سلّم واجعل ذلك‬
‫امليت طفيليا له فانه يرجى ان تقبل بربكته صلّى هللا عليه و سلّم وقد قال العلماء ان‬
‫الصالة على النيب صلّى هللا عليه و سلّم مقبولة ولو صدرت رايء ومسعة وهي واصلة اىل‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم وان مل حيصل منها ثواب اىل املصلي فان حصول الثواب من‬
‫االعمال مربوط بتصحيح النية واما وصوهلا اىل النيب صلى هللا عليه و سلم الذي هو‬
‫حمبوب رب العاملني وكوهنا مقبولة يف حقه عليه الصالة و السالم فتكفيه ادىن علة وقوله‬
‫تعاىل وكان فضل هللا عليك عظيما انزل يف حقه صلّى هللا عليه و سلّم و على آله و‬
‫على مجيع اخوانه الكرام من االنبياء واملالئكة العظام اىل يوم القيام‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والعشرون اىل املري حمب هللا يف بيان حصول فهم بعض‬
‫الكلمات القدسية من اآلايت القرآنية}‬
‫وملا ظهر سابقا تردد يف فهم بعض كلمات القرآن وعجزت عن تطبيقه مل اجد‬
‫بعناية هللا تعاىل يف دفع الوساوس عالجا افضل من ان اقول لنفسي انك تعرتف أبن هذا‬
‫النظم القرآين كالم هللا عز وجل وتؤمن به اوال فلو مل تؤمن فأنت كافر وخارج عن املبحث‬
‫فان تؤمن فالقصور يف فهمك ال يف نظم القرآن الذي هو كالم خالق االرض والسموات‬
‫ومبدع العقول واالدراكات وملا حصل االميان بفضل هللا جل سلطانه حبقيقة كالم هللا‬
‫تعاىل صارت تلك الوسوسة مضمحلة ومتالشية وجنوت من الرتدد ويف هذه االوان بلغ‬
‫االمر بفضل هللا تعاىل مبلغا اذا كان يل يف حمل من نظم القرآن جمال تردد من قصور‬
‫االدراك صار ذلك احملل ابعثا على ازدايد االميان ابلقرآن وكان ذاك الرتدد واسطة لظهور‬
‫‪- 941 -‬‬

‫االعجاز يف القرآن وصرت اتصور اغالق ما فيه من شعب االعجاز وامحل االشكال‬
‫على كمال البالغة والفصاحة اليت البشر عاجز عن فهمها لكوهنا وراء االختصار و‬
‫االجياز واالميان احلاصل يف عدم فهم القرآن ليس هو يف فهمه فان يف عدم الفهم‬
‫انكشاف طريق االعجاز وهو مفقود يف صورة الفهم سبحان هللا ان عدم فهم القرآن‬
‫يكون سببا لضاللة قوم وانكارهم كالم هللا تعاىل ويصري لبعض آخر سببا لكمال االميان‬
‫ابلقرآن ويؤديهم اىل اهلداية يضل به كثريا ويهدي به كثريا ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا‬
‫من امران رشدا و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالثون اىل املري حممد نعمان يف بيان العروج اىل مراتب االصول‬
‫ومراتب العبادات}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني {شعر}‪:‬‬
‫ومرتبة االنسان يف آخر الورى * لذلك عن عز احلضور أتخرا‬
‫فلو مل يعد من بعده واغرتابه * فال شئ حمروم كانس من الورى‬
‫فاذا وقع له العروج بعناية هللا تعاىل اىل اصوله اليت هو كالظل هلا يكون له يف كل‬
‫اصل من تلك االصول فناء وبعده بقاء به وهبذا الفناء والبقاء يزول اطالق لفظ اان عن‬
‫ذلك الظل ويطلق على ذاك االصل الذي كان فانيا فيه وابقيا به ويرى نفسه عني ذاك‬
‫االصل وكذلك اذا وقع له العروج بكرم احلق جل وعال من ذاك االصل حيصل الصله‬
‫االول فناء وبقاء ابالصل الذي هو فوق ذاك االصل وذاك االصل كالظل له ويزول‬
‫اطالق اان من االصل االول ويقع يف االصل الثاين وجيد نفسه عني ذلك االصل الثاين‬
‫واذا وقع العروج من االصل الثاين اىل االصل الثالث يتقرر اطالق اان على االصل الثالث‬
‫الذي االصل الثاين ظله وهذه النسبة كائنة يف كل اصل حتتاين مع االصل الفوقاين الذي‬
‫االصل التح تاين كالظل له يعين اذا وقع العروج مبحض فضل هللا سبحانه من الظل اىل‬
‫االصل يزول اطالق اان من ذلك الظل ويقع على االصل وجيد نفسه عني ذلك االصل‬
‫‪- 942 -‬‬

‫اىل ما شاء هللا تعاىل على تفاوت درجات االستعداد وتصري تلك االصول بتلك الكثرة‬
‫والرفعة اجزاءه وجتعل القطرة حبرا و تصري الذرة جبال فاذا كانت هذه االصول اجزاءه فال‬
‫جرم يكون من كماالهتا وبركاهتا نصيب كامل له و يكون كماله جامعا لكماالت تلك‬
‫االجزاء فينبغي ان يعرف هنا فرق ما بني االنسان الكامل وسائر افراد االنسان فانه حبر‬
‫حميط وهؤالء كقطراته احملقرة فهؤالء كيف يعرفونه وما يدركون من كماله ونعم ما قيل اهلي‬
‫ما هذا الذي جعلت اولياءك حبيث من عرفهم وجدك وما مل جيدك مل يعرفهم وكما ان بني‬
‫االنسان الكامل واالنسان الناقص تفاوات بقلة االجزاء وكثرهتا بني طاعاهتما وحسناهتما‬
‫ايضا تفاوت بقدرها اذا اعطي شخص مثال مائة لسان فيذكر احلق سبحانه بكل لسان‬
‫منها اي نسبة تكون له مبن اعطي لساان واحدا يذكر هللا تعاىل به وينبغي ان يقيس‬
‫االميان واملعرفة وسائر الكماالت على هذا املعن ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل‬
‫شئ قدير احلمد هلل رب العاملني اوال وآخرا والصالة و السالم على رسوله دائما وسرمدا‬
‫و على آله الكرام وصحبه العظام اىل يوم القيام‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والثالثون اىل املال بدر الدين يف حتقيق عامل االرواح وعامل‬
‫املثال وعامل االجساد}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد كتبتم ان الروح كان قبل تعلقه‬
‫ابلبدن يف عامل املثال ويذهب بعد مفارقته من البدن ايضا اىل عامل املثال فيكون عذاب‬
‫القرب يف عامل املثال كأ م حيس به االنسان يف املنام يف عامل املثال وكتبتم ان هذا الكالم له‬
‫تشعبات كثرية فان قبلتم نفرع عليه فروعات كثرية (اعلم) ان امثال هذه اخلياالت قليلة‬
‫النصيب من الصدق خناف من ان تدلكم على طريق غري متعارف فلنكتب يف حتقيق هذا‬
‫املبحث كلمات ابلضرورة مع وجود املوانع وهللا سبحانه اهلادي اىل سبيل الرشال (أيها‬
‫االخ) ان عامل املمكنات منقسمة اىل ثالثة اقسام عامل االرواح وعامل املثال وعامل االجساد‬
‫وقالوا ان عامل املثال برزخ بني عامل االرواح وعامل االجساد وقالوا ايضا ان عامل املثال كاملرآة‬
‫‪- 943 -‬‬

‫ملعاين العاملني املذكورين وحقائقهما وتظهر معاين عامل االرواح واالجساد يف عامل املثال‬
‫بصور لطيفة فان لكل معن وحقيقة هناك صورة وهيئة أخرى مناسبة هلما وذلك العامل‬
‫ليس هو يف حد ذاته متضمنا للصورة و اهليئات واالشكال وامنا ظهرت فيه الصور‬
‫واالشكال منعكسة من عوامل اخر كاملرآة اليت ليست هي متضمنة لصورة اصال يف حد‬
‫ذاهتا فان كانت فيها صورة فهي حاصلة من خارج فاذا علم هذا الكالم فاعلم ان الروح‬
‫كان قبل تعلقه ابلبدن يف عامله الذي هو فوق عامل املثال فان تنزل بعد التعلق ابلبدن‬
‫فنازل اىل عامل االجساد بعالقة حبية ال شغل له بعامل املثال ال قبل التعلق وال بعد التعلق‬
‫وامنا يطالع بعض احواله بعناية هللا تعاىل يف مرآة ذلك العامل يف بعض االوقات ويستعلم‬
‫حسن احواله وقبحها من هناك كما ان هذا املعن واضح والئح يف صور الواقعات‬
‫واملنامات ورمبا حيس هذا املعن من غري ان يغيب عن احلس وبعد املفارقة عن البدن فان‬
‫كان علواي فمتوجه اىل فوق وان كان سفليا فمأسور يف السفل ال شغل له بعامل املثال‬
‫وعامل املثال امنا هو للمشاهدة والرؤية ال للكينونة فيه وحمل الكينونة اما عامل االرواح واما‬
‫عامل االجساد وعامل املثال امنا هو مرآة هلذين العاملني كما مر واالمل الذي يرى يف املنام يف‬
‫عامل املثال امنا هو صورة العقوبة وشبحها اليت استحقها الرائي ظهرت له للتنبيه وعذاب‬
‫القرب ليس من هذا القبيل فانه حقيقة العقوبة ال صورهتا وشبحها وايضا ان االمل الذي‬
‫حيس يف املنام لو كان له حقيقة فرضا فهو من قبيل اآلالم الدنيوية وعذاب القرب من مجلة‬
‫عذاب اآلخرة شتان ما بينهما فان العذاب الدنيوي ال مقدار له وال اعتبار ابلنسبة اىل‬
‫عذاب اآلخرة اعاذان هللا سبحانه فلو وقعت يف الدنيا شرارة من انر جهنم الحرقت الكل‬
‫وجعلت متالشيا وزعم عذاب القرب كعذاب املنام من عدم االطالع على صورة العذاب‬
‫وحقيقة العذاب وايضا ان منشأ هذا االشتباه هو توهم جمانسة عذاب الدنيا بعذاب‬
‫اآلخرة وهذا توهم ابطل بني البطالن (فان قيل) قد يفهم من قوله تعاىل هللا يتوف االنفس‬
‫حني موهتا واليت مل متت يف منامها ان تويف االنفس كما هو يف املوت كذلك هو يف املنام‬
‫ايضا فما وجه عد عذاب احدمها من عذاب الدنيا وعذاب اآلخر من عذاب اآلخرة‬
‫‪- 944 -‬‬

‫(اجيب) ان التويف يف املنام من قبيل خروج شخص من وطنه املألوف ابلشوق والرغبة‬
‫للنزاهة والنظارة ليحصل له الفرح والسرور فريجع اىل وطنه فرحا ومسرورا ومنتزهه عامل‬
‫املثال الذي متضمن لعجائب امللك وامللكوت وال كذلك التويف حني املوت فان فيه هدم‬
‫الوطن املألوف وختريب البناء املعمور ومن ههنا ال حتصل احملنة والكلفة يف تويف النوم بل‬
‫هو متضمن للفرح والسرور ويف تويف املوت شدة وكلفة فيكون وطن املتوف النومي هو‬
‫الدنيا وتكون املعاملة اليت تظهر له من معامالت الدنيا واملتوف املويت منتقل اىل اآلخرة‬
‫بعد ختريب وطنه املألوف وكانت املعاملة معه من معامالت اآلخرة ولعلكم مسعتم من‬
‫مات فقد قامت قيامته واايكم واالحنراف عن اعتقادات اهل السنة واجلماعة شكر هللا‬
‫تعاىل سعيهم اغرتارا ابلكشف اخليالية وظهورالصور املثالية فان النجاة بدون متابعة هذه‬
‫الفرقة الناجية غري متصورة فعليكم ابالجتهاد يف اتباع هؤالء االكابر غاية االمكان اتركني‬
‫ما ينافيه كائنا ما كان ما على الرسول اال البالغ وقد اوردين انبساطكم يف العبارة يف توهم‬
‫ان هذه التخيالت تكاد خترجكم من تقليد هؤالء االكابر وجتعلكم ممن يتبع كشفيات‬
‫نفسه نعوذ ابهلل سبحانه منها ومن شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا الشيطان عدو قوي‬
‫ينبغي لالنسان ان يكون واقفا على نفسه حت ال خيرج من الصراط املستقيم اىل سكك‬
‫اخر اي بالء وقع مل تنجر مدة املفارقة اىل سنة حت وقع الذهول عن االحتياط والتزام‬
‫متابعة السنة واهل السنة وحصر النجاة يف تقليد هؤالء االكابر اليت كانت فيكم وجعلتم‬
‫متخيالتكم مقتداكم وفرعتم عليها فروعات كثرية واحتمال مالقاتنا يرى حبسب الظاهر‬
‫بعيدا جدا فعليكم املعيشة واملعاملة حبيث ال ينقطع حبل الرجاء ربنا آتنا من لدنك رمحة‬
‫وهيئ لنا من امران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والثالثون اىل املقصود علي يف بيان ان ما قيل ان كثرة‬


‫اخلطرات من اسباب الوصل امنا هو على مقدار التجلي ويف حتقيق حقيقة الكثرة‬
‫الومهية وما يناسب ذلك }‬
‫‪- 945 -‬‬

‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد كتبتم ان ساري طريق اشتكي اىل‬
‫عامل طريق من هجوم اخلطرات فقال حيث ان احاطة املطلوب ومشوله حبكم وهو بكل‬
‫شئ حميط معلوم ينبغي ان تعد اخلطرة من اسباب الوصل ال من موجبات الفصل وان‬
‫جيعل ابواب املشاهدة مفتوحة وروزنة الغفلة مسدودة (هذا) الكالم صادق حبسب‬
‫التجلي الصوري الذي هو مقدمة من مقدمات هذا الطريق فان كان يف هذا املوطن وصل‬
‫فمع كونه يف احلقيقة فصال فهو ابعتبار الصورة وان كانت مشاهدة ولو هي يف الواقع‬
‫مباعدة فهي ايضا مبالحظة الصورة وهذا التجلي ساقط عن حيز االعتبار عند اكابر هذا‬
‫الطريق النه ليس مبفن لوجود السالك واحملق واملبطل شريكان فيه فان جلوكية اهلند‬
‫وفالسفة اليوانن خربا عنه وهم حمظوظون وملتذون بعلومه ومعارفه غاية ما يف الباب ان‬
‫حصول هذه الدولة للمحق من طريق صفاء القلب وللمبطل من طريق صفاء النفس فال‬
‫جرم ان ذاك يفضي اىل اهلداية وهذا جير اىل الضاللة ولكن كالمها يف اسر الصورة ال خرب‬
‫هلما عن املعن {شعر}‪:‬‬
‫ما يعرف الغفالن عابد صورة * حسن املقنع عن مجيع مؤانس‬
‫ولكن يف احملق احتمال النجاة من اسر الصورة واملبطل منهمك يف الصورة فان‬
‫اخلالص من اسر الصورة من غري التزام ملة االنبياء عليهم الصالة و السالم حمال (وايضا)‬
‫ان التجلي الصوري داخل يف دائرة العلم ولكن ملا طرح احلال والذوق فيه الشعاع يرى‬
‫مثل احلال (وأيضا) ان املشهود يف التجلي الصوري الكثرة لكن بعنوان املظهرية للوحدة‬
‫وشهود الكثرة ابي عنوان كان وابل يف وابل ينبغي ان ال يبقى يف نظر الباطن اسم من‬
‫الكثرة وشهودها و ال رسم وال يكون املشهود غري الواحد احلقيقي اصال حت يتيسر‬
‫الفناء الذي هو قدم اول يف هذا الطريق فان الفناء عبارة عن نسيان ما سوى احلق‬
‫سبحانه وزواله من الباطن فكيف يكون للكثرة جمال يف ذلك املوطن وما يكون شهود‬
‫الكثرة فيه (وما) قال القائل من ان اخلطرة من اسباب الوصل وابواب املشاهدة فاملراد‬
‫بذاك الوصل واملشاهدة الوصل واملشاهدة الصوريني ومها عني املفارقة واملباعدة فان الوصل‬
‫‪- 946 -‬‬

‫املعترب عند اكابر هذه الطائفة العلية امنا هو يف مقام البقاء ابهلل الذي حيصل بعد الفناء‬
‫ونيسان مجيع ما سواه تعاىل ووجود اخلطرة مناف لتلك الدولة وحصول الوسوسة مانع‬
‫لتلك املنزلة ويف مقام الفناء الذي هو دهليز ذلك الوصل يكون انتفاء اخلواطر على نوع‬
‫لو كلف بتذكر االشياء ال يتذكر بواسطة نسيان السوى الذي حصل له وقد كتبتم وهو‬
‫على كل شئ حميط بيان االحاطة ما جاء هبذه العبارة يشبه ان تكون هذه من كالم‬
‫املولدين فان تعدية االحاطة بكلمة على كثرية الوقوع يف كالم العجم واملتعارف يف العبارة‬
‫العربية الفصيحة تعدية االحاطة ابلباء قال هللا تبارك و تعاىل وكان هللا بكل شئ حميطا‬
‫وقال تعاىل انه بكل شئ حميط والظاهر ان هذه العبارة امنا اوردت بطريق االستشهاد‬
‫بتخيل اهنا من القرآن وليس كذلك فان بيان هذا املعن يف الكالم اجمليد بعبارة أخرى كما‬
‫مر (وكتبتم) ايضا ان الكثرة الومهية والتعدد االعتباري قد تراكمت على وجه وقع اكثر‬
‫العلماء يف الغلط بتوهم تعدد الوجود وقنعوا من اللب ابلقشر (اعلم) ان الكثرة والتعدد‬
‫وان كانت ومهية واعتبارية ولكن ملا صدرت وظهرت بصنع هللا جل سلطانه صارت متقنة‬
‫ومستحكمة وكانت املعاملة الدنيوية واالخروية مربوطة هبا واآلاثر اخلارجية مرتتبة عليها‬
‫وارتفاعها ممنوع وان ارتفع الوهم واالعتبار فان العذاب والثواب الدائمني االخرويني الذين‬
‫اخرب عنهما املخرب الصادق منوطان ابلكثرة مربوطان ابلتعدد واحلكم ابرتفاع الكثرة‬
‫والتعدد دخول يف االحلاد والزندقة اعاذان هللا سبحانه من ذلك فالصوفية العلية والعلماء‬
‫الكرام كلهم قائلون بثبوت هذه الكثرة واستمرار هذا التعدد ويرون املعاملة االخروية‬
‫الدائمية مربوطة هبا ولكن ملا كان من شأن هذه الكثرة االرتفاع من شهود الصوفية وقت‬
‫العروج جيدوهن ا ومهية واعتبارية وحيث اهنا ال ترتفع يف نفس االمر وان كانت مرتفعة من‬
‫الشهود يقول العلماء اهنا موجودة فنزاع الفريقني صار راجعا اىل اللفظ بعد االتفاق يف‬
‫املعن كل من الفريقني حكم مبقياس وجدانه فالصوفية اعتربوا الشهود وحكموا ابلومهية‬
‫واالعتبارية مبالحظة االرتفاع الشهودي وقال العلماء بوجودها مبالحظة ثبوهتا واستقرارها‬
‫يف نفس االمر ولكل وجهة وقد بني هذا الفقري هذا املعن يف مكتوابته ورسائله ابلتفصيل‬
‫‪- 947 -‬‬

‫وارجع نزاع الفريقني اىل اللفظ فان بقي خفاء ينبغي ان يراجع فيها نظر العلماء قريب من‬
‫الصواب النه مطابق لنفس االمر ونظر الصوفية ابعتبار السكر وغلبة احلال أال ترى ان‬
‫النجوم خمتفية يف النهار واثبتة يف نفس االمر وان كانت مستورة عن الشهود فاحلكم‬
‫بثبوت النجوم اقرب اىل الصواب من احلكم بعدمها مبالحظة عدم شهودها ومقصود‬
‫العلماء من القول بوجود الكثرة ابقاء الشريعة اليت مبناها على التعدد واجراء وعد‬
‫صاحب الشريعة ووعيده فانه ال يتصور بدون الكثرة والصوفية ايضا معرتفون هبذا املعن‬
‫وان اطبقوه على الشريعة ابلتكلف وما قاله العلماء صادق بال تكلف ومطابق بال متحل‬
‫ال غبار فيه اصال وال كدورة واهنم ال يثبتون وجودا مستقال مستبدا حت يكون فيه جمال‬
‫للكالم و يكون شركة ابلواجب تعاىل وامنا يثبتون وجودا ضعيفا مفاضا ومستعارا من الغري‬
‫كيف جيوز ختطئة العلماء فاهنم اكابر الدين ونسبة الغلط اليهم غلط حمض وحمض الغلط‬
‫وحنن العاجزون املتعوقون اخذان الدين والشريعة من العلماء واستفدان املذهب وامللة من‬
‫بركاهتم فلو كا نت فيهم جمال للطعن الرتفع االعتماد عن الشريعة وامللة وهلذا قالوا الطاعن‬
‫يف السلف ضال ومبتدع وعدوا طعنه من أسباب التضليل والتشكيك يف الدين وحكموا‬
‫ببطالنه (وكتبتم ايضا) اهنم قنعوا من اللب ابلقشر يشبه انكم ختيلتم الصور لبا والتنزيه‬
‫قشرا فان دعوة العلماء وداللتهم اىل التنزيه ومشهود صاحب التجلي الصوري ومطلوبه‬
‫الصور واالشكال ينبغي االنصاف ايهما متشبث ابللب وايهما منخدع ابلقشر واان او‬
‫اايكم لعلى هدى او يف ضالل مبني ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من أمران رشدا و‬
‫السالم اوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والثالثون اىل املال مشس الدين يف حتقيق كالم الشيخ شرف‬
‫الدين حيىي املنريي من ان السالك ما مل يكفر ومل يقطع رأس اخيه ومل يتزوج ابمه ال‬
‫يكون مسلما}‬
‫عليكم ابالستقامة اي مال مشس قد سئلتم ان شيخ املشايخ الشيخ شرف الدين‬
‫‪- 948 -‬‬

‫حيىي املنريي كتب يف رسالته ارشاد السالكني ان السالك ما مل يكفر ال يكون مسلما وما‬
‫مل يقطع رأس اخيه ال يكون مسلما وما مل يتزوج ابمه ال يكون مسلما فما املراد هبذه‬
‫الكلمات (اعلم) ان املراد ابلكفر كفر الطريقة الذي هو عبارة عن مرتبة اجلمع الذي هو‬
‫موطن االستتار ومقام عدم االمتياز بني حسن االسالم وقبح الكفر بل كما يرى االسالم‬
‫مستحسنا جيد للكفر ايضا حسنا فيه وجيد كليهما مظهر لالسم اهلادي واالسم املضل‬
‫وينال من كل منهما حظا و يكون هبما مستلذا وهذا هو ذلك الكفر الذي اخرب عنه‬
‫حسني ابن منصور احلالج وكان فيه ومات عليه وقال {شعر}‪:‬‬
‫لدي وعند املسلمني قبيح‬
‫كفرت بدين هللا والكفر واجب * ّ‬
‫والشطحيات مثل قول اان احلق وقول سبحاين وقول ليس يف جبت سوي هللا كلها‬
‫من امثار شجرة اجلمع الذي منشاؤه استيالء احلب وغلبة حمبة احملبوب احلقيقي مل يبق يف‬
‫نظر شهودهم غري احملبوب بل صار خمتفيا ومستورا وهذا املقام مقام اجلهل واحلرية ايضا‬
‫ولكن جهل هذا املقام حممود وحريته ممدوحة فان وقع سري اىل اعلى من مقام اجلمع‬
‫بعناية هللا سبحانه واجتمع العلم ابجلهل واقرتنت املعرفة ابحلرية و ظهر الفرق والتميز‬
‫وتبدل السكر ابلصحو فحينئذ حيصل االسالم احلقيقي وتتيسر حقيقة االميان وهذان‬
‫االسالم واالميان حمفوظان من الزوال ومأموانن من طراين الكفر واالستبدال واملراد مبا ورد‬
‫يف بعض االدعية املأثورة من قوله صلّى هللا عليه و سلّم اللهم اين اسئلك امياان ليس بعده‬
‫كفر هو هذا االميان النه حمفوظ غن الزوال وقوله تعاىل اال ان اولياء هللا ال خوف عليهم‬
‫وال هم حيزنون بيان لعالمة حال اهل هذا االميان فان الوالية ال تتصور بدون هذا االميان‬
‫وان كان ميكن اطالق اسم الوالية يف مرتبة اجلمع ايضا ولكن النقص والقصور الزم تلك‬
‫املرتبة دائما فان الكمال يف االميان واملعرفة ال يف الكفر واجلهل اي كفر واي جهل كان‬
‫فصح ما قال الشيخ فانه ما مل يتحقق بكفر الطريقة ال يشرف ابسالم احلقيقة (وما) قال‬
‫انه ما مل يقطع رأس اخيه ال يكون مسلما فاملراد من االخ الشيطان الذي يولد معه و‬
‫يكون قرينه ويدله على الشر والفساد دائما كما ورد يف احلديث على قائله الصالة و‬
‫‪- 949 -‬‬

‫السالم ما من ابن آدم اال ومعه قرين من اجلن قالوا ومعك اي رسول هللا قال نعم ولكن‬
‫اعانين هللا عليه فاسلم يعين من شره ان كان بصيغة املتكلم او فاسلم شيطاين ان كانت‬
‫الرواية بصيغة املاضي وهذه الرواية االخرية مشهورة وقتل هذا القرين عبارة عن عدم‬
‫االنقياد اليه و اسحقاره واسرتزاله (فان قيل) ان االنسان مع وجود العقل والفراسة فيه مل‬
‫يكن مغلواب للشيطان ويرتكب غري مرضاته تعاىل (أجيب) ان الشيطان فتنة وبالء سلطه‬
‫هللا سبحانه على عباده لالبتالء واالمتحان وجعله مستورا عن نظرهم ومل يطلعهم على‬
‫احواله وجعله بصريا ابحواهلم واجراه جمرى الدم منهم والسعيد من يكون حمفوظا بعناية هللا‬
‫تعاىل من كيد مثل هذا البالء ومكره ومع ذلك ذكر هللا سبحانه كيده يف القرآن اجمليد‬
‫ابلضعف وجرأ السعداء وشجعهم نعم ان حكم الشيطان هبذا التسلط مع اعانة هللا لعبده‬
‫حكم الثعلب وبدون امداد فضله اسد مفرتس {شعر}‪:‬‬
‫اال فاعطين قلبا ترى من جسارة اال سود * و ان الفيتين قبل ثعلبا‬
‫(واجلواب) اآلخر ان الشيطان رمبا جيئ من طرق اهواء النفس ويدله على‬
‫املشتبهات فيجد النصرة عليه ابلضرورة ابعانة النفس االمارة اليت هي عدو املنزل وجيعلها‬
‫منقادة لنفسه وكيد الشيطان ضعيف يف حد ذاته وامنا يفعل ما يفعل ابعانة من يؤوي‬
‫العدو اليه وبالؤان يف احلقيقة هو النفس االمارة اليت هي عدوة ارواحنا ال احد عدو‬
‫لنفسه اال هذه اخلسيسة والعدو اخلارج امنا يصنع ما يصنع ابمدادها فينبغي اوال ان يقطع‬
‫رأس النفس وان ميتنع عن االنقياد اليها واالزدراء هبا واهانتها ورأس االخ يقطع يف ضمن‬
‫هذا اجلهاد ويصري حقريا وذليال وحجاب طريق السالك وسده هو نفسه واالخ خارج عن‬
‫املبحث فانه يدعو اىل الشر من بعد ومن صراط مستقيم اىل سبل معوجة ودفع العدو‬
‫اخلارجي بعد التخلص من انقياد النفس متصور ابمداد هللا تعاىل ابسهل الوجوه ان‬
‫عبادي ليس لك عليهم سلطان بشارة للعباد الذين ختلصوا من رقية النفس واخلصوا‬
‫العبادة للمعبود ا حلقيقي وهللا سبحانه املوفق (وما قال) من انه ما مل يتزوج أبمه ال يكون‬
‫مسلما ميكن ان يكون مراده ابمه عينه الثابت الذي هو سبب ظهور وجوده يف اخلارج‬
‫‪- 950 -‬‬

‫وورد التعبري عن العني الثابت ابالم يف اصطالح هذه الطائفة قال واحد من االعزة‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫[‪]1‬‬
‫ولدت امي أابها * ان ذا من عجبات‬
‫أراد ابالم عينه الثابت وأببيها امسا من االمساء االهلية الذي العني الثابت ظل ذلك‬
‫االسم وعكسه وملا كان ظهور ذلك االسم يف اخلارج بتوسط ذاك العني الثابت عرب عن‬
‫ذلك الظهور ابلوالدة وابجلملة يقولون االم ويريدون به العني الثابت ويقال هلذا العني‬
‫الثابت تعينا وجوبيا فان التعينات عند هذه الطائفة العلية مخسة يقال هلا التنزالت اخلمسة‬
‫واحلضرات اخلمس ايضا يثبتون منها يف مرتبة الوجوب تعينني وثالثة يف مرتبة االمكان و‬
‫التعينان الوجوبيان مها تعني الوحدة وتعني الواحدية وكالمها يف مرتبة العلم والفرق ابالمجال‬
‫والتفصيل العلميني والتعينات الثالثة االمكانية هي التعني الروحي والتعني املثايل والتعني‬
‫اجلسدي وملا كان العني الثابت يف مرتبة الواحدية يكون تعينه وجوبيا ابلضرورة وحيث ان‬
‫حقيقة املمكن عينه الثابت الذي له وجه اىل التعني الوجويب وذلك املمكن كالظل له‬
‫فيكون ام ذلك املمكن من عامل الوجوب الذي اظهرته يف عامل االمكان والتزوج ابالم‬
‫مبعن ان تعني املمكن االمكاين يتحد مع تعينه الوجويب {شعر}‪:‬‬
‫لو نفض املمكن اغربة االم * كان ال يبقى سوى واجب‬
‫يعين يكون تعينه االمكاين خمتفيا عن نظره ويطلق لفظ اان على التعني الوجويب ال‬
‫مبعن ان التعني االمكاين يتحد ابلتعني الوجويب يف نفس االمر فانه حمال والقول به‬
‫مستلزم لالحلاد والزندقة الن املعاملة هنا حبسب الشهود فان كان زوال تعني فباعتبار‬
‫الشهود وان احتاد فبالشهود أيضا{شعر}‪:‬‬
‫وهذا ال يصري قط ذاكا * وذاكم ال يصري قط هذا‬
‫فاذا وجد السالك تعينه متحدا بذاك التعني صار مستحقا الن يتخلص عن‬

‫(‪ )1‬وبعده واان طفل صغري * يف حجور املرضعات عفي عنه‬


‫‪- 951 -‬‬

‫التلواثت االمكانية وان يشرف بدولة االسالم واالنقياد ملرتبة الوجوب (ينبغي) ان يعلم ان‬
‫التنزالت اخلمسة اليت قال هبا الصوفية جمرد اعتبارات يف الوجود وتتعلق ابلكشف والشهود‬
‫ال انه يف احلقيقة تنزل هناك وتغري وتبدل فسبحان من ال يتغري بذاته وال بصفاته وال يف‬
‫امسائه حبدوث االكوان ورمبا يورد الصوفية على ألسنتهم اشياء على قدر وجداهنم الذي‬
‫متضمن للسكر وغلبة احلال فال ينبغي محلها على الظواهر بل ينبغي ان يصرفها عن‬
‫الظاهر اىل التأويل والتوجيه فان كالم السكارى حيمل ويصرف عن الظاهر وهللا سبحانه‬
‫اعلم حبقائق االمور كلها وملا نقلت هذه الكلمات املوجبة للقلق واالضطراب عن شخص‬
‫عظيم كتبنا يف حلها اشياء ابلضرورة واال فهذا الفقري ال يلتفت اىل امثال هذه الكلمات‬
‫املشعرة ابملخالفة وال حيرك شفتيه ابلرد والقبول ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف أمران وثبت‬
‫اقدامنها وانصران على القوم الكافرين احلمد هلل رب العاملني اوال وآخرا والصالة و السالم‬
‫على رسوله دائما وسرمدا و على آله الكرام وصحبه العظام اىل يوم القيام‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والثالثون اىل والدة املري حممد امني يف النصيحة}‬


‫النصيحة اليت انصح هبا هي تصحيح العقائد اوال مبوجب آراء أهل السنة واجلماعة‬
‫الذين هم الفرقة الناجية شكر هللا تعاىل سعيهم والعمل مبقتضى االحكام الفقهية بعد‬
‫تصحيح االعتقاد ايضا ضروري ال بد من امتثال ما حنن مأمورون به وال مهرب من‬
‫االنتهاء واالجتناب عما حنن منهيون عنه ينبغي اداء الصلوات اخلمس من غري كسل وال‬
‫فتور مع رعاية الشرائط وتعديل االركان وال بد من اداء الزكاة ايضا على تقدير حصول‬
‫النصاب وعند االمام االعظم رضي هللا عنه جتب الزكاة يف حلي النساء ايضا وال ينبغي‬
‫صرف االوقات يف اللهو واللعب واتالف العمر فيما ال يعين فضال عن صرفها يف أمور‬
‫منهي عنها وااي كم والرغبة يف الغناء والنغمة واالخنداع اباللتذاذ هبا فاهنا سم مطلي‬
‫ابلعسل وعليكم ابالجتناب عن الغيبة والنميمة بني الناس فانه قد ورد يف ارتكاب هاتني‬
‫الذميمتني وعيد شديد واالجتناب عن الكذب والبهتان ايضا ضروري وهااتن الرذيلتان‬
‫‪- 952 -‬‬

‫حرامان يف مجيع االداين ومرتكبهما موعود عليه بوعيدات كثرية وسرت عيوب اخللق‬
‫وذنوب اخلالئق والعفو والتجاوز عن زالهتم من عزائم االمور وينبغي الشفقة واملرمحة على‬
‫املماليك واالتباع واالغماض عن تقصرياهتم دون ان يؤاخذهم هبا وضرب هؤالء املساكني‬
‫بوجه و بال وجه وشتمهم وايذاؤهم غري مناسب وغري مالئم ينبغي لالنسان ان ينظر اىل‬
‫تقصرياته الواقعة يف كل ساعة ابلنسبة اىل جناب قدسه تعاىل وهو تعاىل ال يعجل يف‬
‫املؤاخذة عليها وال مينع الرزق بسببها وبعد تصحيح االعتقاد واتيان االحكام الفقيهة‬
‫ينبغي استغراق االوقات بذكر هللا تعاىل على هنج اخذمتوه وكلما ينافيه ينبغي ان جيتنب‬
‫عنه {شعر}‪:‬‬
‫كل شئ غري ذكر هللا لو * أكل قند فهو سم قاتل‬
‫وقد قيل يف احلضور ايضا انه كلما حيتاط يف االمور الشرعية يزيد يف املشغولية واذا‬
‫وقعت املساهلة يف االحكام الشرعية يزول احلالوة وااللتذاذ ابملشغولية وما اكتب زايدة‬
‫على ذلك وهللا سبحانه اعلم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والثالثون اىل املريزا منوچهر يف التعزية والنصيحة واغتنام‬


‫الشباب}‬
‫أدام هللا سبحانه و تعاىل مجعية ذاك السعيد احملتشم وطيب اوقاته وتالف يف حقه‬
‫حزن ما مضى وفات أبحسن الوجوه وافاض عليه من انعاماته (أيها) الولد ان زمان‬
‫عنفوان الشباب كما هو اوان اهلوى واهلوس كذلك هو زمان حتصيل العلم واكتساب‬
‫العمل ايضا والعمل الذي يوجد يف هذه االوان مبقتضى الشريعة الغراء مع وجود استيالء‬
‫املوانع الشهوانية واالعراض النفسانية له اضعاف مزية واعتبار واعتداد على العمل الذي‬
‫يقع يف غري هذه االوان فان وجود املانع الذي هو ابعث على املشقة واحملنة رفع شأنه اىل‬
‫السماء وعدم املانع الذي هو مستلزم لعدم الكد والعنا طرح معاملته اىل االرض ومن‬
‫ههنا كان خواص البشر افضل من خواص املالئكة فان طاعة البشر مقرونة ابملوانع‬
‫‪- 953 -‬‬

‫وعبادة امللك بال مزامحة املوانع اال ترى ان وقت اعتبار العساكر امنا يكون يف اوان‬
‫استيالء االعداء الذين هم موانع الدولة و يكون حلركتهم اليسرية يف ذلك الوقت اضعاف‬
‫مزية واعتبار على حركتهم الكثرية يف غري هذا الوقت و معلوم ان اهلوى واهلوس مرضي‬
‫اعداء هللا تعاىل النفس والشيطان والعلم والعمل مبقتضى الشريعة الغراء مرضي حضرة‬
‫الرمحن جل سلطانه وارضاء اعداء املوىل واسخاط املوىل الذي هو موىل النعم بعيد عن‬
‫الفطانة والذكاوة وهللا سبحانه املوفق‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والثالثون اىل جناب املري حممد نعمان يف رفع شبهات‬
‫منكري عذاب القرب}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان جلماعة ترددا يف عذاب القرب‬
‫الذي ثبت ابحاديث مشهورة صحيحة بل آبايت قرآنية بل يكادون ينكرونه وجيزمون‬
‫ابستحالته ومقتداهم يف هذا االشتباه احساس احوال املوتى الغري املدفونة من االستدامة‬
‫على هنج واحد اليت هي منافية للتعذيب وااليالم الذي من لوازمه التذبذب واالضطراب‬
‫واجلواب يف حل هذا اال شكال هو ان حياة عامل الربزخ الذي هو موطن القرب ليست من‬
‫قبيل احلياة الدنيوية اليت احلركة االرادية واالحساس كالمها من لوازمها فان انتظام هذه‬
‫النشأة مربوط هبذين االمرين ويف حياة الربزخ ال حاجة اىل حركة اصال بل هي منافية‬
‫لتلك النشأة الربزخية واالحساس فقط كاف هناك لوجدان أمل العذاب فحياة الربزخ كاهنا‬
‫نصف احلياة الدنيوية وتعلق الروح هناك ابلبدن نصف التعلق به يف النشأة الدنيوية‬
‫فاأل موات الغري املدفونة حيسون أمل العذاب حبياة برزخية وال يوجد منهم شئ من احلركة‬
‫واالضطراب بتلك احلياة اصال وما اخرب عنه املخرب الصادق عليه و على آله امت الصلوات‬
‫واكمل التسليمات يكون صادقا (او نقول) حسما ملادة هذا االشكال وامثاله ان طور‬
‫النبوة وراء طور العقل والفكر واالمور اليت العقل قاصر يف ادراكها تثبت بطور النبوة فان‬
‫كان العقل كافيا فالي شئ يكون بعثة االنبياء عليهم الصالة و السالم والي شئ يكون‬
‫‪- 954 -‬‬

‫العذاب االخروي مربوطا ببعثتهم قال هللا تبارك و تعاىل وما كنا معذبني حت نبعث رسوال‬
‫العقل وان كان حجة ولكنه ليس حبجة ابلغة كاملة واحلجة البالغة امنا حتققت ببعثة‬
‫االنبياء عليهم السالم وهبا انقطعت السنة اعذار املكلفني قال هللا تبارك و تعاىل رسال‬
‫مبشرين ومنذرين لئال يكون للناس على هللا حجة بعد الرسل وكان هللا عزيزا حكيما فاذا‬
‫ثبت للعقل قصور يف ادراك بعض االمور فوزن مجيع االحكام الشرعية مبيزان العقل ال‬
‫يكون مستحسنا والتزام تطبيقها على العقل حكم يف احلقيقة ابستقالل العقل وانكار‬
‫بطور النبوة اعاذان هللا سبحانه من ذلك ينبغي اوال فكر االميان برسول هللا وتصديق‬
‫رسالته صلّى هللا عليه و سلّم حت يصدق يف مجيع االحكام وبوساطته يتيسر اخلالص من‬
‫ظلمات الشكوك والشبهات ينبغي ان يتعقل االصل حت يتعقل الفرع بعد ذلك ويعلم‬
‫من غري تكلف وتعقل كل فرع بال اثبات اصل متعسر جدا و اقرب طرق الوصول اىل‬
‫ذلك التصديق وحصول اطمئنان القلب ذكر هللا جل سلطانه قال هللا تبارك و تعاىل اال‬
‫بذكر هللا تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصاحلات طوىب هلم وحسن مآب والوصول‬
‫اىل هذا املطلب العايل من طريق النظر واالستدالل بعيد جدا {شعر}‪:‬‬
‫أقدام أهل نظر من خزف * وما الذي متكينه اي هلفي‬
‫(ينبغي) ان يعلم ان مقلدي االنبياء عليهم الصالة و السالم بعد اثبات نبوهتم‬
‫وبعد تصديق رسالتهم من املستدلني وتقليدهم اايهم وتصديق كالمهم حينئذ عني‬
‫االستدالل مثال اذا اثبت شخص اصال من االصول ابستدالل فجميع الفروع اليت تنشأ‬
‫وتتشعب من هذا االصل تكون مستندة اىل االستدالل وابستدالل االصل يكون مستدال‬
‫يف مجيع فروعه احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت‬
‫رسل ربنا ابحلق و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والثالثون اىل موالان حممد طاهر البدخشي يف بيان ان كل ما‬
‫يصدر عن اجلميل املطلق فهو مجيل مطلقا}‬
‫‪- 955 -‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني دائما و على كل حال اايكم والتوحش والتضجر من مساع‬
‫االخبار املوحشة فان كل ما يصدر عن اجلميل املطلق يكون حسنا ومليحا وان كان‬
‫ظهوره بصورة اجلالل ولكنه يف احلقيقة من اجلمال ال حتملن هذا الكالم على التقول وال‬
‫تصرفنه اىل التفوه بل له متام احلقيقة وكمال اللب ال يصح ابلتكلم والكتابة فان تيسرت‬
‫املالقاة يف الدنيا فبها واال فمعاملة اآلخرة قريبة وبشارة املرء مع من أحب مورثة التسلي‬
‫للمهجورين و وصلت الصحيفة الشريفة املرسلة مع الدرويش حممد علي الكشمريي‬
‫واطلعنا على ما كتبتم وكتبنا يف جوابه ما يسعه الوقت ليكن االوالد واالحباب على مجعية‬
‫اثبتني يف مكاهنم راضني بقضاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والثالثون اىل املال ابراهيم يف جواب سؤاله عن معىن حديث‬
‫ستفرتق اميت احلديث ودرجة ارابب الفقر}‬
‫ينبغي ان يعلم ان املراد من قول النيب صلّى هللا عليه و سلّم كلهم يف النار اال‬
‫واحدة الواقع يف حديث ستفرتق اميت اىل اثنني وسبعني فرقة دخوهلم يف النار ومكثهم يف‬
‫عذاهبا مدة ال خلودهم يف النار ودوامهم يف عذاهبا فان ذلك مناف لالميان وخمصوص‬
‫ابلكفار غاية ما يف الباب انه ملا كان الباعث على دخوهلم يف النار معتقداهتم السوء‬
‫يدخل كلهم فيها ابلضرورة ويعذبون على مقدار خبث إعتقادهم خبالف الفرقة الواحدة‬
‫املستثناة فان اعتقادهم موجب للنجاة من عذاب النار وسبب لفالحهم ولكن اذا ارتكب‬
‫بعض منهم االعمال السيئة ومل يعف عنه ابلتوبة او الشفاعة جيوز ان يعذب ابلنار بقدر‬
‫ذنبه ويتحقق الدخول يف النار يف حقه فدخول النار يف سائر الفرق شامل جلميع االفراد‬
‫وان انتفى اخللود ويف حق الفرقة الناجية خمصوص ببعض مرتكب للمعصية ويف كلمة‬
‫كلهم رمز اىل هذا البيان كما ال خيفى وحيث ان هذه الفرق املبتدعة من اهل القبلة ال‬
‫ينبغي اجلرأة يف تكفريهم ما مل ينكروا لضرورايت الدين ومل يردوا ما ثبت من االحكام‬
‫الشرعية ابلتواتر وقبلوا ما علم جميئه من الدين ابلضرورة قال العلماء لو وجد يف مسئلة‬
‫‪- 956 -‬‬

‫تسعة وتسعون وجها توجب التكفري ووجه واحد ينفيه ينبغي تصحيح هذا الوجه وان ال‬
‫حيكم ابلكفر وهللا سبحانه اعلم وكلمته احكم (وايضا) ينبغي ان يعلم ان املراد من نصف‬
‫اليوم الذي يدخل فقراء هذه االمة قبل االغنياء بتلك املدة يف اجلنة هو مخسمائة سنة من‬
‫سين الدنيا فان اليوم عند هللا تعاىل الف سنة وان يوما عند ربك كألف سنة ما تعدون‬
‫شاهد هلذا املعن وكيفية تقدير تلك املدة مفوضة اىل علم هللا جل شأنه من غري ان يكون‬
‫هناك ليل وال هنار وال سنة وال قمر متعارفة واملراد من الفقري الفقري الصابر الذي هو ملتزم‬
‫التيان االحكام الشرعية وجمتنب عن املنهيات الشرعية وللفقراء درجات ومراتب بعضها‬
‫فوق بعض وأعلى مراتبه امنا يتصور يف مقام الفناء الذي يكون فيه غري احلق سبحانه‬
‫مضمحال ومتالشيا ومنسيا ومن هو جامع جلميع مراتب الفقر أفضل ممن يتحقق ببعضها‬
‫دون بعض فمن فيه فقر ظاهر مع وجود الفناء أفضل ممن له الفناء فقط دون الفقر‬
‫الظاهر فافهم‪.‬‬

‫{ املكتوب التاسع والثالثون اىل اخلواجه حسام الدين امحد يف جواب مشاورته‬
‫لسفر احلج مع توابعه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد ان احوال فقراء هذه احلدود‬
‫واوضاعهم مستوجبة للحمد املسؤل من هللا سبحانه سالمتكم وعافيتكم وقد تشرفت‬
‫مب طالعة الصحيفة الشريفة املرسلة ابسم هذا الفقري على وجه الشفقة واملرمحة وقد أظهرمت‬
‫اشتياق ا لتوطن يف أحد احلرمني الشريفني مع االهل والعيال واملوت فيه (أيها) املخدوم‬
‫املكرم ان ذهاب االهل والعيال ال يظهر يف النظر بل يكاد يفهم املنع وذهابكم وحدكم‬
‫يظهر يف النظر مستحسنا ونرجو وصولكم ابلسالمة واالمر اىل هللا سبحانه (وكتبتم) ايضا‬
‫يف مادة السيد ان االطبا ء حاكمون بضرره أيها املشفق انه كلما ميعن النظر ال يشاهد فيه‬
‫الضرر بيد انه حيس ظلمة غري ظلمة الضرر ومل ندر ما وجهها وابجلملة ان ضرر االطباء‬
‫مفقود وهللا سبحانه اعلم و السالم‪.‬‬
‫‪- 957 -‬‬

‫{ املتكوب االربعون اىل موالان حممد صادق الكشمريي يف بيان علم اليقني‬
‫احلاصل للصوفية وعلم اليقني الكائن الرابب املعقول}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان علم اليقني عبارة عند‬
‫الصوفية عن يقني حاصل من االستدالل ابالثر على املؤثر وهذا املعن ميسر الهل النظر‬
‫واالستدالل فما يكون الفرق بني علم اليقني املخصوص ابلصوفية وعلم اليقني احلاصل‬
‫الرابب املعقول ومل يكون علم اليقني املختص ابلصوفية داخال يف الكشف والشهود وال‬
‫يكون ما للعلماء خارجا عن مضيق النظر والفكر (ينبغي) ان يعلم ان شهود االثر الزم‬
‫يف علم كلتا الطائفتني حت ينتقل منه اىل املؤثر الذي هو غري مشهود غاية ما يف الباب‬
‫انه ملا كان بني االثر واملؤثر ارتباط كان ذلك سببا لالنتقال من وجود االثر اىل وجود‬
‫املؤثر وذلك االرتباط ايضا مكشوف ومشهود يف علم اليقني املختص ابلصوفية دون ما‬
‫للعلماء فانه نظري وفكري فيه فيكون االنتقال ايضا نظراي وفكراي ابلضرورة فيكون يقني‬
‫الطائفة االوىل داخال يف الكشف والشهود دون يقني الطائفة الثانية فانه ال يكون خارجا‬
‫من مضيق االستدالل واطالق االستدالل على يقني الصوفية مبين على الظاهر والصورة‬
‫لكونه متض منا لالنتقال من االثر اىل املؤثر واال ففي احلقيقة داخل يف الكشف والشهود‬
‫خبالف يقني العلماء فان فيه حقيقة االستدالل وملا كان هذا الفرق الدقيق خمفيا على‬
‫االكثرين بقوا يف مرتبة احلرية ابلضرورة وأطال مجاعة منهم من قصوره لسان االعرتاض على‬
‫بعض االعزة الذي فسر علم اليقني املختص ابلصوفية ابالستدالل من االثر اىل املؤثر كل‬
‫ذلك لعدم االطالع على حقيقة االمر وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل و السالم على‬
‫من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي واالربعون اىل واحدة من النساء الصاحلات يف النصائح‬


‫الضرورية لطائفة النساء}‬
‫‪- 958 -‬‬

‫قال هللا تبارك و تعاىل اي أيها النيب اذا جاءك املؤمنات يبايعنك على أن ال يشركن‬
‫ابهلل شيئا اآلية نزلت هذه اآلية يوم فتح مكة وملا فرغ رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫من بيعة الرجال شرع يف بيعة النساء وكانت بيعة النساء مبجرد القول مل متس يد النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم يد النساء البايعات اصال وملا كانت الذمامي واالخالق الردية يف‬
‫النساء اكثر منها يف الرجال بني يف بيعة النساء شرائط زائدة على ما يف بيعة الرجال وهنى‬
‫النساء عن تلك الذمامي يف ذلك الوقت المتثال امر هللا تعاىل الشرط االول عدم اشراك‬
‫شئ ابهلل تعاىل ال يف وجوب الوجود وال يف استحقاق العبادة ومن مل يكن عمله مربأ عن‬
‫شائبة الرايء والسمعة ومظنة طلب االجر من غري هللا تعاىل ولو ابلقول والذكر اجلميل‬
‫فليس هو خبارج من دائرة الشرك وال هو موحد خملص قال عليه و على آله وصحبه‬
‫الصالة و السالم الشرك يف اميت اخفى من دبيب النملة اليت تدب يف ليلة ظلماء على‬
‫ضخرة سوداء {شعر}‪:‬‬
‫الف ىب شركى مزن كان از نشان ابى مور * در شب اتريك بر سنگ سياه‬
‫پنهان تر است‬
‫وقال عليه الصالة و السالم واتقوا الشرك االصغر قالوا ما الشرك االصغر قال‬
‫الرايء ولتعظيم مراسم الشرك ومواسم الكفر كلها قدم راسخ يف الشرك واملصدق للدينني‬
‫من أهل الشرك واملتشبس مبجموع احكام االسالم والكفر مشرك والتربي من الكفر شرط‬
‫االسالم واالجتناب عن شائبة الشرك توحيد واالستمداد من االصنام والطاغوت يف دفع‬
‫االمراض واالسقام كما هو شائع فيما بني جهلة أهل االسالم عني الشرك والضاللة‬
‫وطلب احلوائج من االحجار املنحوتة نفس الكفر وانكار على واجب الوجود تعاىل‬
‫وتقدس قال هللا تبارك و تعاىل شكاية عن حال بعض اهل الضالل يريدون ان يتحاكموا‬
‫اىل الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضالال بعيدا واكثر النساء‬
‫مبتليات هبذا االستمداد املمنوع عنه بواسطة كمال اجلهل فيهن يطلنب دفع البلية من هذه‬
‫االمساء اخلالية عن املسميات ومفتوانت ابداء مراسم الشرك واهل الشرك خصوصا وقت‬
‫‪- 959 -‬‬

‫عروض مرض ا جلدري املعروف فيما بني نساء اهلنود ابلستيلة فان ذلك الفعل مشهود‬
‫وحمسوس من خيارهن وشرارهن يف ذلك الوقت حبيث ال تكاد توجد امرأة خالية من‬
‫دقائق هذا الشرك واتركة لالقدام عليه برسم من رسومه اال من عصمها هللا تعاىل وتعظيم‬
‫االايم املعظمة عند اهلنود واداء رسوم االايم املتعارفة عند اليهود مستلزم للشرك ومستوجب‬
‫للكفر كما أن جهلة اهل االسالم خصوصا طائفة نسائهم يؤدون رسوم اهل الكفر يف‬
‫اايم دوايل الكفار وجيعلوهنا عيدهم ويرسلون اىل بيوت بناهتم واخواهنم هدااي كهدااي اهل‬
‫الشرك ويصبغون يف ذلك املوسم ظروفهم مثل الكفار وميلؤهنا ابالرز االمحر مث يرسلوهنا‬
‫هدااي ويعتنون هبذا املوسم كمال االعتناء وكل ذلك شرك وكفر بدين االسالم قال هللا‬
‫تبارك و تعاىل وما يؤمن اكثرهم ابهلل اال وهم مشركون وما يفعلونه من ذبح احليواانت‬
‫املنذورة للمشائخ عند قبور املشائخ املنذورة هلم جعله الفقهاء ايضا يف الرواايت الفقهية‬
‫داخال يف الشرك وابلغوا يف هذا الباب واحلقوه جبنس ذابئح اجلن املمنوع عنها شرعا‬
‫والداخل يف دائرة الشرك فينبغي االجتناب عن هذا العمل ايضا لكون شائبة الشرك فيه‬
‫فان وجوه النذر غري ذلك كثرية فالي شيئ يرتكب ذبح احليوان وجيعل ملحقا بذابئح‬
‫اجلن ويتش به به بعبدة اجلن ومثل ذلك صيام النساء بنية املشايخ وبال بيان وينحنت اكثر‬
‫أساميهم من عند انفسهن ويصمن بنيتهم ويعني لكل افطار يوم وضعا خمصوصا ويعني‬
‫االايم ايضا للصيام وجيعلن مطالبهن ومقاصدهن مربوطة بتلك الصيام ويطلنب حوائجهن‬
‫منهم بواسطة تلك الصيام ويزعمن قضاء حوائجهن منهم وذلك الفعل اشراك للغري يف‬
‫عبادة هللا تعاىل وطلب لقضاء احلوائج عن الغري بواسطة العبادة اليه ينبغي ان يعلم شناعة‬
‫هذا الفعل وقد ورد يف احلديث القدسي قال هللا تعاىل الصوم يل واان اجزي به يعين ان‬
‫الصوم خمصوص يب ال شركة للغري يب يف الصوم وان مل جيز اشراك احد به تعاىل يف مجيع‬
‫العبادات ولكن ختصيص الصوم لالهتمام به والتأكيد يف نفي الشركة عنه وقول بعض‬
‫النساء وقت اظهار شناعة هذا الفعل حنن نصوم هذه الصيام هلل تعاىل وامنا هندي ثواهبا‬
‫الرواح املشائخ حيلة منهن فان كن صادقات يف ذلك فالي شئ حيتاج اىل تعيني االايم‬
‫‪- 960 -‬‬

‫للصيام وختصيص الطعام وتعيني اوضاع شنيعة خمتلفة يف االفطار وكثريا ما يرتكنب‬
‫احملرمات وقت االفطار ويفطرن بشئ حرام ويسئلن شيئا من غري حاجة ويفطرن به‬
‫ويزعمن قضاء حوائجهن خمصوصا ابرتكاب هذا احملرم وهذا عني الضاللة وتسويل‬
‫الشيطان اللعني وهللا العاصم (والشرط) الثاين املذكور يف بيعة النساء النهي عن السرقة‬
‫وهي من كبائر السيئات وحيث كانت هذه الذميمة متحققة يف اكثر افراد النساء حت ال‬
‫تكاد توجد امرأة خالية عنها جعل النهي عنها من شرائط بيعتهن والاليت يتصرفن يف‬
‫اموال ازواجهن من غري اذهنم ويتلفنها بال حتاش داخالت يف مجلة السارقات وهذا املعن‬
‫ميكن ان نقول انه اثبت يف عموم النساء وهذه اخليانة تكاد توجد يف مجيع افرادهن اال‬
‫من عصمها هللا سبحانه وليتهن يعددن ذلك سيئة وخيانة وخوف اسحتالل هذه السيئة‬
‫غالب يف حقهن وخوف الكفر من جهة هذا االستحالل ازيد يف شأهنن واحلكيم املطلق‬
‫جل شأنه هنى النساء عن السرقة بعد النهي عن الشرك بعالقة ان هلذه الذميمة قدما‬
‫راسخا يف الكفر يف حقهن وذلك بواسطة شيوع استحالهلن اايها واهنا انكر من سائر‬
‫كبائر السيئات يف حقهن فاذا حصل للنساء بواسطة تكرر اخذ اموال ازواجهن ملكة‬
‫اخليانة وزال قبح التصرف يف اموال الغري عن نظرهن ال يبعد ان يتعدى تصرفهن يف اموال‬
‫غري ازواجهن فيسرقن اموال الغري و خي ّن فيها بال حتاش يكاد يكون هذا املعن واضحا‬
‫ابدىن اتمل فتحقق ان هني النساء عن السرقة من اهم مهمات االسالم وتعني كون قبحها‬
‫بعد قبح الشرك ابلنسبة اليهن (تذييل) قال نبينا صلّى هللا عليه و سلّم يوما لالصحاب‬
‫أتدرون ما اسوأ السرقة قالوا هللا ورسوله أعلم قال ان اسوأ السرقة من يسرق من صالته‬
‫يعين ال يكمل اركان صالته وال يؤديها على وجه الكمال واالجتناب عن هذه السرقة‬
‫ايضا ضروري حت ال يكون من أسوء السارقني فينبغي ان ينوي الصالة حبضور القلب‬
‫فان العمل ال يصح بدون حصول النية وان يقرأ القراءة صحيحة واداء الركوع والسجود‬
‫والقومة واجللسة ابالطمئنان يعين ينبغي ان يقوم بعد الركوع قياما كامال وان يسكن فيها‬
‫مقدار تسبيحة وان جيلس بني السجدتني مقدار تسبيحة ايضا حت يتيسر االطمئنان يف‬
‫‪- 961 -‬‬

‫القومة واجللسة ف من مل يفعل كذلك فقد أدخل نفسه يف زمرة السارقني وصار موردا‬
‫للوعيد (والشرط) الثالث املنصوص يف بيعة النساء النهي عن الزان وختصيص بيعة النساء‬
‫هبذا الشرط بواسطة ان حصول الزان امنا يكون يف االغلب بتوسط حصول رضاء النساء‬
‫هبذا العمل وعرض انفسهن على الرجال فتكون النساء اسبق فيه و يكون رضاهن معتربا‬
‫يف حصوله فيكون النهي عنه آكد يف حقهن و يكون الرجال اتبعني للنساء فيه ومن هنا‬
‫قدم احلق سبحانه الزانية على الزاين يف كتابه اجمليد وقال تعاىل الزانية والزاين فاجلدوا كل‬
‫واحد منهما مائة جلدة وهذه الذميمة موجبة خلسارة الدنيا واآلخرة ومستقبحة يف مجيع‬
‫االداين و مستنكرة روى ابو حذيفة رضي هللا عنه عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم انه قال‬
‫ايها الناس اتقوا من الزان فان فيه ستة خصال ثالثة منها يف الدنيا وثالثة يف اآلخرة فأما‬
‫اليت يف الدنيا االوىل ان الزان يذهب هباء االنسان ونورانيته وصفاءه والثانية انه يورث الفقر‬
‫والثالثة انه يورث النقصان يف العمر وأما اليت يف اآلخرة فأحدها سخط هللا وغضبه تعاىل‬
‫والثانية سوء احلساب والثالثة عذاب النار اعلم ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال زان‬
‫العني النظر اىل االجنبيات وزان اليدين مس االجنبيات وزان الرجلني املشي حنو االجنبيات‬
‫قال هللا تبارك و تعاىل قل للمؤمنني يغضوا من أبصارهم وحيفظوا فروجهم ذلك أزكى هلم‬
‫ان هللا خبري مبا يصنعون وقال تعاىل وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن وحيفظن‬
‫فروجهن (ينبغي) ان يعلم ان القلب اتبع للعني وما مل تغمض العني عن احملرمات فحفظ‬
‫القلب مشكل وما دام القلب مشغوال فحفظ الفرج متعسر فكان غض البصر من‬
‫احملرمات ضروراي حت يتيسر حفظ الفرج وهنى يف القرآن اجمليد النساء عن لني الكالم مع‬
‫الرجال األجانب مثل الفاجرات لئال يطمع الذين يف قلوهبم مرض فيهمون ابلسوء بل‬
‫يقلن قوال معروفا خاليا عن الوهم والطمع وورد النهي ايضا عن إبداء النساء زينتهن عند‬
‫الرجال لئال يظهر فيهم االقتضاء وورد النهي ايضا عن الضرب ابرجلهن اىل االرض ليعلم‬
‫ما خيفني من زنيتهن مثل اخللخال وامثاله فيتحرك ويظهر شنشنته وهي مستلزمة مليل‬
‫الرجال اىل النساء (وابجلملة) ان كل ما هو منجر اىل الفسق فهو مستقبح ومنهي عنه‬
‫‪- 962 -‬‬

‫ينبغي االحتياط منه لئال ترتكب مقدمات احملرمات ومباديها حت يتيسر السالمة من‬
‫نفس احملرمات وهللا سبحانه العاصم وما توفيقي اال ابهلل عليه توكلت واليه أنيب (ال‬
‫خيفى ) ان املرأة االجنبية كالرجل االجنيب يف حق النظر اىل املرأة ومسها بشهوة وال جيوز‬
‫تزيني املرأة نفسها لغري بعلها رجال كان ذلك الغري او امرأة وكما ان نظر الرجال اىل االمرد‬
‫ومسهم اايه ابلشهوة حرام نظر النساء اىل النساء ومسهن اايهن ابلشهوة ايضا حرام‬
‫ينبغي ان يراعى هذه الدقيقة كمال الرعاية فاهنا طريق واسع اىل خسارة الدنيا واآلخرة ويف‬
‫وص ول الرجل اىل املرأة تعسر بواسطة التباين بني الصنفني ووجود املوانع خبالف وصول‬
‫املرأة اىل املرأة فانه الحتاد الصنف يف كمال اليسر والسهولة فينبغي رعاية االحتياط يف‬
‫ذلك اكثر منها فيما هنالك وينبغي املنع البليغ عن نظر املرأة اىل املرأة ونظر الرجل اىل‬
‫املرأة ونظ ر املرأة اىل الرجال (والشرط) الرابع املذكور يف بيعة النساء النهي عن قتل االوالد‬
‫وكان نساء اجلاهلية يقتلن بناهتن خمافة الفقر وهذا العمل الشنيع كما أنه متضمن لقتل‬
‫النفس متضمن لقطع الرحم ايضا وهو من الكبائر (والشرط) اخلامس املذكور يف بيعة‬
‫النساء النهي عن البهتان واالفرتاء وملا كانت هذه الذميمة يف النساء أكثر خصهن ابلنهي‬
‫عنها وهذه الصفة من اشد ذمائم الصفات قبحا وارذل رذائل االخالق فاهنا متضمنة‬
‫للكذب الذي هو حرام يف مجيع االداين ومستنكر وايضا انه متضمن اليذاء املؤمن وهو‬
‫حرام وانه مستلزم للفساد يف االرض وهو حمظور وممنوع عنه وحمرم ومستنكر بنص القرآن‬
‫(والشرط) السادس النهي عن معصية النيب وخمالفته صلّى هللا عليه و سلّم يف كل أمر‬
‫معروف أيمر به وهذا الشرط متضمن المتثال مجيع االوامر واالنتهاء عن مجيع املناهي‬
‫الشرعية من الصالة والصوم والزكاة واحلج وهذه االربعة مما بين االسالم عليها بعد االميان‬
‫ابهلل تعاىل ومبا جاء من عنده ابلضرورة فينبغي اداء الصلوات اخلمس من غري كسل وفتور‬
‫ابجلد واجلهد وينبغي ايضا اداء الزكاة املالية اىل مصارفها بقبول املنة وينبغي ايضا صيام‬
‫شهر رمضان الذي هو مكفر لسيئات سنة وينبغي ايضا اداء احلج الذي قال النيب صلّى‬
‫جيب ما كان قبله حت يكون االسالم قائما وكذلك ال بد‬
‫هللا عليه و سلّم يف حقه احلج ّ‬
‫‪- 963 -‬‬

‫من الورع و التقوى قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم مالك دينكم الورع وهو عبارة عن ترك‬
‫املنهيات الشرعية فينبغي االجتناب عن تناول املسكرات وان يعدها كاخلمر حمرما و‬
‫مستنكرا واالجتناب عن الغناء ايضا ضروري فانه داخل يف اللهو واللعب احلرام وورد ان‬
‫الغناء رقية الزانء واالجتناب عن الغيبة والنميمة ايضا الزم فاهنما ممنوع عنهما وايضا‬
‫االجتناب عن السخرية وايذاء املؤمن ضروري فان ايذاء املؤمن بغري حق أبي وجه كان‬
‫وسخريته منهي عنهما وال ينبغي اعتبار الطرية واعتقاد أتثريها وال ينبغي ايضا اعتقاد‬
‫تعدي املرض من شخص اىل آخر فان املخرب الصادق عليه الصالة و السالم منع عن‬
‫كليهما حيث قال ال طرية وال عدوى وال ينبغي اعتبار كالم الكاهن واملنجم وال يسأهلما‬
‫عن االمور الغيبية وال يعتقد معرفتهما ابالمور الغيبية فانه قد ورد املنع عن ذلك ابملبالغة‬
‫وينبغي االجتناب عن استعمال السحر مباشرة وامرا فانه حرام قطعي وله قدم راسخ يف‬
‫الكفر وال كبرية اقرب اىل الكفر من استعمال السحر ينبغي االحتياط عنه حت ال تصدر‬
‫دقيقة من دقائقه فانه قد ورد ما دام املسلم مسلما ال يصدر عنه السحر فاذا زال عنه‬
‫االميان اعاذان هللا سبحانه عن ذلك يصدر عنه السحر فكل من السحر واالميان كأنه‬
‫نقيض اآلخر فاذا وقع السحر ال يبقى االميان فينبغي رعاية هذه الدقيقة لئال يتطرق اخللل‬
‫يف االميان ولئال خيرج االسالم عن اليد بشؤم هذا العمل وابجلملة كلما امر به املخرب‬
‫الصادق عليه و على آله الصالة و السالم وبينه العلماء يف الكتب الشرعية ينبغي‬
‫االجتهاد والسعي البليغ يف امتثاله معتقدا خالفه مسا قاتال موصال اىل املوت االبدي‬
‫وموقعا يف انواع العذاب السرمدي وملا قبلت النساء املبايعات هذه الشرائط كلها ابيعهن‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم مبجرد القول واستغفر هلن هللا أبمره جل وعال واالستغفار‬
‫الذي وقع عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف حق مجاعة يرجى رجاء اتما ان يكون‬
‫مستجااب وان تكون اجلماعة مغفورة هلا وكانت هند زوجة ايب سفيان رضي هللا عنهما‬
‫داخلة يف املبايعات بل كانت هي رئيستهن وتكلمت من لساهنن ففي هذه البيعة‬
‫واالستغفار رجاء عظيم يف حقها فاي امرأة تعرتف هبذه الشرائط وتعمل مبقتضاها تكون‬
‫‪- 964 -‬‬

‫داخلة يف هذه البيعة حكما ويرجى هلا من بركات ذلك االستغفار وقال هللا تبارك و تعاىل‬
‫ما يفعل هللا بعذابكم ان شكرمت وآمنتم والشكر عبارة عن قبول االحكام الشرعية والعمل‬
‫مبقتضاها وطريق النجاة واخلالص هي متابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم يف االعتقاد والعمل واالستاذ والشيخ امنا مها للداللة على الشريعة وليحصل اليسر‬
‫والسهولة يف االعتقادايت والعمليات بربكتهما ال الن يفعل املريدون ما ارادوا وأيكلوا ما‬
‫شاؤا مث يكون الشيخ سرتا هلم عن النار ومينع عنهم العذاب فان هذا املعن متين حمض ال‬
‫يشفع هناك احد اال ابذن هللا ومن مل يكن ممن ارتضاء ربه ال يشفع فيه أحد وامنا يكون‬
‫مرتضى اذا كان عامال مبتضى الشريعة فحينئذ اذا صدرت عنه زلة مبقتضى البشرية‬
‫فتداركها ميكن ابلشفاعة (فان قيل) أبي اعتبار ميكن ان يقال للمذنب مرتضى (أجيب)‬
‫ان احلق سبحانه اذا اراد مغفرة شخص يبدي وسيلة للعفو عنه فهو مرتضى يف احلقيقة‬
‫وان كان مذنبا يف الظاهر وهللا سبحانه املوفق ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيّئ لنا من أمران‬
‫رشدا و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين واالربعون اىل اخلواجه حممد هاشم يف بشارته}‬


‫بعد احلمد والصالة وتبليغ الدعوات اهني ان الصحيفة الشريفة املرسلة مع املال فتح‬
‫هللا قد وصلت وحيث كانت متضمنة لبيان احملبة واالخالص واحلرارة واالشتياق اورثت‬
‫فرحا وسرورا وظهر انبساط نورانيتكم يف النواحي وقت مطالعة كتابكم انبساطا كثريا يف‬
‫النظر واوقعين ذلك يف الرجاء هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك وما اكتب زايدة على‬
‫ذلك ايها احملب اان ما نعلم ما كان الباعث على ترك املري حممد نعمان املراسالت فان‬
‫كان له توهم شئ من هذا اجلانب فليس بواقع اصال بل ينبغي تصور كمال الصفاء‬
‫والفقري مراع لغاية السعي يف حمافظة جانب املري حمافظة الطري لبيضته لئال يقع فتور يف امر‬
‫الطلب فيكون سدا يف طريق السالكني وقد طرأ الضعف على الفقري منذ شهرين وهلذا‬
‫عجز عن تسويد جواب بعض اسئلته املندرجة يف املكتوب السابق فان رزق هللا سبحانه‬
‫‪- 965 -‬‬

‫الصحة والعافي ة نكتب ان شاء هللا واال فامللتمس من االحباب الدعاء والفاحتة وحسبنا‬
‫هللا ونعم الوكيل و السالم عليكم و على سائر اهل هللا وليكن االوالد الكرام ساملني‬
‫غامنني حمفوظني‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث واالربعون اىل اخلواجه حممد سعيد واخلواجه حممد معصوم‬
‫سلمهما هللا تعاىل يف بيان مكاملته الواقعة يف حمفل سلطان الوقت مد ظله}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد ان أحوال هذه احلدود‬
‫واوضاعها مستوجبة للحمد قد متر صحبات عجيبة وغريبة وبعناية هللا سبحانه و تعاىل ال‬
‫يتطرق مقدار شعرة من املساهلة واملداهنة يف هذا القيل والقال اىل االمور الدينية‬
‫واالصول االسالمية ويقع البيان يف هذه املعارك بعني العبارات اليت كانت تصدر يف‬
‫اخللوات واجملالس اخلاصة بتوفيق هللا سبحانه فان كتبنا ما جرى يف جملس واحد يستدعي‬
‫ان يكون جملدا خصوصا يف البارحة اليت هي الليلة السابعة عشر من شهر رمضان قد‬
‫ذكرت اشياء كثرية من فائدة بعثة االنبياء عليهم الصالة و السالم وعدم استقالل العقل‬
‫واالميان ابآلخرة وعذاهبا وثواهبا ومن اثبات الرؤية وخامتية خامت الرسل ومن جمدد كل مائة‬
‫ومن االقتداء ابخللفاء الراشدين رضي هللا تعاىل عنهم امجعني وسنية الرتاويح وبطالن‬
‫التناسخ ومن احوال اجلن ومن عذاهبم وثواهبم وامثال ذلك وصارت مسموعة حبسن‬
‫االستماع وذكر يف ضمن ذلك ايضا اشياء اخر من احوال االقطاب واالبدال واالواتد‬
‫وبيان خصوصياهتم كذا وكذا احلمد هلل سبحانه تكونون على ما أنتم عليه ال يظهر تغري‬
‫اصال ولعل هلل سبحانه و تعاىل يف هذه الواقعات واملالقاة مصاحل مستورة واسرار مكنونة‬
‫احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لو ال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق‬
‫واوصلت ختم القرآن اىل سورة عنكبوت وكل ليلة انصرف من ذاك اجمللس واجئ اىل‬
‫حملي اشتغل ابلرتاويح وفائدة احلفظ اليت هي دولة عظيمة قد حصلت يف هذه الفرتات‬
‫اليت هي عني اجلمعية احلمد هلل اوال وآخرا‪.‬‬
‫‪- 966 -‬‬

‫{املكتوب الرابع و االربعون اىل املري عبد الرمحن بن املري حممد نعمان يف دفع‬
‫شبهات املنكرين للرؤية األخروية}‬
‫الرحيم االعرتاض الذي يوردونه يف مسئلة الرؤية بل الدليل الذي‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫يقيمونه على نفي الرؤية هو ان الرؤية البصرية تقتضى حماذاة املرئي ومقابلته ابلرائي وهي‬
‫مفقودة يف حق الواجب تعاىل لكوهنا مستلزمة للجهة املنجرة اىل االحاطة والتحديد‬
‫والنهاية املستلزمة للنقص املنايف لاللوهية تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا (واجلواب) ان‬
‫القادر على الكمال جل سلطانه اذا اعطى للبصر الذي هو عبارة عن القطعتني‬
‫العصبيتني اجملوفتني اخلاليتني عن احلس واحلركة يف هذه النشأة الضعيفة الفانية قوة‬
‫احساس االشياء وابصارها بشرط املقابلة واحملاذاة مل ال ميكن ان يعطي يف النشأة اآلخرة‬
‫القوية الباقية هلاتني القطعتني العصبيتني قوة تبصر هبا املرئي بال مقابلة وحماذاة سواء كان‬
‫ذلك املرئي يف مجيع اجلهات او مل يكن يف جهة اصال فما االستبعاد يف ذلك واين احملال‬
‫فان الفاعل املختار جل سلطانه يف اعلى مرتبة االقتدار وقابل مستعد الن يتعلق به‬
‫األحساس واالبصار غاية ما يف الباب انه تعاىل راعى يف بعض األمكنة ملصاحل شرط‬
‫احملاذاة وتعني اجلهة يف احساس االبصار ويف بعض امكنة وأزمنة اخر اسقط ذلك الشرط‬
‫عن حيز االعتبار وقرر من غري هذا الشرط رؤية االبصار وقياس موطن على موطن آخر‬
‫مع وجود كمال االختالف والتضاد بينهما بعيد عن االنصاف وقصر النظر على‬
‫مكشوفات عامل امل لك والشهادة وانكار على عجائب عامل امللكوت (فان قيل) اذا كان‬
‫احلق سبحانه مرئيا ينبغي ان يكون حماطا ومدركا ابلبصر وذلك مستلزم للحد والنهاية‬
‫تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا (اجيب) ميكن ان يكون مرئيا وال يكون حماطا ومدركا‬
‫ابلبصر قال هللا تعاىل ال تدركه االبصار وهو يدرك االبصار وهو اللطيف اخلبري واملؤمنون‬
‫يرون احلق سبحانه يف اآلخرة وجيدون ابليقني الوجداين اهنم يرونه جل شأنه وجيدون يف‬
‫أنفسهم االلتذاذ املرتتب على الرؤية على وجه الكمال ولكن املرئي ال يكون مدركا هلم‬
‫‪- 967 -‬‬

‫اصال وال حيصل هلم شئ منه قطعا غري وجدان الرؤية وغري االلتذاذ هبا {شعر}‪:‬‬
‫وال أحد يصطاد عنقاء فاسرتح * واال تكون حامل الفخ دائما‬
‫والنقصان الذي يتوهم يف الرؤية من كون املرئي حماطا ومدركا مفقود يف ذلك‬
‫املوطن وجمرد ثبوت الرؤية بال جهة وااللتذاذ احلاصل للرائي من تلك الرؤية ال نقص وال‬
‫قصور فيها اصال بل من كمال انعام املرئي واحسانه اجالء مجاله الكامل حملرتقي انئرة‬
‫حمبته وارواؤهم من زالل رؤيته وتشريفهم بوصال حضرته من غري ان يعود شئ من النقص‬
‫والقصور اىل جناب قدسه تعاىل وبدون ثبوت اجلهة واالحاطة يف حضرة أنسه سبحانه‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫ازان طرف نپذيرد كمال او نقصان * وزين طرف شرف روزگار من ابشد‬
‫{ترمجة}‪:‬‬
‫يف جمدكم ال يلحق النقصان من * هذا ويل فيه الوف كرامة‬
‫او نقول لو كانت املقابلة واحملاذاة شرطا يف حصول الرؤية ينبغي ان تكون شرطا‬
‫يف جانب الرائي أيضا لكوهنا شرطا يف جانب املرئي فان املقابلة نسبة قائمة ابملتقابلني‬
‫اعين الرائي واملرئي فلزم ان ال يرى احلق سبحانه االشياء وال تكون صفة رؤية االشياء‬
‫اثبتة له تعاىل وتقدس وذلك خمالف للنصوص القرآنية قال هللا تعاىل وهللا مبا تعملون بصري‬
‫و هو السميع البصري وسريى هللا عملكم وايضا هو نقص وسلب للصفة الكاملة منه‬
‫تعاىل (فان قيل) ان الرؤية يف الواجب تعاىل عبارة عن العلم ابالشياء ال أهنا أمر آخر وراء‬
‫العلم مستلزم للجهة (أجيب) ال شك ان الرؤية من الصفات الكاملة اثبتة للواجب‬
‫سبحانه ابالستقالل بنص القرآن وارجاعها اىل العلم ارتكاب خالف (الظاهر) ولو سلم‬
‫اهنا من اقسام العلم ال يلزم منه عدم اشرتاط احملاذاة فيها فان العلم على قسمني قسم ال‬
‫يشرتط فيه حماذاة املعلوم وقسم آخر تشرتط فيه احملاذاة وهو املسمى ابلرؤية وهذا القسم‬
‫اعلى اقسام العلم يف املمكنات وحاصل يف مرتبة اطمئنان القلب وال أمن يف املعقوالت‬
‫من معارضة الوهم واخلايل عن تلك املعارضة امنا هو احملسوس ومن ههنا طلب اخلليل‬
‫‪- 968 -‬‬

‫على نبينا وعليه الصالة و السالم رؤية احياء املوتى ليطمئن قلبه مع وجود االميان واليقني‬
‫به (ينبغي) ان يعلم ان الرؤية اليت هي من الصفات الكاملة اذا مل تكن يف الواجب تعاىل‬
‫من اين جاءت للمكن فان كل كمال حاصل للمكن هو عكس الكمال الذي يف مرتبة‬
‫الواجب تعاىل وتقدس وحاشا ان يكون يف املمكن ما ليس للواجب تعاىل فان املمكن‬
‫هو عني النقص يف حد ذاته فان كان فيه كمال فهو عارية من مرتبة حضرة الوجوب‬
‫تعالت وتقدست اليت هي عني كل خري وكمال {شعر}‪:‬‬
‫ما جئت من بييت بشئ امنا * اعطيتين ما يب ونفسي بعض ذا‬
‫(وجواب آخر) عن أصل السؤال ان هذا االعرتاض متمش يف وجود الواجب تعاىل‬
‫وتقدس فكما انه ينفي الرؤية ينفي الوجود من جناب قدسه تعاىل فهذا االعرتاض ليس‬
‫بوارد لكونه مستلزما للمحال العقلي بيانه ان الواجب سبحانه اذا كان موجودا يكون‬
‫ألبتة يف جهة من جهات العامل من فوق وحتت وقدام وخلف وميني ومشال وذلك مستلزم‬
‫لالحاطة والتحديد املستلزم للنقص املنايف لاللوهية تعاىل هللا وتقدس عن ذلك (فان قيل)‬
‫ميكن ان يكون يف مجيع جهات العامل فال يلزم االحاطة والتحديد (اجيب) ان كونه يف‬
‫مجيع جهات العامل ال ينفي االحاطة والتحديد فانه على هذا التقدير ايضا يكون وراء‬
‫الع امل ألبتة فان االثنينية الزمة للغريية االثنان متغايران قضية مقررة عند ارابب املعقول‬
‫وذلك مستلزم للتحديد (ال خيفى) ان طريق التفصي من امثال هذه الشبهات املموهة‬
‫الغري احلقة التزام الفرق بني احكام الغيبة واحكام الشهادة وعدم قياس الغائب على‬
‫الشاهد فانه ميكن ان يكون بعض االحكام صادقا يف الشاهد وكاذاب يف الغائب وكماال‬
‫يف الشاهد ونقصا يف الغائب فان تباين االحكام اثبت خصوصا اذا كان بني املواطن بون‬
‫بعيد ما للرتاب ورب االرابب رزقهم هللا سبحانه االنصاف حت ال ينكروا النصوص‬
‫القرآنية هبذه التومهات والتخيالت املشتبهة وال يكذبوا االحاديث الصحيحة النبوية ينبغي‬
‫االميان ابمثال هذه االحكام املنزلة حميال كيفيتها على العلم الالكيفي معرتفا بقصور‬
‫االدراك عن معرفتها ال انه ينبغي نفي تلك االحكام ابنتفاء االدراك فانه بعيد عن‬
‫‪- 969 -‬‬

‫السالمة والصواب فانه ميكن ان تكون اشياء كثرية صادقة يف نفس االمر وتكون‬
‫مستبعدة عن ادراك عقولنا الناقصة فلو كان العقل كافيا لكان مثل ايب علي سينا الذي‬
‫هو مقتدى ارابب املعقول حمقا يف مجيع االحكام العقلية غري غالط فيها واحلال انه اخطأ‬
‫يف مسئلة واحدة وهي الواحد اليصدر عنه اال الواحد ما هو واضح للناظر املنصف أبدين‬
‫أتمل وطعن فيه االمام الفخر الرازي يف هذا املقام هبذه العبارة والعجب ممن يفين عمره يف‬
‫تعليم اآللة العاصمة عن اخلطأ يف الفكر وتعلمها مث اذا جاء اىل هذا املطلب االشرف‬
‫وقع منه اشياء يضحك منها الصيبان وعلماء اهل السنة شكر هللا تعاىل سعيهم يثبتون‬
‫مجيع االحكام الشرعية سواء كانت معقولة املعن او ال وال ينفوهنا بعلة عدم ادراك‬
‫كيفيتها مثل عذاب القرب وسؤال منكر ونكري والصراط وامليزان وامثاهلا مما عجزت عقولنا‬
‫الناقصة عن ادراكه وهؤالء الكرباء جعلوا مقتداهم الكتاب والسنة وجعلوا عقوهلم اتبعة‬
‫هلما فان ظفروا ابدراكها فبها واال يقبلون االحكام الشرعية وحيملون عدم االدراك على‬
‫قصور فهمهم ال اهنم كغريهم يقبلون ما تقبله وتدركه عقوهلم ويردون ما يعجز عن ادراكه‬
‫عقوهلم اال يعلمون ان بعثة االنبياء عليهم الصالة و السالم امنا هي بواسطة قصور العقول‬
‫عن ادراك بعض املطالب املرضية للموىل سبحانه والعقل وان كان حجة ولكنه ليس حبجة‬
‫كاملة واحلجة الكاملة امنا متت ببعثة االنبياء عليهم الصالة و السالم قال هللا تعاىل وما‬
‫كنا معذبني حت نبعث رسوال (ولنرجع) اىل أصل الكالم فنقول ان املقابلة واحملاذاة وان‬
‫كانت شرطا يف رؤية الشاهد ولكن ميكن ان ال يكون ذلك شرطا يف الغائب كما ان‬
‫الغائب موجود وليس يف جهة من جهات املوجودات اصال فكما انه منزه عن مجيع‬
‫اجلهات بال رؤية الرائي ال تكون جهة من اجلهات اثبتة له بعد الرؤية ايضا وتكون املقابلة‬
‫واحملاذاة مفقودة هناك فأي استبعاد واي استحالة هنا ورؤية الالكيفي ال كيفية فانه ال‬
‫سبي ل للكيفي اىل الالكيفي ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه وقياس الرؤية املنزهة عن‬
‫الكيف على الرؤية املتكيفة بكيف املتعلقة مبرئيات غري مناسب وبعيد عن االنصاف وهللا‬
‫سبحانه املوفق للصواب‪.‬‬
‫‪- 970 -‬‬

‫{املكتوب اخلامس واالربعون اىل موالان سلطان السرهندي يف علو شان قلب‬
‫املؤمن واملنع عن ايذائه نقل ابملعين}‬
‫احلمد هلل رب العاملني و الصالة و السالم على رسوله حممد و آله امجعني اما بعد‬
‫فاعلموا ان القلب جار هللا سبحانه وليس شئ اقرب اىل جناب قدسه كالقلب اايكم‬
‫وايذاءه اي قلب كان مؤمنا كان او عاصيا فان اجلار وان كان عاصيا حيمى فاحذروا من‬
‫ذلك واحذروا فانه ليس بعد الكفر الذي سبب ايذاء هللا تعاىل ذنب مثل ايذاء القلب‬
‫فانه اقرب مايصل اليه سبحانه واخللق كلهم عبيد هللا سبحانه والضرب واالهانة لعبد اي‬
‫شخص كان يوجب ايذاء مواله فما شأن املوىل الذي هو املالك على االطالق فال‬
‫يتصرف يف خلقه اال ابلقدر ال ذي امر به فانه ليس بداخل يف االيذاء بل هو امتثال المر‬
‫هللا تعاىل مثل الزاين البكر حده مائة سوط فلو زاد احد على مائة كان ظلما وداخال يف‬
‫االيذاء واعلموا ان القلب افضل املخلوقات واشرفها وكما ان االنسان افضلها المجاله‬
‫ومجعه ما يف العامل الكبري كذلك القلب جلامعيته ما يف االنسان وكمال بساطته وامجاليته‬
‫فانه كلما كان الشئ اشد امجاال واكثر مجعية يكون اقرب اىل جنابه تعاىل وان ما يف‬
‫االنسان اما هو من عامل اخللق او عامل االمر والقلب برزخ بينهما ويف مراتب العروج يعرج‬
‫مما يتضمنها لطائف االنسان اىل اصوله مثال يكون عروجه اوال اىل املاء مث اىل اهلواء مث‬
‫اىل النار مث اىل اصول اللطائف مث اىل االسم اجلزئي الذي هو ربه مث اىل كليه مث اىل ما‬
‫شاء هللا تعاىل خبالف القلب فانه ليس له اصل يعرج اليه بل يكون العروج منه اوال اىل‬
‫الذات تعالت وانه ابب غيب اهلوية لكن الوصول من طريق القلب وحده بغري ذلك‬
‫التفصيل متعسر و امنا يتيسر الوصول بعد امتام ذلك التفصيل اال ترى ان اجلامعية‬
‫والوسعة فيه امنا تكون بعد طيه تلك املراتب التفصيلية واملراد من القلب ههنا هو القلب‬
‫اجلامع البسيط ال املضغة اللحمية‪.‬‬
‫‪- 971 -‬‬

‫{املكتوب السادس واالربعون اىل حضرة املخدوم زاده حممد سعيد مد ظله‬
‫العايل يف بيان العروج والنزول نقل ابملعىن}‬
‫حنمده ونستعينه ونصلي على سيدان وموالان وشفيع ذنوبنا حممد وآله وأصحابه‬
‫اعلموا ان هللا سبحانه اظهر يل ان يف الكائنات نقطة هي مركز العامل الظلي وتلك النقطة‬
‫امجال مجيع العامل والعامل بتمامه تفصيل لذلك االمجال وتلك النقطة كالشمس يف السماء‬
‫هبا يتنور ما يف اآلفاق فكل من يصل اليه الفيض منه سبحانه يكون بتوسل تلك النقطة‬
‫وتلك النقطة حماذية لنقطة غيب اهلوية وتلك النقطة كائنة يف مرتبة النزول فما مل يكن‬
‫النزول يف هذه املرتبة من اهلبوط واالسفلية ال يكون العروج اىل تلك املرتبة املسماة بغيب‬
‫اهلوية وهذا النزول يف الدعوة والتكميل ويف ذلك النزول الذي يكون يف مرتبة تلك النقطة‬
‫يتخيل كان الوجه اىل العامل والظهر اليه سبحانه وظهر ان هذا التوجه اىل العامل واالنقطاع‬
‫عنه سبحانه امنا هو اىل املوت فاذا جاء وقت الوصال انعكس احلال ففي هذه النشأة‬
‫الفراق والشوق من اجلانبني واملالقاة امنا تكون بعد املوت وظهر معن احلديث القدسي‬
‫اال طال شوق االبرار اىل لقائي واان اليهم الشد شوقا واعلم انه مع حتقق النزول يف هذه‬
‫املرتبة ليس بني السالك وبني هللا سبحانه حجاب بل احلجب كلها مفقودة ولكن التوجه‬
‫اىل هللا سبحانه مفقود بل التوجه مثة بتمامه اىل اخللق فهذا مقام الدعوة وقد يقع النزول‬
‫من تلك النقطة اليت هي مركز دائرة العامل الظلي اىل النقطة اليت هي مركز دائرة العدم وهو‬
‫مقام الكفر ابهلل تعاىل واالنكار له سبحانه ولالنبياء عليهم الصالة و السالم وآلايته تعاىل‬
‫ويقع العروج عن تلك النقطة اىل مركز دائرة االصل اليت هي دائرة مقامات االنبياء عليهم‬
‫السالم وتلك النقطة اليت ذكرانها ظلمانية غاية الظلمة فالنزول يف ذلك املقام لتنويره‬
‫واشراقه أمر عظيم القدر و مقابلها نقطة االسالم وهي النقطة اليت يقع العروج اليها بعد‬
‫هذا النزول الظلماين ومصباح تلك النقطة الظلمانية كلمة ال اله اال هللا و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السابع واالربعون اىل سلطان الوقت مد ظله يف اسرار الدعاء‬


‫‪- 972 -‬‬

‫ومدح العلماء والصلحاء}‬


‫ان أقل الداعني امحد يظهر االنكسار والتواضع خلدام ذلك اجلناب املعلى ويؤدي‬
‫شكر نعمة االمن واالمان اليت هي شاملة حلال اخلواص والعوام ويطلب الفتح والنصرة‬
‫للعساكر االسالمية يف اوقات مظنة اجابة الدعاء وزمان اجتماع الفقراء فان كل احد‬
‫خملوق المر وكل ميسر ملا خلق له فان العبث يف افعال هللا تعاىل ممتنع واالمر الذي جعل‬
‫مربوطا ابلعساكر الغزاة اجملاهدين هو تقوية قوائم الدولة القاهرة وأتييد اركان السلطنة‬
‫الباهرة اليت ترويج الشريعة الغراء منوط هبا ملا قيل من ان الشرع حتت السيف وهذا االمر‬
‫جليل القدر ايضا مربوط بعسكر الدعاء الذين هم الفقراء واصحاب البالء فان الفتح‬
‫والنصرة على قسمني قسم جعل مربوطا ابالسباب وهو صورة الفتح والنصرة املتعلقة‬
‫بعسكر الغزاء والقسم الثاين حقيقة الفتح والنصرة الكائنة من عند مسبب االسباب وقوله‬
‫تعاىل وما النصر اال من عند هللا اشارة اىل ذلك وهي متعلقة بعسكر الدعاء فعسكر‬
‫الدعاء سبق بذله وانكساره عسكر الغزاء وترقى من السبب اىل املسبب {ع}‪:‬‬
‫بردند شكستگان ازين ميدان گوى‬
‫وايضا ان الدعاء يرد القضاء كما قال املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم ال يرد القضاء اال الدعاء[‪ ]1‬والسيف واجلهاد ليس فيهما قدرة رد القضاء فعسكر‬
‫الدعاء مع وجود الضعف واالنكسار كان اقوى من عسكر الغزاء وايضا ان عسكر‬
‫الدعاء كالروح لعسكر الغزاء و هو له مبثابة القالب فال بد لعسكر الغزاء من عسكر‬
‫الدعاء فان القالب اخلايل عن الروح ليس بقابل للتأييد والنصرة ومن ههنا قالوا كان‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يستفتح بصعاليك املهاجرين[‪ ]2‬مع وجود جند الغزاء‬
‫واستيالء احملاربني فالفقراء الذين هم جنود الدعاء مع وجود الذلة واملسكنة وعدم االعتبار‬
‫كما قالوا الفقر سواد الوجه يف الدارين وقع عليهم االحتياج يف بعض املواقع وحصل هلم‬

‫(‪ )1‬قوله ال يرد القضاء اخل أخرجه الرتمذي عن سلمان الفارسي رضي هللا عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله كان رسول هللا اخل اخرجه البغوي يف شرح السنة عن أمية بن خالد‪.‬‬
‫‪- 973 -‬‬

‫االعتبار مع عدم اعتبارهم هذا يف الواقع وفاقوا اقراهنم يف امثال هذه املواضع قال املخرب‬
‫الصادق عليه الصالة و السالم يوزن مداد العلماء بدم الشهداء يوم القيامة فيرتجح مداد‬
‫العلماء سبحان هللا وحبمده قد صار ذاك املداد وسواد الوجه ابعثا على عزهتم ورفعتهم‬
‫وبلغ من احلضيض اىل االوج درجاهتم نعم {ع}‪:‬‬
‫و يف الظلمات من ماء احلياة‬
‫قال الشاعر {شعر}‪:‬‬
‫غالم خوشيتنم خواند الله رخسارى * سياه روى من كرد عاقبت كارى‬
‫وهذا الفقري وان مل يكن الئقا ابن جيعل نفسه يف عداد جنود الدعاء ولكن مبجرد‬
‫اسم الفقر والحتمال اجابة الدعاء ال جيعل نفسه فارغا من دعاء الدولة القاهرة و يكون‬
‫رطب اللسان ابلدعاء والفاحتة بلسان احلال والقال ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم‪.‬‬

‫{ا ملكتوب الثامن واالربعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد مد‬
‫ظله العايل يف بيان سر اقربيته تعاىل وبيان ان انكشاف كنه الذات ابلعلم احلضوري}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (اعلم) ان‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫أقربيته تعاىل مربوطة ابلعلم احلضوري الذي تعلق ابصل املعلوم ال بظل من ظالله و‬
‫بصورة من صوره فان ذلك نصيب العلم احلصويل فالعلم احلصويل ال يكون يف احلقيقة‬
‫علم نفس الشئ بل علم صورة من صوره و يكون اجلهل متحققا ابلنسبة اىل نفس ذلك‬
‫الشئ سبحان هللا قد قالوا للجهل ابلشئ علما بذلك الشئ وكأهنم تصوروا صورة الشئ‬
‫وظله عني الشئ وزعموا علم تلك الصورة علم ذلك الشئ وذلك ممنوع ودعوى العينية‬
‫غري مسموعة فان بني الشئ وصورته نسبة االثنينية وكلما ثبتت نسبة االثنينية فالتغاير‬
‫الزم االثنان متغايران قضية مقررة من قضااي ارابب املعقول وأيضا ان العلم بصورة الشئ‬
‫كيف يكون مستلزما للعل م بذلك الشئ كما هو فان صورة الشئ متثال ظاهر الشئ ظهر‬
‫متلبسا أبحكام املرآة وكم من دقائق شئ واسراره ليس منها يف الصورة اسم وال رسم‬
‫‪- 974 -‬‬

‫{شعر}‪:‬‬
‫لو صور النقاش صورة ذا املنا * وا حرييت ما حيليت يف غنجه‬
‫وليت ظاهر الشئ يظهر بصرافته يف صورة الشئ و يكون الباطن موقوفا ومسكوات‬
‫عنه فانه اذا ثبت ان ظاهر الشئ يظهر يف صورة الشئ متلبسا ابحكام احملل واملرآة على‬
‫ما مر ال يبقى الظاهر على صرافته يقينا بل تعرض له هيئة أخرى فالصورة كما اهنا حمرومة‬
‫من ابطن الشئ حمرومة ايضا من ظاهره فال يكون علم تلك الصورة مستلزما لعلم ذلك‬
‫الشئ كما هو ابلضرورة وابجلملة ان املعلوم هو ما يكون كائنا يف الذهن وملا كان الكائن‬
‫يف الذهن الصورة يكون املعلوم ايضا هو تلك الصورة وملا كانت بني الصورة والشئ نسبة‬
‫التباين والتغاير ال يكون علم الصورة مستلزما لعلم الشئ كما هو والعلم احلضوري هو‬
‫الذي يكون احلاضر فيه يف املدركة نفس الشئ من غري ان يتخلل يف البني شئ من الظل‬
‫والصورة فيكون املعلوم يف هذا العلم هو نفس الشئ ال صورة من صوره فيكون العلم‬
‫احلضوري اشرف بل يكون العلم هو فقط ال غري و يكون ما سواه من العلم احلصويل‬
‫جهال مشتبها بصورة العلم واملتصف ابجلهل املركب من يزعم جهله علما وال يدري ابنه‬
‫ال يدي فال يكون للعلم احلصويل اىل ذاته وصفاته تعاىل سبيل وال تكون الذات و‬
‫الصفات الواجبية تعالت و تقدست معلومة هبذا العلم فان هذا العلم يف احلقيقة علم‬
‫بصورة املعلوم ال بنفس املعلوم كما مر وال سبيل للصورة يف حضرته جل سلطانه حت‬
‫يظن العلم ابلصورة علما ابالصل وان قال البعض ان احلق سبحانه وان مل يكن له مثل‬
‫ولكن له تعاىل مثال ولكن هذه الصورة املثالية على تقدير ثبوهتا غري تلك الصورة املنفية‬
‫اليت يتعلق هبا العلم ميكن ان تكون الصورة كائنة يف املثال الذي هو اوسع املخلوقات وال‬
‫تكون اثبتة يف الذهن وهذا احلديث القدسي ال يسعين ارضي وال مسائي ولكن يسعين‬
‫قلب عبدي املؤمن خمصوص بقلب العبد املؤمن الذي معاملته مغايرة ملعاملة سائر الناس‬
‫لتشرفه ابلفناء والبقاء وختلصه من احلصول وحتققه ابحلضور فان كان هناك التوسع فهو‬
‫ابعتبار احلضور ال ابعتبار احلصول {ع}‪:‬‬
‫‪- 975 -‬‬

‫يف اي مرآة يكون مصورا‬


‫(ينبغي) ان يعلم ان يف العلم احلضوري احتاد العامل ابملعلوم فزوال هذا العلم عن‬
‫العامل ال جيوز فان املعلوم هو نفسه فال ينفك عنه بل العلم مثة عني العامل وعني املعلوم‬
‫فاين اجملال لألنفكاك ينبغي ان يعلم ان املعلوم ملا كان يف العلم احلضوري نفس الشئ ال‬
‫صورته ينكشف املعلوم فيه كما هو ابلضرورة ويصري معلوما ابلكنه فان كنه الشئ عبارة‬
‫عن نفس الشئ وملا كان مجيع الوجوه واالعتبارات ساقطة وبقى نفس الذات احلاضرة‬
‫عند املدركة صار كنهها معلوما خبالف العلم احلصويل فان املعلوم هناك وجوه الشئ‬
‫واعتباراته اليت هي صوره واشباحه ال نفسه كما مر فال يكون املعلوم هناك كنه الشئ وال‬
‫يكون الشئ فيه معلوما بكنهه غاية ما يف الباب ان يف العلم احلصويل انكشاف الشئ‬
‫ودرك الشئ ويف العلم احلضوري انكشاف الشئ موجود ودركه مفقود فكنه املعلوم يصري‬
‫منكشفا ال يكون مدركا (ال خيفي) انه اذا ثبت العلم احلضوري ابلنسبة اىل ذات الواجب‬
‫جل سلطانه كما مر لزم ان يكون كنه الذات منكشفا وتكون الذات معلومة كما هي‬
‫وهذا خالف ما تقرر عند العلماء واقول ان هذا العلم احلضوري الذي تعلق بذات‬
‫الواجب تعاىل من قبيل الرؤية اليت يثبتوهنا ابلنسبة اليه تعاىل وهناك االنكشاف موجود‬
‫والدرك مفقود وكذا هنا االنكشاف موجود والدرك مفقود فاذا تعلقت الرؤية بذات‬
‫الواجب تعاىل مل ال يتعلق هبا العلم الذي هو الطف من الرؤية واحملذور امنا هو يف االدراك‬
‫املستلزم لالحاطة ال يف االنكشاف قال هللا تعاىل ال تدركه االبصار مل يقل ال تراه االبصار‬
‫(فان قيل) اذا مل حيصل الدرك ماذا جيدي االنكشاف (اقول) ان املقصود من االنكشاف‬
‫هو التذاذ الرائي وهو حاصل حتقق الدرك واال (فان قيل) ان االنكشاف بال درك كيف‬
‫يكون مستلزما لاللتذاذ (اجيب) ان العلم ابالنكشاف كاف حصل الدرك او ال اونقول‬
‫ان الدرك ايضا حاصل يف ذاك املوطن ولكنه جمهول الكيفية والدرك املنفي وهللا اعلم هو‬
‫ما تعلم كيفيته ويوجب احاطة املعلوم ال حييطون به علما مناسب للعلم احلصويل فانه اذا‬
‫مل يكن الدرك يف العلم احلضوري من اين يكون يف العلم احلصويل فان كلما هو يف الظل‬
‫‪- 976 -‬‬

‫مستفاد من مرتبة االصل ولكن الدرك يف االصل جمهول الكيفية ويف الظل معلوم الكيفية‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع واالربعون اىل جناب حضرة املري حممد نعمان يف بيان ان‬
‫العلم احلضوري للعارف بنفسه يتلعق به تعاىل}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ينبغي ان يعلم ان العلم احلصويل هو‬
‫ابلنس بة اىل اآلفاق والعلم احلضوري ابلنسبة اىل االنفس فاذا ظهرت معاملة اقربيته تعاىل‬
‫لعارف اتم املعرفة وحصلت وكان العارف متحليا هبذا املقام العايل يكون حكم تلك‬
‫األنفس يف حقه حكم اآلفاق ويتبدل العلم احلضوري املتعلق هبا علما حصوليا ويف هذا‬
‫الوقت يعرض القربيته تعاىل حكم االنفس والعلم احلضوري الذي كان اوال متعلقا‬
‫ابالنفس يكون حينئذ متعلقا بتلك االقربية ال مبعن انه جيد نفسه عني الواجب تعاىل‬
‫ويظن ان العلم املتعلق بنفسه متعلق بعينه ابلواجب سبحانه فان هذا هو بعينه معاملة‬
‫التوحيد ومتعلق مبقامات القرب وهناية القرب هي االحتاد واالقربية غري ذلك ومعاملته شئ‬
‫آخر ينبغي جماوزة االحتاد واالعرتاف ابالثنينية حت يتصور االقربية وال يقعن القاصر من‬
‫لفظ االثنينية يف التوهم وال يزعمن ان االحتاد فوق االثنينية فان االثنينية اليت هي دون‬
‫االحتاد مقام العوام كاالنعام وهذه االثنينية اليت هلا الوف مزية على االحتاد مقام االنبياء‬
‫الكرام عليهم الصالة و السالم كما ان الصحو الذي دون السكر هو حال العوام‬
‫والصحو الذي بعد السكر مقام اخلواص بل اخص اخلواص وكما ان االسالم الذي قبل‬
‫كفر الطريقة اسالم عوام اهل االسالم واالسالم الذي بعد كفر الطريقة اسالم اخص‬
‫ا خلواص والعجب ان العارف وان مل ير نفسه واجبا تعاىل ولكن العلم احلضوري املتعلق‬
‫بنفس العارف يتعلق ابلواجب و يكون علمه بنفسه الذي هو حضوري حصوليا {ع}‪:‬‬
‫وكم يف العشق من عجب عجيب‬
‫والعقل املعتقل ال يهتدى اىل هذه الدقيقة بل جيعلها راجعة اىل مجع الضدين قال‬
‫واحد من ا لعارفني عرفت ريب جبمع االضداد ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران‬
‫‪- 977 -‬‬

‫رشدا و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب اخلمسون اىل القاضي نصر هللا يف بيان الفرق بني استدالل العلماء‬
‫الراسخني واستدالل ارابب الظاهر ابالثر على املؤثر}‬
‫ان االستداالل ابالثر على املؤثر وابملخلوق على اخلالق جل سلطانه شغل علماء‬
‫الظاهر وشغل العلماء الراسخني ايضا الذين هم كمل ورثة االنبياء عليهم الصالة و‬
‫السالم علماء الظاهر حيصلون من العلم بوجود املخلوق العلم بوجود اخلالق وجيعلون‬
‫وجود االثر دليال على وجود املؤثر وحيصلون االميان واليقني بوجود املؤثر والعلماء‬
‫الراسخون الذين قطعوا درجات كماالت الوالية وبلغوا مقام الدعوة اليت هي خاصة‬
‫االنبياء عليهم الصالة و السالم ابالصالة أيضا يستدلون ابالثر على املؤثر بعد حصول‬
‫التجليات واملشاهدات ويكتسبون هبذا الطريق ايضا امياان ابملؤثر احلقيقي فاهنم يعرفون يف‬
‫آخر االمر ان كلما كان مشهودا ومتجليا هلم كان ظال من ظالل املطلوب متسحقا‬
‫للنفي وعدم االميان ويتيقنون ان االميان ابلالكيفي ال يتيسر يف هذا املوطن من غري‬
‫استدالل فالجرم يقبلون على االستدالل ويطلبون املطلوب بال حيلولة الظالل وملا كانت‬
‫هلؤالء الكرباء حمبة قوية جلناب قدسه تعاىل حبيث جعلوا ما سواه فداء له سبحانه فال جرم‬
‫يصلون اىل املطلوب احلقيقي من طريق االستدالل لقوله صلّى هللا عليه و سلّم املرء مع‬
‫من أحب ويتخلصون من مضيق التجليات والظهورات املشوبة ابلظالل ويعدون حنو‬
‫اصل االصل واملقام الذي يبلغ فيه علم علماء الظاهر يصل فيه هؤالء االكابر ابنفسهم‬
‫منجذبني جبذابت احملبة وحيصل هلم االتصال الالكيفي وهذا الفرق امنا نشأ من طريق‬
‫احملبة فكل من هو حمب منقطع عن غري احملبوب متصل به ومن ليست فيه هذه يكتفي‬
‫ابلعلم ويغتنم ذلك بل رمبا يبلغ هؤالء الكرباء مبلغا ال يبلغ فيه علم العلماء وهناية العلم‬
‫على تقدير الصحة اىل دهليز املطلوب والذي هو واصل اىل املطلوب فهو مع املطلوب‬
‫واملعية ال ترتك دقيقة ال تكون نصيبا هلم قال واحد من الكرباء {ع}‪:‬‬
‫‪- 978 -‬‬

‫بنده ابحق مهچو شري و شكرست‬


‫و هلل املثل االعلى ينبغي ان يكون عبدا وأن يتخلص عن عبدية ما سواه تعاىل‬
‫وهللا سبحانه املوفق‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي واخلمسون اىل املال شري حممد الالهوري يف بيان الفرق بني‬
‫تصديق القلب ويقينه}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (سؤال) قال بعض حمققي املتكلمني‬
‫ان حقيقة االميان قبول القلب وانقياده ابملؤمن به فما معن ذلك وهل القبول واالنقياد‬
‫عبارة عن نفس التصديق ويقني القلب ابملؤمن به او امر زائد عليهما (اجلواب) ان قبول‬
‫القلب غري يقينه وان مل يكن غري التصديق ولكنه متفرع على اليقني فان القلب ال خيلو‬
‫بعد حصول اليقني من احدى احلالتني اما التسليم واالنقياد ابملؤمن به او اجلحود به‬
‫واالنكار عليه وعالمة التسليم واالنقياد رضاء القلب ابملؤمن به وانشراح الصدر له‬
‫وعالمة اجلحود واالنكار كراهة القلب ابملصدق به وضيق الصدر عليه قال هللا تبارك و‬
‫تعاىل فمن يرد هللا ان يهديه يشرح صدره لالسالم ومن يرد ان يضله جيعل صدره ضيقا‬
‫حرجا كأمنا يصعد يف السماء اآلية وحصول التسليم واالنقياد للقلب ابملؤمن به بعد‬
‫حصول التصديق واليقني به واليقني به مبحض املوهبة االهلية جل سلطانه وبصرف كرمه‬
‫الالمتناهي ومن ههنا قيل ان االميان موهبة اهلية ومنشأ اجلحود واالنكار بعد حصول‬
‫اليقني والتصديق ابملصدق به رسوخ الصفات الردية يف النفس االمارة ومترهنا فيها لكوهنا‬
‫جمبولة على حب اجلاه والرايسة ومطبوعة على عدم قبول تبعية احد وتقليده تريد ان‬
‫يصدقها ويقبلها كل احد وهي ال تقلد احدا وال تتبع وال تستسلم فردا من االفراد وال‬
‫تنقاد وما ظلمهم هللا ولكن كانوا انفسهم يظلمون وقد خلص هللا سبحانه طائفة مبحض‬
‫فضله وكرمه من هذا املرض اجلبلي وشرفهم بشرف تسليم االنبياء وانقيادهم عليهم الصالة‬
‫و السالم الذين هم هداة االانم اىل سبل السالم والصراط املستقيم ووعد هلم جبنات النعيم‬
‫‪- 979 -‬‬

‫اليت هي حمل رضائه تعاىل وترك طائفة على طورهم ومل خيلصهم من تلك الرذائل جربا‬
‫وقهرا ومل جي ذهبم اىل هذه الدولة ولكن ابلغ يف بيان الصراط املستقيم وتبشري املصدق‬
‫املطيع وانذار املكذب العاصي ابرسال الرسل وانزال الكتب واقام احلجة على الفريقني‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين و اخلمسون اىل الفقري حممد هاشم الكشيمي يف بيان فناء‬
‫القلب و النفس و زوال العلم احلصويل و احلضوري}‬
‫الفناء عبارة عن نسيان ما سوى احلق سبحانه وما سواه تعاىل على قسمني آفاقي‬
‫وانفسي فنسيان اآلفاقي عبارة عن زوال العلم احلصويل ابلنسبة اىل اآلفاق ونيسان‬
‫االنفسي عبارة عن زوال العلم احلضوري ابلنسبة اىل االنفس فان العلم احلصويل يتعلق‬
‫ابآلفاق والعلم احلضوري ابالنفس وزوال العلم احلصويل ابالشياء مطلقا وان كان متعسرا‬
‫لكونه نصيب االولياء ولكن زوال العلم احلضوري مطلقا عسري جدا ونصيب الكمل من‬
‫االولياء يكاد يكون جتويزه بل تصوره حماال عند اكثر العقالء لزعمهم عدم حضور املدرك‬
‫عند املدرك سفسطة فان حضور الشئ عند نفسه ضروري عندهم فزوال العلم احلضوري‬
‫وان كان حملة ال يكون جموزا عندهم فكيف اذا كان زوال هذا العلم مطلقا حبيث ال يعود‬
‫ابدا والنسيان االول الذي هو ابلنسبة اىل العلم احلصويل يتعلق بفناء القلب والنسيان‬
‫الثاين الذي هو ابلنسبة اىل العلم احلضوري مستلزم لفناء النفس الذي هو امت وأكمل‬
‫وحقيقة الفناء امنا هي يف هذا املوطن والفناء االول كالصورة هلذا الفناء وكالظل له فان‬
‫العلم احلصويل ظل العلم احلضوري يف احلقيقة فيكون فناؤه ظل فناء هذا ابلضرورة‬
‫وحبصول هذا الفناء تستقر النفس يف مقام االطمئنان وتصري راضية عن احلق سبحانه‬
‫ومرضية له تعاىل وبعد البقاء والرجوع تتعلق معاملة التكميل واالرشاد هبا وهلا يتيسر‬
‫اجلهاد والغزا مع طبائع العناصر االربعة املختلفة اليت هي اركان البدن وكل واحد منها‬
‫يقتضى امرا من االمور غري ما يقتضيه اآلخر ويريد شيئا من االشياء خالف ما يريده‬
‫اآلخر وهذه الدولة غري م تيسرة لواحدة من اللطائف وهي اليت تصلح االاننية االبليسية‬
‫‪- 980 -‬‬

‫الناشئة من عنصر النار بسياستها وتورث االعتدال للقوة الشهوية والغضبية وسائر‬
‫االوصاف الذميمة اليت فيها شركة للبهائم واحليواانت حبسن تربيتها سبحان هللا قد صار‬
‫شر اللطائف خريها قال عليه الصالة و السالم خياركم يف اجلاهلية خياركم يف االسالم‬
‫اذا فقهوا {تنبيه} عالمة نسيان السوى عدم حضوره يف القلب وعالمة زوال العلم‬
‫احلضوري بنفس العامل انتفاء العامل ابلكل عينا وأثرا حت يتصور زوال العلم واملعلوم عنه‬
‫فان العلم واملعلوم يف ذلك املوطن نفس العامل فما مل يزل نفس العامل ال ينتفي العلم‬
‫واملعلوم والفناء االول هو فناء اآلفاق والفناء الثاين فناء االنفس الذي هو حقيقة الفناء‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث واخلمسون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم‬
‫مد ظله يف بيان زوال العني واالثر وجودا وشهودا}‬
‫الرحيم قال هللا تعاىل هل اتى على االنسان حني من الدهر مل يكن‬
‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫شيئا مذكورا بلى اي رب قد أتى على االنسان حني من الدهر مل يكن شيئا مذكورا ال عينا‬
‫وال اثرا وال شهودا وال وجودا مث يصري بعد ذلك ان شئت حيا حبياتك وابقيا ببقائك‬
‫ومتخلقا ابخالقك بل صار ابقيا بك بفضلك يف عني الفناء وفانيا فيك يف عني البقاء‬
‫لتالزم بينهما وحصول كمال كل واحد منهما بوجود اآلخر مثله مثل انسان القي يف‬
‫معدن ملح حت صار شيئا فشيئا منصبغا ابحكام امللح اىل ان صار كله ملحا ما بقي‬
‫منه عني وال اثر فال جرم ابيح قتله وقطعه وحل اكله وبيعه وشراؤه فلو بقي منه عني او‬
‫اثر ملا جاز ذلك ولنعم ما قيل يف الشعر الفارسي {شعر}‪:‬‬
‫سگى كاندر منك زار اوفتدگم گردد اندر وى * من اين درايى پر شور از منك‬
‫كمرت منيدامن‬
‫فان قلت انك قد كتبت يف املكاتيب والرسائل ان زوال العني واالثر امنا يكون‬
‫شهوداي ال وجوداي الستلزامه االحلاد والزندقة ورفعه االثنينية الثابتة بني العبودية والربوبية‬
‫فما معن زوال العني واالثر يف الوجود ايضا هنا (قلت) انصباغ الشئ ابلشئ حبيث يصري‬
‫‪- 981 -‬‬

‫احدمها منخلعا عن احكامه ومنصبغا ابحكام اآلخر ال يوجب رفع االثنينية عنهما حت‬
‫يكون احلادا وزندقة فان االنسان امللقى يف معدن امللح ما احتد مع امللح وما زالت‬
‫االثنينية بل حصل له من جوار امللح وسلطانه فناء عن نفسه وعن صفاته وبقاء ابمللح‬
‫واحكامه مع بقاء االثنينية غاية ما يف الباب ان هذه االثنينية شبيهة ابثنينية الظل مع‬
‫االصل ال استقالل هلا ويف تلك االثنينية الزائلة نوع استقالل يف نظر العوام فاالثنينية ابقية‬
‫بعد فال إحلاد وال زندقة واما منعي يف الكتب والرسائل عن الزوال الوجودي فمحمول‬
‫على قصور فهم العوام فاهنم يفهمون منه رفع االثنينية ويقعون يف االحلاد والزندقة تعاىل‬
‫هللا عما يقول الظاملون علوا كبريا بقي ان الشبح الذي يقع من ذلك االنسان بعد‬
‫صريورته ملحا حكميا هو يف احلقيقة صورة امللح الذي انصبغ ذلك االنسان بصبغه ال‬
‫صورة االنسان اال انه قيس ذلك امللح احلكمي مبقياس شبح ذلك االنسان وصور بصورته‬
‫ال انه بقي شبح ذلك االنسان فبقى اثره {تنبيه} ذلك الشبح يف امللح الذي قيس‬
‫مبقياس صورة االنسان ممكن بل واقع وأما ما حنن بصدده فليس كذلك فللّه املثل االعلى‬
‫فهو سبحانه ال يتحد مع شئ وال يتحد معه شئ وال يتصل ابالشياء وال ينفصل عنها‬
‫واالشياء ايضا غري متصلة به سبحانه وال منفصلة عنه تعاىل سبحان من ال يتغري بذاته‬
‫وال بصفاته وال يف امسائه حبدوث االكوان فهو سبحانه اآلن كما كان على صرافة التنزيه‬
‫والتقديس فهو تعاىل قريب من العامل ومع العامل ابلقرب واملعية اجملهولة كيفيتهما ال كقرب‬
‫اجلسم مع اجلسم وال كقرب اجلسم مع العرض وابجلملة ان صفات االمكان ومسات‬
‫احلدوث كلها مسلوبة عن جناب قدسه عروج االولياء ال يزيد يف قربه سبحانه للعبد‬
‫ووصول االصفياء ال حيصل اتصاله مع هللا والفناء والبقاء احوال للعرفاء غري ما فهمها‬
‫العقالء وزوال العني واالثر له معن ال يفهمه إال من رزق ذلك كما سيجئ حتقيقه‬
‫فاستمع كالم هذه الطائفة حبسن الظن والقبول وال تفهم منه مدلوله الظاهري ومدلوله‬
‫املطابقي فانه رمبا تغلط فيه غلطا فاحشا فتضل وتضل وهللا سبحانه املوفق امللهم للصواب‬
‫(فان قلت) قد جوزت زوال العني واالثر من االنسان فما تقول فيما جاء يف القرآن اجمليد‬
‫‪- 982 -‬‬

‫يف شأن خامت الرسل عليه وعليهم الصلوات و التسليمات قل امنا اان بشر مثلكم يوحى‬
‫اىل وما جاء يف احلديث النبوي امنا اان بشر أغضب كما يغضب البشر[‪ ]1‬وليس هذا اال‬
‫لبقاء االثر من االنسانية (قلت) ليس كذلك وال داللة فيه على بقاء االثر اال انه ملا اريد‬
‫ارجاع االنسان الكامل بعد الفناء والبقاء اىل العامل ودعوة اخللق اىل احلق سبحانه ركبت‬
‫فيه الصفات البشرية واخلصائص االنسانية الزائلة بعد كسر سورة تلك الصفات لتحصل‬
‫املناسبة بينه وبني العامل بعد ما زالت ويفتح هللا ابب االفادة واالستفادة بينه وبني العامل‬
‫بتلك املناسبة واحلكمة األخرى يف ارجاع هذه الصفات البشرية واحلاقها بعد زواهلا ابتالء‬
‫املكلفني واختبار املدعوين ليميز اخليبث من الطيب ويعتزل املكذب من املصدق وحيصل‬
‫االميان ابلغيب بعد ما لبس االمر وسرت احلال برجوع تلك الصفات قال هللا تبارك و‬
‫تعاىل ولو جعلناه ملكا جلعلناه رجال وللبسنا عليهم ما يلبسون (فان قال) قائل ما معن‬
‫زوال العني واالثر من االنسان الكامل واحلال ان ظاهره دائم على الصفات البشرية أيكل‬
‫ويشرب وينام ويسرتيح قال هللا يف شأن االنبياء عليهم الصالة و السالم وما جعلناهم‬
‫جسدا ال أيكلون الطعام (قلت) الفناء والبقاء من صفات الباطن ال تعلق للظاهر هبما‬
‫ابالصالة فان الظاهر دائم على احكامه والباطن ينخلع ويتلبس (فان قيل) لطائف الباطن‬
‫متعددة كلها متحقق ابلفناء والبقاء او بعضها فأي بعض هو (قلت) املتحقق هبما امنا‬
‫هو لطيفة النفس اليت هي يف احلقيقة حقيقة االنسان املشار اليها ابشارة قول اان فهي‬
‫االمارة ابلسوء اوال واملطمئنة آخرا والقائمة بعداوة الرمحن جل شأنه ابتداء والراضية به‬
‫واملرضية عنها انتهاء فهي شر االشرار وخري االخيار زاد شره شر ابليس وزاد خريه على‬
‫خري اهل التسبيح والتقديس {تنبيه} ليس معن الفناء والزوال هو الفناء الوجودي والزوال‬
‫الوجودي ومعن البقاء ابهلل هو زوال االمكان من املمكن رأسا وحصول الوجوب له اثنيا‬
‫فانه حمال عقلي والقول بذلك كفر بل هو خلع ولبس مع بقاء االمكانية مثل خلع ولبس‬
‫اثبته ارابب املعقول يف العناصر بطريق الكون والفساد اال اهنم ابقوا هيوالها اثبتا يف‬

‫(‪ )1‬قوله امنا اان بشر اخل اخرجه مسلم واحلاكم عن جابر رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪- 983 -‬‬

‫احلالني مع تبدل الصور النوعية وحنن ال نقول ابهليوىل وال بثبوبته بل نقول ان الفناء‬
‫والبقاء اعدام واجياد من القادر املختار جل شأنه جاء يف اخلرب لن يلج ملكوت السموات‬
‫من مل يولد مرتني كأنه اشار اىل االجياد الثاين ابلوالدة الثانية وامنا قالوا البقاء ابهلل جتوزا‬
‫وتشبيها لزوال الصفات الرذيلة وحصول االخالق احلميدة كاهنا شبيهة بصفات مرتبة‬
‫الوجوب تعالت وتقدست وقد حققت يف غري موضع ان ذات املمكن هو العدم ليس اال‬
‫هو فال معن لزواله فان املمكن ممكن يف مجيع االحوال حال الفناء والبقاء كما كان يف‬
‫حال عدمهما والواجب تعاىل واجب على االستمرار و الدوام ال يلحق جبناب قدسه شئ‬
‫وال ينفصل عنه امر ولنعم ما قيل يف الشعر الفارسي {شعر}‪:‬‬
‫سياه روئ ز ممكن دردو عامل * جدا هر گز نشد وهللا اعلم‬
‫(وال خيفى ) عليك ان بقاء االمكان يف املمكن ليس عبارة عن بقاء االثر يف‬
‫املمكن وبقاء ثبوته يف مرتبة من مراتب الثبوت فانه مناف للفناء االمت والفاين هبذا الفناء‬
‫بعد رد األماانت اىل اهلها ورد الظالل املنعكسة فيه اىل اصلها من الوجود وتوابعه كلها‬
‫من الصفات الكاملة والنعوت الفاضلة حلق هو ابلعدم الصرف الكامل يف العدمية حبيث‬
‫مل يوجد فيه اضافة وال نسبة اىل شئ وال اسم وال رسم فان وجود االضافة يف العدم ينبئ‬
‫عن ثبوته ولو يف اجلملة‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع واخلمسون اىل خاجنهان يف اتباع الشرع املبني وحماربة اعداء‬
‫الدين}‬
‫رزقكم هللا سبحانه التوفيق على مرضياته وسلمكم وجعلكم معززا وحمرتما ابلنيب‬
‫وآله االجماد عليه وعليهم الصلوات و التسليمات {شعر}‪:‬‬
‫ألقوا سعادة دارين مبعركة * ما رامها احد ماذا على البطل‬
‫ان التلذذات الدنياوية والتنعمات الفانية امنا تكون هنيئة مريئة اذا حصل يف‬
‫ضمنها العمل مبقتضى الشريعة الغراء واجتمعت بتنعمات اآلخرة و اال فحكمها حكم‬
‫‪- 984 -‬‬

‫السم القاتل املموه ابلسكر ليغرت به االبله فيا اسفي لو مل تعاجل برتايق احلكيم املطلق ومل‬
‫تتالف حالوهتا مبرارة االوامر والنواهي الشرعية وابجلملة ان امللك االبدي ميكن حتصيله‬
‫أبدىن سعي وحركة على وفق الشريعة اليت مبناها على السهولة ويزول وخيرج من اليد أبدىن‬
‫غفلة وفراغ وكذلك ينبغي استعمال العقل املدرك وان ال يعوض امللك األبدي ابجلوز‬
‫واملوز مثل االطفال وتلك اخلدمة اليت انتم قائمون هبا لو مجعتموها ابتيان احكام الشريعة‬
‫املصطفوية على مصدرها الصالة و السالم والتحية فقد عملتم عمل االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم ونورمت الدين املتني وعمرمتوه وحنن الفقراء لو اجتهدان سنني وعذبنا‬
‫أرواحنا ال نلحق يف هذا العمل وال ندرك غبار امثالكم البزاة {شعر}‪:‬‬
‫ألقوا سعادة دارين مبعركة * ما رامها احد ماذا على البطل‬
‫اللهم وفقنا ملا حتب وترضى بقية املرام ان رافعي رقيمة الدعاء الفاضلني اخلواجه‬
‫حممد سعيد واخلواجه حممد اشرف من االصحاب املخصوصني فكلما راعيتم احواهلما‬
‫تكون موجبة المتنان الفقراء امركم اعلى وشأنكم ارفع‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس واخلمسون اىل ممريزخان افغان يف ذم الرجوع من الفقر اىل‬


‫الغنا}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ان االخ ميان ممريزخان هرب من‬
‫ضيق الفقر والتجأ اىل االغنياء ورغب يف تنعمات الغنا وتلذذاته اان هلل واان اليه راجعون ما‬
‫أبعده عن الفهم فان حصل يف صحبة االغنياء غاية الرتقي يف الدنيا يصري هزاراي فان‬
‫بلغتم فرضا منصب املانكسنكي تفكروا اذا ما حيصل لكم منه واي حشمة تكتسبون به‬
‫ولقمة اخلبز كانت تصل يف الفقر أيضا واآلن أتكلون لقمة أمسن منها فذاك فات وهذا‬
‫ايضا يفوت ولكن تفكروا و أتملوا اي أمر يضيع وخيرج من يدكم وتصريون أفلس الورى‬
‫الراضي ابلضرر ال يستحق النظر وحيث إبتليتم بذلك فعليكم السعي حت ال خيرج طريق‬
‫االستقامة والتزام الشريعة من يدكم وال يقع الفتور ايضا يف شغل الباطن وان كان مجعه‬
‫‪- 985 -‬‬

‫ابلدنيا مشكال لكونه مجع الضدين ولكن ملا إخرتمت هذا الوضع عليكم ابختيار خدمة‬
‫دروابن ان صحت نيتكم فهي داخلة يف الغزو وعمل حسن ولكن تصحيح النية مشكل‬
‫واليوم انتم يف هذه اخلدمة اليت هلا حسن يف اجلملة ولعل غدا أيمرونكم خبدمة أخرى‬
‫تكون عني الوابل وابجلملة االمر مشكل ينبغي التيقظ ما على الرسول اال البالغ و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السادس واخلمسون اىل جناب اخلواجه حممد عبد هللا ابن شيخ‬
‫حضرة شيخنا واخلواجه مجال الدين احلسني بن اخلواجه حسام الدين امحد يف‬
‫التأسف على فوت الصحبة املاضية واالمياء اىل اسرار جديدة وما يناسب ذلك}‬
‫ليكن قرة العينني ومسرة االذنني اخلواجه حممد عبد هللا واخلواجه مجال الدين‬
‫احلسني متحليني جبمعية صورية ومعنوية والعجب اهنما قد اختارا تغافال ال تغافل مثله‬
‫وعدم الرأفة واملرمحة حيث مل يصال اىل سرهند مع وجود قرب اجلوار ومل يسأال عن حال‬
‫هذا الغريب ومل يؤداي حقوق املودة وماذا اقول خلواجه حممد افضل فانه يعد نفسه ابعد‬
‫عنهما يف املودة مبراحل بل هو خائف من مودتنا وما أقول للمري منصور فانه يتمين‬
‫الصبح دائما ولكن ال خيرج متنيه من القوة اىل الفعل ومن قول الفقهاء العظام الراضي‬
‫ابلضرر ال يستحق النظر العسكر وان كان حبر الظلمات ولكنه متضمن ملاء احلياة وهنا‬
‫بعناية هللا سبحانه حيصل من اجلواهر ولو على سبيل الندرة ما لو حصل يف مواضع أخرى‬
‫شبحه لكان مغتنما وكل مبارز اكتسب قدرا وقيمة امنا يتيسر له ذلك حني إستياالء‬
‫االعداء و السالمة وان كانت يف الزاوية ولكن دولة الغزو والشهادة يف املعركة و الزاوية امنا‬
‫هي مناسبة الهل السرت وارابب الضعف وقد ورد يف احلديث املؤمن القوي خري من‬
‫املؤمن الضعيف وحال الرجال االقوايء املبارزة يف املعركة الكربى قل كل يعمل على‬
‫شاكلته فربكم اعلم مبن هو اهدى سبيال وملا كنت متوجها اىل العسكر بعد مضي مدة‬
‫الرخصة واالذن تركت ولدي حممد سعيد يف البيت ابلضرورة وملا تفكرت يف الفيوض‬
‫‪- 986 -‬‬

‫والربكات والعلوم واملعارف احلاصلة بعد مفارقته ندمت على مفارقته وطلبته مغتنما‬
‫للفرصة فجاء الصغار والكبار كلهم رجاء ان ينالوا من هذه الربكات والعجب كأين من‬
‫طائفة املالمتية ويف زمرة القلندرية مع اين ممتاز من الفريقني ومغاير هلما ويل معاملة على‬
‫حدة امسعوا مشة من العلوم اجلديدة وهذا عنوان مكتوب قال هللا تعاىل هل اتى على‬
‫االنسان حني من الدهر مل يكن يشئا مذكورا بلي اي رب قد اتى على االنسان حني من‬
‫الدهر مل يكن شيئا مذكورا ال عينا وال اثرا وال شهودا وال جودا اىل آخره وانتم قد رأيتم يف‬
‫بعض املكاتيب اين جعلت القول ابلزوال الوجودي من قبيل االحلاد والزندقة وههنا كتبت‬
‫هبذه العبارة وعاجلت ذلك بكرم هللا سبحانه و تعاىل {ع}‪:‬‬
‫وقس من حال بستاين ربيعي‬
‫وهذه الدول كلها من بركات هذه الواقعات لوالها ملا وجدت تلك ربنا امتم لنا‬
‫نوران و اغفر لنا انك على كل شئ قدير وملا كان موالان حممد مراد متوجها اىل تلك‬
‫احلدود كتبنا كلمتني العاقبة ابخلري‪.‬‬

‫{املكتوب السابع واخلمسون اىل موالان محيد االمحدي يف بيان حدوث العامل‬
‫ورد عبيد العقل الفعال}‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني ان هللا تعاىل موجود‬
‫بذاته ووجوده سبحانه بنفسه وهو تعاىل قد كان على ما عليه اآلن و يكون على ذلك‬
‫اىل اب د اآلابد وال سبيل للعدم السابق والعدم الالحق اىل جناب قدسه تعاىل فان وجوب‬
‫الوجود احقر خدام ذلك اجلناب املقدس وسلب العدم اذل كناسي ذاك احلرمي احملرتم وما‬
‫سواه تعاىل املسمي ابلعامل من العناصر واالفالك والعقول والنفوس والبسائط واملركبات‬
‫كلها موجودة ابجياد هللا تعاىل وخمرجة من العدم اىل الوجود والقدم الذايت والقدم الزماين‬
‫كالمها اثبتان جلناب قدسه تعاىل فقط واحلدوث الذايت والزماين كائن لغريه تعاىل كما انه‬
‫خلق االرض يف يومني أخرج السموات والكواكب بعد خلق االرض من العدم اىل الوجود‬
‫‪- 987 -‬‬

‫يف يومني قوله تعاىل خلق االرض وقوله تعاىل فقضاهن سبع مسوات يف يومني مصداق‬
‫هذا الكالم سفيه بل منكر لنص القرآن من يتفوه بقدم بعض ما سواه كاالفالك وما فيها‬
‫وبسائط العناصر والعقول والنفوس وقد انعقد امجاع املليني اىل حدوث ما سواه تعاىل‬
‫وحكموا بوجوده بعد العدم السابق ابالتفاق كما صرح به االمام حجة االسالم الغزايل يف‬
‫رسالته املنقذ عن الضالل وكفر مجاعة قالوا بقدم بعض اجزاء العامل فاحلكم بقدم شئ من‬
‫املمكنات خروج عن امللة ودخول يف الفلسفة وكما ان العدم السابق كائن ملا سواه تعاىل‬
‫العدم الالحق ايضا الحق به فتنتثر الكواكب وتنشق السموات وتندك االرض واجلبال‬
‫وتلحق ابلعدم كما نطق به نص القرآن وانعقد عليه امجاع مجيع الفرق االسالمية قال هللا‬
‫تعاىل يف كالمه اجمليد فاذا نفخ يف الصور نفخة واحدة ومحلت االرض واجلبال فدكتا دكة‬
‫واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية وقال اذا الشمس كورت‬
‫واذا النجوم ا نكدرت واذا اجلبال سريت وقال اذا السماء انفطرت واذا الكواكب انتثرت‬
‫وقال اذا السماء انشقت وقال كل شئ هالك اال وجهه له احلكم واليه ترجعون ووردت‬
‫يف القرآن امثال ذلك آايت كثرية واجلاهل ينكر فناء هؤالء جبهله ويرد النصوص القرآنية‬
‫مفتتنا ابملموهات الفلسفية وابجلملة ان اثبات العدم الالحق يف املمكنات كاثبات العدم‬
‫السابق فيها من ضرورايت الدين واالميان به الزم وما قال بعض العلماء من ان سبعة‬
‫اشياء ال يتطرق عليها الفناء بل تكون ابقية وهي العرش والكرسي واللوح والقلم واجلنة‬
‫والنار والروح ال مبعن ان هذه االشياء ال تقبل الفناء وليست فيها قابلية الزوال حاشا من‬
‫ذلك وكال بل مبعن ان القادر املختار جل شأنه يفين بعد الوجود من يشاء ويبقي من‬
‫يشاء حلكم ومصاحل يفعل هللا ما يشاء وحيكم ما يريد والح من هذا البيان ان العامل‬
‫جبميع اجزائه مستند اىل الواجب تعاىل وحمتاج اليه سبحانه يف الوجود والبقاء فان البقاء‬
‫عبارة عن استمرار الوجود يف زمان اثن واثلث اىل ما شاء هللا تعاىل ليس فيه امر زائد‬
‫على الوجود مسمى ابلبقاء فيكون نفس الوجود واستمراره مستندا ومفوضا اىل ارادته‬
‫تعاىل وماذا يكون العقل الفعال حت يدبر االشياء وتكون احلوادث مستندة اليه ويف نفس‬
‫‪- 988 -‬‬

‫وجوده وثبوته الف كالم فان حتققه وحصوله مبنت على املقدمات الفلسفية املموهة وكلها‬
‫غري اتمة على اصول مجيع الفرق االسالمية واالبله من يصرف االشياء عن القادر املختار‬
‫جل شأنه ويسندها اىل مثل هذا االمر املوهوم بل يلحق لالشياء الوف من العار من ان‬
‫تكون مستندة اىل منحوت الفلسفي بل االشياء بعدمها راضية من ان يكون استنادها اىل‬
‫جمعول سفسطي حمرومة من سعادة االنتساب اىل قدرة القادر املختار جل سلطانه كربت‬
‫كلمة خترج من افواههم ان يقولون اال كذاب‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن واخلمسون اىل اخلواجه صالح الدين االحراري يف بيان ان‬
‫خلق املمكنات ووجودها يف مرتبة الوهم}‬
‫كان هللا ومل يكن معه شئ وملا اراد ان يظهر كماالته املكنونة طلب كل اسم من‬
‫امسائه تعاىل مظهرا من املظاهر ليجلي كماالته يف ذلك املظهر وال قابل ملظهرية الوجود‬
‫وتوابعه غري العدم فان مظهر الشئ ومرآته مباين ومقابل لذلك الشئ واملباين واملقابل‬
‫للوجود هو العدم فقط فعني احلق سبحانه بكمال قدرته يف عامل العدم لكل اسم من‬
‫امسائه مظهرا من املظاهر وخلقه يف مرتبة احلس والوهم يف اي وقت اراده على اي طور‬
‫شاء خلق االشياء مت شاء وجعل املعاملة االبدية مربوطة هبا (ينبغي) ان يعلم ان املنايف‬
‫للعدم هو اخل ارج ال الثبوت العارض له يف مرتبة احلس والوهم فانه ال منافاة بينهما وثبوت‬
‫العامل يف مرتبة احلس والوهم ال يف مرتبة اخلارج حت يكون منافيا له فيجوز ان يعرض‬
‫للعدم ثبوت يف مرتبة احلس والوهم وحيصل له هناك بصنع هللا جل سلطانه اتقان ورسوخ‬
‫و يكون يف تلك املرتبة حيا وعاملا وقادرا ومريدا وبصريا ومسيعا ومتكلما بطريق االنعكاس‬
‫والظلية وال يكون له يف مرتبة اخلارج اسم وال رسم وال يكون شئ غري ذات الواجب‬
‫وصفاته تعاىل اثبتا وموجودا يف اخلارج وهبذا املعن ميكن ان يقال وهو اآلن كما كان‬
‫ومثال ذلك النقطة اجلوالة والدائرة املوهومة فان املوجود هو النقطة فقط والدائرة معدومة‬
‫يف اخلارج ال اسم منها فيه وال رسم ومع ذلك عرض هلا يف مرتبة احلس والوهم ثبوت‬
‫‪- 989 -‬‬

‫وحصل هلا يف تلك املرتبة بطريق الظلية اانرة واشراق ومن هذا التحقيق حصل االستغناء‬
‫عن املقدمات املبسوطة اليت ذكرها الشيخ حميي الدين واتبعوه يف تكوين العامل من بيان‬
‫التنزالت والتعينات العلمية واخلارجية واثبات احلقائق واالعيان الثابتة يف مرتبة علم‬
‫الواجب تعاىل واثبات عكوسها يف اخلارج الذي هو ظاهر الوجود وتسمية آاثره خارجية‬
‫كما ال خيفى على املنصف الناظر يف كالمهم املطلع على اصطالحهم وهبذا التحقيق‬
‫صار معلوما ان ال موجود يف اخلارج غري احلق جل وعال ال االعيان وال آاثر االعيان بل‬
‫ثبوت هؤالء يف مرتبة احلس والوهم وال حمذور يف ذلك أصال فان ذلك ليس مبوهوم اثبت‬
‫ابخرتاع الوهم حت يرتفع ابرتفاع الوهم بل ثبوته بصنع هللا جل شأنه يف مرتبة الوهم وله‬
‫يف تلك امل رتبة تقرر واتقان واستحكام صنع هللا الذي اتقن كل شئ (واتضح) من هذا‬
‫البيان ان حقائق املمكنات عدمات عرض هلا يف موطن علم الواجب متيز وتعني وصارت‬
‫اثبتة يف مرتبة احلس والوهم مرة اثنية بصنع هللا تعاىل وصار بعض منها مرااي االمساء االهلية‬
‫جل شأنه وصار يف تلك املرتبة بطريق الظلية واالنعكاس حيا وعاملا وقادرا ومريدا وبصريا‬
‫ومسيعا ومتكلما وحتقيق الشيخ ومتابعيه ان حقائق املمكنات صور االمساء االهلية العلمية‬
‫اليت هي احد التنزالت اخلمسة الوجودية وابجلملة ان حقائق املمكنات يف فهم هذا الفقري‬
‫عدمات وعند الشيخ وجودات متنزلة وحضرة الشيخ اثبت اراءة الكثرة يف اخلارج وقال ان‬
‫الصور العلمية املتكثرة اليت هي حقائق املمكنات وعرب عنها ابالعيان الثابتة صارت‬
‫منعكسة يف مرآة ظاهر الوجود تعاىل الذي ال موجود غريه يف اخلارج وعرض هلا اراءة يف‬
‫اخلارج وصارت ترى كأهنا موجودة يف اخلارجة وال موجود يف احلقيقة يف اخلارج غري الذات‬
‫تعالت وقال ان كل واحدة من الصور العلمية حتدث هلا يف وقت من االوقات نسبة‬
‫جمهولة الكيفية بظاهر الوجود الذي هو كاملرآة لتلك الصور وتصري تلك النسبة سببا‬
‫لكوهنا مرئية يف اخلارج وهذه النسبة ليست مبعلومة الحد حت ان االنبياء عليهم الصالة‬
‫و السالم مل يطلعوا على هذا السر وقال الظهار تلك الصور يف اخلارج بعد حصول تلك‬
‫النسبة اجملهولة الكيفية خلقا و اجيادا لالشياء و على التحقيق السابق الذي اهتدى إليه‬
‫‪- 990 -‬‬

‫هذا الفقري كما ان األشياء ال وجود هلا يف اخلارج كذلك كوهنا مرئية فيه ايضا على‬
‫اللونيتها ال وجود فيه للغري وال اراءة وال شأن فان ثبتت له اراءة فهي يف مرتبة الوهم وان‬
‫كان له ثبوت فهو ايضا بصنع هللا تعاىل يف مرتبة الوهم وابجلملة ان ثبوته واراءته يف مرتبة‬
‫واحدة ال ان ثبوته يف موضع وارائته يف موضع آخر مثال ان الدائرة املوهومة الناشئة من‬
‫النقطة اجلوال ة كما ان ثبوهتا يف مرتبة الوهم ال يف اخلارج اراءته ايضا يف تلك املرتبة فانه ال‬
‫رسم هلا يف اخلارج حت تصري مرئية فيه غاية ما يف الباب انه رمبا يظن االراءة الومهية اراءة‬
‫خارجية كما اذا رأى الرائي الصور املثالية يف عامل املثال يف اليقظة حبس الباطن فيخال انه‬
‫ي راها يف عامل الشهادة حبسب الظاهر وامثال هذا االشبتاه تقع كثريا وجيد السالك مرتبة‬
‫من املراتب مشتبهة أبخرى فيحكم على ذاك حبكم هذا ففيما حنن فيه ان تلك الدائرة‬
‫املوهومة اليت صارت مرتسمة يف اخليال ترى يف مرتبة هي مرتسمة فيها ببصر اخليال‬
‫ويتخيل اهنا ترى يف اخلا رج بعني الرأس وليس كذلك فانه ال اسم هلا يف اخلارج الذي هو‬
‫حمل النقطة اجلوالة وال رسم حت تكون مرئية فيه وصورة الشخص اليت صارت منعكسة يف‬
‫املرآة على هذا املنوال ايضا فانه ال ثبوت هلا يف اخلارج وال ارآءة بل ثبوهتا واراءهتا كالمها‬
‫يف مرتبة اخليال وهللا سبحانه اعلم فما ظنه الشيخ قدس سره خارجا واثبت لالشياء‬
‫االراءة واملرئية فيه بطريق االنعكاس ليس هو خارجا بل مرتبة الوهم قد حصل هلا ثبات‬
‫وتقرر بصنع هللا جل شأنه وتوهم اهنا خارج واخلارج ما وراء ذلك فانه مبعزل عن شهودان‬
‫واحساسنا وما هو مشهود وحمسوس ومعقول ومتخيل لنا كلها داخلة يف دائرة الوهم‬
‫واملوجود اخلارجي هو ما وراء وراء افهامنا ال جمال هناك للمرآتية واي صورة تنعكس يف‬
‫تلك احلضرة واملرااي والصور كلها يف مراتب الظالل اليت تتعلق بدائرة الوهم واحلس ربنا آتنا‬
‫من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع واخلمسون اىل اخلواجه شرف الدين احلسني يف ارجاع‬


‫احلوادث اليومية اىل ارادة هللا تعاىل والتلذذ هبا}‬
‫‪- 991 -‬‬

‫رزق هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و‬
‫السالم والتحية وجعلنا مشغوال جبناب قدسه ابلكلية (أيها) الولد العزيز صاحب التميز‬
‫ان احلوادث اليومية ملا كانت ابرادة واجب الوجود جل سلطانه ومشيته ينبغي ان جيعل‬
‫العبد ارادته اتبعة الرادته تعاىل وان يعتقد احلوادث عني مراداته وان يكون ملتذا هبا فان‬
‫كان املقصود العبودية ينبغي اكتساب هذه النسبة واال فانكار للعبودية ومعارضة مبواله‬
‫وقد ورد يف احلديث القدسي من مل يرض بقضائي ومل يصرب على بالئي فليطلب راب‬
‫سوائي وليخرج من حتت مسائي نعم قد كان الفقراء واملساكني ومتعلقاتكم مسرتحيني‬
‫ومرفهة االحوال برعايتكم ومحايتكم وحيث ان هلم صاحبا يكفيهم ذلك وحسن ثنائكم‬
‫وذكركم اجلميل ابق جزاكم هللا سبحانه ابجلزاء العاجل واآلجل و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الستون اىل ولد شيخه اخلواجه عبد هللا يف بيان عدمية ذات‬
‫االنسان وبيان ان ذاته هي النفس الناطقة مع بيان فناء النفس والقلب وزوال العلم‬
‫احلصويل}‬
‫هو احلق املبني سبحانه من ال يتغري بذاته وال بصفاته وال يف امسائه حبدوث‬
‫االكوان فان كل تغري وتلون وقع يف حدوث االكوان فامنا هو يف مراتب العدم ومل يتطرق‬
‫اىل حضرة الوجود تعاىل وتقدس تنزل وال تبدل ال يف اخلارج وال يف العلم اصال بيانه ان‬
‫احلق سبحانه ملا اراد ان يظهر كماالته الذاتية والصفاتية واالمسائية وان جيليها يف جمايل‬
‫االشياء ومراايها عني لكل كمال يف مراتب العدم نقيض ذلك الكمال املقابل له واملتميز‬
‫عن سائر االعدام ابالضافة اليه ليكون مرآة له فان مرآءة الشئ مقابل الشئ وسبب‬
‫لظهوره وبضدها تتبني االشياء واالعدام اليت فيها قابلية الن تكون مرااي للكماالت‬
‫اوجدها يف مرتبة احلس والوهم يف اي وقت اراد واعطاها االستقرار واالستحكام وجعل‬
‫مجيع تلك الكماالت منعكسة فيها وصري تلك االعدام بذلك االنعكاس حيا وعاملا‬
‫وقادرا ومريدا وبصريا ومسيعا ومتكلما يف تلك املرتبة ولكن قد كان حمسوسا انه قد‬
‫‪- 992 -‬‬

‫يتصرف اوال يف العدم من غري ان جيعل فيه شئ آخر وجيعل هو بذلك التصرف مالئما‬
‫ولينا مث يظهر فيه الكمال كما ان الشمع جيعل اوال لينا ومالئما مث يصور بعد ذلك صورا‬
‫و اشكاال (ينبغي) ان يعلم ان املراد هنا من العدم هو العدم اخلارجي املقابل للوجود‬
‫اخلارجي فال يكون منافيا الجياده الواقع يف مرتبة الوهم مع اان نقول ان املنايف للعدم هو‬
‫الوجود الذي نقيضه وال يصري العدم وجودا وأما اذا كان موجودا ال يلزم منه حمذور اصال‬
‫كما قالوا يف الوجود انه من املعقوالت الثانوية وال وجود هلا يف اخلارج بل هي معدومة فيه‬
‫(فعلم) من هذا التحقيق ان حقائق االشياء اعدام انعكست فيها كماالت مرتبة الوجود‬
‫تعالت وتقدست وحصلت هلا ابجياد هللا تعاىل حتقق وثبوت ومهي واستقرار واستمرار يف‬
‫مرتبة احلس والوهم وكان ذوات االشياء تلك االعدام وانعكاس الكماالت فيها مبثابة‬
‫قواها وجوارحها وبعد متهيد هذه املقدمات نذكر يف بيان املقصد االصلي الذي يتعلق‬
‫ابلوالية اخلاصة كلمات ينبغي استماعها بسمع العقل (اعلم) ارشدك هللا وهداك سواء‬
‫الطريق ان حقيقة االنسان وذاته العدم الذي هو حقيقة النفس الناطقة اليت يعرب عنها يف‬
‫االبتداء ابلنفس االمارة وكل فرد من افراد االنسان يشري بلفظ اان اليها فتكون ذات‬
‫االنسان هي النفس االمارة وتكون سائر لطائف االنسان كالقوى واجلوارح هلا وحيث ان‬
‫العدم شر حمض يف حد ذاته مل يشم رائحة من اخلريية تكون النفس ايضا شرا حمضا ال‬
‫تكون فيها رائحة من اخلريية ومن خباثتها وجهلها تدعي الكماالت الظاهرة فيها بطريق‬
‫االنعكاس والظلية لنفسها وتنسب قيام تلك الكماالت الثابتة ابصلها اىل نفسها وتزعم‬
‫نفسها بتلك الكماالت كاملة وخريا وتكتسب من هذه احليثية دعوى السيادة وتشرك‬
‫نفسها برهبا يف الكماالت وتظن احلول والقوة من نفسها وتزعم نفسها متصرفة وتريد ان‬
‫يكون الكل اتبعا هلا وحتب نفسها اكثر من الكل وحتب غريها لنفسها ال الجلهم ومن‬
‫هذه التخيالت الفاسدة تكتسب عداوة ذاتية ملوالها وال تذعن ابحكامها املنزلة بل تتبع‬
‫هواها وورد يف احلديث القدسي عاد نفسك فاهنا انتصبت ملعادايت وبعث هللا سبحانه‬
‫االنبياء عليهم السالم من كمال رأفته ورمحته رمحة للعاملني ليدعوا اخللق اىل احلق سبحانه‬
‫‪- 993 -‬‬

‫وليخربوا بيوت االعداء وليدلوها على موالها وليخلصوها من جهلها وخبثها وليطلعوها‬
‫على شرها ونقصها فمن ادركته السعادة االزلية أجاب دعوة هؤالء االكابر ورجع من‬
‫جهله وخبثه وصار منقادا لالحكام املنزلة (ينبغي) ان يعلم ان طريق تزكية النفس على‬
‫نوعني طريق يتعلق ابلرايضات واجملاهدات وهو طريق االانبة وخمصوص ابملريدين والطريق‬
‫الثاين طريق اجلذب واحملبة وهو طريق االجتباء ويتعلق ابملرادين شتان ما بني الطريقني‬
‫الطريق االول سري اىل جانب املطلوب والطريق الثاين جر حنو املقصود وبني السري واجلر‬
‫فرق كثري وتفاوت فاحش فاذا اريد لصاحب دولة بسابق الكرم اجلر من طريق االجتباء‬
‫يعطي له اجلذب واحملبة جلناب القدس ويوصل به اىل املقصود جرا جرا فاذا كان فيما بني‬
‫هؤالء من ادركته السعادة يوصل به اىل حد الفناء ويتخلص من رؤية السوى وعلمه‬
‫وجياوز به اآلفاق واالنفس ونسيان اآلفاق مربوط بفناء القلب ونسيان االنفس موقوف‬
‫على فناء النفس االمارة ويف االول زوال العلم احلصويل ويف الثاين زوال العلم احلضوري‬
‫وزوال العلم احلضوري ال يتصور ما مل يتحقق زوال النفس احلاضرة وما دامت النفس‬
‫احلاضرة قائمة فالعلم احلضوري موجود فان العلم احلضوري عبارة عن النفس احلاضرة ال‬
‫امر زائد عليها فالزوال الشهودي يف فناء النفس يكون عبارة عن زواهلا الوجودي خبالف‬
‫الزوال الشهودي الذي اعترب يف فناء القلب فانه ليس مبستلزم لزوال وجود القلب فان‬
‫الشهود هناك زائد على الشاهد وفناء احدمها ليس مبستلزم لفناء اآلخر (تنبيه) ال يتخيلن‬
‫االبله ان زوال النفس احلاضرة حاصل ايضا يف مقام البقاء ابهلل الذي هو ميسر الرابب‬
‫التوحيد الوجودي فان احلاضر مثة هو احلق سبحانه ال نفس السالك الفانية الان نقول ان‬
‫احلاضر يف ذلك املقام هو نفس السالك وقد تصورها السالك بعنوان احلقية واحلق‬
‫سبحانه منزه ومربأ من هذا التعني واحلضور وهذا من قبيل ما قيل {ع}‪:‬‬
‫وصار الفأر يف رؤايه انقة‬
‫وامنا هنا زوال العلم ابلنفس احلاضرة وهو من اقسام العلم احلصويل ال زوال النفس‬
‫احلاضرة املستلزم لزوال العلم احلضوري وزوال النفس احلاضرة عبارة عن زوال عينها واثرها‬
‫‪- 994 -‬‬

‫ال انه عبارة عن زوال العلم هبا شتان ما بينهما‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والستون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد مد‬
‫ظله يف بيان ان رؤية العارف لبعض املظاهر تصري له سببا للعروج يف بعض االحيان‬
‫وما يناسب ذلك}‬
‫اذا وقعت معاملة العارف يف صرف الذات تعالت وتقدست وسقطت مجيع‬
‫النسب واالعتبارات ففي ذاك املوطن يتعسر العروج ويعسر اخلروج من غري عالقة وتعلق‬
‫ويف ذلك الوقت حبكم النظرة االوىل لك رمبا ميدالنظر االول اىل املظاهر اجلميلة يف ذاك‬
‫املقام ويرقى اىل فوق ابلسرعة ويوصل من اجملاز الذي قيل له قنطرة احلقيقة اىل احلقيقة‬
‫ولكن االجتناب عن النظرة الثانية اليت ورد يف حقها النظرة الثانية عليك الزم يف ذلك‬
‫الوقت فاهنا مضرة وسم قاتل فكيف يتصور منه االمداد واالعانة وما جعل هللا لك يف‬
‫احلرام شفاء وقد صار حمسوسا انه اذا وقع النظر الثاين ابلطمع الفاسد يرى مرميا خاليا‬
‫كسائر احلجر واملدر والذين يعتقدون النظرة الثانية والثالثة والرابعة املتعلقة ابملظاهر‬
‫اجلميلة مفيدة ويزعموهنا من اسباب العروج اىل احلقيقة فهم ارابب االستدراج واحلقيقة‬
‫الذين يزعمون اهنم يعروجون اليها من عامل اجملاز قوله تعاىل قل للمؤمنني يغضوا من‬
‫ابصارهم كاف يف رد هذه اجلماعة ورمبا تكون ظلمات اجلوار انفعة يف تلك الوقعة وكفر‬
‫اجلريان وفسقهم ممدا يف هذه املعاملة حت انه كلما تزيد الظلمة يزيد االمداد ال ملا قيل ان‬
‫الفيوض الواردة على املستغرقني يف ظلمة الغفلة ال تصل اليهم لعدم قابليتهم هلا بل تتوجه‬
‫اىل من يكون يف جوارهم ابحلضور واجلمعية وهو يرتقي بفيوض اآلخرين فان االمر ليس‬
‫كذلك النه ميكن ان يقال ان تلك الفيوض الواردة ال تصل اىل حوايل ذلك العارف‬
‫بواسطة علو درجته فضال عن ان متده يف العروج وشأن هؤالء االكابر عال ال ينفع يف‬
‫شؤهنم كل عمل وفيض بل مثة سر دقيق منكشف الرابب ذلك احلال والقدر املمكن‬
‫اظهاره ان الظلمة ايضا حيتاج اليها الجل كمال ظهور النور ولعلكم مسعتم وبضدها تتبني‬
‫‪- 995 -‬‬

‫االشياء وملا كان ارتكاب الظلمة منهيا عنه اعتربت ظلمة اجلوار ايضا من كمال الكرم‬
‫وجعلت انفعة يف ظهور النور الذي هو نور االنوار (فان قيل) كيف ال يكون للطاعات‬
‫والعبادات خصوصا اداء الفرائض نفع يف ذلك املوطن ومل ال متد يف العروج (قلت) مل ال‬
‫تكون انفعة ومل ال متد يف العروج ولكن النفع واالمداد املعتد هبما املتحققان سابقا ليسا‬
‫حباصل يف ذلك الوقت وليس هلا نفع كنفع االسباب اخلارجية املذكورة فيما سبق وامثاهلا‬
‫وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا انك انت العليم‬
‫احلكيم و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والستون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم مد‬
‫ظله العايل يف بيان انتفاء الفناء الوجودي عن االنسان بناء على عدمه الذايت}‬
‫ان حقيقة االنسان وذاته هي النفس الناطقة املشار اليها لكل فرد من افراد‬
‫االنسان بلفظ اان وحقيقة النفس الناطقة العدم وقد تومهت نفسها بواسطة انعكاس‬
‫الوجود والصفات الوجودية موجودة وحية وعاملة وقادرة ابالستقالل وزعمت هذه‬
‫الصفات الكاملة من احلياة والعلم وغريمها من نفسها وقائمة هبا وتيقنت نفسها هبذا‬
‫التوهم كاملة وخريا ونسيت خباثتها ونقصها الذاتيني الناشئني من العدم الذي هو شر‬
‫حمض فاذا ادركتها عناية هللا سبحانه وخلصتها من اجلهل املركب وتصديق الكاذب تعرف‬
‫ان هذه الكماالت من حمل آخر ال منها وال اهنا قائمة هبا وتعلم ان حقيقتها وذاهتا العدم‬
‫الذي هو شر حمض ونقص خالص فاذا غلبت هذه الرؤية بكرم هللا تعاىل وسلمت‬
‫الكماالت اىل صاحبها ابلتمام وادت هذه االمانة اىل اهلها ابلكلية ووجدت نفسها‬
‫عدما حمضا ومل تشم يف نفسها رائحة من اخلريية فحينئذ ال يبقى منها اسم وال رسم وال‬
‫عني وال اثر فان العدم ال شئ حمض ال ثبوت له يف مرتبة من املراتب فلو حتقق له فرضا‬
‫ثبوت يف مرتبة من املراتب ملا كانت مجيع الكماالت مسلوبة عنه فان الثبوت عني‬
‫الكمال بل ام الكماالت فلزم من هذا التحقيق ان يكون هذا الفناء امت واكمل ال حاجة‬
‫‪- 996 -‬‬

‫اىل زوال وجود الفاين اصال فانه مل يثبت له وجود اصال حت يتصور الزوال بل كان عدميا‬
‫مثبتا نفسه بتوهم الوجود وملا زال ذلك التوهم وحتقق ابلعدم الصرف بقي هالكا وال شيئا‬
‫حمضا فال يكون بد من الزوال الشهودي وال حيتاج اىل الزوال الوجودي وهللا سبحانه اعلم‬
‫حبقيقة احلال‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والستون اىل املري منصور يف كشف سر االحاطة والقرب‬


‫واملعية الكائنة هلل تعاىل وارجاع هذه اىل جممل الكتاب الكرمي ومشكله}‬
‫ان القرب واملعية واالحاطة والسراين والوصل واالتصال والتوحيد واالحتاد وامثاهلا‬
‫يف حضرته سبحانه من قبيل املشكالت والشطحيات وجناب قدسه جل شأنه منزه ومربأ‬
‫من القرب واملعية والوصل واالتصال اليت تكون مدركة بفهومنا ومتعقلة بعقولنا ولكن‬
‫القدر الذي اطلعنا عليه يف آخر االمر ان هذا القرب وغريه شبيه ابلقرب واالتصال‬
‫احلاصلني بني املرآة وبني الصورة املتومهة فيها الذي مها من قبيل قرب املوجود واتصاله‬
‫ابملوهوم وحيث ان احلق سبحانه موجود حقيقي والعامل خملوق يف مرتبة احلس والوهم‬
‫يكون القرب واالتصال بني الواجب واملمكن من قبيل قرب املوجود واتصاله ابملوهوم وال‬
‫يعود من هذا القرب واالتصال اىل جناب قدسه تعاىل حمذور اصال فان االشياء اخلسيسة‬
‫قد تنعكس يف املرآة وحيصل للمرآة قرب واحاطة هبا وال يتطرق اىل املرآة نقص اصال وال‬
‫ترى فيها خسة قطعا فانه ال اسم لتلك االشياء يف املرتبة اليت فيها املرآة وال رسم حت‬
‫ت ؤثر فيها صفاهتا غاية ما يف الباب ان احلق سبحانه ملا خلق العامل يف مرتبة احلس والوهم‬
‫واراد ان يثبت هذه املرتبة وحيكم اجرى االحكام واآلاثر املرتتبة على املوجود على هذا‬
‫املوهوم وهلذا اثبت القرب واالحاطة املوهومني كالقرب واالحاطة املوجودين وجعلهما من‬
‫االحكام ا لصادقة اال ترى ان الرؤية الصورة اجلميلة يف اخلارج كما أهنا مستلزمة لاللتذاذ‬
‫وحصول العالقة كذلك تلك الصورة موجبة لاللتذاذ والعالقة حني انعكاسها يف املرآة‬
‫وحصول الثبوت الومهي هلا فيها مع ان الصورة االوىل موجودة والثانية موهومة ويف حصول‬
‫‪- 997 -‬‬

‫االثر بينهما شركة وملا حصلت للموهوم بكرم هللا تعاىل شركة مع املوجود يف ترتب‬
‫االحكام وترتب اآلاثر على املوهوم ترتبها على املوجود انبعثت يف املوهوم احملروم اطماع‬
‫ورجااي من املوجود وحصلت له بشارات حصول دولة القرب واالتصال ابملوجود‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫هينئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العشيم (ينبغي) ان يعلم ان القرب‬
‫واالتصال كلما تصورا وتعقال بغري املعن الذي ذكر ال يكوانن من غري تشبيه وجتسيم اال‬
‫ان يؤمنوا هبما ومل يشتغلوا بكفيتهما ويفوضومها اىل علم هللا تعاىل وحيث حلق هبذه‬
‫االلفاظ نوع بيان ساغ ان خنرجها من املتشاهبات ونلحقها ابجململ او املشكل وهللا‬
‫سبحانه اعلم حبقيقة احلال‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والستون اىل حضرة اخلواجه حممد سعيد وحضرة اخلواجه‬
‫حممد معصوم سلمهما هللا سبحانه وابقامها يف بيان الفناء االمت املربوط بزوال العني‬
‫واالثر مع حتقيق وجود الواجب سبحانه وبيان زوال العدم من املمكن وبقاء الثبوت‬
‫وعروجاته}‬
‫الفناء االمت امنا يتحقق اذا حصل زوال العني واالثر عن الفاين ومل يبق منه اسم وال‬
‫رسم (فان قيل) اذا كانت حقيقة املمكنات االعدام اليت متايزت ابالضافة وصارت جمايل‬
‫امساء الواجب وصفاته سبحانه كما حققت ذلك يف مكاتيب لزم ان ال يبقى من العدم‬
‫الذي هو حقيقته اسم وال رسم يف املمكن على تقدير حصول هذا الفناء وان ال يكون‬
‫فيه شئ غري الوجود الصرف فان زوال احد النقيضني مستلزم حلصول اآلخر لئال يلزم‬
‫ارتفاع النقيضني معا والوجود عند الصوفية عني الواجب تعاىل او اخص صفاته سبحانه و‬
‫على كال التقديرين يلزم قلب احلقيقة وهو مستلزم لالحلاد والزندقة (اجيب) ان نقيض‬
‫العدم ليس هو ذاك الوجود الذي هو حقيقة الواجب تعاىل او اخص صفاته الذاتية‬
‫‪- 998 -‬‬

‫سبحانه بل هو ظل من ظالل ذلك الوجود وعكس من عكوسه وابجلملة ان كل وجود‬


‫وقع العدم يف الطرف ا ملقابل له فهو من مظان االمكان وحمتاج اىل رفع العدم الذي هو‬
‫نقيضه وصفات الواجب جل شأنه وان كانت خارجة من دائرة االمكان ولكن ملا كانت‬
‫هلا احتياج اىل ذات الواجب تعاىل ومقابلة االعدام اثبتة بكل منها ليست خبارجة من‬
‫شوب االمكان واالحتياج اىل الذات الزم هلا دائما وان كانت قدمية غري منفكة عن‬
‫الذات ونفس االحتياج دليل االمكان فان كان احتياجا اىل الغري فهو نقص كامل‬
‫واملتصف به داخل يف دائرة االمكان وان مل يكن احتياجا اىل الغري فاملتلبس به فيه رائحة‬
‫من االمكان وان مل يكن داخال يف دائرة االمكان كما ان صفات الواجب تعاىل كماهلا‬
‫دون كمال الذات تعالت وتقدست فالوجوب املطلق خمتص بذات الواجب تعاىل فاهنا‬
‫منزهة عن مظنة النقص ومربأة من شائبة القصور وصفات الواجب وان كان هلا قدم يف‬
‫دائرة الوجوب ولكن ملا كانت حمتاجة اىل الذات كان وجوهبا دون وجوب الذات كما ان‬
‫وجودها دون وجود الذات تعالت فان يف وجودها نقاضة ابلعدم وهو عدم العلم وعدم‬
‫القدرة مثال وليس لوجود الذات تعالت عدم مقابل اصال وال يتصور له نقيض قطعا فلو‬
‫كان عدم من االعدام نقيضا لوجود الواجب تعاىل لكان حمتاجا اىل رفع ذلك النقيض‬
‫واالحتياج من مسات النقص املناسب حلال االمكان تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا (ال‬
‫خيفي) انه ينبغي التحاشي من اطالق لفظ االمكان على صفات الواجب جل سلطانه‬
‫لكونه مومها للحدوث وصفات هللا تعاىل قدمية وان مل تكن واجبة بذواهتا ولكنها واجبة‬
‫ابلنظر اىل ذات الواجب جل شأنه فاهنا غري منفكة عنها وحاصل هذا املعن وان كان‬
‫منجرا اىل االمكان ولكنه خال عن توهم احلدوث وعدم حصول النقيض من العدم‬
‫لوجود الواجب تعاىل كشفي وشهودي وان استدل عليه حبسب الصورة كما يورد على‬
‫بديهي تنبيه يف صورة االستدالل (ولنرجع) اىل اصل الكالم فنقول يف جواب السؤال ال‬
‫يبقى يف املمكن على تقدير الفناء بعد زوال العدم شئ غري الوجود وال يكون له نصيب‬
‫غري الثبوت والتحقق فانه قد انتفى عنه العني واالثر ولكن هذا الوجود والثبوت مما اثبت‬
‫‪- 999 -‬‬

‫للمكن يف مرتبة الوهم واحلس وترتب عليه اآلاثر وصار مرآة لكماالت مرتبة حضرة‬
‫الوجوب تعالت وتقدست بعد زوال العدم وصار ذات املمكن وحقيقته كالعدم الزائل‬
‫وكان هذا الثبوت قبل زوال العدم من صفات العدم مثبتا له يف مرتبة احلس والوهم وقد‬
‫صار ذلك الثبوت اآلن بعد زوال العدم انئبا منابه يف كونه ذات املمكن وانتساب‬
‫الصفات اليه وقيام معاملة العدم به وقيام معاملة نيابة العدم هذه منوط ببقاء نقيض ذلك‬
‫الثبوت وبقاء االمكان فاذا ترقت املعاملة من نقيض الثبوت ومل يبق للوجود ما يقابله بل‬
‫مل يبق للعدم جمال املقابلة به ومل يبق لالمكان مساغ فيه فحينئذ تتبدل املعاملة غري املعاملة‬
‫وتقع بني اجللساء والندماء مغايرة ومبادلة فينبغي طلب سرأو ادىن مثة وكل حمل فيه شوب‬
‫االمكان وجمال العدم ولو ابلنقاضة فهو داخل يف قاب قوسني فاذا شرع االمكان والعدم‬
‫يف الرحيل وقرعت هلما مقرعة التحويل تستقبل كماالت او ادىن ال مبعن ان املمكن يصري‬
‫يف ذلك الوقت ذات الواجب يعين عينه بل مبعن ان قيامه يكون ابلذات البحت تعالت‬
‫ويزول قيامه الذي كان بظل من ظالل الذات تعالت {ع}‪:‬‬
‫ليس من غاب يف االله اهلا‬
‫وقيام هذا العارف بذات واجب الوجود كقيام صفاته بذاته سبحانه و تعاىل بل‬
‫قيامه مبرتبة ليست الصفات ملحوظة فيها اصال وان مل يكن للصفات انفكاك عن الذات‬
‫اال ان قيام الصفات ازيل وابدي وهي قدمية وقيامه ليس أبزيل و هو متسم بسمة احلدوث‬
‫ولكن للصفات نقائض من االعدام كعدم العلم وعدم القدرة مثال ومعاملة هذا العارف‬
‫قد ترقت من نقاضة االعدام كما حققنا (ال خيفى) ان املعاملة اذا ترقت من نقاضة العدم‬
‫يتحقق الوجوب ويصري املمكن واجبا وهو حمال (أجيب) امنا يصري املمكن واجبا اذا‬
‫عرض له الوجود اخلارجي وال ثبوت للممكن يف غري مرتبة الوهم واحلس فمن اين يتصور‬
‫يف حقه وجوب الوجود وظهر من هذا البيان بني قيام العارف وقيام الصفات فرق آخر‬
‫وهو ان قيام الصفات ابعتبار الوجود اخلارجي وقيام العارف ابعتبار الوجود الومهي وان‬
‫كان له ثبات واستقرار وكان مبدأ لآلاثر (ينبغي) أن يعلم ان بقاء صدور اان من العارف‬
‫‪- 1000 -‬‬

‫مربوط ببقاء العدم الذي هو حقيقته فاذا زال العدم مل يبق ألان مورد حت يطلق عليه‬
‫ومعاملة الثبوت بعد زوال العدم وان كانت طويلة الذيل وصار الثبوت ذاات للممكن‬
‫ولكن ال مورد لكلمة اان هناك وكأن وضع لفظ اان كان للحقيقة العدمية حيث تنفر من‬
‫احلقيقة الثبوتية نعم ان اجلزء االعظم يف املمكن هو العدم وصار املمكن ممكنا من العدم‬
‫واتسعت معاملة املمكن من العدم واحتياج املمكن امنا نشأ من العدم واحلدوث الالزم‬
‫لالمكان امنا ترتب على العدم وكثرة املمكن منشعبة من جهة العدم واالمتياز فيه ايضا‬
‫حصل من العدم واجلود يف حقه مستعار وهو ايضا ابلتخيل والتوهم ولو كان له ثبات‬
‫واستقرار (واعلموا) ان الصفات القائمة بذات الواجب جل سلطانه تظهر الذات عز‬
‫شأ هنا بتمامها بلون كل واحدة منها ال ان بعض الذات يكون متصفا بصفة وبعض آخر‬
‫منها متصفا بصفة أخرى فانه ال تبعض يف حضرة الذات وال جتزي بل هي بسيط حقيقي‬
‫وكل حكم يثبت مثة فهو ابعتبار الكلية كما قالوا ان ذات هللا تعاىل كلها علم وكلها قدرة‬
‫وكلها ارادة والقيام الذي حيصل للعارف بذات الواجب جل سلطانه بال مالحظة االمساء‬
‫والصفات ايضا من هذا القبيل حيث تظهر ابلكلية بلونه وتبدي مرآتيتها بتشخصه على‬
‫عكس مرااي اخر فهم من فهم {شعر}‪:‬‬
‫اتقيم اي سعد القيامة من حال * وة منطق عطلت به الببغاء‬
‫ومثل هذا الظهور اعين ظهور املرآة بلون الصورة ابلكلية ان حصل للعارف بعد‬
‫الفناء االمت بقاء بذلك الظهور يكون أكمل تعيناته لكونه وجودا موهواب حقانيا قد تيسر‬
‫له ابلوالدة الثانية وهذا التعني مع حدوثه وامكانه ملا كان انشئا من مرتبة اجلمع له مزية‬
‫وفضل على تعينات اخر ليست انشئة من تلك املرتبة كمزية حروف القرآن وكلماته على‬
‫حروف وكلمات أخر وان كان كلها متسمة بسمة احلدوث وابله من يرى هذا التعني من‬
‫اقتصار نظره على الظاهرمساواي لتعينات أخر و تزعم مساواة حروف القرآن وكلماته مع‬
‫حروف كلمات اخر فاعرف فضل العارف من ههنا وقس مزيته على اآلخرين على مزية‬
‫كالم هللا عز وجل على كالم اآلخرين {شعر}‪:‬‬
‫‪- 1001 -‬‬

‫خاب الذي قد يرى ذا القبح كاحلسن * و فاز من كان فيه حدة البصر‬
‫وقال احملجوبون يف حق حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم انه بشر وتصوروه‬
‫كسائر البشر فانكروه ابلضرورة وتصوره اصحاب الدولة وارابب السعادة بعنوان الرسالة‬
‫والرمحة للعاملني واعتقدوه ممتازا من سائر الناس فتشرفوا بدولة االميان وصاروا من اهل‬
‫النجاة {تنبيه} اذا اورد يف اثناء اداء بعض املطالب العالية املتعلقة بذاته الواجب جل‬
‫شأنه وصفاته بواسطة ضيق ميدان العبارة الفاظ مومهة بصفات املمكن املستلزمة للنقص‬
‫والقصور ينبغي ان يصرف تلك االلفاظ عن ظاهرها وان يعتقد جناب قدسه تعاىل منزها‬
‫ومربأ عن مجيع صفات النقص ومسات القصور واطلق بعض االلفاظ الذي مل يرد به الشرع‬
‫على حضرته تعاىل بتقليد املشائخ العظام بطريق التجوز مثل املرآتية وغريها واان خائف‬
‫مشفق منه ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او اخطأان (فان قيل) انه قد يقع يف عبارتك لفظ‬
‫التجلي والظهور الظلي وأمثاهلما فيلزم منه تنزل الوجود يف مراتب الظهورات كما قال به‬
‫املشائخ وانت تنكر على ذلك فما وجه ما ذكرت هنالك (قلت) ان التنزل امنا يلزم اذا‬
‫قلنا ان املظهر عني الظاهر كما قال اآلخرون واما اذا مل نقل انه عينه ال يلزم التنزل وخمتار‬
‫هذا الفقري عدم عينية الظاهر ابملظهر وهللا سبحانه املوفق‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والستون اىل موالان صفر امحد الرومي يف بيان ان كل صفة‬
‫من صفات العارف وكل لطيفة من لطائفه تظهر بعنوان كلية ذاته بعد بقاء ذاته}‬
‫(اذا) أعطي العارف الكامل التام املعرفة بعد بقاء الذات الصفات الكاملة‬
‫واالخالق احلميدة تظهر كل صفة من تلك الصفات متصفة بعنوان كلية ذاته ال ان‬
‫بعض ذاته يكون متصفا بصفة وبعضا آخر متصفا بصفة أخرى مثال تكون ذاته بتمامها‬
‫علما و بتمامها بصرا و بتمامها مسعا كما قال حمققوا الصوفية يف صفات الواجب جل‬
‫شأنه ذات هللا تعاىل كلها علم وكلها قدرة وكلها مسع وكلها بصر مثال ومن ههنا يرى‬
‫املؤمنون احلق سبحانه يف اجلنة بال جهة فاهنم يكونون بكليتهم ابصارا فاذا كانوا بكليتهم‬
‫‪- 1002 -‬‬

‫ابصارا كيف يكون هناك جمال للجهة قالوا ان ما تيسر لعوام املؤمنني يف اآلخرة بعد اللتيا‬
‫واليت يتيسر لالولياء الذين هم خواص املؤمنني يف الدنيا فيكون ما هو نسبة يف حق هؤالء‬
‫نقدا هلؤالء ينبغي ان يقيس نسبتهم من ذلك {ع}‪:‬‬
‫وقس من حال بستاين ربيعي‬
‫ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (وكذلك) كل لطيفة من‬
‫لطائف ذلك العارف تظهر بوصف كليته فيصري العارف بتمامه لطيفة الروح وبتمامه‬
‫لطيفة القلب و على هذا القياس سائر اللطائف االنسانية من النفس الناطقة والسر و‬
‫اخلفى واالخفي و على هذا املنوال ايضا كل جزء من اجزائه وكل عنصر من عناصره‬
‫أيخذ حكم الكل مثال جيد العارف نفسه ابلتمام عنصر الرتاب وبتمامه عنصر املاء فاذا‬
‫انصبغت لطيفة القلب اليت هي احلقيقة اجلامعة بلون الكل وزال تعلقه الذي كان ابملضغة‬
‫القلبية وبقيت املضغة خالية يف ذلك الوقت كاجلسد اخلايل عن الروح يتخيل انه ما‬
‫اصاهبا يف هذا اجملئ والذهاب غبار من هذا الطريق بل هي على صرافتها االصلية كحبة‬
‫بقيت يف قدر مغلي غري مطبوخة حبيث مل تؤثر فيها احلرارة ومل يصبها املاء غاية ما يف‬
‫الباب اهنا بعد رفع ذلك التعلق وبعد اخللو تكون منصبغة بلون سائر االجزاء وأتخذ‬
‫حكم الكل كأجزاء اخر‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والستون اىل حممد مقيم القصوري يف جواب سؤاله عن‬
‫معىن اجملاز قنطرة احلقيقة}‬
‫سأل اخي حممد مقيم انه أبي معن قالوا اجملاز قنطرة احلقيقة اعلم ان اجملاز ظل‬
‫احلقيقة ومن الظل اىل االصل طريق سلطاين ولعلهم هبذا االعتبار قالوا من عرف نفسه‬
‫فقد عرف ربه فان معرفة الظل مستلزمة ملعرفة االصل فان الظل كائن على صورة اصله‬
‫فيكون سببا النكشاف االصل الن صورة الشئ ما ينكشف به ذلك الشئ لكن ينبغي‬
‫ان يعلم ان اجملاز امنا يكون قنطرة احلقيقة اذا مل يدخل يف البني تعلق ابجملاز ومل ينجر االمر‬
‫‪- 1003 -‬‬

‫اىل نظرة اثنية وقنطرة احلقيقة هي النظرة االوىل اليت قال املخرب الصادق عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم يف حقها النظرة االوىل لك وكانه اشار بلفظ لك اىل حصول هذه‬
‫الدولة واما اذا دخل التعقلق ابجملاز يف البني عياذا ابهلل سبحانه واجنر االمر اىل النظرة‬
‫الثانية فذلك اجملاز سد يف طريق الوصول اىل احلقيقة فضال عن ان يكون قنطرة بل هو‬
‫صنم يدعو اىل عبادته وغول يضل عن طريق احلقيقة بغوايته وهلذا قال املخرب الصادق‬
‫بياان ملضرة النظرة الثانية النظرة الثانية عليك واي شئ يكون اضر مما يصد عن احلق‬
‫ويشغل ابلباطل (ينبغي) ان يعلم ان النظرة االوىل امنا تكون انفعة اذا مل تكون عن اختيار‬
‫واما اذا كانت ابالختيار فحكمها حكم النظرة الثانية قوله تعاىل قل للمؤمنني يغضوا من‬
‫ابصارهم كاف يف اثبات هذا املطلب ومل يفهم جهالء الصوفية الناقصون معن هذه‬
‫العبارة فغلطوا وخلطوا وطفقوا يشغفون ابلصور اجلميلة وينخدعون بغنجهم ودالهلم بطمع‬
‫اهنم جيعلوهنم وسيلة الوصول اىل احلقيقة ومعراجا حلصول املطلوب كال ان ذلك هو عني‬
‫سد طريق املطلوب وحاجب عن حصول املقصود والذي زين يف نظرهم هو الباطل وهم‬
‫قد وقعوا يف الغرور ابنه احلقيقة وزعم مجع منهم حسن تلك الصور ومجاهلم حسن عني‬
‫احلق جل شأنه ومجاله وظنوا التعلق هبم عني التعلق ابحلق وزعموا مشاهدهتم عني مشاهدة‬
‫احلق حت قال بعضهم {شعر}‪:‬‬
‫امروز چون مجال تو ىب پرده ظاهر است * در حريمتكه وعدهء فردا براى چيست‬
‫تعاىل هللا عما يقول الظاملون علوا كبريا ماذا ظن هؤالء القاصرون احلق سبحانه‬
‫وماذا زعموا حسنه ومجاله تعاىل اما مسعوا انه اذا وقعت شعرة من شعر حور اجلنان اليت‬
‫هي من خملوقاته سبحانه فرضا يف الدنيا ملا اظلمت الدنيا من اضاءهتا واشراقها ابدا وقد‬
‫ثبت احرتاق جبل الطور واندكاكه بتجل واحد من جتليات احلق جل وعال وسقوط كليم‬
‫هللا على نبينا وعليه افضل الصالة و السالم مغشيا عليه من ذلك التجلي مع علو منزلته‬
‫و زايدة قربه ورفعته بنص القرآن وهؤالء مع قصور عقوهلم هذه يرون احلق سبحانه بال‬
‫حجاب يف مجيع االوقات ويتعجبون من وعد الرؤية األخروية لقد استكربوا يف أنفسهم‬
‫‪- 1004 -‬‬

‫وعتوا عتوا كبريا وعلماء اهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم بذلوا غاية جهدهم‬
‫يف اثبات الرؤية األخروية برباهني نقلية وخالفوا يف ذلك مجيع الفرق فانه مل يقل برؤية احلق‬
‫جل وعال غري اهل السنة احد من الفرق املخالفني مليوهم وغري ملييهم بل عدوها من‬
‫احملال العقلي واهل النسة ايضا قالوا اهنا بال كيف واهنا خمصوصة بتلك النشأة وهؤالء‬
‫املهوسون يزعمون حصول هذه الدولة الباهرة يف هذه النشأة الفانية وصاروا مسرورين‬
‫مبنامهم وخياهلم ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا و السالم على من اتبع‬
‫اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله امت الصلوات واكمل التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والستون اىل املري منصور يف بيان حقيقة الكائنات وبيان‬
‫الفرق بني مكشوف حضرة شيخنا ومكشوف صاحب الفتوحات}‬
‫ان عرصة هذه الكائنات اليت تتخيل معاينة ومشهودة و منبسطة و مسطحة و‬
‫طويلة و عريضة هي عند حضرة الشيخ حميي الدين بن العريب واتبعيه حضرة الوجود الذي‬
‫ال موجود يف اخلارج غريه وذلك الوجود هو ذات احلق سبحانه الذي يسموهنا ظاهر‬
‫الوجود الذي بواسطة انعكاسه يف الصور العلمية املتكثرة اليت يسموهنا ابطن الوجود‬
‫ويقال هلا االعيان الثابتة وتلبسه هبا يتخيل متكثرا ومنبسطا وطويال وعريضا مع كونه على‬
‫وحدته وبساطته ويقولون ان مشهود الكل وحمسوس اجلميع من العوام واخلواص يف هذه‬
‫الصفحة يف الكسوة الكونية ويف الصور واالشكال املتمايزة هو حضرة احلق سبحانه يتوهم‬
‫للعوام عاملا والعامل مل خيرج من موطن العلم اصال ومل يشم رائحة من الوجود اخلارجي‬
‫والظا هر يف مرآة حضرة الوجود هو عكوس تلك الصور العلمية اوقعت العوام يف توهم‬
‫[‪]1‬‬
‫الوجود اخلارجي بظهورها يف اخلارج ملوالان اجلامي عليه الرمحة (رابعي)‬
‫جمموعهء كون را بقانون سبق * كردمي تفحص ورقا بعد ورق‬

‫(‪ )1‬الرابعي ملوالان اجلامي مرت ترمجته يف أول اجللد الثاين وقد التزمت ان اثبت اصول االبيات غالبا يف هذا اجللد تربكا‬
‫واعتمادا على الرتاجم السابقة فليتنبه منه عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 1005 -‬‬

‫حقاكه نديدمي ونه خواندم در او * جز ذات حق وشؤن ذاتيهء حق‬


‫وما هو مكشوف هذا الفقري ومعتقده هو ان هذه العرصة هي عرصة الوهم وهذه‬
‫الصور واالشكال اليت فيها هي صور املمكنات واشكاهلا ثبتت بصنع هللا سبحانه يف‬
‫مرتبة احلس والوهم وصارت متقنة وكلما هو حمسوس مشهود يف هذه الصفحة فهو من‬
‫املمكنات وان كان يتوهم ذلك املشهود لبعض السالكني واجبا وظهر بعنوان احلقية ولكنه‬
‫من افراد العامل وهو تعاىل وراء الوراء ومنزه عن رؤيتنا وعلمنا ومربأ من كشفنا وشهودان‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫أىن يرى للخلق نور مجاله * وأبي مرآة يكون مصورا‬
‫غاية ما يف الباب ان هذه العرصة املوهومة ظل تلك العرصة اخلارجية اليت هي‬
‫حرية مبرتبة ال وجوب تعالت وتقدست كما ان وجود هذه املرتبة ظل وجود تلك املرتبة فلو‬
‫قيل ملرتبة الوهم هذه ابعتبار كوهنا ظال ملرتبة اخلارج خارجا لساغ كما يقال هلا ابعتبار‬
‫الوجود الظلي موجودا ايضا وعرصة الوهم هذه كعرصة اخلارج من مجلة نفس االمر وهلا‬
‫احكام صادقة واملعاملة االبدية مربوطة هبا كما أخرب به املخرب الصادق عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم ينبغي ان يالحظ ان أاي من هذين املكشوفني اقرب اىل تنزيه هللا تعاىل‬
‫واليق بتقديسه سبحانه و أوىل وانسب ابلنسبة اىل جناب قدسه تعاىل واي منهما‬
‫مناسب لبداية احلال وتوسطه وايهما مناسب حلال االنتهاء وكان هذا الفقري معتقدا‬
‫للمكشوف االول منذ سنني ومرت عليه يف ذلك املوطن احوال عجيبة ومشاهدات غريبة‬
‫وحصل له يف ذاك املقام حظ وافر مث صار آخر االمر مبحض فضل هللا جل شأنه معلوما‬
‫ان كل ما يرى ويعلم فهو غرياحلق سبحانه الزم النفي وبعد اللتيا واليت اجنرت املعاملة‬
‫بكرم هللا جل شأنه من النفي اىل االنتفاء وزال الباطل الذي اظهر نفسه بعنوان احلق عن‬
‫الرؤية والعلم وحصل التعلق بغيب الغيب وامتاز املوهوم من املوجود وافرتق القدمي من‬
‫احلادث وذلك حاصل املكشوف الثاين للمؤلف (رابعي)‬
‫در عرصهء كائنات اب دقت فهم * بسيار گذشتيم بسرعة جون سهم‬
‫‪- 1006 -‬‬

‫گشتيم مهه چشم نديدمي درو * جز ظل صفات آمده اثبت درو هم‬
‫احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا‬
‫ابحلق‪.‬‬

‫{ املكتوب الثامن والستون اىل الفقري حممد هاشم الكشمي يف حتقيق مرتبة‬
‫الوهم اليت ظهر العامل يف تلك املرتبة وما يناسب ذلك}‬
‫ان قولنا للعامل موهوما ال مبعن انه منحوت الوهم وجمعوله كيف يكون منحوت‬
‫الوهم فان الوهم ايضا من مجلة العامل بل مبعن ان احلق سبحانه خلق العامل يف مرتبة الوهم‬
‫وان مل يك ن الوهم موجودا يف ذلك الوقت ولكنه كان يف علم هللا تعاىل ومرتبة الوهم عبارة‬
‫عن ظهور بال كون ووجود كمثل دائرة انشئة من جوالن النقطة اجلوالة حيث ان هلا ظهورا‬
‫وال وجود واحلكيم املطلق جل سلطانه خلق العامل يف تلك املرتبة و اعطى الظهور احملض‬
‫ثبوات وثباات واخرجه من الغلط اىل الصحة ومن الكذب اىل الصدق وجعله نفس االمر‬
‫اولئك بيدل هللا سيئاهتم حسنات واملرتبة املوهومة مرتبة عجيبة ال مزامحة هلا ابملوجود اصال‬
‫وال تدافع وال تثبت له جهة من اجلهات وال حد وال هناية كما ال تنازع للدائرة املوهومة‬
‫مع النقطة اجلوالة املوجودة وال جهة من اجلهات اثبتة هلا معها ومل حيدث يف النقطة هناية‬
‫اصال من حدوث الدائرة املوهومة حيث ال ميكن ان يقال ان النقطة يف ميني الدائرة او يف‬
‫مشاهلا او يف قدامها أو يف خلفها او فوقها او حتتها وثبوت هذه اجلهات للدائرة امنا هو‬
‫ابلنسبة اىل االشياء اليت هلا ثبوت يف مرتبتها واما ما هو كائن يف مرتبة أخرى فليس شئ‬
‫من هذه اجلهات بثابت للدائرة معها وايضا مل يثبت هلذه النقطة حد و هناية حبدوث تلك‬
‫الدائرة بل هي على صرافتها وهلل املثل األعلى ينبغي ان يعلم من هذا البيان حال العامل مع‬
‫صانع العامل جل شأنه أبنه مل حيدث له سبحانه من اجياد العامل حد وال هناية ومل حتصل له‬
‫جهة من اجلهات وهذه النسبة كيف تتصور هناك فانه ال اسم من هؤالء يف تلك املرتبة‬
‫العلياء وال رسم حت تتصور النسب وطائفة من املخذولني تومهوا من قصور نظرهم‬
‫‪- 1007 -‬‬

‫حصول هذه النسب وثبوت اجلهات يف حق صانع العامل جل شأنه مع العامل ونفوا رؤيته‬
‫تعاىل وزعموها حماال وقدموا جهلهم املركب وتصديقهم للكاذب على الكتاب والسنة‬
‫وظنوا انه لو كان احلق سبحانه مرئيا لكان يف جهة من جهات الرائي وذلك مستلزم‬
‫للحد والنهاية وقد علم من التحقيق السابق ان ال شئ يف حقه سبحانه من هذه النسب‬
‫مع العامل سواء أ ثبتت الرؤية او ال فتكون الروية وال حتدث اجلهة كما حتقق هذا املعن اما‬
‫علموا ان هذا احملذور الزم ايضا يف وقت وجود العامل فان الصانع تعاىل يكون يف جهة‬
‫من العامل و يكون ايضا وراء العامل وهو مستلزم للحد و النهاية فان قالوا انه يف مجيع‬
‫جهات العامل فما يقولون يف حق لزوم احلد والنهاية الالزم للورائية وايضا الفساد واحملذور‬
‫يف ثبوت اجلهة امنا هو الستلزامها النهاية وهي بنفسها الزمة هنا واخلالص من هذا‬
‫املضيق امنا هو يف اختيار قول الصوفية اعين قوهلم للعامل موهوما فيحصل التخلص حينئذ‬
‫من اشكال اجلهة والنهاية وال حمذور يف القول أبنه موهوم اصال فان له احكاما صادقة‬
‫كاملوجود واملعاملة االبدية والتنعمات والتعذيبات السرمدية مربوطة به واملوهوم الذي قال‬
‫به السوفسطائية اجملانني شيئ آخر فانه خمرتع الوهم ومنحوت اخليال شتان ما بينهما‬
‫(ولنرجع) اىل اصل الكالم فنقول انه ال جهة للدائرة املوهومة الناشئة من النقطة اجلوالة‬
‫ابلنسبة اليها بل هي خارجة من مجيع جهاهتا فلو صارت تلك الدائرة فرضا بتمامها بصرا‬
‫لرأت النقظة من غري جهة البتة الن اجلهة مفقودة بينهما وفيما حنن فيه ايضا لو صار‬
‫الرائي بتمامه بصرا ورأى احلق جل وعال بال جهة اي حمذور يلزم فيه واملؤمنون يرونه‬
‫سبحانه يف اجلنة بكليتهم وال يثبت جهة اصال وحبكم ختلقوا ابخالق هللا حتصل هذه‬
‫الدولة لالولياء يف الدنيا ويصريون بكليتهم بصرا وان مل تكن رؤية فاهنا خمتصة ابآلخرة‬
‫ولكن هلا حكم الرؤية وامنا قلت ختلقوا ابخالق هللا فاهنم قالوا يف الواجب تعاىل ذاته كلها‬
‫بصر وكلها مسع وكلها علم وللمتخلقني نصيب من هذه االخالق ألبتة وكل صفة من‬
‫صفاهتم أتخذ يف ذلك املقام حكم كليتهم فيصريون بكليتهم بصرا مثال و يعطي سائر‬
‫املؤمنني هذه النسبة يف اآلخرة فيتشرفون هنالك بدولة الرؤية ان شاء هللا تعاىل وال يلزم‬
‫‪- 1008 -‬‬

‫على هذا التقدير حمذور واشتباه اصال وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والستون اىل القاضي موسى شوحني يف الرتغيب يف التزام‬


‫الشريعة وصحبة ارابب اجلمعية}‬
‫بعد احلمد هلل والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان أحوال فقراء هذه احلدود‬
‫مستوجبة للحمد وسرت الصحيفة الشريفة املرسلة مع الدرويش رحم علي بوصوهلا رزقكم‬
‫هللا السالمة واالستقامة واندرج فيها طلب النصايح ايها املخدوم النصيحة هي الدين‬
‫ومتابعة سيد املرسلني عليه وعليهم الصالة و التسليمات غاية ما يف الباب ان للمتابعة‬
‫اقساما قسم منها اتيان االحكام الشرعية وابقي االقسام ذكرها الفقري ابلتفصيل يف‬
‫مكتوب حرره لبعض احملبني آمره ان شاء هللا تعاىل ابرسال نقله اليكم وابجلملة ان مدار‬
‫االفادة واالستفادة يف هذه الطريقة على الصحبة ال يكتفي فيها ابلقول والكتابة قال‬
‫حضرة اخلواجه النقشبند قدس سره ان طريقتنا صحبة وفضل اصحاب خري البشر عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم على غريهم من اولياء االمة ابلصحبة حت ال يبلغ ويل من‬
‫االولياء مرت بة صحايب من الصحابة ولوكان ذلك الويل اويسا القرين املسؤل من االخوان‬
‫الدعاء بسالمة االميان ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا وقلب رحم علي‬
‫ورقته ورزق الصالح واالصالح اعطاه احلق سبحانه االستقامة و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب السبعون اىل موالان اسحاق بن القاضي موسى يف التحريض على‬


‫صحبة ارابب اجلمعية}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصل املكتوب الشريف املرسل مع‬
‫الدرويش رحم علي وملا كان منبئا عن الذوق والشوق اورث املسرة وحصل الفرح من‬
‫مطالعة ما كتبتم يف ورقة على حدة من الواقعة اليت ظهرت لكم واعلم ان مثل هذه الواقعة‬
‫من املبشرات ينبغي السعي حت خيرج االمر من القوة اىل الفعل ومن املراسلة اىل املعانقة‬
‫‪- 1009 -‬‬

‫وتدارك التقصري اليوم ممكن فينبغي اغتنام الفرصة دون ان يسوف يف االمر ويؤخر قال‬
‫حضرة اخلواجه احرار قدس سره كنا مع مجاعة من الدراويش فجرى الكالم بيننا يف‬
‫الساعة املست جابة املودعة يف يوم اجلمعة ابهنا اذا تيسرت ماذا ينبغي ان يطلب من هللا‬
‫ايل قلت ينبغي ان يطلب فيها صحبة‬
‫تعاىل فيها فقال كل احد كالما فلما بلغت النوبة ّ‬
‫ارابب اجلمعية فان مجيع السعادات ميسرة يف ضمنها وارسلنا بعض نقول املكاتيب‬
‫مصحواب ابلرافع رزق هللا سبحانه اال نتفاع به مث ان اخي الشيخ كرمي الدين جاء منذ مدة‬
‫ولعله يكتب اليكم من احواله واملتوقع من االحباب الدعاء ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا‬
‫انك على كل شئ قدير و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و‬
‫على آله الصلوات و التسليمات‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والسبعون اىل جناب املخدوم زاده حممد عبيد هللا يف بيان‬
‫التمييز بني دقائق املوهوم الذي هو العامل وبني املوجود احلقيقي الذي هو صانع‬
‫العامل}‬
‫و هلل املثل االعلى ان النقطة اجلوالة اليت نشأت منها الدائرة يف الوهم كما اهنا‬
‫موجودة يف اخلارج موجودة يف الوهم ايضا ولكن وجوده هناك بال نقاب ظهور الدائرة‬
‫وهنا هبذا النقاب وكوهنا موجودة يف اخلارج ال مبعن ان هلا يف كال املرتبتني وجودا على‬
‫حدة كال بل هلا وجودا واحدا يف اخلارج والوهم هناك بال نقاب الدائرة وهنا مع النقاب‬
‫وهذه الدائرة املوهومة اليت هلا ظهور يف الوهم بال وجود امنا حدثت من غلط احلس فان‬
‫جعلت يف تلك املرتبة موجودة واعطيت ثباات واستقرارا وظهورا ابلوجود خلرجت من غلط‬
‫احلس ألبتة وصارت من مجلة نفس االمر وترتبت عليها احكام صادقة فلهذه الدائرة يف‬
‫الوهم حقيقة وصورة فحقيقتها هي النقطة اجلوالة اليت هي هبا قائمة وصورهتا هي الدائرة‬
‫نفسها اليت عرض هلا فيه ثبوت وثبات وهذه الصورة وان مل تكن عني تلك احلقيقة لثبوت‬
‫احكام متمايزة فيها ولكنها ليست ببعيدة عن احلقيقة ومنفكة عنها فان املتخيل هبذا‬
‫‪- 1010 -‬‬

‫الظهور هو احلقيقة {شعر}‪:‬‬


‫اين اوري لغريي حني اذكره * بذكر زينب عن ليلى فأومهه‬
‫قال حضرة الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره يف هذا املقام ان شئت قلت‬
‫انه حق وان شئت قلت انه خلق وان شئت قلت انه من وجه حق ومن وجه خلق وان‬
‫شئت قلت ابحلرية لعدم التميز بينهما (ينبغي) ان يعلم ان هذا التميز بني احلقيقة والصورة‬
‫وان كان يف الوهم ولكن ملا صارت الصورة موجودة يف تلك املرتبة ابجياد هللا تعاىل وحصل‬
‫هلا فيها ثبات وتقرر كانت من مجلة نفس االمر ألبتة وحصل هلا متيز مطابق لنفس االمر‬
‫وصارت موجودة خارجية بطريق الظلية فان وجود الصورة كما انه ظل وجود احلقيقة‬
‫كذلك كانت مرتبة الظهور بعد حصول الكون و الوجود ظل اخلارج ايضا فلما كان‬
‫التميز بني احلقيقة والصورة حبسب نفس االمر بل كان خارجيا امتنع محل احديهما على‬
‫األخرى ومل تكن احديهما عني اآلخر ومن قال بعينيتهما فهو مل يفهم غري التميز الومهي‬
‫ومل يثبت عنده غري االمتياز العلمي سبحان هللا قد صارت مرتبة الوهم بواسطة اجياد احلق‬
‫سبحانه الواقع يف تلك املرتبة خارجا و نفس االمر وصارت ما وراء العلم واخلارج‬
‫املتعارفني وملا صارت هذه املرتبة خارجا ميزت فيها مرتبة الوهم وصارت النقطة موجودة‬
‫خارجية والدائرة الناشئة منه مسيت موهومة والعجب ان الصورة اليت هي انشئة من احلقيقة‬
‫وكلما فيها حاصل فهو من احلقيقة وال انفكاك هلا عن احلقيقة اصال قد افرتقت عن‬
‫احلقيقة بال اختيار و اخرجت من التوهم اىل التحقق وصار التميز الومهي خارجيا ينبغي‬
‫ان يالحظ قوله تعاىل صنع هللا الذي اتقن كل شئ هنا حيث صري الالشئ احملض بقدرته‬
‫الكاملة شيئا عاملا بصريا قادرا مريدا قال واحد من االكابر {شعر}‪:‬‬
‫چونكه أو شد چشم گوش ودست واپي * خريه ام در چشم بندي اى خدا‬
‫وال جمال لربط العني فان ربط العني امنا يثبت يف حمل يرى فيه غري الواقع واقعيا‬
‫وهنا قد صري قدرة احلق سبحانه غريالواقع واقعا وجعل االحكام الكاذبة اليت كانت يف‬
‫تلك املرتبة صادقة والشيخ يقول بعدم التميز بينهما واحلال ان بني العبد والرب مسافة‬
‫‪- 1011 -‬‬

‫مخسني الف سنة قوله تعاىل تعرج املالئكة والروح اليه يف يوم كان مقداره مخسني ألف‬
‫سنة إشارة اىل ذلك والشيخ بنفسه ايضا معرتف ببعد الطريق هذا وهلذا قال ابحلرية وال‬
‫يظنن االبله من بعد الطريق ان احلق سبحانه بعيد فانه سبحانه قريب بل اقرب اىل العبد‬
‫من نفس العبد بل هذا البعد امنا هو ابعتبار الدرك و املعرفة ال ابعتبار املكان واملسافة‬
‫والنقطة االخرية من الدائرة أقرب النقط اىل املبدأ ولكن ملا جعل ظهرها اىل جانب املبدأ‬
‫ووجهها اىل طرف آخر وقع وجدانه مع وجود قربه من املبدأ بعيدا ومربوطا بطي مجيع‬
‫النقط {شعر}‪:‬‬
‫اى كمان وتريها بر ساخته *صيد نزديك تو دور انداخته‬
‫هركه دور انداز ترا و دور تر * از چنني صيداست او مهجورتر‬
‫نعم من مل يقاس شديد البعد ال يعرف قدر القرب ما صنع هللا سبحانه فهو خري‬
‫و السالم على من ابتع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والسبعون اىل جناب اخلواجه حسام الدين امحد يف بيان ان‬
‫تلوينات العسكر متكني الرابب اجلمعية مع جواب استفساره عن قراءة املولد}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد تشرفت مبطالعة الصحيفة الشريفة‬
‫ومالحظة املالطفة املنيفة املرسلة ابسم هذا الفقري على وجه الكرم والشفقة هلل سبحانه‬
‫احلمد واملنة على صحتكم وعافيتكم وعدم خلوكم عن تفقد احوال االحباب املهجورين‬
‫واحوال فقراء هذه احلدود واوضاعهم مستوجبة للحمد حيث ان يف عني البالء عافية ويف‬
‫مظان التفرقة مجعية واالوالد واالحباب الذين يف الرفاقة متر اوقاهتم على اجلمعية واحواهلم‬
‫يف الرتقي والتزايد والعسكر يف حقهم خانقاه حمض ونصيبهم يف عني تلوينات العسكر‬
‫مجعية وهم يف عني التعلقات الشت اليت هي من لوازم هذا املوطن متوجهون اىل مطلب‬
‫واحد ومشغوفون به ال شغل ال حد معهم وال ضرر عليهم من احد ومع ذلك هم‬
‫مسلوبوا االعتبار وبدولة احلبس والقيد هلم اشتهار اي له من حبس ال يشرتى يف عوضه‬
‫‪- 1012 -‬‬

‫اخلالص جبوز واي له من قيد ليس لالطالق يف جنبه مقدار موز احلمد هلل سبحانه واملنة‬
‫على ذلك و على مجيع نعمائه (أيها املخدوم) فان املقصود من ارسال الكتاب اىل قرة‬
‫العني اظهار التحسر على فوت بعض النعم اليت كان حصوهلا متوقعا يف جوار الوطن‬
‫واجملئ اىل العسكر والصحبة فيه مربوط بصالحهم فان معرفتهم ابوضاع العسكر أكثر‬
‫واطالعهم على نفع هذا املوطن وضرره ازيد واوفر واندرج فيها انه ان كتبت انه ال‬
‫تصيبهم آفة يذهبون هناك الغيب عند هللا تعاىل ولكن محدا هلل سبحانه مل تصب احدا‬
‫من ا الصحاب والرفقاء بكرم هللا سبحانه آفة التفرقة اىل اآلن مع كثرة االختالط ابرابب‬
‫التفرقة ومل ميتنع احد منهم عن املطلب واندرج ايضا ما يف ابب قراءة املولد ما املضايقة يف‬
‫نفس قرآءة القرآن وقراءة القصائد النعتية واملناقب بصوت حسن واملنهي عنه هو حتريف‬
‫حروف القرآن وتغيريها والتزام رعاية اوزان النغمة وترديد الصوت هبا بطريق االحلان مع‬
‫تصفيق مناسب هلا غري مباح يف الشعر ايضا فان قرأوا على هنج ال يقع حتريف يف كلمات‬
‫القرآن وال تتحقق الشرائط املذكورة يف قراءة القصائد وكانت قراءهتا بغرض صحيح فما‬
‫املانع حينئذ[‪ ]1‬ايها املخدوم قد يقع يف خاطر الفقري انه ما مل ينسد هذا الباب مطلقا ال‬
‫ميتنع عنه املهوسون فلو جوزان يف القليل لينجر اىل الكثري قليله يفضي اىل كثريه قول‬
‫مشهور و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد يف‬
‫اسرار صفة احلياة اليت هي فوق العلم وبيان ان العلم كما انه من الصفات الزائدة‬
‫كذلك هي من الشئون الغري الزائدة أيضا وكذا سائر الصفات}‬
‫اعلم ان حضرة الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره ومتابعيه الذين اثبتوا‬
‫التنزالت اخلمس اعتربوا التعني االول من امجال حضرة العلم وقالوا له احلقيقة احملمدية‬

‫(‪ )1‬اعلم أنه قد مر املنع عن قراءة املولد مطلقا يف مكاتيب عديدة ومراده قدس سره هو هذا الذي ذكره هنا وامنا أطلق‬
‫هناك للعلة املذكورة هنا فال سند يف منعه عنه للوهابيني خذهلم هللا ومن حيذو حذوهم عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 1013 -‬‬

‫عليه و على آله الصالة و السالم واعتقدوا انكشاف ذلك التعني جتليا ذتيا واعتقدوا ما‬
‫فوقه الالتعني الذي هو مرتبة الذات البحت واالحدية اجملردة من مجيع النسب‬
‫واالعتبارات (ال خيفى) ان فوق شأن العلم شأن احلياة اليت العلم اتبع هلا وهي ام مجيع‬
‫الصفات علما وغريه وسواء كان العلم حصوليا او حضوراي وشأن احليوة هذا شأن عظيم‬
‫الشأن وحكم سائر الشئون والصفات يف جنبه حكم اجلداول ابلنسبة اىل البحر احمليط‬
‫والعجب ان الشيخ املعظم مل يسر يف هذه اململكة الوسيعة ومل يقتطف من رايضها ازهار‬
‫العلوم واملعارف هذا الشأن وان كان اىل حضرة الذات تعالت اقرب وللجهالة وعدم‬
‫االدراك انسب ولكن ملا كان فيه شائبة التنزل والظلية كان من مظان العلم واملعرفة قل او‬
‫كثر وملا وقع السري هلذا الفقري بكرم هللا سبحانه يف ذلك الشأن عظيم الشأن صار‬
‫مشهودا ان الشيخ له حجرة حتت ذلك املقام مبسافة بعيدة وانه اختار االقامة فيه ولعله‬
‫انل من هذا املقام حظا وافرا يف اآلخر واطالق بعد املسافة يف مثل هذه االبعاد الال‬
‫كيفية ميكن ابعتبارين ضيق ميدان العبارة او ان صورة ذلك البعد املثالية مشهودة يف عامل‬
‫املثال يف صورة بعد املسافة سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا انك انت العلم احلكيم و‬
‫السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬
‫(فصل ابخلري) لزم من هذا البيان ان ال يكون العلم اثبتا يف مرتبة احلياة اليت فوقه‬
‫سواء كان حصوليا او حضوراي فاذا مل يكن اثبتا يف مرتبة احلياة كيف يكون اثبتا يف مرتبة‬
‫حضرة الذات جل شأنه اليت هي فوق الفوق فاذا مل يكن العلم اثبتا يكون نقيضه اثبتا‬
‫تعاىل هللا سبحانه عن ذلك علوا كبريا والتفصي من هذا االشكال مبين على معرفة دقيقة‬
‫قل من تكلم هبا من اولياء هللا تعاىل (ينبغي) ان يعلم ان علم الواجب جل شأنه كما انه‬
‫من الصفات الثمانية احلقيقية الزائدة كما قال اهل احلق كذلك هو من الشئون‬
‫واالعتبارات الذاتية الغري الزائدة ايضا وحيث ان القسم االول من الصفات الزائدة على‬
‫الذات تعالت فمتعلقه ايضا مما سوى الذات املقدسة سواء كان ذلك السوى عاملا او‬
‫صفات زائدة فان كلما هو متسم بسمة الظلية وعرض له اسم الزايدة ال يكون الئقا‬
‫‪- 1014 -‬‬

‫جبناب مرتبة حضرة الذات املقدسة وال يكون له تعلق جبناب قدسه تعاىل سواء كان ذلك‬
‫العلم حصوليا او حضوراي فان كان حضوراي فهو ايضا متعلق بظل من ظالل حضرة‬
‫الذات وان كان بني العلم والعامل واملعلوم احتاد فان هذا االحتاد ايضا ظل من ظالل املرتبة‬
‫املقدسة ال عينها وان ظن مجع عينيتها والقسم الثاين الذي هو من الشئون الذاتية الغري‬
‫الزائدة متعلقه حضرة الذات فقط تعالت وتقدست واعلى مما يتعلق مبا سوى الذات‬
‫وابجلملة ان العلم ان كان زائدا فتعلقه مقصور على ما سوى الذات والعلم الذي ليس‬
‫بزائد بل جمرد اعتبار فتعلقه مقصور على حضرة الذات تعالت وتقدست والعلم املنتفي يف‬
‫مرتبة خضرة الذات هو العلم الزائد الغري الالئق بتلك املرتبة املقدسة الذي هو ظل شأن‬
‫العلم الغري الزائد وال يلزم من انتفاء ذلك العلم ثبوت نقيضه الذي هو اجلهل فانه اذا مل‬
‫يك ن هناك جمال للعلم الذي هو من الصفات الكاملة كيف يكون لنقيضه الذي هو‬
‫نقص من القدم اىل الرأس جم ال الثبوت يف تلك احلضرة غاية ما يف الباب ان هذين‬
‫النقيضني كالمها يكوانن مسلوبني عن تلك احلضرة وال يلزم حمذور اصال قال واحد من‬
‫العارفني عرفت ريب جبمع االضداد وكأنه ال يصل اىل ذلك املقام االقدس بواسطة علوه‬
‫واحد من هذين النقيضني[‪ ]1‬فاذا كان مجيع النسب واالعتبارات مسلوبة عن تلك احلضرة‬
‫فالعلم وعدم العلم اللذان من مجلة النسب يكوانن مسلوبني ايضا والذي ال بد له من‬
‫النسب واالعتبارات وال يكون فيه رفع النقيضني وال مجعهما هو املمكن وخالق النسب‬
‫واالعتبارات منزه عن النسب واالعتبارات وقياس الغائب على الشاهد ممتنع يف ذلك‬
‫املوطن او نقول ان انتفاء العلم اخلاص ال يستلزم عدم العلم املطلق بل يستلزم عدم العلم‬
‫اخلاص الذي هو متضمن لشائبة الظلية فعلى هذا التقدير ال يلزم حمذور اصال وال يكون‬
‫ارتفاع النقيضني فافهم (ينبغي) أن يعلم ان العلم الذي هو من الشئون الذاتية ال مناسبة‬
‫له اصال اب لعلم الذي هو من الصفات الزائدة وان كان اصل هذا العلم هو ذاك العلم فان‬

‫(‪ )1‬قوله أن هذين النقيضني اخل وهذا من مجلة مصطلحات الصوفية وقد أخذه عنهم بعض اصحاهبم من أرابب‬
‫املعقول فاشتهر بينهم ايضا فهم يستعملونه فيما بينهم وال يدرون معناه‪.‬‬
‫‪- 1015 -‬‬

‫الصفات الزائدة ظل الشأن الذايت ومثة كله انكشاف يف انكشاف وحصول يف عني‬
‫احلضور ومن علو درجته ال يقدر اجلهل ان يقع يف الطرف املقابل له وان يقوم بنقاضته‬
‫خبالف صفة العلم فان اجلهل قائم بنقاضتها وان كان وقوعه غري جائز واحتمال النقيض‬
‫له هذا صار ابعثا على احنطاطه ومنعه من التعلق جبناب القدس فان كل كمال فيه‬
‫احتمال النقيض اي كمال كان ال جمال له يف تلك احلضرة القدرة اليت اثبتوها يف تلك‬
‫املرتبة املقدسة مثال هي القدرة اليت ال عجز يف مقابلته خبالف صفة القدرة فان فيها‬
‫احتمال النقيض وان مل يكن واقعا و على هذا القياس مجيع الشئون والصفات الواجبية‬
‫تعالت وتقدست فاذا مل يكن لشان العلم مناسبة بصفة العلم اصال كيف يكون لعلم‬
‫املخلوقات مناسبة هبذا الشأن عظيم الشأن وكيف يتصور له تعلق بتلك املرتبة املقدسة اال‬
‫ان يكون من احلق سبحانه رعاية وعناية للعبد فاعطي النكشافه الناقص جالء من عند‬
‫انكشافه واعطاه البقاء االكمل من عنده بعد الفناء االمت ففي هذا الوقت ميكن ان حيصل‬
‫له تعلق الكيفي بتلك املرتبة املقدسة ويبلغ مبلغا يقصر دونه االصل ويصل اىل اصل‬
‫االصل متجاوزا مرتبة االصل وهذه خصوصية امتاز هبا بنو آدم وفتح هلم طريق الرتقي‬
‫حت يتجاوزون االصل واصل االصل ايضا ويبلغون مبلغا يبقى االصل كالظل يف الطريق‬
‫ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم يف‬
‫شرح كالم صاحب الفصوص يف بيان جتلي الذات وحتقيق الرأي اخلاص حبضرة‬
‫شيخنا ومل يتم هذا املكتوب اتفاقا}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قال الشيخ بن العريب قدس سره‬
‫والتجلي من الذات ال يكون اال بصورة املتجلي له فاملتجلي له ما رأي سوى صورته يف‬
‫مرآة احلق وما رأى احلق وال ميكن ان يراه واملراد من مرآة الذات هو الشأن الذايت الذي‬
‫ظله االسم الزائد الذي هو مبدأ لتعني املتجلى له فان لكل اسم زائد هو مبدأ لتعني من‬
‫‪- 1016 -‬‬

‫تعينات املخلوقات اصال يف مرتبة الذات وهو الشان الذي هو جمرد اعتبار يف الذات كما‬
‫حققت يف غري موضع وليس املراد منه الذات مطلقا فان املطلق ال يكون مرآة للمقيد وملا‬
‫كانت املرآة مقيدة مثل الصورة الكائنة فيها واصال الصل تلك الصورة ال جرم يتجلى‬
‫املرآة يف نظر املتجلى له بصورته الكائنة فيها من غري زايدة وال نقصان الن جتلي ذلك‬
‫الشان وظهوره يف هذه املرتبة اليت وقع التجلي فيها ال يكون اال هبذه الصورة اليت كان‬
‫املتجلى له عليها اال ان ظهوره هبذه الصوة لفنائه وعدم تعلقه ابلعامل مشروط بتوسط‬
‫االسم الظلي الذي هو مبدأ لتعني صورة املتجلى له وهذه املرآة املقدسة مباينة لسائر‬
‫املرااي فان ظهور الصورة يف تلك املرااي كائن يف زاوية من زواايها وال تظهر املرااي أبعيان‬
‫الصورة احلالة فيها ملباينة بينهما خبالف هذه املرآة املقدسة فان الصورة غري حالة فيها وال‬
‫حاصلة يف زاوية من زواايها لعدم احلالية واحمللية يف تلك احلضرة ولو حسا وعدم التبعض‬
‫والتجزي يف تلك املرتبة املقدسة ولو ومها بل تظهر هذه املرآة املقدسة بكليتها بصورة‬
‫املتجلى له تكون هي مرآة وصورة فاملتجلى له ما رأى سوى صورته يف مرآة احلق الذي‬
‫هو شان الذات الذي ظهر بصورة املتجلى له وما رأى احلق املطلق وال الشان اخلاص‬
‫على النهج التنزيهي والنمط التقديسي وال ميكن ان يراه هذا مبين على رأي الشيخ يف‬
‫نفي امكان الرؤية التنزيهية واثبات الرؤية يف الظهورات التشبيهية اجلامعة اللطيفة بطريق‬
‫التمثل واملثال وهو كما ترى خمالف ملا اتفق عليه علماء اهل السنة شكر هللا تعاىل سعيهم‬
‫من ان رؤيته تعاىل يف الدنيا جائزة غري واقعة ويف اآلخرة بال كيف واقعة ال يكون بتمثل‬
‫ومثال {شعر}‪:‬‬
‫يراه املؤمنون بغري كيف * وادراك وضرب من مثال‬
‫الن رؤية التمثل رؤية كيف وأيضا ليست رؤية له تعاىل بل رؤية خملوق اوجده‬
‫واظهره بطريق التمثل وهو تعاىل وراء التمثل واملثال ووراء التوهم واخليال وكل ذلك خملوق‬
‫له تعاىل والعجب من كرباء العرفاء اهنم تسلوا ابلتشبيه عن التنزيه وابحلادث عن القدمي اذ‬
‫اكتفوا ابملثال وعكفوا على التمثال وظين ان ذلك املرض حدث هلم من قوهلم ابلتوحيد‬
‫‪- 1017 -‬‬

‫واالحتاد واصرارهم على قصور حكمهم ابن العامل هو احلق سبحانه فال جرم تكون رؤية‬
‫اي فرد من افراد العامل رؤية له تعاىل عندهم لالحتاد بينهما و من ههنا قال بعضهم‬
‫ابلشعر الفارسي{شعر}‪:‬‬
‫امروز مجال تو ىب پرده ظاهر است * در حريمت كه وعدهء فردا براى چيست‬
‫اال ان الشيخ خص من بني ذلك االفراد فردا خاصا جامعا حصل بطريق التمثل‬
‫وهو ال جيدي نفعا وكانه قدس سره بوفور علمه ابلكتاب والسنة واقوال العلماء تنبه على‬
‫شناع ة القول ابطالق الرؤية واحلكم ابن رؤيتهم مطلقا رؤية له سبحانه ومع ذلك لغلبة‬
‫السكر وقوة حال التوحيد ما ختلص عن مضيق التشبيه مطلقا وما تفرغ لتحصيل‬
‫كماالت التنزيه مفردا بل زعم ان املنزه الصرف قاصر وانقص وحمدد له تعاىل كاملشبه ففر‬
‫عن التنزيه الصرف وجزم أبن الكمال يف اجلمع بني التشبيه والتنزيه واحلكم ابن احدمها‬
‫عني اآلخر لريتفع التحديد والتقييد مطلقا وال خيفى عليك ان التشبيه معدوم يف اخلارج‬
‫عنده وامنا املوجود يف اخلارج هو التنزيه الصرف فال يكون احدمها حمددا ومقيدا لآلخر‬
‫على قياس الوجود والعدم اخلارجيني فان العدم غري حمدد للوجود وال العكس فان الوجود‬
‫على اطالقه مع العدم اطالقه مع الوجود غري مقيد أحدمها ابآلخر ولو كان العدم حمددا‬
‫للوجود لكان ينبغي ان حيكم أبن الكمال يف اجلمع بني الوجود والعدم و يكون احدمها‬
‫عني اآلخر وهو سفسطة ظاهرة فال يكون القول ابلتنزيه الصرف حتديدا له تعاىل وال‬
‫يكون اجلمع كماال بل نقصا واحلاقا للناقص ابلكامل ومعلوم ان املركب من الناقص‬
‫والكامل انقص بقي الصور املسماة ابالعيان الثابتة عنده اثبتة يف العلم وهي ايضا ال‬
‫تستلزم حتديد املوجود اخلارجي حت حيكم ابالحتاد والعينية بينهما وبينه وامنا حيدد املوجود‬
‫اخلارجي املوجود اخلارجي مثله واما املوجود العلمي فال حيدد املوجود اخلارجي وال يزامحه‬
‫لتباين املرتبتني اال ترى ان تصور شريك الباري وثبوته يف العلم ليحكم عليه ابالستحالة ال‬
‫يزاحم الباري تعاىل املوجود يف اخلارج وال حيدده وال يقيد اصال حت يتمحل يف دفعه‬
‫متحال غري واقع ابن احدمها عني اآلخر هذا ولنرجع اىل كالم الشيخ يف التجلي الذايت وما‬
‫‪- 1018 -‬‬

‫يناسبه فنقول ذكر الشيخ بعد ذكر هذا التجلي ما حاصله ان هذا التجلي هناية‬
‫التجليات وغاية العروجات وما بعد هذا اال العدم احملض فال تطمع وال تتعب نفسك‬
‫بتحصيل العروج فوقه والوصول وراءه فال مقام اعلى من هذه الدرجة يف التجلي الذايت‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والسبعون اىل هذا احلقري حممد هاشم الكشمي يف بيان‬
‫جتلي افعاله وجتلي صفاته وجتلي ذاته سبحانه و تعاىل وهذا املكتوب كأنه تتمة‬
‫للمكتوب السابق}‬
‫ليعلم اخي اخلواجه حممد هاشم الكشمي ان جتلي االفعال عبارة عن ظهور فعل‬
‫احلق سبحانه للسالك على هنج يرى افعال العباد ظالل ذلك الفعل وجيد ذلك الفعل‬
‫اصل تلك االفعال ويعتقد قيام تلك االفعال بذلك الفعل الواحد وكمال هذا التجلي هو‬
‫ان ختتفي تلك الظالل عن نظره ابلتمام وتكون ملحقة ابصلها وجتد فاعل تلك االفعال‬
‫بال حس وال حركة كاجلماد وما قاله ارابب التوحيد الوجودي ابلعينية وقالوا الكل هو امنا‬
‫هو يف ذلك املوطن حيث رأوا هذه االفعال املتكثرة الصادرة من العباد فعل فاعل واحد‬
‫جل شأنه وهناك اختفاء انتساب االفعال اىل فعلتها وحدوث االنتساب فيها اىل فاعل‬
‫واحد ال اختفاء نفس االفعال واحلاقها ابصلها شتان ما بينهما وان كاد ان خيفى على‬
‫البعض وجتلي الصفات عبارة عن ظهور صفات احلق سبحانه للسالك على هنج يرى‬
‫صفات العباد ظالل صفات الواجب جل سلطانه وان جيد قيامها ابصوهلا فيجد علم‬
‫املمكن مثال ظل علم الواجب وقائما به وكذلك جيد قدرته ظل قدرته تعاىل وقائمة هبا‬
‫وكمال هذا التجلي هو ان ختتفي تلك الصفات الظاللية عن نظر السالك ابلتمام وتكون‬
‫ملحقة ابصوهلا وجيد نفسه الذي كان موصوفا هبذه الصفات خاليا عنها كاجلماد بال‬
‫حياة وال علم وال جيد يف نفسه اثرا من الوجود وكماالته وتوابعه حت ال يكون هناك ذكر‬
‫وال توجه وال حضور وال شهود فلو كان بعد اللحوق ابالصل توجه فهو متوجه من نفسه‬
‫اىل نفسه وان حضور فحاضر بنفسه مع نفسه ونصيب السالك من هذا املقام حصول‬
‫‪- 1019 -‬‬

‫حقيقة الفناء واالضمحالل وانتفاء انتساب الكماالت اليت كان ينسبها اىل نفسه بزعمه‬
‫واداء االمانة اليت كان يظن هتمة وكذاب اهنا من نفسه اىل اهل االمانة وزوال مورد كلمة اان‬
‫ايضا على حد لو تشرف ابلبقاء ال يكون موردا الان وال يقدر ان يعرب عن نفسه ابان وان‬
‫وجد نفسه عني اصله ال يتي سر له جمال اطالق اان على ذلك االصل وال يقدر ان يقول‬
‫انه عني االصل فان االاننية قد زالت عنه وقول اان احلق امنا هو لعدم حصول هذه النسبة‬
‫واجراء سبحاين على اللسان لعدم الوصول اىل هذه الدولة ولكن ينبغي محل صدور امثال‬
‫هذه االلفاظ عن االكابر على توسط احواهلم واعتقاد كماهلم وراء هذا القيل والقال‬
‫والفناء الذي هو حقيقة االمنحاء واالضمحالل وان كانت منتهى جتلي الصفات ولكن‬
‫حصوله من اشعة جتلي الذات وما مل تتجل الذات ال تتيسر دولة الفناء بل ال يتم جتلي‬
‫الصفات ايضا ما مل جتد مل تتخلص ومن جتلي الذات تزول بقية العارف اليت ترى له‬
‫كاجلماد وتلك البقية هي العدم الذي هو اصل مجيع املمكن وقد حصل له من انعكاس‬
‫صفات حضرة الوجوب تعالت وتقدست فيه امتياز وتشخص وكان هبذه املرآتية ممتازا من‬
‫اعدام اخر وملا صارت تلك الظالل املنعكسة ملحقة ابصوهلا مل يبق بني تلك االعدام ما‬
‫به االمتيازوصار هذا العدم اخلاص ايضا ملحقا ابلعدم املطلق فحينئذ مل يبق من العارف‬
‫اسم وال رسم ال تبقي وال تذر كما ان الوجود وتوابع الوجود ودعه وراح كذلك هذا العدم‬
‫فارقه ايضا وحلق ابصله واسرتاح (ينبغي) ان يعلم ان امتياز هذا العدم من اعدام اخر‬
‫الذي حصل بواسطة حصول ظالل الصفات فيه كان ابعتبار التوهم ويف احلقيقة مل يكن‬
‫فيه ظل اصال مثل مرااي اخر فان حصول الصور فيها ابعتبار التوهم فاذا كان حصول‬
‫الظالل فيها ابعتبار التوهم يكون امتيازه ايضا ومهيا فكما ان وجود املمكن ابعتبار التوهم‬
‫يكون عدمه ايضا ابعتبار التوهم فما اعطي يف خارج دائرة الوهم موضع قدم فان الوجود‬
‫والعدم يف احلقيقة على صرافة اطالقهما ما لذاك عرض تنزل وال هلذا حصل ترق ومن‬
‫كمال اقتدار الصانع تعاىل خلق العامل يف مرتبة الوهم من ذاك وهذا وأتقنه وجعل املعاملة‬
‫االبدية واجملازاة السرمدية منوطة به وما ذلك على هللا بعزيز وما قلت فيما سبق ان‬
‫‪- 1020 -‬‬

‫حصول دولة الفناء من اشعة جتلي الذات يعين ان حصول نفس جتلي الذات بعد‬
‫حصول دولة الفناء ما مل تتخلص مل جتد والفرق بني اشعة التجلي ونفس التجلي كالفرق‬
‫بني اسفار الصبح وطلوع الشمس فان يف وقت االسفار ظهور اشعة جتلي الشمس وبعد‬
‫الطلوع نفس جتلي الشمس ورمبا ال يشرف البعض بنفس التجلي مع ظهور اشعة التجلي‬
‫وال يوصل به اىل تلك الدولة القصوى بواسطة عروض بعض العوارض كما يدرك االسفار‬
‫وال يدرك الطلوع بعروض علة مساوية او ارضية وايضا ال حاجة يف شهود االسفار اىل‬
‫كمال قوة الباصرة وشهود الشمس هو الذي يستدعي كمال قوة الباصرة وحدة النظر اال‬
‫ترى ان ا خلفاش قادر على ادراك االسفار وعاجز عن ابصار الشمس يف النهار وابصار‬
‫الشمس يستدعي ان حيصل له بصر آخر ورمبا يكون يف السالك استعداد اشعة التجلي‬
‫وال يكون فيه استعداد نفس التجلي واخلفاش فيه استعداد مشاهدة اشعة جتلي الشمس‬
‫وليس فيه استعداد نفس جتلي الشمس ها اان اقول كالما عاليا لعله يكون انفعا وبعد‬
‫انصرام جتلي الصفات وبعد حصول فناء الصفات والذات يستقبل العارف جتل كانه‬
‫دهليز جتلي الذات وكانه برزخ بني جتلي الصفات وجتلي الذات والذي يرتقي من هذا‬
‫التجلي له نصيب من جتلي الذات بقدر استعداده وهذا التجلي الربزخي بزعم هذا الفقري‬
‫اصل لذاك التجلي الذايت الذي قال الشيخ بن العريب قدس سره يف حقه هذه العبارة‬
‫والتجلي من الذات ال يكون اال بصورة املتجلى له فاملتجلى له ما رأى سوى صورته يف‬
‫مرآة احلق وما رأى احلق وال ميكن ان يراه وقال هلذا التجلي منتهى التجليات ومل يقل‬
‫مبقام فوقه وقال وما بعد هذا التجلي اال العدم احملض فال تطمع وال تتعب يف حتصيل‬
‫العروج والرتقي فوقه فال مقام اعلى من هذه الدرجة يف التجلي الذايت والعجب ان‬
‫الوصول اىل املطلوب احلقيقي فيما وراء هذا التجلي والشيخ خيوف وحيذر عنه بقوله تعاىل‬
‫وحيذركم هللا نفسه ويهدد فلو مل نطمع حنن املهجورون املتحريون فيه ومل نتعب حلصوله‬
‫ماذا كنا فعلناه غري التسلي من اجلوهر النفيس بقطعات اخلزف غاية ما يف الباب ان‬
‫النصيب من كل مرتبة مناسب لتلك املرتبة فالنصيب امليسر من الالكيفي يكون الكيفيا‬
‫‪- 1021 -‬‬

‫ال سبيل للكيف اىل الالكيفي فاملعرفة اليت تتعلق بتلك املرتبة ليست كمعرفة تتعلق‬
‫ابلكيفي فانه ال جمال هلذه املعرفة هناك العلم يف ذات هللا سبحانه جهل اي ليس علما‬
‫من جنس العلم املتعلق بعلم املمكن فانه من مقولة الكيف وال كيف مثة واملنع من التفكر‬
‫يف ذات هللا سبحانه امنا هو بواسطة انه تعاىل وراء التفكر والتخيل ووجد انه تعاىل امنا‬
‫ميكن به سبحانه ال ابلفكر واخليال ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا وكان‬
‫ينبغي للشيخ قدس سره ان يقول وما بعد هذا التجلي اال الوجود الصرف والنور احملض‬
‫وامنا قال وما بعد هذا التجلي اال العدم ابعتبار ان العامل ظل الصفات والتفوق والرتقي‬
‫من الصفات اجتهاد وسعي يف اعدام نفسه وليس كذلك فان العارف اذا مل يرتق من‬
‫الصفة اليت هي ا صله ومل يتفوق الشئون واالعتبارات الذاتية ماذا يكون فعله والي شئ‬
‫يكون جميئه والفناء والبقاء اللذان تيسرا له يف كل مرتبة جراه للتجاوز اىل ما فوق اصله‬
‫فتجاوز ببقاء االصل عن االصل ووصل اىل اصل االصل {شعر}‪:‬‬
‫حيرق ابلنار من ميس هبا * ومن هو النار كيف حيرتق‬
‫فلو وص ل الشيخ قدس سره اىل اصل ذلك الظل ملا خاف من الرتقي اىل فوق ومل‬
‫خيوف ولكن حسن الظن يقتضى ترقي هذا الشيخ املعظم بفضل هللا جل سلطانه من‬
‫هذا املقام وادراكه حقيقة االمر ال ينبغي وزن حاله العظيم مبيزان قاله ولعله قال ذلك يف‬
‫االبتداء والتوسط مث جاوزه مبراحل من استوى يوماه فهو مغبون وهللا سبحانه املوفق وماذا‬
‫اكتب من التجلي الذايت وماذا اقدر ان اكتب فانه ذوقي فمن ذاق عرف ومن مل يذق مل‬
‫يدر {ع}‪:‬‬
‫بلغ الرياع اىل هنا فتكسرا‬
‫و القدر املمكن اظهاره ان التجلي الذايت يف حق العارف الذي ذكر فناءه فيما‬
‫سبق دائمي وما هو كالربق لغريه على الدوام يف حقه بل التجلي الربقي ليس هو جتليا‬
‫ذاتيا يف احلقيقة وان قالوا له جتليا ذتيا بل هو جتلي شأن من شئون الذات سريع االستتار‬
‫فانه مت ما حصل التجلي الذايت من غري مالحظة الشئون واالعتبارات فالدوام الزم له‬
‫‪- 1022 -‬‬

‫واالستتار غري متصور فيه وتلوينات التجليات تنبئ عن الصفات والشئوانت وحضرة‬
‫الذات منزهة ومربأة من التلوينات وال جمال فيها لالستتار ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء‬
‫وهللا ذوالفضل العظيم‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والسبعون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم يف بيان‬
‫علو شأن العلم واملرتبة املقدسة فوقه املعرب عنها ابلنور الصرف}‬
‫اعلم ان شأن العلم وان كان اتبعا لشأن احلياة ولكن للعلم يف مرتبة حضرة الذات‬
‫تعالت وتقدست بعد سقوط اعتبار الصفات والشئون شأن ليس هو للحياة فضال عن‬
‫سائر الصفات والشئون ويف موطن التجرد عن مجيع النسب مرتبة ال جتوز اطالق غري‬
‫النور على نفسها أظن ان لل علم ايضا جماال فيها ال ذاك العلم الذي يقال له حصوليا او‬
‫حضوراي فانه مع قسميه اتبع للحياة بل هو الكيفي والمثلي كحضرة الذات تعالت‬
‫وتقدست وكله شعور ال كيفي بال اعتبار العامل واملعلوم وفوق تلك املرتبة مرتبة أخرى ال‬
‫جمال فيها للعلم كسائر الشئون ال شئ هناك غري النور الذي هو اصل ذلك الشعور‬
‫الالكيفي والالمثلي فاذا كان ظل ذلك النور الكيفيا والمثليا ماذا نقول من الكيفية‬
‫االصل الذي هو عني النور ماذا نقدر ان نقول ومجيع الكماالت وجوبية وامكانية ظالل‬
‫النور وقائمة ابلنور ووجود الكل صار وجودا ومبدأ لآلاثر من النور واملرتبة االوىل ملا‬
‫كانت فيه رائحة االحنطاط من مرتبة حضرة النور الصرف واجلامع للشعور هو النور قال‬
‫املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم يف حقه انه خملوق وعرب عنه احياان‬
‫ابلعقل حيث قال اول ما خلق هللا العقل واحياان ابلنور وقال اول ما خلق هللا نوري‬
‫وكالمها شئ واحد فانه نور وعقل وشعور وحيث نسب النيب صلّى هللا عليه و سلّم اىل‬
‫نفسه وقال نوري ميكن ان نقول ان هذه املرتبة هي احلقيقة احملمدية والتعني االول ال تلك‬
‫احلقيقة والتعني االول املتعارفان بل لو كان ذلك التعني ظال من ظالل ذلك التعني فهو‬
‫ايضا مغتنم كما ان املراد من هذا العقل ليس هو ذاك العقل الذي قال الفالسفة انه‬
‫‪- 1023 -‬‬

‫الصادر االول من الواجب تعاىل بطريق االجياب وجعلوه مصدر الصدور الكثرة (ينبغي)‬
‫ان يعلم ان كل موطن فيه تعني فيه رائحة من االمكان ومعه شوب من العدم الذي صار‬
‫ابعثا على تعني الوجود ومتيزه وبضدها تتبني االشياء وصفات الواجب جل شأنه هي اليت‬
‫عرض هلا التعني والتميز فهي مع وجود قدمها ليست بواجبة لذواهتا بل واجبة لذات‬
‫الواجب تعاىل وحاصل ذلك وجوب ابلغري الذي هو من اقسام املمكن وان كان‬
‫التحاشي الزما من اطالق لفظ االمكان يف الصفات القدمية لكونه مومها للحدوث‬
‫واملناسب هناك اطالق الوجوب جمليئها من ذات الواجب تعاىل ولكن لالمكان فيها جمال‬
‫يف احلقيقة لعدم وجوهبا لذواهتا بل لغريها وان مل يقولوا ابلغريية وارادوا ابلغري الغري املصطلح‬
‫ولكن االثنينية مقتضية للغريية االثنان متغايران قضية مقررة من قضااي ارابب العقول (و‬
‫العجب) ان الشيخ حميي الدين بن العريب قال لالثنني من التعينات تعينا وجوبيا وللثالثة‬
‫امكانية ويف احلقيقة يف كل التعينات مسة الظلية ورائحة االمكان وان كان بني ممكن‬
‫وممكن فرق كثري وكان احدمها قدميا واآلخر حاداث ولكن الكل غري خارج من دائرة‬
‫االمكان ويف الكل رائحة من العدم (واايك) وختيل املرتبة الثانية اليت هي النور الصرف‬
‫واملتعني ابلالتعني ذاات حبتا واحدية جمردة مثل اآلخرين فانه ايضا حجاب من احلجب‬
‫النورانية ان هلل سبعني الف حجاب من نور وظلمة وان مل يكن تعينا ولكنه حجاب‬
‫املطلوب احلقيقي وان كان آخر احلجب وهو تعاىل وراء الوراء وهذا النور الصرف ملا مل‬
‫يكن داخال يف دائرة التعني كان منزها ومربأ من ظلمة العدم وهلل املثل األعلى ومثل ذلك‬
‫النور كمثل تشعشع نور الشمس الذي هو حاجب لقرصها انتشر من عني القرص وصار‬
‫حجااب هلا ويف احلديث حجابه النور وهذه املرتبة العلياء فوق التجليات الذاتية فضال عن‬
‫جتليات االفعال والصفات فان التجلي بال شوب التعني غري متصور وهذا املقام فوق‬
‫مجيع التجليات ولكن منشأ التجليات الذاتية هو هذا النور الصرف والتجلي امنا يتصور‬
‫بواسطته ولواله ملا حصل التجلي وحقيقة الكعبة الرابنية اظنها حضرة ذلك النور الذي‬
‫هو مسجود اجلميع واصل مجيع التعينات فاذا كان مالذ التجليات الذاتية وملجؤها ذلك‬
‫‪- 1024 -‬‬

‫النور ماذا يزيد يف مدحه كونه مسجودا لآلخرين فاذا شرف هللا سبحانه بكمال فضله‬
‫وعنايته عارفا من الوف ابلوصول اىل هذه الدولة وخصه ابلفناء والبقاء يف هذا املوطن‬
‫ميكن ان ينال بقاء هبذا النور وحظا وافرا من الفوق وفوق الفوق وان يتجاوز من النور‬
‫ابلنور فيصل اىل أصل النور ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم وهذه‬
‫املعارف كما اهنا وراء طور النظر والفكر وراء طور الكشف والشهود ايضا وارابب‬
‫الكشف والشهود يف فهم هذه العلوم كأرابب العلم والعقل ال بد يف االهتداء اىل درك‬
‫هذه احلقائق مبتابعة االنبياء عليهم الصالة و السالم من نور فراسة النبوة (ينبغي) ان يعلم‬
‫ان هذا النور حاشاه من أن تكون فيه شائبة االمكان فيكون ممكنا ومن جنس اجلوهر‬
‫والعرض بل هو مرتبة ال ميكن اطالق شئ عليها غري النور وان كان ذلك الغري وجوب‬
‫الوجود فان الوجوب دونه {تنبيه} ال يتوهم احد من هذا البيان ان خرق مجيع احلجب‬
‫عن الذات تعالت قد حتقق يف حق هذا العارف لكون هذا النور آخر احلجب على ما‬
‫مر وهو ممتنع حلديث نقلوه ان هلل سبعني ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفت‬
‫الحرقت سبحات وجه ما انتهى اليه بصره من خلقه الن مثة حتقق وبقاء ابحلجب اليت‬
‫كل منها معد لآلخر ال خرق احلجب شتان ما بينهما ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا‬
‫من أمران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد يف‬
‫اسرار حقيقة القرآن اجمليدمع بيان دقائق العجز واملعرفة وحقيقة الصالة والكلمة‬
‫الطيبة}‬
‫احلمد هلل ال ذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا‬
‫ابحلق وبعد مرتبة النور الصرف اليت وجدها الفقري حقيقة الكعبة الرابنية وبينها مرتبة عالية‬
‫جدا وهي حقيقة القرآن اجمليد السبحاين و الكعبة املعظمة امنا صارت قبلة اآلفاق‬
‫وتشرفت بدولة املسجودية للكل حبكم القرآن اجمليد االمام قرآن واملأموم االول كعبة‬
‫‪- 1025 -‬‬

‫معظمة وهذه املرتبة املقدسة مبدأ لوسعة حضرة الذات الالكيفية وايضا ان مبدأ امتياز‬
‫تلك احلضرة الالكيفي والالمثلي هو هذه الدرجة العليا والوسعة يف تلك الدرجة املقدسة‬
‫ليست هي حبسب الطول والعرض فان ذلك من مسات النقص واالمكان بل هي امر من‬
‫مل يتحقق به ال يدريه وكذلك االمتياز يف تلك املرتبة املقدسة ليس هو ابملزايلة و املباينة‬
‫فان ذلك مستلزم للتبعض والتجزي اللذين من لوازم اجلسم واجلسماين تعاىل هللا سبحانه‬
‫عن ذل ك وال يتصور يف ذلك املوطن فرض شئ غري شئ فان الغريية تنبئ عن االثنينية بل‬
‫ال جمال فيه للفرض لكونه من قبيل فرض احملال من مل يذق مل يدر‪.‬‬
‫وما أبديك من طريي عالمه * واضحى مثل عنقاء وهامه‬
‫وللعنقاء بني الناس اسم * ومل يك السم طريي استدامه‬
‫وكل شئ يفرض يف ذلك املوطن وان كان فرض احملال ويتعمق النظر يف ذلك‬
‫الشئ ال يظهر فيه امر له اختصاص بذلك الشئ احملقق وال يوجد يف شئ آخر مفروض‬
‫ومع ذلك يكون االمتياز بني ذينك الشيئني املفروضني كائنا وابئنا وتكون احكام كل‬
‫منهما متميزة عن احكام اآلخر فسبحان من مل جيعل للخلق اليه سبيال اال ابلعجز عن‬
‫معرفته و العجز عن املعرفة نصيب االكابر االولياء وعدم املعرفة غري العجز عن املعرفة‬
‫مثال احلكم بعدم االمتياز يف ذلك املوطن املقدس ووجدان كل كمال ذايت عني اآلخر‬
‫كما قالوا ان العلم عني القدرة والقدرة عني االرادة عدم املعرفة ابمتياز ذلك املوطن‬
‫واحلك م ابالمتياز يف ذلك املوطن واالعرتاف بعدم وجدان كنه ذلك االمتياز عجز عن‬
‫معرفة امتياز ذلك املوطن وعدم املعرفة جهل والعجز عن املعرفة علم بل العجز متضمن‬
‫للعلمني علم الشئ والعلم بعدم وجدان كنه ذلك الشئ من غاية عظمة ذلك الشئ‬
‫وكربايئه فلو ادرجنا فيه علما اثلثا ايضا لساغ وهو علم االنسان بعجزه وقصوره الذي هو‬
‫مؤيد ملقام عبديته وعبوديته ويف عدم املعرفة اليت هو اجلهل رمبا يكون ذلك اجلهل مركبا‬
‫اذا مل يعرف جهل نفسه انه جهل بل زعم انه علم ويف العجز عن املعرفة جناة اتمة من‬
‫هذا املرض بل ال جمال فيه هلذا املرض لكونه معرتفا بعجزه فلو كان عدم املعرفة و العجز‬
‫‪- 1026 -‬‬

‫عن املعرفة متساويني لكان اجلهالء كلهم عرفاء وكان جهلهم واسطة لكماهلم بل هناك‬
‫كل من كان اجهل يكون اعرف فان املعرفة هناك يف عدم وجدان املعروف ويف العجز‬
‫عن املعرفة هذه املقدمة صادقة فان كل من يكون اعجز عن املعرفة يكون اعرف ابملعارف‬
‫والعجز عن املعرفة مدح يشبه الذم وعدم املعرفة ذم صرف ليست فيه رائحة املدح رب‬
‫زدين علما بكمال العجز عن معرفتك سبحانك فلو الحظ الشيخ حميي الدين ابن العريب‬
‫قدس سره هذا الفرق الذي اهتدى اليه هذا الفقري ملا ذكر العجز عن املعرفة ابجلهل اصال‬
‫وملا عده من عدم العلم قطعا حيث قال منا من علم ومنا من جهل فقال العجز عن درك‬
‫االدراك ادراك وبعد ذلك بني علوم الشق االول وابهى هبا واعتقدها من نفسه وقال خامت‬
‫االنبياء أيخذ هذه العلوم من خامت الوالية وعن خبامت الوالية احملمدية نفسه فصار من هذه‬
‫اجلهة مورد املطاعن اخلالئق وشراح الفصوص صرفوا يف توجيهات هذا الكالم مهمهم‬
‫وعند الفقري ميكن ان يقال ان هذا الكالم يف احلقيقة ادون من ذلك العجز بل ال مناسبة‬
‫لديه لكونه مربوطا ابلظالل والعجز يف موطن االصل سبحان هللا ان قائل هذا القول هو‬
‫الصديق رضي هللا عنه كما قالوا وهو رأس العرفاء ورئيس الصديقني فاي علم يسبق ذلك‬
‫العجز وأي قادر يكون اسبق قدما من ذاك العاجز نعم اذا قال يف حق استاذ الصديق‬
‫يعين النيب عليه و على آله الصالة و السالم ما قال كيف ال يقول ذلك يف حق الصديق‬
‫والعجب ان الشيخ هبذا القيل والقال وهبذا الشطح من املقال يظهر يف النظر من املقبولني‬
‫ويشاهد يف عداد االولياء املكرمني {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف امر مع الكرام‬
‫نعم رمبا حيصل التأذي من الدعاء ورمبا حيصل السرور واالبتهاج من الشتم وااليذاء‬
‫والذين يردون الشيخ يف خطر والذين يقبلونه ويقبلون كالمه ايضا يف خطر ينبغي ان يقبل‬
‫الشيخ وينبغي ان ال يقبل كلماته املخالفة هذا هو الطريق الوسط يف قبول الشيخ وعدم‬
‫قبوله الذي هو اختيار هذا الفقري وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال (ولنرجع) اىل أصل‬
‫الكالم فنقول ان هذه املرتبة املقدسة اليت قلنا اهنا حقيقة القرآن ال جمال فيها الطالق‬
‫‪- 1027 -‬‬

‫النور ايضا وبقي النور يف الطريق كسائر الكماالت الذاتية ال يوجد هناك شئ اصال غري‬
‫الوسعة الالكيفية واالمتياز الالمثلي فلو كان املراد من قوله تعاىل قد جاءكم من هللا نور‬
‫القرآن ميكن ان ذلك ابعتبار االنزال والتنزيل كما يومي اليه كلمة جاءكم وفوق هذه‬
‫املرتبة املقدسة مرتبة عالية جدا وهي حقيقة الصالة اليت صورهتا قائمة يف عامل الشهادة‬
‫ابملصلني من ارابب النهاية ولعل فيما ورد يف قصة املعراج يف قوله صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫حكاية قف اي حممد ان هللا يصلي[‪ ]1‬امياء اىل حقيقة الصالة هذه نعم ان العبادة اليت‬
‫تكون الئقة مبرتبة التنزه والتجرد لعلها تكون صادرة عن مراتب الوجوب وتظهر من‬
‫اطوارالقدم فالعبادة الالئقة جبناب قدسه تعاىل هي الصادرة من مراتب الوجوب ال غري‬
‫فهو العابد واملعبود ويف هذه املرتبة املقدسة كمال الوسعة الالكيفية واالمتياز الالمثلي فان‬
‫حقيقة الكعبة وحقيقة القرآن جزآها والصالة هي جامعة جلميع كماالت مراتب العبادات‬
‫وكائنة على نسبة اصل االصل فان املعبودية الصرفة متحققة فيها وحقيقة الصالة اليت هي‬
‫جامعة جلميع العبادات عبادة يف هذه املرتبة للمرتبة املقدسة اليت فوقها واستحقاق‬
‫املعبودية الصرفة اثبت هلا فاهنا اصل الكل ومالذ اجلميع وتقصر الوسعة ايضا دون هذا‬
‫املوطن ويبقى االمتياز يف الطريق وان كان الكيفيا والمثليا و منتهى اقدام الكمل من‬
‫االنبياء واكابر االولياء عليهم الصلوات و التسليمات اوال وآخرا اىل هناية مقام حقيقة‬
‫الصالة اليت هي هناية عبادة العباد وفوق ذلك املقام مقام املعبودية الصرفة اليت ال شركة‬
‫فيها الحد بوجه من الوجوه حت يضع قدمه اىل فوق وكل مقام فيه شوب عبادة وعابد‬
‫فيه جمال للقدم كالنظر واذا وقعت املعاملة اىل املعبودية الصرفة يقصر القدم ويتم السري‬
‫ولكن حبمد هللا سبحانه مل مينع من النظر فيها بل له فيها جمال بقدر االستعداد {ع}‪:‬‬
‫لو مل يكن هذا لكان بالء‬
‫ميكن ان يكون يف امر قف اي حممد اشارة اىل قصور القدم هذا يعين قف اي حممد‬
‫وال تضع قدمك فوق ذلك فانه ال جمال للقدم فوق مرتبة الصالة اليت هي صادرة عن‬

‫(‪ )1‬قوله قف اي حممد اخل أورده القسطالين يف املواهب اللدنية يف قصة املعراج‪.‬‬
‫‪- 1028 -‬‬

‫مرتبة الوجوب ومرتبة جترد حضرة الذات وتنزهها تعالت وتقدست وحقيقة الكلمة الطيبة‬
‫ال اله اال هللا تتحقق يف ذلك املقام ونفي عبادة اآلهلة الغري املستحقة للعبادة يتصور يف‬
‫ذلك املوطن واثبات املعبود احلقيقي الذي ال مستحق للعبادة غريه حيصل يف ذلك املقام‬
‫وكمال االمتياز بني العابدية واملعبودية يظهر ههنا وميتاز فيه العابد من املعبود كما ينبغي‬
‫ان ميتاز ويعلم ان معن ال اله اال هللا ابلنسبة اىل حال املنتهيني ال معبود اال هللا كما تقرر‬
‫يف الشرع انه معن هذه الكلمة ومالحظة ال مقصود وال موجود ابلنسبة اىل االبتداء‬
‫والوسط وال مقصود فوق ال موجود فانه روزنة ال معبود اال هللا (ينبغي) ان يعلم ان الرتقي‬
‫يف النظر يف ذلك املوطن وحدة البصر فيه مربوطة ابلصالة اليت هي شغل املنتهيني وسائر‬
‫العبادات لعلها متد يف تكميل الصالة وتتال يف نقصها ولعله من هذا الوجه قالوا يف حق‬
‫الصالة اهنا حسن لذاهتا كاالميان وسائر العبادات ليست حسنا لذواهتا‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد‬
‫واخلواجه حممد معصوم يف اظهار االشتياق اايهم واالشفاق عليهم مع ذكر مثرات‬
‫العسكر}‬
‫احلمد هلل والصالة و السالم على رسول هللا وان كان االوالد الكرام مشتاقني الينا‬
‫ومريدين لدوام صحبتنا وحنن ايضا متمنني حلضورهم ومالقاهتم ولكن ما ذا نفعل ال‬
‫حيصل مجيع املتمنيات {ع}‪:‬‬
‫جتري الرايح مبا ال تشتهي السفن‬
‫واين ارى بقائي يف العسكر على هذا الطور بال اختيار وال رغبة مغتنما واعتقد‬
‫ساعة واحدة يف هذه العرصة افضل من ساعات كثرية يف سائر االمكنة وقد يتيسر هنا ما‬
‫ال يعلم تيسر متثاله يف مواضع أخرى ومعارف هذا املوطن ممتازة من سائر املعارف واحوال‬
‫هذا اجملمع ومقاماته ليست مما يناهلا كل عارف واملنع الذي ورد من جانب السلطان اراه‬
‫روزنة رضاء موالي العزيز الشان واظن سعاديت يف هذا احلبس وخصوصا يف اايم املشاجرة‬
‫‪- 1029 -‬‬

‫هذه امور ومعاملة عجيبة ويف اوقات التفرقة هذه غنج ودالل ومالطفة غريبة ولكن كلما‬
‫حتصل دولة جديدة عجيبة يوما فيوما يقع االوالد يف اخلاطر ويضطرب الفؤاد من امل‬
‫اهلجر والبعاد وعدم نيل املالقاة واظن ان شوقي اكثر وازيد من شوقكم وغالب عليه ومن‬
‫املقرر ان الولد ال يريد مثل ما يريد الوالد اايه وان كانت قضية االصالة والفرعية مقتضية‬
‫عكس ذلك فان االصل ال احتياج له والفرع حمتاج اىل االصل من القدم اىل الرأس ولكن‬
‫جرت املعاملة على ذلك وثبت اشد الشوق لالصل {ع}‪:‬‬
‫درخانه بكدخداى ماند مهه چيز‬
‫الدهلي يف جواركم وآكره ايضا قريب منكم و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم يف‬
‫اسرار ذات العارف املوهوبة الالكيفية وحتقيق جتلي الذات والرؤية االخروية وما‬
‫يناسب ذلك}‬
‫فاذا ترقت معاملة العارف من الشئون والصفات وتعدت من وجوه اعتبارات‬
‫الذات تعالت وتقدست وحصل هلا التفوق من املقام الذي عربان عنه حبقيقة الصالة‬
‫يكون التوجه واملتوجه مثة بال كيف كاملتوجه اليه فانه ال سبيل للكيفي اىل الالكيفي‬
‫وذلك املتوجه هو ذات العارف بعد حذف مجيع الوجوه واالعتبارات عنه والكنه عبارة‬
‫عن هذه الذات اجملردة املتوجهة اىل ذات معروفها وكنهه مطلوهبا بنفسها ال ابلوجه‬
‫واالعتبار وامنا قلت ان الكنه عبارة عن الذات اجملردة فان كنه الشئ هو ما يكون وراء‬
‫مجيع وجوه الشئ واعتباراته وذات الشئ ايضا ما يكون وراء مجيع وجوه الشئ واعتباراته‬
‫فان كلما يالحظ من وجوه الشئ واعتباراته توجد ذات الشئ وراء ذلك كلها ال جمال‬
‫الثبات امر يف مرتبة الذات اصال وكل شئ يثبت مثة فهو داخل يف الوجوه واالعتبارات‬
‫والذات ما وراء ذ لك ال يتصور يف ذلك املقام امر غري النفي والسلب فان كان فيه علم‬
‫ابالمتياز فبالسلب وان كان تعبري وتفسري فبالسلب أيضا وكل شئ ال جمال فيه لالثبات‬
‫‪- 1030 -‬‬

‫وال ميكن عنه التعبري بغري السلب فهو جمهول الكيفية وله نصيب من الالكيفي والتوجه‬
‫الذي يثبت يف مرتبة الذات يكون عني ذات املتوجه ال وجه من وجوه الذات وال اعتبار‬
‫من اعتباراهتا فان مجيع الوجوه واالعتبارات صارت مسلوبة عنها ومل يبق شئ غري الذات‬
‫االحد فيكون لذاك التوجه الذي هو عني الذات نصيب من الالكيفي ابلضرورة فصح ان‬
‫التوجه واملتوجه يكوانن مثة بال كيف كاملتوجه اليه وان كان بني الكيفي و الكيفي فرق‬
‫كثري ما للرتاب ورب االرابب وهلذا اثبتنا يف التوجه واملتوجه نصيبا من الالكيفي‬
‫والالكيفي احلقيقي هو املتوجه اليه فقط فاذا كان ذاك املمكن وكنْ هه جمهول الكيفية وال‬
‫ميكن اثبات شئ فيها كيف تكون ذات الواجب تعاىل اليت هي يف كمال اللطافة‬
‫والتقدس والتنزه مدركة وماذا حيصل منها {شعر}‪:‬‬
‫من مل يكن ذا خربة عن نفسه * هل يقدر االخبار عن هذا وذا‬
‫واعطى ارحم الرامحني من كمال رأفته ورمحته املمكن الذي متصف ابلكيف‬
‫ابلتمام نصيبا من الالكيفي ليحصل له حضور وشعور ابلالكيفي احلقيقى {ع}‪:‬‬
‫ولالرض من كأس الكرام نصيب‬
‫وما قيل من استحالة معرفة كنه الذات لعلهم ارادوا ابملعرفة املعرفة املتعارفة اليت من‬
‫عامل الكيف وتعلقها ابلالكيفي حمال واما اذا اتصل امر من عامل الكيفي بالكيفي ابتصال‬
‫الكيفي وانل من تلك الدولة العظمى حظا وافرا مل يكون حماال (معرفة) غريبة ومسئلة‬
‫دقيقة عجيبة قلما ظهرت اىل اآلن من أهل الكشف والعرفان ان هذه الذات اجملررة اليت‬
‫هلا نصيب من الالكيفي وبينت ابلتفصيل خمصوصة بعارف اتم املعرفة واصل اىل حضرة‬
‫الذات اجملردة تعالت وتقدست وحصل له الفناء والبقاء يف تلك الدرجة العليا وهذه‬
‫الدولة اثر ذلك البقاء الذايت وسائر املمكنات سوى هذا العارف ال نصيب هلم من‬
‫الذات اصال وليست هلم ذات قطعا حت تكون صفاهتم قائمة هبا بل مجيع وجودهم‬
‫ظالل االمساء والصفات وعكوس الشئون واالعتبارات قائمة ابصوهلا اليت هي االمساء‬
‫والصفات ال ابمر يعرب عنه ابلذات واللطائف السبع لالنسان الذي هو امجع مجيع‬
‫‪- 1031 -‬‬

‫املمكنات سواء كانت خفيا او اخفى آاثر الصفات وجسمانيها وروحانيها ظالل االمساء‬
‫واعتبارات الذات تعالت وتقدست ما اودع فيها شئ من نفس الذات وما جعل قيامها‬
‫بتلك الذات (فان قيل) ال قيام لالمساء والصفات ابنفسها بل قيامها ابلذات تعالت‬
‫وتقدست فكيف يقوم الغري هب ا (قلت) ان الغري امنا ال يقوم هبا اذا كان موجودا وأما اذا‬
‫حصل له ثبوت واستقرار يف مرتبة التوهم فلم ال يكون قائما هبؤالء فانه اضعف (وما قلت‬
‫وكتبت ان ذات املمكن عدم فهو كقولنا املمكن ال ذات له ذاته عدم وال ذات له كالمها‬
‫مبعن واحد وان ابدى التحقيق الفلسفي تغايرا بني هذين املفهومني ولكن ال مفهوم له‬
‫ويف احلقيقة مرجعهما ومآهلما واحد والعدم ال نفع فيه لنفسه وماذا جيدي لغريه وال يقدر‬
‫امساك نفسه فكيف ميسك غريه وحتقيق املبحث ان عكوس االمساء والصفات ملا ظهرت‬
‫يف مرآة العدم يرى قيامها يف الظاهر بتلك املرآة وتتخيل املرآة كالذات هلا ابعتبار قيامها‬
‫هبا ويف احلقيقة قيامها أبصلها ال تعلق هلا ابملرآة اصال وال شغل هلا مبرآة العدم يف غري‬
‫التوهم واين اجملال جلوهرية تلك املرآة وذاتيتها ههنا والعدم ال قابلية له الن يكون عرضا‬
‫فكيف يكون جوهرا وهذا العارف اتم املعرفة الواصل اىل مرتبة الذات تعالت وتقدست‬
‫احلاصل له البقاء ابلذات الذي حكمه حكم عنقاء املغرب يف مجيع االوقات لكونه عزيز‬
‫الوجود وغريب الوقوع اعطى بعد الفناء والبقاء ذاات يكون قيام ظالل االمساء والصفات‬
‫وعكوسها اليت هي حقيقته بتلك الذات كما ان قيام اصوهلا اليت هي االمساء والصفات‬
‫حب ضرة الذات يكون قيام ظالل تلك االمساء والصفات بظل تلك الذات اليت اعطيها‬
‫العارف فيكون ذلك العارف مركبا من اجلوهر والعرض و يكون سائر أفراد املمكن جمرد‬
‫االعراض ال شائبة فيهم من اجلوهرية نعم ما قال صاحب الفتوحات املكية من ان العامل‬
‫اعراض جمتمعة قائمة بذات واحدة ولكن ذهل الشيخ هنا عن دقيقتني احدامها انه مل‬
‫يستثن العارف االكمل من هذا احلكم واثنيتهما انه جعل قيامه ابلذات االحد واحلال ان‬
‫قيامه ابصله الذي هو االمساء والصفات ال ابلذات تعالت وان كان قيام االمساء‬
‫والصفات ابلذات فان حلضرة الذات كمال االستغناء عن العامل فكيف ميكن قيام العامل‬
‫‪- 1032 -‬‬

‫بتلك الدرجة العليا وماذا يكون العامل حت يكون فيه هوس القيام بتلك الذروة القصوى‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫ما متاشا كنان كوته دست * تو درخت بلند ابالئى‬
‫ومعاملة هذا العارف خارجة عن معاملة العامل وحكمه مستثن من احكام العامل‬
‫وهو حبكم املرء مع من احب انل ابحملبة الذاتية معية ابصل االصل متجاوزا اصله وافن‬
‫نفسه يف اصل االصول واكرمه اكرم االكرمني مبقتضى هل جزاء االحسان االّ االحسان‬
‫ببقائه مكافاة لفنائه وجعله ابقيا مبا قد فين فيه وصريه مظهرا لذاته وامسائه وصفاته وجعله‬
‫مرآة جامعة فكان حكم سائر افراد العامل يف جنب هذا العارف العاشق حكم القطرة‬
‫ابلنسبة اىل البحر احمليط فان االمساء والصفات ال قدر هلا يف جنب حضرة الذات وال‬
‫مقدار وللقطرة قدر ابلنسبة اىل البحر وهؤالء ميكن ان يقال ليس هلا ذلك يف جنب تلك‬
‫ينبغي ان يقيس علم هذا العارف ومعرفته ودركه وادراكه من ههنا ابلنسبة اىل اآلخرين وان‬
‫يفهم مثة عظم شانه وعلو منزلته ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم‬
‫وهذا العارف الذي تشرف ابلبقاء الذايت واعطى ذاات يكون قيام صفاته مثل العلم والقدرة‬
‫هبا كما كان قيامها اوال ابصوهلا كسائر افراد العامل ال يعود اليه بوجود هذا البقاء االكمل‬
‫اطالق كلمة اان اليت قد زالت عنه وال يقدر اطالق اان يف مرتبة من مراتب البقاء فإن‬
‫البقاء االكمل متفرع على الفناء االمت الذي مل يرتك من اطالق كلمة اان امسا وال رمسا ومل‬
‫يبق له جماال الزائل ال يعود قضية مشهورة والذي يعود فليس هو بزائل بل كان مغلواب‬
‫ومستورا مث قوي بعروض عارض وغلب فان املغلوب قد يلغب ينبغي ان يعلم ان النصيب‬
‫من مرتبة الذات تعالت وتقدست خمصوص هبذا العارف الذي صار ابقيا حبضرة الذات‬
‫وقامت به الصفات واي قسم من الفناء والبقاء حصله غريه يكون نصيبه من االمساء‬
‫والصفات ال من الذات تعالت وتقدست وان مل يكن لالمساء والصفات انفكاك عن‬
‫الذات تعالت ولكن النصيب من الذات غري النصيب من الصفات وان اوقع عدم‬
‫انفكاك الصفات عن الذات مجاعة يف توهم احتاد النصيب من الصفات وعينيته ابلنصيب‬
‫‪- 1033 -‬‬

‫احلاصل من الذات ولكن لكل منهما عالمات وامارت على حدة وعلوم ومعارف‬
‫خمصوصة ال خيفى ذلك الرابب الوصول اىل هذه الدولة العظمى ولكن ال خيفى عليك‬
‫ان التجلي الذايت ليس مبخصوص هبذا العارف بل جيوز ان يتيسر التجلي الذايت لغريه‬
‫ايضا ولكن ال يكون له نصيب من نفس الذات فان التجلي يستدعي حنوا من الظلية‬
‫فانه ظهور يف مرتبة اثنية والنصيب من نفس الذات الذي مر ذكره ال يتحمل شائبة من‬
‫الظلية و يكون هاراب عن نفس التجلي والظهور ايضا وظهور الذات بصفة من الصفات‬
‫هو ايضا ظهور الذات يف مرتبة اثنية ولكنه ليس جتليا ذاتيا بل جتلي اعتبار من اعتبارات‬
‫الذات تعالت وتقدست فان الذات عز شأهنا جامعة جلميع االعتبارات بل منزهة عن‬
‫اجلميع فال يكون جتلي اعتبار من االعتبارات جتليا ذاتيا (فان قيل) ان الشيخ حميي الدين‬
‫ابن العريب قدس سره واتبعوه قدس هللا أسرارهم قالوا للتعني االول تعينا ذاتيا وهو ظهور‬
‫الذات ابلتعني العلمي اجلملي الذي هو اعتبار من اعتبارات الذات وان كانت له جامعية‬
‫(أجيب) ان معتقد هذا الدرويش هو ان هذا الظهور العلمي اجلملي الذي عربوا عنه‬
‫ابلتعني االول ليس هو أيضا جتليا ذاتيا بل هو جتلي شأن من شؤانت الذات والذات‬
‫جامعة جلميع الشئون واالعبتارات بل فوق مجيع الشئون واالعبتارات واعتبار العلم هناك‬
‫كسائر اعتبارات الذ ات اليت ايدي وصوهلا قاصرة عن ذيل غنا تلك املرتبة املقدسة (فان‬
‫قيل) ان الظهور يف مرتبة اثنية مقصور على العلم فان يف اخلارج نفس الذات تعالت‬
‫فيكون ظهورها يف مرتبة اثنية يف موطن العلم فان الظهور اما يف العلم او يف اخلارج ومل‬
‫يبني الشق الثالث حت يثبت فيه الظهور (قلت) ان القادر الذي ظهر بشأن العلم الذي‬
‫هو اعتبار من اعتبارات الذات يقدر ان يظهر على هنج يكون ظهور اعتبار العلم بعضا‬
‫من ذلك الظهور اجلامع بل يظهر على هنج ال يكون العتبار العلم وال لسائر االعتبارات‬
‫فيه جمال و يكون مرتبة ذلك الظهور اجلامع ما وراء مرتبة اخلارج ومرتبة العلم ابن يكون‬
‫ظال للخارج واعلى من مرتبة العلم وجعل جتلي الذات مقيدا ابلتعني العلمي من قبيل‬
‫حصر حبر يف كوز بل من قبيل طلب الشراب من السراب قال الشاعر {شعر}‪:‬‬
‫‪- 1034 -‬‬

‫كسى در صحن كاچى قليه جويد * أضاع العمر يف طلب احملال‬


‫نعم ان اعتبار العلم هو امجع مجيع اعتبارات الذات وفيه من مشول كماالت الذات‬
‫ما ليس يف غريه من االعتبارات فلو قالوا للظهور العلمي ظهور الذات على سبيل التجوز‬
‫وأطلقوا عليه جتليا ذاتيا لساغ وان كان ذلك بعيدا عن اطالقاهتم ومستبعدا من مذاقهم‬
‫كما ال خيفى على الناظرين يف كالمهم (فان قيل) ان الشيخ حميي الدين بن العريب قدس‬
‫سره قال تكون الرؤية االخروية بصورة لطيفة جامعة مثالية فما اعتقادك يف هذه املسئلة‬
‫(قلت) ان رؤية الصورة اجلامعة املذكورة ليست هي رؤية احلق سبحانه بل روية مظهر من‬
‫مظاهر كماالته سبحانه حصل يف عامل املثال {شعر}‪:‬‬
‫يراه املؤمنون بغري كيف * وادراك وضرب من مثال‬
‫والقول بكون رؤية احلق سبحانه ابلصورة نفي رؤية احلق سبحانه يف احلقيقة وايضا‬
‫ان الصورة اليت حتصل يف عامل املثال وان كانت جامعة تكون على مقدار عامل املثال وعامل‬
‫املثال وان كانت له وسعة ولكنه واحد من عوامله تعاىل املخلوقة فكيف يكون للصورة‬
‫اجلامعة اليت فيها جمال الن تكون جامعة جلميع الكماالت الوجوبية وان تضبط كلها حت‬
‫تصري مرآة لتلك املرتبة املقدسة وتكون رؤيتها رويته تعاىل فاذا مل يكن يف صفة العلم اليت‬
‫هي من الصفات الوجوبية وامجع الصفات الذاتية جمال الن تكون جامعة جلميع الصفات‬
‫واالعتبارات الذا تية كما مر حتقيقه ماذا يكون عامل املثال الذي هو ممكن وخملوق حت‬
‫يكون فيه صورة جامعة جلميع الكماالت الوجوبية فلو سلمنا فرضا وتقديرا اهنا جامعة‬
‫تكون ظال من ظالل تلك املرتبة املقدسة ورؤية الظل ليست هي يف احلقيقة روية االصل‬
‫واملخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم شبه الرؤية االخروية بروية القمر ليلة‬
‫البدر ومل يرتك خافية اصال ورؤية الظل هي كرؤية القمر يف الطشت وأرابب الفطرة العليا‬
‫ال يقبلون ذلك والذي ندركه ونعلمه انه ميكن ان حيصل لتلك املرتبة املقدسة ظهور يف‬
‫خارج موطن العلم و يكون له ثبوت يف ظل مرتبة اخلارج كما مر و يكون هلذا الظهور‬
‫اجلامع ظل جامع يف موطن العلم يعربون عنه ابلتعني االول و يكون هلذا الظهور اجلامع‬
‫‪- 1035 -‬‬

‫ظل آخر يف عامل املثال جامع يكون مرآة للظل اجلامع العلمي وهذا الظل اجلامع املثايل‬
‫الذي يظهر بصورة لطيفة يف عامل املثال يكون بصورة االنسان الذي هو امجع املخلوقات‬
‫وحديث ان هللا خلق آدم على صورته ميكن ان يكون واردا هبذا االعتبار ولكن رؤية احلق‬
‫سبحانه هي ما تكون وراء الظهورات والصور وتكون من عامل الكيفي والمثلي ينبغي‬
‫االميان ابلرؤية االخروية دون ان يشتغل بكفيتها وكميتها ومليتها ال مناسبة خللق اآلخرة‬
‫ووجود ها خبلق الدنيا ووجودها اصال حت تقاس احكام احدامها على احكام األخرى‬
‫والبصر هناك غري البصر الذي هنا والفهم واالدراك هناك غري الفهم واالدراك اللذين هنا‬
‫هلا الدوام واالبد وهلذه الفناء والزوال وهلا كمال النظافة ومتام اللطافة وهلذه غاية اخلبث‬
‫وهناية الكثافة وال شيخ قدس سره ال يثبت للحق جل وعال ظهورا يف خارج موطن العلم‬
‫وال جيوز فيما وراء اجملايل واملظاهر شهودا ومشاهدة ورؤية {ع}‪:‬‬
‫وذلك رأي غري ما هو رأيهم‬
‫فماذا نفعل ال أحد يف هذه العرصة غري الشيخ قدس سره فاحياان حناربه واحياان‬
‫نصاحله وهو الذي اسس كالم املعرفة والعرفان وشرحه وبسطه وهو الذي تكلم من‬
‫التوحيد واالحتاد ابلتفصيل وبني منشأ التعدد والتكثر وهو الذي اعطى الوجود ابلكلية‬
‫احلق جل وعال وجعل العامل موهوما ومتخيال وهو الذي اثبت للوجود التنزالت وميز‬
‫احكام كل منها عن احكام اآلخر وهو الذي اعتقد العامل عني احلق وقال كله هو مع‬
‫ذلك وجد مرتبة تنزيه احلق سبحانه وراء العامل واعتقد احلق سبحانه منزها ومربأ من الرؤية‬
‫واالدراك واملشائخ املتقدمون على الشيخ ان تكلموا يف هذا الباب تكلموا ابالشارات‬
‫والرموز ومل يشتغلوا ابلشرح والتفصيل والذي جاؤا من بعد الشيخ من هذه الطائفة اختار‬
‫أكثره م تقليد الشيخ وساق الكالم على طبق اصطالحه وحنن املتأخرون العاجزون ايضا‬
‫استفضنا من بركاته ونلنا حظا وافرا من علومه ومعارفه جزاه هللا سبحانه عنا خري اجلزاء‬
‫غاية ما يف الباب انه ملا كان كل من مظان اخلطأ وجمال الصواب خمتلطا ابآلخر حبكم‬
‫البشرية واالنسان احياان خمطئ واحينا مصيب فال جرم كان الالزم جعل املوافقة الحكام‬
‫‪- 1036 -‬‬

‫السواد االعظم الذين هم اهل احلق عالمة للصواب وخمالفتهم دليال للخطأ ااي من كان‬
‫القائل و ااي ما كان املقول قال املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم عليكم‬
‫ابلسواد االعظم ومقرر ايضا ان تكميل الصناعة بتالحق االفكار واختالف االنظار وان‬
‫كان ميكن ان يقال لسيبويه انه ابين احكام علم النحو ولكن النحو الذي حصل له‬
‫بتالحق افكار املتأخرين واختالف انظارهم كمال وتنقيح شئ آخر حيث حدث فيه زينة‬
‫أخرى حت ميكن ان يقال انه نوع آخر وعرض عليه احكام على حدة ربنا آتنا من لدنك‬
‫رمحة وهئ لنا من امران رشدا‪.‬‬

‫{املكتوب الثمانون ايضا اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم سلمه‬
‫هللا يف بيان استناد االشياء اىل ذات العارف املوهوبة}‬
‫احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا‬
‫ابحلق عليهم الصلوات و التسليمات اعلم ان للظل اىل اصله طريقا سلطانيا ال حائل‬
‫بينهما مقدار تبنة اصال فان كان بينهما حيلولة فامنا هي اقباله على نفسه واعراضه من‬
‫االصل والظل ليس اال حامل اماانت االصل فان كل ما فيه من حسن الوجود وكماله‬
‫وتوابعه مستفاد من االصل ونصيبه من غري توسط االصل لعله العدم وهو ال شئ حمض‬
‫وجمرد اعتبار وهذا الظل نسي اصله من كمال جهالته وزعم اماانته من قبل نفسه فخان‬
‫يف االمانة وظن نفسه مع وجود قبحه الذايت حسنا وكامال ولكن مع وجود اقباله على‬
‫نفسه واعراضه عن اصله له حمبة وميل طبيعي اىل أصله عرف او مل يعرف بل حمبته لنفسه‬
‫متعلقة يف احلقيقة ابصله فان احلسن والكمال الذين مها متعلقا احملبة من االصل ال منه‬
‫فانه ليس له شئ غري العدم والقبح حت تتعلق به احملبة كما حقق غري مرة فاذا زال عنه‬
‫بكرم هللا سبحانه مرض االاننية والعجب وختلص من اجلهل املركب الذي فيه واعرتف‬
‫بكون االمانة من اهل االمانة وحصل له االعراض عن نفسه بدل االقبال على نفسه‬
‫وتبدل اعراضه عن االصل ابالقبال عليه فحينئذ يستمسك حببل السعادة بيده وحيصل له‬
‫‪- 1037 -‬‬

‫رجاء الوصول اىل االصل غاية ما يف الباب ان العامل ملا كان ظالل االمساء والصفات‬
‫الواجبية كان اصوهلا هي االمساء والصفات وهذه الظالل اعراض قائمة ابصوهلا اليت هي‬
‫االمساء والصفات ليس بينها جوهر حت تكون قائمة به وقال النظام من املعتزلة حبكم‬
‫الكذوب قد يصدق مطلعا على هذا السر العامل بتمامه اعراض ال جوهر حت يقوم به‬
‫ولكنه اخطأ يف قوله بقيام هذه االعراض ابنفسها غافال عن اصوهلا اليت تقوم هبا وقال‬
‫الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره من الصوفية ان العامل اعراض جمتمعة وجعل قيامها‬
‫بذات هللا جل وعال ال ابالمساء والصفات اليت هي اصوهلا فيا ليت شعري ما معن القيام‬
‫ابلذات اجملردة عن الوجوه واالعتبارات وال معن للقيام مثة اال اختصاص الناعت ابملنعوت‬
‫وال نعت مثة فال قيام وايضا ان القيام من مجلة الوجوه واالعتبارات املتعينة فال معن الثباته‬
‫يف تلك املرتبة املقدسة فاذا كان افراد العامل ظالل االمساء والصفات فال جرم يكون‬
‫وصوهلا اىل اصوهلا اليت هي االمساء والصفات فلو وصل اىل اصول االصول ايضا ال يكون‬
‫منتهى ا اىل الذات اجملردة املقدسة وال يقدر ان يتجاوزها وال جمال هناك لالصالة ايضا فان‬
‫مثة غنا ذاتيا عن الكل ال اسم فيه وال صفة وال شان وال اعتبار فال يكون للعامل من مرتبة‬
‫الذات املقدسة نصيب غري احلرمان وال يكون للوصل واالتصال فيه جمال ولكن قد جرت‬
‫عادة هللا سبحان ه ابن يعطي بعد قرون متطاولة وازمنة متباعدة من كمال رمحته ورأفته‬
‫لصاحب دولة بعد الفناء االمت بقاء اكمل وامنوذجا من الذات االقدس فكما ان قيامه‬
‫كان اوال ابصله الذي هو االمساء والصفات يكون اآلن قائما بذلك االمنوذج وجمموع‬
‫تلك االعراض السابقة اليت كانت تكون تلك الذات املوهوبة حقيقتها و ينتهي كماله‬
‫االنساين اىل هنياته وتتم النعمة يف حقه ها اان اقول كالما ينبغي حسن االصغاء ان القيام‬
‫بتلك الذات املوهوبة ليس خمصوصا بذلك العارف بل قيام مجيع افراد العامل اليت هي‬
‫اعراض جمتمعة كما كان اوال ابالمساء والصفات جعل اآلن مربوطا بتلك الذات املوهوبة‬
‫وجعل الكل قائما بتلك الذات املوهوبة {شعر}‪:‬‬
‫ليس على هللا مبستنكر * ان جيمع العامل يف واحد‬
‫‪- 1038 -‬‬

‫وسر خالفة االنسان اليت جاءت يف قوله تعاىل اين جاعل يف االرض خليفة‬
‫يتحقق ههنا وحقيقة خرب ان هللا خلق آدم على صورته تتضح مثة وما قلت من انه يعطي‬
‫امن وذجا من الذات االقدس فهو من ضيق ميدان العبارة واال فأين اجملال هناك لالمنوذج‬
‫واي شئ يظهر بصورته واين اجملال مثة للصورة (ينبغي) ان يعلم ان مثل هذا العارف ال‬
‫يكون متعددا يف عصر واحد فانه اذا ظهر بعد قرون متطاولة كيف يتصور تعدده يف‬
‫عصر واحد فلو عينا مدة ظهور مثل هذه الدولة ملا صدقه غري االقلني ربنا آتنا من لدنك‬
‫رمحة وهئ لنا من امران رشدا (ينبغي) ان يعلم ان العارف الذي شرف ببقاء الذات تكون‬
‫تلك الذات املوهوبة الكيفية وتكون وراء مجيع الوجوه واالعتبارات والذات اليت هلا نصيب‬
‫من الالكيفي هلا طريق سلطاين اىل الذات اجملردة الالكيفية وتكون الذات املوهوبة هي كنه‬
‫العارف فان الكنه عبارة عما هو وراء مجيع الوجوه واالعتبارات وهذه الذات ما وراء مجيع‬
‫االعتبارات وال كنه لسائر افراد العامل فان مجيع وجودها وجوه واعتبارات وال ذات هلا ما‬
‫وراء االعتبارات حت يقال هلا كنها فاذا مل يكن هلا كنه ماذا يكون هلا نصيب من كنه‬
‫االصل والذي له سبيل اىل الكنه هو الكنه واي مناسبة للوجه مع الكنه وكأن الكنه وقع‬
‫حماذاي للكنه وللوجه احنراف من الكنه فكيف يصل اىل الكنه بل كلما يكون حركته وسريه‬
‫اكثر يقع من الكنه ابعد {شعر}‪:‬‬
‫لن تبلغ الكعبة العلياء اي بدوي * ان الطريق الذي متشي اىل اخلنت‬
‫واطالق حماذاة الكنه الكنه من ضيق جمال العبارة واال كيف تتصور احملاذاة يف تلك‬
‫احلضرة ولكن تطلق احملاذاة على سبيل التجوز لتمثل ذلك املعن الالكيفي بصورة مثالية‬
‫متكيفة ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او اخطأان (امسع) انه ملا حصل الفراد العامل اليت هي‬
‫اعراض جمتمعة قيام بذات العارف املوهوبة كما مر حصلت هلا ايضا نسبة ابلذات‬
‫االقدس جل شأهنا بتوسط ذات العارف املذكورة وحصل هلا نصيب من تلك املرتبة‬
‫املقدسة من هذه احليثية فان ذات هؤالء هي عني ذات العارف كأهنا حصل هلا بتوسط‬
‫ذواهتا ارتباط الكيفي بذات الكيفية ومع ذلك انتساهبا اىل الذات االقدس بتوسط‬
‫‪- 1039 -‬‬

‫العارف فان تلك الذات يف احلقيقة هي ذات العارف امسع كالما غريبا ان كل احد له‬
‫انتساب اىل الذات االقدس بذاته ووصول الكيفي اىل تلك املرتبة املقدسة له اصالة‬
‫واستقالل يف اخذ الفيوض والربكات من تلك املرتبة املقدسة وال توسط يف البني‬
‫والوسائط امنا هي فيما دون تلك املرتبة املقدسة ولكل احد من الواصلني اىل تلك املرتبة‬
‫املنزهة نصيب بقدر استعداده بطريق االصالة وهللا سبحانه اعلم حبقائق االمور كلها و‬
‫السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والثمانون اىل اخلواجه مجال الدين احلسني يف تعبري واقعته}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم الولد االعز ان الصحيفة الشريفة اليت‬
‫ارسلتها قد وصلت وحيث كانت متضمنة خلرب العافية واجلمعية الصورية واملعنوية اورثت‬
‫الفرح والسرور وكتبت الواقعة اليت ظهرت وطلبت تعبريها وهي اين كنت مرة يف صدد‬
‫التوضئ فسقطت مغشيا عل ّي وصرت كأنه خرج الروح من بدين وملا افقت رأيت نورا‬
‫المعا كالشمس حت غشي عل ّي من غاية لطافته كما اذا رأى شخص حمبوبه فينمحي يف‬
‫اشعة مجاله وال يبقى منه اسم وال رسم ليكن مكشوفا لولدي ومعلوما ان االنسان مركب‬
‫من لطائف سبعة مشهورة ولكل لطيفة معاملة على حدة واحوال ومواجيد خمتصة هبا‬
‫وكانت احوال ولدي واذواقه متعلقة بلطيفة القلب اىل اآلن وكان متلوان بتلوينات القلب‬
‫واآلن قد ورد هذا الوارد القوي اىل لطيفة روحك وادخلها يف تصرفه ان امللوك اذا دخلوا‬
‫قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة وملا كانت الروح اليت هي منشأ االدراك والشعور‬
‫مغلوبة الوارد كان الغشي نقد الوقت ومعاملتك يف ذلك الوقت متعلقة بلطيفة الروح وقد‬
‫وقع يف حلقة هذا اليوم نوع امداد واعانة يف تكميل هذه النسبة وشوهد ظهور اثرها وعلم‬
‫انه قد حصل هلا وسعة وهي بعد يف صدد السراية رزق هللا سبحانه امتامها والواقعة الثانية‬
‫اليت كتبتها انك رأيت تالقي الثراي ببنات نعش يف بييت تعبري هذه الواقعة مناسب لتعبري‬
‫الواقعة األوىل وحيث ظهر اجتماع نسبة القلب بنسبة الروح بتالقي هذين القسمني من‬
‫‪- 1040 -‬‬

‫الكواكب وحيث ان يف الثراي انتظام الكواكب فهو مناسب ابلقلب وحيث ان يف بنات‬
‫ا لنعش انتشارا فهو مناسب ابلروح فان ظهرت الواقعة الثانية بعد الواقعة األوىل فصحيحة‬
‫ودالة على اجتماع النسبتني وان ظهرت اوال فذلك ايضا صحيح فانه كثري ما حتصل‬
‫النبسة وال تظهر فأريت اوال حصوهلا مث ظهرت بواقعة اثنية وهللا سبحانه اعلم ابلصواب‬
‫سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والثمانون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد‬
‫واخلواجه حممد معصوم مد ظلهما يف اظهار آالم املهاجرة مع بعض البشارات}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ليكن اوالدي الكرام متحققني‬
‫ابجلمعية الصورية واملعنوية ال اجد يف هذه االسفار و احملن شيئا من اآلالم مساواي ملفارقة‬
‫اوالدي االعزة وقلما اكون فارغا عن تذكارهم وكلما كان وصول النعم من املنعم احلقيقي‬
‫اكثر يكون تذكر االحبة النائني ازيد واوفر والسوانح اجلديدة تكتب يوما فيوما يف املسودة‬
‫وتنقل اىل البياض ولكن من الذي يدركها ومن حيتظ هبا واخلواجه حممد هاشم مغتنم فان‬
‫فيه استعداد فهم الكالم و يكون ملتذا يف اجلملة ولكنه صار يف سفر امجري هذا من شدة‬
‫احملن من املخلصني الصحيحي االعذار ال يرافقون اال قليال حسبنا هللا ونعم الوكيل الرفقاء‬
‫قليلون واالذواق ايضا قليلة أليس هللا بكاف عبده بلى مث اين ملا كنت ليلة حمزوان ومتأملا‬
‫من مفارقتكم رأيت بعد صالة التهجد انكما االخوين ذهبتما مع واحد من هؤالء‬
‫االصحاب عند وكيل سلطان لتكونوا مالزمني له ومتييز من يصلح املالزمة مفوض اىل‬
‫ذلك الوكيل فكل من يراه قابال للمالزمة أيخذه مالزما ويكتبون لونه وعالئمه على ورق‬
‫فكتبوا من بني الثالثة لونكما واخذوكما للمالزمة ومل يكتبوا لون الثالث من االصحاب‬
‫ومل يقبلوه للمالزمة واان اسئلكما انه مل مل يكتبوا لونه فتقوالن انه قرب وجهه اىل وجهه‬
‫وقت كتابة اللون وأتمل فيه أتمال اتما فقال ان به سوادا او قال لفظا قريبا من ذلك فلم‬
‫يكتب محدا هلل سبحانه قد اطمئن القلب من جانبكما حيث قبلوكما ولكن بقي اخلاطر‬
‫‪- 1041 -‬‬

‫متأملا من طرف هذا الثالث من االصحاب حيث مل يقبلوه وليت يقبلونه ملالزمة مالزمي‬
‫السلطان العاقبة ابخلري‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والثمانون اىل حضرات املخدوم اخلواجه حممد سعيد‬


‫واخلواجه حممد معصوم سلمهما هللا يف بيان بركات كونه يف العسكر من غري اختيار}‬
‫ليكن اوالدي الكرام على مجعية ان الناس ينظرون اىل حمننا يف مجيع االوقات‬
‫ويطلبون خملصا من هذا املضيق وال يدرون ان يف عدم حصول املراد وعدم االختيار وعدم‬
‫نيل املقصود واملرام بالء حسنا ومجاال واي نعمة تساوي الخراج االنسان من اختياره بال‬
‫اختياره واعطاء املعيشة له بال اختيار وجعل اموره االختيارية اتبعة لعدم اختياره وجعله‬
‫كامليت بني يدي الغسال ويف اايم احلبس اذا أتملت احياان يف اضطراري وعدم اختياري‬
‫كنت احتظ منه حظا عجيبا وأجد منه ذوقا غريبا نعم ماذا جيد ارابب الفراغ من اذواق‬
‫ارابب البالء وماذا يدركون من مجال بالئه واحلظ عند االطفال منحصر يف احلالوة والذي‬
‫انل حظا وافرا من املرارة ال يشرتي احلالوة بشعرة (ع)‪:‬‬
‫مرغ آتشخواره كى ل ّذت شناسد دانه را * و السالم على من اتبع اهلدى‬

‫{املكتوب الرابع والثمانون اىل احلافظ عبد الفغور يف بيان آداب هذه الطريقة‬
‫العلية}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ينبغي لطالب هذا الطريق بعد‬
‫تصحيح العقائد مبوجب آراء اهل احلق شكر هللا تعاىل سعيهم وبعد تعلم االحكام‬
‫الفقهية و العمل مبقتضى العلم ان يصرف مجيع اوقاته يف ذكر هللا جل شأنه بشرط ان‬
‫يكون ذلك الذكر مأخوذا من الشيخ الكامل املكمل فانه ال حيصل الكامل من الناقص‬
‫وينبغي تعمري االوقات ابلذكر على هنج ال يشتغل بعد اداء الفرائض والسنن املؤكدة بشئ‬
‫غري الذكر اصال حت يرتك تالوة القرآن ونوافل العبادات أيضا ويشتغل ابلذكر ابلوضوء‬
‫‪- 1042 -‬‬

‫وبغري الوضوء قائما وقاعدا وال خيلو عنه يف جميئه وذهابه ووقت أكله ونومه {شعر}‪:‬‬
‫أال فاذكروا رب الربااي فانه * جالء القلوب والغذاء الرواح‬
‫وليشتغل ابلذكر على الدوام حت ال يبقى يف ساحة الصدر من غري املذكور اسم‬
‫وال رسم وال خيطر ما سوى املذكور يف قلبه بطريق اخلطرة ايضا فلو تكلف يف احضار‬
‫الغري ال يتيسر له ذلك بواسطة نسيان القلب غري املذكور وذلك النسيان اعين نسيان‬
‫القلب مجيع ما سوى املطلوب مقدمة حصول املطلوب ومبشر ابلوصول اليه وماذا اكتب‬
‫من حصول املطلوب والوصول احلقيقي اىل املقصود فان ذلك وراء الوراء {شعر}‪:‬‬
‫كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف‬
‫فاذا امت االخ االعز هذا الدرس بعناية هللا سبحانه يطلب درسا آخر وهللا سبحانه‬
‫املوفق و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والثمانون اىل حضرة املخدوم اخلواجه حممد معصوم يف‬
‫التحريض على حفظ االوقات}‬
‫احوال هذه احلدود واوض اعها مستوجبة للحمد املسؤل من هللا سبحانه سالمتكم‬
‫واستقامتكم فاذا تيسر الوصول مبشية هللا تعاىل اىل امجري وحصلت النجاة من هذه‬
‫العقبات الشديدة واحلر املفرط اكتب لكم كتااب واطلبكم ان شاء هللا تعاىل عليكم‬
‫ابجلمعية وصرف اهلمة يف مراضي املوىل جل شأنه ابلتمام حذر الوقوع يف الفراغ واستيفاء‬
‫حظ النفس واملؤانسة التامة ابالهل والعيال فيقع الفتور يف معاملة مهمة فال حيصل شئ‬
‫غري احلرمان والندامة وال جيدي الندامة شيئا وعليكم ابغتنام هذه الصحبة وصرف‬
‫االوقات يف اهم االمور ما على الرسول اال البالغ واملعارف اجلديدة اليت حررت كلها‬
‫درسكم بعد درس اايكم وسردها بل ينبغي ان جتتهدوا يف مطالعتها ابجلدو اجلهد فلعله‬
‫تنكشف روزنة من مكنوانهتا فتكون رأس مال سعادتكم وقد وجدت بشارة يف مادتكم‬
‫وكتبتها يف مكتوب وفوضته اىل اخلواجه حممد هاشم الكشمي ليوصله اليكم ولعل هللا‬
‫‪- 1043 -‬‬

‫سبحانه ال يضيعكم بكرمه ويقبلكم ولكن عليكم ابخلوف واالشفاق واايكم وصرف‬
‫االوقات يف اللهو واللعب فال يبقى للصبحة أتثري وكونوا ملتجئني ومتضرعني اىل حضرة‬
‫احلق سبحانه وعليكم االختالط ابهل احلقوق بقدر الضرورة واستمالة خواطرهم وعاشروا‬
‫اجلماعة املستورة ابلوعظ والنصيحة وال تبخلوا يف حقهم ابالمر ابملعروف والنهي عن‬
‫املنكر ورغبوا مجيع اهل البيت يف الصالة و الصالح واتيان االحكام الشرعية فانكم‬
‫مسئولون عن رعيتكم وقد اعطاكم هللا سبحانه العلم ونسئله تعاىل ان يرزقكم العمل على‬
‫وفقه واالستقامة عليه آمني‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والثمانون اىل الدرويش حبيب اخلادم يف بيان سر كثرة‬


‫ظهور اخلوارق وقلته}‬
‫اعلم ان ارتكاب فضول املباحات ابعث على قلة ظهور اخلوارق خصوصا اذا‬
‫افضى كثرة مباشرة الفضول اىل حد املشتبه وادت منه عياذا ابهلل سبحانه اىل حوايل احملرم‬
‫فاين الكرامة حينئذ واين اخلوارق وكلما يضيق دائرة مباشرة املباح واكتفى منه بقدر‬
‫الضرورة يكون جمال الكشف والكرامة اوسع وطريق ظهور اخلوارق اوضح وظهور اخلوارق‬
‫من شرائط النبوة ال من شرائط الوالية فان اظهار النبوة واجب دون اظهار الوالية بل‬
‫السر واالخفاء يف هذه املرتبة أوىل فان هناك دعوة اخللق وهنا قرب احلق جل شأنه‬
‫ومعلوم ان االظها ر الزم للدعوة والسرت مناسب للقرب وكثرة ظهور اخلوارق من ويل ال‬
‫يدل على افضليته على غريه من الذين مل يظهر منهم من اخلوارق مثل ما ظهر منه بل‬
‫جيوز ان يكون ويل ال يظهر منه خارق أصال أفضل من االولياء الذين ظهرت منهم‬
‫اخلوارق كما حقق شيخ الشيوخ هذا املعن يف كتابه العوارف فاذا مل يكن قلة ظهور‬
‫اخلوارق وكثرته يف االنبياء عليهم الصالة و السالم موجبة لالفضلية واملفضولية مع كوهنا‬
‫شرطا للنبوة كيف تكون يف الوالية موجبة للتفاضل مع كوهنا غري شرط فيها واظن ان‬
‫املقصود االصلي من رايضات االنبياء عليهم الصالة و السالم وجماهداهتم وتضييقهم يف‬
‫‪- 1044 -‬‬

‫مباشرة املباح على انفسهم هو حتصيل ظهور اخلوارق اليت هي واجبة عليهم وشرط نبوهتم‬
‫ال الوصول اىل درجات القرب االهلي جل سلطانه فان االنبياء عليهم الصلوات والتحيات‬
‫جمتبون فيجرهبم بسلسلة جذب احملبة جرا جرا ويوصل هبم اىل درجات القرب االهلي جل‬
‫شأنه بال مشقة منهم والطريق الذي حيتاج فيه للوصول اىل درجات القرب االهلي جل‬
‫سلطانه اىل الرايضات واجملاهدات هو طريق االانبة واالرادة الذي هو طريق املريدين‬
‫وطريق االجتباء هو طريق املرادين واملريدون يذهبون أبرجلهم ابملشقة واحملنة واملرادون‬
‫حيملون اىل منزل املقصود ابال عزاز واالكرام ويوصل هبم اىل درجات القرب بال حمنة منهم‬
‫(ينبغي) ان يعلم ان الرايضات واجملاهدات من شرائط طريق االانبة واالرادة واهنا ليست‬
‫بشرط يف طريق االجتباء ومع ذلك هي انفعة مثال اذا حصل محل شخص جرا جرا وهو‬
‫مع ذلك اجلر يستعمل سعيه ايضا فال شك أنه اسرع ذهااب من الذي ال يستعمل سعيه‬
‫وان جاز ان يكون اجلر وحده احياان اقوى واجدى من اجلر املركب املذكور فالسعي‬
‫واملشقة ال يكون شرط كمال الوصول يف طريق االجتباء كما انه ليس بشرط يف نفس‬
‫الوصول نعم فيه احتمال النفع ولو يف بعض احملال وفوائد الرايضات ومنافع اجملاهدات‬
‫اليت هي عبارة عن االقتصار على ضرورايت املباح كثرية الرابب االجتباء ايضا بغري املعن‬
‫املذكور مثل دوام اجلهاد االكرب وطهارة الباطن ونظافته من التلويثات الدنيوية فان كل‬
‫حوائج ضرورية ليست بداخلة يف الدنيا وكلما هو فضول فداخل يف الدنيا والنفع اآلخر‬
‫يف الرايضة واالقتصار على الضرورة قلة احملاسبة واملؤاخذة االخرويتني واهنا سبب الرتفاع‬
‫الدرجات االخروية فان مسرة اآلخرة تكون اضعاف حمنة الدنيا فظهر لرايضات االنبياء‬
‫وجماهداهتم عليهم الصالة و السالم وجوه اخر غري الوجوه الذي ذكرانه آنفا فاتضح ان‬
‫الرايضة واالقتصار على ضرورايت املباح وان مل تكن شرطا للوصول يف طريق االجتباء‬
‫ولكنها حممودة يف حد ذاهتا ومستحسنة بل ابلنظر اىل الفوائد املذكورة ضرورية والزمة ربنا‬
‫آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من أمران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬
‫‪- 1045 -‬‬

‫{املكتوب السابع والثمانون اىل موالان صاحل الكواليب يف بيان اسرار مرادية‬
‫حضرة شيخنا ومريديته مد ظله العايل}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اان مريد هللا ومراد هللا ايضا وسلسلة‬
‫إراديت متصلة ابهلل تعاىل بال توسط ويدي انئب مناب يد هللا تعاىل واراديت متصلة مبحمد‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم بوسائط كثرية فبيين وبينه يف الطريقة النقشبندية احدى‬
‫وعشرون واسطة ويف الطريقة القادرية مخس وعشرون واسطة ويف الطريقة الچشتبة سبع‬
‫وعشرون واسطة واراديت ابهلل تعاىل ال تقبل الوساطة كما مر فاان مريد حممد رسول هللا‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم وجمتمع معه يف مرشد واحد ايضا مقتف اثره صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫واان وان كنت طفيليا يف خوان هذه الدولة ولكين ما جئت بال دعوة واين وان كنت اتبعا‬
‫ولكين لست خاليا من االصالة واين وان كنت امة ولكين شريك يف الدولة ال ابلشركة اليت‬
‫يقوم عنها دعوى املساواة فان ذلك كفر بل شركة اخلادم مع املخدوم وما مل اطلب مل‬
‫احضر يف سفرة هذه الدولة وما مل ادع مل امد يدي اىل هذه الدولة واين وان كنت اويسيا‬
‫ولكن يل مرب حاضر وانظر وان كان شيخي يف الطريقة النقشبندية عبد الباقي رضي هللا‬
‫تعاىل عنه ولكن املتكفل برتبييت هو الباقي جل جالله وعم نواله واين تربيت ابلفضل‬
‫وذهبت من طريق االجتباء و سلسليت سلسلة رمحانية واان عبد الرمحن فان ريب رمحن جل‬
‫شأنه وعم احسانه ومريب ارحم الرامحني وطريقيت طريقة سبحانية الين ذهبت من طريق‬
‫التنزيه ومل ارد من االسم والصفة غري الذات االقدس تعالت وتقدست وهذا السبحاين‬
‫ليس هو ذاك السبحاين الذي قال به البسطامي فانه ال مساس له هبذا فانه ما ختلص من‬
‫دائرة االنفس وهذا ما وراء االنفس واآلفاق وهو تشبيه كسى لباس التنزيه وهذا تنزيه مل‬
‫يصبه غبار التشبيه وذاك فائر من منبع السكر وهذا منفجر عن عني الصحو ومل جيعل‬
‫ارحم الرامحني اسباب الرتبية يف حقي غري املعداة ومل جيعل العلة الفاعلية يف تربييت غري‬
‫فضله واهتمامه تعاىل وتقدس واعتناؤه من كمال كرمه يف حقي ال جيوز ان يكون لفعل‬
‫الغري مدخل يف تربييت او ان اكون اان متوجها يف هذا املعن اىل الغري فاان مرىب االله جل‬
‫‪- 1046 -‬‬

‫شأنه وجمتىب فضله وكرمه الالمتناهي {ع}‪:‬‬


‫ال عسر يف امر مع الكرام‬
‫احلمد هلل ذي اجلالل واالكرام واملنة والصالة و السالم على رسوله والتحية اوال‬
‫وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والثمانون اىل حضرة املخدوم زاده العايل املرتبة اخلواجه‬
‫حممد سعيد سلمه هللا تعاىل يف اسرار خلة اخلليل واثبات التعني الوجودي}‬
‫ان احلق سبحانه اذا شرف عبدا بدولة خلته اليت هي ابالصالة خمصوصة حبضرة‬
‫ابراهيم على نبينا وعليه الصالة و السالم وجعله ممتازا ابلوالية االبرامهية جبعله انيسه وندميه‬
‫ويورد يف البني نسبة االنس وااللفة اليت هي من لوازم اخللة وملا حصلت يف البني نسبة‬
‫اخللة اليت من لوازمها االنس وااللفة ارتفع من النظر قبح اخالق اخلليل وكراهة اوصافه‬
‫فانه لو كان قبح يف النظر لكان ابعثا على النفرة وعدم االلفة وهي منافية ملقام اخللة اليت‬
‫هي الفة ابلكلية (فان قيل) ان ارتفاع قبح أوصاف اخلليل عن النظر يف مرتبة اجملاز ظاهر‬
‫فانه جيوز ان يغلب نسبة اخللة يف ذلك املوطن فتسرت قبح أوصاف اخلليل واما يف مرتبة‬
‫احلقيقة اليت فيها العلم ابالشياء كما هي فال جيوز فيها ظهور القبيح غري قبيح وكونه‬
‫مغلوب نسبة اخللة (قلت) ان يف كل قبيح وجها من وجوه احلسن فيمكن ان يرى ذلك‬
‫القبيح حسنا ابلنظر اىل ذلك الوجه احلسن وحيكم حبسنه (ينبغي) ان يعلم ان ذاك القبيح‬
‫وان مل يعرض له حسن مطلق ولكن ملا كان وجهه احلسن ملحوظا ومنظورا للموىل جل‬
‫شأنه كان حبكم اال ان حزب هللا هم الغالبون غالبا على سائر وجوهه القبيحة وجعل كلها‬
‫يف لونه وصريها مستحسنة اولئك يبدل هللا سيئاهتم حسنات (اعلم) ارشدك هللا تعاىل‬
‫سواء الصراط ان النسبة بني اخللة واحملبة عموم وخصوص مطلقا فان اخللة عامة واحملبة‬
‫فردها الكامل فان افراط االنس وااللفة هو احملبة اليت هي ابعثة على اهليمان ومورثة لعدم‬
‫القرار وعدم الراحة واخللة بتمامها انس والفة واسرتاحة واحملبة هي اليت عرضت هلا كيفية‬
‫‪- 1047 -‬‬

‫أخرى وصارت ممتازة من سائر افراد اخللة وكاهنا صارت جنسا آخر واخلاصية اليت امتازت‬
‫احملبة هبا عن سائر افراد اخللة هي احلزن واالمل ونفس اخللة كلها عيش يف عيش وفرح يف‬
‫فرح وانس يف انس ولعله من هذه احليثية اعطى هللا سبحانه و تعاىل خليله على نبينا‬
‫وعليه الصالة و السالم اجر عمله يف الدنيا اليت هي داراحملن ويف اآلخرة ايضا قال هللا‬
‫تعاىل وآتيناه اجره يف الدنيا وانه يف اآلخرة ملن الصاحلني فاذا كانت احملبة منشأ االمل‬
‫واحلزن فكل فرد تكون احملبة فيه غالبا يكون االمل واحلزن فيه ازيد ومن ههنا قيل كان‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم متواصل احلزن وقال عليه الصالة و السالم ما اوذي نيب‬
‫مثل ما اوذيت فان الفرد الكامل من افراد االنسان يف حصول احملبة كان هو النيب صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم وان كان هو عليه الصالة و السالم حمبواب ولكن ملا حصلت يف البني‬
‫نسبة احملبة كان احملبوب كاحملب واهلا ومشغوفا وقد ورد يف احلديث القدسي اال طال‬
‫شوق االبرار اىل لقائي واان اليهم الشد شوقا (وههنا) سؤال مشهور وهو ان الشوق امنا‬
‫يكون اىل املفقود وال شئ مفقود عن حضرته تعاىل فكيف يكون فيه الشوق وما يكون‬
‫اشد الشوق (واجلواب) ان مقتضى كمال احملبة هو رفع االثنينية واحتاد احملب مع احملبوب‬
‫وحيث ان ه ذا املعن مفقود فالشوق موجود وملا كان متين االحتاد يف جانب احملبوب الن‬
‫احملب لعله يقنع مبجرد وصال احملبوب كان اشد الشوق يف جانب احملبوب ابلضرورة و‬
‫يكون تواصل احلزن من صفة احلبيب (فان قيل) ان احلق سبحانه قادر على مجيع االمور‬
‫وكلما يريده ميسر له فال يكون شئ مفقودا يف حقه حت يتحقق الشوق (اجيب) ان متين‬
‫امر غري ارادته ومراده تعاىل ال يتخلف عن ارادته ولكن جيوز ان يوجد متين امر وال توجد‬
‫االرادة حبصوله وال يراد وجوده {ع}‪:‬‬
‫وكم يف العشق من عجب عجيب‬
‫واحياان يكون املطلوب يف العشق جمرد االمل وال يكون الوصل ملحوظا اصال بل‬
‫يراد الوصل ويهرب من اتصال احملبوب وهذا قسم من اقسام جنون العشق بل من حماسن‬
‫العشق من مل يذق مل يدر (ولنرجع) اىل اصل الكالم فنقول ان اخللة مقام عال جدا وكثري‬
‫‪- 1048 -‬‬

‫الربكة وكل من فيه انس والفة وسكونة واطمئنان مع اآلخر يف عامل اجملاز كل ذلك من‬
‫ظالل مقام اخللة وكذلك كل حظ ولذة واطمئنان ابلصور احلسنة واملظاهر اجلميلة انشئة‬
‫من مقام اخللة واحملبة شئ آخر فان فيها كيفية أخرى فلو مل يكن يف البني خلة وانس‬
‫والفة ملا وجد مركب اصال وال ينضم جزء جبزء آخر خصوصا اذا كانت بينهما نسبة‬
‫التضاد بل ملا ينضم وجود اىل ماهية ما أصال بل ال يدخل شئ من العامل حتت اجياد‬
‫الواجب تعاىل فان احملرك لسلسلة االجياد والباعث على وجود االشياء هو احلب فأحببت‬
‫ان اعرف فخلقت اخللق حديث قدسي واحلب فرد كامل من اخللة كما مر فلو مل تكن‬
‫اخللة ملا وجد شئ من االشياء وال جيتمع شئ بشئ وال حيصل بني الشيئني الفة ووجود‬
‫العامل ونظامه كالمها مربوطان ابخللة فلو مل تكن خلة لكان النظام كالوجود مفقودا‬
‫فكانت اخللة أصل االجياد من جانب املوجد ومن املوجود فان الذي جعل املمكن‬
‫مأنوسا لقبول الوجود واورده يف قيد االجياد هو اخللة بل العدم ايضا مطمئن ومسرتيح يف‬
‫بيت خلوته بدولة اخللة مؤانس بال شيئيته بل مؤتلف وموانس بنقيضه ايضا وهلذا صار‬
‫مرآة لكم االته وواسطة لوجود املمكنات فكانت اخللة اكثر بركة من مجيع االشياء وكانت‬
‫بركاهتا شاملة للموجود واملعدوم فاذا علمت معارف مقام اخللة ودقائقها وعموم بركاته‬
‫وعلمت ايضا ان مقام اخللة ابالصالة خمصوص حبضرة ابراهيم على نبينا وعليه الصالة و‬
‫السالم وان واليته والية ابراهيمية فاعلم انه قد ظهر هلذا الفقري اآلن بتوسط بركات هذه‬
‫املعارف ان التعني االول هو تعني حضرة الذات تعالت وتقدست حبضرة الوجود وذلك‬
‫التعني االول هو رب حضرة اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم وهلذا كان هو امام‬
‫الكل اين جاعلك للناس اماما وصار سيد البشر مأمورا مبتابعته اتبع ملة ابراهيم حنيفا‬
‫وكل نيب جاء بعده كان مأمورا مبتابعته وسائر التعينات مندرجة يف ضمن هذا التعني‬
‫الوجودي سواء كان تعينا علميا مجليا او تفصيليا وميكن ان يكون من ههنا ذكر نبينا‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم ابراهيم عليه السالم ابالبوة وذكر سائر االنبياء على مجيعهم الصالة‬
‫و السالم ابالخوة فلو ذكر سائر االنبياء ابلبنوة جلاز فان تعيناهتم مندرجة يف تعينه الذي‬
‫‪- 1049 -‬‬

‫هو التعني العلمي اجلملي على ما قالوا وما ورد يف الصالة املأثورة من قوله صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم كما صليت على ابراهيم ميكن ان يكون من جهة ان الوصول اىل حضرة الذات‬
‫تعالت وتقدست بدون توسط التعني االول الذي هو التعني الوجودي وبال امتام‬
‫الكماالت الوالية االبراهيمية غري ميسر فانه هو العقبة األوىل لتلك املرتبة املقدسة وهو‬
‫الذي صار مرآة لغيب الغيب فاورد ابطن البطون اىل عرصة الظهور فال بد حينئذ لكل‬
‫احد من توسطه وأمر هللا سبحانه خامت االنبياء عليه وعليهم الصالة و السالم مبتابعته‬
‫ليصل بتبعيته اىل واليته مث يتبخرت منها اىل حضرة الذات جل شأنه (فان قيل) لزم من‬
‫هذا البيان ان يكون ابراهيم افضل من خامت الرسل على مجيعهم الصالة و السالم واحلال‬
‫ان االمجاع على افضلية خامت الرسل على مجعيهم ولزم ايضا ان يكون التجلي الذايت‬
‫نصيب حضرة اخلليل ابالصالة و يكون لغريه بتبعيته ومن املقرر عند اكابر الصوفية ان‬
‫التجلي الذايت ابالصالة خمصوص خبامت الرسل ولغريه بتبعيته (اجيب) ان الوصول اىل‬
‫الذات كتجلي الذات تعالت وتقدست على قسمني ابعتبارالنظر و ابعتبار القدم يعين ان‬
‫الواصل اما النظر او الناظر بنفسه والوصول النظري نصيب اخلليل عليه السالم ابالصالة‬
‫فان اقرب التعينات اىل حضرة الذات هو التعني االول الذي هو ربه كما مر وما مل يوصل‬
‫اىل ذلك التعني ال ينفذ النظر اىل ما ورائه والوصول القدمي نصيب احلبيب ابالصالة فانه‬
‫حمبوب رب العاملني ويوصل ابحملبوبني اىل حمل يعجز عنه االخالء اال ان يذهبوا فيه بتبعيته‬
‫والالئق ابخلليل ان يصل نظره اىل مقام يصل اليه رئيس احملبوبني عليه و على آله الصالة‬
‫و السالم وان ال يقصر يف الطريق وابجلملة ان جتلي الذات من وجه خمصوص ابخلليل‬
‫وغريه اتبع له ومن وجه خمصوص خبامت الرسل وغريه اتبع له عليه و على آله الصالة و‬
‫السالم وملا كان الوجه الثاين اقوى وادخل يف مراتب القرب كانت مناسبة التجلي الذايت‬
‫خبامت الرسل اكثر وازيد وكان هو صلّى هللا عليه و سلّم أفضل من اخلليل ومن سائر‬
‫االنبياء ابلضرورة فكان الفضل الكلي نصيب احلبيب واخلليل من بني األنبياء وان كان‬
‫أحدمها أفضل من اآلخر وملا كان موسى عليه و على نبينا الصالة و السالم رئيس احملبني‬
‫‪- 1050 -‬‬

‫كما كان نبينا صلّى هللا عليه و سلّم رئيس احملبوبني كان له حبكم املرء مع من احب معية‬
‫حبضرة الذات ابلضرورة ليست هي لغريه وله ايضا يف تلك احلضرة منزلة ال مدخل فيها‬
‫لغريه وامنا انل ذلك بواسطة حمبته فقط ولكن هذا الفضل راجع اىل جزئي ميكن ان يقال‬
‫انه عديل للكلي فان اجلم الغفري من االنبياء اتبعون له يف ذلك املقام ومع ذلك الفضل‬
‫الكلي هو ما كان نصيب اخلليل واحلبيب عليهما الصالة و السالم وان كان كل منهما‬
‫اتبعا لآلخر من وجه حيث ان اخلليل أصل يف الوصول النظري واحلبيب اتبع له فيه‬
‫وعكسه يف الوصول القدمي ويف اخلاطر ان اكتب ما ظهر يل من الكماالت والفضائل‬
‫املخصوصة حبضرة الكليم على نبينا وعليه الصالة و السالم يف ورقة على حدة ان شاء‬
‫هللا تعاىل (ينبغي) ان يعلم ان االنبياء اذا وصلوا اىل حضرة الذات تعالت وتقدست‬
‫بتوسط نيب من االنبياء عليهم الصالة و السالم ال يكون ذلك النيب حائال بني حضرة‬
‫الذات وبني هؤالء االنبياء بل هلم من حضرة الذات نصيب ابالصالة غاية ما يف الباب‬
‫ان وصوهلم اىل تلك الدرجة مربوط بتبعية ذلك النيب عليه وعليهم الصالة و السالم‬
‫خبالف أمة نيب وصلت بتوسطه فان ذلك النيب حائل يف البني اال ان يكون لفرد من أفراد‬
‫االمة نصيب من حضرة الذات ابالصالة فاحليلولة مثة ايضا مفقودة وتبعيته له موجودة‬
‫وقليل ما هم بل أقل (فان قيل) فعلى هذا التقدير ما يكون الفرق بني ذلك الفرد من‬
‫االمة وبني سائر االنبياء فان احليلولة مفقودة يف كليهما والتبعية موجودة (اجيب) ان‬
‫تبعية ذلك الفرد من االمة ابعتبار التشريع فانه ما مل يتبع شريعة نيب ال يصل والتبعية يف‬
‫االنبياء ابعتبار ان وصول النيب املتبوع اىل تلك الدرجة اوال وابلذات ووصول غريه اثنيا‬
‫وابلعرض فان املطلوب من الدعوة هو احملبوب وغريه امنا يدعي بتطفله ويطلب بتبعيته‬
‫ولكن الكل جلساء على سفرة واحدة ومستوفون للتذذات والتنعمات يف جملس واحد‬
‫على تفاوت درجاهتم واالمم هم الذين ينالون من زالهتم و أيكلون من فضالهتم اال ان‬
‫يكون فرد من افرادهم خمصوصا بكرم هللا جل شأنه فيصري جليس جملس االكابر كما مر‬
‫{ع}‪:‬‬
‫‪- 1051 -‬‬

‫ال عسريف أمر مع الكرام‬


‫ومع ذلك االمة امة والنيب نيب واالمة وان حصل هلا غاية الرفعة وهناية العلو ولكن‬
‫ال يبلغ رأسها ق دم نيب من االنبياء قال هللا تعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني اهنم‬
‫هلم املنصورون وان جندان هلم الغالبون (فان قيل) ما املراد من متابعة ملة ابراهيم اليت امر‬
‫نبينا صلّى هللا عليه و سلّم هبا وما يكون االمر ابلتبعية مع وجود استقالل شريعته صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم (اجيب) ال منافاة بني استقالل الشريعة وبني التبعية فانه جيوز ان يكون‬
‫نبينا عليه و على آله الصالة و السالم أخذ الشريعة ابالصالة ولكنه يصري مأمورا مبتابعة‬
‫اخلليل عليه السالم يف حصول امر من االمور لكون ذلك االمر من خصائص ذلك‬
‫املتبوع الذي امر مبتابعته ولكون حصوله مربوطا حبصول املتابعة كما اذا ادى شخص مثال‬
‫فرضا من الفرائض ومع ذلك ينوي املتابعة ويقول ان هذا الفرض قد أداه نبينا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم فأؤديه اان ايضا فعلى هذا التقدير ينال ثوااب للمتابعة سوى ثواب اداء‬
‫الفرائض وحيصل له مناسبة ابلنيب فيستفيد من بركاته وتفتيش ان املراد من متابعة امللة هل‬
‫هو متابعة متام امللة او بعضها فان كان متاعبة متام امللة فكيف يتصور متابعة الكل مع‬
‫وجود نسخ بعض االحكام وان كا متابعة البعض فال خيلو عن خدشة ايضا فقد حله‬
‫علماء التفسري فينبغي املراجعة مثة فانه من علوم علماء الظاهر ومناسبته بعلوم الصفوفية‬
‫قليلة سبحان هللا ان املعارف اليت تظهر مين حت يكاد ابناء اجلنس يتنفرون عين بسبب‬
‫غرابتها ويصري احملارمي يف مقام البغض فيحرموهنا واي اختياريل يف حصول تلك املعارف‬
‫واي غرض يل يف اظهارها وقد اعلمت ان التعني االول هو التعني الوجودي وانه رب‬
‫اخلليل ومبدأ تعينه على نبينا وعليه الصالة و السالم ومل يسمع احد يف مدة الف سنة ان‬
‫التعني االول هو التعني الوجودي وانه رب خليل الرمحن على نبينا وعليه الصالة و السالم‬
‫فان هذه العبارات واالصطالحات مل تكن متعارفة بني املتقدمني ومل يكن للتعني والتنزل‬
‫جمال عندهم واملقرر عند املتأخرين الذين صارت هذه الكلمات متعارفة فيما بينهم ان‬
‫التعني االول هو التعني العلمي وانه رب خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم واليوم‬
‫‪- 1052 -‬‬

‫يظهرخالف ما هو املقرر من شخص فينبغي التخيل انه ماذا يرد على رأسه وما يطلق‬
‫عليه من الطعن واملالمة يظنون انه يفضل اخلليل على احلبيب وجيعل احلبيب جزء من‬
‫اخلليل حيث يعتقد ان سائر التعينات مندرجة يف التعني االول وان دفع تومههم ذلك فيما‬
‫مر وأجاب جوااب شافيا ولكن ال يعلم اهنم يكتفون بذلك الدفع ويتشفون بذلك اجلواب‬
‫الشايف او ال ماذا نفعل فانه ال عالج للجهل والعناد والتعصب اال ان يقلب مقلب‬
‫القلوب بقدرته الكاملة قلوهبم وصريهم قابلني الستماع احلق ينبغي ان يدرك علو شأن‬
‫حضرة اخلليل من أمر اتبع الذي صدر منه سبحانه اىل حبيبه فانه ما مناسبة املتبوع‬
‫ابلتابع ولكن احملبوبية اليت صارت نصيب خامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫رجحت على مجيع الفضائل ومراتب القرب وجعلته صلّى هللا عليه و سلّم اسبق قدما من‬
‫الكل ال يساوي ألف مرتبة من مراتب القرب لنسبة واحدة من نسب احملبوبية واحملب يرى‬
‫حمبوبه اعز من نفسه فاين للغري جمال دعوى املشاركة معه (فان قيل) انك كتبت يف‬
‫رسائلك ان رب اخلليل ايضا شأن العلم كما انه رب احلبيب عليهما الصالة و السالم‬
‫والفرق انه هناك ابلتفصيل وهنا ابالمجال (اجيب) ان تلك املعرفة امنا كانت قبل الوصول‬
‫اىل حقيقة والية اخللة هذه وملا حتققت حبقيقة هذه الوالية ظهرت املعاملة كما هي وكأن‬
‫تلك املعرفة كانت متعلقة بظل هذه احلقيقة وهللا سبحانه امللهم للصواب فاتضح من هذا‬
‫البيان ان الوجود ليس بعني الذات بل تعني اسبق من سائر تعينات الذات تعالت‬
‫وتقدست ومن قال بعينية الوجود للذات فقد ظن التعني ال تعينا وزعم غريالذات ذاات‬
‫واملناقشة يف قول الغري ال حاصل فيها فانه جئ به لضيق ميدان العبارة (فان قيل) ما‬
‫نسبة هذا التعني االول الوجودي الذي وجدته بذاك التعني االول العلمي اجلملي الذي‬
‫وجده اآلخرون وهل بني هذين التعينني تعني آخر او ال (اجيب) ان التعني الوجودي‬
‫فوق التعني العلمي وما قالوا ان فوق التعني العلمي مرتبة حضرة الذات والالتعني هو هذا‬
‫التعني الوجودي وجدوه عني الذات وحكموا بعينية الوجود للذات وبني هذين التعينني‬
‫شأن احلياة اليت هي اقدم مجيع الشؤانت وبعدها شأن العلم امجاال وتفصيال وهو اتبع هلا‬
‫‪- 1053 -‬‬

‫ولكن ال يظهر مظهرية هذا التعني املتوسط يف النظر ومناسبته حبضرة الذات تعالت ازيد‬
‫من الكل واالستغناء الذايت واضح فيه جدا ولكن يفهم ان فيوضه وبركاته مستفاضة‬
‫خصوصا على الروحانيني وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال سبحانك ال علم لنا اال ما‬
‫علمتنا انك انت العليم احلكيم {تنبيه} ان ما مر فيما سبق من ان الوصول النظري‬
‫نصيب اخلليل ابالصالة والوصول القدمي نصيب احلبيب عليهما الصالة و السالم‬
‫ابالصالة ال مبعن ان هناك شهود ومشاهدة او للقدم جمال مثة فانه ال جمال هناك لشعرة‬
‫فضال عن القدم بل هو وصول جمهول الكيفية فان ارتسم يف الصورة املثالية ابلنظر‬
‫فوصول نظري وان ابلقدم فوصول قدمي واال فالقدم والنظر كالمها واهلان ومتحريان يف‬
‫تلك احلضرة جل شأهنا و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والثمانون اىل القاضي امساعيل الفريد آابدي يف شرح كالم‬
‫الشيخ روزهبان البقلي مع بيان بعض دقائق التوحيد الوجودي}‬
‫قال الشيخ الويل روزهبان البقلي قدس سره يف تبيني غلطات الصوفية وغلط آخر‬
‫اهنم يقولون ال كل هو ويريدون جبميع هذه اجلزئيات املتفرقة احلادثة ذاات واحدة ويقول‬
‫بعضهم ببعض ابلرمز ما حنن اال هو فيكون هلؤالء الكفار مائة الف اله ورب العاملني‬
‫تعاىل وتقدس منزه من مجع احملداثت وتفرقتها واحد ال سبيل اليه للجزء وال يقبل احللول‬
‫وال يكون متلوان وهم كفار هبذا القول ال يعرفون هللا وال يعرفون انفسهم فان كان االنسان‬
‫حقا كيف يكون فانيا وغلط القوم يف روح وغلط هؤالء يف اجلسم قاتلهم هللا سبحانه‬
‫انتهى (ال خيفى ) ان عبارة الكل هو وان مل تكن متعارفة فيما بني قدماء الصوفية قدس‬
‫هللا اسرارهم ولكن كان بينهم مثل اان احلق وسبحاين وما يف جبيت سوى هللا وامثاهلا مما‬
‫يعسر تعداده ومؤدي هذه العبارات وتلك العبارة واحد {شعر}‪:‬‬
‫اذا ما تعدى املاء عن مفرق فال * تفاوت يف مقدار رمح وارماح‬
‫مثل موزون مشهور وهذه العبارة شائعة ذائعة فيما بني متأخري الصوفية ويقولون‬
‫‪- 1054 -‬‬

‫الكل هو بال تكلف ويصرون على هذا القول اال ان القليل منهم هلم تردد يف هذه العبارة‬
‫وامثاهلا بل يظهرون صورة االنكار عليها وما يفهمه هذا الفقري من معن قوهلم الكل هو‬
‫ان مجيع هذه اجلزئيات املتفرقة احلادثة ظهور ذات واحدة تعالت وتقدست كما اذا‬
‫انعكست صورة زيد يف مرااي متعددة وظهرت فيها فيقال الكل هو يعين ان مجيع هذه‬
‫الصور اليت ظهرت يف مرااي متعددة ظهور ذات واحدة لزيد فهنا اي جزئية واحتاد واي‬
‫حلول وتلون بل ذات زيد مع وجود الصور كلها على صرافتها وحالتها االصلية ما زادت‬
‫هذه الصور فيها شيئا وما نقصت ال اسم للصور فيما فيه ذات زيد وال رسم حت حيصل‬
‫هلا معها نسبة من نسب اجلزئية واالحتاد واحللول والسراين ينبغي ان يطلب سرا آلن كما‬
‫كان يف هذا املكان فان مرتبته سبحانه و تعاىل كما مل يكن للعامل فيها جمال قبل الظهور‬
‫ال يكون له فيها جمال ايضا بعد الظهور فال جرم يكون اآلن كما كان (والعجب) ان‬
‫كثريا من أكابر متقدمي الصوفية فهموا من هذه العبارة املمزوجة بشهد التوحيد معن‬
‫احللول واالحتاد وكفروا قائليها وضللوهم وبعضهم يوجه هذه العبارة على هنج ال مناسبة له‬
‫مبذاق قائليها بوجه وال نسبة قال صاحب العوارف ان صدور اان احلق من احلالج‬
‫وسبحاين من ايب يزيد البسطامي كان بطريق احلكاية يعين من احلق سبحانه و تعاىل فلو‬
‫مل يكن بطريق احلكاية بل كان فيه شائبة احللول واالحتاد نرد قائلي هذه االقوال كما نرد‬
‫النصارى لقوهلم ابحللول واالحتاد وقد اتضح من التحقيق السابق انه ال حلول يف هذه‬
‫العبارة الشبيهة ابلشطح واالحتاد واحلمل فيها امنا هو ابعتبار الظهور والشهود ال ابعتبار‬
‫الوجود كما فهموا ومحلوا على احللول واالحتاد وكان هذه املسئلة يعين مسئلة التوحيد‬
‫الوجودي مل تكن حمررة وملخصة فيما بني متقدمي الصوفية كما ينبغي وكل من كان منهم‬
‫مغلوب احلال ظهر منه كلمة يف التوحيد شبيهة ابلقول ابالحتاد وهو مل يطلع على سرها‬
‫من غلبة السكر ومل يصرفها من ظاهرها الذي يفهم منه شائبة احللول واالحتاد وملا وصلت‬
‫النوبة اىل الشيخ االجل حميي الدين بن العريب قدس سره شرح هذه املسئلة الدقيقة من‬
‫كمال املعرفة وبوهبا وفصلها ودوهنا تدوين الصرف والنحو ومع ذلك مل يفهم مجع من‬
‫‪- 1055 -‬‬

‫هذه الطائف ة مراده فخطأوه وطعنوا فيه وأطلقوا عليه لسان املالم والشيخ حمق يف أكثر‬
‫حتقيقات هذه املسئلة والطاعنون فيه بعيدون عن الصواب ينبغي ان يعرف جاللة شأن‬
‫الشيخ ووفور علمه من حتقيق هذه املسئلة ال ان يرده ويطعن فيه وكلما مير على هذه‬
‫املسئلة زمان تصري واضحة ومنقحة بتالحق أفكار املتأخرين وتبعد عن شبهات احللول‬
‫واالحتاد أال ترى ان النحو الذي صار اآلن واضحا ومنقحا بتالحق أفكار املتأخرين من‬
‫النحويني مل يك ن فيه ذلك التنقيح والوضوح يف زمان سيبويه واالخفش فان تكميل‬
‫الصناعة بتالحق االفكار وقد ابحث االمام االعظم واالمام ابو يوسف يف مسئلة خلق‬
‫القرآن ستة أشهر وجرى بينهما الرد والنقض مث استقر رأيهما على ان من قال ان القرآن‬
‫خملوق يصري كافرا وطول هذه املنازعة امنا كان لعدم تنقيح هذه املسئلة يف ذلك الوقت‬
‫واآلن حيث كانت منقحة بتالحق االفكار نقول لو كان حمل النزاع هو احلروف‬
‫والكلمات الدالة على الكالم النفسي فال شك اهنا حادثة وخملوقة وان كان املراد هو‬
‫املدل والت فقدمية وغري خملوقة وهذا التنقيح من بركات تالحق االفكار (ولنرجع) اىل أصل‬
‫الكالم فنقول ان هلذه العبارة معن آخر بعيدا عن احللول واالحتاد يعين ان الكل معدوم‬
‫واملوجود هوهللا تعاىل ال ان الكل موجود ومتحد معه تعاىل فان هذا الكالم ال يتلكم به‬
‫ابله فكيف يتصور صدوره عن االكابر ولكن اذا كان ما سوي احملبوب مستورا عن نظر‬
‫هؤالء االكابر عند غلبة احملبة ومل يبق غريه يف شهودهم وهم يقولون الكل هو يعين ان‬
‫مجيع هذا الذي يرى اثبتا موهوم ومتخيل واملوجود هو هللا تعاىل فعلى هذا التقدير ليست‬
‫فيها شائبة اجلزئية واالحتاد وال مظنة احللول والتلون ومع ذلك ال يستحسن هذا الفقري‬
‫أمثال هذه العبارة وان كانت مربأة من هذه املفاسد الهنا ليست بالئقة مبرتبة تقديسه‬
‫وتنزيهه تعاىل وما مقدار هؤالء املوجودات حت تكون مظاهر له تعاىل {ع}‪:‬‬
‫يف أي مرآة يكون مصورا‬
‫وأين فيها استحقاق ان تكون حممولة عليه تعاىل ولو ابعتبار الظهور والشهود فان‬
‫كانت مظهرا فمظهر لظل من ظالل كماالته تعاىل ولعل بني ذلك الظل الذي صارت‬
‫‪- 1056 -‬‬

‫املوجودات مظهرا له وبني الذات تعالت وتقدست الوفا من احلجاب امل تسمع ان هلل‬
‫تع اىل سبعني الف حجاب من نور وظلمة فحمل مظهر ظل من ظالل كماله سبحانه‬
‫عليه تعاىل من غري حتاش والقول ابنه هو سوء ادب وكمال جرأة ولكن ملا كان صدور‬
‫ذلك يف غلبة احلال واستيالء السكر ليس مبذموم جدا وكذلك اعتقاد مشهودهم عني‬
‫احلق على التوجيه الثاين ومحله عليه تعاىل هبذا االعتبار ايضا سوء ادب بل خالف الواقع‬
‫فان ذلك املشهود ايضا ظل من ظالل كماالته تعاىل وهو تعاىل وراء الوراء مث وراء الوراء‬
‫وأيضا ان كل ما هو مشهود ومستحق للنفي فال يكون احلق جل وعال قال اخلواجه‬
‫النقشبند قدس سره كلما يكون مسموعا ومرئيا ومدركا فهو غري احلق سبحانه ينبغي نفيه‬
‫حبقيقة كلمة ال وما هو خمتار هذا الفقري يف هذه املسئلة واملناسب لشأن التقديس والتنزيه‬
‫عبارة الكل منه ال مبعن يقتصر عليه علماء الظاهر ويقولون ان صدور اخللق كله منه فان‬
‫هذا وان كان صادقا ولكن مع ذلك هنا عالقة أخرى ايضا مل يهتد العلماء اليها وامتازت‬
‫الصوفية ابدراكها ووجداهنا وهي االرتباط بني االصالة والظلية يعين ان وجود املمكن انش‬
‫من وجود الواجب تعاىل وظل لوجوده سبحانه وكذلك حياته انشئة من صفة حياته‬
‫سبحانه وظل لتلك احلياة املقدسة و على هذا القياس العلم والقدرة واالرادة وغريها فالعامل‬
‫على رأي الصوفية صادر من احلق سبحانه وظل لكماالته وانش من تلك الكماالت‬
‫املنزهة مثال الوجود الذي اعطيه املمكن ليس هو امر على حدة مستقل برأسه بل هو‬
‫وجود الواجب تعاىل وكذلك احلياة والعلم وغريمها مما اعطيه املمكن ليست امورا ثبت هلا‬
‫االستقالل من الواجب تعاىل بل هي مع وجود صدورها عن الواجب تعاىل ظالل‬
‫كماالته سبحانه وصورها وامثاهلا واالهتداء اىل هذا االرتباط يعين ارتباط االصالة والظلية‬
‫رفع معاملة الصوفيني اىل اعلى عليني واوصلهم اىل الفناء والبقاء وجعلهم متحققني‬
‫ابلوالية اخلاصة وملا مل يتيسر لعلماء الظاهر هذه الرؤية واالهتداء مل يصبهم نصيب من‬
‫الفناء والبقاء ومل يتحققوا ابلوالية اخلاصة والصوفية وجدوا كماالهتم ظالل كماالت‬
‫الواجب وعلموا ان الوجود وتوابع الوجود عكوس تلك الكماالت فال جرم مل يروا انفسهم‬
‫‪- 1057 -‬‬

‫غري حاملي اماانت كماالته سبحانه ومل جيدوا انفسهم سوى ان يكونوا مرااي لتلك‬
‫الكم االت فاذا أدوا هذه االماانت حبكم ان هللا أيمركم ان تؤدوا االماانت اىل اهلها اآلية‬
‫اىل اهل االماانت واعطوا هذه الكماالت ابلتمام اىل االصل ذوقا جيدون انفسهم‬
‫معدومني ميتني فانه ملا ذهب الوجود واحلياة اىل االصل بقوا معدومني وميتني فتحقق‬
‫الفناء للمولوي الرومي رمحه هللا {شعر}‪:‬‬
‫فاذا عرفته انت من هو اوال * ونسبت نفسك حنو حضرته العال‬
‫وعرفت انك ظل من اي من درى * كن فارغا حيا وميتا من مال‬
‫فمن تشرف ابلبقاء بعد الفناء اعطي الوجود وتوابع الوجود من الصفات الكاملة‬
‫مرة اثنية ويتحقق ابلوالدة الثانية لن يلج ملكوت السموات من مل يولد مرتني {ع}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها‬
‫اهلي قد اطلق من ضيق العبارة االلفاظ اليت مل يرد الشرع ابطالقها كالظلية وغريها‬
‫واقول ان وجود املمكن ظل وجود الواجب تعاىل وصفاته ظالل صفاته الكاملة وأان‬
‫خائف وجل من هذه االطالقات واذ قد سبق اولياؤك ابطالق هذه العبارات نرجو العفو‬
‫واملعافاة ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او اخطأان (ينبغي) ان يعلم انه قد اتضح من التحقيق‬
‫السابق ان الصوفية القائلون بكالم الكل هو ال يعتقدون احتاد العامل ابحلق جل وعال وال‬
‫يثبتون احللول والسراين واحلمل الذي حيصل من كالمهم هذا فامنا هو ابعتبار الظهور و‬
‫الظلية ال ابعتبار الوجود والتحقق وان توهم من ظاهر عباراهتم االحتاد الوجودي ولكن‬
‫حاشاهم من ان يكون مرادهم ذلك فانه كفر واحلاد فاذا كان محل احدمها على اآلخر‬
‫ابعتبار الظهور والشهود ال ابعتبار الوجود كان معن الكل هو الكل منه فان ظل الشئ‬
‫انش من ذلك الشئ وان كانوا يقولون وقت غلبة احلال الكل هو ولكن يكون مرادهم من‬
‫هذه العبارة يف احلقيقة الكل منه فال جمال يف الطعن يف كالمهم واحلكم بتضليل قائليه‬
‫وتكفريهم (اعلم) ان ظل شئ عبارة عن ظهور الشئ يف مرتبة اثنية او اثلثة او رابعة مثال‬
‫ان صورة زيد املنعكسة يف املرآة ظل زيد وظهوره يف مرتبة اثنية وزيد يف احلقيقة يف مرتبة‬
‫‪- 1058 -‬‬

‫وجوده االصلي اظهر نفسه يف املرآة ابلظل من غري ان يطرأ له يف ذاته وصفاته تلون وتغري‬
‫كما مر ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير و السالم على من اتبع‬
‫اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب التسعون اىل الفقري هاشم الكشمسي يف جواب سؤاله عن حقيقة‬


‫مشاهدة العرفاء احلق سبحانه ابلقلب وحتقيقه}‬
‫قد سألتم انه قد اثبت بعض حمققي الصوفية رؤية احلق ومشاهدته تعاىل ببصر‬
‫القلب يف الدنيا قال الشيخ العارف يف كتابه العوارف موضع املشاهدة بصر القلب اخل‬
‫وأورد الشيخ ابو اسحق الكالابدي قدس سره الذي هو من قدماء هذه الطائفة ورؤسائهم‬
‫يف كتابه التعرف وامجعوا على انه تعاىل ال يرى يف الدنيا ابالبصار وال ابلقلوب اال من‬
‫جهة االيقان فكيف التوفيق بني هذين التحقيقني و على اي منهما يوافق رأيك وما معن‬
‫االمجاع مع وجود االختالف (اعلم) أرشدك هللا ان خمتار هذا الفقري يف هذه املسئلة هو‬
‫قول صاحب التعرف قدس سره واعلم انه ال نصيب للقلوب من تلك احلضرة يف هذه‬
‫النشأة غري االيقان سواء ظنوه رؤية او مشاهدة فاذا مل تكن للقلب رؤية ماذا يكون‬
‫لالبصار فان البصر معطل يف هذه املعاملة يف هذه النشأة غاية ما يف الباب ان املعن‬
‫امل سماة اباليقان احلاصل يف القلب يظهر يف عامل املثال بصورة الرؤية واملوقن به يظهر‬
‫بصورة املرئي فان لكل معن صورة يف عامل املثال مناسبة له يف عامل الشهادة وحيث ان‬
‫كمال اليقني يف عامل الشهادة يف الرؤية يظهر االيقان ايضا يف عامل املثال بصورة الرؤية‬
‫فاذا ظهر اال يقان بصورة الرؤية يظهر متعلقه الذي هو املوقن به بصورة املرئي ابلضرورة‬
‫فاذا شاهده السالك يف مرآة املثال يذهل عن توسط املرآة ويظن الصورة حقيقة ويزعم انه‬
‫قد حصلت له حقيقة الرؤية وظهر له املرئي وال يدري ان تلك الرؤية هي صورة ايقانه‬
‫وذلك املرئي صورة املوقن به وهذا من اغالط الصوفية وتلبسات الصور ابحلقائق فاذا‬
‫غلبت هذه الرؤية وترشحت من الباطن يف الظاهر توقع السالك يف توهم انه قد حصل له‬
‫‪- 1059 -‬‬

‫رؤية البصر ايضا وحتول املطلوب من السماع اىل املعانقة وال يدرون ان حصول هذا املعن‬
‫يف االصل الذي هو البصرية ايضا مبين على التوهم والتلبس فماذا يصيب للبصر الذي‬
‫هو فرع عليها يف هذا النشأة ومن اين حتصل هلا الرؤية ويف الرؤية القلبية وقع جم غفري‬
‫من الصوفية يف التوهم وحكموا بوقوعها خبالف الرؤية البصرية فانه مل يقع يف توهم وقوعها‬
‫اال الناقصون من هذه الطائفة وهو خمالف ملا عليه اهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل‬
‫سعيهم (فان قيل) ا ذا كان للموقن به صورة يف عامل املثال يلزم ان للحق سبحانه صورة‬
‫هناك (اجيب) ان الصوفية قد جوزوا ان يكون للحق سبحانه مثال وان مل يكن له تعاىل‬
‫مثل وجوزوا ظهوره سبحانه يف املثال بصورة كما قرر صاحب الفتوح قدس سره كون‬
‫الرؤية اال خروية ايضا بصورة جامعة لطيفة مثالية وحتقيق هذا اجلواب ان صورة املوقن به‬
‫ليست هي صورة احلق سبحانه يف املثال بل هي صورة مكشوف صاحب االيقان الذي‬
‫تعلق ايقانه به وذلك املكشوف بعض وجوه احلق سبحانه واعتباراته ال ذاته جل وعال‬
‫وهلذا اذا بلغت معاملة العارف الذات ال يظهر له مثل هذه التخيالت وال يتخيل رؤية وال‬
‫مرئي اصال فانه ال صورة لذاته االقدس سبحانه يف املثال حت تظهر له ويرى ايقانه‬
‫بصورة الرؤية او نقول ان يف عامل املثال صور املعاين ال صور الذوات وحيث ان العامل‬
‫بتمامه مظاهر االمساء والصفات ال يكون له نصيب من الذاتيات كما حققته يف مواضع‬
‫متعددة فيكون بتمامه من قسم املعاين ابلضرورة وتكون له صورة يف املثال ويف الكماالت‬
‫الوجوبية كل مرتبة فيها الشأن والصفة اليت قيامها ابلذات تعالت ومن قبيل املعاين لو‬
‫كانت هلا صورة يف املثال ولو ابلنقص لساغ وأما ذاته سبحانه فحاشاها من ان تكون هلا‬
‫صورة يف مرتبة من املراتب فان الصورة مستلزمة للتحديد والتقييد وذا ليس مبجوز يف اي‬
‫مرتبة كان واين اجملال للمراتب اليت كلها خملوقة هلل تعاىل ان جيعل اخلالق سبحانه حمدودا‬
‫و مقيدا وكل من جوز املثال يف حضرته سبحانه و تعاىل فهو ابعتبار الوجوه واالعبتارات‬
‫ال ابعتبار عني الذات تعالت وان كان جتويز املثال يف وجوه الذات واعتباراهتا ايضا ثقيال‬
‫على هذا الفقري اال ان جيوز ذلك يف ظل من الظالل البعيدة (فاتضح) من هذا البيان ان‬
‫‪- 1060 -‬‬

‫ارتسام الصور يف املثال امنا هو للمعاين والصفات ال للذات فما مر من صاحب‬


‫الفصوص من جتويز كون الرؤية االخروية بصورة مثالية ليست هي برؤية احلق سبحانه بل‬
‫ليست برؤية صورة احلق فانه ال صورة له سبحانه حت تتعلق هبا الرؤية فان كانت يف‬
‫املثال صورة فهي لظل من ظالله البعيدة فكيف تكون رؤيتها رؤية احلق سبحانه والشيخ‬
‫قدس سره ال يقصر يف نفي الرؤية من املعتزلة والفالسفة بل يثبت الرؤية على هنج يستلزم‬
‫نفي الرؤية وهو أبلغ يف النفي من صريح النفي الن الكناية ابلغ من الصريح قضية مقررة‬
‫وامنا الفرق بينهما ان مقتدى تلك اجلماعة عقوهلم العقيلة و مقتدى الشيخ الكشف‬
‫البعيد عن الصحة ويشبه ان تكون ادلة املخالفني الغري التامة قد متكنت يف متخيلة‬
‫الشيخ فحرفت كشفه ايضا يف هذه املسئلة عن صوب الصواب وجعلته مائال اىل مذهب‬
‫املخالفني ولكن ملا كان من اهل السنة اثبتها صورة واكتفى هبذا القدر وظنها رؤية ربنا ال‬
‫تؤاخذان ان نسينا او اخطأان وحتقيق هذه املسئلة الدقيقة حمرر أيضا فيما كتبته حلل بعض‬
‫مواضع كتاب العوارف وما سألتم من حتقق االمجاع مع وجود االختالف فلعل اخلالف‬
‫املعتد به مل يكن وقت االمجاع او انه اراد ابالمجاع امجاع مشائخ عصره وهللا سبحانه أعلم‬
‫حبقيقة احلال‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والتسعون اىل موالان طاهر البدخشي يف جواب سؤاله عن‬
‫الفرق بني املعرفة واالميان احلقيقي وغري ذلك}‬
‫بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان صحيفة اخي االعز املرسلة صحبة‬
‫الشيخ سجاول قد وصلت احلمد هلل سبحانه على سالمتكم وعافيتكم وقد اندرجت فيها‬
‫اسئلة متعددة فكتبنا يف جواهبا ما خطر يف اخلاطر ينبغي ان يالحظه ابلتوجه الكامل‬
‫(ال سؤال االول) ما الفرق بني املعرفة واالميان احلقيقي (وجوابه) ان املعرفة غري االميان فان‬
‫املعرفة يعرب عنها ابلفارسية بشناخنت واالميان يعرب عنه بگرويدن ورمبا حتصل املعرفة ابملعن‬
‫املذكور وال حيصل االميان أال ترى ان اهل الكتاب كانت هلم معرفة نبينا عليه و على آله‬
‫‪- 1061 -‬‬

‫الصالة و السالم وعرفوا انه نيب كما قال هللا يعرفونه كما يعرفون ابناءهم ولكن ملا مل‬
‫حيصل هلم التصديق بواسطة العناد مل يتحقق االميان (واملعرفة) ايضا منقسم اىل قسمني‬
‫مثل االميان صورة املعرفة كصورة االميان وحقيقة املعرفة كحقيقة االميان وصورة االميان هي‬
‫ما اكتفى به احلق سبحانه من كمال رأفته ورمحته يف الشريعة للنجاة األخروية وهو‬
‫تصديق القلب مع وجود انكار النفس االمارة ومتردها وصورة املعرفة هي ايضا كون املعرفة‬
‫مقصورة على تلك اللطيفة مع وجود جهل االمارة وحقيقة املعرفة هي خروج النفس‬
‫االمارة من جهالتها ابجلبلية وحصول املعرفة هلا وحقيقة االميان هي تصديق النفس بعد‬
‫حصول املعرفة هلا واطمئناهنا بعد خروجها من االمارية اليت هي كانت طبيعية هلا (فان‬
‫قيل) قد اعترب يف الشريعة التصديق القليب فگرويدن هذا هل هو عني التصديق او امر‬
‫وراءه فان كان وراءه يلزم ان يعترب يف االميان ثالثة اجزاء االقرار والتصديق وگرويدن وهو‬
‫خالف ما هو مقرر عند العلماء و يكون العمل عند من اعتربه من االميان جزءا رابعا‬
‫(أجيب) ان كرويدن هو عني التصديق فان التصديق الذي هو احلكم عبارة عن االذعان‬
‫املعرب عنه يف الفارسية بگ رويدن (فان قيل) اذا عرف اهل الكتاب نبينا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم بعنوان النبوة فقد حكموا بنبوته ابلضرورة وحصل هلم االذعان املعرب عنه بگرويدن‬
‫فان احلكم على هذا التقدير عني هذا االذعان فلم ال يكون االميان متحققا يف حقهم‬
‫وأبي علة ال خيرجون من الكفر (قلت) قد عرفوه بعنوان النبوة ولكن مل حيصل لقلبهم‬
‫االذع ان بواسطة التعصب والعناد حت حيصل هلم احلكم بنبوته فانه رمبا حيصل املعرفة‬
‫والتصور وال حيصل االذعان حت يوجد التصديق ويتحقق االميان وخيرجون من الكفر‬
‫الفرق دقيق امسع وارجع اىل وجدانك ومع وجود العناد ميكن ان نيب هللا فعل كذا وال‬
‫ميكن ان يقول انه نيب هللا ما مل حيصل االذعان فان يف الصورة األوىل تصورا فقط واحالة‬
‫اىل معرفة مشهورة ويف الصورة الثانية تصديقا مبنيا على االذعان فاذا مل يوجد االذعان‬
‫كيف يتصور وجود التصديق وايضا ليس املقصود يف الصورة األوىل اثبات النبوة بل اثبات‬
‫الفعل ويف الصورة الثانية اثبات النبوة والعناد ال جيتمع معه فكيف يتصور وجود االذعان‬
‫‪- 1062 -‬‬

‫فلو حصل التصديق واحلكم فرضا بال حصول االذعان فهو ايضا داخل يف التصورات‬
‫وصورة التصديق وما مل حيصل االذعان ال حتصل حقيقة التصديق فال حيصل االميان وهذه‬
‫املسئلة من امهات مسائل علم الكالم ودقيقة جدا حت عجز يف حلها فحول العلماء‬
‫وزاد بعضهم ركنا اثلثا يف االميان ابالضطرار وقال بزايدة گرويدن على التصديق والذين‬
‫قالوا بعينية التصديق بگرويدن مل حيل هذا املعن كما ينبغي بل اكتفى ابالمجال ومضى‬
‫احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا امسع ان املركب التقييدي‬
‫وا ملركب التوصيفي مثل نيب هللا وهذا النيب وان كاان متضمنني للحكم أبنه نيب ومشتملني‬
‫على معرفته بعنوان النبوة ولكن حصول التصديق أبنه نيب موقوف على االذعان الذي هو‬
‫مثبت لالميان غالم زيد فعل كذا ورجل صاحل حكم بكذا كالمها صحيح بال اذعان‬
‫واملعرفة بعنوان الغالمية وع نوان الصالحية اثبتة يف كليهما ولكن ال اذعان فيهما حت‬
‫حيصل التصديق ابلغالمية و الصالحية (فان قيل) انك قلت ان اذعان النفس بعد اذعان‬
‫القلب وعربت عن اذعان النفس ابالميان احلقيقي واحلال ان الفالسفة وارابب املعقول‬
‫اخذوا يف التصديق مطلق اذعان النفس ومل يتكلموا يف اذعان القلب (قلت) ان ارابب‬
‫املعقول يريدون ابلنفس يف بعض االطالقات الروح ويف بعض االطالقات القلب وابجلملة‬
‫ان تدقيقاهتم الفلسفية يف حمال اخر واكثرها مما ال طائل فيه وهم معطلون وعاجزون يف‬
‫هذه املسئلة وحكمهم فيها حكم العوام ونوبة التدقيق مثة انتهت اىل الصوفية فاهنم‬
‫يتلبسون ابحكام كل لطيفة ويرتقون من مجيع اللطائف ابلسري والسلوك ويفرقون النفس‬
‫من القلب والروح من السر ومييزون بني اخلفي واالخفى وال يعلم حصول نصيب من‬
‫هؤالء الرابب املعقول غري معرفة اساميها وقد اعتقدت الفالسة النفس االمارة شيئا‬
‫عظيما وعدوها من اجملرد ات ومل جير اسم القلب والروح على ألسنتهم ومل يبد من السر‬
‫واخلفي واالخفى عالمة ان هلل سبحانه ملكا يسوق االهل اىل االهل (وجواب) آخر ان‬
‫أرابب العقول امنا ذكروا اذعان النفس نظرا اىل االحكام العادية والعرفية لكوهنا قريبة اىل‬
‫فهمهم وكالمنا يف تصديقات االحكام الشرعية وللنفس انكار عليها ابلذات فاين‬
‫‪- 1063 -‬‬

‫االذعان وهذا االنكار انكار موصل للمنكر اىل حد عداوة صاحب تلك االحكام نعوذ‬
‫ابهلل من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا وقد ورد يف احلديث القدسي عاد نفسك فاهنا‬
‫انتصبت ملعادايت وارحم الرامحني مل جيعل اذعان النفس من كمال رأفته منظورا يف اوائل‬
‫احلال وجعل النجاة مربوطة ابذعان القلب فلو تيسر اذعان النفس اثنيا مبحض كرمه‬
‫سبحانه و تعاىل فهو نور وسرور ووصول اىل درجات الوالية وحصول حقيقة االميان وقد‬
‫كتبتم انه ينبغي ان تكتبوا جوااب موافقا لفهم الفقري وادراكه حت ميكن يل فهمه ماذا‬
‫اصنع امل سئلة دقيقة جدا وحلها ايضا بال دقة مشكل بل نفس احلل يقتضى الدقة فما‬
‫ذنب العبارة وكان ينبغي لكم ان تتفكروا هذا اوال حت ال جترتؤا على سؤال حل مثل هذا‬
‫ملعم ي فال تلوموين ولوموا انفسكم (السؤال الثاين) ان الزهاد والعباد هل هم مشرفون‬‫ا ّ‬
‫ابالميان احلقيقي او ال (جوا به) أهنم ان بلغوا مرتبة املقربني وصارت نفوسهم مطمئنة فقد‬
‫بلغوا مرتبة االميان احلقيقي (والسؤال الثالث) ان اصحاب املعرفة االمجالية اليت منشوها‬
‫الكفر احلقيقي كيف ميكن ان يقال هلم العرفاء مل يفهم معن هذه العبارة كما ينبغي وانتم‬
‫تكتبون العبارة مغلقة ومتنعون اآلخرين من ذلك فان كان املقصود ان كافر الطريقة ابي‬
‫معن يقال له انه عارف (فجوابه) ان كافر الطريقة ايضا عرف احلق سبحانه ابلواحدانية‬
‫وجعل ما سواه ممحوا و متالشيا فهو عارف ولكنه ليس بعارف مطلقا النه خرج من‬
‫دائرة التمييز فاذا رجع اىل التمييز يصري عارفا مطلقا و يكون مشرفا ابالميان احلقيقي و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين والتسعون اىل الفقري هاشم الكشمي يف جواب سؤاله عن‬
‫مساع الصوفية كالم احلق سبحانه ومكاملتهم معه تعاىل}‬
‫قد سألتم انه ما معن ما قاله بعض العرفاء من اان نسمع كالم احلق سبحانه او‬
‫تقع بيننا وبينه مكاملة كما نق ل عن االمام اهلمام جعفر الصادق رضي هللا عنه انه قال ما‬
‫زلت اردد اآلية حت مسعتها من املتكلم هبا ويفهم ذلك ايضا من الرسالة الغوثية اليت هي‬
‫‪- 1064 -‬‬

‫منسبوبة اىل حضرة الشيخ عبد القادر اجليالين قدس سره وما حتقيق ذلك عندك (اعلم)‬
‫ارشدك هللا تعاىل ان كالم احلق سبحانه و تعاىل كذاته وسائر صفاته ال كيفي وال مثلي‬
‫ومساع الكالم الالكيفي ايضا ال كيفي فانه ال سبيل للكيفي اىل اللكيفي فال يكون ذلك‬
‫السماع مربوطا حباسة السمع فاهنا متكيفة ابلكيف ابلكلّية فان كان هناك للعبد مساع‬
‫فهو بتلق روحاين فان هلا يعين الروح نصيبا من الالكيفي وبال توسط احلروف والكلمات‬
‫وايضا لو كان الكالم من العبد فهو ايضا ابلقاء روحاين بال حروف وكلمات و يكون‬
‫هلذا ا لكالم نصيب من الالكيفي حيث يكون مسموعا لالكيفي مع اان نقول ان الكالم‬
‫اللفظي الذي يصدر عن العبد يسمعه احلق سبحانه و تعاىل بسماع الكيفي بال توسط‬
‫احلروف والك لمات وبال تقدمي وأتخري اذ ال جيري عليه تعاىل زمان يسع فيه التقدمي‬
‫والتأخري فلو كان يف ذلك املوطن من العبد مساع فهو سامع بكليته وان كالم فمتكلم‬
‫بكلتيه فالعبد بتمامه مسع وبتمامه لسان وقد مسعت الذرات املخرجة يعين من ظهر آدم‬
‫قول الست بربكم يوم امليثاق بكليتهم من غري واسطة واجابوه وكانوا بتمامهم امساعا‬
‫وبتمامهم ألسنا فانه لو كان السمع متميزا من اللسان ملا حيصل السماع والكالم‬
‫الالكيفيني وال يكون الئقا ابرتباط املرتبة الالكيفية ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه غاية‬
‫ما يف الباب ان ذلك املعن املتلقى الذي اخذه من طريق الروحانية يتمثل اثنيا يف عامل‬
‫اخليال الذي هو يف االنسان متثال عامل املثال بصورة احلروف والكلمات املرتبة ويرتسم‬
‫ذلك التلقي وااللقاء بصور السماع والكالم اللفظي فان لكل معن صورة يف ذلك العامل‬
‫وان كان ذلك املعن منزها عن الكيف ولكن يكون ارتسام املنزه عن الكيف ايضا هناك‬
‫بصورة مكيفة بكيف فان الفهم واالفهام املقصودين من االرتسام مربوطان هبا فاذا وجد‬
‫السالك املتوسط يف نفسه حروفا وكلمات مرتتبة واحس مساع الكالم اللفظي يتخيل انه‬
‫قد مسع هذه الكلمات من االصل واخذه من هناك بال تفاوت وال يدري ان هذه‬
‫احلروف والكلمات صور خيالية لذلك املعن املتلقى وذلك السماع والكالم اللفظي متثال‬
‫ذلك السماع والكالم الالكيفي والعارف التام املعرفة ينبغي ان مييز حكم كل مرتبة عن‬
‫‪- 1065 -‬‬

‫األخرى وال يلبس حكم احديهما حبكم األخرى فسماع هؤالء االكابر وكالمهم املربوطني‬
‫مبرتبة الكيفية من قبيل التلقي وااللقاء الروحانيني وهذه الكلمات واحلورف اليت يعرب هبا‬
‫عن ذلك املعن املتلقى من عامل الصور املثالية والذين يظنون اهنم يسمعون احلروف‬
‫والكلمات من هللا سبحانه فريقان فريق يقولون ان هذه احلروف والكلمات احلادثة‬
‫املسموعة دوال على الكالم النفسي القدمي وهؤالء احسن حاال من الفريق الثاين والفريق‬
‫الثاين يطلقون القول بسماع كالم احلق جل شأنه ويعقتدون احلروف والكلمات املرتبة‬
‫املسموعة كالم احلق جل وعال وال يفرقون بني ما هو الئق جبناب قدسه تعاىل وبني ما‬
‫هو ليس بالئق به وهم اجلهال البطال مل يعرفوا ما جيوز عليه وما ال جيوز عليه تعاىل‬
‫سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا انك أنت العليم احلكيم والصالة و السالم على خري‬
‫البشر وآله وأصحابه االطهر‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث والتسعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد يف‬
‫حتقيق التعني االول الوجودي وبيان الفرق بني مبادئ تعينات احلبيب واخلليل والكليم‬
‫عليهم الصلوات و التسليمات}‬
‫والذي صار مكشوفا يف اآلخر بكرم هللا وفضله سبحانه و تعاىل هو ان التعني‬
‫االول حلضرة الذات تعالت وتقدست هو تعني حضرة الوجود واحمليط جبميع االشياء‬
‫واجلامع جلميع االضداد واخلري احملض وكثري الربكة حت ان االكثرين من مشائخ هذه‬
‫الطائفة قالوا انه عني الذات ومنعوا كونه زائدا على الذات تعاىل وفيه غاية الدقة وكمال‬
‫اللطافة حبيث ال يكاد بصر كل شخص يدركه وال يقدر متييزه من االصل وهلذا بقي تعينه‬
‫خمتفيا اىل هذه املدة ومل يتميز من املتعني وعبده جم غفري بزعم انه هو هللا ومل يطلبوا‬
‫معبودا ومطلواب ما وراءه واعتقدوا انه هو املبدأ لآلاثر اخلارجية وظنوا انه املكون للحوادث‬
‫اليومية وهذا التمييز اعين متييز احلق عما دون احلق كان دولة مدخرة هلذا املسكني العاجز‬
‫املتأخر ونفى مشاركة غري املعبود مع املعبود سبحانه و تعاىل كان حصة ابقية من االنبياء‬
‫‪- 1066 -‬‬

‫عليهم الصالة و السالم خمتبية مللتقط ما سقط من موائدهم هذا احلمد هلل الذي هداان‬
‫هلذا كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق وقد صار مكشوفا ان هذا‬
‫التعني االول الوجودي هو رب خليل الرمحن على نبينا وعليه الصالة و السالم ومبدأ‬
‫تعينه وتعني خلته وصار مكشوفا ايضا ان مركز هذا التعني الذي هو جزؤه االشرف وفيه‬
‫نسبة االقربية ابالصل من بني االجزاء اآلخر هو رب حبيب هللا ومبدأ تعينه وتعني حمبته‬
‫عليه و على مجيع االنبياء الصلوات و التسليمات (فان قيل) اذا كان التعني االول رب‬
‫اخلليل فما معن قول نبينا عليهما الصالة و السالم اول ما خلق هللا نوري (قلت) ان‬
‫مركز الدائرة اسبق اجزاء الدائرة وايضا ان للجزء تقدما على الكل فيكون مبدأ تعينه صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم الذي عرب عنه بنوري اسبق من الكل ابلضرورة ومركز الدائرة وان كان‬
‫جزء من الدائرة والدائرة كال له ولكنه جزء نشأ منه سائر اجزاء الكل فان مجيع اجزاء‬
‫حميط الدائرة ظالل ذلك اجلزء الذي هو مركز تلك الدائرة فلو مل يكن ذلك اجلزء ملا كان‬
‫من الدائرة اسم وال رسم (فاتضح) ان رب حضرة اخلليل ومبدأ تعينه هو التعني االول‬
‫ومنشأ التعني االول الذي هو اجلزء واملركز واشرف اجزاء تلك الدائرة رب حضرة خامت‬
‫الرسل وعليهم الصالة و السالم ومبدأ تعينه فيكون اسبق الكل هو حقيقة خامت النبوة و‬
‫يكون منشأ ظهور اآلخرين ايضا هي ومن ههنا ورد يف احلديث القدسي يف شأن حبيب‬
‫هللا لوالك ملا خلقت االفالك وملا اظهرت الربوبية فاذا كان مبدأ تعني خامت الرسل عليه‬
‫وعليهم الصالة و السالم مركز دائرة التعني االول الذي هو مبدأ تعني اخلليل عليه السالم‬
‫فال جرم تكون الوالية احملمدية اليت منشؤها احملبة مركز الوالية اخلليلية اليت منشؤها اخللة‬
‫والوالية اخلليلية مع وجود اوليتها ال تكون حائلة وحاجزة بني الوالية احملمدية وبني حضرة‬
‫الذات تعالت وتقدست ف ان ملركز الدائرة سبقة ذاتية على الدائرة فال يكون اخللف حائال‬
‫للسلف بل االمر ابلعكس (ووجه آخر) لسبق هذا املركز وقربه امسع انه كلما يتعمق يف‬
‫السري يف هذه النقطة اليت هي املركز يتميز احملب من احملبوب من تلك النقطة اليت‬
‫حاصلها احملبة وتظهر صورة دائرة مركزها احملبوبية وحميطها احملبية وتلك احملبية هي مبدأ‬
‫‪- 1067 -‬‬

‫الوالية املوسوية واحملبوبية هي مبدأ الوالية احملمدية على صاحبها الصالة و السالم فهذا‬
‫املركز الذي هو احملبوبية اسبق من ذاك املركز الذي هو احملبة وصار دائرة واقرب اىل حضرة‬
‫الذات فان للمركز سبقة وقراب ليسا للدائرة فكانت الوالية احملمدية اسبق من الوالية‬
‫املوسوية ايضا واقرب (ووجه آخر) لسبقة الوالية احملمدية وقرهبا امسع انه كلما يتعمق يف‬
‫السري يف هذا املركز الذي هو احملبوبية بفضل هللا سبحانه و تعاىل تعرض هلذا املركز ايضا‬
‫صورة دائرة يرى مركزها حمبوبية صرفة ويظهر حميطها حمبوبية ممتزجة ابحملبية وهي نصيب فرد‬
‫من افراد امته بتبعيته عليه و على آله الصالة و السالم بل بتبعية الوالية املوسوية على‬
‫صاحبها الصالة و السالم اليت هلا مناسبة مبحيط الدائرة ومن ههنا قيل ان الوالية احملمدية‬
‫مركز يف مجيع االوقات وكيفية احملبية ايضا من بركات تلك الوالية فان املركز الثاين امنا‬
‫صار دائرة ابمتزاجها به وظهر منه مركز آخر (ينبغي) ان يعلم ان هذا املركز الثالث اورث‬
‫للمعاملة ترقيا كثريا وجعلها أقرب من االقرب {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف أمر مع الكرام‬
‫وما أظهر زايدة على ذلك من هذه االسرار والدقائق وماذا يقال ويبني مما وراء‬
‫التعني االول اكثر من ذلك وان مل يكن وراء التعني االول لكونه جزءه او جزء جزئه‬
‫بواسطة او بواسطتني ولكنه بعيد عن التعني االول يف النظر الكشفي مبراحل واقرب منه‬
‫اىل املطلوب مبنازل (فان قيل) ان كل كمال ميسر للجزء ميسر للكل فان الكل عبارة عن‬
‫ذلك اجلزء مع اجزاء اخر فما وجه حصول السبقة والقرب للجزء دون الكل (قلت) ان‬
‫الكمال الذي حيصل للجزء ابالصالة حيصل ذلك للكل بتبعيته للجزء ال ابالصالة وال‬
‫شك ان لالصالة سبقة ليست هي للتبعية ولالصل قرب ليس هو للفرع فلو كان مركز‬
‫الدائرة اسبق قدما من الدائرة يف كماالته املخصوصة به لساغ (والتحقيق) يف اجلواب ان‬
‫كمال اجلزء امنا يسري يف الكل اذا كان ذلك الكمال انشئا من ماهية اجلزء االصلية واما‬
‫اذا كان الكمال عارضا للجزء بعد انقالب ماهيته ال يلزم ان يسري ذلك الكمال يف‬
‫الكل فان ذلك اجلزء مل يبق جزء لذلك الكل بعد انقالب ماهيته حت يسري الكمال فيه‬
‫‪- 1068 -‬‬

‫مثال اذا جعل جزء من الورق بعمل االكسري ذهبا وانقلب من ماهية الورق اىل ماهية‬
‫الذهب ال ميكن ان يقال ان كماالت هذا اجلزء الذهبية تسري يف الفضة اليت هي كله‬
‫فان ذلك اجلزء مل يبق جزأ هلا بعد االنقالب حت تسري كماالته فافهم وقس عليه معرفة‬
‫ما حنن فيه (فان قيل) ان التعني االول الوجودي هل له وجود يف اخلارج او ثبوت علمي‬
‫فقط وكل واحد من هذين الشقني غري صحيح فانه ال موجود يف اخلارج عند هؤالء‬
‫االكابر غري ذات واحدة تعالت وال ا سم يف ذلك اخلارج من التعينات والتنزالت وال رسم‬
‫ولو قلنا ابلثبوت العلمي يلزم ان يكون التعني العلمي سابقا عليه وهو خالف املقرر‬
‫(أجيب) انه اثبت يف نفس االمر فلو قيل ابلثبوت اخلارجي مبعن ان له ثبوات فيما وراء‬
‫العلم ايضا لساغ وهللا سبحانه امللهم للصواب‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع والتسعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم‬
‫سلمه هللا يف بيان دقائق الكمال واجلمال الذاتيني ومرتبة مقدسة فوق مرتبتهما‬
‫ونصيب تعينات احلبيب واخلليل والكليم عليهم الصالة و السالم من تينك املرتبتني‬
‫و حظ حضرة شيخنا منها}‬
‫ان احلق سبحانه مجيل يف حد ذاته واحلسن واجلمال الذاتيني اثبتان له ال ذلك‬
‫احلسن واجلمال اللذان ندركهما ونتعقلما ونتخيلهما ومع ذلك يف تلك احلضرة مرتبة‬
‫أقدس ال ميكن الوصول اىل تلك املرتبة من غاية عظمتها وكربايئها وال ميكن توصيفها‬
‫ابحلسن واجلمال والتعني االول الذي هو التعني الوجودي تعني ذلك الكمال واجلمال‬
‫الذاتيني وظلهما االول وتلك املرتبة االقدس اليت ال جمال فيها للحسن واجلمال أيضا ليس‬
‫فيها تعني أصال فاهنا من غاية عظمتها وكربايئها ال تكون متعينة بتعني أصال {ع}‪:‬‬
‫يف أي مرآة يكون مصورا‬
‫و مع ذلك أودع يف مركز دائرة التعني االول سر وكيفية من تلك املرتبة االقدس‬
‫وعبيت فيه عالمة من تلك املرتبة املقدسة املنزهة عن العالمة فكما ان التعني االول منشأ‬
‫‪- 1069 -‬‬

‫الوالية اخلليلية كذلك ذلك السر والكيفية املودعني يف مركز دائرة التعني منشأ للوالية‬
‫احملمدية على صاحبهما الصالة و السالم والتحية ولذينك احلسن واجلمال الذاتيني الذين‬
‫التعني االول ظلهما شباهة ابلصباحة اليت هي يف عامل اجملاز من قبيل حسن اخلد ومجال‬
‫اخلال ولذلك السر والكيفية املودعني يف املركز مناسبة ابملالحة اليت هي وراء رشاقة القد‬
‫وصباحة اخلد ووراء حسن العني ومجال اخلال وامنا هو أمر ذوقي من مل يعط ذوقا ال‬
‫يدركه قال الشاعر {شعر}‪:‬‬
‫يب ظبية فيها املالحة كلها * من يل بوصف مجاهلا ودالهلا‬
‫فاعرف التفاوت بني هاتني الواليتني من هذا البيان وان كان كلتامها انشئتني من‬
‫قرب الذات تعالت وتقدست ولكن مرجع إحديهما كماالت الذات ومعاد األخرى‬
‫صرف الذات تعالت فاذا كانت املالحة فوق الصباحة فالوصول اىل املالحة امنا يتصور‬
‫بعد طي مجيع مراتب الصباحة وما مل يتيسر الوصول اىل مجيع مراتب الوالية االبراهيمية ال‬
‫يتيسر الوصول اىل حقيقة هذه الوالية اليت هي ذروة الوالية احملمدية العليا على صاحبيهما‬
‫الصالة و السالم وميكن ان يكون كون نبينا صلّى هللا عليه و سلّم مأمورا مبتابعة ملة‬
‫ابراهيم عليه السالم الن يصل بواسطة تلك املتابعة اىل حقيقة واليته مث يرتقي منها اىل‬
‫حقيقة والية نفسه اليت وقع التعبري عنها ابملالحة ويتحقق هبا وحيث كان لنبينا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم مناسبة ذاتية مبركز والية اخللة اليت هي أقرب اىل حضرة امجال الذات‬
‫ومناسبته مبحيط الدائرة أقل لكون وجهها اىل تفصيل كماالت الذات فما َملْ يتحقق‬
‫بكماالت حميط تلك الدائرة أيضا ال تتم والية اخللة ومن ههنا ورد يف الصالة املأثورة كما‬
‫صليت على ابراهيم ليتيسر له كماالت والية اخللة ابلتمام كما كانت ميسرة لصاحب‬
‫تلك الوالية على نبينا وعليه الصالة و السالم وملا كان املكان الطبيعي للوالية احملمدية‬
‫نقطة مركز دائرة الوالية اخلليلية عليهما الصالة والتحية وسريه صلّى هللا عليه و سلّم ايضا‬
‫مقصورا على مركز تلك الدائرة تعسر خروجه منه ودخوله يف حميط الدائرة واكتساب‬
‫كماالته ابلضرورة لكون ذلك خالف مقتضى طبيعته فاقتضى احلال أن يكون متوسط‬
‫‪- 1070 -‬‬

‫من أفراد أمته عليه و على آله الصالة و السالم يكون بتبعيته صلّى هللا عليه و سلّم يف‬
‫عني ذلك املركز وتكون له مناسبة مبحيط تلك الدائرة من وجه آخر حت يكتسب‬
‫كماالت تلك املرتبة ويتحقق حبقيقتها وحبكم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من‬
‫عمل هبا يتحقق نبيه املتبوع بتلك الكماالت ايضا ويتم مراتب الوالية اخلليلية وبيان سر‬
‫هذا املعمى على ما ظهر هلذا الفقري ان نقطة مركز دائرة والية اخللة اليت امتازت عن سائر‬
‫نقطها ابحملبة وان كانت بسيطة ولكن ملا كانت متضمنة العتبار احملبية واحملبوبية ظهرت‬
‫منها صورة دائرة حميطها اعتبار احملبية ومركزها اعتبار احملبوبية ومنشأ الوالية املوسوية اعتبار‬
‫احملبية اليت هي حميط الدائرة ومنشأ الوالية احملمدية اعتبار احملبوبية اليت هي مركز الدائرة‬
‫ينبغي أن يتصور حصول الوالية احملمدية ههنا وبعد مضي ألف سنة عرضت ملركز هذه‬
‫الدائرة الثانية اليت احلقيقة احملمدية مربوطة هبا وسعة أيضا وظهر فيه أعتباران فظهر يف‬
‫صورة دائرة مركزها احملبوبية الصرفة وحميطها احملبوبية املمتزجة ابحملبية ومنشأ الوالية االمحدية‬
‫مركز هذه الدائرة وأمحد اسم اثن للنيب صلّى هللا عليه و سلّم وهو عليه الصالة و السالم‬
‫معروف فيما بني أهل السموات هبذا االسم كما قالوا وميكن أن تكون بشارة عيسى عليه‬
‫السالم الذي صار من أهل السموات بقدوم النيب صلّى هللا عليه و سلّم ابسم أمحد‬
‫لذلك وهلذا االسم املبارك قرب كثري من الذات االحد وأقرب اليها من ذاك االسم الثاين‬
‫يعين االسم املبارك حممد مبرحلة واحدة كما بني وهذا االسم امتاز من االسم املبارك أحد‬
‫حبلقة ميم واحدة وهي مبدأ احملبة اليت صارت ابعثة على الظهور واالظهار وأيضا امليم‬
‫الذي اندرج يف أمحد من مقطعات احلروف القرآنية املنزلة يف اوائل السور ومن االسرار‬
‫الغامضة وحلرف امليم هذا خصوصية خاصة به صلّى هللا عليه و سلّم وتلك اخلصوصية‬
‫صارت ابعثة على حمبوبيته صلّى هللا عليه و سلّم وجعلته فائقا على الكل (ولنرجع) اىل‬
‫أصل الكالم فنقول ان حميط تلك الدائرة اليت هي عبارة عن احملبوبية املمتزجة ابحملبية منشأ‬
‫والية فرد من افراد امته عليه و على آله الصالة و السالم كان له مناسبة مبحيط الدائرة‬
‫مع حصول الوالية احملمدية واملركزية وانه اكتسب كماالته وعلم أن هذه الدولة الثانية يعين‬
‫‪- 1071 -‬‬

‫مناسبته مبحيط الدائرة واكتساب كماالته حصلت له من طريق الوالية املوسوية وكان هو‬
‫بتطفل هاتني الواليتني جامعا لكماالت املركز واحمليط ومن املقرر ان كل كمال حاصل‬
‫لالمة حاصل لنيب تلك االمة أيضا حبكم من سن سنة حسنة احلديث فتيسر له صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم بتوسط هذا الفرد كماالت حميط تلك الدائرة أيضا ومتت والية اخللة يف حقه‬
‫عليه الصالة و السالم واقرتن دعاء اللهم صل على حممد كما صليت على ابراهيم بعد‬
‫ألف سنة ابالجابة وكان املسئول مستجااب ومعاملته صلّى هللا عليه و سلّم بعد متام والية‬
‫اخللة مع ذاك السر الذي أودع يف املركز الذي عرب عنه ابملالحة وأرجع ذلك الفرد من‬
‫ذلك املقام اىل العامل حلراسة امته واختلى بنفسه الكرمية مع احملبوب يف حجرة غيب الغيب‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع‬
‫(ينبغي) أن يعلم أن حميط املركز الثالث وان كان يرى أصغر ابلنسبة اىل حميط مركز‬
‫التعني االول ولكنه أمجع فان كلما هو أقرب اىل حضرة الذات يكون أمجع ينبغي أن يعلم‬
‫صغره كصغر االنسان فانه مع وجود الصغر فيه أمجع مجيع أصناف العامل وأيضا ان‬
‫الشخص الذي حتق ق بكماالت هذا احمليط وخرج من امجال املركز اىل تفصيل احمليط زال‬
‫عنه عدم املناسبة ابحمليط والتفصيل الذي كان فيه أوال وذهب من تفصيل اىل تفصيل من‬
‫غري تكلف وحتقق بكماالت ذاك التفصيل أيضا (امسع) انه مع وجود كمال االقتدار ملا‬
‫كان نظام العامل منوطا ابحلكمة البد يف تربية احملبوبني أيضا من وجود االسباب وان مل‬
‫يكن وجود السبب غري العلل وسوى نقاب القدرة سنة هللا اليت قد خلت من قبل ولن‬
‫جتد لسنة هللا تبديال {تنبيه} اعلم ان النيب وان حصل بعض الكماالت بتوسط فرد من‬
‫أفراد أمته ووصل اىل بعض املقامات بتوسله ولكن ال يلزم من ذلك نقص ذاك النيب ومزية‬
‫ذلك الفرد عليه فان ذلك الفرد امنا انل ذاك الكمال مبتابعة ذاك النيب ووصل اىل هذه‬
‫الدولة بتطفله فذاك الكمال يف احلقيقة من ذلك النيب ونتيجة املتابعة له وما مثل ذلك‬
‫الفرد اال كمثل خادم يصرف اخلرج من خزائن خمدومه ويهيئ له البسة مزينة لتكون ابعثة‬
‫‪- 1072 -‬‬

‫على مزيد حسنه ومجاله وزايدة حشمته وجالله فاي نقص مثة يف املخدوم واي مزية‬
‫للخادم عليه واالمداد امنا يكون نقصا اذا كان من االقران واما اذا وقع من اخلدام‬
‫والغلمان فهو عني الكمال وموجب الزدايد اجلاه واجلالل والناقص من خيلط أحدمها‬
‫ابآلخر ويقع يف توهم املنق صة أال يرون ان امللوك أيخذون البالد واالمالك ابمداد اخلدم‬
‫واحلشم ويفتتحون القالع وال يعلم من هذا االمداد غري حصول العظمة واالهبة للملوك‬
‫وال يظهر أيضا شئ من شرف اخلدم واحلشم وعزهتم واالمم خدام االنبياء عليهم السالم‬
‫وغلماهنم فيحصل االمداد منهم اىل هؤالء االكابر فكيف يتوهم منه منقصتهم وما يقولونه‬
‫ان هؤالء االكابر ليسوا حمتاجني اىل امداد أصال ومجيع مراتب الكمال حاصل هلم ابلفعل‬
‫مكابرة صرحية فان هؤالء االكابر أيضا عباد هللا سبحانه يرجون دائما من فيوض فضله‬
‫وبركات رمحته ويريدون الرتقي على الدوام وقد ورد يف احلديث من استوى يوماه فهو‬
‫مغبون وقال صلّى هللا عليه و سلّم سلوا يل الوسيلة وورد أيضا يف االحاديث الصحاح‬
‫كان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يستفتح بصعاليك املهاجرين وهذه كلها طلب‬
‫امداد واعانة والذين ال جيوزون امداد االمم واعانتهم يف حق هؤالء الكرباء نظرهم واقع يف‬
‫عظمة االنبياء وعلو درجاهتم فلو وقع نظرهم اىل عبوديتهم أيضا وصار احتياجهم اىل‬
‫موالهم معلوما لديهم ملا انكروا امداد االمم وال يستبعدون اعانة اخلدام والغلمان ربنا أمتم‬
‫لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير والصالة و السالم على نبينا و على مجيع‬
‫االنبياء العظام واملالئكة الكرام‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس والتسعون اىل موالان صاحل الكواليب يف بيان االسرار‬


‫املخصوصة بوالية حضرة شيخنا مد ظله العايل}‬
‫والية هذا الفقري وان كانت مرابة الوالية احملمدية والوالية املوسوية على صاحبيهما‬
‫الصالة والتحية ومركبة من نسبة احملبوبية ونسبة احملبية بتطفلهما فان رئيس احملبوبني حممد‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ورئيس احملبني كليم هللا عليه السالم ولكن فيها أمر آخر‬
‫‪- 1073 -‬‬

‫وربطت هبا معاملة على حدة وأصل هذه الوالية وان كانت والية نبيه اليت هي الوالية‬
‫احملمدية على صاحبها الصالة و السالم اليت هي ابالصالة انشئة من احملبوبية الصرفة‬
‫ولكن ملا انضمت اىل هذه الوالية كيفية من الوالية املوسوية اليت هي ابالصالة انشئة من‬
‫احملبية الصرفة وصارت منصبغة بصبغها أيضا عرضت هلا هيئة أخرى بل ميكن ان يقال‬
‫اهنا صارت حقيقة أخرى وامثرت مثرة أخرى وانتجت نتيجة أخرى ونعم ما قال {شعر}‪:‬‬
‫از اين افيون كه ساقى در مى افگند * حريفانرا نه سر ماند ونه دستار‬
‫ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيئ لنا من أمر ران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬
‫{فصل ابخلري} فلو اظهرت مشة من تلك املعاملة اليت هي مربوطة بتلك الوالية‬
‫قطع البلعوم وذبح احللقوم فاذا قال أبو هريرة رضي هللا عنه يف اظهار بعض العلوم الذي‬
‫أخذه من رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قطع البلعوم ماذا يقال يف حق غريه وقد جعل‬
‫هللا سبحانه غوامض االسرار االهلية بينه وبني اخص اخلواص من عباده ومل يرتك االجانب‬
‫ان حيوموا حواليها وحضرة خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم الذي هو رمحة‬
‫للعاملني اظهر هذه االسرار املصونة من كمال معرفته ووفور رأفته اليب هريرة وغريه وآثرهم‬
‫هبذه الدرر املكنونة ملا عرف قابليتهم لتميز الشر من خريه واان املفلس القليل البضاعة‬
‫خائف وجل من تذكر تلك االسرار وخطورها وال اجد يف نفسي مع سوء حايل هذا‬
‫وعدم استعدادي مناسبة بتلك املطالب العليا ولكين اعرف واعرتف أبنه {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف أمر مع الكرام‬
‫نعم ينبغي هلل ان يكون هكذا وهذا الكرم يليق به سبحانه وكرمه تعاىل لنا ليس يف‬
‫هذا اليوم فقط بل ملا أخذ قبضة الرتاب الذي خلقنا منه من االرض جعله خليفة نفسه‬
‫وصريه قيوم االشياء نيابة عن نفسه وعلمه امساء مجيع االشياء بال واسطة وجعل املالئكة‬
‫الذين هم عباده املكرمون تالمذته وأمرهم مع جاللة شأهنم بسجوده وطرد ابليس الذي‬
‫كان ملقبا مبعلم امللكوت وكان له شأن عظيم يف العبادة والطاعة وأبعده عن عز حضوره‬
‫المتناعه عن سجوده وعدم تعظيمه وتوقريه وجعله ملعوان وملوما ومطعوان واعطى لذاك‬
‫‪- 1074 -‬‬

‫الرتاب قدرة ومهة حتمل هبا ثقل االمانة اليت أبت السموات واالرض واجلبال أن حيملنها‬
‫وأشفقن منها وأعطاه أيضا قوة قابلية لرؤية خالق السموات واالرض الذي هو منزه عن‬
‫الكيف ومتعال عن املثال مع كونه مكتنفا ابلكيف واملثال مع ان اجلبل صار قطعا قطعا‬
‫مع صالبته بتجل واحد منه سبحانه وصار رمادا فذلك هللا الذي هو قدمي االحسان‬
‫وأرحم الرامحني قادر على ان يبلغ امثالنا العاجزين درجات السابقني وجيعلنا شركاء دولتهم‬
‫بتطفلهم {شعرا}‪.‬‬
‫فاذا اتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا‪.‬‬

‫{تنبيه} اعلم ان حضرة احلق سبحانه على تنزيهه وتقديسه دائما منزه عن صفات‬
‫احلدوث ومربأ من مسات النقصان وال سبيل للتبدل والتغري اىل حضرته جل سلطانه وال‬
‫جمال هناك لالتصال واالنفصال وجتويز احلالية واحمللية مثة كفر واحلكم ابالحتاد والعينية‬
‫عني االحلاد والزندقة وان حصل اخلواص عباده سبحانه و تعاىل قرب ووصل اىل تلك‬
‫احلضرة ولكن ليس ذلك من قبيل قرب اجلسم ابجلسم وال من جنس اتصال اجلوهر‬
‫ابلعرض فلو كان هناك قرب فهو منزه عن الكيف وان كان وصل فمربأ أيضا عن الكم‬
‫واألين ومجيع معامالت هؤالء االكابر يف تلك احلضرة من العامل الالكيفي ونسبة العامل‬
‫الكيفي اىل العامل الالكيفي كنسبة القطرة اىل البحر احمليط كيف ال فان ذلك ممكن وهذا‬
‫واجب تعاىل وذاك كائن يف ضيق املكان والزمان وهذا منزه عن ضيق الزمان واملكان نعم‬
‫ميدان العبارة متسع يف ذاك العامل وضيق يف هذا العامل لعلوه من العبارة وبعده عن االشارة‬
‫وقد أعطى أرحم الرامحني خواص عباده نصيبا من العامل الالكيفي وسريا فيه وشرفهم‬
‫مبعامالت الكيفية فلو عرب عن ذاك الالكيفي ابلكيفي فرضا لكان ابعد من تعبري البالغني‬
‫عن لذة اجلماع لالطفال بلذة العسل والسكر فان كلتا هاتني اللذتني من عامل واحد وذاك‬
‫املعرب به و املعرب عنه من العاملني املتباينني فمن عرب عن الالكيفي ابلكيفي وأجرى احكام‬
‫الكيفي على الالكيفي حق له أن يكون موردا للطعن والطرد وأن يتهم ابالحلاد والزندقة‬
‫‪- 1075 -‬‬

‫ابلضرورة فكون تلك االسرار دقيقة وغموضة امنا جاء من جهة العبارة والتعبري ال من‬
‫جهة التحقق واحلصول فان حتقق االنسان بتلك االسرار كمال االميان والتعبري عنها بعبارة‬
‫كيفية عني الكفر واالحلاد ينبغي أن يستعمل من عرف هللا كل لسانه يف هذا املقام ربنا‬
‫أمتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير احلمد هلل أوال وآخرا والصالة و السالم‬
‫على رسوله دائما وسرمدا‪.‬‬

‫{املكتوب السادس والتسعون اىل الفقري هاشم الكشمي يف االسرار املتعلقة‬


‫ابمسيه صلّى هللا عليه و سلّم}‬
‫اعلم ان نبينا عليه و على آله الصالة و السالم مسمى ابمسني وكل من هذين‬
‫االمسني املباركني مذكور يف القرآن اجمليد قال تعاىل حممد رسول هللا وقال سبحانه ايضا‬
‫حكاية عن بشارة روح هللا امسه امحد ولكل من هذين االمسني املباركني والية على حدة‬
‫فالوالية احملمدية وان كانت انشئة من مقام حمبويته عليه الصالة و السالم ولكن ليست‬
‫هناك حمبوبية صرفة بل مزجت فيها كيفية احملبية أيضا وان مل يكن ذلك املزج اثبتا له صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم ابالصالة ولكنه مانع حملبوبيته الصرفة والوالية االمحدية انشئة من احملبوبية‬
‫الصرفة ليست فيها شائبة احملبية وهذه الوالية أسبق قدما من الوالية السابقة واقرب منها‬
‫اىل املطلوب مبرحلة واحدة ورغبة احملب فيها اكثر فان احملبوب كلما كان امت يف احملبوبية‬
‫يكون استغناؤه ودالله امت و يكون يف نظر احملب احسن واملح و يكون جذبه للمحب‬
‫اىل نفسه وجعله مشغوفا وواهلا به اكثر وازيد {شعر}‪:‬‬
‫ليس افتتاين من مجاله وحده * بل كل ذا من غنجه ودالله‬
‫واملراد ابالفتتان افراط العشق الذي هو مطلوب العاشق سبحان هللا ان أمحد اسم‬
‫عجيب سام مركب من الكلمة املقدسة االحد ومن حلقة حرف امليم الذي هو من‬
‫غوامض االسرار االهلية يف العامل الالكيفي وال ميكن التعبري عن ذلك السر املكنون يف‬
‫العامل الكيفي بغري حلقة امليم فلو أمكن لعرب به احلق سبحانه واالحد هو االحد الذي ال‬
‫‪- 1076 -‬‬

‫شريك له وحلقة امليم هو طوق العبودية الذي ميز العبد من املويل فالعبد هو حلقة امليم‬
‫ولفظ االحد امنا ورد لتعظيمه واظهار اختصاصه عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫و من كان هذا امسه صاح فاعلمن * يكون مسماه اعز وأكرما‬
‫و بعد مضي ألف سنة اجنرت معاملة تلك الوالية اىل هذه الوالية وانتهت الوالية‬
‫احملمدية اىل الوالية االمحدية وبقيت معاملة طوقي العبودية اىل طوق واحد ومتكن يف‬
‫مكان الطوق االول حرف االلف الذي هو رمز اىل ربه صلّى هللا عليه و سلّم وصار‬
‫حممد أمحد عليه و على آله الصالة و السالم فان ملضي االلف أتثريا يف تغري األمور‬
‫العظام (بيانه) ان طوقي العبودية عبارة عن حلقيت امليمني املندرجني يف االسم املبارك‬
‫حممد وميكن ان يكون هذان الطوقان اشارة اىل تعينيه عليه الصالة و السالم أحدمها‬
‫تعينه اجلسدي البشري واثنيهما تعينه الروحي امللكي وتعينه اجلسدي وان وقع فيه الفتور‬
‫بواسطة عروض املوت وقوى تعينه الروحي ولكن كان بقي أثر ذلك التعني فلزم مضي‬
‫ألف سنة حت يزول ذلك االثر أيضا وال يبقى رسم من ذلك التعني فلما مضى ألف سنة‬
‫ومل يبق أثر من ذاك التعني وانقطع طوق واحد من طوقي العبودية وطرأ عليه الزوال و‬
‫الفناء وقعد ألف االلوهية الذي ميكن ان يقال له أنه كالبقاء ابهلل صار حممد أمحد‬
‫ابلضرورة وانتقلت الوالية احملمدية اىل الوالية االمحدية فمحمد عبارة عن التعينني وأمحد‬
‫كناية عن تعني واحد فحسب و يكون هذا االسم أقرب اىل حضرة االطالق وابعد من‬
‫العامل (فان قيل) ما معن الفناء والبقاء الذين قررمها املشائخ وجعلوا الوالية مربوطة هبما‬
‫وما معن هذا الفناء والبقاء اللذين ذكرهتما يف التعني احملمدي (أجيب) ان الفناء والبقاء‬
‫اللذين الوالية مربوطة هبما الفناء والبقاء الشهوداين فان كان هناك فناء وزوال فباعتبار‬
‫النظر وان بقاء وثبات فهما أيضا ابعتبار النظر وهناك استتار الصفات البشرية ال زواهلا‬
‫وفناء هذا التعني ليس كذلك بل هنا حتقق الزوال الوجودي للصفات البشرية واالخنالع‬
‫من اجلسمانية اىل الروحانية ويف جانب البقاء أيضا وان مل يكن العبد حقا ومل تنفك عنه‬
‫‪- 1077 -‬‬

‫العبودية ولكنه يقع اىل احلق سبحانه أقرب وحتصل له زايدة املعية و يكون عن نفسه أبعد‬
‫و يكون ارتفاع االحكام البشرية عنه أزيد (ينبغي) أن يعلم ان هذا العروج احملمدي الذي‬
‫هو مربوط ابنتفاء الصفات البشرية وان رقت معاملته عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫اىل الذروة العليا وخلصته من جذابت الغري والغريية ولكن صارت املعاملة اىل امته صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم أضيق وقل نور هدايته الذي كان بواسطة املناسبة البشرية وقل أيضا‬
‫توجهه اىل احوال هؤالء املتأخرين العاجزين وتوجه بكليته اىل القبلة احلقيقية ويل لرعااي ال‬
‫يلتفت السلطان اىل حاهلم و يكون بكليته متوجها اىل حمبوبه ومن ههنا استولت ظلمات‬
‫الكفر والبدعة بعد ألف سنة ونقص نور االسالم والسنة ربنا أمتم لنا نوران واغفر لنا انك‬
‫على كل شئ قدير‪.‬‬

‫{املكتوب السابع والتسعون اىل الصويف قرابن اجلديد يف سر كون العامل‬


‫موهوما}‬
‫قال الصوفية العامل موهوم ال مبعن أنه حمض خمرتع الوهم ومنحوته فان ذلك مذهب‬
‫السوفسطائية احلمقى بل هو موهوم مبعن أنه خملوق خبلق هللا سبحانه يف مرتبة الوهم‬
‫وحصل له يف تلك املرتبة بصنعه سبحانه ثبوت واستقرار ولكن اخلري والكمال اللذين فيه‬
‫مستعار من حضرة الوجود تعاىل وتقدس وظل من ظالل كماالت تلك املرتبة االقدس‬
‫والشر والنقص اللذين فيه مستعار من العدم وظل من ظالل الشرور والنقائص املخزونة‬
‫يف ذلك العدم الذي هو منشأ مجيع الشر والنقص فاذا أدى السالك املستعد للمسالك‬
‫حبكم تربيته تعاىل هذه االماانت اىل أهلها ابن رد اخلري والكمال اىل أهلهما وأحال الشر‬
‫أيضا اىل صاحبه يصري متحققا بدولة الفناء ابلضرورة وال يبقى منه رسم ال يكون فيه أثر‬
‫من اخل ري وال يتوقع له ضرر من الشر فان مجيع ما فيه من اخلري والشر كان مستعارا من‬
‫الوجود والعدم فانه ما جاء من بيت أبيه بشئ وما كان عمله غري محل االمانة فاذا رد‬
‫االماانت اىل أهلها ابلتمام فال جرم يتخلص من مزامحة أان وحنن و يكون ملحقا ابلفناء‬
‫‪- 1078 -‬‬

‫والعدم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن والتسعون اىل احلاج عبد اللطيف اخلوارزمي يف بيان ضرر‬
‫االلتذاذ من احلسن الصوري}‬
‫اعلم ان كال من اخلري والكمال واحلسن واجلمال يف أي مكان كان أثر الوجود‬
‫الذي هو خري حمض وخمصوص بواجب الوجود جل سلطانه فكما أن الوجود منعكس يف‬
‫املمكن من تلك احلضرة بطريق الظلية جاء احلسن واجلمال أيضا من تلك املرتبة بطريق‬
‫الظلية وذات املمكن بواسطة عدمه الذايت شر حمض وقبح ونقص ولكن هذا احلسن‬
‫واجلمال اللذين مشهودين يف املمكن وان جاء من الوجود ولكن ملا ظهرا يف مرآءة العدم‬
‫أخذا حكم املرآءة و انال نصيبا من القبح وعرض هلما النقص وملا كان يف املمكن قبح‬
‫ذايت ال جيد من احلسن اخلالص لذة مقدار ما جيد من هذا احلسن مع كون ذاك مبدأ هلذا‬
‫فان مناسبته هبذا أزيد ككناس جيد من الرائحة املنتنة بواسطة أنسيته وألفته هبا لذة ال جيد‬
‫مر مرة من حملة العطارين‬ ‫مثلها من الرائحة الطيبة كما ورد يف قصة مشهورة ان كناسا ّ‬
‫فسقط مغشيا عليه من فرط الرائحة الطيبة فمر به واحد من االكابر فلما اطلع على سر‬
‫معاملته أمر أبن حيشو يف أنفه قطعة روث ففعلوا فأفاق وقام ومضي لسبيله‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع والتسعون اىل جناب السيد املري مؤمن البلخي يف اظهار‬
‫شكر النعم الظاهرية والباطنية املفاضة من بركات اكابر ما وراء النهر رمحهم هللا‬
‫تعاىل}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى من مل يشكر الناس مل يشكر هللا ان‬
‫حقوق علماء ما وراء النهر ومشائخها شكر هللا تعاىل سعيهم يف ذمة امثالنا العاجزين‬
‫املتأخرين بل يف ذمة كافة أهل االسالم يف بالد اهلند ليست مما يدرج بياهنا يف ضمن‬
‫التقرير وحيز التحرير فاان قد اكتسبنا االعتقاد الصحيح على وفق آراء أهل السنة‬
‫‪- 1079 -‬‬

‫واجلماعة كثر هللا امثاهلم يف االمصار من حتقيقات هؤالء االكابر وحصلنا صحة العمل‬
‫مبوجب أقوال العلما ء احلنيفة رضي هللا تعاىل عنهم من تدقيقاهتم وسلوك طريقة الصوفية‬
‫العلية قدس هللا اسرارهم يف هذه الداير أيضا مستفاد من بركات تلك البقعة الشريفة‬
‫وحتقيق مقام اجلذبة والسلوك والفناء والبقاء والسري اىل هللا والسري يف هللا اليت كلها مربوطة‬
‫مبرتبة الوالية اخلاصة مفاضة من فيوض اكابر هذه العرصة املتربكة وابجلملة ما به صالح‬
‫الظاهر وفالح الباطن مأخوذ من هناك {شعر}‪:‬‬
‫شكر فيض تو چن چون كند اى ابر هبار * كه أگرخار و اگر گل مهه پرودء‬
‫تست‬
‫حرسها هللا سبحانه وأهاليها من اآلفات والبليات حبرمة سيد السادات عليه و‬
‫على آله الصالة و التسليمات واالصحاب الذين يردون من تلك الداير العليا اىل هذه‬
‫الداير السفلى حلاجة ما يظهرون ألطاف احلضرات ذوي الربكات القاطنني هناك ابلنسبة‬
‫اىل هذا احلقري خصوصا اشفاق مالزمي حضرة معدن االرشاد واهلداية ومنبع االفادة‬
‫واالفاضة سلمه هللا تعاىل ويقولون ان جلنابه العايل حسن ظن بك وانه طالع بعض‬
‫علومك ومعارفك احملررة واستحسنها ومثل هذه البشارات من االكابر يكون ابعثا على‬
‫ازدايد الرجاء واجلرأة على حترير بعض االذواق واملواجيد وملا ورد الشيخ أبو املكارم الصويف‬
‫يف هذه االايم واظهر أنواع الطافكم وأصناف اشفاقكم اجرتأان على التصديع بكلمات‬
‫اعتمادا على كرمكم وحيث ان االخ حممد هاشم الذي هو من االحباب املخلصني ارسل‬
‫بعض نقول مسودات هذا الفقري يف صحبة الصويف املشار اليه اكتفينا بذلك ومل ندرج يف‬
‫هذه الصحيفة حرفا من علوم هذه الطائفة العلية ومعارفهم ونرجو من عناية احلضرة‬
‫وا شفاقه ان ال جيعله منسيا من الدعاء بسالمة اخلامتة ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا‬
‫من امران رشدا وخنص كال من احلضرات العالية الدرجات جناب النقيب النجيب مالذ‬
‫اهل هللا السيد مريك شاه وجناب عالمة الورى موالان حسن وجناب انصر الشريعة‬
‫وحافظ امللة القاضي تولك ادام هللا بركاهتم ابلدعوات ويسلم اوالد الفقري ايضا اىل خمادمينا‬
‫‪- 1080 -‬‬

‫الكرام ويلتمسون منهم الدعاء‪.‬‬

‫{املكتوب املويف مائة اىل الشيخ نور احلق يف كشف سر حمبة يعقوب ليوسف‬
‫عليهما السالم مع بيان بعض اسرار عجيبة وعلوم غريبة}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد استفسر اخي االعز الشيخ نور‬
‫احلق عن حمبة يعقوب ليوسف على نبينا وعليهما الصلوات و التسليمات ابالهتمام‬
‫والشوق التام وكان شوق انكشاف هذا املعن يف هذا الفقري ايضا منذ مدة وملا كان شوقه‬
‫عالوة على شوق هذا الفقري صرت متوجها بكلييت اىل كشف هذه الدقيقة بال اختيار‬
‫فظهر يف ابدئ النظر ان خلقته وحسنه ومجاله على نبينا وعليه الصالة و السالم ليست‬
‫من جنس خلقة النشأة الدنيوية وحسنها ومجاهلا بل ان مجاله من جنس مجال اهل اجلنة‬
‫وصار مشهودا ان صباح ته مع كوهنا يف هذه النشأة هلا مشاهبة حبسن احلور والغلمان مث‬
‫كتبت ما كان مفاضا يف هذا الباب بعد ذلك بكرم هللا وفضله تعاىل ابلتفصيل وارسلته‬
‫اليكم سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا {شعر}‪:‬‬
‫وامسكوين ورى املرأي كدرهتم * اقول ما قال يل أستاذي االزيل‬
‫(فان قيل) ما وجه افراط حمبة يعقوب ليوسف عليهما السالم وقد قال هللا تعاىل‬
‫يف حقه وحق آابئه الكرام اويل االيدي واالبصار اان اخلصاهم خبالصة ذكرى الدار واهنم‬
‫جل وعال مناسبا لشأن‬‫عندان ملن املصطفني االخيار فكيف يكون التعلق مبا دون احلق ّ‬
‫االنبياء اويل االيدي واالبصار وكيف يسع املصطفني املخلصني حمبة املخلوقني ال يقال ان‬
‫ذلك ليس بتعلق مبا دون احلق تعاىل فان املخلوق ليس اال مرآة حسنه ومجاله تعاىل كما‬
‫قالت الصوفية وجوزوا شهود الوحدة يف مرآة الكثرة واثبتوا املشاهدات واملكاشفات يف‬
‫جمايل صور املمنكات ومظاهرها يف هذه النشأة سوى الرؤية االخروية الن مثال هذا‬
‫الكشف والشهود مما يظهر للسالكني يف هذه النشأة الفانية وقت غلبات التوحيد‬
‫وخواص االمة يكادون يستنكفون عنها ويتحاشون فاذا كانت معاملة خواص االمة هكذا‬
‫‪- 1081 -‬‬

‫فكيف حيتمل ثبوت هذه االحوال يف حق االنبياء املصطفني االخيار بل تصور هذا املعن‬
‫يف حقهم عني الوابل (قلت) ان جواب هذا السؤال مبين على مقدمة وهي ان حسن‬
‫اآلخرة ومجاهلا وكذلك التلذذات والتنعمات يف ذلك املوطن ليست كحسن الدنيا ومجاهلا‬
‫وال كالتلذذات وال تنعمات فيها فان ذاك احلسن واجلمال خري يف خري وذاك التلذذ والتنعم‬
‫مرضي عند املوىل جل شأنه ومقبول وكل هذا احلسن واجلمال شر ونقص ومجيع هذا‬
‫التلذذ والتنعم غري مقبول وغري مستحسن وهلذا كانت دار اآلخرة دار الرضا ودار الدنيا‬
‫دار غضب املوىل (فان قيل) اذا كان احلسن واجلمال يف املمكن مستعارا من مرتبة حضرة‬
‫الوجوب تعالت وتقدست ومل يكن املمكن شيئا غري ان يكون مرآة ومظهرا لذلك احلسن‬
‫واجلمال فان املمكن ليس له شئ بل كلما فيه مستعار من حضرة الوجوب فمن اين جاء‬
‫التفاوت بني املوطنني ومل كان احدمها مرضيا ومقبوال واآلخر غري مقبول وغري مستحسن‬
‫(قلت) جواب هذا مبين على مقدمات (املقدمة األوىل) ان العامل بتمامه جمايل امساء‬
‫الواجب ومظاهر صفاته جل شأنه ومرااي كماالته االمسائية والصفاتية (املقدمة الثانية) ان‬
‫صفات الواجب وان كانت داخلة يف دائرة الوجوب ولكن ملا ثبت هلا االحتياج يف‬
‫الوجود وا لقيام اىل حضرة الذات تعالت كانت فيها رائحة من االمكان والوجوب الذايت‬
‫غري مق طوع يف حقها فان وجوهبا ليس لنفسها بل لذات الواجب وان مل يقولوا هلا غري‬
‫الذات ولكن البد من الغريية فان االثنينية كائنة بينهما االثنان متغايران قضية مقررة من‬
‫قضااي أرابب املعقول ومع ذلك ال ينبغي اطالق االمكان يف حقها لكونه مومها للحدوث‬
‫الن كل ممكن حادث عندهم وال ينبغي جتويز الوجوب ابلغري ايضا يف ذلك املوطن النه‬
‫موهم النفكاكها عن حضرة الذات تعالت وتقدست (املقدمة الثالثة) ان كلما فيه رائحة‬
‫االمكان فيه جمال للعدم يف حد ذاته وان كان حصوله حماال فان استحالته ما جاءت من‬
‫نفسه بل من حمل آخر (املقدمة الرابعة) ان امساء الواجب وصفاته تعاىل كما ان هلا يف‬
‫جانب وجودها حسنا ومجاال كذلك هلا يف جانب احتماهلا للعدم ايضا حسن ومجال وان‬
‫كان ثبوت هذا احلسن يف مرتبة الوهم واحلس ومناسبا للعدم وكان متسعارا من اجلوار الن‬
‫‪- 1082 -‬‬

‫العدم ال نصيب له يف حد ذاته غري الشر والقبح والوجود هو الذي بكليته خري وكمال‬
‫وبتمامه حسن ومجال (ينبغي) ان يعلم ان احلسن الذي حيس يف العدم كحنظل غلف‬
‫ابلسكر وأوهم انه حلو (املقدمة اخلامسة) انه قد الح بكرم هللا تعاىل ابلنظر الكشفي ان‬
‫جانب عدم املمكن قد حصلت له الرتبية يف هذه النشأة بكمال االقتدار وثبت له يف‬
‫مرتبة احلس والوهم ابلصنع الكامل ثبات واستقرار وجعل مظهرا حلسن الصفات ومجاهلا‬
‫الكائنني يف جانب احتماهلا للعدم واتضح ايضا ان جانب وجود املمكن يرجح يف النشأة‬
‫االخروية و جيعل مظهرا حلسن الصفات ومجاهلا الكائنني يف جانب وجودها فاذا علمت‬
‫هذه املقدمات اخلمس صار التفاوت بني حسن هذه النشأة ومجاهلا وبني حسن تلك‬
‫النشأة ومجاهلا واضحا وكان حسن احدى النشأتني وقبح األخرى الئحا وصار املرضي‬
‫متميزا من غري املرضي ومن هذه التحققات احنل هذا السؤال واتضحت املقدمة اليت كان‬
‫السؤال االول مبنيا عليها كما ال خيفى على الفطن املتأمل فاذا اتضحت هذه املقدمة‬
‫أقول يف جواب السؤال االول بفضل هللا جل شأنه انه قد صار معلوما ابلكشف الصريح‬
‫ان وجود يوسف على نبينا وعليه الصالة و السالم وان ظهر يف هذه النشأة ولكن وجوده‬
‫من النشأة االخروية على خالف وجود سائر موجودات هذه النشأة وأنه قد رجح جانب‬
‫وجوده وجعل مظهرا للحسن واجلمال املتعلقني بوجود االمساء والصفات وانتفى عنه تعلق‬
‫شائبة العدمية بنفسه او ابصله وجعل هو وأصله طاهرا من علة العدم الذي هو منشأ كل‬
‫قبح ونقص ومل يرتك فيه غري استيالء نور جانب الوجود الذي هو نصيب أهل اجلنة‬
‫فكان التعلق حبسنه ومجاله كالتعلق حبسن اجلنة ومجاهلا وحسن أهلها ومجاهلم حممودا‬
‫ابلضرورة ونصيبا للكل وكلما كان احملب أكمل يكون تعلقه حبسن تلك النشأة ومجاهلا‬
‫أزيد و يكون قدمه يف مراضي املويل جل شأنه أسبق فان التعلق بتلك النشأة وحمبتها عني‬
‫التعلق بصاحب تلك النشأة وحمبته فان تلك النشأة ليست اال طلسم حكمته ونقاب‬
‫مجاله كرداء الكربايء وهللا يدعو اىل دار السالم نص قاطع يف هذا االمر وهللا يريد اآلخرة‬
‫حجة واضحة هلذا املعن والذي جعل التعلق ابآلخرة كالتعلق ابلدنيا مذموما وجعله مغايرا‬
‫‪- 1083 -‬‬

‫للتعلق ابملوىل جل شأنه فهو مل يعلم حقيقة اآلخرة كما هي وقاس الغائب على الشاهد‬
‫مع وجود الفارق البني فلو اطلعت رابعة املسكينة على حقيقة اجلنة كما هي ملا كانت يف‬
‫فكر احراق اجلنة وملا اعتقدت التعلق هبا مغايرا للتعلق مبوالها وقال آخر ان يف آية منكم‬
‫من يريد الدنيا ومنكم من يريد اآلخرة شكاية من الفريقني اعطاهم هللا سبحانه االنصاف‬
‫كيف يتصور أن يدعو هللا تعاىل اىل اجلنة مث يشكو ممن جييب دعوته فلو كان التعلق‬
‫بذلك املوطن املقدس مذموما او كانت فيه شائبة الذم ملا كانت اجلنة دار الرضا والرضا‬
‫هو هناية مراتب القبول بل كانت مثل الدنيا مغضواب عليها وعلة الغضب وابعث الذم‬
‫العدم الذي هو اصل كل قبح ونقص وصار نصيبا للدنيا وسببا لكوهنا ملعونة وملا حصل‬
‫التربي من العدم زالت شائبة الذم والقبح وكان عدم الرضا وعدم املقبولية نصيب االعداء‬
‫ومل يبق غري الرضا والقبول والوجود والنور وغري الوصل والوصول والراحة والسرور أصال‬
‫قال املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم ان اجلنة قيعان وان غراسها قولك‬
‫سبحان هللا واحلمد هلل وال اله اال هللا وهللا أكرب واملعن التنزيهي الذي ظهر ههنا يف كسوة‬
‫احلروف والكلمات يتمثل هناك بصورة الشجر و يكون التعلق بذلك الشجر والتلذذ منه‬
‫عني التعلق والتلذذ ابملعن التنزيهي و على هذا القياس وما بينه الصوفية العلية من االسرار‬
‫والدقائق يف التوحيد واالحتاد ونزلوا على املظاهر اجلميلة يف هذه النشأة وعشقوها واثبتوا‬
‫يف ضمن ذلك شهودا ومشاهدة واعتقدوا حسن تلك املظاهر ومجاهلا عني حسن املوىل‬
‫ومجاله حت قال بعضهم ذقتك يف كل طعام لذيذ وقال اآلخر {شعر}‪:‬‬
‫امروز چون مجال تو در پرده ظاهرست * در حريمت كه وعدهء فردا براى چيست‬
‫وقال الثالث {شعر}‪:‬‬
‫ما هم قوم بشرب املاء من عطش * اال رأوا ما هو املقصود يف قدح‬
‫صدق أمثال هذه الكلمات بعيد عن فهم هذا الفقري ووجدانه يف هذه النشأة وال‬
‫أجد هنا طاقة حتمل هذه الدقائق وال أراها قابلة لقبول هذه الدولة فلو كانت فيها طاقة‬
‫وقابلية ملا كانت مغضواب عليها وملا قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم الدنيا معلونة والالئق‬
‫‪- 1084 -‬‬

‫ابلكرامات والقابل هلذه املقامات هو اجلنة ذقتك يف كل طعام لذيذ صادق على طعام‬
‫اجلنة ال على طعام الدنيا الذي هو خملوط مباء العدم املسموم وهلذا مل يستحسن ارتكاب‬
‫ذلك (وعند) هذا الفقري جنة كل شخص عبارة عن ظهور االسم االهلي الذي هو مبدأ‬
‫تعني ذلك الشخص وظهر ذلك االسم بصورة االشجار واالهنار وبصورة احلور والقصور‬
‫وبصورة الولد ان والغلمان فكما أن يف االمساء االهلية تفاوات ابعتبار العلو والسفل وابعتبار‬
‫اجلامعية وعدمها كذلك يف اجلنات أيضا تفاوت مبقدارها فلئن اثبت الشهود واملشاهدة‬
‫يف ضمن ذلك الظهور فهو حسن ومستحسن ووضع شئ يف موضعه وأما اطالق أمثال‬
‫هذه الكلمات يف غري هذا املوضع فجراءة ووضع شئ يف غري موضعه وكأن الصوفية‬
‫العلية من فرط حمبتهم للمطلوب وكمال اشتياقهم اليه اغتنموا كل ما وصل اىل مشام‬
‫أرواحهم من رائحة املطلوب وظنوه من استيالء سكر احملبة عني املطلوب واملقصود‬
‫وعاملوا معه معاملة العشاق اليت تليق بنفس املطلوب واحتظوا منه حبظوظ وافرة وأثبتوا‬
‫املشاهدة واملكاشفة قال واحد من االكابر {شعر}‪:‬‬
‫ببوي تو ازجاج هم مست بيخود * زهر سوكه آواز اپى برآيد‬
‫نعم امثال هذه املعامالت جموزة يف العاشقية وعدم القرار واالسرتاحة من غلبة احملبة‬
‫بل مستحسنة الهنا الجل هللا سبحانه و تعاىل وانش من شوق لقاء املطلوب املتفرد‬
‫وخلطأهم حكم الصواب ولسكرهم حكم الصحو وورد يف اخلرب سني بالل عند هللا شني‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫بر اَ ْش َهد تو خنده زند اَ ْس َهد بالل‬
‫(ينبغي) أن يعلم أن مكشوف هذا الفقري هو ان رؤية كل شخص جنيت يف اجلنة‬
‫أيضا على مقدار ذلك االسم االهلي الذي هو مبدأ تعينه وشخصه ويظهر ذلك االسم يف‬
‫كسوة االشجار واالهنار واحلور والغلمان مبعن أن تلك االشجار واالهنار وغريها مما كان‬
‫مظاهر ذلك االسم املقدس يكون حكمها زماان بكرم هللا تعاىل حكم الناظور وتصري‬
‫وسيلة اىل رؤية ذلك الشخص الغري املتكيفة مث تعود اىل حالتها االصلية وتشغله ابنفسها‬
‫‪- 1085 -‬‬

‫وهكذا اىل أبد اآلبدين كالتجلي الربقي الذايت الذي اثبتوه يف هذه النشأة فان جتلي‬
‫الذات يف حجب االمساء والصفات دائمي يف حق املستعدين لتلك الدولة وبعد مدة‬
‫ترتفع حجب االمساء والصفات وتتجلى حضرة الذات بال حجب االمساء والصفات‬
‫وحيث ان ذلك االسم االهلي اعتبار من اعتبارات الذات تعالت يكون متعلق رؤية كل‬
‫شخص ذلك االعتبار الذايت الذي هو رب ذلك الشخص ابلضرورة (وال يتوهم) هنا‬
‫أحد تبعضا وجتزاي فان الذات تعالت بتمامها ذلك االعتبار ال ان بعض الذات ذلك‬
‫االعتبار وبعض آخر منها اعتبار آخر فان ذلك عالمة النقص واحلدوث تعاىل هللا عن‬
‫ذلك (قالوا) ان ذات هللا تعاىل متامها علم ومتامها قدرة ومتامها ارادة وان كان كل اعتبار‬
‫متام الذات ولكن املرئي هو ذلك االعتبار ال اعتبارات اخر ينبغي ان يطلب سر ال تدركه‬
‫االبصار من ههنا (ال يقال) اذا مل يكن متيز بني االعتبارات وكان كل واحد منها عني‬
‫الذات فما معن جعل متعلق الرؤية اعتبارا من بني اعتبارات كثرية الان نقول ان هذه‬
‫االعتبارات وان كانت عني الذات بل كل واحد منها عني اآلخر وليس بينها التميز‬
‫واالمتياز الكيفيني املعتربين عند مأسوري عامل الكيف ولكن بينها امتياز ال كيفي والذين‬
‫ختلصوا من العامل الكيفي واتصلوا ابلعامل الالكيفي ابتصال ال كيفي ال خيفى عليهم هذا‬
‫االمتياز الالكيفي بل هو واضح عندهم وجيدونه كامتياز االذن من العني نعم من كان‬
‫مبدأ تعينه اسم جامع فله من مجيع اعتبارات الذات تعالت وتقدست نصيب على سبيل‬
‫االعتدال على تفاوت الدرجات ولو على سبيل االمجال ورؤيته متعلقة جبميعها ولكن ملا‬
‫كان ضيق جامعية االمجال الذي هو نصيبه الزما له دائما يكون االدراك واالحاطة‬
‫مفقودين يف حقه و يكون ال تدركه االبصار صادقا ومن أصدق من هللا حديثا (ينبغي)‬
‫يعلم أنه اذا شرف هللا سبحانه عبدا بدولة الفناء االمت بكرمه وخلصه من قيد العدم الذي‬
‫كان هو ماهيته ومل يرتك منه عينا وال أثرا يهب له بعد مثل هذا الفناء وجودا شبيها‬
‫بوجود النشأة االخروية ومتعلقا برتجيح جانب وجود املمكن و يكون مظهرا لكماالت‬
‫جانب وجود االمساء والصفات االهلية وقد ذكر حتقيق وجه ذلك فيما سبق وكان يوسف‬
‫‪- 1086 -‬‬

‫على نبينا وعليه الصالة و السالم مشرفا هبذه الدولة بوجوده االول وهذا العارف تشرف‬
‫هبا بوجوده الثاين ابلوالدة الثانية وملا كان ذاك جبليا اعطاه احلسن الظاهر أيضا وهذا ملا‬
‫حصل بعد جتشم الكسب اكتفى فيه بنور الباطن وادخر له احلسن الظاهر يف اآلخرة‬
‫ومثل هذا العارف بعد االنبياء عليهم الصالة و السالم عزيز الوجود وأقل قليل ومثل هذا‬
‫العارف وان مل يكن نبيا ولكن له بتبعية االنبياء شركة يف دولة خاصة ابالنبياء عليهم‬
‫الصلوات وهو وان كان طفيليا ولكنه جالس على سفرة نعمتهم وان كان خادما ولكنه‬
‫جالس مع املخدومني وان كان اتبعا ولكنه مصاحب ابملتبوعني ورمبا مينح أسرارا يغبطه‬
‫االنبياء عليهم السالم فيها كما أخرب به املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم‬
‫ولكن مثل هذه املعاملة داخل يف فضل جزئي والفضل الكلي امنا هو لألنبياء عليهم‬
‫السالم وهذا الفضل أيضا ملا تيسر له بسبب متابعته اايهم كان منهم وليس العارف غري‬
‫حامل أماانهتم وآية ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني اهنم هلم املنصورون وان جندان هلم‬
‫الغالبون نص قرآين رفع شأن هؤالء االكابر فوق شأن غريهم ونصرهم على الكل وجعلهم‬
‫غالبني (فان قيل) ان هذا العارف الذي وهب له هذا الوجود بعد الفناء االمت هل هو‬
‫هبذا الوجود أيضا يف مرتبة احلس والوهم كسائر موجودات هذه النشأة أو خرج من هذه‬
‫املرتبة فان خرج فهل عرض له وجود خارجي أو ال ومن املقرر عند القوم أنه ال موجود يف‬
‫اخلارج غري احلق سبحانه و تعاىل (قلت) ان ما هو صار معلوما يف آخر االمر انه خرج‬
‫وصار منسواب اىل نفس االمر ومرتبة الوهم وان كان حكمها حكم نفس االمر ابعتبار‬
‫الثبات والتقرر ولكنها يف احلقيقة مل تكن نفس االمر فان نفس االمر وراء تلك املرتبة‬
‫وكأن هذه املرتبة برزخ بني الوهم واخلارج وموجودات النشأة االخروية كلها كائنة يف مرتبة‬
‫نفس االمر بل الصفات الواجبية سوى الصفات الثمانية احلقيقية كلها يف تلك املرتبة وال‬
‫موجود يف مرتبة اخلارج غري الذات االقدس وغري صفاته الثمانية فظهر للموجودات ثالث‬
‫مراتب مرتبة الوهم اليت هي نصيب اكثر أفراد هذه النشأة واالنبياء عليهم الصالة و‬
‫السالم خارجون أبمجعهم عن هذه املرتبة وكذلك املالئكة الكرام عليهم السالم فان‬
‫‪- 1087 -‬‬

‫وجودهم مناسب لوجود النشأة االخروية وصار أقل أولياء العظام مشرفا هبذه الدولة ايضا‬
‫وختلص من مرتبة الوهم وصار ملحقا بنفس االمر (املرتبة) الثانية مرتبة نفس االمر وفيها‬
‫صفات الواجب وأفعاله تعاىل واملالئكة الكرام أيضا موجودون يف تلك املرتبة ووجود‬
‫ا لنشأة االخروية أيضا اثبت يف تلك املرتبة وكذلك االنبياء واالقل من االولياء أيضا‬
‫خرجوا اىل تلك املرتبة وامنا الفرق ان صفات الواجب جل شأنه يف مركز ذلك املقام الذي‬
‫هو أشرف اجزائه وسائر املوجودات يف أطراف ذلك املركز واكنافه على حسب االستعداد‬
‫(واملرتبة) الثالثة مرتبة اخلارج واملوجود هناك الذات وصفات الواجب الثمانية فان كان فرق‬
‫فامنا هو ابعتبار املركز وغري املركز فان االشرف أنسب ابالقدس (فان قيل) ما مزية اخلروج‬
‫من مرتبة الوهم اىل مرتبة نفس االمر وأي قرب مربوط به (قلت) ان منشأ كل خري وكمال‬
‫وحسن ومجال هو الوجود وكلما يكون حصول القوة واالستقرار للوجود أزيد تكون تلك‬
‫الصفات أكمل وال شك ان وجود النفس االمري أقوى وأثبت من الوجود الومهي فيكون‬
‫اخلري والكمال فيه أمت وأكمل ابلضرورة وأي كالم يف قرب من كان موجودا يف مرتبة‬
‫صفاته وأفعاله تعاىل وحصل له جوار صفات اخلالقية والرازقية وغريمها (ينبغي) ان يعلم ان‬
‫ثبوت العدم وكذلك ثبوت الكماالت اليت ملحوظ فيها شائبة العدم وان كانت تلك‬
‫الكماالت من الكماالت الصفاتية كله يف مرتبة احلس والوهم فانه مامل حيصل التربي من‬
‫العدم ابلكلية ومل يزل عني العدم واثره ال يكون الئقا ابلوصول اىل مرتبة نفس االمر وان‬
‫كان يف الثبوت الومهي ابعتبار القوة والضعف درجات فانه كلما كان العدم أقوى يكون‬
‫التعلق مبرتبة الوهم أمت واذا ضعف يكون التعلق أقل وكثري من االولياء الذين جاوزوا مراتب‬
‫العدم ومل يبق فيهم شئ من العدم غري االثر وان مل يكونوا داخلني يف مرتبة نفس االمر ما‬
‫دام هذا االثر ابقيا ولكنهم يتجاوزون مرتبة الوهم ويصلون اىل نقطتها االخرية ويصريون‬
‫من نظار مرتبة نفس االمر وحيصلون نصيبا من هذا املقام و يكون حمسوسا ان االنبياء‬
‫الكرام واملالئكة العظام عليهم الصالة و السالم وكذلك بعض متابعي االنبياء وان كان‬
‫أقل وصلوا اىل هن اية مرتبة نفس االمر ولكل منهم هناك موطن خاص ومقام على حدة‬
‫‪- 1088 -‬‬

‫على تفاوت درجاهتم ويشاهد احلروف والكلمات القرآنية ايضا هناك ويرى مقام هؤالء‬
‫فوق مقام األنبياء عليهم الصالة و السالم وكأهنا خرجت من هذا املقام وصارت برزخا‬
‫بني هذا املقام وبني مقام فوقه قبل الوصول إليه واختارت االقامة هناك فان املقام الفوقاين‬
‫خمصوص بذات الواجب وصفاته تعاىل وال موجود يف اخلارج غريه سبحانه و تعاىل وملا‬
‫كانت يف هذه احلروف والكلمات مسات احلدوث ليست فيها قابلية الوصول اىل ذلك‬
‫املقام ولكنها اسبق قدما من مجيع موجودات تلك املرتبة وهلا متسك ابذايل مدلوالهتا‬
‫والكرباء الذين يقيمون يف منتهى مرتبة نفس االمر انظرون اىل مرتبة فوقانية وكاهنم‬
‫بكليتهم صاروا أبصارا من كمال شوقهم اليها والعجب ان هؤالء االكابر مع وجود هذا‬
‫التوطن واالقامة هلم حبكم املرء مع من أحب معية مع حمبوهبم جمهولة الكيفية وهم معه بال‬
‫انفسهم ومأنوسون ومألوفون به بال احتاد االثنينية وملا لوحظ يف ذلك االثناء معية احلروف‬
‫والكلمات القرآنية بتلك املرتبة املقدسة علم انه ال نسبة هلذه املعية مبعية اآلخرين واهنا‬
‫عالية جدا ال ميكن ادراكها لكوهنا مربوطة أببطن البطون واين اجملال هناك لفهم املخلوقني‬
‫ومن علو شأن هذه احلروف والكلمات املقدسة ورد القرآن كالم هللا غري خملوق ويعلم ان‬
‫الكالم النفسي هو هذه احلروف والكلمات كما حققه القاضي عضد وقال ان هذه‬
‫احلروف والكلمات هي الكالم القدمي النفسي بال تقدمي وأتخري وجعل التقدمي والتأخري‬
‫عائدا اىل قصور اآلالت احلادثة (فان قيل) لو كانت هذه احلروف والكلمات كالما‬
‫نفسيا ينبغي أن تكون داخلة يف مرتبة اخلارج وقد مر آنفا اهنا ال تكون داخلة يف ذلك‬
‫املقام فما وجه ذلك (قلت) ان هذه احلروف والكلمات حيث كانت مركوزة يف االذهان‬
‫ابلتقدمي والتأخري يظهر هبذه املالحظة يف النظر الكشفي عدم دخوهلا يف مرتبة اخلارج‬
‫ابلضرورة وملا لو لوحظت مرة اثنية بال مالحظة التقدمي والتأخري شوهدت داخلة فيها‬
‫وملحقة ابصلها بل متحدة هبا فاي نسبة ملعيتها مبعية اآلخرين فان فيها احتادا وال جمال‬
‫لالحتاد يف معية اآلخرين سبحان هللا اذا كان هذه احلروف والكلمات القرآنية نفس‬
‫الكالم القدمي السبحاين يكون ظهوره يف هذه النشأة خبالف سائر الصفات القدمية‬
‫‪- 1089 -‬‬

‫بنفسه فان احلروف والكلمات على هذا التقدير نفسه وليس له نقاب غري التقدمي‬
‫والتأخري العارضني من جهة قصور آلة التكلم فاقرب االشياء اىل جناب قدس احلق جل‬
‫وعال الذي هو القرآن اجمليد اجلى واظهر يف عامل الظالل أبصالته من غري ان يصيبه غبار‬
‫الظلية وجعل التقدمي والتأخري حجااب لعيون احملجوبني وهلذا كان افضل العبادة تالوة‬
‫القرآن اجمليد وكانت شفاعته اسرع قبوال من شفاعة اآلخرين سواء كانت شفاعة ملك‬
‫مقرب او نيب مرسل وال ميكن تفصيل النتائج والثمرات املرتتبة على تالوة القرآن وكثريا ما‬
‫توصل التايل اىل حمل ال جمال فيه لذرة (فان قيل) هل هذه الدولة خمصوصة ابحلروف‬
‫والكلمات القرآنية او اشرتكت معها يف هذه الدولة حروف سائر الكتب املنزلة وكلماهتا‬
‫وكانت كالما قدميا نفسيا كمثلها (قلت) للكل شركة يف هذه الدولة والفرق الذي يتمثل‬
‫يف نظر كشفي هو ان القرآن اجمليد كانه مركز الدائرة وسائر الكتب املنزلة بل مجيع ما يقع‬
‫به التكلم من االزل اىل االبد كانه حميط تلك الدائرة فكان القرآن اصل الكل واشرف‬
‫مجيع الكتب فان املركز اشرف اجزاء الدائرة واصل مجيع نقط الدائرة وسائر النقط كاهنا‬
‫تفصيله وهو امجاهلا قال هللا تعاىل وانه لفي زبر االولني (فان قيل) قد علم من التحقيق‬
‫السابق ان الشهود واملشاهدة يف ضمن املظاهر اجلميلة كما قالوا غري واقع يف هذه النشأة‬
‫وال قابلية يف هؤالء ملظهرية تلك املرتبة املقدسة فهل هلا حتقق يف هذه النشأة يف غري هذه‬
‫املظاهر او ال (قلت) ان معتقد هذا الفقري هو ان نصيب هذه النشأة االيقان فقط‬
‫والرؤية البصرية واملشاهدة اليت هي عبارة عن الرؤية القلبية على تفاوت الدرجات نتيجة‬
‫ذلك االيقان ومثراته املربوطة ابآلخرة نقل صاحب التعرف الذي هو من اكابر هذه‬
‫الطائفة العلية يف كتابه امجاع املشائخ يف هذا الباب وقال وامجعوا على انه تعاىل ال يرى‬
‫يف الدنيا ابالبصار وال ابلقلوب اال من جهة االيقان (فان قيل) ان من املقرر عند هذه‬
‫الطائفة العلية ان لليقني مراتب ثالاث علم اليقني وعني اليقني وحق اليقني وقالوا ان علم‬
‫اليقني عبارة عن االستدالل ابالثر على املؤثر كيقني حاصل بوجود النار مثال من طريق‬
‫االستدالل ابلعلم بوجود الدخان وعني اليقني عبارة عن رؤية النار نفسها مثال وحق‬
‫‪- 1090 -‬‬

‫اليقني عبارة عن التحقق ابلنار مثال فاذا فقدت الرؤية القلبية أيضا كيف يتحقق عني‬
‫اليقني وكيف يصدق امجاع املشائخ على عدم الرؤية مطلقا (قلت) لعل مراده ابالمجاع‬
‫امجاع املشائخ املتقدمني واملتأخرون حكموا على خالف ذلك وجوزوا الرؤية القلبية وهذا‬
‫احلكم مل يثبت عند هذا الفقري وهذه الدرجات الثالث اليت بينوها لليقني كلها داخلة يف‬
‫علم اليقني مل خترج بعد من االستدالل ومل تتحول من العلم اىل العني وما قالوا يف متثيل‬
‫عني اليقني من رؤية النار ليس هو رؤية النار بل رؤية الدخان اليت استدلوا هبا على وجود‬
‫النار فكما انه كان يف علم اليقني استدالل من العلم بوجود الدخان على وجود النار‬
‫كذلك هنا استدالل من رؤية الدخان على وجود النار وهذا اليقني الثاين امت من اليقني‬
‫االول لقوة دليله فان هناك علما ابلدليل وهنا رؤية الدليل وكذلك يف حق اليقني حتقق‬
‫ابلدخان ال ابلنار واستدالل به على النار وهذا اليقني أمت من كل من اليقينني السابقني‬
‫واكمل فانه استدالل بنفسه الذي صار دخاان على وجود النار وبني االنفس واآلفاق فرق‬
‫واضح قال هللا تعاىل سنريهم آايتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حت يتبني هلم أنه احلق وقال‬
‫هللا تعاىل ويف االرض آايت للموقنني ويف انفسكم افال تبصرون وكلما يرى يف اآلفاق‬
‫واالنفس آايت املطلوب ال نفس املطلوب فكان املرئي يف اآلفاق واالنفس هو الدخان‬
‫الذي هو آية النار ال النار فتكون املعاملة يف اآلفاق واالنفس هي االستدالل الذي هو‬
‫حقيقة علم اليقني واما حق اليقني فينبغي تشخيصها فيما وراء اآلفاق واالنفس سبحان‬
‫هللا كيف قرر االكابر وجدان املطلوب يف االنفس واعتقدوا خارج االنفس مما ال حاصل‬
‫فيه قال واحد منم {شعر}‪:‬‬
‫ال تطف يف كل صوب مثل اع * مى فان الكل معك يف العبا‬
‫وقال اآلخر {شعر}‪:‬‬
‫چن جلوهء آن مجال بريون زتو نيست * اپدردامن وسر جبيب اندركش‬
‫وقال الثالث {شعر}‪:‬‬
‫فلو سعت ذرة يف عمرها طلبا * خريا و شرا ترى يف نفسها اكتمنا‬
‫‪- 1091 -‬‬

‫قال صاحب الفصوص التجلي من الذات ال يكون اال بصورة املنجلى له وقال‬
‫غريه م ن االكابر ان أهل هللا كلما يرون بعد الفناء والبقاء يرونه يف انفسهم وكلما يعرفون‬
‫يعرفونه يف انفسهم وحريهتم يف وجود انفسهم ويف انفسكم افال تبصرون وعند هذا الفقري‬
‫االنفس ايضا كاآلفاق مما ال حاصل فيه خالية عن وجدان املطلوب فيها وال نصيب منه‬
‫هلا والذي يف اآلفاق واالنفس هو االستدالل على املطلوب والداللة على املقصود‬
‫والوصول اىل املطلوب مربوط مبا وراء اآلفاق واالنفس ومنوط مبا سوى السلوك واجلذبة‬
‫فان السلوك سري آفاقي واجلذبة سري انفسي فيكون السلوك واجلذبة والسري اآلفاقي‬
‫واالنفسي كلها داخلة يف السري اىل هللا وما قالوا ان السلوك والسري اآلفاقي يف السري اىل‬
‫هللا واجلذبة والسري االنفسي يف السري يف هللا ماذا نصنع ظهر هلم كذلك وظهر يل هكذا‬
‫سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا واين القدرة ملثلي املسكني اآلكل من فضلتهم ان‬
‫يتكلم على خالف مذاقهم ولكن ملا ترقت املعاملة من التقليد قال ما انله خالف القوم‬
‫أو وافقهم والتزام أيب يوسف بعد ترقيه من التقليد موافقة أيب حنيفة الذي هو استاذه‬
‫خطأ ربنا ال تؤآخذان ان نسينا أو اخطأان (فان قيل) اذا كان هذه الدرجات الثالث من‬
‫اليقني داخلة يف علم اليقني فما يكون عني اليقني عندك (قلت) ان عني اليقني عبارة عن‬
‫تلك احلالة اليت هي للدخان مع النار فاذا انتهى املستدل اىل منتهى درجة الدليل الذي‬
‫هو الدخان حتدث فيه أيضا حالة اثبتة للدخان مع النار وعند هذا الفقري هذه احلالة‬
‫معرب عنها بعني اليقني فانه فوق علم االستدالل ووراء اآلفاق واالنفس وملا ارتفع حجاب‬
‫االستدالل م ن البني الذي هو هناية مرتبة العلم خرج االمر من العلم اىل الكشف‬
‫ابلضرورة واجنر من الغيب اىل الشهود واحلضور (ينبغي) ان يعلم ان الشهود واحلضور غري‬
‫الرؤية واالحساس اال ترى ان شهود الشمس لضعيف البصر وقت انتشار شعاعها‬
‫حاصل خبالف الرؤية فاهنا غري متحققة {تنبيه} ان للتحقق ابلدخان درجتني وانه شامل‬
‫لعلم اليقني وعني اليقني على التحقيق الذي ذكرانه فانه ما مل يطو مجيع نقط الدخان يف‬
‫التحقق به ومل ينته اىل نقطته االخرية فهو علم اليقني فان كل نقطة بقيت حجاب مستلزم‬
‫‪- 1092 -‬‬

‫لالستدالل فاذا حتقق جبميع النقط و انتهى اىل النقطة االخرية خرج من االستدالل الن‬
‫احلجب قد ارتفعت ابلتمام وثبت له عني اليقني كنفس الدخان فافهم وماذا أكتب من‬
‫حق اليقني فان كمال حتققه مربوط ابلنشأة االخروية فان كان منه نصيب يف الدنيا فهو‬
‫خمصوص أبخص اخلواص الذي كان السري االنفسي الذي له مشاهبة حبق اليقني داخال‬
‫عنده يف علم اليقني وكان االنفس لديه يف حكم اآلفاق وصار علمه احلضوري املتعلق‬
‫ابالنفس علما حصوليا وحصل له عني اليقني فيما وراء اآلفاق واالنفس وقليل ما هم‬
‫{خامتة} حسنة يف بيان احلسن واجلمال احملمديني على صاحبهما الصالة و السالم‬
‫الذين مها متعلق حمبة رب العاملني وانه صلّى هللا عليه و سلّم كان بذلك اجلمال حمبوب‬
‫رب العاملني جل شأنه (اعلم) ان يوسف على نبينا وعليه الصالة و السالم وان كان‬
‫ابلصباحة اليت كانت فيه حمبوب يعقوب عليه السالم ولكن نبينا خامت الرسل عليه و‬
‫عليهم الصالة و السالم ابملالحة اليت هي فيه حمبوب خالق االرض والسموات وخلق‬
‫االرض والسماء واملكان والزمان بطفيليته صلّى هللا عليه و سلّم كما ورد (ينبغي) ان يعلم‬
‫ان اخللق احملمدي ليس كخلق سائر افراد االنسان بل ال مناسبة له خبلق فرد من افراد‬
‫العامل وهو صلّى هللا عليه و سلّم مع وجود النشأة العنصرية خلق من نور احلق جل وعال‬
‫كما قال عليه و على آله الصالة و السالم خلقت من نور هللا وهذه الدولة مل تتيسر‬
‫لغريه صلّى هللا عليه و سلّم وبيان هذه الدقيقة هو انه قد مر فيما سبق ان الصفات‬
‫الثمانية احلقيقية الواجبية وان كانت داخلة يف دائرة الوجوب ولكن فيها بواسطة احتياجها‬
‫اىل حضرة الذات رائحة االمكان فاذا كان يف الصفات احلقيقية القدمية جمال لرائحة‬
‫االمكان يكون يف الصفات االضافية الواجبية ثبوت االمكان ابلطريق األوىل وعدم قدمها‬
‫اول دليل على االمكانية فيها وقد علم ابلكشف الصريح ان خلقته صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫انشئة من االمكان الذي هو متعلق ابلصفات االضافية ال االمكان الذي هو كائن يف‬
‫سائر افراد العامل وكلما يطالع صحيفة ممكنات العامل بدقة النظر ال يشاهد وجوده صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم فيها بل يكون منشأ خلقته وامكانه صلّى هللا عليه و سلّم يف عامل‬
‫‪- 1093 -‬‬

‫املمكنات بل يكون فوق هذا العامل فال جرم ال يكون له ظل وأيضا ان ظل كل شخص‬
‫يف عامل الشهادة الطف من ذلك الشخص فاذا مل يكن الطف منه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫يف العامل كيف يتصور له ظل (امسع) ان صفة العلم من الصفات احلقيقية وداخلة يف دائرة‬
‫املوجود اخلارجي فاذا عرضت هلا االضافة وانقسمت هبا على العلم االمجايل والعلم‬
‫التفصيلي مثال تكون تلك االقسام من الصفات االضافية وداخلة يف مرتبة نفس االمر‬
‫اليت هي مقر الصفات االضافية ويشاهد ان العلم االمجايل الذي صار من الصفات‬
‫االضافية نور ظهر يف النشأة العنصرية بعد االنصباب من االصالب اىل األرحام املتكثرة‬
‫مبقتضى حكم ومصاحل بصورة االنسان الذي هو على أحسن تقومي وصار مسمى مبحمد‬
‫وأمحد (ينبغي) ان يستمع كمال االستماع ان هذا القدر من االمجال وان جعل العلم‬
‫املطلق مقيدا وأخرجه من احلقيقة اىل االضافة ولكن مل حتصل منه زايدة يف املقسم اصال‬
‫ومل يقيده شئ قطعا فان امجال العلم نفس العلم ال انه امر زائد منضم اىل العلم خبالف‬
‫تفصيل العلم فانه يقتضى جزئيات متكثرة حت يتصور التفصيل والعجب من قيد كان‬
‫مظهرا لالطالق والعجب من مقيد صار نفس املطلق ينبغي ان يالحظ مثل هذه اللطافة‬
‫يف مطلق العلم ابلنسبة اىل الذات فانه ميكن ان يكون العلم نفس العامل ونفس املعلوم كما‬
‫انه كائن يف العلم احلضوري خبالف صفات اخر فاهنا ليست فيها هذه القابلية فانه ال‬
‫ميكن ان يقال ان القدرة عني القادر وعني املقدور واالرادة عني املريد وعني املراد فللعلم‬
‫احتاد مع ذات العامل واضمحالل فيه ليس ذلك لغريه ينبغي ان يدرك من ههنا قرب أمحد‬
‫من االحد فان الواسطة بينهما صفة العلم اليت له احتاد ابملطلوب فكيف يكون للحجابية‬
‫فيها جمال وايضا يف العلم حسن ذايت ليس هو لغريه من الصفات وهلذا أحب صفات‬
‫الواجب عند احلق جال وعال بزعم هذا الفقري هو صفة العلم وحيث ان يف حسنه شائبة‬
‫الالكيفية فاحلس قاصر عن ادراكه وادراك ذاك احلسن على وجه التمام مربوط ابلنشأة‬
‫االخروية اليت هي موطن الرؤية فاذا رأوا هللا هظ عز و جل يدركون مجال حممد صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم وان أعطي يوسف عليه السالم يف هذه النشأة ثلثي احلسن وقسم الثلث‬
‫‪- 1094 -‬‬

‫الباقي للكل ولكن احلسن يف النشأة االخروية هو احلسن احملمدي واجلمال هو اجلمال‬
‫احملمدي عليه الصالة و السالم فانه حمبوب احلق جل سلطانه وكيف يكون حلسن‬
‫اآلخرين مشاركة حبسن صفة العلم فان حسنها بواسطة احتادها ابملطلوب عني حسن‬
‫املطلوب وملا مل يكن هذا االحتاد لغريها ليس فيه هذا احلسن فاخللقة احملمدية عليه و على‬
‫آله الصالة و السالم مع وجود احلدوث مستندة اىل قدم الذات تعالت وكانت أحكامها‬
‫أيضا منتهى ة اىل وجوب الذات وكان حسنه حسن الذات من حيث أنه ليس فيه شائبة‬
‫غري احلسن فلما كان كذلك صار متعلق احملبة اجلميل املطلق وكان حمبوبه ان هللا مجيل‬
‫حيب اجلمال (فان قيل) ان قوله تعاىل حيبهم يدل على ان حمبة احلق سبحانه متعلق بغريه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم أيضا و يكون اآلخرون ايضا حمبوبيه سبحانه و تعاىل فما وجه‬
‫ختصيصه صلّى هللا عليه و سلّم مع كوهنا موجودة يف غريه (قلت) احملبة قسمان قسم‬
‫يتعلق بذات احملب وقسم يتعلق بغري ذاته والقسم االول حمبة ذاتية وهي اعلى أقسام احملبة‬
‫فانه ال حيب أحد شيئا مثل حبه لنفسه وأيضا هذا القسم من احملبة أحكم وأوثق فاهنا ال‬
‫تزول بعروض عارض و أيضا متعلق هذا القسم حمبوب صرف ليست فيه شائبة احملبية‬
‫خبالف القسم الثاين فاهنا عرضية وقابلة للزوال ومتعلقه وان كان من وجه حمبواب ولكن فيه‬
‫حمبية أيضا من وجوه متعددة وحيث كان حسن خامت الرسل و مجاله عليه الصالة و‬
‫السالم مستندين اىل حسن حضرة الذات تعالت ومجاهلا كما مر يكون القسم االول‬
‫الذي هو متعلق ابلذات متعلقا به عليه و على آله الصالة و السالم ابلضرورة و يكون‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم بتعلق احملبة كالذات حمبواب صرفا وملا مل تكن هذه الدولة ميسرة لغريه‬
‫وقل نصيبهم من احلسن الذايت يتعلق هبم من احملبة القسم الثاين وجيعلهم حمبواب من وجه‬
‫واحملبوب املطلق هو النيب صلّى هللا عليه و سلّم فانه كذات احملب حمبوب دائما و يكون‬
‫حمسوسا ان غلبة احملبة اليت هي يف موسى للحق سبحانه وكان هو بتلك احملبة رئيس‬
‫احملبني مثلها يف احلق سبحانه حلضرة خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم وكلما‬
‫يغوص هذا الفقري يف حبر هاتني احملبتني ليدرك التفاوت بينهما قوة وضعفا وجيد احملبة اليت‬
‫‪- 1095 -‬‬

‫هي يف اخلالق أشد من حمبة املخلوق حبكم أال ان حزب هللا هم الغالبون ال يظهر‬
‫التفاوت أصال وكأن هاتني احملبتني وزنت مبيزان العدالة متساويتني ومل يقع بينهما تفاوت‬
‫ابلزايدة والنقصان مقدار شعرة (فان قيل) ان الصوفية العلية حكموا بكون متام افراد العامل‬
‫مظاهر االمساء االهلية وجماليها ووجدوا حقائق االشياء عني تلك االمساء واعتقدوا ان‬
‫االشياء ظالل االمساء فجعلوا متام العامل ظهور االمساء االهلية فما وجه ختصيص ظهور‬
‫بعض االمساء خبلقته صلّى هللا عليه و سلّم كما مر (قلت) ان حقائق االشياء عند‬
‫الصوفية هي االعيان الثابتة اليت هي عبارة عن الصور العلمية لالمساء االهلية ال االمساء‬
‫االهلية أنفسها وقالوا ان هذا العامل هو ظهور تلك الصور العلمية وان قالوا انه ظهور‬
‫االمساء ايضا على سبيل التجوز بل الصورة العلمية للشئ عندهم عني ذلك الشئ ال‬
‫شبح ذلك الشئ ومثاله وما قاله هذا الفقري يف خلقته صلّى هللا عليه و سلّم ظهور نفس‬
‫االسم االهلي جل شأنه ال ظهور الصورة العلمية لذلك االسم شتان ما بني نفس الشئ‬
‫وبني صورته العلمية أال ترى ان النار اذا تصورت يف االذهان أين هلا االشراق واالضاءة‬
‫وقد كان كمال النار ومجاهلا هو االشراق واالضاءة وليس يف صورهتا العلمية غري شبحها‬
‫ومثاهلا قبله أرابب املعقول أو ال بل قالوا اهنا عني النار ولكن كشفنا الصريح مكذب‬
‫لقول من قال ابلعينية وصورة النار العلمية ليست غري شبح النار املوجودة يف اخلارج و‬
‫يكون حمسوسا ان كلما حتقق له ثبات وتقرر بصنع هللا تعاىل يف مرتبة الوهم وما هو ظهور‬
‫االسم االهلي كما مر يف خلقته صلّى هللا عليه و سلّم امكانه من قبيل امكان الصفات‬
‫االضافية ووجوده أيضا مثل وجود تلك الصفات يف نفس االمر وال يقع النظر على أحد‬
‫يكون ظهورا لالسم االهلي جل سلطانه غري النيب صلّى هللا عليه و سلّم اال القرآن اجمليد‬
‫فانه أيضا ظهور نفس اسم اهلي كما ذكرت مشة منه فيما سبق غاية ما يف الباب ان منشأ‬
‫الظهور القرآين من الصفات احلقيقية ومنشأ الظهور احملمدي من الصفات االضافية‬
‫فبالضرورة قالوا لذلك قدميا وغري خملوق وهلذا حاداث وخملوقا ومعاملة الكعبة الرابنية‬
‫أعجب من هذين الظهورين االمسيني فان هناك ظهور معن تنزيهي بال كسوة الصور‬
‫‪- 1096 -‬‬

‫واالشكال فان الكعبة اليت هي مسجود اليها جلميع اخلالئق ليست بعبارة عن احلجر‬
‫واملدر وليست هي ايضا سقفا وجدرا فانه لو مل تكن هذه فرضا تكون الكعبة كعبة ابقية‬
‫على حاهلا ومسجودا اليها فهناك ظهور وال صورة أصال وهذا من أعجب العجائب‬
‫(امسع امسع) انه وان مل يكن الحد شركة يف هذه الدولة اخلاصة احملمدية[‪ ]1‬ولكن يدرك‬
‫هذا القدر انه قد بقيت بقية من تلك الدولة وهي اخلاصة به بعد ختليقه وتكميله عليه و‬
‫على آله الصالة و السالم فان الزايدة والفضلة من لوازم خوان ضيافة الكرماء لتكون‬
‫نصيبا للخدمة وحصة فاعطيها واحد من أمته صلّى هللا عليه و سلّم وجعلت مخري طينته‬
‫وجعل بتبعيته ووراثته شريك دولته اخلاصة به عليه و على آله الصالة و السالم {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف أمر مع الكرام‬
‫و هذه البقية كبقية طينة آدم عليه السالم حيث كانت نصيبا خللقة النخلة كما‬
‫قال عليه و على آله الصالة و السالم اكرموا عمتكم النخلة فاهنا خلقت من بقية طينة‬
‫آدم بلى {ع}‪:‬‬
‫و لالرض من كأس الكرام نصيب‬
‫(فان قيل) قد جعل الشيخ حميي الدين بن العريب واتباعه احلقيقة احملمدية عبارة‬
‫عن حضرة امجال العلم وقالوا له تعينا اوال وجتليا ذاتيا واعتقدوا ما فوقه الالتعني الذي هو‬
‫حضرة الذات البحت وأنت جعلته قسما من العلم وادخلته يف الصفات االضافية اليت‬
‫هي دون الصفات احلقيقية فما وجه ذلك (قلت) ان الشيخ حميي الدين بن العريب ال‬
‫يقول بوجود موجود يف اخلارج غري احدية الذات اجملردة وال يثبت الوجود للصفات ولو‬
‫كانت حقيقية يف غري العلم فيكون التعني االول عنده ابلضرورة علما امجاليا ويتصور‬

‫(‪ )1‬قوله يف هذه الدولة اخلاصة احملمدية اخل االشارة اىل ما سبق ذكره هنا وهو كون خلقته صلّى هللا عليه و سلّم ظهور‬
‫االسم االهلي دون ان تكون ظهور صورة ذلك االسم العلمية كخلقة من سواه وليس املراد هبا النبوة والرسالة أو‬
‫خامتتيهما كما زعم املعاندون فاهنا ال مدخل هلا هنا وال خطرت ببال االمام قدس سره هنا قطعا كما ال خيفي على‬
‫املنصف‬
‫‪- 1097 -‬‬

‫ثبوت الصفات بعده فان ثبوهتا فرع ثبوت العلم فانه ال يقول بثبوهتا يف غري العلم فيكون‬
‫العلم اسبق من الكل وجامعا جلميع الكماالت والذي صار مكشوفا لدى الفقري هو ان‬
‫الصفات احلقيقية الثمانية كالذات موجودة يف اخلارج والتفاوت امنا هو ابعتبار املركزية‬
‫وعدم املركزية كما مر وهذا القول موافق آلراء علماء أهل السنة واجلماعة شكر هللا‬
‫سعيهم حيث قالوا ان وجود الصفات زائدة على وجود الذات و على هذا التقدير ال‬
‫معن جلعل التعني االول عبارة عن العلم االمجايل بل ال جمال الطالق التعني أيضا واسبق‬
‫مجيع الصفات صفة احلياة وصفة العلم اتبعة هلا فتقدمي العلم عليها غري متصور خصوصا‬
‫اذا انضم قيد اىل العلم فانه ادون من مطلق العلم وداخل يف االضافية كما مر نعم اذا‬
‫قالوا للعلم االمجايل انه تعني اول للعلم فله مساغ و يكون تعينه الثاين علما تفصيليا (فان‬
‫قيل) ان الشيخ حميي الدين قال للعلم االمجايل أنه حقيقة حممدية واعتقد هذه النشأة‬
‫العنصرية ظهوره فهل مراده من الظهور ظهور نفس االسم كما قلت انت أو ظهور صورة‬
‫ذلك االسم كما هو يف سائر املمكنات (قلت) مراده ظهور صورة االسم فان التعني‬
‫االول عنده قدس سره تعني علمي فانه قال للتعينني االولني تعينا علميا وللتعينات الثالثة‬
‫االخرية تعينا خارجيا والتعني العلمي هو صورة شأن العلم الذي قال انه عني الذات يف‬
‫اخلارج واثبت صورته يف العلم وتلك الصورة العلمية اليت هي احلقيقة احملمدية ظهرت يف‬
‫النشأة العنصرية بصورة انسانية حممدية وابجلملة أن كل مقام فيه ظهور فهو ظهور الصورة‬
‫العلمية عند الشيخ وان كانت صفات الواجب جل شأنه فالصفات ال وجود هلا عنده يف‬
‫غري العلم وال موجود عنده يف اخلارج غري الذات البحت (فان قيل) يف تلك املرتبة احتاد‬
‫العلم والعامل واملعلوم وحاصل ذلك هو العلم احلضوري فال يكون لصورة االسم هناك جمال‬
‫الن حصول الصورة امنا هو يف العلم احلصويل واحلاضر يف العلم احلضوري هو نفس‬
‫املعلوم ال صورته (قلت) ان تلك املرتبة ليست هي مرتبة الذات البحت وهلذا قال هلا‬
‫تعينا وتنزال فال تكون موجودة يف اخلارج فاذا مل تكن موجودة يف اخلارج البد هلا من‬
‫الثبوت العلمي وهلذا قال هلا تعينا علميا والبد للثبوت العلمي من صورة املعلوم فلزم من‬
‫‪- 1098 -‬‬

‫هذا البيان ان يف العلم احلضوري أيضا صورة للمعلوم مع وجود حضور نفس املعلوم وان‬
‫احلاضر ليس هو املعلوم اخلالص بل تطرق اليه االعتبار واخرجه من النفس اىل الصورة وال‬
‫يدرك فهم كل احد هذه الدقة ومن مل يصل اىل الذات البحت بوصول الكيفي ال يدرك‬
‫هذه الدقيقة سبحان هللا اي قدرة واستطاعة ملثلي الفقري العاجز املتأخر ان يتكلم مبعارف‬
‫اكابر االنبياء أويل العزم بعد ألف سنة من بعثة خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و‬
‫السالم ويبني دقائق كماالت املبدأ يف شفري املعاد {شعر}‪:‬‬
‫ولكن سيدي أعلى مقامي * فحقت يل مباهايت اهلالل‬
‫كأين تربة فيها سحاب ال * ربيع ممطر ماء زالال‬
‫فلو يل ألف ألسنة وأثين * هبا ما ازددت اال انفعاال‬
‫احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا‬
‫ابحلق وقد كان يف خاطري ان اكتب مشة من بيان الصباحة واملالحة الواردتني يف احلديث‬
‫النبوي أخي يوسف اصبح واان املح وان اتكلم يف هذا الباب ابلرمز واالشارة ولكن رأيت‬
‫ان الرمز واالشارة قاصر يف اداء املقصود واملستمعون عاجزون عن فهمه ومقطعات‬
‫احلروف القرآنية كلها رموز واشارات اىل حقائق االحوال ودقائق االسرار الكائنة بني‬
‫احملب واحملبوب ولكن من الذي يدركها ويفهمها والعلماء الراسخون الذين حكمهم حكم‬
‫خدام حبيب رب العاملني وغلمانه وان كان هلم اطالع عليها ملا أنه جيوز أن يكون‬
‫للخدام اطالع على بعض اسرار خمادميهم اخلفية بل جيوز أن تكون بني اخلادم واملخدوم‬
‫معاملة بطريق تبعيت ه للمخدوم وان يكون اخلادم شريكا له يف دولته اخلاصة به بتطفله‬
‫ولكنهم لو اظهروا مشة من هذا البيان يكونون خونة ومهلكني انفسهم ويصدق يف حقهم‬
‫قطع البلعوم الذي قاله أبو هريرة رضي هللا عنه يضيق صدري وال ينطلق لساين نقد‬
‫الوقت ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف أمران وثبت أقدامنا وانصران على القوم الكافرين و‬
‫السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله‬
‫واصحابه الربرة التقى‪.‬‬
‫‪- 1099 -‬‬

‫{املكتوب احلادي واملائة اىل الشيخ عبد هللا يف املنع من تفسري آايت القرآن‬
‫وأتويلها على طبق مذاق الفالسفة}‬
‫سلمكم هللا سبحانه وعافاكم عن البليات قد أرسلت كتاب تبصرة الرمحن الذي‬
‫كنتم ارسلتموه وقد طالعت بعض مواضعها فوجدت ان ملصنفه ميال عظيما اىل مذهب‬
‫الفالسفة حبيث يكاد جيعل احلكماء مساوين لالنبياء عليهم الصالة و السالم ووقع النظر‬
‫على آية يف سورة هود قد فسرها على طرز احلكماء خالف طور االنبياء وسوى بني قول‬
‫احلكماء واالنبياء عليهم السالم وقال يف بيان معن هذه اآلية أولئك الذين ليس هلم‬
‫ابتفاق االنبياء واحلكماء اال النار احلسي أو العقلي اخل وأين اجملال التفاق احلكماء مع‬
‫وجود امجاع االنبياء وأي اعتبار يف قوهلم يف العذاب األخروي خصوصا اذا كان خمالفا‬
‫لقول االنبياء عليهم السالم ومقصود الفالسفة من اثبات العذاب العقلي هو رفع العذاب‬
‫احلسي الذي وقع امجاع االنبياء على ثبوته وبني اآلايت القرآنية موافقا ملذاق احلكماء يف‬
‫مواضع أخر أيضا وان مل يكن خمالفا للمذهب املبني فمطالعة هذا الكتاب ال خيلو عن‬
‫مضرات خفية بل جلية واعتقدان اظهار هذا املعن الزما وكتبنا يف ذلك كلمات وان‬
‫كانت تصديعا و السالم‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين واملائة اىل جناب املري حممد نعمان يف الرتغيب يف اجملاهدات‬
‫واالنزواء وتربية طاليب احلق جل وعال}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان احوال هذه احلدود‬
‫وأوضاعها مستوجبة للحمد هلل سبحانه احلمد واملنة دائما و على كل حال ومل اطلع على‬
‫احوالكم من مدة مديدة واملرجو أنكم قلبتم ذلك الورق وبدلتم الكسل ابلعمل وتوجهتم‬
‫من الفراغ اىل اجملاهدة فان الوقت وقت العمل واالشتغال ال موسم االكل واملنام ينبغي‬
‫اعداد نصف الليل للنوم والنصف اآلخر للطاعة والعبادة فان مل يكن قدرة اختيار هذه‬
‫‪- 1100 -‬‬

‫اهلمة ينبغي ان يلتزم ثلث الليل من النصف اىل السدس ينبغي ان يسعى لئال يقع فتور يف‬
‫دوام هذه الدولة وينبغي ان خيتلط ابلناس وان ينبسط اليهم مقدار ما تؤدي به حقوقهم‬
‫الضرورة تقدر بقدرها واالنبساط اىل اخلالئق زايدة على قدر احلاجة من الفضول وداخل‬
‫فيما ال يعين ورمبا يتفرع عليه مضرات كثرية ويصري داخال يف حمظورات الشريعة والطريقة‬
‫والشيخ الذي يفرط يف االنبساط اىل املريدين خيرجهم من االرادة ابلضرورة ويوقع الفتور‬
‫يف طلبهم عياذا ابهلل سبحا نه من ذلك ينبغي ان يدرك قبح هذا املعن وان يسلك‬
‫ابلطالبني على وجه يكون سببا النسهم وألفتهم ال موجبا لنكرهتم ونفرهتم واالنزواء من‬
‫اخلالئق ضروري فان االختالط واالئتالف معهم بال داع وال حاجة سم قاتل وهذا املعن‬
‫ميسر لكم بتوفيق هللا تعاىل ابلسهولة وماذا يصنع أرابب االبتالء فاهنم مشغولون مع‬
‫أرابب التفرقة دائما ينبغي لكم ان تعرفوا قدر هذه النعمة و العمل مبقتضاها وعليكم‬
‫بكمال االستخبار عن حال الطالبني وابلتوجه اىل تربيتهم ظاهرا وابطنا وما اكتب أزيد‬
‫من ذلك‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث واملائة اىل الشيخ محيد االمحدي يف الرتهيب عن قصور‬


‫االحوال والرتغيب يف حصول التكميل والكمال}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سر مكتوب أخي االعز الشيخ‬
‫محيد بوصوله ما أعظم نعمة حصول الرغبة يف جناب قدس احلق جل سلطانه والربودة‬
‫عما سواه تعاىل جلماعة يف صحبة شخص يف مثل هذه الزمان اململوء من الفنت ومع‬
‫ذلك ال يغرت ذلك االخ هبذه الدولة وال يكون فارغا عن شغله (هنوز دهلي دور است)‬
‫مثل مشهور يعين الدهلي بعيد بعد وال يعلم هل مت واحد من املائة ام ال وهذه االحوال‬
‫اليت حتصل للطالبني يف االبتداء وتورثهم ذوقا ولذة من قبيل مترين االطفال بتعليم ألف واب‬
‫واألم ر ان جياوز التهجي والوصول اىل مرتبة املولوية والرتقي من االذواق وااللتذاذات‬
‫والدخول اىل الوالية اخلاصة {شعر}‪:‬‬
‫‪- 1101 -‬‬

‫وذا ايوان االستعالء عال * فاايكم واخطار الوصال‬


‫وعليكم بتعمري االوقات والتحلي ابلشريعة والطريقة ظاهرا وابطنا واعلم ان تكميل‬
‫الغري فرع كمال االنسان نفسه وهو درجة الوالية اخلاصة ولكن اذا ظهر يف الصحبة رشد‬
‫يف الطالبني وحصلت هلم أحوال ومواجيد فهي أيضا غنيمة وان مل يبلغوا حد الفناء والبقاء‬
‫وحكمها يف هذا الوقت حكم الكربيت االمحر ان فعل ذلك أيضا ولكن تعليم الطريقة أاي‬
‫من كان بعد االستخارات والتوجهات مناسب بل الزم وينبغي ان تكونوا على خوف‬
‫وخشية من هذا العمل حذرا من تسلط الشيطان من هذه اجلهة اعاذان هللا سبحانه من‬
‫شره فان أمتمتم العدد الذي أمرتكم به اشتغلوا بصنعفه مث اخربوين بعد ذلك حت يصدر‬
‫االعالم مبا يناسب احلال وسلموا منا على االصحاب عندكم ووصلت أيضا الصحيفة‬
‫الشريفة اليت كتبها السيد حيىي محدا هلل سبحانه على كون قلوب الناس منجذبة اىل حضرة‬
‫احلق سبحانه و تعاىل وكوهنم واهلني مشتاقني اىل ذلك اجلناب االقدس جل سلطانه يف‬
‫مثل هذا الوقت الذي له كمال القرب من القيامة وقد ورد يف اخلرب وتقوم الساعة على‬
‫اشرار الناس والت وقع من األحبة الدعاء على ظهر الغيب بسالمة اخلامتة ربنا أمتم لنا نوران‬
‫واغفر لنا انك على كل شئ قدير و السالم أوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع واملائة اىل احلضرات ذوي الربكات حضرة املخدوم زاده‬
‫اخلواجه حممد سعيد وحضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم يف بشارهتما‬
‫ابلوصول اىل بعض املراتب}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى مل يكتب االوالد الكرام منذ مدة‬
‫شيئا من أحواهلم الظاهرة والباطنة ولعل ذلك بسبب طرو النسيان والذهول عن حال‬
‫املهجورين بواسطة متادي اايم املفارقة ولنا أيضا أرحم الرامحني أليس هللا بكاف عبده‬
‫مورث التسلي للغرابء احملرومني والعجب ان اخلاطر متوجه اىل أحوالكم دائما مع عدم‬
‫التفاتكم هذا كله ومريد لكمالكم وقد كنت امس عقدت جملس السكوك بعد صالة‬
‫‪- 1102 -‬‬

‫الصبح فظهر ان اخللعة اليت كانت يل انفصلت عين وتوجهت اىل خلعة أخرى مكاهنا‬
‫فوقع يف اخلاطر أن هذا اخللعة الزائلة هل يعطاها شخص ام ال وكنت أمتين اهنا أعطيها‬
‫ولدي االرشد حممد معصوم فرأيت بعد حملة ان ولدي قد أعطيها وألبسها ابلتمام وكانت‬
‫تلك اخللعة الزائلة كناية عن معاملة القيومية اليت تتعلق ابلرتبية والتكميل وكانت هي‬
‫الباعثة على ارتباط هذه العرصة اجملتمعة فاذا انتهت معاملة هذه اخللعة اجلديدة اىل‬
‫آخرها وصارت مستحقة للخلع نرجو من كمال الكرم ان يعطيها ولدي االعز حممد‬
‫سعيد وهذا الفقري يسأل ذلك ابلتضرع على الدوام ويفهم أثر االجابة وجيد ولدي‬
‫مستحقا هلذه الدولة {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف أمر مع الكرام‬
‫و االستعداد أيضا من عطائه سبحانه و تعاىل {شعر}‪:‬‬
‫ما جئت من بييت بشئ أوال * ومنحتين ما يب وأين بعض ذا‬
‫قال هللا تعاىل اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور واعلموا ان الشكر‬
‫عبارة عن صرف العبد مجيع ما أنعم هللا عليه من اجلوارح والقوى الظاهرية والباطنية اىل ما‬
‫خلقها هللا واعطاه الجله لواله ملا حصل الشكر وهللا املوفق ومثل هذه العلوم من االسرار‬
‫اخلفية وان قلناه جهارا ولكنه الزم االخفاء لئال يفتنت الناس مث ان ذاك املشكل الذي كان‬
‫يف من ان تلك املعاملة لعلها يف عامل املثال قد احنل يف هذه االايم ومل يبق فيه خفاء أصال‬
‫ولعل لروحانية اخلواجه معني الدين أيضا مدخال يف هذا املعن ولعل ذلك املشكل ابق يف‬
‫خاطر حممد معصوم‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس واملائة اىل الشيخ حسن الربكي يف جواب كتابه الذي كتبه‬
‫لبيان احواله ويف احلث على احياء السنة والتحذير عن ارتكاب البدعة}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سرت صحيفة أخي االعز الشيخ‬
‫حسن أحسن هللا حاله بوصوهلا وقد اندرج فيها من العلوم واملعارف فزادت مطالعتها‬
‫‪- 1103 -‬‬

‫فرحا على فرح محدا هلل سبحانه كله علوم صحيحة ومعارف صادقة مطابقة للكتاب‬
‫والسنة موافقة العتقاد الفرقة الناجية رزق هللا سبحانه االستقامة واوصل اىل منتهى‬
‫املقاصد العلية وكتبت من رفع البدع مشة اي هلا من نعمة عظيمة لو وفق شخص لرفع‬
‫بدعة من البدع يف مثل هذا الوقت الذي تراكمت فيه ظلمات البدعة وأحيا سنة من‬
‫السنن وقد ورد يف األحاديث الصحيحة من احيا سنة ميتة فله ثواب مائة شهيد فليعلم‬
‫درجة هذا العمل من ههنا ولكن ينبغي ان يراعى دقيقة وهي ان ال ينجر االمر اىل ايقاظ‬
‫الفتنة وان ال تكون احلسنة الواحدة ابعثة على سيئات كثرية فان الزمان آخر االزمان‬
‫وأوان ضعف االسالم واالميان وحصل االفراح واملسرات أيضا من مطالعة الرسالة اليت‬
‫ارسلتها احلمد هلل سبحانه املوافقة يف العلوم هلذا الفقري كثرية ويف الكشف مطابقة‬
‫واالنظار أيضا عالية وقد كنت فوضت كتابك الذي كان متضمنا لالحوال والعلوم‬
‫واالستفسارات اىل أخي حممد هاشم الكشمي ليحضره وقت حترير اجلواب فاضاعه اتفاقا‬
‫وهلذا وقع التوقف يف تفصيل االجوبة وما بقي منها يف اخلاطر كتبت جوابه وجمملها اهنا‬
‫أحوال مستحسنة وعلوم صحيحة مث انه ينبغي لكم السعي البليغ يف تربية اوالد املرحوم‬
‫املغفور له موالان امحد وتعليمهم ورعاية اهلداية ابآلداب الظاهرية والباطنية وعليكم بداللة‬
‫سائر االصحاب الفقراء بل مجيع أهل االسالم الكائنني يف تلك البقعة على الشريعة‬
‫والتزام السنة وهتديدهم وحتذيرهم عن ارتكاب البدعة وهللا سبحانه املوفق وقد أرسل اليكم‬
‫اخلواجه حممد هاشم نقول بعض مكاتيب اجللد الثالث نفعكم هللا هبا وأوقات الفقري‬
‫خمتلفة فاحياان تظهر الرغبة يف تسويد العلوم واملعارف بال اختيار ويف بعض االوقات‬
‫تظهر النفرة من الكتابة مع افاضة االسرار الغريبة حبيث ال يستطاب أخذ القلم ابليد فبناء‬
‫على ذلك يقع الفتور يف تفصيل جواب كتبكم اليت وصلت وال اقدر ان اكتب شيئا‬
‫ابلتكلف وبقية االحوال مستوجبة للحمد وقد تيسر التخلص بعناية هللا سبحانه من رفاقة‬
‫العسكر ادام هللا لنا االستقامة وجلميع االصحاب الكائنني هناك دعوات خمصوصة و‬
‫السالم‪.‬‬
‫‪- 1104 -‬‬

‫{املكتوب السادس واملائة اىل حضرات املخادمي سلمهم هللا سبحانه يف بيان‬
‫يب صلّى هللا عليه و سلّم وانل منه البشارات العليا}‬
‫واقعته اليت رأي فها النّ ّ‬
‫قد وصلت الصحيفة الشريفة من أوالدي الكرام محدا هلل سبحانه على ما كانوا‬
‫على الصحة والعافية واكتب املعاملة اليت ظهرت اليوم جديدة ينبغي استماعها بكمال‬
‫االصغاء كنت البارحة اليت هي ليلة السبت ذهبت اىل جملس السلطان فلما رجعت منه‬
‫بعد مضي مقدار ثالث ساعات من الليل ومسعت من احلافظ ثالثة أجزاء من القرآن‬
‫ومضى من الليل أزيد من ست ساعات تيسر النوم وحيث كان يب تعب الليل منت بعد‬
‫حلقة الصبح فرأيت النيب صلّى هللا عليه و سلّم قد كتب االجازة للفقري كما هو عادة‬
‫املشايخ من كتابة االجازة للخلفاء وواحد من أصحايب املخلصني متصد هلذه املعاملة‬
‫فظهر يف تلك االثناء ان يف امضاء االجازة حنوا من الفتور ووجه الفتور أيضا معلوم يف‬
‫ذلك ا لوقت فحمل الذي هو متصد هلذه اخلدمة من أصحايب تلك االجازة اىل مالزمته‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم مرة اثنية وكتب النيب صلّى هللا عليه و سلّم على ظهرها اجازة‬
‫أخرى او أمر الغري بكتابتها مل أقدر على تشخيص ذلك ولكنه ابلنسبة اليه صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم معلوم وبعد الكتابة زينها خبتمه عليه و على آله الصالة و السالم ومضمون تلك‬
‫االجازة هو أنه قد أعطيت اجازة اآلخرة عوضا عن اجازة الدنيا واعطيت نصيبا من مقام‬
‫الشفاعة والكاغد أيضا طوالين وكتب فيه سطور كثرية واان اسأل من املتصدي لتلك‬
‫اخلدمة ان ااي منهما األوىل وااي منهما الثانية وأان أجدين يف ذلك الوقت يف حمل واحد مع‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم وأعاشره كالولد مع الوالد وليس حضوره وحضور أهل بيته‬
‫غريبا يل واان أخذت ذلك الكاغد بيدي ولففته وكنت داخال يف حرمه الشريف كاالوالد‬
‫احملارمي وأتمرين امهات املؤمنني يف حضوره صلّى هللا عليه و سلّم ببعض اخلدمات‬
‫ابالهتمام التام وتقول كنت منتظرة لك ينبغي أن تفعل كذا وكذا فعرضت االفاقة يف تلك‬
‫االثناء وارتفع من اخلاطر وجه ذلك الفتور وابلقدر اليسري من فتح العني زالت‬
‫‪- 1105 -‬‬

‫خصوصيات تلك الواقعة من اخلاطر معاينة ولعله بقي يف خاطركم اين قد كنت ذكرت‬
‫كالما يف هذا ال باب أكثر من ذلك من أن العجب أن هذه النسبة العليا ال تظهر على‬
‫مقدارها وكان خيطر يف اخلاطر أن ظهورها لعله يكون ذخرية الجل اآلخرة ويتيسر نعم‬
‫البدل فحصل من هذه الواقعة التشفي من تلك الرتددات الوقت وقت قرب القيامة وقت‬
‫تراكم الظلمات فاي خريية فيه واي نورانية اال ان يروجها احلضرة املهدي عليه الرضوان‬
‫مؤيدا ابخلالفة الظاهرية وقد امرت اليوم شكرا للنعمة بطبخ اطعمة متنوعة لروحانيته صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم وأن يعقدوا جملس السرور ولعل رافعي الكتب أيضا أيكلون من تلك‬
‫االطعمة مث اين قد كنت كتبت يف مكتوب يف بيان واقعة ظهرت أنه مل يقبل واحد من‬
‫االصحاب معكما ملالزمة السلطان مث ظهر بعد زمان أنه قد قبل هو أيضا مبحض الكرم‬
‫وظهر آاثر القبول هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك و على مجيع النعماء ويف هذه االايم‬
‫تظهر معارف غريبة وعلوم عجيبة وكأن ذلك الورق صار مرقوما وظهرت املعاملة لآلخر‬
‫االوالد بعيدون ومعاملة العمر قريبة واىل ما ينجر االمر ونصرب قائلني اخلري فيما صنع هللا‬
‫ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيئ لنا من أمران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السابع واملائة اىل اخلواجه حممد أشرف يف بيان سبب وقوع الفتور‬
‫يف نسبة الرابطة وااللتذاذ ابلطاعة}‬
‫بعد احلمد هلل والصالة وتبليغ الدعوات اهني أنه قد وصلت صحيفة اخي االعز‬
‫محدا هلل سبحانه على ما كانوا على الصحة والعافية وقد سئلتم أنه ما السبب يف انه إذا‬
‫طرأ الفتور يف نسبة الرابطة ال يوجد االلتذاذ بسائر الطاعات اعلموا ان الوجه الذي صار‬
‫سببا لفتور نسبة الرابطة ما نع عن االلتذاذ ابلطاعات وسبب الفتور احياان يكون قبضا‬
‫واحياان كدورة طارية بواسطة ارتكاب زالت وان كانت قليلة والوجه االول ليس مبذموم بل‬
‫هو من لوازم سلوك الطريقة وينبغي تدارك عروض الوجه الثاين ابلتوبة واالستغفار اىل أن‬
‫يرتفع أثره بكرم هللا سبح انه وحيث ان التمييز بني القبض والكدورة يستدعي دقة النظر‬
‫‪- 1106 -‬‬

‫فالتوبة انفعة على كل حال أدام هللا سبحانه استقامتكم و السالم‪.‬‬

‫{الكتوب الثامن واملائة اىل املال طاهر اخلادم يف بيان املعامالت املتعلقة ابصل‬
‫االصل وهذه املعرفة منقولة ابملعىن}‬
‫ان املعاملة اليت تتعلق ابصل االصل على نوعني نوع ميكن معرفتها بصورة مثالية او‬
‫ابمر آخر وهذه املعاملة موقتة بوقت كون السري يف مقامات هلا مناسبة او مشاكلة ابلعامل‬
‫ولو ابلوجه واالسم وذلك اىل هناية مقام الرضا فاذا تيسر السري لشخص فوق مقام الرضا‬
‫ال يكون له شئ معلوما ال بصورة مثالية وال أبمر آخر فحينئذ يكون لذلك العارف علم‬
‫مبحض حصول مقامات فوقانية من غري أن يكون له شئ منها معلوما حت ان اسم النبوة‬
‫والرسالة وامثاهلما أيضا مفقودة يف هذه املقامات وأظن أن احلق سبحانه سيعطي يف دار‬
‫اخللد علم تلك املقامات وهناية هذا السري اىل مرتبة خمصوصة ال ختفى على ارابهبا و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع واملائة اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم سلمه‬
‫هللا سبحانه يف بيان أن اجياد العامل يف مرتبة الوهم ولكنه بواسطة االستقرار وتعلق‬
‫االجياد به صار منسواب اىل نفس االمر وهذه املرتبة وراء مرتبة العلم واخلارج وبيان أن‬
‫الوحدة والكثرة كلتيهما يف نفس االمر وحتقيق أن فناء السالك مع وجود الثبات‬
‫واالستقرار أبي معىن يكون وهذا املكتوب بقي غري اتم بواسطة حوادث االايم}‬
‫اعلم أن مرتبة الوهم عبارة عن مرتبة يكون فيها ظهور بال وجود كما ان صورة زيد‬
‫مثال اذا كانت متومهة يف املرآة ف هناك ظهور بال وجود النه ال صورة يف املرآة أصال وليس‬
‫هلا ثبوت فيها غري الظهور الومهي وقد الح ابلكشف الصحيح والشهود الصادق أن احلق‬
‫سبحانه خلق العامل من كمال اقتداره يف تلك املرتبة واعطاه بصنعه الكامل ظهورا حمضا‬
‫وان كان يف تلك املرتبة ظهورا بال كون ووجود ولكن ملا صار العامل خملوقا يف تلك املرتبة‬
‫‪- 1107 -‬‬

‫كان ظهورا مع وجود فان اجياده تعاىل يكون مثبتا و موجدا وملا كان ظهورا مع وجود‬
‫كان يف مرتبة نفس االمر وترتبت عليه أحكام وآاثر صادقة ومرتبة الوهم هذه وراء مرتبة‬
‫العلم واخلارج ومشاهبتها ومناسبتها مبرتبة اخلارج أزيد من مناسبة مرتبة العلم هبا وثبوهتا‬
‫شبيه بثبوت خارجي خبالف الثبوت العلمي الذي يقال له وجودا ذهنيا فانه يف الطرف‬
‫املقابل للوجود اخلارجي والظهور الذي هو يف مرتبة الوهم له أيضا شبه اتم ابلظهور‬
‫اخلارجي خبالف مرتبة العلم فان هناك بطوان وكموان وكأنه وقع يف مرتبة الوهم ظل من‬
‫مرتبة اخلارج فاوجد العامل فيها بظل اخلارج فال يكون يف نفس اخلارج موجود غري الذات‬
‫االحدية و يكون العامل مع هذا التعدد والتكثر موجودا يف ظل اخلارج ابجياد هللا تعاىل‬
‫بوجود ظلي ويف خارج نفس االمر وحدة ويف ظل خارج نفس االمر كثرة كما أن املطابق‬
‫لنفس االمر يف العلم أيضا كثرة فتكون الوحدة والكثرة كلتامها يف نفس االمر و يكون‬
‫لكل منهما اعتبار على حدة وال حمذور فيه كما ان هذا اخلارج والوجود للعامل ظليان‬
‫كذلك سائر صفاته من احلياة والعلم والقدرة وغريها أيضا ظالل صفات الواجب جل‬
‫سلطانه بل النفس االمر الذي يثبت يف اثبات العامل أيضا ظل نفس االمر الكائن يف‬
‫مرتبة اخلارج {شعر}‪:‬‬
‫ما جئت من بييت بشئ أوال * ومنحتين ما يب واين بعض ذا‬
‫قال هللا تعاىل وتقدس امل تر اىل ربك كيف مد الظل (فان قيل) انك كتبت يف‬
‫رسائلك أن ما يف الظل كله من االصل وليس يف يد الظل شئ غري محل اماانت االصل‬
‫فاذا رد السالك املستعد مجيع ما يف يده من اخلري والكمال والوجود وتوابع الوجود حبكم‬
‫الظلية اىل أصله ووجد نفسه خاليا من مجيع الكماالت يصري متحققا ابلفناء‬
‫واالضمحالل ابلضرورة وال يبقى منه اسم وال رسم فما حاصل هذا الكالم وما معن رد‬
‫الكماالت اىل االصل وابي اعتبار يكون فناء السالك واضمحالله مع وجود ثباته‬
‫واستقراره (قلت) ان هذا الفناء يشبه حال شخص لبس أثواب العارية ويعلم أهنا ليس له‬
‫بل لغريه وامنا لبسها بطريق العارية فاذا غلبت هذه الرؤية واستولت استيالء اتما ميكن ان‬
‫‪- 1108 -‬‬

‫يعطي تلك االثواب مع وجود التلبس هبا لصاحبها وجيد نفسه عرايان حت ينفعل‬
‫ويستحي من جلسائه بسبب عريه من الثياب وجير نفسه اىل زاوية وحيث ان السالك‬
‫صار خملوقا يف مرتبة التوهم والتخيل يكفيه الفناء التخيلي أيضا فان استيالء هذا التخيل‬
‫يوصله اىل اليقني القليب وجيعله ذوقيا وجدانيا فيوجد ما هو املقصود من الفناء‬
‫واالضمحالل الن املقصود من الفناء زوال التعلق ابلظل وحصول التعلق ابالصل وملا‬
‫صار رجوع الظل اىل االصل يقينا وذوقيا ووجدانيا زال التعلق ابلظل ابلضرورة وجاء‬
‫مكانه التعلق ابالصل فلو مل حيصل هذا التخيل ملا تيسر دولة زوال التعلق ابلظل بل مدار‬
‫سلوك هذا الطريق عل ى التوهم والتخيل واالحوال واملواجيد اليت هي املعاين اجلزئية يف هذا‬
‫الطريق امنا تدرك ابلوهم والتجليات والتلوينات امنا تشاهد للسالكني يف مرآة اخليال فلوال‬
‫الوهم لقصر الفهم ولوال اخليال السترت احلال مل يوجد يف هذا الطريق شئ انفع من الوهم‬
‫واخليال وجاء أكثر ادراكهما وانكشافهما مطابقا للواقع والذي يقطع مسافة مخسني ألف‬
‫سنة كائنة بني العبد والرب يف مدة قليلة بكرم هللا تعاىل ويوصل العبد اىل درجات عالية‬
‫هو الوهم والذي جيعل دقائق غيب الغيب واسراره منكشفة يف مرآته ويطلع السالك‬
‫املستعد عليها هو اخليال ومن شرافة الوهم اختار احلق سبحانه خلق العامل يف تلك املرتبة‬
‫وجعلها حمال لظهور كماالته ومن جاللة اخليال جعله هللا امنوذجا لعامل املثال الذي هو‬
‫اوسع مجيع العوامل حت قالوا بوجود صورة فيه ملرتبة الوجود ايضا وحكموا ابن هللا سبحانه‬
‫ليس له مثل ولكن له مثال وهلل املثل االعلى والذي حيسه العارف يف مرآة خياله ويرتقي‬
‫بذوق وجدانه هو صور االحكام الوجوبية (فان قيل) قد اتضح من التحقيق السابق أن‬
‫الفناء ابعتبار التخيل وان كان موصال اىل يقني قليب وجعله ذوقيا ووجدانيا وترتبت عليه‬
‫أحكام صادقة ال ابعتبار التحقق وأنت بنفسك كتبت يف بعض رسائلك ان هذا الفناء‬
‫ابعتبار الوجود وانه زوال العني واالثر فما حقيقة هذه املعاملة (قلت) ملا كان رجوع وجود‬
‫الظل اىل االصل يقينيا وذوقيا ووجدانيا حكم بزوال الوجود ايضا ابلضرورة وقيل ابرتفاع‬
‫العني واالثر (فان قيل) ان هذا احلكم ابلفناء الوجودي مع ثبوت الفاين واستقراره هل هو‬
‫‪- 1109 -‬‬

‫صادق أو كاذب‪.‬‬

‫{املكتوب العاشر واملائة اىل املخدوم زاده حممد معصوم أيضاً سلمه هللا يف‬
‫بيان ان معاملة العارف تبلغ مبلغا ال حتصل فيه صورة معلوم أصال فحينئذ تكون له‬
‫كل ذرة من الذرات طريقا سلطانيا اىل املطلوب وبيان ان حب مثل هذا العارف‬
‫ينجر اىل حب احلق وبغضه اىل بغضه سبحانه وهكذا حكم تعظيم آل النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم واهانتهم ابلنسبة اليه صلّى هللا عليه و سلّم وهذه املعارف نقلت‬
‫ابملعىن}‬
‫اذا بلغ العارف معاملته اىل االصل بعد طي مقامات الظل يكون حينئذ علمه‬
‫املتعلق ابالشياء مربأ من قيد الظلية يعين تكون االشياء معلومة له من غري أن حيصل فيه‬
‫منها شئ فانه كلما حصل فيه شئ يكون ظل ذلك الشئ يف العقل وصورته ال عني ذلك‬
‫الشئ كما قيل يف تعريف العلم هو حصول صورة الشئ يف العقل ال شك ان الصور‬
‫احلاصلة من الشئ يف العقل شبح ومثال لذلك الشئ ال عينه كما يشهد به الكشف‬
‫الصريح وا الهلام الصحيح فحينئذ ال يثبت هذا العارف للعامل نسبة ابحلق سبحانه سوى‬
‫نسبة الصانعية واملصنوعية و يتحاشى من القول ابلظلية والعينية واملرآتية وهذه املعاملة‬
‫مربوطة ابلكماالت الذاتية فان للذات غنا ذاتيا عن العامل ان هللا لغين عن العاملني خبالف‬
‫بعض مراتب االمساء والصفات فان هذه النسبة متصورة فيها فما مل يتعد العارف من تلك‬
‫املقامات ومل يصل اىل أصل االصل ليس له نصيب من هذه النسبة وكل ذرة من الذرات‬
‫تكون للعارف يف هذا املقام طريقا سلطانيا اىل جناب قدس احلق جل شأنه خبالف العلم‬
‫احلصويل فان العامل يف تلك الصورة جيذب كل شئ اىل جانب نفسه ويصري بنفسه مرآة‬
‫جلميع االشياء وكذلك يف صورة الظلية واملرآتية جيذب كل شئ صاحب ذلك العلم اىل‬
‫نفسه وال يرتك نظر بصريته ينفذ اىل ما وراءه فاذا ختلص بكرم هللا سبحانه عن قيد‬
‫حصول الظلية تصري له كل ذرة من ذرات املوجودات عرضا كانت أو جوهرا آفاقية كانت‬
‫‪- 1110 -‬‬

‫أو أنفسية ابب غيب الغيب (ينبغي) أن يعلم أن ذلك الشخص كما انه كان سابقا مرآة‬
‫جلميع االشياء وكلما فعل فعله الجل نفسه وكلما صدر عنه كان راجعا اليه ابلضرورة‬
‫نوى او مل ينو وملا منع اآلن مرآة نفسه عن املرآتية وامتنع من التقيد ابلظل وصار مثل‬
‫صندوق الرحي كلما يلقي فيه ال يبقى فال جرم كلما يفعل ال يفعله لنفسه بل يفعله‬
‫الجل احلق سبحانه نوى أو مل ينو فان النية امنا هي يف أمر حمتمل ال يف أمر متيقن‬
‫فحينئذ ينجر حب هذا العارف اىل حبه تعاىل وبغضه اىل بغضه سبحانه وكذلك تعظيمه‬
‫وتوقريه تعظيم وتوقري للحق سبحانه واهانته واساءة االدب معه تنجر اىل اهانة هللا‬
‫سبحانه واساءة األدب معه وكانت هذه النسبة الصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫معه صلّى هللا عليه و سلّم على تفاوت درجاهتم حيث ان حبهم وبعضهم مثمران حلبه‬
‫وبعضه صلّى هللا عليه و سلّم قال عليه الصالة و السالم من احبهم فبحيب أحبهم ومن‬
‫أبغضهم فببغضي أبغضهم وهذه النسبة أيضا اثبتة يف آل النيب معه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫ولكن ظهور هذه النسبة يف علي املرتضى وفاطمة الزهراء واحلسنني رضي هللا عنهم أمت‬
‫ويشاهد سرايتها يف بقية االئمة االثين عشر ايضا وال حيس هذه النسبة فيما وراءهم و‬
‫السالم‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي عشر واملائة اىل الشيخ نور حممد التهاري يف بيان بعض‬
‫االسرار املتعلقة مبقام قاب قوسني أو أدىن وبيان سر عدم وجدان العارف الكامل‬
‫مشاله وهذه املعارف أيضا منقولة ابملعىن}‬
‫اعلم ان يف معاملة قاب قوسني يف الظاهر لوان من املظهر وذلك لعدم حصول‬
‫ذهاب العني واالثر من السالك للسالك خبالف معاملة أو ادىن فانه ال يبقى فيها حكم‬
‫وال اثر من املظهر أصال فيكون املظهر يف هذه املرتبة الثانية أمرا مستفادا من مرتبة‬
‫الوجوب ابلضرورة وهو خلق للعارف خاص به اعطيه بعد امتام معاملة االصل وميكن ان‬
‫يعرب عنه ابفاضة الصورة ا يضا وهذا سر غامض جدا ولعل تفصيله يثبت يف موضع آخر‬
‫‪- 1111 -‬‬

‫ان شاء هللا تعاىل فيكون املظهر يف هذه املعاملة امرا مل يتطرق اليه رائحة من العدم وليس‬
‫لشائبة االمكان فيه جمال فلو اثبتنا انفعاال يف تلك املرتبة يكون ذلك من نفسه لنفسه ال‬
‫من الغري فانه مل يبق فيها رسم من الغري {شعر}‪:‬‬
‫ولوجهه من وجهه قمر * ولعينه من عينه كحل‬
‫وان كان االنفعال الذي يثبت يف مرتبة قاب قوسني ايضا حقا والظهور فيها ظهور‬
‫االصل ولكنه ليس خاليا من شائبة الظلية والئقا بتلك املرتبة العليا واالنفعال الذي يليق‬
‫بتلك املرتبة املقدسة هو ما ال يكون لرائحة الظلية اليه سبيل وال يكون للغري مدخل يف‬
‫البني بوجه من الوجوه فان الغري غري خال عن لوث العدم ونقص االمكان فلو كانت‬
‫انفعاالت مراتب الظالل لذلك لساغ فيما هنالك (ينبغي) ان يعلم أن يف معاملة او ادىن‬
‫الذي ذكرت مشة منها ال جيد العارف الكامل مشاله وسره ان مشاله اخذ حكم اليمني الن‬
‫الشمال كان من مقتضيات العدم فلما زالت احكام العدم ما بقي اال الوجود الصرف‬
‫وليس مثة مشال بل كلتا يديه سبحانه ميني فافهم وال تقع يف الزندقة فاذا عرفت هذه‬
‫االسرار الغامضة واملعارف الغريبة فامسع قال هللا تعاىل مث دىن فتدىل اعلم ان حتقيق هذا‬
‫الدنو بعد حتقيق اسرار او ادىن الذي ذكر فيما سبق فانه ما بقي حكم واثر يف العارف‬
‫ومل يتربأ من لوث العدم ليست له لياقة هبذا الدنو وبعد حتقق هذا الدنو تدل وهو متوجه‬
‫اىل النزول فاذا حتقق التديل ورجع العارف اىل اخللق فحينئذ تظهر صورة قوسني وان مل‬
‫يبق من القوس االول اثر وحكم ولكن ملا تشرف ابلتديل يتوهم يف ذلك الوقت صورة‬
‫القوسني وامنا قال[‪ ]1‬بعد التديل فكان قاب قوسني ابعتبار ان الثابت حينئذ صورة‬
‫القوسني ال حقيقتهما أو أدىن بل ادىن اذ ما بقي من القوس الثاين هناك اثر وال حكم‬
‫فليس قوسني ههنا حقيقة وهذه املعارف من اسرار هللا سبحانه يظهرها على أخص‬
‫اخلواص من عباده و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله‬

‫(‪ )1‬مقول القول وكان قاب قوسني يعين وامنا قال هللا تعاىل يف القرآن العظيم يف حق نبيه الكرمي فكان قاب قوسني بعد‬
‫حتقق التديل حيث قال قبله مث دىن فتدىل ابعتبار اخل عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 1112 -‬‬

‫الصالة و السالم والربكات العلى‪.‬‬

‫{املكتوب الثاين عشر واملائة اىل القاضي اسلم يف بيان ان صفاته تعاىل ال عني‬
‫ذاته سبحانه وال غري ذاته}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ما أحسن ما قال علماء اهل السنة‬
‫شكر هللا تعاىل سعيهم من ان الصفات الثمانية احلقيقية لواجب الوجود ال هو وال غريه‬
‫وهذه املعرفة وراء طور العقل وامنا وجدوها بنور الفراسة وبربكة متابعة االنبياء عليهم‬
‫الصالة و السالم وارابب املعقول يفهمون من هذه العبارة ارتفاع النقيضني ومل يعلموا ان‬
‫احتاد املكان والزمان من شروط حصول التناقض فاذا مل يكن للزمان واملكان جمال يف تلك‬
‫احلضرة كيف يتصور فيها التناقض وما تصرف العلماء يف لفظ الغري لدفع التناقض وأرادوا‬
‫ابلغري معن خاصا ال حاجة اليه اصال بل النظر الكشفي مينع هذا التخصيص ويثبت‬
‫نفي الغريية ابي معن كانت وجند ان صفاته تعاىل كما اهنا ليست عني ذاته االقدس بل‬
‫زائدة ليست غري ذاته ايضا ولو كانت زائدة وثبتت نسبة االثنينية بينها وبني الذات وقد‬
‫ختلف هنا القضية املقررة لدى ارابب املعقول من ان االثنني متغايران ونقضت اصوهلم وما‬
‫قلتم من انه وراء طور العقل مبعن ان العقل ال يهتدي اليه قاصر عن ادراكه ال انه حيكم‬
‫خبالفه كيف حيكم خبالفه وهو مل يتصوره بعد بل هو خارج عن حيطة ادراكه فكيف‬
‫يتصور حكمه ابثباته ونفيه ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيئ لنا من امران رشدا‪.‬‬

‫{املكتوب الثالث عشر واملائة اىل املال سلطان السرهندي يف بيان ان صفاته‬
‫تعاىل متصفة ابحلياة والعلم وسائر الكماالت ويف حتقيق معىن قيام الصفات بذاته جل‬
‫سلطانه}‬
‫اعلم ان صفات واجب الوجود اليت هي قائمة بذاته سبحانه مثل احلياة والقدرة‬
‫والعلم وغريها ال مناسبة هلا من كمال التقدس والتنزه بصفات املمكن اصال فان صفات‬
‫‪- 1113 -‬‬

‫املمكن أعراض قائمة ابجلواهر وصفات الواجب جل سلطانه مقومات اجلواهر فان قيام‬
‫اجلواهر امنا هو هبا وأيضا ان صفات املمكن مجاد حمض حكمها حكم امليت ليس هلا‬
‫نصيب من احلياة والعلم وغريمها ولكن املمكن يصري بتوسطها حيا وعاملا وقادرا واما هي‬
‫انفسها فليست حبية وال عاملة وال قادرة خبالف صفات واجب الوجود تعاىل وتقدس فاهنا‬
‫يف نظر هذا احلقري الكشفي حية عاملة كموصوفها ومدركة لكماالهتا املندرجة فيها‬
‫ومشغوفة هبا ولكن علمها يفهم من قبيل العلم احلضوري ال العلم احلصويل وكذلك كل‬
‫صفة وشأن تثبت يف مرتبة الوجوب تنكشف كلها بثبوت احلياة والعلم هلا تظهر يف النظر‬
‫نورا صرفا وكأن ذلك النور بتمامه حياة وبتمامه علم وانكشاف وهااتن الصفتان‬
‫الكاملتان بينتان وواضحتان هناك خبالف صفات اخر من القدرة واالرادة وغريمها فاهنا ال‬
‫تنكشف هناك هبذا الوضوح نعم ان ما هو الالزم يف ذلك املوطن هو انكشاف‬
‫الكماالت وهو متعلق بصفة العلم وملا كان العلم اتبعا للحياة البد من صفة احلياة ايضا‬
‫والقدرة واالرادة مربوطتان ابملقدور واملراد وميكن االكتفاء من السمع والبصر ابلعلم‬
‫واملقصود من الكالم هو االفادة والتكوين امنا هو للمكوانت ومع ذلك ملا كانت كل‬
‫صفة جامعة كانت هذه الصفات الكاملة فيها اثبتة ظهرت أو مل تظهر (ال يقال) يلزم‬
‫من هذا البيان قيام املعن ابملعن فان الصفات اذا كانت حية وعاملة البد من قيام احلياة‬
‫والعلم هبا (الان نقول) كلتامها قائمتان بذات الواجب تعاىل إحدامها ابالصالة واألخرى‬
‫ابلتبعية كما قال العلماء يف بقاء االعراض ان العرض وبقاء العرض كليهما قائمان مبحمل‬
‫العرض (وحتقيق) هذا املبحث ان قيام صفات الواجب بذاته االقدس ليس هو كقيام‬
‫العرض ابجلوهر كال بل هو شبيه بقيام املصنوع ابلصانع فان الصانع قيوم املصنوع وان‬
‫كان هناك اتصاف وفقد ذلك االتصاف هناال بل هو كقيام الشئ بذاته وامنا الفرق ان‬
‫هناك زايدة والزايدة غري متصورة هنا ولكن تلك الزايدة غري موصلة اىل حد الغريية فاهنم‬
‫قالوا وال غريه فكان التغاير االعتباري اثبتا يف املوضعني والقيام متحققا وحصول‬
‫االتصاف هنا من قبيل اتصاف االنسان ابالنسانية واتصاف اجلوهرية ابجلوهر بل اقول‬
‫‪- 1114 -‬‬

‫ان مرتبة الذات االقدس والصفات احلقيقية املقدسة القائمة هبا ليست فيها مالحظة‬
‫الصفات واالتصاف أصال ال يف حضرة الذات مالحظة املوصوفية وال يف الصفات‬
‫مالحظة الصفاتية فاذا مل يكن للوجود ووجوب الوجود جمال يف تلك احلضرة كيف يكون‬
‫للصفة واال تصاف فيها جمال فاهنا فرع الوجود ال جمال يف ذلك املوطن املقدس لشئ غري‬
‫النور وهو أيضا الكيفي فان كان فيه حياة فهو نور وان كان علم فهو أيضا نور و على‬
‫هذا القياس فلو اثبت هلذا النور االقدس الالكيفي ظهور يف مرتبة اثنية بال تغري وانتقال ال‬
‫يكون القابل ملظهريته شئ غري الوجود وهلذا كان التعني االول عند هذا احلقري هو التعني‬
‫الوجودي وسائر التعينات اتبعة هلذا التعني االول وان مل يكن الطالق لفظ التعني ههنا‬
‫جمال مبقتضى علوم هذا الفقري ولكن ملا صار هذا اللفظ متعارفا فيما بني القوم حنن أيضا‬
‫جرينا على اصطالحاهتم واخرتان املساهلة يف اطالقه ربنا أمتم لنا نوران واغفر لنا انك على‬
‫شئ قدير‪.‬‬

‫{املكتوب الرابع عشر واملائة اىل حممد هاشم الكشمي يف حتقيق صفات‬
‫الواجب تعاىل وبيان كيفية تعلق علمه تعاىل بكماالته وبيان انه البد للمعىن من القيام‬
‫ابلعني ولكن ال حيتاج فيه اىل اثبات احملل وبيان التعني الوجودي ومبادئ تعينات‬
‫االنبياء املتبوعني واالنبياء التابعني واملالئكة الكرام على االنبياء وعليهم الصالة و‬
‫السالم ومبادئ تعينات االولياء وعوام املؤمنني والكفار وموجودات النشأة االخروية}‬
‫ان الصفات احلقيقية اليت نثبتها يف مرتبة حضرة الذات ال حيدث من ذلك االثبات‬
‫تعني وال تنزل يف تلك احلضرة تعالت وتقدست وال تثبت مرتبة أخرى وراء املرتبة األوىل‬
‫وال يتصور انفكاكها منها بوجه من الوجوه وما مل تتحقق مرتبة اثنية ومل حيصل انفكاك‬
‫بوجه من الوجوه ال يتصور تعني وال تنزل وكأن حضرة الذات والصفات يف مرتبة واحدة‬
‫وكأن الصفات مع وجود الزايدة عني الذات تعالت وتقدست وهذه الصفات وان كانت‬
‫تفصيل الكماالت املندرجة يف حضرة الذات ولكن حكمها ممتاز عن حكم سائر‬
‫‪- 1115 -‬‬

‫االمجال والتفصيل فان االمجال امنا يكون يف مرتبة ليس فيها تفصيل بل مرتبة التفصيل‬
‫دون مرتبة االمجال وهذا املعن مفقود يف تلك احلضرة فان التفصيل فيها يف عني مرتبة‬
‫االمجال وهذه املعرفة وراء طور العقل وامنا اهتدى اليه النظر الكشفي وعلم الواجب الذي‬
‫تعلق هبذه الصفات يف تلك املرتبة كعلمه بذاته وبكماالته املندرجة يف ذاته علم حضوري‬
‫وهذه الصفات مع وجود زايدهتا عني العامل وحضورمها كحضور نفس العامل ومن كمال‬
‫احتادمها حبضرة الذات قال جم غفري من الصوفية بعينية الصفات ابلذات وانكروا على‬
‫زايدة الصفات ومنعوا قوهلم ال هو وأثبتوا قوهلم ال غريه والكمال هو أن يثبت ال غريه مع‬
‫وجود التصديق بال هو وان يسلب الغريية مع وجود الزايدة وهذا الكمال موافق لعلوم‬
‫االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات ومطابق آلراء الفرقة الناجية أهل السنة واجلماعة‬
‫شكر هللا سعيهم (ينبغي) ان يعلم ان االنكشاف الذايت يف املرتبة اليت يتعلق حبضرة الذات‬
‫والصفات املقدسة من قبيل العلم احلضوري فان للصفات املقدسة ايضا حكم حضرة‬
‫الذات كما مر وامنا قلت انه من قبيل العلم احلضوري فان العلم احلضوري عبارة عن‬
‫حضور نفس العامل وحيث ان الصفات ليست عني العامل ينبغي ان ال يكون علمها علما‬
‫حضوراي ولكن ملا مل تنتزع منها صورة وحضور أنفسها كائن كان علمها من قبيل العلم‬
‫احلضوري واالنكشاف الذي يتعلق بصفة العلم من قبيل العلم احلصويل وامنا قلت من‬
‫قبيل العلم احلصويل فان العلم احلصويل عبارة عن صورة حاصلة من املعلوم يف العقل وقد‬
‫صار حمققا عند هذا الفقري ومكشوفا انه ال انتقاش لصورة شئ من االشياء يف علم‬
‫الواجب جل سلطانه وان علمه تعاىل ليس حمال لصورة من صور املعلومات فكيف يتصور‬
‫حصول الصورة يف ذات العامل تعاىل بل لعلمه سبحانه تعلق مبعلوم وانكشافه له تعاىل من‬
‫غري ان تثبت صورة من معلوم يف العلم وموطن العلم خال من النقوش ومصفى من الصور‬
‫العلمية ومع ذلك ال يعزب عن علمه مثقال ذرة يف االرض وال يف السماء ولكن يكون‬
‫مكشوفا أن علمه تعاىل اذا تعلق مبعلوم تنتزع منه بسبب هذا التعلق صورة تقوم بعلمه‬
‫تعاىل من غري ان حيدث يف العلم شئ من احللول واحلصول فلما انتزع من املعلوم بسبب‬
‫‪- 1116 -‬‬

‫التعلق صورة وقامت ابلعلم بل ابلعامل صح كونه من قبيل العلم احلصويل فاذا تعلقت صفة‬
‫العلم بكماالته املندرجة يف ذاته تعاىل تنتزع هبذا التعلق من تلك الكماالت صور علمية‬
‫وتقوم ابلعلم وان مل يثبت حلوهلا وحصوهلا يف العلم (فان قيل) قد اثبت هلذه الصور‬
‫العلمية قياما بصفة العلم ولكن مل يعلم ما حمل ثبوت هذه الصور فان املعن كما أنه ال بد‬
‫له من القيام ابلعني البد له من حملية العني أيضا (قلت) نعم البد للمعن من القيام‬
‫ابلعني ولكن ال حاجة اىل اثبات احملل له أصال فان املقصود من اثبات احملل للمعن امنا‬
‫هو اثبات قيامه ال انه امر زائد على القيام فاذا قيل يف اجلواهر اجملردة املمكنة اليت هي‬
‫كالظالل لتلك الصور العلمية وتلك الصور مبادئ تعينات تلك اجلواهر اهنا مل يثبت هلا‬
‫حمل وال مكان بل ال حاجة اليه أصال فال جمال للتعجب ان مل يكن الصول تلك اجلواهر‬
‫اجملردة حمل اايك وتصور هذه الصور العلمية كاالعراض اليت تقوم ابلغري فيذهب بك الوهم‬
‫يف اثبات احملال هلا على قياس االعراض فان هذه الصور العلمية اصول تلك اجلواهر اليت‬
‫هبا تقوم االعراض بل مبادئ تعيناهتا فكيف تقاس هي على االعراض بل نقول يف‬
‫االعراض أيضا أن املقصود من اثبات احملل هلا امنا هو الثبات قيامها ابحملل ال ان احملل‬
‫مقصود ابالستقالل (وحتقيق) ذلك ان هذه الصور العلمية كائنة يف مرتبة الوجوب وال‬
‫جمال للمحل وامل كان هناك وال يتصور فيها غري القيام أال ترى ان صفاته تعاىل احلقيقية‬
‫قائمة حبضرة ذاته االقدس وال حالية هناك وال حملية وما قالوا من الثبوت الذهين واخلارجي‬
‫فامنا هو منقسم عليهما يف مرتبة االمكان فانه ال جمال يف تلك احلضرة للخارج وال للعلم‬
‫فاذا مل يكن للوجود في ها جمال كيف يكون للذهين واخلارجي اللذين مها من اقسامه فيها‬
‫جمال وكيف يتصور فيها ظرفية العلم واخلارج للوجود فهذه الصور العلمية تكون اثبتة‬
‫وقائمة بصفة العلم وال يكون شئ من الثبوت العلمي واخلارجي متحققا فيها بل يكون‬
‫اثبتة وقائمة بصفة العلم وال يكون شئ من الثبوت العلمي واخلارجي متحققا فيها بل‬
‫يكون الوجود العلمي واخلارجي عارا عليها لكونه من صفات االمكان ومسات احلدوث‬
‫فان كل ممكن حادث عندهم والوجود وان كان اثبتا يف مرتبة الوجوب ولكن مل تثبت‬
‫‪- 1117 -‬‬

‫ظرفية العلم واخلارج لذلك الوجود النه ال جمال فيها للظرفية واملظروفية (استمع) استماعا‬
‫كامال ان صورة املعلوم عبارة عن نفس العلم فما يكون معن حصوهلا وحلوهلا يف العلم‬
‫وقال املتأخرون من الصوفية العلية ان الصور العلمية اليت هي عبارة عن األعيان الثابتة‬
‫وحقائق املمكنات ثبوهتا يف العلم فقط ويف خارج العلم مل تصل اليها رائحة من الوجود‬
‫ولكن ملا وقعت عكوس تلك الصور العلمية يف مرآة ظاهر الوجود الذي ال موجود يف‬
‫اخلارج غريه صارت تتوهم أهنا موجودة يف اخلارج كما ان الصورة اذا انعكست يف املرآة‬
‫تتوهم اهنا يف املرآة فيا ليت شعري ما مراد هؤالء الكرباء وما معن حصول الصور يف العلم‬
‫وما الصور يف الشاهد االنفس العلم ويف الغائب علمه تعاىل أزيل قدمي بسيط وحداين‬
‫تعلق مبعلومات متكثرة حصلت من تعلقه صور متعددة متميزة لتلك املعلومات من غري‬
‫أن يثبت حصوهلا وحلوهلا يف ذلك العلم االزيل كيف حتصل الصور املتعددة فيه وهو‬
‫يستلزم التبعض واالنقسام للمحل وفرض شئ فيه غري شئ وهو يوجب الرتكيب املنايف‬
‫للقدم واالزلية (والعجب) ان أرابب املعقول اثبتوا الصورة احلاصلة من املعلوم يف الذهن‬
‫واعتقدوا حلوهلا يف الذهن ال يف العلم فان تلك الصورة عندهم عني العلم ال اهنا حالة يف‬
‫العلم واملتبادر من عبارة متأخري الصوفية حصول تلك الصورة يف العلم الذي يقولون له‬
‫ابطن الوجود وهو سبحانه اعلم (ينبغي) أن يعلم ان تلك الصور العلمية اليت ثبتت من‬
‫تعلق صفة العلم بكماالته تعاىل الذاتية تلوح يف النظر الكشفي ان هلا حياة وعلما‬
‫واالنكشاف املناسب للعلم احلضوري ابلنسبة اىل الكماالت املندرجة فيها اثبت هلا كما‬
‫بينا حتقيق هذا املبحث يف مكتوب ابلتفصيل فاذا بقي خفاء من غرابة هذه املعرفة‬
‫واحتيج اىل االستكشاف واالستفسار فلرياجع هناك فاذا اتضح من البيان السابق ان ذاته‬
‫تعاىل االقدس وصفاته املقدسة يف مرتبة واحدة وانه مل حتدث يف تلك احلضرة من كون‬
‫وجود الصفات زائدا على وجود الذات تنزل وتعني أصال فاعلم ان هلذه املرتبة املقدسة‬
‫اليت هي مرتبة حضرة الذات مع الصفات ظهورا اوال يف مرتبة اثنية بال تبديل وال تغيري‬
‫وهو عند هذا احلقري على وجه الكشف والشهود حضرة الوجود الذي هو خري حمض‬
‫‪- 1118 -‬‬

‫وكمال صرف وفيه قابلية ظهور مجيع الكماالت بطريق الظلية وهذه الدولة مل تتيسر لغري‬
‫الوجود وهلذا لو تعلق هبذه املرتبة املقدسة علم وانتزعت كماالهتا كما مر يكون أول شئ‬
‫ينتزع من تلك احلضرة حضرة الوجود ألبتة والكماالت اآلخر تكون توابعه ومن ههنا‬
‫اعتقد اجلم الغفري من الصوفية وغريهم ان الوجود عني الذات وظنوا تعني الوجود ال تعينا‬
‫وثبوت هذا التعني االسبق ما وراء العلم واخلارج كما بني حتقيق هذا املعن يف مواضع‬
‫متعددة وحضرة الوجود هذا جامع جلميع الكماالت الذاتية والصفاتية بطرق الظلية امجاال‬
‫وهلذه املرتبة اجلامعة االمجالية تفصيل ميكن ان يقال له تعينا اثنواي واول شئ ظهر يف‬
‫مرتب ة التفصيل صفة احلياة اليت هي أم مجيع الصفات وصفة احلياة هذه كاهنا ظل صفة‬
‫احلياة اليت يف مرتبة حضرة الذات تعالت وال هو وال غريه صادق يف حقها خبالف هذا‬
‫الظل فانه ملا ظهر يف مرتبة وراء مرتبة حضرة الذات ال يكون ال غريه اثبتا يف حقه ألبتة‬
‫بل يكون متسما بسمة الغريية وبعد صفات احلياة صفة العلم بطريق الظلية كما مر يف‬
‫صفة احلياة وهذه الصفة جامعة جلميع الصفات وصفة القدرة واالرادة وغريمها مع وجود‬
‫استقالهلا كاالجزاء هلا فان هلذه الصفة نوع احتاد حبضرة الذات وليس ذلك االحتاد لغريمها‬
‫الن يف صورة العلم احلضوري احتاد العامل واملعلوم والقدرة مل تتحد ابملقدور والقادر قط‬
‫وهذا االحتاد ليس هو أيضا يف االرادة اليت هي ختصيص أحد املقدورين و على هذا‬
‫القياس وعند هذا احلقري مبدأ تعني اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم التعني االول‬
‫الذي هو التعني الوجودي ومركز هذا التعني الذي هو اشرف اجزائه مبدأ لتعني خامت‬
‫الرسل عليه و على آله الصالة و السالم ابالصالة كما ذكر حتقيق هذا املبحث يف‬
‫مكتوب ابلتفصيل وحيث ان والية اخلليل عليه السالم والية اسرافيلية يكون مبدأ تعني‬
‫اسرافيل عليه السالم هو هذا التعني الوجودي ألبتة ومبدأ تعني كل نيب ورسول ابالصالة‬
‫حصة من حصص هذا التعني االول الوجودي فلو كان لشخص من االمم نصيب من‬
‫هذا التعني الوجودي بربكة متابعته لالنبياء عليهم الصالة و السالم وكانت حصة من‬
‫حصص ذلك التعني أو نقطة من نقطه مبدأ تعينه فهو جموز بل واقع وما مل يكن يف هذا‬
‫‪- 1119 -‬‬

‫التعني مبدأ تعني ال يكون للوصول اىل حضرة الذات ابالصالة جمال ومبادئ تعينات‬
‫املالئكة العلية الذين هم مقربوا حضرة الذات أيضا يف هذا التعني الوجودي فان الوصول‬
‫اىل حضرة الذات مربوط به (ينبغي) ان يعلم ان صفة العلم اليت ظهرت يف مرتبة تفصيل‬
‫التعني الوجودي وان كانت حصة من حصص ذلك التعني الوجودي ولكن ملا كانت هلا‬
‫جامعية صارت كأهنا نفس الوجود جامعة جلميع حصص ذلك التعني وهلا أيضا امجال‬
‫وتفصيل واالمجال له حكم مركز الدائرة والتفصيل له حكم احمليط فمركز هذا التعني‬
‫العلمي الذي هو امجال كأنه ظل مركز ذلك التعني االول الوجودي وهبذا العالقة تيقن‬
‫مجاعة ان مبدأ تعني خامت الرسل على نبينا وعليه الصالة و السالم امجال حضرة العلم‬
‫وليس كذلك بل هذا االمجال ظل مبدأ تعينه عليه و على آله الصالة و السالم الذي هو‬
‫مركز التعني االول الوجودي كما مر وأيضا اعتقدوا امجال العلم هذا تعينا أوال واعتقدوا‬
‫املرتبة الفوقانية ال تعينا وظنوها عني حضرة الوجود نعم اهنا عني الوجود ولكنها منسوبة‬
‫اىل التعني كما مر (ال خيفي) ان التعني االول وان كانت حصصه املندرجة فيه مبادئ‬
‫تعينات االنبياء الكرام واملالئكة العليني العظام عليهم الصالة و السالم ولكن ملا كان‬
‫االمجال كائنا يف تلك املرتبة ال يعلم مبادئ كل منهم ابلتفصيل على حدة وال تكون‬
‫مسماة ابسم وملا عرض التفصيل عليها صارت مبادئ كل متميزة وصار كل مبدأ مسمى‬
‫ابسم على حدة مثال حصة من ذلك التعني االول الوجودي مسيت ابسم احلياة وحصة‬
‫أخرى ابسم العلم على هذا القياس وصار مشهودا ان اسم احلياة ابعتبار جامعيتها مبدأ‬
‫لتعني املالئكة العليني العظام عليهم السالم وملا كان لروح هللا على نبينا وعليه الصالة و‬
‫السالم مناسبة ابملل االعلى كان له نصيب من هذا املقام وحيث ان للمهدي عليه‬
‫الرضوان مناسبة خاصة بروح هللا فهو أيضا راج من هذا املقام (ينبغي) ان يعلم ان كل‬
‫واحد من ال صفات الثمانية اليت عرض هلا التفصيل يف مرتبة التعني الثاين مبدأ لكل نيب‬
‫ذي شأن مقتدا به فالعلم مثال مبدأ تعني خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم‬
‫والقدرة مبدأ تعني عيسى عليه السالم والتكوين مبدأ تعني آدم عليه السالم وجزئيات‬
‫‪- 1120 -‬‬

‫هذه االمساء الكلية املقدسة مبادئ تعينات سائر االنبياء عليهم الصالة و السالم فكل‬
‫طائفة من هؤالء الكرباء هلا مناسبة ابسم خاص وبنيب مقتدى به كان جزئيات ذلك‬
‫االسم مبادئ تعيناهتم ومبادئ تعينات االولياء الذين هم على قدم نيب من االنبياء‬
‫املقتدى هبم عليهم الصالة و السالم جزئيات جلزئيات االسم الذي هو مبدأ لتعني ذلك‬
‫النيب عليه السالم وكذلك تعني سائر املؤمنني جزئيات جلزئيات االسم الذي هو مبدأ‬
‫لتعني نيب كان هؤالء على قدمه ومبادئ تعينات الكفار متعلقة ابسم املضل وممتازة من‬
‫التعينات املذكورة (فاذا علمت) مبادئ تعينات املمكنات فاعلم ان متامية دائرة الوجوب‬
‫ابنتهاء هذه التعينات اىل منتهاها والشروع بعد ذلك يف دائرة املمكنات وملا أراد احلق‬
‫سبحانه من كمال كرمه واحسانه ان يفيض فيوضاته وانعاماته على الغري وان ينشر خزائنه‬
‫شيئ‬
‫خلق اخللق ووهب هلم من كماالت وجوده وتوابعه من غري ان ينفك من هناك ٌ‬
‫ويلحق هنا فان ذلك من مسات النقص تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا واملقصود من اخللق‬
‫افاضة االنعام واالحسان عليهم ال تكميل الكماالت االمسائية والصفاتية وتتميمها‬
‫ابلتوصل هبم حاشاه سبحانه من ذلك وكال فان صفاته تعاىل كاملة يف حد ذاهتا ال‬
‫احتياج هلا اىل ظهور ومظهر أصال وكل كمال حاصل يف تلك احلضرة جل شأهنا ابلفعل‬
‫ال ابلقوة حت يكون حصوله مربوطا أبمر فان كان يف حضرته سبحانه شهود ومشاهدة‬
‫فهما من نفسه لنفسه تعاىل وان كان علم ومعلوم فهو سبحانه بنفسه عامل وبنفسه معلوم‬
‫وكذلك هو سبحانه متكلم يف نفسه وسامع بنفسه ومجيع الكماالت مفصلة هناك‬
‫ومتميزة لكن بعنوان الالكيفية فانه ال سبيل للكيفي اىل الالكيفي وما هو اخللق حت‬
‫يكون مرآة لكماالته سبحانه {ع}‪:‬‬
‫يف أي مرآة يكون مصورا‬
‫وما يكون العامل حت يفصل ذلك االمجال وحضرته سبحانه تفصيل يف عني‬
‫االمجال ووسعة يف عني الضيق وملا كان التفصيل والوسعة هناك الكيفيني يتوهم ان‬
‫االمجال ال بد له من التفصيل وهو مربوط خبلق العامل وان تكميل ذلك االمجال هبذا‬
‫‪- 1121 -‬‬

‫التفصيل واحلق ان هناك امجاال وتفصيال كما مر وهللا واسع عليم (ينبغي) ان يعلم ان‬
‫خلق هذا العامل واقع يف مرتبة ال مزامحة بينها وبني تلك املرتبة املقدسة أصال وال مدافعة‬
‫ووجود أحد املوجودين وان كان مقتضيا لتحديد وجود اآلخر لكن هذه القاعدة مفقودة‬
‫هنا فان وجود العامل مل حيدث حتديدا وال هناية لذلك الوجود االقدس ومل يثبت فيه نسبة‬
‫وال جهة أصال أال ترى ان صورة زيد املتومهة يف املرآة ثبوهتا كائن يف مرتبة ال مزامحة بني‬
‫هذا الثبوت وثبوت زيد الذي هو اصل تلك الصورة اصال وال مدافعة وثبوت هذه الصورة‬
‫مل حيدث يف ثبوت أصلها حتديدا وال هناية ومل يورث له نسبة أصال وال جهة ووجود العامل‬
‫كوجود تلك الصورة كائن يف مرتبة الوهم ال مزامحة بينه وبني أصله املوجود يف اخلارج ومل‬
‫حيدث من هذا الثبوت الومهي حتديد وال هناية وال جهة يف االصل وهلل املثل االعلى (وقد‬
‫فهم) من هذا التحقيق حقيقة ما قالوا ان العامل اثبت يف مرتبة الوهم يعين ان العامل خلق‬
‫يف مرتبة شبيهة مبرتبة الوهم الثابتة للصورة املنعكسة يف املرآة ابلنسبة اىل أصلها الذي هو‬
‫موجود يف اخلارج بل ميكن ان يقال ان اطالق الوجود اخلارجي يف تلك املرتبة املقدسة‬
‫أيضا من قبيل التشبيه والتنظري فانه ال جمال هناك للخارج فاذا تقاصر الوجود عن تلك‬
‫املرتبة االقدس ماذا يكون اخلارج وانه فرعه وقسمه (خامتة حسنة) ان مجيع مبادئ‬
‫التعينات املذكورة هذه سواء كان تعينا وجوداي امجاليا أو تفصيليا ابلنسبة اىل ممكنات هذه‬
‫النشأة الدنيوية ووجود موجودات هذه النشأة وتشخصاهتا مربوط بتلك املبادئ العالية‬
‫واما املوجودات االخروية فقد تشاهد اهنا ليست منوطة بتلك املبادئ املذكورة بل مبادئ‬
‫تعيناهتا أمور اخر وتلك األمور عند هذا الفقري كماالت ذاتية مل يصب ذيلها املطهر غبار‬
‫من الظلية ومندرجة يف تلك املرتبة االقدس مفصلة ومتميزة يف تلك املرتبة املقدسة‬
‫بتفصيل ومتيز الكيفيني وكل واحد من تلك الكماالت املفصلة الذاتية املقدسة مبدأ تعني‬
‫موجود من موجودات تلك النشأة األخروية ووجود أهل اجلنة كأنه ال مساس له بتلك‬
‫التعينات الوجودية االمجالية والتفصيلية اليت تتعلق ابلنشأة الدنيوية وموجودات تلك النشأة‬
‫كأهنا مواجهة لتلك املرتبة املقدسة على عكس موجودات هذه النشأة فاهنا قليلة النصيب‬
‫‪- 1122 -‬‬

‫من املواجهة وماذا أبني من موجودات تلك النشأة الدائمة فان هلا نصيبا وحظا من تلك‬
‫املرتبة املقدسة ال ميكن وصفه {ع}‪:‬‬
‫هنيئا الرابب النعيم نعيمها‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫و من بعد هذا ما يدق صفاته * وما كتمه احظى لدى وامجل‬
‫ربنا ال تؤاخذان ان نسينا أو أخطأان و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب اخلامس عشر واملائة اىل اخلواجه أيب املكارم يف التحريض على‬
‫خدمة خلق هللا تعاىل}‬
‫رزق هللا سبحانه االستقامة على حد االعتدال ومركز العدالة ومن الدولة العظيمة‬
‫جعل هللا سبحانه عبدا خمصوصا ببعض الفضائل واملزااي فيحيل مفتاح حوائج مجاعة من‬
‫عباده اىل يد تصرفه وجيعله مالذا وملجأ لتلك اجلماعة ومن نعمه سبحانه جعل مجع من‬
‫اخلالئق الذين هم عياله تعاىل مرتبطني به فيفوض تربيتهم اليه والسعيد من يقوم حبمد‬
‫هذه الدولة والعاقل من يؤدي شكر هذه النعمة ويعد اخلدمة مبال صاحبه سعادة نفسه‬
‫ويعتقد تربية عبيد مواله وامائه شرف رأسه محدا هلل سبحانه على أن أهل تلك البقعة‬
‫رطب اللسان بذكره اخلري واجلاري على ألسنتهم أحاديث كرمه ال غري‪.‬‬

‫{املكتوب السادس عشر واملائة اىل موالان الشيخ غالم حممد يف بيان معىن‬
‫قوله تعاىل ان يف ذلك لذكرى اآلية وبيان اعرتاضات أخر}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (قال الشيخ) االجل قدس سره يف‬
‫كتابه العوارف يف الباب الثاين منه يف بيان معن قوله تعاىل ان يف ذلك لذكرى ملن كان‬
‫له قلب أو القى السمع وهو شهيد قال الواسطي اي لذكرى لقوم خمصوصني ال لسائر‬
‫‪- 1123 -‬‬

‫الناس وهم الذين قال هللا تعاىل فيهم او من كان ميتا فأحييناه وقال الواسطي أيضا‬
‫املشاهدة تذهل واحلجبة تفهم الن هللا تعاىل اذا جتلى لشئ خضع له وخشع قال الشيخ‬
‫وهذا الذي قاله الواسطي صحيح يف حق أقوام وهذه اآلية حتكم خبالف هذا االمر القوام‬
‫آخرين وهم ارابب التمكني جيمع هلم بني املشاهدة والفهم ال خيفى ان ما قاله الواسطي‬
‫اوال يدل على أن الذكرى ال هل التمكني خصوصا الهنم الذين أحياهم هللا بعد املوت اي‬
‫ابقاهم بع د الفناء وأهل التلوين الفنآء هلم وال بقاء فال حياة هلم موهوبة اثنية الهنم يف‬
‫وسط الطريق والفناء والبقاء من أحوال االنتهاء وقوله الثاين ان ذكره يف بيان اآلية يدل‬
‫على ان الذكرى الهل التلوين يف حال االحتجاب واالستتار ال يف وقت املشاهدة‬
‫واملكاشفة النه اوان الذ هول فينايف هذا القول قوله االول وان ذكر هذه املعرفة يف توسط‬
‫حاله يف موضع آخر ال يف بيان هذه اآلية فال منافاة وال إعرتاض للشيخ قدس سره الن‬
‫ما قاله الواسطي صحيح يف أقوام اي الهل التلوين وهذه اآلية حتكم خبالف هذا االمر‬
‫لقوم آخرين وهم أرابب التمكني الن الواسطي بني يف معن اآلية ان الذكرى خمصوص‬
‫ابرابب التمكني الهنم هم االحياء بعد املوت ال اهل التلوين غاية ما يف الباب أنه ذكر‬
‫اثنيا معرفة برأسها يف بيان أحوال اهل التلوين ال تعلق هلا ببيان اآلية فال اعرتاض عليه‬
‫ابهنا ختالف حكم اآلية الن اآلية وردت يف حق قوم وهذه املعرفة بيان الحوال قوم آخرين‬
‫ولو أن الواسطي مل خيص الذكرى ابهل التمكني اوال وأثبت الذكرى الهل التلوين أيضا يف‬
‫حال احتجاهبم بقوله الثاين ملا حصل املنافاة بني قوليه وملا ورد اعرتاض الشيخ عليه‬
‫والظاهر عندي أن اآلية الكرمية بيان حال الفريقني فمن كان له قلب هم أرابب القلوب‬
‫الذين تلونت احواهلم وهم أصحاب التلوين وقوله تعاىل أو ألقى السمع وهو شهيد بيان‬
‫حال اهل التمكني فاهنم القوا مسعهم للفهم يف حال عني الشهود اال ان الذكرى للقوم‬
‫االول يف بعض االوقات وللثاين يف مجيع االحوال كما ترى ولو قال الشيخ قدس سره‬
‫وهذه اآلية حت كم خبالف هذا االمر لقوم آخرين أيضا لكان انسب وكلمة او ملنع اخللو‬
‫فال ينايف اجلمع بني الفريقني يف الذكرى مث قال الشيخ بعد ذلك فموضع الفهم حمل‬
‫‪- 1124 -‬‬

‫احملادثة واملكاملة وهو مسع القلب وموضع املشاهدة بصر القلب فمن هو يف سكر احلال‬
‫يغيب مسعه يف بصره ومن هو يف حال الصحو والتمكني ال يغيب مسعه يف بصره لتملكه‬
‫انصية احلال ويفهم ابلوعاء الوجودي املستعد لفهم املقال الن الفهم مورد االهلام والسماع‬
‫واالهلام والسماع يستدعيان وعاء وجوداي وهذا الوجود يكون موهواب منشأ انشاء اثنيا‬
‫للمتمكن يف مقام الصحو وهو غري الوجود الذي يتالشى عند ملعان نور املشاهدة ملن‬
‫جاوز على ممر الفناء اىل مقار البقاء انتهى قوله فموضع الفهم حمل احملادثة واملكاملة اي‬
‫مع هللا هظ عز و جل يغيب مسعه يف بصره اي ال يفهم وقت املشاهدة وهو حال أهل‬
‫التلوين يذهل عند املشاهدة كما قاله الواسطي ال يغيب مسعه يف بصره اي يفهم يف عني‬
‫املشاهدة وهو حال أهل التمكني جيمع هلم بني املشاهدة والفهم ما مر ملن جاوز متعلق‬
‫بقوله موهواب اي موهواب ملن جاوز الفناء ووصل اىل البقاء ال خيفى أنه ما معن املشاهدة‬
‫يف أهل التلوين واملشاهدة امنا تكون يف الذات كما قالوا وهو غري واصل بعد اىل الذات‬
‫فاألوىل يف حقه املكاشفة ابلصفات املتخيلة املتلونة وما هو يف الذات ال تلوين له وال‬
‫تغري وليس يف تلك احلضرة املقدسة اترة الذهول وأخرى الشعور بل شعور يف عني‬
‫الذهول وفهم يف نفس الشهود والظاهر من كالم الشيخ قدس سره جواز وقوع املشاهدة‬
‫يف الدنيا ببصر القلب وصاحب التعرف قدس سره و هو امام الطائفة منع رؤيته تعاىل يف‬
‫الدنيا ابلبصر وابلقلب معا وادعى االمجاع عليه وقال وامجعوا على أنه تعاىل ال يرى يف‬
‫الدنيا ابالبصار وابلقلوب االّ من جهة االيقان وما قاله صاحب التعرف قدس سره أقرب‬
‫اىل الصواب عندي بل هو الصواب الن ما يتخيل أنه سبحانه يرى فامنا هو رؤية خيال‬
‫اي كشف صورة يف اخليال لاليقان الذي حصل للقلب وللموقن به أيضا صورة كوشفت‬
‫للقلب فاهنم جوزوا املثال للحق سبحانه وان مل يكن له تعاىل مثل فللّه املثل االعلى وامنا‬
‫أرتسم يف اخليال صورة االيقان وصورة املوقن به وان مل يكن له تعاىل صورة يف الواقع الن‬
‫املعاين احلاصلة للقلب ولسائر اللطائف بل كلما وجد ويوجد هلا صورة يف اخليال الذي‬
‫هو متثال املثال الذي هو أوسع العوامل كلها فليس ههنا اال ايقان للقلب وصورة ايقان‬
‫‪- 1125 -‬‬

‫وصورة موقن به متثل يف اخليال بصورة رؤية ومرئي وال رؤية يف احلقيقة للقلب له تعاىل‬
‫فضال ع ن أن يكون للبصر وامنا هي رؤية مثالية للقلب متثل ايقانه بصورة الرؤية ومتثل‬
‫املوقن به بصورة املرئي فظن منه أنه رآ ه حقيقة وما هي اال رؤية خيالية بل نقول ان صورة‬
‫املوقن ليست صورة مثالية للحق سبحانه بل صورة كشف تعلق االيقان به وظهرت يف‬
‫اخليال وحاش هلل أن يكون له تعاىل صورة ولو يف اخليال وامنا هو صورة لبعض مكشوفات‬
‫قلب السالك من الوجوه واالعتبارات اليت هلا تعلق ابلذات تعالت وهلذا اذا وصل العارف‬
‫اىل الذات تعالت ال يتخيل له مثل هذا اخليال فليس لذاته تعاىل صورة ولو يف املثال‬
‫واخليال وليس له تعاىل مثال عندي كما ال مثل له سبحانه اذ الصورة تستلزم احلد والنهاية‬
‫ولو يف مرتبة من املراتب وهو سبحانه منزه من التحديد والتقييد ومجيع املراتب خملوقة له‬
‫تعاىل فافهم احلمد هلل الذي أعطاان سلطان اخليال وجعله مرآة حلصول صور معاين‬
‫الكمال ولوال اخليال ملا أدركنا درجات االتصال عن دركات االنفصال وملا علمنا واردات‬
‫االحوال فان لكل معن وحال صورة فيه ان كوشفت يدرك به ذلك املعن واحلال فشأن‬
‫اللطائف السبع السري والسلوك واالنتقال من حال اىل حال وشأن اخليال ارائته درجات‬
‫السري والسلوك احلاصلة للسالك بصورها املرتسمة فيه واراءة مزيد الرغبة اىل الفوق وأيضا‬
‫ابراءته حيصل السري على بصرية ويتيسر السلوك على معرفة وبسلطانه خيرج السالك عن‬
‫اجلهل و يكون من أهل العلم فللّه سبحانه دره و السالم على من اتبع اهلدى‪.‬‬

‫{املكتوب السابع عشر واملائة اىل موالان عبد القادر االنبايل}‬


‫قال الشيخ رضي هللا عنه يف الباب الثاين من كتابه العوارف يف بيان احلديث‬
‫املرفوع اىل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ما نزل من القرآن آية اال وهلا ظهر وبطن‬
‫ولكل حرف حد ولكل حد مطلع وخياجل سري أن يكون املطلع ليس ابلوقوف بصفاء‬
‫الفهم على دقيق املعن وغامض السر يف اآلية ولكن املطلع أن يطلع عند كل آية على‬
‫شهود املتكلم هبا الهنا مستودع وصف من أوصافه ونعت من نعوته فتجدد له التجليات‬
‫‪- 1126 -‬‬

‫بتالوة اآلايت ومساعها وتصري مرااي منبئة عن عظيم اجلالل اىل آخر ما قال يف أتييد هذا‬
‫التوجيه وشرحه وخيطر ببايل بكرم هللا املتعاىل ان الظهر نظم القرآن البالغ اىل حد االعجاز‬
‫والبطن تفسريه وأتويله على اختالف صفاء الفهم على دقيق املعاين وغامض السر واحلد‬
‫هناية مراتب الكالم وهو شهود املتكلم هبا وهو التجلي النعيت املنبئ عن عظيم اجلالل‬
‫واملطلع ما هو فوق ذلك التجلي النعيت وهو التجلي الذايت املعرى عن النسب‬
‫واالعتبارات أثبت حلد الكالم وهنايته مطلعا فيكون املطلع وراء الكالم ووراء هنايته‬
‫والكالم صفته تعاىل وشهود املتكلم يف مرآة تلك الصفة جتل لتلك الصفة وهناية ملراتب‬
‫كماهلا واالطالع على وراء تلك التجلي يكون ابلرتقي منه اىل التجلي الذايت ال حمالة‬
‫فالوصول اىل الذات ههنا يكون بتوسط صفة الكالم وبتوسل تالوة النظم القرآين الدال‬
‫على تلك الصفة فالبد من اخلطوتني خطوة من النظر الدال اىل املدلول الذي هو الصفة‬
‫واخلطوة الثانية من الصفة اىل املوصوف قال العارف قدس سره خطواتن وقد وصلت وما‬
‫ذكر الشيخ قدس سره اال اخلطوة األوىل وأمت هبا هذا السري وقيد فائدة التالوة هبا ال غري‬
‫سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا انك أنت العليم احلكيم وقال الشيخ قدس سره بعد‬
‫ذلك انه قد نقل عن جعفر الصادق رضي هللا عنه وعن آابئه الكرام أيضا انه خر مغشيا‬
‫اردد اآلية حت مسعتها من املتكلم هبا‬
‫عليه وهو يف الصالة فسئل عن ذلك فقال ما زلت ّ‬
‫فالصويف ملا الح له نور انصية التوحيد والقى مسعه عند مساع الوعد الوعيد وقلبه‬
‫ابلتخلص عما سوى هللا تعاىل صار بني يدي هللا تعاىل حاضرا شهيدا يرى لسانه أو‬
‫لسان غريه يف التالوة كشجرة موسى عليه السالم حيث أمسعه هللا تعاىل منها خطابه اايه‬
‫ابين اان هللا فاذا كان مساعه من هللا واستماعه اىل هللا صار مسعه بصره وبصره مسعه وعلمه‬
‫عمله وعمله علمه وعاد آخره اوله واوله آخره اىل ان قال فاذا حتقق الصويف هبذا الوصف‬
‫صار وقته سرمدا وشهوده مؤبدا ومساعه متواليا متجددا قوله فالصويف ملا الح له نور‬
‫انصية التوحيد بيان لقول االمام رضي هللا عنه وشرح لسماعه من املتكلم ابن الصويف ملا‬
‫غلب عليه حال التوحيد وزال عن نظره شهود الغري صار بني يدي هللا حاضرا شهيدا جيد‬
‫‪- 1127 -‬‬

‫كلما مسع كالما من نفسه او من غريه انه مسعه من هللا سبحانه ويرى لسانه ولسان غريه‬
‫كشجرة موسى عليه السالم فاالمام كلما كرر اآلية مسعها من نفسه ومن لسانه اىل ان‬
‫الح له يف اثناء التكرار حال التوحيد فسمعها من املتكلم هبا وان كان صدر منه ومن‬
‫لسانه فانه وجد لسانه حينئذ كالشجرة املوسوية فالكالم الظاهر من اللسان كالكالم‬
‫الظاهر من تلك الشجرة يف أنه كالم هللا سبحانه اقول وابهلل سبحانه العصمة والتوفيق ان‬
‫املسموع من الشجرة املوسوية كان كالم هللا سبحانه ال حمالة حت لو انكره احد كان كافرا‬
‫واملسموع من االلسنة ليس يف احلقيقة كالم هللا وان ختيل الصويف يف غلبة التوحيد انه‬
‫كالم هللا حت لو انكره احد ال يكون كافرا بل يكون حمقا صادقا النه حصل من حركة‬
‫اللسان واعتماد املخارج وال كذلك يف الشجرة فأين احد الكالمني من اآلخر فان االول‬
‫حتقيقي واآلخر ختييلي والعجب من الشيخ االجل قدس سره انه ابلغ ههنا يف التوحيد‬
‫حت جعل التخييلي حتقيقيا وجعل الكالم الصادر من العبد يف غلبة احلال صادرا من‬
‫احلق سبحانه وقد انكر يف موضع آخر من كتابه االقوال الصادرة يف التوحيد من اراببه يف‬
‫غلبة احلال ومحلها على احلكاية من هللا سبحانه فرارا من شائبة توحيد احللول واالحتاد وما‬
‫فر هنا من شوب احللول بل حكم ابالحتاد والعينية واحلق يف هذا املقام ان احلكم ابالحتاد‬
‫والعينية يف غلبة احلال ختييلي ال حتقيقي سواء كان االحتاد يف الذات او يف الصفات او يف‬
‫االفعال فسبحان من ال يتغري بذاته وال بصفاته وال يف امسائه حبدوث االكوان وال يتحد‬
‫معه احد وال يتحد صفات احد مع صفاته تعاىل وال افعال احد مع افعاله سبحانه فهو‬
‫سبحانه هو هو واملمكن ممكن حادث يف الذات ويف الصفات واالفعال احلكم ابالحتاد‬
‫بني القدمي واحلادث من تلوينات العشق وغلبات احملبة والسكر فال يؤاخذ عليهم بشائبة‬
‫احللول ومظنة ااالحتاد املستلزمة للكفر واالحلاد فاهنا غري مرادة هلم حاشا هلل سبحانه ان‬
‫يكون مرادهم ما هو غري الئق جبناب قدسه تعاىل فاهنم اولياء هللا واحباؤه سبحانه‬
‫احملفوظون من جتويز ما ال جيوز على هللا والذين تشبهوا هبم من غري حال وبدون صدق‬
‫املقال وتكلموا بكلماهتم وفهموا منها غري مراداهتم فوقعوا يف االحلاد والزندقة حت اثبتوا‬
‫‪- 1128 -‬‬

‫احللول واالحتاد مع هللا سبحانه وحكموا بصريورة املمكن واجبا فهم الزاندقة اخلارجة من‬
‫املبحث قاتلهم هللا اىن يؤفكون والخيفى ان ما ذكره الشيخ قدس سره يف بيان قول االمام‬
‫رضي هللا عنه وان صدق يف حق قوم من أهل التلوين الذين استوىل عليهم السكر وغلب‬
‫عليهم التوحيد ولكين حلسن ظين بشأن االمام ال اجوز صدقه يف حقه رضي هللا عنه النه‬
‫عندي من اكابر ارابب التمكني والصحو ال يلتبس عنده املتخيل ابملتحقق والسماع من‬
‫الغري ابلسماع من احلق سبحانه فليطلب لكالمه حممل حسن مناسب حلاله غري هذا‬
‫الوجه وهو انه ميكن ان يسمع العبد كالم الرب العايل بال كيف كما مسع موسى عليه‬
‫السالم يف الطور (فان قلت) ما معن مساع الكالم من هللا تعاىل وال يسمع اال ما هو‬
‫حرف وصوت (قلت) ممنوع أال يرى ان هللا تعاىل يسمع كالمه بال حرف وصوت فجاز‬
‫ان يكون العبد اذا صار متخلقا ابخالقه تعاىل يسمع بال حرف وصوت واالستحالة‬
‫ببديهة الوهم الناشئة من قياس الغائب على الشاهد مع وجود الفارق كيف يقاس‬
‫والشاهد يف مضيق الزمان املقتضى للرتتب والتقدم والتأخر والغائب ال جيري عليه زمان‬
‫وال تقدم وال أتخر وال ترتب فجاز يف الغائب ثبوت اشياء ال جيوز يف الشاهد فليفهم‬
‫وهللا سبحانه اعلم ابلصواب (والتحقيق) ان السماع ان كان حباسة السمع فالبد ان‬
‫يكون املسموع حرفا أو صوات وأما اذا كان السماع لكل جزء من أجزاء السماع غري‬
‫خمصوص ابحلاسة فجاز أن حيصل بال حرف وصوت من املسموع فاان نسمع بكليتنا‬
‫وبكل جزء من أجزائنا كالما ليس من جنس احلروف وان كان يتخيل يف اخليال ابحلروف‬
‫واالصوات اخليالية فعلم ان الكالم املأخوذ املسموع بكليتنا كان اوال جمردا عن احلرف‬
‫والصوت وتلبس اثنيا يف اخليال ابحلرف والصوت اخليايل ليقرب من الفهم واالفهام على‬
‫اان نقول ما هو اعجب منه وهو ان هللا تعاىل يسمع كالمنا املركب من احلروف‬
‫والكلمات املرتتبة املتقدمة املتأخرة لكن مساعه تعاىل امنا يكون بال توسط حرف وكلمة‬
‫وبال ترتب وتقدم وأتخر الن الكالم املركب املرتتب املتقدم املتأخر يقتضى زماان وال جيري‬
‫عليه سبحانه زمان وهو تعاىل خلق الزمان فلما جاز مساع الكالم املركب من احلروف‬
‫‪- 1129 -‬‬

‫والكلمات بال توسط حرف وكلمة فأوىل ان جيوز مساع كالم ليس من جنس احلروف‬
‫واالصوات فافهم وال تكن من القاصرين وال من العقالء اجلاهلني وهللا سبحانه امللهم‬
‫للصواب والذي اهلمت به اثنيا بعد تسويد هذا املسطور يف حتقيق هذا الكالم ان فهم‬
‫العبد املستعد ملخاطبه تعاىل واخذه منه سبحانه امنا يكون اوال بتلقي روحاين بال توسط‬
‫صوت ونداء مث يتمثل هذا املعن املتلقى يف سلطان اخليال الذي فيه ارتسم صور االشياء‬
‫كلها بصورة حرف وصوت الن االفادة واالستفادة يف عامل الشهادة ال تكون اال بتوسط‬
‫االلفاظ واحلروف وجيوز ان يطلق على هذا التلقي مساع بال كيف ايضا الن الكالم بال‬
‫كيف فالبد ان يكون مساعه أيضا بال كيف اذ ال سبيل لكيف اىل ما ال كيف فيه صح‬
‫ان جي وز ان يسمع كالمه تعاىل اجملرد من احلرف والصوت بال كيف مث بعد ذلك يتمثل‬
‫ذلك الكالم يف اخليال بصورة حرف وكلمة ليحصل االفادة واالستفادة يف عامل االجسام‬
‫ايضا ومن مل يطلع على هذه الدقيقة يزعم بعض منهم وهم احسن حاال اهنم يسمعون‬
‫كالمه تعاىل لكن بتوسط حروف وكلمات حادثة دالة عليه وبعضهم اطلقوا القول ابهنم‬
‫يسمعون كالمه تعاىل ومل يفرقوا بني ما يليق بشانه تعاىل وما ال يليق وهم اجلهال البطالون‬
‫مل يفرقوا ما جيوز على هللا تعاىل عما ال جيوز واحلق ما حققت بفضل هللا سبحانه‬
‫واحسانه تعاىل قوله صار مسعه بصره وبصره مسعه اىل ان قال وعاد آخره اوله وأوله آخره‬
‫اي اخذ مسعه حكم بصره وبصره حكم مسعه اي مسع بكليته وبصر بكليته وعلم بكليته‬
‫ال أنه مسع ببعضه وبصر ببعضه اآلخر مثال فحينئذ ال يكون السمع غري البصر مث بني‬
‫قوله وعاد آخره اوله وأوله آخره خلفائه وحاصله ان هللا سبحانه خاطب الذر بقوله ألست‬
‫بربكم فسمعت النداء بال واسطة على غاية الصفا مث مل تزل الذرات تتقلب يف االصالب‬
‫وتنتقل يف االرحام حت برزت اىل اجسادها فاحتجبت ابحلكمة عن القدرة وتراكم‬
‫ظلماهتا ابلتقلب يف االطوار فاذا أراد هللا ابلعبد حسن االستماع ابن يصريه صوفيا صافيا‬
‫ال يزال يرقيه يف رتب التزكية والتحلية حت خيلص اىل فضاء القدرة ويزال عن بصريته‬
‫النافذة حجاب احلكمة فيصري مساعه أبلست بربكم كشفا وعياان وتوحيده وعرفانه تبياان‬
‫‪- 1130 -‬‬

‫وبرهاان حيث اخذ لسانه ولسان غريه يف حقه حكم شجرة موسى يسمع منه كالمه تعاىل‬
‫كما مسع موسى من تلك الشجرة فصح انه عاد آخره أوله واوله آخره حيث مسع كالمه‬
‫تعاىل آخرا كما مسع اوال و على هذا محل قول البعض انه قال اان اذكر خطاب الست‬
‫بربكم اي كان ذلك اخلطاب الذي أمسع اآلن منه تعاىل على االلسنة وال خيفى عليك ان‬
‫اخلطاب االول منه تعاىل كان حتقيقا ومساع الذر منه تعاىل كان على سبيل احلقيقة وهذا‬
‫اخلطاب املأخوذ املسموع من االلسنة امنا يكون خطاب هللا تعاىل على سبيل التخيل‬
‫والتوهم كما مر فاين احدمها من اآلخر فالعجب كل العجب ان الشيخ مع جاللة قدره‬
‫جعل احدمها عني اآلخر ومل يفرق بني املتحقق واملتخيل وما هو اال عني السكر وصرف‬
‫التوحيد مثله مثل قول اان احلق وسبحاين وليس يف جبيت سوى هللا واعجب من هذا ما‬
‫قال بعد ذلك فاذا حتقق الصويف هبذا الوصف صار وقته سرمدا اخل ال يذهب عليك ان‬
‫الصويف يف هذا املقام ما حتقق اال ابلتجلي املعنوي الصفايت كما مر وهو مقام التلوين ال‬
‫غري فمن اين صار وقته سرمدا ومشهوده مؤبدا وما الدوام والسرمد للوقت اال يف الوصول‬
‫اىل الذات تعالت والتجلي الذايت وكذلك الشهود واملشاهدة ال يكون اال ابلوصول اىل‬
‫الذات تعالت كما قالوا وما حصل يف مرتبة الصفات يسمى ابملكاشفة فالشهود ودوامه‬
‫هو نصيب ارابب التمكني الواصلني اىل الذات ال اهل التلوين املقيدين ابلصفات فاهنم‬
‫أرابب القلوب وأصحاب التقلب سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا انك أنت العليم‬
‫احلكيم‪.‬‬

‫{املكتوب الثامن عشر واملآئة اىل الشيخ مودود حممد}‬


‫قال الشيخ قدس سره يف الباب التاسع من كتاب العوارف يف ذكر من انتمى اىل‬
‫الصوفية من مجلة اولئك قوم يقولون ابحللول خذهلم هللا سبحانه ويزعمون ان هللا تعاىل‬
‫حيل فيهم وحيل يف أجسام يصطفيها ويسبق اىل فهومهم معن من قول النصارى يف‬
‫الالهوت والناسوت ومنهم من يستبيح النظر اىل املستحسنات اشارة اىل هذا الوهم‬
‫‪- 1131 -‬‬

‫ويتخايل له أن من قال كلمات يف بعض غلباته كان مضمرا لشئ مما زعموه مثل قول‬
‫احلالج اان احلق وما حيكى عن ايب يزيد من قوله سبحاين حاشا نعتقد يف أيب يزيد أنه‬
‫يقول ذلك االّ على معن احلكاية عن هللا تعاىل وهكذا ينبغي أن نعتقد يف قول احلالج‬
‫ذلك ولو علمنا انه ذكر ذلك القول مضمرا لشئ من احللول رددانه كما نردهم انتهى فيا‬
‫ليت شع ري ما معن احلكاية عن هللا تعاىل وما وجه ختصيص أرابب السكر مبثل هذا‬
‫القول على معن احلكاية اللهم اال أن يقال انه قدس سره اراد ان القائل مبثل هذا القول‬
‫ان كان هو العبد كما هو الظاهر عند االكثر فالبد أن يكون حكاية من هللا تعاىل فان‬
‫العبد ال يصري راب لكن القائل به يف احلقيقة هو الرب سبحانه ولسان العبد مثل الشجرة‬
‫املوسوية فال اعرتاض على احلالج وال تعرض على ايب يزيد قدس هللا تعاىل اسرارمها‬
‫والظاهر من عبارة الشيخ انه لو مل حيمل على معن احلكاية يفهم منه احللول وليس كذلك‬
‫اذ جيوز أن يقول ذلك عند غلبات التوحيد واستتار ما سوى الواحد املشهود عند ملعان‬
‫نور الشهود بال شائبة حلول واحتاد فمعن قوله اان احلق عند اختفائه عن نظره لست اان‬
‫بشئ وامنا املوجود احلق ال اين متحد مع احلق او حال يف احلق فانه كفر ومناف للتوحيد‬
‫الشهودي فان املشهود فيه ليس اال الواحد االحد و على تقدير احللول واالحتاد املشهود‬
‫متعدد ولو على صفة االحتاد واحلالية (قوله) ومنهم من يستبيح النظر اىل املستحسنات‬
‫اشارة اىل هذا الوهم اي احللول والعجب من الشيخ االجل انه يفهم من امثال هذه‬
‫العبارات االحتاد واحللول واحلال أن املتبادر من هذه االقوال الظهور وهو وراء احللول الن‬
‫احللول كينونة نفس شئ يف شئ مثل كينونة نفس زيد يف البيت والظهور كينونة عكس‬
‫شئ مثل كينونة عكس زيد يف املرآة واالول حمال يف مرتبة الوجوب ونقص لتلك املرتبة‬
‫املقدسة والثاين ال منع لثبوته وال نقص عند اصوله فان االول يسلتزم التغري املنايف للقدم‬
‫والثاين ال يستلزم كما ال خيفى فلو ظهرت الكماالت الوجوبية يف مرااي االعدام واالمكان‬
‫مل يلزم منه حلول تلك الكماالت يف تلك املرااي وال تغريها وال انتقاهلا املنايف للقدم وامنا‬
‫هو ظهور واراءة كمال يف مرآة فتجويز شهود كماالته تعاىل يف مرااي االمكان ليس جتويزا‬
‫‪- 1132 -‬‬

‫حللول تلك الكما الت فيها بل هو جتويز لظهور الكمال يف املرآة وال نقص فيه وان كان‬
‫اجملوز ملثل هذا الشهود صاحب نقص وغري مستقيم على اجلادة لكن املقصود دفع هتمة‬
‫احللول عنه ال اثبات كماله وكونه على شئ وهللا سبحانه أعلم حبقائق االمور كلها‪.‬‬

‫{املكتوب التاسع عشر واملائة اىل املري منصور يف بيان اختيار العزلة}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وقد اطاب الوقت صحائف أخي‬
‫االعز بورودها متعاقبة محدا هلل سبحانه مل يتطرق الفتور والتلوين اىل حمبتكم للفقراء‬
‫وارتباطكم هبم مع وجود اسباب عدم املناسبة بل زادت قوة يف ذلك االرتباط رزق هللا‬
‫سبح انه االستقامة على حمبة هذه الطائفة اليت هي رأس بضاعة السعادة أيها املشفق قد‬
‫غلب شوق االنزواء يف هذه الفرصة فاخرتت القعود يف زاوية حت ال أذهب اىل املسجد‬
‫لغري صالة اجلمعة ومجاعة االوقات اخلمسة تنعقد يف تلك الزاوية وصار طريق مالقاة‬
‫الناس مسدودا ومتر االوقات على مجعية اتمة وكأن متمن مجيع العمر تيسر اآلن محدا هلل‬
‫سبحانه على ذلك وبقية االحوال الصورية أيضا مقرونة ابلعافية واالوالد وسائر املتعلقني‬
‫على مجعية وقدم اخلواجه عبد هللا على دهلي قبل شهر رمضان املبارك محدا هلل سبحانه‬
‫قد حصل اخلواجه يف جميئه هذا فوائد كثرية وقلب الورق ابلتمام وختلص من غلبات‬
‫التوحيد وخاض يف حبر التنزيه ومتوجه اىل العمق والقعر وذاهب من الظاهر اىل الباطن بل‬
‫اىل ابطن البطون وتفصيل االحوال ملا قدم احلافظ هباء الدين هناك احلناه اليه‪.‬‬

‫{املكتوب العشرون بعد املائة اىل املرزا حسام الدين أمحد يف حل عبارات‬
‫مكتوب متضمن لالسرار}‬
‫احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد تشرفت مبطالعة الصحيفة الشريفة‬
‫املرسلة اىل هذا الفقري على وجه الشفقة والرأفة وقد اندرج فيها ان لواحد من االعزة‬
‫اعرتاضات على عبارات املكتوب الذي كتبته من امجري فينبغي كتابة شئ يف حلها وملا‬
‫‪- 1133 -‬‬

‫كتب بعض االصحاب بتعيني مواضع االشتباه كتبنا يف حلها مقدمات مبقياس التعيني‬
‫وهللا سبحانه اهلادي اىل سبيل الرشاد (أيها املخدوم) املكرم ان السري املرادي والسري‬
‫املريدي كل منها أمر يتعلق بوجدان صاحب ذلك السري ال انه الزام أمر يتعلق ابلغري فال‬
‫جمال اذا لطلب احلجة والربهان على اثباته ومع ذلك اذا أعطى هللا سبحانه شخصا قوة‬
‫قدسية والحظ يف أحوال صاحب ذلك السري وأوضاعه مالحظة اتمة وشاهد الفيوض‬
‫والربكات والعلوم واملعارف االهلية اليت هو ممتاز هبا ميكن ان حيكم بكون سريه سريا مراداي‬
‫من غري احتياج اىل دليل أصال كما حيكم بكون نور القمر مستفادا من نور الشمس بعد‬
‫مالحظة قرب القمر من الشمس وبعده عنها ومقابلته هبا واجتماعه معها وان مل يكن‬
‫هذا املعن حجة لغري ارابب احلدس وايضا قال حضرة شيخنا قدس سره يف اوائل حال‬
‫سري هذا الفقري ان سريه سري مرادي ولعل االصحاب أيضا مسعوا منه هذا الكالم وانشد‬
‫هذين البيتني من املثنوي معتقدا أبهنما مطابقان حلال هذا الفقري {شعر}‪:‬‬
‫عشق معشوق خفي وستري * عشق عشاق بطبل ونفري‬
‫غري ان الثاين مضن للبدن * عشق معشوق مزيد يف السمن‬
‫وكل من وصل من املرادين كان سريه على طريق االجتباء وطريق االجتباء ليس‬
‫خمصوصا ابالنبياء عليهم السالم صرح بذلك صاحب العوارف قدس سره يف بيان‬
‫اجملذوب السالك والسالك اجملذوب وقال لطريق املريدين طريق االانبة ولطريق املرادين‬
‫طريق االجتباء قال هللا تعاىل هللا جيتيب اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب نعم ان طريق‬
‫االجتباء ابالصالة خمصوص ابالنبياء عليهم الصالة و السالم ولالمة كسائر الكماالت‬
‫بتبعيتهم ال انه خمصوص ابالنبياء مطلقا ال نصيب منه لالمة أصال فانه غري واقع (أيها‬
‫املخدوم) ان وصول الفيض اىل السالك بتوسط خري البشر وحيلولته عليه الصالة و‬
‫السالم أمنا هو قبل ان تنطبق حقيقة السالك احملمدي املشرب على احلقيقة احملمدية وقبل‬
‫ان تتحد هبا فاذا حصل االحتاد بني هاتني احلقيقتني يف مقامات العروج بكمال متابعته‬
‫بل مبحض الفضل ارتفع التوسط من البني فان التوسط امنا هو حني املغايرة ويف االحتاد ال‬
‫‪- 1134 -‬‬

‫متوسط وال متوسط له وال حاجب وال حمجوب بل املعاملة يف مقام االحتاد ابلشركة ولكن‬
‫ملا كان السالك اتبعا وملحقا وطفيليا لزم ان تكون تلك الشركة من قبيل شركة اخلادم‬
‫ابملخدوم (وما قلت) من انه حيصل حلقيقته انطباق على حقيقته صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫واهنا تتحد هبا بيانه ان احلقيقة احملمدية جامعة جلميع احلقائق ويقال هلا حقيقة احلقائق‬
‫وحقائق اآل خرين كاالجزاء هلا او كاجلزئيات الن السالك لو كان حممدي املشرب‬
‫فحقيقته كاجلزئي لتلك الكلية وحممولة عليها وان كان غري حممدي املشرب فحقيقته‬
‫كاجلزء ابلنسبة اىل الكل وغري حممولة عليها فان عرض حلقيقة غري حممدي املشرب احتاد‬
‫يف اثناء العروج امنا يكون ذلك حبقيقة نيب هو على قدمه وتكون حممولة على تلك‬
‫احلقيقة وحتصل له شركة معه يف الكماالت املناسبة به ولكن تكون تلك الشركة من قبيل‬
‫شركة اخلادم ابملخدوم كما مر فاذا حصل لذلك اجلزئي بعالقة كمال املتابعة بل مبحض‬
‫الفضل حمبة خاصة لكليه وأخذ شوق الوصول اليه بيده يشرع القيد الذي جعل الكلي‬
‫جزئيا بفضل هللا تعاىل يف الزوال وبعد زواله ابلتدريج حيصل لذلك اجلزئي انطباق على‬
‫ذلك الكلي واحلاق به وما قلت من انه اذا حصل له حمبة خاصة فهي كما حصلت هلذا‬
‫الفقري مبحض الفضل حت قلت يف غلبات تلك احملبة ان حمبيت حلضرة احلق سبحانه امنا‬
‫هي من جهة كونه تعاىل رب حممد صلّى هللا عليه و سلّم وتعجب امليان اتج وغريه من‬
‫االصحاب من هذا الكالم وأظن انه مل خيرج من خاطركم أيضا وما مل حيصل مثل هذه‬
‫احملبة كيف يتصور اللحاق واالحتاد ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم‬
‫ولنبني حقيقة التوسط وعدم التوسط ينبغي ان يسمع حبسن االستماع اعلم ان يف طريق‬
‫اجلذبة ملا كان اجلذب واجلر من جانب املطلوب وكانت العناية االهلية متكلفة حلال‬
‫الطالب ال يقبل الوساطة ابلضرورة ويف طريق السلوك ملا كانت االانبة من طرف الطالب‬
‫البد فيه من وجود الوسائط والوسائط وان كان ال حيتاج اليها يف نفس اجلذبة ولكن‬
‫متامية اجلذبة منوطة ابلسلوك فان مل ينضم السلوك الذي هو عبارة عن اتيان االحكام‬
‫الشريعة من التوبة والزهد وغريمها اىل اجلذبة فتلك اجلذبة غري اتمة بل ابرت وقد رأيت كثريا‬
‫‪- 1135 -‬‬

‫من اهلنود واملالحدة فيهم جذبة ولكن ملا مل يكونوا متحلني مبتابعة صاحب الشريعة عليه‬
‫و على آله الصالة و السالم والتحية ليس هلم نصيب غري صورة اجلذبة وحاهلم خراب‬
‫وابرت (فان قيل) ان حصول اجلذب يستدعي حنوا من احملبوبية فكيف جيوز يف حق الكفار‬
‫الذين هم اعداء هللا كون نصيب من اجلذبة (قلت) ميكن ان يكون يف بعض الكفار حنو‬
‫من معن احملبوبية و يكون ذلك ابعثا حلصول اجلذب ولكن ملا مل يكونوا متحلني مبتابعة‬
‫صاحب الشريعة عليه الصالة و السالم بقوا خاسرين خمذولني ومل تزدهم تلك اجلذبة غري‬
‫احلجة عليهم حيث آذنت ابستعدادهم ومل خيرجوه من القوة اىل الفعل بسبب اجلهل‬
‫والعناد وما ظلمهم هللا ولكن كانوا انفسهم يظلمون فاذا تيسر الوصول اىل املطلوب يف‬
‫طريق اجلذبة مبتابعة صاحب الشريعة اليت هي عبارة عن السلوك يكون بال واسطة وبال‬
‫حيلولة أمر قالوا لو دليتم[‪ ]1‬بدلو لوقعتم على هللا يعين لو اجنذبتم واجنررمت اىل حضرة احلق‬
‫سبحانه ووصلتم اىل ابطن البطون ال يكون بينكم وبني احلق جل وعال حيلولة امر‬
‫وحجابيته ولعله بقي يف خاطركم الشريف أيضا ما قاله حضرة شيخنا قدس سره ان تيسر‬
‫الوصول للعبد اىل احلق سبحانه من طريق املعية بينه وبينه تعاىل يكون بال توسط امر ألبتة‬
‫فانه هو املناسب للمعية والواسطة امنا هي يف سلسلة الرتبية اليت هي عبارة عن السلوك‬
‫وطريق املعية واحد من طرق اجلذبة وحديث املرء مع من احب ايضا يؤيد ذلك فانه ملا‬
‫ثبتت املعية بني شخص وبني حمبوبه فقد ارتفعت الواسطة (امسع) ان لكل ظل طريقا‬
‫واضحا اىل أصله وال حائل بينهما اصال فلئن حصل للظل بعناية هللا جل شأنه ميل اىل‬
‫اصله وحصل له اجنذاب اليه وحلوق به يكون ذلك بال حيلولة امر ألبتة وحيث ان ذلك‬
‫االصل اسم من االمساء االهلية ال يكون بني االسم وبني مسماه حائل ألبتة و يكون‬
‫وصول الظل من هذا الطريق اىل اصل االصل الذي هو مسمى ذلك االسم بال توسط‬

‫(‪ )1‬قوله لو دليتم بدلو اخل هذا آخر حديث طويل اخرجه الرتمذي عن ايب هريرة رضي هللا عنه ولفظه والذي نفس‬
‫حممد بيده لو انكم دليتم حببل اىل االرض السابعة السفلى هلبط على هللا مث قرأ هو االول واآلخر اآلية قال الرتمذي‬
‫حديث غريب‬
‫‪- 1136 -‬‬

‫امر وأيضا ان كل من كان واصال اىل حضرة الذات تعالت بوصول الكيفي فتوسط امر‬
‫وحيلولته مفقود يف حقه فاذا ارتفعت حيلولة صفات الواجب وحجابيتها يف صورة‬
‫الوصول اىل حضرة الذات فكيف يكون حليلولة غري الصفات وحجابيته جمال (فان قيل)‬
‫اذا مل جيز انفكاك الصفات عن الذات فما معن ارتفاع حيلولة الصفات من بني الواصل‬
‫واملوصول الي ه (قلت) اذا حصل للسالك وصول اىل أصله الذي هو اسم من االمساء‬
‫االهلية والسالك ظله وحتقق السالك به ال يكون بينه وبني حضرة الذات تعالت توسط‬
‫وحيلولة ألتبة كما ال حيلولة بني االسم ومسماه فعلى هذا ال يلزم ارتفاع وال انفكاك وقد‬
‫مر مثل هذا التحقيق آنفا يف بيان احتاد حقيقة السالك ابحلقيقة احملمدية وقد مرت أيضا‬
‫مشة من هذا البيان عند بيان وصول الظل اىل اصله {تنبيه} وال يظن أبله من عدم‬
‫التوسط الذي ذكر يف طريق اجلذبة وغريها االستغناء عن تبعية خري البشر عليه و على‬
‫آله الصالة و السالم فان ذلك كفر وزندقة وأنكار على الشريعة احلقة وقد مر آنفا اجلذبة‬
‫بال انض مام السلوك إليه الذي هو عبارة عن اتيان االحكام الشريعة غري اتمة وابرت ونقمة‬
‫ظهرت يف صورة النعمة وامتت احلجة على صاحبها وابجلملة قد بلغ مرتبة اليقني‬
‫ابلكشف الصحيح واالهلام الصريح ايضا انه ال يتيسر دقيقة من دقائق هذا الطريق وال‬
‫معرفة من معارف القوم بال وساطته ووساطة متابعته عليه الصالة و السالم وفيوض هذا‬
‫الطريق وبركاته ال حتصل للمنتهى كاملبتدئ واملتوسط بال تبعيته وتطفله صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم {شعر}‪:‬‬
‫و من احملال املشي يف طرق الصفا * اي سعد من غري اتباع املصطفى‬
‫وزعم افالطون االبله نفسه مستغنيا عن االنبياء عليهم السالم بسبب الصفاء‬
‫الذي حصل لنفسه من الرايضات واجملاهدات وقال حنن قوم مهذبون ال حاجة بنا اىل‬
‫من يهذبنا (ينبغي) ان يعلم ان هذا الصفاء الذي حيصل ابلرايضات بال توسط متابعة‬
‫االنبياء حكمه حكم حناس اسود طلي ابلذهب اوسم غلف ابلسكر والذي يقلب حقيقة‬
‫النحاس ذهبا خالصا وخيرج النفس من االمارية اىل االطمئنان هو متابعة االنبياء عليهم‬
‫‪- 1137 -‬‬

‫الصالة و السالم واحلكيم املطلق جل وعال امنا قرر بعثة االنبياء ووضع شرائعهم لتعجيز‬
‫النفس االمارة وختريبها ومل جيعل ختريبها بل اصالحها يف غري متابعة االنبياء عليهم السالم‬
‫فمن ارتكب ألوفا من الرايضات واجملاهدات بال متابعة هؤالء االكابر ال ينقص من‬
‫اماريتها مقدار شعرة بل تزيد يف طغياهنا وعنادها {ع}‪:‬‬
‫كل خمتار العليل علة‬
‫وازالة مرضها الذايت منوطة ابلتمسك بشرائع االنبياء عليهم السالم وبدونه خرط‬
‫القتاد (ينبغي) ان يعلم ان اجلذبة وان كانت ال بد هلا من السلوك سواء كانت مقدمة‬
‫عليه او مؤخرة عنه ولكن الفضل لتقدم اجلذبة على السلوك فان السلوك حينئذ خادمها‬
‫ويف أتخري اجلذبة يكون خمدومها الن اجلذب حينئذ امنا يتيسر له بدولة السلوك ويف تقدم‬
‫اجلذبة ليس كذلك فانه على هذا التقدير بنفسه مدعو ومطلوب وهلذا كان مرادا وذاك‬
‫مريدا ورأس املرادين ورئيس احملبوبني حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فان املقصود‬
‫الذايت واملدعو االول يف هذه الدعوة هو عليه و على آله الصالة و السالم وغريه امنا دعوا‬
‫بتطفله سواء كانوا مرادين أومريدين لواله ملا خلق هللا اخللق وملا أظهر الربوبية كما ورد فاذا‬
‫كان كل من سواه طفيليه وكان هو صلّى هللا عليه و سلّم مقصودا أصليا من هذه الدعوة‬
‫فال جرم يكون الكل حمتاجني اليه وأيخذون الفيوض والربكات بتوسطه عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم فلو قيل للكل اله من هذه احليثية جلاز فان الكل متبعون له ال أيخذون‬
‫كماال اال بتوسطه فانه اذا كان وجود من سواه ال يتصور بدون وجوده كيف تتصور‬
‫كماالهتم اليت هي اتبعة للوجود بدون توسطه عليه الصالة و السالم نعم ينبغي حملبوب‬
‫رب العاملني ان يكون كذلك (امسع) قد صار مكشوفا ان حمبوبيته صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫كائنة مبحبته تعاىل املتعلقة بذاته البحت بال مالحظة الشئون واالعتبارات وصارت حضرة‬
‫الذات حمبوبة بتلك احملبة خبالف حمبوبية غريه صلّى هللا عليه و سلّم فاهنا كائنة ابحملبة‬
‫املتعلقة ابلشئون واالعتبارات ومتلبسة ابالمساء والصفات أو بظالل االمساء والصفات‬
‫على تفاوت الدرجات {شعر}‪:‬‬
‫‪- 1138 -‬‬

‫فان فضل رسول هللا ليس له * حد فيعرب عنه انطق بفم‬


‫عليه و على مجيع اخوانه من االنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني الصلوات و‬
‫التسليمات والربكات (وحتقيق) هذا املقام انه ميكن ان يكون توسطه صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم مبعنيني احدمها انه يكون حائال وحاجبا بني السالك واملطلوب والثاين أن السالك‬
‫يصل اىل املطلوب بتطفله وبتوسط تبعيته ومتابعته عليه الصالة و السالم ففي طريق‬
‫السلوك التوسط كائن مبعنييه قبل الوصول اىل احلقيقة احملمدية بل أظن أن كل من كان‬
‫واسطة يف البني من الشيوخ يف هذا الطريق فهو حاجب عن شهود السالك فويل ملثل‬
‫هذا السالك لو مل يتدارك ذلك أخريا ابجلذبة ومل جتر معاملته من احلجاب اىل عدم‬
‫احلجابية فان يف طريق اجلذبة وبعد الوصول اىل حقيقة احلقائق التوسط ابملعن الثاين‬
‫الذي هو تطفل السالك وتبعيته دون احليلولة واحلجاب حت يكون حجااب للشهود‬
‫واملشاهدة وامثاهلما (ال يقال) ان عدم التوسط وان كان مبعن واحد يستلزم قصورا جلنابه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم الان نقول ان عدم التوسط ابملعن املذكور مستلزم لكمال جنابه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم ال للقصور بل القصور يف وجود التوسط فان كمال املتبوع هو ان‬
‫يصل اتبعه بتطفله وتبعيته اىل مجيع درجات الكمال وأن ال يرتك دقيقة من دقائقه وهذا‬
‫امنا هو يف عدم التوسط ال يف جوده فان يف عدم التوسط شهودا بال حجاب وهو أقصى‬
‫درجات الكمال ويف وجود التوسط الشهود يف حجاب فيكون الكمال يف عدم التوسط‬
‫والقصور يف التوسط ومن شوكة املخدوم وعظمته ان ال يتخلف عنه خادمه يف مقام‬
‫أصال و يكون بتبعيته شريكا يف دولة أقرانه ومن ههنا قال عليه الصالة و السالم علماء‬
‫أميت كأنبياء بين اسرائيل وستكون الرؤية االخروية بال توسط شئ وحيلولة امر وقد ورد يف‬
‫احلديث الصحيح ان العبد اذا دخل يف الصالة يرتفع احلجاب الذي بني العبد والرب‬
‫وهلذا كانت الصالة معراج املؤمن وصار احلظ الوافر منها نصيبا للمنتهى الواصل فان رفع‬
‫احلجاب خمصوص ابملنتهى الواصل فثبت ارتفاع التوسط واحليلولة وهذه املعرفة من خواص‬
‫املعارف اللدنية هبذا الفقري اعطيها مبحض الفضل والكرم وحتقق حبقيقتها {شعر}‪:‬‬
‫‪- 1139 -‬‬

‫كأين بقعة فيها سحاب ال * ربيع ممطر ماء زالال‬


‫ونعم ما قيل {شعر}‪:‬‬
‫واذا أتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا‬
‫وملشائخ الطرية قدس هللا أسرارهم اختالفات يف توسطه وعدم توسطه صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم ذهب مجاعة اىل وجود التوسط وطائفة اىل عدمه ومل يبني منهم أحد حتقيق‬
‫التوسط وعدم ال توسط ومل يتكلم يف كماهلما وقصورمها وأرابب الظاهر يكادون يظنون‬
‫عدم التوسط الذي هو كمال االميان كفرا ويضللون القائل به من جهاالهتم ويتصورون‬
‫التوسط من كمال االميان ويعدون القائل به من كمل املتابعني واحلال ان عدم التوسط‬
‫مبين عن كمال املتابعة ووجود التوسط مشعر بقصور املتابعة كما مر كل ذلك منهم لعدم‬
‫الدرك اىل حقيقة احلال قال هللا تعاىل بل كذبوا مبا مل حييطوا بعلمه وملا أيهتم أتويله كذلك‬
‫كذب الذين من قبلهم (أيها املخدوم) ان القول ابالويسية ليس ابنكار على الشيخ‬
‫الظاهر فان االويسي شخص يكون للروحانيني مدخل يف تربيته أال ترى ان اخلواجه احرار‬
‫قدس سره ملا وجد االمداد من روحانية اخلواجه النقشبند قدس سره قيل له مع وجود‬
‫شيخه الظاهر اويسيا وكذلك اخلواجه النقشبند ملا انل االمداد من روحانية اخلواجه عبد‬
‫اخلالق الغجدواين قدس سرمها كان مع وجود شيخه الظاهر أويسيا خصوصا اذا كان‬
‫شخص مع وجود األويسية مقرا بشيخه الظاهر وجعل املراد انكارا على الشيخ ابلزور‬
‫والبهتان انصاف عجيب (أيها املخدوم) ان املراد من تركيب لفظ عبد الباقي معناه‬
‫االضايف ال العلمي وان كان فيه اشعار ابملعن العلمي أيضا أببلغ الوجوه يعين ان شيخي‬
‫وان كان عبد الباقي ولكن املتكفل برتبية هللا الباقي فأي حتريف واحنراف هنا وأي سوء‬
‫أدب رزق هللا االنصاف (أيها املخدوم) ان القصور الذي قيل يف معن قول سبحاين‬
‫الذي صدر عن أيب يزيد البسطامي قدس سره يف غلبات السكر لو سلم ال يلزم منه ان‬
‫يكون ذلك القصور مستقرا ومستمرا يف قائله حت يكون غريه أفضل منه فان كثريا من‬
‫املعارف تصدر يف وقت مبقتضى حال ذلك الوقت مث ملا ظهر قصور تلك املعرفة بعناية‬
‫‪- 1140 -‬‬

‫هللا تعاىل يف وقت آخر ترتك تلك املعرفة ويرتقى اىل مقام فوقاين قد اندرج يف املكتوب‬
‫الشريف ان امثال هذه الكلمات املمزوجة ابلشطح لو كتبها أرابب السكر جلاز ولكن‬
‫اظهار أرابب الصحو امثال هذه الكلمات مستبعد جدا (أيها املخدوم) ان كل من كتب‬
‫هذه الكلمات فمنشؤه السكر مل حيرك القلم يف هذا الباب بال مزج السكر غاية ما يف‬
‫الباب ان يف السكر مراتب كثرية وكلما كان السكر أكثر يكون الشطح أغلب وأوفر‬
‫وسكر البسطامي هو ما يصدر عنه قول لوائي أرفع من لواء حممد بال حتاش فكل من‬
‫حاله الصحو ال يظن به أنه ال سكر معه أصال فانه عني القصور ألن الصحو اخلالص‬
‫نصيب العوام ومن رجح الصحو فمراده غلبة الصحو ال الصرف وكذلك كل من يرجح‬
‫السكر فمراده غلبه السكر ال السكر اخلالص فانه آفة أال ترى ان اجلنيد قدس سره مع‬
‫كونه رئيس أرابب الصحو وترجيحه الصحو على السكر له عبارات كثرية ممزوجة ابلسكر‬
‫يعسر تعدادها قال العارف هو املعروف وقال لون املألون اانئه وقال احملدث اذا قرن‬
‫ابلقدمي مل يبق له أثر وصاحب العوارف من كمل أرابب الصحو ومع ذلك يف كتابه من‬
‫املعارف السكرية ما ال ميكن شرحه وهذا الفقري قد مجع بعض معارفه السكرية يف ورق‬
‫ومن بقااي السكر جتويز افشاء االسرار ومنه املباهات واالفتخار ومنه ادعاء املزية على‬
‫االغيار فلو كان صحو خالص يكون افشاء االسرار حينئذ كفرا واعتقاد االفضلية على‬
‫الغري شركا وبقية السكر يف الصحو كامللح املصلح للطعام فلو مل يكن ملح يكون الطعام‬
‫معطال {شعر}‪:‬‬
‫فلو مل يكن عشق وهيمان عاشق * ملا كان من يصغي وما كان سامر‬
‫وقد محل صاحب العوارف قدس سره قول قدمي هذه على رقبة كل ويل الصادر‬
‫عن الشيخ عبد ال قادر قدس سره على السكر وليس مراده اثبات القصور هلذا القول كما‬
‫توهم فانه عني حممدة له بل بيان الواقع يعين ان صدور مثل هذا الكالم املنبئ عن‬
‫املباهات واالفتخار ليس هو بال بقية سكر فان التكلم ابمثال هذا الكالم يف الصحو‬
‫اخلالص عسري وكل هذه الدفاتر اليت كتبها هذا الفقري يف علوم هذه الطائفة العلية‬
‫‪- 1141 -‬‬

‫واسرارهم كأنه تقرر يف خاطركم الشريف أنه كتبها عن صحو خالص بال مزج السكر‬
‫حاشا وكال من ذلك فانه حرام منكر وجزاف ونسج للكالم والذين ينسجون الكالم‬
‫املتصفون بصحو خالص كثري فلم ال ينسجون االقوال على هذا املنوال وال حيركون هبا‬
‫قلوب الرجال {شعر}‪:‬‬
‫خليلي ما هذا هبذل وامنا * حديث عجيب من بديع الغرائب‬
‫(أيها املخدوم) ان امثال هذه الكلمات املنبئة عن افشاء االسرار املصروفة عن‬
‫الظاهر قد صدرت عن مشائخ الطريقة قدس هللا اسرارهم يف كل وقت وصار ذلك‬
‫عادهتم املستمرة ليس هو أمر ابتدعه هذا الفقري واخرتعه ليس هذا أول قارورة كسرت يف‬
‫االسالم فما كل هذا االضطراب واجلدال فان صدر لفظ ال يطابق ظاهره بعلوم الشريعة‬
‫ينبغي ان يصرفه عن الظاهر أبدىن توجه وان جيعله مطابقا بعلوم الشريعة دون أن يتهم‬
‫مسلما فاذا كان اشاعة فاحشة وافضاح فاسق حراما ومنكرا يف الشريعة فافضاح مسلم‬
‫مبجرد اشتباه كيف يكون مناسبا وأي تدين يف النداء من بلد اىل بلد وطريق االسالمية‬
‫والشفقة هو أنه اذا صدر عن شخص كلمة ظاهرها خمالف للعلوم الشرعية ينبغي ان ينظر‬
‫اىل قائله أنه من هو فان كان ملحدا وزنديقا ينبغي ان يرده وان ال يشتغل ابصالحه وان‬
‫كان من املسلمني وكان له اميان ابهلل ورسوله ينبغي ان جيتهد يف اصالح كالمه وان حيمله‬
‫على حممل صحيح وان يطلب حله من قائله فلو عجز عن حله ينبغي ان ينصحه فان‬
‫األمر ابملعروف والنهي عن املنكر هو الرفق لكونه قريبا من االجابة فان مل يكن املقصود‬
‫االجابة بل كان تفضيحا فهو أمر آخر رزق هللا تعاىل التوفيق واعجب من ذلك أنه يفهم‬
‫من املكت وب الشريف أنه قد طرأ االشتباه واالحنراف على مالزميكم أيضا بعد استماع‬
‫مكتوب هذا الفقري من ذاك العزيز ويشبه ان يكون انعكاسا وكان ينبغي هلم ان حيلوا‬
‫مظان االشتباه أبنفسهم من غري ان يطرح هلذا الفقري وان يسكنوا الفتنة فماذا أقول يف‬
‫حق سائر االصحاب ابن بعضهم مل يدفع االشتباه ومل تسمح نفسه بذلك واختار‬
‫السكوت مع وجود القدرة على الدفع {شعر}‪:‬‬
‫‪- 1142 -‬‬

‫وحنن قد توقعنا * من االحباب امدادا‬


‫ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من أمران رشدا و السالم أوال وآخرا‪.‬‬

‫{املكتوب احلادي والعشرون اىل موالان حسن الدهلي}‬


‫الر ْمحَن ا َّلرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫احلقيقة احملمدية ظهور أول وحقيقة احلقائق مبعن أن سائر احلقائق سواء كانت حقائق‬
‫االنبياء الكرام أو حقائق املالئكة العظام عليهم الصالة و السالم كالظالل هلا واهنا أصل‬
‫مجيع احلقائق قال عليه و على آله الصالة و السالم أول ما خلق هللا نوري وقال عليه‬
‫الصالة و السالم خلقت من نور هللا واملؤمنون من نوري فبالضرورة تكون تلك احلقيقة‬
‫بني سائر احلقائق وبني احلق جل وعال و يكون وصول أحد اىل املطلوب بال توسطه عليه‬
‫و على آله الصالة و السالم حماال فهو نيب االنبياء و املرسلني وارساله رمحة للعاملني ومن‬
‫ههنا يتمين االنبياء أولوا العزم مع وجود االصالة فيهم تبعيته والدخول يف عداد امته صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم (فان قيل) أي كمال مربوط بكون االنبياء من أمتهصلّى هللا عليه و سلّم‬
‫ومل يتيسر هلم مع وجود دولة النبوة فيهم (قلت) ان ذلك الكمال هو الوصول اىل حقيقة‬
‫احلقائق واالحتاد به ومها منوطان ابلتبعية والوراثة بل موقوفان على كمال فضله تعاىل‬
‫فاهنما نصيب اخص اخلواص من أمته صلّى هللا عليه و سلّم ومن مل يكن من أمته ال‬
‫يصل اىل هذه الدولة وال يرتفع يف حقه احلجاب فانه امنا يتيسر بسبب االحتاد ولعل هللا‬
‫سبحانه قال من هذه احليثية كنتم خري أمة فهو عليه و على آله الصالة و السالم كما‬
‫هو أفضل من كل فرد من االنبياء الكرام واملالئكة العظام كذلك هو عليه الصالة و‬
‫السالم أفضل من الكل من حيث الكل عليه وعليهم الصالة و السالم فان لالصل‬
‫فضال على ظله وان كان ذلك الظل متضمنا اللوف من الظالل فان وصول الفيوض من‬
‫املبدأ الفياض سبحانه اىل الظل امنا هو بتوسط االصل وقد حقق هذا الفقري يف رسائله ان‬
‫للنقطة الفوقانية فضال على مجيع النقط اليت حتتها وهن كالظالل هلا وقطع العارف لتلك‬
‫‪- 1143 -‬‬

‫النقطة الفوقانية اليت هي كاالصل أزيد من قطعه جلميع النقط التحتانية اليت هي كالظالل‬
‫هلا (فان قيل) يلزم من هذا البيان فضل خواص هذه االمة على االنبياء عليهم السالم‬
‫(قلت) ال يلزم ذلك أصال وامنا يلزم شركة خواص هذه االمة مع االنبياء يف تلك الدولة‬
‫ومع ذلك يف االنبياء كماالت كثرية ومزااي عديدة خمتصة هبم واخص اخلواص من هذه‬
‫االمة لو ترقى غاية الرتقي ال يصل رأسه اىل قدم أدىن االنبياء وأين اجملال للمساوات‬
‫واملزية بعد قال هللا تعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني عليهم الصلوات و‬
‫التسليمات فلو ترقى فرد من افراد االمة بتطفل نبيه وتبعيته فوق بعض االنبياء عليهم‬
‫السالم امنا يكون ذلك بعنوان اخلادمية والتبعية ومن املعلوم أنه ما نسبة اخلادم اىل أقران‬
‫املخدوم غري اخلادمية والتبعية واخلادم الطفيلي طفيلي يف مجيع الوقت واحلقيقة احملمدية‬
‫اليت هي حقيقة احلقائق على ما انكشف هلذا الفقري يف آخر االمر بعد طي مجيع مراتب‬
‫الظالل هي التعني احليب وظهوره الذي هو مبدأ الظهورات ومنشأ خلق املخلوقات كما‬
‫ورد يف احلديث القدسي املشهور كنت كنزا خمفيا فأحببت ان اعرف فخلقت اخللق‬
‫العرف واول شئ جاء اىل منصة الظهور من ذلك الكنز اخلفي كان احلب الذي صار‬
‫سببا خللق اخلالئق فلو مل يكن هذا احلب ملا انفتح ابب االجياد وكان قدم العامل راسخا‬
‫ومستقرا يف العدم وينبغي ان يطلب سر حديث لواللك ملا خلقت االفالك وملا اظهرت‬
‫الربوبية يف هذا املقام (فان قيل) ان صاحب الفتوحات املكية جعل التعني االول الذي‬
‫هو احلقيقة احملمدية عبارة عن امجال العلم وأنت قلت يف رسائلك ان التعني االول هو‬
‫التعني الوجودي وجعلت مركزه الذي هو اشرف اجزائه واسبقها عبارة عن احلقيقة‬
‫احملمدية وظننت تعني حضرة االمجال ظل هذا التعني الوجودي وتكتب اآلن ههنا ان‬
‫التعني االول هو التعني احليب وانه حقيقة حممدية فما وجه التوفيق بني هذه االقوال‬
‫(قلت) كثريا ما يظهر ظل شئ بصورة اصله وجيعل السالك مشغوال ومشغوفا بنفسه‬
‫فذانك التعينان من ظالل التعني االول ظهرا للسالك وقت العروج بصورة اصلهما الذي‬
‫هو التعني االول احليب (فان قيل) كيف يستقيم القول ابن التعني الوجودي ظل التعني‬
‫‪- 1144 -‬‬

‫احليب واحلال ان للوجود سبقة على احلب فان احلب فرع الوجود قلت ان هذا الفقري قد‬
‫حقق يف رسائله ان احلق سبحانه و تعاىل موجود بذاته ال ابلوجود وكذلك صفاته الثمانية‬
‫احلقيقية موجودة بذاته جل شأنه ال ابلوجود فانه ال جمال للوجود بل للوجوب يف تلك‬
‫املرتبة الن الوجود والوجوب كليهما من االعتبارات واول اعتبار ظهر الجياد العامل هو‬
‫احلب مث بعده اعتبار الوجود الذي هو مقدمة اجياد العامل فان حلضرة الذات تعالت بال‬
‫اعتبار هذا احلب والوجود استغناء عن العامل وعن اجياد العامل ان هللا لغين عن العاملني نص‬
‫قاطع والقول بظلية التعني العلمي االمجال لذينك التعينني ابعتبار اهنما من اعتبارات‬
‫حضرة الذات بال مالحظة الصفات وامللحوظ يف هذا التعني هو الصفة الذي هي كالظل‬
‫للذات (ينبغي) ان يعلم انه اذا أجيل النظر يف التعني االول الذي هو التعني احليب ابلدقة‬
‫واالمعان يعلم بفضل هللا سبحانه ان مركز ذلك التعني هو احلب الذي هو احلقيقة‬
‫احملمدية وحميطه ال ذي هو كالدائرة يف صورة املثال وكالظل لذلك املركز هو اخللة اليت هي‬
‫احلقيقة االبراهيمية فكان احلب اصال واخللة كالظل له وجمموع املركز واحمليط الذي هو‬
‫دائرة واحدة تعني اول و مسمى ابسم اشرف أجزائه واسبقها الذي هو املركز الذي هو‬
‫عبارة عن احلب ويف النظر الكشفي ايضا يظهر ابعتبار اصالة ذلك اجلزء وغلبته تعينا‬
‫حبيا ومن حيث ان حميط الدائرة كالظل ملركزها وانش منه وان ذلك املركز اصل ومنشأ له‬
‫لو قيل للمحيط تعينا اثنواي ايضا جلاز ولكن ليس يف النظر الكشفي تعينان بل تيعن‬
‫واحد مشتمل على احلب واخللة اللذين مها املركز واحمليط والتعني الثاين يف النظر الكشفي‬
‫هو التعني الوجودي الذي هو كالظل للتعني االول كما مر فاذا كان املركز اصال للمحيط‬
‫ال بد للمحيط يف الوصول اىل املطلوب من توسط املركز فان الوصول اىل املطلوب من‬
‫طريق املركز الذي هو اصل الدائرة وامجاهلا ينبغي ان يعرف من هذا البيان مناسبة حبيب‬
‫هللا واحتاده خبليل هللا عليهما الصالة و السالم وملا كان االصل واسطة للظل يف الوصول‬
‫اىل املطلوب ال جرم اراد اخلليل توسط حبيب هللا ومتن ان يكون داخال يف عداد امته‬
‫عليهما الصالة و السالم كما ورد يف اخلرب (فان قيل) اذا كانت املعاملة هكذا فما معن‬
‫‪- 1145 -‬‬

‫امر حبيب هللا مبتابعة ملة خليل هللا عليهما الصالة و السالم ومل قال صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم يف بيان الصالة و السالم على نفسه الشريفة كما صليت وكما سلمت على ابراهيم‬
‫(قلت) ان حقيقة الشئ كلما كانت اعلى واقرب اىل التنزيه يكون مظهر تلك احلقيقة يف‬
‫عامل العناصر اسفل و يكون تلبسه ابلصفات البشرية اكثر فوصول ذلك املظهر اىل تلك‬
‫احلقيقة بطريق العروج يكون متضمنا للعسر وامللة اليت اعطاها هللا سبحانه البراهيم على‬
‫نبينا و عليه الصالة و السالم طريق واضح للوصول اىل احلقيقة االبراهيمية اليت هي واقعة‬
‫يف جوار احلقيقة احملمدية كما مر وابراهيم عليه السالم وصل هناك من هذا الطريق وهلذا‬
‫امر صلّى هللا عليه و سلّم مبتابعة ملته ليصل هبا اىل حقيقة احلقائق وقال صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم كما صليت وكما سلمت الن الصالة والرمحة عليه عليه السالم امنا هي بعد حصول‬
‫دولة الوصول اىل احلقيقة مع اان نقول ان الفاضل يؤمر يف بعض االحيان مبتابعة املفضول‬
‫وال يلزم من ذلك االمر ابملتابعة قصور يف فاضليته قال هللا تعاىل لنبيه عليه و على آله‬
‫الصالة و السالم وشاورهم يف االمر واالمر مبشورة االصحاب ال خيلو من تضمن االمر‬
‫مبتابعتهم واال فما فائدة املشورة (واعلم ان حقيقة) الصديق رضي هللا عنه يعين ربه من‬
‫االمساء االهلية الذي هو مبدأ تعينه ظل احلقيقة احملمدية بال توسط امر على هنج كلما هو‬
‫كائن يف تلك احلقيقة اثبت لذلك الظل بطريق التبعية والوراثة ومن ههنا كان هو رضي‬
‫هللا عنه اكمل ورثة هذه االمة وافضلهم قال عليه الصالة و السالم ما صب هللا شيئا يف‬
‫صدري اال وقد صببته يف صدر ايب بكر (والح) ايضا ان احلقيقة االسرافيلية ايضا هي‬
‫تلك احلقيقة احملمدية ال بطريق االصالة والظلية كما يف احلقيقة الصديقية حيث كانت‬
‫ظال لتلك احلقيقة بل يف كليهما اصالة هنا ال ظلية حائلة وامنا الفرق بينهما ابلكلية‬
‫واجلزئية فان حقيقته صلّى هللا عليه و سلّم كلية وهلذا كانت تلك احلقيقة منسوبة اىل امسه‬
‫عليه الصالة و السالم وحقائق املالئكة الكرام عليهم السالم انشئة من احلقيقة االسرافيلية‬
‫(فان قيل) هل جيوز ان يرتقي العارف من حقيقته اليت هي عبارة عن االسم االهلي الذي‬
‫هو ربه بعد الوصول اليها او ال (قلت) ان الوصول اىل تلك احلقيقة بعد طي مراتب‬
‫‪- 1146 -‬‬

‫السلوك الذي قالوا انه عبارة عن متامية السري اىل هللا على نوعني احدمها وصول اىل ظل‬
‫من ظالل ذلك االسم الذي ظهر يف املظاهر الوجوبية يف صورة حقيقته وبرز بوصف‬
‫أصله وهذا االشتباه كثري الوقوع يف هذا الطريق وعقبة عظيمة على السالك اال ان يتيسر‬
‫خملص من هذه العقبة مبحض فضل هللا تعاىل وال شك ان هذا الرتقي من هذا الظل‬
‫الشبيه ابحلقيقة جائز بل واقع واما اذا وقع الوصول اىل نفس احلقيقة فال جيوز الرتقي منها‬
‫بال تطفل احد وتبعيته فان تلك احلقيقة هناية مراتب استعداده الذايت واما اذا وصل اىل‬
‫حقيقة غريه اليت هي فوق حقيقته بطريق التطفل فجائز بل واقع وهذا السري كأنه سري‬
‫قسري وراء السري الطبيعي االستعدادي كما مرت مشة من ذلك عند بيان الوصول اىل‬
‫احلقيقة احملمدية (فان قيل) هل جيوز الرتقي من احلقيقة احملمدية اليت هي حقيقة احلقائق‬
‫وال حقيقة فوقها من حقائقها املمكنات او ال وأنت كتبت يف رسائلك ان الرتقي من‬
‫احلقيقة احملمدية قد وقع فما حقيقة هذه املعاملة (قلت) ال جيوز فان فوقها مرتبة الالتعني‬
‫ووصول املتعني اليها وحلوقه هبا حمال والقول ابلوصول واللحوق بال تكيف جمرد تفوه‬
‫يتسلى به قبل الوصول اىل حقيقة املعاملة وأما بعد الوصول اىل حقيقة االمر فاحلكم بعدم‬
‫الوصول واللحوق الزم النه ليس فيه شائبة الريب وما كتبت انه قد وقع الرتقي من احلقيقة‬
‫احملمدية فاملراد من تلك احلقيقة ظل تلك احلقيقة الذي قالوا انه عبارة عن امجال حضرة‬
‫العلم ومعرب عن ه ابلوحدة كان يف ذلك الوقت اشتباه الظل ابالصل وملا تيسر التخلص‬
‫مبحض فضل هللا جل سلطانه من ذلك الظل وسائر الظالل علم ان الرتقي من حقيقة‬
‫احلقائق غري واقع بل غري جائز فان رفع القدم منها ووضعها فيما فوقها وضع القدم يف‬
‫الوجوب وخروج من االمكان وذلك حمال عقال وشرعا (فان قيل) يلزم من هذا التحقيق‬
‫ان الرتقي من تلك احلقيقة غري واقع خلامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم ايضا‬
‫(قلت) انه صلّى هللا عليه و سلّم أيضا مع علو شأنه وجاللة قدره ممكن دائما ال خيرج‬
‫من االمكان قط وال يلحق ابلوجوب اصال فانه مستلزم للتحقق اباللوهية تعاىل هللا ان‬
‫يكون له ند وشريك دع ما ادعته النصاري يف نبيهم اخل (فان قيل) قد اتضح من التحقيق‬
‫‪- 1147 -‬‬

‫السابق ان الوصول اىل حقيقة احلقائق واللحوق واالحتاد هبا بتطفله ووراثته صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم اثبت لآلخرين ايضا وشركتهم له يف كماله اخلاص به صلّى هللا عليه و سلّم كائنة‬
‫فعلى هذا التقدير ما الفرق بني املتبوع االصلى وبني التابع الطفيلي يف هذا الكمال الذي‬
‫هو متضمن لرفع احلجاب وارتفاع الواسطة وفوق مجيع الكماالت واي مزية يف املتبوع‬
‫واالصل ليست هي يف التابع والطفيلي (قلت) ان وصول اآلخرين اىل تلك احلقيقة‬
‫وحلوقهم هبا من قبيل حلوق اخلادم ابملخدوم ووصول الطفيلي اىل االصيل فان كان‬
‫الواصل من اخص خواص االمة الذين هم االقلون فهو خادم وان كان من االنبياء عليهم‬
‫السالم فهو ايضا طفيلي واخلادم الذي هو انئل حصة مما يف يد املخدوم اي شركة له مع‬
‫املخدوم واي عزة له واي مزية يف جنبه والطفيلي وان كان جليسا وشريكا يف اللقمة‬
‫ولكن الطفيلي طفيلي ووصول اخلدمة بتبعية املخدوم اىل امكنة عالية واكلهم من االطعمة‬
‫املخصوصة به ونيلهم االعزاز واالحرتام من عظمة شأن املخدوم وعلو منزلته وكأنه يلحق‬
‫للمخدوم حينئذ عزة أخرى من جهة حلوق خدمه به مع وجود عزته الذاتية ويزيد بذلك‬
‫قدره ويرتفع شأنه (أمسع مساعا حسنا) انه قد ورد يف احلديث النبوي على صاحبه الصالة‬
‫و السالم من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل هبا فاملتبوع كلما كان التابع له يف‬
‫سنته احلسنة اكثر يكون اجره مثل اجورهم ازيد واوفر و يكون موجبا الزدايد منزلته‬
‫فكيف يكون للتابعني شركة مع املتبوع وكيف تتوهم املساواة بينهما (امسع امسع) انه جيوز‬
‫ان يكون مجاعة يف مقام واحد وشركاء يف دولة واحدة ولكن يكون مع كل منهم معاملة‬
‫على حدة واليكون الحد منهم اطالع على اآلخر اال ترى ان ازواج النيب صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم يكن معه يف اجلنة يف مقام واحد ويتناولن من طعام واحد وشراب واحد ولكن‬
‫املعاملة اليت تكون مع النيب صلّى هللا عليه و سلّم ال تكون معهن وااللتذاذ والسرور‬
‫اللذان يكوانن له صلّى هللا عليه و سلّم ال يكوانن هلن فلو كانت هلن شركة هناك معه يف‬
‫مجيع االمور يلزم افضليتهن على الكل كأفضليته صلّى هللا عليه و سلّم فان االفضلية هنا‬
‫مبعن كثرة الثواب عند هللا (فان قيل) ان هذا التعني احليب الذي هو التعني االول واحلقيقة‬
‫‪- 1148 -‬‬

‫احملمدية هل هو ممكن او واجب حادث او قدمي وقد قال صاحب الفصوص للتعني‬
‫االول حقيقة حممدية وعرب عنه ابلوحدة وكذلك قال للتعني الثاين واحدية واثبت االعيان‬
‫الثابتة اليت هي حقائق املمكنات عنده يف تلك املرتبة وقال لكال التعينني تعينا وجوبيا‬
‫واعتقد قدمهما وقال للتعينات الثالثة الباقية اعين الروحي واملثايل واجلسدي تعينا امكانيا‬
‫فما معتقدك يف هذه املسئلة (قلت) ال تعني عند هذا الفقري اصال وال متعني اي تعني‬
‫جيعل الالمتعني متعينا وهذه االلفاظ موافقة ملذاق حضرة الشيخ حميي الدين واتباعه قدس‬
‫هللا تعاىل اسرارهم فان وقع مثل هذه االلفاظ يف عبارات الفقري ينبغي ان نعتقده من قبيل‬
‫صنعة املشاكلة و على كل حال اقول ان ذلك التعني تعني امكاين وخملوق وحادث قال‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم اول ما خلق هللا نوري وورد يف احاديث آخر تعني وقت خلقة‬
‫ذلك النور ايضا كما ورد قبل خلق السموات أبلفي عام وامثاله وكلما هو خملوق ومسبوق‬
‫ابلعدم فهو ممكن وحادث فاذا كانت حقيقة احلقائق اليت هي اسبق احلقائق خملوقة‬
‫وممكنة تكون حقائق اآلخرين خملوقة وممكنة وحادثة ابلطريق األوىل والعجب من الشيخ‬
‫قدس سره من اين حيكم للحقيقة احملمدية بل حقائق مجيع املمكنات اليت قال هلا اعياان‬
‫اثبتة ابلوجوب ويعتقد قدمها وخيالف قول نبيه صلّى هللا عليه و سلّم واملمكن ممكن‬
‫جبميع اجزائه وممكن بصورته وحقيقته الي شئ يكون التعني الوجويب حقيقة املمكن‬
‫وحقيقة املمكن ينبغي ان تكون ممكنة ألبتة فان املمكن ال اشرتاك له مع الواجب تعاىل‬
‫اصال وال انتساب غري ان يكون املمكن خملوقة و هو سبحانه خالقه والشيخ لعدم متييزه‬
‫بني الواجب واملمكن حيث قال بنفسه بعدم التميز بينهما ال يبايل من ان يقول للواجب‬
‫ممكنا وللممكن واجبا فلو سومح يف ذلك فهو من كمال الكرم والعفو ربنا ال تؤاخذان ان‬
‫نسينا او اخطأان (فان قيل) انك قد اثبت يف رسائلك بني الواجب تعاىل واملمكن نبسة‬
‫االصالة والظلية (وقلت) يف حق املمكن انه ظل الواجب تعاىل وكتبت ايضا ان الواجب‬
‫تعاىل ابعتبار االصالة حقيقة للممكن الذي هو كالظل له وفرعت على ذلك معارف‬
‫كثرية فلو قال الشيخ قدس سره ايضا للواجب حقيقة املمكن هبذا االعتبار اي حمذور‬
‫‪- 1149 -‬‬

‫يلزم منه ومل يكون ملوما به (قلت) ان مثل هذه العلوم اليت تثبت بني الواجب تعاىل‬
‫واملمكن نسبة ومل يرد هبا الشرع كلها من املعارف السكرية ولعدم االطالع على حقيقة‬
‫املعاملة ولعدم ادراك كنه االمر وماذا يكون املمكن حت يكون ظل الواجب تعاىل وكيف‬
‫يكون للواجب تعاىل ظل فان الظل موهم لتوليد املثل ومنبئ عن شائبة عدم كمال لطافة‬
‫االصل فاذا مل يكن حملمد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم من لطافته ظل كيف يكون‬
‫إل له حممد ظل واملوجود يف اخلارج ابلذات وابالستقالل هو حضرة الذات تعالت وصفاته‬
‫الثمانية احلقيقية وما سواها أايما كان صار موجودا ابجياده تعاىل وممكن وخملوق وحادث‬
‫وال شئ من املخلوق بظل خلالقه وليس له انتساب اىل اخلالق تعاىل غري املخلوقية وغري ما‬
‫ورد به الشرع وهذا العلم بظلية العامل ينفع للسالك يف الطريق نفعا كثريا ويؤديه جبذبه اىل‬
‫االصل فاذا طوي بكمال العناية منازل الظالل ووصل اىل االصل جيد بفضل هللا تعاىل ان‬
‫هذا االصل ايضا حكمه حكم الظل ليس له لياقة ابملطلوبية لكونه متسما بسمة االمكان‬
‫وان امل طلوب ما وراء حيطة االدراك والوصل واالتصال ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا‬
‫من أمران رشدا‪.‬‬
‫{فصل} قد كان منبع الفضائل والكماالت موالان حسن الكشمريي الدهلوي‬
‫وحصل آماله ارسل رسالة اىل هذا الفقري وادرج فيها اسئلة‬
‫احسن هللا سبحانه احواله ّ‬
‫متعددة وطلب حلها وملا كا ن حلها متضمنا الظهار بعض االسرار مع بعض موانع اخر‬
‫ما اجرتأ الفقري على حترير اجلواب وأمر الوقت ابلتعلل ولكن ملا كان للمشار اليه حقوق‬
‫عظيمة على ذمة الفقري حيث تشرف حبسن داللته بدولة احلضور عند صاحب الوالية‬
‫حاوي طريق اندراج النهاية يف البداية فاخذ منه تعليم الف ابء يف هذا الطريق واستفاد يف‬
‫خدمته فيوضات وبركات غري متناهية ادرج حل بعض اسئلته اليت هلا مناسبة بعلوم هذه‬
‫الرسالة يف ذيل هذه الرسالة ابلضرورة وهللا سبحانه اهلادي اىل سبيل الرشاد (وقد سأل)‬
‫ان الكماالت الصورية واملعنوية والظاهرية والباطنية والعلمية والعملية والدنيوية واالخروية‬
‫وما ميكن يف نوع البشر كلها حاصل حلضرة خري البشر صلّى هللا عليه و سلّم اىل يوم‬
‫‪- 1150 -‬‬

‫احلشر ومتمكنة فيه ابلفعل كما يفهم من حديث اان سيد ولد آدم وال فخر وآدم ومن‬
‫دونه حتت لوائي يوم القيامة فعلمت علم االوليني واآلخرين وامثاهلا وما كان مشروطا‬
‫بشروط او موقوفا على وقت حيصل له أبحسن الوجوه ألبتة فعلى هذا التقدير ملاذا يكون‬
‫حزنه صلّى هللا عليه و سلّم املوصوف ابلدوام املعروف ابلكثرة وما سبب ذلك فان‬
‫السبب للحزن والغم فقدان شئ يطلبه ويريده ألبتة (أيها املخدوم) ان استبعاد وجود احلزن‬
‫وفقدان الكمال ابلنسبة اىل خامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم والتحية نظرا‬
‫اىل جاهه وجالله احملمدي وعناية هللا جل سلطانه الشاملة حلاله يف حاله ومآله عليه‬
‫الصالة و السالم مسلم ومستحسن واذا نظران اىل عبديته وعجزه البشري صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم والحظنا عزته وجالله وعظمته وكربايءه واستغناءه تعاىل الذاتيات ال يستبعد‬
‫حصول حزن له او فقدان كمال من كماالته تعاىل الغري املتناهية يف حقه صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم أيضا بل ذلك الئق حبال العبودية قوله تعاىل وال حييطون به علما وقوله تعاىل ال‬
‫تدركه االبصار كالمها شاهدان عدالن هلذا املعن ويثبتان الفقدان يف حق الكل نعم ان‬
‫املمكن وان بلغ الدرجات العلى ماذا يدرك من حقيقة الواجب وماذا ينال احلادث من‬
‫القدمي وكيف حييط املتناهي مبا هو غري متناه وما كتبوه من ان كل كمال ممكن احلصول‬
‫لنوع البشر فهو حاصل فيه صلّى هللا عليه و سلّم ابلفعل نعم ان الفضل الكلي على‬
‫الكل خمصوص به عليه الصالة و السالم ولكن جيوز ان يكون كمال راجع اىل فضل‬
‫جزئي خمصوصا ببعض االنبياء الكرام او املالئكة العظام عليهم الصالة و السالم وال‬
‫يوجب ذلك قصورا يف فضله صلّى هللا عليه و سلّم الكلي اصال وقد وردت احاديث‬
‫صحيحة بكون بعض الكماالت يف افراد االمة حت يغبطه االنبياء عليهم السالم واحلال‬
‫ان الفضل الكلّي على مجيع افراد االمة لالنبياء عليهم السالم وايضا قد ورد يف احلديث‬
‫ان للشهداء يف سبيل هللا مزية على االنبياء أبشياء حيث ان الشهداء ال احتياج هلم اىل‬
‫الغسل ومل يشرع صالة اجلنازة على الشهداء كما هو مذهب االمام الشافعي واالنبياء ال‬
‫بد هلم من الصالة وقال يف القرآن اجمليد وال تقولوا ملن يقتل يف سبيل هللا اموات بل أحياء‬
‫‪- 1151 -‬‬

‫اآلية وقال يف حق االنبياء موتى وهذه كلها فضائل جزئية ال تستلزم القصور يف فضل‬
‫االنبياء الكلي فيمكن ان يطرأ عليه صلّى هللا عليه و سلّم حزن وغم بسبب فقدان هذه‬
‫الفضائل اجلزئية و يكون ذلك احلزن سببا حلصول االستعداد والوصول اىل تلك الفضائل‬
‫أبن جتتمع الشهادة مثال مع النبوة ولئن سلمنا ان مجيع كماالت مجيع افراد االنسان‬
‫حاصلة له صلّى هللا عليه و سلّم ابلفعل نقول ان مهته صلّى هللا عليه و سلّم ملا كانت‬
‫عالية مل يكتف بتلك الكماالت بل اشتاق اىل ما فوقها قائال هل من مزيد وملا كان‬
‫حصول الكماالت الفوقانية للبشر خارجا عن حد االمكان كان دوام احلزن وافراط الغم‬
‫نقد وقته صلّى هللا عليه و سلّم وحتقيق هذا املبحث وهللا اعلم حبقيقة احلال ان مدار‬
‫االمر يف الطريقة واحلقيقة ويف القربة واملعرفة على الفناء و على زوال الصفات البشرية‬
‫واالحوال االمكانية {شعر}‪:‬‬
‫ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل‬
‫وكلما يبقى من وجود البشرية يكون حجاب الطريق بقدره وارتفاع الصفات‬
‫البشرية ابلكلية غري ممكن يف حق الكل سواء كان من اخلواص او من اخص اخلواص قال‬
‫الشيخ فريد الدين العطار{شعر}‪:‬‬
‫اال ترى سيد الكونني ما وصال * لكنه فقر فدع عن نفسك التعبا‬
‫واراد بكنه الفقر زوال الصفات البشرية واالحكام االمكانية ابلكلية وحصول ذلك‬
‫غري متصور لكونه مستلزما لقلب احلقائق فان املمكن اذا ترقى واخنلع من امكانيته يصري‬
‫واجبا ألبتة وذلك حمال عقال وشرعا وما قاله واحد من االعزة {شعر}‪:‬‬
‫لو نفض املمكن أغربة االمكان * ال يبقى سوى واجب‬
‫حممول على التمثيل والتشبيه ال على التحقيق والتقرير فانه غري واقع قال واحد من‬
‫االعزة {شعر}‪:‬‬
‫سواد الوجه يف الدارين صاح * من املخلوق اصال ال يزول‬
‫(فان قيل) ان بقاء احكام االمكان وآاثره ظاهر يف مقام قاب قوسني فان قوس‬
‫‪- 1152 -‬‬

‫الوجوب وقوس االمكان كليهما قائمان فيه وأما مقام او ادىن الذي هو ابالصالة‬
‫خمصوص به صلّى هللا عليه و سلّم فما معن بقاء احكام االمكان فيه (قلت) ان ما به‬
‫االمتياز بني الوجوب واالمكان هو العدم الذي هو احد طريف االمكان فان الطرف‬
‫اآلخر من االمكان الذي هو الوجود مشرتك بني الوجوب واالمكان ويف مقام او ادىن‬
‫تشرع احكام تلك العدم يف الزوال فريتفع االمتياز من بني القوسني ال ان االمكان يرتفع‬
‫ابلكلية وينقلب وجواب فانه حمال كما مر وامنا الفرق ان يف مقام قاب قوسني ال ختلص‬
‫من احلجب الظلمانية اليت هي من آاثر العدم ويف مقام او ادىن لو وجدت احلجب فهي‬
‫نورانية وانشئة من طرف الوجود االمكاين وميكن محل معن ذلك البيت الذي مر على‬
‫هذا التوجيه ابن يراد من نفض غبار االمكان زوال احكام العدم اليت هي كدورة ابلكلية‬
‫(فان قيل) اذا زال طرف العدم عن االمكان وارتفع ما به االمتياز من بني الوجوب‬
‫واالمكان ومل يبق فيه غري الوجود الذي هو طرف آخر من االمكان وقدر متشرك بينه‬
‫وبني الوجوب فقد اخنلع االمكان عن حقيقته وصار ملحقا ابلوجوب الذي هو الوجود‬
‫الصرف ولزم قلب احلقيقة وكان معن البيت املذكور اعين مل يبق فيه شئ غري الواجب‬
‫حمموال على حقيقته (قلت) ان الوجود الذي هو أحد طريف االمكان ظل الوجود الذي‬
‫هو اثبت يف الوجود ال عينه وذاك الوجوب الذي حدث يف املمكن بسبب زوال طرفه‬
‫العدم هو وجوب ابلغري الذي هو قسم من املمكن ال وجوب ابلذات حت يلزم انقالب‬
‫احلقيقة وذلك الن ارتفاع هذا العدم ما جاء من جهة املمكن حت يصري واجبا ابلذات‬
‫ويلزم احملال بل ارتفاع هذا العدم من املمكن امنا هو الستيالء وجود الواجب وقهر‬
‫الوجوب الذايت للممكن الذايت واملتبادر من الوجوب املذكور يف املصراع السابق هو‬
‫الوجوب الذايت ال الوجوب ابلغري والقول بكون الوجود قدرا مشرتكا بني الواجب واملمكن‬
‫فهو من قبيل االشرتاك اللفظي ال املعنوي وان قالوا انه كلي مشكك فانه ال شركة لوجود‬
‫املمكن مع وجود الواجب يف احلقيقة اصال حت تتصور الكلية واجلزئية (فان قيل) فما‬
‫معن الفناء والبقاء الل ذين قال هبما الصوفية وجعلوا الوالية عبارة عنهما فانه اذا مل يتصور‬
‫‪- 1153 -‬‬

‫ارتفاع الصفات البشرية كيف يتصور الفناء (قلت) ان الفناء الذي هو معترب يف الوالية‬
‫ابعتبار الشعور والشهود فانه عبارة عن نسيان ما سوى احلق سبحانه ال ارتفاع ما سواه‬
‫غاية ما يف الباب ان صاحب ذلك الفناء رمبا يظن يف غلبات السكر عدم الشعور‬
‫ابالشياء عدم االشياء وبتومهه ارتفاع ما سواه تعاىل ويتسلي بذلك فاذا ترقى من ذلك‬
‫مبحض فضله تعاىل وتشرف بدولة الصحو وصار صاحب متيز يعلم ان ذلك الفناء كان‬
‫نسيان االشياء ال انعدام االشياء فلو زال بسبب هذا النيسان شئ فامنا هو التعلق‬
‫ابالشياء الذي كان متمكنا ومذموما ال نفس االشياء فاهنا قائمة على صرافتها ممتنع‬
‫نفيها واعدامها {ع}‪:‬‬
‫سياهى از حبشى كى رودكه خود رنگ ست‬
‫فاذا حصل بفضل هللا تعاىل هذه الرؤية والتمييز زال ذلك التسلي وقعد مكانه‬
‫احلزن والغم وعدم االسرتاحة وتيقن ان وجوده مرضي ال يكون بسعيه واهتمامه معدوما‬
‫وعلم ان نقص االمكان وقصور احلدوث الزمان له دائما والعجب ان العارف كلما يرتقي‬
‫اىل فوق و يكون عروجاته اكثر يكون رؤية النقص والقصور فيه ازيد و يكون عدمي القرار‬
‫والراحة وتشبه معاملة هذا العارف بقصة تلميذ رسن اتب حيث قال الستاذه على وجه‬
‫التعجب كلما يكون عملي ازيد اقع أبعد ولعله من ههنا قال عليه الصالة و السالم كما‬
‫ورد اي ليت رب حممد مل خيلق حممدا وقال ايضا صلّى هللا عليه و سلّم ما أوذي نيب مثل‬
‫ما اوذيت ويشبه ان يكون املراد هبذه االذية رؤية النقص والقصور املوجبة لكمال احلزن‬
‫وا لغم فان سائر االذية ميكن ان يقال اهنا كانت يف سائر االنبياء اكثر فان نوحا عليه‬
‫السالم كان بني قومه تسعمأة ومخسني عاما ورأى منهم انواع االذية ونقل ان قومه رموه‬
‫حني دعاهم اىل االميان ابالحجار حت سقط مغشيا عليه من كثرة االحجار كاالمطار‬
‫فكان مستورا حتت االحجار فلما أفاق شرع اىل الدعوة وعامله قومه ابملعاملة السابقة‬
‫وهكذا اىل ان يبلغ الكتاب اجله ينبغي ان يعلم ان رؤية النقص والقصور هذه ليست هي‬
‫من البعد بل هي القرب واحلضور فان الكدورة القليلة يف احملل النوراين ترى يف النظر كثرية‬
‫‪- 1154 -‬‬

‫والكدورة الكثرية يف احملل الظلماين ترى يسرية وامنا قلت فيما سبق ان مدار االمر يف‬
‫القرب واملعرفة على الفناء فان السالك ما مل يفن عن نفسه ومل خيرج من الصفات البشرية‬
‫واالمكانية ابلكلية ال يصل اىل املطلوب فان اجتماعه مع املطلوب من قبيل اجتماع‬
‫النقيضني فان ثبوت العدم ضروري يف االمكان ويف الوجوب سلبه ضروري وما مل يصل‬
‫اىل املطلوب ماذا يدرك من كماالت املطلوب ال يدرك الشئ اال مبا يضاده ويغايره قضية‬
‫مقررة عند ارابب املعقول اال ترى ان الصيب الذي ال يعرف لذة اجلماع اذا وصفت له‬
‫لذته ليقال انه حلو ال مر وهو يتوهم حالوته كحالوة النبات والعسل البتة فانه ال حالوة‬
‫يف وجدانه غريها وهذه اللذة ليست هي لذته بل هي لذة جمعولة وخمرتعة ابخرتاع وهم‬
‫ذلك الصيب ويف احلقيقة هي راجعة اليه ال اىل ذاك فالعارف كلما حيكي من املطلوب من‬
‫قبل نفسه بال اعالم منه امنا يكون حاكيا من نفسه واذا مدحه كان مادحا لنفسه قال‬
‫عارف يف هذا امل قام ميكن ان يكون ضمري حبمده يف قوله تعاىل وان من شئ اال يسبح‬
‫حبمده راجعا اىل الشئ يعين ال يسبح شئ وال يقدس وال ميدح اال نفسه هلذا قال‬
‫البسطامي سبحاين العادة التسبيح اليه ونعم ما قيل ابلفارسية املثنوية أشعار{ع}‬
‫اى شده هم در مجال خويشنت * مى پرست هم خيال خويشنت‬
‫قسم خلقان زان مجال وزان كمال * هست گر بر هم هنى مشت خيال‬
‫گرز معشوقت خياىل در سرست *نيست معشوق آن خيال ديگر است‬
‫قال صاحب الفصوص والتجلي من الذات ال يكون اال بصورة املتجلى له‬
‫فاملتجلى له ما رأى سوى صورته يف مرآة احلق وما رأى احلق وال ميكن ان يراه وقال‬
‫اب مكان الرؤية على وجه املتابعة ال على وجه التحقيق فان الرؤية يف الدينا جائزة ويف‬
‫اآلخرة واقعة وملا كان فناء السالك ابلكلية ممتنعا وكان الوصول اىل املطلوب واالتصال به‬
‫بدونه ممنوعا ومل تتصور املعرفة بدون الوصول لزم العجز عن املعرفة ابلضرورة وصار العجز‬
‫عن املع رفة عني املعرفة ال يقال ان العجز عن املعرفة كيف يكون عني املعرفة فانه نقيضها‬
‫الن العجز عن املعرفة عبارة عن معرفة ابنه ال يعرف قال الصديق االكرب رضي هللا تعاىل‬
‫‪- 1155 -‬‬

‫عنه العجز عن درك االدراك ادراك فسبحان من مل جيعل للخلق اليه سبيال اال ابلعجز عن‬
‫معرفته قال واحد من االكابر {شعر}‪:‬‬
‫سبحانه من خالق اوصافه من كربايه * القى على تراب عجز فيه عقل انبياه‬
‫فاذا كان االنبياء عليهم الصالة و السالم عاجزين يف معرفة صفة كربايئه وقال‬
‫املالئكة الكرام عليهم السالم سبحانك ما عرفناك حق معرفتك واعرتف الصديق رضي‬
‫هللا عنه الذي هو رئيس هذه االمة اليت هي خري االمم ابلعجز فمن ذا الذي يدعي املعرفة‬
‫بعد هؤالء اال ان يظن جهله املركب معرفة ويعتقد غري احلق حقا وهذا العجز عن املعرفة‬
‫هو هناية هناايت مراتب العروج ومنتهى غاايت مدارج القرب ومن مل يصل اىل النقطة‬
‫االخرية ومل يطو مراتب التجليات والظهورات ومل جيد الوصل واالتصال الذين كان مسرورا‬
‫هبما مدة كثرية عني االنفصال ال يكون مشرفا بدولة هذا العجز وال يتخلص عن اجلهل‬
‫ابهلل ومعرفة غري احلق حقا (فان قيل) فعلى هذا ما معن وجوب معرفة هللا تعاىل (قلت)‬
‫معن وجوب املعرفة هو ان كل ما ورد به الشرع يف معرفة الذات والصفات االهلية فمعرفته‬
‫واجبة وكل معرفة تستفاد من غري الشريعة فاطالق معرفة احلق عليها جراءة عند هذا‬
‫الفقري وحكم على احلق جل وعال ابلظن والتخمني اتقولون على هللا ماال تعلمون ولعله‬
‫لذلك قال سراج االمة وامام االئمة االمام االعظم الكويف رضي هللا تعاىل عنه سبحانك‬
‫ما عبدانك حق عبادتك ولكن عرفناك حق معرفتك وان كان هذا القول ثقيال على‬
‫االكثر ولكنه قابل للتوجيه الوجيه فان حق املعرفة ان يعرف احلق جبميع ما نطقت به‬
‫الشريعة من كماالته وتنزيهاته وتقديساته تعاىل النه مل يبق ما وراءه معرفة حت تكون‬
‫مانعة عن املعرفة (فان قيل) للعوام شركة يف هذه املعرفة مع اخلواص بل مساواة فيلزم ان‬
‫تكون معرفة عوام املؤمنني مثل معرفة االنبياء عليهم الصالة و التسليمات فان حق املعرفة‬
‫حصل للكل وهذه املسئلة تشبه ما قال االمام االعظم االميان ال يزيد وال ينقص وقالوا‬
‫هناك انه يلزم من هذه العبارة ان يكون اميان عوام املؤمنني مثل اميان االنبياء عليهم‬
‫السالم (قلت) ان حاصل هذه الشبهة القوية مبنية على دقيقة اهتدى اليها هذا الفقري‬
‫‪- 1156 -‬‬

‫مبحض الفضل والكرم وهي ان حق املعرفة هو ان يلحق بتلك املعارف الشرعية احلاصلة‬
‫للعارف العجز عن املعرفة مثال وردت الشريعة بثبوت صفة العلم للواجب تعاىل وذلك‬
‫العلم غري متكيف وغري متكم كذاته تعاىل وخارج عن حيطة ادراكنا فمن عرف ذلك‬
‫العلم قياسا على علمه فهو مل يعرفه بل املعرفة هناك جمعول ومهه وخمرتع خياله ال معرفة‬
‫علم احلق الذي هو صفته الكاملة ففي هذه الصورة مل توجد نفس املعرفة فضال عن حق‬
‫امل عرفة فان اجنرت معاملته من القياس والتخمني اىل العجز ووجد بوجدانه وحاله انه ال‬
‫ميكن معرفته وايقن انه ال نصيب له من ذلك غري االميان بثبوت تلك الصفة الكاملة‬
‫فحينئذ قد حصل له نفس املعرفة وحق املعرفة فكان اصل املعرفة هو حق املعرفة يف‬
‫احلقيقة وما ليس حبق املعرفة ليس ابصل املعرفة فلم يكن للعوام شركة مع اخلواص يف حق‬
‫املعرفة واين املساواة بعد (فان قيل) اذا كان حق املعرفة نفس املعرفة يلزم ان ال يكون يف‬
‫العوام نفس املعرفة لعدم حق املعرفة فيهم (قلت) ان للمعرفة صورة وحقيقة واملعرفة اليت‬
‫هي عني حق املعرفة هي حقيقة املعرفة املربوطة ابلعجز عن املعرفة وصورهتا هي ما مل تبلغ‬
‫حد هذا العجز ومل تتخلص من شائبة املقايسة على صفات االمكان كما مر ومن كمال‬
‫فضله تعاىل اعترب صورة املعرفة يف نفس االميان وجعل النجاة مربوطة هبا كما اعترب صورة‬
‫االميان ايضا وجعل دخول اجلنة مرتتبا عليها وصورة املعرفة كافية يف صورة االميان واما‬
‫حقيقة االميان فالبد فيها من حقيقة املعرفة فعلم من هذا التحقيق ان لالميان ايضا فردين‬
‫صورة و حقيقة وما هو نصيب العوام هو الصورة وما اعطيه اخلواص هو احلقيقة فلم يكن‬
‫اميان العوام مثل اميان االنبياء عليهم السالم الذين هم اخص اخلواص فان ذاك االميان غري‬
‫هذا االميان ال مماثلة بينهما وملا كان العجز عن املعرفة مأخوذا يف حقيقة االميان وكانت‬
‫املعرفة ابنه ال يعرف موجودة فيها ال جرم يكون الزايدة والنقصان مفقودين فيها فانه ال‬
‫احتمال لتفاوت درجات املعرفة يف سلب املعرفة وتفاوت الدرجات امنا هو يف الثبوت فال‬
‫يكون يف حقيقة االميان زايدة وال نقصان وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال (فان قيل) يلزم‬
‫على هذا التقرير ان تكون علوم الصوفية ومعارفهم الكشفية ساقطة عن حيز االعتبار وان‬
‫‪- 1157 -‬‬

‫ال تكون معرفة احلق جل وعال مربوطة هبا اصال فان حق املعرفة حصل ابلعلوم الشرعية‬
‫ومل تبق معرفة حت يكتسبها الصوفية ابلسعي واالجتهاد فلم تثبت للصوفية مزية على‬
‫العلماء يف معرفة احلق جل شانه اصال (قلت) ان علوم الصوفية ومعارفهم الكشفية‬
‫معدات لذلك العجز الذي يتيسر للمنتهىني منهم اىل هناية النهاية وهؤالء االكابر‬
‫يتدرجون يف مدارج تلك املعارف الكشفية اىل ان يتشرفوا بدولة الوصول اىل ذلك العجز‬
‫فتكون معارف هؤالء االصفياء معتربة لكوهنا وسيلة حلصول حق املعرفة وذريعة الوصول‬
‫اىل تلك احلقيقة (فان قيل) اذا ثبت العجز عن املعرفة وكان الكمال منحصرا يف العجز‬
‫فما معن اعتبار الصوفية ثالثة مراتب يف املعرفة وما يكون املراد بعلم اليقني وعني اليقني‬
‫وحق اليقني (قلت) ان هلذا الفقري مشاجرة يف هذه املسئلة مع القوم وهؤالء االكابر‬
‫اعتربوا هذه املراتب الثالث ابلنسبة اىل ذاته تعاىل واثبتوا علم اليقني وعني اليقني وحق‬
‫اليقني يف حضرته جل شأنه ويف التمثيل الذي اوردوه لذلك قالوا للعلم ابلنار احلاصل من‬
‫االستدالل ابلدخان علم اليقني ابلنسبة اىل النار وقالوا لرؤية النار عني اليقني وللتحقق‬
‫ابلنار حق اليقني وهذا الفقري نزل هذه املراتب الثالث اىل اآلايت الدالة على ذات‬
‫الواجب جل سلطانه وقال ابلعلم والعني واحلق يف الدوال ال يف املدلول فانه اجل واعلى‬
‫من العلم والعني واحلق ويف التمثيل اثبت العلم والعني واحلق ابلنسبة اىل الدخان ال‬
‫ابلنسبة اىل النار فان العلم ابلدخان اذا حصل ابالستدالل فهو علم اليقني ابلنسبة اىل‬
‫الدخان املستلزم للنار واذا حصلت رؤية الدخان واستدل به لوجود النار فهو عني اليقني‬
‫ابلنسبة اىل الدخان واذا حصل التحقق ابلدخان واستدل به على وجود النار فهو حق‬
‫اليقني ابلنسبة اىل الدخان وهذا االستدالل امت من االستدالل السابق فان ذاك استدالل‬
‫من اآلفاق وهذا استدالل من االنفس حلصول التحقق ابلدخان وأيضا ان الدخان واسطة‬
‫يف عني اليقني ويف حق اليقني ليس بواسطة بل النسبة اليت هي كائنة للدخان مع النار‬
‫حتصل تلك النسبة بعينها للمستدل فيصل اىل اعال مدارج القرب الذي هو ما وراء العلم‬
‫والعني واحلق (ال يقال) اذا ارتفعت الواسطة فقد حتققت الرؤية اليت هي عني اليقني (الان‬
‫‪- 1158 -‬‬

‫نقول) ان ارتفاع الواسطة ال يك في يف حتقق الرؤية بل ال بد من اشياء اخر وهي مفقودة‬


‫وملا كانت مراتب اليقني راجعة اىل اآلايت ومل تبق معرفة تكون راجعة اىل املدلول لزم‬
‫العجز عن املعرفة يف املدلول ابلضرورة ومل تتحقق هناك معرفة غري سلب املعرفة فلو مل‬
‫جتعل هذه املراتب الثالث لليقني راجعة اىل اآلايت وكانت راجعة اىل املدلول كيف‬
‫يتصور العجز عن املعرفة وما يكون معن سلب املعرفة‪.‬‬

‫{ املكتوب الثاين والعشرون واملائة اىل نور حممد التهاري يف بيان ان الطريق‬
‫املوصل اىل جناب قدس احلق تعاىل اثنان}‬
‫الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ان الطريق‬ ‫الر ْمحَن َّ‬
‫ب ْسم هللا َّ‬
‫املوصل اىل جناب قدسه تعاىل اثنان طريق يتعلق بقرب النبوة على ارابهبا الصالة والتحية‬
‫وهو موصل اىل اصل االصل والواصلون من هذا الطريق ابالصالة هم االنبياء عليهم‬
‫السالم واصحاهبم الكرام ويشرف به ايضا من اريد له ذلك من سائر اولياء االمة العظام‬
‫وان كانوا قليلني بل اقل وال توسط يف هذا الطريق وال حيلولة وكل من أيخذ الفيض من‬
‫هؤالء الواصلني أيخذه من االصل بال توسط احد وليس احدهم حائال لآلخر وطريق‬
‫يتعلق بقرب الوالية واالقطاب واالواتد والبدالء والنجباء وعامة اولياء هللا تعاىل واصلون‬
‫من هذا الطريق وطريق السلوك عبارة عن هذا الطريق بل اجلذبة املتعارفة ايضا داخلة فيه‬
‫وفيه التوسط واحليلولة ومقتدى الواصلني من هذا الطريق ورئيسهم ومنبع فيض هؤالء‬
‫االكابر علي املرتضى كرم هللا تعاىل وجهه الكرمي وهذا املنصب العظيم الشان متعلق به‬
‫وكأن قدمي النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف هذا املقام على فرقه املبارك كرم هللا تعاىل‬
‫وجهه وحضرة الفاطمة وحضرات احلسنني شركاء معه يف هذا املقام واظن انه كرم هللا‬
‫وجهه كان مالذ هذا املقام قبل النشأة العنصرية ايضا كما ان بعد النشأة العنصرية كل من‬
‫وصل اليه الفيض واهلداية من هذا الطريق وصل بتوسطه فانه عند نقطة منتهى هذا‬
‫الطريق ومركز هذا املقام متعلق به وملا مت دوره كرم هللا وجهه فوض هذا املنصب العظيم‬
‫‪- 1159 -‬‬

‫القدر وسلمه اىل حضرات احلسنني على الرتتيب وبعدمها اىل كل واحد من االئمة االثين‬
‫عشر على الرتتيب والتفصيل وكل من وصل اليه الفيض واهلداية يف اعصار هؤالء االكابر‬
‫وكذلك بعد ارحتاهلم وصل بتوسطهم وحبيلولتهم وان كان من االقطاب وجنباء الوقت وكان‬
‫مالذ اجلميع وملجأ الكل هؤالء االكابر فانه ال بد لالطراف من اللحوق ابملركز اىل ان‬
‫وصلت النوبة اىل الشيخ عبد القادر اجليالين قدس سره وملا بلغت النوبة اليه فوض‬
‫املنصب امل ذكور اليه قدس سره وال يشاهد على هذا املركز احد بني االئمة املذكورين وبني‬
‫الشيخ قدس سره ويفهم وصول الفيوض والربكات يف هذا الطريق اىل اي فرد كان من‬
‫[‪]1‬‬
‫االقطاب والنجباء بتوسطه الشريف فان هذا املركز مل يتيسر لغريه وهلذا قال {شعر}‪:‬‬
‫أفلت مشوس االولني ومشسنا * ابدا على أفق العلى ال تغرب‬
‫واملراد ابلشمس مشس فيضان اهلداية واالرشاد ومن أفوهلا عدم الفيضان املذكور‬
‫وملا تعلقت املعاملة اليت كانت اوال متعلقة ابالولني ابلشيخ بعد وجوده وصارهو واسطة‬
‫وصول الرشد واهلداية كما كان االولون قبله و يكون وصول الفيض ايضا بتوسطه ما‬
‫دامت معاملة التوسط ابقية صح قوله {شعر}‬
‫افلت مشوس االولني ومشسنا البيت‬
‫(فان قيل) ان هذا احلكم منتقض مبجدد االلف الثاين فانه قد اندرج يف مكتوب‬
‫من مكتوابت اجللد الثاين يف بيان معن جمدد االلف الثاين ان كلما يصل اىل االمة يف‬
‫تلك املدة من انواع الفيض امنا يصل بتوسطه سواء كانوا اقطااب او اواتدا او بدالء او‬
‫جنباء يف ذلك الوقت (قلت) ان جمدد االلف يف هذا املقام انئب مناب حضرة الشيخ‬
‫قدس سره وهذه املعاملة مربوطة به نيابة عن حضرة الشيخ كما قالوا ان نور القمر‬
‫مستفاد من نور الشمس فال حمذور (فان قيل) ان معن جمدد االلف الذي ذكر فيما سبق‬
‫مشكل الن عيسى عليه السالم ينزل يف املدة املذكورة واملهدي عليه الرضوان ايضا يظهر‬
‫يف تلك املدة ومعاملتهما اجل واعلى من ان أتخذا الفيوض بتوسط احد (قلت) ان‬

‫(‪ )1‬من قصيدة مطلعها ما يف املناهل منهل مستعذب * اال ويل فيه االلذ االطيب عفي عنه‪.‬‬
‫‪- 1160 -‬‬

‫معاملة التوسط مربوطة ابلطريق الثاين من الطريقني‪.‬املذكورين الذي هو عبارة عن قرب‬


‫الوالية ويف الطريق االول الذي هو عبارة عن قرب النبوة معاملة التوسط مفقودة وكل من‬
‫وصل من ذاك الطريق ليس له حائل ومتوسط يف البني بل أيخذ الفيوض والربكات بال‬
‫توسط احد والتوسط واحليلولة امنا مها يف الطريق االخري فقط ومعاملة ذلك املوطن ممتازة‬
‫عن غريه كما مر وعيسي عليه السالم واملهدي عليه الرضوان واصالن من الطريق االول‬
‫كما ان الشيخني رضي هللا عنهما وصال من الطريق االول يف ضمنه صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم وهلما فيه شأن خاص على تفاوت درجاهتما (تنبيه) ينبغي ان يعلم انه يصح ان‬
‫يصل شخص من طريق قرب الوالية اىل قرب النبوة و يكون شريكا يف كلتا املعاملتني‬
‫ويعطي حمال هناك ايضا بتطفل االنبياء عليهم الصالة و السالم وجيعل معاملة كال‬
‫الطريقني مربوطة به {شعر}‪:‬‬
‫ليس على هللا مبستنكر * ان جيمع العامل يف واحد‬
‫ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم سبحان ربك رب العزة عما‬
‫يصفون و سالم على املرسلني واحلمد هلل رب العاملني و صلى هللا تعاىل على سيدان حممد‬
‫سيد املرسلني وآله وصحبه امجعني قد من هللا سبحانه و تعاىل على هذا العبد العاجز‬
‫الالشئ ابمتام هذه الرتمجة احلقرية بعد اتعاب اجلسم والروح يف عدة شهور وصارت حبيث‬
‫يطلق عليه اسم املسطور فلوال ان من هللا به عل ّي ملا تيسر مدي الدهور الين حني‬
‫االشتغال كنت مبتلى بغاية سوء احلال وتشتت البال وانواع االهوال حبيث كان االشتغال‬
‫يسر هللا سبحانه ليس بعسري وهو على كل شئ قدير وكان‬ ‫هبا من اظهر احملال اال ان ما ّ‬
‫الشروع فيها يف اواسط شعبان املعظم عام ثالثة وثالمثائة والف والفراغ منها يف ذي‬
‫القعدة من العام الثاين وكم شردت يف تلك املدة القتناص شواردها رقادي وكم فرقت‬
‫جلمع فرائدها مشل فؤادي وكم فارقت لوصل خرائدها قومي وكم صربت لقيد فوائدها‬
‫على ايذاء من خاض يف لومي وكم اقتحمت الستيضاح نكتة منها مواقع السهر يف‬
‫ظلماء الدايجر وكم اقدمت لتصحيح شبهة منها ظماء اهلواجر فنسأل هللا سبحانه ان‬
‫‪- 1161 -‬‬

‫جيعلها خالصة لوجهه الكرمي وان ينفع هبا اخوان الصفاء النفع العميم انه لطيف بعباده‬
‫رؤف رحيم و صلى هللا على سيدان حممد ذي اخللق العظيم وآله وصحبه الذين أتهبوا‬
‫ليوم عظيم‬
‫***‬

‫{يقول الراجي من ربه نيل االماين * عبد احلميد فردوس املكي اخلالدي االفغاين‬
‫مصحح الكتب العربية * ابملطبعة املريية * غفر هللا له ولوالديه وحملبيه وللمسلمني}‬
‫احلمد هلل الذي نورقلوب العارفني بنور اليقني * وشرح صدور الواصلني ابملشاهدة‬
‫فكانوا هداة الدين * فأعربوا عن احلقائق االهلية بلسان احلق املبني * والصالة و السالم‬
‫على سيدان حممد املبعوث رمحة للعاملني * ترمجان لسان القدم * ومنبع احلكمة واحلكم *‬
‫من أويت فصل اخلطاب وجوامع الكلم *و على آله واصحابه هداة االمم * والتابعني هلم‬
‫ابحسان اىل يوم الدين *وبعد فقد مت حبمد هللا الوهاب * طبع الكتاب املستطاب *‬
‫املوسوم ابلدرر املكنوانت النفيسه * يف تعريب املكتوابت الشريفة * لالمام الكامل‬
‫املكمل ذي اجلناحني * املرشد اجملدد لاللف الثاين بال ريب وال مني * العالمة االستاذ‬
‫الشيخ الرابين * واهليكل الصمداين * سيدي وموالي الشيخ امحد السرهندي *االفغاين *‬
‫النقشبندي * نفع هللا به آمني والتعريب للعامل الفاضل الكامل اجلامع بني علمي الظاهر‬
‫والباطن العالمة الشيخ حممد مراد القزاين املكي فلّله در مؤلفه فقد أفاد وأجاد * بلغه هللا‬
‫واايان املراد * وشكر سعيه ونفع به كما نفع أبصله انه مسيع قريب جميب * ومل أنلوا جهدا‬
‫يف التصحيح مث نرفعه ملالحظة املؤلف فيطبع بعد ذلك وذلك يف املطبعة املريية * الكائنة‬
‫مبكة احملمية * يف ظل ظل هللا يف االرض * وخليفته يف الطول والعرض *ملك الربين‬
‫وخاقان البحرين واملمالك اليت ال حتصى * خادم احلرمني الشريفني واملسجد االقصى‬
‫*موالان السلطان املظفر املعان احملفوظ ابلقرآن والسبع املثاين * موالان السلطان الغازي‬
‫(عبد احلميد) خان الثاين * اللهم انصره نصرا تعز به الدين * وتنجز وعد وكان حقا‬
‫‪- 1162 -‬‬

‫علينا نصر املؤمنني * ووفقه ووزراءه وقضاته وعماله ملا حتب وترضى يف كل وقت وحني *‬
‫بنظر وادارة مديرها من للمكارم يبدي * شويكي زاده عبد الغين افندي * والتصحيح‬
‫مبصاحبة العامل الفاضل الشيخ عبد هللا زبري وكان متام الطبع * وختام الرتتيب والوضع *‬
‫يف اليوم السابع عشر من شهر ربيع االول من عام السابع عشر والثالمثائة وااللف * من‬
‫هجرة من خلقه هللا على أكمل وصف *صلّى هللا عليه و على آله * وكل انسج على‬
‫منواله * ما طاف ابلبيت العتيق طائف‪ ،‬ووقف بعرفة واقف *وملا بدا بدر متامه * وفاح‬
‫مسك ختامه * قلت مؤرخا‬
‫درر زهت ابلطبع اي صاح * ام غادة جليت ابفراح‬
‫ام روضة مأنوسة مجعت * للروح والرحيان والراح‬
‫ام ذا كتاب عربت وعلت * الفاظه ابلطبق اي صاحي‬
‫سر الطريقة واحلقيقة قد *ابداه فيه لنا ابيضاح‬
‫للفاضل الشيخ الذكي مرا * د من امد بفيض فتاح‬
‫فاهلل يعلي قدره ابدا * ابالنبيا والسيد املاحي‬
‫من غري كاف مت ارخه * تعريب مكتوب ابفصاح‬
‫‪182 448 682 5 1317‬‬
‫***‬

‫{ترمجة احوال املعرب على سبيل االمجال}‬


‫هو الشيخ حممد مراد سلمه هللا تعاىل ابن عبد هللا ولد سنة اثنتني وسعبني ومائتني‬
‫والف يف منتصف ربيع اآلخر يوم الثالاثء والشمس يف اواسط برج اجلدي يف قرية املت‬
‫من مضافات قصبة منزلة التابعة لوالية اوفا من ممالك قزان املدعوة سابقا مبمالك بلغار‬
‫الشهرية يف الكتب الفقهية بعدم غيبوبة الشفق لتوغلها يف الشمال اسلم اهلها طوعا يف‬
‫‪- 1163 -‬‬

‫حدود سنة ثالمثأة اايم املقتدر ابهلل العباسي او قبلها التابعة اآلن من حدود سنة احدى‬
‫وستني وتسعمائة لدولة الروسية فلما بلغ سلمه هللا تعاىل ست سنني شرع يف قراءة العلوم‬
‫اخذ القرآن اجمليد اوال من ابويه مث من خاله الشيخ املال حسن الدين الذي هو من اكرب‬
‫تالمذة املال امسعيل القشقاري املشهور يف تلك البالد وشرع يف قراءة الصرف يف سن‬
‫تسع وقرأ عوامل اجلرجاين يف سن احدي عشرة والزم خاله املذكور اىل ان بلغ عمره مثاين‬
‫عشرة سنة وقرأ يف تلك املدة عليه من النحو واملنطق واالخالق والفقه اىل شرح العقائد‬
‫النسفية للتفتازاين وكان معيدا لدروسه وهبذا حصل له ملكة جيدة فيما قرأ وبعد ذلك‬
‫سافر اىل بلدة قزان يف اول ربيع من عام تسعني ومائتني والف واختار مدرسة العالمة‬
‫شهاب الدين القزاين املرجاين صاحب الناظورة وغريها من التآليف الكثرية ولكن مل يوفق‬
‫لالقامة هناك بل سافر منها قاصدا خبارى وما وراء النهر صحبة واحد من السياحني اال‬
‫انه توقف اثناء سفره هذا يف بلدة طرويسكي مقدار سنتني واختار لالقامة هناك مدرسة‬
‫املرحوم احلاج املنال شرف الدين واملنال حممد جان وقرأ عليهما شرح العقائد وسلم العلوم‬
‫يف املنطق مع حواشيه وهو غري السلم املنورق املنظوم املستعمل يف بالد العرب بل هو‬
‫منثور واكرب من املذكور وامجع لقواعد املنطق اال أنه خملوط مبسائل الفلسفة خصوصا‬
‫حاشيته املشهورة للقاضي مبارك الكوفاموي اهلندي وكان له شغف اتم به حت كتبه‬
‫وحاشيته املذكورة وحاشية املنال حسن بيده وحفظه من اوله لكونه رائجا يف بالده والناس‬
‫ال بد هلم من ان يرغبوا ملا هو رائج عند اهل زمانه وبالده وكان يعتقد كاهل بالده ان ال‬
‫كمال فوق الذي حيويه هذا الكتاب وحاشيته املذكورة وهلذا كان ال يفارقهما يف سفره‬
‫وحضره مث توجه اىل خبارى من طريق طاشكند واقام بطاشكند مقدار شهرين وكان حيضر‬
‫درس شرح العقائد وشرح حكمة العني عند بعض علمائها مث دخل خبارى سنة ثالث‬
‫وتسعني وحضر درس شرح العالمة الدواين على هتذيب املنطق للعالمة التفتازاين من اوله‬
‫عند املنال عبد هللا املفيت السرطاوي القزاين واملنال عبد الشكور الرتكماين رمحهما هللا فأمت‬
‫حبث احلمد يف مدة ستة اشهر بقراءة اربعة من حواشيه على ما هو عادة تلك البالد يف‬
‫‪- 1164 -‬‬

‫هذه االزمنة االخرية فيقرأونه هبذه الكيفية اىل حبث املوضوع يف مدة اربع سنني مث يرتكونه‬
‫قبل الوصول اىل مقصود الفن وهكذا عادهتم يف مجيع الكتب فطرأ الفتور على حتصيله‬
‫بعد اطالعه على ذلك وتيقن ان خبارى مل تبق معدان للكماالت كما كان اوال وان شهرهتا‬
‫امنا هي ابلنظر اىل حاهلا االول وعلم يقينا ان االقامة فيها على هذه احلالة تضييع للوقت‬
‫ال غري وحرمان من املقصود فخرج منها يف اول الربيع متوجها اىل طاشكند اثنيا قاقام هبا‬
‫وبنواحيها سنتني وحضر درس علمائها املتداول هناك واقام يف رابط بعض املشائخ يف‬
‫نواحيها مدة معلما وصادف عنده كثريا من كتب التصوف ابلعربية والفارسية وكتب السري‬
‫ايضا فطالعها كلها ابلشوق وااللتذاذ واستيقن ان ما ظنه كماال نقص حمض وانه تضييع‬
‫للوقت وان الكمال فيما وراءه ورأى النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف منامه أثناء مطالعته‬
‫كتب السري وتشرف ابالانبة يف الطريقة على يد بعض املشائخ يف تلك الناحية مث اراد‬
‫الرجوع اىل خبارى اثنيا فدله بعض احبابه على التوجه اىل احلجاز وشوقه اىل ذلك فخرج‬
‫من طاشكند يف اواسط سنة مخس وتسعني يف رفاقة بعض اعيان بالده اجملاورين‬
‫بطا شكند متوجها اىل احلجاز فسلكوا طريق مسرقند وقرشي وعذار وبلخ وكابل وجالل‬
‫آابد وپشاور والهور وأمرتسر فتو قفوا هناك مجعة واحدة بسبب انكسار اجلسر يف طريق‬
‫اببور الرب فرجعوا من هناك اىل الهور اثنيا فسلكوا طريق ملتان فسقر بقر فحيدر آابد‬
‫السند فكراچي فبمباي فاقاموا هناك مدة شهر رمضان وبعد العيد ركبوا البابور ووصلوا‬
‫اىل جدة بعد مثانية عشر يوما ودخلوا مكة املكرمة يف اواخر شوال وبعد ان حج يف السنة‬
‫املذكورة توجه اىل املدينة املنورة فدخل هناك اوال يف مدرسة امني آغا مث حتول بعد شهر‬
‫اىل مدرسة الشفا مث ان تقل منها بعد مثانية اشهر اىل املدرسة احملمودية بسبب ان مدرسها‬
‫الذي كان جاء من اآلستانة يف العام املذكور وأحدث االمتحان لقبول الطلبة يف املدرسة‬
‫املذكورة فحضر دروس العلوم الدينية كالفقه واحلديث والتفسري عند علمائها الكبار‬
‫وانكب على مطالعة العلوم العربية خصوصا الفنون الثالثة والعروض فحصل منها شيئا‬
‫صاحلا وطالع اكثر االحياء وسائر كتب التصوف وقرأ التوضيح يف االصول مع حاشيته‬
‫‪- 1165 -‬‬

‫التلويح على واحد من علماء بالده وكان جاور يف املدينة يف العام املذكور وامت حفظ‬
‫القرآن يف العام الذي دخل املدينة وانل االجازة من كبار علماء املدينة الذين حضر‬
‫دروسهم من االهايل واجملاورين يف سائر الفنون والعلوم ودخل الطريقة النقشبندية اجملددية‬
‫عند قطب وقته واملشار اليه ابلبنان يف الطريقة واحلقيقة يف عصره والذي ال يشق له غبار‬
‫فيهما موالان الشيخ حممد مظهر قدس هللا سره وروح روحه ونور ضرحيه وكان له قدس‬
‫سره يف حقه عناية اتمة والتفات خاص وقد اثن عليه مرارا عند خواص اصحابه حني‬
‫غيبوبته اخربه بذلك وبشره مبا هنالك املرحوم املخدوم امساعيل افندي التوسي الذي كان‬
‫من خواص اصحابه وانظر كتبه رمحه هللا تعاىل وقال املرتجم سلمه هللا رأيت مرة يف املنام‬
‫حني كنت يف صحب ة سيدي حممد مظهر قدس سره بيتا عاليا يف صحراء واسعة وحوله‬
‫اصحاب سيدي الشيخ ويف ايديهم املخدوم االعظم الشيخ امحد هباء الدين حفظه هللا‬
‫تعاىل ولد شيخنا يريدون ان يدخلوه يف البيت املذكور ويتداولونه من يد اىل يد جييؤن به‬
‫اترة اىل الباب واترة اىل الطاقة وال يقدرون على ادخاله بوجه ما الن العتبة عالية جدا‬
‫واحلقري انظر اليهم من بعيد واضحك متعجبا من عدم قدرهتم على االدخال فلما تبني يل‬
‫عجزهم اخذته من ايديهم ووضعته يف العتبة وقلت له ادخل البيت فدخل انتهى قال‬
‫فكان االمر كذلك الن شيخنا املذكور ملا تويف بقي املخدوم املذكور حفظه هللا يف سن‬
‫عشرة فاخذه سيدي السيد حممد صاحل الزواوي املكي قدس هللا سره وروح روحه ونور‬
‫ايل لالقراء فقرأ على مدة حياة‬
‫ضرحيه يف حجر تربيته فلما جاء به مكة املكرمة سلمه ّ‬
‫سيدي املذكور وسنتني بعد وفاته ايضا واستفاد طريقة اجداده ايضا يف تلك املدة حت‬
‫محلته ا ىل املدينة سنة عشر وثالمثائة والف ووضعته يف عتبة ابب آابئه واجداده العالية‬
‫وهو اآلن جالس يف مسند آابئه الكرام رزقه هللا تعاىل حسن االستقامة واحلمد هلل على‬
‫ذلك وحني كان يستفيد يف صحبة شيخه املذكور من االسرار ويستضئ فيها ابنواع‬
‫االنوار وحصل له فيها احوال القلب وسائر اللطائف يف مدة يسرية وشاهد حصوهلا يف‬
‫عامل املثال بصور االنوار اذ غدر عليه الدهر الغدار حيث حصل له مرض شديد سلب‬
‫‪- 1166 -‬‬

‫عنه الصرب والقرار فلزمه تبديل اهلواء ابلسفر اىل بالده فحصل االذن من شيخه ابنواع‬
‫احليلة اذ كان غري راض مبفارقته لعدم جميئ اواهنا فسافر اىل وطنه وبعد ان اقام به عدة‬
‫اشهر كر راجعا اىل احلجاز يف عامه ذلك وبعد ان حج يف العام املذكور اقام مبكة املكرمة‬
‫ومل يرجع اىل املدينة املنورة وحضر صحبة موالان الشيخ العالمة عبد احلميد افندي‬
‫الداغستاين قدس هللا سره وروح روحه ونور ضرحيه مث سافر اىل وطنه اثنيا وعاد يف عامه‬
‫اىل احلجاز ودخل املدينة اوال يف هذه النوبة من طريق ينبع واقام هبا مثانية عشر يوما مث‬
‫توجه اىل مكة املكرمة واقام هبا ايضا بعد امتام احلج وحضر صحبة موالان الشيخ عبد‬
‫احل ميد افندي املذكور واستفاد منه الطريقة وحضر درس سنن ايب داود عنده يف رمضان‬
‫وكان حيضر دروس بعض علمائها الكبار يف فنون شت وبينما هو يف صدد الرجوع اىل‬
‫املدينة بنية التشمر على صحبة شيخه املذكور وقصر وقته عليها اذ جاءه خرب وفاة شيخه‬
‫املذكور قدس سره سنة احدى وثالمثائة والف فرجع عن عزميته ابلضرورة والتزم صحبة‬
‫موالان الشيخ عبد احلميد قدس سره ولكن خانه الدهر اخلؤن ايضا حيث تويف آخر العام‬
‫املذكور شيخه املربور املذكور ايضا فحصل له غاية القلق واالضطراب حيث ذاق طعم‬
‫شراب القوم وادرك كنهه وتيقن ان ال كمال سوى مشرهبم ذوقا وحاال كما قال االمام‬
‫الغزايل قدس سره وهو يف غاية العطش ومل ينل منه مقصوده ومل حيصل بغيته فهم ابملسافرة‬
‫اىل اهلند الخذ الطريقة من كبار املشائخ هناك ال الجل غرض آخر ولكن ملا جلس‬
‫موالان السيد حممد صاحل الزواوي مكان الشيخ عبد احلميد افندي قدس سرمها اطمئن‬
‫خاطره وحضر صحبته وصار يستفيد منه الطريقة ولكن ملا سافر السيد املذكور يف رجب‬
‫عام اثنني وثالمثائة عاد عليه القلق واالضطراب اثنيا فشرع حينئذ يف تعريب الرشحات‬
‫لدفع اهلموم عن نفسه ابشغاهلا به ورجاء حصول النفع لالخوان وورد اليه من املدينة‬
‫املنورة من السيد املذكور مع قافلة رجب ورقة االجازة واالستخالف يف مكانه مشرتكا مع‬
‫واحد من اخوانه اجلاويني فزاد حتريه واضطرابه من ذلك النه كان معتقدا انه مل يضع قدمه‬
‫يف الطريقة بل مل حيصل له مناسبة هبا بعد فكتب اىل شيخه بطلب االقالة منه فلم يقله‬
‫‪- 1167 -‬‬

‫بل ملا عاد مكة املكرمة يف العام الثاين اكد االجازة ابلباس اخلرقة اايمها يف جممع كافة‬
‫االخوان وابالجازة قوال وكتب له اجازة خمصوصة يف سائر العلوم على ظهر رسالة االمم‬
‫للشيخ ابراهيم الكوراين وكان خيلفهما مبكة املكرمة حني توجهه اىل املدينة املنورة وكان‬
‫يبذل يف حقه انواع العناايت وصنوف االلطاف وملا قدمه تعريب الرشحات بعد عوده اىل‬
‫مكة املكرمة استحسنه وامره تعريب املكتوابت ايضا فاعتذره ابنه مشكل جدا ويف غاية‬
‫الصعوبة فقال ان هللا يعينك حبرمة املشائخ الكرام وانه {ع}‪:‬‬
‫ال عسر يف امر مع الكرماء‬
‫فعرهبا ايضا امتثاال المره فاستحسنه غاية االستحسان وسر به هناية السرور وقابله‬
‫مبا عربه بعض العلماء منتخبا من املكتوابت وعزم على طبعه بعد طبع الرشحات ولكن‬
‫اخرتمته املنية قدس سره قبل بلوغه تلك االمنية سنة طبع فيها الرشحات وقد كتب له‬
‫اجازة اثلثة على ظهر كتابه حصر الشارد من اسانيد الشيخ عابد يف الطريقة وسائر العلوم‬
‫والفنون وكتب فيها هذه العبارة وانه له من امسه نصيب وكما انه مريد فهو مراد وانه‬
‫حيصل منه نفع اتم للعباد انتهى وقد بشره ابملرادية واحملبوبية مشافهة مرارا ولكنه مع هذه‬
‫كلها ال يغرت هبا بل دائما يف خوف ووجل من املسؤلية عند هللا ابجللوس يف هذا املكان‬
‫وهلذا ترك حضور احللقة مرة بعد االعتذار على االخوان واذنه اايهم ابلذهاب اىل اي حمل‬
‫شاؤا ولكن ملا مل يرتك االخوان ذيله وجاءه املالم من كل طرف بتضييع حمل املشائخ وتركه‬
‫اايه خاليا يف حياته عاد اليه اثنيا لكن ابلتصريح ابنه غري مستحق له وانه امنا جيلس فيه‬
‫لكونه مأمورا من جانب مشائخه ويؤكد ذلك دائما ويعتقده من قلبه ويشهد على ذلك‬
‫كل احد لئال يكون مسؤال عند هللا تعاىل ولذلك ال خيتار اوضاع املشائخ وال حيب ان‬
‫ميشي احد خلفه وقت املشي او حيمل احد سجادته او ان يتكلم مع الناس على طور‬
‫املشائخ ابيراد كلمات الصوفية وبيان اصطالحاهتم كما هو ديدن مشائخ الوقت بل‬
‫يتكلم مع كل احد كالما مناسبا حلاله وصنعته ال سرتا حلاله بل لئال يكون منه دعوى ما‬
‫ليس فيه ولو ضمنا وكان يف حياة شيوخه كلما حيضر عندهم حيضر بغاية اخلوف من‬
‫‪- 1168 -‬‬

‫ظهوره عند بصر بصريهتم بصورة واحدة من االخالق الذميمة وابجلملة انه ال يرى يف‬
‫نفسه شيئا من كماالت القوم وكل من اراد منه الطريقة يقول ليس عندي شئ اطلبها من‬
‫اهلها وامنا اجلس يف هذا احملل امتثاال المر مشائخي فان احل يف الطلب يقبله ابلضرورة‬
‫خوفا من البخل والكتمان وكذلك من راجع اليه يف شئ من علوم القوم يبني له ما وصل‬
‫اليه مبطالعة كتب القوم او من مشائخه مشافهة وعنده مجلة من أتليفات مشائخه‬
‫كاملكتوابت املعصومية واملقامات املظهرية واملعموالت املظهرية ورسائل موالان امحد سعيد‬
‫وموالان حممد مظهر قدس سرمها واملقامات الدهبيدية ومناقب االمام الرابين وغريمها من‬
‫كتب التصوف وقد طالع كلها مرارا وما سواها ايضا يف خزاانت الكتب يف املدنية املنورة‬
‫وطالع العوارف والفتوحات املكية والفصوص مع عدة من شروحه وحواشيه حبيث اطلع‬
‫على حقيقة مذهب الشيخ حميي الدين ابن العريب كما انه مطلع على حقيقة مذهب‬
‫االمام الرابين قدس سرمها كما ينبغي حبيث قلما خيفى عليه دقيقة من دقائقهما علما‬
‫وكذلك طالع شروح التائية الكربى وشرح اللمعات ولوائح اجلامي وشرح الرابعيات وشرح‬
‫ا خلمرايت له وابجلملة اعتناؤه بكتب التصوف ازيد من اعتنائه بغريها ومع ذلك ال خيلو‬
‫ايضا من مطالعة كتب التفسري واحلديث والسري وتراجم املشائخ والعلماء وتواريخ االمم‬
‫ويتمين دائما ان ميضي عمره بعد عبادة هللا تعاىل يف مطالعة هذه الفنون ومذاكرهتا مع‬
‫اهلها وله من الت صانيف تعريب الرشحات وذيله وقد طبع يف مكة املكرمة سنة سبع‬
‫وثالمثائة من جيب شيخه السيد حممد صاحل الزواوي قدس سره واتريخ قزان وبلغار اال انه‬
‫مل يتم اىل اآلن لتوقفه على ترمجة بعض تواريخ الروسية بل لتوقفه على ارادة هللا تعاىل‬
‫وتعريب املكتوابت هذا وما وضع يف هامش اجللد االول من ترمجة احوال االمام الرابين‬
‫وما وضع يف هامش اجللد الثاين من تعريب املبدأ واملعاد ورسائل أخر مل تنتشر بعد ومدار‬
‫تعيشه حيصل من كرماء اهل بالده بقدر الكفاية والسرت خصوصا اصحاب تكيته اليت هو‬
‫ساكن هبا اآلن مبكة املكرمة وهم الذين عرفوه حني جهله الناس واخرجوه من زاوية‬
‫اخلمول اىل عرصة الظهور واالشتهار واشرتوا له هذه التكية ابلف ذهب عثماين وال‬
‫‪- 1169 -‬‬

‫ينسونه يف كل عام من احساانهتم جزاهم هللا سبحانه خري اجلزاء وعمر دنياهم واخراهم‬
‫وكذلك سائر اهل االحسان وطبع هذا الكتاب ايضا من مجلة احساانت اهل بالده‬
‫ولوالهم مل ا تيسر طبعه ونشره وهو ليس ابثر قليل بل هو اثر جليل امتاز هذا الزمان‬
‫املسعود عما قبله بنشره فيه وقد قيل ان املرحوم السلطان عبد العزيز رمحه هللا تعاىل امر‬
‫العالمة السيد داود البغدادي بتعريبها اعين مكتوابت االمام الرابين ووعده ابنعامات‬
‫جزيلة بعد االمتام زايدة على ما عينه له حني االشتغال بتعريبه من املصارف الالزمة وشرع‬
‫فيه ولكن خانه الزمان وحيل بني الع ري والنزوان وشراب من كأس احلمام قبل ان يتم وخيرج‬
‫يف امليدان وهلل سبحانه يف كل امور حكم ولكل وقت حادث قل او جم وابجلملة انه‬
‫كلما يفتح بصره يقع نظره على احساانت اهل ممالك قزان وليس يف ذمته حقوق‬
‫لسواهم يف ابب االحسان اال ان يكون من اهل اجلاوة بعض االخوان جزى هللا اجلميع‬
‫خري جزائه وعاملهم بلطفه يوم جزائه واحلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد‬
‫املرسلني و على آله وصحبه امجعني مت بقلم بعض اصحابه على سبيل االختصار وخري‬
‫الكالم ما قل ودل‪.‬‬

‫{للشيخ ايب حممد عبد هللا بن القاسم الشهرزوري رمحه هللا تعاىل يف التصوف}‬
‫ملعت انرهم وقد عسعس الليل * ومل احلادي وحار الدليل‬
‫فتأملتها وفكري من البني *عليل وحلظ عيين كليل‬
‫وفؤادي ذاك الفؤاد املعن * وغرامي ذاك الغرام الدخيل‬
‫مث قابلتها وقلت لصحيب * هذه النار انر ليلى فميلوا‬
‫فرموا حنوها حلاظا صحيحا * تفعادت خواسئا وهي حول‬
‫مث مالوا اىل املالم وقالوا * خلب ما رأيت ام ختييل‬
‫فتجنبتهم وملت اليها * واهلوى مركيب وشوقي الزميل‬
‫‪- 1170 -‬‬

‫ومعي صاحب اتى يقتفي اآل * اثر واحلب شرطه التطفيل‬


‫وهي تعلو وحنن ندنو اىل ان * حجزت دوهنا طلول حمول‬
‫فدنوان من الطلول فحالت * زفرات من دوهنا وغليل‬
‫قلت من ابلداير قالوا جريح * وأسري مكبل وقتيل‬
‫ما الذي جئت تبتغي قلت ضيف * جاء يبغي القرى فاين النزول‬
‫فاشارت ابلرحب دونك فاعقر * ها فما عندان لضيف رحيل‬
‫من أاتان القى عصى السري عنه * قلت من يل هبا واين السبيل‬
‫فحططنا اىل منازل قوم * صرعتهم قبل املذاق الشمول‬
‫درس الوجد منهم كل رسم * فهو رسم والقوم فيه حلول‬
‫منهم من عفي ومل يبق للشكوى * وال للدموع فيه مقيل‬
‫ليس اال االنفاس خترب عنه * وهو عنها مربأ معزول‬
‫ومن القوم من يشري اىل وجد * تبقي عليه منه القليل‬
‫ولكل منهم رأيت مقاما * شرحه يف الكتاب مما يطول‬
‫قلت اهل اهلوى سالم عليكم * يل فؤاد عنكم بكم مشغول‬
‫وجفون قد اقرحتها من الدمع * حنينا اىل لقاكم سيول‬
‫مل يزل حافز من الشوق حيدوين * اليكم واحلاداثت حتول‬
‫واعتذاري ذنب فهل عند من يعلم * عذري يف ترك عذري قبول‬
‫جئت كي اصطلي فهل يل اىل انركم * هذه الغداة سبيل‬
‫فاجابت شواهد احلال عنهم * كل حد من دوهنا مفلول‬
‫ال تروقنك الرايض االنيقات * فمن دوهنا راب ودحول‬
‫كم أاتها قوم على غرة منها * وراموا أمرا فعز الوصول‬
‫وقفوا شاخصني حت اذا ما * الح للوصل غرة وحجول‬
‫‪- 1171 -‬‬

‫وبدت راية الوفا بيد الوجد * واندى اهل احلقائق جولوا‬


‫أين من كان يدعينا فهذا اليوم * فيه صبغ الدعاوي حيول‬
‫محلوا محلة الفحول وال يصرع * يوم اللقاء اال الفحول‬
‫بذلوا انفسا سخت حني شحت * بوصال واستصغر املبذول‬
‫مث غابو من بعد ما اقتحموها * بني امواجها وجاءت سيول‬
‫قذفتهم اىل الرسوم فكل * دمه يف طلوهلا مطلول‬
‫انران هذه تضئ ملن يسري * بليل لكنها ال تنيل‬
‫منتهى احلظ ما تزود منه اللحظ * و املدركون ذاك قليل‬
‫جاءها من عرفت يبغي اقتباسا * وله البسط واملن والسول‬
‫فتعالت عن املنال وعزت * عن دنو اليه وهو رسول‬
‫فوقفنا كما عهدت حيارى * كل عزم من دوهنا خمذول‬
‫ندفع الوقت ابلرجاء و انهيك * بقلب غذاؤه التعليل‬
‫كلما ذاق كأس أبس مرير * جاء كأس من الرجا معسول‬
‫فاذا سولت له النفس أمرا * حيد عنه وقيل صرب مجيل‬
‫هذه حالنا وما وصل العلم * اليه وكل حال حتول‬
‫***‬

‫صحيفة {فهرست اجللد الثاين من تعريب مكتوابت االمام الرابين قدس سره}‬
‫{متت فهرست اجللد الثاين}‬

‫صحيفة {فهرست اجللد الثالث من تعريب املكتوابت}‬


- 1172 -

***
‫‪- 1173 -‬‬

‫كتاب الرمحة اهلابطة‬


‫يف‬
‫سره‬
‫الرابين قدس هللا ّ‬
‫أحوال االمام ّ‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬


‫اي من لطائف مننه متواترة * وعوارف نعمه متوافرة * صل على نبيك املأمون‬
‫وخازن علمك املخزون * و على آله الكرام وأصحابه العظام واتبعيهم ابحسان اىل قيام‬
‫الساعة وساعة القيام «اما بعد» ملا من هللا سبحانه وتعاىل على عبده العاجز هذا مبحض‬
‫فضله وكرمه ابمتام تعريب مكتوابت االمام الرابين اجملدد واملنور لاللف الثاين قدس سره‬
‫اردت ان اذكر نبذا يسريا من احواله الشريفة ومناقبه املنيفة وما جرى عليه قدس سره مما‬
‫جرى على االنبياء واالولياء والصلحاء من احملن والبالاي من االبتالء ابحلسدة وتطاول‬
‫اجلهالء وجمادلة السفهاء وما صدر يف نصرته واعانته ومدحيته من االعزة الكمالء واالجلة‬
‫الفضالء ممن كانوا يف عصره وبعده ليكون ذلك كاملقدمة السابقة للتعريب املذكور او‬
‫اخلامتة الالحقة به فتتم بذلك الفائدة ويتوفر النفع والعائدة أبن يكون عوان ملن يطالع‬
‫التعريب املذكور فان احواله قدس سره وان كانت معلومة ظاهرة للمحبني الذين هم على‬
‫طريقته ولكنها ال تستبعد ان تكون خمفية على من سواهم خصوصا من قرع مسعه خالفها‬
‫من طريق حساده او مبغضي طريقته او معادي خلفائه واوالده بل ال يستبعد كوهنا خفية‬
‫على كثري من منتسيب طريقته ايضا لقصور اهلمم كما هو املشاهد اآلن (فأقول) وابهلل‬
‫التوفيق وبيده ازمة التحقيق ال خيفى ان طرق اطالع اخللق على أحوال من مضى وسلف‬
‫من مناقبه ومثالبه وصالحه وفساده وعلمه وجهله وهدايته وضالله وعلو كعبه يف مقامات‬
‫‪- 1174 -‬‬

‫القرب وتسفله متعددة كثرية منها النظر اىل مذهبه وطريقته وسريته ان كان صاحب‬
‫مذهب وطريقة ومنها مطالعة آاثره وأتليفاته ان كان صاحب اثر وأتليف كما قيل‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫ان آاثران تدل علينا * فانظروا بعدان اىل اآلاثر‬
‫ومنها املراجعة اىل اقوال من تكلموا يف حقه ابجلرح والتعديل اذا كان صدور ذلك‬
‫عنهم ابالنصاف عاراي عن االغراض الفاسدة واالعتساف فأان حبول هللا تعاىل وقوته اذكر‬
‫كل ذلك على حدة بعنوان املنظرة (فاملنظرة االوىل) يف ذكر نسبه الشريف امجاال وما وقع‬
‫يف حقه من البشارة قبل والدته أما نسبه الشريف فهو قدس سره سيدان وسندان وويل‬
‫نعمتنا االمام الرابين اجملدد واملنور لاللف الثاين موالان الشيخ امحد ابن الشيخ عبد االحد‬
‫ابن الشيخ زين العابدين ابن الشيخ عبد احلي ابن الشيخ حممد ابن الشيخ حبيب هللا ابن‬
‫االمام رفيع الدين ابن اخلواجه نور ابن اخلواجه نصري الدين ابن اخلواجه سليمان ابن‬
‫اخلواجه يوسف ابن اخلواجه عبد هللا ابن اخلواجه اسحق ابن اخلواجه عبد هللا ابن اخلواجه‬
‫ش عيب ابن اخلواجه امحد ابن اخلواجه يوسف ابن اخلواجه شهاب الدين املعروف‬
‫بفرخشاه الكابلي اب ن اخلواجه نصري الدين ابن اخلواجه حممود ابن اخلواجه سليمان ابن‬
‫اخلواجه مسعود ابن اخلواجه عبد هللا الواعظ االصغر ابن اخلواجه عبد هللا الواعظ االكرب‬
‫ابن اخلواجه ايب الفتح ابن اخلواجه اسحق ابن اخلواجه ابراهيم ابن اخلواجه انصر ابن‬
‫سيدان عبد هللا ابن سيدان امري املؤمنني عمر الفاروق رضي هللا عنهما وعنهم امجعني وكان‬
‫آابؤه الكرام واجداده العظام كلهم من اكابر العلماء االعالم وصلحاء فضالء االانم (وأما‬
‫البشارة) احلاصلة يف حقه قبل وجوده فاعلم ان امر البشارة اغلبه مبين على الظن الغالب‬
‫فاهنا ال تكون أبن شخصا امسه فالن واسم ابيه فالن وحليته كذا وقبيلته كذا يظهر يف‬
‫زمان كذا ويف مكان كذا بل يذكر فيها مجلة من سرية املبشربه او زمانه او قبيلته كالبشارة‬
‫بوجود املهدي رضي هللا عنه ولذا ال يزال يوجد من يدعي انه هو املهدي املوعود وليس‬
‫كلهم يدعي ذلك ابلكذب والباطل بل لوجود بعض العالمات الواردة يف حقه فيه‬
‫‪- 1175 -‬‬

‫وكالبشارة الواردة يف حق االئمة اجملتهدين مثل لو كان الدين يف الثراي لتناوله رجال ويف‬
‫رواية رجل من أبناء فارس ومثل يوشك ان يضرب الناس ويف رواية يوشك الناس ان‬
‫يضربوا اكباد االبل يطلبون العلم فال جيدون عاملا اعلم ويف رواية افقه من عامل املدينة ومثل‬
‫ال تسبوا قريشا فان عاملها ميأل طباق االرض علما فان احملققني اهل االنصاف محلوا‬
‫االول على البشارة بوجود االما االعظم ايب حنيفة والثاين على البشارة بوجود امام دار‬
‫اهلجرة مالك ابن انس والثالث على البشارة بظهور االمام الشافعي رضي هللا عنهم‬
‫امجعني وكل ذلك حبسب الظن الغالب حيث وجدت االوصاف املذكورة فيهم بل ال‬
‫يستبعد حصول اليقني بذلك للمحبني واملنكر املعاند الشقي ال يزيده ذلك اال انكارا‬
‫وعنادا واستكبارا كما أننا ال نزال جند املتعصبني اىل اآلن ينكرون محل احلديث االول‬
‫على البشارة ابالمام االعظم رضي هللا عنه بل املتوغل يف اجلهالة واملتنكص على عقبيه يف‬
‫تيه الضاللة ال يستنكف من التفوه ابالنكار على وجود القائل بذلك وهذا ال يضر إال‬
‫نفسه فان القائل بذلك ليس من اتباع االمام االعظم رضي هللا عنه فقط بل احملققون من‬
‫غريهم كالسيوطي وابن حجر اهليتمي والشعراين مصرحون بذلك فهذا املنكر ان اطلع‬
‫على ذلك ومع هذا انكر وجود القائل به فهو معاند غوي سابح يف حبر العناد والسفاهة‬
‫وان مل يطلع فهو جاهل غيب خائض يف تيار الغفلة واجلهالة فحقه ان يسكت وأيكل‬
‫ويشرب وينهق مع ما ينهق دون ان ينعق هبذا الكالم ويسلم العلم الهله بل نقول ان من‬
‫ال ناس من ينكر وجود املهدي مع ورود احاديث كثرية يف حقه حت قيل اهنا بلغت حد‬
‫التواتر املعنوي ولذا قيل ان من انكر املهدي فقد كفر وهذا كما ان اهل الكتابني ينكرون‬
‫وجود البشارة يف كتبهم بوجود النيب صلّى هللا عليه و سلّم مع كوهنا مآلنة هبا عند‬
‫املؤمنني بيقني فاذا ع رفت هذا فاعلم ان االمر يف حق االمام الرابين رضي عنه ايضا‬
‫كذلك فما وافقه قدس سره ابلقرائن محله احملبون عليه قدس سره بغلبة الظن واملنكر ال‬
‫يزيده ذلك اال انكارا وعنادا واستكبارا وتصديق املصدق نفعه راجع اليه وكذا انكار‬
‫املنكر ضرره عائد عليه ان احسنتم احسنتم النفسكم وان اسأمت فلها ومن يعمل مثقالذرة‬
‫‪- 1176 -‬‬

‫خريا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره واملؤمن جيب عليه حسن الظن أبي مؤمن كان اذا‬
‫كان مستور احلال فكيف ابالولياء االخيار الذين صنف يف مناقبهم جملدات كبار وملؤا‬
‫الدنيا ابنواع اآلاثر ومل يزل اتباعهم قدوة خري االمم يف مجيع االقطار ونوروا الدنيا كلها‬
‫ابنوار املعارف كشمس النهار و هللا املوفق واملعني وهو اآلخذ بنواصي االخيار واالشرار‬
‫«البشارة االوىل» قوله صلّى هللا عليه و سلّم يكون يف أميت رجل يقال له صلة يدخل‬
‫اجلنة بشفاعته كذا وكذا اورده االمام السيوطي يف مجع اجلوامع ووجه محل هذا احلديث‬
‫عليه انه قدس سره ملا طبق طريقة الصوفية القائلني بوحدة الوجود على الشريعة الغراء‬
‫تطبيقا شافيا وبينها بياان وافيا يف بعض مكاتيبه قال يف آخره احلمد هلل الذي جعلين صلة‬
‫بني البحرين ومصلحا بني الفئتني واشتهر هبذا اللقب فيما بني اصحابه وهلم اطالع على‬
‫احلديث املذكور ومل يروا احدا محله على احد على ممر الدهور ورأوا يف االمام رضي هللا‬
‫عنه لياقة بتلك املنقبة الشريفة مع ما مسعوا منه قدس سره مرارا أبن النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم بشره يف بعض احلضرات والوقايئع بشفاعة كذا وكذا فحملوا احلديث املذكور عليه‬
‫قدس سره واي استبعاد يف ذلك واي حمذور فيما هنالك بل هذا الوصف اظهر فيه قدس‬
‫سره من الشمس وابني من االمس فإن صح هذا احلمل فبها واال فال يالم احد على‬
‫حسن ظن بويل من االولياء العظام رضي هللا عنهم امجعني {شعر}‪:‬‬
‫زعم املنجم والطبيب كالمها * ال حتشر االجساد قلت اليكما‬
‫ان صح قولكما فلست خباسر * او صح قويل فاخلسار عليكما‬
‫(قال) شيخنا قدس سره يف هامش املناقب االمحدية بعد ذكر احلديث املذكور قد‬
‫راجعت النسخ القدمية من مجع اجلوامع للسيوطي وتبويبه كنز العمال لعلي املتقي فوجدت‬
‫احلديث فيها كذلك مطلقا مث اطلعت على اخلصائص الكربى للسيوطي فوجدته هناك‬
‫بلفظ صلة ابن أشيم مقيدا فان كانت هذه الزايدة من الرواة او النساخ فاالحتمال ابق‬
‫وان كان من تشعب طرق احلديث فال جمال الحد يف الكالم وهم يعين اصحاب االمام‬
‫رضي هللا عنه لعدم االطالع عليها غري ملومني وقد وقع مثل ذلك لكثري من الشراح فتنبه‬
‫‪- 1177 -‬‬

‫انتهى بت غيري يسري (البشارة الثانية) ما نقل عن شيخ االسالم امحد اجلامي روح هللا روحه‬
‫ونور ضرحيه قال مولينا اجلامي قدس سره يف نفحات األنس ما خالصة معربه قيل لشيخ‬
‫االسالم امحد اجلامي قدس سره اان قد اطلعنا على مقامات املشائخ ووقفنا على ما صدر‬
‫عنهم من احلاالت والكرامات وال نعرف واحدا منهم ظهر منه مثل ما صدر عنك من‬
‫احلاالت فقال ما من رايضة فعلها ويل من األولياء اال وقد فعلت مجيعها وقت الرايضة‬
‫وزدت عليها ايضا فكل حال من االحوال وكل كيفية من الكيفيات اعطاها احلق سبحانه‬
‫اولياءه متفرقة اعطاها امحد يعين نفسه بفضله وكرمه جمتمعة واذا ظهر يف كل اربعمائة سنة‬
‫شخص امسه امحد يكون آاثر عناايته تعاىل يف حقه ايضا مثل ذلك يراه مجيع اخللق انتهى‬
‫وبني وفاة الشيخ امحد اجلامي ووالدة االمام الرابين قدس سرمها اربعمائة ومخس وثالثون‬
‫سنة وحيث مل يظهر بينهما من االولياء احد هبذا االسم وبتلك االوصاف محلوا كالم‬
‫الشيخ على االمام رضي هللا عنهما مبوجب غلبة الظن وقد أتيد هذا مبا وقع يف بعض‬
‫مقامات شيخ االسالم امحد اجلامي قدس سره حيث قال فيها قال يعين الشيخ يظهر من‬
‫بعدي سبعة عشر نفرا مثلي كل منهم يسمى ابمسي وآخرهم يظهر بعد االلف ويكون هو‬
‫اكربهم واعظمهم و هللا سبحانه اعلم (البشارة الثالثة) ما نقل عن الشيخ خليل البدخشي‬
‫قدس سره نقل عنه انه قال سيظهر يف سلسلة خواجكان قدس هللا اسرارهم شخص‬
‫كامل من اهلند يكون عدمي النظري يف عصره واي اسفي على اين ال ادرك زمانه انتهى‬
‫وحيث انه مل يظهر يف اهلند احد يف طريقة خواجكان ظهور االمام الرابين محل عليه‬
‫ابلضرورة و هللا سبحانه أعلم ويف هذا القدر كفاية للمسرتشد و هللا سبحانه املوفق‬
‫(املنظرة الثانية يف والدته ونشأته قدس سره) ولد قدس سره سنة ‪ 971‬احدى وسبعني‬
‫وتسعمائة يف بلدة سهرند بكسر السني املهملة وسكون اهلاء وكسر الراء وسكون النون‬
‫والدال املهلمة كذا ضبطه يف سبحة املرجان وقال فيها اهنا بلدة عظيمة بني دهلي والهور‬
‫على الشارع انتهى (وقال ) يف الروضة القيومية ان حمل بلدة سرهند كان اوال غابة مهولة‬
‫مملوءة ابلسباع وكان امسها ابهلندية سيهرند يعين غابة االسود فان سيه ابهلندية االسد‬
‫‪- 1178 -‬‬

‫ورند الغابة وهلذا يكتب يف ضرب السكة سيهرند وكان اول بنائها يف عهد السلطان فريوز‬
‫شاه واول من توطن هبا االمام رفيع الدين املذكور اجلد السادس لالمام الرابين قدس سره‬
‫فسميت البلدة هبذا االسم واشتهرت به انتهى يعين ان امسها طابقها ظاهرا وابطنا فاهنا لو‬
‫كانت اوال غابة االسود الظاهرة فقد صارت بعد غابة اسود عامل احلقيقة واملعاين وافاد ان‬
‫استعمال هذا االسم على االصل خمصوص ابلسكة وهو كذلك فانه ال يستعمل اال‬
‫بتقدمي الراء على اهلاء واسكاهنا او حبذف الياء وفتح الراء هكذا سهرند واستخرجوا اتريخ‬
‫والدته من لفظ خاشع ‪ 971‬وعرض له قدس سره بعد اايم من والدته ما يعرض على‬
‫الصبيان من املرض فجاء به والده شيخه شاه كمال الكيهتلي القادري فقال له شيخه ال‬
‫ختف انه يكون ذا عمر طويل وصاحب احوال سنية وأخذه من يده بكمال اجلذبة وجعل‬
‫لسانه يف فيه فأفاض عليه وقتئذ فيوض النسبة القادرية من لسانه فنشأ يف حجر تربية‬
‫والده حملي بدرر االدب واخذ عنه مبادى كتب العرب وحفظ يف صغر سنه القرآن‬
‫واسكت بتحبري صوته سواجع البستان واستظهر عدة من املتون يف انواع العلوم مع اتقان‬
‫املنطوق منها واملفهوم مث رحل اىل سيالكوت فقرأ هناك على موالان كمال الدين‬
‫الكشمريي بعض كتب املعقوالت يف غاية التحقيق والتدقيق وكان املذكور من فحول‬
‫علماء عصره صاحب حتقيق وتدقيق متصفا ابلورع و التقوى وكان له شرب اتم من‬
‫مواجيد القوم ايضا وهو استاذ موالان عبد احلكيم السيالكويت واخذ احلديث عن مولنا‬
‫يعقوب الكشمريي الصريف وكان هو من كبار حمققي زمانه وقد اخذ احلديث يف احلرمني‬
‫احملرتمني من كبار احملدثني كابن حجر املكي وعبد الرمحن ابن فهد املكي وكان من خلفاء‬
‫موالان حسني اخلوارزمي الكربوي قيل انه ابيعه يف السلسلة الكربوية واخذ هذه الطريقة‬
‫بواسطته وحصل اجازة كتب احلديث والتفسري وبعض كتب االصول كالتفاسري الثالثة‬
‫للواحدي واسباب النزول وتفسري البيضاوي وسائر مؤلفاته كمنهاج الوصول و الغاية‬
‫القصوى وغريمها وكاجلامع الصحيح للبخاري مع مجيع مؤلفاته االخر وكاملشكاة ومشائل‬
‫الرتمذي واجلامع الصغري للسيوطي وغري ذلك من العامل الرابين القاضي هبلول البدخشاين‬
‫‪- 1179 -‬‬

‫واخذ عنه ايضا املسلسل ابالولية الرامحون يرمحهم الرمحن تبارك وتعاىل ارمحوا من يف‬
‫االرض يرمحكم من يف السماء وقد اخذ القاضي املذكور احلديث من كبار علماء احلرمني‬
‫احملرتمني كالعالمة احملدث عبد الرمحن بن فهد املكي ومل يبلغ من العمر سبعة عشر سنة‬
‫اال وقد فرغ من حتصيل العلوم الدرسية وحتقيقها وتشييد بنيان مولويته ابحكام املعقول‬
‫واملنقول والفروع واالصول وتدقيقها وقد استفاد يف اثناء حتصيله الطريقة القادرية واجلشتية‬
‫من والده املاجد فأجازه يف هذين الطريقني وشهد له حبصول انوار الفريقني فاشتغل يف‬
‫حياة والده املاجد بدرس العلوم الظاهرية للطالبني وتعليم الطريقة ايضا للسالكني وصنف‬
‫يف تلك االثناء بعض الرسائل كالرسالة التهليلية ورسالة رد الروافض ورسالة اثبات النبوة‬
‫وكان له يد طوىل يف العلوم االدبية وكان من الفصاحة والبالغة وسرعة االستحضار وشدة‬
‫الذكاء والفطنة جبانب عظيم ومكان مكني روي انه قدس سره اتى مرة يف تلك االثناء‬
‫منزل ايب الفيض العالمي الشيعي املتخلص ابلفيضي وكان املذكور وقتئذ مشتغال بتصنيف‬
‫تفسري بكلمات غري منقوطة ويف معاونته يف االمر املذكور عدة من العلماء املتبحرين‬
‫كموالان مجال الدين التالوي وغريه فلما رآه الفيضي سر به وقال قد سد علينا اآلن‬
‫ابواب الكالم وتعسر االتيان بعبارات غري معجمة يفصح عن املرام والتمس منه ان حيرر‬
‫بعض عبارات من النوع املذكور يناسب املقام فاخذ القلم يف احلال وشرع يف التحرير من‬
‫غري تفكر ابلبال وكتب اشياء كثرية من النوع املذكور بعبارات انيقة مع كمال البسط يف‬
‫املقال فتحري من كمال فصاحته وبالغته وسرعة استحضاره وبداهته الفحول من الرجال‬
‫واتفقت كلمتهم على انه مؤيد من عند املبدأ الفياض املتعال فصار الفيضي بعد ذلك‬
‫كلما استعصاه الكالم يف افادة املرام يستمد من حبره الزاخر حت اهناه على الوجه املذكور‬
‫اىل اآلخر وكان ذلك قبل مالقاته اخلواجه حممد الباقي ابهلل قدس سره (املنظرة الثالثة) يف‬
‫استفادته الطريقة النقشبندية من شيخه اخلواجه حممد الباقي ابهلل قدس سره وبلوغه فيها‬
‫مرتبة الكمال والتكميل ووصوله اىل ما يعجز عن ادراكه العقل العقيل وتنويره بنور الطريقة‬
‫العامل من العلماء الفضالء وارابب التاج والتخت و االكليل (اعلم) انه قدس سره مع‬
‫‪- 1180 -‬‬

‫وجود هذه الكماالت والفضائل كان عطشان القلب خصوصا للطريقة النقشبندية وكان‬
‫قد طالع بعض الرسائل املؤلفة فيها وكان كثري االشتياق ملالقاة واحد من ارابهبا وملا تويف‬
‫والده املاجد عام غز خرج بعد سنة من وفاته من منزله بنية اداء احلج وملا دخل بلدة‬
‫دهلي كرسي سلطنة بالد اهلند ووصل هناك اىل صحبة شيخه الشيخ حممد الباقي ابهلل‬
‫قدس سره بداللة بعض اصحابه جذبته جذابت العناية االزلية ودلته اىل الدولة السرمدية‬
‫وانشده لسان السعادة االبدية هذه االشعار احلكمية {اشعار}‪:‬‬
‫اي من يروم طواف البيت ابجلسد * واجلسم يف بلد والروح يف بلد‬
‫ماذا تروم وماذا انت فاعله * مبهرجا يف التقى للواحد الصمد‬
‫ان الطواف بال قلب وال بصر * على احلقيقة ال يشفي من الكمد‬
‫بدل طوافك ابملطاف بال صفا * بطواف حضرة كعبة اآلمال‬ ‫آخر‬
‫فتنبه على تلك الدقيقة وانكشف له ما مل ينكشف قبل من احلقيقة فاستعمل‬
‫أفكاره االملعية واستنسب ان يؤخر ما يف قلبه من النية حيث مل تكن نيته على سبيل‬
‫الفرضية بل كانت جملرد االشواق القلبية فبايعه بعد يومني من مالقاته يف الطريقة‬
‫النقشبندية العلية والزم صحبته السنية ورجح طلب صاحب البيت على طلب البيت‬
‫وترمن لسان حاله هبذا البيت‪:‬‬
‫اليك اي منييت حجي ومعتمري * ان حج قوم اىل ترب واحجار‬
‫وجد يف الطلب مبتقضى استعداده العايل ومل يضيع دقيقة بلعل وليت و تفرس فيه‬
‫شيخه املذكور كمال القابلية وعلو الفطرة و مسو االستعداد بل وجد فيه مجيع االوصاف‬
‫اليت كان مبشرا بوصول املوصوف هبا اليه وحتقق انه هو هذا الشخص املبشر بلقائه وارث‬
‫كماالته والزايدة عليه فبذل يف حقه انواع االلتفات واصناف العناايت وبلغه بقوة جذبه‬
‫بفضله سبحانه وتعاىل من الكماالت اىل اقصى الغاايت وظهر له بربكة توجهاته السنية‬
‫املصادفة حمللها يف مدة يسرية من احلاالت ما ال يظهر لغريه عشر عشريه يف عدة من‬
‫السنوات فبعد مضي شهرين وعدة اايم على هذا احلال وحصول غاية السعي وبذل‬
‫‪- 1181 -‬‬

‫اجملهود من الطرفني هبذا املنوال اجازه شيخه يف الطريقة املذكورة اجازة مطلقة اتمة وامره‬
‫ابلرجوع اىل وطنه وافاضته الفيوضات اىل قلوب العامة واحال تربية كثري من مريديه عليه‬
‫وضمهم وقت انصرافه اىل وطنه اليه فجلس بعد عوده اىل بلده على مسند االرشاد‬
‫ودست االفادة وشرع يف هداية الطالبني وتربية السالكني بكمال النشاط يف االرشاد‬
‫واالفاضة فاجتمع لديه كثري من املستعدين حت صار شيخه بعيد ذلك يستفيد منه‬
‫الفيوضات اجلديدة كسائر املستفيدين وليس هذا كالما صادرا على سبيل املبالغة و‬
‫االطراء بل امر واقع مشهور عند اراببه بال امرتاء وطار صيت ارشاده يف اايم قالئل مسري‬
‫القطا واالمطار وانتشرت كماالته وقوة افاضته يف سائر االقطار فتهافت عليه العلماء‬
‫والفضالء والكمالء واالمراء من مجيع الداير القتباس االنوار فبذل هلم انواع العناايت‬
‫حسب االقتدار ومشر عن ساق اجلد يف احياء الشريعة احملدية وحتزم يف اعادة انوار السنن‬
‫النبوية وانتصب القامة شعائر الطريقة االمحدية وكان حيرض اصحابه كلهم ابلتمسك‬
‫بعروة الشريعة العلية واحياء السنة النبوية السنية والعمل مبا فيها واالجتناب عن كل ما‬
‫ينافيها كما هو اساس الطريقة النقشبندية وكان حيث على ذلك امراء عصره وحكام دهره‬
‫بواسطة مكاتيب عديدة حت استنارت أقطار اهلند وما يليها بنور السنة وعادت الشريعة‬
‫احملمدية بعد ان كادت تعوج مستقيمة سديدة وقد نشأ يف حجر تربيته خلفاء علماء‬
‫اجالء وكمالء فضالء ادالء كل واحد منهم رافع راايت العلوم والوية الوالية وجامع‬
‫اشتات الفنون وانصب بنودها رواية ودراية فقام هؤالء الكرام وكذا اوالده العظام بعده‬
‫بنشر طريقته العلية وبث سريته السنية بني اخلاص والعام حت انتشرت انوار فيضه يف‬
‫اسرع االوقات اىل اطراف العا مل وعمت اسرار فضله من ادركته العناية االزلية من بين آدم‬
‫وال زالت اىل يومنا هذا تتزايد يوما فيوما بواسطة خلفاء خلفائه واوالد اوالده وهلم جرا‬
‫حبيث مل يبق مملكة من ممالك االسالم اال وفيها من ينورها بطريقته من االعالم بفضل هللا‬
‫امللك العالم ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء و هللا ذوالفضل العظيم (املنظرة الرابعة) يف‬
‫بيان من اثن عليه من معاصريه وشهد له ابنه جمدد االلف الثاين فاول من اثن عليه‬
‫‪- 1182 -‬‬

‫شيخه اخلواجه حممد الباقي ابهلل وقد تقدم انه صار يستفيد منه كبعض املستفيدين وذلك‬
‫فان االمام قدس سره وان كان استفاد من شيخه املذكور الطريقة النقشبندية اال ان احلق‬
‫سبحانه منحه اعلى من ذلك وازيد مما هنالك كما بني ذلك يف بعض مكاتيبه وهلذا‬
‫مسيت الطريقة اخلاصة به الطريقة اجملددية فكان شيخه يستفيد منه تلك الطريقة اخلاصة‬
‫به وكان يعظمه تعظيم املريد شيخه حت نقل انه اتى حجرته وقتا من االوقات فصادفه يف‬
‫االستغراق فأراد اخلادم اخباره مبجيئه فمنعه ورد الباب هبينة ورجع ميشي اهلوينا خوفا من‬
‫انقطاع استغراقه وقعد خارج احلجرة اىل ان قام االمام وسأل من ابلباب فقال الفقري حممد‬
‫الباقي فخرج مسرعا وقام بكمال االدب والتواضع وقد بشره ببشائركثرية رآها يف وقائعه‬
‫وكتب ميدحه بعلو االستعداد وكمال القابلية اىل بعض احبائه ووصى مجيع مريديه وقت‬
‫موته ابتباعه (نقل) عن املري حممد نعمان الذي هو من اعاظم اصحاب اخلواجه حممد‬
‫الباقي ومن اكابر السادات ان اخلواجه ملا خصصه بعد التعميم ابتباع االمام قال له على‬
‫سبيل التحرج واالستن كاف من اتباعه ان توجه قبلة الفقري ليس اال جنابكم فقال له‬
‫اخلواجه ابخلشونة ما تظن انت يف الشيخ امحد فان الوفا من النجوم امثالنا تتالشى‬
‫وتضمحل يف اشعة انوار مشسه انتهى فلومل يوجد يف حقه قدس سره اال هذه الشهادة‬
‫الصادقة من شيخه لكفت دليال على فضله الشامخ وقدمه الراسخ فكيف اذا وجد غريها‬
‫من شيخه ومن كمالء مشائخ عصره وفضالء علماء دهره اما ما صدر من شيخه يف‬
‫مدحه فلنثبت هنا بعضا منه لالستشهاد (فمنها) ما كتبه اىل بعض احبائه من كبار وقته‬
‫هبذا العنوان يف اوائل وصوله اىل صحبته ان رجال من سهرند يسمى الشيخ امحد كثري‬
‫العلم قوي العمل وقد صحبه الفقري اايما وشاهد من احواله عجائب كثرية يشبه ان يكون‬
‫مشسا يتنور العامل منه احلمد هلل قد حصل يل اليقني ابحواله الكاملة وله اقرابء واخوة كلهم‬
‫من صلحاء الرجال ومن طبقة العلماء وصحب الداعي عدة منهم ووجدهم من اجلواهر‬
‫العالية وهلم استعدادات عجيبة وللشيخ املذكور اوالد واطفال وكلهم اسرار اهلية وابجلملة‬
‫انه شجرة طيبة انبته هللا نباات حسنا (ومنها ما بشره به) مشافهة مرارا ابنه قطب الوقت‬
‫‪- 1183 -‬‬

‫وقطب االقطاب الذي رآه يف املنام عند اجازة شيخه اخلواجكي االمكنكي ووقت نزوله‬
‫يف بلدة سهرند مرارا كثرية وهي مشهوردة ويف ذيل تعريب الرشحات جلامع هذه احلروف‬
‫وغريه ايضا مسطورة (ومنها ) ما قال يف حقه ايضا اين قد تشيخت يف هذه السنني‬
‫الثالثة او االربعة ولعبت اايما احلمد هلل مل يكن لعيب هذا وفتحي هذا الدكان بال فائدة‬
‫حيث ظهر مثله يف عرصة الوجود (ومنها) ما قال اين جئت هبذا البذر من خبارى و‬
‫مسرقند و زرعته يف ارض اهلند الكثرية الربكة وكان سعينا واجتهادان يف تربية الطالبني اىل ان‬
‫تبلغ معاملته اىل انتهائها وملا فرغت من امره جررت نفسي من املشيخة واحلت الطالب‬
‫عليه (ومنها) ما كتب اليه يبلغ هللا تعاىل اىل مرتبة الكمال واالكمال {ع}‪:‬‬
‫ولالرض من كأس الكرام نصيب‬
‫ال تكلف وما هو حقيقة احلال يكتب قال الشيخ االنصاري اان مريد اخلرقاين‬
‫ولكن لو كان اخلرقاين يف هذا الوقت لكان مريدا يل مع كونه شيخي فاذا كانت صفة‬
‫هؤالء الذين ختلصوا عن الصفة هكذا فلم ال يبذل اسارى آاثر الصفات ارواحهم يف لوازم‬
‫الطلب ومل ال يتوجهون اىل مكان وصل منه اىل مشام ارواحهم رائحة املطلوب وتوقفنا‬
‫وامهالنا اآلن ليس من جهة االستغناء وعدم املباالة بل ننتظر االشارة {شعر}‪:‬‬
‫اذا ما اراد الطمع مين منييت * لقلت على رأسي القناعة احجار‬
‫هذا هو حقيقة احلال اليت حترر يهدينا هللا سبحانه ملا هو املهم وخيلصنا من‬
‫العجب والغرور وبقية املقصود ان جناب معدن السيادة املري صاحل النيسابوري سلمه هللا‬
‫قد اظهر الطلب وحيث كان الوقت غري مقتض هلذا مل ير تضييع اوقاته من مقتضى‬
‫االسالمية فال جرم ارسلناه اىل صحبتكم يصري ان شاء هللا تعاىل حمظوظا على قدر‬
‫استعداده وجي د متام اللطف وكمال التوجه (ومنها) ما كتبه ايضا يبلغ هللا سبحانه الفقراء‬
‫واملساكني العاجزين بربكات االولياء املنتخبني اىل مقاصدهم منذ مدة مل يصدر مين عرض‬
‫اخللوص على ديوان ملجأ الوالية نعم ميكن ان جتعل هذه الكلمة الواحدة قاصدا جلناب‬
‫صادق احلال احلمد هلل بتصور هذا القسم وماذا اكتب غريه فان حترير كلمات الدراويش‬
‫‪- 1184 -‬‬

‫اىل حضرتكم من غاية عدم احلياء وحكاية االوضاع الصورية ال مناسبة هلا اصال واحلاصل‬
‫ينبغي لنا ان نعرف حدان وان حنرتز من الفضول واملطلوب الدعاء (ومنها) ما كتبه اليه‬
‫ايضا ليكن مسند االرشاد اوسع وأنور ان مسودة الرسالة اليت يف طريقة خواجكان جعلها‬
‫اخلواجه برهان كحل البصر للمشتاقني احلمد هلل اهنا عالية جدا ولطيفة ولكن رمبا خيطر‬
‫يف البال التماس تفتيش احوال حضرة اخلواجه احرار قليال لعله يظهر امور اخر ايضا وملا‬
‫تشرفت مبطالعة تلك اللطيفة الغيبية يف ذاك اليوم خطر خاطر يف اثناء النعاس ان طرف‬
‫اليسار أعين عامل االرواح يتعلق به فلما حضرت حصل الرتدد من جهة ضعف احلافظة انه‬
‫من كان املشار اليه ولكن الظن الغالب ان االشارة كانت اىل حضرة اخلواجه احرار قدس‬
‫سره البد يرى ذلك يف طبقات واحد من االئمة ميكن ان يظهر شئ (وأيضا) يفهم من‬
‫كلماته معن العصمة (وأيضا) يظهر يف بعض املنامات انه خلق يف أصل اخللقة مندرج‬
‫النهاية يف البداية ما العجب انه لو كان خملوقا يف القابلية املطلقة اليت هي فوق نقطة العلم‬
‫وحتت مقام الوحدة نرجو ان تبصر هناك ايضا (وايضا) نرجو ان تنظر اىل مقام الفاروق‬
‫رضي هللا عنه انه دخل املقام املذكور على طريق النزول او جاء من طريق آخر ولعل‬
‫املخلوقية فوق النقطة صارت سببا لعدم التقرب من ذاك املقام نرجو التفتيش والعناية‬
‫واخلاطر منتظر جدا (والتماس) آخر نرجو التوجه ايضا يف ابب فناء البشرية ان له مقاما‬
‫يف غري مقام الفناء يف هللا او انه منحصر يف الدخول يف هذا املقام واجلماعة الذين‬
‫يظهرون اهنم خملوقون فوق هذا املقام الظاهر اهنم حمفوظون هكذا وال حاجة هلم اىل جتشم‬
‫الكسب يف ظهور فناء البشرية (وايضا) ان الذين فنوا وامنحوا حتت مقام الوحدة وان‬
‫ساروا من طريق اجلذبة قيومية او غريها ايضا حمفوظون من العود اىل وجود البشرية‬
‫(وايضا) نرجو النظر اىل بيت اجلربوت الذي هو مقام االنبياء عليهم الصالة والسالم‬
‫ينبغي ان يكون هناك ايضا مقام جيعل امينا من العود املذكور (وايضا) نرجو احالة النظر‬
‫يف مقام الفناء يف هللا لعل له طريقا آخر غري هذا الطريق الظاهر ابلتفصيل ولعل بعض‬
‫االعزة دخلوا من ذلك الطريق وبقية االحوال املتوقفة معلومة له كما ينبغي واسامي‬
‫‪- 1185 -‬‬

‫مقامات كثرية وعالماهتا غري معلومة لنا فكيف ميكن ان نكتب التعبريات انشاء هللا يكون‬
‫ما هو املرضي والسالم على حممد صادق ومجيع االخوان واالعزة انتهى وهبذه الفقرة‬
‫االخرية يعلم علو املقامات اجملددية اخلاصة به (ومنها) ما كتبه يف أواخر عرائضه اليت كان‬
‫ارسلها اليه لبيان احواله وهي مندرجة يف اول اجللد االول من املكتوابت وما ذكر من‬
‫الكشوف طريقه عرضي جدا وصحيح ومستقيم ومستحسن حيث ينكشف اشياء بال‬
‫قول ولسان وال حاجة اىل بيان مجيع الوجوه وما يلزم بيانه بني وقت املالقاة هذا شهادة‬
‫شيخه ومدحه (واما) غريه فهم كثريون ال يعلم عددهم اال هللا وأما الكرباء منهم املشار‬
‫اليهم ابلبنان فكالشيخ فضل هللا الربهان فوري وموالان حسن الغوثي وموالان عبد احلكيم‬
‫السيالكويت وموالان مجال الدين التالوي وموالان يعقوب الصريف شيخه وموالان حسن‬
‫القباداين وموالان مريكشاه وموالان مري مؤمن البلخيني وموالان جان حممد الالهوري وموالان‬
‫عبد السالم الديوكي والشيخ عبد احلق احملدث الدهلوي يف آخر أمر بعد ان ضيع يف‬
‫خمالفته برهة من عمره وغريهم من فضالء دهره وكمالء عصره كل اولئك اثن عليه مبا هو‬
‫اهله ورد على من اساء االدب يف حقه وتكلم مبا ال يليق بشأنه وكلهم كانوا يتهافتون‬
‫على معارفه ويسرتوحون بعوارفه (أما الشيخ فضل هللا الربهانفوري) فقد نقل عنه نقال‬
‫صحيحا انه كان يبتهج بسماع اوصافه اجلميلة ويلتذ ابستماع معارفه اجلليلة ويقول ان‬
‫كلما يقوله قطب االقطاب يعين االمام قدس سره ويكتبه من اسرار احلقيقة صحيح‬
‫واصيل وهو صادق فيه ومتحقق به وعالمة صدق املقال وعلو احلال هي االتباع على‬
‫وجه الكمال ويل اخالص اتم وحب عام جلنابه من ظهر الغيب قال ذلك بعد ان ذكر‬
‫عنده بعض اوصاف االمام قدس سره وكمال اتباعه للسنة السنية وهلذا ملا حبس االمام‬
‫على ما سيذكر جعل الشيخ املذكور الدعاء خبالصه وردا لنفسه بعد اوقات الصلوات‬
‫اخلمس وكلما ااته احد من طرف سهرند لالانبة واالسرتشاد كان يقول له والعجب انك‬
‫تسكن يف جواره يعين االمام وتكون مريدا حملل آخر وترتكون الشمس وتستضيئون‬
‫ابلنجوم (وأما الشيخ حسن الغوثي) فقد كان يثين عليه مبا هو اهله وميدحه مبا يليق بعلو‬
‫‪- 1186 -‬‬

‫مقامه وقد كتب يف وصفه يف كتابه الذي صنفه يف بيان مناقب االولياء هذه العبارات‬
‫ابالنشني مسند احملبوبية وصدر آراء حمفل وحدانية خداوند مقام فردية صاحب مرتبهء‬
‫قطبية اخل (وأما موالان عبد احلكيم السيالكويت) فقد كان يعظمه تعظيما بليغا يليق مبثله‬
‫من مثله ويشنع على املنكرين ابشد التشنيع ويقر بكونه جمدد االلف الثاين ويكتب هذا‬
‫الوصف يف مكاتيبه املرسلة اليه بل قيل انه اول من اطلق هذا الوصف عليه ونقل عنه‬
‫هذه العبارة يف رد شبهة بعض املخالفني ان القدح يف كالم الكرباء من غري فهم مرادهم‬
‫جهل وليس له نتيجة حسنة فرد كالم ملجأ املشيخة ومعدن العرفان الشيخ امحد من‬
‫اجلهل وعدم الفهم كتبه الفقري عبد احلكيم وقد ثبت بنقل الثقات انه دخل يف قيد ارادة‬
‫االمام قدس سره وهو الظن به (اتى) سهرند واحد من مريدي الشيخ مري حممد مؤمن‬
‫البلخي بنية االانبة والتوبة والسلوك على يد االمام الرابين قدس سره وبلغه سالم كل من‬
‫شيخه املذكور والسيد مريكشاه والشيخ حسن القباداين وقاضي القضاة تولك مث قال ان‬
‫شيخي مري حممد مؤمن الكربوي يقول لو مل مينعين كرب السن وبعد املسافة الوصلت‬
‫نفسي اىل مالزم ته وافنيت بقية عمري يف خدمته واقتبست من انوار احواله ما ال عني‬
‫رأت وال اذن مسعت وحيث ان هذه املوانع موجودة فاملأمول ان يعد هذا املهجور الصوري‬
‫واحلاضر املعنوي من خملصيه احلاضرين وان يكون متوجها اىل احواله ابلتوجهات الغائبية‬
‫وافاضات االنوار القدسية وقال انه امرين مببايعتكم نيابة عنه فقام وابيعه عنه مث قال وقت‬
‫انصرافه ان االعزة هناك يلتمسون ان ترسل اليهم بعض املكاتيب املشتملة على احلقائق‬
‫العالية فكتب االمام قدس سره املكتوب التاسع والتسعني وارسله اليه مع بعض املكاتيب‬
‫املشتملة للمعارف السامية ونقل عن بعض االعزة الذي جاء اهلند من بلخ انه قال ملا‬
‫وصل املكتوب املذكور اىل املري املشار اليه وطالعه قام ورقص من كمال البهجة والسرور‬
‫وقال لو كان سلطان العارفني وسيد الطائفة وامثاهلما احياء يف هذا الوقت لكانوا يف‬
‫خدمته انتهى (ونقل) مثل ذلك عن بعض حمققي ذلك الوقت الذي كان يف صحبته كثري‬
‫من العرفاء والعلماء وكان له اطالع اتم على كلمات القوم واحواهلم حيث قال حني مسع‬
‫‪- 1187 -‬‬

‫خرافات بعض املعاندين ان احلق ان مزاج اهل الزمان ليس اليئقا الدراك دقايئق حقائق‬
‫هذا العزيز فلو كان يف اايم السلف لعرفوا قدره ومرتبته ودرجة كالمه والورد املتأخرون‬
‫كلمات ه يف كتبهم لالستدالل هبا واالستشهاد وفطرة ارابب العصر يف ادراك كلماته كفطرة‬
‫سائر اجلهالء يف ادراك حكم احلكماء انتهى (وقال واحد) من العلماء العاملني املتورعني‬
‫ومن املقتدى هبم يف ذلك العصر يف بيان تصانيفه ان كتب القوم ورسائلهم اما تصنيف‬
‫او أتليف والتصنيف ان حيرر الشخص ما هو حاصله من العلوم واالسرار والنكات‬
‫واملقامات والتأليف ان جيمع الشخص كلمات غريه برتتيب جيد وقد مضت مدة مديدة‬
‫من ارتفاع التصنيف من العامل وامنا بقي التأليف فقط واان وان مل اكن من مريديه ولكن‬
‫احلق واالنصاف ان مكاتيبه ورسائله الواقعة يف هذا الزمان االخري تصنيفات ال أتليفات‬
‫فاين كلما امعنت النظر فيها ال ارى فيها نقال عن الغري اال على الندرة والضرورة وعامتها‬
‫مكشوفاته وملهماته اخلاصة به وكلها عالية مقبولة مستحسنة وموافقة للشريعة الغراء‬
‫انتهى (وقال واحد) من اقضى قضاة العصر املذكور يف جواب من سأل عنه قدس سره‬
‫ان االحوال الباطنية املنسوبة هلذه الطائفة العلية خارجة عن ادراكنا ولكن الذي اعرفه ان‬
‫اطواره واوضاعه يعين االمام قدس سره قد اورثتنا يقينا جديدا صادقا يف طور االولياء‬
‫املتقدمني فاان كلما طالعنا يف كتب السلف ما صدر عن كمل املتقدمني من الرايضات‬
‫العجيب ة والطاعات الغريبة كان خيطر ببالنا لعل مريديهم كتبوها على سبيل املبالغة وملا‬
‫شاهدت اوضاعه واطواره زال عين تلك الرتددات كلها بل رمبا خيطر ببايل ان حمرري تلك‬
‫االحوال رمبا فرطوا فيها ومل يكتبوها ابلتمام انتهى (وأما الشيخ عبد احلق احملدث‬
‫الدهلوي) فانه وان كتب يف اوائل امره بعض االعرتاضات على بعض معارفه مبوجب‬
‫البشرية ولوازم املعاصرة اال انه ادركته العناية االهلية يف اآلخر فتاب عما سلف اتب هللا‬
‫عليه واظهر رجوعه ذلك يف مكتوب كتبه اىل حسام الدين امحد من خلفاء موالان‬
‫اخلواجه حممد الباقي ابهلل قدس سره مضمونه ان صفاء ابطن الفقري يف هذه االايم يف حق‬
‫الشيخ امحد سلمه هللا تعاىل متجاوز عن احلد مل يبق حجاب البشرية والغشاوة اجلبلية يف‬
‫‪- 1188 -‬‬

‫البني وال ادري ان هذا من اين االنصاف وحكم العقل مع قطع النظر عن رعاية اخوة‬
‫الطريقة يقتضيان عدم خمالفة امثال هؤالء االكابر وان ال يؤذي ويساء اشباه هؤالء االعزة‬
‫وقد احس يف ابطين بطريق الذوق والوجدان شيئا يكل اللسان عن تقريره و هللا مقلب‬
‫القلوب ومبدل االحوال ولعل ارابب الظاهر يستبعدون ذلك واان ال ادري ما احلال و‬
‫على اي مثال ومنوال انتهى وكتب ايضا على اوالده يف مكتوب طويل عريض ما‬
‫مضمونه ان املسودات اليت كتبتها اعرتاضا على كالم امليان الشيخ امحد سلمه هللا تعاىل‬
‫اغسلوا كلها ابملاء فان الغبار احلاصل يف اخلاطر ابلنسبة اليه قد تبدل صفاء انتهى و ال‬
‫خيفى على النبيه من هذا ان اعرتاضه اوال امنا كان مبوجب البشرية وهو كذلك فان كالم‬
‫املنكرين كله من هذا القبيل اال ان احلق سبحانه خيتص برمحته من يشاء وينجيه من هاوية‬
‫االنكار ويؤويه اىل جنة التصديق ابوليائه ونعم دار القرار ويبقى البعض على ما هو فيه‬
‫من انر االنكار وبئس القرار واختلف يف سبب رجوع الشيخ من انكاره ظاهرا قيل رأى‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف املنام وهو يوخبه على انكاره وقيل تفاءل يف حقه ابلقرآن‬
‫العظيم فخرج فان يك كاذاب فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم وقيل‬
‫خرج مرة رجال ال تلهيهم جتارة وال بيع عن ذكر هللا وقيل امنا كان اعرتاضه عليه حبسب‬
‫مكتوب جمعول عليه من طرف بعض اعدائه فلما وقف على ذلك رجع واتب واعتذر‬
‫لالمام قدس سره عما صدر فعذر وانقلب اىل الصفاء الكدر ومل يبق منه اثر وال مانع من‬
‫اجتماع كل ذلك وحيث ثبت رجوعه عن ذلك علم انه ممن ادركته العناية االهلية ابي‬
‫طريق كان (تنبيه) قد تقدم انه امر اوالده بغسل تلك املسودات والظاهر اهنم فعلوا ذلك‬
‫ومع ذلك نرى اآلن انه بقي منها بعض النقول حيث وقفنا على رسالة لبعض الفحول‬
‫ابلفارسية ردها عليه ردا بليغا كلمة كلمة وأجاب عن كل اعرتاض أبجوبة شافية جزاه هللا‬
‫سبحانه خري اجلزاء وهو موالان العالمة الشيخ وكيل امحد السكندر فوري سلمه هللا‬
‫سبحانه{ع}‪:‬‬
‫وبح بسم من اهوى ودعين من الكن‬
‫‪- 1189 -‬‬

‫وهؤالء الذين ذكرانهم اكثرهم ممن ادركوا يف اواخر عمرهم اوائل ظهور االمام قدس‬
‫سره واما الذين ادركوا زمان كمال ظهوره وابيعوه او اقتبسوا من انواره من احملققني‬
‫واملدققني فال حيصي عددهم اال هللا لو حاول شخص ذكرهم القتضى جملدات كثرية وقد‬
‫ألف ابلفارسية مناقب شت وأما هذه الوريقات فلم نقدر ان نثبت فيها اال قطرة من تلك‬
‫البحار ومن مجلة كبار مريديه السيد آدم البنوري واملري حممد نعمان البدخشي والشيخ‬
‫اتج الدين اهلندي صاحب الرسالة التاجية املذكور ترمجته يف خالصة االثر فانه صحبه‬
‫بعد وفات اخلواجه حممد الباقي ابهلل قدس سره مث أبتلى مبرض االنكار مع من أبتلوا مث‬
‫ادركته العناية االهلية السباب يطول شرحها واتب وأانب وصار ابعثا على رجوع كثري من‬
‫املنكرين وقصته مذكورة يف كتب املناقب الرابنية ولالمام قدس سره مكاتيب اليه بعضها‬
‫مندرج يف مجلة املكتوابت و بعضها غري مندرج فيها بل مسطور يف املناقب تركنا ذكره‬
‫خوف االطالة فان فيما ذكر من املكاتيب كفاية للمكتفي و هللا اهلادي (املنظرة اخلامسة)‬
‫يف ابتالء االمام قدس سره حبسد احلسدة اللئام وطعن اجلهلة كاالنعام واعرتاضات‬
‫املعرتضني من العوام الذين يعدون انفسهم من فضالء االانم وما اصابه بسبب ذلك من‬
‫االذية واآلالم اىل لقاء امللك العالم (ال خيفى) على اللبيب املتدرب اجملرب لالمور ان‬
‫الشهرة ابلفضل والكمال مع حسد االقران وطعن اجلهالة كالشخوص مع الظالل ال‬
‫يفرتقان يف غالب االحوال سنة هللا اليت قد خلت يف عباده خذ من ابينا آدم عليه السالم‬
‫وامرر بنظرك من مضى من االعالم اىل هذه االايم فهل ترى فيهم احدا مل يبتل بذلك كال‬
‫ولذلك قيل {شعر}‪:‬‬
‫ان حيسدوين فاين غري الئمهم * قبلي من الناس اهل الفضل قد حسدوا‬
‫فاحلسد من اجلهال هو عالمة وجود النعمة يف احملسود من امللك املتعال فانه لوال‬
‫النعمة ملا وجد احلسد ولذا قال االمام الغزايل رمحه هللا تعاىل واستحقر من ال حيسد وال‬
‫يقذف واستقصر من ابلكفر والضالل ال يعزف وهلل در القائل {شعر}‪:‬‬
‫وأسوأ اايم الفت يوم ال يرى * له احد يزري عليه وينكر‬
‫‪- 1190 -‬‬

‫(وقال) االمام السيوطي رمحه هللا تعاىل يف كتابه التحدث بنعمة هللا ومما انعم هللا به‬
‫على ان اقام يل عدوا يؤذيين وميزق يف عرضي ليكون يل اسوة ابالنبياء واالولياء قال‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اشد الناس بالء االنبياء مث العلماء مث الصاحلون رواه‬
‫احلاكم وقال كعب االحبار اليب موسى اخلوالين كيف جتد قومك لك قال مكرمني‬
‫مطيعني قال ما صدقتين التوراة اذا وامي هللا ما كان رجل حليم يف قوم قط اال بغوا عليه‬
‫وحسدوه رواه البيهقي مث قال واعلم انه ما كان كبري يف عصر قط اال كان له عدو من‬
‫السفلة اذ االشراف مل تزل تبتلي ابالطراف فأعداء االنبياء معروفة مث اخذ يعد من ابتلى‬
‫بشماتة االعداء من الصحابة ومن بعدهم وخمتصران هذا ال يتحمل ذكرهم ومن له ادىن‬
‫املام ابلتواريخ والرتاجم ال خيفى عليه احواهلم حت قيل ال يكون الصديق صديقا حت‬
‫يشهد سبعون صديقا ابنه زنديق (فاذا متهد ذلك) فاعلم ان لالمام الرابين قدس سره من‬
‫ذلك حظا اوف ونصيبا اوفر كيف ال فانه جمدد االلف الثاين وهل يتيسر التجديد‬
‫ابلسهولة بال تغيري هذا وانكار ذاك وتقبيح هذا وتوبيخ ذاك هيهات فان التجديد هو‬
‫تغيري االطوار واهليئات وازالة املنكرات واهلنات وتبديل السيئات ابحلسنات مع شيوع انواع‬
‫البدع واخلرافات وفشو أصناف الضاللة واجلزافات خصوصا املقلدين ابرابب التوحيد‬
‫الوجودي فاهنم كانوا انتشروا يف مجيع اآلفاق وخلعوا ربقة الشريعة عن االعناق وكانوا‬
‫ينقلون الكلمات املشعرة بظاهرها ابلتوحيد الوجودي عن اجلنيد وايب يزيد البسطامي‬
‫واضراهبما من اكابر الصوفية لتأييد مذهبهم الباطل وتروجيه بني العوام كاالنعام فكان‬
‫االمام الرابين قدس سره يرد عليهم ابشد رد ويصرح ابهنم املالحدة والزاندقة حقا‬
‫مقصودهم ابطال الشريعة الغراء ومل يبال ايضا من ختطئة اجلنيد وايب يزيد فيما اعجزه‬
‫أتويل كالمهما وتوجيهه كما ستطلع عليه يف اثناء مكاتيبه (قال) موالان شاه عبد العزيز‬
‫ابن شاه ويل هللا الدهلوي رمحهما هللا سبحانه وتعاىل وملا استوت هذه الطريقة يعين معرفة‬
‫التوحيد ونضجت وسلك بعض انقصي الفهم طريق االحلاد يف فهم كلمات عرفاء الطريقة‬
‫مبرور االزمنة واختذوا هذه املعرفة الغامضة وسيلة البطال الشريعة وتكليفاهتا وشاع مذهب‬
‫‪- 1191 -‬‬

‫بعض الشيوخ الذي كان بظاهره واضعا قدمه يف وادي االحلاد شيوعا اتما وراج بني الناس‬
‫رواجا عاما اظهر عناية احلق سبحانه حضرة الشيخ امحد السهرندي قدس سره يف الوجود‬
‫والقى اليه علوما غريبة ليكون من قبيل تعديل احلار ابلبارد والرطب ابليابس حت تستقر‬
‫وترتشح اهليئة االعتدالية يف اذهان الناس ويرتفع الباطل املمزوج ابحلق ابلكلية وهذا هو‬
‫مصداق معن اجملددية انتهى ومن كان شأنه هذا هل يسلم من اذية الناس وطعنهم فيه‬
‫وهبتهم اايه وافرتائهم عليه كما قال االمام قدس سره هذا الكالم يف بعض مكاتيبه وضم‬
‫اىل ذلك اجتماع اجلم الغفري من الفضالء والعلماء والكمالء اتركني طرقهم اليت كانوا‬
‫سالكني اايها قبل وال حاجة اىل بيان ما حيصل ملشائخهم االول لذلك من احلقد واحلسد‬
‫والضغينة يف حق االمام قدس سره فيما هنالك واخرتاع املكائد واحليل اللقائه يف املهالك‬
‫اترة ابغراء الناقصني ابنه يهني كرباء املشائخ الكرام كاجلنيد وشيخ بسطام واترة بتنفري‬
‫القاصرين ابنه ينكر التوحيد الوجودي الذي هو املتفق عليه بني املتأخريين من املشائخ‬
‫االعالم واترة ابغفال املخلصني ابنه ينكر مشائخه العظام ويدعي االصالة يف الوصول اىل‬
‫امللك العالم واترة ابنه ينوي اخلروج عن طاعة االمام اىل غري ذلك من االفرتاآت وانواع‬
‫البهتان اليت ال تصدر عن فرد من افراد اهل االسالم (اما ما) تقولوا عليه يف حق املشائخ‬
‫الكرام فهو افرتاء حمض يف حق هذا االمام فان من تتبع كالمه جيده مشحوان بتعظيمهم‬
‫غاية التعظيم ويقر بفضل االسالف العظام غري انه ملا رأى تشبث بعض املبطلني ببعض‬
‫كلمات هؤالء الكرباء كان يؤول كالمهم بتأويل حسن ويوجهه بتوجيه مستحسن واذا‬
‫اعجزه التأويل كان ينسبهم اىل اخلطأ يف الكشف ويردفه ببيان انه صدر منهم يف اوائل‬
‫حاهلم واهنم جاوزوه اىل مراتب كثرية يف هناية كماهلم وإهنم معذورون يف ذلك اخلطأ‬
‫الكشفي بل مأجورون كاخلطأ االجتهادي وهكذا قال ايضا يف مسئلة التوحيد الوجودي‬
‫ي عرف ذلك من تتبع كالمه ابالنصاف وابعد عن نفسه االعتساف فأين االهانة واين‬
‫االحتقار واين النفي واين االنكار بل امنا فعل ذلك حفظا لناموس الشريعة الغراء وصوان‬
‫لساحة هؤالء الكرباء عما كان ينسبه املبطلون اليهم ويتقولونه عليهم ونصحا هلؤالء‬
‫‪- 1192 -‬‬

‫املبطلني وغريهم ممن عساه ان يقتدي هبم يف ذلك ويتمذهب مبذهبهم الباطل فيما هنالك‬
‫فهل يعد هذا من املثالب او من اعلى املناقب واسن املطالب ولكن ملا كان ديدن ارابب‬
‫االغراض ااثرة الفنت والشرور كانوا ال يتحاشون من ارتكاب انواع البهتان واقوال الزور‬
‫ومن مل جيعل هللا له نورا فما له من نور (قال) بعض الفضالء ان أقوى سبب هيجان هذه‬
‫الفتنة هو انكار التوحيد الوجودي واثبات التوحيد الشهودي فان امساع اكثر الناس‬
‫واذهاهنم كانت مملوءة مبسئلة التوحيد الوجودي مذ اربعمائة سنة يعين من عهد الشيخ‬
‫االكرب حميي الدين ابن العريب اىل عصره قدس سره وانكار حضرة اجملدد مسئلة وحدة‬
‫الوجود ليس كانكار علماء الظاهر بل هو يصدق املقام الذي يتكلم فيه الوجودية‬
‫ويسلمه ويقول ان املقصود احلقيقي فوق هذا املقام ويثبت الغريية بني احلق واخللق على‬
‫هنج ال يكون خمال لوحدة الوجود احلقيقي املتحقق يف اخلارج احلقيقي خبالف الوجودية‬
‫فاهنم يثب تون العينية بني احلق واخللق انتهى وهذا الكالم كالم من حقق كالم االمام وظفر‬
‫بغاية املرام ومن تتبع مكتوابته املتعلقة ببيان هذه املسئلة مبتدائ من املكتوب احلادي‬
‫والثالثني من اجللد االول اىل آخر املكتوابت الشريفة يظهر له احوال االمام قدس سره يف‬
‫هذه املسئلة وغريها ظهور الشمس يف برجها (واما حديث انكار مشائخه العظام)‬
‫ودعوى الوصول بال واسطة احد اىل امللك العالم فهو ايضا من افرتاآت احلسدة اللئام‬
‫حاشاه من ذلك مث حاشا نعم قد بني يف املكتوب السابع والثمانني اسرار املريدية واملرادية‬
‫فاخذ بعض ارابب الغرض من بعض عباراته هذا الذي ادعوه عليه كذاب وهبتاان مع اقراره‬
‫فيه بوجود التوسط والوسائط يف طريقة املريدية كما ال خيفى على الناظر فيه ومن مجلة من‬
‫كاد يزل قدمه فيه الشيخ عبد احلق الدهلوي رمحه هللا تعاىل لوال ان تداركه هللا سبحانه‬
‫بلطفه كما قدمنا وقد اجاب عنه االمام قدس سره يف املكتوب احلادي والعشرين واملائة‬
‫من اجللد الثالث فراجعه ان شئت (واما مسئلة اخلروج) عن طاعة االمام فحاشا مث حاشا‬
‫من ذلك فانه قدس سره كان اول من ينصح الناس بطاعة االمام وانقياد احلكام واالتفاق‬
‫وااللتئام التام وحيذر سوء عواقب املخالفة واجملادلة واخالل االستسالم ولكن ملا كان هذا‬
‫‪- 1193 -‬‬

‫االمر من آلة العجزة من اخذ الثار واالنتقام وسريع التأثري يف بلوغ املرام للحسدة اللئام‬
‫صار االعداء يتشبثون ابذايل هذا السبب بكل وجه ممكن ومل أيلوا جهدا يف هتييج اخلاطر‬
‫ولو من رجل متمكن وقد كان اكثر اركان دولة سلطان الوقت جهانكريخان حت حرمه‬
‫والوزير االعظم من الرفضة وكان املفيت ايضا منهم وكان سهام االمام الرابين قدس سره‬
‫مفوقة حنوهم دائما وكان ال خيلو من ردهم وجتهيلهم وحتميقهم وتسفيههم دائما كما ال‬
‫خيفى على من طالع مكتوابته قدس سره زايدة على ما صنفه من الرسالة املستقلة يف‬
‫ردهم حت قيل انه ارسل هذه الرسالة اىل عبد هللا خان االوزبكي اجلنكزي اكرب خوانني‬
‫االزبك يف خبارى و أشهرهم ليعرضوها على الروافض يف بالد العجم من الصفوية وكان‬
‫كبريهم وقتئذ شاه عباس املشهور فان قبلوها فبها ونعمت واال فيجوز قتاهلم وسيب‬
‫ذراريهم ففعله عبد هللا خان املذكور واخذ اهلراة وبالد خراسان منهم بعد ان مضت من‬
‫استيالئهم عليها قريبا من مائة سنة وصار حيارهبم دائما ويسيب ذراريهم ويوصلهم اضرارا‬
‫كليا اىل آخر عمره كما هو مشهور يف التواريخ وكان ضغائن الروافض واحقادهم عليه‬
‫قدس سره هبذه االسباب مما ال ميكن وصفه حبيث لو ظفروا به ملزقوه متزيقا وكانوا ينتهزون‬
‫الفرصة لذلك وملا بلغهم ما عليه احلسدة اللئام فرحوا به واتفقوا معهم على نصب شراك‬
‫املكائد واملكاره ووشوا به اىل السلطان الذي كان قلما يفيق من السكر بواسطة مقربيه‬
‫من الروافض قائلني ابنه يدعي التفوق على الكل حت على الصديق واظهروا له املكتوب‬
‫احلادي عشر من اجللد االول من مجلة عرائضه على شيخه يف بيان ما ظهر له من الوقائع‬
‫يف اثناء سريه تصديقا لزعمهم يف دعواهم فأرسل اليه السلطان يطلبه عنده مع اوالده‬
‫واكرب خلفائه الهالكهم فأرسل اليه شاه جهان ولد السلطان املذكور واحدا من خواصه‬
‫مع املفيت عبد الرمح ن ومعهما الرواية الفقهية يف جواز سجود التحية للسالطني قائال أبنه‬
‫لو سجد للسلطان فأان متكفل خلالصه من شر السلطان وكان خملصا لالمام الرابين‬
‫وخبريا ابن االعداء امنا يظفرون ببلوغ مناهم من تركه السجود للسلطان فلم يقبله االمام‬
‫قائال ابن هذه رخصة والعزمية تركه وال ملجأ اىل هذه الرخصة خصوصا ملن يقتدي به‬
‫‪- 1194 -‬‬

‫غريه واملوت حق ال منجأ منه فرتك اوالده وأكابر اصحابه احتياطا وتوجه بنفسه مع‬
‫بعض اصحابه فلما دخلوا على السلطان سأله عن مضمون املكتوب املذكور فأجابه‬
‫جوااب مقنعا حيث مل يكن اهال لدرك احلقائق واالسرار فطاب وقته وامره ابالنصراف‬
‫مصحواب ابلسالمة فلما رأى احلساد ان قلب السلطان قد طاب وان سعيهم قد ضاع‬
‫وخاب قلبوا ظهر اجملن وقالوا للسلطان انه مستحق لالذية واحملن فانه كثري االتباع وقوي‬
‫الشوكة لو ختلص من هنا الحدث االختالل والفنت اما ترى اىل استكباره عليكم‬
‫واستخفافه بكم حيث مل يسجد سجود التحية بل وال حياكم ابلتحية العادية وكان االمام‬
‫على ما قيل مل يسلم عليه وقت دخوله لكونه سكران فاثر فيه هذه السعاية وظهر بصفة‬
‫الغضب والغواية وسلب عن نفسه حلية الرعاية وبعد ان جرى الكالم يف حقه بني أهل‬
‫اجمللس ودار امر السلطان حببسه قدس سره يف قلعة كواليار املشهورة بغاية احلصانة واملتانة‬
‫يف تلك الداير فحبس يف احملبس املذكور جناب االمام كما حيبس سواجع احلمام يف‬
‫قفص اللئام واسترتت طلعته البهية من االانم كما يسترت انوار بدر التم حبجب الغمام ويف‬
‫ذلك يقول سحبان اهلند السيد غالم علي املتخلص ابزاد {شعر}‪:‬‬
‫لقد برع االقران يف اهلند ساجع * وجدد فن العشق اي للمغرد‬
‫فال عجب ان صاده متقنص * امل تر يف االسالف قيد اجملدد‬
‫ويف هذه املعاملة هلل سبحانه حكم خفية ومصاحل جليلة فهي حمنة جلية ومنحة‬
‫جزيلة (منها) ان االمام الرابين قدس سره اطلع ابلكشف الصحيح ان وراء ما بلغه من‬
‫املقامات مقامات اخرى كثرية عالية جدا وان الوصول اليها موقوف على الرتبية اجلاللية‬
‫وقد كانت تربيتها كلها بطريق اجلمال وانه ادرك ابلكشف ايضا انه يناهلا بعد ان يرتىب‬
‫بتلك الرتبية فاخرب اصحابه يوما انه يصيبه بالء وحمنة فيما بني اخلمسني والستني ليحصل‬
‫له تلك املنحة فوقع االمر كما اخرب وانل من تلك املقامات حظا اوفر (ومنها) ان الوفا‬
‫من الكفار والوفا من الفساق والفجار احملبوسني قد تشرفوا بشرف االميان واالسالم‬
‫والتوبة اىل هللا سبحانه من مجيع املعاصي واآلاثر وصار بعضهم من الفضالء االعالم كل‬
‫‪- 1195 -‬‬

‫ذلك بربكة قدومه قدس سره يف ذاك احملبس الظالم حت قيل ان واحدا من كرباء أمراء‬
‫اهلنود اجملوس الذي كان حاضرا يف جملس السلطان وقت تشريف صاحب االيقان اسلم‬
‫يف ذلك اجمللس ملا رأى من شدة صالبة االمام قدس سره يف الدين وتعرضه للموت بعدم‬
‫املباالة بشدة غضب السلطان لتيقنه ان ذلك ال يكون اال من شدة قوة االميان واستيالء‬
‫نور االيقان وقيل ان وزير السلطان عني لتولية حراسته يف احلبس اخاه وكان من غالة‬
‫الروافض قصدا بذلك اجراء كمال الشدة ابالمام فلما رأى منه املذكور انواع الكرامة‬
‫وعدم االنزعاج وكمال الوقار بل االبتهاج التام يف ذاك احملبس اتب اىل هللا تعاىل ونفض‬
‫عن نفسه غبار الرفض وحتلى حبلية السنية وصار من مجلة احملبني واملخلصني فيا هلا من‬
‫نعمة جزيلة يف صورة نقمة جليلة وهلذا كان االمام قدس سره راضيا من السلطان وممنوان‬
‫من معاملته هذا وداعيا له ابخلري وكان بعض اصحابه يقصدون االيقاع ابلسلطان وكانوا‬
‫مقتدرين على ذ لك ولكن كان االمام مينعهم مما هنالك يف النوم واليقظة وأيمرهم ابلدعاء‬
‫للسلطان ابخلري حيث صار سببا حلصول ما كان يتمناه طول عمره ويقول ان اضرار‬
‫السلطان اضرار جبميع اخللق يعرف صدق ذلك ابملراجعة اىل مكاتيبه اليت كتبها من‬
‫احلبس اىل اوالده وخلص اصحابه وهي مندرجة يف اجللد الثالث (وقد صح) بنقل الثقات‬
‫ان شاهجان ولد السلطان جهانكري ملا خرج على ابيه بطلب السلطنة ومل يتيسر له الفتح‬
‫والظفر مع كثرة اتباعه وكون امراء ابيه معه يف الباطن شكا حاله اىل واحد من اولياء‬
‫عصره فقال ان الظفر موقوف على اتفاق اربعة من اقطاب ذلك الوقت عليه وقد إتفق‬
‫ثالثة منهم عليه دون الرابع وهو اكربهم وهو حضرة االمام اجملدد قدس سره فجاء عنده‬
‫والتمس منه الدعاء ابلفتح والظفر فمنعه االمام الرابين من خمالفة ابيه ونصحه وامره‬
‫ابلرجوع اىل موافقته وبشره بصريورة السلطنة اليه عن قريب بعد موت ابيه فقبل كالمه‬
‫ورجع عما رامه فكيف يسند احلسدة اليه اخلروج عليه قاتلهم هللا اىن يؤفكون فلما‬
‫اعتكف االمام يف القلعة املذكورة عدة من االعوام قيل ثالثة وقيل اثنان ندم السلطان عما‬
‫فعله يف هذا الشان السباب يطول شرحها فاخرجه من احلبس واكرم واحسن اليه أبنواع‬
‫‪- 1196 -‬‬

‫األحسان وصار من مجلة املخلصني واألخوان لكن أمره ابالقامة يف معسكره مدة من‬
‫الزمان مث اطلق سراحه واعاده اىل وطنه حمفوفا ابالجالل و االحرتام فعاد ابلوف من‬
‫الفتوح على ما كان فيه اوال من االحوال واملقامات اليت يعجز عن وصفها السنة االقالم‬
‫وال يدركها اال من كان له من هللا األلطاف اخلفية وانواع الفتوح فصار يصدر عنه قدس‬
‫سره من احلقائق والدقائق واملعارف واالسرار ما ال يقدر على فهمها ودركها اال اوالده‬
‫العظام وخلفاؤه الكبار فتم هبا مكاتيبه الشريفة ثالث جملدات كبار ولذلك ترى ما اندرج‬
‫يف اجللد الثالث غري الئق بكل سالك سيار بل ال بد الدراكها يف اجلملة من اكتحال‬
‫بصر البصرية بكحل العناية واالنوار بل ال بد له من امداد روحانيته قدس سره كما اقر به‬
‫املشائخ ذووا الكماالت واالستبصار و هللا اهلادي اىل سبيل الرشاد ومنه املبدأ واليه املعاد‬
‫(وامنا) اطنبنا يف بيان كيفية هذه الواقعة المرين (احدمها) ان بعض املنكرين اشاعوها بوجه‬
‫آخر خمالف للواقع فاردان اظهار حقيقة احلال (واثنيهما) اعالم ان االولياء الكبار بل‬
‫االنبياء العظام مل يزالوا مبتلني ابنواع البلية واملصائب ليتأسي هبم اولياء زماننا وصلحاؤهم‬
‫ويتسلوا ولئال يسئ عوام زماننا ظنهم ابولياء عصرهم اذا رأوهم مبتلني ابمثال هذه البلية‬
‫وهذا اراه من اللوازم ملن يشتغل بنشر مناقب الصاحلني واكثر الناس امهلوه بل كتبوا‬
‫اوصافهم امللكية دون لوازمهم البشرية فظن العوام اهنم منسلخون منها ابلكلية فتعلقت هبم‬
‫حمبتهم التامة مث نظروا اىل من اشتهروا يف عصرهم ابلصالح والتقوى والوالية فوجدوهم‬
‫متلبسني ابللوازم البشرية فساء ظنهم هبم فتضرروا ضررا كليا حيث حرموا من بركاهتم بل‬
‫صاروا يف مقام الطعن فيهم وقدحهم وذمهم ومل يدروا ان االسالف ايضا كانوا كذلك ما‬
‫داموا يف الدنيا ومل يشعروا ان هذه اللوازم البشرية هي القباب االهلية املذكورة يف احلديث‬
‫القدسي اوليائي حتت قبايب ال يعرفهم غريي كما قال االمام الرابين قدس سره ومن هذا‬
‫القبيل صدور بعض الزلة من بعض املشهورين ابلصالح والوالية فاهنا رمبا تكون يف حقه‬
‫سببا لرتقيه كما بسط هذا الشيخ حميي الدين ابن عريب قدس سره يف موضع من فتوحاته‬
‫قال يف احلكم معصية اورثت ذال وافتقارا خري من طاعة اورثت عزا واستكبارا فاعلم ذلك‬
‫‪- 1197 -‬‬

‫وظن خريا ابولياء هللا وال تسئ الظن هبم بسبب ما صدر عنهم احياان من الزلة بناء على‬
‫حكم ومصاحل واعتقداهنم غري معصومني و هللا سبحانه يتوىل هداك (وملا) انل االمام‬
‫قدس سره من هللا ما أم له وبلغ ما أمله وبلغ الكتاب اجله انداه منادي احلق فاجاب‬
‫النداء وانضم ابلرفيق االعلى والتحق وكان ذلك يوم الثالاثء الثامن والعشرين من صفر‬
‫سنة اربع وثالثني والف ودفن يف مقربة سهرند روح هللا تعاىل روحه ونور ضرحيه ونفعنا‬
‫بربكة انفاسه الشريفة وحمبته املنيفة ورزقنا من شفاعته وحشران حتت لوائه مع حمبيهم‬
‫ومجاعتهم آمني وأتريخ وفاته رفيع املراتب وهذا الرابعي ايضا على سبيل التعمية‬
‫{رابعي}‪:‬‬
‫آنك خبموشى سخن آموخت مرا * ات رفت بدامان عزا دوخت مرا‬
‫ميجست بگريه دل ز سال سفرش * ابر آمد وگفتا غم دل سوخت مرا‬
‫(املنظرة السادسة يف بيان من انكره بعد فوته ومن مدحه واثن عليه اعلم) ان‬
‫الناس كما كانوا يف حقه فرقتني يف حياته بسبب اختالف املشارب واالغراض واملقاصد‬
‫كذلك افرتقوا يف حقه بعد فوته ايضا على هاتني الفرقتني لالسباب املذكورة فمن مبغض‬
‫قادح وحمب مادح وان كان بني الفريقني بوان بعيدا ابن كان االول شقيا والثاين سعيدا‬
‫فهذا يف اجلنة وذاك يف السعري (قال) الشيخ ويل هللا الدهلوي ولقد جرت على االمام‬
‫قدس سره سنة هللا تعاىل وعادته يف انبيائه من قبل ابيذاء الظلمة واملبتدعني وانكار‬
‫الفقهاء املتقشفني وذلك ليزيد هللا يف درجاته ويلحق به احلسنات من بعد وفاته اىل ان‬
‫قال واب جلملة قد بلغ امره اىل ان ال حيبه اال مؤمن تقي وال يبغضه اال فاجر شقي فال‬
‫حاجة لنا اىل الذب والدفع عن االمام اهلمام رضي هللا عنه وال اىل اقامة الدالئل العقلية‬
‫والنقلية على جواز ما ادعاه انتهى أبدىن تغيري يعين ان حقيقة ما عليه االمام قدس سره‬
‫ظاهرة وبينة وبطال ن ما عليه اخلصم وال شيئيته ايضا جلية ومستبينة وانوار معارف االمام‬
‫منتشرة ومنبسطة يف مجيع اآلفاق واالقطار ال يقدر اخلصم العنيد على سرتها بغيوم‬
‫اجلحود واالنكار بل كان انكارهم سببا لشدة ظهور ذلك النور وزايدة االنتشار وهلل در‬
‫‪- 1198 -‬‬

‫من قال {شعر}‪:‬‬


‫واذا اراد هللا نشر فضيلة * طويت ااتح هلا لسان حسود‬
‫فان املنكر كلما اظهر شيئا من سم االنكار واالعرتاض على معارفه السامية أظهر‬
‫احملبون ترايق أجوبة متعددة وأستشهدوا هلا بشواهد كثرية شافية حت بلغت عدد الرسائل‬
‫املصنفة من طرف احملبني سبعني رسالة بل زاد على ذلك وأجل ما صنف يف هذا الباب‬
‫رسالة عطية الوهاب الفاصلة بني اخلطأ والصواب للشيخ حممد بك االوزبكي املكي أفاد‬
‫فيها كل االفادة وأجاد غاية االجادة حبيث انه هدم بنيان أابطيلهم من االساس وارسل‬
‫اليهم ااببيل الرد ومل يرتك هلم جمال رفع الرأس صنفها ردا لرسالة بعض املعاندين يف ذاك‬
‫العصر وق رضها اساطني علماء ذلك الدهر حت امنحي انكار املنكرين واضمحل عناد‬
‫املعاندين وأان تركت اثبات الرسالة املذكورة يف هذا احملل فان غرضنا اآلن ذكر من مدح‬
‫االمام ومعارفه ال اجلواب ورد أهل الشنآن وتركت ذكر أسامي املنكرين ونقل أقواهلم عمال‬
‫بقوله صلى هللا عليهه و سلم اذكروا حماسن مواتكم وكفوا عن مساويهم ولعلهم اتبوا‬
‫وأانبوا واتب هللا على من اتب ومن اصر فقد خاب ورجع خبفي حنني وآب ومن تصدى‬
‫الظهار االنكار فاشبال االمام املعنوية موجودون يف كل غاب حاضرون لالنتصار بكمال‬
‫النشاط والرتحاب اال أين اثبت هنا تقاريظ العلماء املذكورين لكوهنا مشتملة على فوائد‬
‫مجة وعوائد مهمة تنكشف هبا كل مشكلة مدهلمة ولكون ارابهبا من فضالء ذلك العصر‬
‫وكمالء ذاك الدهر يوقف عند اقواهلم ويقتدى ابفعاهلم (فمنها) تقريظ شيخ االسالم املفيت‬
‫ببلد هللا احلرام موالان املرحوم املربور االمام العالمة عبد هللا عتاقي زاده رزقه هللا احلسن‬
‫وزايده (قال) رمحه هللا تعاىل بسم هللا الرمحن الرحيم احلمد هلل رب العاملني رب زدين علما‬
‫احلمد هلل املانح للصواب واملوفق لالصابة يف اجلواب ونشكره ان برأان من االغراض وطهر‬
‫قلوبنا من نكتة الران واكنة االمراض ونشهد ان ال اله اال هللا اهلادي واملنعم مبا يرضيه‬
‫ونشهد ان سيدان وموالان حممدا صلّى هللا عليه و سلّم عبده ورسوله القائل من حسن‬
‫اسالم املرء تركه ما ال يعنيه ونصلي ونسلم عليه و على آله واصحابه اآلمرين ابملعروف‬
‫‪- 1199 -‬‬

‫والناهني عن املنكر صالة وسالما دائمني ما تكررت العشااي والبكر (اما بعد) فقد‬
‫اخربين اجلم الغفري الثقات والبالغون حد التواتر مقبولوا الرواايت ابن اوالد الشيخ امحد‬
‫الفاروقي السرهندي النقشبندي ومريديهم املوجودين اآلن سالكون مناهج الشريعة‬
‫املستقيمة مالزمون الطاعة واجلماعة على الطريق احلنفية السهلة القومية واهنم اخذوا‬
‫الطريقة املذكورة عن والدهم املذكور وليس فيها ما خيالف الشريعة الغراء ويوقع يف حمذور‬
‫وهذا مما ال مرية فيه وال ريب النين احطت علما آبداب الطريقة النقشبندية واخذهتا عن‬
‫مجاعة زهاد اجالء عظماء واذا تقرر هذا فليعلم ان للشيخ امحد مكتوابت واقعة ابللغات‬
‫الفارسية مبنية على قواعد السادات الصوفية ابصطالحاهتم املرضية بل له رضي هللا عنه‬
‫اصطالحات خاصة رضية وال مشاحة فيها وقد تصدى بعض مبغضي الطريقة النقشبندية‬
‫والشيخ املذكور وعرب بعض مواضع من املكتوابت وحرف وغال مبا يوجب القيل والقال‬
‫وصدره ابلسؤال وطلب مين الكتابة عليه قبل كل فامتنعت تدينا وقد احل عل ّي مرارا كثرية‬
‫فاجبته ابحلديث السابق من خري اسالم املرء ترك ما ال يعنيه مث زاد يف اللجاج و قال‬
‫اسأل عمن سب ونقص و ذكركال ما ال يستطاع ذكره على لسان مسلم ولو حكاية‬
‫فحينئذ اجبته شفاها ابللسان مبا هو مقرر عند ادىن الطلبة ويف مجيع الكتب يف ابب‬
‫الردة وطلب الكتابة ايضا من مجاعة علماء اتقياء حنفية وشافعية فلم يوافقوه على ذلك‬
‫بل اجابوه ابحلق املخالف هلواه وكتب عليه شخص من الفضالء اخذا بظاهر الفاظ‬
‫التعريب احملرف مع امكان التأويل ووافقه مجاعة ممن ال يعبأ هبم وزاد بعض جهال يف‬
‫اهلذرمة وطغى وبعضهم نقش ما رسم له فحاكاه كالبغبغاوليته ان كتب فهم وهل يفهم‬
‫ولو ظفر بكتابة املوافق اجلاهل املتعنت ال جرى عليه مقتضى لفظه شرعا ان مل ينكره النه‬
‫عرض ابلعماء االجالء الذين ال يصلح ان يكون تلميذ هلم فعليه من هللا ما يستحقه وقد‬
‫اعتذر عنهما بعض العلماء االجالء يف تعريضه ولوال عنه وجهل االول وجهل الثاين‬
‫حلكمنا بكفرمها ولكن ملا كان هلما نوع عذر ابعتبار ان العوام ال يكلفون اال مبعرفة‬
‫املسائل اجللية دون املسائل اخلفية هذه املسئلة من املسائل اليت ختفى على مثلهما من‬
‫‪- 1200 -‬‬

‫العوام اعرضنا عن احلكم بذلك ولكن مثل هذين اجلاهلني ينبغي أتديبهما وزجرمها عن‬
‫اخلوض فيما ال وصول الذهاهنما اليه انتهى فما احسن هذا االعتذار الدال على جهلهما‬
‫املبني حلاهلما وما للكاتب من االعتذار و هلل دره ومع هذا فقد حموا ما كتباه وانكراه بغاية‬
‫الذلة واالستغفار ويكفيهما ذلك خزاي وتعزيرا يف سائر االعصار قال علماؤان انكار الكفر‬
‫ت وبة وقد رد بعض االفاضل على هذا املعرب املتبع هلواه احملرف لكالم الشيخ ابلتعريب‬
‫ومزجه ابلدسائس وزيف كالمه وكالم من يعد فاضال وسرد كالم الشيخ املذكور بلفظه‬
‫الفارسي وعربه ابلواقع فاطال وحسن التأويل واملقال وقرظ عليه مجاعة علماء اجالء‬
‫واالحرى ترك التعريب احملتاج اىل التأويل الن لبعض االلفاظ اذا وقعت فارسية حكما واذا‬
‫وقعت عربية حكما آخر قاله علماؤان يف اماكن متعددة من كتب الفتاوى ذكر عالمة‬
‫املذهب قاضيخان يف فتاواه املشهورة يف الشروط املفسدة للبيع رجل اشرتى شيئا على ان‬
‫حيمله البائع اىل منزل املشرتي ان قال ذلك ابلعربية ال جيوز وان قاله ابلفارسية جاز الن‬
‫العربية تفرق بني احلمل وااليفاء والفارسية ال تفرق ويكون احلمل مبنزلة االيفاء انتهى‬
‫واحلاصل ان الفاظ املكتوابت الصادرة من الشيخ ابللغة الفارسية ابصطالح القوم‬
‫ولساهنم حيث كانت ساملة عن وصمة قائلها شرعا وال حمذور فيها ولو بوجه ضعيف ال‬
‫يلتفت اىل التعريب املخل احملتاج اىل التأويل بل يرتك كالم املتكلم بلفظه عربيا او فارسيا‬
‫اخلايل عن التعريب ملوافقة الشرع الشريف كما اخربين من تقدم وال نتكلف لتعريبها وان مل‬
‫يتغري معناها ومدلوهلا فكيف مع التغيري املوقع يف حمذور لو فرض وال يقدح يف الشيخ‬
‫تعريب ذلك املتعنت مع براءته كما ذكر وليت شعري اي حاجة داعية اىل التعريب لنكفر‬
‫به مسلما ما هذا اال جرأة وافرتاء بال مراء فان تكفري املسلم امر عظيم قال يف البحر انقال‬
‫عن الفتاوى الصغرى الكفر شئ عظيم فال اجعل املؤمن كافرا مت وجدت رواية انه ال‬
‫يكفر انتهى مث قال فيه قال يف اخلالصة اذا كان يف املسئلة وجوه توجب الكفر ووجه‬
‫واحد مينع التكفري فعلى املفيت ان مييل اىل الوجه الذي مينع التكفري حتسينا للظن ابملسلم‬
‫انتهى مث قال والذي حيرر ان ال يفت بتكفري مسلم امكن محل كالمه على حممل حسن‬
‫‪- 1201 -‬‬

‫او كان يف كفره اختالف ولو رواية ضعيفة وهذا الذي ادين هللا به واعتقده مث ان الفقري‬
‫يف شغل شاغل من مثل هذه اخلرافات والكتابة عليها والتقريظ واملوافقة ابلواقعات اليومية‬
‫املتعني على بياهنا ابمر الدولة العلية ادامها هللا تعاىل وادام احساهنا على سائر الربية وامنا‬
‫اخربين من تقدم ذكره ان ما وقع من التعريب والتحريف والكتابة عليه واملوافقة لو ظهر‬
‫واصغى اليه مسع اهل العناد القام الفتنة النائمة الداعية اىل الفساد وختريب البالد واضرار‬
‫املسلمني والعارفني والعباد والعلماء والزهاد واملشائخ االجماد وطلب مين كتابة ما تيسر‬
‫لدفع هذه املضار العديدة أبلفاظ وجيزة مفيدة فوجبت عل ّي يعين الكتابة وسطرت ما‬
‫ذكر حلقن الدماء واالنتصار للعلماء والصلحاء واملشائخ االتقياء و هللا سبحانه نسأل ان‬
‫يوفقنا ملا حيبه ويرضا ه ويصون لساننا وقلمنا عن اضرار الناس وال جيعلنا ممن يطيع هواه‬
‫قال ذلك الفقري اىل هللا تعاىل عبد هللا عتاقي زاده احلنفي القائم خبدمة الفتوى ابم القرى‬
‫مكة املشرفة عفي عنهما مبنه وبكرمه حامدا مصليا مكربا مهلال مت (قوله) االحرى ترك‬
‫التعريب اخل (قلت) هذا اذا كان لغرض نفساين ابلتحريف اما اذا كان لغرض صحيح‬
‫ساملا عن التحريف فال مانع من ذلك وبه جرت عادة العلماء قدميا وحديثا و هللا يعلم‬
‫املفسد من املصلح وهو أعلم بكل شئ (ومنها) تقريظ العالمة الشيخ حسن ابن الشيخ‬
‫حممد مراد التونسي املكي وهو مقدار كراسة مساء ابلعرف الندي يف نصرة الشيخ امحد‬
‫السهرندي قد ادرج فيه عوارف املعارف وضمنه لطائف املنن ومنن اللطائف وهو حري‬
‫ابن يقال انه من الفتوحات املكية او من االهلامات امللكية قال رمحه هللا تعاىل {ب ْسم هللا‬
‫الرحيم} وبه العون احلمد هلل الذي اوضح الحبابه سبل اهلداايت * وفتح هلم ابب‬ ‫الرمحَن َّ‬
‫َّ‬
‫الفهم عنه بسابق العناايت * وعصمهم من طريق اهلوى وطروق الغفالت والغواايت *‬
‫وخصهم بتشريف املكاملات ولطيف االشارات * والصالة والسالم على سيدان حممد‬
‫رسول من فطر االرض والسموات * اىل كافة اخللق ابلدالالت * الواضحة واآلايت‬
‫البينات * (وبعد) فاين قد كنت وقفت على سؤال ورد من مجاعة من اهلند مضمونه ما‬
‫قول العلماء يف حق امحد السرهندي الكابلي القائل كذا وكذا ابلفاظ كثرية مسطورة يف‬
‫‪- 1202 -‬‬

‫السؤال مدعني اهنا نقلت من كتابه املشهور وقد كتب عليه اذ ذاك مجاعة قائلون بكفره‬
‫ايل وما قدر‬
‫اغرتارا بظاهر بعض االلفاظ ولغري ذلك فلما أتملته ظهر يل حبسب ما وصل ّ‬
‫يل اذ ذاك من الفهم ان بعض عباراته ال يصدر اال من عارف وإن بعضها غريب يف تلك‬
‫املنازل ال يصدر اال من جمازف بل بعضها يؤدي اىل الكفر ال حمالة فلذلك امتنعت من‬
‫الكتابة بعد االحلاح عل ّي يف طلبها ومحدت هللا سبحانه على ذلك اىل ان اراد هللا سبحانه‬
‫وتعاىل اظهار احلق واحماق الباطل فحرك لذلك عاملا يقال الشيخ حممد بك فكتب رسالة‬
‫ميز ف يها ألفاظ الشيخ املذكور رمحة هللا عليه عن غريها وبني ان كتابه امنا هو ابلفاظ‬
‫فارسية وان فيما عرب منها يف السؤال تغيريا ابلزايدة والنقصان وتبديل بعض االلفاظ‬
‫ابملكر والطغيان ونقل عبارات الشيخ ابعياهنا من الكتاب املذكور اعانة ملن طلب الوقوف‬
‫عليها واظهارا ملا هو الصواب وتربعا ابجلواب عما اشكل ظاهره منها اذ مل يكن ذلك‬
‫ايل الكتب عليها‬
‫واجبا عليه وال مندواب كما ستقف عليه ان شاء هللا تعاىل مث ارسل هبا ّ‬
‫وقد كتب عليها وحيد دهره وفريد عصره شيخنا وبركتنا الشيخ امحد البشبيشي ادام هللا‬
‫تعاىل النفع به وفسح لنا يف مدته آمني فاعتذرت اليه مرارا ورمت بذلك فرارا فزاد االحلاح‬
‫وتقوى االقرتاح فالزمت نفسي العمل مبقتضى قوله {شعر}‪:‬‬
‫ما ال يكون فال يكون حبيلة * ابدا و ما هو كائن سيكون‬
‫سبق القضاء مبا يكون بعلمه * سيان منك حترك وسكون‬
‫فالح اجلواب وتيسرت االسباب فشرعت مستعينا ابمللك الوهاب راجيا منه‬
‫احلماية واصابة الصواب فقلت وابهلل سبحانه التوفيق قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫قد أجاركم هللا من ثالث خالل ان ال يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا مجيعا وان ال يظهر‬
‫اهل الباطل على اهل احلق وان ال جتتمعوا على ضاللة رواه ابو داود مث قلت النفوس‬
‫مفطورة على حب احلق فهو مقصدها يف مجيع احنائها ال تسكن اال لديه وال تركن اال‬
‫اليه وله تفيض االعني وتتحرك القلوب وااللسن ولوال حيول بينه وبينها من آاثر الرعوانت‬
‫وشدة ميلها اىل الشهوات ملا انفكت عنه وقتا من االوقات فلذلك قوي الرجاء يف الرجوع‬
‫‪- 1203 -‬‬

‫اليه ووقوع االتفاق عليه وحينئذ فال خيفى على كل لبيب يقظ ان الشيخ امحد السرهندي‬
‫الكابلي ويل من اولياء هللا تعاىل وله قدم راسخ مبحافظته على الشريعة ومناظرته اهل‬
‫احلقيقة والدليل على ذلك اما حمافظته فلما شاع وذاع من شهرة علمه ابنتشار تالمذته‬
‫وتالمذة تالمذته واوالده وحفدته كلهم علماء ومنهم من بلغ درجة االكابر حت عزله‬
‫النظري يف غالب البالد كاسالمبول وما وراء النهر ومصر وغريها وقد وفد منهم مجاعة اىل‬
‫احلرمني الشريفني ممن بلغ مكة منهم العامل املشهور الشيخ فرخ قد كثر متابع له هبا اىل‬
‫اآلن فانه كان املرجع هبا ومنهم قطب اوانه وامنوذج زمانه شيخنا وبركتنا الشيخ حممد‬
‫قاسم الالهوري قدس سره وروح ضرحيه آمني قرأت اان ورفيق يل عليه يف املطول واخربان‬
‫انه ختمه تدريسا نيفا وستني مرة ومنهم الشيخ املتفنن حممد النقشبند نزيل عني الزمان‬
‫مددان وبركتنا شيخا الشيخ حممد بن سليمان كان يعظمه ويكرمه غاية االكرام وما ذاك‬
‫اال رعاية ملقام الشيخ امحد رمحه هللا ابكرام كل من ينتسب اليه ملا عنده من زايدة العلم‬
‫بكمال فضله وحتقق مقامه مبقتضى ال يعرف الفضل اال ذووه ومنهم العالمة الشيخ حممد‬
‫مراد ذكر انه اآلن ب سالمبول يدرس هبا وانه ذو اتباع ومنهم الشيخ احملقق العارف ابهلل‬
‫تع اىل الشيخ بدر الدين ومنهم العالمة الشيخ يوسف الدين ومنهم الويل العارف ابهلل‬
‫تعاىل الشيخ حممد معصوم ذكر يل بعض االخوان من مدرسي مكة املشرفة من ابناء الروم‬
‫انه اجتمع هبؤالء الثالثة وكان كثريا ما يذكر الشيخ بدر الدين ويقول ما رأيت يف زماننا‬
‫هذا مثله يف كثرة علمه وعمله ومداومته على الذكر وأما الدليل على مناظرته الهل‬
‫احلقيقة فان من له ادىن فهم يدرك ان عبارات كتابه اهلنا هللا سبحانه وتعاىل بفهمها‬
‫وجعلنا من طالبه ليست جارية على اصطالح الفقهاء الهنا ال تصدر اال عن ارابب‬
‫االحوال فهي دالة على انه من اهل احلقيقة عند من بصره هللا تعاىل الن الكالم صفة‬
‫املتكلم وقد قالوا اعرف الرجال ابحلق وال تعرف احلق ابلرجال وقال الشيخ زروق رمحه هللا‬
‫تعاىل يف شرحه حلزب الشاذيل رمحه هلل تعاىل واعلم ان الكالم صفة املتكلم و مآقيك‬
‫اظهر على فيك اىل ان قال وابجلملة ان احزاب املشائخ صفة احواهلم ونكتة مقاهلم‬
‫‪- 1204 -‬‬

‫ومرياث علومهم واعماهلم وبذلك جروا يف كل امورهم ال ابهلوي يعين ان مجيع اقواهلم‬
‫وافعاهلم ليست مقصودة هلم بنوع تكلف او نوع تصرف كما يدل عليه كالم الشيخ‬
‫القشريي اآليت بل مجيع ما يقع منهم من احلركات والسكنات تصدر عنهم حبسب‬
‫احواهلم فهي آاثرها الدال ة عليها ال حمالة فظهر هبذا ملن ثبته هللا تعاىل ونور بصريته ان‬
‫سيدي الشيخ امحد رمحه هللا تعاىل اثبت القدم فيما تقدم على ان مجاعة منهم مل يصنفوا‬
‫كتااب حرصا على امتثال ما كلفوا به من كتمان هذه العلوم كما سيأيت انشاء هللا تعاىل‬
‫قال ابن عطاء رمحه هللا تعاىل يف لطائف املنن كان ابو احلسن الشاذيل رمحه هللا تعاىل مل‬
‫يصنع كتااب وكذلك شيخنا ابو العباس رمحه هللا مل يصنع يف هذا الشان شيئا والسبب يف‬
‫ذلك ان علوم هذه الطريقة علوم التحقيق وهي ال تتحملها عقول عموم اخللق ولقد‬
‫مسعت شيخنا ااب العباس يقول مجيع ما يف كتب القوم عبارات يف سواحل من حبر‬
‫التحقيق انتهى املراد قوله يف سواحل اخل كناية عن بعدها عن افهام اهل الظاهر ملا‬
‫يقصدونه من استعمال الفاظ خاصة هبم جمملة واملعاين ملشكلة الظواهر حتاميا عن الظهور‬
‫املوجب لوقوع اخلالف منهم فلهذا جيد من صنف منهم كتااب ابلغ يف كتمان معانيه حبيث‬
‫ال يستعمل شيئا مما استعمله غريه من املعاين اال على طريق االنفاق وحينئذ التمييز بني‬
‫اصطالح الفقهاء واصطالحهم ال يكاد خيفى على احد فنعلم حينئذ ان كتاب العارف‬
‫ابهلل تعاىل الشيخ امحد رمحه هللا تعاىل وامدان مبدده امنا هو يف علوم احلقيقة وانه جار على‬
‫اصطالح القوم ودال على كمال احواله وعلو مقامه بال ريب هذا واين ادين هللا سبحانه‬
‫وتعاىل بذلك ومبا عن شيخنا الشيخ حممد بن سليمان نفعنا هللا تعاىل به من ان الشيخ‬
‫امحد رمحه هللا تعاىل جمدد طريق القوم وكفى هبذا االستشهاد ملن وفقه هللا تعاىل للتسليم‬
‫وحسن االعتقاد وحيث ثبت ما له من املقام فال يلتفت ملن اراد نفيه عنه قال الشيخ‬
‫زروق رمحه هللا تعاىل يف الشرح فان قلت قد تكلم بعض الناس يف الشيخ ابن سبعني‬
‫كالما فاحشا يوجب عدم اعتباره فكيف يلتفت اىل علومه واذكاره قلت ال يقبل قول إال‬
‫بربهان وال يؤخذ شئ اال بتبيان وقد ثبت كونه من اهل العلم والعرفان ونقل كونه من‬
‫‪- 1205 -‬‬

‫اصحاب احلقايق واالحوال بل حقق ذلك مجاعة ممن اتى بعده من الرجال فال يلتفت اىل‬
‫انكار املنكر يف اسقاط مرتبته وكذا من كان على طريقه فلئن كان للعلم حرمة فللعلماء‬
‫ايضا حرمة واملوفق يلتمس املعاذير واملنافق يتبع العيوب بل حيدث هبا بغري حق وال اجهل‬
‫ممن يتعصب ابلباطل ومنكر ملا هو به جاهل فانظر وفقك هللا تعاىل وأتمل يف عبارة‬
‫الشيخ زروق رح وما فيها من الفوائد النورانية حيث رد قول اجملرح بعدم البيان مث عارضه‬
‫مبجرد ثبوت صفة العلم له مث اثبت له كونه من اصحاب احلقائق واالحوال مبجرد النقل مث‬
‫ح قق له ذلك مبن بعده من الرجال حيث ذكروه بذلك من غري تعرض لطول املدة‬
‫وقصرها مث اكد الرد بقوله فال يلتفت اخل مث اشار اىل حكمه على مقتضى الشرع وانه ال‬
‫خصوصية له بقوله وكذا من كان على طريقته مث التفت اىل تعظيم جانب العلماء مبجرد‬
‫كوهنم علماء للتحريض على ذلك كما قابل ذلك بذم املنكر والتشديد عليه جبعله‬
‫كاملنافق ومقابلة فعله بفعله املوافق مث ذم التعصب ووصف صاحبه وذا جلهل املركب‬
‫بكوهنما ال اجهل منهما فاذا علمت هذا فتأمل ايضا يف اكتفاء الشيخ رح يف الرد مبجرد‬
‫ثبوت صفة العلم فكيف مبن منحه هللا تعاىل فضيلة انتشاره يف البالد زايدة على ذلك مث‬
‫يف التفاته رح لثبوت كونه من اصحاب احلقائق واالحوال مبجرد النقل فكيف مبن كتبت‬
‫يف مناقبه اجمللدات واثبتت له فيها انواع الكرامات وشهد له بذلك انتشار اآلاثر الدالة‬
‫على اتصافه بذلك اي االنتشار فاين قد رأيت مناقبه يف جملد ضخم واخربت بثانية منها‬
‫للشيخ حممد هاشم الكشمي وقد كتب سيد علماء اهلند جامع املعقول واملنقول املال عبد‬
‫احلكيم السيالكويت ما لفظه ان التكلم على كالم الوارث للطريقة احملمدية الشيخ امحد‬
‫السرهندي جهل وسفه وداللة على عدم الوقوف على اصطالحات الصوفية اىل آخر ما‬
‫اطاله رمحه هللا تعاىل وقد وضع على هذا اخلط ختمه و هو اآلن بيد اوالد الشيخ رمحه هللا‬
‫تعاىل والذي نعلم اآلن من نسخ كتابه املشهور يف احلرمني الشريفني ثالث نسخ نسخة‬
‫اتمة ثالث جملدات ابملدينة املنورة ونسختان خمرومتان مبكة املشرفة مث يف اكتفائه رح‬
‫مبجرد ذكر مجاعة بعده فكيف مبن مضى عليه زمان طويل بعد ذلك فان عمر الشيخ‬
‫‪- 1206 -‬‬

‫امحد نور هللا ضرحيه نيف وستون سنة ومذ تويف اىل اآلن حنو ستني سنة فهذه حنو مائة و‬
‫مخس عشرة سنة ابعتبار اسقاط مدة بدايته على ان كثريا من اولياء هللا حمفوظون من‬
‫وقت الرضاع يف بطون امهاهتم فعليه فهي حنو مائة وعشرين سنة فكيف فيه التجريح بعد‬
‫هذه املدة وبعد ما ثبت له من االشتهار املتصل مبن ذكر من كتابه واوالده وتالمذته اىل‬
‫يومنا هذا فهل خيفى على احد ان هذا االّ ابب اظهار الفساد نسأل هللا العظيم يف درئه‬
‫ورد كيد قاصده يف حنره مث هل هذا السؤال اال مزلة ومغلطة الهل احلرمني الشريفني حيث‬
‫مل يذكروا فيه الشيخ رمحه هللا معرفا أبوصافه بل ذكروه جمهوال خصوصا مع ما احدثوا فيه‬
‫من التغيري والزايدة والنقصان وهل هذا اال هوى للنفس واتباع للشيطان اما خيشى فاعلوه‬
‫من تعجيل عقوبة هللا تعاىل غرية منه عليه اما يعتقدون املوقف والفضيحة بني يديه وما‬
‫احسن ما قيل {شعر}‪:‬‬
‫تذكر يوم أتيت هللا فراد * وقد نصبت موازين القضاء‬
‫وهتكت الستور عن املعاصي * وجاء الذنب مكشوف الغطاء‬
‫واحسن منه وابلغ منه واسرع رشقا يف النحور قول من جيمع الناس ليوم ال ريب‬
‫فيه واليه النشور يعلم ما يف السموات واالرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون و هللا عليم‬
‫بذات الصدور لعمر هللا اهنم لفي امر ال ينادي وليده وال يفارق عنيده وكاين هبم وقد‬
‫انعكس عليهم االمر أفأمنوا مكر هللا وصروف الدهر كيف وهو كما قيل {شعر}‪:‬‬
‫سرور الدهر مقرون حبزن * فكن منه على وجل شديد‬
‫ففي ميناه كأس من جلني * ويف يسراه قيد من حديد‬
‫نعوذ اب هلل من مكر هللا نعوذ ابهلل من مقت هللا نعوذ ابهلل من سخط هللا وال خيفى‬
‫ان كالم الشيخ امحد اسكنه هللا تعاىل يف حظرية قدسه ومتعه مبوارد انسه ليس جاراي على‬
‫ظاهره كما تقدم وال جيوز له استعمال االلفاظ الظاهرة املعاين حيث كان يف هذا العلم‬
‫لوجوب كتمانه قال يف روضة املريدين قال جعفر بن حممد الصادق رضي هللا تعاىل عنهما‬
‫هنينا عن اظهار هذا العلم لغري اهله كما هنينا عن الزان وال اقامة لدين هللا تعاىل اال هبذا‬
‫‪- 1207 -‬‬

‫العلم وقال ان هللا عز وجل فضح من ابح بسره وعلمه اىل غري اهله وعن ايب هريرة رضي‬
‫هللا عنه قال حفظت عن رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وعائني فاما احدمها فبثثته فيكم‬
‫واما اآلخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم وعن ابن عباس رضي هللا عنهما انه قال اين العلم‬
‫يف قوله تعاىل يتنزل االمر بينهن لو قلت لكفرمتوين وعن عل ّي رضي هللا عنه قال ان بني‬
‫جنيب علما لو قلته خلضبتم هذه من هذه ارادوا رضي هللا عنهم بذلك العلوم علوم احلقيقة‬
‫كما صرح بذلك فأهل التمكني ال يظهرون معاين الفاظهم الن مجيعها متعلق ابهلل تعاىل‬
‫فهي اسرار بينهم وبينه وهلذا كان خطأ احلالج واابحة دمه من حيث اظهاره ما يكتم‬
‫واعالنه مبا يسر كما يف حل الرموز وفيه ما كل قلب يصلح للسر وال كل صدف ينطبق‬
‫على الدر وقيل اليب يزيد رح ما لنا ال نفهم كثريا ما تقول قال الن كالم االخرس ال‬
‫يفهمه غري امه (قال) الشيخ القشريي رمحه هللا يف الرسالة وهذه الطائفة يستعملون الفاظا‬
‫فيما بينهم قصدوا هبا الكشف عن معانيهم النفسهم بعضهم من بعض واالمجال والسرت‬
‫ع لى من ابينهم يف طريقتهم لتكون معاين الفاظهم مشتبهة على االجانب غرية منهم على‬
‫اسرارهم ان تشيع يف غري اهلها اذ ليست حقائقهم جمموعة بنوع تكلف او جملوبة بضرب‬
‫تصرف بل هي معاين اودعها هللا تعاىل يف قلوب قوم واستخلص حلقائقها اسرار قوم‬
‫ويقولون االسرار معتقة عن رق االغيار ويطلق السر على ما يكون مصوان بني العبد‬
‫واحلق سبحانه وتعاىل من االحوال وعليه حيمل قول من قال اسراران بك مل يفتضهن وهم‬
‫واهم انتهى ملخصا فمن علم ان قصدهم كتمان السر واالمجال والسرت وان ظاهر اللفظ‬
‫غري مراد هلم ال يعرتضهم قطعا فاملعرتض على ويل هللا سبحانه وتعاىل الشيخ امحد رح‬
‫ابعتياده مرتكب ما ال حيل غري عامل مبقاصدهم هذا وقد تلقت العلماء رضي هللا عنهم‬
‫ونفعنا هبم خلفا عن سلف اقوال هذه الطائفة من غري التفات منهم اىل اشكال ظواهرها‬
‫مع علمهم حبقائقها وما تقتضيه من االحتاد واحللول والتجسيم وغريها لعلمهم ابستحالة‬
‫كون شئ من ذلك مقصودا هلم وهو معن قول الشيخ زروق رح فلذلك قبل كالمهم اي‬
‫على ما هو عليه وان كان مشكال فاذا النظر اىل كمال احواهلم ال اىل ظواهر اقواهلم وهذا‬
‫‪- 1208 -‬‬

‫كتاب كمال اهل الطريقة ومعدن احلقيقة الشيخ ابراهيم بن عبد الكرمي اجليلي قدس سره‬
‫ونور ضرحيه املسمى ابالنسان الكامل وسائر مؤلفاته ومؤلفات العارف ابهلل تعاىل الشيخ‬
‫حميي الدين بن عريب قدس سره وسائر كتب القوم اىل يومنا هذا تشرتي ابغلى الثمن‬
‫وتستكتب ويتعب يف حتصيلها ومقابلتها مع العلم مبا فيها من االشكاالت املتكاثرة منها‬
‫يف االنسان الكامل قوله ابنقضاء عذاب جهنم وذهاب اثرها وعود ابليس لعنه هللا اىل ما‬
‫كان عليه من مكان القرب اىل هللا تعاىل ومنها ما يف عينيته قوله ان السبع الطباق حتت‬
‫قوائمي ورجلي على الكرسي وسقف بييت العرش ومنها ما يف مواقع النجوم البن عريب رح‬
‫ان هلل سبحانه لساان يتكلم به واذان يسمع هبا واما مشكالت الفتوحات فأشهر من ان‬
‫تذكر فلو نظر العلماء رمحهم هللا اىل ظواهر هذه الكتب ملا توقف احد منهم يف احلكم‬
‫بتكفري مؤلفيها لكنهم ملا علموا احواهلم مل يلتفتوا اىل املشكل من اقواهلم وقد شاع هذا و‬
‫احلمد هلل حبيث ال يكاد عامل جيهله اآلن حت انسيت اشكاالهتم وكأهنا مل تكن واقبل‬
‫الناس عليها لذلك ابالقبال التام حت صار العلماء يتربكون ويعتنون مبطالعتها بل‬
‫وتدريسها حت ال يكاد خيلو عامل من بعضها ومن االطالع عليها فان قلت اذا كان عدم‬
‫التعرض ال يكاد جيهل فكيف قلت يف اول الرسالة وقد كتب عليه مجاعة قائلني بكفره‬
‫اغرتارا بظاه ر بعض االلفاظ وهل هذا اال تعرض منهم قلت قد مر قريبا ابن اهل السؤال‬
‫دلسوا ولبسوا واهنم متبعون اغراضا فاسدة واهنم مل يعرفوا الشيخ رمحه هللا بل ومل يذكروا من‬
‫نسبه شيئا لعلمهم ملا فيه من صريح مناقضتهم فان والد الشيخ وجده رمحهم هللا قد ثبتت‬
‫هلما الوالية ونسبه ي تصل أبمري املؤمني عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه وقد أخذ الطريقة‬
‫عن والده وجده ابلسند املتصل اىل سيد العارفني ابهلل تعاىل الشيخ عبد القادر الكيالين‬
‫كما يف مناقبه قدس سره لتلميذه العارف ابهلل الشيخ بدر الدين غري املتقدم فلما مل‬
‫يذكروا شيئا من هذا بل حذفوه وقولنا حذفوه لغوي جتهيال لتميم غرضهم بزعمهم اقتضى‬
‫ذلك تكفريه ال حمالة النه على هذا التقدير ليس ممن ال يتعرض هلم بل هو فرد من افراد‬
‫الناس فلو ذكر موصوفا ابوصافه اليت اشتهر هبا او بعض النسب ولو الفاروقي فقط‬
‫‪- 1209 -‬‬

‫ونقلت الفاظه بعينها من غري تغيري ملا تعرض له احد وما كفره احد منهم قطعا اال ترى‬
‫اان لو سئلنا عما يف مواقع النجوم بصورة ما يقول علماء الدين رضي هللا عنهم يف حق‬
‫حممد بن عريب القائل ابن هلل سبحانه لساان يتكلم به وله اذن يسمع هبا او عن مقالة‬
‫الشيخ عبد القادر رح رأيت ريب بعني رأسي بصورة ما يقول العلماء رضي هللا عنهم يف‬
‫حق عبد القادر ولد ام اخلري القائل رأيت ريب بعني رأسي فهل يتوقف احد يف تكفري‬
‫املسؤول عنه على ما فرض جهالته خبالف ما لو قيل يف االول يف حق الويل العارف ابهلل‬
‫تعاىل الشيخ االكرب حميي الدين ابن حممد بن علي بن حممد علي ابن العريب احلامتي‬
‫الطائي قدس سره ونور ضرحيه ويف الثاين يف حق سيد العارفني وقبلة الوافدين الشيخ حميي‬
‫الدين عبد القادر اجليالين جعلنا هللا سبحانه يف بركاته وامداده حيث مل يتعرض له احد‬
‫من العلماء كما نقدم وفيما حنن بصدده كذلك ملا كان السؤال بصورة ما يقول العلماء‬
‫رضي هللا عنهم يف حق امحد السرهندي الكابلي مل يتوقف احد يف تكفريه وما توقف اال‬
‫من كان له علم بشهرته او بطرف منها او كان له معرفة ابصطالح القوم فاستدل ببعض‬
‫عبارات السؤال على مقامه خبالف ما لو كان بصورة الشيخ العامل العارف ابهلل تعاىل‬
‫مسلك املريدين وموصل السالكني اجلامع بني الطريقة واحلقيقة من مأل علمه اآلفاق شيخ‬
‫وقته على االطالق الشيخ امحد السرهندي الكابلي الفاروقي النقشبندي ابن العاف ابهلل‬
‫تعاىل الشيخ عبد االحد ابن ويل هللا العارف ابهلل تعاىل الشيخ زين العابدين نفعنا هللا‬
‫سبحانه وتعاىل به القائل كذا وكذا ابلفاظه بعينها او تعريبها حيث مل يتعرض هلا بال ريب‬
‫(فان قلت) قال الشيخ عبد الوهاب الشعراين رمحه هللا تعاىل قد اندرس العمل ابخالق‬
‫القوم يف هذا الزمان حت ال يكاد العبد جيد احدا من املتشيخني فيه يتخلق بشئ من‬
‫أخالق القوم فان مقام االرادة قد عز يف هذا الزمان فكيف مبقامات العارفني انتهى فعلى‬
‫هذا ال يكون الشيخ امحد من املشائخ وال كتابه مثل كتبهم (قلت) ليس يف عبارته ما‬
‫يقتضي انقطاعهم ليلزم ذلك بل مفهومها عزهتم كما صرح به يف آخر مقدمته بقوله مل‬
‫اقصد بقويل يف كثري من االخالق مل ار له فاعال الفخر وامنا اقصد به بيان عزته ليلقي‬
‫‪- 1210 -‬‬

‫االخوان ابهلم اىل االهتمام بتحصيله والتخلق به ال غري على انه ذكر يف االربعني ومائة‬
‫ان أصحاب النوبة سبعون واهنم مبصر اآلن سنة ستني وتسعمائة (فان قلت) ليس أهل‬
‫هذا الزمان كاملتقدمني فال يستحق الشيخ امحد ان يعامل معاملتهم فتسلم له اقواله‬
‫(قلت) ان اردت سلب املشاهبة عن اجملموع فمسلم وليس الكالم فيه وان اردته عن كل‬
‫فرد فرد فغري مسلم فقد روي عن رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم انه قال يف كل قرن من‬
‫اميت سابقون و عنه صلّى هللا عليه و سلّم انه قال امنا مثل اميت كمثل حديقة قام عليها‬
‫صاحبها فاجتث رواكبها وهيأ مساكنها وحلق سعفها فأطعمت عاما فوجا مث عاما فوجا‬
‫مث عاما فوجا فلعل آخرها طعما يكون اجودها قنواان واطوهلا مشراخا والذي بعثين ابحلق‬
‫نبيا ليجدن ابن مرمي من اميت خلقا من حواريه وعنه صلّى هللا عليه و سلّم انه قال خري‬
‫اميت اوهلا وآخرها ويف وسطها الكدر و عنه صلّى هللا عليه و سلّم انه قال مثل اميت مثل‬
‫املطر ال يدرى اوله خري ام آخره واالحاديث يف هذا املعن كثرية جدا على ان هؤالء القوم‬
‫ال يغريهم الزمان فال فرق بني املتقدم واملتأخر والظاهر واخلفي والصديق والويل يف ان‬
‫الزمان ال يكدر انوارهم وال حيط مقدارهم فاهنم مع املوقت ال مع االوقات وعن بعض‬
‫العارفني ان ه قال ان هلل تعاىل عبادا كلما اشتدت ظلمة الوقت قويت انوار قلوهبم فهم مثل‬
‫الكواكب كلما قويت ظلمة الليل قوي اشراقها كما يف لطائف املنن واما كتابه نفع هللا‬
‫تعاىل به يسر لنا سلوك طريقته فغالب الظن فيه حيث مل اطلع على مجيعه انه لو كان‬
‫معراب لفاق او ساوى ملا يظه ر من دقة الفاظه اليت وقفت عليها ولعمري انه حلري بقوله‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫ما ضرين ان مل اكن متقدما * فالسبق يعرف أخر املضمار‬
‫وها اان اذكر لك ما تستكن به نفسك وتراض وتقبض به انشاء هللا عناد التعرض‬
‫واالعرتاض قال الشيخ زروق رح يف وصيته عند عد الشبه ومن ذلك قول بعض الصوفية‬
‫اان هو وهو اان مما يوهم االحتاد واحللول وقد وقع كثري من هذا النوع البن الفارض وابن‬
‫العريب والتسرتي وابن سبعني مع امانتهم يف العلم وظهورهم يف الداينة فعلى املؤمن يف‬
‫‪- 1211 -‬‬

‫ذلك ان يكون قائما مع احلق ابلكالم يف القول ال يف القائل يف مثل اولئك القوم وما‬
‫كان من كالمهم موافقا للكتاب والسنة فاان اعتقده وما كان خمالفا فاان اكل علمه الراببه‬
‫منزها قليب عن اعتقاد ظاهره واايهم كذلك انتهى خمتصرا وقوله واايهم كذلك اي وانزههم‬
‫ايضا عن اعتقاد ظاهره فاهنم ال يعتقدونه الهنم منهيون عنه كما تقدم وقال الشيخ‬
‫الشعراين رح يف لطائف املنن وقد يكون سبب االنكار جهل املنكر مبصطلح القوم وعدم‬
‫ذوقه ملقاماهتم فالعاقل من ترك االنكار وجعل ما مل يفهمه من مجلة جمهوالته ال سيما ولن‬
‫يبلغنا عن احد منهم ما خيالف الشريعة ابدا ورمبا تكلم العارف يف شعره او غريه على‬
‫لسان احلق تعاىل ورمبا تكلم على لسان رسوله صلّى هللا عليه و سلّم ورمبا تكلم على‬
‫لسان القطب فيظن بعضهم ان ذلك على لسانه هو فيبادر على االنكار وقد مسعت‬
‫سيدي عليّا اخلواص يقول اقل درجات االدب مع القوم ان جيعلهم املنكر كأهل الكتاب‬
‫ال يصدقهم وال يكذهبم وكان سيدي علي بن وفا يقول التسليم للقوم أسلم واالعتقاد‬
‫فيهم أغنم واالنكار عليهم سم ساعة يف ذهاب الدين ورمبا تنصر بعض املنكرين ومات‬
‫على ذلك نسأل هللا تعاىل العافية انتهى فان اردت اي اخي عدم االنكار فأجل مرآة‬
‫قلبك فانك تشهدهم من خيار الناس ويقل انكارك واال فمن الزمك كثرة االنكار النك‬
‫ال تنظر يف مرآتك اال صورة نفسك فافهم انتهى خمتصرا وقال يف حل الرموز بعد كالم‬
‫ولقد انصف ابو حامد الغزايل حيث اجرى هذه الطائفة من الرجال يف كتابه املنعوت‬
‫ابحياء علوم الدين فقال عند ذكرهم هؤالء قوم غلبت عليهم االحوال فقال احدهم‬
‫سبحاين وقال اآلخر ما أعظم شأين وقال اآلخر اان هللا وقال اآلخر ما يف جبيت اال هللا‬
‫فهؤالء قوم سكارى وجملس السكارى يطوى وال حيكى معناه ونسلم اليهم احواهلم وال نرد‬
‫عليهم اقواهلم الن كالمهم نطق عن ذوق وذوق عن شوق ومن ذاق فقد عرف ومن مل‬
‫يذق فال حرج عليه اذا سلم واعرتف انتهى كالمه املقدس رح وقال يف مقدمة شرح اتئبة‬
‫االمام العارف ابهلل تعاىل ابن حبيب الصفدي وجيب حتسني الظن ابولياء هللا تعاىل فان‬
‫اساء ة الظن بعموم املؤمنني حرام فكيف ابولياء هللا تعاىل وهلل تعاىل يف خلقه اسرار ال‬
‫‪- 1212 -‬‬

‫اطالع للعوام عليها بل يطلع عليها من شاء من خاصته انظر اىل ما وقع من اخلضر عليه‬
‫السالم من خرق السفينة وقتل الغالم وقوله بعد ذلك وما فعلته عن امري فسلم هلم‬
‫حاهلم وال تتابعهم فيما ال يوافق ظاهره الشرع ولقد صنف فيهم اهل العناية هبم مصنفات‬
‫ونصروهم فيها واولوا احواهلم واقواهلم املخالفة لظاهر الشرع ليس هذا حمل ذكره وشرط‬
‫جواز االعرتاض ان يكون ممن احاط بعلم الظاهر والباطن واال فهو قاصر فيسعى يف‬
‫اصالح نفسه اوال انتهى وذكر شيخنا السيد امحد احلموي نفعنا هللا بربكته وبركة علومه‬
‫آمني يف ذيله على كتابه درر العبارات يف آخر جواب أجاب به عن سؤال ورد اليه من‬
‫زبيد عن الفاظ وردت مشكلة يف أشعار مشائخ الطريقة العارفني ابهلل تعاىل فقال بعد ان‬
‫أجاب بتخريج ذلك على االستعارات التمثيلية ما نصه فان عجزت عن التخريج على‬
‫هذا املنوال وعسر عليك انتزاع حالة تطابق هبا احلالة املنتزعة من الشعر فاعتقد ان ذلك‬
‫هو الواقع يف نفس االمر وان قصر ادراكك عنه فسلم الهل هللا واعتقد براءهتم ونزاهتهم‬
‫من كل عيب ونقص واايك ان خيطر ببالك ما يقع فيه كثري من الناس ممن حرم التوفيق‬
‫من محل كالمهم بفهمه القاصر ونظره الفاتر على غري مرادهم مما ال يليق ابجلناب االهلي‬
‫مث جيعل ذلك سببا للوقيعة فيهم من غري مستند له يف ذلك اال حمض جهله وقصور عقله‬
‫وظنه ان فهمه وعقله متناه يف الكمال حبيث ال يقصر عن شئ اصال بل كلما خرج منه‬
‫فهو ابطل وحمال فان ذلك والعياذ ابهلل منشأ احلرمان واخلسران ومن أين جيب ان ال يهب‬
‫هللا الوليائه اال ما يدركه عقل هذا اجلاهل القاصر بل ما مقدار عقله ابلنسبة للعلوم‬
‫الكسبية فضال عن الوهبية واايك ايضا حي ث عجزت عن التنزيل على هذا القانون ان‬
‫تبالغ يف التكلف والتأويل واحلمل على ما تعتقد من املعاين كما يفعله كثري من احملبني‬
‫املعتقدين وان كان مقصدهم يف ذلك مجيال وغرضهم صحيحا لكنه يؤدي اىل ارتكاب‬
‫تكلفات ابردة مهملة خترج الكالم عن رونقه وهبجته وتؤدي اىل محله على معان يف غاية‬
‫الركاكة والسفالة فرتك ذلك واالعراض عنه وتلقي الكالم ابلقبول والتسليم واالعتقاد التام‬
‫على سبيل االمجال وعدم العرض ملعانيه واالعرتاف ابلعجز عنه كما هو طريق السلف رح‬
‫‪- 1213 -‬‬

‫من التفويض يف متشابه القرآن حت يفتح هللا تعاىل ابملعاين الصحيحة ذوقا احسن واسلم‬
‫(قلت) وما يدل على ان كالمهم رضي هللا عنهم ليس جمراي على ظاهره ما حكي ان‬
‫الشيخ االكرب حميي الدين ابن العريب قدس سره ملا انشد قوله {شعر}‪:‬‬
‫اي من يراين وال اراه * كم ذا اراه وال يراين‬
‫قال بعض اخوانه كيف تقول انه ال يراك وانت تعلم انه يراك فقال له مرجتال‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫اي من يراين جمرما * وال اراه آخذا‬
‫كم ذا اراه منعما * وال يراين الئذا‬
‫قال بعض املشائخ من هذا وشبهه تعلم ان كالم الشيخ وامثاله مؤول وانه ال‬
‫يقصد ظاهره وامنا له حمامل تليق به وكفاك شاهدا هذه اجلزئية الواحدة واحسن الظن وال‬
‫تنتقد بل اعتقد وللناس يف هذا املعن كالم كثري والتسليم اسلم و هللا سبحانه بكالم‬
‫اوليائه اعلم انتهى كالم شيخنا نفع هللا به «قلت» امنا شبه شيخنا رح التفويض يف‬
‫متشابه القوم ابلتفويض يف متشابه كالمه تعاىل يف قوله كما هو طريق السلف اخل الن‬
‫هؤالء القوم ختلقوا وحتققوا جبميع االمساء والصفات اال لفظة اجلاللة كما هو مقرر و معن‬
‫التخلق حتلي العبد بتلك االمساء والصفات بقدر االمكان واما التحقق فهو ذهاب تعني‬
‫صفة العبد وظهور صفة هللا تعاىل فيه قال هباء الدين يف شرح امساء هللا تعاىل واما التحقق‬
‫حبقائقها فذلك بتجلي االسم على سر العبد وسراينه يف روحانيته سراين النار يف اعماق‬
‫اجلمرة حبيث يفين تعني العبد وتكون حقيقة االسم املنجلي بعينها هي حقيقة العبد حت‬
‫يرتفع التمييز يف مشاهدته بل ترتتب احكام احلقيقة االمسية على احلقيقة العبدية ان بلغ‬
‫التحقق هبا كماهلا كما قيل {شعر}‪:‬‬
‫اان من اهوى ومن اهوى اان * حنن روحان حللنا بدان‬
‫فاذا ابصرتين ابصرته * واذا ابصرته ابصرتنا‬
‫واالشارات اىل هذه املرتبة كثرية يف مقاالت القوم ابللغات املختلفة وهذا امر ذوقي‬
‫‪- 1214 -‬‬

‫ال يسع طور العبارة اكمال شرحها وال يفي اال بشئ يسري من االشارات هبا انتهى وهبذا‬
‫تبني وجه التشبيه وبقوله حفظه هللا تعاىل واايك ايضا ان تبالغ يف التكلف والتأويل اخل ومبا‬
‫تقدم من وجود كتمان هذا العلم تعلم ان تعرض الفقهاء لكالمهم ابلشروح والتحشية‬
‫واجلواب عن اشكاالهتا مما ال ينبغي ملا يف مجيع ذلك من املخالفات ملقصودهم نعم ان‬
‫أرادوا بذلك تسهيله على اهله كما فعله القشريي رمحه هللا تعاىل حيث قال يف ابب شرح‬
‫الفاظهم وحنن نريد بشرح هذه االلفاظ تسهيال لفهم من يريد الوقوف على معانيها من‬
‫سالكي طريقهم ومتبعي سننهم او كان ذلك شفقة منهم على العوام من اعتقادهم‬
‫ظواهرها فال أبس لكن قد سلك هذين املسلكني مجاعة فال احتياج اليهما اآلن اال ان‬
‫يكون اصطالح حا دث فال أبس فان القوم مل يصطلحوا على وضع وامنا اصطلحوا على‬
‫استعمال االلفاظ املخصوصة مبعن ان كال منهم يستعملها يف معان يضعها هلا ملا علمت‬
‫من حرصهم على الكتمان واالصطالح على معن واحد يفوته وتوضيح ذلك انك جتد‬
‫شراح الفاظهم يذكرون للفظ معاين كثرية وقد جيمع ما بني كتابني او ثلثة من املعاين‬
‫للفظة واحدة فلم جتدها تتفق اصال فيكون اجملموع لذلك اللفظ فمن ذلك العبودية قال‬
‫الشيخ القشريي رمحه هللا تعاىل يف كتابه منشور اخلطاب العبودية موافقة االمر ومفارقة‬
‫الزجر العبودية ترك التدبري ورؤية التقصري العبودية رفض االختيار بصدق االفتقار العبودية‬
‫اداء ما هو عليك وشكر ما هو اليك العبودية حسن القضاء وترك االقتضاء انتهى وقال‬
‫الشيخ مجال الدين ابو القاسم القازآابدي يف كتابه خالصة احلقائق قال الكتاين رح‬
‫العبودية ترك االختيار ومالزمة الذل واالفتقار وقال ذوالنون املصري العبودية ان تكون‬
‫عبده على كل حال كما انه ربك يف كل حال وقال اهل االشارة العبودية التفويض اىل‬
‫اخلبري البصري و رؤية التقصري يف طاعة امللك القدير وقال عامل العبودية ان يرضى العبد مبا‬
‫يفعل الرب و قال ابو عثمان رمحه هللا العبودية اتباع االمر على مشاهدة اآلمر وقال‬
‫عيسى عليه السالم العبودية ترك الدعوى واحتمال البلوى وحب املوىل انتهى وهكذا يف‬
‫غالب الفاظهم وامنا اقتصر بعضهم على معن واحد تسهيال لطالب ذلك كما تقدم عن‬
‫‪- 1215 -‬‬

‫القشريي رح قال ابن عطاء رح يف لطائف املنن قال اجلنيد دخلت على السري السقطي‬
‫فوجدته متغريا فقلت ما ابلك اي أستاذ متغريا فقال دخل شاب آنفا فقال ما التوبة فقلت‬
‫ان ال تنسي ذنبك فقال بل التوبة ان تنسي ذنبك فما تقول انت اي ااب القاسم فقلت‬
‫القول عندي كما قال الشاب الين اذا كنت يف حال اجلفاء مث نقلين اىل حال الصفاء‬
‫أذكر اجلفاء وقت الصفاء جفاء فقال الشيخ رح كالم السري امت من كالمهما كالمهما‬
‫خيص حاهلما وكالم السري مهيع مورد السالكني انتهى خمتصرا فظهر انه ال حصر يف‬
‫االصطالح وان الكالم صفة دالة على حال املتكلم كما تقدم وعليه فال حصر‬
‫الصطالحاهتم كما ال حصر الحواهلم وال اعرتاض على من تعرض للبيان بقصد ما تقدم‬
‫اذا كان اهال لذلك هذا وأما توقف الفقهاء واملشائخ عن املسارعة اىل التكفري واجياهبم‬
‫العمل مبا يقتضي نفيه وان تكرر املثبت حبيث يكون النايف عشر عشريه وتصحيح القول‬
‫بعده تكفري اهل البدع وترجيحه فال خيفى كثرة النقول يف ذلك على من طالع كتب‬
‫الفروع و العقائد وشفاء القاضي عياض رح غري اهنا ليست مما حنن بصدده وامنا فيها‬
‫استلزام كون عدم التعرض للشيخ رح اولواي والكالم فيما حنن بصدده كثري لكن فيما ذكر‬
‫كفاية ملا اوردانه من تنبيه الغافلني وحتذير املتعصبني عن الوقوع يف املهالك ابلتعرض‬
‫للشيخ امحد رح ابلسوء املخالف لقوله صلّى هللا عليه و سلّم اذكروا مواتكم خبري‬
‫واالعرتاض عليه مبا ال علم هلم به او التعرض لذريته ابالذية فان اكرامهم اكرام له واذيتهم‬
‫اذية له مستلزمة للدخول فيمن آذنه هللا سبحانه حبرب كما روي عن ايب هريرة رضي هللا‬
‫عنه أنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان هللا عز وجل قال من عادى يل وليا‬
‫فقد آذنته ابحلرب حلديث بطوله قال املسعودي رح يف شرح فالذي يتخلص من كالم‬
‫علماء الشريعة واحلقيقة ان الويل هو املتقرب اىل ربه تعاىل ابلعلم والعمل انتهى فمن من‬
‫هللا سبحانه وتعاىل عليه ابالتقان وخمالفة النفس والشيطان تنبه ملراقبته تعاىل وتدارك ما‬
‫احدثه من اخللل والنقصان ومن خذل عطلت حواسه وابء ابخلسران وال خيفى ان سعي‬
‫اهل السؤال امنا هو تكثري اجوره ورفع درجاته نفعنا هللا تعاىل بربكاته كما قال الشيخ‬
‫‪- 1216 -‬‬

‫الشعراين رح حني وقع له مثل هذا حيث قال ان حسادي حيرفون عين مسائل مل اقل هبا‬
‫قط مث يكتبون هبا سؤاالت يستفتون عنها العلماء فيفتون حبسب السؤال مث يدورون‬
‫خبطوط العلماء على الناس فيحصل يل من ذلك اجور ال حتصى من كثرة الوقوع يف‬
‫عرضي بغري حق فلو اين كنت مؤاخذا احدا من هذه االمة ملا رضيت يوم القيامة ابعمال‬
‫واحد منهم طول عمره يف غيبة واحدة (قلت) و اوف دليل على علو مقام الشيخ امحد‬
‫رح رفع الدرجات بعد املمات ابستدامة العمل حبيث رزقه العلم خصوصا وهو يف‬
‫االنتشار اىل يومنا هذا والولد الصاحل خصوصا وهو متعدد واذية اخللق خصوصا وهي‬
‫عامة له ولذريته فتوفر هذه االسباب مع ما يلحقه من عموم دعاء اخللق وخصوصه دليل‬
‫ظاهر على ما ذكر مث ملا مضى شهر بعد كتب هذه الرسالة وفد رجل يقال له الربزجني‬
‫ايل ابلسالم‬
‫مكة املشرفة وكان القائل بكفر الشيخ رمحه هللا وجعلنا يف بركاته مث ارسل ّ‬
‫قائال بلغين انكم كتبتم رسالة فمرادى الوقوف عليها وكان ظين انه اذا اطلع عليها يطلب‬
‫بيان ما ذكر فيها من االحاديث وما ادعي يف السؤال من التغيري والتحريف وما ذكر من‬
‫النقول النقول الدالة على عدم التعرض للشيخ رح وما نقل عن كتب القوم من‬
‫املشكالت وما ذكر من الوقوف على مناقب الشيخ رح وتعدد نسخ كتابه وصحة‬
‫االخبار ابلوافدين اىل مكة املشرفة من اوالد الشيخ رح وتالمذته وما ذكر من لالستشهاد‬
‫والت نظري وغريها للوقوف على مجيع ذلك وااليقان ملا ان هذه جادة اهل االنصاف و‬
‫ترجيحه للحاسة الباطنة على الظاهرة ولذلك مسحت نفسي ابرساهلا اليه حاال رجاء‬
‫ظهور احلق ووقوع االتفاق عليه فلما بلغته ابدر اىل مطالعتها وامر بكتبها فكتبها له‬
‫شخص مث ااتين هبا فسألته هل كتب مناهيها قال ال فقلت ال بد من كتبها فاهنا بتتماهتا‬
‫ارجع اليها واذكر له ذلك فراح مث رجع فقال كلمته فاىب وقال ما حيتاج فقلت له وهل‬
‫قابلها قال ال قلت اذا هي غري الرسالة ملا هو مقرر من حتريف كتبة الزمان وملا وقع بني‬
‫احلاستني من انعكاس الرجحان وملا حصل يل ما هو قريب من اليقني من انه مفت الهل‬
‫السؤال ومعني هلم يف التغيري لينقل عين ما ليس يل من املقال وليجد للبحث فيه اجملال اذ‬
‫‪- 1217 -‬‬

‫هي بدون ذلك حمصنة ابلوايل املتعال واشد على شأهنم من وقع النبال كتبت هذه الكتابة‬
‫سائال من فضل املطلع عليها ان ال يعتمد على اجملردة من املناهي ومن الزايدة وانه اذا‬
‫وجد عليها كتابة قادحة فيها تعرضات على من يتقي هللا تعاىل وخيشاه من العلماء فان‬
‫كانت صوااب فاان اول من يذعن هلا ويعتقدها واال فليعلم املطلع عليها براءيت منها ويعتقد‬
‫الصواب هذا وقد كتب الشيخ حممد بيك نسخة من هذا قبل هذه الزايدة فهي ايضا‬
‫صحيحة وان كان اترخيها مثل املغرية فان الفرق ظاهر لوجود املناهي يف هذه دون تلك‬
‫وايضا تقابل مع هذه فاهنا ال ختالفها اال بزايدة املناهي هذه ويف اوهلا وآخرها بعض الفاظ‬
‫قليلة ال خيتلف هبا املعن واحلاصل ان نسبة ما خيالف هذه اىل غري صحيحة اصال ومما‬
‫يفرق به ايضا بني املغرية وهذه التاريخ فان اتريخ اجملردة عن املناهي هكذا حتريرا قبيل فجر‬
‫يوم اجلمعة مستهل شهر مجادي االخرى سنة اربع وتسعني والف واتريخ املعتمدة ما سرته‬
‫قريبا و هللا سبحانه وتعاىل ويل التوفيق واحلمد هلل رب العاملني اوال وآخرا وابطنا وظاهرا‬
‫وهو حسيب ونعم ا لوكيل وال حول وال قوة اال ابهلل العلي العظيم قاله الفقري اىل هللا تعاىل‬
‫حسن ابن مراد التونسي احلنفي عفى هللا عن اجلميع مبنه وكرمه آمني و صلى هللا على‬
‫سيدان حممد النور الذايت الساري يف مجيع آاثر االمساء والصفات و على آله وصحبه‬
‫وسلم جنزت قبيل عصر السبت اثمن شهر هللا تعاىل رجب األصم سنة اربع وتسعني‬
‫والف (رسالة الشيخ العالمة والعمدة الفهامة منبع العلوم واملعارف منشأ االسرار‬
‫واللطائف معدن الدقائق الفرعية واالصلية خمزن احلقائق الشرعية والعقلية قدوة فحول‬
‫العلماء اسوة اعاظم الفضالء مظهر االلطاف االهلية ومصدر اإلسرار الالمتناهية الشيخ‬
‫امحد البشبيشي املصري االزهري الشافعي رمحه هللا تعاىل ونور ضرحيه املتويف سنة ‪1096‬‬
‫ست وتسعني والف وأتريخ وفاته مات البشبيشي هكذا) قال يف خالصة االثر‪ :‬بسم هللا‬
‫الرمحن الرحيم امحد هللا سبحانه على نعمه املتكاثرة واشكره على آالئه املتوالية املتظافرة *‬
‫واصلي واسلم على افضل العاملني سيدان حممد خامت االنبياء واملرسلني * و على آله‬
‫وصحبه امجعني * والتابعني هلم ابحسان اىل يوم الدين (اما بعد) فقد وقفت على هذه‬
‫‪- 1218 -‬‬

‫الرسالة اليت وضعها الفاضل الشيخ حممد بيك لبيان كالم الشيخ العارف ابهلل تعاىل امحد‬
‫الفاروقي النقشبندي فوجدته قد اجاد فيما افاد وبني اصطالح الشيخ ومقاصده بكالم‬
‫الشيخ نفسه يف مواضع متعددة من مكاتيبه وال شبهة يف ان االلفاظ املصطلح عليها‬
‫حقيقة عند أهلها فيما اصطلحوا عليه وال تدل على غريه اال جمازا فالفاظه حبسب‬
‫اصطالحه ال تدل اال على معان صحيحة ال خمالفة يف شئ منها ملا وردت به الشريعة‬
‫املطهرة وحيث كان كذلك فال حتتاج اىل أتويل اصال فاحلكم بتكفريه مبين على اجلهل‬
‫ابصطالحه ومقاصده وقد صرح غري واحد ابن اجلاهل ابصطالح الصوفية ال جيوز له ان‬
‫خيوض يف كالمهم الن ذلك يوقعه يف رمي اولياء هللا تعاىل ابلكفر والزندقة كما وقع ذلك‬
‫لغري واحد ومنهم الشيخ امحد املذكور كما اخربين بذلك من خربه عندي يفيد اليقني بل‬
‫تكاثرت االخبار بذلك حت كادت تبلغ حد التواتر وملا ذكر ابن املقري يف روضه ما‬
‫حاصله ان من شك يف تكفري طائفة ابن العريب فهو كافر قال شيخ االسالم زكراي يف‬
‫شرحه هذا حبسب ما فهمه كبعضهم من ظاهر كالمهم فان ظاهره عند غريهم االحتاد‬
‫وغريه مما هو مكفر واحلق اهنم مسلمون اخيار وكالمهم جار على اصطالحهم كسائر‬
‫الصوفية وهو حقيقة عندهم يف مرادهم وان افتقر عند غريهم ممن لو اعتقد ظاهره كفر اىل‬
‫التأويل اذ اللفظ املصطلح عليه حقيقة يف معناه االصطالحي جماز يف غريه فاملعتقد منهم‬
‫ملعناه معتقد ملعن صحيح وال يقدح فيه ظاهر كالمهم املذكور عند غري الصوفية ملا قلناه‬
‫النه قد يصدر عن العارف ابهلل تعاىل اذا استغرق يف حبر التوحيد والعرفان حبيث تضمحل‬
‫ذاته يف ذاته وصفاته يف صفاته ويغيب عن كل ما سواه عبارات تشعر ابحللول واالحتاد‬
‫لقصور العبارة عن بيان الذي ترقى اليه وليست يف شئ منها كما قاله العالمة التفتازاين‬
‫وغريه انتهى وقد صرح شيخ شيوخنا الربهان اللقاين رمحه هللا أبن احلسني احلالج قتل مبا‬
‫مل يتأمله من امر بقتله يعين ولو أتمل كالمه وفهم مقصوده ما وجد له مساغا لقتله اذا‬
‫تقرر ذلك علمت ان العارف ابهلل تعاىل الشيخ امحد املذكور من املسلمني االخيار‬
‫املرشدين اىل هللا تعاىل الن الفاظه منصرفة حبسب اصطالحه اىل املعاين اليت قصدها‬
‫‪- 1219 -‬‬

‫موافقة للشريعة ال حتتاج اىل أتويل اصال كما بني هو تلك املعاين الصحيحة اليت ارادها‬
‫من الفا ظه يف مواضع كثرية من مكتوابته ابلفارسية وقد قرئ ذلك عندي حبضرة مجاعة‬
‫يعرفون الفارسية امنت تواطئهم على الكذب وال خمالفة يف شئ من املعاين اليت بينها ملا‬
‫تقرر يف شرعنا وال يقدح فيه ظاهر لفظه املذكور الذي يفهمه من مل يعرف اصطالحه‬
‫على ان الظاهر القابل للتأويل ال يكفر صاحبه مبجرد ذلك الظاهر بل بعد الوقوف على‬
‫انه يعتقد ذلك الظاهر اما اذا مل يعلم انه يعتقد ذلك الظاهر ولفظه قابل للتأويل فاان‬
‫نؤوله وال حنكم بكفره كما يفيده قول شيخ االسالم وان افتقر عند غريهم اىل أتويل وكالم‬
‫هذا الرجل بفرض ان ال اصطالح له قابل للتأويل كيف وقد وجد له اصطالح فعلى‬
‫تقديره ال حيتاج اىل اصطالح اصال وال يضره ان الفاظه هذه مل توجد ملن تقدمه من القوم‬
‫ملا علمت من ان االصطالح ال مشاحة فيه وان خالف اصطالح من سبقه وابجلملة‬
‫فاملكفرون له فهموا من ظاهر لفظه ولفظ آخر مفرتي عليه امورا معلوما نفيها من الدين‬
‫ابلضرورة حبيث ال يتوقف يف التكفري مبا فهموه فقيه وال متفقه بل وال جاهل ابلكلية اذ‬
‫فهمهم ذلك شاركهم فيه كل جاهل واملعاند يرغب يف اخراج املسلمني من االسالم ابدىن‬
‫شبهة ال سيما قوما مشهورين ابلصالح يرشدون العباد اىل هللا سبحانه وتعاىل وقد ذم‬
‫السبكي هؤالء ا لطائفة الذين يتساهلون يف تكفري املسلمني وذلك النه ملا سئل عن‬
‫تكفري اهل االهواء والبدع قال اعلم اان نستعظم القول ابلتكفري النه حيتاج اىل امرين‬
‫عزيزين احدمها حترير املعتقد وهو صعب من جهة االطالع على ما يف القلب وختليصه‬
‫عما يشتبه وحتريره ويكاد الشخص يصعب عليه اعتقاد نفسه فضال عن اعتقاد غريه‬
‫الثاين احلكم أبن ذلك كفر وهو صعب من جهة صعوبة علم الكالم ومأخذه ومتييز احلق‬
‫من غريه وامنا حيصل ذلك لرجل مجع صحة الذهن ورايضة النفس واعتدال املزاج‬
‫والتهذيب بعلوم النظر واالمتالء من العلوم الشرعية وعدم امليل واهلوى وبعد حتصيل‬
‫االمرين ميكن القول ابلتكفري او عدمه مث بعد ذلك اما ان يكون التكفري بشخص خاص‬
‫فشرط مع ذلك اعرتاف الشخص به وهيهات ان حيصل واما البينة يف ذلك فصعب قبوهلا‬
‫‪- 1220 -‬‬

‫الهنا حتتاج يف الفهم اىل ما قدمناه اىل ان قال ولقد رأيت تصانيف مجاعة يظن هبم اهنم‬
‫من اهل العلم ويشتغلون بشئ من رواية احلديث ورمبا كان هلم نسك وعبادة وشهرة ابلعلم‬
‫تكلموا ابشياء ورووا أشياء تنبئ عن جهلهم العظيم وتساهلهم يف نقل الكذب الصريح‬
‫واقدموا على تكفري من ال يستحق التكفري وما سبب ذلك اال ما هم عليه من فرط‬
‫اجلهل والتعصب والنشأة على شئ مل يعرفوا سواه وهو ابطل ومل يشتغلوا بشئ من العلم‬
‫حت يفهموا بل هم يف غاية الغباوة انتهى وقد غفل املكفرون عن اصطالحه لعدم تتبعهم‬
‫لكالمه او اعتقادهم ان اصطالح املتأخر ال بد ان يكون موافقا الصطالح املتقدم ومل‬
‫مييلوا اىل التأويل مع ما يرده اما لغباوة او حقد على ان يف كالم املتصدي لتكفريه اعرتافا‬
‫بعدم فهم مراده حيث قال يف آخر كالمه او اراد شيئا فقصرت عنه عبارته بل اعرتافا‬
‫بعدم تكفريه اذ هو من الزم اعرتافه بعدم فهم مراده فقد اعرتف ابنه اذا اراد معن‬
‫صحيحا قصرت عنه عبارته ال يكون كافرا فكيف وعبارته ال تقصر عن افادة املعن‬
‫الصحيح يظهر ذ لك للمتأمل املنصف ويف كالم السعد وغريه ما يفيد ان العربة ابملراد ال‬
‫ابلعبارة القاصرة عنه حيث قال هو وغريه فيما نقله شيخ االسالم والنه قد يصدر عن‬
‫العارف ابهلل تعاىل اذا استغرق يف حبر التوحيد عبارات تشعر ابحللول واالحتاد لقصور‬
‫العبارة عن بيان حاله الذي ترقى اليه فهذا صريح او كالصريح أبن العبارة القاصرة اليت‬
‫تشعر ابلكفر كاحللول واالحتاد ال يكفر صاحبها بل هناك امور ال شبهة للمكفر فيها‬
‫اصال منها تكفريه بقوله ان الكعبة ال يراد هبا خصوص االبنية ومنها ما ذكره بعض الطلبة‬
‫فيما يتعلق ابلوجود وجعله قياسا ونتيجة فانه لو ادرك الستحىي ان يكتب ما كتبه ولكره‬
‫ان يطلع عليه أحد ممن له نسبة اىل العلم والعجب ان هذا املكفر ممن ينكر على من‬
‫يقول بكفر طائفة ابن العريب ويعرتف ابصطالحهم وحيمل ألفاظهم على معانيها املرادة‬
‫هلم او يؤول حت كاد يتعبد ابلفاظ ابن العريب حت اغرت بظاهر عبارته يف الفصوص وقال‬
‫ابميان فرعون مع انه قيل انه مكذوب عليه لتصرحيه يف غري ذلك الكتاب ببقائه على كفره‬
‫هذا الشيخ عبد الوهاب من اهل الكشف حت انه ذكر اطالعه على اجلنة والنار وامليزان‬
‫‪- 1221 -‬‬

‫والصراط وتلقاه الناس منه ابلقبول وهو ادرى بكالم القوم من غريه قال يف كتاب‬
‫اليواقي ت واجلواهر يف اعتقاد االكابر قال الشيخ يف الباب الرابع والستني وثلثمائة اعلم انه‬
‫ال ميوت احد من اهل التكليف اال مؤمنا عن عيان وحتقق ال مرية فيه وال شك لكن من‬
‫العلم ابهلل و االميان به خاصة وما بقي االّ هل ينفعه ذلك ام ال ويف القرآن العظيم فلم‬
‫يَك ينفعهم امياهنم ملا رأوا أبسنا قال وقد حكي هللا عن فرعون انه قال آمنت انه ال اله اال‬
‫الذي آمنت به بنوا اسرائيل وأان من املسلمني فلم ينفعه هذا االميان واطال يف ادلة انه مل‬
‫ينفعه اميانه قلت قال الشعراين فكذب و هللا وافرتى من نسب اىل الشيخ حميي الدين انه‬
‫يقول بقول امي ان فرعون وهذا نصه يكذب الناقل ومجهور العلماء قاطبة على عدم قبول‬
‫اميانه واميان مجيع من آمن يف اليأس الن شرط االميان االختيار وصاحب اميان اليأس‬
‫كامللجأ اىل االميان واالميان ال ينفع صاحبه اال عند القدرة على خالفه حت يكون املرأ‬
‫خمتارا والن متعلق االميان هو الغيب واما من يشاهد نزول املالئكة بعذابه فهو خارج عن‬
‫موضع االميان و هللا اعلم انتهى املقصود منه فهال اول هلذا ايضا بل هذا اويل ابلتأويل‬
‫الن ذاك طعن فيه كثري من ائمة عصره وغريهم وحكموا بتكفريه ومل نسمع طعنا يف هذا‬
‫الرجل عن احد يعتد به فان قال ان تقدم ابن العريب مقتض لرتجحه يقال له التقدم ال‬
‫يقتضي الرتجيح بل لو نظر لذلك ثبت يف ابن العريب ما قيل فيه اذ هو متأخر ابلنسبة‬
‫ملن قبله من القوم حت جعل بعضهم هذا من مجلة الرد عليه حيث قال ان ما صدر عنه‬
‫وعن طائفته ليس من اصطالح القوم وان قال ان ابب السلوك واالستغراق قد سد بعد‬
‫ابن العريب فقد اراد سد ابب ال وصول له إليه وال قدرة له عليه وبعد التسليم اقل القليل‬
‫ان يكون هذا الرجل اوىل ابلتأويل من فرعون فان بقاء فرعون على كفره يدل عليه ظواهر‬
‫الكتاب والسنة وصرفهما عن ظاهرمها بغري دليل ال جيوز وجزم بكفره ايضا مجاهري العلماء‬
‫حت كادوا جيمعون عليه االّ من شذ بل حكى بعضهم فيه االمجاع ففي الزواجر البن‬
‫حجر اهليتمي اخذ علماء االمة وجمتهدوها الذين عليهم املعول من اآلية االوىل اعين قوله‬
‫تعاىل فلم يك ينفعهم امياهنم ملا رأوا أبسنا امجاعهم على كفر فرعون ورواه الرتمذي يف‬
‫‪- 1222 -‬‬

‫تفسريه يف سورة يونس من طريقني وقال يف احدمها حديث حسن ويف اآلخر حديث‬
‫حسن غريب صحيح وروى ابن عدي والطرباين انه صلّى هللا عليه و سلّم قال خلق هللا‬
‫حيىي بن زكراي يف بطن امه مؤمنا وخلق فرعون يف بطن امه كافرا واما ما حكاه عنه يف‬
‫سورة يونس بقوله عز من قائل حت اذا ادركه الغرق قال آمنت انه ال اله اال الذي آمنت‬
‫به بنوا اسرائيل واان من املسلمني فهو ما ينفعه اىل آخر عبارته الكافية الشافية القائل هو‬
‫يف اثنائها بعد نقله عبارة ابن العريب اليت اخذ منها نسبة القول بصحة اميان فرعون البن‬
‫العريب فهل هذا الكالم مقرر او مردود فما وجه رده قلت قال ابن حجر ليس هذا‬
‫الكالم مقررا وان كنا نعتقد جاللة قائله فان العصمة ليست اال لالنبياء اىل ان قال على‬
‫انه نقل عن بعض كتب ذلك االمام انه صرح فيها ابن فرعون مع هامان وقارون يف النار‬
‫واذا اختلف كالم امام فيؤخذ منه ما يوافق االدلة الظاهرة ويعرض عما خيالفها اىل ما‬
‫طاب له اشتباه مما فيه رد لكثري من اجلهالء فجعله امجاعا ومل يعول على من خالف واما‬
‫أتويل كالم هذا الرجل فلم مينع منه مانع بل صرح العلماء ابن كثريا من اللفظ املوهم ال‬
‫يلتفت اىل ايهامه حيث امكن محله اىل حممل صحيح وكانه ظن ان ادخال الكافر يف‬
‫االميان اسهل من ادخال املسلم يف الكفر وهو ظن فاسد الان نستصحب االصل يف كل‬
‫منهما حت حتقق ما خيرجه عن ذلك االصل فاالصل يف املسلم بقاؤه على اسالمه حت‬
‫تتحقق ما خيرجه عنه واالصل يف الكافر بقاؤه على كفره حت نتحقق ما خيرجه عنه فظهر‬
‫ان التأويل للمسلم ليبقى على اسالمه اوىل من التأويل للكافر بل ال جيوز احلكم ابسالم‬
‫الكافر بغري دليل اذ االصل بقاؤه على كفر وال جيوز االقدام على تكفري املسلم حت‬
‫يتحقق ما يعتقده من املكفرات كما يدل عليه كالم السبكي رمحه هللا وقد بلغين ان شأن‬
‫هؤالء القوم يعين املكفرين اهنم ينظرون اىل املسائل اليت يكون بعض العلماء خمالفا فيها ملا‬
‫اطبق عليه اجلمهور ويقيم ادلة لنفسه يستدل هبا على ما خالف فيه فيأخذون قول ذلك‬
‫املخالف ويضعونه يف رسالة ويسردون عليها ما أقامه هو من االدلة وينسبوهنا اىل انفسهم‬
‫ويرسلوهنا اىل البلدان حت اشاعوا تلك االقوال املخالفة ملا عليه مجهور العلماء فمن ذلك‬
‫‪- 1223 -‬‬

‫القول ابميان فرعون ومن ذلك اختيارهم ان واهنن الغرانيق العلى من قول النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم اىل غري ذلك مما اشتملت عليه الرسائل اليت يبعثون هبا اىل البلدان فيأخذها‬
‫ضعيف العقل قليل العلم فيغرت هبا وتصري هي معتقده فان قصدوا بذلك صرف العامة‬
‫عن اعتقاد ما عليه اجلمهور اىل اعتقاد ما شذ به واحد او اثنان مثال فهذا من االفساد ال‬
‫من االصالح واالرشاد اذ الذي عليه مجهور العلماء هو احلقيق ابالعتماد يف االعتقاد وان‬
‫قصدوا بذلك اظهار دعوى االجتهاد وانه صارت فيهم قوة الرتجيح والرد على االئمة‬
‫فهذا ال يثبت دعواهم اذ ال متيز هلم بذلك اذ كل من له ادىن اشتغال ابلعلم اذا اطلع‬
‫على هذا القول وادلته امكنه ان يقول مثل ما يقولون ابن يقول والذي اختاره يف هذه‬
‫املسئلة كذا ويسرد ادلة صاحب القول كما يسردوهنا وان مل يفهم املسئلة وال شيئا من‬
‫ادلتها على انه ال يتوهم فيهم احد تلك االهلية بل اهل وطنهم حت اآلخذين عنهم ال‬
‫يثبتون هلم اهلية التعليم فضال عن مرتبة االجتهاد فاهلل اعلم مبقاصدهم مث انتقلوا من ذلك‬
‫اىل تكفري املسلمني وأما من افت ابن من اول كالم ذلك الرجل فهو كافر فهو جاهل اي‬
‫جاهل معتوه وقد اخربين بذلك من له به خلطة اتمة من اهل العلم فاين ال أعرفه واخربت‬
‫انه ليس فيه اهلية إلقراء مقدمة ايب الليث فضال عن غريها وامنا جيلس للكذب على‬
‫العوام يقري هم مقدمة ايب الليث او غريها من الكتب الوعظيات ووافقه آخر اخربين من‬
‫يعرفه انه قرأ امثلة التصريف على بعض موايل الروم وال عالقة له بفقه وال حديث وال‬
‫غريمها من العلوم الدينية ولوال عنه وجهل االول وجهل الثاين حلكمنا بكفرمها ولكن ملا‬
‫كان هلما نوع عذر ابعتبار ان العوام ال يكلفون اال مبعرفة املسائل الظاهرة دون املسائل‬
‫اخلفية وهذه املسئلة من املسائل اليت ختفى على مثلمها من العوام اعرضنا عن احلكم‬
‫بذل ك ولكن مثل هذين اجلاهلني ينبغي أتديبهما وزجرمها عن اخلوض فيما ال وصول‬
‫الذهاهنما اليه و هللا اعلم ابلصواب واليه املرجع واملآب وحسبنا هللا ونعم الوكيل وال حول‬
‫وال قوة اال ابهلل العلي العظيم و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه امجعني والتابعني‬
‫هلم ابحسان اىل يوم الدين قاله الفقري امحد البشبيشي املصري االزهري الشافعي رحم هللا‬
‫‪- 1224 -‬‬

‫من اتبع احلق واظهر اخلفي من اجللي هذا من قبيل اثبات فضيلة شئ ابثبات نقص ضده‬
‫كما قيل ان األشياء تتبني بضدها فان هنا بني نقص الطائفة الثالثة الذين ال يقدرون‬
‫متييز بعض مراتب وجودات املخلوقات من الواجب ابهنم ملا مل مييزوا بينهما اثبتوا للممكن‬
‫ما للواجب ووجدوا انفسهم عني احلق خبالف الطائفة االويل فاهنم ميزوا بينهما ومل يثبتوا‬
‫ما ال حدمها لآلخر فتأمل تعرفه واال فتتحري وال تستعجل حت تستويف الكالم وحتيطه من‬
‫اوله اىل آخره منه عفي عنه‪.‬‬
‫صورة ما كتبه العالمة العامل ابهلل تعاىل الشيخ عبد هللا العباسي الشافعي املكي‬
‫رمحه هللا تعاىل‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم حامدا ومصليا وبعد فقد وقفت على ما كتبه العالمة‬
‫االوحد اهلمام اال جمد موالان وسيدان الشيخ امحد بلغه هللا تعاىل كل مقام امحد فما‬
‫وجدت لكتابة غريه معن اذ املعول عليه كالمه فاهلل اسأل وبنبيه وآله وصحبه اتوسل ان‬
‫يدمي النفع به جباه سيد االولني واآلخرين سيدان حممد صلّى هللا عليه و سلّم قاله الفقري‬
‫اىل هللا تعاىل عبد هللا العباسي الشافعي‪.‬‬
‫صورة ما كتبه سنجقدار العالمة القاسم املكي احلنفي عامله هللا تعاىل بلطفه‬
‫اجللي واخلفي‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم وبه العون احلمد هلل محدا يليق جبالله والصالة والسالم على‬
‫سيدان حممد وآله وصحبه صالة تليق بكماله (أما بعد) فقد احطت هبذا السؤال والرسالة‬
‫واالجوبة نظرا وأتملتها وأ معنتها فكرا فرأيت ان النقص يف السؤال ابلتبديل الذي يدل‬
‫على ان فاعله صاحب نقص وحظ نفس وافرتاء وتسويل اما الرسالة فقد اظهرت لقائلها‬
‫الفضل واجلاللة كثر هللا تعاىل امثاله وجعل للمتقني ظالله اما االجوبة فكل جواب مبين‬
‫على فهم اجمليب من اخلطأ واالخذ ابلظاهر بال ريب واما اجلواب امللحق ابلسؤال‬
‫لصاحب الرسالة فهو املبني ال حمالة وهو جواب موالان وشيخنا وبركتنا الشيخ امحد فهو‬
‫من كل جواب امحد وما لنا اال اتباع امحد فعليه االعتماد يف املبدأ واملعاد كيف ال وهو‬
‫‪- 1225 -‬‬

‫اجلامع بني املعقول واملنقول واحلاوي جلميع الفنون من الفروع واالصول فسب هللا يف مدته‬
‫وجعلنا ممن يقوم حبجته ويف الرسالة واجلواب ما فيه كفاية الويل االلباب من ادلة السنة‬
‫والكتاب ومقامنا التسليم الهل الباطن ففيه السالمة للدين يف الظاهر و الباطن و التخلق‬
‫ابخالق من سلف ممن مضى وزلف قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ذروا العارفني احملدثني‬
‫من اميت ال تنزلوهم اجلنة وال النار حت يكون هللا تعاىل الذي يقضي فيهم يوم القيامة قال‬
‫املناوي رمحه هللا تعاىل مجع حمدث اسم مفعول ابلفتح اي ملهم وهو من القي يف نفسه‬
‫شئ على وجه االهلام واملكاشفة من املأل االعلى فظهر ان املراد هبم اجملاذيب الذين يبدو‬
‫منهم ما خيالف ظاهره الشرع فال يتعرض له بشئ انتهى نقله العالمة السيوطي يف اجلامع‬
‫الصغري عن اخلطيب وصححه فاذا كان هذا يف احملدثني الذين هم امللهمون اجملاذيب فما‬
‫ابلك بشيخ اكرب قد ظهر ارشاده يف االصغر واالكرب وسرى سره يف القلوب ونور كيف‬
‫ال يلتمس لكالمه ما يليق مبقامه فلكل مقام مقال ولكل ويل حال وجمال جعلنا هللا تعاىل‬
‫من املعتقدين ال من املنتقدين ومن املصلحني ال من املفسدين املتعنتني ومن املتبعني ال‬
‫من املتبدعني وافاض علينا من بركات اوليائه اهل حق اليقني ربنا اغفر لنا والخواننا الذين‬
‫سبقوان ابالميان وال جتعل يف قلوبنا غال للذين آمنوا ربنا انك رؤف رحيم ربنا افرغ علينا‬
‫صربا وتوفنا مسلمني قاله الفقري اىل هللا تعاىل قاسم بن سنجقدار املكي احلنفي حامدا‬
‫ومصليا اه ‪.‬‬
‫صورة ما كتبه شيخ احلرم املكي السيد حممد افندي احلسيين رمحه هللا تعاىل‬
‫وطيب ثراه وجعل اجلنة منقلبه ومثواه)‬
‫(بسم هللا الرمحن الرحيم) احلمد هلل الذي انعم وتفضل على من يشاء من عباده‬
‫ابلكمال ووفقه لبسط السلوك يف طريقة احلقيقة ابالجالل امحد هللا سبحانه وتعاىل على‬
‫ما وهبنا من االنعام واالفضال و صلى هللا على نبيه الكرمي السيد احلكيم سيدان حممد‬
‫صلى هللا عليه و على آله واصحابه اهل اجملد والكمال صالة دائمة ابلغدو واآلصال‬
‫وسل م تسليما (اما بعد) فقد وقفت على السؤال الذي صوره صاحل االورنك آابدي‬
‫‪- 1226 -‬‬

‫وحممد عارف وعبد هللا الكوكين من توابع صاحل املذكور فوجدته قد ذكروا فيه اقواال‬
‫وزعموا اهنم استخرجوها من مكتوابت الشيخ االجل اهلمام االكمل يف الطريقة النقشبندية‬
‫بل االمام منبع العلوم واملعارف منشأ االسرار واللطائف العارف ابهلل تعاىل الشيخ امحد‬
‫الفاروقي احلنفي النقشبندي رمحه هللا تعاىل واعلى درجاته وحيث كان مكتوابت الشيخ‬
‫رمحه هللا تعاىل ابلفارسية عربوها اىل االلفاظ العربية مبقدار معرفتهم و مقتضى مرادهم نعوذ‬
‫ابهلل من اتباع النفس واهلوى وارسلو هلا اىل فالن امحد جماوري املدينة املنورة مث بعد وصول‬
‫ذلك السؤال اليه علق رسالة بتكفري الشيخ امحد املذكور بسبب االقوال املكتوبة يف‬
‫السؤال املالمية خلاطر املرسل اليه وتصدى الثبات كفره هبا وهيهات ان يثبت وطلب من‬
‫قاضي املدينة املنورة ومفتيها وعلمائها ان يكتبوا على ذلك السؤال على وفق مراده‬
‫فامتنعوا عن ذلك وردوا عليه كالما واجوبة تليق ابلعلماء العاملني بعلومهم مث بعد ذلك‬
‫اتى اىل مكة املشرفة فسأ ل الكتابة على السؤال املذكور من قاضيها ومفتيها وعلمائها‬
‫ايضا فما احد وافقه على ذلك واجابوه بقوهلم هذا االمر الذي ارتكبته عظيم فما يوافقك‬
‫يف تكفري مسلم اال كل هالك وال وافقه ابلكتابة من العلماء على ذلك اال آحاد من‬
‫الناس ممن ال معرفة له ابلطريقة وبعضهم وافقه ملالمية هواه وبعضهم ال علم له رأسا و ال‬
‫حقيقة فحصل ما حصل من القيل والقال بسبب فعل هذا الضال وهو فعل ذلك لتبع‬
‫هوى من ارسل اليه السؤال او ما علموا قوله صلّى هللا عليه و سلّم ال طاعة ملخلوق يف‬
‫معصية اخلالق فما ابلك يف حقوق العباد ال سيما فيمن اراد تكفري ويل وهو اعلم العباد‬
‫فيا ويل من جترأ ان ربك لباملرصاد فبموجب ما افرتوا على الشيخ امحد النقشبندي‬
‫ومكتوابته احتاج االمر اىل تتبع مكتوابت املرحوم الشيخ امحد املذكور وتعريب الفاظه‬
‫الفارسية اىل العربية على وجه يتضح احلق به على يد عامل له علم ابلعربية والفارسية‬
‫وحيث كان االمر كذلك صرف الشيخ االجل العامل الفاضل الشيخ حممد بيك مهته‬
‫العلية‪ 1‬و طلب مجيع مكتوابت الشيخ امحد وقابل االقوال اليت يف ورقة السؤال مع‬

‫اي انبياء هللا تعاىل الذين ارسلهم هللا ابحلق ولزم علينا االميان هبم وتصديقهم فاالضافة‬
‫‪- 1227 -‬‬

‫مكتوابت املرحوم فوجد بعضها غري موافق هلا بسبب التحريف وترك بعض االلفاظ وزايدة‬
‫اخرى اليت ارتكبها هذا الظريف فكتب الرسالة وبني فيها اصطالحات السادات‬
‫النقشبندية ومقاصد الشيخ امحد رمحه هللا تعاىل واراد بذلك اظهار احلق فان اتباع احلق‬
‫احق ولينحل االشكال ولريتفع القيل والقال فعرب االلفاظ الفارسية اىل العربية واحسن‬
‫واهتم واتقن وارتفع من اهل احلق سوء الظن بل رجع الكفر على من جترأ بتكفري املسلم‬
‫وندم كثري ممن كتب على السؤال املذكور والزم الندم رجاء ان يدخل حتت قوله صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم التوبة الندم ملا ظهر هلم ان مبن االمر على اهلوى والغرض والبهتان الذي فهم‬
‫من الزايدة والنقصان والتجرأ الذي ال يليق ابملسلم فعله بل وال يقبله انسان قال صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم من آذى مسلما فقد آذاين فكيف يكون حال من جترأ على التحريف وقوله‬
‫عليه الصالة والسالم اذكروا حماسن مواتكم وكفوا عن مساويهم وقوله عليه الصالة‬
‫والسالم من حسن اسالم املرأ تركه ما ال يعنيه فظهر احلق وزهق الباطل ان الباطل كان‬
‫زهوقا فينبغي حلكام تلك الداير ان خيرجوا منها من هو مثل هؤالء املتجرئني بل جيب ان‬
‫يؤدهبم حبسب ما يقتضي اقواهلم وافعاهلم و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه‬
‫امجعني قال ذلك وكتبه افقر عباد هللا الغين حممد ابن حسن احلسيين شيخ احلرم املكي‬
‫عفى هللا عنهما وعن املسلمني امجعني‪.‬‬
‫صورة ما كتبه السيد على بن السيد حممدا املعروف بكاله زاده الدايربكري‬
‫املكي رمحه هللا تعاىل‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم وبه نستعني رب ليس اهلدى غري هداك وال آالء اال آالك‬
‫حنمدك اللهم اي مفيض االنوار واي مزين قلوب العارفني ابالسرار افض علينا انوار رمحتك‬
‫ويسر لنا الوصول اىل كمال معرفتك وهب لنا منك حمبتك وصل على حممد لسان‬
‫حجتك و على آله واصحابه خري بريتك و على اوليائك املراتضني املتمسكني بشريعة‬

‫‪1‬‬
‫الدين مالبسة‬
‫‪- 1228 -‬‬

‫خري خليقتك جبالل عزتك وكمال رأفتك (أما بعد) فاين ملا وقفت على املكتوابت‬
‫الفارسية اليت كتبها مشس فلك االرشاد وبدر اوج الطريقة والسداد وحمور دائرة الفضائل‬
‫والكماالت والرشاد القطب الرابين والغوث الصمداين املرحوم املقدس املربور االوحدي‬
‫العارف اب هلل تعاىل الشيخ امحد السرهندي الفاروقي النقشبندي قدس هللا سره العزيز‬
‫ومعرهبا الذي عربه العمدة العالمة والزبدة الفهامة الفاضل االكمل واحملقق االجل العارف‬
‫ابصطالحات السادات الصوفية والعامل بقواعدها املرضية حممد بيك وعني هللا ترعى لساان‬
‫عربه فاحسن واجاد وبناان نقله اىل البياض من السواد واتقن وامعن وافاد وشرح وفصل‬
‫وبني ما هو املراد جعل هللا تعاىل عمله مربورا وسعيه مشكورا وجزاه يف الدارين جزاء‬
‫موفورا فبعد ما اوضح املعرب الفاضل وبني ما هو املراد من مكتوابت الشيخ الكامل‬
‫وصرح ابنه ال خمالفة يف مكتوابت الشيخ للشرع الشريف قطعا ال اصال وال فرعا لقيتها‬
‫منطوية على احلقائق من الفوائد املرموزة مشتملة على الدقائق من الفرائد املكنوزة متزنة‬
‫مبيزان الشريعة الغراء ممتلئة بلوائح تعجز عن ادراكها القوى الهنا معرب عنها بلسان‬
‫السادات الصوفية وحمررة على اصطالحات مشارب تلك الطائفة العلية ال لغو فيها وال‬
‫أتثيم اال قيال صوااب ومقاال كخالص الترب مذااب فيا له من كتاب فاخر تعقد عليها‬
‫اخلناصر وقد تصدى بعض مبغضي الطريقة النقشبندية والشيخ املذكور جلمع الرتهات‬
‫وعرب بعض مواضع من املكتوابت وغري وبدل وحرف ابلنقص والزايدات فيا ويل من‬
‫غري وبدل وحرف وغوى يف بيداء التعدي وتعسف وتكلف واي خسران من جترأ عليه‬
‫ابطالة لسان االعرتاض الناشئ عن التعصب والعناد واي طغيان من تصدى عليه ابلتكفري‬
‫املنبعث عن دانءة النفس وادعاء التعني واالنفراد ولئن سلم عدم التغيري و التحريف‬
‫فبمجرد عدم وصول احد اىل غور مكتوب من املكتوابت اليت كتبت على اصطالحات‬
‫خفية لقوم موقوفة على السماع ال يلزم ان يكون يف نفس تلك املكتوابت شئ من اخلطأ‬
‫والزلل واالعوجاج فهال ميكن ان يكون اخلطأ يف الناظر اليها من قصور الفهم وقلة التأمل‬
‫وسائر املوانع يف املزاج الن العقول متفاوتة مبراتب اىل العاشر وكذا القوى واحلواس‬
‫‪- 1229 -‬‬

‫واملشاعر فكثريا ما يقع لالنسان انه مرة يعلم ويصل اىل غور شئ من اجللي واخلفي ومرة‬
‫يصل اىل اخلفي ويتوقف يف االمر اجللي وفهمه ال يفي فهكذا علم املخلوق العاجز فمرة‬
‫يفتح عليه ابب الوصول ومرة يظهر له حاجز واما العلم بكل شئ واالحاطة حبقيقته يف‬
‫كل زمان ويف كل حال فذا يف حيز االمتناع النه من شأن عامل الغيب والشهادة الكبري‬
‫املتعال فاملنصف املتأمل العامل اذا مل يصل اىل حقيقة معن وغوره من املعاين املقصودة يف‬
‫العبارات اخلفية وتعسر عليه العثور فهو ال خيطئ قائلها بل حيمل على نفسه اخلطأ‬
‫والقصور فيستمد ممن عنده مفاتيح الغيب وبيده مقاليد االمور وال يتكلف يف محل‬
‫الكالم على امر بعيد من خمالفة الشرع واجياب التكفري الشديد والتكفري امر عظيم ال‬
‫يتجرأ عليه اال من هو غافل او جاهل لئيم قال يف البحر والذي حترر انه ال يفت بتكفري‬
‫مسلم امكن محل كالمه على حممل حسن او كان يف كفره اختالف ولو رواية ضعيفة‬
‫انتهى واذا تقرر هذا فكيف من جترأ او أطال لسان االعرتاض على االولياء املتجردين عن‬
‫جالبيب ابداهنم املنخرطني يف سلك اجملردات الواصلني اىل حبر احلقيقة اخلائضني يف جلة‬
‫حبر الوصول اىل توحيد الذات العاملني الثابتني على الصراط املستقيم العايل حاهلم وشأهنم‬
‫ولساهنم عن خمالفة الشرع القومي وقد وقف على تلك املكتوابت ومعرهبا علماء مكة‬
‫املشرفة زادها هللا تعظيما وتشريفا وتلقوها حبسن القبول يف امللفوظ واملدلول بيض هللا‬
‫وجوه اعماهلم وساعدهم ابلطافه اخلفية يف حاهلم ومآهلم فاقتفيت صدوران الفضالء اعزهم‬
‫هللا حبرمة االنبياء ابالقبال و االمضاء علما مين أبين لست من عداد هؤالء الكرماء ولكن‬
‫ال أبس ابن يقتفي هبم ميال وحمبة وطفيليا العزتنا االجالء فعلى احلكام ووالة االمور ان‬
‫يسعوا يف أتديب امثال هؤالء املتجرئني ابلسعي املوفور وان ال خيلوهم يف ضالهلم القدمي‬
‫بل ي نبغي ان يهتموا يف التأديب والزجر ابالهتمام العظيم حت ينقطع القيل والقال بني‬
‫اآلحاد وينسد ابب التعصب والتجرأ وينعدم الفساد و هللا سبحانه يقول احلق وهو يهدي‬
‫السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل قاله تراب اقدام الفقهاء وخادم حمافل العلماء العبد الفقري‬
‫اىل هللا تعاىل الصمد السيد علي ابن حممد املدعو كاله زاده جعلهما هللا من الفائزين‬
‫‪- 1230 -‬‬

‫ابحلسن وزايدة حامدا ومصليا وحمسبال وحموقال ومهلال واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫ومنها ما كتبه العالمة الشيخ مرشد الدين بن امحد املرشدي تغمده هللا بفغرانه‬
‫ورمحه هللا سبحانه مع اسالفه‪ :‬بسم هللا الرمحن الرحيم احلمد هلل وسالم على عباده الذين‬
‫اصطفى (وبعد) فيقول الفقري اىل ربه الغين مرشد الدين بن امحد املرشدي احلنفي العمري‬
‫اين وقفت على الرسالة املعربة عن الفارسية لشيخ الطريقة واحلقيقة العالمة املرحوم املقدس‬
‫املربور الشيخ امحد الفاروقي النقشبندي واملعرب هلا العالمة والعمدة الفهامة الشيخ حممد‬
‫بي ك بني كالم صاحب الرسالة ورد على من حرفه فظهر على احسن الوجوه فجزاه هللا‬
‫سبحانه خري اجلزاء يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وقد وقف على الرسالة املعربة علماء‬
‫مكة املشرفة فكتبوا عليها بعد ان أتملوا كالمه وفهموه وتبني هلم بطالن قول من تكلم‬
‫على صاحب املكتوابت وجترئه فنقول اللهم اران احلق حقا وارزقنا اتباعه واران الباطل‬
‫ابطال وارزقنا اجتنابه فوجب على كل من كان بيده القلم والسيف ان ينصر االسالم‬
‫واملسلمني ويؤيد اولياء هللا تعاىل فهم يف احلقيقة هم العلماء العاملون و صلى هللا على‬
‫سيدان حممد وآله وصحبه وسلم تسليما‪.‬‬
‫ومنها ما كتبه شيخ االسالم مفيت االانم مبدينة الرسول عليه السالم موالان السيد‬
‫اسعد أسعد هللا تعاىل حاله يف الدارين صاحب الفتاوى االسعدية كتبه اول مرة يف اوائل‬
‫رجب سنة ثالث وتسعني والف‪ :‬بسم هللا الرمحن الرحيم رب زدين علما وفهما وكد من‬
‫امتأل قلبه حسدا وظلما احلمد هلل الذي فتح على قلوب اوليائه انوار اليقني ومنح من‬
‫اختص من اصفيائه بفيوضات يعجز عن فهم معانيها كثري من املتكلمني والصالة‬
‫والسالم على سيدان حممد خامت االنبياء واملرسلني و على آله واصحابه واتبعيهم ابحسان‬
‫اىل يوم الدين (وبعد) فقد شاع يف االقطار احلجازية ذكر سؤال ورد من اهلند فيه كلمات‬
‫غامضة خفية مث بعد مدة عرض عل ّي الكتب عليه ابلرد على قائله وهو رجل امسه امحد‬
‫السرهندي فاذا فيه كلمات بعيدة املعن ركيكة العبارة و املبن واخربت انه معرب من‬
‫الفارسية وال يؤمن ان تكون الرتمجة غري مطابقة للواقع خصوصا مع تظاهر حامله بعداوة‬
‫‪- 1231 -‬‬

‫اتمة بال مدافع فلم ينشرح صدري للكتابة على ما مل يقع عندي فيه حتقيق ولعلمي ابن‬
‫للمشائخ اصطالحات اتفقوا عليها ال تظهر اسرارها اال ابعالمهم او بنور التوفيق قال‬
‫العالمة ابن عباد يف شرح احلكم العطائية ان كالم االولياء منوط على اسرار مصونة‬
‫وجواهر حكم مكنونة ال يكشفها االّ هم وال يتبني حقائقها اال ابلتلقي عنهم فلذلك‬
‫رددته بغري كتابة عليه مث جعل يعرضه على كل غث ومسني فيكتبون عليه ما ال يفهمون‬
‫ويتكلمون مبا ال يعلمون فيما ال يعلمون ولكن سيجزون به يوم يقوم الناس لرب العاملني‬
‫مث جاءين بعض االخوان واخربين حبقيقة املكتوابت وأحسبه صادقا لصالح ظاهره وافادين‬
‫ان فيه زايدة ونقصاان اخرجت املكتوابت عن موضعها وان مل يكن يف مجيعها بل يف‬
‫جمموعها ورأيت أتويالت حضرة الشيخ حممد فرخ شاه عند ذكر املالمحة من املكتوابت‬
‫الرابع والتسعني من اجللد ا لثالث من املكتوابت قال وقد استشكل تلك بعض املعاندين‬
‫ابنه اذا كان حصول اخللة والوالية احملمدية له صلّى هللا عليه و سلّم موقوفا على توسط‬
‫واحد فرد بعد الف سنة يلزم منه انه صلّى هللا عليه و سلّم مل يكن حبيبا وال خليال وهو‬
‫خالف احلديث فانه صلّى هللا عليه و سلّم مسى نفسه حبيبا وخليال وجوابه ما قال‬
‫الشعراين يف العهود واملواثيق اذا بلغك عن صويف ما خيالف الشرع فامحله على سبعني‬
‫حممال فاذا مل تقنع بذلك نفسك فارجع اليها ابللوم وقل هلا حيتمل كالم اخيك سبعني‬
‫حممال وال حتملت نه على حممل واحد وقد اجاب رمحه هللا بنفسه عن هذه االشكال وغريه‬
‫يف التنبيه يف آخر املكتوب وافتتاحه مسوق لبيان وجه اتباع احلبيب مللة ابراهيم اخلليل‬
‫عليه السالم لقوله تعاىل مث اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا ومقصوده ان الوالية‬
‫االبراهيمية مبنزلة السلم للعروج اىل احلقيقة احملمدية فأمر صلّى هللا عليه و سلّم ابتباعه‬
‫ليحصل له بواسطة االتباع مناسبة ابلوالية االبراهيمية وتكون معراجا للعروج اىل احلقيقة‬
‫احملمدية اليت هي املقام االعلى فوصل صلّى هللا عليه و سلّم من ذلك الطريق اىل مقامه‬
‫االعلى واحتظ من تلك الوالية يف ممره بقدر االمجال كما يدل عليه قوله فبالضرورة كان‬
‫اخلروج من هنالك والدخول يف حميط الدائرة داللة صرحية على أنه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫‪- 1232 -‬‬

‫يف عني املركز االقرب اىل ذات احلق تعاىل وغاية االمر ان ظهور تفصيل كماالت احمليط‬
‫مشروط ابلشروط املذكورة وقوله قدس سره ما مل يتيسر الوصول جلميع املقامات‬
‫االبراهيمية ال يتيسر الوصول للحقيقة احملمدية مؤول ابنه ليس املراد بلفظ احلقيقة عني‬
‫املركز املعرب عنه ابملالحة بل املراد املركز جبميع كيفياته وخصوصياته وحيتمل ان يكون‬
‫ظهور بعض دقائق ذلك املقام منوطا حبصول مجيع مراتب احمليط وال حمذور يف ذلك الن‬
‫اصل ذلك املقام الذي ال اقرب منه يف مراتب القرب االهلي اثبت له صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم حيث اتضح ان مقام احملبوبية واملالحة حاصل له صلّى هللا عليه و سلّم وكذا هو‬
‫حميط بطريق االمجال ابحمليط الذي هو الصباحة واخللة فتحقق انه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫متحقق بكل من مقامي اخللة والصباحة واحملبوبية واملالحة ال كما فهمه املعاندون فقالوا‬
‫انه صلّى هللا عليه و سلّم مل يكن له مقام احملبوبية واخللة اال بعد الف سنة اال يرى ما يف‬
‫آخر املكتوب املنبئ لسر الصالة املنطوقة حيث كتب فيه ان والية اخللة متت له صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم ومل يكتب انه حصل له انتهى من كشف الغطاء عن اذهان االغبياء حلفيده‬
‫فرخشاه وكذلك رأيت أتويل مقام الصديقية وكوهنا عرض رؤاي ال غري وابب التأويل‬
‫لكالم االولياء مفتوح وال خري يف احلكم بكفر مسلم فكيف بويل من اولياء هللا تعاىل‬
‫اسأل هللا العصمة واهلداية اىل سواء الطريق وقد صدر عن االولياء من الكالم املشكل ما‬
‫هو اعظم من ذلك فتلقاه العلماء رضي هللا عنهم ابلقبول خلفا عن سلف من غري‬
‫التفات اىل اشكال ظاهره مع علمهم حبقيقته وما يقتضيه نظرا اىل كمال احواهلم ال اىل‬
‫ظاهر اقواهلم و هللا تعاىل اعلم كتبه الفقري اىل هللا تعاىل السيد اسعد احلنفي املدين املفيت‬
‫السلطاين غفر هللا له ولوالديه وجلميع املسلمني آمني وحسبنا هللا ونعم الوكيل وال حول‬
‫وال قوة اال ابهلل العلي العظيم و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه امجعني واحلمد‬
‫هلل رب العاملني‪.‬‬
‫ومنها ما كتبه موالان املفيت املذكور اثنيا يف صفر سنة ‪ 1094‬اربع وتسعني والف‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم احلمد هلل الذي محى حوزة اوليائه بصيانة علماء الدين وصمى‬
‫‪- 1233 -‬‬

‫واصمى من سعى يف اطفاء نور الوالية بقهره املتني واعز من اعز دينه الشامخ العماد‬
‫الراسخ االصول السامي االواتد والصالة والسالم االمتان االكمالن على سيدان حممد‬
‫الذي رفع مقامه وشفعه يف اخلالئق يوم القيامة و على آله وأصحابه واتبعيهم ابحسان‬
‫ايل السؤال الذي ورد من‬
‫اىل يوم الدين خصوصا أوليائه العاملني (أما بعد) فانه ملا رفع ّ‬
‫اهلند لكتابيت عليه يف اوائل رجب املرجب سنة ‪ 1093‬ثالث وتسعني والف فامتنعت‬
‫عن ذلك كما ذكرته قبل ذلك مث عرض عل ّي اثنيا يف اواخر شهر صفر اخلري سنة‬
‫‪ 1094‬اربع وتسعني والف مرات متعددة وجعل حامله يلتمس مين الكتابة عليه بكل‬
‫حيلة ويتوسل لذلك بكل سبب ووسيلة فامتنعت غاية االمتناع المر اهلمين اايه ريب بال‬
‫تكلف وال اصطناع مث ورد املدينة املنورة رجل هندي من اتباع الشيخ امحد السرهندي‬
‫امسه ال شيخ جالل الدين البطحي وعرب بعض كلمات ما يف السؤال للشيخ امحد‬
‫السرهندي وأفادين هو وغريه ممن اثق بعلمهم وداينتهم ان السؤال املذكور على خالف ما‬
‫يف نفس االمر ووافق ظين الواقع واحلمد هلل وعرضها عل ّي فتأملتها ورأيتها حرية ابلقبول‬
‫بل جديرة ابن تكون اتجا على رأس املكاتبات والنقول فكتبت عليها ابلتحسني وجدير‬
‫ابن حتسن بل واين ملثلي ان يقول للحسن انت احلسن ولكن ملا كانت نصرة االولياء من‬
‫أعظم القرابت واقوى املثوابت احببت ان اتشبه ابهل الصاحلات لعل الفيض االهلي‬
‫يشملين بربكتهم انه ويل املكرمات فكتبت ما هو اعاله مث يف سلخ مجادي الثانية سنة‬
‫اربع وتسعني والف ارسل الينا من مكة املكرمة تعريب الشيخ حممد بيك وأتييد شيخ‬
‫االسالم مرجع اخلاص والعام االستاذ الكامل العامل الفاضل الناصر لدين هللا تعاىل‬
‫والناصر لعباد هللا الشيخ شهاب الدين امحد البشبيشي املصري فقام شكر هللا تعاىل سعيه‬
‫لالنتصار على ساق ردعا بذلك اهل العناد والشقاق والشيخ الكامل النحرير الفاضل‬
‫بقية اهل اخلري والصالح الراقي على مراقي العلم والفالح الشيخ عبد هللا العباسي‬
‫الشافعي وموالان شيخ االسالم ببلد هللا احلرام العامل احملقق والفاضل املدقق اكليل رؤس‬
‫االفاضل وواسطة عقد احملررين ذوي الفضائل عبد هللا افندي عتاقي زاده غفر هللا ذنبه‬
‫‪- 1234 -‬‬

‫ومن احلسن زاده والشيخ الصاحل اجلهبذ الفاحل املفيد الناصح اخي يف هللا وحميب هلل الشيخ‬
‫حسن بن حممد مراد التونسي والشيخ العامل ذو الفضائل واملكارم املتلقي للعلوم عن‬
‫االساتذة االكارم الشيخ قاسم سنجقدار وغريهم من فحول علماء بلد هللا احلرام فال‬
‫حيتاج اىل ذكرهم بعد ذكر شيخ ام القرى وقد قيل كل الصيد يف جوف الفرا فلما رأيت‬
‫ذلك الح يل سر قوله صلّى هللا عليه و سلّم الذي رواه يف معامل التنزيل بقول هللا عز‬
‫وجل من اهان يل وليا فقد ابرزين ابحملاربة واين الغضب الوليائي كما يغضب الليث‬
‫للجرو احلديث ودعاين مقلب القلوب ان اقتفي آاثرهم واين اقول ويف قوهلم الدليل‬
‫االعظم وفيهم البحر املتلطم وعند مقالتهم تلقى عصى التسيار وما وراء عبادان دار و هللا‬
‫يقول احلق وهو يهدي السبيل كتبه الفقري اىل ربه القدير اسعد احلنفي مث املدين حامدا‬
‫مصليا حموقال مهلال و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه امجعني واحلمد رب‬
‫العاملني مت انتهى ما تعلق به املرام من كلمات هؤالء االعالم رؤساء االانم مصابيح الظالم‬
‫وقد تركت بعضا منها خوف االطالة واالمالل واكتفاء هبذا القدر عن ذكر الكل‬
‫ابلكمال فان يف ذلك كفاية ملن ادركته العناية ولنذكر هنا كلمات من سواهم من العلماء‬
‫العظام والفضالء الفخام حرصا على ارشاد من اسرتشد وحتاميا عن ختييب ظن من‬
‫اسرتفد (قال) سحبان اهلند موالان املرحوم السيد غالم علي املعروف آبزاد البلكرامي يف‬
‫ترمجته قدس سره هو من اعيان سرهند ومن مفاخر اهل اهلند اجملدد لاللف الثاين والربهان‬
‫الساطع على اشرفية النوع االنساين سحاب هاطل روى العرب والعجم امطاره نري اعظم‬
‫بلغ املشارق واملغارب انواره جامع العلوم الظاهرة والباطنة خازن الكنوز البارزة الكامنة‬
‫وهو يف صغر سنه حفظ القرآن وأفحم بتحبري صوته سواجع البستان ويف االبتداء تلمذ‬
‫على أبيه االوحد موالان الشيخ عبد االحد واستفاد منه مجا من العلوم مث ارحتل اىل‬
‫سيالكوت وقرأ على موالان كمال الدين الكشمريي بعض كتب املعقوالت يف هناية‬
‫التحقيق والتدقيق واخذ احلديث عن موالان يعقوب الكشمريي وتناول احلديث املسلسل‬
‫ابالولية بواسطة واحدة عن الشيخ عبد الرمحن الذي كان من كرباء احملدثني ابهلند وتعاطى‬
‫‪- 1235 -‬‬

‫عنه أجازة كتب التفسري والصحاح الست وسائر مقروآته ويف عمر سبعة عشر سنة فرغ‬
‫من حتصيل العلوم الدرسية واشتغل ابلتدريس والتصنيف فصنف يف تلك االايم رسالة‬
‫لطيفة فارسية وعربية مث ارحتل من سهرند اىل دهلي واخذ الطريقة النقشبندية عن عبد‬
‫الباقي وللخواجه املذكور يف حق اجملدد عناايت عظيمة وكلمات كرمية مث جلس اجملدد‬
‫على مسند االرشاد والتلقني ومأل من فيضه السموات واالرضني ونشأ يف حجر تربيته‬
‫اخللفاء االجالء كل واحد منهم آية ومركز لدائرة الوالية وصلت سلسته من اهلند اىل ما‬
‫وراء النهر والروم والشام والغرب وله مكتوابت يف ثالث جملدات ابلفارسية هي حجج‬
‫قواطع على تبحره وبراهني سواطع على تبصره ومسعت ان عرهبا بعض العلماء ولكن ما‬
‫رأيت املكتوابت املعربة انتهى ابدىن اختصار يقول راقم هذه االحرف قد اشتهر يف‬
‫االلسنة أتليف حممد بيك االوزبكي املسمى بعطية الوهاب الذي مر ذكره بتعريب‬
‫املكتوابت النه عرب فيه بعض اجلمل من املكتوابت اعين اليت حرفها املعاند واال مل يتصد‬
‫احد فيما علمنا لتعريب املكتوابت ابلتمام كما ذكران يف ديباجة تعريبنا للمكتوابت واال‬
‫ملا اشتغلنا به نعم قد عرب بعض اجلمل منها بتعريب كنز اهلداايت الذي مجع فيه شئ‬
‫من مكتوابت االمام اجملدد وشئ من مكتوابت االمام حممد معصوم قدس سرمها وانتخب‬
‫ايضا من مكتوابت اجملددية بعض املشايخ الفضالء انتخااب جيدا ابلتعريب وال زال‬
‫العلماء واملشايخ يعربون منها ما تعلق به غرضهم قدميا وحديثا واال فلم اعثر على تعريبها‬
‫ابلتمام و هللا سبحانه أعلم (مث قال) موالان غالم علي البلكرامي يف ترمجة مال حممود‬
‫اجلونفوري الفاروقي صاحب الشمس البازغة يف احلكمة وال ريب انه مل يظهر ابهلند مثل‬
‫الفاروقيني احدمها يف علم احلقايق وهو موالان الشيخ امحد السهرندي املقدم ذكره والثاين‬
‫يف العلوم احلكمية واالدبية وهو املال حممود صاحب الرتمجة انتهى ما تعلق به الغرض من‬
‫النقل عن سبحة املرجان (نقل) يف اهلدية اجملددية نقال عن موالان الشيخ عبد العزيز‬
‫الدهلوي رمحه هللا ما معربه كانت الوآلايت رائجة ومتداولة يف قرب زمانه املسعود صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم بني الصحابة والتابعني وتبع التابعني وهلم جرا اىل زمان اجلنيد واقرانه مث‬
‫‪- 1236 -‬‬

‫هلم جرا اىل زمان رؤساء القادرية والچشتية وصار طريق حتصيلها مدوان ومبواب ومفصال‬
‫خبالف طريق اخللة فاهنا مل يذكرها احد يف تلك العهود املتطاولة ومل يبني طريق حتصيلها‬
‫فاختفى طريق حتصيل ذلك املقام وراء حجب االختفاء واالستتار اىل ان مرت عليه الف‬
‫سنة فاظهر احلق سبحانه حضرة اجملدد قدس سره وجعله منشأ ظهور هذا املقام الذي‬
‫كان مودعا ومكنوان يف جوهره الشريف صلّى هللا عليه و سلّم فتيسر سلوك هذا الطريق‬
‫آلالف من الطالبني بربكة وجوده قدس سره وطفيليته واحلمد هلل على ذلك واآلن نبني‬
‫الطريقة على وجه ينكشف به اختصاص ذاك املقام ابتباع اجملدد قدس سره كالشمس يف‬
‫رابعة النهار (اعلم) ان الطرق كانت قبل اجملدد كلها من طريق احملبية واحملبوبية كانوا‬
‫يسلكون اوال طريق احملبية مث كانوا يفوزون اخريا مبرتبة احملبوبية وكانوا يسعون سعيا بليغا يف‬
‫لوازم احملبية كذكر اجلهر والوجد والشوق واالنكسار والتضرع والصرب والتوكل وطلب‬
‫مرضاة احملبوب احلقيقي ومراقبة صفاته خصوصا االحاطة واملعية واالستغراق يف التوحيد‬
‫الفعلي وجعل نفسه كامليت بني يدي الغسال ورؤية صفاته وصفات غريه مستهلكة يف‬
‫صفاته تعاىل بل جعل ذاته مندجمة يف ذاته تعاىل ومشاهدة حسنه ومجاله تعاىل يف كل‬
‫مظهر اىل ان كانوا يفوزون ابالنوار والتجليات يف ابتداء السلوك وابلفناء والبقاء يف انتهائه‬
‫وكانوا يشعرون ابالحتاد بل يدعونه كقوهلم {ع}‪:‬‬
‫اان من اهوى و من اهوى اان‬
‫اىل ان علم اخلضر عليه السالم الذكر اخلفي حلضرة اخلواجه عبد اخلالق قدس سره‬
‫الذي كان ارهاصا للطريقة اجملددية مث حصلت الطراوة والنضارة هلذا املعن يف عهد‬
‫اخلواجه النقشبند قدس سره ولكن امتزجت العلوم التوحيدية هبذه النسبة يف عهد حضرة‬
‫اخلواجه عبيد هللا االحرار قدس سره وغلبتها حت اوصل حضرة اجملدد قدس سره كل‬
‫ذلك اىل البطون يعين بلغها اىل هنايتها وحصلها وحازها ابلكمال واظهر من حاق صدره‬
‫طريقا اىل احملبوب فألغيت تلك التكلفات وزالت الشوق والوجد واحلاالت والتضرعات‬
‫فكل ما هو موجود فهو يف القلب والروح والسر واخلفي واالخفى وعناصر البدن حت‬
‫‪- 1237 -‬‬

‫تقع االنوار والتجليات من ابطن السالك اي يصدر ويظهر منه وينجر االمر ابلتدريج اىل‬
‫مقام اخللة ومعن احملبية هو العاشقية ومعن احملبوبية هو املعشوقية ومعن اخللة املصاحبة‬
‫والصديقية وكان االمر سابقا العاشقية واملعشوقية وهنا االشتياق والتضرع من اجلانبني‬
‫واملعاملة من الطرفني ويف العاشقية الصيحة والقلق واالضطراب ودق الرأس ابالبواب‬
‫واجلدران ويف املعشوقية الغنج والدالل والفخر واملباهات هذا هو بيان طريق اخللة على‬
‫االمجال ومن اراد تفصيلها فليصحب واحدا من اتباع اجملدد عدة من السنني يعين برعاية‬
‫شروطه وآدابه مث لينظر اىل وجدانه ولرياجع فيه ماذا يظهر له وراء الطريقني السابقني‬
‫انتهى (وقال) صاحب جواهر احلقائق يف كتابه املذكور على ما نقله عنه يف اهلدية‬
‫اجملددية ما معربه ان االمام الرابين الشيخ امحد السرهندي من اكابر الصوفية وجامع بني‬
‫العلوم الظاهرية والباطنية وصاحب املقامات العلية والكرامات اجللية وكان اكثر العلماء‬
‫والعرفاء يعظمونه ويوقرونه وذهب الفاضل احملق موالان عبد احلكيم السيالكويت اىل جمدديته‬
‫وقال انه جمدد املائة احلادية عشر واشتهر يف زماننا هذا مشاهري العرفاء يف اهلند والسند‬
‫والعرب والعجم خصوصا يف الروم والشام والعراق وبالد االكراد وسائر البلدان يف سلسلته‬
‫اشتهارات اما و هو الذي نشر انواع العلوم واالسرار وحاز يف شرح مقامات الطريقة‬
‫قصب السبق على السابقني و هو صار معززا بفهم املقطعات القرآنية وامتاز حبصول‬
‫اسرار املتشاهبات الفرقانية وهو الذي انكشف له امساء االنبياء الذين مضوا ابرض اهلند‬
‫واتباعهم وبني مقاماهتم ودرجاهتم وهو الذي بني ابعالم اهلية مراتب الوالية والنبوة‬
‫والرسالة وكماالت اويل العزم ومقامات اخللة واحملبة واظهر خصوصيات سيد االنبياء عليه‬
‫وعليهم الصالة والسالم وقدس هللا روحه وروح سائر االولياء وافاض علينا من فتوحهم‬
‫آمني انتهى وهذا قطرة من حبار مناقب هذا االمام اهلمام قدس سره ونبذة من احواله‬
‫الظاهرة مجعناها هنا رجاء ان ينتفع هبا بعض من مل يقف على كنه اخباره او مسع من‬
‫املعاندين خالف الواقع وهو من اصحاب االذهان القاصرة وليس القصد منه استيفاء‬
‫مجيع كماالته الظاهرة او التعرض لبيان بعض خصائصه الباطنة كال فان هذا مما ال يرام‬
‫‪- 1238 -‬‬

‫وال ميدح من رامه بل يالم واىن لنملة عرجاء مساحة مسافة السماء الفسيحة االرجاء وان‬
‫كان االسلم حوالة معرفة احواله على مالحظة آاثره ومطالعة اقواله فانه ال شئ ادل على‬
‫معرفة الشئ من االستدالل آباثره عليه ولذا قيل {شعر}‪:‬‬
‫ان آاثران تدل علينا * فانظروا بعدان اىل االاثر‬
‫خصوصا آاثره قدس سره حيث عمت انوارها كافة االقطار حت قال بعض‬
‫املشائخ املشائخ ان االمام ترك بعده كرامتني املكتوابت واالوالد قلت فانه الثالث وهو‬
‫اخللفاء العظام الكرام فان طريقته كما انتشرت بواسطة اوالده انتشرت ايضا بواسطة‬
‫خلفائه وكذلك اوالد اوالده وخلفاء خلفائه وهلم جرا اىل عصران هذا حيث ال تزال‬
‫تنتشر وتزداد يوما فيوما اىل كافة االقطار على مرور الدهور واالعصار فهل يكون شئ‬
‫ادل على علو شأنه قدس سره من هذه وهل حيتاج من امعن النظر فيها اىل االستدالل‬
‫بشئ آخر على معرفة احواله كال {شعر}‪:‬‬
‫وليس يصح يف االذهان شئ * اذا احتاج النهار اىل الدليل‬
‫اال ان املشارب ملا كانت خمتلفة واالنكار واملعاندة واملخالفة ونشر االابطيل‬
‫واالراجيف جارية غري مفقودة والتقليد يف اكثر ابناء الزمان غالبا والتحقيق مفقودا رأينا‬
‫االصل ح هلم التداوي من داء االنكار مبرهم نقل اقوال هؤالء العلماء العظام رمحهم هللا‬
‫تعاىل الذين كتبوا ما كتبوا حملض ابطال الباطل واحقاق احلق من غري شائبة االغراض‬
‫النفسانية والوساوس الشيطانية فمن اختار التقليد فليقلد هؤالء االعالم وليرتك قول اللئام‬
‫ومن رفع رأسه عن حضيض التقليد اىل قلل االستدالل وذرى التحقيق فليجل نظره يف‬
‫جمايل آاثره قدس سره ولريجع بصره هل يرى فيها من فطور مث لريجع البصر كرتني ينلقب‬
‫اليه البصر خاسئا وهو حسري ويرتمن لسان حاله هبذه االبيات بعد اعرتافه ابلتقصري‬
‫{اشعار}‪:‬‬
‫اعجب به من سائر ما عاقه * حجب املراتب الوصفوا مرائي‬
‫حت انتهى ملا بدا بنهاية * للسائرين وراء وراء وراء‬
‫‪- 1239 -‬‬

‫يف شأنه رتب املديح تقاصرت * فلذاته الالوصف وصف وفاء‬


‫وليكن هذا آخر ما قصدان ايراده يف هذه اجمللة احلقرية على مقتضى االحوال‬
‫ونسأل هللا سبحانه هبا النجاة من سائر االهوال وهلل در من قال {شعر}‪:‬‬
‫شنف بذكر ذوي احملبة مسمع * فبذكرهم تتنزل الرمحات‬
‫فبحبهم ومبدحهم وجباههم * واف السرور وطابت االوقات‬
‫واحلمد هلل رب العاملني و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه امجعني مت‬
‫اجلمع يف سنة ‪ 1309‬واصالحه ابلزايدة والنقصان سنة ‪ 1314‬مستهل رجب الفرد‬
‫اعين ليلة االحد بعد العشاء االخرية‪.‬‬
‫(بسم هللا الرمحن الرحيم)‬
‫احلمد هلل الذي رفع لواء السنة السنية * وجدد امر امللة احملمدية * وايد الشريعة‬
‫احلنيفية * بظهور اهل املزية * وبروز اهل اخلصوصية و وجود الطائفة املهدية * والزمرة‬
‫التقية النقية * واليت هبا تغاث الربية * ويدفع عنها كل رزية * وتنجو هبا من كل بلية *‬
‫افاض هللا على املسلمني برها * وغمر هبا فاجر االمة وبرها * وجرب هبا صدع القلوب‬
‫وكسرها * امحده على ما اوىل من هذه النعمة * وكشف الغمة عن االمة * واشهد ان ال‬
‫اله اال هللا الذي بنعمته تتم الصاحلات ومبنيته تكون الباقيات * وبرمحته تكشف البليات‬
‫واشهد ان سيدان حممدا عبده ورسوله منبع العلوم االهليات * صلّى هللا عليه و على آله‬
‫سفينة النجاة * واصحابه اويل الدرجات * وسلم تسليما يف مجيع االوقات‪.‬‬
‫( اما بعد) فهذه رسالة كنت قد ألفتها سنة سبع وثالثني ومائتني والف ووريت‬
‫نسبتها اىل غريي لغرض قصدته واالعمال ابلنيات وقد حصل ذلك الغرض وهلل احلمد‬
‫وقد بدا يل ان اضيف اليها ما مل اودعه فيها من كالم العلماء من غري تغيري وضعها‬
‫السابق مع تبيني من اردت بقويل فيها اما بعد فمما من هللا عل ّي يف هذا السفر وكان من‬
‫موافقة القضاء والقدر النافذين مروران على بندر البحرين واجتماعنا جبناب الفاضل املاجد‬
‫اخلاشع العابد الناصح الزاهد خليفة الشيخ خالد قدس هللا سره ومرادي به شيخنا الشيخ‬
‫‪- 1240 -‬‬

‫امساعيل وذلك الين حني خرجت من البصرة مررت به وهو يف قرية خارج البصرة وقد‬
‫تقدم امره اايي ابلسفر فلما اتيته للوداع اوصاين ببعض الوصااي فلهذا قلت وانتفاعنا‬
‫بلفظه * واستماعنا لوعظه * واطالعنا على حقيقته * واشرافنا على طريقته * فرأيناها‬
‫الطريقة املثلى * والقول الذي مل يزل يف كل العصور ميلى * جامعة حلقائق الطرائق‬
‫وخالصات احلقائق وال ينكر منها حرفا اال امحق او منافق «قال» امامنا الشافعي رضي‬
‫هللا عنه االنكار فرع من النفاق وذلك الن املنافقني لو مل ينكروا على رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم آلمنوا به ظاهرا وابطنا ولقد طرق مسعي بعض مقاالت منقولة عن املزورين *‬
‫وجهاالت منسوبة اىل بعض املشهورين * وانكار امور عليها مدار العلماء العاملني *‬
‫املتقدمني منهم واملتأخرين * فوضعت رسالة مثبتة ملا انكروه ومبتتة ملا زوروه * احتسااب‬
‫لوجه هللا االكرم وانتصارا السم هللا االعظم ونصحا المة حممد صلّى هللا عليه و سلّم *‬
‫كيال يقعوا يف ورطة االنكار وكيال يبقي االخ املنكر على االصرار * فيؤل به اىل دخول‬
‫النار * ملا اشتهر انه خيشى عليه من سوء اخلامتة نعوذ ابهلل من ذلك ومسيتها (الرمحة‬
‫اهلابطة يف ذكر اسم الذات والرابطة) ورتبتها على سبعة ابواب الباب االول يف وصية‬
‫االخ البار * مبصاحبة االخيار * وجمانبة االشرار * الباب الثاين يف النقل املوجب للذات‬
‫* يف ذكر اسم الذات * الباب الثالث يف تعريف رابطة اويل االجتباء * وثبوت الرابطة‬
‫لكل انسان شاء او اىب * الباب الرابع يف القول االسن * واستحباب الرابطة احلسن *‬
‫الباب اخلامس يف قول اهل االصطفاء * يف رابطة املصطفى * صلّى هللا عليه و سلّم *‬
‫الباب السادس يف القول اجململ * يف رابطة االولياء الكمل * الباب السابع يف نصح‬
‫املنكرين اخلاص والعام * حلصول حسن اخلتام * وجعلت اخلطاب لواحد يف مجيع‬
‫االبواب رجاء ان يتوجه اىل هذا الكالم بقلبه * وان يقبل على ربه * ويستغفر من ذنبه *‬
‫و هللا اسأ ل ان مين على من أتملها بعني االنصاف ابتباع الصواب * وان جيعلنا واايه ممن‬
‫اانب * وان يهب لنا رضاه انه الكرمي الوهاب *‬
‫(الباب االول) يف وصية االخ البار * مبصاحبة االخيار * وجمانبة االشرار * اعلم‬
‫‪- 1241 -‬‬

‫ايها االخ بصرين هللا واايك طريق احلق واهلدى * وازال من قلوبنا داء احلسد وجنبنا‬
‫االعتدا * انك يف زمان دين اهله اتباع اهلوى * ورفض التقوى * وطي املليح * ونشر‬
‫القبيح * ووصل الطالح * وهجر الصالح * واشاعة البهتان * وكتمان االحسان *‬
‫وجمانبة من قال هللا * ومصاحبة من اختذ هواه * اذا ذكروا ال يذكرون * واذا رأوا آية‬
‫يستسخرون * ويطنبون ابلنميمة و على الغيبة ال يقتصرون * واخواهنم ميدوهنم يف الغي مث‬
‫ال يقصرون * يبارز امثلهم امللك القدير * كي يذكر عند االمري والوزير * ويعمل ما‬
‫يوجب اخللود يف النار * لكي ميدح بني الفجار * فكره وذكره تَ ْكرير هات * وتقرير‬
‫الرتهات واضاعة االوقات * واحلرص على املوبقات * وبغض املتقني * وحمبة الفاسقني *‬
‫واخفاء النصائح * وابداع الفضائح * واظهار الود * واضمار احلقد * ونزع احلياء *‬
‫والتقمص ابلرايء * ونفي التواضع والرب * واثبات العجب والكرب * اىل قول الزور وان كثر‬
‫جينحون * وبه يفرحون * وعليه ما يربحون * وعن ذكر هللا و اقل جيمحون * واذا مسعوه‬
‫يكلحون * و على فاعله يقدحون * فال جرم اهنم ابخلطاء قائلون * وعن الصواب‬
‫عادلون * واىل املراء مائلون * و على االفرتاء حاصلون * اذ هم رحلوا عن نوادي العدل‬
‫ويف بوادي اجلهل هم انزلون * فاولئك كاالنعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون * قلوهبم‬
‫حبب الفساد مشغوفة * و على كسب مال العباد ملهوفة * وعن ذكر رهبم مصروفة *‬
‫يبذل احدهم يف اجلهاالت والضالالت والتخليطات والتخبيطات مجيع قواه * ويعرض‬
‫عن ذكر ربه ابئعا دينه ابقل من نواه * وال تطع من اغفلنا قلبه عن ذكران واتبع هواه * ان‬
‫اطلت ابلغيبة لسانك * واصغيت هلا آذانك * عظموا حني رؤيتهم لك شأنك * ورفعوا‬
‫مكانك * واذا غبت عنهم اظهروا عدوانك * وقرروا هبتانك * فال مليحك شيعوه * وال‬
‫قبيحك يدعوه * قلوهبم مملوءة حسدا * كأهنم مل يروا احلشر غدا * اكثرهم طوي بساط‬
‫اهلدى * كأهنم خلقوا سدا * وال يزالون يف قال وقيل * ومن مل يوافقهم يرمونه ابالابطيل *‬
‫فمن التعطيل ان حنن بذكرهم نطبل * فال حاجة اىل التطويل * وما أبرئ نفسي ان‬
‫النفس المارة ابلسوء اال ما رحم ريب * واالعرتاف ابالقرتاف والتوبة ان شاء هللا تعاىل‬
‫‪- 1242 -‬‬

‫دأيب * والرجاء وحسن الظن ابهلل حسيب * رحم هللا الشيخ القوي حيث يقول {اشعار}‪:‬‬
‫فؤاد ال يقر له قرار * واجفان مدامعها غزار‬
‫وليل طال ابالفكار حت * ظننت الليل ليس له هنار‬
‫ومل ال والتقي حلت عراه * وابن على بنيه االنكسار‬
‫ليبك معي على الدين البواكي * فقد اضحت مواطنه قفار‬
‫واضحى ال تقام له حدود * وامسى البني له شعار‬
‫وعاد كما بدا فينا غريبا * هنالك ما له يف اخللق جار‬
‫فقد نقضوا عهودهم جهارا * اسروا ابلعداوة مث ساروا‬
‫فعليك اي اخي حبسن االعتقاد وسلوك سبيل الرشاد وال يغرك ختبيط اهل العناد‬
‫قال الفضيل اتبع طرق اهلدى وال يضرك قلة السالكني واايك وطرق الضالل وال تغرت‬
‫بكثرة اهلالكني وذلك انه ال تزر وازرة وزر اخرى وعن قريب جتتمع اخلالئق يف االخرى‬
‫وميتاز الذين ظلموا والذين هلم البشرى فعليك بصحبة من ينهضك حاله ويدلك على هللا‬
‫مقاله واهتد مبقال افضل مرسل صدق مقاله صلّى هللا عليه و سلّم ما نور االفق كوكب‬
‫الفلك وهالله امنا مثل اجلليس الصاحل وجليس السوء كحامل املسك وانفخ الكري فحامل‬
‫املسك اما ان حيذيك واما ان تبتاع منه واما ان جتد منه رائحة طيبة وانفخ الكري اما ان‬
‫حيرق ثيابك واما ان جتد منه رحيا خبيثة وقوله صلّى هللا عليه و سلّم خياركم الذين اذا رؤوا‬
‫ذكر هللا وهذان احلديثان يصلحان ان يكوان دليال للتوجه والرابطة الن من الفاظهما‬
‫ومعانيهما ما هو مطابق للواقع كما اهنما يرغبان يف صحبة الصاحلني فانه صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم شبه الصاحل حبال املسك مث ذكر انه حيصل من جمالسته احدى ثالث فوائد واحدة‬
‫مقطوع هبا وهي وجدان الريح اذ ال مانع فقال اما ان حيذيك اي يعطيك بال عوض‬
‫والعطا هنا اما افادة علم بال سؤال واما افادة حال بتوجه من ذي كمال قيل ونظرة منه‬
‫ان صحت اليه على * سبيل ود ابذن هللا تغنيه * واما قوله فاما ان تبتاع منه اي تسأله‬
‫فيجيبك مبا ينفعك هذا من حيث اللسان او تستمد منه فيمدك بروحانيته وهذا من‬
‫‪- 1243 -‬‬

‫حيث اجلنان وقد جيمع بينهما وهذا االخذ واالعطاء الروحاين عند اهله مدرك ابلوجدان‬
‫كاحملسوس فانكار من مل يسلك سبيلهم ال يلتفت اليه اذ ال يستوي االعمى والبصري كما‬
‫ال يستوي املسك والكري واىن لالبكم الفصاحة وحسن التقرير واما قوله واما ان جتد منه‬
‫رحيا طيبة اي يسري اليك من حاله ما تنتفع به وهذه اجلملة مطابقة ظاهرا لفعل التوجه‬
‫من وجه اذ هو انعكاس حاصل ابلفعل اترة من غري استدعاء واليه االشارة ابما ان‬
‫حيذيك واترة ابالستدعاء والفعل واليه االشارة بتبتاع منه واترة انعكاس من غري استدعاء‬
‫وال فعل واليه االشارة بتجد منه رحيا طيبة عرب ابلوجدان دون غريه من االلفاظ الن‬
‫اجلليس يدرك بذوقه ما يسري اليه من قلب جليسه الصاحل واذا كانت الطباع تسرق فمن‬
‫ابب االوىل ان القلوب املنرية تسرق وحتصل الفائدة من اجلليس الصامت وال معن هلا‬
‫سوى سريان حاله يف جليسه ومن املعلوم ان من جالس شخصا سيما اذا كان اجللوس‬
‫على طريق احملبة واالعتقاد ال بد ان ترسم صورته يف ذهنه فمهما تذكره ختيل صورته فان‬
‫كان الشخص من احباب هللا فتخيل صورته يدعو اىل حمبته والشوق اليه وحمبته مطلوبة‬
‫والشوق اليه حمبوب فتخيل صورته حمبوب اذ من تصور موصوفا تصور صفاته فاذا كانت‬
‫صفاته حمبوبة عند هللا فتصوره املوجب لتصور صفاته احملبوبة حمبوب وال معن للرابطة‬
‫سوى هذا وال يراتب عاقل يف ان االنسان خمتار يف حركاته الظاهرة وتصوراته الباطنة اذ ال‬
‫حجر عليه من جهة الشارع اال ان حترك يف معصية او اىل معصية وكذا ان تصور فعل‬
‫معصية كمن يتصور انه يزين فهذا خمطور خبالف من تصور انه أييت حرثه فال منع من‬
‫ذلك وان قوله صلّى هللا عليه و سلّم خياركم الذين اذا رؤوا ذكر هللا فهذا كالشرح لقوله‬
‫او جتد منه رحيا طيبة جعل جمرد رؤيتهم حمصلة لذكر هللا وذلك الهنم منسبون اىل ذكر هللا‬
‫واذا رأى املنسوب ذكر املنسوب اليه وهو عني الذكر ال سيما اذا كانت رؤيتهم على‬
‫طريق احملبة واالعتقاد الصحيح فانه حيصل هبا رفع احلجاب عن القلب فينتقش فيه ذكر‬
‫هللا فان كانت رؤية مع جمالسة فهذه ابلغ من حصول الذكر بسبب انعكاس انوار القلوب‬
‫ولتتيقن اي اخي وجتزم أبين مل اذكر لك مجيع ذلك عن ظن وختمني ال والذي وسعت‬
‫‪- 1244 -‬‬

‫رمحته كل شئ بل عن جتربة وحتقيق والشفيق جيتهد يف النصيحة فقل ملن مل يسلك هذا‬
‫السبيل ومل يذق من شرابه السلسبيل شعر‪:‬‬
‫على نفسه فليبك من ضاع عمره * وليس له فيها نصيب وال سهم‬
‫واحلاصل ان صحبة الصاحلني حمتاج اليها وقد قالوا الرفيق قبل الطريق وتطهري‬
‫القلب عن الصفات املذمومة كالكرب والعجب والرايء وحمبة الدنيا وحنوها فرض على كل‬
‫مسلم ابمجاع العلماء الن مجيع الطاعات يرتتب وجودها واالحسان فيها على تطهري‬
‫القلب ويكفيك قوله صلّى هللا عليه و سلّم ان يف اجلسد ملضغة اذا صلحت صلح اجلسد‬
‫كله احلديث وتطهري القلب ال حيصل على الوجه املراد اال بصحبة مرشد كامل وأتمل‬
‫عهود الشعراين الكربى يتحقق عندك صحة هذا القول قال احلبيب سيدي عبد هللا اب‬
‫علوي احلداد عليكم بصحبة االخيار والتأدب آبداهبم مع التعظيم البالغ هلم وحسن الظن‬
‫الصادق فيهم فامنا قل انتفاع اهل الزمان ابلصاحلني من حيث قلة التعظيم هلم وضعف‬
‫الظن هبم فحرموا بسبب ذلك بركاهتم ومل يشاهدوا كراماهتم حت تومهوا ان الزمان خال من‬
‫االولياء وهم حبمد هللا كثريون ظاهرون وخمفيون وذلك الن ظهورهم يف كل زمان ال بد‬
‫منه ومن اعتقد غري ذلك خيشى عليه تكذيب النيب عليه السالم فانه قال ال تزال طائفة‬
‫من اميت ظاهرين على احلق حت تقوم الساعة وصفهم ابلظهور وهو شامل للشهرة كالغلبة‬
‫والنصرة فاعتقاد خالفه مهجور او حمظور فان قيل املراد ابلطائفة اهل السنة وهم ظاهرون‬
‫وهلل احلمد فيقال ال شك ان مذهب السنة هو احلق وان اهل السنة ابلنسبة اىل فرق هذه‬
‫االمة هم الطائفة لكن للحق شروط ال يتم اال هبا وليس كل فرد من اهل السنة جامع‬
‫الشروط فخواص اهل السنة ابلنسبة اىل عوامهم هم الطائفة ومنهم اجملتهدون يف االحكام‬
‫والعقائد الدينية واجملاهدون العالء كلمة هللا فان قيل بل املراد ابلطائفة اهل العلم من‬
‫الفقهاء واملدرسني من اهل السنة فيقال وهذا حق ايضا وهل الطائفة احملقة املهدية اال‬
‫اهل العلم لكن ان كان هذا الفقيه املدرس عدال جامعا لشروط االسالم فضال عن االميان‬
‫فضال عن االحسان واملسلم من سلم املسلمون من لسانه ويده مع ان هذه املقامات اليت‬
‫‪- 1245 -‬‬

‫وردت هبا الشريعة ال يكون العبد حمقا ظاهرا وابطنا حت يتصف هبا واما الفقهاء‬
‫واملدرسون الذين يقرؤن درس الغيبة ويقررون مسائل الريبة ويقعون يف االخيار ويزدرون‬
‫ابلفقراء ويتذللون للجهلة واحلمقى من االغنياء والتجار وكادوا يعبدون االمراء مع ما‬
‫يشاهد من اكلهم احلرام والكرب والعجب والرتفع على االانم فهؤالء فسقة االانم وقد‬
‫تعرف الفسقة مجلة من العلوم واالحكام وهم اقبح حاال من العوام واين هم واين الطائفة‬
‫الظاهرة على احلق على الدوام وامنا املراد ابلطائفة العدول من العلماء العاملني واملشائخ‬
‫الكاملني الذين يصدق عليهم قوله صلّى هللا عليه و سلّم حيمل هذا العلم من كل خلف‬
‫عدوله ينفون عنه حتريف الغالني وانتحال املبطلني فهذا احلديث مصرح ابن العدول‬
‫حيملونه الن غريهم ال يعرف منه شيئا والعدول ابلظاهر والباطن الظاهرون اليوم كاملرشد‬
‫الكامل العامل العامل العارف املاجد الشيخ خالد واالكابر من اتباعه واانس من احلرمني‬
‫وبغداد واليمن نعرفهم و هللا اعلم بعباده وبالده ومن ال نعرفهم اكثر فهؤالء على هدى‬
‫من رهبم والسعيد من كان من حزهبم اما الشيخ خالد فلما هو مشاهد من علو مهته‬
‫وعدم مباالته مبا سوى هللا من ملك وغريه ومجيل مروءته وحسن خلقته وغزارة علمه‬
‫واتقانه العلوم العقلية وتبحره خصوصا يف العلوم الشرعية كما انه وعاء العلوم اللدنية وما‬
‫جيري التباعه و اتباع اتباعه من االحوال السنية والكشوف االهلية واالذواق واملواجيد‬
‫وغري ذلك مما رأيناه ووجدانه وشهدانه وقد اشرت منه اىل مجل يف االساور العسجدية ال‬
‫يدرك معانيها اال من له قلب ومن ذلك عظيم شفقته ورأفته ابملسلمني واعتنائه ابمة حممد‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم الذي محله على ان وجه اىل كل قطر قطرا حييي به اموات القلوب‬
‫واىل كل افق بدرا يهدي به اىل املطلوب فيا هلا من نعمة جيب شكرها على املسلمني‬
‫وكفرها ال يكون اال من ضعيف الدين عدمي اليقني ليس هو من املتقني فان املتقي ما‬
‫حتمله النفس على احلسد وال يؤل به اتباع اهلوى اىل جحود فضل اهل التقوى واما اكابر‬
‫اتبا عه فلما شهدان من بعضهم الذين رأيناهم من العمل ابلعلم والنصيحة والتعليم وحسن‬
‫السرية واخالص السريرة اليت تدل عليها عدم التفاهتم اىل اخللق اال لنفعهم واعتمادهم‬
‫‪- 1246 -‬‬

‫على احلق يف خفضهم ورفعهم واستغراقهم يف العبادة واهنماكهم فيما يوجب هلم السعادة‬
‫فال شك اهنم من خالصة الطائفة املذكورة وممن ذكرهم هللا يف آية سورة فعليك اي اخي‬
‫مبحبة هذه الطائفة وصحبتهم وخدمتهم واالنتساب اليهم فاهنم قوم ال يشقى جليسهم‬
‫فكيف حمسوهبم وفقين هللا واايك وهو اكرم االكرمني‪.‬‬
‫(الباب الثاين) يف النقل املوجب للذات يف ذكر اسم الذات اعلم ايها االخ شغلين‬
‫هللا واايك بذكر امسه االعظم ان اكثر العلماء ابهلل واجلهم نصيبا من هللا و امجلهم شهودا‬
‫هلل وأفضلهم صحوا مع هللا وامثلهم حموا يف حمبة هللا الذين تكون بدايتهم هللا وهنايتهم هللا‬
‫و على ذلك اكثر العارفني من املتقدمني واملتأخرين قال هللا واذكر اسم ربك وامسه اجلامع‬
‫هللا وهو علم الذات الواجب الوجود لذاته قال ثعلب اسم مفرد فيه توحيد جمرد قال تعاىل‬
‫قل هللا مث ذرهم يف خوضهم يلعبون فان قيل هذا ال داللة فيه النه نزل ردا على من قال‬
‫ما انزل هللا على بشر من شئ فلما ألزم بكتاب موسى فلم جيب قيل له قل هذا اجلواب‬
‫ان مل يقله فيقال ما يلزم من كونه ردا انه غري متعبد به فان قولنا ايضا ال اله اال هللا رد‬
‫على من جعل مع هللا اهلا آخر فهما سيان ويف صحيح مسلم عن أنس رضي هللا عنه ان‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال ال تقوم الساعة حت ال يقال يف االرض هللا هللا ويف‬
‫رواية ال تقوم السا عة على احد يقول هللا هللا فهذا احلديث مصرح ابن هللا هللا من االقوال‬
‫اليت تقال وانه اذا انصرم الزمان مل يبق احد يذكر هللا هبذا القول وحينئذ تقوم الساعة‬
‫فكالم هللا سبحانه وتعاىل وكالم رسوله صلّى هللا عليه و سلّم فيهما اهلداية للموفق العامل‬
‫هبذا الذكر والكفاية للمشكك املنصف والنكاية للمتعصب املتصلف واما كالم العلماء‬
‫احملققني اجلامعني بني الفقه وغريه من العلوم الشرعية فقد قال االمام حجة االسالم‬
‫الغزايل يف االحياء يف كتاب رايضة النفس عند ذكر فوائد اخللوة وعند ذلك يلقنه اي‬
‫يلقن الشيخ املريد ذكرا من االذكار حت يشتغل به لسانه وقلبه فيجلس مثال ويقول هللا‬
‫هللا او سبحان هللا او ما يراه الشيخ من الكلمات انتهى قال االمام احلرب اجلليل النواوي‬
‫الذي قال فيه التقي السبكي {شعرا}‪:‬‬
‫‪- 1247 -‬‬

‫ويف دار احلديث لطيف معن * أصلي يف جوانبه وآوي‬


‫لعلي ان اانل حبر وجهي * ترااب مسه قدم النواوي‬
‫يف حزبه املشهور هللا هللا هللا ريب ال اشرك به شيئا هللا هللا هللا ريب ال اله اال هللا‬
‫انتهى والكالم على كونه مفردا او مجلة أييت ان شاء هللا وقال االمام الكبري الفخر الرازي‬
‫يف كتابه اسرار التنزيل واما الذين اكتفوا يف النهاايت بكلمة هللا فلهم فيه وجوه احلجة‬
‫االوىل ان نفي العيب عمن يستحيل عليه العيب عيب احلجة الثانية أن من قال ال اله اال‬
‫ال هللا فلعله حني ذكر كلمة النفي ال جيد من املهملة ما يصل منه اىل االثبات و حينئذ‬
‫يبقى يف النفي غري منتقل اىل االثبات ويف اجلحود غري منتقل اىل االقرار احلجة الثالثة ان‬
‫املواصلة على هذه الكلمة متشعبة بتعظيم احلق واالشتغال بنفي االغيار يرجع يف احلقيقة‬
‫اىل شغل القلب ابألغيار وذلك مينع من االستغراق يف نور التوحيد فمن قال ال اله اال هللا‬
‫فهو مشتغل بغري احلق ومن قال هللا فهو مشتغل ابحلق فأين احد املقامني من اآلخر‬
‫احلجة الرابعة ان نفي الشئ امنا حيتاج اليه عند خطر ان ذلك ابلبال وخطور شريك هللا‬
‫ابلبال ال يكون اال لنقصان يف احلال فاما الكاملون الذين ال خيطر بباهلم وجود الشريك‬
‫امتنع ان نكلفهم بنفي الشريك بل هؤالء ال خيطر بباهلم وال يف خياهلم اال ذكر هللا فال‬
‫جرم يكفيهم ان يقولوا هللا احلجة اخلامسة قال هللا قل هللا مث ذرهم يف خوضم يلعبون فامره‬
‫بذكره ومنعه من اخلوض معهم يف اابطيلهم ولعبهم والقول ابلشريك من االابطيل ففيه‬
‫خوض يف ذلك الكالم وكان االوىل االقتصار على قولنا هللا انتهى وقال اجلهبذ املنور‬
‫والعالمة املصدر والنحرير املشتهر الشيخ شهاب ابن حجر يف الفتاوى الصغرى وذكر‬
‫ال اله االّ هللا أفضل من ذكر اجلاللة مطلقا هذا بلسان أئمة الظاهر أما عند أهل الباطن‬
‫فاحلال خيتلف ابحوال السالك فمن هو يف ابتداء أمره ومقاساته لشهود االغيار وعدم‬
‫انفكاكه عن التعلق هبا وعن ارادته وشهواته وبقائه مع نفسه حيتاج اىل ادمان االثبات بعد‬
‫النفي حت يستويل عليه سلطان الذكر وجواذب احلق املرتتبة على ذلك فاذا استولت عليه‬
‫تلك اجلواذب حت اخرجته من شهواته وارادته وحظوظه ومجيع اغراض نفسه صار بعيدا‬
‫‪- 1248 -‬‬

‫عن شهود االغيار واستوىل عليه مراقبة احلق وشهوده حينئذ يكون مستغرقا يف حقائق‬
‫اجلم ع االحدي والشهود السرمد الفردي فاالنسب حلاله االعراض عما يذكر ابالغيار‬
‫واستغراقه فيما يناسب حاله من ذكر اجلاللة فقط الن ذلك فيه متام لذاته ومتام مسرته‬
‫ونعمته و منتهى اربه وحمبته بل لو اراد قهر نفسه اىل الرجوع اىل شهود غريه حت ينفيه او‬
‫تعلق به خاطره مل تطا وعه نفسه املطمئنة ملا شاهدت من احلقائق الوهبية واملعارف الذوقية‬
‫والعوارف اللدنية وقد فتحنا لك اباب تستدل مبا ذكرانه يف فتحه على ما وراه فافهم‬
‫مقاصد القوم الساملني من كل حمذور ولوم وسلم هلم تسلم وال تنتقد حقيقة من حقائقهم‬
‫تندم بل قل فيما مل يظهر لك و هللا اعلم انتهى وقال العالمة الشيخ عبد الرؤف املناوي‬
‫يف شرحه الكبري على اجلامع الصغري يف شرح قوله صلّى هللا عليه و سلّم اذكر هللا فانه‬
‫عون لك على ما تطلب قال اذكر هللا ابلقلب ابن تقول ال اله اال هللا مع اخالص والذكر‬
‫ثالث نفي واثبات واثبات بغري نفي واشارة بغري تعرض لنفي وال ثبات فاالول قول ال اله‬
‫االّ هللا والذكر به قوام كل جسد وموافق ملزاج كل احد الثاين امسه الشريف اجلامع وهو هللا‬
‫اسم جالل حمرق ليس كل احد يطبق الذكر به والثالث ذكر االشارة وهو هو فدوام ذكر‬
‫ال اله اال هللا سبب لليقظة من الغفلة وذكر هللا سبب للخروج عن اليقظة يف الذكر اىل‬
‫وجوه احلضور مع املذكور وذكر هو هو سبب للخروج عن ما سوى املذكور وقال ايضا‬
‫يف شرح قوله صلّى هللا عليه و سلّم من سره ان حيب هللا ورسوله فليقرأ القرآن قال نظرا يف‬
‫املصحف مث قال بعد كالم كان بعض املشائخ الصوفية اذا سلك مريدا اشغله بذكر‬
‫اجلاللة وكتبها هلا يف كفه وامره ابلنظر اليها حال الذكر قالوا هذا اول شئ يرفع كما قاله‬
‫عبادة ابن الصامت ويبقى بعده على اللسان حجة فيتهاون الناس فيه حت يذهب‬
‫بذهاب مجلته مث تقوم الساعة على شرار الناس ليس فيهم من يقول هللا هللا واما كالم‬
‫احملققني من الصوفية اجلامعني بني العلم الظاهر والباطن فقد قال الشيخ العارف امحد‬
‫الغزايل اخو حجة االسالم يف رسالته التجريد يف كلمة التوحيد اعلم ان السالك له ثالث‬
‫منازل فاملنزل االول عامل الفناء واملنزل الثاين عامل اجلذبة واملنزل الثالث عامل القبضة فاجعل‬
‫‪- 1249 -‬‬

‫ذكرك يف عامل الفناء ال اله اال هللا ويف اجلذبة هللا هللا ويف عامل القبضة هو هو انتهى‬
‫ابختصار وقال الشيخ عفيف الدين التلمساين يف كتابه الكربيت االمحر العارفون على ان‬
‫افضل العبادات حفظ االنفاس مع هللا ويكون دخوهلا وخروجها بذكر اجلاللة وهو قولك‬
‫هللا هللا وال اله اال هللا وهو الذكر اخلفي الذي ال تتحرك به الشفتان انتهى وقال العارف‬
‫ابهلل الشيخ عبد السالم بن مشيش يف آخر صالته على النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫املشهورة هللا هللا هللا ان الذي فرض عليك القرآن لرادك اىل معاد انتهى وقال ابن عطاء‬
‫هللا الشاذيل يف كتابه مفتاح الفالح الذكر الرابع هللا ويسمى املفرد الن ذاكره مشاهد‬
‫جلالل هللا وعظمته قال هللا تعاىل قل هللا مث ذرهم يف خوضهم يلعبون وقال يف ابب ذكر‬
‫اخللوة منه وليكن ذكرك االسم اجلامع وهو هللا واحذر ان يفوه به لسانك وليكن القلب‬
‫هو القائل واالذن مصغية هلذا الذكر حت ينبعث الناطق يف سرك فاذا احسست بظهور‬
‫الناطق فيك ابلذكر فال ترتك حالتك اليت كنت عليها انتهى وقال االمام العارف الشيخ‬
‫عبد الوهاب الشعراين يف العهود الصغرى اخذ علينا العهد ان ال ميضي علينا يوم وال ليلة‬
‫حت نذكر هللا عز وجل بتكرير اجلاللة اربعا وعشرين الف مرة عدد االنفاس الواقعة يف‬
‫الثالث مائة وستني درجة انتهى وقال العارف الشيخ يوسف الكوراين يف قوله صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم موتوا قبل ان متوتوا وظاهر صفات امليت ان ال يرىي وال يتكلم وال يتحرك وال‬
‫يعجز احد ان يغمض عينيه ويسكن ويسكت مقدار ثلثة انفاس او مقدار استطاعته فقد‬
‫قال صلّى هللا عليه و سلّم اذا امرتكم فأتوا منه ما استطعتم فاذا فعل ذلك فقد مات واتى‬
‫ابستطاعته يف ظاهره فاذا اضاف عليه هللا هللا هللا ابلقلب دون اللسان فقد شارك اخلاص‬
‫ابلقدم وان جعل ذلك مرجعه يف كل ما وجد فراغه صار من السالكني اخلواص على قدر‬
‫انسه ابهلل هللا هللا و على قدر ث باته فيه يكون من الفائزين الذين ال خوف عليهم وال هم‬
‫حيزنون ونقل مجيع ما ورد من كالم العلماء يف ذكر اجلاللة امر متعسر جدا بل متعذر اذ‬
‫حيتاج اىل صرف زمان وتتبع مجيع الكتب التفسريية واحلديثية والصوفية والكتب يف هذه‬
‫الفنون ال حصر هلا فمن املستحيل الوقوف عليها ومن ال يكتفي ابمام واحد من هؤالء‬
‫‪- 1250 -‬‬

‫االئمة ال خري فيه وقضية الشبلي املشهورة ال ختفى على من هو له مطالعة يف سري‬
‫الصاحلني ذكرها غري واحد منهم الفخر الرازي يف اسرار التنزيل ومنهم ابن عطاء هللا يف‬
‫مفتاح الفالح ان رجال سأل الشبلي مل تقول هللا وال تقول ال اله اال هللا فقال ان الصديق‬
‫اعطى ماله فلم يبقى معه شئ فتخلل ابلكساء بني يدي النيب صلّى هللا عليه و سلّم فقال‬
‫له وما خليت لعيالك فقال هللا فكذا اان اقول هللا فقال السائل اريد اعلي من هذا فقال‬
‫الشبلي استحي من ذكر كلمة النفي يف حضرته والكل نوره فقال السائل اريد اعلى من‬
‫هذا فقال الشبلي اخاف ان اموت على االنكار فال اصل اىل االقرار فقال السائل اريد‬
‫اعلى من هذا فقال الشبلي قال هللا تعاىل لنبيه صلّى هللا عليه و سلّم قل هللا مث ذرهم يف‬
‫خوضهم يلعبون فقام السائل فزعق زعقة فقال الشبلي هللا فزعق اثنيا فقال الشبلي هللا‬
‫فزعق اثلثا ومات فاجتمع اقارب الفت وتعلقوا ابلشبلي وادعوا عليه الدم ومحلوه اىل‬
‫اخلليفة فاذن هلم فدخلوا عليه وادعوا الدم فقال اخلليفة للشبلي ما جوابك فقال روح‬
‫حنت فرنت ومست فصاحت ودعيت فسمعت فعلمت فاجابت فما ذنيب فصاح اخلليفة‬
‫خلوا سبيله ونظري هذا السؤال ما ذكره الشيخ االكرب حميي الدين يف الفتوحات انه سأل‬
‫احد شيوخه مل تقولون هللا وال تقولون ال اله اال هللا فقال ما مسعت وال رأيت احدا يقول‬
‫اان هللا غري هللا فاان اقول كما يقول هللا انتهى وههنا عبارة مجيلة ينبغي ان نوقفك عليه‬
‫لنعلم كيف اعتناء العلماء هبذا الذكر قال القاضي عياض يف منت الشفاء يف وصف اولياء‬
‫هللا هلجني بصادق قوله قل هللا مث ذرهم يف خوضهم يلعبون قال الشارح اخلفاجي يعين ان‬
‫هؤالء املخلصني هلل املختصني به الذين شغلوا ظاهرهم وابطنهم مبحبته وردهم دائما ذكر‬
‫هللا واالعراض عما سواه ممتثلني هبذه اآلية مقصود املصنف التمثل هبا متثل الشبلي ملن‬
‫قال له اوصين فقال عليك ابهلل ودع ما سواه وكن معه وذرهم يف خوضهم يلعبون مث قال‬
‫وههنا حبث وهو انه قيل ان ذكر هللا بتكرير لفظ اجلاللة بدعة ال ثواب فيها قال اخلطاب‬
‫يف شرح خمتصر الشيخ خليل سئل العز بن عبد السالم عمن يقول هللا هللا مقتصرا على‬
‫ذلك هل هو مثل سبحان هللا وحنوه فأجاب ابنه بدعة مل ينقل مثله عن احد من السلف‬
‫‪- 1251 -‬‬

‫والذكر املشروع ال بد فيه من ان يكون مجلة مفيدة واالتباع خري من االبتداع وحنوه ما‬
‫أفتاه البلقيين يف قوم ال يزالون يقولون حممد حممد كثريا مث يقولون مكرم معظم فاجاب ابنه‬
‫ترك ادب وبدعة مل تنقل قال اخلفاجي اقول ما ذكره يف اسم النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫من كونه بدعة ظاهر النه مع كونه مل يتعبد مبثله داخل فيما هني عنه لقوله تعاىل ال جتعلوا‬
‫دعاء الرسول بينكم كدعاد بعضكم بعضا وأما ذكر هللا فقد ورد االمر به ووعد ذاكره‬
‫ابلثواب يف آايت وأحاديث ال حتصى كقوله تعاىل الذاكرين هللا كثريا والذاكرات ويف‬
‫احلديث القدسي من شغله ذكري عن مسئليت اعطيته أفضل ما أعطي السائلني اىل غري‬
‫ذلك ومل يقيد بقيد على ان الذاكر قصده التعظيم والتوحيد فهو اذا قال هللا مالحظا‬
‫ملعناه فكأنه قال معبودي واجب الوجود مستحق جلميع احملامد ومل يزل العلماء والصلحاء‬
‫يفعلونه من غري نكري وكان االستاذ البكري يفعله ويقول بعده أستغفر هللا مما سوى هللا‬
‫وكل شئ يقول هللا ويف جملسه اجلة العلماء واملشائخ وهذا هو احلق وقد صنف يف رد‬
‫مقالة ابن عبد السالم هذه عدة رسائل رأيناه وممن صنف فيها القطب القسطالين‬
‫والعارف ابهلل املرصفي والشيخ عبد الكرمي اخللويت وبه افت من عاصرانه اللهم احشران يف‬
‫زمرة الذاكرين وال جتلعنا من الغافلني انتهى فيكفي ما اوردانه من كالم اخلفاجي مع ان‬
‫الشيخ عبد الوهاب الشعراين ذكر ان العز بن عبد السالم سئل اميا أفضل أو اويل للذاكر‬
‫االشتغال بذكر اجلاللة او ال اله اال هللا فاجاب ابن ال اله اال هللا أفضل للمبتدئ واجلاللة‬
‫افضل للمنتهي انتهى على اان ال نسلم قول هللا مفردا وامنا هو مجلة فعلية النه منادى وايء‬
‫النداء احملذوفة انئبة مناب الفعل فال شبهة عليك ان كنت جاهال وان كنت عاقال‬
‫فاك تف بكالم واحد من هؤالء االئمة فامسع امسعك الرب قول هللا من داخل القلب وال‬
‫جعلك ممن يتعصب فيحجب قول بعض املتوجهني اىل هللا بلغه ربه ما يتمناه اعوذ ابهلل‬
‫من الشيطان الرجيم {اشعار}‪:‬‬
‫ان الشياطني انواع منوعة * منها املوسوس واآليت بتلبيس‬
‫وشرها من كمثل الناس صورته * فرخ الرجيم اخو االغوى بتأسيس‬
‫‪- 1252 -‬‬

‫ان قلت هللا قال احذر تقله فذا * ال فضل فيه فقل مه ضنأ جغموس‬
‫اذكر قل هللا واحذر ان متيل اىل * قول الغوي وتلبيس البليس‬
‫شرح اخلفاجي ينفي كل وسوسة * فال تبال بوسواس بن طعموس‬
‫واتل العهود ومفتاح الفالح كذا * شرح املناوي واهجر كل دعبوس‬
‫هو الغيب اجلهول وهو ذو محق * يصغي اىل كل ذي زور وتدليس‬
‫من الغزايل والرازي والنووي * والشاذيل االيل من كل اريس‬
‫والقسطالين والبكري قدوته * من ذا خيالفهم من اجل جعسوس‬
‫اتنكرون علينا ان نقلدهم * اي شيعة االفك كال زمرة السوس‬
‫اي ويح قوم بغوا والبغي مهلكهم * على كرام اويل ذكر وتقديس‬
‫هللا هللا قبح فيه عندكم * هللا اكرب اي غارات قدوس‬
‫فعليك اي أخي ابالقبال على هللا واالشتغال بذكر هللا خصوصا هبذا االسم االعظم‬
‫الذي حصل به الفضل لال اله اال هللا فلو قاهلا مكلف ومل يتمها به كفر فال تطع من‬
‫انكر وعن احلق استكرب فتقول حني تقرب وحتشر اي ليتين مل اختذ فالان خليال لقد اضلين‬
‫عن الذكر بعد اذ جاءين وكان الشيطان لالنسان خذوال وفقين هللا واايك لالقبال عليه‬
‫ابلذكر املوجب للفوز لديه‪.‬‬
‫(الباب الثالث) يف تعريف رابطة اويل االجتبا وثبوت الرابطة لكل انسان شاء او‬
‫اىب اعلم أيها االخ وفقك هللا لسلوك الصراط املستقيم وعصمين واايك من الشيطان‬
‫الرجيم ان الرابطة عبارة عن تعلق القلب بشئ لشئ على وجه احملبة وهذا التعلق اترة‬
‫يكون حممودا واترة يكون مذمووما واترة يكون مباحا النه ال خيفى اما ان يكون مأمورا‬
‫او ال فاالول حممود كحب هللا وحب رسوله صلّى هللا عليه و سلّم واحلب يف هللا وحب‬
‫ما يقرب اليه والثاين هو ان يكون منهيا عنه او ال فاألول مذموم كحب احملرمات‬
‫واملكروهات وان مل يرتتب على املكروهات عقاب النه يرتتب عليها عتاب والثاين املباح‬
‫‪- 1253 -‬‬

‫كحب االنسان اهله وولده ابلطبع اجلبلي الذي ال انفكاك عنه الحد فقد مشل هذا‬
‫التقسيم االحكام اخلمسة فان احملمود يندرج فيه الواجب واملندوب واملذموم يتضمن احلرام‬
‫واملكروه واملباح معلوم دخوله حتت غري املنهي عنه وهو قولنا اوال فتعلق القلب حاصل‬
‫لكل انسان فلو تنبه املنكر لعلم ان ما ينكره عني ما يستحضره وان الذي جيهله هو الذي‬
‫يفعله من الرابطة اليت ينفي ثبوهتا مع فعله اايها فيه من اساءة االدب مع هللا تعاىل ما ال‬
‫ميكن جحده ولعلم انه يتأكد عليه ان يعمل عمال يزيل عنه هذا البالء الذي اهلكه من‬
‫حيث ال يشعر لشدة سكره يف غفلته وذلك انه اذا كرب تكبرية االحرام سرح يف اودية‬
‫االفكار واالوهام واعرض عن ربه ونسي نفسه نسوا هللا فانسيهم انفسهم واشتغل اما‬
‫برابطة وقفه او ملكه او حرفته أو زوجته ان كانت نفسه مفتونة هبا او ولده او تقرير‬
‫مسئلة يلقيها ابليس اليه ليخرجه من صالته مفلسا او خماطبة من يرجتي منه زكاة او‬
‫صدقة فيقول اايك نعبد وهو مقبل على معبوده الشهودي ورابطته اليت هي نصب عينه‬
‫ويستمر على هذه احلالة حت يسلم فاذا سلم التسليمة االويل شرع ابالنكار على الرابطة‬
‫اليت يفعلها العلماء العارفون يف وقت خمصوص ليحصل بواسطتها انتفاء الغفلة حت يقبلوا‬
‫على رهبم يف صالهتم وذكرهم بقلب حاضر وقد ورد عل ّي سؤال من بعض املعرتضني وهو‬
‫ان الرابطة اليت أتمرون املريد هبا ال ختلو بقرينة االمر هبا من ان يكون حكمها االجياب او‬
‫الندب ومها امران شرعيان ال بد هلما من دليل واالدلة الكتاب والسنة واالمجاع والقياس‬
‫وغريها من االدلة راجع اليها فما الدليل على ندب الرابطة او وجوهبا وايضا ال شك ان‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم شيخ الصحابة الهنم اخذوا عنه االذكار وغريها فلم يبلغنا انه‬
‫امرهم بتصور صورته اليت هي اكمل الصور االنسانية فلو امرهم لنقل ال سيما اذا كان‬
‫ذلك واجبا الن الواجب مما تتوافر الدواعي على نقله انتهى فأقول اجلواب عن هذا‬
‫السؤال من وجوه االول ان الرابطة اليت أنمر املريد ابمر السادة النقشبندية الذين هم قال‬
‫الشهاب ابن حجر يف الفتاوى الصغرى عن طريقتهم اهنا الطريقة الساملة من كدورات‬
‫جهلة الصوفية مندوبة الهنا من الوسائل املوجبة لدفع اخلطرات ونفي الغفلة والوسائل هلا‬
‫‪- 1254 -‬‬

‫حكم املقاصد واالمر الذي مل ي نه عنه الشرع يسوغ فعله اما على طريق االابحة ان ادى‬
‫اىل مباح او الندب ان اوجب مندواب او الوجوب ان حصل واجبا ال حيصل بغريه فقد‬
‫حصل لنا ابلتجربة وحنن قوم اكثر من عدد التواتر اان اذا تصوران الرابطة انتفت عنا‬
‫االغيار كلها وبقي هذا الغري وحده فنعرض عنه حينئذ وه ذا مثل انسان له اعداء فتودد‬
‫اىل بعضهم وسلطه على ابقيهم فاذا اهلكهم عنه مل يبق اال واحد فيقدر على ازالته فيزيله‬
‫وهذا وجه ينبغي للمنصف ان يتأمله فانه ظاهر احلسن مطابق للواقع الن الرابطة ليست‬
‫مرادة لعينها بل مرادة لغريها الثاين قولكم ال ختلو بقرينة االمر هبا من ان يكون حكمها‬
‫االجياب او الندب اقول ال نسلم ان غري الشارع اذا امر ابمر ان يكون حكمه االجياب‬
‫او الندب وان االنسان قد أيمر غريه بفعل مباح لغرض ما من االغراض له او للمأمور‬
‫وقد أيمر الطبيب املريض بشرب بعض االدوية فان كان امتثال امر الطبيب واجبا او‬
‫مندواب فم ا نستعمله من قبيله الثالث قولكم ومها شرعيان ال بد هلما من دليل اقول هذا‬
‫بناء على قولنا ان الرابطة توصل اىل امر مندوب وما اوصل اىل املندوب مندوب فالدليل‬
‫موجود ال على قولكم كل مأمور به ال خيلو من ان يكون حكمه االجياب او الندب ملا‬
‫ذكران من ان غري امر الشارع قد خيلو منهما ويكون لغرض ما الرابع قولكم واالدلة‬
‫الكتاب اقول وهل يعزب عن الكتاب شئ وهو قد مجع كل رطب وايبس قال هللا تعاىل‬
‫اي ايها الذين آمنوا اتقوا هللا وابتغو اليه الوسيلة والوسيلة ابالعمال الصاحلة وال تكون‬
‫االعمال صاحلة اال ابالخالص وال يكون العمل خالصا اال اذا خال عن الشوائب وقد‬
‫حصل لنا ابلتجربة أان اذا اشتغلنا ابلرابطة خلت اعمالنا عن شوائب الغفلة والعمل يف‬
‫الغفلة غري معتد به النه يكتب للعبد من صالته ما عقل منها فهي من الوسائل املوجبة‬
‫لزوال الغفلة وزوال الغفلة مقصود وما اوصل اىل املقص مقص ومن لوازم زوال الغفلة‬
‫احلضور وهو من أشرف الوسائل فالرابطة املوجبة لزوال الغفلة املوجب للحضور من‬
‫اشرف الوسائل اخلامس قولكم والسنة اقول وهل يشذ عن كالم النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم وحتت كل كلمة من كالمه من حبار املعاين ما يتوصل به اىل خري قال صلّى هللا عليه‬
‫‪- 1255 -‬‬

‫و سلّم امنا االعمال ابلنيات وامنا لكل امرئ ما نوى واالعمال بدنية وقلبية فاحلركات‬
‫والتصورات املباحة اذا نوى هبا االنسان الطاعة او التقوى هبا عليها فله ما نوى ولو مل‬
‫يدرك مراده فكيف اذا حتقق له حصول املراد وال خيفي ان قول اجلائع للشبعان انت جائع‬
‫مثال ال يوجب له جوعا فكذلك قول املعرتض ما نرى صحة ما ترونه ما يوجب عدم‬
‫صحة رؤيتنا فعليه ان يقول ما تدعونه حقا فانتم وشأنكم وال يسوغ له غري ذلك ان‬
‫نصح نفسه السادس قولكم واالمجاع اقول قد امجع اهل فن التصوف على عمل الرابطة‬
‫وقرره منهم اجلم الغفري وهو عندهم طريق مشهور وامجاعهم على عمل يف مذهبهم حجة‬
‫جيب قبوهلا على من متذهب مبذهبهم وسنورد اقاويلهم انشاء هللا وال يسوغ لغريهم‬
‫االعرتاض عليهم مبا مل حيط به علما السابع قولكم والقياس اقول قال الفقهاء يسن‬
‫للمصلي ان ال جياوز بصره اشارته وذلك النه امجع للهم وادفع للتفرق فكذلك الرابطة‬
‫تستعمل لدفع االغيار و استجالب احلضور الثامن قولكم فما الديل على ندب الرابطة‬
‫اخل اقول الدليل يطلب من اجملتهد ال من املقلد وامنا على املقلد تصحيح النقل فان طلبتم‬
‫دليال من كالم اهل الفن فسيأيت على انه ال يلزمه ايراد غري كالم النقشبندية كما انه ال‬
‫يلزمنا ان لو طلب منا نص ملسئلة يف الفقه ايراد كالم غري الشافعية التاسع قولكم مل تبلغنا‬
‫انتهى اقول ما يلزم من عدم بلوغه اايكم عدم ثبوته وال يلزم من جهلكم به عدم علم‬
‫غريكم به ولعله بلغكم وجهلتموه ومر عليكم ومل تعرفوه وهل للصحبة معن سوى انطباع‬
‫صورة النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف مرآة القلب الذي رآه مؤمنا او انطباع صورة‬
‫الشخص املؤمن يف ذهن النيب عليه السالم ولوال ذلك مل يعد يف الصحابة من رآه النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم و هل امر اوضح من دعاء النيب صلّى هللا عليه و سلّم اىل مبايعته‬
‫املستلزمة للرؤية املستلزمة ال انطباع الصورة واذا انطبعت الصورة يف الذهن ظهرت لرائيها‬
‫يف خميلته مهما تذكر املرئي شاء او اىب ولو كان عدوا فاستحضار صورة النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم وختيلها الذي هو املراد بقولنا تصورها حمبة له واشتياقا اليه ال يقول مبنعها اال‬
‫امحق خبيث فاالمر مبستلزم شيئا مستلزما شيئا آخر امر بذلك الشئ اآلخر العاشر‬
‫‪- 1256 -‬‬

‫قولكم ال سيما اذا كان واجبا اقول مل يقل احد من اهل التصوف بوجوب الرابطة وال‬
‫ابستحباهبا لذاهتا بل ملا توصل اليه من احملاب واملريد يلقن الرابطة وهو خمري يف فعلها‬
‫وتركها فان ظهرت له فائدهتا أتكد عليه فعلها وان تركها فقد ترك اداب من اآلداب هذا‬
‫كله يف البداايت واما يف النهاايت فال رابطة له سوى استغراقه يف شهود من ليس كمثله‬
‫شئ فما هو صورة متثل وال تقابل وال تقبل احلادي عشر قدران مع هذا كله انه ال دليل‬
‫لنا وال عمل هبذا العمل احد قبلنا وامنا حنن عملنا ملا نرى من فائدته فهل ورد فيمن تصور‬
‫صورة حمبوبه وختيل انه يقبل يده او رجله او يضعه على رأسه او جبهته او يعتنقه او‬
‫يدخله يف قلبه هني من الكتاب او السنة او االمجاع او القياس {شعر}‪:‬‬
‫يل سادة من عزهم * أقدامهم فوق اجلباه‬
‫ان مل اكن منهم فلي * يف حبهم عز وجاه‬
‫واذا تقرر عندان انه حيصل بواسطة الرابطة انتفاء الغفلة فاالشتغال هبا من مهمات‬
‫آداب الطريق اذ من املعلوم ان زوال الغفلة مطلوب وهو مفتاح السعادات وان احلضور‬
‫روح العبادات وزوال الغفلة ال يكون اال بنزول رمحة هللا تعاىل على عبده ومن اسباب‬
‫نزول الرمحة ذكر الصاحلني وعند ذكر الصاحلني تنزل الرمحة وذكرهم من لوازم حمبتهم‬
‫وحمبتهم فرض لقوله صلّى هللا عليه و سلّم وهل الدين اال احلب يف هللا والبغض يف هللا‬
‫احلديث وحمبتهم حمبة هللا لقوله صلّى هللا عليه و سلّم حاكيا عن هللا تعاىل اوجبت حمبيت‬
‫للمتحابني يف احلديث وعداوهتم حماربة مع هللا لقوله تعاىل على لسان نبيه صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم من عادى يل وليا فقد آذنته ابحلرب احلديث فما استعمله الصفوة من عباد هللا‬
‫عني ما حكاه صلّى هللا عليه و سلّم فالذي ارى انك تصم مسعك عن االفرتاء وال‬
‫تصحب من كذب وامرتى وتصون لسانك عن املراء وتنقاد للحق وختضع ويف ردي عن‬
‫طريقي ال تطمع وان تعدل كل عدل ال ينفع {شعر}‪:‬‬
‫و هللا اان ما اقنع * بسوى الوجه املربقع‬
‫فليواصلين بكلي * هو او يقصي ويقطع‬
‫‪- 1257 -‬‬

‫حبه ملء وجودي * فيه ارنو وامسع‬


‫عميت عني حسودي * عن صعودي حني اطلع‬
‫راقيا حنو حبييب * قائال ما شئت فاصنع‬
‫لست اروي منك اتهلل * وال و هللا اشبع‬
‫مذهيب مذهب خلي * يف اهلوى واحلق اوسع‬
‫فاان الشيخ زماان * كنت فيه اان مرضع‬
‫واان اليوم رضيع * لست عن ثديك ارفع‬
‫اي ثدي لك حت * اان يف درك اكرع‬
‫او ما تنظرين يف * كل حني بك افجع‬
‫واىل حجرك ادنو * و برأسي لك اخضع‬
‫راجيا انك حتويين * و ذاك العيش يرجع‬
‫فاذا كنت انيسي * و جليسي كيف افزع‬
‫انين اشكر نعماك * و يف ذكرك اخشع‬
‫ما دعاين لك االّك * ويل اليك مرجع‬
‫فلهذا اترك املعتكر * مهما شاء يشفع‬
‫يدعي ان سبيلي * غري ما للحق يشرع‬
‫ولعمري انه التائه * يف بيداء بلقع‬
‫ايها املنكر اين * شئت يف الغي تقنع‬
‫انت ما تبصر هنجي * بل طريقا فيه تسبع‬
‫ليست االبصار تعمي * لكن القلب املطبع‬
‫هذا وحنن ال نستدل للرابطة من دليل ودليل من قلدانه من العلماء كاف واف‬
‫ابملقص فاالنكار متوجه على اجلنيد واجليلي والدسوقي وحنوهم الذين قرروا الرابطة‬
‫‪- 1258 -‬‬

‫بكيفياهتا كما سرتاها ان شاء هللا يف ابب رابطة االولياء عصمين هللا واايك من االنكار‬
‫ووفقنا التباع النيب املختار وحمبة الصادقني االبرار‬
‫(الباب الرابع) القول االسن يف استحباب الرابطة احلسن اعلم ايها االخ ارشدك‬
‫هللا ان الرابطة من مجلة الوسائل املوصلة اىل احلضور يف عبادة هللا والوسائل هلا حكم‬
‫املقاصد قال سيدي احلبيب عبد هللا ابعلوي احلداد يف كتابه احتاف السائل احلضور مع‬
‫هللا روح العبادات وهو املقص منها وبه يعبأ احملققون واالعمال اليت تصدر مع الغفلة‬
‫يروهنا اىل العقوبة واحلجاب اقرب منها اىل املكاشفة والثواب فالرابطة تفيد احلضور‬
‫واحلضور يفيد رفع احلجاب فالرابطة تفيد رفع احلجاب ورفع احلجاب مطلوب وكل ما‬
‫افاد امل طلوب مطلوب فالرابطة مطلوبة فقد هلك من ال رابطة له وكل انسان له رابطة‬
‫لكن شواهد الرمحة اهلابطة قل ان كنتم حتبون هللا فاتبعوين حيببكم هللا فرابطة رسول هللا‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم دائمة و اسناها وامساها قوله صلّى هللا عليه و سلّم يل وقت ال‬
‫يسعين فيه غري ريب ورابطة االولياء قوله صلّى هللا عليه و سلّم حاكيا عن هللا تعاىل ما‬
‫وسعين ارضي وال مساوايت احلديث ورابطة املريدين قوله صلّى هللا عليه و سلّم حاكيا عن‬
‫ربه تعاىل ايضا وجبت حمبيت احلديث وهذا امر ال يدركه االنسان اال ابلذوق والوجدان‬
‫فان احببت اي اخي ان تسلك سبيل الرمحة اهلابطة وتكون لك على التقوى مرابطة‬
‫فعليك بطريق الرابطة فاهنا تعلق القلب وتعلق القلب بطاعة هللا ورسوله منتج حملبة هللا‬
‫ورسوله والرابطة حيصل هبا زوال الغفلة ومجع القلب على هللا وذهاب القسوة من القلب‬
‫واخلشوع ونزول الرمحة وكل ذلك يثمر احملبة فاين اي اخي قد حققت ذلك وابصرت ربح‬
‫من سلك هذه املسالك وتيقنت انك غر مل تدر ما هنالك او مغرور تلقي نفسك يف‬
‫االنكار الذي هو افضح املهالك إفرتى اين اصغي لتعذالك او اميل اىل زخرف اقوالك او‬
‫خيفى عل ّي دقيق احتيالك هيهات هيهات ذلك {شعر}‪:‬‬
‫فال تلحين فيما اعاين فامنا * غرامي كهل والعذول رضيع‬
‫دعاين اهلوى حت ادعى الغيب انين * شهادته واحلاضرون هجوع‬
‫‪- 1259 -‬‬

‫حماين عن عيين وعن عني عينه * فصيفي شتاء واخلريف ربيع‬


‫وعن غائيب عن شاهدي وهو انه * كذاك وال خيفى عليه صنيع‬
‫فزاد هيامي فيه حت اذا جنا * سقامي ذنبا فالغرام شفيع‬
‫وما ساءين ما ساء من سوء حمنة * فمنحة قليب ان تسيل دموع‬
‫اىب الوجد االّ ان يريق مدامعي * دما وهيامي يف الوجود يشيع‬
‫هل احلب االّ ما حوته اضالعي * فللّه حب ضمنته ضلوع‬
‫لسيب احلشا اين بعشقي سنا الرشا * سليب احلجى مين الفؤاد لديغ‬
‫فهب يل اذان تسمع القول ال حجى * يرجح ما تدعو له ويطيع‬
‫فان قال االخ املنكر اتب هللا عليه قد عرفنا على هذا القول ان الرابطة تعلق‬
‫القلب وهذا القول مينعه واحلب يف هللا واجب وحمبة الصاحلني اثبتة لكن من اين لكم ان‬
‫استحضار صورة رجل يف الذهن ولو كان من الصاحلني حتصل به هذه املطالب كلها وان‬
‫استحضاركم بسبب تعلق القلب وانه جائز واجلواب عن هذا من وجوه االول قولك من‬
‫اين لكم ان استحضار صورة رجل يف الذهن حتصل به هذه املطالب كلها اقول ان هذه‬
‫املطالب حتصل لنا مبا ذكرانه كما حصلت لك اضدادها ابستغراقك يف معبودك الذي‬
‫نبهناك عليه ولكنها ال تعمى االبصار ولكن تعمى القلوب اليت يف الصدور اال ترى انك‬
‫اذا كربت تكبرية االحرام اشتغلت برابطة التاجر الذي يعطيك زكاة او صدقة او برابطة‬
‫احلاكم او الوزير او مالك او اهلك او بكل يف ركعة وسجدة وتنسى من انت واقف بني‬
‫يديه وال تستحي منه وتنسى نفسك وخترج من الصالة وال تدري اي شئ قلت اتنكر‬
‫ذلك ما اراك جتحد ذ لك الثاين قولك ان استحضاركم بسبب تعلق القلب اقول ال خيفي‬
‫ان استحضار الشئ سببه تعلق القلب به واهل هذا الفن مع تعلق القلب يتكلفون‬
‫استحضار صورة حمبوهبم وال حيصل هلم اال ابلتكلف الهنم دائما يسعون يف تطهري قلوهبم‬
‫ابزالة ما سوى هللا منها بواسطة الرابطة يف غري وقت العبادة ومن كان شغله نفي ما سوى‬
‫هللا ال جرم انه ال يستحضر احدا اال بسبب تعلق القلب مع التكلف للفائدة اليت‬
‫‪- 1260 -‬‬

‫ذكرانها وانت تشهد ان سببه تعلق ابلقلب وال تكتموا الشهادة وذلك النك شديد‬
‫االعتناء بتحصيل مقاصدك فاذا كربت للصالة ظهرت لك صورها وصارت قبلتك اليت‬
‫تسجد اليها ونسيت ما سواها لتعلق قلبك هبا واستيالئها عليه وانتقاشها يف نفسك فانه‬
‫حيصل لك وجيوز لك استحضار هذه املثالب وحنن حيرم علينا السعي يف حب هذه‬
‫املطالب وانت حمق وحنن مبطلون أهكذا يكون االنصاف ما هذا اال االعتداء واخلالف‬
‫الثالث قولك انه جائز اقول من املعلوم ان االصل يف االشياء احلل ما مل تشبت احلرمة‬
‫فكل شئ مل ينه الشرع عنه فهو مباح وفعله جائز فحركات االنسان وتصوراته املباحة‬
‫فعلها جائز فان اوصلت اىل مندوب ففعلها مندوب فالرابطة فعلها ابعتبار االصل جائز‬
‫وابعتبار ما توصل اليه مندوب الرابع عدم علمك حبصول مطالبنا ما جيوز لك سلبنا وال‬
‫االنكار علينا مبا مل حتط به علما كما ال يلزم من جهلك عدم وقوع مقصودان اخلامس قد‬
‫علم وقرر واشتهر ان املصلي يسن له النظر اىل موضع سجوده يف مجيع صالته ويسن‬
‫لالعمى ومن هو يف ظلمة ان تكون حالته كحالة النظر حملل سجوده واملراد من ذلك مجع‬
‫القل ب واحلضور وعدم التفرقة وهذا من انواع الرابطة أفال جتعل ختيل الرابطة كتخيل‬
‫االعمى النظر اىل موضع سجوده يف مجيع صالته حلصول الفائدة فان املقصد واحد اال‬
‫ان اهل الرابطة يفعلوهنا يف غري وقت الصالة ليحصل هلم مجع القلب على الدوام‬
‫وليتوصلوا هبا اىل رابطة الصالة وهي ان تعبد هللا كأنك تراه السادس اذا عمل قوم بلغ‬
‫عددهم التواتر عمال واثبت كل منهم فائدته وقرر منفعته فهل جيوز الحد تكذيبهم مع‬
‫استحالة تواطئهم على الكذب ومع ان عيوهنم عيون الناس اهل العلم والفضل وما انت‬
‫وعلمك ابلنسبة اليهم اال كفحام عند جوهري أو كمن حيفظ حروف اهلجاء ليناظر هبا‬
‫الفخر الرازي فاالوىل انك تعرتف هلم واذا فاتتك صحبتهم ال تفوتك حمبتهم واذا مل حتبهم‬
‫فال تسبهم {شعر}‪:‬‬
‫واذا كنت ابملدارك عرا * مث ابصرت حاذقا ال متار‬
‫واذا مل تر اهلالل فسلم * الانس رأوه ابالبصار‬
‫‪- 1261 -‬‬

‫السابع قد علمت ان احكام الشرع ال تثبت اال بدليل وان يكون نصاال حمتمال‬
‫وال عاما خمصوصا ككل بدعة ضاللة ملا يلزم عليه من الفساد اذ من البدعة ما هو واجب‬
‫ولو تنزلنا وفرضنا ان عمل الرابطة ال دليل لنا عليه وامنا فعلناه ملا حصل لنا من الفائدة‬
‫ابلتجربة فاالنكار علينا من اي وجه وما دليله ولقد اصبت بقويل يف الرسالة املهملة‬
‫احلروف {شعر}‪:‬‬
‫حسد املرأ واملراد مراد هللا * ما المرئ سواه عماد‬
‫ما اراد االله اسعاد مم * لوك واردى مراده احلساد‬
‫الثامن وهو ضرب مثل امر امللك طبيبه احلاذق احلكيم مبداواة اهل مملكته من‬
‫امراض غلبت على اكثرهم اضرها البطن حت آلت ابالكثر اىل عدم القيام ابخلدمة وكان‬
‫الطبيب حكيما ماهرا وعاملا راسخا وعارفا كامال ومن يؤت احلكمة فقد اويت خريا كثريا‬
‫فقال يف نفسه تنفيذ هذا االمر من اهم املهمات واوجب الواجبات وتعليمه ملن يتأهل‬
‫للقيام بعمله موجب لدوام االجر واملثوابت وخري العمل ما نفع واذا مات ابن آدم انقطع‬
‫عمله اال من ثالث احدها علم ينتفع به فعمد اىل بعض املرضى ممن تفرس فيه وعرف انه‬
‫يكون اهال للقيام هبذه الوظيفة وتنفيذها على الوجه املراد اذا عويف فعاجله حت عويف مث‬
‫علمه الطب واحلكمة واخربه ابالدوية وخواصها واعطاه دواء البطن وقال له خذ هذا‬
‫الدواء وانفع به الناس وال تسأل عليه اجرا وكن حمتسبا لتكون لك املنزلة الرفيعة عند امللك‬
‫فان احب االعمال اىل امللك عملك هذا فقال مسعا وطاعة فنظر النائب بعد خروجه من‬
‫عند احلكيم يف دواء البطن ما هو فاذا هو عسل ابيض فقال احلمد هلل فيه شفاء للناس‬
‫فأاته شخص امحق مثلك ايها االخ بصرك هللا بعيبك ووفقك لرتقيع جيبك فقال ما هذا‬
‫الذي عندك فقال دواء البطن للمبطونني فقال ارين اايه فاظهره له يف ظرف خمتوم على‬
‫فيه فاشتمه من قبله فقال له ما هذا دواء البطن هذا سم اتيت هتلك الناس به هذا سم‬
‫ساعة فقال اي اخي هذا عسل مصفى هذا للذين آمنوا هدى وشفاء والذين ال يؤمنون يف‬
‫آذاهنم وقر وهو عليهم عمى فذقه حت تعلم فقال له ما أنت اعلم مين وال اعرف من ذاق‬
‫‪- 1262 -‬‬

‫هذا هلك ايها الناس هذا ما انزل هللا به من سلطان واكثر الناس محقى * وشبه الشئ‬
‫منجذب اليه * فرتك الناس التداوي به مع شدة حاجتهم اليه بسبب كالم هذا االمحق‬
‫املغرور فال يزال يتكلم يف ذم الدواء واملداوي واملتداوي ويصد عنه من اراد شفاء مرضه‬
‫الذي عطله عن خدمة امللك وستذكرون ما اقول لكم ولتعلمن نبأه بعد حني التاسع من‬
‫املعلوم اان مل نبتكر شيئا جديدا وامنا قلدان من تقدمنا من العلماء العاملني واالكابر‬
‫العارفني من اهل املذاهب االربعة كما سرتى تقريرهم الرابطة وكيفياهتا بل اقسم ان مجيع‬
‫حركايت وسكنايت يف الطريقة هو ما هو عليه ائمة مذهيب الشافعية وقد استوفت كتبهم‬
‫مجيع ما نتعاطاه من االعمال املخصوصة فما وجه االنكار علينا مع اتباعنا أئمة الدين‬
‫والعلماء العاملني كالغزايل والنووي والقاضي زكراي وابن حجر والشعراين واملناوي اتظن ان‬
‫انكارك ما يتوجه على اولئك السادة االبرار واالولياء االخيار واويل االنوار واالسرار اما‬
‫ختشى حماربة الواحد القهار اما علمت ان االنكار عليهم يؤل بصاحبه اىل سوء اخلامتة‬
‫ودخول النار تظن ان انكارك ظاهرا واعرتافك ابطنا ليس من التلبيس ومشاكلة ابليس‬
‫وجحدوا هبا واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا تنبه لنفسك ايها املغرور واخش عواقب‬
‫االمور انك ميت واهنم مي تون وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون وهذا السؤال ما‬
‫حيتمل هذه االجوبة وامنا اوردانها نصيحة وافادة وترغيبا وترهيبا ولكل امرئ ما نوى‬
‫ونسأل هللا ان مين عليك ابهلداية وسلوك سبيل االبرار وان جينبك االصرار يف سبيل‬
‫االشرار انه ويل املؤمنني واعلم اي اخي ان سبب االنكار احد االمرين ال خيلو من احدمها‬
‫كل منكر اجلهل وهو االكثر وعدم العمل ابلعلم وهو االغلب على من ينتسب اليه فان‬
‫كنت جاهال اي أخي فال تقف ما ليس لك به علم فتقع يف الظلم وال تقل هذا حالل‬
‫وهذا حرام لتحكم بغري ما انزل هللا ومن مل حيكم مبا انزل هللا فأولك هم الكافرون وان‬
‫كنت عاملا فاعمل اي اخي بعلمك وال تتبع اهلوى فيضلك عن سبيل هللا وما احسن ما‬
‫قلت يف الرسالة املهملة احلروف اما و هللا للعلم و العمل مها املراد و الدراكهما ارسل‬
‫الرسل اىل االمم كمحمد صلّى هللا على روحه ما عود ماس وآل وماد وكصاحل ولوط و‬
‫‪- 1263 -‬‬

‫رسول عاد وال احد امهلهما اال وهلك حاال وحال املعاد وآل امره اىل اسوء مهاد وهل‬
‫اهلدى حاصل اال لسالك سلكهما وواصل اىل سوح وداد ملكهما وحاله امللك اساور‬
‫هداه وحلله وامده واصلح عمله ال و هللا ال ود اال وده وال مد االمده وال موائد اال‬
‫موائده وال عوائد اال عوائده وال هدي اال هداه وال معول اال على ما اسداه {اشعار}‪:‬‬
‫هو امللك املطاع وما سواه * له ملك ومملوك وطائع‬
‫هو املوىل املراد وما عداه * كآل ما عال صحراء المع‬
‫وهل آل كماء الورد امسى * و هل احد رآه وهو طامع‬
‫وحد اهلك وادعه ال * إله سواه وهو هللا سامع‬
‫اال ّ‬
‫اما و هللا ما موالك ساه * و ال اله وال واه وهالع‬
‫هو احلكم املصور وهو عدل * و حول هللا مسموع املسامع‬
‫له ملك السماء وكل ملك * و مالكه ومردوع ورادع‬
‫طرا حملهم املصارع‬
‫اما وهداه هلو هللا موىل السوى * ّ‬
‫اما وعاله هلو الدهر سام * و معلوم السمو لدى املطالع‬
‫اما وعلوه هلل داع * اىل دار السالم اال مسارع‬
‫اما و هللا ما هو صاح االاله * واحد صمد وواسع‬
‫اوحده ومل ار ما سواه * و مل اره سواه لدى املطالع‬
‫اما آالؤه دهرا أراها * كمدرار السماء اما أطالع‬
‫امل ار ما أرى الكرماء ملا * مسوا و هم االوىل حلس الصوامع‬
‫ارى صرحا له روح وراح * و لوال الروح مل اسل املدامع‬
‫ولوال الراح ما للروح سكر * و لوال السكر ما للصرح صادع‬
‫امل اعلم وهل علم كعلم امرئ * اعلى مطامعه املدامع‬
‫دعاه احملو اطوارا عدادا * وصار مسامر الصحو املطاوع‬
‫‪- 1264 -‬‬

‫اصاح اعلم وعلم كل حر * مسر ما رأى ولو اللوامع‬


‫ودع كل امرئ اهلاء هلو * اال و ارحل اىل املوىل وسارع‬
‫وودع كل ما اهلاك طرا * و سله ال سواه سؤال راكع‬
‫صل على إمام الرسل طه * و سلم ما ارعوى ورع وطائع‬
‫و ّ‬
‫(الباب اخلامس) يف قول اهل االصطفاء يف رابطة املصطفى صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫اعلم ايها االخ يف هللا اهلمك هللا رشدك وجعلك عبده ال عبدك ان رابطة الشيخ الكامل‬
‫توصلك اىل رابطة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ومثرهتا الفناء يف النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم وذلك من اجل النعم واوفر القسم وما يلقاه اال ذو حظ عظيم والفناء يف النيب عليه‬
‫السالم موجب للولوج يف حضرة القدس واهليمان يف مفاوز االنس والتعرض لنفحات هللا‬
‫تعاىل مأمور به وحمبة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فرض روى البخاري يف صحيحه‬
‫عن انس رضي هللا عنه انه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ال يؤمن احدكم حت‬
‫اكون احب اليه من والده وولده والناس امجعني والنفس تدخل يف عموم قوله والناس‬
‫امجعني وقد وقع التنصيص بذكر النفس يف حديث عبد هللا بن هشام و هو ان عمر‬
‫ايل اي رسول هللا من كل شئ‬
‫رضي هللا عنه قال للنيب صلّى هللا عليه و سلّم النت احب ّ‬
‫اال من نفسي فقال صلّى هللا عليه و سلّم ال والذي نفسي بيده حت اكون احب اليك‬
‫ايل من نفسي فقال صلّى هللا‬
‫من نفسك فقال له عمر رضي هللا عنه فانك اآلن احب ّ‬
‫عليه و سلّم اآلن اي عمر و يكفيك قوله تعاىل النيب اوىل ابملؤمنني من انفسهم فمن هو‬
‫احب اليك منها قال سهل رضي هللا عنه‬
‫اوىل بك من نفسك فكيف ال ينبغي ان يكون ّ‬
‫من مل ير والية رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يف مجيع احواله ويرى نفسه يف ملكه عليه‬
‫السالم ال يذوق حالوة سنته وعن أيب هريرة رضي هللا عنه ان رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم قال من اشد الناس يل حبا انس يكونون بعدي يود احدهم لو رآين ابهله وماله ويف‬
‫الشفاء سئل علي رضي هللا عنه كيف كان حبكم لرسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال‬
‫كان و هللا احب الينا من اموالنا واوالدان وآابئنا وامهاتنا ومن املاء البارد على الظمآن‬
‫‪- 1265 -‬‬

‫وعن زيد بن اسلم رضي هللا عنه خرج عمر رضي هللا عنه ليلة حيرس فرأى مصباحا يف‬
‫بيت واذا عجوز تنفش صوفا وتقول‪:‬‬
‫على حممد صالة االبرار * صلى عليه الطيبون االخيار‬
‫قد كنت قواما بكاء ابالسحار * اي ليت شعري واملنااي اطوار‬
‫هل جتمعين و حبييب الدار‬
‫فجلس عمر يبكي ويف احلكاية طول وروي ان عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما‬
‫خ درت رجله فقيل له اذكر احب الناس اليك يزل عنك فصاح وا حممداه فانتشرت قال‬
‫واعلم من احب شيئا آثره وآثر موافقته واال مل يكن صادقا يف حبه وكان مدعيا فالصادق‬
‫يف حب النيب عليه السالم من تظهر عالمات ذلك عليه قال أنس بن مالك رضي هللا‬
‫عنه قال يل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اي بين ان قدرت متسي وتصبح ليس يف قلبك‬
‫غش الحد فافعل مث قال اي بين ذلك سنيت ومن أحب سنيت فقد احبين ومن احبين كان‬
‫معي يف اجلنة ومن عالمات حب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كثرة ذكره وتعظيمه‬
‫وتوقريه عند ذكره واظهار اخلشوع واالنكماش مع مساع امسه كان اصحاب النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم بعده ال يذكرونه اال خشعوا و اقشعرت جلودهم وبكوا وكذلك كثري من‬
‫التابعني قال بعضهم احملبة دوام الذكر للمحبوب وقال آخر إيثار احملبوب على مجيع‬
‫املصحوب وقال آخر امليل الدائم ابلقلب اهلائم وقال آخر موافقة احلبيب يف املشهد‬
‫وامل غيب وقال آخر ان هتب كلك ملن احببت وحقيقة احلب امليل اىل ما يوافق االنسان‬
‫وتكون موافقته له اما ابدراكه كحب الصور اجلميلة واالصوات احلسنة واالطعمة واالشربة‬
‫اللذيذة واشباهها مما كل طبع سليم مائل اليها ملوافقتها له او استلذاذه ابدراكه حباسة‬
‫عقله وقلبه معاين شريفة ابطنة كمحبة الصاحلني والعلماء واهل املعروف واملأثور عنهم‬
‫السري اجلميلة واالفعال احلسنة فان طبع االنسان مائل اىل الشغف ابمثال هؤالء حت يبلغ‬
‫التعصب بقوم لقوم والتشيع من امة اىل اخرى اىل ما يؤدى اىل اجلال عن االوطان وهتك‬
‫احلرم واخرتام النفوس وهو صلّى هللا عليه و سلّم جامع للمعاين املوجبة للمحبة كلها‬
‫‪- 1266 -‬‬

‫انتهى وقال الشهاب بن حجر يف شرح اهلمزية عند قول الناظم فامالء السمع من حماسن‬
‫ميليها عليك االنشاد واالنشاء فاهنا حتدث للسامع سكرا و ارحية و طراب و حترك النفس‬
‫اىل جهة حمبوهبا فيحصل بتلك احلركة والشوق ختيل احملبوب واحضاره يف الذهن وقرب‬
‫صورته من القلب واستيالؤها على الفكر فيحصل للروح ما هو اعجب من سكر الشراب‬
‫وال ّذ من عناق الشواب {شعر}‪:‬‬
‫سلوى عن حمبتك احملال * و لو اي منييت عز الوصال‬
‫و اين شبيه حسنك يف الربااي * فتنسى اذ يكون به اتصال‬
‫على ان ليس وصلك يل بكاف * فكيف ومانعي منه الدالل‬
‫فما بيين وبني سناك بون * فعيين يف حلاظك ال تزال‬
‫و لو ان الغبار ازيل عنها * احلتين حمال ال ينال‬
‫فوا عجباه من سكناك داري * و حق احلق مسكنك اجلبال‬
‫ووا املاه من هذا التنائي * و مع هذا لبهجتك انفصال‬
‫اتبعدين لشؤم قبيح جرمي * حبييب اي ذنب ال يقال‬
‫و اي شفيع حق تقبلوه * و اي تنصل لكم يقال‬
‫و حقك امنا عذري اعرتايف * ابن عظيم ذنيب ال يزال‬
‫و علمي ان ماء موىل عفو * و ظين ان انئله اانل‬
‫اال اي ليت شعري اي وقت * ارى اين المخصك النعال‬
‫حبييب كيف عنك اطيق صربا * وأنت اخلالص احملض اجلمال‬
‫و هل اال مجالك شام طرف * بغري اضافة لوال اخليال‬
‫ظهرت فبان وجهك يف املرااي * بال حصر وذاك هو الظالل‬
‫فما هو انت اال انت لكن * الجل الوهم قيل بدا اهلالل‬
‫فتلك ذكا وبدر التم سارا * و قد حالمها منك النوال‬
‫‪- 1267 -‬‬

‫ويل من صورة احملبوب زدب * فحظي منك اي املي حالل‬


‫فجد يل اي حبيب وعد وجودي * و اعدمين شهودي اي كمال‬
‫و كن يل شاهد املشهود صفوا * بال كدر فال يبدو اجلالل‬
‫النت منحتين جمدا بوجدي * فمن قيس الغرام يب اشتعال‬
‫اردت احلب من قدم فشوقي * له يف كل اعضائي جمال‬
‫فال انفك من حرق و وجد * فأمحايل مع البلوى ثقال‬
‫فصل على دهرك اي مجايل * لتحسن من مرامحك اخلصال‬
‫و اطلع مشس حسنك يف مسائي * اغر فما معي اال السؤال‬
‫فأنت ذخرييت والنت كنزي * و عزي كل ما وقع النزال‬
‫وأنت معويل يف كل أمر * لديه ال يفيد االحتيال‬
‫و يف اليوم العظيم النت غوثي * و حرزي عندما يقع النكال‬
‫فال و هللا ارغب عنك حت * و لو حشيت ابجفاين الرمال‬
‫و صلى هللا ما طرفت عيون * و ما جتن غصون او متال‬
‫على خري اخلالئق ذي املرااي * حممد اجملللة اجلمال‬
‫قال يف حسن التوسل يف زايرة خري الرسل صلّى هللا عليه و سلّم ومن فوائد‬
‫الصالة على النيب عليه السالم حمبة املصطفى للمصلي على رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم بل زاي دة احملبة املذكورة الالزمة هلا ازدايد الشوق مع استحضار احملاسن النبوية يف‬
‫القلب واجلنان حبيث ميثل خياله به وال يكاد يفرت من ذكر القلب واللسان‪:‬‬
‫لو شق عن قليب يرى وسطه * ذكرك والتوحيد يف سطر‬
‫وقال الشيخ امحد بن عبد احلي احلليب يف آداب الصالة على النيب عليه السالم‬
‫تنبيه اعلم انه يتأكد على املصلي على النيب عليه السالم ان يتصور وقت الصالة عليه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم صورته النبوية الكرمية يف مرآه قلبه كانه بني يديه سائال من هللا‬
‫‪- 1268 -‬‬

‫الصالة والسالم عليه النه اذا واظب املصلي على ذلك تدوم عليه غادايت انواره الكرمية‬
‫احملمدية {شعر}‪:‬‬
‫ابيب ايها النيب الكرمي * و الرسول املطهر املعصوم‬
‫و احلبيب االمسى الزكي املرجى * و املراد املقرب الصهميم‬
‫و اخلليل الذي جنا قاب قوسني * و حيث اخلطاب والتكليم‬
‫و الضيا الذي به عمر الكون * ومن قبل رمسه معدوم‬
‫و احلليم الذي له اخللق املن * صوص يف الذكر انه لعظيم‬
‫و اجلواد الذي على كل خملوق * اله انعم وفضل قدمي‬
‫و الشجاع الذي اذا صال فاملوت * له السيف والغماد اجلسوم‬
‫هتلك اجلمع ابالشارة ان شئت * و لكنك الرؤف الرحيم‬
‫و املطاع الذي ميت أتمر السحب * اتت حسبما تقول اهليوم‬
‫ترسل الغيث حيث ما تقصد الغوث * فما يف النبات قط هشيم‬
‫فريى اجلدب هاراب خوف بطش اخلصب * فالشكر يف الرخا مقيم‬
‫فالنت الغياث و الغوث ذو احلظوة * و االصطفاء واملعلوم‬
‫و املالذ الذي مت امه املكروب * زالت مهومه والغموم‬
‫و املهاب الذي لو انتهر العامل * مالت امساؤه والرسوم‬
‫من جياريك يف مساء املعايل * او يباريك أيهذا الوسيم‬
‫سعدت عني من رآك * و كذا من رؤاي سناك يروم‬
‫بدأب الدهر يف رضاك عسى تلقاه * منك الرضوان والتكرمي‬
‫فهو ساع للعهد راع فيا خيبة * من فاته لك التعظيم‬
‫اي شئ يف امللك او ملكوت * هللا ما انت اصله املوسم‬
‫او ما جابر روى عنك الصدق * ملن فيه عندان مرسوم‬
‫‪- 1269 -‬‬

‫ان نور النيب اول خملوق * و منه التفضيل والتقسيم‬


‫فالنت االصل االصيل و كل * من سنا نور ذاته مربوم‬
‫و النت النور اجللي ومن ضوئك * انرت كواكب وجنوم‬
‫و النت االخري واالول املختار * و املعتن به املرحوم‬
‫و النت الرحيم اي رمحة هللا * و منهاج دينك املستقيم‬
‫و النت الذي حماسن او صافك * يف الصحف كلها مرقوم‬
‫و لقد كنت قاسم الرب و اخلري * فمنك الندى ومنك العلوم‬
‫طبت من طيب ايب طيب يف * طيب فالثناء عليك يدوم‬
‫من يطيق الثناء عليك قد امسعنا * مدحك الكتاب الكرمي‬
‫لكن احلب يقتضي الذكر للمحبوب * و احلمد ما حوته الرقوم‬
‫فلئن فهت والبضاعة مزجاة * فجهد املقل منه جسيم‬
‫فعليك الصالة ما طرفت عني * و سالت عني ورثت غيوم‬
‫و عليك الصالة من موجد اخللق * و حميي العظام و هي رميم‬
‫و عليك الصالة ملء السموات * تالها التشريف والتسليم‬
‫و على اآلل و الصحابة و االتباع * ما هب يف الوجود نسيم‬
‫وقال الشيخ امحد ب ن عبد احلي ايضا تنبيه ايضا واعلم ان من مثرات الصالة على‬
‫النيب عليه السالم انطباع صورته الكرمية يف النفس انطباعا اثبتا متأصال متصال انتهى‬
‫جعلنا هللا واايك من املرابطني على اشرف أنواع الرابطة واملخصوصني ابلرمحة اهلابطة انه‬
‫ويل املؤمنني (الباب السادس) يف القول اجململ يف رابطة االولياء الكمل اعلم ايها االخ‬
‫من هللا عل ّي وعليك مبحبة اوليائه وسلك بنا سبيل املهتدي بضيائه ان سفيان الثوري قال‬
‫ال جناة يوم خيسر املبطلون اال لنيب او اتبع نيب او حمب ولو ان عارفا ابهلل يف مشرق‬
‫الشمس ينطق حبقيقة ورجل حمب له يف مغرهبا لكان له نصيب من ذلك على حسب‬
‫‪- 1270 -‬‬

‫قسمته وهتذيب حمبته وان الرجل ليعانق الرجل وان بينه وبينه البعد مما بني املشرق واملغرب‬
‫وقلب العارفني يكتب وقلب املريدين يكتب فيه انتهى وقال سيد الطائفة جنيد واقرب‬
‫الطرق اىل حصول املقصود دوام ربط القلب ابلشيخ واستفادة علم الواقعات منه حت‬
‫يفين تصرفه يف تصرف الشيخ انتهى وقال احملقق االردبيلي شارح املشكاة يف رسالته املكية‬
‫الشرط السابع دوام ربط القلب ابلشيخ واستفادة علم الواقعات منه من جهة االرادة‬
‫التامة النه الرفيق يف الطريق قال هللا تعاىل اي أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وكونوا مع الصادقني‬
‫وقال تعاىل اي أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وابتغوا اليه الوسيلة مث قال فصل املريد ان تيقن ان‬
‫روحانية الشيخ غري متحيزة مبوضع دون موضع وكل ما يكون غري متحيز استوت عليه‬
‫االمكنة كلها ففي اي موضع يكون املريد ال تفارقه روحانية الشيخ وان كانت تفارق‬
‫شخصيتها والبعد امنا يتعلق ابملريد واذا تذكر املريد الشيخ بقلبه قرب اليه فيتعلق قلبه به‬
‫فاستفاد منه فاذا احتاج املريد اىل الشيخ ليحل واقعته يستحضره بقلبه ويسأله عما‬
‫يشاهده ال ابللسان الظاهر بل بلسان القلب فيلهمه روح الشيخ معن الواقعة عقيب‬
‫السؤال وامنا تيسر له ذلك بواسطة ربط قلبه ابلشيخ ومن هذا الوجه يفصح له لسان‬
‫القلب وينفتح له طريق القلب اىل هللا تعاىل فيجعله حمداث انتهى وقال سيدي ابراهيم‬
‫الدسوقي اي اوالدي ان صح عهدكم معي فاان منكم قريب فان اخذمت عهدي وعملتم‬
‫بوصييت ومسعتم كالمي ولو ان احدكم ابملشرق واان ابملغرب رأيتم شبح شخصي فمهما‬
‫ورد عليكم شئ من مشكالت سركم او شئ تستخريون فيه ربكم فوجهوا وجهك واطبقوا‬
‫عني حسكم وافتحوا عني قلبكم فانكم تروين جهارا وتستشريوين يف مجيع اموركم فمهما‬
‫قلته لكم فاقبلوه وامتثلوه وليس هذا خاصا يل بل عام بكل شيخ صدقتم يف حمبته وقد‬
‫يعلم ذلك شيخكم وق د ال يعلمه هكذا جرت سنة اولياء هللا مع مريديهم انتهى وقال‬
‫الشيخ امحد بن ابراهيم بن عالن الصديقي يف شرح قصيدة الشيخ امحد بن عبد الدائم‬
‫االنصاري الشاذيل الشهري اببن بنت امليلق قدس سره اليت اوهلا {شعر}‪:‬‬
‫من ذاق طعم شراب القوم يدريه * ومن دراه غدا ابلروح يشربه‬
‫‪- 1271 -‬‬

‫عند قول الناظم‪:‬‬


‫اذا رأى ذكر املوىل برؤيته‬
‫اي رأى هذا العبد ذكر املوىل برؤيته كما ورد يف وصف الصاحلني الذين اذا رؤوا‬
‫ذكر هللا الن نور قلبه مشرق على وجهه سيماهم يف وجوههم فمن رآه رأى نور احلق‬
‫الساطع من قلبه على وجهه ومن مت له ذلك فاز ابلسعد والقرب قال ابن علوان‪:‬‬
‫سعدت اعني رأتك وقرت * وكذا عني رأت من رآكا‬
‫ومثل ذلك الشمس اذا اشرقت على جدار ويف مقابل ذلك اجلدار جدار آخر‬
‫فيشرق ذلك اجلدار الذي اشرقت عليه الشمس وعنده اي عند الناظم طريقة معروفة‬
‫مشهورة عند املشائخ يسموهنا ابلرابطة وهي رؤية وجه الشيخ فاهنا تثمر ما يثمر الذكر بل‬
‫هي اشد أتثريا من الذكر ملن عرف شرطها وآداهبا ومن ذلك كان تربية النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم للصحابة رضي هللا عنهم فكانوا يستغنون برؤية طلعته السعيدة وينتفعون هبا‬
‫عن كل رايضة وجماهدة اكثر مما ينتفعون ابالذكار يف مدة مديدة وهلذا كانت درجة‬
‫الصحابة ال تضاهي واالجتماع ابملشائخ ولو ساعة مرتبة هبا يتباهى انتهى وقال ابن ايب‬
‫داود احلنبلي صاحب كتاب حتفة العباد يف كتابه آداب املريد وعالمة صحة ارادة املريد‬
‫تعلق قلبه بشيخه واستغراقه يف مشاهدته يف الغيبة واحلضور حت ال يشهد معه من اخللق‬
‫احدا غريه فاذا صح له هذا املشهد انتقل منه اىل مشهد اجلمال السرمدي وهذا الذي ال‬
‫يشهده اال اهل املعرفة ابهلل ال الغيب اجلاهل املفتون بشهوة نفسه االمارة ابلسوء او اجلامد‬
‫الذي ليس عنده شئ من الروحانية قال بعضهم {شعر}‪:‬‬
‫اذا أنت مل تعشق ومل تدر ما اهلوى * فكن حجرا من ايبس الصخر جامدا‬
‫انتهى‬
‫قال ابن عطاء هللا الشاذيل يف كتابه مفتاح الفالح يف آداب الذكر قالوا يعين‬
‫املشائخ وان كان اي املريد حتت نظر شيخ خييل شيخه بني عينيه فانه رفيقه يف طريقه‬
‫وهاديه ويستمد اول شروعه يف الذكر من مهته معتقدا ان استمداده منه هو استمداده من‬
‫‪- 1272 -‬‬

‫النيب صلّى هللا عليه وسلّم النه انئبه قال الشيخ عبد الوهاب الشعراين يف رسالته مدارج‬
‫السالكني االدب السابع ان خييل خيال شيخه بني عينيه وهو عندهم من اهم اآلداب‬
‫وآكدها وقال ايضا يف البحر املورود اعلم اي اخي ان ربط احدان قلبه بشيخه حي او‬
‫ميت ينفعنا ولو مل يكن ذلك الشيخ يف علم هللا شيخا الن ربطنا حقيقة امنا هو الستناده‬
‫اىل هللا ال لذاته وحمال ان يوجد احلق تعاىل عند السراب الذي ظنه الظمآن ماء ويفقد‬
‫عند عبد من عباده مشهور ابلصالح مع ان السراب ليس له حقيقة خبالف الصاحل له‬
‫وجود وحقيقة فافهم انتهى وقال الشيخ اتج الدين احلنفي يف كتابه املشهور ابلتاجية‬
‫الثانية طريقة الرابطة ابلشيخ الذي وصل اىل مقام املشاهدة وحتقق ابلتجليات الذاتية فان‬
‫رؤيته مبقتضى هم الذين اذا رؤوا اذكر هللا فينبغي ان حتفظ صورته يف اخليال وتتوجه‬
‫للقلب الصنوبري حت حتصل الغيبة والفناء عن النفس وان وقفت عن الرتقي فينبغي ان‬
‫جتعل صورة الشيخ على كتفك االمين يف خيالك وتعترب من كتفك اىل قلبك امرا ممتدا‬
‫وأتيت ابلشيخ على ذلك االمر املمتد وجتعله يف قلبك فانه يرجى لك حصول الغيبة‬
‫والفناء انتهى وقال الشيخ ابراهيم ابن عمر املال االحسائي يف رسالته فان مل متكنه‬
‫مصاحبة الشيخ لتعذره ببعده عنه فعليه ابحضاره يف خياله ويعتقد انه يف حضرته‬
‫وصحبته ويتصور نفسه كاهنا بني يديه وحيفظ ذلك التصور يف خياله ويفين يف وجود‬
‫الشيخ بكليته مث يتوجه من وجود الشيخ اىل هللا تعاىل ويتكلف ذلك ويكرره مرة بعد‬
‫اخرى اىل ان يشرق النور االهلي على لطيفته اشراقا يكشف الغطاء عن اسرار املعاين‬
‫فيكون ابهلل ال بغريه وال بنفسه انتهى والكالم يف الرابطة ال هناية له وفيما ذكرانه كفاية‬
‫للموفق فتأمل بفهمك وميز علمهم من علمك وانظر هل حصل لك من العلم ما حصل‬
‫الدانهم وهل وجدت من اليقني ما وجد ادىن من واالهم هيهات ههيات كما ال يستوي‬
‫ساسة احلمري واصحاب امللوك كذلك ال يستوي اهل الشهوات واتباع اهل السلوك‬
‫{اشعار}‪:‬‬
‫هم القوم ان جتهل وان كنت تعلم * لقد شهدوا احملبوب والناس قد عموا‬
‫‪- 1273 -‬‬

‫اىل هللا فروا ابلقلوب ليحصلوا * لديه فيا بشراهم حني ميموا‬
‫هلم مهم ملا تزل تعتدي هبم * اىل رتب يسمو اليها التقدم‬
‫فهم بني سالك الطريق اىل احلمى * وبني اخي وجد يشيب ويهرم‬
‫وبني اخي سكر وذا واجل الفنا * وبني اخي فكر يغيب ويلجم‬
‫وبني اخي صفو وهذا مشرف * وبني اخي حمو وهذا مكرم‬
‫وبني اخي سعي وبني اخي هوى * وبني اخي دهش وهذا مهيم‬
‫وبني اخي شوق وبني متيم * وبني اخي ذوق ينم ويعظم‬
‫فهذا لسب مثل ماذا مدله * وهذا سليب مثل ما ذاك مغرم‬
‫جتاروا اىل حمبوهبم وتسابقوا * وقاموا على االقدام والناس نوم‬
‫اذا ذكر املوىل تطيش عقوهلم * وذا الطيش اهن العيش لو كنت تفهم‬
‫سواء عليهم ان قدحت وان مدح * تهم امنا القوم االوىل يف املالهم‬
‫رضوا عنك يف احلالني اذ أنت عبد من * احبوا وكال يصدر السوء منهم‬
‫فاعلم ذلك واايك يف الطعن على اهل هذه املسالك فانه يوقع يف املهالك و هللا‬
‫يتوىل هداك‪.‬‬
‫(الباب السابع) يف نصح املنكرين اخلاص والعام حلصول حسن اخلتام فامنا‬
‫االعمال ابلنيات اي ايها الذين آمنوا توبوا اىل هللا توبة نصوحا عسى ربكم ان يكفر عنكم‬
‫سيأتكم ويدخلكم جنات جتري من حتتها االهنار يوم ال خيزي هللا النيب والذين آمنوا معه‬
‫نورهم يسعى بني ايديهم وابمياهنم يقولون ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ‬
‫قدير واعلم ايها االخ ان الدين النصحية وان من افرض النصائح ان ينصح االنسان نفسه‬
‫وال يدخلها مداخل السوء وال يلقيها يف مهالك االنكار على اولياء هللا فان كان انكارك‬
‫عن جهل فيجب عليك التثبت اوال ومطالعة كتب العلماء املشتملة على سريهم‬
‫وارشادهم وتعبدهم وحيرم عليك انكار ما مل تعلم قال هللا تعاىل وال تقف ما ليس لك به‬
‫‪- 1274 -‬‬

‫علم وقد آل االمر ا ىل ان االمور ثلثة امر تبني لك رشده فاتبعه وامر تبني لك غيه‬
‫فاجتنبه وامر اختلف فيه فارجعه اىل عامله هذا وما انكرته غري خمتلف يف صوابه وامنا عليه‬
‫مجهور العلماء العاملني فيا ليت شعري انكارك هذا على االمام سفيان ام على جنيد‬
‫سيد الطائفه اتنكر على من مل يعمل اال بنصوص اهل مذهبه واهل مذهبك ومل يسلك‬
‫اال سبيلهم وقد اوردان كالمه واريناكه لتعلمه وهم اكابر العلماء واهل السياسة واحلكماء‬
‫واهل السيادة واالدابء واهل العبادة والنجباء اترى يرتك الغزايل والفخر الرازي وابو احلسن‬
‫الشاذيل وابن عطاء هللا وابن داود والشعراين وابن حجر وحنوهم ويصار اليك ما اظن ذلك‬
‫ما ارى من يرتك قوهلم وأيخذ قولك ويدع سريهتم ويتبع سريتك اال معتوها قد ذهبت‬
‫حجاه او شقيا متبعا هواه قد اضله الشيطان واغواه وبلغ منه مناه فال حول وال قوة اال‬
‫ابهلل اال اخربك مبا آل بك االنكار اليه لقد صدر منك انك قلت ينبغي ان جيعل هللا بني‬
‫عينيه بدل الرابطة فاقول ان كنت تعتقد ان هللا شبه شيئا من خلقه الدال عليه قولك بدل‬
‫الرابطة فانت جمسم او انه ال خيلو من كينونته يف شئ او على شئ فانت حلويل او‬
‫جهوي تعاىل هللا تعاىل عن ذلك علوا كبريا وان كنت تقصد انه سبحانه منزه عن املكان‬
‫وانه ل يس كمثله شئ وان كل ما خطر ابلبال فاهلل خبالفه فاعلم ان الرابطة يتصرف فيها‬
‫عاملها ويقررها اترة جالسة واترة قائمة واترة قارة مارة وكيف شاء وذلك على هللا حمال‬
‫وانك قد اخطأت يف التعبري واسأت يف التقدير فاين تنزيهك ملن ليس كمثله شئ وهو‬
‫السميع البصري اال انبئك مبا اوصلك االنكار اليه حررت قراطيس ووصيت اابليس‬
‫يصدون املسلمني عن هذا االمر النفيس الذي من الزم املتلبس به التسبيح والتقديس‬
‫وصالة الليل وصالة الضحى واحياء ما بني العشائني والطلوعني مهما امكن وذكر هللا‬
‫على الدوام والكف عن اكثر اآلاثم ان مل يكن عن مجيعها فانظر كيف نصحت امة حممد‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم اببعاد امته عن سنته اي أيها الذين آمنوا ال ختونوا هللا ورسوله وختونوا‬
‫أماانتكم وانتم تعلمون افلم يدبروا القول بل جاءهم ابحلق بل اتيناهم بذكرهم وانك‬
‫لتدعوهم اىل صراط مستقيم ام على قلوب اقفاهلا اترى رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫‪- 1275 -‬‬

‫يرضى عنك هبذا فليحذر الذين خيالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم‬
‫هذا تنبيه وتذكرة وما يتذكر اال من ينيب اال ادلك على ما هو خري لك من انكارك‬
‫الطريقة واورادها االنكار على من يرتكب الكبائر اجملمع على حترميها وانت تراه يف بلدك‬
‫مقبال و مدبرا وتسمعه ابذنك ليال وهنارا وانكار ذلك واجب عليك فانظر كيف تركت‬
‫الواجب واشتغلت مبا ال يعنيك بل يسوءك ويعيبك اال ادلك على ما هو اوجب من هذا‬
‫ايضا ان أتمر اهلك بطاعة هللا وترك معاصيه وتعلمهم ما جيب عليهم من امور دينهم قبل‬
‫ان يطالبوك يوم القيامة فاهنم رعيتك وانت مسؤل عنهم فامهالك اايهم دليل على عدم‬
‫داينتك اال ادلك على ما هو اعم من هذا ان حتجر نفسك عن معاصي هللا وتكف‬
‫جوارحك خصوصا لسانك الذي يكبك يف قعر جهنم من كثر كالمه كثر سقطه ومن‬
‫كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه كانت النار اوىل به فكم من فرية حققتها وكم‬
‫خديعة دققتها وكم غيبة رققتها وكم طعن اشعته وكم زور اذعته وكم عورة كشفتها واذكر‬
‫يوم تشهد عليهم السنتهم ويود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا اال ادلك على ادق من هذا‬
‫طهر قلبك من اخلديعة واخليانة والغش واحلقد واحلسد والطمع والرايء والعجب وحب‬
‫التكاثر واملباهات والفخر والكرب الذي محلك على عدم تسليم احلق الهله قال يف‬
‫االحياء من مل يكن له نصيب من هذا العلم اخاف من سوء اخلامتة وادىن النصيب‬
‫التصديق به وتسليمه والرابطة من مجلة مسائل هذا العلم ولكنك تطالع يف ابب النزاع‬
‫وهي ليست فيه امنا هي يف مجلة اخلرب وصلة املوصول والعائد معلوم اذ هو مفهوم املنطوق‬
‫ومنطوق املفهوم كانك تطالع يف ابب الزكاة وقسم الصدقات والوقف ليست هي هناك‬
‫امنا هي يف ابب الطهارة واركان الصالة اشرفها الطمأنينة كما ان احلج الوقوف بعرفة‬
‫ولعلك تطالع يف ابب النون فصل اجليم وهي يف ابب اهلمزة فصل الدال فدع اجلدال‬
‫وامسع هذا املقال العلم علمان علم يف القلب فذاك العلم النافع وعلم على اللسان فذاك‬
‫حجة هللا على ابن آدم {شعر}‪:‬‬
‫شكوت اىل وكيع سوء حفظي * فأرشدين اىل ترك املعاصي‬
‫‪- 1276 -‬‬

‫وقال اعلم ابن العلم نور * وعلم هللا ال يؤتى لعاصي‬


‫ولو ان العلم املراد واملعرب عنه ابلنور هو ما حصل لك لكان كثري من اهل االعتزال‬
‫اوىل به منك فان منهم من هو اكثر منك علما واثقب فهما واسرع تقريرا وانصع حتريرا امنا‬
‫هي نفس انتقشت فيها بعض الرسوم واشتغلت عن احلي القيوم فاترك االنكار بَتَّة قد‬
‫علمنا ما جهلته وعرفنا ما عرفته من بسيط ومهذب وهلما و هللا زبدة تطلب املعبود وحده‬
‫وتدع كل مودة شغلت عن ذلك {شعر}‪:‬‬
‫اما والذي قد اوجب النصح انين * منحتك حمض النصح فاغنمه هتتدي‬
‫وكن مستفيدا ما منحتك شاكرا * صنيعي وال تكفر مجيلي فتعتدي‬
‫فان الهل هللا اعظم حرمة * مت ينتقصها املرء ابلسوء يقصد‬
‫فيحىي حياة ابملعاصي مشوبة * و يسكن يف دار املشني يف غد‬
‫فياويل عبد يدعي الرشد و هو ذا * يروح ببغض املتقني ويغتدي‬
‫و حيتال يف ثوب الغواية معجبا * و هيهات من يرشد عن الغي يبعد‬
‫اذا ما رمى اهل العبادة ابلقلى * و ابرز اهل هللا ابلكلم الردي‬
‫فقد حارب املعبود فاهلل خصمه * فيلبسه ثوب الشقاء اجملرد‬
‫فيا لغرور جر صاحبه اىل * شرور فَح َّد عنه وقارب وسدد‬
‫وقال احلافط جالل الدين السيوطي يف رسالته قمع املعارض هذا ما اخرتته من‬
‫املقال مما يناسب املقام والتقطته من املظان هلذا النظام تنبيها على مقام االولياء واشارة‬
‫اىل علو رتبة االصفياء وحتذيرا مما أتتيه طائفة االغبياء الظانون اهنم يف عداد االزكياء‬
‫القادحون ابفهامهم الفاسدة فيما ال يفهمون واخلائضون بقلة تقويهم فيما ال يعلمون ال‬
‫هم وقفوا عندنص القرآن وال هم امتثلوا ما روي عن سيد ولد عدانن وال هم عملوا مبا‬
‫قرره أئمة الشان وال هم جنحوا اىل طريقة جارية على قانون احلق والعرفان قال هللا تعاىل‬
‫فيما روي يف االحاديث القدسية بني حفاظ الشرق والغرب من عادى يل وليا فقد آذنته‬
‫‪- 1277 -‬‬

‫ابحلرب ويف لفظ من آذى وليا فقد استعجل حماربت واين له ابلسالمة ويف حديث مرفوع‬
‫من عادي اولياء هللا فقد ابرز هللا ابحملاربة رواه اهل االمانة ويف آخر قدسي من اخاف‬
‫وليا فقد ابرزين ابلعداوة واان لثائر الوليائي يوم القيامة وفيما اوحى هللا اىل موسى عليه‬
‫السالم من اهان وليا او اخافه فقد ابرزين ابحملاربة وابراين وعرض يل نفسه ودعاين اليها‬
‫واان اسرع شئ اىل نصرة اوليائي افيظن الذي حياربين ان يقوم يل او يظن الذي يعاديين ان‬
‫يعجزين او يظن الذي يبارزين ان يسبقين او يفوتين وكيف واان الثائر هلم يف الدنيا واآلخرة‬
‫ال أكل نصرهتم اىل غريي انتهى فقد اوضحنا لك القول املبني وافصحنا عن احلق املستبني‬
‫فادفع الشك ابليقني وراجع اصول هذه النقول وتثبت مبا نقول فما بعد العني ما يقال‬
‫وماذا بعد احلق اال الضالل فارحم نفسك واستغفر عما اودعت امسك واترك اهل‬
‫الشكوك والظنون قل هللا مث زرهم يف خوضهم يلعبون وهذا آخر ما قصدته من املقال‬
‫العريض املري املقبول لدى كل مؤمن عن قميص اهلوى عري ومن خبث الباطن بري واان‬
‫املسكني الضعيف حسني الدوسري غفر هللا له ما مضى ومن عليه ابلرضى انه خري‬
‫مسؤول واكرم مأمول و صلى هللا على سيدان افضل رسول و على آله واصحابه اهل‬
‫القرب والوصول ما تعني احلق وتبني الصدق آمني‬

‫معرب فقرات اخلواجه عبيد هللا االحرار قدس سره‬


‫بسم هللا الرمحن الرحيم اي من شرح صدور العارفني بتجليات جالله اعنا على‬
‫ذكرك وشكرك وأغرقنا يف جلة حبر برك فنحمد ربنا غواصني حبار اظهار صفات كماله ال‬
‫حنصي ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك صل جبالل قدسك على اكرم حامد لك‬
‫حممد امحد حممود من جنك وانسك واوحد موحد جتليت عليه هبيبتك وانسك صلى هللا‬
‫وسلم وابرك عليه و على سائر بيت مقدس سيما على آله وصحبه اركان البيت االقدس‬
‫وبعد فان هللا تعاىل اوجد العامل آلدم واوجد آدم للخامت واوجد اخلامت لنفسه فجعل الكل‬
‫مظهر وصفه مشرقا عليهم من مساء التوحيد بشعاع مشسه فظهر شروقه ظهور الذرة واهلباء‬
‫‪- 1278 -‬‬

‫ابلشمس الذي هو يف رابع السماء فكما ال ميكن ادراك الذرة اال بدخول الشمس من‬
‫اخلوخة فان الشعاع اذا دخل منها تقوم الذرة عليه يف هيئة خيط مبقدار وسع اخلوخة‬
‫وضيقها كذلك الذرة اليت كانت يف عامل العمي اذا ذابت ابشراق احلق حني نظر اليها‬
‫قال هللا مث استوى اىل السماء وهي دخان فتحقق منها اجلهات الست املنزه ابريها عنها‬
‫فقا ل هلا ولالرض ائتيا طوعا او كرها قالتا أتينا طائعني فما ظهر من الوجود ليس اال من‬
‫ذوابن الذرة على نفسها من هيبة نظر الناظر الباطن الظاهر والعلوايت كلها مبنزلة اخليط‬
‫الشعاعي ابدي الظهور وان اختلفت النشآت بظهور مقتضيات املتقابالت فاخلوخة اليت‬
‫ال تسد يف النشأتني هي احلقيقة املسماة حبقيقة احلقائق وهي احلقيقة احملمدية عليها‬
‫افضل الصلوات واكمل التحيات وخيط الوجودات السيالة قائم ابلشعاع احملمدي يف كل‬
‫بيت مقدس من آدم اىل انقراض هذا العامل ابنعدام البيت الذي يصلح الن يكون مكان‬
‫اخلوخة املذكورة نبوة وصديقية فان االنبياء صلوات هللا وسالمه عليهم مقدسون قلبا وقالبا‬
‫عن التوجه اىل غري هللا فقلوهبم بيوت احلق يف النشأة الدنيوية والكتب املنزلة عليهم مأدبة‬
‫احلق ومائدته ولساهنم هو الداعي اىل هللا سراجا منريا وال ترفع مائدة اال بوضع االخرى‬
‫قال هللا ما ننسخ من آية او ننسها أنت خبري منها او مثلها فالشرائع السالفة نسخت‬
‫ابملائدة احملم دية واليبت احملمدي كان اعظم البيوت املقدسة ال جرم نزلت مائدته اعم‬
‫املوائد قال هللا تعاىل وما أرسلناك اال كافة للناس فال ترفع مائدته اصال بل يوضع طعام‬
‫بدل طعام آخر واملائدة حباهلا رمحة من ربه وفضال كما ان موائد االنبياء عليهم السالم‬
‫انتهت فال يؤكل عليها اال طعام خيص هبا كذلك ينبغي ان يغلب الطاعم القدر املشرتك‬
‫من املطاعم يف مجيع املوائد عليها فيطعم منها كما يطعم وهو يطعم وال يطعم فاحلمد هلل‬
‫الذي مجع بني النيب والصديق اثين اثنني اذ مها يف الغار اذ يقول لصاحبه ال حتزن ان هللا‬
‫معنا فاملائدة حنمد هللا ممدودة ولكن ال يطعمها اال كل صديق يصلح أن يكون ملن انزلت‬
‫هي عليه صديقا ويف اهلجرة اىل احلق عن الباطل يف مجيع االحوال رفيقا شفيقا‬
‫واختصاص ايب بكر رضي هللا عنه ابلنيب صلّى هللا عليه و سلّم من بني االمة النه رأس‬
‫‪- 1279 -‬‬

‫الصديقني ورئيسهم وما زفت املائدة املنزلة على حممد صلّى هللا عليه و سلّم اال يف زمنه‬
‫وآمن الناس به اثنيا بعد ارتدادهم وقاتل من فرق بني الصالة والزكاة حت قال لو منعوين‬
‫عناقا كانوا يؤدوهنا اىل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم لقاتلتهم عليها فأيد الدين بعد‬
‫اهندامه بقت اله اهل الردة ومانعي الزكاة قال عليه السالم حنن نقاتل على التنزيل وابو بكر‬
‫يقاتل على التأويل ومعناه بيان مقتضى املقامني من النبوة والصديقية ال احلصر كما يدل‬
‫عليه ورود اخلرب الصحيح يف مقاتلة ايب تراب رضي هللا عنه مع البغاة ايضا فكل من كان‬
‫مهته أتييد الدين ف هو صديق زمانه يطعم من املائدة سواء طعم غريه او مل يطعم اال ان‬
‫الصديق الهل زمانه ال بد وان يسعى اطعام غريه ايضا واالولياء كلهم بيوت اذن هللا ان‬
‫ترفع ويذكر فيها امسه يسبح له فيها ابلغدو واآلصال رجال ال تليهم جتارة وال بيع عن‬
‫ذكر هللا واقام الصالة وايتاء الزكاة خيافون يوما تتقلب فيه القلوب واالبصار ليجزيهم هللا‬
‫احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله و هللا يرزق من يشاء بغري حساب وهؤالء الصديقون‬
‫قائمون على املائدة اىل ان يرث هللا االرض ومن عليها متد املائدة على قلوهبم اليت ال‬
‫يسعها غري هللا فيلهم التعرض يف اايم دهرهم للنفحات الرابنية امتثاال لقوله عليه السالم‬
‫ان لربكم يف اايم دهركم نفحات اال فتعرضوا هلا وال يتعرض هلا اال الراسخ يف العلم فاهنم‬
‫من اهل التأويل اذ ليس تقلبهم متعلق سوى التفادي ابرواحهم للحبيب احلقيقي من فرط‬
‫احلب كالصديق يف الغار وايب تراب يف الفراش والطريق اليه صلّى هللا عليه و سلّم بعده‬
‫منحصر يف هذين هلذا يدل على ذلك امره عليه السالم بسد اخلوخات اىل املسجد اال‬
‫خوختيهما او خوخة احدمها وسلسلة املشائخ كلهم منتهية اىل النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫من طريق ايب تراب رضي هللا عنه االّ السلسلة الذهب وهي للنقشبندية فاهنا واصلة اىل‬
‫النيب عليه السالم من طرق اربع احدها اىل اخلضر عليه السالم واثنيها اىل الصديق من‬
‫طريق االمام جعفر رضي هللا عنهم فانه اخذ من جده قاسم بن حممد والقاسم اخذ من‬
‫ابيه حممد وحممد اخذ من ابيه ايب بكر رضي هللا عنهم واثلثها ورابعها اىل على كرم هللا‬
‫وجهه م ن طريق سيد الطائفة جنيد وطريق سلطان العارفني ايب يزيد البسطامي والجل‬
‫‪- 1280 -‬‬

‫هذا مسيت هذه السلسلة بسلسلة الذهب وفضلت على غريها من النسب وأسود غاابت‬
‫التأويل كلهم مطوقون هبذه السلسلة العظيمة اليت هي ادراج النهاية يف البداية فيذوق‬
‫املبتدئ فيها چاشنيا اي ذوقا من غيب اهلوية وال حيصل يف غري هذه الطريقة الذوق‬
‫املذكور اال بعد الرايضات الشاقة ورمبا ايضا ال حيصل بعدها والسر يف ذلك ان االسد‬
‫من شأنه ان يصطاد فيطعم ويطعم غريه وال يطوق بسلسلة الذهب اال االسود واملنتهي يف‬
‫هذه السلسلة هو املطوق هبا فهو يف صيد احلقائق واملعارف أسد املعارك يف وقته يطعم‬
‫ويطعم كما كان وحيد زمانه وفريد اوانه واعرف العارفني ابهلل يف دورانه تغمده هللا مبغفرته‬
‫ورضوانه ونعمه مبشاهدة مجاله يف اعلى جنانه حيث فين عن حظوظ نفسه وغين مبا كان‬
‫يومه خريا من امسه انعم هللا عليه جبالئل نعمه الصورية واملعنوية وفضائل حكمه الدنيوية‬
‫واالخروية فكان يتعرض لنفح ات ربه يف أايم دهره صائدا لغزالن عوامل الغيب مبخالب‬
‫املشاهدة والعيان قائدا هلا اىل مضيق الشهادة مبساعدة فرسان البيان معجزا للفرس كلهم‬
‫بفروسيته فعجزوا عن حتديه ولو يف ادين عبارة امليدان وانتفعوا مبوائد بيانه على قدر‬
‫اذهاهنم واحتظوا بعوائد عيانه بعد طلوع بدر برهاهنم فاقتضى احلال ان ينتفع هبا العرب‬
‫كانتفاع العجم ليتحقق بني الفريقني انه كان ليث هذه االجم كان على احلقيقة بياان‬
‫للشريعة والطريقه‪:‬‬
‫فما كان املسمى غاصب االسم * توجد يف طريقته االنيقة‬
‫حري ان يعم الناس طرا * بشرعته وهي له سليقه‬
‫حسام احلق مسلول من الغمد * ضياء الصدق اظهر يل بريقه‬
‫كالم هللا فرقته ثالث * فميز أنت من كل فريقه‬
‫طريق ايب تراب كان ميشي * كصديق له يف احلب ليقه‬
‫و ال تتعب بتمييز اخلالئق * فهم أيتوك من مدن سحيقه‬
‫و أنت الكعبة العظمى حبق * حقيق ان تطاف على احلقيقة‬
‫فذق طعم املعارف كي جتدها * فقد ذاق الصفا من ذاق ريقه‬
‫‪- 1281 -‬‬

‫و هذا ريق موالان عبيد * لسان الفرس وهي لنا وثيقه‬


‫ذوقها البيه ابلتماسه لذلك فادرج فيها الوصول اىل املقصود ابقرب املعاجل‬
‫واملسالك فنقول انه يقول سبب هذا التأليف املختصر ان والدي رزقه هللا واايان العمل مبا‬
‫فيه بناء على حسن ظنه هبذا الفقري امرين ملا رجعت من الغربة اىل وطين ان اكتب له‬
‫شيئا من كالم اهل هللا يكون العمل به سببا للوصول اىل املقامات العلية والعلوم احلقيقة‬
‫اخلارجة عن طور النظر واالستدالل قال عليه السالم من عمل مبا علم ورثه هللا علم ما مل‬
‫يعلم فوجب ا متثال امره على هذا الفقري الن االدب مع احلضرة الربوبية تقتضي االدب‬
‫معه اذ الوالد واسطة وصول اثر ربوبية احلق جل و عال اىل الولد وقال بعضهم يف بيان‬
‫احلقيقة من آداب املرء مع احلضرة الربوبية تعظيم املظاهر اليت قبلت اثر الربوبية الهنم‬
‫مظاهر تلك االثر مثل االب واالم وسائر من هو من قبيلهما اذ هذا التعظيم راجع اىل‬
‫الرب حقيقة واليه يرجع االمر كله فامتثلت امره وذكرت يف هذا املختصر ما يكون سببا‬
‫حلصول املعرفة املطلوبة من االنسان فامللتمس من الناظر فيه ان ال يسند الكالم اىل مؤلفه‬
‫بل يراه يف قبضة تصرف احلق جل ذكره كالقلم يف يد الكاتب فانه اذا مل ينسب االمر اىل‬
‫مؤلفه دخل يف زمرة الذين علومهم حاصلة عن احلق بال واسطة الن الوجود اجملازي‬
‫عندهم يف حكم العدم كما قال بعض العارفني من اصحاب العيان خماطبا الرابب النظر‬
‫والربهان انكم اخذمت علومكم ميتا عن ميت وحنن اخذان علومنا من احلي الذي ال ميوت‬
‫ومن كان وجوده مستفادا من غريه فحكمه عندان حكم الالشئ فليس للعارف معول غري‬
‫هللا قطعا وابهلل استعني وعليه اتوكل وال حول وال قوة اال ابهلل قال هللا تعاىل وما خلقت‬
‫اجلن واالنس اال ليعبدون قال املفسرون املراد ابلعبادة ههنا هي املعرفة اذ العبادة حبسب‬
‫تبادرها اىل الفهم تتعلق ابعمال اجلوارح ولو محل اىل ما هو املتبادر منها ال يستقيم املعن‬
‫اذ الغرض والغاية من خلق اخللق ليس جمرد االعمال الظاهر بل االعمال الظاهرة اتبع‬
‫للمعرفة واملعرفة هي املقصود ابلذات وبعض الصوفية اراد العبادة ابملعن االعم اذ العبادة‬
‫عن دهم تشمل االعمال الظاهرة والباطنة واملعرفة عمل القلب وال حاجة اىل التأويل‬
‫‪- 1282 -‬‬

‫واحملققون متفقون على ان املعرفة ال حتصل اال مبتابعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم ومتابعته‬
‫موقوفة على العلم مبا جيب متابعته فيه فاعلم ان للنيب عليه السالم قوال وفعال وحاال‬
‫فالقول يتعلق بلسانه والفعل يتعلق بظاهره وحاله يتعلق بباطنه فمتابعته صلّى هللا عليه و‬
‫سلم يف قوله ان ال جيري على لسانه ما خيالف شرعه عليه السالم مثل الغيبة والكذب‬
‫والكالم الذي فيه ايذاء للمسلم وغري ذلك وان يتكلم مبا يكون سببا لنورانية قلبه مثل‬
‫قراءة القرآن واالدعية امل أثورة عن النيب عليه السالم ويرغب عباد هللا اىل شريعته وجيب ان‬
‫يكون يف قراء ة القرآن واالدعية حبيث يعرب بلسانه عما يف قلبه فانه لو مل يكن كذلك كان‬
‫شاهد الزور هذا اذا كان عاملا واما اذا كان اميا فليعتقد بقلبه ان القرآن كالم هللا عز وجل‬
‫فيشرع يف قرائته ابلتعظيم وحضور القلب مبالحظة عظمة ربه الكرمي ومتابعة فعله عليه‬
‫السالم وان يزين ظاهره بشريعته وال يرتك سنته وآدابه فانه مبقدار ما ترك منها ينقص من‬
‫دينه وايضا متابعته عليه السالم يف فعله مبعاونة االخوان املؤمنني بيده وسائر اجلوارح فيما‬
‫حيتاجون اليه كله موجب صفاء ونور خصوصا اذا كانت معاونته يف قضاء حوائج‬
‫املتوجهني اىل جناب احلق سبحانه الن هللا تعاىل أظهر هذه الطائفة حملبته فيجب منهم‬
‫دوام التوجه اليه اذ قلبهم يف حالة التوجه اىل احلق مرآة مصقولة يظهر فيها مجاله وقد يقع‬
‫هلم التوجه بواسطة البشرية اىل االكل والشرب واللباس وغري ذلك فيتكدر ابطنهم مبقدار‬
‫تعلق ظاهرهم ابالمور املذكورة الالزمة هلم ابلضرورة ومبقدار ذلك الغبار حيجبون من‬
‫مشاهدة مجاله فصاحب الدولة الذي وفقه هللا لكفاية امورهم الضرورية له نصيب اتم من‬
‫معانيهم ضرورة اذ كفايته المورهم سبب رجوعهم اىل حاهلم من مشاهدة احلق فكانه هو‬
‫الذي وجههم اىل هللا ابلدوام واحسن من هذا يف حتقيق هذا الكالم ان يقال املوفق‬
‫لقضاء حوائج املتوجهني اىل هللا ان كان شاكرا لربه مبا انعم عليه من التوفيق املذكور فهو‬
‫مظهر امسه الكايف تبارك اذ الشكر منه يدل على انه ما اسند االمر اىل نفسه حيث قال‬
‫احلمد هلل الذي جعل كفاية امور وليه على يدي فهو حينئذ متخلق ابالسم الكايف وورد‬
‫يف احلديث النبوي ان من ختلق خبلق من اخالق هللا فهو حمرم على النار ولباطن النيب‬
‫‪- 1283 -‬‬

‫صلى هللا عليه و سلم مراتب من النفس والقلب والسر وغريها وقد أعطاه احلق عز امسه‬
‫حبسب كل مرتبة منها كما ال يناسب تلك املرتبة وجيب على املسلم متابعته يف تلك‬
‫املراتب وال تتيسر املتابعة املذكورة اال ابلوقوف على آداهبا ومعرفة آداهبا على حسب‬
‫الكمال ليس يف وسع احد من االنبياء واالولياء ولكن للمجتهد فيها على قدر حاله من‬
‫تلك الكماالت نصيب فمتابعته يف مرتبة نفسه ان خيالف هواها ملجما هلا عن امليل اىل‬
‫خالف الشرع فاذا داوم على هذا حتصل لنفس املتابع مناسبة اتمة بنفسه عليه السالم‬
‫وبقدر املناسبة ينجذب نفس املتابع من نفس املتبوع مثل الفتيلة اليت جتذب النار اىل‬
‫نفسها بواسطة دخان الزيت فيرتقي عن درجة التقليد بقدر اجنذابه عن صفات النيب عليه‬
‫السالم وقس على هذا متابعته له يف سائر املراتب لتحصيل الكماالت املناسبة للتك واذا‬
‫كملت املناسبة بينه وبني النيب عليه السالم بواسطة املناسبة حق للمرء ان يكون حمبواب هلل‬
‫تعاىل قال هللا قل ان كنتم حتبون هللا فاتبعوين حيببكم هللا فيطلعه احلق حينئذ على اسراره‬
‫يف امللك وامللكوت وهذه احملبة عائدة اىل النيب عليه السالم اذ اتصافه ابوصاف النيب عليه‬
‫السالم سبب هلا وان كان استعداده لذلك االتصاف حمض فضل هللا وكرمه ولو ابصرت‬
‫بعني احلقيقة وجدت احلق هو احملبوب لذاته وهو احملب ايضا حيبهم وحيبونه كالم له فال‬
‫حيب سواه النه العلة اذ صاحب اجلمال ال حيب املرآة لذاهتا بل الهنا آلة ملشاهدته‬
‫جلماله واحلق سبحانه تعاىل يف مرآة وجودات االنبياء واالولياء مبقدار استعدادهم يتجلي‬
‫بذاته وصفاته وكل مرآة صقالتها حبسب االستعداد اكثر فالتجليات فيها امت وأظهر وهلذا‬
‫وقع التفاضل بني االن بياء بعضهم على بعض اشارة اىل ما قلنا من التفاضل وملا كان‬
‫استعداد املرآة احملمدي صلّى هللا عليه و سلّم اكمل من اجملموع ال جرم ظهور آاثر‬
‫التجليات حبسب الذات والصفات فيه امت من الكل وامته بواسطة متابعته هلم منها‬
‫نصيب اتم فألبسوا لذلك من هللا تعاىل خلعة اخلريية ابلنسبة اىل االمم املتقدمة كما قال‬
‫هللا كنتم خري امة اخرجت للناس ومن ههنا قال عليه السالم ولقد متن اثنا عشر الف نيب‬
‫ان يكون من اميت اذ علم املتمنون ان حصول تلك املراتب العلية موقوفة مبتابعته عليه‬
‫‪- 1284 -‬‬

‫السالم فعلو مهمهم اقتضى ان يكون هلم الكمال املوقوف مبتابعته فتمنوا ان يكونوا من‬
‫امته واذا علم انه ال تنال مرتبة من مراتب الكمال اال مبتابعة النيب عليه السالم فيعلم ايضا‬
‫ان متابعته صلّى هللا عليه و سلّم على حسب الكمال امنا هو يكون القلب منزها عن‬
‫التعلق بغري احلق سبحانه منقطعا عن العالئق البدنية والعوائق الكونية ابلكلية وانقطاع‬
‫القلب عن غري هللا ال حيصل اال بلسع حية احلب لكبده املشوي بنار الشوق والقلق‬
‫واحملبة وان كانت من املواهب لكن ظهور هذه املوهبة ابلتدريج موقوفة على حصول‬
‫شرائط مالكها ختلية القلب عما سوى احملبوب احلقيقي وللوصول اىل حصول هذه الدولة‬
‫العظمى طريقة ما سلكها احد اال وصل املقصود وهي ان يذكر اسم احملبوب احلقيقي‬
‫ابتداء بلسانه و حيضره بقلبه منزال امسه على مسماه احمليط علمه ابالشياء من غري فتور يف‬
‫هذا الذكر حت يغوص حديث النفس يف القلب بذكره فاذا رأى قلبه ذاكرا للمحبوب‬
‫واحنصر يف ذكره حديث النفس ينبغي ان ال يرضى بذلك فيرتك الذكر بل يداوم على‬
‫الذكر حت يلتذ قلبه من ذكره فيرتقى ابملداومة املذكورة ايضا اىل ان ينقطع قلبه عن‬
‫االلتذاذ بغريها من سائر اللذات الدنيوية واالخروية فال يبقى لقلبه حينئذ متعلق سواه‬
‫فيكون كله مشغوال حبيث لو اراد ان حيب غريه ولو ابلتكلف ما ميكن من ذلك واملكاملة‬
‫واملناجاة اللتان حيصالن للسالك امنا مها يف هذه احلالة فيصري حينئذ حبيث لو تكلم مع‬
‫احد كان الكالم معه وكذا لو نظر اىل احد كان انظرا اليه وهذا هو احلضور املنزه عن‬
‫ايل ابلنوافل حت احبه‬
‫الغيبة املعرب عنه يف احلديث القدسي بقوله وال يزال عبدي يتقرب ّ‬
‫فاذا احببته كنت مسعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده‬
‫الذي يبطش به ورجله الذي ميشي به وعقله الذي يعقل به فحينئذ ال متنعه االشغال‬
‫الص ورية الضرورية عن هذه العالقة احلبية املعنوية اذ متكن ابطنه عن مناجاة احلق وهو‬
‫بظاهره مع اخللق فهو كائن ابئن وهذا املعن عبارة عن بلوغ السالك كما قالت رابعة‬
‫رضي هللا عنها {شعر}‪:‬‬
‫ولقد جعلتك يف الفؤاد حمدثي * واحبت جسمي من اراد جلوسي‬
‫‪- 1285 -‬‬

‫فاجلسم مين للجليس مؤانس * وحبيب قليب يف الفؤاد انيسي‬


‫فصاحب الدولة الذي حصل له يف الدنيا هذا التعلق احليب ابحلق سبحانه إذا‬
‫فارق روحه من بدنه حيصل وصال واتصال دائمي بربه فان القلب الذي شغفه احلب وان‬
‫كان واصال اىل حمبوبه يف هذا العامل ولكن يقع عليه حجاب رقيق الجل املقتضيات‬
‫البشرية فلما انقطع الروح عن اجلسد زال ذلك احلجاب ابلكلية اذ زوال العلة التامة‬
‫للشئ يستلزم زوال معلوهلا واجلسد علة احلجاب الرقيق وقد زالت مزامحته لروح احملب‬
‫املذكور ابملوت الطبيعي فال حجاب هلذا الروح بعد املوت اصال (متثيل) اذا اردان ان‬
‫نشغل اانسا مبحبة حمبوب فطريقه ان يق يف احلارة الفالنية حمبوب كذا وكذا نعته مما‬
‫يستلزم التوجه اليه فينبغي ان حتبه النك اذا احببته تلتذ مبحبته فتفوز بوصاله واالنسان‬
‫جمبول مبحبة ما يلتذ منه فيميل قلبه مبجرد مساع نعته اىل حمبته ولكنه ما يعرف طريق‬
‫حتصيل هذه السعادة فالطريق له ان يق له ما ميكنك االستسعاد هبا اال ابن تكثر من‬
‫ذكره وتزجر قلبك عن االشتغال بغريه فيميل اليه قلبه واذا داوم على الذكر يزيد امليل‬
‫فيلتذ قلبه من هذا امليل ابزدايد اللذة اىل ان تستحكم العالقة اليت هي االرتباط احليب فال‬
‫يبقى يف يده زمام اختيار القلب اذ شغفته حمبته فيحبه سواء اراد او مل يرد فال تسع القلب‬
‫حمبة الغري بل ال يسعه االشتغال ابسم احملبوب فينسى االسم من غلبة املسمى عليه ويرتقى‬
‫من هذا احلال اىل مرتبة استيالء نفس احلب كما قال العامري لليلى دعيين فقد شغلين‬
‫حبك عنك ابنصباغ طرفيه بصبغة وهي الوحدة احملضة صبغة هللا ومن احسن من هللا‬
‫صبغة اذا علم ان حصول احملبة امنا هو يف االشتغال ابمسه فاعلم ان افضل االذكار ذكر‬
‫ال ا له إال هللا اذ هذه الكلمة مركبة من النفي واالثبات واحلجب احلاصلة للعبد امنا هي‬
‫بواسطة انتقاش الصور الكونية يف القلب ويف هذا االنتقاش اثبات الغري ونفي احلق فال‬
‫حيصل القرب اال برفع احلجاب وذلك ابثبات احلق ونفي الغري كما هو املفهوم من هذه‬
‫الكلمة الطيبة فاملبت دي اذا اراد ان يشتغل هبا فليقصر امله وليحصر حياته يف النفس‬
‫الذي هو فيه ويف هذا النفس الذي تيقنه آخر انفاسه ان يشتغل ابلذكر املذكور وطريقه‬
‫‪- 1286 -‬‬

‫ان ينحي عن قلبه غري احلق بقول ال اله ويالحظ احلق عز وجل ابملعبودية واحملبوبية يف‬
‫قول اال هللا حبيث يضمر يف قلبه كل مرة يقوهلا ان ال معبود اال هللا وليكن اشتغاله ابلذكر‬
‫منزها عن الرتك وتطرق الفتور فاذا عرضته غفلة فليعتقد من ابب التمثيل ان كان معه در‬
‫مثني عدمي النظري وهو اآلن ضالة فيتحزن لذلك بال ريب كذلك يتحزن من فوات احلالة‬
‫املذكورة وهذا التحزن عالمة أتثر القلب عن الذكر فاذا داوم على هذه احلالة يصل اىل‬
‫مقام لو ترك الذكر بلسانه فالقلب مشغول به ولكن ال يكتفي بذلك بل يستوعب اوقاته‬
‫لالشتغال به على القاعدة املقررة للنقشبندية من الصاق اللسان ابحلنك االعلى وحبس‬
‫النفس يف السرة ورعاية احلركات الثالث مبتداي من السرة ومنتهيا اىل القلب واحلركة‬
‫الوسطى اىل املنكب االمين يف النفي واالثبات اىل ان يصل مرتبة يغلب ذكر احلق على‬
‫سائر االشياء ويداوم على الذكر حت يتدارج اىل انفراد حقيقة القلب ابملذكور الستيالء‬
‫سلطان احملبة عليه فال يبقى يف القلب حمبة الغري فيتحقق تعلقه ابحلق فيستوي على عرشه‬
‫االعظم متكلما مسيعا بصريا مريدا قديرا وحصول هذه السعادة للقلب أمنا هو الن هللا‬
‫تعاىل خلق القلب حبيث ما ميكنه اال ان يكون متعلقا بشئ فاذا انقطع تعلقه عن الغري‬
‫ابلطريق املذكور مل يبق اال انه يتعلق ابحلق سبحانه اراد العبد او مل يرد ويف هذه املرتبة‬
‫يصري الذكر صفة ذاتية للقلب وحقيقه الذكر اليت هي منزهة عن احلرف والصوت تتحد‬
‫مع جوهر القلب املعرب عنه ابلنكتة الذاتية فيحيط احلبيب بفضاء القلب بعد احاطة ذكره‬
‫ابلفضاء املذكور وشتان ما بني االحاطتني فان احاطة احلبيب بفضاء القلب امنا هي‬
‫نتيجة احملبة املفرطة املسماة ابلعشق فيرتقى من هذا املقام اىل ان يفين الوجود املوهوم يف‬
‫الوجود احلقيقي فيصري الذاكر عني املذكور وتتبدل الذاكرية ابملذكورية فيظهر للذاكر‬
‫حينئذ حقيقة قوهلم ال يذكر هللا اال هللا واذا حكم بفناء وجوده املوهوم فيحكم بفناء مجيع‬
‫االشياء املوهومة ايضا فيتجلي له قوله تعاىل كل شئ هالك اال وجهه ويكشف مجال قوله‬
‫ملن امللك اليوم هلل الواحد القهار عن وجهه براقع االستتار فيكون موحدا حقيقيا كما قال‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫‪- 1287 -‬‬

‫ما وحد الواحد من واحد * إذ كل من وحده جاحد‬


‫توحيده اايه توحيده * ونعت من ينعته الحد‬
‫ففي البيتني اشارة اىل حصول هذه املرتبة العليا خلواص عباده يف دار الدنيا وكانت‬
‫املتابعة سبب حصول هذه املرتبة العلية فمن اراد هذا التحصيل فليجالس من يوافق ظاهره‬
‫الشريعة احملمدية وابطنه بواسطة املتابعة يف املراتب املذكورة مظهرا للكماالت اذ القلب‬
‫جمبول على التأثر من اجلليس ان خريا فخري وان شرا فشر حبيث لو جلس احد مع حمزون‬
‫يتأثر من حزنه واذا جلس مع مسرور يتأثر من مسرته وان جالسهما يتمكن فيه الصفتان‬
‫وهذا من كمال قابلية القلب ولوال هذه القابلية ملا حصلت له الكماالت املذكورة فمن‬
‫جالس هذه الطائفة يتأثر ابطنه عن ابطنهم فيميل قلبه اىل احلق جل وعال ومبقدار ميله‬
‫ينقطع عما سواه ومبقدار انقطاعه يزيد امليل فازدايد امليل سبب ازدايد االنقطاع وازدايد‬
‫االنقطاع سبب مليل آخر وهلم جرا اىل ان ال يبقى له ميل اىل الغري ورمبا حيصل هذا‬
‫احلال لبعض ارابب القابلية يف صحبة هذه الطائفة بنظرة واحدة فينقطع قلبه عن غري هللا‬
‫ويتوجه بكلية قلبه اىل ربه ومواله وهذا هو الوصول يف مرتبة من املراتب ولكن الثبات‬
‫على هذه احلالة مشكل ال يعرفه اال ارابب معاملة القلب وقد حيصل هذه السعادة‬
‫للسالك يف صحبة اهل هللا وما يشعر هبا لضعف استعداده والثبات عليه منوط بدوام‬
‫الصحبة وحفظ شرائطها وآداهبا ظاهرا و ابطنا فان ترك اداب من تلك اآلداب بعد عن‬
‫قلوهبم وسقط عن اعينهم فال يبقى له تلك احلالة اليت فاضت على قلبه بواسطتهم النتهاء‬
‫الرابطة بينه وبينهم ورأينا كثريا من الناس حصل هلم التأثر التام من صحبة هذه الطائفة‬
‫فما قدروا على رعاية اآلداب فزال الذوق املذكور {شعر}‪:‬‬
‫عناية اهل هللا لوال تواتر * على اخللق السودت صحائفهم وزرا‬
‫ولكنهم اهل لكل مجيلة * فيعفون عنا ما نقول هلم عذرا‬
‫جلعنا هللا ممن سبقت هلم العناية فال تضرهم كثرة اجلرم واجلناية ووفقنا لقبول‬
‫الصدق من قائله ودر احلق اىل سائله وذوقنا رحيق التحقيق من كؤس التوفيق فال نشرد‬
‫‪- 1288 -‬‬

‫عن كالم اهل هللا بل نستقبله ابلصدق والتصديق فطوىب ملن كان قابليته قابلة لقبول‬
‫اهلداية مثل الصديق فينفق هلل ما عنده من املال وال خيشى من ذي العرش الفاقة واالقالل‬
‫وروي ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم ملا امر ابنفاق االموال انفق ابو بكر رضي هللا عنه‬
‫مجيع ماله فجاء اىل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كساء مربوط طرفاه بشوكة النخل‬
‫فسأله النيب عليه السالم ما إدخرت لعيالك قال هللا ورسوله مث اتى جربيل يف زي الصديق‬
‫اىل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وقال ان هللا امر اهل السموات كلها ان يوافقوا ااب‬
‫بكر يف زيه كرام ة له اللهم وفقنا وسائر املسلمني ملوافقته واحلمد هلل رب العاملني و صلى‬
‫هللا على سيدان حممد وآله وصحبه امجعني مث احلمد هلل على االمتام والصالة والسالم‬
‫االكمالن على خري االانم وآله وصحبه الربرة الكرام (متت الفقرات)‬

‫للشاذيل قدس سره‬


‫اللهم اعلين على فرش أمنك مبنك واحرسين حبارس حفظك وصونك وردين برداء‬
‫اهليبة واجلسين على سرير العظمة وتوجين بتاج البهاء وانشر على لواء العز وامأل ابطين‬
‫خشية ورمحة وظاهري عظمة وهيبة ومكين انصية انصية كل جبار عنيد وشيطان مريد‬
‫واعصمين وأبدين يف القول والعمل برمحتك اي أرحم الرامحني و صلى هللا على سيدان حممد‬
‫وآله وصحبه وسلم من قال بقلبه ولسانه دستور اي اصحاب الوقت ادرس او اعظ حبكم‬
‫النيابة عنكم امن عن ارجتاج الكالم عليه يف ذلك اجمللس وأمدوه كلهم ابلعلوم واملعارف‬
‫شعر او مل يشعر قصيدة للشيخ انصر الدين املشهور اببن بنت امليلق رمحه هللا تعاىل‪:‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬
‫من ذاق طعم شراب القوم يذريه * و من دراه غدا ابلروح يشريه‬
‫و لو تعوض ارواحا وجاد هبا * يف كل طرفة عني ال يساويه‬
‫و قطرة منه تكفي اخللق لو طعموا * فيشطحون على االكوان ابلتيه‬
‫‪- 1289 -‬‬

‫و ذو الصبابة لو يسقى على عدد األنفاس * والكون كأسا ليس يرويه‬


‫يروى ويظمأ ما ينفك شاربه * يصحو ويسكر واحملبوب يسقيه‬
‫يف ريه ظمأ والصحو يسكره * و الوجد يظهره طورا وخيفيه‬
‫يبدو له السر من آفاق و جهته * و ليس اال له منه تبديه‬
‫له الشهادة غيب والغيوب له * شهادة والفناء احملض يبقيه‬
‫له لدى اجلمع فرق يستضئ به * كاجلمع يف فرقه ما زال يلقيه‬
‫يدنو ويعلو ويرنو وهو مصطلح * يف احلالتني بتمييز وتوليه‬
‫له الوجودات اضحت طوع قدرته * و ما يشاء من االطوار أيتيه‬
‫للقوم سر مع احملبوب ليس له * حد و ليس سوى احملبوب حيصيه‬
‫به تصرفهم يف الكائنات فما * يشاء شاؤا و ما شاؤه يقضيه‬
‫ان كنت تعجب من هذا فال عجب * هلل يف الكون اسرار ترى فيه‬
‫ال شئ يف الكون اال وهو ذو أثر * فما املؤثر غري هللا قاضيه‬
‫ليس التضادد مناعا لقدرته * من حيث قدرته أتيت تعاليه‬
‫و امنا من وجوه احلاداثت له * متانع يف حمل الظل حيويه‬
‫و للفقري وجوه ليس حيصرها * عد وكل وجود فهو واديه‬
‫لو كنت تدري وجود العبد كنت ترى * فيه الكمال كما النقصان تنفيه‬
‫و العبد هذا هو احلر الذي حصلت * له اخلالفة جل هللا معطيه‬
‫اوصافه ظهرت من وصف مبدعه * وكل مظهره يبدي جتليه‬
‫اذا رؤي ذكر املوىل برؤيته * و فاز ابلسعد والتقريب رائيه‬
‫عبد عليه مسات العز الئحة * و خلعة العز والتحكيم عاليه‬
‫ان كنت تقصد ان حتظي بصحبته * فاسلك على سنن طابت مساعيه‬
‫‪- 1290 -‬‬

‫أخلص ودادك صدقا يف حمبته * و الزم ثرى اببه واعكف يناديه‬


‫و استغرق العمر يف آداب صحبته * و حصل الدر والياقوت من فيه‬
‫و ابذل فؤادا وابلغ يف اوامره * اىل الوفاق وابدر يف مراضيه‬
‫و احذر جبهدك ان أتيت ولو خطأ * ما ال حيب و ابعد عن مناهيه‬
‫وكن حمب حمبيه وانصرهم * و الزم عداوة من اضحى يعاديه‬
‫و اعلم يقينا ابن هللا انصره * ان مل يكن انصرا فاهلل يكفيه‬
‫و انزل الشيخ يف اعلى منازله * و اجعله قبلة تعظيم وتنزيه‬
‫و لست تفعل هذا ان ظننت به * نقصا وال خلال فيما يعانيه‬
‫و اترك مرادك واستسلم له ابدا * وكن كميت حتلي يف اايديه‬
‫اعدم وجودك ال تشهد له اثرا * و دعه يهدمه طورا ويبنيه‬
‫مت رأيتك شيئا كنت حمتجبا * برؤية الشيئ عما انت انويه‬
‫و ال ترى ابدا عنه غن فمت * رأيت عنه غن خيشى تناسيه‬
‫ان اعتقادك ان مل أتت غايته * فيه فيوشك ان ختفي مباديه‬
‫و غاية االمر فيه ان تراه على * هنج الكمال وان هللا هاديه‬
‫و من امارة هذا ان تؤول ما * عليك اشكل اظهارا خلافيه‬
‫و املرء ان يعتقد شيئا وليس كما * يظنه مل خيب فاهلل معطيه‬
‫و ليس ينفع قطب الوقت ذا خلل * يف االعتقاد وال من ال يواليه‬
‫إال اذا سبقت للعبد سابقة * يعود من بعد هذا من مواليه‬
‫و نظرة منه ان صحت اليه على * سبيل ود ابذن هللا تغنيه‬
‫و الناس عبدان جمذوب وسالك ما * دعى اليه بتعليم وتنبيه‬
‫و اجلذب اخذة عبد بغتة بيدي * عناية حنو امر ليس ينويه‬
‫‪- 1291 -‬‬

‫هو املراد وخمطوب العناية ال * حيس كلفة تكليف تالقيه‬


‫طورا يرد عليه احلسن تكملة * له فيقصد ما قد كان انويه‬
‫تراه يعبد ال يلوي على شغل * سوى العبادة يستحلي تفانيه‬
‫و قد يغيب عن االحساس خمتطفا * و ذو العناية حفظ احلق حيميه‬
‫ترى احلقائق تبدو منه يف نسق * مع الكشوف الن هللا يلقيه‬
‫و ذو السلوك تراه يف بدايته * جياهد النفس ذا رعى لباقيه‬
‫ميشي على هنج اهل الصدق ملتزما * شروطهم خائفا مما يرجيه‬
‫كم من مريد قضى ما انل بغيته * حق القضاء عليه يف تقاضيه‬
‫وكم مر بدوين من بعد عزمته * يهوي به احلظ يف اهوى مهاويه‬
‫و اجلذب ان جاء من بعد السلوك له * فضل على اجلذب مما السعي اتليه‬
‫فاجلذب هذا الذي التفضيل فيه هو اجلذب * الذي ظهرت حسا بواديه‬
‫و يف احلقيقة لوال اجلذب ما سلكت * طريق حق وال رؤيت مرائيه‬
‫لوال العناية و التخصيص قد سبقا * يف دعوه العبد ما قامت دعاويه‬
‫ان املريد مراد واحملب هو احملبوب * فاستمل هذا من اماليه‬
‫ان كان يرضاك عبدا انت تعبده * و ان دعاك مع التمكني أتتيه‬
‫و يفتح الباب اكراما على عجل * ويرفع احلجب كشفا عن تدانيه‬
‫و مث تعرف ما قد كنت جتهله * مما عن احلصر قد جلت معانيه‬
‫و ترتوي من شراب االنس صافية * اي سعد من أيت مملوء بصافيه‬
‫و صل اي رب ما غنت مطوقة * على النيب صالة منك ترضيه‬
‫‪- 1292 -‬‬

‫ترمجة رسالة املبدأ واملعاد لالمام الرابين قدس سره‬

‫الر ِ‬
‫حيم‬‫الر ْمحَ ِن َّ‬ ‫بِس ِم ِ‬
‫هللا َّ‬ ‫ْ‬
‫احلمد هلل يف املبدأ واملعاد والصالة على حبيبه حممد وآله االجماد‪( ،‬أما بعد) فهذه‬
‫رسالة شريفة متضمنة الشارات لطيفة رائقة واسرار دقيقة فائقة لالمام اهلمام حجة هللا‬
‫على االانم قدوة االقطاب واالواتد وقبلة االبدال واالفراد كاشف أسرار السبع املثاين‬
‫اجملدد لاللف الثاين االويسي الرمحاين والعارف الرابين شيخ االسالم واملسلمني شيخنا‬
‫وامامنا الشيخ امحد الفاروقي نسبا واحلنفي مذهبا والنقشبندي مشراب ال زال مشوس‬
‫هدايته على افق العلى ساطعة والناس يف رايض افاضته راتعة و هللا املستعان وعليه‬
‫التكالن فمن تلك االشارات واالسرار ما قاله وقع يف قلب درويش حمبة هذه الطريقة‬
‫فاوصلته العناية االهلية اىل واحد من خلفاء خواجكان قدس هللا اسرارهم فاخذ عنه طريقة‬
‫هؤالء االكابر والزم صحبته فحصل له بربكة توجهه جذبة اخلواجكان اليت حتصل من‬
‫جهة االستهالك يف صفة القيومية وتيسر له ايضا شرب من طريق اندراج النهاية يف‬
‫البداية وبعد حتقق هذه اجلذبة تقرر االمر على السلوك وبلغ هذه الطريقة برتبية روحانية‬
‫اسد هللا الغالب كرم هللا تعاىل وتقدس وجهه املقدس اىل هنايتها يعين اىل االسم الذي هو‬
‫ربه وعرج من هذا االسم مبدد روحانية حضرة اخلواجه النقشبند قدس هللا تعاىل سره اىل‬
‫القابلية االوىل اليت هي معرب عنها ابحلقيقة احملمدية على صاحبها الصالة والسالم والتحية‬
‫وتيسر االستعالء من ذاك احملل ابمداد روحانية عمر الفاروق رضي هللا عنه اىل ما فوق‬
‫تلك القابل ية ووقع الرتقي من ذاك احملل برتبية روحانية حضرة خامت الرسالة على صاحبها‬
‫الصالة والسالم والتحية اىل املقام الذي فوق تلك القابلية اليت هي مبثابة التفصيل له وهو‬
‫كاالمجال هلا وذلك املقام هو مقام االقطاب احملمدية وحصل لذلك الدرويش وقت‬
‫الوصول اىل ذلك املقام حنو من االمداد من روحانية حضرة اخلواجه عالء الدين العطار‬
‫الذي هو خليفة اخلواجه النقشبند قدس سرمها وقطب االرشاد وهناية عروج االقطاب اىل‬
‫‪- 1293 -‬‬

‫هذا املقام ودائرة الظلية تنتهي يف هذا املقام وبعد ذلك اما اصل خالص او اصل ممتزج‬
‫ابلظل وطائفة االفراد ممتازون ابلوصول اىل هذه الدولة ويقع لبعض االقطاب عروج اىل‬
‫املقام املمتزج مبصاحبة االفراد وحيصل هلم النظر اىل اصل املمتزج ابلظل واما الوصول اىل‬
‫االصل اخلالص او النظر اليه فهو خاصة االفراد على تفاوت درجاهتم ذلك فضل هللا‬
‫يؤتيه من يشاء و هللا ذو الفضل العظيم وانل ذلك الدرويش بعد وصوله لذاك املقام الذي‬
‫هو مقام االقطاب خلعة قطبية االرشاد من سيد الدارين عليه الصالة والسالم على سبيل‬
‫العناية وجعل ممتازا هبذا املنصب وبعد ذلك صارت عناية احلق جل شأنه وعم احسانه‬
‫شاملة حاله وجعلته متوجها اىل فوق واوصلته اىل اصل ممتزج مبرتبة واحدة وتيسر له الفناء‬
‫يف ذلك املقام كما تيسر يف املقامات السابقة وحصل له الرتقي بعونه تعاىل اىل مقام‬
‫االصل حت وصل اىل اصل االصل وجاء له املدد يف هذا العروج االخري الذي هو عروج‬
‫اىل مقامات االصل من روحانية حضرة الغوث االعظم الشيخ حميي الدين عبد القادر‬
‫اجليالين قدس هللا تعاىل س ره االقدس وأوصلوه اىل اصل االصل بعد العبور به من تلك‬
‫املقامات بقوة التصرف وارجعوه من هناك اىل العامل كما ارجعوه اليه من كل مقام وقد‬
‫حصل لذلك الدرويش اصل نسبة الفردية اليت العروج االخري خمصوص هبا من والده‬
‫املاجد وقد ظفر هبا والده املاجد من عزيز موصوف جبذبة قوية ومشهور خبوارق سنية‬
‫ولكن مل يعد ذلك الدرويش تلك النسبة بواسطة ضعف بصريته وقلة ظهورها شيئا سوى‬
‫قطع منازل السلوك ومل يلتفت اليها اصال وايضا ان هذا الدرويش قد وجد املدد يف كونه‬
‫موفقا للعبادات النافلة خصوصا الداء صالة النوافل من والده وهذه السعادة حصلت‬
‫لوالده املاجد من شيخه يف سلسلة الچشتية وايضا قد منح هذا الدرويش العلم اللدين من‬
‫حضرة اخلضر على نبينا وعليه الصالة والسالم لكن كان ذلك قبل أن يتعدي ويرتقي من‬
‫مقام االقطاب وأما بعد عبوره من ذلك املقام وحصول الرتقيات اىل املقامات العالية‬
‫فأخذ العلوم من حقيقة نفسه جيد يف نفسه بنفسه من نفسه ومل يبق للغري جمال أن يدخل‬
‫يف البني وأيضا وقع هلذا الدرويش وقت النزول الذي هو عبارة عن السري عن هللا ابهلل‬
‫‪- 1294 -‬‬

‫عبور عن مقامات مشائخ السالسل االخر وانل من كل مقام نصيبا أوفر وصارت‬
‫مشائخ ذلك املقام ممدين له ومعاونني يف أمره ومنحوه نصيبا من خالصة نسبهم وقع‬
‫العبور أوال يف مقام اكابر الچ شتية قدس هللا أسرارهم وحصل له حظ وافر من ذلك املقام‬
‫وأول من أمد من هؤالء املشائخ العظام هو روحانية حضرة اخلواجه قطب الدين واحلق أن‬
‫له يف ذلك املقام شأان عظيما وهو رئيس ذلك املقام وبعد ذلك وقع العبور على مقام‬
‫أكابر الكربوية قدس هللا اسرارهم وهذان املقامان كالمها متساواين ابعتبار العروج ولكن‬
‫هذا املقام واقع على ميني ذاك الطريق االعظم وقت النزول من فوق واملقام االول واقع يف‬
‫يساره وهذا الطريق االعظم طريق يذهب منه بعض اكابر أقطاب االرشاد اىل مقام الفردية‬
‫ويصل ون اىل هناية النهاايت واما االفراد احملضة فلهم طريق آخر ال ميكن املرور من ذلك‬
‫الطريق االعظم بال رتبة القطبية وهذا املقام واقع بني مقام الصفات وبني ذاك الطريق‬
‫االعظم وكأنه برزخ بني هذين املقامني وله نصيب من كليهما وأما املقام االول فهو واقع‬
‫اىل جانب آخر من الطريق االعظم فنصيبه من الصفات قليل وبعد ذلك وقع العبور على‬
‫مقام اكابر السهروردية الذين جاؤا بعد الشيخ شهاب الدين السهروردي قدس هللا‬
‫أسرارهم وهذا املقام متحلي بنور اتباع السنة السنية على مصدرها الصالة والتحية ومزين‬
‫بنورانية مشاهد فوق الفوق والتوفيق للعبادات رفيق ذاك املقام وبعض السالكني الغري‬
‫الواصلني الذين هم مشغولون بعبادات النوافل ويطمئنون هبا وجدوا نصيبا من ذاك املقام‬
‫بواسطة مناسبتهم له والعبادات النافلة مناسبة هلذا املقام ابالصالة وأما الباقون سواء كانوا‬
‫مبتدئني او منتهيني فمناسبتهم هلا بواسطة مناسبتهم هلذا املقام وهذا املقام لطيف وعال‬
‫جدا والنورانية اليت تشاهد يف هذا املقام قليلة يف غريه ومشائخ هذا املقام بسبب اتباعهم‬
‫السنة عظيموا الشأن ورفيعوا القدر وهلم امتياز اتم من بني ابناء جنسهم والذي تيسر هلم‬
‫يف هذا املقام مل يتيسر الرابب مقامات اخر وان كانوا فوقهم ابعتبار العروج مث انزلوين اىل‬
‫مقام اجلذبة وهذا املقام جامع ملقامات جذابت غري متناهية وانزلوين من هناك ايضا وهناية‬
‫مراتب النزول مقام القلب الذي هو احلقيقة اجلامعة واالرشاد والتكميل يتعلقان ابالنزال‬
‫‪- 1295 -‬‬

‫اىل هذا املقام فانزلوين اىل هنا وقبل أن حيصل التمكني يف هذا املقام وقع العروج اثنيا‬
‫فرتك االصل يف ذلك الوقت مثل الظل وراءه فمن هذا العروج الذي كان يف مقامات‬
‫القلب حصل التمكني والسالم (ومنها) ان قطب االرشاد الذي يكون جامعا للكماالت‬
‫الفردية أيضا عزيز الوجود جدا يظهر مثل هذا اجلوهر النفيس بعد قرون متطاولة وأزمنة‬
‫متكاثرة فيصري العامل الظلماين بنور ظهوره نورانيا ونور ارشاده وهدايته شامل جلميع العامل‬
‫وكل رشد وهداية واميان ومعرفة حتصل يف العامل من حميط العرش اىل مركز الفرش امنا‬
‫حتصل من طريقه وتستفاد بواسطته وال يصل أحداىل هذه الدولة بدون توسطه ونور‬
‫هدايته حميط جبميع العامل كالبحر احمليط وهذا البحر كانه منجمد ال يتحرك ابدا فاذا كان‬
‫شخص متوجها اىل هذا العزيز وكان خملصا له او كان هو متوجها حلال طالب فكان‬
‫روزنة تفتح يف قلب الطالب وقت ذلك التوجه فيصري الطالب رايان من ذلك البحر من‬
‫ذلك الطريق على قدر توجهه واخالصه وكذلك اذا كان شخص مشغوال ابلذكر االهلي‬
‫حيصل له مثل هذه االفادة وان مل يكن متوجها اىل هذا العزيز ال من جهة االنكار بل‬
‫لعدم معرفته اايه ولكن االفادة يف الصورة االوىل أكثر منها يف الصورة الثانية واما اذا كان‬
‫شخص منكرا هلذا العزيز أو كان هو متأذاي منه فهو حمروم من حقيقة الرشد واهلداية وان‬
‫كان مشغوال بذكر هللا عز و جل فان انكاره يكون سدا يف طريق الفيض من غري أن‬
‫يكون هذا العزيز متوجها لعدم أفادته وقاصدا لضرره وأمنا فيه صورة الرشد واهلداية دون‬
‫احلقيقة والصورة العارية عن املعن قليلة النفع والذين فيهم اخالص وحمبة هلذا العزيز يصل‬
‫اليهم ايضا نور الرشد واهلداية مبجرد تلك احملبة وان خلوا من التوجه املذكور والذكر االهلي‬
‫جل شأنه والسالم على من اتبع اهلدى (ومنها) ان أول ابب فتح هلذا الدرويش ال نفس‬
‫الوجدان كان فيه ذوق الوجدان مث تيسر نفس الوجدان وفقد ذوق الوجدان مث صار نفس‬
‫الوجدان مف قودا مثل ذوق الوجدان فاحلالة الثانية حالة الكمال والوصول اىل درجة الوالية‬
‫اخلاصة والثالثة مقام التكميل والرجوع اىل اخللق للدعوة واحلالة السابقة كمال يف جهة‬
‫اجلذبة فقط فاذا انضم اليها السلوك ومت حصلت احلالة الثانية مث الثالثة وليس للمجذوب‬
‫‪- 1296 -‬‬

‫اجملرد عن السلوك م ن احلالة الثانية والثالثة نصيب أصال فالكامل املكمل هو اجملذوب‬
‫السالك مث السالك اجملذوب وما سوامها فليس بكامل وال مكمل أصال فال تكن من‬
‫القاصرين والصالة والسالم على خري البشر سيدان حممد وآله االطهر (ومنها) ان هذا‬
‫الدرويش تشرف يف اواخر ربيع االخري خبدمة عزيز من خلفاء هذه الطائفة العلية واخذ‬
‫عنه طريقة هؤالء االكابر وأستسعد يف منتصف رجب من ذلك العام حبضور النقشبندية‬
‫الذي فيه اندراج النهاية يف البداية فقال له ذلك العزيز ان نسبة النقشبندية عبارة عن هذا‬
‫احلضور وبعد عشرة أعوام كاملة وعدة أشهر جتلت النهاية اليت كانت ظهرت يف البداية‬
‫من وراء عدة حجب البداايت واالوساط خبرق تلك احلجب يف النصف االول من ذي‬
‫القعدة وحصل اليقني ابنه كان يف البداية صورة من ذلك االسم وتكلم من تلك اجلفون‬
‫واسم من ذلك املسمى شتان ما بينهما وحقيقة االمر أنكشفت هنا وسر املعاملة ظهر‬
‫ههنا من مل يذق مل يدر والصالة والسالم على سيد األانم وآله الكرام واصحابه العظام‬
‫(ومنها) واما بنعمة ربك فحدث كان هذا الدرويش يوما من االايم قاعدا يف حلقة‬
‫أصحابه وكان ينظر اىل نقصانه وقصوره وقد غلب فيه هذا النظر حبيث رأى نفسه‬
‫غريمناسب جدا هلذا الوضع يعين للمشيخة ففي تلك االثناء رفعوه من تراب املذلة حبكم‬
‫من تواضع هلل رفعه هللا ونودي يف سره هبذا النداء غفرت لك وملن توسل بك أتى بواسطة‬
‫أو بغري واسطة اىل يوم القيامة وشرفوه هبذا املعن مكررا اىل حد مل يبق فيه جمال للريب‬
‫واحلمد هلل سبحانه على ذلك محدا كثريا طيبا مباركا فيه مباركا عليه وكما حيب ربنا‬
‫ويرضى والصالة والسالم على رسوله سيدان حممد وآله كما ينبغي له وحيرى مث أمروه‬
‫ابفشاء هذه الواقعة {شعر}‪:‬‬
‫واذا اتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا‬
‫ان ربك واسع املغفرة (ومنها) أن السري اىل هللا هو عبارة عن سري اىل اسم من‬
‫امساء هللا جل شأنه هو مبدأ تعني السالك والسري يف هللا عبارة عن السري يف ذلك االسم‬
‫اىل أن ينتهي اىل حضرة الذات االحدية اجملردة عن اعتبار االمساء والصفات والشؤن‬
‫‪- 1297 -‬‬

‫واالعتبارات وهذا التفسري امنا يصح اذا كان املراد ابالسم املبارك هللا مرتبة الوجوب يعين‬
‫الذات املستجمعة جلميع االمساء والصفات وأما اذا كان املراد به هو الذات البحت فقط‬
‫فيكون السري يف هللا ابملعن املذكور داخال يف السري اىل هللا وال يتحقق السري يف هللا على‬
‫هذا التقدير أصال فان السري يف نقطة هناية النهاايت غري متصور فانه مت تيسر الوصول‬
‫اىل تلك النقطة يقع الرجوع اىل العامل بال توقف وهذا الرجوع معرب عنه ابلسري عن هللا‬
‫ابهلل وهذه املعرفة خمصوصة ابلواصلني اىل هناية النهاايت ومل يتكلم هبا من اولياء هللا تعاىل‬
‫أحد غري هذا الدرويش هللا جيتيب اليه من يشاء واحلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم‬
‫على سيد املرسلني حممد وآله أمجعني (ومنها) ان االقدام متفاوتة يف كماالت الوالية‬
‫فجمع يكون فيهم استعداد حصول درجة واحدة من درجات الوالية وبعض آخر يكون‬
‫فيه استعداد درجتني منها وطائفة فيهم استعداد ثالث درجات وقوم فيهم قابلية اربع‬
‫درجات وآحاد تكون مستعدة خلمس درجات وهم االقلون وحصول الدرجة االوىل من‬
‫هذه الدرجات اخلمس مربوطة بتجلي االفعال والثانية منوطة بتجلي الصفات والثالثة‬
‫االخرية مربوطة ابلتجليات الذاتية على تفاوت درجاهتا واكثر اصحاب هذا الدرويش هلم‬
‫مناسبة للدرجة الثالثة من الدرجات املذكورة وقليل منهم هلم مناسبة للدرجة الرابعة‬
‫واالقلون للخا مسة اليت هي هناية درجات الوالية والكمال املعترب عند هذا الدرويش امنا‬
‫هو فيما وراء هذه الدرجات ومل يظهر هذا الكمال بعد زمان االصحاب الكرام رضوان‬
‫هللا تعاىل عليهم أمجعني وهو فوق كمال اجلذبة والسلوك وغدا يظهر هذا الكمال يف‬
‫حضرة املهدي ان شاء هللا تعاىل والصالة والسالم على خري الربية (و منها) ان نزول‬
‫الواصلني اىل هناية النهاية وقت رجوع القهقري اىل أسفل الغاية ومصداق الوصول اىل‬
‫هناية النهاية هو عني هذا النزول اىل غاية الغاية ومت وقع النزول بتلك اخلصوصية يكون‬
‫صاحب الرجوع متوجها اىل عامل االسباب بكليته ال أن بعضه متوجها اىل احلق وبعضه‬
‫اآلخر اىل اخللق فان هذا عالمة عدم الوصول اىل هناية النهاية وعدم النزول اىل غاية‬
‫الغاية وغاية ما يف الباب يقع للطائف صاحب الرجوع توجه خاص اىل اجلناب االقدس‬
‫‪- 1298 -‬‬

‫جل سلطانه وقت اداء الصالة اليت هي معراج املؤمن ويبقى هذا التوجه اىل متام الصالة‬
‫وبعد الفراغ منها يكون متوجها بكليته اىل اخللق ولكن املتوجه اىل جناب القدس وقت‬
‫اداء الفرائض والسنن هي اللطائف الست ويف وقت اداء النوافل ألطف تلك اللطائف‬
‫فقط ميكن ان يكون يف حديث يل مع هللا وقت اشارة اىل هذا الوقت اخلاص املخصوص‬
‫ابلصالة والقرينة على تعيني تلك االشارة يف حديث وقرة عيين يف الصالة والعالوة على‬
‫هذه القرينة الكشف الصحيح واالهلام الصريح وهذه املعرفة من املعارف املخصوصة هبذا‬
‫الدرويش وأما املشائخ فقد اعتقدوا الكمال يف اجلمع بني التوجهني واالمر اىل هللا سبحانه‬
‫والسالم على من اتبع اهلدى والتزم شريعة املصطفى عليه و على آله امت الصلوات وأكمل‬
‫التسليمات (ومنها) قال املشائخ ان مشاهدة أهل هللا بعد الوصول اىل مرتبة الوالية امنا‬
‫هي يف االنفس فان املشاهدة اآلفاقية اليت كانت ميسرة يف أثنآء الطرق وقت السري اىل‬
‫هللا غري معتربة والذي انكشف هلذا الدرويش ان املشاهدة يف االنفس ايضا غري معتربة‬
‫كاملشاهدة يف اآلفاق فان تلك املشاهدة ليست هي مشاهدة احلق سبحانه فانه تعاىل‬
‫منزه عن الكيف والكم ال تسعه املرآة املكيفة سواء كانت مرآة اآلفاقي او مرآة االنفس‬
‫فانه تعاىل ليس بداخل للعامل وال خارجا عنه وال متصال به وال منفصال عنه فشهوده‬
‫ورؤيته تعاىل ايضا ليسا يف العامل وال يف خارج العامل وال متصلني به وال منفصلني عنه وهلذا‬
‫قالوا للرؤية االخروية اهنا بال كيف فهي خارجة عن حيطة العقل والوهم وأما يف الدنيا‬
‫فقد انكشف هذا السر خلواص اخلواص وان مل يكن رؤية ولكنه كالرؤية وهذه دولة‬
‫عظمى قل من استسعد هبا بعد زمان االصحاب رضوان هللا تعاىل عليهم أمجعني وهذا‬
‫القول وان كان اليوم مستبعدا وغري مقبول لدى االكثر اال انه ال أبس يف اظهار النعمة‬
‫العظمى قبله القاصرون او ال وهذه النسبة تظهر غدا بتلك اخلصوصية يف حضرة املهدي‬
‫ان شاء هللا تعاىل والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى صلوات هللا‬
‫وتسليماته عليه و على آله واصحابه أمجعني (ومنها) اذا حضر الطالب عند شيخ ينبغي‬
‫له أن أيمره ابالستخارة ويكرر االستخارة من ثالثة اىل سبعة فاذا مل يظهر بعد تكرار‬
‫‪- 1299 -‬‬

‫االستخارة تذبذب يف الطالب يتسرع يف امره فيعلمه اوال طريق التوبة وأيمره بصالة ركعيت‬
‫التوبة فان وضع القدم يف هذا الطريق بال توبة غري انفع ولكن ينبغي ان يكتفي يف‬
‫حصول التوبة بقدر االمجال وحييل تفصيله على مرور االايم فان اهلمم قاصرة يف هذه‬
‫االايم جدا فاذا كلف القاصرون بتحصيل تفصيل التوبة اوال فال جرم انه يستدعي مدة‬
‫ف رمبا يقع الفتور على طلبه يف تلك املدة فيحرم من املطلب بل ال يتم التوبة ايضا وبعد‬
‫ذلك يعلمه طريقا مناسبا الستعداده ويلقنه ذكرا موافقا لقابليته ويبذل التوجه يف امره‬
‫ويراعي االلتفات يف حقه ويبني له آداب الطريقة وشرائطه ويرغبه يف متابعة الكتاب‬
‫والسنة وآاثر ال سلف الصاحلني ويعلمه أن الوصول اىل املطلوب بغري هذه املتابعة حمال‬
‫ويعلمه ايضا ان الكشوف والوقائع اذا كانت خمالفة للكتاب والسنة ولو كان مقدار شعرة‬
‫ال يعتربها اصال بل يكون مستغفرا منه وينصحه بتصحيح العقائد على مقتضى آراء‬
‫الفرقة الناجية اهل السنة واجلماعة وأيم ره بتعلم االحكام الفقهية الضرورية والعمل مبوجبه‬
‫ويؤكد يف هذا الباب فان الطريان يف هذا الطريق بدون جناحي االعتقاد والعمل ال ميكن‬
‫ان يتيسر ويرشده ابلتأكيد اىل رعاية االحتياط يف اللقمة واالجتناب من احملرم واملشتبه‬
‫ومينعه عن اكل كلما جيده والتناول من كل حمل حيصله من غري ان يصحح يف هذا الباب‬
‫فتوى الشريعة الغراء وابجلملة البد للسالك من ان جيعل كرمية وما أاتكم الرسول فخذوه‬
‫وما هناكم عنه فانتهوا نصب عينيه واحوال الطالبني ال ختلو عن احد االمرين اما ان‬
‫يكونوا اصحاب كشف ومعرفة او ارابب جهل وحرية وكلتا هاتني الطائفتني مساويتان يف‬
‫الوصول بعد طي املنازل ورفع احلجب ال مزية الحدمها على اآلخر يف نفس الوصول‬
‫ومثلهما مثل شخصني وصال اىل الكعبة الشريفة بعد طي املنازل البعيدة اال أن أحدمها‬
‫استعمل نظره يف منازل الطريق وتفرج فيها وعلم كل واحد منها ابلتفصيل على قدر‬
‫استعداده وغمض الثا ين عينيه منها ومل يطلع على تفاصيلها وهذان الشخصان مساواين‬
‫يف نفس الوصول اىل الكعبة ال زايدة الحدمها فيه على اآلخر وان تفاوات يف معرفة منازل‬
‫الطريق وعدمها وكذا هنا وأما بعد الوصول اىل املطلوب فالبد لكل منها من اجلهل الن‬
‫‪- 1300 -‬‬

‫املعرفة يف ذات هللا تعاىل جهل وعجز عن املعرفة ينبغي ان يعلم ان قطع منازل عن طي‬
‫املقامات العشرة وطي هذه املقامات العشرة منوطة هبذه التلجيات الثالثة جتلي االفعال‬
‫وجتلي الصفات وجتلي الذات وكل من هذه املقامات سوى مقام الرضا مربوط بتجلي‬
‫االفعال وجتلي الصفات واما مقام الرضا فهو مربوط بتجلي الذات تعالت وتقدست‬
‫وابحملبة الذاتية املستلزمة ملساواة ايالم احملبوب النعامه ابلنسبة اىل احملب فال جرم مت حتقق‬
‫الرضا ترتفع الكراهة وكذلك بلوغ مجيع تلك املقامات اىل حد الكمال امنا هو وقت‬
‫حصول التجلي الذايت الذي نيط به الفناء االمت واما حصول نفس تلك املقامات التسعة‬
‫فهو يف التجلي االفعايل والتجلي الصفايت مثال اذا شاهد قدرته تعاىل الكاملة يف نفسه‬
‫ويف مجيع االشياء يرجع اىل التوبة ويبادر اىل االانبة بال اختيار ويصري خائفا ووجال وجيعل‬
‫الورع شيمته ويلتزم الصرب على النوائب لكوهنا من مقد راته تعاىل ويرتك االضطراب واجلزع‬
‫ومت عرف ان موىل النعم هو هللا تعاىل واالعطاء واملنع فعله وصفته عز و جل يكون يف‬
‫مقام الشكر ابلضرورة ويرتسخ قدمه يف مقام التوكل ومت جتلى له لطفه ورأفته تعاىل يكون‬
‫يف مقام الرجاء ومت شاهد عظمته وكربايءه تعاىل تظهر الدنيا الدنية يف نظره حقرية‬
‫وعدمية االعتبار فال جرم حيصل فيه الرغبة عنها وخيتار الفقر ويزهد فيها لكن ينبغي أن‬
‫يعلم أن حصول هذه املقامات ابلتفصيل والرتتيب خمصوص ابلسالك اجملذوب واما‬
‫اجملذوب السالك فطي هذه املقامات امجايل ابلنسبة اليه فان العناية االزلية جعلته مبتلى‬
‫مبحبة ال يقدر معها أن يشتغل بتفاصيل تلك املقامات ويف ضمن تلك احملبة حصلت له‬
‫زبدة تلك املقامات وخالصة هاتيك املنازل على الوجه االمت على وجه مل تتيسر لصاحب‬
‫التفصيل والسالم على من اتبع اهلدى (ومنها) ينبغي للطالب ان يهتم بنفي اآلهلة الباطلة‬
‫اآلفاقية واالنفسية وكلما يقع يف فهمه وومهه يف جانب اثبات املعبود ابحلق جيعله أيضا‬
‫داخال حتت النفي ويكتفي مبجرد موجوديته تعاىل وان مل يكن للوجود أيضا جمال يف ذلك‬
‫املوطن وكان طلبه تعاىل من ما وراء الوجود جديرا ولقد أحسن علماء أهل السنة يف قوهلم‬
‫بزايدة وجود واجب الوجود على ذاته سبحانه وتعاىل والقول بعينية الوجود ابلذات وعدم‬
‫‪- 1301 -‬‬

‫اثبات امر وراء الوجود من قصور النظر قال الشيخ عالء الدولة فوق عامل الوجود عامل‬
‫امللك الودود وملا وقع الرتقي هلذا الدرويش اىل ما فوق عامل الوجود كنت أعد نفسي من‬
‫أهل االسالم من جهة العلم لتقليدي فقط حني كنت مغلوب احلال وابجلملة أن كلما‬
‫حيصل يف حوصلة املمكن يكون ممكنا ابلطريق االوىل فسبحان من مل جيعل للخلق اليه‬
‫سبيال اال ابلعجز عن معرفته وال يظن أحد من هذا الفناء يف هللا والبقاء ابهلل ان املمكن‬
‫يصري واجبا فان ذلك حمال ومستلزم لقلب احلقائق واذا مل يصر املمكن واجبا ال يكون‬
‫نصيب املمكن من ادراك الواجب سوى العجز {شعر}‪:‬‬
‫هيهات عنقاء ان يصطاده أحد * فارم الشراك واال دام فيه هوا‬
‫وعايل اهلمة امنا يطلب مطلبا ال حيصل منه شئ وال يظهر منه اسم وال رسم‬
‫وطائفة من الناس يطلبون مطلبا جيدونه عني أنفسهم وحيصلون القرب منه واملعية به‬
‫{ع}‪:‬‬
‫لكل من االنسان شأن خيصه‬
‫والسالم‪( .‬و منها) قال حضرة اخلواجه النقبشند قدس سره االقدس ان مرآة كل‬
‫واحد من املشائ خ هلا جهتان وأما مرآيت فلها ست جهات أظن ان أحدا من خلفاء هذه‬
‫الطائفة العظيمة مل يبني هذه الكلمة القدسية اىل هذا الزمان بل مل يتكلم فيها أحد‬
‫ابالشارة والرمز فكيف ميكن هلذا احلقري قليل البضاعة ان يقدم على شرحها وان حيرك‬
‫لسانه يف كشفها ولكن ملا كشف هللا سبحانه مبحض فضله عن سر هذا املعن هلذا‬
‫احلقري وأظهر حقيقته كما ينبغي خطر يف اخلاطر ان ينظم هذا الدر املكنون ببنان البيان‬
‫يف سلك التحرير وان يورده بلسان الرتمجانية يف حيز التقرير فشرع يف هذا الباب بعد اداء‬
‫االستخارة واملسئول من هللا سبحانه العصمة والتوفيق ينبغي أن يعلم ان املراد من املرآة‬
‫قلب العارف الذي هو برزخ بني الروح والنفس واراد ابجلهتني جهة الروح وجهة النفس‬
‫فاذا وصل املشائ خ اىل مقام القلب ينكشف هلم جهتاه ويفاض فيه علوم كل واحد من‬
‫املقامني املذكورين ومعارفهما املناسبتان للقلب خبالف الطريق الذي امتاز به حضرة‬
‫‪- 1302 -‬‬

‫اخلواجه واندرجت النهاية فيه يف البداية فيكون ملرآة القلب فيه اجلهات الست وبيان‬
‫ذلك انه قد انكشف الكابر هذه الطريقة العلية ان كلما هو اثبت الفراد االنسان من‬
‫اللطائف الست أعين النفس والقلب والروح والسر واخلفي واألخفى فهي اثبتة للقلب‬
‫وحده أيضا فاراد ابجلهات الست هذه اللطائف الست فسري سائر املشايخ على ظاهر‬
‫القلب وسري هؤالء االكابر يف ابطن القلب ويصلون هبذا السري اىل ابطن بطونه وتنكشف‬
‫علوم هذه اللطائف ومعارفها يف مقام القلب أعين العلوم املناسبة ملقام القلب هذا هو‬
‫بيان الكلمة القدسية املنسوبة حلضرة اخلواجه قدس هللا سره وهلذا احلقري يف هذا املقام‬
‫بربكة هؤالء االكابر مزيد يف مزيد وتدقيق بعد حتقيق وحبكم كرمية وأما بنعمة ربك فحدث‬
‫يظهر رمزا من ذاك املزيد واشارة من ذلك التدقيق ومنه سبحانه العصمة والتوفيق فاعلم ان‬
‫قلب القلب أيضا متضمن للطائف الست على قياس القلب لكن ال يظهر يف قلب‬
‫القلب لطيفتان من اللطائف الست املذكورة بطريق اجلزئية وذلك اما لضيق الدائرة أو‬
‫لسر آخر ومها لطيفة النفس ولطيفة االخفى وكذا احلال يف القلب الذي يف املرتبة الثالثة‬
‫اال انه ال يظهر فيه اخلفي أيضا وكذا احلال يف القلب الذي يف املرتبة الرابعة اال انه ال‬
‫يظهر فيه السر ايضا مع ظهور القلب والروح فيه ويف املرتبة اخلامسة ال يظهر الروح فيه‬
‫ايضا فما بقي اال قلب حمض وبسيط صرف ال اعتبار فيه لشيئ اصال ومما ينبغي ان يعلم‬
‫ههنا من بعض املعارف العالية ليتوسل به اىل ما هو هناية النهاية وغاية الغاية فأقول‬
‫بتوفيق هللا سبحانه ان جيمع ما ظهر يف العامل الكبري تفصيال فهو ظاهر يف العامل الصغري‬
‫امجاال ونعين ابلعامل الصغري االنسان فاذا صقل العامل الصغري ونور ظهر فيه بطريق املرآتية‬
‫مجيع ما يف العامل الكبري تفصيال النه ابلصقالة والتنوير اتسع وعاؤه فزال حكم صغره وكذا‬
‫احلال يف القلب الذي نسبته مع العامل الصغري كنسبة العامل الصغري مع العامل الكبري من‬
‫االمجال والتفصيل فاذا صقل العامل االصغر الذي هو عامل القلب ورفعت الظلمة الطارية‬
‫عليه ظهر فيه بطريق املرآتية ايضا ما يف العامل الصغري تفصيال وهكذا احلال يف قلب‬
‫القلب ابلنسبة اىل القلب من االمجال والتفصيل وظهور التفصيل فيه بعد أن كان جممال‬
‫‪- 1303 -‬‬

‫بسبب التصفية والنورانية و على هذا القياس القلب الذي يف املرتبة الثالثة والقلب الذي‬
‫يف املرتبة الرابعة يف االمجال والتفصيل وظهور التفصيل الذي يف املراتب السابقة فيهما‬
‫بسبب الصقالة والنورانية وكذا القلب الذي يف املرتبة اخلامسة فانه مع بساطته وعدم‬
‫اعتبار شئ فيه يظهر فيه بعد التصفية الكاملة ما ظهر يف مجيع العوامل من العامل الكبري‬
‫والصغري واالصغر وما بعدمها من العوامل كما مر فهو الضيق االوسع والبسيط االبسط‬
‫واالقل االكثر وما خلق شئ من االشياء هبذه الصفة وما وجد احد اشد مناسبة بصانعه‬
‫تعاىل وتقدس من هذه اللطيفة البديعة فال جرم يظهر فيه من عجائب آايت صانعه‬
‫سبحانه ما ال يظهر يف احد من خلقه ولذا قال تعاىل يف احلديث ال يسعين ارضي وال‬
‫مسائي ولكن يسعين قلب عبدي املؤمن والعامل الكبري وان كان اوسع املرااي للظهور اال انه‬
‫لكثرته وتفصيله ال مناسبة له مع من ال كثرة فيه اصال وال تفصيل فيه رأسا واحلري‬
‫للمناسبة هو الضيق االوسع والبسيط االبسط واالقل االكثر كما ال خيفى فاذا بلغ‬
‫العارف االمت معرفة واالكمل شهودا هذا املقام العزيز وجوده والشريف رتبته يصري ذلك‬
‫العارف قلبا للعوامل كلها والظهورات مجيعها وهو املتحقق ابلوالية احملمدية واملشرف‬
‫ابلدعوات املصطفوية على صاحبها الصالة والسالم والتحية فاالقطاب واالواتد واالبدال‬
‫داخلون حتت دائرة واليته واالفراد واآلحاد وسائر فرق االولياء مندرجون حتت انوار‬
‫هدايته ملا هو النائب مناب رسول هللا واملهدي هبدي حبيب هللا وهذه النسبة الشريفة‬
‫العزيز وجودها خمصوصة ابحد املرادين ليس للمريدين من هذا الكمال نصيب هذا هو‬
‫النهاية العظمى والغاية القصوى ليس فوقه كمال وال أكرم منه نواال لو وجد بعد الوف‬
‫سنة مثل هذا العارف الغتنم ويسري بركته اىل مدة مديدة وآجال متباعدة وهو الذي‬
‫كالمه دواء ونظره شفاء وحضرة املهدي سيوجد على هذه النسبة الشريفة من هذه االمة‬
‫اخلرية ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء و هللا ذو الفضل العظيم وحصول هذه الدولة‬
‫القصوى منوط ابمتام طريقي السلوك واجلذبة تفصيال مرتبة بعد مرتبة وأكمال مقام الفناء‬
‫االمت والبقاء االكمل درجة بعد درجة وهذا ال يتيسر اال بكمال متابعة سيد املرسلني‬
‫‪- 1304 -‬‬

‫وحبيب رب العاملني عليه و على آله من الصلوات أفضلها و من التسليمات اكملها‬


‫احلمد هلل الذي جعلنا من متابعيه واملسؤل من هللا سبحانه كمال متابعته والثبات عليه‬
‫واالستقامة على شريعته ويرحم هللا عبدا قال آمينا وهذه املعارف من االسرار الدقيقة‬
‫والرموز احلقيقة ما تكلم هبا احد من اكابر االولياء وما اشار اليها واحد من اعاظم‬
‫االصفياء استأثر هللا سبحانه هذا العبد هبذه االسرار وافشائها بصدقة حبيبه عليه و على‬
‫آله الصلوات والتسليمات ولنعم ما قال يف الشعر الفارسي {شعر}‪:‬‬
‫اگر اپدشاه بر در پريه زن * بيايد تو اى خواجه سبلت مكن‬
‫ليس قوله تعاىل معلال بشئ وال مسببا بسبب يفعل هللا ما يشاء وحيكم ما يريد و‬
‫هللا خيتص برمحته من يشاء و هللا ذو الفضل العظيم و صلى هللا تعاىل على سيدان حممد‬
‫وآله وسلم وابرك على مجيع االنبياء واملرسلني و على املالئكة املقربني و على عباده‬
‫الصاحلني والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه الصالة والسالم (و‬
‫منها) ان الروح من العامل الالكيفي فتكون الالمكانية متحققة هلا وان كانت الكيفيتها‬
‫ابلنسبة اىل مرتبة الوجوب تعالت وتقدست عني الكيفي والمكانيتها ابلنظر اىل‬
‫الالمكاين احلقيقي جل سلطانه عني املكاين وكأن عامل االرواح برزخ بني العامل وبني املرتبة‬
‫الالكيفية ففيها لون من كليهما فال جرم بعدها العامل الكيفي الكيفيا وابلنظر اىل املرتبة‬
‫الالكيفية عني الكيفي ونسبة الربزخية هذه ثبتت هلا ابعتبار فطرهتا االصلية واما بعد‬
‫تعلقها هبذا البدن العنصري وابتالئها هبذا اهليكل الظلماين فقد خرجت من الربزخية‬
‫ونزلت اىل العامل الكيفي ابلتمام وتوارى عنها وصف الالكيفية ومثلها مثل هاروت‬
‫وماروت حيث انزال لبعض حكم ومصاحل من اوج امللكية اىل حضيض البشرية على ما‬
‫قيل فاذا ادركتها العناية االهلية وتيسر هلا الرجوع من هذا السفر وعرجت من هذا التنزل‬
‫تعرج النفس الظلمانية والبدن العنصري ايضا مبتابعتها وتطواين املنازل ويظهر يف ضمن‬
‫ذلك ما هو املقصود من تعلق الروح ابلبدن وتنزهلا وتصري االمارة حينئذ مطمئنة ويبدل‬
‫الظلماين ابلنوراين ومت امتت الروح هذا السفر وحصل ما هو املقصود من نزوهلا تتصل‬
‫‪- 1305 -‬‬

‫ايضا بربزخيتها االصلية وجتد النهاية يف الرجوع اىل البداية وحيث ان القلب من عامل‬
‫االرواح (يعين لكونه من عامل االمر والالمكاين) يتوطن ايضا يف الربزخية والنفس املطمئنة‬
‫اليت فيها لون من عامل االمر لكوهنا برزخا بني القلب والبدن تقيم هناك ايضا والبدن‬
‫العنصري الذي مركب من العناصر االربعة يستقر يف عامل الكون واملكان ويشتغل ابلطاعة‬
‫والعبادة فاذا وقعت املخالفة بعد ذلك والعناد يف اجلملة تكون منسوبة اىل طبائع العناصر‬
‫مثال اجلزء الناري طالب للعناد واملخالفة ابلذات يظهر منه نداء اان خري منه مثل ابليس‬
‫اللعني واما النفس املطمئنة فقد ختلصت من العناد فاهنا صارت راضية من احلق جل‬
‫سلطانه وكذلك احلق سبحانه كان راضيا عنها والعناد ال يتصور من الراضي واملرضي فان‬
‫صدر هناك عناد فهو من القالب ويشبه أن يكون خري البشر عليه الصالة والسالم عرب‬
‫ابجلهاد االكرب عن هذا العناد االبليسي الذي منشاؤه اجلزؤ القاليب وما ورد من أسلم‬
‫شيطاين فاملراد به الشيطان اآلفاقي الذي هو قرينه عليه السالم فانه وان انكسرت صولة‬
‫هذا الشيطان ايضا وخرج من التمرد لكن ما ابلذات ال ينفك عن الذات أو الشيطان‬
‫االنفسي فان اسالمه ليس مستلزما النتفاء عناده ابلكلية فانه مع اسالمه جيوز أن يرتك‬
‫العزمية ويرتكب الرخصة بل جيوز ارتكاب الصغرية أيضا بل ميكن أن يكون حسنات‬
‫االبرار سيئات املقربني من هذا القبيل أيضا وبقاء هذا العناد امنا هو لالصالح والرتقي‬
‫فان بعد حصول هذه االمور اليت هناية النقص هنا برتك االوىل حيصل من الندامة والتوبة‬
‫واالستغفار ما يكون موجبا لرتقيات غري متناهية ومت استقر البدن العنصري يف مقره بعد‬
‫مفارقة اللطائف الست وعروجها اىل عامل االمر ال جرم يكون خليفتها يف هذا العامل هو‬
‫هذا البدن العنصري واذا وجد بعد ذلك اهلام فهو يكون اىل املضغة اليت هي اخلليفة‬
‫احلقيقية للجامعة القلبية وما ورد يف احلديث النبوي من قوله عليه الصالة والسالم من‬
‫أخلص هلل أربعني صباحا ظهرت ينابيع احلكمة من قلبه على لسانه فاملراد به و هللا‬
‫سبحانه أعلم هو هذه املضغة وقد تعني هذا املراد يف حديث آخر كما قال عليه الصالة‬
‫والسالم انه ليغان على قليب فان عروض الغني على املضغة ال على احلقيقة اجلامعة فاهنا‬
‫‪- 1306 -‬‬

‫قد خرجت من الغني ابلكلية وورد ايضا احاديث أخر يف تقلب القلب كما قال عليه‬
‫الصالة والسالم قلب املؤمن بني اصبعني من أصابع الرمحن اخل وقال صلى هللا تعاىل عليه‬
‫وآله وسلم قلب املؤمن كريشة يف ارض فالة اخل وقال عليه الصالة والسالم اللهم ثبت‬
‫قليب على طاعتك والتقلب وعدم الثبات اثبتة هبذه املضغة الن احلقيقة اجلامعة ال تقلب‬
‫هلا اصال بل هي مطمئنة راسخة على اال طمئنان واخلليل على نبينا وعليه الصالة والسالم‬
‫ملا طلب اطمئنان القلب اراد به املضغة ال غري الن قلبه احلقيقي قد كان مطمئنا بال ريب‬
‫بل نفسه ايضا كانت مطمئنة بسياسة قلبه احلقيقي قال صاحب العوارف قدس سره ان‬
‫االهلام صفة النفس املطئنة اليت عرجت يف مقام القلب وان التلوينات والتقليبات حينئذ‬
‫تكون صفات النفس املطمئنة وهو كما ترى خمالف لالحاديث املذكورة ولو تيسر العروج‬
‫من هذا املقام الذي اخرب الشيخ عنه تعلم االمر كما هو عليه والح صدق ما اخربت به‬
‫وطابق الكشف واالهلام ابالخبارات النبوية على صاحبها الصالة والسالم والتحية ولقد‬
‫تعلم ان ما أخربت به من خالفة املضغة وورود االهلام عليها وصريورهتا صاحب أحوال‬
‫وتلوينات مما كرب على املتعصبني اجلاهلني القاصرين عن حقيقة االمر وثقل عليهم فماذا‬
‫يقولون يف االخبار النبوية عليه وعلى آله الصالة والسالم حيث قال ان يف جسد بين آدم‬
‫ملضغة اذا صلحت صلح اجلسد كله واذا فسدت فسد اجلسد كله اال وهي القلب جعل‬
‫صلى هللا تعاىل عليه وآله وسلم املضغة هي القلب على سبيل املبالغة وانط صالح اجلسد‬
‫وفساده بصالحها وفسادها فيجوز هلذه املضغة ما جيوز للقلب احلقيقي وان كان على‬
‫سبيل النيابة واخلالفة واعلم ان الروح ملا فارق اجلسد ابملوت الذي هو قبل املوت وجد‬
‫العارف الواصل روحه غري داخل يف اجلسد وال خارج عنه وال متصل معه وال منفصل عنه‬
‫ووجد أن للروح تعلقا مع اجلسد لصالح اجلسد بل لغرض يعود اىل الروح كماله ايضا‬
‫وذلك التعلق هو منشأ الصالح واخلري يف اجلسد ولوال ذلك التعلق لصار اجلسد حبذافريه‬
‫شرا ونقصا وهذا احلال للواجب تعاىل مع الروح وغريه فانه تعاىل غري داخل يف العامل وال‬
‫خارج عنه وال متصل معه وال منفصل عنه وله سبحانه تعلق مع العامل خلقا وابقاء وافاضة‬
‫‪- 1307 -‬‬

‫للكماالت والنعم واخلريات (فان قلت) ان علماء أهل احلق ما تكلموا يف الروح مثل هذا‬
‫الكالم بل كادوا مل جيوزوه وأنت تلزم وفاقهم يف القليل والكثري فما وجهه قلت العامل‬
‫حبقيقة الروح قليل منهم فهم مع قلتهم امنا مل يتكلموا بكشف الكماالت الروحية واكتفوا‬
‫ابالمجال اجتنااب عن سوء فهم العوام ووقوعهم يف الضالل فان الكماالت الروحية شبيهة‬
‫صورة اب لكماالت الوجوبية والفرق دقيق ال يطلع عليه اال الراسخون من العلماء فرأوا‬
‫املصلحة يف االمجال بل يف االنكار عن بيانه والكشف عن حقيقته فال ينكرون كماالته‬
‫اليت سبق ذكرها والعبد الضعيف امنا بينه وكشف عن بعض خواصه اعتمادا على علمه‬
‫الصحيح وكشفه الصريح بعون هللا سبحانه وتوفيقه وصدقة حبيبه عليه الصالة والسالم‬
‫وآله الكرام مع ازالة شبهة مانعة عن البيان فافهم ومما ينبغي أن يعلم ان اجلسد كما‬
‫استفاد من الروح كماالت ال حتصى فالروح ايضا اكتسب من اجلسد فوائد عظمى حيث‬
‫صار مسيعا بصريا متكلما متجسدا جبسد مكتسبا مباشرا الفعال انسبت بعامل االجساد‬
‫وملا صارت النفس املطمئنة ملحقة ابلروحانيني كما مر بيانه جلس العقل مكانه يف عامل‬
‫االجسام نيابة عنها ومسي بعقل املعاد وصار فكره حينئذ مقصورا على أمور اآلخرة وصار‬
‫فارغا عن تفكر امور املعيشة ومستحقا للفراسة بواسطة النور الذي اعطيه وهذه املرتبة‬
‫هي هناية مراتب كماالت العقل وال يعرتض الناقص هنا ابنه ينبغي أن تكون هناية مراتب‬
‫كماالت العقل متحققة يف نسيان املعاش واملعاد معا وان ال يبقى فيه فكر غري احلق‬
‫سبحانه وتعاىل شيئا دنيا وأخرى الان نقول ان هذا النسيان قد حصل له يف اثناء الطريق‬
‫يف مرتبة الفناء يف هللا وهذه املرتبة عالية من تلك املرتبة مبراحل فان هنا رجوع العلم بعد‬
‫حصول اجلهل وعود الفرق بعد حتقق اجلمع وحصول االسالم احلقيقي بعد جتاوز كفر‬
‫الطريقة اليت هي يف مرتبة اجلمع والفالسفة ارابب السفه اثبتوا للعقل اربع مراتب وزعموا‬
‫ان كماالت العقل منحصرة فيها وهذا من كمال جهلهم (قلت) قد عكف املتفلسفة‬
‫على قوهلم هذا عكوف اليهود على عجل السامري ومل يعتقدوا وجود كمال وراء ما قالوا‬
‫بل ومل خيطروه ابلبال ( نبهنا هللا واايهم عن نوم الغفلة آمني) ال ميكن معرفة حقيقة العقل‬
‫‪- 1308 -‬‬

‫وكماالته التابعة اايه ابلعقل والوهم بل البد ملعرفته من الكشف الصحيح واالهلام الصريح‬
‫املقتبس من انوار مشكاة النبوة صلوات هللا تعاىل وتسليماته على مجيع االنبياء واملرسلني‬
‫عموما و على افضلهم حبيب هللا خصوصا (فان قيل) قد وقع يف عبارة املشايخ ان العقل‬
‫ترمجان الروح فما يكون معناه قلت ان العلوم واملعارف اليت تؤخذ من املبدأ الفياض‬
‫ابلتلقي الروحاين أيخذها القلب الذي هو من عامل االرواح ويرتمجها العقل وحيررها‬
‫ويلخصها وجيعلها حبيث يفهمها املتعلقون بعامل اخللق فلوال ترمجته اايها لكان فهمها‬
‫متعسرا بل متعذرا وحيث كانت املضغة القلبية خليفة احلقيقة اجلامعة القلبية أخذ حكم‬
‫االصل وصار تلقيه ايضا تلقيا روحانيا حمتاجا اىل الرتمجان ينبغي أن يعلم انه جييئ زمان‬
‫على عقل املعاد حيصل له فيه شوق جماورة النفس املطئمنة على حد يرتك القالب خاليا‬
‫اىل ان يوصلها اىل مقامها فيتقرر التعقل والتذكر حينئذ اىل املضغة القلبية ان يف ذلك‬
‫لذكرى ملن كان له قلب وح يصري القلب ترمجان نفسه فتقع معاملة العارف حينئذ على‬
‫القالب وحيصل االنقياد وقتئذ للجزء الناري الذي كان يظهر نداء اان خري منه من طبعه‬
‫ويتشرف ابالسالم احلقيقي ابلتدريج فيزال عنه اخللعة االبليسية ويوصل به اىل مقام‬
‫النفس املطمئنة االصلي وجي عل انئب منابه فصار خليفة القلب احلقيقي يف القالب هي‬
‫املضغة وانئب مناب النفس املطمئنة فيه هو اجلزء الناري {ع}‪:‬‬
‫حناس وجودي ابهلوى صار عسجدا‬
‫واجلزء اهلوائي له مناسبة ابلروح وهلذا يزعمه السالك وقت عروجه ووصوله اىل مقام‬
‫اهلواء احياان حقا ويبقى مبتلى به كما يقع مثل هذا الشهود يف مقام الروح و يبقى‬
‫السالك مبتلى هبا كما قال بعض املشائخ عبدت الروح ثالثني سنة بزعم انه احلق سبحانه‬
‫وملا ترقيت من ذلك املقام امتاز احلق من الباطل وهذا اجلزء اهلوائي يصري يف القالب قائما‬
‫مقام الروح بواسطة مناسبته اايها وحيصل له يف بعض االمور حكم الروح واجلزء املائي فيه‬
‫مناسبة للحقيقة اجلامعة القلبية وهلذا يصل فيضه اىل مجيع االشياء وجعلنا من املاء كل‬
‫شئ حي ورجوعه اىل املضغة القلبية واجلزء االرضي الذي هو اجلزء االعظم يف القالب‬
‫‪- 1309 -‬‬

‫يصري حاكما وغالبا يف القالب بعد تطهريه من التلويث والدانئة واخلسة اليت هي صفات‬
‫ذاتية له وكلما هو موجود يف القالب أيخذ حكمه ويتلون بلونه وذلك بواسطة جامعيته‬
‫التامة ومجيع اجزاء القالب اجزاؤه يف احلقيقة وهلذا صارت كرة االرض مركز العناصر‬
‫واالفالك ومركزها مركز العامل ففي هذا الوقت متت معاملة القالب ايضا وحتققت هناية‬
‫العروج والن زول وصار الكمال والتكميل نقد الوقت وهذه هي النهاية اليت فيها رجوع اىل‬
‫البداية اعلم ان الروح وان وصلت مع مجيع توابعها اىل مقرها بطريق العروج لكن ملا‬
‫تعلقت هبا تربية القالب مل يكن هلا بد من التوجه اىل هذا العامل ومت متت معاملة القالب‬
‫والنفس والعقل متوجهة اىل جناب قدسه جل سلطانه وأعرضت على القالب ابلكلية‬
‫وكان القالب ايضا متوجها اىل مقام العبودية بكليته فالروح متمكنة مبراتبها يف مقام‬
‫الشهود واحلضور ومعرضة عن رؤية ما سواه تعاىل وعلمه ابلكلية والقالب راسخ يف مقام‬
‫الطاعة والعبودية ابلتمام وهذا هو مقام الفرق بعد اجلمع و هللا سبحانه املوفق للكماالت‬
‫وهلذا الدرويش يف هذا املقام قدم خاص وهو رجوع الروح مبراتبها اىل عامل اخللق لتدعو‬
‫اخللق اىل احلق جل وعال فتأخذ الروح حينئذ حكم القالب وتكون اتبعة له ويبلغ االمر‬
‫حدا اذا كان القالب حاضرا تكون الروح ايضا حاضرة وان كان القالب غافال تكون‬
‫الروح ايضا غافلة اال يف وقت اداء الصالة فان الروح متوجهة فيه اىل اجلناب االقدس‬
‫مبراتبها وان كان القالب غافال فان الصالة معراج املؤمن ينبغي ان يعلم ان رجوع هذا‬
‫الواصل الواقع بكليته من اكمل مقامات الدعوة وهذه الغفلة سبب حضور مجع كثري‬
‫والغافلون غافلون عن هذه الغفلة واحلاضرون جاهلون هذه الرجعة وهذا املقام من قبيل‬
‫املدح مبا يشبه الذم ال يدركه فهم كل قاصر فان بينت كماالت هذه الغفلة ال يتمن احد‬
‫احلضور وهذه هي الغفلة اليت اورثت خلواص البشر فضيلة على خواص امللك وهذه هي‬
‫الغفلة اليت جعلت حممدا رسول هللا تعاىل رمحة للعاملني وهذه هي الغفلة اليت اورثت‬
‫الولياء العشرة مزية على اولياء العزلة وهذه هي الغفلة اليت ترجح الصحو على السكر‬
‫وهذه هي الغفلة اليت جعلت النبوة افضل من الوالية وهذه هي الغفلة اليت اورثت لقطب‬
‫‪- 1310 -‬‬

‫االرشاد افضلية على قطب االبدال وهذه هي الغفلة اليت احلضور خادمه االحقر وهذه‬
‫هي الغفلة اليت تنزل ابلصورة وترفع يف احلقيقة وهذه هي الغفلة اليت جتعل اخلواص‬
‫مشتبهني ابلعوام وتصري قبااب لكماالهتم {ع}‪:‬‬
‫فيا هلا قصة يف شرحها طول‬
‫القليل يدل على الكثري والقطرة تنبئ عن الغدير والسالم على من اتبع اهلدى‬
‫والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله من الصلوات امتها ومن التسليمات اكملها‬
‫(ومنها) ان حضرة خامت الرسالة صلّى هللا عليه و سلّم ممتاز من بني االنبياء عليهم الصالة‬
‫والسالم ابلتجلي الذايت وخمصوص هبذه الدولة اليت هي فوق مجيع الكماالت ولكمل‬
‫اتبعيه صلّى هللا عليه و سلّم نصيب من هذا املقام اخلاص ال يقال يلزم على هذا التقدير‬
‫ان يكون كمل االولياء افضل من سائر االنبياء عليهم السالم وهذا خالف معتقد اهل‬
‫السنة واجلماعة وهذا الفضل ليس جبزئي حت يرفع به الشبهة بل هو كلي فان تفاضل‬
‫الرجال امنا هو ابلقرب االهلي جل سلطانه وكل فضيلة سواه فهي دون ذلك الان نقول ال‬
‫يلزم ذلك فانه ال يلزم من كون النصيب هلم من ذلك املقام وصوهلم اليه والفضيلة مربوطة‬
‫ابلوصول وهذا مفقود يف حق الكمل فان هناية عروج كمل االولياء من هذه االمة اليت‬
‫هي خري االمم اىل حتت اقدام االنبياء عليهم الصلوات والتسليمات حت ان الصديق‬
‫ا الكرب رضي هللا عنه الذي هو أفضل مجيع البشر بعد االنبياء عليهم السالم هناية عروجه‬
‫اىل حتت قدم نيب هو دون سائر االنبياء عليهم السالم غاية ما يف الباب ان لكمل اولياء‬
‫هذه االمة مع كوهنم يف املقام التحتاين نصيبا اتما من كماالت مقام فوق الفوق اليت هي‬
‫خمتصة بنبيه م عليه الصالة والسالم فان اخلادم ابي مكان كان يصل اليه شئ من نصيب‬
‫خمدومه واخلادم البعيد جيد بطفيلية خمدومه ما ال يتيسر للمقربني بدون دولة اخلدمة ينبغي‬
‫أن يعلم أن هذا التوهم حيصل للمريدين احياان ابلنسبة اىل شيوخهم وحصول مقامات‬
‫شيوخهم يكون ابعثا على توهم املساواة هلم وحقيقة املعاملة هي ما ذكران فان حصول‬
‫املساواة امنا هو على تقدير الوصول اىل تلك املقامات ال على تقدير حصوهلا فقط فانه‬
‫‪- 1311 -‬‬

‫طفيلي وال يتومهن احد من هذا أن املريد ال يكون مساواي لشيخه فان االمر ليس كذلك‬
‫فان املساواة جائزة بل واقعة لكن الفرق بني حصول ذلك املقام وبني الوصول اليه دقيق‬
‫ال يهتدي اليه كل مريد البد فيه من كشف صحيح واهلام صريح و هللا سبحانه امللهم‬
‫للصواب والسالم على من اتبع اهلدى (ومنها) أن درويشا سئل انه ما السبب يف انه‬
‫يظهر لسالك هذا الطريق حالة وتبقى زماان مث تتوارى بعد ذلك مث تظهر اثنيا بعد مدة مث‬
‫تتوارى اثنيا بعد ذلك وهكذا اىل ما شاء هللا جوابه أن لالنسان سبع لطائف ومدة دولة‬
‫كل لطيفة وسلطنته على حدة فاذا ورد وارد على الطف تلك اللطائف ونزل حال قوي‬
‫تنصبغ كلية السالك بلون تلك اللطيفة وصبغها ويسري ذلك احلال على مجيع اللطائف‬
‫وما دامت دولة تلك اللطيفة اثبتة فتلك احلالة ابقية ومت انقضت مدة دولة تلك اللطيفة‬
‫تزول تلك احلالة فاذا رجعت تلك احلالة بعد ذلك فال ختلو من حالني فاما أن يرجع اىل‬
‫تلك اللطيفة نفسها فطريق الرتقي حينئذ مسدود على السالك واما أن ترجع اىل لطيفة‬
‫أخرى فطريق الرتقي حينئذ مفتوح فمعاملة هذه اللطيفة ايضا مثل معاملة اللطيفة االوىل‬
‫فان ذلك احلال اذا رجع بعد زواله ال يكون خاليا من احلالني وهكذا حال مجيع اللطائف‬
‫فاذا سرى ذلك احلال يف مجيع اللطائف بطريق االصالة فقد انتقل من احلالية وصار مقاما‬
‫وحمفوظا من الزوال و هللا سبحانه أعلم حبقيقة احلال والصالة والسالم على سيد البشر‬
‫وآله االطهر (ومنها) قال هللا تعاىل اي أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم‬
‫واشكروا هلل ان كنتم أايه تعبدون حيتمل أن يكون الشرطية قيدا لالمر ابالكل أي كلوا من‬
‫مستلذات ما رزقناكم ان صح منكم ان ختصوه ابلعبادة ولو مل يصح منكم ذلك بل كنتم‬
‫عابدين ملهيات انفسكم فال أتكلوا من مستلذاته لكونكم مرضى ابملرض الباطين‬
‫واملستلذات من املرزوقات سم قاتل لكم واذا زال املرض الباطين منكم صح لكم تناول‬
‫املستلذات فسر صاحب الكشاف الطيبات هنا ابملستلذات نظرا اىل طلب الشكر‬
‫(ومنها) قال بعض املشايخ قدس هللا تعاىل اسرارهم من عرف هللا ال يضره ذنب اي‬
‫الذنب الذي اكتسب قبل املعرفة الن االسالم جيب ما كان قبله وحقيقة االسالم هو‬
‫‪- 1312 -‬‬

‫معرفة هللا سبحانه على طريقة الصوفية بعد الفناء والبقاء فيجب حصول هذه املعرفة‬
‫الذنوب اليت كانت حاصلة قبلها وميكن ان يراد ابلذنب الذنب الذي حيصل بعد هذه‬
‫املعرفة فرياد ابلذنب الذنب الصغري ال الكبري الن اولياء هللا حمفوظون عنه او عدم ضره‬
‫بعدم االصرار والتدارك بال فصل ابلتوبة واالستغفار وجيوز ان يكون معناه ال يصدر عنه‬
‫ذنب الن عدم صدور الذنب ملزوم بعدم ضره فذكر الالزم واراد امللزوم وما توهم‬
‫امل الحدة من هذه العبارة من ان يسع للعارف ارتكاب الذنوب بعدم ضرها فباطل قطعا‬
‫وزندقة صرحيا اولئك حزب الشيطان اال ان حزب الشيطان هم اخلاسرون ربنا ال تزغ‬
‫قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب و صلى هللا تعاىل على‬
‫سيدان حممد وآله وسلم وابرك وارجو من هللا الكرمي الواسع مغفرته ان ال يضر الذنب‬
‫املكتسب قبل املعرفة للعارف املتحقق حبقيقة االسالم وان كان ذلك الذنب من قبل‬
‫املظامل وحقوق العباد ملا هو سبحانه املالك على االطالق وقلوب العباد بني اصبعيه من‬
‫اصابعه يقلبها كيف يشاء ومطلق االسالم جيب من الذنوب ما سوى املظامل وحقوق‬
‫العباد كما ال خيفى فان حلقيقة الشئ وكماله مزيد ليس ملطلقه (ومنها) ان احلق سبحانه‬
‫موجود بذاته ال ابلوجود خبالف سائر املوجودات فاهنا موجودة ابلوجود فال يلزم احتياجه‬
‫تعاىل يف املوجودية اىل الوجود فال يقال حينئذ ان وجوده تعاىل عني ذاته ال زائد عليه لئال‬
‫يلزم احتياجه اىل الغري فان القول بعينية الوجود حيتاج اىل ادلة متطاولة ويستلزم املخالفة‬
‫جلمهور أهل السنة واجلماعة فاهنم ال يقولون بعينية الوجود بل يقولون بزايدته وال خيفى ان‬
‫احلكم بزايدة الوجود مستلزم الحتياج الواجب تعاىل وتقدس اىل الغري فسواء قلنا انه تعاىل‬
‫موجود بوجود زائد او انه موجود بذاته واخذان الوجود عرضا عاما يكون كالم مجهور‬
‫متكلمي اهل احلق صحيحا ويندفع اعرتاض املخالفني ابالحتياج ابلكلية والفرق بني‬
‫القول ابنه تعاىل موجود بذاته ال دخل للوجود فيه أصال وبني القول ابنه موجود بوجود‬
‫هو عني ذات ه واضح وهذه املعرفة مما خصين هللا تعاىل هبا احلمد هلل سبحانه على ذلك‬
‫والصالة والسالم على رسوله (ومنها) من خصائص احلق سبحانه انه موجود بذاته غري‬
‫‪- 1313 -‬‬

‫حمتاج اىل الوجود يف موجوديته سواء قلنا الوجود عني ذاته او زائد عليه فان احملذور الزم‬
‫على كال التقديرين وحيث ان عادته تعاىل جارية ابن يظهر يف مجيع مراتب االمكان‬
‫امنوذجا من كل ما هو اثبت يف مرتبة الوجوب علمه احد او مل يعلمه جعل امنوذج تلك‬
‫اخلاصة املذكورة آنفا يف عامل االمكان نفس الوجود فانه وان كان من املعقوالت الثانية غري‬
‫موجود يف اخلارج اال اننا اذا فرضنا وجوده يكون موجودا بذاته ال بوجود آخر خبالف‬
‫سائر املوجودات فاهنا حمتاجة يف موجوديتها اىل الوجود وذواهتا غري كافية فيها فاذا كان‬
‫الوجود الذي له مدخل يف موجودية االشياء موجودا يف ذاته غري حمتاج اىل وجود آخر‬
‫فما العجب اذا كان خالق الوجود ابالستقالل موجودا بذاته غري حمتاج اىل وجود اصال‬
‫واستبعاد البعداء خارج عن املبحث و هللا سبحانه امللهم للصواب فان قيل ان مراد‬
‫احلكماء واالشعري وبعض املتصوفة بقوهلم بعينية الوجود بذاته تعاىل هو عني ما قلته يف‬
‫املعرفة السابقة من ان واجب الوجود موجود بذاته ال ابلوجود فان مبن القول ابنه موجود‬
‫بوجود هو عني ذاته على انه موجود بذاته ال ابلوجود قلت فعلي هذا التقدير ال يكون‬
‫بني هذا القول وبني قول من يقول بزايدة الوجود تقابل وكان ينبغي ان يقول اهل احلق يف‬
‫مقابلة قوهلم انه تعاىل موجود بوجود ال ابلذات فان اثبات زايدة الوجود على هذا التقدير‬
‫مستدرك وحيث حاولوا اثبات الزايدة دل ذلك على ان خالف الفريقني ليس يف نفس‬
‫الوجود بل يف وصفه ابنه عني الذات او زائد عليه يعين ان كال الفريقني قائالن ابنه تعاىل‬
‫موجود ابلوجود ال خالف بينهما يف ذلك وامنا اخلالف بينهما يف عينيته وزايدته (يقول‬
‫املعرب اختلفوا يف فهم معن الع ينية واحملققون على انه ليس شئ وراء الذات والوجود من‬
‫متنزعات العقل فقط و هللا اعلم) (فان قيل) اذا كان الواجب موجودا بذاته ال ابلوجود‬
‫فما يكون معن قولنا انه تعاىل موجود فان املوجود ما قام به الوجود وال وجود ههنا اصال‬
‫على قولك (اجيب) نعم ان الوجود الذي يكون الواجب موجودا به مفقود يف الواجب‬
‫لكن مل ال جيوز ان يقال انه موجود ابعتبار قيام الوجود الذي هو عرض عام ومقول‬
‫وحممول عليه ابحلمل االشتقاقي ابلواجب تعاىل وال حمذور يف ذلك والسالم (ومنها) ال‬
‫‪- 1314 -‬‬

‫اعبد معبودا يكون داخال يف حيطة الشهود او مرئيا او معلوما او يسعه الوهم واخليال‬
‫اصال فان املشهود واملرئي واملعلوم واملوهوم املتخيل مصنوعة وحمدثة كالشاهد والرائي‬
‫والعامل والواهم واملتخيل {ع}‪:‬‬
‫آن لقمه كه در دهان نگنجد طلبم‬
‫واملقصود من السري والسلوك خرق احلجب وجودية كانت او امكانية حت يتيسر‬
‫الوصل العراين وليس املقصود منه ان يصيد املطلوب ويقيده {شعر}‪:‬‬
‫هيهات عنقاء ان يصطاده احد * فارم الشراك واال دام فيه هوا‬
‫بقي ان الرؤية يف اآلخرة حق نؤمن به وال نشتغل بكيفيته لقصور فهم العوام عن‬
‫دركه ال لعدم ادراك اخلواص فان هلم نصيبا من ذلك املقام يف الدنيا وان مل تسم رؤية‬
‫والسالم على من اتبع اهلدى (ومنها) ان كلما يعلم ويعرف فهو مقيد وعن صرافة‬
‫االطالق متنزل واملطلوب هو الذي يكون منزها ومربأ عن مجيع القيود فينبغي طلبه مما‬
‫وراء الشهود واملعرفة وهذه املعاملة وراء طور العقل فان العقل يعد الطلب فيما وراء‬
‫الشهود واملعرفة حماال {شعر}‪:‬‬
‫راز درون پرده زرندان مست پرس * كني حال نيست صوفئ عاىل مقامرا‬
‫(ومنها) أن املطلق على صرافة اطالقه مل يتطرق اليه قيد من القيود اصال ولكن‬
‫مت ظهر يف مرآة املقيد ينصبغ عكسه ابحكام تلك املرآة ويرى مقيدا وحمدودا فال جرم‬
‫يدخل حينئذ يف حيطة الشهود واملعرفة فاالكتفاء ابلشهود واملعرفة اكتفاء بعكس من‬
‫عكوس ذلك املطلوب وعايل اهلمة ال يقنع ابجلوز واملوز ان هللا سبحانه حيب معايل اهلمم‬
‫جعلنا هللا سبحانه من أرابب معايل اهلمم حبرمة سيد البشر عليه و على آله الصلوات‬
‫والتسليمات (ومنها) رأيت نفسي يف أوائل احلال أطوف مبكان ومجع آخر شركاء معي يف‬
‫ذلك الطواف ولكن بطء سري هؤالء اجلماعة على حد ال يقطعون مسافة ثالثة اقدام اىل‬
‫أن امت أان دورة واحدة فعلم يف تلك االثناء ان هذا املكان هو ما فوق العرش وهؤالء‬
‫اجلماعة الطائفون هم املالئكة الكرام على نبينا وعليهم الصالة والسالم و هللا خيتص‬
‫‪- 1315 -‬‬

‫برمحته من يشاء و هللا ذو الفضل العظيم (ومنها) أن قباب أولياء هللا تعاىل هي أوصافهم‬
‫البشرية حيث ان كلما حيتاج اليه سائر افراد البشر حيتاج اليه هؤالء االكابر ايضا والوالية‬
‫ال خترجهم من االحتياج وغضبهم ايضا مثل غضب سائر افراد الناس واذا قال سيد‬
‫االنبياء عليه وعليهم الصالة والسالم أغضب كما يغضب البشر كيف ال يصدر الغضب‬
‫من االولياء وكذلك هؤالء االكابر شركاء لسائر الناس يف االكل والشرب ومعاشرة االهل‬
‫والعيال ومؤانستهم فان التعلقات الشت اليت هي من لوازم البشرية ال تزول عن العوام‬
‫واخلواص قال هللا سبحانه يف حق االنبياء عليهم الصالة والسالم وما جعلناهم جسدا ال‬
‫أيكلون الطعام وقال الكفار الذين اقتصر نظرهم على الظاهر ما هلذا الرسول أيكل‬
‫الطعام وميشي يف االسواق فمن اقتصر نظره على ظواهر اهل هللا صار حمروما وكان‬
‫مصداق خسر الدنيا واآلخرة واقتصار النظر على الظاهر هذا هو الذي جعل أاب جهل‬
‫وأاب هلب حمرومني من دولة االسالم ورمامها يف اخلسران االبدي والسعيد هو الذي كف‬
‫نظره عن ظواهر أهل هللا ونفذت حدة نظره اىل أوصافهم الباطنية واقتصر عليها فهم كنيل‬
‫مصر بالء للمحجوبني وماء للمحبوبني والعجب أن الصفات البشرية تظهر من أهل هللا‬
‫على حد ال يظهر مثلها من سائر الناس ووجهه أن الظلمة والكدورة يكون ظهورمها يف‬
‫حمل طيب مصفى أشد وأزيد وان كانتا قليلتني خبالف احملل غري املصفى فاهنما ال يظهران‬
‫بتلك املثابة وان كاان أزيد ولكن ظلمة الصفات البشرية تسري يف كلية العوام وحتيط‬
‫بقوالبهم وقلوهبم وارواحهم واما يف اخلواص فهي مقصورة على القالب والنفس ويف أخص‬
‫اخلواص مقصور على القالب فقط والنفس مربأة عنه وأيضا ان هذه الظلمة يف العوام‬
‫موجبة للخسارة والنقصان ويف اخلواص موجبة للنضارة والرجحان وظلمة اخلواص هي اليت‬
‫تزيل ظلمة العوام وترث التصفية لقلوهبم والتزكية لنفوسهم فلوال هذه الظلمة ملا كانت يف‬
‫اخلواص مناسبة للعوام فيكون طريق االفادة واالستفادة مسدودا وهذه الظلمة ال متكث يف‬
‫اخلواص كثريا حت جتعلهم مكدرين بل يظهر من وراها ندامة واستغفار يغسل ظلمات‬
‫وكدورات اخر كثرية ويورث الرتقي وهذه الظلمة مفقودة يف املالئكة وهلذا كان طريق‬
‫‪- 1316 -‬‬

‫الرتقي مسدودا ف يهم واطالق اسم الظلمة عليها من قبيل املدح مبا يشبه الذم والعوام‬
‫كاالنعام يعدون الصفات البشرية الصادرة من اهل هللا كصفاهتم البشرية فيحرمون هبذا‬
‫االعتقاد بركاهتم وقياس الغائب على الشاهد فاسد ولكل مقام خصوصية على حدة‬
‫ولكل حمل لوازم مستقلة والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على‬
‫آله الصلوات والتسليمات (ومنها) ان االنسان ما دام مبتال ابلعلم واملعرفة ومنقشا بنقوش‬
‫السوى فهو حقري وعدمي االعتبار ونسيان السوى شرط هذه الطريقة والفناء فما عداه‬
‫قدم أول فيه وما مل تطهر مرآة الباطن من صدأ االمكان فظهور آاثر حضرة الوجوب فيها‬
‫حمال فان مجع العلوم االمكانية مع املعارف الوجوبية من قبيل اجلمع بني األضداد وههنا‬
‫سؤال قوي وهو ان العارف اذا تشرفت ابلفناء ورجع القهقري لتكميل الناقصني تعود اليه‬
‫العلوم اليت كانت زائلة عنه أوال فعلى هذا التقدير اجتمعت فيه العلوم االمكانية ابملعارف‬
‫الوجوبية وانت قلت ابنه مجع بني الضدين (اجيب) ابن العارف الباقي ابهلل طرأ عليه يف‬
‫هذا الوقت حكم الربزخية فكانه برزخ بني الوجوب واالمكان ومنصبغ بلون كل من‬
‫هذين املقامني فاي اشكال على هذه الصورة اذا اجتمعت فيه علوم كال املقامني‬
‫ومعارفهما فان حمل اجتماع الضدين مل يبق واحدا بل صار كانه متعدد فال مجع (ومنها)‬
‫ان العلوم الزائلة يف مرتبة الفناء أذا رجعت بعد البقاء ال يلزم منها نقص يف كمال العارف‬
‫بل كماله يف هذا الرجوع بل تكميله مربوط به فان العارف بعد البقاء متخلق ابخالق هللا‬
‫تعاىل وعلم االشياء يف الواجب تعاىل عني الكمال وضده موجب للنقص احملال فكذا‬
‫حال العارف املتخلق ابخالق املوىل املتعال والسر فيه ان العلم يف املمكن حيصل حبصول‬
‫صورة املعلوم فيه فال جرم يتأثر العامل حبصول صورة املعلوم فيه وكلما كان العلم ازيد كان‬
‫التأثر يف العامل اكثر فيكون التغري والتلون فيه اوسع وابسط فيكون نقصا فالبد للطالب‬
‫من ن في هذه العلوم كلها ونسيان االشياء مجلتها والعلم يف الواجب ليس كذلك اذ هو‬
‫سبحانه منزه عن أن حيل فيه صور االشياء املعلومة بل تنكشف االشياء عليه تعاىل مبجرد‬
‫تعلق العلم هبا فسبحان من ال يتغري بذاته وال بصفاته وال ابفعاله حبدوث االكوان‬
‫‪- 1317 -‬‬

‫والعارف املتخلق يصري علمه هبذه الصفة فال حيل فيه صور املعلومات فال أتثر يف حقه‬
‫فال تغري وال تلون فال يكون نقصا بل كماال هذا السر من خواص االسرار االهلية خص‬
‫هللا سبحانه وتعاىل به من يشاء من عباده بربكة حبيبه عليه و على آله أمت الصلوات‬
‫وأ كمل التسليمات (ومنها) أن هذا الدرويش تشرف مبقام الرضاء بعد مضي اثنيت عشرة‬
‫سنة من ابتداء اانبته جعلت النفس اوال مطمئنة واستسعد بعد ذلك هبذه السعادة تدرجيا‬
‫مبحض الفضل والكرم وما مل ينعكس عكس رضائه جل سلطانه مل يتشرف هبذه الدولة‬
‫فرضيت النفس املطمئنة عن موالها ورضي موالها عنها احلمد هلل سبحانه على ذلك‬
‫محدا كثريا طيبا مباركا فيه مباركا عليه وكما حيب ربنا ويرضى والصالة والسالم على رسوله‬
‫حممد وآله كما ينبغي له وحيرى فان قيل اذا رضيت النفس عن موالها فما معن طلب‬
‫دفع البالء قلت ان الرضاء عن فعل املوىل ال يستلزم الرضاء عن فعل خملوقه بل رمبا يكون‬
‫الرضاء عن فعل املخلوق مستقبحا مثل الكفر واملعاصي حيث يكون الرضاء عنهما رضاء‬
‫عن اخللق القبيح وكراهة القبيح واجبة فاذا كان املوىل غري راض ابلقبيح كيف يكون العبد‬
‫راضيا به بل العبد مأمور يف هذه الصورة ابلشدة والغلظة فالكراهة عن املخلوق ال تكون‬
‫منافية للرضاء عن خالقه فيكون طلب دفع البالء مستحسنا والذين مل يفرقوا بني الرضاء‬
‫ابلفعل وبني كراهة املفعول بقوا يف عقدة االشكال يف وجود الكراهة بعد حصول الرضاء‬
‫وتكلفوا يف دفعه وقالوا ان وجود الكراهة مناف حلال الرضاء ال ملقامه واحلق ما حققته‬
‫اب هلام هللا سبحانه وتعاىل والسالم على من اتبع اهلدى (ومنها) كنت أمتن من مدة أن‬
‫يظهر يل وجه وجيه يف عدم قراءة الفاحتة خلف االمام يف مذهبنا احلنفي ومل يكن ترك‬
‫القراءة الفرض والعدول عن القراءة احلقيقية اىل القراءة احلكمية معقوال مع أنه ورد يف‬
‫حديث نبوي ال صال ة اال بفاحتة الكتاب ومع ذلك كنت أترك القراءة ابلضرورة رعاية‬
‫للمذهب فان االنتقال عن املذهب احلاد وكنت أعد هذا الرتك من قبيل الرايضة واجملاهدة‬
‫فاظهر احلق سبحانه بربكة رعاية املذهب يف اآلخر حقيقة املذهب احلنفي يف ترك قراءة‬
‫املاموم فظهرت القرآءة احلكمية يف النظر أحسن من القراءة احلقيقية وذلك فان االمام‬
‫‪- 1318 -‬‬

‫واملأموم كالمها واقفان يف مقام املناجاة ابالتفاق الن املصلي يناجي ربه ويقدم االمام يف‬
‫ذلك املقام وجيعل مقتدى به فاالمام كلما يقرأ يقرأ على لسان القوم كما ان قوما اذا اتوا‬
‫عند ملك عظيم حلاجة جيعلون واحدا منهم رئيسا هلم حت يعرض حاجتهم عن لسان‬
‫الكل فان تكلم الباقون ايضا مع تكلم الرئيس يكون ذلك داخال حتت سوء االدب‬
‫وموجبا لسخط امللك فتكلم هؤالء اجلماعة احلكمي الذي يؤدي بلسان الرئيس احسن‬
‫من تكلم احلقيقي وكذلك حال قراءة املأموم مع وجود قراءة االمام داخل يف الشغب‬
‫ومستبعد عن االدب وموجب للتفرق املنايف لالجتماع واكثر املسائل اخلالفية بني احلنفي‬
‫والشافعي من هذا القبيل يكون الرجحان يف الظاهر يف املذهب الشافعي ويكون التأييد‬
‫والتقوية يف الباطن واحلقيقة يف جانب احلنفي وقد اظهروا هلذا الفقري يعين من عامل الغيب‬
‫ان احلق يف اخلالفيات يف جانب احلنفي وهم يرون التكوين من الصفات احلقيقية وهو‬
‫وان كان يرى يف الظاهر انه راجع اىل القدرة واالرادة ولكن يظهر بدقة النظر ونور الفراسة‬
‫انه صفة على حدة و على هذا القياس سائر اخلالفيات وكذلك االمر يف اخلالفيات‬
‫الفقهية فان الصواب فيها يف جانب احلنفي يف اكثر املسائل ويف االقل تردد وقد قال يل‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف الواقعة يف اواسط االحوال انت من اجملتهدين يف علم‬
‫الكالم فمن هذا الوقت هلذا احلقري رأي خاص وعلم خمصوص يف كل مسئلة من املسائل‬
‫الكالمية واكثر املسائل اخلالفية اليت فيها نزاع بني االشاعرة واملاتريدية وان كان يظهر فيها‬
‫يف االبتداء ان احلق يف جانب االشاعرة ولكن اذا امعن فيها النظر بنور الفراسة يتضح ان‬
‫احلق يف جانب املاتريدية ورأي هذا الفقري موافق آلراء العلماء املاتريدية يف مجيع املسائل‬
‫الكالمية اخلالفية واحلق أن هلؤالء االكابر بواسطة اتباع السنة السنية على صاحبها‬
‫الصالة والسالم والتحية شأان عظيما مل يتيسر ذلك الشان ملخالفيهم بواسطة خلط‬
‫الفلسفيات وان كان كال الفريقني من أهل احلق وماذا أكتب من علو شأن رئيسهم االمام‬
‫االجل واهلمام االكمل ايب حنيفة رضي هللا عنه فانه اعلم اجملتهدين واورعهم واتقاهم قال‬
‫االمام الشافعي رضي هللا عنه الفقهاء كلهم عيال أيب حنيفة نقل عن االمام الشافعي‬
‫‪- 1319 -‬‬

‫رضي هللا عنه انه ملا زار قرب أيب حنيفة ترك اجتهاده وقال استحيي منه أن أعمل يف‬
‫حضوره برأيي وأخالفه فرتك قنوت الفجر وقراءة الفاحتة خلف االمام نعم امنا يعرف عظمة‬
‫شأن أيب حنيفة اال مام الشافعي واذا نزل عيسى على نبينا وعليه الصالة والسالم غدا‬
‫يعمل مبذهب أيب حنيفة رضي هللا عنه كمال قال حممد اپرسا قدس سره يف الفصول‬
‫الستة (يعين يوافق رأيه كما حققه يف مواضع) وهذه العظمة كافية له ال يعادهلا مائة‬
‫عظمة اخرى قال حضرة شيخنا قدس سره قرأت الفاحتة خلف االمام مدة مث رأيت‬
‫االمام االعظم ليلة يف املنام ينشد قصيدة غراء يف مدحه يفهم منها أن كثريا من االولياء‬
‫كانوا على مذهيب فرتكت قراءة الفاحتة خلف االمام من هذا الوقت (ومنها) ان كامال‬
‫جييز انقصا بتعليم الطريقة ويف ضمن اجتماع املريدين الناقصني يتم امر ذلك الناقص اجملاز‬
‫ايضا وقد اجاز حضرة اخلواجه النقشبند قدس سره ملوالان يعقوب اجلرخي بتعليم الطريقة‬
‫وقال له اي يعقوب كلما وصل اليك مين اوصله اىل خلق هللا وقد مت امر موالان يعقوب‬
‫بعد ذلك يف خدمة اخلواجه عالء الدين العطار قدس سره وهلذا عد موالان عبد الرمحن‬
‫اجلامي يف النفحات من مريدي اخلواجه عالء الدين العطار اوال مث ينسبه اىل اخلواجه‬
‫النقشبند اثنيا ومن هذا القبيل ان بعض الكمالء جييز بتعليم الطريقة ملريد فيه استعداد‬
‫درجة واحدة من درجات الوالية بعد حصول تلك الدرجة وذلك املريد كامل من وجه‬
‫وانقص من وجه وكذلك حال مريد فيه استعداد درجتني او ثالث درجات من درجات‬
‫الوالية يف انه كامل من وجه وانقص من وجه فانه ما مل يوصل اىل هناية النهاايت يكون‬
‫يف كل درجة من الدرجات كمال من وجه ونقص من وجه ومع ذلك جييزه الشيخ الكامل‬
‫بتعليم الطريقة بعد حصول مرتبة استعداد فلم تكن االجازة موقوفة على الكمال املطلق‬
‫ينبغي ان يعلم ان النقص وان كان منافيا لالجازة ولكن ملا اانب الكامل املكمل الناقص‬
‫مناب نفسه بعديده كيده فال يتعدي ضرره و هللا اعلم حبقائق االمور كلها (ومنها) ان ايد‬
‫داشت عبارة عن دوام حضور حضرة الذات تعالت وتقدست وهذا املعن يتخيل الرابب‬
‫القلوب ايضا يف بعض االحيان بواسطة جامعية القلب فان كلما هو يف االنسان فهو‬
‫‪- 1320 -‬‬

‫اثبت للقلب وحده وان كان الفرق ابالمجال والتفصيل موجودا فيتيسر حضور ذات احلق‬
‫سبحانه وتعاىل سبيل الدوام يف مرتبة القلب ايضا ولكن هذا املعن صورة ايدداشت ال‬
‫حقيقته وميكن ان يكون املراد ابندراج النهاية يف البداية هو هذا اليادداشت الصوري واما‬
‫حقيقته فامنا حتصل بعد تزكية النفس وتصفية القلب ولكن اذا كان املراد حبضرة الذات‬
‫مرتبة الوجوب اليت الذات فيها جامعة للصفات الوجوبية يتصور حصول ايداشت مبجرد‬
‫الوصول اىل شهود هذه املرتبة بعد طي مجيع املراتب االمكانية ويتحقق هذا املعن أيضا‬
‫يف التجليات الصفاتية فان مالحظة الصفات ليست مبنافية حلضور حضرة الذات تعالت‬
‫وتقدست على هذا التقدير وأما اذا كان املراد هبا مرتبة االحدية اجملردة اليت هي معراة عن‬
‫مجيع االمساء والصفات والنسب واالعتبارات فحصول ايدداشت امنا يتصور بعد طي‬
‫مجيع املراتب االمسائية والصفاتية والنسبية واالعتبارية وكل موضع بني فيه هذا الفقري‬
‫ايدداشت أراد به املعن االخري وان كان اطالق احلضور غري مالمي يف تلك املرتبة كما ال‬
‫خيفى على اراببه فاهنا متعالية عن احلضور والغيبة والبد يف اطالق احلضور من مالحظة‬
‫صفة من الصفات واملناسب للفظ احلضور هو تفسري ايدداشت ابملعن الثاين فاطالق‬
‫النهاية على ايدداشت على هذا التقدير امنا هو ابعتبار الشهود واحلضور فانه ال جمال‬
‫للشهود واحلضور فوق هذه املرتبة بل فيه اما جهل وحرية واما معرفة ولكن هذه املعرفة‬
‫ليست املعرفة اليت تعرفها انت فان معرفتك هي املعرفة االمسائية والصفاتية وهذا املقام فوق‬
‫معرفة االمساء والصفات مبراحل كثرية والصالة والسالم على خري البشر و على آله االطهر‬
‫(ومنها) ان متامية هذا الطريق ابلوصول اىل هناية النهاايت مربوطة بطي املقامات العشر‬
‫املشهورة اليت اوهلا التوبة وآخرها الرضاء وال يتصور مقام فوق مقام الرضاء يف مراتب‬
‫الكمال حت الرؤية االخروية ايضا وامنا يظهر حقيقة مقام الرضاء يف اآلخرة وحصول بقية‬
‫املقام يف اآلخرة غري متصور فانه ال معن للتوبة هناك وال جمال للزهد فيها وال يتصور‬
‫التوكل مثة وال احتمال للصرب هنالك نعم يتصور فيها الشكر ولكنه من شعب الرضاء ال‬
‫امر مباين له فان قيل رمبا يفهم الرغبة يف الدنيا من الكامل املكمل ويشاهد منه ما هو‬
‫‪- 1321 -‬‬

‫مناف للتوكل ويظهر منه اجلزع الذي هو مناف للصرب وتوجد فيه الكراهة اليت هي ضد‬
‫الرضاء فما وجه ذلك اجيب ان حصول هذه املقامات خمصوص ابلقلب والروح وحيصل‬
‫هذه املقامات يف النفس املطمئنة ايضا ابلنسبة اىل اخص اخلواص واما القالب فهو خال‬
‫من هذا املعن وال نصيب له منه وان انكسرت سورته وشدته قال شخص للشبلي انت‬
‫تدعي احملبة ومسانتك هذه تنايف احملبة فقال الشبلي يف جوابه {شعر}‪:‬‬
‫أحب قليب وما درى بدين * ولو درى ما أقام يف السمن‬
‫فاذا ظهر يف قالب الكامل ما ينايف تلك املقامات ال يضر ذلك يف حصول تلك‬
‫املقامات ابلنسبة اىل ابطنه وال ينافيه وأما غري الكامل فتظهر نقائض تلك املقامات يف‬
‫كليته حبيث اذا كان راغبا يف الدنيا يكون راغبا بظاهره وابطنه ومنايف التوكل يكون شامال‬
‫لصورته وحقيقته ويظهر فيه اجلزع قلبا وقالبا وتبدو فيه الكراهة روحا وبدان وهذه االشياء‬
‫هي اليت جعلها احلق سبحانه قباب أوليائه وجعل هبا اكثر الناس حمرومني من كماالهتم‬
‫ويف ابقاء هذه االشياء يف االولياء حكمة غامضة وهي عدم امتياز احلق عن الباطل الذي‬
‫هو من لوازم هذه الدار اليت هي حمل االبتالء ويف ابقائها فيهم ولو حبسب الصورة ترقيهم‬
‫فانه لو ارتفعت هذه االشياء عن االولياء ابلكلية النسد طريق ترقيهم ولصاروا حمبوسني‬
‫يف مقام خمصوص كامللك والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و‬
‫على آله أمت الصلوات واكمل التسليمات (ومنها) اهلي ما هذا الذي جعلت اولياءك‬
‫ابطنهم زالل اخلضر من ذاق منه قطرة انل احلياة االبدية و ظاهرهم ّسم قاتل من نظر اليه‬
‫مات ابملوت األبدي وهم الذين ابطنهم رمحة و ظاهرهم زمحة من اطلع على بواطنهم فهو‬
‫منهم ومن اقتصر نظره على ظواهرهم فهو من معاديهم و ظاهرهم كالشعري وابطنهم‬
‫كاحلنطة بظاهرهم من عوام البشر وبباطنهم من خواص امللك بصورهتم يف االرض‬
‫ومبعناهم يف الفلك ال يشقى جليسهم ويسعد انيسهم أولئك حزب هللا أال ان حزب هللا‬
‫هم املفلحون و صلى هللا تعاىل على سيدان حممد وآله وسلم (ومنها) ان احلق سبحانه قد‬
‫أخفى اولياءه على وجه ال يكون لظاهرهم خرب عن كماالهتم الباطنية فكيف من عداهم‬
‫‪- 1322 -‬‬

‫وقد حصلت لباطنهم نسبة الالكيفي والالمثلي وهي ايضا الكيفية وحيث ان ابطنهم من‬
‫عامل االمر فله ايضا نصيب من الالكيفي فالظاهر الذي هو كيفي من القدم اىل الرأس‬
‫كيف يدرك حقيقتها بل يكاد ينكر نفس حصول تلك النسبة من غاية اجلهل وعدم‬
‫املناسبة وميكن ان يعلم نفس حصول النسبة ولكن ال يدري ان متعلقها من هو بل رمبا‬
‫ينفي متعلقها احلقيقي وكل ذلك لعلو تلك النسبة ودنو الظاهر واما الباطن فهو مغلوب‬
‫تلك النسبة وخارج عن الشهود واملعرفة فما يدريه انه ماذا حصل فيه ومبن يتعلق حاصله‬
‫فال جرم ال يكون سبيل اىل املعرفة سوى العجز عن املعرفة وهلذا قال الصديق االكرب‬
‫رضي هللا عنه العجز عن درك االدراك ادراك نفس االدراك عبارة عن النسبة اخلاصة اليت‬
‫العجز عن ادراكها الزم الن صاحب هذا االدراك مغلوب ال يعلم ادراكه وغريه ال يعلم‬
‫حاله كما مر (ومنها) كان شخص ممن يتلبس بلباس الصوفية مبتال ابلبدعة االعتقادية‬
‫وكان يل تردد يف حقه فرأيت اتفاقا أن االنبياء عليهم الصالة والسالم كلهم جمتمعون‬
‫وكلهم يقولون بلسان واحد يف حقه انه ليس منا فخطر يف خاطري يف تلك االثناء أن‬
‫استفسرهم عن حال شخص آخر كان يل تردد فيه أيضا فقالوا يف حقه كان منا نعوذ ابهلل‬
‫سبحانه من سوء االعتقاد ومن طعن انبيائه االجماد (ومنها) قد اظهروا هلذا الفقري أن‬
‫الفاظ القرب واملعية واالحاطة االهلية الواقعة يف القرآن من مجلة املتشاهبات القرآنية كاليد‬
‫والوجه وكذلك لفظ االول واآلخر والظاهر والباطن وأمثاهلا فنقول إن احلق سبحانه قريب‬
‫ولكن ال ندري معن قربه أنه ما هو وكذلك نقول انه االول ولكن ال نعلم أن املراد‬
‫ابالول ما هو ومعن القرب واالولية الذي حيصل يف حيطة علمنا وفهمنا فهو سبحانه‬
‫منزه ومربأ منه وما يظهر يف كشفنا وشهودان فهو تعاىل متعال عنه والقرب واملعية اللذان‬
‫وجدمها بعض املتصوفة بطريق الكشف واعتقد احلق سبحانه قريبا ومعا بذلك املعن‬
‫الكشفي فليس ذلك مبستحسن وله قدم يف مذهب اجملسمة وما قاله بعض العلماء يف‬
‫أت ويله ابلقرب العلمي فهو مثل أتويل اليد ابلقدرة والوجه ابلذات فهو جموز عند جموزي‬
‫ال تأويل وحنن ال جنوز التأويل بل حنيل علمه على هللا تعاىل العلم عند هللا سبحانه والسالم‬
‫‪- 1323 -‬‬

‫على من اتبع اهلدى (ومنها) كنت اؤدي صالة الوتر احياان يف اول الليل واحياان يف آخره‬
‫فأريت يف ليلة من الليايل أن االنسان اذا انم بنية اداء الوتر يف آخر الليل يكتب له‬
‫احلسنات يف مجيع الليل اىل ان يصلي الوتر فكلما يؤخر الوتر يكون احسن وانفع ومع‬
‫ذلك ليس منظور الفقري يف أتخري الوتر وتعجيله سوى متابعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫وال اعدل شيئا من الفضيلة مبتابعته صلّى هللا عليه و سلّم وكان صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫يصلي الوتر يف اول الليل احياان ويف آخره اخري وارى سعاديت يف التشبه به صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم يف مجيع االمور وان كان ذلك التشبه حبسب الصورة فقط وبعض الناس‬
‫جيعلون لبعض السنن دخال يف احياء الليايل وامثاهلا والعجب من قصور فهمهم واان ال‬
‫اشرتي الوفا من احياء الليايل بنصف متابعة وملا اردت االعتكاف يف العشر االخري من‬
‫رمضان مجعت اصحايب وقلت هلم ال تنووا شيئا غري اتباع السنة ماذا يكون تبتلنا‬
‫وانقطاعنا نقبل مائة من التعلق مبتابعة واحدة وال نقبل الفا من التبتل واالنقطاع بال توسل‬
‫متابعة {شعر}‪:‬‬
‫من كان يف قصره احلسناء قد فرغا * من التلذذ ابلبستان واخلضر‬
‫رزقنا هللا سبحانه كمال متابعته عليه الصالة والسالم (ومنها) كان مجع من‬
‫الدراويش ذات يوم قاعدين عندي قال هذا الفقري من كمال حمبته به صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم ان حمبته صلّى هللا عليه و سلّم قد استولت على هنج احب هللا سبحانه لكونه رب‬
‫حممد صلّى هللا عليه و سلّم فتحري احلاضرون من هذا الكالم ولكن مل يكن فيهم جمال‬
‫لالنكار واملخالفة وهذا الكالم نقيض كالم رابعة حيث قالت قلت له صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم يف املنام ان حمبة احلق سبحانه قد استولت على هنج مل يبق حمل حملبتك وهذان‬
‫الكالمان وان كاان ينبئان عن السكر ولكن يف كالمي اصالة وقالت هي يف عني السكر‬
‫واان يف ابتداء الصحو وكالمها يف مرتبة الصفات وكالمي بعد الرجوع عن مرتبة الذات‬
‫فانه ال جمال يف مرتبة الذات ملثل هذا الكالم فان مجيع النسب قاصرة عن تلك املرتبة‬
‫هناك كله حرية وجهل بل هناك نفي احملبة ابلذوق ال يرى السالك نفسه البقاء ابحملبة‬
‫‪- 1324 -‬‬

‫هناك واحملبة امنا هي يف مرتبة الصفات فقط وما يقال من احملبة الذاتية ليس املراد هبا‬
‫الذات االحدية بل الذات مع بعض اعتباراهتا فمحبة رابعة امنا هي يف مرتبة الصفات و‬
‫هللا سبحانه امللهم للصواب والصالة والسالم على سيد البشر وآله االطهر (ومنها) أن‬
‫شرافة العلم على مقدار شرافة املعلوم فكلما يكون املعلوم أشرف يكون العلم به أعلى‬
‫فيكون علم الباطن الذي امتاز به الصوفية اشرف من علم الظاهر الذي هو نصيب‬
‫علماء الظواهر على قياس شرافة علم الظاهر ابلنسبة اىل علم احلجامة واحلياكة فيكون‬
‫رعاية آداب الشيخ الذي أخذ عنه علم الباطن أزيد من أضعاف رعاية آداب االستاذ‬
‫الذي استفاد منه علم الظاهر وكذلك رعاية آداب االستاذ يف علم الظاهر يكون أزيد من‬
‫أضعاف رعاية آداب استاذ احلجامة واحلياكة وهذا التفاوت جار أيضا فيما بني أصناف‬
‫العلوم الظاهرية فان استاذ علم الكالم والفقه أوىل واقدم من أستاذ علم النحو والصرف‬
‫واالستاذ فيهما أوىل من استاذ العلوم الفلسفية مع ان الفلسفة ليست بداخلة يف العلوم‬
‫املعتربة فان اكثر مسائلها ال طائل فيها وال حاصل واقل مسائلها الذي اخذوها عن‬
‫الكتب االسالمية وتصرفوا فيه ليس خبالية عن اجلهل املركب فانه ال جمال للعقل يف ذلك‬
‫املوطن فان طور النبوة وراء طور العقل النظري (ينبغي) أن يعلم أن حقوق الشيخ فوق‬
‫حقوق مجيع ارابب احلقوق بل ال نسبة بني حقوق الشيخ وبني سائر احلقوق بعد‬
‫انعامات احلق سبحانه واحساانت رسوله عليه الصالة والسالة بل الشيخ احلقيقي للكل‬
‫هو رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم والوالدة الصورية وان كانت من الوالدين ولكن‬
‫الوالدة املعنوية خمصوصة ابلشيخ والوالدة الصورية منشأ حلياة أايم معدودة وأما الوالية‬
‫املعنوية فهي مستلزمة حلياة ابدية والذي يكنس جناسة املريد املعنوية بقلبه وروحه ويطهر‬
‫كرشه هو الشيخ وقد حيس يف التوجهات اىل بعض املريدين واملسرتشدين لتطهري‬
‫جناساهتم الباطنية ان التلوث يسري أيضا لصاحب التوجه وجيعله مكدرا اىل مدة والشيخ‬
‫هو الذي يوصل بتوسله اىل هللا عز و جل الذي هو فوق مجيع السعادات الدنيوية‬
‫واالخروية والشيخ هو الذي بوسيلته تتزكى النفس االمارة اليت هي خبيثة ابلذات وتطهر‬
‫‪- 1325 -‬‬

‫وتتخلص من االمارية وتنقلب مطمئنة وخيرج من الكفر اجلبلي ويتشرف ابالسالم‬


‫احلقيقي {ع}‪:‬‬
‫يطول اذا بينت تفصيل شرحه‬
‫(فينبغي) للسالك ان تعتقد سعادته يف قبول شيخه وشقاوته يف رده نعوذ ابهلل‬
‫سبحانه من ذلك وقد جعل رضا احلق سبحانه حتت حجب رضا املرشد وما مل جيعل‬
‫املريد نفسه فانيا يف رضا املرشد ال ينال نصيبا من مرضياته سبحانه وتعاىل وآفة املريد يف‬
‫أذية شيخه وكل زلة ميكن تداركها اال زلة أذية املرشد فانه ال ميكن تدراكها بشئ من‬
‫االشياء وأذية املرشد أصل شقاوة املريد وعرقها عياذا ابهلل سبحانه من ذلك واخللل‬
‫الط ارئ يف املعتقدات االسالمية والفتور الواقع يف أتيان االحكام الشرعية من نتائج تلك‬
‫االذية ومثراهتا وما ذا أقول من االحوال واملواجيد املتعلقة ابلباطن فان بقي أثر من االحوال‬
‫مع وجود أذية املرشد ينبغي ان يعده من االستدراج الذي جير أخريا اىل اخلرابية وال ينتج‬
‫شيئ ا غري الضرر والسالم على من اتبع اهلدى (ومنها) القلب من عامل االمر أورد يف عامل‬
‫اخللق وجعل فيه التعشق له وأعطي له التعلق اخلاص ابملضغة اليت يف جانب اليسار‬
‫وتعشقه هذا يشبه تعشق ملك الكناس نزل بسببه اىل منزله والروح اليت هي ألطف من‬
‫القلب هي من اصحاب اليمني واللطائف الثالث الباقية اليت هي فوق الروح مشرفة‬
‫بشرف خري االمور اوسطها وكلما يكون الطف فهو ابلوسط نسب اال ان السر واخلفي‬
‫على طريف االخفى احدمها على اليمني واآلخر على الشمال والنفس جماورة للحواس‬
‫متعلقة ابلدماغ وترقي القلب منوط بوصوله اىل مقام الروح واىل ما فوقه وكذلك ترقي‬
‫الروح وما فوقها من اللطائف مربوط بوصوهلا اىل املقامات الفوقانية وهذا الوصول يف‬
‫االبتداء بطريق االحوال ويف االنتهاء بطريق املقام وترقي النفس بوصوهلا اىل مقام القلب‬
‫بطريق االحوال يف االبتداء وبطريق املقام يف االنتهاء وتصل هذه اللطائف الست آخر‬
‫االمر اىل مقام االخفى وتقصد الكل الطريان اىل عامل القدس ابالتفاق وترتك لطيفة‬
‫القالب خالية وهذه الطريان ايضا بطريق االحوال يف االبتداء وبطريق املقام يف االنتهاء وح‬
‫‪- 1326 -‬‬

‫حيصل الفناء واملوت الذي يكون قبل املوت عبارة عن مفارقة اللطائف الست لطيفة‬
‫القالب وسر بقاء احلس واحلركة يف القالب بعد مفارقة تلك اللطائف قد بني يف مواضع‬
‫اخر ينبغي ان يطلبها منها وهذا الورق ال يسع التفصيل وامنا يتكلم هنا ابالشارة والرموز‬
‫وال يلزم ان جيتمع مجيع اللطائف يف مقام واحد مث تطري منه بل رمبا يتفق القلب والروح‬
‫على ذلك واحياان ثالث وآونة أربع وما ذكر اوال فهو امت واكمل وخمصوص ابلوالية‬
‫احملمدية وما عداه فهو قسم من اقسام الوالية واذا رجعت تلك اللطائف الست اىل‬
‫القالب بعد مفارقتها عنه ووصوهلا اىل مقام القدس وتلوهنا بصبغه حيصل له تعلق به سوى‬
‫التعلق احليب واتخذ حكم القالب وبعد االمتزاج حيصل هلا ايضا قسم من الفناء واتخذ‬
‫حكم امليت ففي هذا الوقت يتجلي هلا بتجل خاص وحتصل هلا حياة جديدة وتتحق‬
‫مبقام البقاء ابهلل وتتحلي ابخالق هللا فحينئذ اذا اعيد اىل العامل بعد ان كسى تلك اخللعة‬
‫تنجر املعاملة من الدنو اىل التديل وتبدو مقدمة التكميل فان مل يرجع ومل حيصل التديل‬
‫بعد الدنو يكون من اولياء العزلة فال ميكنه تربية الطالبني وتكميل الناقصني هذا حديث‬
‫بداية الطريق وهنايته بطريق الرمز واالشارة ولكن فهمه بغري قطع املنازل حمال والسالم على‬
‫من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة والسالم (ومنها) أن احلق‬
‫سبح انه متكلم من االزل اىل االبد بكالم واحد ليس هو متبعضا ومتجزائ فان السكوت‬
‫واخلرس حمال يف حقه تعاىل ما العجب اذا كان هناك من االزل اىل االبد آن واحد اذ ال‬
‫جيري عليه سبحانه زمان فكيف يقع يف آن واحد غري كالم واحد بسيط وقد صار هذا‬
‫الكالم الواحد منشأ القسام كثرية من الكالم ابعتبار تعدد تعلقات شت اذا تعلق مبأمور‬
‫مثال نشأ منه أمر وان تعلق مبنهي حصل هني وان ابخبار ظهر خرب غاية ما يف الباب ان‬
‫االخبار عن املاضي واالستقبال أوقع مجعا يف االشكال وتقدم الدال وأتخره أدي هبم اىل‬
‫مالحظة تقدم املدلول وأتخره وال اشكال يف احلقيقة فان املاضي واملستقبل من صفات‬
‫امتداد خمصوصة به حصل ذلك االمتداد ابعتبار انبساط ذلك اآلن وحيث ان ذلك اآلن‬
‫حباله يف مرتبة املدلول وليس فيها انبساط اصال ال جمال فيه للماضي واالستقبال قال‬
‫‪- 1327 -‬‬

‫ارابب املعقول ان للماهية الواحدة ابعتبار الوجود اخلارجي لوازمات شت وابعتبار الوجود‬
‫الذهين لوازمات اخرى فاذا جاز تباين الصفات واللوازم يف شئ واحد ابعتبار تغاير‬
‫الوجود واهلوية جاز ذلك يف الدال واملدلول اللذين متغايران يف احلقيقة ابلطريق االوىل‬
‫(وما قيل) من انه من االزل اىل االبد آن واحد فهو من ضيق العبارة واال ال جمال لآلن‬
‫ا يضا هناك واطالقه أيضا ثقيل هنا كاطالق الزمان (ينبغي) أن يعلم ان املمكن اذا وضع‬
‫قدمه يف خارج دائرة االمكان جيد االزل متحدا ابالبد وقد وجد النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم ليلة املعراج يف مقامات العروج يونس عليه السالم يف بطن احلوت وكان طوفان نوح‬
‫عليه السالم موجودا ورأى أهل اجلنة يف اجلنة واهل جهنم يف جهنم ورأى عبد الرمحن بن‬
‫عوف الذي هو من اغنياء الصحابة رضي هللا عنهم متأخر الدخول يف اجلنة مبقدار‬
‫مخسمائة سنة نصف يوم من أايم القيامة وسأله عن سبب أتخره وأجاب هو عن عقباته‬
‫وكل ذلك صار مشهودا يف مثل آن واحد ليس فيه سعة للماضي واالستقبال وقد ظهر‬
‫هلذا احلقري ايضا هذه احلالة يف بعض االوقات بصدقة حبيبه عليه الصالة والسالم وجد‬
‫فيها املالئكة يف السجود آلدم عليه السالم ومل يرفعوا رؤسهم من السجود ورأى مالئكة‬
‫العليني (العالني) ممتازا عنهم فاهنم مل يكونوا مأمورين ابلسجدة (كما ذكره الشيخ حميي‬
‫الدين ابن عريب) وهم مستهلكون ومستغرقون يف مشهودهم واالحوال املوعود هبا يف‬
‫اآلخرة صارت يف تلك اآلن وحيث مرت على هذه الواقعة مدة مل يبني احوال اآلخرة‬
‫تفصيال لعدم اعتماده على حافظته لكن ينبغي ان يعلم ان هذه احلالة كانت لروح النيب‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم وجسده مجيعا ومشهوده كان ابلبصر والبصرية معا فان حصلت‬
‫هي لغريه يكون طفيليا وتبعية ومقصورا على الروح والبصرية (ومنها) ان التكوين احدى‬
‫صفات واجب الوجود احلقيقية واالشاعرة يروهنا من الصفات االضافية ويزعمون ان‬
‫القدرة واالرادة كافيتان يف االجياد ولكن احلق اهنا صفة حقيقية برأسها سوى القدرة‬
‫واالرادة وبيان ذلك ان القدرة هي صحة الفعل والرتك واالرادة ختصيص أحد هذين‬
‫الطرفني فتكون رتبة القدرة مقدمة على رتبة االرادة والتكوين الذي نعده من الصفات‬
‫‪- 1328 -‬‬

‫احلقيقية رتبته بعد رتبة القدرة واالرادة وحكمه اجياد الطرف املخصص ابالرادة فالقدرة‬
‫مصححة للفعل واالرادة خمصصة له والتكوين موجده فالبد حينئذ من التكوين وهو مبثابة‬
‫االستطاعة الكائنة مع الفعل اليت اثبتها علماء أهل السنة يف العباد وال شك ان هذه‬
‫االستطاعة بعد ثبوت القدرة بل بعد تعلق االرادة وحتقق االجياد مربوط هبذه االستطاعة‬
‫بل هي موجب للفعل وطرف الرتك غري متصور هنا وحال صفة التكوين هو هذا يعين‬
‫االجياد به بطريق االجياب وهذا االجياب ال يضر يف حتقق االختيار يف الواجب تعاىل فان‬
‫ثبوته بعد حتقق القدرة اليت هي مبعن صحة الفعل والرتك وبعد تعلق االرادة خبالف ما‬
‫قال به الفالسفة فاهنم زعموا ان الشرطية االوىل يعين ان شاء فعل واجب الصدق وان‬
‫الشرطية الثانية ممتنع الصدق وينفون االرادة فانه صريح يف االجياب تعاىل هللا سبحانه عن‬
‫ذلك علوا كبريا واالجياب احلاصل بعد تعلق االرادة وختصيص أحد املقدورين مستلزم‬
‫لالختيار ومؤكد له ليس بناف له وقد وقع كشف صاحب الفتوحات أيضا موافقا لرأي‬
‫الفالسفة حيث يعتقد الشرطية االوىل يف القدرة واجبة الصدق والثانية ممتنعة الصدق‬
‫وهذا قول ابالجياب ويلزم على هذا تعطل صفة االرادة فان ختصيص أحد املتساويني‬
‫منتف هنا فان أثبت هذا املعن يف التكوين فله مساغ وهذا الفرق تدقيق قل من سبق‬
‫ب بيانه وعلماء املاتريدية وان أثبتوا هذه الصفة ولكنهم مل يقتفوا أثر حدة النظر هذه وقد‬
‫جعلهم أتباع السنة السنية ممتازين هبذه املعرفة من بني سائر املتكلمني وهذا احلقري من‬
‫مقتطفي أزهارهم ثبتنا هللا سبحانه على معتقداهتم احلقة حبرمة سيد املرسلني عليه و على‬
‫آله أمت الصلوات واكمل التسليمات (ومنها) أن رؤية املؤمنني احلق عز و جل يف اآلخرة‬
‫حق وهذه مسئلة مل يقل جبوازها أحد من فرق االسالم والفالسفة غري اهل السنة‬
‫واجلماعة والباعث على انكارهم هو قياس الغائب على الشاهد وهو قياس فاسد فان‬
‫املرئي اذا كان غري مكيف تكون الرؤية املتعلقة به ايضا غري مكيفة ينبغي االميان هبا وان‬
‫ال يشتغل بكيفيتها وقد أظهروا هذا السر اليوم خلواص االولياء وان مل تكن رؤية ولكنها‬
‫ليست ببعيدة كانك تراه ويراه املؤمنون غدا كلهم بعني رؤسهم ولكنهم ال يدركون شيئا ال‬
‫‪- 1329 -‬‬

‫تدركه االبصار وامنا جيدون شيئني العلم اليقيين ابلذي يرونه وااللتذاذ املرتتب على الرؤية‬
‫وغري هذين من لوازم الرؤية كلها مفقودة وهذه املسئلة من أغمض مسائل علم الكالم‬
‫وطور العقل عاجز يف اثباهتا وتصويرها وقد أدركها متابعوا االنبياء من العلماء والصوفية‬
‫بنور الفراسة املقتبس من انوار النبوة وكذلك سائر املسائل الكالمية الذي يعجز العقل يف‬
‫اثباهتا ويتحري وجدها العلماء بنور الفراسة فقط والصوفية بنور الفراسة والكشف والشهود‬
‫والفرق بني الكشف والفراسة كثري واملسائل اليت قال هبا اهل السنة وانكرها املخالفون‬
‫ابلتزام طور العقل كلها من هذا القبيل اعين اهنم ادركوها بنور الفراسة والكشف الصحيح‬
‫فان اوضحوها ابلدالئل فمقصودهم منه التصوير والتنبيه ال اثباهتا ابلنظر والدليل فان نظر‬
‫العقل عاجز عن اثباهتا وتصويرها (والعجب) من العلماء اهنم يقيمون انفسهم يف هذه‬
‫املسائل يف مقام االستدالل ويريدون اثباهتا ابلدالئل ويلزمون املخالفني احلجة وهذا ال‬
‫يتيسر وال يتم ويزعم املخالفون من ذلك ان هذه املسائل ايضا مزيفة وغري اتمة مثال أن‬
‫العلماء اثبتوا االستطاعة مع الفعل وهذه املسئلة من املسائل احلقة اليت صارت معلومة‬
‫بنور الفراسة والكشف الصحيح ولكن ادلتهم اليت اوردوها يف اثباهتا مزيفة وغري اتمة‬
‫واقوى ادلتهم يف ذلك عدم بقاء االعراض يف زمانني للزوم قيام العرض ابلعرض وهو حمال‬
‫وحيث اعتقد املخالفون هذا الدليل مزيفا وغري اتم تيقنوا ان هذه املسئلة ايضا غري اتمة‬
‫ومل يدروا ان مقتداهم ومستندهم يف هذه املسئلة وامثاهلا هو نور الفراسة املقتبس من انوار‬
‫النبوة وهذا من تقصريان حيث جنعل احلدسي والبديهي نظراي يف نظر املخالف وجنتهد يف‬
‫اثباته ابلتكلفات غاية ما يف الباب ان احلدس والبديهة ليسا حبجة على املخالف وال ضرر‬
‫لنا يف ذلك فانه ال يلزمنا شئ سوى االعالم والتبليغ فمن كان فيه حسن النشأة‬
‫االسالمية يقبلها بال اختيار ومن ليس فيه ذلك ال يريد سوى االنكار وما احسن طريق‬
‫اصحاب شيخ االسالم الشيخ ايب منصور املاتريدي حيث اهنم يقتصرون على املقاصد‬
‫ويعرضون عن التدقيقات الفلسفية وامنا نشأ النظر واالستدالل على طريقة الفلسفي بني‬
‫علماء اهل السنة واجلماعة من الشيخ ايب احلسن االشعري واراد هو ان يتم وحيفظ‬
‫‪- 1330 -‬‬

‫معتقدات اهل السنة ابالستدالالت الفلسفية وهذا عيب وموجب جلسارة املخالفني على‬
‫الطعن يف اكابر الدين وترك لطريق السلف ثبتنا هللا سبحانه على متابعة آراء اهل احلق‬
‫املقتبسة من انوار النبوة على صاحبها الصالة والسالم والتحية يقول املعرب عفي عنه لقد‬
‫صد ق االمام قدس سره يف قوله سلكوا مسلك الفلسفة يف االستدالل وقد كثر ذلك يف‬
‫القرن اخلامس وبعده ونضج ذلك يف عصر الطوسي مث يف عصر القاضي عضد والتفتازاين‬
‫والدواين وعصر حمشيه حت فشى ذلك يف سائر االقطار وتنوسي طريق السلف يف أكثر‬
‫االمصار وقد اعرتف التفتازاين بذلك يف ديباجة شرحه للعقائد النسفية حيث قال فيها مث‬
‫ملا نقلت الفلسفة اىل العربية وخاض فيها االسالميون حاولوا الرد على الفالسفة فيما‬
‫خالفوا فيه الشريعة فخلطوا ابلكالم كثريا من الفلسفة ليحققوا مقاصدها فيتمكنوا من‬
‫ابطاهلا وهلم جرا اىل ان ادرجوا فيه معظم الطبيعيات واالهليات وخاضوا يف الرايضات‬
‫حت كاد ال يتميز عن الفلسفة لوال اشتماله على السمعيات انتهى كالم التفتازاين قلت مل‬
‫حيصل هذا الغرض فانه مل ينقل عن احد اهتداء فلسفي وتركه مذهبه ولكن عليه السالم‬
‫ضرره وانتشر شرره بني املسلمني حيث زعموا ان هذا من ضرورايت الدين ومن مل يعرفه مل‬
‫يعد من املسلمني وتركوا ما هو أهم هلم يف أمر الدين من حفظه من تعرضات املخالفني‬
‫املوجودين ابالشتغال برد املوهومني وملا تنبه على وخامة هذا االمر بعض اذكياء الفضالء‬
‫املتأخرين رموهم ابلضاللة والزيغ يف الدين ومل يتحاشوا عن تكفريهم واخراجهم من الدين‬
‫فاان هلل واان اليه راجعون {شعر}‪:‬‬
‫اذا كنت ال تدري فتلك مصيبة * وان كنت تدري فاملصيبة اعظم‬
‫وجمال الكالم يف هذا الباب كثري ولكن خوف االطناب واالمالل مينعين من ذلك‬
‫انتهى ما قاله املعرب عفي عنه (ومنها) حبكم كرمية واما بنعمة ربك فحدث تظهر هذه‬
‫النعمة العظمى قد حصل هلذا الفقري يقني ابملعتقدات الكالمية على وفق آراء اهل احلق‬
‫يعين اهل السنة واجلماعة على هنج يكون اليقني احلاصل ابلنسبة اىل اجلى البديهيات يف‬
‫حكم الظنيات بل الومهيات مثال اذا وازنت اليقني احلاصل بكل واحد من املسائل‬
‫‪- 1331 -‬‬

‫الكالمية ابليقني احلاصل بوجود الشمس اغار على اطالق اسم اليقني على الثاين يف‬
‫جنب اليقني االول يقبل ارابب العقول هذا املعن او ال ولعلهم ال يقبلونه فانه وراء طور‬
‫نظر العقل وليس للعقل الذي نظره مقصور على الظاهر نصيب من هذا املقام سوى‬
‫االنكار وحقيقته هذه املعاملة هي ان اليقني امر قليب واليقني الذي حيصل يف القلب‬
‫بوجود الشمس امنا هو بتوسط احلواس اليت حكمها حكم اجلواسيس واليقني الذي حيصل‬
‫فيه مبسئلة من املسائل الكالمية ليس هو بتوسط شئ وامنا تلقاه من حضرة الوهاب جل‬
‫وعال بطريق االهلام واخذه عنه بال واسطة شئ فكان اليقني االول مبثابة علم اليقني‬
‫واليقني الثاين مبثابة عني اليقني وشتان ما بينهما ع‬
‫هل املسموع كاملرئي قط‬
‫فمت صارت ساحة صدر الطالب مبحض فضل احلق جل وعال خالية عن مجيع‬
‫املرادات ومل يبق فيها مقصود غري احلق سبحانه يتيسر يف ذلك الوقت ما هو املقصود من‬
‫خلقته ويصري حينئذ مؤداي حقيقة العبودية فاذا اريد ارجاعه بعد ذلك لرتبية الناقصني‬
‫مينحه احلق سبحانه ارادة واختيارا من لدنه ويكون جمازا يف التصرفات القولية والفعلية‬
‫وخمتارا فيها كالعبد املأذون ويف هذا املقام الذي هو مقام التخلق ابخالق هللا كلما يريده‬
‫صاحب االرادة يريده لغريه ويكون منظوره مصاحل غريه ال مصاحل نفسه كما هو حال‬
‫ارادة الواجب تعاىل بل هلل املثل االعلى وال يلزم من ذلك لزوم وقوع كلما يريده صاحب‬
‫هذه االرادة بل هذا غري جائز فانه شرك وال تطيقه العبودية كيف وقد قال هللا سبحانه‬
‫حلبيبه انك ال هتدي من احببت ولكن هللا يهدي من يشاء فاذا وقعت ارادة سيد البشر‬
‫يف ورطة التوقف ماذا يكون غريه وكيف يكون هلم جمال يف ذلك وال يلزم ايضا ان يكون‬
‫مجيع مرادات صاحب االرادة هذا مرضيا عند احلق سبحانه واال ملا نزل من احلق سبحانه‬
‫اعرتاض على بعض أفعاله واقواله صلّى هللا عليه و سلّم كما قال هللا سبحانه ما كان لنيب‬
‫ان يكون له اسرى االية وملا كانت للعفو عنه معن كما قال هللا تعاىل عفا هللا عنك مل‬
‫اذنت هلم اآلية فان العفو امنا يتصور يف التقصريات على ان مجيع مرادات احلق سبحانه‬
‫‪- 1332 -‬‬

‫ليس مرضيا له تعاىل كالكفر واملعاصي (ومنها) امامي يف هذا الكالم كالم هللا ومقتداي‬
‫يف هذا االمر القرآن اجمليد فلوال هداية القرآن ملا انفتح الطريق اىل عبادة املعبود ابحلق ويف‬
‫هذا الطريق ينادي كل لطيف والطف بنداء اان هللا وجيعل السالك مبتال بعبادته فان كان‬
‫كيفيا يظهر نفسه يف صورة الكيفي وان كان تشبيها جيلي نفسه هبيئة التنزيه واالمكان‬
‫ههنا ممتزج ابلوجوب واحلدوث خمتلط ابلقدم فان كان ابطال يظهر بصورة احلق وان كانت‬
‫ضاللة تنجلي بشكل اهلداية والسالك املسكني كاملسافر االعمى يتوجه اىل كل واحد‬
‫منها قائال هذا ريب و هللا سبحانه ميدح نفسه خبالق السموات واالرض ويقول انه رب‬
‫املشرق واملغرب فاذا عرضت هذه الصفات (يعين خالقية السموات واالرض اخل) على‬
‫اآلهلة املتخيلة وقت العروج أتىب عنها بال اختيار وتتوجه على الزوال فال جرم يعرض‬
‫السالك عن الكل قائال ال احب اآلفلني وال جيعل قبلة توجهه غري ذات واجب الوجود‬
‫احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق‬
‫(ومنها) حن ن كنا اربعة اشخاص يف مالزمة شيخنا وكنا ممتازين من بني االخوان عند‬
‫الناس وكان لكل واحد منا ابلنسبة اىل شيخنا اعتقاد على حدة ومعاملة خاصة وعلم‬
‫الفقري يقينا ان مثل هذه الصحبة واالجتماع وشبه هذه الرتبية واالرشاد مل يوجد بعد زمانه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم أصال وشكرت هللا سبحانه حق شكره على هذه النعمة العظمى‬
‫حيث اين وان مل اتشرف بشرف صحبة خري البشر صلّى هللا عليه و سلّم لكين مل اكن‬
‫حمروما من سعادة هذه الصحبة وقال حضرة شيخنا يف كل واحد من هؤالء الثالثة ان‬
‫فالان يراين صاحب تكميل وال يراين صاحب ارشاد وكان مرتبة االرشاد عنده فوق مرتبة‬
‫التكميل وفالن ليس له شغل بنا وقال يف حق اآلخر ان له انكارا فينا وانل كل واحد منا‬
‫نصيبا على قدر اعتقاده (ينبغي) ان يعلم ان اعتقاد املريد افضلية شيخه واكمليته من‬
‫مثرات احملبة ونتائج املناسبة اليت هي سبب االفادة واالستفادة ولكن ينبغي ان ال يفضل‬
‫شيخه على قوم قد تقرر أفضليتهم يف الشرع فانه افراط يف احملبة وهو مذموم وقد كانت‬
‫خرابية الشيعة وضاللتهم من جهة افراط يف حمبة أهل البيت واعتقد النصارى عيسى عليه‬
‫‪- 1333 -‬‬

‫السالم اهلا من افراط حمبتهم اايه ووقعوا يف اخلسارة االبدية (واما) اذا فضل شيخه على‬
‫من سواهم فه و جائز بل هذا واجب يف الطريقة وهذا التفضيل ليس ابختيار املريد بل لو‬
‫كان املريد مستسعدا يظهر فيه هذا االعتقاد بال اختيار منه فيكتسب كماالت الشيخ‬
‫بواسطته فلو كان هذا التفضيل ابختيار املريد وابلتكلف فهو غري جائز وال ينتج شيئا‬
‫(ومنها) ان الدرجة العلياء يف النفي واالثبات بكلمة طيبة ال اله اال هللا هي ان كلما يدرك‬
‫ابلكشف والشهود ينبغي ان يدخله حتت كلمة ال وان ظهر بوصف التنزيه الصرف وال‬
‫مثليا حمضا ويف جانب االثبات ال يكون نصيب غري التكلم ابلكلمة املستثناة الصادر‬
‫مبواطأة القلب {شعر}‪:‬‬
‫هيهات عنقاء ان يصطاده احد * فارم الشراك واال دام فيه هوا‬
‫والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات‬
‫والتسليمات (ومنها) ان احلقيقة القرآنية وحقيقة الكعبة الرابنية فوق احلقيقة احملمدية على‬
‫مظهرها الصالة والتحية وهلذا صارت احلقيقة القرآنية امام احلقيقة احملمدية وحقيقة الكعبة‬
‫الرابنية مسجود احلقيقة احملمدية ومع ذلك حقيقة الكعبة الرابنية فوق احلقيقة القرآنية فان‬
‫هنا اي يف حقيقة الكعبة الرابنية مجيع الالصفاتية والاللونية ال متسع يف ذلك املوطن‬
‫للشؤن واالعتبارات وال جمال يف تلك احلضرة للتنزيه والتقديس {ع}‪:‬‬
‫آجنا مهه آنست كه برتر زبيانست‬
‫وهذه معرفة مل حيرك هبا احد من اولياء هللا شفته ومل يتكلم من هذه املقولة ابلرمز‬
‫واالشارة وشرف هذا الدرويش هبذه املعرفة العظمى وامتاز هبا من بني ابناء جنسه كل‬
‫ذلك بصدقة حبيب هللا وبركة رسول هللا عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن‬
‫التسلي مات اكملها (ينبغي) ان يعلم ان صورة الكعبة كما اهنا مسجود صور االشياء‬
‫كذلك حقيقة الكعبة مسجود حقائق تلك االشياء واقول قوال عجبا مل يسمعه احد وما‬
‫اخربه خمرب ابعالم هللا سبحانه واهلامه تعاىل اايي بفضله وكرمه وهو انه جيئ زمان بعد‬
‫مضي الف وكذا سنة من رحلته صلّى هللا عليه و سلّم تعرج فيه احلقيقة احملمدية من‬
‫‪- 1334 -‬‬

‫مقامها وتتحد مبقام حقيقة الكعبة ويعرض حينئذ للحقيقة احملمدية اسم احلقيقة االمحدية‬
‫وتكون مظهرا للذات االحد جل سلطانه ويتحقق كال االمسني املباركني مبسمى واحد‬
‫ويبقى املقام السابق خاليا من احلقيقة احملمدية اىل ان ينزل عيسى عليه السالم ويعمل‬
‫بشريعته صلّى هللا عليه و سلّم حينئذ تعرج احلقيقة العيسوية من مقامه وتستقر يف مقام‬
‫احلقيقة احملمدية اليت بقيت خالية يقول املعرب قد استصعب هذا الكالم كثري من الناس‬
‫يف زمنه واستفسروه عنه وقد كتب يف حله مكاتيب عديدة اوله املكتوب الثامن واملائتان‬
‫من اجللد االول وذكره ايضا يف املكاشفة الغيبية ولكن الذي تقرر لديه قدس سره يف‬
‫اآلخر هو ان احلقيقة احملمدية فوق حقيقة الكعبة وفوق سائر احلقائق كما هو عند‬
‫اجلمهور كذلك والغلط رمبا يقع يف الكشوفات كما قاله قدس سره (ومنها) لوال الكلمة‬
‫الطيبة ال ا له اال هللا ملا يرينا شئ طريقا اىل جناب قدسه تعاىل وملا يكشف شئ النقاب‬
‫عن وجه التوحيد وملا يفتح لنا شئ ابواب اجلنات وقد يقلع ابستعمال معول كلمة ال‬
‫امثال اجلبال من الصفات البشرية وينتفي بربكة تكرار هذا النفي عوامل من التعلقات‬
‫ويبطل به تلك اآلهلة الباطلة ويثبت هبا املعبود ابحلق جل شأنه ويقطع السالك مدارج‬
‫العامل االمكاين مبددمها ويرتقي العارف اىل معارج الفضاء الوجويب بربكتها وهي اليت تؤدى‬
‫من جتليات االفعال اىل جتليات الصفات وتوصل من جتليات الصفات اىل جتليات الذات‬
‫{شعر}‪:‬‬
‫ات جباروب ال نروىب راه * نرسى در سراى اال هللا‬
‫والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله امت الصلوات‬
‫واكمل التسليمات (ومنها) كتب الشيخ شرف الدين املنريي يف بعض مكتوابته ينبغي ان‬
‫ال يقرأ املعوذتني يف صالة الفرض فان ابن مسعود رضي هللا عنه خمالف للجمهور يف‬
‫هاتني الصورتني فال ين بغي قراءهتما يف الفرض القطعي وكان هذا الفقري ايضا ال يقرأمها‬
‫حت اظهروا هلذا الفقري ذات يوم كأن املعوذتني حاضراتن تشتكيان من املخدوم يف ابب‬
‫املنع عن قراءهتما يف الفرض واخراجهما من القرآن فمن ذاك الوقت امتنعت من تركهما‬
‫‪- 1335 -‬‬

‫وشرعت يف قراءهتما يف الفريضة وكلما اقرأ ومها يف الفريضة اشاهد احواال عجيبة واحلق‬
‫انه اذا رجعنا اىل علم الشريعة ال يظهر وجه املنع عن قراءهتما يف الفرض بل هو القاء‬
‫الشبهة يف قطيعة هذا احلكم اجملمع عليه من ان ما بني الدفتني من القرآن مع ان ضم‬
‫السورة من الواجبات اليت هي ظنية فال وجه ملنع قراءهتما اصال ولو كانتا ظنيتني ولو على‬
‫فرض احملال فان قراءهتما على طريق الضم اىل الفاحتة فالعجب من الشيخ املقتدي مثل‬
‫هذا الكالم كل العجب والصالة والسالم على سيد البشر وآله االطهر (ومنها) ان احلظ‬
‫الوافر من طريق الصوفية بل من ملة االسالم امنا هو لشخص تكون فيه الفطرة التقليدية‬
‫وجبلة املتابعة ازيد فان مدار االمر هنا على التقليد ومناط االمر يف هذا املوطن على‬
‫املتابعة يوصل تقليد االنبياء عليهم الصالة والسالم اىل درجات عليا وتؤدي متابعة‬
‫االصفياء اىل معارج عظمى وحيث كانت هذه الفطرة يف ايب بكر الصديق رضي هللا عنه‬
‫ازيد سارع اىل سعادة تصديق النبوة بال توقف وصار رئيس الصديقني وحيث كان‬
‫استعداد التقليد والتبعية يف ايب جهل اقل مل يكن مستعدا بتلك السعادة وصار مقتدى‬
‫امللعونني وكلما ينال املريد من الكمال امنا يناله بتقليده شيخه خطأ الشيخ افضل من‬
‫صواب املريد ومن ههنا متن ابو بكر رضي هللا عنه سهو النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫حيث قال اي ليتين سهو حممد وقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف شأن بالل رضي هللا‬
‫عنه سني بالل عند هللا شني فان بالال رضي هللا عنه لكونه عجميا كان يقول يف االذان‬
‫اسهد ابلسني املهملة وكان االسهد منه عند هللا تعاىل اشهد فيكون خطأ بالل افضل من‬
‫صواب غريه {شعر}‪:‬‬
‫از اشهد تو خنده زند اسهد بالل‬
‫وقد مسعت بعض االعزة يقول ان اخلطأ الواقع يف بعض االدعية املنقولة عن بعض‬
‫املشائخ اذا قرأها املتابعون بذلك اخلطأ الصادر من املشائخ تكون مؤثرة وان قرأها‬
‫صحيحة ال تكون مؤثرة ثبتنا هللا سبحانه على تقليد انبيائه ومتابعة أوليائه حبرمة حبيبه‬
‫عليه و على مجيع األنبياء واملرسلني و على متابعيهم الصلوات والتسليمات (يقول املعرب‬
‫‪- 1336 -‬‬

‫تركت هنا فصال واحدا لكونه قدس سره رجع عنه كما ذكره يف بعض مكتوابته فلم‬
‫استحسن نشر القول املرجوع عنه ابلتعريب اه ) (ومنها) ان السالك اذا وقع سريه يف‬
‫تفاصيل االمساء والصفات صار طريق وصوله اىل حضرة الذات جل سلطاهنا مسدودا‬
‫فانه ال هناية لالمساء والصفات حت ميكن الوصول اىل املقصد االقصى بعد قطعها وقد‬
‫اخرب املشائخ من هذا املقام ابنه ال هناية ملراتب الوصول فانه ال هناية لكماالت احملبوب‬
‫واملراد ابلوصول هنا وصول اىل االمساء والصفات واملسعود هو الذي يقع سريه يف االمساء‬
‫والصفات بطريق االمجال وصار واصال اىل حضرة الذات ابلسرعة والواصلون اىل الذات‬
‫يلزمهم الرجوع للدعوة بعد وصوهلم اىل هناية النهاايت وعدم الرجوع غري متصور يف ذلك‬
‫املوطن خبالف ا ملتوسطني فانه ال يلزمهم الرجوع بعد وصوهلم اىل هناية استعدادهم بل‬
‫ميكنهم ان يرجعوا وميكنهم ايضا ان ال يرجعوا وخيتاروا االقامة هناك فمراتب الوصول‬
‫متصورة اىل املنتهيني ابلتمام بل الزمة واما املتوسطون الذين سلكوا مسلك تفاصيل‬
‫االمساء والصفات فال هناية يف حقهم ملراتب الوصول وهذا العلم من مجلة العلوم‬
‫املخصوصة ابلفقري والعلم عند هللا سبحانه (ومنها) ان مقام الرضا فوق مجيع مقامات‬
‫الوالية وحصول هذا املقام العايل بعد متام السلوك واجلذبة (فان) قيل ان الرضا عن ذات‬
‫احلق سبحانه وصفاته وافعاله تعاىل واجب ويف نفس االميان مأخوذ فال بد منه لعامة‬
‫املؤمنني فما يكون معن حصوله بعد متام السلوك واجلذبة (اجيب) ان للرضا صورة‬
‫وحقيقة كسائر اركان االميان ففي االوائل حتقق الصورة ويف النهاية حتقق احلقيقة فما مل‬
‫يظهر ما ينايف الرضا حتكم الشريعة حبصول الرضا كالتصديق القليب حيث حيكم حبصوله‬
‫يعين ببقائه ودوامه ما مل يوجد ما ينافيه وما حنن بصدده حصول حقيقة الرضا ال صورته و‬
‫هللا سبحانه أعلم (ومنها) ينبغي السعي حت يتيسر العمل ابلسنة واالجتناب عن البدعة‬
‫خصوصا البدعة اليت تكون رافعة للسنة قال عليه الصالة والسالم من احدث يف ديننا‬
‫هذا ما ليس منه فهو رد وأعجب من حال مجاعة حيدثون يف الدين مع وجود اكماله‬
‫وامتامه اشياء يطلبون بتلك احملداثت تكميل الدين وال يبالون مبا عسى يكون ذلك‬
‫‪- 1337 -‬‬

‫املخرتع رافعا للسنة مثال ارسال ذنب العمامة بني الكتفني سنة وقد اختار مجع ارساله من‬
‫طرف اليسار وكان منظورهم يف ذلك التشبه ابملوتى وقد اقتدى هبم مجع كثري يف هذا‬
‫الفعل وال يدرون ان هذا العمل رافع للسنة ومؤد اىل البدعة وموصل اىل احلرمة ايهما‬
‫افضل التشبه ابملوتى أو التشبه مبحمد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وهو الذي تشرف‬
‫ابملوت قبل املوت فان يطلبوا التشبه ابمليت فالتشبه به اوىل والعجب ان نفس العمامة‬
‫بدعة يف كفن امليت فكيف ذنبها وبعض املتأخرين استحسن العمامة يف كفن امليت اذا‬
‫كان من العلماء وعند الفقري الزايدة نسخ والنسخ عني الرفع ثبتنا هللا سبحانه على متابعة‬
‫السنة السنية املصطفوية على مصدرها الصالة والسالم والتحية ويرحم هللا عبدا قال آمينا‬
‫(يقول املعرب عفي عنه قد شدد االمام الرابين قدس سره يف البدعة تشديدا كثريا يف غري‬
‫موضع من مكاتيبه وحيق له ذلك فلوال هذا الستغرقت ظلمات البدعة مجيع بالد اهلند‬
‫وماوراء النهر وال خيالف قوله يف ذلك قول العلماء االسالف رمحهم هللا حيث قسموا‬
‫البدعة على حسنة وسيئة وأرادوا ابحلسنة ما يكون له اصل يف الصدر االول ولو اشارة‬
‫كبناء املنائر واملدارس والرابطات وتدوين الكتب وترتيب الدالئل وحنو ذلك والسيئة ما‬
‫ليس له اصل فيه اصال فاالمام قدس سره ال يطلق اسم البدعة على القسم االول لوجود‬
‫اصله يف الصدر االول فال يكون مبتدعا وحمداث بل خيصه ابلقسم الثاين فقط لكونه‬
‫مبتدعا وحمداث حقيقة ولقوله صلّى هللا عليه و سلّم وكل بدعة ضاللة فالنزاع بينهما لفظي‬
‫اعين يف اطالق اسم البدعة على القسم االول وعدم اطالقه قال سيدي الشيخ حممد‬
‫مظهر قدس سره يف املقامات السعيدية وكان والدي رضي هللا عنه يقول البدعة احلسنة‬
‫عند االمام الرابين قدس سره داخلة يف السنة وال يطلق عليها اسم البدعة مبوجب كل‬
‫بدعة ضاللة والنزاع لفظي بينه وبني العلماء القائلني بوجود احلسن يف البدعة واثبت هذا‬
‫اببلغ الوجوه يف رسالة الرابطة انتهى وقال يف هامشه قوله لفظي اي فكل بدعة مل ختالف‬
‫السنة وهي البدعة احلسنة عند العلماء داخلة عند االمام الرابين يف السنة وامنا كتب ذلك‬
‫ردا للوهابية القائلني بعدم احلسن يف البدعة اصال متمسكني بقول االمام الرابين قدس‬
‫‪- 1338 -‬‬

‫سره انتهى قلت وكون هذا النزاع لفظيا امنا هو بينه وبني العلماء املتقدمني واما املتأخرون‬
‫الذي وسعوا ذيل البدعة احلسنة وادخلوا فيها كثريا من البدعة السيئة خصوصا يف زمنه‬
‫ويف بالده قدس سره كما رد عليهم افعاهلم املخصوصة اليت ليس هلا اصل يف الصدر االول‬
‫ومل يرد حبسنها نقل من العلماء املتقدمني املتشرعني فالنزاع بينه وبينهم معنوي حقيقي‬
‫فادر ذلك ايضا وقد وقع يف كثري من مكاتيبه منعه عن قراءة املولد بعلة البدعة ولكن هذا‬
‫املنع من وصف قراءة املولد ال من اصلها كما فصل ذلك يف املكتوب الثاين والسبعني من‬
‫اجللد الثالث فاعرف ذلك ايضا وامنا اطنبنا يف ذلك لئال يغرت بظاهر كالمه اجلاهلون‬
‫انتهى كالم املعرب) (ومنها) ا ظهروا هلذا الدرويش ذات يوم احوال اجلن فرأيت أن اجلن‬
‫يطوفون يف االزقة مثل بين آدم ومع كل جين ملك موكل واجلين ال يقدر رفع رأسه والنظر‬
‫اىل ميينه ويساره من خوف ذلك امللك املوكل حبيث صاروا كاحملبوسني واملقيدين وليس‬
‫فيهم جمال املخالفة اصال اال ان يشاء ريب شيئا وظهر يف ذلك الوقت كأن يف يد املوكل‬
‫مطرقة من حديد اذا احس قليال من خمالفة اجلين يكفي أمره بضربة واحدة منه {شعر}‪:‬‬
‫ان الذي خلق السماء والثرى * ابدى قواي فوق كل االقواي‬
‫(ومنها) ان الويل كلما جيده من الكمال وكلما يصل اليه من الدرجات امنا هو‬
‫بطفيل متابعة نبيه فلوال متابعة نيب ملا حيصل نفس االميان فكيف يفتح الطريق اىل‬
‫الدرجات العلى فلو حصل لويل فضل من الفضائل اجلزئية او درجة من الدرجات العليا‬
‫مما ليس حباصل لنيب فرضا يكون للنيب ايضا نصيب كامل من ذلك الفضل ومن تلك‬
‫الدرجة فان حصول ذلك الكمال للويل امنا هو بواسطة متابعته للنيب ونتيجة من نتائج‬
‫اتباع سننه فال جرم يكون للنيب حظ وافر ونصيب اتم من ذلك الكمال قال عليه الصالة‬
‫والسالم من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل هبا ولكن الويل سابق يف حصول‬
‫هذا الكمال ومقدم يف الوصول اىل تلك الدرجة وقد جوزوا مثل هذا القسم من الفضل‬
‫على النيب النه فضل جزئي ال يعارض الفضل الكلي الذي يف النيب وما قال صاحب‬
‫الفصوص من ان خامت االنبياء أيخذ العلوم واملعارف يعين املعارف املخصوصة عن خامت‬
‫‪- 1339 -‬‬

‫الوالية راجع اىل هذه املعرفة اليت امتاز هبا هذا الفقري وهي موافقة للشريعة من مجيع‬
‫الوجوه وقد تكلف شراح الفصوص يف تصحيحه وقالوا ان خامت الوالية خازن خامت النبوة‬
‫فلو أخذ امللك شيئا من خزينته يعين بواسطة اخلازن ال يلزم منه نقص اصال وحقيقة االمر‬
‫ما حققته ومنشأ التكلف عدم الوصول اىل حقيقة املعاملة و هللا سبحانه اعلم حبقائق‬
‫االمور كلها والصالة والسالم على سيد البشر وآله االطهر يقول املعرب مثال الفضل‬
‫اجلزئي احلاصل لغري النيب كالفضل احلاصل للمجتهدين ابستنباط االحكام الشرعية من‬
‫ادلتها وتدوينها وحصول فتوح البلدان ونشر االميان واالسالم فيها للخلفاء والسالطني‬
‫فتلك الفضائل اثبتة هلؤالء اوال مث للنيب صلّى هللا عليه و سلّم اثنيا ومن هذا القبيل ما‬
‫ذكره االمام قدس سره يف املكتوب السادس من اجللد الثاين والرابع والتسعني وغريه من‬
‫اجللد الثالث وقد اجاب قدس سره يف بعض مكتوابته مبثل ما نقل هنا من شراح‬
‫الفصوص ولكل وجهة فتذكر وتبصر انتهى (ومنها) والية الويل جزئية من اجزاء نبيه عليه‬
‫الصالة والسالم والويل وان حصلت له درجات عليا تكون تلك الدرجات جزئية من‬
‫اجزاء درجات ذلك النيب واجلزء وان حصلت له عظمة لكن البد له من ان يكون اقل‬
‫من الكل الكل اعظم من اجلزء قضية بديهية واالمحق هو الذي يتخيل عظم اجلزء ويزعمه‬
‫اعظم من الكل وال يدري ان الكل عبارة ذلك اجلزء وعن اجزاء أخر (ومنها) ان صفات‬
‫الواجب تعاىل وتقدس ثالثة اقسام القسم االول الصفات االضافية كاخلالقية والرازقية‬
‫والقسم الثاين الصفات احلقيقية ولكن فيها شائبة االضافة كالعلم والقدرة واالرادة والسمع‬
‫والبصر والكالم والقسم الثالث حقيقية صرفة كاحلياة فاهنا ال مزج فيها من االضافة ونعين‬
‫ابالضافة التعلق ابلعامل والقسم الثالث اعلى االقسام الثالثة وامجعها ومن امهات الصفات‬
‫وصفة العلم مع وجود اجلامعية فيها اتبعة لصفة احلياة وتنتهي دائرة الصفات والشئوانت‬
‫اىل احلياة وابب الوصول اىل املطلوب هو هذه الصفة وحيث كانت صفة احلياة فوق‬
‫صفة العلم فال جرم يكون الوصول اىل ذلك املوطن بعد طي مراتب العلم سواء كان علم‬
‫الظاهر والباطن وسواء كان علم الشريعة او الطريقة والذي دخل من ذلك الباب اقل قليل‬
‫‪- 1340 -‬‬

‫وامنا يرمقون بعيوهنم من بعيد وهم قليلون فلئن بينت رمزا من اسرار ذلك املقام قطع‬
‫البلعوم {شعر}‪:‬‬
‫ومن بعد هذا ما يدق بيانه * وما كتمه احظى لدي وامجل‬
‫والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة‬
‫والسالم (ومنها) ان احلق سبحانه منزه عن املثل ليس كمثله شئ ولكن جوزوا له تعاىل‬
‫مثاال ومل جيوزوا له املثل وهلل املثل االعلى وارابب السلوك واصحاب الكشوف يتسلون‬
‫ابملثال ويطمئنون ابخليال يظهرون الالكيفي مبثال الكيفي وجيلسون الوجوب بصورة‬
‫االمكان والسالك العاجز يظن املثال عني ذي املثال ويزعم الصورة عني ذي الصورة ومن‬
‫ههنا يرى صورة احاطة احلق سبحانه وتعاىل ابالشياء ويشاهد مثال تلك االحاطة يف‬
‫العامل فيتخيل ان املشهود هو حقيقة احاطة احلق سبحانه وتعاىل وليس كذلك بل احاطته‬
‫سبحانه وتعاىل ال مثلية وال كيفية ومنزهة من أن تكون مشهودة ومكشوفة الحد وحنن‬
‫نؤمن ان احلق سبحانه حميط بكل شئ ولكن ال نعرف أن احاطته ما هي واليت نعرفها‬
‫هي شبه تلك االحاطة ومثاهلا ال حقيقتها و على هذا القياس قربه ومعيته تعاىل يف أن‬
‫املشهود واملكشوف منهما هو الشبه واملثال ال حقيقته فان حقيقتهما جمهولة الكيفية‬
‫نؤمن انه تعاىل قريب منا وانه معنا ولكن ال نعرف أن حقيقة قربه ومعيته تعاىل ما هي‬
‫وميكن أن يكون املراد مبا ورد يف احلديث النبوي من قوله عليه صالة والسالم يتجلي ربنا‬
‫ضاحكا ابعتبار الصورة املثالية فان حصول كمال الرضا يرى يف املثال بصورة الضحك‬
‫وميكن ان يكون اطالق اليد والوجه والقدم واالصبع ايضا ابعتبار الصورة املثالية هكذا‬
‫علمين ريب و هللا خيتص برمحته من يشاء و هللا ذو الفضل العظيم و صلى هللا على سيدان‬
‫حممد وآله وسلم وابرك (ومنها) فان فهم يف عبارة االمام قدس سره يف بيان االحوال‬
‫واملواجيد والعلوم واملعارف تناقض وتدافع ينبغي أن حيمله على اختالف االوقات وتنوع‬
‫االوضاع فان لكل وقت احواال ومواجيد على حدة ويف كل وضع علوم ومعارف مستقلة‬
‫فال يكون يف احلقيقة تناقص وتدافع ومثل هذا مثل االحكام الناسخة واملنسوخة حيث‬
‫‪- 1341 -‬‬

‫ترى بعد النسخ والتبديل متناقضة فاذا لوحظ اختالف االوقات واالوضاع يرتفع التناقض‬
‫والتدافع وهلل سبحانه حكم ومصاحل يف ذلك فال تكن من املمرتين و صلى هللا تعاىل على‬
‫سيدان حممد وآله وسلم وابرك قال العبد الضعيف اجلامع هلذه النكات البديعة الرائقة‬
‫حممد صديق البدخشي الكشمي امللقب ابهلداية قد وقع الفراغ من تسويد هذه املعارف‬
‫العالية الشريفة املسماة ابملبدأ واملعاد يف أواخر شهر رمضان املبارك حني االعتكاف يف‬
‫سنة ‪ 1019‬الف وتسعة عشر {اشعار}‪:‬‬
‫اين نسخه كه مبدأ ومعاد است بنام * ز انفاس نفيس حضرة فخر كرام‬
‫چون كرد هدايت اقتباس از سر صدق * در سال هزارو نوزده گشت متام‬
‫صديق هدايت كه شدش چرخ بكام * ماان كه ز صدق شد هدايت فرجام‬
‫زين خود چه عجب وليك حتقيق اينست * گز جوش شراب امحدي ايفته جام‬
‫(متت رسالة املبدأ واملعاد)‬

‫عطية الوهاب الفاصلة بني اخلطأ والصواب أتليف العالمة الصاحل املفيد‬
‫الناصح موالان الشيخ حممد بيك نزيل مكة املكرمة شكر هللا سعيه وهي‬
‫اليت قرظ عليها علماء احلرمني وغريهم‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬


‫احلمد هلل رب العاملني والعاقبة للمتقني والصالة والسالم على نبينا حممد صلى هللا‬
‫تعاىل عليه وسلم و على آله وأصحابه وأزواجه امجعني واشهد أن ال اله اال هللا وأشهد ان‬
‫حممدا عبده ورسوله ونؤمن مبا جاء به النيب صلّى هللا عليه و سلّم (اما بعد) فقد سألين‬
‫‪- 1342 -‬‬

‫بعض احملبني ان اكتب رسالة مشتملة على اجوبة اعرتاضات املعرتضني الذين اعرتضوا‬
‫على الشيخ االجل واالمام االكمل والعارف االجمد الشيخ امحد النقشبندي الفاروقي‬
‫السرهندي رمحه هللا تعاىل بكلماته اليت يف مكتوابته لعدم فهمهم مقصوده هبا‬
‫ومبصطلحاته وغريوا و حرفوا بعض الفاظه ألن يوقعوا الفساد واجلدال والقتال بني اخللق‬
‫واتبعيه به ويصدوا الناس عن اهلداية واالرشاد الذي حيصل هلم بصحبة أوالده واتباعه‬
‫الذين هم مستقيمون على جادة الشريعة وموصلون اىل احلقيقة واملعرفة وأمهين واكد عل ّي‬
‫بذلك وكرر عل ّي السؤال له ليظهر احلق ويبطل الباطل ويزول الفساد الذي بني املسلمني‬
‫والظن السوء الذي حصل للناس يف حق الشيخ واوالده وأتباعه خصوصا الهل احلرمني‬
‫الشريفني زادمها هللا تعاىل شرفا بسبب االستفتاء والسؤال الذي ورد من اهلند يف اثناء‬
‫ثالث وتسعني والف وافتاء بعض طلبة العلم يف احلرمني الشريفني فاجبت لدفع هذه‬
‫املفسدة واالصالح بني املسلمني واظهار احلق بينهم ونفي التهمة يف حق العامل العامل‬
‫املتقي ولقوله تعاىل وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على االمث والعدوان وبلغين ان‬
‫الرسالة اليت كتبها بعض علماء احلرمني الشريفني يف اثبات الطعن يف الشيخ امحد رمحه هللا‬
‫تعاىل أرسلها مع االستفتاء بعالمة بعض علماء احلرمني الشريفني مبوجب ذلك السؤال‬
‫واالستفتاء احملرف املعرب من االلفاظ الفارسية على خالف مراد الشيخ امحد رمحه هللا‬
‫ومقصوده لعدم اطالعهم على حقيقة االمر اىل اهلند واسالمبول وما وراء النهر ليظهر‬
‫الفساد واخلصومة بني توابع الشيخ وغريهم بسببه ألن يف كل هذه البلدان للشيخ اتباعا‬
‫ومريدين وما ارسلها إال ليظن الناس الظن السوء يف حق الشيخ ألن فتوى علماء احلرمني‬
‫عندهم معتربة فاذا وصلت إليهم الرسالة مع االستفتاء يظنون ظن السوء يف حقهم ألبتة‬
‫فلدفع هذا الشر والعمل ابحلديث يف السؤال اذا ظهر الفنت والبدع أو سب أصحايب‬
‫فليظهر العامل علمه فمن مل يفعل فعليه لعنة هللا واملالئكة والناس امجعني انتهى‪ .‬ومن اقبح‬
‫الفنت والبدع ذم العامل املتقي الذي هو صاحب احلال والقال والعارف الرابين واحلرب‬
‫الصمداين وجامع املعقول واملنقول كتبت هذه الرسالة بعون هللا تعاىل وتوفيقه اللهم أران‬
‫‪- 1343 -‬‬

‫احلق حقا وارزقنا اتباعه وأران الباطل ابطال وارزقنا اجتنابه اللّهم اان نسئلك العفو والعافية‬
‫وحسن اخلامتة وذكرت فيها الفاظ املكتوابت للشيخ رمحه هللا وعباراهتا الفارسية بعينها‬
‫ليظهر للمنصف الصادق دفع احملذورات اليت نشأت من عدم فهم املعرتضني مصطلحاته‬
‫ومراده الذي اراد بكالمه ومن تركهم بعض الفاظها من كالمه ومن تعريب الفاظها‬
‫الفارسية على خالف مقصوده ومراده ودفع قول من يقول ما ذكرته ليس يف املكتوابت‬
‫والعجب من الطاعن كيف يثبت االميان لفرعون وقد ثبت كفره عند العلماء ويشنع على‬
‫الشيخ امحد رمحه هللا وهو من العلماء العاملني العارفني ويرتكب ما ال ينبغي يف حقه‬
‫فلنشرع اآلن يف املقصود بتوفيق هللا تعاىل وأتييده سبحانه‪.‬‬
‫(اجلواب االول) لقول املعرتضني يف صورة السؤال (وبعد) فما يقول العلماء الذين‬
‫هم ورثة االنبياء والفضالء الذين هم دعاة اخللق اىل الطريق السواء يف حق امحد‬
‫السرهندي الكابلي الذي قال (اي يف رسالة املبدأ واملعاد) بتفضيل حقيقة الكعبة على‬
‫حممد صلّى هللا عليه و سلّم مستدال أبن صورة الكعبة مسجود اليها للصورة احملمدية‬
‫فكذلك حقيقة الكعبة مسجود اليها للحقيقة احملمدية وملا ألزمه اهل بالده بلزوم تفضيل‬
‫صورة الكعبة ايضا على صورة حممد صلّى هللا عليه و سلّم بعني ذلك الدليل بل اوىل‬
‫التزمه وقال ينبغي ان يعلم ان صورة الكعبة ليست عبارة عن احلجر واملدر اذ لو فرض‬
‫عدمها لكانت الكعبة كعبة ومسجودة للخالئق قال يف املكتوب املويف مائة من اجللد‬
‫الثالث الكعبة املسجود اليها للخلق ليست هي احلجر والطني وال السقف واجلدران الن‬
‫تلك لو زالت ك انت الكعبة مكاهنا وامنا الكعبة هلا ظهور وال صورة هلا وهذا من اعجب‬
‫العجائب انتهى مث قال (يف املبدأ واملعاد) بل صورة الكعبة مع كوهنا من عامل اخللق هي‬
‫يف لون احلقائ ق االمرية واعجوبة يعجز العقالء عن تشخيصها اىل ان قال نعم ان مل تكن‬
‫كذلك مل تكن مستحقة الن تكون مسجودا اليها الفضل املوجودات انتهى وقال ان‬
‫املراد حبقيقة الكعبة هي احلقيقة االمحدية اليت هي تعينه االمكاين االمري وابحلقيقة‬
‫احملمدية تعينه االمكاين اخللقي ال تعينه الوجويب فبعد مضي ألف سنة تغلب الروحانية‬
‫‪- 1344 -‬‬

‫اليت لالمحدية على البشرية اليت كانت للمحمدية فينصبغ عامل خلقه بصبغ عامل االمر فما‬
‫رجع من خلقه اىل احملمدية يعرج حت يلتحق ابالمحدية ويتحدان ال انه يعرج عن‬
‫الوجوب فان العروج عن التعني االول الوجويب ال معن له انتهى وقال يف املكتوب التاسع‬
‫واملائتني ينبغي ان يعلم ان حقيقة كل شئ عبارة عن التعني الوجويب الذي تعني امكاين‬
‫ذلك الشخص ظل ذلك التعني الوجويب وهو اسم من امساء هللا تعاىل كالعليم ونقل كالم‬
‫الشيخ ابن العريب قال الشيخ يف رسالة القدس ان االكوان ظالل االمساء اآلهلية واالمساء‬
‫ظالل الشئون الذاتية لذلك الشئ وهو اسم من االمساء اآلهلية كالعليم وذلك االسم رب‬
‫ذلك الش خص ومبدأ الفيوض الوجودية له وتوابعها اىل ان قال فاذا متهد هذا فنقول ان‬
‫حممدا صلى هللا تعاىل عليه وسلم مركب من عامل اخللق واالمر واالسم اآلهلي الذي هو ربه‬
‫شأن العليم والذي يريب عامل امره هو املعن الذي صار مبدأ لذلك الشأن وحقيقة الكعبة‬
‫ايضا ذلك املعن واذا كانت حقائق االشياء االمساء االهلية وحقيقة الكعبة فوق تلك‬
‫االمساء كانت متبوعة حلقائق االشياء فلزم ان تكون مسجودة للحقيقة احملمدية انتهى‬
‫(اعلم ان الشيخ رمحه هللا ما قال ان حقيقة الكعبة افضل من احلقيقة احملمدية بل قال يف‬
‫مكتوبه ان حقيقة الكعبة فوق احلقيقة احملمدية صلّى هللا عليه و سلّم فتوهم بعض الناس‬
‫من هذا الكالم ان الكعبة املعظمة افضل من النيب صلّى هللا عليه و سلّم واحلال انه عليه‬
‫الصالة والسالم افضل املخلوقات واشرف الربايت قلنا وابهلل العصمة والتوفيق وبيده ازمة‬
‫التحقيق ان ذلك التوهم امنا نشأ من محل لفظ احلقيقة على ذات الشئ وتشخصه وهو‬
‫مبين على اجلهل عن اصطالح هذه الطائفة العلية وعدم االطالع على حقيقة كالم‬
‫شيخنا رضي هللا عنه فان حقيقة الشئ عندهم اسم اهلي هو مبدأ لتعني ذلك الشئ‬
‫ووجوده وذلك الشئ كالظل والعكس لذلك االسم واالسم واسطة الفيوض بني احلضرة‬
‫القدسية وبني ذلك الشئ كما أن الشأن الذايت واسطة بني ذلك االسم املقدس وبني‬
‫الذات املنزه العلي على ما جرت عليه العادة االهلية من توسيط الوسائط ورعاية املناسبات‬
‫بني املفيض واملستفيض قال الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره يف رسالة القدس ان‬
‫‪- 1345 -‬‬

‫االكوان ظالل االمساء االهلية واالمساء ظالل الشؤن الذاتية وعند الشيخ امحد رمحه هللا‬
‫ابعتبار الظهور هلل تعاىل مراتب مرتبة الالتعني وهو مرتبة الذات البحت وعند الصوفية‬
‫يطلق عليه هذه االمساء االحدية الذاتية واالحدية املطلقة واالحدية الصرفة وعامل الالهوت‬
‫وازل االزل وخفاء اخلفاء وبطون البطون وغيب اهلوية والثاين مرتبة التعني الوجودي واحليب‬
‫والثالث مرتبة احلياة والرابع مرتبة العلم اجلملي وهي مرتبة الوحدة والشأن التفصيلي وهو‬
‫الواحدية واالعيان الثابتة وهي مرتبة االمساء عند القوم وعامل اجلربوت وحقيقة احملمدية‬
‫عبارة عن اسم العليم عند الشيخ أمحد رمحه هللا وعندهم مرتبة االمساء مرتبة الوحدة والعلم‬
‫اجلملي ايضا وهذه املراتب كلها قدمية ازلية تقدمي بعضها على البعض ابلذات ال ابلزمان‬
‫وللعامل مراتب االول مرتبة االرواح وهو عامل االمر وامللكوت والثاين مرتبة عامل املثال‬
‫والثالث مرتبة عامل الشهادة وهو عامل اخللق والناسوت وعند الشيخ امحد رمحه هللا حممد‬
‫صلى هللا عليه وسلم مركب من عامل االمر واخللق وامسه صلّى هللا عليه و سلّم امحد‬
‫ابعتبار عامل أمره وحممد ابعتبار عامل خلقه واسم هللا تعاىل الذي هو مريب عامل أمره وهو‬
‫مظهره يقال له احلقيقة االمحدية وهي املعربة حبقيقة الكعبة وامسه تعاىل الذي هو مريب عامل‬
‫خلقه صلّى هللا عليه و سلّم يقال له احلقيقة احملمدية واملراد ابحلقيقة احملمدية اليت فوقها‬
‫حقيقة الكعبة التعني االمكاين النوري وحبقيقة الكعبة التعني الوجويب وصرح بذلك يف‬
‫املكتوب التاسع واملائتني من اجللد االول بقوله (ابيد دانست) كه حقيقة شخص عبارت‬
‫از تعني وجوىب ست كه تعني امكاين آن شخص ظل آن تعني ست وآن تعني وجوىب‬
‫امسى ست از امساء اهلى كالعليم والقدير وگومي كه حقيقة شخصى چنانكه تعني وجوىب‬
‫اورا گويند تعني امكاىن اورا نيز گويند انتهى ملخصا (معربه) ينبغي ان يعلم ان حقيقة‬
‫الشخص عبارة عن التعني اإلمكاين ظل ذلك التعني الوجوىب الذي التعني الوجويب وهو‬
‫اسم من امساء هللا تعاىل كالعليم والقدير واقول ان حقيقة الشخص كما تكون التعني‬
‫الوجويب كذلك تكون التعني االمكاين الذي هو ظله انتهى ملخصا ولفظ احلقيقة ال‬
‫يطلق على هللا تعاىل بل على اسم من امساء هللا تعاىل الذي هو مبدأ تعني ذلك الشئ‬
‫‪- 1346 -‬‬

‫وحقيقته الوجوبية فال يرد عليه ان امساء هللا تعاىل توقيفية فاذا متهد هذا فاعلم ان لنبينا‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم حبسب تقلبه يف اطواره وانواره كماالت ال حتصى ومقامات ال‬
‫تستقصى فله عليه الصالة والسالم ابعتبار هذا الوجود العنصري وارشاده هلذا العامل‬
‫الظلماين اسم مبارك هو حممد صلّى هللا عليه و سلّم انش من حقيقته وهو اسم اهلي‬
‫يناسب تربية هذا العامل السفلي مسمى حبقيقة حممدية وله عليه الصالة والسالم ابعتبار‬
‫وجوده الروحاين املريب لعامل امللكوت النوراين اسم آخر هو امحد انش عن اسم وشأن اهلي‬
‫هو مبدأ واصل للحقيقة احملمدية يناسب تربية ذلك العامل العلوي مسمى ابحلقيقة‬
‫االمحدية املعربة حبقيقة الكعبة الرابنية اي املريب للكعبة ومثبتها وله عليه الصالة والسالم‬
‫وراء هذين التعينني اللذين مها كاالحياز الطبيعية له عليه الصالة والسالم عروجات ال تعد‬
‫واسرار ال تنفد واليها يشري قوله صلّى هللا عليه و سلّم (يل مع هللا وقت) ال يسعين فيه‬
‫ملك مقرب وال نيب مرسل وهبا يومئ قوله تعاىل وكان قاب قوسني او ادىن وهو مورد‬
‫السر االصطفائي واحملبوبية الصرفة وهي مناط الفضل ومدار التفوق فثبت ان التفوق امنا‬
‫هو لبعض كماالته ومراتبه عليه الصالة والسالم على بعض وان حقيقة الكعبة الرابنية‬
‫بعض من حقائقه العالية وجزء من حقيقته اجلامعة الشاملة فبطل توهم التفوق واضمحل‬
‫حديث االفضلية وهذا الذي ذكرانه نبذة مما حققه شيخنا وامامنا يف جواب مسائل سئل‬
‫عنه يف املكتوب التاسع واملائتني من مكتوابت اجللد االول وينبغي ان يعلم ان فضل‬
‫احلقيقة على احلقيقة ال يوجب فضل الصورة على الصورة جلواز ان حيصل للصورة مع‬
‫حقيقتها اليت هي رهبا قرب واتصال مل يتيسر للصورة االخرى وهذا فيما حنن فيه أظهر من‬
‫ان خيفى الن كمال القرب امنا هو ابلفناء والبقاء والعروج املخصوص ابلبشر وغري‬
‫االنسان الكامل له مقام معلوم مث أعلم ان لفظ احلقيقة احملمدية يف عبارات شيخنا‬
‫وامامنا على معان خمتلفة واحناء شت فمت قوبلت ابحلقيقة االمحدية والكعبة الرابنية يراد‬
‫هبا ماذكرانه سابقا من انه اسم اهلي مناسب لرتبية العامل السفلي ومت ذكرت مطلقة‬
‫يقصد هبا احلقيقة اجلامعة للحقيقة احملمدية واالمحدية والكعبة الرابنية وهي املعربة حبقيقة‬
‫‪- 1347 -‬‬

‫احلقائق وهي احلقيقة اليت ال واسطة بينها وبني الذات املقدس كما ذكر شيخنا رمحه هللا‬
‫يف آخر مكتوب من اجللد الثالث له قبيل وصاله ابايم قليلة ان احلقيقة احملمدية ظهور‬
‫اول وح قيقة احلقايق انتهى ويف املكتوب االول من اجللد الثاين من املكتوابت املعصومية‬
‫(حقيقة كعبه انشئ از مقام معبوديت ومسجوديت ست كه آن حقيقة ذات حق ست‬
‫جل سلطانه ابعتبار شان از شؤن واعتبارى از اعتبارات نه ذات حق كه معرى از نسب‬
‫واعتبار ست كه آن مرتبهء عليارا ابعامل غناى ذاتست) انتهى (معربه) حقيقة الكعبة‬
‫انشئة من مقام املعبودية واملسجودية اليت هي ذات هللا ابعتبار شأن من شؤانته واعتبار‬
‫من االعتبارات ال الذات املعرات عن النسب واالعتبارات حاصله ان النيب صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم مركب من عامل االمر واخللق وله امسني امحد وحممد فاالول يطلق عليه صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم ابالعتبار االول والثاين ابالعتبار الثاين واحلقيقة االمجالية ابصطالح القوم‬
‫التعني االول واحلقيقة التفصيلية وهي التعني الثاين ابصطالحهم ظل التعني االول وهي اي‬
‫احلقيقة االمجالية اسم من امساء هللا تعاىل وظلها عامل امره عليه الصالة والسالم وظل‬
‫التعني الثاين عامل امره مع خلقه عليه الصالة والسالم والتحية ويف التعني االول مراتب‬
‫الشؤانت وفيه شأن االمحدية والكعبة وعند الشيخ امحد رمحه هللا فيه شأن فوق شأن‬
‫وعنده الصفات زائدة على الذات موجودة بوجود زائد وهو مذهب مجهور املتكلمني ويف‬
‫شرح العقائد ملوالان جالل الدين الدواين ولكنهم خيالفون يف كون الصفات عني ذاته او‬
‫غري ذاته او ال هو وال غريه فذهب املعتزلة والفالسفة اىل االول ومجهور املتكلمني اىل‬
‫الثاين واالشعري اىل الثالث انتهى ومقامها وراء الصور العلمية اليت هي يف املراتب العلمية‬
‫وليس التعني العلمي اجلملي تعينا اوال وهو صفة العلم اليت هي من الصفات احلقيقة‬
‫الزائدة وال التعني االول لذاته تعاىل كما هو عند القوم الن الصفات عنده غري الذات‬
‫اشار اليه بقوله يف املكتوب التاسع واملائتني من اجللد االول (وشك نيست كه حصول‬
‫شأين اگر چه جمرد أعتبار ست نيز تقاضاى آن مكيندكه فوق آن معن زايد ديگر‬
‫ابشد) (معربه) وال شك ان حصول الشان وان كان جمرد اعتبار ولكن يقتضي ان يكون‬
‫‪- 1348 -‬‬

‫فوقه معن آخر زائد انتهى فاحلقيقة احملمدية هي التعني االمكاين كما اشار اليه بقوله يف‬
‫ذلك املكتوب مراد از حقيقت حممدى دراينجا أمكاىن خلق ست (معربه) املراد من‬
‫احلقيقة احملمدية ههنا تعينه االمكاين اخللقي انتهى وفوقها حقيقة الكعبة الشك فيها وهو‬
‫الشأن الوجويب يف التعني االول ويتوجه اليها يف الصالة فصح قوله يف املبدأ واملعاد حقيقة‬
‫قرآىن وحقيقة كعبهء رابىن فوق حقيقة حممديه ست على مظهرها الصالة والسالم ان‬
‫احلقيقة القرآنية والكعبة الرابنية فوق احلقيقة احملمدية على مظهرها الصالة والسالم انتهى‬
‫وليس يف املبدأ واملعاد لفظ التفضيل وال لفظ االفضل بل فيه لفظ التفوق (واجلهلة فهموا‬
‫منه االفضلية ولقد قال االمام قدس سره وغريه أيضا ان الصفات االهلية بعضها فوق‬
‫ب عض فاحلياة فوق الكل مث العلم مث القدرة مث االرادة مث التكوين وال يلزم من ذلك افضلية‬
‫بعضها على بعض) الن االفضلية مبعن كثرة الثواب وهي ال تتصور هنا ويف شرح املواقف‬
‫ان املالئكة وان كانوا فوق البشر يعين يف بعض االمور لكن االفضلية مبعن كثرة الثواب‬
‫للبشر انتهى فاذا عرجت احلقيقة احملمدية يف السري يف هللا تكون الشؤانت اليت توجه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم اليها قبل العروج كالظالل هكذا اىل غري النهاية فاذا مسعت‬
‫عبارات املكتوابت وحاصلها فاعلم انه ال يصلح اعرتاض املعرتضني على املكتوب املويف‬
‫مائة من اجللد الثالث الكعبة املسجود اليها اخل وعباراته املعربة هكذا الكعبة املسجود‬
‫اليها للخالئق ليست هي عبارة عن احلجر واملدر واجلدران والسقف الهنا لو مل تكن‬
‫ابلفرض والتقدير ال تزال الكعبة كعبة ومسجودا اليها فههنا ظهور وليس الصورة فيه وهذا‬
‫من اعجب العجائب انتهى فال يلزم القبح لقائله بقول الشخص الذي كتبه يف آخر دفرت‬
‫السؤال يف جوابه ما نصه والقول ابن الكعبة ليست هي البنية وامنا هي شئ يعجز العقل‬
‫عن تشخيصه واهنا يف صورة االمر قبح سادس عشر النه رد لآلايت املتكاثرة واالحاديث‬
‫املتواترة انتهى كيف يلزم القبح ملن يقول ان الكعبة ليست هذه البنية مع ان أكثر الفقهاء‬
‫صرحوا به وهو مذهب أيب حنيفة رضي هللا عنه ويف شرح الطحاوي الكعبة اسم للعرصة‬
‫فان احليطان لو وضعت يف موضع آخر وصلي اليها ال جيوز ويف التهذيب املعترب التوجه‬
‫‪- 1349 -‬‬

‫اىل مكان البيت دون البناء حت لو صلى فوق الكعبة جاز وعند الشافعي البناء معترب‬
‫ويف فتاوي االوحدي الكعبة اذا رفعت عن مكاهنا لزايرة اصحاب الكرامة ففي تلك احلالة‬
‫جازت صالة املتوجهني اىل ارضها ويف الظهريية الكعبة هي العرصة واهلواء اىل عنان‬
‫السماء عندان ويف فتاوى احلجة الصالة يف ايب قبيس واجلبال والتالل الشاخمة جائزة و‬
‫على ظهر الكعبة جائزة الن ال قبلة من االرض السابعة اىل السماء السابعة حبذاء الكعبة‬
‫اىل العرش انتهى وهذه الرواايت نقلت من كنز العباد وقال فقهاء احلنفية واملالكية الكعبة‬
‫والقبلة عندان هي البقعة احملدودة اىل السماء دون البناء والبناء تبع وعالمة ملعرفة القبلة‬
‫حت لو وضع هذا البناء يف موضع آخر ال جيوز تعظيمه يعين ابلسجود اليها واال فتعظيم‬
‫حصى احلرم ايضا مطلوب فضال عن بناء الكعبة ولو اهندم البناء والعياذ ابهلل الكعبة ابقية‬
‫بدليل ان االنبياء واالولياء استقبلوا وطافوا هلذه البقعة مدة الفني ومائتني واربعني سنة ومل‬
‫يكن هناك بناء وعند الشافعية كذلك اال يف حق من يصلي يف الكعبة أو على سطحها‬
‫فانه فرض عليه ان يستقبل اىل البناء وأقله قدر ثلثي ذراع حت لو صلى داخل الكعبة‬
‫متوجها اىل الباب املفتوح ال جيوز عندهم اال اذا كانت العتبة مرتفعة قدر شرب وزايدة‬
‫بدليل ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم صلى داخل البيت متوجها اىل الباب وامر برده‬
‫ولوال ان الكعبة بناء أو شاخص ملا امر برد الباب وقال بعضهم قبلة الداخل البناء وقبلة‬
‫اخلارج ايضا البناء فاذا مل يكن البناء وال الشاخص يصلى اىل البقعة ضرورة والقبلة اسم‬
‫للبقعة والعرصة قالوا هو الصواب كما يف البحر انتهى فما يقول العلماء العظام يف حق‬
‫من يقبح قائل ذلك القول املذكور وهو قول احلنفية واملالكية ويلزم منه هذه القباحة‬
‫الشنيعة يف حقهم ايضا بينوا تؤجروا ومما يدل على ان حقيقة الكعبة غري هذا البناء ما‬
‫روى الطرباين يف االوسط عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما ان رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم قال ان الكعبة هلا لسان وشفتان ولقد اشتكت فقالت اي رب قل عوادي او‬
‫قل زواري فاوحى هللا عز و جل اين خالق بشرا خشعا سجدا حينون اليك كما حتن‬
‫احلمامة اىل بيضها وما روى الفاكهي عن على بن أيب طالب رضي هللا عنه قال خلق هللا‬
‫‪- 1350 -‬‬

‫تعاىل البيت قبل االرض والسموات أبربعني سنة وكان غثاء على املاء وما روى الفاكهي‬
‫ايضا عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال الكعبة خلقت قبل االرض أبلفي عام قيل وكيف‬
‫خلقت قبل االرض وهي من االرض قال اهنا كان عليها ملكان يسبحان هللا تعاىل ابلليل‬
‫والنهار ألفي سنة فلما أراد هللا تعاىل ان خيلق االرض دحاها من حتت الكعبة يف وسط‬
‫االرض هكذا يف االعالم اتريخ بلد هللا احلرام انتهى وما اخرج اجلندي عن الزهري قال اذا‬
‫كان يوم القيامة رفع هللا الكعبة اىل بيت املقدس فتمر بقرب النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫فتقول السالم عليك اي رسول هللا ورمحة هللا وبركاته فيقول النيب صلّى هللا عليه و سلّم اي‬
‫كعبة هللا ما حال اميت فتقول اي حممد اما من وفد ايل فاان القائمة بشأنه واما من مل يفد‬
‫ايل من امتك فانت قائم بشأنه كذا يف تفسري الدر املنثور وعن جابر رضي هللا عنه قال‬
‫قال عليه الصالة والسالم زفت الكعبة اىل قربي فتقول السالم عليك اي حممد فاقول‬
‫وعليك السالم اي بيت هللا ما صنع بك اميت فتقول من ااتين فاان اكفيه وأكون له شفيعا‬
‫ومن مل أيتين فانت تكفيه وتكون له شفيعا ويف التشويق قال وهب بن الورد كنت اطوف‬
‫اان وسفيان الثوري ابلبيت فانقلب سفيان وبقيت يف الطواف فدخلت احلجر فصليت‬
‫حتت امليزاب فبينما اان ساجد اذ مسعت كالما بني استار الكعبة واحلجارة وهو يقول اي‬
‫جربيل اشكو اىل هللا مث اليك ما يصنع هؤالء الطائفون من تفكههم يف احلديث ولغطهم‬
‫وسهوههم قال وهب فعرفت ان البيت شكى اىل جربائيل عليه السالم وقال علي بن‬
‫موفق دخلت يف احلجر فسمعت البيت يقول لئن مل ينته الطائفون حويل عن معاصى هللا‬
‫تعاىل الصرخن صرخة ارجع اىل املكان الذي جئت عنه ويف االحياء النتفضن نفضة وفيه‬
‫ايضا أن الكعبة حتشر كالعروس املزفوف وكل من حجها متعلق ابستارها يسعون معها‬
‫حت تدخل اجلنة فيدخلون معها ومما يدل ان حقيقة الكعبة غري اجلدران والسقف‬
‫واحلجر واملدر كالم الشيخ حميي الدين ابن العريب يف الفتوحات املكية حيث قال وكانت‬
‫بيين وبينها يف زمان جماوريت هبا مراسالت وتوسالت وقد ذكرت ما كان بيين وبينها من‬
‫املخاطبات يف جزء مسيته اتج الرسائل ومنهاج الوسائل حيتوي فيما أظن على سبع رسائل‬
‫‪- 1351 -‬‬

‫لكل شوط من االشواط السبعة رسالة مين اىل الصفة االهلية اليت تتجلى يل يف ذلك‬
‫الشوط ولكن ما عملت تلك الرسالة وال خاطبتها هبا اال بسبب حادث وذلك اين كنت‬
‫عليها افضل نشأيت واجعل مكاهنا يف جملى احلقائق دون مكانيت وأذكرها من حيث ما‬
‫هي اال نشأة مجادية يف اوىل درجة من املولدات وأعرض عما خصها هللا به من اعلى‬
‫الدرجات وذلك مين يف حقها لغلبة احلال عل ّي فال شك ان احلق اراد ان ينبهين عما اان‬
‫عليه من سكر احلال فاقامين من مضجعي يف ليلة ابردة مقمرة فيها رش مطر فتوضأت‬
‫وخرجت اىل املطاف ابنزعاج شديد فقبلت احلجر وشرعت يف الطواف فلما جئت اىل‬
‫ا مليزاب رأيتها فيما خيل يل قد مشرت أذايهلا واستعدت فلما وصلت اىل الركن الشامي‬
‫ارادت أن تدفعين بنفسها وترمي يب عن الطواف هبا وهي تتوعدين ابلكالم أمسعه ابذين‬
‫واظهر هللا يل فيها حرجا شديدا حبيث مل أقدر على الرباح من موضعي ذلك فتسرتت‬
‫ابحلجر ليقع الضرب منها عليه وجعلته كاجملن بيين وبينها وامسعها و هللا وهي تقول كم‬
‫تضع من قدري وترفع من قدر بين آدم وتفضل العارفني عل ّي وعزة من له العزة ال اتركنك‬
‫تطوف يب فرجعت اىل نفسي وعلمت أن هللا تعاىل يريد أتدييب وقال فوجدهتا فيما خيل‬
‫يل قد ارتفعت عن االرض بقواعدها مشمرة االذايل كاالنسان اذا أراد أن يثب من مكانه‬
‫جيمع عليه ثيابه وهي يف صورة اجلارية احلسناء مل ار احسن منها وال يتخيل يل أحسن‬
‫منها فشكرت هللا على ذلك وزال اجلزع الذي كنت اجده من الكعبة فارجتلت أبياات يف‬
‫احلال يف مدحها اخاطبها هبا واستنزهلا عن ذلك احلرج الذي عاينته منها فما زلت اثن‬
‫عليها يف تلك االبيات والكعبة تتسع وتنزل بقواعدها اىل مكاهنا وتظهر السرور مبا امسعها‬
‫ايل ابلطواف فرميت‬
‫من مدحها اىل ان عادت اىل حاهلا كما كانت وامنتين واشارت ّ‬
‫نفسي على املستجار وما يف مفصل اال وهو يضطرب من قوة احلال اىل ان سرت عين‬
‫وصاحلتها واودعتها شهادة التوحيد عند تقبيل احلجر فخرجت الشهادة يف صورة سلك‬
‫وانفتح يف احلجر االسود مثل الطاق حت نظرت اىل طول احلجر فرأيته حنو ذراع فسألت‬
‫عنه بعد ذلك من اجملاورين فقال يل رأيته كما ذكرت يف طول ذراع االنسان ورأيت‬
‫‪- 1352 -‬‬

‫الشهادة مثل الكية استقرت يف قعر احلجر وانطبق احلجر عليها وانسد ذلك الطاق واان‬
‫انظر اليه فقالت يل هذه امانة عندي ارفعها لك اىل يوم القيامة فشكرت الكعبة على‬
‫ذلك ومن ذلك الوقت وقع الصلح بيين وبينها وخاطبتها بتلك الرسائل السبع فزادت‬
‫فرحا وابتهاجا حت جاءتين بشرى منها على لسان رجل صاحل قال رأيت الكعبة البارحة‬
‫يف النوم وهي تقول سبحان هللا ما يف احلرم من يطوف يب اال فالن ومستك يل ابمسك وما‬
‫أدري أين مضي الناس مث قمت ودخلت يف املطاف وانت طائف هبا وحدك مل أر معك‬
‫يف الطواف أحدا فقالت انظر اليه هل ترى طائفا آخر قلت ال و هللا وال أراه اان فشكرت‬
‫هللا على هذه البشرى من مثل ذلك الرجل فتذكرت قول رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫الرؤاي الصاحلة يراها الرجل املسلم أو ترى له انتهى فاذا عرفت انه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫مركب من عامل االمر واخللق فال يرد االعرتاض أيضا على قول الشيخ رمحه هللا تعاىل يف‬
‫املكتوب السادس والتسعني من اجللد الثالث ملا فرت تعينه اجلسدي وهو عامل خلقه ابملوت‬
‫قوي تعينه الروحي لكن كان لتعينه اجلسدي بقية وهي توجهه اىل العامل السفلي فلما‬
‫مضى الف سنة زالت تلك البقية وغلب روحانيته صلّى هللا عليه و سلّم على بشريته‬
‫وعرجت احلقيقة احملمدية اىل احلقيقة االمحدية واحلقت هبا اىل آخره كما سيجيئ تفصيله‬
‫يف جواب املكتوب السادس والتسعني ان شاء هللا تعاىل ابنه (متعلق على قوله فال يرد‬
‫فيما سبق) ثبت يف االحاديث ان جسد النيب صلّى هللا عليه و سلّم ابق ال يفن الن‬
‫مراده ابلفناء والزوال للجسد فناء صفاته البشرية وزواهلا من االكل والشرب والنوم والتوجه‬
‫اىل العامل السفلي وغري ذلك ال زوال اجلسد ابلكلية بل صفاته وانه صار كالروح ويف‬
‫املكتوب الرابع والتسعني من اجللد الثالث اشار بزواله اىل ان معناه زوال توجهه صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم اىل عامل الشهادة وغرقة يف حبر مشاهدة مجال ذات هللا تعاىل وترقى درجاته‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم بعبادات امته ودعائها له ورجوع ثواهبا اليه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫مبقتضى من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل هبا ويف عمدة املريد جبوهرة التوحيد‬
‫للشيخ ابراهيم اللقاين قيل ان الصالة على النيب صلّى هللا عليه و سلّم لطلب نيل‬
‫‪- 1353 -‬‬

‫كمال يف وسعة كرم هللا تعاىل معلق عليه اذ ال غاية لفضل هللا تعاىل وانعامه فهو صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم دائم الرتقي يف حضرات القرب وسوابق الفضل وال بدع أن حيصل له‬
‫بصالة امته زايدات يف ذلك ال غاية وال انتهاء هلا وقد قال االمام الغزايل أما صالة هللا‬
‫على نبيه صلّى هللا عليه و سلّم و على املصلني عليه فمعناه افاضة انواع الكرامات‬
‫ولطائف النعم عليه وأما صالتنا وصلوات املالئكة عليه صلّى هللا عليه و سلّم يف اآلية‬
‫فهو سؤال وابتهال يف طلب تلك الكرامة ورغبة يف افاضتها عليه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫الن اجتماع قلوب اجلمع اجلم له أتثري يف االجابة كما يف عرفة واجلمعة واالستسقاء‬
‫وغريها انتهى ويف كشف االسرار البن عباد رمحه هللا قيل اليب عبد هللا حممد النيسابوري‬
‫انه قال امران ابلصالة والسالم على النيب صلّى هللا عليه و سلّم فقيل انه ينتفع بدعائنا‬
‫قال النيسابوري اال ترى اىل قوله صلّى هللا عليه و سلّم سلوا يل من هللا تعاىل الوسيلة‬
‫ليعلم أن الغين ابحلقيقة هو هللا تعاىل وقال احلليمي جيوز ان هللا تعاىل جعل اعطاءه‬
‫الوسيلة موقوفا على دعائنا وكذلك الشفاعة انتهى بعبارته فاذا أراد هللا تعاىل له صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم عزا وشرفا ودرجة وافاض عليه الفيوض والرمحة فرتقى رتبته يوما فيوما حت‬
‫مضى بعد رحلته ألف سنة ومت الدور الكامل لون عامل خلقه بلون عامل أمره صلى هللا‬
‫تعاىل عليه وسلم واحتد به يف اللطافة وخص هللا تعاىل عروجه اىل عامل أمره صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم بعد ألف سنة النه دور كامل مشتمل على مراتب االعداد وهي أربعة اآلحاد‬
‫والعشرات و املئا ت وااللوف والنه يكون ظهور سلطنة كل اسم من امساء هللا تعاىل اىل‬
‫ألف سنة واذا مضى الف ظهرت غلبة اسم آخر اىل االلف اآلخر كذا ذكره احلسني بن‬
‫معني الدين امليبدي يف الفواتح صوفية چويند هر زمان نوبت ظهور سلطنت امسى ست‬
‫وچون نوبت او منقضى شود مستور گردد ودور امسى كه نوبت دولتش رسيده ابشد‬
‫وأدوا ر كواكب سبعه كه هريك هزار سالست آبن مربوط ست كل يوم هو يف شأن‬
‫اشارت آبنست ان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون انتهى (وقال تعاىل أيضا يدبر‬
‫االمر من السماء اىل االرض مث يعرج اليه يف يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون وليكن‬
‫‪- 1354 -‬‬

‫هذا أيضا من ذلك األمر الذي دبره يف ألف سنة) وهلذا بعث اكثر أويل العزم ابلرتتيب‬
‫وكانت الفاصلة من بعث بعضهم اىل بعث بعض آخر ألف سنة وروى الواقدي يف‬
‫املنتخب كان بني آدم ونوح عليهما السالم عشرة قرون والقرن مائة سنة وبني نوح وابرهيم‬
‫عليهما السالم عشرة قرون وبني ابراهيم وموسى عليهما السالم عشرة قرون اخل وهذه‬
‫احلقائق اليت كشفت للشيخ رمحه هللا تعاىل ال مؤاخذة عليه حبسب الشرع غايتها أنه ما‬
‫قاهلا أحد وفيها اصطالح جديد وال مناقشة يف االصطالح ويف عني العلم العلم علمان‬
‫علم املكاشفة وهو نور يظهر يف القلب فيشاهد به الغيب وهو متحقق فورد حيئنذ اذا‬
‫دخل النور يف القلب أنشرح وعاين الغيب وانفسخ أي احتمل البالء وحفظ السر ومل‬
‫يصرح به لفقد الرواية وورد حينئذ أن من العلم كهيئة املكنون ال يعلمه اال أهل املعرفة ابهلل‬
‫انتهى ولفظ لفقد الرواية يدل صرحيا على ان بعض الكشوفات ال تدل عليه الرواية وذكر‬
‫يف آخر الباب االول يف العوارف وال مشاحة يف االلفاظ انتهى فظهر بطالن قول‬
‫املعرتضني‪.‬‬
‫(اجلواب الثاين) لقوهلم وقال يف املكتوب الثامن والثمانني من اجللد الثالث من‬
‫مكتوابته الن امة كل نيب امنا يصلون اىل هللا بوسيلته ووساطته ونبيها حائل بينها وبني هللا‬
‫تعاىل اال فرد من افراد هذه االمة يعين نفسه فان نصيبه من هللا تعاىل ابالصالة من الذات‬
‫العلية انتهى اعلم اين وجدت يف املكتوب املذكور هذه العبارة مع الفاظ زائدة ال يلزم‬
‫احملذور معها وهي مگر آنكه فردي از افراد امت را ابصالت از حضرت ذات تعاىل‬
‫نصيب بود اينجا نيز حيلولهء نىب مفقود ست وتبعية او موجود عليه الصالة والسالم‬
‫انتهى عبارته معناه اال فرد من افراد هذه االمة له نصيب من حضرة ذات هللا تعاىل‬
‫ابالصالة من الوالية بال حيلولة النيب صلّى هللا عليه و سلّم مع وجود تبعيته له صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم واعلم ان السالك اذا فرغ من السري اىل هللا وشرع يف السري يف هللا مبتابعته‬
‫للنيب صلّى هللا عليه و سلّم ووساطته فاذا جذبه هللا اليه بكمال فضله وكرمه ارتفع‬
‫الوسائط كلها بينه تعاىل وبني هذا احملبوب السالك حت مسعه وبصره ورجله ومجيع القوى‬
‫‪- 1355 -‬‬

‫الظاهرة وهي وسائط وآالت ظاهرة ومع هذا يرفع هللا تعاىل منه هذه القوى الظاهرة فاذا‬
‫وصل العارف اىل هذه املرتبة أيخذ العلم من هللا تعاىل بال واسطة وهو العلم اللدين كما‬
‫كان للخضر عليه السالم ونصيب بعض العارفني ابهلل تعاىل وعلمناه من لدان علما‬
‫ويقال هلذه املرتبة يف اصطالحهم قرب النوافل دل عليه ما اخرجه البخاري عن ايب هريرة‬
‫رضي هللا تعاىل عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم عن هللا تعاىل وال يزال‬
‫عبدي املؤمن يتقرب اىل ابلنوافل حت احبه فاذا أحببته كنت مسعه الذي يسمع به وبصره‬
‫الذي يبصر به ويده اليت يبطش هبا ورجله اليت ميشي هبا احلديث وقوله صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم يل مع هللا وقت ال يسعين فيه ملك مقرب وال نيب مرسل فمن وصل اىل هذه املرتبة‬
‫جيذبه هللا اليه بفضله أيخذ املعارف واالسرار بال واسطة من هللا تعاىل فال يلزمه شئ بقوله‬
‫اخذت العلم من هللا تعاىل بال واسطة فمن ينكر هذه املرتبة فهو ينكر احلديث الصحيح‬
‫وما وقع يف الفصوص يف فصل شيت عليه السالم مع شرحه ملوالان اجلامي رمحه هللا يدل‬
‫على اخذ العارف الكامل العلم من هللا تعاىل بال واسطة (عبارة الفصوص مع شرحه)‬
‫فاملرسلون من كوهنم اولياء ال يرون ما ذكرانه من العلم الذي يعطي صاحبه السكوت اال‬
‫من مشكاة خامت االولياء فكيف من دوهنم من االولياء وان كان خامت االولياء اتبعا يف‬
‫احلكم ملا جاء به خامت الرسل من التشريع فذلك ال يقدح يف مقامه وال يناقض ما ذهبنا‬
‫اليه من ان املرسلني ال يرون هذا العلم اال من مشكاة خامت االولياء فانه من وجه يكون‬
‫انزل مرتبة من الرسول اخلامت من حيث رسالته كما أنه من وجه يكون أعلى وقد ظهر يف‬
‫ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا اليه من ان الفاضل جيوز أن يكون مفضوال من وجه يف‬
‫فضل عمر يف اسارى بدر ابحلكم فيهم ويف أتبري النخل فما يلزم الكامل ان يكون له‬
‫التقدم يف كل شئ وساق الكالم اىل ان قال انه أي خامت االولياء اتبع لشرع خامت الرسل‬
‫يف الظاهر كما هو أخذ عن هللا يف السر بال واسطة انتهى وسيجئ تفصيله يف آخر‬
‫اجلواب احلادي والعشرين قال موالان اجلامي قدس سره يف خطبة شرح الفصوص أما بعد‬
‫فاعلم ان احلكم الفائضة من احلق سبحانه على قلوب مجيع عباده وخلص عبيده على‬
‫‪- 1356 -‬‬

‫انواع منها ما يفيض عليهم بواسطة املالئكة املقربني ابلفاظ وعبارات حمفوظة عن التغيري‬
‫مرادة تالوهتا وهو القرآن املنزل على نبينا صلّى هللا عليه و سلّم بواسطة الروح االمني‬
‫ومنها ما يفيض عليهم بواسطة او بغري واسطة معاين صرفة او معربة بعبارات غري متلوة‬
‫ومن هذا القبيل االحاديث القدسية فهي اما ما فاضت عليه صلّى هللا عليه و سلّم معاين‬
‫صرفة لكنه كساها اكسية عباراته اخلالصة او بعبارات خمصوصة غري مرادة ضبطها‬
‫وتالوهتا وهذا النوع ليس خمصوصا ابالنبياء عليهم الصالة والسالم بل يعم االولياء‬
‫وصاحلي املؤمنني (ومنها) ما يفيض من بعض الكمل على بعض انتهى ونقصوا من كالم‬
‫الشيخ امحد رمحه هللا لفظة بتبعيته بعد قوله من الذات العلية فيصري الكالم معها هكذا‬
‫فان نصيبه من هللا تعاىل ابالصالة من الذات العلية ابلتبعية اي بتبعيته للنيب صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم انتهى فحينيذ ال حمذور فيه وال قبح وهذه االلفاظ الفارسية للجواب الثالث اآليت‬
‫بعده تبعية در فرد امت ابعتبار تشريعست ات متابعة شريعت نىب نكند ز سد وتبعيت در‬
‫انبيا مر نيب را عليه الصالة والسالم ابعتبار آنست كه نيب متبوع را يعين حممدا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم وصول آبن درجة اوال وابلذات ست وديگرانرا اثنيا وابلعرض چه مطلوب از‬
‫دعوة حمبوبست ديگرانرا بطفيل او خوانند وبه تبعية او طلبند اما مهه كس جليس يك‬
‫سفره اند ودر يك جملس على تفاوت الدرجات استيفاء تلذذات وتنعمات ميفرمايند‬
‫امتانندكه زله بردار ايشانند والش خوار ايشان مگر فردى از افراد ايشاانن كه بكرم‬
‫خداوندى جل شأنه خمصوص شود وجليس جملس اكابر گردد چنانكه گذشت مع ذلك‬
‫امت امت ست وپيغمرب پيغمرب هر چند سرافراز گردد وعلو بسيار پيدا كند دولت ست‬
‫كه به پريوى او به پيغمربى برسد قال هللا تعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني اهنم‬
‫هلم املنصورون اآلية‪.‬‬
‫(اجلواب الثالث) لقوهلم وقال ان املطلوب من الدعوة هو احملبوب يعين النيب عليه‬
‫الصالة والسالم والباقون مطلوبون بتبعيته وبطفيليته اال فرد من افراد امته فانه ليس بتبعيته‬
‫بل مبحض كرم هللا تعاىل (اعلم) اهنم غريوا قول الشيخ رمحه هللا ابلزايدة والنقصان وهو يف‬
‫‪- 1357 -‬‬

‫االصل هكذا (ترمجة االلفاظ الفارسية السابقة آنفا) التبعية يف فرد االمة ابعتبار التشريع‬
‫فانه ما مل يتبع شريعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم مل يصل اىل املطلوب وتبعية االنبياء لنبينا‬
‫صلوات هللا وسالمه عليه وعليهم ابعتبار ان النيب املتبوع يعين حممدا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم وصوله اىل تلك الدرجة العليا اوال وابلذات ووصول االنبياء سواه اليها اثنيا وابلعرض‬
‫الن املطلوب من الدعوة والضيافة هو احملبوب ويطلب غريه بطفيليته وبتبعيته لكن كلهم‬
‫جالسون على سفرة واحدة يف جملس واحد على تفاوت الدرجات ومستوفون للتلذذات‬
‫والتنعمات عليها واممهم حيملون الزلة اليت تبقى بعد اكلهم على السفرة وال جيلسون مع‬
‫االنبياء على السفرة اال فرد من افراد امتهم وهو خمصوص وجليس جملس االكابر كما مر‬
‫ومع ذلك االمة أمة والنيب نيب وان وصل ذلك الفرد العز والعلو فهو الدولة اليت وصلها‬
‫بتبعيته للنيب صلّى هللا عليه و سلّم قال هللا تبارك وتعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان‬
‫املرسلني اهنم هلم املنصورون اآلية انتهى ابلفاظه وقوله اال فرد من افراد امتهم مستثن من‬
‫قوله واممهم حيملون الزلة ال من قوله والباقون مطلوبون بتبعيته وبطفيليته كما فهمه‬
‫املعرتضون بسبب حتريفهم عبارة الشيخ رمحه هللا وليست هذه العبارة يف مكتوبه بل العبارة‬
‫اليت كانت فيه هي ما مر آنفا ومعرهبا هذه العبارة اليت ذكرهتا وغرضهم هبذا التحريف‬
‫اثبات القبح على الشيخ رمحه هللا بعدم تبعيته للنيب صلّى هللا عليه و سلّم الذي فهموه‬
‫من العبارة اليت غريوها مع ان الشيخ رمحه هللا ينادي ابعلى صوته بقوله فان من مل يتبع‬
‫شريعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم مل يصل اىل املطلوب كرات ومرات يف اكثر مكتوابته‬
‫وهم صم بكم عمي ال يسمعون وال يبصرون مكتوابته ابالنصاف مع ان الشيخ رمحه هللا‬
‫تعاىل قيد أكثر اقواله بتبعية النيب صلّى هللا عليه و سلّم وابلفرض والتقدير ان وجد قوله‬
‫يف بعض املواضع غري مقيد هبذا القيد فعلى املنصف الذكي ان حيمله على املقيد وال جيوز‬
‫تقبيح املسلم فكيف من كان متقيا عاملا صاحلا زاهدا ورعا‪.‬‬
‫(اجلواب الرابع) لقوهلم قال يف املكتوب السابع والثمانني من اجللد الثالث ان هللا‬
‫مل جيعل يف حقي من اسباب الرتبية غري املعدات ومل جيعل العلة الفاعلية يف تربييت غري‬
‫‪- 1358 -‬‬

‫فضله ومن كمال كرمه وغريته عل ّي مل جيوز يف حقي ان يكون لفعل الغري مدخل يف تربييت‬
‫او ان اتوجه فيه اىل غريه تعاىل اين مرابه تعاىل و جمتىب كرمه الذي ال يتناهى انتهى اعلم‬
‫ان الشيخ قدس سره اراد من الغري غري النّيب صلّى هللا عليه و سلّم النه صرح بقوله فان مل‬
‫يتبع شريعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم مل يصل اىل املطلوب والفاظه الفارسية يف املكتوب‬
‫االثنني والعشرين ومائة من اجللد الثالث وصول احدى را مبطلوب ىب توسط او عليه‬
‫الصالة و السالم حمال ابشد فهو سيد االنبياء واملرسلني ارساله رمحة للعاملني (اجلواب‬
‫اخلامس) لقوهلم وقال يف هذا املكتوب اين مريد هللا ومراده وسلسلة اراديت متصلة ابهلل من‬
‫غري توسط احد ويدي انئب يد هللا وان سلسلة اراديت وان اتصلت مبحمد رسول هللا‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم بوسائط كثرية يف الطريقة النقشبندية والچشتية والقادرية اال ان‬
‫اراديت ابهلل متصلة من غري واسطة حممد فاين مريد حملمد ورفيقه فاننا اخذان عن شيخ‬
‫واحد انتهى (اعلم) ان لفظ املكتوب بدون التغيري الذي غريوه ابلنقص والزايدة فيه هكذا‬
‫اراديت متصلة اىل هللا تعاىل بال واسطة أي بال واسطة غري النّيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫واراديت حملمد صلّى هللا عليه و سلّم بوسائط كثرية يف الطريقة النفشبندية احدى وعشرون‬
‫ويف الطريقة القادرية مخسة وعشرون والچشتية سبعة وعشرون واراديت ابهلل تعاىل ال يرى‬
‫فيها قبول الوسائط كما مر فاان ايضا مريد حممد صلّى هللا عليه و سلّم وايضا مرشدي‬
‫ومرشده واحد يعين هللا تعاىل واان اتبعه صلّى هللا عليه وسلّم انتهى فال قبح فيه ومر‬
‫جواب بال واسطة يف بيان قرب النوافل وقوهلم من غري واسطة حممد افرتاء عليه والفاظه‬
‫الفارسية ارادهء من مبحمد صلّى هللا عليه وسلّم بوسائط كثري ست در طريقه نقشبنديه‬
‫بيست ويك واسطه درميانست ودر طريقهء قادريه بيست وبنج ودر طريقهء چشتيه‬
‫بيست هفت وارادهء من ابهلل تعاىل قبول وسائط ننمايد چنانكه گذشت بسل هم من‬
‫مريد رسول هللا ام صلّى هللا عليه وسلّم وهم مهپريهء او‪.‬‬
‫(اجلواب السادس) لقوهلم وقال يف هذا املكتوب ايضا ان طريقي سبحاين فان‬
‫طريقي التنزيه منه دخلت على الذات االقدس مل التفت امسه وصفته ولكن قول سبحاين‬
‫‪- 1359 -‬‬

‫مين ليس كقول من ايب يزيد البسطامي فانه ال مساس بقوله بقولنا فان قوله خرج من‬
‫دائرة اال نفس وقولنا وراء اآلفاق و االنفس وقوله كسي لباس التنزيه وقولنا تنزيه مل ميسه‬
‫غبار التشبيه وق وله صدر عن السكر وقولنا صدر عن عني الصحو انتهى (اعلم) ان قول‬
‫الشيخ امحد رمحه هللا تعاىل ان طريقي سبحاين اي منسوب اىل السبحان وهو تنزيه هللا‬
‫تعاىل والياء فيه للنسبة ال ايء املتكلم كما فهمه املعرتضون اي ايها العلماء رضي هللا عنكم‬
‫انظروا اىل هؤالء املعرتضني كيف يعرتضون على الرجل العامل العامل املتقي وهم ما يفرقون‬
‫بني ايء املتكلم وايء النسبة مع انه رمحه هللا صرح بنسبة التقابل والتباين بني لفظ سبحاين‬
‫الذي صدر عن ايب يزيد البسطامي رمحه هللا وبني لفظ سبحاين الذي يف مكتوبه النه فيه‬
‫ايء النسبة ويف سبحاين ايب يزيد البسطامي ايء املتكلم وهذا من قبيل جتنيس التلفيق‬
‫وكيف جيوز هلم تقبيحه هبذا العقل واالدارك الذي ال يفرق بني ايء املتكلم وايء النسبة مع‬
‫ان عبارته تدل على ايء النسبة صرحيا وهي هذه سلسليت السلسلة الرمحانية واان عبد‬
‫الرمحن وريب ارحم الرامحني فطريقي الطريق السبحاين وذهبت من سبيل التنزيه وما اردت‬
‫من االسم والصفة اال الذات االقدس تعاىل هذا السبحاين ليس كسبحاين الذي قاله ابو‬
‫يزيد البسطامي النه ال مساس له هبذا السبحاين النه خرج من دائرة االنفس وهذا ما وراء‬
‫االنفس واآلفاق وسبحاين ايب يزيد تشبيه لبس لباس التنزيه وهذا السبحاين تنزيه حمض ما‬
‫وصله غبار التشبيه وذلك السبحاين تفور من منبع السكر وهذا السبحاين نبع من عني‬
‫الصحة والفاظه الفارسية سلسلهء من رمحاىن ست كه من عبد الرمحن ام چه رب من‬
‫رمحن ست ومرىب من أرحم الرامحني وطريقهء من طريقهء سبحاىن ست كه از راه تنزيه‬
‫رفته ام واز اسم وصفة جز ذات اقدس تعاىل خنواسته ام اين سبحاىن نه آن سبحاىن ست‬
‫كه بسطامى آبن قائل گشته ست كه آنرا ابين مساس نه آن از دائرهء نفس بر آمده‬
‫واين ما وراء انفس وآفا قيست وآن تشبيه ست كه لباس تنزيه پوشيده ست واين تنزيه‬
‫ست كه كردى از تشبيه بوى نرسيده وآن از سر چشمهء سكر جوش زده ست واين از‬
‫عني صحو بر آمده ارحم الرامحني در حق من أسباب تربيت را غري از معدات نداشته‬
‫‪- 1360 -‬‬

‫وعلة فاعلى در تربيهء من غري از فضل خود نساخته از كمال كرم اهتمام وغريتى كه در‬
‫حق من دارد تعاىل جتويز منى فرمايدكه فعل ديگر برادر تربيهء من مدخلى ابشد واي من‬
‫بديگرى درين معن متوجه كردم مرابى اهلى ام جل شأنه و جمتباى فضل وكرم انمتناهى‬
‫او تعاىل ع ابكرميان كارها دشوار نيست انتهى‪.‬‬
‫(اجلواب السابع) لقوهلم وقال يف املكتوب املويف مائة من اجللد الثالث وان كان‬
‫حممدا رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مل يكن أحد يشاركه يف الدولة اخلاصة به اال أنه‬
‫بعد ختليقه وتكميله صلّى هللا عليه و سلّم بقيت من طينته بقية جعلت مخرية طينيت‬
‫فجعلوين بتبعيته ووراثته شريك دولته اخلاصة انتهى اعلم انه ما وقع جعلوين بياء املتكلم‬
‫يف مكتوبه وهي حمرفة بل يف مكتوبه هذه العبارة وان مل يكن احد شريكه يف هذه الدولة‬
‫اخلاصة احملمدية لكن هذا القدر يدرك أن من دولته اخلاصة به صلّى هللا عليه و سلّم بعد‬
‫ختليقه وتكميله بقيت بقية الن من لوازم اهل الكرم ان تبقي بقية يف سفرهتم بعد اكلهم‬
‫وهي نصيب اخلدام وتلك البقية اعطيت الحد أصحاب الدولة من امته صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم وجعلها مخرية طينته فجعل شريك دولته اخلاصة عليه و على آله الصلوات‬
‫والتسليمات انتهى وال يلزم منه قبح على قائله وقد فهم املعرتضون من هذه العبارة انه‬
‫ادعي ختم النبوة كما صرح به يف آخر هذا السؤال يف جوابه ونصه وقوله انه خلق من‬
‫طينته وانه شريك دولته اخلاصة قبح اثمن الن دولته اخلاصة ليست اال ختم النبوة ضرورة‬
‫ان الرسالة والنبوة واحملبة واخللة والوالية غري خمتصة به صلّى هللا عليه و سلّم انتهى انظروا‬
‫اي اخواين كيف فهموا من هذا القول مع انه صرح يف مكتوابته يف مواضع كثرية ابنه صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم خامت الرسالة والنبوة ومراده ابلدولة اخلاصة مرتبة الفناء االمت وهو خمتص‬
‫ابلنيب صلّى هللا عليه و سلّم عند الصوفية (بل املراد به التجلي الدائمي كما صرح به يف‬
‫كثري من مكاتيبه) ويكون لبعض امته بتبعيته ووراثته للنيب صلّى هللا عليه و سلّم ايضا‬
‫فحينئذ يكون متخلقا ابخالقه وهو املراد ابلطينة ويعطي له الوجود الوهيب ويكون مع‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف اجلنة مبوجب قوله تعاىل ومن يطع هللا والرسول فاولئك مع‬
‫‪- 1361 -‬‬

‫الذين انعم هللا عليهم من النبيني اآلية وحديث املرء مع من احب وهو الشركة يف دولته‬
‫اخلاصة فمن يشنع على من يريد هبذه املعية اليت تفهم من الكتاب والسنة الشركة معه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم فما حكمه بينوا تؤجروا واملراد ابلطينة االخالق احلميدة االصلية‬
‫احلقيقية للنيب صلّى هللا عليه و سلّم واال لكان قربه عند قرب النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫كما كان قرب الشيخني رضي هللا عنهما اخرج الديلمي عن ابن عباس رضي هللا عنهما‬
‫قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم خلقت اان وابو بكر وعمر من طينة واحدة واخرج‬
‫البخاري يف اترخيه وغريه اكرموا عمتكم النخلة فاهنا خلقت من طينة آدم انتهى ومن‬
‫خلقة النخلة اليت ال تساوي بين آدم يف الفضل والكرامة من طينة آدم عليه السالم ال يلزم‬
‫النقص يف سيدان آدم عليه السالم فكذا يف النيب صلّى هللا عليه و سلّم فكيف ال يتشرف‬
‫فرد من بين آدم هبذه الفضيلة وهو اشرف من النخلة وحيتمل أن الشيخ رمحه هللا قال هذا‬
‫ابعتبار جده الن سيدان عمر كان جسده بقية طينة النيب صلّى هللا عليه و سلّم والشيخ‬
‫من أوالده و على تقدير التسليم على ان املراد ابلطينة الطينة احلقيقية ال اجملازية ال يلزم‬
‫قبح هبذا القول الصادر من الشيخ رمحه هللا أيضا ال سيما اذا قلنا انه ملا كان للشيخ رمحه‬
‫هللا تعاىل نسبتان جليلتان احدامها نسبية واالخرى حسبية فاالول انتسابه اىل سيدان عمر‬
‫رضي هللا عنه ال نه فاروقي والثاين انتسابه اىل طريقة الصديق رضي هللا عنه ومها رضي هللا‬
‫تعاىل عنهما قد خلقا مع النيب صلّى هللا عليه و سلّم من طينة واحدة ملا جاء يف احلديث‬
‫فيكون التخلق الثابت هلما بال واسطة اثبتا له ابلواسطة ولذا انصب له الفيض صبا‬
‫وذلك فضل هللا يؤتيه من يشا ء و هللا ذو الفضل العظيم وقوله وان مل يكن احد يشركه‬
‫فيها صريح ابنه ال يدعي النبوة وال الشركة فيها كما يفهم املعرتضون‪.‬‬
‫(اجلواب الثامن) لقوهلم وقال يف املكتوب الثالث والسبعني و املائة من اجللد‬
‫االول أن كلما يصح ان يرى ويعلم نفي ذلك بكلمة ال ضروري فاملطلوب املثبت ما وراء‬
‫ذلك ويلزم منه أن كل ما هو مشهود حممد صلّى هللا عليه و سلّم مستحقا للنفي فان‬
‫حممدا صلّى هللا عليه و سلّم مع علو شأنه كان بشرا والبشر متسم بسمة احلدوث‬
‫‪- 1362 -‬‬

‫واالمكان وماذا يدرك البشر من خالق البشر واملمكن من الواجب واحلادث من القدمي‬
‫جلت عظمته وكيف حي يط وال حييطون بشئ من علمه نص قاطع (اعلم ان هذا القول يف‬
‫االصل يوافق قول سيدان وموالان الشيخ هباء الدين النقشبند قدس سره وألفاظه هر چه‬
‫ديده شد وشنيده شد آن مهه غري اوست بكلمة ال نفى ابيد كرد انتهى (قال يف احلديقة‬
‫الندية وكان الشيخ ابو اسحق االسفرائين يقول مجيع ما قاله املتكلمون يف التوحيد قد‬
‫مجعه اهل احلق يف كلمتني االوىل اعتقاد ان كل ما تصور يف االوهام فاهلل تعاىل خبالفه‬
‫والثانية اعتقاد ان ذاته سبحانه ليست كالذوات وال معطلة عن الصفات انتهى فانظر اىل‬
‫انصافه مع جاللة قدره حيث مساهم اهل احلق واستحسن كالمهم غاية استحسان وهؤالء‬
‫االراذل ميزقون عرض كمل امة حممد صلّى هللا عليه و سلّم هبذا الكالم الذي استحسنه‬
‫مثل من مسي يف علم الكالم ابالستاذ االسفرائين على االطالق ونقل مثل اوليهما عن‬
‫ابب مدينة العلم كرم هللا وجهه حيث قال كلما خطر يف ابلك او ختيلته خبيالك فاهلل وراء‬
‫ذلك) ويف هذا املكتوب الذي هو يف بيان كلمة ال اله اال هللا عبارته سئل ان كلما جيئ‬
‫يف العلم والبصر نفيه بكلمة ال ضروري الن املطلوب املثبت ما وراء البصرية والعلم فيلزم‬
‫منه ان مشهود حممد صلّى هللا عليه و سلّم ايضا للنفي الئق واملطلوب املثبت ما وراء‬
‫ذلك متحقق اي اخي ان حممدا صلّى هللا عليه و سلّم مع ذلك الشأن العلي بشر وبعالمة‬
‫احلدوث واالمكان متسم والبشر من خالق البشر اي شئ يدرك وماذا يدرك املمكن من‬
‫الواجب وكيف حييط ابلقدمي احلادث وال حييطون به علما نص قاطع يف حق مجيع‬
‫اخلالئق نبيا كان او غريه وهلذا قيل سبحانك ما عرفانك حق معرفتك وهلذه الكلمة‬
‫معنيان احدمها يف نفي معرفته تعاىل و الثاين ابلكنه معن ذكر ال اله اال هللا واملعن االول‬
‫ان كل ما يصح ان يرى يف بصرية احد من البشر او يسمع او يعلم من املكاشفات‬
‫واملشاهدات نفي ذلك بكلمة ال ضروري فاملطلوب املثبت وهو ذاته تعاىل وراء تلك‬
‫املعرفة اليت جاءت يف بصريته او علمه الن هللا تعاىل وراء الوراء الذي خطر يف ابل البشر‬
‫وال يعرف احد كنه ذاته تعاىل اال هو الن ذاته وكماالته تعاىل غري متناهية والسري يف هللا‬
‫‪- 1363 -‬‬

‫تعاىل ال هناية له وهلذا قيل سبحانك ما عرفانك حق معرفتك واملعن الثاين ان كلما يرى‬
‫يف بصرية السالك او يعلم من احلوادث الكونية نفي الوجود االصلي واحلقيقي عنه بكلمة‬
‫ال اله ضروري ويثبت هذا الوجود االصلي احلقيقي ملا وراء ذلك الكون وهو هللا تعاىل ابال‬
‫هللا وكذا وقع يف فصل اخلطاب خلواجه حممد اپرسا رضي هللا عنه بعد الكراسني من اوله‬
‫يف بيان ذكر ال اله اال هللا انه مركب من النفي واالثبات فالذاكر يف طرف النفي ينفي‬
‫وجود مجيع احملداثت االصلي ويف طرف االثبات يثبت وجود القدمي جل وعال انتهى فاذا‬
‫علمت هذا ايها احملقق الصادق فافهم انه ال يلزم قبح لقائل هذا القول وكيف يلزمه وهو‬
‫عني االميان ومجع ك ثري من االولياء قائلون ابملعنيني الذين بينتهما قال املعرتضون وقوله ان‬
‫مشهوده صلّى هللا عليه و سلّم واجب النفي بال مع دعواه أنه وصل اىل كنه الذات‬
‫البحت هو وولداه قبح سابع عشر انتهى القول بوصوله اىل كنه الذات تعالت افرتاء عليه‬
‫كما بينته وما قال الشيخ هبذه العبارة من ان مشهوده صلّى هللا عليه و سلّم واجب النفي‬
‫بال ومقصوده رمحه هللا تعاىل كما أنه ال يدركها أحد اال هو ويف حق النيب ايضا السري يف‬
‫هللا غري متناه وهو ايضا دائما يف الرتقي يف املشاهدات والتجليات والعلوم ليست منحصرة‬
‫يف حقه ايضا الن معلومات هللا غري متناهية كذلك ذاته تعاىل وصفاته قال الصوفية كان‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم يرتقي يف كل يوم يف معرفة هللا تعاىل وعلمه به من درجة اىل‬
‫مائة درجة ويستزيد منها وال ينحصر فيها ويستغفر من احلال الذي هي أدون ابلنسبة اىل‬
‫احلال الذي فوقه وينفيها لسعة استعداده صلّى هللا عليه و سلّم هكذا اىل غري النهاية‬
‫بدليل قوله تعاىل وقل رب زدين علما وحلديث مسلم عن االغر املزين قال قال رسول هللا‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم أنه ليغان على قليب واين الستغفر هللا يف اليوم مائة مرة اي انه‬
‫ليغطى أبستار انوار جتليات هللا تعاىل ومشاهداته على قليب واين الستغفر هللا تعاىل من‬
‫انوار التجليات اليت هي أدون ابلنسبة اىل االنوار اليت هي فوقها واعالها اىل غري النهاية‬
‫ويف احلديث كل يوم ال أزداد علما يقربين من هللا ال بورك يل يف طلوع مشسه وقول‬
‫املعرتضني يف بعض رسائلهم ومن هذا النمط ما رأيته حلفيده من رسالة مساها بكشف‬
‫‪- 1364 -‬‬

‫الغطاء فانه قال رأيت النيب صلّى هللا عليه و سلّم وهو يقول كنت يف هم أميت يوم القيامة‬
‫اين اذا شفعت هلم من جيوزهم الصراط ويوصلهم اىل اجلنة فلما رأيت هذا الرجل يشري اىل‬
‫الشيخ أمحد السرهندي اطمأننت وذلك اين كلما شفعت يف طائفة من العصاة اسلمهم‬
‫اليه فيوصلهم اىل اجلنة ويرجع واسلم اليه طائفة أخرى فيوصلهم ويرجع وهكذا اىل آخره‬
‫انتهى ما وجدته يف رسالة كشف الغطاء وهي موجودة ههنا يف مكة املكرمة هكذا افرتى‬
‫املعرتضون على الشيخ رمحه هللا تعاىل وايضا يف هذه الرسالة للمعرتض ان أوالد الشيخ‬
‫امحد يلقنون ملريديهم أبنه نيب وشريك يف نبوته صلّى هللا عليه و سلّم هذا افرتاء عليهم‪.‬‬
‫(اجلواب التاسع) لقوهلم وقال يف املكتوب التاسع واالربعني من اجللد الثالث ال‬
‫خيفى انه ملا حصلت يل النسبة احلضورية بذات الواجب جل سلطانه لزم ان يكشف كنه‬
‫ذاته جل سلطانه وان يعلم بكنه ذاته كما هو وهذا وان كان خمالفا ملا هو مقرر عند‬
‫العلماء لكنه علم حضوري متعلق بذات الواجب تعاىل فهو كالرؤية ابلنسبة اىل ذاته‬
‫فاالنكشاف موجود والدرك مفقود اعلم ان هذا القول ليس يف املكتوب املذكور وما صرح‬
‫به يف املكتوب املويف مائة من اجللد الثالث يدل على خالفه وهو نعم صاحب الدولة‬
‫الذي مبدأ تعينه االسم اجلامع على سبيل االعتدال على تفاوت الدرجات ولو على‬
‫سبيل االمجال له من مجيع اعتبارات الذات تعالت وتقدست نصيب ورؤيته جبميعها‬
‫متعلقة لكن ملا كان ضيق جامعية االمجال الذي هو نصيبه الزما له دائما فاالحاطة‬
‫والدرك يف حقه ايضا مفقودة وكرمية ال تدركه االبصار صادقة وفيه أيضا الذي هو معتقد‬
‫هذا الفقري أن نصيب هذه النشأة الدنيوية ايقان الن رؤية البصر واملشاهدة اليت هي عبارة‬
‫عن رؤية القلب على تفاوت الدرجات نتيجة ومثرة مربوطة ابآلخرة ويف التعرف رؤية هللا‬
‫تعاىل يف هذه النشأة ال تكون ابلبصر وال ابلقلب غري االيقان انتهى (قلت ما ذكره‬
‫املعرتض مذكور يف املكتوب الثامن واالربعني من اجللد املذكور لكن يف قوله حتريف‬
‫ابلزايدة والنقصان وعبارته الصحيحة انه قال ملا بني أن العلم املتعلق بذات الواجب‬
‫حضوري ال حصويل ال خيفى ان اذا ثبت العلم احلضوري ابلنسبة اىل ذات الواجب كما‬
‫‪- 1365 -‬‬

‫مر لزم أن يكون كنه الذات منكشفا ومعلوما كما هو وهو خالف ما تقرر عند العلماء‬
‫وأقول هذا العلم احلضوري املتعلق ابلذات من قبيل الرؤية اليت يثبتوهنا ابلنسبة اليه تعاىل‬
‫وهناك االنكشاف موجود والدرك مفقود وكذا هنا االنكشاف موجود والدرك مفقود اخل‬
‫وليس فيه ذكر نفسه ال حبصول احلضور وال بغريه وهذا القول هنا يف ص ‪ 65‬فانظروا‬
‫كيف بدلوا و حرفوا مثل اليهود عليهم ما يتسحقونه انتهى) وابلفرض والتسليم املتكلمون‬
‫قائلون مبعرفة كنه ذاته تعاىل كما ذكر يف شرح الطوالع لعبد هللا ايب القاسم البيضاوي يف‬
‫معرفة ذات هللا تعاىل فذهب احلكماء والغزايل منا اىل ان الطاقة البشرية ال تفي مبعرفة‬
‫ذات هللا تعاىل الن معرفة ذاته تعاىل اما ابلبداهة او ابلنظر وكل منهما ابطل أما االول‬
‫فالن ذاته تعاىل غري متصور ابلبداهة ابالتفاق واما الثاين فالن املعرفة املستفادة اما ابحلد‬
‫او ابلرسم وكل منهما ابطل ام ا احلد فالنه تعاىل بسيط واما الرسم فالنه ال يفيد الكنه‬
‫وخالف املتكلمون احلكماء ومنعوا احلصر فاان ال نسلم ان طريقة املعرفة منحصرة يف‬
‫البديهة والنظر فانه جيوز ان يعرف ابالهلام وتصفية النفس وتزكيتها عن الصفات الذميمة‬
‫والزمهم املتكلمون ابن حقيقته تعاىل هو الوجود اجملرد وهو معلوم عندهم ابلبديهة واحلق‬
‫ان هذا االلزام ليس بصواب فان حقيقته تعاىل عندهم هو الوجود اخلاص والوجود املعلوم‬
‫هو الوجود املطلق العارض للوجود اخلاص وال يلزم من العلم ابلعارض العلم ابملعروض‬
‫انتهى فان كانوا قائلني مبعرفة كنه ذاته تعاىل فال حمذور فيه‪.‬‬
‫(اجلواب العاشر) لقوهلم قال يف اهلداية التاسعة عشر من كنز اهلداايت خماطبا‬
‫لولديه مل يزل داعي الوصال ينادي يف سري اجب السلطان فانه يدعوك فطار طري مهيت‬
‫اىل ابب القدس فوصلت اىل سرادق عال فقيل يل السلطان ليس يف البيت فعلمت ان‬
‫ذلك مقام حقيقة الكعبة الرابنية فاسرعت اىل ما وراء ذلك وعرجت اىل مقامات‬
‫الصفات احلقيقية املوجودة بوجود زائد وهي وراء الصور العلمية للصفات يف مرتبة التعني‬
‫احليب فعرجت عنه اىل اصول الصفات وهي الشئون الذاتية واالعتبارات احملضة يف ذاته‬
‫تعاىل مث اىل الذات البحت اجملردة عن النسب واالعتبارات وانتما ايها االخوان يعين ولديه‬
‫‪- 1366 -‬‬

‫كنتما معي يف كل مقام من تلك املقامات انتهى اعلم ان كنز اهلداايت ليس من‬
‫مصنفات الشيخ رمحه هللا تعاىل و على تقدير التسليم ال يلزم من هذا القول على قائله‬
‫شئ اذ يظهر للسالك يف السري اىل هللا ويف هللا املشاهدات واملكاشفات وهي وراء طور‬
‫العقل فيعجز الناس عن فهمها وهو يذكر ملريديه وحمبيه مبوجب واما بنعمة ربك فحدث‬
‫او بغلبة السكر وكثري من االولياء ذكروها من هذا القسم فال حمذور فيه‪.‬‬
‫(اجلواب احلادي عشر) لقوهلم وقال يف املكتوب اخلامس والتسعني من اجللد‬
‫الثالث والييت وان كانت مرابة الوالية احملمدية واملوسوية ومتطفلة على واليتهما لكنها‬
‫جامعة هلما ومركبة من نسبيت احملبية واحملبوبية فان حممدا صلّى هللا عليه و سلّم رئيس‬
‫احملبوبني و موسى رئيس احملبني لكن يف والييت أمر آخر ومعاملة على حدة بذلك االمر‬
‫مربوطة حبيث ان اصلها من الوالية الناشئة ابالصالة عن احملبوبية الصرفة وانضمت اليها‬
‫والية موسى الناشئة عن احملبية الصرفة وانصبغت بلوهنا ايضا وصارت وجودا آخر وحقيقة‬
‫اخرى وامثرت مثرة اخرى وانتجت نتيجة اخرى انتهى اعلم انه ال يلزم منه ان واليته أمجع‬
‫من دائرة والية حممد و موسى عليهما الصالة والسالم وليس يف قوله لفظ امجع اسم‬
‫التفضيل بل فيه ان والييت وان كانت مرابة الوالية احملمدية صلّى هللا عليه و سلّم ووالية‬
‫موسى عليه السالم وبطفيلهما والييت مركبة من نسبيت احملبوبية واحملبية ورئيس احملبوبني‬
‫سيدان وموالان حممد صلّى هللا عليه و سلّم ورئيس احملبني سيدان موسى عليه السالم ولكن‬
‫املعاملة مع والييت بوسيلة متابعة خامت الرسل عليه الصالة والسالم امر آخر ومعاملة على‬
‫حدة هبا مربوطة وان كان اصل هذه الوالية والية نيب صلّى هللا عليه و سلّم وهي الوالية‬
‫احملمدية اليت منشأها ابالصالة النسبة احملبوبية الصرفة ولكن ملا انضم اليها نشأة الوالية‬
‫املوسوية اليت نشأت ابالصالة عن احملبية الصرفة وانصبغت بلوهنا ايضا صارت وجودا آخر‬
‫بل حقيقة اخرى وامثرت مثرة اخرى انتهى يعين لواليته مناسبة هبما ومزج بوجه هبما‬
‫ونشأت منهما ومها اصلها وهي فرعهما وال حمذور فيه مث ذكر الفاظه الفارسية وحنن‬
‫اسقطناها لعدم احلاجة اليها‪.‬‬
‫‪- 1367 -‬‬

‫(اجلواب الثاين عشر) لقوهلم وقال يف املكتوب الثالث والتسعني من اجللد الثالث‬
‫بعدما ذكر حنوا من ذلك وهذا املركز ايضا يتصور بصورة دائرة مركزها احملبوبية الصرفة‬
‫وحميطها احملبوبية املمتزجة مع احملبية وهي نصيب فرد من افراد امته يعين نفسه انتهى اعلم‬
‫ا ن الذي فيه هذه العبارة وحميطها احملبوبية املمتزجة مع احملبية وهي نصيب فرد من افراد‬
‫امته بتبعيته له صلّى هللا عليه و سلّم بل بتبعيته ايضا للوالية املوسوية على نبينا و عليه‬
‫الصالة و السالم فال قبح فيه وترك املعرتضون لفظ بتبعيته له صلّى هللا عليه و سلّم‪.‬‬
‫(اجلواب الثالث عشر) لقوهلم مث قال وليعلم ان حميط هذه الدائرة له تقدم كثري‬
‫على الدائرتني وهي اقرب اىل هللا بكثري انتهى اعلم ان هذه العبارة ليست يف هذا‬
‫املكتوب وابلفرض والتسليم ال حمذور فيه ايضا الن الدائرة االوىل دائرة العلم والثانية له‬
‫دائرة اخللة والثالثة دائرة احملبوبية وهي اقرب اىل هللا تعاىل‪.‬‬
‫(اجلواب الرابع عشر) لقوهلم وقال يف املكتوب التاسع عشر من اجللد الثالث‬
‫كانت االنبياء واملرسلون يفرون من البالء واان يف عني البالء يف عافية انتهى اعلم ان يف‬
‫املكتوب املذكور هكذا واجتنبوا عن البالء ما استطعتم فان الفرار مما ال يطاق من سنن‬
‫املرسلني عليهم الصلوات والتسليمات وحنن يف عني البالء مع عافية فللّه سبحانه احلمد‬
‫انتهى ابلفاظ يعين به أن البالء الذي ال يطاق الفرار منه سنة وأما الصرب يف البالء املطاق‬
‫فالصابر فيه يثاب وايضا الصابر يف البالء الذي ال يقدر ان يفر منه يثاب ومن كان يف‬
‫مقام الرضاء فالبالء عنده راحة ونعمة قال هللا تعاىل وليبلي املؤمنني منه بالء حسنا ومثل‬
‫هذه االعرتاضات ال يوردها من له أدىن دراية وداينة وقس على هذا غريه من االعرتاضات‬
‫يف رد الشيخ رمحه هللا بتغيري عباراته‪.‬‬
‫(اجلواب اخلامس عشر) لقوهلم وقال ال كرامة اجل مما بينته من احلقائق واملعارف‬
‫اليت تعجز الناس من بياهنا وهل كانت معجزة لرسول صلّى هللا عليه و سلّم اال كالما‬
‫معجزا انتهى علم ان هذه العبارة ليست يف املكتوب التاسع عشر وابلفرض والتسليم ان‬
‫ثبت هذا الكالم من الشيخ رمحه هللا ال حمذور النه ما شبه كالمه ابلقرآن بل احلقائق‬
‫‪- 1368 -‬‬

‫واملعارف يف حق عدم درك كنهها كبطن القرآن وشبهها به ببعض الوجوه واخلارق‬
‫للعادات من االولياء هو معجزة النيب صلّى هللا عليه و سلّم فال جيوز تشنيعه هبذا القول‬
‫كما شنع عليه املعرتضون بقوهلم يف آخر السؤال وهو وقوله هل معجزة حممد صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم اال كالم معجز وتشبيه كالمه ابلقرآن يف االعجاز قبح رابع عشر‪.‬‬
‫(اجلواب السادس والسابع عشر) لقوهلم وقال يف املكتوب الثاين من اجللد االول‬
‫[صوابه من اجللد الثاين] الصفات السبعة اما ممكنة أو واجبة ال سبيل اىل االول الستلزام‬
‫حدوثها وعدم اتصاف احلق هبا أزال وال اىل الثاين الن الواجب الوجود لذاته واحد‬
‫ولقوهلم مث قال وحل هذا االشكال على ما أظهروه هلذا الفقري وهو ان هللا تعاىل موجود‬
‫بذاته ال ابلوجود ال على ان الوجود عينه وال على انه زائد وصفات الواجب تعاىل‬
‫موجودة بذاته ال جمال للوجود يف ذلك املوطن قال الشيخ عالء الدولة فوق عامل الوجود‬
‫عامل امللك الودود فال يتصور نسبة االمكان والوجوب أيضا يف ذلك املوطن الن االمكان‬
‫والوجوب نسبة بني املاهية والوجود فحيث ال وجود ال امكان وال وجوب وهذه املعرفة‬
‫وراء طور النظر والفكر انتهى اعلم ان هذا القول ليس يف هذا املكتوب (قلت هذا‬
‫الكالم يف املكتوب الثاين من اجللد الثاين) وقد ذكر يف كثري من مكاتيبه أنه تعاىل موجود‬
‫بذاته وال حمذور يف كالمه كما بينه صاحب الرسالة هذه ويف املكتوب الثاين والعشرين و‬
‫امل ائة من اجللد الثالث ما نصه وهو حضرة احلق سبحانه موجود بذاته ال بوجود الن‬
‫للوجود بل للوجوب ال مدخل يف تلك املرتبة الن الوجود والوجوب كالمها من االعتبارات‬
‫واول االعتبارات الذي ظهر الجياد العامل هو احلب والثاين اعتبار الوجود وهو مقدمة‬
‫االجياد الن حضرة الذات تعالت بال اعتبار هذا احلب وبال اعتبار هذا الوجود له استغناء‬
‫عن العامل واجياده والتعني العلمي اجلملي ظل ذينك التعينني ابعتبار أهنما للذات بال‬
‫مالحظة الصفات ويف هذا التعني العلمي اجلملي مالحظة الصفة وهي كالظل للذات‬
‫جل شأنه انتهى ولذاته تعاىل تقدم ذايت على صفاته والوجود العام صفة من صفاته تعاىل‬
‫وموطن الذات مقدم على موطن الصفات تقدما ذاتيا فيصح قول من يقول الوجود ليس‬
‫‪- 1369 -‬‬

‫يف موطن الذات وال حيمل عليها يف ذلك املوطن الن يف ذلك املوطن ال يعترب شئ الن‬
‫مرتبة الالتعني والذات البحت والذات املقتضى بكسر الضاد مقدم على الوجود العام‬
‫املقتضي بفتح الضاد والوجود الذي ينفي عن الذات جل شأنه هو من املنتزعات العقلية‬
‫واملعق والت الثانية فال حمذور فيه مثال ذات اجلسم مقدم على وجود البياض ومقابله‬
‫فيصح ان يقال اجلسم ابعتبار تلك املرتبة السابقة على البياض ال ابيض وال ال ابيض فان‬
‫قلت اجلسم يف اخلارج ابيض فكيف يكون يف اخلارج ال أبيض وال ال ابيض قلت هو يف‬
‫اخلارج أبيض بعد حتقق البياض فيه ولكنه يف املرتبة السابقة على البياض ال ابيض وال ال‬
‫ابيض وليس ذلك من ارتفاع النقيضني املستحيل الن املستحيل ارتفاعهما حبسب نفس‬
‫االمر مطلقا ال حبسب مرتبة من املراتب فان االمور اليت ليست بينهما عالقة التقدم‬
‫والتأخر واملعية ليس لبعضها يف مرتبة اآلخر وجود وال عدم هكذا يف احلاشية القدمية‪.‬‬
‫(اجلواب الثامن عشر) لقوهلم وقال يف بعض مكاتيبه (يف املكتوب ‪ 216‬من‬
‫اجللد االول) ان عبد القادر قدس سره نزوله كان اىل مرتبة الروح فقط وانه ينقص يف‬
‫االرشاد اذ كلما كان النزول امت كان االرشاد اكمل انتهى اعلم ان هذا كذب وفرية بال‬
‫مرية يف اي مكتوب قاله وابلفرض والتقدير ال يلزم قبح لقائل هذا القول‪.‬‬
‫(اجلواب التاسع عشر) لقوهلم وقال يف املكتوب الرابع والتسعني من اجللد الثالث‬
‫وما يقال من ان االنبياء ال حيتاجون اىل االستمداد وان الكماالت حاصلة هلم ابلفعل‬
‫صريح املكابرة اعلم أن هذه العبارة ليست فيه وان كانت ابلفرض والتقدير فمراده أن‬
‫االنبياء والرسل صلوات هللا تعاىل وسالمه عليهم كلهم حمتاجون اىل رمحة هللا وفضله ألن‬
‫يف احلديث الصحيح ان هلل مائة رمحة أما واحدة منها فبثها يف الدنيا وادخر تسعة‬
‫وتسعني لآلخرة وفيه ايضا سلوا يل الوسيلة‪.‬‬
‫(اجلواب املويف عشرين) لقوهلم وقال يف املكتوب الثامن والثمانني من اجللد‬
‫الثالث وجود العامل ونظامه كالمها مربوطان ابخللة وهي ابرك االشياء وبركاهتا شاملة‬
‫للموجود واملعدوم وهي ابالصالة خمصوصة اببراهيم عليه السالم وواليتها والية ابراهيمية‬
‫‪- 1370 -‬‬

‫وان الوصول اىل حضرة الذات تعالت وتقدست بدون توسط التعني االول الوجودي‬
‫وبدون التوسل جبميع كماالت الوالية االبراهيمية غري ميسر الن اول قباب املرتبة احلضرة‬
‫القدسية هي الهنا مرآة غيب وليس الحد بد من توسطه وهلذا امر خامت االنبياء مبتابعته‬
‫ليصل مبتابعته اىل والية نفسه ومنها يتبخرت اىل حضرة الذات انتهى (اعلم) اهنم تركوا منه‬
‫بعض عبارته وبيانه ودفع اشكاله سيجئ يف اجلواب اآليت ان شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫(اجلواب احلادي و عشرون) لقوهلم وقال يف املكتوب الرابع والتسعني من اجللد‬
‫الثالث ان التعني االول وهو التعني الوجودي منشأ الوالية االبراهيمية وفوق ذلك مرتبة‬
‫الذا ت االقدس اليت ال يسعها شئ من التعينات لكن سرها ودعت يف مركز دائرة التعني‬
‫االول وهو منشأ الوالية احملمدية ومجال حميط الدائرة يشبه الصباحة ومجال املركز يشبه‬
‫املالحة وهي فوق الصباحة فالوصول اىل املالحة امنا يتصور بعد طي مراتب الصباحة وما‬
‫مل يتيسر الوصول اىل مجيع املقامات االبراهيمية ال ميكن الوصول اىل الذروة العليا اليت هي‬
‫الوالية احملمدية وال يتيسر ومن هنا امر النيب صلّى هللا عليه و سلّم مبتابعة ملة ابراهيم‬
‫ليصل اىل واليته اليت عرب عنها ابملالحة بتوسل الوصول اىل الوالية االبراهيمية وملا مل يكن‬
‫للنيب صلّى هللا عليه و سلّم مناسبة ابلوالية االبراهيمية لكون مكانه الطبيعي نقطة مركز‬
‫دائرة الوالية اخلليلية وسريه مقصور على رأس مركز تلك الدائرة فبالضرورة وصوله اىل حميط‬
‫الدائرة واكتساب كماالت تلك احمليط تعسر عليه النه خالف مقتضى طبعه فالبد من‬
‫متوسط من افراد امته يكون له بتبعيته مناسبة يف عني املركز وله من طريق آخر مناسبة‬
‫مبحيط الدائرة ليكتسب ذلك الفرد كماالت تلك املرتبة احلقيقية ويتحقق حبقيقتها مث‬
‫بتوسطه حيصل للنيب صلّى هللا عليه و سلّم تلك الكماالت ويتحقق هبا فيتحقق بعد‬
‫ذلك بكماالت نفسه صلّى هللا عليه و سلّم مبقتضى من سن سنة حسنة فله اجرها واجر‬
‫من عمل هبا فجاء هذا الفرد وانسب حميط الدائرة وحصل الكماالت االبرهيمية وامنا‬
‫حصلت هذه املرتبة الثانية من الوالية املوسوية فحصل هذا الفرد الوالية العظمى اجلامعة‬
‫لكماالت املركز واحمليط فحصل للنيب صلّى هللا عليه و سلّم بتوسط هذا الفرد كماالت‬
‫‪- 1371 -‬‬

‫حميط الدائرة وتيسرت له والية اخللة وحصلت له والية احملبوبية وهي واليته صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم وقبل دعاؤه صلّى هللا عليه و سلّم بقوله اللّهم صل على حممد و على آل حممد‬
‫كما صليت على ابراهيم بعد الف سنة انتهى اعلم اان نذكر اوال الفاظه الفارسية مث نذكر‬
‫م عرهبا مع شرح الفاظها املغلقة ليندفع اشكال املعرتضني عليه لعدم فهمهم ويظهر‬
‫حتريفهم العبارة من هذا املكتوب (مث ذكر الفاظه الفارسية وحنن اقتصران على معربه و هو)‬
‫اذا كانت املالحة فوق الصباحة فالوصول اىل املالحة بعد طي مراتب الصباحة وال يتيسر‬
‫الوصول اىل حقيقة ه ذه الوالية اليت هي الذروة العليا والوالية احملمدية على صاحبها‬
‫الصالة والسالم والتحية حت يصل اىل مجيع مقامات الوالية االبراهيمية اي مجيع‬
‫املقامات اليت يتوقف عليها حصول الوالية احملمدية ومراده ابملالحة الوالية احملمدية‬
‫وابلصباحة الوالية االبراهيمية على صاحبها الصالة والسالم والتحية وحبقيقة هذه الوالية‬
‫كنهها مع كنه مجيع فروعها والوالية احملمدية هي اصل مجيع الوالايت ومرجعها ومركزها‬
‫وفوقها وكل الوالايت جلميع االنبياء والرسل مندرجة فيها ونشأت منها ووالايهتم عليهم‬
‫الصالة والسالم اجزاء واليته صلّى هللا عليه و سلّم ولكل جزء منها مقامات ومراتب‬
‫وكانت حاصلة لنبينا صلّى هللا عليه و سلّم بعضها تفصيال وبعضها امجاال وكانت مجيع‬
‫مقامات االبراهيمية حاصلة له صلّى هللا عليه و سلّم تفصيال اال بعض شئوانهتا وهو كان‬
‫حاصال له صلّى هللا عليه و سلّم جممال ونسبة ذلك البعض اىل الوالية احملمدية كنسبة‬
‫الورقة اىل الشجرة والشعرة اىل االنسان والقطرة اىل البحر بل اقل قليل فاذا مل تكن تلك‬
‫الورقة والشعرة والقطرة يف الشجر واالنسان والبحر مع اهنا اجزاء منها ال تكون انقصة ال‬
‫يف العقل وال يف النقل فان حصلت تلك الورقة والشعرة والقطرة هلا بواسطة شئ ال يتصور‬
‫أنه كملها وكانت انقصة وكذا ال يقال غري املؤمن ملن ال يرفع احلجر واملدر عن الطريق مع‬
‫ان يف احلديث الصحيح االميان بضع وسبعون شبعة أعالها قول ال اله اال هللا وأدانها‬
‫اماطة االذى عن الطريق واحلاصل ان لكل شئ أجزاء مقومة وأجزاء غري مقومة له‬
‫كالشعر لالنسان والورق للشجر ومتامية دائرة اخللة حبصول اجلزء الغري املقوم ال حبصول‬
‫‪- 1372 -‬‬

‫املقوم ويف بعض املكاتيب من اجللد الثالث صرح ابن احلقيقة احملمدية حقيقة احلقائق‬
‫وغريها أجزاء هلا انتهى والعاقل تكفيه االشارة وهلذا أمر خامت الرسل مبتابعة ملة ابراهيم‬
‫صلى هللا تعاىل عليه وسلم ليصل صلّى هللا عليه و سلّم بوسيلة هذه املتابعة حلقيقة واليته‬
‫مبقدار فضله واستعداده صلى هللا تعاىل وسلم عند هللا تعاىل ومنها اىل حقيقة واليته اليت‬
‫عرب عنها ابملالحة واملراد حبقيقتها كنهها مع كنه مجيع فروعها وشئوهنا كما مر وملا كان‬
‫لنبينا صلّى هللا عليه و سلّم مناسبة ذاتية أمت مبركز دائرة والية اخللة الذي هو اقرب اىل‬
‫حضرة امجال الذات ومبحيطها الذي هو تفصيل كماالت الذات تعالت اقل املراد ابملركز‬
‫االصل واملرجع واملقدم واملقر واحليز الطبيعي كما مر ووالية كل نيب وويل جزء والية نبينا‬
‫صلى هللا تعاىل عليه وسلم ولكل نيب وويل وصلت الوالية منها وهو صلى هللا عليه وسلم‬
‫الكل وهي لكل ويل بطريق الظلية واستهالك الظل ابالصل ال يقال له كمله واشار ابملركز‬
‫اىل الوحدة والبساطة وابلقرب اىل االحدية فما مل يتحقق بكماالت حميط تلك الدائرة‬
‫مفصال بقدر فضله واستعداده عند هللا تعاىل حبصول ذلك الشان الواحد اجململ كما مر‬
‫مع ان مجيع املقامات والشئوانت كانت حاصلة له صلى هللا عليه وسلم تفصيال مبقدار‬
‫فضله اال ذلك الشأن الواحد اجململ ال تتم والية اخللة تفصيال مبقدار فضله واستعداده‬
‫عند هللا تعاىل ولفظ ال تتم يدل على ان والية اخللة كانت حاصلة له صلى هللا عليه و‬
‫سلم جممال وهلذا جاءت يف الصالة املأثورة كما صليت على ابراهيم اي جاء فيها كما‬
‫صليت اخل ومعناها اللّهم صلى على حممد مبقدار فضله واستعداده عندك كما صليت‬
‫على ابراهيم مبقدار فضله واستعداده عندك اللّهم اعط مرتبة خلتك حممدا مبقدار فضله‬
‫واستعداده ع ندك كما اعطيتها ابراهيم مبقدار فضله واستعداده عندك حت تتيسر كماالت‬
‫الوالية االبراهيمية بتمامها ايضا له صلى هللا عليه وسلم مفصال مبقدار فضله واستعداده‬
‫عند هللا تعاىل ولفظ بتمامها أيضا يدل على حصوهلا له صلى هللا تعاىل عليه وسلم جممال‬
‫كما كانت حاصلة لصاحبها مبقدار فضله واستعداده عند هللا تعاىل وملا كان املكان‬
‫الطبيعي للوالية احملمدية مركز دائرة الوالية اخلليلية وسريه صلّى هللا عليه و سلّم ايضا‬
‫‪- 1373 -‬‬

‫مقصورا على السري املركزي لتلك الدائرة تعسر خروجه صلّى هللا عليه و سلّم منه ودخوله‬
‫فيها الكتساب كماالهتا اي اكتساب تفصيلها وهذه العبارة تدل على حصول الوالية‬
‫احملمدية للنيب صلّى هللا عليه و سلّم وحصوهلا يدل على حصول الوالية االبراهيمية للنّيب‬
‫صلى هللا عليه و سلم ألن الوالية االبراهيمية موقوف عليها حصول الوالية احملمدية‬
‫وحصول املوقوف يدل على حصول املوقوف عليه ووجوده وخروجه منه خالف مقتضى‬
‫الطبيعة النه احليز الطبيعي له صلّى هللا عليه و سلّم فالبد أن يكون فرد من أمته صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم متوسطا كائنا بتبعيته صلّى هللا عليه و سلّم يف عني املركز ومن طريق آخر له‬
‫مناسبة مبحيط تلك الدائرة اشار بقوله من طريق آخر اخل اىل قول الصوفية ابن كل ويل‬
‫من أمته صلّى هللا عليه و سلّم على قلب نيب من االنبياء صلوات هللا عليهم امجعني ويف‬
‫حبر املعاين قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ان هلل تعاىل يف االرض ثلثمائة وليا قلوهبم على‬
‫قلب آدم عليه السالم وله أربعون قلوهبم على قلب موسى عليه السالم وله سبعة قلوهبم‬
‫على قلب ابراهيم عليه السالم وله مخسة قلوهبم مثل قلب جربيل عليه السالم وثلثة قلوهبم‬
‫على قلب ميكائيل عليه السالم وله واحد قلبه مثل قلب اسرافيل عليه السالم هبم يرفع‬
‫هللا تعاىل البالء عن هذه االمة حت يكتسب كماالت تلك املرتبة اليت هي ذلك الشأن‬
‫اجململ غ ري املقدم وغري املوقوف عليه الذي نسبته اىل الوالية احملمدية كنسبة القطرة اىل‬
‫البحر وهذا الفرد مبنزلة اآللة كالسيف للمجاهد فالقاطع هو اجملاهد ويسند القطع اىل‬
‫السيف جمازا (أو كاخلادم ابلنسبة اىل املخدوم أو كاخلازن ابلنسبة اىل امللك وال حمذور يف‬
‫اكتساب املخدوم وامللك شيئا بواسطة اخلادم واخلازن ويتحقق هبا) والنيب املتبوع حبكم من‬
‫سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل هبا بتوسط وصوله وخدمته وتبعية نبيه صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم اليها يتحقق بتلك الكماالت وهي تفصيل اخللة مبقدار فضله وشرفه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم عند هللا تعاىل ايضا وتتم له املراتب الوالية اخلليلية مع ذلك الشأن‬
‫اجململ غري املقدم الذي كانت مجيع مقامات الوالية حاصلة له صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫سواه واالعمال الصاحلة للنيب صلّى هللا عليه و سلّم قسمان قسم ابملباشرة هبا وقسم غري‬
‫‪- 1374 -‬‬

‫املباشرة هبا وهي االعمال الصاحلة للنيب صلّى هللا عليه و سلّم مبباشرة أمته هبا مبوجب من‬
‫سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل هبا (وكذلك سائر الكماالت والفضائل قسم‬
‫منها حصل له صلّى هللا عليه و سلّم حال حياته وقسم حصل له صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫بعد مماته وال يزال حيصل اىل يوم القيامة بواسطة أمته كفتوح البلدان واظهار دينه على‬
‫سائر االداين وانتشاره اىل اقطار االرض واستنباط االحكام وتدوين العلوم اىل غري ذلك‬
‫مما ال خيفى على احد) وللنيب صلّى هللا عليه و سلّم يتيسر كماالت حميط تلك الدائرة‬
‫مبقدار فضله واستعداده عند هللا تعاىل حبصول ذلك الشأن اجململ وان كانت حاصلة له‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم مفصلة غري ذلك الشأن ومتت الوالية اخلليلية ايضا له صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم ابحلاق ذلك الشأن اجململ غري املقدم الذي يدل عليه لفظة متت ونسبته اىل‬
‫الوالية احملمدية كنسبة القطرة اىل البحر ودعاء اللّهم صل على حممد كما صليت على‬
‫ابراهيم ق رن ابالجابة مبقدار فضله واستعداده بعد الف سنة بدعاء االمة حلصول ذلك‬
‫الشأن اجململ غري املقدم ال لغريه من الكماالت الهنا كانت حاصلة له صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم مفصال والكماالت حاصلة له صلّى هللا عليه و سلّم يف السري يف هللا اآلن ايضا يوما‬
‫فيوما الن السري يف هللا غري متناه وكماالته وفيوضه تعاىل ال حتصى والتعد وبدعاء امته له‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم أفاض هللا عليه التجليات الغري املتناهية كما مر بيانه من كتاب‬
‫عمدة املريد للشيخ ابراهيم اللقاين ومن كشف االسرار البن العماد فلرياجع اليه يف آخر‬
‫اجلواب االول حت يظهر احلق وللنيب صلّى هللا عليه و سلّم بعد متام والية اخللة معاملة‬
‫ابلسر والنشأة الذي اودع يف املركز الذي عرب ابملالحة وفوض النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫حراسة امته وحمافظتها اليه الرشادهم اىل صراط مستقيم يف زمانه واستغرق يف مشاهدة‬
‫مجال غيب الغيب واشتغل ابحملبوب و هللا اعلم حاصله ان للنيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫عروجا ونزوال فعروجه يف حني حياته صلّى هللا عليه و سلّم من عامل الشهادة اىل عامل‬
‫املثال ومنه اىل عامل امللكوت واالرواح ومنه اىل مرتبة الواحدية ومنها اىل الوحدة وهي‬
‫املسماة ابحلقيقة احملمدية وعامل الشئوانت وهي مركزه وحقيقته صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫‪- 1375 -‬‬

‫وامجال ذاته تعاىل وهذه املرتبة خاصة بنبينا صلّى هللا عليه و سلّم ولبعض افراد امته‬
‫نصيب منها بطفيله صلّى هللا عليه و سلّم وهذا العروج من عامل الكثرة اىل الوحدة اليت‬
‫هي اقرب اىل ذاته تعاىل ونزوله من الوحدة اىل الكثرة والتفصيل اىل عامل الشهادة هلداية‬
‫امته وكان هذان السريان للنيب صلّى هللا عليه و سلّم دائمني يف حني حياته صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم ومجيع الكماالت املمكنة للبشر يف الدنيا حاصلة له صلّى هللا عليه و سلّم بعضها‬
‫بواسطة جربيل عليه السالم وغريه من املالئكة الكرام قال هللا تعاىل علمه شديد القوى‬
‫ذو مرة وقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ان روح القدس نفث يف روعي وبعضها بال‬
‫واسطة مع انه صلّى هللا عليه و سلّم افضل من جربيل عليه السالم وبعد انتقاله صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم اىل عامل القدس والرفيق االعلى له عروج فقط ومقره يف مركز دائرة اخللة الذي‬
‫هو الوحدة وكانت حركته صلّى هللا عليه و سلّم يف حني حياته اىل عامل الشهادة قسرية ال‬
‫طبيعية واىل عامل القدس طبيعية ففوض حراسة امته صلّى هللا عليه و سلّم اىل فرد من أفراد‬
‫امته وله هذه املرتبة بطفيله صلّى هللا عليه و سلّم كما صرح الشيخ رمحه هللا يف املكتوب‬
‫الثامن عشر و امل ائة من اجللد الثالث وقال ال يظن أحد ان السالك ال حيتاج اىل متابعة‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم النه كفر واحلاد وزندقة والدقيقة من الدقائق واملعرفة من‬
‫املعارف اليت هلؤالء القوم ال حتصل هلم اال بتوسطه ومتابعته وحيلولته صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم سواء كان مبتدائ او متوسطا ومنتهيا {بيت}‪:‬‬
‫حمالست سعدى كه راه صفا * توان رفت جز در پى مصطفى‬
‫معن البيت اي سعدي هذا امر مستحيل ان يصل احد اىل الطريق املستقيم بال‬
‫تبعية النيب صلّى هللا عليه و سلّم (بل قلما خيلو مكتوب من مكاتيبه من التأكيد واملبالغة‬
‫بتلك املتابعة) وما حصل لذلك الفرد من الكماالت فهو له صلّى هللا عليه و سلّم وهو‬
‫مبنزلة اآللة واخلادم ويف املواهب يف بيان خصائصه صلّى هللا عليه و سلّم قال الشافعي‬
‫رمحه هللا ما من خري يعمله أحد من امته صلّى هللا عليه و سلّم اال والنيب اصل فيه قال يف‬
‫حتقيق النضرة فجميع حسنات املسلمني واعماهلم الصاحلة يف صحائف نبينا صلّى هللا‬
‫‪- 1376 -‬‬

‫عليه و سلّم زايدة على ما له من االجر مع مضاعفة ال حيصيها اال هللا تعاىل الن كل‬
‫مهتد وعامل اىل يوم القيامة حيصل له اجره اىل أن قال وهبذا جياب عن االستشكال يف‬
‫دعاء القارئ له صلّى هللا عليه و سلّم بزايدة الشرف مع العلم بكماله صلى هللا عليه و‬
‫سلم يف سائر انواع الشرف انتهى واهبم الشيخ امحد رمحه هللا ذلك الفرد من امته صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم وما قال اان ذلك الفرد فيمكن ان يكون ذلك الفرد اخلضر والياس عليهما‬
‫السالم او غريمها ويف املواهب يف بيان خصائص امته صلّى هللا عليه و سلّم نعم هو اي‬
‫عيسى عليه السالم واحد من هذه االمة ملا ذكر من وجوب اتباعه لنبينا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم واحلكم بشريعته وساق الكالم اىل ان قال وكذلك من يقول من العلماء بنبوة اخلضر‬
‫عليه السالم وصحح يف االصابة انه نيب وانه ابق اىل اليوم فانه اتبع الحكام هذه االمة‬
‫وكذا الياس على ما صححه ابو عبد هللا القرطيب انه حي ايضا وليس يف الرسل من يتبعه‬
‫رسول اال نبينا صلّى هللا عليه و سلّم وكفى هبذا شرفا هلذه االمة زادها هللا شرفا انتهى وما‬
‫وقع يف الشفاء و الفتاوى من ان تنقيص النيب صلّى هللا عليه و سلّم كفر فهو ابلنسبة اىل‬
‫ما هو غري كماالت هللا تعاىل وصفاته وتعلم النيب صلّى هللا عليه و سلّم من جربيل عليه‬
‫السالم وهو الذي يدل عليه قوله تعاىل علمه شديد القوى ذو مرة مع ان جربيل عليه‬
‫السال م مفضول والنيب افضل منه وكذا مس الشيطان مجيع اوالد آدم وقت تولدهم اال‬
‫عيسى عليه السالم وكذا قوله عليه السالم اان اول من يرفع رأسه بعد النفخة فاذا اان‬
‫مبوسى آخذا بقائمة من قوائم العرش فال ادري اقام قبلي او جوزي بصعقة الطور رواه‬
‫البخاري ويف البدور السافرة للسيوطي رمحه هللا يف بيان الصعقة وهذه الغشية لالنبياء اال‬
‫موسى فانه حصل فيه تردد فان مل حيصل له فيكون قد حوسب بصعقة يوم الطور وهذه‬
‫فضيلة عظيمة يف حقه ولكن ال توجب افضليته على نبينا صلّى هللا عليه و سلّم الن‬
‫الشئ اجلزئي ال يوجب أمرا كليا انتهى وغريها من االمثلة اليت تدل على تفضيل املفضول‬
‫على الفاضل ليس كلها من قبيل التنقيص املذموم وترقي الدرجات اليت للنيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم يوما فيوما يف الربزخ ال يدل على تنقيصه صلّى هللا عليه و سلّم مع ان كل‬
‫‪- 1377 -‬‬

‫درجة من الدرجات اليت حصلت له صلّى هللا عليه و سلّم اليوم اعلى مما قبله اىل غري‬
‫النهاية فكيف يقال ملن يقول كل الدرجات اليت حصلت له صلّى هللا عليه و سلّم أعلي‬
‫مما قبله وهو متصف جبميع صفات الكمال انه نقصه صلّى هللا عليه و سلّم و هللا اعلم‬
‫وليس يف كالم الشيخ امحد رمحه هللا ما يدل على النقص ويف الشفاء قال حبيب بن‬
‫الربيع التأويل يف لفظ صريح ال يقبل ويف آخر املكتوب الرابع والتسعني من اجللد الثالث‬
‫يف جواب من توهم من هذا الكالم يف بيان املالحة واخللة ان ذلك الفرد كمل النيب صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم صرح ابن ذلك الفرد خادم واتبع للنيب صلّى هللا عليه و سلّم كلما حصل‬
‫له فهو من خزائنه صلّى هللا عليه و سلّم فاذا جاء العبد واخلادم هبدية اىل املخدوم وقبلها‬
‫منه ال يلزم به نقص وذكر لدفع هذا الوهم كالما كثريا يدفعه فمن اراد الوقوف عليه‬
‫فلرياجع اليه ولدفع هذا الوهم منثل هبذه املسئلة املعقولة املكشوفة ابحملسوسة ابن نتصور‬
‫بستاان عظيما حوله سور وهو مبنزلة دائرة اخللة وقصرا مرتفعا غاية االرتفاع يف وسط هذا‬
‫البستان وهو مبنزلة املركز وقد دخل فيه النيب صلّى هللا عليه و سلّم ورأى كلما فيه تفصيال‬
‫االّ شيئا قليال مث ارتقى النيب صلّى هللا عليه و سلّم على ذلك القصر واستغرق يف‬
‫مشاهدة مجال ذاته تعاىل فيه ال يتوجه وال يلتفت اىل البستان والسور الذي هو اسفل من‬
‫مكانه العايل صلّى هللا عليه و سلّم وذلك الفرد من اخلدام والعبيد يبلغ حقيقة هذا‬
‫البستان وسوره اليه صلّى هللا عليه و سلّم ابعتبار بعض الوجوه الذي هو جممل كاملالئكة‬
‫السياحني يف االرض يبلغونه صلّى هللا عليه و سلّم سالم امته وصالهتم ويزيد هللا تعاىل‬
‫شرفه ودرجته بواسطة دعائهم وصالهتم يوما فيوما فليس فيه نقصه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫مع انه يعلم صالة كل فرد فرد من االمة وحيصل ثواهبا له صلّى هللا عليه و سلّم بواسطة‬
‫املالئكة واالمة فافهم وروى امحد والنسائي واحلاكم حديث تبليغ املالئكة صالة االمة اليه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم وترقي الدرجات للنيب صلّى هللا عليه و سلّم يف الربزخ يوما فيوما‬
‫بسبب اعماله بنفسه صلّى هللا عليه و سلّم الن االعمال الصاحلة المته فهي يف احلقيقة‬
‫اعماله صلّى هللا عليه و سلّم مبقتضى حديث من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من‬
‫‪- 1378 -‬‬

‫عمل هبا وان فرضنا ان هذا املبحث ينجر اىل الفضل اجلزئي ال يلزم احملذور ايضا النه‬
‫جائز عند العلماء وان مل يفهمه الناس ويدل على الفضل اجلزئي احاديث كثرية منها ما‬
‫يف رواية الرتمذي قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم يقول هللا تعاىل املتحابون يف جاليل هلم‬
‫منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء وروى ابو داود عن عمر رضي هللا عنه قال قال‬
‫رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان من عباد هللا الانسا ما هم ابنبياء وال شهداء يغبطهم‬
‫االنبياء والشهداء يوم القيامة مبكانتهم من هللا قالوا اي رسول هللا ختربان من هم قال هم قوم‬
‫حتابوا بروح هللا من غري ارحام بينهم وال اموال يتعاطوهنا احلديث وصدر من املشائخ‬
‫رمحهم هللا ايضا اقوال تدل على الفضل اجلزئي وحصول مرتبة اخللة للنيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم بدعاء امته منها قول الشيخ حميي الدين ابن العريب يف الفتوحات املكية يف الباب‬
‫التاسع واخلمسني و اخلمسمائة ال ينال اخللة حممد صلّى هللا عليه و سلّم صاحب‬
‫الوسيلة يف جنته وما انهلا اال بدعاء امته اين امته من فضيلته ومع هذا بدعائهم كانت‬
‫حملمد الوسيلة واملدعو له ارفع من الداعي ويف موضع آخر من هذا الباب قال انل حممد‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم الوسيلة واخللة بدعاء أمته ولذلك أمرهم ابلصالة عليه كما انه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم أمرهم ان يسئلوا الوسيلة اليه انتهى ويف الفصوص وجيوز ان يكون‬
‫الفاضل مفضوال من وجه كما مر بيانه وهو فاملرسلون من كوهنم اولياء ال يرون ما ذكرانه‬
‫اال من مشكاة خامت االولياء فكيف من دوهنم اخل اي ال يرون االنبياء من العلم الذي‬
‫يعطي صاحبه السكوت اال من مشكاة ذلك الويل مع ان االنبياء افضل منه انتهى قال‬
‫موالان جالل الدين الدواين يف رسالته يف بيان تشبيه كما صليت على ابراهيم ان تفضيل‬
‫املفضول على الفاضل ابعتبار بعض الوجوه جائز اذ يف احلديث ان هلل عبادا ليسوا ابنبياء‬
‫يغبطهم االنبياء انتهى ملخصا ويف البيضاوي يف تفسري قوله تعاىل هل اتبعك على ان‬
‫تعلمين مما علمت رشدا وال ينايف نبوته وكونه صاحب شريعة ان يتعلم من غريه ما مل يكن‬
‫شرطا يف ابواب الدين فان الرسول ينبغي ان يكون اعلم ممن ارسل اليه فيما بعث من‬
‫اصول الدين وفروعه ال مطلقا انتهى واخلضر عليه السالم نيب يف قول وليس بنيب يف قول‬
‫‪- 1379 -‬‬

‫وعليه اكثر العلماء كذا يف تفسري اجلاللني وفيه ايضا روى البخاري حديث أن موسى‬
‫أوحى هللا اليه ان يل عبدا مبجمع البحرين هو اعلم منك ويف املواهب روى امحد والدارمي‬
‫والطرباين عن ايب عبيدة قالوا اي رسول هللا هل أحد خري منا اسلمنا معك وجاهدان معك‬
‫قال نعم قوم يكون من بعدكم يؤمنون يب ومل يروين واسناده حسن وصححه احلاكم انتهى‬
‫ويف املشكاة عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و‬
‫ي اخللق اعجب اليكم امياان قالوا املالئكة قال وما هلم ال يؤمنون وهم عند رهبم‬
‫سلّم ا ّ‬
‫قالوا فالنبيون قال وما هلم ال يؤمنون والوحي ينزل عليهم قالوا فنحن قال وما لكم ال‬
‫ايل‬
‫تؤمنون واان بني اظهركم قال فقال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان أعجب اخللق ّ‬
‫امياان لقوم يكونون من بعدي جيدون صحفا فيها كتاب يؤمنون مبا فيها وعن بريدة قال‬
‫اصبح رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فدعى بالال فقال مبا سبقتين اىل اجلنة ما دخلت‬
‫اجلنة قط اال مسعت حشحشتك امامي احلديث ويف شرح العقائد العضدية للجالل‬
‫الدواين فان افضل موضوعة للزايدة يف معن املصدر بوجه ما اعم من ان يكون من مجيع‬
‫الوجوه او جبميع صفات الفضائل من حيث اجملموع والذي وقع اخلالف فيه ههنا هو‬
‫ال رجحان هبذا الوجه اعين من حيث الثواب ال الرجحان من الوجوه االخر فال ينايف ذلك‬
‫رجحان الغري يف آحاد الفضائل االخر وال يف جمموع الفضائل من حيث اجملموع ومتام‬
‫تفصيله يف احلواشي اجلديدة لنا على الشرح اجلديد للتجريد انتهى وما صدر من الشيخ‬
‫امحد رمحه هللا من كشف مقا م اخللة والوالية وغريمها مثل ما صدر من االولياء وما اخذ‬
‫عليهم احد وذكر االمام الشعراين يف اليواقيت واجلواهر عن بعض العارفني هبذه العبارة‬
‫اعلم ان النبوة مل ترتفع مطلقا وامنا ارتفع نبوة التشريع فقط ويف الفتوحات املكية يف الباب‬
‫السبعني و املائتني ان النبوة وان انقطعت يف هذه االمة حبكم التشريع فما انقطع املرياث‬
‫منها فمنهم من يرث بنبوة ومنهم من يرث برسالة ومنهم من يرث برسالة ونبوة معا قال‬
‫الشيخ الشعراين يف الطبقات عن الشيخ ايب املواهب الشاذيل انه قال ان مثل الفقراء‬
‫واالولياء الصادقني ككنز صاحب اجلدار وقد يعطي هللا من جاء يف آخر الزمان ما حجبه‬
‫‪- 1380 -‬‬

‫عن اهل العصر االول فان هللا تعاىل اعطى حملمد صلّى هللا عليه و سلّم ما مل يعط االنبياء‬
‫الذين مضوا قبله واي هلل العجب من املتفقهني الذين ينكرون ما قاله االولياء ويصدقون مبا‬
‫وصل اليهم من فقيه واحد ورمبا يكون اسناده يف ذلك القول اىل دليل ضعيف وما ذلك‬
‫و هللا اال احلرمان انتهى (تنبيه) اعلم ان حاصل هذا الكالم للشيخ امحد رمحه هللا يف بيان‬
‫اخللة ومراده منه ان مرتبة اخللة امر كلي وله حصص ولكل نيب حصة منها على قدر‬
‫استعداده وشرفه النه اراد هبا تفصيل كماالت ذات هللا تعاىل ولكل نيب حاصل تفصيل‬
‫كماالت ذاته تعاىل بقدر استعداده وشرفه وخص ابراهيم عليه السالم ابخللة لشهرته هبا‬
‫ولنبينا صلّى هللا عليه و سلّم خلة على قدر أستعداده وشرفه وهي أشرف وأعلى درجة‬
‫من اخللة اليت لغريه صلّى هللا عليه و سلّم من االنبياء عليه السالم واملراد ابلصالة يف قول‬
‫اللهم صل على حممد كما صليت على ابراهيم اخللة والرمحة معناه اللّهم أعط اخللة والرمحة‬
‫حممدا صلّى هللا عليه و سلّم بقدر أستعداده وشرفه عندك كما أعطيتها على ابراهيم عليه‬
‫السالم بقدر استعداده وشرفه عندك ولنبينا صلّى هللا عليه و سلّم حصلت حصة اخللة يف‬
‫حني حياته وهي أشرف وأعلى من حصة اخللة اليت البراهيم عليه السالم ابعمال نفسه‬
‫صلّى هللا عليه و سلّم وهكذا ترتقى درجة اخللة والرمحة لنبينا صلّى هللا عليه و سلّم يوما‬
‫فيوما يف الربزخ أيضا الهنا غري متناهية ابعماله صلّى هللا عليه و سلّم بنفسه ال بغريه وهي‬
‫االعمال الصاحلة المته صلّى هللا عليه و سلّم مبوجب حديث من سن سنة حسنة فله‬
‫أجرها وأجر من عمل هبا واالعمال الصاحلة لالمة كلها سنة حسنة سنها النيب صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم واالمة كاآللة حلصول تلك االعمال الصاحلة للنيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫كالسكني للقاطع فاسناد كسب كماالت اخللة اىل فرد من أفراد أمته صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم اسناد جمازي كاسناد القطع اىل السكني ومقر النيب صلّى هللا عليه و سلّم فوق مرتبة‬
‫اخللة وهي الوالية احملمدية ومرتبة احملبوبية وهي أشرف وأعلى من اخللة ودعاء ذلك الفرد‬
‫واالمة بقول اللهم صل على حممد كما صليت على ابراهيم المتام مرتبة اخللة للنيب صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم بقدر استعداده وشرفه عند هللا تعاىل قرن ابالستجابة ودعاؤهم له صلّى‬
‫‪- 1381 -‬‬

‫هللا عليه و سلّم الزدايد شرفه والرمحة والقرب يف مرتبة احملبوبية ودرجته عند هللا تعاىل‬
‫بقوهلم اللّهم صل على حممد كما صليت على ابراهيم ابق اىل يوم القيامة وهذه املعاين‬
‫اليت ذكرهتا يدل عليها كالم الشيخ امحد رمحه هللا على بعضها بداللة لفظه وعبارته و‬
‫على بعضها ابشارته واقتضائه وال خيفى فهم هذه املعاين من كالمه على طالب العلم‬
‫سليم الطبع املنصف الذي استحضر من علم اصول الفقه واملعاين والبيان مبحث داللة‬
‫اللفظ وعبارته واشارته واقتضائه ومنطوقه ومفهومه واحلقيقة واجملاز والصريح والكناية و هللا‬
‫اعلم وحاصل مجيع هذه االقوال اليت اعرتض املعرتضون هبا ينجر اىل حصول بعض‬
‫كماالت اخللة للنيب صلّى هللا عليه و سلّم بتوسط ذلك الفرد الغري املعني و اىل وصول‬
‫ذلك الفرد اىل بعض العلوم من هللا تعاىل بال توسط واىل شركته للنيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم بتبعيته له صلّى هللا عليه و سلّم يف بعض املعارف والدرجات وقد عرفت جواب‬
‫كلها تفصيال وغاية ما فيه من القبح هو الفضل اجلزئي وال نسلم انه يفهم من كالم‬
‫الشيخ رمحه هللا ابملعن الذي بينته لكالمه وان سلم فهو جائز عند مجيع العلماء والصوفية‬
‫كما مر بيانه فالفضل اجلزئي عبارة عن زايدة شئ قليل مما حسنه الشرع أعم من ان‬
‫يرتتب عليه الثواب أوال كاملباح والفضل الكلي عبارة عن كثرة الثواب وزايدته وأخذ العلم‬
‫من هللا تعاىل بال توسط مرشد وشيخ جائز أيضا كما يدل عليه كالم غوث الثقلني عبد‬
‫القادر اجليالين رضي هللا عنه يف فتوح الغيب وقد يكون للمريد سر ال يطلع عليه شيخه‬
‫وللشيخ سر ال يطلع عليه مريده الذي قد دىن سريه على عتبة ابب شيخه فاذا بلغ املريد‬
‫حالة شيخه افرد عن الشيخ وقطع عنه فتواله احلق عز و جل فيعظمه عن اخللق مجلة‬
‫فيكون الشيخ كالداية وال رضاع بعد احلولني ويف النفحات قال الشيخ عبد هللا الرتوغيدي‬
‫طوىب ملن مل يكن له وسيلة اليه غريه قال الشيخ الشعراين يف الطبقات عن الشيخ اتج‬
‫الدين بن عطاء هللا وقد جي ذب هللا العبد فال جيعل عليه منة لالستاذ قال موالان اجلامي‬
‫قدس سره يف خطبة شرح الفصوص اعلم ان احلكمة الفائضة من احلق سبحانه على‬
‫قلوب كمل عباده وخلص عبيده انواع منها ما يفيض عليهم بواسطة املالئكة املقربني‬
‫‪- 1382 -‬‬

‫ابلفاظ وعبارات حمفوظة عن التغيري والتبديل مرادة تالوهتا وهو القرآن ومنها ما يفيض‬
‫عليهم بواسطة او بغري واسطة معاين صرفة ومن هذا القبيل احلديث القدسي وهذا النوع‬
‫ليس خمصوصا ابالنبياء عليهم الصلوات والتسليمات بل يعم االولياء وصاحلي املومنني‬
‫ومنها ما يفيض من بعض الكمل على بعض كما يفيض من روح نبينا صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم على خواص متابعيه انتهى ويف منبع الكماالت حكى االمام الشعراين عن بعض‬
‫العارفني انه كان يقول ان الرجل ال يكمل عندان يف مقام العلم حت يكون علمه عن هللا‬
‫عز و جل بال واسطة اىل ان قال كما اخذه اخلضر عليه السالم وفيه ايضا عن بعضهم‬
‫انه كان يقول اذا كمل العارف يف مقام العرفان اورثه هللا تعاىل علما بال واسطة ويف‬
‫الفتوحات املكية يف بيان احوال االقطاب وكل اصناف هذه العلوم عنده اي القطب‬
‫علوم اهلية ما اخذها اال عن هللا سبحانه بال واسطة ويف مرصاد العباد اما التجلي العلمي‬
‫فمثمر لظهور حقائق العلوم بال واسطة انتهى ووقع يف اقوال املشائخ يف مواضع كثرية ما‬
‫يدل على اخذ العلم عن هللا تعاىل بال واسطة فمن اراد الوقوف عليه فلرياجع اىل كتبهم‬
‫وما يدل على اخذ العلم عن هللا تعاىل بال واسطة يف مكتوب من املكتوابت للشيخ امحد‬
‫السرهندي رمحه هللا يوافق هذه االقوال وهو صرح ابنه ال يصل احد اىل هذا املقام اال بعد‬
‫متابعته للنيب عليه الصالة والسالم كما مر و هللا اعلم‪.‬‬
‫(اجلواب الثاين والثالث والعشرون) لقوهلم وقال يف املكتوب السادس والتسعني‬
‫من اجللد الثالث ان الوالية احملمدية وان كانت انشية من مقام احملبوبية اال انه ليس هناك‬
‫حمبوبية صرفة بل فيها نشأة من احملبية ايضا وهذا املزج وان مل يكن له ابالصالة لكنه مينع‬
‫من احملبوبية الصرفة وان الوالية االمحدية انشئة من صرف احملبوبية وليس فيها شائبة احملبية‬
‫اصال وهذه الوالية اسبق من االوىل وأقدم مبرحلة ولقوهلم وقال يف املكتوب الرابع‬
‫والتسعني ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم اختفى يف خلوة غيب الغيب ورد هذا الفرد‬
‫املتوسط م ن أمته حلراسة االمة وحمافظتها وليعلم ان حميط مركز الدائرة الثالثة يعين احلاصلة‬
‫وان كان اصغر من حميط التعني االول ولكنه امجع منه واقرب اىل حضرة الذات وكلما‬
‫‪- 1383 -‬‬

‫كان اقرب اىل حضرة الذات كان امجع كاالنسان ابلنسبة اىل العامل االكرب فانه وان صغر‬
‫لكنه امجع واشرف انتهى اعلم ان جواب القولني مبجموعهم هو ان النيب صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم قال علماء أميت كأنبياء بين اسرائيل ووجه الشبه فيه ان العلماء العاملني يرشدون‬
‫أمته صلّى هللا عليه و سلّم اىل الصراط املستقيم ويهدوهنم اىل سبيل معرفة هللا تعاىل‬
‫العظيم كأنبياء بين اسرائيل فصح حراستهم االمة وهذا الفرد منهم ومشهور عند الصوفية‬
‫رضوان هللا عليهم أمجعني ان قطب الوقت وهو الغوث حيرس أمته صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫وكذلك االواتد واالبدال والنجباء والنقباء والنيب صلّى هللا عليه و سلّم كان دائما مستغرقا‬
‫يف مشاهدة مجال ذاته تعاىل يف مقام قاب قوسني أو أدىن خصوصا بعد انتقاله صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم اىل املأل االعلى ويزيد شرفه يوما فيوما فانه فوض حراسة أمته اىل فرد من‬
‫أمته وما توجه اىل العامل السفلي مبوجب ما زاغ البصر وما طغى فال قبح فيه حت يلزم‬
‫الذم لقائل هذا القول وأما قوهلم وقال يف املكتوب املويف مائة من اجللد الثالث امسع ان‬
‫هذه الدولة احملمدية اخلاصة به وان مل يكن أحد يشركه فيها اال أن بعد ختليق بدنه‬
‫وتكميله بقيت من طينته بقية اىل آخر ما تقدم مكرر وقد مر جوابه يف السؤال السابع‪.‬‬
‫(اجلواب الرابع والعشرون) لقوهلم وقال يف املكتوب احلادي عشر من اجللد‬
‫االول بعد ان ذكر مقاما قال مر عليه اخللفاء مث قال واليه طريقان أحدمها رؤية النقص‬
‫حت انه يرى كل من يف العامل حت الكافر االفرجني وامللحد والزنديق أفضل من نفسه‬
‫ويرى نفسه أسوأ منهم انتهى اعلم ان كل املخلوقات من حيث هم خملوق هللا ومصنوعاته‬
‫عاقبتهم مبهمة عسى ان يؤمن الكافر وعاقبته أيضا مبهمة عسى ان يكفر ابعتبار وكل‬
‫شئ خلقناه بقدر وهم من حيث كوهنم مظهر صفات اجلالل يراهم أفضل من نفسه‬
‫وكلهم على صراط مستقيم هبذا االعتبار كما قال بعض العرفاء يف بيان قوله تعاىل ما من‬
‫دابة اال هو آخذ بناصيتها ان ريب على صراط مستقيم قال أبو مدين رمحه هللا {شعر}‪:‬‬
‫ال تنكر الباطل يف طوره * فانه من بعض ظهوراته‬
‫واعلم ان هللا تعاىل اذا أراد العارف ان ال حيصل له العجب يظهر له احلكمة اليت‬
‫‪- 1384 -‬‬

‫يف خلق الكافر وغريه من املخلوقات وال جتدها يف نفسه فيفضله على نفسه هبا فيصل به‬
‫اىل الدرجة العليا مما يضيق عن االحاطة هبا نطاق البيان وينكشف له تسبيح كل شئ‬
‫قال هللا تعاىل وان من شئ اال يسبح حبمده ولكن ال تفقهون تسبيحهم فال حمذور فيه‬
‫وقد ورد فال تزكوا أنفسكم ولعل املعرتض حيسب نفسه خريا من كل شئ وهذا من ورثة‬
‫الشيطان نعوذ ابهلل من ذلك‪.‬‬
‫(اجلواب اخلامس والعشرون) لقوهلم مث قال ليعلم ان االنبياء اذا وصلوا اىل حضرة‬
‫الذات بتبعية نيب من االنبياء ال يكون ذلك النيب حائال بينهم وبني الذات وهلم نصيب‬
‫ابالصالة من حضرة الذات غاية ما يف الباب ان وصوهلم اىل تلك الدرجة مربوط بتبعية‬
‫ذلك النيب خبالف االمم فاهنم اذا وصلوا بتوسل انبيائهم يكون االنبياء حائلني اال فردا من‬
‫افراد هذه االمة يعين نفسه فانه أيخذ ابالصالة من حضرة الذات وله نصيب منها‬
‫واحليلولة بينه وبني الذات مفقودة والتبعية موجودة وقليل ما هم بل اقل انتهى اعلم ان‬
‫هذا القول مكرر وجوابه مر يف السؤال الثاين فلريجع اليه‪.‬‬
‫(اجلواب السادس و العشرون والسابع و العشرون والثامن و العشرون‬
‫والتاسع والعشرون) لقوهلم وقال يف املكتوب السادس والتسعني من اجللد الثالث ان‬
‫حملمد صلّى هللا عليه و سلّم طوقي عبودية يعين حلقيت امليم ومها اشاراتن اىل تعينيه االول‬
‫تعينه اجلسدي وهو بشريته والثاين تعينه الروحي وهو ملكيته وملا فرت تعينه اجلسدي‬
‫ابملوت قوي تعينه الروحي ولكن كان لتعينه اجلسدي بقية فلما مضى الف سنة زالت‬
‫تلك البقية ومل يبق لتعينه اجلسدي اثر فانقطع طوق عبودية جسده وطرأ عليه الزوال‬
‫والفناء فقام الف االلوهية مقامه فصار حممد امحد وانتقلت الوالية احملمدية اىل الوالية‬
‫االمحدية انتهى ولقوهلم وقال يف املكتوب التاسع واملائتني من اجللد االول ان نبوته صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم تتعلق ابلنشأة العنصرية ابعتبار احلقيقة احملمدية بل ابعتبار احلقيقتني‬
‫احملمدية واالمحدية لكن غلبت نشأته العنصرية احملمدية على امللكية االمحدية لتحصيل‬
‫املناسبة بينه وبني االمة فتتأتى االفادة واالستفادة وهلذا أمر بقوله امنا اان بشر مثلكم فأكد‬
‫‪- 1385 -‬‬

‫البشرية مبماثلتهم وبعد ارحتاله عن النشأة العنصرية غلب جانب الروحانية ونقص جانب‬
‫البشرية ونقص نورانية الدعوة وغلب الظلمة وملا مضى من رحلته الف سنة غلب جانب‬
‫الروحانية وعدمت البشرية و انصبغت بصبغ عامل االمر فبالضرورة رجع عامل خلقه اىل عامل‬
‫االمر واحتدت احملمدية ابالمحدية انتهى ولقوهلم وقال يف موضع آخر ان احلقيقة احملمدية‬
‫تبقى شاغرة حت أييت عيسى عليه السالم فيعرج اليها فينزهلا فكأنه يقول انه حينئذ تغلب‬
‫بشريته فتوجد املناسبة بينه وبني االمة فتتأتى االفادة واالستفادة حينئذ واما قبل ذلك فال‬
‫يصح االشارة لغلبة روحانيته فوجب ان يكون ذلك الفرد هو بزعمه انتهى ولقوهلم وقال‬
‫يف املكتوب التاسع و املائتني من اجللد االول و من هنا يعين من اجل أن بعد مضى الف‬
‫سنة ال يبقى من التعني اجلسدي اثر نقلوا عن الشرائع املتقدمة ان بعد مضي الف سنة‬
‫من رحلة كل واحد من اويل العزم من الرسل العظام يبعث رسول أخر انتهى اعلم أن‬
‫ايضاح اجوبة هذه االعرتاضات االربعة يظهر ابن نذكر اصطالحات الشيخ أمحد رمحه‬
‫هللا اوال ليدفع شبهتهم وذلك أن النيب صلّى هللا عليه و سلّم مركب من عامل اخللق وهو ما‬
‫يقبل اخلرق والتجزي وااللتئام ومن عامل االمر و هو ما ال يقبل اخلرق و التجزي و االلتئام‬
‫ورب عامل خلقه صلّى هللا عليه و سلّم العلم ورب عامل امره شأن العلم ومنشؤه فاحلقيقة‬
‫احملمدية ههنا عبارة عن حقيقته االمكانية العنصرية واحلقيقة االمحدية كناية عن حقيقته‬
‫االمكانية االمرية النورية والنيب صلّى هللا عليه و سلّم ابعتبار عامل امره يريب عامل ملكوت‬
‫السموات واالرض وابعتبار عامل خلقه يرشد العامل العنصري ملناسبة عامل خلقه ابلبشرية‬
‫وابلعامل العنصري وبعد انتقاله صلّى هللا عليه و سلّم من العامل العنصري اىل العامل الروحاين‬
‫انتقصت هذه املناسبة بسبب انتقاص آاثر النشأة العنصرية كاالكل والشرب والنوم‬
‫واملرض وغري ذلك من الصفات اجلسمانية العنصرية وبقي فيه من الصفات البشرية التوجه‬
‫اىل العامل السفلي الرشاد امته وبعد مضي الزمان املديد زال هذا التوجه وااللتفات اىل‬
‫العامل العنصري أيضا وهو املراد عنده بفناء جسمه صلّى هللا عليه و سلّم ال اهليكل‬
‫املخصوص اجلسدي كما فهمه املعرتض من كالمه واستغرق يف حبر مشاهدة مجال ذاته‬
‫‪- 1386 -‬‬

‫تعاىل واراد الشيخ أمحد رمحه هللا ابلفناء ما أراده القاضي عياض رمحه هللا يف الشفاء يف‬
‫القسم الثالث فيما جيب للنيب صلّى هللا عليه و سلّم او جيوز عليه فظاهرهم واجسادهم‬
‫وبنيتهم متصفة ابوصاف البشر طرأ عليها ما يطرأ على البشر من االعراض واالسقام‬
‫واملوت والفناء ونعوت االنسانية وأرواحهم وبواطنهم متصفة ابعلى من اوصاف البشر‬
‫متعلقة ابملأل االعلى انتهى واالولياء ال يتوجهون اىل نعمة اجلنة من االكل والشرب‬
‫ومرادهم يف اجلنة رضاء هللا ولقاؤه تعاىل فكيف يلتفتون اىل النعمة الدنيوية اخلسيسة‬
‫وغلبت روحانيته صلّى هللا عليه و سلّم على جسمانيته وقرب جسمانيته اىل الروحانية‬
‫وهذا معن عروج احلقيقة احملمدية وحلاقها ابحلقيقة االمحدية وخلو مكاهنا صلّى هللا عليه‬
‫و سلّم مع ان جسده الشريف ابق على حاله ال يبلي منه شئ واملراد بعروج سيدان‬
‫عيسى عليه السالم بعد نزوله اىل املقام احملمدي قيامه مقامه صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫الرشاد امته وترويج شريعته وتبعيته له صلّى هللا عليه و سلّم كما كان صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم قبل عروج حقيقته يهدي اخلالئق ويرشدهم وبعد ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم اىل‬
‫عامل القدس والرفيق االعلى انتقص نورانية هدايته وارشاده وظهرت الظلمة وهلذا قال بعض‬
‫أصحابه صلّى هللا عليه و سلّم ما فرغت من دفنه صلّى هللا عليه و سلّم اال قد وجدت‬
‫قليب متفاوات كما ورد يف رواية الرتمذي عن أنس رضي هللا عنه وما نفضنا ايدينا عن‬
‫الرتاب واان لفي دفنه حت انكران قلوبنا ويدل على هذا املراد من زوال اجلسد قوله يف‬
‫املكتوب التاسع و املائتني من اجللد االول مت مضى الف سنة غلب جانب روحانيته‬
‫على بشريته صلّى هللا عليه و سلّم يعين صفات جسده على هنج لون متام جانب بشريته‬
‫بلون نفس الروح وانصبغ عامل خلقه بلون عامل امره انتهى وما قال زال عامل خلقه ابلكلية‬
‫وفين جسده ويف قول املعرتضني ما يدل عليه ايضا وهو وانصبغت بصبغ عامل االمر‬
‫وبعض كالمه يفسر بعضه فان يالحظ املنصف ال يعرتض عليه البتة وهو املراد بقول‬
‫الشيخ امحد رمحه هللا وواحد من طوقي العبودية انقطع وزال واشار بقوله وقام الف‬
‫االلوهية اليت مبنزلة البقاء ابهلل مقام الطوق املنقطع اىل ان احلقيقة االمحدية مظهر اسم هللا‬
‫‪- 1387 -‬‬

‫املستجمع جلميع صفات الكمال ومرتبة هذا القرب من هللا تعاىل افضل من التوجه اىل‬
‫العامل السفلي العنصري فاذا عرفت هذا فاعلم انه ال يصح قول املعرتضني فينزهلا فكانه‬
‫يقول انه حينئذ اخل النه ما قال رمحه هللا هذا وال يفهم من كالمه فمن اين يفرتونه الن‬
‫كالمه ال يدل على هذا املعن ومعرب الفاظه واذا نزل عيسى عليه السالم واتبع شريعة‬
‫خامت الرسل عليه وعليهم الصالة والسالم يعرج من مقامه اىل مقام احلقيقة احملمدية ويصل‬
‫اليه بتبعيته للنيب صلّى هللا عليه و سلّم انتهى ويقوي دينه صلّى هللا عليه و سلّم انتهى‬
‫واملراد بزوال اثر التعني اجلسدي بعد مضي الف سنة وانكسار احد طوقي العبودية وهو‬
‫عبارة عن امليم االول من اسم حممد واقامة ألف االلوهية مقامه واالخنالع من اجلسد اىل‬
‫الروح وزوال هذا التوجه اىل العامل السفلي لالرشاد والتفاته صلّى هللا عليه و سلّم اليه ال‬
‫ابالء اجلسد كما مر بيانه فال يرد اعرتاض املعرتضني عليه ابن جسده صلّى هللا عليه و‬
‫سلّم ال يفن و هو يقول بفنائه غاية االمر ان هذه املسئلة كشفية ما وردت فيها الرواية مث‬
‫ذكر الفاظه الفارسية وحنن تركناها لالستغناء عنها‪.‬‬
‫(اجلواب الثالثون) لقوهلم و قال يف املكتوب احلادي عشر من اجللد االول املقام‬
‫الذي كنت رأيت نفسي فيه ملا الحظته رأيت اخللفاء الثالثة قد عربوا عليه اىل ان قال‬
‫ويف أثناء مالحظة ذلك املقام مرة اثنية رأيت مقامات أخر بعضها فوق بعض وملا وصلت‬
‫اىل مقام فوق املقام السابق علمت انه مقام ذي النورين رضي هللا تعاىل عنه وقد مر عليه‬
‫بقية اخللفاء وهذا املقام أيضا مقام التكميل واالرشاد وهكذا مقامات فوق ذلك سنذكرها‬
‫وظهر يل فوق هذا املقام مقام آخر فلما وصلت اليه علمت انه مقام الفاروق رضي هللا‬
‫عنه وقد مر عليه بقية اخللفاء وفوقه مقام آخر هو مقام الصديق االكرب رضي هللا عنه وقد‬
‫مر عليه بقية اخللفاء وفوقه ال يعرف مقام اال مقام الرسول صلّى هللا عليه و سلّم وظهر‬
‫يل يف حماذاة مقام الصديق مقام آخر أعظم منه وأنوار مل يقع نظري على مثله قط وكان‬
‫ارفع من مقام الصديق ارتفاع الصفة عن وجه االرض وعلمت انه مقام احملبوبني وذلك‬
‫يف و وجدت‬‫املقام ملون ومنقش ورأيت نفسي ملوان ومنقشا من انعكاس ذلك املكان ّ‬
‫‪- 1388 -‬‬

‫نفسي لطيفا يف لون اهلواء أو قطعة غيم منتشرة يف اآلفاق ورأيت حضرة الشيخ الكبري‬
‫يعين اخلواجه النقشبند يف مقام الصديق ورأيت نفسي يف ذلك املقام احملاذى له املذكور‬
‫انتهى اعلم أن كالم الشيخ رمحه هللا هذا ال حمذور فيه وال يلزم منه فوقيته على اصحاب‬
‫النيب صلّى هللا عليه و سلّم ومن يقف على مصطلحاته ال يشتبه عليه ما ال حمذور فيه‬
‫واعلم ان الوصول إ ما نظري أو قدمي فالنظري ما يصل اليه السالك ابلنظر كوصولنا اىل‬
‫الشمس والقمر وحنن على وجه االرض والوصول القدمي ما يصل اليه من املطلوب‬
‫ابلقدم كما يصل أحد اىل الشمس يف السماء الرابعة ببدنه او روحه وهو قسمان احدمها‬
‫ملكي مسكين ابالصالة وهو عبارة عن وصوله اىل املرتبة اليت هي مسكنه ومأواه وملكه‬
‫والثاين غريه وهو عبارة عن وصوله اىل تلك املرتبة ابلتبع والعارية وال يكون ملكه وال يقدر‬
‫أن يسكنها اال برضاء صاحب املرتبة او خبدمته فاذا فهمت هذا فاعرف ان مراد الشيخ‬
‫رمحه هللا تعاىل من الوصول اىل هذه املقامات ابلتبع بطريق العارية او اخلدمة او ابلنظر فال‬
‫حمذور فيه على انه رأى ذلك يف واقعة يف اثناء سلوكه ومع ذلك اجاب عنه يف كثري من‬
‫مكاتيبه‪.‬‬
‫(اجلواب احلادي والثالثون) لقوهلم وقال يف الفصل الثالث من اجللد االول ان‬
‫هناية كم ال والية اولياء االمة اخلاصة الغوثية وهناية كمال والية اهل والية االنبياء يف اولياء‬
‫االمة االمامة وهناية كمال كماالت النبوة يف غري النيب اخلالفة وقد ظهر يل سر هذا املعين‬
‫ففي احلقيقة خالفة الشيخني رضي هللا عنهما استقامت وكانت يف غاية القوة والعدل‬
‫الن جانب ك ماالت النبوة فيهما كان اكمل واغلب من جانب كماالت الوالية وشرعت‬
‫الفنت يف خالفة ذي النورين لكونه برزخا بني والية النيب ونبوته عليه الصالة والسالم‬
‫وكمل اخللل اىل الغاية يف خالفة امري املؤمنني على رضي هللا عنه لغلبة جانب الوالية فيه‬
‫كرم هللا وجهه لكنه ملا كان صاحب مرتبة االمامة احلقيقية وحدها مستقال هبا مل يقتل يف‬
‫أمر اخلالفة وقتل ذو النورين فيه لعدم اختصاصه ابحد املرتبتني ويف نظري ان والية علي‬
‫رضي هللا عنه أول الشروع يف االمامة اجملردة انتهى اعلم ان ذلك ظهر له يف كشفه رمحه‬
‫‪- 1389 -‬‬

‫هللا وهو ال خيالف الشرع فما الذي وجده املعرتضون فيه مما يلزم به القبح مع اين ما‬
‫وجدت هذه العبارة اليت أوردها يف اجللد االول (ليست هي فيه بل فيه بيان كيفيات‬
‫والايت اخللفاء الراشدين رضوان هللا عليهم أمجعني)‪.‬‬
‫(اجلواب الثاين والثالثون) لقوهلم (قال يف املكتوب املائتني والستني من اجللد‬
‫االول) ليعلم ان منصب النبوة ختم خبامت الرسل لكن من كماالت ذلك املنصب بطريق‬
‫التبعية التباعه نصيب كامل وكانت هذه الكماالت يف طبقة الصحابة اكثر ويف التابعني‬
‫قليل مث استرتت وغلبت والية الكماالت الظلية لكن أرجو انه بعدما مضت ألف سنة‬
‫تتجدد تلك الدولة وتظهر الكماالت االصلية وتسترت الظلية انتهى اعلم انه مت استرتت‬
‫الكماالت اليت كانت ظاهرة يف زمان النيب صلّى هللا عليه و سلّم واصحابه والتابعني رضي‬
‫هللا تعاىل عنهم امجعني الذين هم أئمة خري القرون كما قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫خري القرون قرين مث الذين يلوهنم مث الذين يلوهنم احلديث عادت البدعة والظلمة حت‬
‫مضى الف سنة وبعد ذلك استفاد كثري من الناس من خدمة الشيخ رمحه هللا واوالده‬
‫واخذوا الطريقة والذكر منهم و تعلموا طريق السلوك حت شاعت طريقتهم يف البلدان‬
‫واالكناف واالطراف وهو املراد بقوله لكن ارجو بعد ما مضت الف سنة اخل وحنن‬
‫نتعج ب على اعرتاضات املعرتضني من هذه االقسام الواهية و على عقوهلم الفاسدة‬
‫وكيف يقبل الناس كالمهم وال يزجروهنم وهذا آخر ما تصدينا جبوابه (مث ذكر املؤلف هنا‬
‫بعض كلماته الدالة على شدة متسكه ابلشريعة وغاية ورعه وهناية احتياطه ووصيته بذلك‬
‫الوالده واتباعه وحنن اسقطناه الغناء االصباح عن املصباح) وينبغي للمنصف احملقق ان‬
‫حيمل كالم االولياء الذي ظاهره ال يوافق الشرع على حممل حسن او يسكت واالقول‬
‫اليت صدرت عن االولياء من هذا النمط كثرية منها يف كتاب تلبيس ابليس البن اجلوزي‬
‫قول ايب طالب املكي ليس على اخللق اضر من اخلالق وقول ايب يزيد البسطامي يل معراج‬
‫كما كان للنيب صلّى هللا عليه و سلّم وقوله سبحاين ما اعظم شاين حسيب من نفسي‬
‫حسيب قيل اليب يزيد ان اخللق كلهم حتت لواء حممد صلّى هللا عليه و سلّم فقال لوائي‬
‫‪- 1390 -‬‬

‫اعظم من لواء حممد لوائي من نور حتته اجلن واالنس مع النبيني و قوله اراد موسى ان يري‬
‫هللا تعاىل و اان ما اردت بل هو الذي اراد ان يراين سبحاين وقول ايب سعيد اخلراز اكرب‬
‫ذنيب اليه معرفيت اايه قال السراج وانكرت مجاعة من العلماء على ايب سعيد أمحد بن‬
‫عيسى اخلراز ابلفاظ وجدوها يف كتاب صنفه وهو كتاب السر ومنها قوله عبد طائع ما‬
‫اذن له ولزم التعظيم هلل فقدس ربه روحه وقول ايب حممد موسى الفرغاين الواسطي من ذكر‬
‫افرتى ومن صرب اجرتى اايك ان تالحظ حبيبا او كليما وانت جتد اىل مالحظة احلق‬
‫سبيال فقيل له افال اصلي عليهم فقال صل عليهم بال وقار وال جتعل هلا يف قلبك من‬
‫مقدار وقد ذكر ابو حامد الغزايل يف كتابه االحياء ان بعضهم قال للربوبية سر لو ظهر‬
‫لبطل النبوة وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم وللعلماء ابهلل سر لو اظهروه لبطلت‬
‫االحكام قال ابن عقيل وقد حكي عن الشبلي انه قال ان حممدا صلّى هللا عليه و سلّم‬
‫ليشفع يف امته واان اشفع بعده يف اهل النار حت ال يبقى فيها احد وذكر يف النفحات ان‬
‫الشيخ امحد العزايل رمحه هللا يقول ان الشيخ ااب القاسم الكركاين كان ال يقول البليس‬
‫أبليس بل اذا أراد ان يذكر امسه قال انه خواجهء خواجكان سرور مهجوران وقال عني‬
‫القضاة اهلمداين مسعت من بركة قدس سره يقول مسعت فتحا قال قال ابليس ما يف العامل‬
‫احد اشقى مين قال هذا وبكى وقال جوامنرد آجناكه ابليس ست ترا راه نيست واين‬
‫دولت از كجا آوردى جربيل صفت ابيدكه ديدهء او در مجال ابليس نظر كند وكتب‬
‫عني القضاة يف املكتوب لكن من ههنا قال حسني بن منصور ما صحت الفتوة اال‬
‫المحد وابليس واحسرات اما تسمع انه قال ان الفتوة مسلمة الثنني امحد وابليس اي فت‬
‫هذان االثنان متصفان بصفات الكمال وغريمها ليس اال اطفال الطريق وقال الشيخ عبد‬
‫الكرمي اجليلي يف كتاب املناظرة االهلية يف بيان الفرق بني الغافر و الغفور ان الغافر هو‬
‫الذي يغفر الذنوب اال الشرك والغفور هو الذي يغفر الشرك ايضا ان هللا ال يغفر ان‬
‫يشرك به و يغفر ما دون ذلك ملن يشاء بيان حال الغافر وان هللا يغفر الذنوب مجيعا‬
‫بيان حال الغفور وهذا القول انظر بعدم خلود الكفار يف النار اخل وقول الشيخ عبد‬
‫‪- 1391 -‬‬

‫القادر اجليالين قدس سره قدمي هذه على رقبة كل ويل وقوله حكاية عن هللا تعاىل اي‬
‫غوث اان كنون املكان ليس يل مكان سوى سر سر االنسان يف القلب وهكذا صدرت‬
‫كلمات كثرية من االولياء انهيك هذا القدر فالتأويل لكالم البعض دون البعض خالف‬
‫االنصاف وقال االمام الشعراين قدس سره يف كتاب العهود واملواثيق اذا بلغك عن القوم‬
‫انه يتكلم مبا خيالف الشريعة فامحل كالمه على سبعني حممال فاذا مل تقنع بذلك نفسك‬
‫فارجع عليها ابللوم وقل هلا حيتمل كالم اخيك سبعني حممال وال حتملينه على حممل واحد‬
‫فانت مريضة انتهى اخرج ابو داود عن أنس رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا‬
‫عليه و سلّم ثالث من اصل االميان الكف عمن قال ال اله اال هللا ال تكفره بذنب وال‬
‫خترجه من االسالم بعمل واجلهاد ماض واخرج البخاري عن ايب ذر رضي هللا عنه قال‬
‫قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ال يرمي رجل رجال ابلفسوق وال يرميه ابلكفر إالّ‬
‫ارتدت عليه ان مل يكن صاحبه كذلك واخرج الرتمذي عن وائلة قال قال رسول هللا صلّى‬
‫هللا عليه و سلّم ال تظهر الشماتة الخيك فريمحه هللا ويبتليك ويف البحر يف الفتاوى‬
‫الصغرى الكفر شئ عظيم فال اجعل املؤمن كافرا مت وجدت رواية انه ال يكفر انتهى‬
‫ويف اخلالصة وغريمها اذا كان يف املسئلة وجوه توجب الكفر ووجه واحد مينع الكفر فعلى‬
‫املفيت ان مييل اىل الوجه الذي مينع التكفري حتسينا للظن ابملسلم انتهى ويف التتارخانية ال‬
‫يكفر ابحملتمل الن الكفر هناية يف اجلناية فيستدعي هناية يف العقوبة ومع االحتمال ال‬
‫هناية حتصل انتهى ويف اخلالصة انكار الكفر توبة وجحود الكفر اسالم وفيها ايضا ال‬
‫يكون الكفر كفرا حت يعتقده القائل انتهى قال العلماء رمحهم هللا التزام الكفر كفر ال‬
‫لزوم الكفر كذا يف املواقف و الفتاوى و هذه الرواايت يف حق من صدرت عنه كلمات‬
‫الكفر صحوا وليست يف حق من صدرت عنه حالة السكر النه يعفى فال جيوز تكفريه‬
‫وقد صرح الشيخ رمحه هللا بسكره يف املكتوب الثامن عشر و املائة من اجللد الثالث اللهم‬
‫اراناحلق حقا وارزقنا اتباعه واران الباطل ابطال وارزقنا اجتنابه اللّهم اان نعوذ بك من شرور‬
‫انفسنا و من سيّئات أعمالنا اللّهم وفقنا ملا حتب وترضى سبحانك اللّهم وحبمدك اشهد‬
‫‪- 1392 -‬‬

‫ان ال اله اال انت استغفرك اللهم واتوب اليك و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه‬
‫أمجعني قال مؤلف هذه الرسالة املباركة فرغت من تنسيخ هذه الرسالة املسماة بعطية‬
‫الوهاب الفاصلة بني اخلطأ والصواب اثين ربيع االول يف سنة اربع وتسعني والف وأفضل‬
‫الصالة والسالم على صاحب الشفاعة واللواء املعقود والكرم واجلود مت‪.‬‬

‫{اخطار}‬
‫قد مر يف أوائل هامش اجللد االول الرد منا والتشنيع على من ينكر وجود البشارة‬
‫بوجود االمام ايب حنيفة رضي هللا عنه يف احلديث النبوي فتوهم البعض اين اردت بذلك‬
‫بعض فضالء هذا العصر الذي انتشر بعض آتليفه يف االمصار وليس االمر كذلك فاين مل‬
‫أوفق بعد ملطالعة أتليفاته بل عنيت بذلك بعض وهابية اهلنود املتمردة املبغضة لالمام‬
‫خصوصا وسائر االئمة عموما خذهلم هللا تعاىل والجل دفع التهمة حرران ذلك‪.‬‬
‫(احلقري حممد مراد)‬

You might also like