Professional Documents
Culture Documents
الرحيم
الرمحن ّ
بســم هللا ّ
احلمد هلل الذي عجزت العقول عن ادراك كنه ذاته * وحتريت فهوم الفحول يف
معرفة صفاته * ابدع العامل واجلى عجائب صنعه يف جمايل مصنوعاته * وخلق نوع
االنسان واودع فيه مجيع ما يف مكوانته * وشرفه وكرمه خبالفته * وفضله على سائر برايته
* وصريها سببا لنجاته * واجناح حاجاته ورفع درجاته * وسلما لعروجاته * اىل اوج
القرب واقصى غاايته * وآليل الصلوات وجواهر التسليمات وفرائد التحيات على اشرف
خملوقاته * واكرم موجوداته واملظهر االمت لظهوراته * سيدان وموالان حممد املراد من خلق
الكونني والعلة الغائية الفاضة فيوضاته * وبث بركاته * و على آله واصحابه الذين حازوا
نعمة صحباته * وفازوا ابلتطفل يف سائر كماالته * و على مجيع اولياء امته الذين بذلوا
جهدهم يف احياء ملته واتباع سنته واقتفاء سريته يف مجيع حاالته * فاابح هللا هلم موائد
نعمه * وقلدهم لطائف مننه * وزين ظواهرهم وبواطنهم مبكارم شيمه * ونور قلوهبم من
لواقح األنوار * ومأل اسرارهم بفصوص احلكم وجواهر االسرار * وكحل ابصار بصائرهم
بكحل العناية واالستبصار * وامشهم عوارف املعارف ومنحهم قوت القلوب واطلعهم من
العلم على مكنوانته * {اما بعد} فهذه درر مكنوانت منيفة * برزت من اصداف
عبارات املكتوابت الشريفة * لالمام الرابين والغوث الصمداين * والقطب السبحاين *
والعارف الرمحاين * نقطة دائرة االرشاد * رحلة االبدال واالواتد * قدوة الكمالء االفراد *
واقف االسرار االهلية * كاشف دقائق املتشاهبات القرآنية * برهان الوالية اخلاصة احملمدية
* مسي سيد املرسلني وافضل الربية * ابالسم الذي بشر به املسيح على نبينا وعليه الصالة
و السالم والتحية * سيدان وسندان وموالان و وسيلتنا اىل هللا القدمي الكرمي االحد االبدي
الشيخ امحد بن الشيخ عبد االحد السرهندي حمتدا * الفاروقي نسبا * النقشبندي مشراب
* احلنفي مذهبا * الشهري عند االقاصي واالداين * مبجدد االلف الثاين * قدس هللا سره
و روح روحه و نور ضرحيه * وافاض علينا من بركاته * وجعل لنا نصيبا وافرا من مجيع
-3-
مقاماته * حبرمة اشرف العباد * وآله االجماد * وكانت تلك اجلواهر تصدر من جلج
مكشوفاته ومعلوماته قدس سره شيئا فشيئا على مرور االوقات واحلجج مدة حياته * من
بداية كماله اىل حني مماته * على مقدار استعداد كل من ارسل اليه * حسب ما يظهر
من عامل الغيب لديه * بعضها يف ذم الدنيا الدنية * وبعضها يف احلث والتحريض على ما
ينفع يف اآلخرة و درجاهتا العلية * وبعضها يف النصائح واملواعظ البهية وللقبول حرية *
وبعضها يف الرتغيب يف ترويج احكام الشريعة املصطفوية * واكثرها يف بيان اسرار الشريعة
احملمدية * وحتقيق حقائقها * وحل رموز الطريقة النقشبندية االمحدية وكشف دقائقها *
مقتبسة من انوار متابعة السنة السنية * مقتطفة من اشجار اقتفاء السرية املصطفوية *
وملتقطة من موائد فوائد التأدب ابآلداب النبوية * مصداق قوله صلّى هللا عليه و سلّم ان
من العلم كهيئة املكنون ال يعلمه اال اهل املعرفة ويف رواية اال العلماء ابهلل فاذا قالوه ويف
رواية تكلموا ويف رواية نطقوا به ال ينكره إال أهل الغرة ابهلل وقوله صلّى هللا عليه و سلّم
(من عمل مبا علم ورثه هللا تعاىل علم ما مل يعلم) يعين من غري تعلم من احد وال اخذ من
الكتاب * بل مبجرد فتح الباب * من طرف حكيم عليم وهاب * وهو علم الوراثة
احملمدية الذي ورثه االولياء من ابطنية حممد صلّى هللا عليه و سلّم ابسانيد االهلام * ونقلة
الكشف التام * وصفاء السريرة وصدق املعاملة مع هللا تعاىل دون غريهم حلديث رواه
القسطالين يف املواهب اللدنية * وغريه يف كتب االحاديث النبوية * من قوله صلّى هللا
عليه و سلّم و ( سئلين ريب فلم استطع ان أجيبه فوضع يده بني كتفي بال تكييف وال
حتديد فوجدت بردها فاورثين علم االولني واآلخرين وعلمين علوما شت فعلم اخذ على
كتمانه اذ علم انه ال يقدر على محله احد غريي وعلم خريين فيه وعلمين القرآن فكان
جربيل يذكرين به وعلم امرين بتبليغه اىل اخلاص والعام) انتهى * فتبني من هذا احلديث ان
وراء العلم الذي امر بتبليغه اىل اخلاص والعام الذي هو علم الشرائع واالحكام علمني
آخرين بل علوما شت كما قال صلّى هللا عليه و سلّم كلها حق اما العلم املأمور بكتمانه
فهو علم النبوة اذ ال يعلمه وال يقدر على محله غري النيب وال نيب بعده واما العلم الذي
-4-
خري فيه صلّى هللا عليه و سلّم فهو علم الوالية وهو علم ابطن الشريعة وحقيقتها واسرارها
املخزونة املكنونة اليت اسرها النيب صلّى هللا عليه و سلّم خلواص اصحابه كما خص ابعالم
املنافقني حذيفة رضي هللا عنه وهم اسروها اىل خواص اصحاهبم وهلم جرا الهنا امنا تؤخذ
وتتلقى ابالحوال الصادقة والعقيدة الراسخة واالعمال الصاحلة املصحوبة ابالخالص
والنية ا خلالصة ومالزمة الذكر ومداومة الفكر ومراقبة احلضور مع هللا تعاىل كذا قال خامتة
احملققني العارف ابهلل الشيخ عبد الغين النابلسي قدس سره وقال ابو هريرة رضي هللا عنه
فيما رواه البخاري يف صحيحه حفظت عن رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وعائني اما
احدمها فبثثته واما اآلخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم يعين لقتلوين حلكمهم بكفري حيث مل
يفهموا ما اشري اليه يف كالمي من حقائق املعاين واسرار الشريعة املطهرة كما وقع لالمام
حجة االسالم ايب حامد الغزايل حني اظهر بعض اسرار معاملة الدين حيث رموه ابلزندقة
واخلروج من الدين فال بد من كتمانه من غري اهله اىل ان جيئ وقت ظهوره ابذن هللا تعاىل
فان االمور مرهونة أبوقاهتا شعر
و للمرء احوال وللحال فرصة * وللدهر اوقات وللوقت حادث
كما قال صلى هللا عليه وسلم لعائشة رضي هللا عنها على ما رواه الشيخان (لوال
ان قومك حديثوا عهد بشرك هلدمت الكعبة فالزقتها ابالرض وجعلت هلا اباب شرقيا واباب
غربيا وزدت فيها ستة اذرع من احلجر فان قريشا استقصرهتا حني بنت الكعبة فان بدا
لقومك من بعدي بعد ان يبنوه فهلمي الريك ما تركوا منه) احلديث فانظر كيف ترك
النيب صلّى هللا عليه و سلّم امرا مشروعا خمافة الفتنة يف زمنه واشار اىل جواز فعل غريه
ذلك االمر يف وقت آخر لعدم توقع الفتنة فالح من هذا وجه بث املتأخرين علوم
االسرار ابلتآليف والتصانيف مع سرت املتقدمني وكتمهم اايها على ان قصدهم يف ذلك
افادة اهلها دون غريهم وهلم يف ذلك مقاصد أخرى حسنة يعلم بعضها من بعض هذه
املكتوابت {ع}:
فيا هلا قصة يف شرحها طول
-5-
و ملا كثرت تلك املكاتيب وانتشرت ويف اقطار االرض انتثرت * قام جبمعها ثالثة
من كبار اصحابه حسب االشارة واالمر * فجمعوها يف ثالثة جملدات واودعوها يف
دوالب الدهر * فبقيت على ما كانت عليه من العبارة الفارسية زماان طويال * فأما الذين
هم من اهل لساهنا فكانوا يشربون من يد خرائدها شرااب سلسبيال * ويزينون بفرائدها
تيجاان واكاليال * ويداوون بعقاقرها من سقط مريضا وعليال * واما الذين خالفتها لغاهتم
فلم يكادوا يهتدون اليه سبيال * ومل جيدوا يف وصاهلا عليهم دليال * وال من يكون عليه
عويال * فطاملا امتدت اليه اعناق االشواق * واشتد صدودها على العشاق * وهي حمجبة
أبسنة ابطال العبارات الفارسية * واالقدام عليها اشد واصعب من اقتحام وقعة القادسية
* وملا رأيت كثرة تطالب املشتاقني اايها * وتطوف العاشقني حول محاها * وسقوط
اهلائمني هبا صرعى ما بني رابها * ورأيت امليدان عن فرسان هذا الشان خاليا * والزمان
ماضيا * وهي على صدودها كما هيا * اختلج يف صدري ان القي الصالح ذات البني
يف حدود حبرها الفارسي املراسيا واقطع يف جزيرة العرب مهامه و رواسيا ملا بيين وبينها من
املعرفة واأللفة من صغر السن * اىل ان انهز العمر اآلن الثلثني * ولكن امتنعت عن ذلك
لعدم االستطاعة وقلة البضاعة يف العلوم العربية * وقصور الباع وقلة االطالع على الفنون
ت يف العري وال يف النفرياالدبية * وعريت نفسي أشد تعيري قائال أين لك هذا فانك لَ ْس َ
وهب ان بينك وبينها معرفة ما ولكن اين فيك حالوة التعبري * فانك مل تلدك يعرب وأايد
* ومل تنشأ يف كوفة وال بغداد * مع ان رجال هذا الشان قد لعبت هبم ايدي النوائب
فركبوا غارب االغرتاب * وصاح على اوطاهنم البوم والغراب * وتوجهوا حنو اقليم الزوال
واالفول * وسحب الذل واملهانة على بقاايهم الذيول * فحملوا محوهلم على زوااي
االستتار واخلمول * فكل من جاء حول خيامهم جيول * يقوم راهب ديرهم ويقول
{شعر}:
ان اخليام اليت قد جئت تطلبها * ابالمس كانوا هنا واآلن قد رحلوا
فريجع ابكيا مشبكا عشره على رأسه ومنشدا {شعر}:
-6-
( )1يعين رابع الذين مجعوا هذه املكتوابت كما مر بقوله قام جبمعها ثالثة من كبار أصحابه انتهى عفي عنه
-7-
من ارتكاب هذا االمر اجلسيم واخلطب العظيم اداء بعض خدمة عتبة من طوقين قالئد
منح جزيلة * وانعم علي جبالئل نعم مجيلة * مرشد السالكني * ومريب الطالبني * وقدوة
الواصلني *وزبدة العارفني * شيخ احلرمني الشريفني * وامام املقامني املنيفني * حامي
مهجة الطريقة النقشبندية * وحافظ النسبة االمحدية اجملددية * سيدان وموالان ومرشدان
ووسيلتنا اىل هللا سيدي الشيخ اجلليل * والسيد النبيل * ايب عبد هللا حممد صاحل بن عبد
الرمحن الزواوي * عامله هللا تعاىل بفضله العميم ولطفه احلاوي * آمني * حبرمة جده الذي
نزل اليه الروح االمني * وليكن هذا أوان الشروع يف املقصود * مستعينا مبفيض اخلري
الرحيم احلمد هلل رب
الر ْمحَن َّ
واجلود * قال جامع املكاتيب رمحه هللا بعدما تيمن بب ْسم هللا َّ
العاملني اضعاف ما محده مجيع خلقه كما حيب ربنا ويرضى * والصالة و السالم على من
ارسله رمحة للعاملني كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون كما ينبغي له
وحيري * و على آله وأصحابه الربرة النقي التقى {اما بعد} فان هذا اجللد االول من
املكتوابت القدسية حلضرة غوث احملققني * قطب العارفني * برهان الوالية احملمدية *
حجة الشريعة املصطفوية * شيخ االسالم واملسلمني شيخنا وامامنا الشيخ أمحد الفاروقي
النقشبندي سلمه هللا سبحانه وابقاه مجعه هذا احلقري قليل البضاعة أقل القاعدين على
تراب اعتاب تلك اخليمة املقدسة اير حممد اجلديد البدخشي الطالقاين واورده يف قيد
التحرير رجاء وصول النفع منه اىل طاليب احلق جل وعال واملسؤل من هللا سبحانه العصمة
والتوفيق.
{املكتوب األول يف بيان االحوال اليت هلا مناسبة ابالسم الظاهر وبيان
ظهور القسم اخلاص من التوحيد و بيان العروجات الواقعة فوق احملدد و
انكشاف درجات اجلنة و ظهور مراتب بعض أهل هللا كتبه اىل شيخه
املعظم و هو الشيخ الكامل املكمل الواصل اىل درجات الوالية * اهلادي
-9-
اىل طريق اندراج النهاية يف البداية * مؤيد الدين الرضي شيخنا و امامنا
الشيخ حممد الباقي النقشبندي االحراري قدس هللا سره االقدس و بلغه اىل
اقصي ما يتمناه}
(عريضة) أقل العبيد أمحد اىل ذروة العرض يعرض احواله املتفرقة اجرتاء منه حسب
االمر الشريف قد تشرفت يف اثنآء الطريق بتجلي االسم الظاهر جتليا كليا حبيث ظهر يل
يف مجيع االشياء بتجل خاص على حدة على حدة و على اخلصوص يف كسوة النساء بل
يف اجزائهن على حدة على حدة فصرت منقادا لتلك الطائفة على وجه ال اقدر على
عرضه وكنت مضطرا يف ذلك االنقياد وهذا الظهور الذي حصل يف هذا احملل مل يكن يف
حمل آخر وما رأيت من خصوصيات اللطائف وحمسنات العجائب يف هذا اللباس مل
يظهر يف مظهر ما اصال قد ذبت ابلتمام وجريت كاملاء بني ايديهن وكذلك جتلى يل يف
كل طعام وشراب وكسوة على حدة على حدة وما كان من اللطافة واحلسن يف الطعام
اللذيذ املتكلف فيه مل يكن يف غريه وكان ذلك التفاوت بني املاء العذب وامللح بل كان
يف كل شئ حلو شئ من خصوصيات الكمال على تفاوت الدرجات على حدة على
حدة وال ميكن عرض خوصيات هذا التجلي ابلتحرير فان كنت يف املالزمة العلية
لعرضتها * ولكن كنت يف اثناء هذه التجليات مشتاقا اىل الرفيق االعلى ومل التفت اىل ما
سواه مهما امكن بَْي َد اين ملا صرت مغلواب مل اجد ب ّدا من االلتفات ويف ذلك االثناء صار
معلوما يل ان هذا التجلي ال ينايف تلك النسبة التنزيهية فان الباطن متعلق بتلك النسبة ال
التفات له اىل الظاهر اصال وامنا املتشرف هبذا التجلي هو الظاهر الذي هو خال ومعطل
عن تلك النسبة واحلق اين وجدت الباطن غري مبتال بزيغ البصر بل هو معرض عن مجيع
املعلومات والظهورات وملا كان الظاهر متوجها اىل الكثرة واالثنينية استسعد هبذا التجلي
* مث اخذت هذه التجليات يف االختفاء واالستتار بعد زمان وبقيت نسبة احلرية واجلهالة
حباهلا وصارت تلك التجليات كأن مل يكن شيئا مذكورا مث عرض بعد ذلك شئ من الفناء
اخلاص وكان ذلك التعني العلمي الذي ظهر بعد عود التعني انعدم يف هذا الفنا ومل يبق
- 10 -
اثر من مظان اان * و يف هذا الوقت شرع آاثر االسالم وعالمة اهندام معامل الشرك اخلفي
يف الظهور وكذلك رؤية القصور يف االعمال والفتور واهتام النيات واخلواطر واخلطور
وابجلملة ظهر بعض امارات العبودية واالضمحالل بلغنا هللا سبحانه و تعاىل بربكة
توجهكم مقام حقيقة العبودية والعروجات اىل ما فوق احملدد تقع كثريا (وملا وقع) العروج
يف املرتبة األوىل ووصلت اىل ما فوق احملدد بعد طي املسافة وصار اخللد مع ما حتته
مشهودا خطر يف ذلك الوقت يف اخلاطر ان أشاهد هنالك مقامات بعض الرجال وملا
توجهت وقع النظر على مقاماهتم ورأيت هؤالء االشخاص يف تلك احملال على تفاوت
درجاهتم مكاان ومكانة وذوقا وشوقا (مث وقع) العروج يف مرتبة اثنية وصارت مقامات
املشايخ العظام وائمة أهل البيت الكرام واخللفاء الراشدين املرشدين لالانم * واملقام
اخلاص بنبينا عليه الصالة و السالم * وكذلك مقامات سائر االنبياء والرسل الفخام *
على التفاوت ومقامات املالئكة املالء االعلى مشهودة فوق احملدد ووقع من العروج فوق
احملدد مقدار ما بني مركز االرض واحملدد او أقل من ذلك بيسري اىل ان انتهى اىل مقام
حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس هللا سره وكان فوق ذلك املقام عدة من املشائخ
العظام بل يف نفس ذلك املقام بفوقية يسرية مثل الشيخ معروف الكرخي والشيخ ايب
سعيد اخلراز ومقامات املشايخ الباقني بعضها فيما حتته وبعضها يف نفس ذلك املقام فاما
الذين يف املقام التحتاين فمثل الشيخ عالء الدولة السمناين والشيخ جنم الدين الكربى
والذين هم يف املقام الفوقاين فأئمة أهل البيت وما فوقه اخللفاء الراشدون رضوان هللا
عليهم أمجعني ومقامات سائر االنبياء عليهم الصالة و السالم كانت على طرف من مقام
نبينا صلى هللا عليه وسلم وكذلك مقامات املالئكة العلويني كانت على طرف آخر من
ذلك املقام وكان ملقام نبينا عليه الصالة و السالم فوقية وأصالة ابلنسبة على مجيع
املقامات وهللا سبحانه اعلم حبقائق االمور كلها ويقع العروج بعناية هللا سبحانه كلما أردته
ويقع يف بعض االوقات من غري ارادة ويشاهد أشياء اخر وترتتب اآلاثر ايضا يف بعض
العروجات و يكون اكثرها منسيا وكلما أريد ان اكتب بعض احلاالت التذكر وقت
- 11 -
العرض ال يتيسر ذلك فانه يرى حقريا يف النظر بل هو حقيق ابن يستغفر منه فضال عن
ان اكتبه وكان بعض منها يف اخلاطر يف اثناء امالء العريضة ولكنه ما وف أخريا ان اكتبه
والزايدة على ذلك اساءة االدب وحال مال قاسم على أحسن قد غلب عليه االستهالك
واالستغراق وجاوز مجيع مقامات اجلذبة ووضع قدمه فوقها وكان ّأوال يرى الصفات من
االصل واآلن يرى تلك الصفات مع وجودها مباينة لنفسه وجيد نفسه خاليا حمضا بل
يرى النور الذي قامت به الصفات مباينا لنفسه ايضا وجيد نفسه يف طرف من ذلك النور
واحوال االصحاب الباقني يف الرتقي يوما فيوما أريد ان أعرضها ابلتفصيل يف عريضة
أخرى انشاء هللا العزيز.
كل مدة ببقاء خاص جياء يب اوال من التجلي الذايت املنسوب اىل الشيخ حميي الدين
قدس سره اىل الصحو مث يذهب يب اىل السكر وحيصل وقت العروج والنزول علوم غريبة
ومعارف عجيبة واتشرف من االحسان والشهود اخلاص يف كل مرتبة مبا يناسب لبقاء
ذلك املقام وقد شرفت يف سادس شهر رمضان ببقاء واحسان ال اقدر على عرضه واظن
ان هناية االستعداد ال تتجاوز ذلك وتيسر هنا الوصل املناسب للحال ومتت اآلن جهة
اجلذبة ابلتمام ووقع الشروع يف السري يف هللا الذي هو مناسب ملقام اجلذبة وكلما كان
الفناء أمت يكون البقاء املرتتب عليه أكمل وكلما كان البقاء أكمل كان الصحو أكثر
وكلما كان الصحو أكثر تقع العلوم موافقة للشريعة الغراء فان كمال الصحو لالنبياء
عليهم الصالة و السالم واملعارف اليت ظهرت منهم هي الشرائع والعقائد اليت بينوها يف
الذات والصف ات وخمالفة ظاهرها امنا هي من بقية سكر احلال واملعارف اليت تفاض على
هذا الفقري أكثرها تفصيل املعارف الشرعية وبياهنا يصري العلم االستداليل كشفيا وضروراي
واجململ مفصال {ع}:
يطول اذا حررت تفصيل شرحه * واين خائف و وجل من ان ينجر األمر اىل
اساءة األدب.
بطريق املقربني بل املوافق حلاهلم طريق االبرار وما حصلوه من اليقني يف اجلملة فهو ايضا
غنيمة ينبغي أن أنمرهم بذلك الطريق {ع}:
لكل من االنسان شأن خيصه * ومل اجرتئ بتفصيل اساميهم فاهنم ال خيفون
عليكم والزايدة على ذلك خروج عن طور االدب ورأى املري السيد شاه حسني يوم حترير
العرض يف مشغوليته كأنه وصل اىل ابب عظيم ويقال له ان هذا ابب احلرية وقال ملا
نظرت اىل داخله رأيت فيه حضرة الشيخ وأنت معه وكلما أردت أن ارمي نفسي هناك ال
يساعدين رجلي.
{املكتوب الرابع يف بيان فضائل شهر رمضان املبارك وبيان احلقيقة احملمدية
عليه و على آله الصالة و السالم والتحية كتبه أيضاً اىل شيخه املعظم}
عريضة احقر اخلدام أنه قد طالت املدة ومل اطلع على أحوال خدمة العتبة العلية
من طريق املفاوضة الشريفة واملراسلة املنيفة وننتظر اآلن قدوم شهر رمضان املبارك وهلذا
الشهر مناسبة اتمة ابلقرآن اجمليد احلاوي جلميع الكماالت الذاتية والشؤونية الداخل يف
دائرة األصل حبيث مل يتطرق اليه الظلية أصال والقابلية األوىل ظله وهبذه املناسبة وقع نزوله
ضا َن الَّ ِذي اُن ِز َل فِ ِيه الْ ُق ْراَ ُن * البقرة )185 :مصدق
يف هذا الشهر قوله تعاىل ( َش ْه ُر َرَم َ
هلذا القول وهبذه املناسبة كان هذا الشهر جامعا جلميع اخلريات والربكات وكل بركة وخري
يصل اىل كل أحد من أي وجه كان يف متام السنة امنا هو قطرة من حبر بركات هذا الشهر
العظيم القدر الذي ال هناية له واجلمعية يف هذا الشهر سبب للجمعية يف مجيع السنة
والتفرقة فيه سبب للتفرقة يف كل السنة فطوىب ملن مضى عليه هذا الشهر املبارك وهو
راض عنه وويل ملن هو ساخط عليه فمنع من الربكات وحرم املربات واخلريات وأيضا ميكن
ان يكون وجه سنية ختم القرآن بواسطة حتصيل مجيع الكماالت األصلية والربكات الظلية
فمن مجع بينهما يرجي ان ال حيرم بركاته وال مينع من خرياته وان الربكات املتعلقة ابايم
- 14 -
هذا الشهر ال تشابه غريها واخلريات املتعلقة بلياليه ال يقاس عليها غريها ولعل سر احلكم
أبولوية تعجيل االفطار وأتخري السحور من هذه اجلهة ليحصل متام االمتياز بني اجزاء
الوقتني والقابلية األوىل اليت ذكرت آنفا واحلقيقة احملمدية على مظهرها الصالة و السالم
والتحية عبارة عنها ليست هي قابلية الذات لالتصاف جبميع الصفات كما حكم هبا
البعض بل هي قابلية الذات عز سلطاهنا لالعتبار العلمي الذي هو متعلق جبميع
الكماالت الذاتية والشؤونية وهو حاصل حقيقة القرآن اجمليد وقابلية االتصاف اليت هي
مناسبة ملوطن الصفات وبرزخ بني الذات والصفات هي حقائق سائر االنبياء على نبينا
وعليهم الصلوات و التسليمات وتلك القابلية مع مالحظة االعتبارات املندرجة فيها
صارت حقايق متعددة والقابلية اليت هي احلقيقة احملمدية وان كانت فيها ظلية لكن مل
ميتزج هبا لون الصفات ومل حيصل يف البني حائل اصال وحقائق مجاعة حممديي املشرب
قابليات الذا ت لالعتبار العلمي الذي يتعلق ببعض تلك الكماالت والقابلية احملمدية
برزخ بني الذات وبني هذه القابليات املتعددة وامنا حكم ذلك البعض مبا ذكر بواسطة ان
هلا موضع قدم فقط يف موطن الصفات وهناية عروج ذلك املوطن اىل تلك القابلية فال
جرم نسبها اليه صلّى هللا عليه و سلّم وملا كانت قابلية االتصاف غري مرتفعة اصال حكم
ذلك البعض ابلضرورة ابن احلقيقة احملمدية حائلة دائما واال فاحلقيقة احملمدية على
مظهرها الصلوة والتحية اليت هي جمرد اعتبار يف الذات ميكن ارتفاعها عن النظر بل هو
واقع وقابلية االتصاف وان كانت اعتبارية ايضا لكنها أخذت لون الصفات ووصفها
بواسطة الربزخية والصفات موجودة يف اخلارج بوجود زائد وارتفاعها خارج عن دائرة
االمكان فال جرم حكم بوجود ذلك احلائل دائما وامثال هذه العلوم اليت منشأها اجلامعية
بني االصالة والظلية واردة كثريا وأكثرها اكتبه يف االوراق ومقام القطبية منشأ دقائق علوم
مقام الظلية ومرتبة الفردية واسطة ورود معارف دائرة االصل واالمتياز بني الظل واألصل
ال يتيسر بدون اجتماع هاتني الدولتني وهلذا مل يقل بعض املشائخ بزايدة القابلية األوىل
اليت يقال هلا التعني األول على الذات وزعموا شهود تلك القابلية جتليا ذاتيا واحلق ما
- 15 -
حققت واألمر ما أوضحت وهللا سبحانه حيق احلق وهو يهدي السبيل والرسالة اليت كنت
مأمورا بتسويدها مل أوفق اىل اآلن المتامها بل بقيت مسودة كما هي ومل أدر يف هذا
التوقف ما احلكمة اآلهلية وزايدة اجلرأة بعيدة عن األدب.
فاذا تشرف واحد او اثنان من اكابر هذه السلسلة بعد قرون كثرية هبذه النسبة
فماذا يقولون يف سالسل أخر وهذه هي نسبة خواجه عبد اخلالق الغجدواين قدس سره
ومتممها ومكملها شيخ الشيوخ أعين حضرة اخلواجه هباء الدين املعروف ابلنقشبند قدس
سره وتشرف هبذه الدولة من خلفائه اخلواجه عالء الدين العطار قدس سره {ع}:
و تلك سعادات تكون نصيب من
و العجب من هذا األمر حيث كان كل بالء ومصيبة واقعة ابعثة على السرور
والفرح أوال وكنت أقول هل من مزيد وكلما فاتين شئ من متاع الدنيا كان يطيب به قليب
وكنت أمتن مثله وملا أنزلت اآلن اىل عامل االسباب ووقع نظري على عجزي وافتقاري
صار حيصل يل نوع حزن حبصول ضرر يسري يف أول وهلة وان زال بسرعة ومل يبق أصال
وكذا اذا دعوت هللا سبحانه لدفع بالء أو مصيبة ما كان املقصود منه رفع تلك املصيبة
بل الجل االمتثال المر ا ْدعُ ِوين واآلن صار املقصود من الدعاء رفع املصائب والبالء وقد
رجع اخلوف واحلزن اللذان قَ ْد َزاال من قبل وصار معلوما يل ان ذلك كان من السكر وأما
يف الصحو فكل ما هو موجود يف عوام الناس من العجز واالفتقار واخلوف واحلزن والغم
والفرح موجود يف صاحب الصحو ويف االبتداء وان مل يكن املقصود من الدعاء رفع البالء
ولكن ما كان قليب يطيب هبذا املعن اال أن احلال كان غالبا علي وكان أوال خيطر يف
البال أن دعوات االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات ليست من قبيل استدعاء حصول
املراد وملا شرفت اآلن بتلك احلالة صارت حقيقة االمر واضحة وعلمت أن دعوات
االنبيآء عليهم الصلوات والتحيات كانت على وجه العجز واالفتقار واخلوف واالنكسار
ال جملرد امتثال االمر وتصدر اجلرأة احياان بعرض بعض االمور الواقعة حسب االمر.
عريضة أقل العبيد امحد ان املقام الذي كان فوق احملدد وجدت روحي هناك
بطريق العروج وكان هلذا املقام اختصاص حبضرة اخلواجه النقشبند قدس سره االقدس مث
وجدت بدين العنصري هناك بعد زمان وخيل يل يف ذلك الوقت ان هذا العامل بتمامه من
العنصرايت والفلكيا ت انزل اىل التحت ومل يبق منه اسم وال رسم وملا مل يكن يف ذلك
املقام اال بعض االوليآء الكبار واآلن أجد متام العامل شريكا يل يف احملل واملقام حصلت
احلرية ابنه مع وجود االجنبية التامة أرى نفسي معهم واحلاصل تظهر احياان حالة ال أبقى
فيها اان وال العامل وال يظهر شئ ال يف النظر وال يف العلم وتلك احلالة مستمرة اىل اآلن
ووجود العامل حمتجب عن النظر والعلم مث ظهر يف ذلك املقام قصر عال قد وضع فيه
سالمل فطلعت فيه مث تنزل ذلك املقام ايضا ابلتدريج مثل العامل ووجدتين صاعدا ساعة
فساعة فصليت اتفاقا ركعيت شكر الوضوء فظهر مقام عال جدا فرأيت فيه االكابر
االربعة[ ]1النقشبنديني قدس هللا أسرارهم وكان فيه ايضا مشائخ آخرون مثل سيد الطائفة
وغريه وكان بعض من املشائخ فوق ذلك املقام ولكن كانوا قاعدين آخذين بقوائمه وكان
بعضهم حتته على تفاوت درجاهتم ووجدت نفسي بعيدا عن ذلك املقام جدا بل مل ار يف
نفسي مناسبة هبذا املقام فحصل يل من هذه الواقعة اضطراب اتم حت كدت اكون جمنوان
وخيرج روحي من بدين من فرط احلزن واالسف فمرت على هذه النهج أوقات مث رأيت
نفسي اخريا مناسبا لذلك املقام بتوجهاتكم العلية ووجدت رأسي أوال حماذاي لذلك املقام
مث صعدت تدرجيا وقعدت فوقه مث خطر يف ابيل بعد التوجه أن ذلك املقام مقام التكميل
التام يوصل اليه بعد متام السلوك وال حظ من ذلك املقام جملذوب مل يتم السلوك وخيل يل
يف ذلك الوقت أن الوصول اىل ذلك املقام من نتايج تلك الواقعة اليت كنت رأيتها حني
كوين يف مالزمتكم وهي أين رأيت سيدان عليا كرم هللا وجهه قد جاء وقال جئتك
العلمك علم السموات اخل وملا أمعنت النظر وجدت ذلك املقام خمصوصا بسيدان علي
( )1لعله اراد هبم اخلواجه عبداخلالق الغجدواين واخلواجه حممد هباء الدين النقشبند واخلواجه عالء الدين العطار
واخلواجه عبيدهللا االحرار قدس سرهم ملؤلفه عفي عنه (الرشحات)
- 19 -
كرم هللا وجهه من بني سائر اخللفاء الراشدين رضي هللا عنهم امجعني وهللا سبحانه و
تعاىل أعلم (واملعروض اثنيا) أنه يظهر يل أن االخالق السيئة ترتفع ساعة فساعة بعضها
خيرج من البدن مثل اخليط وبعضها مثل الدود وخييل يف بعض االوقات أن كلها قد زالت
مث يظهر يف وقت آخر (اثلثا) أن التوجه لدفع بعض االمراض والشدايد هل هو مشروط
ابن يعلم رضا احلق سبحانه أو ال أوال والظاهر من عبارة الرشحات املنقولة عن حضرة
اخلواجه يعين عبيد هللا اال حرار قدس هللا سره االقدس ان هذا ليس بشرط فبماذا حتكمون
يف هذا الباب مع ان التوجه غري مستحسن يعين عنده (رابعا) ان بعد حتقق احلضور يف
الطالبني هل يلزم املنع من الذكر واالمر ابحملافظة على احلضور أو ال مث أي مرتبة من
احلضور ال ذكر فيها مع ان البعض مل يرتك الذكر من االول اىل اآلخر ومل ميتنع من الذكر
أصال حت اهنى االمر اىل النهاية فما حقيقة االمر فيه ومباذا أتمرون (خامسا) ان حضرة
اخلواجه يعين عبيد هللا اال حرار قال يف الفقرات وأيمرون اخريا ابلذكر فان بعض املقاصد
ال يتيسر اال به وما هذه املقاصد فعينوه (سادسا) ان بعض الطالبني يطلبون تعليم الطريقة
اايهم ولكنهم ال حيتاطون يف اللقمة ومع عدم االحتياط قد حصلوا حضورا وحنوا من
االستغراق فان اكدان عليهم ابالحتياط يف اللقمة يرتكون الكل يعين خيتارون ترك الطريقة
ابلكلية من ضعف الطلب فما احلكم يف هذا الباب والبعض اآلخر يطلبون جمرد االتصال
هبذه السلسلة الشريفة بطريق االرادة من غري طلب تعليم الذكر وهل جيوز ذلك أو ال فان
كان جيوز فما طريقه وزايدة االنبساط خروج من االدب.
{املكتوب الثامن يف بيان االحوال املتعلقة مبرتبة البقاء والصحو كتبه أيضاً
اىل شيخه املعظم}
عريضة أقل العبيد امحد اين ملا اخرجت اىل الصحو وشرفت ابلبقاء اخذ تظهر
العلوم الغريبة واملعارف غري املتعارفة وتفاض على التواتر والتوايل واكثرها ال يوافق بيان
- 20 -
القوم واصطالحهم املتداول وكلما بينوه يف مسئلة وحدة الوجود وقالوا به قد شرفت به يف
اوائل احلال وتيسر شهود الوحدة يف الكثرة مث ترقيت من ذلك املقام بعناية امللك العالم
اىل ما فوقه بدرجات كثرية وفاض علي يف ضمن ذلك انواع العلوم ولكن ال يوجد يف
كالم القوم مصداق تلك املقامات ومصداق هاتيك املعارف واملقاالت صرحيا ويف كالم
بعض االكابر اشارات ورموز امجالية فيها ولكن الشاهد العدل لصحتها موافقتها لظاهر
الشريعة وامجاع علماء أهل السنة حبيث ال ختالف ظاهر الشريعة الغراء يف شئ وال توافق
اقوال الفالسفة واصوهلم املعقولة بل ال توافق اصول طائفة من العلماء االسالميني هلم
خمالفة الهل السنة وقد انكشف ان االستطاعة مع الفعل وان ال قدرة قبل الفعل بل
حتصل القدرة مقاران ابلفعل والتكليف مستند اىل سالمة االسباب واالعضاء كما قرره
علماء أهل السنة واجدين يف هذا املقام على قدم اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره
فانه كان يف هذا املقام وكان حلضرة اخلواجه عالء الدين العطار نصيب أيضا من هذا
املقام ومن أكابر هذه السلسلة العلية حضرة اخلواجه عبد اخلالق الغجدواين قدس هللا
تعاىل سره االقدس ومن املتقدمني الشيخ معروف الكرخي وداود الطائي واحلسن البصري
وحبيب العجمي قدس هللا اسرارهم املقدسة وحاصل هذه كلها كمال البعد والوحشة وقد
جاوز االمر املعاجلة وما دامت احلجب مسدولة كان للسعي واالهتمام لرفعها جمال واآلن
كانت عظمة االمر حجااب له {ع}:
فال طبيب هلا وال راق
وكاهنم مسوا كمال الوحشة وعدم املناسبة وصال واتصاال هيهات هيهات وهذا
البيت موافق للحال {شعر}:
اايك اي صاح ودعوى وصاله * اين احلضيض من السماك االعزل
اين الشهود ومن الشاهد وما املشهود {ع}:
و مت يرى للخلق نور مجاله
ما للرتاب ورب االرابب وامنا للعبد أن يعلم نفسه خملوقا غري قادر وكذلك له أن
- 21 -
يعتقد مجيع العامل كذلك وان يذعن ان اخلالق والقادر هو احلق عز و جل ال يثبت نسبة
غري هذا اصال فاين العينية واملرآتية {ع}:
و أبي مرآة غدا متصورا
وعلماء الظاهر من أهل السنة واجلماعة وان كانوا مقصرين يف بعض االعمال
ولكن يظهر يف النظر أن جلمال صحة عقايدهم من النورانية ما يضمحل فيه تقصرياهتم
وتتالشى وال يوجد ذلك يف بعض املتصوفة لعدم كمال صحة عقيدهتم يف الذات
والصفات مع وجود الرايضات واجملاهدات وقد حصلت يل حمبة كثرية يف حق العلماء
وطلبة العلوم وتستحسن يل سريهتم وامتن أن اكون يف زمرهتم ونتذاكر مع طلبة العلوم
التوضيح والتلويح من املقدمات االربع ونباحث معهم ونقرأ اهلداية ايضا من الفقه واشارك
العلماء أيضا يف القول ابالحاطة واملعية العلميتني وكذلك أعلم أن احلق سبحانه ليس
عني العامل وال متصال به وال منفصال عنه وال مع العامل وال مفارقا عنه وال حميطا به وال
ساراي فيه وأعلم ان الذوات والصفات كلها خملوقة له تعاىل ال ان صفات املخلوقات
صفات له تعاىل وافعاهلا افعاله سبحانه بل أعلم أن املؤثر يف االفعال امنا هو قدرته تعاىل
ال أتثري لقدرة املخلوق كما هو مذهب علماء املتكلمني وكذلك أعلم ان الصفات السبع
موجودة وأعلم أن احلق سبحانه مريد واتصور القدرة مبعن صحة الفعل والرتك بيقني ال
مبعن ان شاء فعل وان مل يشأ مل يفعل وال اقول ان الشرطية الثانية ممتنعة الوقوع كما قال
به احلكماء يعين الفالسفة السفهاء وبعض الصوفية فان هذا ينجر اىل القول ابالجياب
ويوافق اصول احلكماء واعتقد مسئلة القضاء والقدر على طور العلماء فان للمالك ان
يتصرف يف ملكه كيف يشاء وال ارى للقابلية واالستعداد دخال اصال فانه ينجر اىل
االجياب وه و سبحانه خمتار فعال ملا يريد و على هذا القياس وملا كان عرض االحوال من
مجلة الضرورايت اجرتأان بعرضها ابلضرورة {ع}:
على املرء أن ال جيهل الدهر طوره.
- 22 -
{املكتوب التاسع يف بيان االحوال املناسبة ملقام النزول كتبه أيضاً اىل
شيخه املكرم}
عريضة املدبر االسود الوجه املقصر سيئ اخللق مغرور الوقت واحلال الكامل
االجتهاد يف خمالفة املوىل * العامل برتك العزمية واألوىل * مزين موقع نظر اخللق * وخمرب
حمل نظر احلق * تعاىل وتقدس مقصور اهلمة يف تزيني الظاهر * منحرف الباطن من هذه
اجلهة حنو االغيار قاله مناف حلاله * وحاله مبين على خياله * فماذا حيصل من هذا املنام
واخليال * وماذا ينكشف من هذا القال واحلال * نقد الوقت االدابر واخلسارة *
والبضاعة الغباوة والضاللة * ونفسه مبدأ الشر والفساد * ومنشأ الظلم ومعصية رب
العباد * وابجلملة انه ذنوب جممسة * وعيوب جمتمعة * خرياته الئقة ابللعن والرد *
وحسناته مستحقة للطعن والطرد * رب[ ]1قارئ القرآن والقرآن يلعنه شاهد عدل يف
حقه وكم[ ]2من صائم ليس له من صيامه اال الظمأ واجلوع شاهد صدق يف شأنه * فويل
ملن كان هذا حاله ومنزلته وكماله ودرجته * استغفاره ذنب كسائر الذنوب بل أشد *
وتوبته معصية كسائر املعاصي بل اقبح * كل ما يفعله القبيح قبيح مصداق هذا القول
{ع}
من يزرع الشوك مل حيصد به عنبا
مرضه ذايت ال يقبل العالج ودائه اصلي ال ينفعه الدواء كفاسد املزاج ما ابلذات ال
ينفك عن الذات {شعر}:
اىن يزول من احلبوش سوادها * ان السواد ابصله هو لوهنا
ما اذا نصنع وما ظل مهم هللا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون نعم اخلري احملض
( )1ذكره الغزايل يف االحياء من قول انس بن مالك رضي هللا عنه وسكت عنه خمرجوا احاديثه قاطبة
( )2اخرجه ابن ماجة والنسائي بلفظ رب صائم ليس له من صيامه اال اجلوع ويف بعض طرقه اال العطش وذكر ابن
حجر عن النسائي وابن ماجة بلفظ كم من صائم ليس له من صومه اال اجلوع والعطش ويف رواية الدارمي كم من صائم
ليس له من صيامه اال الظمأ.
- 23 -
يستدعي شريرا حمضا لتظهر حقيقة اخلريية االشياء امنا تتبني بضدها فاخلري والكمال اذا
كاان مهيأين يلزمهما الشر والنقص فان احلسن واجلمال البد هلما من املرآة واملرآة ال
تكون اال يف مقابلة شئ فال جرم كان الشر مرآة للخري والنقص مرآة للكمال فما زاد فيه
النقص والشر يكون الكمال فيه أزيد واخلري اوفر والعجب ان هذا الذم كشف عن وجه
معن املدح وصار الشر والنقصان حمال للخري والكمال فال جرم يكون مقام العبدية فوق
مجيع املقامات فان هذا املعن امت واكمل يف مقام العبدية وامنا يتشرف هبذا املقام احملبوبون
وتلذذ احملبني امنا هو بذوق الشهود وااللتذاذ ابلعبدية واالنس هبا خمتصان ابحملبوبني انس
احملبني يف مشاهدة احملبوب وانس احملبوبني يف عبودية احملبوب فهم يتشرفون يف هذا االنس
بتلك الدولة والنعمة وفارس هذا امليدان على االطالق هو سند الدنيا والدين وسيد
االولني واآلخرين وحبيب رب العاملني عليه من الصلوات امتها ومن التحيات اكملها فان
اريد ايصال شخص اىل هذه الدولة مبحض الفضل جيعل اوال متحققا بكمال متابعته
عليه الصالة و السالم مث يرفع بتلك املتابعة اىل ذروة العال ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء
وهللا ذو الفضل العظيم واملراد من الشر والنقص العلم الذوقي هبما ال االتصاف هبما
وصاحب هذا العلم متخلق أبخالق هللا تعاىل شأنه وتقدس وهذا العلم من مجلة مثرات
ذلك التخلق فكيف يكون للشر والنقص جمال يف ذلك املوطن سوى تعلق العلم هبما
وهذا العلم امنا هو بواسطة الشهود التام للخري احملض الذي يرى الكل يف جنبه شرا وهذا
الشهود بعد نزول النفس املطمئنة اىل مقامها ولذلك ما دام العبد مل يسقط حظ نفسه ومل
يضرب به االرض ومل يبلغ امره هذه املرتبة ال نصيب له من كمال مواله جل شأنه فكيف
اذا اعتقد نفسه انه عني مواله وصفاته صفاته تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا وهذا االعتقاد
احلاد يف االمساء والصفات واراببه داخلون يف زمرة مصداق قوله تعاىل وذر الذين يلحدون
يف امسائه وليس كل من تقدمت جذبته على سلوكه من احملبوبني ولكن تقدم اجلذبة شرط
يف احملبوبية نعم يف كل جذبة نوع من معن احملبوبية فان اجلذب ال يكون بدونه وذلك
املعن حصل فيهم بسبب عارض من العوارض ال ذايت والذايت غري معلل بشئ من
- 24 -
االشياء اال ترى ان كل منته تتيسر له اجلذبة اخريا مع كونه داخال يف زمرة احملبني ظهر فيه
معن احملبوبية بواسطة عارض وهو ال يكفي فيه يعين حصول هذا املعن ال يكفي يف كون
السالك حمبواب وذلك العارض هو التزكية والتصفية و يكون الباعث على حصول هذا
املعن لبعض املبتدئني يف اجلملة اتباع النيب صلّى هللا عليه و سلّم ولو يف اجلملة بل
الباعث عليه يف املنتهى ايضا هو االتباع فقط وظهور ذلك املعن الذايت والفضلي يف
احملبوبني ايضا منوط ابتباعه صلّى هللا عليه و سلّم بل اقول ان ذلك املعن الذايت بواسطة
املناسبة الذاتية للنيب صلّى هللا عليه و سلّم واالسم الذي هو ربه واقع مناسبا لالسم الذي
هو ربه صلّى هللا عليه و سلّم يف حق تلك اخلصوصية وهبذا السبب اكتسب هذه
السعادة وهللا اعلم ابلصواب واليه املرجع واملآب وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل.
أبنه كان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم متواصل[ ]1احلزن دائم الفكر وقال النيب صلّى
هللا عليه و سلّم ما اوذي[ ]2نيب مثل ما اوذيت واحملبون هم املتحملون لثقل احملبة ومحل
هذا الثقل عسري على احملبوبني {ع}:
فيا هلا قصة يف شرحها طول.
{املكتوب احلادي عشر يف بيان بعض الكشوف وحصول مقام رؤية قصور
نفسه واهتامها يف مجيع االحوال وظهور معىن الكلمات الثالث للشيخ ايب
سعيد ايب اخلري وسرها وبيان احوال بعض اصحابه كتبه اىل شيخه املكرم
ايضا}
( )1هذا طرف من حديث طويل يف مشائل حليته صلّى هللا عليه و سلّم عزاه السيوطي يف مجع اجلوامع اىل ابن سعد
والرتمذي يف الشمائل والبيهقي يف الدالئل والشعب والطرباين يف الكبري والروايين وابن عساكر عن احلسن ابن علي عن
خاله ابن ايب هالة بلفظ كان متواصل االحزان دائم الفكر وال عربة ابنكار املنكر مبجرد عقله بعد ثبوته بنقل الثقات
وتقرير العلماء االثبات اه
( )2اخرجه ابن عدي وابن عساكر عن جابر رضي هللا عنه بلفظ ما اوذي احد ما أوذيت واخرجه امحد والرتمذي وابن
حبان عن انس مرفوعا لقد اوذيت يف هللا وما يؤذي احد واخفت يف هللا وما خياف احد اه
- 26 -
عريضة اقل العبيد امحد ان املقام الذي كنت رأيتين فيه سابقا وقع النظر على عبور
اخللفاء الثالثة منه بعد املالحظة حسب االمر الشريف وملا مل يكن يل فيه مقام واستقرار
مل ارهم فيه يف اول وهلة كما انه ال استقرار فيه وال ثبات الحد من ائمة اهل البيت غري
االمامني واالمام زين العابدين رضي هللا عنهم امجعني ولكن وقع هلم العبور منه وميكن
ادراكه بدقة النظر واما وجه رؤية نفسي أوال غري مناسب هلذا املقام فعدم املناسبة على
نوعني احدمها عدم ظهور طريق من الطرق فلو أريت الطريق لزال عدم املناسبة واثنيهما
عدم مناسبة مطلقا وهذا ال يقبل الزوال بوجه من الوجوه والطريق املوصل لذلك املقام
اثنان ال اثلث هلما اعين أنه ال يظهر يف النظر طريق غري هذين الطريقني احدمها رؤية
النقص والقصور واهتام النيات يف اخلريات مع قوة اجلذب واثنيهما صحبة مكمل جمذوب
قد أمت السلوك وقد رزقين هللا سبحانه الطريق االول على قدر االستعداد بيمن عنايتكم
العلية فانه ال يصدر عين من أعمال اخلري اال اهتم فيه نفسي بل ال اسرتيح وال يستقر قليب
اىل ان اهتم فيه نفسي واراين كانه مل يصدر عين عمل قابل لكتابة ملك اليمني واعتقد ان
صحيفة مييين خالية عن اعمال اخلري كتبتها معطلون من الكتابة فكيف اكون مستحقا
لقبول احلق جل وعال واعلم ان مجيع من يف العامل من كفار االفرنج والزاندقة واملالحدة
أفضل مين بوج وه وشر اجلميع أان وجهة اجلذبة وان متت بتمام السري اىل هللا ولكن كان
بعض لوازمه وتوابعه ابقيا ومت اآلن ذلك الباقي أيضا يف ضمن الفناء الذي وقع يف مركز
مقام السري يف هللا وكنت كتبت احوال ذلك الفناء يف العريضة السابقة ابلتمام ولعل املراد
ابلفناء الواقع يف كالم اخلواجه عبيد هللا االحرار قدس سره حيث قال قال االكابر هناية
هذا االمر الفناء هو ذلك الفناء الذي يتحقق بعد التجلي الذايت والتحقق ابلسري يف هللا
وفناء االرادة من مجلة شعب ذلك الفناء {شعر}:
ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل
والذين ال منا سبة هلم هبذا املقام فهم يف النظر طائفتان طائفة متوجهون اليه
وطالبون لطريق الوصول اليه وطائفة أخرى ال التفات هلم اليه وال توجه فيهم حنوه وتوجه
- 27 -
احلضرة يعين شيخه أشد ظهورا من الطريق الثاين من طريقي الوصول اليه وتظهر مناسبته
هلذا الطريق وحيث كنت مأمورا من جانب حضرتكم نتجاسر ابمثال هذه األمور امتثاال
لألمر واال فاان ذاك أمحد االمس مل اتغري أصال (واملعروض اثنيا) أنه قد ظهر يف اثناء
مالحظة ذلك املقام مرة اثنية مقامات أخر بعضها فوق بعض وملا وصلت اىل املقام
الذي فوق املقام السابق بعد التوجه ابالنكسار واظهار االفتقار تبني يل أنه مقام حضرة
ذي النورين رضي هللا عنه وللخلفاء الباقني عبور من ذلك املقام وهذا املقام مقام التكميل
واالرشاد أيضا يف هذه املرتبة وكذلك املقامان اللذان يذكران بعد مث وقع النظر على مقام
فوقه وملا وصلت اليه تبني يل أنه مقام حضرة الفاروق رضي هللا عنه وللخلفاء الباقني
عبور من ذلك املقام مث ظهر فوقه مقام الصديق االكرب رضي هللا عنه ووصلت اليه أيضا
ووجدت اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره رفيقا يل من بني املشائخ يف مجيع
املقامات ولسائر اخللفاء عبور من هذا املقام ال تفاوت اال يف العبور واملقام واملرور
والثبات وال يرى فوقه مقام أصال اال مقام خامت النبيني واملرسلني عليه من الصلوات
أكملها ومن التحيات أمتها وظهر يف حماذاة مقام الصديق االكرب رضي هللا عنه مقام آخر
نوراين عال جدا مل أر مثله قط وكان له ارتفاع يسري من ذلك املقام كما اذا رفعوا اللوح
من االرض وتبني يل انه مقام احملبوبية وكان ذلك املقام مزينا ومنقشا فوجدت نفسي أيضا
مزينا ومنقشا من انعكاسه مث وجدت نفسي بعد ذلك لطيفا يف تلك الكيفية ورأيتين
منتشرا يف اآلفاق مثل اهلواء وقطعة السحاب حت استوعبت بعض االطراف وحضرة
اخلواجه النقشبند يف مقام الصديق واجدين يف املقام احملاذي له بكيفية معروضة
(واملعروض اثلثا) أنه ال يرى ترك االشتغال هبذا العمل مرضيا كيف والعامل على شرف
الغرق يف جلة الضاللة ومن وجد يف نفسه قوة االخراج من تلك اللجة كيف يسوغ له ان
يسامح نفسه وان كان له أمر آخر امامه ولكن االشتغال هبذا العمل ضروري ومرضي
بشرط التزام االستغفار من بعض الوساوس واهلواجس الذي حيصل يف اثناء هذا العمل
وهبذا الشرط يكون داخال حتت الرضا واما بدون مالحظة هذا الشرط فال بل يبقى أدون
- 28 -
واما اخلواجه النقشبند واخلواجه عالء الدين العطار قدس سرمها فهذا العمل مرضي منهما
من غري مالحظة هذا الشرط واما عمل هذا الفقري فاحياان داخل يف الرضا من غري
مالحظة هذا الشرط واحياان يبقى أدون (ورابعا) أنه ذكر يف النفحات ان الشيخ ااب
سعيد ااب اخلري قال اذا مل يبق العني فأين يبقى األثر ال تبقي وال تذر وقد اشكل على هذا
الكالم يف أول النظر فان الشيخ حميي الدين واتباعه ذاهبون اىل ان زوال العني الذي هو
معلوم من معلومات هللا تعاىل حمال واال إلنقلب العلم جهال فاذا مل يزل العني أين يذهب
األثر وقد كان هذا الكالم متمكنا يف الذهن هبذا الوجه فلم ينحل كالم الشيخ أيب سعيد
قط مث كشف هللا سبحانه عن وجه سر هذا الكالم بعد التوجه التام وحتقق أنه ال يبقى
العني وال األثر ووجدت هذا املعن يف نفسي ايضا فلم يبق االشكال أصال وقد وقع النظر
على مقام هذه املعرفة ايضا رأيته عاليا جدا فوق املقام الذي بينه الشيخ واتباعه وال تنايف
بني هذين املبحثني فان أحدمها من مقام واآلخر من مقام آخر وتفصيله يف العريضة
موجب للتطويل واملالل (وقد ظهر) ايضا ما قاله الشيخ يعين أاب سعيد ااب اخلري من دوام
هذا[ ]1احلديث وان احلديث عبارة عماذا ودوامه ماذا ووجدت هذا احلديث يف نفسي
دائما ولو كان من النوادر (وأيضا) ال مييل قليب اىل مطالعة الكتب وال يطيب به اال ما
كان فيه ذكر مناقب املشائخ الكبار العالية وأحواهلم السامية الواقعة يف املقامات
فيستحسن يل مطالعة امثال ذلك وأحوال املشائخ املتقدمني أكثر رغبة فيها وال اقدر
على مطالعة كتب احلقائق واملعارف خصوصا كلمات توحيد الوجود وتنزالت املراتب
واراين يف هذا الباب كثري املناسبة للشيخ عالء الدولة ومتفقا معه يف الذوق واحلال يف
( )1وهذه القصة مذكورة يف النفحات قال فيه ان الشيخ ااب سعيد ااب اخلري قال الستاذه ايب علي الدقاق ان هذا
احلديث يكون دائما قال االستاذ ال فأطرق الشيخ مليا مث رفع رأسه وقال ان هذا احلديث كان دائما فقال االستاذ ال
ص َف َق
فاطرق الشيخ اثنيا مث رفع رأسه وقال ايها االستاذ ان هذا احلديث يدوم قال االستاذ ان كان دائما يكون اندرا فَ َ
الشيخ وقال هذا من تلك النوادر اهو املراد من هذا احلديث عند االمام الرابين قدس سره و على ما بينه يف حمل آخر
التجلي الذايت الربقي وهو دائمي عنده وان كان برقيا ابلنسبة اىل غريه كما يف بعض مكاتيبه اه
- 29 -
[]1
النكارها والتشديد على ارابهبا يعين كما هذه املسئلة ولكن العلم السابق ال يرتكين
صدر من الشيخ عآلء الدولة {وايضا} قد وقع التوجه لدفع بعض االمراض مرات وظهر
اثره وكذلك ظهرت احوال بعض املوتى اليت هي من عامل الربزخ ووقع التوجه ايضا لدفع
اآلالم والشدايد عنهم ولكن مل تبق اآلن قدرة التوجه فاين ال اقدر ان امجع نفسي بشئ
من االشياء بسبب أنه قد صدر بعض املصادرات والظلم واجلور يف حق الفقري من بعض
وجلُّوهم عن الوطن
الناس ومحلوا على الشدائد وظلموا مجعا كثريا من متعلقي هذا اجلانب َ
بغري حق ومع ذلك مل يقع الغبار على اخلاطر ومل يتطرق الكلفة والتضجر اىل القلب اصال
فضال عن صدور قصد االساءة اليهم واكتسب بعض االصحاب شهودا و معرفة يف مقام
اجلذبة ومل يضعوا اىل اآلن قدما يف منازل السلوك واان اذكر نبذة من احواهلم واعرضها
على حضرتكم عسى هللا سبحانه ان يشرفهم بدولة السلوك بعد متام جهة اجلذبة فاقول
ان الشيخ نورا مربوط وحمبوس يف ذلك املقام ومل يصل بعد اىل نقطة فوقانية من مقام
اجلذبة فانه يؤذي يف احلركات والسكنات وال مييز الطيبات من القبائح فوقع امره يف
التوقف بال اختيار وكذلك وقع التوقف يف امور اكثر االصحاب بواسطة عدم رعاية
اآلداب واان حريان يف هذا الباب فانه ال ارادة للتوقف من هذا الطرف بل االرادة لرتقيهم
ويقع املكث يف امورهم بال اختيار واال فالطريق أقرب ونزل موالان املعهود اىل النقطة
االخرية وامت امر اجلذبة ووصل اىل برزخية ذلك املقام واوصل الفرق من وجهه اىل النهاية
قد رأى الصفات اوال بل النور القائمة به الصفات مفارقا عن نفسه ووجد نفسه شبحا
خاليا مث رأى الصفات منفكة عن الذات ووصل هبذه الرؤية من مقام اجلذبة اىل االحدية
واآلن قد ذهل عن العامل وعن نفسه حبيث ال يقول ابالحاطة وال ابملعية وتوجهه اىل ابطن
البطون حبيث ال حاصل له غري احلرية واجلهالة ووصل السيد شاه حسني ايضا اىل قرب
النقطة االخرية من مقام اجلذبة على وجه وصل رأسه اىل النقطة وكذلك وجد الصفات
( )1يريد انه مع كونه يف مشرب الشيخ ركن الدولة عالء الدين السمناين يف تلك املعرفة ال ينكر اهل معارف وحدة
الوجود حلصوهلا له قبل ذلك عفي عنه
- 30 -
منكفة عن الذات ولكن جيد الذات االحد يف كل حمل وحيتظ ابلظاهر وكذلك ميان
جعفر وصل اىل قرب النقطة االخرية وكثريا ما يظهر ابلشوق والوله وقريب من الشاه
حسني ويظهر التفاوت ايضا يف بقية االصحاب وقد وصل ميان شيخن والشيخ عيسى
والشيخ كمال اىل النقطة الفوقانية من مقام اجلذبة والشيخ كمال أيضا متوجه اىل النزول
ووصل الشيخ انكوري حتت النقطة الفوقانية ولكن امامه مسافة كثرية وبلغ من
االصحاب الكائنني هنا مثانية او تسعة بل عشر اشخاص حتت النقطة الفوقانية وبلغ
بعضهم النقطة وبعضهم هتيأ للنزول وبعضهم قريب منها وبعضهم بعيد عنها وجيد الشيخ
ميان مزمل نفسه معدوما ويرى الصفات من االصل وجيد املطلق يف كل حمل ويرى
االشياء كالسراب عدمي االعتبار بل ال يرى شيئا ويظهر موالان املعهود يف هذا الباب على
وجه يكون اجازته لتعليم الطالبني من املرضيات لكن اجازة مناسبة للجذبة وان بقي
بعض االمور الالزمة االستفادة ولكنه استعجل يف الذهاب ومل يتوقف فاذا وصل اىل
احلضور االقدس أتمرونه مبا فيه صالح امره وما هو يف علم الفقري فقد عرضته عليكم
واحلكم عندكم وكان اخلواجه ضياء الدين حممد هنا اايما واكتسب احلضور واجلمعية يف
اجلملة مث مل يقدر آخر االمر ان جيمع خاطره من قلة اسباب املعيشة فتوجه حنو العسكر
وولد موالان شري حممد متوجه حنوكم للمالزمة وله حضور ومجعية يف اجلملة ومل يرتق كما
ينبغي بواسطة بعض املوانع وزايدة االنبساط بعيدة عن االدب (ع):
على املرأ ان ال جيهل الدهر طوره
مث عرضت بعد حترير العريضة كيفية وحالة ال ميكن بياهنا ابلتحرير وحتقق يف هذا
احملل فناء االرادة كما ان تعلق االرادة ابملرادات انعدم سابقا وبقي اصل االرادة كما
عرضته يف العريضة واآلن انقطع عرق االرادة ابلكلية فحينئذ ال مراد وال ارادة وظهرت
صورة هذا الفناء ايضا يف النظر وفاض بعض العلوم املناسب هلذا املقام وملا كان يف حترير
تلك العلوم تعسر بواسطة ضيق الوقت وغموض العلوم ال جرم صرفنا عنان القلم عن
حتريرها وحني التحقق هبذه الفناء وفيضان العلوم وقع نظرخاص على ما وراء الوحدة وان
- 31 -
كان عدم النظر اىل ما وراء الوحدة امرا مقررا بل ال نسبة فيه اصال لكن كلما اجده
اعرضه وال اجتاسر بكتابته اىل ان يبلغ مرتبة اليقني و ارى صورة ذلك املقام يف ما وراء
ال وحدة كآكرة وراء دهلي ومل يتطرق اليه شبهة قط وان مل تكن يف النظر وحدة وال ما
وراءها وال مقام آخر اعرفه بعنوان احلقية او اعرف ان احلق وراءه واحلرية واجلهالة على
صرافتهما ومل تتفاوات بسبب هذه الرؤية فال ادري ماذا اعرض فان الكل تناقض يف تناقض
ال ميكن ان يورد يف قيد القال وان كان احلال متحققا بال شبهة استغفر هللا واتوب اىل هللا
من مجيع ما كره هللا قوال وفعال وخاطر ا وانظرا وأيضا تبني يف هذا الوقت ان ما ظننته
سابقا من فناء الصفات كان يف احلقيقة فناء خصوصيات الصفات وما به امتيازها ملا
اندرجت الصفات يف ضمن الوحدة ارتفعت اخلصوصيات وتوهم من ذلك فناءها واآلن
قد اضمحل أصل الصفات وامنحى ومل يبق منها شئ ولو على سبيل االندماج واالندراج
ومل يرتك قهر االحدية شيئا قط ومل يبق التمييز الذي حصل من مرتبة العلم االمجايل أو
التفصيلي وصار النظر اىل اخلارج ابلتمام كان هللا ومل يكن معه شئ وهو اآلن كما كان
مطابق للحال يف هذا الوقت وكان سابقا العلم مبضمون هذا احلديث دون احلال واملرجو
حصول التنبيه على الصحة والسقم وقد يرى ملوالان القاسم على نصيب من مقام التكميل
وكذلك يرى من هذا املقام نصيب لبعض االصحاب وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال.
{املكتوب الثاين عشر يف بيان حصول الفناء والبقاء وظهور الوجه اخلاص
يف كل شئ وحقيقة السري يف هللا والتجلي الذايت الربقي وغري ذلك كتبه اىل
شيخه املعظم أيضا}
عريضة أقل العبيد أمحد ينهي اىل ذروة العرض انه ما يدري ماذا يعرض من
تقصرياته ما شاء هللا كان وما مل يشأ مل يكن وال حول وال قوة اال ابهلل العلي العظيم العلوم
اليت تتعلق مبقام الفناء يف هللا والبقاء ابهلل كشف عنها احلق سبحانه بعنايته وتبني أنه ما
- 32 -
الوجه اخلاص يف كل شئ وما معن السري يف هللا وما التجلي الذايت الربقي ومن حممدي
املشرب وما أشبه ذلك يقع االطالع يف كل مقام على لوازم ذلك املقام وضرورايته مث يقع
العبور عنه ومل يبق شئ مما أخرب عنه اولياء هللا تعاىل غري نبذة يسرية اال وقد أريته وأعلمته
قبل من قبل بال علة وكذلك ارى ذوات االشياء جمعولة وارى أصل القابليات
واالستعدادات جمعولة ومصنوعة وهللا سبحانه ليس مبحكوم القابليات فانه ال ينبغي أن
حيكم عليه بشئ ولنرتك زايدة االنبساط {ع}
على املرء ان ال جيهل الدهر طوره.
{املكتوب الثالث عشر يف بيان عدم هناية الطريق ومطابقة علوم احلقيقة
بعلوم الشريعة كتبه اىل شيخه املعظم}
املعروض من اقل العبيد أمحد انتهى الف انتهى من عدم هناية هذا الطريق مع هذه
السرعة يف السري وكثرة االرادات والعناايت ومن ههنا قال املشايخ ان السري اىل هللا مسافة
ِ ٍ الر ِ
وح ال َْي ِه ِيف يَـ ْوم َكا َن م ْق َد ُارهُ ِ
ج ال َْم ٰلئ َكةُ َو ُّ ُ مخسني الف سنة وكان يف قوله تعاىل (تَـ ْع ُر ُ
ْف َسنَ ٍة * املعارج )4 :امياء اىل هذا املعن وملا اجنر االمر اىل اليأس وانقطع ني اَل َ ِ
ََخْس َ
ش ُرث ِم ْن بَـ ْع ِد َماقَـنَطُوا َويَـْن ُالرجاء لزم االستمساك بقوله تعاىل ( َو ُه َو الَّ ِذي يُـنَـ ِّز ُل الْغَْي َ
َر ْمحَتَهُ * الشورى )68 :وكان قد وقع السري يف االشياء منذ اايم وملا غال املسرتشدون
وأ ْحلَّْوا اثنيا شرعت يف امورهم يف اجلملة ولكن ال اجد نفسي قابال لذلك املقام ولكن
أعلمهم شيئا على مقتضى املروءة واحلياء الكثارهم يف االحلاح واالبرام وقد كنت يف
مسئلة توحيد الوجود متوقفا سابقا كما حررته مكررا وكنت انسب االفعال والصفات اىل
االصل وملا صار حقيقة االمر معلوما تركت التوقف ووجدت القول ابن الكل منه أحسن
ورأيت الكمال فيه أزيد منه يف القول ابن الكل هو وعلمت االفعال والصفات بلون آخر
يعين بوجه آخر وأريت الكل واحدا واحدا و جوزي يب اىل الفوق ومل يبق ريب وال شبهة
- 33 -
اصال وجاءت الكشفيات كلها مطابقة للشريعة ال خمالفة فيها لظاهر الشريعة مقدار
شعرة وما بينه بعض الصوفية من الكشفيات املخالفة لظاهر الشريعة فهو اما من السهو
أو من السكر واال فال خمالفة بني الباطن والظاهر واملخالفة امنا تعرض للنظر يف اثناء
الطريق فيحتاج اىل التوجه واجلمع واما املنتهى احلقيقي فانه جيد الباطن موافقا لظاهر
الشريعة والفرق بني معرفة العلماء ومعرفة املشايخ الكرام هو ان العلماء يعرفون
ابالستدالل والعلم واملشائخ ابلكشف والذوق واي دليل ادل على صحة حاهلم من هذه
املطابقة يضيق صدري وال ينطلق لساين نقد الوقت وال ادري ماذا اعرض وقد كنت
موفقا لتسويد بعض االحوال وال ميكن حتريره يف العرائض ولعل يف ذلك حكمة واملسؤل
أن ال حترموا هذا احملروم املهجور من التوجه الذي هو للغرابء مبذول وان ال ترتكوه يف
الطريق {شعر}:
وأنت هلذا القول قد كنت مبدأ * فان فيه اطناب فمنك مسبب
و زايدة االنبساط جرأة {ع}:
على املرء أن ال جيهل الدهر طوره
{املكتوب الرابع عشر يف بيان حصول الوقائع اليت عرضت يف اثناء الطريق
وبيان احوال بعض املسرتشدين كتبه اىل شيخه املعظم أيضاً}
عريضة اقل العبيد أمحد ان التجليات اليت ظهرت يف مراتب االكوان وقد كنت
عرضت بعضها يف العريضة السابقة ظهرت بعدها مرتبة الوجوب اليت هي جامعة
للصفات الكلية ومتثلت يف صورة امرأة دميمة مسودة اللون مث جتلت بعد ذلك مرتبة
االحدية يف صورة رجل طويل قائم على جدار رقيق غري مرتفع وظهر كل واحد من هذين
التجليني بعنوان احلقانية خبالف التجليات السابقة فاهنا ما كانت هبذا العنوان وعرض يل
يف ذلك االثناء متين املوت وخيل يل كأين قائم على ساحل البحر احمليط الرمي فيه نفسي
- 34 -
ولكين مربوط ابحلبل على ورائي فال ميكن الدخول يف البحر وصار معلوما يل ان ذلك
احلبل عبارة عن التعلق ابلبدن فتمنيت انقطاع ذلك التعلق مث عرضت كيفية خاصة
فوجدت يف ذلك الوقت بطريق الذوق انه مل يبق يف القلب مقتضى غري احلق سبحانه مث
وقع النظر على الصفات الكلية الوجوبية اليت اكتسبت اخلصوصيات ابعتبار احملال
واملظاهر مث سقطت اخلصوصيات عنها بعد ذلك ابلتمام ومل تبق الصفات اال بعنوان
الكلية الوجودية ووقع النظر أيضا على صورة جتردها عن اخلصوصيات وحينئذ صار
معلوما ان الصفات قد اعطيت اآلن لألصل حقيقة وقبل جتردها عن اخلصوصيات مل
يكن معن العطائها األصل اللهم إال ان كان على طريق التجوز كما هو حال ارابب
التجلي الصوري وحتقق الفناء احلقيقي يف هذا الوقت وبعد التحقق هبذه احلالة وجدت
يف ويف غريي على هنج واحد وارتفع امتياز احملال وتيسر يف ذلك الوقت الصفات اليت َّ
التخلص عن بعض دقائق انواع الشرك اخلفي فلم يبق حينئذ العرش وال الفرش وال املكان
وال الزمان وال اجلهات وال احلدود فان تفكرت فرضا سنني ال حيصل العلم ابن ذرة من
يف وكان التعني يف صورة
العامل خملوقة مث وقع النظر على تعني نفسي والوجه اخلاص الذي َّ
ثوب ابل متمزق ملبوس لشخص وعلمت ان هذا الشخص هو الوجه اخلاص لكن مل
يتصور ذلك بعنوان احلقانية مث تعلق النظر بعد ذلك جبلد رقيق فوق ذلك الشخص
متصال به مث وجدت نفسي عني ذلك اجللد ورأيت ذلك الثوب الذي هو التعني اجنبيا
لنفسي يعين مفارقا ومنفكا عنه ووقع النظر على نور يف اجللد مث غاب ذلك النور بعد
ساعة عن النظر وارتفع اجللد والثوب أيضا عن النظر وبقيت تلك اجلهالة السابقة
ولنعرض تعبري صورة هذه الواقعة املذكورة على ما بلغه علمي ليعلم صحته وسقمه وهو ان
الصورة املذكورة عبارة عن العني الثابت كالربزخ بني الوجوب واالمكان حيث افرتق كل
واحد من طرفيه عن اآلخر وحتقق بكمال الفرق واجللد الذي وقع بني الثوب والنور برزخ
بني الوجود والعدم ووجد ان نفسي عني ذلك اجللد أخريا اشارة اىل وصويل اىل الربزخية
وقد كنت وجدتين سابقا يف الوقائع برزخا بني الوجود والعدم والظاهر ان ذلك كان
- 35 -
ابلنسبة اىل اآلفاق وهذا ابلنظر اىل النفس وقد ظهر يف ذلك فرق آخر ايضا ولكين نسيته
وقت الكتابة هذا وما هو احلاصل دائما هو النكارة واجلهالة ويظهر احياان مثل هذه
الشعبذة مث ينعدم وتبقى معرفته واعجز عن تعبري بعض الوقائع والذي يقع يف اخلاطر من
تعبريه ال اعتمد عليه وهبذا السبب أجتاسر يف العرائض رجاء حصول اليقني بتنبيه احلضرة
واملرجو تيسر النجاة عن التعلقات الدنية بتوجهاتكم العلية واال فاالمر مشكل جدا
{شعر}:
سود صفحته ولو هو من ملك
من مل يعنه مهيمن وخواصه * ال ّ
والشيخ طه ابن الشيخ عبد هللا النيازي الذي هو من مشاهري مشائخ سرهند وبينه
وبني احلاج عبد العزيز مودة اتمة استدعى تقبيل االقدام املباركة وفيه داعية االانبة
ايل ابلصدق واالنكسار فأمرته ابالستخارةوالدخول يف هذه الطريقة العلية الشريفة والتجأ َّ
وله مناسبة يف الظاهر واالصحاب الذين اخذوا الذكر هنا مشتغلون بطريق الرابطة يف
االكثر جيئ بعضهم أبخذ الرابطة ابلرؤية يف الواقعات وكان لبعضهم رابطة قبل اجمليئ من
دهلي يذهبون اوال ابحلضور واالستغراق وبعض منهم يعطي الصفات االصل يعين يراها
منه وبعضهم ال ولكن ال يذهب منهم احد على طريق توحيد الوجود واالنوار والكشوف
ووصل املنال قاسم علي واملنال مودود حممد وعبد املؤمن ظاهرا اىل نقطة فوقانية من مقام
اجلذبة ولكن املنال قاسم متوجه اىل النزول ونزول الباقيني ليس مبعلوم والشيخ نور ايضا
قريب من النقطة ومل يصل اليها بعد واملنال عبد الرمحن ايضا قريب من النقطة ولكن يف
البني مسافة قليلة وحصل للمنال عبد اهلادي فيه حضور مع االستغراق وهو يقول اشاهد
املطلق املنزه جل شأنه يف االشياء بصفة التنزيه وأرى االفعال أيضا منه تعاىل وما يفاض
على الطالبني واملستعدين فامنا هو من دولتكم وليس هلذا الفقري نصيب يف افاضاته
{ع}:
اان ذاك أمحد مل اكن متغريا
و قد قلتم يوما فيما بني واقعة من الوقائع انه لو مل يكن فيه معن احملبوبية لوقع
- 36 -
توقف كثري يف الوصول اىل املقصد وبينتم احملبوبية ايضا بعنايتكم ويل من ذلك الكالم
رجاء اتم وهذه اجلرأة كلها من ذلك.
{املكتوب اخلامس عشر يف بيان االحوال اليت هلا مناسبة ملقام اهلبوط
والنزول مع بعض االسرار املكنونة كتبه اىل شيخه املعظم أيضا}
عريضة احلاضر الغائب الواجد الفاقد املقبل املعرض انه طلبه مدة مديدة فوجد
نفسه مث اجنر أمره اىل مرتبة لو طلب نفسه وجده واآلن فقده ووجد نفسه ومع فقدانه
وغيبته ال يطلبه وال يستخرب عنه فمن حيث العلم حاضر وواجد ومقبل ومن جهة الذوق
غائب وفاقد ومعرض ظاهره بقاء وابطنه فناء ففي عني البقاء فان وف عني الفناء ابق
ولكن الفناء علمي والبقاء ذوقي وتقرر أمره على اهلبوط والنزول وامتنع عن الصعود
والعروج فكما رفعوه عن القلب اىل مقلب القلب كذلك انزلوه من مقلب القلب اىل مقام
القلب ومع ختلص الروح عن النفس وخروج النفس بعد االطمئنان من غلبات انوار الروح
جعلوه جامعا جلهيت الروح والنفس وشرفوه بربزخية هاتني اجلهتني واعطوه االستفادة من
فوق واالفادة اىل سفل معا بسبب هذه الربزخية ففي عني االستفادة مفيد ويف عني
االفادة مستفيد {شعر}:
فيا هلا قصة يف شرحها طول * وكم يراع اذا حررت ينكسر
(مث املعروض) ان اليد اليسرى عبارة عن مقام القلب احلاصل قبل العروج اىل
مقلب القلوب واما مقام القلب الذي يكون النزول اليه بعد اهلبوط من فوق فهو مقام
آخر فانه برزخ بني الشمال واليمني كما هو الظاهر الراببه واجملذوبون الذين ليس هلم
سلوك من أرابب القلوب والوصول اىل مقلب القلوب مربوط ابلسلوك وتعلق مقام
بشخص كناية عن حصول شأن خاص له يف ذلك املقام وله امتياز على حدة من أرابب
ذلك املقام ومن مجلة ذلك االمتياز سبقة االجنذاب فيما حنن فيه والبقاء اخلاص الذي
- 37 -
كان منشأ للعلوم واملعارف املناسبة لذلك املقام وحتقيق علوم مقام القلب وحقيقة اجلذبة
والسلوك والفناء والبقاء وامثال ذلك مكتوبة يف الرسالة املوعودة ابلتفصيل وتوجه السيد
شاه حسني ابالضطراب والعجلة فلم تكن فرصة لنقلها اىل البياض وتتشرف انشاء هللا
تعاىل على الفور مبطالعتكم والعزيز املتوقف نزل من فوق من مقام اجلذبة ولكن ليس
وجهه اىل العامل بل توجهه اىل جهة الفوق وملا كان عروجه اىل اجلهة الفوقانية ابلقسر
كانت له مناسبة ابلطبع للجذبة واستصحب معه شيئا يسريا وقت نزوله من فوق
وبضاعة نسبته اليت كانت من توجه القاسر وكان العروج اثر ذلك التوجه ابقية اىل االن يف
نسبة اجلذبة كالروح يف اجلسد وكالنور يف الظلمة ولكن هذه اجلذبة غري جذبة خواجكان
قدس هللا اسرارهم بل هي جذبة وصلت اىل خواجه عبيد هللا االحرار قدس سره من
آابئه[ ]1الكرام وكان الشأن اخلاص هلم يف ذلك املقام وقد رأى بعض الطالبني يف الواقعة
ان ذلك العزيز املتوقف اكل اخلواجه يعين املذكور آنفا ابلتمام وظهور اثر هذه الواقعة امنا
يكون يف هذا املقام وليس هلذه اجلذبة مناسبة ملقام االفادة فأن التوجه يف مقام هذه
اجلذبة اىل جهة الفوق دائما والسكر الدائمي الزمه وبعض مقامات اجلذبة منافية
للسلوك بعد الدخول فيه وبعض آخر ليس مبناف له بل يتوجهون الجل السلوك بعد
الدخول فيه وهذه اجلذبة منافية للسلوك بعد الدخول فيه وقد توجهت اىل ذلك املقام
وقت حترير العريضة وظهر بعض دقائقه وال يتيسر التوجه من غري ابعث وهللا سبحانه
أعلم حبقيقة احلال وقد نزل ذلك العزيز منذ أشهر ولكنه مل يكن داخال يف مقام اجلذبة
املذكورة ابلتمام واملانع عدم العلم بشأن ذلك املقام مع التوجهات املوجبة للتفرقة وتشتت
البال وعسى ان يتيسر الدخول فيه ابلتمام وقت مطالعة هذه الكلمات غري املرتبطة ولعله
ينزل بعد ذلك حضرة اخلواجه ابلتمام.
( )1يعين اجداده من طرف امه كالشيخ عمر الباغستاين واوالده واقرابئه كما هو مذكور يف الرشحات ملؤلفه عفي عنه
- 38 -
{املكتوب السادس عشر يف بيان احوال العروج والنزول وغريها كتبه اىل
شيخه املعظم ايضا}
عريضة احقر الطلبة أن موالان عالء الدين قد بلغ املكتوب املشتمل لاللتفات وقد
جعلت يف كشف كل من املقدمات املذكورة مسودة على مقتضى الوقت وكان بعض
متممات تلك العلوم املسطورة ومكمالهتا خمطورا ايضا ولكن مل توجد فرصة لتحريره لتوجه
حامل العريضة نرسله انشاء هللا تعاىل اىل خدمتكم سريعا وقد ارسلت اآلن رسالة أخرى
قد نقلت اىل البياض وكنت مجعتها بلتماس بعض االصحاب فاهنم التمسوا مين ان
اكتب هلم نصائح تكون انفعة يف الطريقة و يعملون مبضموهنا واحلق اهنا رسالة عدمية
النظري كثرية الربكة وكان بعد حتريره معلوما أن النيب صلّى هللا عليه و سلّم قد حضر مع
مجع كثري من مشائخ امته ويف يده املباركة هذه الرسالة وهو عليه الصالة و السالم يقبلها
من كمال كرمه ويريها املشائخ ويقول ينبغي ان حيصل مثل هذه املعتقدات واجلماعة
الذين استسعدوا هبذه العلوم نورانيون وممتازون و عزيزوا الوجود قائمون يف مقابلته عليه
الصالة و السالم واحلاصل أن النيب صلّى هللا عليه و سلّم امر هذا الفقري ابشاعة هذه
الواقعة واظهارها يف ذلك اجمللس {ع}:
ال عسر يف امر مع الكرام
وحني جئت من املالزمة مل تكن يف مناسبة كثرية ملقام االرشاد بواسطة وجود امليل
اىل جهة الفوق فاردت ان اقعد يف زاوية اوقاات وظهر الناس يف النظر مثل النمر واالسد
وكان عزم العزلة واالنزواء مصمما ولكن مل تقع االستخارة موافقة للمطلوب والعروج اىل
غاية غاايت مدارج القرب وان مل تكن هلا غاية قد تيسر وال يزال يتيسر واالحوال يف
التقلب دائما كل يوم هو يف شان وجوزي يب مقامات مجيع املشائخ اال ما شاء هللا
{شعر}:
و تداولت ايدي الكرام وردة * حت اىل العايل اجلناب ترقت
- 39 -
فان عددت توسط روحانية املشايخ يف ذلك ينجر اىل االطناب والتطويل وابجلملة
قد جوزي يب من مجيع مقامات االصل كمجاوزيت مقامات الظل فماذا أبني من العناايت
العدمية الغاايت قبل من قبل بال علة وعرض عل َّي من وجوه الوالايت وكماالهتا ما ال
ميكن حتريره وانزلت يف ذي احلجة اىل مقام القلب من مدارج النزول وهذا املقام مقام
التكميل واالرشاد ولكن البد من اشياء لتتميم هذا املقام وتكميله ومت يتيسر ذلك
واالمر ليس بسهل ومع وجود املرادية يقطع من املنازل ما لو اعطي املريدون عمر نوح ال
يعلم تيسره بل هذه الوجوه خمصوصة للمرادين وال حمل هنا للمريدين وهناية عروج االفراد
ضل ِ
هللا يُـ ْؤتِ ِيه َم ْن يَ َ اىل بداية مقام االصل فحسب وال جماوزة لالفراد منها ( ٰذلِ َ
شآءُ ك فَ ْ ُ
ض ِل ال َْع ِظ ِيم * اجلمعة )4 :وهذا هو وجه التوقف يف مراتب التكميل َو هللاُ ذُو الْ َف ْ
واالرشاد وعدم النورانية امنا هو بواسطة ظهور نور ظلمة الغيب ال شئ آخر وقد يعجن
الناس يف متخيالهتم اشياء ال ينبغي اعتبارها {شعر}:
كيف يدري االغبيا حال الكرام * فاقصر االقوال واسكت و السالم
واحتمال الضرر غالب يف ختيل مثل هذه الظنون فينبغي امر هؤالء اجلماعة
ابغماض نظر خياالهتم عن احوال هذا املكسور البال فان مثل هذا النظر له جمال يف
حمال أخرى كثرية {شعر}:
من كم شده ام مرا جموييد * ابكم شد كان سخن مكوييد.
{ترمجة}
كفو املالم عن الذي افن وجو * ده يف االله واحذروا من أبسه
ينبغي التفكر يف غرية احلق جل سلطانه فان التكلم والتقول يف تنقيص امر يريد
احلق سبحانه كماله غري مناسب جدا بل هو يف احلقيقة معارضته تعاىل والنزول يف مقام
القلب املار ذكره آنفا نزول يف مقام الفرق يف احلقيقة الذي هو مقام االرشاد والفرق يف
هذا املوطن عبارة عن امتياز النفس عن الروح والروح عن النفس بعد دخول النفس يف
- 40 -
نور الروح الذي هو اجلمع وما فهم من اجلمع والفرق قبل ذلك فهو من السكر فان رؤية
احلق مفارقا ومنفكا عن اخللق اليت يزعموهنا مقام الفرق ال حقيقة هلا بل يزعمون الروح
املذكورة حقا ويزعمون رؤية مفارقتها وامتيازها عن النفس رؤية مفارقة احلق وامتيازه تعاىل
وتقدس عن اخللق و على هذا القياس اكثر علوم ارابب السكر فان حقيقة االمر مفقودة
مثة واالمر عند هللا سبحانه وقد حررت علوم ارابب اجلذبة والسلوك وحقيقة كل من
هذين املقامني ابلتفصيل يف رسالة أخرى وستشرف بوقوع النظر الشريف عليها انشاء هللا
تعاىل.
{املكتوب السابع عشر يف األحوال املتعلقة ابلعروج والنزول كتبه اىل شيخه
املكرم أيضا}
عريضة احقر اخلدمة ان العزيز الذي كان متوقفا منذ أوقات ظهر يوم التحرير أنه
عرج من ذلك املقام بنحو من العروج ونزل التحت ولكنه ما نزل ابلتمام والبقااي الذين
كانوا حتت هذا املقام عرجوا ايضا وتوجهوا حنو النزول من طريق ذلك املقام الفوقاين وكل
كيفية تظهر بعد هذا نعرضها فان كتب صاحب املعاملة شيئا بعد انكشاف حاله لكان
أقرب اىل الصواب وملا كان حدوث قضية هذا النزول قواي ودفعيا وقد طرأ على الفقري
ضعف بواسطة تناول اجلالّب مل اشتغل أبمر هذا النزول ومل انظر اىل مآله وسيظهر ان
شاء هللا تعاىل.
{املكتوب الثامن عشر يف التمكني الذي حيصل بعد التلوين وبيان مراتب
الوالايت الثالث وبيان ان وجود الواجب تعاىل زائد على ذاته تعاىل وغري
ذلك كتبه اىل شيخه املكرم ايضا}
- 41 -
عريضة أقل العبيد ذي التقصري أمحد بن عبد االحد أنه ما دامت االحوال واردة
كنا نتجاسر بعرضها وملا حرر احلق سبحانه من رقية االحوال بربكة توجهاتكم العلية
وشرف ابلتمكني بعد التخليص من التلوين ما بقي يف اليد حاصل األمر غري احلرية
والعجز وما حصل من الوصل سوى اهلجر والفصل ومن القرب غري البعد ومل يزد من
املعرفة غري النكرة ومن العلم غري اجلهل فال جرم وقع التوقف يف تقدمي العرائض ومل اجتاسر
مبجرد عرض أحوال اايم الفراق ومع ذلك قد استولت الربودة على القلب على هنج ال
يف اىل أمر ما أصال وال شوق وال اقدر على االشتغال بعمل كما هو ديدن ارابب ميل َّ
البطالة {شعر}:
و اين ال شئ ومن ذاك انقص * ومن هو ال شئ يكون معطال
و لنرجع اىل أصل املقصود ونقول والعجب ان احلق سبحانه قد شرفين اآلن مبقام
حق اليقني الذي ليس العلم والعني فيه بعضه حجااب عن بعض والفناء والبقاء جمتمعان
فيه ويف عني احلرية وفقدان األمارة علم وشعور ويف نفس الغيبة انس وحضور ومع وجود
العلم واملعرفة ال حيصل سوى ازدايد اجلهل والنكرة {ع}:
اال فاعجبوا من واصل متحري
وقد رزق هللا تعاىل مبحض عنايته اليت ليست هلا هناية يف مدارج القرب والكماالت
ترقيات بال هناية ففوق مقام الوالية مقام الشهادة ونسبة الوالية اىل الشهادة كنسبة
التجلي الصوري اىل التجلي الذايت بل ب ْعد ما بينهما أكثر من ب ْعد ما بني هذين التجليني
كذا مرة وفوق مقام الشهادة مقام الصديقية والتفاوت فيما بني هذين املقامني أجل من
ان يعرب عنه بعبارة واعظم من ان يشار اليه ابشارة وليس فوقه مقام اال مقام النبوة على
أهلها الصالة و السالم والتحية وال ينبغي ان يكون مقام بني الصديقية والنبوة بل هو
حمال وهذا احلكم أعين احلكم ابالستحالة علم بكشف صريح صحيح وما اثبته بعض
اهل هللا من الواسطة بني هذين املقامني ومسوها مبقام القرب قد شرفت به أيضا واطلعت
على حقيقته بعد توجه كثري وتضرع غزير ظهر اوال على طور بينه بعض االكابر مث صارت
- 42 -
حقيقة األمر معلومة نعم ان حصول هذا املقام امنا هو بعد حصول مقام الصديقية وقت
العروج ولكن كونه واسطة حمل أتمل وسنعرض حقيقة األمر ابلتفصيل بعد حصول
املالزمة الصورية ان شاء هللا تعاىل وذلك املقام عال جدا وال يعلم يف منازل العروج مقام
فوقه ويظهر يف هذا املقام زايدة الوجود على ذات هللا عز و جل كما هو املقرر عند
علماء أهل احلق شكر هللا تعاىل سعيهم ويبقى الوجود هنا ايضا يف الطريق ويقع العروج
فوقه كما قال الشيخ أبو املكارم ركن الدين عالء الدولة يف بعض مصنفاته وفوق عامل
الوجود عامل امللك الودود ومقام الصديقية من مقامات البقاء اليت هي انظرة اىل العامل
واسفل[ ]1منه مقام النبوة ويف احلقيقة هو أعلى منه وهو مقام كمال الصحو والبقاء وليس
ملقام القرب لياقة الربزخية بني هذين املقامني فانه انظر اىل التنزيه الصرف ومتام العروج
شتان ما بينهما {شعر}:
قد امسكوين وراء املرئ كدرهتم * أقول ما قال يل استاذي األزيل
وقد صارت العلوم الشرعية النظرية االستداللية ضرورية كشفية ال خمالفة بينها وبني
اصول علماء الشريعة مقدار شعرة وامنا جعلت تلك العلوم االمجالية تفصيلية واخرجت
من النظرية اىل الضرورية سئل اخلواجه االعظم يعين هباء الدين النقشبند قدس سره أنه ما
املقصود من السلوك فقال املقصود منه كون املعرفة االمجالية تفصيلية واالستداللية كشفية
ومل يقل حصول علوم سواها نعم يظهر يف الطريق علوم كثرية ومعارف غزيرة ولكن ينبغي
ان جياوزها ومادام السالك مل يصل اىل هناية النهاايت اليت هي مقام الصديقية ال يكون له
نصيب من هذه العلوم احلقيقية واملعارف اليقينية فيا ليت شعري ان من أهل هللا القائلني
حبصول هذا املقام الشريف النفسهم وليس هلم مناسبة بعلوم هذا املقام ومعارفه فما وجهه
وفوق كل ذي علم عليم واطلعت أيضا على سر مسئلة القضاء والقدر وعلمتها على هنج
ال تقع املخالفة بينها وبني أصول ظاهر الشريعة الغرآء بوجه من الوجوه مربأة ومنزهة عن
نقص االجياب وشائبة اجلرب ويف الظهور كالقمر ليلة البدر والعجب ما وجه اخفائها مع
( )1يعين يف مراتب النزول والبقاء وهلذا قال وهو يف احلقيقة اعلى منه فافهم عفي عنه
- 43 -
عدم خمالفتها أصول الشريعة فلو كانت فيها شائبة املخالفة لكان للسرت واالخفاء شئ
من املناسبة ال يسئل عما يفعل {شعر}:
ومن الذي يف فعله يتكلم * دون الرضا اي صاح والتسليم
وتفاض العلوم واملعارف مثل فيضان املطر من سحاب الربيع حبيث تعجز القوة
املدركة عن حتملها واطالق القوة املدركة جمرد تعبري واال فال حيمل عطااي امللك اال مطاايه
وقد كان يف االوائل شوق قيد هذه العلوم الغريبة ابلكتابة ولكين مل أوفق لذلك وكان يل
حترج وثقل من هذه اجلهة فسليت آخر األمر ابن املقصود من افاضة هذه العلوم حصول
امللكة ال حفظها كما ان طلبة العلوم حيصلون العلوم لينالوا ملكة املولوية ال اهنم حيصلوهنا
الجل حفظ أصول الصرف والنحو وغريمها ولنعرض بعض العلوم املذكورة قال هللا تعاىل
صريُ * الشورى )11 :اول هذا الكالم اثبات التنزيه الس ِميع الْب ِ (لَي ِ ِ ِ
س َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ
ْ َ
صريُ * الشورى)11 : الس ِميع الْب ِ
احملض كما هو الظاهر وقوله سبحانه و تعاىل ( َو ُه َو َّ ُ َ
متمم ومكمل للتنزيه وبيانه أن ثبوت السمع والبصر للمخلوق ملا كان مومها لثبوت
املماثلة ولو يف اجلملة نفى هللا سبحانه عنهم السمع والبصر لدفع هذا الوهم يعين أن
السميع والبصري هو تعاىل ليس اال والسمع والبصر املوجوداتن يف املخلوقات ليس هلما
مدخل يف السماع والرؤية فكما ان احلق سبحانه خلق السمع والبصر كذلك خيلق
السماع والرؤية بعد خلق هاتني الصفتني بطريق جرى العادة من غري أتثري لصفاهتم ولو
قلن ا ابلتأثري فالتأثري فيها أيضا خملوق فكما أن ذواهتم مجاد حمض كذلك صفاهتم أيضا
مجاد حمض مثال اذا خلق القادر مبحض قدرته كالما يف احلجر ال يقال ان احلجر متكلم
يف احلقيقة وان له صفة الكالم ويف هذه الصورة كما ان احلجر مجاد كذلك هذه الصفة
لو فرض اهنا موجودة فيه أيضا مجاد ال مدخل له اصال يف ظهور احلرف والصوت ومجيع
الصفات من هذا القبيل غاية ما يف الباب ان هاتني الصفتني ملا كانت اظهر من غريمها
خصهما هللا تعاىل بنفيهما و يكون لزوم نفي البواقي منها ابلطريق األوىل وخلق هللا
سبحانه يعين يف املخلوق اوال صفة العلم مث خلق توجهه حنو املعلوم مث خلق تعلقها به مث
- 44 -
جعل ذلك املعلوم منكشفا له مث خلق االنكشاف فيه بعد خلق صفة العلم مبجرد جري
العادة فعلم ان ال مدخل للعلم يف االنكشاف وكذلك خلق فيه أوال صفة السمع مث خلق
االصغاء والتوجه اىل املسموع مث خلق السماع مث خلق ادراك املسموع وكذلك خلق فيه
البصر اوال مث تقليب احلدقة والتوجه حنو املرئي مث الرؤية مث ادراك املرئي و على هذا القياس
سائر الصفات والسميع والبصري امنا هو من يكون مبدأ مساعه ورؤيته هاتني الصفتني ومن
ليس كذلك فليس بسميع وال بصري فتحقق ان صفات املخلوقني مجادات كذواهتم
فاملقصود من آخر الكالم نفي الصفات عنهم رأسا ال ان هلم صفات وتلك الصفات
اثبتة له سبحانه حت يكون مجعا بني التنزيه والتشبيه بل متام اآلية الكرمية الثبات التنزيه
ونفي املمثالة رأسا والعلم االول اعين اثبات صفات هؤالء للحق سبحانه واعتقاد ذواهتم
مجادا حمضا وزعمها يف ظه ور هذه الصفات منهم مثل الدن والكوز يف ظهور املاء منهما
من العلوم املناسبة ملقام الوالية والعلم الثاين اعين وجدان صفات هؤالء مثل اجلمادات
ت َواِ َّهنُ ْم َميِّتُو َن * الزمر:
ك َميِّ ٌ ِ
واعتقاداهتم ال شعور هلم كاالموات كما قال هللا تعاىل (انَّ َ
)30من العلوم املن اسبة ملقام الشهادة ومن هنا أيضا يعلم التفاوت بني هذين املقامني
القليل يدل على الكثري والقطرة تنبئ عن الغدير {ع}:
و عام الرخص يعلم من ربيع
وكذلك جيد ارابب هذا املقام العايل أفعال املخلوقات كامليت واجلماد ال اهنم
ينسبون افعاهلم اىل احلق سبحانه ويقولون ان فاعل هذه االفعال هو هللا تعاىل عن ذلك
علوا كبريا مثال اذا حرك شخص حجرا ال يقال ان هذا الشخص متحرك بل هو موجد
للحركة يف احلجر واملتحرك امنا هو احلجر وكما ان احلجر مجاد حمض كذلك حركته مجاد
صرف فان هلك بتلك احلركة فرضا شخص ال يقال انه قتله حجر بل يقال قتله ذلك
الشخص الذي حرك احلجر وقول علماء الشريعة شكر هللا تعاىل سعيهم موافق هلذا العلم
فاهنم يقولون ان مفعول املخلوقات مصنوع احلق سبحانه مع وجود صدور االفعال عنهم
ابالرادة واالختيار وال مدخل الفعاهلم يف مصنوعيته وافعاهلم عبارة عن حركات شت من
- 45 -
غري أن يكون هلا أتثري يف جمعولية املعمول {فان قيل} فعلى هذا يكون جعل افعاهلم
مناطا للثواب والعقاب غري معقول و يكون كتكليف حجر أبمر وترتيب ذم ومدح على
فعله {قلت} فرق بني احلجر واملكلفني فان مناط التكليف القدرة واالرادة واحلجر ال
قدرة فيه وال ارادة خبالف املكلفني فان فيهم ارادة ولكن ملا كانت ارادهتم أيضا خملوقة
للحق سبحانه من غري أتثري هلا يف حصول املراد كانت تلك االرادة أيضا كامليت وفائدهتا
امنا هي كون املراد خملوقا بعد حتققها بطريق جري العادة ولو قيل ان قدرة املخلوق مؤثرة
ولو يف اجلملة كما ذهب اليه علماء ما وراء النهر فذلك التأثري ايضا خملوق فيها كما هي
خملوقة بنفسها ففي أتثريها ال اختيار له اصال فيكون أتثريها أيضا كاجلماد مثال اذا رأى
شخص حجرا انزال من فوق بتحريك حمرك واهلك حيواان فكما أن ذلك الشخص يعتقد
ان هذا احلجر مجاد كذلك يعتقد ان فعله الذي هو حركته مجاد ويعتقد ان االثر املرتتب
لذلك الفعل اعين اهلالك أيضا مجاد فالذوات والصفات واالفعال كلها مجادات حمضة
واموات صرفة فهو احلي القيوم وهو السميع البصري وهو العليم اخلبري وهو الفعال ملا يريد
قل لو كان البحر مدادا لكلمات ريب لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ريب ولو جئنا مبثله
مددا وقد كثرت اساءة االدب وجاوز االنبساط احلد فماذا اصنع فان مجال الكالم الذي
هو من اجلميل املطلق اوردين مورد ان يظن ان الكالم كلما يطول يزداد حسنا وكلما يقال
حاكيا عنه يكون من اللذة واحلالوة يف املقام االسين مع اين ال اجد يف نفسي مناسبة
الن اتكلم من ذلك اجلناب او اتفوه ابمسه {شعر}:
غسلت مباء الورد واملسك الف * مّرة يف بعد لست اهال لذكره.
{ع}:
على املرء ان ال جيهل الدهر طوره
واملرجو بذل التوجه والعناية وماذا اعرض من سوء احوايل وكل ما اجد يف نفسي
فهو من عناايت مبدأ ذلك التوجه العايل واال {ع}:
اان ذاك أمحد مل أكن متغريا
- 46 -
وظهر للميان شاه حسني طريق التوحيد فهو اآلن حمظوظ به وخيطر يف البال
اخراجه منه ليبلغ احلرية فاهنا مقصودة وحممد صادق ال يقدر ان يضبط نفسه لصغره فان
كان رفيقا يف السفر ينال ترقيات كثرية وقد كان يف سري سفح اجلبل رفيقا فنال ترقيا كثريا
وجترع من حبر احلرية فله مناسبة اتمة للفقري يف احلرية والشيخ نور ايضا يف ذلك املقام وقد
ترقى ترقيا كثريا ومن اقرابء هذا الفقري غالم له حال عال جدا قريب من التجليات الربقية
بل مستسعد هبا.
{املكتوب التاسع عشر يف تفويض بعض ارابب احلوائج كتبه اىل شيخه
املكرم ايضا}
عريضة احقر ا خلدمة انه جاء شخص من العسكر واخرب ان مبلغ ارابب وظائف
فقراء دهلي وسرهند يعين وظائفهم قد منع واحيل على مالزمي العتبة العلية من اجل
مادة فصل اخلريف املار ليوصلوا اىل املستحقني بعد التحقيق احلقيقي فبناء على ذلك
صدر اجلرأة فان كان هذا اخلرب صدقا حيال على حامل العريضة الف درهم فصالنه ابسم
الشيخ احلافظ ايب احلسن وهو من اهل العلم والف درهم فصالنه ابسم الشيخ احلافظ
شاه حممد من وكالء الشيخ نواب املقررة ومها حيان قائمان ليس فيهما شائبة االشتباه
وقد ارسل كل منهما وكيله املعتمد واملشار اليهما يف سرهند.
{املكتوب العشرون يف تفويض بعض ارابب احلوائج كتبه اىل شيخه املعظم
ايضا}
عريضة احقر اخلدمة انه قد صدر منا تشويش اوقات خادمي العتبة العلية مكررا
يف ابب وظائف والدة حبيب هللا السرهندي ومنكوحته وخمادمي أخرى ممن ذكروا يف ضمن
- 47 -
العريضة فان كان مبلغ وظائف املشار اليهم يف دهلي فأمروا موالان عليا بتسليمه اليهم
وقد جاء بعضهم بطريق الوكالة وبعضهم بطريق االصالة فان مل يكن مبلغهم يف دهلي
فاملشار اليهم احياء قائمون يلتمسون تصحيح حصصهم والزايدة على ذلك انبساط.
درجاهتا هي اليت على قدم نبينا عليه و على مجيع اخوانه من الصلوات امتها ومن
التحيات امينها اذ التجلي الذايت الذي ال اعتبار فيه لالمساء والصفات والشؤون
واالعتبارات ال ابالجياب وال ابلسلب خمصوص بواليته صلّى هللا عليه و سلّم وخرق مجيع
احلجب الوجودية واالعتبارية علما وعينا يتحقق يف هذا املقام فحينئذ حيصل الوصل
عرايان ويتحقق الوجد حقيقة ال حسباان وللكمل من متابعيه عليه الصالة والتحية نصيب
كامل وحظ وافر من هذا املقام العزيز وجوده فعليكم ابتباعه صلّى هللا عليه و سلّم ان
كنتم متوجهني اىل حتصيل هذه الوالية القصوي وتكميل هذه الدرجة العليا وهذا التجلي
الذايت برقي عند اكث ر املشائخ رمحهم هللا تعاىل يعين ان خرق احلجب عن حضرة الذات
جل سلطانه يكون يف زمان يسري كالربق مث تسدل حجب االمساء والصفات ويسرت
سطوات انوار الذات تعاىل فيكون احلضور الذايت حملة كالربق والغيبة الذاتيةكثرية جدا
وعند اكابر املشائخ النقشبندية قدس هللا اسرارهم هذا احلضور الذايت دائمي وال عربة
عندهم للحضور الزائل املتبدل ابلغيبة فيكون كمال هؤالء االكابر فوق مجيع الكماالت
ونسبتهم فوق مجيع النسب كما وقع يف عباراهتم ان نسبتنا فوق مجيع النسب وارادوا
ابلنسبة احلضور الذايت الدائمي واعجب من ذلك ان النهاية يف طريقة هؤالء الكمل
مندرجة يف البداية واقتداؤهم يف ذلك بصحابة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وابرك
وكرم فاهنم يف اول صحبة النيب عليه الصالة و السالم انلوا ما يتيسر يف النهاية وذلك
ابندراج النهاية يف البداية فكما كانت والية حممد رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم
فوق والايت مجيع االنبياء والرسل عليهم الصلوات و التسليمات كذلك كانت والية
هوالء االكابر فوق مجيع والايت االولياء قدس هللا تعاىل اسرارهم كيف وان واليتهم
منسوبة اىل الصديق األكرب ت عم الفراد من كمل املشائخ قد حصلت هذه النسبة لكن
ابقتباس من الصديق االكرب رضي هللا تعاىل عنه كما اخرب ابو سعيد عن دوام هذا
احلديث وقد وصلت جبة الصديق االكرب رضي هللا عنه اىل هذا الشيخ ايب سعيد كما
نقل صاحب النفحات والغرض من اظهار بعض كماالت هذه الطريقة العلية النقشبندية
- 49 -
ترغيب الطالب يف هذه الطريقة واال فما يل ولشرح كماالهتا قال املولوي يف املثنوي
شعر:
مل يناسب شرحه للخلق بل * حق ان خيفى كعشق يف املثل
غري اين صفته كي يرغبوا * فيه قبل الفوت كيال حيزنوا
و السالم عليكم و على مجيع من اتبع اهلدى.
{املكتوب الثاين والعشرون ارسل اىل الشيخ عبد اجمليد بن الشيخ حممد
املفيت الالهوري يف بيان وجه التعلق بني الروح والنفس وبيان عروجهما
ونزوهلما وبيان الفناء اجلسدي والروحي وبقائهما وبيان مقام الدعوة والفرق
بني املستهلكني من االولياء والراجعني اىل الدعوة}
سبحان من مجع بني النور والظلمة وقرن الالمكاين املتربي عن اجلهة مع املكاين
احلاصل يف اجلهة فحببت الظلمة اىل النور فعشق هبا وامتزج معها بكمال احملبة ليزداد هبذا
التعلق جالؤه ويكمل مبجاورة الظلمة صفاؤه كاملرآة اذا أريد صقالتها وقصد ظهور
ت أوال ليظهر مبجاورة الظلمة الرتابية صفاؤها ويزداد بتعلق الكثافة الطينية
لطافتها تربَ ْ
هباؤها فنسى ذلك النور ما حصل له أوال من شهوده القدسي بل جهل نفسه وتوابعه
الوجودية الستغراقه يف شهود معشوقه الظلماين وتعلقه ابهليكل اهليوالين فصار من
اصحاب املشأمة يف مصاحبته وضاع من كرامات امليمنة يف جماورته فان بقي يف مضيق
هذا االستغراق ومل يتخلص اىل فضاء االطالق فالويل له كل الويل ملا مل يتيسر له ما هو
املقصود منه وضاع جوهر استعداده فضل ضالال بعيدا وان سبقت له احلسن وأدركته
العناية القصوي رفع رأسه وتذكر ما ضل عنه فرجع القهقري قائال {شعر}:
اليك اي منييت حجي ومعتمري * ان حج قوم على ترب واحجار
- 50 -
وان حصل له االستغراق اثنيا يف شهود املطلوب االقدس على أحسن طرق وتيسر
له التوجه اىل اجلناب املقدس أبكمل وجوه تبعه الظلمة حينئذ واندرجت يف غلبات أنواره
فاذا بلغ هذا االستغراق اىل ان نسي املتعلق الظلماين رأسا وجهل نفسه وتوابع وجوده
كلية فاستهلك يف مشاهدة نور األنوار وحصل له حضور املطلوب وراء االستار شرف
اب لفناء اجلسدي والروحي وان حصل له البقاء بذلك املشهود ايضا بعد الفناء فيه فقد
متت له جهتا الفناء والبقاء وصح حينئذ اطالق اسم الوالية عليه فحينئذ ال َخيْلو حاله من
أمرين اما االستغراق يف املشهود ابلكلية واالستهالك فيه على الدوام واما الرجوع اىل دعوة
اخللق ا ىل احلق عز سلطانه أبن يصري ابطنه مع هللا سبحانه وظاهره مع اخللق فيتخلص
النورح من الظلمة املندرجة فيه املتوجهة اىل املطلوب ويصري هبذا التخلص من اصحاب
اليمني وهو وان مل يكن له يف احلقيقة ميني وال مشال لكن اليمني أوىل حباله وانسب
لكماله جلامعيته اجلهة اخلريية مع اشرتاكهما يف اليمن والربكة كما وقع يف شأنه عز شأنه
كلتا يديه ميني[ ]1وتنزل تلك الظلمة من ذلك النور يف مقام العبادة واداء الطاعة ونعين
ابلنور الالمكاين الروح بل خالصته وابلظلمة املقيدة ابجلهة النفس وكذا املراد ابلظاهر
والباطن (فان قال) قائل ان لالولياء املستهلكني أيضا شعورا ابلعامل وتوجها اليه واختالطا
مع بين نوعهم فما معن االستهالك والتوجه على الدوام وما الفرق بينهم وبني املرجوعني
اىل العامل للدعوة (قلنا) ان االستهالك والتوجه ابلكلية عبارة عن توجه الروح والنفس معا
بعد إندراج النفس يف أنوار الروح كما مرت االشارة اليه والشعور ابلعامل وحنوه امنا يكون
ابحلواس والقوى واجلوارح اليت هي كالتفاصيل للنفس فاجململ امللخص مستهلك يف ضمن
أنوار الروح يف مطالعة املشهود وتفصيله ابق على الشعور السابق من غري تطرق فتور اليه
خبالف املرجوع اىل العامل فان نفسه بعد كوهنا مطمئنة خترج من تلك األنوار للدعوة
وحتصل له املناسبة حينئذ مع العامل فتقع الدعوة بتلك املناسبة يف معرض االجابة (وأما)
بيان ان النفس جمملة واحلواس وحنوها تفصيلها فألن النفس هلا تعلق ابلقلب الصنوبري
( )1رواه مسلم عن عبدهللا ابن عمرو والرتمذي عن ايب هريرة بلفظ وكلتا يدي ريب ميني مباركة
- 51 -
وهو املتعلق للروح بتوسط احلقيقة اجلامعة القلبية والفيوض الواردة من الروح ترد امجاال
أوال عليها مث بتوسطها اىل سائر القوى واجلوارح تفصيال فخالصتها موجودة يف النفس
امجاال فظهر الفرق بني الفريقني ومما ينبغي ان يعلم ان الطائفة األوىل من أرابب السكر
والثانية من أرابب الصحو والشرافة لألوىل والفضيلة لألخرى واملقام االول مناسب للوالية
والثاين للنبوة شرفنا هللا تعاىل بكرامات االولياء وثبتنا على كمال متابعة االنبياء صلوات
هللا تعاىل وسالمه على نبينا وعليهم و على مجيع اخوانه من املالئكة املقربني والعباد
الصاحلني اىل يوم الدين آمني احملرر الداعي وان مل حيسن العربية لعجميته لكن ملا كان
مكتوهبم الشريف حمررا ابلكلمات العربية املى القرطاس على حنو امالئهم و السالم ختام
الكالم.
{املكتوب الثالث والعشرون أرسل اىل عبد الرحيم املشتهر خبان خاانن يف
جواب كتابه يف املنع عن أخذ الطريق من الناقص وبيان مضرته واملنع عن
االلقاب الشبيهة أبهل الكفر}
جناان هللا سبحانه واايكم عن املقال * اخلايل عن احلال * والعلم املعرى عن
االعمال * حبرمة سيد البشر * املبعوث اىل االسود واالمحر * عليه و على آله من
الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها * ويرحم هللا عبدا قال آمينا * بلغ رسالتكم
االخ الصاحل الصادق تبليغا * وحكى عن جنابكم بلسان الرتمجان ما حكى * فانشدت
{شعر}:
أهال لسعدي والرسول وحبذا * وجه الرسول حلب وجه املرسل
(اعلم) أيها االخ القابل لظهور الكماالت اظهر هللا سبحانه فعلكم من القوة ان
الدنيا مزرعة اآلخرة فويل ملن مل يزرع فيها وعطل ارض االستعداد واضاع بذر االعمال
ومما ينبغي ان يعلم ان اضاعة االرض وتعطيلها اما ابن ال يزرع فيها شيئا او ان يلقي فيها
- 52 -
بذرا خبيثا فاسدا وهذا القسم من االضاعة اشد مضرة واكثر فسادا من القسم االول كما
ال خيفى وخبث البذر وفساده أبن أيخذ الطريق من السالك الناقص ويسلك مسلكه الن
الناقص صاحب هوى متبع وما يشوب ابهلوي ال يؤثر وان أثر اعان على اهلوى فيحصل
ظلمة على ظلمة الن الناقص ال مييز بني الطرق املوصلة اىل هللا سبحانه وبني الطرق اليت
ال توصل اليه سبحانه اذ هو غري واصل قط وكذا ال مييز بني االستعدادات املختلفة
للطلبة واذا مل مييز طرق اجلذبة عن طرق السلوك فرمبا يكون استعداد الطالب مناسبا
لطريق اجلذبة غري مناسب لطريق السلوك ابتداء والناقص لعدم متييزه بني الطرق وبني
االستعدادات املختلفة يسلكه طريق السلوك ابتداء فأضل عن الطريق كما ضل فالشيخ
الكامل املكمل اذا اراد تربية هذا الطالب وتسليكه احتاج اوال اىل ازالة ما اصاب من
السالك الناقص واصالح ما فسد بسببه مث القى البذر الصاحل املناسب الستعداده يف
ارض االستعداد فينبت نباات حسنا ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق
االرض ما هلا من قرار ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها اثبت وفرعها يف السماء
فصحبة الشيخ الكامل املكمل كربيت أمحر نظره دواء وكلمته شفاء وبدوهنا خرط القتاد
وثبتنا هللا سبحانه واايكم على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها أفضل الصالة و
السالم والتحية اذ هو مالك االمر ومدار النجاة ومناط السعادة ولنعم ما قيل ابلفارسية:
حممد عريب كابروى هر دو سرا است * كسيكه خاك درش نيست خاك بر سر
او.
حممد سيد الكونني من عرب * تعسا ملن مل يكن يف اببه الرتاب {ترمجة}
ولنختم املقالة على صلوات سيد املرسلني وتسليماته وحتياته وبركاته {التتمة}
والعجب كل العجب ان االخ الصادق قد نقل ان من جلسائهم من الشعراء الفضالء
من يلقب يف الشعر ابلكفري واحلال انه من السادات العظام والنقباء الكرام فيا ليت
شعري ما محله على اختيار هذا االسم الشنيع البني شناعته واملسلم ينبغي له ان يفر من
- 53 -
هذا االسم زايدة ما يفر من االسد املهلك ويكرهه كل الكراهة الن هذا االسم ومسماه
مبغوضان على هللا تعاىل ورسوله عليه الصالة و السالم واملسلمون مأمورون بعداوة اهل
[]1
الكفر والغلظة عليهم فالتحاشي عن مثل هذا االسم القبيح واجب وما وقع يف عبارات
بعض املشائخ قدس سرهم يف غلبات السكر من مدح الكفر والرتغيب يف شد الزانر
وامثال ذلك فمصروف عن الظاهر وحممول على التأويل فان كالم السكارى حيمل
ويصرف عن الظاهر املتبادر فاهنم معذرون بغلبة السكر يف ارتكاب هذه احملظورات مع
ان كفر احلقيقة انقص ابلنسبة اىل اسالم احلقيقة عند اكابر هؤالء القوم وغري السكارى
غري معذور يف تقليدهم ال عندهم وال عند اهل الشرع الن لكل شئ مومسا ووقتا خاصا
صلح ذلك الشئ يف ذلك املوسم وقبح يف موسم آخر والعاقل ال يقيس أحدمها على
اآلخر فالتمسوه من قبَلي ان يغري هذا االسم ويبدله ابسم خري منه ويلقب ابالسالمي
فانه موافق حلال املسلم ومقاله وانتساب اىل االسالم الذي هو الدين املرضي عند هللا
سبحانه وعند الرسول عليه الصالة و السالم واجتناب عن التهمة اليت امران ابتقائها اتقوا
مواضع التهم كالم صادق ال غبار عليه قال سبحانه ولعبد مؤمن خري من مشرك و
السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب الرابع والعشرون ارسل اىل حممد قليج خان يف بيان ان الصويف
كائن ابئن وان تعلق القلب ال يكون ابكثر من واحد وان ظهور احملبة
الذاتية يستلزم استوآء االيالم واالنعام من احملبوب والفرق بني عبادة
املقربني وعبادة االبرار وكذا بني االولياء املستهلكني وبني االولياء املرجوعني
اىل دعوة اخللق}
( )1كقول احلالج شعر” :كفرت بدين هللا والكفر واجب * لدي وعند املسلمني قبيح“
- 54 -
سلمكم هللا سبحانه وعافاكم حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله الصلوات و
التسليمات املرء مع من احب فطوىب ملن مل يبق لقلبه حبا اال مع هللا سبحانه ومل يرد اال
وجهه تعاىل وتقدس فيكون هو مع هللا جل سلطانه وان كان يف ظاهره مع اخللق واشتغل
هبم صورة وهو شأن الصويف الكائن البائن اي الكائن مع هللا سبحانه والبائن من اخللق
حقيقة او ا ملراد الكائن مع اخللق صورة والبائن منهم حقيقة والقلب ال تتعلق حمبته ابكثر
من واحد فما مل يزل التعلق احليب بذلك الواحد مل يتعلق مبا سواه حمبته وما يرى من كثرة
مراداته وتعلق حمبته ابالشياء املتكثرة كاملال والولد والرايسة واملدح والرفعة عند الناس فثمة
ايضا ال يكون حمبوبه اال واحدا وهو نفسه وحمبة هؤالء فرع حمبته لنفسه فان هذه االشياء
ال يريدها اال لنفسه ال النفسهم فاذا زالت حمبته لنفسه زالت حمبتهم ابلتبعية ايضا فلهذا
قيل ان احلجاب بني العبد والرب هو نفس العبد ال العامل فان العامل يف نفسه غري مراد
للعبد حت يكون حجااب وامنا مراد العبد هو نفسه فال جرم يكون احلجاب هو العبد ال
غري فما مل خيل العبد عن مراد نفسه كلية ال يكون الرب مراده وال يسع قلبه حمبته سبحانه
و تعاىل وهذه الدولة القصوى ال تتحقق اال بعد الفناء املطلق املنوط ابلتجلي الذايت فان
رفع الظلمات رأسا ال يتص ور اال بطلوع الشمس ابزغة فاذا حصلت تلك احملبة املعرب
عنها ابحملبة الذاتية استوى عند احملب انعام احملبوب وايالمه فحينئذ حصل االخالص فال
يعبد ربه اال له ال الجل نفسه من طلب االنعام ودفع االيالم الهنما عنده سواء وهذه
مرتبة املقربني فان االبرار امنا يعبدون هللا خوفا وطمعا ومها راجعان اىل نفسهم لعدم فوزهم
بسعادة احملبة الذاتية فال جرم يكون حسنات االبرار سيئات املقربني فحسنات االبرار
حسنات من وجه وسيئات من وجه وحسنات املقربني حسنات حمضة نعم من املقربني
من يعبد هللا خوفا وطمعا ايضا بعد حتققهم ابلبقاء االكمل وتنزهلم بعامل االسباب لكن
خوفهم وطمعهم غري راجعني اىل انفسهم بل امنا يعبدون طمعا يف رضائه سبحانه وخوفا
من سخطه تعاىل وكذا امنا يطلبون اجلنة الهنا حمل رضائه تعاىل ال حلظوظ انفسهم وامنا
يستعيذون من النار الهنا حمل سخطه تعاىل ال لدفع االيالم عن انفسهم الن هؤالء
- 55 -
االكابر حمررون عن رقية االنفس وصاروا خالصني هلل سبحانه وهذه الرتبة أعلى من بني
رتب املقربني ولصاحب هذه املرتبة نصيب اتم من كماالت مقام النبوة بعد حتققه مبرتبة
الوالية اخلاصة ومن مل ينزل اىل عامل االسباب فهو من االولياء املستهلكني فال نصيب له
من كماالت مقام النبوة فال يكون أهال للتكميل خبالف االول رزقنا هللا سبحانه حمبة
هؤالء االكابر حبرمة سيد البشر عليه و على آله واتباعه من الصلوات أفضلها ومن
التسليمات أكملها فان املرء مع من أحب.
{املكتوب السادس والعشرون أرسل اىل الشيخ العامل موالان احلاج حممد
الالهوري يف بيان ان الشوق يكون لالبرار دون املقربني مع علوم تناسب
- 56 -
هذا املقام}
ثبتنا هللا تعاىل واايكم على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و
السالم والتحية ورد يف احلديث القدسي أال طال شوق االبرار اىل لقائي واان اليهم الشد
شوقا[ ]1اثبت هللا سبحانه الشوق لالبرار الن املقربني الواصلني ال شوق هلم الن الشوق
يقتضى الفقد والفقد يف حقهم مفقود أال يرى ان الشخص ال يشتاق اىل نفسه مع
افراطه يف حبه لعدم حتقق الفقد يف حقه فاملقرب الواصل الباقي ابهلل سبحانه الفاين عن
نفسه حكمه كحال الشخص مع نفسه فال جرم ال يكون املشتاق اال االبرار النه حمب
فاقد ونعين ابألبرار غري املقرب الواصل سواء كان يف االبتداء أو يف الوسط ولو بقي منه
مقدار خردلة ولنعم ما قيل يف الشعر الفارسي {شعر}:
فراق دوست اگر اندكست اندك نيست * درون ديده اگر نيم موست بسيارست.
{يعين}
وما قل هجران احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف العني ضائر
نقل عن الصديق االكرب رضي هللا عنه أنه رأي قارائ يقرأ القرآن ويبكي فقال هكذا
كنا نفعل ولكن قست قلوبنا هذا من قبيل املدح مبا يشبه الذم ومسعت شيخي قدس سره
يقول ان املنتهى الواصل رمبا يتمن الشوق والطلب الذي كان له يف االبتداء ولرفع الشوق
مقا م آخر اكمل من االول وامت وهو مقام اليأس والعجز عن االدراك فان الشوق يتصور
يف املتوقع فحيث ال توقع ال شوق واذا رجع هذا الكامل البالغ هناية الكمال اىل العامل
رجوع القهقري ال يعود اليه الشوق ايضا مع وجود الفقد ابلرجوع الن زوال شوقه ما كان
( )1ذكره يف ا الحياء بلفظ لقد طال شوق االبرار اخل قال العراقي يف خترجيه مل اجد له اصال اال ان صاحب الفردوس
ذكره من حديث ايب الدرداء ومل يذكر له ولده يف مسند الفردوس سنده وقال الشيخ اال كرب يف موضع من فتوحاته وقد
ورد خرب ال علم يل بصحته ان هللا ذكر املشتاقني اليه وقال عن نفسه انه اشد شوقا اليهم وال علم يل به من الكشف
ايل شربا
وال من رواية صحيحة اال انه مذكور مشهور انتهى ملخصا ولكن معناه صحيح مطابق حلديث من تقرب ّ
تقربت اليه ذراعا احلديث
- 57 -
لزوال الفقد بل حلصول اليأس وهو موجود بعد الرجوع ايضا خبالف الكامل االول فانه
يعود اليه الشوق برجوعه اىل العامل حلصول الفقد الذي زال من قبل فحني وجد الفقد
ابلرجوع حصل الشوق الذي زال بزواله (ال يقال) ان مراتب الوصول ال تنقطع ابد
اآلبدين فيتوقع بعد تلك املراتب فيتصور الشوق (الان نقول) عدم انقطاع مراتب الوصول
مبين على السري التفصيلي الواقع يف االمساء والصفات والشئون واالعتبارات وهذا السالك
ال يتصور يف حقه هناية وال يزول عنه الشوق ابدا وما حنن بصدده هو املنتهى الواصل
الذي قطع تلك املراتب بطريق االمجال و انتهى اىل ما ال ميكن التعبري عنه بعبارة وال
يشار اليه ابشارة فال يتصور مثة توقع اصال فال جرم يزول عنه الشوق والطلب وهذا حال
اخلواص من االولياء الهنم هم الذين عرجوا عن ضيق الصفات ووصلوا اىل حضرة الذات
تعالت وتقدست خبالف السالكني يف الصفات مفصال والسائرين يف الشئوانت مرتبا
فاهنم حمبوسون يف التجليات الصفاتية أبد اآلبدين ومراتب الوصول يف حقهم ليست اال
الوصول اىل الصفات والعروج اىل حضرة الذات ال يتصور اال ابلسري االمجايل يف الصفات
واالعتبارات ومن وقع سريه يف االمساء ابلتفصيل حبس يف الصفات واالعتبارات ومل يزل
منه الشوق والطلب ومل يفارق عنه الوجد والتواجد فاصحاب الشوق والتواجد ليسوا اال
اصحاب التجليات الصفاتية وليس من التجليات الذاتية هلم نصيب ما داموا يف الشوق
والوجد (فان) قال قائل ما معن الشوق من هللا سبحانه وليس منه سبحانه مفقود شيئا
(قلت) ذكر الشوق ههنا حيتمل أن يكون من قبيل صنعة املشاكلة وذكر الشدة فيه
ابعتبار ان كل ما ينسب اىل العزيز اجلبار فهو شديد وغالب على ما ينسب اىل العبد
الضعيف هذا اجلواب على طريقة العلماء وللعبد الضعيف يف جوابه وجوه أخر تناسب
طريقة الصوفية ولكن تلك األجوبة تقتضى حنوا من السكر وبدون السكر ال تستحسن
بل ال جتوز الن السكارى معذورون وأرابب الصحو مسئولون وحايل اآلن الصحو
الصرف فال يليق حبايل ذكرها هذا احلمد أوال وآخرا والصالة و السالم على نبيه دائما
وسرمدا.
- 58 -
السلسلة العظيمة الشان حيتمل ان يكون أكثرهم يف مقام االنكار وال يصدقوها والنسبة
اليت كانت متعارفة اآلن عند أرابب هذه السلسلة عبارة عن حضور احلق سبحانه
وشهوده تعاىل على وجه يكون منزها عن وصف الشاهدية واملشهودية وعن التوجه املعرى
عن اجلهات الست املتعارفة وان تومهت جهة الفوق وظن دوامها حبسب الظاهر (وهذه)
النسبة يعين املذكورة املتعارفة اآلن تتحقق أيضا يف مقام اجلذبة فقط وال يظهر وجه كوهنا
فائقة نسب سائر الطرق خبالف ايدداشت ابملعن السابق فان حصوهلا امنا هو بعد متام
جهة اجلذبة ومقامات السلوك وعلو درجتها ال خيفى على أحد فان كان خفاء فامنا هو
يف حصوهلا فقط فان انكر حاسد بسبب حسده وجحد انقص لنقصانه فهو معذور
{شعر}:
ان عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم من أفحش الكلم
هل يقطع الثعلب احملتال سلسلة * قيدت هبا أسد الدنيا أبسرهم
و السالم أوال وآخرا.
{املكتوب الثامن والعشرون أرسل ايضاً اىل خواجه عمك يف بيان علو
احلال لكن بعبارة مومهة للتنزل والتباعد}
قد ابتهجت بورود مكتوبكم املرسل اىل هذا املخلص على وجه الكرم وتشرفت
مبطالعته فما أعظم نعمة تذكر االحرار املأسورين وما أجل دولة اهتمام الواصلني حبال
املهجورين واملهجور العاجز ملا مل جيد نفسه أهال للوصال اختار اخلمولة يف زاوية اهلجران
ابلضرورة وهرب من القرب واطمأ ن ابلبعد وسكن اىل االنفصال عن االتصال وملا رأى
اسرا يف اختيار احلرية اختار األسر ابملمنونية {شعر}:
چون طمع خواهد زمن سلطان دين * خاك بر فرق قناعت بعد ازين.
{يعين}
- 60 -
اذا ما أراد الطمع مين مالكي * لقلت على رأس القناعة احجار
ومباذا اصدعكم ابزيد من ذلك بعبارات غري مرتبطة واشارات غري منتظمة ثبتنا هللا
تعاىل واايكم على متابعة سيد املرسلني عليه و على آله من الصلوات افضلها ومن
التسليمات أكملها.
{املكتوب التاسع والعشرون صدر اىل الشيخ نظام الدين التهانيسري يف
الرتغيب يف اداء الفرائض ورعاية السنن واآلداب وعدم املباالت يف اداء
النافلة يف جنب الفرائض واملنع عن اداء العشاء يف النصف األخري من
الليل واملنع عن جتويز شرب املاء املستعمل يف الوضوء واملنع عن جتويز
سجدة املريدين يعين لشيخهم أو غريه}
عصمنا هللا سبحانه واايكم عن التعصب والتعسف وجناان واايكم عن التلهف
والتأسف حبرمة سيد البشر املنفي عنه زيغ البصر عليه و على آله من الصلوات أمتها ومن
التسليمات أكملها (واعلم) ان مقرابت االعمال اما فرائض واما نوافل فالنوافل ال اعتبار
هلا يف جنب الفرائض أصال فان اداء فرض من الفرائض يف وقت من األوقات أفضل من
اداء النوافل ألف سنة وان أديت بنية خالصة اي نفل كان من الصالة والصوم والذكر
والفكر وامثال ذلك بل أقول ان رعاية سنة من السنن وأدب من اآلداب حني اداء
الفرائض هلا ذلك[ ]1احلكم أيضا * نقل[ ]2ان سيدان عمر رضي هللا عنه صلى يوما صالة
الصبح جبماعة مث نظر اىل القوم وتفقدهم فلم ير فيهم شخصا من اصحابه فقال أمل
حيضر الفالن اجلماعة فقيل ا نه يسهر أكثر الليل فيحتمل ان يكون غلبه النوم يف هذا
( )1يعين رعاية سنة او ادب وقت اداء الفرائض تزيد وتفضل على اداء النفل بكذا مرة حملرره
( )2املسئول عنه سليمان ابن ايب حثنة واحلديث رواه مالك يف املوطأ
- 61 -
الوقت فقال لو انم متام الليل و صلى صالة الصبح مع اجلماعة لكان أوىل وأفضل فرعاية
األوىل واالجتناب عن املكروه وان كان تنزيهيا أوىل من الذكر والفكر واملراقبة والتوجه
مبراتب كثرية فكيف اذا كان املكروه حترمييا نعم ان مجع هذه االمور مع هذه الرعاية
واالجتناب فقد فاز فوزا عظيما وبدونه خرط القتاد فكما أن تصدق دانق مثال يف
حساب الزكاة أفضل من تصدق مقدار جبال عظام من ذهب بطريق النفل مبراتب
كذلك رعاية أدب يف تصدق ذلك الدانق كان يعطيه اىل فقري مستحق أفضل منه أيضا
مبرات ب فتأخري صالة العشاء اىل النصف االخري من الليل وجعل ذلك التأخري وسيلة اىل
قيام الليل مستنكر جدا فان اداء العشاء يف ذلك الوقت مكروه عند علماء احلنفية رضي
هللا عنهم والظاهر أهنم أرادوا هبذه الكراهة الكراهة التحرميية فاهنم أابحوا اداء العشاء اىل
نصف الليل وبعد نصف الليل قالوا بكراهته واملكروه املقابل للمباح مكروه حترميي وعند
الشافعية ال جيوز يف ذلك الوقت اداء العشاء رأسا فارتكاب هذا االمر بواسطة قيام الليل
وحصول األذواق واجلمعية يف ذلك الوقت مستكره جدا ويكفي هلذا الغرض أتخري الوتر
ايضا وذلك التأخري مستحب فيؤدى الوتر يف وقت مستحب ويتيسر الغرض من قيام
الليل والسهر فينبغي ترك هذا العمل وقضاء الصلوات الفائتة فان االمام االعظم ااب حنيفة
الكويف رضي هللا تعاىل عنه قضى صالة أربعني سنة بواسطة ترك أدب من آداب الوضوء
{وايضا} ال جيوز شرب املاء املستعمل الزالة احلدث أو بنية القربة فان ذلك املاء جنس
مغلظ عند االمام االعظم ومنع الفقهاء من شرب ذلك املاء وكرهوه نعم قالوا ان شرب
بقية الوضوء شفاء فان طلب شخص ذلك ابالعتقاد الصحيح فاعط من ذلك وقد وقع
للفقري مثل هذا االبتالء يف دهلي يف هذه النوبة بسبب ان بعض االصحاب قد رأى يف
الواقعة أنه ينبغي أن يشرب املاء املستعمل يف وضوء هذا الفقري واال يلحقه ضرر عظيم
وكلما دفعته مل ينفع ومل ميتنع فراجعت الكتب الفقهية فوجدت خملصا من ذلك حيث
قالوا ان املتوضئ لو مل ينو القربة بعد تثليث الغسل ال يكون املاء مستعمال يف املرتبة
الرابعة فكنت اعطيه ما أغسل به يف املرتبة الرابعة بال نية القربة ليشربه جتويزا له هبذه
- 62 -
احليلة {وأيضا} قد نقل رجل معتمد ان مريدي بعض خلفائكم يسجدون له وال يكتفون
بتقبيل االرض وشناعة هذا الفعل اظهر من الشمس فامنعوه من ذلك ابلتأكيد فان
االجتناب من امثال هذا الفعل مطلوب من كل احد خصوصا ممن تصدى القتداء اخللق
به فان االجتناب له من امثال هذا الفعل من أشد الضرورايت الن املقلدين يقتدون به يف
اعماله فيقعون يف بالء وابتالء وايضا ان علوم هذه الطائفة علوم االحوال واالحوال
مواريث االعمال فيكون املرياث من علوم االحوال لشخص قد صحح االعمال وقام
حبقها يف كل حال وتصحيح االعمال امنا يتيسر اذا عرف االعمال وعلم كيفية كل منها
بال امهال وذلك علم احكام الشرع من الصالة والصوم وسائر الفرائض وعلم املعامالت
كالنكاح والطالق واملبايعات وعلم كل شئ اوجبه احلق سبحانه على املكلف ودعاه اليه
وهذه العلوم اكتسابية ال بد من تعلمها لكل احد والعلم بني اجملاهدتني احدامها يف طلبه
قبل حصوله واثنيتهما اجملاهدة يف استعماله بعد حصوله فكما انه يذكر يف جملسه
الشريف من كتب التصوف كذلك ينبغي أن يذكر فيه من الكتب الفقهية والكتب
الفقهية ابلعبارة الفارسية كثرية مثل جمموعة خاين وعمدة االسالم والكنز الفارسي بل ال
ضرر اصال ان مل يذكر من كتب التصوف فانه يتعلق ابالحوال ال دخل له يف القال وعدم
مذاكرة الكتب الفقهية حمتمل للضرر وزايدة االطناب موجبة للمالل القليل بدل على
الكثري {شعر}:
وبثثت عندك من خفي ضمائر * نبذا وخفت سآمة من كثرة
رزقنا هللا سبحانه واايكم كمال متابعة حبيبه صلى هللا تعاىل عليه و على آله و
سلم
ذلك املقام ابلعلوم الشرعية وما يناسب ذلك قال املال حممد صديق من
مجلة خدمته املتقدمني ان هذا املكتوب أيضا أرسل اىل الشيخ نظام الدين
التهانيسري}
شرفكم هللا بكمال االتباع احملمدي وزينكم بزي النيب املصطفوي عليه و على آله
من الصلوات أفضلها ومن التحيات أكملها ما ادري ماذا اكتب فان تكلمت من جناب
قدس موالي تعاىل وتقدس يكون كذاب صرحيا وافرتاء حمضا فان جناب كربايئه اجل من
ان يتكلم فيه مثلي فان املتكيف ابلكيف كيف يقول ويتكلم ممن تنزه عن الكيف وماذا
يريد واي شئ يدرك احملدث من القدمي واىل مت جيري املكاين ويعدو يف الالمكاىن
مسكني ال خرب له عما يف خارج نفسه وال ممر له فيما ورائه {شعر}:
ذره گر بس نيك ور بس بد بود * گرچه عمرى تگ زند در خود بود
{يعين}
ولو سعت ذرة يف عمرها طلبا * خريا وشرا تنل يف نفسها اكتمنا
وهذا املعن ايضا يتيسر يف السري االنفسي الذي يتيسر يف هناية االمر {قال}
اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره ان أهل هللا كلما يرون بعد الفناء والبقاء يرونه يف
انفسهم وكلما يعرفونه يعرفونه يف أنفسهم وحريهتم امنا تكون يف وجودهم ويف أنفسكم أفال
تبصرون وكل سري قبل ذلك داخل يف السري اآلفاقي الذي حاصله مما ال حاصل فيه
واطالق لفظ ال حاصل امنا هو ابلنسبة اىل اصل املطلب واال فهو أيضا من مجلة الشرائط
واملعدات (وال يتومهن) احد من الشهود االنفسي انه مثل التجلي الصوري الذي يف نفس
املتجلي له وال يتخيل ذلك حاشا وكال فان التجلي الصوري داخل يف السري اآلفاقي
جبميع أقسامه وحاصل يف مرتبة علم اليقني والشهود االنفسي كائن يف مرتبة حق اليقني
الذي هو هناية مراتب الكمال واطالق لفظ الشهود يف هذا املقام من ضيق ميدان العبارة
واال فكما أن مطلبهم منزه عن الكيف والكيفية كذلك نسبتهم اىل ذلك املطلب منزهة
- 64 -
عن الكيف والكيفية فانه ال سبيل للمتكيف اىل املنزه عن الكيف قال يف املثنوي
{شعر}:
هست رب الناس را اب جان انس * اتصايل يب تكيف يب قياس
ليك كفتم انس را نسناس نه * انس غري ازجان جان اشناس نه
{يعين}
ان للرمحن مع ارواح انس * اتصاال دون كيف وقياس
قلت انسا دون نسناس الفال * ليس انس غري روح يف املال
ومنشأ توهم احتاد الشهود االنفسي ابلتجلي الصوري املذكور هو حصول بقاء
شخص يف كال املقامني فان التجلي الصوري ليس مبفن يعين للمتجلي له وهو وان رفع
قيدا من القيود ولكنه ال يوصل اىل حد الفناء ففيه بقية من وجود السالك والسري
االنفسي امنا هو بعد الفناء االمت والبقاء االكمل فال جرم يصعب تفرقة ما بني هذين
البقاءين لقلة املعرفة فيحكمون ابالحتاد ابلضرورة فان علموا ان البقاء الثاين معرب عندهم
ابلبقاء ابهلل وان ذلك الوجود يقال له الوجود املوهوب احلقاين فعسى ان يتخلصوا من
ذلك التوهم (وال يقال هنا) ان البقاء ابهلل عبارة عن وجدان السالك نفسه عني احلق
تعاىل وتقدس فان االمر ليس كذلك (فان) استفيد هذا املعن من بعض عبارات القوم
اجيب عن ذلك ان هذا البقاء يتيسر للبعض يف مقام اجلذبة بعد االستهالك
واالضمحالل املتشابه ابلفناء واكابر النقشبندية يعربون عن ذلك بوجود العدم وهذا قبل
حصول الفناء ويتصور له الزوال بل هو واقع فانه رمبا يؤخذ السالك عن نفسه ويغيب مث
يرجع اىل نفسه احياان يعين ترتفع عنه الصفات البشرية مث يعطاها اثنيا والبقاء الذي بعد
الفناء االمت مصون عن الزوال وحمفوظ من اخللل وفناء ارابب هذا البقاء فناء دائمي فهم
فانون يف عني البقاء وابقون يف عني الفناء فان الفناء والبقاء اللذين يتطرق اليهما الزوال
من مجلة تلوينات االوقات واالحوال وال كذلك فيما حنن بصدد بيانه قال اخلواجه هباء
الدين النقشبند قدس سره ان وجود العدم يعود اىل وجود البشرية واما وجود الفناء فال
- 65 -
يعود اىل وجود البشرية فال جرم يكون وقتهم دائميا وحاهلم سرمداي البتة بل ال وقت هلم
وال حال شغلهم م ع موقت االوقات ومعاملتهم مع حمول االحوال فصار قبول الزوال
خمصوصا ابلوقت واحلال ومن ختلص عن الوقت واحلال فقد صار ما يعرض له حمفوظا من
الزوال ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (وال يزعم) الزاعم ان
اطالقهم دوام الوقت وقوهلم به امنا هو ابعتبار بقاء أثر ذلك الوقت ودوامه من التعني
وغريه (فان) االمر ليس كذلك بل الدوام لنفس الوقت واالستمرار لعني احلال ان الظن ال
يغين من احلق شيئا بل نقول ان بعض الظن امث (قد طال) الكالم فلنرجع اىل اصل املرام
ونقول اذا مل يكن يف فضاء قدسه تعاىل جمال للكالم فلنتكلم يف مقام عبوديتنا وذلنا
وانكساران ان املقصود من اخللقة االنسانية امنا هو اداء وظائف العبودية ومن اعطي
العشق واحملبة يف الوسط واالبتداء فاملقصود منه قطع التعلق من غري جناب قدسه جل
شأنه وليس العشق واحملبة من املقاصد بل هو حلصول مقام العبودية فان السالك امنا
يكون عبد هللا تعاىل اذا ختلص عن اسر غريه تعاىل وعبوديته ابلتمام وليس فائدة العشق
سوى ان يكون وسيلة االنقطاع عن غريه سبحانه وهلذا كانت هناية مراتب الوالية مقام
العبدية وليس يف درجات الوالية مقام فوق مقام العبدية وال جيد السالك يف هذا املقام
مناسبة بينه وبني مواله تعاىل اال االحتياج من جانبه واالستغناء االمت ذاات وصفة من
جانب املوىل تعاىل وتقدس ال أنّه جيد ذاته مناسبا لذاته وصفاته لصفاته وافعاله الفعاله
عز سلطانه ولو بوجه من الوجوه حت انه يتنزه ويتربأ عن اطالق الظلية لكوهنا من مجلة
املناسبات بل يعتقد انه سبحانه خالقه وهو خملوق له تعاىل وال جيرتئ بغري ذلك بشئ
والتوحيد الفعلي الذي يظهر جلمع يف اثناء الطريق ابن ال جيدوا فاعال غري احلق سبحانه
يقول هؤالء االكابر ويعتقدون ان خالق هذه االفعال واحد ال ان مباشرها واحد فان هذا
الكالم يكاد يوصل قائله اىل الزندقة (ولنوضح) ذلك مبثال وهو ان العارف ابلشعبذة اذا
قعد وراء احلجاب وحرك بشعبذته صور مجادات متعددة واظهر منها افعاال عجيبة غريبة
فالذين فيهم حدة البصر يعرفون ان جاعل هذه االفعال يف تلك الصور هو ذلك
- 66 -
الشخص القاعد وراء احلجاب ولكن مباشر هذه االفعال هو هذه الصور وهلذا يقال ان
ا لصورة متحركة دون ان يقال ان صاحب الشعبذة متحرك وهم حمقون يف ذلك احلكم يف
نفس االمر وشرائع االنبياء انطقة بذلك واحلكم بوحدة الفاعل من مجلة السكرايت بل
احلق الصريح ان الفاعل متعدد وخالق االفعال واحد وهكذا العلوم اليت بينوها يف توحيد
الوجود مبناها على السكر وغلبة احلال وعالمة صحة العلوم اللدنية مطابقتها لصريح
العلوم الشرعية فان جاوزها مقدار شعرة وخالفها يف مثقال ذرة فهو من السكر واحلق ما
حققه العلماء من اهل السنة واجلماعة وما سوى ذلك يعين مما خيالفه اما زندقة واحلاد او
سكر وقت وغلبة حال مفضية اىل القول ابالحتاد وهذه املطابقة على وجه الكمال
والتمام امنا تتيسر يف مقام العبدية ويف ما وراء ذلك يتحقق فيه حنو من السكر {ع}:
فيا هلا قصة يف شرحها طول
(سئل) اخلواجه هباء الدين قدس سره انه ما املقصود من السلوك فقال لتصري
املعرفة االمجالية تفصيلية واالستداللية كشفية ضرورية ومل يقل ليحصل معرفة زائدة على
معارف شرعية وان حصل يف الطريق امور زائدة لكن اذا بلغ االمر هنايته تكون تلك
االمور هباء منثورا وتصري املعارف الشرعية معلومة على وجه التفصيل وخترج من مضيق
االستدالل اىل فضاء اطالق الكشف يعين كما ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم كان أيخذ
هذه العلوم من الوحي كذلك هؤالء االكابر أيخذوهنا بطريق االهلام من االصل والعلماء
بينوا هذه العلوم اخذا هلا من الدالئل الشرعية بطريق االمجال فكما ان هذه العلوم كانت
حاصلة لألنبياء عليهم الصالة و السالم تفصيال كذلك تكون تلك العلوم حاصلة هلم
كشفا على ه ذا النهج واالصالة والتبعية قائمتان يف البني وامنا ينتخب ملثل هذا القسم من
الكمال بعض من كمل االولياء بعد قرون متطاولة وازمنة متباعدة وقد كان يف اخلاطر ان
اكتب مسئلة امجالية واستداللية على وجه التفصيل لكن متت الصحيفة ومل يبق حمل
لكتابتها ولعل يف ذلك حكمة احلق سبحانه و تعاىل و السالم.
- 67 -
ليس وراء هذا التوحيد أمر آخر عال وكنت ادعوا هللا سبحانه و تعاىل ابلتضرع
وا النكسار ان ال يزيل هللا سبحانه عين هذه املعرفة يعين معرفة التوحيد الوجودي اىل ان
ارتفعت احلجب عن وجه االمر ابلتمام وانكشف حقيقة احلال وجلية املرام كما يقتضيه
املقام وصار معلوما ان العامل وان كان مرااي للكماالت الصفاتية وجماىل للظهورات
االمسائية ولكن املظه ر ليس عني الظاهر والظل ليس نفس االصل كما هو مذهب أهل
التوحيد الوجودي {ولنوضح} هذا املبحث مبثال وهو ان عاملا ذا فنون اراد أن خيرج
كماالته املتنوعة اىل عرصة الظهور وان يورد خفاايها املستحسنة يف معرض االيضاح
الهل الشعور فاوجد احلروف واالصوات يعين ابلتكلم واظهر كماالته املخفية يف مرااي
تلك احلروف واالصوات ففي هذه الصورة ال يقال ان هذه احلروف واالصوات اليت كانت
جماىل ومرااي لتلك الكماالت اهنا عني تلك الكماالت أو حميطة بتلك الكماالت ابلذات
او قريبة منها كذلك ابلذات او هلا معية هبا كذلك بل بينهما نسبة الدالية واملدلولية فقط
وليس لتلك احلروف واالصوات نصيب ووظيفة سوى الداللة على تلك الكماالت واما
تلك الكماالت فعلى صرافة اطالقها وتلك النسبة اليت ظهرت امنا هي يف االوهام
واخلياالت واال فال شئ منها اثبت يف احلقيقة ولكن ملا حتققت بني تلك الكماالت
واحلروف واالصوات مناسبة الظاهرية واملظهرية والدالية واملدلولية صارت هذه املناسبة
ابعثة على توهم حصول تلك النسب الومهية للبعض بواسطة بعض العوارض واال فتلك
الكماالت معراة ومربأة عن مجيع النسب يف نفس األمر وفيما حنن فيه ال شئ سوى
عالقة الدالية واملدلولية والظاهرية واملظهرية ايضا فان العامل علم لصانعه تعاىل وتقدس
ومظهر لظهور كماالته االمسائية والصفاتية وهذه العالقة رمبا تكون ابعثة على اثبات
بعض االحكام الومهية ابلنسبة اىل البعض بواسطة بعض العوارض (وقد يورد) البعض اىل
هذا املورد يعين مورد اثبات هذه االحكام كثرة مراقبة التوحيد واالحدية النتقاش صورة
تلك املراقبات يف القوة املتخيلة (ويورث) البعض حنوا من ذوق هذه االحكام ممارسة علم
التوحيد وتكراره وهذان القسمان من التوحيد يعين الوجودي معلوالن وداخالن يف دائرة
- 70 -
العلم ال مساس هلما ابحلال و يكون منشأ توهم هذه األحكام يف البعض اآلخر غلبة
احملبة فانه كثريا ما يسترت عن نظر احملب غري حمبوبه بواسطة استيالء حب حمبوبه عليه فال
يرى غري حمبوبه ال انه ليس يف نفس االمر غري حمبوبه فانه خمالف حلكم احلس والعقل
والشرع وتصري هذه احملبة احياان ابعثة على احلكم ابالحاطة والقرب الذاتيني (وهذا
القسم) من التوحيد اعلى من القسمني السابقني وداخل يف دائرة احلال وان مل يكن
مطابقا لنفس األمر وموافقا للشريعة وتطبيقه على الشريعة ونفس االمر تكلف حمض مثل
التكلفات الفلسفية الباردة حيث ان اسالميهم يريدون تطبيق اصوهلم الفاسدة على قوانني
الشريعة وكتاب اخوان الصفا وغريه من هذا القبيل غاية ما يف الباب ان للخطأ الكشفي
حكم اخلطأ االجتهادي يف ارتفاع املالم والعتاب عن صاحبه بل تتحقق فيه درجة من
درجات الصواب و امنا التفاوت بينهما ان ملقلدي اجملتهد حكم اجملتهد و هلم درجة من
درجات الصواب على تقدير اخلطأ خبالف مقلدي اهل الكشف فاهنم ليسوا مبعذورين
بل هم حمرومون عن نيل درجة الصواب على تقدير اخلطأ فان كال من االهلام و الكشف
ليس حبجة للغري و قول اجملتهد حجة للغري فتقليد االول ال جيوز على تقدير احتمال
اخلطأ و تقليد الثاين جائز على تقدير احتمال اخلطأ ايضا بل واجب (و شهود) بعض
السالكني الذي هو يف مرااي التعينات الكونية ايضا من قبيل االحكام السابقة و يسمون
هذا الشهود شهود الوحدة و شهود االحدية يف الكثرة فان[ ]1الواجب تعاىل وتقدس منزه
عن الكيف والكيفيات ال تسعه مرااي املكيف اصال وال جماىل املتكلم قطعا ال حيصل
الالمكاين يف املكان ينبغي ان يطلب املنزه عن الكيف يف خارج دائرة املكيف وان يبتغي
الالمكاين يف ما وراء املكان وكلما يشاهده يف اآلفاق واالنفس فهو من آايته سبحانه و
تعاىل وتقدس قال قطب دائرة الوالية يعين حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس هللا
تعاىل سره كلما كان مشهودا او مسموعا او معلوما فهو غريه تعاىل ينبغي نفيه يف احلقيقة
بكلمة ال {شعر}:
در تنگناى صورت معن چگونه گنجد * در كلبهء گدااين سلطان چه كار دارد
صورت پرست غافل معن چه داند آخر * كواي مجال جاانن پنهان چه كار دارد
(فان قيل) قد وقع يف عبارات كثري من مشائخ النقشبندية وغريهم صرحيا وحدة
الوجود والقرب الذايت واملعية الذاتية وشهود الوحدة واالحدية يف الكثرة (اجيب) أن تلك
األحوال امنا حصلت هلم يف توسط االحوال مث ترقوا بعد ذلك عن ذلك املقام كما كتب
هذا الفقري عن احواله فيما تقدم (وجواب) آخر ان مجعا من السالكني مع وجود التوجه
التام فيهم اىل جانب االحدية الصرفة بباطنهم تتشرف ظواهرهم اليت هي مشاهدة للكثرة
بتلك االحكام والشهود فهم حبسب الباطن متوجهون اىل االحدية ويف الظاهر مشاهدون
للمطلوب يف الكثرة كما أخربت عن حال والدي يف اوائل هذا املكتوب وتفصيل حتقيق
هذا اجلواب مسطور يف الرسالة املؤلفة يف حتقيق مراتب وحدة الوجود وال يتحمل هذا
املقام زايدة على ذلك (ال يقال) اذا كان يف نفس االمر وجودات متعددة ومل يكن قرب
ذايت واحاطة ذاتية ومل يكن شهود الوحدة يف الكثرة مطابقا للواقع يكون حكم هؤالء
االكابر كاذاب لكونه غري مطابق للواقع ونفس االمر (الان نقول) ان هؤالء االكابر امنا
حكموا على مقدار شهودهم مثل من حيكم برؤية صورة زيد يف املرآة وهذا احلكم مع
كونه غري مطابق للواقع فانه مل ير يف املرآة صورة زيد أصال ألنه ال صورة يف املرآة قطعا
حت ترى ال يقال هلذا الشخص يف العرف انه كاذب فيه وان مل يكن مطابقا لنفس االمر
فهو معذور يف هذا احلكم وعالمة الكذب مرتفعة عنه كما مر سابقا واملقصود من اظهار
االحوال الالزمة االخفاء والسرت هو االيذان واالعالم ابنه لو كان منا قبول وحدة الوجود
فهو من طريق الكشف ال على وجه التقليد وان وجد منا انكار فهو ايضا من االهلام فال
جمال اذا لالنكار يعين على هذا االنكار وان مل يكن االهلام حجة على الغري (وجواب)
آخر لدفع شبهة الكذب ان الفراد العامل اشرتاكا مع بعضهم يف بعض االمور وامتيازا يف
بعض آخر وهكذا اشرتاك املمكن مع الواجب تعاىل وتقدس يف بعض االمور العرفية يعين
يف جمرد االسم والصورة وان كاان ممتازين ابلذات امتيازا كليا فرمبا خيتفي ما به االمتياز عن
- 72 -
نظر السالك على تقدير غلبة احملبة عليه ويظهر ما به االشرتاك لنظره فعلى هذه الصورة
لو حكموا بعينية احدمها ابآلخر لكان مطابقا للواقع فال يبقى جمال للكذب اصال فينبغي
ان يقيس االحاطة الذاتية ونظائرها على ذلك و السالم.
{املكتوب الثاين والثالثون ارسل اىل املرزا حسام الدين امحد يف بيان
الكمال املخصوص ابالصحاب الكرام رضوان هللا تعاىل عليهم امجعني وانه
قد تشرف به قليل من االولياء وما يناسب ذلك}
قد ورد مكتوبكم املرسول على وجه االلتفات هلل سبحانه احلمد واملنة على مامل
يصر املهجورون منسيني بل ذكروا مع املذكورين ولو استطراداي {ع}:
دعوان نسلي ابالماين قلوبنا
قد اندرج يف كتابكم الشكاية من فقدان نسبة حضرة شيخنا عليه الرمحة اخلاصة
به وعدم وجداهنا واالستفسار عن سببه (ايها املخدوم) ان شرح امثال هذه الكلمات
بطريق التحرير بل ابلتقرير غري مناسب فانه ال يدري ماذا حيصل يف فهم انسان وماذا
أيخذ منه بل الالزم احلضور بشرط حسن الظن او طول الصحبة على اي هنج كان
وبدونه خرط القتاد {شعر}:
اريد صفو ليال مع ضيا قمر * حت احدث انواع احلكاايت
ولكن حبكم لكل سؤآل جواب أظهر هذا القدر إن لكل مقام علوما ومعارف
على حدة واحواال ومواجيد متمايزة ففي مقام يناسب الذكر والتوجه ويف مقام يناسب
تالوة القرآن والصلوة ومقام خمصوص ابجلذبة ومقام ابلسلوك ومقام ممتزج هباتني الدولتني
ومقام خال عن جهيت اجلذبة والسلوك حبيث ال مساس له ابجلذبة وال تعلق له ابلسلوك
وهذا املقام عال جدا واصحاب النيب عليه و على آله وعليهم من الصلوات افضلها ومن
- 73 -
التسليمات اكملها ممتازون هبذا املقام ومشرفون هبذه الدولة العظمى من بني االانم
ولصاحب هذا املقام امتياز اتم عن ارابب املقامات اآلخر واملشاهبة بني أرابب هذا املقام
قليلة خبالف ارابب مقامات اخر فان هلم مشاهبة بعضهم ببعض ولو بوجه دون وجه
وهذه النسبة تظهر بعد الصحابة رضوان هللا عليهم امجعني يف املهدي عليه السالم على
الوجه االمت انشاء هللا تعاىل وقل من اخرب عن هذا املقام من مشائخ الطبقات فكيف
التكلم من علومه ومعارفه ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم غاية ما
يف الباب ان هذه النسبة العزيزة الوجود كانت تظهر يف الصحابة يف اول القدم مث تبلغ
مرتبة الكمال مبرور الزمان واما غري الصحابة فان اريد تشريفه هبذه الدولة وترتبه على قدم
نسبة الصحابة امنا يستسعد هبا بعد قطع منازل اجلذبة ومراتب السلوك وطي علوم هذين
املقامني ومعارفهما وظهور هذه النسبة الشريفة يف االبتداء كان خمصوصا بربكة صحبة
سيد البشر عليه و على آله الصلوات والتحيات والربكات و التسليمات ولكن ميكن ان
يتشرف هبذه الربكة بعض متابعيه صلّى هللا عليه و سلّم فتكون صحبته أيضا سببا لظهور
هذه النسبة العلية يف االبتداء يعين يف ابتداء احلال قبل قطع منازل اجلذبة والسلوك
{شعر}:
لو كان من فيض روح القدس من مدد * لغري عيسى ليصنع مثل ما صنعا
ويف هذا الوقت يتحقق يف هذه النسبة اندراج النهاية يف البداية ايضا كما هو
متحقق يف صورة تقدم اجلذبة على السلوك وال مساعدة للزايدة على هذا {شعر}:
ومن بعد هذا ما يدق بيانه * وما كتمه احظى لدي وامجل
(فان وقعت) املالقاة بعد ذلك واحست مظنة حسن االستماع من جانب
املستمعني ترد نبذة من هذا املقام يف معرض الظهور انشاء هللا تعاىل وهو سبحانه املوفق
(وقد) حررمت كلمات يف حق بعض االصحاب فالفقري قد عفوت زالهتم يغفر هللا هلم وهو
ارحم الرامحني ولكن ينبغي نصيحة االصحاب لئال يكونوا يف مقام االيذاء يف احلضور
والغيبة وال يغريوا اوضاعهم ان هللا ال يغري ما بقوم حىت يغريوا ما أبنفسهم واذا اراد هللا
- 74 -
ۤ
بقوم سوء فال مرد له وما هلم من دونه من وال وكتبتم يف حق الشيخ إله داد خصوصا
[]1
ال مضايقة يف حق الفقري اصال ولكن الندامة على تغري الوضع الزمة للمشار اليه الندم
توبة واالستشفاع فرع الندامة والفقري على كل حال يف مقام العفو والتجاوز من قبل نفسه
وجانبه واما اجلانب اآلخر فهو أعلم بذلك وما يلزم فيما هنالك {وأيضا} ينبغي لكم ان
تتصوروا سرهند منزل انفسكم فان عالقة احملبة ونسبة اخوة الطريقة ليست مما ينقطع
بسبب امور عارضية وماذا ازيد على ذلك وخنص املخادمي وسائر أهل البيت ابلدعاء
وبعد تسويد هذه الرقيمة وقع يف اخلاطر ان اكتب يف ابب زالت االخوان والعفو عنهم
كالما اوضح من االول فان يف االمجال ايهاما وماذا يفهم منه (فاعلم) ايها املخدوم ان
العفو امنا يتصور ويطلب على تقدير اعرتاف هؤالء اجلماعة بسوء تلك االوضاع والندامة
على فعلها واال فال مساغ للعفو وكتبتم ايضا ان حضرة شيخنا فوض هذا املقام اىل
ۤ
الشيخ إله داد بشهادة هؤالء اجلماعة وهذا الكالم يستدعي بياان فان كان التفويض مبعن
أنه خيدم الفقراء والواردين والصادرين و يكون مستخربا عما حيتاجون اليه من االكل
والشرب فذلك مسلم ال نزاع فيه ألحد وان كان مبعن انه يريب مجاعة من الطالبني وجيلس
يف مقام املشيخة فممنوع فان حضرة شيخنا قال للفقري يف آخر مالقاتنا ما تقول يف
ۤ
الشيخ إله داد لو علم بعض الطالبني املشغولية من جانبنا وبلغ احوال بعضهم الينا فانه ال
طاقة يل اآلن ابحضارهم وتعليم املشغولية والسؤال عن احواهلم فكان الفقري متوقفا يف
هذا الباب أيضا ولكن ملا اقتضت الضرورة ذلك جوزت هذا القدر فيما هنالك وال شك
يف ان هذا القسم من التبليغ من جنس السفارة احملضة خصوصا اذا كانت مبنية على
الضرورة والضرورة تقدر بقدرها فتكون تلك السفارة خمصوصة بزمن حياة شيخنا و يكون
تعليم املشغولية للطالبني وسؤال احواهلم بعد ارحتاله داخال يف اخليانة {وكتبتم} ايضا ان
نسبة حضرة شيخنا تكون ابقية البتة يعين ال تقبل الزايدة والنقصان مبرور الدهور واالزمان
( )1اخرجه البخاري يف التاريخ وابن ماجه واحلاكم عن ابن مسعود رضي هللا عنه وكذا اخرجه احلاكم والبيهقي يف
الشعب عن انس رضي هللا عنه قال املناوي انه حديث صحيح وقال احلافظ ابن حجر يف الفتح انه حسن عفي عنه
- 75 -
{اعلم} أيها املخدوم أن تكميل الصناعة امنا يكون بتالحق االفكار اال ترى أن علم
النحو الذي وضعه سيبويه زادته افكار املتأخرين عشرة امثاهلا فان بقاء الشئ على صرافته
عني النقص فان النسبة اليت كانت خلواجه النقشبند ما كانت يف زمن اخلواجه عبد اخلالق
الغجدواين قدس سرمها و على هذا القياس يعين سائر االحوال و على اخلصوص كان
حضرة شيخنا يف صدد تكميل هذه النسبة وكان غري قائل بتماميتها فان وفته حياته
زادها ابرادة هللا تعاىل اىل ما شاء هللا سبحانه فالسعي يف عدم زايدهتا ليس مبناسب وهذا
الفقري ما يدري على اي وجه يكون بقاؤها فان لك نسبة على حدة ال مساس هلا بنسبة
ۤ
اآلخرين وكان هذا الكالم مشخصا يعين معينا يف حضوره مكررا والشيخ إله داد املسكني
من اين يعرف أن النسبة ما هي وامنا له حنو من حضور القلب ومعلوم لآلخرين ان احلالة
ما هي ومن قيم تلك النسبة ومربيها اخربوين عنه حت اكون ممدا ومعاوان له وال ينبغي
اعتبار الواقعة واالعتماد عليها فاهنا خيالية غري صادقة والشيطان عدو قوي واالمن من
تسويالته متعسر اال ملن عصمه هللا تعاىل {وكتبتم ايضا} يف حق سلب النسبة املكتسبة
فاعلم ايها املخدوم ان ذلك السلب ال يكون اال ابالختيار كما ذكر يف احلضور واآلن
هذا السلب حباله ومن اخليال تصور زواله والصوت املسموع من القلب ال تعلق له بتلك
احلالة اال ترى أن الرماد الذي زالت عنه النار وصار ابردا يصدر عنه صوت بعد صب
املاء فيه وال يقال ان النار مكنونة فيه بعد وال اعتبار للوقائع فان كان هذا الكالم خمفيا
اليوم يظهر صدقه غدا ان شاء هللا تعاىل وملا كان كتابكم مشتمال على املبالغة صدر يف
جوابه كلمات وإال ال يتيسر الكالم بال داع.
{املكتوب الثالث والثالثون صدر اىل احلاج املال حممد الالهوري يف بيان
مذمة علماء السوء الذين هم يف اسر حمبة الدنيا ومدح العلماء الزهاد الذين
يرغبون عن الدنيا}
- 76 -
ان حمبة الدنيا من العلماء ورغبتهم فيها كلف على وجه مجاهلم وان كان حيصل
منهم فوائد للخالئق لكن ال يكون علمهم انفعا يف حقهم وان كان أتييد الشريعة وتقوية
امللة مرتبا عليهم لكن ال اعتبار على ذلك فان التأييد والتقوية حيصل من أهل الفجور
وارابب الفتور احياان كما اخرب سيد االنبياء عليه و على آله الصلوات و التسليمات عن
أتييد الفاجر حيث قال ان هللا[ ]1ليؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر وهم كحجر الفارس
حيث ان كلما يلصق به من الشيئ االملس واحلديد يكون ذهبا وهو ابق على حجريته
وكالنار املودعة يف احلجر والشجر فانه حيصل منها منافع للعامل ولكن ال نصيب للحجر
والشجر من تلك النار املودعة يف ابطنهما بل اقول ان ذلك العلم مضر يف حقهم النه به
متت احلجة عليهم كما قال النيب عليه الصالة و السالم ان[ ]2أشد الناس عذااب يوم
القيامة عامل مل ينفعه هللا بعلمه فكيف ال يكون مضرا فان العلم الذي هو أعز األشياء عند
هللا تعاىل واشرف املوجودات جعلوه وسيلة جلمع حطام الدنيا الدنية من املال واجلاه
واالحباب واحلال ان الدنيا ذليلة عند هللا تعاىل وحقرية وابغض املخلوقات عند هللا واذالل
ما هو عزيز عند هللا واعزاز ما هو ذليل عنده يف غاية القباحة بل هو معارضة مع احلق
سبحانه يف احلقيقة والتدريس واالفتاء امنا يكوانن انفعني اذا كاان خالصني لوجه هللا تعاىل
وخاليني عن شائبة حب اجلاه والرايسة وطمع حصول املال والرفعة وعالمة خلومها عن
تلك املذكورات الزهد يف الدنيا وعدم الرغبة فيها فالعلماء الذين هم مبتلون هبذا البالء
ومأسورون يف اسر حمبة الدنيا فهم من علماء الدنيا وهم علماء السوء وشرار الناس
ولصوص الدين واحلال اهنم يعتقدون انفسهم مقتدا هبم يف الدين وأفضل اخلالئق أمجعني
وحيسبون أهنم على شئ اال اهنم هم الكاذبون استحوذ عليهم الشيطان فانساهم ذكر هللا
اولئك حزب الشيطان اال ان حزب الشيطان هم اخلاسرون رأى واحد من االكابر
( )1أخرجه الشيخان عن ايب هريرة رضي هللا عنه والرتمذي عن انس رضي هللا عنه و الطرباين يف الكبري وابو نعيم يف
احللية وابن عدي يف الكامل أبلفاظ خمتلفة انتهى عفي عنه
( )2هذا احلديث اخرجه ابن عساكر عن ايب هريرة رضي هللا عنه ورواه الطرباين ايضا يف الصغري والبيهقي يف الشعب
عنه وابن عدي واحلاكم يف مستدركه ايضا ابلفاظ خمتلفة انتهى عفي عنه
- 77 -
الشيطان قاعدا فارغ البال عن االغواء واالضالل فسئله عن سر قعوده بفراغ البال فقال
اللعني ان علماء السوء يف هذا الوقت قد امدوين يف امري مددا عظيما وتكفلوا يل
ابالضالل حت جعلوين فارغ البال واحلق ان كل ضعف ووهن وقع يف امور الشريعة يف
هذا الزمان وكل فتور ظهر يف ترويج امللة وتقوية الدين امنا هو من شؤم علماء السوء
وفساد نياهتم نعم ان كان العلماء راغبني عن الدنيا وحمررين من اسر حب اجلاه والرايسة
وطمع املال والرفعة فهم من علماء اآلخرة وورثة االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات
وهم افضل اخلالئق وهم الذين يوزن[ ]1مدادهم يوم القيامة بدم الشهداء يف سبيل هللا
فيرتجح مدادهم ونوم[ ]2العامل عبادة متحقق يف حقهم وهم الذين استحسن يف نظرهم
مجال اآلخرة ونضارهتا وظهرت قباحة الدنيا وشناعتها فنظروا اىل اآلخرة بنظر البقاء ورأوا
الدنيا متسمة بسمة الزوال والفناء فال جرم هربوا من الفاين واقبلوا على الباقي وشهود
عظمة اآلخرة امنا هو مثرة شهود اجلالل الاليزايل واذالل الدنيا وحتقري ما فيها من لوازم
شهود عظمة اآلخرة الن[ ]3الدنيا و اآلخرة ضراتن ان رضيت احدامها سخطت األخرى
( )1قوله يوزن اخل اشارة اىل حديث ذكره الغزايل يف االحياء مرفوعا ولفظه يوزن ب ند ضعيف يوم القيمة مداد العلماء
بدم الشهداء اخرجه ابن عبدالرب من حديث ايب الدرداء قاله العراقي قال شارحه قلت واخرجه الشريازي يف االلقاب
من طريق انس بزايدة فريجح مداد العلماء على دم الشهداء اخرجه املرهيب يف فضل العلم عن عمران ابن احلصني وابن
اجلوزي يف العلل عن النعمان ابن بشري و الديلمي عن ابن عمر انتهى بقدر املقصود والكالم عليه مستويف يف الشرح
املذكور
( )2قوله نوم العامل عبادة كانه تلميح اىل حديث مرفوع ذكره الغزايل يف االحياء وبعده ونفسه تسبيح قال العراقي
املعروف فيه الصائم بدل العامل ذكره املخرج قلت وال يضر ذلك فانه قد ثبت فضل العامل على الصائم القائم بل على
مطلق العابد مبراتب كثرية يف احاديث عديدة
( )3قوله الن الدنيا واآلخرة اخل) اشارة اىل ما ورد يف احلديث من احب دنياه اضر آبخرته ومن احب آخرته اضر
بدنياه فآثروا ما يفن على ما يبقي ذكره يف االحياء عن ايب موسى االشعري مرفوعا قال العراقي رواه امحد والبزار
والط رباين وابن حبان واحلاكم وصححه على شرط الشيخني قلت وهو منقطع بني املطلب بن عبدهللا وبني ايب موسى
انتهى قال شارحه قلت سبقه اىل ذلك الذهيب وقد رواه كذلك القضاعي يف مسند الشهاب والبيهقي يف الشعب وقال
املنذري رجال امحد ثقاة وعند بعضهم ال فآثروا بزايدة ال للتنبيه انتهى وقلت وذكر يف االحياء يف موضع آخر من قول
علي كرم هللا وجهه بلفظ الدنيا واآلخرة ضراتن فبقدر ما ترضي احدامها تسخط االخرى وروى ابن عساكر عن ابن
- 78 -
فان كانت الدنيا عزيزة فاآلخرة حقرية وان كانت الدنيا حقرية فاآلخرة عزيزة ومجع هذين
االمرين من قبيل مجع االضداد {ع}:
ما احسن الدين والدنيا لو اجتمعا
نعم قد ا ختار مجع من املشائخ الذين ختلصوا عن اسر نفوسهم ومقتضيات
طبائعهم ابلكلية صورة أهل الدنيا بواسطة نيات حقانية تراهم يف الظاهر راغبني فيها
ولكن ال عالقة هلم هبا يف احلقيقة اصال بل هم فارغون عن الكل ومتخلصون عن اجلميع
رجال ال تلهيهم جتارة وال بيع عن ذكر هللا فال مينعهم البيع والشراء عن ذكر هللا فهم يف
عني التعلق هبذه االمور غري متعلقني بشئ قال اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره
رأيت يف سوق من اتجرا اجتر مبقدار مخسني الف دينار تقريبا ومل يغفل قلبه عن احلق
سبحانه حلظة.
{املكتوب الرابع و الثالثون ارسل اىل احلاج حممد الالهوري ايضاً يف بيان
اجلواهر اخلمسة االمرية بطريق البسط و التفصيل مهما امكن}
اعلم ان نقد سعادة الدارين مربوط ابتباع سيد الكونني عليه و على آله من
الصلوات افضلها ومن التسليمات اكملها وملا مل تكن عني بصرية الفلسفي مكحلة
بكحل متابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية صارت يف
عماية عن حقيقة عامل االمر فضال عن ان يكون له شعور عن مرتبة الوجوب تعاىل
وتقدس ونظره القاصر مقصور على عامل اخللق وليس بتام فيه ايضا وما اثبتوه من اجلواهر
اخلمسة كلها يف عامل اخللق ومن جهالتهم عدوا العقل والنفس من اجملردات فان النفس
الناطقة هي النفس االمارة احملتاجة اىل التزكية ومهتها ابلذات يف السفالة والدانءة فما
مسعود رضي هللا عنه قال من اراد اآلخرة اضر ابلدنيا ومن اراد الدنيا اضر ابآلخرة فاضروا ابلفاين للباقي انتهى وهذا
احلديث كثري الدوران يف هذا الكتاب ابلفاظ خمتلفة فليتنبه املطالع انتهى عفي عنه
- 79 -
املناسبة بينها وبني عامل االمر واي نسبة له ابلتجرد والعقل ال يدرك من املعقوالت اال
االمور اليت هلا مناسبة ابحملسوسات بل ال يدرك اال ماله حكم احملسوسات واما االمور
اليت ال مناسبة َهلا ابحملسوسات وليس هلا شبه ومثال يف املشاهدات فال سبيل الدراك
العقل اليها وال يفتح مبفتاح العقل مغلقاهتا وهلذا كان نظره قاصرا يف احكام الالكيفي
وضاال حمضا عن الطريق يف ادراك الغيب وذلك عالمة كونه من عامل اخللق وميل عامل
االمر اىل الالكيفي وتوجهه اىل ما تنزه عن الكيفية وابتداء عامل االمر من مرتبة القلب
وفوق القلب الروح وفوق الروح السر وفوق السر اخلفي وفوق اخلفي األخفى فان قيل
هلذه اخلمسة االمرية جواهر مخسة فله وجه و من قصور نظرهم التقطوا عدة من قطعات
اخلزف وظنوها جواهر وادراك هذه اجلواهر اخلمسة االمرية واالطالع على حقائقها امنا
هو نصيب كمل اتبعي النيب صلى هللا تعاىل عليه و على آله وسلم وملا كان ما يف العامل
الصغري الذي هو االنسان امنوذجا مما يف العامل الكبري كان اصول هذه اجلواهر اخلمسة
ايضا يف العامل الكبري فالعرش اجمليد مبدأ هذه اجلواهر يف العامل الكبري كالقلب يف العامل
الصغري وهبذه املناسبة يقال للقلب عرش هللا تعاىل ايضا واملراتب الباقية من جواهر العامل
الكبري اخلمسة فوق العرش والعرش برزخ بني عامل اخللق وعامل االمر يف العامل الكبري مبثابة
قلب االنسان حيث انه برزخ بني عامل اخللق وعامل االمر يف العامل الصغري والقلب والعرش
وان كاان ظاهرين يف عامل اخللق لكنهما من عامل االمر وهلما نصيب من الالكيفي
والالكمي واالطالع على حقيقة هذه اجلواهر اخلمسة مسلم لكمل افراد اولياء هللا الذين
امتوا مراتب السلوك ابلتفصيل وبلغوا هناية النهاايت {شعر}:
هر كداى مرد ميدان كى شود * پشهء آخر سليمان كى شود.
{ترمجة}
هل كل من خلت رجال رجل معركة * او كل من صار ذا ملك سليمان
فان تفتح نظر بصرية صاحب دولة بتفصيل مرتبة الوجوب على حسب االمكان
مبحض فضل احلق سبحانه و تعاىل يطالع اصول هذه اجلواهر أيضا يف ذلك املوطن
- 80 -
وتصري هذه اجلواهر الصغريية والكبريية يف علمه كالظالل لتلك اجلواهر احلقيقية {ع}:
وهذي سعادات تكون نصيب من
ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم واملنع من اظهار حقائق عامل
االمر امنا هو بسبب دقة تلك املعاين املكنونة وماذا يدرك منها قاصروا النظر والراسخون
املشرفون بشرف خطاب وما اوتيتم من العلم اال قليال هلم اطالع على ما هنالك {ع}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها.
{شعر}:
وليس يف بثّي االسرار مصلحة * وان ظهرن لنا كالشمس يف فلك
و السالم عليكم و على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه وعليهم من
الصلوات و التسليمات امتها وادومها (وأيضا) قد وقع يف اخلاطر ان احرر نبذة من بيان
اجلواهر املقدسة العليا ينبغي أن يعلم ان ابتداء تلك اجلواهر من الصفات االضافية اليت
هي كالربزخ بني الوجوب واالمكان وفوقها صفات حقيقية وللروح نصيب من جتلياهتا
وللقلب تعلق ابلصفات االضافية وهو مشرف بتجلياهتا وبقية اجلواهر العليا اليت فوق
الصفات احلقيقية داخلة يف دائرة حضرة الذات تعالت وتقدست وهلذا يقال لتجليات
هذه املراتب الثالثة جتليات ذاتية وال مصلحة يف التكلم وراء ذلك {ع}:
بلغ الرياع اىل هنا فتكسرا.
تطهريها حت يتيسر النجاة من عبادة اآلهلة الباطلة الناشئة عن اهلوي النفساين و ال تبقى
قبلة التوجه يف احلقيقة غري املعبود الواحد احلقيقي تعاىل و تقدس و ال خيتار عليه مقصد
ما اصال سواء كان من املقاصد الدينية أو من املطالب الدنياوية و املقاصد الدينية و ان
كانت من احلسنات و لكنها من شغل االبرار و املقربون يروهنا سيئة و ال يعدون سوى
الواحد من املقاصد و حصول هذه الدولة منوط حبصول الفناء و حتقق احملبة الذاتية اليت
يستوي يف ذلك املقام االنعام و االيالم و حيصل من االلتذاذ من التعذيب مثل ما حيصل
من التنعيم فان ارادوا اجلنة امنا يريدوهنا لكوهنا حمل رضائه تعاىل و تقدس و يف طلبها
مرضاه سبحانه و ان استعاذوا من النار امنا يستعيذون منها لكوهنا حمل سخطه تعاىل ال
ان مقصودهم من اجلنة استيفاء احلظوظ النفسانية و ال فرارهم من النار خلوف االمل و
االذية فان كلما حيصل من احملبوب فهو عند هؤالء االكابر حمبوب و مرغوب و عني
املطلوب فان كلما يفعله احملبوب حمبوب و ههنا تتيسر حقيقة االخالص و حيصل
اخلالص من عبادة اآلهلة الباطلة و تصح كلمة التوحيد يف هذا الوقت و بدونه خرط
القتاد و االمر من غري حصول احملبة الذاتية احلاصلة بال مالحظة االمساء و الصفات و
بال توسط انعام احملبوب و اكرامه ال خيلو من اخللل و الفناء املطلق ال حيصل بدون هذه
احملبة احملرقة املبطلة للشركة {شعر}:
ما العشق اال شعلة قد احرقت * كل الورى غري احلبيب الباقي
قد هز يف قتل السوى صمصام ال * فانظر اىل ما بعد ال ما الباقي
بشراك اي صاح قد احرتق الورى * مل يبق غري اهلنا اخلالق
حققنا هللا سبحانه واايكم حبقيقة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و
السالم والتحية ويرحم هللا عبدا قال آمينا (اعلم) أن للشريعة ثالثة اجزاء العلم والعمل
واالخالص وما مل يتحقق كل من هذه االجزاء الثالثة ال تتحقق الشريعة ومت حتققت
الشريعة فقد حتقق رضا احلق سبحانه و تعاىل الذي هو فوق مجيع السعادات الدنيوية
واألخروية ورضوان من هللا أكرب فكانت الشريعة متكفلة جبميع السعادات الدنيوية
واألخروية ومل يبق مطلب يقع فيه االحتياج اىل ما وراء الشريعة (والطريقة) واحلقيقة اللتان
امتازت هبما الصوفية خادمتان للشريعة يف تكميل جزئها الثالث الذي هو االخالص
فاملقصود من حتصيل كل منهما تكميل الشريعة ال أمر آخر وراء الشريعة واألحوال
واملواجيد والعلوم واملعارف اليت حتصل للصوفية يف اثناء الطريق ليست من املقاصد بل هي
اوهام وخياالت ترىب هبا اطفال الطريقة فينبغي ان جياوز مجيع ذلك وان يصل اىل مقام
الرضا الذي هو هناية مقامات السلوك واجلذبة فان املقصود من طي منازل الطريقة
واحلقيقة ليس هو شئ غري حتصيل االخالص املستلزم حلصول مقام الرضا ويوصل اىل
دولة االخالص ومقام الرضا واحد من ألوف بعد العبور به من التجليات الثالثة
ومشاهدات العارفني (والقاصرون) هم الذين يعدون االحوال واملواجيد من املقاصد
ويظنون املشاهدات والتجليات من املطالب فال جرم يبقون يف حبس الوهم واخليال
وحيرمون كماالت الشريعة هبذا االعتقال كرب على املشركني ما تدعوهم اليه هللا جيتيب اليه
من يشاء ويهدي اليه من ينيب (نعم) ان حصول مقام االخالص والوصول اىل مرتبة
الرضا منوط بطي هذه االحوال واملواجيد ومربوط بتحقق هذه العلوم واملعارف فتكون
هذه االشياء معدات للمطلوب ومقدمات للمقصود وحقيقة هذا املعن اتضحت للفقري
بعد االشتغال هبذا الطريق عشر سنني ابلتمام بربكة حبيب هللا عليه و على آله الصالة و
السالم واجنلى شاهد الشريعة كما ينبغي وفيما قبل وان مل يكن يل تعلق ابالحوال
واملواجيد ومل يكن يف نظري مطلب غري التحقق حبقيقة الشريعة ولكن ظهرت حقيقة
االمر بعد عشرة كاملة ظهورا بينا واحلمد هلل على ذلك محدا كثريا طيبا مباركا فيه مباركا
- 83 -
عليه وخرب موت املغفور له الشيخ ميان مجال ابعث على حزن مجيع االسالم وتفرقة
خواطرهم وامللتمس تعزية أوالد املرحوم املتويف وقرآءة الفاحتة من جانب الفقري و السالم.
{املكتوب الثامن والثالثون صدر أيضاً اىل الشيخ حممد الچرتي يف بيان
التعلق ابلذات البحت تعالت وتقدست املنزه عن اعتبار االمساء والصفات
والشئون واالعتبارات ويف مذمة الناقصني الذين زعموا املنزه عن املثل مثلياً
والالكيفي كيفياً فتعلقوا به وافتتنوا وبيان تفاوت االقدام يف الفناء املرتتب
عليه تفاوت العلوم واملعارف وامثال ذلك}
قد أورث املكتوب الشريف بوصوله فرحا كثريا جعلنا هللا سبحانه واايكم معه دائما
وال يرتكنا بغريه حلظة وكل شئ غري ذاته البحت سبحانه تعاىل معرب عنه ابلغري والسوى
وان كان ذلك الغري امساء وصفات وما قاله املتكلمون من أن صفاته تعاىل ال هو وال غريه
له معن آخر فاهنم ارادوا ابلغري الغري املصطلح ونفوا الغريية هبذا املعن ال ابملعن املطلق
ونفي اخلاص ال يستلزم نفي العام وال ميكن التعبري عن الذات بغري السلوب وكل اثبات
يف مرتبة الذات احلاد وأفضل التعبريات وأمجع العبارات فيها ليس كمثله شئ ومعناه
ابلفارسية بيچون وبيجگونه وال سبيل للعلم والشهود واملعرفة اليه سبحانه كل ما تراه
العيون أو وعاه اآلذان أو حواه الظنون فهو غريه تعاىل والتعلق به تعلق ابلغري فيلزم نفيه
بكلمة ال اله واثبات الذات املنزهة عن املثل بكلمة اال هللا وهذا االثبات يكون أوال
ابلتقليد مث ينقلب أخريا اىل التحقيق وقد زعم بعض أرابب السلوك الذين مل يبلغوا هناية
االمر املثلى واملكيف عني املنزه عن املثل والكيف وقالوا ابمكان تطرق الشهود واملعرفة
اليه وأرابب التقليد أفضل من هؤالء مبراتب فان تقليدهم مقتبس من مشكاة أنوار النبوة
على صاحبها الصالة و السالم وال سبيل للخطأ اليه ومقتدى هؤالء القاصرين الكشف
غري الصحيح {ع}:
و شتان ما بني الطريقني فانظروا
و هؤالء اجلماعة منكرون للذات يف احلقيقة وان اثبتوا شهود الذات ومل يدروا ان
نفس االثبات هنا هو عني االنكار وقد قال امام املسلمني االمام االعظم الكويف رضي
- 85 -
هللا تعاىل عنه سبحانك ما عبدانك حق عبادتك ولكن عرفناك حق معرفتك وعدم اداء
حق العبادة ظاهر واما حصول حق املعرفة فمبين على ان هناية املعرفة يف الذات تعاىل
شأهنا ليست اال معرفتها بعنوان ليس كمثله شئ وال يظن االبله من ذلك ان اخلاص
والعام و املبتدي واملنتهى متساووا االقدام يف هذه املعرفة لعدم متييزه بني العلم واملعرفة فان
العلم للمبتدئ واملعرفة للمنتهى وهي ال حتصل بدون الفناء وال تتيسر هذه الدولة لغري
الفاين قال املولوي يف املثنوي {شعر}:
و من مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل
فتكون املعرفة اذا وراء العلم ومما ينبغي ان يعلم ان وراء العلم واالدراك املتعارف ا ْمر
يعرب عنه ابملعرفة ويقال له االدراك البسيط أيضا {شعر}:
خليلي ما هذا هبَْزل وامنا * حديث عجيب من بديع الغرائب
(غريه) من املثنوي {شعر}:
ان للرمحن مع أرواح انس * اتصاال دون كيف وقياس
قلت انسا دون نسناس الفال * ليس انس غري روح يف املال
و ملا كانت االقدام متفاوتة يف الفناء ال جرم وجد التفاوت يف املعرفة بني املنتهيني
فمن كان فناؤه أمت تكون معرفته أكمل ومن كان دونه يف الفناء يكون دونه يف املعرفة و
على هذا القياس سبحان هللا اجنر الكالم من أين اىل اين بل كان الالئق حبايل ان أكتب
من عدم حاصلي وعدم حصول مرادي وعدم ثبايت واستقاميت وطلب املعونة واملدد من
االحباب وأي مناسبة يل أبمثال هذه الكلمات {شعر}:
من مل يكن خرب له عن نفسه * هل يقدر االخبار من هذا وذا
و لكن اهلمة العالية و الطينة السامية ال ترتكين ان اقنع ببضاعة دنية ودعابة ردية
فال جرم اترقى عن مرتبيت فاذا قلت فمنه أقول وان كان ال شيئا واذا طلبت فاايه أطلب
وان مل أجد شيئا وان كان يل حاصل فهو حاصلي وان مل يكن شيئا وان كنت واصال
- 86 -
فاليه وصويل وان مل يكن يل حصول وما وقع يف عبارات بعض االكابر قدس هللا اسرارهم
العلية من الشهود الذايت ال يظهر معناه لغري أرابب الكمال وفهمه حمال للناقصني
والقاصرين {شعر}:
ليس يدري االغبيا حال الكرام * فاقصر االقوال و اسكت و السالم
و قد حرر يف عنوان املكتوب كلمة هو الظاهر هو الباطن أيها املخدوم ان هو
الظاهر هو الباطن صحيح ولكن هذا الفقري ال يفهم من هذا الكالم معن التوحيد يعين
الوجودي من مدة بل أان متفق ابلعلماء يف فهم معناه وموافقهم يف صحته فان صحة
كالمهم قد صارت معلومة لدي فوق صحة قول أرابب التوحيد كل[ ]1ميسر ملا خلق له
{ع}:
لكل من االنسان شأن خيصه
و ما يلزم االنسان الذي ال بد له منه وهو مكلف به امتثال األوامر واالنتهاء عن
املناهي وما آاتكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه فانتهوا واتقوا هللا واذا كان االنسان
مأمورا ابالخالص واالخالص ال يتصور بدون الفناء واحملبة الذاتية ال جرم ينبغي ان
حيصل مقدمات الفناء اليت هي املقامات العشرة والفناء وان كان نفسه موهبة حمضة
ولكن مقدماته ومباديه متعلقة ابلكسب وان تشرف البعض حبقيقة الفناء من غري جتشم
كسب منه يف مقدماته وتصفية حقيقته ابلرايضات واجملاهدات وحينئذ ال خيلو حاله من
أحد األمرين اما ان يوقف يف موقف الواقفني أو يرجع اىل العامل لتكميل الناقصني فعلى
التقدير االول ال يقع سريه يف املقامات املذكورة وال يكون له خرب عن تفاصيل التجليات
االمسائية والصفاتية و على التقدير الثاين يقع سريه يف تفاصيل املقامات حني رجوعه اىل
العامل ويتشرف بتجليات غري متناهية وتكون له صورة اجملاهدة ولكن هو يف كمال الذوق
واللذة يف احلقيقة ابلظاهر يف الرايضات وابلباطن يف التنعم واللذات {ع}:
{املكتوب التاسع و الثالثون صدر ايضا اىل الشيخ حممد الچرتي يف بيان
ان مدار األمر على القلب وأنه ال يفتح شئ من جمرد االعمال الصورية
والعبادات الرمسية وامثال ذلك}
رزقنا هللا سبحانه االعراض عما سواه واالقبال على جناب قدسه حبرمة سيد البشر
احملرر عن زيغ البصر عليه و على آله الصلوات و التسليمات اعلم ان مدار األمر على
القلب فان كان القلب مفتوان ومتعلقا بغري احلق سبحانه و تعاىل فذلك القلب خراب
وابرت وال حيصل شئ من جمرد االعمال الصورية والعبادات الرسومية بل ال بد من كل من
سالمة القلب من االلتفات اىل ما سواه تعاىل واالعمال الصاحلة املتعلقة ابلبدن اليت أمر
الشرع بفعلها ودعوى سالمة القلب بدون إتيان االعمال الصاحلة ابطلة كما ان وجود
الروح بال بدن غري متصور يف هذه النشأة وحصول االحوال القلبية من غري حصول
االعمال الصاحلة القالبية حمال وكثري من امللحدين يدعون هذه الدعوى يف هذا الزمان
جناان هللا سبحانه عن معتقداهتم السيئة حبرمة حبيبه عليه الصالة و السالم والتحية.
- 88 -
{املكتوب االربعون صدر أيضاً اىل الشيخ حممد الچرتي يف بيان حتصيل
االخالص الذي هو جزء من االجزاء الثلثة للشريعة الغراء وان الطريقة
واحلقيقة خادمتان للشريعة يف تكميل هذا اجلزء وامثال ذلك}
حنمده ونصلي على نبيه ونسلم أيها املخدوم قد صار معلوما يل بعد طي منازل
السلوك وقطع مقامات اجلذبة ان املقصود من هذا السري والسلوك حتصيل مقام
االخالص املربوط حصوله بفناء اآلهلة اآلفاقية واالنفسية وهذا االخالص جزء من اجزاء
الشريعة فان للشريعة ثالثة اجزاء العلم والعمل واالخالص فالطريقة واحلقيقة خادمتان
للشريعة يف تكميل جزء االخالص وهذا هو حقيقة االمر ولكن ال يدرك فهم كل احد
ذلك وأكثر خلق العامل قد اطمئنوا ابملنام واخليال واكتفوا ابجلوز واملوز فماذا يدركون من
أىن يصلون اىل حقيقة الطريقة واحلقيقة فيزعمون الشريعة قشرا كماالت الشريعة و ّ
واحلقيقة لبا وال يدرون ما حقيقة املعاملة بل يغرتون برتهات الصوفية ويفتتنون ابالحوال
واملقامات السفلية هداهم هللا سبحانه سواء الطريق و السالم علينا و على عباد هللا
الصاحلني.
وقال أيضا ان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وال تتبعوا السبل فسمى ملته صلّى هللا عليه
و سلّم صراطا مستقيما وجعل ما سواها داخال يف السبل ومنع عن اتباعها وقال عليه
الصالة و السالم اظهارا للشكر واعالما للخلق وهداية هلم خري[ ]1اهلدى هدي حممد
وقال عليه الصالة و السالم ايضا ادبين[ ]2ريب فأحسن أتدييب والباطن متمم للظاهر
ومكمل له ال خمالفة بينهما مقدار شعرة مثال عدم التكلم ابلكذب شريعة ونفي الكذب
عن اخلاطر طريقة وحقيقة فان ذلك النفي لو كان ابلتعمل والتكلف فطريقة واال فحقيقة
فكان الباطن الذي هو الطريقة واحلقيقة متمما ومكمال يف احلقيقة للظاهر الذي هو
الشريعة فان ظهر لسالكي سبل الطريقة واحلقيقة يف اثناء طريقهم امور خمالفة لظاهر
الشريعة واظهروا ذلك فهو مبين على سكر الوقت وغلبة احلال فان جاوزوا ذلك املقام
وخرجوا من مضيق السكر اىل فضاء الصحو ترتفع تلك املنافاة ابلكلية وتكون تلك
العلوم املتضادة هباء منثورا مثال قالت طائفة من السكر ابالحاطة الذاتية ورأوا أن احلق
حميط ابلعامل ابلذات تعاىل وتقدس وهذا احلكم خمالف آلراء علماء أهل احلق فاهنم قائلون
ابحاطة علمية وآراء العلماء أقرب اىل الصواب يف احلقيقة واذا قال هؤالء الصوفية
بنفسهم ابن ذات احلق سبحانه و تعاىل ال حيكم عليها حبكم يكون احلكم عليها
ابالحاطة والسراين خمالفا هلذا القول واحلق ان ذاته تعاىل ليس كمثله شئ ال سبيل حلكم
من االحكام اليها اصال بل يف ذلك املوطن احلرية الصرفة واجلهالة احملضة فكيف يتطرق
السراين واالحاطة اليها وميكن االعتذار من جانب الصوفية القائلني هبذه االحكام ابن
مرادهم ابلذات هو التعني االول فاهنم ملا مل يقولوا بزايدة ذلك التعني على املتعني قالوا
لذلك التعني عني الذات وذلك التعني االول املعرب عنه ابلواحدية سار يف مجيع املمكنات
فحينئذ يصح احلكم ابالحاطة الذاتية (وههنا) دقيقة ينبغي أن يعلم أن ذات احلق تعاىل
(( )1قوله وخري اهلدي هدي حممد) اخرجه مسلم عن جابر رضي هللا عنه
(( )2قوله ادبين ريب فأحسن أتدييب) اخرجه ابن السمعاين يف ادب االمالء عن ابن مسعود رضي هللا عنه ورمز
السيوطي يف اجلامع الصغري برمز الصحة قال السخاوي سنده ضعيف ومعناه صحيح وهو كذلك
- 90 -
وتقدس عند علماء أهل احلق منزهة عن املثل والكيف وكلما سواها زائد عليها حت ان
ذلك التعني لو كان اثبتا عندهم لكان زائدا على الذات وخارجا عن دائرة الالمثلية
والالكيفية فال يقال الحاطته احاطة ذاتية فكان نظر العلماء اعلى من نظر هؤالء
الصوفية فان الذات عندهم كانت داخلة فيما سواها عند العلماء و على هذا القياس
القرب واملعية الذاتيان وموافقة املعارف الباطنية لعلوم ظاهر الشريعة بتمامها وكماهلا حبيث
ال يبقى جمال املخالفة يف النقري والقطمري امنا هي يف مقام الصديقية الذي هو فوق مقام
الوالية وفوق مقام الصديقية مقام النبوة والعلوم احلاصلة للنيب بطريق الوحي منكشفة
للصديق بطريق االهلام وليس بني هذين العلمني فرق سوى كون حصول احدمها ابلوحي
واآلخر ابالهلام فكيف يكون للمخالفة جمال فيه ويف كل مقام دون مقام الصديقية حنو
من السكر والصحو التام امنا هو يف مقام الصديقية فحسب وفرق آخر بني هذين
العلمني ان يف الوحي قطعا ويف االهلام ظنا فان الوحي بتوسط امللك واملالئكة معصومون
ليس فيهم احتمال اخلطأ واالهلام وان كان له احملل املعلى واملنزل االعلى الذي هو القلب
الذي هو من عامل االمر لكن للقلب حنو من التعلق ابلعقل والنفس والنفس وان صارت
مطمئنة ابلتزكية لكنها ال ترجع عن صفاهتا اصال ابطمئناهنا فكان للخطأ جمال يف ذلك
امليدان (ومما ينبغي) أن يعلم ان لبقاء صفات النفس مع وجود اطمئناهنا منافع كثرية
وفوائد عديدة فانه لو كانت النفس ممنوعة عن ظهور صفاهتا ابلكلية لكان طريق الرتقي
مسدود او لظهر يف الروح صفة امللك حبيث تصري حمبوسة يف مقامها فان ترقيها امنا هو
بواسطة خمالفتها النفس فان مل تبق يف النفس خمالفة فمن اين حيصل الرتقي وملا رجع سيد
[]1
الكائنات عليه أفضل الصلوات وأكمل التسليمات من اجلهاد مع الكفار مرة قال
( )1قال السيوطي روى اخلطيب يف اترخيه من حديث جابر قال قدم النيب عليه السالم من غزاة هلم فقال النيب عليه
السالم قدمتم خري مقدم وقدمتم من اجلهاد األصغر اىل اجلهاد االكرب قالوا وما اجلهاد االكرب قال جماهدة العبد هواه
انتهى من موضوعات علي القاري قلت روى السيوطي يف جامعه الكبري بعد هذا احلديث احاديث يعضده منها
اجملاهد من جاهد نفسه (ت حب) عن فضالة ابن عبيد ومنها أفضل اجلهاد ان جياهد الرجل نفسه وهواه (ابن النجار
عن ايب ذر) وقال خمرج االحاديث نسبه العراقي اىل البيهقي من حديث جابر
- 91 -
رجعنا من اجلهاد االصغر اىل اجلهاد األكرب فقال للجهاد مع النفس جهادا أكرب وخمالفة
النفس يف ذلك املوطن امنا تكون برتك ادىن عزمية بل ابرادهتا ذلك الرتك مهما أمكن لعدم
تصور حتقق الرتك فيه وحيصل هبذه االرادة من الندامة واخلجالة وااللتجاء والتضرع اىل
جناب قدسه جل سلطانه ما يتيسر هبا فوائد أمور سنة مثال يف ساعة لطيفة (ولنرجع)
اىل أصل الكالم ونقول كلما يوجد فيه مشائل احملبوب واخالقه يكون ذلك الشيئ ايضا
حمبواب بتبعية احملبوب ويف قوله تعاىل فاتبعوين حيببكم هللا بيان هلذا الرمز فالسعي يف متابعته
عليه الصالة و السالم جير اىل احملبوبية فعلى كل عاقل ذي لب السعي يف كمال اتباع
حبيبه عليه الصالة و السالم ظاهرا وابطنا وقد اجنر الكالم اىل التطويل واملأمول
مساحمتكم ومجال الكالم اذا كان من اجلميل املطلق يزداد حسنا كلما يزداد طوال قل لو
كان البحر مدادا لكلمات ريب لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ريب ولو جئنا مبثله مددا
ولننقل الكالم اىل حمل آخر ونقول ان حامل هذه الرقيمة موالان حممد حافظ من أهل
العلم وكثري العيال وبسبب قلة اسباب املعيشة توجه حنو العسكر فان بذلتم يف حقه
العناية وااللتفات وكلمتم الرئيس املنصور االمري النقيب السيد الشيخ جيو لتحصيل
الوظيفة أو االمداد للمشار اليه يكون عني الكرم وال نصدع ابزيد من ذلك.
{املكتوب الثاين واالربعون اىل الشيخ حممد املذكور أيضاً يف بيان أن أفضل
صداء حمبة ما سوى احلق من احلقيقة اجلامعة القلبية متابعة
املصاقيل الزالة َ
السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية}
سلمكم هللا سبحانه و ابقاكم و اعلم ان االنسان ما دام متلواث بدنس التعلقات
الشت حمروم ومهجور وال بد من تصقيل مرآة احلقيقة اجلامعة من صداء حمبة ما سواه عز
وجل وافضل املصاقيل يف ازالة ذلك الصداء متابعة السنة السنية املصطفوية على مصدرها
الصالة و السالم والتحية ومدار ذلك على رفع العادات النفسانية ودفع الرسوم الظلمانية
- 92 -
فطوىب ملن تشرف هبذه النعمة العظمى وويل ملن حرم من هذه الدولة القصوى وبقية املرام
ان اخي االعز ميان مظفر ابن املرحوم الشيخ كهورن من اعيان الناس واوالد االكابر
وحوله من متعلقاته مجع كثري فهو حمل الرتحم فبماذا نصدع ازيد من ذلك و السالم
عليكم و على من اتبع اهلدى.
{املكتوب الثالث واالربعون اىل السيد النقيب الشيخ فريد البخاري يف
بيان أن التوحيد على قسمني شهودي ووجودي وان ما ال بد منه هو
الشهودي املربوط به الفناء وأنه يف مرتبة عني اليقني وما فوقه فهو حق
اليقني وما يناسب ذلك من االسئلة واالجوبة والتمثيالت املوضحة}
سلمكم هللا سبحانه وعصمكم عما يصمكم وصانكم عما شانكم واعلم ان
التوحيد الذي يظهر يف اثناء طريق هذه الطائفة العلية على قسمني توحيد شهودي
وتوحيد وجودي فالتوحيد الشهودي هو مشاهدة الواحد يعين ال يكون مشهود السالك
غري واحد والتوحيد الوجودي هو ان يعلم السالك ويعتقد املوجود واحدا وان يعتقد أو
يظن غريه معدوما وان يزعم الغري مع اعتقاد عدميته جمايل ذلك الواحد ومظاهره فكان
التوحيد الوجودي من قبيل علم اليقني والتوحيد الشهودي من قبيل عني اليقني وهو من
ضرورايت هذا الطريق فان الفناء ال يتحقق بدونه وال يتيسر عني اليقني بال حتققه فان
مشاهدة االحدية ابستيالئها مستلزمة لعدم رؤية ما سواه خبالف التوحيد الوجودي فانه
ليس كذلك يعين انه ليس بضروري فان علم اليقني حاصل بدون تلك املعرفة الن علم
اليقني ليس مبستلزم لنفي ما سواه تعاىل غاية ما يف الباب أنه مستلزم لنفي علم ما سواه
وقت غلبة علم ذلك الواحد واستيالئه مثال اذا حصل لشخص يقني بوجود الشمس
فاستيالء هذا اليقني غري مستلزم للعلم ابن النجوم منتفية ومعدومة يف ذلك الوقت ولكن
حني رؤيته الشمس ال يرى النجوم البتة وال يكون مشهوده غري الشمس ويف هذا الوقت
- 93 -
الذي ال يرى فيه النجوم يعلم ان النجوم ليست مبعدومة بل يعلم اهنا موجودة ولكنها
مستورة ويف تشعشع نور الشمس مغلوبة وهذا الشخص يف مقام االنكار جلماعة ينفون
وجود النجوم يف ذلك الوقت ويرى ان تلك املعرفة غري واقعية فالتوحيد الوجودي الذي
هو نفي ما سوى ذات واحدة تعالت وتقدست خمالف للعقل والشرع خبالف التوحيد
الشهودي فانه ال خمالفة يف مشاهدة الواحد ونفي النجوم وقت طلوع الشمس مثال
والقول ابهنا معدومة خمالف للواقع واما عدم رؤية النجوم يف ذلك الوقت فال خمالفة فيه
اصال بل هذا امنا هو بواسطة غلبة ظهور نور الشمس وضعف بصر الرائي فان اكتحل
بصر الرائي بنور الشمس حتصل له قوة يرى هبا ان النجوم ممتازة من الشمس وهذه الرؤية
يعين رؤية النجوم ممتازة من الشمس يف مرتبة حق اليقني (واقوال) بعض املشائخ اليت ترى
خمالفة لظاهر الشريعة احلقة ونزهلا بعض الناس اىل التوحيد الوجودي مثل قول احلسني بن
منصور احلالج اان احلق وق ول ايب يزيد البسطامي سبحاين ما اعظم شاين وأمثال ذلك
فاألوىل واالنسب تنزيلها اىل التوحيد الشهودي وابعاد املخالفة عنها فاهنم ملا اختفى ما
سوى احلق سبحانه عن نظرهم تكلموا هبذه االلفاظ يف غلبة ذلك احلال ومل يثبتوا غري
احلق سبحانه ومعن اان احلق انه احلق دون اان فانه مل ير نفسه مل يثبته ال انه رأى نفسه
وقال انه احلق فان هذا كفر (ال يقال) ان عدم االثبات مستلزم للنفي وهو التوحيد
الوجودي بعينه (الان نقول) ال يلزم من عدم االثبات النفي فان يف ذلك املوطن حرية
حبيث قد سقطت االحكام فيه ابلتمام ويف قول سبحاين ايضا تنزيه احلق ال تنزيه القائل
نفسه فان نفسه قد ارتفع عن نظره ابلكلية ال يتعلق به حكم أصال وأمثال هذه االقوال
تظهر من البعض يف مقام عني اليقني الذي هو مقام احلرية فاذا ترقوا من ذلك املقام
وبلغوا مرتبة حق اليقني يتحاشون من امثال تلك الكلمات وال يتعدون عن حد االعتدال
وقد اشاع التوحيد الوجودي يف هذا الزمان كثري من هذه الطائفة املتزيني بزي الصوفية وال
يدرون ان الكمال فيما وراءه ويقنعون من العني ابلعلم وينزلون أقوال املشائخ اىل
متخيالهتم وجيعلوهنا مقتدا هبا الوقاهتم وسندا الحواهلم ويروجون سوقهم الكاسد هبذه
- 94 -
التخيالت ولئن وقع يف عبارات بعض املشائخ املتقدمني فرضا الفاظ صرحية يف التوحيد
الوجودي كان ينبغي محلها على اهنم تكلموا هبذه الكلمات يف االبتداء حني كوهنم يف
مقام علم اليقني مث ترقى حاهلم من ذلك املقام وجاوزوا من العلم اىل العني أخريا (ال
يقال) هنا ان ارابب التوحيد الوجودي كما أهنم يعلمون الواحد فقط كذلك هم ال يرون
اال الواحد فقط فكان هلم نصيب من عني اليقني أيضا (الان نقول) ان ارابب هذا
التوحيد امنا يرون صورة التوحيد الشهودي املثالية ال اهنم حتققوا بذلك التوحيد وال مناسبة
للتوحيد الشهودي هبذه الصورة املثالية يف احلقيقة الن وقت حصول ذلك التوحيد وقت
حرية ال حكم بشئ يف ذلك املوطن وصاحب التوحيد الوجودي مع شهوده لصورة
التوحيد الشهودي املثالية من ارابب العلم فانه ينفي ما سوي الواحد والنفي حكم من
االحكام وهو من مقولة العلم والعلم ال جيتمع مع احلرية فثبت ان صاحب التوحيد
الوجودي ال حظ له من مقام عني اليقني نعم اذا وقع لصاحب التوحيد الشهودي الرتقي
من مقام احلرية يبلغ مقام املعرفة اليت هو مقام حق اليقني فيجتمع العلم يف ذلك املوطن
مع احلرية والعلم احلاصل قبل احلرية ومع احلرية هو علم اليقني (ويتضح) هذا اجلواب مبثال
وهو ان شخصا رأى نفسه مثال سلطاان يف املنام بواسطة مناسبة تتعلق مبقام السلطنة
ووجد يف نفسه لوازم السلطنة ومعلوم ان ذلك الشخص مل يصر سلطاان بعد هبذه الرؤية
بل رأى نفسه يف صورة السلطنة املثالية وال مناسبة يف احلقيقة للسلطنة بصورهتا املثالية
اصال اال ان هذا الشهود ولو كان لصورة مثالية يؤذن بوجود االستعداد يف ذلك الشخص
للتحقق حبقيقة هذه الصورة حبيث لو اجتهد بغاية جهده وكانت عناية احلق جل شأنه
شامل حاله لبلغ مقام السلطنة وفرق ما بني القوة والفعل كثري و كم من حديد له قابلية
الن يكون مرآة ال يصل اىل ايدي امللوك حت يصري مرآة ابلفعل وال حيصل له نصيب من
مجاهلم (اين وقعت) اال اين اقول ان سبب حترير هذه العلوم الغامضة هو ان اكثر ابناء
هذا الزمان قد متسك بذيل التوحيد الوجودي بعضهم ابلتقليد وبعضهم مبجرد العلم
وبعضهم ابلعلم املمزوج ابلذوق ولو يف اجلملة وبعضهم ابالحلاد والزندقة وصاروا يرون
- 95 -
ال كل من احلق بل يرون الكل حقا وطفقوا خيرجون رقاهبم هبذه احليلة من ربقة االسالم
وتكاليف الشريعة وخيرتعون انواع املداهنات يف االحكام الشرعية ويفرحون هبذه
املعامالت الغري املرعية ولئن اعرتفوا ابتيان االوامر الشرعية امنا يعرتفون به ابلتبعية
ويتخيلون املقصود االصلي وراء الشريعة العلية حاشا وكال مث حاشا وكال نعوذ ابهلل
سبحانه من هذا االعتقاد السوء فان الطريقة والشريعة كل منهما عني اآلخر ال خمالفة
بينهما مقدار شعرة وامنا الفرق بينهما ابالمجال والتفصيل واالستدالل والكشف وكلما هو
خمالف للشريعة فهو مردود وكل حقيقة ردته الشريعة فهو زندقة وطلب احلقيقة مع
االستقامة يف الشريعة حال أهل الكمال من الرجال رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة
والثبات على متابعة سيد البشر عليه و على آله الصلوات و التسليمات والتحيات ظاهرا
وابطنا وكان العارف ابهلل حضرة شيخنا وقبلتنا قدس هللا سره يف مشرب التوحيد
الوجودي زماان وبينه يف رسائله ومكاتيبه مث رزقه هللا سبحانه الرتقي من ذلك املقام أخريا
ووجه حنو الطريق االعظم وخلصه من مضيق هذه املعرفة (نقل) الشيخ ميان عبد احلق
الذي هو من مجلة خملصيه عنه انه قال قبل مرض موته جبمعة انه قد صار يل معلوما
بقني يقني ان التوحيد الوجودي َس َّكة صغرية والطريق االعظم غريه وقد كنت علمت هذا
سابقا ولكن اآلن قد حصل يل يقني آخر وكان هذا الفقري ايضا يف مشرب التوحيد مدة
حني كنت يف مالزمة شيخي وحضوره والحت يل مقدمات كشفية يف أتييد هذا الطريق
وتقويته كثريا مث جاوزت ذلك املقام بعناية هللا جل سلطانه وشرفين هللا سبحانه مبقام أراده
يل ولنكتف هبذا القدر فان الزاية على ذلك موجب لالطناب (والشيخ) ميان زكراي ال
يزال يكتب يف شأن منصبه ويظهر االلتجاء اىل عتبتكم العلية وهو يف غاية اخلوف من
احملاسبة وجعل ملجأه ومعتصمه يف عامل احلكمة جناب قدسكم وليس له مالذ وملجأ يف
الظاهر سوى توجهاتكم العلية فكما سبق التفاتكم اليه كذلك يرجو ان تعينوه وحتفظوه
من ذائب احلوادث وهو ال يتجاسر ان يعرض احواله عليكم بنفسه لكمال رعاية األدب
معكم وهلذا يتوسل ابلفقري اليكم يف اظهار أحواله واملرجو ان يقرتن مسئوله ابألجابة.
- 96 -
{املكتوب الرابع واالربعون اىل املذكور أيضاً يف مدح خري البشر عليه و
على آله الصالة و السالم وبيان ان مصدقيه من خري االمم ومكذبيه من
اشرار بين آدم ويف الرتغيب يف متابعة سنته السنية عليه و على آله الصالة
و السالم والتحية}
ورد مكتوبكم الشريف يف أعز األزمنة وتشرفت مبطالعته احلمد هلل سبحانه واملنة
على ما حصلتم من مرياث الفقر احملمدي عليه و على آله الصلوات و التسليمات وحمبة
الفقراء واالرتباط هبم من نتيجة ذلك الفقر ومل أدر ماذا أكتب يف جوابه سوى أن أحرر
فقرأت بعبارة عربية مأثورة يف فضائل جدكم االعظم خري العرب والعجم عليه و على آله
من الصلوات أمتها ومن التحيات أكملها وأجعل هذا املكتوب وسيلة لنجاة أخروية ال
اين امدح به النيب عليه الصالة و السالم بل امدح به مقايل {شعر}:
ما ان مدحت حممدا مبقاليت * لكن مدحت مقاليت مبحمد
[]1
رسول هللا سيد ولد آدم وأكثر الناس فأقول وابهلل العصمة والتوفيق ان حممدا
تبعا يوم القيامة وأكرم[ ]2األولني واآلخرين على هللا وأول[ ]3من ينشق عنه القرب وأول
شافع وأول مشفع وأول من يقرع ابب اجلنة فيفتح هللا له وحامل[ ]4لواء احلمد يوم
القيامة حتته آدم فمن دونه وهو الذي قال عليه الصالة و السالم حنن[ ]5اآلخرون وحنن
( )1قوله ان حممدا رسول هللا سيد ولد آدم اخل هذا حديث بني الناس مشهور ويف السنتهم مذكور ويف سائر الكتب
مسطور روى من طرق متعددة ابلفاظ خمتلفة وممن رواه مسلم وابو داود عن انس رضي هللا عنه
( )2قوله اكرم االولني اخل رواه الرتمذي والدارمي من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما
( )3قوله اول من ينشق اخل هو يف حديث مسلم وايب داود
( )4قوله لواء احلمد بيدي اخل الرتمذي والدارمي من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما
( )5قوله حنن اآلخرون اخل الدارمي من حديث عمرو بن قيس رضي هللا عنه
- 97 -
[]1
قائد املرسلني وال السابقون يوم القيامة وأين قائل قوال غري فخر واان حبيب هللا واان
فخر واان خامت النبيني وال فخر واان[ ]2حممد بن عبد هللا بن عبد املطلب ان هللا خلق
اخللق فجعلين يف خريهم مث جعلهم فريقني فجعلين يف خريهم فرقة مث جعلهم قبائل فجعلين
يف خريهم قبيلة مث جعلهم بيوات فجعلين يف خريهم بيتا فأان خريهم بيتا وخريهم نفسا
وأان[ ]3أول الناس خروجا اذا بعثوا واان قائدهم اذا وفدوا وأان خطيبهم اذا نصتوا وأان
شفيعهم اذا حبسوا وأان مبشرهم إذا يئسوا ولواء الكرم واملفاتيح يومئذ بيدي ولواء احلمد
على ألف خادم كأهنم بيض مكنون يومئذ بيدي واان أكرم ولد آدم على ريب يطوف ّ
[]5
واذا[ ]4كان يوم القيامة كنت امام النبيني وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غري فخر لواله
ملا خلق هللا سبحانه اخللق وملا اظهر الربوبية وكان[ ]6نبيا وآدم بني املاء والطني {شعر}:
من كان هذا مقتداه أبمره * لن يبق يف قيد الذنوب وأسره
( )6قوله واان قائد اخرجه الدارمي من حديث جابر رضي هللا عنه
( )7قوله واان حممد بن عبدهللا اخرجه الرتمذي من حديث عباس رضي هللا
( )1قوله واان اول الناس خروجا اخل اخرجه الرتمذي والدارمي من حديث انس رضي هللا عنه
( )2قوله واذا كان يوم القيمة اخل الرتمذي وامحد وابن ماجه واحلاكم من حديث ايب بن كعب رضي هللا عنه
( )3قوله لواله ملا خلق هللا اخل اشارة اىل ما رواه الديلمي يف مسند الفردوس عن ابن عباس رضي هللا عنهما يقول هللا
وعزيت وجاليل لوالك ملا خلقت الدنيا ولوالك ملا خلقت اجلنة واورده يف املواهب معزاي اىل ابن طغر بك بلفظ لواله ما
خلقتك خطااب آلدم عليه السالم وال خلقت مساء وال ارضا مث قال ويشهد هلذا ما رواه احلاكم يف صحيحه عن عمر
رضي هللا عنه ان آدم رأى اسم حممد مكتواب على العرش وان هللا قال آلدم لو ال حممد ما خلقتك قال الزرقاين روى ابو
الشيخ واحلاكم عن ابن عباس رضي هللا عنهما اوحى هللا اىل عيسى آمن مبحمد ومر امتك ان يؤمنوا به فلوال حممد ما
خلقت آدم وال اجلنة وال النار احلديث واقره السبكي يف شفاء االسقام والبلقيين يف فتاواه ومثله ال يقال رأاي وعند
الديلمي عن ابن عباس رضي هللا عنهما رفعه ااتين جربيل فقال ان هللا يقول لوالك ما خلقت اجلنة ولوالك ما خلقت
النار قلت معن هذا احلديث ال شبهة يف صحته ومطابقته لنفس االمر عند كافة الصوفية وعامة من سواهم فهو
صحيح انشاء هللا
( )4قوله وكان نبيا وآدم بني املاء والطني إشارة اىل حديث مشتهر يف األلسنة كنت نبيا وآدم بني املاء والطني قال
البخاري نقال عن ابن حجر انه قوى هبذا القدر وقال السيوطي ال اصل له هبذا اللفظ ولكن يف الرتمذي مت كنت نبيا
قال وآدم بني الروح واجلسد ويف صحيح ابن حبان واحلاكم اين ملكتوب عند هللا خامت النبيني وان آدم جملندل يف طينته
واحلاصل هذا احلديث كثري الدوران بني الناس خصوصا عند الصوفية
- 98 -
فال جرم يكون مصدق مثل هذا الرسول النيب الكرمي سيد البشر عليه الصالة و
السالم خري االمم البتة و يكون قوله تعاىل كنتم خري أمة اخرجت للناس نقد وقتهم
ووصف حاهلم و يكون مك ّذبوه عليه الصالة و السالم شر بين آدم و يكون قوله تعاىل
االعراب أشد كفرا ونفاقا عالمة حاهلم فيا سعادة من يشرف بدولة اتباع سنته السنية
ومتابعة شريعته املرضية واليوم يقبل األمر اليسري املقرون بتصديق حقية دينه عليه الصالة
و السالم مكان العمل الكثري وال غرو فيه اال ترى ان اصحاب الكهف انلوا ما انلوا من
الدرجات بواسطة حسنة واحدة وهي اهلجرة والفرار عن اعداء هللا تعاىل بسبب نور
اليقني االمياين وقت استيالء املعاندين وهذا كما أن العسكر اذا صدرت عنهم حركة
يسرية حني غلبة االعداء واستيالء املخالفني تكون من القبول واالعتبار مبرتبة ال تبلغها
اضعاف تلك احلركة وقت االمن واالطمئنان (وأيضا) انه صلّى هللا عليه و سلّم ملا كان
حمبوب رب العاملني ال جرم يبلغ اتباعه صلّى هللا عليه و سلّم مرتبة احملبوبية بسبب املتابعة
فان احملب اذا رأى شيئا من مشائل حمبوبه عند شخص حيب ذلك الشخص ابلضرورة
ملالبسته بشمائل حمبوبه واخالقه وقس على ذلك حال املخالفني {شعر}:
رئيس مجيع العاملني حممد * على رأس أعداه حصا وتراب
فان مل تتيسر اهلجرة الظاهرية ينبغي ان يراعي اهلجرة الباطنية بكماهلا وان يكون
معهم يعين مع الناس يف الظاهر دوهنم يعين يف الباطن * ولعل هللا حيدث بعد ذلك أمرا
وقد أتى موسم النريوز ومعلوم ان أهل اململكة يكونون يف تلك االايم متفرقي البال
ومتشتيت احلال فاذا ساعدت أرادة هللا سبحانه و تعاىل تتيسر املالقاة بعد مضي تلك
االحوال وزايدة االطناب موجبة للمالل ثبتكم هللا سبحانه على جادة آابئكم الكرام و
السالم عليكم وعليهم اىل يوم القيام.
{املكتوب اخلامس واالربعون كتبه اىل املذكور أيضاً اظهاراً لشكر تقويته
- 99 -
الظاهرية أمور فقراء اخلانقاه بعد ارحتال شيخه وبني فيه أيضاً كون جامعية
االنسان سبباً لنقصانه ككوهنا سبباً لكماله مع ذكر فضائل شهر رمضان
وما يناسب ذلك}
ثبتكم هللا سبحانه على جادة آابئكم الكرام وسلمكم عن موجبات التلهف
والتأسف على مرور الشهور واالايم واعلم ان اولياء هللا تعاىل حبكم املرء مع من أحب مع
هللا تعاىل وتقدس والتعلق ابلبدن نوع من موانع تلك املعية واالتصال واما بعد االنفصال
من هذا املقر اهليوالين واملفارقة عن اهليكل الظلماين فقرب يف قرب واتصال يف اتصال
امل وت جسر يوصل احلبيب اىل احلبيب بيان هلذا املعن ويف قوله تعاىل من كان يرجو لقاء
هللا فان أجل هللا آلت تسلية للمشتاقني ورمز من ذلك البيان ولكن أحوال العاجزين
الذين أخرهتم العالئق والعوائق بال دولة احلضور عند اكابر الدين خراب وابرت واالستفاضة
من روحانيات االكابر قدس هللا اسرارهم مشروطة بشرائط ال جمال لكل شخص يف
ايفائها ولكن احلمد هلل سبحانه ذي االنعام واملنة على ان جعل مريب هؤالء الفقراء
العاجزين ومعينهم وقت ظهور هذه احلادثة اهلائلة والواقعة املوحشة املفزعة من أهل بيت
النبوة على صاحبها الصالة و السالم والتحية فصار سببا النتظام هذه السلسلة العلية
وواسطة جلمعية النسبة النقشبندية وال َغ ْرو يف ذلك فان هذه النسبة العلية ملا كانت يف
هذه الداير غريبة جدا وكان أهلها يف هذه اململكة قد جاوزوا يف القلة حدا كنسبة أهل
البيت بني سائر النسب انسب ان يكون مربيها وحاميها من أهل البيت وكان تقويتها
منهم أوىل وأحرى لئال يلزم تكميل تلك الدولة العظمى ابلغري فكما أن شكر هذه النعمة
القصوى الزم للفقراء كذلك شكر هذه الدولة االمسى[ ]1الزم لذمتهم وكما أنه حيتاج اىل
اجلمعية الباطنية كذلك حيتاج اىل اجلمعية الظاهرية بل هذا االحتياج مقدم على ذلك
( )1يعين يلزمهم ايضا ان يشكروا على من قام برتبيتهم وتقوية نسبتهم ملوجب قضية شكر النعم واجب وهو املكتوب
اليه السيد فريد البخاري منه عفي عنه
- 100 -
االحتياج واحوج اخلالئق هو االنسان وشدة احتياجه امنا هي بواسطة جامعيته فانه يلزمه
وحده ما يلزم الكل وله تعلق بكل ما حيتاج اليه فتعلقاته أكثر من تعلقات الكل وكل
تعلق مستلزم لالعراض عن جناب قدسه تعاىل فكان االنسان أشد اخلالئق وأكثرهم
حرماان من هذه احليثية {شعر}:
و مرتبة االنسان يف آخر الوري * لذلك عن عز احلضور أتخرا
فان مل يعد من بعده واغرتابه * فال شئ حمروم كأنس من الوري
و احلال ان سبب أفضليته من مجيع اخلالئق كان أيضا من جهة جامعيته وهلذا
كان مرآته أمت فكلما يظهر يف مرااي مجيع اخلالئق فهو الئح يف مرآة واحدة منه فكان
أفضل اخلالئق من هذه اجلهة هو االنسان وشر مجيع املوجودات من تلك اجلهة هو
االنسان اذ منهم حممد عليه الصالة و السالم ومنهم أبو جهل اللعني وال شك انكم
كفيل جبمعية هؤالء الفقراء يف الظاهر بتوفيق هللا عز وجل وحبكم الولد سرألبيه الرجاء اتم
حبصول اجلمعية الباطنية أيضا بسببكم وملا ورد مكتوبكم الشريف يف شهر رمضان املبارك
خطر يف اخلاطر الفاتر ان اكتب نبذة من فضائل هذا الشهر العظيم القدر (ينبغي) ان
يعلم ان شهر رمضان شهر عظيم وكل عبادة انفلة من الصالة والذكر والصدقة وأمثاهلا يف
هذا الشهر تساوي اداء فريضة فيما سواه ومن ادى فريضة فيه كان كمن ادى سبعني
فريضة فيما سواه ومن فطّر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له
مثل اجره من غري أن ينتقص من أجره شئ ومن خفف عن مملوكه فيه غفر هللا له واعتقه
من النار وكان[ ]1رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اذا دخل شهر رمضان اطلق كل أسري
واعطى كل سائل ومن وفق للخريات واالعمال الصاحلة يف هذا الشهر كان التوفيق رفيقه
يف متام هذه السنة واذا مر هذا الشهر على تفرقة يكون يف مجيع السنة على تفرقة فينبغي
( )1رواه البيهقي يف شعب االميان عن الفارسي رضي هللا عنه بلفظ من تقرب فيه خبصلة من اخلري كان كمن ادى
فريضة فيما سواه اخل مشكاة وفسر الشراح اخلري بقوهلم اي من انواع النوافل منه عفي عنه )1( .رواه البيهقي عن ابن
عباس مشكاة (منه).
- 101 -
فيه أن جيتهد يف حتصيل اجلمعية مهما أمكن مغتنما هلذا الشهر فان هللا سبحانه و تعاىل
يعتق يف كل ليلة من لياليها ألوفا ممن استحق النار وتفتح[ ]1ابواب اجلنة يف هذا الشهر
وتغلق ابواب جهنم وتسلسل الشياطني وتفتح ابواب الرمحة وتعجيل[ ]2االفطار وأتخري
السحور من السنن[ ]3قد ابلغ النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف هذا الباب ويشبه أن تكون
مبالغة الظهار احتياجه املناسب ملقام العبودية واإلفطار[ ]4ابلتمر سنة ويقرأ وقت االفطار
هذا الدعاء ذهب[ ]5الظماء وابتلت العروق وثبت االجر ان شاء هللا تعاىل واداء الرتاويح
و ختم[ ]6القرآن يف هذا الشهر من السنن املؤكدة و مثمر لنتائج كثرية وفقنا هللا سبحانه
حبرمة حبيبه عليه و على آله الصالة و السالم وبقية الكالم ان الصحيفة الشريفة وردت
يف وسط شهر رمضان واال ما كنت اسامح نفسي يف التأخري عن امتثال االمر والتكلم مما
بعد الشهر املذكور حكم ابلغيب ومبين على طول االمل وابجلملة يكون ما هو مرضاكم
وال اكون يف صون نفسي بوجه من الوجوه فان حقوقكم اثبتة يف ذمتنا حنن ظاهرا وابطنا
قال حضرة قبلتنا قدس سره ان حقوق الشيخ جيو اثبتة عليكم مجيعا ومقررة لديكم فانه
هو الباعث على هذه اجلمعية وفقنا هللا سبحانه مجيعا دائما لالعمال املرضية حبرمة النيب
وآله االجماد عليه وعليهم الصلوات و التسليمات والزايدة على ذلك تصديع اتم.
( )2رواه الشيخان والرتمذي وابن ماجة عن ايب هريرة ابلفاظ متقاربة كما يف املشكاة
( )3قال هللا تعاىل احب عبادي اىل اعجلهم فطرا الرتمذي عن ايب هريرة مشكاة
( )4عن زيد بن اثبت انه قال تسحران مع رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مث قمنا اىل الصالة قال انس كم كان قدر
ذلك قال قدر مخسني آية.
( )5عن سلمان بن عامر قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اذا افطر احدكم فليفطر على مترة فان فيه بركة رواه امحد
و الرتمذي و ابو داود و ابن ماجة و الدارمي مشكاة و عن انس رضي هللا عنه قال كان النيب صلّى هللا عليه و سلّم
يفطر قبل ان يصلي على رطبات فان مل تكن رطبات فتمريات احلديث رواه ابو داود و الرتمذي و قال حسن غريب
( )6رواه ابو داود عن انس مشكاة
( )7يعين من سنن اخللفاء الراشدين فاهنا يقال هلا ايضا سنة كما قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم عليكم بسنيت وسنة
اخللفاء الراشدين من بعدي .عفي عنه
- 102 -
اليقني الالزم احلصول بدوهنا قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها فتقرر ان منكر
هذه الشريعة الباهرة وامللة الطاهرة الظاهرة معلول بعلة مثل منكر حالوة السكر ولكن:
ما ضر مشس الضحى يف االفق طالعة * ان ال يرى ضوءها من ليس ذا بصر
فاملقصود من السري والسلوك وتزكية النفس وتصفية القلب هو ازالة اآلفات املعنوية
واالمراض القلبية املشار اليها بقوله تعاىل يف قلوهبم مرض لتحقق حقيقة االميان فان وجد
االميان مع وجود هذه اآلفات فامنا هو حبسب الظاهر فقط الن وجدان النفس االمارة
حاكم خبالفه وهي مصرة على كفرها ومثل هذا االميان الصوري مثل اميان الصفراوي
حبالوة السكر يف كون وجدانه حاكما وشاهدا خبالفه فكما أن اليقني احلقيقي حبالوة
الس َّكر امن ا حيصل بعد زوال مرض الصفراء كذلك حقيقة االميان يعين حبقية االحكام
ُّ
الشرعية وصدقها امنا حتصل بعد تزكية النفس واطمئناهنا وحينئذ يصري االميان وجدانيا
وهذا القسم من أقسام االميان حمفوظ من الزوال قوله تعاىل اال ان اولياء هللا ال خوف
عليهم والهم حيزنون صادق يف شأن صاحبه شرفنا هللا سبحانه بشرف هذا االميان
الكامل احلقيقي حبرمة النيب االمي القرشي عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن
التسليمات اكملها.
كمال غربته وعجز اهله وقلتهم وضعفهم مل يورث ذلك ومل يوجب شيئا سوى ان يكون
املسلمون على دينهم والكفار على كفرهم يعين مل يقدر الكفار ان يغريوا من أمور
املسلمني شيئا وان جيروا عليهم أحكام الكفر مع قوهتم وشوكتهم ويف قوله تعاىل لكم
دينكم ويل دين بيان لذلك وأما يف القرن املاضي فقد أجرى الكفار أحكامهم يف دار
االسالم على املل بطريقة الغلبة واالستيالء حت عجز املسلمون عن اظهار احكام
االسالم حبيث من أظهره قتلوه و اويال و امصيبتا و احسرات و احزان على ما صار
مصدقوا حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم حمبوب رب العاملني اذالء حقريين عدميي
املقدار ومنكره يف غاية العز واالعتبار واملسلمون يف تعزية االسالم مع قلوب جمروحة
واملعاندون يرشون امللح على جراحاهتم ابلسخرية واالستهزإ ومشس اهلداية مستورة حتت
أفق الضاللة ونور احلق منزو ومنعزل يف حجب الباطل وقد وصل اآلن زوال مانع ظهور
االسالم وبشارة جلوس سلطان املسلمني على سرير السلطنة اىل مسامع اخلاص والعام
فينبغي ألهل االسالم ان يعدوا معاونة السلطان وامداده الزمة لذمتهم وان يدلوه على
ترويج الشريعة وتقوية امللة وهذا االمداد والتقوية ميكن ان يكون ابللسان وان يكون ابليد
واسبق االمداد ابللسان وافضله هو تبيني املسائل الشرعية واظهار العقائد الكالمية على
طبق الكتاب والسنة السنية وامجاع االمة النبوية لئال يظهر يف البني ضال ومبتدع فيسد
الطريق وينجر االمر اىل الفساد وهذا القسم من االمداد خمصوص بعلماء أهل احلق
املقبلني على اآلخرة فان علماء الدنيا الذين مهتهم التهافت على متاع الدنيا ومجع
حطامها صحبتهم سم قاتل وفسادهم فساد متعد {شعر}:
اذا كان ذو علم اسريا بنفسه * فمن ذا الذي ينجو به من غوايته
و كل بالء ظهر يف القرن املاضي امنا ظهر بسبب شآمة هؤالء اجلماعة فاهنم هم
الذين اخرجوا السلطان من الطريق احلقة بل ليست فرقة من اثنتني وسبعني فرقة اال
ومقتداهم يف اختيار طريق الضاللة هم العلماء السوء وقل من تتعدى ضاللته اىل الغري
ممن اختار الضاللة غري العلماء السوء واكثر اجلهالء املشتبهني ابلصوفية يف هذا الزمان هلم
- 105 -
حكم العلماء السوء ايضا فان فسادهم فساد متعد والظاهر ان كل من يقصر يف االمداد
مع وجود االستطاعة فيه اي نوع كان من االمداد ووقع الفتور على أمور اهل االسالم
يكون معاتبا وبناء على هذا يريد هذا الفقري ان يلقي نفسه اىل ميدان ممدي دولة االسالم
وجيتهد فيه بقدر االمكان فبحكم[ ]1من كثر سواد قوم فهو منهم حيتمل أن يكون هذا
العاجز عدمي االستطاعة داخال يف زمرة هؤالء اجلماعة وان مثلي مثل عجوز جائت بغزهلا
يف سوق مشرتيي يوسف على نبينا وعليه الصالة و السالم لتشرتيه به واملرجو ان أتشرف
بشرف احلضور عن قريب ان شاء هللا تعاىل واملتوقع من جناب شرفكم حيث يسر هللا
سبحانه و تعاىل لك االستطاعة وقرب السلطان على الوجه االمت ان جتتهد يف ترويج
الشريعة احملمدية عليه و على آله الصالة والتحية واخراج املسلمني من الكربة واالسالم
من الغربة يف خلوة وجلوة وحلامل الرقيمة موالان حامد وظيفة مقررة من االمري صاحب
االقبال والظاهر انه اخذها يف العام املاضي يف حضوركم وجاء يف هذه السنة ايضا هبذا
الرجاء يسر لكم هللا سبحانه الدولة احلقيقة واجملازية.
( )1هذا حديث اخرجه ابو يعلي عن ابن مسعود رضي هللا عنه مرفوعا بزايدة ومن رضي عمل قوم كان شريك من
عمل به انتهى عفي عنه.
- 106 -
{املكتوب التاسع واالربعون اىل املذكور ايضاً يف التحريض على اجلمع بني
دوليت حتلية الظاهر ابتيان االحكام الشرعية وختلية الباطن عن عالقة ما
سواه تعاىل}
اسعدكم هللا سبحانه بدولة صورية وسعادة معنوية والدولة الصورية يف احلقيقة هي
كون الظاهر حملي ابالحكام الشرعية املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية
والسعادة املعنوية هي ختلص الباطن وخلوه عن عالقة ما سواه واالرتباط بغريه تعاىل فيا
فوز من تشرف هباتني الدولتني {ع}:
هذا هو االمر و الباقي من العبث
و الزايدة تصديع.
توجهكم الشريف ويرجو أن يكون كونه من خدمة العتبة العلية ظاهرا يف الديوان اجلديد
ايضا يعين معلوما عند ارابهبا {شعر}:
اال اعطين قلبا ترى من جسارة اال * سود و ان الفيتين قبل ثعلبا
يسر هللا سبحانه الدولة الصورية واملعنوية حبرمة النيب االمي وآله االجماد عليه
وعليهم الصالة و السالم.
( )1اخرجه البزار عن ابن عباس وابن الزبري واحلاكم عن ايب ذر.
- 109 -
مبغوضة عند احلق سبحانه وملعونة بسبب ان حصوهلا ممد ومعاون يف حصول مرادات
النفس فمن امد العدو ال جرم يستحق اللعن والطرد[ ]1وامنا صار الفقر فخرا حممداي عليه
و على آله الصالة و السالم فان يف الفقر عدم حصول مراد النفس وحصول عجزها
واملقصود من بعثة االنبياء عليهم الصالة و السالم واحلكمة يف التكليفات الشرعية هو
تعجيز هذه النفس االمارة وختريبها وقد وردت الشرائع لرفع اهلوى النفساين وكلما يعمل
شئ مبقتضى الشريعة يزول من اهلوى النفساين بقدره وهلذا كان فعل شئ من االحكام
الشرعية افضل يف ازالة اهلوى النفساين من رايضات الف سنة وجماهداهتا اليت كانت من
قبل النفس بل هذه الرايضات واجملاهدات اليت مل تقع على مقتضى الشريعة الغراء مؤيدة
ومقوية للهوى النفساين ومل تقصر الربامهة واجلوكية يف الرايضات واجملاهدات شيئا ولكنها
ملا مل تكن على وفق الشريعة مل ينتفعوا هبا اصال ومل حيصل هلم غري تقوية النفس وتربيتها
(فمن) صرف مثال دانقا بنية ادآء الزكاة اليت امر هبا الشرع فهو انفع يف ختريب النفس من
صرف الف دينار من قبل نفسه وكذلك اكل الطعام يوم عيد الفطر حبكم الشريعة انفع
يف دفع اهلوى من صيام سنني من قبل نفسه وأدآء ركعيت الفجر مع اجلماعة اليت هي سنة
من السنن افضل من قيام متام الليلة ابلنافلة مع ترك اجلماعة يف الفجر وابجلملة ان النفس
ما مل ترتك من خبث ماليخوليا دعوى السيادة والرفعة فالنجاة حمال ففكر ازالة هذا املرض
ضروري كيال يفضي اىل املوت االبدي وكلمة ال اله اال هللا اليت وضعت لنفي االهلة
االفاقية واالنفسية انفع يف تزكية النفس وانسب لتطهريها و اختار اكابر الطريقة قدس هللا
اسرارهم لتزكية النفس هذه الكلمة الطيبة {شعر}:
ما دمت مل تضرب بال عنق السوى * يف قصر اال هللا لست بواصل
(( )1قوله وامنا صار الفقر اخل) اشارة ملا هو دائر بني الناس من قوله صلّى هللا عليه و سلّم الفقر فخري قال ابن حجر
وابن تيمية انه ابطل ال أصل له وقد ذكره يف الشفاء عن علي كرم هللا وجهه يف حديث طويل هبذا اللفظ على ما يف
بعض نسخه وبلفظ والعجز فخري يف بعض آخر قال القاري يف شرحه بعد الكالم فيه احلكم بوضعه وبطالنه ابعتبار
السنة ال ابعتبار مبناه املطابق معناه للكتاب يعين قوله تعاىل وهللا الغين وانتم الفقراء انتهى ملخصا .عفي عنه
- 111 -
و ما دامت النفس يف مقام البغي والعناد ونقض العهد والفساد ينبغي ان جيدد
االميان بتكرار هذه الكلمة قال عليه الصالة و السالم جددوا[ ]1اميانكم بقول ال اله اال
هللا بل ال بد من تكرار هذه الكلمة يف مجيع االوقات فان النفس االمارة يف مقام اخلبث
دائما وقد ورد عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف فضائل هذه الكلمة حديث لو
وضعت[ ]2السموات واالرض يف كفة امليزان وهذه الكلمة يف كفة لرتجحت هذه الكفة
على األخرى و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله
الصالة االكمل و السالم االوف.
( )1عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان االميان سيخلق يف جوف احدكم كما
خيلق الثوب فا سأ لوا هللا ان جيدد االميان يف قلوبكم الطرباين يف الكبري كذا يف االمم اليقاظ اهلم للكوراين ويف رواية امحد
واحلاكم يف املستدرك بلفظ من قول ال اله اال هللا قال العزيزي اسناده صحيح.
( )2قال احلافظ العراقي يف ختريج احاديث االحي اء رواه ابن السين يف عمل اليوم والليلة وصححه احلاكم عن ايب سعيد
مرفرعا قلت يف املشكاة عن ايب سعيد اخلدري قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال موسى اي رب علمين
شيئا اذكرك به او ادعوك به فقال اي موسى قل ال اله اال هللا فقال اي رب كل عبادك يقول هذا امنا اريد شيئا ختصين به
قال اي موسى لو ان السموات واالرضني السبع وضعن يف كفة وال اله اال هللا يف كفة ملالت هبن ال اله اال هللا شرح
السنة اه .
- 112 -
حنو جانبكم العايل بواسطة هذا الغرض كما اظهرت ذلك مكررا ال اسامح نفسي وال
ارخص هلا يف السكوت والقعود عن الكتابة يف هذا الباب ابلضرورة فاملرجو مساحمتكم
اايي فان صاحب الغرض جمنون واملعروض اآلن هو ان العلماء املتدينني اقل من القليل
وهم الذين جاوزوا حب اجلاه والرايسة وخلفوه وراءهم وليس هلم مقصد ومطلب سوى
ترويج الشريعة وأتييد امللة فانه اذا كان فيهم حب اجلاه أيخذ كل واحد منهم طرفا مما
يالمي مرامه ويتمسك به ويظهر من ذلك الطرف افضليته ويورد االختالفات ويوقع
اخلالفيات يف البني وجيعل ذلك وسيلة لقرب السلطان فيكون مهم الدين ال حمالة ابرت
واقطع واختالفات العلماء هي اليت القت العامل اىل البالء يف القرن السابق فاذا كان هذا
الداء مستمرا وتلك الصحبة دائمة من اين يرجى ترويج الشريعة وكيف يكون اجملال لتأييد
امللة بل يكون ابعثا على التخريب والعياذ ابهلل سبحانه من ذلك ومن فتنة العلماء السوء
فان انتخبتم هلذا الغرض عاملا واحدا فهو افضل واحسن فان تيسر ذلك من علماء
اآلخرة فنعمت السعادة فان صحبته كربيت امحر فان مل يتيسر فاختاروا افضل هذا اجلنس
بعد التأمل الصحيح ما ال يدرك كله ال يرتك كله وال ادري ماذا اكتب فكما ان جناة
اخلالئق مربوطة بوجود العلماء كذلك خسران العامل ايضا منوط هبم وافضل العلماء افضل
العامل وشرهم شر اخلالئق قد نيطت اهلداية والضاللة هبم رأى واحد من االعزة ابليس
اللعني قاعدا على الفراغ على خالف عادته فسئله عن سر ذلك يعين متعجبا فقال
اللعني ان علماء هذا الوقت قد كفوين مؤنيت وتكفلوا يل ابالغواء واالضالل والغرض
اقدامكم على هذا األمر وشروعكم فيه بعد رعاية الفكر الصحيح والتأمل الصادق فان
االمر اذا خرج من اليد ال يقبل العالج واين وان كنت مستحييا من اظهار امثال هذه
الكلمات الرابب الفطانة الصحيحة ولكن ملا علمت ان هذا االمر وسيلة للسعادة
العظمى كنت ابعثا على التصديع.
- 113 -
نفوسهم قد تزكت يف صحبة خري البشر وختلصت من وصف االمارية ولكن الذي نعتقده
ان احلق كان يف طرف علي كرم هللا وجهه واخلطأ يف طرف خمالفيه ولكن هذا اخلطأ خطأ
اجتهاد ي وهو ال يبلغ حد الفسق بل ال جمال للمالمة يف مثل هذا اخلطأ وللمخطئ فيه
درجة واحدة من الثواب ويزيد البعيد عن السعادة ليس من األصحاب فال كالم ألحد يف
كونه بعيدا عن ساحة السعادة فان االمر الذي فعله هو ال يفعله كفار افرنج وقد توقف
بعض العلماء من أهل السنة يف لعنه ال لكونه راضيا عنه او بفعله بل رعاية الحتمال
رجوعه وتوبته وينبغي أن يقرأ يف اجمللس الشريف كل يوم شئ من كتب قطب الزمان
خمدوم العامل ليعلم أنه كيف مدح أصحاب النيب عليه وعليهم الصالة و السالم وأبي نوع
من اآلداب ذكرهم حت يكون املخالفون حمجوبني وخمذولني وقد غاىل هذه الطائفة
الباغية الطاغية يف هذه االايم غلوا كثريا وعتوا عتوا كبريا وانتشروا يف اآلفاق واالكناف
فكتبنا يف بيان فسادهم كلمات هبذا السبب لئال تتطرق هذه الطائفة اىل اجمللس الشريف
وكيال يكون هلم اعتبار يف ذلك احملفل املنيف ثبتكم هللا سبحانه على الطريقة املرضية.
( )1أمحد والبخاري يف االدب املفرد والرتمذي يف الزهد وابن حبان واحلاكم وصححه عن املقدام بن معديكرب وابن
حبان عن انس والبخاري يف االدب عن رجل من الصحابة بلفظ اذا احب احدكم اخاه فليعلم انه حيبه شرح اجلامع
الصغري.
- 115 -
صلّى هللا عليه و سلّم حصل يف اليد حبل الرجاء التام رزقنا هللا سبحانه االستقامة على
حمبتهم حبرمة سيد البشر عليه و على آله الصالة و السالم.
أن تكون معيشتكم ومعاشرتكم على هنج يتيسر لكم استحقاق هذه الوراثة اعين حتلية
الظاهر بظاهر الشريعة وتزيني الباطن بباطنها الذي هو عبارة عن احلقيقة فان الطريقة
واحلقيقة عباراتن عن حقيقة الشريعة والطريقة هي نفس تلك احلقيقة ال ان الشريعة امر
والطريقة واحلقيقة امران آخران مغايران هلا فان اعتقاد ذلك احلاد وزندقة وظن الفقري بكم
حسن جدا واجعل بعض الوقائع شاهدا هلذا املعن وقد اظهرت نبذة من ذلك لوالدكم
املاجد وبقية املرام أن الشيخ عبد الغين رجل حملي ابلصالح وحسن الشيمة فان راجع
خدمتكم يف امر من االمور فاملرجو منكم بذل االلتفات اليه و السالم واالكرام.
{املكتوب الثامن و اخلمسون اىل السيد حممود يف بيان ان هذا الطريق كله
سبع خطوات و ان مشائخ النقشبندية اختاروا ابتداء السري من عامل االمر
خبالف مشائخ السالسل اآلخر و أن طريق هؤالء االكابر هو طريق
االصحاب الكرام و ما يناسب ذلك}
قد ورد مكتوبكم الشريف وملا فهمت منه شوقكم اىل استماع كلمات هؤالء
الطائفة العلية اردت ان احرر ابلضرورة كلمات اجابة للمسؤل وترغيبا يف املأمول ايها
املخدوم ان هذا الطريق الذي حنن يف صدد قطعه كله سبع اقدام بعدد اللطائف السبع
االنسانية قدمان منها يف عامل اخللق يتعلقان ابلقالب أعين البدن العنصري والنفس ومخسة
منها يف عامل االمر مربوطة ابلقلب والروح والسر واخلفي واالخفى ويف كل قدم من هذه
[]1
االقدام السبع ترتفع عشرة آالف حجاب نورانية كانت تلك احلجب أو ظلمانية ان
( )1احلديث رواه يف املشكاة من قول جربيل كان بيين وبينه سبعون ألف حجاب وترك البياض مث احلق بعض الشراح
روى ابن حبان يف صحيح عن ابن عمر وقال ابن حجر انه صحيح مث ذكر من الصحابة جبري ابن مطعم وان تعقب
عليه علي القاري ابن ذكر العدد غري صحيح ونفس احلجاب يف صحيح مسلم من رواية ايب موسى مرفوعا حجاب
من النور لو كشفه الحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه قلت احلديث الذي يف املشكاة غري الذي
- 117 -
هلل سبعني ألف حجاب من نور وظلمة ففي القدم األوىل اليت توضع يف عامل االمر يظهر
التجلي االفعايل ويف الثانية التجلي الصفايت ويقع الشروع يف التجليات الذاتية يف الثالثة مث
ومث على تفاوت درجاهتا كما ال خيفى على أرابهبا ويف كل خطوة من اخلطوات السبع
يبعد السالك عن نفسه ويقرب من ربه سبحانه حت يتم القرب بتمام هذه االقدام
فحينئذ يتشرف ابلفناء والبقاء ويبلغ درجة الوالية اخلاصة واختار مشائخ النقشبندية العلية
قدس هللا اسرارهم السنية ابتداء هذا السري من عامل االمر وهم يقعطون مسافة عامل اخللق
أيضا يف ضمن هذا السري خبالف مشائخ سالسل أخر قدس هللا أسرارهم وهلذا كان
طريق النقشبندية أقرب الطرق فال جرم صارت هناية غريهم مندرجة يف بدايتهم {ع}:
يدل على حسن الزمان ربيعه
و طريق هؤالء االكابر هو بعينه طريق الصحابة الكرام رضوان هللا عليهم أمجعني
فان ما حصل لالصحاب يف أول صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم
بطريق اندراج النهاية يف البداية قلما حيصل لكمل االولياء يف النهاية وهلذا كان الوحشي
قاتل محزة رضي هللا عنه أفضل من اويس القرين الذي هو خري التابعني لنيله صحبة النيب
صلّى هللا عليه و سلّم مرة واحدة سئل عبد هللا بن املبارك أيهما افضل معاوية أو عمر بن
عبد العزيز فقال وهللا للغبار الذي دخل انف فرس معاوية مع رسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم خري من عمر ابن عبد العزيز كذا مرة[ ]1فينبغي ان يتأمل يف انه اذا كان بداية مجاعة
حبيث اندرجت فيها هناية غريهم ماذا تكون هنايتهم وكيف يسعها ادراك اآلخرين وما يعلم
جنود ربك اال هو {شعر}:
لو عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم من افحش الكلم
اخرجه مسلم والذي يف املشكاة اورده السيوطي يف حديث طويل جدا وعزاه اىل ابن زجنويه عن علي بن يزيد اهلاليل
عن القاسم بن عبدالرمحن عن ايب امامة مرفوعا بلفظ اي حممد لقد دنوت من هللا دنوا ما دنوت مثله قط فكان بيين
وبينه سبعون ألف حجاب من نور احلديث بطوله مث قال حم القاسم بن عبدالرمحن حدث عنه علي بن يزيد ابعاجيب
ما اراها اال من قبل القاسم انتهى .عفي عنه
( )1يف الفتاوى احلديثية البن حجر من مائة وواحد مثل ابن عبدالعزيز اه .
- 118 -
هل يقطع الثعلب احملتال سلسلة * قيدت هبا أسد الدنيا أبسرهم
رزقنا هللا سبحانه واايكم حمبة هؤالء الطائفة العزيزي الوجود والورقة وان كانت
حمقرة ولكنها قد اندرجت فيها معارف عالية وحقائق سامية فينبغي اعزازها يعين من
أجلها.
{املكتوب التاسع و اخلمسون اىل السيد حممود ايضاً يف بيان انه ال بد يف
حصول النجاة من أمور ثالثة و اهنا ال تتصور بدون اتباع أهل السنة و
اجلماعة و ان العلم و العمل متعلقان ابلشريعة و االخالص منوط بسلوك
طريق الصوفية و ما يناسب ذلك}
رزقنا هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و
السالم والتحية واالقبال على جناب قدسه ابلكلية وقد وردت الصحيفة الشريفة املشتملة
على املفاوضة املنيفة فصارت موجبة للفرح واتضحت املقدمات املنبئة عن حمبة الفقراء
واالخالص هلؤالء الطائفة الغرابء اللهم زد واندرج فيها أيضا طلب الفوائد فاعلم أيها
املخدوم وال بد لالنسان من ثالثة أشياء حت تتيسر النجاة االبدية العلم والعمل
واالخالص والعلم على قسمني قسم املقصود منه العمل وقد تكفل ببيانه علم الفقه وقسم
املقصود منه جمرد االعتقاد واليقني القليب وذكر هذا القسم يف علم الكالم ابلتفصيل على
مقتضى آ راء اهل السنة واجلماعة الذين هم الفرقة الناجية وال امكان للنجاة وال مطمع
الحد فيها بدون اتباع هؤالء االكابر فان وقعت املخالفة هلم مقدار شعرة فاالمر يف خطر
اي خطر وهذا الكالم قد بلغ من الصحة مرتبة اليقني ابلكشف الصحيح واالهلام
الصريح ايضا ال احتمال فيه للتخلف فطوىب ملن وفق ملتابعتهم وتشرف بتقليدهم وويل
اضل وانكر الرؤية والشفاعة
ملن خالفهم واعتزهلم ورفض اصوهلم وخرج من زمرهتم فضل و ّ
وخفى عليه فضيلة الصحبة وفضل الصحابة وحرم حمبة اهل بيت الرسول ومودة اوالد
- 119 -
البتول فمنع من خري كثري انهلا اهل السنة واتفقت الصحابة على ان أفضلهم ابو بكر قال
االمام الشافعي رضي هللا عنه وهو اعلم ابحوال الصحابة اضطر الناس بعد رسول هللا
صلّى هللا عليه و سلّم فلم جيدوا حتت ادمي السماء خريا من ايب بكر فولوه رقاهبم وهذا
تصريح منه ابن الصحابة متفقون على أفضلية الصديق فيكون امجاعا على أفضليته يف
الصدر االول فيكون قطعيا ال يسوغ انكاره وأهل بيت الرسول مثلهم كمثل سفينة نوح
من ركبها جنا ومن ختلف عنها هلك قال بعض العارفني ان رسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم جعل أصحابه كالنجوم[ ]1وابلنجم هم يهتدون وشبه أهل بيته بسفينة نوح اشارة اىل
ان راكب السفينة البد له من رعاية النجوم ليأمن من اهلالك وبدون رعاية النجوم النجاة
ممتنعة ومما ينبغي ان يعلم ان االنكار على بعض انكار على مجيعهم فاهنم يف فضيلة
صحبة خري البشر مشرتكون وفضيلة الصحبة فوق مجيع الفضائل والكماالت وهلذا مل يبلغ
اويس القرين الذي هو خري التابعني مرتبة ادىن من صحبه عليه الصالة و السالم فال
تعدل بفضيلة الصحبة شيئا كائنا ما كان فان امياهنم بربكة الصحبة وشهود نزول الوحي
صار شهوداي ومل يتفق الحد بعد الصحابة هذه املرتبة من االميان واالعمال متفرعة على
االميان كماهلا حبسب كمال االميان وما جرى بينهم من املشاجرات واملنازعات فمحمول
على حمامل صاحلة وحكم ابلغة ما كانت عن هوى وجهل ولكن عن اجتهاد وعلم فان
اخطأ بعضهم يف االجتهاد فللمخطئ ايضا درجة عند هللا سبحانه هذا هو الطريق الوسط
بني االفراط والتفريط الذي اختاره أهل السنة واجلماعة وهو الطريق االسلم والسبيل
االحكم وابجلملة ان العلم والعمل مستفادان من الشريعة وحتصيل االخالص الذي هو
مبنزلة الروح للعلم والعمل مربوط بسلوك طريقة الصوفية ومامل يقطع السالك مسافة السري
اىل هللا ومل يتحقق له السري يف هللا فهو بعيد من حقيقة االخالص وحمروم من كماالت
(( )1اشارة اىل ما هو املشهور على االلسنة من قول اصحايب كالنجوم اخل) واحلديث متكلم فيه وقد اخرج املسلم عن
ايب موسى االشعري بلفظ النجوم أمنة اهل السماء فاذا ذهبت النجوم اتى اهل السماء ما يوعدون وأصحايب أمنة
الميت فاذا ذهب اصحايب اتى اميت مبا يوعدون انتهى عفي عنه
- 120 -
املخلصني أهل االختصاص نعم قد يتحقق االخالص يف بعض االعمال لعامة املؤمنني
ابلتعمل والتكلف ولو يف اجلملة ولكن االخالص الذي حنن يف صدد بيانه هو االخالص
يف مجيع االفعال واالقوال واحلركات والسكنات من غري تعمل وتكلف فيه وحصول هذا
االخالص منوط ابنتفاء اآلهلة اآلفاقية واالنفسية الذي هو مربوط ابلفناء والبقاء والوصول
ابلوالية اخلاصة واالخالص الذي حيتاج فيه اىل التعمل والتكلف ال يكون له دوام والبد
من سقوط التكلف يف حصول الدوام الذي هو مرتبة حق اليقني وأولياء هللا تعاىل كلما
يفعلونه يفعلونه هلل جل وعال ال حلظوظ نفوسهم فان نفوسهم كانت فداء احلق سبحانه
وال حاجة هلم اىل تصحيح النية يف حصول االخالص فان نيتهم قد صحت ابلفناء يف
هللا والبقاء ابهلل فان شخصا مثال اذا كان أسريا يف يد نفسه فكلما يفعله يفعله حلظ نفسه
نوى أو مل ينو و مت زال تعلقه بنفسه وختلص من ربقة رقيتها وحصل بدله التعلق ابحلق
جل وعال فال جرم يفعل كلما يفعله هلل نوى او مل ينو فان النية امنا حيتاج اليها يف احملتمل
وأما املتعني فال حاجة فيه التعيني اىل ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل
العظيم وصاحب االخالص الدائم هو من املخلصني بفتح الالم ومن ال دوام يف اخالصه
بل هو يف كسب االخالص دائما فهو من املخلصني بكسر الالم وشتان ما بينهما والنفع
الذي حيص ل يف العلم والعمل من طريق الصوفية هو أن تكون العلوم الكالمية االستداللية
كشفية وأن حيصل اليسر التام يف اداء االعمال وأن يزول الكسل الناشئ من جانب
النفس والشيطان {ع}:
و هذي سعادات تكون نصيب من
و السالم أوال و آخرا.
{املكتوب الستون اىل السيد حممود ايضاً يف بيان نفي اخلواطر و دفع
الوساوس الكلية و ما يناسب ذلك}
- 121 -
شرف هللا سبحانه و تعاىل بدوام التعلق جبناب قدسه فان حقيقة احلرية امنا هي يف
ذلك التحقق ومنع اخلواطر ودفع الوساوس حاصل يف طريقة خواجكان قدس هللا اسرارهم
على الوجه االمت حت جلس بعض مشائخ هذه الطائفة االربعني ملالحظة خطور اخلواطر
ومنعها عن ساحة صدره يف هذه املدة كلها قال حضرة اخلواجة عبيد هللا االحرار قدس
هللا سره يف هذا املقام ان املراد بعدم خطور اخلواطر ودفعها هي اخلواطر اليت تكون مانعة
من دوام التوجه اىل املطلوب ال دفع اخلواطر مطلقا يقول واحد من خملصي هذه السلسلة
العلية خمربا عن حاله حبكم واما بنعمة ربك فح ّدث ان نفي اخلواطر عن القلب يبلغ حدا
لو اعطيت عمر نوح على نبينا وعليه الصالة و السالم فرضا ال خيطر على قليب شئ من
اخلواطر ال أنه متكلف يف هذا الدفع فان كل شئ كان حصوله ابلتكلف فهو موقت ال
يقبل الدوام ب ل لو تكلف يف اتيان اخلواطر وايقاعها سنني ال يتسري أصال وتعيني االربعني
ينبئ عن التكلف والتكلف امنا هو يف مرتبة الطريقة واما احلقيقة فهي التخلص من
التعمل والتكلف ايد كرد يف الطريقة وايدداشت يف احلقيقة فتحقق ان دوام التوجه اىل
املطلوب على تقدير حتقق منع اخلواطر املوقت بوقت من العشر واالربعني حمال ملا مر من
أن التكلف يف مرتبة الطريقة والدوام غري متصور يف الطريقة وامنا هو يف احلقيقة وذلك
لعدم جمال للتكلف يف ذلك املوطن فورود اخلاطر وخطوره يف مرتبة التكلف يكون مانعا
من دوام التوجه والذي حيصل لقلوب مبتدئ هذه السلسلة العلية من دوام التوجه فهو
أمر آخر وما حنن بصدد بيانه فعبارة عن ايد داشت الذي هو هناية مرتبة الكمال قال
حضرة اخلواجة عبد اخلالق قدس سره ليس وراء ايد داشت غري االوهام والظنون يعين
ليس وراءه مرتبة أخرى واملقصود من اظهار امثال هذه االحوال هو ترغيب طاليب هذه
الطريقة العلية وان مل يزد للمنكرين غري االنكار شيئا يضل به كثريا و يهدي به كثريا (قال
يف املثنوي)
خاب الذي قد يرى ذا القبح كاحلسن * وفاز من كان فيه حدة البصر
النيل كان دما للقبط ولبين * يعقوب ماء وذا من أعظم العرب
- 122 -
و السالم و االكرام.
مناسبته اصال جلناب قدسه جل سلطانه من هذه احليثية وذلك الربزخ هو الشيخ الكامل
املكمل واقوى اسباب وقوع الفتور على طلب الطالب هو االانبة اىل الشيخ الناقص وهو
الذي جلس على مسند املشيخة بدون امتام أمره ابلسلوك واجلذبة فصحبته سم قاتل
للطالب واالانبة اليه مرض مهلك ومثل هذه الصحبة تورث االحنطاط والتنزل لالستعداد
العايل بل ترميه من الذروة اىل احلضيض اال ترى ان املريض اذا أكل مثال دواء من طبيب
انقص يف الطب فال جرم يكون ذلك سعيا واجتهادا منه يف زايدة مرضه وتضييع قابلية
ازالة مرضه وهذا الدواء وان اورث تسكني الوجع وختفيفا ما يف اول وهلة ولكن يف
احلقيقة هو عني املضرة فان وصل هذا املريض فرضا اىل طبيب حاذق جيتهد هذا الطبيب
اوال يف ازالة أتثري ذلك الدواء ويعاجله ابملسهالت يعين ألخراجه مث يشرع يف معاجلة ازالة
املرض بعد ذوال ذلك التأثري ومدار طريق هؤالء االكابر على الصحبة ال حيصل فيه شئ
من القيل والقال والسماع العاري عن األحوال بل يورث ذلك فتورا يف طلب الرتقي اىل
مدارج القرب والكمال وحيتمل أن يقع السري اىل جانب دهلي واكره بعد اايم فان
أوصلت نفسك هناك واستفدت ابملشافهة شيئا مث رجعت بال أتخري يكون حسنا والزايدة
على ذلك تصديع وأجوبة بقية االسئلة ان الشيخ اتج صاحب املعارف واالبتهاج مغتنم
يف ذلك الطرف فانه رجل حمتشم وعظيم الشأن جدا ولكن استعدادك اىل طريقه قليلة
جدا وحصول املطلوب من غري رابطة املناسبة متعسر واالمر مفوض اليكم فان كتبتم من
أحوالكم شيئا يف بعض االحيان لنكتب من هذا اجلانب يف جوابه شيئا لكان مناسبا فان
تلك احليثية تكون ابعثة على حترك سلسلة االخالص دائما.
{املكتوب الثاين و الستون اىل جانب املرزا حسام الدين أمحد يف بيان أن
اجلذبة اليت هي قبل السلوك ليست من املقاصد بل هي وسيلة لقطع منازل
السلوك ابلسهولة و اجلذبة اليت من املقاصد امنا هي بعد السلوك و ما
- 124 -
يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان طريق الوصول مركب من
جزأين جذبة وسلوك وبعبارة أخرى تصفية وتزكية واجلذبة اليت هي مقدمة على السلوك
ليست من املقاصد والتصفية اليت قبل التزكية ليست من املطالب واجلذبة املقصودة
والتصفية املطلوبة امنا مها احلاصلتان بعد متام السلوك وحصول التزكية اليت هي يف السري يف
هللا وفائدة اجلذبة والتصفية السابقتني للسلوك والتزكية امنا هي تسهيل مسالك السلوك
فان االمر ال حيصل بدون السلوك ومجال املطلوب ال يتجلي من غري قطع املنازل واجلذبة
األوىل كالصورة للجذبة الثانية ال مناسبة بينهما يف احلقيقة يعين سوى هذا فاملراد ابندراج
النهاية يف البداية كما ورد ذلك يف عبارات مشائخ هذه السلسلة العلية هو اندراج صورة
النهاي ة يف البداية واال فالبداية ال تسع حقيقة النهاية وال مناسبة بني النهاية والبداية
وحتقيق هذا املبحث مذكور ابلتفصيل يف الرسالة اليت حررهتا لتحقيق حقيقة اجلذبة
والسلوك وأمثاهلا واحلاصل أن العبور من الصورة اىل احلقيقة ضروري واالكتفاء من احلقيقة
ابلصورة مهجوري ح ققنا هللا سبحانه ابحلقيقة احلقة وجنبنا عن الصورة الباطلة حبرمة النيب
املختار وآله االبرار عليه وعليهم من الصلوات اكملها ومن التحيات أفضلها.
{املكتوب الثالث و الستون اىل السيد النقيب الشيخ فريد يف بيان ان
االنبياء عليهم الصالة و السالم متفقون يف أصول الدين و اختالفهم امنا
هو يف الفروع و بيان بعض كلماهتم املتفقة}
ثبتنا هللا تعاىل واايكم على جادة اابئكم الكرام على أفضلهم أصالة و على بواقيهم
متابعة الصالة والسالة واعلم ان االنبياء صلوات هللا تعاىل وتسليماته وبركاته على مجيعهم
عموما و على افضلهم خصوصا كلهم رمحات من هللا سبحانه استسعد العامل بتوسط
- 125 -
هؤالء العظام ابلنجاة االبدية وختلصوا من البليات السرمدية فلوال وجودهم الشريف ملا
أخرب احلق سبحانه الذي هو الغين املطلق احدا من أهل العامل عن ذاته وصفاته تعاىل
وتقدس وملا دل عليها احدا وملا أهدى اىل معرفته شخصا أبدا وملا كلف عباده ابمتثال
أوامره واالنتهاء عن مناهيه سرمدا الذين كلفهم هبما مبحض كرمه لنفعهم وملا امتازت
مرضياته تعاىل من غري مرضياته فشكر هذه النعمة العظمى أبي لسان يؤدى وملن يكون
جمال اخلروج عن عهدته احلمد هلل الذي أنعم علينا وهداان اىل االسالم وجعلنا من
مصدقي االنبياء عليهم الصالة و السالم وهؤالء العظام متفقون يف االصول وكلمتهم
متحدة يف ذات احلق وصفاته تعاىل وتقدس ويف احلشر والنشر وارسال الرسل ونزول امللك
وورود الوحي ونعيم اجلنة وعذاب اجلحيم بطريق اخللود والتأبيد واختالفهم امنا هو يف
بعض االحكام املتعلقة بفروع الدين وذلك الن احلق سبحانه أرسل يف كل زمان اىل انبياء
ذلك الزمان بعض االحكام املناسبة لذلك الزمان بطريق الوحي وكلفهم ابحكام خمصوصة
والنسخ والتبديل دائران على حكم من احلق سبحانه ومصاحل وكثريا ما وردت اىل نيب
صاحب شريعة يعين مستقلة احكام متضادة يف أوقات خمتلفة بطريق النسخ والتبديل ومن
كلماهتم املتحدة وعباراهتم املتفقة نفي عبادة غري احلق سبحانه ومنع االشرتاك معه تعاىل
وتقدس ومنع املخلوقات عن اختاذ بعضهم بعضا اراباب من دون هللا وهذا احلكم خمصوص
ابالنبياء ومل يشرف هبذه الدولة غري متابعيهم ومل يتكلم هبذا الكالم احد غري االنبياء
والذين ينكرون األنبياء وان أقروا بوحدانية احلق سبحانه ولكن حاهلم غري خال عن أحد
أمرين اما تقليد أهل االسالم واما التوحيد يف وجوب الوجود فقط دون استحقاق العبادة
خبالف اهل االسالم يعين اتباع االنبياء الكرام فاهنم يوحدونه سبحانه يف وجوب الوجود
ويف استحقاق العبادة فان املراد بنطق كلمة ال اله اال هللا نفي اآلهلة الباطلة واثبات املعبود
ابحلق ومما خيتص هبؤالء العظام اعتقاد انفسهم بشرا مثل سائر الناس واعتقاد ان االله
املعبود هو احلق سبحانه ودعوة الناس اليه تعاىل وتنزيهه جل شأنه عن احللول واالحتاد
ومنكروا النبوة ليسوا كذلك بل رؤسائهم يدعون االلوهية ويثبتون حلول احلق يف أنفسهم
- 126 -
وال يتحاشون من دعوى استحقاق العبادة واطالق اسم االلوهية على انفسهم فال جرم
اهنم ال يزالون خيلعون ربقة العبودية عن رقاهبم ويقعون يف منكرات االفعال ومستقبحات
االعمال ويسلكون سبيل االابحة ويزعمون ان هللا غري ممنوع من شئ اصال وكلما يقولونه
حيسبونه صوااب وكلما يفعلون يزعمونه مباحا ضلوا فاضلوا فويل هلم والتباعهم والشياعهم
ومما اتفق عليه االنبياء عليهم الصالة و السالم وحرمه منكروهم وصاروا ال نصيب هلم من
هذه الدولة اهنم عليهم الصالة و السالم قائلون بنزول املالئكة الكرام الذين هم
معصومون مطلقا من اآلاثم وليس فيهم تلوث وتعلق ابألانم ومعتقدون اهنم أمناء الوحي
ومحلة كالم هللا تعاىل وتقدس يعين اىل االنبياء العظام فكلما يقوله هؤالء االكابر يقولونه
من احلق سبحانه وكلما يبلغون يبلغونه منه تعاىل واحكامهم االجتهادية ايضا مؤيدة
ابلوحي فان وقعت منهم زلة فرضا تداركها هللا سبحانه يف احلال ابلوحي القاطع ورؤساء
املنكرين الذين يدعون االلوهية كلما يقولون يقولونه من قبل أنفسهم وحيسبونه صوااب
بواسطة زعم االلوهية فينبغي االنصاف لو ان شخصا زعم نفسه من كمال قلة العقل اهلا
مستحقا للعبادة وهبذا الزعم الفاسد يرتكب أفعاال قبيحة أي اعتبار يكون يف كالمه وما
الباعث واملدار على اتباعه {ع}:
و كل اانء ابلذي فيه ينضح
و ايراد امثال هذه الكلمات امنا هو لزايدة االيضاح واال فاحلق ممتاز عن الباطل
والنور مباين ومغاير للظلمة جاء احلق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا اللهم ثبتنا على
متابعة هؤالء االكابر عليهم الصالة و السالم أوال وآخرا وبقية املقصود ان جنابكم أعلم
ابلسيدميان پ ري كمال فما احلاجة اىل الكتابة يف هذا الباب ولكن نكتب هذا القدر ان
الفقري حمظوظ مبودته من مدة ازمان وفيه اشتياق تقبيل العتبة العلية من مدة مديدة ولكن
اآلن طرأ عليه الضعف حبسب االبدان حت صار صاحب فراش منذ ازمان وبعد القيام
يتوجه حنو ذلك اجلانب العايل راجيا العناية من حضرتكم حمط اآلمال واالماين.
- 127 -
{املكتوب الرابع و الستون اىل السيد النقيب الشيخ فريد يف بيان اللذة و
االمل اجلسمانيني و الروحانيني و التحريض على حتمل املصائب و اآلالم
اجلسمانية و ما يناسب ذلك}
سلمكم هللا سبحانه وعافاكم يف الدارين حبرمة سيد الثقلني عليه و على آله
الصلوات و التسليمات واعلم ان لذة الدنيا واملها على قسمني جسماين وروحاين وكل
شئ فيه لذة للجسم فيه أمل للروح وكل شئ فيه أمل للجسم فيه التذاذ للروح فالروح واجلسم
ضدان ويف هذه النشأة اليت تنزلت الروح فيها اىل مقام اجلسم وتعلقت به اكتسبت حكم
اجلسم فصارت تتلذذ بتلذذه وتتأمل بتأمله وهذا هو مرتبة العوام كاالنعام وقوله تعاىل مث
رددانه أسفل سافلني صادق يف شأهنم فآها ألف انتهى لو مل تتخلص الروح من هذا
التعلق ومل ترجع اىل وطنها األصلي {شعر}:
و مرتبة االنسان يف آخر الورى * لذلك من عز احلضور أتخرا
فلومل يعد من بعده واغرتابه * فال شئ حمروم كأنس من الورى
و الروح من مرضها تزعم أملها لذة وتظن لذهتا املا ومثلها مثل الصفراوي حيث
جيد احللو بواسطة علة الصفراء مرا فالفكر يف أزالة هذا املرض الزم للعقالء حت يغشاهم
الفرح والسرور يف اآلالم واملصائب اجلسمانيتني {شعر}:
من أجل هذا العيش و املعيشة * البد من شق املرائر اي فت
فان لوحظ مالحظة جيدة لتبني أنه لو مل يكن األمل واملصيبة واملرض يف الدنيا ملا
تساوى بشعرية فان الوقائع واحلوادث هي اليت تزيل ظلمتها ومرارة احلوادث مثل مرارة
الدواء النافع املزيل للمرض وكان حمسوسا للفقري ان كثريا من الناس يهيئون الطعام لدعوة
عامة وال يقدرون ان يصححوا النية وان خيلصوها عن شائبة الرايء والسمعة فيشرع يف
ذلك االثناء طائفة من احلاضرين يف ذلك اجملمع واآلكلني من ذلك الطعام يف ذم
صاحب الطعام ومنقصته ومنقصة طعامه فيحصل لصاحب الطعام انكسار القلب من
- 128 -
هذه اجلهة وهبذا االنكسار ترتفع ظلمة الطعام اليت طرأت عليه من عدم خلوص النية
ويقع يف معرض القبول فان مل يكن شكوى هؤالء اجلماعة وذمهم ومل حيصل لصاحب
الطعام انكسار القلب بسببه لكان الطعام مملوء ابلظلمة والكدورة فكيف املساغ
الحتمال القبول يف هذه الصورة فكان مدار األمر اذا على االنكسار والعجز واالفتقار
واألمر مشكل على امثالنا أرابب الرتبية وطاليب العيش احلسن والتنعم وما خلقت اجلن
واالنس اال ليعبدون نص قاطع والعبادة عبارة عن التذلل واالنكسار فاملقصود من خلق
االنسان هو التذلل خصوصا املسلمني واملتدينني فان الدنيا سجنهم وطلب العيش احلسن
يف السجن بعيد من طور العقل فالبد اذا لالنسان من حتمل املشقة واحملنة وال مندوحة له
يف ذلك التحمل أكرمنا هللا سبحانه ابالستقامة على هذا املعن حبرمة جدكم االجمد عليه
و على آله من الصلوات أمتها ومن التحيات أمينها.
(( )1قوله االسالم) احلديث رواه مسلم عن ايب هريرة رضي هللا عنه و ابن ماجه عن ابن مسعود وانس رضي هللا عنه
والطرباين عن سلمان وسهل بن سعد وابن عباس رضي هللا عنهم اه
- 129 -
مليح عدمي املثل مرمي و ضده * يقبل منه اخلد و العني و الفم
سبحان هللا وحبمده وقد قيل الشرع حتت السيف وجعل رونق الشرع الشريف
مربوطا ابمللوك والسالطني واآلن قد انعكست القضية وانقلبت املعاملة يف هذا الزمان
واحسراته واندامتاه واويلتاه وحنن اليوم نعد وجودكم الشريف مغتنما وال ندري من املبارز
يف هذه املعركة الضعيفة املنكسرة غريكم وهللا سبحانه يكون مؤيدكم وانصركم حبرمة النيب
[]1
وآله االجماد عليه وعليهم الصلوات و التسليمات والتحيات والربكات وقد ورد يف اخلرب
لن يؤمن أحدكم حت يقال انه جمنون وهذا اجلنون الذي مبناه على فرط غرية االسالم
حمسوس يف شيمتكم يف ذلك الوقت واحلمد هلل على ذلك وهذا اليوم يوم يقبل فيه عمل
قليل ابالعتبار التام على اجر جزيل وال يعلم وقوع عمل من أصحاب الكهف سوى
هجرهتم وفرارهم من الكفار مع هذا االعتبار فيهم واالشتهار اال ترى أن العساكر اذا
صدرت عنهم خدمة يسرية واقدام قليل وقت غلبة االعداء ينالون هبا اعتبارات كثرية
وانعامات جزيلة خبالف وقت االمن وسكون االعداء وهذا اجلهاد القويل الذي تيسر لكم
اليوم ينبغي ان تغتنمه وتقول هل من مزيد معتقدا أن هذا اجلهاد القويل أفضل من جهاد
القتل وامثالنا العاجزون املقعدون مقطوعوا اليدين والرجلني حمرومون من هذه الدولة
{شعر}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها * و للعاشق املسكني ما يتجرع
آخر
و ابديت من كنز املرام عالمة * و ارجوك أن حتظي به ان حتاول
قال حضرة اخلواجه عبيد هللا االحرار قدس هللا سره ولو كنت يف مقام املشيخة
( )1قالوا مل يوجد هبذا اللفظ ولكن معناه صحيح وقد ورد اكثروا ذكر هللا حت يقولوا جمنون وال يقال له جمنون اال
ملخالفته سائر الناس وال خيالفهم اال لكمال اميانه فصح ان كمال االميان منشأ هلذا القول وقد ورد ايضا خيار أميت
احداؤهم احلديث وهذا الكالم يكثر وقوعه يف هذا الكتاب وقد نقل معناه عن بعض األعزة يف املكتوب 164وفسر
اجلنون فراجعه فان فيه شعاء منه
- 130 -
واالرشاد ملا وجد شيخ من شيوخ العامل مريدا ولكن امرت يعين من عامل الغيب ابمر آخر
وهو ترويج الشريعة وأتييد امللة فال جرم اختار صحبة السالطني وجعلهم منقادين اليه
بتصرفه وروج الشريعة بواسطتهم وقد جعل هللا سبحانه كالمكم مؤثرا واودع فيه أتثريا
بربكة حمبتكم الكابر هذه الطائفة قدس هللا اسرارهم وظهرت عظمة اسالميتكم يف نظر
االقران فامل لتمس سعيكم يف هذا الباب ولو هلدم أكرب احكام الكفر الذي له شيوع اتم
بني أهل االسالم حت يكون أهل االسالم حمفوظني من تلك املنكرات جزاكم هللا عنا
وعن سائر املسلمني خري اجلزاء وقد فهم العناد للدين املصطفوي عليه الصالة و السالم
يف السلطنة األوىل وليس هذا العناد ظاهرا يف هذه السلطنة فان كان فمبين على عدم
العلم وحنن يف خوف من أن ينجر االمر هنا ايضا اىل العناد فتصري املعاملة ضيقة على
املسلمني {ع}:
و ما خويف لشئ غري ديين
ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعة سيد املرسلني عليه و على آله الصلوات و
التسليمات والفقري قد جئت هنا بسبب من االسباب ومل استصوب ان ال اطلعكم على
جميئ وان ال اكتب بعض كلمات انفعة وان ال اخرب عن حمبة متعلقة بواحد من االعزة
حبسب املناسبة الفطرية قال عليه الصالة و السالم من احب اخاه فليعلم اايه و السالم
عليكم و على مجيع من اتبع اهلدى.
قدس هللا اسرارهم مبين على اندراج النهاية قال حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس
هللا سره حنن ندرج النهاية يف البداية وهذا الطريق هو طريق االصحاب الكرام بعينه فانه
كان يتيسر هلم يف أول صحبة النيب عليه الصالة و السالم ما يتيسر لسائر اولياء االمة
نبذة منه يف هناية النهاية وهلذا كان وحشي قاتل محزة رضي هللا عنه أفضل من اويس
القرين الذي هو خري التابعني وذلك لتشرفه بشرف صحبة سيد االولني واآلخرين يف بداية
اسالمه مرة واحدة وما حصل لوحشي يف أول صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة
و السالم مل يتيسر الويس القرين يف االنتهاء بتلك اخلصوصية فال جرم كان خري القرون
قرن االصحاب رضوان هللا عليهم امجعني وأخرت كلمة مث امر اآلخرين وأشارت اىل بعد
ما بني الدرجتني سئل عبد هللا بن املبارك ايهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز قال
الغبار الذي دخل انف فرس معاوية مع رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم خري من عمر بن
عبد العزيز كذا مرة فال جرم كانت سلسلة هؤالء االكابر سلسلة الذهب وكون مزية هذا
الطريق العايل على سائر الطرق كمزية قرن االصحاب على سائر القرون صار مربهنا
واالطالع على حقيقة مجاعة ذاقوا يف اول شرب من ذلك اجلام من كمال الفضل والكرم
متعذر من غريهم فان هنايتهم فوق هناية اآلخرين {ع}:
و عام اخلصب يعلم من ربيع
ذلك فضل هللا يؤتية من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم قال حضرة اخلواجه هباء
الدين النقبشند قدس سره حنن املفضلون جعلنا هللا سبحانه واايكم من حميب هؤالء االكابر
ومتابعي آاثرهم حبرمة النيب القرشي عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن التحيات
أكملها.
التسليمات ظاهرا وابطنا ويرحم هللا عبدا قال آمينا قد اضطرين اىل تصديعكم أمران امهان
احدمها اظهار رفع مظنة االذى بل اظهار حصول املودة واالخالص واثنيهما االمياء اىل
احتياج حمتاج متحلي ابلفضيلة و الصالح ومتزين ابملعرفة والشهود كرمي من جهة النسب
شريف من جهة احلسب أيها املخدوم ان يف اظهار احلق نوعا من املرارة وان كانت
متفاوتة حبسب الشدة والضعف فيا سعادة من أيكل هذه املرارة مثل العسل ويقول هل
من مزيد وتلوينات االحوال من لوازم صفة االمكان حت أن طائفة بلغوا مرتبة التمكني مل
يتخلصوا من التلوين فان املمكن املسكني ال خيلو أما أن يكون مغلوب سلطان الصفات
اجلاللية أو يكون مغلوب الصفات اجلمالية أو يكون وقتا حمال للقبض ووقتا موطنا
للبسط ولكل موسم أحكام على حدة كان ابالمس ذلك واليوم هذا قلب[ ]1املؤمنني بني
اصبعني من اصابع الرمحن يقلبها كيف يشاء و السالم.
( )1اخرج مسلم عن عبدهللا ابن عمرو بن العاص قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان قلوب بين آدم بني
اصبعني من أصابع الرمحن كقلب واحد يقلبها كيف يشاء مشكاة.
- 133 -
خرط القتاد نعم أن اتقياء أمته صلّى هللا عليه و سلّم بريئون من التكلف ولكن التكرب مع
ا ملتكربين صدقة قال شخص حلضرة اخلواجه انه متكرب فقال يف جوابه ان تكربي من
كربايئه تعاىل ال ينبغي الحد ان يظن هذه الطائفة ذليلني حقريين رب اشعث[ ]1مدفوع
ابالبواب لو اقسم على هللا ألبره حديث نبوي عليه الصالة و السالم {شعر}:
بثثت قليال من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري
و ينبغي حملبيكم االعزة وخملصيكم االجلة ان يكونوا من أصحاب املالحظة
املطابقة لنفس االمر وان يبلغوا اليك كلما هو واقع يف نفس االمر وان ينظروا يف كل
مشورة اىل ما فيه صالحكم ال اىل مافيه صالح انفسهم فانه خيانة ولقد كان من العلل
الغائية هلذا السفر افادة ما فيه بعض منافعكم ولكن حمبوكم مل يرتكوين الن االقيكم فال
تنسبوا التقصري اىل هذا الطرف وهذه املقدمات وان كانت مرا يف الظاهر ولكن من
ميدحكم ويستميلكم كثري فاكتفوا هبم واملقصود من مودة الفقراء وحمبتهم االطالع على
العيوب املكنونة وظهور الرذائل املخزونة ولكن ينبغي ان يعلم ان اظهار امثال هذه
الكلمات ليس على وجه االيذاء بل على وجه النصيحة وحرقة القلب وأيقن ان اخلواجه
حممد صديق لو تقدم يوما واحدا الوصل هذا الفقري نفسه اليكم على كل حال ولكنه
لقي يف اثناء طريق سرهند فاملأمول مساحمتكم اخلري فيما صنع هللا سبحانه.
موالان حممد صديق وقد أكرمتم جزاكم هللا سبحانه عنا خري اجلزاء وحيث انكم راعيتم
االدب مع الفقراء وسقتم الكالم ابلتواضع نرجو أن يكون هذا التنزل حبكم من[ ]1تواضع
هلل رفعه هللا موجبا للرفعة الدينية والدنياوية بل كان كذلك بشرى لكم وحيث اوردمت
الكالم يف البني من االانبة واملراجعة فتصور ان هذه االانبة قد وقعت على يد درويش من
الدراويش وكن مرتصدا لنتائجه ومثراته ولكن ينبغي لك ان تراعي حقوقه مهما أمكن وأي
شئ نكتب من الوصااي والنصائح وماذا نبني من العلوم واملعارف فان العلماء اجملتهدين
والصوفية احملققني شكر هللا سعيهم مل يقصروا يف بسط الكالم وتفصيله واظن ان بعض
االصحاب اوصل بعض مسودات هذا الفقري قليل البضاعة اىل خدمتكم ولعل نظركم
الشريف وقع عليه وابجلملة ان طريق النجاة هو متابعة أهل السنة واجلماعة كثرهم هللا
سبحانه يف االفعال واالقوال ويف الفروع واالصول فاهنم هم الفرقة الناجية وما سواهم من
الفرق فاهنم يف معرض الزوال وشرف اهلالك علمه اليوم واحد اومل يعلم واما غدا فيعلمه
كل أحد وال ينفع اللّهم نبهنا قبل ان ينبهنا املوت والسيد ابراهيم منسوب اىل تلك العتبة
العلية من قدمي االايم ومنتظم يف سلك الدعاة فالالزم لذمة الكرام ان يعينوه وأيخذوا بيده
حت خيلصوه وأهله من الفقر والعجز ليحصل له فراغ اخلاطر ويشتغل بدعاء سالمة
الدارين و السالم.
( )1ابو نعيم يف احللية عن ايب هريرة قال العزيزي واسناده حسن
- 135 -
وقابليته لظهور مجيع االمساء والصفات بل للتجليات الذاتية وما ورد من احلديث القدسي
ال يسعين أرضي وال مسائي[ ]1ولكن يسعين قلب عبدي املؤمن رمز من هذا البيان وأما
بعده فبسبب احتياجه اىل كل شئ من جزئيات العامل فان له احتياجا اىل كل ما يف العامل
خلق لكم ما يف االرض مجيعا فبواسطة هذا االحتياج له تعلق جبميع االشياء وهذا التعلق
هو الذي صار سببا لبعده وضالله {شعر}:
ومرتبة االنسان يف آخر الورى * لذلك عن عز احلضور أتخرا
فان مل يعد من بعده واغرتابه * فال شئ حمروم كانس من الوري
فكان االنسان اشرف املوجودات وشر الكائنات ايضا اذ منه حممد حبيب رب
العاملني عليه و على آله الصلوات و التسليمات والتحيات ومنه ابوجهل اللعني عدو رب
االرضني والسموات فال جرم كان االمر مشكال جدا ما مل يتيسر النجاة من مجيع
التعلقات الشت ومل حيصل تعلق بواحد منزه عن الوحدة ايضا ولكن مبقتضى ماال يدرك
كله ال يرتك كله ينبغي أن يلتزم كون املعاملة واملعيشة يف اايم قليلة على وفق السنة واتباع
صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة والتحية فان التخلص من عذاب اآلخرة والفوز
ابلتنعمات السرمدية مربوطة بسعادة هذا االتباع فينبغي اداء الزكاة من االموال النامية
واألنعام السائمة كما هو حقها وان جيعل ذلك وسيلة لقطع التعلق عن االموال واالنعام
وينبغي ان ال يكون حظ النفس ملحوظا ومنظورا اليه يف أكل االطعمة اللذيذة ولبس
االلبسة النفيسة بل الالئق يف استعمال االطعمة واالشربة ان ال ينوي شيئا غري حصول
( )1ذكر الغزايل يف االحياء بلفظ مل يسعين ارضي وال مسائي ووسعين قلب عبدي املؤمن اللني الوادع قال العراقي مل
أجده هبذا اللفظ وللطرباين من حديث ايب عنبسة اخلوالين رفعه اىل النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال ان هلل آنية من
االرض وآنية ربكم قلوب عباده الصاحلني قال املخرج رواه الدميلي يف مسند الفرودس عن انس رضي هللا عنه واخرج
امحد يف الزهد عن وهب ابن منبه ان هللا فتح حلزقيل حت نظر العرش فقال سبحانك ما اعظمك اي رب فقال هللا تعاىل
السموات واالرض ضعفن ان يسعنين ووسعين قلب املؤمن الوادع اللني قال شارح االحياء بعد ان رد على من انكر
الصوفية روايتهم هلذا احلديث وبعد ان ذكر هذين الطريقني وهذا القدر يكفي للصويف وال يعرتض عليه اذا عزاه اىل
حضرة الرسالة واالنصاف من اوصاف املؤمنني اه .
- 136 -
القوة الداء الطاعات ويف لبس الثوب النفيس ينبغي ان ينوي التزين املأمور بقوله تعاىل
خذوا زينتكم عند كل مسجد أي عند كل صالة وان ال يشوبه نية أخرى فان مل تتيسر
حقيقة النية ينبغي ان يتكلف فيها فان مل تبكوا فتباكوا وان يلتجئ ويتضرع اىل هللا
سبحانه دائما لتتيسر حقيقة النية وليتخلص من التكلف{شعر}:
ولعل يقبل دمعي املتقاطر * من كان خيلق لؤلؤا من قطرة
و على هذا القياس ينبغي أن يعامل يف مجيع االمور مبقتضى فتاوى العلماء
املتدينني الذين اختاروا العزمية واجتنبوا الرخصة وأن يعتقد ذلك وسيلة للنجاة االبدية ما
يفعل هللا بعذابكم ان شكرمت وآمنتم.
{املكتوب احلادي والسبعون اىل املريزا داراب بن خان خاانن يف بيان ان
شكر املنعم واجب على املنعم عليه وحصول الشكر امنا هو ابتيان أحكام
الشريعة ال غري}
ايدكم هللا سبحانه ونصركم إعلم أن شكر املنعم واجب على املنعم عليه عقال
وشرعا ومن املع لوم ان وجوب الشكر على قدر وصول النعمة فكلما كان وصول النعمة
اكثر كان وجوب الشكر أزيد وأوفر فكان الشكر على االغنياء على تفاوت درجاهتم
ابضعاف ما جيب على الفقراء وهلذا ورد يف اخلرب ان فقراء هذه[ ]1االمة يدخلون اجلنة
قبل االغنياء خبمسمائة عام والشكر هلل املنعم تعاىل وتقدس امنا يكون بتصحيح العقائد
أال على مقتضى آراء الفرقة الناجية اهل السنة واجلماعة واتيان االحكام الشرعية العملية
اثنيا على وفق بيان جمتهدي هذه الفرقة العلية والتصفية والتزكية اثلثا على طبق سلوك
( )1روى مسلم عن عبدهللا ابن عمرو ان فقراء املهاجرين يسبقون االغنياء يوم القيامة ابربعني خريفا وروي ابن ماجة
عن ايب سعيد بلفظ ان الفقراء املهاجرين يدخلون اجلنة قبل اغنيائهم خبسمائة سنة وما ذكره االمام فهو يف رواية
الرتمذي عن ايب هريرة يدخل الفقراء اجلنة قبل االغنياء خبمسمائة عام مقدار نصف يوم.
- 137 -
الصوفية العلية من هذه الفرقة الناجية السنية ووجوب هذا الركن األخري استحساين
خبالف الركنني السابقني فان اصل االسالم مربوط بذينك الركنني وامنا املنوط ابلركن
األخري هو كمال االسالم ال أصله والعمل املخالف هلذه االركان الثالثة ولو كان من
جنس الرايضات الشاقة واجملاهدات الشديدة فهو داخل يف املعصية والبغي والطغيان على
املنعم جل سلطانه ومل يقصر برامهة اهلند وفالسفة اليوانن يف الرايضات واجملاهدات شيئا
ومل يفوتوا فيها دقيقة ولكن ملا مل تكن تلك الرايضات واجملاهدات على وفق شرائع االنبياء
عليهم الصالة و السالم كانوا مردودين وصاروا من النصيب االخروي حمرومني فعليكم
مبتابعة سيدان وموالان وشفيع ذنوبنا وطبيب قلوبنا حممد رسول هللا صلى هللا تعاىل عليه و
على آله وسلم ومتابعة خلفائه الراشدين املهديني رضوان هللا تعاىل عليهم امجعني.
{املكتوب الثاين والسبعون اىل اخلواجة جهان يف بيان ان مجع الدين مع
الدنيا متعسر وما يناسب ذلك}
سلمكم هللا سبحانه وعافاكم (ع) ما أحسن الدين والدنيا لو اجتمعا * واجلمع
بني الدين والدنيا من قبيل اجلمع بني االضداد فالبد إذا لطالب اآلخرة من ترك الدنيا
وحيث كان تركها حقيقة متعسرا يف هذه األوان ينبغي ان يلتزم تركها حكما ابلضرورة
والرتك احلكمي عبارة عن ان يكون حمكوما مبقتضى حكم الشريعة الغراء يف األمور الدينية
وان يراعي حدود الشرع يف املطاعم واملشارب واملساكن غري جموز جملاوزهتا وان يؤدي الزكاة
املفروضة يف االموال النامية واالنعام السائمة فاذا تيسر التحلي ابالحكام الشرعية فقد
حصلت النجاة من مضرة الدنيا واجتمعت الدنيا حينئذ ابآلخرة ومن مل يتيسر له هذا
القسم أيضا من الرتك فهو خارج من املبحث وحكمه حكم املنافق وصورة االميان اليت فيه
ال تنفعه يف اآلخرة وامنا نتيجتها عصمة الدماء واالموال يف الدنيا {شعر}:
وما هو من شرط البالغ أقوله * فخذ منه نصحا انفعا أو ماللة
- 138 -
وأي صاحب دولة يسمع الكلمة احلقة بسمع القبول مع هذه الزمزمة الدنياوية
واخلدم واحلشم واالطعمة اللذيذة وااللبسة الفاخرة {شعر}:
يف اذنه من انيت صمم فال * يرضي مساع نصيحت وبكائيا
وفقنا هللا سبحانه واايكم ملتابعة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و
السالم والتحية وبقية املرام ان الشيخ ميان زكراي كان سابقا مستويف اخلراج وهو عامل
وفاضل وقد مضت مدة مديدة وهو حمبوس يف السجن بشؤم اعماله وقد عجز اآلن
بواسطة ضعف اهلرم وضيق املعيشة ومتادت مدة حبسه وقد كتب اىل الفقري يطلب
حضوري يف العسكر فاسعى يف ختليصه ولكن كثرة مسافة الطريق كانت مانعة من ذلك
وملا أراد أخي اخلواجه حممد صادق التوجه اىل خدمتكم كنت سببا للتصديع بتحرير
كلمات ابلضرورة فاملرجو رعاية التوجه العايل يف حق ذلك الضعيف فانه عامل وشيخ كبري
و السالم أوال و آخرا.
{املكتوب الثالث والسبعون اىل قليج هللا ابن قليج خان يف مذمة الدنيا
وابنائها وترك حتصيل العلوم الغري النافعة واالجتناب عن فضول املباحات
والتحريض على اخلريات واالعمال الصاحلة وما يناسب ذلك}
رزقنا هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و
السالم والتحية االبدية السرمدية أيها الولدان الدنيا حمل االمتحان واالبتالء ظاهرها مموه
ومزين أبنواع املزخرفات وصورهتا منقشة وملونة ابخليالن واخلطوط والذوائب واخلدود
املوهومة حلوة يف ابدي النظر متخيلة ابلطراوة والنضارة يف البصر ولكنها يف احلقيقة جيفة
مرشوش عليها العطر ومزبلة مآلنة ابلذابب والدود سراب يرى كالشراب وسم يف صورة
سكر ابطنها خراب وابرت ومعاملتها مع ابنائها مع وجود هذه الدمامة والوقاحة شر من
جيمع ما يقال ويذكر عاشقها سفيه ومسحور ومفتوهنا جمنون وخمدوع كل من افتنت
- 139 -
بظاهرها فقد اتسم بسيمة اخلسارة االبدية وكل من نظر اىل حالوهتا وطراوهتا كان نصيبه
الندامة السرمدية قال سيد الكائنات حبيب رب العاملني عليه و على آله الصالة و
السالم ما[ ]1الدنيا واآلخرة اال ضراتن ان رضيت احدامها سخطت األخرى فمن ارضى
الدنيا فقد اسخط اآلخرة على نفسه فال جرم ال يكون له نصيب من اآلخرة اعاذان هللا
سبحانه واايكم من حمبتها وحمبة اهلها (ايها الولد) هل تدري ما الدنيا كلما يعوقك
وحيجبك عن احلق سبحانه و تعاىل من النساء واالوالد واالموال واجلاه والرايسة واللهو
واللعب واالشتغال مباال يعين فهو داخل يف الدنيا والعلوم اليت ال دخل هلا يف امور اآلخرة
فهي ايضا من الدنيا فلو نفع حتصيل علم النجوم واملنطق واهلندسة واحلساب وامثاهلا من
العلوم اليت ال طائل فيها لكانت الفالسفة من أهل النجاة قال النيب عليه الصالة و
السالم عالمة[ ]2اعراضه تعاىل عن العبد اشتغاله مبا ال يعنيه {شعر}:
من كان قلبه مقدار خردلة * سوى هوى احلق فاعلم انه مرض
وما قالوا من أن معرفة علم النجوم الزمة ملعرفة اوقات الصالة ليس معناه ان معرفة
اوقات الصالة ال متكن اال مبعرفة علم النجوم بل مبعن أن علم النجوم احد طرق معرفة
االوقات وكثري من الناس ال خرب هلم من علم النجوم ومع ذلك يعرفون اوقات الصالة
ازيد من علماء علم النجوم وقريب من ذلك الوجوه اليت ذكروها يف حتصيل املنطق
واحلساب وامثاهلما من العلوم اليت هلا دخل يف اجلملة يف بعض العلوم الشرعية وابجلملة ال
يظهر وجه جواز االشتغال هبذه العلوم االّ بعد متحالت كثرية وذلك أيضا بشرط ان ال
يكون املقصود منها غري معرفة االحكام الشرعية وتقوية االدلة الكالمية واال فال جيوز
االشتغال هبا اصال ينبغي االنصاف أن االمر املباح اذا كان االشتغال به مستلزما لفوات
( )1روى امحد واحلاكم وصححه والطرباين وابن حبان من احب دنياه اضر آبخرته ومن احب آخرته اضر بدنياه فآثروا
ما يبقي على ما يفين وقد مر التفصيل يف ص.56
( )2قال ابن حجر يف شرح ا الربعني من عالمات اعراض هللا تعاىل عن العبد ان جيعل شغله فيما ال يعنيه انه من قول
احلسن وروى الرتمذي عن ايب هريرة مرفوعا من حسن اسالم املرء تركه ما ال يعنيه ورواه ابن ماجه وحسنه النووي بل
وصححه ابن عبدالربقال املخرج ذكر علي املتقي يف جوامع الكلم مرفوعا بلفظ الشيخ اه .
- 140 -
امر واجب هل خيرج من االابحة اوال وال شك ان االشتغال هبذه العلوم مستلزم لفوات
االشتغال ابلعلوم الشرعية الضرورية (أيها الولد) ان احلق سبحانه قد رزقك من كمال
عنا يته اليت ال غاية هلا التوفيق للتوبة يف عنفوان الشباب ووفقك لالانبة على يد واحد من
دارويش السلسلة النقشبندية العلية قدس هللا اسرار أهلها وال ادري هل لك على تلك
التوبة ثبات او اغوتك عنها النفس ابنواع املزخرفات وارى االستقامة عليها مشكلة فان
املوسم عنفوان الش باب ومتاع الدنيا متيسر االسباب واكثر القرانء غري مناسب يف هذا
الباب (أيها الولد) ان االمر واحلزم هو االجتناب عن فضول املباحات واالكتفاء بقدر
الضرورة وأن يكون هو ايضا بنية حصول القوة واجلمعية الداء وظائف العبودية فان
املقصود من االكل مثال هو حصول القوة على اداء الطاعة ومن لبس اللباس سرت العورة
ودفع احلر والربد و على هذا القياس سائر املباحات الضرورية واختار اكابر النقشبندية
قدس هللا اسرارهم العلية العمل ابلعزمية واجتنبوا من الرخصة مهما أمكن ومن مجلة العزائم
االكتفاء بقدر الضرورة فان مل تتيسر هذه الدولة ينبغي أن ال خيرج من دائرة املباحات اىل
حد املشتبهات واحملرمات ولقد اابح هللا سبحانه بكمال كرمه تنعمات كثرية على الوجه
االمت وجعل دائرة هذه التنعمات واسعة جدا ومع قطع النظر عن هذه التنعمات اي عيش
يساوي رضا موىل العبد ابفعاله واي جفاء يشبه بسخط سيده على اعماله رضاء هللا يف
اجلنة خري من اجلنة وسخط هللا يف النار شر من النار واالنسان عبد حمكوم حبكم مل جيعله
املوىل ولده ومل يرتكه سدى حت يتهافت على كل ما يشاء فينبغي التفكر وأعمال القلب
وال حيصل غدا شئ غري الندامة واخلسارة وقت العمل امنا هو عهد الشباب والعاقل من
ال يضيع هذا الوقت ويغتنم الفرصة فان االمر مبهم فعساه ان ال يبقى اىل زمن الشيخوخة
ولئن بقي فلعله ال تتيسر له اجلمعية ولئن تيسرت فلعله ال يقدر على العمل يف اوان
استيالء الضعف والعجز واحلال أن اسباب اجلمعية كلها متيسرة اآلن ووجود الوالدين
ايضا من انعامات احلق سبحانه فان هم معيشتك على ذمتهم واملوسم موسم الفرصة
وزمان القوة واالستطاعة فبأي عذر ميكن أن يؤخر شغل اليوم اىل غد وخيتار التسويف
- 141 -
قال عليه الصالة و السالم هلك[ ]1املسوفون نعم اذا اخرت املهمات الدنياوية الدنية اىل
غد الجل االشتغال ابمور اآلخرة يف اليوم يكون مستحسنا جدا كما أن عكسه مستقبح
جدا و يف هذا الوقت الذي هو عنفوان الشباب ووقت استيالء اعداء الدين من النفس
والشيطان لعمل قليل من االعتبار ما ليس ذلك يف غري هذا الوقت الضعاف مضاعفة
كما ان يف القاعدة العسكرية للعساكر الشجعان اقوايء اجلنان اعتبار زائد وقت استيالء
االعداء حت يعترب منهم يف ذلك الوقت عمل يسري وثبات قليل و يكون ذلك منظورا وال
يكون مثل هذا االعتبار وقت االمن من شر االعداء (أيها الولد) ان املقصود من خلق
االنسان الذي هو خالصة املوجودات ليس هو اللهو واللعب وال االكل والنوم وامنا
املقصود منه اداء وظائف العبودية والذل واالنكسار والعجز واالفتقار ودوام االلتجاء
والتضرع اىل جناب قدس الغفار جل سلطانه والعبادات اليت الشرع احملمدي انطق هبا
املقصود من ادائها منافع العباد ومصاحلهم وال يعود منها شئ اىل جناب قدسه عز شأنه
فينبغي اذا اداؤها بغاية املمنونية وان يسعى وجيتهد يف انقياد االوامر وامتثاهلا واالنتهاء عن
املناهي وامتناعها وقد أكرم هللا سبحانه عباده ابالوامر والنواهي مع وجود غناه املطلق
فينبغي لنا أن نشكر على هذه النعمة على الوجه االمت وان جنتهد يف امتثال احكامها
بكمال املمنونية (اعلم) أيها الولد لو ان واحدا من ابناء الدنيا الذين حتققوا بشوكة
ظاهرية وجاه صوري انعم على واحد من متعقليه خبدمة يرجع منها نفع لآلمر هبا ايضا
كيف يعدها عزيزة ويقول ان شخصا عظيم القدر أمرين هبذه اخلدمة فينبغي يل القيام هبا
بغاية املمنونية فاي بالء نزل واي مصيبة اصابت هل كانت عظمة احلق جل شانه يف
النظر أقل من عظمة هذا الشخص حث ال جيتهد يف امتثال أحكام احلق جلت عظمته
ينبغي أن يستحي وان يتنبه من نوم االرنب وعدم امتثال أوامر هللا جل سلطانه ال خيلو
(( )1قوله هلك املسوفون) قيل مل يوجد هبذا اللفظ وقد روى الديلمي يف مسند الفردوس عن عبدالرمحن ابن عوف
بلفظ التسويف شعار الشيطان يلقيه يف قلوب املؤمنني وعن ابن عباس رضي هللا عنهما بلفظ اايك والتسويف ابلتوبة
والبخاري يف التأريخ عن عكرمة مرسال واخلطيب عن ايب هريرة رض بلفظ لعن هللا املسوفات.
- 142 -
من أمرين اما ان يكذب االخبارات الشرعية واما أن تكون عظمة أمر احلق تعاىل وتقدس
أحقر من عظمة امر ابن اء الدنيا فينبغي ان يالحظ شناعة هذين االمرين (ايها الولد) لو
أن شخصا قد جرب كذبه مرارا أخرب أبن االعداء يف صدد اهلجوم ابلليل الستيالء اتم
على قوم كذا الجتهد عقالء ذلك القوم يف احملافظة وفكر دفع تلك البلية مع علمهم ابن
ذلك املخرب متهم ابلكذب لكون االحرتاز عما يتوهم فيه اخلطر الزما وقد اخرب املخرب
الصادق عليه الصالة و السالم بتمام املبالغة عن عذاب اآلخرة ومع ذلك مل يتأثروا منه
أصال فاهنم ان أتثروا النزعجوا وتفكروا يف دفعه واحلال اهنم عرفوا عالج دفعه ببيان املخرب
الصادق عليه الصالة و السالم فبئس االميان الذي ال يكون خلرب املخرب الصادق اعتبار
عند صاحبه مثل اعتبار خرب الكاذب وصورة االسالم ال تنفع من النجاة شيئا بل البد
حلصول النجاة من حتصيل اليقني واين اليقني بل ال ظن وال وهم ايضا فان العقالء
يعتربون الوهم يف أمور فيها خطر وخوف وكذلك قال هللا تعاىل يف كتابه اجمليد وهللا بصري
مبا تعملون ومع ذلك اهنم يعملون هذه االعمال القبيحة واحلال اهنم لو احسوا اطالع
شخص حقري على اعماهلم ملا عملوا حينئذ عمال شنيعا اصال فحال هؤالء ال خيلو عن
أحد احلالني اما ان يكذبوا خرب احلق سبحانه واما ان ال يعتربوا اطالعه تعاىل فمثل هذا
العمل هل هو من االميان أو من الكفر فيلزم لذلك الولد ان جيدد االميان قال عليه
الصالة و السالم جددوا اميانكم بقول ال اله اال هللا وان يعيد توبة نصوحا من أمور ال
يرضى هبا هللا سبحانه وان جيتنب عن أمور حمرمة منهية عنها وان يؤدي الصلوات اخلمس
مع اجلماعة فان تيسر قيام الليل وصالة التهجد فنعمت السعادة واداء زكاة االموال ايضا
من اركان االسالم فالبد من ادائها البتة واسهل طرق ادائها ان يعزل حق الفقراء من املال
يف كل سنة بنية الزكاة فيحفظه عنده ويصرفه يف مصارف الزكاة يف متام السنة فعلى هذا
التقدير ال يلزم جتديد نية اداء الزكاة يف كل مرة بل تكفي النية وقت العزل مرة واحدة
ومن املعلوم انه كم يصرف اىل الفقراء واملستحقني يف مجيع النسة ولكن ملا مل يكن بنية
اداء الزكاة مل يكن حمسواب منها ويف الصورة املذكورة تسقط الزكاة من الذمة وحيصل
- 143 -
التخلص ايضا من اخلرج من غري مضايقة فان مل يصرف للفقراء يف متام السنة مقدار الزكاة
بل بقيت منها بقية ينبغي ان حيفظها كذلك معزولة عن سائر االموال فان مثل هذا
العمل حيتاج اليه يف كل عام وميت كان مال الفقراء ممتازا ومعزوال فعسى ان حيصل التوفيق
النفاقه غدا وان مل حيصل اليوم (ايها الولد) ان النفس خبيلة ابلذات وهاربة من امتثال
االحكام االهلية جل سلطانه فال جرم يصدر الكالم ابلرفق واللني واال فاالموال واالمالك
كلها حق هللا تعاىل فأين اجملال للعبد يف املكث والتوقف فيه بل ينبغي اداءها ابملمنونية
التامة وكذلك ينبغي ان ال يتساهل يف اداء العبادات ابتباع هوى النفس وان يسعى يف
اداء حقوق العباد سعيا بليغا وان يبذل اجلهد فيه حت ال يبقى الحد حق يف الذمة فان
اداء احلق هنا يعين يف الدنيا سهل حبيث ميكن حتصيله ابملالمية والتملق وأما يف اآلخرة
فاالمر مشكل غري قابل للعالج (وينبغي) االستفسار عن االحكام الشرعية واالستفتاء
فيها من علماء اآلخرة فان لكالمهم أتثريا فعسى ان حيصل التوفيق للعمل هبا بربكة
انفاسهم (وينبغي) االجتناب عن علماء الدينا الذين جعلوا العلم وسيلة للجاه اال ان ال
يوجد العلماء املتقون فريجع اليهم ابلضرورة بقدر الضرورة واحلاج ميان حممد االترة من
العلماء املتدينني هن اك والشيخ على االترة من أحبابكم وكل من هذين الشخصني مغتنم
يف تلك النواحي والرجوع إليهما يف حتقيق املسائل الشرعية انسب (ايها الولد) مالنا
والبناء الدنيا وأية مناسبة بيننا وبينهم حت نتكلم يف خريهم وشرهم وقد وردت النصائح
الشرعية يف هذا الباب على الوجه األمت واالكمل فللّه احلجة البالغة ولكن ملا كان ذلك
الولد راجعا اىل الفقراء ومنسواب اليهم من طريق االانبة كان للقلب توجه يف أكثر األوقات
اىل أحواله وكان هذا التوجه ابعثا على القيل والقال واعلم ان اكثر هذه النصائح واملسائل
قد بلغه وقرع مسعه ولكن املقصود هو العمل ال جمرد العلم اال ترى ان مريضا اذا كان عاملا
بداء مرضه ال ينفعه علمه بذلك الدواء وال حيصل الشفاء بدون أكل الدواء وكل هذا
االبرام واملبالغة الجل العمل فان العلم العاري عن العمل يقيم احلجة على صاحبه قال
عليه الصالة و السالم اشد الناس عذااب يوم القيامة عامل مل ينفعه هللا بعلمه (وليعلم) ذلك
- 144 -
الولد ان االانبة السابقة وان مل تثمر بواسطة قلة صحبة ارابب اجلمعية ولكنها تنبئ عن
نفاسة جوهر استعداده واملرجو ان يوفقه هللا سبحانه ملرضياته بربكة تلك االانبة وان جيعله
من أهل النجاة و على كل حال ينبغي ان ال يفلت حبل حمبة هذه الطائفة وان جيعل
االلتجاء والتضرع اىل هؤالء القوم شعارا وان ينتظر تشريف احلق سبحانه مبحبته بسبب
حمبة هذه الطائفة وجذبه اليه ابلتمام وختليصه من االدانس واالوساخ ابلكلية {شعر}:
ما العشق االشعلة قد أحرقت * كل الورى اال احلبيب الباقي.
{املكتوب الرابع والسبعون اىل املرزا بديع الزمان يف التحريض على حمبة
الفقراء والتوجه اليهم و على اتباع صاحب الشريعة عليه الصالة و
السالم}
قد وردت الرقعة الشريفة والنميقة اللطيفة محدا هلل سبحانه حيث يفهم من فحواه
حمبة الفقراء والتوجه اىل الدراويش اليت هي رأس مال السعادة الهنم جلساء هللا سبحانه
[]2
وهم[ ]1قوم ال يشقي جليسهم وكان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يستفتح
بصعاليك املهاجرين وقال عليه الصالة و السالم يف شأهنم رب أشعث مدفوع ابالبواب
لو أقسم على هللا ألبره وقد اندرجت يف الصحيفة الشريفة فقرة خديو النشأتني وهذه لغة
خمصوص اطالق ها حبضرة واجب الوجود جل سلطانه وكيف يسوغ لعبد مملوك ال يقدر
على شئ ان يبتغي املشاركة ابهلل جل شأنه بوجه من الوجوه وان يسعى ويعدو يف طريق
االستقالل خصوصا يف النشأة االخروية اليت ختتص فيها املاليكة وامللكية سواء كانت
بطريق احلقيقة او بطريق اجملاز مبالك يوم الدين ويومئذ ينادي احلق سبحانه ويقول ملن
(( )1قوله) وهم قوم ال يشقى جليسهم اخرجه مسلم يف حديث طويل عن أيب هريرة رضي هللا عنه.
(( )2قوله وكان رسول هللا يستفتح احلديث) رواه الطرباين يف الكبري وابو نعيم عن امية ابن عبدهللا ابن خالد بن اسيد
ذكره احلافظ يف االصابة وقال املنذري يف الرتغيب رواه الطرباين ورواته رواة الصحيح وهو مرسل.
- 145 -
امللك اليوم ويقول يف جوابه بنفسه هلل الواحد القهار وليس للعباد يف ذلك اليوم شئ
سوى اهلول والدهشة والندم واحلسرة وقد اخرب هللا سبحانه يف القرآن اجمليد عن شدة ذلك
اليوم وغاية اضطراب اخلالئق حيث قال تبارك و تعاىل ان زلزلة الساعة شئ عظيم يوم
تروهنا تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات محل محلها وترى الناس سكارى
وما هم بسكارى ولكن عذاب هللا شديد {شعر}:
عن الفعل ال قول بذا اليوم تسئل * قلوب ذوي االلباب تشوي وتذبل
ويدهش فيه االنبياء مجيعهم * فما عذر ذنب فيك أم كيف تفعل
وبقية النصح انه ال بد من اتباع صاحب الشريعة عليه الصالة و السالم والتحية
فان النجاة بدونه حمال وينبغي أن ال يلتفت اىل زخارف الدنيا وأن ال يعتين بوجودها
وعدمها فان الدنيا مبغوضة هللا سبحانه ال قدر هلا عنده فينبغي أن يكون عدمها خريا من
وجودها عند العباد وعدم وفائها وسرعة زواهلا مشهورة بل مشهودة فاعتربوا أببنائها الذين
مضوا من قبل وفقنا هللا واايكم ملتابعة سيد املرسلني عليه و على آله الصالة و السالم.
{املكتوب اخلامس والسبعون اىل املرزا بديع الزمان أيضاً يف التحريض على
متابعة سيد الكونني عليه و على آله الصالة و السالم بتصحيح العقائد
أوال وتعلم االحكام الفقهية الضرورية اثنيا وما يناسبه}
سلمكم هللا سبحانه وعافاكم اعلم أن نقد سعادة الدارين منوط مبتابعة سيد
املرسلني عليه و على آله الصلوات و التسليمات على هنج بينه علماء أهل السنة شكر
هللا سعيهم وذلك بتصحيح االعتقاد اوال على مقتضى آراء هؤالء االكابر وبتحصيل علم
احلالل واحلرام والفرض والواجب والسنة واملندوب واملباح واملشتبه اثنيا والبد من العمل
مبقتضى هذا العلم وبعد حصول هذين اجلناحني االعتقادي و العملي اذا سبقت العناية
االزلية حبصول السعادة السرمدية يتيسر الطريان حنو عامل القدس وبدوهنا خرط القتاد
- 146 -
والدنيا الدنية ليست مما خيفى فعلها حت تعد من املطالب ويظن حصول آماهلا وجاهها
من املقاصد ينبغي ان يكون عايل اهلمة فان االنسان كلما جيد من هللا سبحانه امنا جيده
ابلوسيلة فينبغي اذا طلب الوسيلة اليه تعاىل {ع}:
هذا هو االمر و الباقي من العبث
وحيث طلبت اهلمة من كمال االلتفات فبشرى لك ترجع ساملا وغامنا لكن البد
من أن تراعي شرطا واحدا وهو توحيد قبلة التوجه فان جعل قبلة التوجه متعددة القاء
السالك نفسه اىل التفرقة ومن االمثال املشهورة أن املقيم يف حمل يف كل حمل واملرتدد بني
احملال ليس يف حمل أصال رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة على جادة الشريعة
املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية و السالم على من اتبع اهلدى والتزم
متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و التسليمات.
( )1رواه الرتمذي عن جابر واسناده حسن والرعة مصدر ورع يرع رعة بكسر الراء يف الثالثة كذا يف خمتار الصحاح.
( )2اخرجه ابو الشيخ والديلمي عن ايب هريرة بلفظ مالك الدين الورع وروى الطرباين عن ابن عمر قال قال رسول هللا
- 147 -
على امللك امنا هي بسبب هذا اجلزء والرتقي يف مدارج القرب ايضا من هذا اجلزء فان
املالئكة ايضا متشاركون يف اجلزء االول والرتقي مفقود فيهم فكانت رعاية جزء الورع
والتقوى من أهم مهام االسالم واشد ضرورايت الدين ورعاية هذا اجلزء الذي مداره على
االجتناب من احملارم امنا تتيسر على وجه الكمال اذا حصل االجتناب عن فضول
املباحات واكتفى منها بقدر الضرورة فان ارخاء عنان النفس يف ارتكاب املباحات جير
اىل املشتبهات واملشتبه قريب من احملرم ومن[ ]1حام حول احلمى يوشك ان يقع فيه فالبد
اذا يف حصول كمال الورع والتقوى من االكتفاء بقدر الضرورة من املباحات وهو ايضا
مشروط بنية حتصيل القوة على اداء وظائف العبودية واال فهذا القدر ايضا وابل ولقليله
حكم الكثري وملا كان االجتناب عن فضول املباحات ابلكلية يف مجيع االوقات خصوصا
يف هذا الزمان متعسرا وعزيز الوجود لزم االجتناب عن احملرمات وتضييق دائرة ارتكاب
فضول املباحات مهما امكن وان يكون اندما على هذا االرتكاب ومستغفرا منه دائما
وان يلتجئ ويتضرع اىل هللا تعاىل يف مجيع االوقات معتقدا أن هذا الرتكاب لفضول
املباحات فتح ابب الدخول حوايل احملرمات فعسى أن تقوم هذه الندامة واالستغفار
وااللتجاء والتضرع مقام االجتناب عن فضول املباحات وان تسد مسده وان تدفع آفاهتا
وحتفظ عنها قال واحد من اعزة االكابر انكسار العاصني احب اىل هللا تعاىل من صولة
املطيعني واالجتناب عن احملرمات على قسمني قسم يتعلق حبقوق هللا سبحانه و تعاىل
وقسم يتعلق حبقوق العباد ورعاية القسم الثاين اهم من رعاية القسم االول فان احلق
سبحانه غين على االطالق وارحم الرامحني والعباد فقراء حمتاجون وخبالء ولئام ابلذات
قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم من[ ]2كانت له مظلمة الخيه من عرضه او شئ
فليتح لله منه اليوم قبل ان ال يكون دينار وال درهم وان كان له عمل صاحل اخذ منه بقدر
صلّى هللا عليه و سلّم افضل العبادة الفقه و أفضل الدين الورع.
( )1اخرجه الشيخان من حديث نعمان بن بشري.
( )2رواه البخاري عن ايب هريرة
- 148 -
مظلمته وان مل يكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه وقال ايضا صلّى
هللا عليه و سلّم اتدرون[ ]1ما املفلس قالوا املفلس فينا من ال درهم له وال متاع فقال ان
املفلس من اميت من أييت يوم القيامة بصلوة وصيام وزكوة وأييت قد شتم هذا وقذف هذا
واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته
فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاايهم فطرحت عليه مث طرح يف
النار ص دق رسول هللا صلى هللا و على آله وسلم (ونقول) اظهارا حملمدتكم وشكرا على
صنيعكم ان كثريا من االحكام الشرعية صار مروجا يف بلدة الهور بوجودكم يف مثل هذا
الزمان وحصلت تقوية الدين وترويج امللة يف تلك البقعة وهذه البلدة عند الفقري ابلنسبة
اىل سائر بالد اهلند كقطب االرشاد ابلنسة اىل سائر الناس وخري هذه البلدة وبركاهتا سار
يف مجيع بالد اهلند فاذا حصل هناك ترويج يتحقق حنو من الرتويج يف كل حمل كان هللا
سبحانه مؤيديكم وانصركم قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ال يزال[ ]2طائفة من
اميت ظاهرين على احلق ال يضرهم من خذهلم حت أييت امر هللا وهم على ذلك وملا كان
حبل ارتباطكم احليب حبضرة معدن املعارف شيخنا وقبلتنا قدس سره حمكما قواي كنت
ابعثا على حتريك ذلك االرتباط احليب بتسويد االوراق وحترير بعض الكلمات والزايدة
على ذلك اطناب وحامل رقيمة الدعاء رجل صاحل ذو نسب طيب وقد وقعت له حاجة
اىل جنابكم فاملرجو رعاية التوجه الشريف يف حقه واجناح حاجته رزقنا هللا سبحانه واايكم
الدولة احلقيقية والسعادة السرمدية حبرمة النيب وآله االجماد و على آله الصلوات و
التسليمات.
{املكتوب السابع والسبعون اىل جباري خان يف بيان ان عبادة هللا الذي
ليس كمثله شئ مىت تكون ميسرة وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى {شعر}:
وما عبدوا غري االله فباطل * فيا ويل من خيتار ما كان ابطال
و عبادة هللا الذي ليس كمثله شئ امنا تتيسر اذا ختلص العبد عن رقية سواه جل
سلطانه ابلتمام ومل تبق قبلة التوجه غري الذات االحدية ومصداق هذ التوجه استواء انعامه
وايالمه تعاىل بل يكون االيالم أرغب فيه من االنعام يف ابتداء حصول هذا املقام وان
اجنر االمر اخريا اىل التفويض وكان كلما يصل وحيصل هو األوىل واالنسب والعبادة اليت
منشأوها الرغبة والرهبة فتلك العبادة هي عبادة النفس يف احلقيقة فان املقصود منها اما
حصول جناة النفس أو سرورها {شعر}:
ما دمت مفتوان بنفسك اي خلّي * دعوى احملبة منك دعوى كاذب
و حصول هذه الدولة منوط ابلفناء املطلق وهذا التوجه من نتيجة احملبة الذاتية
ومقدمة ظهور الوالية اخلاصة احملمدية على صاحبها الصالة و السالم والتحية وحصول
هذه النعمة العظمى موقوف على كمال اتباع شريعته عليه من الصلوات امتها ومن
التحيات أكملها فان شريعة كل نيب اليت اعطاه هللا اايها من طريق النبوة مناسبة لواليته
فان التوجه يف الوالية اىل احلق ابلكلية فاذا نزل ابذن هللا سبحانه اىل مقام النبوة ينزل
بذلك النور وجيمع ذلك الكمال مع التوجه اىل اخللق وسبب حصول كماالت مقام النبوة
هو ذلك النور ايضا وهلذا قيل والية النيب افضل من نبوته فال جرم تكون شريعة كل نيب
مناسبة لواليته واتباع تلك الشريعة مستلزم للوصول اىل تلك الوالية (فان قيل) ان بعض
من يتبع شريعة نبينا عليه الصالة و السالم ال نصيب له من واليته صلّى هللا عليه و سلّم
بل هو على قدم نيب آخر وله نصيب من واليته (اجيب) ان شريعة نبينا عليه الصالة و
السالم جامعة جلميع الشرائع والكتاب الذي انزل اليه شامل جلميع الكتب السماوية
- 150 -
فاتباع هذه الشريعة كأنه اتباع جلميع الشرائع فمن له مناسبة لنيب من االنبياء أيخذ نصيبا
من واليته على قدر إستعداده وال حمذور فيه بل اقول إن واليته عليه الصالة و السالم
حاوية لوالايت مجيع االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات فالوصول اىل واحدة من تلك
الوالايت وصول اىل جزء من اجزاء هذه الوالية اخلاصة و سبب عدم الوصول اىل تلك
الوالية القصور يف كمال متابعته عليه الصالة و السالم و للقصور درجات فال جرم
حصل التفاوت يف درجات الوالية ولو تيسر كمال االتباع المكن الوصول اىل تلك
الوالية واالعرتاض امنا يرد اذا حصلت الوالية احملمدية ملتابعي شرائع االنبياء اآلخر عليه
وعليهم الصلوات و التسليمات والتحيات وليس فليس احلمد هلل الذي أنعم علينا وهداان
اىل الصراط املستقيم والدين القومي والصراط املستقيم عبارة عن هذا الطريق املتني والشرع
املبني انك ملن املرسلني على صراط مستقيم دليل هلذا املعن رزقنا هللا سبحانه واايكم
كمال اتباع شريعته عليه الصالة و السالم حبرمة كمل اتباعه ومعظم أوليائه رضوان هللا
تعاىل عليهم امجعني آمني وحامل رقيمة الدعاء ملا كان يف صدد التوجه اىل تلك احلدود
صار ابعثا على حتريك سلسلة احملبة بتحرير كلمات و السالم عليكم ورمحة هللا سبحانه
لديكم.
{املكتوب الثامن والسبعون اىل جباري خان ايضا يف بيان معىن السفر يف
الوطن والسري اآلفاقي واالنفسي وان حصول هذه الدولة موقوف على
اتباعه صلّى هللا عليه و سلّم}
رزقنا هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة احلقة على مصدرها الصالة
والتحية قد مضت مدة من العود من سفر دهلي و آگره اىل الوطن املألوف ونقد الوقت
أآلن حب[ ]1الوطن من االميان فان وقع السفر بعد الوصول اىل الوطن فهو يف نفس
(( )1قوله حب الوطن من االميان) واملشهور انه حديث قال السخاوي مل اقف عليه ومعناه صحيح من املخرج قلت
- 151 -
الوطن فان السفر يف الوطن من االصول املقررة عند اكابر الطائفة النقشبندية العلية قدس
هللا اسرارهم السنية وحيصل يف هذا الطريق ذوق من هذا السفر يف االبتداء بطريق اندراج
النهاية يف البداية وجيعل مجع من هؤالء الطائفة جمذوبني سالكني اذا أريد ذلك ويرمون
أوال يف السري اآلفاقي مث جيذبون اىل السري االنفسي بعد متام السري اآلفاقي والسفر يف
الوطن عبارة عن هذا السري االنفسي {ع}:
و هذي سعادات تكون نصيب من
هنيئا الرابب النعيم نعيمها (آخر)
و الوصول اىل هذه النعمة العظمى منوط ابتباع سيد األولني واآلخرين عليه و
على آله من الصلوات أكملها ومن التحيات أفضلها وما مل يفن السالك نفسه يف
الشريعة ومل يتحل حبلى امتثال األوامر واالنتهاء عن املناهي ال تصل رائحة من هذه الدولة
اىل مشام روحه فان حصلت له االحوال واملواجيد فرضا مع وجود خمالفة الشريعة ولو
مقدار شعرة فهي داخلة يف االستدراج ت ْفضحه أخريا وال امكان للخالص بدون اتباع
حمبوب رب العاملني عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكلمها
(ينبغي) للعاقل ان يصرف حياة اايم معدودة يف مرضيات هللا سبحانه و تعاىل وأي صفاء
يف عيش وأية لذة يف معيشة اذا مل يكن موىل العبد راضيا عن أفعاله واحلق سبحانه و
تعاىل مطلع على االحوال الكلية واجلزئية وحاضر وانظر فينبغي ان يستحيي منه سبحانه
فانه لو ظن اطالع خملوق على العيوب واالفعال القبيحة ملا صدرت حينئذ قبيحة وال
عيب قطعا وال يراد اطالعه على العيوب البتة فأي بالء وقع فان أكثر الناس ال يتقون وال
ينقبضون وال يبالون مع علمهم حبضور احلق سبحانه واطالعه على الضمائر والسرائر فأي
اسالم هذا حيث ال اعتبار للحق عندهم مثل اعتبار هذا املخلوق نعوذ ابهلل من شرور
أنفسنا ومن سيئآت اعمالنا فبحكم جددوا اميانكم بقول ال اله اال هللا ينبغي ان جيدد
االميان يف كل آن هبذا القول العظيم الشان وان يتوب اىل هللا سبحانه من مجيع االفعال
املذمومة وينيب اليه تعاىل فانه ال يدري رمبا تكون الفرصة للتوبة يف وقت آخر هلك
املسوفون حديث نبوي عليه و على آله الصلوات و التسليمات (وينبغي) ان يغتنم
الفرصة ويصرفها يف مرضاته تعاىل والتوفيق للتوبة من عناية احلق سبحانه فينبغي ان يطلب
هذا املعن دائما وان يطلب اهلمة من الدراويش الذين هلم قدم راسخ يف الشريعة ومعرفة
اتمة من عامل احلقيقة وان يستمد منهم حت تظهر عناية احلق سبحانه من ابهبم فتجذب
اىل جناب قدسه تعاىل ابلتمام فال تبقى حينئذ خمالفة أصال فانه لو وجدت من خمالفة
الشريعة مقدار شعرة فاألمر يف خطر فالبد من سد سبل املخالفة ابلتمام {شعر}:
و من احملال املشي يف طرق الصفا * اي سعد من غري اتباع املصطفى
صلوات هللا سبحانه عليه و على آله وال ينبغي االعرتاض على أهل هللا خصوصا
اذا حتقق يف البني اسم املرشدية واملريدية وكان طريق االفادة واالستفادة مفتوحا وينبغي ان
يعتقده مسا قاتال والزايدة على ذلك اطناب وقد حررت هذه الكلمات بسبب ارتباط
احملبة واالخالص فاملرجو ان ال تكون موجبة للمالل (مث ان) املال عمر وشاه حسني
كليهما من اوالد الكبار يريدان مالزمتكم فاملرجو ادخاهلما يف زمرة املالزمني املخصوصني
وجاء الشيخ امسعيل ايضا هبذه االرادة ولو كان راجال فاملأمول ان حيتظ مبا يناسب حاله
ولنكتف هبذا القدر من زايدة التصديع و السالم واالكرام.
االنبياء على سبيل االعتدال والكتاب الذي انزل اليه خالصة مجيع الكتب السماوية
املنزلة على سائر االنبياء على نبينا وعليهم الصلوات و التسليمات وايضا ان الشريعة اليت
اعطيها زبدة الشرائع املتقدمة واالعمال مبقتضى هذه الشريعة احلقة منتخبة من أعمال
الشرائع بل من أعمال املالئكة ايضا صلوات هللا على نبينا وعليهم أمجعني فان بعض
املالئكة مأمورون ابلركوع وبعضهم ابلسجود وبعضهم ابلقيام وكذلك االمم السابقة كان
بعضهم مأمورين بصالة الصبح وبعضهم بصالة أخرى و ورد االمر يف هذه الشريعة ابتيان
االعمال املنتخبة من خالصة أعمال االمم السابقة واملالئكة املقربني وزبدهتا فالتصديق
هبذه الشريعة تصديق جبميع الشرائع والعمل مبقتضاها عمل مبقتضىات تلك الشرائع فال
جرم يكون مصدقوا هذه الشريعة خري االمم وكذلك تكذيب هذه الشريعة تكذيب جلميع
الشرائع وترك العمل مبوجبها ترك العمل مبوجب سائر الشرائع وكذلك انكار نبينا صلّى
هللا عليه و سلّم انكار جلميع الكماالت االمسائية والصفاتية وتصديقه تصديق جبميع
ذلك فال جرم يكون منكره صلّى هللا عليه و سلّم ومكذب شريعته شر االمم وهلذا قال
هللا تعاىل االعراب أشد كفرا ونفاقا {شعر}:
حممد سيد الكونني من عرب * تعسا ملن مل يكن يف اببه تراب
احلمد هلل ذي االنعام واملنة قد صار حسن االعتقاد وحسن الظن ابلشريعة
وصاحبها عليه الصالة و السالم والتحية مشهودا فيك ابحسن الوجوه وكانت الندامة
على االوضاع املذمومة ممدتك ومعينتك دائما زادمها هللا سبحانه و تعاىل (مث ان) حامل
رقيمة الدعاء الشيخ ميان مصطفى من نسل القاضي شريح وقد كانت اسالفه االكابر
من كرباء هذه الداير وكانت هلم وظائف كثرية واسباب معيشة وافرة وقد توجه املشار اليه
اىل العسكر بسبب ضيق املعيشة ومعه اسناده ومنشوره فاملرجو حصول اجلمعية له
بواسطتكم والزايدة على ذلك موجبة للتصديع وينبغي تفويض املشار اليه اىل الصدور
العظام على هنج يتيسر له االمر فيكون سببا جلمعية ارابب التفرقة و السالم واالكرام.
- 154 -
{املكتوب الثمانون اىل املرزا فتح هللا احلكيم يف بيان أن الفرقة الناجية من
بني الفرق الثالثة والسبعني فرقة أهل السنة واجلماعة ويف املنع من االلتفات
اىل الفرق املبتدعة واالختالط معهم وما يناسب ذلك}
رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها
الصالة و السالم والتحية {ع}:
هذا هو االمر والباقي من العبث
وكل فرقة من الفرق الثالث والسبعني يدعون اهنم متبعون للشريعة وجيزمون بكوهنم
انجني كل حزب مبا لديهم فرحون مصداق حاهلم ونقد وقتهم وأما الدليل الذي بينه النيب
الصادق عليه من الصلوات أكملها ومن التسليمات أفضلها على متييز فرقة انجية من
تلك الفرق املتعددة فهو قوله صلّى هللا عليه و سلّم الذين[ ]1هم على ما اان عليه
وأصحايب وذكر االصحاب مع وجود الكفاية بذكر صاحب الشريعة عليه الصالة و
السالم وال تحية يف ذلك احملل ميكن أن يكون لاليذان ابن طريقي هو طريق االصحاب
وطريق النجاة منوط ابتباع طريقهم فحسب كما قال هللا تعاىل ومن يطع الرسول فقد
اطاع هللا فكان اطاعة الرسول عني اطاعة هللا تعاىل وخالف اطاعته صلّى هللا عليه و سلّم
عني معصيته تعاىل وتقدس وقد اخرب هللا سبحانه عن حال مجاعة زعموا طاعته تعاىل
خالف طاعة الرسول وحكم بكفرهم حيث قال سبحانه يريدون أن يفرقوا بني هللا ورسله
ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض اآلية فدعوى اتباع النيب صلّى هللا عليه و سلّم بدون
اتباع طريق االصحاب رضوان هللا عليهم أمجعني دعوى ابطل بل ذلك االتباع يف احلقيقة
عني معصية الرسول عليه الصالة و السالم فاين اجملال لطمع النجاة يف ذلك الطريق
حيسبون اهنم على شئ اال اهنم هم الكاذبون مطابقة حلاهلم وال شك أن الفرقة امللتزمة
التباع أصحابه عليه وعليهم الصالة و السالم أهل السنة واجلماعة شكر هللا سعيهم فهم
(( )1قوله الذين هم على ما اان احلديث) رواه الرتمذي من حديث عبدهللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنه.
- 155 -
الفرقة الناجية فان الطاعنني يف أصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كالشيعة
واخلوارج حمرمون من اتباعهم وللمعتزلة مذهب على حدة حمدث ورئيسهم واصل بن عطاء
كان من أصحاب حسن البصري مث اعتزل جملسه وصار يقول ابثبات الواسطة بني الكفر
واالميان فقال احلسن اعتزل ع نا و على هذا القياس سائر الفرق والطعن يف االصحاب
طعن يف رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يف احلقيقة ما آمن برسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم من مل يوقر أصحابه فان خبثهم ينجر اىل خبث صاحبهم نعوذ ابهلل من هذا االعتقاد
السوء (وأيضا) ان أحكام الشريعة اليت وصلت الينا من طريق القرآن واالحاديث امنا
وصلت بتوسط نقلهم فاذا كان هؤالء مطعوان فيهم يكون نقلهم ايضا مطعوان فيه وهذا
النقل ليس خمصوصا ببعض دون بعض بل كلهم يف العدالة والصدق والتبليغ فالطعن يف
واحد منهم اي واحد كان طعن يف الدين والعياذ ابهلل سبحانه منه (فان) قال الطاعنون
يف االصحاب حنن ايضا نتابعهم ولكن ال يلزم يف حتقق املتابعة متابعة اجلميع بل ذلك
غري ممكن لتناقض آرائهم واختالف مذاهبهم (اجيب) أن متابعة البعض امنا تنفع اذا مل
يوجد انكار الباقني ومت حتقق انكار البعض ال يتحقق متابعة البعض اآلخر فان عليا كرم
هللا وجهه كان يوقر اخللفاء الثالثة ويعظمهم رضوان هللا عليهم أمجعني وابيعهم عاملا
ابستحقاقهم االقتداء هبم فدعوى متابعته مع وجود انكارهم افرتاء حمض وادعاء صرف بل
انكارهم انكار يف احلقيقة لسيدان علي كرم هللا وجهه ورد صريح القواله وافعاله وجتويز
احتمال التقاة يف حق اسد هللا من غاية سخافة العقل فان العقل الصحيح ال جيوز
اضمار بغض اخللفاء الثالثة السد هللا قريبا من مدة ثالثني سنة واظهار خالفه وصحبته
معهم على النفاق أصال فان مثل هذا النفاق ال يتصور من ادىن أهل االسالم فينبغي
التأمل والتفكر يف شناعة هذا الفعل فانه يستلزم نسبة ضعف كبري و وهن كثري وخديعة
شنيعة اىل أسد هللا علي كرم هللا وجهه فلئن جوزان التقاة يف حق اسد هللا على سبيل
فرض احملال فماذا يقولون يف تعظيم رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم للخلفاء الثالثة
وتوقريه اايهم من االبتداء اىل االنتهاء فانه ال مساغ فيه للتقاة الن تبليغ ما هو احلق
- 156 -
واجب على الرسول وجتويز التقاة هناك ينجر اىل الزندقة قال هللا تعاىل اي ايها الرسول بلغ
ما انزل اليك من ربك فان مل تفعل فما بلغت رسالته قال الكفار ان حممدا يظهر من
الوحي ما يوافقه وخيفي منه ما خيالفه ومن املقرر أن تقرير النيب على اخلطأ غري جائز واال
يتطرق اخللل اىل شريعته فاذا مل يصدر منه صلّى هللا عليه و سلّم خالف تعظيم خلفاء
الثالثة ومل يظهر ما ينايف توقريهم علم ان تعظيمه وتوقريه صلّى هللا عليه و سلّم اايهم
مصون عن اخلطأ وحمفوظ عن الزوال (ولنرجع) اىل أصل الكالم ونبني جواب اعرتاضهم
يع ين شبهتهم اوضح مما سبق وانقح فنقول ان متابعة مجيع االصحاب واجبة يف اصول
الدين فانه ال اختالف بينهم يف االصول وامنا اختالفهم يف الفروع فقط فالذي يطعن يف
بعضهم فهو حمروم من متابعة مجيعهم وكلمة االصحاب وان كانت يف نفسها متفقة ولكن
شؤم االنكار الكابر الدين خيرجها من االتفاق اىل االختالف بل جير انكار القائل اىل
انكار املقول وايضا ان مبلغي الشريعة مجيع االصحاب كما مر الن االصحاب كلهم
عدول وبلغ من كل واحد شئ من الشريعة الينا وكذلك مجعوا القرآن اخذا من كل واحد
منهم آية فما فوقها فانكار البعض انكار ملبلغي القرآن فال يتحقق االتيان جبميع الشريعة
يف حق املنكر فكيف النجاة والفالح قال هللا تعاىل افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون
ببعض اآلية مع اان نقول ان جامع القرآن عثمان بل أبو بكر الصديق وعمر الفاروق
رضي هللا عنهم و ما مجعه علي كرم هللا وجهه وما حواه فهو سوى هذا القرآن فينبغي
التأمل والتفكر فان انكار هؤالء االكابر ينجر اىل انكار القرآن يف احلقيقة عياذا ابهلل
سبحانه منه (سئل) شخص جمتهد أهل التشيع يعين يف زعمهم ان القرآن مجعه عثمان
فما اعتقادك يف حق هذا القرآن فقال ال ارى املصلحة يف انكاره فان ابنكاره ينهدم
الدين ابلتمام وأيضا ان العاقل[ ]1ال جيوز اجتماع اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم على امر ابطل قبل مرور يوم من رحلته صلّى هللا عليه و سلّم ومن املقرر ان
( )1اشار به اىل ان جمرد العقل كاف يف ذلك فكيف اذا إنضم اليه الداينة وحسن الظن ابصحاب النيب صلّى هللا عليه
و سلّم حملرره.
- 157 -
اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كانوا يوم رحلته مقدار ثالث وثالثني الفا وابيع
كلهم الصديق االكرب ابلطوع واالختيار واجتماع مجيع اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه
و سلّم يف تلك احلالة على الضاللة من مجلة احملاالت وقد قال النيب صلّى هللا عليه و
سلّم ال جيتمع[ ]1اميت على الضاللة وأتخر علي كرم هللا وجهه يعين من البيعة يف االبتداء
ليس اال لعدم دعوهتم اايه اىل املشورة كما قال بنفسه ما غضبنا اال لتأخران عن املشورة
واال لنعلم ان ااب بكر خري منا اخل وعدم دعوهتم اايه ميكن ان يكون مبنيا على مصلحة
كتسلية اهل البيت بقعوده عندهن يف الصدمة األوىل من املصيبة او حنو ذلك
واالختالف الواقع بني االصحاب ليس منشأه اهلوى النفساين فان نفوسهم قد تزكت
وختلصت من ان تكون امارة ابلسوء وصارت مطمئنة وكانت اهواءهم اتبعة للشريعة بل
كان مبناه على االجتهاد واعالء احلق فللمخطئ منهم درجة واحدة عند هللا وللمصيب
عشر درجات فينبغي اذا حفظ اللسان من اذاهم وجفاهم وان يذكر كال منهم خبري قال
االمام الشافعي رمحه هللا تعاىل تلك دماء طهر هللا أيدينا عنها فلنطهر عنها السنتنا وقال
ايضا اضطر الناس بعد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فلم جيدوا حتت ادمي السماء خريا
من أيب بكر فولوه رقاهبم وهذا القول تصريح منه بنفي التقاة ورضاء علي كرم هللا وجهه
بيعة الصديق رضي هللا عنه (بقية) املقصود ان امليان سيدن ولد الشيخ ميان ايب اخلري من
أوالد الكبار وقد سافر اىل دكن يف رفاقتكم فريجي يف حقه التفاتكم وعنايتكم وايضا ان
موالان حممدا عارف طالب علم ومن اوالد الكبار وكان ابوه عاملا وقد جاء الجل
االستمداد يف امر املعاش فريجى التوجه اليه و السالم واالكرام.
القلب ابلتكلف فرضا ال خيطر ابدا وال يقع سرمدا ومامل يبلغ النسيان هذه املرتبة فسالمة
القلب حمال وهذه النسبة يعين نسيان السوى هبذه املرتبة صارت اآلن كعنقاء املغرب بل
ال يصدق هبا ان اخرب عنها {شعر}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع
و ماذا نكتب أزيد من ذلك و السالم أوال وآخرا.
{املكتوب الثالث والثمانون اىل هبادر خان يف التحريض على اجلمع بني
مجعييت الظاهر والباطن مع االستقامة على الشريعة واحلقيقة}
رزقكم هللا سبحانه النجاة من تعلقات شت وجعلكم مقبال على جناب قدسه
ابلكلية حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله من الصلوات أكملها ومن التسليمات
أفضلها {شعر}:
من كان يف قلبه مثقال خردلة * سوى هوى احلق فاعلم أنه مرض
و حتلية الظاهر ابلشريعة الغراء وربط الباطن على الدوام ابهلل أمر عظيم اي
صاحب دولة يشرف هباتني النعمتني العظيمتني واجلمع بني هاتني النسبتني يف هذا الوقت
ابالستقامة على ظاهر الشريعة عزيز الوجود جدا بل أعز من الكربيت االمحر رزق هللا
سبحانه من كمال كرمه كرامة االستقامة على متابعة سيد األولني واآلخرين عليه و على
آله الصالة و السالم ظاهرا وابطنا.
{املكتوب الرابع والثمانون اىل السيد أمحد القادري يف بيان أن كال من
الشريعة واحلقيقة عني اآلخر وان عالمة الوصول اىل مرتبة حق اليقني
- 160 -
مطابقة علوم ذلك املقام ومعارفها ابلعلوم الشرعية ومعارفها وما يناسب
ذلك}
رزقكم هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة وجعل مجيع مهتكم التوجه اىل
جناب قدسه وأخذك عنده ابلتمام ويسرلك ولنا االعراض عما سواه ابلكلية حبرمة سيد
البشر املقدس عن زيغ البصر عليه من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها و على
آله واصحابه أمجعني آمني {ع}:
و أحسن ما ميلي حديث االحبة
وكلما قيل عن احلبيب وان مل يكن من كالمه ولكن ملا كان هلذا الكالم نوع
مناسبة جبنابه تعاىل وتقدس نغتنم هذا املعن املناسب وجنرتئ يف إطالة اللسان يف ذلك
الباب املقصود ان كال من الشريعة واحلقيقة عني اآلخر ال متايز بينهما يف احلقيقة غري
االمجال و التفصيل و االستدالل والكشف والغيبة والشهادة والتعمل وزواله فان االحكام
والعلوم اليت صارت معلومة مبوجب بيان الشريعة الغراء تنكشف تلك العلوم واالحكام
بعينها تفصيال بعد التحقق حبقيقة حق اليقني وخترج من الغيبة اىل الشهادة ويرتفع جتشم
الكسب ومتحل العمل من البني وعالمة الوصول اىل مرتبة حق اليقني مطابقة علوم ذلك
املقام ومعارفه بعلوم الشريعة ومعارفها فلو بقيت املخالفة مقدار شعرة فهو دليل على عدم
الوصول اىل حقيقة احلقائق وكلما وقع من مشائخ الطريقة مما خيالف الشريعة من علم أو
عمل فهو مبين على سكر الوقت وسكر الوقت ال يقع اال يف اثناء الطريق وحال املنتهىن
اىل هناية النهاية كله صحو والوقت مغلوب فعاهلم واحلال واملقام اتبعان لكماهلم {شعر}:
صويف ابن الوقت آمد يف املثال * كل صاف فارغ عن كل حال
فتحقق من ذلك ان خمالفة الشريعة عالمة عدم الوصول اىل حقيقة االمر ووقع يف
عبارة بعض املشائخ ان الشريعة قشر احلقيقة واحلقيقة لب الشريعة وهذا الكالم وان كان
منبئا عن عدم استقامة قائله ولكن ميكن ان يكون مراده به ان اجململ حكمه ابلنسبة اىل
- 161 -
املفصل كحكم القشر ابلنسبة اىل اللب واالستدالل يف جنب الكشف كالقشر يف جنب
اللب واما االكابر املستقيموا األحوال فال جيوزون التكلم ابمثال هذه العبارة املومهة
للمخالفة وال يثبتون الفرق بينهما غري االمجال والتفصيل واالستدالل والكشف سئل
سائل اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس هللا سره االقدس انه ما املقصود من السري
والسلوك فقال كون املعرفة االمجالية تفصيلية واالستداللية كشفية رزقنا هللا سبحانه الثبات
واالستقامة على الشريعة علما وعمال صلوات هللا وسالمه على صاحبها وبقية التصديع
ان حامل رقيمة الدعاء الشيخ مصطفى الشرحيي من نسل القاضي شريح وكان آابؤه
وأجداده من االكابر وأصحاب وظائف وفرية ومعائش كثرية وقد توجه اىل العسكر
بسبب اضطراره من فقدان اسباب املعيشة واخذ معه اسناده ومنشوره واملأمول التفاتكم
وتوجهكم اىل حاله على هنج يكون سببا حلصول اجلمعية وينجو من االضطراب والتفرقة
ولنكتفي هبذا القدر من زايدة التصديع.
{املكتوب اخلامس والثمانون اىل املرزا فتح هللا احلكيم يف التحريض على
اتيان االعمال الصاحلة خصوصاً على اداء الصلوات ابجلماعة وما يناسب
ذلك}
وفقكم هللا سبحانه ملرضياته واعلم ان االنسان كما أنه البد له من تصحيح
االعتقادات كذلك البد له من اتيان االعمال الصاحلات وامجع العبادات واقرب الطاعات
هو اداء الصالة كما قال عليه الصالة و السالم الصالة[ ]1عماد الدين فمن اقامها فقد
( )1رواه الديلمي عن علي كرم هللا وجه والبيهقي يف الشعب عن عمه مرفوعا وقول النووي يف التنقيح حديث منكر
ابطل رده احلافظ ابن حجر وشنع عليه مث ان الذي خرجه البيهقي هي اجلملة االوىل يعين الصالة عماد الدين فقط
واما قوله فمن تركها اخل فلم أره وقد ورد بطرق متعددة وابلفاظ خمتلفة اوردها شارح االحياء مث قال يوجد يف كتب
اصحابنا احلنفية هذا احلديث بزايدة مجلة اخرى وهي فمن اقامها فقد اقام الدين وهبذه الزايدة يفهم وجه الشبه بني
الصالة والعماد اي االقامة ابالقامة واهلدم ابلرتك كما ان اخليمة تقام ابقامة عمدها وهتدم برتك اقامتها وكان هذا هو
- 162 -
اقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين ومن وفق ملواظبة اداء الصلوة فقد امتنع عن
الفحشاء واملنكر وقوله تعاىل ان الصالة تنهي عن الفحشاء واملنكر مؤيد هلذا الكالم
والصالة اليت ليست هبذه املثابة يعين مل متنع صاحبها عن الفحشاء واملنكر فهي صورة
الصالة ال حقيقة هلا ولكن ينبغي أن ال ترتك الصورة اىل أن حتصل احلقيقة فان ما ال
يدرك كله ال يرتك كله وال يستبعد اعتبار اكرم االكرمني الصورة وأن يقبلها مكان احلقيقة
فعليكم املواظبة على اداء الصالة مع اجلماعة ومع اخلشوع واخلضوع فاهنا سبب النجاة
والفالح قال هللا تعاىل قد أفلح املؤمنون الذين هم يف صالهتم خاشعون واحلاصل أنه
ينبغي أن يعمل مع وجود اخلطر يعين الرد اال ترى أن العساكر حيصل هلم اعتبار كثري يف
مقابلة حركتهم اليسرية ومناضلتهم القليلة وقت غلبة العدو وامنا يعترب[ ]1صالح الشبان
الهنم اختاروا الصالح وكلفوا أنفسهم عليه مع وجود غلبة الشهوة النفسانية فيهم وقد انل
اصحاب الكهف مجيع تلك احلشمة والعظمة والرتبة عند هللا تعاىل بسبب هجرة واحدة
من خمالفي الدين وورد يف احلديث النبوي عليه الصالة و السالم عبادة[ ]2يف اهلرج
كهجرة اىل فكان املنايف عني الباعث يف احلقيقة وماذا نكتب ازيد من ذلك وصحبة
الفقراء غري مرغوبة فيها لدي ولدى هباء الدين بل ميله واجنذابه اىل اهل الثروة والغنا
وارابب التنعم واالستغناء وال يدري ان صحبتهم سم قاتل ولقمتهم السمينة يعين اطعمتهم
اللذيذة زائدة يف ظلمة الباطن وقساوة القلب احلذر احلذر مث احلذر احلذر منهم وورد يف
احلديث الصحيح على مصدره الصالة و السالم من[ ]3تواضع الغين لغناه ذهب ثلثا دينه
السر يف عدم جمئ االمر ابلصالة غالبا اال بلفظ االقامة يف الكتاب والسنة خبالف غريه من االعمال على ما ال خيفى
انتهى ملخصا وهو تعليل حسن.
( )1يعين اكثر من اعتبار صالح غريهم كما هو مصرح يف اكثر املواضع حملرره
( )2رواه مسلم والرتمذي وابن ماجة عن معقل بن يسار
( )3رواه البيهقي يف الشعب واخلطيب عن ابن مسعود وانس بلفظ من دخل على غين فتضعضع له ذهب ثلثا دينه
واخرج الديلمي من حديث ايب ذر لعن هللا فقريا تواضع الغين من اجل ماله من فعل ذلك منهم فقد ذهب ثلثا دينه
قال السيوطي ومل يصب ابن اجلوزي يف إيراده يف املوضوعات اه .
- 163 -
{املكتوب الثامن والثمانون اىل املذكور ايضا يف بيان فضيلة الشيب يف االميان
و الصالح ولزوم غلبة اخلوف يف عهد الشباب والرجاء يف الشيخوخة}
جعل كم هللا سبحانه معه على الدوام اي نعمة اعظم من الشيب يف االميان و
الصالح وورد يف احلديث النبوي عليه الصالة و السالم من[ ]1شاب شيبة يف االسالم
غفر له ينبغي بعد الشيب أن يرجح جانب الرجاء وأن يغلب ظن املغفرة فان اخلوف
ينبغي أن يكون أزيد يف عهد الشباب وأما يف سن الشيخوخة فال ينبغي اال ترجيح الرجاء
و السالم أوال وآخرا.
( )1اخرج ابو داود عن عمر ابن شعيب عن ابيه عن جده من شاب شيبة يف االسالم كتب هللا له هبا حسنة وكفر عنه
هبا خطيئة ورفعه هبا درجة واخرجه الرتمذي والنسائي وابن ماجة عن كعب بن مرة بلفظ كانت له هبا نورا يوم القيامة
اه
( )2رواه الطرباين وابو نعيم يف احلل ية عن عبدهللا ابن عمر بلفظ طويب ملن طال عمره وحسن عمله قال العزيزي اسناده
حسن قلت قد رمز املناوي يف كنوز احلقائق هلذا احلديث هبذا اللفظ رمز وقال املخرج رواه ابو داود عن عمرو بن
شعيب عن ابيه عن جده
- 165 -
فان امليت[ ]1كالغريق ينتظر دعوة ملحقة من أب أو أم أو صديق (وايضا) ينبغي لكم ان
تعتربوا من موهتا وتتذكروا موتكم وأن تقبلوا على مرضيات احلق سبحانه ابلكلية وان ال
تعدوا احلياة ا لدنيوية غري متاع الغرور فان كان للتمتعات الدنياوية مقدار شعرة من
االعتبار ملا منح هبا الكفار وملا أعطيها االشرار رزقنا هللا سبحانه واايكم االعراض عما
سوى هللا سبحانه واالقبال على جناب قدسه حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله من
الصلوات أفضلها ومن التسليمات اكملها و السالم واالكرام.
{املكتوب التسعون اىل اخلواجه قاسم يف التحريض على التوجه اىل احلق
سبحانه ابلكلية وبيان ان حصول هذه الدولة موقوف يف هذا الوقت على االخالص
هلذه الطائفة العلية النقشبندية قدس هللا اسرارهم والتوجه اليهم}
جعل هللا سبحانه الدنيا الدنية حقرية املقدار عدمية االعتبار يف نظر مهتكم وجعل
مجال اآلخرة حملى ومزينا يف مرآة بصريتكم حبرمة سيد البشر املطهر عن زيغ البصر عليه و
على آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها قد وصل مكتوبكم الشريف
املرسل على وجه االلتفات مع اهلدااي احملرتمة جزاكم هللا سبحانه على كرمكم خري اجلزاء
والنصيحة اليت ينصح هبا احملبون واملخلصون هو الرتغيب يف السعي واالجتهاد يف حتصيل
االقبال ابلكلية على جناب قدسه تعاىل واالعراض عما سواه عز شأنه {ع}:
هذا هو األمر و الباقي من العبث
و حصول هذه الدولة العظمى موقوف يف هذا الوقت على االخالص للطائفة
العلية النقشبندية والتوجه اليهم فان الذي حيصل يف صحبتهم الواحدة ال يتيسر
ابلرايضات الشديدة واجملاهدات الشاقة يف مدة مديدة وذلك الن يف طريق هؤالء االكابر
اندراج النهاية يف البداية حبيث يعطي يف أول صحبتهم ما يقع يف يد املنتهيني يف هنايتهم
( )1اورده يف املشكاة من رواية البيهقي يف شعب االميان عن ابن عباس رضي هللا عنهما مرفوعا بلفظ ما امليت يف القرب
اال كالغريق املتغوث ينتظر دعوة تلحقه من اب او ام او اخ او صديق احلديث.
- 166 -
وطريق هؤالء االكابر هو طريق االصحاب الكرام فانه كان حيصل هلم يف أول صحبة خري
البشر عليه و على آله الصلوات و التسليمات ما يندر حصوله ألولياء االمة يف النهاية
وهذا طريق اندراج النهاية يف البداية فعليكم مبحبة هؤالء االكابر فاهنا مالك االمر و
السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله
الصالة و السالم.
{املكتوب الثاين والتسعون اىل املذكور أيضاً يف بيان ان اطمئنان القلب امنا
- 167 -
{املكتوب الرابع والتسعون اىل خضر خان اللودي يف بيان أنه البد لالنسان
من تصحيح العقائد واتيان االعمال الصاحلة ليطري هبذين اجلناحني اىل عامل احلقيقة}
رزقكم هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة
و السالم والتحية والذي البد منه لالنسان هو تصحيح العقائد أوال على مقتضى آراء
أهل السنة واجلماعة الصائبة الذين هم الفرقة الناجية واتيان االعمال الصاحلة اثنيا مبوجب
االحكام الفقهية فان ساعد التوفيق اآلهلي بعد تعلم احكام الفرائض والسنن والواجبات
واملستحبات واحلالل واحلرام واملشتبهات وحصول هذين اجلناحني االعتقادي و العملي
ميكن الطريان حنو عامل احلقيقة وبدون حصول هذين الساعدين يستحيل الطريان حنوها
{شعر}:
و من احملال السري يف طرق الصفا * اي سعد من غري اتباع املصطفى
ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعته عليه و على آله الصالة و السالم.
( )1متفق عليه من حديث ايب هريرة رضي هللا عنه بلفظ خلق هللا آدم على صورته اه
- 169 -
وا لكرسي والعقل والنفس وشامل للمكاين والالمكاين فال جرم ال يكون للعرش مقدار يف
جنب القلب بواسطة مشوله لالمكانية الن العرش وما فيه مع وجود الوسعة فيه داخل يف
دائرة االمكان واملكاين وان كان وسيعا يف حد ذاته لكنه ضيق يف جنب الالمكاين ال
مقدار له ابلنسبة اليه ولكن ارابب الصحو من املشائخ قدس هللا اسرارهم يعلمون أن هذا
احلكم مبين على السكر وحممول على عدم التمييز بني حقيقة الشئ وبني امنوذجه فان
العرش اجمليد الذي هو حمل الظهور التام اجل وارفع من أن يكون له حصول يف القلب
والذي يرى يف القلب من العرش فهو أمنوذج العرش ال حقيقته وال شك أنه ال مقدار هلذا
االمنوذج يف جنب القلب فانه جامع المنوذجات غري متناهية وال يقال للمرآة اليت ترى
فيها السموات مع هذه الوسعة والكرب ابشياء اخر اهنا أكرب من السموات نعم ان متثال
السموات الذي هو يف املرآة اصغر من املرآة ال حقيقة السموات (ولنوضح) هذا املبحث
مبثال وهو ان امنوذجا من عنصر كرة االرض مكمون يف بدن االنسان وال يقال ان بدن
االنسان اكرب واوسع من كرة االرض نظرا اىل جامعية االنسان بل ال مقدار لبدن االنسان
يف جنب كرة االرض أصال ومنشأ هذا احلكم امنا هو توهم اجلزء احلقري للشئ بل االمنوذج
احلق ري للشئ نفس ذلك الشئ (ومن) هذا القبيل كالم بعض املشائخ الذي صدر عنهم
وقت غلبة السكر كقوهلم أن اجلمع احملمدي أمجع من اجلمع اإلهلي جل سلطانه فاهنم ملا
زعموا أن حممدا عليه الصالة و السالم جامع حلقيقة االمكان ومرتبة الوجوب حكموا
ابن جامعية حممد عليه الصالة و السالم أمجع من جامعية هللا تعاىل شأنه وهنا ايضا
زعموا الصورة حقيقة فحكموا بذلك فان حممدا عليه و على آله الصلوات و التسليمات
جامع لصورة مرتبة الوجوب دون حقيقتها وهللا سبحانه و تعاىل وتقدس واجب الوجود
على احلقيقة فلو فرقوا بني حقيقة الوجوب وصورته ملا حكموا به حاشا وكال من امثال
هذه االحكام السكرية فان حممدا صلّى هللا عليه و سلّم عبد خملوق متناه حمدود وهللا
سبحانه غري متناه وغري حمدود (وينبغي) أن يعلم أن كلما هو من االحكام السكرية فهو
من مقام الوالية وكلما هو من أحكام الصحو فله تعلق مبقام النبوة ولكمل اتباع االنبياء
- 170 -
عليهم الصلوات و التسليمات نصيب من هذا املقام بواسطة الصحو بطريق التبعية
والبسطامية يفضلون السكر على الصحو وهلذا قال الشيخ أبو يزيد البسطامي قدس سره
لوائي أرفع من لواء حممد اراد بلوائه لواء الوالية وبلواء حممد عليه الصالة و السالم لواء
النبوة ويرج ح لواء الوالية الذي هو انظر اىل السكر على لواء النبوة الذي هو انظر اىل
الصحو (ومن هذا) القبيل قول بعضهم الوالية أفضل من النبوة وذلك ملا رأوا من أن
التوجه يف الوالية اىل احلق ويف النبوة اىل اخللق وال شك أن التوجه اىل احلق أفضل من
التوجه اىل اخللق وقال بعضهم يف توجيه هذا الكالم ان والية النيب أفضل من نبوته وأمثال
هذه الكلمات بعيدة عن الصواب عند هذا الفقري فان التوجه يف النبوة ليس اىل اخللق
فقط بل فيها توجه اىل احلق ايضا مع وجود هذا التوجه فان بواطنهم مع احلق سبحانه
وظواهرهم مع اخللق وأما الذين توجههم اىل اخللق فقط فهم من املعرضني املدبرين
واالنبياء عليهم الصلوات والتسلميات افضل مجيع املوجودات وهلم مسلم أفضل الدوالت
والوالية جزء من النبوة ومندرجة فيها والنبوة كل شامل هلا فال جرم تكون النبوة افضل من
الوالية سواء كانت والية نيب أو والية غريه فكان الصحو أفضل من السكر والسكر
مندرج يف الصحو اندراج الوالية يف النبوة والصحو اخلايل عن السكر الذي هو للعوام
خارج عن املبحث وال معن لرتجيح ذلك والصحو املتضمن للسكر افضل من السكر
البتة والعلوم الشرعية اليت مصدرها النبوة انشئة كلها من كمال الصحو وما خيالفها كائنا
ما كان من السكر وصاحب السكر معذور وما يستحق التقليد واالستمساك به هو علوم
مقام الصحو ال علوم حالة السكر ثبتنا هللا سبحانه على تقليد العلوم الشرعية على
مصدرها الصالة و السالم والتحية يرحم هللا عبدا قال آمينا وما وقع يف احلديث القدسي
حيث ورد ال يسعين ارضي وال مسائي ولكن يسعين قلب عبدي املؤمن فاملراد به وهللا
سبحانه أعلم مبراده سعته صورة مرتبة الوجوب ال حقيقتها فان احللول حمال هناك كما
تقدم فظهر ان مشول القلب لالمكانية ابعتبار الصورة ال احلقيقة حت ال يكون للعرش
وما حواه مقدار فيه فان هذا احلكم خمصوص حبقيقة الالمكانية.
- 171 -
وسعت كل شئ وأما يوم القيامة الذي هو دار اجلزاء فيمتاز فيه االعداء واالحباء كما
أخرب هللا تعاىل عنه بقوله وامتازوا اليوم أيها اجملرمون وخترج قرعة الرمحة يومئذ ابسم
االحباب وتصري االعداء حمرومني مطلقا وملعونني حمققا كما يشهد به قوله تعاىل
فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم ابايتنا يؤمنون فخص الكرم والرمحة يف
اآلخرة ابالبرار وأهل االسالم االخيار نعم ان ملطلق أهل االسالم نصيبا من الرمحة على
تقدير حسن اخلامتة وجناة من عذاب جهنم ولو بعد أزمنة متطاولة ولكن كيف يبقى نور
االميان مع تراكم ظلمات املعاصي وكيف يرتك عدم املباالت ابالحكام املنزلة من هللا
سبحانه ان خيرج من الدنيا ابلسالمة وقد قال العلماء االصرار على الصغرية يفضي اىل
الكبرية واالصرار على الكبرية يفضي اىل الكفر عياذا ابهلل سبحانه {شعر}:
بثثت قليال من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري
وفقنا هللا سبحانه ملرضياته حبرمة حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم (وبقية)
املقصود ان حامل الكتاب موالان اسحق من احباب الفقري وخملصيه وله حق اجلوار من
القدمي فا ن احتاج اىل االعانة واالمداد ينبغي رعاية التوجه يف حقه وله اطالع على فن
الكتابة واالنشاء وممارسة فيه بقدر الوسع و السالم.
الذين آمنوا آمنوا اي الذين آمنوا صورة آمنوا حقيقة أبداء وظائف العبادة املأمور هبا
واملقصود من الفناء والبقاء اللذين الوالية عبارة عن حصول هاتني الدولتني هو هذا اليقني
فحسب فان أرادوا ابلفناء يف هللا والبقاء ابهلل معن آخر يوهم ابحلالية واحمللية فهو عني
االحلاد والزندقة ويظهر يف اثناء غلبة احلال وسكر الوقت شيئا ينبغي ان جياوزها اخريا وان
يستغفر منها قال ابراهيم بن شيبان الذي هو من مشائخ الطبقات قدس هللا أرواحهم علم
الفناء والبقاء يدور على اخالص الوحدانية وصحة العبودية وما سوى ذلك فمغاليط
وزندقة واحلق انه صادق يف هذا القول وقوله هذا ينبئ عن استقامته فان الفناء يف هللا
عبارة عن الفناء يف مرضيات احلق سبحانه و على هذا القياس السري اىل هللا والسري يف هللا
وحنومها (وبقية املرام) ان الشيخ ميان هللا خبش رجل متصف ابلصالح والتقوى والفضيلة
وقد ارتبط به مجع كثري فان احتاج اىل املعونة يف مادة من املواد فاملرجو رعاية التوجه
الشريف يف حاله و السالم عليكم و على من اتبع اهلدى.
{املكتوب الثامن والتسعون اىل عبد القادر ولد الشيخ زكراي يف التحريض على
الرفق وترك العنف ابيراد االحاديث على مصدرها الصالة و السالم}
نسأل هللا االستقامة على مركز العدالة ولنورد أحاديث نبوية عليه من الصلوات
أ فضلها ومن التسليمات اكملها الواردة يف ابب التذكري والوعظ والنصيحة يسر هللا
سبحانه العمل مبقتضاها قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان هللا رفيق حيب الرفق
ويعطي على الرفق ماال يعطي على العنف وما ال يعطي على ما سواه رواه مسلم ويف
رواية له قال لعائشة رضي هللا عنها وعن أبويها عليك ابلرفق واايك والعنف والفحش فان
الرفق ال يكون يف شئ اال زانه وال ينزع من شئ اال شانه وقال عليه و على آله الصالة و
[]1
السالم والتحية ايضا من[ ]1حيرم الرفق حيرم اخلري وقال عليه الصالة و السالم ايضا ان
( )1رواه مسلم وامحد و ابو داود وابن ماجه من حديث جرير [مجيع االحاديث يف هذا املكتوب بل اكثر احاديث
املكتوابت مأخوذة من مشكاة املصابيح فليستخرج منها اه ]
- 174 -
ايل احسنكم اخالقا وقال عليه الصالة و السالم ايضا من[ ]2أعطي حظه من
من احبكم ّ
الرفق اعطي حظه من الدنيا واآلخرة وقال عليه الصالة و السالم احلياء[ ]3من االميان
واالميان يف اجلنة والبذاء من اجلفاء واجلفاء يف النار ان[ ]4هللا يبغض الفحشاء البذي اال
أخربكم[ ]5مبن حيرم على النار ومبن حيرم النار عليه على كل هني لني قريب سهل
املؤمنون[ ]6هينون لينون كاجلمل األنف ان قيد انقاد وان استنيخ على صخرة استناخ
من[ ]7كظم غيظا وهو يقدر أن ينفذه دعاه هللا على رؤس اخلالئق يوم القيامة حت خيريه
يف أي احلور شاء ان[ ]8رجال قال للنيب صلّى هللا عليه و سلّم أوصين قال ال تغضب فرد
مرارا قال ال تغضب اال اخربكم أبهل اجلنة كل ضعيف مستضعف لو اقسم على هللا ألبره
اال أخربكم أبهل النار كل عتل خعظري مستكرب اذا[ ]9غضب احدكم وهو قائم فليجلس
فان ذهب عنه الغضب واال فليضطجع[ ]10إن الغضب ليفسد االميان كما يفسد الصرب
العسل من[ ]11توا ضع هلل رفعه هللا فهو يف نفسه صغري ويف أعني الناس عظيم ومن تكرب
وضعه هللا فهو يف أعني الناس صغري ويف نفسه كبري حت هلو أهون عليهم من كلب
وخنزير قال موسى[ ]1بن عمران على نبينا وعليه الصالة و السالم اي رب من أعز عبادك
قال من اذا قدر غفر وقال ايضا عليه الصالة و السالم من[ ]2خزن لسانه سرت هللا عورته
ومن كف غضبه كف عنه هللا عذابه يوم القيامة ومن اعتذر اىل هللا قبل هللا عذره وقال
أيضا من كانت له مظلمة ألخيه من عرضه أو شئ فليتحلل منه اليوم قبل ان ال يكون
دينار وال درهم ان كان له عمل صاحل أخذ بقدر مظلمته وان مل يكن حسنات أخذ من
سيآت صاحبه فحمل عليه وقال عليه الصالة و السالم أيضا أتدرون ما املفلس قالوا
املفلس فينا من ال درهم له وال متاع فقال ان املفلس من أميت من أييت يوم القيامة بصالة
وصيام وزكوة وأييت قد شتم هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا
من حسنات ه وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من
خطاايهم فطرحت عليه مث طرح يف النار وعن[ ]3معاوية رضي هللا عنه أنه كتب اىل
ايل كتااب توصيين فيه وال تكثري فكتبت سالم عليك أما
عائشة رضي هللا عنها أن اكتيب ّ
بعد فاين مسعت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يقول من التمس رضا هللا بسخط الناس
كفاه مؤنة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط هللا وكله هللا اىل الناس و السالم عليك
صدق رسول هللا صلى هللا تعاىل عليه و على آله وسلم وابرك رزقنا هللا سبحانه واايكم
التوفيق للعمل مبا اخرب به املخرب الصادق عليه الصالة و السالم وهذه االحاديث وان
كتبت بدون ترمجة ولكن تفهم معانيها ابلرجوع اىل الشيخ جيو وينبغي السعي واالجتهاد
للعمل مبقتضاها بقاء الدنيا قليل جدا وعذاب اآلخرة شديد يف الغاية ودائم فعليكم
استعمال العقل والفكر وان ال يغرت بطراوة الدنيا اخلالية عن احلالوة فان كانت العزة
واالفضلية بسبب الدنيا ينبغي أن تكون الكفار الذين هلم حظ وافر من الدنيا اعز وأفضل
من الكل واالخنداع بظاهر الدنيا من عدم العقل وامنا الالئق ابلعاقل ان يغتنم فرصة اايم
قليلة وان جيتهد يف تلك الفرصة اليسرية يف حتصيل مرضات هللا تعاىل واالحسان اىل خلق
هللا عز و جل فان التعظيم ألمر هللا والشفقة على خلق هللا كليهما أصالن عظيمان ألجل
النجاة من عذاب اآلخرة وكلما أخرب به املخرب الصادق فهو مطابق لنفس األمر ليس
ابهلزل وال ابهلذاين فاىل ميت ميتد نوم الغفلة والغرور اليس آخره وعقباه اىل الفضيحة
واحلرمان قال هللا سبحانه * افحسبتم أمنا خلقناكم عبثا وانكم الينا ال ترجعون * واين وان
كنت أعلم أن وقتك ال يقتضى استماع امثال هذه الكلمات لكونك يف عنفوان الشباب
والتنعمات الدنيوية ميسرة واحلكومة والتسلط على اخللق حاصلة ولكن الشفقة على
أحوالك كانت ابعثة على هذا القيل والقال ومل يفت اىل اآلن شئ من الفرصة والوقت
قابل للتوبة واالانبة والشرط البالغ {ع}:
كفى احلرف لو يف داخل البيت انسان
للروح نسبة الت عشق والتعلق ابلنفس حتقيقا هلذا االجتماع وتقريرا هلذا االنتظام وجعل هذا
التعلق سببا لالنتظام ويف قوله تعاىل لقد خلقنا االنسان يف أحسن تقومي مث رددانه أسفل
سافلني رمز اىل هذا البيان وهذا التنزيل للروح وتعلقها من قبيل املدح مبا يشبه الذم يف
احلقيقة فتهافتت ال روح اىل عامل النفس ابلتمام وتوجهت اليه بكليتها بواسطة تلك النسبة
احلبية وجعلت نفسها اتبعة هلا بل نسيت نفسها مرة واحدة وصارت تعرب عن نفسها
ابلنفس االمارة وهذا لطافة أخرى للروح حيث اهنا أتخذ حكم كل شئ تتوجه اليه من
كمال لطافته فاذا نسيت نفسها فال جرم اهنا نسيت ايضا حضوره السابق مع مرتبة
الوجوب تعالت وتقدست ابلضرورة وتوغلت يف الغفلة ابلتمام وأخذ حكم الظلمة فبعث
هللا من كمال كرمه وشفقته على عباده االنبياء عليهم الصالة و السالم ودعاهم اليه
سبحانه بواسطة هؤالء االكابر وامرهم مبخالفة النفس اليت هي معشوقة الروح فمن رجع
القهقري فقد فاز فوزا عظيما ومن مل يرفع رأسه واختار اخللود اىل االرض فقد ضل ضالال
بعيدا هذا ولنرجع اىل اجلواب عن االشكال ونقول انه قد فهم من هذا املقدمة من
اجتماع الروح ابلنفس ان فناء الروح يف النفس وبقاءها هبا فحسب فال جرم تكون غفلة
الظاهر عني غفلة الباطن ما دام هذا االجتماع واالنتظام موجودا و يكون النوم الذي هو
غفلة الظاهر عني غفلة الباطن فاذا طرأ اخللل على هذه االنتظام واعرض الباطن عن حمبة
الظاهر وأقبل على حمبة ابطن البطون وزال الفناء والبقاء اللذان كاان للروح قبل وحصل هلا
الفناء يف الباقي احلقيقي والبقاء به تعاىل وتقدس فال أتثر غفلة الظاهر حينئذ يف حضور
الباطن وكيف تؤثر فان الباطن قد ادبر عن الظاهر ابلتمام وجعله خلف ظهره ومل يبق
للظاهر سبيل اىل الباطن اصال فيجوز حينئذ ان يكون الظاهر غافال والباطن حاضرا وال
حمذور فيه اال ترى ان دهن اللوز مثال مادام ممتزجا ابللوز حكمه حكم اللوز فاذا ميز عن
اللوز ظهر التغاير والتمايز يف االحكام فاذا اراد هللا سبحانه ارجاع مثل صاحب هذه
الدولة اىل العامل لتخليص اهله من الظلمات النفسانية بتوسط شريعته اليت شرعها ينزل اىل
العامل بطريق السري عن هللا ابهلل فيكون توجهه اىل العامل ابلتمام من غري تعلق هبم ألنه على
- 178 -
تعلقه السابق يعين جبناب القدس وامنا اورد اىل هذا العامل من غري اختيار منه فهذا املنتهى
له شركة صورية مع سائر املبتدئني يف االعراض عن جناب قدسه تعاىل وتقدس واالقبال
على اخللق ولكن ال مناسبة بينهما يف احلقيقة فان بني التعلق وعدم التعلق تفاوات فاحشا
(وايضا) االقبال على اخللق يف حق هذا املنتهى بال اختيار منه ال رغبة له فيه وامنا ذلك
لكون رضاء هللا تعاىل يف ذلك االقبال ويف حق املبتدئ ذايت ومع الرغبة له فيه وليس فيه
رضا احلق سبحانه و تعاىل (وفرق آخر) أن املبتدئ ميكن له االعراض عن اخللق واالقبال
على احلق تعاىل وتقدس وذلك حمال يف املنتهى فان دوام االقبال اىل اخللق الزم ملقامه
ومرتبته اال ان يتم أمر دعوته وارحتل من دار الفناء اىل دار البقاء فيكون نداء اللهم الرفيق
االعلي حينئذ نقد وقته وقد اختلف مشائخ الطريقة قدس هللا اسرارهم يف تعيني مقام
الدعوة فقال مجاعة منهم انه مقام اجلمع بني التوجه اىل اخللق والتوجه اىل احلق
واالختالف فيه مبين على االختالف يف االحوال واملقامات وقد اخرب كل شخص عن
مقامه واالمر عند هللا تعاىل وما قال سيد الطائفة جنيد رضي هللا تعاىل عنه من أن النهاية
هي الرجوع ا ىل البداية موافق ملقام الدعوة الذي حرر يف هذه املسودة فان الوجه والتوجه
يف البداية اىل اخللق ابلتمام (وحديث) تنام[ ]1عيناي وال ينام قليب الذي حررمتوه ليس فيه
اشارة اىل دوام احلضور بل هو اخبار عن عدم الغفلة عما جيري عليه و على امته عليه
الصالة و السالم وعما يصدر منه صلى هللا عليه وسلم من االحوال وهلذا مل يكن نومه
انقضا لو ضوئه عليه الصالة و السالم وملا كان النيب مثل الراعي يف حفظ امته مل تكن
الغفلة الئقة ملنصب نبوته (وحديث) يل[ ]2مع هللا وقت ال يسعين فيه ملك مقرب وال
نيب مرسل ميكن ان يكون اشارة اىل التجلي الربقي الذايت على تقدير صحته وايضا ان
هذا التجلي ليس مبستلزم للتوجه اىل جناب احلق سبحانه بل هو من ذلك اجلانب
( )1رواه أبو داود عن عائشة رضي هللا عنها وعن أبويها.
( )2يذكره الصوفية كثريا وهو يف الرسالة القشريية بلفظ يل وقت ال يسعين فيه غري ريب قلت يؤخذ منه أنه أراد ابمللك
املقرب جربيل وابلنيب املرسل نفسه اجلليلة وف يه امياء اىل مقام االستغراق املعرب عنه ابلسكر واحملو والفناء موضوعات
القاري.
- 179 -
االقدس ال صنع فيه للمتجلي له بل هو من قبيل سري املعشوق يف العاشق لشبع العاشق
من السري {شعر}:
[]1
ال الكون يف املرآة من حركاهتا * لكنها قبلت له لصفائها
وينبغي أن يعلم أن احلجب املرتفعة ال تعود على تقدير الرجوع بل مع وجود
ارتفاع احلجب يكون املنتهى مشغوال ابخللق الرتباط فالح اخللق به ومثل هؤالء االكابر
كمثل شخص له كمال التقرب من امللك حبيث ليس بينهما حائل ومانع أصال ال صورة
وال معن ومع ذلك شغله املل ك بقضاء حاجات أرابب احلوائج وخدماهتم وهذا فرق آخر
أيضا بني املبتدئ واملنتهى املرجوع فان املبتدئ حمجوب خبالف ذلك املنتهى و السالم
عليكم و على سائر مع اتبع اهلدى.
{املكتوب املائة اىل املال حسن الكشمريي أيضاً يف جواب سؤاله عن قول
الشيخ عبد الكرمي اليمين ان احلق سبحانه ليس بعامل الغيب}
قد شرفنا املكتوب بوصوله واتضح ما اندرج فيه أببوابه وفصوله وفروعه وأصوله ومما
اندرج فيه ان الشيخ[ ]2عبد ال كرمي اليمين قال ان هللا سبحانه ليس بعامل الغيب (ايها
املخدوم) ال طاقة للفقري ابستماع أمثال هذه الكلمات أصال ويتحرك عرقي الفاروقي من
استماعها بال اختيار حبيث ال يبقى جمال التأمل وفرصة التأويل والتوجيه سواء كان قائلها
الشيخ عبد ال كرمي اليمين أو الشيخ االكرب الشامي وامنا الالزم لنا اتباع كالم حممد العريب
عليه الصالة و السالم دون كالم حميي الدين بن العريب وصدر الدين القونوي وعبد
ال رزاق الكاشي حنن نتمسك ابلنصوص ال ابلفصوص وقد اغناان الفتوحات املدنية عن
الفتوحات املكية وقد وصف هللا سبحانه نفسه يف كالمه اجمليد بعامل الغيب واطلقه على
نفسه فنفي علم الغيب عنه تعاىل مستقبح ومستكره جدا بل هو تكذيب للحق سبحانه
( )1يعين االنتقاش واالنطباع يف املرآة ليست من حركات املرآة بل من صفائها والبيت فارسي االصل منه عفي عنه
( )2وهذا مسطور يف الرشحات عند ترمجة موالان حممد الروجي ابلتفصيل فراجعها منه عفي عنه
- 180 -
يف احلقيقة وارادة معن آخر من الغيب ال خيرج هذا الكالم من الشناعة كربت كلمة خترج
من افواههم (فيا ليت) شعري ما محلهم على التفوه ابمثال هذه الكلمات الصرحية يف
خالف الشريعة وابن املنصور معذور يف قوله اان احلق وكذلك البسطامي يف قوله سبحاين
لكوهنما مغلويب احلال واما امثال هذا الكالم فليست مببنية على غلبة االحوال بل هي
صادرة بعلم عن صاحبها ومستندة اىل التأويل فليست بقابلة للعذر وال يقبل يف هذا
املقام أتويل اصال وامنا يصرف عن الظاهر كالم السكارى ال غري فان كان مقصود املتكلم
من اظهار هذا الكالم مالمة اخللق اايه ونفرهتم عنه فهو ايضا مستكره ومستهجن فان
طرق حتصيل مالمة اخللق كثرية فاي ضرورة تدعو اىل ان يرتكب ما يوصل اىل حد الكفر
وحيث تكلمتم يف أتويل هذا الكالم واستفسرمت عنه فبحكم لكل سؤال جواب نتكلم يف
هذا الباب ابلضرورة وعلم الغيب عند هللا سبحانه وما قيل ان الغيب ال يكون إال معدوما
واملعدوم ال يكون معلوما فان العلم ال يتعلق ابملعدوم معناه ان الغيب ملا كان ابلنسبة اليه
سبحانه معدوما مطلقا وال شيئا حمضا ال معن لتعلق العلم به فان معلوميته خترجه عن
معدوميته املطلقة والالشيئية احملضة اال ترى أنه ال يقال ان احلق سبحانه عامل بشريكه فان
شريكه تعاىل وتقدس ليس مبوجود أصال بل هو ال شئ صرف نعم ميكن تصور مفهوم
الغيب والشريك ولكن الكالم ليس يف مفهومهما بل يف مصداقهما ومثل هذا حال مجيع
احملاالت فان مفهوماهتا ممكنة التصور ومصادقها ممتنعة التصور فان املعلومية خترج عن
االستحالة وال أقل من اعطائها الوجود الذهين واالعرتاض الذي أوردته على توجيه موالان
حممد الروجي صحيح فان نفي النسبة العلمية يف مرتبة االحدية اجملردة مستلزم لنفي مطلق
العلم وال وجه لتخصيص النفي بعلم الغيب واالشكال اآلخر على توجيه موالان ان النسبة
العلمية وان كانت منفية يف مرتبة االحدية اجملردة ولكن عامليته تعاىل قائمة على حاهلا فانه
تعاىل عامل ابلذات ال ابلصفات لكون الصفات منتفية يف تلك املرتبة اال ترى ان نفاة
الصفات رأسا يقولون ان احلق سبحانه عامل مع سلبهم الصفات عنه سبحانه و تعاىل
ويقولون ان االنكشاف الذي يرتتب على الصفات يرتتب على الذات وكذا هنا والتوجيه
- 181 -
الذي بينتموه من ارادة غيب الذات تعالت وتقدست ابلغيب وعدم جتويز تعلق العلم به
فان كان املراد ابلعلم علم الواجب تعاىل وتقدس فهو أقرب التوجيهات ولكن يف عدم
جواز تعلق علم الواجب تعاىل بذاته البحت سبحانه حبث للفقري فان الوجه الذي بينوه
يف عدم اجلواز هو اقتضاء حقيقة العلم الحاطة املعلوم والذات املطلقة تعالت متقضية
لعدم االحاطة فال جيتمعان يف هذا التعلق (وههنا) حمل خدشة فان هذا املعن يعين
اقتضاء حقيقة العلم الحاطة املعلوم امنا هو يف العلم احلصويل حلصول صورة املعلوم فيه يف
القوة العلمية واما يف العلم احلضوري فال يلزم هذا املعن أصال والعلم فيما حنن فيه
حضوري ال حصويل فال حمذور فان تعلق علم الواجب سبحانه بذاته تعاىل بطريق
احلضوري ال بطريق احلصول وهللا سبحانه أعلم حبقيقة احلال و صلى هللا على سيدان
حممد وآله الطاهرين وابرك وسلم و السالم أوال وآخرا.
{املكتوب احلادي و املائة اىل املال حسن الكشمريي ايضاً يف الرد على مجاعة
ضوا ألهل الكمال واطالوا اللسان يف حقه ابنواع املقال}
تعر ّ
أحسن هللا سبحانه حالكم واصلح ابلكم قد أوصل موالان حممد صديق املفاوضة
الشريفة محدا هلل سبحانه حيث مل تنسوا النائني املهجورين واخلطاابت اليت صدرت للنفس
حبسب الظاهر صارت واضحة يف اجلملة نعم كل اعرتاض على النفس مسلم وقت كوهنا
امارة واما بعد حصول االطمئنان هلا فال جمال لالعرتاض أصال فان النفس يف ذلك
املوطن راضية عن احلق واحلق سبحانه راض عنها فهي اذا مرضية ومقبولة وال اعرتاض
على املرضي املقب ول وكيف فان مرادها حينئذ مراد احلق سبحانه فان حصول هذه الدولة
امنا هو زمن التخلق ابخالق هللا تعاىل وساحة قدسه أعلى وأجل من اعرتاض امثالنا
وضيعي الفطرة وعدميي القدرة بل كلما نقول عائد الينا {شعر}:
من مل يكن عن نفسه ذا خربة * هل يقدر االخبار عن هذا وذا
ومن ج اهل يتصور النفس املطمئنة من كمال جهله امارة وجيري احكام االمارة
- 182 -
على املطمئنة كما زعم الكفار االشرار االنبياء عليهم الصالة و السالم مثل سائر البشر
وانكروا كماالت النبوة اعاذان هللا سبحانه من انكار هؤالء االكابر وانكار متبابعيهم
عليهم الصلوات والتحيات.
{امل كتوب الثاين واملائة اىل املال مظفر يف بيان أن احملرم يف القرض مع الفيض
يعين الراب جمموع املبلغ ال الزايدة فقط وما يتعلق بذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد قلتم يف ذلك اليوم أن الراب يف
القرض ابلفيض هو الفضل فقط واحملرم يف قرض عشرة دراهم ابثين عشر درمها هو
الدرمهان الزائدان على القرض وملا راجعت بعض الكتب الفقهية ظهر ان كل عقد فيه
فضل فهو راب يف الشريعة فيكون هذا العقد حمرما ابلضرورة وكلما يفضي اىل حتصيل احملرم
يكون حمرما فتكون الدراهم العشرة أيضا حمرمة وكان املقصود من ارسال كتاب جامع
الرموز ورواايت كتاب ابراهيم الشاهي اظهار هذا املعن وبقي صورة االحتياج (أيها
املخدوم) إن حرمة الراب اثبتة بنص قطعي شامل للمحتاج وغري احملتاج فاستثناء احملتاج من
هذا احلكم نسخ لذلك احلكم القطعي ورواية القنية ليست يف مرتبة تنسخ احلكم القطعي
وقد قال موالان مجال الالهوري الذي هو أعلم علماء الهور ان كثريا من رواية القنية ال
يستحق االعتماد عليه لكوهنا خمالفة لرواية الكتب املعتربة ولو سلم صحة هذه الرواية
ينبغي ان ينزل االحتياج اىل حالة االضطرار واملخمصة ليكون خمصص ذلك احلكم
القطعي قوله تعاىل فمن اضطر يف خممصة اآلية فانه مثله يف القوة {ع}:
و قاتل رستم امثال رستم
(وايضا لو) اخذ احملتاج أعم ينبغي أن يكون يف حمل ال يظهر فيه حكم حرمة الراب
واال فكل من يقبل اعطاء الزايدة امنا يقبله بعلة االحتياج البتة فانه ال يقدم أحد على
ضرر نفسه من غري احتياج فال يبقى هلذا احلكم املنزل من احلكيم احلميد مزيد فائدة
تعاىل كتابه العزيز من امثال هذا التوهم ولو سلم عموم االحتياج ولو على سبيل فرض
- 183 -
احملال فاقول ان االحتياج من مجلة الضرورات والضرورة تقدر بقدرها واطعام الطعام الناس
مما استقرض ابلفيض ليس بداخل يف االحتياج فانه ال تعلق للضرورة به وهلذا يستثن من
تركة امليت ما حيتاج اليه يف جتهيزه وقصروه يف الكفن والدفن ومل جيعلوا اطعام الطعام
لروحه داخال يف االحتياج مع أنه احوج اىل الصدقة يعين من الدفن والكفن فينبغي
املالحظة يف الصورة املتنازع فيها هل املستقرضون ابلفيض حمتاجون اوال و على تقدير
االحتياج هل حيل لغريهم االكل من الطعام الذي يطبخونه هلم من ذلك املبلغ او ال
وجعل الضيافة واجراء الرسم والعادة حيلة االحيتاج والقرض ابلفيض هبذه العلة واعتقاد
ذلك جائزا وحالال بعيد عن التدين والداينة ينبغي رعاية االمر ابملعروف والنهي عن
املنكر ومنع مجاعة ابتلوا هبذا البال ء وتنبيههم على عدم صدق هذه احليلة وعدم جوزاها
وكيف ينبغي لالنسان اختيار هذا القسم من االبتالء ابرتكاب حمظور فان اسباب املعاش
كثرية ليست مبحصورة على شئ واحد وحيث انكم من أهل الصالح والتقوى ارسلنا
لكم رواية الطيب يف االكل وكتبتم ان اخلايل عن الشبهة ال يوجد يف هذا الزمان فهذا
الكالم صحيح ولكن ينبغي االحرتاز من الشبهة مهما امكن وقد قيل ان الزراعة بال
طهارة منافية للطيب واالجتناب عن ذلك غري ممكن يف بالد اهلند ال يكلف هللا نفسا إال
وسعها ولكن ترك أكل طعم الراب يف غاية السهولة واعتقاد احلالل حالال واحلرام حراما امنا
هو يف احلالل واحلرام القطعيني الذين يكفر جاحدمها ويف الظنيات ليس كذلك وكم من
امور مباحة عند احلنفية غري مباحة عند الشافعية وابلعكس ففيما حنن فيه اذا توقف
شخص يف حلية القرض ابلفيض ملن يشك يف احتياجه لكونه خمالفا يف الظاهر حكم
النص القطعي ال ينبغي تضليله وتكليفه ابعتقاد حليته بل الراجح أن الصواب يف جانبه
بل هذا متيقن وخمالفه يف خطر (ونقل) بعض أصحابكم ان موالان عبد الفتاح قال يوما
يف حضوركم لو وجد قرض بال فيض فهو حسن فلماذا يستقرض االنسان ابلفيض
فزجرمتوه قائال ال تنكر احلالل (أيها املخدوم) ان امثال هذه الكلمات هلا مساغ وجمال يف
احلالل القطعي وأما ان كان مشكوكا يف حليته فال شك أن تركه أوىل وأهل الورع ال
- 184 -
أيمرون ابلرخصة بل يدلون على العزمية وقد افيت علماء الهور ابحللية بعلة االحتياج وذيل
االحتياج واسع حبيث لو مد ال يبقى راب اصال و يكون احلكم القطعي حبرمة الراب عبثا
كما سبق آنفا وكان ينبغي هلم مالحظة أن اطعام الغري أي قسم هو من احتياج
املستقرض ابلفيض ورواية القنية جموزة لالستقراض ابلفيض بعد اللّتَ يّا واليت يف حق احملتاج
نفسه فقط ال يف حق الغري فان قيل جيوز أن يطبخ احملتاج هذا الطعام لالطعام بنية كفارة
اليمني أو الظهار او غريمها وال شك أنه حمتاج اىل اداء هذه الكفارات (اقول) اذا مل يكن
فيه استطاعة االطعام يصوم هلا ال انه يستقرض ابلفيض ويكفر عنها وكلما يظهر من
أقسام االحتياج من هذا القبيل يندفع أبدىن أتمل وتوجه بربكة التقوى ومن يتق هللا جيعل
له خمرجا ويرزقه من حيث ال حيتسب والزايدة على ذلك اطناب و السالم عليكم و على
من اتبع اهلدى.
{املكتوب الثالث واملائة اىل السيد فريد يف بيان معىن العافية وطلب القاضي
لبلد سرهند}
رزقنا هللا سبحانه واايكم العافية واملراد ابلعافية املطلوبة ما كان واحد من االعزة
يدعو هللا سبحانه دائما ويتمين منه هظ عز و جل عافية يوم واحد فسئله شخص أن
مجيع هذه االوقات اليت متر عليك اليست متر عليك على عافية قال بل أريد أن مير علي
يوم ال ارتكب فيه معصية من معاصي هللا تعاىل من الفجر اىل املغرب وقد مضت مدة
وليس يف سرهند قاض ويقع اجراء بعض االحكام الشرعية هبذا السبب يف التوقف مثال
أن يل ابن اخ وبقي له مرياث من ابويه وليس له وصي والتصرف يف ذلك املال بال اذن
شرعي غري جائز فان كان هنا قاض المكن التصرف فيه ابذنه.
للعبد من الرضا بفعل احلق سبحانه و تعاىل فاان مل خنلق للبقاء يف الدنيا بل للعمل فينبغي
السعي يف العمل فان ذهب املرحوم بعمله ال ضري فيه بل هو ملك املوت جسر يوصل
احلبيب اىل احلبيب اثبت يف شأنه ليست املصيبة للفوت بل حلال القادم اىل احلبيب أنه
كيف يعامل به فينبغي االمداد ابلدعاء واالستغفار والتصدق قال رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم ما امليت اال كالغريق املتغوث ينتظر دعوة تلحقه من أب او ام أو اخ أو
صديق فاذا حلقته كان أحب اليه من الدنيا وما فيها وان هللا تعاىل ليدخل على أهل
القبور من دعاء أهل االرض امثال اجلبال من الرمحة وأن هدية االحياء اىل االموات
استغفار هلم وبلغ املكتوب الشريف واهلواء البارد شديد على الفقراء جدا واال ما كنت
أأتخر وكتب التفويض مؤكدا ينفع ان شاء هللا تعاىل والزايدة على ذلك تصديع والدعوات
الكثرية مبذولة للقاضي حسن وسائر االعزة وليكونوا راضني بفعل احلق سبحانه وشاكرين
عليه تعاىل يف مجيع األمور.
{املكتوب اخلامس و املائة اىل احلكيم عبد القادر يف بيان ان املريض ما مل
يصح و مل يربأ ال ينفعه غذاء أصال و ما يناسبه}
قد تقرر عند احلكماء ان املريض مادام مريضا ال ينفعه غذاء أصال ولو كان من
أعز االكل وأحسنه بل هو مقو ملرضه {ع}:
االكل ما انل العليل عليل
فيشتغلون اوال بفكر ازالة مرضه مث جيتهدون يف حتصيل القوة ابغذية مناسبة ملزاجه
وحاله ابلتدريج فكذلك االنسان مادام مبتال مبرض القلب كما قال تعاىل يف قلوهبم مرض
ال تنفعه عبادة وطاعة أصال بل هي مضرة له رب اتل للقرآن والقرآن يلعنه حديث
معروف ورب صائم ليس من صيامه اال اجلوع والظمأ خرب صحيح فاطباء القلوب ايضا
أيمرون اوال ابزالة املرض وذلك املرض عبارة عن تعلق القلب بغري احلق سبحانه و تعاىل
بل هو تعلق االنسان بنفسه فان االنسان كلما حيبه ويطلبه امنا حيبه ويطلبه لنفسه فان
- 186 -
احب اوالده حيبهم لنفسه وكذلك االموال والرايسة واجلاه فمعبوده يف احلقيقة هو نفسه
فما دام االنسان مل يتخلص من هذا التعلق واالرتباط ال وجه لرجاء النجاة ففكر ازالة
هذا املرض الزم للعلماء أويل االلباب واحلكماء ذوي االبصار {ع}:
و يكفي من له فهم اشارة
{املكتوب السادس واملائة اىل حممد صادق الكشمريي يف بيان ان حمبة هذه
الطائفة املتفرعة على معرفتهم من اجل نعم هللا جل شأنه}
قد وصل املكتوب املرغوب املنبئ عن فرط احملبة وكمال املودة هلل سبحانه املنة على
ذلك فان حمبة هذه الطائفة اليت هي متفرعة على معرفتهم من أجل نعم هللا سبحانه واي
سعادة من يتشرف هبا قال شيخ االسالم اهلروي قدس سره اهلي ما هذا الذي جعلت
اولياءك على وجه من عرفهم وجدك وما مل جيدك مل يعرفهم وبغض هذه الطائفة سم قاتل
والطعن فيهم موجب للحرمان االبدي جناان هللا سبحانه واايكم من هذا االبتالء وقال
شيخ االسالم ايضا اهلي كل من اردت سقوطه فأسقطه علينا يعين اوقعه بغيبتنا ومالمتنا
{شعر}:
من مل يعنه مهمني وخواصه * االمر يف خطر ولو هو من ملك
وهذه االانبة اليت انعم هللا عليكم بتجديدها ينبغي لك ان تعتقدها نعمة عظيمة
وان نسئل هللا سبحانه االستقامة عليها و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة
املصطفى عليه و على آله الصلوات و التسليمات.
{املكتوب السابع واملائة اىل حممد صادق الكشمريي ايضاً يف اجوبة اسئلته
اليت كتبها اليه وفيه فوائد ضرورية انفعة يف التسليم هلذه الطائفة}
اسعدان هللا سبحانه بسعادة االميان هبذه الطائفة قد وصل الكتاب الذي ارسلته
- 187 -
مشتمال على اسئلة والسؤال الذي فيه رائحة التعنت والتعصب وان كان ال يستحق
اجلواب ولكن نتصدى على جوابه على سبيل التنزل فان مل ينفع شخصا لعله ينفع آخر
(السؤال االول) ما السبب يف كثرة ظهور الكرامات وخوارق العادات من االولياء
املتقدمني وقلة ظهورها من اكابر هذا الزمان فان كان املقصود من هذا السؤال نفي اكابر
هذا الزمان بواسطة قلة ظهور اخلوارق منهم كما هو املفهوم من فحوى العبارة فالعياذ ابهلل
سبحانه من تسويالت الشيطان فان ظهور اخلوارق ليس من اركان الوالية وال من
شرائطها خبالف املعجزة من النيب عليه الصالة و السالم فاهنا من شرائط مقام النبوة ومع
ذلك ان ظهور اخلوارق من اولياء هللا تعاىل شائع ذائع قلما يتخلف عنهم ولكن كثرة
ظهور اخلوارق ال تدل على االفضلية فان التفاضل هناك ابعتبار درجات القرب االهلي
جل سلطانه بل ميكن ان يكون ظهور اخلوارق من الويل االقرب اقل ومن االبعد اكثر اال
ترى ان اخلوارق اليت ظهرت من بعض أولياء هذه االمة مل يظهر عشر عشريه من
االصحاب الكرام رضوان هللا عليهم امجعني مع ان أفضل االولياء ال يبلغ مرتبة ادىن
الصحابة فالنظر اىل ظهور اخلوارق من قصور النظر ودليل على قصور االستعداد
التقليدي واملستحق لقبول فيوض النبوة والوالية مجاعة غلب فيهم االستعداد التقليدي
على قوهتم النظرية والصديق االكرب رضي هللا عنه بواسطة قوة استعداده التقليدي مل حيتج
يف تصديق النيب عليه و على آله الصالة و السالم اىل قول ملَ اصال وابو جهل اللعني
ب واسطة قصور هذا االستعداد فيه مل يتشرف بتصديق النبوة مع وجود ظهور آايت ابهرة
ومعجزات قاهرة وقال هللا يف شأن هؤالء املنكرين احملرومني وان يروا كل آية ال يؤمنوا هبا
حت اذا جاؤك جياد لونك يقول الذين كفروا ان هذا اال اساطري االولني على اان نقول ان
ظهور اخلوارق مل ينقل من اكثر املتقدمني يف طول عمرهم ازيد من مخسة أو ستة خوارق
حت ان اجلنيد سيد هذه الطائفة مل يدر هل نقل عنه عشرة خوارق اوالولقد اخرب هللا
سبحانه عن حال كليمه على نبينا وعليه الصالة و السالم بقوله عز من قائل ولقد آتينا
موسى تسع آايت بينات ومن اين يعلم عدم ظهور امثال هذه اخلوارق من مشائخ هذا
- 188 -
الوقت بل الولياء هللا تعاىل متقدميهم ومتأخريهم يف كل ساعة ظهور خوارق يعرفها
املدعي أم ال {شعر}:
ضر مشس الضحى يف االفق طالعة * أن ال يرى ضوءها من ليس ذا بصر
ما ّ
(والثاين) أنه هل يكون اللقاء الشيطان دخل يف كشف الطالبني الصادقني
وشهودهم فان كان فبما ذا يعلم ويتضح أنه كشف شيطاين وان مل يكن فما السبب يف
وجود الغلط يف بعض االمور امللهمة (واجلواب) هللا أعلم ابلصواب ال أحد حمفوظ من
القاء الشيطان كيف واذا كان ذلك متصورا يف االنبياء بل متحققا فبالطريق األوىل ان
يكون يف االولياء ومن هو الطالب الصادق بعد غاية ما يف الباب ان االنبياء ينبهون على
هذا االلقاء ومييز الباطل من احلق قوله تعاىل فينسخ هللا ما يلقي الشيطان مث حيكم هللا
آايته تنبيه دال على هذا املعن وليس هذا التنبيه بالزم يف االولياء فاهنم اتبعون للنيب
فكلما وجدوه على خالف ما جاء به النيب يردونه ويرون بطالنه واما يف صورة سكتت
عنها الشريعة ومل حتكم ابثباهتا ونفيها فامتياز احلق عن الباطل فيها بطريق القطع مشكل
فان االهلام ظين ولكن ال يتطرق القصور اىل الوالية بسبب عدم ذلك االمتياز اصال فان
اتيان احكام الشريعة ومتابعة النيب متكفل بنجاة الدارين واالمر املسكوت عنه زائد على
الشريعة وحنن مل نكلف ابالمور الزائدة (ومما ينبغي) ان يعلم ان الغلط يف الكشف غري
منحصر يف القاء شيطاين فانه رمبا يتخيل احكام غري صادقة يف القوة املتخيلة ال مدخل
للشيطان فيها اصال ومن هذا القبيل رؤية النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف املنام واالخذ عنه
بعض االحكام مما احلق يف احلقيقة خالف تلك االحكام واحلال ان القاء الشيطان غري
متصور يف تلك الصورة فان خمتار العلماء ان الشيطان ال يتمثل بصورة خري البشر عليه و
على آله الصالة و السالم على اي صورة يرى فليس يف تلك الصورة اال تصرف املتخيلة
ابلقاء غري الواقعي واقعيا (والثالث) ان التصرف بطريق الكرامة والتصرف بطريق
االستدراج متساواين يف ابدي النظر فكيف يعرف املبتدي ان هذا ويل صاحب كرامة
وذاك مدع كذاب صاحب استدراج (اجلواب) وهللا اعلم ابلصواب ان الدليل يف هذه
- 189 -
التفرقة واضح للطالب املبتدئ وهو وجدانه الصحيح فانه ان وجد قلبه مائال ومنجذاب اىل
احلق سبحانه وحاضرا معه تعاىل يف صحبته فليعلم انه ويل صاحب كرامة وان وجد
خالف ذلك فليتيقن انه مدع كذاب صاحب استدراج فان كان يف ذلك خفاء فامنا هو
ابلنسبة اىل العوام كاالنعام دون الطالبني واخلفاء على العوام ساقط عن حيز االعتبار عند
اخلواص فان منشأه مرض القلب وغشاوة البصر وكم من شئ خفيت على العوام علمها
أشد ضرورة من ادراك هذه التفرقة (ولنختم) هذا املكتوب ببعض املعارف الذي ينفعك
يف ازالة مثل هذه الشكوك والشبهات (اعلم) ان التخلق ابخالق هللا الذي هو مأخوذ يف
الوالية يعين داخل فيها هو ان حيصل لالولياء صفات مناسبة لصفات الواجب تعاىل
ولكن تكون املناسبة يف االسم واملشاركة يف عموم الصفات ال يف خواص املعاين فان ذلك
حمال ومستلزم لقلب احلقائق (قال) اخلواجه حممد اپرسا قدس سره يف حتقيقاته يف مقام
بيان ختلقوا أبخالق هللا (والصفة األخرى امللك) ومعن امللك املتصرف على الكل
والسالك ان كان متصرفا يف نفسه وقادرا على قهرها وكان تصرفه انفذا يف القلوب يكون
موصوفا هبذه الصفة (والصفة االخرى) السميع فان مسع السالك الكالم احلق وقبله من
كل احد من غري استنكاف وفهم االسرار الغيبية واحلقائق الالريبية بسمع روحه يكون
موصوفا هبذه الصفة (والصفة األخرى البصري) فان كان بصر بصرية سالك الطريق بصريا
ورأى مجيع عيوب نفسه بنور الفراسة وشاهد كمال غريه يعين اعتقد ان كل احد افضل
منه وكان كون احلق سبحانه بصريا منظورا يف نظره حبيث يعمل كلما يعمله على وجه
يكون موجبا لقبول احلق سبحانه يكون موصوفا هبذه الصفة (والصفة االخرى) احمليي فان
قام سالك الطريق ابحياء السنة املرتوكة يكون موصوفا هبذه الصفة (والصفة االخرى)
املميت فان منع السالك البدعات اليت استعملوها مكان السنة يكون موصوفا هبذه
الصفة و على هذا القياس سائر الصفات وفهم العوام يف معن ختلقوا ابخالق هللا شيئا
آخر فال جرم وقعوا يف تيه الضاللة وزعموا ان الويل ال بد له من إحياء جسد امليت وان
ينكشف له اكثر املغيبات وامثال ذلك وهو كما ترى من الظنون الفاسدة ان بعض الظن
- 190 -
امث (وايضا) ان اخلوارق غري منحصرة يف االحياء واالماتة فان العلوم واملعارف االهلامية من
اعظم اآلايت وارفع اخلوارق وهلذا كان معجزة القرآن العظيم اقوى وابقى من سائر
املعجزات (ينبغي) ان ميعن النظر من اين حتصل هذه العلوم واملعارف اليت تفاض كمطر
الربيع وهذه العلوم مع كثرهتا موافقة للعلوم الشرعية ابلتمام ال خمالفة بينهما مقدار شعرة
وهذه اخلصوصية عالمة صحة العلوم وقد كتب حضرة شيخنا قدس سره ان علومك كلها
صحيحة ولكن ما الفائدة فان كالم حضرة شيخنا ال يكون حجة عليكم وان زعمتم
انكم منقادون اىل الشيخ وماذا نكتب أزيد من ذلك واسئلتك هذه وان كانت ثقيلة اوال
ولكن ملا كانت ابعثة على ظهور هذه العلوم واملعارف كانت حسنة يف اآلخر {شعر}:
در و
هيچ زشت نيست كورا خوبئى مهراه نيست * زنگى شب رنگ را دندان جو ّ
گوهرست
{ترمجة}
وما من قبيح ليس فيه مالحة * امل تر سن الزنج كالشهب يف الدجى
والعجب انك أظهرت يف املكتوب السابق اخالصا كثريا وزعمت ان سببه ظهور
واقعتني متعاقبتني وكتبت ان اثرمها يوجد يف االقامة ايضا على حد حتققت الندامة على
الوضع السابق ابلتمام واجلأات اىل التوبة واالانبة وجتديد االميان ومل ميض على ذلك شهر
واحد حت فهم منك التغري عن هذا الوضع وحصل االنتقال والتحول اىل الوضع السابق
برجوع القهقري حت صرت يف أبدأ وجه هلاتني الواقعتني ينجر اىل اهنما كانتا ابلقاء
الشيطان أو بغلط الكشف فما ذاك وما هذا {شعر}:
تقول فالن يفعل الشر قلت ال * يضر علينا بل عليه وابله
و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و
التسليمات.
- 191 -
{ املكتوب الثامن واملائة اىل السيد أمحد يف بيان ان النبوة افضل من الوالية
على عكس ما قيل ان الوالية أفضل من النبوة}
ثبتنا هللا سبحانه واايكم ومجيع املسلمني على متابعة سيد املرسلني عليه و على آله
من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها قال بعض املشائخ وقت السكر ان الوالية
افضل من النبوة وأراد بعضهم هبذه الوالية والية النيب لريتفع وهم أفضلية الويل من النيب
ولكن األمر على العكس يف احلقيقة فان نبوة نيب أفضل من واليته ويف الوالية امنا ال
ميكن التوجه اىل اخللق من ضيق الصدر ويف النبوة متام انشراح الصدر حبيث ال يكون
التوجه اىل احلق مانعا من التوجه اىل اخللق وال التوجه اىل اخللق مانعا من التوجه اىل احلق
سبحانه وليس التوجه يف النبوة اىل اخللق فقط حت ترتجح الوالية بسببه عليها لكون
التوجه فيها اىل احلق عياذا ابهلل سبحانه من هذا الكالم فان التوجه اىل اخللق وحده مرتبة
العوام كاالنعام وشأن النبوة أعلى وأجل من ذلك وفهم هذا املعن ان كان عسريا فامنا هو
ابلنسبة اىل أرابب السكر واما االكابر مستقيموا االحوال فهم ممتازون مبعرفة ذلك {ع}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها
وبقية املقصود ان الشيخ ميان عبد هللا ابن الشيخ ميان عبد الرحيم له قرابة قريبة
هلذا الفقري وكان والده مالزما لبهادرخان مدة كثرية وله احتياج وهو معذور عاجز عن
الكسب لكونه ضريرا وقد أرسل ابنه ليكون عند هبادرخان فان صدرت من ذلك اجلانب
ايضا اشارة يف هذا الباب لكان حسنا و السالم.
{املكتوب التاسع واملائة اىل احلكيم صدر يف بيان سالمة القلب ونسيانه ما
دون احلق سبحانه}
اعلم ان أهل هللا اطباء االمراض القلبية وازالة العلل الباطنية منوطة بتوجه هؤالء
االكابر كالمهم دواء ونظرهم شفاء هم قوم ال يشقى جليسهم وهم جلساء هللا هبم
ميطرون وهبم يرزقون ورأس االمراض القلبية ورئيس العلل الباطنية هو تعلق القلب وارتباطه
- 192 -
مبا دون احلق سبحانه و تعاىل وما مل يتيسر التخلص من هذا التعلق ابلتمام فالسالمة
حمال فانه ال جمال للشركة يف جناب احلق جل سلطانه اال هلل الدين اخلالص فكيف اذا
جعل الشريك غالبا وجعل حمبة غري احلق غالبة على حمبته تعاىل على هنج تكون حمبته
تعاىل معدومة يف جنبها أو مغلوبة غاية الوقاحة وهناية عدم احلياء ولعل املراد من احلياء يف
قوله عليه السالم احلياء من االميان هو هذا احلياء وعالمة عدم تعلق القلب مبا سواه
تعاىل نسيانه اايه ابلكلية وذهوله عنه مجلة على وجه لو كلف بتذكر االشياء ملا تذكر
فكيف يكون لتعلق القلب ابالشياء جمال يف ذلك املوطن وهذه احلالة معربة عنها عند
أهل هللا ابلفناء وهو أول قدم يوضع يف الطريقة ومبدأ ظهور أنوار القدم ومنشأ ورود
املعارف واحلكم وبدوهنا خرط القتاد.
{املكتوب العاشر واملائة اىل الشيخ صدر الدين يف بيان أن املقصود من خلق
االنسان اداء وظائف السلوك وكمال االقبال على جناب احلق سبحانه وتعاىل}
بلغكم هللا سبحانه و تعاىل اىل منتهى هناية أرابب الكمال واعلم ان املقصود من
خلق االنسان هو اداء وظائف العبودية ودوام االقبال على جناب احلق سبحانه وهذا
املعن ال يتيسر بدون التحقق بكمال اتباع سيد االولني واآلخرين عليه من الصلوات
اكلمها ومن التحيات امينها ظاهرا وابطنا رزقنا هللا سبحانه واايكم كمال متابعته صلّى هللا
عليه و سلّم قوال وفعال ظاهرا وابطنا عمال واعتقادا آمني اي رب العاملني {شعر}:
وما اختذوا غري اآلله فباطل * فتعسا ملن خيتار ما كان ابطال
وكلما هو مطلوب غري احلق سبحانه ومقصود فهو معبود وامنا حتصل النجاة من
عبادة غري احلق سبحانه اذا مل يبق غري احلق مقصود جل وعال وان كان ذلك الغري من
املقاصد االخروية وتنعمات اجلنة فان املقاصد األخروية وان كانت من احلسنات لكنها
عند املقربني من مجلة السيئآت فاذا كان حال أمور اآلخرة على هذا املنوال ما تقول يف
األمور الدنياوية فان الدنيا مبغوضة احلق سبحانه حبيث مل ينظر اليها منذ خلقها وحبها
- 193 -
رأس كل خطيئة وطالهبا مستحقون للطرد واللعن الدنيا[ ]1ملعونة وملعون ما فيها اال ذكر
هللا تعاىل جن اان هللا تعاىل من شرها وشر ما فيها حبرمة حبيبه حممد سيد األولني واآلخرين
عليه الصالة و السالم.
{املكتوب احلادي عشر واملائة اىل الشيخ أمحد السنبهلي يف بيان أن التوحيد
عبارة عن ختليص القلب عما دون احلق سبحانه و تعاىل وما يناسبه}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (اعلم) ان التوحيد عبارة عن ختليص
القلب عن التوجه اىل ما دون احلق سبحانه وما دام القلب متعلقا مبا سواه تعاىل وان كان
أقل قليل ال يكون صاحبه من أرابب التوحيد وجمرد قول التوحيد واعتقاد التوحيد من
الفضول عند أرابب الفضائل نعم البد من القول ابلتوحيد واعتقاد التوحيد الذي هو
معترب يف التصديق واالميان لكنه مبعن آخر والفرق بني ال معبود اال هللا وبني ال موجود اال
هللا بني وتصديق االميان علمي واالدراك الوجداين حالة والتكلم به قبل حصول احلال
حم ظور وتكلم طائفة من املشائخ يف هذا الباب ال خيلو عن أحد أمرين إما أهنم يف ذلك
معذورون لكوهنم حتت غلبة احلال مستورين او كان مقصودهم من كتابة األحوال
واظهارها كوهنا حمطا ومعيارا الحوال غريهم ليعرفوا هبا استقامة أحواهلم واعوجاجها واال
فافشاء االسرار بدون حصول هذه الدولة ممنوع جعل هللا سبحانه نبذة من أحوال أرابب
الكمال نصيبا المثالنا ورزقنا االستقامة على متابعة السنة السنية املصطفوية على مصدرها
الصلوة و السالم والتحية حبرمة النيب وآله االجماد عليه وعليهم الصلوات و التسليمات
وبقية التصديع ان حامل رقيمة الدعاء الشيخ احلافظ ميان عبد الفتاح من اوالد الكبار
( )1اخرجه الرتمذي وحسنه وابن ماجة عن ايب هريرة وزاد وما وااله وعامل او متعلم و أخرجه ابو نعيم والضياء املقدسي
من حديث جابر بلفظ اال ما كان منها هلل عز وجل واسناده حسن واالول رواه الطرباين ايضا من حديث ابن مسعود
ولفظه عاملا او متعلما و رواه بزار ايضا من هذا الطريق بلفظ اال أمرا مبعروف او هنيا عن منكر وذكر هللا و رواه الطرباين
يف الكبري من حديث ايب الدرداء بلفظ اال ما ابتغي به وجه هللا قال املنذري اسناده ال أبس به من شرح االحياء
خمتصرا.
- 194 -
وكثري العيال خصوصا البنات واضطرته قلة اسباب املعيشة اىل أن يوصل نفسه اىل ابب
الكرام واملرجو وصوله اىل ما قصده ورام يعين بيمن التفاتكم اخلاص به والعام والزايدة عن
ذلك تصديع.
{املكتوب الثاين عشر واملائة اىل الشيخ عبد اجلليل يف بيان أن املدار يف
التحقيق على عقائد أهل السنة واجلماعة اخل}
حققنا هللا سبحانه و تعاىل شأنه وأمثالنا املفلسني حبقيقة معتقدات أهل احلق يعين
أهل السنة واجلماعة وجعل التوفيق لالعمال املرضية نقد الوقت وانعم علينا ابالحوال اليت
هي مثرات هذه االعمال وجذبه اىل جناب قدسه ابلتمام والكمال {ع}:
هذا هو االمر والباقي من العبث
فان االحوال واملواجيد احلاصلة بدون التحقق مبعتقدات هذه الفرقة الناجية ال
اعدها شيئا سوى االستدراج وما اظنها غري اخلذالن واحلرمان فان اعطينا مع دولة االتباع
هلذه الفرقة الناجية شيئا نكن ممنونني وجنتهد يف اداء شكره وان اعطينا هذا االتباع فقط
ومل نعط االحوال واملواجيد أصال ال نغتم وال حنزن بل نرضى به ونقول هذا أوىل وأحسن
وما ظهر من بعض املشائخ قدس هللا ارواحهم وقت غلبة احلال والسكر من بعض العلوم
واملعارف املنافية آلراء أهل احلق الصائبة ملا كان منشؤها كشفا فهم معذورن يف ذلك
ونرجو أن ال يؤاخذوا بذلك يوم القيامة بل هلم حكم اجملتهد املخطئ فيكون له اجر واحد
و احلق يف جانب علماء أهل احلق شكر هللا سعيهم فان علوم العلماء مقتسبة من
مشكاة النبوة على صاحبها الصالة و السالم والتحية املؤيدة ابلوحي القطعي ومستند
معارف الصوفية الكشف واالهلام اللذان للخطأ سبيل فيهما وعالمة صحة الكشف
واالهلام مطابقتهما بعلوم علماء أهل السنة واجلماعة فان وقعت املخالفة ولو مقدار شعرة
فخارج من دائرة الصواب هذا هو العلم الصحيح واحلق الصريح فماذا بعد احلق اال
الضالل رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة على متابعة سيد املرسلني ظاهرا وابطنا عمال
- 195 -
واعتقادا عليه و على آله من الصلوات أكملها ومن التسليمات أفضلها و السالم عليكم
و على من اتبع اهلدى.
{املكتوب الثالث عشر واملائة اىل مجال الدين حسني يف بيان الفرق بني جذبة
املبتدئ وبني جذبة املنتهى وان مشهود اجملذوبني يف االبتداء ليس االّ الروح اليت هي
فوق مقام القلب واهنم يتخيلون ان ذلك الشهود شهود احلق سبحانه}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان االجنذاب واالجنرار ال يكون
اال اىل مقام هو فوق مقام السالك ال اىل ما فوق فوق مقامه وكذا احلال يف الشهود
وحنوه فليس لللمجذوبني الذين ال سلوك هلم بعد بل هلم يف مقام القلب اجنذاب اىل مقام
الروح الذي فوق مقام القلب واالجنذاب االهلي امنا هو يف جذبة املنتهى اليت ال مقام
فوقها وأما جذبة البداية فليس املشهود فيها اال الروح املنفوخ يعين يف آدم عليه السالم
وملا كانت الروح خملوقة على صورة اصله ان هللا خلق آدم على صورته اعتقدوا شهود
الروح شهود احلق تعاىل وتقدس وحيث كانت للروح مناسبة قليلة مع عامل االجسام
اطلقوا على ذلك الشهود احياان شهود االحدية يف الكثرة واحياان قالوا ابملعية وشهود
احلق جل وعال ال يتصور بدون حصول الفناء املطلق الذي يتحقق يف هناية السلوك
{شعر}:
ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل
وليس هلذا الشهود مساس ابلعلم أصال والفرق بني الشهودين أنه لو كانت له
مناسبة ابلعامل بوجه من الوجوه فليس هو شهود احلق سبحانه فان انتفت املناسبة أصال
فهو عالمة الشهود االهلي جل وعال واطالق الشهود هنا امنا هو بواسطة ضيق العبارة
واال فالنسبة ال مثلية وال كيفية كاملنتسب اليه ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه.
{املكتوب الرابع عشر و املائة اىل الصويف قرابن يف التحريض على متابعة سيد
- 196 -
فرأس مجيع السعادات وأصلها متابعة السنة وهيوىل مجيع الفسادات ومادهتا خمالفة
الشريعة ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعة سيد املرسلني عليه و على آله الصلوات و
التسليمات و السالم.
{املكتوب اخلامس عشر واملائة اىل الشيخ عبد احلق الدهلوي يف بيان ان
الطريق الذي حنن يف صدد قطعه كله سبعة اقدام}.
{املكتوب السادس عشر واملائة اىل املال عبد الواحد الالهوري يف بيان أن
سالمة القلب موقوفه على نسيان ما سواه تعاىل وزواله من القلب ابلكلية ويف املنع
من كثرة االشتغال ابلدنيا الدنية لئال حتصل الرغبة فيها}
وصل مكتوبكم املرغوب واتضح ما اندرج فيه من بيان سالمة القلب نعم ان
سالمة القلب موقوفة على نسيان الغري وزواله من القلب على حد لو كلف تذكره ال
يتذكر فعلى هذا التقدير ال معن خلطور الغري وهذه احلالة معرب عنها بفناء القلب واول
- 198 -
قدم توضع يف هذا الطريق ومبشرة بكماالت مراتب الوالية على تفاوت درجات
االستعدادات (ينبغي) للعاقل ان يكون عايل اهلمة وان ال يقنع ابجلوز واملوز ان[ ]1هللا
حيب معايل اهلمم ويف كثرة االشتغال ابمور دنياوية خوف الرغبة يف هذه االمور الدنية وال
تغرت هبذا القدر من سالمة القلب فان للرجوع امكاان فال ينبغي االقدام على االشغاالت
الدنيوية مهما امكن لئال تظهر الرغبة فيها فتقع يف اخلسارة عياذا ابهلل سبحانه الكناسة
يف الفقر أفضل من القعود يف صدر اجمللس يف الغن ينبغي صرف مجيع اهلمة يف ان خيتار
معيشة اايم يف الفقر واليأس فر من الغن واراببه اكثر مما تفر من االسد و السالم.
{املكتوب السابع عشر واملائة اىل املال ايرحممد البدخشي القدمي يف ان القلب
اتبع للحس يف االبتداء وال تبقى تلك التبعية يف االنتهاء}.
لعل موالان ايرحممد مل ينس ان القلب اتبع للحس مدة فال جرم كلما هو بعيد عن
احلس يكون بعيدا عن القلب وحديث من مل ميلك عينه فليس القلب عنده وارد يف هذا
املرتبة فاذا مل تبق تبعية القلب للحس يف هناية االمر ال يؤثر بعد الشئ عن احلس يف بعده
عن القلب بل يكون الشئ قريبا حبسب القلب وان كان بعيدا حبسب احلس وهلذا مل جيوز
مشائخ الطريقة مفارقة املبتدئ واملتوسط صحبة الشيخ الكامل املكمل وابجلملة حبكم ما
ال يدرك كله ال يرتك كله ينبغي ان تكون على هذا الطريق وان جتتنب عن صحبة غري
اجل نس على ابلغ الوجوه وان تغتنم صحبة الشيخ ميان مزمل معتقدا قدومه مقدمة
السعادة وكن يف صحبته يف اكثر االوقات فانه عزيز الوجود جدا و السالم.
(( )1قوله ان هللا حيب احلديث) اورده السيوطي يف اجلامع الكبري عن ابن حبان والطرباين واخلرائطي وابن عساكر
والضياء املقدسي عن سهل بن سعد بلفظ ان هللا حيب مكارم االخالق ويكره سفسافها واخلرائطي ايضا عن طلحة بن
عبيد بن كريز والبيهقي يف الشعب والطرباين يف الكبري واالوسط بلفظ ان هللا حيب معايل االمور اخل واحلاكم عن طلحة
بن عبيد هللا بن كريز اخلزاعي ان رسول هللا قال ان هللا كرمي حيب الكرم ومعايل االمور ويبغض او قال يكره سفسافها
وذكر يف انيس الغرابء بلفظ ان هللا حيب معايل اهلمم ويبغض سفسافها ومل يذكر له خمرجا وال راواي وهللا اعلم.
- 199 -
{املكتوب الثامن عشر واملائة اىل املال قاسم علي البدخشي يف بيان خسارة
مجاعة يعرتضون على أهل هللا}
قد وصل الكتاب الذي ارسله حمبنا موالان القاسم علي واتضح مضمونه قال هللا
تعاىل من عمل صاحلا فلنفسه ومن اساء فعليها وقال اخلواجه عبد هللا االنصاري اهلي اذا
اردت أن هتلك احدا فاطرحه علينا {شعر}:
اخاف على قوم من القوم يضحكو * ن ان يسلب االميان عنهم ويطردوا
حفظ هللا سبحانه كافة املسلمني من انكار الفقراء والطعن يف الدراويش حبرمة
سيد البشر عليه و على آله الصالة و السالم.
{املكتوب التاسع عشر واملائة اىل املري حممد نعمان يف الرتغيب يف صحبة
الشيخ املقتدى به وبيان ان الكمالء جييزون بعض مريديهم الناقصني بتعليم الطريقة
احياان بواسطة بعض نيات صاحلة وأغراض صحيحة}
وصل املكتوب من جانب خدمة املري هذا الطريق يناسب له اجلنون وقد ورد يف
اخلرب لن يؤمن أحدكم حت يقال انه جمنون فمن كانت به جنة كان فارغا من تدبري امور
الناس واالوالد وتيسرت له اجلمعية من التفكر يف كذا وكذا وهذا اجلنون مودع يف جبلتكم
ولكنكم تدفنونه وتكتمونه بعوارض ال طائل فيها فماذا نفعل ويفهم يف هذا الكسب عدم
املناسبة جدا ينبغي ان تداركه سريعاوا ان ترفع البعد الصوري معتقدا عدم االستطاعة فان
مجعية هذه الطائفة وراء مجعية سائر اخللق واسباب مجعية اخللق ابعثة على تفرقة هذه
الطائفة فينبغي ال تشبث ابسباب تفرقة اخللق حت حتصل اجلمعية فان أعطيت هذه
الطائفة مجعية يف مجعية سائر اخللق ينبغي ان خياف منها وان يلتجئ اىل جناب احلق
سبحانه لئال تكون تلك اجلمعية آفة الروح وال ينبغي القياس على احوال فالن وفالن فان
- 200 -
{املكتوب العشرون واملائة اىل املري حممد نعمان أيضاً يف التحريض على
صحبة أرابب اجلمعية}
كأنه طرأ النسيان على املري حت ال يتذكر بسالم وحتية الفرصة قليلة وصرفها اىل
أهم امل هام ضروري وهو صحبة أرابب اجلمعية ال تعدل ابلصحبة شيئا أاي ما كان اال ترى
أن اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وابرك فضلوا ابلصحبة على من عداهم
سوى االنبياء عليهم السالم وان كان أويسا قرنيا أو عمرا مروانيا مع بلوغهما هناية
الدرجات ووصوهلما غاية الكماالت سوى الصحبة فال جرم كان خطأ معاوية خريا من
صواهبما بربكة الصحبة وسهو عمرو بن العاص افضل من صحومها ملا أن اميان هؤالء
الكرباء صار شهوداي برؤية الرسول وحضور امللك وشهود الوحي ومعاينة املعجزات وما
- 201 -
اتفق ملن عداهم هذه الكماالت اليت هي أوصول سائر الكماالت كلها ولو علم أويس
فضيلة الصحبة هبذه اخلاصية مل مينعه مانع من الصحبة وما آثر شيئا من االشياء على
هذه الفضيلة * وهللا خيتص برمحته من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم {شعر}:
سكندر را منى خبشند آىب * بزور وزر ميسر نيست اينكار
{ترمجة}
وذو القرنني مل يظفر مباء * به احمليا مبال أو بقوة
اللهم وان مل ختلقنا يف هذه النشأة يف قرن هؤالء االكابر فاجعلنا يف النشأة اآلخرة
حمشورين يف زمرهتم حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم الصلوات والتحيات و التسليمات و
السالم.
{املكتوب احلادي والعشرون واملائة اىل املري حممد نعمان ايضاً يف بيان ان هذا
الطريق تقرر كله على سبعة اقدام وأنه قد وصل بعض اصحابه اىل القدم السادس}
ليعلم خدمة املري بعد مطالعة الدعوات الوافرة أنه قد مضت مدة ومل يطلع على
أحواله ومل يستخرب عن أحوال فقراء هذه اجلهة هلل سبحانه احلمد واملنة ان الفقراء مَرفَّهوا
االحوال ولنبني نبذة من اطوارهم أيها احملب الصادق ان هذا الطريق تقرر كله على سبعة
أقدام وقد أوصل مجع من االخوان أمرهم اىل ستة اقدام والبعض اآلخر اىل مخسة وطائفة
اىل أربعة وفرقة اىل ثالثة على تفاوت درجاهتم واصحاب االقدام الثلث ايضا يقدرون
افادة الناس يعين الطريقة فكيف مجاعة هل م سبقة القدم ينبغي للعاقل ان يكون عايل اهلمة
دون ان يكتفي بكل حقري ونقري ومل يسع الوقت الزايدة على ذلك و السالم.
{املكتوب الثاين والعشرون واملائة اىل املال طاهر البدخشي يف التحريض على
علو اهلمة وعدم االكتفاء بكلما يتيسر}
- 202 -
ان موالان طاهرا معذور وموالان اير حممد يبني وجه االنتقال وحيث ان ارادة السفر
اىل جانب اهلند مصممة فليذهب وليستخرب عن االهل والعيال الباقي عند التالقي مثل
مشهور ودوام احلضور واالجتناب عن االختالط ابالغيار ضروري ينبغي ان يكون عايل
اهلمة دون ان يقنع بكلما يتيسر {شعر}:
ما از پى نوريكه بود مشرق انوار * از مغرىب وكوكب ومشكاة گذشتيم
{ترمجة}
ومن أجل نور مشرق كل انور * جتاوزت مشكاة وغراب وكوكبا
واكثر فقراء هذا الزمان يقيمون يف مقام الري واالكتفاء يعين بشئ يسري فصحبتهم
سم قاتل فر منم كما تفر من االسد وكن مالزما هلذا الطريق وليس للواقعات كثري اعتبار
فان ميدان التأويل واسع فال ينبغي االخنداع ابملنام واخليال {شعر}:
و السالم. كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن حتوف
{املكتوب الثالث والعشرون واملائة اىل املال طاهر البدخشي ايضاً يف بيان ان
اداء النفل وان كان حجا داخل فيما ال يعين اذا استلزم فوت فرض من الفرائض}
قد وصل مكتوب اخي االرشد ال زال كأسه طاهرا عن دنس التعلقات ايها االخ
قد ورد يف اخلرب عالمة اعراض هللا تعاىل عن العبد اشتغاله مبا ال يعنيه واالشتغال بنفل من
النوافل مع االعراض عن فرض من الفرائض داخل فيما ال يعين فلزمك تفتيش احوالك
لتعلم ان اشتغالك ابي شئ بنفل او بفرض وكم من حمظور يرتكب يف اداء احلج النفل
فينبغي ان تالحظ مالحظة جيدة العاقل تكفيه االشارة و السالم عليكم و على
رفقائكم.
شرط لوجوب احلج واحلج مع عدم االستطاعة داخل يف تضييع االوقات ابلنسبة اىل
حتصيل املطلوب}
قد وصل مكتوب اخي اخلواجه حممد طاهر البدخشي هلل سبحانه احلمد واملنة مل
يتطرق الفتور اىل اخالصه للفقراء وحمبتهم مع وجود متادي اايم املهاجرة وهذه عالمة
سعادة عظيمة أيها احملب ملا طلبت االذن يعين لسفر احلج وصممت العزم للسفر قد
ذكرتك وقت الوداع أنه حيتمل أن احلقكم يف هذا السفر ولكن كلما قصدت مل توافق
االستخارات ومل يفهم التجويز يف هذا الباب فاخرتت التقاعد ابلضرورة ومل يكن يف
ذهابكم صالح الفقراء من االول ولكن ملا رأيت شوقكم مل امنع صرحيا واالستطاعة شرط
الدخول يف الطريق يعين طريق احلج وبدون االستطاعة تضييع لالوقات واالشتغال ابمر
غري ضروري اتركا لالمر االهم ليس مبناسب وقد كتبت اليكم هذا املضمون مكررا وصل
اليكم اوال والقول هو هذا وأنتم املخري.
{املكتوب اخلامس والعشرون واملائة اىل املري صاحل النيسابوري يف بيان أن
العامل كبريه وصغريه مظاهر االمساء والصفات االهلية تعاىل شأنه وليس للعامل نسبة اليه
تعاىل أصال سوى املخلوقية واملظهرية وما يناسب ذلك}
اللهم اران حقائق االشياء كما هي اعلم ان العامل كله كبريه وصغريه مظاهر االمساء
والصفات االهلية تعاىل شأنه ومرااي شؤانته وكماالته الذاتية وكان عز سلطانه كنزا خمفيا
وسرا مكنوان فاراد سبحانه أن يعرض كماالته من اخلالء اىل املل وان يوردها من االمجال
اىل التفصيل فخلق اخللق على هنج يكون داال بذاته وصفاته على ذاته وصفاته تعاىل
وتقدس فليس للعامل نسبة مع صانعه اصال اال أنه خملوقه تعاىل ودال على امسائه وشئوانته
تعاىل واحلكم ابالحتاد والعينية ونسبة االحاطة والسراين واملعية الذاتيات هناك من غلبة
احلال وسكر الوقت واالكابر املستقيموا االحوال الذين هلم شرب من قدح الصحو ال
يثبتون للعامل نسبة مع صانعه اال املخلوقية واملظهرية ويقولون ابالحاطة والسراين واملعية
- 204 -
العلميات على طبق قول علماء اهل احلق شكر هللا سعيهم والعجب من بعض الصوفية
حيث يثبتون بعض النسبة الذاتية كاالحاطة واملعية مثال مع اعرتافهم بسلب مجيع النسب
عن الذات حت الصفات الذاتية فهل هذا اال تناقض واثبات املراتب يف الذات لدفع هذا
التناقض تكلف مثل التدقيقات الفلسفية وارابب الكشف الصحيح ال يشهدون الذات
اال بسيطا حقيقيا ويعدون ما ورائه كائنا ما كان داخال يف االمساء {شعر}:
وما قل هجران احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف العني ضائر.
(و لنبني) مثاال لتحقيق هذا املبحث اراد عامل حنرير متفنن مثال اظهار كماالته
املكنونة وابرازها يف عرصة الظهور فاوجد احلروف واالصوات ليجلو كماالته يف حجاب
تلك احلروف واالصوات ففي تلك الصورة ال نسبة لتلك احلروف واالصوات الدوال مع
تلك املعاين املخزونة اال أن هذه احلروف واالصوات مظاهر تلك املعايل املخفية ومرااي
الكماالت املخزونة وال معن ألن يقال ان احلروف واالصوات عني تلك املعاين املخفية
وكذلك احلكم ابالحاطة واملعية يف هذه الصورة غري مطابق للواقع بل املعاين على صرافته
املخزونة مل يتطرق التغري اليها ال يف ذاهتا وال يف صفاهتا أصال ولكن ملا كان بني تلك
املعاين وبني احلروف واالصوات الدالة نوع مناسبة من الدالية واملدلولية يتخيل منه بعض
املعاين الزائدة وتلك املعاين املخزونة منزهة ومربأة يف احلقيقة عن تلك املعاين الزائدة وهذا
هو معتقدان يف هذه املسئلة واثبات االمر الزائد على املظهرية واملرآتية من االحتاد والعينية
واالحاطة واملعية من السكر وذاته تعاىل يف احلقيقة معراة عن النسبة ومربأة عن املناسبة ما
للرتاب ورب االرابب وهبذا القدر من مناسبة الظاهرية واملظهرية يقال بوحدة الوجود اوال
[]1
بل يف الواقع وجودات متعددة لكن بطريق االصالة والظلية والظاهرية واملظهرية ال ان
املوجود واحد وم ا سواه أوهام وخياالت فان هذا املذهب بعينه مذهب السوفسطائي
واثبات احلقيقة يف العامل ال خيرجه من كونه اوهاما وخياالت كما هو مقصود السوفسطائي
( )1هذا القول منسوخ مبا أييت بعد مرة من ان العامل واقع يف مرتبة الوهم واخليال وابداء الفرق بني مذهب
السوفسطائي وبني مذهب الصوفية املعول على ما هنالك ال على ما هنا عفي عنه
- 205 -
{شعر}:
واذا عرفته أنت من هو اوال * ونسبت نفسك حنو حضرته العلى
وعلمت انك ظل من اي من درى * كن فارغا حيا وميتا من مال
{املكتوب السادس والعشرون واملائة اىل املري صاحل النيسابوري ايضاً يف بيان
أنه ينبغي للطالب االهتمام يف نفي اآلهلة الباطلة آفاقية كانت أو أنفسية واثبات
املعبود على احلق وما يناسب ذلك}
ايها السيد النقيب ينبغي للطالب االهتمام يف نفي اآلهلة الباطلة آفاقية كانت او
انفسية وكلما يدخل يف حوصلة الفهم و حيطة الوهم وقت اثبات املعبود ابحلق جل
سلطانه ينبغي أن يدخله حتت النفي ايضا وان يكتفي مبوجودية املطلوب {ع}:
هو املوجود ال شئ سواه
وان مل يكن مساغ للوجود يف ذلك املوطن ايضا بل ينبغي ان يطلبه من ماوراء
الوجود ولقد أحسن علماء أهل السنة شكر هللا سعيهم يف قوهلم بزايدة وجود الواجب
تعاىل على ذاته سبحانه والقول بعينية الوجود مع الذات وعدم اثبات شئ وراء الوجود
من قصور النظر (قال) الشيخ عالء الدولة فوق عامل الوجود عامل امللك الودود وملا ترقى
هذا الدرويش من مرتبة الوجود كان مغلوب احلال أوقاات ووجد نفسه على وجه الذوق
والوجدان من ارابب التعطيل ومل حيكم بوجود الواجب فانه كان ترك الوجود يف الطريق ومل
جيد للوجود جماال يف مرتبة الذات وكان اسالمه يف ذلك الوقت تقليداي ال حتقيقيا
وابجلملة ان كلما حيصل يف حوصلة املمكن يكون ممكنا ابلطريق األوىل فسبحان من مل
جيعل للخلق اىل هللا سبيال اال ابلعجز عن معرفته وال يظنن أحد من حصول الفناء يف هللا
والبقاء ابهلل ان املمكن يصري واجبا حاشا من ذلك فانه حمال مستلزم لقلب احلقائق فاذا
مل يصر املمكن واجبا ال يكون نصيبه غري العجز {شعر}:
- 206 -
وال احد يصطاد عنقاء فاطرح ال *فخاخ واال دام فيك املتاعب
وعلو اهلمة يطلب مطلبا ال حيصل منه شئ وال يبدو منه اسم وال رسم وطائفة
لكل يطلبون شيئا جيدونه عينهم ويثبتون له قراب ومعية {ع}:
من االنسان شأن خيصه
و السالم أوال و آخرا.
{املكتوب السابع والعشرون واملائة اىل املال صفر امحد الرومي يف بيان ان
خدمة الوالدين وان كانت من احلسنات ولكنها يف جنب حتصيل املطلب احلقيقي ال
شئ حمض وما يناسب ذلك}
قد وصل املكتوب املرغوب والعذر الذي ذكرته يف ابب التوقف صحيح ينبغي أن
تفعل أزيد مما وقع وان تعتقد نفسك مقصرا قال هللا تعاىل ووصينا االنسان بوالديه احساان
محلته امه كرها ووضعته كرها وقال هللا سبحانه ايضا ان اشكر يل ولوالديك وينبغي ان
تعتقد ان كل ذلك فضول حمض يف جنب الوصول اىل املطلب احلقيقي بل يف جنب طي
[]1
االبرار سيئات املقربني منازل السلوك ايضا تعطيل صرف وقد مسعت ان حسنات
{شعر}:
كلما دون هوى احلق ولو * اكل قند فهو سم قاتل
وحق هللا سبحانه مقدم على حقوق مجيع اخلالئق فان اداء حقوق اخلالئق امنا هو
المتثال أمره تعاىل واال ملن يكون جمال ترك خدمته واالشتغال خبدمة غريه فخدمة اخلالئق
هبذا السبب من مجلة خدمات احلق سبحانه و تعاىل ولكن الفرق بني خدمة وخدمة كثري
اال ترى أن أرابب احلرث وأصحاب الزرع كلهم يف خدمة السلطان ولكن ال مناسبة بني
خدمتهم وخدمة املقربني حت أن اجراء اسم الزراعة واحلراثة على اللسان هناك معصية
وأجر كل أمر على مقدار ذلك االمر فاهل احلراثة أيخذون درمها واحدا على خدمة يوم
كامل مع غاية احملنة واملشقة واملقربون يستحقون االلوف على ساعة خدمة احلضور ومع
ذلك ال تعلق هلم بتلك االلوف وغاية مرامهم امنا هي قرب السلطان فحسب شتان ما
بينهما وفرخ حسني موفق جدا يعين للرتقي واالجتهاد وليطمئن قلبك من طرفه ماذا
اكتب أزيد من ذلك و السالم.
حرمانه على حرمان ما سواه فان مجع نفسه من هذه التعلقات املتشتتة بتوفيق هللا عز
شأنه ورجع قهقراي فقد فاز فوزا عظيما واال فقد ضل ضالال بعيدا فكما ان االنسان
افضل املوجودات بواسطة اجلامعية كذلك هو شر املخلوقات بواسطة تلك اجلامعية
ومرآته امت بواسطة تلك اجلامعية فان جعل وجهها حنو العامل فهي اشد تكدرا من كل شئ
وان وجه وجهها حنو احلق سبحانه فاشد صفاء و إراءة من كل شئ وكمال حرية القلب
من هذه التعلقات من خواص حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مث بقية االنبياء مث
االولياء على تفاوت درجاهتم صلوات هللا وتسليماته على نبينا وعليهم و على اتباعهم
امجعني اىل يوم الدين رزقنا هللا سبحانه واايكم النجاة من هذه التعلقات حبرمة النيب
املصطفى املمدوح بقوله تعاىل ما زاغ البصر وما طغى عليه و على آله من الصلوات امتها
و من التسليمات اكملها والزايدة على ذلك موجبة للمالل و السالم واالكرام.
{املكتوب احلادي والثالثون واملائة اىل اخلواجه حممد اشرف الكابلي يف بيان
علو شأن طريقة حضرات خواجكان قدس هللا تعاىل اسرارهم والشكاية من مجاعة
احدثوا فيها احدااثت واعتقدوها تكملة هلذه الطريقة}
احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين وليعلم
اخي االرشد اخلواجه حممد اشرف شرفه هللا سبحانه بتشريفات أوليائه الكرام ان طريقة
حضرات خواجكان قدس هللا اسرارهم اقرب الطرق املوصلة وهناية سائر املشائخ مندرجة
يف بداية هؤالء االكابر ونسبتهم فوق مجيع النسب كل ذلك املزااي لوجود التزام السنة
السنية يف هذه الطريقة العلية واالجتناب عن البدعة الشنيعة مهما امكن فاهنم ال جيوزون
العمل ابلرخصة وان وجدوها انفعة المر الباطن يف الظاهر وال يفارقون العمل ابلعزمية وان
يروهنا مضرة يف السرية حبسب الصورة جيعلون االحوال واملواجيد اتبعة لالحكام الشرعية
ويعتقدون ان االذواق واملعارف خادمة للعلوم الشرعية وال يبدلون جواهر الشريعة النفيسة
مثل االطفال جبوز الوجد وموز احلال وال يغرتون برتهات جهلة الصوفية وال يفتتنون
أبابطيلهم وال يرتكون النصوص ابلفصوص وال يلتفتون اىل الفتوحات املكية اتركني
للفتوحات املدنية حاهلم على الدوام ووقتهم مستمر ومستدام والتجلي الذايت الربقي الذي
هو كالربق لغريهم دائم هلؤالء االكابر واحلضور الذي تعقبه الغيبة ساقط عن حيز االعتبار
عند هؤالء االكابر رجال التله يهم جتارة وال بيع عن ذكر هللا ولكن ال يصل فهم كل احد
اىل مذاق هؤالء االكابر بل يكاد ينكر قاصروا هذه الطريقة على بعض كماالهتم
{شعر}:
لو عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم عن افحش الكلم
(نعم) قد احدث بعض متأخري هذه الطريقة احدااثت فيها وضيع اصل سرية
االك ابر وزعم مجع من مريديه اهنم كملوا الطريقة بتلك احملداثت حاشا وكال كربت كلمة
خترج من افواهم بل هم سعوا يف ختريبها وتضييعها اي أسفا كل االسف على ما احدثوا يف
هذه الطريقة بعض بدع ال وجود له يف سالسل اخر اصال حيث يصلون صالة التهجد
- 210 -
جبماعة وجيتمع الناس من االطراف واجلوانب يف ذلك الوقت لصالة التهجد ويؤدوهنا
جبمعية اتمة وهذا العمل مكروه كراهة حترميية والذين اشرتطوا التداعي لتحقق الكراهة من
الفقهاء قيدوا جواز التنفل جبماعة أبدائها يف انحية املسجد واتفقوا على حتقق الكراهة ان
زادوا على ثالثة (وايضا) ان هؤالء احملدثني يعتقدون التهجد هبذا الوضع ثالث عشرة
ركعة فيصلون اثنيت عشرة ركعة قائمني وركعتني قاعدين زاعمني ان هلما حكم ركعة واحدة
فتكون هبا ثالث عشرة ركعة وليس االمر كما زعموا فان نبينا صلّى هللا عليه و على آله و
سلّم كان[ ]1يصلي احياان ثالث عشرة ركعة واحياان احدى عشرة ركعة واحياان تسع
ركعات واحياان سبعا والفردية امنا عرضت للتهجد بصالة الوتر ال انه اعطي لركعيت القعود
حكم ركعة القيام ومنشأ امثال هذا العلم والعمل عدم تتبع السنة املصطفوية على
صاحبها الصالة و السالم والتحية والعجب من رواج امثال هذه احملداثت يف بالد
العلماء ومأوي اجملتهدين عليهم الرضوان مع ان امثالنا الفقراء يستفيضون العلوم االسالمية
من بركاهتم وهللا سبحانه امللهم للصواب {شعر}:
و السالم بثثت لديكم من مهومي وخفت أن * متلوا واال فالكالم كثري
{املكتوب الثاين والثالثون واملائة اىل املال حممد صديق البدخشي يف التحذير
عن صحبة أرابب الغىن والرتغيب يف صحبة الفقراء}
ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب ايها
االخ الظاهر انك مللت من صحبة الفقراء واخرتت صحبة االغنياء ولبئس ما صنعت
فان كانت عينك مغمضة اليوم ستنكشف غدا فال ترى فائدة غري الندامة والشرط اخلرب
(ايها) املهوس ان حالك ال خيلو من أحد أمرين اما ان تنال اجلمعية يف جملس االغنياء او
(( )1قوله كان يصلي اخل) اخرج الشيخان عن عائشة رضي هللا عنها كان النيب صلّى هللا عليه و سلّم يصلي من الليل
ثالث عشرة ركعة وعن مسروق سألت عائشة رضي هللا عنها عن صالة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فقالت سبع
وتسع واحدى عشرة سوى ركعيت الفجر رواه البخاري اه .
- 211 -
ال فان تنل فشر واال فاشد شرا فانك ان تنلها فهي استدراج عياذا ابهلل سبحانه من ذلك
وان مل تنل فمصداق احلال خسر الدنيا واآلخرة كناسة الفقراء افضل من قعود االغنياء يف
الصدر وهذا الكالم يكون معقوال عندك اليوم اوال وأما يف اآلخرة فسيصري لك معلوما
ولكنه ال يفيد وامنا اوقعك يف هذا البالء اشتهاء االطعمة اللذيذة وااللبسة الفاخرة ومل
يفت االمر اآلن فينبغي التفكر يف أصل االمر والفرار من كلما يكون مانعا عن احلق
سبحانه واحلذر منه معتقدا أبنه عدو قوله تعاىل ان من ازواجكم وأوالدكم عدوا لكم
فاحذروهم نص قاطع وقد اقتضت رعاية حقوق الصحبة ان انصحك مرة واحدة تعمل
هبا اوال وقد كنت عرفت من أول االمر حني شاهدت فضولياتك ان االستقامة على
الفقر عسرية هبذا الوضع {شعر}:
قد كان ما خفت أن يكوان * اان اىل هللا راجعوان
و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله من
الصلوات امتها ومن التسليمات اكملها وقد كنت متوقعا من فطرتك واستعدادك شيئا
آخر فانت رميت اجلوهر النفيس يف السرقني اان هلل واان اليه راجعون.
{املكتوب الثالث والثالثون واملائة اىل املال حممد صديق ايضاً يف بيان اغتنام
الفرصة وعدم تضييع الوقت}
قد وصل املكتوب الذي ارسلته ينبغي اغتنام الفرصة وعدم تضييع الوقت وال
حيصل شئ من الرسوم والعادات وال يزيد شئ من التمحل والتعلل غري اخلسارة وقد قال
املخرب الصادق عليه من الصلوات امتها ومن التسليمات اكملها هلك املسوفون وصرف
نقد العمر احملقق املوجود اىل االمر املوهوم وحفظ املوهوم للموجود مستكره جدا فان نقد
الوقت ينبغي ان يصرف يف االمر االهم والنسية تستدعي ان تدخر ملا ال يعين من
املزخرفات رزقنا هللا سبحانه ذرة من لذة الطلب وعدم القرار والسكونة حت تتيسر النجاة
من السكون اىل ما سواه تعاىل وال حاصل يف القيل والقال وامنا املطلوب سالمة القلب
- 212 -
{املكتوب الرابع والثالثون اىل املال حممد صديق أيضاً يف املنع عن التسويف}
رزقنا هللا سبحانه واايكم عروجات غريمتناهية يف مدارج قربه حبرمة سيد املرسلني
عليه و على آله الصلوات و التسليمات (أيها) احملب ان الوقت سيف قاطع وال يدري
انه هل تعطي الفرصة غدا او ال فينبغي تقدمي االهم يف هذا اليوم وأتخري غري االهم اىل
غد وهذا حكم العقل ومقتضاه وال اريد ابلعقل عقل املعاش بل عقل املعاد وماذا اكتب
أزيد من ذلك.
{املكتوب اخلامس والثالثون واملائة اىل املخلص الصديق حممد صديق يف بيان
مراتب الوالية عامة كانت او خاصة مع بعض خواص اخلاصة}
أعلم ان الوالية عبارة عن الفناء والبقاء وهي اما عامة واما خاصة ونعين ابلعامة
مطلق الوالية وابخلاصة الوالية احملمدية على صاحبها افضل الصالة و السالم والتحية
الفناء فيها امت والبقاء اكمل ومن شرف هبذه النعمة العظمى فقد الن جلده للطاعة
وانشرح صدره لالسالم واطمأنت نفسه فرضيت عن موالها ورضي موالها عنها وسلم
قلبه ملقلبه وختلصت روحه كلية اىل مكاشفات حضرة صفات الالهوت وشاهد سره مع
مالحظة الشئون واالعتبارات ويف هذا املقام شرف ابلتجليات الذاتية الربقية وحتري خفيه
لكمال التنزه والتقدس والكربايء واتصل اخفاه اتصاال بال تكيف وضرب من املثال هذا
{ع}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها
- 213 -
ومما ينبغي ان يعلم ان الوالية اخلاصة احملمدية على صاحبها الصالة و السالم
والتحية متميزة عن سائر مراتب الوالية يف طرف العروج والنزول اما يف طرف العروج فالن
فناء االخفى وبقائه خمتصان بتلك الوالية اخلاصة وعروج سائر الوالايت اىل اخلفي فقط
مع تفاوت درجاهتا يعين ان عروج بعض ارابب الوالايت اىل مقام الروح وعروج البعض
اىل السر وعروج البعض اآلخر اىل اخلفي وهو اقصى درجات الوالية العامة وأما يف طرف
النزول فالن الجساد االولياء احملمدية عليه و على آله الصالة و السالم والتحية نصيبا
من كماالت درجات تلك الوالية ملا أنه صلّى هللا عليه و سلّم اسري به ليلة املعراج
ابجلسد[ ]1اىل ما شاء هللا وعرض عليه اجلنة والنار وأوحي اليه ما أوحي و شرف[ ]2مثة
ابلرؤية البصرية وهذا القسم من املعراج خمصوص به عليه الصالة و السالم واالولياء
املتابعون له كمال املتابعة السالكون حتت قدمه هلم ايضا نصيب من هذه املرتبة
املخصوصة {ع}:
ولالرض من كأس الكرام نصيب
غاية ما يف الباب ان وقوع الرؤية يف الدنيا خمصوص به عليه الصالة و السالم
واحلالة اليت حصلت لالولياء الذين حتت قدمه ليست برؤية والفرق بني الرؤية وتلك احلالة
كالفرق بني االصل والفرع والشخص والظل وليس احدمها عني اآلخر.
{املكتوب السادس والثالثون واملائة اىل املال حممد صديق ايضاً يف املنع عن
التسويف والتأخري يف حتصيل املطلوب احلقيقي}
(( )1قوله ابجلسد اخل) قال علي القاري واحلق الذي عليه اكثر الناس ومعظم السلف وعامة املتأخرين من الفقهاء
واحملدثني واملتكلمني انه اسري جبسده فمن طالعها وحبث عنها ال يعدل عن الظاهر وال استحالة يف محلها على ظاهرها
حت حيتاج اىل التأويل اه
(( )2قوله وشرف مثة ابلرؤية البصرية) وهذا ايضا ما عليه اجلمهور من احملققني ويف مسند االمام امحد اريه يف اليقظة
بعينه ولو كا ن يف املنام ملا انكرت قريش وال ارتدت مجاعة انتهى قلت التعليل هبذا اوىل لكون املعراج ابجلسد فان
استبعادهم اايه اكثر من استبعاد رؤية هللا تعاىل ابلبصر كما ال خيفى من حاهلم وجهلهم ابهلل.
- 214 -
وصل املكتوب املرغوب وحيث ان القاصد وصل يف اواخر العشر املتربك كنت بعد
مضيه مشغوال بكتابة جواابت املكاتيب وقد كتب جواب مكتوب خان خاانن ومكتوب
اخلواجه عبد هللا ايضا وارسال اليهما ينبغي مطالعتهما ابملالحظة وذهابك اىل العسكر يف
هذه النوبة ليس مبعقول للفقري وما احلكمة فيه واألمر عند هللا سبحانه ينبغي املالحظة
فان هللا سبحانه قد اعطاك قوت اليوم من كمال كرمه فالالئق بك التفكر يف امرك مغتنما
ذلك دون ان جتعله وسيلة اىل حتصيل قوت يوم آخر فان األمر ينجر حينئذ اىل التسلسل
وطول األمل كفر يف طريق الفقر والتخلص من معاملة القرض ال يدري انه حيصل من
طرف خواجكي او ال فان كان فيه اشتباه فاكتب اىل خواجكي كتااب منقحا صرحيا فان
كتب يف جوابه منقحا وفهم منه الوعد املؤكد فاذهب هبذه النية ولكن ماذا يكون عالج
التسويف والتأخري وكل شيء ختتاره وتفعله ينبغي لك ان تستعجل فيه فان الفرصة غنيمة
جدا.
{املكتوب السابع والثالثون واملائة اىل احلاج خضر االفغاين يف بيان علو شأن
الصالة املنوط كماهلا ابلوصول اىل هناية النهاية وما يناسب ذلك}
وصل املكتوب املرغوب واتضح ما فيه اعلم ان االلتذاذ ابلعبادة وارتفاع الكلفة يف
ادائها من أجل نعم هللا سبحانه و تعاىل خصوصا يف اداء الصالة فانه ال يتيسر فيها لغري
املنتهى خصوصا يف اداء الصلوات الفرضية فان االبتداء ال التذاذ فيه اال ابلنوافل وأما يف
النهاية فتكون تلك النسبة منوطة ابلفرائض ويرى فيها االشتغال ابلنوافل تعطيال واالمر
العظيم للمنتهى هو أداء الفرائض فقط {ع}:
وهذي سعادات تكون نصيب من
و ينبغي أن يعلم أن االلتذاذ الذي حيصل حني أداء الصالة ال حظ للنفس فيه
أصال بل هي عني ذلك االلتذاذ يف البكاء واحلزن سبحان هللا اي رتبة هذا {ع}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها
- 215 -
و التكلم مبثل هذا الكالم ومساعنا اايه أيضا غنيمة المثالنا املهوسني {ع}:
دعوان نسلي ابالماين قلوبنا
(واعلم) ايضا أن رتبة الصالة مثل رتبة الرؤية يف اآلخرة فنهاية القرب يف الدنيا امنا
هي يف الصالة وهناية القرب يف اآلخرة يف عني الرؤية وايضا ان سائر العبادات وسائل
للصالة والصالة من املقاصد و السالم واالكرام.
{املكتوب الثامن والثالثون واملائة اىل الشيخ هباء الدين السرهندي يف مذمة
الدنيا والتحذير من صحبة ارابهبا}
ال يكونن ولدي االرشد مغرورا ومسرورا هبذه الدنية املبغوض عليها وال يضيعن
بضاعة االقبال اىل جناب قدس احلق جل سلطانه ينبغي التفكر أي شئ يباع وأي شئ
يشرتى تبديل اآلخرة ابلدنيا واالمتناع من طلب احلق ابخللق من السفاهة واجلهالة واجلمع
بني الدنيا واآلخرة من قبيل اجلمع بني االضداد {ع}:
ما أحسن الدين والدنيا لو اجتمعا
فاخرت أاي شئت من هذين الضدين و بع نفسك من ايهما شئت عذاب اآلخرة
أبدي ومتاع الدنيا قليل والدنيا مبغوض عليها عند احلق سبحانه واآلخرة مرضية له تعاىل
وتقدس.
عش ما شئت فانك ميت * والزم ما شئت فانك مفارق
والبد من ترك العيال واالوالد أخريا وتفويضهم اىل احلق سبحانه فينبغي لك ان
حتسب نفسك اليوم ميتا وان تفوضهم اىل هللا تعاىل ان من أزواجكم وأوالدكم عدوا لكم
نص قاطع وقد مسعت مكررا ان نوم االرنب يعين الغفلة والغرور اىل مت ميتد فالبد من
التنبه والتيقظ واعلم ان صحبة أهل الدنيا واالختالط هبم سم قاتل وقتيل هذا السم ميت
ابملوت االبدي العاقل تكفيه االشارة فكيف التصريح مع هذه املبالغة والتأكيد وطعام
- 216 -
امللوك وان كان لذيذا ولكنه يزيد مرض القلب فكيف يرجى الفالح والنجاة احلذر احلذر
احلذر {شعر}:
وما هو من شرط البالغ أقوله * فخذ منه نصحا خالصا أو ماللة
فر من صحبتهم اكثر مما تفر من االسد فان الفرار منهم وان أوجب املوت
الدنيوي ولكنه قد يفيد يف اآلخرة واختالط امللوك يوجب اهلالك االبدي واخلسارة
السرمدي فاايك وصحبتهم واايك ولقمتهم واايك وحمبتهم واايك ورؤيتهم وقد ورد يف اخلرب
الصحيح من تواضع الغين لغناه ذهب ثلثا دينه ينبغي لك املالحظة ان كل ذلك التواضع
واملالينة هل هو من جهة غناهم أو من جهة شئ آخر وال شك يف انه من جهة غناهم
ونتيجته ذهاب ثلثي الدين فاين أنت من االسالم واين أنت من النجاة وكل هذه املبالغة
واالبرام ليعلم ولدي ان لقمة غري اجلنس وصحبتهم حتجب قلبه عن تذكر املواعظ وتعقل
النصائح فال يكاد يتأثر من الكلمة والكالم فاحلذر احلذر من صحبتهم واحلذر احلذر من
رؤيتهم وهللا سبحانه املوفق جناان هللا واايكم عما ال يرضى عنه ربنا املتعايل حبرمة سيد
البشر املمدوح مبا زاغ البصر عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات
اكملها و السالم.
{املكتوب التاسع والثالثون واملائة اىل جعفر بك التهاين يف بيان جواز هجو
مجاعة السفهاء الذين يطعنون يف أهل هللا ويف استحسان ذمهم}
قد شرف املكتوب الشريف بوروده سلمكم هللا سبحانه و تعاىل حيث تتفقدون
أحوال الفقراء وتعتقدون ان احلضور والغيبة سيان أيها املخدوم ان كفار قريش ملا ابلغوا يف
[]1
هجو أهل االسالم وسبهم من غاية خذالهنم وكمال حرماهنم عن السعادة امر النيب
(( )1قوله امر النيب عليه السالم بعض الشعراء اخل) اخرج الشيخان عن الرباء بن عازب ان رسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم قال يوم قريظة حلسان اهج املشركني فان جربيل معك واخرج البخاري عن عائشة رضي هللا عنها كان رسول هللا
صلّى هللا عليه و سلّم يضع حلسان منربا يف املسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وينافح
- 217 -
عليه و على آله الصالة و السالم بعض الشعراء االسالمية هبجو الكفار االشرار فكان
الشاعر املأمور يصعد املنرب يف حضور النيب عليه و على آله من الصلوات افضلها ومن
التسليمات اكملها ويهجو الكفار يف مالء ابنشاد االشعار وكان النيب صلّى هللا عليه و
سلّم يقول ان روح القدس معه ما دام يهجو الكفار واعلم ان املالمة وايذاء اخللق من
مغتنمات ارابب ا لعشق اللهم اجعلنا منهم حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله الصلوات
و التسليمات.
{املكتوب االربعون واملائة اىل املال حممد معصوم الكابلي يف بيان ان االمل
واحملنة من لوازم احملبة}
ايها احملب ان االمل واحملنة من لوازم احملبة والبد من االمل والغم ملن اختار الفقر
{شعر}:
اال ان قصدي من هواك التأمل * واال فاسباب التنعم وافره
واحملبوب يريد وله احملب به وعدم سكونه اىل من سواه ليحصل االنقطاع عن غريه
ابلكلية واالطمئنان هنا يف عدم االطمئنان واللذة يف احلرقة والقرار يف عدم القرار والراحة
يف اجلراحة وطلب الفراغة يف هذا امل قام إلقاء نفسك اىل الفتنة ينبغي تفويض نفسك اىل
احملبوب ابلتمام وان يرضى بكلما جيئ منه وان يقبله من غري اعراض واعرتاض وهذا
الوضع هو طريق املعيشة وعليك ابالجتهاد يف حتصيل االستقامة بقدر الوسع والطاقة واال
فالفتور يف القفا وقد كان اشتغالك جيدا ولكنها ضعفت قبل حصول القوة ولكن ال أبس
فيه وال هو مما يغتم به فانك لو تشبثت ابسباب اجلمعية من هذه الرتددات يكون أحسن
من االول ينبغي لك ان تعتقد ان اسباب هذه التفرقة هي عني اسباب اجلمعية حت تقدر
ان تعمل شيئا و السالم.
ويقول رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان هللا يؤيد حسان بروح القدس ما انفح او فاخر عن رسول هللا صلّى هللا عليه
و سلّم ويف الباب احاديث كثرية مذكورة يف تفسري اخلازن وغريه ويف هذا القدر كفاية
- 218 -
{املكتوب احلادي واألربعون واملائة اىل املال حممد قليج يف بيان ان العمدة يف
هذا االمر احملبة واالخالص}
انعم هللا سبحانه و تعاىل علينا وعليكم ابلرتقيات حبرمة سيد املرسلني عليه و على
آله الصلوات و التسليمات ايها احملب انك ال تكتب من أحوال القلب شيئا يف بعض
األحيان حت نطلع على كيفيته وال بد لك من كتابة شئ من هذا الباب أيضا البتة فانه
موجب للتوجه الغائيب وعمدة هذا االمر هي احملبة واالخالص وال غم ان مل يفهم الرتقي
فانه اذا بقيت االستقامة على االخالص تيسر امور سنني يف ساعات و السالم.
{املكتوب الثاين واالربعون واملائة اىل املال عبد الغفور السمرقندي يف بيان
استكثار قليل من نسبة االكابر}
وصل املكتوب الشريف الذي ارسلته على وجه االلتفات ينبغي ان يعد حمبة
الفقراء من أجل نعم هللا تعاىل واملسؤل من احلق سبحانه واملرجو منه تعاىل االستقامة
عليها ووصلت اهلدية املرسلة اىل الفقراء ايضا وقرأ فاحتة السالمة والطريقة اليت اخذهتا
ووصلت منها نسبة كثرية مل يذكر شئ من هذه املقولة معاذ هللا من تطرق الفتور اليها
{شعر}:
خياله طرفة العني لدى نظري * قد فاق وصل الغواين مدة العمر
فان حصل شئ من نسبة هؤالء االكابر ينبغي ان تستكثره فانه ليس بقليل الن
هناية اآلخرين مندرجة يف بدايتهم {ع}:
وقس من حال بستاين ربيعي
و لكن ينبغي ان ال تغتم من هذا الفتور اذا كانت حمبة محلة هذه النسبة قوية وقد
أرسل الثوب الذي كان ملبوسا مكررا فألبسه أحياان واحفظه بكمال االدب فانه يتوقع
- 219 -
منه فوائد كثرية وكلما تلبسه تلبسه على الوضوء وتشتغل بتكرار الذكر فعسى ان حتصل
اجلمعي ة التامة وكلما كتبت شيئا ينبغي لك ان تكتب أوال من احوال ابطنك فان احوال
الظاهر بدون أحوال الباطن ساقطة عن حيز االعتبار {ع}:
وأحسن ما ميلى حديث االحبة
ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعة سيد البشر املطهر عن زيغ البصر عليه و على
آله الصالة و السالم ظاهرا وابطنا {ع}:
هذا هو األمر والباقي من العبث
{املكتوب الثالث واالربعون واملائة اىل املال مشس الدين يف بيان اغتنام موسم
الشباب وعدم صرفه اىل ما ال يعين من اللهو واللعب}
كان حمب الفقراء موالان مشس الدين موفقا ومغتنما ملوسم الشباب ممتنعا من صرفه
يف اللهو واللعب وتعويضه ابجلوز واملوز واال ال حيصل شئ أخريا غري الندامة والتأسف وال
جيدي شيئا والشرط االخبار وينبغي اداء الصلوات اخلمس ابجلماعة ومتييز احلالل من
احلرام وطريق النجاة األخروية هو متابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصلوات و
التسليمات وينبغي ان ال تكون التلذذات الفانية والتنعمات اهلالكة منظورا اليها وهللا
سبحانه املوفق للخريات.
{املكتوب الرابع واالربعون واملائة اىل احلافظ حممود الالهوري يف بيان معىن
السري والسلوك وبيان السري اىل هللا والسري يف هللا والسريين اآلخرين}
رزقكم هللا سبحانه ترقيات غري متناهية يف مدارج الكماالت حبرمة سيد البشر
املطهر عن زيغ البصر عليه و على آله الصلوات و التسليمات {ع}:
وأحسن ما ميلى حديث االحبة
- 220 -
(اعلم) ان السري والسلوك عبارة عن احلركة العلمية اليت هي من مقولة الكيف وال
جمال هنا للحركة االينية فالسري اىل هللا عبارة عن احلركة العلمية ذاهبا من العلم االدىن اىل
العلم االعلى ومن هذا اىل أعلى آخر وهكذا اىل ان تنتهي اىل علم الواجب تعاىل بعد
طي علوم املمكنات كلها وزواهلا ابسرها وهذه احلالة هي املعرب عنها ابلفناء والسري يف هللا
عبارة عن احلركة العلمية يف مراتب الوجوب من االمساء والصفات والشؤن واالعتبارات
والتقديسات والتنزيهات اىل ان تنتهي اىل مرتبة ال ميكن التعبري عنها بعبارة وال يشار اليها
ابشارة وال تسمى ابسم وال يكن عنها بكناية وال يعلمها عامل وال يدركها مدرك وهذا
السري يسمى ابلبقاء والسري عن هللا ابهلل الذي هو السري الثالث أيضا عبارة عن احلركة
العلمية انزال من العلم االعلى اىل العلم االدىن ومن االدىن اىل االدىن وهكذا اىل ان يرجع
اىل املمكنات رجوع القهقري وينزل من علوم مراتب الوجوب كلها وهو العارف الذي
نسي هللا ابهلل ورجع عن هللا مع هللا وهو الواجد الفاقد والواصل املهجور وهو القريب
البعيد والسري الرابع الذي هو السري يف االشياء عبارة عن حصول علوم االشياء شيئا
فشيئا بعد زوال تلك العلوم كلها يف السري االول فالسري الرابع مقابل للسري االول والسري
الثالث للثاين كما ترى والسري اىل هللا والسري يف هللا لتحصيل نفس الوالية اليت هي عبارة
عن الفناء والبقاء والسري الثالث والرابع حلصول مقام الدعوة الذي هو خمصوص ابالنبياء
املرسلني صلوات هللا وتسليماته على مجيعهم عموما و على أفضلهم خصوصا وللمتابعني
الكاملني أيضا نصيب من مقام هؤالء االكابر عليهم السالم قل هذه سبيلي ادعو اىل هللا
على بصرية اان ومن اتبعين اآل ية هذا هو حديث البداية والنهاية واملقصود من ذكره تنويه
شأنه وتشويق الطالب اليه {شعر}:
وهتافتوا يف سكر اي أهل صف * راء ألجل تغافل السوداوي
و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و
التسليمات.
- 221 -
{املكتوب اخلامس واالربعون واملائة اىل املفيت عبد الرمحن يف بيان ان مشائخ
الطريقة النقشبندية قدس هللا تعاىل اسرارهم اختاروا ابتداء السري من عامل االمر وبيان
سر عدم أتثر بعض مبتدئ هذه الطريقة بسرعة}
ثبتنا هللا سبحانه واايكم على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و
السالم والتحية ويرحم هللا عبدا قال آمينا اعلم ان مشائخ الطريقة النقشبندية قدس هللا
اسرارهم اختاروا ابتداء السري من عامل االمر وصاروا يقطعون مسافة عامل اخللق يف ضمنه
خبالف مشائخ سائر الطرقات فان ابتداء سريهم من عامل اخللق وبعد طي مسافة عامل
اخللق يضعون القدم يف عامل االمر ويصلون اىل مقام اجلذبة وهلذا كان طريق النقشبندية
أقرب الطرق فال جرم صارت هناية اآلخرين مندرجة يف بدايتهم {ع}:
وقس من حال بستاين ربيعي
و مع كون ابتداء سريهم من عامل االمر ال يتأثر بعض الطالبني من هذه الطريقة
بسرعة وال جيدون احلالوة وال التلذذ الذي هو من مقدمة اجلذبة ابلسهولة ووجه ذلك ان
لطائف عامل االمر ضعيفة فيهم ابلنسبة اىل عامل اخللق وهذا الضعف هو الذي صار سدة
يف طريق التأثري والتأثر وامتداد زمان بطء التأثر اىل ان يقوي لطائف عامل االمر فيهم
وتغلب على عامل اخللق وأن ينعكس االمر وعالج هذا الضعف حبيث يكون مناسبا هلذه
الطريقة هو التصرف التام من صاحب التصرف والعالج املناسب لسائر الطرق تقدمي
تزكية النفس والرايضات الشديدة واجملاهدات الشاقة الواقعة على وفق الشريعة على
صاحبها الصالة و السالم والتحية وينبغي أن يعلم ان بطء التأثر ليس من عالمة نقصان
االستعداد وكم من طائفة اتمي االستعداد يبتلون هبذا البالء و السالم.
مستسعد بسعادة تذكر الفقراء وليعمر االوقات بتكرار الذكر الذي أخذه وال يفوتن
الفرصة منخدعا ابلشأن والشوكة الفانية مغتنما للحياة القليلة {شعر}:
مهه اندر زمن بتو اينست * كه تو طفلى وخانه رنگينست
ونعم النعمة اكرام احلق سبحانه عبده بتوفيق التوبة يف عنْ فواَن الشباب واالنعام
عليه ابالستقامة عليها ميكن ان يقال ان مجيع التنعمات الدنيوية يف جنب تلك النعمة هلا
حكم الندى يف جنب البحر العميق فان هذه النعمة موجبة لرضا املوىل سبحانه الذي هو
فوق مجيع النعم دنيوية كانت أو أخروية ورضوان من هللا اكرب و السالم على من اتبع
اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و التسليمات أمتها وأكملها.
{املكتوب السابع و االربعون و املائة اىل اخلواجه أشرف الكابلي يف بيان أن
االنقطاع مقدم على االتصال و ابلعكس}
رزقنا هللا سبحانه واايكم الرتقيات على مدارج الكمال حبرمة سيد املرسلني عليه و
على آله الصلوات و التسليمات قالت طائفة من مشائخ الطريقة قدس هللا اسرارهم بتقدم
االنفصال واالنقطاع على االتصال وطائفة أخرى من هؤالء االكابر قدموا االتصال على
االنقطاع واالنفصال وتوقفت طائفة اثلثة فيه (قال) أبو سعيد اخلراز قدس سره ما مل
تنقطع ال جتد وما مل جتد ال تنقطع وال ادري أيهما اقدم يقول راقم هذه السطور ان
االنق طاع واالتصال يتحققان يف آن واحد وال جيوز ان ينفك االنقطاع عن االتصال وان
حيصل االتصال بدون االنقطاع واالنفصال غاية ما يف الباب ان اخلفاء ان حتقق فامنا هو
يف التقدم الذايت وتعني علية أحدمها لآلخر واختار شيخ االسالم اهلروي قدس هللا سره
املذهب الثاين قائال اب ن السبقة من ذاك الطرف أحسن والذين يقولون بتقدم االنفصال
على االتصال ال ينكرون هذه السبقة ايضا ومرادهم من االتصال الظهور التام وهو ال
ينايف الظهور املطلق فيكون الظهور املطلق مقدما على االنفصال والظهور التام مؤخرا عنه
فعلى هذا التحقيق يكون نزاعهم راجعا اىل اللفظ ولكن نظر الطائفة األوىل عال حيث
- 223 -
ال يعتربون القليل (وينبغي) ان يعلم ان على هذا التوجيه قد حصل التقدم الزماين أيضا
فافهم وهللا سبحانه امللهم للصواب و على كل حال ينبغي ان يكون مظهرا لالنفصال
واالتصال فان مرتبة الوالية منوطة هباتني املرتبتني وبدوهنما خرط القتاد واملرتبة األوىل
مربوطة ابلسري اىل هللا والثانية ابلسري يف هللا ومبجموع هذين السريين يوصل اىل مرتبة
الوالية والكمال على تفاوت درجاهتا والسري والسريان الباقيان لتحصيل مرتبة التكميل
والوصول اىل درجة الدعوة {شعر}:
انديت غري مرة * لو كان يف االحياء حي
{ املكتوب الثامن واالربعون واملائة اىل املال صادق الكابلي يف بيان ذم
صاحب الري وعدم االغرتار بتوسط روحانية املشائخ وامداداهتم}
وصل املكتوابن متصال بعضهما ببعض كان االول منبئا عن احلصول والري والثاين
عن العطش وعدم احلصول احلمد هلل سبحانه العربة ابخلامتة ان صاحب الري ليس له
حاصل والذي يرى نفسه ال حاصل له فهو الواصل وقد قيل لك مكررا ان ال تغرت
بتوسط روحانية املشائخ وامداداهتم فان صور هؤالء املشائخ اليت تراها وتشاهدها هي
لطائف الشيخ املقتدى به يف احلقيقة ظهرت هبذه الصور وتوحيد قبلة التوجه من الشروط
وتفريق التوجه موجب للخسران عياذا ابهلل سبحانه (وأيضا) اين كنت قلت لك مكررا
ومؤكدا ان قلل االشغال ليحصل املقصود بسرعة فان ترك االمر الضروري واالشتغال مبا
ال طائل فيه بعيد عن طور العقل ولكنك معتقد لرأي نفسك قلما يؤثر فيك كالم غريك
وأنت تعلم ما على الرسول اال البالغ.
{املكتوب التاسع واالربعون واملائة اىل املال صادق الكابلي أيضاً يف بيان عدم
قصر النظر على سبب معني}
والعجب من أخي موالان حممد صادق حيث سلم نفسه ابلكلية اىل عامل االسباب
- 224 -
وأن جعل مسبب االسباب تعاىل وتقدس االشياء مرتبة على االسباب ولكن ما احلاجة
اىل نصب العني على سبب معني {شعر}:
وال حتزن اذا ما سد ابب * فان هللا يفتح ألف ابب
وهذا القسم من قصور النظر ينبئ عن غاية عدم املناسبة ومستهجن من امثالك
جدا ينبغي لك ان تتفكر يف حالك ساعة تفهم هذه الشناعة وكل هذا االضطراب يف
كسوة الفقر حتصيل ما هو مبغوض عليه لدى احلق سبحانه ما أشده قباحة وبئس البالء
املستنكر والعجب أنه كيف زين هذا الشئ املستنكر يف نظرك ينبغي لك ان تسعى
وجتتهد يف حتصيل األمور الضرورية بقدر الضرورة وصرف مجيع اهلمة اليها وتضييع متام
العمر يف حتصيلها سفاهة حمضة الفرصة غنيمة جدا واألسف كل األسف على حال من
يصرفها اىل حتصيل علوم ال طائل فيها والشرط هو االخبار ما على الرسول اال البالغ وال
حتزن من مقاالت الناس فيك فان نسبوا اليك شيئا ليس فيك منها شئ فال غم نعمت
الدولة ان يرى الناس شخصا شرا وهو يف احلقيقة من االخيار فان حتقق عكس هذه
القضية فقد عظم اخلطر و السالم.
{املكتوب احلادي واخلمسون واملائة اىل املري مؤمن البلخي يف بيان علو شأن
الطريقة النقشبندية قدس هللا اسرار أهليها العلية وبيان معىن ايد داشت املخصوص
هبم}.
{ املكتوب الثاين واخلمسون واملائة اىل السيد فريد يف بيان أن اطاعة الرسول
عني اطاعة احلق سبحانه وما يناسب ذلك}
قال هللا سبحانه و تعاىل من يطع الرسول فقد اطاع هللا فجعل هللا سبحانه اطاعة
الرسول عني اطاعته فاطاعة احلق هظ عز و جل بدون اطاعة الرسول ليس ابطاعة له
سبحانه ولذلك أورد كلمة قد أتكيدا هلذا املعن وحتقيقا له لئال يفرق مهوس بني هاتني
- 226 -
االطاعتني وخيتار احديهما دون األخرى وقد وبخ هللا سبحانه يف حمل آخر مجاعة فرقوا
بني هاتني االطاعتني حيث قال سبحانه يريدون ان يفرقوا بني هللا ورسله اآلية نعم قد
صدرت من بعض املشائخ وقت غلبة احلال والسكر كلمات مؤذنة ابلتفرقة بني هاتني
االطاعتني ومشعرة ابختيار حمبة احديهما على األخرى كما نقل ان السلطان حممود
الغزنوي ملا نزل مرة يف اايم سلطنته يف قرب قرية خرقان أرسل واحدا من وكالئه اىل الشيخ
ايب احلسن اخل رقاين والتمس منه احلضور عنده وقال لرسوله اذا فهمت توقفا من الشيخ
فاقرأ هذه اآلية أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأويل االمر منكم فلما فهم الرسول توقفا من
الشيخ قرأ اآلية املذكورة فقال له الشيخ يف جوابه اين مشغول ابطاعة هللا تعاىل حبيث مل
أفرغ منها بعد الطاعة رسول هللا فكيف ال طاعة أويل األمر فجعل حضرة الشيخ اطاعة
احلق سبحانه غري اطاعة الرسول وهذا الكالم بعيد عن االستقامة واملشائخ املستقيموا
االحوال يتحاشون من أمثال هذا الكالم ويعلمون ان اطاعة احلق سبحانه يف اطاعة
رسوله يف مجيع مراتب الشريعة والطريقة واحلقيقة ويعتقدون ان اطاعة احلق سبحانه يف غري
اطاعة رسوله عني الضاللة (ونقل) ايضا ان شيخ بلدة مهنة الشيخ أاب سعيد أاب اخلري
عقد جملسا وكان يف ذلك اجمللس واحد من اجلة سادات خراسان فدخل يف ذلك االثناء
اتفاقا جمذوب مغلوب احلال فقدمه الشيخ على السيد االجل فلم حيسن ذلك للسيد
فقال الشيخ للسيد ان تعظيمك بواسطة حمبة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وتعظيم
هذا اجملذوب بواسطة حمبة احلق سبحانه واالكابر املستقيموا االحوال ال جيوزون ايضا هذا
القسم من التفرقة ويرون غلبة حمبة احلق سبحانه على حمبة رسوله عليه الصالة و السالم
من سكر احلال وال يعتقدوهنا شيئا غري الفضول ولكن ينبغي ان يعلم هذا القدر ان حمبة
احلق سبحانه غالبة يف مقام الكمال الذي هو مرتبة الوالية وحمبة الرسول غالبة يف مقام
التكميل الذي فيه نصيب من مقام النبوة ثبتنا هللا سبحانه على اطاعة الرسول اليت هي
عني اطاعة هللا سبحانه.
- 227 -
{املكتوب الثالث واخلمسون واملائة اىل الشيخ ميان مزمل يف بيان اخلالص
التام من رقية ما سواه تعاىل املربوط ابلفناء املطلق}
وصل املكتوب املرسل احلمد هلل ذي االنعام واملنة قد جعل طالبيه يف قلق
واضطراب وجناهم بذلك االضطراب من السكون اىل غريه ولكن اخلالص التام من رقية
االغيار امنا يتيسر اذا حصل التشرف ابلفناء املطلق وزالت النقوش الكونية من مرآة
القلب ابلكلية ومل يبق التعلق العلمي واحليب بشئ من االشياء ومل يكن مقصود ومراد غري
احلق سبحانه و تعاىل ودونه خرط القتاد ورمبا يظن انتفاء التعلق ولكن الظن ال يغين من
احلق شيئا {ع}:
و هذي سعادات تكون نصيب من
و التعلق ابالحوال واملقامات تعلق ابلغري فما تقول يف التعلق أبشياء أخر
{شعر}:
دع ما يصدك عن وصل احلبيب وما * يلهيك عنه قبيحا كان أو حسنا
وقد اجنرت مدة غربتك اىل التطويل والفرصة غنمية فان كان االصحاب واالحباب
من اهل الرخ صة فما وجه التوقف واال فما احلاجة اىل الرخصة ينبغي ان يالحظ مرضى
احلق سبحانه رضي أهل العامل أم ال وماذا يكون عدم رضاهم {ع}:
وكل القصد من تبع احلبيب
ينبغي ان تعتقد ان املقصود هو احلق سبحانه فان اجتمع مع حمبته شئ فنافع واال
فضار {ع}:
اترنوا اىل ورد وذا وجهي زاهر *و السالم.
{املكتوب الرابع واخلمسون واملائة اىل ميان مزمل ايضاً يف بيان ضرورية ترك
النفس والسري اليها}
- 228 -
جعلنا احلق سبحانه معه وال يرتك مع غريه حلظة اللهم ال تكلنا اىل نفسنا طرفة
عني فنهلك وال أقل منها فنضيع وكل بالء وقع على االنسان امنا هو من التعلق ابلنفس
فاذا حصل اخلالص من يد النفس فقد حصل اخلالص مما دون احلق سبحانه حت أن
من يعبد االصنام امنا يعبد نفسه افرأيت من اختذ اهله هواه {ع}:
اذا ما تركت النفس الفيت راحة
دع نفسك وتعال وكما أن ترك النفس والتجاوز منها فرض كذلك السري واملشي
اىل النفس الزم فان الوجدان امنا هو فيها وال وجدان يف خارجها {شعر}:
ولسوف تعلم أن سريك مل يكن * اال اليك اذا بلغت املنزال
السري اآل فاقي بعد يف بعد والسري االنفسي قرب يف قرب فان كان شهود فهو يف
النفس وان كان معرفة فهي ايضا يف النفس وان كانت حرية فهي ايضا فيها ال جمال
للقدم يف خ ارج النفس اىل اين وصل الكالم وال يفهمن االبله من هذا الكالم حلوال
واحتادا فيقع يف ورطة الضاللة فان القول ابحللول كفر وكذلك االحتاد والتفكر فيه قبل
التحقق هبذا املقام ممنوع رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة على الطريقة املرضية على
صاحبها الصالة و السالم والتحية وينبغي لك ان تكتب من احوالك فان له دخال اتما
وعليك أن تكون حرا مع وجود العالئق الصورية وان تعتقد وجودها وعدمها سيان و
السالم واالكرام.
{املكتوب اخلامس واخلمسون واملائة اىل الشيخ مزمل ايضاً يف التحريض على
الرجوع اىل أصله}
قد تشرفت بزايرة مشاهد دهلي يف غرة مجادي األوىل يوم اجلمعة وحممد صادق
معي وبعد اقامة اايم هنا نتوجه اىل طرف الوطن االصلي ان وافقت ارادتنا ارادة احلق
سبحانه حب الوطن من االميان خرب مشهور اين يذهب العاجز املسكني وانصيته يف يده
تعاىل ما من دابة اال هو آخذ بناصيتها ان ريب على صراط مستقيم واين املفر اال أن يفر
منه اليه قائال ففروا اىل هللا و على كل حال ينبغي أن يعتقد االصل اصال والفرع تبعا له
وأن يتوجه اىل االصل {شعر}:
من كان يف قلبه مثقال خردلة * سوى هوى احلق فاعلم أنه مرض
{املكتوب السابع واخلمسون واملائة اىل احلكيم عبد الوهاب يف بيان لزوم
اظهار التواضع واالحتياج عند حضور االكابر وبيان لزوم تصحيح العقائد}
اعلم انك قد جئت هنا وآملت قدمك وانصرفت مسرعا حت مل جتد فرصة الداء
بعض حقوق الصحبة واملقصود من املالقاة واالجتماع اما االفادة واما االستفادة فاذا خال
اجمللس من كال هذين اخلصالني فهو خارج عن االعتداد به وينبغي ملن حيضر عند واحد
من هذه الطائفة ان حيضر خاليا لريجع مآلن وأن يظهر عندهم العجز واالفالس ليكون
حمال لشفقتهم ومستحقا الفاضتهم وال معن يف اجملئ واالنصراف رايان وال شئ يف
االمتالء غري العلة وال يف االستغناء دون الطغيان قال اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس
سره البد اوال من تضرع املريض وانكساره مث بعده يتوجه اخلاطر املنكسر فكان التضرع
واالن كسار شرطي التوجه ومع ذلك كله جاء يف هذه االوان طالب علم والتمس مين
التفويض و التوصية اىل ذلك اجلانب فوقع يف اخلاطر ان جمرد جميئه ايضا حق من احلقوق
فينبغي اداء احلق من قبلي مهما أمكن فال جرم امليت بلسان القلم كلمات على مقتضى
الوقت واحلال تداركا ملا مضى وتالفيا ملا سبق وارسلت اىل ذلك اجلانب وهللا سبحانه
امللهم للصواب واملوفق للسداد (أيها) املوفق للسعادة ان ما هو الالزم لنا ولكم تصحيح
العقائد على مقتضى الكتاب والسنة على هنج اخذها علماء أهل السنة واجلماعة من
الكتاب والسنة بعدما فهموها كما ينبغي فان فهمنا وفهمكم ساقط عن حيز االعتبار اذا
مل يوافق فهم هؤالء الكبار اال ترى أن كل مبتدع وضال يدعي اخذ احكامه الباطلة من
الكتاب والسنة وفهمها منهما واحلال أنه ال يغين من احلق شيئا (مث) علم االحكام
الشرعية اثنيا من احلالل واحلرام والفرض والواجب (مث) العمل اثلثا مبقتضى هذا العلم
(مث) السلوك رابعا طريق التصفية والتزكية الذي خص ابلصوفية الكرام قدس هللا اسرارهم
فما مل تصحح العقائد ال ينفع العلم ابالحكام الشرعية وما مل يتحقق كال هذين ال جيدي
العمل شيئا وما مل حتصل الثالثة كلها فحصول التصفية والتزكية حمال وما سوى هذه
- 231 -
االركان االربعة ومتماهتا ومكمالهتا كالسنة املكملة للفرض كله من الفضول داخل يف
[]1
حسن اسالم املرء تركه ما ال يعنيه واشتغاله مبا يعنيه و السالم دائرة ما ال يعين ومن
على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم.
{املكتوب الثامن واخلمسون واملائة اىل الشيخ محيد البنكايل يف بيان تفاوت
مراتب الكمال حبسب تفاوت االستعدادات}
اعلم أن مراتب الكمال متفاوتة حبسب تفاوت االستعدادات والتفاوت يف الكمال
قد يكون حبسب الكمية وقد يكون حبسب الكيفية وقد يكون هبما معا فكمال البعض
مثال ابلتجلي الصفايت وكمال بعض آخر ابلتجلي الذايت مع تفاوت فاحش بني افراد
ذينك التجليني وبني ارابهبما ايضا فكمال البعض سالمة القلب وختلص الروح وكمال
اآلخر هبما و ابلشهود السري وكمال الثالث بتلك الثالث وابحلرية املنسوبة اىل اخلفي
وكمال الرابع بتلك االربع وابالتصال املنسوب اىل االخفى ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء
وهللا ذو الفضل العظيم وبعد حصول الكمال يف اي مرتبة كانت من املراتب املذكورة اما
رجوع القهقري واما ثبات واستقرار يف ذلك املوطن واالول هو مقام التكميل واالرشاد
ورجوع من طرف احلق اىل اخللق للدعوة والثاين هو موطن االستهالك والعزلة من اخللق و
السالم أوال وآخرا.
{املكتوب التاسع واخلمسون واملائة اىل شرف الدين حسني البدخشي يف
التعزية}
اعلم ان اآلالم واملصائب وان كانت مرا يف الظاهر ومؤملة للجسم ولكنها حلو يف
( )1قوله من حسن اسالم املرء اخل اخرجه الرتمذي وابن ماجة والبيهقي من حديث ايب هريرة والشريازي يف االلقاب
عن ايب ذر واحلاكم يف الكن عن ايب بكر الصديق رضي هللا عنه وامحد والعسكري يف االمثال والطرباين وابو نعيم وابن
عبدالرب يف التمهيد عن على بن احلسني عن ابيه وغريهم.
- 232 -
الباطن ومورثة للذة الروح وذلك الن الروح واجلسم كأهنما وقعا على طريف النقيض فأمل
احدمها يستلزم لذة اآلخر فالذي ال يقدر ان مييز بني هذين النقيضني ولوازمهما خارج
عن البحث وال قابلية فيه اولئك كاالنعام بل هم أضل {شعر}:
من مل يكن ذا خربة عن نفسه * هل يقدر االخبار عن هذا وذا
ومن تنزلت روحه واستقرت يف مرتبة اجلسم وكانت لطائفه اآلمرية اتبعة للطائفه
اخللقية من اين يعرف سر هذا املعمى وما مل ترجع الروح اىل مقرها االصلية قهقري ومل
مييز االمر من اخللق ال ينجلي احلجاب عن مجال هذه املعرفة وحصول هذه الدولة مربوط
ابملوت قبل حلول األجل املسمى ووقوعه الذي عرب عنه مشائخ الطريقة قدس هللا
اسرارهم ابلفناء {شعر}:
وكن أرضا لينبت فيك ورد * فان الورد منبته الرتاب
ومن مل ميت قبل موته ينبغي تعزيته ملصيبته وقد صار خرب وفات والدك املرحوم
الذي كان مشتهرا ابخلري و الصالح ومراعيا لشيمة االمر ابملعروف والنهي عن املنكر
جدا موجبا حلزن املسلمني ومستلزما لغمهم اان هلل واان اليه راجعون فينبغي للولد االرشد
ان يلزم شيمة الصرب وان ميد االموات ويعاوهنم ابلصدقة واالستغفار والدعوات فان املوتى
اشد احتياجا اىل امداد األحياء وقد ورد يف احلديث النبوي عليه الصالة و السالم ما
امليت اال كالغريق املتغوث ينتظر دعوة تلحقه من اب او ام او اخ او صديق فاذا حلقته
كان احب اليه من الدنيا وما فيها وان هللا ليدخل على أهل القبور من دعاء اهل االرض
أمثال اجلبال من الرمحة وان هدية االحياء اىل االموات االستغفار وبقية النصح مالزمة
الذكر واملداومة على الفكر فان الفرصة قليلة جدا ينبغي ان تصرفها اىل اهم املهام و
السالم.
{املكتوب الستون واملائة اىل اقل عبيده اعين اير حممد اجلديد البدخشي
الطالقاين يف بيان أن مشائخ الطريقة قدس هللا اسرارهم ثالثة طوائف مع شرح أحوال
- 233 -
بوجود احلق سبحانه قيام الظل ابالصل مثال اذا امتد الظل من شخص وجعل ذلك
الشخص من كمال قدرته صفات نفسه منعكسة فيه كالعلم والقدرة واالرادة وغريها حت
اللذة واالمل فان وقع ذلك الظل يف النار مثال وأتمل هبا ال يقال عرفا وعقال ان ذلك
الشخص الذي هو صاحب الظل متأمل كما قالت به الطائفة الثالثة و على هذا القياس
مجيع ذمائم االفعال اليت تصدر من املخلوقات ال يقال اهنا فعل احلق سبحانه كما ان
الظل اذا حترك ابرادته ال يقال ان الشخص متحرك نعم يقال ان ذلك اثر قدرته وارادته
يعين خملوقه ومن املقرر ان خلق القبيح ليس بقبيح بل القبيح فعل القبيح وكسبه (والطائفة
الثالثة) قائلون بوحدة الوجود يعين ان يف اخلارج موجودا واحدا فقط وهو ذات احلق
سبحانه وال حتقق للعا مل يف اخلارج اصال وامنا له الثبوت العلمي ويقولون ان االعيان ما
مشت رائحة الوجود وهذه الطائفة وان قالوا ان العامل ظل احلق سبحانه ولكنهم يقولون ان
وجوده الظلي امنا هو يف مرتبة احلس فقط واما يف نفس االمر واخلارج فمعدوم حمض
ويقولون ان احلق سبحانه متصف بصفات وجوبية وامكانية ويثبتون مراتب التنزالت
ويقولون ابتصاف الذات الواحدة يف كل مرتبة ابحكام الئقة بتلك املرتبة ويثبتون للذات
التلذذ والتأمل ولكن ال ابلذات بل يف حجب هذه الظالل احملسوسة املوهومة ويلزم على
هذا حمظورات كثرية شرعا وعقال وهم قد ارتكبوا يف جواهبا متحالت كثرية وتكلفات بعيدة
(وهؤالء) الطائفة وان كانوا واصلني كاملني على تفاوت درجات الوصول والكمال ولكن
كالمهم دل اخللق على طريق الضاللة واالحلاد وافضاهم اىل الزندقة ابلقول ابالحتاد
(والطائفة) األوىل اكمل وأمت واقواهلم أوفق ابلكتاب والسنة وأسلم اما االسلمية واالوفقية
فظاهر وأما االمتية واالكملية فمبنية على أن بعض مراتب الوجود االنساين له مشاهبة
ابملبدأ ومناسبة اتمة له يف غاية اللطافة والتجرد كاخلفي واألخفى فالذين ال يقدرون على
متييز هذه املراتب من املبدأ مع وجود الفناء السري فينفوها بكلمة ال بل يبقى املبدأ
عندهم ممتزجا ومتشاهبا وجيدون انفسهم حقا يعين عينه قالوا ليس يف اخلارج اال احلق
سبحانه فقط وليس لنا وجود اصال ولكن ملا كان تعدد اآلاثر اخلارجية متحققا قالوا
- 235 -
ابلثبوت العلمي ابلضرورة ومن ههنا قالوا ان االعيان برازخ بني الوجود والعدم فاهنم ملا مل
مييزوا بعض مراتب وجودات املخلوقات من املبدأ ومل يقولوا بوجوب وجوده صرحوا
بربزخيته واثبتوا للممكن ما للواجب ومل يدروا ان الذي اثبتوه هو من لوازم املمكن يف
نفس االمر لكنه مشابه ابلواجب ولو يف الصورة واالسم فان فرقوا ذلك وميزوا املمكن من
الواجب ابلتمام ملا يقولون ابحتاد العامل ابحلق سبحانه وعينيتهما بل يرون العامل متميزا من
احلق وملا يقولون بوحدة الوجود وما دام مل يزل من شخص اثر ال يرى نفسه حقا وان زعم
انه مل يبق منه اثر[ ]1وهذا ايضا من قصور نظره والطائفة الثانية وان فرقوا هذه املراتب من
املبدأ وادخلوها حتت كلمة ال ونفوها هبا ولكن بقي جزء من بقااي وجودها اثنيا بواسطة
الظلية واالصالة فان تعلق رتبة الظل وارتباطها ابالصل قوي جدا وهذه النسبة مل تكن
ممحوة من نظرهم واما الطائفة األوىل فقد فرقوا مجيع مراتب املمكن من الواجب بواسطة
كمال املناسبة واملتابعة حلضرة خامت الرسالة عليه من الصلوات امتها ومن التحيات اكملها
ونفوا الكل من أول االمر بكلمة ال ومل يروا يف املمكن مناسبة للواجب اصال ومل يثبتوا
للواجب نسبة ما قطعا ومل يعتقدوا انفسهم غري املخلوق العاجز شيئا واعتقدوا احلق
سبحانه خالقهم وموالهم واعتقاد شخص نفسه عني مواله او ظله ثقيل على هؤالء
االكابر جدا ما للرتاب ورب األرابب وهؤالء االكابر حيبون االشياء لكوهنا خملوقة احلق
سبحانه وتكون االشياء حمبوبة يف نظرهم هبذا السبب وهبذه احليثية اعين من حيثية كون
العامل وافعاهلم مصنوع احلق سبحانه واثر افعاله وارادته وقدرته ينقادون ويستسلمون
لالشياء ابلتمام وال يقدرون على انكار افعاهلم اال مبوجب الشريعة فكما ان هذا النوع
من االنقياد واالستسالم واحملبة حيصل الرابب التوحيد بسبب اعتقادهم االشياء مظهر
الصفات احلق بل عينه تعاىل كذلك حيصل هذا النوع هلؤالء االكابر مبجرد مالحظة كون
االشياء خملوقة احلق ومصنوعته تعاىل {ع}:
وشتان ما بني الطريقني فانظروا
( )1اي رؤية نفسه حقا ما مل يزل اثر منه عفي عنه
- 236 -
فان نفس احملبوب وعينه ميكن ان حيب أبدىن شئ من موجبات احملبة وأما
مصنوعاته وخملوقاته وعبيده فال ميكن تعلق احملبة هبم وكوهنم حمبوبني بدون حصول كمال
حمبة احملبوب وهلذه الطائفة العلية حظ وافر من مقام العبدية اليت هي هناية مقامات الوالية
واي دليل امت على صحة حال هؤالء االصفياء من كون كشفهم موافقا للكتاب والسنة
وظاهر الشريعة ابلتمام حبيث مل يتطرق إليه مقدار شعرة من خمالفة ظاهر الشريعة اللهم
اجعلنا من حمبيهم واتبعيهم حبرمة حممد املصطفى صلى هللا عليه وآله وسلم وابرك (وكان)
هذا الدرويش راقم السطور اوال معتقد التوحيد الوجود وحصل له علم هذا التوحيد من
زمن الصبا وبلغ مرتبة اليقني وان مل يكن له حال وملا دخل يف هذا الطريق انكشف له
اوال طريق التوحيد يعين على وجه احلال وسار مدة يف مراتب هذا املقام وفاضت عليه
علوم وافرة مناسبة هلذا املقام وصارت املشكالت والواردات اليت ترد الرابب التوحيد
الوجودي كلها منكشفة وافيضت علوم حلها ايضا وبعد مدة غلبت على هذا الدرويش
نسبة أخرى وتوقف يف التوحيد الوجودي يعين يف مطابقته للواقع وعدمه عند غلبتها عليه
ولكن هذا التوقف كان حبسن الظن ال ابالنكار وبقي على ذلك التوقف مدة مث اجنر
االمر اخريا اىل االنكار واهلم اليه أن هذا املقام مقام سفلي ينبغي الرتقي على مقام الظلية
ولكنه مل يكن يف هذا االنكار صاحب اختيار ومل يرض ان يفارق هذا املقام بسبب اقامة
املشائخ العظام فيه وملا وصل اىل مقام الظلية ووجد نفسه وسائر العامل ظال كما قال به
الطائفة الثانية متن عدم مفارقته ذلك لظنه ان الكمال يف وحدة الوجود وهلذا املقام يعين
مقام الظلية مناسبة بذاك املقام يف اجلملة (مث) رقوه من هذا املقام أيضا اتفاقا من كمال
العناية وغاية اللطف به على أعلى منه وبلغوه مقام العبدية فظهر خينئذ كمال هذا املقام
واتضح علوه فصار اتئبا من املقامات التحتانية ومستغفرا منها فان مل يسلكوا هبذا
الدرويش هبذا الطريق ومل يظهروا له فوقية بعض بعضا كان قد ظن ترقيه على هذا املقام
تنزال من ذاك املقام اليه فانه مل يكن عنده مقام أعلى من مقام التوحيد الوجودي وهللا حيق
احلق وهو يهدي السبيل (وينبغي) أن يعلم أن منشأ تفاوت العلوم واملعارف يف املكاتيب
- 237 -
{املكتوب احلادي والستون واملائة اىل املال صاحل البدخشي يف بيان ان
املقصود من طي منازل السلوك حصول االميان احلقيقي املوقوف على اطمئنان
النفس}
(اعلم) ان املق صود من طي منازل السلوك حصول االميان احلقيقي الذي هو
مربوط ابطمئنان النفس وما مل تطمئن النفس ال تتصور النجاة وال تصل النفس اىل مرتبة
االطمئنان ما مل تسلط عليها سياسة القلب وسياسة القلب امنا تتيسر اذا كان القلب
فارغا من مجيع ما هو من قبل النفس وحصلت له السالمة من التعلق مبا سوى احلق
سبحانه وعالمة سالمته من ذلك التعلق نسيانه ما سوى هللا تعاىل وتقدس وما بقي
مقدار شعرة من الشعور ابلغري فالسالمة بعيدة فطوىب ملن سلم قلبه لربه والسعي اىل ان
تشرف القلب ابلسالمة وينجر االمر اىل اطمئنان النفس الزم ذلك فضل هللا يؤتيه من
يشاء وهللا ذو الفضل العظيم و السالم.
{املكتوب الثاين والستون واملائة اىل اخلواجه حممد صديق يف بيان فضيلة شهر
رمضان وبيان مناسبته للقرآن اجمليد وما يناسبه}
ابمسه سبحانه (اعلم) ان شأن الكالم الذي هو من مجلة الشئوانت الذاتية جامع
جلميع الكماالت الذاتية والشئوانت الصفاتية كما ذكر يف العلوم السابقة وشهر رمضان
املبارك جامع جلميع اخلريات والربكات وكل خري وبركة فهو مفاض من حضرة الذات
تعالت وتقدست ونتيجة شئوانته سبحانه وكل شر ونقص ظهر يف عرصة الوجود فمنشأه
- 238 -
الذات احلادثة والصفات املستحدثة ما اصابك من حسنة فمن هللا وما أصابك من سيئة
فمن نفسك نص قاطع يف ذلك فجميع خريات هذا الشهر وبركاته نتيجة تلك
الكماالت الذاتية اليت استجمعت يف شأن الكالم والقرآن اجمليد حاصل متام حقيقة ذلك
الشأن اجلامع فلهذا الشهر املبارك مناسبة اتمة للقرآن اجمليد من جهة كون القرآن جامعا
جلميع الكماالت وهذا الشهر جلميع اخلريات اليت هي نتائج تلك الكماالت ومثراهتا
وهذه املناسبة كانت ابعثة على نزول القرآن يف هذا الشهر قال هللا تعاىل شهر رمضان
الذي انزل فيه القرآن وليلة القدر يف هذا الشهر خالصة هذا الشهر وزبدته فهو مبنزلة
اللب وهذا الشهر مبنزلة قشره فمن مر عليه هذا الشهر وهو متلبس ابجلمعية وصار
حمظوظا من خرياته وبركاته يكن موفقا جلمعية متام السنة ويفوز ابخلريات والربكات فيها
وفقنا هللا سبحانه للخريات والربكات يف مثل هذا الشهر املبارك ورزقنا النصيب االعظم
قال حضرة خامت الرسالة عليه الصالة و السالم والتحية اذا افطر احدكم فليفطر على مترة
فانه بركة وافطر النيب صلّى هللا عليه و سلّم ابلتمر وكون التمرة بركة الن شجرهتا النخلة
خملوقة على عنوان اجلامعية وصفات اعدلية كاالنسان وهلذا مسى النيب صلّى هللا عليه و
سلّم النخلة عمة بين آدم لكوهنا خملوقة من بقية طينة آدم عليه السالم كما قال عليه
الصالة و السالم اكرموا[ ]1عمتكم النخلة فاهنا خلقت من بقية طينة آدم عليه السالم
وتسميته بركة ميكن ان تكون ابعتبار هذه اجلامعية فاالفطار بثمرهتا اليت هي التمرة تكون
جزء من املفطر هبا وحقيقتها اجلامعية تكون جزء من حقيقته ابعتبار تلك اجلزئية و يكون
آكلها جامعا لكماالت غري متناهية مندرجة يف حقيقة التمر اجلامعة بذلك االعتبار وهذا
املعن وان كان حاصال يف أكله مطلقا ولكنه وقت االفطار الذي هو اوان خلو الصائم
عن الشهوات املانعة واللذات الفانية يكون أتثريه ازيد وظهور هذا املعن فيه يكون امت
( )1رواه ابو يعلى يف مسنده والعقيلي يف الضعفاء وابن عدي وابن ايب حامت وابن السين وابو نعيم يف الطب وابن
مردوية يف التفسري عن علي بلفظ اكرموا عمتكم النخلفة فاهنا خلقت من فضلة طينة ابيكم آدم قال العزيزي اسانيدها
ضعيفة ولكن ابجتماعها تتقوى اه
- 239 -
واكمل وما قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم نعم[ ]1سحور املرء التمر ميكن ان يكون ذلك
ابعتبار ان يف غذائه الذي يصري جزء من اآلكل تكميل حقيقته ال تكميل حقيقة الغذاء
وملا كان هذا املعن مفقودا وقت الصوم رغب يف التسحر ابلتمر تالفيا هلذا املعن وكان يف
اكله فائدة اكل مجيع املأكوالت وتبقى بركته ابعتبار جامعيته اىل وقت االفطار وهذه
الفائدة الغذائ ية املذكورة امنا ترتتب اذا وقع ذلك الغذاء على وجه شرعي ومل جياوز حدود
الشرع مقدار شعرة وايضا ان حقيقة هذه الفائدة امنا تتيسر اذا كان آكله قد جاوز
الصورة وبلغ املعن واحلقيقة وا طمئن عن الظاهر ابلباطن فحينئذ يكون ظاهر الغذاء ممدا
لظاهره وابطنه مكمال لباطنه واال ففائدته مقصورة على االمداد الظاهري وآكله يف عني
القصور {شعر}:
اجتهد يف جعل اكل جوهرا * مث كل من بعد ذا ما تشتهي
وهذا اعين تكميل الغذاء آلكله هو سر تعجيل االفطار وأتخري السحور و
السالم.
{ املكتوب الثالث والستون واملائة اىل السيد النقيب الشيخ فريد يف بيان ان
كال من االسالم والكفر ضد اآلخر واجتماعهما حمال واعزاز احدمها مستلزم الذالل
اآلخر ..اخل}
احلمد هلل الذي انعم علينا وهداان اىل االسالم وجعلنا من امة حممد عليه الصالة و
السالم اعلم ان نقد سعادة الدارين مربوط ابتباع سيد الكونني عليه الصالة و السالم
فحسب واالتباع امنا هو ابتيان احكام االسالم واجرائها بني االانم ورفع رسوم الكفر
وإبطاهلا ودفعها عن اخلاص والعام فان الكفر واالسالم ضدان ال جيتمعان اىل قيام الساعة
وساعة القيام فاثبات احدمها موجب لرفع اآلخر واعزاز اَ َحدمهَا مستلزم الذالل اآلخر
وقد قال هللا سبحانه خطااب لنبييه وحبيبه صلّى هللا عليه و سلّم اي ايها النيب جاهد
الكفار واملنافقني واغلظ عليهم فاذا امر هللا سبحانه رسوله الذي هو موصوف ابخللق
العظيم جبهاد الكفار والغلظة عليهم علم ان الغلظة عليهم داخل يف اخللق العظيم فعزة
االسالم يف مذلة الكفر واهله فمن اعز اهل الكفر فقد اذل أهل االسالم واالعزاز ليس
هو عبارة عن تعظيمه واجالسهم يف الصدر البتة بل ادخاهلم يف اجملالس ومصاحبتهم
والتكلم معهم بلغاهتم كل ذلك داخل يف االعزاز فان الالئق هبم ابعادهم مثل الكالب
فان تعلق هبم غرض من االغراض الدنياوية حبيث ال يكاد يتيسر بدوهنم فحينئذ ينبغي ان
خيتلط هبم بقدر الضروة مراعيا شيمة عدم االلتفات اليهم واالعتداد هبم وكمال االسالم
يف ترك هذا الغرض ابلكلية وعدم االلتفات اليهم واالختالط هبم وقد مسى هللا سبحانه
اهل الكفر يف كالمه اجمليد عدوه وعدو رسوله فاالختالط ابعداء هللا واعداء رسوله من
أعظم اجلناايت وأقل ضرر املخالطة هبؤالء االعداء واملصاحبة معهم حصول الوهن
والضعف يف قدرة إجراء االحكام الشرعية ورفع رسوم الكفر الشنيعة ملانع حياء املؤانسة
هبم وهذا الضرر ع ظيم جدا فان املودة وااللفة مع اعداء هللا ينجر اىل عداوة هللا عز وجل
وعداوة رسوله صلّى هللا عليه و سلّم ورمبا يزعم االنسان انه من اهل االسالم وانه مؤمن
ابهلل ورسوله ولكنه ال يدري ان أمثال هذه االعمال الشنيعة يذهب دولة االسالم عنه
ابلتمام نعوذ ابهلل من شرور انفسنا ومن سيآت أعمالنا {شعر}:
حتب عدوي مث تزعم انين * احبك ان العقل منك لعازب
وشغل هؤالء املالعني اعداء الدين االستهزاء ابالسالم والسخرية ابهله منتظرين
ابهنم ان وجدوا فرصة خيرجوننا من االسالم او يقتلوننا مجيعا فينبغي الهل االسالم ايضا
االستحياء واحلمية فان احلياء من االميان واحلمية االسالمية ضرورية فالالئق ابويل االمر
ان يكونوا يف اذالل هؤالء املخذولني دائما وقد ارتفعت اجلزية من أهل الكفر يف بالد
اهلند رأسا وابلذات وذلك بواسطة شآمة مصاحبة أهل الكفر مع سالطني هذه الداير
واملقصود االصلي من اخذ اجلزية منهم هو اذالهلم وهذا االذالل يكون على حد ال
- 241 -
يقدرون لبس الثياب النفيسة خوفا من أخذ اجلزية وال يقدرون على التجمل بل يكونون
خائفني وجلني من أخذ أمواهلم على الدوام وكيف يتجاسر السالطني على املنع من اخذ
اجلزية واحلال ان احلق سبحانه وضع اجلزية ذال هلم واملقصود من أخذها فضيحتهم
ومذلتهم وغلبة أهل االسالم وعزهتم {ع}:
و يف اذالل كفر عز االسالم
و عالمة حصول دولة االسالم بغض أهل الكفر وكراهتهم وقد مساهم هللا سبحانه
يف كالمه اجمليد جنسا ويف حمل رجسا فينبغي اذا ان يكون أهل الكفر يف نظر أهل
االسالم جنسا ورجسا فاذا رأوهم كذلك فال جرم جيتنبون عن صحبتهم ويستكرهون
جمال نستهم والرجوع اىل هؤالء االعداء يف شئ من االشياء والعمل مبقتضى رأيهم
وحكمهم من كمال اعزازهم فما يكون حال من يطلب منهم اهلمة ويتوسل هبم وقد قال
هللا سبحانه يف كالمه اجمليد وما دعاء الكافرين اال يف ضالل فدعاء هؤالء االعداء ابطل
عار عن احلاصل فاىن يكون احتمال االجابة فيه بل يستلزم ذلك فسادا كبريا من اعزاز
هؤالء الكالب ولئن ابشر هؤالء املخذولون الدعاء يتوسلون ابصنامهم فينبغي التفكر اىل
اين ينجر االمر بل ال تبقى رائحة من االسالم قال واحد من االعزة ما مل يصل احدكم
اىل حد اجلنون ال يصل اىل االسالم واجلنون عبارة عن عدم االلتفات اىل نفع نفسه
وضرره وعدم املباالة حبصول شئ وفوته يف اعالء كلمة االسالم واملسلمني فاذا حصل
االسالم فقد حصل رضا احلق ورضا رسوله عليه الصالة و السالم وال دولة اعظم من
رضا املوىل سبحانه رضينا ابهلل راب وابالسالم دينا ومبحمد عليه الصالة و السالم نبيا
ورسوال واحينا اي رب على ذلك حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله من الصلوات
افضلها ومن التسليمات اكملها و السالم اوال وآخرا فقد كتبت ما هو ضروري وما البد
منه عجالة الوقت بطريق االمجال وارسلته فان كان التوفيق رفيقا بعد ذلك اكتب مفصال
وارسله وكما ان االسالم ضد الكفر كذلك اآلخرة ضد الدنيا ال جتتمع احدامها ابألخرى
وترك الدنيا على نوعني تركها مع مجيع مباحاهتا اال قدر الضرورة وهذا القسم اعلي نوعى
- 242 -
ترك الدنيا واآلخر االجتناب عن حمرماهتا ومشتبهاهتا مع التنعم مبباحاهتا وهذا القسم ايضا
عزيز الوجود جدا خصوصا يف هذه االزمان {شعر}:
اذا قسنا السما ابلعرش ينحط * وما أعاله ان قسنا ابرض
فال بد ابلضرورة من إالجتناب عن استعمال الذهب والفضة ولبس احلرير وامثاهلا
مما هو حمرم يف الشريعة املصطفوية على مصدرها الصالة و السالم والتحية فان حفظت
اواين الذهب والفضة للتجمل وزينة البيت فال أبس به بل له مساغ يف اجلملة ولكن
استعماهلا ابي وجه كان من شرب ماء واكل طعام فيها ووضع العطر واختاذ املكحلة منها
وغري ذلك حرام واحلاصل ان احلق سبحانه وسع دائرة املباح جدا حت ان التنعمات
والتمتعات هبا أزيد منها ابألمور احملرمة مع ان يف استعمال املباحات رضا احلق سبحانه
ويف استعمال احملرمات سخطه تعاىل والعقل السليم ال جيوز اصال اختيار لذة فانية فيها
عدم رضا مواله مع ان مواله جوز له بدل تلك اللذة احملرمة اللذة املباحة رزقنا هللا
سبحانه واايكم االستقامة على متابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة والتحية
وينبغي الرجوع يف املعاملة اىل العلماء املتورعني دائما واالستفسار منهم والعمل مبتقضى
فتواهم فان طريق النجاة هو الشريعة وما عدا الشريعة كله ابطل ال اعتبار له فماذا بعد
احلق اال الضالل و السالم اوال وآخرا.
{املكتوب الرابع والستون واملائة اىل احلافظ هباء الدين السرهندي يف بيان ان
فيض احلق سبحانه و تعاىل وارد على اخلواص والعوام على الدوام والتفاوت امنا هو
بقبوله وعدم قبوله من طرف العبد}
رزقكم هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة مبنه وكرمه (اعلم) ان فيض احلق
سبحانه من قسم االوالد واالموال واهلداية والرشد وان كان واردا على الدوام من غري تفرقة
بني اخلواص والعوام والكرام واللئام ولكن التفاوت انش من هذا الطرف فبعض يقبل
الفيوض وآخر ال يقبلها وما ظلمهم هللا ولكن كانوا انفسهم يظلمون اال ترى ان الشمس
- 243 -
تشرق على القصار والثوب ابلسوية ومع ذلك تسود وجه القصار وتبيض الثوب وعدم
قبول فيض احلق سبحانه امنا هو بسبب االعراض عن جناب قدسه جل سلطانه فان
االدابر الزم للمعرض واحلرمان من النعمة واجب عليه (ال يقال) ان كثريا من املعرضني
متنعمون بتنعمات عاجلة ومل يكن اعراضهم سببا حلرماهنم (الان نقول) ان تلك نقمة
ظهرت يف صورة نعمة على سبيل االستدراج لطغياهنم لينهمكوا يف االعراض والضاللة
قال هللا سبحانه و تعاىل احيسبون امنا مندهم به من مال وبنني نسارع هلم يف اخلريات بل
ال يشعرون فالدنيا وتنعماهتا مع وجود االعراض عني االستدراج احلذر احلذر.
{املكتوب اخلامس والستون واملائة اىل السيد النقيب الشيخ فريد يف الرتغيب
يف متابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة والتحية وبغض خمالفي الشريعة
وعداوهتم والغلظة عليهم}
شرفكم هللا سبحانه بتشريف املرياث املعنوي من النيب االمي القرشي اهلامشي عليه
و على آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها كما شرفكم بتشريف املرياث
الصوري ويرحم هللا عبدا قال آمينا ومرياثه الصوري يتعلق بعامل اخللق ومرياثه املعنوي بعامل
األمر الذي هو مقر االميان واملعرفة وحمل الرشد واهلداية وشكر نعمة املرياث الصوري هو
التحلي ابملرياث املعنوي وال يتيسر ذلك اال بكمال االتباع املصطفوي عليه الصالة و
السالم فعليكم ابتباعه يف أوامره ونواهيه واملتابعة فرع كمال حمبته عليه الصالة و السالم
{ع}:
ان احملب ملن حيب مطيع
و عالمة كمال احملبة كمال بغض اعدائه صلّى هللا عليه و سلّم واظهار العداوة
ملخالفي شريعته عليه الصالة و السالم وال سبيل للمداهنة يف احملبة فان احملب واله
ابحملبوب هائم به ال يطيق خمالفته وال ان مييل اىل خمالفيه وال ان يلني هلم بوجه من الوجوه
وال جيتمع حمبة املتباينني فان اجلمع بني الضدين حمال بل حمبة أحدمها تستلزم عداوة
- 244 -
اآلخر ينبغي ان يتأمل أتمال جيدا وان يتدارك ما مضى قبل فوت الفرصة فانه اذا فاتت
الفرصة ال حيصل شئ غري الندامة {شعر}:
وحني الصبح تبدو كالنهار * حقيقة من هويته يف الظالم
{غريه}
سوف ترى اذا اجنلى الغبار * افرس حتتك ام محار
ومتاع الدنيا متاع الغرور وترتبت عليه املعاملة االخروية واالبدية فان تيسرت متابعة
سيد االولني واآلخرين يف هذه االايم املعدودة فالنجاة االبدية مرجوة واال فخسارة يف
خسارة كائنا من كان وأي عمل عمله من اخلري {شعر}:
حممد سيد الكونني من عرب * خاب الذي مل يكن يف اببه الرتاب
وحصول دولة تلك املتابعة العظمى ليس مبوقوف على ترك الدنيا ابلكلية حت
يكون عسريا بل اذا أديت الزكاة املفروضة مثال فله حكم الرتك يف عدم وصول املضرة فانه
ال ضرر يف املال املزكى فمعاجلة دفع الضرر عن املال الدنياوي اخراج الزكاة وان كان الرتك
الكلي أوىل وأفضل منه ولكن اداء الزكاة يقوم مقامه {شعر}:
اذا قسنا السما ابلعرش ينحط * وما أعاله ان قسنا ابرض
فينبغي صرف مجيع اهلمة يف اتيان احكام الشريعة وتعظيم اهلها من العلماء
والصلحاء واالجتهاد يف تروجيها واذالل أهل االهواء والبدع فان من[ ]1وقر صاحب بدعة
فقد اعان على هدم االسالم ومعاداة الكفار الذين هم اعداء هللا واعداء رسوله صلّى هللا
عليه و سلّم والسعي يف اهانتهم وحتقريهم وعدم اعزازهم بوجه من الوجوه وعدم ادخاهلم
يف اجملالس اصال وعدم االنس هبم وسلوك طريق الغلظة والشدة عليهم وعدم الرجوع اليهم
( )1رواه البيهقي يف شعب االميان عن ابراهيم بن ميسرة مرسال قال القاري يعد يف التابيعن ثقة صحيح احلديث روراه
الطرباين من حديث عبدهللا بن بسر وابن عدي عن ابن عباس وايضا ابن عدي وابو نصر السجزي يف االابنة وابن
عساكر عن عائشة رضي هللا عنها اه
- 245 -
يف أمر من االمور مهما امكن فان اضطرت الضرورة فرضا اىل الرجوع اليهم ينبغي قضاء
تلك احلاجة منهم ب كره واضطرار مثل قضاء احلاجة االنسانية الطريق الذي يوصل اىل
جناب قدس جدكم املعظم هو هذا ومن مل ميش من هذا الطريق فالوصول اىل ذاك
اجلناب املقدس مشكل هيهات هيهات {شعر}:
كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف
ماذا نكتب أزيد من هذا {شعر}:
بثثت لديكم من مهومي وخفت ان * متلوا و اال فالكالم كثري
{ املكتوب السادس والستون واملائة اىل املال حممد امني يف عدم االعرتار
ابحلياة اليسرية واجلهد يف ازالة املرض القليب ابلذكر الكثري}
أيها املخدوم االم حتن اىل نفسك كاالم الشفيقة وحثام تتجرع الغصص من أجلها
وتغتم عليها كاالخت الشقيقة ينبغي ان تفرض الكل ميتا ومجادا خاليا عن احلس واحلركة
انك ميت واهنم ميتون نص قاطع يف هذا املعن وفكر ازالة املرض القليب ابلذكر الكثري يف
هذه الفرصة اليسرية من أهم املهمات ومعاجلة العلة املعنوية بذكر الرب اجلليل يف هذا
الوقت القليل من أعظم املقاصد وأجل القرابت القلب الذي هو متعلق ابلغري كيف يتوقع
منه اخلري والروح اليت هي مائلة اىل الشر النفس األمارة أفضل منها واخري املطلوب منا
هناك كله سالمة القلب وختلص الروح وصفاؤها وحنن القاصرون يف فكر حتصيل اسباب
تعلق الروح والقلب دائما هيهات هيهات وماذا نصنع وما ظلمهم هللا ولكن كانوا
أنفسهم يظلمون وال ينبغي ان تغتم من جهة الضعف الظاهري عسى ان يتبدل صحة
وعافية ان شاء هللا تعاىل وال تشويش يف خاطر هذا اجلانب من تلك اجلهة وقد طلبتم
الثوب الذي لبسه الفقري فارسلت قميصا فينبغي ان تلبسه مرتصدا لنتائجه ومثراته فانه
كثري الربكة {شعر}:
خاب الذي قد غدا يف قلبه مرض * وفاز من كان فيه حدة البصر
- 246 -
و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و
التسليمات.
{املكتوب السابع والستون واملائة اىل هردي رام اهلندو الذي اظهر االخالص
هلذه الطائفة العلية يف التحريض على عبادة هللا تعاىل و التحذير عن عبادة اآلهلة
الباطلة}
قد وصل الينا منكم مكتوابن وفهم من كل منهما حمبة الفقراء وااللتجاء اىل هذه
الطائفة العلية نعم النعمة ان من على شخص هبذه الدولة {شعر}:
وما هو من شرط البالغ اقوله * فخذ منه نصحا خالصا أو ماللة
( اعلم وتنبه) ان ربنا وربكم بل رب العاملني من السموات واالرضني والعلويني
والسفليني واحد ليس كمثله شئ منزه عن الشبه واملثال مربأ عن الشكل وكل ما مير على
اخليال وكل من االبوة والبنوة يف حقه حمال وليس للكفاءة والتمثال يف حضرته جمال وزعم
شائبة االحتاد واحللول مستهجن يف حضرة أنسه ومظنة الكمون والربوز مستقبح يف
جناب قدسه ليس بزماين فان الزمان خملوقه تعاىل وليس مبكاين فان املكان مصنوعه
اثبت له سبحانه وكل نقص سبحانه ال بداية لوجوده وال هناية لبقائه وكل خري وكمال ٌ
وزوال مسلوب عن جنابه املتعال فيكون مستحق العبادة هو تعاىل ورام وكرشن وأمثاهلما
من آهلة اهلنود كلها من أحقر خملوقاته تعاىل متولدات من املخلوقني فان رام ولد جسرت
وأخو لكهمن وزوج سيتا فاذا كان رام غري قادر على حفظ زوجته فكيف ميد الغري ينبغي
استعمال العقل ال اتباع هؤالء وتقليدهم فعار على شخص الف عار اعتقاد ان رب
العاملني هو رام وكرشن وذكره تعاىل هبما ومثله مثل شخص يذكر السلطان املعظم ابسم
ارذل الكناسني وزعم احتاد رام ورمحن من هناية عدم العقل فان اخلالق ال يتحد ابملخلوق
وقبل خلق رام وكرشن ما كان أحد يذكر رب العاملني ابسم رام وكرشن فالي شئ يطلق
امسهما عليه سبحانه و تعاىل بعد ظهورمها ويعتقدون ان ذكرمها ذكر رب العاملني حاشا
- 247 -
[]1
ألف وكال مث حاشا وكال ولقد مضى من أنبيائنا عليهم الصلوات و التسليمات مائة
واربع وعشرون ألفا تقريبا كلهم دعوا اخللق اىل عبادة اخلالق ورغبوهم فيها ومنعوهم عن
عبادة غريه واعتقدوا أنفسهم عبيدا عاجزين وكانوا خائفني ووجلني من هيبته وعظمته
تعاىل وآهلة اهلنود رغبوا اخللق يف عبادهتم واعتقدوا أنفسهم آهلة فاهنم وان كانوا قائلني
بوجود رب العاملني ولكنهم اثبتوا له سبحانه احللول فيهم واحتاده هبم فدعوا اخللق اىل
عبادهتم من هذه اجلهة وأمروهم ابن يقولوا هلم آهلة ووقعوا يف احملرمات من غري حتاش زعما
منهم ان االله ال يكون ممنوعا من شئ أصال بل يتصرف يف خلقه كيف يشاء واقسام
هذه التخيالت الفاسدة كثرية فيهم ضلوا فأضلوا خبالف أنبيائنا عليهم الصلوات و
التسليمات فاهنم امتنعوا عن كل ما منعوا اخللق منه على الوجه االمت واالكمل واعتقدوا
انفسهم بشرا مثل سائر البشر {ع}:
وشتان ما بني الطريقني فانظروا
( )1هذا على ما اخرجه البزار والطرباين وابن مردوية وابن حبان وصححه وامحد عن ايب ذر رضي هللا عنه بلفظ مائة
الف واربعة وعشرون الفا الرسل منهم ثالمثائة ومخسة عشر مجا غفريا.
- 248 -
الطريقة العلية عن ذكر اجلهر وأمروا ابلذكر القليب ومنعوا من السماع والرقص والوجد
والتواجد وغري ذلك مما مل يكن يف عصره عليه الصالة و السالم وعصر اخللفاء الراشدين
عليهم الرضوان واختاروا اخللوة يف اجللوة بدل خلوة االربعني لعدم كوهنا يف الصدر االول
فال جرم ترتبت على ذلك االلتزام نتائج عظمى وتفرعت على ذاك االجتناب مثرات كثرية
وم ن ههنا كانت هناية غريهم مندرجة يف بدايتهم وكانت نسبتهم فوق مجيع النسب
كالمهم دواء االمراض القلبية ونظرهم شفاء العلل املعنوية توجههم الوجيه ينجي الطالبني
من تعلق الكونني ومهتهم الرفيعة الشأن ترفع املريدين اىل ذروة الوجوب من حضيض
االمكان {شعر}:
ما أحسن النقشبنديني سريهتم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم
تزيل وسوسة اخللوات صحبتهم * عن قلب أصحاهبم اي حسن ذا الكرم
و لكن قد صارت هذه النسبة الشريفة يف هذه االوان كعنقاء املغرب وتوجهت
حنو االستتار حتت احلجب حت سلك مجاعة من هذه الطبقة من عدم وجدان هذه
الدولة العظمى وفقدان تلك النعمة القصوى كل مسلك وفرحوا بنيل قطعات خزف بدال
من اجلواهر النفيسة واطمأنت قلوهبم ابجلوز واملوز مثل االطفال حت اهنم من غاية
االضطرار والتحري تركوا طريقة اكابرهم وصاروا يطلبون التسلي أحياان بذكر اجلهر وآونة
يرومون االطمئنان ابلرقص والسماع والدور وملا مل تتيسر هلم اخللوة يف اجللوة اختاروا
االربعينات وأعجب من ذلك زعمهم هذه البدعات الشنيعة متممة ومكملة هلذه النسبة
الشريفة وعدهم هذا التخريب عني التعمري أعطاهم هللا سبحانه و تعاىل االنصاف وأوصل
مشة من كماالت أكابر هذه الطريقة اىل مشام أرواحهم حت يرتكوا االعتساف ابلنون
والصاد وحبرمة النيب وآله االجماد عليه وعليهم الصلوات و التسليمات وملا شاعت هذه
احملداثت يف تلك الداير وبلغ شيوعها اىل حد اختفى اصل طريق االكابر واختار الوضيع
والشريف هذا الوضع احملدث اجلديد هناك واعرضوا عن طريق االصل والقدمي خطر يف
اخلاطر ان أظهر نبذة من هذه البلية خلدمة عتبته العلية وان افرغ القلب من االمل هبذه
- 249 -
الوسيلة وال أدري من أي طائفة أنيس املخدوم زاده يف جملسه الشريف ومن اي فرقة
مؤنسه يف حمفله املنيف {شعر}:
من مقليت طار املنام تفكرا * من كان من ندمائه وضجيعه
واملسئول من هللا سبحانه أن يعصم جناب قدسكم عن عموم هذه البلوى وان
حيفظ عتبة شرفكم عن مشول هذا االبتالء (ايها) املخدوم املكرم قد روجوا احملداثت
واملبتدعات يف هذه الطريقة حبيث لو قال املخالفون ان يف هذه الطريقة التزام البدعة
واالجتناب عن السنة لساغ هلم ذلك فاهنم يصلون صالة التهجد جبمعية اتمة ويروجون
هذه البدعة ويزينوهنا يف عيون العامة ابدائها يف املسجد مثل سنة الرتاويح ويزعمون
عملهم ذلك حسنا ويرغبون الناس فيه واحلال ان الفقهاء شكر هللا سعيهم قالوا إن اداء
النوافل ابجلماعة مكروه اشد الكراهة والذين اشرتطوا التداعي لكراهة اجلماعة يف النفل
من الفقهاء قيدوا جواز اجلماعة فيه أبدائه يف انحية املسجد واتفقوا على كراهتها اذا
زادت اجلماعة على ثالثة انفار (وأيضا) ان هؤالء يزعمون صالة التهجد هبذا الوضع
ثالث عشرة ركعة ويصلون اثنيت عشرة ركعة قائمني وركعتني قاعدين زعما منهم اهنما يف
حكم ركعة واحدة آخذي ن ذلك من قوهلم ان ثواب القاعد نصف ثواب القائم وهذا العلم
والعمل أيضا خمالف للسنة على صاحبها الصالة و السالم والتحية فان النيب صلّى هللا
عليه و سلّم امنا صلى التهجد ثالث عشرة ركعة مع الوتر والفردية يف التهجد امنا جاءت
من فردية ركعات الوتر ال كما زعم هؤالء {شعر}:
بثثت لديكم من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري
والعجب من رواج أمثال هذه البدعات يف بالد ما وراء النهر اليت هي مأوى
علماء أهل احلق وكيف شاعت فيها أمثال هذه املخرتعات واحلال اان نستفيد العلوم
الشرعية من بركاهتم وهللا سبحانه امللهم للصواب ثبتنا هللا سبحانه واايكم على جادة
الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية ويرحم هللا عبدا قال آمينا.
- 250 -
{املكتوب التاسع والستون واملائة اىل الشيخ عبد الصمد السلطان پوري يف
جواب سؤاله عن قول من قال لشيخه لو دخلت بيين وبني احلق سبحانه يف وقت
خاص يب معه تعاىل أقطع رأسك واستحسنه الشيخ منه}
احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين أمجعني
وصل املكتوب الشريف املرسل على وجه الكرم وصار موجبا للفرح وأما جواب
االستفسار فاعلم ايها املخدوم ان املقصد االقصى واملطلب االسن هو الوصول اىل
ج ناب قدس احلق جل سلطانه ولكن ملا كان الطالب يف االبتداء يف غاية التدنس والتنزل
بسبب تعلقات شت وجناب قدسه تعاىل يف غاية الرفعة والتنزه كانت املناسبة اليت هي
سبب االفاضة واالستفاضة مسلوبة بني الطالب واملطلوب ابلكلية فال جرم مل يكن بد من
شيخ عامل ابلطريق وبصري به وقابل للربزخية انئل للحظ الوافر من الطرفني ليكون واسطة
يف وصول الطالب اىل املطلوب وكلما حيصل شئ من املناسبة بني الطالب واملطلوب جير
الشيخ نفسه هبذا القدر من البني فاذا حصلت مناسبة اتمة بني الطالب واملطلوب فحينئذ
أيخذ الشيخ نفسه من البني ابلتمام فانه قد أوصل الطالب اىل املطلوب فلم يبق االحتياج
اىل التوسط فمشاهدة املطلوب يف االبتداء والتوسط من غري وساطة الشيخ غري ممكنة ويف
االنتهاء يتجلي مجال املطلوب بدون وساطته وحيصل فيه الوصل العراين والذي يقول ان
الشيخ لو حضر يف ذلك الوقت احز رأسه امنا يقول ذلك من جنونه فان مثل هذا الكالم
ال يظهر من أرابب االستقامة فاهنم ال يسلكون طريق اساءة االدب بل يطلبون املرادات
من بركات الشيخ.
{املكتوب السبعون واملائة اىل الشيخ نور يف بيان لزوم مراعاة حقوق اخللق
ومواساهتم كمراعاة حقوقه تعاىل}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ايها االخ االرشد كما ان االنسان
البد له من امتثال أوامر احلق جل وعال واالنتهاء عن مناهيه كذلك البد له من مراعاة
- 251 -
اداء حقوق اخللق ومواساهتم التعظيم المر هللا والشفقة على خلق هللا بيان الداء هذين
احلقني ودال على لزوم مراعاة هذين الشطرين فاالقتصار على احدمها واالكتفاء عن الكل
ابجلزء قصور وبعيد عن االتصاف ابلكمال فكان حتمل ايذاء اخللق ضروراي وحسن
معاشرهتم واجبا وال حيسن عدم التفكر وال يليق عدم االلتفات وقلة املباالة {شعر}:
وال يستقيم الغنج من كل عاشق * ولو انه حمبوب كل اخلالئق
وحيث تشرفت بصحبة الفقراء مدة كثرية ومسعت من املواعظ النصائح نبذة يسرية
اعرضنا عن اطالة الكالم واقتصران على فقرات يسرية يف افادة املرام ثبتنا هللا سبحانه
واايكم على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية.
وال ينبغي ايضا استحسان جمرد أتييد الدين وتقوية امللة وترويج الشريعة ودعوة اخللق اىل
احلق جل وعال فان هذا القسم من التأييد قد يكون احياان من الكفار والفجار وقال
عليه الصالة و السالم ان هللا ليؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر وكلما جيئ مريد لطلب
الطريقة وارادة االانبة ينبغي أن يرى يف النظر مثل النمر واالسد وان خياف من أن يراد به
مكيدة واستدراج فان وجد الفرح والسرور يف النفس عند قدوم املريد ينبغي أن يعتقده
شركا وكفرا وان يتداركه ابلندامة واالستغفار اىل ان ال يبقى أثر من هذا السرور بل اىل أن
جييئ حمل السرور والفرح اخلوف واحلزن وينبغي أن جيتنب غاية االجتناب عن ظهور
الطمع والتوقع يف مال املريد ومنافعه الدنياوية فانه مانع لرشد املريد وابعث على كون
الشيخ خرااب فان املطلوب هناك كله الدين اخلالص اال هلل الدين اخلالص ال جمال للشركة
يف جناب احلضرة االهلية بوجه من الوجوه واعلم ان كل ظلمة وكدورة تطرأ على القلب
فازالتها تتيسر ابلتوبة واالستغفار والندامة وااللتجاء اىل احلق سبحانه و تعاىل أبسهل
الوجوه اال ظلمة طرأت على القلب من طريق حمبة الدنيا الدنية فاهنا جتعل القلب خرااب
وازالتها يف غاية التعسر بل يف هناية التعذر صدق رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم حيث
قال[ ]1حب الدنيا رأس كل خطيئة جناان هللا سبحانه واايكم من حمبة الدنيا وحمبة ابنائها
وارابهبا واالختالط هبم واملصاحبة معها فاهنا سم قاتل ومرض مهلك وبالء عظيم وداء
عميم واخوان االرشد الشيخ محيد مرتدد يف تلك احلدود ابحسن الوجوه فينبغي اغتنام
استماع الكلمات اجلديدة الطرية منه والباقي عند التالقي.
{املكتوب الثاين والسبعون و املائة اىل الشيخ بديع الدين يف بيان بعض
( )1رواه ا لبيهقي عن احلسن مرسال وهكذا رواه الديلمي يف الفردوس من حديث علي ويعضده سنده ومل خيرجه ولده
يف املسند ورواه ابن ايب الدنيا عن احلسن مرسال وقد قال ابو زرعة كل شئ يقول احلسن قال رسول هللا صلّى هللا عليه
و سلّم وجدت له اصال اثبتا ما خال اربعة احاديث وهذا القول عند البقاعي وايب نعيم من قول عيسى ابن مرمي عليهما
السالم وعند ابن ايب الدنيا يف مكائد الشيطان من قول مالك ابن دينار وعند ابن يونس من قول سعد وجزم ابن تيمية
انه من قول جندب البجلي انتهى من شرح االحياء ملخصا
- 253 -
القالب والقلب فالذي هو مكلف ابلشريعة مكلف هبا دائما وما هو غري مكلف هبا غري
مكلف هبا أصال غاية ما يف الباب أن اللطائف كانت قبل السلوك بعضها ممتزجا ببعض
ومل تكن ممتازة عن القلب وملا ميز السري والسلوك بعضها عن بعض واوصل كال منها اىل
مقره االصلي تبني أن أاي منها كان مكلفا وأاي منها مل يكن مكلفا (فان قيل) ان العارف
قد جيد يف ذلك املقام قالبه وقلبه أيضا يف خارج دائرة الشريعة فما وجه ذلك (اجيب) أن
هذا الوجدان ليس بتحقيقي بل ختيلي ومنشأ التخيل هو انصباغ القلب والقالب بلون
ألطف اللطائف اليت وضعت االقدام يف خارج دائرة الشريعة (فان قيل) ان صورة
التكليفات الشرعية وان كانت خمصوصة ابلقلب والقالب ولكن حلقيقة الشريعة جمال فيما
وراء القلب أيضا فما معن وضع القدم يف خارج مطلق الشريعة (اجيب) ان حقيقة
الشريعة وان كان هلاجمال فيما وراء القلب ولكنها ال تتجاوز وال تتعدى الروح والسر وال
تصل اىل اخلفى واالخفي والذي يضع االقدام يف اخلارج هو اخلفي واالخفى يف احلقيقة
وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال ثبتنا هللا سبحانه ومجيع املسلمني على متابعة سيد
املرسلني عليه و على آله الصلوات و التسليمات أمتها وأكملها.
{املكتوب الثالث والسبعون واملائة اىل املري حممد نعمان يف جواب سؤال سأله
مع بيان اسرار غريبة متعلقة ابلنفي واالثبات}
بعد احلمد والصالة ليكن معلوم جناب السيد انك قد سألت انه ملا كان نفي كل
ما يكون حمسوسا ابلبصر أو مدركا ابخليال بكلمة ال ضرورية لكون املطلوب املثبت وراء
احلس واخليال يلزم على هذا ان يكون مشهود حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم
مستحقا للنفي و يكون املطلوب املثبت وراء ذلك املشهود (ايها االخ) ان حممدا رسول
هللا صلّى هللا عليه و سلّم مع كمال علو شأنه كان بشرا ومتسما بسمة احلدوث
واالمكان فماذا يدرك البشر من خالق البشر وماذا ينال املمكن االحقر من الواجب
االكرب ام كيف حييط احلادث ابلقدمي الوارث جلت عظمته ال حييطون به علما نص قاطع
- 255 -
{املكتوب الرابع والسبعون واملائة اىل اخلواجه اشرف الكابلي يف بيان ان
واهلي هذا الطريق ال يتسلون هبذه املعية وال يطمئنون هبذا البعد املشابه ابلقرب بل
يطلبون قراب يشبه البعد ووصال يشبه اهلجر وبيان واقعته اليت رأها اخل}
قد وصل مكتوب اخينا االعز وحيث كان منبئا عن حمبة الفقراء وااللتجاء اىل هذه
الطائفة صار موجبا للفرح املرء مع من أحب نقد الوقت ومصداق احلال ولكن ينبغي أن
يعلم ان واهلي هذا الطريق ال يتسلون هبذه املعية وال يطمئنون هبذا البعد املشابه ابلقرب
بل يطلبون قراب يشبه البعد ووصال يشبه اهلجر ال جيوزون التسويف والتأخري وجيتنبون
التعطيل والتأجيل وال يصرفون نقد وقتهم اىل مزخرفات ابطلة وال يتلفون رأس مال عمرهم
يف مموهات عاطلة وال يكتفون من الشريف ابخلسيس وال يلتفتون اىل املغضوب عليه
اتركني للمرضى النفيس وال يبيعون انفسهم بلقميات مسينة لذيذة وال يبدلون حظ العبودية
أبلبسة رقيقة مزينة ويرون تلويث ختت السلطنة بقاذورات التعلقات عارا ويتحاشون من
اشراك الالت والعزى يف ملك احلق سبحانه ويعدونه شنارا (ايها االخ) ان املطلوب كله
هنا هو الدين اخلالص اال هلل الدين اخلالص ال جيوزون فيه ذرة من الشركة لئن اشركت
ليحبطن عملك في نبغي ان تتأمل ساعة يف احوالك فان تيسر هذا الدين اخلالص فبشرى
لك واال فينبغي تفكر عالج الواقعة وتدبريها قبل وقوعها والواقعة اليت كتبتها هي من
ظهور الشيطان وتصرفه الباطل وهذا القسم من ظهوره وتصرفه كثري الوقوع بني الطالبني
وال أبس فيه ان كيد الشيطان كان ضعيفا فان ظهر اثنيا ينبغي دفع ذاك املفسد بتكرار
كلمة التمجيد ال حول وال قوة اال ابهلل العلي العظيم و السالم على من اتبع اهلدى والتزم
متابعة املصطفى عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات.
{املكتوب السادس والسبعون واملائة اىل املال حممد صديق يف بيان ان حفظ
االوقات من ضرورايت هذا الطريق}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان من حسن اسالم املرء
اشتغاله مبا يعنيه واعراضه عما ال يعنيه فآلبد اذا من حفظ االوقات لئال تتلف يف امور ال
طائل فيها ينبغي ان تعتقد ان انشاد الشعر وحكاية القصص نصيب االعداء وان تشتغل
- 259 -
ابلسكوت وحفظ نسبة الباطن واجتماع االصحاب يف هذا الطريق امنا هو جلمعية الباطن
ال لتشتيت اخل اطر وهلذا اختاروا اخللطة على اخللوة وطلبوا اجلمعية من االجتماع ومت
كان االجتماع سببا للتفرقة يلزم التحاشي منه والتباعد عنه وكل شئ جيتمع مع االجتماع
فهو مبارك وإال فمشؤم وغري مبارك وينبغي للسالك ان يعيش على وجه حتصل اجلمعية
للطالبني يف صحبته ال انه يلقيهم ويرميهم اىل التفرقة وينبغي ان يقلب ايضا اوراق
نفسه[ ]1وان يبدل الكالم ابلسكوت الوقت ليس وقت املشاعرة وال حني احملاورة {ع}:
وما الوقت وقت الدرس أو كشف كشاف * و السالم.
{املكتوب السابع والسبعون واملائة اىل مجال الدين حسني البدخشي يف
التحريض على تصحيح العقائد مبقتضى آراء أهل السنة واجلماعة الصائبة شكر هللا
سعيهم}
ليغتنم اخلواجه مجال الدين حسني عنفوان الشباب وليصرفه يف مرضيات احلق
سبحانه مهما أمكن يعين يلزم نفسه أوال تصحيح العقائد مبقتضى آراء أهل السنة
واجلماعة الصائبة شكر هللا سعيهم واثنيا العمل مبوجب االحكام الشرعية الفقهية واثلثا
سلوك الطريقة العلية املنسوبة اىل الصوفية الصافية قدس هللا أسرارهم فمن وفق هلذا فقد
فاز فوزا عظيما ومن ختلف عن هذا فقد خسر خسراان مبينا وليعد خدمة اوالد اخلواجه
حممد صاحل من السعادة العظمى فان هذه اخلدمة امداد واعانة للخواجه املشار اليه يف
احلقيقة الذي هو من املقبولني {ع}:
ابرزت من كنز املرام عالمة * و السالم.
{املكتوب الثامن والسبعون واملائة اىل املرزا مظفر يف تفويض شخص اليه
{املكتوب التاسع والسبعون واملائة اىل املري عبد هللا بن املري نعمان يف
النصيحة}
ليغتنم الولد االعز ال زال موفقا كامسه موسم الشباب وليشتغل بتحصيل العلوم
الشرعية والعمل مبقتضاها وليهتم يف ان ال يصرف هذا العمر العزيز فيما ال يعين وان ال
يتلفه ابللهو واللعب ووالدكم املكرم يلحقكم بعد أايم ان شاء هللا تعاىل وكن مستخربا عن
أحوال املتعلقات اىل ان يصل اليكم {ع}:
(( )1اخرج الطرباين يف مكارم االخالق عن ايب امامة الباهلي رضي هللا عنه مسعت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم
وهو على انقته اجلدعاء يقول اوصيكم ابجلارحت اكثر فقلت انه يورثه وقال ابن حجر يف الفتح ولعبد هللا ابن عمر ويف
لفظ مسعت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يوصي ابجلار حت ظننت انه سيورثه انتهى واما حديث ما زال جربيل
يوصيين ابجلار اخل فهو غري هذا.
- 261 -
{املكتوب الثمانون واملائة اىل اخلواجه ايب القاسم بن اخلواجگي االمكنكي يف
االستفسار عن اسامي بعض مشائخه الذي وقع فيه الرتدد}
(ايها املخدوم املكرم) ان الذي بلغنا من حضرة شيخنا اعين اخلواجه حممد الباقي
عليه الرمحة يف حتقيق اسامي املشائخ هو أن ما بني موالان اخلواجگي االمكنكي وبني
حضرة اخلواجه احرار اثنان احدمها حضرة موالان اعين موالان درويش حممد والثاين موالان
حممد زاهد خال موالان درويش حممد وقد قدم هذه احلدود يف هذه االوان موالان اخلواجه
خاوند حممود[ ]1وجرى الكالم يف اول املالقاة يف موالان املذكور وقال انه مل يكن جمازا من
أحد وهلذا ما كان أيخذ املريد يف االوائل مث شرع يف التكلم يف أواخر عمره فقلنا له انه
كان من كرباء زمانه وسلم مجيع سكان ما وراء النهر لفضله وكماله وعلو شأنه وحاله وال
جيوز العقل أنه أيخذ املريد من غري اجازة سواء كان يف اوائل عمره أو اواخره فان مثل
هذا داخل يف اخليانة بعيد عن الداينة ال يظن صدور ذلك من أدىن مسلم فكيف من
اكابر الدين فقال اخلواجه خاوند حممود بعد ذلك جاء موالان مرة عند اخلواجه كالن
الدهبيدي وكان هو أيكل اخلربزة فاظهر موالان طلب الطريقة فقال له اخلواجه كالن ان
خربزتك قد مت أمرها وكمل نضجها فقال موالان أنت تشهد ان خربزيت قد كملت فقال
اشهد ان خربزتك اتمة كاملة فشرع موالان يف أخذ املريد من هذا الوقت وهذا النقل ايضا
يرى مستبعدا جدا فان موالان كيف يعتقد نفسه شيخا مبجرد هذا القول ويشرع يف أخذ
املريد مث قال حضرة اخلواجه خاوند حممود ان تسمية هذين الشيخني املذكورين بني
( )1موالان اخلواجه خاوند حممود يتصل نسبه الظاهري بستة وسائط مبوالان اخلواجه عالء الدين العطار بواسطة
اخلواجه حسن العطار وحصل النسبة املعنوية يف صحبة اخلواجه اسحق الدهبيدي مث اختار السياحة والسفر حت
استوطن بكشمري وبن فيها خانقاه واشتغل هناك برتويج الطريقة مث جاء اىل االهور وتويف فيها واخلواجه اسحق هو ولد
املخدوم االعظم الدهبيدي الذي هو خليفة القاضي حممد الذي هو خليفة اخلواجه احرار قدس سرهم حصل اخلواجه
اسحق النسبة من موالان لطف هللا الذي من خلفاء والده قدس هللا اسرارهم .عفي عنه
- 262 -
حضرة موالان وبني حضرة اخلواجه احرار هبذين االمسني واعتقاد اهنما مسميا هذين
االمسني خطأ ذكرومها بغري امسهما وقال أيضا ان درويش حممد ال نسبة له من خاله يعين
ال انتساب له اليه بل انتسابه اىل غريه فحصل تعجب كثري من كلماته هذه فارتكبنا
التصديع ابلضرورة لتكتبوا لنا امسي الشيخني املذكورين على وجه التحقيق لئال يبقى الحد
جمال الكالم يف سلسلتنا وما احلاجة اىل كتابة حديث االجازة فان عظمته وعلو شأنه
شاهد عدل ومع ذلك ان كتب كان قطعا للسان الطاعنني ومل يدر ماذا كان مقصود
اخلواجه خاوند من هذه الكلمات املشتتة فان كان مقصوده نفي هؤالء الفقراء الذين ال
بضاعة هلم أببلغ الوجوه فان نفي الشيخ مستلزم لنفي املريد آبكد الوجوه فطرق نفي
هؤالء عدميي البضاعة كثرية فما احلاجة اىل نفي االكابر هلذا الغرض وان كان مقصوده
نفي االكابر ابالصا لة ومل يكن له غرض سواه فهذا أيضا غري مستحسن كما ال خيفى
على من له أدىن دراية ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة أنك انت
الوهاب حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله الصلوات و التسليمات و السالم على من
اتبع اهلدى.
{املكتوب احلادي والثمانون واملائة اىل حضرة املخدوم زاده ميان حممد صادق
يف جواب استفساره عن سبب مشاهدة بعض املشائخ يف مقام أعلي من مقاماهتم
وبعضهم يف أدىن من مقاماهتم وما يناسب ذلك}
قد سأل ولدي االرشد حممد صادق عن سبب (انفهام) كون طائفة من املشائخ
يف درجات عليا من مقام الزهد والتوكل والرتك والصرب والرضا مع اين أرى واشاهد ان هلم
درجة أدىن يف مراتب القرب االهلي جل سلطانه (ورؤية) طائفة أخرى من املشائخ يف
درجة سفلى من مقامات الزهد والتوكل وغريمها مع اهنم يرى هلم درجات عليا يف مقام
القرب ومن املقرر ان أكملية هذه املقامات ابعتبار أمتية اليقني وأمتية اليقني بسبب
االقربية اىل جناب قدس احلق جل شأنه فاملقام ال خيلو هنا عن أحد أمور اما تطرق
- 263 -
اخلطأ اىل النظر فرأى القريب بعيدا والبعيد قريبا أو أن سبب أكملية هذه املقامات أمر
وراء اليقني أو أن ترتب اليقني ليس على القرب (فأقول يف اجلواب) ان ترتب اليقني على
القرب فاذا كان القرب أكثر فاليقني أزيد وأوفر وسبب أكملية هذه املقامات أيضا أمتية
اليقني ال أمر آخر والنظر الكشفي أيضا صحيح غاية ما يف الباب أن حصول القرب امنا
هو أللطف اللطائف فيكون اليقني ايضا نصيبه وحيث كانت أكملية املقامات مرتتبة
على أمتية اليقني ت كون تلك االكملية ايضا حاصلة فيمكن ان حيصل رجل من االكابر
اقامة يف مقام من مقامات ألطف اللطائف مع وجود قلة قربه ومل يرجع بعد اىل أكثف
اللطائف و يكون يف املقامات املذكورة أكمل ممن له زايدة قرب وقد رجع اىل اكثف
اللطائف أعين لطيفة القالب وحيث ان لطيفة القالب حمرومة من ذلك القرب ال يكون
اليقني أيضا نصيبا هلا فمن أين حتصل هلا أكملية تلك املقامات والذي رجع اىل هذه
اللطيفة أخذ حكمها وكانت يقينات لطائفه الباقية اليت قد حصلت هلا سابقا مستورة
خبالف من ليس له رجوع اىل القالب فان حكمه حكم ألطف اللطائف والقرب واليقني
عل ى كماهلما يف حقه ومل يسترتا بعد فال جرم يكون يف املقامات املذكورة أمت وأكمل
(ولكن) ينبغي ان يعلم ان صاحب الرجوع كما أنه أكمل يف القرب واليقني كذلك هو
أكمل يف املقامات أيضا ولكن قد سرتت كماالته تلك وجعل ظاهره مثل ظاهر عوام
الناس حلصول املناسبة بينه وبني اخللق اليت هي سبب االفادة واالستفادة فيكون مستحقا
لدعوة اخللق اىل احلق وهذا املقام مقام االنبياء املرسلني عليهم الصلوات و التسليمات
ابالصالة وهلذا طلب ابراهيم اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم اطمئنان القلب
واحتاج يف حصول اليقني اىل الرؤية البصرية مثل عوام الناس و قال عزير على نبينا و عليه
الصالة و السالم اىن حيىي هذه هللا بعد موهتا و الذي مل يرجع أخرب عن يقينه بقوله لو
كشف الغطاء ما ازددت يقينا فان ثبت صدور هذا الكالم عن سيدان على كرم هللا
وجهه ينبغي محله على أنه قال ذلك قبل حصول الرجوع فان صاحب الرجوع حمتاج اىل
الدالئل والرباهني يف حصول اليقني بعد الرجوع مثل عوام الناس وقد كانت املسائل
- 264 -
الكالمية كلها بديهية هلذا الدرويش قبل الرجوع وكنت أجدها أشد يقينا من احملسوسات
واما بعد الرجوع فقد استرت ذاك اليقني وصرت حمتاجا اىل الدالئل والرباهني مثل عوام
الناس {ع}:
على مقدار ما ربوين امنو * و السالم.
{املكتوب الثاين والثمانون واملائة اىل املال صاحل الكواليب يف بيان كوين
اخلواطر والوساوس من كمال االميان كما ورد يف بعض االحاديث}
كان طائفة من الدراويش يوما من االايم قاعدين جمتمعني فجرى الكالم يف
[]1
خطرات الطالبني ووساوسهم فذكر يف ذلك االثناء حديث نبوي وهو أن بعض
االصحاب شكا اىل النيب صلّى هللا عليه و سلّم من اخلواطر الرديئة وقال اان جند يف
أنفسنا ما لو أن أحدان خر على رأسه لكان خريا له من ان يتكلم فقال عليه الصالة و
السالم أوجدمت ذلك ذاك من كمال االميان أو من صريح االميان فوقع يف خاطر هذا
الفقري يف ذلك الوقت يف أتويل هذا احلديث وهللا سبحانه أعلم حبقيقة احلال ان كمال
االميان عبارة عن كمال اليقني وكمال اليقني مرتب على كمال القرب فاذا حصل للقلب
وما فوقه من اللطائف زايدة القرب االهلي جل شأنه يكون االميان واليقني أزيد و يكون
عدم تعلق القلب وسائر اللطائف ابلبدن أكثر فيكون ظهور اخلطرات يف القالب أزيد
وأوفر والوساوس غري الالئقة فيه اظهر فال جرم يكون سبب اخلطرات الردية كمال االميان
ابلضرورة فعلى هذا كلما كانت اخلطرات أزيد يف املنتهى اىل هناية النهاية تكون أكملية
( )1رواه مسلم عن ايب هريرة رضي هللا عنه جاء انس من اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اىل النيب صلّى هللا
عليه و سلّم فسألوه اان جند يف انفسنا ما يتعاظم احدان ان يتكلم به قال اوقد وجدمتوه قالوا نعم قال ذاك صريح االميان
وعن انس رضي هللا عنه ان بعض اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم شكا اىل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم
ما جيدون يف صدورهم من الوسوسة فقال كيف انتم يف ربكم قالوا ال نشك يف ربنا والن يقع احدان من السماء فينقطع
احب اليه من ان يتكلم مبا جيد يف صدره فقال عليه السالم هللا اكرب ذاك حمض االميان وكان اثبت يقول اللهم اكثر لنا
منه حممد بن على احلكيم الرتمذي يف نوادر االصول.
- 265 -
االميان فيه أشد فان كمال االميان يقتضى عدم املناسبة بني ألطف اللطائف وبني لطيفة
القالب وكلما كان عدم املناسبة املذكورة أكثر كان القالب أشد خلوا وأقرب اىل الظلمة
والكدورة و يكون ورود اخلواطر إليه أزيد وأوفر خبالف املبتدي واملتوسط فان مثل هذه
اخلواطر سم قاتل ابلنسبة اليهما وسبب الزدايد مرضهم الباطين فال تكن من القاصرين
وهذه املعرفة من املعارف الغامضة املختصة هبذا الفقري و السالم على من اتبع اهلدى
والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم.
{املكتوب الرابع والثمانون واملائة يف التحريض على متابعة سيد املرسلني صلّى
- 266 -
{املكتوب اخلامس والثمانون واملائة اىل منصور عرب يف تفويض شخص اليه}
رزقكم هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة
و السالم والتحية وجعل مجيع مهتكم التوجه اىل جناب قدسه وما هو الالزم لنا ولكم هو
سالمة القلب من التعلق مبا سوى احلق سبحانه وهذه السالمة امنا تتيسر اذا مل يبق لغري
احلق سبحانه خطور يف القلب حبيث لو تيسرت حياة الف سنة فرضا ال يقع الغري يف
القلب بواسطة نسيان القلب ما سواه تعاىل {ع}:
هذا هو االمر والباقي خياالت
بقية املرام أن موالان الفاضل السرهندي الذي هو قائم خبدمتكم العلية ابوه يف
سرهند و يتمن أن يكون مسرورا ومبتهجا مبالقاة ولده وقت ضعفه وشيخوخته فبناء على
ذلك جعل الفقري وسيلة اىل التصديع واالمر عندكم بل كل من عند هللا و السالم.
- 267 -
{املكتوب السادس والثمانون واملائة اىل اخلواجه عبد الرمحن املفيت الكابلي يف
احلث على متابعة السنة واالجتناب عن البدعة وان كل بدعة ضاللة}
أسأل هللا سبحانه و تعاىل ابلتضرع واالعتذار وااللتجاء واالفتقار والتذلل
واالنكسار يف السر واجلهار أن ال يبتلي هذا الضعيف مع من هم جمتمعون لديه أو
مستندون اليه بفعل كل عمل حمدث ومبتدع يف الدين مما مل يكن يف زمن خري البشر
وزمن خلفائه الراشدين عليه وعليهم الصالة و السالم وان كان ذلك العمل مثل فلق
الصبح يف الوضوح وان ال يفتننا حبسن ذلك املتبدع حبرمة السيد املختار وآله االبرار عليه
وعليهم الصالة و السالم * قال بعض الناس ان البدعة على نوعني حسنة وسيئة فاحلسنة
هي كل عمل صاحل حدث بعد زمن نبينا وزمن خلفائه الراشدين عليه وعليهم الصالة و
السالم ومل يكن رافعا للسنة والسيئة ما تكون رافعة للسنة وهذا الفقري ال يشاهد يف شئ
من البدعة شيئا من احلسن والنورانية وال حيس فيها شيئا سوى الظلمة والكدورة ومن رأى
اليوم فرضا طراوة ونضارة يف االمر املبتدع بسبب ضعف البصرية ولكن سيعلم غدا بعد
حصول احلدة يف بصره أن ليس له شئ من نتيجة غري الندامة واخلسارة {شعر}:
و وقت الصبح يبدو كالنهار * حقيقة من هويته يف الظالم
قال سيد البشر عليه الصالة و السالم من احدث يف امران هذا ما ليس منه فهو
رد[ ]1فاذا كان الشئ مردودا فمن اين جيئ له احلسن وقال عليه الصالة و السالم أما بعد
فان خري[ ]2احلديث كتاب هللا وخري اهلدى هدي حممد وشر االمور حمداثهتا وكل حمدث
بدعة وكل بدعة ضاللة وقال عليه الصالة و السالم اوصيكم[ ]3بتقوى هللا والسمع
والطاعة وان كان عبدا حبشيا فانه من يعيش منكم بعدي فسريى اختالفا كثريا فعليكم
بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني متسكوا هبا وعضوا عليها ابلنواجذ واايكم وحمداثت
االمور فان كل حمدث بدعة وكل بدعة ضاللة فاذا كان كل حمدث بدعة وكل بدعة
ضاللة فما يكون معن احلسن يف البدعة وايضا املفهوم من االحاديث ان كل بدعة رافعة
للسنة والرفع غري خمتص ابلبعض فيكون كل بدعة سيئة قال عليه الصالة و السالم[ ]1ما
أحدث قوم بدعة اال رفع مثلها من السنة فالتمسك ابلسنة خري من احداث البدعة وعن
حسان أنه قال ما ابتدع[ ]2قوم بدعة يف دينهم اال نزع هللا من سننهم مثلها مث ال يعيدها
اليهم اىل يوم القيامة (ينبغي) أن يعلم أن بعض البدع الذي عده العلماء واملشائخ من
البدعة احلسنة اذا لوحظ فيه كمال املالحظة يعلم أنه رافع للسنة ومن ذلك أن تعميم
امليت مثال عدوه من البدعة احلسنة مع أنه رافع للسنة النه زايدة على العدد املسنون يف
الكفن وهو كونه ثالثة اثواب والزايدة نسخ والنسخ هو عني الرفع وكذلك استحسن
املش ائخ يعين بعضهم ارسال ذنب العمامة من طرف اليسار مع ان السنة ارساله[ ]3مما
بني الكتفني وكون ذلك رافعا هلذه السنة ظاهر ال سرتة فيه وكذلك استحسن العلماء
يعين بعضهم يف نية الصالة النطق ابللسان مع ارادة قلبية واحلال انه مل يثبت عن النيب
صلّى هللا عليه و سلّم وال عن اصحابه الكرام وال عن التابعني العظام يف النية النطق
ابللسان ال يف رواية صحيحة وال يف رواية ضعيفة بل كانوا يكربون للتحرمية عقب القيام
فيكون النطق بدعة وقالوا ان ذلك بدعة حسنة ويقول هذا الفقري ان هذه البدعة رافعة
( )1روى امحد والطرباين عن عضيف بن احلارث الثملي رضي هللا عنه ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال ما من امة
ابتدعت بعد نبيها يف دينها بدعة اال اضاعت مثلها من السنة.
( )2رواه الدارمي عنه موقوفا عليه.
( )3كما رواه مسلم عن عمرو بن حريث والرتمذي يف الشمائل عن ابن عمر و ابو داود عن عبدالرمحن بن عوف
والطرباين يف االوسط عن ثوابن وكذا هو يف الكبري عن ابن عمر و اسناده على شرط الصحيح والطيالسي عن ايب
موسى وكذا عن عبدهللا بن بسر ابسناد حسن وكذا هو والبيهقي والطيالسي عن علي وجاء عن عمر و علي وواثلة
وابن الزبري رضي هللا عنهم
- 269 -
للفرض فضال عن السنة فان اكثر الناس يكتفون على هذا التقدير ابلنطق ابللسان يعين
من غري استحضار النية ابجلنان ومن غري مباالة ابلغفلة القلبية عن هذا الشان فحينئذ
يكون فرض من فرائض الصالة وهو النية القلبية مرتوكا ابلكلية ويفضي اىل فساد الصالة
و على هذا القياس سائر املبتدعات واحملداثت فاهنا زايدات على السنة ولو بوجه من
الوجوه والزايدة نسخ والنسخ رفع فعليكم ابالقتصار على متابعة سنة رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم واالكتفاء ابالقتداء ابصحابه الكرام فاهنم كالنجوم أبيهم اقتديتم اهتديتم وأما
القياس ابالجتهاد فليس من البدعة يف شئ فانه مظهر ملعن النصوص ال أنه مثبت المر
زائد فاعتربوا اي أويل االبصار و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و
على آله أفضل الصلوات وأكمل التسليمات.
{املكتوب الثامن والثمانون واملائة اىل اخلواجه حممد صديق البدخشي يف حل
اشكال املسائل اليت سأل عنها}
وصل مكتوب االخ االعز وقد سئل عن أمور ثالثة (ايها) احملب ان اختفاء بعض
- 270 -
اللطائف يف مرتبة القلب مقصور على لطائف تضمنها القلب ال انه جار يف لطائف
متحققة فيما وراء القلب فانه ال معن الختفائها يف مقام القلب (الثاين) ان من كان
استعداده اىل مرتبة القلب أو الروح يقدر الشيخ صاحب التصرف على ايصاله اىل مرتبة
فوقانية لكن هنا دقيقة بياهنا موقوف على احلضور لعسر حتريره (الثالث) ان الظاهر اذا
ا نصبغ بلون الباطن وانصبغ الباطن بلون الظاهر ال عسرة حينئذ يف ظهور أحكام الظاهر
يف الباطن و يبدو أحوال الباطن يف الظاهر و السالم.
{املكتوب التاسع والثمانون واملائة اىل شرف الدين حسني يف بيان فضل تذكر
الفقراء مع كثرة االشتغال والتحذير عن االخنداع مبتاع الدنيا وتعظيم ذكر القلب}
احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين أمجعني
وصل مكتوب الولد االجنب االعز االرشد شرف الدين حسني وصار موجبا للفرحة
وابعثا على البهجة نعمت النعمة عدم نسيان الفقراء الذين ال بضاعة هلم مع وجود
تعلقات شت وهذا التذكر ينبئ عن أشد املناسبة اليت هي سبب االفادة واالستفادة
وبعض الوقائع اليت اندرج بيانه فيه حسن وأصيل وأدل دليل على االرتباط املعنوي (أيها)
الولد اايك واالخنداع بطراوة الدنيا الدنية واالفتتان مبزخرفاهتا الشنيعة اليت ال معن فيها فان
الدنيا ليس هلا مدار وال اعتبار وال هي حمل قرار وهذا املعن وان مل يكن اليوم معلوما لكم
ولكنه سيكون غدا معقوال البتة ولكن ال ينفع {شعر}:
يف اذنه من انيت صمم فال * يرضى مساع نصيحت وبكائيا
وينبغي لك ان تكون مولعا وحريصا بتكرار ذكر القلب معتقدا انه من أجل نعم
هللا جل شأنه وأن تصلي الصلوات اخلمس مع اجلماعة من غري تكاسل وفتور وان تؤدي
زكاة االموال اىل الفقراء واملساكني بنشاط القلب وان جتتنب احملرمات واملشتبهات وان
تكون مشفقا على اخللق وهذا هو طريق النجاة واخلالص و السالم.
- 271 -
{املكتوب التسعون واملائة اىل واحد من أوالد املري حممد نعمان البدخشي يف
التحريض على املداومة على الذكر واختيار الطريقة النقشبندية مع بيان كيفية الذكر}
احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني و على آله الطاهرين
أمجعني اعلم وتنبه ان سعادتك بل سعادة مجيع بين آدم وفالحهم وخالصهم كل ذلك يف
ذكر موالهم جل سلطانه فينبغي استغراق مجيع االوقات ابلذكر االهلي جل شأنه بقدر
االمكان وان ال جيوز الغفلة حلظة واحدة وهلل سبحانه احلمد واملنة ان دوام الذكر يتيسر
يف طريقة خواجكان قدس هللا أسرارهم يف االبتداء وحيصل ذلك فيها على طريق اندراج
النهاية يف البداية فاختيار هذه الطريقة كان للطالب أوىل وانسب بل يكون واجبا عليهم
والزما فعليك اذا صرف التوجه عن مجيع اجلهات واالقبال ابلكلية على جانب أكابر
هذه الطريقة العلية وطلب اهلمة من بواطنهم الشريفة وال بد من الذكر يف االبتداء فينبغي
ان تتوجه اىل القلب الصنوبري الشكل فان تلك املضغة كاحلجرة للقلب احلقيقي وان
جتري االسم املبارك هللا على هذا القلب وال حترك عضوا من اعضائك يف هذا الوقت
ابلقصد واقعد متوجها اىل القلب ابلكلية وال ختيل صورة القلب ابلقوة املتخيلة أصال وال
تلتفت اليها قطعا فان املقصود التوجه اىل القلب ال تصور صورته وينبغي ان تالحظ معن
اللفظ املبارك هللا بليس كمثله شئ وان ال تضم اليها شيئا من مالحظة الصفات حت
احلاضرية والناظرية لئال تنزل من ذروة حضرة الذات اىل حضيض الصفات فتقع منها اىل
شهود الوحدة يف الكثرة وتطمئن بشهود املثايل من التعلق مبن تنزه عن املثال والتوجه اليه
فان كلما يظهر يف مرآة املثايل ال يكون مصداقا لليس كمثله شئ وكلما يشاهد يف الكثرة
ال يكون واحدا حقيقيا البتة ينبغي للعاقل ان يطلب املنزه عن املثال فيما وراء املثايل وان
يلتمس البسيط احلقيقي يف خارج حيطة الكثرة فان ظهرت صورة املرشد وقت الذكر من
غري تكلف ينبغي ان ت ذهب هبا اىل القلب وان تشتغل ابلذكر حافظا هلا يف القلب
(أتدري) من املرشد املرشد من تستفيد منه طريق الوصول اىل جناب قدس احلق جل
سلطانه وجتد منه مددا واعانة يف هذا الطريق وجمرد لبس الكاله واخلرقة واخذ الشجرة
- 272 -
وغريها مما صار عرفا ورمسا بني الناس كلها خارجة عن حقيقة املرشدية واملريدية وداخلة
يف الرسوم والعادات اال ان اخلرقة ان حصلت من الشيخ الكامل املكمل وعاملت هبا
ابالعتقاد واالخالص فاحتمال حصول الثمرات والنتائج قوي يف هذه الصورة (واعلم) ان
املنامات والواقعات ال اعتماد عليها وال اعتبار هلا فان االنسان ال يكون سلطاان او قطب
الوقت يف احلقيقة بسبب رؤية نفسه كذلك يف املنام فان كان يف الواقع سلطاان او قطب
الوقت فمسلم وكذلك كلما ظهر من االحوال واملواجيد يف الصحو واالفاقة ففيه جمال
لالعتماد عليه واال فال (واعلم) أن نفع الذكر وترتب االثر عليه مربوط ابتيان احكام
الشريعة فينبغي حسن االحتياط يف أداء الفرائض والسنن واجتناب احملرم واملشتبه والرجوع
اىل العلماء يف القليل والكثري والعمل مبقتضى فتواهم و السالم.
{املكتوب احلادي والتسعون واملائة اىل خان خاانن يف احلث على اتباع
االنبياء عليهم السالم وانه ال عسر يف التكاليف الشرعية}
احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا
ابحلق اعلم أن السعادة االبدية والنجاة السرمدية مربوطة مبتابعة االنبياء عليهم الصالة و
السالم عموما و على أفضلهم خصوصا فان تيسرت عبادة الف سنة فرضا مع الرايضات
الشاقة واجملاهدات الشديدة ال تعدل تلك العبادات بنصف شعرية وال تساوي تلك
الرايضات ابلنوم وقت الظهرية اقتداء بصاحب الشريعة مع كونه غفلة من االول اىل
اآلخر ما مل تكن منورة بنور اتباع هؤالء االكابر يف االمور اخلطرية واحلقرية بل هي
كسراب بقيعة ومن كمال عناية احلق سبحانه و تعاىل رعاية هناية اليسر وغاية السهولة
يف مجيع التكاليف الشرعية واالحكام الدينية حيث أمر مثال بسبع عشرة ركعة من الصالة
يف الليل والنهار ال يبلغ جمموع أوقات أدائها ساعة واحدة ومع ذلك أكتفي يف قراءهتا مبا
تيسر وجوز القعود عند تعذر القيام واالضطجاع عند تعذر القعود وأمر ابالمياء عند تعذر
الركوع والسجود وجعل التيمم خلف الوضوء وقت العجز عن استعمال املاء وعني للفقراء
- 273 -
واملساكني حصة واحدة من أربعني حصة يف زكاة االمول وقيد افرتاضها أيضا بكون
االموال انمية واالنعام سائمة وفرض يف مجيع العمر حجا واحدا ومع ذلك جعله مشروطا
اب لقدرة على الزاد والراحلة وامن الطريق ووسع دائرة املباح حيث أابح نكاح أربعة من
النساء ومقدار ما ميلكه ويقدر عليه من السراري وجعل الطالق وسيلة لتبديل النساء
وجعل أكثر االطعمة واالشربة واالقمشة مباحا وجعل احملرم منها قليال وحترميه أيضا
بواسطة مصاحل العباد وان حرم شرااب واحدا مرا كثري الضرر ولكنه أابح عوضا عنه كثريا
من االشربة اللذيذة السائغة الكثرية النفع أال ترى ان عرق القرنفل وعرق الدارصيين مع
سهولة شرهبما وطيب رائحتهما مشتمالن على منافع كثرية وفوائد جزيلة ال ميكن حتريرها
فأي فائدة يف تركهما واختيار شئ مر كريه الطعم وكريه الرائحة ساتر العقل عظيم اخلطر
شتان ما بينهما ومع ذلك بينهما فرق آخر طار من جهة احللية واحلرمة فانه امر آخر
والتميز العارض من حيثية رضائه تعاىل وعدم رضائه شئ على حدة فان حرم بعض ألبسة
االبرسيم فما الضرر فيه حيث احل عوضه كثريا من االلبسة امللونة املنقشة واالقمشة املزينة
ولباس الصوف الذي ابيح مطلقا أفضل من ألبسة االبرسيم مبراتب ومع ذلك قد ابيح
لباس االبرسيم للنساء ومنافعه عائدة اىل الرجال وهكذا حال الذهب والفضة فان حلي
النساء الجل متتع الرجال فمن اعتقد االحكام الشرعية مع هذه السهولة واليسر من عدم
االنصاف متعسرة ومتعذرة فهو مبتلى مبرض قليب وعلة ابطنية وكم من امور يسرية
لالصحاء متعسرة للضعفاء عسرة اتمة ومرض القلب هو عبارة عن عدم يقني القلب
ابالحكام املنزلة من السماء وتصديقهم هبذه االحكام امنا هو صورة التصديق ال حقيقته
وعالمة حصول حقيقة التصديق ثبوت اليسر واخلفة والنشاط يف اتيان االحكام الشرعية
وبدوهنا خرط القتاد وقال هللا تبارك و تعاىل كرب على املشركني ما تدعوهم اليه هللا جيتيب
اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى
عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات.
- 274 -
{املكتوب الثاين والتسعون واملائة اىل الشيخ بديع الدين السهارنفوري يف
جواب استفساره}
استفسر االخ االعز االرشد الشيخ بديع الدين انه قد وقع يف العريضة احلادية
عشرة املكتوبة اىل حضرة اخلواجه يعين الشيخ حممد الباقي قدس سره وتيسر الوصول اىل
مقام مزين أعلى من مقام الصديق االكرب رضي هللا عنه فما يكون معن هذا الكالم
(اعلم) أرشدك هللا ال نسلم ان هذه العبارة مومهة للتفضيل مع ان لفظ أيضا واقع فيها
أيضا ولو سلم فأقول ان هذا الكالم وغريه يف هذه العريضة من مجلة الواقعات املكتوبة
اىل شيخي واملعروضة عليه ومن املقرر عند هؤالء الطائفة ان كلما حيصل للسالك من
الواقعة يظهره لشيخه بال حتاش صحيحا كان أو سقيما فان يف غري الصحيح أيضا
احتمال التأويل والتعبري فال يكون اذا بد من اظهاره ففيما حنن فيه ال يلزم حمظور عند
مالحظة هذا املعن واحلل الثاين انه قد جوز حتقق فضل يف جزئي من اجلزئيات لغري نيب
على نيب ومل يروا فيه أبسا كما وقعت الزايدة يف شأن الشهداء ليست هي يف االنبياء
عليهم السالم مع ان الفضل الكلي لالنبياء عليهم الصالة و السالم فعلى هذا التقدير لو
وقع سري غري النيب يف كماالت ذلك اجلزئي ووجد السالك نفسه يف ذلك املقام أعلى
لكان جموزا وان كان حصول الوصول له اىل ذلك املقام بواسطة متابعة النيب وللنيب ايضا
نصيب اتم من ذلك املقام حبكم حديث من[ ]1سن سنة حسنة احلديث فان كان حتقق
الفضل اجلزئي لغري النيب على النيب جموزا فعلى غري النيب يكون جموزا ابلطريق األوىل فال
اشكال اصال و السالم.
{املكتوب الثالث والتسعون واملائة اىل سيد فريد يف احلث على تصحيح
العقائد على وفق آراء اهل السنة واجلماعة وتعلم االحكام الفقهية والشكاية من
( ( )1قوله من سن سنة اخل) رواه امحد ومسلم والرتمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وابو عوانة وابن حبان من
حديث جرير رضي هللا عنه
- 275 -
املرضية حبرمة سيد البشر عليه و على آله الصالة و السالم وقد قدم واحد من الدراويش
من طرف الهور وقال ان الشيخ جيو كان قد حضر يف مسجد النخاس القدمي لصالة
اجلمعة فقال ميان رفيع الدين بعد التفات الشيخ اليه ان نواب الشيخ جيو قد بن
مسجدا جامعا يف قرب بيته احلمد هلل على ذلك رزقه هللا سبحانه مزيد التوفيق ومساع
امثال هذه االخبار السارة يكون ابعثا على حصول غاية السرور وهناية االبتهاج (ايها
السيد) ان االس الم غريب يف هذا الزمان جدا فصرف فلس واحد يف تقوية االسالم يف
هذا الزمان يساوي صرف ألوف من الدرهم والدينار فيا سعادة من تشرف هبذه الدولة
العظمى وترويج الدين وتقوية امللة وان كان حسنا ومرغواب فيه يف مجيع االوقات من مجيع
االشخاص ولكن صدوره يف هذا الوقت الذي هو اوان غربة االسالم من امثالكم
اصحاب املروءة واهلمة والفتوة وأهل بيت النبوة أحسن وأمجل فان هذه الدولة منتشرة من
طائفتكم العلية فهي ذاتية فيكم وعرضية يف غريكم وحقيقة الوراثة النبوية عليه و على آله
الصالة و السالم امنا هي يف حتصيل هذا االمر العظيم القدر قال النيب صلّى هللا عليه و
سلّم لالصحاب انكم[ ]1يف زمان من ترك عشر ما امر به هلك مث أييت زمان من عمل
بعشر ما امر به جنا وهذا هو ذلك الوقت وهذا القوم هو ذلك القوم{شعر}:
هلموا ايها االبطال حنو ال * غنائم ما هلا اصال مدافع
وقد حسن قتل الكافر اللعني كوبنددال يف هذا الوقت وكان هذا الفعل ابعثا على
كسر عظيم يف اهلنود املردودة ابي نية كان قتله وابي غرض كان اهالكه فان مذلة
الكفار نقد وقت أهل االسالم وقد رأى هذا الفقري يف املنام قبل قتل ذلك الكافر ان
سلطان الوقت قد كسر رأس رئيس أهل الشرك واحلق أن ذلك الكافر كان رئيس أهل
الشرك وامام أهل الكفر خذهلم هللا سبحانه وقد دعى النيب عليه الصالة و السالم على
أهل الشرك يف بعض ادعيته هبذه العبارة اللهم شتت مشلهم وفرق مجعهم وخرب بنياهنم
( )1رواه الرتمذي عن أيب هريرة رضي هللا عنه مرفوعا ولفظه انكم يف زمان من ترك منكم عشر ما امر به هلك مث أييت
زمان من عمل منهم بعشر ما امر به جنا.
- 277 -
وخذهم اخذ عزيز مقتدر وعزة االسالم وأهله امنا هي يف مذلة الكفر واهله واملقصود من
أخذ اجلزية هو اذالل الكفار واهانتهم وحتصل املذلة الهل االسالم بقدر ما ما حتصل
العزة الهل الكفر فينبغي حسن التنبه على هذا االمر وقد ضيعه أكثر الناس وأخرب دينه
بشؤمه وجعله هباء منثورا قال هللا سبحانه و تعاىل اي أيها النيب جاهد الكفار واملنافقني
واغلظ عليهم فجهاد الكفار والغلظة عليهم من ضرورايت الدين وبقااي رسوم الكفر اليت
ظهرت يف القرن السابق تثقل على قلوب املسلمني جدا ومل يبق لسلطان الوقت توجه اىل
أهل الكفر يف هذا الوقت فالالزم ملن يقدر من املسلمني اعالم السلطان بقبح رسوم
هؤالء االشرار واالجتهاد يف دفعها وازالتها فان بقاءها حيتمل ان يكون مبنيا على عدم
علم السلطان بقبحها وابجلملة اذا وجدت مساعدة الوقت ينبغي اخبار بعض علماء اهل
االسالم ابن جييئوا ويعلموا بشناعة رسوم أهل الكفر فانه ال حاجة لتبليغ االحكام
الشرعية اىل اظهار خوارق العادات والكرامات واالعتذار بعدم التصرف ال يسمع يوم
القيامة يف القعود عن تبليغ االحكام الشرعية وقد بلغ االنبياء عليهم السالم الذين هم
افضل املوجودات االحكام الشرعية فاذا طلبوا منهم املعجزات واآلايت كانوا يقولون امنا
اآلايت واملعجزات عند هللا وما علينا اال البالغ املبني ولعل هللا سبحانه حيدث يف تلك
االثناء أمرا يكون ابعثا على ظهور حقيقة هؤالء اجلماعة و على كل حال االطالع على
حقيقة املسائل الشرعية ضروري فان وقع االمهال يف ذلك فالعهدة على ذمة العلماء
ومقريب السلطان فان حصلت االذية يف هذا القيل والقال لبعض الناس ينبغي أن يعدها
سعادة عظيمة اال ترى ان االنبياء عليهم الصالة و السالم ماذا رأوا من االذية وكم حتملوا
من احملنة حت قال أفضلهم عليه الصالة و السالم ما أوذي نيب قط مثل ما أوذيت
{شعر}:
عمري مضى وحديث وجدى ما انقضي * والليل قد بلغ املدى فاقنع بذا
و السالم و االكرام.
- 278 -
{املكتوب الرابع والتسعون واملائة اىل صدر جهان يف التحريض على ترويج
امللة وأتييد الدين وما يتعلق بذلك}
سلمكم هللا سبحانه وعافاكم ان مساع اخبار ترويج االحكام الشرعية واذالل
اعداء امللة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية يورث الفرح للمسلمني
املغمومني ويزيد يف نشاط ارواحهم احلمد هلل سبحانه واملنة على ذلك واملسؤل من هللا
سبحانه امللك القدير ازدايد هذا االمر اخلطري حبرمة النيب البشري النذير عليه و على آله
الصالة و السالم وحنن على يقني بكون كرباء اهل االسالم من السادات العظام والعلماء
الكرام متصدين يف اخلالء واملأل الزدايد تقوية الدين املبني وتكميل الصراط املستقيم وماذا
يظهر عدمي الطاقة وفاقد االستطاعة يف هذا الباب وقد مسعنا ان سلطان االسالم من
حسن استعداده االسالمي طالب للعلماء وراغب فيهم احلمد هلل على ذلك ومن املعلوم
ان كل فساد ظهر يف القرن السابق كان ذلك من شآمة علماء السوء فينبغي رعاية التتبع
ال تام يف هذا الباب وانتخاب العلماء املتدينني فان علماء السوء لصوص الدين مطلبهم
اجلاه والرايسة واملنزلة عند اخللق والعياذ ابهلل سبحانه من فتنتهم نعم ان أفضلهم أفضل
اخلالئق حت يوزن مدادهم يوم القيامة بدم الشهداء يف سبيل هللا فيرتجح مدادهم شر
الناس شرار العلما ء وخري الناس خيار العلماء وامللتمس اثنيا ان بعض النيات قد اضطر
ان أوصل نفسي اىل العسكر ووقع التوقف يف دهلي بسبب دخول شهر رمضان املبارك
وبعد مضي هذا الشهر املبارك نصل اىل خدمة االعزة ان شاء هللا تعاىل.
{املكتوب اخلامس والتسعون واملائة اىل املذكور أيضاً يف احلث على ترويج
الشريعة وأظهار االسف على ضعف االسالم}
سلمكم هللا سبحانه وأبقاكم وحيث ان احسان السالطني حاصلة لكافة اخللق
- 279 -
[]1
القلوب على حب من أحسن اليهم قلوب اخلالئق مائلة اىل جانب فبحكم جبلت
احملسنني ابلضرورة فال جرم كأنت أخالق السالطني وأوضاعهم سارية اىل مجيع اخلالئق
بواسطة هذا االرتباط احليب على تفاوت درجات االحسان وكانه لذلك قيل الناس على
دين ملوكهم وأحوال القرن السابق مصداق هذا الكالم وملا وقع اآلن االنقالب يف الدول
وانكسرت سورة عناد أهل امللل لزم ألئمة أهل االسالم من الصدور العظام والعلماء
الكرام صرف مجيع اهلمة يف ترويج الشريعة الغراء وتقومي اركان االسالم املنهدمة واحكامها
يف بداية االمر فان التأخري ليس فيه خري وقلوب الغرابء يف غاية االضطراب من هذا
التأخري يف هذا الباب وشدائد القرن السابق متمكنة يف قلوب املسلمني فهم خائفون من
فوت تاليف ذلك فتنجر غرابة االسالم اىل الطول فاذا مل يكن يف السالطني شوق ترويج
السنة السنية يتساهل مقربوهم يف هذا الباب أيضا ويعدون حياة أايم معدودة غنيمة
فيكون االمر ضيقا على فقراء أ هل االسالم ومظلما جدا اان هلل واان اليه راجعون أنشد
واحد من االعزة {شعر}:
آنچه از من گم شده گر از سليمان گم شدى * هم سليمان هم پرى هم اهرمن
بگريست
{آخر}:
صبت عل ّي مصائب لو أهنا * صبت على االايم صرن لياليا
ومن مجلة شعائر االسالم تعيني القضاة يف بالد االسالم وقد امنحى اثره يف القرن
السابق وبلد سرهند الذي هو اعظم بالد االسالم وليس فيه قاض منذ سنني وكان آابء
حامل رقيمة الدعاء القاضي يوسف قضاة فيه منذ بنائه كما هو معلوم من اسناد
السالطني يف يده واملشار اليه حملى ابلصالح والتقوى ففوضوا هذا االمر العظيم القدر
اليه ان علمتم فيه الصالح ثبتنا هللا سبحانه واايكم على جادة الشريعة احلقة على
( )1رواه ابو نعيم يف احللية والعسكري يف االمثال مرفوعا بلفظ جبلت القلوب على حب من احسن اليها وبغض من
اساء اليها قال السيوطي رواه البيهقي عن ابن مسعود مرفوعا وموقوفا وهو احملفوظ قال ابن عدي وهو املعروف اه
- 280 -
اذا قسنا السما ابلعرش ينحط * وما اعاله ان قسنا أبرض {غريه}
و السالم أوال و آخرا.
{املكتوب السابع و التسعون و املائة اىل هبلوان حممد يف مدح من تربد قلبه
من الدنيا و أتثر من حمبة احلق سبحانه اخل}
ثبتكم هللا سبحانه على جادة الشريعة أعلم ان السعيد من تربد قلبه من الدنيا
وأتثر من حرارة حمبة احلق سبحانه وحمبة الدنيا رأس كل خطيئة وتركها رأس مجيع
العبادات فان[ ]1الدنيا مبغوضة احلق سبحانه حبيث مل ينظر اليها منذ خلقها واتسمت
هي واهلها بسمة الطرد واللعن كما ورد يف اخلرب الدنيا ملعونة وملعون ما فيها اال ما فيه
ذكر هللا تعاىل وحيث كان الذاكرون بل كل ذرة من ذراهتم مملوئني بذكر احلق سبحانه و
تعاىل كانوا خارجني من هذا الوعيد وهم ليسوا يف عداد أهل الدنيا فان الدنيا هي اليت
متنع القلب عن االشتغال بذكر احلق وتشغله بغريه سواء كان ذلك امواال واسبااب او جاها
ورايسة او عارا ومحية فأعرض عمن توىل عن ذكران نص قاطع يف ذلك وكلما هو يف
الدنيا فهو بالء الروح واهل الدنيا يف تفرقة وظلمة يف هذه النشأة دائما ويف اآلخرة من
أهل الندامة واحلسرة وحقيقة تركها عبارة عن ترك الرغبة فيها وترك الرغبة فيها امنا يتحقق
اذا كان وجودها وعدمها متساويني وحصول هذا املعن بدون صحبة ارابب اجلمعية
متعسر فان تيسرت صحبة هؤالء االكابر ينبغي ان تعدها غنيمة وان تصرف اهلمة
والعناية اليها وصحبة الشيخ ميان مزمل وان كانت غنيمة لكم فانه وامثاله من االعزة
( )1رواه ابن ايب الدنيا يف ذم الدنيا عن موسى انه بلغه ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال ان هللا عز وجل مل خيلق
خلقا ابغض اليه من الدنيا وانه منذ خلقها مل ينظر اليها ورواه البيهقي من طريقه وهو مرسل ورواه احلاكم يف التأريخ من
حديث ايب هريرة مرفوعا بلفظ ان هللا مل خيلق خلقا ابغض اليه من الدنيا وما نظر اليها منذ خلقها بغضا هلا وروى ابن
عساكر يف التأريخ من مرسل علي بن احلسني بن علي رضي هللا عنهم ان هللا ملا خلق الدنيا اعرض عنها فلم ينظر اليها
من هواهنا عليه ومن حديث ايب هريرة مرفوعا ان هللا ملا خلق الدنيا نظر اليها مث اعرض عنها مث قال وعزيت وجاليل ال
انزلنك اال يف شرار خلقي انتهى من شرح االحياء ملخصا.
- 282 -
العزيزي الوجود اعز من الكربيت االمحر ولكن شيمة اهل الكرم االيثار يعين تقدمي حاجة
الغري على حاجة انفسهم فان اذنتم للشيخ ميان مزمل اايما لكان يف حمله وبعد الفراغ من
شغله يرجع اليكم اثنيا ان شاء هللا العزيز واالخالص الغائيب ينوب مناب احلضور يف
حصول املأمول لكم والزايدة على ذلك تصديع رزقنا هللا سبحانه واايكم االستقامة على
متابعة سيد البشر عليه و على آله امت الصلوات واكمل التسليمات و السالم واالكرام.
{املكتوب الثامن والتسعون واملائة اىل خان خاانن يف بيان أن املودة بني
الفقراء واالغنياء متعسرة يف هذا الزمان جداً}
كانت الفتوحات املكية مفتاحا للفتوحات املدنية حبرمة النيب وآله االجماد عليهم
الصلوات و التسليمات وصل املكتوب املرغوب املرسل ابسم الفقراء فصار ابعثا على
زايدة احملبة بشرى لكم مث بشرى لكم (أيها) املخدوم ان حصول املودة بني الفقراء
واالغنياء متعسر جدا يف هذا الزمان فان الفقراء لو اختاروا يف احملاورات سلوك طريق
التواضع وحسن اخللق اللذين مها من لوازم الفقر لزعم القاصرون من سوء ظنهم هبم اهنم
طامعون حمتاجون فال جرم اهنم يصريون بزعمهم ذلك مصداق خسر الدنيا واآلخرة
وحيرمون بركات هؤالء االكابر وان اختاروا سلوك طريق االستغناء الذي هو أيضا من لوازم
الفقر لظن الناقصون من سوء خلقهم اهنم متكربون وسيؤا االخالق وما أدراهم ان
االستغناء أيضا من لوازم الفقر فان اجلمع بني الضدين قد خرج من حد االستحالة يف
هذا احملل قال أبو سعيد اخلراز عرفت هللا تعاىل جبمع االضداد وال ضرر يف عدم تصديق
أهل النظر هذه املقدمة وعدهم اايها حماال فان طور الوالية وراء طور نظر العقل وابقي
االحوال يعرضها موالان املري ابلتفصيل و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب التاسع والتسعون واملائة اىل املال حممد أمني الكابلي يف بيان قبول
ما التمسه من الورد}
- 283 -
وكان استيالء احملبة مفقودا يف حقه ومل يكن له دليل اضلته اعداء الدين عن الطريق
وأهلكوه واذاقوه شربة املوت االبدي وكان من مجلة املغلوبني هذان الشخصان من
الرتاكمة اللذان حكي عنهما احلسني القصاب برمز وإشارة حيث قال كنت يف سفر مع
قافلة عظيمة فخرج اثنان من الرتاكمة من بني القافلة وسلكا طريقا غري مسلوك اىل آخر
القصة املراد ابلطريق الذي سلكه القافلة الطريق املسلوك الذي حيصل بقطع املقامات
العشرة املشهورة ابلرتتيب والتفصيل فان أكثر املشائخ خصوصا املتقدمني منهم وصلوا اىل
مقاصدهم من هذا الطريق واملراد ابلطريق الغري املسلوك الذي اختاره هذان الشخصان من
الرتاكمة وتبعهما احلسني القصاب يف اختيار هذا الطريق هو طريق اجلذبة واحملبة الذي هو
أقرب اىل الوصول من ذاك الطريق املسلوك املعهود ومقدمة هذا الطريق االلتذاذ والسكون
الذي هو سبب الغيبة عن احلس وابعث على الذهول عن الشعور وكين عن هذه احلالة
ابلليل وملا كانت هذه الغيبة عن اخللق متضمنة للحضور والشعور ابخلالق تعاىل وتقدس
اشار اىل هذا احلضور والشعور ابلبدر وهذا املقام يقتضى بياان ينبغي أن يسمعه بسمع
العقل اعلم ان مدبر اجلسد هو الروح ومريب القالب القلب والقوى اجلسمانية مكتسبة
من القوة الروحانية واحلواس القالبية مستفادة من النورانية القلبية فبالضرورة يتطرق الفتور
يف مبادئ احلال اليت هي اوان النقص والضعف اىل تدبري اجلسد وتربية القالب حني توجه
القلب والروح اىل جناب قدس احلق جل شأنه الذي هو الزم طريق اجلذبة فيكون ذلك
الفتور سببا لتعطل احلس والذهول عن االحساس ويفضي اىل ضعف القوى واجلوارح
والسقوط على االرض بال اختيار وعرب الشيخ االجل حميي الدين بن العريب قدس سره يف
الفتوحات املكية عن هذه احلالة ابلسماع الروحي وقال للسماع الذي يكون ابلرقص
واحلركة الدورية مساعا جسداي وابلغ يف املنع منه فتحقق من هذا البيان أن هذه الغيبة
الصورية متضمنة للحضور املعنوي وذاك الذهول الروحي مشتمل على الشعور الروحي
الذي يناسبه التعبري عنه ابلبدر ولنرجع اىل أصل الكالم ينبغي أن يعلم ان استتار وجه
البدر ابلغيم االسود كناية عن ظهور الصفات البشرية اليت حيصل احلضور والشعور
- 285 -
للمبتدئني ابستتارها وهذا االستتار ميتد اىل اواسط االحوال فان املتوسطني ليس هلم هذا
االستتار وان مل خيلو عن حنو من االستتار وميكن أن يكون انه هلذا املعن قال و ملا كان
نصف الليل ظهر البدر من الغيم اثنيا فوجدت اثر قدم هذين الشخصني فان الطريق
يتضح حالة البسط اليت هي أوان احلضور والشعور و يكون قطع املسافة أزيد وملا طلع
الفجر يعين زالت تلك الغيبة والذهول وقوى ذلك احلضور والشعور واجتمع مع التوجه
اىل اخللق وكين عن هذا احلضور بطلوع الشمس واجلبل عبارة عن وجود البشرية الذي
ظهر له يف ذلك الوقت فان تزكية النفس امنا هي بعد تصفية القلب يف هذا الطريق وملا
كانت هبذين الشخصني من الرتاكمة قوة اجلذب واستيالء احملبة فال جرم وضعا اقدامهما
على ذروة اجلبل ابلسرعة والسهولة وطلعا فوقه يف ساعة واحدة وتشرفا بنحو من الفناء و
ملا مل تكن حلسني القصاب هذه القوة طلع فوق ذلك اجلبل مبحنة كثرية وهذا ايضا امنا
تيسر له بربكة متابعته هلذين الشخصني واال لقطع رأسه واملعسكر عبارة عن االعيان
الثابتة اليت هي جامعة لتعينات احلقائق االمكانية والتعني الوجويب واخليام الغري املتناهية
كناية عن تلك التعينات واخليمة الكبرية فيما بينهما اشارة اىل التعني العلمي الوجويب
تعاىل وتقدس ولذا قيل له اهنا خيمة سلطانية وملا مسع احلسني القصاب اهنا خيمة
سلطانية ختيل أنه قد بلغ املطلب فاراد أن ينزل من مركب السكر الذي ال يتيسر قطع
مسافة هذا الطريق بدون مدده ورام أن يسرتيح ابلوصول اىل املطلوب وملا اخرج رجله
اليمن اليت هي ع بارة عن الروح فان السري امنا يكون يف هذا الطريق الغري املسلوك بقدم
الروح والقلب ال بقدم العلم والعمل فانه مناسب للطريق املسلوك واول شئ ينزل من
مركب السكر هو الروح مث بعده القلب الذي عرب عنه ابلرجل اليسرى من الركاب وصل
خطاب اهلامي اىل مسع قلبه أن السلطان ليس يف اخليمة واحلق أنه كذلك ولكن ملا مل
تكن يف احلسني القصاب قوة اجلذب نزل من السكر ببشارة قليلة وأما هذان الشخصان
فاهنما ملا كان هبما جذب قوى مل يغرتا ابمثال هذه املبشرات بل طلعا الفوق مثل
الشجعان فان انتظر احلسني القصاب هناك ألف سنة مثال ملا وجد السلطان يف اخليمة
- 286 -
أصال فانه تعاىل وراء الوراء (قوله) بل هو قعد يصطاد يعين قعد على اجملايل واملظاهر
اجلميلة وشرع يف صيد قلوب العشاق وهذا النداء املتضمن هلذا املعن امنا كان على مقدار
استعداد احلسني القصاب وحوصلة فهمه ودرايته تكلموا معه بطريق التنزل واال فال معن
للقعود فيما فيه هو تعاىل وتقدس {شعر}:
وكم من سائر ساروا وطاروا * فعادوا صفر جيب واليدين
وخيطر على اخلاطر الفاتر من هذه العبارة معن آخر مناسب ملقام التفرد والكربايء
وان مل يكن هذا املعن ايضا الئقا جلناب قدسه جل سلطانه ولكنه أوىل وانسب من
املعاين اآلخر وهو أنه قعد على الوحدة اليت هي التعني االول وفوق مرتبة الواحدية وملا
كان يف مرتبة الوحدة اضمحالل التعينات العلمية والعينية واستهالكها واالصطياد سبب
هلالك الوحوش والطيور قيل شرع يف االصطياد ملناسبته هلذا املقام والشيخ حممد معشوق
الطوسي واالمري عبور وصال اىل حمل اصطياد السلطان وصارا من صيده وأما املعشوق
الطوسي فهو أقدم وأقرب وبقى احلسني القصاب يف خيمة الواحدية رجاء أن يرجع
السلطان اليها وهللا اعلم حبقيقة املراد وما فيه من الصواب والسداد (أيها) املخدوم ان
أكابر الطريقة النقشبندية قدس هللا اسرارهم اختاروا هذا الطريق الغري املسلوك وصار هذا
الطريق عندهم طريقا مسلوكا معهودا و هم يوصلون خلق العامل من هذا الطريق اىل
املطلب ابلتوجه والتصرف والوصول الزم هلذا الطريق اذا رعي فيه آداب الشيخ املقتدى به
والشيخ والشاب متساواين يف هذا الطريق يف الوصول والنسوان والصبيان متسامهان فيه
بل املوتى راجون من هذه الدولة قال حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره
طلبت من احلق سبحانه طريقا يكون موصال ألبتة وأنشد الشيخ عالء الدين العطار قدس
سره الذي هو أول خلفائه يف هذا املعن {شعر}:
لو ما خشيت مالل قلب اخلازن * لفتحت أقفال العوامل كلها
ثبتنا هللا سبحانه على طريقة هؤالء االكابر و السالم.
- 287 -
{املكتوب الثاين واملائتان اىل املرزا فتح هللا احلكيم يف ذم مجاعة دخلوا يف
الطريقة مث خرجوا منها بال موجب}
ثبتنا هللا سبحانه واايكم على الطريقة املستقيمة املرضية املصطفوية على صاحبها
الصالة و السالم والتحية (اعلم) انه قد جرى يوما كالم يف غرية املشائخ النقشبندية قدس
هللا تعاىل أسرارهم السنية وذكر يف اثناء ذلك الكالم انه كيف يكون حال مجاعة انسلكوا
يف سلك ارادة هؤالء االكابر وجعلوا أنفسهم اتبعني هلم وقبلهم هؤالء االكابر مث انقطعوا
عن هؤالء االكابر بعد ذلك وتركوا صحبتهم من غري سبب موجب لذلك فيما هنالك
وتشبثوا أبذايل اآلخرين ابلظن والتخمني وذكر يف ضمن ذلك امسكم واسم قاضي سنام
وال أدري امتدت هذه املذاكرة اىل حملة أو ال ومع ذلك كانت تلك املذاكرة مبنية على
سبب وسياق كالم وبعد ذلك ال يقدر هللا سبحانه ارادة الفقري اذية مسلم أو ان حيقد
- 288 -
عليه يف قلبه فليطب خاطركم الشريف من هذه اجلهة وقد صار معلوما لكم ان طريقنا
ليس طريق دعوة االمساع بل اختار اكابر هذه الطريقة االستهالك يف مسمى هذه االمساء
ابتداء توجههم اىل االحدية الصرفة ال يطلبون شيئا من االسم والصفات غري الذات فال
جرم إندرج هناية غريهم يف بدايتهم {ع}:
وقس من حال بستاين ربيعي
و ملا عرضت اآلن لتلك املذاكرة بسبب تعدد النقول وتداول االيدي هيئة أخرى
وصارت حبيث ينشأ من ذلك اجلانب تومهات أخر أقدمت على حترير كلمات لدفع ذلك
التوهم (واعلم) انه ال يزيد لنا من مودتكم وال ينقص عنا شئ من عدم مودتكم وامنا
امللحوظ واملنظور ارادة اخلري لكم ولكن الراضي ابلضرر ال يستحق النظر مثل مشهور
وتيقن ان الفقري مل يرد ضرركم وال يريده ان شاء هللا تعاىل وكان ذلك كالما على طريق
الغرية اليت تكون للدراويش وقيل ما قيل مبناسبة وسياق كالم فال يثقل على خاطركم
(واعلم اثنيا) ان حال شخص يرى نفسه أفضل من أيب بكر الصديق ال خيلو عن احد
االمرين اما زنديق حمض أو جاهل صرف وقد كتب لكم هذا الفقري قبل هذا بسنني
مكتواب يف بيان الفرقة الناجية الذين هم أهل السنة واجلماعة والعجب من جتويزكم أمثال
هذه الكلمات بعد مطالعة ذلك املكتوب فاذا كان من يقول أبفضلية علي كرم هللا وجهه
على ايب بكر الصديق رضي هللا عنه خارجا من دائرة أهل السنة واجلماعة فكيف يكون
حال من رأى نفسه أفضل من الصديق ومن املقرر عند هؤالء القوم إن السالك لو رأى
نفسه أفضل من الكالب والذابب فهو حمروم من كماالت هؤالء االكار وقد انعقد امجاع
السلف على افضلية الصديق على مجيع البشر بعد االنبياء عليهم افضل الصالة و السالم
فما اشد محاقة من يتوهم خرق هذا االمجاع وكتب هذا الفقري يف كتبه ورسائله ان
الوحشي قاتل محزة رضي هللا عنه الذي انل صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة و
السالم مرة واحدة افضل من اويس القرين الذي هو خري التابعني فتخيل امثال هذه
اخلياالت يف حق مثل هذا الشخص بعيد عن العقل السليم ينبغي ان ترجع اىل العبارة
- 289 -
اليت اخرتع الناس هذا ال توهم منها تطلع على حقيقة املعاملة واي مناسبة يف التقليد اجملرد
الرابب احلسد مع ان املشائخ صدر عنهم وقت غلبة السكر كلمات غري مناسبة مثل
قول ايب يزيد البسطامي لوائي[ ]1ارفع من لواء حممد وال جيوز أن يذهب الوهم من هذه
العبارة اىل دعوى االفضلية فاهنا زندقة حاشا وكال ان يذكر امثال هذا يف عبارة الفقري و
السالم.
{املكتوب الثالث واملائتان اىل املال حسني يف التحريض على حمبة هذه الطائفة
وبيان نبذة من مدحتهم}
أحسن هللا سبحانه أحوالكم وأصلح سبحانه اعمالكم وملا كان املكتوب الشريف
مشعرا مبحبة الفقراء حصل بوصوله فرح وافر زاد هللا سبحانه حمبة هذه الطائفة العلية يوما
فيوما وجعل التواضع هلم وااللتجاء اليهم رأس مال العمر وحبكم املرء مع من أحب حمبهم
معهم وهم الذين جليسهم حمفوظ من الشقاوة وقد ورد يف احلديث النبوي عليه من
الصلوات أمتها ومن التحيات أكملها[ ]2إن هلل مالئكة سوى الكرام الكاتبني يطوفون يف
الطرق والسكك ويطلبون أهل الذكر فاذا وجدوا الذاكرين ينادي بعضهم بعضا أن هلموا
اىل حاجتكم فيحفوهم ابجنحتهم حت ميألوا بينهم وبني السماء فاذا تفرقوا عرجوا اىل
السماء فيسأهلم هللا عز و جل وهو أعلم حبال عباده كيف وجدمت عبادي فيقولون اهلنا
جئناهم حيمدونك ويثنون عليك ويكربونك وميجدونك ويسبحونك فيقول هللا هظ عز و
جل وهل رأوين فيقولوا ال أي رب فيقول كيف لو رأوين فيقولوا ليحمدونك وميجدونك
ويكربونك أكثر وأوفر فيقول هللا ما يطلبون مين فيقولوا يطلبون منك اجلنة فيقول وهل
رأوا جنيت فيقولوا ال فيقول كيف لو رأوها فيقولوا يطلبون اكثر ويزيد حرصهم مث يقول
( )1وقوله حني مسع القاري يقرأ قوله تعاىل ان بطش ربك لشديد أان اشد منه بطشا ذكره يف الفتوحات يف الباب
366
( )2رواه الشيخان عن ايب هريرة رضي هللا عنه
- 290 -
املالئكة اي رب ان هذه الطائفة خيافون من النار ويستجريونك منها فيقول هل رأوا انري
فيقولوا ال فيقول كيف لو رأوها فيقولوا الستجاروك منها كثريا وخيتارون طريق الفرار منها
أزيد فيقول هللا سبحانه للمالئكة اشهدوا أين قد غفرت هلم مجيعا فيقول املالئكة اي رب
ان فيهم فالان مل حيضر معهم للذكر بل جاء حلاجة دنياوية فيقول هللا سبحانه هم اجللساء
يعين هم جلسائي حبكم اان[ ]1جليس من ذكرين وهم قوم ال يشقى جليسهم فتبني من
هذا احلديث واحلديث السابق ان حميب هذه الطائفة يكونون معهم ومن كان معهم ال
يكون شقيا ثبتنا هللا سبحانه واايكم على حمبة هؤالء الكرام حبرمة النيب االمي اهلامشي
عليه الصالة و السالم كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وما ذكرمت من
ۤ
احوالكم يف مكتوب الشيخ ميان إله داد فاعلم أن امثال هذه العدمات والشدائد كثرية
الوقوع على الطالبني ينبغي ان تكون عايل اهلمة دون ان تقنع بكل ما يتيسر {شعر}:
بس بىي رنگ است اير دخلواه اى دل * قانع نشوى برنگ انگاه اى دل
{ترمجة}
خبيالكم ان كان غريي يكتفي * فاان الذي ال يكتفي بوصاله
وصحبة هذه الطائفة من مجلة ضرورايت الدين جعلنا هللا سبحانه يف صحبتهم
{شعر}:
ان طفت حول السكارى نلت عرفهم * ان مل تنله فقد يكفيك رؤيتهم
وعليك ابملداومة على الطريق الذي تلقنته من حضرة قبلتنا يعين الشيخ حممد
(( )1قوله اان جليس من ذكرين) رواه البيهقي يف الشعب من االسرائيليات مث اورد حديثا مبعناه عن ايب هريرة مرفرعا
بلفظ أان مع عبدي ما ذكرين وحتركت شفتاه يب قال السيوطي اورده الديلمي ابلسياق االول عن عائشة ومل يسنده
واسنده من طريق عمر بن احلكم عن ثوابن مرفوعا قال هللا اي موسى اان جليس عبدي حني يذكرين واان معه اذا دعاين
واخرج ابن شاهني بسنده عن جابر رضي هللا عنه عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم اوحى هللا اىل موسى اي موسى احتب
ان أسكن معك بيتك فخر هلل ساجدا وقال اي رب فكيف تسكن معي بييت فقال اي موسى اما علمت اين جليس من
ذكرين حيثما التمسين عبدي انتهى وفيه املرتوك والضعيف من املخرج
- 291 -
الباقي أبن جتري االسم املبارك هللا على القلب مالحظا معناه بال مثلية وال كيفية بعد
التوجه اىل القلب ابلكلية من غري ان تتصوره مبعن احلاضرية والناظرية وان تالحظ معه
صفة من الصفات أصال بل الالزم استحضار هذا االسم املبارك يف القلب دائما بعد
التوجه املذكور وافادة بعض األمور الضرورية منوطة ابحلضور والصحبة فان تيسرت املالقاة
يذكر ان شاء هللا وينبغي ان تكتب االحوال املتجددة اىل زمن املالقاة فان مطالعتها
تكون ابعثة على التوجه الغائيب و السالم.
{املكتوب الرابع واملائتان اىل املري حممد نعمان البدخشي يف النهي عن التأثر
من تعرضات املعاندين واحلاسدين والتحريض على االشتغال مبا هو مشغول به}
ال يكن حضرة املري نعمان متأملا ومتأذاي من كلمات أهل اخلسران قل كل يعمل
على شاكلته والالئق حبالك ان ال تتعرض هلم ابملكافاة واجملازاة فانه ال نور للبهتان والزور
وستكون كلماهتم املتناقضة ابعثة على كساد سوقهم ومن مل جيعل هللا له نورا فما له من
نور ينبغي لك ان تسعى وجتتهد يف اجراء الشغل الذي أنت مأمور به قل هللا مث ذرهم يف
خوضهم يلعبون وقد وصل اخوان الشيخ حممد صادق يف أوانه وقعد عشر االعتكاف
ابالتفاق وتشرف ابلفتوحات والواردات املتجددة واحلمد هلل سبحانه وأوقات سائر االحبة
مقرونة ابجلمعية والرتقيات املتوالية ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم.
{ املكتوب اخلامس واملائتنان اىل اخلواجه حممد اشرف الكابلي يف بيان ان
مالك االمر متابعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم}
شرفكم هللا سبحانه بكمال املتابعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم
والتحية فاهنا مالك األمر ومنية الصديقني وما سوى ذلك فأوهام ابطلة وخياالت فاسدة
جناان هللا سبحانه واايكم عنها و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه
و على آله الصلوات و التسليمات دائما.
- 292 -
{املكتوب السادس واملائتان اىل املال عبد الغفور السمرقندي يف مذمة الدنيا
وترك االلتفات اىل تنعماهتا}
اللهم نبهنا قب ل ان ينبهنا املوت حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله أمت الصلوات
وأفضل التسليمات وصل املكتوب الشريف املخصوص ابسم هذا احلقري املقعد يف ابدية
البعد واهلجران وصار وصوله سببا لالبتهاج والسرور جزاكم هللا عنا خري اجلزاء (ايها)
االخ ان االنسان ما قدم على الدنيا الجل اللقمة السمينة اللذيذة وااللبسة املزينة النفيسة
ومل خيلق للتمتع والتنعم واللهو واللعب وامنا املقصود من خلقه تذّّل وانكساره وعجزه
وافتقاره اليت هي حقيقة العبودية ولكن ينبغي ان يكون ذلك االنكسار واالفتقار مما
اذنت به الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية فان رايضات اهل
الباطن وجماهداهتم اليت ال توافق الشريعة الغراء ال حيصل منها شئ غري اخلسارة واخلذالن
والندامة واحلرمان وبعد التحلي والتزين ابالحكام الشرعية عمال واعتقدا على وفق رأي
علماء اهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم ينبغي تعمري الباطن بذكر هللا جل
سلطانه خصوصا بتكرار الذكر الذي تلقنته يف الطريقة النقشبندية العلية قدس هللا تعاىل
اسرارهم السنية فان يف طريق هؤالء االكابر اندراج النهاية يف البداية ونسبتهم فوق مجيع
النسب يصدق القاصرون هذا الكالم أو ال واملقصود امنا هو ترغيب االحباب وتشويق
االصحاب واملخالفون خارجون من املبحث {شعر}:
قد خاب من خال ذا هزو وهذرمة * وفاز من كان فيه حدة البصر
وابجلملة قد جعل الفالح االخروي مربوطا ابلذكر الكثري واذكروا هللا كثريا لعلكم
تفلحون شاهد هلذا املعن فينبغي االشتغال ابلذكر الكثري وبغض كل ما ينافيه وعالج
اخلالص هو هذا ما على الرسول اال البالغ {شعر}:
أال فاكثروا ذكر االله فانه * جالء صدا قلب غذاء الرواح
اال بذكر هللا تطمئن القلوب نص قاطع املسؤل من هللا سبحانه التوفيق والثبات
- 293 -
واالستقامة على ما هنالك فانه مالك االمر و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة
ا ملصطفى عليه و على آله أمت الصلوات وأفضل التسليمات وارسلت الثوب الذي تكرر
لبسه يف االوقات الطيبة ينبغي ان تلبسه جعل هللا سبحانه عواقب مجيع االمور خريا
ابلنيب وآله االجماد عليه وعليهم الصالة و السالم.
{املكتوب السابع واملائتان اىل املرزا حسام الدين أمحد يف بيان أتثري القرب
اجلسماين يف القرب الروحاين وذم االحوال الغري املوافقة للشرع}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد مضت مدة مديدة ومل يصل الينا
اخبار السالمة من جنابكم وحضرات املخادمي وولدي امليان مجال الدين حسني وسائر
ۤ
االعزة وخدمة العتبة العلية خصوصا الشيخ إله داد والشيخ هداية وال اخال املانع من
ذلك سوى نسيان النائني املهجورين نعم ان لقرب االبدان أتثريا عظيما يف قرب القلوب
وهلذا لن يبلغ ويل من االولياء مرتبة الصحايب حت أن اويسا القرين مع رفعة شأنه ما بلغ
مرتبة أدىن الصحابة لعدم وصوله اىل صحبة خري البشر عليه و على آله الصلوات و
التسليمات سئل عبد هللا بن املبارك رضي هللا عنه ايهما أفضل معاوية أم عمر بن عبد
العزيز فقال الغبار الذي دخل أنف فرس معاوية مع رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم خري
من عمر بن عبد العزيز كذا مرة وأحوال فقراء هذه احلدود مع اللواحق والتوابع مقرونة
ابلعافية هلل سبحانه املنة على ذلك بل على مجيع النعماء واآلالء خصوصا على نعمة
االسالم ومتابعة سيد االانم عليه و على آله الصالة و السالم فانه مالك االمر ومدار
النجاة ومناط الفوز ابلسعادات الدنيوية واالخروية ثبتنا هللا سبحانه واايكم على ذلك
حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله الصالة و السالم {ع}:
هذا هو االمر و الباقي من العبث
و ماذا يفتح من ترهات الصوفية وماذا يزيد من أحواهلم ال يشرتى الوجد واحلال
هناك بنصف شعرة ما مل يوزن مبيزان الشرع وال تساوي االهلامات نصف شعرية مامل
- 294 -
تعرض حملك الكتاب والسنة واملقصود من سلوك طريق الصوفية ازدايد اليقني ابملعتقدات
الشرعية اليت هو حقيقة االميان وحصول اليسر أيضا يف اداء االحكام الفقهية ال انه أمر
آخر وراء ذلك فان الرؤية االخروية امنا هي يف اآلخرة وليست بواقعة يف الدنيا ألبتة
واملشاهدات والتجليات اليت الصوفية مسرورون هبا سكون اىل الظالل واطمئنان هبا وتسل
ابلشبه واملثال وهو تعاىل وراء الوراء واي عجبا من هذه املعاملة لو قيل هلم حقيقة
املشاهدات والتجليات كما هي ليخاف من وقوع الفتور يف طلب مبتدئ هذا الطريق
وحصول القصور يف شوقهم وان سكت عنها مع وجود العلم هبا خياف أيضا من التباس
احلق ابلباطل اي دليل املتحريين دلين حبرمة من جعلته رمحة للعاملني عليه و على آله
الصلوات و التسليمات فان أخربمت بكيفيات االحوال أحياان لكان موجبا الزدايد احملبة و
السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله أفضل الصلوات
وأكمل التسليمات وأجزل التحيات.
{ املكتوب الثامن واملائتان اىل الشيخ حممد صادق ولده االرشد يف جواب
سؤاله عن رؤية السالك نفسه أحياان يف مقامات االنبياء عليهم السالم وأحياان فوق
ذلك}
قد سأل ولدي ان بعض سالكي هذا الطريق جيد نفسه احياان يف مقامات العروج
يف مقامات االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات بل حيس يف بعض االوقات أنه عرج
اىل ما فوق هذا املقام فما سر هذا املعن واحلال أن من املقرر واجملمع عليه أن الفضل
لالنبياء عليهم الصالة و السالم واالولياء امنا جيدون ما جيدون واىل كماالت الوالية
يصلون بسبب متابعتهم (واجلواب) ان تلك املقامات اليت هي لالنبياء عليهم السالم
ليست هي هناية مقامات عروجاهتم بل كان عروج هؤالء العظام اىل ما فوق تلك
املقامات مبراتب فان تلك املقامات عبارات عن االمساء االهلية جل سلطانه اليت هي
مبادئ تعيناهتم ووسائل فيضان الفيوض من حضرات الذات تعالت وتقدست فانه ال
- 295 -
مناسبة بني حضرة الذات والعامل بدون توسط االمساء اصال وال نسبة بينهما سوى
االستغناء واالحتياج قطعا ان هللا لغين عن العاملني وهللا الغين وأنتم الفقراء شاهد هلذا
املعن فاذا نزل هؤآلء االكابر من مراتب العروج مقتبسني االنوار الفوقانية اىل هذه االمساء
اليت هل ا شبه ابحيازهم الطبيعية يف مراتب العروج على تفاوت درجاهتم ويتوطنون فيها
وهلذا لو طلبهم شخص بعد استقرارهم جيدهم يف تلك االمساء فعايل االستعداد املتوجه
حنو حضرة الذات تعالت وتقدست البد له من أن يصل اىل تلك االمساء وقت العروج
وأن جياوزها اىل ما فوقها مث ومث اىل ما شاء هللا تعاىل ولكن اذا نزل هذا السالك من فوق
ووصل اىل االسم الذي هو مبدأ تعني وجوده يكون ذلك االسم اسفل من االسامي اليت
هي مقامات االنبياء عليهم الصالة و السالم ألبتة وههنا يظهر تفاوت املقامات اليت هي
مناط االفضلية فكل من كان مقامه اعلى فهو أفضل وما مل يرجع السالك اىل امسه ومل
جيد امسه أسفل من اساميهم ال يعرف أفضليتهم بطريق الذوق واحلال بل يقول ابفضليتهم
ابلتقليد وحيكم أبولويتهم ابليقني السابق ولكن وجدانه مكذب حلكمه ويف هذا الوقت
يلزم االلتجاء والتضرع اىل احلق سبحانه واظهار العجز واالنكسار له تعاىل ليظهر له ما
هو حقيقة احلال وهذا املقام من مزال اقدام السالكني (ولنوضح) هذا اجلواب مبثال قال
ارابب املعقول ان الدخان مركب من االجزاء االرضية واالجزاء النارية فاذا صعد الدخان
تصعد االجزاء االرضية مبصاحبة االجزاء النارية اىل اجلهة الفوقانية وتعرج من حملها
حبصول قسر قاسر قالوا اذا كان الدخان قواي يكون عروجه اىل كرة النار وتصل االجزاء
االرضية يف هذا الصعود اىل مقامات االجزاء املائية واهلوائية اليت هلا التفوق عليها ابلطبع
مث تعرج منها صاعدة اىل ما فوقها ففي هذه الصورة ال ميكن ان تقول ان رتبة االجزاء
االرضية اعلى من رتبة االجزاء اهلوائية فان ذلك التفوق واالستعالء امنا كان ابعتبار قسر
القاسر ال ابعتبار الذات فاذا هبطت تلك االجزاء االرضية بعد وصوهلا اىل كرة النار
واستقرت يف مركزها الطبيعي يكون مقامها أسفل من مقام املاء واهلواء ألبتة ففيما حنن فيه
ان عروج هذا السالك من تلك املقامات كان ابعتبار قسر القاسر وذلك القاسر هو
- 296 -
افراط حرارة احملبة وقوة جذب العشق وأما ابعتبار الذات فمقامه حتت تلك املقامات
وهذا اجلواب الذي ذكرانه مناسب حلال املنتهى وأما اذا وقع هذا التوهم يف االبتداء
ووجد السالك نفسه يف مقامات االكابر فوجهه ان لكل مقام ظال ومثاال يف االبتداء
والتوسط فاذا وصل املبتدئ او املتوسط اىل ظالهلا يتخيل أنه قد وصل اىل حقيقة تلك
املقامات وال يقدر أن يفرق بني الظالل واحلقائق وكذا الشبه واملثال فاذا وجد االكابر يف
ظالل مقاماهتم يتخيل له أنه قد حصل الشركة مع االكابر يف املقامات وليس كذلك بل
فيه اشتباه ظل شئ بنفس الشئ اللهم اران احلقائق كما هي وجنبنا عن االشتغال ابملالهي
حبرمة سيد االولني واآلخرين عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات.
احلقيقة احملمدية الذي بقى خاليا انتهى (ينبغي) أن يعلم ان حقيقة شخص عبارة عن
التعني الوجويب الذي تعني ذلك الشخص االمكاين ظل ذلك التعني وذلك التعني
الوجويب اسم من االمساء االهلية جل شأنه كالعليم والقدير واملريد واملتكلم وامثاهلا وذلك
االسم االهلي رب ذلك الشخص ومبدأ فيضان وجوده وتوابع وجوده وهلذا االسم ابلنسبة
اىل حضرة الذات مراتب شت حيث يطلق ه ذا االسم يف مرتبة الصفة اليت وجودها زائد
عن وجود الذات ويصدق ايضا يف مرتبة الشأ ن الذي زايدته عن الذات مبجرد االعتبار
والفرق بني الصفة والشأ ن قد ذكر ابلتفصيل يف املكتوب الذي حرر يف بيان السلوك
واجلذبة فان كان فيه خفاء واشتباه فلرياجع هناك وال شك ان حصول الشأن ولو كان
جمرد اعتبار ولكن يقتضى ان يكون فوقه معن آخر زائد مناسب هلذا الشأن يكون مبدا
لوجوده االعتباري فيحصل هلذا االسم نصيب من تلك املرتبة ايضا وهذا االحتمال جار
فوق ذاك املعن الزائد أيضا ولكن القوة البشرية عاجزة عن ضبطه وهذا الفقري قليل
البضاعة قد جتاوز اىل مرتبة أخرى ولكن ال نصيب له مما فوقها غري االستهالك
واالضمحالل وفوق كل ذي علم عليم {شعر}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع
وتفاضل اقدام اهل هللا بعضها على بعض وتفاوهتا امنا هو ابعتبار طي هذه
املراتب الشت على تفاوت االستعدادات والقابليات والواصلون اىل نفس االسم قليلون
من االولياء فان اكثرهم واصلون اىل ظل من ظالل ذلك االسم بعد ان عرجوا من املراتب
االمكانية ابسرها بطريق السري والسلوك التفصيلي وقد يتوهم الوصول اىل ذلك االسم يف
طريق اجلذبة الصرفة ايضا لكنه ال يعترب وال يعتد به والذين عرجوا من ذلك االسم و
قطع وا املراتب املتفاوتة قلت او كثرت فهؤالء أقل قليل منهم ولنرجع اىل اصل الكالم
ونقول كما أن حقيقة الشخص تطلق على التعني الوجويب كذلك يطلق على تعينه
االمكاين فاذا علمت هذه املقدمات أقول ان حممدا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
مركب من عامل اخللق وعامل االمر كرتكب كافة االانم منهما واالسم االهلي الذي هو رب
- 298 -
عامل خلقه شأن العليم والذي يريب عامل أمره املعن الذي هو مبدأ وجود ذلك الشأن
االعتباري كما مر واحلقيقة احملمدية عبارة عن شأن العليم واحلقيقة االمحدية كناية عن
ذلك املعن الذي هو مبدأ ذلك الشأن وحقيقة الكعبة السبحانية هي أيضا عبارة عن
ذلك املعن والنبوة اليت كانت حاصلة لنبينا قبل خلق آدم عليهما الصالة و السالم كما
أخرب عنها النيب صلّى هللا عليه و سلّم حيث قال كنت نبينا وآدم بني املاء والطني كانت
ابعتبار احلقيقة االمحدية اليت هلا تعلق بعامل االمر وهبذا االعتبار بشر عيسى على نبينا
وعليه الصالة و السالم حيث كان كلمة هلل تعاىل وكانت مناسبته بعامل االمر أزيد بقدوم
نبينا عليه الصالة و السالم ابسم أمحد حيث قال ومبشرا برسول أييت من بعدي امسه
أمحد والنبوة اليت هلا تعلق ابلنشأة العنصرية امنا هي ابعتبار احلقيقة احملمدية بل ابعتبار
احلقيقتني وربه يف هذه املرتبة ذاك الشان ومبدأه وهلذا كانت دعوة هذه املرتبة امت من
املرتبة السابقة فان دعوته يف تلك املرتبة كانت خمصوصة بعامل امره وتربيته كانت مقصورة
على الروحانيني ويف هذه املرتبة دعوته شاملة للخلق واالمر وتربيته مشتملة على االرواح
واالجسام غاية ما يف الباب ان نشأته العنصرية كانت يف هذه النشأة غالبة على نشأته
امللكية عليه الصالة و السالم وذلك لتحصل زايدة املناسبة ابخلالئق اليت هي سبب
االفادة واالستفادة فان جانب البشرية غالب فيهم وهلذا امر احلق سبحانه حبيبه االكرم
صلّى هللا عليه و سلّم ابظهار بشريته آبكد الوجوه حيث قال قل امنا اان بشر مثلكم اآلية
واتيان لفظ مثلكم لتأكيد البشرية وبعد ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم من النشأة العنصرية
غلب جانبه الروحاين واخذت مناسبته البشرية يف النقصان وظهر التفاوت يف نورانية
الدعوة قال بعض االصحاب الكرام وجدان[ ]1التفاوت يف قلوبنا ومل نفرغ بعد من دفنه
صلّى هللا عليه و سلّم نعم قد تبدل االميان الشهودي ابالميان الغييب واجنرت املعاملة من
العيان اىل السماع وملا مضت من رحلته صلّى هللا عليه و سلّم الف سنة وهي مدة مديدة
( )1أخرج الدارمي والرتمذي يف الشمائل عن انس رضي هللا عنه ما نفضنا أيدينا عن الرتاب واان لفي دفنه حت انكران
قلوبنا منه.
- 299 -
وازمنة متطاولة يع ين وهلا أتثري يف تغري االمور العظام وتبدهلا غلب جانب روحانيته على
هنج جعل جانب بشريته متلوان بلونه ابلتمام وصري عامل اخللق منصبغا بصبغ عامل االمر
فما كان من عامل خلقه صلّى هللا عليه و سلّم راجعا اىل حقيقته يعين احلقيقة احملمدية
عرج اىل احلقيقة االمحدية والتحق هبا ابلضرورة واحتدت احلقيقة احملمدية ابحلقيقة األمحدية
واملراد ابحلقيقة األمحدية واحلقيقة احملمدية هنا تعينه اخللقي واالمري االمكانيني ال الوجويب
الذي تعينه االمكاين ظله فانه ال معن لعرووج التعني الوجويب وال يتعلق االحتاد بذلك
التعني فاذا نزل عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم واتبع شريعة خامت الرسل عليه
الصالة و السالم يعرج عن مقام نفسه ويصل اىل مقام احلقيقة احملمدية ابلتبعية ويقوي
دينه عليه الصالة و السالم ومن ههنا ينقل عن شرائع من قبلنا انه كلما تقادم العهد
برسول من الرسل اويل العزم ابن مضي ألف سنة من ارحتاله كان يبعث من االنبياء الكرام
والرسل العظام من يقوي شريعة ذلك النيب ويعلي كلمته فاذا متت دورة دعوته كان يبعث
غريه من اويل العزم وجيدد شريعة نفسه وملا كانت شريعة خامت الرسل عليه وعليهم الصالة
و السالم حمفوظة من النسخ والتبديل اعطى علماء امته حكم االنبياء وفوض اليهم امر
تقوية الشريعة وأتييد امللة ومع ذلك تروج شريعته جبعل واحد من الرسل اويل العزم متبعا
له قال هللا تعاىل اان حنن نزلنا الذكر واان له حلافظون (اعلم) ان االولياء الذين يظهرون من
امته صلّى هللا عليه و سلّم بعد مضي الف سنة من ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم يكونون
اكمل وان كانوا أقل ليحصل تقوية الشريعة على الوجه األمت وهلذا يكون جمئ املهدي
الذي بشر خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم بقدومه املبارك بعد مضي ألف
سنة وكذلك عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم ينزل بعد ألف سنة وابجلملة ان
كماال ت أولياء هذه الطبقة شبيهة بكماالت االصحاب الكرام عليهم الرضوان وان كان
الفضل بعد االنبياء عليهم الصالة و السالم لالصحاب الكرام ولكن يكاد ال يفضل
أحدمها على اآلخر من كمال التشابه ولعل النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال الجل هذا
أميت مثل املطر ال يدري أوله خري أم آخره ومل يقل ال أدري أوهلم خري أم آخرهم لعلمه
- 300 -
حبال كل من الفريقني وهلذا قال خري[ ]1القرون قرين ولكن ملا كان من كمال التشابه حمل
تردد يعين يف تفضيل أحدمها على اآلخر ابلنسبة اىل غريه صلّى هللا عليه و سلّم قال ال
يدري (فان قيل) قد حكم النيب صلّى هللا عليه و سلّم خبريية قرن التابعني بعد قرن
الصحابة وخريية قرن تبع التابعني بعد قرن التابعني فتكون خريية هذين القرنني من هذه
الطبقة أيضا متيقنة فما يكون تشابه هذه الطبقة ابالصحاب الكرام يف الكماالت
(أجيب) ميكن أن تكون خريية هذين القرنني من هذه الطبقة ابعتبار كثرة ظهور أولياء
هللا تعاىل وقلة وجود أهل البدعة وندرة أرابب الفسق واملعصية فيهما وهذا ال ينايف كون
االفراد من أولياء هذه الطبقة خريا من افراد أولياء ذينك القرنني كحضرة املهدي مثال
{شعر}:
لو انل من فيض روح القدس من مدد * غري املسيح ليصنع مثل ما صنعا
و لكن قرن االصحاب خري من مجيع الوجوه والتكلم فيه من الفضول فان
السابقني سابقون يف جنات النعيم وهم املقربون ال يبلغ انفاق غريهم مثل جبل[ ]2ذهبا
انفاقهم مد شعري وهللا خيتص برمحته من يشاء (ينبغي) أن يعلم أنه قد اتضح من البيان
السابق معن عبارة رسالة املبدأ واملعاد اليت سطرت فيها فوق العبارة املذكورة من ان
حقيقة الكعبة الرابنية صارت مسجودا اليها للحقيقة احملمدية فان حقيقة الكعبة الرابنية
هي بعينها احلقيقة األمحدية اليت احلقيقة احملمدية ظلها يف احلقيقة فتكون مسجودا اليها
للحقيقة احملمدية ابلضرورة (فان قيل) ان الكعبة قد تذهب لطواف أولياء االمة وتتربك
هبم فكيف يكون حلقيقتها تقدم على احلقيقة احملمدية وكيف جيوز هذا املعن (اجيب) ان
احلقيقة احملمدية هناية مقامات نزول حممد صلّى هللا عليه و سلّم من ا وج التنزيه وذورة
( )1رواه امحد والرتمذي عن انس رضي هللا عنه وامحد عن عمار رضي هللا عنه وابو يعلى عن علي رضي هللا عنه
والطرباين عن ابن عمر وابن عمرو واخرج ابن عساكر عن عمرو بن عثمان رضي هللا عنه مرسال بلفظ اميت مباركة ال
يدري اوهلا خري او آخرها اه .
( )2روى الشيخان عن ايب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ال تسبوا اصحايب فلو
ان احدكم انفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم وال نصيفه.
- 301 -
التقديس وحقيقة الكعبة هناية مقامات عروج الكعبة وأول مرتبة تعرج اليها احلقيقة
احملمدية من مراتب التنزيه هي حقيقة الكعبة[ ]1وال اطالع على هناية مراتب عروجها
الحد غري احلق سبحانه وحيث كان لكمل أولياء امته عليه و على آله الصالة و السالم
نصيب اتم من عروجاته صلّى هللا عليه و سلّم فما العجب ان متنت الكعبة من بركات
هؤالء االكابر {شعر}:
عال فوق السماء وليد أرض * وخلف خلفه زمنا و ارضا
واحنلت ايضا عبارة أخرى من هذه الرسالة الواقعة يف هذا املقام وهي هذه كما ان
صورة الكعبة مسجود اليها لصور االشياء كذلك حقيقة الكعبة مسجود اليها حلقائق
االشياء فانه قد علم من املقدمات السابقة ان حقائق االشياء عبارات عن االمساء االهلية
جل سلطانه اليت هي مبادئ فيضان وجودهم وتوابع وجودهم وحقيقة الكعبة فوق تلك
االمساء فال جرم تكون حقيقة الكعبة متبوعة حلقائق االشياء ألبتة نعم اذا وقع سري كمل
االولياء فوق حقيقة الكعبة مث نزلوا اىل مراتب حقائقهم الشبيهة ابحيازهم الطبيعية يف
مراتب العروج مقتبسني لألنوار الفوقانية تتوقع الكعبة منهم الربكات كما مر آنفا (وأيضا)
قد حررت يف رسالة املبدأ واملعاد فقرات يف بيان أفضلية االنبياء أويل العزم صلوات هللا
وتسليماته تعاىل عليهم ومعن أفضلية بعضهم على بعض وملا كان مبناها على الكشف
واالهلام اللذين يفيدان الظن كنت اندما على كتابيت اايها والتفرقة والتحكم يف التفاضل
ومستغفرا منها فان التكلم يف هذا الباب بال دليل قطعي ال جيوز استغفر هللا وأتوب اىل
هللا من مجيع ما كره هللا قوال وفعال وكتبت يف مكتوبك أبين كنت سئلت يف سراي فرخ ان
ايل أو ال فقلت يف اجلواب ال (آه) ما بقي
تعليم الطريقة للطالبني هل هو مرضي ابلنسبة ّ
يف خاطر الفقري صدور النفي بل قلت مشروط ابلشرائط ليس مبرضي مطلقا واآلن ينبغي
ان تعلمها على ذلك الوجه املذكور وينبغي ان حتتاط يف رعاية الشروط ورعاية االحتياط
( )1يعين فال حمذور يف تقدم آخر مراتب عروج الكعبة وتفضله على آخر مراتب نزول حممد صلّى هللا عليه و سلّم فال
وجه للطعن يف ذلك منه عفي عنه
- 302 -
دون املساهلة وما مل حيصل اليقني يف التعليم ابالستخارات ال ينبغي االقدام على التعليم
ودل اخاان و موالان اير حممد القدمي على هذا وأكد عليه يف ترك االستعجال يف تعليم
الطريقة ليس املقصود توسيع الدكان بل ينبغي مالحظة مرضي احلق سبحانه وما علينا اال
االخبار وأيضا أنك كنت متأذاي من مسرتشديك ومنحرفا عنهم ينبغي لك التأذي
واالحنراف من وضعك وصنعك فانك تعاشرهم على هنج تكون عاقبتها اذية ألبتة وقد
قالوا ينبغي للشيخ ان يتجمل للمريد ال أنه يفتح ابب االختالط ويسلك طريق املصاحبة
ابيراد احلكاايت والقصص و السالم.
(( )1قوله وآثر الغنا) روى الرتمذي عن ايب امامة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم عرض عل ّي
ريب ان جيعل بطحاء مكة ذهبا فقلت اي رب اشبع يوما واجوع يوما انتهى وراودته اجلبال الشم من ذهب * عن نفسه
فأراها اميا مشم.
- 303 -
آخر القصة (أيها املخدوم) املكرم ان اشكال هذه احلكاية ليس من جهة حصول أمور
سنني يف ساعة واحدة فان امثال هذه املعاملة كثرية الوقوع ومن مجلتها معراج خامت الرسل
صلى هللا عليهم وسلم فانه حني رجع اىل مكانه بعد طي معارج العروج وقطع مسافة
منازل الوصول الذي يتيسر يف ألوف من السنني يعين عادة رأى[ ]1ان حرارة فراشه ابقية
على حاهلا ومل يسكن املاء الذي مأله يف االبريق للوضوء عن حركته ووجهه ما ذكره يف
النفحات من أنه من قبيل بسط الزمان وامنا اشكال هذه احلكاية من جهة كون هذه
املدة آان واحدا يف بغداد وحيصل هلذا اآلن امتداد مبصر اىل سبع سنني فاذا كان التأريخ
اهلجري ابلنسبة اىل أهل بغداد مثال ثلثمائة وستني سنة يف ذلك الوقت ينبغي ان يكون
ابلنسبة اىل أهل مصر يف عني ذلك الوقت ثلثمائة وسبع وستني سنة وهذا املعن مما ال
جيوزه العقل وال يسعه النقل وهذه املعاملة وان كانت جموزة ابلنسبة اىل شخص او
شخصني ولكنها ابلنسبة اىل بالد خمتلفة وامكنة متعددة حمال وما خيطر يف خاطر هذا
احلقري الكليل هو ان هذه احلكاية ما وقعت يف عامل اليقظة بل هي من قبيل الرؤاي
والواقعات واشتبه الرؤاي ابلرؤية للمستمع والتبس له النوم ابليقظة وهذا القسم من االشتباه
كثري الوقوع بل من مظان االشتباه كون رؤيته وقصته على شيخه وجميئه ابوالده اليه يف
املنام واحلكاية اليت نقلها عن الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره بعد هذه احلكاية
هي ايضا من هذا القبيل وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال وهللا اعلم حبقيقة االمور كلها
(والتمست) ايضا شرح هذه العبارة ان مريب اجلسد هو الروح ومريب القالب هو القلب
(أيها املخدوم) ان مؤدي هاتني العبارتني واحد وهو بيان حصول الرتبية لعامل اخللق
االنساين من عامله االمري وملا كان وقوع لفظ اجلسد مقروان بلفظ الروح يف االطالقات
واحملاورات ووقعت املناسبة اللفظية بني القالب والقلب وقع اختيار تعيني العبارة جلمع كل
(( )1قوله رأى ان حرارة فراشه ابقية على حاهلا اخل) قيل جمرد حديث املعراج يكفي الثبات املدعى واما ما ذكر فلم
يثبت قال يف اتريخ اخلميس ويف زين القصص عن عمار كان ذهابه وجميئه ثالث ساعات وعن وهب ابن منبه وحممد
ابن اسحق يف اربع ساعات ويف كالم السبكي كان قدر حلظة وال بدع الن هللا تعاىل قد يطيل الزمان القصري كما
يطوي الطويل ملن يشاء اخل قلت وهذا الكالم مما يثلج له الصدر والتقدير ابلساعة ال خيفي تكلفه وتعسفه.
- 304 -
مبا يناسبه (وصدر) ايضا طلب النصائح (أيها املخدوم) مينعين احلياء من ان اكتب شيئا
من هذا الباب مع وجود مجيع هذه اخلراابت والتعلقات والتلواثت وقلة البضاعة وعدم
احلاصل وان ارقم من هذه املقولة حرفا ابلتصريح او ابالشارة ولكن اخاف من ان انسب
اىل اخلسة والدانئة والضن والبخل لو امسكت عن القول املعروف وصنت نفسي عن
ذلك فبناء على ذلك اجرتئ على حترير كلمات (أيها املخدوم) ان بقاء الدنيا قليل جدا
وقد تلف االكثر من هذا القليل ايضا وزال وبقى االقل ومدة اآلخرة ابقية ودائمة وجعلت
معاملة االبد واخللود مربوطة ببقاء اايم معدودة وبعدها اما تنعم ابدي او عذاب سرمدي
اخرب بذلك املخرب الصادق ليس فيه احتمال التخلف فينبغي استعمال العقل املتفكر
(ايها املخدوم) قد مضى اشرف العمر يف اهلوى واهلوس وضاع يف حتصيل مراضي اعداء
هللا جل شأنه وبقى ارذل العمر فان مل نصرفه اليوم يف مرضيات احلق جل سلطانه ومل
نتالف االشرف ومل نتدراكه ولو ابالرذل ومل جنعل احملنة القليلة وسيلة اىل الراحة االبدية
ومل نكفر السيئآت الك ثرية حبسنات يسرية فبأي وجه نذهب غدا عند هللا تعاىل وأبي
حيلة نتمسك واىل مت ميتد نوم االرنب وحت مت يكون قطن الغفلة هذه كلها يف اآلذان
وسرتفع الغشاوة عن ابصار البصرية ألبتة ويزال قطن الغفلة عن السامعة ال حمالة ولكن ال
ينفع ذلك هنالك وال يكون نقد الوقت غري احلسرة والندامة على ذلك فينبغي العمل
لنفسك قبل ورود املوت والتوسد برمسك مث املوت قائال واشوقاه وال بد اوال من تصحيح
االعتقاد وتصديق ما علم من الدين ابلضرورة مث العلم والعمل مبا تكفل ببيانه علم الفقه
ايضا ضروري مث سلوك طريق الصوفية ايضا مطلوب ال الجل مشاهدة الصور واالشكال
الغيبية ومعاينة االنوار وااللوان الالريبية فان هذا داخل يف اللهو واللعب واي نقصان يف
الصور واالنوار احلسية حت يرتكها االنسان ويشتاق اىل الصور واالنوار الغيبية ويقصدها
ابرتكاب الرايضات واجملاهدات وهذه الصور واالنوار وتلك الصور واالنوار كلها خملوقة
للحق سبحانه وآايت دالة على صانعيته تعاىل ولنور الشمس والقمر اللذين يف عامل
الشهادة مزية على االنوار اليت تشاهد يف عامل املثال ولكن ملا كانت رؤيتهما دائمة
- 305 -
واشرتك فيها اخلواص والعوام اسقطوها عن نظر االعتبار واشتاقوا اىل ما يرى يف عامل
الغيب من االنوار {شعر}:
وال قدر للماء الذي دام جاراي * على ابب انسان وان كان كوثرا
بل املقصود من سلوك طريق الصوفية حتصيل ازدايد اليقني ابملعتقدات الشرعية
حت خترج من مضيق االستدالل اىل فضاء الكشف ومن االمجال اىل التفصيل مثال إن
وجود الواجب الوجود تعاىل وتقدس ووحدته سبحانه اذا كان اوال معلوما بطريق
االستدالل او التقليد وحصل اليقني به على مقدارمها فاذا تيسر سلوك طريق الصوفية
يتبدل ذلك االستدالل والتقليد كشفا وشهودا وحيصل اليقني االكمل و على هذا القياس
سائر االعتقادايت واملقصود منه ايضا حتصيل اليسر يف اداء االحكام الفقهية وازالة العسر
الذي حيصل من جهة النفس االمارة ويقني هذا الفقري ان طريق الصوفية خادم للعلوم
الشرعية ال انه امر مباين هلا وقد حققت هذا يف كتيب ورسائلي واختيار طريق النفشبندية
من بني سائر الطرق الجل حصول هذا الغرض أوىل وانسب فان هؤالء االكابر التزموا
متابعة السنة واجتناب البدعة وهلذا تراهم يفرحون ويستبشرون حبصول دولة املتابعة هلم
وان مل حيصل هلم شئ من االحوال واذا احسوا فتورا يف املتابعة مع وجود االحوال ال
يقبلون تلك االحوال قال حضرة اخلواجه احرار قدس سره لو اعطيت مجيع االحوال
واملواجيد ومل توافق ابعتقاد اهل السنة واجلماعة مثال ال ارى تلك االحوال غري الشقاوة
واخلذالن وان اعطيت اعتقاد اهل السنة واجلماعة وحرمت االحوال ابسرها فال نغتم على
ذلك وايضا ان يف هذا الطريق اندراج النهاية يف البداية فيجد اهل هذه الطريقة يف اول
قدم ما جيده غريهم يف النهاية وان كان بينهما فرق فامنا هو ابالمجال والتفصيل والشمول
وعدم الشمول وهذه النسبة هي نسبة االصحاب الكرام بعينها فاهنم عليهم الرضوان كانوا
جيدون يف اول صحبة خري البشر ماال يدرى انه يتيسر الولياء االمة سواهم يف النهاية او
ال وهلذا مل يصل اويس القرين الذي هو افضل التابعني اىل مرتبة وحشي قاتل محزة رضي
هللا عنه لنيله مرة واحدة صحبة خري البشر عليه الصالة و السالم فان فضيلة الصحبة
- 306 -
فوق مجيع الفضائل والكماالت فان امياهنم شهودي ومل تتيسر هذه الدولة لغريهم أصال
{ع}:
هل املسموع يشبه قط مبرئي
وهلذا كان انفاق مد شعري منهم أفضل من انفاق جبل ذهب من غريهم ومجيع
االصحاب متساوون يف هذه الفضيلة فينبغي تعظيم مجيعهم وذكر كلهم ابخلري فان
الصحابة كلهم عدول وكلهم متساوون يف قبول روايتهم وتبليغ االحكام ال مزية لرواية
أحدهم على رواية اآلخر منهم وهم محلة القرآن اجمليد ومنهم مجعت اآلايت املتفرقات من
هذا آيتان ومن هذا ثالث آايت وأزيد وأنقص اعتمادا على عدالتهم فمن جرح واحدا
من االصحاب فذلك اجلرح راجع اىل القرآن اجمليد فانه ميكن أن يكون حامل بعض
اآلايت ذلك اجملروح واملطعون فيه وينبغي ان يصرف املخالفات واملنازعات الواقعة بني
هؤالء االكابر اىل حمامل صحيحة وان يبعدهم وينزههم عن اهلوى والتعصب قال االمام
الشافعي رمحه هللا تعاىل وهو أعلم أبحوال الصحابة عليهم الرضوان تلك دماء طهر هللا
عنها ايدينا فلنطهر عنها ألسنتنا ونقل مثل هذه املقولة أيضا عن االمام جعفر الصادق
رضي هللا عنه و السالم أوال وأخرا.
{املكتوب احلادي عشر واملائتان اىل املال اير حممد قدمي البدخشي يف جواب
سؤاله وبيان بعض لوازم مقام التكميل واالرشاد}
وصل املكتوب املرغوب من االخ االعز موالان اير حممد القدمي وصار موجبا للفرح
بلغ هللا سبحانه ذروة الكمال والتكميل حبرمة النيب املختار وآله االجماد واالبرار عليه
وعليهم الصالة و السالم وقد سئلت عن مقالة املولوي عليه الرمحة حيث قال ان املليح
الذي كان جبنيب كان حقا فهل جيوز هذا الكالم أم ال (اعلم) أن أمثال هذا االمر تقع
كثريا يف هذا الطريق وجتري على اللسان وهذا النوع من املعاملة يقال له التجلي الصوري
ويظن صاحب املعاملة تلك الصورة املتجلي هبا حقا تعاىل شأنه والكالم امنا هو ما قال
- 307 -
الشيخ االجل االمام الرابين حضرة اخلواجه يوسف اهلمداين قدس سره حيث قال تلك
خياالت ترىب هبا أطفال الطريقة (مث اعلم) انه ملا صدر لكم نوع اجازة تعليم الطريقة
أردت ان اكتب بعض الفوائد يف هذا الباب ينبغي استماعها أبذن العقل والعمل هبا
(أعلم) انه اذا جاء عندك طالب ابرادة الطريقة ينبغي لك ان تتأمل وتتأين كثريا يف تعليم
الطريقة اايه خوفا من ان يراد عليك االستدراج يف هذا االمر ومن ان يكون املنظور فيه
خرابيتك خصوصا اذا ظهر الفرح والسرور من جميئ املريد فينبغي سلوك طريق االلتجاء
والتضرع يف هذا الباب واالستخارات املتعددة اىل ان حيصل اليقني بكون تعليم الطريقة
اايه مرضيا وانه ال يراد به االستدراج واالضالل الن التصرف يف عبادة هللا تعاىل وتضييع
الوقت يف تربيتهم غري جموز بال اذن احلق سبحانه ويف قوله تعاىل لتخرج الناس من
الظلمات اىل النور أبذن رهبم داللة على هذا املعن حكي انه ملا تويف واحد من االعزة
جاء اخلطاب ابنه انت الذي لبس الدرع يف ديين على عبادي قال بلى قال هال وكلت
ايل وأقبلت بقلبك عل ّي واالجازة اليت صدرت لك ولغريك مشروطة ابلشروط خلقي ّ
ومنوطة حبصول الع لم مبرضاه تعاىل فانه ما جاء بعد وقت االجازة املطلقة فينبغي رعاية
تلك الشروط اىل ورود ذلك الوقت والشرط هو االخبار وحرر هذا املعن ايضا اىل املري
نعمان فينبغي االستعالم ايضا من هناك وابجلملة ينبغي السعي حت جيئ ذلك الوقت
ويتيسر التخلص من مضائق الشرائط و السالم.
{املكتوب الثاين عشر واملائتان اىل موالان حممد صديق البدخشي يف جواب
بعض أسئلته وحل واقعة رآها}
وصل املكتوابن املرغوابن متتابيعن فازداد فرح على فرح أكرمكم هللا سبحانه
برتقيات غري متناهية حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله الصالة و السالم وسألت انه
هل يقدر الشيخ صاحب التصرف أن يوصل املريد املستعد بتصرفه اىل مراتب فوق
استعداده أو ال بلى يقدر ان يوصله ولكن اىل مراتب تناسب استعداده ال اىل مراتب
- 308 -
تباين استعداده مثال اذا كان يف مريد استعداد الوالية املوسوية وهناية قوة استعداده ما
يقدر الوصول هبا اىل نصف طريق هذه الوالية فالشيخ صاحب التصرف يستطيع ان
يوصله بتصرفه اىل اقصى درجات هذه الوالية وأما انه خيرجه من الوالية املوسوية اىل
الوالية احملمدية ومينحه هناك الرتقيات فهو ليس مبعلوم الوقوع (وسألت) أيضا انه اي
مرتبة حيصل فيها لالخفى الذي هو ألطف اللطائف االنسانية حكم النفس االمارة
وحتصل له املشاهبة يف اخلسة والدانءة (ليعلم) االخ ان االخفى وان كان ألطف اللطائف
ولكنه داخل يف دائرة االمكان ومتسمة بسمة احلدوث فاذا وضع السالك قدمه يف خارج
دائرة االمكان ووقع سريه على مراتب الواجب وترقى من ظالل الوجوب اىل أصوهلا
وختلص من التقيد ابلصفة والشان فال جرم يكون املمكن حينئذ يف نظره ذليال حقريا
عدمي االعتبار ويرى أخسه وألطفه مساويني فيها ويتخيل النفس واالخفى يف هذا املقام
كأهنما توأمان (وكتبت) ايضا انه مسعت منك بواسطة أو بال واسطة ان العبادة له تعاىل
معتقدا أبنه تعاىل حاضر وقت العبادة موجب لتنزله تعاىل ينبغي العبادة مثل العبيد فان
العبادة له تعاىل معتقدا أبنه حاضر سوء ادب (أيها) احملب ان صدور أمثال هذه املقالة
من هذا الفقري ليس مبعلوم ولعلك رأيته يف حمل آخر والواقعة اليت رأيتها ورأيت فيها
حضرة آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم حسنة جدا واصيلة واملاء كناية عن العلم
وادخال اليد فيه حصول القدرة يف العلم ومشاركة آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم
مؤكدة هلذا احلصول فان آدم عليه السالم تلميذ الرمحن وعلم آدم االمساء كلها غاية ما يف
الباب ان املراد ابلعلم يف هذه الواقعة علم الباطن بل نوع من علم الباطن له مناسبة لنسبة
أهل البيت عليهم الرضوان والباقي عند التالقي و السالم.
عصمكم هللا سبحانه عما ال يليق جبنابكم حبرمة جدكم االجمد عليه و على آله
الصالة و السالم قال هللا سبحانه و تعاىل هل جزاء االحسان اال االحسان وال ادري
ابي احسان اكافئ احسانكم سوى ان اكون رطب اللسان بدعاء سالمتكم يف الدارين
يف االوقات الشريفة احلمد هلل سبحانه واملنة ان هذا املعن ميسر من غري اختيار
واالحسان اآلخر الذي تليق املكافأة به التذكرة واملوعظة فيا هلا من نعمة إن وقعت يف
معرض القبول (أيها النقيب) النجيب ان خالصة املواعظ وزبدة النصائح االختالط
واالنبساط مع أصحاب الداينة وارابب التشرع وكل من التدين والتشرع مربوط بسلوك
طريقة أهل السنة واجلماعة احلقة الذين هم الفرقة الناجية من بني سائر الفرق االسالمية
والنجاة بدون متابعة هؤالء االكابر حمال والفالح من غري اتباع آرائهم ممتنع والدالئل
النقلية والعقلية والكشفية شاهدة هلذا املعن ال حتتمل التخلف أصال فاذا علم خروج
شخص مقدار خردلة م ن طريق هؤالء االكابر الذي هو الصراط املستقيم ينبغي ان تعتقد
ان صحبته سم قاتل وان ترى جمالسته كمجالسة االفعى وطلبة العلم الذين ال مباالة فيهم
فهم لصوص الدين من اي فرقة كانوا واالجتناب عن صحبتهم ايضا من الضرورايت
ومجيع هذه الفتنة واملفسدة الواقعة يف الدين من شآمة هؤالء اجلماعة الذين جعلوا آخرهتم
هباء يف مجع حطام الدنيا اولئك الذين اشرتوا الضاللة ابهلدى فما رحبت جتارهتم وما
كانوا مهتدين رأى شخص ابليس اللعني قاعدا مسرتحيا فارغ البال من االشتغال ابالغواء
واالضالل فسئله عن سر ذلك فقال اللعني ان علماء السوء يف هذا الوقت قد كفوا امري
وتكفلوا يل ابالغواء واالضالل (وموالان) عمر موصوف حبسن السرية والطوية من بني
الطلبة املوجودين اآلن هناك بشرط أن تقووا قلبه وتعاونوه على اظهار احلق واحلافظ االمام
فيه ايضا جنون االسالم وال بد من ذاك اجلنون يف االسالم لن يؤمن احدكم حت يقال
انه جمنون معلوم جلنابكم وهذا الفقري مل يقصر يف القول والكتابة يف التحريض على
الصحبة احلسنة ومل ارخص لنفسي أن ترتك املبالغة يف التحذير عن املصاحبة السوء وارى
ذلك أصال عظيما والقبول من عندكم فطوىب ملن جعل مظهرا للخري وتذكر احساانتكم
- 310 -
يوردين على هذا القيل والقال وينسيين مالحظة التصديع واالمالل و السالم.
{املكتوب الرابع عشر واملائتان اىل خان خاانن يف بيان أن الدنيا مزرعة اآلخرة
ويف سر أتبيد عذاب الكفار وتفويض واحد من ارابب االفتقار}
طوىب ملن جعله هللا مظهرا للخري وقد جعل احلق سبحانه الدنيا مزرعة اآلخرة فيا
شقاوة من أكل البذر ابلتمام ومل يزرعه يف ارض االستعداد ومل جيعل احلبة الواحدة
سبعمائة حبة ومل يهيئه ذخرية ليوم االخ من اخ واالم من ولد خسارة الدنيا واآلخرة نقد
وقته وحسرة الدارين وندامتهما يف كف يده ملا كان معرضا لغضب ربه ومقته وأصحاب
الدولة هم الذين يغت نمون الفرصة يف الدنيا ال مبعن اهنم يتنعمون فيها ويتلذذون هبا فانه ال
مدار على ذلك وال ثبات ملا هنالك ومع ذلك أهنا معدات احملن والعقبات بل مبعن اهنم
يعملون فيها ويزرعون آلخرهتم وحيصلون من حبة واحدة من العمل حبكم وهللا يضاعف
ملن يشاء مثرات غري متناهية ومن ههنا كان جزاء االعمال الصاحلة يف اايم معدودة
تنعمات خملدة وهللا ذو الفضل العظيم (فان قيل) ان تضاعف االجر امنا هو يف احلسنات
دون السيئات فان اجلزاء فيها ابملثل فكيف جيوز أتبيد عذاب الكفار بواسطة سيآت
معدودة (اجيب) أن مماثلة اجلزاء للعمل مفوضة اىل علم الواجب تعاىل وتقدس وعلم
املمكن قاصر عن ادراكها اال ترى أن احلق سبحانه امر يف قذف احملصنات جبلد مثانني
جزاء مماثال ويف حد السرقة بقطع اليمني ويف حد الزان يف البكر مع البكر مبائة جلدة
وتغريب عام ويف الشيخ والشيخة حكم ابلرجم وعلم سر هذه احلدود والتقديرات خارج
من طوق البشر ذلك تقدير العزيز العليم وحيث حكم هللا سبحانه ابلعذاب املخلد على
الكفر املوقت جزاء وفاقا علم أن اجلزاء املماثل على الكفر املوقت هو ذلك العذاب
املخلد ومن اراد تطبيق مجيع االحكام الشرعية على عقله وجعلها معقول نفسه وتسويتها
ابدلة عقلية فهو منكر لطور النبوة عليه ما يستحق والتكلم معه من عدم العقل {شعر}:
من مل يصدق ابلكتاب وسنة * فجوابه أن ال جتيب وتسكتا
- 311 -
وبقية املرام أن رافع رقيمة الفقراء الشيخ ميان أمحد ولد املغفور له الشيخ سلطان
التهانيسري توجه اىل اخلدمة العلية متوسال هبذا الفقري مالحظا اللطافكم واحساانتكم اىل
والده املاجد ومن مجلة الطافكم اليه انه كان موضع يف قضاء اندري وكنتم اكرمتموه
ابعطائه إايه واالمر عندكم بل كل من عند هللا و السالم عليكم و على سائر من اتبع
اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم.
ما مضى فات واملؤمل غيب * ولك الساعة اليت أنت فيها
{ املكتوب السادس عشر واملائتان اىل املرزا حسام الدين يف بيان سر كثرة
ظهور اخلوارق للعادات من بعض االولياء وقلة ظهورها من بعض آخر وبيان امتية
مقام التكميل واالرشاد وما يناسب ذلك}
احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين أمجعني
قد يقع يف اخلاطر الفاتر أنه ملا حال البعد الصوري بيين وبني االحبة وصارت املالقاة
الظاهرية كعنقاء املغرب كان املناسب ان اكتب اليهم بعض العلوم واملعارف أحياان فبناء
على ذلك اكتب من هذا القسم شيئا يف بعض األوقات واملرجو ان ال يكون ذلك منجرا
اىل املالل (أيها املخدوم) ملا كان مبحث الوالية فيما بيننا ونظر عوام اخلالئق اىل ظهور
اخلوارق اذكر من هذه املقولة كلمات ينبغي استماعها اعلم ان الوالية عبارة عن الفناء
والبقاء واخلوارق والكشوف من لوازمها قلت او كثرت ولكن ليس كل من تكون خوارقه
اكثر تكون واليته امت وحظه اوفر بل كثريا ما يكون ظهور اخلوارق قليال وتكون الوالية
اكمل مدار كثرة ظهور اخلوارق على أمرين كون العروج اىل الفوق اكثر يف وقت العروج
وكون النزول اىل السفل أقل يف وقت النزول بل االصل العظيم يف كثرة ظهور اخلوارق هو
قلة النزول على أي كيفية كان جانب العروج فان صاحب النزول ينزل اىل عامل االسباب
وجيد وجود االشياء مربوطا ابالسباب ويرى فعل مسبب األسباب من وراء أستار
االسباب والذي مل ينزل أو نزل ولكن مل يصل بعد اىل االسباب فنظره مقصور على فعل
مسبب االسباب فقط الن االسباب قد ارتفعت عن نظره ابلتمام وقصر نظره على فعل
مسبب االسباب فال جرم يعامل احلق سبحانه كال منهما معاملة على حدة مبقتضى ظن
كل منهما فيكل أمر من يرى االسباب اىل األسباب والذي ال يرى االسباب يهيئ أمره
بدون توسط االسباب وحديث اان[ ]1عند ظن عبدي يب شاهد هلذا املعن وقد اختلج يف
اخلاطر مدة كثرية أنه ما الوجه يف عدم ظهور اخلوارق من أحد من كمل اولياء هذه االمة
مع كثرهتم فيما مضى مثل ما ظهر من حضرة السيد حميي الدين عبد القادر اجليالين
قدس سره فاظهر احلق سبحانه آخر األمر سر هذا املعمى واعلم ان عروج السيد حميي
الدين اجليالين قدس سره كان أعلى من عروج أكثر االولياء ونزل يف جانب النزول اىل
مقام الروح فقط الذي هو فوق عامل االسباب وحكاية احلسن البصري وحبيب العجمي
مناسبة هلذا يعين مؤيدة ومقوية ملا سبق نقل عن احلسن البصري أنه كان يوما واقفا
بساحل النهر منتظر السفينة ليعرب النهر فجاء حبيب العجمي يف اثناء ذلك فسأله عن
سبب وقوفه فقال انتظر السفينة فقال احلبيب ما احلاجة اىل سفينة أليس فيك يقني فقال
احلسن أليس لك علم فعرب احلبيب النهر يعين ماشيا على املاء بال استعانة سفينة وبقى
احلسن واقفا منتظرا للسفينة وكان احلسن البصري قد نزل اىل عامل االسباب فعومل
بتوسط االسباب وكان احلبيب العجمي قد طرح االسباب وازاحها عن نظره ابلتمام
فعومل من غري توسط االسباب ولكن الفضل للحسن النه صاحب العلم ومجع بني عني
اليقني وعلم اليقني وعلم االشياء كما هي فان القدرة جعلت يف نفس االمر مستورة فيما
وراء احلكمة وحبيب العجمي صحب سكر له يقني ابلفاعل احلقيقي من غري مدخلية
االسباب وهذه الرؤية ليست مبطابقة لنفس األمر ألن توسط االسباب كائن حبسب
الواقع (واما) معاملة التكميل واالرشاد فهي على عكس معاملة ظهور اخلوارق فان يف
مقام االرشاد كلما كان النزول اكثر يكون االرشاد اكمل وأوفر فان حصول املناسبة بني
املرشد واملسرتشد الزم يف االرشاد وهو منوط ابلنزول (واعلم) ان التفوق كلما كان اكثر
يكون النزول اكثر يف االغلب وهلذا كان عروج النيب صلّى هللا عليه و سلّم فوق الكل
ونزل وقت النزول اسفل من الكل ولذا كانت دعوته امت وكان مرسال اىل كافة االانم النه
قد حصلت له صلّى هللا عليه و سلّم مناسبة ابلكل بواسطة هناية النزول وكان طريق
أفادته أمت وكثريا ما تقع افادة الطالبني من متوسطي هذا الطريق ما ال يتيسر من املنتهيني
غري املرجوعني فان يف املتوسطني زايدة مناسبة للمبتدئني ابلنسبة اىل املنتهيني غري
- 314 -
املرجوعني ومن ههنا قال شيخ االسالم اهلروي قدس سره لو كان اخلرقاين وحممد القصاب
يف حمل واحد الرسلتكم اىل حممد القصاب ال اىل اخلرقاين فانه أنفع لكم من اخلرقاين يعين
كان اخلرقاين منتهىا فيكون احتظاظ املريد منه قليال يعين منتهىا غري مرجوع ال منتهىا
مطلقا فان عدم االفادة التامة غري واقع يف حقه فان حممدا رسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم أزيد انتهاء من الكل واحلال ان افادته كانت أزيد من الكل فكان مدار زايدة االفادة
ونقصاهنا على الرجوع واهلبوط ال على االنتهاء وعدمه (وههنا) دقيقة ينبغي أن يعلم كما
أن يف حصول نفس الوالية ال يشرتط لصاحبها العلم بوالية نفسه كما هو مشهور كذلك
ال يشرتط العلم بوجود خوارقه العادات بل كثريا ما ينقل الناس عنه خوارق وال يكون له
على تلك اخلوارق اطالع أصال واالولياء الذين هم أصحاب العلم والكشف جيوز أن ال
يكون هلم اطالع على خوارقهم بل تظهر صورهم املثالية يف أمكنة متعددة وتظهر من
تلك الصور أمور عجيبة وحاالت غريبة يف مسافات بعيدة وال اطالع لصاحب تلك
الصور على ذلك أصال {ع}:
و ما الفعل إال منه والغري مظهر
قال حضرة خمدومي وقبليت قدس سره يعين شيخه قال واحد من االعزة اي للعجب
جيئ الناس من االطراف واجلوانب فيقول بعضهم رأيناك يف مكة املعظمة وكنت حاضرا يف
موسم احلج وحججنا معا و يقول بعضهم رأيتك يف بغداد ويظهرون احملبة واملودة وأان مل
أخرج من بييت أصال ومل أر أمثال هؤالء الناس فاي هتمة يتهمونين هبا وهللا سبحانه أعلم
حبقائق االمور كلها والزايدة على ذلك اطناب فان كان تعطشكم معلوما أكتب سريعا
أزيد من ذلك ان شاء هللا تعاىل.
{املكتوب السابع عشر واملائتان اىل املال طاهر البدخشي يف بيان ان نسبة
الباطن كلما تنجر اىل اجلهالة واحلرية تكون أحسن وبيان سبب وقوع الغلط يف بعض
الكشوف والفرق بني القضاء املعلق واملربم وان املعول عليه هو الكتاب والسنة وان
- 315 -
( )1قال خمرج االحاديث هذا ابطل ال اصل له بل هو من خمرتعات اجلهلة وهلذا رده االمام الرابين قدس سره منه
- 316 -
أخربوين عن حال ذاك الغالم فاخربوه أبنه يف سرور وفرح فبقي متحريا فجاءه جربيل عليه
السالم فقال انه تصدق ابحللوى فدفع ذلك عنه البلوى فوجدت حتت وسادته حية
عظيمة ميتة وبطنها حمشو ابحللوى وممتلئ به حبيث ماتت من كثرته (وأان) ال اقبل هذا
النقل وال أجوز اخلطأ على جربيل فانه حامل الوحي القطعي وأرى احتمال اخلطأ من
حامل الوحي مستقبحا اللهم اال ان نقول ان عصمته وعدم احتمال اخلطأ منه خمصوصة
ابلوحي الذي هو تبليغ من قبل احلق سبحانه وهذا اخلرب ليس من قسم الوحي بل هو
اخبار من علم مستفاد من اللوح احملفوظ الذي هو حمل احملو واالثبات فيكون للخطأ
جمال يف هذا اخلرب خبالف الوحي الذي هو جمرد تبليغ فافرتقا كالفرق بني الشهادة
واالخبار فان األوىل معتربة يف الشرع ال الثاين (اعلم) أيدك هللا تعاىل ان القضاء على
قسمني قضاء معلق وقضاء مربم واحتمال التبديل والتغيري امنا هو يف القضاء املعلق وأما
القضاء املربم فال جمال فيه للتبديل والتغيري قال هللا سبحانه و تعاىل ما يبدل القول لدى
هذا يف القضاء املربم وقال يف القضاء املعلق ميحو هللا ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب
قال حضرة قبليت قدس سره يعين شيخه كتب حضرة السيد حميي الدين عبد القادر
اجليالين قدس سره يف بعض رسائله ال جمال الحد يف تبديل القضاء املربم االّ يل فاين
اتصرف فيه ايضا ان اردت ذلك وكثريا ما كان يتعجب من هذا الكالم ويستبعده وكان
هذا النقل مدة مديدة يف خزانة ذهن هذا الفقري اىل ان شرفين هللا سبحانه هبذه الدولة
العظمى حيث كنت يوما يف صدد دفع بلية متوجهة اىل بعض االحبة وكان يل يف ذلك
الوقت التجاء وتضرع وابتهال وخشوع اتم اىل هللا تعاىل فظهر أن قضاء هذا االمر ليس
مبعلق أبمر آخر يف اللوح احملفوظ وال مبشروط بشرط فحصل بعد هذا نوع أيس وحرمان
فخطر يف ذلك الوقت قول السيد عبد القادر اجليالين قدس سره فالتجأت اليه تعاىل
وتضرعت مرة اثنية وتوجهت اليه سالكا طريق اظهار العجز واالنكسار فاظهر هللا
سبحانه ابن القضاء املعلق عل ى نوعني قضاء ظهر تعليقه يف اللوح احملفوظ واطلع عليه
املالئكة وقضاء تعليقه عند احلق سبحانه فقط وهو على صورة القضاء املربم يف اللوح
- 317 -
احملفوظ ويف القسم االخري من القضاء املعلق احتمال التبديل مثل االول فصار معلوما من
هناك أن كالم السيد اجليالين مصروف اىل القسم االخري الذي له صورة القضاء املربم ال
اىل قضاء هو مربم حقيقة فان التصرف والتبديل فيه حماالن شرعا وعقال كما ال خيفي
(واحلق) أن الفراد قليلة اطالعا على حقيقة ذلك القضاء فكيف التصرف هناك ووجدت
البلية املتوجهة اىل االخ املذكور من القسم االخري وصار معلوما ان هللا سبحانه دفعها عنه
واحلمد هلل سبحانه على ذلك محدا كثريا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما حيب ربنا ويرضى
والصالة و السالم والتحية على سيد االولني اآلخرين وخامت االنبياء واملرسلني الذي ارسله
رمحة للعاملني و على آله وأصحابه و على مجيع اخوانه من النبيني والصديقني والشهداء
والصاحلني واملالئكة املقربني أمجعني اللهم اجعلنا من حمبيهم ومتابعي آاثرهم بربكة هؤالء
االكابر ويرحم هللا عبدا قال آمينا (ولنرجع) اىل اصل الكالم ونقول ان سبب وقوع اخلطإ
يف بعض العلوم االهلامية يف بعض االوقات هو أن بعض املقدمات املسلمة الثابتة عند
صاحب االهلام الكاذبة يف نفس االمر تلتبس وختتلط مع العلوم االهلامية حبيث ال يقدر
صاحب االهلام على التمييز بل يظن مجيع تلك العلوم اهلامية فال جرم يقع اخلطإ يف
اجملموع بسبب اخلطإ يف بعض اجزائها وايضا قد يرى يف بعض االحيان امور غيبية يف
الكشوف والواقعات وخييل الرأي أهنا حممولة على ظاهرها ومقصورة على صورهتا فيحكم
على مقدار خياله فيقع اخلطإ وال يدرى ان تلك االمور مصروفة عن ظاهرها وحممولة
على التأويل والتعبري وهذا املقام ايضا من مجلة مقامات االغالط الكشفية (وابجلملة) أن
ما هو القطعي احلقيقي ابالعتماد هو الكتاب والسنة فاهنما ثبتا ابلوحي القطعي وتقررا
بنزول امللك وامجاع العلماء واجتهاد اجملتهدين يعين القياس راجعان اىل هذين االصلني
وما وراء هذه االصول االربعة كائنا ما كان ان كان موافقا لواحد من هذه االصول فهو
مقبول واال فال وان كان من علوم الصوفية ومعارفهم البهية ومن االهلام والكشوفات
السنية فان الوجد واحلال ال يشرتى هناك بنصف شعرية ما مل يوزن مبيزان الشريعة واالهلام
والكشوف ال يقبل على نصف دانق ما مل جيرب مبحك الكتاب والسنة واملقصود من
- 318 -
سلوك طريق الصوفية حصول ازدايد اليقني حبقية املعتقدات الشرعية الذي هو حقيقة
االمي ان وحصول اليسر يف اداء االحكام الشرعية ال امر آخر وراء ذلك فان الرؤية موعودة
يف اآلخرة ليست بواقعة يف الدنيا واملشاهدات والتجليات اليت الصوفية مسرورون هبا
اطمئنان ابلظالل أو تسل ابلشبه واملثال وهو تعاىل وراء الوراء فان كشفت عن حقيقة
هذه املشاهدات والتجليا ت كما هي اخاف من وقوع الفتور يف طلب مبتدئي هذا
الطريق وتطرق القصور اىل شوقهم وان سكت عن ذلك مع وجود العلم به اخاف من أن
اكون جموزا اللتباس احلق ابلباطل فبالضرورة اردت ان أظهر هذا القدر وهو أن جتليات
هذا الطريق ومشاهداته ينبغي ان تعرض على حمك جتلي كليم هللا موسى على نبينا وعليه
الصالة السالم وشهوده فان مل تصح يعين مل تطابقه بل خالفته ينبغي أن حيكم عليها
بكوهنا من مجلة التجليات الظاللية واملثالية ابلضرورة وال جيوز أن تصح يعين تطابق ألبتة
فان الدك والفك مفقود والبد منه يف الدنيا سواء جتلى للباطن أو للظاهر فانه يلزمه الدك
والفك ألبتة وخامت االنبياء عليه وعليهم الصالة و السالم لكونه مربأ من هذه الوصمة
تيسرت له الرؤية يف الدنيا ومل يذهب عن مكانه مقدار شعرة وال تكون هي بال حجاب
ظل من الظالل لكمل اتبعيه صلّى هللا عليه و سلّم من الذين هلم نصيب من هذا املقام
فهمه صاحب التجلي أو ال فاذا وقع الصعق لكليم هللا موسى عليه السالم من مشاهدة
هذا احلال فقط من غري وقوع التجلي له ماذا يقع لغريه (مث اعلم) أن املقصود من اجازة
بعض املخلصني هو أن يكون ذلك اجملاز دليال وهاداي اىل طريق احلق جل وعال جلماعة
يف مثل هذا الزمان الذي فشت فيه الضاللة وعمت ويشتغل هو أيضا ابتفاق هؤالء
الطلبة ويرتقى ويسعى حمافظا على هذه النسبة وجيتهد الن يكون املسرتشدون ايضا
متشرفني هبذه الدولة ال ان االجازة توقعه يف توهم الكمال والتكميل ومتنعه من املقصود
ما على الرسول اال البالغ و السالم.
{املكتوب الثامن عش ر واملائتان اىل املال داود يف بيان لزوم رعاية آداب شيخ
- 319 -
الطريقة}
وصل املكتوب الشريف من االخ االعز املال داود وصار موجبا لالبتهاج جعل
احلق سبحانه ظاهره وابطنه متحال ومتزينا مبرضياته حبرمة النيب وآله االجماد عليه وعليهم
الصالة و السالم املطلوب عدم وقوع الفتور يف تكرار ذكر القلب واالستقامة على طريقة
االكابر قدس هللا اسرارهم بسبب توجهات شت فمت طرأت الظلمة والكدورة فرضا
فعالجها االلتجاء والتضرع واالبتهال واالنكسار اىل جناب قدس احلق جل سلطانه
والتوجه التام اىل مربيه فانه هو الوسيلة اىل حصول هذه الدولة فينبغي رعاية آداب وسائل
هذه الدولة العظمى كما هو حقها يف احلضور والغيبة وان جيعل رضاء هؤالء االكابر
وسيلة اىل حتصيل رضاء احلق سبحانه وهذا هو طريق النجاة والفالح و السالم.
{املكتوب التاسع عشر واملائتان اىل املرزا ايرج يف بيان ان اشتغال االنسان مبا
ال يعنيه وتركه ما يعنيه ويهمه من جهله وغفلته}
عصمكم هللا سبحانه عما يصمكم وصانكم عما شانكم حبرمة سيد االولني
واآلخرين عليه و على آله الصالة و السالم (ايها) السعيد النجيب ان االنسان اذا طرأ
عليه مرض من االمراض الظاهرة او عرضت لعضو من اعضائه آفة يسعى سعيا بليغا حت
يندفع عنه ذلك املرض وتزول عنه تلك اآلفة وقد استوىل عليه املرض القليب الذي هو
عبارة عن تعلق القلب مبا دون احلق جل وعال على هنج كاد يوقعه يف املوت االبدي
ويلقيه يف العذاب السرمدي وهو ال يتفكر بعد يف ازالته أصال وال يسعى يف دفعه قطعا
فان مل يعلم ان هذا التعلق مرض فهو سفيه حمض وان علم ومع ذلك ال يبايل به فهو بليد
صرف والجل ادراك هذا املرض البد من عقل املعاد فان عقل املعاش لقصور فكره
مقصور على ادراك الظاهر ال يتعداه اىل بواطن االمور فكما ان عقل املعاش ال يدرك
املرض املعنوي أو ال يراه مرضا بواسطة ابتالئه ابلتلذذات الفانية وانغماسه فيها كذلك
عقل املعاد ال حيس االمراض الصورية وال يعدها امراضا بسبب رجائه املثوابت االخروية
- 320 -
عقل املعاش قصري النظر وعقل املعاد حديد البصر عقل املعاد نصيب االنبياء واالولياء
عليهم الصالة و السالم وعقل املعاش مرغوب االغنياء وأرابب الدنيا شتان ما بينهما
واالسباب احملصلة لعقل املعاد ذكر املوت وتذكر أحوال اآلخرة وجمالسة قوم تشرفوا بدولة
فكر اآلخرة {شعر}:
دللتك اي هذا على كنز مقصد * فان اان مل ابلغ لعلك تبلغ
ينبغي ان يعلم كما ان مرض الظاهر موجب للعسرة والتعب يف اداء االحكام
الشرعية كذلك مرض الباطن ايضا مستلزم لذلك قال هللا تبارك و تعاىل كرب على املشركني
ما تدعوهم اليه وقال سبحانه و تعاىل واهنا لكبرية واملستلزم لذلك العسر يف الظاهر
ضعف القوي واجلوارح ويف الباطن ضعف اليقني ونقص االميان واال فليس يف التكاليف
الشرعية عسر اصال بل فيها كلها ختفيف ومتام اليسر والسهولة وقوله تعاىل يريد هللا بكم
اليسر وال يريد بكم العسر وقوله تعاىل يريد هللا ان خيفف عنكم وخلق االنسان ضعيفا
شاهدان عدالن هلذا املعن {شعر}:
ماضر مشس الضحى يف االفق طالعة * ان ال يرى ضوءها من ليس ذا بصر
فكان فكر ازالة هذا املرض الزما وااللتجاء اىل االطباء احلذاق فرضا ما على
الرسول اال البالغ و السالم واالكرام.
{املكتوب العشرون واملائتان اىل الشيخ محيد البنكايل يف بيان بعض اغالط
الصوفية وبيان منشأ غلطاهتم}
احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني و على آله وأصحابه
أمجعني اعلم ان أحوال فقراء هذا اجلانب واوضاعهم موجبة الزدايد الشكر يوما فيوما
ونتوقع ذلك يف حق االحباب النائني (أيها) العزيز ان مزلة أقدام السالكني يف هذا الطريق
الذي هو طريق غيب الغيب كثرية ينبغي للسالك أن يعيش حمافظا على حبل الشريعة يف
االعتقادايت والعمليات وهذا نصيحت يف احلضور والغيبة على فرض وقوع الغفلة وها اان
- 321 -
اكتب بعض اغالط هذا الطريق وأعني منشأ الغلط ينبغي مالحظته بنظر االعتبار ويعمل
فيما وراء اجلزئيات املذكورة مبقياسها (اعلم) أن بعضا من أغالط الصوفية هو أن السالك
جيد نفسه أحياان يف مقامات العروج فوق قوم ثبتت افضليتهم عليه ابمجاع العلماء ومقامه
دون مقامات هؤالء االكابر يف احلقيقة يقينا بل رمبا يكون هذا االشتباه ابلنسبة اىل
االنبياء عليهم السالم الذين هم أفضل اخلالئق قطعا عياذا ابهلل سبحانه من هذا االشتباه
ومنشأ غلط هؤالء اجلماعة هو ان هناية عروج االنبياء واالولياء أوال اىل امساء إهلية هي
مبادئ تعينات وجودهم وهبذا العروج يتحقق اسم الوالية ويستحقه السالك والعروج اثنيا
يف تلك االمساء مث من تلك االمساء اىل ما شاء هللا تعاىل ولكن مأوى كل واحد منهم
ومرجعهم ومنزهلم مع وجود هذا العروج هو ذلك االسم الذي هو مبدأ تعني وجوده وهلذا
اذا طلبهم سالك يف مقامات العروج جيدهم يف تلك االمساء فان مكان هؤالء االكابر
الطبيعي يف مراتب العروج هو هذه االمساء والعروج واهلبوط منها بواسطة العوارض
فالسالك العايل الفطرة اذا وقع سريه فوق االمساء ال جرم يرتقي على أعلى من االمساء
اليت هي مبادئ تعينات االنبياء وسائر االولياء الكبار فحيئذ يظهر ذلك التوهم عياذا ابهلل
سبحانه من ان يزيل ذلك التوهم اليقني السابق ويورث االشتباه يف افضلية االنبياء عليهم
السالم وأولوية االولياء رضي هللا عنهم وقد ثبت أفضليتهم وأولويتهم ابالمجاع وهذا املقام
من مزال اقدام السالكني وال يدري السالك يف ذلك الوقت ان هؤالء االكابر قد عرجوا
من تلك االمساء عروجات غري متناهية وبلغوا حمال ال ميكن العروج فوقه ومل يعرف ان تلك
االمساء أمكنتهم الطبيعية وله أيضا مكان طبيعي هناك أدون من تلك االمساء وأنزل فان
أفضلية كل شخص ابعتبار أقدمية االسم الذي كان مبدا لتعينه ومن هذا القبيل ما قال
بعض املشائخ ان العارف ال جيد الربزخية الكربى حائلة يف مقامات العروج احياان ويرتقي
من غري وساطتها قال حضرة شيخنا ان رابعة كانت من هذه اجلماعة ايضا وهؤالء
اجلماعة ملا جتاوزوا وقت العروج االسم الذي هو مبدأ تعني الربزخية الكربى اىل ما فوقه
تومهوا ان الربزخية الكربى مل تبق حائلة يف البني وأرادوا ابلربزخية الكربى حقيقة خامت
- 322 -
الرسالة عليه و على آله الصالة و السالم وحقيقة املعاملة هي اهنم قد جاوزوها اىل ما
فوقها (ومنشأ غلط) طائفة أخرى هو ان سري السالك اذا وقع على اسم هو مبدأ تعينه
وذلك االسم جامع جلميع االمساء على سبيل االمجال فان جامعية االنسان امنا هي
بسبب جامعية ذلك االسم فبالضرورة يقطع يف ضمن ذلك االسم االمساء اليت كانت
مبادئ تعينات مشائخ أ خر ابلسري االمجايل ويتجاوز كل واحد منها حت ينتهي سريه اىل
منتهى ذلك االسم فيتوهم حينئذ تفوقه إايهم وال يدري ان ما يراه من مقامات املشائخ
اليت تعداها امنا هي امنوذج مقاماهتم ال حقيقتها وحيث أنه وجد نفسه جامعا وظن
اآلخرين اجزاءه فال جرم يورث ذلك توهم أولويته وقال شيخ بسطام يف هذا املقام من
غلبة السكر لوائي أرفع من لواء حممد ومل يدر ان أرفعية لوائه ليس هي ابلنسبة اىل لواء
حممد صلّى هللا عليه و سلّم بل ابلنسبة اىل امنوذجه الذي صار مشهودا له يف ضمن
حقيقة امسه ومن هذا القبيل ما قاله هو ايضا خمربا عن وسعة قلبه اذا ألقي العرش وما فيه
يف زاوية قلب العارف ال يكون حمسوسا اصال وهنا ايضا اشتباه االمنوذج ابحلقيقة واال
فالعرش الذي قال احلق سبحانه يف حقه انه عظيم أي اعتبار وأي مقدار لقلب العارف
يف جنبه والظهور الذي يف العرش ليس يف القلب عشر عشريه ولو كان ذلك القلب قلب
عارف والرؤية االخروية تتحقق ابلظهور العرشي يعين تكون مثله وهذا الكالم وان كان
اليوم ثقيال على بعض الصوفية ولكنه يكون معلوما هلم يف اآلخر (ولنوضح) هذا املبحث
مبثال وهو ان االنسان جامع ملا يف عامل العناصر واالفالك فاذا وقع نظره على جامعية
نفسه ورأى العناصر واالفالك اجزاء نفسه وغلب عليه هذه الرؤية فال يبعد ان يقول اين
اكرب من كرة االرض واعظم من السموات ففي هذا الوقت يفهم العقالء اكربيته وأعظميته
ابلنسبة اىل اجزاء نفسه فان الكل أعظم من اجلزء واكر االرض والسموات ليست من
اجزائه يف احلقيقة بل جعلت امنوذجاته أجزائه واكربيته امنا هي ابلنظر اىل تلك
االمنوذجات اليت هي اجزاءه ابلنظر اىل اكر االرض والسموات وبسبب هذا االشتباه يعين
اشتباه امنوذج شئ حبقيقته قال صاحب الفتوحات املكية إن اجلمع احملمدي أمجع من
- 323 -
اجلمع االهلي فان اجلمع احملمدي مشتمل على احلقائق الكونية واالهلية فيكون امجع ومل
يدر أن ذلك اشتمال ظل من ظالل مرتبة االلوهية وامنوذج من امنوذجاهتا ال أنه مشتمل
على حقيقة تلك املرتبة املقدسة فانه ال مقدار للجمع احملمدي ابلنسبة اىل تلك املرتبة
املقدسة اليت العظمة والكربايء من لوازمها ما للرتاب ورب االرابب (وايضا) ان يف هذا
املقام الذي يقع فيه سري السالك على اسم هو ربه يظن احياان ان بعض االكابر الذين
هم افضل منه يق ينا قد وصلوا بتوسطه اىل بعض الدرجات الفوقانية وترقوا بتوسله وهذا
أيضا من مزال اقدام السالكني عياذا ابهلل سبحانه منه حيث يرى نفسه أفضل هبذا
الكمال ويقع يف اخلسارة وأي عجب وأية فضيلة اذا سار السلطان عظيم الشان اتم
الربهان حتت نصرة واحد من وزرائه الذي هو حتت حكومته وطاعته ووصل بتوسط ذلك
الوزير اىل بعض احملالت وفتح بتوسله بعض البالد واملواضع غاية ما يف الباب ان هنا
احتمال فضل جزئي وهو خارج عن املبحث فان كل حجام وحائك له فضل من بعض
وجوه خمصوص به على عامل ذي فنون وحكيم حاذق ولكن ذاك الفضل خارج من حيز
االعتبار وا ملعترب امنا هو الفضل الكلي الذي هو اثبت للعامل واحلكيم وقد وقع هلذا
الدرويش من هذه االشتباهات كثري ونشأ منها ختيالت كثرية وكانت تلك احلالة فيه مدة
كثرية ومع ذلك كان حفظ احلق سبحانه شامل حاله فلم يطرأ على يقينه السابق مقدار
شعرة من التذبذب ومل يتطرق الفتور اىل االعتقاد اجملمع عليه هلل سبحانه املنة على ذلك
و على مجيع نعمائه وما ظهر على خالف اجملمع عليه اسقطه عن حيز االعتبار وصرفه
اىل حمامل حسنة وعلم ابلعلم االمجايل هذا القدر أن هذه الزايدة املشهودة يف الكشف
تكون راجعة على تقدير صحته اىل الفضل اجلزئي وان تعارض ذلك وسوسة ان مدار
الفضل على القرب االهلي جل سلطانه وهذه الزايدة من ذلك القرب فكيف تكون فضال
جزئيا ولكن صارت هذه الوسوسة يف جنب اليقني السابق هباء منثورا ومل يبق هلا اعتبار
أصال بل التجأ اليه تعاىل ابلتوبة واالستغفار واالانبة واالنكسار ودعا له سبحانه ابلتضرع
واالبتهال لئال يظهر له مثل هذه الكشوف وكيال ينكشف له ما خيالف معتقدات أهل
- 324 -
السنة واجلماعة مقدار شعرة وقد غلب يوما خوف املؤاخذة هبذه الكشوف واملسئولية عن
هذه التومهات وازالت غلبة هذا اخلوف عين القرار وأورثتين القلق واالضطرار فصار
اإللتجاء والتضرع اىل جناب قدس احلق جل سلطانه اضعافا مضاعفة وامتدت تلك
احلالة اىل مدة مديدة فاتفق يف ذلك الوقت مروري على قرب واحد من االعزة فاستمددت
به واستعنت يف هذه املعاملة فادركتين يف تلك االثناء عناية احلق جل شأنه وانكشفت
حقيقة املعاملة كما ينبغي وحضرت يف ذلك الوقت روحانية خامت الرسالة عليه و على آله
الصالة و السالم الذي هو رمحة للعاملني فسلى اخلاطر احلزين وصار معلوما يل تشريف
ان نعم ان القرب االهلي موجب للفضل الكلي ولكن هذا القرب الذي حصل لك قرب
ظل من ظالل مراتب االلوهية خمصوص ابسم هو ربك فال يكون ذلك القرب موجبا
للفضل الكل ي وانكشفت صورة هذا املقام املثالية على هنج مل يبق حمل للريب فزال التوهم
ابلكلية وقد كتب هذا الدرويش يف كتبه ورسائله بعض العلوم اليت فيها حمل اشتباه وفيها
جمال للتأويل والتوجيه فلما صرت مبشرا بذلك أردت ان أكتب منشأ اغالط تلك العلوم
على وفق ما الح يل مبحض فضل احلق جل شأنه وانشره فان الذنب املشتهر ال بد له
من اشتهار التوبة لئال يفهم الناس من تلك العلوم خالف الشريعة فيقعوا ابلتقليد على
الضاللة وكيال يسلكوا مسلك التضليل والتجهيل ابلتعصب والتكلف فان أمثال هذه
االزهار تتفتق كثريا يف هذا الطريق الذي هو طريق غيب الغيب فجماعة تؤديهم اىل
اهلداية وطائفة تؤديهم اىل الضاللة وقد مسعت والدي املاجد قدس سره يقول ان منشأ
ضاللة أكثر املبتدعني من أثنني وسبعني فرقة وخروجهم عن الصراط املستقيم هو اهنم
دخلوا يف طريق الصوفية ومل يقفوا على حقيقة االمر ومل يتموا السلوك فغلطوا وضلوا و
السالم.
احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وآله الطاهرين امجعني
لعل االخ االعز معدن السيادة املري حسني مل ينس النائني املهجورين وعساه مل يضيع
رعاية آداب هذه الطريقة العلية اليت هي ممتازة من بني سائر طرق املشائخ الكرام من
وجوه وقد كان مدة مالقاتكم وفرصة صحبتكم قليلة جدا فبناء على ذلك أردت أن احرر
بعض خصائص هذه الطريقة العلية وكماالهتا يف ضمن علوم عالية ومعارف سامية وان
كنت اعلم ان ادراك هذه القسم من العلوم واملعارف ابلفعل بعيد عن اذهان املستمعني
ولكن إظهار أمثال هذه املعارف مبين على مالحظة أمرين أحدمها ان يف املستمعني
استعدادا هلذه العلوم وان ترى بعيدة عن شأهنم ابلفعل واثنيتهما ان املخاطب وان كان
واحدا معينا يف الظاهر ولكن املخاطب يف احلقيقة شخص هو حمرم هلذه املعاملة السيف
للضارب مثل مشهور (أيها االخ) ان رأس سلسلة هذه الطريقة السنية ورئيس أهلها هو
الصديق االكرب رضي هللا عنه الذي هو أفضل مجيع بين آدم بعد االنبياء عليهم السالم
على التحقيق وهبذا االعتبار وقع يف عبارة أكابر هذه الطريقة أن نسبتنا فوق مجيع
النسب فان نسبتهم اليت هي عبارة عن احلضور والشعور اخلاص هي بعينها نسبة الصديق
وحضوره الذي فوق مجيع احلضور ويف هذا الطريق اندراج النهاية يف البداية قال اخلواجه
هباء الدين النقشبند قدس سره حنن ندرج النهاية يف البداية {ع}:
و قس من حال بستاين ربعي
(فان قيل) اذا كانت هناية غريهم مندرجة يف هنايتهم فما تكون هنايتهم وايضا اذا
كانت هناية غريهم الوصول اىل احلق سبحانه فاىل اين يكون سريهم من احلق ليس وراء
َعباد ان قرية مثل مشهور (اجيب) ان هناية هذه الطريقة ان تيسرت هي الوصل العراين
الذي عالمة حصوله حصول اليأس من حصول املطلوب فافهم فان كالمنا اشارة ال
يدركها اال االقل من اخلواص بل من أخص اخلواص وامنا ذكران عالمة حصول تلك الدولة
العظمى فان مجعا من هذه الطائفة ابحوا ابلوصل العراين وطائفة أخرى قالوا ابليأس من
حصول املطلوب وأذعنوا ابحلرمان ولكن اذا عرض عليهم اجلمع بني هاتني الدولتني
- 326 -
يكادون يظنونه مجعا بني الضدين ويعدونه من احملاالت والذين يدعون الوصل يرون اليأس
حرماان والذين يدعون اليأس يظنون الوصل عني الفصل وهذا كله عالمة عدم الوصول اىل
تلك املنزلة العليا غاية ما يف الباب انه قد أشرق على بواطنهم شعاع من ذاك املقام العايل
فظنه مجع وصال ومجع آخر أيسا وهذا التفاوت نشأ من جهة استعداد كل منهم فان
املناسب الستعداد طائفة وصل واملوافق الستعداد طائفة أخرى أيس واستعداد اليأس
أحسن عند الفقري من استعداد الوصل وان كان كل من الوصل واليأس هناك مالزما
لآلخر (وجواب) االعرتاض الثاين ايضا صار الئحا من هذا اجلواب فان الوصل املطلق
غري الوصل العراين شتان ما بينهما ونعين ابلوصل العراين رفع احلجب كلها وزوال املوانع
أبسرها وملا كان أعظم احلجب وأقواها هي التجليات املتنوعة والظهورات املختلفة البد
من ان تنقضي وتتمم تلك التجليات والظهورات بتمامها سواء كان التجلي والظهور يف
املرااي االمكانية أو اجملال الوجوبية فاهنما يف حصول احلجب هبما سيان وان كان بينهما
تفاوت ابلشرف والرتبة فانه خارج من نظر الطالب (فان قيل) يلزم من هذا البيان ان
يكون للتجليات هناية وقد صرح املشائخ أبنه ال هناية للتجليات (اجيب) ان عدم هناية
التجليات امنا هو على تقدير وقوع السري يف االمساء والصفات ابلتفصيل و على هذا
التقدير ال يتيسر الوصول اىل حضرة الذات تعالت وتقدست وال حيصل الوصل العراين
فان الوصول اىل حضرة الذات تعالت وتقدست منوط بطي االمساء والصفات على سبيل
االمجال فتكون اذا للتجليات هناية (فان قيل) قد قيل بعدم هناية التجليات الذاتية ايضا
كما صرح به موالان العارف اجلامي يف شرح اللمعات فكيف يستقيم القول بنهاية
التجليات (اجيب) ان تلك التجليات الذاتية ليست بال مالحظة الشئون واالعتبارات
ايضا فان التجلي ال ميكن بدون مالحظتها وما حنن يف صدد بيانه امر يكون فيما وراء
التجليات صفاتية كانت تلك التجليات او ذاتية فان اطالق التجلي غري جائز يف ذلك
املوطن اي جتلي كان الن التجلي عبارة عن ظهور شئ يف مرتبة اثنية او اثلثة او رابعة اىل
ما شاء هللا تعاىل وق د سقطت املراتب هنا ابسرها وطويت املسافة بتمامها (فان قيل)
- 327 -
فبأي اعتبار قيل لتلك التجليات ذاتية (اجيب) ان التجليات ان كانت مبالحظة معان
زائدة يعين على الذات فهي التجليات الصفاتية وان كانت مبالحظة معان غري زائدة فهي
التجليات الذاتية وهلذا قيل ملرتبة الوحدة اليت هي التعني االول وليست بزائدة على الذات
جتليا ذاتيا ومطلبنا حضرة الذات تعالت وتقدست وال جمال ملالحظة املعاين يف ذلك
املوطن اصال سواء كانت املعاين زائدة او ال فان املعاين قد طويت ابلكلية بطريق االمجال
وتيسر الوصل اىل حضرة الذات املقدسة املتعال (ينبغي) أن يعلم أن الوصل يف ذلك
املوطن منزه عن الكيف واملثال كاملطلب واالتصال الذي يدركه العقل ويفهمه خارج عن
املبحث وغري الئق بذلك اجلناب املقدس فانه ال سبيل للمثايل اىل املنزه عن املثال ال
حيمل عطااي امللك اال مطاايه (قال يف املثنوي).
ان للرمحن مع ارواح انس * اتصاال دون كيف أو قياس
ومل خيرب أحد من مشائخ هذه الطريقة العلية عن هناية طريقه وقد اخربوا عن ابتداء
طريقهم حيث قالوا ان فيه اندراج النهاية يف البداية فاذا كانت بدايتهم ممتزجة ابلنهاية
فنهايتهم ايضا ينبغي ان تكون مناسبة لبدايتهم وتلك النهاية هي ما امتاز الفقري ابظهارها
{شعر}:
فاذا اتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا
هلل سبحانه و تعاىل احلمد واملنة على ذلك (أيها االخ) ان الواصلني اىل هذه
النهاية من ارابب هذا الطريق الذين هم أقل من القليل ابلنسبة اىل أصحاب طرق أخر لو
عددت افرادهم يكاد املقربون يطلبون التباعد ويستبعده املبعدون ابالنكار والتعاند واي
استبعاد هناك فان كل ذلك لكمال الوصول اىل هناية النهاية بتفضل حبيبه عليه الصالة
و السالم (ومن) مجلة خصائص هذه الطريقة العلية السفر يف الوطن الذي هو عبارة عن
السري االنفسي والسري االنفسي وان كان اثبتا يف طريق مجيع املشائخ ولكنه يتيسر يف
طريقهم يف النهاية بعد قطع السري اآلفاقي خبالف هذا الطريق فان االبتداء فيه من هذا
السري والسري اآلفاقي امنا يقطع يف ضمنه ومنشأ حصول هذا السري يف االبتداء هو اندراج
- 328 -
النهاية يف البداية (وخاصة) أخرى هلذا الطريق اخللوة يف اجللوة اليت هي متفرعة على تيسر
السفر يف الوطن فيسافر يف بيت اخللوة الوطين يف عني تفرقة اخللوة وال يتطرق تفرقة
اآلفاق اىل حجرة االنفس وهذه اخللوة وان كانت متيسرة ملنتهى طرق أخر ولكن ملا تيسر
يف هذا الطريق يف االبتداء صارت من خواص هذا الطريق (وينبغي) أن يعلم ان اخللوة يف
اجللوة امنا هي على تقدير غلق ابواب بيت اخللوة الوطين وسد طاقاته يعين ال يلتفت يف
تفرقة اجللوة اىل أحد وال يكون خماطبا فيها وال متكلما ال أنه يغمض عينيه ويعطل
ابلتكلف حواسه فان ذلك مناف هلذا الطريق (ايها االخ) ان كل هذا التمحل والتكلف
إمنا هو يف االبتداء وا لوسط واما يف االنتهاء فال شئ يلزم فيه من هذه التمحالت بل فيه
مجعية يف عني التفرقة وحضور يف نفس الغفلة وال يتوهم أحد من هذا أن التفرقة وعدم
التفرقة متساويتان يف حق املنتهى مطلقا فان االمر ليس كذلك بل املراد أن التفرقة وعدم
التفرقة متساويتان يف حصول نفس مجعية الباطن ومع ذلك لو مجع الظاهر مع الباطن
ودفعت التفرقة ايضا عن الظاهر لكان أوىل وانسب قال هللا سبحانه ارشادا لنبيه صلّى
هللا عليه و سلّم واذكر اسم ربك وتبتل اليه تبتيال (ينبغي) أن يعلم أنه ال يكون يف بعض
االوقات بد من تفرقة الظاهر لتؤدي حقوق اخللق فصارت تفرقة الظاهر مستحسنة أيضا
يف بعض االوقات وأما تفرقة الباطن فليست جبائزة يف وقت من االوقات أصال فانه
خالص للحق سبحانه فكانت ثالثة حصص من العباد املسلمني للحق سبحانه متام
الباطن ونصف الظاهر والنصف الثاين منه بقي الداء حقوق اخللق ولكن ملا كان يف اداء
تلك احلقوق امتثال اوامر احلق سبحانه كان ذلك النصف اآلخر ايضا راجعا اىل احلق
سبحانه اليه يرجع االمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون (ويف) هذا
الطريق تقدم اجلذبة على السلوك وابتداء السري من عامل االمر ال من عامل اخللق خبالف
أكثر طرق أخر وقطع منازل السلوك مندرج فيه يف ضمن طي معارج اجلذبة وسري عامل
اخللق ميسر يف ضمن سري عامل االمر فبهذا االعتبار لو قيل ان يف هذا الطريق اندراج
- 329 -
[]1
االبتداء مندرج يف هذا النهاية يف البداية لساغ فعلم من البيان السابق آنفا أن سري
الطريق يف سري االنتهاء ال اهنم ينزلون من سري االبتداء اىل سري االنتهاء ويسريون يف
البداية بعد متام سري النهاية فبطل زعم من قال أن هناية هذا الطريق بداية طرق سائر
املشائخ (فان قيل) قد وقع يف عبارة بعض مشائخ هذه الطريقة أن سريهم يف االمساء
والصفات يقع بعد متام نسبتهم فصح ان هنايتهم بداية غريهم فان السري يف االمساء
والصفات يف االبتداء ابلنسبة اىل السري يف التجليات الذاتية (اجيب) أن السري يف االمساء
والصفات ليس هو بعد السري يف التجليات الذاتية بل يقع ذاك السري يعين السري يف
االمساء والصفات يف ضمن هذا السري يعين السري يف التجليات الذاتية (غاية) ما يف
البا ب ان السري االمسائي والصفايت كلما ظهر بسبب عروض بعض العوارض يسترت سري
التجليات الذاتية ويتخيل انه قد مت وشرع يف التجليات االمسائية والصفاتية وليس كذلك
نعم قد يقع الرجوع اىل العامل بعد متام السري يف مدارج الوالية لدعوة اخللق اىل احلق جل
وعال فان زعم ذلك الرجوع هنايتهم وختيله بدايته فليس ذلك ببعيد ولكنه ما يقول يف
مشائخه فان هلم ايضا هذا الرجوع يف النهاية (وأيضا) ان املراد ابلبداية والنهاية بداية
الوالية وهنايتها وسري هذا الرجوع ال تعلق له ابلوالية بل هو نصيب من مرتبة الدعوة
والتبليغ (وهذا) الطريق اقرب الطرق وموصل ألبتة قال اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس
سره ان طريقنا اقرب الطرق وقال سألت احلق سبحانه طريقا يكون موصال ألبتة وصار
سؤاله هذا مقروان ابالجابة كما نقله يف الرشحات عن اخلواجه احرار قدس سره وكيف ال
يكون اقرب وموصال وقد اندرج االنتهاء يف ابتدائه فيا شقاوة من يدخل يف هذا الطريق
مث ال يقدر على االستقامة عليه ويبقى بال نصيب منه {شعر}:
ما ضر مشس الضحى يف االفق طالعة * ان ال يرى ضوءها من ليس ذا بصر
نعم اذا وقع الطالب يف يد الناقص فما ذنب الطريق وما تقصري الطالب فان
( )1اي السري الذي يقع يف االبتداء يف سائر الطرق وهو سري عامل اخللق مندرج يف سري االنتهاء يف تلك الطرق وهو
سري عامل االمر فال يلزم احملذور املذكور عفي عنه.
- 330 -
املوصل يف احلقيقة دليل هذا الطريق ال نفس ه ذا الطريق (ويف ابتداء) هذا الطريق حالوة
ووجدان ويف انتهائه مرارة وفقدان وهو من لوازم اليأس خبالف طرق أخر فان يف ابتدائها
مرارة وفقداان ويف انتهائها حالوة ووجداان (وايضا) يف ابتداء هذا الطريق قرب وشهود ويف
انتهائه بعد وحرمان خبالف طرق سائر املشائخ الكرام ينبغي ان يقيس تفاوت الطرق من
هنا وان يعرف علو هذا الطريق العايل الن القرب والشهود واحلالوة والوجدان كل ذلك
خيرب عن البعد واحلرمان خبالف املرارة والفقدان فاهنما ينبآن عن هناية القرب فهم من فهم
ولنكشف يف شرح هذا السر هذا القدر وهو انه ال اقرب اىل احد من نفسه ونسبة
القرب والشهود واحلالوة والوجدان مفقودة يف حق نفسه وهي موجودة يف حق غريه مع
ان بينهما مباينة والعاقل تكفيه االشارة (واكابر) هذه الطريقة العلية جعلوا االحوال
واملواجيد اتبعة لالحكام الشرعية واعتقدوا ان االذواق واملعارف خادمة للعلوم ال يعوضون
اجلواهر الن فيسة الشرعية جبوز الوجد وموز احلال مثل االطفال وال يغرتون برتهات الصوفية
وال يقبلون االحوال اليت حتصل ابرتكاب احملظورات الشرعية وخالف السنة السنية وال
يريدون وهلذا ال جيوزون السماع والرقص وال يقبلون على ذكر اجلهر حاهلم على الدوام
ووقتهم مستمر ومستدام التجل ي الذايت الذي هو كالربق لغريهم دائمي يف حقهم واحلضور
ط عن حيز االعتبار عند هؤالء االكابر بل معاملتهم فوق الذي يف قفاه غيبة َساقِ ٌ
احلضور والتجلي كما مرت االشارة اليها قال حضرة اخلواجه احرار قدس سره ان اكابر
هذه السلسلة العلية ال يقاسون على كل زراق ورقاص فا ن معاملتهم ونسبتهم عالية جدا
(واملشيخة واملريدية) يف هذا الطريق بتعليم الطريقة وتعلمها ال ابلكل والشجرة كما ان
ذلك صار رمسا يف طرق اكثر املشايخ حت ان متأخريهم جعلوا املشيخة واملريدية منحصرة
يف الكل والشجرة ومن ههنا ال جيوزون تعدد الشيخ ويسمون معلم الطريقة مرشدا ال
شيخا وال يراعون آ داب املشائخ معه حق رعايتها وهذا من كمال جهالتهم ونقصان
عقوهلم أو ال يعلمون ان مشائخهم قالوا لشيخ التعليم وشيخ الصحبة أيضا شيخا وجوزوا
تعدد الشيخ بل قالوا اذا رأى الطالب رشده يف حمل آخر جاز له ان خيتار شيخا آخر
- 331 -
ولو يف حياة شيخ ه االول بال انكار عليه وقد اخذ اخلواجه النقشبند فتوى صحيحا من
علماء خبارى يف جتويز هذا املعن نعم اذا لبس من شيخ خرقة االرادة ال يلبسها من غريه
واما خرقة التربك فال مانع من لبسها وال يلزم من ذلك ان ال يتخذ شيخا آخر اصال بل
جيوز ان يلبس خرقة االرادة من شيخ وان يتعلم الطريقة من آخر وان يصحب اثلثا ولكن
ان تيسرت هذه الدول الثالث من واحد فهي نعمة عظيمة وجيوز ان يستفيد التعليم من
مشايخ متعددة وكذلك له ان يصحب مشائخ متعددة (وينبغي) ان يعلم ان الشيخ هو
من يرى املريد طريق احلق سبحانه و تعاىل وهذا املعن ملحوظ وموجود يف تعليم الطريقة
بل ازيد واوضح وشيخ التعليم هو استاذ الشريعة ودليل الطريقة أيضا خبالف شيخ اخلرقة
فينبغي اذا رعاية آ داب شيخ التعليم حق رعايتها وان يكون هو احق ابسم الشيخوخة
(والرايضات) واجملاهدات يف هذا الطريق امنا هي ابتيان االحكام الشرعية والتزام متابعة
السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية فان املقصود من ارسال الرسل
وانزال الكتب رفع اهواء النفس االمارة اليت انتصبت ملعاداة موالها جل سلطانه فصار
رفع اهواء النفس مربوطا ابتيان االحكام الشرعية وكل من كان ارسخ يف اتيان االحكام
الشرعية يكون ابعد عن هواء النفس الشقية فاذا ال يكون شئ اشق على النفس االمارة
من امتثال االوامر الشرعية واجتناب مناهيها وال يتصور انكسار بدون تقليد صاحب
الشريعة وما خيتارون من الرايضات واجملاهدات وراء تقليد السنة فليست هي مبعتربة فان
جوكية اهلنود وبرامههم وفالسفة اليوانن شركاء يف ذلك االمر وال تزيد الرايضات يف حقهم
شيئا غري الضاللة واخلسارة (وتسليلك) الطالب يف هذا الطريق مربوط بتصرف الشيخ
املقتدى به ال يفتح االمر بدون تصرفه فان اندراج النهاية يف البداية أثر من آاثر توجهه
الشريف وحصول املعن املنزه عن الكيف واملثال نتيجة كمال تصرفه املنيف وكيفية الغيبة
والذهول اليت اعتربوها طريقا خمفيا ليس حصوهلا يف إختيار املبتدي والتوجه العاري عن
اجلهات الست ليس وجوده يف حوصلة الطالب {شعر}:
ما أحسن النقشبنديني سريهتم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم
- 332 -
وكما ان يف هؤالء االكابر قدرة كاملة على اعطاء النسبة حيث اهنم مينحون
الطالب الصادق ابحلضور والشعور يف مدة قليلة كذلك فيهم قدرة اتمة على سلب تلك
النسبة فهم جيعلون صاحب النسبة مفلسا برتك أدب واحد نعم ان الذين يعطون أيخذون
أعاذان هللا سبحانه من غضبه ومن غضب أوليائه (وأكثر) االفادة واالستفادة يف هذا
الطريق ابلسكوت وقالوا من مل ينتفع بسكوتنا كيف ينتفع بكالمنا وهذا السكوت مل
خيتاروه ابلتكلف بل هو من لوازم طريقهم فان ابتداء توجه هؤالء االكابر اىل االحدية
اجملردة ال يريدون ابالسم والصفة غري الذات ومعلوم ان املناسب واملالئم هلذا املقام هو
ف هللاَ َك َّل ل َسانه مصداق هلذا الكالم ولنختم هذه املقالة حبمد
السكوت واخلرس من َعَر َ
هللا سبحانه وبصالة حبيبه احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني
وآله الطاهرين أمجعني و السالم.
{املكتوب الثاين والعشرون واملائتان اىل اخلواجه حممد أشرف الكابلي يف بيان
سوء االحوال ورؤية القصور يف االعمال واهتام النيات يف احلسنات وما يناسبه}
اللهم وفقنا ملرضاتك وثبتنا على طاعتك حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله
الصالة و السالم قال واحد من الكرباء ان املريد الصادق من ال يكتب عليه كاتب مشاله
شيئا مدة عشرين سنة وهذا الفقري اململوء ابلتقصري جيد نفسه ابلذوق والوجدان حبيث ال
يدري أن كاتب ميينه وجد له حسنة يدرجها يف صحيفة أعماله منذ عشرين سنة علم هللا
سبحانه انه ال يقول هذا الكالم ابلتصنع وجيد ابلذوق أيضا ان كفار االفرنج أفضل منه
مبراتب فان سئل عن مليته ال يعجز عن اجلواب ويرى نفسه أيضا بطريق الذوق حماطا
ابخلطيئات ومشموال ابلسيئات وما وجد فيه من احلسنات يرى أن كاتب مشاله أحق
بكتابته ويرى أن كاتب مشاله مشغول ابدا وكاتب ميينه معطل وفارغ سرمدا ويعلم أن
صحيفة ميينه خالية وصحيفة مشاله مملوءة ال رجاء له سوى الرمحة وال ممد له سوى املغفرة
دعاء اللهم مغفرتك أوسع من ذنويب ورمحتك أرجى عندي من عملي موافق حاله
- 333 -
والعجب أن الفيوضات االهلية والواردات الرمحانية فائضة على الدوام يف مدارج الكمال
والتكميل وتلك الواردات تؤيد رؤية القصور املذكورة وتقوي مشاهدة العيوب املسطورة
وتزيد مكان العجب منقصة وحمل الرتفع تواضعا وتنزال ففي آن واحد مشرف بكماالت
الوالية ويف ذلك اآلن متصف أيضا برؤية القصور والنقصان وكلما يعرج ويتفوق يرى
نفسه أسفل بل يكون عروجه وتفوقه سببا لرؤية تنزله وتسفله يصدق الظرفاء ذلك ام ال
فان أطلعوا على سره فلعلهم يصدقون (فان قيل) ما سر اجتماع هذين املتنافيني وكيف
يكون وجود أحد املتنافيني سببا لوجود اآلخر (اجلواب) ان استحالة اجتماع املتنافيني
مشروطة ابحتاد احملل وفيما حنن فيه احملل متعدد فان الذاهب اىل فوق لطائف عامل االمر
من االنسان الكامل والنازل اىل حتت لطائف عامل اخللق منه فانه كلما يذهب عامل االمر
اىل فوق يكون مناسبته لعامل اخللق أقل وانقص وتقلل تلك املناسبة وتنقصها يكون سببا
لتنزل عامل اخللق وكلما يتنزل عامل اخللق ويتسفل جيعل السالك فاقد احلالوة ويزيده رؤية
العيوب والنقائص وهلذا يتمن املنتهون االلتذاذ الذي كان ميسرا هلم يف االبتداء مث زال
عنهم االنتهاء وعرض مكانه فقدان االلتذاذ وعدم احلالوة وهلذا ايضا يرى العارف ان
ك ّفا ر االفرنج افضل منه الن يف الكافر نورانية بسبب امتزاج عامل االمر فيه بعامل اخللق
وهذا االمتزاج مفقود يف العارف بل بقي فيه عامل اخللق الذي يقع لفظ اان من العارف
عليه وحده وهو مملوء م ن ظلمة وكدورة من الرأس اىل القدم ولطائف عامل االمر منه وان
نزلت اىل حتت بطريق الرجوع لكن ال يكون هلا اختالط وامتزاج بعامل اخللق كما كان
ذلك بينهما يف االبتداء ووصل املكتوب املرسل صحبة أخي اخلواجه حممد طاهر
وحصول الرابطة اليت هي مبنية على املناسبة التامة يف زمان الغيبة ينبغي ان تعدها من نعم
عظيمة وليكتف بقرب القلوب اىل أن ترتفع املوانع ومع وجود هذا القرب ينبغي أن ال
خيرج متين قرب االبدان من القلب فان متام النعمة مربوط هبذا القرب أال ترى أن اويسا
القرين مع وجود قرب القلوب فيه مل يبلغ مرتبة أدىن اجلماعة اليت حصلت هلم قرب
االبدان لعدم حصول ذلك له وهلذا ال يساوي انفاق جبل ذهب منه انفاق مد شعري
- 334 -
{املكتوب الثالث والعشرون واملائتان اىل اخلواجه مجال الدين حسني الكواليب
يف التحريض على اظهار االحوال لشيخه}
مل خيرب االخ اخلواجه مجال الدين حسني منذ مدة عن كيفيات أحواله أمل يسمع ان
مشائخ الكربوية اذا مل يعرض املريد على شيخه احواله اىل ثالثة أايم يؤدبونه مضى ما
مضى فال يفعل اثنيا كذلك بل ليكتب كلما يظهر وليغتنم قدوم االخ االعز وليجتهد يف
اخلدمة واستمالة خاطره وليعتقد ان صحبته شئ عزيز {ع}:
دللتك اي هذا على كنز مقصد
{املكتوب الرابع والعشرون واملائتان اىل املري حممد نعمان البدخشي يف بيان
رعاية اآلداب ودفع التوهم واالمر ابالحتياط يف تعليم الطريقة والتحمل على شدائد
الفقر وبعض النصائح والتنبيهات املكتوبة اىل اير حممد القدمي يف ظهر هذا
املكتوب}
وصل مكتوب االخ االرشد املري حممد نعمان واتضح مضمون املقدمات اليت رتبها
وفحوى التشكيكات اليت اظهرها يقول بعض الناس يف حقكم أنه أعقل أهل زمانه وما
معن ايراد امثال هذه الكلمات بينك وبني من البد منه وال مهرب عنه وال تقدر على
مقاطعته وال ميكنك طلب مفارقته وأي مناسبة يف ذلك ومع ذلك ال خييل لك وصول
غبار من امثال هذه الكلمات اىل خاطر هذا اجلانب حت يؤدي اىل االيذاء والتأذي
فضال عن ان ينجر االمر اىل التربي فان حماسنكم منصوبة لدى االنظار وزالتكم ساقطة
عن حيز االعتبار فال تشوش خاطرك اصال وال تتصور حصول االذية اىل هذا اجلانب
قطعا فان االذية غري واقعة بوجه من الوجوه وكيف تتصور االذية مع انتفاء موجب االذية
- 335 -
واالمور اليت تظهر ابلسهو والنسيان مبقتضى البشرية ليست بالئقة للموآخذة هبا فازح
توهم التأذي عن لوح اخلاطر وكن مشغوال بتعليم الطريقة وافادة الطلبة من االكابر
واالصاغر واالمر ابالستخارة إمنا هو لتأكيد هذا االمر ال لنفيه فان العدو اللعني والنفس
اليت الشر هلا قرين ملا كان يف كمني هذا املسكني دائما البد من االحتياط والتأكيد لئال
تنقلب علينا االحوال وكيال تظهر السيئات لعيوننا يف صور احلسنات ابلتمويهات
والتسويالت الجل االضالل قيل ان الشيطان اللعني اذا جاء من طريق الطاعة وصورة
النصيحة فدفعه متعسر فينبغي لنا اذا ان نلتجئ ونتضرع اىل احلق سبحانه دائما وان
نطلب منه تعاىل ابالنكسار والبكاء ان ال يراد من هذه اجلهة خذالننا واستدراجنا وطريق
االستقامة هو الداللة على السعادة االبدية (مث إعلم) ان الفقر والفاقة مجال هذه الطائفة
العلية ويف اختياره اقتداء بسيد الكونني عليه الصالة و السالم وقد تكفل احلق سبحانه
من كمال كرمه برزق عباده وجعلنا واايكم فارغني من هذا الرتدد كلما تكون النفوس اكثر
يكون وصول االرزاق أوفر فينبغي التوجه اىل مرضيات احلق تعاىل وتقدس واحالة غم
املتعلقات على كرمه سبحانه والباقي عند التالقي * وقد أخرب بعض االصحاب الواردين
من هناك ان توهم حصول التأذي متمكن يف خاطر املري اىل اآلن فبناء على ذلك كتبنا
ابملبالغة والتأكيد يف رفع توهم االذية (وايضا) كنا حرران اىل املال اير حممد القدمي كتااب
مشتمال على النصائح واملواعظ والظاهر ان مضمونه مل يالئم طبيعته حيث مل يرسل جوابه
بل مل يسمح ابرسال الدعاء وماذا اصنع ان مل يالئم طبيعته فان مل أبني مظان غلط مجاعة
منسوبة اىل هذا احلقري ومواد خطأهم ومل اميز احلق من الباطل فكيف أخرج من العهدة
وأبي وجه اذهب اىل اآلخرة {شعر}:
وما هو من شرط البالغ أقوله * فخذ منه نصحا خالصا أو ماللة
(اعلم) ان مقام املشيخة واالرشاد ودعوة اخللق اىل احلق وطريق الرشاد مقام عال
- 336 -
[]1
فأي مناسبة هبذه املنزلة العلية لكل جدا ولعلكم مسعتم الشيخ يف قومه كالنيب يف امته
قاصر وعاجز {شعر}:
هل كل من خلت رجال رجل ميدان * أو كل من صار ذا ملك سليمان
فان العلم بتفاصيل االحوال واملقامات ومعرفة حقائق املشاهدات والتجليات
وحصول الكشوف واالهلامات وظهور تعبري الواقعات كل ذلك من لوازم هذا املقام العايل
وبدوهنا خرط القتاد غاية ما يف الباب ان اكابر الطريقة قدس هللا اسرارهم جييزون بعض
مريدهم بنوع اجازة قبل وصوله اىل مقام املشيخة مبالحظة بعض املصاحل وجيوزون يف حقه
تعليم الطريقة للطالبني يف اجلملة ليطلع على االحوال والواقعات ويلزم الشيخ املقتدى به
يف هذا النوع من التجويز أن أيمر ذلك املريد اجملاز ابالحتياط وكشف مواد الغلط
ابلتأكيد واطالعه على نقصه دائما واظهار عدم متاميته وكماله ابملبالغة فان تساهل
الشيخ يف اظهار احلق يف هذه الصورة يكون خائنا وان ساء ذلك املريد يكون خمذوال اما
يعلم ان رضا احلق جل وعال منوط برضا الشيخ وسخطه تعاىل مربوط بسخطه ما هذه
املصيبة واي بالء وقع اما فهموا ان االنقطاع عنا اىل اين ينجر فان ينقطعوا عنا اىل من
يتصلون فان تطرق اىل خاطره عياذا ابهلل سبحانه شئ من هذا القسم فقل له من غري
توقف ليتب وليستغفر هللا وليلتجئ وليتضرع اليه سبحانه ان ال يبتليه هبذا االبتالء العظيم
وان ال يوقعه يف هذا البالء اخلطري هلل سبحانه احلمد واملنة مل يقع غبار يف خاطر هذا
اجلانب مع عدم مباالت االخوان ذلك واضطراابهتم هذه كلها واملرجو من ذلك ان مير
عواقب االمور ابخلري وابقي االحوال واالوضاع يذكره االخ االرشد موالان حممد صاحل
ابلتفصيل وبعض حمال االشتباه يستعلم منه و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة
( )1قال السيوطي يف الدرر املنتثرة اسنده الديلمي من حديث ايب رافع وذكره ايضا يف جامعه الصغري بلفظ الشيخ يف
اهله كالنيب يف امته وعزاه اىل اخلليلي وابن النجار عن ايب رافع بلفظ الشيخ يف بيته كالنيب يف قومه وعزاه اىل ابن حبان
يف الضعفاء والشريازي يف االلقاب عن ابن عمر ورده السيوطي اىل ضعفه لكن يؤيده العلماء ورثة االنبياء علماء اميت
كأنبياء بين اسرائيل فقد اسرف من عده يف املوضوعات.
- 337 -
{املكتوب اخلامس والعشرون واملائتان اىل املال طاهر الالهوري يف بيان ان يف
بداية هذا الطريق حيصل ما حيصل يف هناية سائر الطرق بطريق اندراج النهاية يف
البداية اخل}
احلمد هلل ونصلي على نبيه ونسلم عليه و على آله الكرام وصلت املكتوابت
الشريفة متوالية وقد اندرج فيها بيان سعي الطالبني واجتهادهم يف االشتغال والتذاذهم به
واجتماعهم عليه فزادت فرحا على فرح غاية ما يف الباب ان هذا الطريق ملا كان فيه
اندراج النهاية يف البداية صار يقع وحيصل ملبتدئ هذا الطريق العايل يف االبتداء احوال
شبيهة ابحوال املنتهيني حبيث ال ميكن التمييز والتفريق بني هذين النوعني من االحوال اال
لعارف له حدة النظر فعلى هذا التقدير ال ينبغي اجازة تعليم الطريقة الصحاب تلك
االحوال اعتمادا على حصوهلا فان ضرر اصحاب االحوال يف هذه الصورة فوق ضرر
مسرتشد يهم الحتمال االمتناع عن الرتقي بتخيل البلوغ مرتبة الكمال بل ميكن ان يوقعه
حصول اجلاه والرايسة الذي هو من لوازم مقام االرشاد يف بالء عظيم فان نفسه االمارة
ابقية على كفرها مل حتصل هلا التزكية بعد مضي ما مضى والذين أجزهتم ينبغي لك ان
تفهمهم ابملالمية ان هذا النوع من االجازة ليس مبنيا على الكمال بل امامهم امور كثرية
وان هذه االحوال احلاصلة يف االبتداء امنا هي من قبيل اندراج النهاية يف البداية وان
تنصحهم ابلنصائح املناسبة وان تطلعهم على منقصتهم وحيث اجزهتم ال متنعهم من تعليم
الطريقة وعساهم يبلغون حقيقة مقام االرشاد بربكة انفاسكم مث انكم حيث شرعتم يف
هذا االمر يكون مباركا فينبغي السعي واالهتمام واالجتهاد واالغتنام ليكون ذلك ابعثا
على سعي الطالبني واجتهادهم وشوقهم و السالم.
{املكتوب السادس والعشرون واملائتان اىل اخيه احلقيقي الشيخ ميان حممد يف
- 338 -
طعن اجلهال يف االكابر الكرام وعليك بطلب االستقامة من احلق سبحانه و تعاىل (وقد
كتبت أيضا) حصول نسب املشائخ وقد ذكر وجه ذلك لك مكررا ابملشافهة فال تفهم
وراء ذلك شيئا فانه مما ال خري فيه وماذا اكتب ازيد من ذلك و السالم.
{املكتوب الثامن والعشرون واملائتان اىل املري حممد نعمان يف بعض النصائح
املتعلقة مبقام التكميل وتعليم الطريقة وما يناسبه}
وصل مكتوب االخ معدن السيادة وصار موجبا للفرح (أيها األخ) قد قيل لك
مكررا ان مدار هذا الطريق على اصلني االستقامة على الشريعة على حد ال ينبغي ان
يرضى برتك ادىن آداهبا ورسوخ حمبة شيخ الطريقة والثبات عليها واالخالص على هنج ال
يبقى جمال االعرتاض عليه أصال بل يكون مجيع حركاته وسكناته مستحسنة وحمبوبة يف
نظر املريد ونعوذ ابهلل سبحانه من وقوع خلل يف أمر من االمور املتعلقة هبذين االصلني
فان هذين االصلني اذا كاان على االستقامة بعناية هللا سبحانه فسعادة الدنيا واآلخرة نقد
الوقت (وقد قرع) مسعكم نصائح أخر ووصااي فينبغي االحتياط يف مراعاهتا وتاليف
التقصريات ابلتضرع واالبتهال وان تعتكف يف عشر ذي احلجة هذه بنية قضاء اعتكاف
العشر االخري من شهر رمضان على تقدير تركه من الشهر املذكور فبهذه النية تصري
عامال السنة وينبغي يف هذا االعتكاف االعتذار اىل هللا سبحانه من التقصريات ابلتضرع
واالنكسار والفقري أيضا يكون ممدا لكم يف ذلك ان شاء هللا تعاىل وما املقصود من هذه
املبالغة واالحلاح كلها يف حترير االجازة وقد صدرت لك اجازة تعليم الطريقة فان مل تكف
هي فما نفع حترير االجازة وال يلزم السعي واالجتهاد يف حتصيل كلما يقع يف اخلاطر وقد
يقع أشياء تركها أوىل وانسب والنفس اللجوجة اذا ولعت أبشياء تريد ان حتصلها وتتمها
وال تالحظ يف حقيتها وبطالهنا ولقد حررت يف حقكم كلمات كثرية نفعك هللا سبحانه
هبا ينبغي لك ان تكون يف فكر نفسك وتدبري أمرك حت تذهب بسالمة االميان وماذا
تنفع االجازة واملريدون فاذا جاء طالب صادق حني اشتغالك بشأنك فحينئذ تعلمه
- 341 -
الطريقة ال انك جتعل تعليم الطريقة أصل االمر ومقصودا ابلذات وجتعل معاملتك اتبعة له
ومقصودا ابلعرض فان ذلك ضرر حمض وخسران صرف.
{املكتوب التاسع والعشرون واملائتان اىل املرزا حسام الدين أمحد يف دفع
توهم تغيري الطريقة بضرب املثل}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت املكتوابت الشريفة املرسلة
متوالية فصارت موجبة للفرح وابعثة على افراط احملبة جزاكم هللا سبحانه عنا خريا اجلزاء
وقد اندرج فيها بعض الشبهات والشكوك على سبيل االمجال اعلم ان طريقنا هذا هو
طريق حضرة شيخنا قدس هللا سره االقدس والنسبة هي تلك النسبة الشريفة املختصة
حبضرته أي طريق وأية نسبة أوىل وانسب من هذا الطريق العايل والنسبة العلية حت
خيتارمها االنسان غاية ما يف الباب ان تكميل الصناعة وتتميم كل نسبة امنا هو بتالحق
االفكار وتعاقب االنظار أال ترى ان النحو الذي كان يف زمن سيبويه قد زاد بتالحق
افكار املتأخرين به اضعاف امثاله وصار حمررا ومنقحا ومع ذلك هو ذلك النحو الذي
كان يف زمن سيبويه مل يزد فيه تالحق افكار املتأخرين غري هتذيبه وتنقيحه أمل تسمع
مقولة الشيخ عالء الدولة قدس سره حيث قال كلما كانت الوسائط أزيد و اكثر يكون
الط ريق أقرب وأنور وهذا القسم من الزايدة اليت حصلت هلذه النسبة العلية بطريق
التهذيب والتنقيح وأوردت يف معرض القال والتصريح أوقعت مجاعة يف التخيالت وحقيقة
املعاملة هي هذا من غري تكلف وتصنع انظروا اىل مكتوابت الفقري ورسائله حيث اثبت
فيها ان هذا الطريق هو طريق االصحاب الكرام عليهم الرضوان وبرهنت كون هذه النسبة
فوق مجيع النسب ومدحت هذا الطريق العايل واكابره على هنج مل يوفق أحد من خلفاء
هذه اجلماعة العظيمة اليراد عشر عشريه وأيضا ان الفقري أراعى آداب هذا الطرييق على
الوجه االمت يف مجيع االوقات واايم الشدائد ووقت القعود والقيام وال اجوز خمالفتها
واالحداث فيه مقدار شعرة والعجب ان هذه الصنائع كلها بقيت مستورة عن النظر فان
- 342 -
وقع فرضا كالم غري مالئم يف اايم االذية ابلنسبة اىل بعض االصحاب أثناء املكاملة
واملعاتبة كان ذلك منظورا اليه لديكم فالعجب بل أعجب تصديقكم امثال هذه
ال كلمات وانزعاجكم مبجرد مساعها فان كان ذلك مبنيا على حسن الظن فلم ختصصون
به تلك اجلماعة ألست اان قابال حلسن الظن وابجلملة لو كان املدار على القيل والقال ال
يتصور اخلالص من يد النمامني واملفرتين وال يتوقع االخالص فينبغي ترك القيل والقال
وجماوزته وعدم تذكر االمور املاضية حت يتصور االخالص وترتفع الكلفة األوىل (وكتبتم)
أنه قد جاء وقت تربية أوالد حضرة شيخنا بل كاد ان يفوت وذكرمت وصية حضرة شيخنا
قدس سره (أيها املخدوم) املكرم ما اعظم سعادة من يقوم خبدمة خمادميهم ولكين عذرت
نفسي يف هذه املدة عن اخلدمة الظاهرية بواسطة املوانع املعلومة واان منتظر لظهور زمان
ميكن فيه إجراء الوصية العلية فان علمتم اآلن عدم املانع وان طريق القيل والقال صار
ايل حت اذهب واشتغل هبذه اخلدمة اايما ولكن اذا لوحظ يف ذلك مسدودا فأشريوا به ّ
االمر حق املالحظة يعلم أن مباشريت لذلك االمر امنا تلزم مبجرد امتثال االمر واال
فرتبيتكم اايهم ظاهرا وابطنا كافية ال احتياج اىل آخر (وقد) اخربين اخوان موالان عبد
ال لطيف ان امليان حممد قليج أخذ املخدوم االكرب للتعليم والرتبية الظاهرية وانكم جوزمت
ذلك أيضا فأورثين مساع هذا اخلرب تعجبا فان املذكور وان ختيل شيئا من قصور ادراكه
ولكن كيف جتوزونه ذلك وأان اخاف من سراية اذية حممد قليج اىل حمل آخر.
{املكتوب الثالثون واملائتان اىل الشيخ يوسف الربكي يف علو اهلمة وعدم
االكتفاء بكل ما حيصل واالجتهاد يف الرتقي وما يناسبه}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اظهر امليان اببو نبذة من أحوالكم
الكرمية أبمركم واستفسر عن حقيقتها فبناء على ذلك حنرر كلمات (أيها املخدوم) ان
امثال هذه االحوال يظهر ملبتدئ هذا الطريق كثريا يف أوائل االقدام وهم ال يعتربوهنا أصال
بل ينفوهنا وأين الوصل وأين النهاية {شعر}:
- 343 -
{املكتوب احلادي والثالثون واملائتان اىل املري حممد نعمان يف بيان الفرق بني
الوصول واحلصول وان مبادئ تعينات االنبياء هل تكون مبادئ تعينات االولياء ام ال
والفرق بني ذكر اجلهر وغريه من احملداثت حيث مينع من االول دون الثاين}
حنمده ونصلي ونسلم على نبيه و على آله الكرام وصل املكتوابن الشريفان
متعاقبني املكتوب االول وان كان منبئا عن احلزن واالضطراب ولكن املكتوب الثاين كان
يف غاية املالئمة ومشعرا ابلشوق واحلرارة (أيها احملب) ان املري سعد الدين ملا أراد السفر
طلب الكتاب وكنت حينئذ مريضا ومنقبضا على حد ما كنت أقدر على الكتابة خبطي
فأمرت اير حممد القدمي بتحرير الكتاب قائال انه اذا اندرج فيه كلمة غري مالئمة وقت
املرض أكون معذورا مع أنه ال ينبغي االحنراف وختريب املعاملة بشئ يسري ال قدر هللا
سبحانه وقوع االذية بيننا وان اكتب شيئا بقصد االذية واالعراض فان حرر شئ ابرادة
- 344 -
النصحية ينبغي ان تفرح به وقد جعلين مكتوبك الثاين مسرورا حمظوظا َِ احلرارة الزمة يف
كل أمر يعين احلزم وليكن الكسل والعجز نصيب االعداء (وكتبتم) أنه ال ميكن فهم
الفرق بني احلصول والوصول (أيها األخ) ان احلصول متصور مع وجود البعد والوصول
متعذر يعين معه اال ترى ان العنقاء نتصوره بصورته املخصوصة به فيمكن ان نقول ان
العنقاء حاصل يف مدركتنا يعين بوجوده الذهين واما الوصول اىل العنقاء فليس ذلك
مبتحقق أصال الن الظلية اليت هي عبارة عن ظهور شئ يف مرتبة اثنية ليست مبنافية
حلصول ذلك الشئ واما الوصول اىل ذلك الشئ فهو ال جيتمع مع الظلية فافرتقا
(وسئلت) أيضا ان االمساء اليت هي مبادئ تعينات االنبياء عليهم السالم هل تكون تلك
االمساء بعينها مبادئ تعينات االولياء ام ال فان كانت فما الفرق بينهما (أيها األخ)
املعزز أن مبادئ تعينات االنبياء عليهم الصالة و السالم هي كليات االمساء ومبادئ
تعينات االولياء جزئياهتا املندرجة حتت تلك الكليات واملراد جبزئيات االمساء نفس تلك
االمساء املأخوذة بقيد من القيود كاالرادة املطلقة واالرادة املقيدة ابلشئ واذا وقع الرتقي
لالولياء بواسطة متابعة االنبياء عليهم السالم يرتفع القيد املذكور ويلتحق املقيد ابملطلق
وقد ذكرت هذا الفرق يف بعض املكاتيب ابلتفصيل فلرياجع اليه وليالحظ فيه (وسئلت
أيضا) أنه ما سبب املنع عن ذكر اجلهر بعلة البدعة مع أنه مورث للذوق والشوق ومل ال
مينع من أمور أخرى مل تكن يف زمن النيب صلّى هللا عليه و سلّم مثل لبس الفرجي والشال
والسراويل (أيها) املخدوم ان فعله صلّى هللا عليه و سلّم على نوعني فعل على سبيل
العبادة وفعل على طريق العرف والعادة فالفعل الذي صدر عنه على سبيل العبادة نعتقد
خالفه بدعة منكرة ونبالغ يف املنع عنه لكونه احدااث يف الدين وهو مردود والفعل الذي
صدر عنه صلّى هللا عليه و سلّم على طريق العرف والعادة ال نعتقد خالفه بدعة منكرة
وال نبالغ يف املنع عنه لعدم تعلقه ابلدين بل وجوده وعدمه مبنيان على العرف والعادة ال
عل ى الدين وامللة فان عرف بعض البالد على خالف عرف بعض بالد أخرى وكذلك
يقع التفاوت يف العرف يف بلدة واحدة حبسب تفاوت االزمنة ومع ذلك اذا روعيت
- 345 -
السنة العادية تكون مثمرة للنتائج ومنتجة للسعادات ثبتنا هللا سبحانه واايكم على متابعة
سيد املرسلني عليه وعليهم و على اتبعي كل من الصلوات أفضلها ومن التسليمات
أكملها و السالم.
{املكتوب الثاين والثالثون واملائتان اىل خان خاانن يف بيان حقيقة الدنيا وقبح
زخرفاهتا الردية وعالج ازالة حمبة تلك الدنية وما يناسب ذلك}
جعل احلق سبحانه و تعاىل حقيقة الدنيا الدنية وقبح مزخرفاهتا ومموهاهتا الردية
منكشفة يف نظر البصرية وأجلى حسن اآلخرة ومجاهلا مع طراوة اجلنات واهنارها ومع
زايدة لقاء رب العاملني جل سلطانه فيها حبرمة سيد املرسلني عليه و على آله من
الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها حت حتصل النفرة عن هذه القبيحة سريعة
الزوال وعدم الرغبة فيها و يتيسر التوجه ابلكلية اىل عامل البقاء الذي هو حمل رضاء املوىل
املتعال وما مل يظهر قبح هذه الدنية فاخلالص من أثرها حمال وما مل حيصل اخلالص
فالفالح والنجاة االخروية متعسر حب الدنيا رأس كل خطيئة قضية مقررة وحيث ان
املعاجلة تكون ابالضداد كان عالج ازالة حمبة هذه الدنية منوطا ابلرغبة يف أمور اآلخرة
واتيان االعمال الصاحلة على وفق أحكام الشريعة الغراء وقد جعل احلق سبحانه احلياة
الدنيا منحصرة يف مخسة اشياء بل يف أربعة اشياء حيث قال تعاىل امنا احليوة الدنيا لعب
وهلو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر يف االموال واالوالد فاذا اشتغل االنسان ابالعمال
الصاحلة يشرع اللعب واللهو اللذان مها جزآها االعظمان يف النقصان ابلضرورة واذا
حصل االجتناب واالحرتاز عن لبس احلرير واستعمال الذهب والفضة اليت هي عمدة يف
حتصيل الزينة يشرع جزؤها الثاين الذي هو الزينة يف الزوال وميت حصل اليقني ابن الفضيلة
والكرامة عند هللا هظ عز و جل ابلورع والتقوى ال ابحلسب والنسب ميتنع من التفاخر
ألبتة واذا علم ان االموال واالوالد مانعة عن ذكر احلق سبحانه عائقة عن التوجه اىل
جناب قدسه تعاىل خيتار التقاعد عن التكاثر فيها ابلضرورة ويعد تزايدها من املعائب
- 346 -
وابجلملة وما آاتكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه فانتهوا لئال يضركم شئ {شعر}:
دللتك اي هذا على كنز مقصد * فان اان مل ابلغ لعلك تبلغ
(وبقية املرام) أن الشيخ ميان عبد املؤمن من اوالد الكبار مشغول بسلوك الطريقة
الصوفية بعد فراغه من حتصيل العلوم ويشاهد يف ضمن سلوكه احواال غريبة والضرورة
البشرية من قبل االهل والعيال تضطره بال اختيار وهذا الفقري دللته على جنابكم لدفع
هذا االضطرار من دق ابب الكرمي يفتح و السالم.
{املكتوب الثالث والثالثون واملائتان اىل العايل اجلناب الشيخ فريد يف بعض
النصائح حبسن االداء}
ثبتنا هللا سبحانه وااي كم على ما جاء به جدكم االجمد عليه و على آله وأصحابه
من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها وملا جئت دهلي يف اايم عرس حضرة
اخلواجه قدس سره وقع يف اخلاطر ان اتشرف حبضور اجمللس العايل ايضا فشاع يف اثناء
ذلك خرب الرحلة فبالضرورة كنت ابعثا على التصديع بتحرير كلمات غري مرتبطة ابلتوقف
هنا واملسئول جبميع اهلمة سواء كان يف احلضور او يف الغيبة سالمتكم عما ال يليق بكم
وال ينبغي وتوردين غلبة ارادة اخلري يف بعض االوقات اختيارا مين جسارتكم أن امنع
وأمحي عتبتكم العلية عما ال يليق هبا ابلتأكيد واملبالغة وان ال اترك يف اجمللس الشريف من
ليس ابهل له ولكن أعلم أن مجيع التمين ال يتيسر فبالضرورة اكون رطب اللسان ابلدعاء
من ظهر الغيب وعسى ان يقع يف معرض القبول قال اخلواجه أحرار قدس سره وان كان
جعل شخص نفسه عظيما حبيث يلزم من خرابه خراب مجيع العامل شركا وكفرا ولكن
جعلوين عظيما بال صنع مين ومثل هذه العظمة كاد ان يصدق اليوم يف حقكم فان يف
رفاهيتكم رفاهية اخلالئق وابلعكس وهلذا كان دعاء الناس لكم ابخلري كطلب املطر يف
مشول نفعه لعامة اخللق فيكون مع تلك العظمة واجلاللة بقاء مقدار بذرة اخلشخاش وحمل
االمنلة حمروما وابال وثقال عظيما على قلوب االحباب والناصحني فينبغي التخفيف عنهم
- 347 -
على وجه الكرم وهذا الناصح مل يكتب من هذه املقولة شيئا من مدة مديدة خوفا من
كون املبالغة ثقيلة {شعر}:
وكل لطيف اجلسم يؤذيه كلما * مير به كالورد يطرحه الصبا
ولكن أرى اختيار التقاعد والسكوت مبالحظة حصول الثقل على اخلاطر بعيدا
عن املودة {شعر}:
وظيفتك الدعاء فحسب صاح * وليس لك التفكر يف قبوله
و قد وقعت يف اخلاطر داعية زايرة احلرمني الشريفني حرسهما هللا عن اآلفات منذ
اوقات والباعث على هذا السفر هو هذه الداعية وملا كان هذا املعن منوطا مبشاورتكم
واسرتضائكم أوقع خرب الرحلة هذه الداعية اىل التسويف اخلري فيما صنع هللا سبحانه و
السالم.
ظهور حضرة الوجود يعين اخلاص يف مراتب التنزالت والفرد األوىل واالقدم واالشرف من
افراد ذلك الظل حممول على ذاته تعاىل اشتقاقا ففي مرتبة االصالة ميكن أن نقول هللا
وجود ال أن نقول هللا موجود ويف مرتبة الظل يصدق هللا موجود ال هللا وجود وملا قال
احلكماء وطائفة من الصوفية بعينية الوجود ومل يطلعوا على حقيقة هذا الفرق ومل مييزوا
االصل من الظل اثبتوا كال من احلمل املواطئ واحلمل االشتقاقي يف مرتبة واحدة
فاحتاجوا يف تصحيح احلمل االشتقاقي اىل متحل وتكلف واحلق ما حققت ابهلام هللا
سبحانه وهذه االصالة والظلية كاصالة سائر الصفات احلقيقة وظليتها فان محل تلك
الصفات يف مرتبة االصالة اليت هي موطن االمجال وغيب الغيب بطريق املواطأة ال بطريق
االشتقاق فيمكن ان يقال هللا علم وال ميكن أن يقال هللا عامل الن احلمل االشتقاقي البد
فيه من حصول املغايرة ولو ابالعتبار وهي مفقودة يف ذلك املوطن رأسا اذا التغاير ال
يكون اال يف مراتب الظلية وال ظلية مثة النه فوق التعني االول مبراحل الن النسب
ملحوظة بطريق االمجال يف ذلك التعني وال مالحظة لشئ من االشياء بوجه من الوجوه
يف ذلك املوطن واحلمل االشتقاقي صادق يف مرتبة الظل اليت هي تفصيل ذلك االمجال
دون احلمل ابملواطأة ولكن عينية تلك الصفة يف تلك املرتبة فرع عينية وجوده تعاىل الذي
هو مبدأ مجيع اخلري والكمال ومنشأ كل حسن ومجال وكل حمل من كتب هذا الفقري
ورسائله فيه نفي عينية الوجود ينبغي ان يراد به الوجود الظلي الذي هو مصحح احلمل
االشتقاقي وهذا الوجود الظلي أيضا مبدأ لآلاثر اخلارجية فاملاهيات اليت تتصف بذلك
الوجود ينبغي ان تكون يف كل مرتبة من املراتب موجودات خارجية فافهم فانه ينفعك يف
كثري من املواضع فتكون الصفات احلقيقية ايضا موجودات خارجية وتكون املمكنات
ايضا موجودات يف اخلارج (أيها الولد) امسع سرا غامضا ان الكماالت الذاتية يف مرتبة
حضرة الذات تعالت وتقدست عني حضرة الذات فصفة العلم مثال يف ذلك املوطن عني
حضرة الذات وكذلك القدرة واالرادة وسائر الصفات (وأيضا) ان حضرة الذات يف ذلك
املوطن بتمامها علم وكذلك بتمامها قدرة ال ان بعض حضرة الذات علم وبعضا آخر
- 349 -
منها قدرة فان التبعض والتجزي حمال هناك وهذه الكماالت كاهنا منتزعات من حضرة
الذات وعرض هلا التفصيل يف ح ضرة العلم وحصل بينها التمييز مع بقاء حضرة الذات
تعالت وتقدست على تلك الصرافة االمجالية الوحدانية ومل يبق شئ يف ذلك املوطن غري
داخل يف ذلك التفصيل وغري مميز بل مجيع الكماالت اليت كان كل واحد منها عني
الذات ورد اىل مرتبة العلم واكتسبت هذه الكماالت املفصلة يف مرتبة اثنية وجودا ظليا
ومسيت ابسم الصفات وحصل هلا القيام حبضرة الذات اليت هي اصلها واالعيان الثابتة
عند صاحب الفصوص عبارة عن تلك الكماالت املفصلة اليت اكتسبت وجودا علميا يف
موطن العلم وحقائق املمكنات عند الفقري العدمات اليت هي مبادئ مجيع الشر والنقص
مع تلك الكماالت اليت انعكست عليها وهذا الكالم يستدعي تفصيال ينبغي االستماع
له ابذن العقل (ارشدك هللا) ان العدم مقابل للوجود ونقيض له فيكون منشأ مجيع الشر
والنقص ابلذا ت بل عني مجيع الشر والفساد كما ان الوجود يف مرتبة االمجال عني كل
خري وكمال وكما ان الوجود يف موطن اصل االصل غري حممول على الذات بطريق
االشتقاق كذلك العدم املقابل لذلك الوجود غري حممول على ماهية العدم بطريق
االشتقاق وال ميكن ان يقال لتلك املاهية يف تلك املرتبة اهنا معدومة بل هي عدم حمض
ويف مراتب التفصيل العلمي املتعلق بتلك املاهية العدمية تتصف جزئيات تلك املاهية
ابلعدم ويصدق عليها العدم ابحلمل االشتقاقي ومفهوم العدم الذي هو كاملنتزع من
املاهية العدمية االمجالية وكالظل هلا حيمل على مجيع افرادها املفصلة بطريق االشتقاق كما
سيجئ وملا كان ذلك العدم يف مرتبة االمجال عني كل شر وفساد وامتاز كل فرد من افراد
الشر والفساد يف علم هللا سبحانه عن فرد آخر كما ان يف جانب الوجود كان حضرة
الوجود يف مرتبة االمجال عني كل خري وكمال ويف مرتبة التفصيل العلمي امتاز كل فرد من
افراد الكمال واخلري من فرد آخر انعكس كل فرد من افراد تلك الكماالت الوجودية على
كل فرد من افراد تلك النقائص العدمية اليت هي يف مقابلتها يف مرتبة العلم وامتزجت
صور كل منهما العلمية ابألخرى وتلك العدمات اليت هي عبارة عن الشرور والنقائص مع
- 350 -
تلك الكماالت املنعكسة عليها اللتان حصال هلما يف مرتبة حضرة العلم التفصيل العلمي
ماهيات املمكنات غاية ما يف الباب ان تلك العدمات كاصول تلك املاهيات وموادها
وتلك الكماالت كالصور احلالة فيها فاالعيان الثابتة عند هذا احلقري عبارة عن تلك
العدمات وتلك الكماالت اللتني امتزجت كل منهما ابألخرى والقادر املختار جل
سلطانه صبغ تلك املاهية العدمية مع لوزامها ومع الكماالت الظاللية الوجودية املنعكسة
عليها يف حضرة العلم املسماة مباهية املمكنات بصبغ الوجود الظلي يف وقت اراده
وجعلها موجودات خارجية ومبدأ لآلاثر اخلارجية (ينبغي) ان يعلم ان جعل الصور
العلمية اليت هي عبارة عن االعيان الثابتة املمكنة وماهياهتا منصبغة يعين ابلوجود ال مبعن
خروج الصور العلمية من موطن العلم وحصول الوجود اخلارجي هلا فان ذلك حمال
الستلزامه اجلهل له سبحانه تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا بل مبعن ان املمكنات عرض هلا
الوجود يف اخلارج على طبق تلك الصور العلمية وراء الوجود العلمي كما ان النجار
يتصور يف ذهنه صورة السرير مث خيرتعها يف اخلارج ففي هذه الصورة ال خترج تلك الصورة
الذهنية السريرية اليت هي مبثابة املاهية للسرير من علم النجار بل عرض للسرير وجود يف
اخلارج على طبق تلك الصورة الذهنية فافهم (اعلم) ان كل عدم ملا انصبغ بظل من
ظالل الكماالت الوجودية املقابلة هلا واملنعكسة عليها عرض له وجود وزينة يف اخلارج
خبالف العدم الصرف فانه مل يتأثر هبذه الظالل ومل يقبل لوان وصبغا وكيف يقبل اللون
والصبغ فانه ليس مقابال هلذه الظالل فان كانت له مقابلة فهي حبضرة الوجود الصرف
تعاىل وتقدس فالعارف التام املعرفة اذا نزل اىل مقام العدم الصرف بعد ترقيه على حضرة
الوجود الصرف حيصل هلذا العدم ايضا بتوسله انصباغ حبضرة الوجود وتزين به وحسن
فحينئذ حيصل جلميع مراتب اعدام هذا العارف اليت هي يف احلقيقة مراتبه الذاتية احلسن
واخلريية امجاال وتفصيال وحيصل هلا اجلمال والكمال وهذه اخلريية السارية يف مجيع املراتب
الذاتية خمصوصة مبثل هذا العارف فان سرت اخلريية يف غريه فهي اما مقصورة على بعض
املراتب التفصيلية من اعدامه الذاتية أو سارية يف مجيع مراتبها التفصيلية على تفاوت
- 351 -
الدرجات وهذا القسم االخري ايضا اندر الوجود واما مرتبة امجال العدم الذي هو عني كل
شر ونقص فلم حتصل فيها رائحة من اخلريية الحد سوى العارف املذكور وال نوع من
احلسن فيحصل لشيطان هذا العارف املتصف ابخلريية التامة أيضا حسن االسالم وتصري
نفسه االمارة مطمئنة وراضية عن موالها ومن ههنا قال سيد املرسلني عليه وعليهم
الصلوات و التسليمات اال ان[ ]1شيطاين قد اسلم فاذا كان كذلك فال يسبقه غاز يف
غزوة أصال وال يدل مثل الشيطان على اخلري ابدا سبحان هللا ان املعارف اليت تظهر من
هذا احلقري من غري اختيار لو اجتمع اجلم الغفري واجتهدوا يف تصورها ال يدري يتيسر أو
احلظ الوافر من هذه املعارف نصيب حضرة املهدي املوعود عليه ال ويشبه ان يكون ُّ
الرضوان {شعر}:
و مت أتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح و نتف سبالكا
فتبارك هللا أحسن اخلالقني و احلمد هلل رب العاملني فتكون ذوات املمكنات
عدمات انعكست عليها ظالل الكماالت الوجودية وزينتها فال جرم تكون املمكنات
مأوى كل شر وفساد ومالذ كل سوء ونقص وعناد وما فيها من اخلري والكمال فهو عارية
من حضرة الوجود الذي هو خري حمض ومفاض عليها منه ما أصابك من حسنة فمن هللا
وما أصابك من سيئة فمن نفسك شاهد هلذا املعن فاذا استولت رؤية كونه عارية على
السالك بفضل هللا جل سلطانه ورأى كماالته من ذلك الطرف جيد نفسه شرا حمضا
ونقصا خالصا وال يشاهد يف نفسه كماال أصال ولو بطريق االنعكاس و يكون كعراين
لبس ثوب العارية واستولت عليه رؤية كونه عارية غاية االستيالء على هنج يعطي الثوب
( )1قوله اال ان شيطاين اخل اخرج مسلم عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ما
منكم من احد اال ومعه قرينه من ا جلن وقرينه من املالئكة قالوا واايك اي رسول هللا قال واايي ولكن هللا اعانين عليه
فأسلم فال أيمرين اال خبري انتهى روى بضم امليم وفتحه وهو االرجح واخرج البزار عن ايب هريرة رضي هللا عنه قال قال
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فضلت على االنبياء خبصلتني كان شيطاين كافرا فاعانين هللا حت اسلم احلديث واخرج
البيهقي وابو نعيم عن ابن عمر رضي هللا عنهما مثله اال ان فيه على آدم بدل على االنبياء والباقي سواء فهذا يقوي
رواية الفتح وهللا أعلم.
- 352 -
لصاحبه ابلكلية يف التخيل فحينئذ جيد نفسه ابلذوق عاراي ألبتة وان كان متلبسا بثوب
العارية وصاحب هذه الرؤية مشرف مبقام العبدية الذي هو فوق مجيع كماالت الوالية
واجتماع اخلري والشر والكمال والنقص الذي هو اجتماع الوجود والعدم يف احلقيقة ليس
من قبيل اجتماع النقيضني الذي يعد حماال فان نقيض الوجود الصرف هو العدم الصرف
وهذه املراتب الظلية كما أهنا تنزلت يف جانب الوجود من ذروة االصل اىل حضيض
التنزالت كذلك ترقت يف جانب العدم من حضيض صرافة العدم بل اجتماعها من قبيل
اجتماع العناصر املتضادة اجملتمعة بعد كسر السورة املضادة من كل منها فسبحان من
مجع بني الظلمة والنور (فان قيل) انت حكمت فيما سبق ابنصباغ العدم الصرف
ابلوجود الصرف الذي هو نقيضه فحصل اذا اجتماع النقيضني (أقول) ان احملال امنا هو
اجتماع النقضيني يف حمل واحد وأما قيام أحد النقيضني ابآلخر واتصافه فليس ذلك
مبحال كما قال أرابب املعقول ان الوجود معدوم واتصاف الوجود ابلعدم ليس مبحال
فعلى هذا لو كان العدم موجودا ومنصبغا ابلوجود مل يكن حماال (فان قيل) ان العدم من
املعقوالت الثانية وهي منافية للوجود اخلارجي فكيف يتصف العدم ابلوجود اخلارجي
(أقول) ان ما هو من املعقوالت الثانية هو مفهوم العدم دون مصداقه فأي فساد يف
اتصاف فرد من أفراد العدم ابلوجود كما قال أرابب املعقول يف الوجود بطريق
االستشكال ان الوجود ال ينبغي ان يكون عني ذات واجب الوجود تعاىل وتقدس الن
الوجود من املعقوالت الثانية اليت ال وجود هلا يف اخلارج وذات واجب الوجود تعاىل
موجودة يف اخلارج فال يكون عينها وقالوا يف جوابه ان ما هو من املعقوالت الثانية هو
مفهوم الوجود ال جزئياته فال يكون جزئي من جزئياته منافيا للوجود اخلارجي بل ميكن ان
يكون موجودا يف اخلارج (فان قلت) قد علم من التحقيق السابق ان وجود الصفات
احلقيقية امنا هو يف مرتبة الظالل وأما يف مرتبة االصل فال وجود هلا فيها وهذا الكالم
خمالف لرأي أهل ا حلق شكر هللا سعيهم فاهنم ال جيوزون انفكاك الصفات عن الذات
أصال ويقولون ابمتناع انفكاكها عنها (أجيب) ال يلزم من هذا البيان جواز االنفكاك فان
- 353 -
ذلك الظل الزم االصل فال انفكاك غاية ما يف الباب ان العارف الذي قبلة توجهه
أحدية الذات تعالت وتقدست ال يكون له شئ من االمساء والصفات ملحوظا أصال
فيجد الذات يف ذلك املوطن ألبتة وال يكون شئ من الصفات ملحوظا له أصال ال ان
الصفات ليست حباصلة يف ذلك الوقت فانفكاك الصفات من حضرة الذات ان ثبت
ثبت ابعتبار مالحظة العارف ال ابعتبار نفس االمر حت يكون خمالفا ملا عليه أهل السنة
(وقد الح) من هذا البيان معن من عرف[ ]1نفسه فقد عرف ربه فان الشخص اذا عرف
نفسه ابلشر والنقص وعرف ان ما فيه من اخلري والكمال واحلسن واجلمال مستعار من
واجب الوجود املقدس املتعال فقد عرف احلق سبحانه ابخلري والكمال واحلسن واجلمال
ابلضرورة (واتضح) من هذه التحقيقات املعن التأويلي لقوله تعاىل هللا نور السموات
واالرض النه قد تبني ان املمكنات ابسرها عدمات وابمجعها شر وظلمات وما فيها من
اخلري والكمال واحلسن واجلمال مفاض من حضرة الوجود الذي هو عني حضرة الذات
تعالت وتقدست وعني كل خري وكمال فيكون نور السموات واالرضني هو حضرة
الوجود الذي هو حقيقة الواجب تعاىل وتقدس وملا كان ذلك النور يف السموات واالرض
بتوسط الظالل اورد متثيال لذلك النور لرفع توهم من عسى ان يتوهم انه بال توسط حيث
قال تعاىل مثل نوره كمشكاة فيها مصباح اآلية ايذاان بثبوت الوسائط وتفصيل أتويل هذه
اآلية الكرمية يثبت انشاء هللا تعاىل يف حمل آخر فان اجملال للكالم كثري هناك وهذا
املكتوب ال يسع تفصيله (وامنا) قلنا املعن التأويلي لقوله تعاىل الن املعن التفسريي
مشروط ابلنقل والسماع ولعلك مسعت من فسر[ ]2القرآن برأيه فقد كفر ويف التأويل
( )1قوله من عرف نفسه اخل قال السيوطي قال النووي انه غري اثبت وقال ابن السمعاين انه من كالم حيىي بن معاذ
الرازي انتهى وقال ابن حجر اهليتمي انه من كالم علي رضي هللا عنه وعزاه املناوي يف كنوز احلقائق اىل الديلمي وذكره
املاوردي يف ادب الدنيا والدين عن عائشة مرفوعا اهنا قالت اي رسول هللا ميت يعرف االنسان ربه قال اذا عرف نفسه
( )2قوله من فس ر القرآن برأيه اخل قلت احلديث اورده الغزايل يف حملني من االحياء بلفظ من فسر القران برأيه فليتبوأ
مقعده من النار قال العراقي اخرجه الرتمذي من حديث ابن حبان وحسنه وهو عند ايب داود ويف رواية ابن لعبد وعند
النسائي يف الكربى وقال شارحه بعد نقل قول العراقي قلت اخرج الرتمذي وصحه وابن االنباري يف املصاحف
- 354 -
يكفي جمرد االحتمال بشرط عدم خمالفته الكتاب والسنة فتقرر أن ذوات املمكنات
واصوهلا عدمات وصفاهتم النقائص والرذائل اليت هي مقتضيات تلك العدمات وجدت
ابجياد القادر املختار جل سلطانه والصفات الكاملة فيهم مستعارة من ظالل كماالت
حضرة الوجود تعاىل وتقدس ظهرت فيهم بطريق االنعكاس ووجدت ابجياد القادر املختار
ايضا ومصداق حسن االشياء وقبحها هو ان كلما هو انظر اىل اآلخرة ومعدهلا فهو
حسن وان مل يكن مستحسنا يف الظاهر وكلما هو انظر اىل الدنيا ومعد الجلها فهو قبيح
وان كان حسنا يف الظاهر وظاهرا ابحلالوة والطراوة كاملزخرفات الدنياوية وهلذا منع يف
الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية من النظر وامليل اىل حسن
املرد والنساء االجنبيات ومتين املزخرفات فان ذلك احلسن والطراوة من مقتضيات العدم
الذي هو مأوى كل شر وفساد فلو كان منشأ هذا احلسن واجلمال الكماالت الوجودية
ملا مينع عنه اال من جهة كون التوجه اىل الظل مع وجود االصل مستهجنا ومستقبحا
وهذا املنع منع استحساين ال وجويب خبالف املنع السابق فاحلسن الظاهر يف املظاهر
اجلميلة الدنيوية ليس هو من ظالل حسنه تعاىل بل هو من لوازم العدم اكتسبه يف الظاهر
بواسطة جماورته احلسن واال فهو يف احلقيقة قبيح انقص كسم مدسوس يف السكر وجناسة
مطلية ابلذهب وامنا جوز التمتع ابلنساء اجلميلة املنكوحة واالماء اجلميلة اململوكة بواسطة
حتصيل االوالد وابقاء النسل املطلوب لبقاء نظام العامل فما ابتلى به بعض الصوفية من
املظاهر اجلميلة والنغمات املستحسنة بتخيل أن هذا احلسن واجلمال مستعار من
والطرباين يف الكربى والبيهقي يف الشعب كلهم من رواية عبد االعلى عن سعيد ابن جبري عن ابن عباس رضي هللا
عنهما بلفظ من قال يف القرآن بغري علم فليتبوأ اخل واخرجه ابو داود والرتمذي وقال غريب والنسائي يف الكربى وابن
جرير والبغوي وابن االنباري وابن عدي والطرباين والبيهقي كلهم من رواية سهل بن ايب حزم القطفي عن ابن عمران
اجلويل عن جندب بن عبدهللا من قال يف القرآن برأيه فاصاب فقد اخطأ ويف رواية الرتمذي وغريه من قال يف كتاب هللا
ويف رواية من تكلم يف القرآن ويف الباب عن ابن عمر وجابر وايب هريرة وحديث ابن عمر من فسر القرآن برأيه فاصاب
كتبت عليه خطيئة لو قسمت بني العباد لوسعتهم وحديث جابر من فسر القرآن برأيه فقد اهتمين وحديث ايب هريرة
من فسر القرآن برأيه وهو على وضوء فليعد وضوءه اخرج هذه الثالثة الديلمي يف مسند الفردوس وطرقهن ضعاف بل
االخري منكر جدا اىل آخر ما قال بطوله ومل اظفر بلفظ االمام قدس سره
- 355 -
كماالت حضرة واجب الوجود تعاىل وتقدس ظهر يف هذه املظاهر وزعمهم هذا االبتالء
حسنا ومتحسنا بل تصورهم إ ايه طريق الوصول ثبت عند هذا احلقري خالفه كما مرت
نبذة فيما سبق والعجب أن بعضهم يورد هذا القول اايكم واملرد فان فيهم لوان كلون هللا
سندا ملطلبه وكلمة كلون هللا توقعهم يف االشتباه وال يدرون أن هذا القول مناف ملطلبهم
ومؤيد ملعرفة هذا الدرويش النه ورد فيه كلمة التحذير منعا عن التوجه اليهم وبني منشأ
الغلط ابن حسنهم مشابه حلسن احلق ومجاله سبحانه ال حسنه تعاىل لئال يقعوا يف الغلط
قال عليه الصالة و السالم ما الدنيا و اآلخرة اال ضراتن ان رضيت احدامها سخطت
األخرى ويف احلديث ايضا تصريح بوجود املباينة واملناقضة بني حسن اآلخرة وحسن الدنيا
وبني مجاليهما ومن املقرر ان احلسن الدنيوي غري مرضي واحلسن االخروي مرضي فيكون
الشر الزم احلسن الدنيوي واخلري الزم احلسن االخروي فبالضرورة يكون منشأ االول عدما
ومنشأ الثاين وجودا نعم ان بعض االشياء له وجه اىل الدنيا ووجه اىل اآلخرة فهذا قبيح
من الوجه االول وحسن من الوجه الثاين ومتييز ما بني هذين الوجهني وفرق ما بني حسنه
وقبحه مفوض اىل علم الشريعة قال هللا تعاىل وما آتيكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه
فانتهوا وقد ورد يف اخلرب أن هللا سبحانه مل ينظر اىل الدنيا منذ خلقها لكوهنا مبغوضا
عليها عنده سبحانه وكل ذلك بواسطة قبحها وشرها وفسادها اليت هي من مقتضيات
العدم الذي هو مأوى مجيع الفساد وحسن الدنيا ومجاهلا وحالوهتا وطراوهتا كل منها
كاملطروح يف الطريق ال يستحق النظر اليه واملستحق للنظر امنا هو مجال اآلخرة فانه
مرضي احلق سبحانه قال هللا سبحانه شكاية من حاهلم يريدون عرض الدنيا وهللا يريد
اآلخرة اللهم صغر الدنيا يف اعيننا وكرب اآلخرة يف قلوبنا حبرمة من افتخر ابلفقر وجتنب
عن الدنيا عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات (والشيخ) االجل حميي الدين
بن العريب قدس سره ملا مل يقع نظره على حقيقة شر املمكنات ونقصها وقبحها جعل
حقائق املمكنات الصور العلمية االهلية جل وعال وقال ان تلك الصور انعكست على
مرآة حضرة الذات اليت ال يقول بوجود شئ غريها يف اخلارج فحصلت هلا بسبب ذلك
- 356 -
االنعكاس يعين ظهور خارجي وال يرى هذه الصور العلمية غري صور شؤن الواجب
وصفاته جل سلطانه فال جرم حكم بوحدة الوجود وقال بعينية وجود املمكنات بوجود
الواجب تعاىل وتقدس وقال بنسبية الشر والنقص ونفي الشر املطلق والنقص احملض ومن
ههنا ال يقول بوجود قبيح ابلذات حت انه يقول ان قبح الكفر والضاللة امنا هو ابلنسبة
اىل االميان واهلداية ال ابلنسبة اىل ذاهتما بل يرامها عني اخلري و الصالح وحيكم ابستقامتها
ابلنسبة اىل أرابهبما وجيعل قوله تعاىل ما من دابة اال هو آخذ بناصيتها ان ريب على
صراط مستقيم شاهدا هلذا املعن نعم ان من حيكم بوحدة الوجود ال يتحاشا من أمثال
هذه الكلمات وما ظهر هلذا الفقري ان ماهيات املمكنات عدمات مع الكماالت
الوجودية املنعكسة عليها واملمتزجة هبا كما مر مفصال وهللا سبحانه حيق احلق وهو يهدي
السبيل (أيها الولد) ان هذه العلوم واملعارف اليت مل يتكلم هبا أحد من أهل هللا ال صرحيا
وال اشارة من اشرف املعارف واكمل العلوم برزت يف منصة الظهور بعد ألف سنة
وكشفت عن وجه حقيقة الواجب تعاىل وتقدس وحقائق املمكنات النقاب كما ينبغي
وحيرى حبيث ال خمالفة فيها للكتاب والسنة وال مباينة بينها وبني أقوال اهل احلق وكان
املراد واملقصود من دعاء النيب صلّى هللا عليه و سلّم الذي يشبه أن يكون صدوره عنه
لتعليم االمة حيث قال اللهم[ ]1أران حقائق االشياء كما هي هو هذه احلقائق املبينة يف
ضمن هذه العلوم املناسبة ملقام العبودية الدالة على الذل واالنكسار املالمي حلال العبيد
واي كم ال وخري يف رؤية العبد نفسه عني مواله القادر بل هي تنبئ عن كمال فقد
االدب (أيها الولد) ان هذا الوقت لوقت كان يف االمم السابقة يبعث يف مثل هذا الوقت
اململوء ابلظلمة نيب من االنبياء أويل العزم الحياء الشريعة وجتديدها ويف هذه االمة اليت
[]2
هي خري االمم ونبيهم خامت الرسل عليه و على آله الصلوات و التسليمات أعطي
( )1قوله اللهم اران حقائق االشيئا كما هي قيل مل يوجد له اصل بل هو من كالم بعض العارفني وقيل بل ذكره الغزايل
يف العلق املضنون والدهلوي يف مدارج النبوة فالنسبة اىل بعض العارفني غلط قلت ليت ذكر خمرجه وراويه حت يتحقق
الغلط
( )2قوله اعطي العلماء اخل اشارة اىل ما اشتهر من ان علماء اميت كانبياء بين اسرائيل قال ابن حجر والذهيب والزركشي
- 357 -
العلماء مرتبة أنبياء بين اسرائيل واكتفى بوجود العلماء من وجود االنبياء وهلذا يتعني على
رأس كل مائة جمدد من علماء هذه االمة الحياء الشريعة و على اخلصوص بعد مضي
الف سنة فانه وقت بعثة نيب من االنبياء أويل العزم يف االمم السابقة وما كان يكتفي فيه
ابي نيب كان ففي مثل هذا الوقت يلزم أن يكون عامل عارف اتم املعرفة ليكون قائما مقام
نيب من االنبياء أويل العزم من االمم السابقة {شعر}:
لو جاء من فيض روح القدس من مدد * خال املسيح ليصنع مثل ما صنعا
(أيها الولد) ان املقابل للوجود الصرف هو العدم الصرف وقد سبق ان الوجود
الصرف حقيقة واجب الوجود تعاىل وتقدس وانه عني كل خري وكمال وان مل يكن
ملالحظة هذه العينية هناك جمال ولو على سبيل االمجال لوجود شائبة الظلية فيها والعدم
الصرف الذي هو مقابل الوجود الصرف مل يتطرق اليه شئ من النسبة واالضافة وعني كل
شر ونقص وان مل يكن هلذه العينية فيه ايضا جمال لوجود رائحة االضافة فيها ومن املعلوم
ان ظهور الشئ على الوجه االمت امنا يتصور يف مقابله احلقيقي واالشياء امناتتبني بضدها
فبالضرورة حيصل ظهور الوجود على االمت يف مرآة العدم الصرف ومن املقرر ان النزول
على قدر العروج فمن حتقق عروجه بعناية هللا سبحانه اىل حضرة الوجود يكون نزوله
ابلضرورة اىل العدم املقابل له لكن وقت العروج الذي فيه استهالك العارف اجلهل الزم له
ووقت النزول الذي هو متحقق ابلصحو يكون متصفا ابلعلم واملعرفة لكونه مقامه ويف
مقام الصحو يتش رف ابلتجلي الذايت الذي هو مربأ عن شائبة الظلية ومنزه عن مالحظة
الشئون واالعتبارات الذاتية و يكون معلوما له ان مجيع التجليات اليت قبله كانت يف
حجب ظل من ظالل االمساء والصفات والشئون واالعتبارات وان اعتقد العارف أهنا بال
مالحظة االمساء والصفات والشؤن واالعتبارات وعدها جتليات وجودية صرفة سبحان هللا
انه ال أصل له وقال الدمريي هذا احلديث ال يعرف له خمرج لكن يف البخاري العلماء ورثة االنبياء ورواه ابو داود
والرتم ذي وابن ماجه واحلاكم يف صحيحه ولكن معناه صحيح كما ال خيفي على املتأمل واورده يف الفتوحات يف الباب
41بلفظ وقد ورد يف اخلرب عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم ان علماء هذه االمة كانبياء بين اسرائيل
- 358 -
ان هذا العدم الذي هو مأوى كل شر ونقص قد اكتسب احلسن بواسطة ظهور حضرة
الوجود فيه ظهورا اتما وانل ما مل ينله أحد وصار القبيح لذاته بواسطة احلسن العارض
مستحسنا والنفس االمارة االنسانية اليت هي مائلة ابلذات اىل الشر فيها مناسبة من بني
الكل هلذا العدم وهلذا صارت فائقة على الكل يف التجلي اخلاص وسابقة للكل يف الرتقي
واالختصاص {ع}:
أحق اخللق ابلكرم العصاة
(ينبغي) ان يعلم ان العارف التام املعرفة اذا نزل بعد طي مقامات العروج ومراتب
النزول تفصيال اىل مقام العدم الصرف وحصلت له مرآتية حضرة الوجود يظهر فيه مجيع
الكماالت ابالمسائية والصفاتية ويظهر مجيعها تفصيال مع لطائف كان مقام االمجال
متضمنا هلا وهذه الدولة ال تتيسر لغريه وتلك املرآتية لباس فاخر خميط على مقدار قدره
وصور هذا التفصيل وان كانت اثبتة يف خزانة احلضرة العلمية ولكنها مرآتية يف حضرة
العلم و مرآتية هذا العارف يف مرتبة اخلارج حيث أظهر مجيع الكماالت يف اخلارج (فان
قيل) ما معن كون العدم مرآة فانه ال شئ حمض فبأي اعتبار قيل له انه مرآة للوجود
(أجيب) ان العدم ابعتبار اخلارج ال شئ حمض وأما يف العلم فقد عرض له فيه امتياز بل
حصل له وجود علمي ايضا عند مثبيت الوجود الذهين وقيل له مرآة الوجود ابعتبار ان
كلما يثبت من الشر والنقص يف مرتبة العدم يكون مسلواب عن الوجود الذي هو نقيضه
ألبتة وكل كمال يكون مسلواب عن مرتبة العدم يكون مثبتا يف حضرة الوجود فال جرم كان
العدم سببا لظهور الكماالت الوجودية وال معن للمرآتية اال هذا فافهم فانه ينفعك وهللا
سبحانه امللهم (أيها الولد) ان هذه املعارف احملررة نرجو ان تكون من االهلامات الرمحانية
اليت ال يكون للوساوس الشيطانية فيها جمال والدليل على صدق هذا املعن اين ملا كنت
متصداي لتحرير هذه العلوم ملتجئا اىل جناب قدسه تعاىل رأيت كأن املالئكة الكرام على
نبينا وعليهم الصالة و السالم يطردون الشياطني ويدفعوهنم عن نواحي هذا املقام وال
يرتكوهنم حيومون حول هذا املكان وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال (وملا كان) اظهار النعم
- 359 -
اجلزيلة من اعظم احملامد اجلميلة جتاسرت على اظهار هذه النعمة العظمى واملرجو ان
يكون مربأ من مظنة العجب وكيف يكون فيه للعجب جمال واحلال ان نقصي وقبحي
الذاتيني نصب العني يف كل وقت بعناية هللا سبحانه والكماالت كلها منسوبة اليه تعاىل
احلمد هلل رب العاملني أوال وآخرا والصالة و السالم على رسوله دائما وسرمدا و على آله
الكرام وأصحابه العظام و السالم على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه
و على آله الصالة و السالم.
{املكتوب السادس والثالثون واملائتان اىل املخدوم زاده الشيخ ميان حممد
صادق قدس سره يف بيان بعض االسرار}
بعد احلمد والصلوات ليكن معلوما للولد االرشد انه قد فهم من مكتوبكم احملرر
يف شرح االحوال انه قد حصلت لكم مناسبة ابلوالية اخلاصة احملمدية على صاحبها
الصالة و السالم والتحية فشكرت هللا سبحانه على ذلك حق شكره وكنت متمنيا
حلصول هذه الدولة لكم من مدة مديدة فحينئذ كنت متوجها برجاء جذبكم اىل هذه
الدولة وبينا اان يف هذا الطلب اذ وجدتك داخال يف الوالية املوسوية اتفاقا فادخلتك يف
الوالية اخلاصة جاذاب لك من هناك هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك وحيث أدخلتك
يف هذه الوالية قسرا صرت اربيك اخذا يف كنفي وقد مر على ذلك ازيد من عشرين يوما
ولعله مل يكن معلوما لك من ضعف هذه النسبة وحيث حصلت هلا اآلن قوة يرجى ان
يكون معلوما لك ايضا وماذا اكتب من انعامات احلق سبحانه الفائضة على التواتر
والتوايل يف حق هذا العاصي {شعر}:
كاين بقعة فيها سحاب ال * ربيع ممطر ماء زالال
فلو يل الف السنة و اثين * هبا ما ازددت اال انفعاال
مث ان الولد االعز حممد سعيد كان قد اظهر احواله يف مكتوبه فرأيتها اصيلة جدا
مل حتصل هبذه اخلصوصية خال اانس قليلني من االصحاب واملرجو ان يشرفه احلق سبحانه
أيضا ابلوالية اخلا صة وولدي حممد معصوم قابل هلذه الدولة ابلذات بفضل هللا تعاىل
اخرجه هللا سبحانه من القوة اىل الفعل حبرمة حبيبه عليه و على آله الصالة و السالم.
{املكتوب السابع والثالثون واملائتان اىل املال حممد طالب يف الرتغيب يف
متابعة السنة السنية ومدح الطريقة العلية النقشبندية قدس هللا اسرارهم السنية}
- 361 -
ثبتنا هللا سبحانه على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم و
على آله الكرام وأصحابه العظام (ايها االخ) االرشد ان اكابر الطريقة العلية النقشبندية
قدس هللا اسرارهم التزموا متابعة السنة السنية واختاروا العمل ابلعزمية فان تشرفوا ابالحوال
واملواجيد مع هذا االلتزام واالختيار يعدوهنا نعمة عظيمة وان اعطوا االحوال واملواجيد
ووجدوا يف هذا االلتزام واالختيار فتورا ال يقبلون تلك االحوال وال يبغون تلك املواجيد
وال يرون يف ذلك الفتور شيئا سوي اخلذالن فان برامهة اهلنود وجوكيتهم وفالسفة اليوانن
هلم علوم كثرية من قسم التجليات الصورية واملكاشفات املثالية ولكن لَْيست هلا نتيجة
غري الفضيحة واخلذالن وليس هلم من نقد الوقت سوى املقت واحلرمان (وحيث) دخل
ذلك االخ بفضل هللا سبحانه يف سلك ارادة هوالء االكابر فالبد من التزام متابعتهم
واجتناب خمالفتهم ولو مقدار شعرة حت تكون منتفعا ومستفيدا من كماالهتم فالالزم أوال
تصحيح العقائد على وفق معتقدات أهل السنة واجلماعة كثرهم هللا سبحانه مث حتصيل
علم الفرض والواجب والسنة واملندوب واحلالل واحلرام واملكروه واملشتبه مما ذكر يف علم
الفقه والعمل مبقتضى هذه العلوم اثنيا مث تصل النوبة اىل علوم التصوف اثلثا وما مل يصح
هذان اجلناحان فالطريان اىل عامل القدس حمال فان حصلت االحوال واملواجيد بدون
حصول هذين اجلناحني ينبغي أن تعلم أن هالكك فيها وان تتربأ وتستعيذ منها {ع}:
هذا هو االمر والباقي خياالت
ما على الرسول اال البالغ وقدم أخي الشيخ ميان داود هناك ينبغي اغتنام صحبته
واالنقياد له فيما ينصح به أو يدل عليه فانه كثري الصحبة مبريدي هؤالء االكابر وتعلم
طريقتهم وسريهتم كما ينبغي وليغتنم االصحاب املوجودون هناك الداخلون يف هذه
الطريقة بواسطة املري نعمان صحبة املشار اليه وليكن اجتماعهم وجلوسهم يف حلقة
واحدة فانيا كل واحد يف اآلخر حت حتصل اجلمعية وترتقى املعاملة وينبغي أيضا التزام
مطالعة املكتوابت فاهنا انفعة {ع}:
دللتك اي هذا على كنز مقصد
- 362 -
و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله أمت
الصلوات وأكمل التسليمات.
{املكتوب الثامن والثلثون واملائتان اىل املري حممد نعمان يف احلث على تكثري
االخوان والتحذير عن العجب من أحوال املريدين وبيان ضرره وما يناسبه}
احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني و على آله الطيبني
الطاهرين أمجعني وصل املكتوب الشريف املرسل صحبة كس خواجه الرمحي وصار موجبا
لفرح وافر وحيث اندرج فيه أحوال مسرتشديكم ومريديكم ابلتفصيل زاد الفرح فان يف
االكثار من االخوان مبوجب أكثروا اخوانكم يف الدين رجاء كثريا وقوله تعاىل سنشد
عضدك أبخيك مؤيد هلذا املعن أيضا ولكن ينبغي أن يكون مطمح النظر وموقعه أحوال
نفسك وأعمالك وامللحوظ سكونك وحركتك لئال تكون ترقيات املريدين ابعثة على
توقف الشيوخ وحرارة املسرتشدين مورثة للربودة يف طلب املرشدين وهلذا ينبغي أن تكون
خائفا ووجال من هذا املعن وان ترى أحوال املريدين ومقاماهتم كالنمر واالسد فضال عن
ا ملفاخرة واملباهاة هبا لئال يفتح من هذا الطريق أبواب العجب بل ينبغي ان تكون ترقيات
املريدين حبكم احلياء شعبة من االميان ابعثة على احلياء واخلجالة واالنفعال وحرارة طلب
الطالبني موجبة للغرية والعربة وزايدة االشتغال وينبغي أيضا ان يكون رؤية قصور االعمال
واهتام النيات الزم الوقت وان يكون لسان احلال مرطواب من كلمة هل من مزيد وان كان
املتوقع من أوضاعكم احملمودة املقبولة أمثال هذه املعامالت ولكن صدر التأكيد واملبالغة
مبالحظة مكيدة اعداء الدين األمارة واللعني فال تقع الربودة يف حرارة التوجه اىل الطالبني
الن املقصود اجلمع بني هاتني الدولتني واالقتصار على أحديهما قصور وينبغي ان حيضر
اخلواجه الرمحي والسيد أمحد جملسكم وعليكم أيضا رعاية التوجه يف شأهنما على الوجه
االمت فان وفق املري عبد اللطيف ايضا للتوبة ينبغي ان متده لتحصل له االستقامة وكتبت
أيضا ان بعض الطالبني يريدون الطريقة القادرية ينبغي ان ال تعلم أحدا أصال طريقة غري
- 363 -
الطريقة النقشبندية حت ال يكون خلط بني الطريقتني واما لو طلبوا الكاله والشجرة فلك
أخذ املريد ولكن مرهم ابلصحبة و السالم عليكم و على سائر اصحابكم واحبابكم و
على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم.
اىل سبع مرات ومت فهم النقصان يف االقبال بعد اداء االستخارة فهو دليل على املنع وال
أبس يف تكرار االستخارة يف هذه الصورة أيضا بل التكرار أوىل وانسب يف مجيع التقادير
وأحوط يف االقدام واالحجام (وسألت) عن معن عبارة رسالة املبدأ واملعاد احملررة يف بيان
اجلسد املكتسب من الروح (أيها املخدوم) ان مباشرة الروح لالفعال املناسبة لالجسام امنا
هي بواسطة ذاك اجل سد املكتسب من الروح ومن هذا القبيل االمدادات الصادرة من
روحانية االكابر قدس هللا اسرارهم املناسبة لالجسام كاهالك االعداء ونصرة االحباء
بوجوه خمتلفة واحناء شت (وصدر) طلب االمان من فتنة الظلمة قد جعلك هللا بل تلك
البقعة حمفوظا من شر تلك الظلمة فكونوا متوجهني اىل جناب قدسه تعاىل وتقدس بفراغ
اخلاطر ونرجو ان ال يكون ذلك احلفظ موقتا بوقت ان ربك واسع املغفرة ولكن ينبغي
نصحية أهل تلك الداير وحتذيرهم عن تغيري وضع الصالح وارادة اخلري للمسلمني قال
هللا سبحانه ان هللا ال يغري ما بقوم حت يغريوا ما أبنفسهم و السالم.
{املكتوب االربعون واملائتان اىل الشيخ يوسف الربكي يف بيان عدم هناية هذا
الطريق وبعض فوائد كلمة ال اله اال هللا}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الرسالة املشتملة على
أحوالكم اخلري فصارت مطالعتها ابعثة على املسرة {ع}:
وكم يف العشق من عجب عجيب
و لكن ينبغي الرتقي من االحوال والوصول اىل حمول االحوال وهناك كله جهالة
ونكارة فان تيسر التشرف بعد ذلك ابملعرفة فحبذت الدولة وابجلملة ان كلما يدخل
حتت الرؤية واخليال فهو قابل للنفي وان كان ذلك شهود الوحدة يف الكثرة فان الكثرة ال
تسع تلك الوحدة والذي يرى فهو شبح تلك الوحدة ومثاله ال هي نفسها فاملناسب
حلالكم يف هذا الوقت تكرار كلمة ال اله اال هللا على وجه ال ترتك شيئا يدخل حتت العلم
واالدراك وينجر االمر اىل احلرية واجلهالة وتنتهي املعاملة اىل حد الفناء وما مل ينجر االمر
- 365 -
اىل احلرية واجلهل ال نصيب من الفناء وما حسبته فناء فهو معرب عنه ابلعدم ال الفناء فاذا
تيسر الوصول اىل اجلهل وحصل الفناء يوضع القدم على هذا الطريق وأين الوصل واىل
من االتصال {شعر}:
كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف
وأحوالك صحيحة ولكن التعدي والرتقي عنها الزم و السالم على من اتبع اهلدى
وبقية النصح االستقامة على الشريعة وتطبيق االحوال على االصول الشرعية فان ظهر
عياذا ابهلل سبحانه خالف الشريعة قوال وفعال ينبغي ان تعتقد ان فيه هالكك وهذا هو
طريق أرابب االستقامة و السالم.
{املكتوب احلادي واالربعون واملائتان اىل موالان حممد صاحل يف بيان ترقي
بعض االصحاب}
بعد احلمد والصالة ليكن معلوما الخي االرشد ان أحوال هذه احلدود مستوجبة
للحمد واالصحاب املوجودون هنا يف فرح وسرور خصوصا موالان حممد صديق فانه
تشرف يف هذه االايم بعناية هللا سبحانه ابلوالية اخلاصة والتحقق ابالسم الكلي مرتقيا من
االسم اجلزئي ونظره مع ذلك اىل فوق وعساه ان مييل اىل الرجوع بعد حتصيل نصيب وافر
من هناك وهللا خيتص برمحته من يشاء وينبغي لك ان تكتب أحوالك وأحوال االصحاب
الذين دخلوا يف الطريقة والذين يدخلون اآلن وان تقيم هناك أايما و السالم.
{املكتوب الثاين واالربعون واملائتان اىل املال بديع الدين يف جواب أسئلته}
و بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليكن معلوما الخي االعز ان الدرويش
كمال بلّغ الصحيفة الشريفة فصارت موجبة للفرح واندرج فيها بيان رؤية القصور واهتام
النيات يف االعمال فاتضح واملسئول من هللا سبحانه مزيد هذه الرؤية واملطلوب منه تعاىل
- 366 -
امتام هذا االهتام فان كال هذين األمرين من مالك األمور يف هذا الطريق وسئلت أيضا ان
االشتغال بذكر اسم الذات اىل مت وكم حجب ترفع من املداومة على هذا االسم وهناية
النفي واالثبات اىل أي حد وماذا حيصل من مثرات هذه الكلمة وكم حجب ترتفع هبا
(اعلم ) ان الذكر عبارة عن طرد الغفلة وملا كان الظاهر البد له من الغفلة يف االبتداء
واالنتهاء كان الظاهر حمتاجا اىل الذكر يف مجيع االوقات ابلضرورة غاية ما يف الباب ان
االنفع يف بعض االوقات ذكر اسم الذات واالنسب يف وقت آخر ذكر النفي واالثبات
بقيت معاملة الباطن فهناك أيضا البد من الذكر اىل ان ترتفع الغفلة ابلكلية والفرق بني
املبتدي واملنتهى يف لزوم الذكر هو ان هذين الذكرين متعينان يف االبتداء واما يف التوسط
واالنتهاء فال بل اذا حصل طرد الغفلة بتالوة القرآن أو اداء الصالة جاز االكتفاء هبما
ولكن تالوة القرآن مناسبة حلال املتوسطني واداء صالة النوافل مناسب حلال املنتهيني
(ينبغي) أن يعلم ان حضور احلق سبحانه ان كان مبالحظة االمساء والصفات فهو داخل
يف الغفلة عند املتوجهني اىل االحدية اجملردة وان كان ذلك احلضور دائما فينبغي طرد هذه
الغفلة أيضا والسري اىل ما وراء الوراء {شعر}:
و ال تستقل هجر احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف العني ضائر
وكتبت ما ظهر من الوقائع وقد كنت كتبت قبل هذا ان امثال ذلك مبشرات وما
جاء وقت ظهورها بعد فانتظر واشتغل {شعر}:
و السالم. كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف
{املكتوب الثالث واالربعون واملائتان اىل املال أيوب احملتسب يف الرتغيب يف
الطريقة النقشبندية العلية}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليكن معلوما الخي االعز أنك قد طلبت
النصائح دفعات يف مكاتيب متعددة ولكن مل يقدم هذا احلقري على اجابة ذلك املسؤل
نظرا اىل قبح أحوال نفسه وحيث تكرر الطلب أردت أن أكتب ابلضرورة فقرات غري
- 367 -
مرتبطة (فاستمع واعلم) ان الالزم لالنسان الذي البد منه واملكلف به امتثال االوامر
واالنتهاء عن املناهي وما آ اتكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه فانتهوا شاهد هلذا املعن
وحيث كان مأمورا ابالخالص كما قال تعاىل اال هلل الدين اخلالص وهو ال يتصور بدون
الفناء واحملبة الذاتية فال جرم كان سلوك طريق الصوفية احملصلة للفناء أيضا ضروراي
لتتحقق حقيقة االخالص وحيث كانت طرق التصوف يف مراتب الكمال والتكميل
متفاوتة كان األوىل واالنسب لالختيار طريق يكون ملتزما ملتابعة السنة وأوفق ابتيان
االحكام الشرعية وذلك الطريق هو طريق اكابر النقشبندية قدس هللا اسرارهم العلية فان
هؤالء االكابر التزموا يف هذا الطريق السنة واجتنبوا البدعة حبيث ال جيوزون العمل
ابلرخصة مهما امكن وان وجدوها انفعة يف الظاهر والباطن وال يرتكون العمل ابلعزمية وان
علموا اهنا مضرة ابلصورة يف السرية واهنم جعلوا االحوال واملواجيد اتبعة لالحكام الشرعية
واعتقدوا االذواق واملعارف خادمة للعلوم الدينية االصولية والفرعية ال يستبدلون اجلواهر
النفيسة الدينية جبوز الوجد وموز احلال مثل االطفال وال يغرتون برتهات الصوفية وال
يفتنون وال يعدلون من النصوص اىل الفصوص وال يلتفتون اىل الفتوحات املكية اتركني
للفتوحات املدنية ومن ههنا كان حاهلم على الدوام ووقتهم على االستمرار وتالشت
نقوش السوي يف جلة بواطنهم على هنج لو تكلفوا يف استحضار السوي الف سنة ال
يتيسر والتجلي الذايت الذي هو لغريهم كالربق دائمي هلؤالء الكرباء واحلضور الذي يف
قفاه غيبة وغفلة ساقط عندهم عن حيز االعتبار رجال ال تلهيهم جتارة وال بيع عن ذكر
هللا بيان حلاهلم ومع ذلك كله أن طريقهم أقرب الطرق وموصل ألبتة وهناية غريهم مندرجة
يف بدايتهم ونسبتهم اليت هي منسوبة اىل الصديق رضي هللا عنه فوق مجيع نسب املشائخ
ولكن ال يدرك فهم كل أحد مذاق هؤالء االكابر بل يكاد القاصرون من هذه الطريقة
العلية أيضا ينكرون على بعض كماالهتم {شعر}:
ان عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم من افحش الكلم
قال شاعر العرب يعين الفرزدق {شعر}:
- 368 -
{املكتوب الرابع واالربعون واملائتان اىل املال حممد صاحل الكواليب يف جواب
كتابه}
وصل املكتوب من اخي االرشد اخلواجه حممد صاحل وكتب فيه من خرابية احواله
املرجو أن تكون االحوال أشد خرااب من ذلك وهناية تلك اخلرابة مندرجة يف مكتوب حمرر
ابسم ولدي االرشد يف هذه االايم ينبغي االطالع عليها طلبا منه فان تبني لكم ان
اقامتكم هناك اايما تكون سببا جلمعية االصحاب ينبغي مكث أايم اخر هناك ان علمتم
فيه خريا او صالحا وهذا الفقري أيضا يريد يف هذه االوقات سفر دهلي واالستخارات
والتوجهات بواعث على هذا السفر وفوض هذا احملل اىل ولدي االرشد عناية له وجعل
يف قبضة واليته والفقري قاعد هناك كاملسافر الغريب يف واليته واالصحاب الذين دخلوا يف
الطريقة خمصوصون ابلدعوات املتوافرة خصوصا السيد مرتضى وموالان شكر هللا والسيد
نظام ويبلغ ولدي اخلواجه حممد صادق وسائر االخوان اايكم وسائر االخوان الدعاء.
- 369 -
بل قال ما قال وكتب ما كتب على وجه العلم والتقليد بل مل أيخذ هو حظا وافرا من
االسالم اجملازي ايضا بل بقي يف اخلرافات الفلسفية حت كفره االمام الغزايل واحلق أن
اصوله الفلسفية منافية لالصول االسالمية وايضا ان زمان الشيخ ايب سعيد مقدم على
زمان عني القضاة بكثري فكيف يكتب اليه فان بقيت شائبة االشتباه يستفسر عنه يف
احلضور و السالم.
{املكتوب السادس واالربعون واملائتان اىل املري حممد نعمان يف بيان حصول
مقام كان يتوقعه ويرتصده يف بيان مراتب الكمال والتكميل وبيان وجه فقدان
التوفيق الذي يطرأ يف بعض االوقات}
الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
و آله وأصحابه الطاهرين أمجعني أورثت الصحائف الشريفة الواصلة متوالية ومتواترة افراحا
متوافرة ومل يوجد من يتوجه اىل تلك احلدود حت نكتب جواب كل منها على عدة
فاملرجو مساحمتكم وبعد وصول مكتوب صحبة املري داد كنت يوما قاعدا يف حلقة مع
االصحاب بعد صالة الصبح فظهر توجه مين اىل جانبكم بال قصد وصرت يف صدد رفع
بقااي اآل اثر اليت وقع النظر عليها وكنت مشتغال بكمال االهتمام بدفع الظلمات
والكدورات احملسوسة حت صار هالل كمالكم بدر التمام وانعكس على ذلك البدر ما
اودع يف مشس اهلداية حت مل يبق يف جانب الكمال شئ متوقع ومنتظر اال ان نتسع
االطراف بعد ذلك وأيخذ بقدر وسعته شيئا فشيئا وادمت النظر اىل صورة هذا املعن
املثالية زماان طويال اىل أن حصل اليقني بصدقه احلمد هلل سبحانه على ذلك وحصول
هذه الدولة هو أتويل تلك الواقعة اليت رأيتها وسئلت حصوهلا ابملبالغة والتأكيد هلل
سبحانه احلمد واملنة قد حصل مقصودكم ابلتمام وجنز املوعود وويف ابلعهود ونرجو أن
حيصل التكميل على مقدار هذا الكمال وينور اطراف تلك احلدود من وجودكم الشريف
وكتبت شكاية من فقدان التوفيق والظاهر أن سببه قبض مفرط وحيث كان قبضكم
- 371 -
مفرطا وطويل الذيل يكون مسببه ايضا طويال على قدر سببه ومع ذلك ينبغي ان تكلف
نفسك ابتيان االعمال واداء العبادات وان تكون على ذلك ابلتعمل (وقد) صدر يف هذه
السنة علوم عالية ومعارف سامية استصحب موالان حممد أمني من مجلتها مسودتني
احديهما يف حل شرح بعض رابعيات شيخنا قدس سره كتبته حني قراءة االصحاب
الفريوزآابديني اايها واندرج يف هذه الرسالة علوم التوحيد مبناسبة ما اندرجت يف تلك
الرابعيات وحصل فيها التطبيق بني ما ذهب اليه العلماء وما حققه الصوفية القائلون
بوحدة الوجود وحررت هذه املسئلة على هنج كان نزاع الفريقني راجعا اىل نزاع لفظي
واثنيتهما من تينك املسودتني مكتوب حرر اىل ولدي االرشد ابلبسط واالطناب يعرف
علو درجة تلك العلوم وقت املطالعة فان بقي أمر منه يستفسر عنه.
{املكتوب السابع واالربعون واملائتان اىل العارف املرزا حسام الدين امحد يف
بيان ان الدليل على وجود احلق سبحانه هو عني وجود احلق سبحانه ال غري وما
يناسبه}
عرفت ريب بفسخ العزائم ال بل عرفت فسخ العزائم بريب جل وعال فانه سبحانه
الدليل على ما سواه ال العكس فان الدليل أظهر من املدلول وأي شئ أظهر منه سبحانه
الن االشياء امنا ظهرت به ومنه سبحانه و تعاىل فهو الدليل على نفسه و على ما سواه
فال جرم عرفت ريب بريب وعرفت االشياء به تعاىل فالربهان ههنا ملي وزعم االكثر انه أين
والتفاوت بتفاوت النظر واالختالف ابختالف النظر بل ال جمال لالستدالل والربهان مثة
اذ ال خفاء يف وجوده سبحانه وال ريب يف ظهوره تعاىل فهو أجلى البديهيات وما خفي
ذلك على أحد االّ ملرض يف قلبه وغشاوة على بصره واالشياء حمسوسة ابحلواس الظاهرة
ومعلوم أن وجودها منه تعاىل وتقدس وفقدان هذا العلم يف البعض بواسطة عروض املرض
ال يضر يف املطلوب و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى
عليه و على آله الصالة و السالم.
- 372 -
{املكتوب الثامن واالربعون واملائتان اىل العايل اجلناب املرزا حسام الدين أمحد
ايضاً يف بيان ان لكمل اتباع االنبياء عليهم السالم نصيباً من مجيع كماالهتم ابلتبعية
وانه ال يبلغ ويل قط درجة نيب من االنبياء وبيان معىن قوهلم ان التجلي الذايت
خمصوص بنبينا عليه الصالة و السالم وغريه}
احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدان هللا لقد جائت رسل ربنا
ابحلق صلوات هللا وسالمه سبحانه عليهم و على اتباعهم واعواهنم وخزينة أسرارهم اعلم
ان كمل اتباع االنبياء عليهم السالم جيذبون اىل انفسهم من جهة كمال املتابعة وفرط
احملبة بل مبحض العناية واملوهبة مجيع كماالت أنبيائهم املتبوعني وينصبغون بلوهنم ابلكلية
حت ال يبقى فرق بني املتبوع والتابع اال ابالصالة والتبعية واالولية واآلخرية ومع ذلك ال
يبلغ اتبع نيب قط وان كان من اتباع أفضل الرسل مرتبة نيب أصال ولو كان من أدون
االنبياء وهلذا يكون رأس الصديق رضي هللا عنه الذي هو أفضل البشر بعد االنبياء عليهم
السالم حتت قدم نيب أسفل من مجيع االنبياء دائما ومن ههنا كانت مبادئ تعينات
االنبياء وأرابهبم من مقام االصل ومبادئ تعينات االمم من االعايل واالسافل وأرابهبم من
مقامات ظالل ذلك االصل على تفاوت الدرجات فكيف تتصور املساواة بني االصل
والظل قال هللا تبارك و تعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني اهنم هلم املنصورون وان
جندان هلم الغالبون وما قيل ان التجلي الذايت خمصوص من بني االنبياء خبامت الرسل عليه
وعليهم الصالة و السالم ولكمل اتباعه صلّى هللا عليه و سلّم نصيب من ذلك التجلي
ليس معناه ان التجلي الذايت ال نصيب منه لألنبياء سواه وان منه نصيبا لكمل اتباعه
ابلتبعية حاشا وكال من ان يتصور هذا املعن فان فيه اثبات املزية لألولياء على االنبياء
عليهم السالم بل معناه ان حصول التجلي لغريه صلّى هللا عليه و سلّم بتطفله وتبعيته
عليه الصالة و السالم فحصوله لالنبياء بتطفله صلّى هللا عليه و سلّم ولكمل اتباعه
بتبعيته عليه الصالة و السالم فاالنبياء جلساؤه عليه وعليهم الصالة و السالم على خوان
- 373 -
هذه النعمة العظمى املخصوصة به بتطفله صلّى هللا عليه و سلّم واالولياء خدامه النائلون
للحصة منها وشتان بني اجللساء املتطفلني واخلادمني النائلني للحصة وهذا املقام من مزال
االقدام وقد ذكرت يف مكاتييب ورسائلي يف حتقيق هذه الشبهة وجوها شت واحلق ما
حققت يف هذه املسودة بفضل هللا وكرمه سبحانه و تعاىل (واعلم) ان سائر االنبياء
عليهم السالم وان كان هلم نصيب وافر من هذا التجلي بتطفله عليه الصالة و السالم
ولكن يظهر ان هذه الوالية اخلاصة مل تسر اىل أولياء اممهم ومل يكن هلم حظ وافر من هذا
التجلي فان حصول هذه الدولة الصوهلم اذا كان بطريق التطفل واالنعكاس فماذا حيصل
للفروع بطريق عكس العكس ومصداق هذا املعن الكشف الصريح ال االستدالل العقلي
وما ذكر سابقا من أن كمل االتباع جيذبون كماالت املتبوعني ابلتمام فاملراد به الكماالت
االصلية للمتبوعني ال مطلقا حت يتحقق التناقض بل هم حمتظون من والية خمصوصة
بنبيهم ابلتبعية وهذه االمة خمصوصة من بني االمم هبذا التجلي ابلتبعية ومشرفة هبذه
الدولة العظمى وهلذا كانت خري االمم وكان علماؤها كأنبياء بين اسرائيل ذلك فضل هللا
يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم وقد أردت أن أكتب نبذة من فضائل هذه الوالية
اخلاصة وخصائصها ولكن مل يساعد الوقت ذلك لضيقه ومل يف الورق ويفاض العلوم
واملعارف بعناية هللا سبحانه مثل مطر الربيع وحيصل االطالع على عجائب وغرائب
وحمارم هذه االسرار أوالدي الكرام على قدر االستعداد وبقية االصحاب اايما يف احلضور
واايما يف الغيبة ولذا قيل الويل وان كان وليا ال يبلغ مرتبة صحايب وشوق نيل املالزمة فوق
احلد وقد تشرفت بورود الصحيفة الكرمية املرسلة اىل هذا احلقري اعلم ان رؤية القصور يف
االعمال من أجل النعم واما االقتصاد يف االحوال فمحمود يف مجيع االمور واالفعال
واالفراط كالتفريط خارج عن حد االعتدال و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى
والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم.
{املكتوب التاسع واالربعون و املائتان اىل املرزا داراب يف فضائل اتباع النيب
- 374 -
( )1لو كان موسى اخل رواه امحد والبيهقي يف الشعب عن جابر رضي هللا عنه
- 375 -
ا لفرح فوق وجدان الذوق والفرح الن النسبة كلما تنجر اىل اجلهالة وتنتهي اىل احلرية
وتتباعد عن اجلسد تكون اصيلة وأقرب اىل حصول املطلوب فانه ال جمال يف ذلك املوطن
لغري العجز واجلهل ويعرب عن هذا اجلهل ابملعرفة ويسمى هذا العجز ادراكا (وكتبت)
أيضا ان أتثري تلك ال نسبة الذي كان اوال مل يبق اآلن نعم مل يبق التأثري اجلسدي وأما
التأثري الروحي فقد زاد وان مل يدركه كل أحد وقد كانت مدة صحبتكم هبذا الفقري قليلة
جدا وذكر العلوم واملعارف أيضا كان قليال فان كان هللا سبحانه أراد ثبوت الصحبة
حتصل املصاحبة أايما واستفسرت ايضا عن فرضية احلج والذهاب اىل مكة مع وجود الزاد
والراحلة يف هذا الزمان وعدمه (أيها املخدوم) ان يف الرواايت الفقهية اختالفات كثرية يف
هذا الباب واملختار يف هذه املسئلة فتوى الفقيه أيب الليث حيث قال فان كان الغالب
االمن وعدم اهلالك يف الطريق فالفرضية اثبتة واال فال ولكن هذا الشرط شرط وجوب
األداء ال شرط نفس الوجوب كما هو الصحيح فتكون الوصية ابالحجاج يف هذه الصورة
واجبة وملا مل يساعد الوقت جواب استفساراتكم األخرى اخرانه اىل وقت آخر و السالم.
النبوة هبما مناسبة لسيدان موسى على نبينا وعليه الصالة و السالم وبذي النورين مناسبة
يف كال الطرفني لسيدان نوح صلوات هللا وتسليماته على نبينا وعليه وبسيدان علي كرم هللا
وجهه مناسبة يف كال الطرفني لسيدان عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم وحيث
كان عيسى روح هللا وكلمته كان طرف واليته غالبا على جانب نبوته وطرف الوالية
غالب أيضا يف علي كرم هللا وجهه هبذه املناسبة ومبادئ تعينات اخللفاء األربعة صفة
العلم على اختالف اجلهات امجاال وتفصيال وهذه الصفة ابعتبار االمجال رب حممد
وابعتبار التفصيل رب اخلليل وابعتبار الربزخية بني االمجال والتفصيل رب نوح عليهم
الصالة و السالم كما ان رب موسى صفة الكالم ورب عيسى صفة القدرة ورب آدم
صفة التكوين عليهم السالم (ولنرجع) اىل أصل الكالم ونقول ان الصديق والفاروق مها
حامال ثقل النبوة احملمدية على اختالف املراتب وعليا كرم هللا وجهه بواسطة مناسبته
لعيسى وغلبة جانب واليته حامل ثقل الوالية احملمدية وذا النورين ابعتبار برزخيته قيل انه
حامل كال الطرفني وميكن أن يكون اطالق ذي النورين عليه هبذا االعتبار أيضا وحيث
قالوا ان الشيخني حامال ثقل النبوة تكون مناسبتهما مبوسى عليه السالم ازيد الن مقام
الدعوة اليت هي انشئة من مرتبة النبوة أمت وأكمل فيه من بني االنبياء بعد نبينا عليه
وعليهم الصالة و السالم وكتابه أفضل الكتب املنزلة بعد القرآن اجمليد وهلذا تكون امته
أكثر من يدخلون اجلنة من بني االمم املتقدمني وان كانت شريعة ابراهيم وملته أفضل من
مجيع الشرائع وامللل وهلذا امر أفضل الرسل مبتابعة ملته مث اوحينا اليك أن اتبع ملة ابراهيم
حنيفا شاهد هلذا املعن واملهدي املوعود ايضاربه صفة العلم وبه مناسبة لعيسى مثل علي
وكان احدى قدمي عيسى على رأس علي واألخرى على رأس املهدي (اعلم) أن والية
موسى وقعت على ميني الوالية احملمدية والوالية العيسوية على يسارها وملا كان علي
املرتضى حامل ثقل الوالية كان اكثر سالسل االولياء منتسبا اليه وظهرت كماالته الكثر
االولياء العظام املختصني بكماالت الوالية ازيد وأكثر من كماالت الشيخني فلوال امجاع
أهل السنة على أفضلية الشيخني حلكم كشف اكثر االولياء العظام ابفضلية علي املرتضى
- 377 -
الن كماالت الشيخني تشبه كماالت االنبياء عليهم الصالة و السالم وادراك ارابب
الوالية قاصر عن الوصول اىل ذيل هذه الكماالت وكشف ارابب الكشوف بواسطة علو
درجاهتم ابق يف الطريق غري واصل اليهم وكماالت الوالية كاملطروح يف الطريق يف جنب
هذه الكماالت امنا هي مدارج ومعارج للعروج اىل كماالت النبوة فكيف يكون
للمقدمات خرب عن املقاصد وماذا يكون شعور املبادئ ابملطالب وهذا الكالم وان كان
ثقيال على االكثرين بواسطة بعد عهد النبوة وبعيدا عن القبول ولكن ماذا نصنع
{شعر}:
قد امسكوين ورى املرأى كدرهتم * اقول ما قال يل استاذي االزيل
ولكن هلل سبحانه احلمد واملنة اين متفق يف هذا القيل والقال مع علماء أهل السنة
واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم وقويل موافق ابمجاعهم وجعل استدالليهم كشفيا يل
وامجاليهم تفصيليا وهذا الفقري ما مل يصل اىل كماالت مقام النبوة مبتابعة نبيه ومل حيصل له
نصيب اتم من تلك الكماالت مل يطلع على فضائل الشيخني بطريق الكشف ومل يهتد
اىل سبيل غري التقليد احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد
جائت رسل ربنا ابحلق (قال) شخص يوما قد كتب يف الكتب ان اسم علي املرتضى
مكتوب على ابب اجلنة فوقع يف اخلاطر أنه ماذا يكون حلضرة الشيخني من خصائص
ذلك املوطن فظهر بعد التوجه التام أن دخول هذه االمة اىل اجلنة امنا يكون ابذن هذين
الشيخني اجلليلني وجتويزمها وكان الصديق قائم على ابب اجلنة وأيذن للناس ابلدخول اىل
اجلنة والفاروق يدخلهم اجلنة آخذا أبيديهم وكان مشهودا ان اجلنة بتمامها مملوءة بنور
الصديق ويف نظر هذا احلقري ان للشيخني شأان على حدة فيما بني االصحاب ودرجة
ممتازة منفردة كاهنا مل يشاركهما فيها احد وكان الصديق يف بيت واحد مع النيب صلّى هللا
عليه و سلّم فان كان التفاوت فامنا هو ابلعلو والسفل والفاروق ايضا مشرف هبذه الدولة
بتطفل الصديق ونسبة سائر الصحابة اليه صلّى هللا عليه و سلّم نسبة املساكنة يف خان
واحد او يف بلدة واحدة فما يكون حظ سائر اولياء االمة {ع}:
- 378 -
( )1قوله لو كان بعدي نيب اخل رواه امحد والرتمذي وقال حسن غريب وابو يعلى والطرباين والبيهقي واحلاكم وابو نعيم
يف فضائل الصحابة عن عقبة بن عامر رضي هللا عنه والطرباين ايضا عن عصمة بن مالك رضي هللا عنه
- 379 -
و سلّم حي أفضل امة النيب صلّى هللا عليه و سلّم بعده أبو بكر مث عمر مث عثمان رضي
هللا عنهم ومن قال ان الوالية أفضل من النبوة فهو من أرابب السكر ومن االولياء غري
املرجوعني الذين ليس هلم نصيب وافر من كماالت مقام النبوة ولعل نظركم وقع على ما
حققه هذا الفقري يف بعض رسائله من أن النبوة أفضل من الوالية وان كانت والية النيب
واحلق هو هذا فمن قال خبالف ذلك فهو من جهالة كماالت مقام النبوة كما مر آنفا
ومن امل علوم ان سلسلة النفشبندية منتسبة من بني سالسل سائر االولياء اىل الصديق
رضي هللا عنه فتكون نسبة الصحو غالبة فيهم وتكون دعوهتم امت وتظهر كماالت
الصديق هلم اكثر وازيد وتكون نسبتهم فوق نسب سائر السالسل ابلضرورة فماذا يدرك
غريهم من كماالهتم وماذا حيسون من حقيقة معاملتهم وال اقول ان مجيع مشائخ
النقشبندية سواسية يف هذه املعاملة كيف بل لو وجد من الوف على هذه الصفة يكون
غنيمة واظن املهدي املوعود الذي ابكملية الوالية معهود يكون على هذه النسبة ويتم
هذه السلسلة العلية ويكملها فان نسبة مجيع الوالايت دون هذه النسبة العلية الن سائر
الوالايت قليلة النصيب من كماالت مرتبة النبوة وهذه الوالية هلا حظ وافر منها بواسطة
االنتساب اىل الصديق كما مر آنفا {ع}:
وشتان ما بني الطريقني اي خلي
(ايها االخ) ان االمام عليا كرم هللا وجهه ملا كان حامال لثقل الوالية احملمدية على
صاحبها الصالة و السالم والتحية كان تربية مقام االقطاب واالواتد واالبدال الذين هم
من أولياء العزلة وغلب فيهم جانب كماالت الوالية مفوضة اىل امداده واعانته ورأس
قطب االقطاب الذي هو قطب املدار حتت قدمه وجيري أمره وحيصل مهمه حبمايته
ورعايته وخيرج به عن عهدة مداريته والسيدة فاطمة و ابناها االمامان رضي هللا عنهم هم
ايضا شركاؤه يف هذا املقام (واعلم) ان أصحاب النيب عليه وعليهم الصالة و السالم كلهم
كرباء عظماء ينبغي أن يذكر كلهم ابلتعظيم روى اخلطيب عن أنس رضي هللا عنه قال
قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان هللا اختارين واختار يل أصحااب واختار يل منهم
- 380 -
أصهارا وأنصارا فمن حفظين فيهم حفظه هللا ومن آذاين فيهم آذاه هللا وروى الطرباين عن
ابن عباس رضي هللا عنهما ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال من سب أصحايب
فعليه لعنة هللا واملالئكة والناس أمجعني وروى ابن عدي عن عائشة رضي هللا عنها قال
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان شرار أميت أجرأهم على أصحايب وما وقع بينهم من
املنازعات واحملارابت ينبغي صرفها ومحلها على حمامل حسنة وابعادهم عن اهلوى
والتعصب فان تلك املخالفات كانت مبنية على االجتهاد والتأويل ال على اهلوى واهلوس
كما ان مجهور أهل السنة على ذلك (ولكن) ينبغي أن يعلم ان خمالفي االمام علي رضي
هللا عنه كانوا على اخلطإ وكان احلق يف جانبه ولكن ملا كان هذا اخلطأ خطأ اجتهاداي كان
صاحبه بعيدا عن املالمة ومرفوعا عنه املاؤخذة كما نقل شارح املواقف عن اآلمدي ان
وقعة اجلمل والصفني كانت على وجه االجتهاد وصرح الشيخ ابو شكور الساملي يف
التمهيد ان اهل السنة واجلماعة ذاهبون اىل ان معاوية مع طائفة من الصحابة الذين كانوا
معه كانوا على اخلطإ وكان خطاؤهم اجتهاداي وقال الشيخ ابن حجر يف الصواعق ان
منازعة معاوية لعلي رضي هللا عنهما كانت على وجه االجتهاد وجعل هذا القول من
معتقدات أهل السنة وما قال شارح املواقف من أن كثريا من أصحابنا ذهبوا اىل أن تلك
املنازعة مل تكن على وجه االجتهاد فمراده من االصحاب أي طائفة هو فان أهل السنة
حاكمون خبالف ذلك كما مر وكتب القوم مشحونة ابلقول ابخلطإ االجتهادي كما
صرح به الغزايل والقاضي أبو بكر وغريمها فال جيوز تفسيق خمالفي االمام علي و تضليلهم
قال القاضي يف الشفاء قال مالك رضي هللا عنه من شتم أحدا من أصحاب النيب صلّى
هللا عليه و سلّم أاب بكر وعمر وعثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص رضي هللا عنهم فان
قال كانوا على ضالل وكفر قتل وان سبهم بغري هذا من مشامتة الناس نكل نكاال شديدا
فال يكون حماربوا علي كفرة كما زعمت الغالة من الرفضة وال فسقة كما زعم البعض
ونسبه شارح املوافق اىل كثري من اصحابه كيف وقد كانت الصديقة وطلحة والزبري من
الصحابة منهم وقد قتل طلحة والزبري يف قتال اجلمل مع ثالثة عشر ألفا من القتلى قبل
- 381 -
خروج معاوية فتضليلهم وتفسيقهم مما ال جيرتئ عليه مسلم اال أن يكون يف قلبه مرض
ويف ابطنه خبث وما وقع يف عبارة بعض[ ]1الفقهاء من اطالق لفظ اجلور يف حق معاوية
حيث قال كان معاوية اماما جائرا فمراده ابجلور عدم حقية خالفته يف زمن خالفة علي
ال اجلور الذي مآله فسق وضاللة ليكون موافقا القوال أهل السنة واجلماعة ومع ذلك
جيتنب أرابب االستقامة أتيان االلفاظ املومهة خالف املقصود وال جيوز الزايدة على القول
ابخلطإ كيف يكون جائرا وقد صح أنه كان اماما عادال يف حقوق هللا سبحانه وحقوق
املسلمني كما يف الصواعق وقد زاد موالان عبد الرمحن اجلامي قدس سره يف قوله خطأ
منكرا يعين زاد على ما عليه اجلمهور وكلما زاد على لفظ اخلطإ فهو خطأ وما قال بعده
فان كان هو مستحقا للعن اخل فهو أيضا غري مناسب له أين حمل الرتديد وأين حمل
االشتباه فان قال هذا الكالم يف حق يزيد فله وجه ومساغ وأما قوله ذلك يف حق معاوية
فشنيع وقد ورد يف االحاديث النبوية ابسانيد الثقات ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم دعي
ملعاوية اللهم[ ]2علمه الكتاب واحلساب وقه العذاب وقال يف حمل آخر من دعائه
اللهم[ ]3اجعله هاداي مهداي ودعاؤه عليه الصالة و السالم مقبول والظاهر ان هذا الكالم
أمنا صدر عن موالان بطريق السهو والنسيان وأيضا أنه مل يصرح ابسم أحد يف تلك
االبيات بل قال وصحايب آخر وهذه العبارة أيضا تنبئ عن الشناعة ربنا ال تؤاخذان ان
نسينا أو أخطأان وما نقل عن االمام الشعيب من ذم معاوية وأنه ابلغ يف مذمته وأوصلها
اىل ما فوق الفسق مل يبلغ مرتبة الثبوت واالمام االعظم من تالمذته فعلى تقدير صدق
( )1هو صاحب اهلداية وعبارته فان الصحابة تقلدوا القضاء من معاوية مع ان احلق كان بيد علي يف نوبته انتهى وقوله
يف نوبته قيد لتقلدوا ولكن احلق يف يد على فيدل على انه على احلق بعد نوبة علي وامنا كان جوره يف نوبة علي فان
احلق ملا كان يف يد علي كان بيد خمالفه اجلور الذي هو ضد احلق فال غبار يف هذه العبارة وليس فيه وصف معاوية
ابجلور بل امنا اخذوا ذلك من تعليل قوله وجيوز تقلد القضاء من امام عادل وجائر بقوله فان الصحابة اخل عفي عنه.
( )2رواه حم ع طب عن عرابض بن سارية رضي هللا عنه واحلسن بن سفيان واحلسن بن عرفة والبغوي وابن قانع حل
كر عن احلرث عد كر عن ابن عباس طس طب بلفظ اللهم علم معاوية احلديث
( )3رواه الرتمذي عن عبدالرمحن بن ايب عمرة رضي هللا عنه.
- 382 -
هذا القول لكان هو أحق بنقله وحكم االمام مالك الذي هو من تبع التابعني ومعاصره
بقتل شامت معاوية وعمرو بن العاص كما مر آنفا فان كان هو مستحقا للشتم فلم حكم
بقتل شامته فعلم أنه اعتقد شتمه من الكبائر فحكم بقتل شامته وأيضا أنه جعل شتمه
كشتم أيب بكر وعمر وعثمان كما مر سابقا فال يكون معاوية مستحقا للشتم والذم
(أيها االخ) ان معاوية ليس وحده يف هذه املعاملة بل كان نصف االصحاب الكرام
ختمينا شريكا له فيها فان كان حماربوا علي كفرة أو فسقة زال االعتماد عن شطر الدين
جيوز ذلك اال زنديق مقصوده ابطال الدين (أيها االخ)
الذي بلغنا من طريق تبليغهم وال ّ
ان منشأ ااثرة هذه الفتنة هو قتل عثمان رضي هللا عنه وطلب القصاص من قتلته فان
طلحة وزبريا امنا خرجا أوالِ من املدينة بسبب أتخري القصاص ووافقتهم الصديقة يف هذا
االمر فوقع حرب اجلمل اليت قتل فيها ثالثة عشر ألفا من الصحابة وقتل فيها طلحة
والزبري اللذان مها من العشرة املبشرة مث خرج معاوية من الشام وصار شريكا هلم فوقع
حرب الصفني صرح االمام الغزايل ان تلك املنازعة مل تكن ألمر اخلالفة بل كانت
الستيفاء القصاص يف بدإ خالفة علي وعد ابن حجر هذا القول من معتقدات أهل
السنة وقال الشيخ أبو شكور الساملي الذي هو من اكابر علماء احلنفية ان منازعة معاوية
لعلي كانت يف أمر اخلالفة فان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال ملعاوية اذا[ ]1ملكت
الناس فارفق هبم فحصل ملعاوية الطمع يف اخلالفة من هذا الكالم ولكن كان هو خمطئا
يف هذا االجتهاد و علي حمق فيه فان الوقت كان وقت خالفة علي والتوفيق بني هذين
القولني هو ان منشأ املنازعة ميكن ان يكون أوال أتخري القصاص مث بعد ذلك يقع يف
طمع اخلالفة و على كل االجتهاد واقع يف حمله فان خمطئا فدرجة واحدة من الثواب
وللمحق درجتان بل عشر درجات (أيها األخ) ان الطريق االسلم يف هذا املوطن
السكوت عن ذكر مشاجرات اصحاب النيب صلى هللا عليه و على آله الصالة و السالم
( )1رواه مسلم وابن ايب شيبة يف املصنف والطرباين يف الكبري هبذا اللفظ وامحد عن ايب هريرة بلفظ ان وليت امرا فاتق
هللا واعدل.
- 383 -
[]1
وما شجر بني واالعراض عن ذكر منازعتهم قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم اايكم
اصحايب وقال أيضا اذا[ ]2ذكر اصحايب فامسكوا وقال أيضا عليه ا لصالة و السالم هللا
هللا[ ]3يف اصحايب ال تتخذوهم غرضا يعين أحذروا هللا واتقوه يف حق اصحايب وال
جتعلوهم هدفا لسهم مالمتكم وطعنكم قال االمام الشافعي وهو منقول عن عمر بن عبد
العزيز ايضا تلك دماء طهر هللا عنها أيدينا فلنطهر عنها ألسنتنا ويفهم من هذه العبارة
أنه ال ينبغي اجراء خطائهم على اللسان أيضا وان يذكرهم بغري اخلري هذا ويزيد البعيد
عن السعادة من زمرة الفسقة والتوقف يف لعنه امنا هو على األصل املقرر عند أهل السنة
من أنه ال جيوز اللعن على شخص معني ولو كان كافرا اال أن يعلم موته على الكفر يقينا
كأيب هلب اجلهنمي وامرأته ال أنه غري مستحق للعن ان الذين يؤذون هللا ورسوله لعنهم
هللا يف الدنيا واآلخرة (اعلم) ان أكثر الناس يف هذه الزمان ملا اشتغلوا ببحث االمامة
وجعلوا التكلم يف اخلالفة ومنازعات الصحابة عليهم الرضوان نصب العني دائما وصاروا
ال يذكرون االصحاب الكرام ابخلري تقليد اجلهلة الرفضة ومردة أهل البدعة وينسبون اىل
جناهبم أمورا غري مناسبة كتبت نبذة مما كان معلوما يل ابلضرورة وأرسلتها اىل االحباب
قال عليه و على آله الصالة و السالم اذا[ ]4ظهر الفنت أو قال البدع وسبت اصحايب
فليظهر العامل علمه فمن مل يفعل فعليه لعنة هللا واملالئكة والناس أمجعني ال يقبل هللا له
صرفا وال عدال و لكن هلل سبحانه احلمد واملنة ان سلطان الوقت يعد نفسه حنفي
املذهب ومن أهل السنة واجلماعة واال فقد كان االمر ضيقا على املسلمني جدا فينبغي
اداء شكر هذه النع مة العظمى كما ينبغي وان جيعل مدار االعتقاد على معتقدات أهل
السنة واجلماعة وان ال يصغى اىل أقوال زيد و عمرو فان جعل مدار االمر على اخلرافات
الكاذبة تضييع االنسان نفسه وتقليد الفرقة الناجية ضروري حت حيصل رجاء النجاة
وبدونه خرط القتاد و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى
عليه و على آله الصالة و السالم.
أجدها أيضا واذا أتيت شخصا ال أجد له وجودا أيضا وكذلك ال أجد للعرش والكرسي
واجلنة والنار أيضا وجودا وال أرى لنفسي ايضا وجودا ووجود احلق سبحانه غري متناه مل
جيد أحد له هناية وتكلم االكابر أيضا اىل هذا املقام فقط ومت وصلوا اليه عجزوا عن
السري ومل يقدروا على الزايدة على ذلك فان كان هذا كماال عندكم أيضا وكنتم يف هذا
املقام فالي شئ أحضر عندكم وملاذا أتعب واتعب وان كان وراء هذا الكمال أمر آخر
فاطلعوين عليه حت اذهب اىل داير يكثر فيها أمل الطلب وكان سبب التوقف من املصري
اليكم منذ سنني حصول هذا الرتدد (أيها املخدوم) ان هذه االحوال وأمثاهلا من تلوينات
القلب و يكون مشهودا ان صاحب هذه االحوال مل يطو بعد من مقامات القلب أزيد
من الربع فيلزمه طي ثالثة أرابع أخرى منها حت يطوي معاملة القلب ابلتمام وبعد
القلب روح وبعد الروح سر وبعد السر خفي وبعد اخلفي أخفى ولكل واحدة من هذه
اللطائف االربع الباقية أحوال ومواجيد على وحدة ويلزم طي كل حدة منها منفردة منفردة
والتحلي بكماالت كل منها وبعد جماوزة هذه اخلمسة االمرية وطي أصوهلا مرتبة بعد
مرتبة وقطع مدارج ظالل االمساء والصفات اليت هي أصول تلك االصول درجة بعد درجة
جتليات االمساء والصفات وظهورات الشئون واالعتبارات وبعد هذه التجليات جتليات
الذات تعالت وتقدست فتقع املعاملة حينئذ على اطمئنان النفس ويتيسر حصول رضا
احلق جل وعال والكماالت اليت حتصل يف هذه املوطن حكم الكماالت السابقة يف
جنبها كحكم القطرة يف جنب البحر احمليط الذي ال قعر له وهنا يتيسر شرح الصدر
ويتصف ابالسالم احلقيقي {ع}:
* هذا هو االمر والباقي خياالت
* وما يتوهم انه من جتليات االمساء والصفات قبل قطع منازل هذه اخلمسة
االمرية مع االص ول وأصول االصول فهو ظهورات بعض خواص عامل االمر وله نصيب
من الالمثلي والالكيفي ومن الالمكاين وليس بتجليات االمساء والصفات قال واحد من
السالكني يف هذا املقام عبدت الروح ثالثني سنة على ظن اهنا احلق سبحانه و تعاىل
- 386 -
{املكتوب الرابع واخلمسون واملائتان اىل املال امحد الربكي يف جواب بعض
اسئلته}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد كتبت ان بعض االكابر قال ان
االنسان ينبغي له ان يعمل ما يعمله ابمر صاحب الزمان حت ترتتب عليه النتيجة ولو
كان أمرا مشروعا فان كان هذا الكالم صحيحا نرجو االذن واالمر يف مجيع املشروعات
(أيها املخدوم) ان كالم االكابر صحيح واالذن لك حاصل وأنت مأذون ولكن ينبغي ان
يعلم ان املراد ابلنتيجة نتيجة معتد هبا ال مطلقا (وكتبت) أيضا انه قد حرر يف رسالة ان
اخلواجه احرار قدس سره قال ان القرآن يف احلقيقة من مرتبة عني اجلمع يعين من أحدية
الذات تعالت وتقدست فما يكون معن ما حرر يف رسالة املبدإ واملعاد أن حقيقة الكعبة
الرابنية فوق احلقيقة القرآنية (أيها املخدوم) ليس املراد أبحدية الذات هناك االحدية
اجملردة اليت ال يكون فيها شئ من الصفة والشأن ملحوظا الن حقيقة القرآن انشئة من
صفة الكالم اليت هي احدى الصفات الثمانية وحقيقة الكعبة انشئة عن مرتبة منزهة عن
تلوينات الصفات والشئوانت فيكون التفوق هلا (وكتبت) أيضا انه قد ذكر يف بعض
التفاسري لو قال شخص اان أسجد للكعبة يكفر فان السجدة ينبغي أن تكون اىل طرف
الكعبة ال للكعبة وذكر يف موضع آخر كانوا يف أول االسالم يقولون يف السجدة لك
سجدت ومدلول الضمري نفس الذات تعالت وتقدست فما يكون معن ما حرر يف
رسالة املبدإ واملعاد من ان صورة الكعبة كما اهنا مسجودة صور االشياء كذلك حقيقة
الكعبة مسجودة حقائق االشياء (أيها املخدوم) ان هذا من مساحمات العبارات كما يقال
- 387 -
إن آدم مسجود املالئكة مع ان السجدة للخالق جل سلطانه ال ملخلوقه ومصنوعه اي
خملوق كان و السالم عليكم و على أصحابكم وأحبابكم و على املال اببنده واملال
حسن.
بشارة حصول منصب ذلك املقام اليت هي منوطة ابلعلم (وسألت) ايضا أنه ما املراد
ابالميان الواقع يف حديث لو وزن[ ]1اميان ايب بكر ابميان اميت لرجح وما سبب رجحان
االميان بواسطة رجحان املؤمن به وحيث كان متعلق اميان ايب بكر فوق متعلقات اميان
االمة يكون راجحا ألبتة (أيها) املخدوم ان معاملة السالك قد تبلغ يف عروجاته مبلغا لو
تفوق منه مقدار نقطة تكون الكماالت اليت حتصل بسبب هذا العروج والتفوق ازيد من
مجيع الكماالت السابقة الن تلك النقطة ازيد من مجيع ما حتتها وكذلك حال النقطة
اليت فوق هذه النقطة فان هذه النقطة حقرية يف جنبها و على هذا القياس فمن كان
متعلق اميانه كمال الفوق وغايته يكون راجحا ألبتة على مجيع ما حتته ومن هنا قالوا تبلغ
معاملة العارف مبلغا يكتسب يف طرفة العني مثل مجيع كماالته املتقدمة و على مقياس
حتقيق الفقري حيصل يف حملة أزيد من مجيع الكماالت املتقدمة ذلك فضل هللا يؤتيه من
يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (وسألت) ايضا أنه ذكر الشيخ ابن العريب واتباعه ان
االطفال الذين قتلوا بسبب موسى على نبينا وعليهم الصالة و السالم انتقلت
استعدادات كلهم اىل موسى عليه السالم فنرجو حترير حقيقة هذا الكالم ابلتفصيل
(اعلم) أن هذا الكالم أصيل النه مكتوب ابلتحقيق فكما ان شخصا واحدا جيعل سببا
حلصول الكماالت جلماعة كذلك جتعل اجلماعة سببا حلصول الكماالت لشخص واحد
فان الشيخ وان كان سببا حلصول الكماالت للمريدين ولكن املريدين ايضا اسباب
حلصول الكماالت للشيخ وهذا الفقري أحس هذا املعن يف املأكوالت واملشروابت اليت
صارت اجزاء بدنه حبيث كلما تناوله من طعام اوشراب صار ذلك سببا جلامعية استعداده
وظهرت به قابلية أخرى فاذا قصد يف بعض االوقات ترك املأكوالت اللذيذة منع من
( )1قال السيوطي يف الدرر املنتثرة يف االحاديث املشتهرة قيل هو من كالم عمر قلت هو كذلك اخرجه عنه معاذ بن
املثين يف زايدات مسند مسدد واخرجه ابن عدي يف الكامل من حديث ابن عمر مرفوعا انتهى ولفظه لو وزن اميان ايب
بكر ابميان الناس لرجح اميان ايب بكر قال السخاوي سند املرفوع ضعيف ولكنه متابع وله شاهد ورواه البيهقي يف
الشعب عن عمر رضي هللا عنه ايضا موقوفا بلفظ لو وزن اميان ايب بكر ابميان اهل االرض لرجح هبم ورواه احلكيم
الرتمذي ايضا كذلك موقوفا وحسنه].
- 390 -
ذلك بواس طة حتصيل هذه اجلامعية ومل يؤذن له برتك ذلك الطعام اللذيذ بسبب حصول
تلك القابلية وكم من استعداد انتقل من شخص اىل آخر كالا أو بعضا وصار حمسوسا أن
ذلك الشخص بقي خاليا وحصل اآلخر مجعية (وسألت) ايضا ان الشيخ[ ]1جنم الدين
الكربى ارسل واحدا من مريديه عند واحد من االعزة ليستفهم منه أنه حتت قدم اي نيب
فقال له الشيخ املرسل اليه يف اي شغل جهودك ففهم الشيخ جنم الدين من هذا الكالم
أنه حتت قدم موسى على نبينا وعليه الصالة و السالم ابي وجه يفهم هذا املعن من
هذه العبارة (اعلم) ان اجلهود يطلق على اليهود وهم من امة موسى عليه السالم
(وسألت) ايضا انه كتب يف النفحات ان والية مجيع االولياء تسلب بعد املوت اال والية
اربعة منهم (اعلم) أنه ميكن أن يكون مراده ابلوالية التصرفات وظهور الكرامات ال أصل
الوالية اليت هي عبارة عن قرب إهلي جل سلطانه وأن يكون مراده ابلسلب أيضا سلب
كثرة ظهور الكرامات ال سلب أصل الظهور مع أن هذا الكالم كشفي وجمال اخلطأ كثري
يف الكشف فال يدري ماذا رأى وماذا فهم (وطلبت) ظهور بعض كرامات االولياء فكن
منتظرا سيجعل هللا بعد عسر يسرا (وسألت) انه قال يف تفسري النيسابوري ان شانيئك
هو االبرت ابلياء فما التحقيق فيه ابلياء أو ابهلمزة (اعلم) انه ابهلمزة والذي كتب ابلياء
ميكن أن يكون قراءة غري مشهورة (وكتبت) أن بعض النساء يطلنب االشتغال ابلطريقة
(فان كن) حمارم فما املانع وإال يقعدن وراء احلجاب وأيخذن الطريقة (وسألت) ان
ارابب احلديث أثبتوا يف كل شهر أايما منهية ونقلوا احلديث يف هذا الباب فماذا نفعل
(قال) والد الفقري قدس سره ان الشيخ عبد هللا والشيخ رمحة هللا اللذين كاان من أكابر
( )1نقل انه ملا اشتهرت جذبة الشيخ مصلح الدين احلجندي ارسل الشيخ جنم الدين الكربى واحدا من مريديه لرؤيته
علي فلما وصل املريد اليه سئله الشيخ عن بلده فقال من خوارزم فقال الشيخ آن وقال له كلما تسمعه منه اعرض ّ
جهود خوشست يعين كيف ذاك اليهودي طيب اراد به الشيخ جنم الدين الكربى فلما رجع املريد اليه وعرض كالم
اجملذوب عليه فرح فرحا كثريا وطاب وقته وقال كنت مدة مديدة يف الرتدد وما كنت اعرف أبين على قدم اي نيب من
اال نبياء فعلمت من اشارته أبين على قدم موسى عليه السالم انتهى معراب من سلسلة العارفني ملوالان القاضي حممد اكرب
خلفاء اخلواجه احرار قدس سرمها
- 391 -
احملدثني ولقبا يف احلرمني ابلشيخني وردا اىل اهلند وقاال ان هذا احلديث نقله الكرماين
شارح البخاري لكنه ضعيف[ ]1واحلديث الصحيح يف هذا الباب االايم أايم هللا والعباد
عباد هللا وقاال أيضا ان حنوسة األايم زالت وارتفعت بوالدة من أرسل رمحة للعاملني عليه و
على آله الصالة و السالم وكانت حنوسة االايم ابلنسبة اىل االمم املاضية وعمل الفقري
ايضا على ذلك ال أرجح يوما على يوم أصال ما مل يعلم ترجيحه من الشارع كيوم اجلمعة
وأايم رمضان وحنومها (وكتبت) أيضا ابين ما وجدت املعارف املتعلقة بتحمل ثقل النبوة يف
مكتوب اخلواجه حممد أشرف من أين جتده فانه حرر يف هذه االايم ومل يبلغك ثقله
واملكتوب طويل عريضا يزيد على كراسة وقد أمرت ابرسال نقله اليكم و السالم.
{املكتوب السابع واخلمسون واملائتان اىل املري نعمان يف بيان الطرق على
طريق االمجال}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات أهني ان املكتوب الشريف املرسل صحبة
الشيخ أمحد الفرملي قد وصل وأورث بوصوله فرحا وافرا وطلبت رسالة يف بيان الطريق قد
حررت املسودات فيه فاذا نقلت اىل البياض بتوفيق هللا أرسلها واآلن اكتب فقرات يف
بيان الطريق بطريق االمجال ينبغي استماعها بسمع العقل (أيها) السيد ان الطريق الذي
اخرتانه حنن ابتداء مسريه من القلب الذي هو من عامل االمر وبعد القلب يقع السري يف
مراتب الروح اليت فوقه وبعد الروح تكون هذه املعاملة ابلسر الذي فوقها وهكذا احلال يف
اخلفي واالخفى وبعد طي منازل هذه اللطائف اخلمس وحصول العلوم املتعلقة بكل منها
على حدة على حدة وحصول املعارف كذلك وبعد حتقق االحوال واملواجيد املخصوصة
( )1قوله لكنه ضعيف اخل قال املخرج والذي ورد يف االايم مرفوعا يوم السبت يوم مكر وخديعة ويوم االحد يوم عرس
وبناء احلديث اخرجه ابو يعلى من حديث ابن عباس بسند ضعيف وكذا يوم االربعاء يوم حنس مستمر اخرجه الطرباين
يف االوسط عن جابر قال السخاوي ال اصل له وقال القطين يف تذكرة املوضوعات سئل ابن حجر عن حديث ابن
عباس يف قوله تعاىل يف اايم حنسات االايم كلها خلق هللا بعضها سعودا وبعضها حنوسا اخل فاجاب ان هذا كذب اىل
ابن عباس رضي هللا عنهما.
- 392 -
بكل واحد من هذه اخلمس منفردة منفردة يقع السري يف أصول هذه اخلمس اليت هي يف
العامل ا لكبري فان كلما هو يف العامل الصغري أصله يف العامل الكبري واملراد ابلعامل الصغري
االنسان وابلعامل الكبري سائر الكائنات وشروع السري يف اصول هذه اخلمس من العرش
اجمليد الذي هو أصل قلب االنسان وفوقه أصل الروح االنسانية وفوقه اصل السر وفوقه
أصل اخلفي وفوقه أصل االخفى فاذا طوي سري هذه االصول اخلمسة من العامل الكبري
ابلتفصيل و انتهى اىل نقطة أخرية فقد أمت سري دائرة االمكان ووضع القدم على أول
منزل من منازل الفناء فان وقع الرتقي بعد ذلك يكون السري يف ظالل االمساء والصفات
االهلية جل سلطانه وهذه الظالل كالربازخ بني الواجب واالمكان واصول لتلك االصول
اخلمسة اليت يف العامل الكبري و يكون السري يف هذه الظالل ايضا على الرتتيب املذكور يف
فروعها فان طوي بفضل هللا سبحانه املنازل املتكثرة من هذه الظالل و انتهى اىل نقطتها
االخرية يكون شروع يف امساء الواجب وصفاته جل سلطانه وتقع جتليات االمساء
والصفات وظهورات الشئون واالعتبارات فعند ذلك يكون قد امت معاملة اللطائف
اخلمس االمرية وادى حقها فان وقع الرتقي بفضل هللا سبحانه بعد ذلك من هذا املقام
تقع املعاملة على اطمئنان النفس ويتيسر حصول مقام الرضا الذي هو هناية مقامات
السلوك وحيصل يف هذا املقام شرح الصدر ويتشرف فيه ابالسالم احلقيقي والكماالت
اليت حتصل يف هذا املوطن حكم الكماالت املتعلقة بعامل االمر يف جنبها كحكم القطرة يف
جنب البحر احمليط وكل هذه الكماالت املذكورة متعلقة ابسم الظاهر والكماالت املتعلقة
ابسم الباطن هي غريها وهلا مناسبة ابالستتار والتبطن فاذا حصلت كماالت هذين
االمسني املباركني بتمامها يتيسر للسالك جناحان للطريان ليطري بقوهتما اىل عامل القدس
وحتصل له ترقيات خارجة عن القياس وتفصيل هذه املعاملة حمرر يف املسودات وولدي
االرشد جمد يف مجعه (وينبغي) لك ان جتئ بنفسك هنا مرة واحدة ان تيسر لكن بشرط
ان ال ترتك مقامك خاليا حت ال تضيع املعاملة بل جتئ وحدك وجتعل مقتدى تلك
اجلماعة من تعلم أنه أسبق قدما مث تتوجه اىل هذه احلدود فانه ال يدري هل تعطي
- 393 -
{املكتوب الثامن واخلمسون واملائتان اىل شريف خان يف بيان أقربيته تعاىل
وتقدس}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد حصل االبتهاج والسرور بورود
الصحيفة الشريفة املسطورة اىل فقراء هذه احلدود على وجه الكرم جزاكم هللا سبحانه خري
اجلزاء (أيها املخدوم) أن أقربية احلق سبحانه الينا منا وان كانت اثبتة بنص قاطع ولكن
ماذا نصنع انه سبحانه وراء وراء عقولنا وأفهامنا ووراء وراء علومنا وادراكاتنا مع أان نعرف
ان هذه الورائية يف جانب القرب ال يف جانب البعد فانه سبحانه أقرب من كل قريب
حت أان جند احدية ذاته سبحانه اقرب من الصفات اليت حنن من آاثر تلك الصفات
وهذه املعرفة وراء نظر العقل وطوره فان العقل ال يقدر أن يتصور شيئا أقرب اليه من
نفسه واملثال الذي يوضح هذا املبحث مل يوجد مع كثرة التتبع ومستند هذه املعرفة نص
قطعي وكشف صحيح وقد تكلم مشائخ الطريقة يف التوحيد واالحتاد وبينوا القرب واملعية
واختاروا السكوت يف اقربيته تعاىل ومل جيد منهم بيان شاف يف هذا الباب والعجب ان
اقربيته تعاىل صارت سببا البعديتنا هذا اىل أن يبلغ الكتاب أجله فافهم فان كالمنا
اشارات وبشارات و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى
عليه و على آله من الصلواة امتها ومن التسليمات أكملها.
{املكتوب التاسع واخلمسون واملائتان اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد
قدس سره يف بيان فوائد ارسال الرسل وعدم استقالل العقل يف معرفته تعاىل وبيان
احلكم اخلاص فيمن نشأ يف شاهق اجلبل ومشركي زمن الفرتة واطفال مشركي دار
احلرب وحتقيق بعثة االنبياء يف ارض اهلند من اهلند سابقاً وما يناسبه}
احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا هلندي لوال ان هداان هللا لقد جائت رسل ربنا
- 394 -
ابحلق ابي لسان يؤدي شكر نعمة ارسال الرسل عليهم الصلوات و التسليمات وابي
قلب يعتقد املنعم هبا واين للجوارح أن تكافئها ابالعمال احلسنة فلوال هؤالء الكرباء من
كان يدل امثالنا القاصرين على وجود الصانع ووحدته جل سلطانه ومل يهتد قدماء
فالسفة اليوانن اىل وجود الصانع جل شأنه مع وجود الذكاوة فيهم حت نسبوا اجياد
الكائنات اىل الدهر وملا سطع انوار دعوة االنبياء عليهم الصالة و السالم يوما فيوما رد
متأخروهم بربكة تلك االنوار مذهب قدمائهم وقالوا بوجود الصانع جل شأنه واثبتوا
وحدانيته تعاىل فعقولنا مبعزل عن ادراك هذا املطلب العايل بال أتييد من انوار النبوة
وافهامنا بعيدة عن الوصول اىل هذه املعاملة بدون وساطة وجود االنبياء عليهم الصلوات
والتحيات اي ليت شعري ماذا اراد أصحابنا املاتريدية من قوهلم ابستقالل العقل يف بعض
االمور كاثبات وجود الصانع تعاىل ووحدانيته سبحانه فكلفوا من نشأ يف شاهق اجلبل و
عبد الصنم هبما وان مل تبلغه دعوة الرسول وحكموا برتك النظر فيهما بكفره وخلوده يف
النار وحنن ال نفهم احلكم ابلكفر واخللود يف النار اال بعد البالغ املبني واحلجة البالغة
املنوطة ابرسال الرسل نعم العقل حجة من حجج هللا تعاىل ولكنه ليس حبجة ابلغة يف
احملجة حت يرتتب عليه أشد العذاب (فان قلت) فان مل يكن من نشأ يف شاهق اجلبل
وعبد الصنم خملدا يف النار يكون يف اجلنة ابلضرورة وذا غري جائز فان دخول املشركني
اجلنة حرام ومأواهم النار قال هللا تعاىل حاكيا عن عيسى على نبينا وعليه الصالة و
السالم انه من يشرك ابهلل فقد حرم هللا عليه اجلنة ومأواه النار والواسطة بني اجلنة والنار
غري اثبتة وأصحاب االعراف يدخلون اجلنة بعد مدة فاخللود اما يف اجلنة واما يف النار
(قلت) إن هذا السؤال مستصعب جدا و ولدي االرشد يعرف أنه كرر هذا السؤال اىل
هذا الفقري من مدة كثرية ومل جيد له جوااب شافيا وما قال صاحب الفتوحات املكية يف
حل هذا السؤال من اثبات بعثة نيب يوم القيامة الجل دعوة هؤالء القوم واحلكم بدخول
اجلنة والنار على حسب انكارهم واقرارهم غري مستحسن عند هذا الفقري الن اآلخرة دار
اجلزاء ال دار التكليف حت يبعث فيها نيب وبعد مدة مديدة كانت عناية احلق جل
- 395 -
سلطانه دليال وهاداي واحنل هذا املعمى وكشف ان تلك اجلماعة ال خيلدون ال يف اجلنة
وال يف النار بل يعذبون ويعاقبون بعد البعث واالحياء يف اآلخرة على قدر جرميتهم يف
مقام احلساب وتستوف منهم احلقوق مث جيعلون بعد ذلك معدوما مطلقا وال شيئا حمضا
مثل حيواانت غري مكلفة فلمن يكون اخللود ومن يكون مكلفا وملا عرضت هذه املعرفة
الغريبة يف حمضر من االنبياء عليهم الصالة و السالم صدقها مجيعهم وقبلوها والعلم عند
هللا سبحانه و تعاىل واحلكم ابخالد احلق سبحانه و تعاىل عبده يف النار وأتبيد عذابه
مبجرد العقل الذي جمال اخلطإ والغلط كثري فيه جدا من غري بالغ بني بوساطة االنبياء
عليهم الصالة و السالم مع كمال رأفته ورمحته تعاىل يثقل على هذا الفقري جدا كما يثقل
احلكم ابخلل ود يف اجلنة مع وجود الشرك كما يلزم ذلك على مذهب االشعري لعدم القول
ابلواسطة بني اجلنة والنار فاحلق ما اهلمت به من اعدامه بعد استيفاء حماسبة يوم احلشر
كما مر وهذا هو حكم اطفال مشركي دار احلرب عند الفقري ايضا فان دخول اجلنة
منوط ابالميان اما ابالصالة واما ابلتبعية وان كانت تبعية دار االسالم كما هو يف أطفال
أهل الذمة واالميان مفقود يف حقهم مطلقا فال يتصور دخوهلم اجلنة ودخول النار واخللود
فيها مربوط ابلشرك بعد ثبوت التكليف وهذا أيضا مفقود يف حقهم فحكمهم حكم
البهائم من االعدام بعد البعث والنشور للحساب واستيفاء احلقوق وهذا هو احلكم أيضا
يف مشركي زمن فرتة الرسل الذين مل تبلغهم دعوة نيب من االنبياء (أيها الولد) ان هذا
الفقري كلما يالحظ وجييل النظر ال جيد حمال مل تبلغه دعوة نبينا عليه و على آله الصالة و
السالم بل يكون حمسوسا ان نور دعوته صلّى هللا عليه و سلّم بلغ كل حمل مثل نور
الشمس حت اليأجوج واملأجوج الذين حال بينهم السد و ان االحظ يف االمم السابقة ال
اَجد بقعة مل يبعث فيها نيب حت يف ارض اهلند اليت ترى بعيدة عن هذه املعاملة أجد
انبياء كانوا مبعوثني من أهل اهلند ودعوا اىل احلق جل شأنه ويشاهد يف بعض بالد اهلند
أنوار االنبياء عليهم الصالة و السالم يف ظلمات الشرك كاملشاعل املسرجة فان شئت
عينت تلك البالد وأرى نبيا مل يصدقه أحد ومل يقبل دعوته ونبيا آخر آمن به شخص
- 396 -
وآخر صدقه شخصان وصدق البعض ثالثة وال يقع النظر على أزيد من ثالثة آمنوا بنيب
يف اهلند وال أرى نبيا آمن به واتبعه أربعة وما كتبه رؤساء كفرة اهلنود من وجود الواجب
وصفاته ومن تنزيهاته وتقديساته كل ذلك مقتبس من أنوار مشكاة النبوة النه مضي يف
كل عصر من االمم السابقة نيب من االنبياء واخربوا عن وجود الواجب وصفاته الثبوتية
ومن تنزيهاته وتقديساته سبحانه و تعاىل فلو ال وجود هؤالء الكرباء كيف كان هؤالء
املخذولون بعقوهلم القاصرة العمياء املتلوثة بظلمات الكفر واملعاصي مهتدين اىل هذه
الدولة وعقول هؤالء املخذولني الناقصة حاكمة يف حد ذاهتا ابلوهيتهم وال يثبتون اهلا
سواهم كما قال فرعون مصر (ما علمت لكم من اله غريي) وقال أيضا (الن اختذت اهلا
غريي الجعلنك من املسجونني) وملا علموا ابخبار االنبياء عليهم الصالة و السالم ان
للعامل صانعا واجب الوجود اطلع بعض هؤالء املخذولني على قبح ادعائه واثبت الصانع
الواجب الوجود ابلتقليد والتسرت وزعم انه سار فيه ومتحدبه ودعى اخللق اىل عبادته هبذه
احل يلة تعاىل هللا عما يقول الظاملون علوا كبريا (وال يعرتض) القاصر هنا انه لو بعث
االنبياء يف أرض اهلند لبلغنا خرب بعثته البتة بل كان ينقل ذلك اخلرب ابلتواتر لتوفر
الدواعي وليس فليس الان نقول إن دعوة هؤالء االنبياء مل تكن عامة بل كانت دعوة
بعضهم خمصوصة بقوم ودعوة بعضهم بقرية أو ببلدة وميكن أن يشرف هللا سبحانه
شخصا يف قوم أو قرية هبذه الدولة فيدعوهم اىل معرفة الصانع ومينعهم عن عبادة غريه
تعاىل فيكذبونه وينسبونه اىل اجلهالة والضاللة فاذا انتهى انكارهم وتكذيبهم اايهم اىل
هنايته وغايته يهلكهم هللا جل وعال غرية لنبيه وكذلك ميكن ان يبعث نيب آخر بعد مدة
اىل قوم أو قرية فيعاملهم كما عامل االول قومه فيفعل هبم كما فعل أبوائلهم وهكذا اىل
ما شاء هللا تعاىل وآاثر هالك القرى والبالد كثرية يف أرض اهلند وهؤالء القوم وان هلكوا
ولكن كلمة تلك الدعوة ابقية فيما بني أقراهنم وجعلها كلمة ابقية يف عقبه لعلهم يرجعون
وخرب نبوة االنبياء املبعوثة امنا يبلغنا اذا صدقهم مجع كثري وقوى أمره واما اذا جاء شخص
ودعا أايما فمضى ومل يقبل دعوته أحد مث جاء آخر وفعل مثل ما فعل االول فصدقه
- 397 -
شخص واحد وصدق اآلخر اثنان أو ثالثة فمن أين ينتشر اخلرب وكان الكفار كلهم يف
مقام االنكار وكانوا يردون على من كان خيالف دين آابئهم فمن يكون الناقل و اىل من
ينقل وأيضا ان الفاظ الرسالة والنبوة وپيغمرب من لغات العرب والفارس بواسطة احتاد
دعوة نبينا عليه الصالة و السالم وعمومها ومل تكن هذه االلفاظ يف لغة اهلند حت يقال
لالنبياء املبعوثني من اهلند رسوال أو نبيا أو پيغمرب أو يذكرون هبذه االسامي وأيضا نقول
يف جواب هذا السؤال بطريق املعارضة انه لو مل تبعث االنبياء يف اهلند ومل يدعوهم
بلساهنم لكان حكم هؤالء القوم حكم من نشأ يف شاهق اجلبل فال يدخلون النار مع
وجود التمرد ودعوى اال لوهية وال يكون هلم العذاب املخلد وهذا مما ال يرتضيه العقل
السليم وال يساعده الكشف الصحيح فاان نشاهد بعض مردهتم يف وسط اجلحيم وهللا
سبحانه أعلم حبقيقة احلال.
{املكتوب الستون واملائتان اىل املخدوم زاده الشيخ حممد صادق قدس سره
يف بيان الطريقة املختصة به وبيان الوالايت الثالث الصغرى والكربى والعليا وبيان
أفضلية النبوة من الوالية مطلقا وبيان اللطائف العشر االنسانية اليت َخس منها من
عامل االمر وَخس من عامل اخللق مع كماالت خمصوصة بكل واحدة منها وبيان
أفضلية عامل اخللق من عامل االمر مع بيان كماالت خمصوصة بعنصر الرتاب وبيان
العلوم واملعارف املناسبة لكل مقام وامثال ذلك}
الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
عليه وعليهم و على آله وأصحابه الطيبني الطاهرين (اعلم) ايها الولد أسعدك هللا سبحانه
و تعاىل ان لطائف عامل االمر اخلمس اعين القلب والروح والسر واخلفي واالخفى اليت هي
من اجزاء العامل الصغري أعين االنسان أصوهلا يف العامل الكبري كالعناصر االربعة اليت هي
اجزاء االنسان فان أصوهلا يف العامل الكبري وظهور أصول اخلمس فوق العرش حيث
يوصف ابلالمكانية ومن ههنا يقال لعامل االمر المكانيا تتم دائرة االمكان خلقه وامره
- 398 -
وصغريه وكبريه ابلوصول اىل هناية تلك االصول واىل هذا املوطن ينتهي امتزاج العدم
ابلوجود الذي هو منشأ االمكان فاذا طوى السالك الرشيد حممدي املشرب هذه اخلمس
من عامل االمر ابلرتتيب وشرع يف السري يف أصوهلا من عامل الكبري وطوى كلها ابلرتتيب
والتفصيل بعلو الفطرة بل مبحض فضل احلق سبحانه و انتهى اىل النقطة االخرية فال جرم
يكون قد امت دائرة االمكان ابلسري اىل هللا وصار مستحقا الن يطلق عليه اسم الفناء يعين
الن يوصف به وشرع يف الوالية الصغرى اليت هي والية االولياء فان وقع السري بعد ذلك
يف ظالل االمساء والصفات الوجوبية اليت هي أصل اخلمسة اليت يف العامل الكبري يف
احلقيقة ومل يتطرق اليها شائبة العدم وطوى كلها بفضل هللا سبحانه بطريق السري يف هللا
وبلغ هنايتها فقد أمت دائرة ظالل االمساء الواجبية ايضا وحصل له الوصول اىل مرتبة
االمساء والصفات الواجبية وهناية عروج الوالية الصغرى اىل هذا املقام ويف هذا املوطن
يتحقق الشروع يف حقيقة الفناء ويوضع القدم يف بداية الوالية الكربى اليت هي والية
االنبياء عليهم الصالة و السالم (ومما ينبغي) ان يعلم ان هذه الدائرة الظاللية متضمنة
ملبادئ تعينات اخلالئق سوى االنبياء الكرام واملالئكة العظام عليهم الصالة و السالم
وظل كل اسم مبدأ تعني شخص من االشخاص حت ان مبدأ تعني الصديق االكرب الذي
هو أفضل البشر بعد االنبياء عليهم الصالة و السالم النقطة الفوقانية من هذه الدائرة وما
قيل إن السالك اذا انتهى اىل اسم هو مبدأ تعينه فقد أمت السري اىل هللا ينبغي ان يكون
املراد به ظل االسم االهلي جل شأنه وجزئيا من جزئياته ال أصله وعينه وهذه الدائرة
الظاللية تفصيل مرتبة االمساء والصفات يف احلقيقة فان العلم مثال صفة حقيقية وهلا
جزئيات وتفصيل تلك اجلزئيات ظالل هذه الصفة اليت هلا مناسبة ابالمجال وكل جزئي
من تلك اجلزئيات مبدأ تعني شخص من االشخاص غري االنبياء الكرام واملالئكة الفخام
عليهم الصالة و السالم ومبادئ تعينات االنبياء واملالئكة اصول هذه الظالل يعين
كليات تلك اجلزئيات املفصلة كصفة العلم مثال وصفة القدرة وصفة االرادة وغريها
ويشرتك ا لكثريون من االشخاص يف صفة واحدة كانت مبدأ تعني ابعتبارات خمتلفة
- 399 -
وذلك ان مبدأ تعني خامت الرسل مثال شأن العلم وهذه الصفة كانت مبدأ تعني ابراهيم
عليه السالم ابعتبار آخر وهي مبدأ تعني نوح عليه السالم ايضا ابعتبار آخر وتعني تلك
االعتبارات مذكور يف مكتوب اخلواجه حممد اشرف وما قال بعض املشائخ من ان
احلقيقة احملمدية هي التعني االول الذي هو حضرة االمجال و مسمى ابلوحدة فمراده به
على ما ظهر هلذا الفقري من عامل الغيب وهللا سبحانه أعلم مركز هذه الدائرة الظاللية قد
ظن هذه الدائرة الظاللية تعينا او ال وختيل مركزها امجاال ومساه وحدة وزعم تفصيل ذلك
املركز الذي هو حميط تلك الدائرة واحدية وتصور ما فوق دائرة الظالل الذي هو دائرة
االمساء والصفات ذاات منزهة ومربأة عن التعني وليس االمر كذلك بل اقول ان مركز هذه
الدائرة الظاللية ظل مركز الدائرة الفوقانية اليت هي اصلها ومسماة بدائرة االمساء والصفات
والشئون واالعتبارات واحلقيقة احملمدية هي مركز هذه الدائرة االصلية يف احلقيقة اليت هي
امجال االمساء والشؤانت وتفصيل االمساء امنا هو يف هذه الدائرة اليت هي مرتبة الواحدية
واطالق الوحدة واالحدية على مرتبة ظالل االمساء مبين على اشتباه الظل ابالصل ومن
هذا القبيل اطالق السري يف هللا يف ذلك املوطن فان السري يف ذلك املوطن داخل يف
احلقيقة يف السري اىل هللا هذا (فان وقع) العروج بعد ذلك اىل دائرة االمساء والصفات اليت
هي أصل دائرة الظالل بطريق السري يف هللا يكون ذلك شروعا يف كماالت الوالية الكربى
وهذه الوالية الكربى خمصوصة ابالنبياء عليهم الصالة و السالم ابالصالة ووصل
أصحاهبم الكرام أيضا اىل هذه الدولة ابلتبعية والنصف االسفل من هذه الدائرة متضمن
لألمساء والصفات الزائدة ونصفها االعلى مشتمل على الشئون واالعتبارات الذاتية وهناية
عروج لطائف عامل االمر اخلمس اىل هناية هذه الدائرة يعين دائرة االمساء والشئوانت (فان
وقع) الرتقي بعد ذلك مبحض فضل احلق جل شأنه من مقام الصفات والشئوانت يكون
السري يف دائرة اصول تلك الصفات والشئوانت وبعد اجملاوزة والعبور عن دائرة تلك
االصول دائرة اصول تلك االصول وبعد طي هذه الدائرة يظهر من الدائرة الفوقانية قوس
ينبغي قطعه ايضا وحيث مل يظهر من هذه الدائرة الفوقانية غري القوس اقتصران على ذلك
- 400 -
القوس وال بد من ان يكون هنا سر ومل اطلع عليه بعد وهذه االصول الثالثة املذكورة
لالمساء والصفات جمرد اعتبارات يف حضرة الذات تعالت وتقدست كانت مبادئ
الصفات والشئوانت وحصول كماالت هذه االصول الثالثة خمصوصة ابلنفس املطمئنة
ويتيسر حصول االطمئنان هلا يف ذلك املوطن ويف هذا املقام حيصل شرح الصدر وفيه
يتشرف السالك ابالسالم احلقيقي وهذا هو ذاك املوطن الذي جتلس املطمئنة فيه على
ختت الصدر وترتقي يف مقام الرضا وهذا املوطن هو هناية الوالية الكربى اليت هي والية
االنبياء عليهم الصالة و السالم وملا انتهى يب السري اىل هذا املقام توهم يل ان االمر قد مت
فنوديت يف سري ان كل ذلك كان تفصيل االسم الظاهر الذي هو احد جناحي الطريان
واالسم الباطن امامك بعد وهو اجلناح الثاين للطريان اىل عامل القدس فاذا امتمته ابلتفصيل
فقد حصلت جناحني للطريان فلما مت سري االسم الباطن بعناية هللا سبحانه تيسر
اجلناحان للطريان احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد
جاءت رسل ربنا ابحلق (أيها الولد) ماذا أكتب من السري يف الباطن واملناسب حلال ذلك
السري االستتار والتبطن ولنكشف نبذا يسريا من هذا املقام ان السري يف االسم الظاهر
سري يف الصفات من غري ان يالحظ الذات يف ضمنها والسري يف االسم الباطن وان كان
سريا يف االمساء ولكن الذات ملحوظة يف ضمنها وتلك االمساء كاحلجب ساترة لوجه
حضرة الذ ات تعالت وتقدست فان الذات يف صفة العلم مثال ليست ملحوظة أصال ويف
اسم العليم امللحوظ هو الذات من وراء حجاب الصفات الن العليم ذات ثبت هلا العلم
فالسري يف العلم سري يف االسم الظاهر والسري يف العليم سري يف االسم الباطن وقس على
هذا سائر الصفات واالمساء وهذه االمساء املتعلقة ابالسم الباطن مبادئ تعينات املالئكة
املأل االعلي على نبينا وعليهم الصلوات والتحيات (والشروع) يف السري يف هذه االمساء
وضع القدم يف الوالية العليا اليت هي والية املل االعلى والفرق املذكور بني العلم والعليم
عند بيان االسم الظاهر واالسم الباطن ال تتخيله شيئا يسريا وال تظن ان من العلم اىل
العليم مسافة قليلة ال بل فرق ما بني مركز االرض وحمدب العرش له ابلنسبة اىل هذا
- 401 -
الفرق حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط وهو قريب يف التكلم بعيد يف احلصول ومن
هذا القبيل ذكر املقامات املبينة على سبيل االمجال كما قلنا مثال فاذا طوي هذه اخلمس
من عامل األمر وشرع يف السري يف أصوهلا فقد أمت دائرة االمكان فقد ذكر يف هذه العبارة
السري اىل هللا ابلتمام وقد قدروا مدة حصول هذا السري خبمسني ألف سنة ويف قوله تعاىل
تعرج املالئكة والروح اليه يف يوم كان مقداره مخسني ألف سنة رمز اىل هذا املعن غاية ما
يف الباب ان جذب عناية احلق جل سلطانه يكاد ييسر أمر هذه املدة املديدة يف طرفة
العني {ع}:
ال عسر يف أمر مع الكرام
وكذلك قلنا فاذا طوي دائرة االمساء والصفات والشئون واالعتبارات ووقع السري يف
أصوهلا اخل طي مجيع االمساء والصفات سهل يف التلفظ ولكنه مشكل عند الطي وأي
مشكل * ومن صعوبة هذا الطي قال املشائخ منازل الوصول ال تنقطع أبدا اآلبدين
ومنعوا متامية السري يعين انتهاءه يف هذه املراتب {شعر}:
وليس حلسنه حد وغاية * وال ملدحية السعدى هناية
ميوت من التعطش مستقيه * ويبقى البحر حبرا كالبداية
(وال تظنن) اهنم امنا قالوا بعدم انقطاع مراتب الوصول ابعتبار التجليات الذاتية ال
ابعتبار التجليات الصفاتية وأرادوا ابحلسن احلسن الذايت ال احلسن الصفايت (الان نقول)
ان التجليات الذاتية ليست هي بدون مالحظة الشئون واالعتبارات وال ظهور احلسن
الذايت من غري احتجاب حبج ب الصفات اجلمالية النه ال جمال للقيل والقال يف ذلك
املوطن بدون توسط احلجب واالستار من عرف هللا كل لسانه والتجلي يستدعي حنوا من
الظلية فالبد يف ذلك املقام من مالحظة الشئون فصارت منازل الوصول ومراتب احلسن
داخلة يف دائرة االمساء والشئوانت واحلال ان انقطاعها متعسر عندهم واألمر الذي ظهر
هلذا الدرويش فهو وراء التجليات وغري الظهورات سواء كان جتليا ذاتيا أو جتليا صفاتيا
ووراء احلسن واجلمال سواء كان حسنا ذاتيا أو حسنا صفاتيا وابجلملة قد نظمت
- 402 -
املطالب العالية واملقاصد السامية يف سلك عبارات حمتقرة خمتصرة بطريق االمجال ومألت
البحار العدمية النهاية يف كيزان معدودة فال تكن من القاصرين (ولنرجع) اىل أصل الكالم
فنقول انه ملا تيسر الطريان ووقعت العروجات بعد حصول جناحي االسم الظاهر والباطن
علم أن هذه الرتقيات ابالصالة نصيب العنصر الناري والعنصر اهلوائي والعنصر املائي اليت
للمالئكة الكرام على نبينا وعليهم الصالة و السالم أيضا نصيب منها كما ورد ان بعض
املالئكة خملوق من النار والثلج تسبيحه سبحان من مجع بني النار والثلج واريت يف
الواقعة يف اثناء هذا السري كأين ماش على طريق وقد حصلت يل غاية االعياء من كثرة
املشي وصرت التمس خشبة أو عصا لالتكاء رجاء حصول قدرة على املشي مبددها فلم
يتيسر فصرت امتسك واتشبث بكل حشيش متمنيا تقويته على املشي وال أجد بدا من
املشي وملا سرت مدة هبذا احلال ظهر فناء بلدة فدخلت البلدة بعد طي مسافة ذلك
الفناء واعلمت ان تلك البلدة عبارة التعني االول الذي هو (جامع) جلميع مراتب االمساء
والصفات والشئون واالعتبارات (وجامع) أيضا الصول تلك املراتب والصول تلك
االصول (ومنتهى) االعتبارات الذاتية اليت متايزها يعين متايز بعضها عن بعض مناسب
للعلم احلصويل (فان وقع) السري بعد ذلك يكون مناسبا للعلم احلضوري (أيها الولد) ان
اطال ق العلم احلصويل واحلضوري يف تلك احلضرة امنا هو ابعتبار التمثيل والتنظري فان
الصفات اليت وجودها زائد على وجود الذات تعالت وتقدست علمها مناسب ابلعلم
احلصويل واالعتبارات الذاتية اليت ال تتصور زايدهتا على الذات أصال علمها مناسب
ابلعلم احلضوري واال فليس مثة اال تعلق العلم ابملعلوم من غري أن حيصل من املعلوم فيه
شئ فافهم (وهذا) التعني االول الذي تلك البلدة اجلامعة كناية عنه جامع جلميع والايت
االنبياء الكرام واملالئكة العظام عليهم الصالة و السالم ومنتهى الوالية العليا اليت هي
خمصوصة ابملل االعلى ابالصالة ولوحظ يف هذا املقام ان هذا التعني االول هل هو
احلقيقة احملمدية أو ال مث تبني أن احلقيقة احملمدية هي اليت ذكرت فيما سبق واطالق
التعني االول عليها أن ذلك املركز ظل هذا التعني االول ابعتبار جامعيته لالمساء
- 403 -
والصفات والشئون واالعتبارات (والسري) الواقع فوق ذلك البلد يكون شروعا يف
الكماالت النبوة وحصول تلك الكماالت خمصوص ابالنبياء عليهم الصالة و السالم
وانش من مقام النبوة ولكمل اتباع االنبياء ايضا نصيب من تلك الكمالت ابلتبعية
واحلظ الوافر من تلك الكماالت ابالصالة من بني اللطائف االنسانية للعنصر الرتايب
وسائر االجزاء االنس انية سواء كانت من عامل األمر او من عامل اخللق كلها اتبعة يف هذا
املقام لذلك العنصر الرتايب ومشرفة هبذه الدولة بتطفله وملا كان هذا العنصر خمصوصا
ابلبشر كان خواص البشر أفضل من خواص املالئكة ابلضرورة النه مل يتيسر الحد ما
تيسر هلذا العنصر وبعد الدنو يظهر يف ه ذا املقام حقيقة التديل وهنا ينكشف سر قاب
قوسني أو أدىن ويرى يف هذا السري ان كماالت مجيع الوالايت سواء كانت صغرى أو
كربى أو عليا كلها ظالل كماالت مقام النبوة واهنا اشباح وامثال حلقيقة هذه الكماالت
ويلوح فيه ان النقطة اليت تقطع يف ضمن هذا السري أزيد من مجيع كماالت الوالية فينبغي
ان يتأمل أنه ماذا يكون على هذا القياس حكم الكماالت املتقدمة ابلنسبة اىل مجيع هذه
الكماالت وللقطرة نسبة اىل البحر احمليط وهذه النسبة مفقودة ههنا اال أين أقول إن نسبة
مقام الوالية اىل مقام النبوة كنسبة املتناهي اىل غري املتناهي سبحان هللا وقد يقول اجلاهل
هبذا السر ان الوالية أفضل من النبوة ويقول اآلخر يف توجيه هذه العبارة غافال عن هذه
املعاملة ان والية النيب أفضل من نبوته كربت كلمة خترج من أفواههم وملا أمتمت هذا السري
أيضا بعناية هللا سبحانه وبركة حبيبه عليه و على آله الصالة و السالم شوهد يل أنه لو
زدت فرضا خطوة واحدة يف السري القع يف عدم حمض اذ ليس ورائه اال العدم احملض
(أيها الولد) اايك والوقوع يف التوهم من هذه املعاملة ان العنقاء قد وقع يف الشرك
والسيمرغ قد تعلق يف الشبكة {شعر}:
هيهات عنقاء ان يصطاده أحد * فاترك عناك وكن من ذاك يف دعة
و هو سبحانه وراء الوراء مث وراء الوراء {شعر}:
وذا ايوان االستعالء عال * فاايكم وطمعا يف الوصال
- 404 -
و هذه الورائية ليست ابعتبار وجود احلجب الن احلجب صارت مرتفعة ابلكلية
بل ابعتبار ثبوت العظمة والكربايء املانعة لالدراك املنافية للوجدان فهو سبحانه أقرب يف
الوجود وابعد عن الوجدان نعم قد يكون بعض الكمل من املرادين فيعطون حمال من
سرادقات العظمة والكربايء وجيعلون من حمارم خيمة اجلالل بتطفل االنبياء عليهم الصالة
و السالم فيعامل معهم ما عومل معهم (أيها الولد) ان هذه املعاملة خمصوصة ابهليئة
الوحدانية االنسانية الناشئة من جمموع عامل اخللق وعامل األمر ومع ذلك الرئيس يف هذا
املوطن هو العنصر الرتايب وامنا قلت ليس وراءه اال العدم احملض الن بعد متام مراتب
الوجود اخلارجي والوجود العلمي ليس اال حصول العدم الذي نقيضه وذات هللا سبحانه
وراء هذا الوجود والعدم وكما أنه ال سبيل اليها للعدم كذلك ال جمال فيها للوجود الن
الوجود الذي قام العدم بنقاضته كيف يليق حبضرته جل سلطانه فلئن اطلقنا الوجود يف
هذه املرتبة لضيق العبارة يراد به وجود[ ]1ال يكون للعدم جمال[ ]2مناقضته وما كتب هذا
الفقري يف بعض مكاتيبه ان حقيقة احلق سبحانه وجود حمض فهو من عدم االطالع على
حقيقة هذه املعاملة ومن هذا القبيل بعض املعارف اليت حررهتا يف التوحيد الوجودي وغريه
وسره عدم االطالع وملا كنت واقفا ومنتبها على حقيقة املعاملة كنت متندما على ما
كتبته أو قلته يف االبتداء والوسط وكنت مستغفرا منه استغفر هللا وأتوب اىل هللا من مجيع
ما كره هللا سبحانه و تعاىل (والح) من هذا البيان ان كماالت النبوة يف مراتب الصعود
وان الوجه يف عروجات النبوة اىل احلق سبحانه ال كما زعمه الكثريون من ان الوجه يف
الوالية اىل احلق سبحانه و تعاىل ويف النبوة اىل اخللق وان الوالية يف مراتب العروج والنبوة
( )1قال الشيخ صدر الدين القونوي يف اوائل مفتاح الغيب بعد ان قال ان حقيقة احلق هو الوجود احملض اخل وقولنا
وجود يعين يف قوله وانه من هذا الوجه احلق وانه من هذا الوجه ال كثرة فيه وال تركيب اخل بل وجود حبت هو للتفهيم ال
ان ذلك اسم حقيقي له انتهى بغاية االختصار.
( )2وقال فيه ايضا ان احلق هو الوجود احملض وانه وحدة حقيقية ال تتعلق يف مقابلة الكثرة وقال يف شرحه النه لو
كانت يف مقابلتها كثرة لتوقف تعلقها وتصورها على تعقل تلك الكثرة وتصورها انتهى وهذا كقولنا بعينه انه تعاىل
واحد ال من حيث العدد يعين يف مقابل االثنني فان كل شخص واحد هبذا املعن كما ال خيفى.
- 405 -
يف مدارج النزول ومن هنا تومهوا ان الوالية أفضل من النبوة نعم ان لكل من الوالية والنبوة
عروجا وهبوطا ويف العروج الوجه اىل احلق يف كليهما ويف اهلبوط اىل اخللق غاية ما يف
الباب ان الوجه يف مرتبة هبوط النبوة اىل اخللق ابلكلية خبالف هبوط الوالية فان الوجه
فيها ل يس اىل اخللق ابلكلية بل ابطنه ابحلق وظاهره ابخللق وسره ان صاحب الوالية انزل
قبل امتام مقامات العروج فال جرم يكون النظر اىل الفوق منازعه يف مجيع االوقات ومانعه
من التوجه بكليته اىل اخللق خبالف صاحب النبوة فانه هبط بعد امتام مقامات العروج
وهلذا يكون متوجها ب كليته اىل دعوة اخللق اىل احلق جل وعال فافهم فان هذه املعرفة
الشريفة وامثاهلا مما مل يتكلم هبا أحد (ومما ينبغي) أن يعلم ان العنصر الرتايب كما أنه
يتفوق على الكل يف مراتب العروج كذلك ينزل يف منازل اهلبوط أسفل من الكل وكيف
ال فان مكانه الطبيعي أسفل من الكل فاذا ثبت أنه ينزل أسفل من الكل تكون دعوة
صاحبه أمت ابلضرورة وافادته أكمل (اعلم) أيها الولد أن ابتداء السري يف الطريقة
النقشبندية ملا كان من القلب الذي هو من عامل االمر افتتحنا الكالم بعامل األمر خبالف
طرق سائر املشائخ الكرام فاهنم يشرعون أوال يف تزكية النفس وتطهري القالب مث يشرعون
بعد ذلك يف عامل األمر ويعرجون فيها اىل ما شاء هللا وهلذا اندرجت يف بداية هؤالء
الكرباء هناية من سواهم وصار هذا الطريق أقرب الطرق الن حصول التزكية والتطهري
ميسر يف ضمن هذا السري على أحسن الوجوه فقصرت املسافة بذلك فال جرم اعتقد
هؤالء االكابر سري عامل اخللق قصدا عبثا وعدوه تعطيال ال بل تيقنوا أنه مضر ومانع عن
الوصول اىل املطلب وذلك الن سالكي الطريق بقدم التزكية والرايضات الشاقة واجملاهدات
الشديدة اذا شرعوا يف سري عامل االمر بعد قطع بوادي صورة عامل اخللق ووقعوا يف
االجنذاب القليب وااللتذاذ الروحي كثريا ما يقنعون هبذا االجنذاب ويكتفون هبذا االلتذاذ
ومظنة ال مكانية عامل االمر تكون ممدة هلم يف تلك املعاملة وشائبة المثلية هذا العامل
متنعهم عن الالمثلي احلقيقي حت قال واحد من السالكني يف هذا املقام عبدت الروح
ثلثني سنة معتقدا ابنه احلق سبحانه و تعاىل وقال آخر ان سر االستواء وظهور تنزيه ما
- 406 -
فوق العرش من املعارف الغامضة وقد علم من البيان السابق ان ذلك التنزيه داخل يف
دائرة االمكان بل هو تشبيه يف احلقيقة يف صورة التنزيه خبالف أكابر هذه الطريقة العليا
فاهنم يشرعون من مقام اجلذبة ويرتقون مبدد االلتذاذ وهذا االجنذاب وااللتذاذ يف حقهم
مبثابة الرايضات واجملاهدات يف حق غريهم فما هو مانع عن الوصول لغريهم ممد ومعاون
هلؤالء االكابر وهم يتصورون مكانية عامل االمر عني املكانية فيتوجهون منه اىل الالمكاين
احلقيقي ويعتقدون المثلية ذلك العامل عني املثلية ويرتقون منه اىل الالمثلي احلقيقي فال
جرم اهنم ال يفتنون بغرور الوجد واحلال وال يغبنون جبوز هذا الطريق وموز االشباه
واالمثال كاالطفال وال يباهون برتهات الصوفية وال يفتخرون بشطحيات املشائخ بل هم
متوجهون اىل االحدية الصرفة ال يبغون من االسم والصفة غري الذات املقدسة (وينبغي)
أن يعلم أن هذا العروج الذي مر ذكره خمصوص مبحمدي املشرب التام االستعداد له
نصيب كامل من كماالت اجلواهر اخلمس اليت يف عامل األمر صغريه وكبريه وكذلك له
حظ وافر من اصول هذه اخلمس اعين ظالل االمساء الواجبية وكذلك من اصول هذه
الظالل اعين مقام االمساء والصفات (وامنا) قلت التام االستعداد النه كثريا ما يكون يف
الظاهر حممدي املشرب و يكون له نصيب من كماالت االخفى الذي هو هناية مراتب
عامل األمر ولكنه ال يتم معاملة االخفى وال ينتهي اىل نقطته االخرية بل يبقى يف ابتدائه
او وسطه فاذا كان له قصور يف االخفى يكون له قصور يف اصوله أيضا مبقداره فال
يتمكن من امتام معاملته وكذلك احلكم يف االربع الباقية من عامل االمر حيث ان اتمية
االستعداد يف كل مرتبة مربوطة ابلوصول اىل النقطة االخرية من تلك املرتبة والوقوف يف
االبتداء والوسط ينبئ عن النقصان ولو كان القصور يف الوصول اىل النهاية مقدار شعرة
{شعر}:
وما قل هجران احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف العني ضائر
ويسري هذا القصور اىل االصول واصول االصول و يكون مانعا عن الوصول اىل
املطلب (وامنا) قلت ان هذا العروج خمصوص مبحمدي املشرب الن غري حممدي املشرب
- 407 -
منهم من يكون كماله مقصورا على الدرجة األوىل من درجات الوالية واملراد ابلدرجة
األوىل مرتبة القلب ومنهم من يكون كماله مقصورا على الدرجة الثانية من درجات الوالية
اليت هي مقام الروح ومنهم من تكون هناية عروج كماله اىل الدرجة الثالثة أعين مقام السر
ومنهم من تكون هناية عروج كماله اىل الدرجة الرابعة أعين مقام اخلفي والدرجة األوىل هلا
مناسبة بتجلي صفات االفعال وللدرجة الثانية بتجلي الصفات الثبوتية وللدرجة الثالثة
بتجلي الشؤن واالعتبارات الذاتية وللدرجة الرابعة ابلصفات السلبية اليت هي مقام التنزيه
والتقديس (وكل) درجة من درجات الوالية حتت قدم نيب من االنبياء أويل العزم فالدرجة
األوىل منها حتت قدم آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم وربه صفة التكوين اليت هي
منشأ صدور االفعال (والدرجة) الثانية حتت قدم ابراهيم ويشاركه يف هذا املقام نوح
عليهما السالم ورهبما صفة العلم اليت هي أمجع الصفات الذاتية (والدرجة) الثالثة حتت
قدم موسى عليه السالم وربه من مقامات الشؤانت شأن الكالم (والدرجة) الرابعة حتت
قدم عيسى عليه السالم وربه من الصفات السلبية ال من الثبوتية فاهنا موطن التقديس
والتنزيه وأكثر املالئكة الكرام يشاركون عيسى على نبينا وعليه السالم يف هذا املقام
والشأ ن العظيم حاصل هلم يف هذا املقام (والدرجة) اخلامسة حتت قدم خامت الرسل عليه
وعليهم الصالة و السالم وربه صلى هللا عليه وسلم رب االرابب الذي هو جامع مجيع
الصفات والشئوانت والتقديسات والتنزيهات ومركز دائرة هذه الكماالت ويناسب التعبري
عن هذا الشأن اجلامع يف مرتبة الصفات والشؤانت بشأن العلم لكون هذا الشأن عظيم
الشأن جامعا جلميع الكماالت وهبذه املناسبة صارت ملته صلّى هللا عليه و سلّم ملة
ابراهيم عليه السالم وقبلته قبلته (ينبغى) أن يعلم أن تفاضل االقدام يف الوالية ليس
ابعتبار تقدم الدرجات وأتخرها حت يكون صاحب األخفي افضل من غريه و على هذا
القياس بل ابعتبار القرب من االصل والبعد عنه وطي منازل درجات الظالل كثرة وقلة
فعلي هذا جيوز أن يكون صاحب القلب ابعتبار القرب من االصل افضل من صاحب
االخفي الذي مل حيصل له القرب من االصل كيف ووالية النيب اليت يف الدرجة االخرية من
- 408 -
درجا ت الوالية أفضل قطعا من والية اليت يف الدرجة الفوقانية (وال خيفي) أن سلوك
اللطائف ابلرتتيب املذكور أعين االنتقال من القلب اىل الروح ومن الروح اىل السر ومن
السر اىل اخلفي ومن اخلفي اىل االخفى خمصوص ايضا مبحمدي املشرب فانه يتم سري
هذه اخلمس من عامل االمر ابلرتتيب مث يسري يف اصوهلا ويتم السلوك بعد السري يف اصول
االصول مراعيا هلذا الرتتيب وهذا الطريق ابلرتتيب املذكور طريق سلطاين للوصول وصراط
مستقيم ملتوجهي االحدية خبالف والايت أخر وكان فيها نقبت نقبة من كل درجة اىل أن
يصل اىل املطلوب مثال نقبت نقبة من مقام القلب اىل أن تصل اىل صفات االفعال اليت
هي أصل أصله وكذلك نقبت نقبة من مقام الروح اىل الصفات الذاتية و على هذا
القياس والشك ان أفعاله تعاىل وصفاته ليست منفكة عن ذاته تعاىل فان كان االنفكاك
فهو يف الظالل ففي ذلك املوطن للواصلني اىل االفعال والصفات نصيب من جتليات
الذات املنزهة عن املثال تعالت وتقدست أيضا كما تتيسر هذه الدولة لصاحب االخفى
بعد امتام االمر وان كان التفاوت ابعتبار العلو والسفل ابقيا وادعاء صاحب القلب
املساواة لصاحب االخفى غري موجه (وال تغلطن) يف هذا املقام واعلم ان هذه التفاوت
امنا هو متصور فيما بني اال ولياء ألن صاحب الوالية القلبية أدون من صاحب الوالية
االخفوية بعد وصول كليهما اىل مرتبة الكمال وأما فيما بني األولياء واالنبياء فمفقود الن
والية نيب ولو كانت انشئة من مقام القلب أفضل من والية ويل ولو كانت انشئة من
مقام االخفى ولو كان ذلك ممن امت االمر وسر ذلك ان صاحب الوالية حتت قدم نيب
تلك الوالية دائما اي والية كانت قال هللا تعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني اهنم
هلم املنصورون وان جندان هلم الغالبون نعم ان هذا التفاوت فيما بني االنبياء بعضهم
ببعض متصور وصاحب العليا منهم أفضل من صاحب السفلى ولكن هذا التفاوت فيما
بني االنبياء عليهم السالم أيضا اىل آخر دوائر كماالت عامل االمر وليس التفاضل بعده
مربوطا ابلعلو والسفل بل ميكن ان يكون صاحب السفل يف ذلك املوطن أفضل من
صاحب العلو كما شاهدان التفاوت يف ذلك املوطن بني موسى و عيسى على نبينا
- 409 -
وعليهما الصالة و السالم فان موسى جسيم مثة ذو شأن عظيم ليس لعيسى فيه تلك
اجلسامة والشأن فعلمنا ان التفاوت يف ذلك املوطن ابمر آخر وراء ذلك العلو والسفل
وسأبينه بعد مفصال ان شاء هللا تعاىل حبسن توفيقه وكمال منّه و كرمه تعاىل وكذلك
وجدان فيه التفاوت بني خليل الرمحن وبني سائر االنبياء غري خامت الرسل عليهم الصالة و
السالم يف الكماالت اليت هلا تعلق حبقيقة الكعبة الرابنية اليت هي فوق مجيع احلقائق
البشرية وامللكية فان للخليل مثة شأان عظيما ومرتبة رفيعة مل يتيسر الحد ذلك الشأن
والرتبة ويف ذلك املقام املناسب ملقام ظهور سرادقات العظمة والكربايء كماالت مركز
ذلك املقام الذي هو مقام االمجال نصيب خامت الرسل والباقي املفصل كله مسلم للخليل
وكل من سواه من االنبياء وكمل االولياء طفيليه هناك (وكان) النيب صلّى هللا عليه و سلّم
طلب تفصيل ذلك االمجال حيث سأل صالة وبركة مشاهبتني بصالة ابراهيم على نبينا
وعليه الصالة و السالم وبركته (وقد ظهر) هلذا الفقري ان ذلك التفصيل قد تيسر له أيضا
بعد مضي ألف سنة واستجيب مسؤله واحلمد هلل على ذلك و على مجيع نعمائه
وكماالت ذلك املقام العايل فوق كماالت الوالية وفوق كماالت النبوة والرسالة وكيف ال
تكون فوقها فان تلك احلقيق ة مسجود اليها لالنبياء الكرام واملالئكة العظام عليهم
الصالة و السالم وما كتبه هذا الفقري يف رسالة املبدإ واملعاد أن احلقيقة احملمدية عرجت
من مقامها وانتهت اىل حقيقة الكعبة اليت فوقها واحتدت هبا وعرض للحقيقة احملمدية
اسم احلقيقة االمحدية كانت تلك احلقيقة أعين حقيقة الكعبة ظال من ظالل هذه احلقيقة
قد ظن قبل ظهور هذه احلقيقة حقيقة ويقع هذا االشتباه كثريا ويظن الظل قبل ظهور
االصل أصال و يسمى حقيقة ومن ههنا يظهر املقام الواحد مرات وسره ان ظهورات
ذلك املقام ابعتبار ظالل املقام وحقيقة ذلك املقام يف احلقيقة هي ما ظهرت يف املرتبة
االخرية (فان قيل) من اين يعلم ان هذه املرتبة هي املرتبة االخرية من مراتب ظهوراته حت
يعلم اهنا هي احلقيقة (قلت) ان حصول العلم بظلية الظهورات السابقة شاهد عدل
آلخرية هذا الظهور فان هذا العلم مل يكن حاصال وقت الظهورات السابقة بل كان يرى
- 410 -
كل ظهور حقيقة وما كان يظن شئ منها ظال أصال وان مل يعلم ان اختالف هذه
احلقائق من اين جاء فافهم (أيها الولد) قد علم من املعارف السباقة ان الكماالت
املتعلقة بعامل االمر مقدمات ومعارج للكماالت املتعلقة بعامل اخللق والكماالت األوىل
ليست خبالية عن الظلية وخمصوصة مبقامات الوالية والكماالت الثانية مربأة عن شائبة
الظلية املناسبة لظهورات هذه النشأة الدنيوية وفيها نصيب كامل من مقامات النبوة
فتكون الطريقة واحلقيقة اللتان مربوطان ابلوالية خادمتني للشريعة اليت هي انشئة من مقام
النبوة وتكون الوالية سلما لعروج النبوة (فعلم) من هذا البيان ان السري الذي اختاره
االكابر النقشبندية قدس هللا أسرارهم العلية الذي ابتدأوه من عامل االمر أوىل وانسب الن
الرتقي ينبغي ان يكون من االدىن الذي هو عامل االمر اىل االعلى الذي هو عامل اخللق ال
من االعلى اىل االدىن وما العالج فان هذا املعمى مل ينكشف لكل احد بل نظر
االكثرون اىل الصورة وظنوا عامل اخللق أدىن فشرعوا يف االرتقاء من االدىن اىل االعلى
الصوريني ومل يدروا ان حقيقة احلال على عكس هذا املنوال وان ما ظنوه أدىن يف احلقيقة
هو االعلى وما زعموه أعلى هو ادىن نعم ان النقطة االخرية اليت هي عامل اخللق وقعت
قريبة من النقطة األوىل اليت هي أصل االصل وهذا القرب مل يتيسر لنقطة أخرى {ع}:
أحق اخللق ابلكرم العصاة
و هذه املشاهدة مقتبسة من مشكاة النبوة وأرابب الوالية قليلوا النصيب من هذه
املعرفة وشروع االنبياء عليهم الصالة و السالم كان من عامل االمر واهنم وردوا من احلقيقة
اىل الشريعة غاية ما يف الباب أن يف كمل االولياء الذين وقع سريهم موافقا لسري االنبياء
يف االبتداء صورة الشريعة ويف الوسط الطريقة واحلقيقة املتعلقتان ابلوالية املناسبتان لعامل
االمر ويف النهاية حقيقة الشريعة اليت هي مثرة النبوة (فتقرر) من هذا أن حصول الطريقة
مقدم على حصول حقيقة الشريعة فكانت بداية االولياء الكاملني وبداية االنبياء املرسلني
من احلقيقة وهناية كل منهما اىل الشريعة فال معن لقول من قال ان بداية االولياء هناية
االنبياء واراد ببداية االولياء وهناية االنبياء الشريعة الغراء نعم ان هذا املسكني ملا مل يطلع
- 411 -
على حقيقة احلال تكلم هبذا الشطح ومل يبال (وهذه) املعارف وان مل يتكلم هبا أحد بل
ذهب االكثرون اىل عكسها واستبعدوها عن االدراك ولكن اذا الحظ منصف جانب
عظمة االنبياء عليهم السالم واستولت عليه عظمة الشريعة حيتمل أن يقبل هذه املعارف
الغامضة وجيعل هذا القبول وسيلة اىل زايدة اميانه (أيها الولد) ان االنبياء عليهم الصالة و
السالم اقتصروا دعوهتم على عامل اخللق بين االسالم[ ]1على مخس احلديث صريح يف هذا
وملا كانت مناسبة القلب بعامل اخللق أزيد دعوه أيضا ابلتصديق ومل يتكلموا فيما وراء
القلب بل جعلوه كاملطروح يف الطريق ومل يعدوه من املقاصد نعم ينبغي أن يكون كذلك
فان تنعمات اجلنة وآالم النار ودولة الرؤية واحلرمان عنها كلها مربوطة بعامل اخللق ال تعلق
لشئ منها بعامل االمر أصال (وأيضا) ان اتيان العمل الفرض والواجب والسنة متعلق
ابلقالب الذي هو من عامل اخللق وما هو نصيب عامل االمر من االعمال هو النافلة
والقرب الذي هو مثرة أداء االعمال امنا يكون على مقدار االعمال اليت هي مثرهتا فال
جرم يكون القرب الذي هو مثرة اداء الفرائض نصيب عامل اخللق والقرب الذي هو مثرة
اداء النوافل نصيب عامل االمر وال شك انه ال اعتداد ابلنفل وال اعتبار له ابلقياس على
الفرض وليت له حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط بل هذه النسبة للنفل ابلقياس على
السنة وان كانت نسبة ما بني السنة والفرض كنسبة القطرة اىل البحر فينبغي ان يقيس
تفاوت ما بني القربني على هذا وان يعلم مزية عامل اخللق على عامل االمر من هذا التفاوت
وأكثر اخلالئق ملا مل يكن هلم نصيب من هذا املعن صاروا خيربون الفرائض وجيتهدون يف
ترويج النوافل والصوفية الناقصون يعتقدون الذكر والفكر من أهم املهمات ويتساهلون يف
اتيان الفرائض والسنن وخيتارون االربعينات اتركني للجمع واجلماعات وال يعلمون أن أداء
فرض واحد مع اجلماعة أفضل من ألوف من أربعيناهتم نعم ان الذكر والفكر مع مراعاة
اآلداب الشرعية أفضل وأهم والعلماء القاصرون أيضا يسعون يف ترويج النوافل وخيربون
الفرائض ويضيعوهنا ومن ذلك صالة العاشوراء مثال ومل يصح[ ]1عن النيب صلّى هللا عليه
و سلّم أنه كان يصليها مع اجلماعة واجلمعية التامة واحلال أهنم يعلمون أن الرواايت
الفقهية انطقة بكراهة اجلماعة يف النافلة وهم يتكاسلون يف أداء الفرائض على حد قلما
يوجد منهم من يؤدي الفرض يف وقته املستحب بل رمبا يفوتونه عن أصل وقته وال
يتقيدون ابجلماعة كثري تقيد ويقنعون يف اجلماعة بشخص أو بشخصني بل رمبا يكتفون
ابالنفراد فاذا كانت معاملة مقتدى أهل االسالم هذه فما تقول يف غريهم من العوام ومن
شؤم هذه االفعال وسوء االعمال ظهر الضعف يف االسالم ومن ظلمة هذه املعاملة
وكدورة األحوال ظهرت البدعة بني االانم {شعر}:
بثثت لديكم من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري
وايضا أن أداء النوافل امنا يعطى قرب ظل من الظالل وأداء الفرائض يعطى قرب
االصل الذي ليس فيه شائبة الظلية اال أن النفل اذا أدى الجل تكميل الفرائض فحينئذ
يكون ذلك ايضا ممدا ومعاوان حلصول قرب االصل وملحقا ابلفرائض فيكون أداء
الفرائض ابلضرورة مناسبا لعامل اخللق الذي هو متوجه وانظر اىل االصل واداء النوافل
مناسبا لعامل االمر الذي هو انظر اىل الظل والفرائض وان كانت كلها مورثة للقرب ولكن
أفضلها وأكملها الصالة ولعلك مسعت ان الصالة[ ]2معراج املؤمن وأقرب[ ]3ما يكون
العبد من الرب يف الصالة والوقت اخلاص الذي كان للنيب صلّى هللا عليه و سلّم حيث
عرب عنه بقوله يل مع هللا وقت احلديث هو عند الفقري يف الصالة والصالة هي املكفرات
( )1قوله (ومل يصح عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم اخل) قال ابن رجب احلنبلي روى ابو موسى املدين من حديث ايب
موسى مرفوعا هذا يوم اتب هللا فيه على قوم فاجعلوه صالة وصوما يعين عاشوراء وقال حسن غريب وليس كمال
انتهى اي ليس حبسن قلت قد ذكروا يف صالة يوم عاشوراء غري ذلك وهو ابطل ايضا وكذلك صلوات ليلة الرباءة
والرغائب وسائر ليايل رجب كلها ابطلة ال اصل هلا كما حققه احملققون.
( )2قيل مل يوجد له اصل
( )3قوله (اقرب ما يكون اخل) أخرجه مسلم وابو داود والنسائي عن ايب هريرة رضي هللا عنه بلفظ اقرب ما يكون العبد
من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء وابن النجار عن عائشة والطرباين والبزار عن ابن مسعود مبعناه اه
- 413 -
للسيئات والصالة هي اليت تنهى عن الفحشاء واملنكرات والصالة هي اليت كان النيب
صلّى هللا عليه و سلّم يطلب راحته فيها حيث كان يقول أرحين[ ]1اي بالل الصالة هي
اليت عماد الدين والصالة[ ]2هي اليت صارت فارقة بني االسالم والكفر (ولنرجع) اىل
أصل الكالم ولنقل من مزية عامل اخللق على عامل االمر اعلم ان عامل االمر قد انل هنا
يعين يف النشأة الدنيا حظا وافرا وحصل املشاهدة وستقع املعاملة غدا يف اجلنة على عامل
اخللق وتتيسر له رؤية بال كيف ومع ذلك أن متعلق املشاهدة ظل من ظالل الوجوب
واملرئي يف اآلخرة واجب الوجود فالفرق الذي بني املشاهدة والرؤية والظلية واالصالة هو
فرق ما بني عامل اخللق وعامل االمر (واعلم) ان املشاهدة مثرة الوالية والرؤية مثرة النبوة
وتتيسر لعامة أتباع االنبياء عليهم الصالة و السالم ومن ههنا يعرف التفاوت بني الوالية
والنبوة ايضا.
{تنبيه} كل عارف مناسبته لعامل االمر ازيد يكون قدمه يف كماالت الوالية أزيد
والذي مناسبته لعامل اخللق اكثر فقدمه يف كماالت النبوة اوفر ومن ههنا كان لعيسي عليه
السالم قدم أزيد يف الوالية وملوسى عليه السالم قدم أزيد يف النبوة فان جانب االمر
غالب يف عيسى عليه السالم وهلذا صار ملحقا ابلروحانيني وجانب اخللق غالب يف
موسى عليه السالم وهلذامل يكتف ابملشاهدة بل طلب رؤية بصر (وهذا) هو سبب
تفاوت اقدام االنبياء عليهم السالم يف كماالت النبوة الذي كنت وعدت بيانه فيما تقدم
ال علو بعض اللطائف وسفله الذي هو معترب يف تفاوت كماالت الوالية وهللا سبحانه
امللهم للصواب (ايها الولد) ان تعلق علوم النبوة اليت هي الشرائع واالحكام ابلقالب ملا
كان أزيد وكانت مناسبة االنبياء عليهم الصالة و السالم لعامل اخللق أكثر واوفر ظنوا من
( )1قوله (ارحين اي بالل) الدار قطين يف العلل من حديث بالل واليب داود وحنوه عن رجل من الصحابة مل يسم ابسناد
صحيح ذكره العراقي يف ختريج احاديث االحياء
( )2وكأنه اشارة اىل ما دار على االلسنة من قول الفارق بني املؤمن والكافر هو الصالة ومل ار من خرجه وقد ورد ما
معناه من قوله عليه السالم من ترك ا لصالة متعمدا فقد كفر اخرجه البزار من حديث ايب الدرداء واخرجه الطرباين من
حديث انس بزايدة لفظ جهارا يف آخره قال اهليتمي رجاله موثوقون انتهى من شرح االحياء ملخصا.
- 414 -
ذلك أن النبوة عبارة عن النزول اىل دعوة اخللق بعد العروج اىل مقامات القرب اليت تتعلق
ابلوالية ومل يعلموا أن هناية العروج وغاية القرب يف هذا املوطن والقرب احلاصل فيما سبق
كان ظال من ظالل هذا القرب الذي يتصور بصورة البعد والعروج الذي تيسر اوال كان
عكسا من عكوس هذا العروج الذي يرى يف الظاهر نزوال اال ترى أن مركز الدائرة أبعد
النقطة ابلنسبة اىل حميط الدائرة واحلال أنه ال نقطة يف احلقيقة أقرب اىل احمليط من نقطة
املركز الن احمليط تفصيل تلك النقطة االمجالية وهذه النسبة مل تتيسر لنقطة أخرى والعوام
الذين اقتصر نظرهم على الصورة ال يقدرون على وجدان هذا القرب وادراكه فيحكمون
اببعدية تلك النقطة ويزعمون احلكم ابقربيتها جهال مركبا وحيمقون احلاكم هبذا احلكم
وجيهلونه وهللا املستعان على ما يصفون (ينبغي) أن يعلم أن املطمئنة تعرج عن مقامها
بعد حصول شرح الصدر الذي هو من لوازم كماالت الوالية الكربى وترتقي اىل ختت
الصدر وحيصل هلا هناك التمكني و السلطنة وتستويل على ممالك القلب وختت الصدر
هذا يف احلقيقة فوق مجيع مقامات عروج مرتبة الوالية الكربى وينفذ نظر الصاعد اىل هذا
التخت اىل ابطن البطون ويسري اىل غيب الغيب نعم ان الشخص اذا صعد اىل ارفع
االمكنة ينفذ بصره اىل ابعد االبعاد وبعد متكني هذه املطمئنة خيرج العقل ايضا من مقامه
ويلحق هبا وينضم اليها ويعرض له حينئذ اسم عقل املعاد وتتوجه كالمها ابالتفاق بل
ابالحتاد اىل شغلهما (ايها الولد) ان هذه املطمئنة ال يبقى فيها امكان املخالفة وجمال
الطغيان بل هي متوجهة اىل املطلوب بكليتها ومشغوفة ابملقصود بتماميتها ال مهة هلا غري
حتصيل رضا رهبا وال مطلوب هلا سوى طاعته وعبادته تعاىل سبحان هللا ان االمارة اليت
كانت اوال شر مجيع اخلالئق صارت بعد االطمئنان وحصول رضاء حضرة الرمحن رئيس
لطائف عامل االمر ورأس كافة االقران نعم قد قال املخرب الصادق عليه الصالة و السالم
خياركم[ ]1يف اجلاهلية خياركم يف االسالم اذا فقهوا فان وقعت بعد ذلك صورة اخلالف
والبغي فمنشؤها اختالف طبائع العناصر االربعة اليت هي اجزاء القالب فان كانت قوة
( )1قوله (خياركم يف اجلاهلية احلديث) رواه الشيخان عن ايب هريرة رضي هللا عنه.
- 415 -
غ ضبية فناشئة من هناك وان كانت شهوية فهي ايضا اثئرة من هناك وان حرصا وشرها
فقائمان من هناك وان خسة ودانئة فمنبعثتان من هناك اال ترى ان سائر احليواانت
ليست فيهن هذه النفس االمارة ومع ذلك فيهن هذه االوصاف الرذيلة ابلوجه االمت
واالكمل فيمكن أن يكون املراد ابجلهاد االكرب حيث قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم
رجعنا من اجلهاد االصغر اىل اجلهاد االكرب اجلهاد مع القالب ال اجلهاد مع النفس كما
قيل الن النفس قد بلغت حد االطمئنان وصارت راضية مرضية فال تتصور منها صورة
املخالفة والبغي حت حيتاج اىل اجلهاد وصورة اخلالف والبغي من اجزاء القالب عبارة عن
ارادة ترك األوىل وارتكاب االمور املرخصة وترك العزمية ال ارادة ارتكاب احملرمات وترك
الفرائض والواجبات فان هذه االشياء صارت يف حقها نصيب االعداء (أيها الولد) ان
كماالت العناصر االربعة وان كانت فوق كماالت املطمئنة كما مر ولكن بواسطة
مناسبتها ملقام الوالية وصريورهتا ملحقة بعامل االمر صاحبة سكر ويف مقام االستغراق فال
جرم ال يبقى فيها جمال املخالفة وحيث كانت مناسبة العناصر مبقام النبوة أزيد كان
الصحو غالبا فيها فبالضرورة تبقى فيها صورة املخالفة الجل حتصيل بعض املنافع والفوائد
املربوطة هبا فافهم (ينبغي) أن يعلم أن منصب النبوة كان خمتوما خبامت الرسل عليه و على
آله الصالة و السالم ولكن التباعه صلّى هللا عليه و سلّم نصيب كامل من كماالت
ذلك املنصب ابلتبعية وهذه الكمالت كانت يف طبقة االصحاب أزيد منها يف غريها
وسرت هذه الدولة ايضا على سبيل القلة اىل التابعني وتبع التابعني مث شرعت بعدهم يف
االختفاء واالستتار وانتشرت كماالت الوالية الظلية وغلبت وشاعت ولكن املرجو ان
تتجدد هذه الدولة املسترتة بعد مضي االلف وحيصل هلا الغلبة والشيوع وان تظهر
الكماالت االصلية وتسترت الظلية وان يكون املهدي عليه الرضوان مروج هذه النسبة
العلية (ايها الولد) ان التابع الكامل للنيب عليه و على آله الصالة و السالم اذا امت
كماالت مقام النبوة ابلتبعية فان كان من اهل املناصب يشرف مبنصب االمامة واذا امت
كماالت الوالية الكربى فان كان من اهل املنصب يشرف مبنصب اخلالفة واملناسب
- 416 -
ملنصب ا المامة يف مقام الكماالت الظلية منصب قطب االرشاد واملناسب ملنصب
اخلالفة منصب قطب املدار وكان هذين املقامني التحتانيني ظل ذينك املقامني الفوقانيني
والغوث عند الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره هو عني قطب املدار وليست الغوثية
عنده منصبا على حدة وما هو معتقد الفقري ان الغوث غري قطب املدار والقطب يستمد
منه يف بعض االمور وله دخل أيضا يف نصب مناسب االبدال ذلك فضل هللا يؤتية من
يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (تذييل) ان العلوم واملعارف املناسبة ملقام النبوة وواليتها
شرائع االنبياء عليهم الصالة و السالم وملا كان يف النبوة تفاوت اقدام االنبياء ظهر
االختالف أيضا يف الشرائع مبقدار ذلك التفاوت واملعارف املناسبة ملقام والية االولياء
شطحيات املشائخ والعلوم املخربة عن التوحيد واالحتاد املنبئة عن االحاطة والسراين
املورثة لعالمة القرب واملعية املشعرة ابملرآتية والظلية املثبتة للشهود واملشاهدة وابجلملة ان
معارف االنبياء كتاب وسنة ومعارف االولياء فصوص وفتوحات مكية {ع}:
وقس من حال بستاين ربيعي
والية االولياء تطلب قرب احلق ووالية االنبياء تبدي اقربيته تعاىل والية االولياء
تدل على الشهود ووالية االنبياء تثبت النسبة اجملهولة الكيفية والية االولياء ال تعرف
االقربية إ ّهنا ما هي وال تدري اجلهالة واحلرية اهنا اي شئ هي ووالية االنبياء مع وجود
االقربية ترى القرب عني البعد وتعد الشهود عني الغيب {ع}:
يطول اذا ما قلت تفصيل شرحه
(ايها) الولد قد أطنبت يف بيان كماالت النبوة ومزيتها على الوالية والفرق بني
الوالايت الثالث أعين الصغرى والكربى والعليا وبيان املعارف املناسبة لكل منها واحملال
املتعلقة بكل منها وأدرجت يف بيان هذا املعن فقرات مكررة ومتكثرة وأطلت يف ذلك
ذيل الكالم رجاء أن خيرج عن استبعاد االفهام من كمال غرابته وأن يتخلص من مظان
االنكار وهذه العلوم كشفية ضرورية ال استداللية ونظرية وذكر بعض املقدمات امنا هو
للتنبيه والتقريب اىل افهام العوام بل للتشريح والتوضيح الجل ادراك خواص االانم (هذا)
- 417 -
هو الطريق الذي جعل احلق سبحانه و تعاىل هذا احلقري ممتازا به من بدايته اىل هناية
أساسه النسبة النقشبندية امل تضمنة الندراج النهاية يف البداية قد بنيت على هذا االساس
عمارات وقصور فان مل يكن هذا االساس ملا زادت املعاملة وما انتهت اىل هنا قد أتوا
ابلبذر الذي أصله من تراب يثرب وبطحاء من خبارى ومسرقند وزرعوه يف ارض اهلند
وسقوه مباء الفضل سنني وربوه برتبية االحسان فلما ادرك ذلك الزرع وبلغ كماله امثر هذه
العلوم واملعارف احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت
رسل ربنا ابحلق (وينبغي) ان يعلم ان سلوك هذا الطريق العايل برابطة احملبة للشيخ
املقتدى به الذي سار يف هذا الطريق ابلسري املرادي وانصبغ بقوة اجلذبة هبذه الكماالت
وصاحب هذه الكماالت امام الوقت وخليفة الزمان نظره شفاء االمراض القلبية وتوجهه
رافع العلل املعنوية االقطاب والبدالء فرحون بظالل مقاماته واالواتد والنجباء قانعون
بقطرة من حبار كماالته نور هدايته وارشاده فائض على مجيع االشخاص كنور الشمس
بال ارادته فكيف اذا اراد ان مل تكن ارادته يف اختياره فانه كثريا ما يطلب االرادة ولكن ال
حتصل له تلك االرادة وال يلزم ان يعلم هذا املعن ويطلع عليه من يهتدون بنوره
ويسرتشدون بتوسله بل رمبا ال يعلمون أصل هدايتهم ورشدهم أيضا كما ينبغي ومع ذلك
يتحققون بكماالت الشيخ املقتدى به ويهدون العامل فان العلم ابالحوال ال يعطاه كل
أحد ومعرفة تفصيل سري املقامات ال مينحها مجيع االشخاص نعم ان الشيخ الذي نيط
بوجوده الشريف مدار بناء طريق خمصوص من طرق الوصول صاحب علم ألبتة وصاحب
شعور بتفاصيل السري ويكتفي غريه بعلمه ويصلون بتوسطه اىل مرتبة الكمال والتكميل
ويشرفون ابلفناء والبقاء {شعر}:
ليس على هللا مبستنكر * أن جيمع العامل يف واحد
افادتنا واستفادتنا انعكاسية وانصباغية ينصبغ املريد بصبغ الشيخ املقتدى به ساعة
فساعة بواسطة حمبته له ويتنور ابنواره بطريق االنعكاس فالي شئ حيتاج يف هذه الصورة
اىل العلم ابالحوال يف االفادة واالستفادة اال ترى ان اخلربزة تدرك حبرارة الشمس ساعة
- 418 -
فساعة وتبلغ مرتبة الكمال مبرور االايم فمن اين يلزم ان يكون هلا علم ابدراكها ومن اين
يلزم للشمس أن تعلم ابهنا سبب ادراكها نعم ان العلم الجل السلوك والتسليك
االختيا ري الزم ولكنه مربوط بسالسل أخر واما يف طريقنا اليت هي طريقة االصحاب
الكرام عليهم الرضوان فالعلم ابلسلوك والتسليك ليس بالزم اصال وان كان الشيخ
املقتدى به الذي هو راعي هذه الطريقة موصوفا بكمال العلم ومتحققا بوفور املعرفة فال
جرم يكون االحياء واألموات والصبيان واالشياخ والشبان والكهول متساوين يف هذا
الطريق العايل يف حق الوصول الهنم يصلون اىل منتهى املقاصد اما برابطة احملبة أو بتوجه
صاحب دولة ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (ولكن ينبغي) ان
يعلم ان املنتهى وان مل يكن صاحب علم ولكن البد له من ظهور اخلوارق ورمبا ال يكون
له اختيار يف ذلك الظهور بل كثريا ما ال يكون له علم بظهورها بل يرى الناس منه
اخلوارق وليس له اطالع عليها (وما قلت) ان املنتهى وان مل يكن صاحب علم املراد بعدم
العلم عدم علم بتفصيل االحوال ال عدم العلم مطلقا حبيث ال يفهم احواله اصال كما
مرت االشارة اليه ونور هدايته املذكور يسري اىل مريديه بال واسطة أو بواسطة أو بوسائط
ما مل تلوث طريقته املخصوصة بلوث التغيريات والتبديالت ومل خترب ابحلاق املخرتعات
واملبتدعات هبا ان هللا ال يغري ما بقوم حت يغريوا ما أبنفسهم والعجب من قوم يزعمون
هذه التبديالت تكميالت هذه الطريقة ويتصورون تلك االحلاقات تتميمات هذه النسبة
وال يعلمون ان تكميل هذا االمر وتتميمه ليس لكل قاصر وانقص واالحلاق واالخرتاع
ليس يف حوصلة كل خايل الظرف هزار نكته ابريكرت زمو اينجاست * نه هر كه سر
برتاشد قلندري داند قد سرتوا نور السنة السنية بظلمات البدع وضيعوا رونق امللة
املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية بكدورات االمور املخرتعة واعجب
من هذا ظن قوم هذه احملداثت امورا مستسحنة وزعمهم تلك املبتدعات حسنات
مستملحة فيطلبون هبا تكميل الدين وتتميم امللة ويرغبون يف إتيان تلك االمور ترغيبا كثريا
هداهم هللا سبحانه سواء الصراط امل يعلموا إن الدين كان كامال قبل هذه احملداثت
- 419 -
وكانت النعمة اتمة وكان رضاء احلق سبحانه حاصال كما قال هللا تعاىل اليوم أكملت
لكم دينكم وامتمت عليكم نعميت ورضيت لكم االسالم دينا فطلب كمال الدين من هذه
احملداثت انكار يف احلقيقة على مقتضى هذه اآلية الكرمية {شعر}:
بثتت لديكم من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري
وقد أظهر العلماء اجملتهدون أحكام الدين ال اهنم احدثوا فيه ما ليس منه فال
تكون االحكام االجتهادية من االمور احملدثة بل من أصول الدين الن االصل الرابع هو
الق ياس (أيها الولد) اين قد كنت كتبت املعرفة املتعلقة بقطب االرشاد يف ابب االفادة
واالستفادة من رسالة املبدإ واملعاد ولكن ملا كانت هلا مناسبة هبذا املقام ومفيدة فيه
انسب كتابتها يف هذا املكتوب أيضا فليعترب من هنا ان قطب االرشاد الذي يكون
جامعا لكماالت الفردية أيضا عزيز الوجود جدا يظهر مثل هذا اجلوهر بعد قرون كثرية
وازمنة متطاولة وينور العامل الظلماين بنور ظهوره ونور هدايته وارشاده شامل جلميع العامل
كل من حيصل له الرشد واهلداية واالميان واملعرفة من حميط العرش اىل مركز الفرش امنا
حيصل من طريقه ويستفاد منه ال تتيسر هذه الدولة الحد بدون توسطه نوره حميط جلميع
العامل مثل البحر احمليط مثال وهذا البحر كأنه منجمد ال يتحرك اصال فالطالب الذي
متوجه اليه ومتخلص له او هو متوجه اىل الطالب كأنه تفتح وقت التوجه روزنة اىل قلب
الطالب فيصري هبذا الطريق رايان من ذلك البحر على قدر توجهه واخالصه وكذلك من
كان متوجها اىل ذكر هللا تعاىل ومقبال عليه ومل يكن متوجها اىل ذلك القطب أصال ال
من جهة االنكار عليه بل لعدم معرفته به أصال حيصل له مثل هذه االفادة لكنها يف
الصورة األوىل أزيد منها يف الصورة الثانية وأما من كان منكرا عليه أو هو متأذ منه فهو
وان كان مشغوال بذكر هللا تعاىل وتقدس ولكنه حمروم من حقيقة الرشد واهلداية وانكاره
هذا واذيته يصري سدة يف طريق فيضه وحقيقة اهلداية مفقودة فيه من غري أن يتوجه
القطب العظيم الشأ ن اىل عدم افادته ومنع استفادته وقصد ضرره بل فيه صورة الرشد
فقط والصورة اخلالية عن املعن قليلة النفع واجلدوى والذين فيهم حمبة ذلك القطب
- 420 -
واخالصه وان خلوا عن التوجه املذكور وذكر هللا تعاىل يصل اليهم نور اهلداية والرشد
بواسطة حمبتهم فقط ولتكن هذه املعرفة آخر املكتوب {شعر}:
أكتفي اذ ذاك يكفي االذكيا * صحت مرات ملن اصغى الندا
احلمد هلل رب العاملني الرمحن الرحيم أوال وآخرا والصالة و السالم على رسوله
حممد وآله وصحبه دائما وسرمدا.
{املكتوب احلادي والستون واملائتان اىل املري نعمان يف بيان فضائل الصالة
والكماالت املخصوصة هبا يف ضمن معارف عالية وحقائق سامية}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليكن معلوم االخ االعز أرشده هللا سبحانه
أن الصالة ركن اثن من االركان اخلمسة لالسالم وجامعة العبادات وهي وان كانت جزئية
ولكن حصلت هلا حكم الكلية من اجلامعية وصارت فوق مجيع مقرابت االعمال ودولة
الرؤية اليت كانت ميسرة لسيد العاملني عليه و على آله الصالة و السالم ليلة املعراج يف
اجلنة كانت ميسرة له بعد النزول اىل الدنيا يف الصالة مناسبة هلذه النشأة وهلذا قال عليه
الصالة و السالم الصالة معراج املؤمن وقال أيضا اقرب ما يكون العبد من الرب يف
الصالة ولكمل اتباعه عليه الصالة و السالم يف هذه النشأة حظ وافر من تلك الدولة يف
الصالة وان مل تكن رؤية فان هذه النشأة ال تطيقها فان مل أيمر هللا سبحانه ابلصالة فمن
كان يكشف النقاب عن وجه املقصود ومن كان يدل الطالب حنو املطلوب مورث اللذة
للمغمومني هو الصالة وموجب الراحة للمرضي يعين من امل البعد والفراق هو الصالة
أرحين اي بالل اشارة اىل هذا املعن وقرة عيين يف الصالة رمز من هذا املتمين وما تيسر من
االذواق واملواجيد والعلوم واملعارف واالحوال واملقامات واالنوار وااللوان والتليوانت
والتمكينات والتجليات املتكيفة وغري املتكيفة والظهورات املتلونة وغري املتلونة يف خارج
الصالة ومن غري ش عور حبقيقة الصالة منشاؤها كلها ظالل وامثال بل انشئة عن الوهم
واخليال واملصلي الذي له شعور حبقيقة الصالة كأنه خيرج من هذه النشأة الدنيا وقت اداء
- 421 -
الصالة ويدخل يف النشأة األخرى فال جرم ينال يف هذا الوقت نصيبا وافرا من دولة
خمصوصة ابآلخرة وحيصل حظا من االصل بال شائبة الظلية الن النشأة الدنيا مقصورة
عن الكماالت الظلية واملعاملة اخلارجة اخلالية عن الظلية خمصوصة ابآلخرة فالبد على
هذا من املعراج وهو الصالة يف حق املؤمنني وهذه الدولة خمصوصة هبذه االمة فاهنم امنا
شرفوا هبذه الدولة واستسعدوا هبذه السعادة تبعا لنبيهم عليه و على آله الصالة و السالم
وقد تشرف هو بدولة الرؤية حيث خرج من الدنيا اىل اآلخرة ودخل اجلنة ليلة املعراج
اللهم اجزه عنا ما هو أهله واجزه عنا أفضل ما جازيت نبيا عن أمته واجز االنبياء كلهم
خريا فاهنم دعاة اخللق اىل احلق سبحانه وهداهتم اىل لقاء هللا والذين مل يطلعوا على حقيقة
الصالة من هذه الطائفة ومل يقفوا على الكماالت املخصوصة هبا صاروا يطلبون معاجلة
أمراضهم من أمور أخر ويلتمسون حصول مراداهتم من اشياء شت بل زعمت طائفة منهم
الصالة بعيدة عن احلال وجعلوا مبناها على املغايرة واملباينة وغري ذلك من احملال وزعموا
ان الصوم أفضل من الصالة قال صاحب الفتوحات املكية ان يف الصوم الذي هو ترك
األكل والشرب حتققا بصفة الصمدانية ويف الصالة خروج اىل املغايرة واملباينة واشعار
ابلعابدية واملعبودية وهو كما ترى مبين على مسئلة التوحيد الوجودي الذي هو من أحوال
السكارى ومن عدم الش عور حبقيقة الصالة وفقد اخلرب عنه صار اجلم الغفري من هذه
الطائفة يطلبون تسكني اضطراهبم من السماع والنغمات والوجد والتواجد وطفقوا
يطالعون مطلوهبم من وراء حجب النغمات فال جرم جعلوا الرقص واحلركة ديدهنم مع اهنم
مسعوا حديث وما جعل هللا شفاءكم فيما حرم عليكم نعم الغريق يتعلق بكل حشيش
وحب الشئ يعمي ويصم فلو انكشفت هلم نبذة من حقيقة الصالة ووصلت اىل مشام
اذواقهم مشة منها ملا مالوا اىل السماع والنغمة اصال وملا ركنوا اىل الوجد والتواجد قطعا
{شعر}:
واذ مل يهتدوا هنج ال * حقائق قارفوا هزوا
(أيها االخ) بقدر ما يكون من الفرق بني الصالة والنغمات تتفاوت الكماالت
- 422 -
اليت منشؤها الصالة والكماالت اليت منشأوها النغمات العاقل تكفيه االشارة وهذا كمال
وجد بعد ألف سنة (وآخرية) ظهرت على صفة االولني ولوهنم ولعل النيب صلّى هللا عليه
و سلّم لذلك قال ال يدرى[ ]1أوهلم خري ام آخرهم ومل يقل ام أوسطهم حيث رأى
املناسبة بني اآلخر واالول أزيد منها بني االوسط واالول فصار ذلك حمل تردد وقال عليه
الصالة و السالم يف حديث آخر أفضل[ ]2أميت أوهلم وآخرهم وبينهما كدر نعم ان
متأخري هذه االمة وان كان فيهم علو النسبة ولكن اصحاهبا قليلون بل أقل ويف
املتوسطني وا ن مل تكن النسبة هبذا العلو لكن اصحاهبا كثريون بل أكثر ولكل وجهة كمية
وكيفية ولكن أقلية هذه النسبة بلغت املتأخرين اىل الدرجات العلى واورثتهم املناسبة
ابلسابقني و جعلتهم املبشرين قال صلى هللا عليه و على آله وسلم االسالم[ ]3بدا غريبا
وسيعود كما بدا فطوىب للغرابء احلديث وشروع[ ]4آخرية هذه االمة من بداية االلف
الثاين من ارحتال النيب صلّى هللا عليه و سلّم فان ملضي األلف خاصية عظيمة يف تغري
األمور وأتثري قوي يف تبدل االشياء وملا مل يكن يف ملة هذه االمة وسريهتا نسخ وتبديل
ظهرت نسبة السابقني بطراوهتا القدمية ونضارهتا السابقة يف املتأخرين ابلضرورة وحصل
( )1رواه الرتمذي عن انس وامحد عنه وعن عمارة وابو يعلى عن علي والطرباين عن ابن عمر واحلديث وان كان فيه
مقال ولكن كثرة طرقه تقويه حت متسك ابن عبدالرب ابمثاله يف تفضيل غري الصحابة عليهم واجاب عنه اجلمهور
بتوجيه مضمون احلديث ال بتضعيفه وقد مر .عفي عنه.
( )2قال خمرج االحاديث اشارة اىل ما رواه رزين عن جعفر الصادق عن ابيه عن جده كيف هتلك امة اان اوهلا واملهدي
اوسطها واملسيح آخرها ولكن بني ذلك فوج ليسوا مين وال اان منهم انتهى قلت روى ما يف الكتاب بعينه يف نوادر
االصول للحكيم الرتمذي عن ايب الدرداء بلفظ خري اميت اوهلا وآخرها ويف وسطها الكدر انتهى و اورد فيه احاديث
فانظر اليها ان شئت ان تطلع على حقيقة االمر .عفي عنه.
( )3يعين مبدأ اتصافهم ابآلخرية وشروعهم فيها منه عفي عنه.
( )4رواه مسلم وابن ماجة عن ايب هريرة والطرباين عن سلمان وابن ماجة ايضا عن انس وامحد وابن ماجة ايضا
والرتمذي وقال حسن صحيح غريب عن ابن مسعود وسعيد بن منصور عن سلمة بن نقيل وجابر والرافعي عن شريح
اخلضري واخلطيب وابن عساكر عن ايب الدرداء وايب امامة وواثلة وانس والبخاري يف التأريخ عن بالل ابن مرداس
مرسال وابن عساكر عن ابن عمر ذكره السيوطي يف مجع اجلوامع يف مادة ان االسالم بدئ قاله املخرج قلت ويف كنز
العمال ازيد من ذلك فلرياجع.
- 423 -
أتييد الشريعة وجتديد امللة يف االلف الثاين والشاهد العدل لصدق هذه الدعوى عيسى
على نبينا وعليه الصالة و السالم واملهدي عليه الرضوان يعين وجودمها يف هذا االلف
{شعر}:
لو جاء من فيض روح القدس من مدد * لغري عيسى لصنع مثل ما صنعا
(أيها االخ) ان هذا الكالم وان كان اليوم ثقيال على أكثر اخلالئق وبعيدا عن
افهامهم ولكنهم اذا انصفوا وقاسوا املعارف بعضها ببعض والحظوا صحة االقوال
وسقمها مبطابقتها العلوم الشرعية وعدم مطابقتها اايها ورأوا ان تعظيم الشريعة النبوية
وتوقريها يف أيتها أكثر لعلهم يتخلصون عن ورطة االستبعاد اال يرون ان الفقري قد كتب
يف كتبه ورسائله ان الطريقة واحلقيقة خادمتان للشريعة وان النبوة أفضل من الوالية ولو
كانت والية نيب وكتب أيضا أنه ال مقدار لكماالت الوالية يف جنب كماالت النبوة
أصال وليت هلا حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط وكتب امثال ذلك كثريا خصوصا يف
مكتوب كتب ابسم ولدي يف بيان الطريقة فليالحظوا هناك واملقصود من هذا القيل
والقال اظهار نعمة احلق سبحانه وترغيب طالب هذه الطريقة ال تفضيل نفسي على
اآلخرين ومعرفة هللا سبحانه حرام على من يرى نفسه أفضل من كفار االفرنج فكيف من
اكابر الدين {شعر}:
خليلي سيدي أعلى مقامي * ففقت به جنوما واهلالال
كأين بقعة فيها سحاب * الربيع ممطر ماء زالال
فلويل ألف السنة واثين * هبا ما ازددت اال االنفعاال
فان ظهر فيكم بعد مطالعة هذا املكتوب شوق تعلم اسرار الصالة وحتصيل بعض
كماالهتا املخصوصة وجعلكم هذا الشوق مضطراب تتوجه حنو هذه احلدود بعد
االستخارات وتصرف شطرا من العمر يف تعلم الصالة يعين اسرارها وهللا سبحانه اهلادي
اىل سبيل الرشاد و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله
الصالة و السالم.
- 424 -
{املكتوب الثاين والستون واملائتان اىل موالان حمب علي يف بيان ان ارتباط
النقشبندية حبية ونسبتهم انعكاسية وما يناسبه}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى حصل االبتهاج بورود الصحيفة
الشريفة املرقومة على وجه االلتفات وحيث كانت منبئة عن فرط احملبة وكمال االختصاص
أورثت ازدايد الفرح والسرور وقد اندرج فيها الكالم عن العهد السابق (أيها املخدوم)
انك على أي وضع كنت من االوضاع الشرعية ليس مبحل للمضايقة وال مستحقا به
للمعاتبة بشرط أن ال ينقطع حبل احملبة بل يتقوى يوما فيوما وبشرط أن ال تربد انئرة
االشتياق بل تزايد ساعة فساعة فان ارتباطنا حيب ونسبتنا انعكاسية وانصباغية ال تتفاوت
ابلقرب والبعد اال حبسب السرعة والبطء والعلم ببعض خصوصيات الطريق وعدم العلم به
وتطلب حتقيق هذا املعن من خامتة مكتوب حررته ابسم ولدي االرشد يف بيان الطريق
وقد جاء اصحاب اخينا املري حممد نعمان ينقل ذلك املكتوب فتطلبه من هناك وماذا
أطنب زايدة على ذلك و السالم.
{املكتوب الثالث والستون واملائتان اىل جناب صاحب املعارف الشيخ اتج
الدين يف بيان معارف تتعلق ابلكعبة الرابنية وبيان الفضائل الصالتية وما يناسب
ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد أورث خرب القدوم الذي هو
للمسرة مل زوم فرحا وافرا للمشتاقني هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك {شعر}:
انصف أاي فلك زاه مصابيحه * وأي هذين قد عمت تفارحيه
مشس هبا عامل متت مصاحله * ام يدري الباد من شام لوائحه
وحيث التزمت القدوم فعليك ان تشرف ابلسرعة فان املشتاقني حتت ثقل االنتظار
- 425 -
يتمنون مساع اخبار بيت هللا وعند الفقري كما ان صورة الكعبة الرابنية مسجود اليها لصور
اخلالئق بشرا كانوا أو ملكا كذلك حقيقتها مسجود اليها حلقائق تلك الصور فال جرم
كانت تلك احلقيقة فوق مجيع احلقائق والكماالت املتعلقة هبا صارت فوق الكماالت
املتعلقة بسائر احلقائق وكان هذه احلقيقة برزخ بني احلقائق الكونية واحلقائق اآلهلية واملراد
ابحلقائق االهلية سرادقات العظمة والكربايء اليت مل يصل اىل ذيل قدسها لون وال كيف ومل
يتطرق اليها ظلية أصال وهناية العروجات الدنيوية وظهوراهتا اىل منتهى احلقائق الكونية
والنصيب من احلقائق االهلية خمصوص ابآلخرة الحظ منها يف الدنيا االّ يف الصالة اليت
هي معراج املؤمن وكأن يف هذا املعراج خروجا من الدنيا اىل اآلخرة ويتيسر فيه حظ مما
يتيسر يف اآلخرة واظن ان حصول هذه الدولة يف الصالة لتوجه[ ]1املصلي فيها اىل جهة
الكعبة اليت هي موطن ظهورات احلقائق االهلية فالكعبة أعجوبة يف الدنيا فاهنا بصورهتا
من الدنيا وابحلقيقة من اآلخرة وأخذت هذه النسبة الصالة أيضا بتوسطها وصارت
بصورهتا وحقيقتها جامعة للدنيا واآلخرة وقد بلغ مرتبة التحقيق ان احلالة املتيسرة يف اداء
الصالة فوق مجيع الكماالت احلاصلة يف خارج الصالة الن تلك احلالة ليست خبارجة
من دائرة الظل وان حصل هلا العلو خبالف هذه احلالة فان هلا نصيبا من االصل وبقدر
الفرق بني االصل والظل يكون الفرق بني تلك احلالة وهذه احلالة ويشاهد ان احلالة اليت
حتصل عند املوت بعناية هللا تعاىل تكون فوق حالة الصالة فان املوت من مقدمات
أحوال اآلخرة وكلما هو أقرب اىل اآلخرة أمت وأكمل الن هنا ظهور الصورة وهناك ظهور
احلقيقة شتان ما بينهما وكذلك احلالة اليت تتيسر بكرم هللا جل سلطانه يف الربزخ الصغري
تكون فوق احلالة احلاصلة له وقت املوت و على هذا القياس احلالة املتيسرة يف الربزخ
الكبري الذي هو عرصات القيامة ابلنسبة اىل حالة الربزخ الصغري فان املشهود هناك أمت
وأكمل وملشهود جنات النعيم أمتيته وأكمليته ابلنسبة اىل مشهود الربزخ الكبري وفوق
( )1الذي ال يتحقق ماهية الصالة اال به فال يرد انه ينبغي ان حيصل هذه احلالة لكل من يتوجه اىل الكعبة سواء كان
يف الصالة او ال .عفي عنه.
- 426 -
مجيع تلك املذكورات موطن اخرب عنه املخرب الصادق عليه الصالة و السالم حيث قال
ان هلل[ ]1جنة ليس فيها حور وال قصور يتجلي فيها ربنا ضاحكا فادىن مجيع مواطن
الظهورات الدنيا وما فيها واعلى مجيعها تلك اجلنة املذكورة بل الدنيا ليست من مواطن
الظهور أصال وظهورات الظالل ومرآتية املثال اليت هي خمصوصة ابلدنيا معدودة عند
الفقري من االمور الدنيوية وداخلة يف احلقيقة يف دائرة االمكان سوآء قيل لتلك الظهورات
جتليات االمساء أو جتليات الصفات أو جتليات الذات تعاىل هللا عما يقولون علوا كبريا
وأان الفقري مت االحظ الدنيا ابلتمام أجدها خالية حمضة وال يصل منها مشامي رائحة
املطلوب غاية ما يف الباب اهنا مزرعة اآلخرة فطلب املطلوب فيها اتعاب النفس واهالكها
على العبث أو زعم غري املطلوب مطلواب واالكثرون مبتلون بذلك ومطمئنون ابملنام
واخليال والذي فيه شئ من االصل وما يعطي رائحة من املطلوب يف هذا املوطن الصالة
ودوهنا خرط القتاد.
{املكتوب الرابع والستون واملائتان اىل السيد ابقر السهارنفوري يف بيان لزوم
جر امل عاملة حنو احلرية واجلهالة وعدم االعتماد على االحوال والكشوف وذكر واقعة
بعض مشائخ النواحي اليت كان حكاها له وتعبريها يف ضمن ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد أورثت الصحيفة الشريفة الصادرة
عن فرط احملبة وكمال االشتياق فرحا وافرا وعليكم ابلتوجه واالقبال على االمر الذي
يقتضيه احلال واالشتغال بذكر اسم الذات من غري مالحظة االمساء والصفات حت تنجر
املعاملة اىل اجلهالة و ينتهي االمر اىل احلرية فان مالحظة االمساء والصفات كثريا ما تكون
ابعثة على ظهور االحوال وواسطة للوجد والتواجد ولعلك مسعت ان احتمال اخلطأ يف
االحوال واملواجيد كثري واشتباه احلق ابلباطل يف ذلك املوطن وافر وقد أرسل واحد من
( )1قوله (ان هلل جنة اخل) قال املخرج ما وجدت له اصال وقال آخر ولكنه مشهور يف كتب الصوفية وذكره شرف
الدين حيىي املنريي اه
- 427 -
مشائخ النواحي قاصدا اىل هذا الفقري يف هذه االايم مظهرا أحواله وقال قد بلغ الفناء
واالضمحالل مرتبة كل شئ نظرت اليه ال اجده انظر اىل السماء واالرض فال أجدمها
وال أجد العرش وال الكرسي واالحظين فال اجد اصال واذهب عند شخص فال اجده
وهللا سبحانه ال هناية له وما وجد احد هنايته وقد اعتقد املشائخ هذا احلال كماال فان
كنت انت ايضا تعتقد كذلك فألي شئ اجيئ عندك لطلب احلق جل وعال وان كنت
تعرف امرا كماال غريه فاكتب يل كتااب فكتبت يف جوابه ان هذه االحوال من تلوينات
القلب والقلب اول درجة من درجات هذا الطريق وصاحب هذه االحوال طوى ربعا
واحدا من احوال القلب وينبغي له ان يطوي ثالثة أرابعه الباقية وبعد ذلك ينبغي ان
يعرج اىل الدرجة الثانية اليت هي عبارة عن الروح مث اىل ما شاء هللا وبعد مدة من هذه
الكتابة قدم واحد من أصحاب الفقري وكان متوجها اىل وطنه بعد اخذ الطريقة وملا بني
احواله صار معلوما يل ان حاله موافق حلال ذلك الشيخ املستفسر بل هو اسبق قدما منه
وملا نظرت اىل حاله وامعنت النظر ظهر يل أن فناءه واضمحالله يف عنصر اهلواء الذي
هو حميط جلميع ذرة من الذرات وليس املشهود غري اهلواء وقد زعمه اهلا ال هناية له تعاىل
هللا سبحانه عن ذلك علوا كبريا وملا فتشت عن احواله مرة اثنية ايقنت أن ابتالءه ليس
امرا آخر غري اهلواء فاطلعته ايضا على هذا املعن وملا رجع هو اىل وجدانه علم أن حاصله
ليس غري اهلواء فاستغفر من هذه االحوال ورفع قدمه فوق هذا احلال (اعلم) أن القلب
برزخ بني عامل اخللق الذي هو عامل العناصر االربعة وبني عامل االرواح وفيه وصف ولون من
كال العاملني فكان نصف القلب من عامل اخللق ونصفه اآلخر من عامل االرواح فاذا نصفنا
نصفه الناظر اىل عامل اخللق تقع املعاملة على عنصر اهلواء فيكون ربع القلب عبارة عن
مقام اهلواء الذي تضمنه القلب فما ظهر اثنيا موافق للجواب االول وبيان لكشف
حقيقته احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان هللا لقد جائت رسل ربنا
ابحلق ومل يسع الوقت زايدة على ذلك و السالم عليكم و على من اتبع اهلدى والتزم
متابعة املصطفى عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها.
- 428 -
{املكتوب اخلامس والستون واملائتان اىل الشيخ عبد اهلادي يف التحذير عن
تضييع حقوق املسلمني ابلعزلة وبيان احلقوق الالزمة رعايتها وما يناسب ذلك}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات أهني أن مكتوب االخ االرشد قد وصل
فأورث فرحا وافرا هلل سبحانه احلمد واملنة على مامل يؤثر متادي اايم املفارقة يف احملبة
واالخالص واملودة واالختصاص ومع ذلك لو اتى بنفسه لكان انسب اخلري فيما صنعه
هللا سبحانه وقد متن العزلة نعم ان العزلة منية الصديقني ولك اخليار يف العزلة واالنزواء
ونرجو أن تكون مباركة ولكن ينبغي أن ال تضيع مراعات حقوق املسلمني قال النيب عليه
و على آله الصالة و السالم حق[ ]1املسلم على املسلم مخس رد السالم وعيادة املريض
واتباع اجلنائز واجابة الدعوة وتشميت العاطس ولكن يف اجابة الدعوة شرائط يف
االحياء[ ]2وميتنع من االجابة ان كان الطعام طعام شبهة ويف املوضع منكر من فرش
ديباج واواين فضة ومتاثيل على سقف او مساع شئ من املزامري واملالهي او التشاغل بنوع
من اللهو واللعب وكل ذلك مما مينع االجابة ويوجب حترميها وكراهتها وكذلك ان كان
الداعي ظاملا ا و مبتدعا أو فاسقا أو شريرا أو متكلفا طالبا للمباهاة والفخر ويف شرعة
االسالم وال جييب اىل طعام صنع رايء ومسعة ويف احمليط ال ينبغي أن يقعد على مائدة اذا
كان عليها لعب وغناء او قوم يغتابون او يشربون اخلمر كذا يف مطالب املؤمنني فان
كانت هذه املوانع كلها مفقودة البد حينئذ من االجابة وان كان فقدان هذه املوانع
عسريا يف هذا الزمان (وأيضا) ينبغي أن يعلم أن العزلة امنا تكون من االغيار ال من
االحباب فان الصحبة مع حمارم االسرار سنة مؤكدة يف هذه الطريقة العلية قال اخلواجه
النقشبند قدس سره طريقنا طريق الصحبة فان يف اخللوة شهرة ويف الشهرة آفة واملراد
ابلصحبة صحبة أهل الطريق ال صحبة املنكرين واملخالفني الهنم اشرتطوا نفي كل من
املصاحبني نفسه وفناءه يف اآلخر وهذا ال يتيسر بدون املوافقة وعيادة املريض سنة ان
كان للمريض متعهد وممرض واال فهي واجبة كما ذكر يف حاشية املشكاة وينبغي أن
حيضر صالة اجلنازة وان يشيع اجلنازة ولو خطوات ليؤدي حق امليت وحضور اجلمع
واجلماعات يف االوقات اخلمسة وصالة العيدين من ضرورايت االسالم البد منها مث
يصرف بقية االوقات اىل ذكر املوىل ابلتبتل واالنقطاع ولكن ينبغي أن يصحح النية اوال
وان ال يلوث العزلة بلوث غرض من االغراض العاجلة أصال وأن ال يكون مقصد غري
حتصيل مجعية الباطن بذكر هللا جل سلطانه واالعراض عن االشتغال مبا ال طائل فيه
ومجيع املالهي قطعا وينبغي أن حيتاط يف تصحيح النية غاية االحتياط لئال خيتفي ويتكمن
يف ضمنها غرض نفساين وان يلتجئ ويتضرع اىل هللا تعاىل يف هذا التصحيح كثريا وان
يكون يف مقام العجز واالنكسار فحينئذ حيتمل أن تتحقق حقيقة النية واحلاصل ينبغي
أن خيتار العزلة بنية صادقة صحيحة بعد تكرار االستخارة سبع مراة فريجى حينئذ أن
ترتتب عليه مثرات عظيمة وبقية االحوال اخران خربها اىل وقت املالقاة و السالم.
{املكتوب السادس والستون واملائتان اىل املخدومني املكرمني اعين ابين شيخه
اخلواجه عبد هللا واخلواجه عبيد هللا يف بيان بعض املسائل الكالمية على وفق آراء
أهل السنة واجلماعة وقد ظهرت له على طريق الكشف واالهلام ال على وجه الظنون
واالوهام والرد على الفالسفة واتباعهم املتفلسفة و على الزاندقة واملالحدة
املتشبهني ابلصوفية وبيان بعض املسائل املتعلقة ابلصالة ومدح الطريقة النقشبندية
واملنع من مساع الغناء وحضور جملس الرقص وما يناسب ذلك}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم املخادمي الكرام ان هذا الفقري مستغرق
من الق دم اىل الرأس يف احسان والدكم املاجد حيث تعلمت درس ألف ابء يف هذا
الطريق منه واخذت عنه سائر هتجي حروف هذا الطريق وحصلت بربكة صحبته دولة
اندراج النهاية يف البداية وبصدق خدمته وجدت السفر يف الوطن وتوجهه الشريف بلغ
- 430 -
هذا الفقري عدمي القابلية اىل النسبة النقشبندية يف مدة شهرين ونصف ومنحه احلضور
اخلاص هبؤالء االكابر وكيف اشرح أم كيف ابني تفصيل ما حصل يف هذه املدة القليلة
من التجليات والظهورات واالنوار وااللوان والاللونية والالكيفية بتطفله ومل يبق بتوجهه
الشريف دقيقة من دقائق معارف التوحيد واالحتاد والقرب واالحاطة والسراين غري
منكشفة هلذا الفقري وغري مطلع هو عليها وما ذا يكون شهود الوحدة يف الكثرة
ومشاهدة الكثرة يف الوحدة فاهنما من مقدمات هذه املعارف ومباديها واجراء اسم هذه
املعارف على اللسان يف جنب نسبة النقشبندية واحلضور اخلاص هبؤالء االكابر وبيان
عالمة هذه الشهود واملشاهدة كل ذلك من قصور النظر ومعاملة هؤالء االكابر عالية
جدا ال نسبة هلا بكل زراق ورقاص فاذا نلت مثل هذه الدولة العظمى من حضرة شيخنا
ال ميكن يل أداء حق شئ منها ولو مسحت رأسي مدة عمري على اقدام خدام عتبتكم
العلية فماذا اعرض عليكم من تقصريايت وماذا اظهر لكم من انفعااليت ولكن جزى هللا
سبحانه عنا اخلواجه حسام الدين امحد خري اجلزاء حيث كفاان املؤنة وشد نطاق اهلمة يف
خدمة خدام العتبة العلية وخلص امثالنا القاصرين من ذلك {شعر}:
فلو ان يل يف كل منبت شعرة * لساان يبث الشكر كنت مقصرا
وقد تشرفت بتقبيل عتبة شيخنا ثالث مرات وقال للفقري يف املرة األخرية انه قد
غلب الضعف على بدين ورجاء احلياة قليل ينبغي لك االستخبار عن احوال االطفال
وامر ابحضاركم لديه وكنتم وقتئذ يف حجور املرضعات وامر الفقري ابلتوجه اليكم فتوجهت
اليكم يف حضوره امتثاال ألمره حت ظهر اثر ذلك التوجه يف الظاهر مث قال توجه اىل
والداهتم ايضا ابلتوجه الغائيب فتوجهت اليهن ايضا حسب االمر واملرجو ان يكون ذلك
التوجه مثمرا للنتائج بربكة حضوره الشريف وال حتسنب انه قد وقع الذهول عن امره
الواجب االمتثال او طرأ التغافل عن وصيته الالزمة االجراء على كل حال كال بل انتظر
االشارة واالذن واردت اآلن ان أكتب فقرات بطريق النصيحة بنبغي إستماعها بسمع
العقل (اسعدكم هللا) سبحانه أن اول ما افرتض على العقالء تصحيح العقائد مبوجب
- 431 -
آراء اهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم فاهنم هم الفرقة الناجية ولنبني بعض
املسائل االعتقادية اليت فيها نوع خفاء (جيب ان يعلم ان هللا تعاىل موجود بذاته املقدسة
واالشياء كلها موجودة ابجياده تعاىل وانه تعاىل واحد يف ذاته وصفاته وافعاله ال شركة
الحد معه تعاىل يف احلقيقة يف امر من االمور اصال ال يف الوجود وال يف غريه واملناسبة
االمسية واملشاركة اللفظية خارجة عن املبحث وصفاته وافعاله تعاىل منزهة عن املثل
والكيف كذاته تعاىل ال مناسبة بينها وبني صفات املمكنات وافعاهلا فان صفة العلم مثال
له تعاىل صفة قدمية بسيطة حقيقية مل يتطرق اليها تعدد وتكثر أصال ولو ابعتبار تعدد
التعلقات الن هناك انكشاف واحد بسيط انكشفت به املعلومات االزلية واالبدية وعلم
به مجيع االشياء ابحواهلا املتناسبة واملتضادة وكلياهتا وجزئياهتا مع االوقات املخصوصة
بكل واحد منها يف آن واحد بسيط على وجه يعلم زيدا مثال يف ذلك اآلن موجودا
ومعدوما وجنينا وصبيا وشااب وشيخا وحيا وميتا وقائما وقاعدا ومستندا ومضطجعا
وضاحكا وابكيا ومتلذذا ومتأملا وعزيزا وذليال ويف الربزخ ويف احلشر ويف اجلنة ويف
التلذذات فيكون تعدد التعلق ايضا مفقودا يف ذلك املوطن فان تعدد التعلقات يستدعي
تعدد اآلانت وتكثر االزمنة وليس مثة االّ آن واحد بسيط من االزل اىل االبد ال تعدد فيه
أصال اذ ال جيري عليه تعاىل زمان وال تقدم وال أتخر فاذا اثبتنا لعلمه تعاىل تعلقا
ابملعلومات يكون ذلك تعلق واحد ويصري به متعلقا جبميع املعلومات وذلك التعلق ايضا
جمهول الكيفية ومنزه عن املثال والكيف كصفة العلم (ولندفع) استبعاد هذا التصوير
بضرب مثل (واقول) انه جيوز ان يعلم شخص الكلمة مع اقسامها املتباينة واحواهلا
املتغايرة واعتباراهتا املتضادة يف وقت واحد فيعلم الكلمة يف ذلك الوقت امسا وفعال وحرفا
وثالثيا ورابعيا ومعراب ومبنيا ومتمكنا وغري متمكن ومنصرفا وغري منصرف ومعرفة ونكرة
وماضيا ومستقبال وأمرا وهنيا بل جيوز أن يقول ذلك الشخص اين ارى هذه االقسام
واالعتبارات يف مراتب الكلمة يف وقت واحد ابلتفصيل فاذا كان مجع االضداد متصورا يف
علم املمكن كيف يكون مستبعدا يف علم الواجب وهلل املثل االعلى (ينبغي) ان يعلم ان
- 432 -
هنا وان كان مجع الضدين صورة ولكن الضدية مفقودة بينها يف احلقيقة فانه تعاىل وان
علم زيدا موجودا ومعدوما يف آن واحد ولكنه تعاىل علم يف ذلك اآلن ان وقت وجوده
مثال بعد الف سنة من اهلجرة ووقت عدمه السابق قبل تلك السنة املعينة ووقت عدمه
الالحق بعد الف ومائة سنة فال تضاد بينهما يف احلقيقة لتغاير الزمان و على هذا القياس
سائر اال حوال فافهم (فاتضح) من هذا التحقيق ان علمه تعاىل ال يتطرق اليه شائبة التغري
بتعلقه ابجلزئيات املتغرية وال تتوهم مظنة احلدوث فيه كما زعمت الفالسفة فان التغري امنا
يتصور على تقدير تعلق علمه تعاىل بواحد بعد اآلخر واما اذا تعلق علمه تعاىل ابلكل يف
آن واحد فال يتصور فيه التغري واحلدوث فال حاجة حينئذ اىل اثبات تعلقات متعددة له
حت يكون التغري واحلدوث راجعا اىل تلك التعلقات ال اىل صفة العلم كما فعله بعض
املتكلمني لدفع شبهة الفالسفة نعم اذا اثبتنا تعدد التعلقات يف جانب املعلومات فله
مساغ وكذلك كالمه تعاىل واحد بسيط وهو تعاىل متكلم هبذا الكالم الواحد من االزل
اىل االبد فان امر امرا فناش من هناك وان هنيا فناش ايضا من هناك وان اعالما فمأخوذ
ايضا من هناك وان استعالما فمن هناك وان متنيا فمستفادا من هناك وان ترجيا فمن
هناك ايضا ومجيع الكتب املنزلة والصحف املرسلة ورقة من ذلك الكالم البسيط فان توراة
فهي منتسخة منه وان اجنيال فمن هناك آخذ صور االلفاظ وان زبورا فمن هناك مسطور
وان قرآان فمنزل من هناك {شعر}:
لكالم موالان االله واحد * حقا ولكن يف النزول تعددا
وكذلك فعله تعاىل واحد ومجيع املصنوعات موجودة هبذا الفعل الواحد وقوله تعاىل
وما أمران اال واحدة كلمح ابلبصر اشارة اىل هذا املعن واالحياء واالماتة مربوطان هبذا
الفعل وااليالم واالنعام منوطان ايضا هبذا الفعل وكذلك االجياد واالعدام انشئان من هذا
الفعل فال يثبت تعدد التعلقات يف فعله تعاىل أيضا بل املخلوقات املاضية واآلتية موجودة
يف أوقاهتا املخصوصة بوجودها بتعلق واحد وهذا التعلق أيضا جمهول الكيفية ومعدوم
املثلية كنفس فعله تعاىل فانه ال سبيل اىل املنزه عن الكيف للمكيف ابلكيفية ال حيمل
- 433 -
عطاايه اال مطاايه وملا مل يطلع االشعري على حقيقة فعل احلق جل سلطانه قال حبدوث
التكوين وحدوث أ فعاله تعاىل ومل يدر ان هذه احلاداثت آاثر فعله تعاىل االزيل ال نفس
أفعاله ومن هذا القبيل ما اثبته بعض الصوفية من جتلي االفعال حيث مل ير يف ذلك
املوطن يف مرآة افعال املمكنات غري فعل الفاعل احلقيقي جل سلطانه وذلك التجلي يف
احلقيقة جتلي آاثر فعل احلق سبحانه ال جتلي فعله تعاىل فان فعله تعاىل الذي هو منزه
عن املثال والكيف وقدمي وقائم بذاته تعاىل ويقال له التكوين ال تسعه مرااي احملداثت وال
ظهور له يف مظاهر املمكنات {شعر}:
در تنگناى صورت معن چگونه گنجد * در كلبهء گدااين سلطان چه كار دارد
وجتلي االفعال والصفات بدون جتلي الذات غري متصور عند الفقري فانه ال انفكاك
لالفعال والصفات عن حضرة الذات أصال حت يتصور جتليها بدون جتلي الذات وما هو
منفك عن الذات تعالت وتقدست ظالل االفعال والصفات فيكون جتلي ذلك املنفك
جتلي ظالل االفعال والصفات ال جتلي االفعال والصفات ولكن ال يدرك فهم كل أحد
هذا الكمال ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (ولنرجع) اىل أصل
الكالم ونقول انه تعاىل ال حيل يف شئ وال حيل فيه شئ ولكنه تعاىل حميط ابالشياء وله
سبحانه قرب منها و معية هبا وليست تلك االحاطة والقرب واملعية اليت ندركها ابفهامنا
القاصرة فاهنا ال تليق جبناب قدسه تعاىل وكل شئ يدرك ابلكشف والشهود فهو تعاىل
منزه عن ذلك ايضا فانه ال نصيب للمكن من حقيقة ذاته وصفاته وأفعاله تعاىل غري
اجلهل واحلرية ينبغي االميان ابلغيب ونفي ما يكون منكشفا ومشهودا بكلمة ال {شعر}:
هيهات عنقاء ان يصطاده احد * فدع عناك وكن من ذاك يف دعة
وبيت مثنوي حضرة شيخنا مناسب هلذا املقام حيث قال {شعر}:
وذا ايوان االستغناء عال * فاايكم وطمعا يف الوصال
فنؤمن ابنه تعاىل حميط ابالشياء وقريب منها وانه معها ولكن ال نعرف معن
احاطته وقربه ومعيته انه ما هو والقول ابالحاطة واملعية العلميني من أتويالت املتشابه
- 434 -
وحنن لسنا بقائلني بتأويله وانه تعاىل ال يتحد بشئ أصال وال يتحد به شئ أصال وما
يفهم من عبارات بعض الصوفية من معن االحتاد فهو خالف مرادهم الن مرادهم هبذا
الكالم املوهم لالحتاد أعين قوهلم اذا مت الفقر فهو هللا هو ان الفقر اذا مت وحصل
االضمحالل الصرف والطمس احملض ال يبقى اال هللا سبحانه و تعاىل ال ان ذلك الفقري
يتحد ابهلل ويصري اهلا فانه كفر وزندقة تعاىل هللا سبحانه عما يتوهم الظاملون علوا كبريا
(قال) حضرة شيخنا قدس سره ليس معن عبارة اان احلق ابين حق بل معناه اان معدوم
واملوجود هو احلق سبحانه وال سبيل للتغري والتبدل اىل ذاته وصفاته وأفعاله تعاىل
فسبحان من ال يتغري بذاته وال بصفاته وال أبفعاله حبدوث االكوان وما أثبته الصوفية
الوجودية من التنزالت اخلمسة فليست هي من قبيل التبدل والتغري يف مرتبة الوجوب فان
القول به واثباته كفر وضاللة بل اعتربوا هذه التنزالت يف مراتب ظهورات كماله تعاىل من
غري ان يتطرق اىل ذاته وصفاته وأفعاله تعاىل تغري وتبدل (وانه) تعاىل غين مطلق ال حيتاج
اىل شئ أصال ال يف ذاته وال يف صفاته وال يف افعاله يف أمر من االمور فكما انه تعاىل
غري حمتاج يف الوجود كذلك هو غري حمتاج يف الظهور وما يفهم من عبارات بعض
الصوفية من انه تعاىل حمتاج[ ]1الينا يف ظهور كماالته االمسائية والصفاتية هذا الكالم
ثقيل على الفقري جدا واعتقادي ان املقصود من خلق اخلالئق واجياد املوجودات حصول
الكماالت هلم ال حصول كمال عائد اىل جناب قدسه تعاىل وتقدس وقوله تعاىل وما
خلقت اجلن واالنس اال ليعبدون اي ليعرفون مؤيد هلذا املعن فاملقصود من خلق اجلن
واالنس حصول املعرفة هلم اليت هي كماهلم ال أمر يكون عائدا اىل جناب قدس احلق
( )1قال يف اليواقيت واجلواهر ذكر الشيخ يف الباب التاسع والعشرين و املائتني من الفتوحات انه ال جيوز ان يقال ان
احلق تعاىل مفتقر يف ظهور امسائه وصفاته اىل وجود العامل الن له الغن على االطالق قلت وهذا رد صريح على من
نسب اىل الشيخ انه يقول ان احلق تعاىل مفتقر يف ظهور حضرات امسائه وصفاته اىل خلقه ولوال خلقه ما ظهر وال
عرفه احد انتهى نعم يفهم ما قاله االمام الرابين من اللمعات وجييب عنه موالان اجلامي يف شرحه بنقل من الفصوص
فلرياجع.
- 435 -
سبحانه وما ورد يف احلديث القدسي من قوله صلّى هللا عليه و سلّم فخلقت[ ]1اخللق ال
عرف فاملراد هنا أيضا معرفتهم ال أنه يكون احلق سبحانه معروفا وحيصل له الكمال
مبعرفتهم اايه تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا (وانه) تعاىل منزه ومربأ عن مجيع صفات
النقص ومسات احلدوث ليس جبسم وال جسماين وال مكاين وال زماين وله تعاىل مجيع
صفات الكمال مثانية منها وجودها زائد على وجود الذات تعالت وتقدست وهي احليات
والعلم والقدرة واالرادة والبصر والسمع والكالم والتكوين وهذه الصفات الثمان موجودة
يف اخلارج ال اهنا موجودة يف العامل بوجود زائد على وجود الذات ويف اخلارج عينها كما
ظنه بعض الصوفية وقال {شعر}:
وصفات حق يف التعقل غري ذا * ت احلق لكن يف التحقق عينها
فان هذا يف احلقيقة نفي الصفات فان نفاة الصفات مثل املعتزلة والفالسفة ايضا
قائلون ابلتغاير العلمي واالحتاد اخلارجي ومل ينكروا التغاير العلمي ومل يقولوا ان مفهوم
العلم عني مفهوم الذات أو عني مفهوم القدرة واالرادة بل قالوا ابلعينية ابعتبار الوجود
اخلارجي فما مل يعتربوا تغاير الوجود اخلارجي ال خيرجون من زمرة نفاة الصفات والقول
ابلتغاير االعتباري أعين حبسب املفهوم والتعقل ال جيديهم نفعا كما عرفت (وانه) تعاىل
قدمي ازيل ليس لغريه تعاىل قدم وال ازلية أمجع مجيع املليني على هذا احلكم فمن قال بقدم
غري احلق سبحانه وازليته فقد كفر ومن هذه احليثية كفر االمام الغزايل رمحه هللا ابن سينا
والفارايب وغريمها فاهنم قائلون بقدم العقول والنفوس وقدم اهليويل والصورة وقال ايضا بقدم
السموات مبا فيها وقال حضرة شيخنا قدس سره ان الشيخ حميي الدين ابن العريب قائل
بق دم ارواح الكمل فينبغي صرف هذا الكالم عن ظاهره وان جيعله حمموال على التأويل
لئال يكون خمالفا المجاع أهل امللل (وانه) تعاىل قادر خمتار منزه عن شائبة االجياب ومربأ
( )1قوله فخلقت اخللق العرف هذا حديث مشهور بني الصوفية ولكنه مل يثبت عند احملدثني وقال علي القاري لكن
معناه صحيح مستفاد من قوله تعاىل وما خلقت اجلن واالنس اال ليعبدون اي ليعرفون كما فسره ابن عباس رضي هللا
عنهما.
- 436 -
عن مظنة االضطرار والفالسفة احلمقاء نفوا االختيار من الواجب تعاىل واثبتوا االجياب له
سبحانه زعما منهم ان الكمال يف االجياب وهؤالء السفهاء قد جعلوا الواجب تعاىل
معطال ومهمال ومل يقولوا بصدور غري مصنوع واحد من خالق السموات واالرض وهو
ايضا صادر عندهم ابالجياب ونسبوا وجود احملداثت اىل العقل الفعال الذي مل يثبت
وجوده يف غري تومههم وال شغل هلم وال تعلق ابحلق سبحانه و تعاىل يف زعمهم الفاسد
اصال فيلزمهم ابلضرورة أن يلتجئوا وقت االضطرار اىل العقل الفعال وأن ال يرجعوا اىل
احلق سبحانه و تعاىل أصال فانه ال مدخل له تعاىل يف وجود احلوادث على زعمهم بل
القائم ابجياد احلوادث هو العقل الفعال بل ينبغي أن ال يرجعوا اىل العقل الفعال ايضا
النه ال اختيار له ايضا يف دفع بلياهتم بزعمهم وهؤالء االشقياء أسبق قدما يف اخلبط
والبالهة من مجيع الفرق الضالة فان الكفار يلتجؤن اىل هللا تعاىل ويطلبون منه دفع البلية
خبالف هؤالء السفهاء وفيهم شيئان زائدان على ما يف فرق الضالة ارابب البالهة احدمها
كفرهم ابالحكام املنزلة وانكارهم عليها ومعاندهتم ومعاداهتم لالخبار املرسلة واثنيهما
ترتيب املقدمات الفاسدة وتلبيس الدالئل والشواهد الباطلة يف اثبات مقاصدهم
ومطالبهم الواهية واخلبط الذي صدر عنهم يف اثبات مقاصدهم مل يصدر من سفيه اصال
حيث جعلوا مدار االمر على حركات السموات والكواكب واوضاعها مع اهنا متحريات
ومضطرابت يف مجيع االوقات وغمضوا عيوهنم عن خالق السموات وموجد الكواكب
وحمركها ومدبر امورهم واستبعدوا اسناد احلوادث اليه تعاىل ابلذات وابوا عنه ما أبعدهم
عن العقل ما اخذهلم وما احرمهم من السعادة واشد منهم سفها واكثر محاقة من يزعمهم
اذكياء وارابب فطانة ومن علومهم املنتظمة علم اهلندسة وهو ال يغين شيئا وال طائل فيه
أصال يف أي شئ يلزم وماذا يفيد مساوات الزوااي الثالث القائمة من الشكل املثلث واي
غرض مربوط ابلشكل العروسي والشكل املأموين اللذين مها مبثابة ارواحهم وعلم الطب
وعلم النجوم وعلم هتذيب االخالق اليت هي أشرف علومهم كل منها مسروق من كتب
االنبياء املتقدمني على نبينا وعليهم الصالة و السالم وجواهبا اابطيلهم كما صرح به
- 437 -
االمام الغزايل يف املنقذ عن الضالل وال ضرر أن غلط أهل امللة واتباع االنبياء عليهم
الصالة و السالم يف الدالئل والرباهني الن مدار امرهم على متابعة االنبياء عليهم السالم
وامنا يوردون الرباهني والدالئل يف اثبات مطالبهم العالية على سبيل التربع واال يكفيهم
تقليدهم اايهم وهؤالء االشقياء اخرجوا رقاهبم عن ربقة التقليد وصاروا يف صدد االثبات
ابلدالئل فضلوا واضلو وملا وصلت دعوة عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم اىل
افالطون وكان هو اكرب هؤالء اخلذلة قال حنن قوم مهديون[ ]1ال حاجة بنا اىل من يهدينا
ما اسفهه وما اشقاه حيث ادرك شخصا حييي االموات ويربئ االكمه واالبرص كل ذلك
خارج عن طور حكمتهم ومع ذلك أجابه هبذا اجلواب من غري رؤيته وتفطن احواله
ومالحظة سريته وذلك من كمال العناد والسفاهة {شعر}:
الفلسفة سفه اكثرها وكذا * جمموعها اذ لكل حكم أكثره
جناان هللا سبحانه عن ظلمات معتقداهتم السوء وقد أمت ولدي حممد معصوم
مبحث اجلواهر من شرح املواقف يف هذه االايم واتضح قبائح هؤالء السفهاء يف اثناء
درسه وتربت على ذلك فوائد احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان
هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق وعبارات الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره ايضا
انظرة اىل االجياب وله موافقة للفالسفة يف معن القدرة حيث ال جيوز صحة الرتك للقادر
املختار بل يعتقد لزوم جانب الفعل والعجب أن الشيخ يرى يف النظر يعين نظر الكشف
من املقبولني وأكثر علومه اليت ختالف آراء أهل احلق تظهر خطأ غري صواب ولعله كان
معذورا يف اخلطإ الكشفي وارتفعت عنه املالمة عليه مثل اخلطإ االجتهادي وهذا اعتقاد
خاص ابلفقري يف حق الشيخ اعتقده من املقبولني وارى علومه املخالفة خطأ ومضرة وقوم
من هذه الطائفة يطعنون يف الشيخ وخيطئونه يف مجيع علومه ومجاعة أخرى من هذه
الطائفة خيتارون تقليد الشيخ ويعتقدون أنه مصيب يف مجيع علومه ويثبتون حقيقتها
ابلدالئل والشواهد والشك ان كال هذين الفريقني اختاروا جانب التفريط واالفراط يف
حقه وفارقوا توسط االحوال وبعدوا عنه وكيف يرد الشيخ الذي هو من االولياء املقبولني
بسبب اخلطإ الكشفي وكيف تقبل علومه البعيدة عن الصواب املخالفة آلراء أهل احلق
مبحض التقليد فاحلق هو التوسط الذي وفقين هللا سبحانه له مبنه وكرمه نعم ان اجلم
الغفري من هذه الطائفة مشاركون للشيخ يف مسئلة وحدة الوجود وان كان للشيخ يف هذه
املسئلة طرز خاص أيضا ولكنهم يشاركونه يف أصل الكالم وهذه املسئلة وان كانت أيضا
خمالفة ملعتقدات أهل احلق ولكنها قابلة للتوجيه وصاحلة للجمع هبا وقد طبق هذا الفقري
بع ناية هللا تعاىل يف شرح رابعيات حضرة شيخنا هذه املسئلة على معتقدات أهل احلق
ومجع بينهما وأعاد نزاع الفريقني اىل اللفظ وحل شكوك الطرفني وشبهاهتما على هنج مل
يبق فيها حمل ريب واشتباه أصال كما ال خيفى على الناظر فيه (ينبغي) ان يعلم ان
املمكنات أبسرها جواهرها واعراضها واجسامها وعقوهلا ونفوسها وافالكها وعناصرها
مستندة اىل اجياد القادر املختار الذي اخرجها من كتم العدم اىل عرصة الوجود وكما اهنا
حمتاجة اليه تعاىل يف الوجود كذلك هي حمتاجة اليه سبحانه يف البقاء ايضا وامنا جعل هللا
سبحانه وجود االسباب والوسائط نقااب لوجه فعله وجعل احلكمة قبااب لقدرته ال بل
جعل االسباب دالئل لثبوت فعله واحلكمة وسيلة اىل وجود قدرته فان أرابب الفطانة
الذين بصائرهم مكتحلة بكحل متابعة االنبياء عليهم الصالة و السالم يعلمون ان
االسباب والوسائل اليت هي حمتاجة يف الوجود اليه تعاىل وهلا ثبوت وقيام منه ومعه تعاىل
وتقدس يف احلقيقة مجادات حمضة كيف تؤثر يف شئ آخر مثلها وحتدثه وخترتعه بل وراء
تلك االسباب قادر يوجد ذلك الشئ ويعطيه الكماالت الالئقة به اال ترى ان العقالء
اذا رأوا فعال من مجاد حمض مثال ينتقل منه ذهنهم اىل فاعله وحمركه الهنم يعلمون يقينا ان
هذا الفعل ليس يف حوصلة حاله بل وراءه فاعل موجد هلذا الفعل فلم يكن فعل اجلماد
عند العقالء نقااب لوجه فعل الفاعل احلقيقي بل كان ذلك الفعل نظر اىل مجادية مصدره
دليال على وجود الفاعل احلقيقي فكذا هذا نعم ان فعل اجلماد نقاب لوجه فعل الفاعل
احلقيقي يف نظر االبله حيث يزعم اجلماد احملض من كمال غباوته بواسطة صدور ذلك
- 439 -
الفعل عنه صاحب قدرة ويكفر ابلفاعل احلققي يضل به كثريا ويهدي به كثريا وهذه
املعرفة مقتبسة من مشكاة النبوة ال يدركها فهم كل احد وهلذا ترى طائفة يعتقدون
الكمال يف رفع االسباب ودفعها وينسبون االشياء اىل احلق سبحانه ابتداء من غري توسط
االسباب وال يدرون ان رفع االسباب رفع احلكمة اليت يف ضمنها مصاحل ال حتصى ربنا
ما خلقت هذا ابطال كيف واالنبياء عليهم الصالة و السالم كانوا يراعون االسباب ومع
تلك املراعاة كانوا يفوضون امورهم اىل احلق سبحانه و تعاىل كما قال يعقوب على نبينا
وعليه الصالة و السالم وصية لبنيه مالحظا الصابة العني اي بين ال تدخلوا من ابب
واحد وادخلوا من ابواب متفرقة اآلية ومع وجود هذه املراعاة قال تفويضا امره اىل هللا
تعاىل وما اغين عنكم من هللا من شئ ان احلكم اال هلل عليه توكلت وعليه فليتوكل
املتوكلون واستصوب سبحانه هذه املعرفة منه واستحسنها ونسبها اىل نفسه حيث قال
بعد ذلك وانه لذو علم ملا علمناه اآلية واشار احلق سبحانه يف القرآن اجمليد فيما خاطب
[]1
به نبينا صلّى هللا عليه و سلّم اىل توسط االسباب وقال اي ايها النيب حسبك هللا ومن
اتبعك من املؤمنني (بقي) الكالم يف أتثري االسباب وجيوز ان خيلق هللا سبحانه يف بعض
االوقات أتثريا يف االسباب فتكون مؤثرة وجيوز ان ال خيلق التأثري فيها يف بعض االوقات
فال يرتتب عليها اثر اصال ابلضرورة كما اان نشاهد هذا املعن فان بعض االسباب يرتتب
عليها وجود املسببات أحياان ويف بعض االوقات ال يظهر منها أثر ما اصال فاالنكار على
أتثري االسباب مطلقا مكابرة ينبغي ان يقول ابلتأثري وينبغي ان يعتقد ان وجود ذلك
التأثري كوجود نفس السبب ابجياد هللا سبحانه هذا هو رأي الفقري يف هذه املسئلة وهللا
سبحانه اعلم (فالح) من هذا البيان ان التمسك ابالسباب ليس مبناف للتوكل كما ظن
الناقصون بل يف التمسك ابالسباب كمال التوكل فان يعقوب عليه السالم اطلق التوكل
على مراعاة االسباب مع تفويض االمر اىل احلق جل وعال حيث قال عليه توكلت وعليه
فليتوكل املتوكلون (وانه تعاىل) مريد اخلري والشر وخالق كل منهما ولكنه راض ابخلري وغري
( )1وهذا على تقدير كون املوصول مرفوعا معطوفا على لفظ اجلاللة .عفي عنه.
- 440 -
راض ابلشر وبني الرضا واالرادة فرق دقيق هدى هللا سبحانه أهل السنة اىل هذا الفرق
وبقى سائر الفرق يف الضاللة لعدم اهتدائهم اىل هذا الفرق ومن ههنا قالت املعتزلة ان
العبد خالق الفعاله ونسبوا اجياد الكفر واملعاصي اليه ويفهم من كالم الشيخ حميي الدين
واتبا عه ان االميان مرضي االسم اهلادي وكذا االعمال الصاحلة والكفر مرضي االسم
املضل وكذا املعاصي وهذا الكالم ايضا خمالف ملا عليه اهل احلق وفيه ميل اىل االجياب
لكونه منشأ للرضا كما يقال االشراق مرضي الشمس يعين الزمها و(وقد أعطى) احلق
سبحانه عباده قدرة وارادة يكتسبون هبما االفعال ابختيارهم فخلق االفعال منسوب اىل
هللا سبحانه وكسبها اىل العباد وعادة هللا سبحانه جارية على ان العبد اذا قصد فعل شئ
من أفعاله وتشبث ابسبابه يتعلق بذلك الفعل خلقه سبحانه و تعاىل فاذا كان صدور
الفعل من العبد بقصده واختياره يكون متعلق املدح والذم والثواب والعقاب ابلضرورة وما
قيل ان اختيار العبد ضعيف فان كان املراد به أنه ضعيف ابلنسبة اىل ارادة هللا تعاىل
فمسلم وان كان أنه غري كاف يف أداء الفعل املأمور به فغري صحيح فان هللا سبحانه ال
يكلف العبد مبا ليس يف وسعه بل يريد اليسر وال يريد العسر غاية ما يف الباب ان حكمة
اجلزاء املخلد على الفعل املوقت مفوضة اىل تقدير احلق وعلمه تعاىل وقد قال يف حق
اجلزاء املخلد على الكفر املوقت جزاء وفاقا وجعل التلذذات الدائمة مسببة من االميان
املوقت ومرتتبة عليه ذلك تقدير العزيز العليم ولكن نعرف بتوفيق هللا سبحانه ان اختيار
الكفر ابلنسبة اىل احلق سبحانه و تعاىل الذي هو موىل النعم الظاهرة والباطنة وموجد
السموات واالرض وما من عظمة وكمال اال هو اثبت له تعاىل يقتضى أن يكون جزاء
ذلك الكفر من أشد العقوابت وهو اخللود يف عذاب النار وكذلك االميان ابلغيب مبثل
هذا املنعم العظيم الشأ ن وتصديقه مع وجود مزامحة النفس والشيطان وممانعة سائر
االكوان يستدعي أن يكون جزاؤه من أفضل اجلزاء وهو اخللود يف التنعمات والتلذذات يف
اجلنان قال بعض املشائخ ان دخول اجلنة مربوط يف احلقيقة بفضل احلق سبحانه وامنا
جعل منوطا ابالميان بناء على ان كلما يكون جزاء االعمال يكون ألذ وعند الفقري ان
- 441 -
دخول اجلنة يف احلقيقة مربوط ابالميان ولكن االميان فضل من املنان وعطية من ذي اجلود
واالحسان ودخول النار مربوط ابلكفر والكفر انش من هوى النفس والطغيان ما أصابك
من حسنة فمن هللا وما أصابك من سيئة فمن نفسك (ينبغي) ان يعلم ان جعل دخول
اجلنة مربوطا ابالميان يف احلقيقة تعظيم االميان بل تعظيم املؤمن به حيث ترتب عليه مثل
هذا االجر العظيم القدر وكذلك جعل دخول النار مربوطا ابلكفر حتقري للكفر وتنقيص
ملن وقع هذا الكفر ابلنسبة اليه (فرتتب) مثل هذه العقوبة الدائمة عليه خبالف ما قال به
بعض املشائخ فانه خال عن هذه الدقيقة وايضا ان هذا الوجه ال يتمشى يف دخول النار
الذي هو عديله فان دخول النار يف احلقيقة مربوط ابلكفر وهللا سبحانه امللهم للصواب
هذا (ويرى) املؤمنون احلق سبحانه يف اآلخرة يف اجلنة من غري جهة وال كيف وال شبه وال
مثال وانكر على ذلك مج يع الفرق مليهم وغري مليهم خال أهل السنة فاهنم ال جيوزون
الرؤية بال جهة وال كيف حت ان نسخ الشيخ حميي الدين ابن العريب تنزل الرؤية االخروية
اىل التجلي الصوري وال جيوز غري التجلي نقل حضرة شيخنا يوما عن الشيخ أنه قال ان
املعتزلة لو مل تقيدوا الرؤية مبرتبة التنزيه وقالوا ابلتشبيه أيضا وتصوروا الرؤية عني هذا
التجلي ملا انكروا الرؤية أصال وملا استحالوها يعين أن انكارهم عليها امنا هو من حيثية
كوهنا بال جهة وال كيف مما هو خمصوص مبرتبة التنزيه خبالف هذا التجلي فان اجلهة
والكيف ملحوظان فيه (ال خيفى) ان تنزيل الرؤية االخروية اىل التجلي الصوري انكار
عليها يف احلقيقة فان ذلك التجلي الصوري وان كان مغايرا للتجليات الصورية الدنيوية
ليس هو رؤية احلق تعاىل {نظم}:
يراه املؤمنون بغري كيف * وارداك وضرب من مثال
(وبعثة) االنبياء عليهم الصالة و السالم رمحة للعاملني فلو مل تكن وساطة هؤالء
الكرباء من كان يدلنا على معرفة ذات واجب الوجود وصفاته ومن كان مييز لنا مرضيات
موالان جل شأنه عن غري مرضياته فان عقولنا الناقصة مبعزل عن هذا املعن بدون أتييد
نور دعوهتم وافهامنا القاصرة خمبولة يف هذه املعاملة من غري تقليد هؤالء االكابر نعم ان
- 442 -
الع قل وان كان حجة ولكنه غري اتم يف احلجية وغري ابلغ مرتبة البلوغ واحلجة البالغة امنا
هي بعثة االنبياء عليهم السالم والعذاب والثواب االخرواين منوطان هبا (فان قيل) اذا
كان العذاب الدائمي االخروي منوطا ابلبعثة فبأي معن تكون البعثة رمحة للعاملني أجيب
إن البعثة عني الرمحة الهنا سبب ملعرفة ذات واجب الوجود وصفاته تعاىل وتقدس وهي
متضمنة لسعادة دنيوية وأخروية وبدولة البعثة امتاز ما هو الالئق جبناب قدسه تعاىل عما
هو غري الئق به فان عقولنا العرجي العمي اليت هي متسمة بسمة االمكان واحلدوث
كيف تعرف وكيف تدرك ما هو مناسب حلضرة الوجوب الذي من لوزامه القدم من
االمساء والصفات وماال يناسبه منها حت يطلق عليه ذاك وجيتنب من هذا بل هو كثريا ما
يزعم من نقصه الكمال نقصاان والنقص كماال وهذا التمييز عند الفقري فوق مجيع النعم
الظاهرة والباطنة وأشد احملرومني من السعادة من ينسب اىل جناب قدسه تعاىل امورا غري
مناسبة واشياء غري الئقة به تعاىل والذي ميز احلق عن الباطل هو البعثة والذي فرق بني
املستحق للعبادة وبني غري املستحق هلا هو البعثة وبواسطتها يدعي العباد اىل طريق احلق
جل وعال وهبا يصلون اىل سعادة قرب املوىل ووصله جل سلطانه وبسبب البعثة يتيسر
االطالع على مرضيات املوىل جل شأنه كما مر وهبا يتميز جواز التصرف يف ملكه تعاىل
عن عدم جوازه وامثال هذه الفوائد يف البعثة كثرية فتقرر ان البعثة رمحة ومن كان منقادا
للنفس وانكر البعثة تبعا حلكم الشيطان اللعني ومل يعمل مبقتضى حكم البعثة فما ذنب
البعثة ف يه وكيف ال تكون البعثة رمحة بسبب خذالنه (فان قيل) سلمنا أن العقل انقص
غري اتم يف حد ذاته يف حق معرفة االحكام االهلية جل شأنه ولكن مل ال جيوز ان حيصل
للعقل بعد حصول التصفية والتزكية له مناسبة واتصال بال كيف مبرتبة الوجوب تعالت
وتقدست فيأخذ االحكام هناك بتلك املناسبة واالتصال فال حيتاج حينئذ اىل البعثة اليت
هي بواسطة امللك (اجيب) أن العقل وان حصل له تلك املناسبة واالتصال ولكن ال
يزول عنه التعلق هبذا اجلسم اهليوالين ابلكلية وال حيصل له التجرد التام فتكون القوة
الومهية يف عقبه دائما وال ترتك القوة املتخيلة ذيل خياله أصال وتكون القوة الغضبية
- 443 -
والشهوية مصاحبتني له يف مجيع االزمان وتكون رذيلة احلرص وشره ندمييه يف كل أوان وال
ينفك عنه الشهوة والنسيان اللذان مها من لوازم نوع االنسان دائما وال يفارقه اخلطأ
والغلط اللذان مها من خواص هذه النشأة أبدا فال يكون العقل اذا حقيقا وحراي
ابالعتماد وال تكون االحكام املأخوذة بواسطته مصونة من سلطان الوهم وتصرف اخليال
وال حمفوظة من شائبة اخلطإ ومظنة النسيان خبالف امللك فانه منزه عن هذه االوصاف
مربأ عن هذه الرذائل فيكون مستحقا لالعتماد وتكون االحكام املتلقاة منه مصونة من
شائبة الوهم واخليال ومظنة اخلطأ والنسيان وقد حيس يف بعض االوقات أن االحكام
املأخوذة بلقاء الرحانيني واملعارف املتلقاة منهم ينضم اليها يف أثناء تبليغها ابلقوى
واحلواس بعض املقدمات املسلمة غري الصادقة احلاصلة من طريق الوهم واخليال أو غريمها
بال اختيار حبيث ال ميكن متييزها يف ذلك الوقت عن تلك االحكام ورمبا حيصل ذلك
التمييز يف وقت آخر ورمبا ال حيصل فال جرم يعرض هلذه العلوم بواسطة خمالطة تلك
املقدمات هيئة الكذب فتخرج به عن ان تكون معتمدا عليها (أو نقول) ان حصول
التزكية والتصفية منوط ابتيان االعمال الصاحلة اليت هي مرضيات احلق سبحانه و تعاىل
ومعرفة ذلك موقوفة على البعثة كما مر فال يتيسر حصول حقيقة التصفية والتزكية بدون
البعثة والصفاء احلاصل للكفار والفساق هو صفاء النفس ال صفاء القلب وصفاء النفس
ال يزيد شيئا غري الضاللة وال يورث شيئا غري اخلسارة وكشف بعض االمور الغيبية الذي
حيص ل للكفار والفساق وقت صفاء نفوسهم استدراج يف حقهم يقصد به هالكهم
وخسارهتم جناان هللا سبحانه من هذه البلية حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم الصالة و
السالم (واتضح) من هذا التحقيق ان التكاليف الشرعية الثابتة من طريق البعثة أيضا
رمحة ال كما زعمه املنكرون عليها من املالحدة والزاندقة من اعتقادها كلفة وغري معقولة
حت قالوا أي شفقة يف تكليف العباد أبمور شاقة مث يقال هلم من عمل مبقتضى هذا
التكليف يدخل اجلنة ومن ارتكب خالفه يدخل النار كيف ال يكلفون بل يرتكون
أيكلون وينامون وميشون على طور عقوهلم ومقتضى طبائعهم أما يعلم هؤالء اخلبثاء
- 444 -
اخلائبون ان شكر املنعم واجب عقال وهذه التكليفات الشرعية بيان كيفية اداء ذلك
الشكر فيكون التكليف واجبا ابلعقل وأيضا ان نظام هذا العامل وانتظام أمره منوط هبذا
التكليف فانه اذا ترك كل أحد على طوره وخلي على طبعه ال يظهر فيه غري الشر
والفساد ويعتدي كل مهوس على نفس اآلخر وماله ويتغلب عليه ابخلبث والفساد فيضيع
نفسه عند عدم الزواجر الشرعية وموانعها ويضيع غريه عياذا ابهلل سبحانه و تعاىل ولكم
يف القصاص حياة اي أويل االلباب
لوال االمري الذي ختشى بوادره * لقاءت الزنج يف حببوحة احلرم
(أو نقول) ان هللا تعاىل مالك على االطالق والعباد كلهم مماليكه سبحانه فكل
حكم وتصرف جيريه عليهم فهو عني اخلري و الصالح هلم وهو منزه ومربأ عن شائبة الظلم
والفساد يف ذلك ال يسئل عما يفعل {شعر}:
من ذا الذي يف فعله يتكلم * دون الرضا اي صاح والتسليم
فان ادخل اجلميع اىل النار وعذهبم ابلعذاب االبدي فليس ذلك منه مبحل
لالعرتاض وليس تصرفا يف ملك الغري حت تكون فيه شائبة اجلور خبالف تصرفنا يف
امالكنا اليت كلها أمالكه تعاىل يف احلقيقة ومجيع التصرفات منا فيها عني الظلم فان
صاحب الشرع امنا نسب هذه االمالك الينا بسبب بعض املصاحل واال فهي يف احلقيقة
امالكه تعاىل فجواز تصرفنا فيها مقصور على القدر الذي جوزه لنا املالك على االطالق
واابحه (ومجيع) ما اخرب به هؤالء االكابر عليهم الصالة و السالم ابعالم احلق جل وعال
وما بينوا من االحكام كلها صادقة ومطابقة للواقع وان جوز العلماء اخلطأ يف أحكامهم
االجتهادية ولكنهم مل جيوزوا تقريرهم على اخلطإ بل قالوا اهنم ينبهون عليه بال أتخري
فيتداركونه ابلصواب فال اعتداد بذلك اخلطإ (وعذاب القرب) للكافرين ولبعض عصاة
املؤمنني حق قد اخرب به املخرب الصادق (وسؤال) منكر ونكري للمؤمنني والكافرين يف
القرب أيضا حق والقرب برزخ بني الدنيا واآلخرة وعذابه ايضا من وجه مناسب لعذاب
الدنيا فيقبل االنقطاع ومن وجه مناسب لعذاب اآلخرة بل هو من عذاب اآلخرة يف
- 445 -
احلقيقة وقوله تعاىل النار يعرضون عليها غدوا وعشيا نزل يف عذاب القرب وكذلك راحة
القرب هلا جهتان والسعيد من يغفر زالته ومعاصيه بكمال الكرم والرأفة وال يؤاخذ فان
يؤاخذ امنا يؤاخذ آبالم الدنيا وحمنها و يكون ذلك كفارة لذنوبه من كمال الرمحة فان
بقيت منها بقية تكفر بضغطة القرب واحملن املهيأة لذلك املوطن حت يبعث يف احملشر
طاهرا ومطهرا و من مل يعامل به هذه املعاملة بل أخرت مؤاخذته اىل اآلخرة فهو عني
العدل ولكن ويل للعاصني واخلاطئني واما من كان من أهل االسالم فمآله اىل الرمحة
وحمفوظ من العذاب االبدي وذلك ايضا نعمة عظيمة ربنا أمتم لنا نوران واغفر لنا انك
على كل شئ قدير حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم الصالة و السالم (ويوم القيامة) حق
وتكون السموات والكواكب واالرض واجلبال والبحار واحليواانت والنبااتت واملعادن
معدومة ومتالشية ويومئذ تنشق السموات وتنتثر الكواكب و يكون االرض واجلبال هباء
منثورا وهذا االعدام واالفناء يتعلق ابلنفخة األوىل وابلنفخة الثانية يقوم اخلالئق من
قبورهم ويذهبون اىل احملشر والفالسفة ال جيوزون اعدام السموات والكواكب والفناء
والفساد هلا ويقولون أبزليتها وأبديتها ومع ذلك جيعل املتأخرون منهم أنفسهم من زمرة
أهل االسالم وأيتون ببعض احكام االسالم يعين يعملون هبا والعجب من بعض أهل
االسالم أنه كيف يصدق منهم هذا املعن ويعتقدهم مسلمني من غري حتاش واعجب من
ذلك ان بعض املسلمني يعتقد اسالم بعض من هذه اجلماعة كامال ويظن طعنهم
وتشنيعهم منكرا و احلال اهنم منكرون على النصوص القطعية وامجاع االنبياء عليهم
الصالة و السالم قال هللا تعاىل اذا الشمس كورت واذا النجوم انكدرت وقال تعاىل اذا
السماء انشقت وأذنت لرهبا وحقت وقال تعاىل وفتحت السماء فكانت أبوااب أي شقت
وامثال ذلك يف القرآن كثرية أوال يعلمون ان جمرد التفوه بكلمة الشهادة غري كاف يف
االسالم بل البد من تصديق مجيع ما علم جميئه من الدين ابلضرورة والتربي من الكفر
ولوازمه أيضا حت يتصور االسالم وبدونه خرط القتاد (والصراط) حق وامليزان حق
واحلساب حق قد اخرب بكل منها املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم
- 446 -
واستبعاد بعض اجلاهلني بطور النبوة وجود هذه االمور ساقط عن حيز االعتبار فان طور
النبوة وراء طور العقل وتطبيق مجيع أخبار االنبياء الصادقة على نظر العقل والتوفيق
بينهما انكار يف احلقيقة على طور النبوة واملعاملة هناك امنا هي ابلتقليد أمل يعلموا أن طور
النبوة خمالف لطور العقل بل ال يقدر العقل أن يهتدي اىل تلك املطالب العالية بدون
أتييد تقليد االنبياء عليهم الصالة و السالم واملخالفة غري عدم االدراك فان املخالفة امنا
تتصور بعد االدراك (واجلنة والنار) موجوداتن تدخل طائفة اجلنة بعد احملاسبة يوم القيامة
وطائفة تدخل النار وثواب أهل اجلنة وعقاب أهل النار ابداين ال ينقطعان كما دلت
عليه النصوص القطعية املؤكدة قال صاحب الفصوص مآل الكل اىل الرمحة ان رمحيت
وسعت كل شئ ويثبت ا لعذاب للكفار اىل ثلثة احقاب ويقول مث تصري النار يف حقهم
بردا وسالما كما كانت للخليل على نبينا وعليهم الصالة و السالم وجيوز اخللف يف
وعيده سبحانه ويقول مل يذهب احد من أرابب القلوب اىل خلود الكفار يف عذاب النار
وهو قد وقع يف هذه املسئلة أيضا بعيدا عن الصواب مل يدر ان سعة الرمحة وعمومها يف
حق املؤمنني والكافرين خمصوصة ابلدنيا وأما يف اآلخرة فال تصل رائحة الرمحة اىل مشام
الكفار كما قال هللا تعاىل انه ال ييأس من روح هللا اال القوم الكافرون وقال تعاىل بعد
قوله سبحانه ورمحيت وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم
آبايتنا يؤمنون وكأن الشيخ قرأ أول اآلية وترك آخرها وليس يف قوله تعاىل وال حتسنب هللا
خملف وعده رسله داللة على خصوصية عدم اجلواز خبلف الوعد النه ال جيوز االقتصار
هنا على عدم خلف الوعد بناء على ان املراد من الوعد هنا الوعد بتصرف الرسل
وتسلطهم على الكفار وغلبتهم عليهم وهو متضمن للوعد و الوعيد مجيعا وعد للرسل
ووعيد للكفار فدلت هذه االية على انتفاء خلف الوعد وخلف الوعيد مجيعا فاآلية
مستشهد هبا عليه ال له وأيضا ان اخللف يف الوعيد كاخللف يف الوعد مستلزم للكذب
وما ال يليق به سبحانه الن حقيقة هذا القول ان هللا تعاىل علم يف االزل انه ال خيلد
الكفار يف عذاب النار ومع ذلك اخرب خبالف علمه رعاية ملصلحة وقال اعذهبم ابلعذاب
- 447 -
املخلد ويف جتويز هذا املعن شناعة اتمة سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سالم على
املرسلني امجاع ارابب القلوب على عدم خلود الكفار يف عذاب النار من كشفيات
الشيخ وجمال اخلطإ يف الكشف كثري فال اعتداد به مع كونه خمالفا المجاع املسلمني
(واملالئكة) عباد هللا سبحانه معصومون من العصيان وحمفوظون من اخلطإ والنسيان ال
يعصون هللا ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ال أيكلون وال يشربون ال يوصفون بذكورة وال
انوثة فهم مربؤن عنهما ومنزهون وتذكري الضمائر الراجعة اليهم يف القرآن اجمليد امنا هو
ابعتبار شرف صنف الذكور ابلنسبة اىل صنف االانث كما اورد احلق سبحانه الضمائر
الراجعة اىل نفسه مذكرة وقد اصطفى احلق سبحانه بعضهم للرسالة كما شرف بعض
االنسان هبذه الدولة هللا يصطفي من املالئكة رسال ومن الناس ومجهور علماء أهل احلق
على ان خواص البشر أفضل من خواص املالئكة وقال االمام الغزايل وامام احلرمني
وصاحب الفتوحات املكية ابفضلية خواص املالئكة من خواص البشر وما ظهر هلذا
الفقري ان والية امللك أفضل من والية االنبياء عليهم الصالة و السالم ولكن يف النبوة
والرسالة درجة لالنبياء مل يبلغها ملك قط وهذه الدرجة انشئة من جهة العنصر الرتايب
الذي هو خمصوص ابلبشر وظهر ايضا هلذا الفقري ان كماالت الوالية ال اعتداد هبا
ابلنسبة اىل كماالت النبوة وليت هلا حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط فاملزية الناشئة
من طريق النبوة تكون زائدة ابضعاف مضاعفة على املزية الناشئة من طريق الوالية
فاالفضلية على االطالق اثبتة لالنبياء عليهم الصالة و السالم والفضل جزئي للمالئكة
الكرام عليهم السالم فالصواب ما قاله اجلمهور من العلماء االعالم شكر هللا سعيهم يوم
القيام (فال ح) من هذا التحقيق انه ال يبلغ ويل قط درجة نيب من االنبياء عليهم السالم
بل يكون رأس الويل حتت قدم نيب على الدوام (ينبغي) ان يعلم انه ما من مسئلة اختلف
فيها العلماء والصوفية اال اذا لوحظ فيها حق املالحظة يوجد احلق فيها يف جانب العلماء
وسر ذلك ان نظر العلماء بواسطة متابعة االنبياء عليهم السالم انفذ اىل كماالت النبوة
وعلومها ونظر الصوفية مقصور على كماالت الوالية ومعارفها فال جرم يكون العلم
- 448 -
املأخوذ من مشكاة النبوة اصوب واصح من العلم املأخوذ من مرتبة الوالية وحتقيق بعض
هذه املعارف مندرج يف املكتوب املسطور ابسم ولدي االرشد فان بقي هنا شئ من
اخلفاء فلرياجع هناك (واالميان) عبارة عن تصديق قليب مبا بلغنا من الدين بطريق الضرورة
والتواتر وقالوا االقرار اللساين ايضا ركن من االميان حمتمل للسقوط وعالمة هذا التصديق
التربي من الكفر والتجنب عن لوازمه وخصائصه وكلما هو من فعل الكفار كشد الزانر
وامثاله فان مل يتربأ من الكفر عياذا ابهلل سبحانه مع دعوى التصديق ظهر انه متسم بسمة
االرتداد وحكمه يف احلقيقة حكم املنافق ال اىل هؤالء وال اىل هؤالء فالبد اذا يف حتقق
االميان من التربي من الكفر وادىن هذا التربي قليب واعاله التربي حبسب القلب والقالب
والتربي عبارة عن معاداة اعداء احلق جل و عال سواء كانت هذه املعاداة ابلقلب فقط
كما اذا خيف من ضررهم أو ابلقلب والقالب معا اذا مل يكن ضرر اخلوف وقوله تعاىل اي
أيها النيب جاهد الكفار واملنافقني واغلظ عليهم مؤيد هلذا املعن فان حمبة احلق سبحانه
وحمبة رسوله عليه الصالة و السالم ال تتصور بدون معاداة اعداء هللا ورسوله {ع}:
وليس حميب من حيب اعاداي
واجراء الشيعة الشنيعة هذه القضية يف مواالة أهل البيت وجعلهم التربي من
اخللفاء الثالثة وغريهم من الصحابة شرطا هلا غري مناسب فان التربي الذي هو من شرط
مواالة االحباب هو التربي من االعداء ال مطلق التربي عمن سواهم ال جيوز عاقل
منصف كون اصحاب النيب عليه الصالة و السالم اعداء فان هؤالء االكابر بذلوا امواهلم
وانفسهم يف حمبته عليه الصالة و السالم وتركوا اجلاه والرايسة فكيف جيوز نسبة عداوة
اهل البيت اليهم ولزوم حمبة أهل بيته عليه الصالة و السالم اثبت ابلنص القطعي
وجعلت حمبتهم اجرة الدعوة قل ال اسئلكم عليه اجرا اال املودة يف القريب ومن يقرتف
حسنة نزد له فيها حسنا وابراهيم اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم امنا انل ما انل
من الدرجة القصوى وصار أصل شجرة النبوة بواسطة تربيه من اعدائه تعاىل قال هللا تعاىل
قد كانت لكم اسوة حسنة يف ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم اان برآء منكم ومما
- 449 -
تعبدون من دون هللا كفران بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابدا حت تؤمنوا ابهلل
وحده وال عمل من االعمال يف نظر هذا الفقري أفضل من هذا التربي يف حصول رضا
احلق جل وعال وان للحق سبحانه و تعاىل عداوة ذاتية مع الكفر والكفرة واآلهلة الباطلة
اآلفاقية مثل الالت والعزى وعبدهتا اعداء احلق سبحانه ابلذات واخللود يف النار جزاء هذا
العمل الشنيع وهذه احلالة مفقودة يف اآلهلة الباطلة االنفسية وسائر االعمال السيئة فان
العداوة والغضب ابلنسبة اىل هذه املذكورات ليست بذاتية فان كان هناك غضب فهو
راجع اىل الصفات وان كان عقاب او عتاب فهو راجع اىل االفعال وهلذا مل يكن اخللود
يف النار جزاء هذه السيئات بل جعل احلق سبحانه مغفرهتم منوطة مبشيئته (ينبغي) أن
يعلم أنه مل ا حتقق العداوة الذاتية يف حق الكفر والكفار امتنع أن تشمل الرمحة والرأفة
اللتان مها من صفات اجلمال يف اآلخرة الكفار وان ترفع صفة الرمحة العداوة الذاتية فان
املتعلق ابلذات اقوى وارفع مما هو متعلق ابلصفة فمقتضى الصفات ال يقدر ان يبدل
ويغري مقتضى الذات وما ورد يف احلديث القدسي سبقت[ ]1رمحيت غضيب فاملراد
ابلغضب فيه ينبغي أن يكون الغضب الصفايت الذي هو مقصور على عصاة املؤمنني ال
الغضب املخصوص ابملشركني (فان قيل) ان للكفار نصيبا من الرمحة يف الدنيا كما
حققته فيما سبق فكيف تكون صفة الرمحة يف الدنيا رافعة للعداوة الذاتية (اجيب أن
حصول الرمحة للكافرين يف الدنيا امنا هو ابعتبار الظاهر والصورة واما يف احلقيقة فهو
استدراج ومكيدة يف حقهم وقوله تعاىل احيسبون امنا مندهم به من مال وبنني نسارع هلم
يف اخلريات بل ال يشعرون وقوله تعاىل سنستدرجهم من حيث ال يعلمون واملي هلم ان
كيدي متني شاهد هلذا املعن فليفهم {فائدة جليلة} ان عذاب النار االبدي جزاء الكفر
فان قيل ان شخصا مع وجود االميان جيري رسوم الكفر ويعظم مراسم أهل الكفر وحيكم
العلماء بكفره ويعدونه من اهل االرتداد بفعله كما أن أكثر مسلمي اهلنود مبتلون هبذه
البلية فيلزم أن يكون الشخص معذاب يف اآلخرة ابلعذاب االبدي مبقتضى فتوى العلماء
واحلال أنه قد ورد يف االخبار الصحاح أن من كان يف قلبه مثقال ذرة من االميان خيرج
من النريان وال خيلد يف العذاب فما حتقيق هذه املسئلة عندك (اقول) ان كان كافرا حمضا
فنصيبه العذاب املخلد اعاذان هللا سبحانه منه وان كان فيه مقدار ذرة من االميان مع
وجود اتيان مراسم الكفر يعذب يف النار ولكن املرجو خالصه من اخللود يف النار بربكة
تلك الذرة من االميان وجناته من دوام االستقرار يف عذاب النريان وقد ذهبت مرة لعيادة
شخص قد قرب من االحتضار وملا كنت متوجها اىل حاله رأيت قلبه يف ظلمات شديدة
وكلما كنت متوجها لرفع تلك الظلمات مل ترتفع فعلم بعد توجه كثري أن تلك الظلمات
انشئة من صفة الكفر اليت هي مكنونة فيه ومنشأ تلك الكدورات هو مواالته أهل الكفر
وابن يل أنه ال ينبغي التوجه لدفع تلك الظلمات فان تنقيته منها مربوطة بعذاب النار
الذي هو جزاء الكفر وعلم أيضا ان فيه مقدار ذرة من االميان وانه يتخلص من اخللود يف
عذاب النريان بربكة ذلك املقدار من االميان وملا شاهدت فيه هذا احلال وقع يف خاطري
انه هل جيوز أن يصلى عليه أوال فظهر بعد التوجه انه ينبغي أن يصلى عليه فاملسلمون
الذين جيرون رسوم أهل الكفر مع وجود االميان ويعظمون اايمهم ينبغي أن يصلى عليهم
وال ينبغي احلاقهم ابلكفار كما هو عمل اليوم وينبغي أن يرجى جناهتم من العذاب
االبدي آخر االمر فعلم مما ذكران انه ال عفو عن أهل الكفر وال مغفرة هلم ان هللا ال يغفر
ان يشرك به فان كان كافرا صرفا فجزاء كفره العذاب االبدي وان كان فيه مع فجوره
مقدار ذرة من االميان ايضا فجزاؤه العذاب املوقت ويف سائر الكبائر ان شاء هللا تعاىل
غفره وان شاء عذبه وعند الفقري أن عذاب النار خمصوص ابلكفر وصفات الكفر سواء
كان ذلك العذاب موقتا أو خملدا أو مؤبدا كما سيجئ حتقيقه وأما أهل الكبائر الذين مل
يوفقوا للتوبة فيغفر هبا ذنوهبم ومل ينالوا الشفاعة وجمرد العفو واالحسان ومل تكفر كبائرهم
ايضا آبال م الدنيوية وحمنها او بشدائد سكرات املوت فاملرجو أن يكتفي يف تعذيب طائفة
منهم بعذاب القرب ويف أخرى منهم مع وجود حمن القرب أبهوال يوم القيامة وشدائدها وأن
ال تبقي ذنوهبم حت حيتاج اىل عذاب النار وقوله تعاىل الذين آمنوا ومل يلبسوا امياهنم بظلم
- 451 -
اولئك هلم االمن اآلية مؤيد هلذا املعن فان املراد ابلظلم هنا الشرك وهللا سبحانه أعلم
حبقائق االمور كلها (فان قيل) قد ورد الوعيد بعذاب النار يف جزاء بعض السيئات غري
الكفر كما قال تعاىل ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وورد يف االخبار
من قضى[ ]1صالة واحدة متعمدا بقي يف النار حقبا فلم يكن عذاب النار خمصوصا
ابلكفار (اقول) ما ورد يف القاتل فهو خمصوص مبستحل القتل ومستحل القتل كافر كما
ذكره املفسرون وما ورد يف السيئات غري الكفر من الوعيد بعذاب النار فال ختلو تلك
السيئات من شائبة صفة الكفر مثل استخفاف تلك السيئة واستصغارها وعدم املباالة
ابتياهنا واستحقار االوامر الشرعية ونواهيها وقد ورد يف اخلرب شفاعيت[ ]2الهل الكبائر من
أميت وقال يف حديث آخر اميت[ ]3أمة مرحومة ال عذاب عليها يف اآلخرة وقوله تعاىل
الذين آمنوا ومل يلبسوا امياهنم بظلم اولئك هلم االمن اآلية مؤيد هلذا املعن كما مر واحوال
اطفال املشركني ومن نشأ يف شاهق اجلبل ومشركي زمن الفرتة مسطورة يف املكتوب الذي
كتبته لولدي حممد سعيد ابلتفصيل فلرياجع هناك (ويف) زايدة االميان ونقصانه وعدمهما
اختالف بني العلماء قال االمام االعظم ابو حنيفة رضي هللا عنه االميان ال يزيد وال
ينقص وقال االمام الشافعي رضي هللا عنه يزيد وينقص وال شك ان االميان عبارة عن
تصديق ويقني قليب وال يتصور فيه الزايدة والنقصان والذي يقبل الزايدة والنقصان فهو
داخل يف دائرة الظن ال اليقني غاية ما يف الباب ان اتيان االعمال الصاحلة يورث جالء
ذلك اليقني وصفاءه وإتيان االعمال غري املرضية يكدره ويظلم ضياءه فالزايدة والنقصان
(( )1قوله من قضى صالة اخل) اي تركها متعمدا مث قضاها قال خمرجه مل أجد له اصال ال يف الكتب املعتمدة وال يف
غري املعتمدة وامنا أدرجه بعض املتأخرين من املتفقهني يف كتابه
(( )2قوله شفاعيت الهل الكبائر من اميت) رواه الرتمذي وابو داود عن انس وابن ماجه عن جابر رضي هللا عنهم
(( )3قوله اميت امة مرحومة احلديث) اخرج اخلطيب يف املتفق واملفرتق وابن النجار عن ابن عباس رضي هللا عنهما
بلفظ اميت امة مرحومة ال عذاب عليها يف اآلخرة اذا كان يوم القيامة اعطى هللا كل رجل من اميت رجال من اهل
االداين فكان فداؤه من النار (واخرج) د طب ك عن ايب موسى بلفظ اميت هذه امة مرحومة ليس عليها عذاب يف
اآلخرة امنا عذاهبا يف الد نيا الفنت والزالزل والقتل والبالاي انتهى ويف سند االول عبدهللا بن ضرار عن ابيه قال ابن معني
ال يكتب حديثه انتهى راموز.
- 452 -
حبسب اتيان االعمال الصاحلة وضدها راجعان اىل جالء اليقني ال اىل نفس اليقني وملا
وجد طائفة جالء وصفاء يف يقينهم قالوا بزايدته ابلنسبة اىل يقني ليس فيه ذلك اجلالء
والصفاء وكاهنم مل يروا اليقني الذي ال جالء فيه يقينا بل اعتقدوا ان اليقني هو اليقني
الذي له جالء فقط دون غريه فقالوا لذاك انقصا (وأما) الذين فيهم حدة النظر فلما رأوا
ان ت لك الزايدة والنقصان راجعان اىل وصف اليقني ال اىل نفس اليقني مل يقولوا بزايدة
اليقني ونقصانه ابلضرورة ومثل ذلك كمثل املرآتني املساويتني يف الصغر والكرب املتفاوتتني
حبسب اجلالء والنورانية فرآمها شخص وقال لليت جالؤها أكثر اهنا أزيد وأكرب من
األخرى اليت ليس فيها ذلك اجلالء وقال شخص آخر املرآاتن متساويتان ال زايدة
الحديهما على األخرى وال نقصان والتفاوت امنا هو يف اجلالء واالرائة اللذين مها من
صفات املرآة فنظر الشخص الثاين صائب وانفذ اىل حقيقة الشئ ونظر االول مقصور
على الظاهر مل جياوز من الصفة اىل الذات يرفع هللا الذين آمنوا منكم والذين أوتو العلم
درجات (وهبذا) التحقيق الذي وفق هذا الفقري الظهاره اندفع اعرتاضات املخالفني على
القول بعدم زايدة االميان ونقصانه ومل يلزم كون اميان عامة املؤمنني مماثال ومساواي الميان
االنبياء عليهم السالم من مجيع الوجوه فان اميان االنبياء عليهم السالم له جالء اتم
ونورانية وله مثرات ونتائج زائدة أبضعاف مضاعفة على اميان عامة املؤمنني الذي فيه
ظلمات وكدورات على تفاوت درجاهتم وكذا ينبغي أن يكون املراد بزايدة أميان ايب بكر
رضي هللا عنه يف الوزن على اميان هذه االمة زايدته ابعتبار اجلالء والنورانية ابرجاع الزايدة
اىل الصفة الكاملة أال ترى ان االنبياء عليهم السالم وعامة الناس متساوون يف نفس
االنسانية والكل متحدون يف احلقيقة والذات والتفاضل فيما بينهم امنا هو ابعتبار
الصفات الكاملة والذي ليس له صفة كاملة كأنه خارج من نوع االنسان وحمروم من
فضائله ومع وجود هذا التفاوت مل يتطرق الزايدة والنقصان اىل نفس االنسانية وال يصح
ان يقال ان االنسانية يف أفراد االنسان قابلة للزايدة والنقصان وهللا سبحانه امللهم
للصواب (وأيضا) اهنم قالوا ان التصديق االمياين عند البعض هو التصديق املنطقي الذي
- 453 -
هو شامل للظن واليقني فعلى هذا التقدير ميكن الزايدة والنقصان يف نفس االميان لكن
الصحيح ان املراد ابلتصديق هنا اليقني واالذعان القليب ال املعن العام الشامل للظن
والوهم قال االمام االعظم اان مؤمن حقا وقال االمام الشافعي أان مؤمن ان شاء هللا
ونزاعهما يف احلقيقة لفظي مذهب االول ابعتبار الزمان احلال ومذهب الثاين ابعتبار
املآل وعاقبة االحوال ولكن التحاشي من صورة االستثناء أوىل واحوط كما ال خيفى على
املنصف (وكرامات) أولياء هللا تعاىل حق ومن كثرة وقوع خوارق العادات منهم صار هذا
املعن عادة مستمرة هلم ومنكرها منكر على العلم العادي والضروري وال اشتباه بينها وبني
معجزة النيب فان معجزة النيب مقرونة بدعوى النبوة وكرامات الويل خالية عن هذا املعن بل
هي مقرونة ابالقرار واالعرتاف مبتابعة نيب فأىن االشتباه بينهما كما زعمه املنكرون
(وترتيب) االفضلية بني اخللفاء الراشدين على ترتيب خالفتهم ولكن افضلية الشيخني
اثبتة ابمجاع الصحابة والتابعني كما نقلته مجاعة من أكابر أئمة الدين أحدهم االمام
الشافعي رضي هللا عنه قال الشيخ االمام أبو احلسن االشعري ان فضل أيب بكر مث عمر
على بقية االمة قطعي قال الذهيب وقد تواتر عن على يف خالفته وكرسي مملكته وبني اجلم
الغفري من شيعته ان ااب بكر وعمر أفضل االمة مث قال ورواه عن علي كرم هللا وجهه نيف
ومثانون نفسا وعد منهم مجاعة مث قال فقبح هللا الروافض ما أجهلهم وروى البخاري عنه
أنه قال خري الناس بعد النيب عليه الصالة و السالم أبوبكر مث عمر مث رجل آخر فقال
ابنه حممد إبن احلنفية مث انت فقال امنا أان رجل من املسلمني وصحح الذهيب وغريه عن
علي انه قال اال وانه بلغين ان رجاال يفضلونين عليهما ومن وجدته يفضلين عليهما فهو
مفرت عليه ما على املفرتي وأمثال ذلك منه ومن غريه من الصحابة متواترة حبيث ال جمال
فيها النكار احد حت قال عبد الرزاق من أكابر الشيعة أفضل الشيخني لتفضيل علي
اايمها على نفسه واال ملا فضلتهما كفى يب وزرا ان احبه مث أخالفه كل ذلك مستفاد من
الصواعق وأما تفضيل عثمان على علي رضي هللا عنهما فأكثر علماء أهل السنة على ان
االفضل بعد الشيخني عثمان مث علي ومذهب األئمة االربعة اجملتهدين أيضا هو هذا
- 454 -
والتوقف املنقول عن االمام مالك يف أفضلية عثمان على علي فقد قال القاضي عياض
انه رجع عن هذا التوقف اىل تفضيل عثمان وقال القرطيب وهو االصح ان شاء هللا تعاىل
وكذلك التوقف املفهوم من عبارة االمام االعظم أعين قوله من عالمة أهل السنة واجلماعة
تفضيل الشيخني وحمبة اخلتنني والختياره هذه العبارة عند الفقري حممل آخر وهو انه ملا
كثر ظهور الفنت واالختالل يف أمور الناس يف زمن خالفة اخلتنني وحدوث الكدورات من
هذه اجلهة يف قلوب الناس اختار االمام لفظ احملبة يف حقهما مالحظا هلذا املعن وجعل
حمبتهما من عالمات أهل السنة واجلماعة من غري ان يالحظ فيها شائبة التوقف كيف
وكتب احلنفية مشحونة ابن أفضليتهم على ترتيب خالفتهم وابجلملة ان أفضلية الشيخني
يقينية وأفضلية عثمان دوهنا ولكن االحوط أن ال نكفر منكر افضلية عثمان بل أفضلية
الشيخني بل نقول أنه مبتدع وضال فان للعلماء اختالفا يف تكفريه ويف قطعية هذا
االمجاع قيل وقال وذلك املنكر قرين يزيد اخلائب املخذول وقد توقفوا يف لعنه احتىاطا
وااليذاء الذي يصيب النيب صلّى هللا عليه و سلّم من جهة ايذاء اخللفاء الراشدين
كااليذاء الذي اصابه صلّى هللا عليه و سلّم من جهة ايذاء سبطيه قال عليه الصالة و
السالم هللا هللا يف أصحايب ال تتخذوهم غرضا من بعدي فمن احبهم فبحيب احبهم ومن
ابغضهم فببغضي ابغضهم ومن آذاهم فقد آذاين ومن آذين فقد آذى هللا ومن آذى هللا
ورسوله فيوشك أن يؤخذ وقال هللا هظ عز و جل ان الذين يؤذون هللا ورسوله لعنهم هللا
يف الدنيا واآلخرة وما عده موالان سعد الدين التفتازاين يف شرح عقائد النسفي انصافا يف
هذه االفضلية بعيد عن االنصاف والرتديد الذي ذكره فيه ال حاصل فيه الن املقرر عند
العلماء أن املراد ابالفضلية هنا ابعتبار كثرة الثواب عند هللا جل وعال ال االفضلية اليت
هي مبعن كثرة ظهور املناقب والفضائل فانه ال اعتبار هلا عند العقالء فان السلف من
الصحابة والتابعني قد نقلوا عن علي من املناقب والفضائل ما مل ينقل مثله عن صحايب
غريه حت قال االمام أمحد ما جاء الحد من الصحابة من الفضائل ما جاء لعلي ومع
ذلك حكم هو ابفضلية اخللفاء الثالث فعلم من هذا أن وجه االفضلية شئ آخر وراء
- 455 -
هذه الفضائل واملناقب واالطالع عليها امنا يتيسر ملن ادركوا زمان الوحي وشاهدوه حت
علموها ابلتصريح او ابلقرائن وهم أصحاب النيب عليه وعليهم الصالة و السالم فما قال
شارح العقائد النسفية أنه لو كان املراد ابالفضلية كثرة الثواب فللتوقف جهة ساقط عن
االعتبار النه امنا يكون للتوقف جمال لو مل يعلم االفضلية من قبل صاحب الشرع صراحة
او داللة وحيث علم فعلى ما يتوقف وان مل يعلم فلم حيكم ابالفضلية والذي يرى الكل
متساوية ويزعم تفضيل احدهم على اآلخر فضوال فهو فضويل اي فضويل حيث يزعم
امجاع أهل احلق فضوال ولعل لفظ الفضل هو الذي اورده يف موارد الفضويل (وما قال)
صاحب الفتوحات املكية ان سبب ترتيب خالفتهم مدة أعمارهم ليس فيه داللة على
مساواهتم يف الفضيلة الن امر اخلالفة غري امر االفضلية ولو سلم فهذا وامثاله من
شطحياته غري الئق ابلتمسك وأكثر كشفياته اليت ختالف علوم أهل السنة بعيدة عن
الصواب فال يتابعها احد اال مريض القلب أو مقلد صرف (وما وقع) بني االصحاب من
املنازعات واملشاجرات جيب محلها على حمامل حسنة وينبغي تربئتهم عن اهلوى والتعصب
قال التفتازاين مع افراطه يف حب علي كرم هللا وجهه وما وقع من املخالفات واحملارابت مل
يكن عن نزاع يف اخلالفة بل عن خطإ يف االجتهاد ويف حاشية اخليايل عليه فان معاوية
واحزابه بغوا عن طاعته مع اعرتافهم ابنه أفضل أهل زمانه وانه االحق ابالمامة منه بشبهة
هي ترك القصاص عن قتلة عثمان رضي هللا عنه ونقل يف حاشية قره كمال عن علي كرم
هللا وجهه أنه قال اخواننا بغوا علينا وليسوا بكفرة وال فسقة ملا هلم من التأويل والشك أن
اخلطأ االجتهادي بعيد عن املالمة عليه والطعن والتشنيع مرفوعان عن صاحبه ينبغي أن
يذكر مجيع االصحاب الكرام ابخلري مراعاة حلقوق صحبة خري البشر عليه و على آله
الصلوات والتحيات وان حيبهم حبب النيب عليه السالم قال عليه السالم من أحبهم فبحيب
أحبهم ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم يعين أن احملبة اليت تتعلق ابصحايب هي عني احملبة
اليت تتعلق يب وكذلك البغض الذي يتعلق هبم عني البغض الذي يتعلق يب وال غرض لنا
من حمبة حماريب علي كرم هللا وجهه أصال بل حيق لنا أن نتأذى منهم ولكن حيث كانوا
- 456 -
أصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم وكنا مأمورين مبحبتهم وممنوعني عن بغضهم وايذائهم
فال جرم حنب كلهم حبب النيب صلّى هللا عليه و سلّم وحنرتز عن بغضهم وايذائهم لكوهنما
منجرين اليه صلّى هللا عليه و سلّم ولكن نقول للمحق حمقا وللمبطل مبطال كان علي
على احلق وخمالفوه على اخلطإ والزايدة على ذلك من الفضول وحتقيق هذا املبحث مذكور
تفصيال يف املكتوب الذي كتبته اىل اخلواجه حممد أشرف فان بقي هنا خفاء فلرياجع
هناك (والبد بعد) تصحيح العقائد من تعلم أحكام الفقه وال مندوحة من تعلم علم
الفرض والواجب واحلالل واحلرام والسنة واملندوب واملشتبه واملكروه والعمل مبقتضى هذا
العلم ايضا ضروري ينبغي أن يعد مطالعة كتب الفقه من الضرورايت وان يراعى السعي
البليغ يف اتيان االعمال الصاحلة ولنورد هنا مشة من فضائل الصالة واركاهنا فاهنا عماد
الدين فينبغي استماعها البدا وال من اسباغ الوضوء ومن غسل كل عضو ثالاث ثالاث على
وجه التمام والكمال ليكون مؤدى على وجه السنة وينبغي االستيعاب يف مسح الرأس
واالحتياط يف مسح االذنني والرقبة وورد[ ]1ختليل أصابع الرجل خبنصر يد اليسرى من
االسفل فينبغي مراعاته أيضا وال ينبغي املساهلة يف اتيان املستحب فانه حمبوب احلق
سبحانه ومرضيه تعاىل فان علم يف مجيع الدنيا فعل واحد مرضي وحمبوب عند احلق جل
سلطانه وتيسر العمل مبقتضاه فينبغي أن يغتنمه وحكمه كحكم جواهر نفيسة اشرتاها
شخص بقطعات خزف أو روح انهلا ببذل مجاد ال طائل فيه وبعد الطهور الكامل
واسباغ الوضوء ينبغي قصد الصالة اليت هي معراج املؤمن وينبغي االهتمام يف أداء الفرض
مع اجلماعة بل ينبغي أن ال يرتك التكبرية مع االمام وينبغي أيضا أداء الصالة يف الوقت
املستحب ومراعاة القدر املسنون يف القراءة والبد من الطمأنينة يف الركوع والسجود فاهنا
اما فرض أو واجب على القول املختار وينبغي أن يستوي قائما على الكمال يف القومة
(( )1قوله وورد) اي من النيب صلّى هللا عليه و سلّم لكن التخليل ابلبنصر فقط اخرج ابن ماجه من حديث مستورد
ابن شداد رضي هللا عنه قال رأيت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم توضأ فخلل اصابع رجليه خبنصره انتهى وورد عن
االمام االعظم رضي هللا عنه انه مستحب حت روى انه قضى صالة عشرين سنة كان صالها برتك هذا املستحب.
- 457 -
على هنج يرجع كل عضو اىل حمله ويستقر يف مقره والطمأنينة الزمة أيضا بعد االستواء
قائما فأهن ا هنا اما فرض أو واجب أو سنة على اختالف االقوال وهكذا يف اجللسة اليت
هي بني السجدتني يلزم فيها الطمانينة بعد االستقرار كما يف القومة واقل تسبيحات
الركوع والسجود ثالث مرات وأكثرها اىل سبع مرات او واحد عشر مرة على اختالف
االقوال وتسبيح االمام ينبغي ان يكون على قدر حال املقتدين وينبغي ان يستحي
االنسان من اقتصار التسبيحات على أقل مرتبتها يف حال االنفراد ووقت قوة االستطاعة
بل يقول مخسا أو سبعا ووقت قصد السجدة يضع على االرض اوال ما هو اقرب اىل
االرض فيضع اوال ركبتيه مث يديه مث انفه مث جبهته وينبغي االبتداء من اليمني وقت وضع
يديه وركبتيه وحني يرفع رأسه من السجدة ينبغي ان يرفع اوال ما هو أقرب اىل السماء
فين بغي االبتداء برفع اجلبني وينبغي ان ينظر يف القيام اىل موضع سجوده يف الركوع اىل
ظهر قدميه ويف السجود اىل رأس انفه ويف القعود اىل يديه فانه اذا نصب البصر على
املواضع املذكورة ومنع النظر من التفرقة تتيسر الصالة ابجلمعية وحيصل فيها اخلشوع كما
هو املنقول عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم وكذلك تفريج االصابع يف الركوع وضمها يف
السجود سنة فينبغي مراعاهتا وتفريج االصابع وضمها ليسا بال فائدة بل فيهما فوائد
كثرية امر الشارع ابتياهنما مبالحظة تلك الفوائد وليس لنا فائدة اصال تساوي متابعة
صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة والتحية وكل هذه االحكام مذكورة يف كتب
الفقه ابلتفصيل وااليضاح واملقصود هنا الرتغيب يف االعمال مبقتضى علم الفقه وفقنا هللا
سبحانه واايكم لالعمال الصاحلة املوافقة للعلوم الشرعية بعد ان وفقنا لتصحيح العقائد
اليقينية حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم و على آل كل من الصلوات افضلها ومن
التسليمات اكملها فان وجدمت يف انفسكم شوقا اىل فضائل الصالة واالطالع على
كماالهتا املخصوصة هبا ينبغي املراجعة اىل ثالثة مكاتيب املتصل بعضها ببعض
ومطالعتها االول مكتوب ابسم ولدي حممد صادق والثاين ابسم املري حممد نعمان
والثالث ابسم الش يخ اتج الدين (وبعد) حتصيل جناحي االعتقاد والعمل اذا كان توفيق
- 458 -
احلق رفيقا ودليال ينبغي سلوك طريقة الصوفية العلية ال لغرض حتصيل شئ زائد على ذلك
االعتقاد والعمل ونيل أمر جديد سوامها فان ذلك من طول االمل املفضي اىل الزلل بل
املقصود منها حصول اليقني واالطمئنان يف املعتقدات حبيث ال تزول بتشكيك مشكك
وال تبطل ابيراد شبهة فان قدم االستدالل ال ثبات هلا وال قرار خلزف معمول من طني
واملستدل ليس له متكني اال بذكر هللا تطمئن القلوب وحصول اليسر والسهولة يف اتيان
االعمال وزوال الكسالة والعناد والتعنت الناشئة من النفس االمارة (وليس) املقصود من
سلوك طريق الصوفية ايضا مشاهدة الصور واالشكال الغيبية ومعاينة االلوان واالنوار
الالكيفية فان ذلك داخل يف اللهو واللعب واي نقصان يف االنوار والصور احلسيتني حت
يرتكها شخص ويتمين الصور واالنوار الغيبيتني ابرتكاب الرايضات واجملاهدات فان هذه
الصور واالنوار وتلك الصور وااللوان كلها خملوقة احلق جل وعال ومن اآلايت الدالة على
وجوده تعاىل واختيار الطريقة النقشبندية من بني سائر طرق الصوفية أوىل وانسب الن
هؤالء االكابر قد التزموا متابعة السنة السنية واجتناب البدعة الشنيعة وهلذا تراهم يفرحون
ويستبشرون اذا كان فيهم دولة املتابعة وان مل يكن هلم شئ من االحوال ومت احسوا فتورا
يف املتابعة مع وجود االحوال ال يقبلون تلك االحوال وال يبغوهنا ومن ههنا مل جيوزوا
الرقص والسماع ومل يقبلوا االحوال املرتتبة عليه ابتفاق منهم وامجاع بل اعتقدوا ذكر اجلهر
بدعة ومنعوا اصحاهبم عنه ومل يلتفتوا اىل مثرات ترتتب عليه كنت يوما يف جملس الطعام
الر ْمحَن
مع حضرة شيخنا فقال الشيخ كمال الذي هو من خملصي حضرة شيخنا ب ْسم هللا َّ
الرحيم جهرا حني شرع يف االكل فلم يناسب ذلك منه حلضرة شيخنا حت قال ابلزجر َّ
البليغ إمنعوه ال حيضر جملس طعامنا ومسعت حضرة شيخنا يقول ان اخلواجه النقشبند
قدس سره مجع علماء خبارى وجاء هبم اىل خانقاه شيخه االمري كالل ليمنعوهم من ذكر
اجلهر فقال العلماء لألمري ان ذكر اجلهر بدعة فال تفعلوه فقال يف جواهبم ال أفعل فاذا
صدر من أكابر هذه الطريقة مثل هذه املبالغة يف املنع عن ذكر اجلهر فماذا نقول يف
السماع والرقص والوجد والتواجد واالحوال واملواجيد اليت ترتتب على اسباب غري
- 459 -
مشروعة فهي من قبيل االستدراجات عند الفقري فان االحوال واالذواق قد حتصل الهل
االستدراج ايضا ويظهر هلم يف مرااي صور العامل كشف التوحيد واملكاشفة واملعاينة
وفالسفة اليوانن وجوكية اهلنود وبرامهتهم شركاء يف تلك االمور وعالمة صدق االحوال
موافقتها للعلوم الشرعية مع االجتناب من ارتكاب االمور احملرمة واملشتبهة (واعلم) ان
الرقص والسماع داخل يف احلقيقة يف اللهو واللعب وقوله تعاىل و من الناس من يشرتي
هلو احلديث اآلية انزل يف شأن املنع عن الغناء كما قال جماهد الذي هو تلميذ ابن عباس
ومن كبار التابعني ان املراد بلهو احلديث الغناء يف املدارك هلو احلديث السمر والغناء
وكان ابن عباس وابن مسعود رضي هللا عنهم حيلفان انه الغناء وقال جماهد يف قوله تعاىل
والذين ال يشهدون الزور أ ي ال حيضرون الغناء وحكي عن امام اهلدى ايب منصور
املاتريدي من قال ملقرئي زماننا احسنت عند قراءته يكفر وابنت منه امرأته واحبط هللا كل
حسناته وحكي عن ايب نصر الدبوسي عن القاضي ظهري الدين اخلوارزمي من مسع الغناء
من املغين وغريه او يرى فعال من احلرام فيحسن ذلك ابعتقاد او بغري اعتقاد يصري مرتدا
يف احلال بناء على أنه ابطل حكم الشريعة ومن أبطل حكم الشريعة فال يكون مؤمنا عند
كل جمتهد وال يقبل هللا طاعته واحبط هللا كل حسناته اعاذان هللا سبحانه من ذلك
اآلايت واالحاديث والرواايت الفقهية يف حرمة الغناء كثرية جدا على حد يتعذر إحصائها
ومع هذه كلها لو اورد شخص حديثا منسوخا او رواية شاذة يف إابحة الغناء ال ينبغي
اعتباره منه فانه مل يفت فقيه يف وقت من االوقات ابابحة الغناء ومل جيوز الرقص والضرب
ابالرجل كما هو مذكور يف ملتقط االمام اهلمام ضياء الدين الشامي وعمل الصوفية ليس
بسند يف احلل واحلرمة اما يكفيهم ان نعذرهم وال نلومهم ونفوض أمرهم اىل هللا تعاىل
واملعترب هنا قول االمام أيب حنيفة واالمام ايب يوسف واالمام حممد رمحهم هللا ال عمل
الشبلي وأيب احلسني النوري وقد جعلت الصوفية القاصرون اليوم السماع والرقص دينهم
وملتهم مستندين اىل عمل مشائخهم واختذوه طاعتهم وعبادهتم أولئك الذين اختذوا دينهم
هلوا ولعبا (وقد) علم من الرواية السابقة ان من استحسن الفعل احلرام فقد خرج من زمرة
- 460 -
أهل االسالم وصار مرتدا فينبغي التأمل ماذا يكون شناعة تعظيم جملس السماع والرقص
بل اختاذه طاعة وعبادة وهلل سبحانه احلمد واملنة مل يبتل مشائخنا هبذا االمر وخلصوا
امثالنا املقلدين من تقليد هذا االمر وقد نسمع أن املخادمي مييلون اىل السماع ويعقدون
جملس السماع وقراءة القصائد يف ليايل اجلمعة وأكثر االصحاب يوافقوهنم يف ذلك االمر
والعجب ألف عجب أن مريدي السالسل اآلخر امنا يرتكبون هذا االمر مستندين اىل
عمل مشائخهم ويدفعون احلرمة الشرعية بعملهم وان مل يكونوا حمقني يف هذا االمر يف
احلقيقة وما معذرة اصحابنا يف ارتكاب هذا االمر وفيه ارتكاب احلرمة الشرعية من طرف
وارتكاب خمالفة مشائخ طريقهم من طرف آخر فال أهل الشريعة راضون عن هذا الفعل
وال أهل الطريقة فلو مل يكن فيه ارتكاب احلرمة الشرعية لكان جمرد احداث أمر يف
الطريقة شنيعا فكيف اذا اجتمع معه ارتكاب احلرمة الشرعية واليقني ان جناب املرزا جيو
ال يرضى هبذا االمر ولكن ال يصرح ابملنع ايضا رعاية لالدب معكم وال ينهي االصحاب
عن هذا االجتماع أيضا والفقري ملا احسست توقفا يف جميئي كتبت هذه الفقرات
وأرسلتها اليكم فينبغي قراءهتا من أوهلا اىل آخرها عند املريزا جيو و السالم.
{املكتوب السابع والستون واملائتان اىل املريزا حسام الدين أمحد يف بيان ان
االسرار والدقائق اليت امتاز هبا ال ميكن اظهار نبذة منها بل ال ميكن التكلم عنها
ابلرمز واالشارة واهنا مقتبسة من مشكاة النبوة ويشرتك فيها املأل االعلى أيضاً وما
يناسبه}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم ان الصحيفة الشريفة اليت ارسلتها
ابسم هذا احلقري على وجه الكرم قد وصلت وتشرفت مبطالعتها جزاكم هللا سبحانه خري
اجلزاء وماذا أكتب من انعامات احلق جل سلطانه وكيف أؤدي شكرها وما يفاض من
العلوم واملعارف يكتب أكثرها وحيرر بتوفيق هللا تعاىل ويوصل اىل مسع أهلها ولكن
االسرار والدقائق اليت كنت ممتازا هبا فال ميكن ايراد نبذة منها يف عرصة الظهور بل ال
- 461 -
ميكن التكلم م ن تلك املقولة ابلرمز واالشارة حت أنه ال يورد رمز من هذه االسرار
والدقائق بيين وبني ولدي االعز الذي هو جمموعة معاريف ونسخة مقامات السلوك
واجلذبة بل اجتهد يف سرتها منه ابلشح التام مع أين أعلم انه من حمارم االسرار وحمفوظ
من الغلط واخلطإ ولكن ماذا اصنع أيخذ دقة املعاين ابللسان يعين متنعه ويربط من لطافة
االسرار الشفتان فنقد الوقت تكرار يضيق صدري وال ينطلق لساين وليست تلك االسرار
من قبيل ما ال ينبغي ايرادها يف البني بل ال يسعها نطاق البيان {شعر}:
خليلي ما هذا هبزل وامنا * عجيب االحاديث غريب البدائع
وهذه الدولة اليت حنن جنتهد يف سرتها مقتبسة من مشكاة نبوة االنبياء عليهم
الصالة و السالم واملأل االعلى شركاء يف هذه الدولة وكل من يشرف هبا من اتباع االنبياء
عليهم الصالة و السالم قال أبو هريرة رضي هللا عنه أخذت[ ]1عن رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم وعائني يعين من العلم أما أحدمها فقد بثثته واما اآلخر فلو بثثته قطع هذا
البلعوم وذلك العلم اآلخر هو علم االسرار وال يدركه فهم كل أحد ذلك فضل هللا يؤتيه
من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (مث املعروض) ان الكتاب الذي كتبته اىل أوالد شيخنا
ينبغي ان تطالعه (أيها املخدوم) املكرم ان احداث شئ يف الطريقة ليس هو عند الفقري
أبقل من احداث بدعة يف الدين وبركات الطريقة امنا تفاض وتعود على أهلها مامل حيدث
فيها حمدث فاذا حدث فيه حمدث ينسد طريق الفيوض والربكات فحفظ الطريقة من
احملداثت من أهم املهمات واالجتناب عن خمالفة الطريقة من الضرورايت فكل موضع
رأيت فيه خمالفة الطريقة ينبغي زجره ومنعه ابملبالغة واالجتهاد يف ترويج الطريقة وتقويتها
و السالم.
{املكتوب الثامن والستون واملائتان اىل خان خاانن يف بيان العلم املوروث من
االنبياء وبيان املراد ابلعلماء يف حديث علماء أميت كأنبياء بين اسرائيل وان العلم
املوروث من االنبياء ليس هو االسرار اليت تكلم هباء االولياء من التوحيد الوجودي
واالحاطة والسراين وما يشاكلها بل غريها}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد فاعلم أن أحوال فقراء هذه
احلدود وأوضاعهم مست وجبة للحمد واملسؤل من هللا سبحانه سالمتكم وعافيتكم وثباتكم
واستقامتكم وملا كان مبحث علم الوراثة يف البني أردت ان اكتب كلمات من تلك املقولة
على حسب مقتضى الوقت وقد ورد يف االخبار العلماء[ ]1ورثة االنبياء والعلم الذي بقي
من االنبياء عليهم السالم نوعان علم االحكام وعلم االسرار فالعامل الوارث من يكون له
سهم من نوع ي العلم ال من يكون له نصيب من نوع واحد فقط فان ذلك مناف للوراثة
فان الوارث من يكون له نصيب من مجيع أنواع تركة املورث ال من بعض دون بعض
والذي له نصيب من البعض املعني فهو داخل يف الغرماء حيث يتعلق نصيبه جبنس حقه
وكذلك قال النيب عليه الصالة و السالم علماء أميت كأنبياء بين اسرائيل واملراد ابلعلماء
هنا علماء الوراثة ال الغرماء الذين أيخذون نصيبهم من بعض الرتكة فان الوارث ميكن أن
يقال له انه كاملورث بواسطة القرب واجلنسية خبالف الغرمي فانه خال عن هذه العالقة
فمن مل يكن واراث ال يكون عاملا اال ان نقيد علمه بنوع واحد ونقول انه عامل بعلم
االحكام مثال والعامل املطلق هو الذي يكون واراث و يكون له حظ وافر ونصيب اتم من
كال نوعي العلم (وقد) زعم االكثرون أن علم االسرار عبارة عن علوم التوحيد الوجودي
وشهود الوحدة يف الكثرة ومشاهدة الكثرة يف الوحدة وانه كناية عن معارف االحاطة
وسراين وجوده تعاىل وقربه ومعيته سبحانه على النهج الذي صارت منكشفة ومشهودة
الرابب االحوال حاشا وكال مث حاشا وكال من أن تكون هذه العلوم واملعارف من علم
االسرار والئقة مبرتبة النبوة فان مبن تلك املعارف السكر وغلبة احلال اليت هي منافية
للصحو وعلم االنبياء كله سواء كان علم االحكام او علم االسرار انش من غاية الصحو
(( )1قوله العلماء ورثة االنبياء احلديث) رواه االربعة عن ايب الدرداء رضي هللا عنه.
- 463 -
الذي ما امتزجت فيه ذرة من السكر بل هذه املعارف مناسبة ملقام الوالية اليت هلا قدم
راسخ يف السكر فتكون هذه العلوم من اسرار الوالية ال من اسرار النبوة والوالية وان
كانت هي أيضا اثبتة ولكن احكامها مغلوبة ويف جنب احكام النبوة متالشية ومضمحلة
{شعر}:
و متىي بدت انوار بدر يف الدجا * ما للسهى من حيلة سوى االختفا
وقد كتبت يف كتيب ورسائلي وحققت أن كماالت النبوة هلا حكم البحر احمليط
وكماالت الوالية يف جنبها قطرة حمقرة ولكن ماذا نفعل وقد قال مجاعة من عدم ادراكهم
لكم االت النبوة ان الوالية أفضل من النبوة وقالت طائفة أخرى يف توجيه هذا الكالم ان
املراد به ان والية نيب أفضل من نبوته وكل من هذين الفريقني قد حكموا على الغائب من
غري علم حبقيقة النبوة وقريب من هذا احلكم احلكم برتجيح السكر على الصحو فان
عرفوا حقيقة الصحو لعرفوا أن السكر ال نسبة له اىل الصحو أصال {ع}:
ما نسبة الفرشي ابلعرشي
وكأ هنم شبهوا صحو اخلواص بصحو العوام وزعموا وجود املماثلة بينهما فرجحوا
السكر عليه وليتهم اذ زعموا وجود املماثلة بني صحو اخلواص وصحو العوام مل جيرتؤا على
هذا احلكم فان من املقرر عند العقالء أن الصحو أفضل من السكر مطلقا وهذا احلكم
دائمي عندهم سواء كان السكر والصحو جمازيني او حقيقيني وتفضيل الوالية على النبوة
وترجيح السكر على الصحو شبيه برتجيح الكفر على االسالم وتفضيل اجلهل على العلم
فان كال من الكفر واجلهل مناسب ملقام الوالية وكال من االسالم والعلم مناسب ملرتبة
النبوة قال احلسني بن منصور احلالج {شعر}:
لدي وعند املسلمني قبيح
كفرت بدين هللا والكفر واجب * ّ
وحممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم استعاذ من الكفر قل كل يعمل على
شاكلته فكما أن االسالم يف عامل اجملاز أفضل من الكفر كذلك ينبغي أن يعتقد انه يف
احلقيقة افضل من الكفر فان اجملاز قنطرة احلقيقة (فان قيل) كما أن الكفر والسكر
- 464 -
واجلهل اثبت يف مرتبة اجلمع من مقامات الوالية كذلك االسالم والصحو واملعرفة متحقق
يف مرتبة الفرق بعد اجلمع منها فكيف يصح القول مبناسبة الكفر والسكر واجلهل فقط
ملقام الوالية (أقول ) ان اثبات الصحو وامثاله يف مرتبة الفرق امنا هو ابلنسبة اىل مرتبة
اجلمع اليت ليس فيها غري السكر واحملو واال فصحو مرتبة الفرق أيضا ممتزج ابلسكر
واسالمها خمتلط ابلكفر ومعرفتها مشوبة ابجلهل فلو وجدت جماال للكتابة لذكرت احوال
مقام الفرق ومعارفه ابلتفصيل وبينت امتزاج السكر وامثاله فيها ابلصحو وامثاله ولعل
أرابب الفطانة جيدون هذا املعن ابلتفرس أيضا والعجب كل العجب أمل يفهموا ان االنبياء
عليهم الصالة و السالم امنا انلوا ما انلوا من هذه العظمة واجلاللة كلها من طريق النبوة ال
من طريق الوالية وغاية شأن الوالية امنا هي اخلادمية للنبوة فلو كانت للوالية مزية على
النبوة لكان املالئكة الذين واليتهم أكمل من سائر الوالايت أفضل من االنبياء عليهم
الصالة و السالم وملا قالت طائفة من هؤالء القوم ابفضلية الوالية من النبوة ورأوا والية
املالئكة املأل االعلى أفضل من والية االنبياء عليهم الصالة و السالم قالوا ابلضرورة ان
املالئكة أفضل من االنبياء عليهم الصالة و السالم وفارقوا يف ذلك مجهور أهل السنة
واجلماعة وكل ذلك لعدم االطالع على حقيقة النبوة وملا كانت كماالت النبوة حقرية يف
نظر الناس يف جنب كماالت الوالية بواسطة بعد عهد النبوة بسطنا الكالم يف هذا الباب
ابلضرورة وكشفنا مشة من حقيقة املعاملة ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وثبت
اقدامنا وانصران على القوم الكافرين وحيث كان اخي االرشد الشيخ ميان داود من
املرتددين يف تلك احلدود كان ابعثا على هذا التصديع.
االمور ومتين هذا الفقري التشديد على اعداء هللا جل وعال واعداء رسول هللا صلى هللا
عليه و على آله وسلم وايصال االهانة هلؤالء اخلائبني واحتقار آهلتهم الباطلة واعلم يقينا
ان ال عمل ارضى عند احلق جل وعال من هذا العمل وهلذا نرغبكم يف هذا العمل
املرضي مكررا وا ارى اتيان هذا العمل من اهم مهمات االسالم وحيث وفقت للتشريف
هناك وتعينت لتحقري تلك البقعة الكثيفة واهانة اهلها ينبغي اوال اداء شكر هذه النعمة
فانه كان يذهب مجع كثري لتعظيم ذلك املقام وتوقري اهله هلل سبحانه احلمد واملنة على ما
مل يبتلنا هبذه البلية وبعد اداء شكر هذه النعمة العظمى ينبغي تقدمي السعي البليغ يف
حتقري هؤالء اخلائبني اخلاسرين وتوهني آهلتهم الباطلة واالجتهاد يف ختريب تلك اجلماعة
سرا وجهرا مهما امكن وتيسر وايصال انواع االهانة لنا حت االصنام القاصرين وعسى أن
يتاليف ويتدارك هبذا العمل بعض املداهنات الواقعة يف حقهم و يكون ذلك كفارة لتلك
ومينعين ضعف البدن وشدة الربد من الوصول هناك واالّ لوصلت اىل خدمتكم للرتغيب
يف هذا االمر ورميت هبذه املناسبة بزاقا على ذلك احلجر وجعلته رأس بضاعة السعادة
وماذا أابلغ ازيد من ذلك.
{املكتوب السبعون واملائتان اىل الشيخ نور حممد يف بيان ترجيح بعض
الصحبة على العزلة}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد نسي أخي نور حممد النائني
املهجورين على هنج ال يذكرهم بسالم وال بكالم وكان متمناكم العزلة واالنزواء فقد تيسر
ذلك ولكن بعض الصحبة يرجح ويفضل على العزلة وكفى حال أويس القرين ان يكون
مقياسا حيث اختار العزلة ومل ينل صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم
فلم جيد حظا من كماالت الصحبة وصار من التابعني وأتخر من الدرجة األوىل من
درجات اخلري اىل الدرجة الثانية ويف كل يوم طرز آخر من الصحبة بعناية هللا تعاىل من
استوى يوماه فهو مغبون و السالم عليكم و على سائر من إتبع اهلدى والتزم متابعة
- 466 -
{املكتوب الثاين والسبعون واملائتان اىل السيد حمب هللا املانكپوري يف بيان
االميان الغييب واالميان الشهودي وبيان التوحيد الوجودي والتوحيد الشهودي وان
الضروري يف حتقق الفناء هو الشهودي وان أول من أظهر التوحيد الوجودي صاحب
الفتوحات املكية وما يناسب ذلك}
بعد احلمد والصلوات ليعلم االخ االعز املري حمب هللا ان االميان ابلغيب بوجود
الواجب تعاىل وسائر صفاته نصيب االنبياء واصحاهبم عليهم الصالة و السالم ونصيب
االولياء الذين ثبت هلم الرجوع ابلكلية ونسبتهم نسبة االصحاب وان كان هؤالء قليلني
بل أقل ونصيب العلماء ونصيب عامة املؤمنني ايضا واالميان الشهودي نصيب عامة
الصوفية سواء كانوا من أرابب العزلة او من اصحاب العشرة فان اصحاب العشرة وان
كانوا مرجوعني لكنهم ما رجعوا ابلكلية بل ابطنهم مستشرف اىل الفوق ومنجذب اليه
دائما فهم ابلظاهر مع اخللق وابلباطن مع احلق جل سلطانه فاالميان الشهودي نصيبهم
دائما واالنبياء عليهم السالم ملا كانوا مرجوعني ابلكلية ومتوجهني ظاهرا وابطنا اىل دعوة
- 467 -
اخللق ابحلق جل وعال كان االميان الغييب نصيبهم ابلضرورة وقد حقق هذا الفقري يف بعض
رسائله ان التوجه حنو الفوق مع وجود الرجوع من عالمة النقص وعدم الوصول اىل هناية
االمر والرجوع ابلكلية عالمة الوصول اىل هناية النهاايت والصوفية زعموا ان الكمال امنا
هو يف اجلمع بني التوجهني وعدوا اجلامع بني التشبيه والتنزيه من الكمل {ع}:
و للناس فيما يعشقون مذاهب
فاذا فرغ االنبياء عليهم الصالة و السالم من وظيفة الدعوة وتوجهوا حنو عامل
البقاء ومتت مصلحة الرجوع يكونون متوجهني بكليتهم اىل احلق جل شأنه قائلني بتمام
الشوق الرفيق االعلى متبخرتين يف مراتب القرب {شعر}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها * و للعاشق املسكني ما يتجرع
والكمال عند الفقري هو ان ترتفع الكثرة وقت العروج عن النظر ابلكلية حت ال
تكون االمساء والصفات أيضا ملحوظة وال يكون غري االحدية اجملردة مشهودا مث يعامل
معه ما يعامل معه وان يقع النظر وقت الرجوع اىل الكثرة ابلتمام وال يكون مشهوده
كعامة املؤمنني غري اخللق وال يكون شغله غري اداء الطاعة ودعوة اخللق اىل احلق جل
وعال فاذا مت أمر الدعوة وودع العامل الفاين يتوجه بكليته اىل جناب قدسه تعاىل وحيول
رحله من الغيب اىل الشهادة ويبدل معاملة املراسلة مبعاملة املعانقة ذلك فضل هللا يؤتيه
من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم (وال خييلن) الناقص ان الرجوع الكلي نقص وال يزعمن
ان التوجه ابلباطن اىل احلق جل وعال أفضل من التوجه اىل اخللق لدعوهتم وتكميلهم فان
صاحب الرجوع ما جاء اىل مقام الرجوع ابختيار نفسه بل نزل من أعلى اىل أسفل ابرادة
احلق جل سلطانه ورضي لنفسه ابهلجر عن الوصول فصاحب الرجوع قائم مبراد احلق جل
شأنه وفان عن مراد نفسه وصاحب التوجه حمظوظ ابلوصل والشهود ومسرور ابلقرب
واملعية {شعر}:
اذا أرضى منا قليب بعادي * فهذا اهلجر احظى من وصايل
الين يف الوصال عبيد نفسي * ويف اهلجر ان موىل للموايل
- 468 -
(( )1قوله اللهم انت االول اخل) هذه قطعة من حديث اخرجه مسلم عن ايب هريرة رضي هللا عنه
- 469 -
شئ فان مجيع احلصر يف هذه العبارات لنفي كمال الوجود عما سواه تعاىل أببلغ الوجوه
ال نفي اصل الوجود كما قال عليه الصالة و السالم ال صالة[ ]1اال بفاحتة الكتاب وقال
أيضا ال اميان[ ]2ملن ال أمانة له وأمثال ذلك يف الكتاب والسنة كثرية وهذا التوجيه ليس
من قبيل أتويل النصوص كما زعموا بل هو محل النصوص على كمال البالغة كما ان يف
العرف اذا وقع االهتمام برسالة شخص ونيابته يقال ان يده يدي واملقصود هنا ليس
احلقيقة بل اجمل از الذي هو أبلغ من احلقيقة فاذا كان وقوع الفعل أكثر وأزيد ابلنظر اىل
مقدار قدرة الفاعل الذي هو عبد مملوك لصاحب القدرة الكاملة وكان التفات ذلك
القادر املالك وتوجهه اىل ذلك الفعل مرعيا يصح للمالك أن يقول اان فعلت هذا الفعل
ال أنت وال داللة هلذا الكالم أصال ع لى احتاد الفعل وال على احتاد الذات معاذ هللا من
أن يكون فعل العبد اململوك عني فعل املالك املقتدر أو يكون ذاته عني ذاته امل تفهم هذه
اجلماعة مذاق االنبياء عليهم الصالة و السالم فان مدار دعوهتم على اثبات االثنينية
ووجود املغايرة يعين بني اخللق واخلالق وتنزيل عباراهتم على التوحيد واالحتاد من التكلفات
الباردة فان كان املوجود واحدا يف احلقيقة وكان ما سواه ظهوراته وكان عبادة ما سواه
عبادته كما زعم هؤالء اجلماعة مل منع االنبياء عليهم السالم عنها ابملبالغة والتأكيد ومل
خوفوا ابلعقوابت االبدية على عبادة ما سواه ومل قالوا لعابديه أعداء هللا ومل مل يطلعوهم
على منشإ غلطهم ومل يزيلوا عنهم رؤية املغايرة الناشئة عن اجلهل فيهم ومل يفهموهم ان
عبادة ما سواه عني عبادته جل وعال (قال) بعض هؤالء اجلماعة ان االنبياء عليهم
الصالة و السالم امنا اخفوا اسرار التوحيد الوجودي عن العوام وبنوا أمر الدعوة على
اثبات املغايرة واخفوا الوحدة ودلوا على الكثرة بسبب قصور فهم العوام عن ذلك وهذا
القول غري مسموع منه كما ال يسمع القول ابلتقاة من الشيعة فان االنبياء عليهم السالم
احق بتبليغ ما هو مطابق لنفس االمر فان كان الوجود يف نفس االمر واحدا فلم أخفوه
وأظهروا خالف ما يف نفس االمر خصوصا يف االحكام اليت تتعلق بذات واجب الوجود
وصفاته وأفعاله تعاىل وتقدس فاهنم احقاء ابعالهنا واظهارها وان كان قاصر النظر قاصرا
عن ادراكها وعاجزا عن فهمها فضال عن العوام اال ترى ان املتشاهبات القرآنية وما ورد
يف االحاديث النبوية من املتشاهبات يعجز اخلواص عن فهمها فضال عن العوام ومع ذلك
مل مينعوا ومل يعقهم توهم غلط العوام من ابدائها وهؤالء اجلماعة يسمون من يقول بتعدد
الوجود واملوجود ويتنزه عن عبادة ما سوى املعبود تعاىل وتقدس مشركا ويقولون ملن يقول
بوحدة الوجود موحدا ولو كان يعبد ألف صنم بتخيل اهنا ظهورات احلق سبحانه وان
عبادهتا عبادته سبحانه ينبغي ان يتأمل ابالنصاف اي صنف من هذين الصنفني مشرك
وأي صنف منهما موحد واالنبياء عليهم الصالة و السالم ما دعوا اخللق اىل وحدة
الوجود ومل يقولوا ملن قال بتعدد الوجود مشركا بل كانت دعوهتم اىل وحدة املعبود جل
سلطانه وأطلقوا الشرك على عبادة ما سواه تعاىل فان مل يعرف الصوفية الوجودية ما سواه
تعاىل بعنوان الغريية ال يتخلصون من الشرك وما سواه تعاىل هو ما سواه تعاىل عرفوا ذلك
أو ال وبعض املتأخرين منهم قال ان العامل ليس عني احلق جل سلطانه ويتحاشى من
القول ابلعينية ويطعن يف القائلني هبا ويشنعهم وينكر الشيخ حميي الدين بن العريب واتباعه
من هذا الوجه ويذكرهم بسوء ومع ذلك ال يقول مبغايرة العامل للحق سبحانه بل يقول انه
ليس عني احلق وال غري احلق سبحانه وهذا الكالم بعيد عن الصواب فان االثنان متغايران
قضية مقررة ومنكر املغايرة بني االثنني مصادم لبديهة العقل غاية ما يف الباب ان
املتكلمني قالوا يف صفات الواجب اهنا ال هو وال غريه وارادوا ابلغري الغري املصطلح وراعوا
جواز االنفكاك يف املتغايرين فان صفات الواجب ليست منفكة عن الذات وجواز
االنفكاك بني الذات والصفات الق دمية غري متصور فقول ال هو وال غريه صادق يف
الصفات القدمية خبالف العامل فان تلك النسبة مفقودة فيه كان[ ]1هللا ومل يكن معه شئ
(( )1ق وله كان هللا اخل) رواه البخاري عن عمران بن حصني رضي هللا عنه بلفظ كان هللا ومل يكن شئ غريه ويف رواية
فيه ومل يكن شئ قبله قال ابن حجر ويف رواية غري البخاري ومل يكن شئ معه اه
- 471 -
فنفي العينية والغريية معا من العامل بعيد عن الصدق لغة واصطالحا وهؤالء اجلماعة امنا
زعموا العامل وتصوروه كالصفات القدمية واثبتوا له احلكم املخصوص هبا من قصورهم وعدم
وصوهلم وحيث قالت هؤالء اجلماعة بنفي عينية العامل كان الالزم هلم ان يقولوا بغرييته
ايضا حت خيرجوا من زمرة أرابب التوحيد الوجودي وحيكموا بتعدد الوجود يف التوحيد
الوجودي البد من القول ابلعينية كما قال هبا الشيخ حميي الدين بن العريب واتباعه والقول
ابلعينية ال مبعن ان العامل متحد ابلصانع معاذ هللا من ذلك بل مبعن أن العامل معدوم
واملوجود هو واجب الوجود تعاىل وتقدس كما حقق هذا الفقري هذا املعن يف بعض
رسائله (فان قيل) ان الصوفية الوجودية امنا يقولون ملن يقول بتعدد الوجود مشركا ابعتبار
أنه يرى ويشاهد االثنني ومشاهد االثنني هو مشرك الطريقة (اجيب) أن رؤية االثنني اليت
هي شرك الطريقة تندفع ابلتوحيد الشهودي وال حاجة اىل التوحيد الوجودي يف ذلك
املوطن بل ينبغي ان ال يكون مشهود السالك وملحوظه غري الذات االحد املقدسة حت
يتحقق الفناء ويندفع شرك الطريقة كما اذا رأى شخص الشمس يف النهار وحدها ومل ير
النجوم يندفع رؤية االثنني وان كانت النجوم كلها موجودة يف النهار واملقصود هو كون
املشهود هو الشمس وحدها سواء كانت النجوم موجودة او معدومة بل أقول ان كمال
الفناء امنا هو يف صورة تكون االشياء موجودة ومع ذلك ال يلتفت السالك من كمال
تعلقه وشغفه ابملطلوب احلقيقي اىل شئ أصال بل ال يشاهد شيئا وال يقع نظر بصريته
اىل شئ قطعا فان مل تكن االشياء موجودة فمن اي شئ يتحقق الفناء وعمن يكون فانيا
وذاهال وانسيا (وأول) من صرح ابلتوحيد الوجودي هو الشيخ حميي الدين ابن العريب
وعبارات املشائخ املتقدمني وان كانت مشعرة ابلتوحيد ومنبئة عن االحتاد ولكنها قابلة
للحمل على التوحيد الشهودي فانه ملا مل ير غري احلق سبحانه قال بعضهم ليس يف جبيت
سوى هللا وقال بعضهم سبحاين وبعضهم ليس يف الدار غريي وهذه كلها ازهار تفتقت
من غصن رؤية الوا حد ال داللة يف واحد منها على التوحيد الوجودي والذي بوب مسئلة
وحدة الوجود وفصلها ودوهنا تدوين النحو والصرف هو الشيخ حميي الدين بن العريب
- 472 -
وخصص بعض املعارف الغامضة بني هذا املبحث بنفسه حت قال ان خامت النبوة أيخذ
بعض العلوم واملعارف عن خامت الوالية وأراد خبامت الوالية احملمدية نفسه وقال الشراح يف
توجيهه ان السلطان اذا أخذ من خازنه شيئا فاي نقصان فيه وابجلملة ال حاجة يف
حتصيل الفناء والبقاء وحصول الوالية الصغرى والكربى اىل التوحيد الوجودي بل البد يف
حتقق الفناء وحصول نسيان السوي من التوحيد الشهودي بل ميكن ان يسري السالك من
البداية اىل النهاية وال يظهر له شئ من علوم التوحيد الوجودي ومعارفها أصال بل يكاد
ينكر هذه العلوم وعند هذا الفقري ان الطريق الذي يتيسر سلوكه بدون ظهور هذه
املعارف اقرب من الطريق الذي هو متضمن لظهور هذه املعارف (وأيضا) ان أكثر
سالكي هذا الطريق يصلون اىل املطلوب وأكثر سائري ذاك الطريق يبقون يف الطريق
ويروون من البحر بقطرة ويبتلون بتوهم احتاد الظل ابالصل وحيرمون بذلك الوصل
وعلمت هذا املعن بتجاريب متعددة وهللا سبحانه امللهم للصواب وسري الفقري وان كان
من الطريق الثاين ووجد حظا وافرا من ظهورات علوم التوحيد الوجودي ومعارفه ولكن ملا
كانت عناية احلق سبحانه شاملة حلاله وكان سريه السري احملبويب طوى بوادي الطريق
ومفاويزه ابمداد فضله وعنايته تعاىل وجاوز مراتب الظالل ووصل اىل االصل بتوفيق هللا
تعاىل وعونه وملا وقعت املعاملة على املسرتشدين رأى أن الطريق اآلخر أقرب اىل الوصول
وأسهل من حيث احلصول احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان هللا
لقد جاءت رسل ربنا ابحلق (تنبيه) قد علم من التحقيق السابق أن املوجودات وان كانت
متعددة وما سواه تعاىل كان موجودا جاز أن يتحقق الفناء والبقاء وحتصل الوالية الصغرى
والكربى فان الفناء هو نسيان السوى ال اعدامه واستئصاله وما هو الالزم فيه أن تكون
رؤية السوى مفقودة ال أن يكون السوي معدوما وال شيئا حمضا وهذا الكالم مع ظهوره
قد خفي على أكثر اخلواص وماذا نقول من العوام وجعلوا معرفة وحدة الوجود من شرائط
الطريق بتخيل ان التوحيد الشهودي هو عني التوحيد الوجودي وزعموا القائل بتعدد
الوجود ضاال ومضال حت ختيل الكثريون منهم ان معرفة احلق سبحانه منحصرة يف
- 473 -
معارف التوحيد الوجودي وتصوروا ان شهود الوحدة يف مرااي الكثرة من متام االمر حت
صرح بعضهم ان نبينا صلّى هللا عليه و سلّم كان بعد حصول كماالت النبوة يف مقام
الشهود والوحدة يف الكثرة وان يف قوله تعاىل إان أعطيناك الكوثر اشارة اىل ذلك املقام
وي ّول العبارة هكذا اان أعطيناك شهود الوحدة يف الكثرة وكأنه فهم هذه االشارة من
توسط الواو بني حروف الكثر حاشا مقام النبوة من ان يليق مبثل هذه املعارف وكال فان
االنبياء عليهم الصالة و السالم امنا دعوا اىل هللا املنزه عن املماثلة واملشاهبة والذي يكون
له متسع يف مرااي املثايل ليس له نصيب من الالمثايل بل هو متسم بسمة الكيف واملثال
رزقهم هللا سبحانه االنصاف وكاهنم يزنون االنبياء عليهم الصالة و السالم مبيزان كماالهتم
ويزعمون كماالهتم مماثلة لكماالهتم كربت كلمة خترج من أفواهم {شعر}:
وليس لشئ كامن جوف صخرة * سواها مساوات لديه وال أرض
وأحقر أمته صلّى هللا عليه و سلّم يف استغفار وندامة من أمثال هذه املعرفة اليت
حصلت له يف أوائل حاله وينفي ذلك الشهود من جناب قدسه تعاىل كحلول النصارى
قال اخلواجه النقشبند قدس سره كلما يكون مرئيا أومسموعا أو متخيال أو موهوما فهو
غريه تعاىل ينبغي نفيه حبقيقة كلمة ال فكان شهود الوحدة يف الكثرة ايضا مستحقا للنفي
فهو منتف من جناب قدسه وكالم اخلواجه هذا هو الذي أخرجين من هذا الشهود
واجن اين من التعلقات ابملشاهدة واملعاينة وحول الرحل من العلم اىل اجلهل ومن املعرفة اىل
احلرية جزاه هللا سبحانه خري اجلزاء وأان هبذا الكالم الواحد مريد اخلواجه هباء الدين
النقشبند قدس سره ومقر طق االذن بكالمه هذا (واحلق) ان قليال من االولياء تكلم هبذه
العبارة ونفى مجيع املشاهدات واملعاينات على هذا النهج وقال هو يعين اخلواجه النقشبند
يف هذا املقام الذي هو مقام احلقيقة معرفة احلق سبحانه و تعاىل حرام على هباء الدين لو
مل تكن بدايته هناية ايب يزيد فان ااب يزيد مع عظم شأنه وجاللة قدره ما جاوز الشهود
واملشاهدة ومل يضع قدمه خارج مضيق سبحاين خبالف اخلواجه النقشبند فانه نفى مجيع
مشاهداته بكلمة واحدة يعين كلمة ال وجعل الكل غري احلق سبحانه وتنزيه البسطامي
- 474 -
تشبيه عند اخلواجه وال مثاليه مثايل وكماله نقص فال جرم تكون هنايته اليت مل تتجاوز
التشبيه بداية اخلواجه فان البداية تكون من التشبيه والنهاية تكون اىل التنزيه ولعله حصل
االطالع اليب يزيد يف آخر احلال على هذا النقص حيث قال قبيل االحتضار اهلي ما
ذكرتك اال عن غفلة وال خدمتك اال عن فرتة فعرف يف ذلك احلال ان حضوره السابق
كان غفلة فانه ما كان حضور احلق سبحانه بل كان حضور ظل من الظالل وظهور من
الظهورات فيكون غافال عنه تعاىل ابلضرورة فانه سبحانه غري الظالل والظهورات ووراء
الوراء والظالل والظهورات امنا هي مباد ومقدمات ومعارج ومعدات ومقال اخلواجه قدس
سره حنن ندرج النهاية يف البداية مطابق للواقع فان ابتداء توجههم اىل االحدية الصرفة ال
يري دون من االسم والصفة غري الذات وهذه احلالة حتصل للمبتدئني الرشيدين من هذه
الطائفة بطريق االنعكاس من شيخ مقتدى به مشرف هبذا الكمال عرفوا اومل يعرفوا
فتكون هناية الكمل مندرجة يف بداية هؤالء االكابر غاية ما يف الباب ان هذا التوجه اىل
االحدية لو غلب فيهم ومني وجعل الظاهر أيضا منصبغا بلون الباطن يكون السالك
حينئذ متخلصا من رقية مشاهدة السفلى وشهود االدين الذي يظهر يف مرااي املمكنات
وهاراب من املعارف التشبيهية وان مل يغلب هذا التوجه بل كان مقصورا على الباطن فكثريا
ما يكون الظاهر ملتذا بشهود الوحدة يف الكثرة وحمتظا ابلتوحيد واالحتاد ولكن هذا
الشهود مقصور يف حقهم على الظاهر غري سار اىل الباطن بل ابطنهم متوجه اىل
االحدية الصرفة وظاهرهم مشاهد للوحدة يف الكثرة بل رمبا ال يكون توجه الباطن بواسطة
غلبة نسبة الظاهر معلوما وال يكون شئ سوى الشهود الظاهري مفهوما كما كان ذلك
يف اوائل احوال حمرر هذه السطور فانه مل يكن له شعور من توجه الباطن اىل االحدية
الصرفة بواسطة غلبة نسبة الظاهر ووجد نفسه متوجها ابلكلية اىل شهود الوحدة يف
الكثرة مث رزقه احلق سبحانه بعد مدة االطالع على توجه الباطن ونصر الباطن على
الظاهر واوصل املعاملة اىل هنا احلمد هلل سبحانه على ذلك ومن هذا القبيل ما صدر من
بعض خلفاء هذه الطائفة العلية من املعارف التوحيدية واملشاهدة السفلية ال اهنم
- 475 -
متوجهون اىل هذا الشهود ومبتلون هبذه املعرفة ظاهرا وابطنا خبالف غريهم حيث أهنم
مبتلون هبذا الشهود ظاهرا وابطنا ويزعمون هذا الشهود مجعا بني التشبيه والتزيه ويعدونه
من الكمال وان كان هلم يف الباطن اميان ابلتنزيه الصرف فان االبتالء غري االميان واحلال
غري العلم واما الذين ال اميان هلم ابلتنزيه الصرف وال يعتقدون شيئا غري املشاهدة السفلية
فهم املالحدة وهم خارجون عن املبحث وشهود احلق جل وعال يف مرااي املمكنات الذي
يعده مجاعة من الصوفية كماال ويزعمونه مجعا بني التشبيه والتنزيه ليس هو عند الفقري
شهود احلق جل وعال وليس املشهود فيها غري متخيلهم ومنحوهتم وال ما يرونه يف املمكن
واجبا وال ما جيدونه يف احلادث قدميا وال ما يظهر يف التشبيه تنزيها واايك واالفتتان
برتهات الصوفية واعتقاد غري احلق حقا وهذه اجلماعة وان كانوا معذرورين يف خصوصهم
بغلبة احلال وحمفوظني من املؤا خذة بذلك كاجملتهد املخطئ ولكن ال ندري ماذا تكون
املعاملة مبقلديهم ليتهم يكونوا كمقلدي اجملتهد املخطئ واالّ فاالمر مشكل والقياس
االجت هادي أصل من االصول الشرعية وحنن مأمورون بتقليده خبالف الكشف واالهلام
فان مل نؤمر بتقليده واالهلام ليس حبجة للغري واحلكم االجتهادي حجة للغري فيجب اذا
تقليد العلماء اجملتهدين وينبغي طلب أصول الدين موافقة آلرائهم وما يقوله الصوفية أو
يفعلونه خمالفا آلراء العلماء اجملتهدين ال ينبغي تقليده بل ينبغي السكوت عن طعنهم
حبسن الظن هبم وان يعده من شطحياهتم وان يصرفه عن ظاهره والعجب ان كثريا من
الصوفية يدلون العوام على االميان أبمورهم الكشفية كوحدة الوجود مثال ويدعوهنم اليه
ويرغبوهنم يف تقليدهم فيها ويهددوهنم على عدم االميان هبا وليتهم يدلوهنم على عدم
االنكار على هذه االمور ويهددون املنكرين فان االميان غري عدم االنكار واالميان هبذه
األمور ليس بالزم ولكن ينبغي االجتناب واالحرتاز عن االنكار لئال ينجر انكار هذه
االمور اىل انكار أرابهبا فيؤدي اىل بغض أولياء احلق جل وعال وعداوهتم فالالزم لالنسان
العمل على وفق آراء علماء أهل احلق والسكوت عن كشفيات الصوفية حبسن الظن
وعدم اجلسارة بال ونعم هو احلق املتوسط بني االفراط والتفريط وهللا سبحانه امللهم
- 476 -
للصواب (ومن) أعجب العجب ان مجاعة من مدعي هذا الطريق ال يقنعون هبذا الشهود
واملشاهدة ب ل يزعمون هذا الشهود تنزال ويقولون يف اثناء ذلك ابلرؤية البصرية ويقولون
نرى ذات واجب الوجود املنزه عن املثال ويقولون ان هذه الدولة اليت كانت ميسرة للنيب
صلّى هللا عليه و سلّم مرة واحدة يف ليلة املعراج تتيسر لنا يف كل يوم ويشبهون النور
املرئي هلم ابسفار الصبح ويزعمون ذلك النور املرتبة الالكيفية ويتخيلون ظهور ذلك النور
هناية مراتب العروج تعاىل هللا سبحانه عما يقول الظاملون علوا كبريا وأيضا اهنم يثبتون
املكاملة معه تعاىل ويقولون أمران هللا سبحانه و تعاىل بكذا وكذا وينقلون عنه سبحانه
أحياان وعيدا يف حق اعدائهم ويبشرون أحياان احباهبم ويقول بعضهم كلمت احلق
سبحانه بقية ثلث الليل او ربعه اىل صالة الصبح وسئلته عن كل ابب ووجدت منه
اجلواب لقد استكربوا يف أنفسهم وعتوا عتوا كبريا ويفهم من كلمات هؤالء اجلماعة اهنم
يعتقدون ذلك النور املرئي عني احلق سبحانه وعني ذاته تعاىل ال اهنم يقولون انه ظهور
من ظهوراته تعاىل وظل من ظالله وال شك ان اعتقاد ذلك النور ذات احلق سبحانه
افرتاء حمض واحلاد صرف وزندقة خالصة ومن هناية حتمله سبحانه و تعاىل عدم استعجاله
يف عقوبة امثال هؤالء املفرتين وتعذيبهم ابنواع العذاب وعدم استئصاهلم سبحانك على
حلم ك بعد علمك سبحانك على عفوك بعد قدرتك وقد هلك قوم موسى على نبينا
وعليه الصالة و السالم مبجرد طلب الرؤية ومسع موسى عليه السالم نداء لن تراين بعد
وخر صعقا واتب من ذلك الطلب وحممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّمطلب الرؤية ّ
الذي هو حمبوب رب العاملني وأفضل املوجودات وسيد االولني واآلخرين مع كونه مشرفا
بدولة املعراج البدين وجتاوزه العرش والكرسي وعلوه على الزمان واملكان يعين خلوه
وخروجه منهما للعلماء اختالف يف رؤيته عليه الصالة و السالم مع وجود االشارة
القرآنية اليها وأكثرهم قائلون بعدمها قال االمام الغزايل االصح انه عليه الصالة و السالم
ما رأى ربه ليلة املعراج وهؤالء القاصرون يرون هللا سبحانه كل يوم بزعمهم الباطل مع
وجود القيل والقال بني العلماء يف رؤية حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مرة واحدة
- 477 -
فقبحهم هللا سبحانه ما أجهلهم (وأيضا) يعلم من كلمات هؤالء اجلماعة ان نسبة الكالم
الذي يسمعونه اىل هللا سبحانه عندهم كنسبة الكالم اىل املتكلم وهذا عني االحلاد معاذ
هللا سبحانه من أن يصدر عنه كالم بطريق تكلم فيه ترتيب احلروف والتقدم والتأخر فان
ذلك من عالمات احلدوث والذي أوقعهم يف االغلوطات هو كلمات املشائخ الكبار
فاهنم ا يضا اثبتوا له سبحانه الكالم واملكاملة (ولكن) ينبغي أن يعلم ان املشائخ ال يقولون
ان نسبة الكالم اليه تعاىل كنسبته اىل املتكلم بل يقولون انه كنسبة املخلوق اىل اخلالق
يقينا وال حمذور يف ذلك اصال فان موسى على نبينا وعليه الصالة و السالم مسع من
الشجرة كالم احلق سبحانه و تعاىل ونسبة هذا الكالم اىل احلق سبحانه كنسبة املخلوق
اىل اخلالق ال كنسبة الكالم اىل املتكلم وكذلك الكالم الذي كان يسمعه من جربيل عليه
السالم نسبته اىل احلق كنسبة املخلوق اىل اخلالق غاية ما يف الباب ان ذلك الكالم ايضا
كالم احلق سبحانه ومنكره كافر وزنديق وكأن كالم احلق مشرتك بني الكالم النفسي
والكالم اللفظي الذي يوجده احلق سبحانه من غري توسط امر ما فيكون الكالم اللفظي
ايضا يف احلقيقة كالم احلق سبحانه و تعاىل فيكون منكره كافرا ابلضرورة فافهم فان هذا
التحقيق ينفعك يف كثري من املواضع وهللا سبحانه املوفق (ينبغي) أن يعلم أن الوجود
الذي نثبته يف املمكنات هو وجود ضعيف كسائر صفات املمكنات وما مقدار علم
املمكن يف جنب علم الواجب تعاىل واي اعتبار للقدرة احلادثة يف جنب القدرة القدمية
وكذلك وجود املمكن يف جنب وجود الواجب ال شئ حمض فكيف يقع الناظر يف الشك
من تفاوت مراتب هذين الوجودين ان اطالق الوجود على هذين الفردين هل هو بطريق
احلقيقة او على احدمها بطريق احلقيقة و على اآلخر بطريق اجملاز اال ترى ان اجلم الغفري
من الصوفية تيقنوا ابلشق الثاين وقالوا ان اطالق الوجود على وجود املمكن امنا هو بطريق
اجملاز وال يثبت الوجود للممكنات اال العوام واخص اخلواص واملراد ابخص اخلواص
االنبياء عليهم الصالة و السالم ومن كان مشرفا بواليتهم االصلية من اممهم وطوى دائرة
الظالل ابلتمام فاما العوام فنظرهم مقصور على الظاهر فيزعمون ان وجود الواجب ووجود
- 478 -
املمكن قسمان من الوجود املطلق ويظنون كليهما موجودين (وأما) أخص اخلواص
فأبصارهم حديدة فيجدون كال الوجودين من افراد الوجود املطلق ويعدون تفاوت مراتب
افراد الوجود املطلق راجعا اىل صفات الوجود واعتباراته ال اىل حقيقته وذاته حت يكون
يف احدمها حقيقة ويف اآلخر جمازا وأما املتوسطون الذين وضعوا اقدامهم فوق رتبة العوام
وقصروا عن ادراك كماالت اخص اخلواص فعسري عليهم ان يقولوا بوجود املمكنات وأن
يطلقوا لفظ الوجود على وجود املمكن بطريق احلقيقة ومشكل ومن ههنا قالوا إن املمكن
امنا يقال له موجودا بعالقة ان له نسبة اىل الوجود كما يقال ماء الشمس ال ان الوجود
قائم به حت يكون موجودا حقيقة وبعض هؤالء اجلماعة ساكت عن وجود املمكن غري
مصرح بنفيه واثباته وبعضهم ينفي الوجود عن املمكن وال يرى موجودا غري الواجب تعاىل
وبعضهم ال يقول بغريية وجود املمكن لوجود الواجب كما ال يقول بعينيته له ويصرح
بعضهم ان املمكن موجود بعني الوج ود الذي به الواجب تعاىل موجود وهذه العبارة ايضا
تنفي الوجود عن املمكن وابجلملة حيتاج يف اثبات وجود املمكن اىل حدة النظر حت
ميكن رؤيته حني تشعشع انوار وجود الواجب تعاىل كما أن من هلم حدة البصر يرون
النجوم يف النهار مع وجود تشعشع نور الشمس والذين ليس هلم حدة البصر ال يقدرون
رؤيتها فوجود املمكنات يف جنب وجود الواجب كوجود الكواكب يف النهار من كان فيه
حدة البصر يقدر رؤيته ومن هو ضعيف البصر ال يقدرها * وليس له منها نصيب وال
سهم * فان قيل كيف يرى العوام وجود املمكنات مع وجود ضعف البصر وعمي البصرية
فيهم واحلال ان تشعشع انوار وجود الواجب مانع عن رؤيته يعين الضعاف البصر
(اجيب) أن العوام ارابب العلم ال ارابب الرؤية وكالمنا يف ارابب الرؤية ال يف ارابب العلم
فاهنم خارجون عن املبحث فكان ظهور انوار الواجب تعاىل مفقودا يف حقهم فال يكون
مانعا عن رؤية وجود املمكنات يف حقهم او نقول ان ظهور انوار الواجب امنا هو مانع
عن شهود وجود املمكنات ال انه مانع عن العلم بوجود املمكنات فان العلم كثريا ما
حيصل ابلسماع والتقليد والنظر واالستدالل كما ان العلم بوجود الكواكب يف النهار
- 479 -
حاصل لضعاف البصر ايضا مع وجود ظهور الشمس ويف العوام العلم بوجود املمكنات
ال شهوده فان الشهود من صفة البصرية وبصرية العوام مطموسة سواء كان املشهود ملكا
أو ملكوات أو جربوات أو الهوات (أيها االخ االعز) ان العوام كما اهنم مشاركون الخص
اخلواص يف هذا املبحث كذلك هلم مشاركة يف مواضع أخر و من ههنا كانت معاملة
االنبياء ومعائشهم عليهم الصالة و السالم يف كثري من االحكام كمعاملة العوام
ومعائشهم ومعاشرهتم مع أهلهم وعياهلم وكان خري البشر صلّى هللا عليه و سلّم يعامل
أهله وعياله مثل معاملتهم وحسن معاشرته صلّى هللا عليه و سلّم مشهور نقل ان النيب
صلّى هللا عليه و سلّم قبّل يوما احلسن[ ]1واحلسني رضي هللا عنهما واظهر هلما متام
االنبساط فقال شخص من احلاضرين ان يل أحد عشر ابنا ومل اقبّل واحدا منهم أصال
فقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ان هذا لرمحة اعطاها هللا سبحانه لعباده من رمحته
وحيث كانت الخص اخلواص مشاركة مع العوام يف بعض االوصاف وان كانت صورة
كان العوام حمرومني من أكثر كماالهتم بسبب نقصاهنم وقصور ادراكهم وختيلهم اايهم
كأنفسهم والذين فارقوهم يف االوصاف واخلصال تراهم يعظموهنم ويوقروهنم وهلذا يفضلون
أوصاف االولياء واخالقهم على ما سواها من االوصاف اليت تشابه أوصافهم وأخالقهم
لكوهنا مغايرة الوصافهم واخالقهم وان كانت تلك االخالق موجودة يف االنبياء عليهم
السالم (نقل) عن املخدوم الشيخ فريد گنج شكر أنه ملا تويف واحد من أوالده وبلغه خرب
وفاته مل يطرأ عليه تغري أصال وقال مات جرو الكلب فاخرجوه وملا تويف ولد سيد البشر
( )1يف االحياء رأى االقرع بن حابس النيب صلّى هللا عليه و سلّم وهو يقبّل ولده احلسن فقال ان يل عشرة من الولد
ما قبّلت واحدا منهم فقال عليه السالم من ال يرحم ال يرحم انتهى و قد اخرج الشيخان وابو داود والرتمذي عن ايب
هريرة رضي هللا عنه قال قبّل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم احلسني بن علي وعنده االقرع بن حابس فقال االقرع ان
يل احد عشرة من الولد ما قبّلت منهم احدا فنظر رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مث قال من ال يرحم ال يرحم وزاد
رزين او املك ان كان هللا نزع منكم الرمحة ورواه ابو يعلى عن ايب هريرة لكن ذكر عيينة بن حصني بدل االقرع ابن
حابس وليس فيه الزايدة اال ان فيه يقبّل احلسن واحلسني.
- 480 -
[]1
بفراقك ابراهيم عليه السالم بكى عليه النيب صلّى هللا عليه و سلّم وحزن وقال اان
حملزونون وبني حزنه ابلتأكيد مبالغة فانظر أيهما أفضل الشيخ فريد گنج شكر ام سيد
البشر صلّى هللا عليه و سلّم وعند العوام الذين هم كاالنعام بل اضل معاملة االول أوىل
وافضل فاهنم يعدوهنا من عدم التعلق ابلسوى ويزعمون الثاين عني التعلق ابلفاين اعاذان
هللا سبحانه من معتقداهتم السوء وحيث ان هذه الدار دار امتحان وابتالء فالقاء العوام
يف االشتباه والشبهة عني احلكمة واملصلحة اللهم اران احلق حقا وارزقنا اتباعه واران الباطل
ابطال وارزقنا اجتنابه حبرمة سيد البشر عليه و على آله الصالة و السالم (ولنرجع) اىل
أصل الكالم ونقول ان اميان االنبياء عليه السالم واصحابه الكرام واالولياء امللحقني
ابالصحاب العظام بعد الشهود قد تقرر كونه ابلغيب بواسطة الرجوع اىل الدعوة كما ان
شخصا رأى الشمس يف النهار ووجد فيه االميان الشهودي بوجود الشمس فاذا جاء
الليل يتبدل اميانه الشهودي ابالميان الغيىب واميان العلماء وان كان غيبا ولكن غيبهم
عرض له حكم احلدس بواسطة نور متابعة االنبياء عليهم السالم وخرج من كونه نظراي
واستدالليا واملراد ابلعلماء هنا علماء اآلخرة فان علماء الدنيا داخلون يف عامة املؤمنني
وا فضل اقسام االميان الغييب املنسوب اىل عامة املؤمنني اميان مربوط بتقليد االنبياء عليهم
الصالة و السالم ومنوط بقال هللا وقال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم (فان قيل) قال
العلماء ان االميان االستداليل أفضل من االميان التقليدي حت ان كثريا من العلماء عدوا
االس تدالل من شرائط االميان ومل يعتربوا االميان التقليدي وأنت تقول ان االميان التقليدي
أفضل (أجيب) ان االميان احلاصل بتقليد االنبياء عليهم السالم اميان استداليل فان
صاحب التقليد يعرف ابلدليل ان االنبياء عليهم الصالة و السالم صادقون يف تبليغ
الرسالة من هللا تعاىل فان الشخص الذي صدقه هللا سبحانه ابملعجزة صادق ألبتة
واالنبياء عليهم السالم كلهم مؤيدون ابملعجزات فيكون كلهم صادقني والتقليد الغري
املعترب هو تقليد اآلابء يف االميان فقط وال يكون صدق االنبياء عليهم السالم وحقية
تبليغهم منظورا اليه أصال وهذا االميان غري معترب عند كثري من العلماء بقى االميان
االستداليل احلاصل من ترتيب مقدمات أرابب النظر من الصغرى والكربى فهو استدالل
قريب من االمكان بعيد عن الوقوع وال يعلم مضي أحد من أرابب النظر يف مقام
االستدالل على اثبات الواجب مثل موالان جالل الدين الدواين فانه حمقق ومتأخر الزمان
وقد سعى هو يف اثبات الواجب سعيا بليغا ومع ذلك ال يوجد مقدمة من مقدمات
استدالالته مسلمة من النقض واملعارضة واملنع والدخل املوجه اليت اوردها حمشيوا رسالته
ويل لصاحب استدالل حيصل االميان مبجرد االستدالل وال يكون تقليد االنبياء مستنده
ومعتمده ربنا آمنا مبا انزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين.
{املكتوب الثالث والسبعون واملائتان اىل املرزا حسام الدين امحد يف بيان انه
ينبغي للسالك ان يكون اثبتا ومستقيما على طريق شيخه غري ملتفت اىل طرق اخر
وان ال يعترب الوقائع اليت تظهر على خالفه فاهنا من الشيطان العدو وما يناسب
ذلك}
احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا
ابحلق عليهم من الصلوات امتها ومن التسليمات اكملها قد حصل السرور واالبتهاج
بوصول صحيفة االلتفات املرسلة ابسم هذا احلقري على وجه الكرم جزاكم هللا سبحانه
خري اجلزاء وقد اندرج فيها انه لو كانت املبالغة يف منع السماع متضمنة للمنع عن مساع
املولد الذي هو عبارة عن قراءة القصائد النعتية واالشعار غري النعتية يعسر ترك استماع
املولد على االخ االعز املري حممد نعمان وبعض االصحاب املوجودين هنا الهنم رأوا النيب
صلّى هللا عليه و سلّم يف الواقعة وهو صلّى هللا عليه و سلّم راض عن جملس املولد جدا
ويصعب عليهم ترك ذلك جدا (أيها املخدوم) لو كان للوقائع اعتبار و على املنامات
اعتماد ال حيتاج املريدون اىل الشيوخ و يكون اختيار طريق من الطرق عبثا فان كل مريد
يعمل حينئذ مبا يوافق وقائعه ويطابق ملناماته سواء كانت تلك الوقائع واملنامات موافقة
- 482 -
لطريقة شيخه أو ال وسواء كانت مرضية عنده أو ال فعلى هذا التقدير تبطل سلسلة
الشيخوخة واملريدية وكل ذي هوس يستقل بوضعه ويستبد بطوره واملريد الصادق ال يكون
عنده اللف واقعة صادقة مقدار نصف شعرية من االعتبار مع وجود شيخه وتكون
املنامات عند الطالب الرشيد مع دولة حضور املرشد معدودة من أضغاث أحالم وال
يلتفت اىل شئ منها أصال الشيطان عدو قوي ال أيمن املنتهون من كيده وال يزالون
خائفني وجلني من مكره فماذا نقول يف حق املبتدئني واملتوسطني غاية ما يف الباب ان
املنتهىن حمفوظون ومن سلطان الشيطان مصونون خبالف املبتدئني واملتوسطني فال تكون
وقائعهم مستحقة لالعتماد وحمفوظة عن مكر عدو شديد العناد (فان قيل) ان الواقعة
اليت يرى فيها النيب صلّى هللا عليه و سلّم صادقة وحمفوظة من كيد الشيطان ومكره فان
الشيطان[ ]1ال يتمثل بصورته كما ورد فتكون وقائع ما حنن فيه صادقة وحمفوظة من مكر
الشيطان (اجيب) أن صاحب الفتوحات املكية جعل عدم متثل الشيطان خمصوصا
بصورته صلّى هللا عليه و سلّم اخلاصة به املدفونة يف املدينة وال جيوز احلكم بعدم متثله
مطلقا على أي صورة كان وال شك ان تشخيص تلك الصورة على صاحبها الصالة و
السالم خصوصا يف املنام متعسر جدا فكيف تكون مستحقة لالعتماد فان مل جنعل عدم
متثل الشيطان خمصوصا بصورته صلّى هللا عليه و سلّم اخلاصة به وجوزان عدم متثله به على
اي صورة كان كما ذهب اليه كثري من العلماء ومناسب أيضا لرفعة شأنه صلّى هللا عليه
و سلّم نقول ان أخذ االحكام عن تلك الصورة وأدراك املرضي وغري املرضي له من
املشكالت فانه ميكن أن يكون العدو اللعني متوسطا يف البني ومريئا خلالف الواقع واقعيا
وموقعا للرائي يف االشتباه وااللتباس بتلبيس عبارته واشارته بعبارة رسول هللا صلّى هللا عليه
و سلّم واشارته كما روي[ ]2أن سيد البشر عليه و على آله الصالة و السالم كان يوما
جالسا وكان عنده صناديد قريش ورؤساء أهل الكفر وكثري من االصحاب ايضا فقرأ النيب
صلّى هللا عليه و سلّم عليهم سورة النجم وملا بلغ ذكر آهلتهم الباطلة ضم الشطيان اللعني
كلمات يف مدح آهلتهم الباطلة اىل قراءته صلّى هللا عليه و سلّم على هنج ظنها احلاضرون
من قراءته عليه الصالة و السالم ومل جيدوا اىل متييزه سبيال أصال ففرح الكافرون وقالوا ان
حممدا صاحلنا ومدح آهلتنا وحتري منه احلاضرون من أهل االسالم ايضا ومل يطلع النيب
صلّى هللا عليه و سلّم على كالم الشيطان اللعني هذا فقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ما
الواقعة فعرض االصحاب الكرام عليه صلّى هللا عليه و سلّم ان هذه الفقرات قد ظهرت
يف اثناء كالمك فحزن النيب صلّى هللا عليه و سلّم على ذلك فجاء جربيل عليه السالم
ابلوحي لبيان أن ذلك الكالم كان القاء شيطانيا وذلك قوله تعاىل وما أرسلنا من قبلك
من رسول وال نيب اال اذا متن ألقى الشيطان يف امنيته اآلايت االربع فاذا ألقى الشيطان
كالمه الباطل يف أثناء قرائته صلّى هللا عليه و سلّم يف زمان حياته ويف حالة يقظته ويف
حمضر الصحابة حبيث ال ميتاز من قراءته صلّى هللا عليه و سلّم فمن أين يدرى أن تلك
الواقعة حمفوظة من تصرف الشيطان ومصونة من تلبيسه مع كوهنا بعد وفاته صلّى هللا
عليه و سلّم ويف حالة املنام اليت هي حالة تعطيل احلواس وحمل االشتباه وااللتباس ووجود
انفراد الرأي عن سائر الناس (أو نقول) أن كونه صلّى هللا عليه و سلّم راضيا هبذا العمل
كما يرضى املمدوح عن املادحني ملا كان متمكنا يف أذهان قارئ القصائد وسامعها
ومنتقشا يف متخيالهتم جاز أن تكون تلك الصورة املرئية يف الواقعة هي الصورة املنتقشة
يف متخيالهتم من غري أن تكون لتلك الواقعة حقيقة ومتثل شيطاين وأيضا ان الواقعات
والرؤاي قد تكون حممولة على ظاهرها وحقيقتها وهي اليت يراها الرائي بعينها كما اذا رأى
مثال صورة زيد يف املنام وكان املراد هبا هو عني حقيقة زيد وقد تصرف عن الظاهر وحتمل
على التأويل والتعبري كما اذا رأى صورة زيد مثال يف املنام وأريد هبا عمرو مثال بعالقة
وصوته عليه الصالة والسالم اثناء فراءته النه كان يرتل القرآن ترتيال اتما ليفهموا ال انه القاها اىل النيب صلّى هللا عليه و
سلّم فاشبته له صلّى هللا عليه و سلّم ابلقاء جربيل فقرأها حاشا جناب الرسالة من ذلك وهذا ما عليه احملققون.
- 484 -
املناسبة بينهما ف من أين يعلم أن واقعة االصحاب حممولة على الظاهر غري مصروفة عنه
ومل ال جيوز أن يكون املراد هبا الوقائع احملتاجة اىل التعبري وأن تكون كناية عن أمور أخرى
من غري أن يكون لتمثل الشيطان فيها جمال وابجلملة ينبغي أن ال يكون مدار االعتبار
على الواقعة فان االشياء موج ودة يف اخلارج فينبغي السعي حت ترى االشياء يف اخلارج
فان ذلك هو الالئق ابالعتماد وليس فيه جمال التعبري وما يرى يف اخليال فهو منام وخيال
وأصحابنا هناك يعاملون بوضعهم ورأيهم من مدة مديدة وزمام االختيار ابيديهم وأما املري
حممد نعمان فما املخلص له غري االنقياد فان توقفوا عن االمتناع فرضا حملة بعد املنع
عياذا ابهلل سبحانه فننظر اىل من يفرون ومبن يلوذون ومبالغة الفقري امنا هي بسبب خمالفة
طريقته سواء كانت املخالفة ابلسماع والرقص أو بقراءة املوالد وانشاء القصائد ولكل
طريق وصول اىل مطلب خاص به والوصول اىل املطلب اخلاص هبذا الطريق املتوسط
منوط برتك هذه االمور فكل من فيه طلب مطلب هذا الطريق ينبغي ان جيتنب عن
خمالفة هذا الطريق وان ال تكون مطالب طرق أخر منظورة يف نظره قال اخلواجه هباء
الدين النقشبند قدس سره (ما نه اين كار ميكينم ونه انكار ميكنيم) يعين حنن ما نفعل
هذا االمر لكونه خمالفا للطريق اخلاص بنا وال ننكره أيضا لكونه معموال عند مشائخ أخر
ولكل وجهة هو موليها فاذا حدث أمر خمالف هلذه الطريقة العلية يف فريوز آابد الذي هو
ملجأ ومالذ المثالنا الفقراء ومقر قدوة أرابب املتابعة الضعفاء ال جرم يكون موجبا
الضطراب أمثالنا ال فقراء ألبتة واملخادمي الكرام احقاء ابلقيام حبفظ طريق والدهم املاجد
كما ان أوالد اخلواجه احرار قدس سره قاموا حبفظ الطريق االصل بعد عروض التغري
لطريق والدهم املاجد بعد وفاته وجادلوا املغريين كما انه واصل اىل مسعكم الشريف أيضا
ان شاء هللا وكتبتم شيئا من مشرب شيخنا القوي العذب نعم انه تساهل يف أوائل حاله
يف بعض االمور ميال منه اىل مذهب املالميت واختيارا له وارتكب ترك العزمية يف بعض
االشياء ترجيحا لذلك املذهب ولكنه اجتنب عن هذه االمور يف اآلخر ومل يذكر املالمتية
أصال لينظروا بنظر االنصاف وليتفكروا ان شيخنا اذا كان فرضا حيا يف الدنيا يف هذه
- 485 -
االوان وانعقد هذا اجمللس واالجتماع هل حيسبون انه يرضى عن هذا االمر ويستحسن
هذا االجتماع أو ال ويقني الفقري انه ما كان ليجوز هذا املعن بل ينكره وكان مقصود
الفقري االعالم تقبلون أو ال تقبلون ال مضايقة اصال وال جمال للمشاجرة قطعا فلئن
استمر املخادمي واالصحاب املوجودون هناك على ذلك الوضع واستداموا فال نصيب لنا
غري احلرمان من صحبتهم وماذا أكتب أزيد من ذلك و السالم أوال وآخرا.
{املكتوب الرابع والسبعون واملائتان اىل الشيخ يوسف الربكي يف احلث على
علو اهلمة وعدم االلتفات اىل الشهودات السفلية املتعلقة مبرااي الكثرة وما يناسب
ذلك}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم ان رسائلكم الثالث املرسلة قد
وصلت واتضح ما اندرج فيها من بيان وقائع االحوال والكرامات واحلال الذي بينته يف
آخر شهود الوحدة يف الكثرة هبذه العبارة واالنتهاء الثاين هو ان يكون على احلال االول
وان يغيب الغيبة يعين اان عبد وخلق ومن أمة حممد املصطفى صلّى هللا عليه و سلّم فهذا
احلال أصيل وفوق االحوال املذكورة ولكن االنتهاء غريه والنهاية بعيدة عنه مبراحل
{شعر}:
وذا ايوان االستغناء عال * فهيهات التفكر يف الوصال
وكان املقصود من تكرار الكلمة الطيبة حيث كنت أمرتك به يف املكتوب السابق
هو نفي هذا الشهود املتعلق ابلكثرة هلل سبحانه احلمد واملنة قد زال ذلك الشهود عنك
بربكة تكرار هذه الكلمة الطيبة ينبغي ان تكون عايل اهلمة وان ال تكتفي جبوز هذا
الطريق وموزه فان هللا سبحانه حيب معايل اهلمم ولقد ختلصت من سكة التوحيد
الوجودي الضيقة اىل الطريق السلطاين فيا هلا من نعمة لو مل تتذكر االحوال السابقة ومل
تتفكر لذات شهود الوحدة يف الكثرة وصرف العمر ابالستقامة يف السعي واالجتهاد يف
هذا الطريق ولقد رأينا كثريا من اخلشخاشيني تركوا شرب اخلشخاش واطلعوا على قبحه
- 486 -
واستمروا على ذلك مدة مث جرهم تذكر االحوال املرتتبة على شرب اخلشخاش وتفكر لذا
تلك االحوال اتفاقا اىل احلالة القدمية (أيها املخدوم) ان الشهود الذي يتعلق مبرااي الكثرة
موجب للذة والشهود التنزيهي الذي هو انظر اىل اجلهل االلتذاذ به متعسر بعيد والسري
إليه من غري امداد شيخ مقتدى به متعذر أال ترى ان اخاان االعز موالان امحد الربكي
يعده العوام من علماء الظاهر وهو بنفسه ايضا ال يعلم أحواله وأحوال اصحابه وسر
ذلك ان ابطنه متوجه اىل الشهود التنزيهي الذي هو موطن اجلهل واميانه مثل العلماء
اميان ابلغيب وابطنه من علو الفطرة غري ملتفت اىل شهود ممتزج ابلكثرة وظاهره غري
مفتون وغري مغرور برتهات الصوفية ووجوده الشريف مغتنم يف تلك النواحي وهذه احلالة
اليت أخربت حبصوهلا قد اتصف هبا موالان املذكور وحتقق من منذ أزمان علم أو مل يعلم
وعند الفقري ان مدار تلك البقعة على وجود موالان والعجب كيف خفي هذا املعن على
أهل الكشف يف تلك النواحي وجاللة قدر موالان ظاهرة وابهرة يف علم الفقري كوجود
الشمس وماذا أزيد على ذلك واملأمول الدعاء و السالم.
االحكام الفقهية يف مواضع متكن فيها اجلهل ورسخت البدعة وحمبتك الولياء هللا
سبحانه واخالصك هلم وقد منحكهما هللا تعاىل مبحض فضله فعليكم بتعليم العلوم
الدينية ونشر االحكام الفقهية ما استطعتم فاهنا مالك االمر ومناط االرتقاء ومدار النجاة
وعليكم شد نطاق اهلمة واحكامه الن تكونوا يف عداد العلماء وداللة اخللق اىل طريق
احلق سبحانه ابالمر ابملعروف والنهي عن املنكر قال هللا تعاىل ان هذه تذكرة فمن شاء
اختذ اىل ربه سبيال والذكر القليب الذي أجزمت به أيضا مؤيد التيان االحكام الشرعية
ودافع لعناد النفس االمارة فينبغي اجراء هذا الطريق أيضا وان ال حتزن على عدم االطالع
على احوالك واحوال أصحابك وان الجتعله دليال على عدم احلاصل فيك واحوال
االصحاب كافية للمرآتية لكماالتك وما ظهر يف االصحاب امنا هو احوالك ظهرت
فيهم بط ريق االنعكاس والشيخ حسن احد اركان دولتك وممد ومعاون لك يف معاملتك
فان وقع يف خاطرك ارادة سفر ماوراء النهر او ممالك اهلند فرضا فالنائب منابك هناك هو
الشيخ حسن فينبغي أن تراعي االلتفات والتوجه يف حقه واالجتهاد البليغ ليتفرغ من تعلم
العلوم الدينية الضرورية سريعا وكان سفره هذا اىل اهلند مغتنما يف حقه وحقك ايضا رزقنا
هللا سبحانه واايكم االستقامة على ملة االسالم على صاحبها الصالة و السالم * وكتبت
أيضا ان واحدا من االصحاب حصل له ترق من مدة ستة اشهر وما كان يظهر له يف
حالة الغيبة وعدم الشعور من االرواح الطيبات يراه اآلن يف حالة االفاقة (أيها املخدوم)
ال داللة يف هذه الرؤية على الرتقي سواء كانت يف الشعور او يف غريه والقدم االول يف
هذا الطريق ان ال يرى غري احلق سبحانه أصال وان ال يبقى يف فكرته ما سواه تعاىل قطعا
ال مبعن أنه ال يرى االشياء غري احلق سبحانه وال يعلمها بعنوان السوى فان هذا عني
رؤية الكثرة بل ال يرى غري احلق سبحانه أصال وال حيس به قطعا وهذه احلالة معرب عنها
ابلفناء واملنزل االول من منازل هذا الطريق ودونه خرط القتاد {شعر}:
ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل
واملكتوابت املسطورة يف هذه االايم عزيزة الوجود جدا وقد اندرجت فيها فوائد
- 488 -
كثرية وقد اخذ الشيخ حسن نقلها معه فينبغي مطالعتها بكمال املالحظة وقد التمست
الدعاء لوالدتك املرحومة فأجبناه وقبلناه وبقية أحوال هذه احلدود يبينها الشيخ حسن
ابلتفصيل و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و
السالم والفقري واوالده يلتمس الدعاء حبسن اخلامتة و السالم.
ابلقشر ومكتفون ابحملكمات والعلماء الراسخون حيصلون احملكمات وينالون حظا وافرا
من أت ويل املتشاهبات وجيمعون بني احلقيقة والصورة اعين املتشابه واحملكم وأما من طلب
أتويل املتشاهبات من غري علم احملكمات ومن غري عمل مبقتضاها وترك الصورة وسلك
طريق فكر احلقيقة فهو جاهل وليس له خرب عن جهله وضال وليس له شعور بضاللته ومل
يدر ان هذه النشأة مركبة من الصورة واحلقيقة وما دامت هذه النشأة موجودة ال تنفك
احلقيقة عن الصورة أصال قال هللا تعاىل واعبد ربك حت أيتيك اليقني اي املوت كما قال
املفسرون جعل هللا تعاىل غاية العبادة وهنايتها زمان حلول املوت الذي هو منتهى هذه
النشأة الن من مات فقد قامت قيامته وامنا حيصل انفكاك الصور من احلقائق يف النشأة
االخروية اليت هي حمل ظهور احلقائق فكل من النشأتني هلا حكم على حدة ال خيتلط
حكم احدامها ابألخرى اال جاهل او زنديق مقصوده ابطال الشرائع فان كل حكم شرعي
اثبت للمبتدئ فهو اثبت ايضا للمنتهى وعامة املؤمنني واخص اخلواص من العارفني
سواسية يف هذا املعن ومتساوية االقدام فيه ال فرق بني شخص وشخص واملتصوفة
القاصرون واملالحدة اخلائبون يف صدد اخراج رقاهبم من ربقة الشريعة متخيلني أبن
االحكام الشرعية خمصوصة ابلعوام واما اخلواص فهم مكلفون ابملعرفة فقط كما أهنم
يعتقدون من جهلهم ان االمراء والسالطني ليسوا مكلفني بغري العدل واالنصاف ويقولون
ان املقصود من اتيان الشريعة حصول املعرفة فاذا حصلت املعرفة سقطت التكاليف
الشرعية ويستشهدون يف اثبات مدعاهم بقوله تعاىل واعبد ربك حت أيتيك اليقني أي
ابهلل كما قال سهل التسرتي يعين انتهاء العبادة حصول معرفة احلق سبحانه والظاهر ان
مراد من فسر اليقني بكونه ابهلل هو كون انتهاء الكلفة يف العبادة حصول معرفة احلق جل
وعال ال انتهاء نفس العبادة فان ذلك مفض اىل االحلاد والزندقة وهم يزعمون ايضا ان
عبادة العارفني رايئية فاهنم يعملون ما يعملون من الطاعة والعبادة ليقتدي هبم يف ذلك
املبتدؤن واتباعهم ال لكوهنم حمتاجني اليها وينقلون يف أتييد هذا القول اقواال عن املشايخ
حيث قالوا ما مل يكن الشيخ منافقا ومرائيا ال ينتفع به املريد خذهلم هللا سبحانه ما
- 490 -
اجهلهم واحتياج العارفني اىل العبادة على هنج ليس يف املريدين عشره فان عروجاهتم
مربوطة ابلعبادة وترقياهتم منوطة ابتيان االحكام الشرعية وما يتوقع للعلوم غدا من مثرات
العبادة فهو حاصل للعارفني اليوم فهم اذا احقاء ابلعبادة واحوج اىل اتيان االحكام
الشرعية من غريهم (ينبغي) ان يعلم ان الشريعة عبارة عن جمموع الصورة واحلقيقة والصورة
ظاهر الشريعة واحلقيقة ابطن الشريعة فالقشر واللب كالمها من أجزاء الشريعة واحملكم
واملتشابه من افرادمها وعلماء الظاهر اكتفوا بقشرها والعلماء الراسخون مجعوا بني اللب
والقشر وانلوا حظا وافرا من جمموع الصورة واحلقيقة فينبغي ان يتصور الشريعة كشخص
مركب من الصورة واحلقيقة وقد تعلق مجاعة بصورهتا وشغفوا هبا وانكروا حقيقتها ومل
يعرفوا هلم شيخا يقتدون به غري اهلداية والپزدوي وهؤالء اجلماعة هم علماء القشر ومجاعة
أخرى افتتنوا حبقيقتها ولكن مل يعتقدوها حقيقة الشريعة بل زعموا الشريعة مقصورة على
الصورة والقشر وتصوروا اللب واحلقيقة وراءها ومع ذلك مل ميتنعوا من اتيان االحكام
الشرعية ومل يتخلفوا عنها مقدار شعرة ومل يضيعوا الصورة وعدوا اترك حكم من احكام
الشريعة بطاال وضاال وهؤالء اولياء هللا جل سلطانه وقد انقطعوا عما سوى هللا تعاىل
مبحبته سبحانه ودون هؤالء مجاعة أخرى وهم الذين اعتقدوا الشريعة مركبة من الصورة
واحلقيقة وتيقنوا اهنا جمموع القشر واللب وحصول صورة الشريعة بدون حتصيل احلقيقة
ساقط عندهم عن حيز االعتبار وحصول حقيقتها بدون اثبات الصورة انقص غري اتم بل
ال يعدون حصول الصورة بدون ثبوت احلقيقة من االسالم املوجب للنجاة كما هو حال
علماء الظاهر وعامة املؤمنني ويتصورون حصول احلقيقة بدون ثبوت الصورة من مجلة
احملاالت ويسمون القائل به زنديقا وضاال (وابجلملة) ان الكماالت الصورية واملعنوية
منحصرة عند هؤالء االكابر يف الكماالت الشرعية والعلوم واملعارف اليقينية مقصورة على
العقائد الكالمية الثا بتة آبراء أهل السنة واجلماعة ال يستوي عندهم الوف من الشهود
واملشاهدة مسئلة واحدة من املسائل الكالمية يف تنزيهات احلق جل وعال وال يشرتون
االحوال واملواجيد والتجليات والظهورات املخالفة حلكم من االحكام الشرعية بنصف
- 491 -
شعرية بل يعدون ظهور امثال هذه املذكورات من مظان االستدراج اولئك الذين هدى
هللا فبهديهم اقتده وهم العلماء الراسخون وهم املنعم عليهم االطالع على حقيقة املعاملة
واملوصل هبم بسبب رعايتهم اآلداب الشرعية اىل حقيقة الشريعة خبالف الفرقة الثانية
فاهنم وان كانوا متوجهني اىل احلقيقة ومفتونني هبا ومل جياوزوا احلد يف اتيان االحكام
الشرعية مقدار شعرة مهما أمكن ولكنهم ملا اعتقدوا تلك احلقيقة وراء الشريعة وتصوروا
الشريعة قشرها تنزلوا ابلضرورة اىل ظل من ظالل تلك احلقيقة ومل جيدوا للوصول اىل
حقيقة تلك املعاملة سبيال فال جرم كان واليتهم ظلية وقرهبم صفاتيا خبالف العلماء
الراسخني فان واليتهم اصلية واهنم وجدوا للوصول اىل االصول سبيال وجاوزوا حجب
الظالل ابلتمام فال جرم كانت واليتهم والية االنبياء عليهم الصالة و السالم ووالية هؤالء
االولياء ظل والية االنبياء وكان هذا الفقري متوقفا يف أتويل املتشاهبات ومفوضا اايه اىل
علم احل ق سبحانه مدة مديدة ومل اجد للعماء الراسخني نصيبا منها غري االميان هبا
والتأويالت اليت بينها علماء الصوفية مل ارها الئقة ومناسبة بشأن تلك املتشاهبات ومل ار
لالسرار القابلة لالستتار أتويالت كما قال عني القضاة يف أتويل بعض املتشاهبات مثال
يف امل اراد به االمل الالزم للعشق واحملبة وامثاهلا وملا أظهر يل هللا سبحانه مبحض فضله مشة
من أتويل املتشاهبات وفتح جدوال من ذاك البحر احمليط ومده اىل ارض استعداد هذا
املسكني علمت ان للعلماء الراسخني ايضا نصيبا وافرا من أتويالت املتشاهبات احلمد هلل
الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق واحلنا
تعبريات الوقائع املطلوبة املسطورة على احلضور ومل نكتب من تلك املقولة شيئا ماذا افعل
قد جرى القلم مبعارف أخر واستقبلت معاملة غريها هي ابلتسطري احرى واملسؤل
مساحمتكم و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و
على آله و على اخوانه الصلوات و التسليمات العلى.
{املكتوب السابع والسبعون واملائتان اىل املال عبد احلي يف بيان علم اليقني
- 492 -
وعني اليقني وحق اليقني وهذا من العلوم املناسبة لوسط احلال وهناية الشهود هنا هو
الشهود االنفسي بل شهود ما وراء االنفس بل نفس الشهود ليس بشئ ابلنسبة اىل
الوصول كما يلوح ذلك من سائر مكتوابته ورسائله}
اعلم أرشدك هللا ان علم اليقني بذات احلق سبحانه عبارة عن شهود اآلايت الدالة
على قدرته تعاىل وتقدس ويقال لذلك الشهود سريا آفاقيا وأما الشهود واحلضور الذاتيني
فليس شئ منهما مبنصور يف غري السري االنفسي وهو ال يكون يف غري نفس السالك
{شعر}:
فلسوف تعلم ان سريك مل يكن * اال اليك اذا بلغت املنزال
وما يشاهده يف خارجه فهو من قبيل مشاهدة اآلاثر والدالئل على ذاته تعاىل ال
مشاهدته عز سلطانه قال قطب احملققني سيد العارفني انصر الدين اخلواجه عبيد هللا
قدس سره ان السري على نوعني سري مستطيل وسري مستدير فالسري املستطيل بعد يف بعد
والسري املستدير قرب يف قرب والسري املستطيل طلب املقصود من خارج دائرة نفسه
والسري املستدير الدوران حول قلبه وطلب املقصود من نفسه فالتجليات الكائنة يف الصور
احلس ية واملثالية وكذلك التجليات الكائنة يف حجب االنوار داخلة يف علم اليقني أي
صورة كانت وأي نور كان وسواء كان النور مكيفا وملوان أو متناهيا أو ال حميطا كان
ابلكائنات أوال قال موالان املخدوم عبد الرمحن اجلامي قدس هللا سره السامي يف شرح
اللمعات عند بيان معن هذا البيت {شعر}:
اي من طلبته من مجيع مكان * وسألت عنه اقاصيا واداين
ان هذا اشارة اىل املشاهدة اآلفاقية اليت تفيد علم اليقني وحيث اهنا ال خترب عن
املقصود وال تعطي حضوره ال جرم تكون كشهود الدخان واحلرارة الدالني على ذات النار
فال خيرج ذلك الشهود من دائرة العلم وال يكون مفيدا لعني اليقني ومفنيا لوجود السالك
وعني اليقني عبارة عن شهود احلق سبحانه بعد أن كان معلوما ابلعلم اليقيين وهذا
الشهود مستلزم لفنا ء السالك وعند غلبة هذا الشهود يكون تعينه متالشيا ابلكلية وال
- 493 -
يبقى أثر منه يف عني شهوده و يكون فانيا ومستهلكا يف الشهود وهذا الشهود معرب عنه
عند هذه الطائفة العلية قدس هللا اسرارهم ابالدراك البسيط ويقال له ايضا معرفة والعوام
يشاركون اخلواص يف هذا االدراك ولكن الفرق بينهما هو أن شهود اخللق ال يكون مزامحا
يف اخلواص لشهود احلق جل وعال بل ليس املشهود بعيون شهودهم غري احلق سبحانه
واما العوام فهو مزاحم له فيهم وهلذا فيهم ذهول اتم عن هذا الشهود وليس هلم خرب عن
هذا االدراك وعني اليقني هذا حجاب علم اليقني كما ان علم اليقني حجابه وعند حتقق
هذا الشهود ال يدرك شئ غري احلرية واجلهالة ال جمال للعلم يف ذلك املوطن اصال قال
بعض الكرباء قدس هللا تعاىل سرهم علم اليقني حجاب عني اليقني وعني اليقني حجاب
علم اليقني وقال ايضا وعالمة من عرف حق املعرفة أن يطلع على سره فال جيد علما به
فذلك الكامل يف املعرفة اليت ال معرفة وراءها وقال بعضهم أيضا قدس هللا اسرارهم العلية
أعرفهم ابهلل اشدهم حتريا فيه (وحق اليقني) عبارة عن شهوده سبحانه بعد ارتفاع التعني
واضمحالل املتعني وشهوده هذا للحق ابحلق سبحانه ال به ال حيمل عطااي امللك اال
مطاايه وذلك يتصور يف البقاء ابهلل الذي هو مقام يب يسمع ويب يبصر الذي يهب احلق
سبحانه فيه للسالك وجودا من عنده مبحض عنايته بعد حتققه ابلفناء املطلق الذي هو
الفناء يف ذاته وصفاته سبحانه و تعاىل وخيرجه من السكر والغيبة اىل الصحو واالفاقة
ويقال هلذا الوجود الوجود املوهوب احلقاين ويف ذلك املوطن ال يكون العلم حجااب للعني
وال العني حجااب للعلم بل يكون يف عني الشهود عاملا ويف عني العلم مشاهدا وهذا التعني
هو الذي جيده العارف يف ذلك املوطن عني احلق سبحانه ال التعني الكوين فانه مل يبق
منه اثر يف نظر شهوده والنه من التجليات الصورية اليت هي ان جيد السالك التعينات
والصور عني احلق سبحانه وهي تعينات كونية مل يتطرق اليها الفناء اصال فاين احدمها
عن اآلخر ما للرتاب ورب االرابب وظاهر العبارة وان كان عند العوام مومها لعدم الفرق
بني التجلي الصوري الذي هو وجد ان السالك نفسه عني احلق وبني حق اليقني الذي
هو ايضا وجد انه نفسه عني احلق لكن يف احلقيقة فرق بينهما وهو ان التعبري أبان يف
- 494 -
التجلي الصوري يقع على الصورة يف حق اليقني على احلقيقة وايضا ان السالك يرى احلق
سبحانه يف التجلي الصوري بنفسه ويف هذا املوطن يرى احلق ابحلق سبحانه ال بنفسه
فانه ال ميكنه فيه رؤية نفسه فاطالق الشهود يف التجلي الصوري على سبيل التجوز فانه
ال ميكن رؤية احلق بغري احلق سبحانه وهي يف مرتبة حق اليقني اليت تتحقق فيها حقيقة
الشهود وبعض شيوخ الزمان ملا مل يطلع على هذا الفرق ومل يعلم تعينا سوى التعني الكوين
اطال لسان الطعن يف االكابر قدس هللا تعاىل اسرارهم يف تفسريهم حق اليقني على النهج
الذي قررته وزعم ان هذا اليقني قد حيصل يف التجلي الصوري الذي هو اول القدم يف
السلوك وهم فسروا به حق اليقني الذي هو هناية االقدام فكيف يستقيم بل حكم ان
احلق اليقني الذي حصل هلم يف النهاية حيصل لنا يف التجلي الصوري الذي هو اول
أقدامنا وهللا يهدي من يشاء اىل صراط مستقيم و السالم.
{املكتوب الثامن والسبعون واملائتان اىل املال عبد الكرمي السنامي يف بيان انه
البد لكل انسان بعد تصحيح العقائد والعمل مبقتضى االحكام الشرعية حتصيل
سالمة القلب عما دون احلق جل وعال ومدح الطريقة النقشبندية العلية ويف
التحريض على امداد املوتى واعانتهم وما يناسبه}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصل مكتوب االخ وصار موجبا
للفرح والنصيحة اليت ال زلت أنصح هبا االصحاب وال أزال أنصحهم هبا اىل انقضاء
عمري بعد تصحيح العقائد على وفق ما بني يف الكتب الكالمية املخصوصة ابهل السنة
واجلماعة شكر هللا سعيهم وبعد اتيان االحكام الفقهية من الفرض والواجب والسنة
واملندوب واحلالل واحلرام واملكروه واملشتبه امتثاال وانتهاء حتصيل سالمة القلب عن التعلق
مبا سوى احلق سبحانه وهي امنا تتيسر اذا مل خيطر يف القلب ما سواه تعاىل حبيث لو
تيسرت حياة ألف سنة فرضا ال خيطر يف القلب غري احلق سبحانه و تعاىل ال مبعن ان
االشياء ختطر يف البال ولكن ال يعرفها صاحبه بعنوان غري احلق جل وعال فان هذا املعن
- 495 -
ميسر ايضا يف بداية مراقيب التوحيد بل مبعن ان االشياء ال ختطر يف القلب اصال ومبن
هذا ومداره على نسيان القلب ما دون احلق سبحانه على هنج لو ذكر ابالشياء
ابلتكليف ال يتذكر وهذه احلالة معرب عنها ابلفناء القليب واول قدم يف هذا الطريق وسائر
كماالت الوالية متفرعة على هذه الدولة {شعر}:
ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل
واقرب الطرق الجل الوصول اىل هذه الدولة العظمى هو الطريقة العلية النقشبندية
قدس هللا اسرار ارابهبا فان هؤالء االكابر اختاروا االبتداء من عامل االمر وطلبوا من القلب
طريقا اىل مقلب القل ب وهلم عوضا عن رايضات اآلخرين وجماهداهتم التزام السنة
واجتناب البدعة قال اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره طريقنا اقرب الطرق ولكن
التزام السنة امر مشكل جدا فطوىب ملن توسل هبم واقتدى هبم ملوالان اجلامي قدس سره
{اشعار}:
ما أحسن النقشبنديني اهنم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم
تزيل وسوسة اخللوات صحبتهم * عن قلب صحبهم اي نعم مغتنم
لو عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم عن افحش الكلم
هل يقطع الثعلب احملتال سلسلة * قيدت هبا أسد الدنيا أبسرهم
(واملعروض) اثنيا ان صحيفة حمبنا القاضي حممد شريف قد وصلت وحيث كانت
منبئة عن حمبة الفقراء صارت موجبة للفرح فبلغه دعاء الفقري (واثلثا) قد وصل مكتوب
اخينا الشيخ حبيب هللا وقد كتب خرب فوت والده املرحوم اان هلل واان اليه راجعون فاملرجو
تبليغ الدعاء من جانب ال فقري واداء مراسم التعزية وليمد والده املرحوم ابلدعاء وليعنه
بقراءة الفاحتة و الصدقات واالستغفار فان امليت كالغريق ينتظر دعوة تلحقه من ولد
أواب أو أخ او صديق (ورابعا) ان املكشوف ان الشيخ أمحد اختار طريقة هؤالء االكابر
وأتثر منها رزقه هللا سبحانه و تعاىل االستقامة عليها وحيث كان املشار اليه قريب عهد
ابالسالم ينبغي ان تعلمه العقائد الكالمية املذكورة يف الكتب الفارسية واالحكام الفقهية
- 496 -
كذلك حت يعرف الفرض والواجب والسنة واملندوب واحلالل واحلرام واملكروه واملشتبه
ويعمل مبقتضاها وتعلم كتاب گلستان وبستان وتعليمهما داخل فيما ال يعين و السالم.
{املكتوب التاسع والسبعون واملائتان اىل املال حسن الكشمريي يف أداء شكر
نعمة داللته اايه على الطريقة النشقبندية العلية وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى بلغنا مهدي على صحيفتكم الشريفة
الصادرة ابسم هذا الفقري على وجه الكرم وااللتفات فصارت موجبة للفرح الوافر سلمكم
هللا سبحانه وقد وقع االستفسار عن عبارة الشيخ حميي الدين ابن العريب قدس سره هذه
ان سبب[ ]1ترتيب خالفة اخللفاء االربعة رضي هللا عنهم مدة اعمارهم اهنا يف اي كتاب
وقعت من مصنفاته (أيها املخدوم) اين كنت رأيت هذه العبارة يف الفتوحات املكية ومل
تتيسر اآلن تعيني املوضع مع كمال التفحص فان وقع النظر عليها مرة اثنية خنرب به ان
شاء هللا تعاىل (واملعروض) ان الفقري معرتف ابلقصور يف اداء شكر نعمة داللتكم ومقر
ابلعجز يف مكافاة احسانكم وكيف ال فان هذه االمور كلها مبنية على تلك النعمة وهذه
االحوال أبسرها مربوطة بذلك االحسان وقد اعطيت حبسن وساطتكم ما مل يره اال
القليلون ومنحت بيمن وسيلتكم ما مل يذقه اال األقلون أعطيت من خواص العطااي ما مل
يتيسر لالكثرين من علوم تلك العطااي وجعلت يل االحوال واملقامات واالذواق واملواجيد
والعل وم واملعارف والتجليات والظهورات كلها معارج العروج فوصلت منها بعنايته سبحانه
اىل مدارج القرب ومنازل الوصول واختيار لفظ القرب والوصول امنا هو من ضيق ميدان
العبارة وال فال قرب مثة وال وصول وال عبارة وال اشارة وال شهود وال مشاهدة وال حلول
وال احتاد وال كيف وال اين وال زمان وال مكان وال احاطة وال سراين وال علم وال معرفة
وال جهل وال حرية {شعر}:
( )1قلت هذه العبارة مرت يف املكتوب 266من هذا اجللد وهي مذكورة يف الباب 558من الفتوحات ذكرها يف
اليواقيت واجلواهر يف بيان افضلية اخللفاء االربعة مع توجيهها فراجعه ان شئت حملرره
- 497 -
{املكتوب الثمانون واملائتان اىل احلافظ حممود يف بيان ان حمبة هذه الطائفة
رأس مال السعادة وما يناسب ذلك}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم ان املكتوب الشريف املصحوب
جبناب موالان مهدي علي قد وصل وصار موجبا للفرح هلل سبحانه احلمد على رسوخ
حمبة الفقراء اليت هي رأس مال السعادة الدنيوية واألخروية رسوخا اتما حبيث مل يؤثر فيها
متادي اايم املفارقة واعلم ان احملافظة على شيئني والثبات عليهما من اللوازم متابعة
صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية وحمبة الشيخ املقتدى به مع
االخالص له وكل شئ حيصل مع وجود هذين الشيئني فهو نعمة زائدة وان مل حيصل شئ
مع وجود هذين الشيئني فال غم أصال فانه سيحصل غريمها فيما بعد وان تطرق عياذا
ابهلل سبحانه خلل على واحد من هذين وبقيت االحوال واالذواق على حاهلا ينبغي ان
يعتقد ذلك من االستدراج وان يعده من اخلذالن وهذا هو طريق االستقامة وهللا سبحانه
املوفق.
{املكتوب احلادي والثمانون واملائتان اىل املري حممد نعمان يف بيان شكر نعمة
االنتساب اىل سلسلة الطريقة النقشبندية العلية وبيان بعض خصائص هذا الطريق
- 498 -
( )1املرء مع من احب رواه الشيخان عن ابن مسعود رضي هللا عنه
- 499 -
{املكتوب الثاين والثمانون واملائتان اىل املال بديع يف بيان مالقاة اخلضر
والياس عليهما السالم وبيان نبذة من أحواهلما}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد مضت مدة من استفسار
االصحاب عن أحوال اخلضر على نبينا وعليه الصالة و السالم وملا مل يكن للفقري اطالع
على أحواله كما ينبغي كنت متوقفا يف اجلواب فرأيت اليوم يف حلقة الصبح ان الياس
واخلضر عليهما السالم حضرا يف صورة الروحانيني فقال اخلضر اباللقاء الروحاين حنن من
عامل االرواح قد اعطى احلق سبحانه أرواحنا قدرة كاملة حبيث تتشكل وتتمثل بصور
االجسام ويصدر عنها ما يصدر عن االجسام من احلركات والسكنات اجلسمانية
والطاعات والعبادات اجلسدية فقلت له يف تلك االثناء أنتم تصلون الصالة مبذهب
االمام الشافعي فقال حنن لسنا مكلفني ابلشرائع ولكن ملا كانت كفاية مهمات قطب
املدار مربوطة بنا وهو على مذهب االمام الشافعي نصلي حنن ايضا وراءه مبذهب االمام
الشافعي رضي هللا عنه فعلم يف ذلك الوقت أنه ال يرتتب اجلزاء على طاعتهم بل تصدر
عنهم الطاعة والعبادة موافقة الهل الطاعة ومراعاة لصورة العبادة وعلم أيضا ان كماالت
الوالية موافقة لفقه الشافعي ولكماالت النبوة موافقة لفقه احلنفي فعلم يف ذلك الوقت
حقيقة كالم اخلواجه حممد اپرسا قدس سره حيث ذكر يف الفصول الستة نقال ان عيسى
على نبينا وعليه الصالة و السالم يعمل بعد نزوله مبذهب االمام أيب حنيفة رضي هللا عنه
فوقع يف اخلاطر يف ذلك الوقت ان نستمد هبما وان نطلب منهما الدعاء فقال اذا كانت
عناية احلق سبحانه شاملة حلال شخص فال مدخل لنا هناك وكأهنم اخذوا أنفسهم من
البني واما الياس على نبينا وعليه الصالة و السالم فلم يتكلم يف ذلك الوقت أصال و
السالم.
- 500 -
{املكتوب الثالث والثمانون واملائتان اىل الصويف قرابن يف بيان ان رؤية النيب
صلّى هللا عليه و سلّم ربه ليلة املعراج كانت يف موطن اآلخرة ال يف موطن الدنيا}
قد سئلت أن امجاع أهل السنة واجلماعة منعقد على ان الرؤية غري واقعة يف الدنيا
حت منع اكثر علماء أهل السنة رؤية خامت الرسل والرسالة عليه و على آله الصالة و
السالم ليلة املعراج قال حجة االسالم واالصح أنه عليه الصالة و السالم ما رأى ربه ليلة
املعراج وقد اعرتفت أنت يف رسائلك بوقوع رؤيته صلّى هللا عليه و سلّم ربه يف الدنيا فما
يكون وجه ذلك (أجيب) أن رؤيته صلّى هللا عليه و سلّم ربه ليلة املعراج ما وقعت يف
الدنيا بل وقعت يف اآلخرة فانه صلّى هللا عليه و سلّم ملا خرج ليلة املعراج من دائرة املكان
والزمان وخت لص عن مضيق االمكان وجد االزل واالبد آان واحدا ورأى البداية والنهاية
[]1
نقطة واحدة ورأى أهل اجلنة الذين يدخلوهنا بعد ألوف من السنني يف اجلنة حت ان
عبد ال رمحن بن عوف رضي هللا عنه الذي يدخل اجلنة بعد مخسمائة سنة من فقراء
االصحاب رضوان هللا عليهم أمجعني رآه قد دخل اجلنة بعد مضي تلك املدة وسأله عن
سر توقفه فالرؤية الواقعة يف ذلك املوطن تكون داخلة يف الرؤية األخروية فال تكون منافية
(( )1قوله حت ان عبدالرمحن بن عوف رضي هللا عنه اخل) قلت هنا امران االول انه يدخل اجلنة بعد فقراء الصحابة
والثاين ان البعدية مقدرة ابلقدر املذكور اما االول فقد ذكر الغزايل يف االحياء يف قصة طويلة منها وتفقدت اصحايب
فلم ار عبدالرمحن بن عوف مث جاءين بعد ذلك وهو يبكي فقلت ما خلفك عين قال اي رسول هللا وهللا ما وصلت
اليك حت لقيت املشيبات وظننت اين ال اراك فقلت ومل قال كنت احاسب مبايل انتهى و ذكره ايضا بعيد ذلك قال
شارحه نقال عن العراقي رواه الطرباين من حديث ايب امامة بسند ضعيف حنوه مث قال الش وروي يف احللية عن عبدهللا
بن ايب اوف ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال لعبد الرمحن بن عوف ما ابطأ بك عين فقال ما زلت بعدك
احاسب وامنا ذلك لكثرة مايل فقال هذه مائة راحلة جاءتين من مصر وهي صدقة على ارامل املدنية انتهى ابدىن
اختصار واما الثاين فكان االمام قدس سره اخذ من عموم حديث فقراء املهاجرين يدخلون اجلنة قبل اغنيائهم عام رواه
الرتمذي عن ايب سعيد اخلدري وحسن ورواه عن ايب هريرة بلفظ فقراء اميت احلديث ورواه مسلم عن عبدهللا بن عمرو
بلفظ فقراء املهاجرين احلديث اال انه قال ابربعني خريفا وكذا رواه الرتمذي من حديث جابر وانس وروى ابن ماجة
ب لفظ ان فقراء املؤمنني يدخلون اجلنة قبل اغنيائهم بنصف يوم مخسمائة عام عن ابن عمر بسند ضعيف انتهى من
شرح االحياء اختصارا وقد انقش املخرجان هنا فيما مل يذكره االمام واطاال الكالم
- 501 -
لالمجاع على عدم وقوعها واطالق الرؤية الدنيوية عليها حممول على التجوز ومبين على
الظاهر وهللا سبحانه أعلم حبقائق االمور كلها.
{املكتوب الرابع والثمانون واملائتان اىل املال عبد القادر االنبايل يف بيان ان
االحوال واملواجيد نصيب عامل االمر والعلم ابالحوال نصيب عامل اخللق وهذه املعرفة
من املعارف السابقة وحقيقة املعاملة هي اليت حررت يف مكتوب صدر للمخدوم
االكرب عليه الرمحة يف بيان الطريق}
اع لم ان االنسان مركب من عامل اخللق الذي هو ظاهره وعامل االمر الذي هو
ابطنه فاالحوال واملواجيد واملشاهدات والتجليات اليت تظهر يف االبتداء والوسط نصيب
عامل االمر الذي هو ابطن االنسان وكذلك احلرية واجلهالة والعجز واليأس اليت حتصل يف
االنتهاء ايضا نصيب عامل االمر الذي هو ابطن االنسان وللظاهر حبكم {ع}:
ولالرض من كأس الكرام نصيب
ايضا نصيب من تلك املعاملة عند وجود القوة فيه وان مل يكن له ثبات واستقامة
ولكن يكتسب نوعا من االنصباغ واالمر الذي يتعلق ابلظاهر ابالصالة هو العلم بتلك
االحوال فان الباطن له حصول االحوال ال العلم هبا فان مل يكن الظاهر ملا يفتح طريق
العلم والتمييز وظهور الصور املثالية ومعارج املقامات امنا هو الدراك الظاهر فاحلال للباطن
والعلم ابحلال للظاهر فعلم من هذا البيان ان االولياء الذين هم أصحاب العلم والذين ال
نصيب هلم من العلم يعين ابالحوال ال فرق بينهم يف نفس حصول االحوال فان كان
الفرق فامنا هو من جهة العلم بتلك االحوال وعدم العلم هبا كما اذا طرأت على شخص
مثال حالة اجلوع وشوشت احواله وهو يعلم أن هذه احلالة يسموهنا جوعا وشخص آخر
طرأ عليه تلك احلالة أيضا ولكنه ال يعلم أن هذه احلالة معرب عنها ابجلوع فكل من هذين
الشخصني مساو لآلخر يف نفس تلك احلالة وال فرق اال حبسب العلم وعدم العلم
(ينبغي) أن يعلم أن اجلماعة الذين ال علم هلم ابالحوال على قسمني فطائفة منهم ليس
- 502 -
هلم علم بنفس حصول االحوال وال وقوف هلم على تلويناهتا أصال وطائفة أخرى منهم هلم
خرب عن تلوينات االحوال ولكنهم ال يقدرون على تشخيص االحوال وهذه الطائفة
داخلون يف ارابب العلم وان مل يقدروا على تشخيص االحوال ومستحقون للمشيخة
وتشخيص االحوال ليس هو وظيفة كل شيخ بل تظهر هذه الدولة بعد ازمنة متطاولة
حت يتشرف هبا واحد وحيال اآلخرون على علمه وجيعلون من متطفليه كما أن االنبياء
اويل العزم صلوات هللا وتسليماته عليهم كانوا يبعثون بعد مدة مديدة وكان كل منهم
خيتص ابحكام متمايزة وكان بقية االنبياء يؤمرون ابتباعهم ويكتفون ابلدعوة بتلك
االحكام {شعر}:
ليس على هللا مبستنكر * أن جيمع العامل يف واحد
و السالم.
{املكتوب اخلامس والثمانون واملائتان اىل السيد حمب هللا املانكپوري يف بيان
احكام السماع والوجد والرقص وبعض املعارف املتعلقة ابلروح}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (اعلم)
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
ارشدك هللا اىل طريق السداد واهلمك سبيل الرشاد ان السماع والوجد انفع جلماعة
متصفون بتقلب االحوال ومتسمون بتبدل االوقات ففي وقت حاضرون ويف وقت غائبون
واحياان واجدون واحياان فاقدون وهم ارابب القلوب ينتقلون يف مقام التجليات الصفاتية
عن صفة اىل صفة ويتحولون من اسم اىل اسم تلون االحوال نقد وقتهم وتشتت اآلمال
حاصل مقامهم ودوام احلال حمال يف حقهم واستمرار الوقت ممتنع يف شأهنم فزماان يف
القبض وزماان يف البسط فهم ابناء الوقت ومغلوبوه فمرة يعرجون ومرة يهبطون وأما ارابب
التجليات الذاتية الذين ختلصوا من مقام القلب ابلتمام واتصلوا مبقلب القلب ورجعوا
بكليتهم من رقية االحوال اىل حمول االحوال فهم ليسوا حمتاجني اىل الوجد والسماع فان
وقتهم دائ مي وحاهلم سرمدي بل ال وقت هلم وال حال فهم آابء الوقت وارابب التمكني
- 503 -
وهم الواصلون الذين ال رجوع هلم أصال وال فقد هلم قطعا فمن ال فقد له ال وجد له نعم
ان طائفة من املنتهيني ينفعهم السماع ايضا مع وجود استمرار الوقت وسيحرر بيانه
ابلتفصيل يف آخر هذا املبحث انشاء هللا تعاىل (فان قيل) قال خامت الرسل والرسالة عليه
و على آله الصالة والتحية يل مع هللا وقت ال يسعين فيه ملك مقرب وال نيب مرسل
فيفهم من هذا احلديث أن الوقت ال يكون دائما (اجيب) بعد تسليم صحة هذا احلديث
أن بعض املشائخ قد اراد ابلوقت الواقع يف احلديث وقتا مستمرا اي يل مع هللا وقت
مستمر فال اشكال (واثنيا) ان الوقت املستمر قد تعرض فيه احياان كيفية خاصة فيمكن
أن يكون املراد ابلوقت الوقت النادر و يكون املراد به هذه الكيفية النادرة فعلى هذا يرتفع
االشكال أيضا (فان قيل) ميكن أن يكون الستماع النغمة مدخل يف حتصيل تلك
الكيفية النادرة فصار املنتهى ايضا حمتاجا اىل السماع يف حتصيل تلك الكيفية (اجيب)
أن حتقق تلك الكيفية غالبا يف حني اداء الصالة فان ظهرت يف خارج الصالة احياان فهو
أيضا من نتائجها ومثراهتا وميكن أن يكون يف حديث وقرة[ ]1عيين يف الصالة إشارة اىل
هذه الكيفية النادرة (وورد) ايضا يف اخلرب أقرب ما يكون العبد من الرب يف الصالة وقال
هللا تعاىل واسجد واقرتب وال شك ان كل وقت يكون القرب االهلي فيه ازيد يكون جمال
الغري فيه أشد انتفاء ففهم من هذا احلديث وهذه اآلية ايضا ان ذلك الوقت يف الصالة
(والدليل) على استمرار الوقت ودوام الوصل اتفاق املشائخ قال ذو النون املصري ما رجع
من رجع اال من الطريق ومن وصل ال يرجع وكون ايد داشت عبارة عن دوام احلضور مع
جناب قدس احلق سبحانه امر مقرر يف طريقة خواجگان قدس هللا ارواحهم وابجلملة ان
االنكار على دوام الوقت عالمة عدم الوصول وما قاله شرذمة قليلة من املشائخ كابن
العطاء وأمثاله من جواز رجوع الواصل اىل الصفات البشرية فيفهم منه عدم دوام الوقت
فهو خالف يف جواز الرجوع ال يف الوقوع فان الرجوع غري واقع ألبتة كما ال خيفى على
اراببه فثبت امج اع املشائخ على عدم رجوع الواصل وكان خالف البعض راجعا اىل جواز
( )1قوله (وقرة عيين يف الصالة) رواه احلاكم والنسائي عن انس رضي هللا عنه.
- 504 -
الرجوع هذا (وطائفة) من املنتهيني حتصل هلم برودة قوية يف الوصول اىل مشاهدة اجلمال
الاليزايل بعد وصوهلم اىل درجة من درجات الكماالت وحتصل هلم نسبة اتمة متنعهم عن
العروج اىل منازل الوصول وامامهم درجات منازل الوصول مل يقطعوها بعد ومل تنقطع
مدارج القرب ابالنتهاء اىل غايته وفيهم مع وجود الربودة ميل اىل العروج ومتين كمال
القرب فالسماع مفيد يف حقهم على تقدير هذه الصورة وموجب للحرارة ويتيسر هلم يف
كل وقت مبدد السماع العروج اىل منازل القرب وبعد التسكني يهبطون من تلك املنازل
ولكنهم يستصحبون معهم لوان ووصفا من مقامات ذلك العروج وينصبغون به وهذا
الوجد ليس هو بعد الفقد فان الفقد مفقود يف حقهم بل هو الجل الرتقي اىل منازل
الوصول مع وجود دوام الوصل ومن هذا القبيل مساع املنتهيني والواصلني ووجدهم نعم
اهنم وان منحوا ا جلذبة بعد الفناء والبقاء ولكن ملا عرضت هلم برودة قوية مل يكتفوا هبا يف
حتصيل الرتقيات اىل منازل الوصول والعروج واحتاجوا اىل السماع (وطائفة) من املشائخ
قدس هللا أسرارهم هتبط نفوسهم اىل مقام العبودية بعد وصوهلم اىل درجة الوالية وأرواحهم
متوجهة اىل جناب القدس يف مقامها االصلي بال مزامحة النفوس وكلما يصل اىل الروح
مدد من مقام النفس املطمئ نة اليت صارت متمكنة وراسخة يف مقام العبودية حتصل للروح
بواسطة ذلك االمداد مناسبة خاصة ابملطلوب واطمئنان هؤالء االكابر يف العبادة
وتسكينهم يف أداء حقوق العبودية والطاعة وميل العروج مفقود يف طباعهم وشوق
الصعود قليل يف بواطنهم جبينهم المع بنور متابعة امللة وعيون بصريهتم مكتحلة بكحل
اتباع السنة فال جرم كانت ابصارهم حديدة يبصرون من بعد ما يعجز االقربون عن رؤيته
وان كان عروجهم قليال ولكنهم نورانيون ومنورون بنور االصل وهلم يف ذلك املقام شأن
عظيم وجاللة القدر فال احتياج هلم اىل السماع والوجد بل تعطيهم العبادة ما للسماع
وتكفيهم نورانيتهم بنور االصل عن العروج واجلماعة املقلدون من اهل السماع والوجد
الذين ال وقوف هلم على عظم شأن هؤالء االكابر حيسبون أنفسهم عشاقا ويسموهنم
زهادا وكأهنم يزعمون ان العشق واحملبة منحصران يف الرقص والوجد (ومن) املنتهيني طائفة
- 505 -
مينحون بعد قطع مسالك السري اىل هللا والتحقق ابلبقاء ابهلل جذاب قواي فينجرون بسلسلة
اجلذبة جرا جرا وسراية الربودة ممنوعة هناك والتسلية غري جائزة ال حيتاجون يف العروج اىل
أمور غريبة وليس للسماع والرقص اىل مضيق خلوهتم سبيل الدخول وال الوجد والتواجد
عندهم شئ مقبول بل يصلون هبذا العروج االجنذايب اىل هناية املرتبة املمكنة الوصول
وينالون بواسطة متابعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم نصيبا من مقامه املخصوص به وهذا
النوع من الوصول خمصوص بطائفة االفراد ال نصيب من هذا املقام لالقطاب أيضا فان
أرجع الواصل اىل هناية النهاية هبذا النوع من الوصول مبحض فضل احلق سبحانه اىل العامل
واحيل عليه تربية املستعدين هتبط نفسه اىل مقام العبودية وروحه متوجهة اىل جناب
املقدس بال نفس وهو اجلامع للكماالت الفردية واحلاوي للتكميالت القطبية وأعين
ابلقطب ههنا قطب االرشاد ال قطب االواتد وعلوم املقامات الظلية ومعارف املدارج
االصلية ميسرة له بل ال ظل يف املقام الذي هو فيه وال أصل فانه قد جاوز الظل واالصل
ومثل هذا الكامل املكمل عزيز الوجود جدا حت انه لو ظهر بعد قرون متطاولة وأزمنة
متباعدة فهو ايضا مغتنم ينور به العامل نظره شفاء االمراض القلبية وتوجهه دافع االخالق
الردية الغري املرضية وهو الذي امت مدارج العروج ونزل اىل مقام العبودية واطمأن ابلعبادة
وآنس هبا وينتخب بعض هذه الطائفة ملقام العبدية الذي ال مقام فوقه من مقامات
الوالية ويشرف به وقا بلية منصب احملبوبية ايضا مسلمة اليه فهو جامع جلميع كماالت
مرتبة الوالية وحاو لتمام مقامات درجة الدعوة وحمتظ من الوالية اخلاصة مبقام النبوة
وابجلملة ان هذا املصراع صادق يف حقه {ع}:
قد اجتمعت فيه احملاسن كلها
هذا والسماع والوجد مضر للمبتدي ومناف لعروجه وان وقع ابلشرائط وسيحرر
نبذة من شرائط السماع يف آخر هذه الرسالة انشاء هللا تعاىل ووجد املبتدي معلول وحاله
وابل وحركته طبيعية وحتركه مشوب ابهلوى النفساين واعين ابملبتدي من ليس من أرابب
القلوب وارابب القلوب متوسطون بني املبتدي واملنتهى واملنتهى هو الفاين يف هللا والباقي
- 506 -
ابهلل وهو الواصل الكامل ولالنتهاء درجات بعضها فوق بعض وللوصول مراتب ال ميكن
قطعها ابد اآلبدين (وابجلملة) ان السماع انفع للمتوسطني وطائفة من املنتهيني أيضا كما
مر آنفا ولكن ينبغي ان يعلم ان السماع ال حيتاج اليه ارابب القلوب ايضا مطلقا بل
مجاعة منهم مل يشرفوا بعد بدولة اجلذبة ويريدون قطع املسافة ابلرايضات واجملاهدات
الشاقة فالسماع والوجد ممد ومعاون هلؤالء اجلماعة يف هذه الصورة واما اذا كان ارابب
القلوب من اجملذوبني فقطع مسالك سريهم مبدد اجلذبة وليسوا حمتاجني اىل السماع
(وينبغي) أيضا أن يعلم أن نفع السماع الرابب القلوب الغري اجملذوبني ليس على اطالقه
بل االنتفاع به مشروط ابلشرائط وبدوهنا خرط القتاد فمن مجلة الشرائط عدم االعتقاد
لكمال نفسه فلو كان معتقدا لتمامية نفسه فهو حمبوس نعم قد يورثه السماع أيضا من
العروج ولكنه يهبط من مقام عرج اليه وقت السماع بعد التسكني والشرائط املبينة يف
كتب االكابر مستقيمي االحوال كعوارف املعارف أكثرها مفقودة يف مساع ابناء هذا
الزمان بل مثل هذا السماع الذي شاع يف هذا الزمان وهذا االجتماع الذي صار متعارفا
يف هذه االوان ال شك يف انه مضر حمض ومناف صرف ال طمع للعروج فيه وال يتصور
الصعود والرتقي به وامداد السماع مفقود يف هذا احملل واملضرة موجودة يف ذلك احملفل
{تنبيه} ان السماع وان كان مفيدا ابلنسبة اىل بعض املنتهيني ولكن ملا كان امامهم
مراتب العروج فهم من االوساط وما مل تطو مراتب العروج املمكنة احلصول ابلتمام
فحقيقة االنتهاء مفقودة فيهم واطالق النهاية امنا هو ابعتبار هناية السري اىل هللا وهذا
السري اىل اسم اهلي كان السالك مظهره والسري بعد ذلك يكون يف ذلك االسم وما يتعلق
به فاذا جاوزه وما يتعلق مما ينكشف الراببه ووصل اىل املسمى احلقيقي وحصل له هناك
فناء وبقاء فهو حينئذ يكون منتهىا حقيقيا وهناية السري اىل هللا يف احلقيقة يتحقق يف
ذلك احملل وقد عدوا النهاية األوىل اليت هي انتهاء السري اىل االسم من هناية السري اىل هللا
واعتربوها منها ايضا وابعتبار حصول الفناء والبقاء يف تلك املرتبة اطلقوا اسم الوالية ايضا
(وما قيل) من ان ال هناية للسري يف هللا فهذا السري يف حني البقاء وبعد طي منازل العروج
- 507 -
ومعن عدم هناية ذلك السري هو ان السري اذا وقع يف ذلك االسم ابلتفصيل وختلق
ابلشؤانت املندرجة فيه ال يصل اىل هنايته أصال فان كل اسم مشتمل على شؤانت غري
متناهية وأما اذا أريد ترقيه من ذلك االسم وقت العروج فيمكن أن يطوي ذلك بقدم
واحد ويصل اىل هناية النهاية مث ان استهلك هناك فيا هلا من شرافة وان ارجع لرتبية اخللق
فيا هلا من فضيلة وكرامة وال تظنن ان الوصول اىل ذلك االسم أمر سهل بل البد من بذل
الروح حت يشرف بتلك الدولة ومن ذا الذي خيتص هبذه النعمة القصوى من بني اقرانه
وميتاز هبا وما تتخيله تنزيها وتقديسا رمبا يكون عني التشبيه والتنقيص بل أكثر املراتب
الذي تتخيله تنزيها أسفل وأدون من مقام الروح والتنزيه الذي خييل لك فوق العرش فهو
ايضا داخل يف دائرة التشبيه وذلك املكشوف املنزه من عامل االرواح فان العرش حمدد
اجلهات و منتهى االبعاد وعامل األرواح وراء عامل اجلهات واالبعاد فان الروح ال مكانية ال
يسعها املكان واثبات الروح فيما وراء العرش ال يومهنك اهنا بعيدة عنك واملسافة بينك
وبينها طويلة فان االمر ليس كذلك الن نسبة الروح مع وجود المكانيتها مساوية اىل
مجيع االزمنة والقول ابهنا وراء العرش له معن آخر ال تعرفه حت تبلغ هناك (وطائفة) من
الصوفية ملا وصلوا اىل التنزيه الروحي ووجدوها فوق العرش ختيلوه تنزيها اهليا جل شأنه
وظنوا علوم ذلك املقام ومعارفه من غوامض العلوم وحلوا أسرار االستواء يف هذا املقام
واحلق ان ذلك النور نور الروح وقد عرض للفقري أيضا مثل هذا االشتباه عند حصول
ذلك املقام ولكن ملا أدركتين عناية احلق سبحانه ورقتين من تلك الورطة علمت ان ذلك
النور كان نور الروح ال النور االهلي احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان
هداان هللا وحيث كانت الروح المكانية وخملوقة على صورة المثالية فال جرم تكون حمل
اشتباه وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل (ومجاعة) منهم ينزلون آخذين ذلك النور يعين
نور الروح اليت فوق العرش وحيصل هلم البقاء به فيظنون أنفسهم جامعني بني التشبيه
والتنزيه فان وجدوا ذلك النور منفكا عنهم يتصورون ذلك مقام الفرق بعد اجلمع وأمثال
هذه املغالطات فيما بني الصوفية كثرية وهو سبحانه العاصم عن مظان االغالط وحمال
- 508 -
االحتياط (ينبغي) ان يعلم ان الروح وان كانت ابلنسبة اىل العامل المثلية ولكنها ابلنسبة
اىل الالمثلي احلقيقي داخلة يف دائرة املثلي وكاهنا برزخ بني العامل املثلي وبني جناب
القدس احلقيقي ففيها وصف الطرفني وكال االعتبارين صحيح فيها خبالف الالمثلي
احلقيقي فانه ال سبيل للمثلي اليه أصال فما مل يعرج السالك من مجيع مقامات الروح ال
يصل اىل ذلك االسم فينبغي اوال ان يتجاوز مجيع طبقات السموات حت العرش واخلروج
من لوازم املكان ابل تمام مث يلزم اثنيا طي مراتب المكانية عامل االرواح فيصل يف ذلك
الوقت اىل ذلك االسم {شعر}:
ويظن موالان أبنه واصل * ما ان له غري الظنون حاصل
فهو سبحانه وراء الوراء فان وراء عامل اخللق هذا عامل االمر ووراء عامل االمر مراتب
االمساء والشؤانت ظال واصالة وامجاال وتفصيال فينبغي طلب املطلوب احلقيقي فيما وراء
هذه املراتب الظلية واالصلية والكونية واالهلية واالمجالية والتفصيلية فمن ذا الذي ينعم به
عليه وأي صاحب دولة يشرف هبذه الدولة ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو
الفضل العظيم ينبغي للعاقل أن يكون عايل اهلمة وأن ال يقنع بكلما يتيسر يف الطريق وأن
يطلب املطلوب فيما وراء الوراء {شعر}:
كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف
{تنبيه} آخر اعلم ان دوام الوقت واستمراره مسلم لشخص تشرف ابلبقاء ابهلل
بعد حتققه ابلفناء املطلق وتبدل علمه احلصويل حضوراي ولنوضح هذا املبحث ببيان
(اعلم) ان كل علم حيصل للعامل من وراء ذاته فطريق حصوله له هو حصول صورة املعلوم
يف ذهن العامل وكل علم ال حيتاج يف حصوله اىل حصول الصورة وهو علم االنسان بذاته
فهو علم حضوري فان الذات حاضرة عند العامل بنفسها وما دامت صورة املعلوم حاصلة
يف العلم احلصويل فهو معلوم يف ذهن املتوجه فاذا زالت الصورة عن الذهن زال ذلك
التوجه الذهين فداوم التوجه يف العلم احلصويل حمال عادي خبالفه يف العلم احلضوري فان
الغفلة عن املعلوم غري متصورة هناك فان منشأ حتقق ذلك العلم حضور ذات العامل وحيث
- 509 -
كان ذلك احلضور دائميا فالعلم ابلذات ايضا يكون دائميا وزوال التوجه اىل ذاته غري
ممكن ويف البقاء ابهلل علم حضوري ال يتصور زواله (وال تظنن) ان البقاء ابهلل عبارة عن
ان جيد السالك نفسه عني احلق كما عرب البعض من هذه الطائفة عن حق اليقني هبذه
العبارة فانه ليس كذلك فان البقاء ابهلل الذي تيسر بعد الفناء املطلق ال يناسبه امثال هذه
العلوم وحق اليقني الذي قاله البعض مناسب لبقاء حيصل يف اجلذبة والبقاء الذي هو
مقصودان غري ذلك {شعر}:
فوهللا ال تدري لذي اخلمر لذة * وال نشوة حت تذوق وتسكرا
فاستمرار التوجه ودوام احلضور امنا ثبتا يف البقاء ابهلل وال امكان لدوام التوجه قبل
التحقق ابلبقاء ابهلل وان توهم ذلك املعن لكثريين قبل الوصول اىل هذا املقام خصوصا يف
الطريقة العلية النقشبندية قدس هللا أسرار أهلها واحلق ما حققت والصواب ما أهلمت
وهللا سبحانه أعلم ابلصواب واليه املرجع واملآب احلمد هلل رب العاملني اوال وآخرا والصالة
و السالم على رسوله دائما وسرمدا.
{املكتوب السادس والثمانون واملائتان اىل موالان امان هللا الفقيه يف بيان أن
االعتقاد الصحيح هو املأخوذ من الكتاب والسنة على وفق آراء اهل السنة
واجلماعة ويف رد من يستنبط من الكتاب والسنة خالف معتقدات اهل السنة
واجلماعة او أدركوا ابلكشف خالف ما عليه اهل احلق}
الرحيم اعلم ارشدك هللا واهلمك سواء الصراط ان من مجلة الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
ضرورايت الطريق للسالك االعتقاد الصحيح الذي استنبطه علماء أهل السنة واجلماعة
من الكتاب والسنة وآاثر السلف ومحل الكتاب والسنة على املعاين اليت فهمها مجهور
أهل احلق يعين علماء أهل السنة واجلماعة منهما ايضا ضروري فان ظهر فرضا بطريق
الكشف واالهلام ما خيالف تلك املعاين املفهومة ينبغي ان ال يعتربه وان يستعيذ منه مثل
اآلايت واالحاديث اليت يفهم من ظواهرها التوحيد الوجودي وكذلك االحاطة والسراين
- 510 -
والقرب واملعية الذاتية ومل يفهم علماء أهل احلق من تلك اآلايت واالحاديث هذه املعاين
فاذا انكشف للسالك يف اثناء الطريق هذه املعاين ابن ال يرى غري موجود واحد او ابن
يدرك ان هللا تعاىل حميط ابلذات او وجده قريبا ابلذات فهو وان كان معذورا يف ذلك
بسبب غلبة احلال وسكر الوقت فيما هنالك ولكن ينبغي له ان يكون ملتجئا اىل هللا
تعاىل ومتضرعا اليه دائما الن خيلصه من هذه الورطة وان يكشف له امورا مطابقة آلراء
علماء أهل احلق وان ال يظهر له ما خيالف معتقداهتم احلقة ولو مقدار شعرة (وابجلملة)
ينبغي ان جيعل املعاين اليت كانت مفهومة لعلماء أهل احلق مصداق الكشف وان ال جيعل
حمك االهلام غريها فان املعاين املخالفة للمعاين املفهومة هلم ساقطة عن حيز االعتبار الن
كل مبتدع ضال يزعم ان مقتدى معتقداته ومأخذها الكتاب والسنة فانه يفهم منهما
حبسب افهامه الركيكة معاين غري مطابقة يضل به كثريا ويهدي به كثريا وامنا قلت ان
املعترب هو املعاين املفهومة لعلماء أهل احلق وان ما سواها مما خيالفها غريمعتربة بناء على
اهنم اخذوا تلك املعاين من تتبع آاثر الصحابة والسلف الصاحلني رضوان هللا تعاىل عليهم
أمجعني واقتبسوها من أنوار جنوم هدايتهم وهلذا صارت النجاة االبدية خمصوصة هبم
والفالح السرمدي نصيبا هلم أولئك حزب هللا أال ان حزب هللا هم املفلحون فان تداهن
بعض العلماء يف الفرعيات وارتكبوا التقصريات يف العمليات مع وجود حقية االعتقاد ال
ينبغي بسبب ذلك ان ينكر العلماء مطلقا وان يطعن فيهم كليا فان ذلك حمض عدم
االنصاف وصرف املكابرة بل انكار اكثر ضرورايت الدين فان انقلي تلك الضرورايت هم
العلماء وانقدي جيدها عن رديئها هم العلماء فلوال نور هدايتهم ملا اهتدينا ولوال متييزهم
الصواب عن اخلطإ لغوينا وهم الذين بذلوا جهدهم يف اعالء كلمة الدين القومي وسلكوا
ابانس كثرية اىل صراط مستقيم فمن اتبعهم جنى وافلح ومن خالفهم ضل واضل من
الطريق االوضح (ينبغي) ان يعلم ان معتقدات الصوفية ابألخرى اعين بعد متام منازل
السلوك والوصول اىل اقصى درجات الوالية هي عني معتقدات اهل احلق فهي للعلماء
ابلنقل واالستدالل وللصوفية ابلكشف واالهلام وان ظهر لبعض الصوفية يف اثناء الطريق
- 511 -
بواسطة السكر وغلبة احلال ما خيالف تلك املعتقدات ولكن اذا جاوز تلك املقامات
وبلغ هناية االمر تكون تلك املخالفة هباء منثورا واالّ فيبقي على تلك املخالفة ولكن
املرجو ان ال يؤاخذ هبا فان حكمه حكم اجملتهد املخطئ واجملتهد خمطئ يف االستنباط
وهو يف الكشف ومن مجلة خمالفات هذه الطائفة احلكم بوحدة الوجود واالحاطة والقرب
واملعية الذاتيات كما مر وكذلك انكارهم وجود الصفات السبعة أو الثمانية يف اخلارج
بوجود زائد على ذات احلق جل شأنه فان علماء أهل السنة ذاهبون اىل وجودها يف
اخلارج بوجود زائد على وجود الذات ومنشأ انكارهم هو ان مشهودهم يف ذلك الوقت
هو الذات يف مرآة الصفات ومعلوم ان املرآة تكون خمتفية من نظر الرائي فحكموا بعدم
وجودها يف اخلارج بواسطة ذلك االختفاء وظنوا أهنا لو كانت موجودة لكانت مشهودة
وحيث ال شهود فال وجود وطعنوا يف العلماء بسبب حكمهم بوجود الصفات بل
حكموا ابلكفر والثنوية اعاذان هللا سبحانه من اجلرأة على الطعن فان تيسر هلم الرتقي من
هذا املقام وخرج شهودهم من هذا احلجاب وزال حكم املراتب لرأوا الصفات مغايرة
للذات وملا أنكروها وملا إجنر امرهم اىل طعن اكابر العلماء (ومن) مجلة خمالفاهتم حكمهم
ببعض امور يستلزم كونه تعاىل فاعال ابالجياب فاهنم وان مل يطلقوا لفظ االجياب واثبتوا
االرادة لكنهم ينفون االرادة يف احلقيقة وهم خيالفون مجيع أهل امللل يف هذا احلكم فمن
مجلة هذه االمور حكمهم ابن هللا تعاىل قادر بقدرة مبعن ان شاء فعل وان مل يشأ مل يفعل
وي قولون ابن الشرطية األوىل واجبة الصدق والثانية ممتنعة الصدق وهذا قول ابالجياب بل
انكار القدرة ابملعن املقرر عند أهل امللل فان القدرة عندهم مبعن صحة الفعل والرتك
والالزم لقوهلم وجوب الفعل وامتناع الرتك فاين أحدمها من اآلخر ومذهبهم يف هذه
املسئلة هو بعينه م ذهب الفالسفة واثبات االرادة مع القول بوجوب صدق األوىل وامتناع
صدق الثانية وامتيازهم عن الفالسفة هبذا االثبات غري انفع فان االرادة هي ختصيص
احد املتساويني فحيث ال تساوى ال ارادة وههنا التساوي معدوم للوجوب واالمتناع
فافهم (ومن) مجلة تلك االمور بياهنم يف مسئلة القضاء والقدر على هنج ظاهره اثبات
- 512 -
االجياب فمن مجلة عباراهتم يف هذا املبحث هذه العبارة احلاكم حمكوم واحملكوم حاكم
وجعل احلق سبحانه حمكوم احد واثبات حاكم عليه مع قطع النظر عن اثبات االجياب
مستقبح جدا اهنم ليقولون منكرا من القول وزورا وامثال ذلك من املخالفات كثرية كقوهلم
بعدم امكان رؤية احلق سبحانه اال ابلتجلي الصوري وهذا القول مستلزم النكار رؤية
احلق سبحانه والرؤية اليت جوزوها ابلتجلي الصوري ليست هي يف احلقيقة رؤية احلق
سبحانه بل هي ضرب من الشبه واملثال {نظم}:
يراه املؤمنون بغري كيف * وادراك وضرب من مثال
وك قوهلم بقدم ارواح الكمل وازليتها وهذا القول ايضا خمالف ملا عليه أهل االسالم
فان عندهم العامل جبميع اجزائه حمدث واالرواح من مجلة العامل الن العامل اسم جلميع ما
سوى هللا تعاىل فافهم (فينبغي) للسالك قبل بلوغه كنه االمر وحقيقته أن يعد تقليد
علماء أهل احلق الزما لنفسه مع وجود خمالفة كشفه واهلامه وان يعتقد العلماء حمقني
ونفسه خمطئا الن مستند العلماء تقليد االنبياء عليهم الصالة و السالم املؤيدين ابلوحي
القطعي املعصومني عن اخلطإ والغلط وكشفه واهلامه على تقدير خمالفته لالحكام الثابتة
خطأ وغلط فتقدمي الكشف على أقوال العلماء تقدمي له يف احلقيقة على االحكام
القطعية املنزلة وهو عني الضاللة وحمض اخلسارة (وكما) ان االعتقاد مبوجب الكتاب
والسنة ضروري كذلك العمل مبقتضامها على هنج استنبطه االئمة اجملتهدون منهما
واستخرجوا االحكام عنهما من احلالل واحلرام والفرض والواجب والسنة واملستحب
واملكروه واملشتبه والعلم هبذه االحكام ايضا ضروري وال جيوز للمقلد اخذ االحكام من
الكتاب والسنة على خالف رأي اجملتهد وأن يعمل هبا وينبغي ان خيتار يف العمل القول
املختار يف مذهب جمتهده الذي قلده وتبعه وان يعمل ابلعزمية جمتنبا عن البدعة وان
يسعى يف مجع ا قوال اجملتهدين مهما أمكن ليقع العمل على القول املتفق عليه مثال ان
االمام الشافعي اشرتط النية يف الوضوء فال يتوضأ بالنية وكذلك قال بفرضية الرتتيب يف
غسل االعضاء فيلتزم الرتتيب وافرتض االمام مالك الدلك يف غسل االعضاء فيدلك ألبتة
- 513 -
وكذلك قالوا ينقض الوضوء مبس النساء والذكر فيجدد الوضوء أن مس احدمها و على
هذا القياس يف سائر االحكام اخلالفية وبعد حصول هذين اجلناحني االعتقادي و
العملي يكون متوجها حنو العروج اىل مدارج القرب االهلي جل سلطانه وطالبا لقطع
املنازل الظلمانية واملسالك النورانية ولكن ينبغي أن يعلم ان ذلك العروج وقطع املنازل
مربوط بتوجه شيخ كامل مكمل عامل ابلطريق بصري به هاد اليه نظره شفاء االمراض
القلبية وتوجهه دافع االخالق الردية الغري املرضية فليطلب اوال الشيخ فان عرفه مبحض
فضل احلق سبحانه فليالزمه معتقدا ان معرفته اايه نعمة عظمى وليكن منقادا له يف
تصرفات ه بكليته قال شيخ االسالم اهلروي اهلي ما هذا الذي جعلت اولياءك حبيث من
عرفهم وجدك وما مل جيدك مل يعرفهم ويفين اختياره يف اختيار شيخه ابلكلية وخيلي نفسه
عن مجيع املرادات ويشد نطاق اهلمة يف خدمته و يسعى سعيا بليغا يف امتثال مجيع ما
أيمر به شيخه معتقدا ابن رأس مال سعادته فيه فان رأى الشيخ املقتدى به ان املناسب
الستعداده الذكر أيمره به وان رأى ان املناسب التوجه واملراقبة يشري هبما ايضا فيما
هنالك وان علم الكفاية مبجرد الصحبة أيمره ايضا بذلك (وابجلملة) ان االحتياج اىل
الذكر مع وجود صحبة الشيخ ليس شرطا من شرائط الطريق اصال بل أيمر الشيخ بكل
ما يراه مناسبا حلال الطالب فان وقع منه تقصري يف بعض شرائط الطريق يتالفاه بصحبة
الشيخ فيكون توجهه جابرا لنقصانه (ومن) مل يشرف بصحبة مثل هذا الشيخ فان كان
من املرادين جيذبه احلق سبحانه وجيتبيه اليه ويكفيه امره مبحض عنايته اليت ال غاية هلا وال
هناية ويعلمه كل شرط وادب الزم له وجيعل روحانية بعض االكابر وسائل طريقه ودليله
يف قطع منازل السلوك فان توسط روحانيات املشائخ يف قطع طريق السلوك الزم بطريق
جرى عادة هللا سبحانه وان كان من املريدين فامره من غري توسط شيخ مقتدى به
مشكل فينبغي أن يل تجئ اىل هللا سبحانه دائما اىل ان يصل اىل شيخ مقتدى به
(وينبغي) ايضا ان يعد رعاية شرائط الطريق الزمة وقد بينت تلك الشرائط يف كتب
املشائخ تفصيال فينبغي مراجعتها ومالحظة ما فيها ورعايتها بعد ذلك ومعظم شرائط
- 514 -
الطريق خمالفة النفس وهي موقوفة على رعاية مقام الورع والتقوى الذي هو االنتهاء عن
احملارم واالنتهاء عن احملارم ال يتصور اال بعد االجتناب من فضول املباحات فان ارخاء
العنان يف ارتكاب املباحات يفضي اىل ارتكاب املشتبهات واملشتبه قريب من احملرم
واحتمال الوقوع فيه اقوى ومن حام حول احلمى يوشك ان يقع فيه[ ]1فاجتناب احملرمات
كان موقوفا على اجتناب فضول املباحات فالبد يف حتقق الورع من اجتناب فضول
املباحات و ال بد للرتقي والعروج من حتقق الورع فانه مربوط به (وبيانه) أن لالعمال
جزئني امتثال االوامر واالنتهاء عن املناهي واالمتثال يشارك فيه القدسيون فان وقع الرتقي
ابالمتثال فقط لوقع للقدسيني أيضا واالنتهاء عن املناهي خاص ابالنسيني ليس هو يف
القدسيني فاهنم معصومون ابلذات ليس فيهم جمال املخالفة حت ينهون عنها فلزم كون
الرتقي مربوطا هبذا اجلزء وهذا االجتناب هو عني خمالفة النفس فان الشريعة امنا وردت
لرفع االهواء النفسانية ودفع الرسوم الظلمانية فان مقتضى طبيعة النفس اما ارتكاب احملرم
أو ارتكاب الفضول املفضي اخريا للمحرم فاجتناب الفضول هو عني خمالفة النفس (فان
قيل) ان يف امتثال االوامر ايضا خمالفة النفس فان النفس ال تريد االشتغال ابلعبادة
فيكون االمتثال ايضا مستلزما للرتقي ويف املالئكة ملا كانت خمالفة االمتثال مفقودة مل
يكن سببا لرتقيهم فالقياس مع الفارق (قلت) ان عدم ارادة النفس العبادة وعدم رضاها
هبا امنا هو بسبب كوهنا طالبة لفراغها حبيث ال تريد أن تكون مقيدة ومشغولة بشئ وهذا
الفراغ وعدم االشتغال ايضا داخالن يف احملرم او الفضول فجاءت خمالفة النفس يف امتثال
االوامر من طريق اجتناب احملرم والفضول ال من طريق اداء االوامر يعين املأمورات فقط
حت يقال انه موجود يف املالئكة ايضا فالقياس صحيح (فكل) طريق خمالفة النفس فيه
اكثر فهو أقرب الطرق والشك ان رعاية خمالفة النفس يف طريقة النقشبندية اكثر منها يف
سائر الطرق فان هؤالء االكابر اختاروا العمل ابلعزمية واالجتناب عن الرخصة ومن املعلوم
ان كال من اجتناب احملرم والفضول موجود يف العزمية ومرعي فيها خبالف الرخصة فان
فيها اجتناب احملرم فقط (فان قيل) ميكن أن يكون املختار عند أرابب سائر الطرق أيضا
العزمي ة (قلت) ان يف أكثر الطرق مساعا ورقصا ويبلغ االمر فيه حد الرخصة بعد متحل
كثري واين فيه اجملال للعزمية بعد وكذلك ذكر اجلهر ال يتصور فيه ما فوق الرخصة وقد
احدث مشائخ سائر الطرق امورا حمدثة يف طرقهم لبعض نيات صحيحة هناية التصحيح
يف تلك االمور احلكم ابلرخصة خب الف اكابر هذه السلسلة العلية فاهنم ال جيوزون مقدار
شعرة من خمالفة السنة فتكون خمالفة النفس يف هذا الطريق امت فيكون أقرب الطرق فيكون
اختيار هذا الطريق للطالب أوىل وانسب الن الطريق يف هناية االقربية واملطلب يف كمال
الرفعة (وقد ترك) مجاعة من متأخري خلفائهم اوضاع هؤالء االكابر واحدثوا يف هذا
الطريق بعض االمور واختاروا السماع والرقص واجلهر ومنشأ ذلك عدم الوصول اىل
حقيقة نيات اكابر هذه الطريقة العلية فخالوا اهنم يكملون ويتممون هذه الطريقة هبذه
احملداثت واملبتدعات ومل يدروا أهنم يسعون هبا يف ختريبها وجيتهدون يف اضاعتها وهللا حيق
احلق وهو يهدي السبيل.
{املكتوب السابع والثمانون واملائتان اىل اخيه احلقيقي منبع احلقائق ميان
غالم حممد يف بيان اجلذبة والسلوك وبيان املعارف املناسبة هلذين املقامني}
الرحيم احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق وختمهم ابفضلهم واكملهم حممد الذي جاء ابلصدق
صلوات هللا سبحانه وبركاته عليه وعليهم و على من اتبعهم أمجعني اىل يوم الدين آمني
ولقد رأيت الطالبني ينزلون املسلك الطويل واملطلب الرفيع بواسطة دانءة اهلمة وخسة
الفطرة وعدم وجدان صحبة الشيخ الكامل املكمل اىل منزلة طريق قصري ومقصد وضيع
ويقنعون بكلما يتيسر هلم يف الطريق من حقري وخطري ويظنون ذلك مقصدا ويزعمون
انفسهم حبصوله كملة وارابب هناية ويطبقون من خسة الفطرة واستيالء قواهم املتخيلة
احواهلم الناقصة على االحوال الكاملة اليت بينها الكملة الواصلون من متام امرهم وهناية
- 516 -
النفس امنا يتصور بعد قطع منازل السلوك وطي مسالك السري اىل هللا وحتقق السري يف هللا
بل بعد حصول مقام الفرق بعد اجلمع الذي يتعلق ابلسري عن هللا ابهلل {شعر}:
هل كل ذي ذكر حيويه معرتك * او كل من انل من ملك سليمان
فظهر الفرق بني جذب املنتهى وجذب املبتدئ وشهود اجملذوبني أرابب القلوب
من وراء حجاب الكثرة علموا هذا املعن او ال وليس مشهودهم اال عامل االرواح الذي هو
شبيه يف اللطافة واالحاطة والسراين مبوجده صورة فان هللا خلق آدم على صورته وهبذه
املناسبة يزعمون شهود الروح شهود احلق تعاىل وتقدس و على هذا القياس االحاطة
والسراين والقرب واملعية فان نظر السالك ال ينفذ اال اىل املقام الفوق ال اىل مقام فوق
الفوق واملقام الذي فوق مقامهم هو مقام الروح فال ينفذ نظرهم اىل ما فوق مقام الروح
وال يكون مشهودهم شيئا غري الروح والنظر اىل ما فوق مقام الروح موقوف على الوصول
اىل مقام الروح وحال احملبة واالجنذاب أيضا كحال الشهود وشهود احلق سبحانه بل حمبته
واالجنذاب اليه تعاىل مربوط حبصول الفناء املعرب عنه بنهاية السري اىل هللا {شعر}:
ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل
واطالق الشهود يف هذا املقام من ضيق ميدان العبارة واال معاملة هؤالء االكابر
متعارفة مبا وراء وراء الشهود وكما أن مقصدهم المثلي وال كيفي كذلك اتصاهلم ايضا
المثلي وال كيفي ال سبيل للمثايل اىل الالمثايل ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه {شعر}:
ان للرمحن مع ارواح انس * اتصاال دون كيف وقياس
واحاطته تعاىل وسراينه وقربه ومعيته عند احملققني ارابب السلوك الواصلني اىل هناية
االمر كلها علمية وهم موافقون لعلماء اهل احلق شكر هللا سعيهم واحلكم ابلقرب الذايت
وأمثاله عندهم من عدم احلاصل والبعد واملقربون ال حيكمون ابلقرب قال واحد من
الكرباء من قال اان قريب فهو بعيد ومن قال اان بعيد فهو قريب وهذا هو التصوف والعلم
املتعلق ابلتوحيد الوجودي منشأوه احملبة واالجنذاب القليب وارابب القلوب الذين ال جذبة
هلم بل يقطعون املنازل بطريق السلوك ال مناسبة هلذا العلم هبم وكذلك اجملذوبون
- 519 -
املتوجهون ابلسلوك من القلب اىل مقلب القلب ابلكلية يتربأون من هذه العلوم
ويستغفرون منها (وبعض) اجملذوبني وان سلكوا طريق السلوك وطووا املنازل ولكن ال
ينقطع نظرهم عن املقام املألوف وال يقدرون التوجه اىل الفوق فال يرتك امثال هذه العلوم
اذاي هلم وال يقدرون اخلروج من هذه الورطة والتخلص منها وهلذا يكون فيهم ضعف وعرج
يف العروج اىل مدارج القرب والصعود اىل معارج القدس ربنا اخرجنا من هذه القرية الظامل
اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصريا وعالمة الوصول اىل هناية
املطلب التربؤ من هذه العلوم فانه كلما حتصل زايدة املناسبة ابلتنزيه يوجد عدم مناسبة
العامل ابلصانع ازيد وال معن حينئذ يف اعتقاد أن العامل عني الصانع او يف ظن ان الصانع
حميط ابلعامل ابلذات ما للرتاب ورب االرابب (معرفة) قال اخلواجه هباء الدين النقشبند
قدس هللا تعاىل سره االقدس حنن ندرج النهاية يف البداية ومعن هذه العبارة هو ان
االجنذاب واحملبة اللذين يتيسران للمنتهىني يف االنتهاء مندرجان يف هذا الطريق يف
االجنذاب واحملبة اللذين حيصالن يف االبتداء فان اجنذاب املنتهى روحي ويف املبتدئ
جذب قليب ومن حيث ان القلب برزخ بني الروح والنفس حيصل يف ضمن اجلذب القليب
اجلذب الروحي أيضا وختصيص هذا االندراج هبذا الطريق مع أنه حاصل يف مجيع
اجلذابت هبذا املعن مبين على ان اكابر هذه الطريقة وضعوا طريقا خاصا حلصول هذا
املعن وعينوا مسلكا خمصوصا للوصول اىل هذا املطلب وحيصل هذا املعن لغريهم على
سبيل االتفاق وليس هلم يف ذلك ضابطة (وأيضا) ان هلؤالء االكابر شأان خاصا يف مقام
اجلذبة ليس هو لغريهم فان كان فنادر وهلذا حيصل لبعضهم يف هذا املقام من غري قطع
منازل السلوك فناء وبقاء شبيهان بفناء أرابب السلوك وبقائهم ويتيسر هلم شرب من مقام
التكميل شبيه مبقام السري عن هللا ابهلل يربون به املستعدين وسيجئ حتقيق هذا املبحث
عن قريب ان شاء هللا تعاىل (وههنا) دقيقة ينبغي ان يعلم ان الروح كان هلا قبل تعلقها
ابلبدن حنو من التوجه اىل املقصود فلما تعلقت ابلبدن زال عنها ذلك التوجه واكابر هذه
السلسلة العلية وضعوا طريقا لظهور ذلك التوجه ولكن ملا كانت الروح متعلقة ابلبدن
- 520 -
انتقل ذلك التوجه اىل القلب فيحصل هلم فيه توجه قليب جامع لتوجه النفس والروح وال
شك ان التوجه الروحي مندرج يف التوجه القليب واما التوجه الروحي يف املنتهيني فهو بعد
فناء الروح وب قائه ابلوجود احلقاين املعرب عنه ابلبقاء ابهلل والتوجه الروحي الذي هو يف
ضمن التوجه القليب بل توجه الروح الذي كان قبل تعلقها ابلبدن فهو توجه مع وجود
وجود الروح مل يتطرق الفناء اليها أصال والفرق بني توجه الروح مع وجود وجودها وبني
توجهها مع فنائها كثري فاطالق النهاية على ذلك التوجه الروحي املندرج امنا هو ابعتبار
توجهها الذي يبقى يف النهاية هو فقط فاملراد ابندراج النهاية يف البداية اندراج صورة
النهاية يف البداية ال حقيقتها فان اندراجها يف البداية حمال وميكن ان يكون عدم أتيان
لفظ الصورة الجل الرتغيب يف طلب هذا الطريق واحلق ما حققت بعون هللا تعاىل
والسابقون الذين اجنذاهبم من غري تعمل وكسب بل بتوجه وحضور فذلك االجنذاب أيضا
قليب وأثر من توجه الروح السابق فانه مل يزل ابلكلية بواسطة تعلقها ابلبدن والكسب
والتعمل لظهور التوجه السابق امنا هو جلماعة نسوا التوجه السابق بواسطة ذلك التعلق
وكأن الكسب الجل التنبيه على التوجه السابق والتذكري لتلك الدولة الغائبة الضائعة
ولكن استعداد الناسني للتوجه السابق ألطف من استعداد السابقني املذكورين فان نسيان
التوجه السابق ابلكلية خيرب عن التوجه الكلي اىل املتوجه اليه ابلفعل وعن الفناء فيه
خبالف عدم نسيان التوجه السابق فانه ليس كذلك غاية ما يف الباب ان السابقني حيصل
هلم ذلك التوجه على سبيل الشمول لكليتهم والسراين فيها وأيخذ بدهنم أيضا حكم
روحهم كما هو شأن احملبوبني املرادين والفرق بني مشول احملبني ومشول السابقني كالفرق
بني حقيقة الشئ وصورته كما هو الظاهر الراببه نعم ان هذا النوع من الشمول متحقق
أيضا يف احملبني والواصلني واملريدين الكاملني ولكنه كالربق فيهم ليس بدائمي والتوجه
الدائمي امنا هو من خاصة احملبوبني (معرفة) ان اجملذوبني أرابب القلوب اذا حصل هلم
متكن ورسوخ يف مقام القلب وتيسر هلم معرفة وصحو مناسب لذلك املقام يقدرون على
ايصال الفائدة اىل الطالبني وحيصل للطالبني يف صحبتهم اجنذاب وحمبة قلبية وان مل يبلغوا
- 521 -
من جهتهم مرتبة الكمال فاهنم مل يبلغوا بعد أبنفسهم حد الكمال فال يقدرون على ان
يكونوا واسطة حلصول الكمال لغريهم ومشهور ان الناقص ال جيئ منه كامل وافادهتم
على كل حال أزيد من افادة أرابب السلوك وان بلغوا هناية السلوك وحصل هلم جذب
املن تهيني ولكنهم مل ينزلوا اىل مقام القلب بطريق السري عن هللا ابهلل فان املنتهى غري
املرجوع ليس له مرتبة التكميل واالفادة النه مل يبق فيه مناسبة ابلعامل وتوجه اليه حت يقدر
على االفادة واطالق الربزخ على الشيخ املقتدى به امنا هو ابعتبار نزوله اىل مقام الربزخية
الذي هو مقام القلب وأخذه من كال جهيت الروح والنفس حظا وافرا فمن جهة الروح
يستفيد من الفوق ومن جهة النفس يفيد من دونه النه اجتمع فيه التوجه اىل احلق
سبحانه ابلتوجه اىل اخللق حبيث ال يكون أحدمها حجااب لآلخر فاالفادة واالستفادة
حاصلتان له معا و بعض املشائخ أراد بربزخية الشيخ برزخيته بني احلق واخللق وقال
للشيخ الربزخ جامعا بني التشبيه والتنزيه وال خيفى ان مثل هذه الربزخية اليت مبناها على
السكر غري الئقة مبقام املشيخة الذي مبناه على الصحو فان نفوسهم يف هذا املقام
مندرجة يف غلبات أنوار الروح وذلك االندراج هو الذي صار منشأ للسكر ويف مقام
برزخية القلب يفرتق كل من النفس والروح وميتاز عن اآلخر فال يكون فيه جمال للسكر
ابلضرورة بل فيه كله صحو فانه هو املناسب ملقام الدعوة هذا (فاذا نزل) الشيخ الكامل
اىل مقام القلب حتصل له املناسبة ابلعامل بواسطة الربزخية و يكون واسطة حلصول
الكماالت ملستعدي الكماالت وحيث كان اجملذوب املتمكن ايضا يف مقام القلب له
مناسبة ابلعامل ال يبخل ابلتوجه اىل أهل العامل وقد اكتسب نصيبا من االجنذاب وحصل
احملب ة وان كاان قلبيني فال جرم انكشف له طريق االفادة بل أقول ان كمية افادة اجملذوب
املتمكن أزيد من كمية افادة املنتهى املرجوع وكيفية افادة املنتهى املرجوع أزيد من كيفية
افادة اجملذوب فان املنتهى املرجوع وان حصلت له املناسبة ابلعامل لكنها يف الصورة فقط
ويف احلقي قة هو مفارقه ومنصبغ بلون االصل وابق به ومناسبة هذا اجملذوب ابلعامل يف
احلقيقة وهو من مجلة افراد العامل وابق ابلبقاء الذي به بقاء العامل فبواسطة املناسبة
- 522 -
احلقيقية تكون استفادة الطالبني منه أكثر ابلضرورة ومن املنتهى املرجوع أقل ولكن افادة
كمال مراتب الوالية خمصوصة ابملنتهى فال جرم يكون املنتهى يف كيفية االفادة ارجح
وأيضا ليس يف املنتهى مهة وتوجه يف احلقيقة واجملذوب صاحب مهة وتوجه فيقدم أمور
الطالبني ويرقيهم ابهلمة والتوجه وان مل يبلغهم حد الكمال (وأيضا) ان هناية التوجه الذي
حيصل للطالبني من اجملذوبني هي ذلك التوجه السابق للروح الذي نسوه فيتذكرونه يف
صحبتهم وحيصل اثنيا بطريق االندراج يف التوجه القليب خبالف التوجه احلاصل يف صحبة
املنتهيني فانه توجه حادث مل يكن موجودا قبل ذلك أصال وكان موقوفا على فناء الروح
بل على بقائها ابلوجود احلقاين فالبد وان يكون التوجه االول سهل احلصول والتوجه
الثاين متعسر الوجود وكلما هو أسهل فهو أزيد وكلما هو متعسر فهو أقل ومن هنا قالوا
ان الشيخ املقتدى به ليس بواسطة يف حتصيل جهة اجلذبة فان تلك النسبة كانت حاصلة
له أو ال وصار حمتاجا اىل التنبيه والتعليم بواسطة وهلذا يقال ملثل هذا الشيخ شيخ التعليم
ال شيخ الرتبية ويف جهة السلوك البد من شيخ مقتدى به لقطع منازل السلوك وتربيته
ضرورية فيها ال جيوز لشيخ مقتدى به ان أيذن ملثل هذا اجملذوب املتمكن ابالجازة العامة
وان جيلسه يف مقام التكميل واملشيخة فان بعض الطالبني يكون استعدادهم عاليا جدا
وتكون قابل يتهم للكمال والتكميل على الوجه االمت فان وقع مثل هذا الطالب يف صحبة
ذلك اجملذوب حيتمل ان يضيع ذلك االستعداد فيها وان تزول عنه تلك القابلية كما اذا
كانت لالرض مثال قابلية اتمة لزراعة الرب فبها فان زرعوا فيها بذرا جيدا من احلنطة تنبت
زرعا جيدا على قدر استعدادها وان زرعوا فيها بذر قمح ردئ أو بذر محص تكون
مسلوب القابلية فضال عن االنبات (فان رأى) الشيخ املقتدى به فرضا مصلحة يف
رخصته واجازته ووجد فيه صالحية االفادة ينبغي ان يقيد افادته واجازته ببعض القيود
مثل ظهور مناسبة الطالب لطريق افادته وعدم اضاعة استعداده يف صحبته وعدم طغيان
نفسه بتلك الرايسة واقتداء الناس به فان هوى النفس ما زال عنه بعد لعدم تزكية النفس
فيه فاذا علم أن الطالب قد بلغ هناية االستفادة منه وغاية افادته اايه ويف استعداد
- 523 -
الطالب قابلية للرتقي ينبغي ان يظهر له هذا املعن وان أيذن له ليتم أمره من شيخ آخر
وال يظهر له أنه منته لئال يكون قاطعا لطريق الناس هبذه احليلة واحلاصل يذكر له من
امثال هذه الشرائط ما يعلم أنه مناسب لوقته وحاله وأيذن له بعد وصية اتمة هبا (واما
املنتهى) املرجوع فالحيتاج يف افادته وتكميله اىل امثال هذه القيود فان له بواسطة جامعيته
منا سبة جبميع الطرق واالستعدادات ميكن ان يستفيد منه كل شخص على قدر استعداده
ومناسبته وان كان التفاوت ابلسرعة والبطء بواسطة قوة املناسبة وضعفها متصورا يف
صحبة الشيوخ املقتدى هبم أيضا ولكنهم متساووا االقدام يف أصل االفادة وااللتجاء اىل
جناب احلق سبحانه واالعتصام حببله املتني الزم للشيخ املقتدى به حني افادة الطالب
خوفا من مكره سبحانه يف ضمن هذا االشتهار بل ينبغي له ان ال ينفك عن هذا
االلتجاء يف مجيع االمور اليت مينحه هللا سبحانه اايها يف وقت من االوقات ويف مجيع
االحوال واالفعال فضال عن هذا االمر ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل
العظيم (املقصد الثاين) يف بيان ما يتعلق ابلسلوك اعلم ان الطالب اذا كان متوجها اىل
فوق بطريق السلوك فمت بلغ امسا هو ربه وصار فانيا ومستهلكا فيه يصح اطالق الفناء
عليه وبعد البقاء هبذا االسم يسلم اطالق البقاء عليه وهبذا الفناء والبقاء يشرف أبول
مرتبة من مراتب الوالية ولكن ههنا تفصيل وبسط الكالم فيه ضروري (متهيد) ان الفيض
الوارد من ذات احلق سبحانه و تعاىل وتقدس على نوعني نوع يتعلق ابالجياد واالبقاء
والتخليق والرتزيق واالحياء واالماتة وامثاهلا ونوع آخر يتعلق ابالميان واملعرفة وسائر
كماال ت الوالية والنبوة والنوع االول من الفيض بتوسط الصفات فقط والنوع الثاين فعلى
البعض بتوسط الصفات و على البعض اآلخر بتوسط الشؤانت والفرق بني الصفات
والشؤانت دقيق جدا ال يظهر اال على آحاد من االولياء احملمدي املشرب ومل يعلم انه
تكلم به أحد وابجلملة ان الصفات م وجودة يف اخلارج بوجود زائد على وجود الذات
والشئوانت جمرد اعتبارات يف الذات ولنوضح هذا املبحث مبثال وهو ان املاء مثال ينزل
من فوق اىل حتت ابلطبع وهذا الفعل الطبيعي يوهم اعتبار احلياة والعلم والقدرة واالرادة
- 524 -
فيه فان أرابب العلم ينزلون من أعلى اىل أسفل بواسطة ثقلهم و مبقتضى علمهم وال
يتوجهون اىل جهة الفوق والعلم اتبع للحياة واالرادة اتبع للعلم والقدرة أيضا اثبتة فان
االرادة ختصيص أحد املقدورين وهذه االعتبارات املثبتة يعين املوهومة يف ذات املاء مبنزلة
الشئوانت فلو أثبتت صفات زائدة لذات املاء مع وجود هذه االعتبارات لكانت مبنزلة
الصفات املوجودة بوجود زائد وال يصح أن يقال للماء ابالعتبار االول انه حي عامل قادر
مريد بل البد لصحة اطالق هذه االسامي من ثبوت صفات زائدة فما وقع يف عبارة
بعض املشائخ من اطالق االسامي املذكورة على املاء مبين على عدم الفرق بني الشئون
والصفا ت وكذلك احلكم بنفي وجود تلك الصفات أيضا حممول على عدم ذلك الفرق
(والفرق اآلخر) بني الشئون والصفات هو ان مقام الشئون مواجه لذي الشأن ومقام
الصفات ليس كذلك (وحممد) رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم واالولياء الذين على قدمه
رضوان هللا عليهم امجعني وصول الفيض الثاين اليهم بواسطة الشئوانت وسائر االنبياء
عليهم السالم واالولياء الذين على أقدامهم وصول هذا الفيض بل الفيض االول أيضا
اليهم بواسطة الصفات (فاقول) ان االسم الذي هو ربه صلّى هللا عليه و سلّم وواسطة
وصول الفيض الثاين اليه ظل شأن العلم وهذا الشان جامع جلميع الشئون االمجالية وظله
عبارة عن قابلية الذات تعالت وتقدست لذلك الشان بل جلميع الشئون االمجالية
والتفصيلية ولكن ابعتبار مشول شأن العلم هلا يعين ال ابلذات (ينبغي) ان يعلم ان هذه
القابلية وان كانت برزخا بني الذات وبني شأن العلم ولكن ملا كانت احدى جهتيها ال
لونية وهي جهة الذات ال يظهر لوهنا يف الربزخ فذلك الربزخ منصبغ بلون جهة أخرى
وهي جهة شأن العلم فال جرم قلنا اهنا ظل ذلك الشأن وأيضا ان ظل الشئ عبارة عن
ظهور الشئ ولو شبها ومثاال يف مرتبة اثنية وحيث كان حصول الربزخ بعد حصول
الطرفني ال جرم ينكشف هذا الربزخ وقت املكاشفة حتت ذلك الشأن فناسب اطالق
الظل ابعتبار هذا الظهور ابلضرورة (واالمساء) اليت هي أرابب طائفة من االولياء الذين
على قدمه صلّى هللا عليه و سلّم يف وصول الفيض الثاين ظالل تلك القابلية اجلامعة
- 525 -
وكالتفاصيل لذلك الظل اجململ (وأرابب) سائر االنبياء عليهم الصالة و السالم وواسطة
وصول الفيض االول والثاين اليهم قابليات اتصاف الذات ابلصفات املوجودة الزائدة
(وأرابب) طائفة من االولياء الذين على أقدامهم يف حق وصول الفيض االول والثاين
صفات وواسطة وصول الفيض االول اليه صلّى هللا عليه و سلّم قابلية اتصاف الذات
جبميع الصفات وكأن القابليات اليت هي وسائل فيضان الفيوض لسائر االنبياء عليهم
الصالة و السالم ظالل هذه القابلية اجلامعة وكالتفاصيل لذلك اجلامع اجململ ووسائط
وصول الفيض االول اىل طائفة هم على قدمه صلّى هللا عليه و سلّم ايضا على حدة فاهنا
صفات فكأن وسائل وصول الفيض االول يف حممدي املشارب مغايرة لوسائط وصول
الفيض الثاين خبالف غريهم فاهنا واحدة فيهم وبعض املشائخ قدس هللا أسرارهم جعل ربه
صلّى هللا عليه و سلّم منحصرا يف قابلية االتصاف ومنشأوه عدم الفرق بني الشئون
والصفات بل عدم العلم مبقام الشئون وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل (فتحقق) ان ربه
صلّى هللا عليه و سلّم رب االرابب يف مقام الشئون ويف موطن الصفات وواسطة لوصول
كال الفيضني وعلم ايضا ان وصول فيض مراتب كماالت واليته عليه الصالة و السالم
من الذات من غري توسط أمر زائد الن الشئون عني الذات واعتبار الزايدة فيها من
منتزعات العقل وهلذا كان التجلي الذايت خمصوصا به صلّى هللا عليه و سلّم وملا اخذ كمل
اتبعيه الفيض من طريقه حصل هلم أيضا شرب من هذا املقام واآلخرون ملا كانت يف
وصول الفيض اليهم وساطة الصفات يف البني والصفات موجودة بوجود زائد وقع يف
البني حاجز حصني وكان التجلي الصفايت متعينا هلم (ينبغي) أن يعلم ان قابلية االتصاف
وان كانت اعتبارية وليس هلا وجود زائد والصفات موجودة دون قابلياهتا ولكن ملا كانت
القابليات كالربازخ بني الذات والصفات بل بني الشئون والصفات ومن شأن الربزخ ان
أيخذ لون طرفيه اخذت القابليات أيضا لون الصفات وحصلت احلائلية {شعر}:
وما قل هجران احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف عني ضائر
فالح من هذا البيان ان ظهور الذات تعالت وتقدست من غري حجاب ليس
- 526 -
مبناف للتجلي الشهودي ولكنه مناف للتجلي الوجودي وهلذا مل يكن يف جانب وصول
فيض كماالت الوالية اليه صلّى هللا عليه و سلّم حائل ويف جانب و صول الفيض
الوجودي حصل احلائل يف البني وهو قابلية االتصاف كما مر (ال يقال) ملا كانت الشئون
وقابلياهتا من االعتبارات العقلية ثبت هلا الوجود الذهين فلزم منه احلجاب العلمي غاية ما
يف الباب ان حجب الصفات خارجية وحجب الشئون عمليه (الان نقول ان) املوجود
الذهين ال يكون حجااب بني املوجودين اخلارجيني فان حجاب املوجود اخلارجي ال يكون
اال موجودا خارجيا ولو سلم فاحلجاب العلمي ميكن ارتفاعه من البني حبصول بعض
املعارف خبالف اخلارجي فانه ال ميكن زواله (فاذا علمت هذه املقدمات فاعلم) ان
السالك اذا كان حممدي املشرب فمنتهى سريه املسمى ابلسري اىل هللا اىل ظل الشأن
الذي هو امسه يعين ربه وبعد الفناء يف ذلك االسم يشرف ابلفناء يف هللا واذا صار ابقيا
به تيسر له البقاء ابهلل أيضا وهبذا الفناء والبقاء يكون داخال يف اول مرتبة من الوالية
اخلاصة احملمدية على صاحبها الصالة و السالم والتحية فان مل يكن حممدي املشرب
يصل اىل قابلية صفة او نفس صفة هي ربه فاذا كان فانيا يف هذا االسم يعين الصفة او
القابلية اليت وصل اليها ال يطلق عليها الفاين يف هللا وكذلك ال يكون ابقيا ابهلل على
تقدير بقائه هبا فان اسم هللا عبارة عن مرتبة جامعة جلميع الشئون والصفات وحيث
كانت الزايدة يف جهة الشئون اعتبارية كانت الشئون عني الذات وبعضها عني البعض
اآلخر فالفناء يف اعتبار واحد فناء يف مجيع االعتبارات بل فناء يف الذات وكذلك البقاء
ابعتبار واحد بقاء جبميع االعتبارات فاطالق الفاين يف هللا والباقي ابهلل يصح يف هذه
الصورة خبالفها يف جانب الصفات فاهنا موجودة بوجود زائد على الذات ومغايرهتا للذات
ومغايرة بعضها للبعض اآلخر حتقيقية فالفناء يف صفة واحدة ال يستلزم الفناء يف مجيعها
وهكذا احلال يف البقاء فال جرم ال يقال هلذا الفاين فانيا يف هللا وللباقي ابقيا ابهلل بل
يصح أن يقال له الفاين والباقي مطلقا او مقيدا بصفة يعين الفاين يف صفة العلم والباقي
بتلك الصفة فيكون فناء احملمديني امت ابلضرورة وبقاؤهم اكمل وأيضا ملا كان عروج
- 527 -
احملمدي اىل جانب الشئون وال مناسبة بني الشئون والعامل اصال الن العامل ظل الصفات
ال ظل الشئون لزم أن يكون فناء السالك يف شأن مستلزما للفناء املطلق على هنج ال
يبقى من وجود السالك وال من اثره شئ أصال وهكذا على تقدير البقاء يكون ابقيا
بتمامه وكليته بذلك الشأن خبالف الفاين يف الصفات فانه ال ينخلع عن نفسه ابلتمام
وال يزول اثره الن وجود السالك أثر تلك الصفة وظلها فظهور االصل ال يكون ماحيا
لوجود الظل ابلكلية والبقاء على مقدار الفناء فاحملمدي يكون امينا عن الرجوع اىل
الصفات البشرية وحمفوظا من خوف الرد اىل مرتبة البهيمية النه منخلع عن نفسه ابلكلية
وصار ابقيا به سبحانه فيكون العود ممنوعا على هذا التقدير خبالفه يف صورة الفناء
الصفايت فان العود هناك ممكن لبقاء أثر وجود السالك وميكن ان يكون وقوع االختالف
بني املشائخ يف جواز رجوع الواصل وعدم جوازه من هذه اجلهة واحلق هو انه ان كان
حممداي فمحفوظ من العود واال ففي اخلطر وكذلك االختالف الواقع يف زوال أثر وجود
السالك بعد فنائه حيث قال بعضهم بزوال العني واالثر والبعض اآلخر مل جيوز زوال االثر
واحلق يف هذا الباب أيضا تفصيل فان كان حممداي يزول عنه العني واالثر كالمها و اال فال
يزول عنه االثر الن اصل الصفة اليت هي أصله ابق فال ميكن زوال ظله رأسا (وههنا)
دقيقة ينبغي ان يعلم ان املراد بزوال العني واالثر الزوال الشهودي ال الوجودي فان القول
ابلزوال الوجودي مستلزم لالحلاد والزندقة ومجاعة من هذه الطائفة تصوروا الزوال زواال
وجوداي فهربوا من زوال أثر املمكن وتيقنوا ان القول به احلاد وزندقة واحلق ما حققت
ابعالمه سبحانه والعجب اهنم مع قوهلم ابلزوال الوجودي قالوا بزوال العني امل تعلموا أن
القول بزوال عني الوجود كاحلكم بزوال االثر مستلزم لالحلاد والزندقة وابجلملة ان الزوال
الوجودي حمال يف العني واالثر والشهودي ممكن يف كليهما بل واقع ولكنه خمصوص
مبحمدي املشرب فاحملمديون ينخلعون عن القلب ابلتمام ويتصلون مبقلب القلب وهم
متخلصون عن تقلب االحوال وحمررون عن رقية السوى ابلكلية وملا كان وجود اآلاثر
الزما لغريهم وتقلب االحوال نقد وقتهم ليس هلم خملص من مقام القلب الن تقلب
- 528 -
االحوال ووجود اآلاثر من شعب احلقيقة اجلامعة القلبية فيكون شهود غريهم يف احلجاب
دائما ف ان حجاب املطلوب امنا يكون على مقدار ثبوت بقااي وجود السالك وحيث كان
االثر ابقيا فاحلجاب هو ذلك االثر (معرفة) اذا وصل السالك من طريق سلوك غري
متعارف اىل مرتبة من مراتب فوق اسم هو ربه وصار فانيا ومستهلكا يف تلك املرتبة من
غري أن يصل اىل ذلك االسم فاطالق الفناء يف هللا يف هذه الصورة أيضا جائز وكذلك
البقاء بتلك املرتبة فتخصيص الفناء يف هللا بذلك االسم اعتباري لكونه اول مرتبة من
مراتب الفناء (معرفة) ان السلوك على انواع فسلوك البعض من غري تقدم اجلذبة ويف
البعض اجلذبة مقدمة على سلوكهم ومجاعة حتصل هلم اجلذبة يف اثناء قطع منازل السلوك
وطائفة يتيسر هلم طي منازل السلوك ولكنهم ال يصلون اىل حد اجلذبة فتقدم اجلذبة
للمحبوبني وابقي االقسام متعلقة ابحملبني وسلوك احملبني عبارة عن طي املقامات العشرة
املشهورة ابلرتتيب والتفصيل ويف سلوك احملبوبني حتصل خالصة املقامات العشرة ال حاجة
هلم اىل الرتتيب والتفصيل والعلم بوحدة الوجود من االحاطة والسراين واملعية الذاتية كل
ذلك مربوطة ابجلذبة املتقدمة او املتوسطة وليس للسلوك اخلاص وجذبة املنتهيني مناسبة
ابمثال هذه العلوم وال مناسبة ايضا بني حق اليقني املخصوص ابملنتهيني وبني العلوم
املناسبة ابلتوحيد الوجودي ففي كل موضع بني فيه حق اليقني املخصوص مبقام اجملذوبني
مناسبا ملقام أرابب التوحيد الوجودي فهو حق اليقني املخصوص ابجملذوب املبتدي أو
املتوسط (معرفة) قال بعض املشائخ اذا بلغ شغل الطالب اجلذبة فدليله بعد ذلك هو
تلك اجلذبة فحسب يعين انه ال حيتاج اىل توسط دليل آخر بل تلك اجلذبة كافية له فان
أراد هبذه اجلذبة جذبة السري يف هللا فنعم اهنا كافية ولكن لفظ الدليل مناف هلذه االرادة
النه ال مسافة بعد السري يف هللا حت حيتاج يف قطعها اىل دليل وكذلك اجلذبة املتقدمة
يعين على السلوك أيضا ليست مبرادة هنا كما هو معلوم من العبارة فيكون املراد هبا
ابلضرورة جذبة املتوسط وكفايتها يف الوصول اىل املطلوب ليس مبعلوم فان كثريا من
املتوسطني قد توقفوا وتقاعدوا من العروج اىل فوق عند حصول هذه اجلذبة وزعموا تلك
- 529 -
اجلذبة جذبة النهاية فان كانت كافية ملا كانت ترتكهم يف اثناء الطريق نعم اذا كانت
اجلذبة املتقدمة املتعلقة ابحملبوبني كافية فلها جمال ميكن أن جتر احملبوبني بسلسلة العناية وال
ترتكهم يف أثناء الطريق ولكن كون هذه الكفاية يف حق مجيع اجلذابت املتقدمة ممنوع
أيضا بل اجلذبة اذا آل أمرها اىل السلوك فكافية واال فمجذوب أبرت وليس من احملبوبني
{اخلامتة} قالت طائفة من املشائخ قدس هللا اسرارهم ان التجلي الذايت مزيل للشعور
ومعطل للحس وقد أخرب بعضهم عن حاله ابنه سقط ووقع على االرض عند ظهور هذا
التجلي الذايت وبقى مدة مديدة من غري حس وحركة حت ظن الناس انه قد مات
وبعضهم منع الكالم وغريه يف التجلي الذايت وحقيقة هذا الكالم ان التجلي هو يف
حجاب اسم من االمساء وبقاء احلجاب بواسطة بقااي أثر وجود صاحب التجلي يعين
املتجلَّي له وعدم الشعور أيضا بواسطة تلك البقية فان كان فانيا ابلتمام وشرف ابلبقاء
ابهلل ال يسلب التجلي عنه الشعور أصال {شعر}:
حيرق ابلنار من ميس هبا * ومن هو النار كيف حيرتق
(بل) أقول ان التجلي الذي يف احلجاب ليس هو جتليا ذاتيا بل داخل يف التجلي
الصفايت والتجلي املخصوص به صلّى هللا عليه و سلّم بال حجاب وعالمة وجود
احلجاب فقدان الشعور وفقدان الشعور من البعد وعالمة عدم احلجاب وجود الشعور
والشعور يف كمال احلضور وقد أخرب واحد من االكابر عليه الرمحة والغفران عن حال
صاحب هذا التجلي ابالصالة واالستقالل حيث قال {شعر}:
وأغمي موسى من جتلي صفاته * وأنت ترى ذات االله وتبسم
وهذا التجلي الذايت الذي ال حجاب فيه دائمي للمحبوبني وبرقي للمحبني فان
ابدان احملبوبني أخذت حكم أرواحهم وسرت تلك النسبة يف كليتهم وهذه السراية يف
احملبني على سبيل الندرة وما وقع يف احلديث النبوي من قوله عليه الصالة و السالم يل
مع هللا وقت ليس املراد ابلوقت هذا التجلي الربقي فان هذا التجلي يف حقه عليه الصالة
و السالم الذي هو رئيس امل رادين دائمي بل هو نوع من خصوصيات هذا التجلي
- 530 -
الدائمي واقع على سبيل الندرة والقلة كما ال خيفى على أراببه (معرفة) ان املشائخ قدس
هللا اسرارهم يف حديث يل مع هللا وقت ال يسعين فيه ملك مقرب وال نيب مرسل على
قسمني فطائفة أرداوا ابلوقت الوقت املستمر وطائفة أخرى قالوا بندرة الوقت واحلق ان
الوقت النادر مع وجود استمرار الوقت متحقق ايضا كما مرت االشارة اليه آنفا وحتقق
هذا الوقت النادر عند هذا احلقري هو يف حني اداء الصالة وكأن النيب صلّى هللا عليه و
سلّم اشار بقوله وقرة عيين يف الصالة اىل ذلك وأيضا قال صلّى هللا عليه و سلّم أقرب ما
يكون العبد من الرب يف الصالة وقال تبارك و تعاىل واسجد واقرتب وكل وقت فيه
القرب االهلي أزيد فمجال الغري فيه أشد انتفاء وما قال بعض املشائخ قدس هللا اسرارهم
خمربا عن حاله ووقته واستمراره حايل يف الصالة كحايل قبل الصالة ينايف االحاديث
املذكورة ب ل النص املذكور ينفي املساواة واالستمرار ينبغي ان يعلم ان استمرار الوقت
متحقق والكالم امنا هو يف ان احلالة النادرة مع وجود استمرار الوقت هل هي متحققة أو
ال والذين مل يطلعوا على ندرة الوقت قالوا بنفيها والذين هلم حظ من ذلك املقام اعرتفوا
هبا واحلق أن الذين اعطوا اجلمعية يف الصالة بتبعيته عليه الصالة و السالم واحتظوا بدولة
قرب ذلك الشرب أقل قليل رزقنا هللا سبحانه بكمال كرمه نصيبا من هذا املقام حبرمة
حممد عليه و على آله الصالة و السالم (معرفة) ا ّن املنتهيني من أرابب الصفات قريبون
من اجملذوبني يف العلوم واملعارف وكال الطائفتني على وصف واحد يف الشهود فان كليهما
من أرابب القلوب غاية ما يف الباب أن أرابب الصفات مطلعون على التفاصيل خبالف
اجملذوبني وايضا ان ارابب الصفات فيهم بواسطة السلوك والعروج اىل فوق زايدة قرب
ابلنسبة اىل اجملذوبني الذين ال عروج هلم ولكن حمبة االصل آخذة بيد اجملذوبني وان كان
يف البني حجب وال عجب لو اعترب يف اجملذوبني حبكم املرء مع من أحب قرب االصل
ومعيته فاجملذبون هلم مناسبة ابحملبوبني يف احملبة فان احلب الذايت ولو مع احلجب متحقق
يف اجملذوبني ايضا (معرفة) قد وقع يف عبارة البعض من هذه الطائفة ان لالقطاب جتلي
الصفات ولالفراد جتلي الذات ويف هذا الكالم جمال للتأمل فان القطب حممدي املشرب
- 531 -
واحملمديون هلم التجلي الذايت نعم ان يف هذا التجلي ايضا تفاوات كثريا فان القرب الذي
لالفراد ليس لالقطاب ولكن لكليهما نصيب من التجلي الذايت اال ان نقول انه ميكن ان
يكون مراده من القطب قطب االواتد الذي هو على قدم اسرافيل عليه السالم ال على
قدم حممد صلّى هللا عليه و سلّم (معرفة) ان هللا خلق آدم على صورته وهللا تعاىل منزه عن
الشبه واملثال وخلق روح آدم اليت هي خالصته على صورة ال شبهية وال مثلية فكما ان
احلق سبحانه المكاين كانت الروح ايضا المكانية ونسبة الروح اىل البدن كنسبته تعاىل
وتقدس اىل العامل ال داخلة فيه وال خارجه عنه وال متصلة به وال منفصلة عنه ال نفهم
فيها نسبة سوى القيومية ومقوم كل ذرة من ذرات البدن هو الروح كما ان هللا تبارك و
تعاىل قيوم العامل وقيوميته تعاىل للبدن بواسطة الروح وكل فيض يرد منه سبحانه على
البدن فمحل وروده ابتداء هو الروح مث يصل ذلك الفيض بواسطة الروح اىل البدن وملا
كانت الروح خملوقة على صورة ال شبهية وال مثلية ال جرم كان فيها جمال لالشبهي
والالمثايل احلقيقي ال يسعين أرضي وال مسائي ولكن يسعين قلب عبدي املؤمن فان
االرض والسماء ملا كاان مع وجود الوسعة فيهما داخلني يف دائرة املكان ومتسمني بسمة
الشبه واملثال ليس فيهما جمال الالمكاين املقدس عن الشبه واملثال فان الالمكاين ال يسعه
املكاين والالمثايل ال يتمكن يف املثايل فال جرم حتقق السعة واجملال يف قلب عبده املؤمن
الذي هو المكا ين ومنزه عن الشبه واملثال والتخصيص بقلب املؤمن مبين على ان قلب
غري املؤمن هابط عن اوج الالمكاين ومأسور للشبهي واملثايل وآخذ حكمه وملا كان
داخال يف دائرة املكاين بسبب ذلك النزول واالسر واكتسب املثالية ضيع تلك القابلية
اولئك كاالنعام بل هم أضل وكل من اخرب عن وسعة قلبه من املشائخ فمراده المكانية
القلب فان املكاين وان كان وسيعا ضيق اال ترى ان العرش مع وجود عظمته ووسعته ملا
كان مكانيا كان حكمه يف جنب الالمكاين الذي هو الروح كحكم اخلردلة بل اقل بل
اقول ان هذا القلب ملا كان حمل جتلي انوار القدم بل وجد بقاء ابلقدم لو وقع فيه العرش
وما فيه لصار مضمحال ومتالشيا حبيث ال يبقى منه اثر كما قال سيد الطائفة يف هذا
- 532 -
املقام ان احملدث اذا قورن ابلقدمي مل يبق له اثر وهذا لباس متفرد خميط على قدر قد الروح
خاصة وليست هذه اخلصوصية للمالئكة ايضا فاهنم داخلون يف دائرة املكاين ومتصفون
ابملثايل فال جرم كان االنسان خليفة الرمحن وال عجب فيه فان صورة الشئ خليفة الشئ
وما مل خيلق على صورة شئ ال يليق خبالفة الشئ وما مل يكن الئقا ابخلالفة ال يقدر ان
يتحمل ثقل أمانة اصله ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه قال تبارك و تعاىل اان عرضنا
االمانة على السموات واالرض واجلبال فابني ان حيملنها واشفقن منها ومحلها االنسان انه
كان ظلوما جهوال كثري الظلم على نفسه حبيث ال يبقى من وجوده وال من توابع وجوده
اثرا وال حكما كثري اجلهل حت ال يكون له ادراك يتعلق ابملقصود وال علم له نسبة اىل
املطلوب بل العجز عن االدراك يف ذلك املوطن ادراك واالعرتاف ابجلهل معرفة أكثرهم
معرفة ابهلل أكثرهم حتريا فيه.
{تنبيه} فان وقع يف بعض العبارات لفظ موهم ابلظرفية واملظروفية يف شأنه تعاىل
وتقدس ينبغي أن حيمله على ضيق ميدان العبارة وأن جيعل املراد واملقصود من الكالم
مطابقا آلرا ء أهل السنة (معرفة) ان العامل صغريه وكبريه مظاهر االمساء والصفات االهلية
جل شأنه ومرااي الشئوانت والكماالت الذاتية وهو سبحانه كان كنزا مكنوان وسرا خمزوان
فاراد أن يعرض نفسه من اخلأل اىل املأل وأن يورد االمجال على التفصيل فخلق العامل ليدل
على أصله وليكون عالمة حلقيقته وال نسبة بني العامل والصانع سوى أن العامل خملوقه
ودليل على كماالته املخزونة تعاىل وتقدس وكل حكم وراء ذلك من جنس االحتاد
والعينية واالحاطة واملعية من السكر وغلبة احلال واالكابر املستقيموا االحوال الذين ذاقوا
شرااب من قدح الصحو والوصال يتربأون من هذه العلوم و تسيغفرون من مثل هذا احلال
وان حصل لبعضهم هذه العلوم يف أثناء الطريق ولكنهم جياوزوهنا ابألخرى ومينحون علوما
أزلية مطابقة لعلوم الشريعة ولنبني لتحقيق هذا املبحث مثاال ان العامل النحرير ذا فنون
مثال أراد أن يربز كماالته املخزونة اىل عرصة الظهور وان جيلي فنونه املكنونة اىل املأل
فاوجد احلروف واالصوات ليظهر يف حجب تلك احلروف واالصوات كماالته املخزونة
- 533 -
وفنونه املكنونة ففي هذه الصورة ال مناسبة بني تلك احلروف واالصوات وبني املعاين
املخزونة بل بني العامل املوجد هلا أصال اال ان العامل موجدها وهي دالة على كماالته
املخزونة وال معن يف القول ابن تلك احلروف واالصوات عني ذلك العامل املوجد أو عني
تلك املعاين وكذلك احلكم ابالحاطة واملعية غري واقع يف تلك احلادثة بل املعاين على
صرافتها املخزونة نعم حيث حتقق بني املعاين وصاحبها وبني احلروف واالصوات مناسبة
الدالية واملدلولية رمبا حيدث يف التخيل بعض املعاين الزائدة واالوهام الغري الواقعة والعامل
ومعانيه املخزونة منزهان ومربآن ابحلقيقة عن تلك النسبة الزائدة وهذه احلروف واالصوات
موجودة يف اخلارج ال ان العامل واملعاين موجود فقط و احلروف واالصوات أوهام وخياالت
فكذلك العا مل الذي هو عبارة عما سواه تعاىل موجود يف اخلارج ابلوجود الظلي والكون
الطبعي ال انه أوهام وخياالت فان هذا املذهب هو عني مذهب السوفسطائي حيث
يقولون ان العامل أوهام وخياالت واثبات احلقيقة للعامل ال خيرجه عن أن يكون أوهاما
وخياالت بل تكون احلقيقة موجودة ال العامل فان العامل وراء تلك احلقيقة املفروضة
{تنبيه} ان املراد مبظهرية العامل ومرآتيته لالمساء والصفات كونه مظهرا ومرآءة لصور
االمساء والصفات ال العيان االمساء والصفات فان االسم كاملسمى ال يكون حماطا ابملرآة
أصال والصفة كاملوصوف ال تكون مقيدة مبظهر قطعا {شعر}:
وجل امسه سبحانه مثل ذاته * كذا وصفه من أن حياطا مبظهر
(معرفة) أن كمل اتباعه صلّى هللا عليه و سلّم وان كان هلم بواسطة اتباعه صلّى
هللا عليه و سلّم نصيب من التجلي الذايت الذي هو من خصائصه صلّى هللا عليه و سلّم
ابالصالة ولسائر االنبياء عليهم السالم جتلي الصفات وجتلي الذات أشرف من جتلي
الصفات ولكن ينبغي أن يعلم ان لالنبياء عليهم الصالة و السالم يف جتلي الصفات من
مراتب القرب ما ليس لكمل التابعني من هذه االمة مع وجود جتلي الذات بطريق التبعية
وهذا كما أن شخصا مثال اذا وصل اىل الشمس بطي مدراج العروج حمبة جلماهلا حت مل
يبق بينه وبني الشمس غري حائل رقيق وشخص آخر مع وجود حمبته لذات الشمس
- 534 -
عاجز عن العروج اىل تلك املراتب وان مل يكن بينه وبني الشمس حائل أصال فال شك
أن الشخص االول أقرب اىل الشمس وأعلم بكماالهتا الدقيقة فكل من فيه القرب ازيد
ومعرفته أكثر فهو أفضل وكماله اوفر فال يبلغ ويل من اولياء هذه االمة اليت هي خري
االمم مع وجود أفضلية نبيهم مرتبة نيب من االنبياء وان حصل مبتابعة نبيه نصيب من
مقام به االفضلية والفضل الكلي امنا هو لالنبياء عليهم السالم واالولياء طفيليون وليكن
هذا آخر الكالم واحلمد هلل سبحانه على ذلك و على مجيع نعمائه والصالة و السالم
على أفضل انبيائه و على مجيع االنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني و على الصديقني
والشهداء والصاحلني.
{املكتوب الثامن والثمانون واملائتان اىل السيد أنبيا املانكپوري يف املنع عن
اداء صالة النفل ابجلماعة كصالة ليلة العاشوراء والرباءة وغريها وما يناسب ذلك}
احلمد هلل الذي شرفنا مبتابعة سيد املرسلني وجنبنا عن ارتكاب املبتدعات يف الدين
والصالة و السالم على من قمع بنيان الضاللة ورفع اعالم اهلداية و على آله االبرار
وصحبه االخيار ينبغي أن يعلم أن الكثر الناس يف هذا الزمان من اخلواص والعوام اهتماما
اتما يف اداء النوافل ولكنهم يتساهلون يف اداء املكتوابت وال يراعون فيها السنن
واملستحبات اال قليال يرون النوافل عزيزة والفرائض حقرية وذليلة قلما يؤدون الفرائض يف
اوقاهتا املستحبة ال يهتمون الدراك تكبري التحرمية مع اجلماعة بل ال يبالون بفوت نفس
اجلماعة أيضا وامنا يغتنمون اداء نفس الفرائض ابلتكاسل والتساهل ويؤدون النوافل
ابجلمعية التامة ورعاية كمال االهتمام يف يوم عاشوراء وليلة الرباءة والليلة السابعة
والعشرين من رجب وليلة أول مجعة منه وهي اليت يسموهنا ليلة الرغائب ويظنون فعلهم
هذا حسنا ومستحسنا وال يدرون أنه من تسويالت الشيطان الذي يرى السيآت يف
- 535 -
صورة احلسنات قال شيخ االسالم موالان عصام الدين اهلروي[ ]1يف حاشية شرح الوقاية
ان التطوع ابجلماعة وترك الفرض ابجلماعة من تسويالت الشيطان (ينبغي) أن يعلم أن
أداء النوافل ابجلماعة من البدع املذمومة واملكروهة ومن مجلة البدع اليت قال خامت الرسالة
عليه الصالة و السالم يف شأهنا من[ ]2أحدث يف ديننا هذا فهو رد (وأعلم) ان اداء
النوافل ابجلماعة مكروه مطلقا يف بعض الرواايت الفقهية ويف بعض آخر الكراهة مشروطة
ابلتداعي واجلمعية فعلى هذا لو صلى اثنان النفل يف انحية املسجد من غري تداع جيوز
بال كراهة ويف الثالثة اختالف املشايخ واالربعة مكروهة ابالتفاق يف بعض الرواايت ويف
البعض اآلخر االصح اهنا مكروهة يف الفتاوى السراجية كره التطوع ابجلماعة خبالف
الرتاويح و صالة الكسوف و يف الفتاوى الغياثية قال الشيخ االمام السرخسي رمحه هللا
ا لتطوع جبماعة خارج رمضان امنا يكره اذا كان على سبيل التداعي اما اذا اقتدى واحد
أو اثنان ال يكره ويف الثالث اختالف ويف االربع يكره بال خالف وذكر يف اخلالصة ان
التطوع جبماعة اذا كان على سبيل التداعي يكره وأما اذا صلوا جبماعة بغري اذان واقامة
يف انحية املسجد ال يكره وقال مشس االئمة احللواين اذا كان سوي االمام ثالثة ال يكره
ابالتفاق ويف االربع اختالف واالصح انه يكره ويف الفتاوى الشافية وال يصلى التطوع
ابجلماعة اال يف شهر رمضان وذلك امنا يكره اذا كان على سبيل التداعي يعين ابذان
واقامة اما لو اقتدى واحد أو اثنان ال على سبيل التداعي فال يكره واذا اقتدى ثالثة
اختلف املشايخ رمحهم هللا تعاىل وان اقتدى أربعة كره اتفاقا وأمثال هذه الرواايت كثرية
والكتب الفقهية هبا مملوءة فان وجدت رواية جموزة الداء النفل ابجلماعة مطلقا ساكتة عن
ذكر العدد ينبغي محلها على املقيد الواقع يف رواية أخرى وأن يراد ابملطلق املقيد وأن
يقصر اجلواز على اثنني أو ثالث الن العلماء احلنفية وان كانوا جيرون املطلق على اطالقه
( )1هذا الذي ذكر قدس سره كله بدعة مستحدثة ابتفاق احملققني وان ذكره املشاهري يف كتبهم كصاحب القوت
والغزايل وغريمها منه.
( )2رواه الشيخان عن عائشة رضي هللا عنها وقد مر.
- 536 -
يف االصول وال حيملونه على املقيد ولكنهم جوزوا محل املطلق على املقيد يف الرواايت بل
عدوه الزما فان مل حيمل على طريق فرض احملال وجيري على اطالقه لكان هذا املطلق
معارضا على ذلك املقيد إ ذا تساواي يف القوة واملساواة يف القوة ممنوعة فان رواية الكراهة
مع وجود كثرهتا خمتارة ومفت هبا خبالف رواية االابحة ولو سلم مساواهتا أقول إن الرتجيح
على تقدير تعارض أدلة الكراهة وادلة االابحة يف جانب الكراهة فان فيه رعاية االحتياط
كما هو مقرر عند أهل اصول الفقه فالذين يصلون صالة النفل يوم عاشوراء وليلة الرباءة
وليلة الرغائب جبماعة عظيمة حبيث جيتمع يف املساجد مائتان أو ثلثمائة رجل
ويستحسنون تلك الصالة مبثل ذلك االجتماع واجلماعة مرتكبون أمرا مكروها ابتفاق
الفقهاء واستحسان القبائح من أعظم القبائح فان اعتقاد احلرام مباحا منجر اىل الكفر
وظن املكروه حسنا أقل منه مبرتبة واحدة فينبغي مالحظة شناعة هذا الفعل كمال
املالحظة واعتمادهم يف دفع الكراهة على عدم التداعي نعم ان عدم التداعي يدفع
الكراهة على بعض الرواايت ولكنه خمصوص مبقتد واحد واثنني وهو أيضا مشروط بكونه
يف انحية املسجد وبدونه خرط القتاد مع أن التداعي عبارة عن اعالم بعض بعضا آخر
الداء صالة النفل وهذا املعن متحقق يف تلك اجلماعة فاهنم يعلمون بعضهم بعضا قبيلة
قبيلة يف يوم عاشوراء وغريه ويقولون ينبغي أن نذهب اىل مسجد الشيخ الفالين أو العامل
الفالين وأن نؤدي الصالة هناك ابجلمعية وهم قد اعتربوا هذا الفعل فمثل هذا االعالم
أبلغ من االذان واالقامة فثبت التداعي أيضا واذا جعلنا التداعي خمصوصا ابالذان
واالقامة كما وقع يف بعض الرواايت وأردان هبما حقيقة االذان واالقامة فاجلواب هو ما مر
آنفا من ان عدم الكراهة خمصوص بواحد واثنني مع شرط آخر على ما مر ذكره (ينبغي)
أن يعلم ان بناء أداء النفل على االخفاء والسرت لكونه مظنة رايء ومسعة واجلماعة منافية
له واملطلوب يف أداء الفرض االظهار واالعالن النه مربأ عن شائبة الرايء والسمعة فيكون
املناسب ان يؤدى ابجلماعة أو نقول ان كثرة االجتماع مظنة حدوث الفتنة وهلذا اشرتطوا
يف أداء صالة اجلمعة حضور السلطان أو انئبه حت يتحقق األمن من حدوث الفتنة ويف
- 537 -
تلك اجلماعات املكروهات احتمال ايقاظ الفتنة القوية أيضا فال يكون هذا االجتماع
معروفا بل يكون منكرا و يف احلديث النبوي عليه الصالة و السالم الفتنة[ ]1انئمة لعن
هللا من ايقظها فالالزم لوالة االمور وقضاة االسالم وأهل االحتساب منع هذا االجتماع
ومراعاة الزجر اببلغ الوجوه يف هذا الباب حت يتحقق استيصال هذه البدعة املنجرة اىل
الفتنة وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل.
{املكتوب التاسع والثمانون واملائتان اىل موالان بدر الدين يف بيان أسرار
القضاء والقدر وما يناسب ذلك}
الرحيم احلمد هلل الذي كشف سر القضاء والقدر على اخلواص منالر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
عباده وسرت عن العوام ملكان الضالل عن سواء السبيل واقتصاده والصالة و السالم على
من اكمل به احلجة البالغة وقطع به اعذار العصاة اهلالكة و على آله وأصحابه الربرة
االتقياء الذين آمنوا ابلقدر ورضوا ابلقضاء والقدر مما قد كثر فيه احلرية والضالل غلب
على اكثر انظريها ابطل الوهم واخليال حت قال بعضهم مبحض اجلرب فيما يصدر عن
العبد ابالختيار ونفى بعضهم نسبته اىل الواحد القهار وأخذ طائفة بطرف االقتصاد يف
االعتقاد الذي هو الصراط املستقيم واملنهج القومي ولقد وفق هلذا الطريق الفرقة الناجية
الذين هم أهل السنة واجلماعة رضي هللا عنهم وعن أسالفهم وأخالفهم فرتكوا االفراط
والتفريط واختاروا الوسط والبني روى عن أيب حنيفة رضي هللا عنه أنه سأل جعفر
الصادق رضي هللا عنه فقال اي ابن رسول هللا هل فوض هللا االمر اىل العباد فقال هللا
تعاىل اجل من ان يفوض الربوبية اىل العباد فقال له هل جربهم على ذلك فقال هللا تعاىل
أعدل من أن جيربهم على ذلك مث يعذهبم فقال وكيف ذلك فقال بني بني ال جرب وال
تفويض وال كره وال تسليط هلذا قال أهل السنة ان االفعال االختيارية للعباد مقدورة هللا
تعاىل من حيث اخللق واالجياد ومقدورة العباد على وجه آخر من تعلق يعرب عنه
ابالكتساب فحركة العبد ابعتبار نسبتها اىل قدرته تعاىل تسمى خلقا وابعتبار نسبتها اىل
قدرة العبد كسبا له غري ان االشعري منهم ذهب اىل ان ال مدخل الختيار العباد يف
أفعاهلم أصال اال ان هللا سبحانه أوجد االشياء عقيب اختيارهم بطريق جرى العادة اذ ال
أتثري للقدرة احلادثة عنده وهذا املذهب مائل اىل اجلرب وهلذا يسمى ابجلرب املتوسط قال
اال ستاذ أبو اسحق االسفرائيين بتأثري القدرة احلادثة يف أصل الفعل وحصول الفعل
مبجموع القدرتني وقد جوز اجتماع املؤثرين على أثر واحد جبهتني خمتلفتني وقال القاضي
ابو بكر الباقالين بتأثري القدرة احلادثة يف وصف الفعل ابن جتعل الفعل موصوفا مبثل كونه
طاعة ومعصية واملخ تار عند العبد الضعيف أتثري القدرة احلادثة يف أصل الفعل ويف وصفه
معا اذ ال معن للتأثري يف الوصف بدون التأثري يف االصل اذ الوصف أثره املتفرع عليه
لكنه حمتاج اىل أتثري زائد على أتثري اصل الفعل اذ وجود الوصف زائد على وجود االصل
وال حمذور يف القول ابلتأثري وا ن كرب ذلك على االشعري اذ التأثري يف القدرة أيضا ابجياد
هللا سبحانه كما ان نفس القدرة ابجياده تعاىل والقول بتأثري القدرة هو االقرب اىل
الصواب ومذهب االشعري داخل يف دائرة اجلرب يف احلقيقة اذ ال اختيار عنده حقيقة وال
أتثري للقدرة احلادثة عنده أصال اال ان الفعل االختياري عند اجلربية ال ينسب اىل الفاعل
حقيقة بل جمازا وعند االشعري ينسب اىل الفاعل حقيقة وان مل يكن االختيار اثبتا له
حقيقة الن الفعل ينسب اىل قدرة العبد حقيقة سواء كانت القدرة مؤثرة ولو يف اجلملة
كما هو مذهب غري االشعري من أهل السنة أو مدارا حمضا كما هو مذهبه وهبذا يتميز
مذهب أهل احلق عن مذهب أهل الباطل ونفي الفعل عن الفاعل حقيقة وإثباته له جمازا
كما هو مذهب اجلربية كفر حمض وأنكار على الضروري قال صاحب التمهيد ومن
اجلربية من قال ابن الفعل من العبد ظاهرا وجمازا اما يف احلقيقة ال استطاعة له والعبد
كالشجرة اذا حركتها الريح حتركت فكذلك العبد جمبور كالشجرة وهذا كفر ومن اعتقد
هذا يصري كافرا وقال ايضا يف مذهب اجلربية قوهلم ان ليس للعباد أفعال على احلقيقة ال
يف اخلري وال يف الشر وما يفعله العبد فالفاعل هو هللا سبحانه وهذا كفر (فان قلت) اذا مل
- 539 -
يكن لقدرة العبد أت ثري يف االفعال ومل يكن االختيار له حقيقة فما معن نسبة االفعال اىل
العبد حقيقة عند االشعري (قلت) ان القدرة وان مل يكن هلا أتثري يف االفعال اال أنه
سبحانه جعلها مدارا لوجود االفعال ابن خيلق هللا تعاىل االفعال عقب صرف قدرهتم
واخيتارهم اىل االفعال بطريق جري العادة وكأن القدرة علة عادية لوجود االفعال فيكون
للقدرة مدخل يف صدور االفعال عادة الهنا مل توجد بدوهنا عادة وان مل يكن هلا أتثري يف
االفعال فباعتبار العلة العادية تنسب اىل العباد افعاهلم حقيقة هذا هو النهاية يف تصحيح
مذهب االشعري والكالم بعد حمل أتمل (اعلم) أن أهل السنة واجلماعة آمنوا ابلقدر أبن
القدر خريه وشره وحلوه ومره من هللا سبحانه الن معن القدر هو االحداث واالجياد
ومعلوم ان ال حمدث وال موجد اال هللا سبحانه ال اله اال هو خالق كل شئ فاعبدوه
واملعتزلة والقدرية انكروا القضاء والقدر وزعموا ان افعال العباد حاصلة بقدرة العبد وحدها
قالوا لو قضى هللا الشر مث عذهبم على ذلك لكان ذلك جورا منه سبحانه وهذا جهل
منهم الن القضاء ال يسلب القدرة واالختيار عن العبد النه قضى ابن العبد يفعله أو
يرتكه ابختياره غاية ما يف الباب أنه يوجب االختيار وهو حمقق لالختيار ال مناف له
وايضا أنه منقوض ابفعال البارئ تعاىل الن فعله سبحانه ابلنظر اىل القضاء اما واجب أو
ممتنع النه ان تعلق القضاء ابلوجود فيجب أو ابلعدم فيمتنع فان كان وجوب الفعل
ابالختيار منافيا له مل يكن البارئ تعاىل خمتارا و هذا كفر وال خيفى ان القول ابستقالل
قدرة العبد يف اجياد افعاله مع كمال ضعفه يف غاية السخافة ومنشأ هناية السفاهة وهلذا
ابلغ مشائخ ما وراء النهر شكر هللا تعاىل سعيهم يف تضليلهم يف هذه املسئلة حت قالوا
ان اجملوس اسعد حاال منهم حيث مل يثبتوا اال شريكا واحدا واملعتزلة اثبتوا شركاء ال
حتصى وزعمت اجلربية أنه ال فعل للعبد أصال وان حركاته مبنزلة حركات اجلمادات ال
قدرة هلم أصال وال اختيار وزعموا ان العباد ال يثابون ابخلري وال يعاقبون ابلشر والكفار
والعصاة معذورون غري مسئولني الن االفعال كلها من هللا تعاىل والعبد جمبور يف ذلك
وهذا كفر وهؤالء املرجئة امللعونون الذين يقولون ابن املعصية ال تضر و العاصي ال يعاقب
- 540 -
[]1
املرجئة على لسان سبعني نبيا وروي عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم أنه قال لعنت
ومذهبهم ابطل ابلضرورة للفرق الظاهر بني حركة البطش وحركة االرتعاش ونعلم قطعا ان
االول ابختياره دون الثاين والنصوص القطعية تنفي هذا املذهب أيضا كقوله تعاىل جزاء
مبا كانوا يعملون وقوله سبحانه فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر اىل غري ذلك (واعلم)
ان كثريا من الناس لضعف مهمهم وقصور نياهتم يطلبون االعتذار ودفع السؤال عن
أنفسهم فيميلون اىل مذهب االشعري بل اىل مذهب اجلربي فتارة يقولون ابن ال اختيار
للعبد حقيقة ونسبة الفعل اليه جماز واترة يقولون بضعف االختيار املستلزم لالجبار ومع
ذلك يسمعون كالم بعض الصوفية يف هذا املقام من أن الفاعل واحد ليس اال هو وان ال
أتثري لقدرة العبد يف االفعال أصال وان حركاته مبنزلة حركات اجلمادات بل وجود العبد
ذاات وصفة كس راب بقيعة حيسبه الظمآن ماء حت اذا جاءه مل جيده شيئا ووجد هللا عنده
وامثال هذا الكالم ازدادهم جراءة على املداهنة واملساهلة يف االقوال واالفعال فنقول يف
حتقيق هذا الكالم وهللا سبحانه اعلم حبقيقة املرام ان االختيار لو مل يكن اثبتا للعبد
حقيقة كما هو مذهب اال شعري ملا نسب هللا تعاىل الظلم اىل العباد اذ ال اختيار هلم وال
أتثري لقدرهتم وامنا هي مدار حمض عنده وقد نسب هللا سبحانه الظلم اليهم يف غري موضع
من كتابه اجمليد وجمرد املدارية بدون التأثري ولو يف اجلملة ال يوجب الظلم منهم نعم ان
االيالم والتعذيب للعباد منه تعاىل من غري ان يكون االختيار اثبتا هلم ليس بظلم اصال اذ
هو سبحانه مالك على االطالق يتصرف يف ملكه كيف يشاء اما نسبة الظلم اليهم
فمستلزم لثبوت االختيار هلم واحتمال اجملاز يف هذه النسبة خالف املتبادر فال يرتكب
من غري ضرورة واما القول بضعف االختيار فال خيلو اما ان يراد به الضعف ابلنسبة اىل
اختياره تعاىل فمسلم وال نزاع فيه الحد وكذا الضعف مبعن عدم االستقالل يف صدور
االفعال أيضا مسلم واما الضعف مبعن عدم املدخلية لالختيار يف االفعال فممنوع وهو
اول املسئلة وسند املنع قد مر مفصال (ينبغي) ان يعلم ان هللا تعاىل كلف عباده بقدر
( )1أ ورده املناوي يف كنوز احلقائق برمز البزار والسيوطي برمز احلاكم يف التاريخ عن أيب أمامة رضي هللا عنه.
- 541 -
طاقتهم واستطاعتهم وخفف يف التكليف لضعف خلقهم قال هللا تبارك و تعاىل يريد هللا
ان خيفف عنكم وخلق االنسان ضعيفا كيف وهو سبحانه حكيم رؤف رحيم وال يليق
ابلرمحة والرأفة واحلكمة تكليف ماال يستطيع له العبد فلم يكلف برفع الصخرة العظيمة
اليت ال يقدر على رفعها العبد بل كلف مبا هو يسري على العبد من الصالة املشتملة على
القيام والركوع والسجود والقراءة امليسرة وكل ذلك يسري غاية اليسر وكذا الصوم مثال يف
هناية السهولة والزكاة أيضا كذلك اذ قدر بربع العشر ومل يقدر ابلكل والنصف مثال لئال
يثقل على العباد ومن كمال الرأفة جعل للمأمور به خلفا ان تعسر االصل فجعل للوضوء
خلفا هو التيمم وكذا حكم ابن من مل يقدر على القيام صلى قاعدا وان مل يقدر على
القعود صلى مضطجعا وكذا من مل يقدر على الركوع والسجود صلى مؤميا اىل غري ذلك
مما ال خيفى على الناظر يف االحكام الشرعية بنظر االعتبار واالنصاف فيجد متام
التكليفات الشرعية يف غاية اليسر وهناية السهولة ويطالع كمال الرمحة منه سبحانه ابلعباد
يف صفحات التكليفات ومصداق ختفيف التكليفات متين العوام يف زايدة التكليف من
املأمورات فان بعضهم يتمن الزايدة يف الصوم املفروض وبعضهم يف الصلوات املفروضات
و على هذا القياس وما هذا التمين اال لكمال التخفيف وعدم وجدان اليسر يف اداء
االحكام للبعض مبين على وجود ظلمات نفسانية وكدورات طبيعية انشئة عن هوى
النفس االمارة املنتصبة ملعاداة هللا سبحانه قال هللا سبحانه كرب على املشركني ما تدعوهم
اليه وقال تعاىل واهنا لكبرية اال على اخلاشعني فكما ان مرض الظاهر موجب العسر يف
أداء االحكام كذلك مرض الباطن أيضا موجب لذلك العسر وقد ورد الشرع الشريف
البطال رسوم النفس االمارة ورفع هواجسها فهوى النفس ومتابعة الشريعة على طريف
نقيض فال جرم يكون وجود ذلك العسر دليل وجود هوى النفس فيقدر وجود اهلوى
بقدر العسر فاذا انتفى اهلوى كلية انتفى العسر رأسا وأما كالم بعض الصوفية املذكور
سابقا يف نفي االختيار وضعفه فاعلم ان كالمهم ان مل يكن مطابقا الحكام الشريعة فال
اعتبار له اصال فكيف يصلح للحجة والتقليد وامنا الصاحل للحجة والتقليد أقوال العلماء
- 542 -
من أهل السنة فما وافق اقواهلم من كالم الصوفية يقبل وما خالفهم ال يقبل على اان نقول
ان الصوفية املستقيمة االحوال ال يتجاوزون الشريعة أصال ال يف االحوال وال يف االعمال
وال يف االقوال وال يف العلوم وال يف املعارف ويعلمون ان بقية اخلالف مع الشريعة انشئة
عن سقم يف احلال وخلل فيه ولو صدق احلال ما خالف الشريعة احلقة وابجلملة خالف
الشريعة دليل الزندقة وعالمة االحلاد غاية ما يف الباب ان الصويف لو تكلم بكالم خمالف
للشريعة انش عن الكشف يف غلبة احلال وسكر الوقت فهو معذور وكشفه غري صحيح
وغري صاحل للتقليد بل ينبغي أن حيمل كالمه ويصرف عن ظاهره فان كالم السكارى
حيمل ويصرف عن الظاهر هذا ما تيسر يل يف هذا املقام بعون هللا سبحانه وحسن توفيقه
تعاىل احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى.
{املكتوب التسعون واملائتان اىل املال حممد هاشم يف بيان الطريق الذي خصه
هللا سبحانه به يف أوائل حاله ووفقه لتسليك الطالبني اليه وبيان الطريقة النقشبندية
العلية وبيان اندراج النهاية يف البداية وبيان احلضور املعترب عند اكابر هذا الطريق
املعرب عنه ابلنسبة النقشبندية مع ذكر بعض االحوال واالذواق واملعارف احلاصلة له
يف الطريقة النقشبندية وغريها وبيان جذابت هؤالء االكابر وما يناسبه}
الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
وآله وأصحابه الطيبني الطاهرين اعلم ان الطريق الذي هو أقرب وأسبق وأوفق وأوثق
وأسلم وأحكم وأصدق وأدل وأعلى وأجل وأرفع وأكمل هو الطريقة النقشبندية العلية
قدس هللا ارواح أهاليها وأسرار مواليها وكل عظمة هذا الطريق وعلو شأن هؤالء االكابر
بواسطة التزام متابعة السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية واجتناب
البدعة الغري املرضية وهم الذين اندرجت هناية االمر يف بدايتهم كاالصحاب الكرام عليهم
الرضوان من امللك املنان وكان شعورهم وحضورهم على سبيل الدوام وصار فوق شعور
اآلخرين بعد الوصول اىل درجة الكمال (أيها االخ) ارشدك هللا اىل سواء الطريق ملا ظهر
- 543 -
يف هذا الدرويش هوس هذا الطريق وصارت عناية احلق جل وعال هاديته وأوصلته اىل
صاحب الوالية ومعدن احلقيقة هادي طريق اندراج النهاية البداية يف واىل السبيل املوصل
اىل درجات الوالية مؤيد الدين الرضى شيخنا وامامنا حممد الباقي قدس هللا سره أحد
كبار خلفاء طائفة حضرات االكابر النقشبندية قدس هللا أسرارهم فعلم هذا الدرويش
ذكر اسم الذات وتوجه ابلطريق املعهود حت ظهر يف التذاذ اتم وعرض يل البكاء من
كمال الشوق مث ظهر بعد يوم واحد كيفية الذهول وعدم الشعور املعتربة عند هؤالء
االكابر املسماة ابلغيبة فرأيت يف تلك الغيبة حبرا حميطا ووجدت صور العامل واشكاله
كالظل يف ذلك البحر واستولت هذه الغيبة شيئا وامتدت وصارت متتد احياان اىل
ساعتني من هنار وأحياان اىل اربع ساعات وكانت يف بعض االوقات تستوعب الليل وملا
عرضت هذه الواقعة على حضرة الشيخ قال قد حصل حنو من الفناء ومنع عن الذكر
وامر حبفظ ذلك احلضور وبعد يومني حصل يل الفناء املصطلح فعرضته على حضرة
الشيخ فقال عليك ابالشتغال بشأنك مث بعد ذلك حصل فناء الفناء فعرضته عليه فقال
هل جتد متام العامل يف حمل واحد ومتصال بعضه ببعض قلت نعم فقال ان املعترب يف
حصول فناء الفناء هو حصول عدم الشعور مع وجود رؤية هذا االتصال فحصل يف تلك
الليلة فناء الفناء بتلك الصفة فعرضته عليه وعرضت ما حصل بعد الفناء من احلالة وقلت
ايل
اين أجد علمي ابلنسبة اىل احلق سبحانه حضوراي واجد االوصاف اليت كانت منسوبة ّ
منسوبة اىل احلق سبحانه مث بعد ذلك ظهر نور حميط جبميع االشياء فظننته احلق سبحانه
و تعاىل وكان لون ذلك النور سوادا فعرضته عليه فقال احلق جل وعال مشهود ولكن
ذلك الشهود يف حجاب النور وقال ان هذا االنبساط الذي يرى يف ذلك النور هو يف
العلم وامنا يرى منبسطا كذلك بواسطة تعلق ذات احلق جل وعال ابالشياء املتعددة
الواقعة اعلى وأدىن فينبغي نفي االنبساط مث شرع ذلك النور االسود املنبسط يف االنقباض
والتضايق حت صار كنقطة فقال ينبغي نفي تلك النقطة أيضا حت ينجر االمر اىل احلرية
ففعلت كذلك حت زالت تلك النقطة املوهومة أيضا من البني واجنر االمر اىل احلرية اليت
- 544 -
هناك شهود احلق سبحانه لنفسه بنفسه فلما عرضته عليه قال هذا احلضور هو احلضور
املعترب عند النقشبندية ونسبتهم عبارة عن هذا احلضور ويقال هلذا احلضور حضورا بال
غيبة أيضا واندراج النهاية يف البداية يتصور يف ذلك املوطن وحصول هذه النسبة للطالب
يف هذا الطريق كأخذ الطالب يف سالسل أخر االذكار واالوراد من شيخه ليعمل هبا
ويصل اىل مقصوده {ع}:
وقس من حال بستاين ربيعي
وكان حصول هذه النسبة ال عزيزة الوجود هلذا الدرويش بعد مضي شهرين وبضعة
أايم من ابتداء تعليم الذكر وبعد حتقق هذه النسبة حصل فناء آخر يقال له الفناء
احلقيقي وحصل للقلب من الوسعة ما ليس لتمام العامل من العرش اىل مركز الفرش قدر
يف جنبه مقدار خردلة وبعد ذلك رأيت نفسي وكل فرد من افراد العامل بل كل ذرة منه
احلق جل وعال وبعد ذلك رأيت كل ذرة فرادى فرادى عني نفسي ورأيت نفسي عني
مجيع الذرات حت وجدت متام العامل مضمحال يف ذرة واحدة مث بعد ذلك رأيت نفسي
بل مجيع ذرة منبسطا ووسيعا حبيث يسع متام العامل واضعافه بل وجدت نفسي وكل ذرة
نورا منبسطا ساراي يف كل ذرة وصور العامل واشكاله مضمحل يف ذلك النور ومتالش فيه
بل وجدت كل ذرة مقوما لتمام العامل وملا عرضت ذلك قال ان مرتبة حق اليقني يف
التوحيد هي هذا ومجع اجلمع عبارة عن هذا املقام مث وجدت صور العامل واشكاله اليت
كنت وجدهتا اوال عني احلق سبحانه موهومة يف ذلك الوقت وما كنت وجدته من
الذرات عني احلق سبحانه وجدت مجيعها من غري تفاوت ومتييز موهومة فعرضت يل
حينئذ غاية احلرية فتذكرت يف ذلك الوقت عبارة الفصوص اليت كنت مسعتها من والدي
املاجد عليه الرمحة حيث قال ان شئت قلت انه اي العامل حق وان شئت قلت انه خلق
وان شئت قلت انه من وجه حق ومن وجه خلق وان شئت قلت ابحلرية لعدم متييز بينهما
فصارت هذه العبارة مسكنة لذلك االضطراب يف اجلملة وبعد ذلك اتيت مالزمة شيخنا
وعرضت عليه حايل فقال ما كان حضورك صافيا بعد عليك ابالشتغال ابمرك حت يظهر
- 545 -
متيز املوجود من املوهوم فقرأت عليه عبارة الفصوص املشعرة بعدم التمييز فقال ان الشيخ
ما بني حال الكامل وعدم التمييز أيضا اثبت ابلنسبة اىل البعض فكنت مشغوال حسب
االمر فاظهر احلق سبحانه و تعاىل بعد يومني مبحض توجه حضرة شيخنا متييزا بني
املوجود واملوهوم حت وجدت املوجود احلقيقي ممتازا من املوهوم املتخيل ورأيت الصفات
واالفعال واآلاثر اليت ترى من املوهوم صادرة عن احلق سبحانه ووجدت تلك الصفات
واالفعال ايضا موهومة ومل ار يف اخلارج موجودا غري ذات واحدة وملا عرضت ذلك قال
هذا هو مرتبة الفرق بعد اجلمع وهناية السعي اىل هنا وبعد ذلك يظهر ما استودع يف
قابلية ك ل شخص واستعداده وقال مشائخ الطريقة هلذه املرتبة مقام التكميل (ينبغي) أن
يعلم ان هذا الدرويش ملا نظرت اىل كل ذرة من ذرايت بعدما اخرجت يف املرة األوىل من
السكر اىل الصحو وبعد ما شرفت بعد الفناء ابلبقاء مل أجد غري احلق ووجدت مجيع
الذرات مرآة لشهوده سبحانه مث اخرجت من ذلك املقام اىل احلرية وملا رجعت اىل نفسي
يعين صحوت من احلرية وجدت احلق سبحانه مع كل ذرة من ذرات وجودي ال فيها
وكان املقام السابق يف النظر اسفل وادىن من هذا املقام الثاين مث اخرجت اىل احلرية وملا
افقت وجدت احلق سبحانه يف تلك املرة ال متصال ابلعامل وال منفصال عنه وال داخل
العامل وال خارجه وصارت نسبة املعية واالحاطة والسراين على هنج كنت وجدهتا اوال
منتفية ابلكلية ومع ذلك كان مشهودا بتلك الكيفية بل كأنه حمسوس وكان العامل أيضا
مشهودا يف ذلك الوقت ولكن مل يكن للحق سبحانه شئ من تلك النسب املذكورة مث
وقعت يف احلرية وملا اخرجت اىل الصحو صار معلوما أن للحق سبحانه نسبة ابلعامل وراء
النسب املذكورة وهذه النسبة جمهولة الكيفية وكان تعاىل مشهودا ابلنسبة اجملهولة الكيفية
مث اخرجت اىل احلرية وعرض يل يف تلك املرتبة حنو من القبض وملا رجعت اىل نفسي
صار احلق سبحانه مشهود ا بغري تلك النسبة اجملهولة الكيفية على طور ال نسبة له ابلعامل
أصال ال معلومة الكيفية وال جمهولة الكيفية وكان العامل مشهودا يف ذلك الوقت بتلك
اخلصوصية وحصل يل يف ذلك الوقت علم خاص عناية من هللا سبحانه و بسبب هذا
- 546 -
العلم مل يبق احلق بني سبحانه واخللق مناسبة أصال مع وجود كال الشهودين وصار معلوما
يف ذلك الوقت أن هذا املشهود مع هذه الصفة ومع هذا التنزيه ليس هو ذات احلق
سبحانه و تعاىل عن ذلك بل هو صورة مثالية لتعلق تكوينه تعاىل الذي هو وراء
التعلقات الكونية سواء كان ذلك التعلق معلوم الكيفية أو جمهول الكيفية هيهات هيهات
{شعر}:
كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف
(أيها األخ) االعز اين ان أجريت القلم يف تفصيل االحوال وتبيني املعارف الجنر
اىل التطويل واالطناب وعلى اخلصوص لو بينت معارف التوحيد الوجودي وعلوم ظلية
االشياء لعلم الذين مضى عمرهم يف التوحيد الوجودي اهنم مل ينالوا قطرة من ذلك البحر
الذي ال هناية له والعجب ان تلك اجلماعة ال يظنون هذا الدرويش من ارابب التوحيد
الوجودي بل يعدونه من العلماء املنكرين للتوحيد الوجودي ويزعمون من قصور النظر أن
االصرار على املعارف التوحيدية من الكمال والرتقي من ذلك املقام نقص او حمال
{شعر}:
كم من بليد غفول عن معائبه * يستحسن العيب زعما أنه حسن
ومستشهد هؤالء اجلماعة يف هذا االمر أقوال املشائخ املتقدمني اليت صدرت يف
التوحيد الوجودي رزقهم هللا سبحانه االنصاف من أين علموا أن هؤالء املشائخ مل حيصل
هلم ترق من ذلك املقام وبقوا حمبوسني فيه وليس الكالم يف حصول املعارف التوحيدية
فانه واقع ألبتة وامنا الكالم يف الرتقي من ذلك املقام فان قالوا لصحاب الرتقي منكرا
للتوحيد واصطلحوا على ذلك فال مناقشة فيه (ولنرجع) اىل اصل الكالم ونقول انه ملا
كان يف القليل داللة على الكثري ويف القطرة اشارة اىل البحر الغزير اكتفيت ابلقطرة
واقتصرت على القليل (أيها االخ) ان شيخنا ملا حكم يل ابلكمال والتكميل أجاز يل
بتعليم الطريقة واحال على مجاعة من الطالبني كان يل يف ذلك الوقت تردد يف كمايل
وتكميلي فقال ليس هذا حمل الرتدد فان املشائخ العظام قالوا هلذا املقام مقام الكمال
- 547 -
والتكميل فلو جاز تردد يف هذا املقام يلزمه تردد يف كمالية هؤالء املشائخ الكرام فشرعت
يف تعليم الطريقة حسب االمر وراعيت التوجهات يف أحوال الطالبني فصارت اآلاثر
العظام حمسوسة يف املسرتشدين حت تقرر على الساعات امر السنني واشتغلت هبذا
االشغال اوقاات مث ظهر آخر االمر العلم بنقصي وظهر يل ان التجلي الربقي الذي قال
املشائخ فيه انه هناية االمر مل يظهر يل يف هذا الطريق أصال ومل يعلم السري اىل هللا والسري
يف هللا ايضا اهنما ما مها والبد من حتصيل هذه الكماالت وصار العلم بنقصي مربهنا يف
ذلك الوقت فجمعت الطالبني الذين حوايل وحدثتهم حديث نقصي وودعت مجيعهم
ولكن الطالبني محلوا هذا املعن على التواضع وهضم النفس ومل يرجعوا عما هم كانوا عليه
فرزق احلق سبحانه االحوال املنتظرة حبرمة حبيبه عليه و على آله الصالة و السالم (اعلم)
ان حاصل طريقة حضرة خواجگان قدس هللا اسرارهم اعتقاد أهل السنة واجلماعة واتباع
السنة السنية املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية واجتناب البدعة الرديئة
واالهواء النفسانية والعمل ابلعزمية مهما امكن واالحرتاز عن العمل ابلرخصة واالستهالك
واالضمحالل او ال يف جهة اجلذبة وعربوا عن هذا االستهالك ابلعدم والبقاء الذي
حيصل يف هذه اجلهة بعد االستهالك معرب عنه بوجود العدم يعين وجود وبقاء مرتتب على
العدم الذي هو االستهالك وهذا االستهالك واالضمحالل ليس هو عبارة عن الغيبة عن
احلس بل قد تتفق الغيبة عن احلس للبعض مع هذا االستهالك وقد ال تقع للبعض اآلخر
وصاحب هذا البقاء ميكن أن يرجع اىل الصفات البشرية وان يعود اىل األخالق النفسانية
خبالف البقاء الذي هو مرتتب على الفناء فان العود منه غري جائز ميكن ان يكون هذا
معن ما قال اخلواجه النقشبند قدس هللا تعاىل سره االقدس ان وجود العدم يعود اىل
وجود البشرية واما وجود الفناء فال يعود اىل وجود البشرية أصال فان الباقي ابلبقاء االول
هو يف الطريق بعد والرجوع عن الطريق ممكن والثاين واصل منته وال رجوع للواصل قال
واحد من االكابر ما رجع من رجع اال من الطريق ومن وصل ال يرجع (ينبغي) أن يعلم
أن صاحب وجود العدم وان كان يف الطريق ولكن له حبكم اندراج النهاية يف البداية
- 548 -
شعور بنهاية االمر وما هو ميسر للمنتهى يف اآلخر حاصل له خالصته من هذه اجلهة
امجاال وهذه النسبة ملا كانت يف املنتهى بطريق الشمول وعموم السراين صارت حاصلة يف
روحانيته وجسمانيته البتة ويف صاحب وجود العدم مقصور على خالصة القلب ولو يف
اجلملة و على سبيل االمجال فال جرم كان املنتهى صاحب تفصيل ورجوعه اىل صفات
اجلسمانية ممتنعا فان سراين تلك النسبة يف مراتب جسمانيته خلعه عن صفاهتا وجعله
فانيا وهذا الفناء موهبة حمضة والرجوع عن املوهبة احملضة ال يليق جبناب قدسه تعاىل
وتقدس خبالف صاحب وجود العدم فان تلك السراية مفقودة يف حقه غاية ما يف الباب
ان هذه املراتب ملا كانت اتبعة للقلب كانت تلك النسبة ايضا سارية فيها وكسرت سورهتا
وجعلتها مغلوبة ولكنها ما بلغت حد الفناء والزوال فيمكن الرجوع عنه اذ املغلوب قد
يغلب بعروض بعض العوارض وحلوق بعض املوانع والزائل ال يعود كما مر (واعلم) ان
بعض املشائخ من هذه السلسلة العلية قدس هللا أرواحهم قد اطلقوا الفناء والبقاء على
االستهالك واالضمحالل املذكور والبقاء الذي يرتتب عليه واثبتوا التجلي والشهود
الذاتيني ايضا يف تلك املرتبة وقالوا هلذا الباقي واصال وقالوا بتحقق ايد داشت الذي هو
عبارة عن دوام احلضور مع جناب احلق سبحانه يف هذا املقام ايضا وكل ذلك ابعتبار
اندراج النهاية يف البداية واال فالفناء والبقاء ال يكوانن اال للمنتهى الذي هو الواصل
والتجلي الذي خمصوص به ودوام احلضور مع هللا سبحانه ال يكون اال للمنتهى الواصل
اذ هو الذي ال رجوع له أصال واما االطالق االول فهو ايضا صحيح ابالعتبار املذكور
ومبنت على وجه وجيه ومن هذا القبيل ما وقع يف كتاب الفقرات حلضرة اخلواجه عبيد هللا
االحرار قدس هللا سره االقدس من اطالق الفناء والبقاء والتجلي والشهود الذاتيني
والوصل ودوام احلضور (قال) واحد من االعزة ان مبن ذلك الكتاب الذي عبارة عن
مكتوابت ورسائل مرسلة اىل بعض خملصيه على دراية من ارسلت إليه ومعرفته وكلموا
الناس على قدر عقوهلم مرعي فيه ومن هذا القبيل ايضا رسالة سلسلة االحرار الواقعة
على طريق كالم حضرة اخلواجه احرار والرابعيات املشروحة اليت كتبها حضرة شيخنا مؤيد
- 549 -
الدين الرضي موالان حممد الباقي سلمه هللا تعاىل وهذا البقاء بل مجيع ما هو واقع يف
طرف اجلذبة انظر اىل توحيد الوجود وهلذا بني بعض املشائخ حق اليقني على هنج مآله
اىل التوحيد الوجودي وهذا البيان اوقع البعض يف اشتباه ان حق اليقني الذي هو منسوب
اليهم وخمتص هبم عبارة عن التجلي الصوري واجنر ذلك اىل الطعن والتشنيع واحلق ان هذا
حق اليقني املنسوب اليهم الذي بينه بعض املشائخ حاصل يف جهة اجلذبة وهذه املعرفة
مناسبة هلذا املقام والتجلي الصوري شيئ آخر كما ال خيفى على اراببه واطلقوا دوام
احلضور ع لى مرتبة شهود الوحدة يف مرآة الكثرة على هنج تكون املرآة خمتفية ابلتمام وال
يبقى املشهود غري الوجه الباقي اصال لرؤيتهم هذا املقام مناسبا ليادداشت يعين دوام
احلضور ويقولون هلذا الشهود جتليا ذاتيا ايضا وشهودا ذاتيا ويقال هلذا املقام مقام
االحسان وعربوا عن ذلك االستهالك واالضمحالل ابلوصل {ع}:
انت غب فيه وذا عني الوصال
وهذا االصطالح خمصوص حبضرة انصر الدين اخلواجه عبيد هللا االحرار قدس سره
ومل يتكلم هبذا االصطالح أحد من املشائخ املتقدمني من هذه السلسلة {ع}:
ومجيع ما فعل املليح مليح
ومن كلماته القدسية ان اللسان مرآة القلب والقلب مرآة الروح والروح مرآة
احلقيقة االنسانية واحلقيقة االنسانية مرآة احلق سبحانه واحلقائق الغيبية تصل اىل اللسان
من غيب الذات بقطع هذه املسافة البعيدة ومنه تقبل صورة اللفظ وتصل اىل مسامع
املستعدين للحقائق وقال ايضا كنت يف مالزمة بعض االكابر مدة فانعم عل ّي بشيئني
احدمها ان كلما اكتبه يكون جديدا ال قدميا واثنيهما ان كلما اقول يكون مقبوال ال
مردودا ويفهم من كلماته القدسية هذه جاللة شأنه وعلو منزلة معارفه واتضح ايضا انه
ليس يف البني يف هذه الكلمات يعين ال مدخل له يف صدروها عنه وامنا ظهرت منه
بطريق االنعكاس وليس وظيفته ودخله فيها غري املرآتية هلا وهللا سبحانه اعلم حبقيقة
احلال وما عنده من علو درجة ومنزلة الكمال وانشد هذه املثنوايت {شعر}:
- 550 -
القرب والفرق بني املراد وغري املراد كثري ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل
العظيم {مثنوي}:
عشق معشوق خفي وستري * عشق عشاق بطبل ونفري
غري ان الثاين مضن للبدن * عشق معشوق مزيد يف السمن
(فان قيل) ان املرادين من سائر السالسل ايضا شركاء هلم يف هذا الرتقي والقرب
فان اجلذبة مقدمة على سلوكهم فما يكون مزية هذا الطريق على غريه من الطرق والي
شيئ يقال له انه اقرب الطرق (اجيب) ان سائر الطرق ليست مبوضوعة حلصول هذا
املعن بل حتصل هذه الدولة لبعضهم على سبيل االتفاق وهذا الطريق موضوع حلصول
هذا املعن وايد داشت الذي يقع يف عبارات اكابر هذه السلسلة العلية يتصور بعد حتقق
كال جهيت اجلذبة والسلوك واطالق النهاية عليه ابعتبار هناية مراتب الشهود واحلضور
واال فالنهاية املطلقة وراء الوراء (وتفصيله) ان الشهود اما يف مرآة الصورة او يف مرآة املعن
او فيما وراء الصورة واملعن وقالوا هلذا الشهود العاري عن احلجاب يعين حجاب الصورة
واملعن برقيا يعين ان حصول هذا الشهود كالربق مث يكون يف احلجاب فاذا حصل هلذا
الشهود مبحض فضل احلق سبحانه دوام وخرج عن مضيق احلجب ابلتمام يعربون عنه
حينئذ بيادداشت الذي هو حضور بال غيبة فان الشهود مادام حيتجب ومل حيصل له دوام
عدم االحتجاب ال يطلق عليه اسم ايدداشت (وههنا) دقيقة ينبغي ان يعلم ان كل واصل
ال رجوع له حضوره دائمي ولكن سراين تلك النسبة يف كليته كالربق خبالف احملبوبني
الذين جذبتهم مقدمة على سلوكهم فان هذا السراين دائمي فيهم وكليتهم آخذة حلكم
السر وعاملة عمل السر كما مرت االشارة اليه النت اجسادهم كما النت أرواحهم حت
صارت ظواهرهم بواطنهم وبواطنهم ظواهرهم فال جرم ال يكون يف حضورهم للغيبة جمال
فتكون هذه النسبة فوق مجيع النسب على كل حال وهذه العبارة شائعة يف كتبهم
ورسائلهم هل ذا املعن فان النسبة عبارة عن احلضور وهناية مراتب احلضور هي ان يكون
احلضور بال حجاب ودائما وختصيص مشائخ هذه الطريقة هذه النسبة أبنفسهم ابعتبار
- 552 -
وضع الطريق حلصول هذه الدولة كما مر واال فان تيسرت لبعض اكابر طرق أخر ايضا
فجائز بل واقع وقد اظهر قدوة اكابر اهل هللا الشيخ ابو سعيد ابو اخلري قدس هللا سره
رمزا من هذا احلضور وطلب حتقيقه من استاذه حيث سئله هل يكون هذا احلديث دائميا
فقال االستاذ يف جوابه ال يكون فاعاد الشيخ املسئلة اثنيا ووجد اجلواب االول مث كرر
السؤال اثلثا فقال استاذه يف جوابه فان كان فنادر فرقص الشيخ وقال هذا من تلك
النوادر (وما قلت) من ان النهاية املطلقة وراء الوراء فبيانه انه اذا وقع العروج بعد حتقق
هذا احلضور يقع السالك يف جلة احلرية وخيلف هذا احلضور وراء ظهره كسائر مراتب
العروج وهذه احلرية هي املسماة ابحلرية الكربى املخصوصة ابالكابر كما وقع يف كتب
القوم قال واحد من االكابر يف هذا املقام {شعر}:
حسن توم راكرد چنان زيرو زبر * كزخال و خط وزلف توام نيست خرب
{مضمونه}
نسيت اليوم من عشقي صاليت * فال ادري غدائي من عشائي
و قال اآلخر {شعر}:
تعاىل العشق عن كفر ودين * كذاك عن التشكك واليقني
رأيت العقل مقروان بكفر * وذي دين وشك واليقني
فجزت عواملا من غري عقل * فلم ار بعد من كفر ودين
وكل الكون سدك يف طريق * ارى ذا سد أيجوج بعني
و قال اآلخر من االعزة {شعر}
وقد ساروا وطاروا حنو اوج * فعادوا صفر جيب واليدين
وبعد حصول هذه احلرية مقام املعرفة ومن ذا يشرف هبذه الدولة ومن ذا حيتظ
ابالميان احلقيقي بعد الكفر احلقيقي الذي هو مقام احلرية وهناية مطلوب احملققني يف هذا
االميان ومقام الدعوة وكمال متابعة سيد املرسلني عليه الصالة و السالم على وفق قوله
- 553 -
تعاىل ادعوا اىل هللا على بصرية اان ومن اتبعين يف هذا املقام وكان صلّى هللا عليه و سلّم
يطلب هذا االميان حيث قال يف دعائه اللهم[ ]1اعطين امياان صادقا ويقينا ليس بعده كفر
وكان يستعيذ من الكفر احلقيقي الذي هو مقام احلرية حيث قال اعوذ[ ]2بك من الكفر
والفقر وهذه املرتبة هناية مراتب حق اليقني وههنا ليس العلم والعني بعضهما حجااب عن
بعض {شعر}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع
(واعلم) ارشدك هللا ان جذبة هؤالء االعزة على نوعني النوع االول واصل من
الصديق االكرب رضي هللا عنه وهبذا االعتبار ينسب طريقهم إليه رضي هللا عنه وحصول
هذا النوع ابلتوجه اىل الوجه اخلاص الذي هو قيوم مجيع املوجودات واالستهالك
واالضمحالل فيه والنوع الثاين مبدأ ظهوره يف هذا الطريق حضرة اخلواجه هباء الدين
النقشبند وهو ينبعث من طريق املعية الذاتية ووصلت تلك اجلذبة من حضرة اخلواجه اىل
اول خلفائه اخلواجه عالء الدين وملا كان هو قطب االرشاد يف وقته وضع طريقا ايضا
حلصول هذه اجلذبة وذلك الطريق مشهور فيما بني خلفاء هذه السلسلة ابلعالئي ورمبا
يقع يف عباراهتم ان أقرب الطرق الطريقة العالئية واصل هذه اجلذبة وان كان من اخلواجه
النقشنبد ولكن وضع الطريق لتحصيلها خمصوص ابخلواجه عالء الدين قدس هللا اسرارمها
واحلق ان هذا الطريق كثري الربكة وقليله أنفع من كثري طرق اآلخرين وخلفاء مشائخ
العالئية واالحرارية مشرفون وحمتظون هبذه الدولة العظمى ويربون الطالبني هبذا الطريق انل
اخلواجه احرار هذه الدولة العظمى من موالان يعقوب الچرخي عليهما الرضوان وهو من
خلفاء اخلواجه عالء الدين (والنوع االول) من اجلذبة الذي هو منسوب اىل الصديق
االكرب رضي هللا عنه وضع حلصوله طريق على حدة وذلك الطريق هو الوقوف العددي
والسلوك الذي يتحقق بعد هذه اجلذبة ايضا على نوعني بل على انواع نوع بلغ الصديق
( )1رواه الرتمذي و حم ّمد ابن نصر املروزي والطرباين والبيهقي يف كتاب الدعوات عن انس رضي هللا عنه.
( )2رواه البيهقي واحلاكم وصححه عن انس رضي هللا عنه واقروا بتصحيحه.
- 554 -
رضي هللا عنه مقصوده من هذا الطريق وخامت الرسالة عليه الصالة و السالم ايضا وصل
من موطن اجلذبة هبذا الطريق وملا كان الصديق رضي هللا عنه متخلقا بكمال االخالق
الذي كان فيه صلّى هللا عليه و سلّم وفانيا فيه خص من بني سائر االصحاب رضوان هللا
تعاىل عليهم أمجعني خبصوصية هذا الطريق وهذه النسبة اعين نسبة اجلذبة والسلوك
املذكورين اآل ن وصلت اىل االمام جعفر الصادق هبذه اخلصوصية وملا كانت والدة االمام
من بنات اوالد الصديق رضي هللا عنه قال االمام مبالحظة كال االعتبارين ولدين ابو بكر
مرتني وحيث كان االمام اخذ نسبة على حدة من آابئه الكرام صار جامعا كال هذين
الطرفني ومجع تلك اجلذبة مع سلوكهم ووصل اىل املقصود هبذا السلوك والفرق بني هذين
السلوكني هو ان سلوك االمام علي يقطع ابلسري اآلفاقي وسلوك الصديق ال يتعلق
ابالفاق كثريا ويشبه بنقب نقبة من موطن اجلذبة اىل ان تصل اىل املقصود و يف السلوك
االول حتصيل املعارف ويف الثاين غلبة احملبة فال جرم كان االمام علي ابب مدينة العلم
[]1
وكان للصديق قابلية خلته عليه الصالة و السالم قال عليه الصالة و السالم لو كنت
متخذا خليال الختذت ااب بكر خليال وحصل االمام ابعتبار جامعيته للجذبة اليت مبناها
احملبة وجهة السلوك اآلفاقي الذي هو منشأ العلوم واملعارف نصيبا وافرا من احملبة واملعرفة
مث فوض االمام هذه النسبة املركبة بطريق الوديعة اىل سلطان العارفني وكانه محل ثقل هذه
االمانة على ظهره ليسلمها اىل اهلها ابلتدريج ووجه عنان توجهه اىل جانب آخر مل تكن
له مناسبة بتلك النسبة قبل حتمل تلك االمانة ويف هذا التحميل ايضا حكم كثري وان
كان نصيب احلاملني منها قليال ولكن هلا نصيب وافر من انوار هؤالء االكابر كما ان
نوعا من السكر مثال الذي هو مندمج وممتزج فيها من آاثر انوار سلطان العارفني وهذا
السكر جيعل املبتدئ غائبا عن احلس ويورثه عدم الشعور مث يسترت بعد ذلك ابلتدريج
وابعتبار غلبة الصحو تكون هذه النسبة مندجمة يف مراتب الصحو ففي الظاهر صحو
( ( )1وقوله لو كنت متخذا خليال احلديث) رواه البخاري عن ابن عباس وهو وامحد عن الزبري بن العوام رضي هللا
عنهم.
- 555 -
مقام دعوة اخللق لصاحب هاتني النسبتني ونسبة قطبية االرشاد وان كانت وحدها كافية
يف الدعوة ولكن هلؤالء األكابر يف هذا املقام مرتبة على حدة نظرهم شفاء االمراض
القلبية وصحبتهم دافعة لالخالق الغري املرضية وكان سيد الطائفة جنيد مستسعدا هبذه
الدولة ومشرفا هبذه املنزلة حصلت له نسبة القطبية من شيخه السري السقطي ونسبة
الفردية من الشيخ حممد القصاب ومن كلماته القدسية ان الناس يزعمونين مريد السري اان
مريد حممد القصاب جعل نسبة الفردية غالبة ونسى نسبة القطبية ورآها معدومة يف جنبها
(وبعد) خلفاء اخلواجه النقشنبد كان سراج هذه الطائفة العلية حضرة اخلواجه عبيد هللا
االحرار قدس سره توجه اىل السري اآلفاقي بعد إمتام جذبة خواجگان قدس هللا اسرارهم
واوصل السري اىل االسم وحصل له االستهالك والفناء فيه قبل دخوله اىل االسم مث عاد
اىل موطن اجلذبة وحصل له يف تلك اجلهة استهالك واضمحالل خاص ووجد البقاء
ايضا يف تلك اجلهة وابجلملة كان له شأن عظيم يف تلك اجلهة وما يتيسر من العلوم
واملعارف من الفناء والبقاء تيسر له يف هذا املقام وان كان يف العلوم تفاوت بواسطة تغاير
اجلهتني ومن التفاوت اثبات توحيد الوجود وعدمه وكذلك اثبات امور مناسبة للتوحيد
املذكور من االحاطة والسراين واملعية الذاتيات وشهود الوحدة يف الكثرة مع اكتفاء الكثرة
ابلكلية حبيث ال يرجع كلمة اان اىل السالك اصال وامثال ذلك خبالف العلوم اليت ترتتب
على البقاء الذي بعد الفناء املطلق فاهنا ليست كذلك بل هي مطابقة لعلوم الشريعة
حقيقة غري حمتاجة اىل التمحالت والتكلفات واالسئلة واالجوبة وابجلملة ان البقاء يف
جهة اجلذبة اي جذبة كانت ال خيرج السالك من السكر وال يدخله يف الصحو وهلذا ال
يرجع اان اىل السالك الباقي مع وجود البقاء وال تقع االشارة عليه الن يف اجلذبة غلبة
احملبة وغلبة احملبة يلزمها السكر ال ينفك عنها بوجه من الوجوه وهلذا تكون علومها ممتزجة
ابلسكر يعين ابملعارف السكرية كالقول بوحدة الوجود فان مبناها على السكر وغلبة
احملبة حبيث ال يبقى يف نظر احملب سوى احملبوب فيحكم بنفي ما سواه فان خرج من
السكر اىل الصحو ال يكون شهود احملبوب مانعا عن شهود ما سواه فال حيكم بوحدة
- 557 -
الوجود والبقاء الذي بعد الفناء املطلق وهناية السلوك فهو منشأ الصحو ومبدأ املعرفة ال
مدخل للسكر يف ذلك املوطن وما غاب عن السالك يف حالة الفناء يرجع اليه كله ولكن
منصبغا بصبغ االصل وهو املعن ابلبقاء ابهلل فبالضرورة ال يكون للسكر جمال يف علوم
أرابب هذا البقاء فتكون علومهم مطابقة لعلوم االنبياء عليهم الصالة و السالم (وايضا)
اين مسعت واحدا من االعزة يقول ان حضرة اخلواجه احرار قدس سره حصل ايضا نسبة
من آابئه واجداده من طرف امه وقد كانوا اصحاب احوال غريبة وجذابت قوية وكان
حلضرة اخلواجه احرار نص يب وافر من مقام االقطاب االثنا عشر الذين أتييد الدين كان
مربوطا هبم وهلم شأن عظيم يف احملبة وحصل له أتييد الشريعة ونصرة الدين من هذه اجلهة
وقد ذكرت مشة من احواله فيما سبق مث حتقق احياء طريقة هؤالء االكابر وإشاعة آداب
هؤالء االعزة بعده خصوصا يف ممالك اهلند اليت كان اهلها حمرومني من كماالهتم بظهور
معدن االرشاد ومنبع املعارف مؤيد الدين الرضي شيخنا وموالان حممد الباقي سلمه هللا
وقد اردت ان اذكر نبذة من كماالته ايضا يف هذا املكتوب ولكن ملا مل يفهم رضاؤه يف
هذا الباب تركت اجلرأة عليه.
{املكتوب احلادي والتسعون واملائتان اىل موالان عبد احلي يف بيان مراتب
التوحيد الوجودي والشهودي وما يتعلق هبما من املعارف}
الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
و على آله وأصحابه امجعني اعلم ارشدك هللا تعاىل ان منشأ التوحيد الوجودي يف مجاعة
كثرة ممارسته مراقبات التوحيد ومالحظة معن ال اله اال هللا بال موجود اال هللا وتعقله
كذلك وظهور هذا القسم من التوحيد بعد التمحل والتأمل والتخيل بواسطة استيالء
سلطان اخليال فان من كثرة مزاولة معن التوحيد تنتقش هذه املعرفة يف املتخيلة وحيث
كانت جمعولة جبعل اجلاعل تكون معلومة البتة وليس صاحب هذا التوحيد من ارابب
االحوال فان ارابب االحوال ارابب القلوب وال خرب له يف ذلك الوقت عن مقام القلب
- 558 -
بل هو علمي ال غري بل للعلم درجات بعضها فوق بعض ومنشأ التوحيد الوجودي يف
مجاعة أخرى االجنذاب واحملبة القلبية حيث اشتغلوا ابتداء ابالذكار واملراقبات خالية عن
ختيل معن التوحيد وبلغوا ابجلد واجلهد او مبجرد سبق العناية مقام القلب وحصلوا اجلذب
فان ظهر هلم يف هذا املقام مجال التوحيد الوجودي فسببه ينبغي ان يكون غلبة حمبة
اجملذوب فاهنا جعلت ما سوى احملبوب خمتفيا عن نظرهم ومستورا فاذا مل يروا ما سوى
احملبوب ومل جيدوه فال جرم ال يعلمون موجودا غري احملبوب وهذا القسم من التوحيد من
األحوال ومنزه ومربأ عن علة التخيل وشائبة التوهم واالنتقاش يف اخليال فان رجعت هذه
اجلماعة الذين هم من ارابب القلوب من ذلك املقام اىل العامل يشاهدون حمبوهبم يف كل
ذرة من ذرات العامل ويرون املوجودات مرااي حسن احملبوب وجمايل مجاله فان توجهوا
مبحض فضل احلق جل سلطانه من مقام القلب اىل جناب قدس مقلب القلب تشرع
هذه املعرفة التوحيدية احلاصلة يف مقام القلب يف الزوال وكلما صعدوا يف معارج العروج
جيدون انفسهم غري مناسب لتلك املعرفة حت تبلغ مجاعة منهم حد االنكار والطعن يف
ارابب تلك املعرفة مثل شيخ ركن الدين ابو املكارم عالء الدولة السمناين وال يبقى لبعض
آخر شغل بنفي تلك املعرفة واثباهتا وكاتب هذه السطور يتحاشا من انكار ارابب هذه
املعرفة ويبعد نفسه عن طعنهم فانه امنا يكون لالنكار والطعن جمال اذا كان الرابب ذلك
احلال حني ظهوره قصد واختيار وهذا املعن ظهر فيهم من غري ارادة وصنع منهم فهم
مغلوبون لذلك احلال فيكونون معذورين البتة وال رد وال طعن للمضطر املعذور ولكين
اعلم ان فوق هذه املعرفة معرفة أخرى ووراء هذا احلال حالة أخرى واحملبوسون يف هذا
املقام ممنوعون عن كماالت كثرية وحمرومون من مقامات عديدة وقد فتح هلذا الفقري قليل
البضاعة ابب هذه املعرفة من غري ممارسة معن التوحيد يف ضمن املراقبات واالذكار بل
من غري جد وجهد بفضل احلق سبحانه يف مالزمة منبع اهلداية واالفاضة ومعدن احلقائق
واملعارف املستفاضة مؤيد الدين الرضي شيخنا وموالان حممد الباقي قدس هللا تعاىل سره
االقدس بعد تعليم الذكر وتوجهه والتفاته وايصاله اىل مقام القلب واعطيت يف هذا املقام
- 559 -
علوما غزيرة ومعارف كثرية وانكشفت دقائق هذه املعارف وبقيت مدة مديدة يف هذا
املقام مث اخرجت آخ ر االمر من مقام القلب بيمن عنايته لعبده وتوجهت هذه املعارف
يف ضمن ذلك حنو الزوال حت صارت ابلتدريج معدومة واملقصود من اظهار االحوال
ليعلم ان ما هو املسطور واملر قوم حمرر على وجه الذوق والكشف ال على وجه الظن
والتقليد وما ظهر من بعض اولياء هللا تعاىل من املعارف التوحيدية لعلها ظهرت منهم يف
ابتداء احواهلم من مقام القلب فال يلحقهم حينئذ نقص من هذه اجلهة اصال وقد كتب
هذا الفقري ايضا رسائل يف املعارف التوحيدية وملا نشر بعض االصحاب تلك الرسائل
تعسر مجعها فرتكت على حاهلا وامنا يلزم النقص اذا مل جياوزوا هذا املقام (وطائفة) أخرى
من ارابب التوحيد الذين حصل هلم االستهالك واالضمحالل يف مشهودهم على الوجه
االمت وجل مهتهم ان يكونوا مضمحلني ومعدومني يف مشهودهم دائما وان ال يرى اثر من
لوازم وجودهم ويرون رجوع اان اىل انفسهم كفرا وهناية االمر عندهم الفناء واالنعدام حت
يرون املشاهدة ايضا تعلقا قال بعضهم اشتهي عدما ال اعود ابدا وهم قتلى احملبة وحديث
من قتلته حمبيت فاان ديتهم صادق يف حقهم ومتحقق يف شأهنم وهم حتت ثقل الوجود ليال
وهنارا ال يسرتحيون حملة فان الراحة يف الغفلة وال جمال للغفلة على تقدير دوام االستهالك
(قال) شيخ االسالم اهلروي من اغفلين عن احلق سبحانه ساعة ارجو ان يغفر له مجيع
ذنوبه والغفلة الزمة للوجود البشرية وجعل احلق سبحانه تعاىل ظاهر كل منهم من كمال
كرمه مشغوال ابمور مستلزمة للغفلة على قدر استعداده ليخف عنهم اثقال الوجود يف
اجلملة الف مجاعة منهم السماع والرقص وجعل طائفة مشغولة بتصنيف الكتب وحترير
العلوم واملعارف وشغل بعضهم ابمور مباحة كان الشيخ عبد هللا االصطخري[ ]1يذهب
اىل الصحراء ومعه كالب يصطاد هبم فسأل شخص واحد من االعزة عن سره فقال
ليتخلص عن ثقل الوجود حلظة وروح بعضهم بعلوم التوحيد الوجودي وشهود الوحدة يف
الكثرة ليسرتيح من تلك االثقال ساعة ومن هذا القبيل ما ظهر من بعض اكابر مشائخ
( )1عبدهللا االصطخري هكذا يف نسخ املكتوابت ويف نسخ النفحات عبدالرحيم وهللا اعلم ابلصواب .عفي عنه.
- 560 -
النقشبندية قدس هللا اسرارهم العلية من املعارف التوحيدية فان نسبتهم جتر اىل التنزيه
الصرف ال تعلق هلا ابلعامل وشهود العامل وما كتبه معدن االرشاد ومنبع احلقائق واملعارف
انصر الدين اخلواجه عبيد هللا االحرار من املعارف املناسبة بعلوم التوحيد الوجودي
وشهود الوحدة يف الكثرة من القسم االخري من التوحيد وكتاب الفقرات له مشتمل على
بعض علوم التوحيد وغريها منشأ علوم ذلك الكتاب واملقصود من تلك املعارف استئناسه
والفته ابلعامل وكذلك معارف شيخنا احملررة يف بعض الرسائل على طبق كالم كتاب
الفقرات وليس منشأ هذه العلوم التوحيدية اجلذبة وال غلبة احملبة وال نسبة ملشهودهم
ابلعامل وما يرى هلم يف مرآة العامل امنا هو شبه مشهودهم ومثاله ال مشهودهم احلقيقي كما
ان شخصا اذا كان عاشقا جلمال الشمس ومن كمال احملبة افن نفسه يف الشمس حبيث
مل يرتك من نفسه امسا وال رمسا فاذا اريد تسليته وانسه والفته مبا سوى الشمس ليتنفس من
غلبة تشعشع انوارها حملة ويسرتيح منها حلظة يرى له الشمس يف جمايل هذا العامل وحيصل
له بتلك العالقة انس وألفة هبذا العامل ويقال له احياان ان هذا العامل عني الشمس وال
موجود غريها اصال واحياان يرى له مجال الشمس يف مرآة ذرات العامل (ال يقال) ان العامل
اذا مل يكن عني الشمس يف نفس االمر يكون االخبار أبنه عني الشمس خالف الواقع
(الان نقول) ان لبعض افراد العامل مع بعض آخر اشرتاكا يف بعض االمور وامتيازا يف بعض
آخر واحلق سبحانه بكمال قدرته خيفي عن نظر هؤالء االكابر االمور الباعثة على
االمتياز بواسطة بعض احلكم واملصاحل و يبقى االجزاء املشرتكة فقط مشهودة فيحكمون
ابحتاد بعضها لبعض ابلضرورة فتجد الشمس فيما حنن فيه هبذه العالقة عني العامل
وكذلك احلق سبحانه وان مل يكن له مناسبة ابلعامل يف احلقيقة اصال ولكن املشاهبة االمسية
قد تصري مصححة هلذا االحتاد فان احلق سبحانه مثال موجود والعامل ايضا موجود وان مل
يكن بني الوجودين يف احلقيقة مناسبة اصال وكذلك هو تعاىل عامل ومسيع وبصري وحي
وقادر ومريد وبعض افراد العامل ايضا متصف هبذه الصفات وان كان صفات كل منهما
مغايرة لصفات اآلخر ولكن ملا كانت خصوصية الوجود االمكاين ونقائص احملداثت
- 561 -
مستورة عن نظرهم ساغ هلم او حكموا ابالحتاد وهذا القسم االخري من التوحيد اعلي
اقسام التوحيد بل ليس ارابب هذه املعرفة يف احلقيقة مغلويب هذا الوارد ومل يكن الباعث
على ه ذه املعرفة سكرهم بل اورد عليهم هذا الوارد الجل مصلحة ما واريد اخراجهم من
السكر اىل الصحو بسبب هذه املعرفة وتسليتهم هبا كما تتسلى مجاعة ابلسماع والرقص
وطائفة ابالشتغال ببعض امور مباحة (ينبغي) ان يعلم ان هؤالء املذكورين من هذه
الطوائف يشتغلون ببعض امور مغايرة ملشهودهم ويتسلون هبا على ما عرفت خبالف
هؤالء االكابر فاهنم ال يلتفتون اىل امر مغاير ملشهودهم وال يتسلون به فال جرم قد يرى
هلم العامل عني مشهودهم او يظهر هلم مشهودهم يف مرآة العامل ليخف عنهم ذلك الثقل
ساعة ومنشأ هذا القسم االخري من التوحيد مل يكن معلوما هلذا احلقري بطريق الكشف
والذوق بل املعلوم هو اجلهتان السابقتان وهذا القسم ظين وهلذا مل كتبت يف كتيب
ورسائلي االّ هاتني اجلهتني بل اجلهة الثانية فقط وجعلت التوحيد الوجودي منحصرا فيها
ولكن ملا وقع املرور ببلدة دهلي احملروسة بعد رحلة مرشدي وقبليت بنية زايرة قربه الشريف
اتفاقا وذهبت لزايرة قربه الشريف يوم عيد ظهر يف اثناء التوجه اىل مزاره املتربك من
روحا نيته املقدسة التفات اتم ومنحين من كمال الطافه واشفاقه للغرابء نسبته اخلاصة
املنسوبة اىل اخلواجه احرار قدس سره وملا وجدت تلك النسبة يف نفسي وجدت حقيقة
تلك العلوم واملعارف بطريق الذوق ابلضرورة وعلمت ان منشأ التوحيد الوجودي فيهما
ليس هو االجنذاب القليب وغلبة احملبة بل املقصود من تلك املعرفة ختفيف تلك احملبة ومل ار
اظهار هذا املعن مناسبا اىل مدة مديدة ولكن ملا كان ذلك الوجهان السابقان مذكورين
يف بعض الرسائل وقع من ذل ك اانس قليلوا الدراية يف توهم انه يلزم من هذا البيان تنقيص
هذين الشيخني اجلليلني ابن طريقهما طريق أرابب التوحيد واطالوا هبذا السبب لسان
الفتنة حت صار ذلك التوهم يف بعض الطالب القليلي االخالص واليقني ابعثا على فتور
احواهلم فرأيت املصلحة يف اظهار هذا القسم من التوحيد ابلضرورة ورأيت املناسب ذكر
تلك الواقعة لالس تشهاد فحررهتا لذلك (نقل) درويش من خملصي شيخنا عنه انه قال ان
- 562 -
الناس يزعمون ابان نكتسب النسبة من مطالعة كتب ارابب التوحيد وليس كذلك بل
املقصود ان نغفل انفسنا ساعة وهذا الكالم مؤيد للكالم السابق (ونقل) معدن الفضيلة
الشيخ عبد احل ق الذي هو من خملصي شيخنا عنه انه قال قبيل اايم رحتله قد صار
معلوما لنا بيقني يقني ان التوحيد الوجودي سكة ضعيفة والطريق السلطاين غريه وان
كنت أعلم ذلك قبل ذلك ولكن اآلن قد ظهر هذا القسم من اليقني به ويفهم من هذا
الكالم ايضا انه مل يكن ملشربه مناسبة ابلتوحيد الوجودي يف آخر االمر وان كان قد ظهر
مثل هذا التوحيد يف ابتداء احلال فليس ذلك بضائر بل قد ظهر مثل هذا التوحيد لكثري
من املشائخ يف ابتداء امرهم مث انقلعوا عنه يف اآلخر (وايضا) ان بني طريق اخلواجه
النقشبند وطريق اخلواجه احرار فرقا ومغارية بعد الوصول اىل مقام اجلذبة النقشبندية
وكذلك بني علومهما ومعارفهما ايضا فرق وغالب توجه اخلواجه احرار بعد ذلك اىل
نسبة اجداده من طرف امه وكانوا كرباء بطنا بعد بطن وهذا الفناء واالنعدام الذي ذكر
فيما سبق من لوازم نسبة هؤالء االكابر وهذا الفقري اختار لرتبية الطالبني طريق حضرة
اخلواجه النقشبند ملصلحة ابناء هذا الوقت ورأيت املناسب ظهور علوم هذا الطريق
ومعارفه اليت هي اكثر مناسبة بعلوم الشريعة يف مثل هذا الزمان الفاسد الذي ظهر فيه
ضعف اتم يف اركان الشريعة فعينت هذا الطريق الفادة الطالبني فلو اراد احلق سبحانه
ت رويج الطريقة االحرارية بواسطة هذا احلقري لنور العامل أبنوارها فاين قد اعطيت انوار كل
من هذين الشيخني املعظمني على وجه الكمال وكشف عن طريق تكميل كل منهما ان
الفضل بيد هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم {شعر}:
مليك من عنايته ولطفه * العطى للفقري العاملينا
{آخر}:
فاذا أتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا
وقد اوردت بعض االسرار اخلفية حبكم واما بنعمة ربك فحدث يف معرض الظهور
نفع احلق سبحانه الطالبني هبا واين وان كنت اعلم اهنا ال تزيد املنكرين غري االنكار ولكن
- 563 -
املقصود افادة الطالبني واملنكرون خارجون عن املبحث ومبعدون عن مطمح النظر يضل
به كثريا ويهدي به كثريا وال خيفى على ارابب البصرية ان اختيار طريق من الطرق الجل
مصلحة ال يستلزم افضلية هذا الطريق على طريق آخر وال يلزم منه تنقيصه {شعر}:
وميكن غلق ابواب احلصون * ولكن ال جناة من الكالم
{املكتوب الثاين والتسعون واملائتان اىل الشيخ محيد البنگايل يف بيان اآلداب
الضرورية للمريدين ودفع بعض الشبه}
الرحيم احلمد هلل الذي أدبنا ابآلداب النبوية وهذبنا ابالخالق الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
املصطفوية عليه و على آله افضل الصالة و السالم وازكى التحية (اعلم) ان سالكي هذا
الطريق ال خيلون عن احد احلالني اما ان يكونوا مريدين واما ان يكونوا مرادين (فان) كانوا
مرادين فطوىب هلم يوصل هبم اىل املطلب االعلى من طريق االجنذاب واحملبة من غري
اختيار ويعلمون كل ادب الزم بواسطة او بال واسطة فان صدرت عنهم زلة ينبهون عليها
سريعا وال يؤا خذون هبا فان احتاجوا اىل شيخ ظاهر يهتدون اليه من غري سعي عنهم
وابجلملة ان العناية االزلية متكفلة حلال هؤالء االكابر وال بد من حصول امرهم بسبب او
بال سبب وهللا جيتيب اليه من يشاء (وان كانوا) مريدين فأمرهم من غري شيخ كامل مكمل
عسري والشيخ ينبغي ان يكون مشرفا بدولة اجلذبة والسلوك ومستسعدا بسعادة الفناء
والبقاء وان يكون قد أمت السري اىل هللا والسري يف هللا والسري عن هللا ابهلل والسري يف
االشياء ابهلل فان كانت جذبته مقدمة على سلوكه وترىب برتبية املرادين فهو كربيت امحر
كالمه دواء ونظره شفاء احياء القلوب امليتة منوط بتوجهه الشريف وتزكية النفوس العاتية
مربوطة ابلتفاته اللطيف فان مل يوجد صاحب دولة مثل ذلك فالسالك اجملذوب ايضا
مغتنم حيصل منه تربية الناقصني ويصلون بوساطته اىل دولة الفناء والبقاء {شعر}:
مت قسنا السما ابلعرش ينحط * وما أعاله ان قسنا أبرض
فان اهتدى الطال ب يعناية احلق جل سلطانه اىل مثل هذا الشيخ الكامل املكمل
- 564 -
ووصل اليه ينبغي ان يغتنم وجوده وان يفوض نفسه اليه ابلتمام وان يعتقد سعادته يف
مرضياته وشقاوته يف خالف مرضياته وابجلملة ينبغي ان جيعل هواه اتبعا لرضاه ويف اخلرب
النبوي عليه الصالة و السالم لن يؤمن احدكم حت يكون هواه اتبعا ملا جئت به (اعلم
ان) رعاية آداب الصحبة ومراعاة شرائطها من ضرورايت هذا الطريق حت يكون طريق
االفادة واالستفادة مفتوحا وبدوهنا ال نتيجة للصحبة وال مثرة للمجالسة ولنورد بعض
اآلداب والشرائط الضرورية يف معرض البيان ينبغي استماعها بسمع العقل (اعلم) انه
ينبغي للطالب ان يعرض بقلبه عن مجيع اجلهات وان يتوجه به اىل شيخه وان ال يشتغل
ابلنوافل واالذكار مع وجود الشيخ بال اذنه وال يلتفت يف حضوره اىل غريه بل جيلس لديه
متوجها بكليته اليه حت ال يشتغل عنده ابلذكر ايضا اال ان أيمره به وال يصلي يف
حضوره غري الفرائض والسنن (ونقل) عن سلطان هذا الوقت ان وزيره كان قائما عنده
فالتفت الوزير يف ذلك الوقت اتفاقا اىل ثوبه واصلح ازراره بيده فوقع نظر السطان عليه
يف هذا احلال فرآه متوجها اىل غريه فقال له بلسان العتاب اان ال اقدر ان اهضم هذا
الفعل تكون وزيري وتلتفت يف حضوري اىل غريي وتشتغل ابصالح ازرار ثوبك فينبغي
التأمل اذا كانت رعاية اآلداب الدقيقة الزمة يف وسائل الدنيا الدنية تكون رعاية اآلداب
الزمة على الوجه االمت يف وسائل الوصول اىل هللا و مهما امكن ال يقوم يف حمل يقع ظله
على ثوب شيخه او على ظله وال يضع رجله يف مصاله وال يتوضأ يف متوضاه وال
يستعمل ظروفه اخلاصة به وال يشرب ماء وال أيكل طعاما وال يكلم احدا يف حضوره بل
ال يكون متوجها اىل احد وال ميد رجله عند غيبة شيخه اىل جانب هو فيه وال يرمي بزاقه
اىل ذلك اجلانب وكل شئ يصدر عن شيخه يعتقده صوااب وان مل ير صوااب يف الظاهر
فانه يفعل ما يفعله بطريق االهلام واالذن فال يكون لالعرتاض جمال على هذا التقدير وان
تطرق اخلطأ اىل اهلامه يف بعض الصور فان اخلطأ االهلامي كاخلطإ االجتهادي ال جيوز فيه
املالمة واالعرتاض وايضا ان املريد ال بد من ان حيصل له حمبة الشيخ وكل ما يصدر عن
احملبوب يكون حمبواب يف نظر احملب فال يكون لالعرتاض جمال وليقتد بشيخه يف الكلي
- 565 -
واجلزئي سواء كان يف االكل والشرب او اللبس او النوم او الطاعة وينبغي ان يصلي
الصالة على طرز صالته وان أيخذ الفقه من عمله {شعر}:
من كان يف قصره احلسناء قد فرغا * من التنزه يف البستان واملرج
وال يرتك يف نفسه جماال لالعرتاض على حركاته وسكناته أصال وان كان االعرتاض
مقدار حبة خردلة فانه ال نتيجة لالعرتاض غري احلرمان واشقى مجيع اخلالئق وابعدهم عن
السعادة الذين يرون عيوب هذه الطائفة جناان هللا سبحانه من هذا البالء العظيم وال
يطلب من شيخه الكرامات وخوارق العادات وان كان هذا الطلب بطريق اخلواطر
والوساوس فهل مسعت قط ان مؤمنا طلب من نبيه معجزة وامنا طلبها الكفار واهل
االنكار {شعر}:
املعجزات مفيدة قهر العدا * ونتيجة التقليد ذاك االقتدا
ما املعجزات مفيدة االميان بل * قد جيذب التقليد حنو االهتدا
فان عرضت خلاطره شبهة يعرضها على شيخه من غري توقف فان مل تنحل فلري
التقصري من نفسه وال جيوز عود منقصة اصال اىل جانب شيخه فان وقعت عليها واقعة
ال يكتمها عن شيخه ويطلب تعبري الوقائع منه ويعرض عليه ايضا ما انكشف له من
التعبري ويطلب منه متييز صوابه عن خطائه وال يعتمد على كشوفه اصال فان احلق ممتزج
ابلباطل يف هذه الدار والصواب خمتلط ابخلطإ وال يفارقه بال ضرورة وال اذن منه فان
اختيار الغري وتفضيله عليه مناف لالرادة وال يرفع صوته فوق صوته وال يتكلم معه برفع
صوته فانه سوء ادب وكل فيض وفتوح يرد عليه فليعتقد انه بواسطة شيخه فان رأى يف
الواقعة ان الفيض يرد عليه من مشائخ إخر فلريه ايضا من شيخه وليعلم ان الشيخ ملا كان
جامعا للكماالت والفيوضات وصل اليه منه فيض خاص مناسب الستعداده اخلاص
املالئم لكمال شيخ من الشيوخ أعين الذي ظهرت منه صورة االفاضة وان لطيفة من
لطائف شيخه هلا مناسبة بذلك الفيض ظهرت يف صورة ذلك الشيخ فتخيل املريد تلك
اللطيفة بواسطة االبتالء شيخا وظن ان الفيض منه وهذه مغلطة عظيمة حفظنا هللا من
- 566 -
زلة االقدام ورزقنا االستقامة على اعتقاد الشيخ وحمبته حبرمة سيد البشر عليه و على آله
الصالة و السالم وابجلملة الطريق كله آداب مثل مشهور ال يصل العاري عن اآلداب اىل
هللا تعاىل فان رأى املريد نفسه مقصرا يف رعاية بعض اآلداب ومل يبلغ حدا دائها كما
ينبغي ومل يقدر ان خيرج عن عهدهتا ابلسعي فهو معفو عنه ولكن البد من االعرتاف
ابلتقصري فان مل يراع اآلداب عياذا ابهلل سبحانه ومل ير نفسه مقصرا فهو حمروم من بركات
هؤالء االكابر {شعر}:
من مل يكن حنو السعادة مقبال * فشهوده وجه النيب ال ينفعه
نعم اذا وصل املريد بربكة توجه الشيخ ومهته اىل مرتبة الفناء والبقاء وظهر له طريق
االهلام والفراسة وسلم له الشيخ ذلك وصدقه وشهد له ابلكمال واالكمال فحنيئذ يسوغ
ملث ل هذا املريد ان خيالف شيخه يف بعض األمور االهلامية وان يعمل مبقتضى اهلامه وان
حتقق عند الشيخ خالفه فان املريد قد خرج حينئذ عن ربقة التقليد والتقليد خطأ يف حقه
اال ترى ان االصحاب الكرام خالفوا رأي النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف االمور
االجتهادية واالحكام ال غري املنزلة وظهر الصواب يف بعض االوقات يف جانب االصحاب
كما ال خيفي على ارابب العلم اويل االلباب فعلم ان خمالفة الشيخ بعد الوصول اىل مرتبة
الكمال واالكمال جموز وعن سوء االدب مربأ بل االدب هنا هو هذه املخالفة واال
فاصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم كانوا مؤدبني بكمال االدب مل يفعلوا شيئا بال
تقليد وتقليد ايب يوسف ااب حنيقة رمحهما هللا تعاىل بعد بلوغه مرتبة االجتهاد خطأ
والصواب امنا هو متابعة رأيه ال رأي ايب حنيفة وقد اشتهر عن االمام ايب يوسف رمحه هللا
انه قال انزعت ااب حنيقة يف مسئلة خلق القرآن ستة اشهر (ولعلك) مسعت ان تكميل
الصناعة بتالحق االفكار فاهنا لو بقيت على فكر واحد ملا حصلت فيها الزايدة اال ترى
ان النحو الذي كان يف زمن سيبويه حصل له اليوم ابختالف اآلراء وتالحق االفكار
واالنظار زايدة مائة امثاله وبلغ هناية كماله ولكن ملا كان هو واضع بنائه ومؤسس اساسه
ك ان الفضل له الفضل للمتقدمني ولكن الكمال هلؤالء املتأخرين مثل اميت مثل املطر ال
- 567 -
يدري اوله خري ام آخره حديث نبوي عليه و على آله الصالة و السالم (تنبيه لرفع شبهة
بعض املريدين اعلم) اهنم قالوا الشيخ حييي و مييت االحياء واالماتة من لوازم مقام
املشيخة واملراد ابالحياء االحياء الروحي ال اجلسمي وكذلك املراد ابالماتة الروحية ال
اجلسمية واملراد ابحلياة واملوت الفناء والبقاء اللذان يوصالن اىل مقام الوالية والكمال
والشيخ املقتدى به متكفل هبذين االمرين ابذن هللا سبحانه فال بد اذا للشيخ من هذين
فمعن حييي و مييت يبقى ويفين وال دخل لالحياء واالماتة يف مقام املشيخة وحكم
الشيخ املقتدى به كحكم كهرابء كل من له مناسبة به يعدو من ورائه وينجذب اليه
كاحلشيش ابلنسبة اىل كهرابء وينال منه نصيبه مستويف وليست الكرامات وخوارق
العادات جلذب املريدين فان املريدين ينجذبون اليه ابملناسبة املعنوية واما الذين ال مناسبة
هلم هبؤالء االكابر فهم حمرومون من نعم كماالهتم وان شاهدوا الوفا من كراماهتم ينبغي ان
يستشهد هلذا املعن أبيب جهل وايب هلب قال هللا سبحانه يف حق الكفار وان يروا كل آية
ال يؤمنوا هبا حت اذا جاءوك جيادلونك يقول الذين كفروا ان هذا اال اساطري االولني و
السالم.
منازعة يف بعض االحيان فنرجو من عنايتكم كتابة ما انطوى يف هذين الكالمني من
املعن والفرق بينهما وإرساله الينا ولتكن الكتابة ابلتوجه التام مشتملة ما هلا وما عليها من
الكالم وواضحة لتكون قريبة من فهم هذا الغريب (أيها املخدوم) ان هذا الفقري قد كتب
يف رسائله ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كان له وقت اندر مع وجود استمرار
الوقت وان ذلك الوقت النادر كان يف حني اداء الصالة ولعلك مسعت الصالة معراج
املؤمن وارحين اي بالل شاهد عدل يف اثبات هذا املطلب وميكن ان يكون ابو ذر الغفاري
ايضا مشرفا هبذه الدولة بطريق الوراثة والتبعية فان لكمل اتبعيه عليه الصالة و السالم
نصيبا وافرا وحظا كامال من مجيع كماالته صلّى هللا عليه و سلّم بطريق الوراثة (واما ما
قال) حضرة الشيخ عبد القادر اجليالين قدس سره قدمي هذه على رقبة كل ويل هللا او
مجيع االولياء فقد جعل صاحب العوارف الذي هو مريد الشيخ ايب النجيب السهروردي
ومرابه وكان من حمارم الشيخ عبد القادر ومصاحبيه هذه الكلمة من الكلمات اليت
صدرت عن املشائخ يف بداية االحوال بواسطة بقااي السكر ونقل يف النفحات عن الشيخ
محاد الذي هو من شيوخ حضرة الشيخ عبد القادر اجليالين انه قال بطريق الفراسة ان
هلذا العجمي قدما تكون يف وقته على رقبة مجيع االولياء و يكون مأمورا ألبتة ابن يقول
قدمي هذه على رقبة كل ويل هللا ويقول ذلك ألبتة ويضع االولياء مجيعهم رقاهبم يعين
تواضعا وختضعا و على كل حال ان حضرة الشيخ حمق يف هذا الكالم سواء صدر عنه
من بقااي السكر او حالة الصحو وسواء كان مأمورا ابظهاره او ال فان قدمه كانت على
رقاب مجيع االولياء يف ذلك الوقت وكان اولياء ذلك الوقت مجيعهم حتت قدمه ولكن
ينبغي ان يعلم ان هذا احلكم خمصوص ابولياء ذلك الوقت دون االولياء املتقدمني عليه
واملتأخرين عنه فاهنم خارجون عن هذا احلكم كما يفهم من كالم الشيخ محاد ان قدمه
تكون يف وقته على رقبة مجيع االولياء وأيضا انه كان يف بغداد غوث فذهب الشيخ عبد
القادر وابن السقا وعبد هللا[ ]1لزايرته فقال ذلك الغوث بطريق الفراسة يف حق الشيخ
( )1وهو ابو سعيد عبدهللا ابن ايب عصرون ام ام الشافعية يف وقته وهوالذي نقل هذه احلكاية بطوهلا على ما يف الفتاوى
- 569 -
كأين اراك تصعد املنرب يف بغداد وتقول قدمي هذه على رقبة كل ويل هللا وارى اولياء
وقتك يضعون رقاهبم وخيفضوهنا اجالال لك واكراما ويفهم من كالم هذا الغوث ايضا ان
هذا احلكم كان خمصوصا ابولياء ذلك الوقت فاذا اعطى احلق سبحانه يف هذا الوقت
ايضا شخصا بصرا بصريا يرى مثل ما رأى ذلك الغوث ان رقاب اولياء ذلك الوقت حتت
قدمه وان هذا احلكم ال يتجاوز اىل غري اولياء ذلك الوقت وكيف جيوز هذا احلكم يف
االولياء املتقدمني فان فيهم االصحاب الكرام عليهم الرضوان وهم افضل من حضرة
الشيخ بيقني وكيف يتمشى ايضا يف املتأخرين فان فيهم املهدي الذي بشر النيب عليه
الصالة و السالم بقدومه ووجوده وقال انه خليفة هللا وكذلك عيسى على نبينا وعليه
الصالة و السالم الذي هو من االنبياء اويل العزم من السابقني وملحق ابصحاب خامت
الرسل مبتابعة شريعته عليه الصالة و السالم ولعل وجه ما قاله النيب صلّى هللا عليه و سلّم
ال يدري اوهلم خري ام آخرهم هو جاللة شأن متأخري هذه االمة (وابجلملة) ان حلضرة
الشيخ عبد القادر يف الوالية شأان عظيما ودرجة عليا اوصل الوالية اخلاصة احملمدية من
طريق السر اىل النقطة االخرية وصار رأس حلقة تلك الدائرة (ال يتوهم) هنا ان الشيخ اذا
كان رأس حلقة دائرة الوالية احملمدية ينبغي ان يكون افضل من مجيع االولياء فان الوالية
احملمدية فوق مجيع والايت االنبياء على نبينا وعليهم الصالة و السالم (الان) نقول انه
رأس حلقة الوالية احملمدية احلاصلة من طريق السر كما مر ال رأس حلقة تلك الوالية
مطلقا حت يلزم االفضلية او نقول ان كون رأس حلقة الوالية احملمدية مطلقا ليس مبستلزم
لألفضلية النه ميكن ان يكون غريه اسبق قدما منه يف كماالت النبوة احملمدية بطريق
التبعية والوراثة فتثبت االفضلية له من جهة تلك الكماالت ويف مجاعة من مريدي حضرة
الشيخ عبد ال قادر غلو كثري يف حقه وجتاوز اىل جانب االفراط يف احملبة مثل حميب علي
كرم هللا وجهه املفرطني فيه ويفهم من فحوى كالم هؤالء اجلماعة وكلماهتم اهنم يعتقدون
الشيخ افضل من مجيع االولياء املتقدمني واملتأخرين وال يعلم اهنم يفضلون عليه احدا غري
االنبياء عليهم الصالة و السالم وهذا من افراط احملبة (فان قيل) ان الكرامات وخوارق
العادا ت اليت ظهرت من حضرة الشيخ مل تظهر من ويل اصال فيكون الفضل له (قلت)
ان كثرة ظهور اخلوارق ال داللة فيها على االفضلية بل ميكن ان يكون الذي مل يظهر منه
خارق اصال افضل من الذي ظهرت منه خوارق وكرامات قال شيخ الشيوخ يف العوارف
بعد ذكر الكرامات وخوارق املشائخ للعادات وكل هذه مواهب هللا تعاىل وقد يكاشف
هبا قوم ويعطى وقد يكون فوق هؤالء من ال يكون له شيئ من هذا الن هذه كلها تقوية
اليقني ومن منح صرف اليقني ال حاجة له اىل شئ من هذا فكل هذه الكرامات دون ما
ذكرانه من جتوهر الذكر يف القلب وجعل كثرة ظهور اخلوارق دليال على االفضلية كجعل
كثرة فضائل علي كرم هللا وجهه ومناقبه دليال على افضليته على الصديق رضي هللا عنه
فانه مل يظهر منه هذا القدر من الفضائل واملناقب (امسع ايها االخ) ان خوارق العادات
على نوعني النوع االول العلوم واملعارف االهلية اليت تتعلق بذات الواجب جل وعال
وصفاته وافعاله وراء طور نظر العقل وخالف املتعارف املعتاد وجعل احلق سبحانه عباده
اخلاصة ممتازين هبا والنوع الثاين كشف صور املخلوقات واالخبار عن املغيبات اليت تتعلق
ابلعامل والنوع االول خمصوص ابهل احلق وارابب املعرفة والنوع الثاين شامل للمحق واملبطل
فانه حاصل الهل االستدراج ايضا والنوع االول له شرافة واعتبار عند احلق جل وعال
لكونه خمصوصا أبوليائه وعدم مشاركة اعدائه فيه والنوع الثاين معترب عند عوام اخلالئق
ومعزز ومكرم عند انظارهم حت لو ظهر ذلك من اهل االستدراج يكادون يعبدونه من
جهلهم ويطيعونه وينقادون له فيما أيمرهم به من رطب وايبس وينهاهم بل احملجوبون ال
يعدون النوع االول من اخلوارق والكرامات واخلوارق منحصرة عندهم يف النوع الثاين
والكرامات خمصوصة عندهم بكشف صور املخلوقات واالخبار عن املغيبات ما ابعدهم
عن العقل اي شرافة واي كرامة يف علم يتعلق ابحوال املخلوقات حاضرة كانت او غائبة
بل االليق واالنسب ان يبدل مثل هذا العلم جهال ليحصل نسيان املخلوقات واحواهلا
والالئق اب لشرافة والكرامة هو معرفة احلق تعاىل وتقدس وهي املستحقة لالعزاز واالحرتام
- 571 -
{شعر}:
ومليحة مهجورة ودميمة * مقبولة من اجل ذا عقلي عطل
{غريه}
ورب مليح ال حيب وضده * يقبل منه العني واخلد والفم
وقريب مما ذكران ما قال شيخ االسالم اهلروي واالمام االنصاري يف منازل السائرين
وشارحه والذي ثبت عندي ابلتجربة ان فراسة اهل املعرفة امنا هي يف متيزهم من يصلح
حلضرة هللا جل وعال ممن ال يصلح ويعرفون اهل االستعداد الذين اشتغلوا ابهلل سبحانه
ووصلوا اىل حضرة اجلمع وهذه فراسة اهل املعرفة واما فراسة اهل الرايضة ابجلوع واخللوة
وتصفية الباطن من غري وصلة اىل جانب احلق تعاىل فلهم فراسة كشف الصور واالخبار
ابملغيبات املختصة ابخللق فاهنم ال خيربون اال عن اخللق الهنم حمجوبون عن احلق سبحانه
واما اهل املعرفة فالشتغاهلم مبا يرد عليهم من معارف احلق تعاىل ال يكون اخبارهم اال عن
احلق تعاىل وملا كان العامل اكثرهم اهل انقطاع عن هللا سبحانه واشتغال ابلدنيا مالت
قلوهبم اىل اهل كشف الصور واالخبار عما غاب من احوال املخلوقات فعظموهم
واعتقدوا اهنم اهل هللا وخاصته واعرضوا عن كشف اهل احلقيقة واهتموهم فيما خيربون عن
هللا سبحانه وقالوا لو كان هؤالء اهل احلق كما يزعمون الخربوان عن احوالنا واحوال
املخلوقات واذا كانوا ال يقدرون على كشف احوال املخلوقات فكيف يقدرون على
كشف امور اعلى من هذه وكذبوهم هبذا القياس الفاسد وعميت عليهم االنباء
الصحيحة ومل يعلموا ان هللا تعاىل قد محى هؤالء عن مالحظة اخللق وخصهم وشغلهم
عما سواه محاي ة هلم وغرية عليهم ولو كانوا ممن يتعرض الحوال اخللق ما صلحوا للحق
سبحانه وقد رأينا اهل احلق اذا التفتوا ادىن التفات اىل كشف الصور ادركوا منها ما ال
يقدر غريهم على ادراكه ابلفراسة اليت يثبتها اهل املعرفة وهي الفراسة فيما يتعلق ابحلق
سبحانه وما يقرب منه واما فراسة اهل الصفاء اخلارجني املتعلقني ابخللق فال يتعلق جبناب
احلق سبحانه وال ما يقرب منه ويشرتك املسلمون و النصارى واليهود وسائر الطوائف فيها
- 572 -
السلوك تكون ملحقة بكلياهتا و يكون شهود اجلزئيات شهود الكليات و يكون الفرق
ابالصالة والتبعية واالمتياز بوجود التوسط وعدمه فان ما جيده التابع ويراه ال ميكن ان
يكون بدون توسط االصل ورمبا ال يعلم التابع من قصوره االصل متوسطا ولكن االصل
حائل يف احلقيقة بني التابع ومشهوده ال انه حائل مانع عن الشهود بل هو ابعث على
الشهود كاملنظر الصايف وال جيوز ان يرتقى جزئيات كلي اىل غريه ابن خترج منه وتدخل
حتت كلي آخر و يكون مشهودها مشهود ذلك الكلي اآلخر مثل ان ينتقل الذين كانوا
حتت قدم موسى مثال اىل حتت قدم عيسى ولكن ميكن ان يدخلوا حتت قدم حممد بل
هم حتت قدمه صلّى هللا عليه و سلّم دائما فان رب حممد رب االرابب واصل مجيع تلك
الكليات فيكون ابلنسبة على تلك اجلزئيات اصل االصل وكأن هذا الرتقي اىل اصل
االصل ال اىل اصل مباين الصلها والفرق حينئذ بني اجلزئيات وبني كلياهتا هو ان للجزئي
حائلني احدمها اصله الذي هو كلي له واثنيهما اصل االصل والكلي الذي هو اصل
ذلك اجلزئي حجابه اصل االصل فقط فعلم من هذا ان شهود حممد رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم بال حجاب التعينات وشهود غريه يف حجب التعينات وال اقل من ان يكون
يف حجاب التعني احملمدي ومن ههنا قالوا ان جتلي الذات من خاصة حممد رسول هللا
صلّى هللا عليه و سلّم وجتلي غريه يف حجب الصفات وال أقل من ان يكون يف حجاب
رب االرابب فان رب حممد فوق مجيع االمساء والصفات سوى صفة احلياة (فان قيل)
يلزم على هذا البيان ان شهود سائر االنبياء عليهم الصالة و السالم يف حجاب مبدإ
التعني احملمدي الذي هو ربه وشهود اولياء امته الذين هم حتت قدمه صلّى هللا عليه و
سلّم ابالصالة ايضا يف حجاب رب االرابب كشهود سائر االنبياء فما الفرق بني شهود
سائر االنبياء وبني شهود اولياء امته عليه الصالة و السالم (قلت) ان لالنبياء عليهم
السالم شهودا آخر غري هذا الشهود الذي هو يف حجاب احلقيقة احملمدية حصل هلم
ذلك الشهود من طريق مبادئ تعيناهتم يشاهدون منه غيب الغيب ابالصالة واضعني
مناظرهم املخصوصة هبم على ابصار بصائرهم (ينبغي) ان يعلم ان حصول هذين
- 574 -
الشهودين ليس هو مبعن اهنما يتحققان معا بل مبعن ان الرتقي اذا بلغ اصل االصل
فشهوده يف حجاب احلقيقة احملمدية كعيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم حيث انه
يشرف هبذه الدولة بعد نزوله وهذا الرتقي متعسر جدا بل قريب من االستحالة البد من
الفضل العظيم من طرف هللا تعاىل ويف عامل االسباب البد من شفقة الشيخ احملمدي
املشرب فان مل يرتق من اصله ومل ينفك من حقيقته ومل يصل اىل حقيقة احلقائق فشهوده
امنا هو يف حقيقته املخصوصة به (اعلم وتنبه) كما ان اىل حضرة ذات احلق تعاىل وتقدس
طريقا من حقيقة احلقائق يوصل منه اليه تعاىل بعد منازل كثرية كذلك من سائر احلقائق
الكليات ايضا طريق اليها حيصل الوصول منه اليه تعاىل وتقدس بعد طي مراحل متكثرة
غاية ما يف الباب ان يف طريق حقيقة احلقائق الوصل العراين ويف سائر الطرق وان تيسر
وصل الذات ولكن احلجاب الرقيق كالغاللة من منتهى اصول حقيقة احلقائق العالية اليت
هي احلقيقة احملمدية حائل يف البني وهو وان مل يكن حاجزا حصينا ومانعا متينا ولكن
صا رت حاجزيته مانعة عن اطالق التجلي الذايت وإال فلسائر االنبياء عليهم السالم ايضا
نصيب من الذات تعالت وتقدست ابالصالة ولكمل اممهم ايضا بتبعيتهم (فان قيل) اذا
كانت صفة احلياة فوق صفة العلم كان تعني صفة احلياة يف طريق حقيقة احلقائق ايضا
حائال فكيف يكون فيه الوص ل العراين وكيف يكون فيه التجلي الذايت (اجيب) ان ذلك
التعني كال تعني النه يصري ممحوا ومتالشيا يف املرتبة الفوقانية وال يبقى له اعتبار يف مرتبة
الذات أصال وسائر الصفات وان مل يكن هلا أيضا اعتبار يف مرتبة الذات ولكنها قبل
وصوهلا اىل مرتبة الذات تتالشى بنوع ما خبالف صفة احلياة فاهنا تصل اىل مرتبة الذات
مث تتالشي فيها وهلذا كان تعني احلقيقة احملمدية وسائر تعينات اخلالئق دائما وصار زواهلا
يف مرتبة من املراتب حماال نعم ان الوصول اىل شئ غري االضمحالل فيه وما وقع يف عبارة
بعض املشائخ قدس هللا أسرارهم من لفظ احملو واالضمحالل فاملراد به احملو النظري ال
احملو العيين يعين يرتفع تعني السالك عن نظره ال انه يصري ممحوا يف نفس االمر فانه احلاد
وزندقة ومحل بعض انقصي ارابب هذا الطريق هذه االلفاظ املومهة على احملو
- 575 -
واالضمحالل العيين ووصلوا به اىل الزندقة وانكروا الثواب والعذاب االخرويني وختيلوا اهنم
يعودون من الكثرة اىل الوحدة مرة أخرى كما وردوا من الوحدة اىل الكثرة اول مرة وزعموا
ان تلك الكثرة تصري مضمحلة يف الوحدة وخال بعض هؤالء الزاندقة ذلك االمنحاء
واالضمحالل قيامة كربى وانكر احلشر والنشر واحلساب والصراط وامليزان ضلوا فأضلوا
كثريا من الناس ورأيت شخصا من هؤالء اجلماعة يستشهد ملطلبه بشعر موالان عبد
الرمحن اجلامي قدس سره هذا {شعر}:
جامي معاد ومبدأ ما وحدتست وبس * ما در ميانه كثرة موهوم و السالم
{ترمجة}:
ما مبدأ و ال معاد صاح اال وحدة * ما حنن يف ذالبني اال كثرة موهومة
ومل يعلموا ان مراد موالان اجلامي هبذا البيت العود والرجوع اىل الوحدة ابعتبار
النظر والشهود يعين ال يبقى املشهود غري الذات االحد وختتفي الكثرة عن النظر ابلتمام
ال الرجوع العيين والعود الوجودي ولعل هبم عمي اما يرون انه مل يزل العجز والنقص
واالحتياج عن كامل اصال فما يكون معن الرجوع الوجودي اىل الوحدة فان ختيلوا ان
هذا الرجوع امنا يكون بعد املوت فهم كفار وزاندقة حيث ينكرون العذاب االخروي
ويبطلون دعوة االنبياء عليهم السالم (فان قيل) أنت قد كتبت يف بعض رسائلك ان فناء
االخفى خمصوص ابلوالية احملمدية فما معن هذا الكالم (اجيب) قد علم من التحقيق
السابق ان الوصل العراين خمصوص ابلوالية احملمدية وان ما سواها وان ارتفعت فيها
احلجب ولكن ال بد من حيلولة حجاب رقيق كالغاللة حاصل من توسط احلقيقة احملمدية
كما مر فاالخفى الذي هو هناية املراتب االنسانية يف العلو تبقى منه بقية على قدر تلك
ا حليلولة فال جيوز اطالق الفناء املطلق فيه مبالحظة تلك البقية ومن الذي جيد بقاء تلك
البقية غري احملمدي املشرب بل ان حصلت حدة النظر هذه لواحد من الوف من احملمدي
املشرب فهو ايضا مغتنم فان مشائخ الطبقات تكلم اكثرهم اىل الروح والسر ال يدري هل
تكلم احد عن اخلفي او ال فكيف عن االخفى والذي خاض يف حبر االخفى وادرك كل
- 576 -
ذرة من ذراته واطلع عليها فهو كربيت امحر ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل
العظيم (فان قيل) ان اعتقادك هو ان كلما حيصل للنيب عليه و على آله الصالة و السالم
من الكماالت يكون منها نصيب لكمل اتباعه ايضا بطريق التبعية فيلزم منه ان يكون
من الوصل العراين نصيب هلم ايضا واحلال ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم حائل يف البني
(اجيب) ان حيلولة النيب ال تضر يف الوصل العراين فان ذلك الوصل ابلتبعية ال ابالصالة
فاحليلولة تكون مؤكدة للتبعية ال منافية هلا فان معن التبعية حتقق املتوسط ال ارتفاعه فانه
مناسب لالصالة فتثبت احليلولة وحيصل الوصل العراين ايضا ابلتبعية فافهم (فان قيل) ما
وجه اطالق الوصل العراين والتجلي الذايت يف مادة كمل اتباعه صلّى هللا عليه و سلّم
وعدم جتويز هذا االطالق يف حق سائر االنبياء عليهم السالم وما الفرق بينهما مع ان
حيلولة نبينا صلّى هللا عليه و سلّم حاصلة يف كال املادتني (اجيب) ان جتويز هذا
االطالق يف مواد كمل االتباع ابعتبار التبعية فان توسط نيب ليس مبناف هلذا االطالق
كما مر خبالف سائر االنبياء عليهم السالم فانه لو جوز هذا االطالق يف حقهم يكون
ابعت بار االصالة فان هؤالء االكابر قطعوا املنازل ابالصالة ووصلوا اىل حضرة الذات
تعالت وتقدست وال شك ان حصول املتوسط وحتققه يف صورة االصالة يكون منافيا
لذلك االطالق فصار الفرق واضحا (ينبغي) ان يعلم ان فرق االصالة والتبعية فيما بني
االنبياء املتقدمني وكمل اولياء هذه االمة موجب الفضلية االنبياء عليهم السالم فان
االصل مقصودي والتابع طفيلي وان صح اطالق الوصل العراين والتجلي الذايت يف مادة
االتباع ومل يصح ذلك االطالق يف املتبوعني يعين االنبياء عليهم السالم ولكن ما قدر
طفيلي يف جنب املقصودي حت يدعى التساوي له وكيف يتصور املساواة فان تلك
الدولة يف االصل على الوجه االمت واالكمل ويف التابع على وجه االسم والرسم ولكن هذه
املناسبة تصحح النسبة وجتعل التابع كاملتبوع وهلذا قال خامت الرسل عليه وعليهم الصالة
و السالم علماء اميت كانبياء بين اسرائيل فالح من هذا البيان واتضح ان حصول التجلي
الذايت الولياء هذه االمة ال يكون مومها لفضلهم على االنبياء الذين ليس فيهم التجلي
- 577 -
الذايت فافهم فانه من مزلة اال قدام وانصف فان هذه العلوم مما استأثر هللا سبحانه هذا
العبد هبا حبرمة حبيبه حممد عليه و على آله الصالة و السالم (فان قيل) املقرر ان
املقصود من خلق العامل هو خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم وغريه طفيلي يف
نفس الوجود ويف حصول الكماالت ويصلون اىل الدرجات العلى بتبعيته وهلذا يكون آدم
ومن دونه حتت لوائه وانت تقول ان دولة الوصول لسائر االنبياء عليهم السالم بطريق
االصالة ال بطريق التبعية فما وجه ذلك (قلت) كما ان حملمد رسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم طريقا من حقيقته اىل حضرة الذات تعالت وتقدست كذلك لسائر االنبياء عليهم
السالم ايضا من حقائقهم طرق اىل حضرة الذات تعاىل شأه ال تبعية فيهم يف هذا
الوصول خبالف االمم فاهنم يصلون اىل املطلب بتبعية االنبياء من طريق حقائقهم
املناسب الستعداد كل منهم واألصالة مفقودة يف حقهم غاية ما يف الباب ان وصول
سائر االنبياء عليهم السالم وان كان ابالصالة ولكنه ليس بوصل عراين فان حقيقة خامت
الرسل عليه الصالة و السالم صارت حجااب رقيقا عن املطلوب فكل فيض وارد يتصل
هبذه احلق يقة اوال ابلضرورة مث يصل بتوسطها اىل اآلخرين ومعن التبعية حصول هذا
التوسط فتلك االصالة ال تنايف هلذه التبعية ينبغي حسن التأمل ان التبعية اليت ثبتت يف
حقهم وراء تلك التبعية فاهنا منافية لالصالة كما مر غري مرة فافرتقا (فان قيل) هل يف
مراتب العروج نصيب للكمل من مرتبة صفة احلياة او ال (قلت) نعم (فان قيل) قد مر ان
هناية هذه الصفة اضمحالل وتالش يف حضرة الذات تعالت وتقدست فما يكون نصيب
الكمل من مقام احملو والتالش وقد قلت فيما سبق ان تعينات احلقائق ليس هلا
اضمحالل عيين فان كان فنظري فان القول ابالضمحالل العيين مفض اىل الزندقة
(قلت) من اين يلزم يف حصول النصيب منها االضمحالل العيين بل االضمحالل
النظري كاف فيه وان كانت املراتب متفاوتة يف ذلك االضمحالل فافهم وهللا سبحانه
اعلم حبقيقة احلال و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله
من الصلوات امتها ومن التسليمات اكملها.
- 578 -
فتكون تفرقة الظاهر يف بعض االوقات مستحسنة ايضا واما تفرقة الباطن فليست
مبستحسنة يف وقت من االوقات فانه خالص حق هللا سبحانه فيكون ثالث حصص من
العبد املسلم الجل احلق سبحانه متام الباطن ونصف الظاهر وبقى النصف اآلخر من
الظاهر الداء حقوق اخللق وملا كان يف اداء تلك احلقوق امتثال اوامر احلق سبحانه صار
ذلك النصف ايضا راجعا اىل احلق سبحانه و تعاىل اليه يرجع االمر كله فاعبده.
اثبتة فعلى هذا لو ثبت انكشاف بسيط حقيقي ال يكون له تعلق بواحد من املعلومات
و يكون مجيع املعلومات منكشفة هبذا االنكشاف الواحد فأي عجب فيه فان استحالة
مجع الضدين مفقودة يف ذلك املوطن فاهنا مشروطة ابحتاد الزمان واجلهة وال جمال هنا
للزمان اذ ال جيرى عليه سبحانه زمان واحتاد اجلهة ايضا مفقود للفرق ابالمجال والتفصيل
وهذا كمن يقول اان ارى االسم والفعل واحلرف اليت كل واحد منها قسيم لآلخر متحدا
بعضها ببعض يف مرتبة الكلمة يف آن واحد وأجد املنصرف غري منصرف واملبين عني
معرب ويقول ومع وجود هذه اجلامعية ال تعلق للكلمة بواحد من هذه االقسام ومستغنية
عنها ابلتمام ال ينكر احد من العقالء على هذا الشخص وال يستبعدون كالمه فلم
يستبعدون ما حنن فيه ويتوقفون عن قبوله وهلل املثل االعلى (فان قيل) مل يقل احد مثل
هذا الكالم (قلت) ما الضرر فيه فانه وان مل يقل به أحد ولكنه ليس مبخالف لكالم
اآلخرين وليس ايضا مما ال يناسب ملرتبة الوجوب تعالت وتقدست {ع}:
كل انت خربزة والغري فالوذجا
(واملثال) الذي ميكن ايراده يف املخلوقات لتوضيح هذه املعرفة هو اهنم قالوا ان
العلم ابلعلة مستلزم للعلم ابملعلول واملدركة متوجهة يف هذه الصورة ابصالة اىل العلة
ومتعلقة هبا وحيصل العلم ابملعلول بتبعية العلم ابلعلة من غري جتدد تعلق آخر به ولكن
ارابب املعقول ال جيوزون معلومية املعلول يف هذه الصورة ايضا من غري تعلق العلم
ابملعلول يف مرتبة اثنية وان مل يكن ذلك التعلق ابالصالة ولكن ال يعلم وجود مثال اقرب
من هذا املثال واملقصود التوضيح ال االثبات وهللا تعاىل اعلم حبقائق االمور كلها و
السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات والتحيات
املباركات.
{املكتوب السابع والتسعون واملائتان اىل موالان بدر الدين يف حتقيق احاطة
احلق وسراينه سبحانه و تعاىل وتوضيح ذلك أبمثلة وبيان رعاية حفظ املراتب
- 582 -
الوجوبية واالمكانية}
(اعلم) ان احاطة احلق سبحانه ابالشياء وسراينه فيها كاحاطة اجململ ابملفصل و
سراينه فيه كالكلمة مثال سارية يف مجيع اقسامها من االسم والفعل واحلرف وكذا يف
اقسام االقسام من املاضي واملضارع واالمر والنهي واملصدر واسم الفاعل واسم املفعول و
املستثن املنقطع واملتصل واحلال والتمييز والثالثي والرابعي واخلماسي واحلروف اجلارة و
الناصبة واحلروف املختصة ابالفعال واحلروف املختصة ابالمساء واحلروف الداخلة عليهما
اىل غري ذلك من االمساء احلاصلة من التقسيمات الغري املتناهية فهذه االقسام كلها
ليست غري الكلمة بل هذه اعتبارات مندرجة حتت الكلمة ما زاد يف تفصيلها ومتييزها عن
الكلمة ومتييز بعضها عن بعض شئ اال اعتبار العقل ويف اخلارج ليست اال الكلمة وهلذا
صح احلمل ولكن لكل مرتبة من املراتب اسم خيتص هو هبا واحكام ال توجد يف غريها
مثال الدال على املعن ابالستقالل مع االقرتان ابلزمان فعل و بغري االقرتان اسم وغري
الدال على املعن ابالستقالل حرف وكذا املقرتن ابلزمان املاضي فعل ماض وابلزمان احلال
واالستقبال مضارع وما وجد فيه علتان من العلل التسعة املشهورة فغري منصرف واال
فمنصرف وحروف عملها اجلر جارة وحروف عملها النصب انصبة فاطالق اسم مرتبة
على مرتبة أخرى واجراء احكام احديهما على األخرى كاطالق الفعل املاضي على
املضارع واملنصرف على غري املنصرف واجلارة على الناصبة مع كون املراتب كلها ليست
اال الكلمة ضاللة وخروج عن الصراط السوي فنقول وهللا سبحانه اعلم ان لكل مرتبة من
مراتب تنزل الوجود امسا خمتصا هبا واحكاما ال توجد اال فيها فالوجوب الذايت واالستغناء
الذايت خمتصان مبرتبة اجلمع وااللوهية واالمكان الذايت واالفتقار الذايت خمتصان مبرتبة
الكون والفرق واملرتبة األوىل مرتبة الربوبية واخلالقية واملرتبة الثانية مرتبة العبودية واملخلوقية
فلو اطلق اسامي احديهما على األخرى واجري االحكام املختصة مبرتبة على مرتبة أخرى
لكان زندقة وكفرا حمضا والعجب من بعض املالحدة والزاندقة اهنم كيف خيلطون املراتب
وجيرون احكام مرتبة على مرتبة أخرى فيصفون املمكن بصفات الواجب والواجب
- 583 -
بصفات املمكن مع علمهم بتمايز صفات املمكن الذي هو مرتبة واحدة بعضها عن
بعض واختالف احكامهم وعلمهم بعدم زوال متايزهم واختالف احكامهم اصال مع
احتادهم يف املرتبة الكونية فاهنم يعلمون ابلبداهة مثال ان احلرارة واالشراق من صفات النار
املختصة هبا ليست واحدة منها يف املاء وال يوصف هبا املاء وكذا الربودة اليت اختصت
ابملاء ليست يف النار وكذا مييزون ابلضرورة بني ازواجهم وامهاهتم وحيكمون بتفرقة
احكامهن وهللا سبحانه اهلادي اىل سبيل الرشاد و السالم على من اتبع اهلدي
{املكتوب الثامن والتسعون واملائتان اىل السيد حمب هللا املانكپوري يف بيان
الوصول اىل هناية االمر بطريق االشارة ولطيف العبارة ومل يطلع على سر هذا املعمى
احد غري املخدوم االكرب عليه الرمحة والرضوان}
اعلم أرشدك هللا ملا كان السري مدة مديدة يف الظالل وجدت الوصول اىل الظل
عني احلص ول واآلن ملا تيسر الوصول اىل االصل ليس احلصول غري الظل كاملرآة الكائنة
يف يد شخص الواصلة اليه ال نصيب له من الشخص اال ظله فافهم فان كالمنا اشارة
(واعلم) ان العبارة املناسبة لبيان الطريق اليت حررت بطريق الرمز واالشارة رأيتها مناسبة
هلذا املقام وجعلتها مندرج ة يف هذا املكتوب ايضا ينبغي ان يفهما ذكر كثري مأخوذ من
شيخ صاحب عرفان املداومة عليه الرجوع اىل فضل الرمحن الوصل العراين والباقي كلهم
حسبان و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله من
الصلوات أمتها ومن التسليمات أكملها.
بني فيه املصيبات اان هلل واان اليه راجعون ينبغي الصرب والتحمل والرضاء ابلقدر {شعر}:
ان كنت تؤذيين فلست مبعرض * وقد استطبت من االعزة ذليت
قال هللا تبارك و تعاىل وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثري
وقال تعاىل ظهر الفساد يف الرب والبحر مبا كسبت ايدي الناس وقد هلك يف هذا الوابء
م ن شؤم اعمالنا البقرات لكثرة اختالطها بنا وماتت النساء اكثر من الرجال فان تعلق
بقاء نوع االنسان بوجودهن اكثر والذي فر من املوت يف هذا الوابء وسلم فالرتاب على
حياته والذي مل يهرب ومات فطوىب له وبشرى له ابلشهادة وقد جزم شيخ االسالم ابن
احلجر يف كتاب بذل املاع ون يف فضل الطاعون ابن امليت ابلطعن ال يسئل النه نظري
املقتول يف املعركة وابن الصابر يف الطاعون حمتسبا يعلم انه ما يصيبه اال ما كتب له اذا
مات فيه بغري الطعن ال يفنت ايضا النه نظري املرابط كذا ذكره الشيخ االجل السيوطي يف
كتاب شرح الصدور بشرح احوال املوتى والقبور وقال وهو حجة جدا والذي مل يهرب ومل
ميت من مجلة الغزات واجملاهدين ومن زمرة الصابرين واملبتلني ولكل شخص اجل مسمى
ال تقدمي فيه وال أتخري وسالمة اكثر اهلاربني امنا هي لعدم جمئ اجلهم ال ان الفرار جناهم
من املوت وهالك اكثر الصابرين امنا هو لبلوغ اجلهم فليس الفرار ينجي وال االستقرار
يهلك وهذا الفرار كالفرار يوم الزحف معصية كبرية ومن مكر هللا سبحانه حيث يسلم
اهلاربني ويهلك الصابرين يضل به كثريا ويهدي به كثريا وقد مسعنا صربكم وحتملكم
وامدادكم واعانتكم للمسلمني جزاكم هللا سبحانه خريا وال يضيقن قلبكم يف تربية
اال طفال وحتمل اذاهم فان املرجو ترتب اجر جزيل عليه وما ذا اكتب ازيد من ذلك و
السالم.
{املكتوب املوىف ثالمثائة اىل املخدوم زاده جامع العلوم العقلية والنقلية جمد
الدين حممد معصوم سلمه هللا تعاىل يف بيان االسرار الغامضة واملعارف الغريبة بلسان
الرمز واالشارة واندرج فيه ايضا امياء من قاب قوسني او ادىن}
- 585 -
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اذا حصل لالنسان الكامل اسم
اجلامعية بعد ما طوى مراتب االمساء والصفات ابلسري التفصيلي وصار مرآة لكماالت
االمساء والصفات االهلية جل سلطانه واختفى عدمه الذايت الذي هو مرآة تلك
الك ماالت ابلتمام ومل يكن فيه شئ غري تلك الكماالت ظاهرا ففي هذا الزمان يتشرف
ابلبقاء اخلاص الذي هو منوط بتلك الكماالت بعد حصول الفناء التام الذي هو مربوط
ابختفاء عدمه ويصدق عليه اسم الوالية وبعد ذلك اذا كانت العناية االزلية شاملة حلاله
ميكن ان تنعكس تلك الكماال ت اليت كان العارف ابقيا هبا مرة اثنية يف مرآة حضرة
الذات وان تظهر فيها ويف هذا الوقت يظهر سر قاب قوسني (ينبغي) ان يعلم ان ظهور
شئ فيها يف هذا املوطن كناية عن حصول نسبة جمهولة للشيئ بتلك املرآة ال ان فيه
حقيقة املرآة وحصول الشئ فيها وهلل املثل االعلى فاذا صارت تلك الكماالت اليت كان
العارف ابقيا هبا منعكسة يف مرآة جناب القدس بطريق احلقيقة واالصالة وظهرت فيها
وحصلت هلا فيها النسبة اجملهولة الكيفية فال جرم يطلق حينئذ عليها اان الذي كان متعلقا
ابلعارف وترى نفسها عني تلك الكماالت الظاهرة وهناية عروج اان يف مقام قاب قوسني
اىل هنا (امسع أيها الولد) ان مرآة الصورة اليت ينعكس فيها احلسن واجلمال لو حصل هلا
فرضا احلياة والعلم يعين لو ادركت ظهور احلسن واجلمال فيها لكانت ابلضرورة متلذذة به
وحمتظة حبظ أوفر ويف مرآة احلقيقة وان كانت اللذة واالمل مفقودين لكوهنما من صفات
االمكان ولكن األمر الالئق بتلك املرتبة العليا املربأ عن مسات النفص واحلدوث كائن
واثبت فيها {شعر}:
خليلي ما هذا هبزل وامنا * حديث عجيب من غريب البدائع
(وهذه) الكماالت الظاهرة اليت حصلت هلا يف تلك املرتبة النسبة اجملهولة الكيفية
حكمها كحكم عامل اخللق االنساين ابلنسبة اىل عامل األمر وسر من عرف نفسه فقد
عرف ربه موجود وحاصل هنا وملا حصلت هلذه الكماالت الظاهرة اليت هي تفصيل
امجال حضرة الذات تعالت وتقدست نسبة جمهولة الكيفية حبضرة االمجال وتيسر هلا
- 586 -
اتصال بال كيف وصارت مرآة حلضرة االمجال ظهر يف حضرة االمجال التفصيل ايضا
ابلضرورة مبجرد االعتبار ومبحض التوهم وصار سببا لعروج اان العارف وهذا الكمال
مربوط مبقام او ادىن {ع}:
بلغ الرياع اىل هنا فتكسرا
وهذا هو بيان هناية النهاية وغاية الغاية الذي فهمه بعيد عن ادراك اخلواص مبراحل
فماذا تقول من العوام والذي اهتدى اىل هذه الدولة واملعرفة من اخص اخلواص ايضا اقل
قليل {شعر}:
واذا اتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا
وهذه النهاية ابعتبار الظهورات والتجليات ال يتصور بعد ذلك جتل وال ظهور
{شعر}:
ومن بعد هذا ما يدق صفاته * وما كتمه احظى لدى وامجل
و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله و على
مجيع االنبياء واملرسلني و على آل كل واملالئكة املقربني من الصلوات امتها واوليها ومن
التسليمات اكملها واعالها ومن التحيات ادومها وابقاها ومن الربكات أعمها وامشلها.
{املكتوب احلادي والثالمثائة اىل موالان امان هللا يف بيان قرب النبوة وقرب
الوالية والطرق املوصلة اىل قرب النبوة}
بعد احلمد والصلوات ليعلم ولدي امان هللا ان النبوة عبارة عن القرب االهلي جل
سلطانه الذي ليس فيه شائبة الظلية وعروجه انظر ومتوجه اىل احلق ونزوله اىل اخللق وهذا
القرب نصيب االنبياء عليهم الصالة و السالم ابالصالة وهذا املنصب خمصوص هبؤالء
االكابر عليهم السالم وخامت هذا املنصب سيد البشر صلّى هللا عليه و سلّم و يكون
عيسى عليه السالم بعد نزوله اتبعا لشريعة خامت الرسل غاية ما يف الباب ان لالتباع
- 587 -
واخلدام نصيبا من دولة املتبوعني واملخادمي وحصتهم فيكون لكمل االتباع ايضا نصيب
من قرب االنبياء عليهم الصالة و السالم و يكون من علوم ذلك املقام ومعارفه وكماالته
ايضا نصيب هلم بطريق الوراثة {ع}:
ولالرض من كأس الكرام نصيب
فحصول كماالت النبوة لالتباع بطريق التبعية والوراثة بعد بعثة خامت الرسل عليه
وعليهم الصالة و السالم ليس مبناف خلامتيته صلّى هللا عليه و سلّم فال تكن من املمرتين
(اعلم) اسعدك هللا ان الطريق املوصل اىل كماالت النبوة اثنان طريق مربوط بطي كماالت
مقام الوالية مفصلة ومنوط حبصول التجليات الظلية واملعارف السكرية اليت هي مناسبة
بقرب الوالية وبعد طي هذه الكماالت وحصول التجليات يوضع القدم يف كماالت
النبوة ويف هذا املقام وصول ابالصل وااللتفات اىل الظل ذنب والطريق الثاين هو الذي
يتيسر فيه الوصول اىل كماالت النبوة بدون توسط حصول كماالت الوالية وهذا الطريق
الثاين طريق سلطاين وأقرب اىل الوصول وكل من وصل اىل كماالت النبوة اال ما شاء هللا
وصل من هذا الطريق من االنبياء العظام والصحابة الكرام بتبعيتهم ووراثتهم والطريق
االول بعيد وطويل وعسري احلصول ومتعذر الوصول وقد ختيل طائفة من االولياء يف مقام
الوالية الذين تشرفوا بشرف النزول ان الكماالت اليت تتعلق مبقام النزول هي كماالت
النبوة وظنوا التوجه اىل اخللق الذي هو مناسب ملقام الدعوة انه من خصائص مقام النبوة
وليس كذلك بل هذا النزول كالعروج من مقام الوالية وفوق مقام الوالية عروج ونزول غري
ذينك يتعلقان ابلنبوة وهذا التوجه اىل اخللق غري ذاك التوجه اىل اخللق الذي هو مناسب
ملقام النبوة وهذه الدعوة غري تلك الدعوة اليت عدوها من كماالت النبوة وماذا يصنعون
فاهنم مل يضعوا اقدامهم يف خارج دائرة الوالية ومل يدركوا حقيقة كماالت النبوة وظنوا
نصف الوالية الذي هو جانب العروج متام الوالية وزعموا نصفها اآلخر الذي هو جانب
النزول مقام النبوة {شعر}:
وليس لشئ كامن جوف صخرة * سواها مسوات لديه وال ارض
- 588 -
(وميكن) ان يتيسر الوصول لشخص ابلطريق االول وجيمع كماالت الوالية والنبوة
املفصلة وحيصل له متييز ما بني كماالت هذين املقامني كما ينبغي ويفرق بني عروج كل
منهما ونزوهلما وحيكم ان نبوة نيب افضل من واليته (ينبغي) ان يعلم ان كماالت مقام
الوالية املفصلة وان مل تكن حاصلة بعد الوصول ابلطريق الثاين ولكن زبدة الوالية
وخالصتها ميسرة ابحسن الوجوه حبيث ميكن ان يقال ان أهل الوالية حصلوا من
كماالت الوالية قشرها وهذا الواصل حاز لبها نعم ان هذا الواصل قليل النصيب من
بعض العلوم السكرية والظهورات الظلية اليت حاصلة الرابب الوالية وهذا املعن ليس
مبوجب للمزية بل هذه العلوم والظهورات عيب وعار على ذلك الواصل بل تليق أبن
تعدها ذنبا وسوء ادب نعم ان واصل االصل منقبض ومستغفر من ظالل ذلك االصل
والتعلق ابلظل امنا هو حني عدم الوصول اىل اصل ذلك الظل والتعلق به بعد الوصول اىل
اصله من عدم احلاصل والتوجه اليه سوء االدب (أيها الولد) ان حصول كماالت النبوة
مربوط مبوهبة حمضة ومنوط بتكرمة صرفة ال مدخل للتمحل وجتشم الكسب فيه اصال اي
عمل واي كسب يكون منتجا هلذه الدولة العظمى واي رايضة واية جماهدة تكون مثمرة
هلذه النعمة االسن خبالف كماالت الوالية فان مباديها ومقدماهتا كسبية وحصوهلا مربوط
ابلرايضة واجملاهدة وان جاز ان يكون بعض االشخاص مشرفا هبذه الدولة ايضا من غري
جتشم كسب ومباشرة عمل والفناء والبقاء اللذان الوالية عبارة عنهما ايضا من املوهبة
يشرف هبما بعد كسب املقدمات ابلفضل والكرم كل من اريد له ذلك ورايضات رسول
هللا صلّى هللا عليه و سلّم وجماهداته قبل البعثة وبعدها مل تكن لتحصيل هذه الدولة بل
كان املنظور منافع وفوائد أخر مثل قلة احلساب وكفارة الزالت البشرية وارتفاع الدرجات
ومراعاة صحبة امللك املرسل الذي هو برئ من االكل والشرب وكثرة ظهور اخلوارق
املناسبة ملقام النبوة (ينبغي) ان يعلم ان حصول هذه املوهبة يف حق االنبياء عليهم السالم
بال توسط ويف حق اصحاهبم الذين تشرفوا هبذه الدولة ابلتعبية والوراثة امنا هو بتوسط
االنبياء عليهم السالم وبعد االنبياء واصحاهبم قل من تشرف هبذه الدولة وان كان
- 589 -
{املكتوب الثاين والثلثمائة اىل املخدوم زاده جامع العلوم الظاهرية والباطنية
جمد الدين حممد معصوم سلمه هللا تعاىل يف بيان فرق الوالايت الثالث وان النبوة
أفضل من الوالية وبعض خصائص مقام النبوة وما يناسب ذلك}
إعلم ارشدك هللا تعاىل ان الوالية عبارة عن قرب اهلي ال يتصور بال شائبة الظلية
وال حيصل بدون حيلولة احلجب فان كانت والية االولياء فمتسمة بسمة الظلية ألبتة
ووالية االنبياء وان كانت خارجة عن الظلية ولكنها غري متحققة بدون حيلولة حجب
االمساء والصفات ووالية املل االعلى وان كانت فوق حجب االمساء والصفات ولكنها
البد هلا من حجب الشؤون واالعتبارات واليت مل يتطرق عليها شائبة الظلية وتركت
حجب االمساء والصفات يف الطريق امنا هي النبوة والرسالة فتكون النبوة افضل من الوالية
ابلضرورة و يكون قرب النبوة ذاتيا واصليا ومن مل يطلع على حقيقتهما حكم ابلعكس
وجزم ابلقلب فيكون الوصول يف مرتبة النبوة واحلصول يف مقام الوالية فان احلصول ال
يتصور بدون مالحظة الظلية خبالف الوصول وايضا ان يف كمال احلصول رفع االثنينية
ويف كمال الوصول بقاء االثنينية فرفع االثنينية يكون مناسبا ملقام الوالية وبقاء االثنينية
- 590 -
مالميا ملرتبة النبوة فاذا كان رفع االثنينية مناسبا ملقام الوالية يكون السكر يف مجيع الوقت
الزما ملقام الوالية ابلضرورة وحيث كان يف مرتبة النبوة بقاء االثنينية يكون الصحو من
خواص تلك املرتبة وايضا ان حصول التجليات سواء كان يف كسوة الصور واالشكال او
يف حجب االلوان واالنوار كله يف مقامات الوالية ويف طي مقدماهتا ومباديها خبالف
مرتبة النبوة فان يف ذلك املوطن وصوال اىل االصل واستغناء عن التجليات والظهورات
اليت كلها ظالل ذلك االصل وكذلك االحتياج اىل تلك التجليات وقت طي مقدمات
تلك املرتبة ومباديها اال ان يقع العروج من طريق الوالية فحينئذ حصول تلك التجليات
بواسطة الوالية ال بواسطة طي مسافة طريق الوصول اىل كماالت النبوة وابجلملة ان
التجليات والظهورات تنبئ عن الظالل والذي ختلص عن التعلق ابلظالل ختلص عن
التجليات ينبغي ان يطلب سر ما زاغ البصر من ههنا (ايها الولد) ان اضطراب العشق
وطنطنة احملبة والنياح املهيجة للشوق والصياح املمتزجة ابلتأمل والذوق والوجد والرقص كلها
يف مقامات الظالل ويف أوان الظهورات والتجليات الظلية وبعد الوصول اىل االصل ال
يتصور حصول هذه االمور واحملبة يف ذلك املوطن مبعن ارادة الطاعة كما قال العلماء ال
أهنا معن زائد عليها منشأ للشوق والذوق كما ظن بعض الصوفية (امسع ايها الولد)
وحيث كان رفع االثنينية مطلواب يف مقام الوالية يسعى االولياء يف إزالة االرادة ابلضرورة
قال الشيخ البسطام اريد ان ال اريد وحيث كان رفع االثنينية غري منظور يف مرتبة النبوة مل
يكن زوال نفس االرادة مطلواب وكيف يكون مطلواب فان االرادة صفة كاملة يف حد ذاهتا
فان تطرق النقص اليها فامنا هو بواسطة خبث متعلقاهتا فينبغي ان ال يكون متعلقها امرا
خبيثا وغري مرضي بل يكون مجيع املرادات مرضي احلق سبحانه وكذلك جيتهدون يف مقام
الوالية يف نفي مجيع الصفات البشرية واملطلوب يف مرتبة النبوة نفي املتعلقات السوء هلذه
ال صفات ال نفي اصل هذه الصفات فاهنا كاملة يف حد ذاهتا مثال ان صفة العلم من
الصفات الكاملة فان تطرق اليها نقص فامنا هو من جهة سوء متعلقها فكان الضروري
نفي سوء املتعلق ال نفي اصلها و على هذا القياس فالذي وصل اىل مقام النبوة من طريق
- 591 -
الوالية ال بد له من نفي اصل الصفات يف اثناء الطريق والذي وصل اليه بدون توسط
الوالية ال حاجة له اىل نفي اصل الصفات بل ينبغي له نفي املتعلقات السوء هلذه
الصفات (ينبغي) ان يعلم ان املراد هبذه الوالية املذكورة الوالية الظلية اليت يعرب عنها
ابلوالية الصغرى ووالية االولياء واما والية االنبياء اليت جاوزت الظل فهي غريها واملطلوب
فيها نفي املتعلقات السوء للصفات البشرية ال نفي اصل تلك الصفات فاذا حصل نفي
متعلقات السوء للصفات حصلت والية االنبياء عليهم الصالة و السالم فان وقع العروج
بعد ذلك يكون متعلقا بكماالت النبوة فالح من هذا البيان انه ال بد للنبوة من اصل
الوالية فان الوالية من مباديها ومقدماهتا واما الوالية الظلية فال حاجة اليها يف الوصول
اىل كماالت النبوة بل تتفق للبعض وال يقع العبور عليها للبعض اآلخر فافهم وال شك ان
نفي اصل الصفات متعسر ابلنسبة اىل متعلقاهتا السوء فيكون حصول كماالت النبوة
اه ون وايسر واقرب ابلنسبة اىل حصول كماالت الوالية وهذا التفاوت ابلسري والقرب
جار يف كل امر له وصول اىل االصل ابلنسبة اىل امور مفارقة لالصل اال ترى ان كيمياء
االصل ميسر بسهولة العمل وحاصل ابقرب الطرق والذي فارق اصله يف حمنة وتعب
حبيث يفين عمره يف حتصيله ومع ذلك ال حاصل له غري احلرمان وما حصله بعد اللتيا
واليت له شباهة ابالصل وكثريا ما تزول عنه تلك الشباهة العارضة ويعود اىل اصله ويؤول
اىل الدانءة واخلباثة خبالف واصل اصله فانه مع وجود سهولة العمل وقرب الطريق امني
من خوف الزيوفة واخلباثة (وملا وصل) مجاعة من سالك هذا الطريق ابلرايضة الشاقة
واجملاهدة الشديدة اىل ظل من الظالل ظنوا ان الوصول اىل املطلب منوط ابلرايضات
الشاقة واجملادهات الشديدة ومل يعلموا ان له طريقا آخر اقرب من هذا الطريق وموصل اىل
هناية النهاية وهو طريق االجتباء الذي هو منوط مبجرد الفضل والكرم والطريق الذي
اختاره هؤالء اجلماعة هو طريق االانبة مربوط ابجملاهدة والواصلون من هذا الطريق اقل
قليل والواصلون من طريق االجتباء جم غفري االنبياء عليهم السالم كلهم ساروا على
طريق االجتباء واصحاهبم رضوان هللا عليهم امجعني ايضا وصلوا من طريق االجتباء
- 592 -
ابلتبعية والوراثة ورايضات ارابب االجتباء امنا هي الداء شكر نعمة الوصول قال عليه
الصالة و السالم يف جواب السائل عن وجه رايضاته الشديدة مع كون ذنوبه املتقدمة
واملتأخرة مغفورة افال اكون عبدا شكورا وجماهدات أهل االانبة الجل حصول الوصول
شتان ما بينهما وطريق االجتباء احلمل واجلذب على الطريق وطريق االانبة السري على
الطريق وبني اجلذب والسري فرق عظيم جيذب سريعا ويوصل به بعيدا والسائر يسري بطيئا
ورمبا يبقى يف الطريق قال حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس سره حنن املفضلون
نعم لوال الفضل كيف ميكن ان تكون هناية غريهم مندرجة يف بدايتهم ذلك فضل هللا
يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (ولنرجع) اىل اصل الكالم ونقول ان هذا الفقري قد
كتب فيما كتب اىل شيخه املعظم من العرائض انه قد ارتفعت مجيع املرادات ولكن نفس
االرادة ابقية على حاهلا مث كتب بعد مدة ان االرادة ايضا صارت مرتفعة مثل املرادات وملا
شرفه احلق سبحانه بوراثة االنبياء عليهم الصالة و السالم علم انه كان ارتفاع املتعلق
ابلسوء لتلك االرادة وزواله ال ارتفاع نفس االرادة فانه ال يلزم ارتفاع اصل االرادة يف
حصول ارتفاع املتعلق السوء على الوجه االمت واالكمل بل الشيئ كثريا ما يتيسر مبجرد
الفضل وال يتيسر عشر عشريه ابلتعمل والتكلف (أيها الولد) ينبغي يف مقام الوالية اليأس
واالعراض الكلي عن الدنيا واآلخرة وان يعد التعلق ابآلخرة كالتعلق ابلدنيا وان يرى
شوق اآلخرة كشوق الدنيا غري حممودة قال االمام داود الطائي ان اردت السالمة سلم
على الدنيا وان اردت الكرامة كرب على اآلخرة وقال غريه من هذه الطائفة ان يف قوله
تعاىل منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد اآلخرة اآلية شكاية من الفريقني (وابجلملة)
ان الفناء الذي هو عبارة عن نسيان ما سوى احلق سبحانه شامل للدنيا واآلخرة والفناء
والبقاء كالمها من اجزاء الوالية فال بد اذا يف الوالية من نسيان اآلخرة والتعلق ابآلخرة امنا
هو حممود يف كماالت النبوة وشوق اآلخرة امنا هو مرضي فيها بل الشوق واخلوف يف
ذلك املوطن هو شوق اآلخرة وخوفه والتعلق ابآلخرة قوله تعاىل يدعون رهبم خوفا وطمعا
وقوله تعاىل وخيشون رهبم وخيافون عذابه وقوله تعاىل والذين خيشون رهبم ابلغيب والذين
- 593 -
هم من الساعة مشفقون اوصاف ارابب هذا املقام بكاؤهم وانينهم من تذكر احوال
اآلخرة وأملهم وحزهنم من خوف اهوال يوم القيامة يستعيذون من فتنة القرب على الدوام
وخيافون من عذاب النار و يلتجئون منه اىل امللك اجلبار ابلتضرع التام شوق احلق جل
وعال عندهم هو شوق اآلخرة وحمبتهم حمبة اآلخرة فان اللقاء موعود يف اآلخرة وكمال
الرضا ايضا موقوف على اآلخرة الدنيا مبغوضة احلق جل وعال واآلخرة مرضيته وال ميكن
جعل املرضية مساوية للمبغوضة يف وقت من االوقات فان املبغوضة الئقة ابالعراض
واملرضية مستحقة لالقبال واالعراض عن املرضية عني السكر وخالف مدعوه تعاىل
املرضي وقوله تعاىل وهللا يدعو اىل دار السالم شاهد هلذا املعن وهللا سبحانه يرغب يف
اآلخرة ابملبالغة والتأكيد فاالعراض عن اآلخرة معارضة احلق سبحانه يف احلقيقة وسعي يف
رفع مرضيته وحيث كان لداود الطائي قدم راسخ يف الوالية قال مع جاللة شأنه يف حق
ترك اآلخرة انه كرامة أمل يعلم ان االصحاب الكرام عليهم الرضوان كلهم كانوا مبتلني
بفكر اآلخرة وخائفني وجلني من عذاهبا مر عمر رضي هللا عنه بدار انسان فسمع قارائ
يقرأ قوله تعاىل ان عذاب ربك لواقع ما له من دافع فسقط من مساع هذه اآلية من دابته
على االرض مغشيا عليه فحملوه اىل بيته فبقى من امل ذلك مريضا اىل مدة مديدة حت
كان الناس يعودونه نعم يتيسر نسيان الدنيا واآلخرة يف اواسط االحوال يف مقام الفناء
ويرى فيه التعلق ابآلخرة كالتعلق ابلدنيا واما اذا تيسر التشرف ابلبقاء وبلغ االمر هنايته
وألقت كماالت النبوة ظلها فحينئذ كل اهلم هم اآلخرة واالستعاذة من النار ومتين اجلنة ال
مناسبة الشجار اجلنة واهنارها وحورها وغلماهنا ابالشياء الدنيوية بل هؤالء يف طريف
النقيض مثل نقاضة الغضب والرضا واشجار اجلنة واهنارها ومجيع ما فيها نتائج االعمال
الصاحلة ومثراهتا قال رسول صلّى هللا عليه و سلّم ان اجلنة قيعان وان غراسها قولك
سبحان هللا واحلمد هلل وال اله اال هللا وهللا اكرب وقال من قال[ ]1سبحان هللا العظيم
وحبمده غرست له خنلة يف اجلنة فصارت شجرة اجلنة نتيجة التسبيح وكما ان الكماالت
( )1اخرج الرتمذي عن جابر رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فذكره منه عفي عنه.
- 594 -
التنزيهية يف هذه الكلمة مندرجة يف كسوة احلروف واالصوات كذلك يف اجلنة تعبأ تلك
الكماالت يف كسوة االشجار على هذا القياس مجيع ما يف اجلنة من نتائج االعمال
الصاحلة وما اندرج يف ضمن كسوة صالح قويل او فعلي من الكماالت الوجودية تعالت
وتقدست يظهر يف اجلنة يف حجب اللذات والتنعمات فيكون ذلك التلذذ والتنعم مقبوال
ومرضيا ابلضرورة ووسيلة للقاء والوصول فان كانت رابعة املسكينة واقفة على هذا السر
ملا خطر يف قلبها فكر احراق اجلنة وملا ترى التعلق هبا غري التعلق ابحلق سبحانه خبالف
التلذذ والتنعم الدنيوي فان منشأه اخلبث ونتيجته احلرمان يف اآلخرة اعاذان هللا سبحانه
منه فان كان التلذذ الدنيوي مباحا شرعيا فاحملاسبة امامنا فويل الف ويل ان مل أتخذ
الرمحة االهلية ابيدينا وان مل يكن مباحا شرعيا فهو مورد الوعيد الشديد ربنا ظلمنا انفسنا
وان مل تغفر لنا وترمحنا لنكونن من اخلاسرين فكيف يكون هلذا التلذذ مناسبة بذلك
التلذذ فان هذا سم قاتل وذاك ترايق انفع فهم اآلخرة اما نصيب عوام املؤمنني واما
نصيب اخص اخلواص واما اخلواص فهم يتربأون من هذا اهلم ويرون الكرامة يف خالفه
{ع}:
وللناس فيما يعشقون مذاهب
الصالة حي على الفالح كلمتان لطلب املصلي اىل اداء الصالة املؤدية ايل الفالح هللا
اكرب اي اكرب من ان يليق جبناب قدسه تعاىل عبادة احد ال اله اال هللا اي انه تعاىل ال
حمالة هو املستحق للعبادة وان مل تصدر العبادة من احد ما الئقة جبناب قدسه تعاىل
ينبغي ادراك عظمة شأن الصالة من عظمة شأن هذه الكلمات املوضوعة لالعالم بوقت
الصالة {ع}:
وعام الرخص يعلم من ربيع
اللهم اجعلين من املصلني املفلحني حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم امت الصلوات
وأكمل التحيات.
{املكتوب الرابع والثالمثائة اىل موالان عبد احلي يف بيان االعمال الصاحلة اليت
نيط هبا وعد دخول اجلنة يف اكثر اآلايت القرآنية ويف بيان اداء الشكر وبيان بعض
معاين الصالة واسرارها}
بعد احلمد والصلوات اعلم اسعدك هللا تعاىل انه كان يل تردد من مدة مديدة يف
ان املراد ابالعمال الصاحلة اليت جعل هللا سبحانه و تعاىل وعد دخول اجلنة مربوطا هبا يف
اكثر اآلايت القرآنية هل هو مجيع االعمال الصاحلة او بعضها فان كان اجلميع فذلك
متعسر فانه قل من يكون موفقا التيان اجلميع وان كان البعض فمجهول غري متعني
فافيض يف اخلاطر اخريا مبحض فضل احلق سبحانه انه لعل املراد بتلك االعمال الصاحلة
اركان االسالم اخلمسة اليت ب ين االسالم عليها فاذا اديت هذه األصول اخلمسة على وجه
الكمال فاملرجو ان تكون النجاة والفالح نقد الوقت فان هذه اخلمسة يف حد ذاهتا
اعمال صاحلة وموانع للسيآت واملنكرات قوله تعاىل ان الصالة تنهي عن الفحشاء
واملنكر شاهد هلذا املعن واذا تيسر اتيان هذه اخلمسة يرجى حصول اداء الشكر فاذا
حصل اداء الشكر حصلت النجاة من العذاب ما يفعل هللا بعذابكم ان شكرمت وآمنتم
فينبغي لالنسان ان جيتهد يف اتيان هذه اخلمسة غاية االجتهاد خصوصا يف اقامة الصالة
- 596 -
اليت هي عماد الدين وان ال يرضى برتك ادىن ادب من آداهبا مهما امكن فمن امت الصالة
فقد حصل اصال عظيما من اصول االسالم وحاز وانل حبال متينا الجل اخلالص وفاز
وهللا سبحانه املوفق ( اعلم) ان التكبرية األوىل يف الصالة اشارة اىل استغنائه وكربايئه تعاىل
من عبادة العابدين وصالة املصلني وسائر التكبريات اليت بعد كل ركن من االركان
اشارات ورموز اىل عدم لياقة اداء كل ركن الن يكون عبادة جلناب قدسه تعاىل وحيث
كان معن التكبري ملحوظا يف تسبيح الركوع مل يشرع التكبري بعد الركوع خبالف
السجدتني فاهنما مع وجود التسبيحات فبهما شرع التكبري يف اوهلما وآخرمها وذلك لئال
يتوهم احد ان السجود ملا كان هناية االحنطاط وغاية االخنفاض وكمال التذلل واالنكسار
قد ادى فيه حق العبادة والجل دفع هذا التوهم ايضا أختري يف تسبيح السجود لفظ
اعلى وسن تكرار التكبري وملا كانت الصالة معراج املؤمن شرع يف آخرها قرائة كلمات
شرف هبا رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ليلة املعراج فينبغي للمصلي ان جيعل صالته
معراجه وان يطلب فيها غاية القرب قال عليه و على آله الصالة و السالم أقرب ما
يكون العبد من الرب يف الصالة وملا كان املصلي مناجي ربه ومشاهد عظمته وجالله
حق ان يظهر فيه رعب وهيبة وقت اداء الصالة فالجل تسليته شرع ختم الصالة
ابلتسليمتني وما ورد عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم من التسبيح والتحميد والتكبري
والتهليل مائ ة مرة بعد اداء الصالة الفرض سره يف علم الفقري ان يتاليف ابلتسبيح والتكبري
ما وقع يف اداء الصالة من القصور والتقصري واالعرتاف بعدم لياقة تلك العبادة وعدم
متاميتها وحيث كان اداء العبادة ميسرا بتوفيق هللا تعاىل لزم اداء شكر تلك النعمة
ابلتحميد وان ال يرى مستحق العبادة غريه سبحانه و تعاىل فاذا كان اداء الصالة مقروان
ابلشرائط واآلداب وحصل بعد ذلك تاليف التقصريات وشكر نعمة التوفيق ونفي
استحقاق العبادة عن غريه تعاىل من صميم القلب هبذه الكلمات الطيبة فاملرجو ان
تكون هذه الصالة الئقة بقبوله تبارك و تعاىل وان يكون صاحبها مصليا مفلحا اللهم
اجعلين من املصلني املفلحني حبرمة سيد املرسلني عليه وعليهم و على آله الصلوات و
- 597 -
التسليمات.
{املكتوب اخلامس والثالمثائة اىل املري حمب هللا املانكپوري يف بيان اسرار
الصالة والفرق بني صالة املبتدئ والعامي وبني صالة املنتهى}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ارشدك الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
هللا تعاىل ان متامية الصالة وكماهلا عند الفقري عبارة عن اتيان فرائضها وواجباهتا وسننها
ومستحباهتا اليت كلها مبينة يف الكتب الفقهية ابلتفصيل وليس وراء هذه االمور االربعة
امر آخر له مدخل يف متامية الصالة فان اخلشوع يف الصالة مندرج ايضا يف هذه االربعة
وخضوع القلب ايضا منوط هبا واكتفى مجاعة بعلم هذه االمور واختاروا املساهلة واملداهنة
يف العمل هبا فال جرم قل نصيبهم من كماالت الصالة واهتم مجاعة حبضور القلب مع
احلق سبحانه وقل التفاهتم اىل آداب اعمال اجلوارح واقتصروا على الفرائض والسنن وهذه
اجلماعة ايضا مل يتنبهوا على حقيقة الصالة ومل يعرفوها وطلبوا كمال الصالة من غريها ومل
يعدوا[ ]1حضور القلب من مجلة احكام الصالة وما ورد يف اخلرب من انه ال صالة اال
حبضور القلب ميكن ان يكون املراد ابحلضور حضور القلب مع هذه االمور االربعة لئال
يقع فتور يف اتيان امر من هذه االمور وال يقع يف ذهن الفقري حضور وراء هذا احلضور
(فان قيل) اذا كان متامية الصالة وكماهلا مربوطا هبذه االمور االربعة ومل يكن امرا آخر
وراءه ملحوظا يف كماهلا ماذا يكون الفرق بني صالة املبتدي وبني صالة املنتهى بل بني
صالة العامي اليت تكون مقرونة ابتيان هذه االمور (قلت) ان الفرق من جهة العامل ال
من جهة العمل فان اجر عمل واحد يتفاوت بواسطة تفاوت عاملني حبيث يكون اجره
اذا وقع من عامل مقبول حمبوب اضعاف مضاعف ذلك االجر اذا وقع من غريه الن
( )1قوله ومل يعدوا اخل هكذا يف نسخ متعددة وهلذا ابقيناه على حاله واال ينبغي ان يكون وعدوا حضور القلب اخل النه
لو مل يكن حضور القلب عندهم من مجلة الصالة ملا صح تعليله ورده عليهم وملا صدق قوله وال يقع يف ذهن الفقري اخل
النه صريح يف انه ال يقول بوجود حضور يف الصالة غري ما ذكر كما قال به هؤالء منه.
- 598 -
العامل كلما يكون عظيم القدر يكون عمله جزيل االجر ومن ههنا قالوا ان العمل
املقرون ابلرايء من العارف افضل من عمل املريد ابالخالص فكيف اذا كان عمل العارف
مقروان ابالخالص وهلذا كان الصديق االكرب رضي هللا عنه يطلب سهو النيب صلّى هللا
عليه و سلّم معتقدا ان سهوه افضل من صوابه وعمده حيث قال اي ليتين كنت سهو
حممد متمنيا ان يكون بكليته سهوه عليه الصالة و السالم ومعتقدا ان اعماله التامة
واحواله الكاملة انقص من سهوه صلّى هللا عليه و سلّم يف العمل فسأل بتمام التمين ان
تكون درجة متامية حسناته كدرجة سهوه عليه الصالة و السالم وسهوه صلّى هللا عليه و
سلّم مثل سالمه على رأس ركعتني من رابعي الفرض بطريق السهو كما روى فصالة
املنتهى مع وجود النتائج والثمرات الدنيوية فيها يرتتب عليها اجر جزيل يف اآلخرة خبالف
صالة املبتدي والعامي {ع}:
ما نسبة الفرشي ابلعرشي
ولنذكر نبذة من خصائص صالة املنتهى ليقاس عليها غريها ان املنتهى جيد لسانه
احياان عند قراءة القرآن واتيان التسليمات والتكبريات كشجرة موسوية وال يرى قواه
وجوارحه غري اآلالت والوسائط وجيد احياان ان تعلق ابطنه وحقيقته قد انقطع عن ظاهره
وصورته ابلتمام وصار ملحقا بعامل الغيب وحصل نسبة ابلغيب جمهولة الكيفية واذا فرغ
من الصالة يرجع اثنيا (او نقول) يف جواب اصل السؤال ان اتيان االمور االربعة املذكورة
على وجه الكمال امنا هو نصيب املنتهى واملبتدي والعامي بعيدان عن ان يكوان موفقني
التياهنا على وجه الكمال وان كان ممكنا فاهنا لكبرية اال على اخلاشعني و السالم على
من اتبع اهلدى.
{املكتوب السادس والثالمثائة اىل موالان صاحل يف ذكر بعض مناقب املخدوم
زاده االكرب اخلواجه حممد صادق عليه الرمحة والغفران وكماالته واملخدومني
االصغرين اخلواجه حممد فرخ وحممد عيسى رمحهم هللا وبيان فناء أرابب الوالية وعدم
- 599 -
و التسليمات {ع}:
و أحسن ما ميلى حديث االحبة
(اعلم) ان املقصود من الفناء الذي هو عبارة عن نسيان ما سوى احلق تعاىل هو
زوال تعلق احملبة مبا دون احلق سبحانه فانه اذا زالت ذوات االشياء وصفاهتا وأفعاهلا عن
النظر واالدراك يزول تعلق احملبة هبا ابلضرورة وال بد يف طريق الوالية من نسيان السوى
ليزول ا لتعلق مبا دون احلق جل وعال ويف مدراج قرب النبوة ال حاجة يف زوال التعلق
ابالشياء اىل نسيان االشياء اصال فان يف قرب النبوة ال يبقى التعلق ابالصل الذي هو
حسن ومجيل يف حد ذاته امسا وال رمسا عن التعلق ابالشياء اليت هي قبيحة ال حسن فيها
يف نفسها سواء نسيت االشياء او ال فان صفة الذم امنا عرضت للعلم ابالشياء بواسطة
قبح التعلق هبا لكونه مستلزما لالعراض عن جناب قدسه تعاىل فاذا زال التعلق ابالشياء
زالت صفة الذم عن العلم هبا فلم يبق مذموما وكيف يكون العلم ابالشياء مذموما فان
االشياء كلها معلومات احلق جل سلطانه وعلمه هبا من صفاته الكاملة (فان قيل) اذا مل
يكن العلم مبا دون احلق جل وعال زائال فكيف جيتمع العلم ابحلق تعاىل مع العلم مبا سواه
سبحانه يف وقت واحد فال مندوحة اذا من نسيان ما سواه تعاىل (قلت) ان العلم املتعلق
ابالشياء من قبيل العلم احلصويل والعلم املتعلق حبضرة احلق سبحانه و تعاىل مشابه ابلعلم
احلضوري فكال العلمني جيتمعان يف وقت واحد وال يلزم منه حمذور اصال وامنا يلزم احملذور
اذا كان كال العلمني حصوليني (وامنا) قلنا من قبيل العلم احلصويل ومشابه ابلعلم
احلضوري فانه ليس هناك حقيقة احلصول وال جمال للحضور وعلمه تعاىل املتعلق ابالشياء
ليس حصوليا فانه ال حلول للحوادث يف ذاته تعاىل وصفاته وال حصول وعلم مثل هذا
العارف ظل من ذلك العلم والعلم املتعلق حبضرة احلق سبحانه ال ميكن ان يقال انه
حضوري فانه تعاىل أقرب اىل املدركة من نفس املدركة ايضا والعلم احلضوري ابلنسبة اىل
ذلك العلم كالعلم احلصويل ابلنسبة اىل العلم احلضوري وهذه املعرفة وراء طور العقل
والفكر من مل يذق مل يدر فتقرر ان العلم ابالشياء ليس مبناف للعلم ابحلق فال يكون
- 601 -
نسيان االشياء الزما اصال خبالف طريق الوالية فان زوال عالقة االشياء هناك غري
متصور بدون نسيان االشياء فان يف الوالية تعلقا ابلظالل وليس يف ذلك التعلق قدرة
ازالة التعلق ابالشياء مع وجود العلم هبا فال بد فيها اوال من نسيان االشياء حت تزول
التعلقات هبا وهذه معرفة خمصوصة هبذا الدرويش مل يتكلم هبا احد احلمد هلل الذي هداان
هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق.
{املكتوب السابع و الثالمثائة اىل موالان عبد الواحد الالهوري يف بيان معىن
الكلمة الطيبة سبحان هللا وحبمده وما يناسب ذلك}
الرحيم بعد احلمد والصالة ينبغي ان يعلم ان ما جيده العابد وقت
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
العبادة من احلسن والكمال يف عبادته كل ذلك راجع اىل توفيق هللا جل سلطانه ومن
حسن تربيته وإحسانه تعاىل وما جيده من النقصان والقصور يف العبادة كل ذلك عائد اىل
نفس العابد انش من خبثها اجلبلي وال شئ منها راجع اىل جناب قدسه تعاىل اصال بل
هناك حمض اخلري والكمال وكذلك كلما يقع يف العامل حسنه وكماله راجع اىل جناب
قدسه تعاىل وشره ونقصه عائد اىل دائرة املمكنات اليت هلا قدم راسخ يف العدم الذي هو
منشأ مجيع الشر والنقص والكلمة الطيبة سبحان هللا وحبمده مبينة هلذين االمرين اببلغ
الوجوه ومنزهة له سبحانه ومقدسة اايه تعاىل عما ال يليق جبناب قدسه تعاىل من الشرور
والنقائص كمال التنزيه والتقديس وبعبارة احلمد الواقعة فيها يؤدي الشكر على صفاته
احلميدة وافعاله اجلميلة و على انعاماته العديدة واحساانته اجلزيلة لكونه رأس كل شكر
وهلذا ورد يف احلديث[ ]1النبوي ان من قال هذه الكلمة الطيبة يف يوم او ليلة مائة مرة ال
يساويه احد يف العمل يف ذلك اليوم او الليلة اال من قال هذه الكلمة الطيبة مثله وكيف
يساويه فان كل عمل وعبادة أداء شكر من شكره تعاىل وقد أدى جبزء واحد من هذه
الكلمة وبقي اجلزء االخري منها الذي هو لبيان تنزيهه وتقديسه سبحانه زائدا عليه
فعليكم ابتيان هذه الكل مة كل يوم وليلة مائة مرة وهللا سبحانه املوفق (فان قيل) قد ورد
يف احلديث النبوي صلّى هللا عليه و سلّم سبحانه هللا[ ]1وحبمده عدد خلقه ورضاء نفسه
وزنة عرشه ومداد كلماته وورد ايضا سبحان هللا[ ]2ملء امليزان وورد ايضا اضعاف ما
محده مجيع خلقه ومل يقل القائل غري مرة واحدة ومل يقع العدد غري فرد واحد فبأي اعتبار
يقال عدد خلقه وما يكون معن رضاء نفسه وكيف يكون زنة عرشه وكيف يصح ان
يقال مداد كلماته وكيف ميأل به امليزان وأبي معن يقال انه اضعاف ما محده مجيع خلقه
(قلت) ان االنسان جامع عامل اخللق وعامل االمر وكلما هو يف عامل اخللق واالمر فهو يف
االنسان مع شئ زائد عليه وهو هيئته الوحدانية اليت نشأت من تركب اخللق واالمر وهذه
اهليئة الوحدانية مل تتيسر لشئ غريه وهي اعجوبة غربية وامنوذجة بديعة فاحلمد الذي يقع
من االنسان يكون اضعاف محد مجيع اخلالئق و على هذا القياس سائر االسئلة فينبغي
ان يكون املراد جبميع اخللق ما سوى االنسان ولئن ادخلنا فيه االنسان ايضا نقول ان
االنسان الكامل كما انه جيد مجيع افراد العامل اجزاء نفسه كذلك جيد افراد االنسان ايضا
اجزاء نفسه ويرى نفسه كال للكل فعلى هذا التقدير جيد محد نفسه اضعاف محد نفسه
واضعاف محد مجيع افراد االنسان ايضا و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة
املصطفى عليه و على آله افضل الصلوات واكمل التحيات.
{املكتوب الثامن والثالمثائة اىل موالان فيض هللا الپاين پيت يف بيان معىن قوله
صلّى هللا عليه و سلّم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان يف امليزان حبيبتان اىل
الرمحن سبحان هللا وحبمده سبحان هللا العظيم اهـ}
اعلم ارشدك هللا تعاىل قال عليه و على آله الصالة و السالم كلمتان خفيفتان
على اللسان ثقيلتان يف امليزان حبيبتان اىل الرمحن سبحان هللا وحبمده سبحان هللا العظيم
وجه خفتهما على اللسان ظاهر لقلة احلروف واما وجه ثقلتهما يف امليزان وكوهنما
حبيبتني اىل الرمحن فالن اجلزء االول من الكلمة األوىل يفيد تنزيهه تعاىل وتقديسه
سبحانه عما ال يليق جبناب قدسه عز وجل وابعاد جناب كربايئه عن صفات النقص
ومسات احلدوث والزوال واجلزء الثاين من تلك الكلمة يفيد اثبات صفات الكمال
وشئوانت اجلمال له تعاىل سواء كانت الصفات والشؤانت من الفضائل او من الفواضل
وجعل االضافة لالستغراق يف اجلزئني يفيد ثبوت مجيع التنزيهات والتقديسات وثبوت
مجيع صفات الكمال واجلمال له تعاىل فحاصل اجلزئني من الكلمة األوىل ارجاع مجيع
التنزيهات والتقديسات هلل سبحانه واثبات مجيع صفات الكمال واجلمال له عز وجل
وحاصل جزئي الكلمة الثانية اثبات مجيع التنزيهات والتقديسات له تعاىل مع اثبات
العظمة والكربايء له عز وجل وفيها اشارة اىل ان سلب النقائص عنه تعاىل ليس اال الجل
عظمته وكربايئه سبحانه فال جرم تكون الكلمتان ثقيلتني يف امليزان حبيبتني اىل الرمحن
وايضا ان التسبيح مفتاح التوبة بل زبدة التوبة وخالصتها كما حققت يف بعض املكاتيب
السيّئات فال جرم يكون ثقيال يف امليزانفيكون التسبيح وسيلة اىل حمو الذنوب وعفو ّ
ومرجحا لكفة احلسنات وحبيبا اىل الرمحن النه سبحانه حيب العفو وايضا ان املسبح
احلامد ملا نزه جناب قدسه عما ال يليق به واثبت صفات الكمال واجلمال له تعاىل
فاملرجو من الكرمي الوهاب جل شأنه ان ينزه املسبح عما ال يليق به ويوجد يف احلامد
صفة الكمال كما قال تعاىل هل جزاء االحسان اال االحسان فال جرم تكون الكلمتان
السيّئات بتكرارمها وحبيبتني اىل الرمحن لوجود االخالق احلميدة
ثقيلتني يف امليزان حملو ّ
بواسطتهما و السالم.
{املكتوب التاسع والثالمثائة اىل موالان احلاج حممد الفركيت يف بيان احملاسبة
اليومية والليلية كما ورد حاسبوا اخل}
- 604 -
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات أهنيكم ان مجاعة من املشائخ الكرام قدس
هللا تعاىل اسرارهم اختاروا طريق احملاسبة وكانوا يف كل ليلة يطالعون قبيل النوم دفرت
أعماهلم واقواهلم وحركاهتم وسكناهتم اليومية ويدركون حقيقة كل منها ابلتفصيل ويتداركون
تقصرياهتم وسيآهتم ابلتوبة واالستغفار وااللتجاء والتضرع اىل العزيز الغفار ويشتغلون حبمد
هللا تعاىل وشكره على اعماهلم الصاحلة ويرجعون هبا اىل توفيقه تعاىل كان صاحب
الفتوحات املكية قدس سره من احملاسبني وقال اان زدت يف حماسبيت على مشائخ أخر
حت حاسبت خطرايت ونيايت وللتسبيح والتحميد والتكبري مائة[ ]1مرة قبيل النوم على هنج
ثبت عن املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم حكم احملاسبة عند الفقري
وكان املسبح يعتذر من تقصرياته وسيآته بتكرار كلمة التسبيح اليت هي مفتاح التوبة وينزه
السيّئات فان مرتكب السيئات اذاجناب قدسه تعاىل ويقدسه عما عاد اليه من ارتكابه ّ
كان عظمة جناب قدس االمر والناهي وكربايئه ملحوظة ومنظورة إليه ما كان يبادر اىل
ترك إمتثال أمره تعاىل وملا ابدر علم انه ال اعتداد وال اعتبار عنده المره وهنيه تعاىل اعاذان
هللا سبحانه من ذلك فبتكرار كلمة التنزيه يتالف هذا التقصري (ينبغي) ان يعلم ان يف
االستغفار طلب سرت الذنب ويف تكرار كلمة التنزيه طلب استيصال الذنب اين هذا من
ذاك سبحان هللا كلمة عجيبة ألفاظها يف غاية القلة ومعانيها ومنافعها يف غاية الكثرة
وبتكرار كلمة التحميد يؤدي شكر نعمة توفيقه وسائر نعمه تعاىل وتكرار كلمة التكبري
اشارة اىل ان جناب قدسه تعاىل اعلى واجل من ان يكون هذا االعتذار والشكر الئقا
حبضرته سبحانه فان اعتذار العبد واستغفاره حمتاج اىل اعتذارات واستغفارات كثرية ومحده
راجع اليه سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سالم على املرسلني واحلمد هلل رب
العاملني احملاسبون يكتفون ابالستغفار والشكر وهبذه الكلمات القدسية حيصل امر
( )1اخرج ا لرتمذي عن ابن عمر رضي هللا عنهما خلتان ال حيصيهما احلديث وفيه واذا اخذت مضجعك تسبحه
وتكربه وحتمده مائة واخرج مسلم عن علي كرم هللا وجهه ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال له ولفاطمة رضي هللا
عنهما اذا آويتما اىل فراشكما او اذا اخذمتا مضاجعكما فكربا ثالاث وثالثني احلديث منه عفي عنه.
- 605 -
االستغفار ويؤدى الشكر ويتيسر االمياء اىل نقص االستغفار والشكر ربنا تقبل منا انك
انت السميع العليم و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه الطاهرين وسلم وابرك
عليه وعليهم امجعني.
{املكتوب العاشر والثالمثائة اىل موالان حممد هاشم يف بيان جامعية االنسان
مع بعض االسرار الغامضة املتعلقة هبذا املقام وما يناسب ذلك}
بعد احلمد والصلوات ليعلم ان مجيع ما يف االنسان من الكماالت مستفادة من
مرتبة الوجوب تعالت وتقدست فان علما فمستفاد من علم تلك املرتبة وان قدرة
فمأخوذة من قدرة تلك املرتبة و على هذا القياس وأما كمال كل مرتبة فعلى مقدار تلك
املرتبة فحكم علم االنسان يف جنب علم الواجب كحكم امليت الذي هو الشئ حمض
ابلنسبة اىل حي حبياة ابدية وكذلك قدرة العبد يف جنب قدرة الواجب تعاىل وتقدس هلا
حكم قدرة العنكبوت الذي ينسج بيته ابلنسبة اىل قدرة شخص تصري السموات
واالرضون واجلبال والبحار دكا دكا وهباء منثورا بنفخته الواحدة ينبغي ان يقيس
الكماالت اآلخر على ذلك وهذا التفاوت امنا يقال من ضيق العبارة واال فما النسبة
بينهما {ع}:
ما نسبة الفرشي ابلعرشي
فصارت كماالت االنسان يف صورة كماالت مرتبة الوجوب تعالت وتقدست ومل
حيصل هلذه الكماالت من كماالت تلك املرتبة غري املشاركة يف االسم ومن ههنا ورد ان
هللا خلق آدم على صورته ومعن من عرف نفسه فقد عرف ربه يلوح من هذا البيان فان
مجيع ما يف نفس االنسان وان كان صورة هو الذي حقيقته حاصلة يف مرتبة الوجوب
تعالت وتقدست ومن ههنا يعرف سر خالفة االنسان فان صورة الشئ خليفة الشئ ويف
هذا املقام ظنت الزاندقة واجملسمة ان هللا عز وجل يف صورة االنسان واثبتوا القوى
واجلوارح االنسانية يف حضرته جل سلطانه من عدم العقل ضلوا فأضلوا ومل يعلموا ان
- 606 -
اطالق الصورة وامثاهلا يف تلك احلضرة من قبيل التشبيه والتمثيل ال على سبيل التحقيق
والتثبيت فان حقيقة الصورة تقتضى التبعض والرتكب والتجزي وكل ذلك مناف للوجوب
ومانع للقدم واملتشاهبات القرآنية ايضا مصروفات عن الظواهر وحمموالت على التأويل
قال هللا تعاىل وما يعلم أتويله اال هللا يعين ال يعلم أتويل املتشابه اال هللا فعلم من هذا ان
املتشابه حممول على التأويل عند هللا تعاىل ايضا ومصروف عن الظاهر وانه تعاىل يعطي
العلماء الراسخني ايضا نصيبا من علم هذا التأويل كما انه سبحانه يطلع خواص رسله
على علم الغيب الذي هو خمصوص به تعاىل واايك والتخيل ان هذا التأويل كتأويل اليد
ابلقدرة والوجه ابلذات حاشا وكال بل ان هذا التأويل من االسرار اليت مينح هللا علمها
اخص اخلواص (وينبغي) ان يعلم ان صاحب الفتوحات املكية واتباعه يقولون ان صفات
الواجب تعاىل وتقدس كما اهنا عني الذات كذلك بعضها عني البعض اآلخر مثال العلم
كما انه عني الذات كذلك هو عني القدرة وعني االرادة وعني السمع وعني البصر و
على هذا القياس سائر الصفات وهذا الكالم عند الفقري بعيد عن الصواب فان هذا
الكالم مبين على نفي وجود الصفات الزائدة وهو خالف مذهب اهل السنة واجلماعة
فان الصفات الثمان او السبع على وفق آراء هؤالء االكابر موجودة يف اخلارج ولعل توهم
عينية ا لذات والصفات الواجبية نشأ فيهم من ختيلهم تغاير ما يف ذاك املوطن وتباينه
كتغاير ما يف هذا املوطن وتباينه وملا مل جيدوا يف ذاك املوطن تغايرا وتباينا كتغاير هذا
املوطن وتباينه الذي هو بني ذواتنا وصفاتنا ومل يروا هناك متايزا مشاهبا لتمايز هذا املوطن
ال جرم حك موا بنفي التغاير والتمايز وقالوا بعينية بعضها بعضا ومل يدروا ان متايز ذلك
املوطن وتغايره مثل ذات الواجب وصفاته تعاىل ال كيفي وال مثلي وال مناسبة بني ذاك
التمايز وبني هذا التمايز اال حبسب الصورة واالسم فيكون التمايز والتباين متحققا يف
ذلك املوطن وحنن عاجزون عن ادراكه ال اان ننفي كلما ال ندركه وخنالف بذلك اهل
التحقيق وهللا سبحانه امللهم للصواب.
- 607 -
{املكتوب احلادي عشر والثالمثائة اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد يف
بيان االسرار الغامضة واحلقائق النادرة املتعلقة ابحلروف املقطعات اليت هي من
املتشاهبات القرآنية اليت للعلماء الراسخني اطالع عليها بطريق الرمز واالشارة}
هاى دو چشمى است مرىب ما * مهچو الف رب اللهم {شعر}:
حبيب خدا
الم مرىب خليل هللا است * ميم زتدبريكليم آگه است
مبدأ أمر الكليم على نبينا وعليه الصالة و السالم حقيقة االلف ومبدأ معاملة هذا
احلق ري ايضا بتبعيته ووراثته حقيقة االلف ولكن رجوع الكليم عليهم السالم اىل حقيقة
امليم ورجوع احلقري اىل حقيقة اهلاء ذات عينني ومرجعي ومالذي اآلن هو حقيقة اهلاء
وهذه احلقيقة هي اليت يعرب عنها بغيب اهلوية وهذه احلقيقة خزينة الرمحة ومستقر الرمحة
الواحدة اليت وسعت كل شئ يف الدنيا ومستودع التسعة والتسعني رمحة اليت ادخرت
للعقيب كلها هو هذه احلقيقة فكأن احدي عينيها خمزن رمحة الدنيا واألخرى خزينة رمحة
األخرى وصفة ارحم الرامحني تتشعب من هذه احلقيقة ويف ذلك املوطن ظهور مجال
صرف مل يتطرق اليه شائبة من اجلالل ومجيع ما يصيب االولياء يف الدنيا من احملنة والغم
واحلزن تربية مجالية ظاهرة يف صورة اجلالل وكلما اعطي االعداء من جنس النعمة والفرح
والسرور يف الدنيا ظهور جالل مورى ابجلمال هذا هو املكر االهلي جل سلطانه يضل به
كثريا ويهدي به كثريا ومبدأ امر خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم حقيقة فوق
حقيقة االلف وكذلك مبدأ أمر اخلليل أيضا هو هذه احلقيقة الفوقانية غاية ما يف الباب
أن حقيقة مبدإ خامت الرسل امجال تلك احلقيقة وحقيقة مبدإ اخلليل تفصيلها ومرجع خامت
الرسل عليه الصالة و السالم حقيقة االلف ومرجع اخلليل عليه السالم حقيقة الالم
وذلك الن مناسبة االمجال للوحدة اكثر فال جرم تيسر الرجوع اىل االلف الذي هو قريب
من الوحدة ومناسبة التفصيل للكثرة ازيد فبالضرورة كان رجوعه اىل الالم الذي هو قريب
من الكثرة فابراهيم على نبينا وعليه الصالة و السالم كان كثري الربكة يف املبدإ ويف املعاد
- 608 -
واملرجع ومن ههنا سأل النيب صلّى هللا عليه و سلّم صالة وبركة مماثلتني لصالة اخلليل
وبركته عليه السالم ورب خامت الرسل يف امساء هللا احلسين اليت رتبتها فوق رتبة الصفات
االسم املبارك هللا تعاىل شأنه ورب هذا احلقري االسم املبارك الرمحن جل وعال وحيث كان
هلذا احلقري مناسبة للكليم يف املبدإ وصل منه اليه بركات كثرية وان مل تكن والية هذا
احلقري والية موسوية ولكنه مملوء من بركات تلك الوالية وحصل له ترقيات كثرية من هذا
الطريق واالستفادة اليت حصلت هلذا احلقري من تلك الوالية من طريق امجال تلك الوالية
واستفادة ولدي االعظم عليه الرمحة من طريق تفصيلها ووالية هذا الفقري املستفادة من
الوالية املوسوية شبيهة بوالية رجل مؤمن من آل فرعون ووالية ولدي االعظم شبيهة بوالية
سحرة فرعون الذين آمنوا.
{ املكتوب الثاين عشر والثالمثائة اىل املريحممد نعمان يف اجوبة اسئلته من
مجلتها السؤال عن حتقيق االشارة يف التشهد عند احلنفية}
احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني و على اخوانه من
االنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني وعباد هللا الصاحلني وصلت الصحيفة الشريفة املرسلة
مع مال حممود فأورثت فرحا وافرا وسألت ان العلماء يقولون ان بقعة الروضة[ ]1املتربكة
املدنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية اعظم يعين قدرا من مكة املعظمة وكيف
تكون بقعة الروضة املتربكة اعظم منها مع كون صورة الكعبة وحقيقتها مسجودا اليهما
للصورة واحلقيقة احملمديتني عليه الصالة والتحية (أيها املخدوم) ان ما ثبت عند الفقري
هو ان خري البقاع الكعبة املعظمة مث بعدها الروضة املقدسة النبوية املدنية على صاحبها
الصالة والتحية مث بعدها ارض احلرم املكي حرسها هللا تعاىل عن اآلفات فان قال العلماء
( )1هذا مبين على عدم التفرقة بني الروضة وبني القرب النبوي صلّى هللا عليه و سلّم واال ال يقول احد من العلماء
ابفضلية الروضة فقط على مكة وامنا قال مالك ابفضلية املدينة على مكة واجلمهور على خالفه ولكن قالوا ابفضلية
البقعة اليت ضمت اعظمه صلّى هللا عليه و سلّم على مكة حت على الكعبة والعرش منه عفي عنه
- 609 -
أبفضلية الروضة املتربكة على مكة املعظمة ينبغي ان يكون مرادهم بذلك ما سوى ارض
الكعبة املقدسة (وسألت) ان مالزمي موالان املرحوم اعلم هللا كتبوا رسالة يف مادة جتويز
االشارة ابلسبابة وقد ارسلت الرسالة املذكورة فبم تشري يف هذا الباب (أيها املخدوم) ان
االحاديث النبوية يف ابب جتويز االشارة ابلسبابة كثرية[ ]1جدا وورد بعض الرواايت
الفقهية احلنفية ايضا يف ه ذا الباب كما اوردها موالان يف رسالته واذا لوحظت الكتب
الفقهية احلنفية مالحظة جيدة يعلم ان رواايت جواز االشارة غري رواايت االصول وغري
ظاهر املذهب وما قال االمام حممد الشيباين رمحه هللا كان رسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم يشري ونصنع كما يصنع رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مث قال وهذا قويل وقول ايب
حنيفة رضي هللا عنه من رواايت النوادر ال من رواايت االصول يف الفتاوى الغرائب يف
احمليط هل يشري ابصبعه السبابة من يده اليمين مل يذكر حممد هذه املسئلة يف االصل وقد
اختلف املشائخ فيها منهم من قال ال يشري ومنهم من قال يشري وذكر حممد يف غري
االصول حديثا عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم انه كان يشري مث قال هذا قويل وقول ايب
( )1اخرجها كثري من احملدثني يف كتبهم عن كثري من الصحابة رضوان هللا عليهم وقد مجع علي القاري طرفا منها يف
رسالته تزيني العبارة يف حتسني االشارة وافردها كثري من احلنفية ابلتأليف خصوصا املتأخرين منهم ملا رأوا تعصب بعض
اجلهلة فيها مع وضوح سنتها وورد رواايت فقهية كثرية فيها من متقدمي احلنفية وآخر من ألف فيها شيخنا احملقق
العالمة الشيخ آخوندجان افندي املرغيناين مجع فيها الرواايت احلديثية والفقهية وقد اجاد كل االجادة واحسن ما
يعتذر عن طرف االم ام قدس سره يف هذا الباب ان الرواايت الفقهية مل تتضح له فيها غاية االتضاح كما يدل عليه
قوله وورد بعض الرواايت الفقهية احلنفية وعادته الكرمية عدم جتاوز الرواايت الفقهية مقدار ذرة كما ال خيفىي حاله على
من تتبع احواله واقواله فانه قدس سره كان جبال شاخما يف التصلب على املذهب ما كان يستفزه كلما يشاهده يف
هوامش الكتب بعنوان احلديث كما هو ديدن اجلهلة واالعتذار عنه ابن االحاديث مل تبلغه ليس مما ينبغي ابلنسبة اىل
حاله وابلنظر اىل مقاله كما سبق وكما سيجئ وان اعتذر به بعض خلفاء طريقته من مشائخنا وبعض اوالده نعم
املعتذر به كان كذلك واما قوله قدس سره رواايت االشارة غري رواية االصول وغري ظاهر املذهب قلنا مسلم هو كذلك
ولكنها من رواية النوادر كما اعرتف به نفسه قدس سره واما خالفها اعين رواية عدم االشارة فليس من رواية االصول
وال رواية النوادر بل من رواية الواقعات والفتاوى والنوازل ومرتبتها انزلة من رواية النوادر كما هو مبني يف حمله وهلذا افيت
عامة املتأخرين بسنية االشارة وافردوها ابلتأليف وهي احلق الذي ال يعدل عنه وخالفها خالفه وهللا اهلادي واحلق احق
ابالتباع حملرره مراد احلنفى اجملددي
- 610 -
حنيفة رضي هللا عنهما وقد قيل انه سنة وقيل مستحب مث قال فيها هذا ما ذكروا
وال صحيح ان االشارة حرام ويف السراجية ويكره ان يشري ابلسبابة يف الصالة عند قوله
اشهد ان ال اله اال هللا هو املختار ويف الكربى وعليه الفتوى الن مبن الصالة على
السكون والوقار ويف الغياثية من الفتاوى ال يشري ابلسبابة عند التشهد هو املختار وعليه
الفتوى ويف جامع الرموز ال يشري وال يعقد وهو ظاهر[ ]1أصول اصحابنا كما يف الزاهدي
وعليه الفتوي ك ما يف املضمرات والولواجلي واخلالصة وغريها وعن أصحابنا مجيعا انه سنة
يف خزانة الرواايت من التتارخانية مث اذا اخذ يف التشهد و انتهى اىل قوله اشهد ان ال اله
اال هللا هل يشري ابصبعه السبابة من اليد اليمن مل يذكره حممد يف االصل فقد اختلف
املشائخ فيه منهم من قال ال يشري ويف الكربى وعليه الفتوى ومنهم من قال يشري ويف
الغياثية وال يشري ابلسبابة عند التشهد هو املختار انتهى وحيث ذكرت حرمة االشارة يف
الرواايت[ ]2املعتربة وافتوا بكراهتها وهنوا عنها وقالوا اهنا ظاهر اصول اصحابنا ال جيوز
المثالنا املقلدين اجلرأة على االشارة عمال مبقتضى االحاديث وارتكاب امر حمرم او مكره
او منهي عنه بفتاوى كثري من العلماء اجملتهدين ومرتكب هذا االمر من احلنفية ال خيلو
من احد احلالني اما ان ال يثبت للعلماء اجملتهدين علم االحاديث املعروفة الورادة يف جواز
االشارة واما ان يقول بعدم عمل هؤالء االكابر مبقتضى هذه االحاديث مع علمهم
بورودها وثبوهتا عندهم ويظن أهنم حكموا ابحلرمة والكراهة على خالف االحاديث
مبتقضى آرائهم وكل من هذين الشقني فاسد ال جيوزمها اال سفيه او معاند[ ]3وما قال يف
( )1توهم البعض من هذا القول ان عدم االشارة مذكورة يف االصل وظاهر املذهب وهو توهم ابطل فان االصل وظاهر
املذهب ليس فيه ذكر االشارة اال نفيا وال اثباات كما مر هنا مرتني ان حممدا مل يذكره يف االصل بل ال وجود لعدم
االشارة يف النوادر ايضا كما مر وامنا معناه انه مستنبط من ظاهر اصوهلم وقواعدهم اعين قوهلم مبن الصالة على
السكون وهذا االستنباط امنا يصح اذا مل توجد الرواية يف النوادر ايضا وحيث وجدت ال يصح استنباطهم .عفي عنه.
( )2ال خيفى ان هذه الرواايت ليست مبعتربة بل هي ليست براوايت عن املشائخ كما مر بل هي اقوال هؤالء املشائخ
وهم ليسوا من ارابب الرتجيح والفتاوى عندان كما ال خيفى على من له ممارسة بقواعدان احلنفية .عفي عنه.
( )3وهذا عجيب من هذا االمام اهلمام قدس سره جدا فان القائلني حبرمة االشارة وكراهتها ليسوا هم جمتهدين بل ثبت
عنهم االشارة وفق االحاديث كما نقله بنفسه واما ارابب هذه االقوال فليسوا مبجتهدين وال من اصحاب الرتجيح حت
- 611 -
ترغيب الصالة ان رفع اصبع الشهادة يف التشهد سنة العلماء املتقدمني واما العلماء
املتأخرون فقد هنوا عنها وذلك الهنم ملا رأوا غلو الروافض فيها تركوها خوفا من هتمة
السين ابلرفض خمالف لرواايت الكتب املعتربة فان ظاهر اصول اصحابنا عدم االشارة
وعدم العقد فكان عدم االشارة سنة العلماء املتقدمني ومل يكن وجه الرتك نفي التهمة
وحسن ظننا هبؤالء االكابر هو اهنم ان مل يظهر هلم يف هذا الباب دليل احلرمة والكراهة ملا
حكموا هبما وحيث قالوا بعد ذكر سنية االشارة واستحبابيتها هذا ما ذكروا والصحيح ان
االشارة حرام علم ان ادلة سنية االشارة واستحبابيتها مل تبلغ عند هؤالء االكابر مرتبة
الصحة بل صحت خالف ها غاية ما يف الباب انه ال دليل لنا على ذلك وهذا ال يستلزم
القدح يف هؤالء االكابر (فان قيل) ان لنا دليال على خالف ذلك (قلنا) ان علم املقلد
غري معترب يف اثبات احلل واحلرمة وامنا املعترب يف هذا الباب هو ظن اجملتهد[ ]1والقول يف
حق ادلة اجملتهد اهنا اوهن من بيت العنكبوت جرائة عظمية وترجيح لعلمه على علم
هؤالء االكابر وابطال لظاهر اصول اصحابنا احلنفية وختريب للرواايت املفت هبا وهؤالء
االكابر حكموا بشذوذ هذه االحاديث فاهنم لقرب عهدهم ووفور علمهم وحصول الورع
والتقوى هلم اعلم هبا من امثالنا العاجزين واعرف منا بصحتها وسقمها ونسخها وعدم
نسخها وهلم يف ترك العمل مبتقضى هذه االحاديث وجه موجه ألبتة ومبلغ علم امثالنا
قاصري الفهم ان بني رواة االحاديث اختالفا كثريا يف كيفية االشارة والعقد وكثرة
اختالفهم هذه اورثت اضطرااب يف نفس االشارة فمن بعض الرواايت يفهم ثبوت االشارة
يلزم الفساد وال فساد ان قلنا انه مل يبلغهم هذه االحاديث فاهنم ليسوا مبحدثني بل هم فقهاء وال بدع يف جهل الفقهاء
بعلم االحاديث من حيث اهنم فقهاء وال يقدح ذلك يف عظمة شأهنم يف الفقه قال علي القاري يف موضوعاته بعد ان
قال ببطالن حديث صالة ليلة الرباءة مث ال عربة بنقل صاحب النهاية وال بقية شراح اهلداية الهنم ليسوا من احملدثني
اه .عفي عنه
( )1قلنا نعم هذا القول على العني والرأس وقد ثبت عن اجملتهد فعلها ال منعها وتركها فلنا دليل رواية ودراية مستوفاة
الشروط وال دليل على خالفه .عفي عنه
- 612 -
[]2 []1
ومن قال ابالشارة مع العقد ففي بعض الراوايت جعل العقد ثالثة بال عقد
ومخسني ويف بعضها عقد ثالثة[ ]3وعشرين وبعضهم روى بقبض اخلنصر[ ]4والبنصر
وحلق االهبام والوسطى واالشارة ابلسبابة ويف رواية مبجرد وضع االهبام على الوسطى وورد
يف بعض الرواايت[ ]5انه يشري بوضع اليد اليمن على الفخذ اليسرى واليد اليسرى على
الفخذ اليمن ويف رواية أخرى انه يشري واضعا يده اليمن على ظهر يده اليسرى والرسغ
على الرسغ والساعد على الساعد ويف بعض الرواايت انه يشري بقبض مجيع[ ]6االصابع
ويف بعض الرواية اهنا من غري[ ]7حتريك السبابة ويف بعض الرواايت ابثبات التحريك
والواقع يف بعض الرواية اهنا وقت قراءة التشهد[ ]8من غري تعيني ويف بعضها اهنا وقت
التكلم بكلمة الشهادة ويف بعض الرواية مقيدة بوقت[ ]9الدعاء اعين اي مقلب القلوب
ثبت قليب على دينك وملا رأى العلماء احلنفية اضطراب الرواة يف كيفية االشارة مل يثبتوا
فعال زائدا يف الصالة على خالف القياس وهو ان بناء الصالة على السكون والوقار
وايضا ان توجيه االصابع حنو القبلة مهما امكن سنة كما قال عليه الصالة و السالم
( )1كما يفهم من حديث ابن عمر رضي هللا عنه ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم كان اذا جلس يف الصالة وضع يده
اليمن على ركتبه ووضع اصبعه اليمن اليت تلى االهبام فدعا به احلديث رواه مسلم والرتمذي والنسائي عنه
( )2رواه مسلم عن ابن عمر ايضا
( )3وهو وضع االهبام على اصبعه الوسطي اخرجه مسلم عن ابن الزبري رضي هللا عنهما .عفي عنه
( )4رواه ابو داود والنسائي وغريمها .عفي عنه
( )5قال املخرج ما وجدت هلما اصال.
( )6رواه الرتمذي عن عاصم ابن كليب رضي هللا عنه.
( )7التحريك يف رواية ايب داود والدارمي عن وائل بن حجر رضي هللا عنه وعدمه يف رواية ايب داود والنسائي عن ابن
الزبري رضي هللا عنهما.
( )8قال املخرج اليت ثبتت يف االحاديث ففي مطلق اجللوس واليت وقت التكلم فمن استحساانت املشائخ انتهى قلت
اول من قال به مشس االئمة احللواين رمحه هللا.
( )9رواه الرتمذي عن عاصم بن كليب.
- 613 -
[]1
من اعضائه القبلة ما استطاع (فان قيل) ان كثرة االختالف امنا يورث وليوجه
االضطراب اذا مل ميكن التوفيق بني الرواايت والتوفيق فيما حنن فيه ممكن فانه ميكن ان
يفعل مجيع ما ورد يف مجيع الرواايت يف اوقات خمتلفة (قلنا) قد وقع يف اكثر الرواايت
لفظ كان وهو عند غري املنطقيني من االدوات الكلية فال ميكن التوفيق وما نقل عن
االمام االعظم من قوله اذا وجدمت حديثا خمالفا لقويل فاتركوا قويل واعملوا ابحلديث فاملراد
هبذا احلديث حديث مل يبلغ االمام وحكم خبالفه بناء على عدم علمه به واحاديث
[]2
االشارة ليست من هذا القبيل فاهنا احاديث معروفة ليس فيها احتمال عدم العلم
(فان قيل) ان العلماء احلنفية قد افتوا جبواز االشارة ايضا فينبغي ان جيوز العمل بكل
منهما على مقتضى الفتاوى املتعارضة (قلنا) اذا وقع التعارض بني اجلواز وعدم اجلواز
وبني احلل واحلرمة فالرتجيح يف جانب عدم اجلواز وعدم احلرمة وايضا قال الشيخ إبن
اهلمام يف احاديث رفع اليدين اهنا معارضة الحاديث عدم الرفع فرتجح احاديث عدم
الرفع ابلقياس فان مبن الصالة على السكون واخلشوع الذي هو مطلوب ومرغوب فيه
ابالمجاع والعجب من الشيخ ابن اهلمام انه قال وعن كثري من املشائخ عدم االشارة وهو
خالف الرواية والدراية كيف نسب اجلهل اىل العلماء اجملتهدين املتمسكني ابلقياس الذي
هو االصل الرابع من ادلة الشرع وهو ظاهر املذهب وظاهر الرواية عن ايب حنيفة وهذا
الشيخ قد ضعف حديث القلتني ابالضطراب احلاصل من كثرة اختالف الرواية ويكتب
ولدي االرشد حممد سعيد رسالة يف هذا الباب[ ]3فاذا نقلت اىل البياض نرسلها ان شاء
هللا تعاىل (وكتبت) ان من طاليب الطريقة مجاعة يف كل طرف ومل اجتاسر على اجازة احد
( )1اخرج النسائي عن ابن عمر رضي هللا عنهما ان من السنة يف الصالة ان ينصب القدم اليمن واستقباله ابصابعها
القبلة احلديث واخرج البخاري عن ايب محيد الساعدي حديثا فيه واستقبل ابطراف اصابع رجليه القبلة احلديث وأما
لفظ االمام فهو يف اهلداية قال الزيلعي انه غريب
( )2ولذا قال االمام حممد ان االشارة قويل وقول ايب حنيفة وكذلك نقل عن الثاين يف االمايل .عفي عنه.
( )3قلت انه صنف تلك الرسالة وصنف اخوه االصغر موالان الشيخ حممد حيىي رسالة ردها على ما ذكره مشائخنا
قدس هللا اسرارهم ومل ارمها وقد علمت ان الراجح هو سنية االشارة منه
- 614 -
منهم بتعليم الطريقة يف حمل أصال فننظر مبا تكون االشارة (فاعلم) ان كل من ترونه
مناسبا يكون رئيس حلقة مجاعة وهذا االمر مفوض اىل رأيكم وليصدر االمر بعد
االستخارة والتوجه و السالم عليكم و على من لديكم.
{املكتوب الثالث عشر والثالمثائة اىل اخلواجه حممد هاشم يف حل اسئلة كتبها
وهي سبعة وامر ختم هذا اجمللد من املكتوابت هبذا املكتوب ملوافقة عددها لعدد
االنبياء املرسلني وعدد اصحاب بدر وامر بكتابة عرائض املخدوم زاده االعظم عليه
الرمحة يف آخر هذه املكتوابت ليذكره الناظرون ابلدعاء وقراءة الفاحتة لروحه}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليلعم اخوان اخلواجه حممد هاشم ان االسئلة
اليت اندرجت يف مكتوب املري حمب هللا وطلبت حلها نكتب يف جواهبا ما هو معلوم لنا
ونرسله (حاصل) السؤال االول ان القرب االهلي جل سلطانه حبسب الفناء والبقاء وطي
مجيع مقام ات اجلذبة والسلوك واالصحاب الكرام قد فضلوا على مجيع اولياء االمة
بصحبة خري االانم عليه وعليهم الصالة و السالم مرة واحدة فهل هذا السري والسلوك
والفناء والبقاء حصلت هلم يف تلك الصحبة الواحدة وكانت أفضل من مجيع السري
والسلوك والفناء والبقاء (وأيضا) هل حصل هلم الفناء والبقاء بتوجهه وتصرفه عليه الصالة
و السالم او مبجرد دخوهلم يف االسالم وأيضا هل كان هلم علم ابلسلوك واجلذبة حاال
ومقاما او ال فان كان فبأي اسم مسوه وان مل يكن هلم طريق السلوك واجلذبة فيمكن ان
نقول هلذه بدعة حسنة (اعلم) ان حل هذا املشكل منوط ابلصحبة وموقوف على اخلدمة
فان الكالم الذي مل يتكلم به احد يف هذه املدة كيف يكون مفهوما ومعقوال لكم بكتابة
واحدة ولكن ملا سألتم ال بد من اجلواب ومن حله على وجه االمجال ابلضرورة فينبغي
االصغاء اليه (اعلم) ان القرب الذي هو منوط ابلفناء والبقاء والسلوك واجلذبة هو قرب
الوالية الذي تشرف به اولياء االمة والقرب الذي تيسر لالصحاب الكرام يف صحبة خري
االانم عليه وعليهم الصالة و السالم هو قرب النبوة حصل هلم بطريق التبعية والوراثة وال
- 615 -
فناء يف هذا القرب وال بقاء وال جذبة وال سلوك وهذا القرب افضل من قرب الوالية
واعلى منه مبراتب فان هذا القرب قرب االصل وذلك القرب قرب الظالل شتان ما
بينهما ولكن ال يدرك فهم كل احد مذاق هذه املعرفة كاد اخلواص ان يشاركوا العوام يف
عدم فهم هذه املعرفة {شعر}:
گربو على نواى قلندر نواخت * صوف بدى هرآنكه بعامل قلندراست
نعم اذا وقع العروج اىل ذروة كماالت قرب النبوة من طريق الوالية فال مندوحة
حينئذ من الفناء والبقاء واجلذبة والسلوك فان هذه مباد ومعدات لذلك القرب وأما اذا مل
يكن السري من هذا الطريق بل وقع االختيار على الطريق السلطاين لقرب النبوة فال
حاجة حينئذ اىل الفناء والبقاء واجلذبة والسلوك وسري االصحاب الكرام من طريق قرب
النبوة السلطاين ومل حيتاجوا اىل اجلذبة والسلوك والفناء والبقاء وليطلب بيان هذه املعرفة
من املكتوب احملرر ابسم امان هللا وما كتبه الفقري يف مواضع من مكتوابته ورسائله من ان
معامليت فيما وراء السلوك واجلذبة ووراء الظهورات والتجليات املراد به هو هذا القرب
فاين حني كنت يف مالزمة حضرة شيخنا قدس سره اخذت هذه الدولة يف الظهور
فعرضتها عليه هبذه العبارة قد ظهر يل امر السري االنفسي ابلنسبة اىل هذا االمر كالسري
اآلفاقي ابلنسبة اىل السري االنفسي ومل اجد حينئذ يف نفسي قدرة التعبري عن هذه الدولة
ابزيد من هذه العبارة وملا صارت هذه املعاملة العجيبة بعد سنني منقحة وحمررة حررهتا
بعبارة جمملة احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت
رسل ربنا ابحلق فتكون عبارات[ ]1الفناء والبقاء واجلذبة والسلوك حمدثة ومن خمرتعات
املشائخ ذكر املولوي اجلامي يف النفحات ان اول من تكلم عن الفناء والبقاء ابو سعيد
اخلراز قدس سره (وحاصل) السؤال الثاين ان يف الطريقة النقشبندية العلية التزام اتباع
السنة السنية النبوية واحلال انه عليه الصالة و السالم والتحية صدر عنه رايضات عجيبة
( )1كما ان الف اظ الفرض والواجب والسنة واملستحب وغريها واطالقها على احكام معينة خمصوصة من خمرتعات
الفقهاء فكما انه ال يعاب على هذا ال يعاب على ذاك ايضا .عفي عنه.
- 616 -
وجماهدات شديدة كاجلوع الشديد ويف هذا الطريق مينعون عن الرايضة بل يروهنا بواسطة
ظهور الكشوفات الصورية هبا مضرة والعجب انه كيف يتصور احتمال الضرر يف اتباع
السنة (ايها احملب) من قال ان الرايضة ممنوعة يف هذا الطريق ومن اين مسع اهنم يرون
الرايضة مضرة ويف هذا الطريق دوام احملافظة على اتباع السنة السنية على صاحبها الصالة
و السالم والتحية والسعي يف سرت االحوال واختيار توسط احلال ورعاية حد االعتدال يف
املطاعم واملالبس وسائر االفعال كل ذلك من الرايضات الشاقة واجملاهدات الشديدة غاية
ما يف الباب ان العوام كاالنعام ال يعدون هذه االمور من الرايضات وال يروهنا من
اجملاهدات بل الرايضة واجملاهدة منحصرة عندهم يف اجلوع وكثرة اجلوع عظيم القدر يف
نظرهم فان االكل عند هؤالء املتصفني بصفات البهائم من أهم املهام وأعظم املقاصد فال
جرم يكون تركه من الرايضة الشاقة واجملاهدة الشديدة عندهم خبالف احملافظة على السنة
والتزا م متابعتها وأمثاهلا فان هذه االمور ال قدر هلا عند العوام وال اعتداد هبا حت يرون
تركها من املنكرات وحتصليها من الرايضات فالالزم الكابر هذه الطريقة ان جيتهدوا يف
سرت االحوال وترك الرايضة اليت هي عظيمة القدر عند العوام وابعثة على قبول االانم
ومستلزمة للشهرة املتضمنة على اآلفات العظام قال عليه الصالة و السالم حبسب[ ]1امرء
من الشر اال من عصمه هللا ان يشري الناس اليه ابالصابع يف دينه ودنياه وعند الفقري
اجلوع الكثري اسهل وأيسر جدا من مراعاة حد االعتدال يف املأكوالت ورايضة رعاية
توسط احلال مستحقة الن تكون أزيد وافضل من رايضة كثرة اجلوع (قال) حضرة والدي
املاجد قدس سره رأيت يف علم السلوك رسالة ورأيت فيها ان رعاية حد االعتدال يف
املأكوالت واحملافظة على احلد الوسط فيها كافية يف الوصول اىل املطلوب الحاجة مع
هذه املراعاة اىل الذكر والفكر واحلق ان توسط احلال يف املطاعم واملالبس بل مجيع االمور
حسنة ومجيلة جدا {شعر}:
اايك واالكل حت حيدث الثقل * وال جتوعن اىل ان يضعف البدن
( )1قوله حبسب امرئ اخل) أخرجه البيهقي يف الشعب عن أنس رضي هللا عنه.
- 617 -
وقد أعطى احلق سبحانه نبينا عليه الصالة و السالم قوة اربعني رجال فكان صلّى
هللا عليه و سلّم يتحمل هبذه القوة ثقل اجلوع واالصحاب الكرام رضوان هللا عليهم
امج عني كانوا يتحملون هذا الثقل بربكة صحبة خري البشر عليه وعليهم الصالة و السالم
ومل يقع فتور وخلل يف أعماهلم وأفعاهلم اصال وكانت قدرهتم على حماربة االعداء مع وجود
اجلوع على هنج ال تبلغ قدرة اهل الشبع عشرها ومن ههنا غلب العشرون من الصابرين
على مائتني من الكفار ومائة منهم على الف منهم واهل اجلوع من غري الصحابة يكادون
يعجزون عن اتيان اآلداب والسنن بل رمبا خيرجون عن عهدة الفرائض ابلتكلف فتقليد
الصحابة يف هذا االمر بال قدرة تعرض للعجز عن اتيان السنن والفرائض (نقل) عن
الصديق االكرب رضي هللا عنه انه اختار صوم الوصال[ ]1تقليدا للنيب صلّى هللا عليه و
سلّم فسقط من الضعف وعدم القوة على األرض من غري اختيار فقال عليه الصالة و
السالم على سبيل االعرتاض اين لست كاحدكم ابيت عند ريب يطعمين ويسقيين فلم
يستحسن التقليد بال قدرة وايضا ان االصحاب الكرام كانوا حمفوظني ومأمونني من
املض رات املتولدة من كثرة اجلوع بربكة صحبة خري االانم عليه وعليهم الصالة و السالم
وليس ذلك ميسرا لغريهم (بيانه) ان كثرة اجلوع مورثة للصفاء ألبتة تورث طائفة صفاء
القلب ومجاعة صفاء النفس وصفاء القلب يزيد اهلداية ويورث النور وصفاء النفس
يستتبع الضاللة ويزيد الظلمة اال ترى ان فالسفة اليوانن وبرامهة اهلنود وجوكيتهم اورثت
الرايضة كلهم صفاء النفس ودلتهم بذلك على طريق الضاللة وجرهتم اىل اخلسارة حت
( )1روى البخاري عن ايب هريرة رضي هللا عنه يف مجلة حديث بلفظ فقال رجل من املسلمني انك تواصل اي رسول هللا
قال أيكم مثلي اين ابيت يطعمين ريب ويسقيين انتهى وليس فيه ذكر الصديق وليس يف رواية غري البخاري قاله املخرج
االول قلت عدم ذكر الصديق مسلم ولكن االقتصار على هذا مما ال وجه له فان البخاري اخرج هذا احلديث يف ابب
بركة السحور وابب صوم الوصال وكتاب التمين عن أنس وابن عمر وايب سعيد اخلدري وعائشة وايب هريرة ورواه مسلم
وغريه ايضا عن بعضهم وغريهم بل املطابق لقول االمام ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي هللا عنهما ان النيب صلّى
هللا عليه و سلّم واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم قالوا انك تواصل قال لست كهيئتكم اين اظل اطعم واسقى
انتهى واملطابقة يف قوله فشق اخل.
- 618 -
اعتمد افالطون االمحق على صفاء نفسه وجعل الصور الكشفية اخليالية مقتداه فاعجب
بنفسه ومل يصدق عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم وكان مبعواث يف زمنه وقال حنن
قوم مهديون[ ]1ال حاجة بنا اىل من يهدينا فان مل يكن فيه هذا الصفاء املوجب لزايدة
الظلمة ملا كانت الصور الكشفية اخليالية سدة يف طريقه ومانعة له عن الوصول اىل
املطلب وقد وجد هو نفسه بسبب هذا الصفاء نورانيا ومل يعلم ان ذلك الصفاء مل جياوز
القشر الرقيق من نفسه االمارة واهنا على خبثها وجناستها ومل يزد فيها شيئا سوى ان
تكون كنجاسة مغلظة مغلفة بغالف رقيق من السكر (والقلب) الذي هو نوراين يف حد
ذاته وطاهر وامنا قعد على وجهه غبار من جماورته النفس الظلمانية يرجع اىل حاله
االصلي بقليل م ن التصفية ويصري نورانيا خبالف النفس فاهنا خبيثة يف حد ذاهتا والظلمة
من صفاهتا الذاتية وما مل تزك ومل تطهر بسياسة القلب بل ابتباع السنة والتزام الشريعة
على صاحبها الصالة و السالم والتحية بل مبحض فضل هللا سبحانه ال يزول عنها خبثها
الذايت وال يتصور عنها الفالح واخلري وافالطون قد ظن صفاءه الذي تعلق بنفسه االمارة
كصفاء القلب العيسوي فتخيل نفسه ابلضرورة مهذاب ومطهرا مثله وحرم من دولة متابعته
عليه السالم وصار متسما بسمة اخلسارة االبدية اعاذان هللا سبحانه من هذا البالء وملا
كانت هذه املضرة مضمرة ومكمونة يف طبيعة اجلوع ترك اكابر هذه الطريقة قدس هللا
اسرارهم رايضة اجلوع واختاروا رايضة االعتدال يف املطعومات وجماهدة رعاية االقتصاد يف
سائر احلاالت وتركوا منافع اجلوع الحتمال الضرر العظيم وترتب اآلفات واآلخرون
الحظوا منافعه وأغمضوا عن مضاره فرغبوا فيه ومن املقرر عند العقالء انه يرتك املنافع
الكثرية الحتمال املضرة اليسرية وقريب من هذه املقالة ما قاله العلماء شكر هللا سعيهم ان
االمر اذا دار بني السنة والبدعة االفضل ترك هذا االمر الحتمال كونه بدعة دون اتيانه
بسبب احتمال كونه سنة يعين ان يف احتمال كونه بدعة احتمال الضرر ويف احتمال
كونه سنة توقع املنافع فينبغي تركه ترجيحا الحتمال الضرر على توقع املنافع فال عجب
ل و عرض الضرر يف اتيان السنة من طريق آخر (وحقيقة) هذا الكالم هي ان هذه السنة
كاهنا كانت موقتة بذلك القرن وملا مل جيد مجاعة كوهنا موقتة بواسطة الدقة واخلفاء ابدروا
على فعلها ابلتقليد ومجاعة ملا وجدوها موقتة تركوا التقليد فيها وهللا سبحانه اعلم حبقيقة
احلال (والسؤال الثالث) قد ذكر يف كتب اكابر هذه الطريقة ان نسبتنا منسوبة اىل
الصديق رضي هللا عنه خبالف سائر الطرق فان قال مدع ان اكثر الطرق واصل اىل االمام
جعفر الصادق وهو منسوب اىل الصديق فلم ال ينسب بقية الطرق ايضا اىل الصديق
(اجلواب) ان لالمام نسبة من الصديق ونسبة من علي رضي هللا تعاىل عنهما وكماالت
كل واحدة من هاتني النسبتني مع وجود اجتماعهما يف االمام على حدة على حدة
ومتميز بعضها عن بعض فاخذت طائفة عنه النسبة الصديقية بواسطة املناسبة الصديقية
وانتسبوا اىل الصديق واخذت مجاعة عنه ايضا النسبة العلوية ابملناسبة العلوية وانتسبوا اىل
علي كرم هللا وجهه وقد كنت ذهبت بلدة بنارس حلاجة ما وهناك جيتمع هنر كنك مع هنر
مجن ومع هذا االجتماع يشاهد ان هنر كنك غري خمتلط بنهر مجن بل متمايز عنه حبيث
يتوهم ان بينهما برزخا مينع اختالط احدمها ابآلخر والذين هم يف طرف هنر كنك يشربون
من هنر كنك والذين هم على طرف هنر مجن يشربون من ماء هنر مجن (فان قيل) ان
اخلواجه حممد اپرسا قدس سره قد حقق يف رسالته القدسية ان االمام عليا كرم هللا وجهه
كما انه وجد الرتبية من خامت الرسالة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية كذلك
وجد الرتبية من الصديق رضي هللا عنه فتكون نسبة علي عني نسبة الصديق فماذا يكون
الفرق بينهما (قلنا) ان خصوصيات احملال مع وجود احتاد النسبة ابقية على حاهلا وقد
يعرض ملاء واحد بواسطة تعدد احملال خصوصيات متميزة فيجوز ان ينسب اىل كل منهما
طريق ابلنظر اىل خصوصية كل منهما (وحاصل السؤال الرابع) هو انه قد حرر يف
مكتوب مال حممد صديق انه اذا كان لشخص استعداد الوالية املوسوية ال يدري ان
صاحب تصرف هل يقدر على اخراجه اىل الوالية احملمدية او ال وحرر يف مكتوب
املخدوم زاده االكرب قدس سره ابين اخرجتك من الوالية املوسوية اىل الوالية احملمدية فما
- 620 -
وجه التوفيق (اجلواب) ان الواقع يف مكتوب مال حممد صديق هو ان االخراج من الوالية
املوسوية اىل الوالية احملمدية ليس مبعلوم الوقوع ومل يكن يف ذلك الوقت علم بوقوع هذا
االمر وملا صار معلوما بعد ذلك وحصلت قدرة التغيري والتبديل كتبت ابين اخرجتك من
هذه الوالية اىل تلك الوالية فلم يوجد احتاد الزمان حت يتصور التناقض (وحاصل السؤال
اخلامس) ان الصوفية هنا يلبسون قميصا مشقوق اجليب على الصدر ويقولون ان السنة
هي هذا واصحاب املري يلبسون قميصا مدور اجليب فما حتقيق ذلك (اعلم) اان حنن ايضا
يف الرتدد يف هذا الباب فان العرب يلبسونه مشقوق اجليب على الصدر ويرونه[ ]1سنة
ويفهم من بعض الكتب احلنفية انه ال ينبغي للرجال لبس قميص مشقوق الصدر لكونه
لباس النساء روى االمام امحد وابو داود عن ايب هريرة ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم
قال لعن رجل يلبس لبس املرأة ولعنت امرأة تلبس لبس الرجل ويف مطالب املؤمنني وال
تتشبه املرأة ابلرجال وال يتشبه الرجل ابلنساء فان كال الفريقني ملعون بل يفهم ان
القميص املشقوق الصدر ليس من لباس اهل الدين واهل العلم وهلذا جوزوه الهل الذمة
يف جامع الرموز نقال عن احمليط فال يلبس اي الذمي ما خيتص ابهل الدين والعلم كالرداء
والعمامة بل قميصا خشنا من الكرابس جيبه على صدره كالنساء وايضا ان مشقوق
اجليب على الصدر ليس قميصا على قول بعض العلماء بل هو درع وامنا القميص عندهم
(( )1قوله ويرونه سنة) قلت مل يثبت عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم فيه شئ صرحيا ال فعال وال قوال ولكن عقد
البخاري يف كتاب اللباس من ص حيحه اباب ترمجه بباب جيب القميص من عند الصدر وذكر فيه حديث ايب هريرة يف
وصف السخي والبخيل وفيه قال ابو هريرة فاان رأيت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يقول ابصبعه هكذا يف جيبه
احلديث قال العيين فان الظاهر انه كان البس قميص وكان يف طوقه فتحة اىل صدره وعن هذا قال ابن بطال كان
اجليب يف ثياب السلف عند الصدر انتهى واستدل عليه ايضا حبديث قرة بن أايس املزين قال وان قميصه ملطلق االزرار
فادخلت يدي يف جيب قميصه قال احلافظ ابن حجر ومقتضى حديث قرة هذا انه كان يف صدره لقوله اوال انه رآه
مطلق االزرار اي غري مزرر انتهى ولعل هذا هو الصواب فان االعراب مل يغريوا زيهم يف اللباس اصال فدل ذلك ان
جيب العرب كان يف الصدر االول كذلك واما االستدالل جبواز لبسه للذمي فامنا هو العتياد املسلمني للبس خالفه يف
تلك البالد واملقصود خمالفتهم لعادة املسلني ليحصل االمتياز واما ان ما اعتاده املسلمون هناك سنة او ال فهو شئ
آخر .عفي عنه
- 621 -
ما يكون مشقوق اجليب على املنكبني يف جامع الرموز يف بيان كفن املرأة ويف اهلداية بدل
القميص الدرع وفرق بينهما ان شقه اىل الصدر والقميص اىل املنكب وقالوا ابلرتادف
والصواب عند الفقري هو انه ملا كان الرجال ممنوعني عن التشبه ابلنساء توقف احلكم على
معرفة عادة النساء فننظر إذا كان يف حمل تلبس فيه النساء قميصا شقه على الصدر ينبغي
ان يرتك الرجال لبسه لئال يتشبهوا ابلنساء وان يلبسوا قميصا شقه على املنكب واذا كان
يف حمل تلبس فيه النساء قميصا شقه على املنكب خيتار الرجال قميصا شقه على الصدر
ففي بالد العرب تلبس النساء قميصا مدور اجليب فيلبس الرجال ما شقه على الصدر
ابلضرورة ويف ما وراء النهر واهلند تلبس النساء قميصا شقه على الصدر فيختار الرجال
قميصا شقه على املنكب ابلضرورة (قال) الشيخ ميان عبد احلق كنت يف مكة فرأيت
واحدا من مريدي الشيخ نظام النارنويل يطوف ابلبيت البسا قميصا مدور اجليب وصار
مجع من العرب يتعجبون من قميصه قائلني انه لبس قميص النساء فباعتبار العرف
والعادة يكون عمل كل من العرب واهلند وأهل ما وراء النهر صوااب ولكل وجهة هو
موليها فلو ثبتت سنية لبس القميص املشقوق على الصدر ملا جوز علماء احلنفية لبسه
ألهل الذمة وملا جعلوا خالفه خمصوصا أبهل العلم والدين وملا كانت النساء اقدم واسبق
يف هذا اللباس من الرجال جعلوا لباس الرجال هنا اتبعا للباس النساء (وحاصل السؤال
السادس) هو ان توجه الطالب يف هذا الطريق ملا كان اىل االحدية الصرفة من ابتداء
االمر كان الالزم ان ال جيتمع هذا التوجه مع النفي واالثبات فان التوجه وقت النفي اىل
الغري (اجلواب) ان التوجه اىل الغري امنا هو لتقوية التوجه اىل االحدية وتربيته واملقصود من
نفي الغري حصول دوام ذلك التوجه من غري مزامحة االغيار فالتوجه اىل نفس الغري ليس
مبناف للتوجه اىل االحدية وامنا املناف له التوجه اىل الغري ال التوجه اىل نفي الغري شتان ما
بينهما (وحاصل السؤال السابع) هو ان كل ذكر يستعمل ابللسان يستعمله املبتدؤن يف
هذه الطريقة ابلقلب فالنفي واالثبات هل يستعمل مجيعه ابلقلب او ال بل بعضه ابلقلب
وبعضه بغريه فان كان املستعمل ابلقلب مجيعه فكيف يستقيم مدال اىل فوق وصرفه اىل
- 622 -
ميني (اجلواب) ما النقصان ان كان املستعمل ابلقلب مجيعه فان ال ميد ابلقلب اىل فوق
ويصرف ال ه اىل ميني وجير إال هللا حنوه أي القلب مع ان النفي واالثبات يف هذا الطريق
ابلتخيل ال دخل فيه للسان واحلنك اصال حت يشرتط مواطأة القلب والقول وهذان
السؤالن االخريان م ن قبيل تشكيكات الفخر الرازي فلئن أتملتم فيهما أتمال جيدا
الندفعا (بقية املرام) ان بعض االصحاب املوجودين هناك قد كتب مكررا ان املري قليل
االلتفات اىل احوال الطالبني يف هذه االايم ومشغول ابلعمارة ويصرف مبلغ الفتوح يف
خرج العمارة ويبقى الفقراء حمرومني وكتبوا هذه املقدمات على هنج يفهم منه شائبة
االعرتاض وتفوح رائحة االنكار (فليعلموا) ان انكار هذه الطائفة سم قاتل واالعرتاض
على أفعال هؤالء االكابر واقواهلم سم االفعى يؤدي اىل املوت االبدي ويفضي اىل اهلالك
السرمدي فكيف اذا كان هذا االنكار واالعرتاض راجعا اىل الشيخ وكان سببا اليذائه
ومنكر هذه الطائفة حمروم من بركاهتم واملعرتض عليهم خائب وخاسر يف مجيع االوقات
وما مل يكن مجيع حركات الشيخ وسكناته مستحسنة يف نظر املريد ال ينال نصيبا من
كماالته فان انل يكون استدراجا و يكون عاقبته هالكا و بوارا وفضيحة ودمارا فان وجد
املريد يف نفسه جمال االعرتاض على الشيخ مقدار شعرة مع وجود كمال حمبته واخالصه
له فليتقن ان ذلك ليس اال خيبته وخسارته وحرمانه من كماالت الشيخ او رزالته فان
خطر يف قلب املريد فرضا شبهة يف فعل من افعال الشيخ ومل تندفع ابلدفع فليستفسره
عنه على هنج يكون خاليا عن شائبة االعرتاض و مربأ عن مظنة االنكار وحيث كان
احملق واملبطل ممتزجان وملتبسان يف هذا الزمان فلو ظهر من الشيخ امر خمالف للشريعة
احياان ينبغي للمريدين ان ال يقلدوه فيه بل يطلبون له حممال حبسن الظن مهما أمكن
ويبتغون وجه صحته فان مل يظهر وجه الصحة ينبغي ان يلتجئوا ويتضرعوا اىل احلق
سبحانه يف دفع هذا االبتالء عنهم ويطلبوا منه تعاىل سالمة الشيخ وعافيته ابلبكاء
واالبتهال فان عرض للمريد شبهة يف حق الشيخ الرتكابه االمر املباح ال تعترب تلك
الشبهة وال يعبأ هبا فانه اذا مل مينع مالك األمور جل سلطانه عن اتيان املباح ومل يعرتض
- 623 -
على فاعله كيف يسوغ لغريه سبحانه ان يعرتض عليه من قبل نفسه وكم من مواضع
يكون فيه ترك األوىل أوىل من اتيانه وقد ورد يف احلديث ان هللا تعاىل حيب ان تؤتى
رخصه كما حيب ان تؤتى عزائمه وحيث كان يف الشيخ املري قبض مفرط كيف يسوغ
االعرتاض عليه ان مل يلتفت اىل احوال املريد ومل يشتغل هبم وطلب تسليه من بعض
األمور املباحة وكان عبد هللا االصطخري يذهب اىل الصحراء مع كالب الصيد لتسلية
نفسه وبعض املشائخ كانوا يطلبون تسليهم يف السماع واصوات النغمة و السالم على من
اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله امت الصلوات واكمل التسليمات.
{العريضة االوىل من العرائض اليت كتبها املخدوم زاده االعظم عليه الرمحة
والغفران}
عريضة اقل العبيد حممد صادق اهني اىل العرض االشرف ان احوال هذه احلدود
واوضاعها على اجلمعية الصورية واملعنوية بيمن التوجهات العلية وقد كان اخلاطر متفرقا
ومتشتت ا منذ مدة من طرف خدمة احلضرة فقدم امليان بدر الدين يوم حترير العريضة وبلغ
خرب العافية الكاملة فحصل فرح غري حمدود وسرور غري حمصور احلمد هلل على ذلك محدا
كثريا واي قبليت ان احلافظ هباء الدين ختم القرآن اجمليد يف الليلة الثالثة عشر وشرع احلافظ
موسى يف الليلة الرابعة عشر وقرأ يف كل ليلة مخسة اجزاء مخسة اجزاء وخيتم الليلة اآلتية
اليت هي التاسعة عشر وتقرر احلافظ هباء الدين للختم يف العشر االخري املقصود سالمة
احلضرة وبينما احلافظ يقرأ القرآن ليلة يف الرتاويح ظهر مقام وسيع كثري النورانية كانه كان
مقام احلقيقة القرآ نية وان مل ميكن اجلرأة على ادعاء ذلك وصار معلوما ان احلقيقة
احملمدية على صاحبها الصالة و السالم والتحية امجال هذا املقام وكاهنا حبر كبري مليئ يف
كوز ويف هذا املقام تفصيل احلقيقة احملمدية والكثر االنبياء وكمل االولياء نصيب من
بعض هذا املقام على قدر استعدادا هتم وال يدري حصول نصيب من متام ذلك لغري نبينا
عليه الصالة و السالم وهذا احلقري ايضا انل منه نصيبا رزقنا هللا سبحانه نصيبا كامال منه
- 624 -
بربكة التوجه العايل وذلك املقام مل يتضح اىل اآلن كما ينبغي وبقية االحوال على اجلمعية
ويفهم يف هذا الشهر حصول بركة كثرية واوضاع اخي حممد سعيد طيبة اوقاته مصروفة
ابجلمعية والذكر واهل البلد ايضا حيضرون ابلذوق التام وقد حفظ الفقري اىل اآلن اربعة
اجزاء و شيئا فوقها وحيفظ اىل يوم العيد مخسة اجزاء ختمينا والعبودية (العريضة الثانية)
عريضة اقل العبيد حممد صادق اهني اىل ذروة العرض ان احوال هذه احلدود واوضاعها
مستوجبة للشكر واملطلوب واملسؤل خريية ذلك اجلناب مع مجيع اخلدام واالصحاب وقد
حصل االبتهاج مبطالعة النميقة االنيقة والصحيفة الشريفة املرسلة مع امساعيل مد هللا
سبحانه ظالل عطوفة حضرة القبلة على كافة اهل االسالم وابقاها حبرمة النيب وآله
االجماد عليه وعليهم الصالة و السالم واي قبليت ماذا اكتب من سوء االحوال ال بضاعة
يل غري احلسرة والندامة على صدور سوء االعمال وتضييع االحوال احلاصلة يف املاضي
واحلال واملتمن ان ال تفوت حلظة وال ساعة يف خالف رضائه تعاىل وهو ال يتيسر اال ان
ميد خدام ذلك اجلناب وأيخذوا بيدي {ع}:
ال عسر يف امر مع الكرام
هلل احلمد واملنة على نعمة االستقامة اىل اآلن على طريق امرمت به ومل يتطرق اليه
فتور بيمن ال توجه الشريف بل نرجو الرتقي والتزايد يوما فيوما وتنعقد الصحبة بعد الفجر
والظهر واحلافظ هباء الدين اذا فرغ من الرتددات ووجد الفرصة يشتغل بقراءة القرآن
والفقري مقبوض مرة ومبسوط أخرى والقبض والبسط والتوجه والذوق والسكون وغريها
تتعلق ابلبدن فقط ال تتجاوزه اىل غريه واللطائف الستة ليست مبتوجهة وال غافلة فان
كانت متوجهة فتوجهها مثل العلم احلضوري عينه وأرى التوجه والذوق وأمثاهلما داخلة
يف الظالل ال اجدها جماوزها وكانت اللطائف اوال خمتلطة ابلبدن ومل يكن امر سوى
البدن مفهوما يف نظر البصرية كما كنت عرضته يف احلضور املوفور السرور واآلن اجدها
ممتازة عن البدن وارى ذلك املقام مقام البقاء وبعد البقاء عرض ايضا نوع من الفناء
للطائف وفهم ان االمر ال يتم بدون هذا الفناء الذي يكون بعد البقاء واان اآلن مقبوض
- 625 -
منذ اايم ومعاملة السرور قليلة ننظر ماذا يظهر بعد ذلك وايل اآلن مل حيصل التوجه اىل
العامل وحيث كان عرض االحوال ضروراي جتاسران بتحرير كلمات واي قبليت ارى احلضرة يف
املنام يف كل ليلة اال ما شاء هللا وماذا اكتب ازيد من ذلك فان الزايدة داخلة يف
التكلفات الرمسية و السالم والعبودية (العريضة الثالثة) عريضة أقل العبيد حممد صادق
اهني اىل موقف العرض ان هذا احلقري كان مقبوضا ومغموما من مدة فادركت العناية
اإلهلية آخر األمر مبحض التوجه االقدس وحصل بسط عظيم وصار معلوما يف ذلك
البسط ان الذكر والتوجه مثال كاان اوال من جانب هذا الشخص واآلن كل شئ من
جانبه تعاىل وتقدس وال أجد يف نفسي غري قابلية لقبول ما يرد من جانبه تعاىل كمرآة
تطلع عليها الشمس فاحرتق بذلك الطلوع كل ظلمة وكدورة يف البدن واللطائف وحصل
هلا كل نور وبرك ة كما ينبغي فانشرح الصدر واتسع القلب وصار البدن كالنور مضيئا
ف من الروح والسر اللذين كاان قبل ذلك ووجدت التجلي االكمل من بني اللطائفاَلْطَ َ
للقلب فلما نظرت اىل القلب ظهر ان يف القلب قلبا آخر والتجلي له فلما نظرت اىل
قلب القلب ظهر ان يف ذلك القلب قلبا آخر وهكذا اىل غري النهاية فلم يظهر قلب
بسيط اال وفيه قلب آخر ولكن يتوهم اآلن انه انتهى اىل قلب بسيط وليس ذلك مبتيقن
وعلم ان احلاالت املتقدمة على هذه احلالة ابلنسبة اليها كانت كلها تكلفات صرفة وقد
كان خطر يل اسم هذا املقام ولكن ما كتبته حتاميا عن سوء االدب فيا قبليت ان هذه
كلها اثر يسري من آاثر التوجه االطهر {شعر}:
فلو ان يل يف كل منبت شعرة * لساان أبث الشكر كنت مقصرا
واملرجو سالمة احلضرة وكيف اكتب متين نيل مالزمة خدام اجلناب وكيف اشرحه
التصور ليال وهنارا بل يف كل ساعة انه يف اي وقت مسعود ويف اي ساعة سعيد حصل
املطلب االعلى واملقصد االعز وال متين يل غري هذا التمين يسر هللا سبحانه هذه الدولة
العظمى ابحسن الوجوه واوفق الطرق حبرمة النيب وآله االجماد عليه وعليهم من الصلوات
امتها وأكملها والعبودية.
- 626 -
{قد مت اجلزء االول من معرب املكتوابت ويليه اجلزء الثاين للشيخ املذكور نفع هللا
به}
2ديباجة
***
الر ِ
حيمالر ْمح ِن َّ بِس ِم ِ
هللا َّ ْ
احلمد هلل محدا طيبا مباركا فيه وعليه كما حيب ربنا ويرضى * والصالة و السالم
االمتان االكمالن على حبيبه حممد وآله وأصحابه وأهل بيته وكمل ورثته وسائر من اتبع
اهلدى * و على مجيع االنبياء واملرسلني * واملالئكة املقربني * كما يليق بعلو شأهنم وحيرى
(اما بعد) فهذه مكاتيب متضمنة لعلوم غريبة * ومعارف عجيبة واسرار لطيفة ودقائق
شريفة ما تكلم هبا أحد من العرفاء وما اشار اليها واحد من االولياء * متقبسة من
مشكاة انوار النبوة * لالمام اهلمام قدوة العلماء الراسخني * املشرف بتشريفات سيد
املرسلني * صاحب الوالية االصلية * خمزن االسرار االهلية * واقف دقائق املتشاهبات
القرآنية * اآلية العجيبة من اآلايت الرمحانية * جمدد االلف الثاين شيخنا وامامنا الشيخ
أمحد الفاروقي سلمه هللا سبحانه على رؤس العاملني * وملا بلغ مكتوابت اجللد االول
- 628 -
ثلثمائة وثالثة عشر مكتواب قال حضرة شيخنا لنختم على هذا العدد فانه موافق لعدد
االنبياء املرسلني صلوات هللا تعاىل على نبينا وعليهم وموافق أيضا لعدد أهل بدر رضوان
هللا تعاىل عليهم أمجعني فختم على ذلك العدد تربكا به وتيمنا مث صدرت بعد ذلك
مكاتيب قدسية فصار حضرة املخدوم زاده صاحب املعارف ومنبع احلقايق مظهر
الفيوضات االهلية ومصدر االسرار الالمتناهية جامع العلوم الظاهرية والباطنية الشيخ جمد
الدين اخلواجه حممد معصوم سلمه هللا تعاىل وأبقاه وأوصله اىل غاية ما يتمناه ابعثا على
مجع هذه املكاتيب فكان أقل خدام ذلك اجلناب اضعف عباد هللا الباري عبد احلي بن
اخلواجه چ اكر احلصاري غفر هللا تعاىل ذنوبه وسرت عيوبه وأحسن خامتته متصداي جلمع
هذه املكاتيب حسب اشارته الشريفة هو هللا املوفق وعليه التكالن.
{املكتوب االول اىل الشيخ عبد العزيز اجلونفوري يف بيان حترير مذهب
الشيخ حميي الدين بن ا لعريب قدس سره يف مسئلة وحدة الوجود وما هو خمتار حضرة
شيخنا سلمه هللا تعاىل فيها}
الرحيم احلمد هلل الذي جعل االمكان مرآة للوجوب وصري العدمالر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
مظهرا للوجود والوجوب والوجود و ان كاان صفيت كماله سبحانه فهو تعاىل وراء مجيع
االمساء و الصفات ووراء الشئون واالعتبارات و وراء الظهور والبطون ووراء الربوز و
الكمون ووراء التجليات والظهورات ووراء املشاهدات واملكاشفات ووراء كل حمسوس
ومعقول ووراء كل موهوم ومتخيل فهو سبحانه وراء الوراء مث وراء الوراء مث وراء الوراء
{شعر}:
وما ابديك من طريي عالمه * واضحى مثل عنقاء وهامه
وللنعقاء بني الناس اسم * وليست السم طريي استدامه
فال يصل محد حامد اىل جناب قدس ذاته بل منتهى مجيع احملامد دون سرادقات
عزته فهو الذي اثن على نفسه ومحد ذاته بذاته فهو سبحانه احلامد واحملمود وما سواه
- 629 -
[]1
عاجز عن اداء احلمد املقصود وقد عجز عن محده سبحانه من هو حامل لواء احلمد
يوم القيامة حتته آدم ومن دونه وهو أفضل الربااي وأكملهم ظهورا واقرهبم منزلة وامجعهم
كماال وامشلهم مجاال وأمتهم بدرا وارفعهم قدرا واعظمهم اهبة وشرفا واقومهم دينا واعدهلم
ملة واكرمهم حسبا واشرفهم نسبا واعرفهم بيتا لواله ملا خلق هللا سبحانه اخللق وملا اظهر
الربوبية وكان نبيا وآدم بني املاء والطني واذا كان يوم القيامة كان هو امام النبيني وخطيبهم
وصاحب شفاعتهم الذي قال حنن اآلخرون وحنن السابقون يوم القيامة واين قائل قوال
غري فخر واان حبيب هللا واان خامت النبيني وال فخر واان أول الناس خروجا اذا بعثوا واان
قائدهم اذا وفدوا واان خطيبهم اذا نصتوا واان مستشفعهم اذا حبسوا واان مبشرهم اذا يئسوا
واملفاتيح يومئذ بيدي {شعر}:
در قافلهء كه اوست دامن نرسم * اين بسكه رسد ز دور ابنك جرسم
{ترمجه}:
كيف اللحاق بركب وهو قائدهم * اينعم ان جاء من بعد صدا جرسه
صلوات هللا سبحانه وتسليماته تعاىل وحتياته عز شأنه وبركاته جل برهانه عليه
وعلى مجيع اخوانه من النبيني واملرسلني واملالئكة املقربني وعلى أهل الطاعة أمجعني صالة
وسالما وحتية وبركة هو هلا أهل وهم هلا أهل كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره
الغا فلون (وبعد) احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات وارسال التحيات ليعلم ان الصحيفة
الشريفة املرسلة اىل هذا الفقري بلغها اخي االعز الشيخ حممد طاهر فطاب الوقت وحصل
السرور وحيث كانت متضمنة حلقائق أرابب الكشف والشهود ومعارفهم زادت الفرح
على الفرح جزاكم هللا سبحانه فصار الفقري أيضا ابعثا على التصديع ابيراد كلمات يف
البني من اذواق هذه الطائفة العلية ومذاقهم على وفق ما يف صحيفتكم (أيها املخدوم)
ان من املعلوم ان الوجود مبدأ كل خري وكمال والعدم منشأ كل نقص وشر وزوال فيكون
الوجود اثبتا للواجب والعدم يكون نصيب املمكن حت يكون مجيع اخلري والكمال عائدا
( )1قد مر بيان هذه االحاديث يف اجللد االول منه عفي عنه.
- 630 -
اليه تعاىل وكل نقص وشر راجعا اىل املمكن واثبات الوجود للمكن وارجاع اخلري والكمال
اليه اشراكه يف احلقيقة به سبحانه يف ملكه وملكه جل سلطانه وكذلك القول بعينية
املمكن للواجب تعاىل شأنه وجعل صفاته وافعاله عني صفاته وافعاله سبحانه اساءة أدب
واحلاد يف امسائه وصفاته تعاىل واين اجملال للكناس اخلسيس املتسم ابلنقص واخلبث الذايت
ان يتصور نفسه عني سلطان ذي شأن منشأ كل خريات وكماالت ويتوهم صفاته وافعاله
الذميمة عني صفاته وافعاله اجلميلة (وعلماء) الظاهر اثبتوا للممكن وجودا وجعلوا وجود
الواجب تعاىل ووجود املمكن من افراد مطلق الوجود وغاية ما يف الباب اهنم قالوا أبقدمية
وجوب الواجب وأولويته بناء على قضية التشكيك وهذا املعن موجب لتشريك املمكن
للواجب تعاىل يف الكماالت والفضائل الناشئة من الوجود تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا
وقد ورد يف احلديث القدسي الكربايء ردائي والعظمة ازاري فلو كان لعلماء الظاهر تنبه
هلذا املعن ملا اثبتوا للممكن وجودا أصال وملا أعطوا له اخلري والكمال اللذين مها خمتصان
به سبحانه ابعتبار اختصاص الوجود به تعاىل ربنا ال تؤاخذان ان نسينا أو أخطأان (وأكثر
الصوفية) خصوصا املتأخرين منهم يعتقدون ان املمكن عني الواجب تعاىل ويزعمون
صفاته وأفعاله عني صفاته وأفعاله تعاىل ويقولون {رابعي}.]1[:
مهسايه ومهنشني ومهره مهه اوست * در دلق كدا واطلس شه مهه اوست
در اجنمن فرق وهنان خانهء مجع * ابهلل مهه اوست مث ابهلل مهه اوست
{ترمجه}:
اجلار والصحب والركبان كله هو * يف كسوة الفقر والسلطان كله هو
يف جلوة الفرق أو يف خلوة اجلمع هو * ابهلل كله هو وهللا كله هو
وهؤالء االكابر وان تنزهوا وختلصوا عن االشراك يف الوجود وهربوا من االثنينية
ولكنهم وجدوا غري الوجود وجودا واعتقدوا النقائص كماالت وقالوا ال شئ من النقص
والشر الذاتيني أصال وان كان فنسيب واضايف فالسم القاتل فيه شر وقبح ابلنسبة اىل
االنسان مثال لكونه مزيال حلياته واما ابلنسبة اىل احليوان الذي فيه سم فماء احلياة
والرتايق النافع ومقتداهم يف هذا االمر ومستندهم فيه الكشف والشهود فاهنم وجدوا على
قدر ما ظهر هلم من عامل الغيب (اللهم) أران حقائق االشياء كما هي وها حنن نبني أوال
مذهب الشيخ حميي الدين ابن العريب قدس سره فانه امام متأخري الصوفية ومقتداهم يف
هذه املسئلة مث حنرر ما ظهر لنا يف هذا الباب وانكشف ليحصل الفرق بني املذهبني على
الوجه االمت وال خيتلط أحدمها ابآلخر من الدقة (قال) الشيخ حميي الدين ابن العريب
واتباعه ان امساء الواجب وصفاته جل وعال عني ذات الواجب سبحانه وكذلك بعضها
عني بعض اآلخر مثال العلم والقدرة كما اهنما عني ذاته تعاىل كذلك كل منهما عني
اآلخر أيضا فال يكون يف ذلك املوطن اسم التعدد والتكثر ورمسه أصال وال التمايز والتابني
قطعا غاية ما يف الباب ان تلك االمساء والصفات والشئون واالعتبارات حصل هلا التمايز
والتباين يف حضرة العلم امجاال وتفصيال فان كان التمايز امجاليا يعرب عنه ابلتعني االول
وان تفصيليا يسمى ابلتعني الثاين ويسمون االول وحدة ويرونه احلقيقة احملمدية ويقولون
للتعني الثاين واحدية ويظنونه حقائق سائر املمكنات ويسمون حقايق املمكنات أعياان
اثبتة ويثبتون هذين التعينني العلميني يف مرتبة الوجوب ويقولون ان تلك االعيان ما مشت
رائحة من الوجود اخلارجي وال موجود يف اخلارج غري االحدية اجملردة أصال وهذه الكثرة
ال يت ترى يف اخلارج امنا هي عكس تلك االعيان الثابتة انعكست يف مرآة ظاهر الوجود
الذي ال موجود يف اخلارج غريه وعرض هلا الوجود التخيلي كما ان صورة شخص اذا
انعكست يف املرآة يعرض هلا وجود ختيلي يف املرآة وهذه الصورة املنعكسة ليس هلا وجود
اال يف التخيل ومل يتحلل يف املرآة ومل ينتقش يف وجهها شئ أصال فان كان االنتقاش فهو
يف التخيل حيث يتوهم انه يف وجه املرآة وحيث كان هذا املتخيل املتوهم صنع احلق جل
سلطانه الذي له اتقان اتم ال يرتفع برفع الوهم واخليال ويرتتب عليه الثواب والعذاب
االبداين وهذه الكثرة املوهومة املتخيلة يف اخلارج منقسمة على ثالثة اقسام القسم االول
- 632 -
التعني الروحي والثاين التعني املثايل والثالث التعني اجلسدي وله تعلق ابلشهادة ويقولون
هلذه التعينات الثالثة تعينات خارجية ويثبتوهنا يف مرتبة االمكان والتنزالت اخلمسة عبارة
عن هذه التعينات اخلمسة ويقولون هلذه التنزالت اخلمسة احلضرات اخلمس وملا مل يثبت
عندهم شئ يف العلم وال يف اخلارج غري ذات الواجب تعاىل وغري صفاته وامسائه جل
سلطانه اليت هي عني ذاته تعاىل وتقدس وتومهوا ان الصورة العلمية عني تلك الصورة ال
شبح ها ومثاهلا وكذلك تصوروا صور االعيان الثابتة اليت صارت منعكسة يف مرآة ظاهر
الوجود عني تلك االعيان ال شبحها حكموا ابالحتاد ضرورة وقالوا الكل هو هذا هو بيان
مذهب الشيخ حميي الدين ابن العريب يف مسئلة وحدة الوجود على وجه االمجال وهذه
العلوم وامثاهلا هي اليت يزعمها الشيخ خمصوصة خبامت الوالية ويقول ان خامت النبوة أيخذ
هذه العلوم من خامت الوالية ولشراح الفصوص تكلفات يف توجيه هذا الكالم وابجلملة مل
يتكلم احد من هذه الطائفة هبذه العلوم واالسرار قبل الشيخ اصال ومل يبني هذا احلديث
على هذا النهج قطعا وان ظهر منهم كلمات مشعرة ابلتوحيد واالحتاد يف غلبات السكر
وقالوا اان احلق وسبحاين ولكنهم مل يبينوا وجه االحتاد ومل جيدوا منشأ التوحيد فصار الشيخ
برهان متقدمي هؤالء الطائفة وحجة متأخريهم ومع ذلك بقي يف هذه املسئلة دقائق كثرية
خمتفية وما جاءت االسرار الغامضة من هذا الباب يف منصة الظهور فوفق هذا الفقري
ابظهارها وبشر بتحريرها وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل (ايها املخدوم) ان صفات
الواجب تعاىل وتقدس الثمانية اليت هي موجودة يف اخلارج عند اهل احلق شكر هللا تعاىل
سعيهم تكون متميزة عن ذاته تعاىل وتقدس يف اخلارج ابلضرورة متيزا ال كيفيا وال مثليا
وكذلك بعض تلك الصفات متميز عن بعض آخر منها بتميز ال كيفي بل التميز
الالكيفي اثبت ايضا يف مرتبة الذات تعالت وتقدست النه الواسع ابلوسع اجلهول
الكيفية والتميز الذي حيصل يف حوصلة فهمنا وإدراكنا مسلوب عن جناب قدسه تعاىل
فان التجزي والتبعض غري متصور فيه والتحلل والرتكب ال سبيل هلما اىل تلك احلضرة
جل سلطاهنا وال جمال هناك للحالية واحمللية وابجلملة كلما هو من صفات املمكن ولوازمه
- 633 -
مسلوب عن ذلك اجلناب املقدس ليس كمثله شئ ال يف الذات وال يف الصفات وال يف
االفعال ومع وجود هذا التميز الالمثلي والوسعة الالكيفية عرض لالمساء والصفات
تفصيل ومتيز يف موطن العلم ايضا وصارت منعكسة ولكل اسم وصفة متميزة مقابل
ونقيض يف مرتبة العدم مثال لصفة العلم مقابل ونقيض يف مرتبة العدم وهو عدم العلم
املعرب عنه ابجلهل ولصفة القدرة مقابل هو العجز الذي عدم القدرة على هذا القياس يف
بقية الصفات وعرض هلذه العدمات املقابلة ايضا تفصيل ومتيز يف علم الواجب جل شأنه
وصارت مرااي االمساء والصفات املتقابلة هلا وكانت جمايل ظهور عكوسها وتلك العدمات
مع عكوس تلك االمساء و الصفات حقائق املمكنات عند الفقري غاية ما يف الباب أن
تلك العدمات كاصول تلك املاهيات وموادها وتلك العكوس مبثابة الصور احلالة يف تلك
املواد فحقائق املمكنات عند الشيخ حميي الدين هي تلك االمساء والصفات املتميزة يف
مرتبة العلم وعند الفقري حقائق املمكنات العدمات اليت هي نقائض االمساء والصفات مع
عكوس تلك االمساء والصفات اليت ظهرت يف مرااي تلك العدمات يف موطن العلم
وامتزجت هبا ومت اراد املختار جل سلطانه ان جيعل ماهية من تلك املاهيات املمتزجة
متصفة ابلوجود الظلي الذي هو ظل من ظالل حضرة الوجود وان جيعلها موجودة
خارجية يلقى اليها ظال من ظالل حضرة الوجود ويصريها مبدأ لآلاثر اخلارجية فوجود
املمكن يف العلم واخلارج كسائر صفاته ظل من ظالل حضرة الوجود ومن كماالته التابعة
له مثال علم املمكن ظل من علم الواجب تعاىل وتقدس الذي انعكس يف مقابله وقدرة
املمكن ظل من القدرة املنعكسة يف العجز الذي هو مقابلها فكذلك وجود املمكن ظل
من ظالل حضرة الوجود الذي انعكس يف مرآة العدم الذي هو مقابله {شعر}:
و ما جئت من ملكي بشئ و امنا * وهبت الذي عندي و ذايت و أوصايف
ولكن ظل شئ ليس عني شئ عند الفقري بل شبح ذلك الشئ ومثاله ومحل
احدمها على اآلخر ممتنع فعند الفقري مل يكن املمكن عني الواجب فان حقيقة املمكن
عدم والعكس الذي انعكس فيه من االمساء والصفات شبح تلك االمساء والصفات
- 634 -
ومثاهلا ال عينها فال يصح كله هو بل كله منه الن ما هو ذايت للممكن العدم الذي هو
منشأ للشر والنقص واخلباثة وكلما هو يف املمكن من جنس الكماالت من الوجود
وتوابعه كله مستفاد من تلك احلضرة جل سلطاهنا وظل من كماالته الذاتية سبحانه و
تعاىل فيكون هو سبحانه نور السموات واالرض ابلضرورة وما وراءه تعاىل يكون كله
ظلمة كيف ال والعدم فوق مجيع الظلمات وحتقيق هذا املبحث مسطور يف املكتوب
الذي حرر اىل ولدي االعظم املرحوم يف بيان حقيقة الوجود وحتقيق ماهيات املمكنات
فليطلب من هناك فالعامل ابسره عبارة عند الشيخ حميي الدين عن االمساء والصفات اليت
عرض هلا متيز يف مرتبة العلم وظهور يف مرآة ظاهر الوجود وعند الفقري العامل عبارة عن
العدمات اليت انعكست عليها امساء الواجب وصفاته يف موطن العلم ووجدت تلك
العدمات مع تلك العكوس يف اخلارج ابجياد احلق سبحانه بوجود ظلي فظهر يف العامل
اخلباثة الذاتية والشر اجلبلي وكان اخلري والكمال كله عائدا اىل جناب قدسه جل وعال
وقوله تعاىل ما أصابك من حسنة فمن هللا وما أصابك من سيئة فمن نفسك مؤيد هلذه
املعرفة وهللا سبحانه امللهم فعلم من هذا التحقيق أن العامل موجود يف اخلارج بوجود ظلي
كما أن احلق سبحانه موجود يف اخلارج بوجود أصلي بل بذاته غاية ما يف الباب ان هذا
اخلارج أيضا ظل ذلك اخلارج مثل الوجود والصفات فال ميكن أن يقال للعامل أنه عني
احلق جل وعال وال جيوز محل أحدمها على اآلخر فانه ال ميكن أن يقال لظل شخص أنه
عني الشخص لوجود التغاير بينهما يف اخلارج الن االثنني متغايران فان قال شخص لظل
شخص أنه عني ذلك الشخص امنا يقول ذلك على سبيل التسامح والتجوز وهو خارج
عن املبحث (فان قيل) ان الشيخ حميي الدين وتوابعه أيضا يقولون أن العامل ظل احلق
تعاىل فما يكون الفرق (قلنا) إهنم ال يرون وجود ذلك الظل يف غري الوهم وال جيوزون
وصول رائحة من الوجود اخلارجي اليه وابجلملة اهنم يعربون عن الكثرة املوهومة بظل
الوحدة املوجودة ويرون املوجود واحدا يف اخلارج شتان ما بينهما فصار منشأ محل الظل
على االصل وعدم ذلك احلمل هو اثبات الوجود اخلارجي للظل وعدم اثباته وهم ملا مل
- 635 -
يثبتوا للظل وجودا خارجيا محلوه على االصل ابلضرورة وحيث يرى هذا الفقري الظل
موجودا يف اخلارج ال يبادر اىل احلمل والفقري متفق معهم يف نفي الوجود االصلي عن
الظل ومتفق أيضا يف اثبات الوجود الظلي ولكن هذا الفقري يثبت الوجود الظلي يف
اخلارج وهم يظنون الوجود الظلي يف الوهم والتخيل وال يقولون بوجود موجود يف اخلارج
غري االحدية اجملردة وال يثبتون الصفات الثمانية اليت ثبت وجودها يف اخلارج على آراء
أهل السنة واجلماعة رضي هللا عنهم يف غري موطن العلم فوقع العلماء الظاهرية وهؤالء
االكابر رضي عنهم يف طريف االقتصاد وكان احلق املتوسط نصيب هذا الفقري ووفق به فان
عرف هؤالء االكابر أن هذا اخلارج ظل ذلك اخلارج ملا انكروا وجود العامل يف اخلارج ومل
يقتصروا على الوهم واخليال وال انكروا أيضا وجود صفات واجب الوجود يف اخلارج ولئن
تنبه العلماء أيضا ملا أثبتوا للممكن وجودا أصليا بل اكتفوا ابلوجود الظلي وما كتبه الفقري
يف بعض مكتوابته ان اطالق الوجود على املمكن بطريق احلقيقة ال بطريق اجملاز ليس
مبناف هلذا التحقيق فان املمكن موجود يف اخلارج بوجود ظلي بطريق احلقيقة ال على
سبيل التخيل والتوهم كما زعموا (فان قيل) ان صاحب الفتوحات املكية قال ابن االعيان
الثابتة برزخ بني الوجود والعدم فصار العدم داخال يف حقائق املمكنات على طريقه وطوره
أيضا فما يكون الفرق بني التحقيق وبني هذا القول (قلنا) انه امنا قال هلا برزخا ابعتبار
أن للصور العلمية وجهني وجه اىل الوجود بواسطة ثبوت العلم ووجه اىل العدم بواسطة
اخلارج وان االعيان ما مشت رائحة الوجود اخلارجي عنده والعدم الذي اندرج يف هذا
التحقيق له حقيقة أخرى وكذا املراد مبا وقع يف عبارة بعض االعزة من اطالق العدم على
املمكن هو العدم اخلارجي ال العدم الذي حقق فيما سبق وهو سبحانه و تعاىل وراء وراء
تلك االمساء والصفات املفصلة املتميزة يف موطن العلم اليت انعكست يف مرااي العدمات
وصارت حقائق املمكنات فال يكون بينه سبحانه وبني العامل مناسبة بوجه من الوجوه
أصال ان هللا لغين عن العاملني وجعل احلق سبحانه عني العامل ومتحدا به بل نسبته اىل
العامل ثقيل على هذا الفقري جدا {ع}:
- 636 -
{املكتوب الثاين اىل املري مشس الدين اخللخايل يف بيان أن مرتبة ذات احلق
تعاىل وتقدس ومرتبة صفاته سبحانه فوق اعتبار الوجود والوجوب}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد حصل الفرح واالبتهاج بوصول
الصحيفة الشريفة الصادرة على وجه احملبة واالخالص كثرة اخوان الدين سبب الرجاء يف
اآلخرة اللهم كثر اخواننا يف الدين وثبتنا واايهم على متابعة سيد املرسلني عليه وعليهم من
الصلوات افضلها ومن التسليمات اكملها {ع}:
وأحسن ما ميلى حديث االحبة
أيها احملب أن صفات واجب الوجود السبعة أو الثمانية على اختالف االراء
صفات حقيقية موجودة يف اخلارج ومل يقل احد من الفرق املخالفة بوجود صفات واجب
الوجود تعاىل وتقدس غري أهل احلق شكر هللا تعاىل سعيهم حت ان املتأخرين من الصوفية
منم أنكروا وجود الصفات بل جعلوا زايدة الصفات راجعة اىل العلم فقط وقالوا {شعر}:
و صفات حق يف التعقل غري ذا * ت احلق لكن يف التحقق عينها
واحلق ان كالم أهل احلق حق ومقتبس من مشكاة النبوة ومؤيد بنور الكشف
والفراسة غاية ما يف الباب ان االشكال الذي أورده املخالفون يف وجود الصفات قوية
الن ال صفات لو كانت موجودة فال ختلو اما ان تكون ممكنة او واجبة واالمكان مستلزم
للحدوث الن كل ممكن حادث عندهم والقول بتعدد الواجب مناف للتوحيد وايضا على
تقدير االمكان يلزم جواز انفكاك الصفات عن الذات تعالت وتقدست وهذا موجب
جلواز اجلهل والعجز للواجب سبحانه (وحل) هذا االشكال على ما ظهر هلذا الفقري ان
- 637 -
حضرة احلق سبحانه موجود بذاته ال بوجود يكون عينا هلا او زائدا عليها وصفاته تعاىل
موجودة بذاته تعاىل ال بوجود فانه ال جمال للوجود يف ذلك املوطن وقد اشار الشيخ ركن
الدين ابو املكارم عالء الدولة السمناين قدس سره اىل هذا املقام حيث قال فوق عامل
الوجود عامل امللك الودود فال تكون نسبة االمكان والوجوب ايضا متصورة يف ذلك
املوطن فان كال من االمكان والوجوب نسبة بني املاهية والوجود فحيث ال وجود ال
امكان وال وجوب (وهذه) املعرفة وراء طور النظر والفكر واي شئ جيد املقيدون بعقال
العقل من هذه املعرفة وما يكون نصيبهم منها غري االنكار اال من عصمه هللا سبحانه و
تعاىل وابقي املرام ان السيد حمب هللا أقام هنا مدة واآلن صار متوجها اىل تلك اجلهات
واحلدود فليغتنم صحبته و السالم عليكم و على من لديكم.
{املكتوب الثالث اىل املخدوم زاده معدن احلقائق ومنبع املعارف الالمتناهية
ومظهر الفيوضات االهلية اخلواجه حممد سعيد سلمه هللا تعاىل يف بيان أن معاملة
اآلفاق واالنفس داخلة يف دائرة الظالل وبيان الوالية الصغرى والكربى وكماالت
النبوة وحتقيق حقيقة جتلي االفعال الذي ظهر لبعض الصوفية وانه ظل فعل احلق ال
عني فعله تعاىل}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى إعلم أن كلما يظهر يف مرااي اآلفاق
واالنفس فهو متسم بسمة الظلية فيكون مستحقا للنفي ليحصل االثبات وملا جاوزت
املعاملة حد اآلفاق واالنفس ختلصت عن قيد الظلية وتيسر الشروع يف جتلي الفعل
والصفة وعلم ان كل جتل ظهر قبل ذلك يف السري اآلفاقي واالنفسي وان اعتقدوه جتليا
ذاتيا كان متعلقا بظالل الفعل والصفة ال بنفس الفعل والصفة فضال عن كونه متعلقا
ابلذات فان دائرة الظلية تنتهي بنهاية االنفس فكلما يظهر يف اآلفاق واالنفس يكون
داخال يف تلك الدائرة والفعل والصفة وان كاان يف احلقيقة من ظالل حضرة الذات تعالت
وتقدست ولكنهما داخالن يف دائرة االصل ووالية تلك املرتبة والية اصلية خبالف والية
- 638 -
املرتبة السابقة اليت تتعلق ابآلفاق واالنفس فاهنا والية ظلية والتجلي الربقي الذي انش من
مرتبة االصل ميسر ملنتهى دائرة الظل فاهنم يتخلصون ساعة واحدة من قيد اآلفاق
واالنفس والذين جاوزوا دائرة اآلفاق واالنفس وترقوا عنها وخلفوا الظل وراءهم وحلقوا
ابالصل فالتجلي الربقي دائمي يف حقهم فان مسكن هؤالء االكابر ومأواهم دائرة االصل
اليت منها ينشأ التجلي الربقي بل معاملة هؤالء االكابر فوق التجليات والظهورات فان
كل جتل وظهور ابي مرتبة يتعلق ال خيلو عن شائبة الظلية وقد جعلهم التعلق ابصل
االصل فارغني عن الظل وخلصهم عن زيغ البصر وهناية الكمال يف الوالية الظلية اليت
هي الوالية الصغرى امنا حتصل ابلتجلي الربقي وهذا التجلي الربقي قدم اول يف الوالية
الكربى اليت هي والية االنبياء عليهم الصالة و السالم والوالية الصغرى هي والية االولياء
قدس هللا تعاىل اسرارهم ومن ههنا يعرف التفاوت بني والية االولياء ووالية االنبياء
صلوات هللا وتسليماته سبحانه عليهم فان بداية تلك الوالية هناية هذه الوالية وماذا نقول
من كماالت نبوة االنبياء عليهم الصالة و السالم فان بداية النبوة هناية هذه الوالية ولعل
حضرة اخلواجه هباء الدين النقشبند قدس هللا سره انل نصيبا وافرا من والية االنبياء عليهم
الصلوات والتحيات ابلتبعية والوراثة فانه قال حنن ندرج النهاية يف البداية ومبلغ علم هذا
الفقري ان النسبة النقشبندية وحضورها اذا بلغا حد الكمال يتصالن ابلوالية الكربى
وحيصل هلم حظ وافر من كماالت تلك الوالية خبالف طرق غريهم فان هناية كماهلم
حصول التجلي الربقي (ينبغي) أن يعلم أن السري الذي يتيسر بعد سري اآلفاق واالنفس
هو سري يف أقربية احلق سبحانه و تعاىل فان فعله تعاىل أيضا أقرب الينا منا وكذلك صفته
تعاىل أقرب الينا منا ومن فعله تعاىل ايضا وذاته تعاىل أقرب الينا منا ومن فعله وصفته
تعاىل والسري يف هذه املراتب هو السري يف االقربية وحقيقة جتلي الفعل وجتلي الصفة
وجتلي الذات تتحقق يف هذا املوطن وحيصل النجاة هنا من سلطنة الوهم ودائرة اخليال
فانه ال سلطنة لسلطان الوهم واخليال يف خارج دائرة اآلفاق واالنفس وهناية تصرف الوهم
هناية دائرة الظل فحيث ال ظل ال وهم فالتخلص عن قيد الوهم يف الوالية الظلية امنا
- 639 -
حيصل بعد املوت فان الوهم ينعدم ابملوت ويف الوالية االصلية اليت هي الوالية الكربى
ا خلالص عن قيد الوهم واخليال ميسر يف هذه النشأة ومع وجود الوهم فيها خالص عن
قيد الوهم وما اجل للطائفة االوىل يف اآلخرة يتيسر للطائفة األخرى يف هذه النشأة ويف
الوالية الظلية ال حيصل شئ من املطلوب يف هذه النشأة غري منحوت الوهم واخليال ويف
الوالية االصلية املطل وب منزه ومربأ عن علة حنت الوهم وكأن موالان الرومي تضايق من
حيطة الوهم وقيد اخليال فتمنىي املوت لينال املطلوب عاراي عن لباس الوهم واخليال ومنع
من ان يقول عافاك هللا يف مبادئ املوت وقال {شعر}:
من شوم عراين زتن او زخيال * ات خرامم در هناية الوصال
{ترمجة}:
اعروا من االشباح وهو من اخليال * كيما أتبخرت يف هناايت الوصال
(وما) قلت من ان يف اآلفاق واالنفس جتليات ظالل االمساء والصفات ال جتليات
نفس االمساء والصفات بيانه هو ان التكوين من الصفات احلقيقية كما هو مذهب
العلماء املاتريدية شكر هللا سعيهم ال من الصفات االضافية كما زعمت االشعرية وحيث
كانت االضافة غالبة يف هذه الصفة ظنوها من الصفات االضافية نظرا اىل صفات أخرى
وليس كذلك بل هي من الصفات احلقيقية امتزج هبا وصف االضافة وهذه الصفة حتت
مجيع الصفات وفيها لون مجيع الصفات اليت فوقها مثال هلا نصيب من العلم واحلياة وحظ
من القدرة واالرادة أيضا وهلا جزئيات هي يف احلقيقة ظالهلا مثل الرتزيق والتخليق
واالحياء واالماتة واالنعام وااليالم وهذه اجلزئيات داخلة يف االفعال اليت هي يف احلقيقة
ظالل تلك الصفة خارجة عن دائرة الصفات احلقيقية وهلذا الفعل وجهان وجه حنو
الفاعل ووجه اىل املفعول وهذان الوجهان متمايزان يف النظر الكشفي يرى الوجه االول
عاليا والوجه الثاين سافال وأيضا يرى الوجه االول يف النظر كاالصل والوجه الثاين مثل
ظل ذلك االصل وأيضا الوجه االول فيه لون من الوجوب والوجه الثاين له لون من
االمكان وهذا الوجه الثاين مبادئ تعينات غري االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات من
- 640 -
االولياء الكرام وسائر االانم وحيث كان هلذا الفعل ابعتبار اجلهتني لون من الوجوب ولون
من االمكان يكون ممكنا ابلضرورة فان املركب من الواجب واملمكن ممكن وأيضا ان هذا
الفعل حيث كان له وجه اىل القدم ابعتبار اجلهة الفوقانية وقدم يف احلدوث ابعتبار اجلهة
التحتانية يكون حاداث ابلضرورة فان املركب من القدمي واحلادث حادث (فالذين) قالوا
بقدم فعل احلق سبحانه امنا نظروا اىل اجلهة االوىل والذين ذهبوا اىل حدوثه فمنظورهم هو
اجلهة األخرى ونظر الطائفة االوىل عال ونظر الثانية سافل وان وقع كال الفريقني يف طريف
احلق املتوسط وهو الذي امتاز به هذا الفقري ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو
الفضل العظيم ووقع مثل هذا التحقيق يف بعض املكاتيب يف شأن الصفات احلقيقية أيضا
فليطلب (ينبغي) أن يعلم أن الوجه الثاين يف الفعل عبارة عن اخللق اخلاص الذي متعلق
ب زيد مثال فخلق زيد كأنه جزئي من جزئيات مطلق اخللق مثال وهذا اخللق اخلاص الذي
تعلق بزيد له جزئيات أيضا كخلق ذات زيد وخلق صفاته وافعاله وهذه اجلزئيات
كالظالل خللق زيد وهو كالكلي هلا وخللق فعل زيد أيضا ظل ومظهر وهو كسب زيد
الذي تعلق ابلفعل فان هذا الكسب ما جاء به زيد من بيت ابيه بل هو ظل من خلق
احلق جل وعال (فعلم) من هذه املعارف أن الفعل ظل التكوين وأن الوجه الثاين من
الفعل ظل الوجه االول منه كما حقق وان للوجه الثاين أيضا ظال هو خلق زيد مثال
وخللق زيد أيضا ظال هو خلق فعل زيد وهلذا الظل ايضا ظل هو كسب زيد فاذا عرفت
هذه العلوم فاعلم أن نسبة كسب زيد اىل زيد مثال اذا إنتفت يف نظر السالك وقت
السلوك عن زيد وارتفعت اضافته اىل زيد يرى فاعل ذلك الفعل هو احلق سبحانه بل جيد
االفعال املتكثرة املتباينة للخالئق فعل فاعل واحد فيظنون ظهور هذا املعن جتليا فعليا
(ينبغي) أن ينصف هل هذا التجلي هو جتلي فعل احلق أو جتلي ظل من ظالل ذلك
الفعل الذي تنزل مبراتب كثرية وعرض له اسم الظلية وينبغي أن يقيس التجليات األخرى
على التجلي الفعلي فاهنم اكتفوا فيها أيضا بظل من الظالل وظنوه أصل االصل واطمئنوا
ابجلوز واملوز (ينبغي) ان يعلم أن وجوب الوجود حيث كان من النسب واالضافات يوجد
- 641 -
يف مرتبة الفعل ابلضرورة وملا مل يكن هلذه النسبة مناسبة ابلعلم بل هي خمصوصة بصانع
العامل تعاىل وتقدس كانت مناسبة ابلوجه االول من الفعل الذي مر ذكره (فان قيل) يلزم
من هذا البيان أن ال يكون الوجوب اثبتا يف مرتبة الذات والصفات وال يقال لذاته
وصفاته تعاىل وتقدس واجبة فيكون الوجوب مسلواب عن حضرة الذات والصفات كما ان
االمكان واالمتناع مسلوابن عنه تعاىل فظهر قسم رابع من املفهوم سوى الوجوب
واالمكان واالمتناع واحلال ان احنصار املفهوم يف هذه الثالثة كان اثبتا ابحلصر العقلي
(قلنا) ان ه ذا االحنصار امنا هو للماهية ابلنسبة اىل الوجود فحيث ال نسبة للماهية اىل
الوجود ال احنصار كما يف ذات الواجب تعاىل وصفاته سبحانه فان ذاته تعاىل موجود
بذاته ال ابلوجود عينا كان أو زائدا وصفاته تعاىل موجودة بذاته تعاىل من غري ان يتخلل
فيهاوجود فذاته تعاىل وصفا ته سبحانه فوق هذه الثالثة املنحصرة غاية ما يف الباب اذا
تصور ذاته تعاىل وتعلقت صفاته سبحانه ابلوجوه واالعتبارات اذ ال سبيل اىل الكنه
يعرض لذاته سبحانه يف الوجود التصوري الظلي الوجوب كما هو املناسب و الالئق بذاته
تعاىل و يعرض لصفاته سبحانه يف الوجود الذهين االمكان ملا هو املناسب هلا الحتياجها
اىل الذات فذاته تعاىل وصفاته سبحانه يف حد انفسها فوق مرتبة الوجوب واالمكان بل
فوق مرتبة الوجود ايضا وابعتبار الوجود التصور الظلي الوجوب يناسب الذات واالمكان
يناسب الصفات فالصفات من حيث الوجود اخلارجي ال واجبة وال ممكنة بل هي فوق
الوجوب واالمكان وابعتبار الوجود الذهين ممكنة وال يلزم من هذا االمكان احلدوث ملا
أنه ليس لذواهتا كما للممكنات بل لوجوداهتا الظلية ويناسب هذه املعرفة ما قاله أرابب
املعقول من ان الكلية واجلزئية تعرضان للماهية ابعتبار خصوصية الوجود الذهين فال
توصف هب ما املاهية حال الوجود اخلارجي فزيد املوجود يف اخلارج مثال قبل التعقل ليس
جبزئي كما أنه ليس بكلي بل يعرض له اجلزئية بعد الوجود الذهين الظلي بل نقول مجيع
النسب واالضافات واالحكام واالعتبارات اليت حتمل عليه تعاىل كااللوهية واالزلية مما هي
غري صفات الثمانية املوجودة امنا تصدق عليه سبحانه ابعتبار التصور والتعقل واال
- 642 -
فالذات من حيث هي غري متصفة بصفة وال مسماة ابسم وال حمكوم عليها حبكم
فصاحب الشرع تعاىل امنا اطلق على ذاته امساء وأحكاما ابعتبار التناسب والتشابه
لتكون قريبة من افهام املخلوقات و يكون التكلم معهم على قدر عقوهلم كما يقال لزيد
املوجود يف اخلارج بدون مالحظة وجوده الذهين أنه جزئي على سبيل التشبيه والتنظري و
يكون حكمهم جبزئيته أنسب وأشبه من حكمهم أبنه كلي فكذلك احلكم ابلوجوب
والوجود على الذات الغين العلي أوىل وأنسب من احلكم ابالمكان واالمتناع واال فال
يصل ا ىل جناب قدسه تعاىل وجوب وال وجود كما ال يليق جبناب تنزيهه تعاىل امكان
وامتناع فافهم هذه املعرفة الشريفة القدسية فاهنا اساس الدين وخالصة علم الصفات
والذات تعالت وتقدست وما تكلم هبا أحد من العظماء وال واحد من الكرباء استأثر هللا
سبحانه هذا العبد هبذه املعرفة و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب الرابع اىل املري حممد نعمان يف بيان ان علم اليقني وعني اليقني وحق
اليقني اليت قررها بعض الصوفية شطران يف احلقيقة من اقسام علم اليقني الثالثة
والقسم الثالث منه مل حيصل بعد فضال عن الوصول اىل عني اليقني وبيان ان صاحب
هذه العلوم جمدد االلف الثاين}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد مضت مدة وليس لنا اطالع على
أحوالكم احملمودة املآل املسئول من هللا سبحانه سالمتكم واستقامتكم (اعلم) ان علم
اليقني عبارة عن شهود آايت تفيد اليقني العلمي وهذا الشهود يف احلقيقة استدالل ابالثر
على املؤثر فكلما يرى ويشاهد من الظهورات والتجليات يف مرااي اآلفاق واالنفس من
قبيل االستدالل ابالثر على املؤثر وان مسوا تلك التجليات جتليات ذاتية وقالوا لتلك
الظهورات ظهورات ال كيفية فان ظهور شئ يف املرآة حصول أثر من آاثره ال حصول
عني ذلك الشئ فال يكون قدم السري اآلفاقي واالنفسي خارجا عن دائرة علم اليقني
ابلتمام وال يكون له نصيب غري االستدالل ابألثر على املؤثر قال هللا تبارك و تعاىل
- 643 -
سنريهم آايتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حت يتبني هلم انه احلق وأعتقد بعضهم أن السري
االفاقي من علم اليقني وأثبتوا عني اليقني وحق اليقني يف السري االنفسي ومل يقولوا بسري
يف خارج االنفس {ع}:
وللناس فيما يعشقون مذاهب
(واعلم) ان احلق سبحانه أقرب اىل العبد من العبد نفسه فمن العبد اىل احلق
سبحانه سري آخر يف جانب االقربية والوصول منوط بقطعه وهذا السري الثالث أيضا
مثبت لعلم اليقني يف احلقيقة فانه وان كان خارجا عن دائرة الظلية ولكنه ليس مبربإ من
شائبة الظلية فان امساء الواجب وصفاته سبحانه ظالل حضرة الذات يف احلقيقة تعالت
وتقدست وكل موضع فيه شوب الظلية داخل يف اآلاثر واآلايت فهم خصصوا بعلم
اليقني سريا واحدا من سريه الثالثة وجعلوا سريه الثاين حمصال لعني اليقني وحق اليقني ومل
حيركوا شفاههم ابلسري الثالث أصال حت يتم به دائرة علم اليقني وأين بعد عني اليقني
وحق اليقني {ع}:
وقس من حال بستاين ربيعي
وماذا أقول من عني اليقني وحق اليقني ومن يفهمه ان قلت ومن يدرك فان هذه
املعارف خارجة من حيطة الوالية وأرابب الوالية عاجزون عن ادراكها مثل علماء الظاهر
وقاصرون يف دركها وهذه العلوم مقتبسة من مشكاة أنوار النبوة على صاحبها الصالة و
السالم والتحية حصلت هلا النضارة بعد جتدد االلف الثاين وظهرت ابلطراوة وصاحب
هذه العلوم واملعارف جمدد هذا االلف كما ال خيفى على الناظرين يف علومه ومعارفه اليت
تتعلق ابلذات والصفات واالفعال وتتلبس ابالحوال واملواجيد والتجليات والظهورات
فيعلمون ان هذه املعارف والعلوم وراء علوم العلماء ووراء معارف االولياء بل علوم هؤالء
ابلنسبة اىل تلك العلوم قشر وتلك املعارف لب ذلك القشر وهللا سبحانه اهلادي (واعلم)
- 644 -
[]1
ومضي ولكن جمدد املائة ليس كمجدد االلف بل أنه قد مر على رأس كل مائة جمدد
الفرق بني جمدد املائة وجمدد االلف كالفرق بني املائة وااللف بل أزيد منه واجملدد هو
الذي بتوسطه يرد على االمة يف تلك املدة ما يرد من الفيوض وان كانوا اقطاب ذلك
الوقت وأواتده وأبداله وجنباءه {شعر}:
ليس على هللا مبستنكر * ان جيمع العامل يف واحد
و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و
التسليمات العلى و على مجيع اخوانه من االنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني وعباد هللا
الصاحلني أمجعني.
{املكتوب اخلامس اىل املري مشس الدين علي اخللخايل يف بيان ان لصفات
احلق سبحانه اعتبارين االول حصوهلا يف أنفسها والثاين قيامها بذات احلق سبحانه
وكال االعتبارين متميزان يف اخلارج}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (أيها املخدوم) ان لصفات الواجب
اليت هي موجودة وقائمة بذاته تعاىل اعتبارين االعتبار االول ثبوهتا يف حد ذاهتا واالعتبار
الثاين قيامها بذات الواجب تعاىل وتقدس وهلا ابالعتبار االول مناسبة ابلعامل وبه صارت
مبادئ التعينات وابالعتبار الثاين مستغنية عن العامل ليس هلا توجه اىل العامل وما فيه أصال
وأيضا اهنا ابالعتبار االول ترى يف النظر الكشفي منفكة عن الذات تعالت وتقدست
ونثبت الذات وراءها وابالعتبار الثاين ليست كذلك بل ال يتصور االنفكاك وأيضا اهنا
ابالعتبار االول حجب للذات وابالعتبار الثاين االحتجاب مرتفع كالبياض القائم ابلثوب
فانه ليس حبجاب للثوب غاية ما يف الباب ان البياض بكال االعتبارين أعين حصوله يف
نفسه وقيامه ابلثوب ليس حبجاب لذات الثوب فانه وان كان احملسوس هو ذلك البياض
( )1أخرج ابو دواود واحلاكم والبيهقي يف املعرفة عن ايب هريرة ان هللا تعاىل يبعث هلذه االمة على رأس كل مائة سنة
من جيدد هلا دينها انتهى اجلامع الصغري
- 645 -
ولكن احلجابية مرتفعة خبالف صفات الواجب تعاىل وتقدس فاهنا ابالعتبار االول
حاجبة وابالعتبار الثاين غري حاجبة واايك وختيل فرق ما بني االعتبارين شيئا يسريا فان
هذا الفقري مع وجود جذب قوي وسرعة سري قطع ما بني هذين االعتبارين قريبا من
مخس عشرة سنة ومل يهتد العلماء املتقدمون اىل فرق ما بني هذين االعتبارين وقالوا ان
حصول العرض يف نفسه هو عني حصوله القيامي يف اجلوهر وبعض العلماء املتأخرين تنبه
عل ى هذا الفرق وحقق ان حصوله يف نفسه غري حصوله القيامي الن العرض يقال يف
حقه أنه وجد فقام فالوجود غري القيام وحتقيق ذلك البعض يف العرض كان مرتقى العروج
يل ووسيلة ملعرفة حمتاج اليها وقد امد يف هذا السري والسلوك كثري من التحقيقات
الكالمية والتدقيقات الفلسفية وصارت واسطة للمعارف االهلية جل سلطانه و السالم
على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله واصحابه من الصلوات أمتها
ومن التسليمات أكملها.
{املكتوب السادس اىل املخدوم زاده جامع العلوم العقلية والنقلية اخلواجه
جمد الدين حممد معصوم يف بيان بعض االسرار الغامضة ويفهم منها وجه كونه صلّى
هللا عليه و سلّم مأموراً ابتباع ملة ابراهيم عليه الصالة و السالم}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اظن ان املقصود من خلقي هو أن
تكون الوالية احملمدية منصبغة ابلوالية االبراهيمية عليهما الصالة والتحية وان ميتزج حسن
مالحة هذه الوالية جبمال صباحة تلك الوالية قد ورد يف احلديث اخي[ ]1يوسف اصبح
واان املح وان يبلغ مقام احملبوبية احملمدية هبذا االنصباغ درجة عليا ويشبه ان يكون
املقصود من األمر ابتباع ملة ابراهيم عليه الصالة و السالم حصول هذه الدولة العظمى
وان طلب الصلوات والربكات املماثلتني لصلوات ابراهيم وبركاته على نبينا وعليه الصالة و
( )1قال املخرج ما وجدت له أصال وسألت موالان حممد اسحق فلم يعرفه انتهى وقال املخرج الثاين ذكره احملدث
الشيخ عبداحلق الدهلوي يف كتابه مدارج النبوة بال عز و ايل أحد اه
- 646 -
السالم امنا هو الجل هذا الغرض واملالحة والصباحة كلتامها منبئتان عن حسن الذات
تعالت وتقدست من غري مزج الصفات ولكن حسن الصفات واالفعال واآلاثر كلها
مستفاد من حسن الصباحة الكثرية الربكة وحسن املالحة انسب حبضرة االمجال وكأن
املالحة مركز للحسن والصباحة دائرة ذلك املركز وكما أن يف حضرة الذات بساطة كذلك
فيها وسعة ايضا وليست تلك البساطة والوسعة مما جيئ يف فهمنا وما ذلك االمجال
والتفصيل مما يدرك ابدراكنا ال تدركه االبصار وهو يدرك االبصار وهو اللطيف اخلبري
والبساطة والوسعة اللتان نثبتهما يف حضرة الذات كل واحدة منهما متمايزة عن األخرى
ال اهنا عني األخرى كما ظن البعض واما التميز الذي هو اثبت يف تلك املرتبة بني
االنبياء فهو خارج عن حيطة ادراكنا وبعيد عن دائرة افهامنا فتكون الصباحة واملالحة
ايضا متمايزاتن يف تلك املرتبة وتكون احكام كل واحدة منهما مغايرة الحكام األخرى
فعلم أن املقصود الذي كنت فهمته من خلقي قد حصل ومسئول ألف سنة صار مقروان
ابالجابة احلمد هلل الذي جعلين صلة بني البحرين ومصلحا بني الفئتني أكمل احلمد على
كل حال والصالة و السالم على خري االانم و على اخوانه الكرام من االنبياء واملالئكة
العظام وملا صارت الصباحة ايضا متلونة بلون املالحة ال جرم حصلت الوسعة ملقام اخللة
االبراهيمية أيضا وانل احمليط حكم املركز أيضا (ينبغي ان يعلم) أن ملقام احملبة مناسبة
مبرتبة املالحة وملقام اخللة مبرتبة الصباحة ويف احملبة كانت احملبوبية الصرفة نصيب خامت
الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم واحملبية اخلالصة خمصوصة بكليم هللا عليه الصالة و
السالم ويف اخلليل عليه الصالة و السالم نسبة اجلليسية والندميية وكل من احملب واحملبوب
غري اجلليس والندمي ولكل واحد منها نسبة على حدة وملا كان هذا الفقري مريب ابلوالية
احملمدية والوالية املوسوية على صاحبيهما الصالة و السالم والتحية كان له موطن
ومسكن يف مقام املالحة ونسبة احملبوبية غالبة فيه بواسطة حمبته للوالية احملمدية على
صاحبها الصالة و السالم والتحية ونسبة احملبية مستورة ومغلوبة (ايها الولد) اعلم انه مع
وجود هذه املعاملة اليت هي مربوطة خبلقيت أحيلت على معاملة أخرى ايضا عظيمة وليس
- 647 -
املقصود من وجودي املشيخة واملريدية وتكميل اخللق وارشادهم وهذه املعاملة غري تلك
املعاملة ويف ضمن هذه املعاملة أيخذ الفيض كل من له مناسبة واال ال ومعاملة التكميل
واالرشاد ابلنسبة اىل هذه املعاملة كاهنا أمر مطروح يف الطريق ولدعوة االنبياء عليهم
الصالة و السالم ابلنسبة اىل معامالهتم الباطنية هذا احلكم بعينه ومنصب النبوة وان كان
خمتوما ولكن لكمل اتبعي االنبياء عليهم الصالة و السالم نصيب من كماالت النبوة
وخصائصها بطريق التبعية والوراثة.
{املكتوب السابع اىل الفقري احلقري عبد احلي جامع هذه املكتوابت الشريفة
يف بيان مراتب اخلمس احملبية واحملبوبية واحملبة واحلب والرضا ومرتبة أخرى فوقها
وخصوصية كل واحد منها بنيب من االنبياء وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و السالم على عباده الذين اصطفى اعلم ارشدك هللا تعاىل ان يف احملبة
الذاتية اليت هي حمبته سبحانه و تعاىل لذاته بذاته ثالثة اعتبارات احملبوبية واحملبية واحملبة
وظهور كماالت احملبوبية الذاتية مسلم خلامت الرسل عليه و على آله وعليهم الصلوات و
التسليمات غاية ما يف الباب ان يف جانب احملبوبية كمالني فعلي وانفعايل والفعلي أصل
واالنفعايل اتبع له ولكن االنفعايل علة غائية للفعلي فهو وان كان متأخرا يف الوجود لكنه
متقدم يف التصور (وظهور) كماالت احملبة نصيب كليم هللا على نبينا وعليه الصالة و
السالم واالعتبار الثالث الذي هو نفس احملبة كان أبو البشر آدم عليه الصالة و السالم
مشهودا فيه أ ََّوال مث ابراهيم عليه الصالة و السالم اثنيا مث نوح عليه الصالة و السالم اثلثا
واالمر اىل هللا سبحانه (وحضرة) احلق سبحانه كما انه حيب ذاته تعالت وتقدست كذلك
حيب كماالته االمسائية والصفاتية واالفعالية وظهور هذه احملبة الذاتية يعين حمبته تعاىل
بذاته المسائه وصفاته امت يف اخلليل عليه الصالة و السالم وظهور احملبوبية االمسائية
والصفاتية واالفعالية متحقق يف سائر االنبياء عليهم الصالة و السالم كظهور حمبيتها و ملا
كان لالمساء والصفات واالفعال ظالل كان ظهور حمبوبية تلك الظالل بتوسط اصوهلا
- 648 -
نصيب االولياء املرادين احملبوبني كما ان حمبية تلك الظالل كانت نصيب االولياء املريدين
احملبني (وفوق مقام احملبة) الذاتية مقام احلب الذي هو جامع لالعتبارات الثالثة وامجاهلا
ومقام الرضا فوق مقام احملبة واحلب فان مرتبة الرضا فوق مرتبة احملبة فان يف احملبة وجود
النسبة امجاال وتفصيال ويف مقام الرضا حذف النسبة وهو مناسب حلضرة الذات تعالت
وتقدست وليس فوق مقام الرضاء قدم اال ما أخرب النيب صلّى هللا عليه و سلّم عن ذلك
املقام حيث قال يل مع[ ]1هللا وقت ال يسعين فيه ملك مقرب وال نيب مرسل وكأن يف
احلديث القدسي اشارة اىل هذه اخلصوصية حيث ورد اي حممد اان[ ]2وأنت وما سواك
خلقت الجلك فقال حممد عليه و على آله الصالة و السالم اللهم أنت وما أان وما
سواك تركت الجلك ومن اين يدرك عظمة حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يف هذا
اليوم وكيف يعرف جاللة قدره عليه الصالة و السالم يف هذه النشأة فان احملق ممتزج يف
هذه الدار ابملبطل واحلق خمتلط ابلباطل لكوهنا دار ابتالء وسيعلم عظمة شأنه يوم القيامة
فانه يكون فيه امام االنبياء وصاحب شفاعتهم و يكون آدم ومن دونه حتت لوائه عليه و
على مجيع االنبياء واملرسلني من الصلوات أفضلها ومن التسليمات اكملها وجيوز أن
يعطى خادم من خدامه اآلكلني فضلة طعامه النائلني عناية اكرامه حمال يف ذلك املوطن
اخلاص الذي هو فوق مقام الرضاء بطريق الوراثة والتبعية وان جيعل حمرما لذلك اجلناب
بتطفله عليه الصالة و السالم {ع}:
ال عسر يف امر مع الكرام
وهذا املعن ليس مبستلزم ملزية غري االنبياء على االنبياء عليهم الصالة و السالم
والتحية فانه كيف تتصور املساواة بني اخلادم وبني أمثال هؤالء املخادمي واي نسبة بني
التابع وبني أمثال هؤالء املتابيع االصل مقصود والتابع طفيلي وهناية معاملة التابع تكون
منجرة اىل فضل جزئي وال حمذور فيه اال ترى ان لكل حائك وحجام فضال على عامل
ذي فنون ابعتبار صنعته املختصة به وهو ساقط عن حيز االعتبار كالمنا اشارات ورموز
وبشارات وكنوز ال نصيب منها لالكثر اال ان يؤمنوا هبا فينتج امياهنم مثرات تنفعهم وهللا
سبحانه املوفق و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على مجيع
اخوانه من االنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني من الصلوات أفضلها ومن التسليمات
أكملها.
{املكتوب الثامن اىل خان خاانن يف بيان الفرق بني اميان اخص اخلواص
ابلغيب واميان العوام واميان املتوسطني}
احلمد و سالم على عباده الذين اصطفى {ع}:
وأحسن ما يلمى حديث االحبة
قال هللا تبارك و تعاىل واذا سألك عبادي عين فاين قريب وقال تعاىل ما يكون من
جنوى ثالثة اال هو رابعهم وال مخسة اال هو سادسهم وال ادىن من ذلك وال أكثر اال هو
معهم اينما كانوا وقربه ومعيته تعاىل منزهان كذاته سبحانه عن الكيف واملثال فانه ال
سبيل للكيف اىل الالكيفي فكلما يدرك من معن القرب واملعية بفهمنا وعقلنا أو يدخل
يف حيطة كشفنا وشهودان فهو تعاىل منزه ومربأ عن ذلك املعن الذي له قدم يف مذهب
اجملسمة ونؤمن أنه تعاىل قريب منا وأنه تعاىل معنا ال ندري معن القرب واملعية انه ما هو
وهنا ية نصيب الكمل يف هذه النشأة هي االميان ابلغيب بذاته وصفاته تعاىل {شعر}:
وما فاه ارابب النهي واحلجى مبا * سوى انه املوجود الرب غريه
واالميان ابلغيب الذي هو نصيب أخص اخلواص ليس كاميان العوام ابلغيب فان
اميان العوام ابلغيب امنا حيصل ابلسماع او ابالستدالل واخص اخلواص حصل اميان
الغيب مبطالعة غيب الغيب يف حجب ظالل اجلمال واجلالل ووراء سرادقات الظهورات
والتجليات (وأما) املتوسطون فهم مسرورون ابالميان الشهودي ظانني الظالل أصال
والتجليات عني املتجلي واالميان ابلغيب نصيب االعداء يف حقهم يعين عندهم كل حزب
- 650 -
مبا لديهم فرح ون والباعث على التصديع ان موالان عبد الغفور وموالان احلاج حممد من
االصحاب املخصوصني فكل احسان من كل يقع يف حق املشار اليهما موجب المتنان
الفقري {ع}:
ال عسر يف امر مع الكرام * و السالم.
{املكتوب التاسع اىل املال عارف اخلتين يف بيان فضائل الكلمة الطيبة ال اله
اال هللا وحتقيق مقام التنزيه وبيان أن االميان ابلغيب أمنا يتحقق اذا انتهت املعاملة اىل
االقربية فان تلك املعاملة خارجة عن حيطة الوهم واخليال}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى لينف موالان عارف اخلتين اوال اآلهلة
الباطلة وليثبت اثنيا املعبود ابحلق جل سلطانه وكلما هو متسم بسمة الكيف والكم ينبغي
ادخاهلا حتت كلمة ال وحتصيل االميان ابنه منزه عن الكيف واملثال وأمت العبارات يف النفي
واالثبات الكلمة الطيبة ال اله اال هللا قال النيب عليه و على آله الصالة و السالم أفضل
الذكر ال اله اال هللا وقال عليه و على آله الصالة و السالم حاكيا عن هللا سبحانه لو أن
السموات السبع وعامرهن غريي واالرضني السبع وضعن يف كفة وال اله اال هللا يف كفة
ملالت هبن ال اله اال هللا وكيف ال تكون أفضل وكيف ال تكون ارجح فان كلمة منها
تنفي مجيع ما سواه تعاىل سواء كان مسوات او ارضني او عرشا او كرسيا او لوحا او قلما
او عاملا او آدما وكلمة أخرى منها تثبت املعبود ابحلق جل برهانه الذي هو خالق
السموات واالرضني وما سوى احلق جل وعال من اآلفاق واالنفس كله متسم بسمة
الكيف والكم فكلما يتجلي يف مرااي اآلفاق واالنفس يكون كيفيا وكميا ابلضرورة فيكون
مستحقا للنفي فمعلومنا وموهومنا ومشهودان وحمسوسنا كلها متصفة ابلكيف واملثال
ومكتنفة بعيوب احلدوث واالمكان فان معلومنا وحمسوسنا منحوت وجمعول والتنزيه الذي
يتعلق علمنا به عني تشبيه والكمال الذي هو على مقدار فهمنا عني نقص فكلما يكون
متجليا لنا او مكشوفا او مشهودا فهو غري احلق سبحانه و تعاىل وهو تعاىل وراء الوراء
- 651 -
قال هللا تبارك و تعاىل حكاية عن اخلليل عليه السالم (أتعبدون ما تنحتون وهللا خلقكم
وما تعملون) ومنحوتنا كله خملوق احلق سبحانه و تعاىل سواء حنتناه ابيدينا او بعقولنا
واوهامنا ليس مبستحق للعبادة واملستحق للعبادة امنا هو االله املنزه عن الكيف واملثال
الذي يد ومهنا قاصرة عن الوصول اىل ذيل ادراكه وعيون كشفنا وشهودان متحرية وعاجزة
عن شهود عظمته وجالله تعاىل فاالميان مبثل هذا االله املنزه عن الكيف واملثال اليتيسر
إال بطريق الغيب فان االميان الشهودي ليس امياان به تعاىل بل هو اميان مبنحوت نفسه
الذي هو من خملوقاته تعاىل واشراك االميان بغريه ابالميان به تعاىل بل اميان بغريه تعاىل
فقط اعاذان هللا سبحانه من ذلك وامنا يتيسر االميان ابلغيب اذا مل يبق للوهم السريع السري
جمال فيه ومل ينتقش منه شئ يف املتخيلة وهذا املعن متحقق يف االقربية اليت هي خارجة
عن حيطة الوهم واخليال فان الشئ كلما يكون أبعد يكون جمال الوهم فيه أزيد واوسع و
يكون يف الدخول حتت سلطنة اخليال أقرب وأسرع وهذه الدولة خمصوصة ابالنبياء عليهم
الصالة و السالم واالميان ابلغيب نصيب هؤالء االكابر عليهم الصلوات و التسليمات
ابالصالة وقد يشرف به كل من أريد يف حقه ذلك بطريق التبعية هلم والوراثة منهم واالميان
الغيب الذي هو حاصل لعوام املؤمنني ليس خبارج عن حيطة الوهم فان وراء الوراء يف
حق العوام يف جانب البعد الذي فيه جمال للوهم ووراء الوراء عند هؤالء االكابر يف
جانب ال قرب الذي ال جمال فيه للوهم ومادامت الدنيا قائمة واحلياة الدنيوية موجودة ال
بد من االميان ابلغيب فان االميان ابملشهود معلول هنا واذا كانت النشأة االخروية
وانكسرت سورة الوهم واخليال يكون االميان الشهودي مقبوال ومربأ عن علة اجلعل
والنحت واظن أن حممدا رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ملا كان يف دار الدنيا مشرفا
بدولة الرؤية لو اثبتنا االميان الشهودي يف حقه هنا لكان حممودا ومنزها عن علة اجلعل
والنحت فان الذي هو موعود لغريه يف اآلخرة ميسر له صلّى هللا عليه و سلّم هنا ذلك
فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (ينبغي) أن يعلم أن كلمة النفي قد أمتها
اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم ومل يرتك اباب من ابواب الشرك غري مسدود أصال
- 652 -
وهلذا صار امام االنبياء واسبقهم قدما فان ظهور هناية الكمال يف النشأة الدنياوية منوط
ابمتام هذا النفي وظهور كماالت كلمة االثبات موقوف على نشأة اآلخرة غاية ما يف
الباب ان خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم ملا تشرف يف هذه النشأة بدولة
الرؤية وجد نصيبا وافرا من كماالت كلمة االثبات يف هذه النشأة أيضا حت ميكن ان
يقال ان كلمة االثبات قد متت ببعثته عليه الصالة و السالم مبقياس هذه النشأة وميكن
ان يكون اثبات التجلي الذايت يف حقه صلّى هللا عليه و سلّم يف هذه النشأة هلذا املعن
ووعد يف حق اآلخرين و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على
آله من الصلوات أفضلها ومن التسليمات أكملها.
{املكتوب العاشر اىل اخيه احلقيقي ميان حممد مودود يف بيان ان كل ظهور ال
يكون بدون شائبة الظلية خبالف ظهور ما فوق العرش وان القلب اذا انتهى اىل هنايته
يقتبس ملعة من أنوار العرش}
قال الشيخ أبو يزيد البسطامي لو ان العرش وما حواه يف زاوية من زوااي قلب
العارف ما أحس به يعين من وسعة قلبه وأيد الشيخ اجلنيد هذا القول واثبته بدليل وقال
ان احلادث اذا اقرتن ابلقدمي ال يبقى منه أثر يعين ان العرش وما فيه حادث فاذا اقرتن
ذلك احلادث بقلب العارف الذي هو حمل ظهور أنوار القدم يصري مضمحال ومتالشيا
فكيف يكون حمسوسا والعجب ألف عجب من صدور مثل هذا الكالم عن رؤساء
الصوفية سلطان العارفني وسيد الطائفة حيث ال جيعلون للعرش اجمليد اعتبارا يف جنب
قلب العارف اصال ويرون العرش حاداث خاليا من ظهور أنوار القدم ويسمون القلب قدميا
بواسطة ظهور أنوار القدم فيه فماذا أقول من غريهم وماذا اكتب وعند الفقري الذي هو
مريب اجلذابت االهلية هو ان قلب العارف اذا انتهى اىل هناية النهاية مبتقضى استعداده
اخلاص وحصل الكمال الذي ال يتصور شئ فوقه حيصل له حينئذ قابلية فيضان ملعة من
ملعات ظهور أنوار العرش اليت ال هناية هلا وتكون تلك اللمعة ابلنسبة اىل ملعات العرش
- 653 -
قطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط بل أقل والعرش هو الذي مساه هللا سبحانه عظيما وأثبت
فيه سر االستواء ويقال لقلب العارف بواسطة جامعيته على سبيل التمثيل والتشبيه عرش
هلل يعين كما ان العرش اجمليد برزخ بني عامل اخللق وعامل االمر يف العامل الكبري وجامع لكال
طريف اخللق واالمر كذلك القلب برزخ بني عامل اخللق وعامل االمر يف العامل الصغري وجامع
لكال طريف اخللق واالمر من ذلك العامل الصغري فيمكن ان يقال للقلب ايضا عرشا على
سبيل التمثيل (امسع امسع) ان قابلية ظهور أنوار القدم اليت هي منزهة ومربأة عن شائبة
الظلية خمصوصة ابلعرش اجمليد ليست تلك القابلية لشئ من عامل اخللق وال من عامل األمر
وال من العامل الكبري وال من العامل الصغري غري العرش اجمليد ويقتبس قلب العارف الكامل
من تلك االنوار بواسطة عالقة اجلامعية والربزخية ويغرتف غرفة من ذلك البحر وكل
ظهور بعد العرش وقلب العارف التام املعرفة متسم بسمة الظلية مل جيد رائحة من األصل
فان قال أبو يزيد كذلك من السكر فله ذلك ولكن صدوده من اجلنيد الذي هو مدع
للصحو ليس حبسن وماذا يصنعون فاهنم مل يتنبهوا حلقيقة املعاملة ومل خيرجوا من جلة حبر
الظلية اىل الساحل وهذا الكالم وان كان اليوم مستبعدا يف نظر أكثر اخللق ولكن الغد
قريب من اليوم فال يستعجلوا أتى أمر هللا فال تستعجلوا سبحانه و تعاىل عما يشركون و
السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و
التسليمات و على مجيع االنبياء واملرسلني و على املالئكة املقربني و على سائر عباد هللا
الصاحلني و على املؤمنني واملؤمنات أمجعني.
{املكتوب احلادي عشر اىل املخدوم زاده معدن احلقائق واملعارف الالمتناهية
ومظهر الفيوضات االهلية جمدالدين اخلواجه حممد معصوم يف بيان بعض خصائص
ظهور ما فوق العرش ومعىن قوله تعاىل هللا نور السموات واالرض التأويلي وبعض
خواص كماالت االنسان وفضائل اجلزء االرضي منه وما يناسب ذلك}
حنمده و نصلي على عبده و على آله الكرام (اعلم) أن العامل الكبري مع وجود
- 654 -
الوسعة و التفصيل فيه ملا مل يكون فيه اهليئة الوحدانية ليست فيه قابلية ظهور البسيط
احلقيقي اجملرد عن النسب واالعتبارات املعرى عن تفاصيل الشئون والصفات واشرف
اجزاء العامل الكبري عرش الرمحن الذي هو حمل ظهور أنوار حضرة الذات املستجمعة
جلميع الصفات وما وراء العرش اجمليد من العامل الكبري ال ختلو الظهورات فيه عن شائبة
الظلية كائنا ما كان وهلذا خصص رب العاملني سر االستواء مما بني أجزاء العامل الكبري
ابلعرش اجمليد لكونه أفضل أجزاء ذلك العامل فان ظهور ظل من الظالل ليس هو ظهوره
تعاىل يف احلقيقة حت يعرب عنه بعبارة االستواء وأيضا ان الظهور الذي فيه دائمي من غري
ختلل االستتار وان كان نور السموات واالرض هو احلق سبحانه و تعاىل ولكن ذلك النور
مقرون حبجب الظالل ال ظهور له تعاىل فيها من غري توسط الظلية ومجيع تلك
الظهورات مقتبسة من أنوار الظهور العرشي ظهرت حمجبة حبجاب ظل من الظالل كماء
البحر احمليط حيمل بتوسط الظروف اىل اجلوانب واالطراف وكمشعل عظيم تشعل منه
املشاعل الصغار ويستضاء هبا اآلفاق واالكناف وكأن يف قوله تعاىل هللا نور السموات
واالرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح اآلية امياء اىل هذه املعارف فان التمثيل يف هذه
اآلية الكرمية امنا اختري لئال ينفهم ظهور ذلك النور من غري توسط ولئال يشبته االصل
ابلظل وليعلم ان نور الظل موقد مقتبس ومأخوذ من االصل يهدي هللا لنوره من يشاء
اآلية الكرمية حمم ولة على مراد هللا تعاىل وحنن اولنا بتأويل كشف لنا فنقول بعون هللا تعاىل
وحسن توفيقه سبحانه هللا نور السموات واالرض النور هو الذي تشرق به االشياء
وتستضئ والسموات واالرض امنا أشرقت به تعاىل فانه سبحانه اخرجها من ظلمات
العدم وجعلها متصفة ابلوجود وتوابعه ونورها ينبغي ان يتصور السموات واالرض اليت
أشرقت بذلك النور مثل املشكاة وان يعلم ذلك النور مبثابة املصباح الذي هو مودع يف
تلك املشكاة ودخول كاف التمثيل على املشكاة الشتماهلا على املصباح وينبغي ان
يالحظ الزجاجة حجب االمساء والصفات فان ذلك النور متلبس ابالمساء والصفات
وليس مبعري عن الشؤن واالعتبارات وزجاجة الصفات كأهنا كوكب دري من حسن
- 655 -
الوجوب ومجال القدم وذلك املصباح املودع يف تلك املشكاة موقد من شجرة مباركة
زيتونة وهي كناية عن الظهور اجلامع العرشي الذي االستواء رمز من ذلك الظهور فان
الظهورات اليت تتعلق ابلسموات واالرض مبثابة االجزاء لذلك الظهور اجلامع وحيث كان
ذلك الظهور اجلامع ال مكانيا وال جهتيا جاز ان يقال انه ال شرقي وال غريب يكاد زيتها
يضئ ولو مل متسه انر صفة مادحة لتلك الشجرة املباركة اليت هي ممثل هبا وبيان لصفاء
زيتها وتأللئه نور على نور يعين ان حجاب الزجاجة لصفائه واشراقه ازداد يف ذلك النور
و زاد يف حسنه ومجاله النه اجتمعت كماالت الصفات مع كمال الذات واقرتن حسن
الصفات جبمال الذات مع وجود تضاعف النور وكمال الظهور يهدي هللا لنوره من يشاء
بلر من مل جيعل هللا له نورا فما له من نور وهذا الظهور اجلامع الذي انتسب اىل العرش
منتهى املشاهدادت واملعاينات واملكاشفات وهناية التجليات والظهورات سواء كانت
جتليات ذاتية أو صفاتية وبعد ذلك تتقرر املعاملة على اجلهل كما سيأيت نبذة من بيان
ذلك ان شاء هللا تعاىل وهذا الظهور اجلامع وان كان مقروان ابلصفات ولكن الصفات
ليست يف هذا املوطن حجااب للذات وحجابية الصفات للذات خمصوصة ابلظهورات
الظلية اليت يف مرتبة العلم وظهور االصل يف مقام العني فالصفات حجاب للذات يف
العلم ال يف العني أال ترى ان زيدا اذا تعقلته يف مرتبة العلم يكون ظهوره يف العلم
ابلصفات كالطويل او القصري او العامل او اجلاهل او الصغري او الكبري او الشاعر او
الكاتب وكل تلك الصفات اليت تعقلها حجاب لذاته ومجيع تلك التقييدات الكلية ال
تكون مفيدة لتشخصه فاذا خرج زيد من العلم اىل العني وصار مشهودا مع وجود
الصفات وانتقلت املعاملة من الظلية وتقررت على االصالة فان الصور العلمية لزيد ظل
زيد املوجود يف اخلارج وهو أصله فحينئذ ال تكون الصفات حجااب لذاته و يكون
احملسوس شخصا مستجمعا جلميع الصفات وكذلك مفارقة الصفات حلضرة الذات
تعالت وتقدست امنا هي يف مراتب الظالل والتصورات املثالية واما اذا تيسر الوصول اىل
االصل ال توجد الصفات منفكة عن الذات وال يكون شهود الذات منفكا عن شهود
- 656 -
الصفات وجتلي الصفات الذي ميزوه عن جتلي الذات واثبتوا جتلي االفعال على حدة كل
ذلك يف مقامات الظالل وبعد الوصول اىل االصل ليس اال جتل واحد متضمن للتجليات
الثالثة مثال زيد الذي يكون مشهودا ال يكون شهود ذاته منفكا عن شهود صفاته بل
املشاهد له جيده حني شهوده عاملا فاضال فكما ان علمه وفضله ليسا حبجاب لرؤيته
كذلك ليسا مبنفكني عنه أيضا نعم اذا كان زيد متعقال ومدركا ابلصور الظلية تكون
صفاته منفكة عن ذاته وحجااب له كما مر أال ترى ان املرئي يف اآلخرة هو الذات
املستجمعة للصفات ال الذات املعراة عن االمساء والصفات فان ذلك جمرد االعتبار النه
ال جترد للذات عن الصفات أصال وليست الصفات منفكة عن الذات قطعا والتجرد امنا
يقال ابعتبار ان العارف الكامل اذا استوىل عليه التعلق ابلذات تعالت وتقدست تسقط
عن نظره مالحظة االمساء والصفات وال يبقى مشهوده غري احدية الذات أصال فتجرد
الذات عن الصفات امنا كان ابعتبار نظر العارف ال ابعتبار اخلارج ونفس االمر كما
سيجئ حتقيقه ان شاء هللا تعاىل (وأيضا) ان هذا الظهور اجلامع منتهى التصورات املثالية
والكمال الذي حيصل بعد ذلك ال ميكن كونه متصورا يف مرآة املثال فان التصور يف املثال
امنا يكون المر له مشاهبة ومناسبة مبا يف اخلارج وان كانت تلك املشاهبة يف االسم فقط
وأما االمر الذي ال مشاهبة له بشئ يف اخلارج بوجه من الوجوه فتصويره يف املثال حمال
والكماالت الفوقانية من هذا القبيل الهنا ال شئ يشاهبها بوجه من الوجوه حت ميكن
تصوي رها يف املثال ومن ههنا كان اجلهل من لوازم ذلك املوطن يف مجيع االوقات وصار
عدم االدراك فيه عالمة االدراك ويف هذه النشأة وان مل حيصل من ذلك املقام شئ غري
اجلهل وعدم الوجدان ولكن املرجو ان حيصل يف اآلخرة قوة وقلب ال يتالشى يف تشعشع
النور و يكون خبريا عن حقيقة املعاملة {شعر}:
أال أعطين قلبا ترى من جسارة ال * أسود وان الفييت قبل ثعلبا
(وال يوقعنك) بيان ظهور ما فوق العرش يف توهم ان احلق سبحانه و تعاىل مستقر
فوق العرش واثبت له تعاىل املكان واجلهة تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا وعما ال يليق
- 657 -
جبناب قدسه تعاىل فان ظهور صورة زيد يف املرآة ال يستلزم اسقرار زيد يف املرآة وان وقع
القاصرون يف التوهم وهلل املثل االعلى أال ترى ان املؤمنني يرون احلق تعاىل يف اآلخرة يف
اجلنة مع أن اجلنة وغريها سيان ابلنسبة اليه تعاىل والكل خملوقه تعاىل والتجلي الواقع يف
جبل الطور ليس فيه شائبة احلالية واحمللية غاية ما يف الباب أن بعض احملال فيه قابلية
الظهور وبعض آخر ليست فيه تلك القابلية أال ترى أن املرآة فيها قابلية لظهور الصور
وليست تلك القابلية لنعال الدواب مع ان كال منهما من احلديد فالتفاوت امنا هو يف
املظهر ال يف الظاهر ومجيع املظاهر قابلة او غري قابلة سواسية ابلنسبة اىل الظاهر وكذلك
االلفاظ اليت توهم الكلية واجلزئية ويفهم منها احلالية واحمللية مصروفة عن الظاهر ليست
بالئقة جبناب قدسه تعاىل وامنا يرتكب ايراد هذه االلفاظ من ضيق العبارة {شعر}:
اين قاعده ايد دار كاجناكه خداست * نه جزو نه كل و نه ظرف و نه مظروف
{ترمجة}:
تعاىل هللا عن جزء وكل * ومظروف وظرف أو حلول
وملا كان قلب االنسان عرش العامل الصغري ومشاهبا بعرش العامل الكبري وكان
التجلي هناك بدون شائبة الظلية كانت ملعة من ذلك التجلي بدون تلك الشائبة نصيب
ذلك القلب وان كان للسموات واالرض نصيب من ذلك التجلي ولكنه يف حجاب ظل
من الظالل خبالف القلب فانه مربأ عن شائبة الظلية مثل العرش وان كان الظهور متفاوات
ابعتبار الصغر والكرب {ع}:
ويبدو على قدر املرااي مجاله
فالتجلي بدون شائبة الظلية بعد العرش اجمليد نصيب قلب كمل االنسان وحاصل
غريهم الظلية (ينبغي) أن يعلم ان الظهور العرشي وان كان مربأ عن شائبة الظلية ولكن
الصفات ممتزجة هناك ابلذات تعالت وتقدست والشؤن واالعتبارات اثبتة يف الذات
والشئون والصفات وان مل تكن حجااب للذات يف تلك املرتبة ولكنها مشاركة يف املشاهدة
واالدراك ومسامهة يف احملبة والعالقة واسارى حمبة االحدية اجملردة تعالت وتقدست ال
- 658 -
يرضون بشركة أمر وحبكم اال هلل الدين اخلالص يطلبون الدين اخلالص (وعدم) شركة
الصفات على تفاوت الدرجات نصيب اهليئة الوحدانية االنسانية ونصيب هيئة وحدانية
قلب االنسان ونصيب اجلزء االرضي لالنسان وفوق كل ذلك هيئة وحدانية لالنسان
كائنة مبثابة جزئه االرضي وآخذة حكمه وابجلملة ان العمدة يف هذه املعاملة هي اجلزء
االرضي وبقية االمور يعين االجزاء كاحملسنات الزائدة ويف االنسان شيئان ليس شئ منهما
يف العرش وال نصيب منهما للعامل الكبري فيه جزء ارضي ليس هو يف العرش وفيه هيئة
وحدانية ليست هي يف العامل الكبري والشعور املتعلق ابهليئة الوحدانية فهو نور على نور
وخمصوص ابلعامل االصغر فاالنسان اعجوبة حصل لياقة اخلالفة وحتمل ثقل االمانة
(واستمع) ما يتلى عليك من اخلصائص الغريبة االنسانية أن معاملة االنسان تبلغ مرتبة
حتصل له قابلية مرآتية االحدية اجملردة ويصري مظهرا للذات االحد من غري اقرتان الصفات
والشؤانت واحلال أن حضرة الذات تعالت وتقدست مستجمعة جلميع الصفات
والشؤانت يف مجيع االوقات ال انفكاك بينهما اصال يف وقت من االوقات (وبيانه) ان
االنسان الكامل اذا ختلص من اسر ما سوى الذات االحدية تعالت وتقدست حيصل له
التعلق ابلذات االحد وال يكون شئ من الصفات والشؤن ملحوظا ومنظورا ومقصودا او
مطلواب له وحبكم املرء مع من احب حيصل له نوع من االتصال اجملهول الكيفية حبضرة
االحدية اجملردة وذلك التعلق الذي كان له ابلذات االحد يثبت له نسبة القرب اجملهولة
الكيفية ابلذا ت املنزهة عن الكيف فيكون االنسان الكامل يف ذلك الوقت مرآة للذات
االحد حبيث ال يكون شئ من الصفات والشؤانت مشهودا ومرئيا فيه بل تكون االحدية
اجملردة تعالت وتقدست ظاهرة ومتجلية فيه سبحان هللا العظيم ان الذات اليت مل يكن من
شأهنا االنفكاك عن الصفات اصال كانت ظاهرة ومتجلية يف مرآة مثل هذا االنسان
الكامل حبيثية التجرد وصار احلسن الذايت متميزا عن احلسن الصفايت ومل تتيسر هذه
املرآتية الحد غري االنسان الكامل ومل تكن حضرة الذات تعالت وتقدست متجلية يف
شئ غري االنسان الكامل بال اقرتان الصفات والشؤانت والعرش اجمليد امنا كان مظهر
- 659 -
احلضرة الذات املستجمعة جلميع الصفات يف العامل الكبري واالنسان الكامل صار مظهرا
للذات االحد اجملردة عن االعتبارات يف العامل الصغري وهذه املرآتية من أعجوابت االنسان
وهللا سبحانه املعطي ال مانع ملا اعطاه وال معطي ملا منعه و السالم على من اتبع اهلدى
والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله وأصحابه الصلوات و التسليمات العلى.
{ املكتوب الثاين عشر اىل أخيه احلقيقي امليان غالم حممد يف بيان ان امللك
وان كان مشاهدا لالصل وشهود االنسان يف مرآة االنفس ولكن جعلت تلك الدولة
فيه كاجلزء منه وترتب البقاء عليه وما يناسبه}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (اعلم) ان املالئكة الكرام على نبينا
وعليهم الصالة و السالم مشاهدون لالصل ومتوجهون اليه ومتعلقون به وشائبة الظلية
مفقودة يف حقهم واالنسان املسكني العاجز قلما يضع قدمه يف خارج الظلية يف هذه
النشأة وحيصل شهودا دائميّا بدون وساطة مرااي اآلفاق واالنفس وبعد الوصول اىل االصل
يتجلي يف مرآة قلبه ملعة من تشعشع انوار االصل ويرجع اىل العامل وحيال فيه عليه تربية
الناقصني ويف هذا الرجوع تربية نفسه وتربية غريه فان تلك اللمعة اليت جعلت كاجلزء منه
جتعل اجزاءه اآلخر منصبغة بصبغها يف مدة رجوعه ومتلونة بلوهنا كما انه خيرج غريه من
مضيق النقص اىل فضاء الكمال ويدهلم من الغيب اىل الشهود فاذا متت مدة الدعوة
والرجوع وبلغ الكتاب اجله يظهر فيه شوق االصل ويقوم من ابطنه نداء الرفيق االعلى
ويتخلص من تعلقات شت وينقل محوله من الغيب اىل الشهادة وخترج معاملته من
املراسلة اىل املعانقة ويصدق هنا املوت جسر يوصل احلبيب اىل احلبيب (ينبغي) ان يعلم
ان امللك وان كان مشاهد االصل وشهود االنسان يف مرآة االنفس ولكن جعلت تلك
الدولة يف االنسان كاجلزء منه واعطي البقاء هبا وجعل متحققا هبا خبالف امللك فان تلك
الدول ة ما جعلت فيه كاجلزء منه بل هلم النظارة من اخلارج وليس هلم بقاء وحتقق هبا وليس
فيهم ذلك االنصباغ والتلون بلون االصل الذي تيسر لالنسان واالختصاص الذي حصل
- 660 -
للفرشيني ليس هو للقدسيني فان تفاوت ما بني الباطن واخلارج كثري وان كانت الدولة
الباطنية كاجلزء والدولة اخلارجية كالكل ولكن الباطن ابطن واخلارج خارج كالمنا أشارة
وبشارة وهلذا صارت خواص البشر أفضل من خواص املالئكة ومع مجيع ذلك حصل
استحقاق اخلالفة وهللا خيتص برمحته من يشاء وهللا ذالفضل العظيم {شعر}:
زمني زاده بر آمسان اتخته * زمني وزمانرا پس انداخته
{ترمجة}:
عال فوق السماء وليد أرض * وخلف خلفه زمنا وأرضا
وهذه الدولة امنا تيسرت لالنسان بواسطة جزئه االرضي والقلب الذي صار عرش
هللا امنا هو بدولة العنصر الرتايب الذي جامع للكل ومركز دائرة االمكان نعم امنا انلت
االرض كل هذا العلو والرفعة من الضعة وعدم الرتفع وجعلها التواضع عالية من تواضع هلل
سبحانه رفعه هللا فاذا رجع االنسان اىل االصل بعد متام مدة رجوعه ودعوته وبعد
انصباغه بصبغ االصل وصار متوجها اىل جناب القدس فاليقني ان االختصاص
واالنبساط الذي يتيسر له هناك ال يكون هو لغريه وقرب املنزلة الذي حيصل له فيه ليس
لغريه فانه صار واصال فانيا وحصل له البقاء ابالصل وصار منصبغا بصبغ االصل فاين
اجملال لغريه حت يدعون املساواة له فان انصباغ الغري وان كان العتبار التجرد والتنزه اكمل
وامت ولكنه انش من خارج فحكمه حكم عارضي وحيث كان انصباغ االنسان ابطنيا كان
حكمه حكم الذايت شتان ما بينهما وهذا الكمال خمصوص ابالنبياء صلوات هللا تعاىل
وتسليماته عليهم امجعني وهم املرادون خبواص البشر ومن يبشر هبذه الدولة العظمى
ابلوراثة والتبعية وكان حصول هذه الدولة يف اصحاب االنبياء عليهم الصالة و السالم
بربكة الصحبة اكثر وازيد ويشرف هبا غري االصحاب أيضا وان كان قليال بل أقل
{شعر}:
واذا أتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا
ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا ذنوبنا انك على كل شئ قدير حبرمة سيد املرسلني عليه
- 661 -
{ املكتوب الثالث عشر اىل املرزا مشس الدين يف جواب كتابه وبيان ان نصيب
علماء الظاهر ونصيب الصوفية العلية ونصيب العلماء الراسخني الذين هم ورثة
االنبياء ما هو وما يناسب ذلك}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم ان الصحيفة الشريفة الصادرة على
وجه الكرم قد بلغها اخي االعز الشيخ حممد طاهر فحصل بورودها الفرح والسرور وقد
اندرج فيها التماس النصائح بواسطة املكاتيب اىل زمن املالقاة (أيها املخدوم) املكرم ان
النصيحة هي الدين ومتابعة سيد املرسيلن عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن
التحيات أكملها ونصيب علماء الظاهر من الدين ومتابعة سيد املرسلني بعد تصحيح
العقائد هو علم الشرائع واالحكام والعمل مبقتضى ذلك العلم ونصيب الصوفية مع ما
هو للعلماء االحوال واملواجيد والعلوم واملعارف ونصيب العلماء الراسخني الذين هم ورثة
االنبياء عليهم الصالة و السالم مع ما هو لعلماء الظاهر ومع ما امتاز به الصوفية هو
االسرار والدقائق اليت جرى الرمز واالشارة اليها يف املتشاهبات القرآنية واندرجت فيها
على سبيل التأويل فهم الكاملون يف املتابعة واملتحققون ابلوراثة وهم شركاء يف دولة
االنبياء عليهم السالم اخلاصة هبم وحمارم املخدع اخلاص فال جرم تشرفوا بشرف علماء
أميت كأنبياء بين اسرائيل فعليكم مبتابعة سيد املرسلني وحبيب رب العاملني عليه و على
مجيع االنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني وأهل الطاعة أمجعني الصلوات والتحيات علما
وعمال ووجدا وحاال لتكون وسيلة اىل حصول الوراثة اليت هي هناية درجات السعادة.
{املكتوب الرابع عشر اىل موالان امحد الربكي يف جواب استفساره ان صاحب
املنصب هل يكون صاحب علم ألبتة او ال وعن سبب عدم االطالع على االحوال}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
- 662 -
الصحيفتان متتابعتني وقد كتبت خرب املصيبة اان هلل واان اليه راجعون ليكرر االصحاب
واالحباب كلمة ال اله اال هللا سبعني الف مرة لروح املرحوم خواجه حممد صادق وسبعني
الف مرة لروح اخته املرحومة ام كلثوم وليهدوا ثواب كل منهما لروحانية كل منهما فان
الدعاء مأمول من االحباب والفاحتة مسئولة منهم (وكتبت) ايضا انه قد ذكر يف
املكتوابت ان صاحب املنصب صاحب علم (ايها املخدوم) ان قطب االقطاب صاحب
علم يعين مبنصبه واقطاب البقعات كاجزائه ويده ورجله يكون لبعضهم العلم مبداريته
ولبعضهم ال (وكتبت) أيضا ان الفناء يف هللا والبقاء ابهلل مل حيصال اىل اآلن ماذا نفعل
كنت انت يف الصحبة قليال ومل متكث مقدار ما نطلعك على حصول بعض أحوالك وأان
اآلن اشاهد من بالد اهلند فناءك وبقاءك وأحس هذين الكمالني املذكورين فيك وأنت
تنكر ذلك وبيننا مسافة بعيدة ومامل تتيسر املالقاة الصورية فاالطالع على االحوال
املكنونة متعسر وما تكلم به املشايخ يف الفناء والبقاء كله رمز واشارة فماذا جيد االنسان
من قبل نفسه وال يعطي احلق سبحانه الكل علما وأحواال بل يعطي الشخص علما
ابحواله وجيعله مقتدى به ويربط اجلمع به فيبلغهم مرتبة الكمال والتكميل {شعر}:
ليس على هللا مبستنكر * ان جيمع العامل يف واحد
ايليتين كنت امسكت الشيخ حسنا اايما أخر وأطلعته على بعض احوالكم مث
ارسلته اىل خدمتكم وجميئك مشكل فياحبذا لو جاء من أصحابك شخص رشيد قابل
فهي م واقام هنا اايما حت خنربه ابخبار ضرورية واملقصود هو حصول االحوال واالطالع
على االحوال هو امر آخر والباقي عند التالقي ان شاء هللا تعاىل الباقي و السالم
تسم َح نفسك
والنصيحة اليت ال بد منها هي ان جتتهد يف الدرس من غري فتور وان ال َ
برتكه فان امكنك إستغراق مجيع اوقاتك ابلدرس ال هتوسن يف الذكر والفكر فان ساعات
الليايل كافية للذكر وليشتغل الشيخ حسن ايضا ابلدرس والتعلم وال ترتكنه معطال وحيث
كانت تلك احلدود قليلة النصيب من العلم كان احياء العلوم الشرعية فيها ضروراي وماذا
أابلغ ازيد من ذلك ووصلت االوراق املندرج فيها بيان احوال اخلواجه ويس ونظرت يف
- 663 -
أكثر مواضعها فوجدهتا مبشرات فليكن راجيا من احلق سبحانه حت خترج من القوة اىل
الفعل و السالم.
{املكتوب اخلامس عشر اىل سادات بلدة سامانه وقضاهتا ومواليها وسائر
اهال يها يف ذم خطيب ترك ذكر اخللفاء الراشدين يف خطبة عيد االضحى وتقريعهم
على استماعها وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى الباعث على تصديع خدام ذوي
االحرتام السادات العظام والقضاة واالهايل واملوايل الكرام يف بلدة سامانه هو اان مسعنا ان
خطيب ذل ك املقام ترك ذكر اخللفاء الراشدين رضي هللا عنهم يف خطبة عيد االضحى ومل
يذكر أساميهم املتربكة ومسعنا أيضا انه ملا تعرض له مجاعة من احلاضرين مل يعرتف بسهوه
ومل يعتذر عن نسيانه وذنبه بل قابلهم ابلتمرد والعناد وقال أي شئ يلزم ان مل يذكر
اسامي اخللفاء الراشدين ومسعنا ايضا ان أكابر ذلك املقام واهاليه تساهلوا يف هذا الباب
ومل يقابلوا ذلك اخلطيب عدمي االنصاف واآلداب ابلشدة والغلظة {ع}:
فآها ألف انتهى دون مرة
وذكر اخللفاء الراشدين وان مل يكن من شرائط اخلطبة ولكنه من شعائر أهل السنة
واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم ال يرتكه عمدا ومتردا االّ من قلبه مريض وابطنه خبيث
(ولئن) فرضنا انه مل يرتك ابلتعصب والعناد فماذا يقول يف جواب وعيد من تشبه بقوم
فهو منهم وكيف يتخلص من مظان التهم وقد ورد اتقوا مواضع التهم فان كان متوقفا يف
تقدمي الشيخني وتفضيلهما فهو رافض لطريق اهل السنة واجلماعة وان كان مرتددا يف حمبة
اخلتنني فهو أيضا خارج من زمرة اهل احلق وال يبعد ان أيخذ ذلك اخلطيب الذي ال
حقيقة له املنسوب اىل كشمرية هذا اخلبث من مبتدعي كشمري فينبغي تعليمه وتفهيمه ان
افضلية الشيخني اثبتة ابمجاع الصحابة والتابعني كما نقله مجاعة من اكابر أئمة الدين
واحد منهم االمام الشافعي رضي هللا عنه قال الشيخ االمام ابو احلسن االشعري ان
- 664 -
تفضيل ايب بكر مث عمر على بقية االمة قطعي وقد تواتر عن علي رضي هللا عنه يف
خالفته وكرسي مملكته وبني اجلم الغفري من شيعته ان ااب بكر وعمر افضل االمة قال
الذهيب مث قال رواه عن علي رضي هللا عنه نيف ومثانون نفسا وعد منهم مجاعة مث قال
فقبح هللا الرافضة ما اجهلهم وروى البخاري الذي كتابه اصح الكتب بعد كتاب هللا
تعاىل عن علي رضي هللا عنه انه قال خري الناس بعد النيب عليه الصالة و السالم ابو بكر
مث عمر مث رجل آخر فقال ابنه حممد ابن احلنفية مث انت فقال امنا أان رجل من املسلمني
وأمثال ذلك عنه وعن غريه من أكابر الصحابة والتابعني كثرية شهرية ال ينكرها اال جاهل
او معاند وينبغي ان يقول لذلك املنخلع عن لباس االنصاف إننا مؤمورون مبحبة مجيع
اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وممنوعون عن بغضهم وايذائهم وحضرات
اخلتنني من اكابر الصحابة ومن اقاربه عليه الصالة و السالم فيكوانن احق ابحملبة واملودة
قال هللا تعاىل قل ال اسئلكم عليه أجرا اال املودة يف القرىب وقال النيب عليه و على آله
الصالة و السالم هللا هللا يف اصحايب ال تتخذوهم غرضا من بعدي فمن احبهم فبحيب
احبهم ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم ومن آذاهم فقد آذاين ومن آذاين فقد آذى هللا
ومن آذى هللا فيوشك ان يؤخذ ومثل هذا الزهر الكريه الرائحة مل يعلم تفتقه يف بالد اهلند
من ابتداء االسالم اىل هذا الوقت ويكاد يتهم مجيع اهل البلد من هذه املعاملة بل يكاد
يرتفع ا العتماد من مجيع بالد اهلند وسلطان الوقت نصره هللا على مجيع اعداء االسالم
من اهل السنة وحنفي املذهب وابتداع مثل هذا االمر يف زمانه هناية اجلرأة بل هو منازعته
يف احلقيقة وخروج من طاعة اويل األمر والعجب من سكوت املخادمي العظام الكائنني يف
ذلك املقام يف هذه الواقعة ومساهلتهم مع صدور مجيع املذكورات قال هللا تبارك و تعاىل
يف ذم اهل الكتاب لوال ينهاهم الرابنيون واالحبار عن قوهلم االمث واكلهم السحت لبئس
ما كانوا يصنعون وقال تعاىل ايضا كانوا ال يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون
واختيار التغافل يف مثل هذه الواقعة موجب جلسارة املبتدعني وتوهني للدين ومن مثل
هذه املساهالت تدعو اجلماعة املهدوية مأل اهل احلق هناك اىل ابطلهم وخيتطفون امثال
- 665 -
الذائ ب واحدا واثنني يف مدة قليلة من ايدي الثعالب وماذا اكتب ازيد من ذلك وحيث
كان استماع هذا اخلرب املوحش ابعثا على االضطراب و حمركا لعرقي الفاروقي صرت
مضطرا اىل االقدام على حترير كلمات واملرجو مساحمتكم وعذركم و السالم عليكم و على
سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و التسليمات
والتحيات والربكات.
{املكتوب السابع عشر اىل املرزا حسان الدين امحد يف بيان ان مصيبات هذا
العامل وان كانت يف الظاهر جراحات ولكنها مراهم يف احلقيقة وابعثة لرتقيات كثرية
ويف فضيلة موت الطاعون وما يناسب ذلك}
وبعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم ان الصحيفة الشريفة املرسلة مع
الشيخ مصطفى يف ابب التعزية واملصيبات قد تشرفت مبالحظة مضموهنا اان هلل واان اليه
راجعون وهذه املصيبات جراحات يف الظاهر ولكنها مراهم يف احلقيقة وموجبة للرتقيات
والثمرات والنتائج املرتبة عليها بعناية هللا تعاىل عشر عشري تلك الثمرات املتوقعة املأمولة
بعناية هللا تعاىل يف اآلخرة فوجود االوالد عني الرمحة حيث ان يف حياهتم منافع وفوائد ويف
( )1أخرج ابن مردوية عن ايب سعيد اخلدري قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ملا اسري يب مررت مبوسى وهو
قائم يصلي يف قربه منه عفي عنه.
- 667 -
مماهتم ايضا ترتب الثمرات والنتائج ذكر االمام االجل[ ]1حميي السنة يف حلية االبرار انه
وقع الطاعون يف زمن عبد هللا بن الزبري رضي هللا عنهما ثالثة أايم ومات يف ذلك
الطاعون ثالثة ومثانون ابنا النس رضي هللا عنه خادم نبينا عليه و على آله الصلوات و
التسليمات وقد دعا له النيب صلّى هللا عليه و سلّم ابلربكة ومات اربعون إبنا لعبد الرمحن
ابن ايب بكر رضي هللا عنهم فاذا عومل ابصحاب خري االانم عليه و على آله الصالة و
السالم هذه املعاملة فاي حساب المثالنا العاصني وقد ورد يف اخلرب ان الطاعون كان
عذااب لالمم السابقة وهو شهادة هلذه االمة واحلق ان الذين ميوتون يف هذا الوابء يذهبون
حاضرين متوجهني على وجه يقضي منه العجب حت يتمن االنسان اللحاق يف هذه
االايم هبؤالء اجلماعة ارابب البالء ونقل احلمول من الدنيا اىل اآلخرة وهذا البالء يف هذه
االمة غضب يف الظاهر رمحة يف الباطن وقال الشيخ طاهر رأيت شخصا يف الهور يف
أايم الطاعون يقول من مل ميت يف هذه االايم فهو متحسر نعم اذا اجيل النظر يف احوال
هؤالء املاضني تشاهد احوال غريبة ومعامالت عجيبة ال ميتاز هبذه اخلصائص غري
الشهداء يف سبيل هللا يعين ال يناهلا غريهم (أيها) املخدوم ان مفارقة ولدي االعز قدس
سره من أعظم املصائب ال يعلم كون شخص مصااب مبثل هذه املصيبة وأما الصرب والشكر
اللذان رزقهما هللا سبحانه هلذا الضعيف يف هذه املصيبة فمن اجل احسانه وأعظم انعامه
سبحانه و تعاىل واسأل هللا سبحانه أن يؤخر جزاء هذه املصيبة اىل اآلخرة وأن يكون
معدا هلا وأن ال يظهر شئ منه يف الدنيا وان كنت أعلم ان هذه املسألة من ضيق الصدر
واال فهو تعاىل واسع الرمحة فللّه اآلخرة واالوىل املسئول من االخوان االمداد واالعانة
ودعاء سالمة اخلامتة والعفو عن الزالت الالزمة للبشرية والتجاوز عن التقصريات الناشئة
من البشرية ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وانصران على القوم الكافرين و السالم
عليكم و على سائر من اتبع اهلدى.
( )1يعين النووي يف االذكار وان كان املشهور ان يقال له حميي الدين ولكن وجد يف نسخ املكتوابت هكذا وهو
صحيح حبسب املعين منه عفي عنه.
- 668 -
{املكتوب الثامن عشر اىل الشيخ مجال الدين الناكوري يف بيان نصيب علماء
الظاهر ونصيب العلماء الراسخني ونصيب الصوفية وجواب التماسه}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى العلماء ورثة االنبياء كاف يف مدحة
العلماء وعلم الوراثة هو علم الشريعة فانه هو الذي بقى من االنبياء عليهم الصلوات و
التسليمات ولعلم الشريعة صورة وحقيقة وصورته هي نصيب علماء الظاهر شكر هللا
تعاىل سعيهم وهي اليت تتعلق مبحكمات الكتاب والسنة وحقيقته هي نصيب العلماء
الراسخني رضي هللا تعاىل عنهم وهي اليت تتعلق مبتشاهبات الكتاب والسنة واحملكمات
وان كن أم الكتاب ولكن مثراته ونتائجه املتشاهبات اليت هن مقاصد الكتاب وليست
االمهات سوى ان تكن وسائل حلصول النتائج فكان لب الكتاب املتشاهبات و
احملكمات قشر ذلك اللب واملتشاهبات هي اليت تبني االصل ابلرمز واالشارة وتكشف
عن وجه حقيقة تلك املعاملة والعلماء الراسخون مجعوا بني القشر واللب وحازوا جمموع
صورة الشريعة وحقيقتها والكرباء تصوروا الشريعة كشخص يكون قشره ولبه من صورة
الشريعة وحقيقتها ووجدوا علم احكام الشرائع صورة الشريعة وعلم احلقائق واالسرار
حقيقة الشريعة وصارت طائفة مفتونة بصورة الشريعة وانكروا حقيقتها ومل يعرفوا النفسهم
شيخا ومقتدى به غري اهلداية والپزدوي وطائفة أخرى وان حصلت هلم عالقة بتلك
احلقيقة ولكنهم ملا مل يعرفوها حقيقة الشريعة بل زعموا الشريعة مقصورة على الصورة
وظنوها قشرا فقط وتصوروا اللب وراءها فال جرم مل يدركوا حقيقة تلك احلقيقة ومل ينالوا
نصيبا من املتشاهبات والعلماء الراسخون هم الوارثون يف احلقيقة جعلنا هللا سبحانه
واايكم من حمبيهم ومقتفي آاثرهم (مث ان أخي) الشيخ ميان نور حممد اظهر من جانبكم
ابنكم قلتم ان لنا اجازات من مشائخ السالسل اآلخر ونريد من جانب النقشبندية أيضا
اجازة (أيها املخدوم) املكرم ان املشيخة واملريدية يف الطريقة النقشبندية العلية بتعليم
الطريقة وتعلمها ال ابلكاله والشجرة كما هو متعارف يف سالسل أخر وطريق هؤالء
- 669 -
االكابر صحبة وتربيتهم انعكاسية فال جرم اندرجت يف بدايتهم هناية اآلخرين وصار
طريقهم أقرب الطرق ونظرهم شفاء االمراض القلبية وتوجههم دافع العلل املعنوية
{شعر}:
ما أحسن النقشبنديني سريهتم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم
واملرجو مساحمتكم {ع}:
والعذر عند كرام الناس مقبول * و السالم.
{املكتوب التاسع عشر اىل املري حمب هللا يف التحريض على اتباع السنة
السنية والتحذير من ارتكاب البدعة الغري املرضية وما يناسب ذلك}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم أخي االعز السيد حمب هللا ان احوال
فقراء هذه احلدود واوضاعهم مستوجبة للحمد واملسئول من هللا سبحانه سالمتكم
وثباتكم واستقامتكم ومل يطلع يف هذه املدة على احوال فقراء تلك احلدود فان بعد
املسافة من املوانع النصيحة هي الدين ومتابعة سيد املرسلني عليه وعليهم الصالة و
ال سالم واتيان السنة السنية واالجتناب عن البدعة الغري املرضية وان كانت البدعة ترى
مثل فلق الصبح لكنها ال نور هلا يف احلقيقة وال ضياء وال للعليل منها شفاء وال للداء
منها دواء كيف والبدعة اما رافعة للسنة او ساكتة عنها والساكتة ال بد وأن تكون زائدة
على السنة فتكون انسخة هلا يف احلقيقة أيضا الن الزايدة على النص نسخ له فالبدعة
كيف كانت تكون رافعة للسنة نقيضة هلا فال خري فيها وال حسن فيا ليت شعري من
اين حكموا حبسن البدعة احملدثة يف الدين الكامل واالسالم املرضي بعد إمتام النعمة او مل
يعلموا ان االحداث بعد االكمال واالمتام وحصول الرضاء مبعزل عن احلسن فماذا بعد
احلق اال الضالل ولو علموا ان احلكم حبسن احملدث يف الدين الكامل مستلزم لعدم كماله
ومنبئ عن عدم متام النعمة ملا اجرتأوا عليه ربنا ال تؤاخذان ان نسينا أو اخطأان و السالم
عليكم و على من لديكم.
- 670 -
{املكتوب احلادي والعشرون اىل الشيخ حممد صديق امللقب ابهلداية يف بيان
ان املراد ابلقلب الواقع يف احلديث القدسي ال يسعين ارضي اخل هو املضغة ال
احلقيقة اجلامعة اليت اخرب بعض املشائخ عن وسعتها وما يتعلق بذلك}
- 671 -
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد كتبت الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
ابنك ذكرت يف مكتوابتك ورسائلك ابن الظهور القليب ملعة من الظهور العرشي والفضل
الكلي امنا هو للظهور العرشي وقد ورد يف احلديث القدسي ال يسعين ارضي وال مسائي
ولكن ي سعين قلب عبدي املؤمن ويلزم من هذا احلديث ان يكون الظهور القليب امت وان
يكون الفضل له (أيها احملب) ان حل هذا السؤال مبين على مقدمة اعلم ان ارابب
الوالية يقولون قلبا ويريدون به احلقيقة اجلامعة االنسانية اليت هي من عامل االمر والقلب يف
لسان النبوة على صاحبها الصالة و السالم والتحية عبارة عن املضغة اليت صالح البدن
مربوط بصالحها وفساد البدن منوط بفسادها كما ورد يف احلديث النبوي عليه و على
آله الصلوات و التسليمات ان يف جسد ابن آدم ملضغة اذا صلحت صلح اجلسد كله
واذا فسدت فسد اجلسد كله اال وهي القلب ووسعة القلب الزم الطالق االول ومن
ههنا أخرب أبو يزيد واجلنيد عن وسعة القلب وظنوا العرش وما فيه حمقرا يف جنب عظمة
القلب وضيق القلب الزم الطالق الثاين وضيق القلب يف هذا املقام على هنج ال جمال
فيه للجزء الذي ال يتجزى الذي هو أحقر االشياء وأصغرها واذا نسب ضيق القلب يف
بعض االوقات اىل اجلزء الذي ال يتجزى وقيس عليه يظهر ذلك اجلزء احملقر يف النظر
مثل طبقات السموات واالرض وهذه املعاملة وراء طور نظر العقل فال تكن من املمرتين
هذا (فاذا علمت) هذه املقدمة فاعلم ان الظهور الذي هو مربوط ابحلقيقة اجلامعة ال
شك انه ملعة ابلنسبة اىل الظهور العرشي التام والفضل الكلي يف هذا املقام للعرش وما
قال الشيخ أبو يزيد والشيخ جنيد من أن القلب اوسع من الكل وختيال العرش وما فيه
شيئا حمقرا يف جنبه فهو من قبيل اشتباه الشئ أبمنوذج الشئ حيث اهنما ملا رأاي
امنوذجات العرش وما ف يه حمقرا يف جنب جامعية القلب حكموا على حقائق العرش وما
فيه وقد كتب هذا الفقري منشأ هذا االشتباه يف كتبه ورسائله مكررا وما ورد يف احلديث
القدسي موافق للسان االنبياء عليهم الصالة و السالم واملراد به هو املضغة وال شك ان
الظهور االمت هو هنا ومرآتية احدية الذات اجملردة مسلمة له والعرش وان كان له من
- 672 -
الظهور التام الذي هو ظهور االصل نصيب وافر ولكن يف ذلك املوطن امتزاج الصفات
وحيث كانت الصفات ظالل حضرة الذات يف احلقيقة ال يكون ذلك الظهور خاليا عن
شائبة الظلية ومن ههنا للعرش توقعات من الظهور االنساين الذي يتعلق ابالصل الصرف
ومركز هذه املعاملة هو االنسان (فان قيل) املفهوم من احلديث وسعة القلب وأنت تقول
انه ضيق جدا (أجيب) ان كونه ضيقا امنا هو ابعتبار عدم اتساعه ملا سوى احلق سبحانه
ووسعته ابعتبار ظهور انوار القدم فيه فال منافاة وهذا الفقري عرب عن ذلك القلب يف
بعض رسائله هبذه العبارة الضيق االوسع البسيط االبسط واالقل االكثر (فان قيل) ان
املستحق للفضيلة هو احلقيقة اجلامعة لكوهنا من عامل االمر واملضغة من عامل اخللق ومركب
من العناصر فمن أين انل هذه الفضيلة (اجيب) ان لعامل اخللق مزية على عامل االمر
يقصر عن ادراكها افهام العوام بل ال يدركها أكثر اخلواص وهذا الفقري قد أوضح هذا
املعن يف املكتوب الذي حرر لولدي االعظم املرحوم يف بيان الطريق فان بقي تردد
فليطلب التشفي من هناك (واستمع) اآلن بيان حقيقة هذه املضغة واعلم اهنا للعوام
مضغة حاصلة من تركب العناصر االربعة وللخواص بل الخص اخلواص مضغة مصورة
من تركب االجزاء العشرة بعد السلوك واجلذبة وبعد التصفية والتزكية وبعد متكني القلب
واطمئنان النفس بل مبحض فضل احلق سبحانه وكرمه جل سلطانه أربعة أجزاء من
العناصر وواحد من النفس املطمئنة ومخسة أجزاء من عامل االمر ومع وجود التضاد
والتباين بني تلك االجزاء زالت صورة التضاد والتباين من بينها بقدرة واجب الوجود تعاىل
وتقدس واجتمعت وحصلت من اجتماعها هيئة وحدانية اعجوبة واجلزء االعظم يف هذه
املعاملة هو العنصر الرتايب وهذه اهليئة الوحدانية ايضا تشاهبت اجلزء االرضي واستقرت يف
الرتاب {شعر}:
و كن أرضا لينبت فيك ورد * فان الورد منبته الرتاب
(أيها االخ) ان يد أرابب الوالية ال تصل اىل هذه العلوم واملعارف فاهنا مقتبسة
من مشكاة أنوار النبوة على صاحبها الصالة و السالم والتحية ذلك فضل هللا يؤتيه من
- 673 -
صالة و السالم
يشاء وهللا ذو الفضل العظيم والقلب الذي سأل اخلليل على نبينا وعليه ال ّ
اطمئنانه هي هذه املضغة وان حقيقته اجلامعة كانت متمكنة ونفسه مطمئنة ان التمكني
واالطمئنان حيصالن يف مرتبة الوالية اليت هي مدرجة النبوة على أرابهبا الصالة و السالم
والتحية واملناسب لشأن النبوة هو تقلب املضغة واضطراهبا ال تقلب احلقيقة اجلامعة فانه
نصيب العوام واملراد بثبات القلب الذي طلبه خامت الرسالة عليه الصالة و السالم حيث
قال اللهم[ ]1اي مقلب القلوب ثبت قليب على طاعتك هو ثبات هذه املضغة وجيوز ان
يراد ابلقلب الوارد يف بعض االحاديث يف ابب تقلب القلب معن شامل للحقيقة اجلامعة
واملضغة نظرا اىل أحوال االمة (فان قيل) ان هذه املضغة اذا تشرفت بشرف يسعين قلب
عبدي املؤمن واستحقت مرآتية حضرة الذات تعالت وتقدست كيف يتصور فيها التقلب
واالضطراب الي شيئ حتتاج اىل االطمئنان (أجيب) ان الظهور كلما كان أمت وختلص
عن شائبة الشئون والصفات يكون اجلهل واحلرية أكثر وعدم االدراك والوجدان أزيد وأوفر
ومع وجود هذا الظهور ومع هذه الوسعة كثريا ما يطلب الدليل على وجود الصانع من
كمال اجلهل واحلرية حبيث ال حيصل اليقني بوجود الصانع بدون االستدالل والتقليد
كالعوام فيكون التقلب واالضطراب مناسبا حلاهلا وطلب االطمئنان ضروراي يف شأهنا
وهذا الفقري قد كتب يف بعض رسائله ان العارف صاحب اليقني حيتاج اىل االستدالل
بعد الرجوع وقد علم يف هذا املقام انه حيتاج اىل الدليل يف عني احلصول والوصول وهذا
املقام موافق حلال كماالت مرتبة النبوة على صاحبها الصالة و السالم والتحية وذلك
املقام مناسب حلال ا لوالية فاذا وقع لصاحب هذا القلب رجوع اىل العامل للدعوة يكون
قلق قلبه واضطرابه وتقلبه وتلونه أزيد واكثر فاذا كان يف عني الوصول حمتاجا اىل الدليل
بواسطة اجلهل واحلرية يكون يف زمان الفرقة حمتاجا اىل االستدالل ابالوىل ليحصل
بواسطة االستدالل اطمئناان يف اجلملة او نقول انه ملا اختفت عنه الدولة أايما واتسم
بسمة فرقتها حق له أن يكون قلقا ومضطراب دائما وان يكون مغموما وحمزوان على الدوام
( )1اخرج الرتمذي وابن ماجه عن انس بلفظ اي مقلب القلوب ثبت قليب على دينك عفي عنه.
- 674 -
كان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم متواصل احلزن دائم الفكر ولنبني بعض الوجوه
الفارقة بني هذين االطالقني ينبغي استماعه بسمع العقل (اعلم) ان احلقيقة اجلامعة اليت
هي من عامل االمر يتيسر هلا بعد التزكية والتصفية متكني اتم بوصف الدوام خبالف املضغة
فان اطميناهنا مربوط ابدراك احلواس وما مل تدرك الشئ ابحلواس ال خترج من القلق ولذا
قال اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم رب ارين كيف حتيي املويت والفارق الثاين هو
ان احلقيقة اجلامعة تتأثر ابلذكر واذا بلغ الذكر كماله تتحد ابلذكر وتتجوهر به قال
صاحب العوارف قدس سره هلذا املقام املقصد االسنىي وعرب عنه بذكر الذات تعالت
خبالف املضغة فانه ال سبيل اليها للذكر فاين التأثر وأين التجوهر بعد بل فيها ظهور
املذكور ابالصالة ال ابلظلية وهناية عروج الذكر اىل دهليز املذكور (والفرق) الثالث ان
احلقيقة اجلامعة اذا بلغت هناية النهاية وانلت من الوالية اخلاصة نصيبا وافرا فان حصلت
حينئذ مرآتية للمطلوب يكون الظاهر فيها ظل املطلوب ال عينه كاملرآة الظاهرة فان
الظاهر فيها شبح الشخص ال عينه خبالف املضغة فان الظاهر فيها عني املطلوب ال ظله
على خالف املرآة الظاهرة وهلذا قال يسعين قلب عبدي املؤمن وهذه املعاملة وراء طور
نظر الفكر واايك وختيل احللول والتمكن هنا فانه كفر و زندقة وان مل يصدق عقل املعاش
ابن عني شئ يظهر يف شيئ وال يكون له فيه حلول وال متكن وهذا من قصور العقل
وقياس الغائب على الشاهد فال تكن من القاصرين (والفرق) الرابع ان احلقيقة اجلامعة من
عامل االمر واملضغة من عامل اخللق بل كل من عامل اخلق واالمر جزئيها اخللق جزؤها
االعظم واالمر جزؤها االصغر ومن اجتماع هذين اجلزئني حصلت هلا هيئة وحدانية
وصارت اعجوبة الدهر وهذه االعجوبة وان كانت مغايرة لعامل اخلق واالمر وليس هلا
تناسب وتشابه بواحد منهما بواسطة اهليئة الرتكيبية ولكنها معدودة من عامل اخللق الن
اجلزء االرضي هو العمدة يف هذه املعاملة وتواضع الرتاب ابعث على رفعته (والفرق
اخل امس) ان وسعة احلقيقة اجلامعة ابعتبار ظهور صور االشياء فيها ووسعة املضغة اليت
تنكشف بعد تضيقها ابعتبار سعتها للمطلوب الذي هو غري حمدود وغري متناه وذلك
- 675 -
التضيق دهليز تضيقها حيث انه مانع لدخول ما سوى املطلوب حت ال يرتك الذكر ان
يدخل يف سرادقات املذكور وال يبقى شائبة الظلية ان حتوم حول ذلك احلرمي املقدس
(وأيضا) ان وسعة االوىل ملا كانت فيها شائبة الكيف ال تليق ان تكون مرآة لالكيفي
وحيث كان للثانية نصيب من الالكيفي ال تسع الكيفي والعجب انه يطرأ على هذا
القلب بعد الرجوع للدعوة ظلمة وغنب ومن هنا قال سيد البشر عليه و على آله
الصلوات و التسليمات انه ليغان على قليب واىل مت ابني الفرق ما للرتاب ورب االرابب
(أيها االخ) اايك وختيل هذه املضغة قطعة حلم ال يعبأ هبا فاهنا جوهرة نفسية خمزونة فيها
خزائن عامل اخللق واسراره ومدفونة فيها دفائن عامل االمر وخفاايه مع زايدة معاملة خاصة
منوطة هبيئتها الوحدانية جعلت اجزاؤها العشرة اوال ابلتصفية والتزكية واجلذبة والسلوك
والفناء والبقاء مزكاة ومطهرة وحررت عن دنس التعلقات ابلسوى مثال ختلص القلب من
التقلب وبلغ مرتبة التمكني وخرجت النفس من ان تكون امارة اىل فضاء االطمئنان
وامتنع اجلزء الناري من البغي والعناد والطغيان وارتفع العنصر الرتايب من الضعة وخسة
الفطرة و على هذا القياس ختلص كل جزء من اجزائها من صفة االفراط والتفريط وحصل
له وصف االعتدال والتوسط وبعد ذلك كله ركبت تلك اجلزاء مباء حمض الفضل والكرم
وجعلت شخصا معينا ومسي ذلك الشخص انساان كامال وعرب عن قلب ذلك الشخص
الذي هو خالصة مركز وجوده ابملضغة هذا هو حقيقة املضغة ظهرت يف كسوة القيل
والقال على مقياس العبارة واالمر اىل هللا سبحانه (فان قال) انقص ان كل انسان مركب
من هذه االجزاء العشرة وان له هيئة وحدانية من تركب تلك االجزاء (نقول) نعم انه
م ركب من تلك االجزاء ولكن تلك االجزاء مل تكن مزكاة ومطهرة ومل تتخلص عن دنس
تعلقات السوى اجلذبة والسلوك خبالف اجزاء االنسان الكامل فاهنا صارت طاهرة
ونظيفة ابلفناء والبقاء كما مر وحيث كانت تلك اجلزاء متباينة و متمايزة يف كل انسان
ولكل جزء منها اجزاء متمايزة واحوال متغايرة ال يكون له نصيب من اهليئة الوحدانية
ابلضرورة فان كانت له هيئة فهي اعتبارية ال حقيقية خبالف أجزاء االنسان الكامل فاهنا
- 676 -
صارت ممتزجة وخمتلطة بعدما خرجت من وصف التمايز والتباين وتقررت على حكم
واحد بعد ما زالت عنها األحكام املتمايزة واالحوال املتغايرة فتكون اهليئة الواحدانية فيه
حقيقة ابلضرورة ال اعتبارية كمعجون جيعل من االدوية املختلفة فانه بعد سحق اجزائه
وخلط بعضه ببعض تثبت له هيئة واحدانية وتزول عنه االحكام املتباينة ويعرض له حكم
واحد فافهم وهللا سبحانه أعلم (أيها االخ) ان كل هذه الكماالت اليت اثبتت للمضغة
امنا هي يف مقام قاب قوسني وقد يتوهم هنا يف الظاهر وصف من املظهر وان كان
الظاهر هنا هو االصل ال الظل الذي هو الصورة ولكن الشخص الظاهر يف املرآة ليس
بطاهر ومربإ عن وصف املرآة فيثبت القوسان ووراء هذا املقام مقام او أدىن وهو الذي مل
أيخذ فيه الظاهر وصفا من املظهر وال يتخيل هناك امر زائد فيكون القوسان فيه
مفقودين وال يتصور فيه غري وصف واحد فانه املناسب ملقام او ادىن معاملة هذا املقام
مغايرة ملعاملة مقام قاب قوسني ينبغي تقليب متام االوراق[ ]1حت حيمل احلمول من قاب
قوسني اىل او ادىن كالمنا اشارات ورموز وبشارات وكنوز وهللا امللهم و صلى هللا تعاىل
على سيدان حممد وصحبه وسلم وابرك.
{املكتوب الثاين والعشرون اىل موالان حممد صادق الكشمريي يف بيان تشرف
بلدة سرهند بربكة حضرة الشيخ سلمه هللا وفضيلتها على اكثر البالد ومشاهدة نور
مل يتطرق اليه غبار من الصفة يف ارض هو ساكن فيها وكون ذلك االرض مدفنا
للمخدوم االعظم املرحوم اخلواجه حممد صادق قدس سره}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان بلدة سرهند كاهنا ارض
احييتها بعناية هللا سبحانه والطاف حبيبه االكرم صلّى هللا عليه و على آله و سلّم وكأن
البئر العميقة املظلمة ملئت وجعلت صفة عالية يل وصارت مرتفعة من اكثر البالد والبقاع
( )1يعين اوراق عامل االمكان الذي هو احد القوسني فال يبقى بعده اال قوس الوجوب وهو مقام او أدىن منه عفي
عنه.
- 677 -
واودع يف تلك االرض نور مقتبس من نور ال وصفي وال كيفي كنور ساطع المع من
ارض حرم هللا املقدسة وقد ظهر ذلك النور هلذا الدرويش قبل ارحتال ولدي االعظم
املرحوم أبشهر وبدا بزاوية ارض فيها مسكن الفقري وكان نورا ساطعا مل يتطرق اليه غبار
من الصفة والشأن وكان مربأ ومنزها عن الكيفيات وكان متمناي ان تكون تلك البقعة
مدفنا يل وان يكون ذلك النور المعا على رأس قربي واظهرت هذا املعن لولدي االعظم
الذي كان صاحب سري واطلعته على ذلك النور والتمين فسبقين[ ]1ولدي املرحوم اىل
هذه الدولة اتفاقا وصار مستغرقا يف حبر النور وراء حجاب الرتاب {شعر}:
هنيأ الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع
ومن شرافة هذه البلدة املعظمة دفن فيها مثل ولدي االعظم الذي هو من اكابر
اولياء هللا تعاىل واسرتاح مث ظهر بعد مدة ان ذلك النور املودع فيها ملعة من انوار قلب
هذا الفقري اودع فيها مقتبسا من هنا كسراج يشتعل من مشعلة قل كل من عندهللا هللا
نور السموات واالرض سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سالم على املرسلني واحلمد
هلل رب العاملني.
{املكتوب الثالث والعشرون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد عبد هللا سلمه هللا
تعاىل وأبقاه واوصله اىل غاية ما يتمناه يف بيان ان عمدة االمر هي اتباع السنة السنية
واالجتناب عن البدعة الغري املرضية وبيان ان مزية الطريقة النقشبندية العلية على
سالسل أخرى امنا هي بسبب اتباع صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة
والتحية والعمل ابلعزمية ويف مدح هذه الطريقة العلية وما يناسب ذلك}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
النصيحة اليت انصح هبا ولدي االعز سلمه هللا سبحانه وصانه عما ال يليق جبنابه وسائر
( )1فيه اشارة اىل انه سيلحقه بعده وحيصل متمناه وصار كذلك فانه قدس سره دفن فيه وكذلك اوالده واحفاده
االجماد منه (عفي عنه).
- 678 -
احبابه اتباع السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية واالجتناب عن البدعة
الغري املرضية وحيث طرأت الغربة على االسالم يف هذه االوان وصار املسلمون غرابء
وكذلك تزيد غربتهم مع مرور الزمان اىل ان ال يبقى على وجه االرض من يقول هللا وتقوم
الساعة على شرار الناس فالسعيد من حييي سنة من السنن املرتوكة ومييت بدعة من البدع
املستعملة وهذا زمان قد مضى من بعثة خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم
ألف سنة وظهرت من عالمات القيامة واشراط الساعة امارات واسترتت السنة بواسطة
بعد عهد النبوة وجلت البدعة بعلة فشو الكذب واحتيج اىل ابز ينصر السنة و يهزم
البدعة ترويج البدعة موجب لتخريب الدين وتعظيم املبتدع ابعث على هدم االسالم
ولعلك مسعت من[ ]1وقر صاحب بدعة فقد اعان على هدم االسالم فينبغي التوجه
جبميع اهلمة ومتام النهمة لرتويج سنة من السنن ورفع بدعة من البدع واقامة مراسم
االسالم يف مجيع االوقات خصوصا يف هذه االوان اليت فيها ضعف االسالم منوطة
برتويج السنة وختريب البدعة وكأن السابقني رأوا احلسن يف البدعة حيث استحسنوا بعض
افرادها ولكن الفقري ال يوافقهم يف هذه املسئلة وال ارى يف فرد واحد من افراد البدعة
حسنا وال أحس فيها شيئا غري الظلمة والكدورة قال عليه و على آله الصالة و السالم
كل بدعة ضاللة واجد السالمة يف هذه الغربة وضعف االسالم منوطة ابتيان السنة
واهلالك مربوطا بتحصيل البدعة اية بدعة كانت وارى البدعة كم ْع َول يهدم به مباين
االسالم واجد السنة مثل كوكب مشرق يهتدي به يف دجيور الضاللة وفق احلق سبحانه
علماء الوقت لعدم التفوه حبسن بدعة اصال ولعدم االفتاء ابتياهنا وان كانت تلك البدعة
جلية يف نظرهم مثل فلق الصبح فان لتسويالت الشيطان سلطاان عظيما فيما وراء السنة
وحيث كان لالسالم قوة يف االزمنة املاضية حتمل ظلمات البدع ابلضرورة ولعل بعض
تلك الظلمات خيل نورانيا يف تشعشع نور االسالم وصار ذلك التخيل ابعثا على احلكم
حبسنه وان مل يكن له يف احلقيقة نورانية وحسن اصال خبالف هذا الوقت فانه وقت
ضعف االسالم ال يتصور فيه حتمل ظلمات البدع وال ينبغي هنا متشية فتوى املتقدمني
واملتأخرين فان لكل وقت احكاما على حدة ويظهر العامل يف النظر يف هذا الوقت من
كثرة ظهور البدعة مثل حبر الظلمة وحيس نور السنة من غربتها وندرهتا مثل املشاعل يف
ذلك البحر وعمل البدعة يزيد تلك الظلمة ويقلل نور السنة وعمل السنة يكون ابعثا
على تقليل تلك الظلمة وتكثري ذلك النور فمن شاء فليكثر ظلمة البدعة ومن شاء
فليكثر نور السنة ومن شاء فليكثر حزب الشيطان اال ان حزب الشيطان هم اخلاسررن
ومن شاء فليكثر حزب هللا اال ان حزب هللا هم الغالبون (ولو) انصف صوفية الوقت
والحظوا ضعف االسالم وفشو الكذب لزمهم ان ال يقلدوا شيوخهم فيما وراء السنة وان
ال جيعلوا االمور املخرتعة بعذر عمل شيوخهم هبا ديدهنم فان اتباع السنة منج البتة ومثمر
للخريات والربكات ويف تقليد غري السنة خطر يف خطر وما على الرسول اال البالغ جزى
هللا سبحانه عنا اشياخنا خري اجلزاء حيث مل يدلوا امثالنا العاجزين على اتيان االمور
املبتدعة ومل يلقوان يف ظلمات مهلكة بتقليدهم ومل يهدوان اىل ما دون متابعة السنة وغري
اتباع صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية وسوى العمل ابلعزمية
فال جرم كانت دعائم طريقتهم حمكمة االساس وايوان وصوهلم مرتفع البناء ومشرق
النرباس وهم الذين جعلوا الرقص والسماع حتت ارجلهم وشقوا الوجد والتواجد نصفني
مبسبحتهم ومكشوف اآلخرين ومشهودهم داخل عند هؤالء االكابر يف السوى واالغيار
ومعلومهم ومتخيلهم قابل ومستحق للنفي ال لالشهار ومعاملة هؤالء االكابر فيما وراء
املشاهدة واالدراك وفيما وراء املعلومات واملتخيالت وفيما وراء التجليات والظهورات
وفيما وراء املكاشفات واملعاينات اهتمام اآلخرين يف االثبات وهم هؤالء االكابر يف نفي
السوى واآلخرون يكررون كلمة النفي واالثبات لتوسيع دائرة االثبات ولينكشف هلم العامل
الذي هو ظاهر بعنوان الغريية بعنوان احلقية والعينية فريون الكل وجيدونه حقا تعاىل
وتقدس خبالف هؤالء الكرباء فان مقصودهم من تكرار الكلمة الطيبة ال اله اال هللا هو
اتساع دائرة النفي ليكون مجيع املكشوفات واملشهودات واملعلومات داخلة حتت كلمة ال
- 680 -
ويف جانب االثبات ال يكون شئ منظورا وملحوظا فان ظهر فرضا امر يف جانب االثبات
ينبغي ارجاعه اىل النفي وال يكون يف جانب االثبات نصيب اصال غري التكلم بكلمة
املستثن فيكون ذكر النفي واالثبات يف طرق اآلخرين مناسبا حلال املبتدئني وذكر هللا
الذي هو كلمة االثبات احملض يكون مناسبا بعد ذلك ليحصل بتكرار كلمة االثبات
استقرار واستمرار للمثبت املكشوف خبالف طريق هؤالء االكابر فانه على عكس ذلك
الن فيه اث باات اوال ونفي ذلك االثبات اثنيا فيكون ذكر اسم هللا يف هذا الطريق مناسبا يف
االبتداء مث يستعمل بعده النفي واالثبات (فان قال) انقص على هذا التقدير ال يكون
الكابر هذا الطريق نصيب من مقام االثبات وال يكون بضاعتهم غري النفي (أجيب) ان
اثبات اآلخرين حاصل يف اوائل حال هؤالء االكابر ولكنهم من علو اهلمة ال يلتفتون اليه
بل يرونه متسحقا للنفي فينفونه ويعتقدون املطلوب املثبت ورائه فاثبات اآلخرين ميسر
هلم ونفي ذلك االثبات الذي هو مناسب ملقام الكربايء ايضا حاصل هلم ال سبيل لكل
انقص اىل اشغاهلم واحواهلم وال شعور لكل مهوس حبقيقة معاملتهم وافعاهلم ومجيع ما
ذكر هو نبذة من عدم حصول هؤالء االكابر الذي هو عني احلصول يف ذلك املوطن فان
بني حصول اكابر االكابر للحق اخلواص ابلعوام واختار املنتهىون تعلم الف ابمثل
املبتدئني االصاغر {شعر}:
خليلي ما هذا هبزل وامنا * حديث عجيب من بديع الغرائب
ومراقبة الذات اليت اختارها اآلخرون ساقطة عندهم عن حيز االعتبار وداخلة فيما
ال حاصل فيه وليست املراقبة هناك لغري ظل من الظالل تعاىل هللا عما يقولون علوا كبريا
فان ذاته تعاىل وتقدس بل امساؤه وصفاته سبحانه خارجة عن حيطة فكران ومراقبتنا ال
نصيب من هذا امل قام غري اجلهل واحلرية وليس املراد هبذا اجلهل واحلرية ما يعرفه الناس
جهال وحرية فاهنما مذمومان بل جهل هذا املوطن وحريته عني املعرفة واالطمئنان وليس
املراد هبذه املعرفة واالطمئنان ما يدخل يف حيطة فهم االنسان فانه من مقولة الكيف ال
نصيب له من الالكيفي وكل شئ نثبته يف ذلك املوطن يكون الكيفيا سواء عربان عنه
- 681 -
ابجلهل او ابملعرفة من مل يذقه مل يدر (وايضا) ان توجه هؤالء الكرباء اىل االحدية تعالت
وتقدست ال يريدون من االسم والصفة غري الذات تعالت وتقدست وال ينزلون من
الذات اىل الصفات كغريهم وال يقعون من الذروة اىل احلضيض والعجب ان مجعا من
هذه الطائفة اختاروا ذكر اسم هللا مث مل يكتفوا به بل تنزلوا اىل الصفات وصاروا يالحظون
السميع والبصري والعليم مث يذهبون من العليم والبصري والسميع اىل اسم هللا على سبيل
العروج مل ال يكتفون ابسم هللا وحده وجيعلون قبلة التوجه غري احدية الذات تعالت
وتقدست اليس هللا بكاف عبده نص قاطع يف هذا املدعى وقل هللا مث ذرهم مؤيد هلذا
املعن (وابجلملة) ان نظر مهم اكابر هذه الطريقة عال جدا ال نسبة لكل زراق ورقاص
اليهم وهلذا صارت هناية اآلخرين مندرجة يف بدايتهم وانل مبتدؤا طريقتهم حكم منتهى
طرق أخر وتقرر سف رهم يف الوطن من إبتداء االمر وحصلت هلم اخللوة يف اجللوة وكان
دوام احلضور نقد وقتهم ورأس بضاعتهم وهم الذين صارت تربية الطالبني مربوطة
بصحبتهم العلية وكان تكميل الناقصني منوطا بتوجهاهتم الشريفة نظرهم شفاء االمراض
القلبية والتفاهتم دافع للعلل املعنوية ويعمل توجههم الواحد عمل مائة من االربعني
والتفاهتم الواحد يساوي رايضة السنني {شعر}:
ما أحسن النقشبنديني سريهتم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم
(أيها السعيد) ال يتوهم احد من هذا البيان ان هذه االوصاف والشمائل حاصلة
جلميع اساتذة الطريقة النقشبندية العلية وتالمذهتم كال بل هذه الشمائل خمصوصة ابكابر
اكابر هذه الطريقة العلية الذين بلغوا االمر اىل هناية النهاية واملبتدؤن الراشدون الذين
صححوا نسبة االرادة واالنتساب اىل هؤالء االكابر وراعوا آداهبم فاندراج النهاية يف
البداية اثبت يف حقهم واما املتبدئ الذي وصل اىل شيخ انقص من هذا الطريق فاندراج
النهاية غري متصور يف حقه فان شيخه مل يصل بعد اىل النهاية فكيف تتصور النهاية يف
حق املتبدئ {ع}:
وكل اانء ابلذي فيه ينضح
- 682 -
(أيها) الطالب لطريق النجاة ان طريق هؤالء االكابر طريق االصحاب الكرام
عليهم الرضوان وهذا االندراج اعين اندراج النهاية يف البداية اثر ذلك االندراج الذي كان
يتيسر هلم يف صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم فانه كان يتيسر هلم يف
صحبته صلّى هللا عليه و سلّم و على آله وسلم ما ال حيصل لغريهم يف االنتهاء اال قليل
وهذه الفيوضات والربكات هو عني تلك الفيوض والربكات اليت ظهرت يف القرن االول
وان كان اآلخر بعيدا من االول يف الظاهر ابلنسبة اىل الوسط ولكن االمر ابلعكس يف
احلقيقة فان اآلخر اقرب اليه من الوسط ومنصبغ بصبغه يصدقه املتوسطون او ال بل ال
يعلم ادراك اكثر املتأخرين حقيقة هذه املعاملة و السالم عليكم و على من اتبع اهلدى
والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات و التسليمات العلى.
السالم.
{املكتوب اخلامس والعشرون اىل اخلواجه شرف الدين حسني يف بيان ان كل
عمل يصدر على وفق الشريعة الغراء فهو داخل يف الذكر}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد وصلت الصحيفة الشريفة اليت
ارسلها ولدي االعز صحبة موالان عبد الرشيد وموالان جان حممد ووصل مبلغ النذر ايضا
جزاكم هللا سبحانه خريا قد اورث مساع خرب صحتكم فرحا وافرا (ايها الولد) ان الفرصة
غنمية والصحة والفراغ مغتنمان فينبغي صرف االوقات اىل الذكر االهلي جل شأنه على
الدوام وكل عمل يصدر على وفق الشريعة الغراء فهو داخل يف الذكر وان كان بيعا وشراء
فينبغي مراعاة االحكام الشرعية يف مجيع احلركات والسكنات لتصري كلها ذكرا فان الذكر
عبارة عن طرد الغفلة ومت حصلت مراعاة االوامر والنواهي يف مجيع االفعال فقد تيسرت
النجاة من اسر الغفلة عن اآلمر ابالوامر والناهي عن املناهي وحصل دوام ذكره تعاىل
وهذا الذي ذكرانه من دوام الذكر وراء ايدداشت خواجكان قدس هللا اسرارهم فانه
مقصور على الباطن وهذا متمش يف الظاهر ايضا وان كان م َتع ّسرا وفقنا هللا سبحانه
واايكم مبتابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية.
{املكتوب السادس والعشرون اىل معدن العرفان املرزا حسام الدين امحد يف
جواب كتابه الذي تفوح عنه رائحة العصبية وبيان ان تلقني الذكر مثل تعليم الفباء
للصبيان}
الرحيم احلمد هللا و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد فقد الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
تشرفت مبطالعة الصحيفة املكرمة املرسلة صحبة قاصد كشمري وحيث كانت متضمنة خبرب
خريية حضرات تلك احلدود أورثت فرحا وافرا جزاكم هللا سبحانه خريا وقد اندرج فيها ان
املخدوم زاده االعظم واخلواجه مجال الدين حسني ال يقدران على الوصول هناك بواسطة
- 684 -
ۤ
االستحياء من تلقني الشيخ ميان إله داد (أيها املخدوم) ال يزال يفوح من مثل هذا
الكالم رائحة العصبية ويفهم من هذا الوضع والطرح املباينة واملخالفة اان هلل واان اليه
راجعون وكان ينبغي للمخدوم زاده االعظم ان يستحي من خمالفة وصية والده املاجد
ۤ
واحلياء من التوجه واالفادة الواقعان يف حضوره أبمره اليهما وكان ينبغي للشيخ إله داد مع
وجود دعوى االنقياد للشيخ ان ال جيرتئ على هذا االمر وان يالحظ الوصية وسبقة
االفادة والذي كتبتموه ال بد وان يكون حقا وصوااب ولكن املكتوب الذي ارسله املخدوم
زاده االعظم مع اخيه االعز كان متضمنا لكمال التواضع ومشتمال على فرط الطلب
والشوق والعبارات اليت اختارها يف ذلك املكتوب ال يتصور ايرادها بدون جنون الطلب
ولعله تطرق اليه احنراف بعد ارساله املكتوب ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من
لدنك رمحة انك أنت الوهاب ولكن الفقري يعلم ان وصيته ال تكون بال حكمة وارجو ان
يكون هلا عاقبة حممودة ولكين اأتسف على ضياع مثل ذلك الطلب الذي فهمت نبذة
منه من مكتوبه ويقعد ضده يف حمله وهذا املعن ثقيل على االحباب الناصحني جدا
حبيث يتم عليهم املا امت بذلك (أيها املكرم) ان مت االمر مبجرد التلقني فمبارك وعند الفقري
تلقني الذكر كتعليم الف اب للصبيان فان كان جمرد ذلك التعليم حمصال مللكة املولوية فأي
مضايقة فيه واملتوقع من كرم التفاتكم هو ان ترتكوا كفة العصبية وان جتعلوا حمبتكم
ومودتكم جلميع االخوان على السوية وماذا أابلغ ازيد من ذلك و السالم.
الذي كتبه الشيخ عبد العزيز واتضح ما اندرج فيه ومما اندرج فيه انه لو كانت حقايق
املمكنات اليت هي صور علمية العدمات اليت هي اضداد الصفات يلزم حصول تلك
العدمات يف الذات تعالت وتقدست وهو سبحانه منزه عن ذلك وهذه شبهة عجيبة امل
يعلم ان احلق سبحانه يعلم االشياء الشريفة والكثيفة وليس لشئ منها حصول يف حضرة
الذات تعالت وال اتصاف للذات بشئ منها فمن اين جاء احلصول يف هذه الصورة ومنه
ان حقائق املمكنات ينبغي ان تكون وجودية وثبوتية ال عدمية فان احلقائق عبارة عن
ارواح املمكنات ونفوسها نعم ان هلا وجودا وثبوات علميني وهذا هو القدر الالزم يف
احلقائق وكان ينبغي له ان يعرتض هبذا االعرتاض اوال على الشيخ حميي الدين ابن العريب
النه قال االعيان ما مشت رائحة الوجود والعجب انه جعل احلقائق هنا عبارة عن ارواح
املمكنات ونفوسها وترك[ ]1االعيان الثابتة ومعلومات هللا تعاىل (ومنه) ان االنبياء عليهم
الصالة و السالم واالولياء عليهم الرضوان وسائر افراد االنسان من املمكنات فلو كانت
حقائق هؤالء عدمات يكون الشرف مسلواب عن هؤالء الزمرة العلية والكمال فيهم
معدوما (كيف) يكون مسلواب ومعدوما فان احلق سبحانه جعل تلك العدمات حبكمته
البالغة وقدرته الكاملة وحبسن تربيته مرااي عكوس امسائه وصفاته وشرف بشرف النبوة
والوالية وجعل حملى حبلية ظالل كماالته وصري معززا ومكرما كما انه سبحانه خلق
االنسان من ماء مهني وبلغه الدرجات العلى والعجب اهنم يالحظون شرف االنسان
وكرامته ويضيعون تنزيه الواجب وتقديسه تعاىل وتقدس ويقولون الكل هو ويزعمون
االشياء اخلسيسة الرذيلة عني احلق تعاىل وتقدس وال يتحاشون عن امثال تلك املقولة وال
جيوزون لالنسان حقائق عدمية ويتحاشون عنه اعطاهم هللا سبحانه االنصاف (ومنه) انه
ال ميكن رفع الكالم اجملمع عليه ابملبتدع (حنن) نرى الكالم املبتدع القول ابن الكل هو ال
القول ابن الكل منه فانه مما امجع عليه العلماء وامنا تتوجه املالمة والشناعة اىل صاحب
( )1يعين انه ادعى اوال ان احلقائق عبارة عن الصور العلمية اليت هي االعيان الثابتة فرتكه هنا و ادعى انه عبارة عن
االرواح عفي عنه.
- 686 -
الفصوص اىل هذا الزمان بواسطة قوله الكل هو وحاصل معارف الفقري اليت كتبتها الكل
منه وهو مقب ول شرعا وعقال وكيف اذا كان مؤيدا ابلكشف واالهلام (مث كتب) الشيخ
بعد ذكر االعرتاضات تنزال اىل مقام الشفقة انه لو اريد حبقائق املمكنات االرواح
االنسانية فموافق للمجمهور (ومل ادر) اي صنف أراد من اجلمهور فانه مل يسمع اىل اآلن
ان احدا قال ابن حقائق املمكنات هي االرواح االنسانية والعجب من الشيخ كل
العجب حيث ختيل ان كل احد يقول ما يقول ابلقياس والتخمني وينسجه ابلتفكر
والتخيل كال ان املعارف اليت متلى وتكتب بال كشف واهلام او حترر وتقرر بدون شهود
ومشاهدة فهي هبتان وافرتاء خصوصا اذا كانت خمالفة ملا ذهب اليه القوم ومل ادر ماذا
اعتقد الشيخ املشار اليه ومن اي قبيل فهم هذه املعارف ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف
امران وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين و السالم .
افعال االجسام ومن هذا القب يل ما اخرب بعض الكرباء عن افعاله الشاقة الصادرة عنه قبل
وجوده العنصري بقرون متطاولة وكان صدور تلك االفعال عن ارواحهم اجملردة وحصل هلم
االطالع على هذا املعن بعد وجوده العنصري واوقع صدور هذه االفعال مجاعة يف توهم
التناسخ معاذ هللا من توهم تعلق تلك االرواح اببدان أخرى والروح اجملردة هي اليت تفعل
افعال البدن ابقدار هللا جل سلطانه وتوقع ارابب الزيغ يف الضاللة وجمال الكالم يف هذا
املقام كثري وقد فاضت حتقيقات عجيبة فان وفقنا نثبتها يف حمل ان شاء هللا تعاىل واآلن مل
يساعد الوقت (وسألت) ايضا انه قد ذكر يف الرشحات ان اخلواجه عالء الدين العطار
قدس سره ملا أتذي خاطره من موالان نظام الدين اخلاموش قدس سره اراد ان يسلب عنه
نسبته فالتجأ موالان يف ذلك الوقت اىل روحانية النيب عليه و على آله الصالة و السالم
فوصل اخلطاب منه صلّى هللا عليه و سلّم اىل حضرة اخلواجه ان نظام الدين منا ليس
الحد جمال التصرف فيه وذكر يف حمل آخر من هذا الكتاب ان اخلواجه احرار قدس سره
سلب نسبة موالان حني صريورته شيخا كبريا فقال موالان ان اخلواجه وجدان شيخا فاخذ
كلما كنت نلته ومجعته وصريين مفلسا يف آخر االمر كيف يتصرف اخلواجه احرار قدس
سره فيمن قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يف حقه انه منا ليس الحد جمال التصرف
فيه (اعلم) ان حضرة شيخنا قدس سره كان ال يستحسن هذا النقل وكان يتوقف يف
تصديق سلب نسبة موالان وكان يقول ان هذا النقل مل يثبت من موالان عبد الرمحن
اجلامي وغريه من مريدي موالان سعدالدين الكاشغري الذي هو مريد موالان نظام الدين
ومل ينقل عن احد منهم ابلرد والقبول وهم مجاعة كثريون فمن اين مسعه موالان فخرالدين
علي وكتبه فان كان هذا اخلرب صادقا لنقل ابلتواتر لتوفر الدواعي على نقله وحيث مل ينقل
ابلتواتر وتقرر على خرب الواحد علم ان يف صدقه ترددا وبعض النقول اليت ينقلها صاحب
الرشحات غري هذا ايضا بعيد عن الصدق والهل هذه السلسلة العلية ترددات يف صدق
تلك النقول وهو سبحانه اعلم وايضا كان حضرة شيخنا قدس سره يقول ان التفليس
- 688 -
[]1
سلب االميان اعاذان هللا سبحانه منه وجتويز هذا املعن مشكل جدا ربنا ال يدل على
تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب.
{املكتوب التاسع والعشرون اىل معدن الفضيلة الشيخ عبد احلق الدهلوي يف
بيان ان افضل االمتعة يف هذه النشأة احلزن والغم واهىن نعم هذه املائدة املصيبة
واالمل}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ايها املخدوم املكرم ان اآلالم
واملصائب وان كانت ثقيلة حيث اهنا حتمل االذى ولكن فيها رجاء الكرامات وافضل
امتعة هذه النشأة احلزن والغم واهن نعيم هذه املائدة املصيبة واالمل قد جعل هذا السكر
يف غالف رقيق من دواء مر وفتح طريق االبتالء هبذه احليلة نظر السعداء اىل حالوة ذلك
السكر وصاروا يبلعون ذلك املر مثل السكر ووجدوا املرارة حلوا على عكس الصفراوي
حيث ال جيده حلوا فان افعال احملبوب كلها حلوة وامنا جيدها مرا من كان عليال بعلة
التعلق ابلسوى واهل السعادة جيدون يف ايالم احملبوب من احلالوة واللذة مأال يتصور
وجدان مثله يف االنعام فانه وان كان كالمها من احملبوب ولكن ال مدخل يف االيالم لنفس
احملب ويف االنعام قيام مبراد النفس
هنيئا الرابب النعيم نعيمها
اللهم ال حترمنا اجرهم وال تفتنا بعدهم ووجودكم الشريف وقت غربة االسالم مغتنم
الهل االسالم سلمكم هللا سبحانه وأبقاكم و السالم.
{املكتوب الثالثون اىل اخلواجه حممد اشرف واحلاج حممد الفركيت يف جواب
( )1قلت املراد ابلتفليس هو سلب نسبة الطريقة بل التصرفات اليت كانت له اوال ال سلب االميان واملريد امنا يذكر
مناقب شيخه فال يلزم من عدم ذكرهم كذبه وال غريه من احملذورات وهللا سبحانه اعلم منه عفي عنه.
- 689 -
والنصيحة}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (ايها) الولد االعز ان الفرصة مغتنمة
فينبغي ان ال يصرف متام العمر يف امور ال طائل فيها بل ينبغي ان يصرف متامه يف
مراضي احلق جل وعال ينبغي ان يؤدى الصلوات اخلمس ابجلمعية واجلماعة مع تعديل
االركان وينبغي ان ال ترتك صالة التهجد وان ال تضيع االستغفار يف االسحار جماان وان
ال يغرت مبنام االرنب وان ال ينخدع ابحلظوظ العاجلة وان جيعل تذكر املوت واهوال
اآلخرة نصب العني وابجلملة ينبغي ان يكون معرضا عن الدنيا ومقبال على اآلخرة وان
يشتغل ابلدنيا بقدر الضرورة وان يعمر سائر االوقات ابالشتغال ابمور اآلخرة وحاصل
الكالم هو انه ينبغي ان يتخلص القلب عن رقية االغيار والسوى وان يكون الظاهر مزينا
وحملى ابالحكام الشرعية {ع}:
هذا هو االمر والباقي خياالت
وبقية االحوال ابخلري و السالم.
{املكتوب الثاين والثالثون اىل املرزا قليج هللا يف جواب عريضته اليت كتبها يف
الشكاية من عدم مجعية الباطن وما يناسب ذلك}
بعد احلمد هلل والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان الصحيفة الشريفة املكتوبة يف
ابب التعزية قد وصلت اان هلل واان اليه راجعون حنن رضينا بقضاء هللا تعاىل بتوفيقه
سبحانه وينبغي لكم ايضا ان تكونوا راضني به وان تكونوا معاونني وممدين ابلدعاء
والفاحتة وصار خرب خالصكم ابعثا على املسرة والفرح وسكن به احد االملني هلل سبحانه
احلمد واملنة على ذلك (وكتبت) شكاية عن فقدان مجعية الباطن نعم ان لتشتت الظاهر
أتثريا عظيما يف تصرف الباطن فاذا وجدت الكدورة يف الباطن ينبغي تداركها ابلتوبة
واالستغفار واذا ظهرت صورة هائلة ينبغي دفعها بكلمة التمجيد ال حول وال قوة اال ابهلل
العلي العظيم وتكرار املعوذتني مغتنم يف ذلك الوقت وبقية االحوال مستوجبة للحمد هلل
- 691 -
سبحانه احلمد واملنة دائما و على كل حال واعوذ ابهلل سبحانه من حال اهل النار ويف
الفقري اثر الضعف وهلذا صرفت النظر عن حترير تفصيل االحوال رزقنا هللا سبحانه واايكم
االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والتحية و
السالم.
{املكتوب الثالث والثالثون اىل موالان حممد صاحل الكواليب يف بيان ان احملبوب
حمبوب يف نظر احملب على كل حال سواء صدر عنه االنعام او االيالم بل االيالم عند
االقلني موج ب الزدايد احملبة اكثر من انعامه وبيان مزية احلمد على الشكر وما
يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد فليعلم االخ االعز موالان حممد
صاحل ان احملبوب حمبوب يف نظر احملب بل يف نفس االمر يف مجيع الوقت ويف مجيع احلال
سواء آمل او انعم فهو حمبوب على كال احلالني وعند أكثر الناس الذين تشرفوا بدولة احملبة
ان ازدايد حمبة احملبوب يف وقت االنعام اكثر منه يف وقت ايالمه او هو مساو يف الوقتني
(وعند االقل) عكس هذه املعاملة يعين ايالمه موجب الزدايد احملبة اكثر من انعامه
ومقدمة هذه الدولة العظمى حسن ظن ابحملبوب حت ان احملبوب لو امر السكني على
حلقوم احملب ومزق كل عضو منه وفرقه من اآلخر لعلم احملب ذلك عني صالحه ويتصوره
عني فالحه فاذا ارتفعت كراهة فعل احملبوب عن نظر احملب حيصول هذا الظن احلسن
تشرف بدولة احملبة الذاتية اليت هي معراة عن مجيع النسب واالعتبارات وخمصوصة حببيب
رب العاملني عليه و على آله الصلوات و التسليمات ووجد االلتذاذ والفرح يف االيالم
اكثر منهما يف االنعام وأظن ان هذا املقام فوق مقام الرضاء فان يف الرضاء دفع كراهة امل
فعل احملبوب وهنا االلتذاذ بذلك الفعل فان اجلفاء كلما كان من جانب احملبوب أجل
وأكثر يكون الفرح والسرور من جانب احملب ازيد واوفر شتان ما بينهما وحيث كان
احملبوب حمبواب يف نظر احملب بل يف نفس االمر يف مجيع االوقات ومجيع االحوال ال جرم
- 692 -
يكون احملبوب يف مجيع االوقات ومجيع االحوال بل يف الواقع ونفس االمر حممودا وممدوحا
ايضا و يكون احملب يف وقت ايالمه وانعامه مادحا له ومثنيا عليه فحينئذ يصدق هلذا
احملب الصادق ان يقال صادقا ومصدوقا و احلمد هلل رب العاملني على كل حال ويصري
هذا احملب من احلامدين له سبحانه يف السراء والضراء حقيقة ويشبه ان تكون مزية احلمد
على الشكر من جهة ان يف الشكر مالحظة انعام املنعم فيكون راجعا اىل الصفة بل اىل
الفعل وامللحوظ يف احلمد حسن احملمود ومجاله سواء كان ذاتيا او وصفيا او فعليا وسواء
كان انعاما او ايالما فان ايالمه سبحانه حسن كانعامه تعاىل فيكون احلمد ابلغ يف الثناء
وامجع ملراتب احلسن واجلمال وابقى يف حاليت السراء والضراء خبالف الشكر فانه مع
قصوره سريع الزوال على شرف اهلالك بزوال االنعام وهالك االحسان (فان قيل) انت
كتبت يف بعض مكتوابتك ان مقام الرضاء فوق مقام احملبة ومقام احلب وهنا تكتب ان
مقام هذه احملبة فوق مقام الرضاء فكيف التوفيق بني هذين الكالمني (اجيب) ان هذا
املقام اعين مقام احملبة املذكورة هنا وراء ذلك املقام اعين مقام احملبة واحلب هناك فان ذلك
املقام مشتمل على النسب واالعتبارات امجاال وتفصيال فانه وان قالوا لتلك احملبة ذاتية
وتصوروا ذلك احلب حبا ذاتيا ولكنه ليس فيه قطع النظر عن الشئون واالعتبارات خبالف
هذا املقام فانه معرى عن النسب واالضافات كما مر وما اندرج يف بعض املكتوابت من
انه ال جمال للقدم فوق مقام الرضاء اال خلامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم
كأنه عبارة عن هذا املقام فانه خمصوص خبامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم
وهللا أعلم حبقائق االمور كلها (ينبغي) ان يعلم ان كراهة الظاهر ليست مبنافية لرضا
الباطن ومرارة الصورة ليست مبنافية حلالوة احلقيقة فان ظاهر العارف الكامل وصورته
مرتوكان على ما مها عليه من الصفات البشرية ليكوان قبااب لكماالته وليحصل له االبتالء
واالمتحان وليكون احملق ممزوجا ابملبطل وينبغي ان يتصور نسبة ظاهر العارف الكامل
وصورته اىل ابطنه وحقيقته كنسبة ثوب اىل شخص البس لذلك الثوب ومعلوم انه ما
مقدار الثوب وقدره ابلنسبة اىل الشخص وكذلك قدر صورة العارف ابلنظر اىل حقيقته
- 693 -
ورمبا يظن مكفوفوا البصر مطموسو البصرية صورة العارف مثل اجلبل ويتخيلوهنا مثل
صورهم اليت ال حقائق هلا فال جرم يكونون يف مقام االنكار ويكتسبون احلرمان و السالم
على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى.
{املكتوب الرابع والثالثون اىل نور حممد التناري يف جواب عريضته اليت كتبها
لبيان توارد االحوال}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد فقد وصل املكتوب الشريف
واتضح ما حرر فيه من توارد االحوال اعلم ان احلق سبحانه كما انه ليس داخل العامل
كذلك ليس خارج العامل وكما انه ليس مبنفصل عن العامل ليس مبتصل ابلعامل وهو سبحانه
موجود ولكن مجيع تلك الصفات اعين الدخول واخلروج واالتصال واالنفصال مسلوبة
عنه سبحانه ينبغي ان يطلبه تعاىل خاليا عن هذه الصفات االربعة وان جيده سبحانه يف
خارج هذه الصفات فان امتزج لون من هذه الصفات فليس احلاصل حينئذ غري التعلق
ابلظالل واملثال بل ينبغي ان يطلبه تعاىل بصفة ال كيفية وال مثلية منزهة عن غبار الظلية
وان حيصل اتصاال ال كيفيا بتلك املرتبة وهذه الدولة نتيجة الصحبة ال حتصل ابلتكلم
والكتابة ولئن كتبت فمن يفهمها ومن يدركها فينبغي املداومة على املشغولية ابلشوق
والذوق وكتابة كيفيات االحوال اىل حني املالقاة و السالم.
{املكتوب اخلامس والثالثون اىل شيخ زاده اخلواجه حممد عبد هللا سلمه هللا
تعاىل يف جواب استفساراته عن التوحيد وعني اليقني وما يناسب ذلك}
الرحيم بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني اىل جنابالر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
خمدوم زاده ان الصحيفة الشريفة قد وصلت وحصل الفرح الوافر مبطالعتها واندرج فيها
بيان مشول نسبة احلضور واستيالئها فحسن ومبارك وهذه الدولة اليت تيسرت لكم يف مدة
ثالثة اشهر ان تيسر هي يف سالسل أخرى يف مدة عشر سنني ليعدوهنا نعمة عظيمة
- 694 -
ويتصوروهنا امرا عظيما ينبغي اداء شكر هذه النعمة كما ينبغي وحيث اين اعرف ان
فطرتكم عالية ومربأة عن حصول شائبة العجب بتحسني مثل هذه االحوال اظهران هذه
النعمة لئن شكرمت الزيدنكم نص قاطع وكتبتم ان مقدمة التوحيد يعين الوجودي اخذت
يف الظهور فيبارك لكم هذه الدولة ايضا ينبغي قبول هذا الوارد ابالدب ولكن ينبغي رعاية
اآلداب الشرعية يف غلبة هذا احلال حق رعايتها واداء حقوق العبدية حق ادائها وان يعلم
ابن هذه الشعبذة على تقدير صحتها وصدقها انشئة بواسطة استيالء حمبة احملبوب حيث
ان احملب اذا ابصر شيئا وادركه ال يبصر وال يدرك غري حمبوبه واذا حصلت له لذة وذوق
من احد ينسبها اىل حمبوبه ويف هذه الصورة مشهود احملب هو الكثرة لكن بعنوان الوحدة
فال يتحقق الفناء يف هذا املوطن فان يف الفناء دفع شهود الكثرة ابلكلية بواسطة استيالء
شهود الواحد وامنا قيل لذلك ايضا فناء ابلنسبة اىل عدم شهود كثرة املمكنات وحقيقة
الفناء امنا تتحقق اذا اختفت كثرة االمساء والصفات والشئون واالعتبارات بتمامها ايضا
عن النظر ومل يكن شئ غري احدية الذات اجملردة تعالت ملحوظا ومنظورا اصال وحقيقة
متامية السري اىل هللا جتتلي يف هذا املقام وفيه يتصور التخلص عن التعلق ابلظالل ابلكلية
ويف هذا الوقت تقع املعاملة يف اصل االصول وتتحول من الدال اىل املدلول وحيصل
الرتقي والعروج من العلم اىل العني ومن املراسلة اىل املعانقة ويتحقق الوصل العراين وكذا
وكذا مث كذا وكذا ال ميكن التكلم واالنباء عن ذلك املوطن بغري الرمز واالشارة وهو ايضا
مبهم ومستور (وقد) طلب خمدوم زاده منا بيان عني اليقني واراد حصوله يف العلم وهذا
امر مشكل ماذا اصنع وماذا اقول وكيف ابينه واكشف عنه وافهمه فريجى من كرم خمدوم
زاده ان يعذرين وان مييل من طلب العلم اىل طلب احلال والسؤالن الصادران عن املخدوم
انبأ كل منهما عن علو الفطرة احدمها عن بيان عني اليقني بطور خاص كما مر واثنيهما
عن بيان أتويل املتشاهبات القرآنية اليت علمها نصيب العلماء الراسخني وجواب السؤال
الثاين ادق من جواب السؤال االول واخفى منه وأليق ابالستتار ومناف للظهور واالظهار
وعلم أتويل املتشاهبات كناية عن املعاملة اليت هي خمصوصة ابلرسل عليهم الصلوات و
- 695 -
التسليمات ومينح اقل قليل من االمم نبذا يسريا من هذا العلم ابلتبعية والوراثة وال يرفع
الربقع عن مجاهلا هلم يف هذه النشأة ولكن املرجو ان يشرف هبذه الدولة يف النشأة اآلخرة
جم غفري من االمم ايضا بطريق التبعية والقدر املمكن كتابته انه يصح ان يشرف البعض
اآلخر وراء ذلك االقل هبذه الدولة يف هذه النشأة ايضا ولكن ال يعطى له العلم حبقيقة
املعاملة وال ينكشف له التأويل وابجلملة جيوز ان حيصل أتويل املتشاهبات لذلك البعض
ولكنه ال يدري ما حاصله فان املتشاهبات كناية عن املعامالت ويصح ان تكون املعاملة
ايل وماذا
حاصلة وال حيصل العلم بتلك املعاملة وشاهدت هذا املعن يف فرد من املنتسبني ّ
حيصل لآلخرين وسؤالكم ا وقع يف الرجاء من هذه املعاملة ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك
على كل شئ قدير و السالم .
{ املكتوب السادس والثالثون اىل اخلواجه حممد التقي يف بيان حبث االمامة
وحقيقة مذهب اهل السنة واجلماعة وخمالفيهم وان اهل السنة متوسطون بني االفراط
والتفريط اللذين اختارمها الروافض واخلوارج ومدح اهل بيت الرسول صلى هللا عليه
و على آله وسلم وما يناسب ذلك}
الرحيم بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان حمبة الفقراء
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
واالرتباط هبم وااللفة معهم والرغبة يف استماع كلمات هذه الطائفة العلية وامليل اىل
اوضاع هذه الطبقة السنية واطوارهم من اجل نعم هللا جل سلطانه واعظم عناايته تعاىل
قال املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم املرء مع من أحب فمحبهم معهم
ويف حرم حرمي القرب طفيليهم (ايها املوفق) ان ولدي اخلواجه شرف الدين حسني قد
اخرب ان هذه االوصاف احلميدة جمتمعة فيه مع وجود تعلقات شت وهذه املعاين
املستحسنة املقبولة ملتئمة فيه مع وجود اشغاالت ال طائل فيها هلل سبحانه احلمد واملنة
على ذلك فان صالحكم موجب لصالح جم غفري وفالحكم مستلزم لفالح مجع كثري
واظهر املشار اليه ابنه حمب لكالمك وراغب يف استماع علومك فان كتبت اىل جنابه
- 696 -
كلمات لكان افضل واحسن فاردت ان اكتب كلمات اجابة للملتمس وحيث كان يف
هذه االايم ذكر حبث االمامة اكثر وكل شخص ينسج الكالم يف هذا الباب ابلظن
والتخمني اردت ان اكتب يف هذا املبحث سطورا ابلضرورة وان ابني حقيقة مذهب اهل
السنة واجلماعة ومذهب املخالفني (ايها) الطالب للنجاة ان من عالمات اهل السنة
واجلماعة تفضيل الشيخني وحمبة اخلتنني واجتماع تفضيل الشيخني مع حمبة اخلتنني من
خصائص اهل السنة واجلماعة وتفضيل الشيخني اثبت ابمجاع الصحابة والتابعني كما
نقله اكابر االئمة احدهم االمام الشافعي رمحه هللا و قال الشيخ ابو احلسن االشعري
تفضيل ايب بكر وعمر رضي هللا عنهم على سائر االمة قطعي و قد ثبت عن علي كرم
هللا وجهه ابلتواتر يف زمن خالفته وكرسي مملكته وبني اجلم الغفري من شيعته ان ااب بكر و
عمر افضل هذه االمة كما ذكره الذهيب وروى عنه االمام البخاري انه قال افضل الناس
بعد الرسول صلّى هللا عليه و سلّم ابو بكر مث عمر مث رجل آخر فقال ابنه حممد بن
احلنفية مث انت فقال ما أان اال رجل من املسلمني (وابجلملة) ان تفضيل الشيخني قد بلغ
من كثرة الرواة الثقات حد الضرورة والتواتر فانكاره اما من اجلهل واما من التعصب وملا مل
جيد عبد ال رزاق الذي هو من اكابر الشيعة جماال لالنكار قال بتفضيل الشيخني من غري
اختيار وقال حيث فضل علي الشيخني على نفسه افضلهما اان ايضا عليه لتفضيله ولوال
انه فضلهما على نفسه ملا فضلتهما عليه وابل عل ّي ان ادعي حمبة عل ّي مث اخالفه وملا كثر
يف زمان خالفة اخلتنني ظهور الفنت واالختالل يف امور الناس وحصلت من هذه اجلهة
كدورة غري حمصورة يف قلوب الناس واستولت العداوة والبغضاء فيما بني املسلمني عدت
حمبة اخلتنني ايضا ابلضرورة من مجلة شرائط كون شخص من اهل السنة واجلماعة لئال
يسئ اجلاهل الظن من هذه احليثية ابصحاب خري البشر عليه و على آله الصالة و
السالم ولئال يضمر البغض والعداوة لنواب رسول هللا وقائمي مقامه عليه وعليهم الصالة
علي كرم هللا وجهه شرطا للتسنن ومن ليست فيه هذه احملبة صا و السالم فكانت حمبة ّ
رخارجا عن اهل السنة ويسمى خارجيا والذي اختار طرف االفراط يف حمبة عل ّي ووقع
- 697 -
منه الزايدة على القدر الالئق واظهر الغلو يف تلك احملبة واطال اللسان بسب اصحاب
خري البشر عليه وعليهم الصالة و السالم وترك طريق الصحابة والتابعني والسلف
الصاحلني رضوان هللا عليهم امجعني ورفضه مسي رافضيا فاهل السنة متوسطون بني االفراط
علي كرم هللا وجهه وبني التفريط فيها اللذين اختارمها الروافض واخلوارج وال شك
يف حمبة ّ
ان احلق يف الوسط واالفراط والتفريط كالمها مذمومان كما روى االمام امحد بن حنبل
عن عل ّي انه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فيك مثل من عيسى عاداه اليهود
حت هبتوا امه واحبه النصارى حت انزلوه منزلة ليس هو فيها يعين قالوا انه ابن هللا فقال
يف والثاين من يعاديين ويفرتييف اثنان املفرط يف حمبيت حت يثبت يل ما ليس ّ
علي هلك ّ
علي ابلعداوة فشبه حال اخلوارج حبال اليهود وحال الروافض حبال النصاري و كالمها وقعا
من احلق الوسط يف الطرفني وما اجهل من ال يعد اهل السنة واجلماعة من حميب عل ّي
ويزعم حمبته خمتصة ابلرفضة وليست حمبة عل ّي من الرفض وامنا الرفض التربي من اخللفاء
الثالثة والتربي من االصحاب الكرام مذموم وصاحبه عليه ملوم قال االمام الشافعي رضي
هللا عنه {شعر}:
لو كان رفضا حب آل حممد * فليشهد الثقالن اين رافض
يعين ان حب آل حممد ليس برفض كما يزعمونه فان قالوا هلذا احلب رفضا فليس
برفض مذموم فان ذم الرفض امنا جاء من جهة التربي عن اآلخرين ورفضهم ال من جهة
حمبتهم يعين آل حممد فيكون حمبوا اهل بيت رسول هللا عليه وعليهم الصلوات و
التسليمات من اهل السنة واجلماعة وهم شيعة اهل البيت يف احلقيقة والشيعة الذين
يدعون حمبة اهل البيت ويعدون انفسهم من شيعتهم فان مل يقتصروا حمبتهم على اهل
البيت ومل يتربوا من اآلخرين وعظموا مجيع اصحاب النيب عليه و على آله الصالة و
السالم ووقروهم حق تعظيمهم وتوقريهم ومحلوا مشاجراهتم على حمامل حسنة فهم داخلون
يف اهل السنة واجلماعة وخارجون عن اخلوارج والروافض فان عدم حمبة اهل البيت خروج
والتربي عن االصحاب رفض وحمبة اهل البيت مع تعظيم مجيع االصحاب وتوقريهم تسنن
- 698 -
(وابجلملة) ان مبن التسنن على حب مصاحبيه عليه وعليهم الصالة و السالم والعاقل
املنصف ال خيتار بغض االصحاب الكرام على حبهم اصال بل حيب مجيعهم حبب النيب
عليه وعليهم الصلوات والتحيات قال عليه الصالة و السالم من احبهم فبحيب احبهم
ومن ابضغهم فببغضي ابغضهم (ولنرجع) اىل اصل الكالم ونقول كيف يظن عدم حمبة
اهل البيت يف حق اهل السنة واجلماعة واحلال ان حمبتهم عندهم جزء االميان وسالمة
اخلامتة مربوطة عندهم برسوخ تلك احملبة وكان والد هذا الفقري املاجد يرغب يف اكثر
االوقات يف حمبة اهل البيت وكان عاملا ابلعلم الظاهري والباطين وكان يقول ان حملبتهم
مدخال عظيما يف سالمة اخلامتة ينبغي ان يراعيها كمال رعايتها وكان هذا الفقري حاضرا
يف مرض موته وملا انتهت معاملته اىل آخرها وبقى الشعور هبذا العامل قليال ذكرته بكالمه
يف ذلك الوقت واستفسرته عن تلك احملبة فقال يف تلك احلالة اين غريق يف حمبة اهل
البيت فأؤدي شكر احلق عز وجل يف ذلك الوقت وحمبة اهل البيت رأس مال اهل السنة
وامل خالفون غافلون عن هذا املعن وجاهلون مبحبتهم املتوسطة اختاروا النفسهم جانب
االفراط وظنوا وراء االفراط تفريطا وحكموا ابخلروج وزعموه مذهب اخلوارج ومل يعلموا ان
بني االفراط والتفريط حدا وسطا هو مركز احلق وموطن الصدق الذي صار نصيبا الهل
السنة واجلماعة شكر هللا سعيهم والعجب ان اهل السنة هم الذين قتلوا اخلوارج
واستأصلوا اعداء اهل البيت ومل يكن من الرفضة يف ذلك الوقت اسم وال رسم فان كان
كان له حكم العدم وكاهنم تصوروا حميب اهل البيت بزعمهم الفاسد رفضة وختيلوا اهل
السنة بتلك العالقة روافض اي هلا من معاملة عجيبة حيث يعدون أهل السنة احياان من
اخلوارج لعدم افراط احملبة ويزعموهنم احياان روافض ملا حيسون فيهم من نفس احملبة وهلذا
تراهم يزعمون من جهالتهم االولياء العظام من اهل السنة الذين يذكرون حمبة اهل البيت
ويظهرون حب آل حممد صلّى هللا عليه و سلّم روافض ويظنون كثريا من كبار علماء اهل
السنة الذين مينعون من افراط تلك احملبة وحيرضون على تعظيم اخللفاء الثالثة وتوقريهم
خوارج فآه ألف انتهى من جراءهتم الغري املناسبة اعاذان هللا سبحانه من افراط تلك احملبة
- 699 -
وتفريطها ومن افراط احملبة اشرتطوا يف حتقق حمبة علي التربي من اخللفاء الثالثة وغريهم
ينبغي االنصاف ما معن احملبة اليت يشرتط يف حصوهلا التربي من نواب النيب صلّى هللا
عليه و سلّم و قائمي مقامه وسب اصحاب خري البشر وطعنهم رضوان هللا عليهم امجعني
وذنب اهل السنة امنا هو ضمهم اىل حمبة اهل البيت توقري مجيع اصحابه صلّى هللا عليه و
سلّم وتع ظيمهم ومجعهم اايمها معا حبيث ال يذكرون احدا منهم بسوء مع وجود املنازعات
واملخالفات فيما بينهم وينزهوهنم عن االهواء النفسانية والتعصبات البشرية من جهة
تعظيم صحبة النيب وتكرمي مصاحبيه عليه وعليهم الصالة و السالم ومع ذلك يقولون
للمحق حمقا وللمبطل مبطال ولكن مع تنزيه بطالنه من اهلوى واهلوس واحالته على الرأي
واالجتهاد وامنا يرضى الروافض عن اهل السنة واجلماعة اذاهم تربوا عن سائر االصحاب
الكرام مثلهم وأساؤا ظنهم هبؤالء االكابر كما ان رضاء اخلوارج عنهم مربوط بعداوة اهل
البيت ومنوط ببغض آل حممد عليه وعليهم الصلوات والربكات ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ
هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب (وكان) اصحاب رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم عند اكابر اهل السنة واجلماعة شكر هللا سعيهم يف وقت منازعة بعضهم
بعضا ثالث فرق فرقة عرفوا حقية جانب علي ابلدليل واالجتهاد (ومجاعة) أخرى وجدوا
ايضا ابلدليل واالجتهاد حقية جانب آخر (وطائفة) اثلثة كانوا متوقفني مل يرجحوا جانبا
واحدا ابلدليل (فلزمت) الطائفة االوىل نصرة جانب علي مبقتضى اجتهادهم (ولزمت)
الطائفة الثانية نصرة جانب خمالفيه على مؤدى اجتهادهم (ولزم) الطائفة الثالثة التوقف
وكان ترجيح احديهما على األخرى خطأ يف حقهم (فعمل) كل فرقة من هذه الفرق
الثالث مبقتضى اجتهادهم وادوا ما هو الواجب والالزم على ذمتهم فكيف يكون للمالمة
جمال فيهم وكيف يكون الطعن مناسبا هلم وقال االمام الشافعي ونقل عن عمر بن عبد
العزيز ايضا رضي هللا عنهما تلك دماء طهر هللا عنها ايدينا فلنطهر عنها السنتنا ويفهم
من هذه العبارة انه ال ينبغي حتريك الشفتني ايضا حبقية احديهما وختطئة األخرى وان ال
يذكر كلهم بغري اخلري وكذلك ورد يف احلديث النبوي حيث قال النيب صلّى هللا عليه و
- 700 -
سلّم اذا ذكر اصحايب فامسكوا يعين اذا ذكر اصحايب ومنازعاهتم فامتنعوا عن ذلك وال
ختتاروا احدهم على اآلخر ولكن مجهور اهل السنة ذاهبون ملا ظهر هلم بدليل اىل ان
احلق يف جانب علي كرم هللا وجهه وخمالفوه سالكون طريق اخلطأ ولكن ملا كان هذا
اخلطأ خطأ اجتهاداي بعد عن املالمة والطعن وتنزه عن التحقري وتربأ من التشنيع ونقل عن
علي رضي هللا عنه انه قال اخواننا بغوا علينا ال هم كفار وال فساق فان هلم أتويال مينع
عنهم الكفر والفسق (فاهل) السنة والرافضة كالمها خيطئون حماريب علي وكالمها يقولون
حبقية جانبه ولكن ال جيوز اهل السنة الزايدة على اطالق لفظ اخلطإ الناشئ عن التأويل
يف حق حم اربيه وحيفظون اللسان من طعنهم وتشنيعهم ويراعون حق صحبة خري البشر
عليه وعليهم الصالة و السالم قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم هللا هللا يف اصحايب ال
تتخذوهم غرضا بعدي وكرر لفظ اجلاللة للتأكيد وقال ايضا اصحايب كالنجوم ابيهم
اقتديتم اهتديتم وورد احاديث أخرى كثرية يف ابب تعظيم االصحاب وتوقريهم امجعني
فينبغي اعزازهم وتكرميهم مجيعا ومحل زالهتم على حمامل حسنة وهذا هو مذهب اهل
السنة يف هذه املسئلة والروافض يغالون يف هذا الباب حت يكفرون حماريب علي ويلوثون
السنتهم ابنواع الطعن واقسام الشتم فان كان املقصود ظهور حقية جانب علي واظهار
خطإ حماريبه فما اختاره اهل السنة كاف فيه و على حد االعتدال والطعن يف اكابر الدين
بعيد عن الداينة والتدين كما اختاره الرافضة وزعموا شتم اصحاب رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم دينهم وامياهنم ما اقبحه من دين حيث ان جزءه االعظم سب نواب النيب
وشتم خلفائه عليه وعليهم الصالة و السالم واختار كل واحدة من طوائف املبتدعة بدعة
وامتاز هبا عن اهل السنة واجلماعة ولكن فرقة اخلوارج والروافض من بني مجيع هؤالء
الطوائف بعيدة عن احلق والصواب جدا فاذا كان سب اكابر الدين ولعنهم جزء اعظم
من امياهنم كيف يكون هلم نصيب من احلق وافرتقت الروافض على اثنيت عشرة فرقة كلهم
يكفرون اصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم و يعتقدون سب اخللفاء الراشدين عبادة
وهذه اجلماعة يتحاشون عن اطالق لفظ الرفض على انفسهم ويزعمون الروافض غريهم
- 701 -
ملا ورد يف االحاديث وعيد شديد يف حق الرفضة فيا ليتهم اجتنبوا عن معن الرفضة ايضا
ومل يتربؤا عن اصحاب النيب عليه وعليهم الصالة و السالم وهنود بالد اهلند يعين جموسهم
ايضا يقولون النفسهم هنودا ويتحاشون عن الكفر وال يعتقدون انفسهم كفارا ويزعمون
ان الكفار هم سكان دار احلرب وغلطوا يف هذا الفهم بل كال الصنفني كفار ومتحققون
حبقيقة الكفر وكاهنم زعموا ان أهل بيت النيب عليه وعليهم الصالة و السالم مثلهم
وختيلوهم ايضا اعداء ايب بكر وعمر رضي هللا عنهما وهذه الطائفة يظنون أكابر اهل
البيت حبكم التقاة اليت يزعموهنا منافقني وخمادعني ويزعمون ان عليا كرم هللا وجهه
صحب اخللفاء الراشدين ثالثني سنة حبكم التقاة صحبة نفاق وعظمهم ووقرهم من غري
حق واستحقاق ما احسن هذه املعاملة وما امجلها فان كانت حمبة اهل بيت رسول هللا
بواسطة حمبة رسول هللا صلى هللا عليه وعليهم وسلم ينبغي ان يكونوا ايضا اعداء العداء
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وان يسبوهم ويلعنوهم اكثر من سب اعداء اهل البيت
ولعنهم ومل يسمع من احد من هذه الطائفة انه سب ااب جهل ولعنه مع انه اشد اعداء
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم واذاه صلّى هللا عليه و سلّم ابنواع االذية واجلفاء ومل حيرك
احد منهم لسانه بذكر مساويه وابو بكر الصديق الذي هو احب[ ]1الرجال اىل رسول
هللا صلّى هللا عليه و سلّم يزعمونه بزعمهم الفاسد عدوا الهل البيت ويطيلون السنتهم
بسبه وطعنه وينسبون اليه امورا غري مناسبة به فاي تدين هذا واي داينة ال قدر هللا
سبحانه كون ايب بكر وعمر وسائر الصحابة الكرام اعداء اهل بيت رسول هللا عليه و
عليهم الصالة و السالم ومبغضني ومعادين آلل حممد صلّى هللا عليه و سلّم وليت هؤالء
العارين عن لباس االنصاف يسبون اعداء اهل البيت من غري تعيني أسامي اكابر
الصحابة رضوان هللا عليهم امجعني ومن غري اظهار سوء ظن ابكابر الدين فرتتفع حينئذ
خمالفتهم يف هذا الباب الهل السنة فان اهل السنة ايضا يعادون اعداء اهل البيت
( )1اخرج البخاري عن عمرو بن العاص انه سأل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اي الناس احب اليك قال عائشة
فقال من الرجال قال ابوها منه عفي عنه.
- 702 -
ويقولون بطعنهم وتشنيعهم ومن حسن اهل السنة اهنم ال يقولون لشخص معني مبتلي
متلبس ابنواع الكفر جهنميا وال جيوزون اطالق اللعن عليه الحتمال اسالمه وتوبته يف
آخر أمره وامنا جيوزون إطالق اللعن على الكافرين مطلقا دون تعيني شخص منهم ما مل
يعلم سوء خامتته بدليل قطعي والروافض يلعنون أاب بكر وعمر رضي هللا عنهما بال حتاش
ويسبون اكابر الصحابة ويطعنون فيهم من غري اكرتاث هداهم هللا اىل سواء الصراط (ويف
هذا) املبحث اختالف عظيم بني اهل السنة وبني خمالفيهم يف مقامني (املقام) االول هو
ان اهل السنة قائلون حبقية خالفة اخللفاء االربع ويقولون لكل واحد من هؤالء االربع
خليفة حقا ألنه قد ورد يف احلديث الصحيح بطريق االخبار عن املغيبات[ ]1اخلالفة
بعدي ثالثون سنة وهذه املدة متت خبالفة علي فبمقتضى هذا احلديث يكون كل من
االربعة خليفة و يكون ترتيب اخلالفة على احلق واملخالفون ينكرون حقية خالفة اخللفاء
الثالثة ويسبون خالفتهم اىل التعصب والتغلب واليعتقدون احدا غري علي اماما على
احلق وحيملون البيعة الواقعة من علي للخلفاء الثالثة على التقاة ويظنون الصحبة الواقعة
فيما بني االصحاب الكرام صحبة نفاق ويتصورون املداراة الكائنة فيهم خمادعة فان
موافقي علي قد صحبوا يف زعم هؤالء الفرقة مع خمالفيه حبكم التقاة صحبة نفاق واظهروا
بلساهنم خالف ما يف قلوهبم وخمالفوا علي ملا كانوا يف زعم هؤالء الطائفة أعداءه وأعداء
موافقيه واحبابه كانوا احبااب هلم على سبيل النفاق واظهروا املعاداة يف صورة املواالة فيكون
مجيع اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم على زعمهم املفاسد منافقني وخمادعني
ومظهرين بظواهرهم خالف ما يف بواطنهم فيكون شرار هذه االمة عند هؤالء الفرقة هم
االصحاب الكرام و يكون شر الصحبات واخبثها صحبة خري البشر عليه و على آله
الصالة و السالم حيث نشأت منها امثال هذه االخالق الذميمة و يكون شر القرون
قرن االصحاب لكونه مملوء من النفاق والعداوة والبغضاء واحلقد وقد قال هللا يف كالمه
اجمليد يف حقهم رمحاء بينهم اعاذان هللا سبحانه من اعتقاداهتم السوء فاذا جعلوا سابقي
( )1اخرج امحد والرتمذي وابو يعلى وابن حبان عن سفينة بلفظ اخلالفة بعدي من اميت ثالثون سنة منه عفي عنه.
- 703 -
ه ذه االمة متصفني هبذه االخالق الذميمة فكيف توجد اخلريية يف الالحقني وكأن هذه
الطائفة مل يروا اآلايت القرآنية واآلحاديث النبوية الواردة يف فضل صحبة خري البشر صلّى
هللا عليه و سلّم وفضيلة اصحابه الكرام وخرية هذه االمة او رأوها ولكنهم مل يؤمنوا هبا ومل
يصدقوها وامنا وصل القرآن واالحاديث الينا بتبليغ االصحاب الكرام فاذا كان األصحاب
مطعوان فيهم يكون الدين الواصل الينا بواسطتهم ومن طرقهم ايضا مطعوان فيه ابلضرورة
نعوذ ابهلل من ذلك (ولعل) مقصود هذه الطائفة ابطال الدين وانكار شريعته عليه الصالة
و السالم ففي ظاهر الصورة يظهرون حمبة اهل بيت رسول هللا ويف احلقيقة يبطلون شريعته
صلّى هللا عليه و سلّم وليتهم يرتكون عليّا وموافقيه مسلما فيهم ومل جيعلوهم متسمني
بسمة التقاة اليت هي من مسة اهل املكر والنفاق واي خري يكون يف مجاعة من موافقي
علي او خمالفيه حيث صحب بعضهم بعضا ثالثني سنة ابلنفاق وعاشروا ابملكر واخلداع
وكيف يستحقون االعتماد عليهم (وهؤالء) يطعنون يف ايب هريرة رضي هللا عنه وال
يعلمون ان يف طعنه طعنا يف نصف االحكام الشرعية وذلك ان العلماء احملققني قالوا ورد
يف االحكام ثالثة آالف حديث يعين ثبت ثالثة آالف حكم من االحكام الشرعية
ابلسنة وثبت ألف ومخسمائة منها برواية ايب هريرة فيكون الطعن فيه طعنا يف نصف
االحكام الشرعية وقال االمام البخاري ان رواة ايب هريرة ازيد من مثامنائة من االصحاب
الكرام والتابعني العظام واحد منهم ابن عباس رضي هللا عنهما وروى عنه ابن عمر ايضا
وكذلك جابر بن عبد هللا وانس بن مالك من رواته واحلديث الذي ينقلون عن علي كرم
هللا وجهه يف الطعن يف ايب هريرة رضي هللا عنه فهو حديث مفرتي كما حققه العلماء
وحديث دعائه صلّى هللا عليه و سلّم اليب هريرة رضي هللا عنه ابلفهم معروف بني العلماء
قال ابو هريرة رضي هللا عنه حضرت جملسا لرسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم[ ]1فقال من
يبسط منكم رداءه حت افيض فيه مقاليت فيضمها اليه مث ال ينساه فبسطت بردة كانت
عل َّي فافاض رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مقالته فضممتها اىل صدري فما نيست
حيملون مشاجرات اصحاب خري البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات ومنازعاهتم
على حمامل حسنة ويعتقدوهنا بعيدة عن اهلوى والتعصب فان نفوسهم صارت مزكاة يف
صحبة خري البشر عليه وعليهم الصالة و السالم وساحة صدورهم طاهرة نظيفة من
العداوة والغل واحلقد غاية ما يف الباب انه ملا كان لكل واحد منهم رأاي واجتهادا وكان
العمل لكل جمتهد على وفق اجتهاده واجبا لزمت املشاجرة واملخالفة يف بعض االمور
بسبب خمالفة اآلراء ابلضرورة وكان اتباع كل منهم رأى نفسه صوااب فكانت خمالتهم مثل
موافقتهم الجل احلق ال للهوى واهلوس واتباع النفس االمارة (والروافض) يكفرون خمالفي
علي وحماربيه وجيوزون يف حقهم انواع الطعن والتشنيع فاذا صدرت خمالفة االصحاب
الكرام للنيب صلّى هللا عليه و سلّم يف بعض االمور االجتهادية وحكمهم خبالف
حكمه[ ]1عليه الصالة و السالم ومل تكن خمالتهم هذه مذمومة ومل يكونوا ملومني عليها
ومل جيئ منعهم عنها مع وجود نزول الوحي يف ذلك الوقت فكيف تكون خمالتهم لعلي يف
االمور االجتهادية كفرا ومل يكون املخالفون مطعوان فيهم وملومني كيف فان املخالفني
جم غفري من اهل االسالم ومن أجلة االصحاب الكرام وبعض منهم مبشر ابجلنة وليس
تكفريهم وتشنيعهم امرا يسريا كربت كلمة خترج من افوافهم فاهنم كادوا يكونون هم الذين
بلغوا قريبا من نصف الدين والشريعة فاذا كانوا مطعوان فيهم يزول االعتماد عن شطر
الدين (كيف) يكون هؤالء االكابر مطعوان فيهم فانه مل يرد احد رواية احد منهم اصال ال
علي وال غريه (وأيضا) ان صحيح البخاري اصح الكتب بعد كتاب هللا تعاىل ويعرتف به
الشيعة ايضا ومسع هذا الفقري امحد التبيت الذي كان من اكابر الشيعة يقول ان كتاب
البخاري اصح الكتب بعد كتاب هللا وفيه رواايت من موافقي علي ورواايت من خمالفيه
ومل جيعل الرجحان وعدمه مبنيا على املوافقة واملخالفة فكما انه يروي عن علي يروي عن
معاوية فلو كان يف معاوية ويف روايته شائبة الطعن ملا ادرج روايته يف كتابه اصال وكذلك مل
( )1كما وقع يف اسارى بدر وغزوة اخلندق حني اراد النيب صلّى هللا عليه و سلّم اعطاء ثلث حمصول املدينة لغطفان
فلم يرض به االنصار كما هو مشهور بني اراببه منه عفي عنه
- 706 -
يفرق هبذا الوجه يف رواية احلديث احد من نقاد االحاديث من السلف ومل جيعل خمالفة
علي منشأ للطعن (ومما ينبغي) ان يعلم انه ال يلزم ان يكون علي رضي هللا عنه حمقا يف
مجيع االمور اخلالفية وال يقطع به وان يكون خمالفوه على اخلطإوان كان احلق يف امر
احملاربة يف جانبه فان علماء الصدر االول من التابعني واالئمة اجملتهدين اختاروا مذهب
غريه يف كثري من االحكام اخلالفية ومل حيكموا مبذهبه فان كان احلق متعينا يف جانبه ملا
كانوا حيكمون خبال فه وكان القاضي شريح من التابعني وصاحب اجتهاد ومل حيكم
مبذهب علي ومل يقبل شهادة ابنه احلسن عليهما الرضوان له بواسطة نسبة البنوة وعمل
اجملتهدون بقول شريح واخذوا به ومل جيوزوا شهادة االبن لالب واختيار االقوال اليت
ختالف رأي علي كرم هللا وجهه كثري يف مسائل أخرى ايضا ال خيفى على املتتبع املنصف
وتفصيله يستدعي تطويال فال يكون يف خمالفة علي كرم هللا وجهه جمال لالعرتاض وال
يكون خمالفوه مطعوان فيهم وملومني (وكانت) عائشة الصديقة رضي هللا تعاىل عنها حبيبة
حبيب رب العاملني ومقبولته ومنظورة اليه صلّى هللا عليه و سلّم اىل شفري اللحد و كان
صلّى هللا عليه و سلّم مقيما يف حجرهتا يف مرض موته وقبض روحه الشريفة يف حجرها
وبني سحرها وحنرها ودفن يف حجرهتا املطهرة ومع ذلك الشرف كله كانت رضي هللا عنها
عاملة وجمتهدة واحال النيب صلّى هللا عليه و سلّم[ ]1بيان شطر الدين عليها ورجع
االصح اب الكرام يف مشكالت االحكام اليها ووجدوا حل املغلقات منها فالطعن يف
مثل هذه الصديقة اجملتهدة بواسطة خمالفة علي ونسبة االشياء الغري الالئقة اليها غري
مناسبة جداو بعيدة عن االميان ابلنيب صلّى هللا عليه و سلّم فان كان علي كرم هللا وجهه
ختنه وابن عمه فالصديقة زوجته املطهرة وحبيبته املقبولة عليه و على مجيع اهل بيته
الصالة و السالم (وكان) دأب الفقري قبل هذا بسنني اذا طبخ طعام كنت اجعل حصة
( )1جاء من النيب صلّى هللا عليه و سلّم ابلفاظ خمتلفة خذوا شطر دينكم عن احلمرياء ويف رواية خذوا ثلث دينكم من
بيت احلمرياء ويف أخرى خذوا ثلث دينكم من بيت عائشة قال القاري بعد ذكره ما للحديث وما عليه لكن معناه
صحيح فان عندها من شطر الدين أستنادا يقتضي اعتمادا انتهى منه عفي عنه.
- 707 -
منه خمصوصة بروحانيات اهل العباء نبينا صلّى هللا عليه و سلّم و علي وفاطمة واالمامني
يعين السبطني رضوان هللا عليهم امجعني فرأيت النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف املنام
فسلمت عليه وهو صلّى هللا عليه و سلّم ال يكون متوجها اىل الفقري بل يتوجه اىل
جانب آخر وقال يف تلك االثناء للفقري اان آكل الطعام يف بيت عائشة فكل من يرسل
ايل فلريسله اىل بيت عائشة فتيقن الفقري يف ذلك الوقت ان سبب عدم توجهه الطعام ّ
الشريف هو عدم تشريك الفقري الصديقة يف الطعام فبعد ذلك كنت اجعل الصديقة بل
سائر االزواج املطهرات الاليت كلهن من أهل البيت شركاء يف الطعام وكنت اتوسل جبميع
اهل البيت فاجلفاء وااليذاء اللذان يصيبان النيب عليه و على آله الصالة و السالم من
جهة الصديقة ازيد من اجلفاء وااليذاء اللذين يصيبانه صلّى هللا عليه و سلّم من جهة
علي وهذا املعن غري خمفي على العقالء أصحاب االنصاف (نعم) ان هذا على تقدير
كون حمبة علي و تعظيمه بواسطة حمبة الرسول وتعظيمه عليه و على آله الصالة و
السالم وبواسطة قرابته صلّى هللا عليه و سلّم (واما) من اختار حمبة علي استقالال ومل
جيعل حلب النيب فيها مدخال فهو خارج عن املبحث وغري قابل للمخاطبة غرضه ابطال
الدين وهدم الشريعة يريد ان يتخذ سبيال بدون توسط النيب عليه و على آله الصالة و
السالم ويرغب عن حممد يف علي وهو حمض الكفر وعني الزندقة و علي كرم هللا وجهه
برئ منه ومتأذ من صنيعه فان حب اصحابه واختانه صلّى هللا عليه و سلّم بواسطة حبه
عليه الصالة و السالم و تعظيمهم وتكرميهم بواسطة تعظيمه وتكرميه صلّى هللا عليه و
سلّم قال عليه الصالة و السالم من أحبهم فبحيب احبهم وكذلك من كان مبغضا اايهم
فامنا يكون ذلك ببغضه صلّى هللا عليه و سلّم كما قال عليه الصالة و السالم ومن
ابغضهم فببغضي ابغضهم يعين ان احملبة اليت تتعلق ابصحايب عني احملبة اليت تتعلق يب
وكذلك بغضهم هو عني البغض الذي يتعلق يب (وطلحة وزبري) رضي هللا عنهما من كبار
االصحاب ومن العشرة املبشرة ابجلنة فالطعن فيهما وتشنيعهما غري مناسب ولعنهما
وطردمها عائدان اىل الالعن والطارد ومها اللذان جعلهما الفاروق من الستة اليت ترك
- 708 -
اخلالفة شورى بينهم ملا مل جيد دليال واضخا لرتجيح بعضهم على بعض فرتكا نصيب
اخلالفة عن انفسهما ابختيارمها وقال كل منهما تركت حظي وطلحة هو الذي قتل اابه
بواسطة صدور سوء ادب عنه يف حقه صلّى هللا عليه و سلّم وجاءه برأسه وورد ثناؤه على
فعله هذا يف القرآن اجمليد والزبري هو الذي أخرب املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و
السالم بكون قاتله يف جهنم حيث قال صلّى هللا عليه و سلّم قاتل الزبري يف جهنم ولعن
الزبري ليس ابدون من قتله فالعنه وقاتله متساواين فاحلذر مث احلذر مث احلذر من الطعن يف
اكابر الدين وذم كرباء االسالم الذين بذلوا جهدهم يف اعالء كلمة االسالم ونصرة سيد
االانم وانفقوا امواهلم لتأييد الدين ابلليل والنهار ويف السر واجلهار وتركوا حلب الرسول
عشائرهم وقبائلهم واوالدهم وازواجهم واوطاهنم ومساكنهم وعيوهنم وزروعهم واشجارهم
واهنارهم وآثروا نفس الرسول صلّى هللا عليه و سلّم على انفسهم واختاروا حمبته على
حمبتهم وحمبة امواهلم وذرايهتم وهم الذين انلوا شرف الصحبة وفازوا يف صحبته بربكات
النبوة وشاهدوا الوحي يعين نزوله وتشرفوا حبضور امللك ورأوا اخلوارق واملعجزات حت صار
غيبهم شهادة وعلمهم عينا واعطوا من اليقني ما ال يعطي احد من بعدهم حت ال يبلغ
انفاق غريهم مثل احد ذهبا انفاقهم مد شعري وال نصيفه وهم الذين اثن هللا تعاىل عليهم
يف القرآن اجمليد ورضي عنهم وهم رضوا عنه ذلك مثلهم يف التوراة ومثلهم يف االجنيل كزرع
اخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ هبم الكفار مسى هللا
الغائظ هبم كفارا فليحذر عن غيظهم كما حيذر عن الكفر وهللا املوفق (واجلماعة) الذين
صححوا مثل هذه النسبة برسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وصاروا مقبولني لديه
ومنظورين اليه صلّى هللا عليه و سلّم اذا خالف بعضهم بعضا يف بعض االمور وتشاجروا
وعملوا مبا ادى اليه رأيهم واجتهادهم ال يكون جمال للطعن فيهم وال لالعرتاض على
صنيعهم بل احلق والصواب يف ذلك املوطن هو عني االختالف وعدم تقليد رأي غريه أال
ترى ان تقليد االمام ايب يوسف ااب حنيفة رضي هللا عنهما بعد وصوله اىل درجة
االجتهاد خطأ والصواب امنا هو تقليد رأي نفسه حت ان االمام الشافعي رضي هللا عنه
- 709 -
ال يقدم قول صحايب اي صحايب كان سواء كان صديقا او عليا على رأيه بل يرى
الصواب يف العمل برأيه وان كان خمالفا لقول صحايب فاذا كان جملتهد من االمة غري
صحايب جمال يف خمالفة آراء االصحاب كيف يكون االصحاب مطعوان فيهم اذا خالف
بعضهم بعضا (مع اان نقول) ان االصحاب الكرام قد خالفوا يف االمور االجتهادية رأي
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ومل يرد الذم على خالفهم ذلك مع وجود نزول الوحي ومل
يرد املنع عن اختالفهم ذلك كما مر فان كان اختالفهم ذلك غري مرضي وغري مقبول
عند احلق جل شأنه لكان يرد املنع عنه وينزل الوعيد على املخالفني اال ترى كيف جاء
املنع من رفع الصوت حني رفع مجاعة اصواهتم فوق صوت النيب عليه و على آله الصالة
و السالم وترتب عليه الوعيد قال هللا تبارك و تعاىل اي ايها الذين آمنوا ال ترفعوا اصواتكم
فوق صوت النيب اآلية ووقع يف اسارى بدر اختالف عظيم حيث حكم عمر الفاروق
وسعد بن معاذ بقتل االسارى وحكم اآلخرون ابلتخليص والفدية وكان الرأي املقبول
عنده صلّى هللا عليه و سلّم احلكم ابلتخليص والفدية وسائر مواضع االختالفات كثرية
(ومن هذا القبيل) اختالفهم يف اتيان القرطاس حني طلب النيب يف مرض موته قرطاسا
ليكتب هلم شيئا فاراد مجع إتيان القرطاس ومنعه اآلخرون وكان الفاروق من الذين مل
يرضوا ابتيان القرطاس وقال حسبنا كتاب هللا فاكب الطاعنون من هذه اجلهة على
الفاروق وأطالوا لسان الطعن والتشنيع عليه وليس هذا يف احلقيقة حمال للطعن فان
الفاروق قد علم ان زمان الوحي صار منقطعا واالحكام السماوية قد متت ومل يبق جمال
الثبات االحكام غري الرأي واالجتهاد وكلما يكتب النيب صلّى هللا عليه و سلّم يكون من
االمور االجتهادية اليت فيها شركة لآلخرين بقوله تعاىل فاعتربوا اي أويل االبصار فرأي
الصواب يف ان ال يصدع النيب صلّى هللا عليه و سلّم عند غلبة وجعه وان يكتفي برأي
غريه واجتهاده حسبنا كتاب هللا يعين القرآن اجمليد مأخذ القياس واالجتهاد وكاف
للمستنبط ني فيستنبط منه االحكام وختصيص الكتاب ابلذكر ميكن ان يكون انه علم
ابلقرائن ان تلك االحكام اليت هو صلّى هللا عليه و سلّم يف صدد كتابتها مأخذها
- 710 -
الكتاب ال السنة حت يذكر السنة فكان منع الفاروق من جهة الشفقة واملرمحة لئال
يصدع النيب صلّى هللا عليه و سلّم بشئ يف شدة الوجع وكان امره صلّى هللا عليه و سلّم
ابتيان القرطاس لالستحسان ال للوجوب ليكون غريه مسرتحيني من مشقة استنباطه فلو
كان امر ائتوين للوجوب لبالغ النيب صلّى هللا عليه و سلّم فيه وملا كان يعرض عنه جملرد
االختالف (فان قيل) قد قال الفاروق يف ذلك الوقت اهجر استفهموه فما يكون املراد
منه (اجيب) لعل الفاروق فهم يف ذلك الوقت ان هذا الكالم امنا صدر عنه صلّى هللا
عليه و سلّم بواسطة الوجع من غري قصد واختيار كما يتوهم من لفظ اكتب فانه صلّى
هللا عليه و سلّم كان اميا مل يكتب شيئا أصال وايضا انه قال لن تضلوا بعدي فاذا كان
الدين كامال وصارت النعمة متاما وحصل رضا املوىل به كيف تتصور الضاللة بعد ذلك
وماذا يقدر يكتب يف ساعة واحدة حت تندفع به الضاللة أمل يكف الذي كتب يف مدة
ثالث وعشرين سنة ومل تندفع به الضاللة ويكتب يف ساعة واحدة شئ مع وجود شدة
املرض تندفع به الضاللة فعلم الفاروق من هنا ان هذا الكالم جرى على لسانه الشريف
من غري قصد منه بناء على البشرية فقال حققوا هذا املعن ابالستفسار منه اثنيا فارتفع
الكلمات يف اثناء االختالف فقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم قوموا وال ختتلفوا فانه ال
يستحسن النزاع عند نيب ومل يقل اثنيا من هذه املقولة شيئا ومل يذكر دواات وال قرطاسا
(ينبغي) أن يعلم أن االختالف الواقع من االصحاب الكرام يف بعض االمور االجتهادية
ابلنسبة اىل النيب عليه وعليهم الصالة و السالم لو كان عياذا ابهلل سبحانه فيه شائبة
اهلوى والتعصب الجنر ذلك اىل اللحوق بزمرة اهل االرتداد واخراج الرأس من ربقة
االسالم فان سوء االدب وسوء املعاشرة معه صلّى هللا عليه و سلّم كفر أعاذان هللا
سبحانه منه بل كان هذا االختالف بناء على أمر فاعتربوا فان من كان فيه رتبة االجتهاد
فتقليده اجتهاد غريه ورأيه يف االمور االجتهادية خطأ ومنهي عنه نعم ال جمال يف
االحكام املنزلة اليت ال مدخل فيها للرأي واالجتهاد لغري التقليد واالميان واالنقياد واجب
فيها غاية ما يف الباب ان اصحاب القرن االول كانوا برآء من التكلفات ومستغنني عن
- 711 -
حتسني العبارات وامنا كان اهتمامهم يف اصالح الباطن وكان ظاهرهم مطروحا عن نظرهم
وغري ملحوظ أصال وكانت مراعاة اآلداب يف ذلك القرن ابعتبار احلقيقة واملعن ال
ابعتبار الظاهر والصورة فقط وكان حاهلم امتثال امر الرسول صلّى هللا عليه و سلّم
ومعاملتهم االجتناب عما ليس مبرضي عنده صلّى هللا عليه و سلّم جعلوا آابءهم وامهاهتم
واوالدهم وازواجهم فداء له عليه الصالة و السالم ومن كمال اعتقادهم واخالصهم مل
يرتكوا بزاق النيب صلّى هللا عليه و سلّم ليقع يف االرض بل كانوا أيخذونه وميسحونه
ابداهنم ووجوههم مثل ماء احلياة وقصدهم شرب دمه صلّى هللا عليه و سلّم بعد الفصد
من كمال االخالص مشهور ومعروف فان صدرت عن هؤالء االكابر عبارة مومهة لسوء
االدب ابلنسبة اليه صلّى هللا عليه و سلّم عند اهل هذه القرون اليت هي مآلنة من
الكذب واخلداع ينبغي ان حيملها على حممل حسن وان يذهب اىل حاصل العبارة وان ال
يالحظ االلفاظ من اي قسم كانت وهذا هو طريق السالمة وهللا سبحانه املوفق (فان
قيل) اذا كان يف االمور االجتهادية جمال اخلطإ كيف يكون الوثوق جبميع االحكام
الشرعية املنقولة عنه عليه الصالة و السالم (أجيب) ان االحكام االجتهادية صارت يف
املآ ل واثين احلال أحكاما منزلة مساوية فان تقرير االنبياء على اخلطإ غري جائز فينزل يف
االحكام االجتهادية بعد ثبوت اجتهاد املستنبطني واختالف آرائهم حكم من عند احلق
جل وعال يفرق الصواب من اخلطإ ومييز احملق من املبطل فكانت االحكام االجتهادية يف
زمانه صلّى هللا عليه و سلّم بعد نزول الوحي ومتيز الصواب من اخلطإ أيضا قطعي الثبوت
مل يبق فيها احتمال اخلطإ فجميع االحكام اليت ثبتت يف زمنه صلّى هللا عليه و سلّم
قطعي حمفوظ عن احتمال اخلطإ الهنا ثبتت بوحي قطعي ابتداء وانتهاء وكان املقصود من
االجتهاد يف استنباط هذه االحكام هو ان حيصل للمجتهدين واملستنبطني انواع العناية
وارتفاع درجات الكرامة وينال املصيب واملخطئ ثوااب على تفاوت الدرجات ففي
االحكام االجتهادية ارتفاع درجات اجملتهدين وقطعية تلك االحكام نعم ان االحكام
االجته ادية بعد انقراض زمان النبوة ظنيات مفيدة للعمل ال مثبتة لالعتقاد حت يكون
- 712 -
منكرها كافرا اال ان ينعقد امجاع اجملتهدين على حكم فيكون حينئذ مثبتا لالعتقاد أيضا
(ولنختم امل كتوب ابخلامتة احلسنة) يف فضائل اهل بيت الرسول عليه و على آله واصحابه
الصالة و السالم روى ابن عبد الرب أنه قال عليه و على آله الصالة و السالم من أحب
عليا فقد احبين ومن ابغض عليا فقد ابغضين ومن آذى عليا فقد آذاين ومن آذاين فقد
آذى هللا واخرج الرتمذي واحلاكم وصححه عن بريدة قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم ان هللا أمرين حبب اربعة واخربين أنه حيبهم قيل اي رسول هللا مسهم لنا قال علي منهم
يقول ذلك ثالاث وأبو ذر واملقداد وسلمان اخرج الطرباين واحلاكم عن ابن مسعود رضي
هللا عنه أنه قال قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم النظر اىل علي عبادة اسناده حسن
واخرج الشيخان عن الرباء رأيت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم واحلسن على عاتقه
وهو صلّى هللا عليه و سلّم يقول اللهم اين أحبه فأحبه وأخرج البخاري عن ايب بكر قال
مسعت رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم على املنرب واحلسن اىل جنبه ينظر اىل الناس مرة
واليه مرة ويقول ان ابين هذا لسيد ولعل هللا ان يصلح به بني فئتني من املسلمني اخرج
الرتمذي عن أسامة بن زيد قال رأيت النيب صلّى هللا عليه و سلّم وحسن وحسني على
وركه فقال هذان ابناي وابنا بنيت اللهم اين احبهما وأحب من حيبهما اخرج الرتمذي عن
أنس قال سئل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اي اهل بيتك احب اليلك قال احلسن
واحلسني وروى املسور ابن خمرمة ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال فاطمة بضعة
مين فمن ابغضها ابغضين ويف رواية يريبين ما أراهبا ويؤذيين ما آذاها واخرج احلاكم عن أيب
ايل منك وأنت أعز عل ّي
هريرة ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال لعلي فاطمة أحب ّ
منها وعن عائشة رضي هللا عنها قالت ان الناس كانوا يتحرون هبداايهم يوم عائشة
يبتغون بذلك مرضاة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وقالت ان نساء رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم كن حزبني فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة واحلزب اآلخر ام سلمة
وسائر نساء رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فكلم حزب ام سلمة فقلن هلا كلمي رسول
هللا صلّى هللا عليه و سلّم يكلم الناس فيقول من أراد ان يهدي اىل رسول هللا صلّى هللا
- 713 -
عليه و سلّم فليهد اليه حيث كان فكلمته فقال هلا ال تؤذيين فان الوحي مل أيتين واان يف
ثوب امرأة اال عائشة فقالت أتوب اىل هللا سبحانه من أذاك اي رسول هللا مث اهنن دعون
فاطمة فارسلن اىل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فكلمته فقال ايبنيّة أال حتبني ما أحب
قالت بلى قال فأحيب هذه وعن عائشة رضي هللا عنها قالت ما غرت على احد من
نساء رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ما غرت على خدجية وما رأيتها ولكن يكثر ذكرها
ورمبا ذبح شاة مث يقطعها اعضاء مث يبعثها يف صدائق خدجية فرمبا قلت له كأنه مل يكون
يف الدنيا امرأة اال خدجية فيقول اهنا كانت وكانت وكان يل منها ولد وعن ابن عباس
رضي هللا تعاىل عنهما انه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم العباس مين واان منه
واخرج الديلمي عن ايب سعيد ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال اشتد غضب هللا
على من آذاين يف عرتيت واخرج احلاكم عن ايب هريرة رضي هللا عنه ان رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم قال خريكم خريكم الهلي من بعدي اخرج ابن عساكر عن علي كرم هللا
وجهه ان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال من صنع اىل اهل بييت يدا اكافئه عليها
يوم القيامة اخرج ابن عدي والديلمي عن علي رضي هللا عنه ان رسول هللا صلّى هللا عليه
و سلّم قال اثبتكم على الصراط اشدكم حبا الهل بييت والصحايب {شعر}:
اهلى حبق بن فاطمة * كه بر قول اميان كن خامته
اگر دعومت رد كن ور قبول * من و دست و دامان آل رسول
صلّى هللا عليه و سلّم و على مجيع اخوانه من االنبياء واملرسلني واملالئكة الكرام
املقربني و على سائر عباد هللا الصاحلني أمجعني.
{املكتوب السابع والثالثون اىل الفقري احلقري عبد احلي الذي هو جامع هذه
املكتوابت الشريفة يف بيان فضائل الكلمة الطيبة ال اله اال هللا وما يناسب ذلك}
الرحيم ال اله اال هللا ال شئ أنفع من هذه الكلمة الطيبة يف
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
تسكني غضب ا لرب جل سلطانه وعال برهانه فاذا كانت هذه الكلمة سببا لتسيكن
- 714 -
غضب دخول النار تكون سببا لتسكني غضبات أخر ابلطريق االوىل فاهنا دون ذلك
كيف ال تكون سببا للتسكني فان العبد قد اعرض عن السوى انفيا له بتكرار هذه
الكلمة الطيبة وجعل قبلة توجهه املعبود على احلق وكان منشأ الغضب هو التوجهات
الشت اليت كان العبد مبتال هبا وليس فليس وشاهد هذا املعن يف عامل اجملاز هو ان
شخصا اذا أتذى عن مملوكه وغضب عليه فحينئذ لو اعرض اململوك حبسن التدبري الذي
فيه عما سوى مالكه وتوجه اىل مالكه بكليته تظهر الشفقة واملرمحة يف املالك يف حق
اململوك ابلضرورة ويرتفع عنه الغضب واالذى واجد هذه الكلمة الطيبة مفتاح خزينة تسع
وتسعني رمحة اعين ما جعلت ذخرية الجل اآلخرة واعلم انه ال شئ اشفع من هذه
الكلمة الطيبة يف دفع ظلمات الكفر وكدورات الشرك ومن صدق مبضمون هذه الكلمة
وحصل ذرة من االميان ومع ذلك كان مبتال برسوم الكفر ورذائل الشرك نرجو ان خيرج
من العذاب بشفاعة هذه الكلمة الطيبة وان ينجو من اخللود يف النار كما ان شفاعة
حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم انفع يف دفع عقوابت سائر كبائر هذه االمة
وادخل فيه وامنا قلت كبائر هذه االمة فان ارتكاب الكبائر يف سائر االمم السابقة اقل
منه يف هذه االمة بل امتزاج رسوم الكفر ورذائل الشرك ايضا اقل فيهم واالحوج اىل
الشفاعة هو هذه االمة ويف االمم السابقة كان مجع مصرا على الكفر وكان مجع آخر
مؤمنا خالصا ممتثال لالوامر قد هلكت هذه االمة الكثرية الذنوب لوال ان يكون شفيعهم
مثل الكلمة الطيبة وشافعهم مثل خامت الرسل عليه وعليهم الصلوات والتحيات امة مذنبة
ورب غفور والذي تناله هذه االمة من عفوه وغفرانه سبحانه ال يعلم نيل مجيع االمم
املاضية هذا القدر وكأن التسعة والتسعني من الرمحة ادخرت هلذه االمة املستغرقة يف
الذنوب {ع}:
أحق الناس ابلكرم العصاة
وملا كان احلق سبحانه و تعاىل حيب العفو واملغفرة وال شئ من املادة الجل العفو
واملغفرة مساواي هلذه االمة ال جرم صارت هذه االمة خري االمم والكلمة الطيبة اليت هي
- 715 -
شفيعتهم افضل الذكر وانل نبيهم الذي هو شفيعهم سيد االنبياء خطاب اولئك يبدل
هللا سيئاهتم حسنات وكان هللا غفورا رحيما نعم هكذا يكون ارحم الرامحني وهكذا يفعل
اكرم االكرمني {ع}:
ال عسر يف أمر مع الكرام
وكان ذلك على هللا يسريا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وثبت اقدامنا
وانصران على القوم الكافرين وامسع ايضا من فضائل هذه الكلمة الطيبة قال رسول هللا
صلّى هللا عليه و سلّم وابرك وكرم من قال ال اله اال هللا دخل اجلنة ويتعجب القاصرون
كيف يتيسر دخول اجلنة ابن يقول ال اله اال هللا مرة واحدة وهذا لكوهنم غري واقفني على
بركات هذه الكلمة الطيبة وقد صار مكشوفا للفقري انه لو غفر ذنوب مجيع العامل بتكلم
هذه الكلمة الطيبة مرة واحدة وادخلوا اجلنة لساغ وكان مشهودا أيضا انه لو قسمت
بركات هذه الكلمة املقدسة بني متام العامل لكفت اجلميع اىل ابد اآلابد وألروت الكل
فكيف اذا اجتمعت هبذه الكلمة الطيبة املقدسة حممد رسول هللا وانتظم التبليغ ابلتوحيد
واقرتنت الرسالة ابلوالية وجمموعة هاتني الكلمتني جامعة جلميع كماالت الوالية والنبوة
وهادي سبيل كال هاتني السعادتني من طهر الوالية من ظلمات الظالل واوصل النبوة اىل
الدرجة العليا اللهم ال حترمنا من بركات هذه الكلمة العلية وثبتنا عليها وامتنا على
تصديقها واحشران مع املصدقني هلا وادخلنا اجلنة حبرمتها وحرمة مبلغيها عليهم الصالة
والتحيات و التسليمات والربكات وأيضا اذا عجز النظر والقدم واخنفض جناح اهلمة
وترخى ووقعت املعاملة على الغيب الصرف ال ميكن السري يف ذلك املوطن بغري قدم ال
اله اال هللا حممد رسول هللا وال ميكن قطع تلك املسافة اال يف كنف تلك الكلمة املقدسة
وكلما قال السائر يف ذلك املوطن هذه الكلمة الطيبة مرة واحدة يقطع هبا وابمداد حقيقة
هذه الكلمة املقدسة واعانتها خطوة واحدة من تلك املسافة ويقع بعيدا عن نفسه وقريبا
من احلق سبحانه وكل جزء من تلك املسافة ازيد من متام دائرة عامل االمكان بزايدة
مضاعفة فينبغي ان يعلم فضيلة هذا الذكر من ههنا حيث ال مقدار لتمام الدنيا يف جنبه
- 716 -
وال احساس ليت هلا حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط وعظمة هذه الكلمة الطيبة
ابعتبار درجات قائلها كلما كانت درجة القائل ازيد واعلى تكون تلك العظمة اكثر وأوىل
{شعر}:
يزيدك وجهه حسنا * اذا ما زدته نظرا
وال يعلم يف الدنيا متن يساوي لتمين ان يقعد االنسان يف زاوية ملتذا وحمتظا بتكرار
هذه الكلمة الطيبة ولكن ما نفعل ال يتيسر مجيع التمنيات وال بد من الغفلة واالختالط
ابخللق ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير سبحان ربك رب العزة عما
يصفون و سالم على املرسلني واحلمد هللا رب العاملني.
{املكتوب الثامن والثالثون اىل احلاج يوسف الكشمريي يف بيان انه ال تعلق
لباطن اهل هللا ابلدنيا مقدار خردلة وان تشبثوا يف الظاهر ابلدنيا واسباهبا وما يناسب
ذلك }
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى تكون معرفة هللا جل سلطانه حراما
على شخص يكون يف ابطنه مقدار خردلة من حمبة الدنيا او من التعلق ابلدنيا او خطر
يف ابطنه هذا املقدار من خواطر الدنيا بقي ظاهره الذي وقع بعيدا من ابطنه مبراحل
وجاء من اآلخرة اىل الدنيا واختلط ابلناس حلصول املناسبة املشروطة يف االفادة
واالستفادة فان تكلم من الدنيا وتشبث ابالسباب الدنيوية جاز له ذلك وساغ وال يكون
مذموما اصال بل يكون حممودا لئال تتعطل حقوق العباد وكيال ينسد طريق االفادة
واالستفادة فباطن هذا الشخص افضل من ظاهره وحكمه حكم ابئع حنطة تشبه الشعري
و الذين نظرهم مقصور على رؤية الظاهر حيسبونه كأنفسهم مثل ابيعي شعري يشبه
احلنطة ويعتقدون ظاهره افضل من ابطنه ويتخيلون انه يرى نفسه يف الظاهر عدمي التعلق
وانه متعلق يف الباطن ربنا افتح بيننا وبني قومنا ابحلق وانت خري الفاحتني و السالم على
من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم.
- 717 -
( )1أي يف نيله تلك الفضيلة فقط ال يف مجيع الفضيلة فتبصر عفي عنه.
- 718 -
والشمال ومتفوقون من معامالت الظلمانية والنورانية كتاهبم وراء كتاب اليمني والشمال
وحماسبتهم وراء وراء حماسبة اصحاب اليمني والشمال اشغاهلم واحواهلم على حدة
وغنجهم ودالهلم ممتاز ماذا يدرك اصحاب اليمني مثل اصحاب الشمال من كماالهتم
وماذا ينال ارابب الوالية كعامة املؤمنني من اسرارهم حروف املقطعات القرآنية رموز
اسرارهم واملتشاهبات الفرقانية كنوز مدارج وصوهلم وجعلهم الوصول اىل االصل فارغني من
الظل وابعد ارابب الظالل عن حرميهم اخلاص هبم وهم املقربون والروح والرحيان نصيبهم
وهم الذين ال حيزهنم الفزع االكرب وال يتحركون من حملهم من اهوال يوم القيامة يف احملشر
كغريهم اللهم اجعلنا من حمبيهم فان املرء مع من احب حبرمة سيد املرسلني عليه و على
آله الصلوات و التسليمات والتحيات والربكات.
{املكتوب الثاين واالربعون اىل اخلواجه مجال الدين احلسني ولد املرزا حسام
الدين امحد يف بيان حصر الصوفية السري يف اآلفاق واألنفس واثباهتم التخلية
والتحلية يف ذلك السري ومنعه هو قدس سره هذا املعىن وإثباته هناية النهاية فيما وراء
االنفس واآلفاق بعناية هللا سبحانه}
الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
و على آله الكرام واصحابه العظام اىل يوم القيامة * ايها الولد العزيز اسعدك هللا تعاىل
امسع بسمع العقل ان السالك اذا اشتغل ابلذكر االهلي جل سلطانه بعد تصحيح النية
وختليصها وقدم الرايضات الشاقة واجملاهدات الشديدة وحصل التزكية وبدل االوصاف
الرذيلة ابالوصاف احلسنة وتيسرت له التوبة واالانبة وزال حب الدنيا عن قلبه وحصل له
الصرب والتوكل والرضا وشاهد هذه املعاين احلاصلة له يف عامل املثال ابلتدريج والرتتيب
- 720 -
ورأى نفسه طاهرا ومصفي عن الكدورات البشرية والصفات الرذيلة لكان قد امت السري
اآلفاقي ألبتة واختار طائفة يف هذا املقام االحتياط وقرروا االمر على متثل كل لطيفة من
اللطائف السبعة االنسانية يف عامل املثال بصورة نور من االنوار املناسبة هلا وجعلوا عالمة
صفاء كل لطيفة ظهور نور من تلك االنوار املثالية وابتدؤا هذا السري من لطيفة القلب و
اوصلوه ابلتدريج والرتتيب اىل اللطيفة االخفى اليت هي منتهى اللطائف وجعلوا عالمة
صفاء قلب السالك مثال ظهور ذلك القلب يف عامل املثال بصورة النور االمحر وجعلوا
عالمة صفاء الروح ظهوره بصورة النور االصفر و على هذا القياس فكان حاصل السري
اآلفاقي ان يشاهد السالك تبدل اوصافه وتغري اخالقه يف مرااي عامل املثال وان حيس زوال
ظلماته وكدوراته يف ذلك العامل حت حيصل له اليقني بصفائه ويثبت العلم بتزكيته وملا كان
السالك يف هذا السري يشاهد احواله واطواره ساعة فساعة يف عامل املثال الذي هو من
مجلة اآلفاق ورأى فيه انتقاله من هيئة اىل هيئة كأن سريه كان يف اآلفاق وان كان هذا
السري يف احلقيقة سريا يف نفس السالك وكانت احلركة حركة كيفية يف اخالقه واوصافه
ولكن ملا كان سطح نظره بعيدا يف رؤيته كان ذلك آفاقا ال انفسا وصار السري ايضا
منتسبا اىل اآلفاق وقالوا بتمام السري اىل هللا عند متام هذا السري املنسوب اىل اآلفاق
وجلعوا الفناء مربوطا هبذا السري وعربوا عن هذا السري ابلسلوك فاذا وقع السري بعد ذلك
يسمونه سريا انفسيا ويقال له ايضا السري يف هللا ويثبتون البقاء ابهلل يف هذا املوطن ويرون
يف هذا املقام حصول اجلذبة بعد السلوك وملا حصلت التزكية للطائف السالك يف السري
االول وختلصت عن الكدورات البشرية حصلت هلا قابلية ظهور ظالل االسم اجلامع
الذي هو رب السالك وعكوس ذلك االسم يف مرااي تلك اللطائف وتكون تلك اللطائف
موارد جتليات جزئيات ذلك االسم اجلامع وظهوراهتا وامنا يسمون هذا السري ابلسري
االنفسي الن االنفس صارت مرااي ظالل االمساء وعكوسها ال ان سري السالك يف
االنفس كما مر يف السري اآلفاقي من انه قيل سريا آفاقيا ابعتبار املرآتية ال لكون السري يف
اآلفاق وهذا السري يف احلقيقة سري يف ظالل االمساء يف مرااي االنفس وهلذا قيل هلذا السري
- 721 -
كل لطيفة من اللطائف السبع عشرة آالف حجاب فاذا بلغ ذلك السري متامه ارتفعت
احلجب بتمامها وحتقق السالك ابلسري يف هللا وبلغ مقام الوصل هذا حاصل سري ارابب
الوالية وسلوكهم ونسخة كماهلم وتكميلهم اجلامعة وما ظهر هلذا الفقري مبحض فضل
احلق سبحانه وكرمه يف هذا الباب وما سلك هو فيه حيرره إظهارا للنعمة وشكرا على
العطية فاعتربوا اي اويل االبصار (اعلم) ارشدك هللا وهداك سواء الصراط ان احلق سبحانه
الذي هو منزه عن الكيف واملثال والشبه وما يقع يف اخليال كما انه وراء اآلفاق كذلك
هو سبحانه وراء االنفس ايضا فال يكون لتسيمة السري اآلفاقي ابلسري ابهلل والسري
االنفسي ابلسري يف هللا معن بل كال السريين اآلفاقي واالنفسي داخالن يف السري اىل هللا
والسري يف هللا هو سري بعيد عن اآلفاق واالنفس مبراحل ووراء ورائهما والعجب اهنم قرروا
السري يف هللا يف السري االنفسي وقالوا بعدم هناية ذلك السري ومل جيوزوا انقطاعه يف العمر
االبدي كما مر وحيث كانت االنفس كاآلفاق من مجلة دائرة االمكان فعلى هذا التقدير
ال ميكن قطع دائرة االمكان فال جرم يكون احلرمان دائما واخلسران سرمدا وال يتحقق
الفناء ابدا وال يتصور البقاء حينئذ فكيف الوصل واالتصال وكيف القرب والكمال
سبحان هللا اذا اكتفى الكرباء من الشراب ابلسراب وزعموا اىل هللا يف هللا وتصوروا
االمكان وجواب وعربوا عن املثلي والكيفي ابلالمثلي والالكيفي كيف نشتكي من الصغار
ووضيعي الفطرة اي بالء وقع ابي اعتبار قالوا لالنفس حقا جل وعال وظنوا سريها غري
متناه مع وجود حدها وهنايتها وظهور امساء الواجب جل سلطانه وصفاته يف مرآة
السالك الذي قرروه يف هذا السري االنفسي هو ظهور ظل من ظالل االمساء والصفات ال
ظهور عني االمساء والصفات كما حيرر حتقيق هذا املعن يف آخر هذا املكتوب ان شاء
هللا تعاىل ماذا افعل وكيف اجوز سوء االدب هذا مع جناب قدسه تعاىل مع وجود العلم
والتمييز وكيف اشرك غريه يف ملكه سبحانه و تعاىل وان اعتقدت ان حقوق هؤالء
االكابر قدس هللا اسرارهم اثبتة يف ذميت فاين مريب ابنواع تربيتهم ولكن حقوق واجب
الوجود جل سلطانه فوق مجيع حقوقهم وتربيته سبحانه فوق تربية اآلخرين ولقد جنوت
- 723 -
حبسن تربيته تعاىل من هذه الورطة ومل اشرك يف ملكه تعاىل غريه سبحانه احلمد هلل الذي
هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا وهو تعاىل منزه عن الكيف والشبه واملثال
وكلما هو متسم بسمة الكيف والكم فهو مسلوب عن جنابه تعاىل فال يكون له سبحانه
جمال يف مرااي اآلفاق وجمايل االنفس وكلما يظهر يف هؤالء يكون كاملظاهر كيفيا وكميا
فينبغي ان يتجاوز اآلفاق واالنفس وان يطلبه سبحانه يف ما ورائهما وكذلك دائرة
االمكان آفاقيا كانت او انفسيا كما انه ال جمال لذاته سبحانه فيها ال جمال ايضا المسائه
وصفاته سبحانه فيها بل كلما هو ظاهر فيها فهو ظالل االمساء والصفات تعالت
وتقدست وشبحها ومثاهلا بل ظلية االمساء والصفات ومثاليتها ايضا يف خارج اآلفاق
واالنفس ليس هنا غري التعبية وانتقاش القدرة ملن الظهور واين التجلي فان امسائه وصفاته
سبحانه كذاته تعاىل منزهة عن الكيف والشبه واملثال فمامل خترج اىل ما وراء اآلفاق
واالنفس ال تعلم معن ظلية امسائه وصفاته تعاىل فكيف الوصول اىل االمساء والصفات
تعالت وتقدست واعجب من هذه املعاملة فاين ان تكلمت من مكشوفايت ومعلومايت
اليقنية ال تكون موافقة ملذاق املشائخ ومطابقة ملكشوفاهتم فمن يصدقها مين ومن يقبل
وان مل اتكلم بل اسكت اكن جموزا اللتباس احلق ابلباطل والطالق ما ال جيوز اطالقه
على احلق تعاىل وتقدس فاظهر ابلضرورة ما هو احلق والالئق جبناب قدسه تعاىل واسلب
ما ليس مبناسب جلناب قدسه تعاىل وال اابيل من خالف اآلخرين وال اغتم به وامنا
يتحقق اخلوف من خمالفة اآلخرين اذا كان يف معامليت تذبذب ويف مكشويف اشتباه فاذا
انكشفت حقيقة االمر مثل فلق الصبح واتضحت معاملة االصل كالقمر ليلة البدر
وجتاوزت مراتب الظالل ابلتمام وارتقيت من الشبه واملثال اين يكون االشتباه وملن يعرض
التذبذب (قال) حضرة شيخنا قدس سره عالمة صحة االحوال حصول اليقني على
الكمال وايضا كيف يتصور االشتباه والتذبذب فانه قد تيسر االطالع بعنايته تعاىل اليت
ال غاية هلا على تفصيل احوال هؤالء االكابر املقررة وانكشفت معارف التوحيد واالحتاد
واسرار االحاطة والسراين وحصلت حقيقة مكشوفهم ومشهودهم واتضحت دقائق
- 724 -
علومهم ومعارفهم واخرتت االقامة مدة مديدة يف هذا املقام وادركت قليلهم وكثريهم اال ما
شاء هللا تعاىل فظهر آخر االمر بفضل هللا جل سلطانه ان هذه كلها شعبذات الظالل
وشغف ابلشبه واملثال واملطلوب فيما وراء وراء ذلك واملقصود ما سوى هذه فال جرم
صرت متوجها اىل جناب قدس الالمثلي معرضا عن الكل وتربأت عن كل ما هو متسم
بسمة الكم والكيف اين وجهت وجهي للذي فطر السموات واالرض حنيفا وما اان من
املشركني فلو مل تكن املعاملة هكذا ملا حركت شفيت على خالف املشائخ وملا اظهرت
خمالفتهم ابلظن والتخمني وايضا ان هذا اخلالف لو مل يتعلق بذات الواجب وصفاته جل
سلطانه و مل يكن الكالم من تقديسه وتنزيهه تعاىل ملا وقع اظهار خالف مكشوف
هؤالء االكابر ألبتة ومل حيصل الكالم من خمالفة علومهم فاين اقل مقتطفي عناقيد رايض
دوهلم و ارذل ملتقطي كسرات خوان نعمهم واظهر مكررا اهنم هم الذين ربوين ابنواع
الرتبية ونفعوين أبضعاف الكرم واالحسان والرتقية ولكن ماذا نفعل فان حقوق احلق
سبحانه فوق حقوقهم فاذا وقع البحث يف ذاته وصفاته تعاىل وعلم ان اطالق بعض
االمور على جناب قدسه ليس بالئق فالسكوت يف هذا املوطن خوفا من خالف
اآلخرين بعيد عن الدين والداينة ال يطيقه مقام العبودية واالطاعة خالف العلماء مع
املشائخ رمحهم هللا تعاىل يف االمور اخلالفية كمسئلة التوحيد وغريها من طريق النظر و
االستدالل وخالف هذا الفقري معهم يف هذه االمور من طريق الكشف والشهود والعلماء
قائلون بقبح هذه االمور وهذا الفقري قائل حبسن هذه االمور بشرط العبور وخالف
الشيخ عالء الدولة يف مسئلة وحدة الوجود يفهم على طور العلماء وينظر اىل قبحها وان
دخل فيها بطريق الكشف فان صاحب الكشف ال يقول بقبحها فان هذه املسئلة
متضمنة الحوال غريبة ومشتملة على معارف عجيبة غاية ما يف الباب ان دوام االقامة يف
هذا املوطن غري مستحسن واالكتفاء هبذه االحوال ليس حبسن (فان قيل) فعلى هذا
التقدير يكون املشائخ على الباطل و يكون احلق ما وراء مكشوفهم ومشهودهم (أجيب)
ان الباطل هو الذي ال يكون له حممل من الصدق وفيما حنن فيه منشأ هذه االحوال
- 725 -
واملعارف غلبة حمبة احلق سبحانه واستيالء حبه تعاىل على هنج ال يرتك يف نظر بصريهتم
امسا وال رمسا مما سواه تعاىل وجيعل اسم الغري والغريية ورمسها ممحوا ومتالشيا ففي هذا
الوقت يعلمون االغيار والسوى بواسطة السكر وغلبة احلال معدومة ابلضرورة وال يرون
موجودا غري احلق تعاىل فما الباطل هنا وأين البطالن بل يف هذا املوطن استيالء احلق
جل وعال ومل يرتكوا من
وبطالن الباطل وهؤالء االكابر ابعوا انفسهم وغريهم يف حمبة احلق ّ
انفسهم وغريهم امسا وال رمسا يكاد الباطل يفر من ظلهم وهنا كله حق والجل احلق ماذا
ينال العلماء الذين نظرهم مقصور على الظاهر من حقيقتهم وماذا يفهمون غري املخالفة
الصورية وماذا أيخذون من كماالهتم والكالم يف ان فيما وراء هذه االحوال واملعارف
كماالت أ خر حكم هذه االحوال واملعارف ابلنسبة اىل تلك الكماالت كحكم القطرة
ابلنسبة اىل البحر احمليط {شعر}:
مت قسنا السماء ابلعرش ينحط * وما اعاله ان قسنا ابرض
(ولنرجع) اىل أصل الكالم ونقول وما قالوا يف خرق احلجب من انه ترتفع يف
السري اآلفاقي احلجب الظلمانية والنورانية بتمامها كما مر فهذا الكالم عند هذا الفقري
حمل خدشة بل ثبت خالفه و شوهد ان خرق احلجب الظلمانية منوط بطي مجيع مراتب
االمكان وهو امنا يتيسر ابلسري اآلفاقي والسري االنفسي وخرق احلجب النورانية مربوط
بسري االمساء والصفات الواجبية تعالت وتقدست حت ال يبقى يف نظره اسم وال صفة وال
شأن وال اعتبار فحينئذ يتيسر له خرق احلجب النورانية بتمامها ويتشرف ابلوصل العراين
وان كان هذا الوصل اقل حصوال وهذا الوصل أعز وجودا ففي السري اآلفاقي ال يعلم انه
أخترق نصف احلجب الظلمانية ام ال فكيف يتصور هناك خرق احلجب النورانية غاية ما
يف الباب ان املراتب يف احلجب الظلمانية متفاوتة فيكون ذلك التفاوت سببا لالشتباه
فان احلجب النفسانية فوق احلجب القلبية يف الظلمة مثال وان ظهر قليل الظلمة نفسه
بعنوان النورانية النسبية وخيل الظلماين نورانيا ولكن الظلماين ظلماين يف احلقيقة والنوراين
نوراين ال خيلط حديد البصر احدمها ابآلخر وال حيكم على الظلمة ابلنور لوجدانه منشأ
- 726 -
االشتباه ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم والطريق الذي شرف هذا
الفقري بتسليكه جامع للجذبة والسلوك وكل واحد من التخلية والتحلية جمتمع مع اآلخر
وكل واحد من التصفية والتزكية مقرتن يف ذلك املوطن ابآلخر و السري االنفسي متضمن
يف ذلك املقام للسري اآلفاقي ففي عني التصفية تزكية ويف عني التخلية حتلية ونفس اجلذبة
حمصلة للسلوك واالنفس شاملة لآلفاق ولكن التقدم الذايت للتخلية واجلذبة وللتصفية
سبقة ذاتية على التزكية وملحوظ النظر االنفس ال اآلفاق فال جرم كان هذا الطريق اقرب
يف الوصول بل اقول ان هذا الطريق موصل ألبتة واحتمال عدم الوصول مفقود فيه ينبغي
ان يسأل احلق سبحانه االستقامة وان يطلب منه تعاىل الفرصة (وامنا) قلت ان هذا
الطريق موصل ألبتة فان اول قدم هذا الطريق اجلذبة اليت هي دهليز الوصول ومواقع
التوقفات اما منازل السلوك او مواطن اجلذابت اليت ال تكون متضمنة للسلوك وكال
املانعني مرتفعان يف هذا الطريق فان السلوك طفيلي حيصل يف ضمن اجلذبة فههنا ليس
سلوك خالص وال جذبة ابرت حت يكون الطريق مسدودا وهذا الطريق طريق االنبياء
عليهم الصالة و السالم وهؤالء االكابر وصلوا اىل منازل الوصول على تفاوت درجاهتم
من هذا الطريق وقطعوا اآلفاق واالنفس خبطوة واحدة ووضعوا اقدامهم اآلخر فيما وراء
اآلفاق واالنفس ورقوا املعاملة فوق السلوك واجلذبة فان هناية السلوك اىل هناية السري
اآلفاقي وهناية اجلذبة اىل هناية السري االنفسي فاذا بلغ السري اآلفاقي واالنفسي هنايته فقد
متت معاملة السلوك واجلذبة وبعد ذلك ال سلوك وال جذبة وهذا املعن ليس مما جيئ يف
حوصلة كل جمذوب سالك وسالك جمذوب فان عندهم ال جمال للقدم فيما وراء اآلفاق
واالنفس فلو انلوا عمرا ابداي ابلفرض والتقدير لصرفوه يف السري االنفسي مث ال يظنونه
متاما قال واحد من العظماء {شعر}:
ولو سعت ذرة يف عمرها طلبا * خريا و شرا تنل يف نفسها اكتمنا
كما مر وقال اآلخر والتجلي من الذات ال يكون اال بصورة املتجلي له فاملتجلى
له ما رأى غري صورته يف مرآة احلق وال ميكن ان يراه (ينبغي) ان يعلم ان شيوخي وهدايت
- 727 -
وادالئي اىل هللا تعاىل الذين فتحت عيين يف هذا الطريق بتوسلهم وحركت شفيت مبثل هذه
املقالة بتوسطهم واخذت درس ألف ابء يف الطريقة منهم وحصلت ملكة املولوية من
توجهاهتم الشريفة فان كان يل علم فهو بتطفلهم وان كانت معرفة فهي ايضا اثر التفاهتم
وتعلمت طريق اندراج النهاية يف البداية من هؤالء االكابر واخذت نسبة االجنذاب اىل
جهة القيومية ايضا منهم ورأيت بنظرهم الواحد ما ال يراه الناس يف االربعني ووجدت
بكالمهم الواحد ما ال جيده اآلخرون يف السنني {شعر}:
من انل نظرة مشس تربيز ليه * زأ ابختالء االربعني وعشرة
ولقد اجاد من قال {شعر}:
اعجب من النقشبنديني اهنم * ميشون ابلركب خمفيني للحرم
ومن علو الفطرة ومسو اهلمة قرروا ابتداء الطريقة من السري االنفسي وقطعوا السري
اآلفاقي يف ضمنه والسفر يف الوطن يف عباراهتم كناية عن هذا السري واملسافة يف طريق
هؤالء االكابر قريبة واقرب اىل الوصول هناية سري اآلخرين بداية سريهم وهلذا قالوا حنن
ندرج النهاية يف البداية وابجلملة ان طريق هؤالء االكابر فيما بني سائر طرق املشائخ
قدس هللا اسرار مجيعهم عال جدا وحضورهم وشعورهم ميكن ان يقال اهنما فوق شعور
أكثرهم ومن هنا قالوا ان نسبتنا فوق مجيع النسب وارادوا ابلنسبة احلضور والشعور ولكن
ملا مل يكن فيما وراء اآلفاق واالنفس ووراء السلوك واجلذبة جمال لقدم والية االولياء وممر
مل خيرب هؤالء االكابر ايضا ابلضرورة عن خارج اآلفاق واالنفس ومل يتكلموا فيما وراء
السلوك واجلذبة ويقولون مبقياس كماالت الوالية ان اهل هللا كلما يرونه بعد الفناء والبقاء
يرونه يف انفسهم وكلما يعرفون يعرفونه يف انفسهم واحلرية فيهم يف وجود انفسهم ويف
انفس كم افال تبصرون هلل سبحانه احلمد واملنة ان هؤالء االكابر وان مل خيربوا عن خارج
االنفس ولكنهم ليسوا مببتلني ومفتونني ابالنفس ايضا بل يريدون ان جيعلوا االنفس حتت
كلمة ال كاآلفاق وان ينفوها بعلة الغريية قال اخلواجه االعظم قدس سره كلما يرى
ويسمع ويعلم فهو غريه تعاىل ينبغي نفيه حبقيقة كلمة ال {شعر}:
- 728 -
ابآلفاق وال ابالنفس بربكة دولة احملبة بل اآلفاق واالنفس اتبعة ألمرهم والسلوك واجلذبة
متطفالن مبعامالهتم ورأس بضاعة هؤالء االكابر احملبة اليت اطاعة احملبوب الزمة هلا واطاعة
احملبوب مربوطة ابتيان الشريعة على صاحبها الصالة و السالم والتحية اليت هي الدين
املرضي هلل تعاىل فعالمة كمال احملبة كمال اتيان الشريعة واتيان الشريعة بكماهلا منوط
ابلعلم والعمل واالخالص واالخالص الذي يتصور يف مجيع االقوال واالعمال ومجيع
احلركات والسكنات هو نصيب املخلصني بفتح الالم واملخلصني املكسوري الالم ماذا
يدركون من هذا املعمى لعلك مسعت واملخلصون على خطر عظيم (ولنرجع) اىل اصل
الكالم فنقول ان املقصود من السلوك واجلذبة والتصفية تطهري النفس من االخالق الردية
واالوصاف الرذيلة ورأس مجيع تلك الذمائم التعلق ابلنفس وحتصيل مراداهتا وهواها
فحينئذ ال يكون بد من السري االنفسي وال مندوحة من االنتقال من الصفات الذميمة
اىل االخالق احلميدة والسري اآلفاقي خارج عن املقصود وال تعلق به لغرض معتد به فان
العالئق اآلفاقية بواسطة العالئق االنفسية فان كلما حيبه االنسان امنا حيبه حلب نفسه فاذا
احب االوالد واالموال امنا حيب الجل استمتاعه وانتفاعه فاذا زالت يف السري االنفسي
حمبته لنفسه بواسطة استيالء حمبة احلق جل وعال زالت يف ضمنه حمبته الوالده وامواله
ايضا فكان السري االنفسي ضروراي ويتيسر السري اآلفاقي ابلتطفل يف ضمنه وهلذا كان
سري اال نبياء عليهم الصلوات والتحيات مقصورا على السري االنفسي وقطع السري اآلفاقي
يف ضمنه طفيليا نعم السري اآلفاقي ايضا حسن لو وجدت الفرصة لقطعه وتيسر امتامه
من غري ختلل التوقفات فلو مل توجد الفرصة لقطعه ووقع االبتالء ابلتوقفات يكاد يعد
السري اآلفاقي داخال فيما ال يعين وحيسب من موانع حصول املطلوب والسري االنفسي
كلما يقطع فهو مغتنم فانه انتقال من السيئة اىل احلسنة اي هلا من نعمة عظيمة لو امت
السالك هبذا السري وتبخرت يف خارج دائرة االنفس والي شئ يلزم ان يشاهد شخص
تلوينات االنفس يف مرآة اآلفاق وان يعاين تغرياته فيها كما يعلم صفاء قلبه مثال يف مرآة
املثال ويرى ذلك الصفاء بصورة النور االمحر فلم ال يستعمل وجدانه ومل ال حييل صفاءه
- 730 -
على فراسته ما حاجة من بلغ اثنيت عشرة سنة اىل الطبيب مثل مشهور فانه ميكن ان
يدرك تلوينات احواله بوجدانه الصحيح وان يعلم بتفرسه الصريح صحته وسقمه نعم ان
السري اآلفاقي فيه علوم ومعارف وجتليات وظهورات كثرية ولكن كلها راجعة اىل الظالل
وتسل ابلشبه واملثال فاذا كان السري االنفسي متعلقا ابلظالل كما حققته يف رسائلي و
مكاتيىب يلزم ان يكون السري اآلفاقي متعلقا بظل الظل فان اآلفاق كالظل لالنفس ومرآة
لظهورها (ي نبغي) ان يعلم ان مثل من يشاهد احوال االنفس يف مرآة اآلفاق ويعلم
الصفاء والتخلية منها كمثل من يرى نفسه يف املنام او يف الواقعة يف عامل املثال سلطاان او
يشاهد فيه نفسه قطب الوقت فهو يف احلقيقة ليس بسلطان وال قطب الوقت فان
السلطان والقطب من يكون مشرفا يف اخلارج مبنصب السلطنة او القطبية غاية ما يف
الباب انه يعلم من هذا املنام او الواقعة استعداد السلطنة وقابلية القطبية ينبغي بذل الروح
حت خترج املعاملة من القوة اىل الفعل وتنتقل من املراسلة اىل املعانقة وفيما حنن فيه ايضا
التزكية والتحلية منوطة ابلسري االنفسي و ما رآه يف السري اال فاقي فهو استعداد التزكية
وقابلية التحلية فما مل ير نفسه مزكى ومطهرا يف اخلارج ابلسري االنفسي ومل يدرك نفسه
مصفى بوجدانه فليس له نصيب من الفناء يف احلقيقة والحظ له من التحقق ابملقامات
ومل حيصل من االطوار السبعة غري القشر فكان السري االنفسي داخال يف السري اىل هللا
ابلضرورة وكانت متامية السري اىل هللا اليت هي مقام الفناء مربوطة ابلسري االنفسي والسري
يف هللا يتصور بعد السري االنفسي مبراحل {شعر}:
كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف
(ايها السعيد) ان التعلق العلمي واحليب الذي كان منسواب اىل ذات السالك اذا
زال يف السري االنفسي يرتفع التعلق الذي كان بنفسه ويزول تعلقه ابالغيار ايضا يف
ضمن زوال تعلقه بنفسه فان عالئقه ابالغيار امنا هي بواسطة عالقته بنفسه كما تقدم
حتقيقه فصح ان السري اآلفاقي يقطع يف ضمن السري االنفسي وجنى السالك هبذا السري
الواحد من عالئق االغيار ومن عالئق نفسه ايضا فبمقياس ذلك التحقيق صح معن
- 731 -
السري االنفسي والسري اآلفاقي من غري تكلف فان السري يف احلقيقة يف االنفس ويف
اآلفاق ايضا فان قطع تعلقات االنفس ابلتدريج سري يف االنفس وقطع التعلقات اآلفاقية
الذي هو حيصل يف ضمن السري االنفسي سري يف اآلفاق خبالف السري اآلفاقي والسري
االنفسي بطور اآلخرين فانه حيتاج فيهما اىل التكلف كما مر نعم ان كل حمل فيه حقيقة
فهو حمرر عن التكلف وهللا سبحانه املوفق (امسع امسع) ان ظهور امساء الواجب وصفاته
جل سلطانه يف مرآة السالك الذي اثبتوه يف السري االنفسي وظنوه حتلية بعد ختلية ليس
ذلك الظهور يف احلقيقة ظهور االمساء والصفات وال هو حتلية بعد ختلية بل هو ظهور
ظل من ظالل االمساء والصفات وحمصل للتحلية ومسهل للتزكية والتصفية (بيانه) ان
السبقة من ذلك الطرف الهنا مناسبة للمبدئية فيحصل اوال ظهور ظل من ظالل
املطلوب يف مرآة الطالب حت يزيل ظلماته وكدوراته وحتصل له التزكية والتصفية وبعد
زوال الظلمات وحصول التزكية والتصفية الذي هو مربوط بتمامية السري االنفسي تتصور
التخلية وحيصل االستعداد للتحلية ويصري حقيقا ومستحقا لظهور امساء الواجب وصفاته
جل سلطانه ففي السري االنفسي حتصل التخلية الذي هو منوط ابلتزكية والتصفية
والتخلية اليت كانت متومهة يف السري اآلفاقي فهي صورة التخلية ال حقيقتها حت يتصور
يف السري االنفسي حصول التحلية وظهور االمساء والصفات الواجبية كما قالوا (فلزم من
هذا البيان ان االتصال ابلظل مقدم على االنقطاع واالنفصال فانه ما مل ينعكس ظل من
ظالل املطلوب يف مرآة السالك ال يتصور االنقطاع عن غري املطلوب واما االتصال
ابالصل فهو بعد حصول االنقطاع واالنفصال فمن قدم من املشائخ االتصال ينبغي ان
يراد به االتصال ابلظل ومن قدم االنفصال على االتصال ينبغي ان يراد به االتصال
ابالصل حت يكون نزاع الفريقني راجعا اىل اللفظ والشيخ أبو سعيد اخلراز قدس سره
متوقف يف هذا املقام يقول ما مل تتخلص مل تنل وما مل تنل مل تتخلص وال ادري ايهما
اقدم واسبق وقد علم ان نيل الظل مقدم على التخلص ونيل االصل بعد التخلص فال
اشتباه كما ان وقت الصبح قبل طلوع الشمس ظهور ظالل اشعة الشمس حت خيلي
- 732 -
العامل عن الظلمات ويورثه الصفاء وبعد زوال الظلمات وحصول الصفاء طلوع نفس
الشمس فظهور ظل الشمس من زوال الظلمات السابقة وطلوع نفس الشمس من زوال
الظلمات الالحقة واملناسب لطلوع السالطني ان يكون بعد التخلية والتصفية وان مل
تتصور التخلية والتصفية بدون مقدمة طلوعهم فظهر احلق وارتفع النزاع وزال االشتباه
وهللا سبحانه امللهم للصواب.
{ املكتوب الثالث واالربعون اىل موالان حممد افضل يف بيان معىن قوهلم ان ما
هو امليسر للسالك يف حق حضرة احلق سبحانه امنا هو ذوق الوجدان ال الوجدان
وحتقيق معىن اندراج النهاية يف البداية الذي هو من خاصة هذه الطريقة العلية وبيان
افضلية هذه الطريقة على سائر الطرق وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد وقع يف عبارات مشائخ هذه
الطريقة العلية قدس هللا اسرارهم السنية ان امليسر للسالك يف حق حضرة احلق جل
سلطانه ذوق الوجدان ال الوجدان وهذا الكالم مناسب ملقام اندراج النهاية يف البداية
الذي هو موطن اجلذبة اخلاصة هبؤالء االكابر وليس يف هذا املقام حقيقة الوجدان فاهنا
خمصوصة ابالنتهاء ولكن حيث مزجوا ودرجوا ذوقا وطعما من النهاية يف البداية فذوق
الوجدان ميسر فيه فاذا ترقت املعاملة من اجلذبة وبلغت من االبتداء اىل االنتهاء يشرع
ذوق الوجدان ايضا كالوجدان يف االنعدام فال يكون فيه وجدان وال ذوق الوجدان فاذا
بلغ االمر هنايته يتيسر الوجدان ويفقد ذوق الوجدان وحيث كان ذوق الوجدان مفقودا
يف املنتهى يكون االلتذاذ واحلالوة اقل يف حقه فان املنتهى قد ترك الذوق واحلالوة يف
القدم االول وصار آخرا خممول زاوية عدم احلالوة والذوق كان رسول هللا صلّى هللا عليه
و سلّم متواصل احلزن دائم الفكر (فان قيل) اذا تيسر وجدان املطلوب للمنتهى فلم ال
يتيسر ذوق الوجدان فيه وحيث ال نصيب ملبتدئ من الوجدان من اين وجد ذوق
الوجدان (اجيب) ان دولة الوجدان نصيب ابطن املنتهى فانه تشرف هبذه الدولة بعد
- 733 -
انقطاع تعلقه الذي كان منه بظاهره وحيث بقى تعلق ابطنه بظاهره قليال ال تسري نسبة
ابطنه يف ظاهره ابلضرورة وال أيخذ الظاهر ذوقا من وجدان الباطن وال يكون ملتذا به
فيكون وجدان املطلوب حاصال يف ابطن املنتهى وال يكون يف ظاهره ذوق ذلك الوجدان
بقى ذوق الباطن الذي الوجدان نصيبه وحيث ان الباطن انل نصيبا من الالمثلي يكون
ذوق ذلك الوجدان أيضا من عامل الالمثلي ال حيصل يف درك الظاهر الذي هو مثلي من
القدم اىل الرأس ف كثريا ما ينفي الظاهر الذوق من الباطن ويزعم الباطن ايضا مثل نفسه
فاقد احلالوة فان ذوق املثلي غري ذوق الالمثلي ال مناسبة بينهما فاذا مل يكن لظاهر
املنتهى خرب عن ذوق ابطنه كيف يكون للعوام الذين نظرهم مقصور على الظاهر خرب
عن ابطن املنتهى وماذا يكون نصيبهم غري االنكار والذوق الذي جيئ يف فهمهم هو ذوق
الظاهر الذي هو من عامل املثل ومن ههنا كان السماع والرقص والصيحة واالضطراب
وامثاهلا مما هو من احوال الظاهر واذواق الصورة عزيزة الوجود وعظيمة القدر عندهم بل
رمبا يعتقدون احنصار االذواق واملواجيد يف هذه االمور وال يظنون كماالت الوالية يف
غريها هداهم هللا سبحانه سواء الصراط وحكم احوال الظاهر ابلنسبة اىل احوال الباطن
كحكم املثلي ابلنسبة اىل الالمثلي فثبت ان لباطن املنتهى وجدان وذوق الوجدان غاية
ما يف الباب ان ذلك الذوق ملا كان له نصيب من عامل الالمثلي وال جيئ يف درك ظاهره
بل الظاهر حاكم بنفيه وان كان الظاهر مطلعا على وجدان الباطن ولكنه ال ميكن ان
يدرك ذوق ذلك الوجدان أمكن ان يقال ابلنظر اىل الظاهر ان الوجدان موجود يف
املنتهى وذوق الوجدان مفقود فيه وامنا يثبتون ذوق الوجدان يف املبتدى الرشيد من هذا
الطريق العايل مع فقدان الوجدان وذلك الن هؤالء االكابر يدرجون يف االبتداء طعما
وذوقا من االنتهاء ويلقون ظال من النهاية يف ابطن املبتدى الرشيد بطريق االنعكاس
وحيث كان ظاهر املبتدى مرتبطا بباطنه وقوة التعلق بني الظاهر والباطن اثبتة فال جرم
يسري ظل تلك النهاية وذوق الوالية من ابطن املبتدي اىل ظاهره وجيعل ظاهره منصبغا
بلون ابطنه ويظهر ذوق الوجدان يف ظاهره من غري اختيار فصح ان حقيقة الوجدان
- 734 -
مفقودة يف املبتدى و ذوق الوجدان حاصل فيه (ومن) هذا البيان يعلم علو طريق اكابر
النقشبندية قدس هللا تعاىل اسرارهم ورفعة نسبتهم العلية ويفهم منه حسن تربية هؤالء
االكابر وكمال اهتمامهم يف حق املريدين والطالبني واهنم يعطون للمريد الرشيد والطالب
الصادق على مقدار حوصلته يف اول القدم ما هو فيهم ويرمونه بعالقة حبية وارتباط
معنوي بطريق االلتفات واالنعكاس وبعض مشايخ السالسل اآلخر قدس هللا اسرارهم يف
اشتباه من كلم ة اندراج النهاية يف البداية اليت صدرت عن هؤالء االكابر وله تردد يف
حقية هذا الكالم وال جيوز ان يكون مبتدئ هذا الطريق مساواي ملنتهى طريق آخر
والعجب انه من اين فهم مساواة مبتدى هذا الطريق ملنتهى طرق أخرى ومل يصدر عن
هؤالء االكابر غري اندراج النهاية يف البداية وليست يف هذه العبارة داللة على املساواة
ومقصودهم منها ان الشيخ املنتهى يف هذا الطريق يعطى ابلتوجه والتصرف ذوقا من دولة
هنايته ملبتد رشيد بطريق االنعكاس وميزج يف بدايته ملح هنايته فاين املساواة وما حمل
االشتباه واين اجملال للرتدد يف حقيته وهذا االندراج دولة عظيمة جدا ومبتدئ هذا الطريق
وان مل يكن له حكم املنتهى ولكنه ليس حمروما عن دولة النهاية ولو فرضنا ان هذا
املتبدئ ال يعطى فرصة قطع طريق الوصول وطي منازله ولكنه ال يذهب حمروما عن دولة
النهاية وجتعل تلك الذرة من ملح النهاية كليته مليحة ومملوحة خبالف مبتدئ طرق أخر
فاهنم بعيدون عن معاملة النهاية وعاجزون عن قطع املنازل وطي املسافات فيا ويلهم الف
ويل لو مل يقطعوا فرصة قطع املنازل وطي املسافات فاذا اتضح الفرق بني مبتدئي هذا
الطريق ومبتدئي طرق اخر والحت مزية ذلك املتبدى على سائر ارابب البداية ينبغي ان
يعلم ان هذا الفرق اثبت بني منتهى هذا الطريق ومنتهى طرق أخر وهذه املزية متحققة
بينهما بل هناية هذه الطريقة العلية وراء هناايت سائر طرق املشائخ يصدقون هذا الكالم
مين ام ال فان سلكوا طريق االنصاف لعلهم يصدقون فان النهاية اليت بدايتها ممتزجة
ابلنهاية يكون هلا امتياز عن هناايت اآلخرين ألبتة وتكون هناية تلك النهاايت ألبتة
{ع}:
- 735 -
منتهى كل واحد احلق سبحانه حبسب زعمه فحينئذ اذا كان ابتداء شخص ظالل احلق
وظهوراته سبحانه اليت هي هناية اآلخر بزعم احلقانية تكون هناية ذلك الشخص الوصول
اىل احلق تعاىل الذي هو سبحانه وراء تلك الظالل والظهورات فلم يكون مستبعدا وكيف
يكون حمل اشتباه {شعر}:
لو عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * نزهت ساحتهم عن افحش الكلم
هل يقطع الثعلب احملتال سلسلة * قيدت هبا أسد الدنيا ابسرهم
ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين.
{ املكتوب الرابع واالربعون اىل حممد صادق ولد احلاج حممد مؤمن يف جواب
استفساره عن وحدة الوجود وتطبيقها على العلوم الشرعية وعن سؤاله عن حديث
اذا أحب هللا عبدا اخل وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سألت ان الصوفية قائلون بوحدة
الوجود ويعتقد العلماء هذا القول كفرا وزندقة وكلتا الطائفتني من الفرقة الناجية فما
حقيقة هذه املعاملة عندك (ايها احملب) ان هذا الفقري قد كتب حتقيق هذا املبحث يف
مكتوابته ورسائله ابلتفصيل وجعل نزاع الفريقني راجعا اىل اللفظ ومع ذلك ملا سألت
ال بد للسؤال من اجلواب فلنكتب كلمات ابلضرورة اعلم ان كل من يقول من الصوفية
العلية بوحدة الوجود ويرى االشياء عني احلق سبحانه وحيكم ابن الكل هو ليس مراده ان
االشياء متحدة ابحلق جل وعال وان التنزيه صار تشبيها متنزال وكان الواجب ممكنا
وانقلب الالمثلي مثليا فان هذه كلها كفر واحلاد وضاللة وزندقة ليس هناك احتاد وال
عينية وال تنزل وال تشبه فهو سبحانه اآلن كما كان فسبحان من ال يتغري بذاته وال
بصفاته وال أبمسائه حبدوث األكوان وهو سبحانه على صرافة اطالقه ما مال من اوج
الوجوب اىل حضيض االمكان بل معن الكل هو ان االشياء معدومة واملوجود هو تعاىل
وتقدس وليس مراد احلسني بن منصور احلالج من قوله اان احلق ابين حق ومتحد ابحلق
- 737 -
فانه كفر وموجب لقتله بل معن قوله ابين معدوم واملوجود هو احلق سبحانه غاية ما يف
الباب ان الصوفية يرون االشياء مرااي ظهورات احلق تعاىل وتقدس ويظنوهنا جمايل امسائه
وصفاته سبحانه من غري شائبة التنزل وبال مظنة التغري والتبدل كما اذا امتد ظل شخص
ال ميكن ان ي قال ان ذلك الظل متحد بذلك الشخص وله نسبة العينية معه أو ان ذلك
الشخص تنزل فظهر يف صورة الظل بل ذلك الشخص على صرافة اصالته ووجد الظل
منه من غري شائبة التنزل والتغري وان اختفى وجود الظل يف بعض االوقات عن نظر مجاعة
بواسطة كمال حمبتهم بوجود الشخص حبيث ال يكون مشهودهم شيئا غري الشخص
اصال فحينئذ لعلهم يقولون ان الظل عني الشخص يعين الظل معدوم واملوجود هو ذلك
الشخص فقط فلزم من هذا التحقيق ان االشياء عند الصوفية مرااي ظهورات احلق ال عينه
تعاىل وتقدس فتكون االشياء من احلق ال احلق جل شأنه فيكون معن كالمهم الكل هو
الك ل منه وهو خمتار العلماء الكرام فال يكون النزاع بني العلماء الكرام والصوفية العظام
كثرهم هللا سبحانه اىل يوم القيام اثبتا يف احلقيقة و يكون مآل القولني واحدا وامنا الفرق
ان الصوفية يقولون ان االشياء مرااي ظهورات احلق تعاىل والعلماء يتحاشون من هذا
اللفظ ايض ا من جهة التحرز من توهم احللول واالحتاد (فان قيل) ان الصوفية مع وجود
قوهلم بظهورات االشياء يروهنا معدومة خارجية وال يقولون مبوجود يف اخلارج غري احلق
سبحانه والعلماء يقولون بوجود االشياء يف اخلارج فثبت نزاع الفريقني يف املعن (أجيب)
أن الصوفية وان كانوا يرون العامل معدوما خارجيا لكنهم يثبتون له وجودا ومهيا يف اخلارج
ويقولون ابراءة خارجية وال ينكرون الكثرة الومهية اخلارجية ومع ذلك يقولون ان هذا
الوجود الومهي الذي حصل اراءة يف اخلارج ليس من املوجودات الومهية اليت ترتفع ابرتفاع
الوهم وليس له قرار وثبات بل ملا كان هذا الوجود الومهي وتلك االراءة اخليالية بصنع
احلق سبحانه وانتقاش قدرته الكاملة كان حمفوظا من الزوال ومصوان من اخللل ومعاملة
هذه النشأة وتلك النشأة مربوطة به والسوفسطائية الذين يظنون العامل اوهاما وخياالت
ويزعمون ارتفاعه ابرتفاع الوهم واخليال يقولون ان وجود االشياء اتبع العتقادان ليس له
- 738 -
حتقق يف نفس األمر فان اعتقدان السماء ارضا فارض واالرض ابعتقادان مساء واذا ختيلنا
احللو مرا فمر واملر ابعتقادان حلو وابجلملة ان هؤالء اجملانني ينكرون اجياد الصانع املختار
جل سلطانه وال يسندون االشياء اليه تعاىل ضلوا فاضلوا فالصوفية يثبتون لالشياء يف
اخلارج وجودا ومهيا له ثبات واستقرار ال يرتفع ابرتفاع الوهم وجيعلون معاملة هذه النشأة
وتلك النشأة اليت هي خملدة ومؤبدة مربوطة بذلك الوجود والعلماء يعتقدون االشياء
موجودة يف اخلارج ويعتقدون ترتب االحكام اخلارجية االبدية على االشياء ومع ذلك
يتصورون وجود االشياء يف جنب وجود احلق جل وعال ضعيفا وحنيفا ويعتقدون وجود
املمكن ابلنسبة اىل وجود الواجب تعاىل وتقدس هالكا فثبت لالشياء وجود يف اخلارج
عند الفريقني وكانت احكام هذه النشأة وتلك النشأة مربوطة به وانه غري مرتفع ابرتفاع
الوهم واخليال فا رتفع النزاع وزال اخلالف غاية ما يف الباب ان الصوفية يقولون لذلك
الوجود ومهيا بواسطة ان وجود االشياء يصري خمتفيا عن نظرهم وقت العروج وال يبقى يف
نظرهم غري وجود احلق جل شأنه والعلماء يتحاشون عن اطالق لفظ الوهم على ذلك
الوجود وال يقولون وجودا ومهيا لئال حيكم قاصر النظر ابرتفاعه فينكر الثواب والعذاب
االبديني (فان قيل) ان مقصود الصوفية من اثبات الوجود الومهي لالشياء هو ان هذا
الوجود مع وجود الثبات واالستقرار ليس هو يف نفس االمر ويف غري الوهم وال نصيب له
عن االراءة والعلماء يقولون بوجود االشياء يف اخلارج ونفس األمر فالنزاع ابق (أجيب)
ان الوجود الومهي واالراءة اخليالية ملا مل يرتفع ابرتفاع الوهم واخليال كان يف نفس االمر
فاان لو فرضنا زوال وهم مجيع الوامهني يكون هذا الوجود اثبتا ال يزول بزوال االوهام وال
معن للواقع ونفس االمر اال هذا ولكن فرق بني نفس االمر الذي يثبت يف وجود املمكن
وبني نفس االمر الذي هو اثبت يف وجود الواجب تعاىل فان االول له حكم الالشئ يف
جنب الثاين حت يكاد يعد من املوهومات واملتخيالت مثل اجزاء الكلي املشكك حيث
ان بينها تفاوات فاحشا كما ان وجود املمكن له حكم الالشئ ابلنسبة اىل وجود الواجب
حبيث يكاد يعد من العدمات فال نزاع يف احلقيقة (فان قيل) اذا كان وجود مجيع االشياء
- 739 -
يف نفس االمر لزم ان تكون املوجودات متعددة يف نفس االمر ال موجودا واحدا وهذا
مناف لوحدة الوجود اليت هي مقررة ومسلمة عند الصوفية (أجيب) كالمها مطابقان
لنفس االمر تعدد املوجودات ووحدة الوجود يف نفس االمر ولكن ملا كان اجلهة واالعتبار
خمتلفان ارتفع توهم اجتماع النقيضني (وليتضح) هذا املبحث مبثال وهو ان صورة زيد
مثال مرئية يف املرآة وال صورة يف املرآة يف نفس االمر اصال فان تلك الصورة املرئية ليست
حتت املرآة وال يف وجهها بل وجود تلك الصورة يف املرآة ابعتبار التوهم ليس هلا حصول
يف املرآة غري االراءة اخليالية وهذا الوجود الومهي واالراءة اخليالية اللذان عرضا للصورة يف
املرآة أيضا كائنان يف نفس االمر وهلذا لو قال شخص رأيت صورة زيد يف املرآة يصدق
يف كالمه هذا عقال وعرفا ويعد حمقا وحيث كان مبن االميان على العرف لو حلف
شخص ابن يقول وهللا رأيت صورة زيد يف املرآة ينبغي ان ال حينث به ففي هذه الصورة
عدم حصول صورة زيد يف املرآة وحصوهلا فيها ابعتبار التوهم والتخيل كالمها يف نفس
األمر والواقع ولكن االول حبسب نفس االمر مطلقا والثاين بتوسط الوهم والتخيل
(والعجب ) ان اعتبار التوهم والتخيل الذي هو مناف لنفس األمر صار هنا حمال لنفس
االمر اذ لواله ملا حصل مثة نفس االمر (واملثال) الثاين النقطة اجلوالة اليت تعرض هلا صورة
الدائرة يف اخلارج حبسب التوهم والتخيل فههنا عدم حصول الدائرة يف اخلارج وحصوهلا
ايضا فيه ابعتبار التوهم والتخيل كالمها يف نفس االمر ولكن عدم حصول الدائرة يف
نفس االمر مطلقا وحصوهلا فيه حبسب التوهم والتخيل فاالول مطلق والثاين مقيد ففيما
حنن فيه تكون وحدة الوجود حبسب نفس االمر مطلقا وتعدد الوجود يف نفس االمر
ابعتبار التوهم والتخيل فبمالحظة االطالق والتقييد ال يكون بني كون املتناقضني حبسب
نفس االمر تناقض وال يثبت اجتماع النقيضني (فان قيل) اذا فرض زوال وهم مجيع
الوامهني كيف يكون الوجود الومهي واالراءة اخليالية اثبتا (اجيب) ان هذا الوجود الومهي مل
حيصل مبجرد اخرتاع الوهم حت يزول بزوال الوهم بل هو حاصل بصنع احلق جل وعال يف
مرتبة الوهم وحصل له االتقان فال يتطرق عليه اخللل بزوال الوهم ابلضرورة وامنا يقال له
- 740 -
وجودا ومهيا ابعتبار ان احلق سبحانه خلقه يف مرتبة احلس والوهم وحيث كان خلقه تعاىل
فهو حمفوظ عن الزوال واخللل يف اي مرتبة كان وحيث ان احلق سبحانه خلقه كان يف
نفس االمر ابلضرورة يف اي مرتبة خلقه وان مل تكن تلك املرتبة نفس االمر بل جمرد اعتبار
ولكن املخلوق يف تلك املرتبة منسوب اىل نفس االمر وما قلت ان احلق سبحانه خلقه يف
مرتبة احلس والوهم يعين انه تعاىل خلق االشياء يف مرتبة ليس هلا يف تلك املرتبة حصول
وال ثبوت إال يف احلس والوهم كما يرى اهل الشعبذة اشياء غري واقعية ويرون شيئا واحدا
عشرة اشياء وليس هلذه االشياء العشرة حصول اال يف احلس والوهم وليس املوجود يف
نفس االمر غري ذلك الشئ الواحد فاذا عرض هلذه االشياء العشرة بقدرة احلق جل
سلطانه ثبات واستقرار وصارت حمفوظة عن اخللل وسرعة الزوال تصري يف نفس االمر
فهذه االشياء العشرة موجودة يف نفس االمر ومعدومة فيه ايضا لكن ابعتبارين فانه اذا
قطع النظر عن مرتبة احلس والوهم فمعدومة وبال مالحظة احلس والوهم موجودة ومن
القصص املشهورة ان ارابب الشعبذة يف بلد من بالد اهلند اسسوا بنيان الشعبذة عند
واحد من السالطني ففي ذلك االثناء اظهروا يف نظر الناس ابلطلسم والشعبذة بستان
اشجار أنبه وأروا يف ذلك اجمللس ان تلك االشجار كربت وامثرت واكل اهل اجمللس من
مثارها فامر السلطان يف ذلك الوقت بقتل ارابب الشعبذة النه كان قد مسع انه اذا قتل
صاحب الشعبذة بعد ظهور الشعبذة تبقى تلك الشعبذة على حاهلا بقدرة احلق جل
سلطانه فلما قتلوهم بقيت تلك االشجار بقدرة هللا جل سلطانه ومسعت اهنا ابقية اىل
اآلن والناس أيكلون من مثارها وما ذلك على هللا بعزيز ففي الصورة املتنازع فيها اظهر
احلق سبحانه الذي ال موجود غريه يف اخلارج ونفس االمر كماالت امسائه وصفاته بقدرته
الكاملة يف حجب صور املمكنات يف مرتبة احلس والوهم واجلى تلك الكماالت يف
جمايل االشياء بوجود ومهي وثبوت خيايل يعين اوجد االشياء على طبق تلك الكماالت
يف مرتبة احلس والوهم فوجود االشياء ابعتبار االراءة اخليالية ولكن ملا منح احلق سبحانه
و تعاىل تلك االراءة االستقرار والثبات وراعى االتقان يف صنع االشياء وجعل املعاملة
- 741 -
االبدية مربوطة هبا صار وجودها الومهي وثبوهتا اخليايل ايضا يف نفس االمر وكانت حمفوظة
عن اخللل فيمكن ان يقال ان االشياء هلا يف اخلارج ونفس االمر وجود وليس هلا وجود
كما مر مكررا قال حضرة والد هذا الفقري قدس سره وكان من العلماء احملققني سألين
القاضي جالل الدين االكري الذي كان من العلماء املتبحرين هل الواقع الوحدة او الكثرة
فان كان وحدة تصري الشريعة اليت مبناها على االحكام املتباينة واملتمايزة ابطلة وان كان
كثرة يبطل قول الصوفية الذين يقولون بوحدة الوجود قال حضرة شيخنا يف جوابه كلتامها
مطابقتان لنفس االمر وواقعتان فيه وبني ذلك ومل يبق يف خاطر الفقري ما قال يف بيانه وما
افيض على خاطر الفقري يف هذا الوقت اورده يف قيد الكتابة واالمر اىل هللا سبحانه
فالصوفية الذين يقولون بوحدة الوجود حمقون والعلماء الذين حيكمون ابلكثرة ايضا حمقون
واملناسب الحوال الصوفية الوحدة واملناسب الحوال العلماء الكثرة فان مبين الشرائع على
الكثرة وتغاير االحكام مربوط ابلكثرة ودعوة االنبياء عليهم الصالة و السالم والتنعيم
والتعذيب اآلخرويني كله متعلق ابلكثرة وحيث ان احلق سبحانه يريد الكثرة وحيب
الظهور كما قال تعاىل فأحببت ان اعرف فبقاء هذه املرتبة ايضا ضروري فان ترتيب هذه
املرتبة مرضي رب العاملني وحمبوبه تعاىل فانه ال بد لسلطان ذي شأن من اخلدم واحلشم
والذل واالفتقار واالنكسار الزم لعظمته وكربايئه ومعاملة وحدة الوجود وان كانت
كاحلقيقة ومعاملة الكثرة ابلنسبة اليه كاجملاز وهلذا يقال لذلك العامل عامل احلقيقة وهلذا
العامل عامل اجملاز ولكن ملا كانت الظهورات حمبوب رب العاملني واعطى االشياء البقاء
األبدي واورد القدرة يف لباس احلكمة وجعل االسباب نقاب أفعاله كانت تلك احلقيقة
كاملهجورة وصار هذا اجملاز متعارفا والنقطة اجلوالة وان كانت كاحلقيقة والدائرة الناشئة
من تلك النقطة كاجملاز ولكن احلقيقة مهجورة هناك وما هو املتعارف جماز وسألت عن
معن هذا القول اذا احب هللا عبدا مل يضره ذنب اعلم انه اذا احب هللا عبدا ال يصدر
عنه ذنب فان اولياء احلق جل وعال حمفوظون عن ارتكاب الذنب وان جاز صدور
الذنب عنهم خبالف االنبياء عليهم الصالة و التسليمات فاهنم معصومون عن الذنوب
- 742 -
وجواز صدور الذنب عنهم ايضا مسلوب فاذا مل يصدر الذنب عن االولياء ال يكون فيهم
ضرر الذنب ففي صورة عدم صدور الذنب يصدق ال يضره ذنب كماال خيفى على
ارابب العلم وميكن ان يكون املراد من الذنب الذنب السابق الذي صدر عنه قبل
جيب ما كان قبله[ ]1وحقيقة األمر عند هللا
الوصول اىل درجة الوالية فان االسالم ّ
سبحانه ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او اخطأان و السالم عليكم و على سائر من اتبع
اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم والتحيات العلى.
{املكتوب اخلامس واالربعون اىل منبع احلقائق ومعدن املعارف اخلواجه حسام
الدين امحد يف بيان ان العامل بتمامه جمايل االمساء والصفات الواجبية خبالف الذات
فانه ال نصيب للممكن منها وليس له قيام بنفسه بل هو عرض كله مل يشم رائحة من
اجلوهرية وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (أيها املخدوم) املكرم {ع}:
واحسن ما ميى حديث االحبة
حيرر من املعارف الغريبة ينبغي استماعها ويبني طريق مراقبة أخص اخلواص فليتوجه
اليه بتوجه بليغ (ين بغي) ان يعلم ان العامل بتمامه جمايل االمساء ومظاهر الصفات الواجبية
تعالت وتقدست فان كان يف املمكن حياة فهي مرآة حلياة الواجب تعاىل وتقدس وان
كان فيه علم فمرآة علمه تعاىل وان كان قدرة فمرآة قدرته تعاىل و على هذا القياس
وليس لذاته تعاىل مظهر يف العامل وال مرآة بل ال مناسبة لذاته تعاىل ابلعامل اصال وال
اشرتاك هلا به يف شئ قطعا وان كانت تلك املناسبة يف االسم وتلك املشاركة يف الصورة
ان هللا لغين عن العاملني خبالف االمساء والصفات فان هلا مع العامل مناسبة امسية ومشاركة
صورية كما ان يف الواجب تعاىل علما يف املمكن ايضا صورة ذلك العلم وكما ان هناك
( )1واالقرب ان معين ال يضره ذنب انه كلما صدر عنه ذنب يوفق للتوبة حاال قبل كتابة كاتب الشمال فال يضره
ذنب اصال منه عفي عنه
- 743 -
قدرة هنا ايضا صورة تلك القدرة خبالف الذات فان املمكن ال نصيب له من تلك الدولة
ومل مينح القيام بنفسه بل املمكن حيث كان خملوق على صور امسائه وصفاته تعاىل فهو
عرض بتمامه مل يشم رائحة من اجلوهرية وقيامه بذات الواجب تعاىل وتقدس وتقسيم
ارابب املعقول العامل اىل اجلوهر والعرض فهو من كون نظرهم مقصورا على الظاهر وما
ثبت من قيام بعض املمكن ببعض آخر فهو من قبيل قيام العرض ابلعرض ال من قبيل
قيام العرض ابجلوهر بل قيام ذينك العرضني يف احلقيقة بذات الواجب تعاىل وتقدس مل
يثبت بينهما جوهرية وق يوم مجيع املمكنات هو تعاىل وتقدس فليس للممكن يف احلقيقة
ذات تكون صفاته قائمة بتلك الذات بل الذات للواجب تعاىل وتقدس هبا قامت صفاته
تعاىل وكذلك مجيع املمكنات واالشارة الواقعة من كل أحد اىل ذاته بلفظ أان فتلك
االشارة راجعة يف احلقيقة اىل تلك الذات االحد اليت قيام الكل هبا يعرفه املشري اوال وان
مل تكن ذاته تعاىل مشارا اليها ابشارة ومتحدة بشئ اصال وال خيلط القاصرون هذه
املعارف الغامضة مبعارف التوحيد الوجودي ال يظنون اليد واجليب متحدا بعضه ببعض
فان ارابب التوحيد الوجودي ال يقولون مبوجود غري الذات االحد تعالت وتقدست
ويزعمون امساءه وصفاته تعاىل ايضا اعتبارات علمية ويقولون يف حقائق املمكنات ما
وصلت اليها رائحة من الوجود واالعيان ما مشت رائحة الوجود من كالمهم وهذا الفقري
يعتقد ان صفاته تعاىل ايضا موجودة بوجود زائد على الذات كما قال علماء اهل احلق
ويثبت للممكنات اليت هي جمايل االمساء والصفات ايضا وجودا غاية ما يف الباب انه ال
يعلم املمكنات غري االعراض اليت ال قيام هلا بنفسها وال يثبت اجلوهرية اليت هلا قيام بذاته
يف املمكنات بل يتيقن قيام الكل بذاته تعاىل (فان قيل) يعلم من هذا التحقيق ان ذات
املمكن عني ذات الواجب تعاىل وان املمكن متحد ابلواجب جل شأنه وهذا حمال
الستلزامه قلب احلقائق (اجيب) ان ذات املمكن يعين ماهيته وحقيقته هي عني تلك
االعراض املتعددة املخصوصة اليت هي جمايل امساء الواجب وصفاته تعاىل وال عينية لتلك
االعراض مع ذات الواجب تعاىل وتقدس اصال وال احتاد بينهما بوجه ما قطعا حت يلزم
- 744 -
قلب احلقائق وليس هناك غري قيام تلك االعراض ابلذات تعالت وتقدست وقيوميته
تعاىل جبميع االشياء (فان قيل) ملا رجعت اشارة كل احد اىل ذاته بلفظ اان اىل ذات
الواجب تعاىل لزم ان تكون ذات املمكن يعين ماهيته وحقيقته عني ذات الواجب تعاىل
فان اشارة كل احد بلفظ اان اىل ماهيته وحقيقته وهذا مستلزم لقلب احلقيقة وعني كالم
ارابب التوحيد الوجودي (اجيب) نعم وان كان اشارة كل احد بلفظ اان اىل حقيقته
ولكن ملا كانت حقيقته اعراضا جمتمعة ليست فيها قابلية هذه االشارة فان االعراض
ليست بقابلة لالشارة احلسية ابالستقالل وابالصالة وملا مل تقبل حقيقته هذه االشارة
صارت االشارة راجعة اىل مقوم تلك احلقيقة فماهية املمكن هي عني تلك االعراض
اجملتمعة وان كانت االشارة بواسطة عدم قابلية حقيقته راجعة اىل مقومها الذي هو ذات
الواجب تعاىل وتقدس فلم يكن قلب احلقيقة وما صار املمكن واجبا تعاىل وتقدس وكان
الكالم مغايرا لكالم ارابب التوحيد الوجودي (والعجب) ان اان الصادر من املمكن يرجع
اىل الواجب ويبقى املمكن ممكنا على حاله وال يتكلم بقول سبحاين واان احلق بل ال
يقدر ان يقول لكونه صاحب متيز (فان قيل) ان قيام املمكن بذات الواجب تعاىل
مستلزم لقيام احلوادث بذاته تعاىل وهو ممتنع (أجيب) ان امتناع قيام احلوادث مبعن حلول
احلوادث يف ذاته تعاىل وهو حمال ولكن القيام ليس هنا مبعن احللول بل مبعن الثبوت
والتقرر يعين ان ثبوت املمكن وتقرره بذات الواجب تعاىل (فان قيل) اذا كان ثبوت
املمكن بذات الواجب وقد تقرر انه عرض بتمامه فال بد له من حمل يقوم به وما ذاك
احملل ليس هو ذات الواجب تعاىل وكذلك ال يكون املمتنع حمال له (اجيب) ان العرض
ما ال يكون له قيام بذاته بل يقوم بغريه وملا مل يفهم ارابب املعقول يف قيام العرض غري
احللول اثبتوا للعرض حمال ابلضرورة واستحالوا ثبوته من غري حمل فاذا ظهر للقيام معن
آخر كما مر ال يلزم احملل اصال وحمسوسنا ومشاهدتنا ان قيام مجيع االشياء بذات
الواجب تعاىل من غري ان يكون يف البني حلول وحمل اصال يصدقه ارابب املعقول او ال
وتشكيكهم ال يكون مصادما لبداهتنا وال يزول يقيننا بشكهم (ولنوضح) هذا املبحث
- 745 -
مبثال ان ارابب الطلسم واصحاب السيمياء يرون ويظهرون االشياء من جنس االجسام
الغريبة واالعراض العجيبة ويف هذه الصورة يعرف كل شخص ان هذه االجسام ليس هلا
قيام بنفسها كاالعراض بل قيام كليهما بذات صاحب الطلسم وال حمل هلما اصال
ويعرفون ايضا ان ليس يف هذا القيام شائبة احلالية واحمللية بل ثبوت تلك االجسام
واالعراض بذات صاحب الطلسم من غري توهم حلول وفيما حنن فيه ايضا عني هذا
التصوير فان احلق سبحانه خلق االشياء يف مرتبة احلس والوهم وراعى االتقان واالحكام
يف صنعها وجعل املعاملة االبدية والتنعيم والتعذيب السرمديني مربوطة هبا فال قيام هلذه
االشياء بذاهتا بل هي قائمة بذاته تعاىل من غري شائبة احللول وبال مظنة احلال واحملل
والتمثيل اآلخر صورة جبل او صورة مساء تظهر يف املرآة اي أبله تزعم تلك الصور
اجساما وجواهر وتظن اهنا قائمة بنفسها فان زعم فرضا شخص تلك الصور اعراضا
وقائمة ابلغري وطلب هلا حماال بعلة العرضية ويع ّد ثبوهتا من غري حمال حماال فهذا الشخص
ايضا سفيه فانه ينكر بداهة نفسه بتقليد الناس الن كل من عنده متييز يعرف ابلبداهة ان
ليس لتلك الصور حمال اصال بل ال احتياج هلا اىل احملال وهكذا مجيع املمكنات عند
ارابب الكشف والشهود وليست غري التماثيل مثل هذه الصور غاية ما يف الباب ان احلق
سبحانه و تعاىل اتقن تلك الصور والتماثيل بقدرته الكاملة واحكم على هنج صارت
مصونة عن اخللل وحمفوظة من الزوال واملعاملة االخروية االبدية مربوطة هبا كما مر غري
مرة وقال النظام من املتكلمني ومن علماء املعتزلة حبكم رمية من غري رام العامل اعراض
جممتعة وظنه خاليا من اجلواهر نعم ان الكذوب قد يصدق وملا مل يقل بقيام هذه
االعراض بذات واجب الوجود جل سلطانه من قصور نظره صار موردا لطعن العقالء
وتشنيعهم فان العرض ال بد له من قيام ابلغري وال هو قائل بوجود اجلوهر حت جيعل قيامه
مستندا اليه ومن الصوفية اعتقد صاحب الفتوحات املكية العامل اعراضا جمتمعة يف عني
واحد وجعل العني الواحد عبارة عن ذات احدية جل سلطانه ولكنه حكم بعدم بقاء
هذه االعراض يف زمانني وقال ان العامل ينعدم يف كل آن ويتجدد مثله و عند الفقري هذه
- 746 -
املعاملة شهودية ال وجودية كما حقق هذا املبحث يف حواشي شرح الرابعيات انه قد يرى
للسالك يف توسط االحوال قبل ان ترتفع االغيار عن نظره مطلقا يف آن ان العامل صار
معدوما ويف آن اثن يرى ان العامل موجود ويف آن اثلث جيده ايضا معدوما ويف آن رابع
موجودا اىل ان يشرف ابلفناء املطلق وجيد العامل معدوما دائما ففي هذا الوقت العامل
مستمر العدم يف شهوده وهكذا حني توسط حصول البقاء والرجوع اىل العامل يظهر العامل
يف النظر اترة وخيتفي أخرى ومن هناك ايضا يتوهم حالة جتدد االمثال فاذا متت هلذا
العارف معاملة البقاء والرجوع اىل العامل واستند يف مقام التكميل واالرشاد يظهر العامل يف
نظره ايضا وجيد العامل مستمر الوجود فصارت هذه املعاملة راجعة اىل شهود السالك ال
اىل وجود العامل فان وجوده ما زال على وترية واحدة فان كان تذبذب فهو يف الشهود
وهللا سبحانه امللهم للصواب واحلكم بعدم بقاء االعراض يف زمانني كما قال بعض
املتكلمني مدخول فيه مل يبلغ مرتبة الثبوت واالدلة اليت اوردوها يف عدم بقاء االعراض غري
اتمة وهذه املعارف الغامضة كاهنا درس الكثر االصحاب هناك ينبغي اعطاء نقلها لكل
من له شوق اليها وملا كان يف الفقري نوع مرض مل يكتب لكل واحد من االصحاب على
حدة واكتفي هبذه املعارف فقط و السالم عليكم و على من لديكم.
النفي واالثبات وهبذه الطريقة واحلقيقة وهبذا الفناء والبقاء وهبذا السلوك واجلذبة يصدق
اسم الوالية ومتيل النفس من ان تكون امارة اىل االطمئنان وتصري مزكاة ومطهرة
ف كماالت الوالية صارت مربوطة ابجلزء االول من هذه الكلمة الطيبة الذي هو النفي
واالثبات وبقى اجلزء الثاين من هذه الكلمة املقدسة الذي هو مثبت رسالة خامت الرسل
عليه و على آله الصالة و التسليمات وهذا اجلزء االخري حمصل للشريعة ومكمل هلا وما
كان حاصال يف االبتداء والوسط من الشريعة فهو صورة الشريعة وامسها ورمسها وحصول
حقيقة الشرعية امنا هو يف هذا املوطن الذي حيصل بعد حصول مرتبة الوالية وكماالت
النبوة اليت حتصل لكمل اتبعي االنبياء عليهم الصالة و السالم بتبعيتهم ووراثتهم فهي
ايضا يف هذا املوطن والطريقة واحلقيقة اللتان مها حمصلتان للوالية كأهنما من الشرائط
لتحصيل حقيقة الشريعة وحتصيل كماالت النبوة (ينبغي) ان يعقتد الوالية مثل الطهارة
والشريعة كالصالة وكأن يف الطريقة ازالة النجاسات احلقيقية ويف احلقيقة ازالة النجاسات
احلكمية وبعد الطهارة الكاملة يستحق اتيان االحكام الشرعية وحيصل قابلية اداء الصالة
اليت هي هناية مراتب القرب وعماد الدين ومعراج املؤمن ولقد وجدت اجلزء االخري من
هذه الكلمة املقدسة حبرا ال هناية له وشوهد اجلزء االول يف جنبه كالقطرة نعم ال مقدار
لكماالت الوالية يف جنب كماالت النبوة اصال وما يكون مقدار ذرة يف جنب الشمس
سبحان هللا زعم مجاعة من اعوجاج النظر ان الوالية افضل من النبوة وظنوا الشريعة اليت
هي لب اللباب قشرا وماذا يفعلون فان نظرهم مقصور على صورة الشريعة ومل حيصلوا من
اللب شيئا غري القشر وظنوا النبوة بعلة التوجه اىل اخللق قاصرة وزعموا هذا التوجه مثل
توجه ال عوام انقصا ورجحوا توجه الوالية الذي هو اىل احلق على ذلك التوجه وقالوا ان
الوالية افضل من النبوة ومل يدروا ان التوجه يف كماالت النبوة ايضا اىل احلق يف وقت
العروج كما يف مرتبة الوالية بل يف مرتبة الوالية صورة تلك الكماالت العروجية اليت
حصلت يف مقام النبوة كم ا ستذكر منه نبذة والتوجه يف وقت نزول النبوة اىل اخللق
كالوالية وامنا الفرق ان الظاهر يف الوالية متوجه اىل اخللق والباطن اىل احلق سبحانه ويف
- 748 -
نزول النبوة الظاهر والباطن كالمها متوجهان اىل اخللق وصاحبه يدعو اخللق اىل احلق
بكليته وهذا النزول امت واكمل من نزول الوالية كما حققته يف كتيب ورسائلي وتوجهه هذا
اىل اخللق ليس كتوجه العوام كما زعموا فان توجه العوام اىل اخللق من جهة تعلقهم
ابالغيار وتوجه اخص اخلواص اىل اخللق ليس هو بواسطة تعلقهم ابالغيار فان هؤالء
االكابر ودعوا التعلق ابالغيار يف اول القدم وحصلوا التعلق خبالق اخللق جل سلطانه
مكانه بل توجه هؤالء االكابر اىل اخللق هلدايتهم وارشادهم ليدلوهم على خالق اخللق
جل وعال ولريشدوهم اىل مراضي موالهم تعاىل وتقدس وال شك ان مثل هذا التوجه اىل
اخللق الذي مقصودهم منه ختليصهم عن رقية ما سواه تعاىل افضل من ذلك التوجه اىل
احلق سبحانه الجل نفسه مثال اذا كان شخص مشغوال بذكر هللا تعاىل فظهر يف ذلك
االثناء ضرير ويف طريقه بئر حبيث لو رفع قدمه لوقع فيها ففي هذه الصورة هل االفضل
هلذا الشخص الذكر او ختليص الضرير من البئر وال شك ان ختليص الضرير افضل من
الذكر فان هللا تعاىل غين عنه وعن ذكره والضرير عبد حمتاج ودفع الضرر عنه ضروري
خصوصا اذا كان مأمورا هبذا التخليص ففي هذا الوقت ختليصه عني الذكر لكونه امتثال
امره يف الذكر اداء حق واحد وهو حق املوىل جل شأنه ويف ختليص املأمور به اداء حقني
حق العبد وحق املويل تعاىل بل يكاد يدخل الذكر يف ذلك الوقت يف املعصية فان الذكر
ليس مبستحسن يف محيع االوقات بل يف بعض االوقات يستحسن عدم الذكر كما ان
االفطار يف االايم املنهية وترك الصالة يف االوقات املكروهة افضل من الصوم والصالة
(ينبغي) ان يعلم ان الذكر عبارة عن طرد الغفلة أبي وجه يتيسر ال ان الذكر مقصور
على ت كرار كلمة النفي واالثبات أو على تكرار اسم الذات كما زعم فكلما هو من
امتثال االوامر واالنتهاء عن النواهي كله داخل يف الذكر والبيع والشراء مع مراعات
الشروط ذكر وكذلك النكاح والطالق مع مراعات شروطهما ذكر فان اآلمر والناهي جل
سلطانه حني مباشرة هذه االمور مع مراعات شروطها نصب عني مبارشرها فال يكون
فيها جمال للغفلة ولكن الذكر الواقع ابسم املذكور وصفته سريع التأثري ومورث حملبة
- 749 -
املذكور وقريب االيصال اليه خبالف الذكر الواقع من طريق امتثال االوامر واالنتهاء عن
النواهي فانه قليل النصيب من هذه الصفات وان وجدت هذه الصفات يف بعض االفراد
الذين ذكرهم ابمتثال االوامر واالنتهاء عن املناهي الشرعية على سبيل الندرة قال حضرة
اخلواجه النقشبند قدس سره ان حضرة موالان زين الدين التايبادي قدس سره وصل اىل
احلق سبحانه من طريق العلم وايضا ان الذكر الذي يقع ابسم املذكور وصفته وسيلة
للذكر الذي حيصل مبراعات احلدود الشرعية فان مراعات االحكام الشرعية يف مجيع
االمور غري ميسرة بدون حمبة اتمة لناصب الشرع وهذه احملبة التامة مربوطة بذكر امسه
وصفته تعاىل فال بد اوال من ذلك الذكر حت حيصل بسببه هذا الذكر ومعاملة العناية امر
آخر ليس هناك شرط وال وسيلة هللا جيتيب اليه من يشاء (ولنرجع) اىل اصل الكالم فنقول
ان وراء هذه املعامالت الثالث الطريقة واحلقيقة والشريعة معاملة أخرى خمتصة ابآلخرين
ميكن ان يقال ان ال اعتداد بتلك املعامالت يف جنب هذه املعاملة وال اعتبار وما حصل
يف مرتبة احلقيقة مما له تعلق ابالثبات فهو صورة هذه املعاملة وهذه املعاملة حقيقة تلك
الصورة مثل صورة شريعة حاصلة يف االبتداء ملرتبة العوام وبعد حصول الطريقة واحلقيقة
تتيسر حقيقة تلك الصورة (ينبغي) التخيل والتأمل اذا كانت معاملة صورهتا حقيقة
معاملة ومقدمتها والية كيف يسعها القيل والقال وكيف يفي هبا البيان ولو بينت فرضا
من يدركها وماذا يدرك وهذه املعاملة وراثة االنبياء اويل العزم عليهم الصلوات و
التسليمات والتحيات والربكات اليت هي نصيب اقل قليل فانه اذا كان اصول هذه
املعاملة قليلة تكون فروعها اقل ابلضرورة (فان قيل) لزم من هذه املعارف ان العارف يضع
قدمه يف بعض املراتب خارج الشريعة ويعرج اىل ما وراء الشريعة (اجيب) ان الشرعية
اعمال الظاهر وهذه املعاملة متعلقة يف هذه النشأة ابلباطن والظاهر مكلف ابلشريعة
دائما والباطن مشغوف بتلك املعاملة وحيث ان هذه النشأة دار عمل فللباطن من اعمال
الظاهر مدد عظيم وترقيات الباطن مربوطة ابتيان احكام الشريعة اليت متعلقة ابلظاهر فال
بد للظاهر والباطن يف هذه النشأة من الشريعة يف مجيع االوقات فشغل الظاهر العمل
- 750 -
مبوجب الشريعة ونصيب الباطن نتائج ذلك العمل ومثراته فالشريعة ام كل الكماالت
واصل مجيع املقامات ونتائج الشريعة ومثراهتا ليست مقصورة على النشأة الدنيوية فان
الكماالت االخروية والتنعمات السرمدية ايضا من مثرات الشريعة ونتائجها فكانت
الشريعة شجرة طيبة ينتفع العامل من مثراهتا وفواكهها يف هذه النشأة ويف تلك النشأة ومنها
تؤخذ فوائد الدارين (فان قيل) يلزم من هذا البيان كون الباطن متوجها اىل احلق سبحانه
والظاهر اىل اخللق يف كماالت النبوة ايضا وقد كتبت يف مكتوابتك ورسائلك ومر يف هذا
املكتوب ايضا ان التوجه يف مقام النبوة الذي هو حمل الدعوة اىل اخللق ابلتمام فما وجه
التوفيق (اجيب) ان تلك املعاملة املذكورة تتعلق ابلعروج ومقام الدعوة مربوط ابهلبوط ففي
وقت العروج يكون الباطن مع احلق سبحانه والظاهر مع اخللق حت تتأتى أتدية حقوقهم
على وفق الشريعة الغراء ويف وقت اهلبوط يكون متوجها اىل اخللق ابلتمام ويدهلم على
احلق سبحانه بكليته فال منافاة (وحتقيق) هذا املقام هو ان التوجه اىل اخللق عني التوجه
اىل احلق سبحانه فاينما تولوا فثم وجه هللا ال مبعن ان املمكن عني الواجب او مرآة
الواجب سبحانه و تعاىل وما مقدار املمكن احلقري حت يكون عني الواجب تعاىل او
يكون قابال ملرآتيته سبحانه بل ميكن ان يقال ان الواجب تعاىل مرآة املمكن ويتوهم
االشياء يف مرآة الواجب تعاىل كصور االشياء يف مرآة الصورة فكما انه ليس لتك الصور
حلول وسراين يف مرآة الصورة كذلك ال حلول وال سراين لالشياء يف مرآة الواجب تعاىل
وكيف يتصور احللول فانه ال وجود للصور يف مرتبة املرآة ووجود الصور امنا هو يف مرتبة
التوهم والتخيل فقط فاحملل الذي فيه املرآ ة ليس فيه الصور واحملل الذي فيه الصور على
املرآة منه الف عار فانه ال ثبوت للصور غري االراءة اخليالية وال وجود هلا غري التحقق
الومهي فان كان هلا حمل فهو يف مرتبة التوهم وان كان هلا زمان فهو يف مرتبة التخيل ولكن
حيث كانت تلك االراءة اخليالية لالشياء بصنع احلق جل سلطانه فهي مصنونة من اخللل
وحمفوظة من سرعة الزوال واملعاملة االبدية مربوطة هبا والعذاب واملثوابت السرمدية منوطة
ب يها (واعلم) ان امللحوظ اوال يف مرآة الصورة هو الصور وااللتفات الثاين امنا هو لشهود
- 751 -
املرآة وامللحوظ اوال يف مرآة الواجب هو املرآة نفسها وااللتفات الثاين امنا هو لشهود
االشياء وايضا يف مرآة الصورة الصور ايضا مرااي احكام املرآة وآاثرها فان كانت املرآة
طوالنية تظهر الصور ايضا طوالنية فتصري االشياء مرااي لطول املرآة وكذلك اذا كانت
املرآة صغرية يظهر صغرها يف مرااي الصور خبالف مرآة ذات الواجب تعاىل فان االشياء ال
تكون مرااي الحكامها وآاثرها فانه ال حكم على تلك املرتبة العليا وال أثر بل مجيع
النسب مسلوب عنها فيها فان كانت االشياء مرااي ماذا يظهر فيها نعم جيوز ان يكون
االشياء مرااي لصور احكام الواجب يف مراتب التنزل الذي موطن االمساء والصفات فان
السمع والبصر والعلم والقدرة مثال اليت هي ظاهرة يف مرااي االشياء صور السمع والبصر
والعلم والقدرة الثابتة يف مرتبة الوجوب اليت هي مرآة تلك االشياء الظاهرة وما قلت ان
امللحوظ اوال يف مرآة الواجب تعاىل هو نفس املرآة وااللتفات الثاين امنا هو لشهود
االشياء اليت هي كال صور يف تلك املرآة فهو حال ابتداء الرجوع الذي تظهر الصور فيه
للنظر بعد ان كانت مرتفعة وخمتفية عن النظر ابلتمام فاذا انتهت معاملة الرجوع اىل
آخرها ووقع السري يف االشياء طوهلا وعرضها وتيسر االستقرار يف مركز دائرة االمكان
يتبدل الشهود حينئذ ابلغيب ابلضرورة ويصري االميان الشهودي امياان غيبيا واذا متت
معاملة الدعوة وقرعت مقرعة الرحيل ففي ذلك الوقت ال يبقى الغيب وال يكون فيه غري
الشهود ولكن هذا الشهود يكون امت واكمل من ذاك الشهود الذي كان حاصال قبيل
الرجوع فان الشهود الذي يتعلق ابآلخرة أكمل من الشهود الذي يتعلق ابلدنيا شعر:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع
(ينبغي) ان يعلم انه قد الح من التحقيق السابق ان صورة الشئ اليت تظهر يف
املرآة ال ثبوت هلا يف غري التخيل واملرآة على صرافة جتردها من حصول تلك الصورة فيها
وميكن ان يقال لتلك الصورة ان املرآة قريبة منها وايضا ميكن ان يقال ان املرآة حميطة هبا
واهنا معها وهذا القرب واالحاطة واملعية ليست من قبيل قرب اجلسم واجلوهر واحاطتهما
ابلعرض بل هناك قرب واحاطة العقل عاجز عن تصورمها وقاصر عن ادراك كيفيتهما ففي
- 752 -
هذه الصورة ثبتت االحاطة والقرب واملعية ومل تعلم كيفيتها اصال وهلل املثل االعلى وهكذا
القرب الذي للحق مع العامل وكذلك احاطته ومعيته تعاىل معلومة اآلنية جمهولة الكيفية
نؤمن انه تعاىل قريب من العامل وحميط به ومعه ولكن ال نعلم كيفية قربه واحاطته ومعيته
تعاىل اهنا ما هي فان هذه الصفات مغايرة لصفات االشياء ومربأة عن سيما االمكان
واحلدوث وان اورد تنظريها وتشبيهها يف عامل اجملاز الذي هو قنطرة احلقيقة واومئ اليها
ابملرآة والصورة ليجتهد حديدوا البصر يف اخلروج من اجملاز اىل احلقيقة وليميلوا من الصورة
اىل املعن و السالم على من اتبع اهلدى.
{امل كتوب الثامن واالربعون اىل اخلواجه حممد طالب البدخشي يف الرتغيب يف
مقام الرضا}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ليكن اخلواجهالر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
حممد طالب دائما طالب مطلوب قد كتبت خرب فوت قرة العني حممد صديق اان هلل واان
إليه راجعون (ايها االخ) االعز ان احلق سبحانه و تعاىل اعز عند املؤمنني من كل شئ
واحب سواء كان امواال او انفسا واالحياء واالماتة فعله تعاىل ال مدخل فيهما لغريه
فيكون فعله تعاىل ايضا احب واعز ابلضرورة حيق للمحبني ان يلتذوا من فعل احملبوب وان
يفرحوا وكيف ادل على الصرب فان فيه امياء اىل الكراهة ومقام الرضاء وان كان خيرب عن
الرغبة والسرور ولكن مرتبة االلتذاذ أمر آخر (اشعار):
ما العشق اال شعلة قد احرقت * كل الورى غري احلبيب الباقي
قد سل يف قتل السوى صمصام ال * فانظر اىل ما بعد ال ما الباقي
بشراك اي عشق قد احرتق الورى * مل يبق غري إهلنا اخلالق
و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب التاسع واالربعون اىل اخلواجه گدا يف بيان ان نسيان السوى قدم
اول يف هذه الطريقة فينبغي السعي حىت ال يقع القصور يف ذلك}
حنمده ونصلي على نبيه ونسلم عليه و على آله الكرام والنصيحة لالخ اخلواجه
- 754 -
حممد گدا بعد تصحيح العقائد الكالمية وبعد اتيان االحكام الفقهية هي املدوامة على
الذكر االهلي جل سلطانه على هنج حفظه وينبغي ان يستويل الذكر على حد ال يرتك يف
الباطن غري املذكور ويزيل التعلق العلمي واحليب مبا سوى املذكور فحينئذ حيصل للقلب
نسيان السوى و يكون السالك فارغا عن رؤية الغري وادراكه حبيث لو ذكر ابالشياء
ابلتكلف والتعمل ال يتذكر وال يعرف بل يكون مستهلكا ومستغرقا يف املطلوب دائما
فاذا انتهت املعاملة اىل هنا يكون قد خطى خطوة يف هذا الطريق ينبغي السعي يف ان ال
يقصر يف اخلطوة الواحدة وان ال يبقى يف اسر رؤية الغري وعلمه {شعر}:
هلموا ايها االبطال حنو السعادة * اذ خلت عن كل مانع
وتعلقاتكم ترى يف الظاهر قليلة ولكنكم جتعلون أنفسكم من مجلة ارابب التعلق
بشوق التعلق الراضي ابلضرر ال يستحق النظر مسئلة مقررة و السالم.
{املكتوب اخلمسون اىل املرزا مشس الدين يف بيان ان للشريعة صورة وحقيقة
وانه ال بد من الشريعة يف االبتداء واالنتهاء وبيان متكني القلب واطمئنان النفس
واعتدال القالب اليت يف مرتبة النبوة وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان للشريعة صورة وحقيقة
فصورة الشريعة عبارة عن اتيان االحكام الشريعة بعد االميان ابهلل وسوله ومبا جاء من عند
هللا سبحانه واالميان مع وجود منازعة النفس األمارة واابئها وطغياهنا وانكارها املودعة يف
جبلتها هو صورة االميان وكذلك الصالة والصوم مع وجود صفاهتا هذه صورة الصالة
والصوم و على هذا القياس سائر االحكام الشرعية فان النفس اليت هي عمدة االنسان
وهي املشار اليها لكل فرد بقوله اان على كفرها وانكارها فكيف يتصور منها حقيقة
االميان وحقيقة االعمال الصاحلة ومن رمحته سبحانه و تعاىل قبوله جل شأنه جمرد الصورة
وبشارته بدخول اجلنة اليت هي حمل رضائه ورمحته ومن احسانه تعاىل وتقدس اكتفاؤه يف
نفس ا الميان بتصديق القلب ومل يكلف ابذعان النفس نعم للجنة ايضا صورة وحقيقة
- 755 -
حيتظ اصحاب الصورة بصورة اجلنة وارابب احلقيقة حبقيقة اجلنة وكل من اصحاب الصورة
وارابب احلقيقة يتناول من فاكهة واحدة من فواكه اجلنة فيجد صاحب الصورة منها لذة
وصاحب احلقيقة لذة أخرى وتكون االزواج املطهرات امهات املؤمنني مع النيب عليه و
على آله الصالة و السالم يف جنة واحدة وأيكلون معه من فاكهة واحدة ولكن التذاذ
كل واحد وتنعمه على حدة واال يلزم فضل امهات املؤمنني على مجيع بين آدم بعد نبينا
عليه الصالة و السالم ويلزم ايضا ان كل من يكون افضل من شخص تكون زوجته ايضا
افضل منه فان الزوجة ممتزجة وخمتلطة ابلزوج وصورة الشريعة بشرط االستقامة موجبة
للفالح ومستلزمة للنجاة األخرويني ومصححة لدخول اجلنة كما مر فاذا صحت صورة
الشريعة فقد حصلت الوالية العامة وهللا ويل الذين آمنوا و يف هذا الوقت صار السالك
مستعدا الن يضع قدمه يف الطريقة وان يتخطي اىل الوالية اخلاصة وان جير نفسه ابلتدريج
من وصف االمارية اىل صفة االطمئنان ولكن ينبغي ان يعلم ان منازل الوصل اىل تلك
الوالية ايضا مربوط ابعمال الشريعة والذكر االهلي جل شأنه الذي هو العمدة يف هذا
الطريق من املأمورات الشرعية واالجتناب عن املناهي الشرعية ايضا من ضرورايت هذا
الطريق واداء الفرائض من املقرابت وطلب شيخ عارف ابلطريق وهاد اليه الذي يستحق
ان يكون وسيلة ايضا من املأمورات الشرعية قال هللا تعاىل وابتغوا اليه الوسيلة وابجلملة ال
بد من الشريعة صورة وحقيقة فان امهات مجيع كماالت الوالية والنبوة هي االحكام
الشرعية كماالت الوالية نتائج صورة الشريعة وكماالت النبوة مثرات حقيقة الشريعة كما
سيجي انشاء هللا تعاىل (ومقدمة) الوالية هي الطريقة اليت نفي ما سواه تعاىل مطلوب
فيها ورفع الغري والغريية مقصود منها فاذا صار ما سواه تعاىل بفضله جل شأنه مرتفعا عن
النظر ابلكية ومل يبق اسم وال رسم من رؤية االغيار فقد حصل الفناء وبلغ مقام الطريقة
هنايته ومت السري اىل هللا والشروع بعد ذلك يف مقام االثبات املعرب عنه ابلسري يف هللا وهذا
هو مقام البقاء الذي هو موطن احلقيقة اليت هي املقصد االقصى من الوالية وبتلك
الطريقة واحلقيقة اللتني مها الفناء والبقاء يصدق اسم الوالية وتصري االمارة مطمنئة وترجع
- 756 -
عن كفرها وانكارها وتصري راضية عن موالها و يكون املوىل جل سلطانه ايضا راضيا
عنها وتزول الكراهة اليت كانت يف جبلتها قالوا ان النفس وان وصلت اىل مقام االطمئنان
ال ترجع عن بغيها وطغياهنا {شعر}:
وان انتهت نفس اىل اطمئناهنا * لكنها ال تنتهي عن غيها
وجعلوا املراد من اجلهاد االكرب الواقع يف قوله عليه الصالة و السالم رجعنا من
اجلهاد االصغر اىل اجلهاد االكرب اجلهاد مع النفس وما ظهر يف كشف الفقري ووجده
بوجدانه خالف هذا احلكم املتعارف فاين ال اجد يف النفس بعد حصول االطمئنان عنادا
وطغياان اصال بل اراها متمكنة يف مقام االنقياد بل اجدها كالقلب املتمكن الذي نسى
السوى فارغة عن رؤية الغري والغريية وعلمهما ومتخلصة عن حب اجلاه والرايسة واللذة
واالمل فأين املخالفة ومبن العناد فان اثبتوا هلا قبل حصول االطمئنان كل شئ من املعاندة
والطغيان وان كان تفاوت احواهلا وتلوهنا مقدار شعرة فله املساغ وليس لنا فيه نزاع ولكن
بعد حصول االطمئنان ال جمال للمخالفة والطغيان ولقد طالع الفقري يف هذا الباب
ابمعان النظر وأتمل يف حل هذا املعمى لكونه خمالفا ملا تقرر عند القوم وتعمق يف الفكر
ولكن بعناية هللا سبحانه مل جيد يف النفس املطمئنة مقدار شعرة من املخالفة واملعاندة ومل
ير فيها شيئا غري االستهالك واالضمحالل فاذا جعلت النفس نفسها فداء ملوالها كيف
يكون فيها جمال املخالفة وحيث كانت النفس راضية عن حضرة احلق تعاىل وكان احلق
تعاىل راضيا عنها كيف يتصور عنها الطغيان الذي هو مناف للرضى ومرضي احلق جل
سلطانه ال يصري غري مرضي اصال وميكن ان يكون املراد من اجلهاد االكرب وهللا سبحانه
اعلم حبقيقة احلال اجلهاد مع القالب الذي هو مركب من الطبائع املختلفة اليت كل طبيعة
منها مقتضية المر ومتنفرة عن امر فان كال من القوة الشهوية والغضبية انشئة عن القالب
اال ترى ان سائر احليواانت اليت ليست هلا النفس الناطقة هذه الصفات الرذيلة كائنة فيها
وكلها متصفة ابلشهوة والغضب والشرة واحلرص وهذا اجلهاد كائن دائما ال يسكنه
اطمئنان النفس وال يرفعه متكني القلب ويف بقاء هذا اجلهاد فوائد كثرية متضمنة لتنقية
- 757 -
القالب وتطهريه حت تكون كماالت هذه النشأة ومعاملة اآلخرة مربوطة به ابالصالة فان
يف كماالت هذه النشأة القالب اتبع والقلب متبوع ويف كماالتتلك النشأة االمر ابلعكس
القلب اتبع والقالب متبوع فاذا وقع اخللل يف هذه النشأة وظهرت مقدمة تلك النشأة
ينقضي هذا اجلهاد ويرتفع هذا القتال فاذا بلغت النفس بفضل هللا سبحانه مقام
االطمئنان وصارت منقادة للحكم االهلي جل شأنه فقد تيسر االسالم احلقيقي وحصلت
حقيقة االميان وكلما يعمل بعد ذلك يكون حقيقة فاذا اديت الصالة تكون حقيقة وان
كان صوما فحقيقة الصوم وان حجا فحقيقة احلج على هذا القياس اتيان سائر االحكام
الشرعية فصار كل من الطريقة واحلقيقة متوسطة بني صورة الشريعة وحقيقتها فمن مل
يشرف ابلوالية اخلاصة ال يصل من االسالم اجملازي اىل االسالم احلقيقي فاذا كان بفضل
هللا سبحانه حملى حبقيقة الشريعة وتيسر االسالم احلقيقي صار مستعدا الن ينال حظا
وافرا ونصيبا اتما من كماالت النبوة بتبعية االنبياء ووراثتهم عليهم الصالة و السالم وكما
ان صورة الشريعة كشجرة طيبة لكماالت الوالية وهي كثمراهتا كذلك حقيقة الشريعة
ايضا كشجرة مباركة لكماالت النبوة اليت هي كثمراهتا وحيث كانت كماالت الوالية
مثرات الصورة وكماالت النبوة مثرات حقيقة تلك الصوة تكون كماالت الوالية ابلضرورة
صورا لكماالت النبوة اليت هي حقائق تلك الصور (ينبغي) ان يعلم ان الفرق بني صورة
الشريعة وحقيقتها كان انشئنا من جهة النفس حيث كان للنفس االمارة طغيان يف
الصورة وكانت على انكارها وصارت مطمنئنة يف احلقيقة ومسلمة وكذلك الفرق بني
كماالت الوالية اليت هي كالصور وبني كماالت النبوة اليت كاحلقائق انش من جهة
القالب فان اجزاء القالب ما كانت منتهىة وراجعة عن طغياهنا وعنادها يف مقام الوالية
مثال مل يرجع جزؤه الناري مع وجود اطمئنان النفس عن دعوى اخلريية وتكربها وكذلك مل
يتندم جزؤه االرضي عن اخلسة والدانئة و على هذا القياس سائر االجزاء ويف مقام
كماالت النبوة جاءت اجزاء القالب ايضا اىل حد االعتدال وامتنعت عن االفراط
والتفريط وميكن ان يكون من ههنا قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم اسلم شيطاين فكما
- 758 -
ان يف اآلفاق شيطاان يف االنفس ايضا شيطان وهو اجلزء الناري الذي هو مدع خلرييته
ومقتض لتكربه وترفعه وكل هذه اردأ الصفات الرذيلة واسالمه كناية عن زوال تلك
الصفات اليت هي ارذل الرذائل ففي كماالت النبوة متكني القلب واطمئنان النفس
واعتدال اجزاء القالب ويف الوالية متكني القلب وبعد اللتيا والليت اطمئنان النفس وامنا قلنا
بعد اللتيا والليت فان إطمئنان النفس على وجه الكمال من غري تكلف امنا هو بعد
اعتدال اجزاء القالب وهلذا جوز ارابب الوالية رجوع املطمئنة اىل صفات البشرية بواسطة
عدم اعتدال اجزاء القال ب كما مر يف اول املبحث واالطمئنان الذي حيصل للنفس بعد
اعتدال اجزاء القالب فهو مأمون ومربأ من الرجوع اىل صفات البشرية فاالختالف يف
رجوع النفس اىل الرذائل وعدم رجوعها مبين على اختالف مقامات النفس واالنظار كل
شخص اخرب عن مقامه وتكلم عن وجدانه (فان قيل) اذا جائت اجزاء القالب اىل حد
االعتدال وامتنعت عن املعاندة والطغيان كيف يتصور اجلهاد معها بل يرتفع اجلهاد عنها
(اجيب) فرق بني املطمئنة وبني هذه االجزاء فان املطمئنة صاحبة استهالك واضمحالل
وملحقة بعامل االمر ومتصفة بكمال االستهالك والسكر وهذه االجزاء ال مناسبة هلا
ابلسكر واالستهالك بواسطة اتيان االحكام الشرعية الذي مبناه على الصحو وال جمال يف
املستهلك للمخالفة وما فيه صحو فان صدرت عنه صورة املخالفة يف بعض االمور
بواسطة بعض منافعه ومصاحله فانه جيوز ولكن املرجو ان ال تكون تلك املخالفة بفضل
هللا جل سلطانه فوق ترك االستحباب وانه ال تزيد على ارتكاب الكراهة التنزيهية فيكون
اجلهاد يف مرتبة القالب مع اعتدال اجزائه متصورا ويف املطمئنة ال يكون اجلهاد جموزا و
حتقيق هذا املبحث مندرج يف مكتوب من اجلد االول احملرر يف بيان الطريق احملرر ابسم
ولدي االعظم املرحوم ابلتفصيل فان بقي خفإ فيه فلرياجع هناك فان انتهت كماالت
النبوة اليت هي نتائج حقيقة الشريعة ومثراهتا بفضل هللا جل سلطانه اىل آخرها يعين
حصلت بتمامها ال تكون الرتقيات هناك منوطة ابالعمال بل املعاملة يف ذلك املوطن
مربوطة مبحض فضل هللا واحسانه سبحانه ال اثر لالعتقاد هناك وال حكم فيه للعلم
- 759 -
والعمل بل فيه فضل يف فضل وكرم يف كرم وهذا املقام ابلنسبة اىل املقامات السابقة عال
جدا وله وسعة اتمة ونورانية مل يكن اثر منها يف املقامات السابقة وهذا املقام خمصوص
ابالصالة ابالنبياء اويل العزم عليهم الصالة و التسليمات وابلتبعية والوراثة يشرف به ومينح
كل من ادركته العناية {ع}:
ال عسر يف امر مع الكرام
(وال يغلطن) هنا شخص فيقول انه قد حصل يف هذا املوطن االستغناء عن صورة
الشريعة وحقيقتها ومل يبق االحتياج اىل اتيان االحكام الشرعية الان نقول ان الشريعة اصل
هذا االمر واساس هذه املعاملة وكلما يتعاىل الشجر او يتطاول البنيان ويبن فوقه القصور
وااليوان ال يستغنيان عن االصل واالساس وال يزول عنهما االحتياج الذايت فان البيت
العلو مثال كلما كان ارفع واعلى ال يكون له بد من البيت السفل وال يزول احتياجه عنه
اصال فان طرأ اخللل يف السفل فرضا يؤثر ذلك اخللل يف العلو ايضا ويستلزم زوال السفل
زوال العلو فالشريعة الزمة يف مجيع احلال ومجيع الوقت وكل شخص حمتاج اىل اتيان
احكامها فاذا ترقت املعاملة عن هذا املوطن ايضا بفضل هللا جل سلطانه وحتول االمر
من التفضل اىل احملبة يستقبل مقام عال جدا خمصوص ابالصالة خبامت الرسل عليه وعليهم
الصالة و التسليمات ويشرف به ابلتبعية والوراثة كل من اريد له ذلك وذلك القصر الذي
يظهر يف النظر من غاية الرفعة ضيقا اجد حضرة الصديق داخال فيه بطريق الوراثة اىل
سرته وحضرة الفاروق ايضا مهتد اىل هذه الدولة ومن امهات املؤمنني ارى فيه معه عليه
و على آله الصالة و السالم بعالقة االزدواج حضرة اخلدجية وحضرة الصديقة رضي هللا
عنهما واالمر اىل هللا سبحانه وملا كان االخ االعز ذواملعارف الشيخ عبد احلي الذي كان
يف الصحبة سنني متوجها اىل وطنه وكان لذلك املقام تعلق به كتبنا سطورا ابلضرورة
واطلعا على احوال املشار اليه ووجود اهل هللا مغتنم يف اي مكان كان وبشارة لسكان
ذلك املكان ويف عني ذلك املقام يقيم االخ االعز الشيخ نور حممد ويصرف اوقاته ابلفقر
وفقدان املراد ويغبط ذلك املقام حيث اجتمع فيه اثنان من اهل هللا امثاهلما وحتقق فيه
- 760 -
{املكتوب الثاين واخلمسون اىل اخلواجه حممد مهدي علي الكشمريي يف
الرتغيب يف طريقة هذه الطائفة العلية}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الصحيفة الشريفة اليت
صدرت من كمال احملبة واالخالص مع اهلدااي رزق هللا سبحانه و تعاىل االستقامة على
حمبة هذه الطائفة وحشر معهم وهم قوم ال يشقى جليسهم وال حيرم انيسهم وال خييب
جليسهم وهم جلساء هللا وهم اذا رأوا ذكر هللا وهم من عرفهم وجد هللا نظرهم دواء
وكالمهم شفاء وصحبتهم ضياء وهباء من رأى ظاهرهم خاب وخسر ومن رأى ابطنهم
جنى وافلح ونعم ما قيل اهلي ما هذا الذي جعلت اولياءك حبيث من عرفهم وجدك وما مل
- 761 -
جيدك مل يعرفهم يعين ان معرفتهم ووجدانك ليس احدمها منفكا عن اآلخر والتقدم الذايت
ابعتبار للمعرفة وابعتبار للوجدان وخمتار القائل تقدم ذلك الطرف النه املبدأ فمنه البداية
أوىل واحرى و السالم عليكم و على من لديكم.
العجب وملن االستغناء بل يكون من علة استيالء رؤية القصور يف االعمال منفعال
ومستحيا من اتيان االعمال احلسنة ال معجبا و مستغنيا فاذا حصل رؤية القصور يف
االعمال تزيد قيمة االعمال وتكون حقيقة ابلقبول وينبغي السعي حت حيصل هذه الرؤية
فيتخلص من العجب ودونه خرط القتاد اال ان يشاء هللا وطائفة من الذين تيسرت هلم
رؤية القصور يف االعمال على وجه الكمال يظنون ان كاتب اليمني معطل وانه ال حسن
له يكتب وكاتب الشمال يف الشغل دائما وان فعله كله قبيح وسيئ فاذا انتهت معاملة
العارف اىل هذا احلد عومل معه ما عومل {ع}:
بلغ الرياع اىل هنا فتكسرا
و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب الرابع واخلمسون اىل السيد شاه حممد يف بيان ان ملتابعة النيب صلّى
هللا عليه و سلّم مراتب ودرجات وهي سبع درجات وبيان تفصيل كل درجة وما
يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (اعلم) ان ملتابعة النيب عليه و على
آله الصالة و السالم اليت هي رأس كل سعادة دينية ودنيوية درجات ومراتب (الدرجة
االوىل) لعوام أهل االسالم من اتيان االحكام الشرعية ومتابعة السنة السنية بعد تصديق
القلب وقبل اطمئنان النفس الذي هو مربوط بدرجة الوالية وعلماء الظاهر والعباد والزهاد
والذين مل تبلغ معاملتهم مرتبة اطمئنان النفس كلهم شركاء يف هذه الدرجة من املتابعة
وكلهم متساوية االقدام يف صورة االتباع وحيث ان النفس مل تتخلص يف هذا املقام من
كفره وانكاره ال جرم تكون هذه الدرجة خمصوصة بصورة املتابعة وصورة املتابعة هذه
كحقيقة املتابعة موجبة للفالح وجناة اآلخرة ومنجية من عذاب النار ومبشرة بدخول
اجلنة ومن كمال كرمه سبحانه مل يعترب انكار النفس بل اكتفى بتصديق القلب وجعل
النجاة مربوطة بذلك التصديق {شعر}:
- 763 -
حصل حنو من اطمئنان النفس لالولياء قدس هللا تعاىل اسرارهم بعد متكني القلب ولكن
كمال االطمئنان حيصل للنفس يف حتصيل كماالت النبوة اليت للعلماء منها نصيب بطريق
الوراثة فيكون العلماء الراسخون متحققني حبقيقة الشريعة اليت هي حقيقة االتباع بواسطة
كمال اطمئنان النفس وحيث فقد هذا الكمال يف غريهم يتلبسون احياان بصورة الشريعة
وآونة يتحققون حبقيقة الشريعة (ولنبني) عالمة للعلماء الراسخني لئال يدعي كل عامل
ابلظاهر دعوى الرسوخ وال يزعم امارته مطمئنة العامل الراسخ هو شخص له نصيب من
أتويل متشاهبات الك تاب والسنة وحظ من اسرار مقطعات احلروف اليت يف اوائل السور
القرآنية وأتويل املتشاهبات من مجلة االسرار الغامضة وال تتخيل انه مثل أتويل اليد
ابلقدرة والوجه ابلذات فانه انش من علم الظاهر ال مساس له ابالسرار واصحاب هذه
االسرار هم االنبياء عليهم الصالة و السالم وهذه الرموزات اشارات اىل معامالهتم
ويشرف هبذه الدولة العظمى بتبعية هؤالء االكابر ووراثتهم كل من اريد له ذلك وحصول
هذه الدرجة من املتابعة اليت هي منوطة ابطمئنان النفس ووصول اىل حقيقة متابعة
صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و السالم يتيسر احياان بدون توسط الفناء
والبقاء وبال توسل السلوك واجلذبة وميكن ان ال يكون يف البني شئ من االحوال
واملواجيد والتجليات والظهورات وتكون تلك الدولة نقد الوقت ولكن الوصول اىل هذه
الدولة من طريق الوالية اقرب من الوصول اليها من طريق آخر وهذا الطريق اآلخر بزعم
الفقري هو التزام متابعة السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية واالجتناب
عن اسم البدعة ورمسها ومن مل حيرتز عن البدعة احلسنة احرتازه عن البدعة السيئة ال تصل
اىل مشام روحه رائحة من هذه الدولة وهذا املعن متعسر يف هذا اليوم فان العامل مستغرق
اليوم يف جلة حبر البدعة ومطمئن بظلماهتا ملن اجملال يف التكلم يف رفع البدعة واحياء
السنة اكثر علماء هذا الوقت يروجون البدعة وميحون السنة ويفتون جبواز بدعات واسعة
بل ابستحساهنا بعلة تعامل اخللق ويدلون الناس عليها ليت شعري ماذا يقولون لو
شاعت الضاللة وصار الباطل متعارفا تكون تعامال أما يعلمون ان كل التعامل ليس هو
- 765 -
دليل االستحسان والتعامل املعترب امنا هو ما جاء من الصدر االول وحصل ابمجاع مجيع
الناس كما ذكر يف الفتاوى الغياث ية قال شيخ االسالم الشهيد رمحه هللا سبحانه ال أنخذ
ابستحسان مشايخ بلخ وامنا أنخذ بقول أصحابنا املتقدمني رمحهم هللا سبحانه الن
التعامل يف بلدة ال يدل على اجلواز وامنا يدل على اجلواز ما يكون على االستمرار من
الصدر االول ليكون دليال على تقرير النيب عليه و على آله الصالة و السالم اايهم على
ذلك فيكون شرعا له عليه و على آله الصالة و السالم وأما اذا مل يكون كذلك ال يكون
فعلهم حجة اال اذا كان ذلك من الناس كافة يف البلدان كلها ليكون امجاعا واالمجاع
حجة اال ترى اهنم لو تعاملوا على بيع اخلمر و على الراب ال يفت ابحلل وال شك ان العلم
بتعامل كافة االانم والوقوف على عمل مجيع القرى والبلدان خارج عن حيطة قوة البشر
بقي تعامل الصدر االول الذي هو يف احلقيقة تقريره صلّى هللا عليه و سلّم وراجع اىل
سنته فاين البدعة واين حسنها وكانت صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة و
السالم كافية يف حصول مجيع الكماالت لالصحاب الكرام عليهم الرضوان وكل من
تشرف من علماء السلف بدولة الرسوخ بدون اختيار طريق الصوفية وبال قطع مسافة
ابلسلوك واجلذبة كان ذلك بواسطة التزام متابعة السنة السنية على صاحبها الصالة و
السالم والتحية واالجتناب عن بدعة غري مرضية اللهم ثبتنا على متابعة السنة وجنبنا عن
ارتكاب البدعة حبرمة صاحب السنة عليه و على آله الصالة و السالم (الدرجة اخلامسة)
من املتابعة اتباع كماالته عليه و على آله الصالة و السالم وال مدخل للعلم والعمل يف
حصول تلك الكماالت بل حصوهلا مربوطة مبحض فضل احلق واحسانه جل سلطانه
وهذه الدرجة عالية جدا ال مساس للدرجات السابقة هلا وهذه الكماالت خمصوصة
ابالنبياء اويل العزم ابالصالة ويشرف هبا ابلتبعية والوراثة كل من اريد له ذلك (والدرجة
السادسة) من املتابعة اتباعه عليه و على آله الصالة و السالم يف كمال خمصوص مبقام
حمبوبيته عليه و على آله الصالة و السالم وكما ان افاضة الكماالت يف الدرجة اخلامسة
كانت مبجرد الفضل واالحسان كذلك يف الدرجة السادسة افاضة كماالهتا مبجرد احملبة
- 766 -
اليت فوق التفضل واالحسان ومن هذه الدرجة ايضا نصيب القل قليل وهذه الدرجات
اخلمس من درجات املتابعة غري الدرجة االوىل وكلها تتعلق مبقامات العروج وحصوهلا
مربوط ابلصعود (والدرجة السابعة) متابعة تتعلق ابلنزول واهلبوط وهذه الدرجة جامعة
جلميع الدرجات السابقة فان يف هذا املوطن يعين موطن النزول تصديق القلب ومتكينه
واطمئنان النفس واعتدال اجزاء القالب المتناعها وانتهائها عن الطغيان والعناد وكأن
الدرجات السابقة كانت اجزاء هذه املتابعة وهذه الدرجة كالكل لتلك االجزاء وحيصل
للتابع يف هذا املقا م شباهة ابملتبوع على هنج كانه قد ارتفع اسم التبعية من البني وزال
امتياز التابع واملت بوع ويتوهم ان التابع كلما أيخذ أيخذه من االصل كاملتبوع و كأن
كليهما يشراب ن من عني واحد وكليهما يف عناق واحد وخمدة واحدة وكاهنما لنب وسكر
اين التابع ومن املتبوع وملن التبعية فانه ال جمال للتغاير يف احتاد النسبة والعجب انه كلما
يطالع يف هذا املقام ابمعان النظر ال تكون نسبة التبعية ملحوظة ومنظورة اصال وال يكون
امتياز التابعية واملتبوعية مشهودا قطعا والذي يدرك ويدري ان التابع يعرف نفسه طفيليا
ووارث نبيه عليه و على آله الصالة و السالم وكان التابع غري الطفيلي والوارث وان كان
الكل يف سلك التبعية والظاهر ان حيلولة املتبوع الزمة يف التابع واما يف الطفيلي والوارث
فليس بالزمة اصال التابع آكل حصته والطفيلي جليس ضمين وابجلملة ان كل دولة
جاءت يف عرصة الوجود فامنا هي لالنبياء عليهم الصالة و السالم ومن سعادة االمم
احتظاظهم من تلك الدولة بتطفل االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات وتناوهلم من
حصتهم {شعر}:
علمت ابين لست أحلق ركبه * فيكفي مساعي من وراه نداه
والتابع الكامل من يكون متحلى هبذه الدرجات السبع من املتابعة والذي له
متابعة يف البعض دون البعض فهو اتبع يف اجلملة على تفاوت الدرجات وعلماء الظاهر
مسرورون ابلدرجة االوىل وليتهم يتمون تلك الدرجة ايضا وهم جعلوا املتابعة مقصورة
على صورة الشريعة وظنوا ما وراءها امرا آخر وتصورو اطريقة الصوفية اليت هي وسيلة
- 767 -
حلصول درجات املتابعة شيئا فراي ومل يعرف اكثرهم شيخا ومقتدى لنفسه غري اهلداية
والپزدوي[{ ]1شعر}:
وليس لشئ كامن جوف صخرة * سواها مسوات لديه وال ارض
حققنا هللا سبحانه واايكم حبقيقة املتابعة املصطفوية على صاحبها الصالة و
السالم والتحية و على مجيع اخوانه من االنبياء الكرام واملالئكة العظام و على مجيع
اتباعهم اىل يوم القيام.
{املكتوب اخلامس واخلمسون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد واملخدوم
زاده اخلواجه حممد معصوم سلمهما هللا تعاىل يف بيان ان القرآن جامع جلميع
االحكام الشرعية ويف مناقب االمام االعظم ايب حنيفة رضي هللا عنه وبيان ان اصل
هذا االمر هو الشريعة ومدح الصوفية العلية وما يناسب ذلك}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
القرآن اجمليد جامع جلميع االحكام الشرعية بل جامع جلميع الشرايع املتقدمة غاية ما يف
الباب ان بعض احكام هذه الشريعة يفهم بعبارة النص واشارة النص وداللة النص
واقتضاء النص والعوام واخلواص من اهل اللغة متساوية االقدام يف هذا الفهم والقسم
اآلخر من االحكام من قبيل ما يفهم بتوسط االجتهاد واالستنباط وهذا الفهم خمصوص
ابالئمة اجملتهدين سواء كان النيب صلّى هللا عليه و سلّم على قول اجلمهور او اصحابه
الكرام عليهم الرضوان او سائر جمتهدي امته عليه الصالة و السالم لكن االحكام
االجتهادية يف زمنه عليه الصالة و السالم مل تكن مرتددة بني اخلطإ والصواب لكونه اوان
الوحي بل كان يتمز صواب احلق من خطإ املخطي ابلوحي القطعي ومل يبق احلق ممتزجا
ابلباطل فان تقرير النيب وتثبيته على الباطل غري جموز خبالف االحكام احلاصلة بطريق
( )1هذا يف عصره قدس سره واال ففي زماننا هذا مقتدى أكثرهم الفقه الكيداين واحلليب أو الدعوى اجملرد فاان هلل واان
اليه راجعون منه عفي عنه.
- 768 -
استنباط اجملتهدين بعد انقراض زمان الوحي فاهنا مرتددة بني اخلطإ والصواب وهلذا كان
االحكام االجتهادية اليت صارت مقررة يف زمن الوحي موجبة لليقني املفيد للعمل
واالعتقاد وبعد زمان الوحي تكون موجبة للظن املفيد للعمل ال االعتقاد والقسم الثالث
من احكام القرآن مما يعجز عن فهمه الطاقة البشرية وما مل حيصل االعالم من جانب
منزل االحكام جل سلطانه ال يتصور فهم تلك االحكام وحصول ذلك االعالم خمصوص
ابلنيب عليه و على آله الصالة و السالم ال حيصل لغريه وهذه االحكام وان كانت
مأخوذة من الكتاب ولكن ملا كان مظهرها نبينا عليه و على آله الصالة و السالم نسبت
هذه االحكام اىل السنة ابلضرورة كما نسبت االحكام االجتهادية اىل القياس ابعتبار ان
القياس مظهر تلك االحكام فيكون كل من السنة والقياس مظهرا لالحكام وان كان بني
هذين املظهرين فرقا ك ثريا حيث ان احدمها مستند اىل الرأي الذي فيه جمال اخلطإ والثاين
مؤيد ابعالم احلق جل وعال الذي ال جمال فيه للخطإ ويف القسم االخري كمال الشباهة
ابالصل وكأنه مثبت لالحكام وان كان مثبت مجيع االحكام يف احلقيقة هو الكتاب
العزيز فحسب (ينبغي) ان يعلم ان لغري النيب جمال اخلالف للنيب عليه و على آله الصالة
و السالم يف االحكام االجتهادية ان بلغ هذا الغري مرتبة االجتهاد واالحكام اليت ثبتت
بعبارة النص واشارة النص وداللة النص وكذلك االحكام اليت مظهرها السنة ال جمال
ملخالفة احد فيها بل اتباع تلك االحكام الزم جلميع االمة فمتابعة رأي النيب صلّى هللا
عليه و سلّم يف االحكام االجتهادية ليست بالزمة جملتهدي االمة بل[ ]1الصواب يف ذلك
املوطن هو متابعة رأي نفسه (وههنا) دقيقة ينبغي ان يعلم ان االنبياء الذين يتبعون شرائع
االنبياء اويل العزم عليهم الصالة و السالم الواجب عليهم هو اتباع االحكام اليت ثبتت
ابلعبارة واالشارة والداللة من كتبهم وصحفهم ال اتباع االحكام اليت ظهرت ابجتهادهم
وسننهم فانه اذا مل يلزم املتابعة على جمتهدي االمة يف االحكام االجتهادية كما مر كيف
( )1يعين يف عصره صلّى هللا عليه و سلّم واال فال جيوز ذلك قطعا ال نقال به يقينا ابعالم هللا تعاىل كما مر آنفا فثبت
منه عفي عنه.
- 769 -
يلزم املتابعة على النيب املتابع واالحكام اليت مظهرها سنة كما اهنا حاصلة الويل العزم
ابالعالم كذلك هي اثبتة لنيب غري اويل العزم ايضا ابعالمه تعاىل فما يكون املتابعة بل ال
جمال للمتابعة فان على مقدار كل وقت ومناسبة كل طائفة احكاما على حدة اترة
يناسب احلل واترة يناسب احلرمة كان االعالم لنيب من اويل العزم حبلية امر ولنيب آخر من
غري اويل العزم حبرمته وكل من هذا احلل واحلرمة مأخوذ من صحف منزلة كما ان
اجملتهدين أيخذان من مأخذ واحد حكمني خمتلفني يفهم منه احدمها احلل واآلخر احلرمة
(فان قيل) هذا االختالف له جمال يف االجتهاد لكون مداره على الرأي الذي فيه احتمال
الصواب واخلطإ ولكن ال جمال هلذا املعن يف اعالمه تعاىل ألن كونه مرتددا بني اخلطإ
والصواب غري جائز بل احلكم عند احلق جل وعال واحد فان كان حال ال جمال للحرمة
وان كان حرمة ال جمال للحل (اجيب) جيوز ان يكون ابلنسبة اىل قوم حال وابلنسبة اىل
قوم آخر حرمة فيكون حكم هللا تعاىل متعددا يف واقعة واحدة ابلنسبة اىل تعدد القوم وال
حمذور نعم هذا املعن ال يصح يف امة خامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم فان
كافة االانم حمكوم عليهم يف هذه الشريعة حبكم واحد ليس هلل سبحانه فيها حكمان يف
واقعة واحدة (فان قيل) اذا حكم نيب من االنبياء اويل العزم حبل امر وحكم نيب آخر
متابع ابحلرمة يف ذلك االمر يلزم ان يكون احلكم الثاين انسخا للحكم االول وهذا غري
جائز فان النسخ خمصوص ابويل العزم ال يكون غريه انسخا (اجيب) ان النسخ امنا يلزم
اذا كان احلكم الثاين عاما ابلنسبة اىل كافة االانم فريفع احلكم االول الذي كان ابلنسبة
اىل قوم خمصوص واحلكم الثاين ليس بعام هنا بل هو حكم ابحلرمة مثال ابلنسبة اىل قوم
خمصوص فال منافاة بينه وبني احلكم االول اال ترى ان جمتهدا حيكم يف واقعة ابحللية
وحيكم جمتهد آخر يف عني تلك الواقعة ابحلرمة وال نسخ فيه اصال وان كان بني هذا وبني
ذاك تفاوات فاحشا فان هنا رأي وهناك اعالم ويف الرأي جمال لتعدد احلكم ويف االعالم ال
جمال للتعدد ولكن تعدد القوم جييز ذلك كما مر (فاحكام) الشرائع املتقدمة املفهومة من
كتب االنبياء اويل العزم وصحفهم حبسب اللغة ال جمال للمخالفة فيها ايضا لالنبياء
- 770 -
املتابعني بل وردت تلك االحكام ابلنسبة اىل كافة االانم فكل نيب متابع اىل اي قوم ارسل
واي قوم يدعوا ال يبلغهم خالف تلك االحكام فان حال فللكل وان حرمة فعلى اجلميع
اىل ان يبعث نيب آخر من اويل العزم فريفع هذا احلكم ففي هذا الوقت يتصور النسخ
فالنسخ امنا هو ابعتبار االحكام املأخوذة من الصحف املنزلة حبسب اللغة واالحكام اليت
ثبتت ابالجتهاد واالعالم ونسبت اىل القياس والسنة فالنسخ غري متصور فيها فان هذه
االحكام امنا هي ابلنسبة اىل بعض دون بعض فاجتهاد نيب وكذلك سنته ال يكوانن
رافعني الجتهاد نيب آخر وسنته فان ذاك ابلنسبة اىل قوم وهذا ابلنسبة اىل قوم آخرين فان
كان اختالف احلكمني ابلنسبة اىل كافة االانم او ابلنسبة اىل قوم واحد فهو نسخ البتة
كما ان احلكم يف شريعتنا ابلنسبة اىل كافة االانم واحلكم الثاين انسخ للحكم االول فسنة
نبينا عليه و على آله الصلوات و التسليمات الالحقة تكون انسخة لسنته السابقة وال
جيوز نسخ هذه الشريعة بعد نزول عيسى على نبينا و على الصالة و السالم ومتابعته
هلذه الشريعة واتباعه لسنة نبينا عليه الصالة و السالم (يكاد) ينكر علماء الظاهر
جملتهداته على نبينا وعليه الصالة و السالم من كمال الدقة وغموض املأخذ ويزعموهنا
خمالفة للكتاب والسنة ومثل روح هللا مثل االمام االعظم الكويف فانه بربكة الورع والتقوى
وبدولة متابعة السنة انل يف االجتهاد واالستنباط درجة عليا حبيث يعجز اآلخرون عن
فهمه ويزعمون جمتهداته بواسطة دقة املعاين خمالفة للكتاب والسنة ويظنونه واصحابه
اصحاب الرأي كل ذلك لعدم الوصول اىل حقيقة علمه ودرايته وعدم االطالع على
فهمه وفراسته اال ان االمام الشافعي وجد نبذة من دقة فقاهته عليهما الرضوان حيث قال
الناس كلهم عيال يف الفقه اليب حنيفة فويل لقاصري النظر على جرائتهم حيث ينسبون
قصورهم اىل الغري {شعر}:
لو عاهبم قاصر طعنا هبم سفها * برأت ساحتهم عن افحش الكلم
هل يقطع الثعلب احملتال سلسلة * قيدت هبا اسد الدنيا أبسرهم
وميكن ان يكون ما قاله اخلواجه حممد اپرسا قدس سره يف الفصول الستة من ان
- 771 -
عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم يعمل بعد النزول مبذهب االمام ايب حنيفة
بواسطة هذه املناسبة اليت له رضي هللا عنه حبضرة روح هللا عليه السالم يعين ان اجتهاد
روح هللا يكون موافقا الجتهاد االمام االعظم ال انه يقلد مذهبه فان شأنه عليه السالم
أعلى وأجل من ان يقلد علماء االمة ونقول من غري شائبة تكلف وتعصب ان نورانية
املذهب احلنفي ترى وتظهر يف النظر الكشفي كالبحر العظيم[ ]1وسائر املذاهب تظهر
مثل احلياض واجلداول واذا لوحظ يف الظاهر ايضا يوجد السواد االعظم من اهل االسالم
متابعني اليب حنيفة عليه الرمحة والرضوان وهذا املذهب مع كثرة متابعيه ممتاز عن سائر
املذاهب يف االصول والفروع وله يف االستنباط طريق على حدة وهذا املعن منبئ عن
احلقيقة (والعجب) ان االمام ااب حنيفة اسبق قدما من الكل يف تقليد السنة ويعتقدون
االحاديث املرسلة كاالحاديث املسندة مستحقة للمتابعة ويقدمها على رأيه وكذلك يقدم
قول الصحابة على رأيه بواسطة نيلهم شرف صحبة خري البشر عليه وعليهم الصلوات و
التسليمات واآلخرون ليسوا كذلك ومع ذلك يزعمه املخالفون صاحب رأي وينسبون اليه
الفاظا تنبئ عن سوء االدب مع ان الكل معرتفون لكمال علمه ووفور ورعه وتقواه رزقهم
هللا سبحانه التوفيق لئال يؤذوا رأس الدين ورئيس اهل االسالم والسواد االعظم من
املسلمني يريدون ان يطفؤا نور هللا أبفواههم والذين يقولون هلؤالء االكابر اصحاب الرأي
فان اعتقدوا اهنم حيكمون برأيهم ال يتبعون الكتاب والسنة يكون السواد االعظم من اهل
االسالم بزعمهم الفاسد ضالني مبتدعني بل يكونون خارجني من زمرة اهل االسالم وال
يعتق د ذلك االجاهل ليس له خرب عن جهله او زنديق مقصوده ابطال شطر الدين وما
اعظم جهالة انقص مجع احاديث معدودة وجعل احكام الشريعة منحصرة فيها وطفق
ينفي ما وراء معلومه وجيعل ما مل يثبت عنده منفيا {شعر}:
و ليس لشئ كامن جوف صخرة * سواها مسوات لديه وال ارض
ويل هلم الف مرة على تعصباهتم الباردة وانظارهم الفاسدة فان ابين الفقه هو ابو
( )1هذا قريب مما ذكره الشعراين يف أوائل ميزانه منه عفي عنه.
- 772 -
حنيفة وقد سلموا له يف ثالثة أرابع الفقه واشرتك الباقون يف الربع الباقي وهو صاحب
البيت يف الفقه وغريه كلهم عيال له ومع وجود التزام هذا املذهب كان يل مع االمام
الشافعي حمبة ذاتية واعتقده عظيما وهلذا اقلد مذهبه يف بعض االعمال النافلة ولكن ماذا
اصنع اجد اآلخرين يف جنب االمام ايب حنيفة مع وجود وفور العلم وكمال التقوى
كاالطفال واالمر اىل هللا سبحانه املتعال (ولنرجع) اىل اصل الكالم فنقول قد سبق ان
اختالف االحكام االجتهادية ليست مبستلزمة للنسخ وان صدر ذلك االختالف من نيب
خبالف االختالف الواقع يف احكام الكتاب والسنة فانه موجب للنسخ كما مر حتقيقه
ايضا فتقرر ان املعترب يف اثبات االحكام الشرعية هو الكتاب والسنة وقياس اجملتهدين
وامجاع االمة ايضا مثبتان لالحكام وبعد هذه االدلة االربعة الشرعية ال يكون شئ من
الدليل مثبتا لالحكام اصال ال يكون االهلام مثبتا للحل واحلرمة وال كشف ارابب الباطن
للفرض والسنة وارابب الوالية اخلاصة مساوية لعامة املؤمنني يف تقليد اجملتهدين ال يوجبهم
الكشوف واالهلامات مزية على غريهم يف ذلك وال خيرجهم عن ربقة التقليد فيما هنالك
وذو النون والبسطامي واجلنيد والشبلي مساوون لزيد وعمرو وبكر وخالد الذين هم من
عوام املؤمنني يف تقليد اجملتهدين يف االحكام االجتهادية نعم ان مزية هؤالء االكابر يف
امور أخرى وهم اصحاب الكشوف واملشاهدات وهم ايضا ارابب التجليات والظهورات
قد انقطعوا بواسطة استيالء حمبة احملبوب احلقيقي عما سواه جل سلطانه وعتقوا عن رؤية
الغري وادراك الغريية فان كان هلم حاصل فهو هو سبحانه وان كانوا واصلني فاليه تعاىل
وهم يف العامل بال عامل ومع انفسهم بال انفسهم فان عاشوا يعيشون الجله وان ماتوا
ميوتون الجله ومبتديهم يشاهد املطلوب بواسطة غلبة احملبة يف مرآة كل ذرة من ذرات
العامل وجيد كل ذرة جامعا جلميع الكماالت االمسائية والصفاتية فما ابدى من عالمات
منتهيهم فاهنم ال عالمة هلم واول قدمهم نسيان السوى فما اظهر من قدمهم الثاين فانه
يف خارج اآل فاق واالنفس واالهلام هلم والكالم معهم اكابرهم أيخذون العلوم واالسرار من
االصل بال توسط وكما ان اجملتهد اتبع لرأيه واجتهاده هم ايضا اتبعون يف املعارف
- 773 -
واملواجيد الهلامهم وفراستهم كتب حضرة اخلواجه حممد اپرسا قدس سره ان روحانية
اخلضر على نبينا وعليه الصالة و السالم متوسطة يف افاضة العلوم اللدنية والظاهر ان
هذا الكالم ابلنسبة اىل االبتداء والتوسط ومعاملة املنتهى شئ آخر كما يشهد به
الكشف الصريح (ويؤيد) هذا التحقيق ما نقل عن الشيخ عبد القادر اجليالين قدس هللا
تعاىل سره من انه كان يوما يبني العلوم واملعارف على رأس املنرب فمر عليه اخلضر يف ذلك
االثناء فقال له الشيخ أيها االسرائيلي تعال امسع كالم احملمدي[ ]1يفهم من عبارة الشيخ
هذه ان اخلضر ليس من احملمديني بل من امللل السابقة فاذا كان كذلك كيف يكون
واسطة للمحمديني (فتحقق) ان العلوم واملعارف شئ آخر ما وراء االحكام الشرعية
واهل هللا خمصوصون هبا وان كانت تلك املعارف مثرات هذه االحكام ونتائجها
(واملقصود) من غرس االشجار حصول الثمار وما دامت االشجار قائمة الثمار متوقعة
فاذا تطرق اخللل اىل أصل االشجار فقد انعدم االمثار وما أعظم محاقة من يقلع الشجر
وي توقع الثمر وكلما حيسن تربية االشجار حيصل منها جيد االمثار أكثر واوفر والثمرة وان
كانت مقصودة ولكنها فرع شجرة (فينبغي) ان يقيس ملتزم الشريعة واملداهن يف الشريعة
على هذا املعن فالذي فيه التزام الشريعة فهو صاحب معرفة وكلما كان االلتزام أكثر
تكون املعرفة أوفر والذي هو مداهن ال نصيب له من املعرفة وما فيه منها بزعمه الفاسد
ابلفرض وان مل يكن شيئا يف احلقيقة فهو من قبيل االستدراج الذي فيه شركة للجوكية
والربامهة كل حقيقة ردته الشريعة فهي زندقة واحلاد فيجوز ان يفهم خواص اهل هللا يف
معارف تتعلق بذاته وصفاته وافعاله تعاىل بعض االسرار والدقايق اليت ظاهر الشريعة
ساكت عنها وان جيدوا االذن وعدم االذن منه تعاىل يف احلركات والسكنات وان يعرفوا
مرضيه وغري مرضيه سبحانه وكثريا ما جيدون اداء بعض العبادة النافلة غري مرضي
ويكونون مأذونني برتكه ويفهمون أحياان اولوية النوم من اليقظة االحكام الشرعية موقتة
( )1نقل أن اخلضر جاء منزل املظهر الشهيد وقال له ماذا تريد فقال له املظهر الشهيد ال حاجة يل اليك فان شيخي
السيد يكفيين يف كلما أريد منه عفي عنه
- 774 -
ابالوقات واالحكام االهلامية اثبتة يف مجيع االوقات فاذا كان حركات هؤالء االكابر
وسكناهتم مربوطة ابالذن تكون النوافل عند غريهم فرائض عندهم مثال الفعل الواحد نفل
ابلنسبة اىل شخص حبكم الشريعة وفرض ابلنسبة اىل شخص آخر حبكم االهلام فاآلخرون
يؤدون النوافل احياان ويرتكبون االمور املباحة احياان وهؤالء االكابر لصدور افعاهلم ابمر
املوىل واذنه تكون افعاهلم كلها من الفرائض واملستحب واملباح عند غريهم فرض عندهم
ليدرك علو شأن هؤالء االكابر من ههنا وعلماء الظاهر خيصون االخبارات الغيبة يف امور
الدنيا ابالنبياء عليهم الصلوات و التسليمات ال يشركون غريهم يف تلك االخبارات وهذا
املعن مناف للوراثة ونفي لكثري من العلوم واملعارف الصحيحة اليت تتعلق ابلدين املتني
نعم االحكام الشرعية مربوطة ابالدلة االربعة ال جمال فيها لالهلام ولكن األمور الدينية
وراء االحكام الشرعية كثرية واالصل اخلامس فيها اهلام بل ميكن ان يقال االصل الثالث
اهلام وبعد الكتاب والسنة هذا االصل قائم واثبت اىل انقراض العامل فما تكون نسبة
اآلخرين هلؤالء االكابر ورمبا تصدر العبادة عن اآلخرين وتكون غري مرضية وهؤالء االكابر
يرتكون العبادة يف بعض االحيان و يكون ذلك الرتك مرضيا فكانت تركهم أفضل عند
احلق جل وعال من فعل غريهم والعوام حاكمون خبالف ذلك يعتقدون ذلك عابدا وهذا
مكارا ومعطال (فان قيل) ملا كان الدين كامال ابلكتاب والسنة فما احلاجة بعد الكمال
اىل االهلام واي نقصان بقي حت يتكامل ابالهلما (اجيب) االهلام مظهر الكماالت
اخلفية للدين ال مثبت الكماالت الزائدة يف الدين كما ان االجتهاد مظهر لالحكام
واالهلام مظهر للدقائق واالسرار اليت فهم أكثر الناس قاصر عنها وان كان بني االجتهاد
واالهلام فرق واضح لكون ذلك مستندا اىل الرأي وهذا اىل خالق الرأي جل سلطانه
فظهر يف االهلام قسم من االصالة ليس هو يف االجتهاد واالهلام شبيه ابعالم النيب الذي
هو مأخذ السنة كما مر وان كان االهلام ظنيا واالعالم قطعيا ربنا آتنا من لدنك رمحة
وهئ لنا من امران رشدا و السالم على من اتبع اهلدي
- 775 -
{املكتوب السادس واخلمسون اىل موالان عبد القادر االنبايل يف بيان ان
معاملة العارف تبلغ مرتبة يكون حكم سيئات اآلخرين ابلنسبة اليه حسنات}
الرحيم قال هللا تبارك و تعاىل اولئك يبدل هللا سيئاهتم حسنات
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
تبلغ معاملة العارف بعناية هللا سبحانه وحرمة حبيبة عليه الصالة السالم مرتبة تصري
سيئات اآلخرين يف حقه حسنات وتكون الصفة الرذيلة ابلنسبة اىل غريه محيدة ابلنسبة
اليه مثال الرايء والسمعة من السيئات و من رذائل االوصاف يعرض هلما يف حقه احلسن
وأتخذ ان حكم احلمد والشكر فان ذلك الدرويش قد سلب عن نفسه مجيع اقسام
العظمة والكربايء ونسبها اىل جناب قدس احلق جل سلطانه وابعد عن نفسه مجيع انواع
احلسن واجلمال واخلري والكمال وخصصها به سبحانه و تعاىل ال جيد نفسه غري شر
ونقص وال يرة يف نفسه غري ذل وافتقار وانكسار فان كان فرد من افراد الكمال فرضا
متوجها يف الظاهر جيده مرقاة يرتقى منها اىل فوق ويصل اىل جناب يليق ابلعظمة
والكربايء وهكذا حال احلسن واجلمال واخلري والكمال ليس له نصيب منها غري ان تكون
هذه االشياء مراقي لرتقيه واالماانت راجعة اىل اهل االماانت ففي صورة الرايء والسمعة
ليس مقصوده االشتهار واالفتخار والرفعة والعظمة بل اظهار نعمة احلق واعالم احسانه
سبحانه و تعاىل اليه فكان الرايء والسمعة عني محد احلق وشكره تعاىل وتقدس وخرجا
من الرذالة اىل احملمدة و على هذا القياس سائر الصفات اولئك يبدل هللا سيئاهتم
حسنات وكان هللا غفورا رحيما و السالم.
{املكتوب السابع واخلمسون اىل املال غازي النائب يف بيان ان ذكر احلق جل
وعال أوىل من الصلوات على خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم لكن
بشرط ان يكون الذكر حقيقا ابلقبول و متلقى من شيخ مقتدى وما يناسب ذلك}
ق د كنت اوقاات مشغوال بصالة خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم
أبنواعها واقسامها ووجدهتا ترتتب عليها نتائج ومثرات عاجلة واهتديت هبا الدقائق الوالية
- 776 -
اخلاصة احملمدية على صاحبها الصالة و السالم والتحية واسرارها وملا مضت مدة على
هذا العمل وقع الفتور يف هذا االشتغال اتفاقا وزال توفيق املواظبة عليه ووقع االقتصار
على صلوات موقتة واستحسن يل يف هذا الوقت االشتغال ابلتسبيح والتقديس والتهليل
بدل الصلوات فقلت ولعل يف هذا األمر حكمة انظر ماذا يظهر فعلم اخريا بعناية هللا
تعاىل ان الذكر يف هذا الوقت أفضل من الصلوات يف حق من يصلي ويف حق من يصلى
عليه وذلك من وجهني احدمها ما ورد يف احلديث القدسي من شغله ذكري عن مسئليت
اعطيته أفضل ما أعطي السائلني والوجه الثاين هو ان الذكر مأخوذ من النيب صلّى هللا
عليه و سلّم فكما ان ثواب ذلك الذكر يصل اىل الذاكر يصل اليه صلّى هللا عليه و سلّم
ايضا مثل ذلك الثواب قال عليه عليه الصالة و السالم من سن سنة حسنة فله اجرها
واجر من عمل هبا وكذلك كل عمل صاحل حاصل من االمة كما ان اجره يصل اىل
العامل يصل ايضا مقدار ذلك األجر اىل النيب الذي هو واضع ذلك العمل وشارعه من
غري ان ينقص من اجر العامل شئ وال يلزم ان يعمل العامل عمله بنية النيب فانه عطاء
احلق جل سلطانه ال صنع للعامل فيه نعم ان وجدت النية للنيب ايضا من العامل يكون
ابعثا على ازدايد اجر العامل وهذه الزايدة ايضا تعود اىل النيب ذلك فضل هللا يؤتيه من
يشاء وهللا ذو الفضل العظيم وال شك ان املقصود االصلي من الذكر هو تذكر احلق
سبحانه وطلب األجر طفيلي له ويف الصالة املقصود االصلي هو طلب احلاجة شتان ما
بينهما فالفيوض اليت تصل اىل النيب صلّى هللا عليه و سلّم من طريق الذكر تكون زائدة
ابضعاف على الربكات اليت تصل اليه صلّى هللا عليه و سلّم من طريق الصلوات (ينبغي)
ان يعلم ان هذه الرتبة ليست هي لكل ذكر بل هي خمصوصة ابلذكر الذي حقيق
ابلقبول والذكر الذي ليس كذلك فللصالة مزية عليه ووصول الربكات منها حينئذ اكثر
توقعا ولكن الذكر الذي اخذه الطالب عن شيخ كامل مكمل وداوم عليه بشرائط الطريقة
افضل من الصالة فان هذا الذكر وس يلة ذاك الذكر وما مل يشتغل هبذا الذكر ال يصل اىل
ذلك الذكر ومن ههنا مل جيوز مشائخ الطريقة قدس هللا تعاىل اسرارهم اشتغال املبتدئ
- 777 -
بغري الذكر وأمروه ابالقتصار على الفرائض والسنن يعين الرواتب ومنعوه من االمور النافلة
(والح) من هذا البيان انه ال حتصل لفرد من افراد االمة وان بلغ يف الكماالت درجة عليا
مساواة لنبيه فان مجيع تلك الكماالت اليت حصلت له امنا هي بواسطة متابعته لشريعة
ذلك النيب فتكون هذه الكماالت كلها ايضا اثبتة لذلك النيب مع كماالت متابعيه اآلخر
ومع كماالته املخصوصة به عليه الصالة و السالم و كذلك ال يصل هذا الفرد الكامل
اىل مرتبة نيب اصال وان مل يتبع هلذا النيب احد ومل يقبل دعوته فان كل نيب صاحب دعورة
ابالصالة ومأمور بتبليغ الشريعة وال يستلزم انكار االمم قصورا يف الدعوة والتبليغ ومن
البني الظاهر انه ال يبلغ كمال اصال مرتبة الدعوة والتبليغ فان احب عباد هللا من احب
هللا اىل عباده واحب عباد هللا اىل هللا وهو الداعي واملبلغ ولعلك مسعت ما ورد يف اخلرب
انه يوزن مداد العلماء يوم القيامة بدم الشهداء يف سبيل هللا فيرتجح مداد العلماء على دم
الشهداء وهذه الدولة مل تتيسر لالمة وما هو حاصل فيهم فهو طفيلي وضمين االصل
ا صل والفرع مستنبط ينبغي ان يدرك من ههنا فضل اعيان هذه االمة ومبلغيهم وان كان
يف الدعوة والتبليغ درجات واالعيان واملبلغون متفاوتون يف الدرجات (العلماء) خمصوصون
بتبليغ الظاهر والصوفية يهتمون ابلباطن والذي هو عامل صويف كربيت امحر ومستحق
للدعوة والتبليغ ظاهرا وابطنا وانئب النيب ووارثه عليه و على آله اصالة و السالم واعتقد
مجاعة ان حمدثي هذه االمة الذين يبلغون االحاديث النبوية عليه الصالة و السالم افضل
هذه االمة فان اعتقدوا اهنم افضل مطلقا فمحل خدشة وان اعتقدوا ذلك ابلنسبة اىل
مبلغي الظاهر فله مساغ والفضل املطلق امنا هو للمبلغ اجلامع بني تبليغ الظاهر والباطن
والدعوة الظاهرة والباطنة الن يف االقتصار قصورا ينايف اطالق الفضل فافهم وال تكن من
القاصرين (نعم) ان الظاهر وان كان عمدة ومناطا للنجاة وكثري الربكة وعميم املنفعة ولكن
كماله مربوط ابلباطن والظاهر بال ابطن غري اتم والباطن بال ظاهر غري معتد به والذي
جيمع بني الظاهر والباطن كربيت أمحر ربنا أمتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير
و السالم على من اتبع اهلدى.
- 778 -
{املكتوب الثامن واخلمسون اىل اخلواجه حممد التقي يف جواب استفساره عن
عامل املثال ويف رد مجاعة يقولون ابلتناسخ وبيان الكمون والربوز وما يناسب ذلك}
الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسيلن
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
وآله الطاهرين قد تشرفنا مبطالعة الصحيفة الصادرة من حسن النشأة وعلو الفطرة على
وجه االلتفات سلمكم هللا تعاىل وكتبتم فيها انه نقل الشيخ حميي الدين ابن العريب قدس
سره حديثا يف فتوحاته املكية ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال ان هللا خلق مائة الف
آدم وأورد حكاية يف بعض مشاهدات عامل املثال انه قد ظهر يف وقت طواف الكعبة
املعظمة ان مجعا يطوفون ابلبيت واان ال اعرفهم وانشدوا يف اثناء الطواف بيتني عربيني
احد هذين البيتني هذا {شعر}:
لقد طفنا كما طفتم سنينا * هبذا البيت طرا امجعينا
وملا مسعت هذا البيت وقع يف اخلاطر ان هؤالء من عامل املثال فنظر احدهم اىل
جانيب مقاران هلذا اخلطور وقال اان من مجلة اجدادك فسألته انه كم مضى من فوتك قال
ازيد من ارب عني الف سنة فقلت على وجه التعجب انه مل يتم من إبتداء خلقة آدم ايب
البشر على نبينا و عليه الصالة و السالم اىل اآلن سبعة آالف سنة قال من اي آدم
تقول ان هذا هو ذاك آدم الذي خلق يف اول دور سبعة آالف قال الشيخ فوقع يف
اخلاطر يف ذلك الوقت ان احلديث النبوي الذي سبق ذكره مؤيد هلذا القول (أيها
املخدوم املكرم) ان ما ظهر هلذا الفقري يف هذه املسئلة بعناية هللا سبحانه هو ان مجيع
االوادم الذين مضوا قبل وجود حضرة آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم كان
وجودهم يف عامل املثال ال يف عامل الشهادة والذي وجد يف عامل الشهادة وانل اخلالفة يف
االرض وصار مسجود املالئكة هو حضرة آدم ابو البشر فحسب غاية ما يف الباب ان
آدم ملا كان خملوقا على صفة اجلامعية وله يف حقيقته لطائف واوصاف كثرية كان يوجد
صفة من صفاته او لطيفة من لطائفه يف كل وقت من االوقات قبل وجوده بشخصه
- 779 -
بقرون متطاولة ابجياد احلق سبحانه وتظهر بصورة آدم وتسمى ابمسه وكان يقع منها ما
سيقع من آدم املنتظر حت ظهر منها توالد وتناسل مناسب لعامل املثال وانلت كماالت
صورية ومعنوية مناسبة لذلك العامل وصارت مستحقة للثواب والعقاب بل قامت القيامة
يف حقها وذهب اجلنيت اىل اجلنة واجلهنمي اىل جهنم مث ظهرت بعد ذلك يف وقت من
االوقات مبشية هللا سبحانه صفة أخرى من صفاته او لطيفة أخرى من لطائفه على نبينا
وعليه الصالة و السالم يف ذلك العامل وظهر منها ما ظهر من االوىل وملا مت دورها ايضا
ظهر ظهور اثلث من صفاته ولطائفه على نبينا وعليه الصالة و السالم وملا امت ذلك
الظهور ايضا دوره ظهر ظهور رابع وهكذا اىل ما شاء هللا تعاىل وملا متت دوائر ظهوراته
املثالية اليت تتعلق بصفاته ولطائفه وجدت آخر األمر هذه النسخة اجلامعة يف عامل
الشهادة ابجياد هللا جل سلطانه وصارت معززة ومكرمة بعنايته تعاىل فان وجد مائة ألف
آدم فليسوا اال أجزاء آدم هذا ومواده ومقدمات وجوده ومباديه و ج ّد الشيخ االكرب
الذي مضى من فوته ازيد من اربعني الف سنة كان لطيفة يف عامل املثال من لطائف جده
فان الشيخ الذي كان له وجود يف عامل الشهادة طاف ابلبيت وقتئذ يف عامل املثال فان
للكعبة املعظمة ايضا صورة وشبها يف املثال هي قبلة ألهل ذلك العامل والفقري ارسلت
نظري يف هذا الباب بعيدا بعيدا وتعمقت فيه كثريا فلم يقع نظري اىل آدم آخر يف عامل
الشهادة ومل اجد غري شعابذة عامل املثال وما قاله البدن املثايل اعين قوله اان من مجلة
اجدادك ومضى من فوتى ازيد من اربعني الف سنة ادل دليل على ان االوادم الذين كان
وجودهم قبل وجود آدم ابو البشر عليه السالم كانوا من ظهورات صفات آدم ولطائفه
عليه السالم ال انه كانت هلم خلقة على حدة مباينة خللقة آدم هذا فانه ما نسبة املباين
آلدم هذا وكيف يكون جد الشيخ فانه مل يتم سبعة آالف سنة بعد من خلقة آدم فاين
املساغ الربعني الف سنة والذين يف قلوهبم مرض يفهمون من هذه احلكاية تناسخا
ويكادون يقولون بقدم العامل وينكرون القيامة الكربى وبعض املالحدة الذين جلسوا يف
مسند الشيخوخة ابلباطل حيكمون جبواز التناسخ ويزعمون ان النفس ما مل تبلغ حد
- 780 -
كماهلا ال بد هلا من التقلب يف االبدان ويقولون اهنا اذا بلغت حد الكمال فقد فرغت
من التقلب يف االبدان بل من التعلق ابالبدان واملقصود من خلقتها كماهلا فاذا تيسر
كماهلا فقد حصل املقصود وهذا القول كفر صريح وانكار على ما ثبت من الدين
ابلتواتر فانه اذا بلغت كل النفوس حد الكمال يف اآلخر ملن تكون جهنم ومن يكون
معذاب وقوهلم هذا انكار جلهنم وانكار للعذاب االخروي وانكار ايضا حلشر االجساد فانه
مل يبق للنفس بزعمهم الفاسد احتياج اىل اجلسد الذي هو آلة لكماالهتا حت حتشر
االجساد واعتقاد هذه اجلماعة موافق العتقاد الفالسفة فاهنم ينكرون حشر االجساد
ويقولون ابلثواب والعذاب الروحانيني بل اعتقادهم اسوء من اعتقاد الفالسفة فاهنم
ينكرون التناسخ ويردون قول من يقول به ويثبتون العذاب الروحاين وهؤالء يثبتون التناسخ
وينكرون العذاب االخروي والعذاب عند هؤالء هو عذاب الدنيا وامنا يثبتونه الجل
هتذيب النفس (فان ق يل) قد نقل عن امري املؤمنني علي كرم هللا وجهه وبعض اولياء هللا
ايضا غريه انه وقع عنهم بعض اعمال غريبة وافعال عجيبة قبل وجودهم العنصري بقرون
متطاولة يف عامل الشهادة فكيف يصح ذلك بدون جتويز التناسخ (اجيب) ان صدور هذه
االعمال واالفعال امنا هو من ارواح هؤالء االكابر صارت متجسدة ابالجساد مبشيئة هللا
تعاىل وابشرت االفعال العجيبة ال من اجساد أخر تعلقت ارواحهم هبا (والتناسخ) هو
تعلق روح قبل تعلقه هبذا البدن ببدن آخر مباين ومغاير هلذا البدن فاذا جتسدت الروح
بنفسه كيف يكون تناسخا اال ترى ان اجلن يتشكل ابشكال خمتلفة ويتجسد ابجساد
متباينة ويقع عنهم يف هذا احلال اعمال عجيبة مناسبة لتلك االشكال واالجساد وال
تناسخ فيه اصال وال حلول فاذا كان يف اجلن ابقدار هللا تعاىل قدرة التشكل ابالشكال و
وقوع االعمال الغريبة منهم كيف يكون اعطاء تلك القدرة الرواح الكمل حمل تعجب وما
احلاجة اىل بدن آخر ومن هذا القبيل ما نقل عن بعض اولياء هللا تعاىل من اهنم حيضرون
يف امكنة متعددة يف ساعة واحدة ويقع عنهم امور متباينة وههنا ايضا لطائفهم متشكلة
ابشكال متباينة ومتجسدة ابجساد خمتلفة وكذلك حال من هو متوطن يف اهلند من
- 781 -
االعزة ومل خيرج من وطنه فجاء مجا عة من مكة املعظمة وقالوا رأينا الشيخ الفالين يف حرم
مكة املكرمة مشريين اىل ذلك الشخص من االعزة وجرى بيننا وبينه كيت وكيت وقالت
مجاعة أخرى حنن رأيناه يف الروم ورآه طائفة أخرى يف بغداد كل ذلك تشكل لطائف
لذلك الشيخ ابشكال خمتلفة ورمبا ال يكون ذلك الشيخ اطالع على هذه التشكالت
وهلذا يقول يف جواب هذه اجلماعات احياان كل ذلك هتمة على اان مل اخرج من البيت
ومل ار حرم مكة وال أعرف الروم وبغداد وال ادري من انتم وكذا ارابب احلاجات
يستمدون من االعزة االحياء واالموات يف املخاوف واملهالك ويرون ان صور هؤالء
االعزة قد حضرت ودفعت عنهم البلية فأحياان يكون هلؤالء االعزة اطالع على ذلك
وأحياان ال {ع}:
فهل لنا و لكم شيئ سوى نسب
و هذا ايضا تشكل لطائف هؤالء االعزة وهذا التشكل يكون احياان يف عامل
الشهادة وأحياان يف عامل املثال كما ان ألف انسان يرون النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف
املنام يف ليلة واحدة بصورة خمتلفة ويستفيدون منه صلّى هللا عليه و سلّم أشياء هذا كله
تشكل صفاته ولطائفه صلّى هللا عليه و سلّم وكذلك املريدون يستفيدون من صور
الشيوخ املثالية اشياء وحيلون املشكالت والكمون الربوز اللذان نقال عن بعض املشائخ ال
مساس هلما ابلتناسخ فان تعلق الروح ابلبدن الثاين يف التناسخ امنا هو لثبوت احلياة
والجل حصول احلس واحلركة لذلك البدن ويف الربوز ليس تعلق النفس ببدن آخر الجل
حصول الغرض بل املقصود من هذا التعلق هو حصول الكماالت لذلك البدن ووصوله
اىل الدرجات كما ان جنيا اذا تعلق بفرد من افراد االنسان وبرز يف شخصه ليس ذلك
التعلق الجل حصول احلياة لذلك الفرد فانه حي وحساس ومتحرك قبل ذلك التعلق
والذي حيدث فيه من هذا التعلق هو ظهور صفات ذلك اجلين وحركاته وسكناته
واملشائخ املستقيموا االحوال ال يتفوهون بعبارة الكمون و الربوز و ال يرمون به الناقصني
يف البالء و الفتنة ال حاجة عند الفقري اىل الكمون و الربوز اصال بل لو اراد كامل ان
- 782 -
يريب انقصا ينبغي ان جيعل ابقدار هللا تعاىل صفاته الكاملة منعكسة يف املريد الناقص وان
جيعل ذلك االنعكاس اثبتا ومستقرا ليخرج املريد الناقص من النقص اىل الكمال ومييل من
الصفات الرذي لة اىل الصفات احلميدة من غري ان يكون يف البني كمون وبروز اصال ذلك
فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (وقال) بعض آخر بنقل االرواح يقولون
انه حيصل للروح بعد الكمال قدرة حبيث ترتك بدهنا لو شاء وتدخل يف بدن آخر نقل ان
واحدا من االعزة الذي كان له هذا الكمال وهذه القدرة ملا تويف يف جواره شاب ترك
بدن نفسه الذي كان قد ادرك سن الشيخوخة ودخل يف بدن ذلك الشاب فصار بدنه
االول ميتا وبدن الشاب حيا وهذا القول مستلزم للتناسخ الن تعلق الروح ابلبدن الثاين
على هذا التقدير امنا هو حلصول احلياة لذلك البدن وامنا الفرق بني هذا وبني التناسخ ان
القائل ابلتناسخ حاكم بنقص النفس ويثبت التناسخ الجل تكميلها والذي هو قائل بنقل
الروح يعتقد الروح كامال ويثبت االنتقال بعد كمال الروح وعند الفقري القول ابنتقال
الروح اسقط من القول ابلتناسخ فان القائل ابلتناسخ اعترب التناسخ الجل تكميل النفوس
وان كان هذا االعتبار ابطال وزعم انتقال الروح بعد حصول الكمال وان مل يكن كمال
اصال فاذا تقرر كون تبدل االبدان الجل حتصيل الكماالت فالي شئ يكون االنتقال
اىل بدن آخر بعد حصول الكمال واهل الكمال ليسوا ابرابب اهلوس بل مهتهم بعد
حصول الكمال التجرد عن االبدان ال التعلق ابالبدان فانه قد حصل ما هو املقصود من
التعلق وايضا ان يف انتقال الروح اماتة البدن االول واحياء البدن الثاين فال بد للبدن
االول من حصول احكام الربزخ كعذاب القرب وثوابه والبدن الثاين ملا اثبتوا له احلياة الثانية
ثبت يف حقه احلشر يف الدنيا واظن ان معتقدي انتقال الروح ال يقولون بعذاب القرب
وثوابه وال يعتقدون احلشر والنشر فآه ألف انتهى حيث ان امثال هؤالء البطالني جلسوا
يف مسند الشيخوخة وصاروا مقتدى هبم الهل االسالم ضلوا فأضلوا .ربنا ال تزغ قلوبنا
بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك أنت الوهاب حبرمة سيد املرسلني عليه
وعليهم الصالة و السالم
- 783 -
(تذييل) يف بيان بعض العلوم واملعارف اليت تتعلق بعامل املثال (ينبغي) ان يعلم ان
عامل املثال اوسع من مجيع العوامل وكلما هو يف مجيع العوامل له صورة يف عامل املثال
وللمعقوالت واملعاين كلها صورة فيه قيل ان احلق سبحانه ليس له مثل ولكن له مثال وهلل
املثل االعلى وقد كتب هذا الفقري يف مكاتيبه كما ان ال مثل له تعاىل يف مرتبة التنزيه
الصرف ليس له سبحانه مثال ايضا فال تضربوا هلل االمثال وامنوذج عامل املثال يف العامل
الصغري هو اخليال فان صورة مجيع االشياء متصورة يف اخليال واخليال هو الذي يرى
كيفيات احوال السالك ومقاماته ابلتصوير وجيعله من ارابب العلم فلو مل يكن اخليال او
كان قاصرا لزم اجلهل ومن ههنا ليس فوق مرتبة الظالل غري اجلهل واحلرية فان جوالن
اخليال امنا هو يف مراتب الظالل وحيث ال ظالل فيه ال جمال للخيال فيه فاذا مل تكن
ا لصورة التنزيهية يف املثال كما مر كيف تتصور هي يف اخليال الذي هو ظل املثال فال
جرم ال يكون مثة اال اجلهل واحلرية وكل حمل ليس فيه علم ليس فيه قيل وقال من عرف
هللا كل لسانه عالمة ذلك وكل حمل فيه علم فيه قيل وقال من عرف هللا طال لسانه بيان
ما هنالك فيكون طول اللسان يف مقام الظالل وكل اللسان فوق مراتب الظالل فعال
كان او صفة امسا كان او مسمى وكلما هو منحوت اخليال فهو من الظالل وكلما هو
من الظالل فهو معلول وبعلة اجلعل جمعول وليس هو غري ان يكون من آاثر املطلوب
وعالماته املفيدة لعلم اليقني وعني اليقني وحق اليقني كالمها وراء الظالل واخليال
واخلالص من حن ت اخليال امنا يتسري اذا ترك السري االنفسي ايضا كالسري اآلفاقي وراء
الظهر وجال يف ما وراء االنفس واآلفاق وهذا املعن يتيسر الكثر االولياء بعد املوت وما
دامت احلياة ابقية فاخليال متشبث ابذايهلم ويتيسر لالقلني من االكابر يف هذه النشأة
فيخرجون من تصرف سلطان اخليال مع وجود احلياة الدنيوية ويعانقون املطلوب بال حنت
اخليال وجعله ففي هذا الوقت يصري التجلي الربقي دائميا يف حقهم وتظهر مبادئ الوصل
العراين {شعر}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع
- 784 -
(فان قيل) قد يرى مجاعة يف الواقعات واملنامات يف املثال او اخليال اهنم صاروا
سالطني ويعاينون خدمهم وحشمهم او يرون اهنم صاروا اقطااب وتوجه اليهم مجيع العامل
ويف عامل اليقظة واالفاقة الذي هو عامل الشهادة ال يظهر شئ من تلك الكماالت فهل
هلذه الرؤية وجه من الصدق او ابطل حمض (اجيب) ان هلذه الرؤية حمال من الصدق بيانه
هو ان معن السلطنة والقطبية كائن يف تلك اجلماعة ولكنه ضعيف فيهم غري الئق الن
يظهر يف عامل الشهادة مث بعد ذلك ال خيلو عن احد احلالني اما ان حتدث هلذا املعن
بعناية هللا سبحانه قوة ويصري الئقا الن يظهر يف عامل الشهادة فيصريون بقدرة هللا
سبحانه سالطني او اقطااب واما ان ال حتدث له قوة الظهور يف عامل الشهادة فيكتفي
بذلك الظهور املثايل الذي هو اضعف الظهورات ويظهر فيه على قدر قوته (ومن) هذا
القبيل ما يراه طالبوا هذا الطريق من الواقعات حيث جيدون انفسهم يف مقامات عالية
ويرون اهن م تشرفوا مبناصب ارابب الوالية فان ظهر هذا املعن يف الشهادة ايضا فهو دولة
عظيمة وان اكتفى بظهوره يف املثال فال حاصل فيه بل هو مصيبة فان كل حائك وحجام
يرى نفسه يف املنام سلطاان وليس له حاصل غري اخلسارة والندامة فال ينبغي اعتبار
الواقعات وكلما يتيسر يف الشهادة فهو الغنيمة {شعر}:
واىن غالم الشمس اروى من الشمس * وما يل ولليل فاروى حديثه
و من ههنا مل يعترب اكابر النقشبندية الواقعات وال يتوجهون اىل توجيه وقائع
الطالبني وتعبريها لكوهنا قليل اجلدوى وامنا املعترب عندهم ما تيسر يف االفاقة واليقظة وهلذا
اعتربوا دوام الشهود واعتقدوا الدولة استمرار احلضور واحلضور الذي يقتفيه الغيبة ساقط
عن حيز االعتبار عند هؤالء االكابر ومن ههنا صار نسيان ما سوى هللا تعاىل دائميا يف
حقهم وحضور الغري يف قلبهم منفيا يف مجيع االوقات نعم اذا كانت النهاية مندرجة يف
بداية شخص كيف يستبعد عنه هذه الكماالت ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف أمران
وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين و السالم.
- 785 -
{املكتوب التاسع واخلمسون اىل اخلواجه حممد عبد هللا ولد شيخه سلمه هللا
يف بيان ان املعقول واملوهوم واملكشوف واملشهود كلها داخلة يف السوى وما يناسب
ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الصحيفة الشريفة اليت
أرسلها قرة العني وقد اندرج فيها ان تلك الشعابذة قد زالت وارتفعت بكرم هللا سبحانه و
تعاىل ومل يبق منها شئ واهلمة مصروفة يف ان ال حيصل شئ من االثبات واملعقول واملوهوم
كله داخل حتت كلمة ال كذا وكذا وكتبتم ان هذا املعن حاصل ابلتلكف واملرجو ان
يكون نصيبا من غري تكلف (أيها النجيب) ان املعقول واملوهوم بل املكشوف واملشهود
آفاقيا او انفسيا كله داخل يف السوى ومن مجلة اللهو واللعب وليس التعلق به غري التعلق
ابلشعابذة وزوال هذه التعلقات لو كان ابلتكلف فهو داخل يف الطريقة ومن مجلة علم
اليقني فان تيسرت هذه الدولة بعد اللتيا واليت بال تكلف وتبدل حال التكلف يف نفي
السوى ابنتفائه بنفسه فقد خرج من مضيق الطريقة وسكة العلم وتشرف ابلفناء وهذا
املعن يسري يف التكلم وعسري حبسب الوصول اليه اي عسري اال من يسره هللا سبحانه
واالمور اليت تتعلق ابحلقيقة فهي يف االمام وبعد املرور من النفي بل بعد جماوزة مقام
االنتفاء مقام االثبات وما وراء العلم والعني (اعلم) انه ال اعتداد ابلطريقة يف جنب
احلقيقة وال اعتبار للنفي ابلنسبة اىل االثبات اصال فان متعلق النفي هو املمكنات ومتعلق
االثبات هو الواجب سبحانه والنفي يرى يف النظر يف جنب االثبات كقطرة يف جنب
البحر احمليط وحبصول هذا النفي وذاك االثبات يوصل اىل الوالية اخلاصة وبعد حصول
الوالية اخلاصة اما العروج واما النزول وان كان النزول لذلك العروج الزما ايضا ربنا امتم لنا
نوران واغفر لنا ذنوبنا انك على كل شئ قدير السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى
والتزم متابعة املصطفى عليه الصالة و السالم.
{املكتوب الستون اىل حممد تقي يف بيان ان الالزم صرف العنان عن
- 786 -
واالحتياط يف حفظ حدود الشريعة حت يرجى الفالح واخلالص من عذاب اآلخرة فاذا
صحح االعتقاد والعمل وصلت النوبة اىل الدخول يف طريق الصوفية ورجاء حصول
كماالت الوالية وحبث االمامة ابلنسبة اىل ضرورايت الدين كاملطروح يف الطريق غاية ما
يف الباب ان املخالفني ملا غالوا يف هذا الباب وطعنوا يف اصحاب خري البشر عليه وعليهم
الصلوات و التسليمات يورد يف ردهم ابلضرورة مقدمات طويلة الذيل لكون دفع لزوم
الفساد من الدين املتني من ضرورايت الدين و السالم.
{املكتوب احلادي والستون يف تعزية اصحاب املرحوم موالان امحد الربكي ويف
نصيحتهم وجعل موالان احلسن رئيس حلقتهم وما يناسب ذلك}
الرحيم بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان وجود الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
املرحوم املغفور له موالان امحد عليه الرمحة يف هذا الوقت كان للمسلمني آية من آايت هللا
جل وعال ورمحة من رمحاته تعاىل اللهم ال حترمنا أجره وال تفتنا بعده االمداد واالعانة
للماضني مأمول ومسئول من االصحاب واالحباب وخدمة اوالد املرحوم ومتعلقاته
واستمالة قلوهبم وتسلية خواطرهم واجبة على احملبني فينبغي سعيهم يف ان يقرأ اوالد
املرحوم وان يكونوا متحلني ابلعلوم الشرعية وليكافئوا احسان املرحوم ابالحسان اىل
اوالده هل جزاء االحسان اال االحسان وينبغي رعاية اطوار املرحوم واوضاعه واحواله
واوقاته وان تشتغلوا ابلذكر واحللقة لئال يقع الفتور وان يقعد االصحاب جمتمعني فانيا كل
واحد يف اآلخر ليظهر اثر الصحبة وقد كتب هذا الفقري قبل ذلك على سبيل االنفاق
ابن موالان لو اختار سفرا ينبغي ان ينصب الشيخ احلسن مكانه فكان املراد منه على وفق
القضاء هذا السفر واآلن ايضا االحظ يف هذا االمر مكررا واجد الشيخ احلسن متعينا يف
هذا االمر وال يثقل هذا املعن على بعض االصحاب فانه ليس ابختياران وال ابختيارهم
واالنقياد الزم ولطريق الشيخ احلسن مناسبة كثرية بطريق موالان والنسبة اليت أخذها موالان
من هذا اجلانب يف اآلخر ل لشيخ احلسن شركة معه فيها واالصحاب الباقون قليلوا
- 788 -
النصيب منها وان حصل هلم كشف وشهود وصاروا متحلني ابلتوحيد واالحتاد ولكن هذه
الدولة امر آخر ال يشرتون الكشوف والشهود هناك على شعرية ويستغفرون من ذلك
التوحيد واالحتاد وابجلملة ينبغي ان ال يتوقف االصحاب يف تقدمي الشيخ احلسن وان
يشتغلوا ابمرهم جاعلني اايه رئيس حلقتهم وليفهم اخوان اخلواجه اويس هذا املعن
لالصحاب وليدهلم على االشتغال بعقد احللقة والصحبة ويرغبهم يف الشيخ احلسن
وينبغي للشيخ احلسن ايضا حفظ خواطر الشركاء والرفقاء وأداء حقوق االخوة وان ال
يفارق مطالعة الكتب الفقهية وان جيتهد يف نشر االحكام الشرعية وان يرغب يف متابعة
السنة السنية وان حيذر عن البدعة الشنيعة وان ال يعدل عن طريق االلتجاء والتضرع
واالنكسار لئال يلقي النفس االمارة من جهة الرايسة والتقدم على االقران يف املهلكة
واحلالة السيئة وليعتقد نفسه يف مجيع االوقات وسائر احلاالت قاصرا وانقصا وليكن طالبا
لكماله والنفس والشيطان عدوان قواين يف الكمني فال خيرجان من الطريق خائبا و خاسرا
{شعر}:
وذلك من نصحي لكم ان قبلتموا * جنومت واال فافعلوا ما بدا لكم
وبالد اهلند بعيد عنكم والقافلة ترد وتذهب ابالخبار يف سنة مرة واحدة فينبغي
كتابة االحوال فان مل تقدروا على الوصول فال تغفلوا عن الكتابة والشيخ يوسف قريب
منا وكان هنا مدة واخذ فوائد مجة واطلع على حقيقة الفناء ورجع اىل وطنه مبيعاد اجملئ
اثنيا وهو رجل مستعد وصادق االخالص وهللا سبحانه املوفق وحيث أنيتم عنا يبالغ يف
النصيحة تيقظوا وتنبهوا واعتقدوا الرايسة بالء الروح وكونوا خائفني ووجلني مشفقني من
حدوث لذة يف هذه الرايسة فتنجر اىل اهلالك االبدي ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران
وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سالم
على املرسلني واحلمد هلل رب العاملني.
{املكتوب الثاين والستون اىل خاخناانن يف بيان ان االنسان مدين الطبع جمبول
- 789 -
على التمدن وحمتاج اىل بين نوعه يف تعيشه وحسن االنسان ايضا يف هذا االحتياج
وما يناسب ذلك}.
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى نسأل هللا سبحانه و تعاىل ترقياتكم
الصورية واملعنوية فان خرييتكم وصالحكم متضمنة جلمعية مجيع املسلمني ورفاهيتهم
والدعاء لكم دعاء جلميع املسلمني سلمكم هللا سبحانه عما ال يليق جبنابكم حبرمة سيد
املرسلني عليه وعليهم و على آل كل من الصلوات افضلها ومن التسليمات أكملها
وحيث اعلم ان نسبة حمبتكم وارادتكم واخالصكم الكابر النقشبندية العلية قدس هللا
تعاىل اسرارهم على وجه االمت واالكمل فبناء على ذلك نصري ابعثا على تصديعكم (ايها)
املخدوم املكرم ان اهل هذه السلسلة العلية وقعوا يف هذه الداير غرابء ومناسبة اهل هذه
الداير لطريقة هؤالء االكابر الذين هم ملتزمون للسنة بواسطة شيوع البدعة يف هذه الداير
قلي لة ومن ههنا اخرتع بعض اهايل هذه السلسلة بواسطة قصور نظره يف هذه الطريقة
العلية ايضا بدعات وجذب قلوب الناس بعالقة ارتكاب تلك البدعات اىل جانبه وظن
هذا العمل بزعمه تكميال هلذه الطريقة العلية حاشاها من ذلك وكال بل هؤالء اجلماعة
جيتهدون يف ختريب الطريقة وتضييعها ومل يدركوا حقيقة معاملة اكابر هذه الطائفة هداهم
هللا سبحانه سواء الصراط وحيث ان اهل هذه السلسلة العلية عزيزوا الوجود يف هذه
الداير ينبغي ملريدي هذه السلسلة وحمبيهم امداد هؤالء األكابر وطلبة هذا الطريق
واعانتهم فان االنسان مدين الطبع جمبول على التمدن حمتاج يف تعيشه اىل بين نوعه قال
ِ ك هللا وِمن اتَّـبـع َ ِ
ني * االنفال)64 :ك م َن ال ُْم ْؤمنِ َ هللا تبارك و تعاىل ( ََي اَيُّـ َها النِ ُّ
َّيب َح ْسبُ َ ُ َ َ َ َ
فاذا كان يف كفاية مهمات خري البشر عليه و على آله الصلوات و التسليمات دخل
للمؤمني فما املضايقة على اآلخرين وأكثر أغنياء هذا الوقت يزعمون الدروشة يف عدم
االحتياج وليس كذلك فان االحتياج ذايت جلميع املمكنات بل حسن االنسان هو يف
هذا االحتياج وذل العبودية انش من هذه اجلهة فانه لو زال االحتياج فرضا عن االنسان
وحصل له االستغناء ال يكون فيه غري العصيان والعناد والطغيان قال هللا تعاىل (اِ َّن
- 790 -
استَـغْ َىن * العلق )7-6 :غاية ما يف الباب ان الفقراء سا َن لَيَطْغَى * اَ ْن َرآهُ ْ ِ
اْالنْ َ
لتخلصهم عن التعلق ابالغيار حييلون االحتياج اىل االسباب على مسبب االسباب ويرون
الدولة املبذولة العامة من خوان نعمته تعاىل ويعتقدون ان املانع واملعطي يف احلقيقة هو هللا
تعاىل وحيث اوردت االسباب يف البني بواسطة حكم ومصاحل ونسب احلسن والقبح اليها
جيعل هؤالء االكابر ايضا الشكر والشكاية راجعني اليها ويرون احلسنة والسيئة منها فاهنم
ك * آل ت ٰه َذا َاب ِطالً ُس ْب َحانَ َ
لو مل يعتربوا االسباب ألبطلوا معاملة عظيمة ( َربنَا َما َخلَ ْق َ
عمران )190 :ووجود معدن احلقائق واملعارف اخي االعز السيد مري حممد نعمان مغتنم
يف تلك احلدود ودعاؤه وتوجهه كربيت أمحر وأظن ان بركات توجهاته وفيوضها قوائم
دولتكم وأجده يف احلضور والغيبة ممدكم ومعاونكم وقد كتب املرقوم قبل هذا بسنة من
حماسنكم اىل الفقري وادرج فيما كتب حمبتكم واخالصكم للفقراء واظهر فيه انه قد فوض
تولية هذه الوالية اىل آخر فهذا الوقت وقت التوجه واملدد فحصل للفقري يف اثناء مطالعة
ذلك املكتوب توجه يف هذا الباب فوجدتكم يف ذلك الوقت رفيع القدر والظاهر انه قد
كان يف تلك الساعة شخص متوجها اىل تلك اجلهة فكتبت يف جواب ذلك املكتوب
هذه العبارة ان خاخناانن يظهر يف النظر رفيع القدر واالمر عند هللا سبحانه.
{املكتوب الثالث و الستون اىل نورحممد االنبايل يف جواب استفساره ابنه اذا
حضر الطالب لطلب احلق جل و عال عند شيخ آخر مع وجود شيخه هل جيوز له
ذلك او ال}
الرحيم بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان املكتوب
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
املرسل قد وصل وسألت انه مع وجود حياة الشيخ اذا حضر الطالب عند شيخ آخر
لطلب احلق جل وعال هل جيوز له ذلك او ال اعلم ان املقصود هو احلق سبحانه والشيخ
وسيلة الوصول اىل جناب احلق تعاىل فان رأى الطالب رشده عند شيخ آخر ووجد قلبه
يف صحبته حاضرا مع احلق جيوز ان حيضر عنده يف حياة شيخه االول بال اذنه ويطلب
- 791 -
منه رشده ولكن ينبغي ان ال ينكر شيخه االول وال يذكره اال خبري خصوصا يف هذا
الوقت فانه مل يبق فيه املريدية والشيخوخة غري الرسم والعادة فاذا مل يكن لشيوخ هذا
الوقت خرب عن انفسهم وال يقدرون ان يفرقوا بني االميان والكفر فكيف يكون هلم خرب
عن هللا عز وجل و على اي طريق يدلون املريد {شعر}:
من مل يكن ذا خربة عن نفسه * ال يقدر االخبار عن هذا وذا
اي ويح مريد يقعد عند مثل هذا الشيخ معتقدا له وال يرجع اىل غريه وال يعرف
طريق احلق جل وعال وهذا من اخلطرات الشيطانية الواردة من جهة الشيخ الناقص ملنع
الطالب عن طلب احلق سبحانه كل موضع رأى الطالب رشده ومجعية قلبه فيه ينبغي
الرجوع فيه بال توقف وان يستعيذ من الوساوس الشيطانية.
{املكتوب الرابع والستون اىل حممد مؤمن ولد املرحوم اخلواجه عليجان يف
بيان انه ينبغي ان ال يضيق الصدر عن تلون االحوال وعدم حصول اآلمال الدنياوية
الدنية}
الرحيم سلمكم هللا سبحانه عما ال يليق حبالكم اعلموا أن الدنيا الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
سجن املؤمن واملناسب حلال السجن هو الوجع واالمل واملصيبة وال ينبغي التضجر واجلزع
من تلون االحوال وعدم حصول اآلمال (فَاِ َّن َم َع الْعُ ْس ِر يُ ْس ًرا ( )5/94اِ َّن َم َع الْعُ ْس ِر
يُ ْس ًرا * االنشراح )6-5 :فقرن هللا سبحانه بعسر واحد يسرين ويشبه ان يكون املراد
منهما يسري الدنيا واآلخرة {ع}:
ال عسر يف امر مع الكرام
و ابقي احوال هذه احلدود يبينها السيد عبد الباقي ابملشافهة و املشار اليه متوجه
ملالقاتكم مراعاة حلقوقكم و اشفاقا عليكم.
- 792 -
{املكتوب اخلامس والستون اىل موالان حممد هاشم اخلادم يف التحذير عن
االشتغال ابمور ال طائل فيها}
الرحيم بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني انكم ما كتبتم الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
يف هذه املدة عن احوالكم الباطنية خربا معتدا به حت يكون ابعثا على الفرح وامور الدنيا
مما ال طائل فيها وال قدر للدنيا وما فيها حت يشتغل االنسان حبشوايهتا اتركا لتذكر
احوال اآلخرة وان كانت نيتكم نية خري ولكنكم قد مسعتم ان حسنات االبرار سيئات
املقربني و على كل حال ينبغي التوجه اىل االحوال واالشتغال ابلطفيلي بقدر الضرورة
فان الضرورة تقدر بقدرها هلل سبحانه احلمد واملنة ان فقراء هذه احلدود وان مل يكن هلم
رزق معلوم ولكنهم يصرفون االوقات ابلفراغة والوسعة من غري سعي يف امر الرزق وال
اجتهاد ونصيبهم يصيبهم زايدة على قدر الكفاف والرزق هو نقد الوقت وابقي احوال
هذه احلدود مستوجب للحمد ويف هذه االشهر عاد الوابء اثنيا ومات من جاء اجله وقد
ارتفع اآلن هلل سبحانه احلمد واملنة على مجيع النعماء و السالم.
{املكتوب الس ادس والستون اىل خاخناانن يف بيان التوبة واالانبة والورع
والتقوى وما يناسب ذلك}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وحيث صرفنا الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
العمر العزيز يف املعاصي والزالت والتقصريات واهلفوات يستحسن ان نتكلم من التوبة
واالانبة والورع والتقوى قال هللا تبارك و تعاىل وتوبوا اىل هللا مجيعا ايها املؤمنون لعلكم
تفلحون وقال تعاىل اي أيها الذين آمنوا توبوا اىل هللا توبة نصوحا عسى ربكم ان يكفر
عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات جتري من حتتها االهنار وقال تعاىل وذروا ظاهر االمث
وابطنه فالتوبة من الذنوب واجبة وفرض عني يف حق كل شخص ال يتصور ان يستغين
عنها احد من البشر كيف واالنبياء عليهم الصالة و السالم مل يستغنوا عن التوبة قال
خامتهم وسيدهم عليه وعليهم صلوات هللا وحتياته انه ليغان على قليب واين الستغفر هللا يف
- 793 -
اليوم والليلة سبعني مرة[ ]1فان كانت املعاصي تتعلق حبق هللا تعاىل وال تتعلق حبقوق العباد
من املظامل كالزان وشرب اخلمر ومساع املالهي والنظر اىل غري حمرم ومس املصحف بغري
وضوء واعتقاد بدعة فالتوبة عنها ابلندم واالستغفار والتحسر واالعتذار اىل هللا عز وجل
ولو ترك فرض من الفرائض ال بد يف التوبة من ادائه وان كانت املعاصي تتعلق مبظامل
العباد فتوبتها برد املظامل اليهم واالستحالل منهم واالحسان اليهم والدعاء هلم وان كان
صاحب املال والعرض ميتا فاالستغفار واالحسان ورد املال اىل اوالده وورثته وان مل يعلم
له وارث يتصدق بقدر املال واجلناية على الفقراء واملساكني بنية صاحب املال والذي
اوذي بغري حق قال علي كرم هللا وجهه مسعت ااب بكر رضي هللا عنه يقول وهو الصادق
قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ما من عبد أذنب ذنبا فقام فتوضأ و صلى واستغفر
هللا من ذنبه اال كان حقا على هللا ان يغفر له[ ]2النه يقول جل وعال ومن يعمل سوء او
يظلم نفسه مث يستغفر هللا جيد هللا غفورا رحيما وقال عليه و على آله الصالة و السالم
يف حديث آخر من أذنب ذنبا مث ندم عليه فهو كفارة ويف اخلرب ان الرجل اذا قال
[]3
استغفرك واتوب اليك مث عاد مث قاهلا مث عاد ثالث مرات كتب يف الرابعة من الكبائر
ويف احلديث النبوي انه قال عليه و على آله الصالة و السالم هلك املسوفون يقولون
سوف نتوب اوصى لقمان احلكيم البنه اي بين ال تؤخر التوبة اىل غد فان املوت أيتيك
بغتة قال جماهد من مل يتب اذا اصبح وامسى فهو من الظاملني قال عبد هللا بن املبارك
رمحه هللا سبحانه رد فلس من احلرام أفضل من مائة فلس يتصدق به وقيل رد دانق من
فضة افضل عند هللا من ستمائة حجة مربورة ربنا ظلمنا أنفسنا وان مل تغفر لنا وترمحنا
لنكونن من اخلاسرين عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم انه قال ان هللا تعاىل يقول عبدي ّاد
ما افرتضت عليك تكن أعبد الناس وانته عما هنيتك عنه تكن من اورع الناس واقنع مبا
رزقتك تكن اغن الناس[ ]1وقال صلّى هللا عليه و سلّم اليب هريرة رضي هللا عنه كن ورعا
تكن اعبد الناس[ ]2وقال احلسن البصري رمحه هللا مثقال ذرة من الورع خري من الف
مثقال من الصوم والصالة وقال ابو هريرة رضي هللا عنه جلساء هللا غدا اهل الورع والزهد
ايل املتقربون مبثل الورع
اوحى هللا اىل موسى على نبينا وعليه الصالة و السالم ال يتقرب ّ
قال بعض العلماء ابهلل ال يتم الورعا ال ان يرى عشرة اشياء فريضة على نفسه اوهلا حفظ
اللسان عن الغيبة والثاين االجتناب عن السخرية والثالث االجتناب عن سوء الظن والرابع
غض النظر عن احملارم واخلامس صدق اللسان والسادس ان يعرف منة هللا كيال يعجب
بنفسه والسابع ان ينفق ماله يف احلق وال ينفقه يف الباطل والثامن ان ال يطلب لنفسه
العلو والكرب والتاسع احملافظة على الصلوات والعاشر االستقامة على السنة واجلماعة ربنا
امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير (ايها املخدوم) املكرم املشفق االكرم إن
تيسرت التوبة عن مجيع الذنوب وحصل الورع و التقوى من مجيع احملرمات واملشتبهات
فذلك نعمة عظيمة ودولة قصوى واال فالتوبة من بعض الذنوب والورع من بعض
احملرمات ايضا مغتنمة ولعل بركات ذلك البعض وانواره تسري يف االبعاض اآلخر ويتيسر
التوفيق للتوبة والورع من سائر املعاصي ايضا وما ال يدرك كله ال يرتك كله اللهم وفقنا
ملرضاتك وثبتنا على دينك و على طاعتك حبرمة سيد املرسلني وقائد الغر احملجلني عليه
وعليهم و على آل كل من الصلوات افضلها ومن التسليمات اكملها.
{املكتوب السابع والستون اىل خاجنهان يف بيان عقائد اهل السنة واجلماعة
رضوان هللا تعاىل عليهم امجعني مع بيان االركان اخلمسة االسالمية والتحريض على
( )1اخرج امحد والرتمذي عن ايب هريرة مرفوعا بلفظ اتق احملارم تكن اعبد الناس وارض مبا قسم هللا لك تكن اغن
الناس احلديث منه عفي عنه.
( )2رواه البيهقي عنه منه عفي عنه.
- 795 -
امساع الكلمة احلقة يعين كلمة االسالم على مسع سلطان الوقت}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
الصحيفة الشريفة املرسلة ابسم الفقراء املنقطعني على وجه الكرم وااللتفات محدا هلل
سبحانه على حصول االلتفات والتواضع لالغنياء ذوي السعادة يف مثل هذا الزمان
اململوء من الشبه واالشتباه اىل الفقراء الذين ال حاصل هلم مع عدم املناسبة وحصول
االميان هلم من حسن النشأة الذي فيهم هبذه الطائفة اي هلا من نعمة عظيمة حيث مل
تكن التعلقات الشت مانعة عن حصول هذه الدولة ومل يعاوق التوجهات املتفرقة عن حمبة
هؤالء القوم ينبغي اداء شكر هذه النعمة العظمى كما حقه وان يكون راجيا املرء مع من
احب حديث نبوي عليه و على آله الصالة و السالم (أيها) السعيد النجيب ال بد
لالنسان من حتصيح العقائد مبوجب آراء الفرقة الناجية اهل السنة واجلماعة رضوان هللا
تعاىل عليهم امجعني الذين هم السواد االعظم واجلم الغفري حت يتصور الفالح األخروي
والنجاة االبدية وخبث االعتقاد الذي هو خمالفة معتقدات اهل السنة سم قاتل موصل
اىل املوت االبدي والعذاب السرمدي واملداهنة يف العمل واملساهلة فيه يرجى فيها املغفرة
واما املداهنة يف االعتقاد فال جمال فيها للمغفرة ان هللا ال يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون
ذلك ملن يشاء (ولنورد) معتقدات اهل السنة بلسان االجياز واالختصار ينبغي تصحيح
االعتقاد مبقتضاها وان يسأل احلق سبحانه ابلتضرع واالبتهال االستقامة على هذه الدولة
(اعلم) ان هللا تعاىل موجود بذاته القدمية وسائر االشياء صارت موجودة ابجياده سبحانه
وخرجت من العدم اىل الوجود بتخليقه وهو تعاىل قدمي ازيل واالشياء كلها حادثة
وموجودة بعد ان مل تكن وكلما هو قدمي ازيل فهو ابق وأبدي وكلما هو حادث ومسبوق
ابلعدم فهو فان ومستهلك يعين يف شرف الزوال وهو سبحانه واحد ال شريك له ال يف
وجوب الوجود وال يف استحقاق العبادة ال يليق وجوب الوجود لغريه تعاىل وال يتسحق
العبادة سواه سبحانه وله تعاىل صفات كاملة فمنها احلياة والعلم والقدرة واالرادة والسمع
والبصر والكالم والتكوين كلها متصفة ابلقدم واالزلية وقائمة حبضرة الذات تعالت
- 796 -
وتقدست والتعلقات احلادثة ال تورث خلال يف قدم الصفات وحدوث املتعلق ال يصري
مانعا الزليتها واستدلت الفالسفة من نقصان عقوهلم واملعتزلة من عمايتهم وغوايتهم
حبدوث املتعلق على حدوث املتعلق ونفوا الصفات الكاملة وعلمه تعاىل ابجلزئيات
الستلزامه التغري الذي هو من أمارات احلدوث ومل يعلموا ان الصفات تكون ازلية وتكون
تعلقاهتا ابملتعلقات احلادثة حادثة ونقائص الصفات مسلوبة عن جناب قدسه تعاىل وهو
تعاىل منزه عن صفات اجلواهر واالجسام واالعراض ولوازمها ال جمال للزمان واملكان
واجلهة يف حضرته تعاىل وهذه كلها خملوقاته تعاىل وزعم مجاعة ممن ال خرب هلم انه تعاىل
فوق العرش واثبتوا له سبحانه جهة الفوق والعرش وما سواه مما حواه كلها حادثة
وخملوقاته تعاىل وكيف يكون للمخلوق احلادث جمال ان يكون مكاان للخالق القدمي ومقرا
له ولكن العرش اشرف خملوقاته والنورانية والصفاء أزيد فيه منها يف غريه من املمكنات فال
جرم له حكم املرآتية الن يظهر عظمة اخلالق وكربايؤه جل وعال فيه ظهورا بينا وبعالقة
هذا الظهور يقال له عرش هللا واال فالعرش وغريه كله متساو ابلنسبة إليه تعاىل وكله
خملوقه تعاىل ولكن للعرش قابلية االراءة وليست هي لغريه أال ترى ان املرآة اليت ترى صورة
انسان ال يقال ان ذلك االنسان يف املرآة بل نسبة هذا االنسان اىل املرآة ونسبته اىل غريه
من االشياء املتقابلة اليه متساوية وامنا التفاوت من جهة القابلية وعدمها حيث ان يف
املرآة قابلية انطباع الصورة وليست هذه القابلية يف غريها وهو تعاىل ليس جبسم وال
جسماين وال جوهر وال عرض وال حمدود وال متناه وال طويل وال عريض وال قصري وال
ضيق بل واسع ال ابلوسعة اليت تدرك ابفهامنا وحميط ال ابالحاطة اليت تكون مدركا
ابدراكنا وقريب ال ابلقرب الذي يتعقل بعقولنا وهو تعاىل معنا ال ابملعية املتعارفة نؤمن
ابنه تعاىل واسع وحميط وقريب وانه معنا ولكن ال نعرف كيفيات هذه الصفات ما هي
وكلما نعرف من كيفيات هذه الصفات نعرف ان له قدما يف مذهب اجملسمة وهو تعاىل
ال يتحد بشئ اصال وال يتحد معه شئ وال حيل فيه تعاىل شئ قطعا وال يكون هو تعاىل
حاال يف شئ والتجزي والتبعض حماالن يف جناب قدسه تعاىل والرتكيب والتحليل ممنوعان
- 797 -
يف حضرته تعاىل وليس له تعاىل كفؤ وال مثل وال صاحبة له وال ولد وهو تعاىل منزه يف
ذا ته وصفاته عن الكيف والشبه واملثال ومبلغ علمنا فيه انه تعاىل موجود وابالمساء
والصفات الكاملة اليت وصف هبا نفسه واثن موصوف ولكن كلما يدرك منها ابفهامنا
وادراكنا ويتصور بعقولنا فهو تعاىل منزه عنه ومتعال كما مر ال تدركه االبصار {شعر}:
وما فاه ارابب النهى واحلجى مبا * سوى انه املوجود ال رب غريه
(ينبغي) ان يعلم ان امساء هللا تعاىل توقيفية يعين ان اطالقها عليه تعاىل موقوف
على السماع من صاحب الشرع كل اسم ورد اطالقه يف الشرع على حضرة احلق سبحانه
جيوز اطالقه عليه تعاىل وما ال فال وان كان معن الكمال مندرجا يف ذلك االسم فيجوز
اطالق اجلواد لوروده يف الشرع وال جيوز اطالق السخي لعدم وروده (والقرآن) كالم هللا
تعاىل انزل على نبينا عليه و على آله الصالة و السالم متلبسا بلباس احلرف والصوت
وامر به عباده وهناهم فكما حنن نظهر كالمنا النفسي بتوسط الفم واللسان يف لباس
احلروف واال صوات نورد به مقاصدان اخلفية يف عرصة الظهور كذلك احلق سبحانه اظهر
كالمه النفسي لعباده يف لباس احلرف والصوت بقدرته الكاملة بال توسط فم ولسان
واجلى اوامره ونواهيه اخلفية يف ضمن احلرف والصوت على منصة الظهور فكال قسمي
الكالم كالم احلق جل وعال يعين النفسي واللفظي واطالق الكالم على كال القسمني
بطريق احلقيقة كما ان كال قسمي كالمنا النفسي واللفظي كالم بطريق احلقيقة ال ان
القسم االول حقيقة والثاين جماز فان نفي اجملاز جائز ونفي الكالم اللفظي وانكار كونه
كالم هللا تعاىل كفر وكذلك سائر الكتب والصحف األخرى اليت انزلت اىل االنبياء
املتقدمني على نبينا وعليهم الصلوات و التسليمات كلها كالم هللا سبحانه وكلما اندرج
يف القرآن ويف تلك الكتب والصحف احكام هللا تعاىل كلف هبا عباده على وفق االوقات
واالزمان (ورؤية) املؤمنني احلق سبحانه يف اجلنة من غري جهة ومقابلة وبال كيف واحاطة
حق نؤمن بتلك الرؤية االخروية وال نشتغل بكيفيتها فان رؤيته تعاىل ال كيفية ال يظهر
الرابب الكيف واملثال يف هذه النشأة من حقيقتها شئ وال نصيب هلم منها غري االميان
- 798 -
هبا فيا خسارة الفالسفة واملعتزلة وسائر الفرق املبتدعة حيث ينكرون الرؤية االخروية من
العمي واحلرمان وي قيسون الغائب على الشاهد وال يشرفون ابالميان هبا وهو تعاىل كما انه
خالق العباد كذلك هو تعاىل خالق افعاهلم ايضا خريا كان فعلهم او شرا وكلها بتقدير هللا
تعاىل ولكنه راض عن اخلري غري راض عن الشر وان كان كالمها ابرادته ومشيئته تعاىل و
لكن ينبغي ان ال ينسب الشر وحده اليه تعاىل بواسطة االدب و ان ال يقول خالق الشر
بل ينبغي ان يقول خالق اخلري والشر كما قال العلماء ينبغي ان يقول انه تعاىل خالق كل
شئ وال ينبغي ان يقول خالق القاذورات واخلنازير لرعاية ادب جناب قدسه تعاىل واملعتزلة
من الثنوية اليت فيهم يزعمون ان خالق افعال العباد هو العباد وينسبون فعل اخلري والشر
اليهم والشرع والعقل يكذابهنم نعم قد جعل علماء احلق دخال لقدرة العبد يف فعله واثتبوا
فيه الكسب فان الفرق بني حركة املرتعش وحركة املختار واضح النه ال مدخل للقدرة
والكسب يف حركة االرتعاش ويف حركة االختيار مدخل هلما وهذا القدر من الفرق يكون
ابعثا على املؤاخذة ومثبتا للثواب والعقاب واكثر الناس مرتددون يف وجود القدرة
والكسب واالختيار يف العبد ويزعمون العبد مضطرا وعاجزا وهم مل يفهموا مراد العلماء
فان إثبات القدرة واالختيار يف العبد ال مبعن انه يفعل كلما يريد وال يفعل كلما ال يريد
فان التقول بذلك بعيد عن العبودية بل مبعن ان العبد يقدر ان خيرج عن عهدة مجيع ما
أمر به مثال أنه يقدر ان يؤدي الصلوات اخلمس ويقدر اعطاء الزكاة واحدا من االربعني
ويقدر صوم شهر من اثين عشر شهرا ويقدر ان حيج مرة واحدة يف عمره مع االستطاعة
اىل الزاد والراحلة و على هذا القياس ابقي االحكام الشرعية قد راعى احلق سبحانه فيها
من كمال الرأفة السهولة واليسر لضعف العبد وقلة اقتداره قال هللا تعاىل يريد هللا بكم
اليسر وال يريد بكم العسر وقال تعاىل ايضا يريد هللا ان خيفف عنكم وخلق االنسان
ضعيفا يعين يريد ان خيفف عنكم ثقل التكليفات الشاقة وخلق االنسان ضعيفا ال يصرب
عن الشهوات وال يقدر ان يتحمل التكليفات الشاقة واالنبياء عليهم الصلوات و
التسليمات رسل احلق سبحانه اىل اخللق ليدعوهم اليه تعاىل ويدلوهم من الضاللة على
- 799 -
طريق اهلداية كل من يقبل دعوهتم يبشرونه ابجلنة وكل من ينكر يهددونه بعذاب جهنم
وما بلغوه من طرف احلق سبحانه واعلموا به كله حق وصدق ليس فيه شائبة التخلف
وخامت االنبياء حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ودينه انسخ جلميع االداين السابقة
وكتابه افضل الكتب املتقدمة وال انسخ لشريعته بل هي قائمة اىل قيام القيامة وينزل
عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم ويعمل بشريعته و يكون من مجلة امته وما اخرب
به صلّى هللا عليه و سلّم من احوال اآلخرة كله حق من عذاب القرب وضغطة اللحد
وسؤال منكر ونكري فيه وفناء العامل وانشقاق السموات وانتثار الكواكب وزوال االرض
واجلبال واندكاكها واحلشر والنشر واعادة الروح اىل اجلسد وزلزلة الساعة واهوال القيامة
وحماسبة االعمال وشهادة اجلوارح ابالعمال املكتسبة واتيان دفاتر احلسنات والسيئات
ميينا ومشاال ووضع امليزان ليوزن به احلسنات والسيئات ليعرف نقصان احلسنة والسيئة
وزايدهتما فان ثقلت كفة احلسنات فعالمة النجاة وان خفت فعالمة اخلسران والشقاوة
وثقل ذلك امليزان وخفته على خالف ثقل ميزان الدنيا وخفته فان الكفة املرتفعة هي
الثقيلة هناك واملتسفلة هي اخلفيفة (وشفاعة) األنبياء والصلحاء عليهم الصالة و
التسليمات اوال واثنيا لعصاة املؤمنني ابذن مالك يوم الدين جل سلطانه اثبتة قال عليه و
على آله الصالة و السالم شفاعيت الهل الكبائر من اميت والصراط يوضع على منت
جهنم فيمر منه املؤمنون ويذهبون اىل اجلنة ويزلق منه اقدام الكافرين فيسقطون يف جهنم
واجلنة اليت اعدت لتنعم املؤمنني وجهنم اليت اعدت لتعذيب الكافرين كلتامها خملوقتان
اآلن وتبقيان اىل ابد اآلابد وال تفنيان فاذا دخل املؤمنون اجلنة بعد احملاسبة يدومون فيها
ال خيرجون منها وكذلك الكفار اذا دخلوا النار يدومون فيها يعذبون فيها ابد اآلابد
وختفيف العذاب عنهم غري جائز قال تعاىل ال خيفف عنهم العذاب وال هم ينظرون ومن
كان يف قلبه مثقال ذرة من االميان فان ادخل النار بسبب افراطه يف املعاصي يعذب
بقدر عصيانه مث خيرج من النار اخريا وال يسود وجهه كما يسود وجه الكفار وال جيعل فيه
االغالل والسالسل حلرمة اميانه كما جتعل للكفار (واملالئكة) عباد هللا سبحانه املكرمون
- 800 -
ال يعصون هللا ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون مربأون من صفات الذكورة واالنوثة والتوالد
والتناسل مفقود يف حقهم اصطفى هللا سبحانه بعضهم للرسالة وشرفه بتبليغ الوحي وهم
الذين بلغوا الكتب والصحف االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات وهم حمفوظون عن
اخلطإ واخللل ومعصومون عن كيد العدو ومكره وما بلغوه من عند احلق سبحانه و تعاىل
كله صدق وصواب ليس فيه شائبة احتمال اخلطإ واالشبتاه وهؤالء الكرباء خائفون من
عظمة احلق وجالله سبحانه ال شغل هلم غري امتثال اوامره تعاىل (واالميان) تصديق
ابلقلب واقرار ابللسان مبا بلغنا من الدين ابلتواتر والضرورة امجاال وتفصيال واعمال
اجلوارح خارجة من نفس االميان ولكنها تزيد الكمال يف االميان وتورث فيه احلسن قال
االمام االعظم الكويف عليه الرمحة االميان ال يقبل الزايدة والنقصان فان التصديق القليب
عبارة عن يقني القلب واذعانه وال جمال فيه للتفاوت ابلزايدة والنقصان وما يقبل التفاوت
فهو داخل يف دائرة الظن والوهم وكمال االميان ونقصانه ابعتبار الطاعات واحلسنات
كلما زادت الطاعة زاد كمال االميان فال يكون اميان عامة املؤمنني مثل اميان االنبياء
عليهم الصلوات و التسليمات فان امياهنم بلغ ذروة الكمال بواسطة اقرتان الطاعات واميان
العوام مب راحل عن نفس الكمال فضال عن ذروته وان كان اميان كل منهما متشاركني يف
نفس التصديق ولكن اميان االنبياء عرض له بواسطة طوق الطاعات حقيقة أخرى وكأن
اميان العوام ليس فردا من ذلك االميان واملماثلة واملشاركة مفقوة بينهما اال ترى ان عوام
الناس وان كانوا شركاء لالنبياء عليهم الصالة و السالم يف نفس االنسانية ولكن
الكماالت اآلخر لالنبياء بلغتهم الدرجات العليا واثبتت هلم حقيقة أخرى وكأهنم
خارجون عن احلقيقة املشرتكة بل هم الناس والعوام هلم حكم النسناس قال االمام االعظم
عليه الرمحة اان مؤمن حقا وقال االمام الشافعي عليه الرمحة اان مؤمن ان شاء هللا تعاىل
ولكل وجهة ابعتبار احلال جيوز ان يقال اان مؤمن حقا وابعتبار اخلامتة واملآل يصح ان
يقال اان مؤمن ان شاء هللا ولكن االجتناب عن صورة االستثناء أفضل ابي وجه قال (وال
خيرج) املؤمن ابرتكاب املعاصي من االميان ولو كبرية وال يدخل يف دائرة الكفر نقل ان
- 801 -
االمام االعظم كان يوما جالسا مع مجع من العلماء فجاء شخص فقال ما تقولون يف
حق مؤمن فاسق قتل اابه بغري حق وقطع رأسه وشرب اخلمر يف كأس رأسه مث زىن ابمه
هل هو مؤمن او كافر فتكلم كل واحد من العلماء يف حقه مبا ليس بصواب ووقعوا يف
غلط فقال االما م االعظم يف ذلك االثناء انه مؤمن مل خيرج ابرتكاب هذه الكبائر من
االميان فثقل قول االمام هذا على العلماء فأطالوا لسان الطعن فيه والتشنيع عليه ولكن ملا
كان قول االمام حقا قبله كلهم اخريا واعرتفوا ابنه احلق فلو وفق املؤمن العاصي للتوبة
قبل الغرغرة فنرجو له جناة عظيمة لوعد قبول توبته وان مل يتشرف ابلتوبة واالانبة فامره اىل
هللا سبحانه فان شاء عفا وادخله اجلنة وان شاء عذبه بقدر معصيته ابلنار او بغري النار
ولكن آخر امره النجاة ومآله اجلنة فان احلرمان من رمحة هللا تعاىل يف اآلخرة خمصوص
ابهل الكفر واما من فيه ذرة من االميان فهو مستحق للرمحة والغفران وان مل تبلغه الرمحة
يف االبتداء بواسطة علة املعصية ولكنها تشمله اخريا بعناية هللا سبحانه ربنا ال تزغ قلوبنا
بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة إنّك انت الوهاب * (وحبث) االمامة واخلالفة
وان مل يكن عند اهل السنة شكر هللا تعاىل سعيهم من اصول الدين ومتعلقا ابالعتقاد
ولكن ملا غالت الشيعة يف هذا الباب وافرطوا فيه وفرطوا احلق اهل احلق رضي هللا عنهم
هذا املبحث بعلم الكالم ابلضرورة وبينوا حقيقة احلال واالمام على احلق واخلليفة على
االطالق بعد خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم أبو بكر الصديق مث عمر
الفاروق مث عثمان ذوالنورين مث علي بن ايب طالب رضوان هللا تعاىل عليهم امجعني
وافضليتهم على ترتيب خالفتهم وافضلية الشيخني اثبتة ابمجاع الصحابة والتابعني كما
نقله اكابر االئمة واحد منهم االمام الشافعي قال رئيس اهل السنة الشيخ ابو احلسن
ا الشعري ان افضلية الشيخني على ابقي االمة قطعية ال ينكرها اال جاهل او متعصب
قال علي كرم هللا وجهه من فضلين على ايب بكر وعمر فهو مفرت اضربه ابلسوط كما
يضرب املفرتون قال الشيخ عبد القادر اجليالين قدس سره يف كتابه الغنية نقال عن النيب
صلّى هللا عليه و سلّم انه قال ملا عرج يب اىل السماء سألت هللا سبحانه ان جتعل اخلليفة
- 802 -
من بعدي علي بن ايب طالب فقال املالئكة اي حممد كلما يشاء هللا يكن اخلليفة بعدك
ابو بكر وقال حضرة الشيخ ايضا قال علي كرم هللا وجهه ما خرج رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم من الدنيا حت اخذ َعلَ ّي عهدا على ان ااب بكر يلي من بعدي مث عمر مث
عثمان من بعده مث انت من بعده رضي هللا تعاىل عنهم امجعني واالمام احلسن افضل من
االمام احلسني رضي هللا عنه وعلماء اهل السنة يفضلون عائشة رضي هللا عنها على
فاطمة رضي هللا عنها يف العلم واالجتهاد والشيخ عبد القادر اجليالين قدس سره يقدم
عائشة على فاطمة رضي هللا عنهما يف كتابه الغنية وما هو معتقد الفقري ان عائشة اسبق
قدما يف العلم واالجتهاد وفاطمة اقدم يف الزهد واالنقطاع وهلذا قيل لفاطمة بتوال وهو
صيغة املبالغة يف االنقطاع وعائشة هي مرجع فتاوى الصحابة رضوان هللا تعاىل عليهم
امجعني ما وقع على اصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم مشكل يف العلم اال كان حله
عند عائشة رضي هللا عنها واحملارابت واملنازعات اليت وقعت بني االصحاب الكرام عليهم
الرضوان مثل حماربة اجلمل وحماربة الصفني ينبغي ان حيملها على حمامل صحيحة حسنة
وان يبعدهم عن اهلوى والتعصب فان نفوس هؤالء االكابر كانت مزكاة عن اهلوى واهلوس
ومطهرة عن احلقد واحلرص يف صحبة خري البشر عليه وعليهم الصالة و السالم فان
وقعت عنهم مصاحلة فهي الجل احلق وان ظهرت منهم منازعة ومشاجرة فهي ايضا
للحق سبحانه كل فرقة منهم عملوا مبقتضى اجتهادهم ودفعوا املخالف عن انفسهم بال
شائبة هوى وتعصب فكل من هو مصيب يف اجتهاده فله درجتان من الثواب ويف قول
عشر درجات ومن هو خمطئ فله درجة واحدة من الثواب فاملخطئ كاملصيب بعيد عن
املالمة بل يتوقع له درجة من درجات الثواب قال العلماء ان احلق يف تلك احملارابت كان
علي كرم هللا وجهه وكان املخالفون يف طرف من الصواب ومع ذلك ليسوا يف جانب ّ
علي
مبوارد للطعن وال جمال للمالمة فيهم فضال عن ان ينسب اليهم الكفر والفسق قال ّ
كرم هللا تعاىل وجهه اخواننا بغوا علينا ليسوا بكفار وال فساق فان هلم أتويال مينع عنهم
الكفر والفسق قال نبينا صلّى هللا عليه و سلّم اايكم وما شجر بني اصحايب فينبغي
- 803 -
تعظيم مجيع اصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم وان يذكر مجيعهم خبري وان ال يسئ
الظن ابحد منهم وان يرى منازعتهم افضل من مصاحلة غريهم هذا هو طريق النجاة
والفالح فان حب االصحاب الكرام بواسطة حب النيب وبغضهم ينجر اىل بغضه عليه
وعليهم الصالة و السالم قال واحد من الكرباء ما آمن برسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم
من مل يوقر اصحابه (وعالمات) القيامة اليت اخرب عنها املخرب الصادق صلّى هللا عليه و
سلّم كلها حق ليس فيها احتمال التخلف كطلوع الشمس من جانب املغرب على
خالف العادة وظهور املهدي عليه الرضوان ونزول روح هللا على نبينا وعليه الصالة و
السالم وخروج دجال وظهور أيجوج ومأجوج وخروج دابة االرض ودخان يظهر من
السماء يغشي الناس كلهم ويعذهبم بعذاب اليم ويقول الناس من االضطراب ربنا اكشف
عنا العذاب اان مؤمنون وآخر العالمات انر خترج من عدن وزعم مجاعة من اجلهالة ان
الشخص الذي ادعى املهدوية من اهل اهلند هو املهدي املوعود فاملهدي قد مضى
بزعمهم وفات ويقولون ان قربه يف فره ويف االحاديث الصحيحة اليت بلغت حد الشهرة
بل حد التواتر املعنوي ما يكذب هذه الطائفة فانه صلّى هللا عليه و سلّم بني للمهدي
عالمات وتلك العالمات مفقودة يف ذلك الشخص الذي يعتقدونه مهداي ورد يف
االحاديث النبوية انه خيرج املهدي و على رأسه قطعة سحاب فيها ملك ينادي ان هذا
الشخص مهدي فاتبعوه وقال صلّى هللا عليه و سلّم ملك مجيع االرض اربعة اثنان من
املؤمنني واثنان من الكافرين ذوالقرنني وسليمان من املؤمنني ومنرود وخبت نصر من
الكافرين وسيملك االرض خامس من اهل بييت يعين املهدي وقال صلّى هللا عليه و سلّم
ال تزول الدنيا حت يبعث هللا رجال من اهل بييت امسه يوافق امسي واسم ابيه يوافق اسم ايب
فيمأل االرض قسطا وعدال كما ملئت جورا وظلما وورد يف احلديث أيضا ان اصحاب
الكهف يكونون اعوان املهدي[ ]1وينزل عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم يف
( )1اخرج ابن عساكر يف اترخيه وابن مردويه يف تفسريه عن ابن عباس مرفوعا أصحاب الكهف أعوان املهدي عفي
عنه.
- 804 -
زمانه وهو يوافق عيسى عليه السالم يف قتال الدجال ويف زمان ظهور سلطنته تنكسف
الشمس يف الرابع عشر من رمضان وينخسف القمر يف اول ذلك الشهر على خالف
العادة وخالف حساب املنجمني ينبغي ان ينظر بنظر االنصاف هل كانت هذه
العالمات يف ذلك الشخص امليت او ال وله عالمات اخر كثرية اخرب هبا املخرب الصادق
عليه و على آله الصالة و السالم وكتب الشيخ ابن حجر رسالة يف بيان عالمات
املهدي املنتظر تبلغ مائيت عالمة وبقاء مجاعة يف ضاللة مع وضوح امر املهدي املوعود
من هناية اجلهالة هداهم هللا سبحانه سوآء الصراط قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم
ان بين اسرائيل تفرقت على اثنني وسبعني فرقة كلهم يف النار اال واحدة منها وستفرتق
اميت على ثالث وسبعني فرقة كلها يف النار اال فرقة واحدة قالوا ومن هذه الفرقة الناجية
اي رسول هللا قال هم على ما اان عليه واصحايب وهذه الفرقة الناجية اهل السنة واجلماعة
فاهنم هم امللتزمون متابعته ومتابعة اصحابه عليه وعليهم الصلوات و التسليمات اللهم
ثبتنا على معتقدات اهل السنة واجلماعة وامتنا يف زمرهتم واحشران معهم ربنا ال تزغ قلوبنا
بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب (وبعد) تصحيح االعتقاد ال
بد من امتثال االوامر واالنتهاء عن املناهي الشرعيتني املتعلقتني ابلعمل ينبغي ادآء
الصلوات اخلمس من غري فتور مع تعديل االركان واجلماعة والفارق بني االسالم والكفر
هو هذه الصالة فاذا تيسر اداء الصالة على الوجه املسنون فقد حصل االستمساك
ابحلبل املتني من الدين فان الصالة هي االصل الثاين من االصول اخلمسة االسالمية
االصل االول االميان ابهلل وبرسوله سبحانه واالصل الثاين الصالة والثالث اداء الزكاة
والرابع صوم شهر رمضان واخلامس حج بيت هللا االصل االول يتعلق ابالعتقاد واالصول
االربعة الباقية تتعلق ابالعمال وأمجع مجيع العبادات وأفضلها الصالة و يكون ابتدآء
احملاسبة يوم القيامة من الصالة فاذا مت امر الصالة متضي حماسبة األخرى بعناية هللا
سبحانه ابلسهولة وينبغي االجتناب عن احملظورات الشرعية مهما أمكن وأن يرى ما ال
يرضاه املوىل سبحانه مسا مهلكا وان جيعل مواد التقصريات نصب العني وان يكون خجال
- 805 -
ومنفعال من ارتكاهبا وان يكون متندما ومتحسرا على فعلها واقرتافها هذا هو طريق
العبودية وهللا املوفق والذي يرتكب مأال يرضى عنه مواله بال حتاش وال يكون خجال
ومن فعال عن ذلك العمل فهو مارد متمرد ويكاد خيرج اصراره ومترده رأسه عن ربقة
االسالم ويدخله يف دائرة االعداء ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيئ لنا من أمران رشدا
والدولة اليت جعلك هللا سبحانه ممتازا هبا وأكثر الناس غافلون عنها بل تكاد ال تدركها
أنت ايضا هي ان سلطان الوقت مسلم من جده السابع ومن اهل السنة وحنفي املذهب
وان تقرب بعض طلبة العلوم بشؤم الطمع الناشئ من خبث الباطن من منذ سنني يف
هذه االوان اليت هي اوان قرب القيامة وبعد العهد من زمان النبوة اىل االمراء والسالطني
وداخلوهم من طريق املطايبة واملداهنة واوقعوا يف الدين املتني تشكيكات واظهروا فيه
شبهات واضلوا االغبياء عن الطريق ولكن ملا كان مثل هذا السلطان عظيم الشأن مصغيا
اىل قولكم حبسن االستماع ومتلقيا اايه ابلقبول كان الالزم أن يعد ذلك دولة عظيمة و
أن يبلغ الكلمة احلقة يعين كلمة االسالم املوافقة ملعتقدات أهل السنة شكر هللا تعاىل
سعيهم صراحة او اشارة اىل مسع السلطان وأن يعرض اليه كالم اهل احلق بقدر االمكان
بل ينبغي ان يرتصد وينتظر دائما فرصة ال يراد كالم اهل املذهب احلق يف البني حت
تظهر حقيقة االسالم ويبدو بطالن الكفر وشناعته والكفر هو ظاهر البطالن ال
يستحسنه عاقل اص ال ينبغي ان يظهر بطالنه بال حتاش وان ينفي آهلتهم الباطلة من غري
توقف وان يثبت االله احلق الذي هو خالق السموات واالرض بال تردد هل كان مسموعا
اصال ان آهلتهم الباطلة خلقوا ذاببة ولو اجتمعوا له كلهم بل لو قرصهم الذابب وآذاهم ال
يقدرون حفظ انفسهم منه فضال عن حفظ غريهم وكأن الكفرة قالوا مالحظا لشناعة
هذا االمر هؤالء شفعاؤان عند هللا واهنم ليقربوان اىل هللا زلفى ومل يدر هؤالء اجملانني انه
ليس هلذه اجلمادات جمال الشفاعة وان احلق سبحانه ال يقبل شفاعة الشركاء الذين هم
يف احلقيقة اعداؤه تعاىل يف حق عبدة اعدائه مثل قيم بستان خرج على سلطان فجاء
مجاعة من البلهاء ميدون القيم بزعم انه يشفعهم عند السلطان وقت املضايقة واهنم
- 806 -
يتقربون اىل السلطان ابلتوسل به ما اعظم محاقتهم حيث خيدمون القيم ويطلبون العفو من
السلطان بشفاعته ويتقربون اليه به مل ال خيدمون السلطان على احلق ويكسرون القيم حت
يكونوا من اهل القرب واهل احلق ويكونوا يف أمن وأمان وهؤالء اجملانني ينحتون احلجر
ابيديهم ويعبدونه سنني ويطمعون منه توقعات وابجلملة الكفر ظاهر البطالن والذين
بعدوا عن الطريق احلق والصراط املستقيم من املسلمني هم اهل اهلوى والبدعة وذلك
الطريق املستق يم هو طريق النيب وطريق خلفائه الراشدين عليه وعليهم الصلوات و
التسليمات قال الشيخ عبد ال قادر اجليالين قدس سره يف كتابه الغنية ان اداين املبتدعة
الذين اصوهلم تسعة طوائف اخلوارج والشيعة واملعتزلة واملرجئة واملشبهة واجلهمية والضرارية
والنجارية والكالبية مل تكن يف زمن النيب صلّى هللا عليه و سلّم وال يف زمان خالفة ايب
علي رضي هللا عنهم امجعني ايضا واختالف هذه الطوائف وتفرقهمبكر وعمر وعثمان و ّ
امنا حدث بعد سنني من موت الصحابة والتابعني وموت الفقهاء السبعة رضي هللا عنهم
امجعني قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم انه من يعش منكم فسريى اختالفا كثريا فعليكم
بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين من بعدي ومتسكوا هبا وعضوا عليها ابلنواجذ واايكم
وحمداثت االمور فان كل حمدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ما حدث بعدي فهو رد
فاملذهب الذي حدث بعد زمان النيب وخلفائه الراشدين عليه وعليهم الصلوات و
التسليمات ساقط عن حيز االعتبار ليس بالئق به ينبغي اداء شكر نعمة احلق سبحانه
العظمى حيث جعلنا من كمال كرمه وفضله داخلني يف الفرقة الناجية الذين هم اهل
السنة واجلماعة ومل جيعلنا من فرق اهل اهلوى والبدعة ومل يبتلنا ابعتقادهم الفاسد ومل
جيعلنا من الذين يشركون العبد ابهلل يف اخص صفاته تعاىل ويزعمون ان خالق افعال العبد
هو العبد وينكرون الرؤية االخروية اليت هي رأس بضاعة السعادات الدنيوية واالخروية
وينفون الصفات الكاملة عن الواجب تعاىل ومل جيعلنا ايضا من الطائفتني اللتني يبغضون
اصحاب خري البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات ويسيؤن الظن أبكابر الدين
ويزعمون اهنم كانوا يعادون بعضهم بعضا ويتهموهنم ابلبغض املضمر واحلقد املبطن وهللا
- 807 -
سبحانه و تعاىل يقول يف حقهم رمحاء بينهم وهااتن الطائفتان يكذبون كالم احلق جل
وعال ويثبتون بينهم العداوة والبغضاء واحلقد زرقهم هللا سبحانه التوفيق وبصرهم الصراط
املستقيم ومل جيعلنا ايضا من الذين يثبتون اجلهة واملكان للحق تعاىل ويزعمونه جسما
وجسمانيا ويثبتون يف الواجب القدمي جل شأنه امارات احلدوث واالمكان ولنرجع اىل
اصل الكالم فنقول معلومكم ان السلطان كالروح وسائر الناس كاجلسد فان كانت الروح
ص احلة فالبدن صاحل وان كانت الروح فاسدة فالبدن فاسد فاالجتهاد والسعي يف اصالح
السلطان اجتهاد وسعي يف اصالح مجيع بين آدم واالصالح يف اظهار كلمة االسالم ابي
طرز كان يساعده الوقت وبعد اظهار كلمة االسالم ينبغي ان يوصل مسعه معتقدات اهل
السنة واجلماعة ايضا يف بعض االحيان وان يرد مذهب املخالف فان تيسرت هذه الدولة
فقد حصلت الوراثة العظمى من االنبياء عليهم الصلوات و السالم وهذه الدولة قد
حصلت لكم جماان فينبغي ان يعرف قدرها وماذا أابلغ أزيد من ذلك وان كانت املبالغة
مستحسنة وهللا سبحانه املوفق.
{املكتوب الثامن والستون اىل اخلواجه شرف الدين احلسني يف بيان العمود
النوراين وكوكب ذي ذنب طلع من جانب املشرق ويف عالمات القيامة واشراط
الساعة وما يناسب ذلك}
الرحيم احلمد هلل الذي هداان هلذا و ما كنا لنهتدي لوال ان هداان
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
هللا لقد جاءَت رسل ربنا ابحلق عليهم الصلوات والتحيات قد سرت الصحيفة الشريفة
اليت ارسلها الولد االعز صحبة موالان ايب احلسن بوصوهلا وقد استفسرمت مكررا عن العمود
العباسي
ّ النوراين الذي طلع من جانب املشرق اعلم انه قد ورد يف اخلرب انه اذا بلغ امللك
الذي هو من مقدمات ظهور املهدي املوعود عليه الرضوان خراسان يطلع يف جانب
- 808 -
[]1
وكتب يف احلاشية يعين يكون للعمود املذكور رأسان وكان اول املشرق قرن ذو سنني
طلوعه يف زمان هالك قوم نوح على نبينا وعليه الصالة و السالم وطلع ايضا يف زمان
ابراهيم على نبينا وعليه الصالة و السالم حني رموه يف النار وظهر ايضا وقت هالك
فرعون وقومه وحني قتل حيىي على نبينا وعليه السالم فمن رآه فليستعذ ابهلل سبحانه من
شر الفنت وهذا البياض الذي حدث يف جانب املشرق كان اوال يف صورة العمود املنور مث
عرض له اعوجاج وشباهة ابلقرن و ميكن ان يكون اطالق الرأسني له ابعتبار ان كال من
طرفيه صار دقيقا شبيها ابلسن فاعترب كل من طرفيه رأسا كما ان الرمح اذا كان كل من
طرفيه دقيقا يعترب كل منهما رأسا جاء أخي الشيخ حممد طاهر البدخشي من جونفور
وهو يقول ان هذا العمود كان له يف طرف الفوق ايضا رأسان شبيهان بسنني وكانت
بينهما فاصلة يسرية حصل تشخيص هذا املعن يف الصحراء واخرب مجع آخر ايضا مبثل
ذلك وهذا الطلوع غري ذاك الطلوع الذي حيدث حني ظهور املهدي فان ظهوره يكون
على رأس مائة واآلن قد مضى من املائة مثان وعشرون سنة وورد ايضا يف اخلرب يف
عالمات املهدي انه يطلع يف جانب املشرق كوكب له ذنب يضئ وهذا الكوكب ايضا
قد طلع هل هو ذاك او مثله وميكن ان يكون اطالق ذي ذنب على هذا الكوكب ملا
قالوا ان سري الثوابت من املغرب اىل املشرق فوجه ذلك الكوكب حبسب سريه حنو املشرق
وظهره حنو املغرب فهذا البياض الطويل وراء ظهره فناسب ان يسمى ذنبا وارتفاعه يف كل
يوم من املشرق اىل املغرب امنا هو بسريه القسري املربوط بسري الفلك االعظم وهللا
سبحانه اعلم حبقيقة احلال وابجلملة ان وقت ظهور املهدي قريب وكم من مقدمات ومباد
تظهر اىل رأس املأة الذي هو اوان ظهوره ومقدمات ظهوره عليه الرضوان ومباديه مثل
ارهاصات نبينا عليه و على آله الصالة و السالم اليت ظهرت قبل ظهور نبوته عليه
( )1قال املخرج مل يثبت يف خروج العباسي شئ ومل اجد لطلوع النجم عند ظهور املهدي ما يشرح له صدري واما
طلوعه وقت والدة نبينا صلّى هللا عليه و سلّم فقد ثبت عن زبري بن ابطا من يهود املدينة أنه قال جلماعة من بين قريظة
انه قد طلع كوكب امحر وال يطلع اال خلروج نيب ومل يبق احد من االنبياء اال امحد وهذا مهاجره اخرجه ابو نعيم عن ايب
سعيد اخلدري رضي هللا عنه وقد استوف السيوطي احاديث هذا الباب يف خصائصه انتهى منه عفي عنه.
- 809 -
السالم كما قالوا ان نطفة عبد هللا اليت كانت صورة حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم ملا استقرت يف رحم آمنة سقط مجيع االصنام يف وجه االرض على وجهها وامتنع
مجيع الشياطني عن شغلها وقلب املالئكة ختت ابليس ظهرا لبطن ورموه يف البحر وعذبوه
اربعني يوما وتزلزل ليلة والدته عليه الصالة و السالم ايوان كسرى وسقطت منه اربعة
عشر شرافات وانطفت انر جموس وقد مضى من ايقادها ألف سنة مل تنطف يف تلك
املدة قط وحيث ان املهدي يكون عظيما وحيصل بسببه لالسالم واملسلمني تقوية عظيمة
و يكون لواليته تصرف عظيم يف الظاهر والباطن و يكون صاحب خوارق وكرامات كثرية
وتظهر يف زمانه آايت عجيبة جيوز ان يظهر قبل وجوده اشياء خوارق للعادات مثل
ارهاصات النيب عليه الصالة و السالم وتكون من مبادئ ظهوراته كما يفهم ذلك من
االحاديث واعلم انه قد ورد يف اخلرب ان املهدي ال يظهر حت يستويل الكفر وجتري
احكامه على املأل فاملتوقع يف هذا الوقت هو استيالء الكفر وقوته وضعف االسالم
واملسلمني وهو ذاك الوقت الذي قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف حق غرابء اهل
ايل
االسالم فيه طوىب هلم وبشرهم وقال عليه الصالة و السالم العبادة يف اهلرج كهجرة ّ
ومعلومكم ان العساكر اذا صدرت عنهم وقت استيالء الفتنة والفساد جرأة يسرية حركة
قليلة حيصل هلم اعتبار كثري ويف وقت تسكني الفتنة ال اعتبار هلم ولو صدرت عنهم
حركات كثرية فوقت العمل ووقوعه موقع القبول هو وقت الفنت فينبغي بذل النفس
ابلتمام يف مرضيات هللا تعاىل وان ال خيتار شيئا غري متابعة السنة السنية على صاحبها
الصالة و السالم والتحية لو اردمت ان حتشروا من املقبولني أال ترى ان اصحاب الكهف
بلغوا درجة عليا هبجرة واحدة وأنتم من احملمديني وداخلون يف زمرة امته خري االمم فال
تضيعوا اوقاتكم ابللهو واللعب وال تغرتوا ابجلوز واملوز مثل االطفال {شعر}:
وابديت من كنز املرام عالمة * لعلك ان حتظي به ان حتاول
والعمود النوراين الذي طلع قبل ظهور هذا الكوكب ذي الذنب مل ير فيه ظلمة
وكدورة ومل يظهر يف النظر غري اخلري وأما الكوكب ذو الذنب فقد كانت فيه شائبة
- 810 -
{املكتوب التاسع والستون اىل حممد مراد البدخشي يف بيان تعديل اركان
الصالة والطمأنينة وتسوية الصفوف ولزوم تصحيح النية عند الذهاب اىل حماربة
الكفار واالمر بصالة التهجد واالحتياط يف اللقمة وما يتعلق به}
( )1وقد وقع كل ذلك وال يزال يقع وال يزيد االمر اال شدة وال يرى املسلمون اال كربة منه عفي عنه.
- 811 -
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
الصحيفة الشريفة اليت ارسلتموها وملا كانت متضمنة لثبات االصحاب واستقامتهم اورثت
فرحا وافرا زادكم هللا سبحانه ثباات واستقامة واندرج فيها ان االمر الذي كنا مأمورين به
نداوم عليه مع مجع من االصحاب الذين دخلوا يف الطريقة و نؤدي الصلوات اخلمس
جبماعة مشتملة على مخسني او ستني نفرا محدا هلل سبحانه على ذلك اي هلا من نعمة
عظمية اذا كان الباطن معمورا ابلذكر االهلي جل شأنه والظاهر متحلى ابالحكام
الشرعية وملا كان اكثر الناس يف هذه االايم يتساهلون يف اداء الصالة وال يتقيدون
ابلطمأنينة وتعديل االركان اردت ان اكتب يف هذا الباب ابلتأكيد واملبالغة ابلضرورة
فينبغي االستماع واالصغاء قال املخرب الصادق عليه الصالة و السالم اسوأ الناس سرقة
الذي يسرق من صالته قالوا اي رسول هللا وكيف يسرق من صالته قال ال يتم ركوعها وال
سجودها وقال عليه و على آله الصالة و السالم ايضا ال ينظر هللا اىل صالة عبد ال يقيم
فيها صلبه بني خشوعها وسجودها ورأي النيب عليه و على آله الصالة و السالم رجال
يصلي وال يتم ركوعه وال سجوده فقال اما ختاف لو مت على ذلك ملت على غري دين
حممد وايضا قال عليه و على آله الصالة و السالم ال تتم صالة احدكم حت يقوم بعد
ركوعها ابلتمام ويثبت صلبه ويستقر كل عضو منه يف حمله وكذلك قال عليه الصالة و
السالم ما مل يقعد بني السجدتني ومل يقم صلبه ويثبت ال يتم صالته ومر النيب صلّى هللا
عليه و سلّم بواحد من املصلني فرآه ال يتم أحكام الصالة وأركاهنا والقومة واجللسة فقال
لو مت على ذلك ال يقال لك من اميت يوم القيامة وقال يف حمل آخر لو مت على ذلك
مت على غري دين حممد قال ابو هريرة رضي هللا عنه يكون شخص يصلي ستني سنة وال
تقبل واحدة من صلواته و هو شخص ال يتم ركوعه وال سجوده قيل رأى زيد بن وهب
رجال يصلي وال يتم الركوع والسجود فدعاه وقال منذ كم سنة تصلي هكذا قال منذ
اربعني سنة قال ما صليت يف هذه االربعني سنة لو مت ملت على غري سنة حممد نقل انه
اذا صلى املؤمن واحسن صالته وامت ركوعه وسجوده يكون لصالته بشاشة ونور فتعرج هبا
- 812 -
املالئ كة اىل السماء وتدعو الصالة للمصلي وتقول حفظك هللا كما حفظتين فان مل
حيسن اداء الصالة تكون تلك الصالة ظلمانية فتكرهها املالئكة وال يعرجون هبا اىل
السماء فتدعو الصالة على املصلي دعاء الشر وتقول ضيعك هللا تعاىل كما ضيعتين
فينبغي امتام اداء الصالة وتعديل االركان ورعاية القومة واجللسة وينبغي داللة اآلخرين
ايضا على امتام الصالة ابلطمأنينة وتعديل االركان واكثر الناس حمرومون من هذه الدولة
وهذا العمل صار مرتوكا ابلكلية واحياؤه من أهم مهمات االسالم قال رسول هللا صلّى
هللا عليه و سلّم من أحيا سنيت بعد ان أميتت فله ثواب مائة شهيد[ ]1واعلم ايضا انه
ينبغي تسوية الصفوف يف صالة اجلماعة من غري ان يتقدم احد من املصلني وال يتأخر
بل ينبغي السعي يف تسوية الكل كان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اوال يسوي
الصفوف مث يشرع يف الصالة وقال صلّى هللا عليه و سلّم تسوية الصفوف من اقامة
الصالة ربنا آتنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب (ايها) السعيد العمل امنا يصح ابلنية
وحيث ذهبتم اىل اجلهاد مع كفار دار احلرب ينبغي اوال تصحيح النية حت يرتتب عليه
النتيجة ينبغي ان يكون املقصود من هذا احلرب واجلدال اعالء كلمة هللا وتوهني اعداء
الدين وختريبهم فاان مأمورون بذلك املقصود من مجيع اجلهاد هو هذا فال تبطلوا نياتكم
ابمور اخر وعلوفة الغزاة مقررة ومتعينة من بيت املال ليست مبنافية للجهاد يف سبيل هللا
وال توجب النقصان يف اجرة الغزاة وامنا يبطل العمل النيات الفاسدة فينبغي تصحيح النية
واخذ ال علوفة من بيت املال واجلهاد مع الكفار وتوقع اجر الغزاة والشهداء وحنن نغبط
حالكم حيث انكم مشغولون يف الباطن ابحلق سبحانه ويف الظاهر تؤدون الصالة مع
مجاعة كثرية ومع ذلك تشرفتم ابجلهاد مع الكفار فمن سلم فهو غاز ومن هلك فهو
شهيد ولكن كل ذلك امنا يتصور بعد تصحيح النية فان مل تتحقق حقيقة النية ينبغي
حتصيلها ابلتكلف وان يكون ملتجئا ومتضرعا اىل هللا تعاىل لتتيسر حقيقة النية ربنا امتم
لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير والنصيحة األخرى اليت انصح هبا التزام صالة
( )1من أحيا سنة أميتت فله اجرها واجر من عمل هبا ومن متسك بسنيت عند فساد اميت فله اجر مائة شهيد مشكاة.
- 813 -
التهجد فاهنا من ضرورايت الطريق وقد قيل لكم يف احلضور ايضا اذا تعسر عليكم هذا
املعن ومل يتيسر االنتباه على خالف املعتاد ينبغي ان يوكل هلذا االمر مجعا من املتعلقني
ليوقظوكم وقت التهجد طوعا او كرها وال يرتكوكم على نوم الغفلة فاذا فعلتم ذلك اايما
يرجى ان تتيسر املداومة على ذلك من غري تكلف والنصيحة األخرى االحتياط يف اللقمة
ال ينبغي لالنسان ان أيكل كلما التقاه من اي حمل كان من غري مالحظة احللية واحلرمة
الشرعيتني فان االنسان مل يرتك سدى حت يفعل كلما يريد بل له موىل جل شأنه كلفه
ابالمر والنهي وبني مرضاه وغري مرضاه بتوسط االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات
الذين هم رمحات للعاملني واحملروم من السعادة من يقتضى خالف مرضي مواله ويتصرف
يف ملكه وملكوته بال اذنه ينبغي االستحياء حيث يراعون رضا الصاحب اجملازي وال
يريدون فوت دقيقة يف هذا الباب وموالهم احلقيقي قد هناهم عن األمور الغري املرضية
ابلتأكيد واملبالغة وزجرهم زجرا بليغا وهم ال يلتفتون اليه اصال فهذا هل هو اسالم او كفر
فليتفكروا تفكرا جيدا وما فاتت الفرصة ميكن ان يتدارك ما سبق التائب من الذنب كمن
ال ذنب له بشارة للمقصرين فلو اصر شخص على الذنب مع وجود ذلك وفرح به فهو
منافق ال ترفع صورة اسالمه عقوبته وال متنع عنه العذاب وماذا اابلغ زايدة على ذلك
العاقل تكفيه االشارة وقراءة سورة قريش يف املخاويف وحمال استيالء االعداء جمربة لألمن
والرفاهية فينبغي قراءهتا يف اليوم والليلة احدى عشرة مرة ال أقل من ذلك وورد يف احلديث
املصطفوي ان من نزل منزال مث قال اعوذ بكلمات هللا التامات من شر ما خلق ال يضره
شئ حت ارحتل من منزله ذلك و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب السبعون اىل موالان عبد الواحد الالهوري يف بيان االسرار واحلقائق
املتعلقة ابلكعبة املعظمة وكما ان يف االنسان امنوذج العرش فيه امنوذج الكعبة ايضا
وما يناسب ذلك}
اعلم كما ان قلب االنسان امنوذج عرش الرمحن جل سلطانه والظهور القليب فيه
- 814 -
مثل الظهور العرشي كذلك من بيت هللا ايضا يف االنسان عالمة حيث انه معتدل وعن
اليمني والشمال ممتاز ومعتزل وحبسن الصفة متفرد ومتجمل وارابب هذه الدولة العظيمة
ابالصالة االنبياء عليهم الصالة و السالم ويشرف هبا من اممهم بتبعية هوالء االكابر
ووراثتهم كل من اريد له ذلك وكانت هذه الدولة يف اصحاب االنبياء عليهم الصالة
والتحيات بربكة صحبة االنبياء عليهم السالم اكثر وازيد وقلت بعد زمان االصحاب
حبيث لو تشرف هبا احد بعد قرون متطاولة ابلتبعية والوراثة كانت مغتنمة وكربيتا امحر
وهذا الشخص داخل يف زمرة االصحاب الكرام عليهم الرضوان[ ]1ومن مجلة السابقني
وصاحب هذه النسبة العلية ممتاز بدولة مركز املطلوب وإن كان يف نفس املركز ايضا
مراتب ولكنه مشرف بدولة السبقة وما اكشف من هذا املعمى زايدة على ذلك وما
اشرح بغري هذه الرموز فاذا ظهرت هذه النسبة العلية بفضل هللا سبحانه تزول النسب
السابقة كلها ال يبقى منها اسم وال رسم سواء كانت نسبة القلب او غريها اذا جاء هنر
هللا بطل هنر عيسى عالمة ذلك املوطن واصحاب هذه الدولة على الصراط املستقيم
الذي وقع حماذاي بوصول املطلوب والذي هو من هذا الصراط على ميني ومشال فوصوله
اىل ظل من الظالل وان كانت املراتب يف الظالل ايضا متفاوتة ولكن كلها متسمة بسمة
الظلية {شعر}:
وما قل هجران احلبيب وان غدا * قليال ونصف الشعر يف العني ضائر
ومن فارق الصراط املستقيم مقدار خردلة فكلما ميشي ويسري ينأى عنه ويتباعد
عن الوصول اىل املطلوب {شعر}:
لن تبلغ الكعبة العلياء اي بدوي * ان الطريق الذي متشي اىل اخلنت
ثبتنا هللا سبحانه واايكم على الصراط املستقيم و السالم على من اتبع اهلدى.
( )1يعين يف حصول هذه الفضيلة فقط ال من مجيع الوجوه عفي عنه
- 815 -
{ املكتوب احلادي والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده جامع العلوم العقلية
والنقلية اخلواجه حممد سعيد سلمه هللا تعاىل}
ال اله اال هللا حممد رسول هللا الكلمة االوىل متضمنة الثبات مرتبة الذات تعالت
وتقدست ظهور مرتبة الوجوب يف الصورة املثالية بصورة النقطة يشاهد اقرب من ظهور
تلك املرتبة بصورة الطول والعرض وان مل يكن يف تلك املرتبة جمال للنقطة وال للدائرة وال
للطول وال للعرض وال للعمق فال جرم ترى الكلمة املثبتة يف الصورة الكشفية كالنقطة
وكلمة حممد رسول هللا ملا كانت منبئة عن دعوة اخللق اليت تتعلق ابالجسام واجلواهر
وللطول والبسط فيها قدم راسخ فال جرم تظهر صورة هذا املقام املثالية يف النظر الكشفي
طويلة عريضة ويف هذا املقام جيد السالك الكلمة الثانية بواسطة بقية السكر فيه كالبحر
ويتخيل الكلمة االوىل كالنقطة يف جنب ذلك البحر ومن ههنا حكم هذا الفقري بواسطة
بقية السكر فيه وكتب ان الكلمة الثانية حبر والكلمة االوىل كالنقطة يف جنبه وقال
صاحب الفتوحات املكية ايضا يف هذا املقام ان اجلمع احملمدي امجع من اجلمع االهلي
الالمتناهي فاذا بدت وسعة مرتبة الوجوب الالكيفية تعالت وتقدست بعناية هللا سبحانه
وظهرت احاطة تلك املرتبة املقدسة الالكيفية ايضا وصار حكم العامل ابلتمام هبذا الطول
والعرض حكم اجلزء الذي ال يتجزى ابلنسبة اىل حبر ال هناية له جيد السالك يف ذلك
الوقت الشيئ الذي وجده اوال نقطة حبرا ال هناية له ويرى البحر احمليط اصغر من اجلزء
الذي ال يتجزى (وال يظنن) احد هنا ان الوالية افضل من النبوة لكون الوالية مناسبة
للكلمة االوىل والنبوة مالئمة للكلمة الثانية (الان) نقول ان النبوة عبارة عن حمصول كلتا
الكلمتني املقدستني عروج النبوة يتعلق ابلكلمة االوىل ونزوهلا ابلكلمة الثانية فيكون
جمموع الكلمتني حاصل مقام النبوة ال ان الكلمة الثانية فقط حاصل النبوة كما ظن
البعض وزعم ان الكلمة االوىل خمصوصة ابلوالية وليس كذلك بل كلتا الكلمتني حاصل
مقام الوالية ابعتبار العروج والنزول وحاصل مقام النبوة ايضا كذلك ابعتبار العروج
والنزول غاية ما يف الباب ان مقام الوالية ظل مقام النبوة وكماالت الوالية ظالل
- 816 -
لكماالت النبوة وكلما يقال يف مقام السكر معذور ومعفو عنه وهذا الفقري ايضا شريك
هلم يف السكرايت وهلذا كتب يف بعض مكاتيبه ان الكلمة االوىل مناسبة ملقام الوالية
والكلمة الثانية مناسبة ملقام النبوة والسكر ايضا نعمة عظمى ان تيسر اخلروج منه اىل
الصحو ومن كفر الطريقة اىل اسالم احلقيقة ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او أخطأان حبرمة
حبيبك عليه و على آله الصالة و السالم ويرحم هللا عبدا قال آمينا.
{املكتوب الثاين والسبعون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم يف بيان ان
معاملة بيت هللا املقدس املطهر فوق التجليات والظهورات وفوق الظهور العرشي ويف
بيان اللحاق والوصول اىل حقيقة الكعبة وشوق الصورة اىل زايرة صورة الكعبة
املعظمة}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى الظهور العرشي وان كان فوق مجيع
الظهورات ولكن املعاملة املربوطة بيت هللا املقدس املطهر فوق الظهورات والتجليات حت
ان ذكر اسم الظهور والتجلي عار يف ذاك احملل والتجليات والظهورات حكمها حكم
حميط الدائرة وهذه املعاملة يف حكم مركز تلك ال دائرة وال شك ان حميط الدائرة مع وجود
وسعته ظل مركز الدائرة فان نقطة املركز هي اليت وسعت ظلها وظهرت يف صفة مائة
نقطة وصارت حميط الدائرة والتعبري ابلنقطة فيما حنن فيه من قبيل التعبري عن الشئ ابقرب
االشياء اليه واال فالنقطة ايضا هناك كالدائرة مفقودة ال جمال هناك للظاهر وال للمظهر
وال مساغ لألصل وال للظل فان األصل ايضا ابق يف الطريق من الوصول اىل قصر تلك
الدولة كالظل {الشعر}
وما أبديك من طريي عالمه * وأضحى مثل عنقاء وهامه
وللعنقاء بني الناس اسم * وليست السم طريي استدامه
وكعبة انبياء بين اسرائيل عليهم الصالة و السالم اليت هي صخرة بيت املقدس
يكون رجوع كماالهتا وظهوراهتا يف اآلخر اىل كماالت هذه الكعبة املعظمة وتكون تلك
- 817 -
الكماالت ملحقة هبذه الكماالت فانه ال بد لالطراف من اللحوق ابملركز وما مل يتصل
الطرف ابملركز الذي هو الطريق املستقيم ال جيد سبيال اىل املطلب واشوقاه اىل لقاء
الكعبة املعظمة قال هللا تبارك و تعاىل ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى
للعاملني فيه آايت بينات مقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا وهلل على الناس حج البيت من
استطاع اليه سبيال ومن كفر فان هللا غين عن العاملني وان تيسر اللحاق حبقيقة الكعبة
بفض ل هللا سبحانه وحصل بعد اللحاق هبا ترقيات بال هناية ولكن شوق مالقاة الصورة
اىل الصورة موجود وقد صار احلج فرضا وحتقق امن الطريق ايضا بغلبة السالمة والشوق
ازيد واكمل ايضا من فرضية احلج ومع ذلك تسويف يف تسويف ال تساعد االستخارة
على السفر كلما كنت متوجها حبسن التوجه ال ينكشف املسري يف الطريق وال يظهر
الوصول اىل الكعبة يف النظر وماذا نصنع وكل هذه االعذار ال جتدي يف أتخري اداء
الفرض ينبغي ان خنرج من البيت بقصد اداء فرض احلج بتوفيق هللا تعاىل على اي حال
كان وان نسري لقطع املراحل فان تيسر الوصول فنعمة عظمى وان بقينا يف الطريق
فالرجاء نقد الوقت ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير و صلّى هللا تعاىل
على سيدان حممد وآله وصحبه وسلم.
{املكتوب الثالث والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده جمد الدين اخلواجه حممد
معصوم سلمه هللا يف بيان ظاهر االنسان الكامل وابطنه وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان االنسان عبارة عن جمموع
عامل االمر وعامل اخللق عامل اخللق هو صورة االنسان وظاهره وعامل االمر هو حقيقة
االنسان وابطنه وامنا قالوا لالعيان الثابتة حقائق املمكنات ابعتبار ان املمكنات ظالل
تلك االعيان وتلك االعيان اصوهلا فان حقيقة املمكنات وماهيتها هي نفس ظالل تلك
االعيان الن املمكنات صارت ممكنات بتلك الظالل وحصل هلا هبا وجود ظلي خبالف
االعيان اليت يثبتون فيها تعينات وجوبية ويروهنا فوق مراتب االمكان فان تعني الوحدة
- 818 -
وتعني الواحدية اللذين مها يف مرتبة االعيان الثابتة قالوا ان كال منهما تعني وجويب
واعتقدوا التعينات الثالثة الباقية اعين التعني الروحي والتعني املثايل والتعني اجلسمي
تعينات امكانية فالقول بكون التعني الوجويب حقيقة للتعني االمكاين على سبيل التجوز
الن احلقيقة االمكانية امنا تكون من عامل االمكان ال من مرتبة الوجوب وكأن اصل الشئ
هو حقيقة الشيئ فما قالوا من ان الصويف كائن ابئن يعين بظاهره مع اخللق وبباطنه
مفارق عنهم وكائن مع احلق سبحانه وأرادوا بظاهره عامله اخللقي وبباطنه عامله األمري
وقالوا يف حق هذا املقام الذي هو مقام اجلمع بني التوجهني انه عال جدا واعتقدوه مقام
التكميل واالرشاد وظنوه مرتبة الدعوة وهلذا الفقري يف ذلك املوطن معرفة خاصة وهي انه
يكون شخص من اخص اخلواص و يكون جمموع عامل اخللق واألمر ابلنسبة اليه صورة
وظاهرا وتكون حقيقته وابطنه االسم الذي هو مبدأ تعينه مع امساء وشئوانت اخر هي
كاالصل لذلك اال سم حت تنتهي اىل حضرة الذات اجملردة عن الشئون واالعتبارات وهذا
العارف التام املعرفة اذا تيسر له الوصول اىل االسم الذي هو قيومه بعد طيه مجيع املراتب
االمكانية وصار قوله اان منقلعا عن املراتب االمكانية ومنطبقا على ذلك االسم وانطبق
على مراتب فوق ذلك االسم اليت هي كاالصول لذلك االسم آان فآان ابلرتتيب على
سبيل العروج وبلغ هبذا النمط مرتبة االحدية اجملردة تصري تلك املراتب اليت انطبق عليها
قوله اان كلها حقيقته و يكون عامله االمري كعامله اخللقي صورة تلك احلقيقة وتلك
الصورة مثل الكسوة لتلك احلقيقة وهي كالشخص الالبس لتلك الكسوة وحيث كان
اطالق أان يف اآلخرين مقصورا على عامل اخللق واالمر ال جرم تكون صورهتم وحقيقتهم
عني عامل اخللق واالمر واالمساء اليت هي مبادئ تعيناهتم ليست غري ان تكون قيومات هلم
(فان قيل) ان العارف وان حصل كمال املعرفة من مجلة املمكنات ال خيرج من االمكان
وال يتصف ابلوجوب فاالسم الذي هو قيومه ومن مرتبة الوجوب كيف يكون حقيقته
وجزؤه (أجيب) ان هذه احلقيقة ابعتبار الشهود ال ابعتبار الوجود حت يلزم احملذور كما
قالوا البقاء ابهلل وهذا الشهود ليس جمرد ختيل بل تتفرع عليه مثرات ونتائج {شعر}:
- 819 -
{املكتوب الرابع والسبعون اىل اخلواجه هاشم يف أتويل قوله تعاىل فمنهم ظامل
لنفسه اآلية وبيان قوله تعاىل اان عرضنا االمانة على السماوات اآلية وبيان خالفة
االنسان الكامل وان معاملته تبلغ مبلغا جيعل قيوما جلميع االشياء وهو ظامل لنفسه
وعرب عن املقتصد ابلندمي واخلليل وعن السابق ابحملب واحملبوب ورأس حلقتهم حممد
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم}
قال هللا تعاىل وتعاظم مث اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادان فمنهم ظامل
لنفسه اآلية وقال تعاىل اان عرضنا االمانة على السموات واالرض اآلية املراد من اآليتني
ما اراده هللا سبحانه و تعاىل وحنن أنوهلما مبا ظهر لنا ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او اخطأان
(ينبغي) أن يعلم ان هللا تعاىل خلق آدم على صورته وهو تعاىل منزه عن الصورة ومتعال
فيمكن ان يكون معن خلق آدم على صورته سبحانه انه لو فرض ملرتبة التنزيه صورة يف
عامل املثال لكانت تلك الصورة جامعة واالنسان اجلامع صار موجودا على تلك الصورة
وليست لصور آخر قابلية الن تكون متثاال لتلك املرتبة املقدسة ومرآة هلا ومن ههنا صار
االنسان مستحقا خلالفته تعاىل فان الشئ ما مل خيلق على صورة شئ ال يكون مستحقا
خلالفة ذلك الشئ فان خالفة الشئ خلف ذلك الشئ وانئب منابه وملا صار االنسان
خليفة الرمحن تعني ابلضرورة لتحمل ثقل االمانة ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه من اين
ينال السموات واالرضون واجلبال اجلامعية حت ختلقوا على صورته تعاىل و لتكونوا
مستحقني خلالفته وتتحملوا ثقل امانته سبحانه وقد حيس انه لو احيلت ثقلة هذه االمانة
على السموات واالرضني لصرن قطعا قطعا ومل يبق منهن اثر اصال وتلك االمانة بزعم
هذا احلقري قيومية مجيع االشياء على سبيل النيابة اليت هي خمصوصة بكمل افراد االنسان
يعين ان معاملة االنسان الكامل تبلغ مبلغا جيعل قيوما جلميع االشياء حبكم اخلالفة
وحتصل افاضة الوجود وبقاء سائر الكماالت الظاهرية والباطنية للكل بتوسطه فان كان
ملك فبه متوسل وان كان انس اوجن فبه متشبث ويف احلقيقة توجه مجيع االشياء اىل
جانبه والكل مائل اليه عرفوا هذا املعن او ال انه كان ظلوما جهوال كثري الظلم على نفسه
- 821 -
حبيث ال يبقى من وجوده وال من توابع وجوده اثرا وال حكما وما مل يظلم نفسه مبثل هذا
ال يكون مستحقا لتحمل ثقل االمانة جهوال كثري اجلهل حبيث ال يكون له علم وال
ادراك ابملطلوب بل عجز عن االدراك وجهل عن العلم ابملقصود وهذا العجز واجلهل يف
ذلك املوطن كمال املعرفة الن اجهلهم اعرفهم مثة وال شك ان اعرفهم أليق حبمل االمانة
وهذان الوصفان كأهنما علتان حلمل ثقل االمانة وهذا العارف الذي تشرف مبنصب
قيومية االشياء حكمه حكم الوزير حيث فوضت كفاية مهمات املخلوقات اليه
واالنعامات وان كانت يف احلقيقة من السلطان ولكن وصوهلا اىل ارابهبا مربوط بتوسط
الوزير ورئيس اهل هذه الدولة ابو البشر آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم وهذا
املنصب خمصوص ابألنبياء اويل العزم عليهم الصالة والتحيات اصالة ويشرف به بتبعية
هؤالء االكابر ووراثتهم كل من اريد له ذلك {ع}:
ال عسر يف امر مع الكرام
وا لطائفة االوىل من وارثي الكتاب الذين هم املصطفون من عباده تعاىل هم هؤالء
الظاملون النفسهم الذين تشرفوا مبنصب الوزارة والقيومية (والطائفة الثانية) من هؤالء
املصطفني الذين عرب هللا تعاىل عنهم ابملقتصد من تشرفوا بدولة اخللة وصاروا اصحاب
سر ومشورة ومعاملة امللك والسلطنة وان كانت مربوطة ابلوزير ولكن اخلليل ندمي
وصاحب انس والفة هذا الجل فرح نفسه وذاك الجل مهمات اآلخرين شتان ما بينهما
ورأس ارابب هذا املقام العايل ابراهيم خليل الرمحن على نبينا وعليه الصالة و السالم
ويشرف به كل من اريد له ذلك وفوق مقام اخللة مقام احملبة الذي تشرف به الطائفة
الثالثة الذين هم السابقون ابخلريات ابذن هللا وفرق بني االصحاب والندمي واحملب
واحملبوب واالسرار واملعامالت اليت متر ومتضي على احملب واحملبوب ال مدخل فيها
لالحباب والندمي وان كان ميكن ايراد اسرار حقيقة احملبة يف البني يف وقت كمال االنس
وااللفة مع اخلليل اجلليل القدر وميكن ان جيعله حمرما السرار احملب واحملبوب ورئيس حلقة
احملبني كليم هللا على نبينا وعليه الصالة و السالم ورئيس زمرة احملبوبني خامت الرسل عليه
- 822 -
وعليهم الصلوات والتحيات و التسليمات ويشرف هبذين املقامني بتبعية اصحاب هاتني
الدول تني ووراثتهم كل من اريد له ذلك واملقامات اليت فوق مقام احملبة قد ذكرت يف
مكتوب من مكتوابت اجللد الثاين للفقري والصدارة فيها ايضا حمل ّمد رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم وكلها داخلة يف مقام السابقني الذي هو نصيب الفرقة الثالثة من وارثي
الكتاب ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب السادس والسبعون اىل موالان فرخ حسني يف بيان حقيقة العرش
الذي هو برزخ بني عامل اخللق وعامل االمر وله وصف من كليهما وليس من جنس
االرض والسماء وبيان الكرسي ووسعته}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان العرش اجمليد من عجائب
مصنوعات احلق سبحانه وبرزخ بني عامل اخللق وعامل االمر يف العامل الكبري وفيه وصف من
هذا ووصف من ذاك وعامل اخللق الذي خلق يف ستة اايم واالرض والسموات واجلبال اليت
وقع ذكرها يف قوله تعاىل خلق االرض يف يومني اآلية اجياد العرش مقدم على خلق هذه
كما قال هللا تبارك و تعاىل هو الذي خلق السموات واالرض يف ستة أايم وكان عرشه
على املاء بل يفهم تقدم خلقه من هذه اآلية ايضا فالعرش اجمليد كما انه ليس من جنس
االرض ليس من جنس السموات ايضا فان له حظا وافرا من عامل االمر ايضا ليس شئ
منها هلؤالء غاية ما يف الباب ان مناسبته للسموات أزيد منها لألرض فال جرم عد من
السموات واال فكما انه ليس من االرض ليس من السموات يف احلقيقة فال جرم تكون
آاثر االرض والسموات واحكامهما مغايرة آلاثر العرش واحكامها بقيت معاملة الكرسي
والذي يفهم من قوله تعاىل وسع كرسيه السموات واالرض ان الكرسي ايضا مغاير
للسموات وا الرض واوسع منهما وال شك ان الكرسي ليس من عامل االمر فانه قيل انه
حتت العرش ومعاملة عامل االمر فوق العرش فاذا كان من عامل اخللق يكون خلقه مغايرا
خللق السموات وينبغي ان يكون خلقه يف ما وراء االايم الستة وال يلزم من هذا املعن
حمذور اصال فانه تعاىل مل خيلق متام عامل اخللق يف هذه االايم الستة فان خلق املاء كان
فيما وراء هذه االايم الستة ومقدما عليها كما مر وملا مل تكن معاملة الكرسي مكشوفة لنا
كما ينبغي اخران حتقيقه اىل وقت آخر راجيا من كرم احلق جل وعال رب زدين علما ومن
هذا التحقيق ارتفع اعرتاضان قواين احدمها انه اذا مل تكن السموات واالرض من اين كان
- 824 -
تعيني االايم الستة وتشخيصها وكيف افرتق يوم االحد من يوم االثنني وكيف امتاز يوم
الثالاثء من يوم االربعاء وأبي وجه صار يوم اخلميس متميزا من يوم اجلمعة وملا علم سبقة
خلق العرش على خلق االرض والسموات صار حصول الزمان متصورا واتضح ثبوت
االايم واندفع االعرتاض ومن اين يلزم كون امتياز االايم خمصوصا بطلوع الشمس وغروهبا
اال ترى ان اجلنة ليس فيها طلوع وال غروب وامتياز االايم اثبت كما ورد يف االخبار
واالعرتاض الثاين الذي اندفع خمصوص بعلوم الفقري وهو انه قد ورد يف احلديث القدسي
ال ي سعين ارضي وال مسائي ولكن يسعين قلب عبدي املؤمن فانه يفهم من هذا احلديث
ان الظهور االمت خمصوص بقلب املؤمن وان هذه الدولة غري ميسرة لغريه وانت قد كتبت
يف مكتوابتك خالفه حيث قلت ان الظهور االمت للعرش اجمليد والظهور القليب ملعة من
الظهور العرشي وعلم من التحقيق السابق من ان آاثر العرش اجمليد واحكامه مغايرة
الحكام االرض والسموات ال وسعة يف االرض والسموات ويف العرش وسعة نعم ان
االرض والسموات مع ما فيهن ليست هلن قابلية الوسعة غري قلب املؤمن فانه مستعد
هلذه الدولة فكان حصر الوسعة على القلب ابعتبار االرض والسموات ال ابلنسبة اىل
مجيع املصنوعات اليت تكون شاملة للعرش اجمليد ايضا حت يتصور خالف مفهوم احلديث
القدسي فاندفع االعرتاض الثاين ايضا (ينبغي) ان يعلم ان العرش اجمليد الذي هو حمل
الظهور التام اذا رمينا االرض والسموات مع ما فيهما يف مقابلته تكون متالشية
ومضمحلة بال توقف وال يبقى اثر منها اصال اال القلب االنساين الذي هو منصبغ بلونه
فانه يبقى وال يكون متالشيا حمضا وكذلك الظهور يف جانب الفوق الذي يتعلق مبا وراء
العرش الذي هو من عامل االمر الصرف حكم العرش ابلنسبة اىل تلك املرتبة حكم االرض
والسموات ابلنسبة اىل العرش وهكذا حكم كل فوق ابلنسبة اىل ما حتته هو هذا احلكم
بعينه اىل ان ينتهي عامل االمر وبعد متام هذه الدائرة تنجر املعاملة اىل اجلهل واحلرية فان
كانت معرفة فهي ايضا جمهولة الكيفية ليست مما حيصل يف حوصلة العقل احلادث ولنبني
مشة من الكماالت االنسانية والقلب االنساين ايضا {شعر}:
- 825 -
{املكتوب السابع والسبعون اىل موالان احلسن الربكي يف جواب عريضته اليت
اعرتض فيها على كلمات الصوفية ابعرتاضات كثرية وسائر استفساراته اآلخر اليت
- 826 -
كتبها}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد وصلت الصحيفة الشريفة من
اخينا الشيخ حسن أحسن هللا حاله وملا كانت فيها رائحة من التشرع واالستقامة اورثت
الفرح واملسرة وكتبتم ان السلوك الذي هو مشهور ومعتقد للسالكني حبسب فهمنا هو انه
ينبغي للمبتدئ ان يشتغل ابلذكر اىل ان جرى القلب ابلذكر مث اىل ان يتوقف عن الذكر
و يكون حمال لالهلامات والتجليات وان يصل السالك اىل مقام الفناء الذي هو اول قدم
يف الوالية وقالوا ان الفناء هو ان يزول عن نظر السالك وعلمه ما هو مسمى ابلغري وال
يبقى يف نظره وعلمه غري الواجب تعاىل وتقدس وقيل هلذا احلالة شهودا ومشاهدة وغريمها
واملقصود انه يرى احلق تعاىل بزعمه وال يرى املسمى ابلغري ويسمون رأي االثنني مشرك
الطريقة وكتبتم ان هذه املعارف وامثاهلا تزعزع الفقري عن حمله فانه لو كان مقصودهم انه
يرى احلق جل وعال يف الدنيا ابلبصر او ابلبصرية فان كان هلم شعور هبذا الشهود والرؤية
فهم ايضا مشركوا الطريقة وان مل يكن هلم شعور هبذا املعن فمن اي شئ خيربون ومن خيرب
وكتبتم ان كلما يرونه بكل وجه من الوجوه سواء كان جتليا صوراي او معنواي او نوراي او
غري ذلك ويعقتدون ذلك املرئي ذات احلق جل وعال من حيث هي ويعتقدون ما هو
املسمى ابلغري ظهوره تعاىل عند هذا الفقري الذي ال حاصل له بعيد عن املعاملة وخالف
نص ليس كمثله شئ وآية ال تدركه االبصار شاهدة هلذا املعن فهذا القوم ماذا يرون
وماذا يدركون حيث يقولون ال نرى غري احلق جل وعال وال ندري وعربوا عنها ابلشهود
واملشاهدة وهذه االفكار يف تدبري انفسهم وتدبري االهل والعيال هل هي موسومة ابلغري
او ال (اعلم) وتنبه ان كل ذلك النفي واالعرتاضات الطويلة الغري املالئمة على مشائخ
الطريقة قدس هللا تعاىل اسرارهم العلية منشأها عدم االطالع على مراد هؤالء االكابر
والتوحيد الشهودي الذي هو رؤية الواحد ومربوط بنيسان السوى من ضرورايت طريقة
هؤالء الكرباء وما مل حيصل ذلك ال يتيسر اخلالص عن التعلق ابالغيار وأنتم تسخرون
هبذه الدولة وابرابب هذه الدولة والشهود والرؤية اللذان وقعا يف عبارة اكابر املشائج قدس
- 827 -
هللا اسرارهم كنايتان عن حضوره تعاىل وتقدس الالكيفي املناسب ملرتبة التنزيه اخلارج عن
حيطة االدراك الذي هو من عامل الكيف وخصصوا دولة هذا احلضور يف الدنيا ابلباطن
وال بد للظاهر من رؤية االثنني يف مجيع االوقات وهلذا قالوا كما ان يف العامل الكبري مشركا
وموحدا يف العامل الصغري ايضا املشرك جمتمع ابملوحد ابطن الكامل موحد يف مجيع الوقت
وظاهره مشرك فيكون ابطنه ابهلل جل وعال وظاهره يف تدبري االهل والعيال وال يلزم حمذور
اصال واالعرتاض من عدم الفهم واايكم وامثال هذه الكلمات واحذروا من غرية احلق جل
سلط انه والظاهر ان مدعي هذا الوقت هم الذين يوردونكم على ذلك ال بد من مالحظة
جانب االكابر فاهنا ضرورية فان تتكلموا يف حمداثت املدعيني وخمرتعاهتم فله مساغ واما
ما هو مقرر عند القوم وال بد منه فالتكلم فيه غري مناسب ولقد رأيتم يف رسائل الفقري
ومكتوابته كم كتب من التوحيد الشهودي وقرره من ضرورايت الطريق وكان الالزم عليكم
ان تستفسروا عن هذا املعن وان تسلوا حبسن االدب وهذا زهر تفتق من مفارقة املرحوم
موالان أمحد عليه الرمحة ومل يظهر منكم مثل هذا الكالم يف حياة موالان اصال وقد وقعت
كتابتكم هذه موقع احلسن حيث وجدمت التنب يه وكلما يقع بعد ذلك ينبغي ان تكتبوه من
غري مالحظة صحته وسقمه فانه لو كان صحيحا يكون ابعثا للمسرة وان كان سقيما
يكون سببا لالنتباه و على كل حال ينبغي ان ال نتقاعد عن الكتابة وكتابكم امنا جيئ
بعد سنة مع القافلة والنصائح الضرورية ضرورية يف كل سنة مرة واحدة وما مل تكتبوا من
ذاك الطرف ومل تسلوا عن أشياء ال ينفتح طريق القيل والقال وسألتم ان القلب هل هو
من مجلة الظاهر او هو من مجلة الباطن وقد بينت ظاهر العارف وابطنه يف مكتوب
ابلتفصيل وآمر املال عبد احلي ابرسال نقله اليكم فرتاجعوا فيه وسألتم ايضا ان الطريق
اآلخر الذي يكون من غري جتليات وكشفيات ما طريق معرفة املتوسط و املنتهى فيه اعلم
ان هذا السالك الذي ال علم له ابحواله اذا كان يف خدمة شيخ كامل ومكمل عامل
ابلطريق وبصري به فعلم ذلك الشيخ حباله كاف له يعرف التوسط واالنتهاء ابعالمه وايضا
اذا اجازه الشيخ ابرشاد اخللق نوع اجازة تكون احوال مريديه مرااي كماالته ويطالع منها
- 828 -
نقصه وكماله وعالمة أخرى ملعرفة االنتهاء هي ان ال يبقى يف السالك مقتضى غري احلق
سبحانه و تعاىل اصال وأن يكون صدره خاليا وصافيا من مجيع املقتضيات املتعلقة
ابلسوى وللنهاية مراتب كثرية بعضها فوق بعض والقدم االول يف النهاية هو الذي ذكر
وهللا سبحانه املوفق وكتبتم ان املعارف اليت تسلي هذا الفقري القليل البضاعة هي املعارف
الشرعية وكأن كل حكم من االحكام الشرعية طريق موصل اىل منزل املقصود وعالمة من
امللك الذي ليست له عالمة وهذا البيت نصب العني {شعر}:
ما بسفر مريومي عزم متاشاگر است * ما بر اومريومي كزمهه عامل وراست
ومعرفتكم هذه اصلية جدا وعالية ومورثة للرجاء وقد جعلين مطالعة هذه املعرفة
حمظوظا جدا وأزالت عدم مالمية صدر املكتوب اوصل هللا سبحانه و تعاىل اىل املقصود
من هذا الطريق وسألتم انه قد جيئ بعض الرجال والنساء ويلتمسون الطريقة ولكن ال
حيرتزون من االكل واللبس احلاصلني من الرابء هل نعلمهم الطريقة او ال ويقولون حنن
نصلح ابحليل الشرعية (ينبغي) ان يعلمهم الطريقة وان يرغبهم يف االجتناب من احملرم
ولعلهم يتخلصون من ذلك االشبتاه بربكة الطريقة واستفسرت ايضا عن العلمني اللذين
ظهر كل منهما عقيب اآلخر من جانب املشرق وقد كتب الفقري مكتواب يف هذا الباب
ابستفسار االصحاب أنمر املال عبد احلي ابرسال نقله ايضا اليكم ان شاء هللا تعاىل
وسألتم ايضا انه هل االفضل اهداء ثواب ختم القرآن واداء صالة النفل واالشتغال
ابلتسبيح والتهليل اىل الوالدين او اىل االستاذ او االخوان او عدم االعطاء الحد فاعلم
ان االفضل االهداء فانه نفع للغري ونفع للعامل ويف عدم االهداء النفع خمصوص ابلعامل
وايضا يرجى يف االهداء قبول العمل املهدى ثوابه بربكة اآلخرين و السالم.
{املكتوب الثامن والسبعون اىل داراب خان يف بيان ان حمبة هذه الطائفة
العلية واخالصهم وسيلة الفناء يف هللا والبقاء ابهلل وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد حيس يف طائفتكم دولة هنيئة
- 829 -
وهي التواضع للفقراء واخلدمة هلذه الطبقة العليا مع وجود اسباب الغناء وحصول مواد
االستغناء وهذا منبئ عن حمبة هذه الطائفة العلية واالخالص هلم ومشعر مبودة هذه الفرقة
الناجية واالختصاص هبم وحديث املرء مع من احب كاف الن تكون بشارة حمليب هذه
الطائفة وحديث وهم قوم ال يشقى جليسهم واف ملسرة جلساء هذه الطبقة فاذا استولت
هذه احملبة بعناية هللا سبحانه وغلبت على هنج ال ترتك غريه يف القلب وزالت التعلقات
اآلخر عن القلب ابلتمام وظهرت لوازم احملبة اليت هي اطاعة احملبوب والقيام مبراده
والتخلق ابخالقه واوصافه فحينئذ حيصل الفناء يف احملبوب شبيه الفناء يف الشيخ الذي
هو الدرجة االوىل يف هذا الطريق وهذا الفناء يعين الفناء يف الشيخ بصري اثنيا وسيلة اىل
الفناء يف هللا الذي البقاء ابهلل مرتتب عليه وهو احملصل للوالية وابجلملة اذا تيسرت حمبة
احملبوب احلقيقي يف االبتداء من غري توسط احد فهي دولة عظيمة حمصلة للفناء والبقاء
واال ال بد من توسط كامل مكمل فينبغي اوال ان جيعل مجيع مراداته اتبعة ملرادات شيخه
وان يصري فانيا فيه ليكون ذلك الفناء وسيلة اىل الفناء يف هللا وليخلصه من تعلقات
السوى ابلتمام وليوصله اىل درجات الوالية {شعر}:
وعليكم ابلسكر اي أهل صفراء * على رغم ذوي السوداء
وأمثال هذه الكلمات امنا تورد لرتغيب الطالبني واملهوسني وتشويقهم وهللا سبحانه
املوفق للصواب بقية املرام ان رافع رقيمة دعاء الفقراء حممد قاسم من اوالد الكبار وكان
يف خدمة الفقراء ولكنه كرب يف حجر تربية اخيه االكرب ابنواع الرتبية والنعم ورأى حمن
االايم قليال وفيه شوق مالزمتكم فان جعلتموه داخال يف مالزمي االمراء وراعيتم االلتفات
يف حاله ال يكون بعيدا عن الكرم والزايدة تصديع و السالم.
{املكتوب التاسع والسبعون اىل الشيخ يوسف الربكي يف جواب رسالته اليت
كتبها مشتملة على االعراض عن الكفر احلقيقي ومشعرة ابالقبال على االسالم
احلقيقي وما يناسب ذلك}
- 830 -
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ان الرسالة املسطورة اليت احلتموها
على موالان عبد احلي لرييها مل يرها يف هذه املدة ويوم سافر موالان اببو احضرها وملا
طالعناها صارت ابعثة على الفرح لكوهنا مشتملة على االعراض عن الكفر ومشعرة
ابالقبال على االسالم كما ان االسالم اجملازي افضل من الكفر اجملازي اسالم الطريقة
ايضا أفضل من كفر الطريقة وكفر الطريقة كله سكر واسالم الطريقة كله صحو و كما ان
الصحو اجملازي افضل من السكر اجملازي صحو الطريقة ايضا افضل من سكر الطريقة مثرة
كفر الطريقة تشبيه ونتيجة اسالم الطريقة تنزيه والفرق الذي بني التشبيه والتنزيه هو فرق
ما بني كفر الطريقة واسالم الطريقة والذين اختاروا اجلمع بني التشبيه والتنزيه واعتقدوه
كماال ذاك التنزيه ايضا من مجلة تشبيه رأوه تنزيها واال فاين اجملال للتشبيه حت جيتمع مع
التنزيه احلقيقي وال يصري مضمحال ومتالشيا يف تشعشع انواره {شعر}:
ومت بدت انوار بدر يف الدجا * ما للسهى من حيلة سوى االختفا
شرف هللا سبحانه و تعاىل حبقيقة االسالم احلقيقي ابلنيب وآله االجماد عليه وعليهم
الصلوات و التسليمات وحيث كان موالان اببو مهيئا للسفر وقع االختصار على كلمات
و السالم عليكم و على من لديكم.
{املكتوب الثمانون اىل الشيخ حامد النهاري يف جواب سؤاله عن قول عني
القضاة يف متهيداته ان الذي تعتقدونه اهلا هو عندان حممد صلّى هللا عليه و سلّم
والذي تعتقدونه حممدا هو عندان اله جل سلطانه}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الصحيفة الشريفة املرسلة من
كمال احملبة واالخالص ووفور املودة واالختصاص واورثت فرحا وافرا رزق هللا سبحانه
االستقامة على هذه الدولة فان حمب كل طائفة مع هذه الطائفة املرء مع من احب
حديث نبوي عليه و على آله الصالة و السالم واستفسرت عن معن عبارة متهيدات عني
القضاة انه قال ان الذي تعتقدونه اهلا هو عندان حممد عليه و على آله الصالة و السالم
- 831 -
والذي تعتقدونه حممدا صلّى هللا عليه و سلّم هو عندان اله جل سلطانه (ايها املخدوم)
ان امثال هذه العبارة املنبئة عن التوحيد واالحتاد تصدر عن املشائخ قدس هللا اسرارهم يف
غلبات السكر اليت هي مرتبة اجلمع واملعربة عنه بكفر الطريقة فاهنم الرتفاع االمتياز
واالثنينية عن نظرهم جيدون املمكن عني الواجب تعاىل بل ال جيدون املمكن اصال وال
يبقى يف شهودهم غري الواجب تعاىل فمعن هذه العبارة على هذا التقدير ان االمتياز
احلاصل بني هللا جل وعال وبني حممد عليه الصالة و السالم عندكم ليس هذا االمتياز
بثا بت عندان وال مغايرة بينهما بل ذاك الواحد الذي هو منزه عن الواحدية عني ذاك
اآلخر فانه اذا ارتفعت نسبة املغايرة اىل سائر املمكنات كيف تكون نسبة االمتياز اثبتة
حملمد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم الذي هو املظهر االمت لكماالته تعاىل وهذه الرؤية
خمصوصة مبرتبة اجلمع فاذا ترقى السالك من هذا املقام وفتح عينه من افراط السكر جيد
حممدا صلّى هللا عليه و عليه آله الصالة و السالم عبده ورسوله تعاىل كما وجده يف
االبتداء كذلك ولعلك مسعت قوهلم النهاية هي الرجوع اىل البداية اعلم ان االشرتاك بني
املبتدئ واملنتهى يف الصورة فقط اليت هي قباب املنتهى واال {ع}:
ما نسبة العرشي للفرشي
فاذا مل تكن للمتوسط نسبة مع املنتهى كيف تكون للمتبدئ البعيد عن املعاملة
نسبة معه ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير و السالم عليكم و على من
لديكم.
موالهم ينبغي ان يكون يف التوبة واالانبة قدم راسخ وان يعتقد املنهيات الشرعية مسا قاتال
{شعر}:
وهذا لكم نصحي صحايب فانكم * كطفل ودنياان كبيت مزخرف
وقد جعل هللا سبحانه و تعاىل بكرمه دائرة املباح وسيعة فما اشقى من يظن كل
هذه الوسعة ضيقة من ضيق صدره ويضع قدمه فيما وراء هذه الدائرة الوسيعة ويتجاوز
احلدود الشرعية ويقع يف املشتبه واحملرم ينبغي للعاقل ان يلتزم احلدود الشرعية وان ال
يتجاوزها مقدار شعرة املصلون والصائمون حبسب الرسم والعادة كثري ولكن املتقون
املتورعون احملافظون على احلدود الشرعية اقل قليل والفارق املميز بني احملق واملبطل هو
هذا االتقاء والتورع فان الصوم والصالة حبسب الصورة يصدران من كليهما قال عليه و
على آله الصالة و السالم مالك دينكم الورع وقال ايضا عليه الصالة و السالم ال تعدل
ابلرعة شيئا واالصحاب وا ن كانوا أيكلون أطعمة لذيذة ويلبسون ألبسة مجيلة ولكن
االلتذاذ واالنتفاع يف طعام الفقراء ولباسهم ذلك للملوك وهذا للصعلوك والفرق بينهما
كثري فان ذاك بعيد عن رضي املوىل جل سلطانه وهذا قريب من رضاه تعاىل وايضا
حماسبة ذاك ثقيلة وحماسبة هذا خفيفة ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من أمران رشدا
وقد وفق احملظ وظ سلطان مراد للتوبة واالانبة واخذ الطريقة واملسؤل من هللا سبحانه
الثبات واالستقامة و السالم عليكم و على سائر االخوان.
{املكتوب الثاين والثمانون اىل اخلواجه شرف الدين احلسني يف التحذير عن
الدنيا الدنية والتحريض على الشريعة الغراء وما يناسب ذلك}
اللهم صغر الدنيا ابعيننا وكرب اآلخرة يف قولوبنا حبرمة حبيبك حممد عليه و على
آله الصالة و السالم أيها الولد العزيز صاحب التميز اايك والرغبة يف زخارف الدنيا الدنية
واالخنداع ابلشوكة الفانية وعليك ابلسعي يف العمل مبقتضى الشريعة الغراء يف مجيع
احلركات والسكنات واملعيشة على وفق امللة الزهراء فال بد اوال من تصحيح االعتقاد
- 833 -
مبقتضى ارآء علماء أهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم فانه ضروري وبعد ذلك
يصرف عنان اهلمة اىل اتيان االحكام الفقهية العملية فينبغي االهتمام التام يف أداء
الفرائض واالحتياط يف احلل واحلرمة والعبادات النافلة يف جنب الفرائض كاملطروح يف
الطريق وساقطة عن االعتبار واكثر الناس يف هذا الوقت يف ترويج النوافل وختريب
الفرائض يهتمون يف اتيان نوافل العبادات ويعدون الفرائض حقرية وعدمية االعتبار يعطون
مبلغا كليا للمستحق وغري املستحق بتقريب وبغري تقريب ولكن اعطاء فلس يف ادآء
الزكاة للمصرف متعسر عليهم وال يدرون ان اعطاء فلس من الزكاة للمصرف خري هلم من
اعطاء الوف صدقة انفلة فان يف اعطاء الزكاة جمرد امتثال امر املوىل جل سلطانه ويف
الصدقة النافلة كثري ما يكون املنشأ اهلواء النفساين وهلذا ال مساغ للرايء يف الفرض واما
النفل ففيه جمال للرايء ومن ههنا كان االوىل يف أداء الزكاة االظهار لنفي التهمة ويف
الصدقة النافلة االخفاء لكونه أليق ابلقبول وابجلملة ال بد من التزام االحكام الشرعية
حت يتصور اخلالص من مضرة الدنيا فان مل تتيسر حقيقة ترك الدنيا ينبغي ان ال يقصر
يف الرتك احلكمي وهو التزام الشريعة يف االقوال واالفعال وهللا سبحانه املوفق و السالم
على من اتبع اهلدى.
{املكتوب الثالث والثمانون اىل املريماه حممود يف بيان ان حمبة هذه الطائفة
العلية رأس بضاعة مجيع السعادات وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى احوال فقراء هذه احلدود واوضاعهم
مستوجبة للحمد واملسؤل من هللا سبحانه سالمتكم وعافتيكم وثباتكم واستقامتكم على
جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و السالم والربكة والتحية الطريقة اليت
اخذها األخ االعز االرشد من هذا الفقري وان مل ترتتب على ذلك االخذ بواسطة قلة نيل
الصحبة اليت هي اصل عظيم عند هؤالء االكابر بركات ومثرات الئقة ولكن اذا بقيت مشة
احليب الذي هو من لوازم تعليم الطريقة فهي دولة عظيمة الن املرء مع من
من االرتباط ّ
- 834 -
احب والربكة االوىل اليت حتصل يف اول صحبة ملبتدئ رشيد من هذه الطريقة العلية دوام
توجه القلب اىل املطلوب احلقيقي جل سلطانه ودوام التوجه هذا يوصل يف فرصة يسرية
اىل نسيان السوي حبيث لو وف عمر السالك فرضا الف سنة ال خيطر على قلبه غري احلق
سبحانه بواسطة حصول نسيان السوى له بل لو ذكروه ابلسوى ابلتكلف والتعمل ال
يكا د يتذكر فاذا حصلت هذه النسبة فقد وضع قدم اول يف الطريقة فماذا اكتب من
القدم الثاين والثالث والرابع اىل ما شاء هللا تعاىل القليل يدل على الكثري والقطرة تنبئ عن
الغدير املقصود ترغيب االحبة نفع هللا عز وجل واوردان يف هذا القيل والقال امليان عبد
العظيم ببيان حم بتكم واالخبار عن اخالصكم السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى
والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و السالم.
والنصحية اليت انصح هبا االحبة ذوي السعادة اتباع السنة السنية على صاحبها الصالة و
السالم والتحية واالجتناب عن البدعة الغري املرضية فان من أحىي سنة من السنن اليت
صارت مرتوكة العمل هبا فله ثواب مائة شهيد فكيف من احىي فرضا من الفرائض او
واجبا من الواجبات فتعديل االركان يف الصالة الذي هو واجب عند أكثر العلماء احلنفية
وفرض عند االمام ايب يوسف واالمام الشافعي وسنة عند بعض العلماء احلنفية صار
مرتوكا عند اكثر الناس فأجر احياء هذا العمل الواحد يكون ازيد من ثواب مائة شهيد
يف سبيل هللا و على هذا القياس سائر االحكام الشرعية من احلل واحلرمة والكراهة وغريها
وقالوا ان رد نصف دانق اىل شخص اخذه عنه ظلما بال وجه شرعي افضل من ان
يتصدق مائ يت درهم وقالوا لو كان لشخص من العمل الصاحل مثل عمل نيب وبقى يف
ذمته حق شخص مقدار نصف دانق ال يدخل اجلنة حت يؤدي ذلك وابجلملة ينبغي ان
يكون متوجها اىل الباطن بعد جعل الظاهر حملى ابتيان االحكام الشرعية لئال يكون
العمل خمتلطا ابلغفلة والتحلي ابالحكام الشرعية بدون امداد الباطن متعذر وظيفة
العلماء االفتاء وشغل اهل هللا العمل واالهتمام يف الباطن مستلزم لالهتمام يف الظاهر
والذي يهتم ابلباطن ويعجز عن الظاهر فهو ملحد واحواله الباطنية استدراجاته وعالمة
صحة حال الباطن حتلي الظاهر ابالحكام الشرعية وطريق االستقامة هو هذا وهللا
سبحانه املوفق.
{املكتوب الثامن والثمانون اىل املال بديع الدين يف بيان الرضاء ابلقضاء}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى العبد املقبول من يكون راضيا بفعل
مواله والذي هو اتبع لرضاء نفسه فهو عبد نفسه فلو امر املوىل سكينا على حلقوم العبد
ينبغي ان يكون العبد مسرورا ومبتسما يف ذلك الوقت وان جيد فعل مواله ذلك مرضيا
لنفسه بل ينبغي ان يكون متلذذا به فلو حصلت له الكراهة من ذاك الفعل عياذا ابهلل
سبحانه وضاق منه صدره فهو بعيد عن دائرة العبودية ومطرود عن قرب املوىل ومهجور
- 837 -
وحيث كان الطاعون مراده سبحانه و تعاىل ينبغي ان يعده مراد نفسه وان يكون مسرورا
به ومتبسما وان ال يكون عبوسا وضيق الصدر من استيالء الطاعون بل ينبغي ان يكون
متلذذا به لكونه فعل احملبوب ولكل احد اجل مسمى ال احتمال فيه للزايدة والنقصان
فما معن اال ضطراب وغاية ما يف الباب ينبغي ان يطلب العافية من البلية وااللتجاء اليه
سبحانه من السخط فان رضاه تعاىل يف دعاء العبد وسؤاله قال ربكم ادعوين استجب
لكم جاء موالان عبد الرشيد وبني احوال تلك البقعة عافاكم هللا سبحانه عن البليات
الظاهرة والباطنة.
هللا من احسن اىل عياله وقد تكفل احلق سبحانه ابرزاق اخلالئق فتكون اخلالئق مبنزلة
عياله تعاىل ومن واسى عيال شخص وحتمل ثقله يكون حمبوب صاحب العيال ألبتة
حيث خفف عنه برفع مؤنته بناء على ذلك جنرتئ على التصديع ان احلافظ حامد رجل
صاحل واتيل القرآن اجمليد وقد يشوشه كثرة العيال وانه ال يقدر اخلروج عن عهدة تربيتهم
واملسؤل من كرمكم امداد املشار اليه واعانته ويكفي الكرماء للكرم علة جزئية و السالم.
{املكتوب احلادي والتسعون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد يف بيان
اسرار قاب قوسني أو أدىن}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى امسع سرا عظيما يف مقام قاب
قوسني او ادىن ان االنسان الكامل اذا حتقق ابلسري يف هللا بعد السري اىل هللا وختلق
ابخالق هللا وأمت هذا السري ايضا بطريق االمجال وامت دوائر ظهور عكوس االمساء
والصفات اليت متامها مربوط ابلسري يف هللا يصري الئقا ومستحقا الن يظهر فيه املعشوق
ابالصالة بال شا ئبة الظلية وبال توهم احلالية واحمللية وحيث ال انفكاك لصفات املعشوق
الذاتية عن ذاته يكون ظهور الذات مع الصفات يف عني العاشق ابلضرورة وحيصل
القوسان يعين قوس الصفات وقوس الذات وهذا املقام االعلى مقام قاب قوسني الذي
هو متعلق بظهور االصل بال شائبة الظل واذا ظهر يف العاشق الصادق بعناية هللا سبحانه
كمال االرتباط والتعلق بذات املعشوق على حد ال يريد شيئا من االسم والصفة ففي
هذا الوقت يسترت االسم والصفة بفضل هللا جل سلطانه عن نظره ابلتمام وال يبقى
ملحوظه ومشهوده شيئا غري الذات وان كانت الصفات موجودة ولكنها ال تكون
مشهودة له فيظهر يف هذا احلال سر او ادىن وال يبقى اثر من القوسني فاذا وقع اهلبوط
من هذا املقام االعلى يقع وضع القدم االول يف عامل اخللق بل جيلس يف عنصر الرتاب
وهذا العنصر الطاهر مع وجود بعده عن عامل القدس وكونه مهجورا عنه اقرب اىل عامل
القدس من الكل واذا نظران اىل النزول واهلبوط جند دولة القرب نصيب عامل اخللق بل
- 839 -
نصيب عنصر الرتاب نعم اذا الحظنا النقطة االوىل من الدائرة يف جانب العروج جند
اقرب النقط اىل ذلك اجلانب النقطة الثانية من تلك الدائرة واذا الحظنا يف جانب اهلبوط
جند اقرب النقط اىل النقطة االوىل النقطة االخرية مقبلة ومتوجهة اىل النقطة االوىل وشتان
ما بني املقبل واملعرض والنقطة الثانية هلا ميل اىل ظهورات النقطة االوىل والنقطة االخرية
خملفة للظهورات وراء ظهرها ومريدة للذات الظاهرة فاين هو من ذاك ربنا آتنا من لدنك
رمحة وهئ لنا من امران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب الثاين والتسعون اىل املري حممد نعمان يف بيان ان الوالية عبارة عن
قرب اهلي جل سلطانه وليست اخلوارق والكرامات من شرطها وبيان حكم سجدة
التحية للسالطني وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ليطب وقت االخ االعز السيد مري
حممد نعمان وليعلم ان ظهور اخلوارق والكرامات ليس من شرط الوالية وكما ان العلماء
ليسوا مكلفني حبصول اخلوارق االولياء ايضا ليسوا مكلفني بظهور اخلوارق فان الوالية
عبارة عن قرب اهلي جل سلطانه يكرم به اولياؤه بعد نسيان السوى شخص يعطى هذا
القرب وال يعطى االطالع على احوال املغيبات واحملداثت وشخص اثن يعطى هذا
القرب ويعطى االطالع ايضا على املغيبات واحملداثت وشخص اثلث ال يعطي من القرب
شيئا ويعطى االطالع على املغيبات وهذا الشخص الثالث من اهل االستدراج وجعله
صفاء النفس مبتلى بكشف املغيبات والقاه يف الضاللة وآية و حيسبون اهنم على شئ اال
اهنم هم الكاذبون استحوذ عليهم الشيطان فانساهم ذكر هللا اولئك حزب الشيطان اال
ان حزب الشيطان هم اخلاسرون عالمة حاهلم والشخص االول والشخص الثاين اللذان
مشرفان بدولة القرب من اولياء هللا تعاىل ال يزيد كشف املغيبات شيئا يف واليتهم وال
ينقص عدم الكشف شيئا من واليتهم والتفاوت بينهم امنا هو ابعتبار درجات القرب
وكثريا ما يكون صاحب عدم كشف الصور الغيبية افضل من صاحب كشف تلك الصور
- 840 -
واسبق منه قدما بواسطة مزية القرب احلاصل له صرح هبذا املعن صاحب العوارف الذي
هو شيخ الشيوخ ومقبول مجيع الطوائف يف كتابه العوارف فمن مل يصدق هذا الكالم مين
فلرياجع ذلك الكتاب فانه ذكر فيه بعد ذكر الكرامات واخلوارق وكل هذه مواهب هللا
تعاىل وقد يكاشف هبا قوم ويعطي وقد يكون فوق هؤالء من ال يكون له شئ من هذا
الن هذه كلها تقوية اليقني ومن منح صرف اليقني ال حاجة له اىل شئ من هذا فكل
هذه الكرامات دون ما ذكرانه من جتوهر الذكر يف القلب ووجود ذكر الذات انتهى قال
امام هذه الطائفة اخلواجه عبد هللا االنصاري امللقب بشيخ االسالم يف كتابه منازل
السائرين ان الفراسة على نوعني فراسة اهل املعرفة وفراسة أهل اجلوع والرايضة ففراسة
اهل املعرفة يف متييزهم من يصلح حلضرة هللا جل وعال ممن ال يصلح ومعرفتهم اهل
االستعداد الذين اشتغلوا بذكر هللا سبحانه ووصلوا اىل حضرة اجلمع وفراسة اهل الرايضة
وارابب اجلوع خمصوصة بكشف الصور واالخبار عن املغيبات املختصة ابملخلوقات وملا
كان العامل اكثرهم اهل انقطاع عن هللا سبحانه واشتغال ابلدنيا مالت قلوهبم اىل اهل
كشف الصور واالخبار عما غاب من احوال املخلوقات فعظموهم واعتقدوا اهنم من أهل
هللا وخاصته واعرضوا عن كشف اهل احلقيقة واهتموهم فيما خيربون عن هللا سبحانه وقالوا
لو كان هؤالء اهل هللا كما يزعمون ألخربوان عن احوالنا الغيبية وأحوال سائر املخلوقات
واذا كانوا ال يقدرون على كشف احوال املخلوقات فكيف يقدرون على كشف امور
اعلى من هذه وكذبوهم يف فراستهم املتعلقة بذات الواجب وصفاته جل وعال هبذا القياس
الفاسد وعميت عليهم االنباء الصحيحة ومل يعلموا ان هللا قد محى هؤالء عن مالحظة
اخللق وخصهم جبناب قدسه وشغلهم عما سواه محاية هلم وغرية عليهم ولو كانوا ممن
يتعرضون الحوال اخللق ما صلحوا للحق سبحانه انتهى كالمه وقال كلمات اخر ايضا
امثال ذلك واان مسعت حضرة شيخي قدس سره يقول كتب الشيخ حميي الدين بن العريب
ان بعض االولياء الكرام الذي ظهرت منه كرامات وخوارق كثرية ندم يف آخر النفس من
ظهور تلك الكرامات وقال متنيا اي ليت هذه الكرامات مل تظهر مين فلو كان التفاضل
- 841 -
ابعتبار كثرة ظهور اخلوارق ال يكون للندامة على ذلك الطور معن (فان قيل) اذا مل يكن
ظهور اخلوارق شرطا يف الوالية كيف يتميز الويل من غري الويل وكيف يتبني احملق من
املبطل (اجيب) ال يلزم التمييز بل يكون احملق ممتزجا ابملبطل فان اختالط احلق ابلباطل
الزم هلذه النشأة الدنيوية والعلم بوالية ويل ليس بالزم اصال وكثري من اولياء هللا تعاىل ال
اطالع هلم على واليتهم فكيف يكون االطالع على واليتهم الزما لغريهم ويف النيب ال بد
من اخلوارق ليتميز النيب من غري النيب فان العلم بنبوة نيب واجب والويل ملا كان داعيا اىل
شريعة نبيه كفاه معجزة نبيه فلو كان الويل يدعو اىل ما وراء الشريعة ملا كان له بد من
خارق وحيث كانت دعوته خمصوصة بشريعة نيب ال يلزم اخلارق اصال العلماء يدعون اىل
ظاهر الشريعة واالولياء يدعون اىل ظاهر الشريعة وابطن الشريعة يدلون املريدين والطالبني
اوال على التوبة واالانبة ويرغبوهنم يف اتيان االحكام الشرعية ويهدوهنم اثنيا اىل طريق ذكر
احلق جل وعال ويؤكدون يف استغراق مجيع اوقاهتم ابلذكر االهلي جل سلطانه اىل ان
يستويل الذكر وال يبقى يف القلب غري املذكور اصال ليحصل النيسان عن مجيع ما سوى
املذكور حت لو كلف بتذكر االشياء ال يكاد يتذكر ومن اليقني انه ال حاجة للويل الجل
هذه الدعوة اليت تتعلق بظاهر الشريعة وابطنها اىل اخلوارق اصال والشيخوخة واملريدية
عباراتن عن هذه الدعوة اليت ال تعلق هلا ابخلوارق وال مساس هلا ابلكرامة مع اان نقول ان
املريد الرشيد والطالب املستعد حيس يف كل ساعة يف اثناء سلوك الطريق خوارق شيخه و
كراماته ويستمد منه يف املعاملة الغيبية يف كل زمان وجيد منه فيها مددا وظهور اخلوارق
ابلنسبة اىل االغيار ليس بالزم واما ابلنسبة اىل املريدين فكرامات يف كرامات وخوارق يف
خوارق وكيف ال حيس املريد خوارق الشيخ .فان الشيخ احيا القلب امليت واوصل اىل
املكاشفة واملشاهدة فاذا كان عند العوام االحياء اجلسدي عظيم الشان فعند اخلواص
االحياء القليب والروحي برهان رفيع البنيان كتب اخلواجه حممد اپرسا قدس سره يف الرسالة
القدسية وملا كان االحياء اجلسدي معتربا عند اكثر الناس اعرض عنه اهل هللا واشتغلوا
ابالحياء الروحي وتوجهوا اىل احياء القلب امليت واحلق ان االحياء اجلسدي ابلنسبة اىل
- 842 -
االحياء القليب والروحي كاملطروح يف الطريق وداخل يف العبث ابلنظر اليه فان هذا االحياء
سبب حياة اايم معدودة وذاك االحياء وسيلة للحياة الدائمية بل نقول ان وجود اهل هللا
يف احلقيقة كرامة من الكرامات ودعوهتم اخللق اىل احلق جل سلطانه رمحة من رمحات هللا
تعاىل واحياؤهم القلوب امليتة آية من اآلايت العظمى وهم أمان اهل االرض وغنائم االايم
هبم ميطرون وهبم يرزقون وارد يف شأهنم كالمهم دواء ونظرهم شفاء هم جلساء هللا وهم
قوم ال يشقى جليسهم وال خييب انيسهم والعالمة اليت يتميز هبا حمق هذه الطائفة من
مبطلهم هي انه اذا كان شخص له استقامة على الشريعة وحيصل للقلب يف جملسه ميل
وتوجه اىل احلق سبحانه و تعاىل ويفهم حصول برودة عما سواه تعاىل فذلك الشخص
شخص حمق والن يعد من االولياء على تفاوت الدرجات مستحق وهذا ايضا ابلنظر اىل
ارابب املناسبة والذي ال مناسبة له فهو حمض حمروم مطلق {شعر}:
من مل يكن يف نفسه ميل اهلدى * فشهوده وجه النيب ال ينفعه
وقد اندرجت يف املكتوب الشريف مشة من طلب سلطان الوقت هلل تعاىل من
حسن النشأة ووقع رمز اىل العدالة والتزام االحكام الشرعية فاورثت مطالعة ذلك فرحا
وافرا وذوقا كما ان احلق سبحانه نور العامل بنور عدل سلطان الوقت وعدالته نصر الشريعة
احملمدية واعز امللة املصطفوية ايضا حبسن اهتمامه ايها احملب حبكم الشريعة حتت السيف
رواج الشريعة الغراء مربوط حبسن اهتمام السالطني العظام وهذا املعن قد طرأ عليه
الضعف من منذ اوقات فصار االسالم ضعيفا ابلضرورة وطفق كفار اهلند يهدمون
املساجد بال حتاش ويعمرون يف مواضعها معابدهم كان يف اتنيسر يف داخل حوض
كركيهت مسجد وقرب واحد من االعزة فهدموه وبنوا موضعه ديرا كبريا وايضا الكفار
جيرون مراسم الكفر على املأل كما شاؤا واملسلمون عاجزون عن اجراء احكام االسالم
ويوم الكادس للهنود الذين يرتكون فيه االكل والشرب يهتمون يف ان ال يطبخ وال يبيع
احد من املسلم ني خبزا يف أسواق بالد املسلمني ويف شهر رمضان املبارك يطبخون اخلبز
والطعام يف املأل ويبيعون وال يقدر احد من ضعف االسالم على منعه اي أسفا على ذلك
- 843 -
مائة الف أسف سلطان الوقت منا وحنن الفقراء هبذا الضعف والوهن وقد قوي االسالم
ابكرام أصحاب الدولة واعزازهم اايه وكان العلماء والصوفية معززين وحمرتمني وكانوا
جيتهدون يف ترويج الشريعة بتقوية هؤالء ومسعت ان األمري تيمور عليه الرمحة كان يوما مير
من بعض ازقة خبارى وكان دراويش خانقاه اخلواجه النقشبند ينفضون فرش خانقاه
اخلواجه اتفاقا فتوقف االمري يف ذلك احملل من حسن نشأته االسالمية حت جعل غبار
اخلانقاه عنربا لنفسه وصندال يتشرف بربكات فيوض الدراويش ولعله هبذا التواضع
واالنكسار تشرف حبسن اخلامتة نقل ان حضرة اخلواجه النقشنبد قدس سره قال بعد وفاة
االمري تيمور أمري مرد و اميان يرد[ ]1يعين مات االمري واستصحب اميانه هل تعلم ما وجه
نزول اخلطباء اىل درجة سفلية عند ذكر اسامي السالطني يف خطبة اجلمع هو تواضع
السالطني العظام ابلنسبة اىل نبينا وخلفائه الراشدين عليه وعليهم الصالة و السالم ومل
جيوزوا ان تذكر اساميهم مع اسامي اكابر الدين يف درجة واحدة شكر هللا تعاىل سعيهم
(تذييل) أيها االخ ان السجدة اليت هي عبارة عن وضع اجلبني على االرض متضمنة
لنهاية التذلل واالنكسار ومشتملة على كمال التواضع واالفتقار وهلذا جعلوا هذا القسم
من التواضع خمصوصا بعبادة واجب الوجوب جل سلطانه ومل جييزوه لغريه تعاىل نقل ان
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كان يوما ميشي على طريق فجاء اعرايب فطلب منه
معجزة حت يؤمن فقال له صلّى هللا عليه و سلّم قل هلذه الشجرة ان رسول هللا يطلبك
فتحركت وانقلعت عن حملها وجاءت حت وقفت بني يدي رسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم فلما شاهد االعرايب هذا احلال أسلم وقال ائذن يل اسجد لك اي رسول هللا قال ال
جتوز السجدة لغري هللا تعاىل لو أمرت احدا ان يسجد الحد المرت املرأة ان تسجد
لزوجها وبعض الفقهاء وان جوزوا سجدة التحية للسالطني ولكن الالئق حبال السالطني
العظام ان يتواضعوا يف هذا االمر حلضرة احلق سبحانه و تعاىل وان ال جيوزوا هناية التذلل
( )1هذا هو املشهور بني اهل خبارى وقائله غري اخلواجه النقشبند قدس سره يف احلقيقة فان اخلواجه النقشبند تويف قبل
موت تيمرلنك بسة عشرة سنة حملرره.
- 844 -
واالنكسار ه ذه لغريه تعاىل وقد سخر هلم هللا سبحانه العامل واحوجهم اليهم فينبغي اداء
شكر هذه النعمة العظمى وان خيصصوا مثل هذا التواضع املنبئ عن كمال العجز
واالنكسار جبناب قدسه تعاىل وأن ال جيوزوا الشركة معه تعاىل يف هذا االمر وان جوز
مجع هذا املعن ولكن ينبغي حلسن تواضعهم ان ال جيوزوه هل جزاء االحسان اال
االحسان وحيث ان سلطان الوقت نزل اىل دار اخلالفة راجعا من اقصى ممالكه حيتمل ان
يوصل هذا الفقري نفسه عن قريب اىل دار اخلالفة مبشيئة هللا تعاىل والباقي عند التالقي و
السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة و التسليمات
العلى.
{املكتوب الثالث والتسعون اىل اخلواجه هاشم البدخشي الكشمي يف بيان ان
لكل من لطائف عامل اخللق وعامل االمر ظاهرا وابطنا وحلوق هذا الباطن ابسم هو
قيوم العارف وبيان ان العارف يف وقت النزول اىل القلب متوجه اىل دعوة العباد
ظاهرا وابطنا}
اعلم ان عامل اخللق وعامل االمر للعارف التام املعرفة وان كان كالمها داخلني يف
الظاهر والصورة ابلنسبة اىل االسم القيوم الذي هو وجهه اخلاص ويف احلقيقة هو ابطنه
وحقيقته كما حرر حتقيقه يف مكتوب ولكن اذا الحظنا هذا الظاهر والصورة حبدة النظر
اليت هي صارت موهبة مبحض فضل هللا جل سلطانه يظهر هنا ايضا ظاهر وابطن وتبدو
صورة وحقيقة ال انه جند عامل اخللق ابلتمام ظاهرا وعامل االمر ابطنا كما ظن مجاعة بل يف
كل لطيفة من لطائف عامل اخللق واالمر صورة وحقيقة عنصر الرتاب له ظاهر وابطن
وكذلك االخفى له ظاهر وابطن وهذا الباطن الذي يتعلق بعامل اخللق وعامل االمر يكون
يوما فيوما بتوسط االعمال الصاحلة بل مبحض موهبة هللا جل سلطانه ملحقا بذاك
الباطن الذي هو مربوط ابالسم القيوم شيئا فشيئا اىل حد ال يبقى من هذا الباطن اثر
اصال وكلما هو غري الظاهر الصرف يصري خمتفيا وحلاق هذا الباطن ابالسم القيوم ليس
- 845 -
هو مبعن ان هذا الباطن يكون يف ذلك االسم وانه يتحد معه فان ذلك احلاد سبحان من
ال يتغري بذاته وال بصفاته وال ابمسائه حبدوث االكوان بل مبعن انه حتصل هلذا الباطن
نسبة اىل ذلك االسم جمهولة الكيفية تكون مومهة للحلول واالحتاد ويف احلقيقة ال حلول
وال احتاد فان ذلك مستلزم لقلب حقيقة االمكان اىل حقيقة الوجوب تعالت وتقدست
وهو حمال عقلي وزندقة يف الشريعة وذاك الظاهر الصرف الذي يبقى وان كان من عامل
الشهادة فانه مشهود ومرئي ولكنه منصبغ بلون الباطن وان كان الباطن خارجا من حيطة
الشهود واالدراك وصار ملحقا ابلغيب واخذ لونه فان الكيفي ما مل أيخذ لون الالكيفي
ومل خيرج من حيطة االدراك الكيفي ومل حيمل محوله من الشهادة اىل الغيب ال ينال نصيبا
من الالكيفي احلقيقي وال يكون مطلعا على غيب الغيب (ينبغي) ان يعلم ان هذا الظاهر
الذي بقي على حاله متميزا من الباطن وجهه اىل اخللق ابلتمام والطاعات والعبادات
الشرعية مربوطة به ومعاملة الدعوة والتكميل ايضا منوطة به وابطن هذا العارف صاحب
التكميل سواء كان متعلقا ابملراتب االمكانية او ابملقامات الوجوبية ايضا متوجه اىل
الظاهر واىل اي شئ يتوجه الظاهر يتوجه الباطن ايضا اىل تلك اجلهة الجل التكميل
والرتبية وتتميم العبادة فان هذه الدار دار العمل وهذا املوطن موطن الدعوة وحقيقة
الشهود واملشاهدة امنا هي يف اآلخرة ومعاملة الكشف واملعاينة امامنا وعبادة املعبود جل
سلطانه يف هذا املوطن افضل من االستغراق يف املعبود تعاىل وانتظار املطلوب الذي هو
انش من احملبة خري من االستهالك يف املطلوب يصدق ارابب السكر ذلك اوال وتوجه
الظاهر والباطن هذا الذي حصل لعارف صاحب تكميل اىل جانب اخللق هو اىل بلوغ
االجل املسمى الذي هو منتهى مقام الدعوة فاذا بلغ االجل يطلع على جسر املوت
ويضع قدمه يف منزل وصال احملبوب ويشرف بدولة الوصل واالتصال بال مزامحة االغيار
{شعر}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع
ربنا أمتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير والصالة و السالم والتحية
- 846 -
والربكة على خري خلق هللا و على اخوانه الكرام و على آله وصحبه العظام اىل يوم القيام.
{املكتوب الرابع والتسعون اىل موالان عبد القادر االنبايل يف بيان حقيقة الفناء
والبقاء وانفكاك العدم من حقيقة العارف وصورته وتكميل نسبة اجملاورة}
الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
اعلم ان حقائق املمكنات بعلم هذا الفقري كما كتب يف بعض املكاتيب عبارة عن
العدمات اليت هي منشأ مجيع الشر والنقص مع عكوس الصور العلمية لالمساء والصفات
االهلية جل شأنه اليت ظهرت يف تلك العدمات غاية ما يف الباب ان تلك العدمات مثل
اهليويل وتلك العكوس كالصورة احلالة يف اهليويل تشخص تلك العدمات ومتيزها بتلك
العكوس الظاهرة فيها وقيام تلك العكوس بتلك العدمات املتميزة وهذا القيام ليس هو
كقيام العرض ابجلوهر بل كقيام الصورة ابهليويل على ما قالوا ان قيام الصورة ابهليويل
وتشخيص اهليويل ابلصورة فاذا كان السالك متوجها بتوفيق هللا سبحانه اىل جناب قدس
احلق جل شأنه ابلذكر واملراقبة واعرض عما سواه سبحانه ساعة فساعة حتصل لتلك
الصور العلمية للصفات الواجبة جل شأنه يف كل آن قوة وغلبة وتستويل على قرينها الذي
هو العدمات وتتسلط اال ان حزب هللا هم الغالبون وتبلغ املعاملة مبلغا تشرع العدمات
اليت هي كاالص ل واهليويل لتلك العكوس يف االستتار بل تكون خمتفية عن نظر السالك
ابلتمام وال يبقى يف نظره غري العكوس واالصول واصول االصول بل تكون العكوس اليت
هي مرااي اصوهلا خمتفية عن النظر فانه ال بد للمرااي من االختفاء وهذا املقام مقام الفناء
وعال جدا فان شرف هذا السالك الفاين ابلبقاء ابهلل وارجع اىل العامل جيد عدمه كاجللد
الضيق الذي هو لوقاية البدن ويكاد يعرب عنه من غاية عدم مناسبته له بقميص من شعر
وجيده مباينا لنفسه ولكن ما كان العدم مباينا له يف هذا املوطن يف احلقيقة بل هو داخل
يف مظان أاننيته وابجلملة ان العدم يف هذا املقام جزؤه املغلوب واملستور ومتنزل عن احلالة
اليت كانت له فيما قبل وصار اتبعا بل قائما بتلك العكوس اليت كان قيامها به وهذا
- 847 -
الفقري كان يف هذا املقام سنني ووجد عدمه مباينا لنفسه كقميص من شعر وملا كانت
عناية هللا سبحانه اليت ال غاية هلا شاملة حلاله بعد اللتيا والليت رأى ان ذلك اجلزء املغلوب
احنل من هذا الرتكيب وفارقه وفقد التشخص الذي كان عارضا له حبصول تلك العكوس
وكأنه صار ملحقا ابلعدم املطلق كصورة جتعل يف قالب وجيعل قيامها به فاذا كملت
وحصل هلا ثبات ورسوخ يكسر ذلك القالب وخترج الصورة منه وجيعل قائمة بنفسها
وفيما حنن فيه ايضا العكوس اليت كان قيامها به حصل هلا قيامها بنفسها بل ابصوهلا ففي
هذا الوقت مل يبق اطالق اان على غري العكوس واصول تلك العكوس وكان اجلزء العدمي
مل يكن له مساس هبا ووجدان حقيقة الفناء امنا حصلت يف هذا املوطن وكأن الفناء
السابق كان صورة هذا ال فناء وملا اخرج اىل البقاء من هذا املقام وارجع اىل العامل اعيد
ذلك العدم الذي كانت له نسبة اجلزئية وكانت له االصالة والغلبة وجعل جماورا وقرينا له
ومباينا عن حقيقته وصورته وابعد عن اطالق لفظ اان عليه والبس هو اايه كقميص الشعر
اثنيا الجل حكم ومصاحل ويف هذه احلالة وان أعيد العدم ولكن مل جيعل قيام تلك
العكوس مربوطا به بل جعل قيام العدم بتلك العكوس كما مر يف البقاء السابق فاذا كان
يف ذلك البقاء هذه النسبة تكون هذه النسبة يف تلك احلالة اليت هي حقيقة البقاء على
الوجه االمت غاية ما يف الباب ان للثوب أتثريا يف صاحب الثوب بعد لبسه فانه اذا كان
الثوب حارا يتأثر الالبس ابحلرارة وان كان ابردا يتأثر ابلربودة وكذلك هذا العدم املشابه
ابلثوب وجد له أتثريا يف نفسه ورأى اثره ساراي يف مجيع بدنه ولكن يعرف ان هذا التأثري
والسراية ظاهري ال ابطين عرضي ال ذايت حاصل من اجملاور اخلارج ال من اجملانس الداخل
وان وجد الشر والنقص اللذان انشيان من ذلك العدم فهما ايضا عرضيان خارجيان ال
ذاتيان اصليان وصاحب هذا املقام وان كان مشاركا لسائر الناس يف البشرية ومسامها مع
غريه يف صدور الصفات البشرية ولكن ظهور الصفات البشرية منه ومن ابناء جنسه
عرضي ان ش من اجملاور ومن اآلخرين ذايت واصلي شتان ما بينهما والعوام يتصورون
اخلواص بل اخص اخلواص كأنفسهم مالحظني املشاركة الصورية ويكونون يف مقام
- 848 -
االنكار عليهم وحيرمون بركاهتم قوله تعاىل فقالوا ابشر يهدوننا فكفروا وقوله تعاىل وقالوا
ما هلذا الرسول أيكل الطعام وميشي يف االسواق عالمة حاهلم وكلما ارى يف نفسي من
الصفات البشرية أجد بعناية هللا سبحانه ان حامل تلك الصفات هو ذلك العدم اجملاور
الذي جري يف كلييت وسري واجد نفسي ابلتمام والكمال طاهرا ومربأ من تلك الصفات
وال أحس يف نفسي نبذة من تلك الصفات هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك وهذه
الصفات اليت تظهر بسبب اجملاورة كحمرة تظهر من شخص البس لباسا أمحر بسبب
محرة اللباس اجملاور واحلمقاء لعدم متييزهم يظنون محرة جماور شخص محرة ذلك الشخص
وينسبون اليه احكاما خمالفة للواقع {شعر}:
خاب الذي قد يرى ذا القبح كاحلسن * وفاز من كان فيه حدة البصر
النيل كان دما للقبط ولبين * يعقوب ماء وذا من أعظم العرب
ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك أنت الوهاب و
السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب اخلامس والتسعون اىل مقصود على التربيزي يف جواب سؤاله عن
الكفر احلقيقي}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت ب ْسم هللا الَّر ْمحَن َّ
الصحيفة الشريفة ووقع فيها االستفسار عن بعض كلمات الصوفية أيها املخدوم وان مل
يقتض الوقت واملكان قوال وكتابة ولكن ال بد للسؤال من اجلواب فحررت ابلضرورة
كلمات وجممل الكالم يف حل مجيع تلك املسائل هو انه كما ان يف الشريعة كفرا
واسالما يف الطريقة ايضا كفر و اسالم وكما ان كفر الشريعة شر ونقص واالسالم كمال
كذلك كفر الطريقة ايضا نقص وشر واسالمها كمال وكفر الطريقة عبارة عن مقام اجلمع
الذي هو حمل االستتار ومتيز احلق من الباطل مفقود يف هذا املوطن فان مشهود السالك
فيه يف املرااي اجلميلة والرذيلة هو مجال وحدة احملبوب فال جيد اخلري والشر والكمال
- 849 -
والنقص غري مظاهر لتلك الوحدة وظالهلا فال جرم يكون نظر االنكار الذي انش عن
التمييز معدوما يف حقه فبالضرورة يكون مع الكل يف مقام الصلح وجيد الكل على صراط
مستقيم ويرتمن هبذه اآلية الكرمية وما من دابة اال هو آخذ بناصيتها ان ريب على صراط
مستقيم واحياان يرى املظهر عني الظاهر فيظن اخللق عني احلق واملربوب عني الرب وكل
هذه ازهار تتفتق من مرتبة اجلمع قال احلالج يف هذا املقام {شعر}:
كفرت بدين هللا والكفر واجب * لدي وعند املسلمني قبيح
ولكفر الطريقة هذا مناسبة اتمة بكفر الشريعة وان كان كافر الشريعة مردودا
ومستحقا للعذاب وكافر الطريقة مقبوال ومستوجبا للدرجات فان هذا الكفر واالستتار
انش من غلبة حمبة اجملبوب احلقيقي ونسيان غريه كله فيكون مقبوال وذاك الكفر حاصل
من استيالء اجلهل والتمرد فيكون مردودا ابلضرورة واسالم الطريقة عبارة عن مقام الفرق
بعد اجلمع الذي هو مقام التمييز واحلق واخلري متميزان هنا من الباطل والشر والسالم
الطريقة هذا مناسبة اتمة ابسالم الشريعة بل اذا بلغ اسالم الشريعة كماله حتصل له نسبة
االختاذ هبذا االسالم بل كال االسالمني اسالم الشريعة والفرق بينهما بظاهر الشريعة
وابطن الشريعة وبصورة الشريعة وحقيقة الشريعة ومرتبة كفر الطريقة اعلى من مرتبة اسالم
صورة الشريعة وان كانت أدون ابلنسبة اىل اسالم حقيقة الشريعة {شعر}:
مت قسنا السما ابلعرش ينحط * وما أعاله ان قسنا ابرض
وكل من تكلم من املشائخ قدس هللا اسرارهم ابلشطحيات من الكلمات املخالفة
لظاهر الشريعة كل ذلك يف مقام كفر الطريقة الذي هو موطن السكر وعدم التمييز
والكرباء الذين تشرفوا بدولة اسالم احلقيقة فهم منزهون ومربأون من امثال هذه الكلمات
ومقتدون ابالنبياء ومتابعون هلم ظاهرا وابطنا فالشخص الذي يتكلم ابلشطحيات و
يكون يف مقام الصلح مع الكل ويظن اجلميع على صراط مستقيم وال يثبت التمييز بني
احلق واخللق وال يقول بوجود االثنينية فان وصل هذا الشخص اىل مقام اجلمع وحتقق
بكفر الطريقة ونسى السوى فهو مقبول وكلماته انشئة من السكر ومصروفة عن الظاهر
- 850 -
وان تكلم هبذه الكلمات بدون حصول هذا احلال وبال وصول اىل الدرجة االوىل من
الكمال وزعم الكل على حق و على صراط مستقيم ومل مييز الباطل من احلق فهو من
الزاندقة واملالحدة الذين مقصودهم ابطال الشريعة ومطلوهبم رفع دعوة االنبياء الذين هم
رمحة للعاملني عليهم الصلوات والتحيات فهذه الكلمات اخلالفية تصدر من احملق وتصدر
من املبطل وهي للمحق ماء احلياة وللمبطل سم قاتل كماء نيل حيث كان لبين اسرائيل
ماء زالال وللقبط دما ونكاال وهذا املقام من مزلة االقدام قد احنرف جم غفري من اهل
االسالم عن الصراط املستقيم بتقليد كلمات اكابر ارابب السكر ووقعوا يف بوادي
الضاللة واخلسارة وجعلوا دينهم هباء منثورا ومل يعلموا ان قبول هذا الكالم مشروط
ابلشرائط وهي موجودة يف ارابب السكر ومفقودة يف هؤالء ومعظم هذه الشرائط نسيان
ما سوى احلق سبحانه ألذي هو دهليز القبول ومصداق امتياز احملق من املبطل االستقامة
على الشريعة وعدم االستقامة عليه والذي هو حمق ال يرتكب خالف الشريعة مقدار
شعرة مع وجود السكر وعدم التمييز كان احلالج مع صدور قول أان احلق عنه يصلي كل
ليلة يف السجن مخسمائة ركعة مع قيد ثقيل و كان ال أيكل الطعام الذي مسه يد الظلمة
ولو كان من وجه حالل والذي هو مبطل يكون اتيان االحكام الشرعية ثقيال عليه مثل
جبل قاف كرب على املشركني ما تدعوهم اليه عالمة حاهلم ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ
لنا من أمران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب السادس والتسعون اىل اخلواجه أيب احلسن هباء البدخشي الكشمي
يف حل منع الفاروق اتيان القرطاس حني طلبه النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف مرض
موته ليكتب شيئا بوجوه شىت}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (سؤال) ان حضرة خامت الرسل
والرسالة عليه و على آله الصالة و السالم والتحية طلب قرطاسا يف مرض موته وقال
أيتوين بقرطاس اكتب لكم كتااب لن تضلوا بعدي ومنع الفاروق مع مجع آخر من
- 851 -
االصحاب رضوان هللا عليهم اتيان القرطاس وقال حسبنا كتاب هللا وقال ايضا أهجر
استفهموه وما قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم بطريق الوحي كما قال هللا تعاىل وما ينطق
عن اهلوى ان هو اال وحي يوحى ومنع الوحي ورده كفر كما قال تعاىل ومن مل حيكم مبا
انزل هللا فأولئك هم الكافرون وأيضا ان جتويز اهلجر واهلذاين للنيب صلّى هللا عليه و سلّم
مستلزم لرفع االعتماد على االحكام الشرعية وهو كفر واحلاد وزندقة فما حل هذه الشبهة
القوية (اعلم) أرشدك هللا وهداك سواء الصراط ان هذه الشبهة وأمثاهلا اليت يوردها مجاعة
على حضرات اخللفاء الثالثة و على سائر الصحابة الكرام رضي هللا عنهم ويريدون هبذه
التشكيكات ردهم لو انصف هوالء اجلماعة وقبلوا شرف صحبة خري البشر عليه و على
آله الصالة و السالم وعلموا ان نفوسهم كانت مزكاة يف صحبة خري البشر من اهلوى
واهلوس وصارت صدورهم صافية عن احلقد والعداوة وعلموا اهنم اكابر الدين وكرباء
االسالم واهنم بذلوا جهدهم يف اعالء كلمة االسالم ونصرة سيد االانم وانفقوا امواهلم يف
أتييد الدين املتني ليال وهنارا سرا وجهارا وتركوا يف حمبة رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم
عشائرهم وقبائلهم واوالدهم وازواجهم واوطاهنم ومساكنهم وعيوهنم وزروعهم واشجارهم
واهنارهم وآثروا نفس رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم على نفوسهم واختاروا حمبة رسول
هللا على حمبة انفسهم وحمبة اوالدهم وامواهلم واهنم الذين شاهدوا الوحي وامللك ورأوا
املعجزات واخلوارق حت صار غيبهم شهادة وعلمهم عينا وهم الذين أثن هللا تعاىل عليهم
يف القرآن اجمليد رضي هللا عنهم ورضوا عنه ذلك مثلهم يف التوراة ومثلهم يف االجنيل فاذا
كان مجيع االصحاب الكرام شركاء يف هذه الكرامات فماذا أظهر من جاللة شأن أكابر
االصحاب الذين هم اخللفاء الراشدون والفاروق هو الذي قال هللا سبحانه و تعاىل يف
شأنه لرسوله اي ايها النيب حسبك هللا ومن اتبعك من املؤمنني قال ابن عباس رضي هللا
عنهما ان سبب نزول هذه اآلية اسالم عمر رضي هللا عنه فبعد حصول نظر االنصاف
وقبول شرف صحبة خري البشر عليه و على آله الصالة والتحيات وبعد علم جاللة شأن
اصحابه الكرام وعلو درجاهتم عليهم الرضوان يكاد يتصور املعرتضون واملشككون هذه
- 852 -
الشبهات مثل املغالطات والسفسطة املزخرفة ويسقطوهنا عن درجة االعتبار وان مل
يشخصوا مادة الغلط يف تلك الشبهات ومل يعينوا حمل السفسطة فال اقل من ان يعرفوا
جممال ان مؤدي هذه التشكيكات وحاصل هذه الشبهات مما ال حاصل له بل هي
مصادمة للبداهة والضرورة االسالمية ومردودة ابلكتاب والسنة النبوية ومع ذلك نكتب يف
جواب هذا السؤال وتعيني مواد تلك الشبهة مقدمات بعون هللا تعاىل (امسع) ان حل هذا
االشكال على وجه الكمال مبنت على مقدمات وان كان كل مقدمة جوااب على حدة
(املقدمة) االوىل مجيع منطوقاته ومقوالته صلّى هللا عليه و على آله وسلم مل تكن مبوجب
الوحي وآية وما ينطق عن اهلوى خمصوصة ابلنطق القرآين كما قاله أهل التفسري وايضا لو
كان مجيع منطوقاته صلّى هللا عليه و سلّم مبوجب الوحي ملا ورد االعرتاض من عند احلق
جل شأنه على بعض مقوالته عليه و على آله الصالة و السالم وملا كان للعفو عنه معن
قال هللا تعاىل خطااب لنبيه صلّى هللا عليه و سلّم عفا هللا عنك مل أذنت هلم (و املقدمة)
الثانية ان االصحاب الكرام كان هلم جمال القيل والقال يف االحكام االجتهادية واالمور
العقلية مع النيب صلّى هللا عليه و سلّم مبوجب قوله تعاىل فاعتربوا اي اويل االبصار وقوله
تعاىل وشاروهم يف االمر وكان هلم يف هذه االمور مساغ للرد والتبديل فان االمر ابالعتبار
واملشورة ال يتصور من غري حصول رد وتبديل وقد وقع االختالف يف قتل اسارى بدر
وا خذ الفدية عنهم وحكم الفاروق ابلقتل فورد الوحي موافقا لرأي فاروق ونزل الخذ
الفدية وعيد فقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم لو نزل العذاب ملا جنى غري عمر وسعد بن
معاذ فان سعدا ايضا كان اشار اىل قتل االسارى (و املقدمة) الثالثة ان السهو والنسيان
جائزان للنيب صلّى هللا عليه و سلّم بل واقعان وقد ورد يف حديث ذي اليدين انه صلّى
هللا عليه و سلّم سلم يف رابعي الفرض على ركعتني فقال له ذو اليدين اقصرت الصالة ام
نسيت اي رسول هللا وبعد ثبوت صدق ذي اليدين قام رسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّموضم اليهما ركعتني اخريني وسجد للسهو فاذا كان السهو والنسيان جائزين يف حالة
الصحة والفراغة مبقتضى البشرية فصدور الكالم منه صلّى هللا عليه و سلّم من غري قصد
- 853 -
واختيار يف مرض املوت ووقت استيالء الوجع مبقتضى البشرية مل ال يكن جائزا ومل يرتفع
االعتماد عن االحكام الشرعية فان احلق سبحانه اطلعه صلّى هللا عليه و سلّم على سهوه
ونسيانه ابلوحي القطعي وميز الصواب من اخلطأ فان تقرير النيب صلّى هللا عليه و سلّم
على اخلطأ ليس جبائز لكونه مستلزما لرفع االعتماد عن االحكام الشرعية فثبت ان
موجب رفع االعتماد ليس نفس السهو والنسيان بل التقرير على السهو والنسيان ومن
املقرر ان ذلك التقدير ليس مبجوز (املقدمة) الرابعة ان حضرة الفاروق بل اخللفاء الثالثة
مبشرون ابجلنة ابلكتاب والسنة واالحاديث الواردة يف ابب بشارهتم ابجلنة خبصوصها
ميكن ان يقال من كثرة الرواة الثقات اهنا بلغت حد الشهرة بل حد التواتر املعنوي
فانكارها اما من اجلهل او من العناد ورواة االحاديث الصحاح واحلسان اهل السنة
اخذوها من اسانيدهم من التابعني والصحابة ورواة مجيع الفرق املخالفة لو مجع كلها ال
يعلم اهنم يبلغون عشر عشري اهل السنة او ال كما ال خيفىي على املتتبع املتفحص املنصف
وكتب اهل السنة مشحونة ببشارة هوالء األكابر ابجلنة وال غم لو مل ترد هذه البشارة يف
كتب األحاديث املخصوصة ببعض الفرق املخالفة فإن عدم رواية البشارة ال يدل على
عدم البشارة وأما ثبوت بشارة هؤالء االكابر ابجلنة يف القرآن اجمليد آبايت متكثرة فكاف
قال هللا تبارك و تعاىل والسابقون االولون من املهاجرين واالنصار والذين اتبعوهم ابحسان
رضي هللا عنهم ورضوا عنه وأعد هلم جنات جتري حتتها االهنار خالدين فيها ابدا ذلك
الفوز العظيم وقال تبارك و تعاىل ال يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك
أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكال وعدهللا احلسن اآلية فاذا كان مجيع
الصحابة الذين أنفقوا وقاتلوا قبل الفتح وبعده مبشرين ابجلنة فما تقول يف أكابر
الصحابة الذين هم االسبقون يف االنفاق واملقاتلة واملهاجرة وماذا نقدر ان نقول وكيف
ندرك اعظمية درجاهتم اهنا ما هي قال اهل التفسري قوله تعاىل ال يستوي منكم اآلية نزل
يف حق الصديق رضي هللا عنه الذي هو أسبق السابقني يف االنفاق واملقاتلة وقال
سبحانه و تعاىل لقد رضي هللا عن املؤمنني اذ يبايعونك حتت الشجرة اآلية نقل االمام
- 854 -
البغوي حميي السنة يف معامل التنزيل عن جابر رضي هللا عنه انه قال قال رسول هللا صلّى
هللا عليه و سلّم ال يدخل النار أحد ممن ابيع حتت الشجرة وهذه البيعة يقال هلا بيعة
الرضوان الن احلق سبحانه رضي فيها عن هؤالء القوم وال شك ان تكفري شخص مبشر
ابلكتاب والسنة كفر ومن أقبح القبائح (املقدمة اخلامسة) ان توقف الفاروق يف اتيان
القرطاس مل يكن على وجه الرد واالنكار عياذا ابهلل سبحانه من ذلك كيف يصدر هذا
القسم من سوء االدب من وزراء النيب صلّى هللا عليه و سلّم الذي هو متصف ابخللق
العظيم وندمائه صلّى هللا عليه و سلّم بل ال يتوقع هذا املعن من ادىن الصحابة الذي
تشرف بشرف صحبة خري البشر مرة او مرتني بل ال يتوهم مثل هذا الرد واالنكار من
عوام امته صلّى هللا عليه و سلّم الذي استسعد بدولة االسالم فكيف يتخيل هذا املعن
فيمن كان من أكابر الوزراء والندماء ومن أعاظم املهاجرين واالنصار رزقهم هللا سبحانه
االنصاف حت ال يسيؤا الظن أبكابر الدين وال يؤاخذ بكل كلمة وكالم بال فهم بل كان
مقص ود الفاروق االستفهام واالستفسار كما قال استفهموه يعين لو طلب القرطاس ابجلد
و االهتمام جياء به وان مل يطلب ابجلد ال يصدع يف مثل هذا الوقت فانه لو طلب
القرطاس ابلوحي واالمر لكان يطلبه ابملبالغة والتأكيد ويكتب ما كان مأمورا بكتابته فان
تبليغ الوحي واجب على النيب صلّى هللا عليه و سلّم وان مل يكن هذا الطلب ابالمر
والوحي بل اراد انه يكتب شيئا على وجه االجتهاد والفكر فالوقت ال يساعد ذلك
ومرتبة االجتهاد ابقية بعد ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم واملستنبطون من امته يستنبطون
االحكام االجتهادية من الكتاب الذي هو اصل اصول الدين فاذا كان الستنباط
املستنبطني جمال يف حضوره الذي هو اوان نزول الوحي فبعد ارحتاله الذي هو زمان
انقطاع الوحي يكون استنباط اويل العلم واجتهادهم مقبوال ابلطريق االوىل وملا مل يهتم
النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف هذا الباب ومل جيد بل اعرض عن هذا االمر علم انه مل
يكن على وجه الوحي والتوقف جملرد االستفسار ليس مبذموم وقد عرض املالئكة الكرام
على وجه االستفسار واالستعالم من وجه خالفة آدم على نبينا وعليه الصالة و السالم
- 855 -
على امللك العالم بقوهلم أجتعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وحنن نسبح حبمدك
ونقدس لك و قال زكراي حني بشر بيحىي على نبينا وعليهما الصالة و السالم اىن يكون
يل غالم وكانت امرأيت عاقرا وقد بلغت من الكرب عتيا وقالت مرمي رضي هللا تعاىل عنها
اىن يكون يل غالم ومل ميسسين بشر ومل أك بغيا فما املضايقة لو توقف الفاروق ايضا يف
اتيان القرطاس الجل االستفهام واالستفسار واي شر واي ضرر فيه (املقدمة) السادسة
ان حصول حسن الظن بصحبة خري البشر وأبصحابه عليه وعليهم الصالة و السالم
الزم ومعرفة ان خري القرون قرنه صلّى هللا عليه و سلّم وان أصحابه افضل بين آدم بعد
االنبياء عليهم الصالة و السالم ايضا الزمة حت حيصل اليقني ابن اجلماعة الذين هم
أفضل بين آدم بعد االنبياء عليهم السالم ال جيتمعون يف خري القرون على عمل ابطل
بعد ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم واهنم ال جيلسون مكانه صلّى هللا عليه و سلّم فسقة وال
كفرة وامنا قلت ان االصحاب أفضل بين آدم فان هذه االمة خري االمم بنص القرآن وهم
أفضل هذه االمة النه ال يبلغ ويل مرتبة صحايب اصال فينبغي الرجوع اىل االنصاف قليال
وان يفهم ان منع اتيان القرطاس لو كان كفرا من الفاروق ملا نص الصديق الذي هو اتقى
هذه االمة اليت هي خري االمم بنص القرآن خبالفته وملا ابيعه املهاجرون واالنصار الذين
اثن عليهم احلق سبحانه و تعاىل يف القرآن اجمليد ورضي عنهم ووعدهم ابجلنة وملا
اجلسوه مكانه صلّى هللا عليه و سلّم فاذا حصل حسن الظن بصحبته وأصحابه صلى
هللا عليه وسلم الذي هو مقدمة احملبة فقد تيسر النجاة من مزامحة أمثال هذه الشبهات
وحصل حدس بطالن هذه التشكيكات فان مل حيصل عياذا ابهلل سبحانه حسن الظن
بصحبته وابصحابه عليهم الصالة و السالم بل اجنر االمر اىل سوء الظن يكون ذاك الظن
السوء منجرا اىل صاحب تلك الصحبة وصاحب االصحاب ابلضرورة بل ينجر اىل موىل
ذاك الصاحب ايضا ينبغي وجدان شناعة هذا االمر كما ينبغي ما آمن برسول هللا من مل
يوقر أصحابه قال عليه و على آله الصالة و السالم يف شأن اصحابه الكرام عليهم
الرضوان من احبهم فبحيب احبهم ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم فصارت حمبة االصحاب
- 856 -
مستلزمة حملبته وبغض االصحاب مستلزما لبغضه عليه وعليهم الصالة و السالم فاذا
علمت هذه املقدمات حصل جواب هذه الشبهة وامثال هذه الشبهة بال تكفل بل
حصلت اجوبة متعددة فان كل مقدمة من هذه املقدمات ميكن ان يقال اهنا جواب من
اجوبة معتد هبا كما مر وجمموع هذه املقدمات حتسم مادة هذه الشبهة بعون هللا سبحانه
وخترج دفع هذا التشكيك من النظر اىل احلدس كما ال خيفى على الفطن املنصف ولفظ
احلدس امنا جيري على اللسان مقحما وإال فأمثال هذه التشكيكات بديهية البطالن
واملقدمات اليت اوردت يف بيان بطالن تلك الشبهات امنا هي من قبيل التنبيهات على
تلك البديهة بل امثال هذه الشبهات والتشكيكات عند الفقري كصنعة ذي فنون جاء
عند قوم محقاء واخ ذ حجرا حمسوسا هلم واثبت ابلدالئل واملقدمات املزخرفة انه ذهب
وحيث كان هؤالء احلمقى عاجزين عن دفع تلك املقدمات املموهة وقاصرين يف تعيني
مواد غلط تلك الدالئل يقعون يف االشتباه بل يعتقدون ذهبيته يقينا وينسون حسهم بل
يتهمونه والذكي ينبغي ان يعتمد على ضرورة احلس وان يتهم املقدمات املموهة وفيما حنن
فيه ايضا ان جاللة شأن اخللفاء الثالثة وعلو درجاهتم بل جاللة مجيع اصحاب خري
البشر عليه وعليهم الصالة و السالم مبقتضى الكتاب والسنة حمسوسة ومشهودة وقدح
القادحني وطعن الطاعنني فيهم بدالئل مموهة كالقدح والطعن يف وجود ذلك احلجر
ومغالطتهم فيه ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت
الوهاب فيا ليت شعري ما محلهم على سب اكابر الدين وطعن كرباء االسالم وليس
طعن احد وسب شخص من الفسقة والكفرة مما يعد يف الشرع عبادة وكرامة وفضيلة
ووسيلة اىل النجاة فكيف سب هداة ال دين وطعن محاة االسالم ومل يرد يف الشرع ان
سب اعداء الرسول عليه و على آله الصالة و السالم كأيب جهل وايب هلب مثال وطعنهم
مما يعد عبادة وكرامة بل االعراض عنهم وعن احواهلم اوىل و انسب و اسلم عن تضييع
الوقت واالشتغال مبا ال يعنيه تلك امة قد خلت هلا ما كسبت ولكم ما كسبتم وال
تسئلون عما كانوا يعملون قال هللا سبحانه و تعاىل يف القرآن اجمليد يف صفة اصحاب
- 857 -
النيب صلّى هللا عليه و سلّم رمحاء بينهم فظن العداوة والشحناء يف حق هؤالء االكابر
مناف لنص القرآن وايضا ان اثبات العداوة واحلقد يف هؤالء االكابر يستلزم القدح يف كال
الفريقني ويرفع االمان من الطائفتني فيلزم ان يكون كال الفريقني من االصحاب مطعوان
فيهم عياذا ابهلل سبحانه من ذلك فيكون أفضل الناس بعد االنبياء عليهم الصالة و
السالم شر الناس و يكون أفضل القرون شر القرون فان اهل ذاك القرن كانوا كلهم
متصفني ابلعداوة واحلقد وال جيرتئ على التفوه بذلك أحد من املسلمني وال جيوز هذا
املعن أي جاللة وأي عظمة لعلي كرم هللا وجهه يف كون اخللفاء الثالثة معادين له و
يكون فيه عداوة مبطنة هلؤالء احلضرات وما ذاك االّ قدح يف الطرفني مل ال يكون بعضهم
مع بعض كاللنب مع السكر وال يكون بعضهم فانيا يف البعض ومل يكن أمر اخلالفة مرغواب
فيه عندهم ومطلواب هلم حت يكون سببا للعداوة واحلقد كيف وقول أقيلوين معروف
ومشهور من الصديق وقال الفاروق لو وجدت من يشرتي اخلالفة لبعتها على دينار
وحماربة علي كرم هللا وجهه مع معاوية ومنازعته معه مل تكن بواسطة امليل اىل أمر اخلالفة
والرغبة فيه بل لكون القتال مع البغاة فرضا ودفعهم ضروراي قال هللا تبارك و تعاىل فقاتلوا
اليت تبغي حت تفيئ اىل أمر هللا غاية ما يف الباب ان حماريب علي ملا كانوا ابغني مؤولني
واصحاب رأي واجتهاد وان كانوا خمطئني يف هذا االجتهاد كانوا مربئني عن الطعن
واملالمة وبعيدين عن التفسيق والتكفري قال علي يف شأهنم اخواننا بغوا علينا ليسوا كفرة
وال فسقة ملا هلم من التأويل قال الشافعي وهو منقول عن عمر بن عبد العزيز تلك دماء
طهر هللا عنها ايدينا فلنطهر عنها ألسنتنا ربنا اغفر لنا والخواننا الذين سبقوان ابالميان وال
جتعل يف قلوبنا غال للذين آمنوا ربنا انك رؤف رحيم والصالة و السالم على سيد االانم
و على آله واصحابه الكرام اىل يوم القيام.
{املكتوب السابع والتسعون اىل اخلواجه حممد هاشم الكشمي يف جواب طلبه
حل ما يف املكتوب السادس}
- 858 -
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سألتم أنه ما معن هذه العبارة
الواقعة يف املكتوب السادس اظن ان املقصود من خلقيت هو ان تنصبغ الوالية احملمدية
ابلوالية االبراهيمية عليهما الصالة و السالم وان يكون حسن مالحة هذه الوالية ممتزجا
جبمال صباحة تلك الوالية وان يبلغ مقام احملبوبية احملمدية هبذا االنصباغ واالمتزاج درجة
علياء (اعلم) ان منصب الداللة واملشاطة ليس مبمنوع وال حمذور فيه اصال والدالل الذي
جيعل حبسن الداللة كال من احملبوبني صاحيب اجلمال والكمال خمتلطا ابآلخر وجيعل
حسن كل منهما مقرتان حبسن اآلخر فعله هذا من كمال خدمته وهناية شرفه وسعادته وال
يلزم من هذا املعن نقص وال قصور يف شأهنما اصال وكذلك اذا زاد يف حسنهما ومجاهلما
ابملشاطة وحصلت هلما بسببه طراوة وزينة أخرى فذلك شرافته وسعادته وال يلزم من ذلك
نقص وقصور هلما اصال {شعر}:
يف جمدكم ال يلحق النقصان من * هذا و يل يف ذاك الف شرافة
وابجلملة ان حصول االنتفاع واالستفادة الصحاب الدولة من جهة الغلمان
واخلدمة ليس مبمنوع وال حمذور فيه اصال النه ليس مبستلزم للقصور والنقصان بل كمال
اصحاب الدولة يف خدمة الغلمان واخلدمة وقاصر الدولة من ال يكون منتفعا ومتمتعا
ابخلدمة ويعد االنتفاع والتمتع هبم نقصاان واالستمداد واالستفادة منهم قصورا قال هللا
تبارك و تعاىل اي أيها النيب حسبك هللا ومن اتبعك من املؤمنني قال ابن عباس رضي هللا
عنهما ان سبب نزول هذه اآلية اسالم الفاروق رضي هللا عنه ومن البديهي ان خدمات
االصاغر و االسافل موجبة ملزية مرتبة االكابر واالعايل فمن مل يهتد ألمر بديهي فما
قصور العبارة اال ترى ان السالطني واألمراء حمتاجون اىل اخلدم واحلشم يف التجمل
والتسلط ويرون ان كماالهتم مربوطة هبم وال قصور وال نقصان من هذا املعن يف مراتبهم
اصال كما هو معلوم للوضيع والشريف ومنشأ هذا االشتباه عدم الفرق بني التمتع
واالن تفاع احلاصل من جانب االصاغر والتمتع واالنتفاع احلاصل من جانب االعايل وقد
تبني ان االول موجب للكمال والثاين يزيد يف النقصان واالول جموز والثاين ممتنع وهللا
- 859 -
سبحانه امللهم للصواب ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من أمران رشدا و السالم على
من اتبع اهلدى.
{املكت وب الثامن والتسعون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد واملخدوم
زاده جامع االسرار والعلوم اخلواجه حممد معصوم}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سألتم ان العلماء قالوا ان احلق
سبحانه و تعاىل ليس داخل العامل و ال خارج العامل وال متصال ابلعامل وال منفصال عن
العامل فما حتقيق هذا املبحث اجلواب ان حصول نسبة الدخول واخلروج واالتصال
واالنفصال امنا يتصور ابلنظر اىل املوجودين فان احد املوجودين ال خيلو من احدى هذه
النسب ابلنظر اىل اآلخر وال حتقق للموجودين فيما حنن فيه حت يتصور حصول نسبة
من هذه النسب فانه تعاىل موجود والعامل الذي هو ما سواه تعاىل موهوم ومتخيل وان
حصل للعامل بصنعه سبحانه و تعاىل اتقان واستحكام على هنج ال يرتفع ابرتفاع الوهم
واخليال وكانت معاملة التنعيم والتعذيب االبديني مربوطة به ولكن ثبوته يف مرتبة احلس
والوهم وال مقر له خارج احلس والوهم ومن كمال قدرته سبحانه و تعاىل اعطي للموهوم
املتخيل حكم املوجود يف حق الثبات واالستقرار وأجري عليه احكام املوجود ولكن
املوجود موجود واملوهوم موهوم وان تصوره من قصر نظرهم على الظاهر موجودا نظرا اىل
ثباته واستقراره وحكموا أبنه موجود وحتقيق هذا املعن مكتوب يف كتيب ورسائلي
ابلتفصيل فان وقع االحتياج فلرياجع هناك فال شئ يثبت للموجود من هذه النسب
ابلنسبة اىل موهوم بل ميكن ان يقال ان املوجود ليس داخل املوهوم وال خارجه وال
متصال به وال منفصال عنه فان هناك موجود فقط ال اسم للموهوم وال رسم حت تتصور
النسبة معه (ولنوضح) هذا املبحث مبثال ان النقطة اجلوالة تتوهم من سرعة سريها بصورة
الدائرة واملوجود هناك هو تلك النقطة فقط وصورة الدائرة ال ثبوت هلا يف غري الوهم واحملل
الذي فيه النقطة ال اسم فيه من الدائرة املوهومة وال رسم ففي هذه الصورة ال ميكن ان
- 860 -
يقال ان النقطة يف داخل الدائرة وال اهنا يف خارجها ايضا وكذا ال يتصور بينهما االتصال
واالنفصال ايضا فانه ال دائرة يف تلك املرتبة حت تتصور النسبة اثبّت اجلدار او ال مث
انقش (فان قيل) ان احلق سبحانه اثبت نسبة قربه واحاطته ابلعامل واحلال انه ما نسبة
قرب املوجود اىل املوهوم وأي احاطة له به فانه ال اسم من املوهوم وال رسم فيما فيه
املوجود حت يتصور احمليط واحملاط به (اجيب) ان ذاك القرب واالحاطة ليس من قبيل
قرب جسم من جسم واحاطة جسم جبسم بل مها من النسب اجملهولة الكيفية واملعلومة
اآلنية نثبت القرب واالحاطة له سبحانه ونؤمن هبما ولكن ال نعرف كيفيتهما ما هي
خبالف النسب االربع اليت نفيناها فيما سبق فاهنا كما أهنا جمهولة الكيفية غري معلومة
اآلنية ايضا فان الشرع مل يرد بثبوت هذه النسب حت نثبتها ونقول اهنا جمهولة الكيفية
وان امكن جتويز معن اتصال ال كيفي فيه سبحانه و تعاىل مثل معن قرب واحاطة ال
كيفي ول كن ملا مل يرد اطالق لفظ االتصال كما ورد لفظ القرب واالحاطة ال ينبغي ان
يقول متصال وجيوز ان يقول قريبا وحميطا واطالق االنفصال واخلروج والدخول ايضا مل يرد
مثل اطالق االتصال ويف املثال املذكور ايضا لو اثبتنا للنقطة اجلوالة احاطة وقراب ومعية
ابلنسبة اىل الدائرة املوهومة تكون تلك املذكورات جمهولة الكيفية فانه ال بد للنسبة من
املنتسبني وليس املوجود اال النقطة اجلوالة وكذلك االتصال واالنفصال واخلروج والدخول
الالكيفية متصورة فيما حنن فيه وان مل يثبت املنتسبني فان لزوم وجود الطرفني امنا هو
لنسبة معلومة الكيفية لكوهن ا متعارفة ومعتادة وما هو جمهول الكيفية فهو خارج عن
حيطة العقل واحلكم فيها بلزوم وجود الطرفني من االحكام الومهية اليت هي ساقطة عن
حيز االعتبار لكونه قياس الغائب على الشاهد (تنبيه) وقولنا ان العامل موهوم ومتخيل
مبعن ان العامل واقع يف مرتبة الوهم واخليال ووضعه حاصل يف درجة احلس واالراءة كما اذا
خلق القادر املتصف ابلكمال بصنعه الكامل الدائرة املوهومة اليت ال نصيب هلا غري
اخرتاع الوهم واخليال يف مرتبة الوهم واخليال وجعلها يف تلك املرتبة متقنة ومستحكمة
على هنج لو ارتفع الوهم واخليال ابلكلية ال يتطرق اخللل اىل ثبوهتا وال يطرأ القصور على
- 861 -
بقائها وهذه الدائرة املوهومة وان مل يكن هلا ثبوت يف اخلارج واملوجود يف اخلارج هو تلك
النقطة فقط ولكن هلا انتساب اىل وجود خارجي واستناد اىل موجود خارجي فانه لو مل
تكن النقطة من اين تكون الدائرة انشئة {شعر}:
اين اوري لغريي حني اذكرها * بذكر زينب عن ليلى فاومهه
وجيوز ان نقول هلذه الدائرة اهنا نقاب تلك النقطة ويسوغ ايضا ان نقول اهنا مرآة
لشهود النقطة ولو قلنا اهنا دليل على تلك النقطة وهاد اليها فله وجه ايضا اطالق
النقاب ابلنظر اىل العوام واطالق مرآة الشهود والظهور مناسب ملقام الوالية ومالئم
لالميان الشهودي واطالق الدليل واهلادي مناسب ملرتبة كماالت النبوة ومالئم لالميان
الغييب الذي هو امت واكمل من االميان الشهودي فانه ال بد يف الشهود من التعلق ابلظل
ويف الغيب فراغة من هذا التعلق ويف الغيب وان مل يكن حاصل ابلفعل ولكن فيه وصول
وتعلق ابالصل ويف الشهود وان كان حاصل ولكن ليس فيه وصول الن فيه تعلقا ابلغري
وهو ظل االصل وابجلملة ان احلصول نقص والوصول كمال وهذا الكالم ليس مما حيصل
يف حوصلة قاصر وانقص بل يكادون يزعمون احلصول افضل من الوصول والسوفسطائي
يقول من عدم عقله العامل موهوم ومتخيل مبعن انه ال ثبوت له وال حتقق بغري اخرتاع
الوهم وحن ت اخليال فاذا تبدل الوهم واخليال يتغري ذلك الثبوت والتحقق ايضا مثال اذا
تصور الوهم شيئا ابحلالوة فهو حلو واذا تصور عني ذلك الشئ يف وقت آخر ابملرارة فهو
مر وهؤالء املخذولون غافلون عن خلق هللا سبحانه وصنعه تعاىل بل منكرون وابنتسابه
اىل وجود خارجي و استناده اىل موجود خارجي جاهلون يريدون هبذه البالهة رفع
االحكام اخلارجية اليت هي مربوطة ابلعامل ودفع العذاب والثواب االخرويني الدائميني وقد
أخرب عنهما املخرب الصادق عليه الصالة و السالم وال احتمال فيه للتخلف اولئك حزب
الشيطان اال ان حزب الشيطان هم اخلاسرون (فان قيل) حيث اثبت الثبات واالستقرار
للعامل ولو يف مرتبة الوهم واخليال واثبت يف حقه معاملة التعذيب والتنعيم االبديني ايضا
فلم ال جتوز اطالقات الوجود عليه وال نقول انه موجود واحلال ان الثبوت والوجود
- 862 -
مرتادفان كما هو مقرر عند املتكلمني (اجيب) ان الوجود عند هذه الطائفة العلية اشرف
االشياء واكرمها واعزها ويعتقدون انه مبدأ كل خري ومنشأ كل كمال فال جيوزون اطالق
مثل هذا اجلوهر النفيس على ما سوى احلق سبحانه الذي هو نقص وشر من القدم اىل
الرأس وال يرضون ابعطاء االشرف اىل االخس ومقتداهم يف هذا االمر الكشف والفراسة
وقد صار مكشوفا وحمسوسا هلم ان الوجود خمصوص حبضرة احلق سبحانه و تعاىل واذا
قالوا لغريه تعاىل موجود فامنا هو ابعتبار ان لذلك الغري نسبة واربتاطا ابلوجود وان كانت
جمهولة الكفية وانه قائم بذلك الوجود قيام الظل ابالصل وايضا ان الثبوت الذي حصل
له يف مرتبة الوهم واخليال هو ظل من ظالل ذلك الوجود وملا كان ذلك الوجود خارجيا
واحلق سبحانه موجود يف اخلارج لو قيل ملرتبة الوهم بعد صنعه تعاىل واتقانه اهنا ظل من
ظالل ذلك اخلارج جلاز ولو قيل هلذا الثبوت الومهي ابعتبار هاتني الظليتني ايضا وجودا
خارج يا لساغ بل لو قيل للعامل ابعتبار هذه الظلية ايضا موجودا خارجيا لكان جائزا
(وابجلملة) ان كلما هو يف املمكن مستفاد من حضرة الوجود تعاىل وتقدس ما جاء بشئ
من بيت ابيه والقول ابنه موجود خارجي بدون مالحظة الظلية امر عسري واشراك له مع
احلق تعاىل يف اخص اوصافه تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا وما كتبه الفقري يف بعض
مكاتيبه ورسائله من ان العامل موجود خارجي ينبغي ارجاعه اىل هذا البيان ومحله اىل
اعتبار الظلية وما قال املتكلمون من ترادف الوجود للثبوت والتحقق لعله ابعتبار املعن
اللغوي واال فاين الوجود واين الثبوت قال جم غفري من ارابب الكشف والشهود ومن
اهل النظر واالستدالل يف حق الوجود انه عني حقيقة واجب الوجود تعاىل والثبوت من
املعقوالت الثانوية شتان ما بيه نا (فائدة) كما ان الوجود مبدأ كل خري وكمال ومنشأ كل
حسن ومجال كذلك العدم الذي هو مقابله يكون ألبتة مبدأ كل شر ونقص ومنشأ كل
قبح وفساد فان كان وابل فمنه انش وان ضالل فمنه كائن ومع ذلك فيه حماسن مودعة
وحرف مكنونة فمن حماسنه جعله نفسه يف مقابلة الوجود عدما مطلقا وال شيئا حمضا
ومن حرفه املستملحة جعل نفسه وقاية للوجود واخذه الشرور والنقص لنفسه وايضا
- 863 -
الطرفني الذايت والعرضي واالصلي والظلي فبالضرورة جعله ماليخوليا الوجود املشابه ابلشر
حمروما من العدمية والالشيئية اليت من الصفات احلسنة للعدم ومع ذلك كان الشر املتوهم
يف جانب الوجود من مرآتيته للعدم ايضا نصيبه فاوصله ابلضرورة اىل اخلسارة االبدية ربنا
ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب و السالم على
من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله امت الصالة وأكمل التسليمات.
وكذلك كل من هو اسبق يف هذا االمر فهو افضل من املسبوقني وكأن السابق استاذ
الالحقني ومعلمهم يف امر الدين والالحقون يقتبسون من انوار السابقني ويستفيدون من
بركاهتم وصاحب هذه الدولة العظمى يف هذه االمة بعد نبينا عليه و على آله الصالة و
السالم الصديق االكرب رضي هللا تعاىل عنه فانه اسبق السابقني يف انفاق االموال الكثرية
واملقاتلة واجملاهدة الشديدة وبذل العرض واجلاه ورفع الفساد واالشتباه لتأييد الدين املتني
ونصرة سيد املرسلني عليه وعليهم الصالة و السالم فاالفضلية على غريه مسلمة اليه
وحيث طلب النيب عليه و على آله الصالة و السالم عزة االسالم وغلبته ابمداد عمر
وكفى هللا سبحانه يف نصرة حبيبه يف عامل االسباب به وقال اي ايها النيب حسبك هللا ومن
اتبعك من املؤمنني قال ابن عباس رضي هللا عنهما سبب نزول هذه اآلية اسالم عمر
تتعني االفضلية بعد الصديق رضي هللا عنه له وهلذا إنعقد امجاع الصحابة والتابعني على
أفضلية هذين الشيخني املعظمني كما مر وقال علي كرم هللا وجهه أيضا ان ااب بكر وعمر
أفضل هذه االئمة فمن فضلين عليهما فهو مفرت أضربه ابلسياط كما يضرب املفرتون
وحتقيق هذا املبحث مندرج يف كتيب ورسائلي ابلتفصيل ال جمال للزايدة على ذلك يف هذا
املقام واالبله من جيعل نفسه عديال الصحاب خري البشر عليه وعليهم الصلوات و
التسليمات واجلاهل ابالخبار واآلاثر من يتصور نفسه من السابقني ولكن ينبغي ان يعلم
ان دولة تلك السبقة اليت هي ابعثة على االفضلية خمصوصة أبهل القرن االول الذين
تشرفوا بشرف صحبة خري البشر عليه و على آله الصلوات و التسليمات وهذا املعن
مفقود يف قرن آخر بل يكون الحقوا بعض القرون افضل من سابقي قرون اخر بل جيوز
ان يكون الالحق يف قرن افضل من السابق يف ذلك القرن بصر هللا سبحانه الطاعنني
بشناعة طعن مسلم وطرد مؤمن مبجرد التوهم والتخيل وبقباحة تكفري مسلم وتضليله
مبحض التعنت والتعصب فما العالج لو مل يكن املقول فيه قابال للتكفري ومستحقا
للتضليل يرجع ذاك الكفر والضالل ابلضرورة اىل ارابب ذاك القول ويتصل من املرمى
- 867 -
ابلكفر اىل الرامي به كما ورد يف احلديث النبوي عليه و على آله الصالة و السالم[ ]1ربنا
اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين ولنرجع اىل
اصل الكالم فنبني الشق الثاين ونقول لو مل يكن للطاعنني هذا االعتقاد يف حق صاحب
هذا احلال وال يوصلون معاملته اىل حد الكفر فحاهلم ايضا ال خيلو من احد احلالني اما
ان حيمل وا واقعته على الكذب والبهتان فهذا عني سوء الظن ابملسلم وهو حمظور عنه
شرعا واما ان ال حيملوا على الكذب والبهتان وان ال يظنوه معتقدا للشركة واملساواة
فحينئذ ما وجه الطعن واملالمة وما سبب تشنيعه وتعييبه فان الالئق ابلواقعة الصادقة ان
حيمل على حمامل صحيحة ال ان يشنع صاحبها ويقبح (فان قيل) ما وجه اظهار مثل
هذه الواقعة املوجبة للفتنة (نقول) ان ظهور مثل هذه االحوال من مشائخ الطريقة كثري
الوقوع وذلك عادة مستمرة هلم وليس هذا اول قارورة كسرت يف االسالم وال يكون بال
نيات حقانية وارادة صادقة واملقصود من هذه الكتابة احياان اظهار احواله املوهوبة عند
شيخه ليبني صحة حاله وسقمه وليطلعه على تعبريه وأتويله وأحياان ترغيب الطالب
والتالمذة وحتريضهم وأحياان ال يكون مقصود من الكتابة ال هذا وال ذاك بل يورده يف
هذا القيل والقال جمرد السكر وغلبة احلال ليتنفس مما به قليال وليخفف عن نفسه حملة
ومن كان مقصوده من اظهار امثال هذه االحوال الشهرة وقبول اخللق فهو مدع بطال
وهذه االحوال استدراج عليه و وابل ومتضمنة خلذالنه وانواع االهوال ربنا ال تزغ قلوبنا
بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب وما ابرئ نفسي ان النفس
المارة ابلسوء اال م ا رحم ريب ان ريب لغفور رحيم (وسألتم) ايضا انه ما السبب يف ان
االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات واالولياء عليهم الرضوان يبتلون يف الدنيا ابشد
البالء واملصائب واحملن كما قيل ان اشد الناس بالء االنبياء مث األولياء مث االمثل
( )1اخرج الشيخان عن ابن عمر رضي هللا عنهما مرفوعا اميا رجل قال الخيه اي كافر فقد ابء هبا احدمها منه عفي
عنه.
- 868 -
فاألمثل[ ]1وقال هللا سبحانه و تعاىل يف كتابه اجمليد وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت
ايديكم ويفهم من هذه اآلية الكرمية ان كل من يكون اكتسابه للسيئات اكثر يكون موردا
للمصيبة يف االكثر فينبغي ان يبتلى ابشد البالء واملصيبة غري االنبياء عليهم الصلوات و
التسليمات وغري األولياء عليهم الرضوان دون االنبياء واالولياء عليهم الصالة و السالم
وايضا ان هؤالء الكرباء حمبوبوا احلق سبحانه اصالة وتبعا ومن خواص مقربيه تعاىل فكيف
يصح احالة البليات واحملن اىل احملبوبني وخواص املقربني وأبي وجه جيوز اذاهم وكيف
يستقيم كون االعداء يف راحة ونعيم واقامة األحباء يف بليات وعذاب اليم (اعلم) ارشدك
هللا وهداك سواء الصراط ان الدنيا ليست مبوضوعة للتنعم والتلذذ وامنا املعد للتنعم والتلذذ
هي اآلخرة وحيث كان بني الدنيا واآلخرة نسبة الضدية والنقاضة ورضاء احدامها مستلزم
لسخط األخرى يكون التلذذ يف احدامها مستلزما للتأمل يف األخرى ابلضرورة فمن يكون
تلذذه وتنعمه يف الدنيا اوفر يكون أتمله وتندمه يف اآلخرة اكثر وكذلك من كان ابتالؤه
ابلبليات واحملن يف الدنيا اكثر يكون احتظاظه وسروره يف اآلخرة ابلتنعمات والتلذذات
ازيد وافور وليت لبقاء الدنيا ابلنسبة اىل بقاء اآلخرة حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر
احمليط نعم ماذا تكون نسبة املتناهي اىل غري املتناهي فال جرم كان الالئق مبقتضى الكرم
ابتالء األحباب مبحنة اايم يف هذه الدار ليحتظوا ويفرحوا بتنعمات ابدية وكان املناسب
مبوجب املكر واالستدراج احتظاظ االعداء بتلذذات قليلة ليبتلوا بتأملات كثرية (فان قيل)
ان الكافر الفقري الذي هو حمروم يف الدنيا واآلخرة مل يكن أتمله يف الدنيا مستلزما لتلذذه
يف اآلخرة فما وجه ذلك (نقول) ان الكافر عدو هللا جل سلطانه ومستحق للعذاب
الدائمي ورفع العذاب عنه يف الدنيا وتركه على وضعه وحاله عني التلذذ والتنعم ونفس
االحسان يف حقه وهلذا قيل لنفس الدنيا يف حق الكافر اهنا جنة غاية ما يف الباب ان
بعض الكفار يرفع عنه العذاب يف الدنيا ويعطى بعض التلذذات األخرى ايضا وبعض
( )1رواه عن سعد والطرباين عن اخت حذيفة وابو عوانة واحلاكم بسند صحيح عن ايب سعيد اخلدري ابلفاظ خمتلفة
متقاربة منه عفي عنه.
- 869 -
آخر يرفع عنه العذاب وال يعطي له شئ من تلذذات أخرى بل يكتفي يف حقه ابلتذاذ
اعطاء الفرصة واملهلة ورفع العذاب لكل ذلك حكم ومصاحل (فان قيل) ان هللا تعاىل
قادر على كل شئ و مقتدر الكرام اوليائه بتلذذات دنياوية وتنعمات اخروية من غري ان
يكون التلذذ يف احدامها مستلزما للتأمل يف األخرى يف حقهم (أجيب) بوجوه (االول) اهنم
لو مل يذوقوا يف الدنيا بليات اايم قليلة وحمن اويقات يسرية ال يعرفون قدر تلذذات
وتنعمات ابدية وال يدركون قدر نعمة الصحة والعافية الدائمة كما ينبغي نعم من مل جيع
بطنه ال جيد لذة الطعام ومن مل يكن مبتلى ال يعرف قدر الفراغة وكأن املقصود من أتملهم
املوقت حتصيلهم لكمال التلذذ الدائمي وظهر اجلمال يف حق هؤالء االكابر بصورة
اجلالل البتالء العوام يضل به كثريا و يهدي به كثريا (والثاين) ان البليات واحملن وان
كانت عند العوام من اسباب التأمل ولكن كلما يصيب من اجلميل املطلق فهو من أسباب
التنعم وااللتذاذ عند هؤالء االكابر وهم جيدون من التلذذ ابلبالاي ما جيدون من التنعم
ابلنعماء بل احتظاظهم من البالاي اكثر لكوهنا خالص مراد احملبوب وليس هذا اخللوص
يف النعماء فان النفس ايضا مريدة هلا وهاربة من البالاي فيكون البالء عند هؤالء االكابر
أفضل من النعمة و يكون التذاذهم من البالء اكثر من التذاذهم من النعمة وحظهم يف
الدنيا من البليات واملصائب فلو مل يكن هذا امللح يف الدنيا ملا ساوت عندهم بشعرية ولو
مل تكن هذه احلالوة فيها لكانت عبثا يف نظرهم {شعر}:
اال ان قصدي من هواك أتملي * و اال فاسباب النعيم كثرية
فأولياؤه تعاىل متلذذون يف الدنيا وحمتظون ومسرورون يف اآلخرة ولذهتم هذه يف
الدنيا ال تنايف حظهم يف اآلخرة والتلذذ الذي ينايف حظ اآلخرة هو غري ذلك مما هو
حاصل للعوام اهلي ما هذا الذي جعلت اولياءك حبيث ان ما هو سبب أتمل اآلخرين
سبب اللتذاذهم وما هو زمحة على اآلخرين رمحة هلؤالء االكابر ونقمة اآلخرين نعمة هلم
الناس مسرورون يف السرور و مغمومون يف الغم وهؤالء الكرباء مسرورن يف السرور
وفرحون يف الغم فان نظرهم مصروف عن خصوصيات االفعال اجلميلة والرذيلة ومقصور
- 870 -
على مجال فاعل تلك االفعال الذي هو مجيل مطلق وكانت االفعال عندهم ايضا حمبوبة
حبب الفاعل ومورثة لاللتذاذ كلما يصدر يف العامل مبراد الفاعل اجلميل جل سلطانه وان
كان م ن ايالمهم واضرارهم فهو عني مرادهم احملبوب هلم وسبب التذاذهم اهلي ما هذا
الفضل والكرامة حيث اعطيت مثل هذه الدولة اخلفية والنعمة اهلنيئة الوليائك خمفيا اايها
من نظر االغيار وأقمتهم مبرادك دائما حمتظني ومتلذذين ورفعت عنهم الكراهة والتأمل
وجعلتها نصيب غريهم وجعلت العار والفضيحة اللذين من عيوب اآلخرين مجال هذه
الطائفة العلية وكماهلم واودعت مرادهم يف عني عدم حصول املراد وجعلت التذاذهم
وسرورهم العاجلني سببا لزايدة حظوظهم االخروية على عكس اآلخرين ذلك فضل هللا
يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (والثالث) ان هذه الدار دار ابتالء واحلق ممتزج فيها
ابلباطل واحملق خمتلط ابملبطل فلو مل يعط االولياء احملن والبالء بل اعطيهما االعداء ملا
يتميز االولياء من االعداء ولتبطل حكمة االختبار واالمتحان وذلك مناف لالميان
ابلغيب الذي السعادة الدنوية واالخروية مودعة يف ضمنه قوله تعاىل الذين يؤمنون
ابلغيب وقوله تعاىل وليعلم هللا من ينصره ورسله ابلغيب شاهد هلذا املعن فجعل هللا
سبحانه اولياءه مبتلني بصورة البالء واحملن ورمى يف عيون االعداء الرتاب لتتم بذلك
حكمة االبتالء واالمتحان وليكون اولياؤه متلذذين يف عني البالء وليكون االعداء
مطموسوا ا لبصرية خائبني وخاسرين غافلني عن هذا االبتالء يضل به كثريا ويهدي به
كثريا وكانت معاملة االنبياء مع الكفار ان تكون الغلبة احياان يف هذا اجلانب واحياان يف
ذاك اجلانب كانت النصرة يف البدر يف جانب اهل االسالم وكانت الغلبة يف االحد يف
جانب الكفار قال هللا تبارك و تعاىل ان ميسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك
االايم نداوهلا بني الناس وليعلم هللا الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء وهللا ال حيب الظاملني
وليمحص هللا الذين آمنوا وميحق الكافرين (والرابع) ان احلق سبحانه و تعاىل وان كان
قادرا على كل شئ ومقتدرا على اكرام اوليائه ابلتنعم الدنيوي واالخروي ولكن هذا املعن
مناف حلكمته وعادته سبحانه و تعاىل وهو تعاىل حيب ان جيعل قدرته مستورة حتت
- 871 -
حكمته وعادته وان جيعل العلل واالسباب نقاب جناب قدسه فبحكم النقاضة بني الدنيا
واآلخرة ال بد لالولياء من حمن الدنيا وبليتها حت تكون هلم تنعمات اآلخرة هنيئة مريئة
وقد مر يف جواب اصل السؤال رمز اىل هذا املعن (ولنرجع) اىل أصل الكالم ونبني تتمة
اجلواب من أصل السؤال ونقول ان سبب االمل و البالء و املصيبة وان كان كسب الذنوب
والسيئات ولكن البليات مكفرة يف احلقيقة للسيئات واملصيبات مزيلة لظلمات الذنوب
واخلطيات فالكرم يف زايدة حمن االولياء وبلياهتم لتكون كفارة لسيئاهتم ومزيلة لظلمات
ذنوهبم وزالهتم وال ينبغي أن تتصور سيئآت األولياء وذنوهبم مثل سيئات االعداء وذنوهبم
ولعلكم مسعتم قوهلم حسنات االبرار سيئات املقربني فلو صدر عنهم الذنب والعصيان ال
يكون ذلك كذنب غريهم وعصيانه بل يكون من قسم السهو والنسيان بعيدا من العزم
واجلد والطغيان قال هللا تبارك و تعاىل ولقد عهدان اىل آدم من قبل فنسي ومل جند له عزما
فكثرة اآلالم واملصائب والبليات تدل على كثرة كفارة السيئات ال على كثرة كسب
السيئات فيعطى اكثر البالء لالولياء ليكفر عنهم سيآهتم فيقدمون اىل رهبم طاهرين
مطهرين ويكونون حمفوظني من حمنة اآلخرة ومصونني (نقل) ان يف حني احتضار النيب
صلّى هللا عليه و سلّم ظهر فيه قلق واضطراب فلما شاهدت فاطمة رضي هللا عنها منه
صلّى هللا عليه و سلّم ذلك صارت من كمال شفقتها وحتننها لرسول هللا صلّى هللا عليه و
سلّم ولقوله صلّى هللا عليه و سلّم فاطمة بضعة مين مضطربة ومنزعجة فلما شاهد النيب
صلّى هللا عليه و سلّم ذاك االضطراب واالنزعاج من فاطمة الزهراء يف ذلك الوقت قال
لتسليتها رضي هللا عنها ان حمنة ابيك هي هذه فقط ال مكروه بعد ذلك ما اعظم دولة
لو ارتفع العذاب االشد واال بقي مبحنة اايم قليلة وامنا يعامل هبذه املعاملة االولياء دون
غريهم فان ذنوب غريهم ال تكفر هنا كما ينبغي بل يؤخر جمازاهتم اىل اآلخرة فيكون
االولياء احقاء بكثرة اآلالم والبليات الدنيوية وليس غريهم مستحقني هلذه الدولة فان
ذنوهبم كبرية ومشغوليتهم اباللتجاء والتضرع واالستغفار واالنكسار قليلة ونفوسهم على
كسب املعاصي جسورة يكتسبون الذنوب ابجلد والعزم وال خيلون من التمرد والطغيان
- 872 -
والرجم بل يكادون يستهزؤن ويسخرون آبايت هللا عز وجل واجلزاء على قدر اجلرمية فان
كانت اجلرمية خفيفة وصاحبها ملتجئا ومتضرعا اىل هللا تعاىل فهي قابلة للكفارة ابلبالء
الدنوي اما اذا كانت غليظة وصاحب اجلرمية متمرد ومتكرب فهي حرية ابجلزاء األخروي
الذي هو اشد وأدوم وما ظلمهم هللا ولكن كانوا انفسهم يظلمون وكتبتم ايضا ان الناس
يستهزؤن ويسخرون ويقولون ان احلق سبحانه مل يبتلي اولياءه ابحملنة والبالء ومل ال جيعلهم
يف التلذذ والتنعم دائما ويريدون نفي هذه اجلماعة هبذا القيل والقال نعم قد قال الكفار
امثال هذه الكلمات يف حقه صلّى هللا عليه و سلّم قال تعاىل وقالوا ما هلذا الرسول أيكل
الطعام وميشي يف االسواق لوال انزل عليه ملك فيكون معه نذيرا او يلقى اليه كنز او
تكون له جنة أيكل منها اآلية ومدار امثال هذه الكلمات على انكار اآلخرة وانكار
العذاب والثواب الدائمني و على االعتداد ابلتلذذات الفانية العاجلة والذي يؤمن ابآلخرة
ويذعن ابلثواب والعذاب الدائمني ال يورد حمنة اايم قليلة على نظره اصال بل يتصور هذه
احملنة املوقتة اليت هي سبب راحة مؤبدة عني الراحة ال ينبغي االصغاء اىل قيل الناس
وقاهلم واالمل والبالء واحملنة من شواهد احملبة فان زعمها مطموس البصرية منافية للمحبة
ماذا نصنع ال عالج غري االعراض عن اجلاهلني ومقالتهم فاصرب صربا مجيال (جواب)
آخ ر عن اصل السؤال ان البالء سوط احملبوب مينع احملب من االلتفات اىل ما سوى
احملبوب وجيعله متوجها بكليته اىل جناب قدسه فيكون املستحق لألمل والبالء االولياء
ليكون هذا البالء مكفرا لسيئة التفاهتم اىل ما سواه وال يكون غريهم الئقا هبذه الدولة
وكيف ال جياء هبم اىل جناب احملبوب بال اختيار فان كل من سبقت له العناية االزلية جياء
به اىل جانب احملبوب ابجلر والضرب وجيتيب للمحبوبية ومن ال فيرتك على اختياره فان
ادركته السعادة األبدية يسلك طريق االانبة ويصل اىل املقصد ابمداد الفضل والعناية واال
فاايه وحاله اللهم ال تكلين اىل نفسي طرفة عني فعلم من هذا ان البالء يف املرادين يكون
اكثر منه يف املريدين وهلذا قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم الذي هو رئيس املرادين
واحملبوبني ما أوذي نيب مثل ما أوذيت فظهر يف البالء معن الداللية حيث انه أوصل
- 873 -
احلبيب اىل احلبيب حبسن داللته وجعله صافيا من االلتفات اىل غري احلبيب والعجب ان
االولياء لو وجدوا الوفا الشرتوا هبا البالء وغريهم يريدون دفع البالء ابعطاء الوف (فان
قيل) قد يفهم االضطراب والكراهة يف االولياء ايضا وقت اصابة االمل والبالء يف بعض
االحيان فما وجه ذلك (اجيب) ان ذلك االضطراب صوري يصدر عنهم احياان مبقتضى
الطينة البشرية ويف ابقائه حكم ومصاحل فان اجلهاد مع النفس ال يتصور بدونه وقد مسعت
ما ظهر من سيد االولني واآلخرين عليه و على آله الصالة و السالم من االضطراب
والقلق يف سكرات املوت وكان ذلك بقية اجلهاد مع النفس ليكون خامتة خامت الرسل
عليه وعليهم الصالة و السالم على اجلهاد مع اعداء هللا تعاىل وشدة اجملاهدة حتسم مواد
الصفات البشرية وتوصل النفس اىل كمال االنقياد وحقيقة االطمئنان وجتعلها صافية
زاكية فصار البالء دالل سوق احملبة ومن ال حمبة له ال شغل له ابلدالل وال حيتاج اىل
الداللية وال يكون هلا عنده قدر وال قيمة ووجه آخر لألمل والبالء حصول االمتياز بني
احملب الصادق وبني املدعي الكاذب فان من كان صادقا يكون ملتذا وحمتظا ابلبالء ومن
كان مدعيا ال يكون نصيبه من البالء غري التأمل والكراهة وال يهتدي اىل هذا التمييز اال
من كان فيه شائبة من الصدق حت مييز بني حقيقة التأمل وصورته ويفرق بني حقيقة
الصفات البشرية وصورهتا الويل يعرف الويل رمز اىل هذا البيان وهللا سبحانه اهلادي اىل
سبيل الرشاد (وسألتم) أيضا ان العدم ال شئ حمض كما قالوا فال يكون له وجود فاذا مل
يكن له وجود كيف تكون له آاثر وترقيات مع الوجود الذي عرض له يف الذهن فان
كانت تكون ذهنية فكيف خترج عن دائرة اخليال (اعلم) ان العدم وان كان الشيئا ولكن
معاملة االشياء كلها قائمة به ومنشأ تفصيل االشياء وكثرهتا مرآتيته والصور العلمية
لالمساء االهلية جل شأنه اليت انعكست يف مرآة العدم جعلته متميزا واستلزمته ثبوات علميا
فبالضرورة اخرجته ايضا من الالشيئية احملضة وصريته منشئا لآلاثر واالحكام وهذه اآلاثر
واالحكام ايضا كائنة يف خارج موطن العلم واثبتة يف مرتبة احلس والوهم وحيث حصل هلا
يف تلك املرتبة ابستحكام صنع هللا جل شأنه ثبات واستقرار حبيث ال ترتفع بزوال احلس
- 874 -
والوه م ميكن ان يقال ان هذه اآلاثر واالحكام خارجية وانتم كيف تتعجبون من ترقيات
العدم فان مجيع معاملة الكائنات مبتنية على العدم ينبغي ان يشاهد كمال قدرة هللا جل
شأنه حيث وسع دائرة املعاملة هذه كلها من العدم واظهر كماالت الوجود بنقائصه ووجه
ترقيه يف كمال الوضوح فا ن الصور العلمية لالمساء االهلية جل سلطانه متمكنة فيه وكائنة
به ومن الصور اىل احلقيقة والظالل اىل االصل طريق سلطاين ومن مل حيس ذلك فهو
مطموس البصرية ان هذه تذكرة فمن شاء اختذ اىل ربه سبيال ولفظ الذهن واخليال ال
يوقعنك يف االشتباه واالحتمال وال جيعلن صدور اآلاثر والرتقيات عسريا يف نظركم فانه ما
من معاملة اال وهي يف العلم واخليال ليست خبارجة منهما غاية ما يف الباب ان بني خيال
وخيال فرقا كثريا فان اخللق يف مرتبة الوهم واخليال غري اخرتاع الوهم واخليال فان االول
واقعي وكائن يف نفس االمر وميكن ان يقال انه موجود خارجي والثاين قليل النصيب من
هذه الدولة وقليل احلظ من الثبات واالستقرار وقد كتبت بعض خصائص العدم يف معرفة
على حدة واخذ نقلها املري حمب هللا فان اردمت االطالع عليها ينبغي املراجعة اليها
(وسألتم) ايضا عن الفناء والبقاء وقد كتب هذا الفقري معن هاتني الكلمتني يف مواضع
كثرية من كتبه ورسائله ومع ذلك لو بقي اخلفاء فيه فعالجه احلضور واملشافهة فان متام
احلقيقة ال حيصل ابلكتابة فان حصل رمبا يكون اظهاره بعيدا عن املصلحة فانه ال يدري
ماذا يفهم منه االنسان وماذا يدرك الفناء والبقاء شهوداين ال وجوداين العبد ال يكون
متالشيا ومتحدا ابحلق تعاىل.
العبد عبد ابدا * و الرب رب سرمدا
زاندقة من يزعمون الفناء و البقاء وجوديني ويظنون ان العبد يرفع عن نفسه
تعينات وجوده ويتحد مع اصله الذي منزه عن التعينات والقيودات ويصري مضمحال
ومتالشيا وابقيا بربه كقطرة تكون فانية عن نفسه وتلحق ابلبحر وترفع عن نفسه القيد
وتتحد ابملطلق أعاذان هللا سبحانه من معتقداهتم السوء وحقيقة الفناء عبارة عن نسيان ما
سواه تعاىل وعدم التعلق بغريه وتطهري ساحة الصدر عن مجيع مرادات النفس ومقتضياهتا
- 875 -
الذي هو مناسب ملقام العبودية واملناسب ملقام البقاء هو قيام العبد مبرادات مواله جل
سلطانه وان جيد مراداته سبحانه عني مرادات نفسه وذلك بعد شهود اآلايت األنفسية
(وسألتم) ايضا انه قد اثبتم سريا فيما وراء االنفس والسري يف املراتب العشرة لعامل اخللق
وعامل االمر وسري اهليئة الواحدانية داخل يف السري االنفسي فما يكون السري فيما وراء
اال نفس (اعلم) ان االنفس كاآلفاق ظالل االمساء االهلية جل سلطانه فاذا نسي الظل
بفضل هللا جل سلطانه نفسه وتوجه اىل اصله وحصل له متام حمبة االصل فبحكم املرء مع
من احب جيد نفسه عني اصله ويصرف لفظ اان الذي كان يطلقه على نفسه اليه وكذلك
هلذا االصل اصل ايضا فيتوجه من هذا االصل اىل ذاك االصل بل جيد نفسه عني ذاك
االصل وهلم جرا اىل ان يبلغ الكتاب اجله وهذا السري سري فيما وراء االنفس واآلفاق
ولكن ينبغي ان يعلم ان مجاعة من القوم قالوا للسري االنفسي انه سري يف هللا وذاك السري
الذي بيناه آنفا غري هذا السري الذي قاله بعض املشائخ فان هذا السري حصويل وذاك
السري وصويل والفرق بني احلصول والوصول مذكور يف مكاتيب متعددة ابلتفصيل فليعلم
من هناك (وسألتم) ايضا عن اقربية ذاته وصفاته وافعاله جل سلطانه بيانه ايضا متعلق
ابحلضور فانه ال مصلحة يف كتابته ولئن كتبناه يكون مغلقا ال يعلم انفهامه بل لو فهم
ابلتقرير يف احلضور فهو ايضا مغتنم (وسألتم) ايضا عن كماالت مرتبة النبوة قائال ابن
الفناء والبقاء والتجلي ومبدأية التعني كلها يف مراتب كماالت الوالايت الثالثة فبأي كيفية
يكون السري يف مراتب كماالت النبوة (اعلم) ان مراتب العروج مادام بعضها متميزا عن
بعض وحيصل السري من اصل اىل اصل فكل كماالت حاصلة فيها داخلة يف دائرة
الوالايت فاذا زال ذلك التميز وانعدم التفصيل ووقعت املعاملة يف االمجال والبساطة يقع
الشروع يف كماالت مرتبة النبوة وان كان يف تلك املرتبة ايضا وسعة ان هللا واسع عليهم
ولكن تلك الوسعة وسعة أخرى فان كان فيها متيز فهو ايضا متيز آخر وما ذا اكتب زايدة
على ذلك وماذا يفهم منه ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا (وسألتم) ايضا
عن بعض اسرار الصالة فاخران جوابه اىل وقت آخر فان الوقت اآلن ضيق جدا وامنا
- 876 -
نكتب بعض املعارف بسرقة الوقت من يد الزمان واهله ارمحوا الفقري وال جتاسروا يف
اإل ستفسار ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف امران وثبت اقدامنا وانصران على القوم الكافرين
احلمد هلل رب العاملني اوال وآخرا و الصالة والتحية على رسوله دائما وسرمدا و على آله
الكرام وصحبه العظام اىل يوم القيام.
{مت اجلزء الثاين ويليه اجلزء الثالث اوله اما بعد فهذه كلمات اخل}
الرِح ِيم
الر ْمحَ ِن َّ بِس ِم ِ
هللا َّ ْ
اما بعد فهذه كلمات طيبات * وحروف عاليات * كل نقطة منها مركز فرجار
القلوب املضطربة العدمية القرار * يتفجر منها عيون املعارف واالسرار * امثال االهنار
والبحار * وخال مزين خلدود عروس احلقائق *وانسان ابصار نقاد الدقائق * او درة التاج
استخرجها من جلة حبر االحدية يد الباطن الطويل اىل الساحل * او النافجة احمليية للروح
جاء هبا بنان البيان من سرة ظباء بيداء اهلوية اىل احملافل اغن هللا فقراءه هبذا الدر اليتيم
وروح مشام ارواحهم هبذا الشميم (االشعارالفارسية) زهريك نقطه اش چون انفهء تر *
مشيم وصل جاانن ميزند سر * وىل آن كز برودت در زكام ست * چه داند تنافه اش گر
- 878 -
در مشام ست * سرامي مدح آن سياح غواص * كنم خورشيد را چون ذره رقاص * مهني
فرزند فاروقست چون آب * كنون نطق أز زابن او كندرب * سرا اپ نسخهء أخالق
فاروق * بزهر منقصت ترايق فاروق * چراغ نقشبند هفت حمفل * نگاهش نقشبند هللا
ازدل * غوث اخلالئق * غواص احلقائق * معراج الوصول * منهاج القبول * خزينة الرمحة
* دفينة احلكمة مشرف القلوب مشرق الغيوب جلة العمل حجة الكمل حدقة االخيار
حديقة االحبار نور الطريقة نور احلقيقة زين العاملني عني العاملني ذروة املنا عروة الرجا
مرآة االرائة مرقاة احملبة مطلع الرموز واالشارات *منبع الكنوز والبشارات * مالح حبر
املالحة * مصباح بيت الصباحة * الصلة بني البحرين * املصلح بني الفئتني * م ْستَشهد
املتكلمني * مستمسك املتوحدين * برهان السلف * سلطان اخللف * وثيقة هذه الوفود
* طليعة املهدي املوعود ذكاء االصل والفرع * سناء الدين والشرع وارث سيد البشر منور
املائة احلادية عشر جمدد االلف الثاين * االمام الرابين {شعر}:
كجا گردد ز وصفش خامه آگاه * چه من دراي بد از درايى پركاه
مهان هبرتكزين بس گوش ابشم * سرامي نغمه وخاموش ابشم
مسي املصطفى ابالسم الذي بشر به عيسى الشيخ امحد ابن الشيخ عبد االحد
الفاروقي نسبا واحلنفي مذهبا والنقشنبدي مشراب أدام هللا سبحانه ظالل حياته على
العاملني وارواهم من حبار بركاته اىل يوم الدين حبذا حال الناظرين السليمي البال الذين
يفتحون سواد النظر اىل هذا املداد الذي هو السواد االعظم من االسرار واحلكم *
فيجدون من هذا املداد ابعالم رابين امداد احلضور * ومن ذلك السواد تكون سويداء
قلوهبم مآلنة ابلنور * ونعم مال القارئني املستقيمي االحوال * الذين اذا الفت السنتهم
هبذه املعارف العالية تغيب ارواحهم ابهلام سبحاين يف سكر السكر والشكر * ومرحبا
ابملستعدين املستسعدين بصفاء الطبيعة وحسن االعتقاد الذين اذا مل يرتفع هلم احلجاب
عن مجال هذه النكات والرموز اليت هي وراء طور العقل من غاية الدقة والغموض يعرتفون
بقصورهم وعدم وجداهنم ويسلمون للكل سالكني طريق صدقنا قائلني {ع}:
- 879 -
وملا بلغ ما حواه ذلك اجللد تسعا وتسعني مكتواب مطابقا لالمساء احلسين اختتم على
ذلك يف عام أترخيه ظاهر من نور اخلالئق مث ملا ورد بعض املكاتيب اىل منصة الظهور
وجملة السطور التمس االمري النسيب والسيد احلبيب قطب الزمان حرز االمان {شعر}:
در تفريد را حبرى وكاىن * تن جتريد را روحى وجاىن
دم از آئينه سازد نور زائل * دم او صيقل آئينهء دل
معدن االيقان والعرفان حممد نعمان بن مشس الدين حيىي الشهري مبري بزرگ
البدخشاين سلمه هللا تعاىل وأبقاه وهو من كمل خلفاء حضرة شيخنا مقيم يف صوب
دكن هبداية الربية وترويج الطريقة العلية ابمره العايل نظم تلك الآليل املنثورة ليجعل دفينة
اجللد الثالث فصار ملتمسه مقروان ابالجابة وملا بلغ املكاتيب زهاء ثلثني حالت املهاجرة
الصورية الضرورية بني السيد املذكور وبني ذلك اجلناب ومل يرغب خاطر حضرة شيخنا
ايضا يف حترير املعارف وتقرير املكاشف مدة طويلة اىل ان استسعد هذا الضعيف الذي
ذكر امسه يف آخر املكتوب االول من هذا اجللد بعد مضي سنني بتأييد هللا وهدايته
سبحانه ابجللوس على تراب العتبة العلية يف السنة اليت تظهر من خاك نشني فشرع حبر
نيسان حضرة شيخنا يف التموج ابلتقرير وانبوب بنانه يف النبع ابلتحرير وامتاز هذا الفقري
من غاية رمحته وعنايته له جبمع تلك املسودات ونقلها اىل البياض وتشرف ابمتام اجللد
الثالث يف تلك السنة اليت تظهر ايضا من لفظ اثلث ابمداد مبدأ الفياض وملا بلغ عدد
املكاتيب مائة وثالثة عشر مكتواب موافقا لعدد حروف ابقي وكان التقرير على ذلك يف
غاية اللياقة ابعتبارات ثالثة اختتم عليه يف عام يلوح حسابه من كأس الراسخني وملا ظهر
بعض املكاتيب بعد ذلك بعلوم جديدة واسرار غريبة امر ان جنعله به مسك اخلتام
فباحلاقه طابق عدد املكاتيب بعدد سور القرآن احلمد هلل اوال وآخرا وظاهرا وابطنا رزق
هللا سبحانه للطالب من هذه املائدة قوت االرواح وقوة االميان اىل يوم التناد حبق احلق
اهلادي اىل سبيل الرشاد.
- 881 -
{املكتوب االول اىل السيد املري حممد نعمان يف جواب سؤاله عن اقربية افعال
الواجب وصفاته وذاته جل سلطانه}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
الصحيفة الشريفة قد ارتكبتم مشقة كثرية جعل هللا سبحانه سعيكم مشكورا وملا
استفسرمت عن اقربية افعال الواجب وصفاته وذاته جل سلطانه مكررا ووهلتم ببيانه اردان ان
نذكر منها قدرا يسريا (اعلم) ان كل شئ هو ذلك الشئ مباهيته وجعل اجلاعل لثبوت
املاهية لذلك الشئ ليس بالزم اصال فان ثبوت الشئ لنفسه ضروري ومن ههنا قالوا ان
اجلعل ليس بثابت يف نفس املاهية واملاهية ليست مبجعولة واجلعل امنا هو التصاف املاهية
ابلوجود اال ترى ان فعل الصباغ امنا هو يف اتصاف الثوب ابللون ال انه جيعل الثوب ثواب
واللون لوان فانه حمال لكونه حتصيل احلاصل فلم يكن اجلعل يف نفس الشئ بل يف
اتصاف الشئ ابلوجود فثبت ان الشئ امنا يكون شيئا مباهيته و هذا املعن مفقود يف ظل
الشئ وعكس الشئ يف النظر الكشفي فان عكس الشئ وظله ليسا بظل وعكس
مباهي تهما الظلية والعكسية بل مباهية اصلهما فان الظل ال ماهية له والظاهر به امنا هو
ماهية االصل اظهرت نفسها ابلظل فيكون االصل اقرب اىل الظل من نفسه فان الظل
ظل ابصله ال بنفسه وحيث ان العامل ظالل افعال الواجب جل سلطانه وعكوسها تكون
االفعال اليت هي اصوهلا اقرب اىل العامل من العامل ابلضرورة وكذلك االفعال ظالل صفات
الواجب جل شأنه فتكون اقرب اىل العامل من العامل واصوله اليت هي االفعال لكوهنا اصل
االصل وحيث ان الصفات ظالل حضرة الذات اليت هي اصل مجيع االصول فال جرم
تكون الذات اقرب اىل العامل من العامل ومن االفعال والصفات الواجبية هذا هو بيان
اقربيته تعاىل املمكن ايراده يف حيز التحرير فلو انصف العقالء حيتمل اهنم يقبلون هذا
املعن فان مل يقبلوا فال غم النه خارج عن املبحث وحيث اندرج يف هذا البيان املقدمات
املعقولة لو اشركتم السيد املري مشس الدين علي يف مطالعة هذا املكتوب لساغ وكتبتم انه
قد اردان الشروع يف مجع اجللد الثالث من املكتوابت فامضوا على ما أردمت فان أهل هللا
- 882 -
اذا رأوا يف امر صالحا حيتمل ان يكون مباركا واذا فوضتم هذا االمر اىل املري املشار اليه
فليجعل النسخ متعددة ولريسل نسخة اىل سرهند وليحفظ املسودات ولعلها يقع
االحتياج اليها والفقري متحري يف سفركم وقعودكم فمن جهة انه حريص على مالقاتكم ال
يقدر ان حيرك شفتيه بسفركم وال يقدر ان يدلكم على القعود ايضا خلوف كون القعود
سببا لفوت مصاحل مجع كثري ولكن اذا سافرمت ارسلوا هنا اخلواجه حممد هاشم ليكون يف
الصحبة اايما وليأخذ بعض العلوم واملعارف فانه يرى شااب قابال وحيث ان املشار اليه
مرابكم وعارف مبذاقكم ينبغي ان حتيلوا االستفسارات عليه فيستمع اجلواب ويؤديه اليكم
و السالم.
{املكتوب الثاين اىل جامع االسرار والعلوم حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد
معصوم سلمه هللا تعاىل يف املواعظ و االنقطاع عن اخللق و االلتجاء اىل جناب احلق
سبحانه و تعاىل}
احلمد هلل رب العاملني يف السراء والضراء ويف اليسر والعسر ويف النعمة والنقمة ويف
الرمحة والزمحة ويف الشدة والرخاء ويف العطية والبالء والصالة و السالم على من ما اوذي
نيب مثل إيذائه وما ابتلى رسول بنحو ابتالئه هلذا صار رمحة للعاملني وسيد االولني
واآلخرين ايها االوالد الكرام ان وقت االبتالء وان كان مرا كريه الطعم ولكن الفرصة
مغتنمة وحيث انكم اعطيتم الفرصة يف هذا الوقت ينبغي ان تؤدوا محدا هلل جل شأنه وان
تتوجهوا اىل امركم من غري ان جتوزوا النفسكم فراغة حملة وحلظة وال ينبغي لكم اخللو عن
احد امور ثالثة تالوة القرآن اجمليد واداء الصالة بطول القراءة وتكرار الكلمة الطيبة ال اله
اال هللا ينبغي ان ينفى بكلمة ال اهلَةَ أهواء النفس وان يدفع املقاصد واملرادات فان طلب
االنسان مراده دعوى منه االلوهية ينبغي ان ال يكون يف ساحة الصدر جمال مراد اصال
وان ال يبقى هوس يف املتخ يلة قطعا حت تتحقق حقيقة العبودية طلب العبد حصول
مرا ده مستلزم لدفع مراد مواله ومعارضة على ربه وهذا املعن مستلزم لنفي مواله واثبات
- 883 -
مولوية نفسه ينبغي ان يدرك قبح هذا االمر وان ينفي دعوى االلوهية عن نفسه اىل ان ال
يبقى شئ من االهواء واهلوسات واملرادات غري مراد املوىل وهذا املعن نرجو ان يتيسر يف
اايم البالء واوقات االبتالء ابلسهولة بعناية هللا سبحانه واما يف غري هذه االايم فكل
واحد من هذه االهواء واهلوسات كسد أيجوج فينبغي االشتغال هبذا االمر قاعدين يف
الزوااي فان الفرصة مغتنمة القليل يف اايم الفنت يتقبل ابلكثري ويف غري اايم الفنت ال بد من
الرايضات واجملاهدات اخلرب شرط يقع املالقاة ام ال والنصيحة هي ان ال يبقى مراد وال
هوس اصال واطلعوا والدتكم ايضا على هذا املعن ودلوها عليه واحوال هذه النشأة حيث
كانت ماضية ما ذا نورد منها يف معرض البيان ارمحوا الصغار ورغبوهم يف القراءة وارضوا
اهل احلقوق من جانبنا مهما امكن وكونوا ممدين ومعاونني بدعاء سالمة االميان ولنكتب
مكررا ومؤكدا انه ال تصرفوا هذا الوقت يف امور ال طائل فيها وينبغي ان ال تشتغلوا بشئ
غري ذكر هللا جل شأنه وان كان مطالعة الكتب وتعليم الطلبة فان الوقت وقت الذكر
واجعلوا االهواء النفسانية داخلة حتت ال حت تكون منتفية ابلتمام وال يبقى مراد
ومقصود يف الصدر حت ان ختلصين ابلفعل الذي هو من اهم مقاصدكم ينبغي ان ال
يكون مرادا لكم وارضوا بتقديره وفعله وارادته تعاىل وينبغي ان ال يكون يف جانب
االثبات من الكلمة الطيبة شئ غري غيب اهلوية الذي هو وراء وراء املعلومات و
املتخيالت وهم الدار والقصر والبئر والبستان والكتب واشياء اخر سهل ينبغي ان ال
يكون شئ مزامحا لوقتكم وال يكون شئ غري مرضيات احلق جل وعال مرضيا ومرادا لكم
فاان لو ذهبنا ذهبت هذه االشياء كلها فلتذهب يف حياتنا ال تتفكروا فيها وقد ترك
األولياء هذه االمور ابختيارهم فلنرتكها حنن ابختياره تعاىل ونشكره سبحانه فعسى ان
نكون من املخلصني بفتح الالم وكل موضع قعدمت فيه ينبغي ان تعتقدوه وطنا ويف اي
حمل متر حياة اايم قليلة ينبغي ان متر بذكر احلق جل شأنه فان معاملة الدنيا سهلة ينبغي
التوجه اىل معاملة اآلخرة وينبغي ان تسلوا والدتكم وان ترغبوها يف اآلخرة فان قدر هللا
سبحانه املالقاة يف الدنيا فتتيسر واال فينبغي الرضاء والتسليم بتقدير هللا تعاىل والدعاء
- 884 -
الن جيمع هللا سبحانه و تعاىل يف دار السالم حميال لتاليف مالقات الدنيا بكرمه تعاىل
على اآلخرة احلمد هلل على كل حال.
{املكتوب الثالث اىل املري حمب هللا املانكپوري يف بيان معىن الكلمة الطيبة
الِ اله اال هللا}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ال اله اال هللا ال احد يستحق
االلوهية واملعبودية اال هللا الذي ال نظري له الواجب الوجود املنزه عن مسات النقص املربأ
عن صفات احلدوث فان املستحق للعبادة اليت هي عبارة عن كمال التذلل واخلضوع
واالنكسار ثبت من له مجيع الكماالت وسلب عنه مجيع النقائص واحتاج اليه مجيع
االشياء يف الوجود وتوابع الوجود وهو ليس مبحتاج يف أمر اىل شئ وهو الضار النافع ال
شئ يقدر ايصال ضرر او نفع اىل احد بال اذنه واملتصف هبذه الصفات الكاملة ليس اال
هللا تعاىل وال ينبغي ان يكون فانه لو حتقق غريه تعاىل هبذه الصفات الكاملة من غري
زايدة وال نقصان ال يكون غريه تعاىل الن الغريين متمايزان وال متايز مثة فلو اثبتنا الغريية
ابثبات التمايز يلزم نقصه وهو مناف لاللوهية واملعبودية وذلك الان لو مل نثبت له مجيع
الكماالت ليحصل التمايز يلزم نقصه وكذلك لو مل نسلب عنه مجيع النقائص يلزم نقصه
ايضا فان مل تكن االشياء حمتاجة اليه فالي شئ يكون مستحقا للعبادة فان كان هو
حمتاجا اىل شئ من االشياء يف أمر من االمور يكون انقصا وكذلك لو مل يكن انفعا
وضارا فبما ذا يكون احتياج االشياء اليه ومل يكون مستحقا لعبادهتم اايه فان قدر احد
على ايصال ضر او نفع اىل االشياء بال اذنه يكون معطال ال يبقى مستقحا للعبادة فال
يكون اجلامع هلذه الصفات الكاملة اال واحدا ال شريك له وال يستحق للعبادة اال هو
الواحد القهار (فان قيل) ان التمايز هبذه الصفات وان كان مستلزما للنقص على ما بني
وهو مناف لاللوهوية واملعبودية ولكن ميكن ان تكون لذاك الغري صفات اخر تكون ابعثة
على االمتياز ال يلزم نقص اصال وان مل تعرف تلك الصفات اهنا ما هي (اجيب) ان
- 885 -
هذه الصفات ايضا ال ختلو اما ان تكون من الصفات الكاملة او من الصفات الناقصة و
على كال التقديرين يلزم احملذور املذكور وان مل نعرف تلك الصفات خبصوصها اهنا ما هي
ولكن نعرف اهنا ليست خبارجة من دائرة الكمال او النقصان و على كال التقديرين
النقص الزم كما مر (ودليل آخر) على عدم استحقاق غري احلق سبحانه و تعاىل
للمعبودية ه و ان هللا تعاىل اذا كان كافيا يف مجيع ضرورايت وجود االشياء وتوابع وجودها
وكان نفع االشياء وضررها مربوطا به سبحانه يكون غريه تعاىل معطال حمضا ال يقع
احتياج االشياء اليه اصال فمن اي جهة حيصل له استحقاق العبادة والي شيئ تتوجه
اليه االشياء ابلذلة واخلضوع واالنكسار والكفار االشرار يعبدون غري احلق سبحانه و
تعاىل وجيعلون االصنام املنحوتة معبودهم بزعم اهنا تكون شفعاءهم عند هللا تعاىل
ويتقربون اىل هللا تعاىل بتوسلها ما اعظم محاقتهم من أين علموا ان هلا مرتبة الشفاعة وانه
تعاىل أيذن هلا يف الشفاعة واشراك احد يف عبادته جل وعال مبجرد التوهم هناية اخلذالن
واخلسارة العبادة ليست ابمر سهل حت يعبد كل حجر ومجاد ويتصور كل عاجز بل
اعجز من العابد مستحقا للعبادة فان استحقاق العبادة ال يتصور بدون حتقق معن
االلوهية فمن فيه صالحية االلوهية فمستحق للعبادة ومن ال فال وصالحية االلوهية
مربوطة بوجوب الوجود فمن ليس فيه وجوب الوجود ال يليق اباللوهية فال يستحق
للعبادة ما اشد سفاهة من ال يشركون ابهلل سبحانه شيئا يف وجوب الوجود ومع ذلك
يشركون به تعاىل شركاء يف العبادة أمل يعلموا ان وجوب الوجود شرط استحقاق العبادة
فان مل يكن له شريك يف وجوب الوجود ال يكون له تعاىل ايضا شريك يف استحقاق
العبادة واالشراك يف استحاق العبادة مستلزم لالشراك يف وجوب الوجود ايضا فينبغي ان
ينفي بتكرار هذه الكلمة الطيبة شريك وجوب الوجود وشريك استحقاق العبادة بل
االهم واالحوج اليه واالنفع يف هذا الطريق نفي شريك استحقاق العبادة املخصوص
بدعوة االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات فان املخالفني الذين ليسوا مبلتزمني ملة نيب
من االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات ايضا ينفون شريك وجوب الوجود بدالئل
- 886 -
عقلية وال يثبتون غري واحد من واجب الوجود ولكنهم غافلون عن معاملة استحقاق
العبادة وفارغ ون عن نفي شريك استحقاق العبادة ال يتحاشون من عبادة الغري وال
يتكاسلون من عمارة الدير االنبياء هم الذين يهدمون الدير وينهون عن عبادة الغري
واملشرك يف لسان هؤالء االكابرمن يكون اسريا لعبادة غري احلق سبحانه وان كان قائال
بنفي شريك وجوب الوجود فان اهتمامهم يف نفي عبادة ما سوى احلق سبحانه املتعلقة
ابلعمل واملعاملة املستلزم لنفي شريك الوجوب الوجود فمن مل يتحقق بشرائع هؤالء
االكابر عليهم الصلوات و التسليمات املنبئة عن نفي استحقاق ما سوى هللا سبحانه
للعبادة ال يتخلص من الشرك وال ينجو من شعب شرك عبادة االهلة االفاقية واالنفسية
فان املتكفل هبذا املعن هو شرائع االنبياء عليهم الصلوات والتحيات بل املقصود من
بعثتهم هو حتصيل هذه الدولة والنجاة من هذا الشرك غري متيسرة يف غري شرائع هؤالء
االكابر والتوحيد غري ممكن بدون التزام ملتهم عليهم الصلوات والتحيات قال هللا تبارك و
تعاىل ان هللا ال يغفر ان يشرك به اآلية املراد من اآلية الكرمية ما اراد هللا سبحانه وحيتمل
ان يراد ال يغفر ان ال يلتزم ابلشرائع الن عدم التزام الشرائع الزم للشرك فذكر امللزوم واراد
الالزم فحينئذ يندفع ما يتوهم من ان الشرك كما ال يغفر ال يغفر انكار سائر الشرعيات
ايضا فما وجه التخصيص وحيتمل ان يكون معن ان يشرك به ان يكفر به الن انكار
الشرائع كفر ابهلل سبحانه فال يغفر والعالقة بني الشرك والكفر ابلعموم واخلصوص فان
الشرك كفر خاص من مطلق الكفر فذكر اخلاص واراد العام (ينبغي) ان يعلم ان عدم
استحقاق غري احلق سبحانه للعبادة بديهي فان مل يكن بديهيا فال اقل من ان يكون
حدسيا فان من فهم معن العبادة كما ينبغي وأتمل غري احلق سبحانه كما هو حقه حيكم
بعدم استحقاقه للعبادة بال توقف واملقدمات اليت اوردت يف بيان هذا املعن فهي من
قبيل التنبيهات على البديهيات ال جمال اليراد النقض واملناقضة واملعارضة على هذه
املقدمات وال بد من نور االميان حت تدرك هذه املقدمات ابلفراسة وكثري من البديهيات
بقي خمفيا على القاصرين واالغبياء وكذلك الذين مبتلون مبرض الظاهر وعلة الباطن
- 887 -
صارت البديهيات اجللية واخلفية خمفية عليهم (فان قيل) قد وقع يف عبارة مشائخ الطريقة
قدس هللا اسرارهم ان كلما هو مقصودك فهو معبودك فما معن هذه العبارة وما احململ هلا
من الصدق (اجيب) ان مقصود الشخص هو املتوجه اليه لذلك الشخص فما دام ذلك
الشخص حيا ال يفرت وال يتقاعد عن حتصيل ذلك املقصود وكل ذل وانكسار يصيبه يف
حتصيله يتحمله ويهون ذ لك عليه وال يرتكه به وهذا املعن هو مؤدي العبادة لكونه كمال
الذل واالنكسار فمقصودية الشئ مستلزمة ملعبوديته فنفي معبودية غري احلق سبحانه امنا
يتحقق اذا مل يبق مقصود غري احلق تعاىل ومل يكن مراد سواه واملناسب حلال السالك يف
حتصيل هذه الدولة ان يالحظ معن الكلمة الطيبة ال اله اال هللا بعنوان ال مقصود اال هللا
وينبغي ان يكرر هذه الكلمة اىل ان ال يبقى من مقصودية الغري اسم وال رسم وال يكون
مراد غريه تعاىل ليكون صادقا يف نفي معبودية الغري وحمقا يف رفع االهلة املتكثرة ونفي
اآلهلة املتكثرة هبذا املنوال والتوصل من نفي املقصودية اىل نفي املعبودية على ما سبق بيانه
ابملقال من شرط كمال االميان عند اهل احلال املربوط ابلوالية املنوطة بنفي آهلة اال هواء
النفسانية وما مل تكن النفس مطمئنة ال يتوقع هذا املعن واطمئنان النفس امنا يتصور بعد
كمال الفناء والبقاء (وتوجيهها) يف ظاهر الشريعة الغراء الذي هو منبئ عن اليسر
والسهولة ومشعر برفع احلرج عن العباد الذين خلقوا على الضعف هو ان من اخرج رأسه
عياذا ابهلل سبحانه من ربقة الشريعة يف حتصيل مقصوده وجتاوز احلدود الشرعية يف
حصوله يكون ذلك املقصود معبوده واهله فان مل يكن ذلك املقصود كذلك ومل يرتكب يف
حتصيله وحصوله املنكرات الشرعية ال يكون ذلك املقصود ممنوعا شرعيا وكأن ذلك
املقصود ليس من مقاصده والشئ املطلوب ليس من مطالبه بل مقصوده يف احلقيقة هو
احلق سبحانه ومطلوبه امره تعاىل وهنيه الشرعيني ومل حيدث لذلك الشئ مقصودية سوى
ميله الطبيعي اليه وه و ايضا مغلوب االحكام الشرعية وحسم مادة مقصودية الغري
مطلوب يف حقيقة الشريعة اليت تدل على كمال االميان فانه لو جوز مقصودية غري احلق
سبحانه و تعاىل رمبا تكون تلك املقصودية ابمداد استيالء اهلوى واعانة غلبة اهلوس
- 888 -
معارضة ملقصودية احلق سبحانه و تعاىل بل كثريا ما خيتار يف حصوهلا على حصول
مراضي احلق جل وعال فيؤدي اىل اخلسارة االبدية فنفي مقصودية الغري كان ضرواي يف
كمال االميان مطلقا حت يكون مأموان وحمفوظا من الزوال والرجوع عنه نعم قد جيعل
بعض االولياء صاحب ارادة واختيار بعد نفي االرادة ورفع االختيار ويعطى له االختيار
واالرادة الكليان بعد سلب االختيار واالرادة اجلزئيني عنه وسيجئ حتقيق هذا املعن يف
مكتوب آخر ان شاء هللا تعاىل ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير و
السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على مجيع االنبياء امت الصلوات
واكمل التسليمات.
{املكتوب الرابع اىل معدن السيادة والرشادة املري حممد نعمان يف أتويل قوله
تعاىل ال ميسه اال املطهرون}
قال هللا تعاىل انه لقرآن كرمي يف كتاب مكنون ال ميسه اال املطهرون املراد من اآلية
الكرمية ما اراد هللا سبحانه و تعاىل والرمز الذي خيطر يف اخلاطر الفاتر ويقع يف الفهم
القاصر يف هذا املقام انه ال ميس االسرار املكنونة القرآنية اال الذين صفت سرائرهم من
لوث التعلقات البشرية فاذا كان نصيب االطهار مساس االسرار القرآنية ماذا يصيب
لغريهم ورمز آخر ال يقرأ القرآن يعين ال ينبغي ان يقرأ القرآن اال الذين زكت نفوسهم عن
اهلوى واهلوس وطهرت عن الشرك اجللي واخلفي ومن اآلهلة اآلفاقية واالنفسية بيانه ان
املناسب حلال مبتدى السلوك هو الذكر ونفي ما سوي مذكور على حد ال يبقى شئ مما
سواه تعاىل معلوما وال يكون مراده شيئا غري احلق سبحانه فان ذكروه ابالشياء ابلتكليف
ال يكاد يتذكر وال يكون مقصوده فاذا صار طاهرا من الشرك وحمررا من اآلهلة اآلفاقية
واالنفسية فحينئذ يستحق ان يقرأ القرآن بدل الذكر ويرتقى بدولة التالوة وتالوة القرآن
قبل حصول هذه احلالة املذكورة داخلة يف اعمال االبرار وبعد حصول هذه احلالة داخلة
يف اعمال املقربني كما ان الذكر قبل حصول هذه النسبة كان من عداد اعمال املقربني
- 889 -
واعمال االبرار من مجلة العبادات واعمال املقربني من مجلة التفكرات ولعلكم مسعتم تفكر
ساعة خري من عبادة سنة او سبعني سنة والتفكر عبارة عن االنتقال من الباطل اىل احلق
والفرق بني االبرار واملقربني هو فرق ما بني عبادة ذاك وتفكر هذا (ينبغي) ان يعلم ان
الذكر الذي يكون يف عداد اعمال املقربني من املبتدئ هو ما أخذه من الشيخ الكامل
املكمل وكان مقصوده سلوك الطريقة واال فالذكر ايضا من مجلة اعمال االبرار وهللا
سبحانه امللهم للصواب و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على
آله امت الصلوات اكمل التسليمات.
{املكتوب اخلامس اىل السيد املري حممد نعمان يف بيان بعض االحوال
واالذواق اخلاصة حبضرة شيخنا مد ظله العايل}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ال خيفى انه ما مل تنجل عناية هللا
سبحانه بعنايته تعاىل بص ورة جالله وغضبه تعاىل ومل اكن حمبوسا يف قفص السجن مل
اختلص من مضيق االميان الشهودي ابلكلية ومل اخرج من سكك ظالل اخليال واملثال
ابلتمام ومل اتبخرت يف طريق االميان الغيبيب مطلق العنان ومل احتول من احلضور اىل الغيب
ومن العني اىل العلم ومن الشهود اىل االستدالل على وجه الكمال ومل اجد حماسن
اآلخرين عيواب وعيوهبم حماسن ابلذوق الكامل والوجدان الصادق ومل اذق زالل الذل
واالنكسار ولذائذ مريب احلقارة والفضيحة واالفتقار ومل أحتظ من مجال طعن اخللق
ومالمتهم ومل التذ حبسن بالء الناس وجفائهم ومل اترك االرادة واالختيار ابلكلية كائنا
كامليت بني يدي الغسال ومل اقطع حبال التعلقات اآلفاقية واالنفسية على وجه التمام
والكمال ومل احز حقيقة التضرع وااللتجاء واالانبة واالستغفار والذل واالنكسار ومل
اشاهد قسطاس استغناء احلق سبحانه الرفيع املنزلة احملفوف بسرادقات العظمة والكربايء
ومل اعتق د نفسي عبدا حقريا ذليال عدمي االعتبار العاري عن اخلاصية مفقود االقتدار
كامل االحتياج واالفتقار وما ابرئ نفسي ان النفس المارة ابلسوء اال ما رحم ريب فلو مل
- 890 -
يكن تواتر الفيوض والواردات االهلية جل سلطانه وتوايل عطياته وانعاماته الالمتناهية يف
دار احملنة هذه شامال حلال هذا العبد املكسور البال كادت املعاملة تنجر اىل اليأس
واوشك حبل الرجاء ان ينقطع احلمد هلل الذي عافاين يف عني البالء وكرمين يف نفس
اجلفاء واحسن يل يف حالة العناء ووفقين على الشكر يف السراء والضراء وجعلين من
متابعي االنبياء ومن مقتفي آاثر االولياء ومن حميب العلماء والصلحاء صلوات هللا سبحانه
وتسليماته على االنبياء اوال و على مصدقهم اثنيا.
{املكتوب السادس اىل صاحب املعارف الشيخ بديع الدين يف بيان ان ايالم
احملبوب وجالله احب من انعامه ومجاله}
احلمد هلل و سالم على عباد الذين اصطفى وصلت الصحيفة الشريفة املرسلة
مصحوبة ابلشيخ فتح هللا وقد كتبتم الشكاية من جفاء اخللق ومالمتهم واحلال اهنا عني
مجال هذه الطائفة وصيقل صدائهم فكيف تكون ابعثة على القبض والكدورة وملا وصل
هذا الفقري يف اوائل احلال اىل هذه القلعة صار حمسوسا ان انوار مالمة اخللق ترد من
القرى والبالد متوالية ومتتابعة كالسحاب النوراين وترقى املعاملة من احلضيض اىل االوج
وقد قطعتم املراحل سنني ابلرتبية اجلمالية فينبغي اآلن ان تقطعوا املسافة ابلرتبية اجلاللية
وان تكونوا يف مقام الصرب بل يف مقام الرضاء وان تروا اجلمال واجلالل متساويني وكتبتم
ايضا ان من وقت ظهور الفتنة مل يبق ذوق وال حال كان ينبغي ان يتضاعف الذوق
واحلال فان جفاء احملبوب يورث اللذة اكثر من وفائه اي بالء وقع حت يتكلم مثل العوام
ويتباعد من احملبة الذاتية ينبغي ان يعتقد اجلالل فوق اجلمال وان يتصور االيالم افضل
من االنعام على خالف ما مضى فان يف اجلمال واالنعام مراد احملبوب مشوب مبراد
النفس ويف اجلالل وااليالم خالص مراد احملبوب وخالف مراد النفس والوقت واحلال هنا
غري الوقت واحلال السابقني شتان ما بينهما وكتبتم يف حق زايرة احلرمني الشريفني ال مانع
منه حسبنا هللا ونعم الوكيل.
- 891 -
{املكتوب السابع اىل السيد املري حمب هللا املانكپوري يف التحريض على
التحمل اليذاء اخللق}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني انه قد وصلت الصحيفة الشريفة من
اخي السيد املري حمب هللا فاورثت فرحا وافرا ال بد من حتمل ايذاء اخللق وال مهرب من
جفاء االقارب قال هللا تعاىل آمرا حلبيبه عليه و على آله الصالة و السالم فاصرب كما
صرب اولو العزم من الرسل وال تستعجل هلم وامللح يف سكونة ذاك املقام هو هذا االيذاء
واجلفاء وانتم تريدون الفرار من ذلك امللح نعم ان مألوف السكر ال يطيق امللح ماذا
نصنع {شعر}:
ال يستقيم تدلل من عاشق * لو انه حمبوب كل خالئق
واندرج فيها انه لو صدرت االجازة الخرتت منزال يف اله آابد عينوا منزال حت
تذهبوا هناك وتتخلصوا من افراط اجلفاء هذا هو طريق الرخصة وطريق العزمية الصرب
والتحمل على االيذاء وقد غلب الضعف على الفقري يف هذه االايم كما هو معلومكم
وهلذا اقتصران على كلمات و السالم.
{املكتوب الثامن اىل صاحب احلقائق موالان حممد صديق يف بيان اصالة
الغيب وظلية الشهود}
أيها احملب ان الغيب مقابل الشهود الذي فيه شائبة الظلية والغيب مربأ من ذاك
الشوب فيكون اكمل من الشهود ولكن اذا كان سيد البشر عليه و على آله الصالة و
السالم مشرفا يف ليلة املعراج بدولة الرؤية اليت هي ما وراء وراء سرادقات الظالل واقدس
من الشوب بشائبة الظلية ملا يكون الغيب يف حقه صلّى هللا عليه و سلّم اكمل من الرؤية
وقد كان االكتفاء ابلغيب لرفع الظلية وحيث تيسر رفع الظلية ابلكلية يف عني احلضور
ملاذا حيتاج اىل الغيب هذه دولة خمصوصة بسيد الكونني عليه و على آله الصالة و
- 892 -
السالم ولكمل اتبعيه ايضا نصيب من هذا املقام ابلتبعية والوراثة كما انه ليس برؤية ليس
بشهود ومشاهدة ايضا فالتعبري عنه ابلغيب احسن العبارات وتفصيل ذاك املقام ال ميكن
ابلقول بل كل من جيده جيده على مقدار وجدانه وهو وراء ذلك وال نصيب منه اال القل
القليل و السالم.
{املكتوب التاسع اىل السيد حممد نعمان يف بيان قوله تعاىل وما آاتكم الرسول
فخذوه اآلية}
الرحيم قال هللا تعاىل وما آاتكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
فانتهوا واتقوا هللا اآلية ذكر التقوى بعد ذكر االمتثال لالوامر واالنتهاء عن املناهي اشارة
اىل االهتمام ابالنتهاء الذي هو حقيقة التقوى وانه هو مالك الدين قال رسول صلّى هللا
عليه و سلّم وابرك مالك دينكم الورع وقال صلّى هللا عليه و سلّم يف مواضع اخر ال
تعدل ابلرعة شيئا والرعة هو الورع والوجه هلذا االهتمام وهللا سبحانه اعلم ابلصواب ان
االنتهاء اعم وجودا واكثر نفعا ملا انه يوجد يف ضمن االمتثال ايضا الن االتيان ابالمر
انتهاء عن ضده وهو ظاهر واما كثرة نفع االنتهاء بغري جهة عمومه فالنه خمالفة حمضة
مع النفس ال حظ للنفس فيه خبالف صور االمتثال فان النفس قد تتلذذ فيه وكل ما فيه
زايدة خمالفة مع النفس ال شك انه اكثر نفعا واقرب طرق اىل النجاة فان املقصود االصلي
من التكليفات الشرعية قهر النفس الهنا انتصبت ملعادات هللا سبحانه وورد يف احلديث
القدسي عاد نفسك فاهنا انتصبت ملعادايت فكل طريق من طرق املشائخ تكون رعاية
االحكام الشرعية فيها اكثر يكون اقرب طرق اىل هللا سبحانه لوجود كثرة املخالفة مع
النفس اال وهو طريق النقشبندية وهلذا قال سيدان وقبلتنا الشيخ االجل هباء الدين املشتهر
بنقشبند قدس سره وجدت طريقا اقرب طرق اىل هللا سبحانه لوجود كثرة املخالفة مع
النفس واما بيان زايدة رعاية احكام الشريعة يف هذه الطريقة فما ال خيفى على املنصف
الفطن اخلائض يف طرق املشائخ ومع ذلك بينته بزايدة االيضاح يف بعض الرسائل وهللا
- 893 -
سبحانه اعلم حبقيقة احلال وهو سبحانه حسيب ونعم الوكيل و صلى هللا على سيدان حممد
وآله وصحبه وسلم وابرك وكرم و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب العاشر اىل السيد حممد نعمان يف تفسري قوله تعاىل واذا سئلك
عبادي عين اآلية}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قال هللا تعاىل واذا سئلك عبادي عين
فاين قريب قرب احلق سبحانه و تعاىل وان كان الكيفيا والمثليا ولكن للوهم هناك جمال
واخلارج من حيطة الوهم ودائرة اخليال هو اقربيته تعاىل وهلذا كان العامل ابلقرب كثريا والعامل
ابالقربية اقل قليل وهناية القرب اىل حصول االحتاد وان كان االحتاد ايضا جمرد توهم
واالقربية امنا هي بعد جماوزة االحتاد وان تصور العقل يف جانب القرب من هو اقرب من
نفس ه بعيدا وذلك من قصور نظر العقل حيث اعتاد رؤية العبد ومل جيد اقرب من نفسه و
السالم.
{املكتوب احلادي عشر اىل السيد املري مشس الدين علي اخللخايل يف بيان
جامعية االنسان الذي هو مركب من اجزاء عامل اخللق واالمر وترجيح قلب االنسان
على العرش اجمليد}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان االنسان نسخة جامعة
مركب من االجزاء العشرة العناصر االربعة والنفس الناطقة والقلب والروح والسر واخلفي
واالخفى وسائر القوى واجلوارح يف االنسان راجعة اىل هذه االجزاء وبني هذه االجزاء
تضاد وتضاد بعض العناصر ببعض آخر ظاهر وكذلك تضاد عامل اخللق بعامل االمر ايضا
ابهر وكل واحد من اجزاء عامل االمر اخلمسة خمصوص أبمر ومنسوب اىل كمال والنفس
الناطقة هي مقتضية هلواها ال تريد اطاعة احد سواها وقد مجع هللا سبحانه هذه االشياء
املتضادة كاسرا سورة كل منها بعنايته الشاملة وقدرته الكاملة واعطاها مزاجا خاصا وهيئة
- 894 -
وحدانية وبعد حصول املزاج اخلاص واهليئة الوحدانية وهب هلا صورة حبكمته البالغة حت
حتفظ اجزاءه املتفرقة املتضادة ومسي هذا اجملموع ابالنسان وشرفه بشرف استعداد اخلالفة
ابعتبار جامعيته وحصول اهليئة الوحدانية وهذه الدولة مل تتيسر لشئ غري االنسان والعامل
الكبري وان كان عظيما ولكنه خال من اجلامعية وال نصيب له من اهليئة الوحدانية وهذه
املعاملة جارية يف مجيع افراد االنسان وعوام االنسان مشاركة فيها خلواصه (ينبغي) ان يعلم
ان اشرف اجزاء العامل الكبري هوالعرش اجمليد والتجلي املخصوص به فوق جتليات االجزاء
اآلخر فان ذاك التجلي جامع وذلك الظهور مستجمع لالمساء والصفات الوجوبية تعالت
وتقدست وايضا ان ذاك التجلي دائمي ال جمال فيه لالستتار وقلب االنسان الكامل
الذي له مناسبة للعرش ويقال له عرش هللا له نصيب وافر من جتلي العرش وحظ كامل
غاية ما يف الباب ان ذاك التجلي كلي وهذا التجلي ابلنسبة اليه جزئي ولكن يف القلب
مزية ليست هي يف العرش وهي الشعور ابملتجلي وايضا ان القلب مظهر له تعلق مبا ظهر
فيه خبالف العرش فانه خال عن هذا التعلق فال جرم امكن الرتقي للقلب بواسطة هذا
الشعور والتعلق بل هو واقع فان القلب حبكم املرء من احب مع من له تعلق به ومفتون
مبحبته فان كان حمبا لالمساء والصفات فمع االمساء والصفات وان كان حمبا للذات تعالت
وتقدست فقد صحح املعية هناك وترقى من التعلق ابالمساء والصفات خبالف العرش
اجمليد فان التجلي اجملرد عن االمساء والصفات غري واقع يف حقه و السالم.
{املكتوب الثاين عشر اىل السيد املري حممد نعمان يف بيان فوائد التضرع
واالنكسار والذكر وتالوة القرآن وطول القنوت يف الصالة}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصلت الصحيفة الشريفة من اخي
معدن السيادة فاورثت سرورا وقد كتبتم فيها انه هل االفضل الدعاء والتضرع واالنكسار
ودوام االلتجاء اىل حضرة احلق سبحانه والذكر او هذه املذكورات ممزوجة ابلذكر (ال بد)
من الذكر وكل شئ جيتمع معه فهو دولة وقد وضعوا مدار الوصول على الذكر واشياء
- 895 -
أخرى غريه كثمراته ونتائجه (وسألتم) ايضا ان هذه الثلثة افضل النفي واالثبات او تالوة
القرآن او ال صالة بطول القنوت اعلم ان ذكر النفي واالثبات كالوضوء الذي هو شرط
الصالة وما مل يوجد الوضوء ال يصح الشروع يف الصالة كذلك ما مل تتم معاملة النفي
واالثبات فكل عمل يعمل غري الفرائض والواجبات والسنن داخل فيما ال يعين ينبغي اوال
ازالة املرض وهي مربوطة ابلنفي واالثبات مث االشتغال بعد ذلك بعبادات وحسنات اخر
مما هو كالغذاء الصاحل للبدن وكل غذاء يتناول قبل زوال املرض فهو فاسد ومفسد
{ع}:
وكلما اخذ املعلول معلول
و متامية هذه املعاملة ال يلزم ان تتعني فان تلك احلالة انطقة بتماميتها بنفسها
(وكتبتم) ايضا ان اجللد الثالث يسجل بسم من والظاهر ان الفقري كنت كتبت قبل ذلك
انه جيعل مسجال ابمسكم ويف جواب كتابكم اآلن ايضا الكالم هو هذا ومن يكون افضل
واحق به منكم ميكن ان يقال ان ميالن القلب دائما اىل جانبكم وال يعلم وجه قعودكم
يف اكره فانه وان كان يف اجلوار ولكن ملا كان خاليا عن املالقات فهو عار عن االعتبار ال
ينبغي اقامتكم هناك الجل الفقري توجهوا اىل الوطن مفوضني الفقري اىل ارحم الرامحني
واجعلوا املشتاقني هناك مسرورين فان كان يف قلبكم وجه آخر لقعودكم هناك فهو امر
آخر ولتكن والدة حممد أمني موفقة مصحوبة ابلعصمة والعفة قد طالعت ما كتبت من
واقعاهتا الطويلة العريضة وان كانت فيه اشياء موحشة ومكدرة ولكنه خري سينقلب مآل
كل منها اىل اخلري يف اآلخر ولتكن متنبهة من امثال هذه الواقعات ومتالفية للتقصريات
ابلتوبة واالستغفارات ولتعلم ان التمتعات الدنيوية واملزخرفات الفانية ال شئ حمض ال
يصري العاقل مفتوان ومبتال هبا ينبغي ان تكون احوال اآلخرة نصب العني وان يكون
مشغوال ابلذكر والي شئ يلزم حصول لذة اتمة يف الذكر وظهور اشياء يف النظر فان
ذلك داخل يف اللهو واللعب بل كلما توجد املشقة يف الذكر يكون افضل وانفع ينبغي
تعمري االوقات ابلذكر االهلي جل شأنه بعد اداء الصلوات اخلمس دون ان يتعطل
- 896 -
اباللتذاذ ابلذكر وينبغي هلا ان تلتمس رضاكم مغتنمة خلدمتكم وينبغي لكم ايضا ان
ترفقوا هبا وان جتذبوها اىل جانبكم وان تدلوها على احلسنات و السالم.
{املكتوب الثالث عشر اىل السيد املري حمب هللا املانكپوري يف التحريض على
كمال متابعة صاحب الشريعة الغراء عليه و على آله الصالة و السالم ومتابعة شيخ
الطريقة}
الرحيم وصل املكتوب الشريف من مرجع السيادة اخي املري حمب
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
هللا واتضحت مقدمات اليأس املندرجة على وجه االضطرار واالضطراب اليأس كفر يلزم
ان تكونوا راجني لو كان رسوخ يف امرين فال غم متابعة صاحب الشريعة الغراء عليه و
على آله الصالة و السالم واالعتقاد يف شيخ الطريقة وحمبته ينبغي ان تكونوا واقفني
وملتجئني ومتفرغني لئال يقع الفتور يف هذه الدولة وكل شئ سواها سهل كائنا ما كان
وتالفيه ممكن وقد كنت كتبت فيما قبل انه اذا كنتم كارهني لالقامة يف مانكپور ينبغي
إختيار الوطن يف اله آابد حيتمل ان يكون مباركا وانتم فهمتم منه العكس ومل يدل لفظ
املبارك ايضا على املقصود والكالم اآلن ايضا هو ذاك وقد ظهر الليلة يف النظر انه قد
حول رحلكم من مانكپور اىل اله آابد فاختاروا هناك خرابة وعمروا اوقاتكم ابلذكر االهلي
جل شأنه وال يكون لكم شغل ابحد والتزموا ذكر النفي واالثبات واخرجوا بتكرار هذه
الكلمة الطيبة من ساحة الصدر مجيع املرادات حت ال يكون املقصود واملطلوب واحملبوب
غري واحد فان عجز القلب عن الذكر فقولوا ابللسان بشرط االخفاء فان اجلهر ممنوع يف
هذا الطريق وقد علمتم بقية طرز الطريقة واوضاعها واايكم والعدول عن طريق التقليد ما
استطعتم فان لتقليد شيخ الطريقة مثرات ويف اخلالف لطريقه خطرات وماذا اكتب زايدة
على ذلك و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله
واصحابه امت الصلوات وأكمل التحيات.
- 897 -
{املكتوب الرابع عشر اىل املري مشس الدين علي يف جواب سؤاله عن وجود
واجب الوجود تعاىل}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد صرت حمظوظا وملتذا مبطالعة
الصحيفة الشريفة املرسلة على وجه الكرم والشفقة جزاكم هللا سبحانه خريا واندرج فيها
ان ذات احلق سبحانه و تعاىل اذا كانت موجودة مباهيتها ال ابلوجود عينا كان او زائدا
فكيف يتحقق التقابل بني واجب الوجود الذي هو ذات هللا سبحانه بال اعتبار الوجوب
والوجود وبني ممتنع الوجود وابي وجه ميكن اطالق واجب الوجود على الذات املعراة عن
الوجوب والوجود وكيف يثبت استحقاق العبادة الذي هو منوط بوجوب الوجود وأبي
اعتبار يكون اطالق واجب الوجود على الذات العدمية الوجوب والوجود (ايها املخدوم)
ان جواب هذه االسئلة مندرج ابلتفصيل يف مكتوب من مكتوابت اجللد الثاين والظاهر
انه حمرر ابسم واحد من اوالد الفقري فان طالعتموه لعلكم حتتظون به وابجلملة ميكن ان
تكون ماهية الواجب جل سلطانه موجودة بنفسها ال ابلوجود واطالق الوجوب على
تلك احلضرة يكون من قبيل منتزعات العقل بل هلل املثل االعلى وكما ان وجوب الوجود
من قبيل املنتزعات امتناع العدم ايضا يف تلك احلضرة جل سلطاهنا من املنتزعات وكما ان
الذات البحت ليست فيها نسبة وجوب الوجود ليست فيها ايضا نسبة امتناع العدم
حيث ظهرت نسبة وجوب الوجود حصلت نسبة امتناع العدم الذي هو مقابله وظهرت
نسبة استحقاق العبادة الذي هو متفرع على وجوب الوجود كان هللا ومل يكن معه شئ
وان كان من النسب واالعتبارات فاذا ظهرت النسب ظهر التقابل و السالم اوال وآخرا.
{املكتوب اخلامس عشر اىل املري حممد نعمان يف بيان ان لذة ايالم احملبوب ألذ
واجلى يف نظر احملب من لذة انعامه}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ليكن معلوم األخ السيد حممد نعمان
انه صار مفهوما ان االحباب الناصحني كلما اجتهدوا يف التشبث ابسباب اخلالص مل
- 898 -
يكن انفعا اخلري فيما صنعه هللا سبحانه فحدث من هذا االمر نوع حزن مبقتضى البشرية
وظهر ضيق الصدر مث بعد زمان تبدل احلزن وضيق الصدر بفضل هللا جل سلطانه ابلفرح
وشرح الصدر وعلمت بيقني خاص ان مراد هذه اجلماعة الذين يف صدد االيذاء لو كان
موافقا ملراد احلق جل شأنه ال معن لالستكراه وضيق الصدر بل هو مناف لدعوى احملبة
فان ايالم احملبوب مثل انعامه حمبوب للمحب ومرغوب فيه له كما ان احملب يلتذ ابنعامه
يلتذ ايضا ابيالمه بل جيد اللذة يف ايالمه اكثر لكونه مربأ من شائبة حظ النفس ومرادها
وحيث ان احلق سبحانه مجيل مطلق فاذا اراد ايذاء شخص تكون ارادته تعاىل بعنايته
سبحانه يف نظر ذلك الشخص مجيلة ألبتة بل تكون سببا لاللتذاذ وحيث ان مراد هذه
اجلماعة موافق ملراد احلق سبحانه وروزنة ملراده تعاىل فمرادهم ايضا مستحسن يف النظر
وموجب لاللتذاذ وفعل ا لشخص الذي هو مظهر لفعل احملبوب حمبوب ايضا كنفس فعل
احملبوب وذلك الشخص الفاعل ايضا يظهر يف نظر احملب هبذه العالقة حمبواب والعجب ان
اجلفاء كلما يتصور من ذلك الشخص ازيد يظهر يف نظر احملب احسن واجمد لكون إرائته
لصورة غضب احملبوب اكثر وازيد وامر واهلى هذا الطريق مقلوب ومعكوس وارادة السوء
لذاك الشخص واساءته منافية حملبة احملبوب فان ذلك الشخص ليس ابزيد يف ذلك من
اين يكون مرآة لفعل احملبوب والذين هم يف صدد االيذاء يظهرون يف النظر حمبوبني
ابلنسبة اىل سائر اخلالئق فليزل االخوان ضيق الصدر عن انفسهم وال حيقدوا على الذين
يف صدد االيذاء بل ينبغي ان يكونوا متلذذين بفعلهم نعم حيث كنا مأمورين ابلدعاء
واحلق سبحانه حيب الدعاء وااللتجاء والتضرع واالبتهال ينبغي الدعاء لدفع البلية وسؤال
العفو والعافية وامنا قلت مرآة صورة الغضب فان حقيقة الغضب نصيب االعداء وصورة
الغضب مع االحباء ع ني الرمحة يف احلقيقة وكم من منافع حملب اودعت يف صورة الغضب
هذه ال ميكن شرحه وايضا يف صورة الغضب اليت اعطيها االحباء هالك املنكرين وهي
ابعثة على ابتالئهم ولعلكم علمتم معن عبارة الشيخ حميي الدين ابن العريب قدس سره
حيث قال ال مهة للعارف يعين ان اهلمة اليت يقصد هبا دفع البلية مسلوبة عن العارف فان
- 899 -
العارف اذا رأى البلية من احملبوب وتيقن اهنا مراده كيف يصرف مهته لدفعها وكيف يريد
رفعها وانه وان اجرى دعاء الدفع على لسانه حبسب الصورة المتثال االمر ابلدعاء ولكنه
ال يريد شيئا يف احلقيقة بل هو ملتذ بكلما يصيبه و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب السادس عشر اىل موالان امحد الديبين يف بيان سر عدم اطالع
السالك على احواله ومشاهدهتا يف مرااي املسرتشدين}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وصل املكتوب الشريف وذكرمت فيه
أبين ال اجد يف نفسي شيئا من احوال هذه الطائفة العلية ومواجيدهم وعلومهم ومعارفهم
ومع ذلك كنت علمت الطالبني الطريقة فتأثرا أتثرا كثريا وظهرت منهما احوال غريبة فما
يكون وجه ذلك (اعلم) ان االحوال اليت ظهرت من ذينك الشخصني كانت من عكس
احوالكم ظهر يف مرااي استعدادمها وملا كاان صاحيب علم عرفا احواهلما ودالكم ايضا على
العلم حبصول احلال املستور كمرآة تدل على كماالت خفية يف االنسان وتظهر حماسنه
املكنونة املقصود حصول االحوال والعلم ابالحوال دولة أخرى يعطى مجع هذا العلم ومجع
آخر ال يعطاه ومع ذلك يكون كالمها من ارابب الوالية ومتساويني يف القرب فمنا من
علم ومنا من جهل من كالم هذه الطائفة ينبغي ان ال يكون حمزوان ومتأملا من عدم العلم
ابالحوال وينبغي السعي حت حيصل االحوال بل حت حيصل الوصول اىل حمول االحوال
جتاوزا من االحوال فان مل حيصل العلم ابالحوال بال توسط املسرتشدين ينبغي ان يقنع
مبطالعتها يف مراايهم وان يكون حمتظا من طريق املظاهر وليحصل االحوال فان مل يتسري
العلم ابالحوال بال توسط فعساه أن حيصل بتوسط (وكتبتم) أيضا ان دوام احلضور عبارة
عن اي شئ وكثريا ما حيس ذهول القلب عن هذا احلضور يف بعض املشاغل فنيبغي
تشخيص احلضور ودوام احلضور (اعلم) ان احلضور عبارة عن حضور الباطن مع جناب
قدس احلق جل سلطانه شبيه ابلعلم احلضوري الذي الدوام الزمه هل مسعت احدا انه
غفل عن نفسه يف وقت من االوقات وذهل والغفلة والذهول امنا يتصوران يف العلم
- 900 -
احلصويل لوجود املغايرة يف البني ويف العلم احلضوري حضور يف حضور دائما وان كان
االبله يف جهل من هذا احلضور ونفور وحبصول يف غرور فكان الدوام الزما للحضور
والذي ال دوام له فهو ميالن اىل املطلوب وله شباهة ابحلضور املذكور ودوامه متعذر
لكونه شبيها ابلعلم احلصويل الذي هو قليل النصيب من الدوام وهلل املثل االعلى واطالق
العلم احلصويل والعلم احلضوري ابلنسبة اىل جناب قدسه تعاىل امنا هو على سبيل التشبيه
والتنظري فانه تعاىل اذا كان اقرب اىل االنسان من نفسه يكون خارجا عن حيطة العلم
احلضوري والعلم احلصويل وان عجز ارابب املعقول عن تصوره ومل جيدوا اقرب من انفسهم
ولكن هذا املعن واضح عند ارابب العلم اللدين وحاصل ابلسهولة بعناية هللا تعاىل ربنا
آتنا من لدنك رمحة وهيئ لنا من امران رشدا مث ال خيفى ان الخي السيد حقوقا كثرية
عليكم وهو متأذ جمليئكم بغري اذنه فينبغي حضوركم يف مالزمته بال توقف لياليف االيذاء
فان جئتم أبذنه فال مضايقة ينبغي ان تعاملوا موافقا ملرضاه وان جتيئوا ابذنه وما أكتب
زايدة على ذلك.
{املكتوب السابع عشر اىل امرأة صاحلة من اهل االرادة يف بيان العقائد
الدينية والرتغيب على العبادات الشرعية}
احلمد هلل الذي انعم علينا وهداان اىل االسالم وجعلنا من امة حممد سيد االانم
عليه و على آله الصالة و السالم (ينبغي) ان يعلم ان احلق سبحانه و تعاىل منعم على
االطالق فان كان وجود فموهوب من جناب قدسه تعاىل وان بقاء فعطاء من حضرته
جل سلطانه وان صفات كاملة فمن رمحته الشاملة واحلياة والعلم والقدرة والبصر والسمع
والنطق كلها مستفادة من حضرته جل شأنه وانواع النعم وصنوف الكرم اليت خارجة عن
احل د والعد كلها مفاضة من جناب قدسه تعاىل وهو تعاىل يزيل العسر والشدة وجييب
الدعوة ويدفع البلية رزاق ال مينع االرزاق عن عباده من كمال رأفته بعلة ذنوهبم ستار ال
يهتك سرت حرمتهم من وفور عفوه وجتاوزه ابرتكاب السيئات وال يفضحهم بعيوهبم حليم
- 901 -
ال يستعجل يف مؤاخذهتم وعقوابهتم كرمي ال مينع عموم كرمه عن االحباء واالعداء واجل
هذه النعم واعظمها واعزها واكرمها الدعوة اىل االسالم واهلداية اىل دار السالم والداللة
على متابعة سيد االانم عليه و على آله الصالة و السالم فان احلياة االبدية والتنعمات
السرمدية مربوطة هبذه ورضا املوىل سبحانه و تعاىل منوط هبا وابجلملة ان انعامه واكرامه
واحسانه تعاىل اظهر من الشمس واجلى من القمر وابني من األمس وانعام غريه تعاىل
ابقداره ومتكينه سبحانه وطلب االحسان منهم من قبل االستعارة من املستعري والسؤال
من الفقري اجلاهل كالعامل مقر هبذا املعن والغيب مثل ذكي معرتف هبذا االمر {شعر}:
فلو ان يل يف كل منبت شعرة * لساان يبث الشكر كنت مقصرا
وال شك ان بداهة العقل حاكمة بوجوب شكر املنعم ولزوم توقريه وتعظيمه فصار
شكر احلق سبحانه و تعاىل الذي هو املنعم احلقيقي واجبا ببديهة العقل وكان تكرميه
وتعظيمه تعاىل الزما وحيث كان احلق سبحانه و تعاىل يف كمال التنزه والتقدس والعباد يف
غاية التلوث والتدنس تعذر من كمال عدم املناسبة وجدان ان تعظيمه وتكرميه تعاىل يف
اي شئ و على اي كيفية فان العباد كثريا ما يستحسنون اطالق بعض االمور على
جناب قدسه تعاىل و يكون هو يف احلقيقة مستهجنا عنده تعاىل وخيالون شيئا تعظيما و
يكون توهينا ويزعمون شيئا تكرميا و يكون حتقريا فما مل يكن تعظيمه وتكرميه تعاىل
مستفادا من جناب قدسه ال يكون الئقا ابداء الشكر به وقابال لعبادته تعاىل فان احلمد
الذي يصدر عن العباد من قبلهم رمبا يكون هجوا ومدحهم قدحا والتعظيم والتوقري
والتكرمي اليت كانت مستفادة من حضرته سبحانه هي عني شريعتنا احلقة على مصدرها
الصالة و السالم والتحية فان كان تعظيم قليب فمبني يف الشريعة احلقة وان ثناء لساين
فمربهن هناك واالعمال واالفعال اجلوارحية ايضا بينها صاحب الشريعة ابلتفصيل فاداء
شكره تعاىل صار منحصرا يف اتيان احكام الشريعة قلبا وقالبا اعتقادا وعمال وكل تعظيم
وعبادة له تعاىل يؤدي مبا وراء الشريعة ال يكون قابال لالعتماد بل كثريا ما يكون حمصال
لالضداد واحلسنة املتومهة تكون سيئة يف احلقيقة فبمالحظة البيان املذكور كان العمل
- 902 -
ابلشريعة ايضا واجبا ابلعقل وكان اداء شكر املنعم تعاىل متعذرا بدون االتيان هبا والشريعة
هلا جزآن اعتقادي و عملي فاالعتقادي من اصول الدين والعملي من فروع الدين وفاقد
االعتقاد ليس من اهل النجاة واخلالص من عذاب اآلخرة غري متصور يف حقه وفاقد
العمل امره مفوض اىل مشيئته سبحانه و تعاىل فان شاء عفى عنه وان شاء عذبه بقدر
ذنبه واخللود يف النار خمصوص بفاقد االعتقاد ومقصور على منكر ضرورايت الدين وفاقد
العمل وان كان معذاب ولكن اخللود يف النار مفقود يف حقه وملا كانت االعتقادايت من
اصول الدين وضرورايت االسالم لزم ان نبينه ابلضرورة وحيث كان تفصيل يف العمليات
مع وجود فرعياهتا احلنا بياهنا على كتب الفقه مع بيان مشة للرتغيب يف بعض العمليات
الضرورية (االعتقادايت) ان هللا تعاىل موجود بذاته االقدس ووجوده تعاىل بنفسه سبحانه
وكما انه تعاىل موجود كان دائميا و يكون دائميا ال سبيل للعدم السابق والعدم الالحق
اىل جناب قدسه تعاىل فان وجوب الوجود احقر خدام ذلك اجلناب املقدس وسلب
العدم اذل كناس ذاك املوطن احملرتم وهو تعاىل واحد ال شريك له ال يف وجوب الوجود
وال يف االلوهية واستحقاق العبادة فان الشريك امنا حيتاج اليه اذا مل يكن هللا تعاىل كافيا
ومستقال وذلك نقص مناف لاللوهية فاذا كان كافيا ومستقال يكون الشريك معطال
وعبثا ومها ايضا من عالمة النقص املنايف لاللوهية فصار اثبات الشريك مستلزما لنقص
احد الشريكني املنايف للشركة فصار اثبات الشركة مستلزما لنفي الشركة وهو حمال فشريك
الباري تعاىل ايضا حمال (وله تعاىل) صفات كاملة من احلياة والعلم والقدرة واالرادة
والسمع والبصر والكالم والتكوين ويقال هلذه الصفات الثمانية صفات حقيقية وهي
قدمية موجودة يف اخلارج بوجود زائد على وجود الذات تعالت وتقدست كما هو مقرر
عند علماء اهل احلق شكر هللا تعاىل سعيهم ومل يقل بوجود الصفات الزائدة احد من
الفرق املخالفة غري اهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم حت ان الصوفية املتأخرين
من الفرقة الناجية قالوا بعينية الصفات للذات ووافقوا يف ذلك املخالفني فاهنم وان حتاشوا
عن نفي الصفات ولكنه الزم على اصوهلم وتبادر عباراهتم وقد زعم املخالفون الكمال يف
- 903 -
نفي الصفات الكاملة وفارقوا النصوص القرآنية بعقوهلم هداهم هللا سبحانه سواء الصراط
(وسائر) الصفات اما اعتبارية او سلبيةكالقدم واالزلية وااللوهية كما قالوا وهو تعاىل ليس
جبسم وال جسماين وال عرض وال جوهر وال مكاين وال زماين وال حال وال حمل وال حمدود
وال متناه ال جهة له وال نسبة والكفاءة واملثلية مسلوبة عن جناب قدسه والضدية والندية
مفقودة يف حضرة انسه وهو تعاىل منزه ومربأ من والد ووالدة وصاحبة وولد فان هذه كلها
من امارات احلدوث ومستلزمة للنقص ومجيع الكماالت اثبتة جلناب قدسه ومجيع
النقائص مسلوبة عن حضرة انسه وابجلملة ينبغي ان يسلب عن جناب قدسه تعاىل مجيع
صفات االمكان واحلدوث اليت هي نقص وشر من القدم اىل الرأس وهو تعاىل عامل
ابلكليات واجلزئيات ومطلع على االسرار اخلفيات وال خيرج عن حيطة علمه سبحانه يف
السموات واالرضني مثقال ذرة حقرية نعم حيث كان خالق مجيع االشياء هو سبحانه
ينبغي ان يكون ايضا عاملا جبميعها فان اخللق ال بد له من علم اخلالق به والذين حرموا
السعادة يزعمون ان هللا تعاىل ليس بعامل ابجلزئيات ويظنون ذلك بعقوهلم الناقصة كماال
كما اهنم يقولون من كمال سخافة عقوهلم انه مل يصدر من واجب الوجود جل سلطانه
غري شئ واحد وهو ايضا صدر عنه من غري اختيار منه تعاىل ويظنون ذلك ايضا كماال
ما اجهلهم حيث يزعمون اجلهل كماال ويرجحون االضطرار على االختيار ومن اجلهل
الذي فيهم يزعمون سائر االشياء مستندة اىل غريه تعاىل وينحتون من عند انفسهم عقال
فعاال وينسبون االشياء اليه ويزعمون خالق السموات واالرضني معطال وعند الفقري مل
يوجد يف العامل احد اشد سفاهة من هذه الطائفة سبحان هللا وقد زعم مجاعة هؤالء
السفهاء ارابب املعقول وينسبون اقواهلم اىل احلكمة ولعلهم يظنون احكامهم الكاذبة
مطابقة لنفس االمر ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت
الوهاب (وهو) تعاىل متكلم من االزل اىل االبد بكالم واحد فهو آمر انه خمرب به
والتورات واالجنيل والزبور والفرقان وكذلك سائر الصحف املنزلة اىل االنبياء عليهم
الصلوات و التسليمات كلها دالة على هذا الكالم الواحد وعالمة له وتفصيل له فاذا
- 904 -
كان االزل واالبد هبذه الوسعة واالمتداد آان واحدا بل ال جمال لآلن ايضا هناك واطالق
اآلن امنا وقع لضيق العبارة فالكالم الذي يصدر يف ذلك اآلن يكون كلمة واحدة بل
حرفا واحدا بل نقطة واحدة واطالق النقطة ايضا هناك كاطالق اآلن واقع من ضيق
العبارة واال فال جمال للنقطة ايضا هناك والوسعة يف ذاته وصفاته جل سلطانه ال كيفية وال
كمية وهو تعاىل مربأ منزه بذاته وصفاته من هذه الوسعة والضيق اللذين من صفات
االمكان (ويراه) سبحانه املؤمنون يف اجلنة بعنوان الال كيفي والالمثلي فان الرؤية اليت
تتعلق ابلالكيفي تكون ال كيفية بل ينال الرائي ايضا حظا وافرا من الالكيفي حت
يستطيع رؤية الالكيفي ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه وقد حل سبحانه اليوم هذا
املعمى ال خص اخلواص من اوليائه وجعله منكشفا هلم فهذه املسئلة الغامضة حتقيقية عند
هؤالء االكابر وتقليدية عند غريهم ومل يقل هبذه املسئلة احد من الفرق املخالفني مؤمنيهم
وكافريهم غري اهل السنة ويعد رؤية احلق سبحانه عدا هؤالء االكابر كلهم حماال و
مستشهد املخالفني قياس الغائب على الشاهد البني الفساد وحصول االميان مبثل هذه
املسئلة الغامضة بال نور متابعة السنة السنية على صاحبها الصالة و السالم والتحية
متعذر {شعر}:
الئق دولت نبود هر سرى * ابر مسيحا نكشد هر خرى
والعجب انه كيف يستسعد حبصول سعادة الرؤية من ال اميان هلم هبا فان نصيب
املنكر حرمان وكيف ال يراه من يدخل اجلنة فان املتبادر من الشرع حصول دولة الرؤية
جلميع اهل اجلنة فانه مل يرد يف الشرع ان بعض اهل اجلنة يراه وبعضهم ال يراه تعاىل
واجلواب يف حق هؤالء هو جواب موسى على نبينا وعليه الصالة و السالم لسؤال فرعون
قال هللا تعاىل حاكيا عنهما قال فما ابل القرون االوىل قال علمها عند ريب يف كتاب ال
يضل ريب وال ينسى (ينبغي) ان يعلم ان اجلنة وما وراء اجلنة كلها ابلنسبة اىل احلق
سبحانه متساوية فان كلها خملوق هللا تعاىل وليس له سبحانه حلول ومتكن يف شئ منها
ولكن ليس لبعض املخلوقات لياقة ظهور انوار الواجب جل سلطانه خبالف بعض آخر
- 905 -
فان فيه هذه اللياقة كما ان املرآة فيها لياقة ظهور الصور وليست هذه اللياقة يف احلجر
واملدر فالتفاوت يف هذا الطرف مع وجود نسبة املساواة ال يف حضرته سبحانه و تعاىل
{شعر}:
اين قاعده ايد دار آجنا كه خداست * نه جزو نه كل نه ظرف نه مظروف است
والرؤية ليست بواقعة يف الدنيا فان هذا احملل ليس فيه لياقة ظهور هذه الدولة وكل
من قال بوقوع الرؤية يف الدنيا فهو كذاب ومفرت زعم غري احلق حقا سبحانه فلو تيسرت
هذه الدولة يف هذه النشأة كان كليم هللا على نبينا وعليه الصالة و السالم احق هبا وان
تشرف نبينا عليه و على آله الصالة و السالم هبذه الدولة مل يكن وقوعها يف الدنيا بل
دخل اجلنة ورأى فيها وهي من عامل اآلخرة ال انه رأى يف الدنيا بل خرج من الدنيا وصار
ملحقا ابآلخرة فرأى (وهو) تعاىل خالق السموات واالرضني وخالق اجلبال والبحار
وخالق االشجار واالمثار وخالق املعادن والنبااتت وكما أنه سبحانه زين السماء خبلق
النجوم وزين االرض خبلق االنسان فان كان بسيط فكائن ابجاده تعاىل وان مركب
فمخلوق خبل قه تعاىل وابجلملة اخرج سبحانه مجيع االشياء من كتم العدم اىل عرصة
الوجود واحدثها بعد ان مل تكن ال يليق القدم بغريه تعاىل وال شئ بقدمي سواه سبحانه
وامجاع مجيع اهل امللل منعقد على حدوث ما سواه سبحانه وكلهم متفقون على ان ال
قدمي غريه تعاىل وحيكمون بتضليل من يقول بقدم غريه تعاىل بل حيكمون بتكفريه صرح
االمام الغزايل هبذا يف رسالته املنقذ من الضالل وحكم بكفر مجاعة قائلني بقدم غريه
تعاىل والذين يقولون بقدم السموات والكواكب وامثاهلا يكذهبم القرآن اجمليد كما قال هللا
تعاىل هللا الذي خلق السموات واالرض وما بينهما يف ستة اايم مث استوى على العرش
وامثال هذه من اآلايت القرآنية كثرية وسفيه من خيالف النصوص القرآنية بعقله الناقص
ومن مل جيعل هللا له نورا فما له من نور (وكما) ان العباد خملوق احلق سبحانه افعال العباد
أيضا خملوقه تعاىل فان اخللق ال يليق بغريه واجياد ممكن ال جيئ من ممكن فانه متسم
بقصور القدرة و متصف بنقص العلم ال يليق ابالجياد واخللق ودخل العبد يف افعاله
- 906 -
االختيارية امنا هو بكسبه الواقع بقدرته وارادته وخلق الفعل من هللا سبحانه وكسبه من
العبد ففعل العبد االختياري واقع مبجموع كسب العبد وخلق احلق جل وعال فلو مل يكن
لك سب العبد واختياره مدخل يف فعله يكون حكمه حكم فعل املرتعش والفرق حمسوس
ومشاهد فاان نعلم ابلبداهة ان فعل املرتعش غري فعل املختار وهذا القدر من الفرق يكفي
ملدخلية كسب العبد يف فعله وجعل احلق سبحانه خلقه اتبعا لقصد العبد يف فعله من
كمال رأفته حيث يوجد الفعل يف العبد بعد تعلق قصد العبد به فيكون العبد ابلضرورة
ممدوحا وملوما ومعاقبا ومثااب وقصد العبد واختياره اللذان اعطيهما من قبل احلق سبحانه
يتعلقان جبهيت الفعل والرتك وايضا قد بني احلق سبحانه حسن الفعل والرتك وقبحهما
بلسان االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات ابلتفصيل فمع وجود ذلك لو اختار العبد
احدى اجلهتني ال بد من ان يكون مالما او ممدوحا وال شك ان احلق سبحانه اعطى
العبد من القدرة واالختيار مقدار ما ميكن له اخلروج من عهدة االوامر والنواهي الشرعيتني
وملاذا يلزم اعطاء قدرة كاملة واختيار اتم وقد اعطى مقدار ما حيتاج اليه وانكار املنكرين
مصادم للبداهة وهبم مرض قليب عجزوا به عن اتيان االحكام الشرعية كرب على املشركني
ما تدعوهم اليه وهذه املسئلة من غوامض املسائل الكالمية وهناية شرحها وغاية بياهنا هي
ما سود يف هذه االوراق وهللا سبحانه املوفق (ينبغي) االميان مبا قاله علماء اهل احلق دون
ان يقع يف البحث واجلدل {شعر}:
نه هر جائى مركب توان اتخنت * كه جاها سپر ابيد انداخنت
(واالنبياء) عليهم الصلوات و التسليمات رمحات للعاملني بعثهم هللا سبحانه هلداية
اخللق ودعى عباده بتوسط هؤالء االكابر اىل جناب قدسه وهداهم اىل دار السالم اليت
هي حمل رضاه وانسه واملخ ذول من ال جيب دعوة الكرمي وال ينتفع من مائدة دولته وما
بلغ هؤالء االكابر من طرف احلق سبحانه كله حق وصدق واالميان به الزم والعقل وان
كان حجة ولكنه انقص يف احلجية واحلجة البالغة امنا حصلت ببعثة االنبياء عليهم
الصلوات و التسليمات فاهنا مل ترتك حمال للعذر واول االنبياء عليهم السالم آدم وآخرهم
- 907 -
وخامت نبوهتم حممد رسول هللا عليه وعليهم الصالة و السالم ينبغي االميان جبميع االنبياء
وان يعقتد كلهم معصومني صادقني وعدم االميان بواحد منهم مستلزم لعدم االميان
جبميعهم فان كلمتهم متفقة واصول دينهم واحدة وينزل عيسى على نبينا وعليه الصالة و
السالم ويتبع شريعة خامت الرسل عليه وعليهم الصلوات و التسليمات واورد اخلواجه حممد
اپ رسا الذي هو من كمل خلفاء اخلواجه النقشبند قدس سرمها وعامل وحمدث نقال معتمدا
يف كتابه الفصول الستة ان عيسى عليه السالم يعمل بعد النزول مبذهب االمام ايب حنيفة
رضي هللا عنه وحيل حالله وحيرم حرامه (واملالئكة) عباد هللا تعاىل املكرمون وبدولة الرسالة
وتبليغ وحيه تعاىل مشرفون وما هو مأمورون به ممتثلون والعصيان واخلروج عن طاعة هللا
تعاىل مفقود يف حقهم ال أيكلون وال يشربون وال يلبسون وال يوصفون بذكورة وال انوثة
وليس هلم توالد وال تناسل والكتب والصحف االهلية كلها نزلت بتوسطهم وبقيت حمفوظة
ومصونة بصداقتهم يف اداء امانتهم واالميان هبم ايضا من ضرورايت الدين وتصديقهم من
واجبات االسالم وخواص البشر افضل من خواص امللك عند مجهور اهل احلق فان
وصول البشر مع وجود العوائق وقرب القدسيني حاصل هلم بال مزامحة االشتغال وممانعة
اخلالئق وان كان التسبيح والتقديس شغل القدسيني ولكن مجع اجلهاد هبذه الدولة شغل
كمل االنسيني قال هللا تعاىل فضل هللا اجملاهدين أبمواهلم وانفسهم على القاعدين درجة
وما أخرب عنه املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم من احوال القرب و اهوال
القيامة واحلشر و النشر ومن اجلنة والنار كله حق واالميان ابآلخرة كاالميان ابهلل من
ضرورايت الدين ومنكر اآلخرة كمنكر الصانع كافر قطعا وعذاب القرب من الضغطة
وغريها حق واملنكر له وان مل يكن كافرا ولكنه مبتدع لكونه منكرا لالحاديث املشهورة
وحيث ان القرب برزخ بني الدنيا واآلخرة يشبه عذابه من وجه بعذاب الدنيا وهو قبوله
االنقطاع ومن وجه بعذاب اآلخرة وهو كونه من جنسه واكثر من يبتلي به من ال
يستنزهون من البول ومن ميشون ابلنميمة (وسؤال) منكر ونكري يف القرب ايضا حق وهو
فتنة ع ظيمة وابتالء جسيم يف القرب ثبتنا هللا سبحانه ابلقول الثابت ويوم القيامة حق واقع
- 908 -
ألبتة يومئذ تنشق السموات وتنتثر الكواكب وتتقطع االرض واجلبال وتكون ملحقة
ابلعدم كما ان النصوص القرآنية انطقة هبا وامجاع مجيع الفرق االسالمية منعقد عليه
واملنكر عليها كافر وان سول كفره مبقدمات موهومة واضل هبا السفهاء عن الطريق
والبعث يومئذ عن القرب واحياء العظام البالية املتفرقة كله حق وحساب االعمال ووضع
امليزان وطراين صحف االعمال وجميئ صحف ارابب اليمني من اليمني وصحف
اصحاب الشمال من الشمال ايضا حق والصراط الذي يوضع على منت جهنم فيمر عليه
اجلنيت اىل اجلنة ويسقط اجلهنمي يف جهنم ايضا حق فان هذه كلها امور ممكنة اخرب
املخرب الصادق بوقوعها فينبغي قبوهلا بال توقف من غري ان يتشكك ويرتدد مبقدمات
ومهية وما آاتكم الرسول فخذوه نص قطعي وشفاعة الصلحاء واالخيار يومئذ يف حق
العصاة واالشرار ابذن الغفار حق قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم شفاعيت الهل
الكبائر من أميت وخلود الكفار بعد احلساب يف النار وعذاهبا ايضا حق وكذلك خلود
املؤمنني يف اجلنة وتنعماهتا ايضا حق واملؤمن الفاسق وان جاز يف حقه دخول النار وكونه
معذاب فيها أايما ولكن اخللود يف النار مفقود يف حقه ومن كان يف قلبه مثقال ذرة من
االميان ال يكون خملدا يف النار بل مآل حاله اىل الرمحة ومرجع امره اىل اجلنة ومدار االميان
والكفر على اخلامتة وكثريا ما يكون االنسان متصفا بواحدة من هاتني الصفتني طول عمره
ويتحقق بضدها يف اآلخر وامنا العربة ابخلوامت ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا
من لدنك رمحة انك انت الوهاب واالميان عبارة عن تصديق قليب مبا علم من الدين
بطريق الضرورة والتواتر واالقرار به أيضا ضروري كاالميان بوجود الصانع وتوحيده تعاىل
وكذلك االميان حبقية الكتب والصحف املنزلة واالميان ابالنبياء الكرام واملالئكة العظام
عليهم الصالة و السالم اىل يوم القيام واالميان ابآلخرة من حشر االجساد وخلود
العذاب والثواب يف النار واجلنة وانشقاق السموات وانتثار الكواكب واندكاك االرض
واجلبال وكذلك االميان بفرضية الصلوات اخلمس وتعيني اعداد ركعتها وبفرضية زكاة
اال موال وصوم رمضان وحج بيت هللا احلرام على تقدير االستطاعة وكذلك االميان حبرمة
- 909 -
شرب اخلمر وقتل النفس بغري حق وعقوق الوالدين والسرقة والزان واكل مال اليتيم واكل
الراب وامثاهلا مما ثبت ابلتواتر وصار من ضرورايت الدين وال خيرج املؤمن ابرتكاب الكبرية
من االميان واس تحالل الكبرية كفر وارتكاهبا فسق وينبغي للمؤمن ان يعتقد نفسه مؤمنا
حقا يعين ينبغي ان يعرتف بثبوت اميانه وحتققه وال ينبغي ان جيعل كلمة االستثناء يعين
كلمة ان شاء هللا مقرونة ابالميان لكوهنا منبئة عن الشك ومنافية لثبوت االميان حبسب
الصورة وان جعل االستثناء را جعا اىل اخلامتة لكوهنا مبهمة ولكنه ال خيلو من اشتباه
الثبوت احلايل فاالحتياط يف ترك صورة الشك واالشتباه وافضلية اخللفاء االربعة على
ترتيب خالفتهم فان امجاع اهل احلق منعقد على ان افضل البشر بعد االنبياء صلوات هللا
تعاىل وتسليماته سبحانه عليهم امجعني ابو بكر الصديق مث عمر الفاروق رضي هللا عنهما
ووجه االفضلية على ما فهمه هذا الفقري ليس كثرة الفضائل واملناقب بل االسبقية يف
االميان واالقدمية يف انفاق االموال واالولية يف بذل االنفس يف كل حال لتأييد الدين
وترويج ملة سيد املرسلني فان السابق كانه استاذ الالحق يف امر الدين وكلما ينال الالحق
يناله من مائدة دولة السابق وجمموع هذه الصفات الكاملة الثالثة منحصرة يف حضرة
الصديق رضي هللا عنه فان الذي مجع بني االسبقية يف االميان وبني انفاق املال وبذل
النفس هو هو رضي هللا عنه وهذه الدولة مل تتيسر يف هذه االمة لغريه قال رسول هللا
أمن عل ّي يف
صلّى هللا عليه و سلّم يف مرضه الذي مات فيه انه ليس من الناس احد ّ
نفسه وماله من ايب بكر ابن ايب قحافة ولو كنت متخذا من الناس خليال الختذت ااب
بكر خليال ولكن اخوة االسالم افضل سدوا عين كل خوخة غري خوخة ايب بكر وقال
عليه و على آله الصالة و السالم ان هللا بعثين اليكم فقلتم كذبت وقال ابو بكر صدقت
وواساين بنفسه وماله فهل انتم اتركون يل صاحيب وقال عليه و على آله الصالة و السالم
لو كان بعدي نيب لكان عمر بن اخلطاب وقال امري املؤمنني علي رضي هللا عنه ان ااب
بكر وعمر كليهما افضل هذه االمة ومن فضلين عليهما فهو مفرت أضربه كما يضرب
املفرتي وما وقع بني اصحاب خري البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات من
- 910 -
املنازعات واحملارابت ينبغي ان حيملها على حمامل حسنة وان يبعدهم عن مظنة اهلوى
واهلوس ومن حب اجلاه والرايسة ومن طلب الرفعة واملنزلة فان هذه الرذائل من النفس
األ مارة ونفوس هؤالء االكابر صافية ومزكاة يف صحبة خري البشر عليه وعليهم الصالة و
السالم ولكن احلق كان يف جانب امري املؤمنني علي كرم هللا وجهه يف تلك املشاجرات
واحملارابت الواقعة يف حق خالفته وخمالفوه كانوا خمطئني ابخلطإ االجتهادي الذي ال جمال
فيه للمالمة والطع ن فضال عن التفسيق فان الصحابة كلهم عدول ومروايهتم مقبولة و
مروايت موافقي علي وخمالفيه كلها متساوية يف الصدق والوثوق ومل تصر املشاجرة واحملاربة
علة جلرح احد فينبغي ان حيب مجيعهم فان حبهم حبب النيب عليه وعليهم الصلوات و
التسليمات فانه قال من احبهم فبحيب احبهم وينبغي االجتناب عن بغضهم وعدواهتم
فان بغضهم ببغضه صلّى هللا عليه و سلّم كما قال ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم ويف
تعظيم هؤالء االكابر وتوقريهم تعظيم خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم وتوقريه
ويف عدم تعظيمهم عدم تعظيمه فينبغي تعظيم مجيعم من جهة تعظيم خري البشر عليه
الصالة و السالم قال الشيخ الشبلي ما آمن برسول هللا من مل يوقر اصحابه (وبعد)
تصحيح االعتقاد ال بد من اتيان االعمال ايضا قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم بين
االسالم على مخس شهادة ان ال اله اال هللا وان حممدا رسول هللا وهي عبارة عن االميان
واالعتقاد مبا ثبت بتبليغ حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كما مر والثاين اداء
الصلوات اخلمس اليت هي عماد الدين والثالث اداء زكاة املال والرابع صوم شهر رمضان
واخلامس حج بيت هللا احلرام فالصالة أفضل العبادات بعد االميان ابهلل ورسوله وحسن
لذاته مثل االميان خبالف سائر العبادات فان حسنها ليس بذايت فينبغي اداء الصالة
حبسن التأمل والتقيد بعد طهارة كاملة كما بني يف كتب الشرع من غري فتور وينبغي
االحتياط يف القراءة والركوع والسجود والقومة واجللسة وسائر االركان حت تؤدى على
وجه الكمال وينبغي التزام السكونة والطمأنينة يف الركوع والسجود والقومة واجللسة
وينبغي االحرتاز عن املساهلة وينبغي اداؤها يف أوائل اوقاهتا من غري ان جيوز التأخري على
- 911 -
وجه التكاسل والتجاهل والعبد املقبول من ميتثل امر مواله مبجرد امره فان التأخري يف
امتثال األمر من التمرد وسوء االدب وينبغي ان يستصحب من الكتب الفقهية ما كتب
بعبارة فارسية مثل ترغيب الصالة وتيسري االحكام وامثاهلما يف مجيع االوقات وان أيخذ
املسائل الشرعية منها والعمل مبقتضاها وكتاب كلستان ومثله داخل يف فضول يف جنب
كتب الفقه الفارسية بل مما ال يعين ابلنسبة اىل االمور الضرورية وما حيتاج اليه يف الدين
ينبغي ان يعده الزما دون ان يلتفت اىل ما ورائه وصالة التهجد ايضا كأهنا من ضرورايت
هذا الطريق فينبغي السعي حت ال ترتك من غري ضرورة فان كان هذا املعن متعسرا يف
االبتداء ومل يتيسر التيقظ ينبغي تعيني مجاعة من اخلدام ليوقظوا يف ذلك الوقت بال
اختيار وال ي رتكوا على النوم وبعد اعتياد القيام اايما ال حتتاج اىل التكلف والتعمل ومن
اراد ان يقوم يف آخر الليل ينبغي ان ينام يف اوله بعد العشاء من غري ان يشتغل مبا ال
طائل فيه وينبغي ان يغتنم االستغفار والتوبة وااللتجاء والتضرع وتذكر املعاصي والذنوب
وتفكر النقائص والع يوب وخوف العذاب االخروي واالشفاق من االمل الدائمي يف ذلك
الوقت وان يطلب العفو واملغفرة من احلق سبحانه و تعاىل وان يقول هذه الكلمة ابللسان
متوجها اىل القلب مائة مرة استغفر هللا العظيم الذي ال اله اال هو احلي القيوم واتوب اليه
سبحانه وينبغي ان يقول هذه الكلمة بعد اداء العصر ايضا مائة مرة من غري ان يرتكها
بطهارة او بال طهارة وقد ورد يف اخلرب طوىب ملن وجد يف صحيفته استغفار كثري واداء
صالة الضحى ان تيسر دولة عظيمة فينبغي السعي حت تؤدى ركعتان منها على الدوام
واكثر ركعاهتا كصالة التهجد اثتنا عشرة ركعة ومقدار ما يؤدي مبقتضى الوقت واحلال
مغتنم وينبغي ان جيتهد لقراءة آية الكرسي بعد اداء كل فرض فانه قد ورد يف اخلرب من قرأ
آية الكرسي بعد كل صالة فرض ال مينعه من دخول اجلنة اال املوت وايضا ينبغي ان
يقول بعد كل صالة من صلوات اخلمس كلمة التنزيه سبحان هللا ثالاث وثالثني مرة وكلمة
التحميد احلمد هلل ثالاث وثالثني مرة وكلمة التكبري هللا اكرب ثالاث وثالثني مرة ومرة ال اله
اال هللا وحده ال شريك له له امللك وله احلمد حييي و مييت و هو على كل قد ير حت
- 912 -
يستمكل العدد مائة ويقول ايضا يف كل يوم وليلة سبحان هللا وحبمده مائة مرة فان فيها
ثوااب كثريا ويقول وقت الصبح مرة اللهم ما اصبح يب من نعمة أو أبحد من خلقك فمنك
وحدك ال شريك لك فلك احلمد ولك الشكر ويقول يف املغرب بدل ما اصبح ما امسى
ويتم وورد يف احلديث النبوي ان من قرأ هذا الدعاء يف النهار فقد ادى شكر ذلك النهار
ومن قرأه يف الليل فقد ادى شكر ذلك الليل وال يلزم ان يكون قراءة هذا الورد على
طهارة بل ينبغي قراءته يف مجيع االوقات (واداء) زكاة االموال ايضا من ضرورايت الدين
فينبغي اداؤها وايصاهلا اىل مصارفها ابلرغبة وقبول املنة فاذا قال هللا سبحانه اعطوا الفقراء
واملساكني حصة واحدة من اربعني حصة من عطييت وانعامي فأعطيكم يف مقابلته اجرا
جزيال وجزاء مجيال فالتوقف يف اداء هذا اجلزء احملقر والبخل يف اعطائه من غاية عدم
االنصاف بل من التمرد واالعتساف وامثال هذا التوقف يف امتثال األوامر الشرعية
منشؤها مرض قليب وعدم يقني ابالحكام السماوية وال يكفي جمرد النطق بكلمة الشهادة
بدون تصديق قليب مبضموهنا فان املنافقني ايضا انطقون هبذه الكلمة وعالمة يقني القلب
اتيان األوامر الشرعية بطوع ورغبة واعطاء فلس لفقري بنية اداء الزكاة افضل من انفاق
ألوف بغري هذه النية فان ذاك اداء فرض وهذا اتيان نفل وال اعتداد التيان النفل ابلنسبة
اىل اداء الفرض اصال وال اعتبار وليت له حكم القطرة ابلنسبة اىل البحر احمليط ومن
تسويالت الشيطان اللعني منعهم من اداء الفرائض ومحلهم على اداء النوافل وصدهم عن
اداء الزكاة (وصوم) شهر رمضان املبارك ايضا من واجبات االسالم وضرورايت الدين
فينبغي االهتما م يف ادائه ايضا وال ينبغي االفطار ابعذار غري مسموعة قال النيب عليه و
على آله الصالة و السالم والتحية الصوم جنة من انر جهنم فان كان بعض االعذار
مانعا من الصوم وملجأ اىل االفطار كمرض وركوب منت االسفار ينبغي قضاؤه بال مهلة
بعد زوال االعذار دون ان يؤخره ابلتكاسل اىل مرور اآلصال واالبكار فان العبد ليس له
اختيار كلي بل له موىل ال بد له من املعاشرة مبقتضى اوامره ونواهيه حت يتصور رجاء
النجاة فلو مل يكن كذلك يكون عبدا متمردا جزاؤه انواع العقوابت (والركن) اخلامس من
- 913 -
اركان االسالم حج البيت احلرام وله شرائط مذكورة يف كتب الفقه فاذا حتققت شرائطه
جيب اداؤه قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم احلج يهدم ما كان قبله من املعاصي وينبغي
حسن االحتياط يف احلل واحلرمة الشرعيني واالمتناع عما منع عنه صاحب الشريعة عليه
و على آله الصالة والتحية واحملافظة على احلدود الشرعية لو كان املطلوب السالمة
والنجاة اىل مت ميتد نوم االرنب و حت مت قطن الغفلة يف الصماخ فان االرنب سيوقظ
والقطن سينزع فال يكون نقد الوقت حينئذ غري الندامة واحلسرة واخلجالة واخلسارة املوت
قريب وانواع عذاب اآلخرة مهيأة من مات فقد قامت قيامته ينبغي االنتباه قبل ان ينبه
فانه ال ينفع والعمل مبقتضى االوامر والنواهي الشرعيتني واالجتناب عن موجبات العذاب
االخروي قال هللا تعاىل قوا انفسكم واهليكم انرا وقودها الناس واحلجارة اآلية وبعد
تصحيح االعتقاد واتيان االعمال الصاحلة مبقتضى الشريعة احلقة على صاحبها الصالة و
السالم والتحية ينبغي تعمري االوقات ابلذكر االهلي جل شأنه وان ال يكون فارغا عن
ذكره تعاىل اصال فان كان الظاهر مشغوال ابخللق ينبغي ان جيعل الباطن ابحلق سبحانه
وان يكون ملتذا بذكره تعاىل وهذه الدولة متيسرة للمبتدئني يف طريقة خواجكان قدس هللا
اسرارهم يف اول قدم يف صحبة الشيخ الكامل املكمل بعناية هللا سبحانه و تعاىل ولعله
حصل لكم االميان هبذا املعن بل تيسر نصيب منه ولو كان قليال وكلما حصل ينبغي
احملافظة عليه والقيام بشكره والرجاء يف الزايدة وحيث ان يف طريقة احلضرات النقشبندية
اندراج النهاية يف البداية فان حصل قليل منها فهو كثري فان السالك له خرب يف البداية
من النهاية ولكن ينبغي للمبتدئ ان يستقل ما حصله وان كان كثريا من غري ان يكون
فارغا عن شكره بل ينبغي اداء شكره وطلب الزايدة واملقصود االصلي من الذكر زوال
التعلق مبا دون احلق سبحانه الذي املرض القليب عبارة عنه وما مل حيصل هذا الزوال ال
يكون نصيب من حقيقة االميان وال يتيسر اليسر والسهولة يف اداء االحكام الشرعية
اال فاذكروا رب الربااي فانه * صفاء القلوب والغذاء الرواح
وينبغي ان ال يكون املطلوب من اكل الطعام حظ النفس بل يكون حصول القوة
- 914 -
واالستطاعة على العبادة فان مل تتيسر هذه النية يف االبتداء ينبغي ان يكون عليها
ابلتكلف وان يلتجئ ويتضرع لتتيسر هذه النية وكذلك ينبغي ان تكون النية يف لبس
اللباس التزين للعبادة وأداء الصالة فانه قد ورد يف القرآن اجمليد خذوا زينتكم عند كل
مسجد وال يكون املقصود من لبس االلبسة املزينة مرا اة اخللق فاهنا ممنوع عنها وكذلك
ينبغي ان يسعى يف ان يكون املنظور يف مجيع االفعال واحلركات والسكنات رضي املوىل
جل سلطانه وان يعمل مبتقضى شريعته احلقة ففي هذا الوقت يكون كل من الظاهر
والباطن متوجها اىل احلق تعاىل وذاكرا له سبحانه مثال اذا اختار العبد النوم الذي هو
غفلة من اوله اىل آخره بنية دفع التكاسل يف اداء الطاعة يكون ذلك النوم هبذه النية عني
العبادة فما دام يف ذاك النوم فكأنه يف الطاعة لكونه بنية اداء الطاعة وقد ورد يف اخلرب
نوم العلماء عبادة وان كنت اعلم ان حصول هذا املعن فيكم اليوم متعذر هلجوم املوانع
ووجود التزام العادات والرسوم وكون املنظور احلمية واالنفة اليت هي مضادة للشريعة الغراء
فان الشريعة واردة لدفع الرسوم والعادات ورفع احلمية اجلاهلية الناشئة عن النفس االمارة
ولكن اذا حصلت املداومة على الذكر القليب واداء الصلوات اخلمس بشرائطها من غري
فتور بتوفيق هللا سبحانه وتيسر االحتياط يف احلل واحلرمة الشرعيني مهما امكن حيتمل ان
يظهر مجال هذا املعن وحيصل الرغبة فيه (ووجه) آخر لكتابة امثال هذه النصائح هو انه
وان مل حيصل العمل مبتقضى هذه النصائح فال اقل من ان حيصل االعرتاف ابلقصور
والنقص وهو ايضا دولة عظيمة {شعر}:
ومن انل يلقى دولة فوق قدره * ومن ال فيكفيه االسى من فواهتا
ونعوذ ابهلل سبحانه من حال من ال ينال وال يغتم من عدم نيله وال يعمل وال
يتندم من عدم عمله وال يكون ذلك اال جاهال متمردا اخرج رأسه من ربقة العبودية
ورجله من قيد الرقية ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا وان مل يقتض الوقت
واحلال والزمان واملكان حترير شئ ولكن ملا رأيت شوقكم ورغبتكم على وجه الكمال كتبنا
سطورا ابلتكلف وسلمناها اىل كمال الدين حسني رزق هللا سبحانه العمل مبقتضاها و
- 915 -
{املكتوب الثامن عشر اىل املري حممد نعمان يف بيان عدم التعلق مبا سوى
احلق والرتغيب يف صحبة طاليب احلق جل وعال}
احلمد هلل رب العامل يم دائما على كل حال يف السراء والضراء قد وصلت الصحيفة
الشريفة املرسلة مع سليمان مع اهلدية جزاكم هللا خريا وكتبتم فيها ان املقصود من هذا
السفر كان حصول بعض املقاصد املتعسر احلصول عليكم ابلرجاء فان مع العسر يسرا ان
مع العسر يسرا قال ابن عباس رضي هللا عنهما لن يغلب عسر يسرين وماذا اكتب من
احوايل املآلنة ابالهوال واشوش هبا خواطر االحباب ومع ذلك الشكر هلل ألف ألف مرة
على ما رزقنا العافية يف عني البالء فسبحان من مجع بني الضدين وقرن بني املتنافيني
كنت يوما اتلو القرآن اجمليد فوصلت اىل هذه اآلية قل ان كان آابؤكم وأبنائكم واخوانكم
اآلية فاستوىل عل ّي من تالوهتا بكاء عظيم وغلب اخلوف فطالعت حايل يف تلك االثناء
فوجدتين ان ال تعلق يل بواحد منها حبيث لو تلف كلها وتالشت ال يقع جتويز امر منكر
ومستقبح يف الشريعة وال ختتار تلك االمور على ذلك االمر بقية املرام ان االصحاب
حيث كانوا يصحبوننا هلل ينبغي لنا ايضا ان نكرمهم ونستخرجهم عن احواهلم الظاهرية
والباطنية وهذا احلديث القدسي اي داود اذا رأيت يل طالبا فكن له خادما مشهور فينبغي
التوجه اىل الطالبني بعد ذلك ازيد مما كان سابقا وان ال جيعل شيمة التغافل وعدم
االلتفات منظورة واثنيا ينبغي ان تكتب انه هل كان مكتوب االقربية معقوال او ال فان
كان فبها واال فاكتبوا بتشخيص حمل الرتدد وما اكتب زايدة على ذلك املسؤل من هللا
سبحانه سالمتكم وعافيتكم وثباتكم واستقامتكم ومزيد توفيقكم وحسن عاقبتكم و
السالم.
{املكتوب التاسع عشر اىل السيد املري حممد نعمان يف الصرب والرضاء بقضائه
- 916 -
تعاىل}
احلمد هلل رب العاملني يف السراء والضراء ويف العافية والبالء فعل احلكيم جل
سلطانه ال خيلو عن حكمة لعل هللا يريد به الصالح وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خري
لكم وعسى ان حتبوا شيئا وهو شر لكم وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون فاصربوا على بالئه
وارضوا بضائه سبحانه و تعاىل واثبتوا على طاعاته واجتنبوا عن معاصيه سبحانه اان هلل
واليه راجعون قال هللا تبارك و تعاىل وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو
عن كثري فتوبوا ا ىل هللا سبحانه واستغفروا عما كسبت ايدينا واسئلوا العفو والعافية من هللا
سبحانه فانه تعاىل حيب العفو واجتنبوا عن البالء ما استطعتم فان الفرار مما ال يطاق من
سنن املرسلني عليهم الصلوات و التسليمات وحنن يف عني البالء مع العافية فللّه سبحانه
احلمد و املنة و السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى و التزم متابعة املصطفى عليه
و على آله الصلوات و التسليمات العلى.
{املكتوب العشرون اىل موالان أمان هللا يف التحريض على علو اهلمة وارجاع
وصول مجيع النعم اىل شيخه}
وصل مكتوب االخ أمان هللا واتضح ما حرر من بيان احواله ومواجيده واملتوقع
منكم ازيد من هذه االمور وكلما يعطى ينبغي قبوله ابالدب وقبول املنة وان يطلب الزايدة
واملقام الفوقاين ابلتضرع واالبتهال وااللتجاء واالنكسار قائال هل من مزيد وان يراعى
اتيان االحكام الشرعية مراعاة كاملة مصدق االحوال ومصححها االستقامة على الشريعة
وتعبري الواقعة من عامل املثال اليت حررت قريب من املعاملة واالمر اىل هللا سبحانه وملا كنتم
يف الصحبة كثريا وقع نظركم عاليا ال تغرتون ابجلوز واملوز مثل االطفال ان هللا سبحانه
حيب معايل اهلمم وكتبتم واقعة تربية عيسى على نبينا و عليه الصالة و السالم الخينا
احلافظ مهدي علي نعم ان للحافظ مناسبة كثرية بطريقنا ولكن ينبغي ان يعلم ان الدولة
من اي حمل حيصل يف الصورة ينبغي ارجاعها يف احلقيقة اىل شيخه لئال تتفرق قبلة توجهه
- 917 -
وال يتطرق اخللل اىل املعاملة ومن اي حمل حيصل الفيض ينبغي ان يراه من شيخه فانه
جامع فبأي صورة تظهر تربيته فهي يف احلقيقة منه وهذا املقام من مزال اقدام الطالب
ينبغي ان يكون واقفا متيقظا حت ال جيد العدو اللعني سبيال ولعلكم مسعتم ان من كان
يف حمل واحد فهو يف كل حمل ومن كان يف كل حمل فليس هو يف حمل اصال وبلغوا احلافظ
مين الدعاء و السالم.
{املكتوب احلادي والعشرون اىل املري حممد نعمان يف جواب أسئلته عن كونه
تعاىل مشارا اليه ابلضمائر وعن فضل الزهاد وعن كيفية علم احلق تعاىل بذاته جل
سلطانه وعم احسانه}
احلمد هلل وسالمه على عباده الذين اصطفى قد سألتم انه اذا مل تكن االشياء
اشياء مباهيتها الظلية بل مباهية اصلها ينبغي أن يكون املشار اليه بلفظ هو وانت واان هو
ذاك االصل فحينئذ كيف يصدق محل بعض الصفات الغري املالئم لذاك االصل على
الضمائر كقولنا اان آكل واان انئم (اعلم) ان الظل وان كان قائما أبصله ولكن ثبوته
الظلي وان كان يف مرتبة احلس واخليال متحقق دائما واحكامه الظلية دائمة وابقية و
خلقتم لألبد شاهد لذلك ومحل الصفات على تلك الضمائر امنا هو مبالحظة اعتبار
ظليتها ولكل مرتبة من مراتب الوجود حكم على حدة وكلما هو متالش ومضمحل يف
االله ليس ابله جل وعال وسألتم ايضا عن معن احلديث القدسي الوارد يف فضائل الزهاد
الكرام معاين ال فاظه ظاهرة وليس ببعيد عن فضله وكرمه تعاىل ان خيصص مجاعة بفضائل
وخصائص وان ينعم عليهم بدرجات ومراتب يغبطهم فيها غريهم وعدم حساب هؤالء
ليس مبحمل تردد فان كثريا من امة خري البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات
يدخلون اجلنة بغري حساب ومن مجلة ذلك ما ورد يف احلديث الصحيح يدخل اجلنة من
اميت سبعون ألفا بغري حساب فقالوا من هم اي رسول هللا قال الذين ال يكتوون وال
يسرتقون و على رهبم يتوكلون ويف هذا املقام سر عظيم ال مصلحة يف اظهاره لكونه بعيدا
- 918 -
عن افهام االكثرين فان اتفقت املالقاة ينبغي ان تذكروا هبا فنذكر مشة منه مشافهة ورمز
من هذا السر مندرج يف مكتوب من مكتوابت اجللد الثاين فاذا وجدمتوه لعلكم جتدونه
(وسألتم) ايضا ان علم احلق سبحانه هل يكون حميطا بكنه ذاته او ال فان كان حميطا يلزم
تناهي الذات (اعلم) ان العلم على قسمني حصويل وحضوري وحمال ان يتعلق العلم
احلصويل بكنه ذات الواجب جل سلطانه لكونه مستلزما لالحاطة والتناهي واما العلم
احلضوري فيجوز ان يتعلق بكنه ذاته تعاىل وال يلزم منه تناه اصال و السالم.
{املكتوب الثاين والعشرون اىل املال مقصود علي التربيزي يف بيان املراد من
جناسة املشركني خبثهم الباطين واعتقادهم السوء ال كوهنم جنس العني}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ايها املخدوم املشفق مل يعلم املقصود
من ارسال التفسري احلسيين وصاحب التفسري بني معن اآلية الكرمية موافقا الئمة احلنفية
ويريد من النجاسة الشرك وخبث الباطن وسوء االعتقاد وما قاله بعد ذلك من ان هؤالء
ال جيت نبون عن النجاسات فهذا املعن موجود يف اكثر اهل االسالم ايضا يف هذه االايم
والفرق بني عوام اهل االميان وبني الكفار مفقود من هذه احليثية فلو كان عدم االجتناب
عن النجاسة سببا لنجاسة الشخص تصري املعاملة ضيقة وال حرج يف االسالم وما نقل
عن ابن عباس رضي هللا عنهما من ان املشركني جنس العني مثل الكالب امثال هذا النقل
الشاذ وردت كثريا من اكابر الدين وكلها حممولة على التوجيه والتأويل كيف يكون جنس
العني فان النيب عليه و على آله الصالة و السالم قد أكل الطعام من بيت يهودي وتوضأ
من ظرف مشرك وتوضأ الفاروق رضي هللا عنه ايضا من ظرف امرأة نصرانية (فان قيل)
جيوز ان يكون قوله تعاىل امنا املشركون جنس متأخرا وانسخا للمذكورات (اجيب) انه
جيوز ان يكون كذلك ال يكفي يف هذا املقام بل ال بد من اثبات التأخر حت تصح
دعوى النسخ فان اخلصم من وراء املنع ولو سلم انه متأخر ينبغي ان ال يكون مثبتا
للحرمة و يكون املراد من النجاسة خبث الباطن النه قد نقل انه مل يرتكب نيب من
- 919 -
االنبياء امرا يكون مآله يف شريعته او يف شريعة غريه من االنبياء منجرا اىل احلرمة و يكون
حمرما يف اآلخر وان كان مباحا حني االرتكاب اال ترى ان اخلمر كان مباحا اوال مث حرم
ومل يشربه نيب قط فلو كان مآل أمر املشركني اىل النجاسة الظاهرة وكانوا مثل الكالب
جنس العني ملا كان النيب صلّى هللا عليه و سلّم الذي هو حمبوب رب العاملني ميس ظروفهم
فضال عن اكل طعامهم وايضا ان النجس العني جنس عني يف مجيع االوقات ال جمال فيه
لالابحة سابقة والحقة فلو كان املشركون جنس عني ينبغي ان يكونوا كذلك يف االبتداء
وان يعامل النيب صلّى هللا عليه و سلّم هبم مبقياسه ومقتضاه يف االول وليس فليس
(وايضا) ان احلرج مدفوع عن الدين ومعلوم ان احلكم بنجاستهم واعتقاد أهنم جنس عني
تضييق على املسلمني جدا والقاؤهم يف احلرج واملشقة ينبغي ان يقبل املنة من أئمة احلنفية
رضي هللا عنهم حيث هيأوا خملصا للمسلمني واخرجوهم من ارتكاب احلرام دون ان
يطعن فيهم وزعم حسنهم قبحا وعيبا واين جمال االعرتاض على اجملتهد فان خلطائه ايضا
درجة من الثواب وتقليده وان كان خمطئا موجب للنجاة واجتناب مجاعة يقولون حبرمة
اطعمة الكفار واشربتهم عن ارتكاب اكلها وشرهبا حمال عادي خصوصا يف بالد اهلند
فان هذا االبتالء اكثر فيها واذا كان يف مسئلة دينية عموم البلوى فاالوىل ان يفت ابسهل
االمور وايسرها بقول اي جمتهد كان وان مل يكن موافقا ملذهبه قال هللا تعاىل يريد هللا بكم
ا ليسر وال يريد بكم العسر وقال تعاىل يريد هللا ان خيفف عنكم وخلق االنسان ضعيفا
والتضييق على خلق هللا وايذاؤهم حرام ومناف لرضا احلق سبحانه والشافعية يفتون يف
بعض املسائل الذي ضيق فيه االمام الشافعي مبذهب احلنفية ليسهل للخلق مثال يف
مصارف الزكاة ينبغي ان تصرف الزكاة عند الشافعي على مجيع اصنافها وواحد منها
املؤلفة القلوب وهم مفقودون يف هذه االايم فافت علماء الشافعية مبذهب احلنفية ابهنا اذا
اديت على اي صنف منها يكفي وايضا اذا كان املشركون جنس العني ينبغي ان ال
يطهروا ابالميان ايضا فعلم ان كوهنم جنسا امنا هو بواسطة خبث اعتقادهم القابل للزوال
ومقصور على الباطن الذي هو حمل االعتقاد وجناسة الباطن ال تنايف طهارة الظاهر كما
- 920 -
هو معلوم للوضيع والشريف وايضا ان قوله تعاىل امنا املشركون جنس اخبار عن حال
املشركني واالخبار ال يكون انسخا وال منسوخا فان النسخ يف انشاء حكم شرعي ال يف
االخبار عن شئ فينبغي ان يكون املشركون جنسا يف مجيع االوقات و يكون املراد من
النجس خبث االعتقاد حت ال تتعارض االدلة وال يكون مساسهم حمظورا يف وقت من
االوقات ويوم قرأت قوله تعاىل وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم اآلية قلتم يف مقابلته
ان املراد من الطعام هنا الرب واحلمص والعدس فلو قبل هذا التوجيه اهل العرف فما
املضايقة ولكن ال بد من االنصاف واملقصود االصلي من هذا التصديع واطالة الكالم هو
انه ينبغي ان يرحم اخللق وان ال حيكم بعموم جناستهم وان ال يعتقد جناسة اهل االسالم
ايضا بواسطة اختالطهم ابلكفار الذي ال بد منه وال مهرب عنه وان ال جيتنب عن
اطعمة املسلمني واشربتهم بعلة النجاسة املتومهة فيحصل التربي من الكل من هذه احلجة
ويظن ذلك احتىاطا و احلال ان االحتياط يف ترك هذا االحتياط وماذا أكتب زايدة على
ذلك {شعر}:
بَثَثْت لديكم من مهومي وخفت ان * متلوا واال فالكالم كثري و السالم.
{املكتوب الثالث والعشرون اىل اخلواجه ابراهيم القبادايين يف بيان ان هللا تعاىل
اخرب بواسطة االنبياء عليهم السالم عن ذاته وصفاته واعمال العبادة املرضية وغري
املرضية اليت ال مدخل فيها للعقل}
احلمد هلل الذي انعم علينا وهداان اىل االسالم وجعلنا من امة حممد عليه و على
آله الصالة و السالم ان االنبياء رمحات للعاملني أخرب احلق سبحانه و تعاىل بواسطة بعثة
هؤالء االكابر عن ذاته وصفاته المثالنا انقصي العقول وقاصري االدراك واطلعنا على
كماالته الذاتية والصفاتية مبقياس افهامنا وفرق مراضيه عن غري مراضيه وميز منافعنا
الدنيوية واالخروية عن مضاران فلو مل يكن توسط وجودهم الشريف لكانت العقول
البشرية عاجزة يف اثبات الصانع تعاىل وقاصرة يف ادراك كماالته تعاىل وكانت قدماء
- 921 -
الفالسفة الذين يزعمون انفسهم اكابر ارابب العقول منكرين للصانع عز وجل وكانوا
ينسبون االشياء اىل الدهر من نقصان عقوهلم وجمادلة النمرود الذي كان سلطان مجيع
اهل االرض مع اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم يف اثبات خالق السموات
واالرض مشهورة ويف القرآن اجمليد مذكورة وقال فروعون املخذول ما علمت لكم من اله
غريي وقال ايضا خطااب ملوسى عليه السالم لئن اختذت اهلا غريي الجعلنك من
املسجونني وقال ايضا هلامان اي هامان ابن يل صرحا لعلي ابلغ االسباب اسباب
السموات فاطلع اىل اله موسى واين الظنه كاذاب (وابجلملة) ان العقل قاصر يف اثبات
هذه الدولة العظمى ال يكاد يهتدي اليها (بدون) هداية هؤالء االكابر وملا اشتهرت
دعوة االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات اىل هللا الذي هو خالق االرض والزمان
والسموات وتواترت وعلت كلماهتم وارتفعت اطلع سفهاء كل وقت كان هلم تردد يف
ثبوت الصانع على قبائحهم وقالوا بوجود الصانع بال اختيار وجعلوا االشياء مستندة اليه
تعاىل وهذا نور مقتبس من انوار االنبياء ونعمة مستفادة من موائدهم عليهم الصلوات و
التسليمات اىل يوم التناد بل اىل ابد اآلابد وكذلك سائر السمعيات بلغتنا بتبليغ االنبياء
عليهم الصالة و السالم من وجود صفاته تعاىل الكاملة وبعثة االنبياء و عصمة املالئكة
عليهم السالم ومن احلشر والنشر ومن وجود اجلنة والنار والتنعيم والتعذيب الدائمني
وأمثاهلا مما نطقت به الشريعة والعقل قاصر عن ادراكه وانقص يف اثباته من غري مساع من
هؤالء االكابر ال استقالل له يف شئ منها وكما ان طور العقل وراء طور احلس حيث
يدرك ابلعقل ما ال يدرك ابحلس طور النبوة ايضا وراء طور العقل يدرك هبا ما ال يدرك
ابلعقل ومن مل يثبت للمعرفة طريقا وراء طور العقل فهو يف احلقيقة منكر لطور النبوة
ومصادم للبداهة فال بد من وجود االنبياء ليدلوا على كيفية اداء شكر املنعم الذي هو
واجب عقال وليظهروا تعظيم موىل النعم جل وعال املتعلق ابلعلم والعمل املتلقي من قبله
سبحانه فان التعظيم الذي مل يكن مستفادا من عنده سبحانه ال يكون الئقا ابداء شكره
تعاىل فان القوة البشرية عاجزة عن ادراكه بل كثريا ما يظن غري تعظيمه تعاىل تعظيما
- 922 -
فيعدل عن الشكر اىل اهلجو وطريق استفادة تعظيمه سبحانه من حضرته تعاىل وتقدس
مقصور على النبوة ومنحصر يف تبليغ االنبياء عليهم الصالة و السالم واالهلام الذي هو
لالولياء عليهم السالم مقتبس من انوار النبوة ومستفاض من بركات متابعة االنبياء
وفيوضها فلو كان العقل كافيا يف هذا االمر ملا بقي فالسفة اليوانن الذين جعلوا مقتداهم
عقوهلم يف تيه الضاللة ولعرفوا احلق سبحانه قبل كل الناس واحلال ان اشد الناس جهالة
يف ذات احلق وصفاته سبحانه هو هؤالء حيث زعموا احلق سبحانه فارغا ومعطال ومل
جيعلوا غري شئ واحد مستندا اليه تعاىل وهو ايضا ابالجياب ال ابالختيار و حنتوا من
عندهم عقال فعاال ونسبوا احلوادث اليه مانعني اايها من خالق السموات واالرض وصرفوا
االثر عن املؤثر احلقيقي جل شأنه وزعموه اثر منحوهتم فان املعلول عندهم اثر العلة
القريبة ال يرون للعلة البعيدة أتثريا يف حصول املعلول وزعموا عدم استناد االشياء اليه
سبحانه من جهلهم كماال له سبحانه وظنوا التعطيل تبجيال اايه واحلال ان احلق سبحانه
ميدح نفسه خبلق السموات واالرض ويقول يف مدح نفسه رب املشرق ورب املغرب وال
احتياج هلؤالء السفهاء اىل حضرة احلق سبحانه بزعمهم الفاسد اصال وال التجاء هلم اليه
تعاىل قطعا ينبغي هلم ان يراجعوا وقت االضطرار واالحتياج اىل العقل الفعال وان يطلبوا
قض اء حوائجهم منه بل ال يتصور طلب قضاء احلاجة من العقل الفعال ايضا لكونه
موجبا ومضطرا غري خمتار يف زعمهم ان الكافرين ال موىل هلم وما هو العقل الفعال حت
يدبر االشياء وتكون احلوادث مستندة اليه ويف نفس وجوده وثبوته الف كالم فان حتققه
وحصوله مبنت على املقدمات املموهة الفلسفية اليت هي غري اتمة على االصول االسالمية
واالبله من يصرف استناد االشياء عن القادر املختار جل شأنه وجيعلها مستندة اىل مثل
هذا االمر املوهوم بل يلحق االشياء الف عار وفضيحة من كوهنا مستندة اىل منحوت
الفلسفي بل االشياء تكون راضية ومسرورة بعدمها وال متيل اىل الوجود اصال من فضيحة
استناد وجودها اىل جمعول الفلسفي وخوف احلرمان من سعادة االنتساب اىل قدرة القادر
املختار جل سلطانه كربت كلمة خترج من افواههم ان يقولون اال كذاب وكفار دار احلرب
- 923 -
مع وجود عبادة االصنام احسن حاال من هذه اجلماعة فاهنم يلتجئون اىل احلق سبحانه
يف املضايق وال جيعلون اصنامهم غري وسائل الشفاعة عنده تعاىل واعجب من هذا ان
مجاعة يسمون هؤالء السفهاء حكماء وينسبون اقواهلم اىل احلكمة واكثر احكامهم سيما
يف االهليات اليت هي املقصد االسن كاذبة وخمالفة للكتاب والسنة فبأي اعتبار يطلق
احلكماء على هؤالء الذين ال نصيب هلم غري اجلهل املركب اللهم اال اذا قيل على سبيل
التهكم واالستهزاء او يعد من قبيل اطالق البصر على االعمى (ومجع) من هذه السفهاء
اختاروا طريق الرايضات واجملاهدات من غري التزام طريق االنبياء عليهم الصالة و السالم
بل مبجرد تقليد صوفية اهلية كانوا يف كل عصر من متابعي االنبياء عليهم السالم واغرتوا
بصفاء اوقاهتم واعتمدوا على مناماهتم وخياالهتم وجعلوا كشوفهم اخليالية مقتداهم يف
سائر حاالهتم ضلوا فاضلوا ومل يعلموا ان ذلك الصفاء هو صفاء النفس الذي يؤدي اىل
طريق الضاللة ال صفاء القلب الذي هو روزنة اهلداية فان صفاء القلب منوط مبتابعة
االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات وتزكية النفس مربوطة بصفاء القلب وسياسته اايها
وحكم تصفية النفس مع وجود ظلمة القلب الذي هو حمل ظهور انوار القدم كحكم
اسراج سراج لنهب العدو الذي هو يف الكمني وهو ابليس اللعني (وابجلملة) ان طريق
الرايضة واجملاهدة كطريق النظر واالستدالل امنا يعترب ويعتمد عليه اذا كان مقروان بتصديق
االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات الذين يبلغون االمانة من قبل احلق جل وعال
ومؤيدون بتأييده سبحانه ومعاملتهم حمفوظة من كيد اللعني ومكرم بنزول املالئكة
املعصومني ان عبادي ليس لك عليهم سلطان نقد و قتهم وهذه الدولة مل تتيسر لغريهم
ومل حيصل هلم التخلص من شرك اللعني اال اذا التزم متابعة هؤالء االكابر و مشى على
آاثرهم عليهم الصلوات و التسليمات {شعر}:
و من احملال املشي يف طرق الصفا * اي سعد من غري اتباع املصطفى
عليه و على مجيع اخوانه الصلوات و التسليمات العلى سبحان هللا ان افالطون
الذي هو رئيس الفالسفة ادرك دولة بعثة عيسى على نبينا وعليه الصالة و السالم ومل
- 924 -
يصدقه زعما منه جبهالته انه مستغن عنه ومل ينل نصيبا من بركات النبوة ومن مل جيعل هللا
له نورا فما له من نور قال هللا تبارك و تعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني اهنم هلم
املنصورون وان جندان هلم الغالبون والعجب ان طور عقول الفالسفة الناقصة كأنه واقع
على طرف نقيض طور النبوة يف املبدإ ويف املعاد واحكامهم خمالفة الحكام االنبياء عليهم
الصالة و السالم فاهنم ما صححوا االميان ابهلل وال االميان ابآلخرة وقالوا بقدم العامل
واحلال ان االمجاع املتني منعقد على حدوث العامل جبميع اجزائه ومل يقولوا ابنشقاق
السموات وانتثار الكواكب واندكاك اجلبال وانفجار البحار املوعودة يف يوم القيامة
وينكرون حشر االجساد وخيالفون النصوص القرآنية ومتأخروهم الذين عدوا انفسهم
داخلني يف زمرة اهل االسالم راسخون يف اصوهلم الفلسفية كما هي وقائلون بقدم
السموات والكواكب وامثاهلا وحاكمون بعدم فنائها وهالكها قوهتم تكذيب النصوص
القرآنية ورزقهم انكار ضرورايت الدين واملسائل اليقينية يؤمنون ابهلل وبرسوله وال يقبلون ما
أمر هللا به و رسوله فهل تتجاوز السفاهة عن ذلك {شعر}:
أكثر فلسفة جاء سفها فكذا * مجيعه اذ لكل حكم أكثره
و هذه اجلماعة صرفوا اعمارهم يف تعليم آلة عاصمة للذهن عن اخلطإ الفكري
وتعلمه ودققوا فيها تدقيقات كثرية و ملا بلغوا املقصد االقصى يعين مسائل الذات
والصفات واالفع ال الواجبية جل سلطانه ضيغوا حواسهم واضاعوا اآللة العاصمة وخبطوا
خبط عشواء وبقوا يف تيه الضاللة كمن يهيئ آالت احلرب سنني مث اذا جاء وقت احلرب
يضيع حواسه وال يستعمل اآللة والناس يظنون علوم الفالسفة متسقة ومنتظمة ويزعموهنا
حمفوظة عن الغلط واخلطأ ومصونة و على تقدير التسليم امنا يكون هذا احلكم صادقا يف
علوم للعقل فيها استقالل واستبداد وهي خارجة عن املبحث وداخلة يف دائرة ما ال يعين
ال تعلق هلا ابآلخرة اليت هي دائمية والنجاة االخروية ليست مبربوطة هبا فان الكالم امنا
هو يف علوم العقل عاجز عن ادراكها وقاصر ومربوطة بطور النبوة والنجاة االخروية منوطة
هبا قال حجة االسالم االمام العزايل يف رسالته املنقذ عن الضالل ان الفالسفة سرقوا علم
- 925 -
الطب وعلم النجوم من كتب االنبياء املتقدمني على نبينا وعليهم الصالة و السالم
واقتبسوا خواص االدوية وغريها مما ال سبيل للعقل اىل ادراكه من الصحف والكتب املنزلة
اىل االنبياء عليهم السالم وسرقوا علم هتذيب االخالق عن كتب الصوفية املتأهلني
املوجودين يف كل عصر ويف امة كل نيب لرتويج أابطيلهم فهذه العلوم الثالثة املعتربة لديهم
كانت مسروقة وقد ذكرت مشة من خبطهم يف العلم االهلي يف مباحث الذات والصفات
واالفعال الواجبية ويف االميان ابهلل واالميان ابآلخرة وخمالفتهم النصوص القرآنية فيما سبق
فبقي علم اهلندسة ومثله مما له نوع اختصاص به فلو كان متسقا ومنتظما فما لزومه والي
شئ حيتاج اليه وأي عذاب اآلخرة يبعد به ويدفع عالمة اعراض هللا تعاىل عن العبد
اشتغاله مبا ال يعنيه وكلما هو غري انفع يف اآلخرة فهو مما ال يعن وعلم املنطق الذي هو
آلة وقالوا انه عاصم عن اخلطأ مل ينفعهم ومل خيرجهم عن الغلط واخلطأ يف املقصد االسن
كيف ينفع اآلخرين وكيف خيلصهم عن اخلطإ ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا
من لدنك رمحة انك انت الوهاب وبعض الناس الذين هلم رغبة يف العلوم الفلسفية
ومفتونون ابلتسويالت الفلسفية يعتقدون هذه اجلماعة حكماء ويزعموهنم عديل االنبياء
عليهم الصالة و السالم بل يكادون يقدمون علومهم الكاذبة بظن اهنا صادقة على شرائع
االنبياء عليهم السالم اعاذان هللا سبحانه عن االعتقاد السوء نعم اذ اعتقدوا هؤالء
حكماء وزعموا علومهم حكمة يقعون يف هذا البالء ابلضرورة فان احلكمة عبارة عن
العلم ابلشئ مطابقا لنفس االمر فتكون العلوم اليت ختالفها غري مطابقة لنفس االمر
(وابجلملة) ان تصديق هؤالء وتصديق علومهم مستلزم لتكذيب االنبياء وتكذيب
علومهم عليهم الصلوات والتحيات وهذان العلمان واقعان يف طريف النقيض فتصديق
احدمها مستلزم لتكذيب اآلخر من شاء فليلتزم ملة االنبياء يكن من حزب هللا سبحانه
ومن اهل النجاة ومن شاء فليكن فلسفيا يكن من حزب الشيطان وخائبا وخاسرا قال هللا
تبارك و تعاىل فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر اان اعتدان للظاملني انرا احاط هبم
سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا مباء كاملهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا .و
- 926 -
السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على مجيع اخوانه من االنبياء
الكرام واملالئكة العظام أمت الصلوات وأكمل التسليمات و السالم.
{املكتوب الرابع والعشرون اىل املال حممد مراد الكشمي الذي هو من خدام
املري حممد نعمان يف بيان مناقب اصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ورمحتهم
ورأفتهم فيما بينهم}
قال هللا تبارك و تعاىل حممد رسول هللا والذين معه اشداء على الكفار رمحاء بينهم
اآلية مدح هللا سبحانه يف هذه اآلية أصحاب خري البشر عليه وعليهم الصالة و السالم
بكمال رمحة بعضهم لبعض اليت كانوا عليها فان الرحيم الذي هو واحد رمحاء متضمن
للمبالغة يف الرمحة وحيث ان للصفة املشبهة داللة على االستمرار ايضا ينبغي ان يكون
رمحة بعضهم بعضا على صفة الدوام واالستمرار سواء كان يف حضوره صلّى هللا عليه و
سلّم او بعد ارحتاله وكلما هو مناف لرمحة بعضهم بعضا ينبغي ان يكون مسلواب عنهم
على الدوام و يكون احتمال البغض واحلقد واحلسد وعداوة بعضهم لبعض منتفيا عنهم
على سبيل االستمرار فاذا كان مجيع الصحابة الكرام متصفني هبذه الصفة املرضية كما هو
مقتضى كلمة والذين اليت هي من صيغ العموم واالستغراق ماذا نقول من اكابر الصحابة
فان هذه الصفة تكون فيهم امت واكمل واوف وهلذا قال صلّى هللا عليه و سلّم ارحم اميت
أبميت ابو بكر وقال صلّى هللا عليه و سلّم يف شأن الفاروق رضي هللا عنه لو كان بعدي
نيب لكان عمر يعين ان لوازم النبوة وكماالهتا كلها حاصلة يف عمر ولكن ملا ختم منصب
النبوة خبامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم مل يشرف بدولة منصب النبوة واحد
لوازم النبوة كمال الرمحة والشفقة على اخللق وايضا ان الرذائل اليت تنايف الشفقة والرمحة
ومن ذمامئم االخالق من احلسد والبغض واحلقد والعداوة كيف تتصور من قوم تشرفوا
بشرف صحبة خري البشر عليه وعليهم الصلوات و التسليمات فاهنم افضل هذه االمة
ال يت هي خري االمم واسبق اهل هذه امللة اليت هي انسخة جلميع امللل الن قرهنم كان خري
- 927 -
القرون وصاح بهم كان افضل االنبياء واملرسلني فلو كانوا موصوفني هبذه الصفات الردية
اليت على احقر هذه االمة املرحومة عار منها كيف يكونون افضل هذه االمة وأبي وجه
تكون هذه االمة خري االمم واي مزية واي فضيلة تكون السبقية االميان و اولوية انفاق
االموال وبذل االنفس واي أتثري يكون خلريية القرن واي اثر يرتتب على فضيلة صحبة
خري البشر عليه و على آله الصالة و السالم والذين يكونون يف صحبة اولياء هذه االمة
ينجون من هذه الرذائل فكيف تتوهم هذه الذمائم يف حق مجاعة صرفوا اعمارهم يف
صحبة افضل الرسل عليه وعليهم الصلوات و التسليمات وبذلوا امواهلم وانفسهم لتأييد
دينه ونصرة ملته واعالء كلمته اال اذا سقط عياذا ابهلل سبحانه عظمة خري البشر عليه و
على آله الصالة و السالم وجاللته عن النظر وتوهم ان صحبته صلّى هللا عليه و سلّم
انقص من صحبة ويل االمة نعوذ ابهلل سبحانه منه ومن املقرر انه ال يبلغ ويل من اولياء
االمة مرتبة صحايب من صحابة تلك االمة فكيف مبرتبة نبيها قال الشيخ الشبلي عليه
الرمحة ما آمن برسول هللا من مل يوقر اصحابه (ومجاعة من الناس) يظنون ان اصحاب
النيب عليه وعليهم الصالة و السالم كانوا فرقتني فرقة كانت هلم خمالفة مع علي رضي هللا
عنه وعنهم وفرقة كانت هلم موافقة به كرم هللا وجهه وكان يف كل واحدة من هاتني
الفرقتني عداوة وبغض وحقد يف حق األخرى وبعض منهم بطن صفاته هذه تقية
ومالحظة لبعض املصاحل وزعموا ان تلك الرذائل امتدت فيهم اىل قرن واحد وما كانوا
كانت فيهم هذه الذمامي وهبذه التوهم يذكرون خمالفي علي كرم هللا وجهه ابلشر وينسبون
اليهم اشياء غري مناسبة ينبغي ان ينصف فانه على هذا التقدير يكون كال الفريقني موردا
للطعن ومتصفني برذائل الصفات ويصري افضل هذه االمة شر هذه االمة بل شر مجيع
االمم وتتبدل خريية تلك الفرقة ابلشرية اي انصاف يف ذكر الشيخني رضي هللا عنهما
بسوء هبذا التوهم ونسبة امور غري مناسبة اىل كرباء الدين وحضرة الصديق رضي هللا عنه
اتقي هذه االمة حبكم نص القرآن فان املفسرين ابن عباس وغريه امجعوا على ان قوله
تعاىل وسيجنبها االتقى اآلية نزل يف شأن الصديق رضي هللا عنه واملراد من االتقي هو
- 928 -
الصديق رض ي هللا عنه فاذا قال هللا تعاىل يف حق شخص انه اتقى هذه االمة اليت هي
خري االمم ينبغي ان يتأمل ان تكفريه وتفسيقة وتضليله اىل اي حد من الشناعة يوصل
(واستدل) االمام الفخر الرازي هبذه اآلية الكرمية على افضلية الصديق رضي هللا عنه فان
اكرم هذه االمة املخاطبة بقوله تعاىل ان اكرمكم عند هللا اتقاكم حبكم هذه اآلية هو اتقى
هذه االمة وحيث كان الصديق اتقى هذه االمة بنص القرآن ينبغي ان يكون اكرم هذه
االمة عند احلق جل و عال حبكم النص الالحق هو الصديق رضي هللا تعاىل عنه ايضا
واثبت اكابر ائمة السلف واحد منهم االمام الشافعي رضي هللا تعاىل عنهم امجاع
الصحابة والتابعني على افضلية الشيخني رضي هللا عنهما وحكم علي كرم هللا وجهه ايضا
ابفضلية الشيخني قال الذهيب الذي هو من اكابر احملدثني روى ذلك عن علي نيف
ومثانون نفرا وعبد الرزاق الذي هو من اكابر الشيعة حكم أبفضلية الشيخني مبوجب هذا
النقل وقال هبذه العبارة افضل الشيخني لتفضيل على اايمها على نفسه واال ملا فضلتهما
كفى يب وزرا ان احبه مث اخالفه فتنقيص من كانوا افضل هذه االمة اليت هي خري االمم
حبكم الكتاب والسنة وامجاع االمة وابعرتاف علي ايضا وحتقريهم من اي انصاف ومن
اي داينة واي خري مودع يف ضمنه فلو كان يف سب احد معن اخلريية والعبادة لكان يف
سب ايب جهل وايب هلب الذين مها ملعوانن ومطرودان حبكم نص القرآن وحلصل يف
ضمنه حسنات كثرية اي خريية يف السب الذي هو متضمن للفحش والقطيعة خصوصا
يف حق شخص ال يستحقه وال يكون اهالله ووضع الشئ يف غري موضعه ظلم وفرق بني
شئ وشئ وتفاوت بني موضع وموضع فيكون بني ظلم وظلم بوان بعيدا (وخالفة) ذي
النورين رضي هللا تعاىل عنه اثبتة ابمجاع الصحابة الكرام وابتفاق صغار ذلك القرن الذي
هو خري القرون وكبارهم وذكورهم واانثهم وهلذا قال العلماء ان االتفاق واالمجاع الذي
وقع يف خ الفة ذي النورين مل يتفق يف خالفة احد من سائر اخللفاء الثالثة فانه ملا كان يف
بدء خالفته نوع تردد راعى اهل ذلك القرن يف تلك املادة احتىاطا كثريا مث اقدموا عليها
(ينبغي) ان يعلم ان االصحاب الكرام رضي هللا تعاىل عنهم مبلغوا الكتاب والسنة وكان
- 929 -
االمجاع ايضا منوطا بقرهنم فلو كان مجيعهم او بعضهم متصفني ابلضاللة والفسق يرتفع
االعتماد عن كل الدين او بعضه وتكون فائدة بعثة خامت االنبياء وأفضل الرسل قليلة
وجامع القرآن اجمليد هو حضرة عثمان بل حضرة الصديق وحضرة الفاروق رضي هللا تعاىل
عنهم فلو كان هؤالء مطعوان فيهم ومسلويب العدالة اي اعتماد يبقى على القرآن وابي
شئ يكون الدين قائما ينبغي ان يتأمل يف شناعة هذا االمر اصحاب النيب صلّى هللا عليه
و سلّم كلهم عدول وكلما بلغنا بتبليغهم حق وصدق واملخالفات واملنازعات والواقعة يف
زمن خالفة علي رضي هللا تعاىل عنه مل تكن من جهة اهلوى واهلوس وال الجل حب اجلاه
والرايسة بل كانت على وجه االجتهاد واالستنباط وان كان يف اجتهاد واحد منهم خطأ
و استنباطه بعيدا عن الصواب ومن املقرر عند علماء اهل السنة واجلماعة رضي هللا تعاىل
عنهم ان احملق يف تلك احملارابت واملشاجرات كان عليا كرم هللا وجهه وخمالفوهم كانوا
على خطإ ولكن ملا كان منشأ هذا اخلطإ االجتهاد كان صاحبه بعيدا عن الطعن واملالمة
عليه واملقصود حقية جانب علي وخطاء جانب خمالفيه واهل السنة قائلون بذلك واللعن
والطعن زايدة بال فائدة بل متضمنة الحتمال الضرر فاهنم اصحاب النيب صلّى هللا عليه و
سلّم ورضي عنهم وبعضهم مبشر ابجلنة وبدري مغفور له والعذاب االخروي مرفوع عنه
كما ورد يف االحاديث الصحاح ان هللا اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فاين قد
غفرت لكم وبعضهم تشرف ببيعة الرضوان وقد قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ال يدخل
النار أحد ممن ابيع حتت الشجرة بل قال العلماء يفهم من القرآن اجمليد ان مجيع الصحابة
من أهل اجلنة لقوله تعاىل ال يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك اعظم
درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكال وعد هللا احلسن وهللا مبا تعملون خبري
واحلسن هي اجلنة فكل صحايب انفق وقاتل قبل الفتح وبعده موعود له ابجلنة قالوا ان
صفة االنفاق والقتال ليست للتقييد بل للمدح فان مجيع الصحابة كانوا متصفني هباتني
الصفتني فكلهم يكونون موعودا هلم ابجلنة فينبغي املالحظة ان ذكر امثال هؤالء االكابر
بشر وسوء الظن هبم فكيف يكون من االنصاف والداينة (فان قيل) قال مجاعة ان بعض
- 930 -
االصحاب الكرام مل يبق بعد ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم على ذلك الطريق بل احنرف
من طريق احلق بواسطة حب اخلالفة وطلب اجلاه والرايسة وغصب عن علي كرم هللا
وجهه منصب اخلالفة بل يظنون ان احنرافه بلغ حد الكفر والضاللة فيكون هؤالء
املذكورون بزعم هذه اجلماعة حمرومني عما وعد به االصحاب الكرام فان نيل فضيلة
الصحبة فرع حتقق االسالم فاذا كان يف اسالمهم كالم كيف يكون للصحبة أتثري
(اجيب) ان اخللفاء الثالثة رضي هللا عنهم مبشرون ابجلنة ثبت ذلك ابحاديث صحيحة
بلغت حدا التواتر املعنوي فاحتمال الكفر والضاللة مدفوع عنهم والشيخان من اهل بدر
وهم مغفور هلم مطلقا على ما يف االحاديث الصحاح وايضا اهنم من اهل بيعة الرضوان
وهم من اهل اجلنة ابحاديث صحيحة كما مر وعثمان مل حيضر بدرا الن النيب صلّى هللا
عليه و سلّم تركه يف املدينة لتمريض اهله بنت النيب صلّى هللا عليه و سلّم قائال ابن لك
من االجر ما الهل بدر ومل حيضر بيعة الرضوان الن النيب صلّى هللا عليه و سلّم كان
ارسله اىل مكة عند قريش وابيع عنه النيب صلّى هللا عليه و سلّم بنفسه كما هو مشهور
وايضا ان القرآن اجمليد يشهد جباللة شأن هؤالء االكابر وخيرب عن علو درجاهتم فمن
أغمض عن الكتاب والسنة فهو خارج عن املبحث قال الشيخ السعدي رمحه هللا
{شعر}:
من مل يقف عند الكتاب وسنة * فجوابه ان ال جتيب وتسكتا
اي بالء وقع لو كان يف الصديق احتمال الكفر والضاللة ملا اجلسه الصحابة مع
عدالتهم وكثرهتم مكان النيب صلّى هللا عليه و سلّم ويف تكذيب خالفة الصديق تكذيب
ثالث وثالثني ألفا من اهل ذلك القرن الذي هو خري القرون وال جيوز ذلك من له ادىن
دراية اي خري يبقى يف قرن جيتمع من اهله ثالث وثالثون الفا على الباطل وجيلسون
مكان النيب صلّى هللا عليه و سلّم ضاال ومضال رزق هللا سبحانه هلؤالء اجلماعة االنصاف
حت يكفوا لساهنم عن الطعن يف اكابر الدين ويراعوا حق صحبة النيب صلّى هللا عليه و
سلّم قال عليه و على آله الصالة و السالم هللا هللا يف اصحايب ال تتخذوهم غرضا من
- 931 -
بعدي من احبهم فبحيب أحبهم ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم ماذا اكتب زايدة على
ذلك وكيف اجلي اجلى البديهات والقرآن اجمليد مملوء مبدح الصديق نزلت فيه سورة الليل
وآايت اخر وروي يف كماالته وفضائله من االحاديث الصحاح ما ال يعد وال حيصى وورد
يف كتب االنبياء املتقدمني ذكر مشائله وأوصافه بل ذكر مجيع الصحابة كما قال هللا تعاىل
مثلهم يف التوراة ومثلهم يف االجنيل ورأس هذه االمة املرحومة اليت خري االمم ورئيسهم هو
الصديق فاذا رموه ابلكفر والضاللة مبا يعتذرون يف حق غريه وأبي طريق يتكلمون اللهم
فاطر السموات واالرض عامل الغيب والشهادة انت حتكم بني عبادك فيما كانوا فيه
خيتلفون و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله امت
الصلوات وأكمل التسليمات.
{املكتوب اخلامس والعشرون اىل املال طاهر البدخشي يف بيان النتائج وترقي
املراتب اليت حتصل من الذكر وتالوة القرآن واداء الصلوة}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ال بد ملبتدئ طلبة هذا الطريق من
الذكر فان ترقيه مربوط بت كرار الذكر بشرط ان أيخذه من الشيخ الكامل املكمل فان مل
يكن هبذا الشرط فكثريا ما يكون من قبيل اوراد االبرار اليت نتيجتها الثواب ال درجة
القرب اليت تتعلق ابملقربني وامنا قلت كثريا ما يكون من قبيل اوراد االبرار فانه جيوز ان
يرىب فضل احلق جل سلطانه الطالب بال توسط شيخ وجيعله تكرار الذكر من املقربني بل
جيوز ان يشرف مبراتب القرب من غري تكرار ذكر ايضا و يكون من اوليائه تعاىل والشرط
املذكور امنا هو ابعتبار االكثر االغلب و على وفق احلكمة والعادة فاذا متت املعاملة اليت
كانت مربوطة ابلذكر بفضل هللا سبحانه وتيسر اخلالص من التعلق آبهلة اهلوى وصارت
األمارة مطمئنة فحينئذ ال حيصل الرتقي من الذكر و يكون حكم الذكر حكم اوراد االبرار
وقطع مراتب القرب يف ذلك املوطن مربوط بتالوة القرآن واداء الصالة بطول القنوت وما
كان يتيسر اوال ابلذكر يتيسر بتالوة القرآن خصوصا اذا كانت يف الصالة وابجلملة ان
- 932 -
الذكر حينئذ يكون حكمه حكم تالوة القرآن يف االبتداء يف كونه من قبيل اوراد االبرار و
يكون حكم التالوة حكم الذكر يف االبتداء والوسط حيث كان من املقرابت والعجب ان
الذكر اذا كرر يف ذلك الوقت بعنوان تالوة القرآن لكونه من كلمات اآلايت القرآنية
وشرع ف يه ابالستعاذة يرتتب عليه من الفائدة ما يرتتب على تالوة القرآن وان مل يكرر
بعنوان القرائة يكون مثل عمل االبرار ولكل عمل مقام وموسم فان ادي يف مومسه يكون
له حسن ومالحة واال فكثريا ما يكون خطأ وان كان حسنة يف ذاته اال ترى ان قراءة
الفاحتة يف التشهد خطأ وان كانت ام الكتاب فكان الشيخ يف هذا الطريق من
الضرورايت وتعليمه من اهم املهمات وبدونه خرط القتاد قال واحد من االعزة {شعر}:
من أجل كونك يف البداية احوال * البد من شيخ يقودك اوال
و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب السادس والعشرون اىل السيد حممد نعمان يف بيان ان احلق سبحانه
كما هو موجود بذاته ال ابلوجود حي وعامل وموصوف ابلصفات الثمانية بذاته ال
بصفات زائدة وما يناسب ذلك}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان احلق سبحانه كاف بذاته
األ قدس يف نفس الوجود ويف سائر كماالت الوجود وتوابعه من احلياة والعلم والقدرة
والسمع والبصر واالرادة والكالم والتكوين ليس مبحتاج يف حصول هذه الكماالت اىل
صفات زائدة وان كانت له سبحانه صفات كاملة زائدة ايضا فهو تعاىل كما انه موجود
بذاته االقدس ال ابلوجود حي بذاته ال ابحلياة اليت هي صفته تعاىل عامل بذاته ال بصفة
العلم بصري بذاته ال بصفة البصر مسيع بذاته ال بصفة السمع وقادر بذاته ال بصفة القدرة
مريد بذاته ال بصفة االرادة ومتكلم بذاته ال بصفة الكالم ومبدأ اجياد الكائنات بذاته ال
بصفة التكوين وان كان وجود العامل بتوسط التكوين وسائر الصفات كما سيجئ حتقيق
هذا املعن وهذا التكوين وراء القدرة فان يف القدرة صحة الفعل والرتك ويف التكوين
- 933 -
جانب الفعل متعني وايضا للقدرة تقدم على االرادة والتكوين بعد االرادة وهذا التكوين
شبيه ابستطاعة العبد اليت قال علماء اهل احلق اهنا مقرونة ابلفعل ووراء القدرة واالرادة
القدرة مصححة لكال طريف الفعل والرتك واالرادة مرجحة الحد الطرفني واالجياد يتعلق
ابلتكوين بعد ترجيح االرادة فلو مل تثبت القدرة اليت هي مصححة الطرفني يلزم االجياد
ولو مل يثبت التكوين يلزم االجياد من غري مستند فان القدرة مصححة االجياد والتكوين
مباشر االجياد فال بد اذا من اثبات التكوين وقد اهتدى اليه علماء املاتريدية وملا وجد
االشاعرة اضافته وتعلقه اىل االشياء اكثر ظنوه من الصفات االضافية وهللا حيق احلق وهو
يهدي السبيل وارجاع التخليق والرتزيق واالحياء واالماتة وامثاهلا اىل صفة التكوين أحسن
من القول بكون كل منها صفة قدمية برأسها لئال يلزم اثبات قدماء متكثرة من غري ضرورة
فالح من هذا البيان ان ما يتيسر لغريه تعاىل ابجياده سبحانه بواسطة الصفات حاصل له
تعاىل بذاته من غري توسط الصفات فان ذاته تعاىل جامعة جلميع الكماالت من غري
مالحظة امر واعتبار بل هي عني كل كمال فان التبعض والتجزي مفقود يف حضرته فهو
سبحانه عامل بتمام ذاته ومسيع ابلتمام وبصري ابلتمام على هذا القياس سائر الصفات ومع
ذلك له سبحانه و تعاىل صفات سبعة بل مثانية كما قال هبا علماء اهل احلق شكر هللا
تعاىل سعيهم وهذه الصفات الكاملة القدمية ظالل تلك الكماالت الذاتية ومظاهرها
وميكن ان يقال اهنا نقاب تلك الكماالت وحجب انوارها املكنونة (فان قيل) اذا كان
ذاته تعاىل كافية يف حصول مجيع الكماالت فألي شئ تثبت الصفات ومل يقال بوجود
تعدد القدماء وهلذا اكتفى الفالسفة واملعتزلة ابلذات وهربوا من القول بتعدد القدماء
وقالوا بنفي الصفات (اجيب) أن حضرة الذات تعالت وتقدست وان كانت كافية يف
حصول الكماالت ولكن ال بد يف تكوين االشياء وختليقها من الصفات الزائدة فان ذاته
تعاىل يف هناية التنزه والتقدس ويف غاية العظمة وجالل الكربايء وكمال الغناء ال مناسبة هلا
ابالشياء ان هللا لغين عن العاملني و مبقتضى احلكمة ووفق العادة ال بد يف االفادة
واالفاضة من املناسبة للمستفيد واملستفيض والصفات قد تنزلت درجة واحدة وحصلت
- 934 -
ظلية ومناسبة ابالشياء ولو يف اجلملة فلو مل يكن توسط الصفات ملا يتصور حصول شئ
من االشياء فانه ال نصيب لالشياء يف سطوة اشعة انوار حضرة الذات تعالت وتقدست
غري اهلالك والفناء واالمنحاء واالنعدام وال فكر فيمن ينسب اجياد االشياء اىل الذات
البحت من غري اثبات الصفات وما هو الصادر االول حت ال يكون مضمحال ومتالشيا
يف سبحات وجه ذاته تعاىل (فان قيل) ان الفالسفة واملعتزلة وان مل يثبتوا الصفات يف
اخلارج ولكنهم قائلون ابعتبارات علمية ومثبتون لكماالت ذاتية متمايزة يف العلم فلم يكن
اجياد االشياء منسواب اىل الذات البحت بل بتوسط االعتبارات (اجيب) ان اجياد العامل يف
اخلارج والعامل موجود يف اخلارج فال بد من احلجب اخلارجية حت ميكن ان تكون وسيلة
لوجود االشياء يف اخلارج وحافظة اايها عن االمنحاء واالستهالك واالعتبارات العلمية ال
جتدي شيئا يف الوجودات اخلارجية وال يكفي احلجاب العلمي يف حمافظة املوجودات
اخلارجية وبعض الصوفية الذين ال يقولون بوجود العامل يف غري العلم لعل االعتبارات
العلمية تنفعهم وميكن ان تكون وسيلة لوجودات علمية ولكن العامل موجود يف اخلارج وان
كان هذا اخلارج ظل ذلك اخلارج وهذا الوجود ظل ذاك الوجود فال بد من احلجب
اخلارجية حت ميكن ان تكون وسيلة لوجود العامل يف اخلارج فينبغي ان تكون الصفات
احلقيقية موجودة يف اخلارج ومربية لالشياء وجملية للكماالت الذاتية بوساطة نفسها يف
مرااي العامل وموردة اايها يف منصة الظهور والصفات وان كانت حجبا للذات تعالت
ولكن ظهور الكماالت الذاتية مربوط بوجودها وحجابية الصفات كحجابية املنظرة اليت
هي سبب لالراءة وهذا الظهور وان كان ظليا ولكن ماذا نصنع قد جعل وجودان مربوطا
ابلظل وحتققنا منوطا ابحلجاب ما ابلذات ال ينفك عن الذات {ع}:
سياهى از حبشي كى رود كه خود رنگ ست
{شعر}:
و من بعد هذا ما يدق صفاته * و ما كتمه احظى لدي و امجل
العبد ال يكون حقا سبحانه ولكن بفضله تعاىل ال ينفك عن احلق جل شأنه املرء
- 935 -
مع من أحب وان كانت له سبحانه نسبة املعية جبميع االشياء ولكن هذه املعية اليت
منش ؤها احملبة غري تلك املعية ومن ال حمبة له ال معرفة له بتلك املعية وحيث ان الدرجات
متفاوتة يف احملبة فالتفاوت ايضا حاصل يف املعية بقدر تفاوت احملبة وهذه املعية هي
السبب للتخلص عن الظلية والواسطة لالضمحالل ابلكلية وهي املزيلة للرقية واملثبتة
للحرية يف عني العبدية وهي املسقطة لالاننية بل الرافعة لالاننية اىل الدرجات الكمالية
(ينبغي) ان يعلم انه سبحانه قال يف املعية العامة ابالشياء وهو معكم فاثبت املعية يف
طرفه سبحانه ويف املعية اخلاصة حبكم املرء مع من احب اثبت املعية يف هذا الطرف
مبقتضى احملبة شتان ما بني املعيتني فان يف املعية اخلاصة اثبات املعية من الطرفني ويف
املعية العامة من ذاك الطرف فقط فيلزمها احلرمان يف عني الوجدان اي حسرات على ما
فرطت يف جنب هللا والعامل وان كان ظالل الصفات وعرض له الوجود والبقاء بتوسط
الصفات ولكن حمب حضرة الذات تعالت وتقدست بتوسط احملبة الذاتية مع حضرة
الذات تعالت قد ترقى من الصفات اليت هي اصوله بعروج الكيفي واتصل ابصل االصول
متجاوزا االصول ولكن اتصاله الكيفي فلو مل يرتق عن اصله فما تكون الفائدة يف جميئه
يعين وجوده وما احلاجة اىل احملبة فانه كان له اتصال أبصله يف مجيع االوقات وكان
ا لوصل الظلي ميسرا له دائما واالمر هو جعل االصل مرقاة كالظل والرتقي ابجنحة احملبة
اىل ما فوقه وفهم هذا العروج ليس مما حيصل يف حوصلة فهم كل احد والرتقي عن نفسه
اتركا لنفسه ليس مما يكون معقوال الرابب النظر والفكر بل الصوفية ايضا يشرف منهم
هبذه الدولة واحد من الوف وينكشف له سر هذا املعمى {شعر}:
هزار نكتهء ابريكرت ز مو اينجاست * نه هركه سر برتاشد قلندرى داند
(فان قيل) ان هذا السري هل هو آفاقي او انفسي (اجيب) انه ليس آبفاقي وال
انفسي فان املراد من اآلفاق واالنفس الداخل واخلارج وهذه املعاملة وراء الدخول واخلروج
وان كانت حماال عند ارابب النظر فانه اذا كان املطلوب اقدس من الدخول واخلروج تكون
النسبة معه ايضا منزهة عن الدخول واخلروج ابلضرورة وهذا السري مع هذا االشكال ومع
- 936 -
هذه الدقة معلوم ومتميز عند اراببه ان كان من ارابب العلم كسري الدهلى وآكره وكل
منزل ممتاز عن منزل آخر {تنبيه} ان العامل وان كان ظالل الصفات والصفات ظالل
حضرة الذات ولكن للظلية درجات ومراتب كل منها حجاب للمطلوب ان هلل سبعني
الف حجاب من نور وظلمة وما مل خترتق احلجب ابلتمام ال يتخلص من الظلية واملراد
من خرق احلجاب هنا خرق شهودي وما ورد يف آخر هذا اخلرب من منع خرق مجيع
احلجب فاملراد منه خرق وجودي وهو ممتنع النه مستلزم لرفع الصفات القدمية وهو حمال
ولكن اذا حصلت املعية الغري املتكيفة فلها حكم اخلرق الوجودي ومع احلجب كانه ال
حجب فان للمعية دقة حبيث ال تطيق احلائل ربنا أتتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل
شئ قدير احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني وعليهم و على آله
الطاهرين امجعني.
{املكتوب السابع والعشرون اىل املال علي الكشمي يف بيان ان الالئق ابلعبد
ان خيرج عن مراداته ابلتمام وان يكون على مراده سبحانه و تعاىل مع بيان املرض
الذايت والعرضي}
ينبغ ي للعبد ان ال يكون له مراد ومطلوب غري مواله عز وجل وغري مراده اصال
فلو مل يكن كذلك فهو خمرج رأسه عن ربقة العبودية وقدمه عن قيد الرقية والعبد اذا كان
يف أسر مرادات نفسه ومنخدعا هبواه وهوسه فهو عبد نفسه ويف اطاعة الشيطان اللعني
وتلك الدولة املذكورة مربوط حصوهلا حبصول الوالية اخلاصة املربوط حصوهلا ابلفناء االمت
والبقاء االكمل (فان قيل) رمبا تظهر املرادات واملقتضيات من الكمل ايضا وحيس متنيات
حصول مطالب شيت من الكرباء االول وكان امام االنبياء وسلطان االولياء عليه وعليهم
امت الصلوات واكمل التسليمات حيب املاء البارد واحللوى وحرصه على هداية االمة مبني
يف القرآن اجمليد فما يكون وجه بقاء امثال هذه املقتضيات يف هؤالء االكابر (اجيب) ان
بعض املقتضيات منشاؤها الطبيعة فما دامت نشأة الطبيعة قائمة فتلك املقتضيات ابقية
- 937 -
فان الطبيعة مائلة اىل الربودة وقت احلرارة من غري اختيار وراغبة اىل احلرارة وقت الربودة
ابالضطرار ومثل هذا االقتضاء ال ينايف العبودية وال هو سبب التعلق ابهلوى واهلوس فان
ضرورايت الطبيعة خارجة من دائرة التكليف وليست هي من هوى النفس االمارة فان
ميالن النفس اما اىل فضول املباح او اىل املشتبه واحملرم وما هو ضروري ال مدخل فيه
للنفس فظهر ان منشأ التعلق والتعوق هو االشتغال بفضوليات االفعال وان كانت من
قسم املباح فان لفضول املباح نسبة قرب اجلوارابحملرم فلو رفع قدمه منه ابغواء العدو
اللعني ليضع يف احملرم بال اختيار فكان االقتصار على املباح ضروراي فانه لو رفع القدم منه
يوضع يف فضول املباح خبالف ما اذا اقام يف فضول املباح او ال فانه لو وقع القدم خارجه
ليقع يف احملرم كما مر آنفا (وظهور) بعض املرادات رمبا يكون بسبب من خارج مع
خلوص الشخص يف نفسه عن املرادات وهذا السبب اخلارج اما واعظ الرمحن فيلقي
اخلريات فان هلل سبحانه واعظا يف قلب كل مؤمن او الشيطان فيلقي الشرور والعداوة
يعدهم ومينيهم وما يعدهم الشيطان اال غرورا وهذا الفقري كان يوما بعد صالة الصبح
قاعدا بطريق السكوت كما هو شيمة اهل هذه الطريقة العلية اايم اقاميت يف القلعة فهجم
على اخلاطر متنيات ال طائل فيها وسلبت احلالوة هبجومها ومنعت من اجلمعية مث رجعت
اجلمعية بعد حملة بعناية هللا سبحانه اىل حاهلا فرأيت ان تلك التمنيات خرجت من اخلاطر
وارتفعت كقطع السحاب وخرجت من الباب مع ملقيها وخلت البيت عنها فعلم يف ذاك
الوقت ان تلك املرادات امنا ظهرت من خارج ال من داخل حت تنايف العبودية (وابجلملة)
ان كل فساد منشاؤه النفس االمارة فهو مرض ذايت وسم قاتل ومناف ملقام العبودية وكل
فساد حصل من خارج ولو كان ابلقاء الشيطان فهو من االمراض العارضية الزائلة أبدىن
العالج قال هللا تبارك و تعاىل ان كيد الشيطان كان ضعيفا وبالؤان امنا هو انفسنا وعدو
ارواحنا مصاحبنا السوء والعدو اخلارجي يستوىل علينا مبدده اايه ويزيلنا عن منزلتنا ابعانته
اليه واشد االشياء جهالة هو النفس االمارة فاهنا عدو نفسه ومريدة ابلسوء اايها ومهتها
اهالك نفسها ومتمناها معصية رهبا الذي هو موالها وويل نعمها واطاعة الشيطان الذي
- 938 -
هو عدوها (ينبغي) ان يعلم ان التمييز بني املرض الذايت والعرضي ومعرفة الفساد الداخلي
واخلارجي يف غاية التعذر ورمبا يظن الناقص نفسه كامال بزعم ان مرضه عارضي ال ذايت
فيبقى يف اخلسارة االبدية ومن هذا اخلوف مل اجرتئ يف حترير هذا السر ومل استحسن
اظهار هذا املعن وكنت يف هذا االشتباه مدة سبعة عشر سنة ووجدت الفساد الذايت
خمتلطا ابلفساد العارضي ويف هذا الوقت ميز احلق سبحانه احلق من الباطل واابن الفساد
الذايت من الفساد العارضي هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك و على مجيع نعمائه و احد
اسباب اظهار امثال هذه االسرار وحكمة من حكمه االشفاق على قاصر النظر لئال
يظن الكامل انقصا بوجود امثال هذه التمنيات واملرادات اخلارجية فيه فيحرم من بركاته
وكان سبب حرمان الكفار من دولة تصديق االنبياء عليهم الصالة و السالم وجود امثال
هذه الصفات فيهم فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وما قيل ان احلق سبحانه جيعل العارف
بعد زوال املرادات واملقتضيات عنه صاحب ارادة واختيار فتفصيله يذكر وحيرر بعناية هللا
تعاىل يف حمل آخر وهذا الوقت ال يساعد ذلك و السالم على من اتبع اهلدى والتزم
متابعة املصطفى عليه و على آله أمت الصلوات وأكمل التسليمات}.
{املكتوب الثامن والعشرون اىل املال صاحل الرتك يف بيان كيفية التصدق عن
ارواح املوتى}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وقع يوما يف اخلاطر ان اتصدق عن
ارواح بعض االقارب املوتى فظهر يف ذلك االثناء انه قد حصل الفرح والسرور لذلك
امليت املرحوم مبجرد هذه النية وظهر يف النظر فرحا ومسرورا و ملا جاء وقت اعطاء تلك
الصدقة قصدت هبا اوال روحانية خامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم كما كان
ذلك عاديت مث روحانية ذلك امليت فاحسست يف ذلك امليت يف ذاك الوقت غما وحزان
وظهر ابلوحشة والكدورة فحصل يل تعجب اتم من مشاهدة هذا احلال النه مل يظهر
وجه تكدره ووح شته مع انه كان حمسوسا انه قد حصل له من تلك الصدقة بركات
- 939 -
عظيمة ومل يظهر فيه اثر فرح وسرور وكذلك نذرت يوما مبلغا لروحانيته صلّى هللا عليه و
سلّم وادخلت يف ذلك النذر سائر االنبياء الكرام على نبينا وعليهم الصالة و السالم فلم
يعلم مرضاه صلّى هللا عليه و سلّم يف ذلك االمر وكذلك اذا اشركت سائر االنبياء نبينا
عليهم الصالة و السالم يف الصلوات يف بعض االوقات ال يظهر رضاه صلّى هللا عليه و
سلّم مع انه قد علم انه اذا تصدقت عن روحانية واحد واشركت فيها مجيع املؤمنني يصل
ثواهبا اىل الكل من غري ان ينقص شئ من ثواب الشخص املنوي عنه ان ربك واسع
املغفرة فما يكون وجه التكدر وعدم الرضاء يف ذلك التقدير وبقي هذا االشكال مدة
فظهر آخر االمر بفضل هللا سبحانه ان وجه التكدر واحلزن هو ان الصدقة اذا تصدق هبا
عن امليت بال شركة حيمل ذلك امليت تلك الصدقة من جانبه اىل مالزمة النيب صلّى هللا
عليه و سلّم بطريق اهلدية وأيخذ عنه صلّى هللا عليه و سلّم ف يوضا وبركات بوساطتها
خبالف ما اذا قصد صاحب الصدقة بصدقته النيب صلى هللا عليه و سلم فانه ال نفع
حينئذ للميت سوى الثواب ففي صورة الشركة ان قبلت الصدقة فللميت ثواب تلك
الصدقة ويف عدم الشركة ان قبلت ثواب الصدقة وبركات احتاف تلك الصدقة وفيوض
اهدائها له صلّى هللا عليه و سلّم وهذا املعن كائن يف كل صدقة يشرك فيها امليت ابلغري
فان يف صورة الشركة درجة واحدة من الثواب ويف صورة عدم الشركة درجتان درجة
الصدقة ودرجة محلها من عنده اىل ذلك الغري وكذلك صار معلوما ان غريبا اذا محل حتفة
وهدية اىل واحد من االكابر االفضل ان حيملها اليه من غري شركة احد به ولو كان طفيليا
واملهدى اليه يعطيها من عنده من شاء من اخوانه وغريهم واآلل واالصحاب الذين هم
مبثابة عياله عليه وعليهم الصلوات و التسليمات فلو جعلهم داخال يف هديته صلّى هللا
هدايت اىل
عليه و سلّم يكون ذلك مرضيا و مقبوال نعم من املعروف ان من اهدى ّ
واحد من االعزة واشرك به فيها اقرانه يكون ذلك بعيدا من االدب والتماس رضا املهدى
اليه خبالف ما اذا اهدي اىل خدمته بتبعيته فان ذلك يكون مرضيا الن اعزاز خدمة
شخص اعزاز ذلك الشخص فعلم ان اكثر رضاء املوتى يف افراد الصدقة ال يف االشراك
- 940 -
ولكن اذا قصد التصدق عن ميت ينبغي ان يهدي اوال شيئا بنية روحانية النيب صلّى هللا
عليه و سلّم على حدة مث يتصدق عن امليت فان حقوقه صلّى هللا عليه و سلّم فوق
حقوق سائر اخللق وايضا ان يف هذا التقدير احتمال كون الصدقة مقبولة بربكة النيب
صلّى هللا عليه و سلّم وهذا الفقري اذا عجز عن تصحيح النية يف بعض الصدقات عن
املوتى ال جيد عالجا افضل من ان اتصدق هبا بنيته صلّى هللا عليه و سلّم واجعل ذلك
امليت طفيليا له فانه يرجى ان تقبل بربكته صلّى هللا عليه و سلّم وقد قال العلماء ان
الصالة على النيب صلّى هللا عليه و سلّم مقبولة ولو صدرت رايء ومسعة وهي واصلة اىل
النيب صلّى هللا عليه و سلّم وان مل حيصل منها ثواب اىل املصلي فان حصول الثواب من
االعمال مربوط بتصحيح النية واما وصوهلا اىل النيب صلى هللا عليه و سلم الذي هو
حمبوب رب العاملني وكوهنا مقبولة يف حقه عليه الصالة و السالم فتكفيه ادىن علة وقوله
تعاىل وكان فضل هللا عليك عظيما انزل يف حقه صلّى هللا عليه و سلّم و على آله و
على مجيع اخوانه الكرام من االنبياء واملالئكة العظام اىل يوم القيام.
{املكتوب التاسع والعشرون اىل املري حمب هللا يف بيان حصول فهم بعض
الكلمات القدسية من اآلايت القرآنية}
وملا ظهر سابقا تردد يف فهم بعض كلمات القرآن وعجزت عن تطبيقه مل اجد
بعناية هللا تعاىل يف دفع الوساوس عالجا افضل من ان اقول لنفسي انك تعرتف أبن هذا
النظم القرآين كالم هللا عز وجل وتؤمن به اوال فلو مل تؤمن فأنت كافر وخارج عن املبحث
فان تؤمن فالقصور يف فهمك ال يف نظم القرآن الذي هو كالم خالق االرض والسموات
ومبدع العقول واالدراكات وملا حصل االميان بفضل هللا جل سلطانه حبقيقة كالم هللا
تعاىل صارت تلك الوسوسة مضمحلة ومتالشية وجنوت من الرتدد ويف هذه االوان بلغ
االمر بفضل هللا تعاىل مبلغا اذا كان يل يف حمل من نظم القرآن جمال تردد من قصور
االدراك صار ذلك احملل ابعثا على ازدايد االميان ابلقرآن وكان ذاك الرتدد واسطة لظهور
- 941 -
االعجاز يف القرآن وصرت اتصور اغالق ما فيه من شعب االعجاز وامحل االشكال
على كمال البالغة والفصاحة اليت البشر عاجز عن فهمها لكوهنا وراء االختصار و
االجياز واالميان احلاصل يف عدم فهم القرآن ليس هو يف فهمه فان يف عدم الفهم
انكشاف طريق االعجاز وهو مفقود يف صورة الفهم سبحان هللا ان عدم فهم القرآن
يكون سببا لضاللة قوم وانكارهم كالم هللا تعاىل ويصري لبعض آخر سببا لكمال االميان
ابلقرآن ويؤديهم اىل اهلداية يضل به كثريا ويهدي به كثريا ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا
من امران رشدا و السالم.
{املكتوب الثالثون اىل املري حممد نعمان يف بيان العروج اىل مراتب االصول
ومراتب العبادات}
احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني {شعر}:
ومرتبة االنسان يف آخر الورى * لذلك عن عز احلضور أتخرا
فلو مل يعد من بعده واغرتابه * فال شئ حمروم كانس من الورى
فاذا وقع له العروج بعناية هللا تعاىل اىل اصوله اليت هو كالظل هلا يكون له يف كل
اصل من تلك االصول فناء وبعده بقاء به وهبذا الفناء والبقاء يزول اطالق لفظ اان عن
ذلك الظل ويطلق على ذاك االصل الذي كان فانيا فيه وابقيا به ويرى نفسه عني ذاك
االصل وكذلك اذا وقع له العروج بكرم احلق جل وعال من ذاك االصل حيصل الصله
االول فناء وبقاء ابالصل الذي هو فوق ذاك االصل وذاك االصل كالظل له ويزول
اطالق اان من االصل االول ويقع يف االصل الثاين وجيد نفسه عني ذلك االصل الثاين
واذا وقع العروج من االصل الثاين اىل االصل الثالث يتقرر اطالق اان على االصل الثالث
الذي االصل الثاين ظله وهذه النسبة كائنة يف كل اصل حتتاين مع االصل الفوقاين الذي
االصل التح تاين كالظل له يعين اذا وقع العروج مبحض فضل هللا سبحانه من الظل اىل
االصل يزول اطالق اان من ذلك الظل ويقع على االصل وجيد نفسه عني ذلك االصل
- 942 -
اىل ما شاء هللا تعاىل على تفاوت درجات االستعداد وتصري تلك االصول بتلك الكثرة
والرفعة اجزاءه وجتعل القطرة حبرا و تصري الذرة جبال فاذا كانت هذه االصول اجزاءه فال
جرم يكون من كماالهتا وبركاهتا نصيب كامل له و يكون كماله جامعا لكماالت تلك
االجزاء فينبغي ان يعرف هنا فرق ما بني االنسان الكامل وسائر افراد االنسان فانه حبر
حميط وهؤالء كقطراته احملقرة فهؤالء كيف يعرفونه وما يدركون من كماله ونعم ما قيل اهلي
ما هذا الذي جعلت اولياءك حبيث من عرفهم وجدك وما مل جيدك مل يعرفهم وكما ان بني
االنسان الكامل واالنسان الناقص تفاوات بقلة االجزاء وكثرهتا بني طاعاهتما وحسناهتما
ايضا تفاوت بقدرها اذا اعطي شخص مثال مائة لسان فيذكر احلق سبحانه بكل لسان
منها اي نسبة تكون له مبن اعطي لساان واحدا يذكر هللا تعاىل به وينبغي ان يقيس
االميان واملعرفة وسائر الكماالت على هذا املعن ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل
شئ قدير احلمد هلل رب العاملني اوال وآخرا والصالة و السالم على رسوله دائما وسرمدا
و على آله الكرام وصحبه العظام اىل يوم القيام.
{املكتوب احلادي والثالثون اىل املال بدر الدين يف حتقيق عامل االرواح وعامل
املثال وعامل االجساد}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد كتبتم ان الروح كان قبل تعلقه
ابلبدن يف عامل املثال ويذهب بعد مفارقته من البدن ايضا اىل عامل املثال فيكون عذاب
القرب يف عامل املثال كأ م حيس به االنسان يف املنام يف عامل املثال وكتبتم ان هذا الكالم له
تشعبات كثرية فان قبلتم نفرع عليه فروعات كثرية (اعلم) ان امثال هذه اخلياالت قليلة
النصيب من الصدق خناف من ان تدلكم على طريق غري متعارف فلنكتب يف حتقيق هذا
املبحث كلمات ابلضرورة مع وجود املوانع وهللا سبحانه اهلادي اىل سبيل الرشال (أيها
االخ) ان عامل املمكنات منقسمة اىل ثالثة اقسام عامل االرواح وعامل املثال وعامل االجساد
وقالوا ان عامل املثال برزخ بني عامل االرواح وعامل االجساد وقالوا ايضا ان عامل املثال كاملرآة
- 943 -
ملعاين العاملني املذكورين وحقائقهما وتظهر معاين عامل االرواح واالجساد يف عامل املثال
بصور لطيفة فان لكل معن وحقيقة هناك صورة وهيئة أخرى مناسبة هلما وذلك العامل
ليس هو يف حد ذاته متضمنا للصورة و اهليئات واالشكال وامنا ظهرت فيه الصور
واالشكال منعكسة من عوامل اخر كاملرآة اليت ليست هي متضمنة لصورة اصال يف حد
ذاهتا فان كانت فيها صورة فهي حاصلة من خارج فاذا علم هذا الكالم فاعلم ان الروح
كان قبل تعلقه ابلبدن يف عامله الذي هو فوق عامل املثال فان تنزل بعد التعلق ابلبدن
فنازل اىل عامل االجساد بعالقة حبية ال شغل له بعامل املثال ال قبل التعلق وال بعد التعلق
وامنا يطالع بعض احواله بعناية هللا تعاىل يف مرآة ذلك العامل يف بعض االوقات ويستعلم
حسن احواله وقبحها من هناك كما ان هذا املعن واضح والئح يف صور الواقعات
واملنامات ورمبا حيس هذا املعن من غري ان يغيب عن احلس وبعد املفارقة عن البدن فان
كان علواي فمتوجه اىل فوق وان كان سفليا فمأسور يف السفل ال شغل له بعامل املثال
وعامل املثال امنا هو للمشاهدة والرؤية ال للكينونة فيه وحمل الكينونة اما عامل االرواح واما
عامل االجساد وعامل املثال امنا هو مرآة هلذين العاملني كما مر واالمل الذي يرى يف املنام يف
عامل املثال امنا هو صورة العقوبة وشبحها اليت استحقها الرائي ظهرت له للتنبيه وعذاب
القرب ليس من هذا القبيل فانه حقيقة العقوبة ال صورهتا وشبحها وايضا ان االمل الذي
حيس يف املنام لو كان له حقيقة فرضا فهو من قبيل اآلالم الدنيوية وعذاب القرب من مجلة
عذاب اآلخرة شتان ما بينهما فان العذاب الدنيوي ال مقدار له وال اعتبار ابلنسبة اىل
عذاب اآلخرة اعاذان هللا سبحانه فلو وقعت يف الدنيا شرارة من انر جهنم الحرقت الكل
وجعلت متالشيا وزعم عذاب القرب كعذاب املنام من عدم االطالع على صورة العذاب
وحقيقة العذاب وايضا ان منشأ هذا االشتباه هو توهم جمانسة عذاب الدنيا بعذاب
اآلخرة وهذا توهم ابطل بني البطالن (فان قيل) قد يفهم من قوله تعاىل هللا يتوف االنفس
حني موهتا واليت مل متت يف منامها ان تويف االنفس كما هو يف املوت كذلك هو يف املنام
ايضا فما وجه عد عذاب احدمها من عذاب الدنيا وعذاب اآلخر من عذاب اآلخرة
- 944 -
(اجيب) ان التويف يف املنام من قبيل خروج شخص من وطنه املألوف ابلشوق والرغبة
للنزاهة والنظارة ليحصل له الفرح والسرور فريجع اىل وطنه فرحا ومسرورا ومنتزهه عامل
املثال الذي متضمن لعجائب امللك وامللكوت وال كذلك التويف حني املوت فان فيه هدم
الوطن املألوف وختريب البناء املعمور ومن ههنا ال حتصل احملنة والكلفة يف تويف النوم بل
هو متضمن للفرح والسرور ويف تويف املوت شدة وكلفة فيكون وطن املتوف النومي هو
الدنيا وتكون املعاملة اليت تظهر له من معامالت الدنيا واملتوف املويت منتقل اىل اآلخرة
بعد ختريب وطنه املألوف وكانت املعاملة معه من معامالت اآلخرة ولعلكم مسعتم من
مات فقد قامت قيامته واايكم واالحنراف عن اعتقادات اهل السنة واجلماعة شكر هللا
تعاىل سعيهم اغرتارا ابلكشف اخليالية وظهورالصور املثالية فان النجاة بدون متابعة هذه
الفرقة الناجية غري متصورة فعليكم ابالجتهاد يف اتباع هؤالء االكابر غاية االمكان اتركني
ما ينافيه كائنا ما كان ما على الرسول اال البالغ وقد اوردين انبساطكم يف العبارة يف توهم
ان هذه التخيالت تكاد خترجكم من تقليد هؤالء االكابر وجتعلكم ممن يتبع كشفيات
نفسه نعوذ ابهلل سبحانه منها ومن شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا الشيطان عدو قوي
ينبغي لالنسان ان يكون واقفا على نفسه حت ال خيرج من الصراط املستقيم اىل سكك
اخر اي بالء وقع مل تنجر مدة املفارقة اىل سنة حت وقع الذهول عن االحتياط والتزام
متابعة السنة واهل السنة وحصر النجاة يف تقليد هؤالء االكابر اليت كانت فيكم وجعلتم
متخيالتكم مقتداكم وفرعتم عليها فروعات كثرية واحتمال مالقاتنا يرى حبسب الظاهر
بعيدا جدا فعليكم املعيشة واملعاملة حبيث ال ينقطع حبل الرجاء ربنا آتنا من لدنك رمحة
وهيئ لنا من امران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى.
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد كتبتم ان ساري طريق اشتكي اىل
عامل طريق من هجوم اخلطرات فقال حيث ان احاطة املطلوب ومشوله حبكم وهو بكل
شئ حميط معلوم ينبغي ان تعد اخلطرة من اسباب الوصل ال من موجبات الفصل وان
جيعل ابواب املشاهدة مفتوحة وروزنة الغفلة مسدودة (هذا) الكالم صادق حبسب
التجلي الصوري الذي هو مقدمة من مقدمات هذا الطريق فان كان يف هذا املوطن وصل
فمع كونه يف احلقيقة فصال فهو ابعتبار الصورة وان كانت مشاهدة ولو هي يف الواقع
مباعدة فهي ايضا مبالحظة الصورة وهذا التجلي ساقط عن حيز االعتبار عند اكابر هذا
الطريق النه ليس مبفن لوجود السالك واحملق واملبطل شريكان فيه فان جلوكية اهلند
وفالسفة اليوانن خربا عنه وهم حمظوظون وملتذون بعلومه ومعارفه غاية ما يف الباب ان
حصول هذه الدولة للمحق من طريق صفاء القلب وللمبطل من طريق صفاء النفس فال
جرم ان ذاك يفضي اىل اهلداية وهذا جير اىل الضاللة ولكن كالمها يف اسر الصورة ال خرب
هلما عن املعن {شعر}:
ما يعرف الغفالن عابد صورة * حسن املقنع عن مجيع مؤانس
ولكن يف احملق احتمال النجاة من اسر الصورة واملبطل منهمك يف الصورة فان
اخلالص من اسر الصورة من غري التزام ملة االنبياء عليهم الصالة و السالم حمال (وايضا)
ان التجلي الصوري داخل يف دائرة العلم ولكن ملا طرح احلال والذوق فيه الشعاع يرى
مثل احلال (وأيضا) ان املشهود يف التجلي الصوري الكثرة لكن بعنوان املظهرية للوحدة
وشهود الكثرة ابي عنوان كان وابل يف وابل ينبغي ان ال يبقى يف نظر الباطن اسم من
الكثرة وشهودها و ال رسم وال يكون املشهود غري الواحد احلقيقي اصال حت يتيسر
الفناء الذي هو قدم اول يف هذا الطريق فان الفناء عبارة عن نسيان ما سوى احلق
سبحانه وزواله من الباطن فكيف يكون للكثرة جمال يف ذلك املوطن وما يكون شهود
الكثرة فيه (وما) قال القائل من ان اخلطرة من اسباب الوصل وابواب املشاهدة فاملراد
بذاك الوصل واملشاهدة الوصل واملشاهدة الصوريني ومها عني املفارقة واملباعدة فان الوصل
- 946 -
املعترب عند اكابر هذه الطائفة العلية امنا هو يف مقام البقاء ابهلل الذي حيصل بعد الفناء
ونيسان مجيع ما سواه تعاىل ووجود اخلطرة مناف لتلك الدولة وحصول الوسوسة مانع
لتلك املنزلة ويف مقام الفناء الذي هو دهليز ذلك الوصل يكون انتفاء اخلواطر على نوع
لو كلف بتذكر االشياء ال يتذكر بواسطة نسيان السوى الذي حصل له وقد كتبتم وهو
على كل شئ حميط بيان االحاطة ما جاء هبذه العبارة يشبه ان تكون هذه من كالم
املولدين فان تعدية االحاطة بكلمة على كثرية الوقوع يف كالم العجم واملتعارف يف العبارة
العربية الفصيحة تعدية االحاطة ابلباء قال هللا تبارك و تعاىل وكان هللا بكل شئ حميطا
وقال تعاىل انه بكل شئ حميط والظاهر ان هذه العبارة امنا اوردت بطريق االستشهاد
بتخيل اهنا من القرآن وليس كذلك فان بيان هذا املعن يف الكالم اجمليد بعبارة أخرى كما
مر (وكتبتم) ايضا ان الكثرة الومهية والتعدد االعتباري قد تراكمت على وجه وقع اكثر
العلماء يف الغلط بتوهم تعدد الوجود وقنعوا من اللب ابلقشر (اعلم) ان الكثرة والتعدد
وان كانت ومهية واعتبارية ولكن ملا صدرت وظهرت بصنع هللا جل سلطانه صارت متقنة
ومستحكمة وكانت املعاملة الدنيوية واالخروية مربوطة هبا واآلاثر اخلارجية مرتتبة عليها
وارتفاعها ممنوع وان ارتفع الوهم واالعتبار فان العذاب والثواب الدائمني االخرويني الذين
اخرب عنهما املخرب الصادق منوطان ابلكثرة مربوطان ابلتعدد واحلكم ابرتفاع الكثرة
والتعدد دخول يف االحلاد والزندقة اعاذان هللا سبحانه من ذلك فالصوفية العلية والعلماء
الكرام كلهم قائلون بثبوت هذه الكثرة واستمرار هذا التعدد ويرون املعاملة االخروية
الدائمية مربوطة هبا ولكن ملا كان من شأن هذه الكثرة االرتفاع من شهود الصوفية وقت
العروج جيدوهن ا ومهية واعتبارية وحيث اهنا ال ترتفع يف نفس االمر وان كانت مرتفعة من
الشهود يقول العلماء اهنا موجودة فنزاع الفريقني صار راجعا اىل اللفظ بعد االتفاق يف
املعن كل من الفريقني حكم مبقياس وجدانه فالصوفية اعتربوا الشهود وحكموا ابلومهية
واالعتبارية مبالحظة االرتفاع الشهودي وقال العلماء بوجودها مبالحظة ثبوهتا واستقرارها
يف نفس االمر ولكل وجهة وقد بني هذا الفقري هذا املعن يف مكتوابته ورسائله ابلتفصيل
- 947 -
وارجع نزاع الفريقني اىل اللفظ فان بقي خفاء ينبغي ان يراجع فيها نظر العلماء قريب من
الصواب النه مطابق لنفس االمر ونظر الصوفية ابعتبار السكر وغلبة احلال أال ترى ان
النجوم خمتفية يف النهار واثبتة يف نفس االمر وان كانت مستورة عن الشهود فاحلكم
بثبوت النجوم اقرب اىل الصواب من احلكم بعدمها مبالحظة عدم شهودها ومقصود
العلماء من القول بوجود الكثرة ابقاء الشريعة اليت مبناها على التعدد واجراء وعد
صاحب الشريعة ووعيده فانه ال يتصور بدون الكثرة والصوفية ايضا معرتفون هبذا املعن
وان اطبقوه على الشريعة ابلتكلف وما قاله العلماء صادق بال تكلف ومطابق بال متحل
ال غبار فيه اصال وال كدورة واهنم ال يثبتون وجودا مستقال مستبدا حت يكون فيه جمال
للكالم و يكون شركة ابلواجب تعاىل وامنا يثبتون وجودا ضعيفا مفاضا ومستعارا من الغري
كيف جيوز ختطئة العلماء فاهنم اكابر الدين ونسبة الغلط اليهم غلط حمض وحمض الغلط
وحنن العاجزون املتعوقون اخذان الدين والشريعة من العلماء واستفدان املذهب وامللة من
بركاهتم فلو كا نت فيهم جمال للطعن الرتفع االعتماد عن الشريعة وامللة وهلذا قالوا الطاعن
يف السلف ضال ومبتدع وعدوا طعنه من أسباب التضليل والتشكيك يف الدين وحكموا
ببطالنه (وكتبتم ايضا) اهنم قنعوا من اللب ابلقشر يشبه انكم ختيلتم الصور لبا والتنزيه
قشرا فان دعوة العلماء وداللتهم اىل التنزيه ومشهود صاحب التجلي الصوري ومطلوبه
الصور واالشكال ينبغي االنصاف ايهما متشبث ابللب وايهما منخدع ابلقشر واان او
اايكم لعلى هدى او يف ضالل مبني ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من أمران رشدا و
السالم اوال وآخرا.
{املكتوب الثالث والثالثون اىل املال مشس الدين يف حتقيق كالم الشيخ شرف
الدين حيىي املنريي من ان السالك ما مل يكفر ومل يقطع رأس اخيه ومل يتزوج ابمه ال
يكون مسلما}
عليكم ابالستقامة اي مال مشس قد سئلتم ان شيخ املشايخ الشيخ شرف الدين
- 948 -
حيىي املنريي كتب يف رسالته ارشاد السالكني ان السالك ما مل يكفر ال يكون مسلما وما
مل يقطع رأس اخيه ال يكون مسلما وما مل يتزوج ابمه ال يكون مسلما فما املراد هبذه
الكلمات (اعلم) ان املراد ابلكفر كفر الطريقة الذي هو عبارة عن مرتبة اجلمع الذي هو
موطن االستتار ومقام عدم االمتياز بني حسن االسالم وقبح الكفر بل كما يرى االسالم
مستحسنا جيد للكفر ايضا حسنا فيه وجيد كليهما مظهر لالسم اهلادي واالسم املضل
وينال من كل منهما حظا و يكون هبما مستلذا وهذا هو ذلك الكفر الذي اخرب عنه
حسني ابن منصور احلالج وكان فيه ومات عليه وقال {شعر}:
لدي وعند املسلمني قبيح
كفرت بدين هللا والكفر واجب * ّ
والشطحيات مثل قول اان احلق وقول سبحاين وقول ليس يف جبت سوي هللا كلها
من امثار شجرة اجلمع الذي منشاؤه استيالء احلب وغلبة حمبة احملبوب احلقيقي مل يبق يف
نظر شهودهم غري احملبوب بل صار خمتفيا ومستورا وهذا املقام مقام اجلهل واحلرية ايضا
ولكن جهل هذا املقام حممود وحريته ممدوحة فان وقع سري اىل اعلى من مقام اجلمع
بعناية هللا سبحانه واجتمع العلم ابجلهل واقرتنت املعرفة ابحلرية و ظهر الفرق والتميز
وتبدل السكر ابلصحو فحينئذ حيصل االسالم احلقيقي وتتيسر حقيقة االميان وهذان
االسالم واالميان حمفوظان من الزوال ومأموانن من طراين الكفر واالستبدال واملراد مبا ورد
يف بعض االدعية املأثورة من قوله صلّى هللا عليه و سلّم اللهم اين اسئلك امياان ليس بعده
كفر هو هذا االميان النه حمفوظ غن الزوال وقوله تعاىل اال ان اولياء هللا ال خوف عليهم
وال هم حيزنون بيان لعالمة حال اهل هذا االميان فان الوالية ال تتصور بدون هذا االميان
وان كان ميكن اطالق اسم الوالية يف مرتبة اجلمع ايضا ولكن النقص والقصور الزم تلك
املرتبة دائما فان الكمال يف االميان واملعرفة ال يف الكفر واجلهل اي كفر واي جهل كان
فصح ما قال الشيخ فانه ما مل يتحقق بكفر الطريقة ال يشرف ابسالم احلقيقة (وما) قال
انه ما مل يقطع رأس اخيه ال يكون مسلما فاملراد من االخ الشيطان الذي يولد معه و
يكون قرينه ويدله على الشر والفساد دائما كما ورد يف احلديث على قائله الصالة و
- 949 -
السالم ما من ابن آدم اال ومعه قرين من اجلن قالوا ومعك اي رسول هللا قال نعم ولكن
اعانين هللا عليه فاسلم يعين من شره ان كان بصيغة املتكلم او فاسلم شيطاين ان كانت
الرواية بصيغة املاضي وهذه الرواية االخرية مشهورة وقتل هذا القرين عبارة عن عدم
االنقياد اليه و اسحقاره واسرتزاله (فان قيل) ان االنسان مع وجود العقل والفراسة فيه مل
يكن مغلواب للشيطان ويرتكب غري مرضاته تعاىل (أجيب) ان الشيطان فتنة وبالء سلطه
هللا سبحانه على عباده لالبتالء واالمتحان وجعله مستورا عن نظرهم ومل يطلعهم على
احواله وجعله بصريا ابحواهلم واجراه جمرى الدم منهم والسعيد من يكون حمفوظا بعناية هللا
تعاىل من كيد مثل هذا البالء ومكره ومع ذلك ذكر هللا سبحانه كيده يف القرآن اجمليد
ابلضعف وجرأ السعداء وشجعهم نعم ان حكم الشيطان هبذا التسلط مع اعانة هللا لعبده
حكم الثعلب وبدون امداد فضله اسد مفرتس {شعر}:
اال فاعطين قلبا ترى من جسارة اال سود * و ان الفيتين قبل ثعلبا
(واجلواب) اآلخر ان الشيطان رمبا جيئ من طرق اهواء النفس ويدله على
املشتبهات فيجد النصرة عليه ابلضرورة ابعانة النفس االمارة اليت هي عدو املنزل وجيعلها
منقادة لنفسه وكيد الشيطان ضعيف يف حد ذاته وامنا يفعل ما يفعل ابعانة من يؤوي
العدو اليه وبالؤان يف احلقيقة هو النفس االمارة اليت هي عدوة ارواحنا ال احد عدو
لنفسه اال هذه اخلسيسة والعدو اخلارج امنا يصنع ما يصنع ابمدادها فينبغي اوال ان يقطع
رأس النفس وان ميتنع عن االنقياد اليها واالزدراء هبا واهانتها ورأس االخ يقطع يف ضمن
هذا اجلهاد ويصري حقريا وذليال وحجاب طريق السالك وسده هو نفسه واالخ خارج عن
املبحث فانه يدعو اىل الشر من بعد ومن صراط مستقيم اىل سبل معوجة ودفع العدو
اخلارجي بعد التخلص من انقياد النفس متصور ابمداد هللا تعاىل ابسهل الوجوه ان
عبادي ليس لك عليهم سلطان بشارة للعباد الذين ختلصوا من رقية النفس واخلصوا
العبادة للمعبود ا حلقيقي وهللا سبحانه املوفق (وما قال) من انه ما مل يتزوج أبمه ال يكون
مسلما ميكن ان يكون مراده ابمه عينه الثابت الذي هو سبب ظهور وجوده يف اخلارج
- 950 -
وورد التعبري عن العني الثابت ابالم يف اصطالح هذه الطائفة قال واحد من االعزة
{شعر}:
[]1
ولدت امي أابها * ان ذا من عجبات
أراد ابالم عينه الثابت وأببيها امسا من االمساء االهلية الذي العني الثابت ظل ذلك
االسم وعكسه وملا كان ظهور ذلك االسم يف اخلارج بتوسط ذاك العني الثابت عرب عن
ذلك الظهور ابلوالدة وابجلملة يقولون االم ويريدون به العني الثابت ويقال هلذا العني
الثابت تعينا وجوبيا فان التعينات عند هذه الطائفة العلية مخسة يقال هلا التنزالت اخلمسة
واحلضرات اخلمس ايضا يثبتون منها يف مرتبة الوجوب تعينني وثالثة يف مرتبة االمكان و
التعينان الوجوبيان مها تعني الوحدة وتعني الواحدية وكالمها يف مرتبة العلم والفرق ابالمجال
والتفصيل العلميني والتعينات الثالثة االمكانية هي التعني الروحي والتعني املثايل والتعني
اجلسدي وملا كان العني الثابت يف مرتبة الواحدية يكون تعينه وجوبيا ابلضرورة وحيث ان
حقيقة املمكن عينه الثابت الذي له وجه اىل التعني الوجويب وذلك املمكن كالظل له
فيكون ام ذلك املمكن من عامل الوجوب الذي اظهرته يف عامل االمكان والتزوج ابالم
مبعن ان تعني املمكن االمكاين يتحد مع تعينه الوجويب {شعر}:
لو نفض املمكن اغربة االم * كان ال يبقى سوى واجب
يعين يكون تعينه االمكاين خمتفيا عن نظره ويطلق لفظ اان على التعني الوجويب ال
مبعن ان التعني االمكاين يتحد ابلتعني الوجويب يف نفس االمر فانه حمال والقول به
مستلزم لالحلاد والزندقة الن املعاملة هنا حبسب الشهود فان كان زوال تعني فباعتبار
الشهود وان احتاد فبالشهود أيضا{شعر}:
وهذا ال يصري قط ذاكا * وذاكم ال يصري قط هذا
فاذا وجد السالك تعينه متحدا بذاك التعني صار مستحقا الن يتخلص عن
التلواثت االمكانية وان يشرف بدولة االسالم واالنقياد ملرتبة الوجوب (ينبغي) ان يعلم ان
التنزالت اخلمسة اليت قال هبا الصوفية جمرد اعتبارات يف الوجود وتتعلق ابلكشف والشهود
ال انه يف احلقيقة تنزل هناك وتغري وتبدل فسبحان من ال يتغري بذاته وال بصفاته وال يف
امسائه حبدوث االكوان ورمبا يورد الصوفية على ألسنتهم اشياء على قدر وجداهنم الذي
متضمن للسكر وغلبة احلال فال ينبغي محلها على الظواهر بل ينبغي ان يصرفها عن
الظاهر اىل التأويل والتوجيه فان كالم السكارى حيمل ويصرف عن الظاهر وهللا سبحانه
اعلم حبقائق االمور كلها وملا نقلت هذه الكلمات املوجبة للقلق واالضطراب عن شخص
عظيم كتبنا يف حلها اشياء ابلضرورة واال فهذا الفقري ال يلتفت اىل امثال هذه الكلمات
املشعرة ابملخالفة وال حيرك شفتيه ابلرد والقبول ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف أمران وثبت
اقدامنها وانصران على القوم الكافرين احلمد هلل رب العاملني اوال وآخرا والصالة و السالم
على رسوله دائما وسرمدا و على آله الكرام وصحبه العظام اىل يوم القيام.
حرامان يف مجيع االداين ومرتكبهما موعود عليه بوعيدات كثرية وسرت عيوب اخللق
وذنوب اخلالئق والعفو والتجاوز عن زالهتم من عزائم االمور وينبغي الشفقة واملرمحة على
املماليك واالتباع واالغماض عن تقصرياهتم دون ان يؤاخذهم هبا وضرب هؤالء املساكني
بوجه و بال وجه وشتمهم وايذاؤهم غري مناسب وغري مالئم ينبغي لالنسان ان ينظر اىل
تقصرياته الواقعة يف كل ساعة ابلنسبة اىل جناب قدسه تعاىل وهو تعاىل ال يعجل يف
املؤاخذة عليها وال مينع الرزق بسببها وبعد تصحيح االعتقاد واتيان االحكام الفقيهة
ينبغي استغراق االوقات بذكر هللا تعاىل على هنج اخذمتوه وكلما ينافيه ينبغي ان جيتنب
عنه {شعر}:
كل شئ غري ذكر هللا لو * أكل قند فهو سم قاتل
وقد قيل يف احلضور ايضا انه كلما حيتاط يف االمور الشرعية يزيد يف املشغولية واذا
وقعت املساهلة يف االحكام الشرعية يزول احلالوة وااللتذاذ ابملشغولية وما اكتب زايدة
على ذلك وهللا سبحانه اعلم.
وعبادة امللك بال مزامحة املوانع اال ترى ان وقت اعتبار العساكر امنا يكون يف اوان
استيالء االعداء الذين هم موانع الدولة و يكون حلركتهم اليسرية يف ذلك الوقت اضعاف
مزية واعتبار على حركتهم الكثرية يف غري هذا الوقت و معلوم ان اهلوى واهلوس مرضي
اعداء هللا تعاىل النفس والشيطان والعلم والعمل مبقتضى الشريعة الغراء مرضي حضرة
الرمحن جل سلطانه وارضاء اعداء املوىل واسخاط املوىل الذي هو موىل النعم بعيد عن
الفطانة والذكاوة وهللا سبحانه املوفق.
{املكتوب السادس والثالثون اىل جناب املري حممد نعمان يف رفع شبهات
منكري عذاب القرب}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان جلماعة ترددا يف عذاب القرب
الذي ثبت ابحاديث مشهورة صحيحة بل آبايت قرآنية بل يكادون ينكرونه وجيزمون
ابستحالته ومقتداهم يف هذا االشتباه احساس احوال املوتى الغري املدفونة من االستدامة
على هنج واحد اليت هي منافية للتعذيب وااليالم الذي من لوازمه التذبذب واالضطراب
واجلواب يف حل هذا اال شكال هو ان حياة عامل الربزخ الذي هو موطن القرب ليست من
قبيل احلياة الدنيوية اليت احلركة االرادية واالحساس كالمها من لوازمها فان انتظام هذه
النشأة مربوط هبذين االمرين ويف حياة الربزخ ال حاجة اىل حركة اصال بل هي منافية
لتلك النشأة الربزخية واالحساس فقط كاف هناك لوجدان أمل العذاب فحياة الربزخ كاهنا
نصف احلياة الدنيوية وتعلق الروح هناك ابلبدن نصف التعلق به يف النشأة الدنيوية
فاأل موات الغري املدفونة حيسون أمل العذاب حبياة برزخية وال يوجد منهم شئ من احلركة
واالضطراب بتلك احلياة اصال وما اخرب عنه املخرب الصادق عليه و على آله امت الصلوات
واكمل التسليمات يكون صادقا (او نقول) حسما ملادة هذا االشكال وامثاله ان طور
النبوة وراء طور العقل والفكر واالمور اليت العقل قاصر يف ادراكها تثبت بطور النبوة فان
كان العقل كافيا فالي شئ يكون بعثة االنبياء عليهم الصالة و السالم والي شئ يكون
- 954 -
العذاب االخروي مربوطا ببعثتهم قال هللا تبارك و تعاىل وما كنا معذبني حت نبعث رسوال
العقل وان كان حجة ولكنه ليس حبجة ابلغة كاملة واحلجة البالغة امنا حتققت ببعثة
االنبياء عليهم السالم وهبا انقطعت السنة اعذار املكلفني قال هللا تبارك و تعاىل رسال
مبشرين ومنذرين لئال يكون للناس على هللا حجة بعد الرسل وكان هللا عزيزا حكيما فاذا
ثبت للعقل قصور يف ادراك بعض االمور فوزن مجيع االحكام الشرعية مبيزان العقل ال
يكون مستحسنا والتزام تطبيقها على العقل حكم يف احلقيقة ابستقالل العقل وانكار
بطور النبوة اعاذان هللا سبحانه من ذلك ينبغي اوال فكر االميان برسول هللا وتصديق
رسالته صلّى هللا عليه و سلّم حت يصدق يف مجيع االحكام وبوساطته يتيسر اخلالص من
ظلمات الشكوك والشبهات ينبغي ان يتعقل االصل حت يتعقل الفرع بعد ذلك ويعلم
من غري تكلف وتعقل كل فرع بال اثبات اصل متعسر جدا و اقرب طرق الوصول اىل
ذلك التصديق وحصول اطمئنان القلب ذكر هللا جل سلطانه قال هللا تبارك و تعاىل اال
بذكر هللا تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصاحلات طوىب هلم وحسن مآب والوصول
اىل هذا املطلب العايل من طريق النظر واالستدالل بعيد جدا {شعر}:
أقدام أهل نظر من خزف * وما الذي متكينه اي هلفي
(ينبغي) ان يعلم ان مقلدي االنبياء عليهم الصالة و السالم بعد اثبات نبوهتم
وبعد تصديق رسالتهم من املستدلني وتقليدهم اايهم وتصديق كالمهم حينئذ عني
االستدالل مثال اذا اثبت شخص اصال من االصول ابستدالل فجميع الفروع اليت تنشأ
وتتشعب من هذا االصل تكون مستندة اىل االستدالل وابستدالل االصل يكون مستدال
يف مجيع فروعه احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت
رسل ربنا ابحلق و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب السابع والثالثون اىل موالان حممد طاهر البدخشي يف بيان ان كل ما
يصدر عن اجلميل املطلق فهو مجيل مطلقا}
- 955 -
احلمد هلل رب العاملني دائما و على كل حال اايكم والتوحش والتضجر من مساع
االخبار املوحشة فان كل ما يصدر عن اجلميل املطلق يكون حسنا ومليحا وان كان
ظهوره بصورة اجلالل ولكنه يف احلقيقة من اجلمال ال حتملن هذا الكالم على التقول وال
تصرفنه اىل التفوه بل له متام احلقيقة وكمال اللب ال يصح ابلتكلم والكتابة فان تيسرت
املالقاة يف الدنيا فبها واال فمعاملة اآلخرة قريبة وبشارة املرء مع من أحب مورثة التسلي
للمهجورين و وصلت الصحيفة الشريفة املرسلة مع الدرويش حممد علي الكشمريي
واطلعنا على ما كتبتم وكتبنا يف جوابه ما يسعه الوقت ليكن االوالد واالحباب على مجعية
اثبتني يف مكاهنم راضني بقضاء هللا تعاىل.
{املكتوب الثامن والثالثون اىل املال ابراهيم يف جواب سؤاله عن معىن حديث
ستفرتق اميت احلديث ودرجة ارابب الفقر}
ينبغي ان يعلم ان املراد من قول النيب صلّى هللا عليه و سلّم كلهم يف النار اال
واحدة الواقع يف حديث ستفرتق اميت اىل اثنني وسبعني فرقة دخوهلم يف النار ومكثهم يف
عذاهبا مدة ال خلودهم يف النار ودوامهم يف عذاهبا فان ذلك مناف لالميان وخمصوص
ابلكفار غاية ما يف الباب انه ملا كان الباعث على دخوهلم يف النار معتقداهتم السوء
يدخل كلهم فيها ابلضرورة ويعذبون على مقدار خبث إعتقادهم خبالف الفرقة الواحدة
املستثناة فان اعتقادهم موجب للنجاة من عذاب النار وسبب لفالحهم ولكن اذا ارتكب
بعض منهم االعمال السيئة ومل يعف عنه ابلتوبة او الشفاعة جيوز ان يعذب ابلنار بقدر
ذنبه ويتحقق الدخول يف النار يف حقه فدخول النار يف سائر الفرق شامل جلميع االفراد
وان انتفى اخللود ويف حق الفرقة الناجية خمصوص ببعض مرتكب للمعصية ويف كلمة
كلهم رمز اىل هذا البيان كما ال خيفى وحيث ان هذه الفرق املبتدعة من اهل القبلة ال
ينبغي اجلرأة يف تكفريهم ما مل ينكروا لضرورايت الدين ومل يردوا ما ثبت من االحكام
الشرعية ابلتواتر وقبلوا ما علم جميئه من الدين ابلضرورة قال العلماء لو وجد يف مسئلة
- 956 -
تسعة وتسعون وجها توجب التكفري ووجه واحد ينفيه ينبغي تصحيح هذا الوجه وان ال
حيكم ابلكفر وهللا سبحانه اعلم وكلمته احكم (وايضا) ينبغي ان يعلم ان املراد من نصف
اليوم الذي يدخل فقراء هذه االمة قبل االغنياء بتلك املدة يف اجلنة هو مخسمائة سنة من
سين الدنيا فان اليوم عند هللا تعاىل الف سنة وان يوما عند ربك كألف سنة ما تعدون
شاهد هلذا املعن وكيفية تقدير تلك املدة مفوضة اىل علم هللا جل شأنه من غري ان يكون
هناك ليل وال هنار وال سنة وال قمر متعارفة واملراد من الفقري الفقري الصابر الذي هو ملتزم
التيان االحكام الشرعية وجمتنب عن املنهيات الشرعية وللفقراء درجات ومراتب بعضها
فوق بعض وأعلى مراتبه امنا يتصور يف مقام الفناء الذي يكون فيه غري احلق سبحانه
مضمحال ومتالشيا ومنسيا ومن هو جامع جلميع مراتب الفقر أفضل ممن يتحقق ببعضها
دون بعض فمن فيه فقر ظاهر مع وجود الفناء أفضل ممن له الفناء فقط دون الفقر
الظاهر فافهم.
{ املكتوب التاسع والثالثون اىل اخلواجه حسام الدين امحد يف جواب مشاورته
لسفر احلج مع توابعه}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد ان احوال فقراء هذه احلدود
واوضاعهم مستوجبة للحمد املسؤل من هللا سبحانه سالمتكم وعافيتكم وقد تشرفت
مب طالعة الصحيفة الشريفة املرسلة ابسم هذا الفقري على وجه الشفقة واملرمحة وقد أظهرمت
اشتياق ا لتوطن يف أحد احلرمني الشريفني مع االهل والعيال واملوت فيه (أيها) املخدوم
املكرم ان ذهاب االهل والعيال ال يظهر يف النظر بل يكاد يفهم املنع وذهابكم وحدكم
يظهر يف النظر مستحسنا ونرجو وصولكم ابلسالمة واالمر اىل هللا سبحانه (وكتبتم) ايضا
يف مادة السيد ان االطبا ء حاكمون بضرره أيها املشفق انه كلما ميعن النظر ال يشاهد فيه
الضرر بيد انه حيس ظلمة غري ظلمة الضرر ومل ندر ما وجهها وابجلملة ان ضرر االطباء
مفقود وهللا سبحانه اعلم و السالم.
- 957 -
{ املتكوب االربعون اىل موالان حممد صادق الكشمريي يف بيان علم اليقني
احلاصل للصوفية وعلم اليقني الكائن الرابب املعقول}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان علم اليقني عبارة عند
الصوفية عن يقني حاصل من االستدالل ابالثر على املؤثر وهذا املعن ميسر الهل النظر
واالستدالل فما يكون الفرق بني علم اليقني املخصوص ابلصوفية وعلم اليقني احلاصل
الرابب املعقول ومل يكون علم اليقني املختص ابلصوفية داخال يف الكشف والشهود وال
يكون ما للعلماء خارجا عن مضيق النظر والفكر (ينبغي) ان يعلم ان شهود االثر الزم
يف علم كلتا الطائفتني حت ينتقل منه اىل املؤثر الذي هو غري مشهود غاية ما يف الباب
انه ملا كان بني االثر واملؤثر ارتباط كان ذلك سببا لالنتقال من وجود االثر اىل وجود
املؤثر وذلك االرتباط ايضا مكشوف ومشهود يف علم اليقني املختص ابلصوفية دون ما
للعلماء فانه نظري وفكري فيه فيكون االنتقال ايضا نظراي وفكراي ابلضرورة فيكون يقني
الطائفة االوىل داخال يف الكشف والشهود دون يقني الطائفة الثانية فانه ال يكون خارجا
من مضيق االستدالل واطالق االستدالل على يقني الصوفية مبين على الظاهر والصورة
لكونه متض منا لالنتقال من االثر اىل املؤثر واال ففي احلقيقة داخل يف الكشف والشهود
خبالف يقني العلماء فان فيه حقيقة االستدالل وملا كان هذا الفرق الدقيق خمفيا على
االكثرين بقوا يف مرتبة احلرية ابلضرورة وأطال مجاعة منهم من قصوره لسان االعرتاض على
بعض االعزة الذي فسر علم اليقني املختص ابلصوفية ابالستدالل من االثر اىل املؤثر كل
ذلك لعدم االطالع على حقيقة االمر وهللا حيق احلق وهو يهدي السبيل و السالم على
من اتبع اهلدى.
قال هللا تبارك و تعاىل اي أيها النيب اذا جاءك املؤمنات يبايعنك على أن ال يشركن
ابهلل شيئا اآلية نزلت هذه اآلية يوم فتح مكة وملا فرغ رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم
من بيعة الرجال شرع يف بيعة النساء وكانت بيعة النساء مبجرد القول مل متس يد النيب
صلّى هللا عليه و سلّم يد النساء البايعات اصال وملا كانت الذمامي واالخالق الردية يف
النساء اكثر منها يف الرجال بني يف بيعة النساء شرائط زائدة على ما يف بيعة الرجال وهنى
النساء عن تلك الذمامي يف ذلك الوقت المتثال امر هللا تعاىل الشرط االول عدم اشراك
شئ ابهلل تعاىل ال يف وجوب الوجود وال يف استحقاق العبادة ومن مل يكن عمله مربأ عن
شائبة الرايء والسمعة ومظنة طلب االجر من غري هللا تعاىل ولو ابلقول والذكر اجلميل
فليس هو خبارج من دائرة الشرك وال هو موحد خملص قال عليه و على آله وصحبه
الصالة و السالم الشرك يف اميت اخفى من دبيب النملة اليت تدب يف ليلة ظلماء على
ضخرة سوداء {شعر}:
الف ىب شركى مزن كان از نشان ابى مور * در شب اتريك بر سنگ سياه
پنهان تر است
وقال عليه الصالة و السالم واتقوا الشرك االصغر قالوا ما الشرك االصغر قال
الرايء ولتعظيم مراسم الشرك ومواسم الكفر كلها قدم راسخ يف الشرك واملصدق للدينني
من أهل الشرك واملتشبس مبجموع احكام االسالم والكفر مشرك والتربي من الكفر شرط
االسالم واالجتناب عن شائبة الشرك توحيد واالستمداد من االصنام والطاغوت يف دفع
االمراض واالسقام كما هو شائع فيما بني جهلة أهل االسالم عني الشرك والضاللة
وطلب احلوائج من االحجار املنحوتة نفس الكفر وانكار على واجب الوجود تعاىل
وتقدس قال هللا تبارك و تعاىل شكاية عن حال بعض اهل الضالل يريدون ان يتحاكموا
اىل الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضالال بعيدا واكثر النساء
مبتليات هبذا االستمداد املمنوع عنه بواسطة كمال اجلهل فيهن يطلنب دفع البلية من هذه
االمساء اخلالية عن املسميات ومفتوانت ابداء مراسم الشرك واهل الشرك خصوصا وقت
- 959 -
عروض مرض ا جلدري املعروف فيما بني نساء اهلنود ابلستيلة فان ذلك الفعل مشهود
وحمسوس من خيارهن وشرارهن يف ذلك الوقت حبيث ال تكاد توجد امرأة خالية من
دقائق هذا الشرك واتركة لالقدام عليه برسم من رسومه اال من عصمها هللا تعاىل وتعظيم
االايم املعظمة عند اهلنود واداء رسوم االايم املتعارفة عند اليهود مستلزم للشرك ومستوجب
للكفر كما أن جهلة اهل االسالم خصوصا طائفة نسائهم يؤدون رسوم اهل الكفر يف
اايم دوايل الكفار وجيعلوهنا عيدهم ويرسلون اىل بيوت بناهتم واخواهنم هدااي كهدااي اهل
الشرك ويصبغون يف ذلك املوسم ظروفهم مثل الكفار وميلؤهنا ابالرز االمحر مث يرسلوهنا
هدااي ويعتنون هبذا املوسم كمال االعتناء وكل ذلك شرك وكفر بدين االسالم قال هللا
تبارك و تعاىل وما يؤمن اكثرهم ابهلل اال وهم مشركون وما يفعلونه من ذبح احليواانت
املنذورة للمشائخ عند قبور املشائخ املنذورة هلم جعله الفقهاء ايضا يف الرواايت الفقهية
داخال يف الشرك وابلغوا يف هذا الباب واحلقوه جبنس ذابئح اجلن املمنوع عنها شرعا
والداخل يف دائرة الشرك فينبغي االجتناب عن هذا العمل ايضا لكون شائبة الشرك فيه
فان وجوه النذر غري ذلك كثرية فالي شيئ يرتكب ذبح احليوان وجيعل ملحقا بذابئح
اجلن ويتش به به بعبدة اجلن ومثل ذلك صيام النساء بنية املشايخ وبال بيان وينحنت اكثر
أساميهم من عند انفسهن ويصمن بنيتهم ويعني لكل افطار يوم وضعا خمصوصا ويعني
االايم ايضا للصيام وجيعلن مطالبهن ومقاصدهن مربوطة بتلك الصيام ويطلنب حوائجهن
منهم بواسطة تلك الصيام ويزعمن قضاء حوائجهن منهم وذلك الفعل اشراك للغري يف
عبادة هللا تعاىل وطلب لقضاء احلوائج عن الغري بواسطة العبادة اليه ينبغي ان يعلم شناعة
هذا الفعل وقد ورد يف احلديث القدسي قال هللا تعاىل الصوم يل واان اجزي به يعين ان
الصوم خمصوص يب ال شركة للغري يب يف الصوم وان مل جيز اشراك احد به تعاىل يف مجيع
العبادات ولكن ختصيص الصوم لالهتمام به والتأكيد يف نفي الشركة عنه وقول بعض
النساء وقت اظهار شناعة هذا الفعل حنن نصوم هذه الصيام هلل تعاىل وامنا هندي ثواهبا
الرواح املشائخ حيلة منهن فان كن صادقات يف ذلك فالي شئ حيتاج اىل تعيني االايم
- 960 -
للصيام وختصيص الطعام وتعيني اوضاع شنيعة خمتلفة يف االفطار وكثريا ما يرتكنب
احملرمات وقت االفطار ويفطرن بشئ حرام ويسئلن شيئا من غري حاجة ويفطرن به
ويزعمن قضاء حوائجهن خمصوصا ابرتكاب هذا احملرم وهذا عني الضاللة وتسويل
الشيطان اللعني وهللا العاصم (والشرط) الثاين املذكور يف بيعة النساء النهي عن السرقة
وهي من كبائر السيئات وحيث كانت هذه الذميمة متحققة يف اكثر افراد النساء حت ال
تكاد توجد امرأة خالية عنها جعل النهي عنها من شرائط بيعتهن والاليت يتصرفن يف
اموال ازواجهن من غري اذهنم ويتلفنها بال حتاش داخالت يف مجلة السارقات وهذا املعن
ميكن ان نقول انه اثبت يف عموم النساء وهذه اخليانة تكاد توجد يف مجيع افرادهن اال
من عصمها هللا سبحانه وليتهن يعددن ذلك سيئة وخيانة وخوف اسحتالل هذه السيئة
غالب يف حقهن وخوف الكفر من جهة هذا االستحالل ازيد يف شأهنن واحلكيم املطلق
جل شأنه هنى النساء عن السرقة بعد النهي عن الشرك بعالقة ان هلذه الذميمة قدما
راسخا يف الكفر يف حقهن وذلك بواسطة شيوع استحالهلن اايها واهنا انكر من سائر
كبائر السيئات يف حقهن فاذا حصل للنساء بواسطة تكرر اخذ اموال ازواجهن ملكة
اخليانة وزال قبح التصرف يف اموال الغري عن نظرهن ال يبعد ان يتعدى تصرفهن يف اموال
غري ازواجهن فيسرقن اموال الغري و خي ّن فيها بال حتاش يكاد يكون هذا املعن واضحا
ابدىن اتمل فتحقق ان هني النساء عن السرقة من اهم مهمات االسالم وتعني كون قبحها
بعد قبح الشرك ابلنسبة اليهن (تذييل) قال نبينا صلّى هللا عليه و سلّم يوما لالصحاب
أتدرون ما اسوأ السرقة قالوا هللا ورسوله أعلم قال ان اسوأ السرقة من يسرق من صالته
يعين ال يكمل اركان صالته وال يؤديها على وجه الكمال واالجتناب عن هذه السرقة
ايضا ضروري حت ال يكون من أسوء السارقني فينبغي ان ينوي الصالة حبضور القلب
فان العمل ال يصح بدون حصول النية وان يقرأ القراءة صحيحة واداء الركوع والسجود
والقومة واجللسة ابالطمئنان يعين ينبغي ان يقوم بعد الركوع قياما كامال وان يسكن فيها
مقدار تسبيحة وان جيلس بني السجدتني مقدار تسبيحة ايضا حت يتيسر االطمئنان يف
- 961 -
القومة واجللسة ف من مل يفعل كذلك فقد أدخل نفسه يف زمرة السارقني وصار موردا
للوعيد (والشرط) الثالث املنصوص يف بيعة النساء النهي عن الزان وختصيص بيعة النساء
هبذا الشرط بواسطة ان حصول الزان امنا يكون يف االغلب بتوسط حصول رضاء النساء
هبذا العمل وعرض انفسهن على الرجال فتكون النساء اسبق فيه و يكون رضاهن معتربا
يف حصوله فيكون النهي عنه آكد يف حقهن و يكون الرجال اتبعني للنساء فيه ومن هنا
قدم احلق سبحانه الزانية على الزاين يف كتابه اجمليد وقال تعاىل الزانية والزاين فاجلدوا كل
واحد منهما مائة جلدة وهذه الذميمة موجبة خلسارة الدنيا واآلخرة ومستقبحة يف مجيع
االداين و مستنكرة روى ابو حذيفة رضي هللا عنه عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم انه قال
ايها الناس اتقوا من الزان فان فيه ستة خصال ثالثة منها يف الدنيا وثالثة يف اآلخرة فأما
اليت يف الدنيا االوىل ان الزان يذهب هباء االنسان ونورانيته وصفاءه والثانية انه يورث الفقر
والثالثة انه يورث النقصان يف العمر وأما اليت يف اآلخرة فأحدها سخط هللا وغضبه تعاىل
والثانية سوء احلساب والثالثة عذاب النار اعلم ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم قال زان
العني النظر اىل االجنبيات وزان اليدين مس االجنبيات وزان الرجلني املشي حنو االجنبيات
قال هللا تبارك و تعاىل قل للمؤمنني يغضوا من أبصارهم وحيفظوا فروجهم ذلك أزكى هلم
ان هللا خبري مبا يصنعون وقال تعاىل وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن وحيفظن
فروجهن (ينبغي) ان يعلم ان القلب اتبع للعني وما مل تغمض العني عن احملرمات فحفظ
القلب مشكل وما دام القلب مشغوال فحفظ الفرج متعسر فكان غض البصر من
احملرمات ضروراي حت يتيسر حفظ الفرج وهنى يف القرآن اجمليد النساء عن لني الكالم مع
الرجال األجانب مثل الفاجرات لئال يطمع الذين يف قلوهبم مرض فيهمون ابلسوء بل
يقلن قوال معروفا خاليا عن الوهم والطمع وورد النهي ايضا عن إبداء النساء زينتهن عند
الرجال لئال يظهر فيهم االقتضاء وورد النهي ايضا عن الضرب ابرجلهن اىل االرض ليعلم
ما خيفني من زنيتهن مثل اخللخال وامثاله فيتحرك ويظهر شنشنته وهي مستلزمة مليل
الرجال اىل النساء (وابجلملة) ان كل ما هو منجر اىل الفسق فهو مستقبح ومنهي عنه
- 962 -
ينبغي االحتياط منه لئال ترتكب مقدمات احملرمات ومباديها حت يتيسر السالمة من
نفس احملرمات وهللا سبحانه العاصم وما توفيقي اال ابهلل عليه توكلت واليه أنيب (ال
خيفى ) ان املرأة االجنبية كالرجل االجنيب يف حق النظر اىل املرأة ومسها بشهوة وال جيوز
تزيني املرأة نفسها لغري بعلها رجال كان ذلك الغري او امرأة وكما ان نظر الرجال اىل االمرد
ومسهم اايه ابلشهوة حرام نظر النساء اىل النساء ومسهن اايهن ابلشهوة ايضا حرام
ينبغي ان يراعى هذه الدقيقة كمال الرعاية فاهنا طريق واسع اىل خسارة الدنيا واآلخرة ويف
وص ول الرجل اىل املرأة تعسر بواسطة التباين بني الصنفني ووجود املوانع خبالف وصول
املرأة اىل املرأة فانه الحتاد الصنف يف كمال اليسر والسهولة فينبغي رعاية االحتياط يف
ذلك اكثر منها فيما هنالك وينبغي املنع البليغ عن نظر املرأة اىل املرأة ونظر الرجل اىل
املرأة ونظ ر املرأة اىل الرجال (والشرط) الرابع املذكور يف بيعة النساء النهي عن قتل االوالد
وكان نساء اجلاهلية يقتلن بناهتن خمافة الفقر وهذا العمل الشنيع كما أنه متضمن لقتل
النفس متضمن لقطع الرحم ايضا وهو من الكبائر (والشرط) اخلامس املذكور يف بيعة
النساء النهي عن البهتان واالفرتاء وملا كانت هذه الذميمة يف النساء أكثر خصهن ابلنهي
عنها وهذه الصفة من اشد ذمائم الصفات قبحا وارذل رذائل االخالق فاهنا متضمنة
للكذب الذي هو حرام يف مجيع االداين ومستنكر وايضا انه متضمن اليذاء املؤمن وهو
حرام وانه مستلزم للفساد يف االرض وهو حمظور وممنوع عنه وحمرم ومستنكر بنص القرآن
(والشرط) السادس النهي عن معصية النيب وخمالفته صلّى هللا عليه و سلّم يف كل أمر
معروف أيمر به وهذا الشرط متضمن المتثال مجيع االوامر واالنتهاء عن مجيع املناهي
الشرعية من الصالة والصوم والزكاة واحلج وهذه االربعة مما بين االسالم عليها بعد االميان
ابهلل تعاىل ومبا جاء من عنده ابلضرورة فينبغي اداء الصلوات اخلمس من غري كسل وفتور
ابجلد واجلهد وينبغي ايضا اداء الزكاة املالية اىل مصارفها بقبول املنة وينبغي ايضا صيام
شهر رمضان الذي هو مكفر لسيئات سنة وينبغي ايضا اداء احلج الذي قال النيب صلّى
جيب ما كان قبله حت يكون االسالم قائما وكذلك ال بد
هللا عليه و سلّم يف حقه احلج ّ
- 963 -
من الورع و التقوى قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم مالك دينكم الورع وهو عبارة عن ترك
املنهيات الشرعية فينبغي االجتناب عن تناول املسكرات وان يعدها كاخلمر حمرما و
مستنكرا واالجتناب عن الغناء ايضا ضروري فانه داخل يف اللهو واللعب احلرام وورد ان
الغناء رقية الزانء واالجتناب عن الغيبة والنميمة ايضا الزم فاهنما ممنوع عنهما وايضا
االجتناب عن السخرية وايذاء املؤمن ضروري فان ايذاء املؤمن بغري حق أبي وجه كان
وسخريته منهي عنهما وال ينبغي اعتبار الطرية واعتقاد أتثريها وال ينبغي ايضا اعتقاد
تعدي املرض من شخص اىل آخر فان املخرب الصادق عليه الصالة و السالم منع عن
كليهما حيث قال ال طرية وال عدوى وال ينبغي اعتبار كالم الكاهن واملنجم وال يسأهلما
عن االمور الغيبية وال يعتقد معرفتهما ابالمور الغيبية فانه قد ورد املنع عن ذلك ابملبالغة
وينبغي االجتناب عن استعمال السحر مباشرة وامرا فانه حرام قطعي وله قدم راسخ يف
الكفر وال كبرية اقرب اىل الكفر من استعمال السحر ينبغي االحتياط عنه حت ال تصدر
دقيقة من دقائقه فانه قد ورد ما دام املسلم مسلما ال يصدر عنه السحر فاذا زال عنه
االميان اعاذان هللا سبحانه عن ذلك يصدر عنه السحر فكل من السحر واالميان كأنه
نقيض اآلخر فاذا وقع السحر ال يبقى االميان فينبغي رعاية هذه الدقيقة لئال يتطرق اخللل
يف االميان ولئال خيرج االسالم عن اليد بشؤم هذا العمل وابجلملة كلما امر به املخرب
الصادق عليه و على آله الصالة و السالم وبينه العلماء يف الكتب الشرعية ينبغي
االجتهاد والسعي البليغ يف امتثاله معتقدا خالفه مسا قاتال موصال اىل املوت االبدي
وموقعا يف انواع العذاب السرمدي وملا قبلت النساء املبايعات هذه الشرائط كلها ابيعهن
النيب صلّى هللا عليه و سلّم مبجرد القول واستغفر هلن هللا أبمره جل وعال واالستغفار
الذي وقع عن النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف حق مجاعة يرجى رجاء اتما ان يكون
مستجااب وان تكون اجلماعة مغفورة هلا وكانت هند زوجة ايب سفيان رضي هللا عنهما
داخلة يف املبايعات بل كانت هي رئيستهن وتكلمت من لساهنن ففي هذه البيعة
واالستغفار رجاء عظيم يف حقها فاي امرأة تعرتف هبذه الشرائط وتعمل مبقتضاها تكون
- 964 -
داخلة يف هذه البيعة حكما ويرجى هلا من بركات ذلك االستغفار وقال هللا تبارك و تعاىل
ما يفعل هللا بعذابكم ان شكرمت وآمنتم والشكر عبارة عن قبول االحكام الشرعية والعمل
مبقتضاها وطريق النجاة واخلالص هي متابعة صاحب الشريعة عليه و على آله الصالة و
السالم يف االعتقاد والعمل واالستاذ والشيخ امنا مها للداللة على الشريعة وليحصل اليسر
والسهولة يف االعتقادايت والعمليات بربكتهما ال الن يفعل املريدون ما ارادوا وأيكلوا ما
شاؤا مث يكون الشيخ سرتا هلم عن النار ومينع عنهم العذاب فان هذا املعن متين حمض ال
يشفع هناك احد اال ابذن هللا ومن مل يكن ممن ارتضاء ربه ال يشفع فيه أحد وامنا يكون
مرتضى اذا كان عامال مبتضى الشريعة فحينئذ اذا صدرت عنه زلة مبقتضى البشرية
فتداركها ميكن ابلشفاعة (فان قيل) أبي اعتبار ميكن ان يقال للمذنب مرتضى (أجيب)
ان احلق سبحانه اذا اراد مغفرة شخص يبدي وسيلة للعفو عنه فهو مرتضى يف احلقيقة
وان كان مذنبا يف الظاهر وهللا سبحانه املوفق ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيّئ لنا من أمران
رشدا و السالم.
الصحة والعافي ة نكتب ان شاء هللا واال فامللتمس من االحباب الدعاء والفاحتة وحسبنا
هللا ونعم الوكيل و السالم عليكم و على سائر اهل هللا وليكن االوالد الكرام ساملني
غامنني حمفوظني.
{املكتوب الثالث واالربعون اىل اخلواجه حممد سعيد واخلواجه حممد معصوم
سلمهما هللا تعاىل يف بيان مكاملته الواقعة يف حمفل سلطان الوقت مد ظله}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وبعد ان أحوال هذه احلدود
واوضاعها مستوجبة للحمد قد متر صحبات عجيبة وغريبة وبعناية هللا سبحانه و تعاىل ال
يتطرق مقدار شعرة من املساهلة واملداهنة يف هذا القيل والقال اىل االمور الدينية
واالصول االسالمية ويقع البيان يف هذه املعارك بعني العبارات اليت كانت تصدر يف
اخللوات واجملالس اخلاصة بتوفيق هللا سبحانه فان كتبنا ما جرى يف جملس واحد يستدعي
ان يكون جملدا خصوصا يف البارحة اليت هي الليلة السابعة عشر من شهر رمضان قد
ذكرت اشياء كثرية من فائدة بعثة االنبياء عليهم الصالة و السالم وعدم استقالل العقل
واالميان ابآلخرة وعذاهبا وثواهبا ومن اثبات الرؤية وخامتية خامت الرسل ومن جمدد كل مائة
ومن االقتداء ابخللفاء الراشدين رضي هللا تعاىل عنهم امجعني وسنية الرتاويح وبطالن
التناسخ ومن احوال اجلن ومن عذاهبم وثواهبم وامثال ذلك وصارت مسموعة حبسن
االستماع وذكر يف ضمن ذلك ايضا اشياء اخر من احوال االقطاب واالبدال واالواتد
وبيان خصوصياهتم كذا وكذا احلمد هلل سبحانه تكونون على ما أنتم عليه ال يظهر تغري
اصال ولعل هلل سبحانه و تعاىل يف هذه الواقعات واملالقاة مصاحل مستورة واسرار مكنونة
احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لو ال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق
واوصلت ختم القرآن اىل سورة عنكبوت وكل ليلة انصرف من ذاك اجمللس واجئ اىل
حملي اشتغل ابلرتاويح وفائدة احلفظ اليت هي دولة عظيمة قد حصلت يف هذه الفرتات
اليت هي عني اجلمعية احلمد هلل اوال وآخرا.
- 966 -
{املكتوب الرابع و االربعون اىل املري عبد الرمحن بن املري حممد نعمان يف دفع
شبهات املنكرين للرؤية األخروية}
الرحيم االعرتاض الذي يوردونه يف مسئلة الرؤية بل الدليل الذي الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
يقيمونه على نفي الرؤية هو ان الرؤية البصرية تقتضى حماذاة املرئي ومقابلته ابلرائي وهي
مفقودة يف حق الواجب تعاىل لكوهنا مستلزمة للجهة املنجرة اىل االحاطة والتحديد
والنهاية املستلزمة للنقص املنايف لاللوهية تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا (واجلواب) ان
القادر على الكمال جل سلطانه اذا اعطى للبصر الذي هو عبارة عن القطعتني
العصبيتني اجملوفتني اخلاليتني عن احلس واحلركة يف هذه النشأة الضعيفة الفانية قوة
احساس االشياء وابصارها بشرط املقابلة واحملاذاة مل ال ميكن ان يعطي يف النشأة اآلخرة
القوية الباقية هلاتني القطعتني العصبيتني قوة تبصر هبا املرئي بال مقابلة وحماذاة سواء كان
ذلك املرئي يف مجيع اجلهات او مل يكن يف جهة اصال فما االستبعاد يف ذلك واين احملال
فان الفاعل املختار جل سلطانه يف اعلى مرتبة االقتدار وقابل مستعد الن يتعلق به
األحساس واالبصار غاية ما يف الباب انه تعاىل راعى يف بعض األمكنة ملصاحل شرط
احملاذاة وتعني اجلهة يف احساس االبصار ويف بعض امكنة وأزمنة اخر اسقط ذلك الشرط
عن حيز االعتبار وقرر من غري هذا الشرط رؤية االبصار وقياس موطن على موطن آخر
مع وجود كمال االختالف والتضاد بينهما بعيد عن االنصاف وقصر النظر على
مكشوفات عامل امل لك والشهادة وانكار على عجائب عامل امللكوت (فان قيل) اذا كان
احلق سبحانه مرئيا ينبغي ان يكون حماطا ومدركا ابلبصر وذلك مستلزم للحد والنهاية
تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا (اجيب) ميكن ان يكون مرئيا وال يكون حماطا ومدركا
ابلبصر قال هللا تعاىل ال تدركه االبصار وهو يدرك االبصار وهو اللطيف اخلبري واملؤمنون
يرون احلق سبحانه يف اآلخرة وجيدون ابليقني الوجداين اهنم يرونه جل شأنه وجيدون يف
أنفسهم االلتذاذ املرتتب على الرؤية على وجه الكمال ولكن املرئي ال يكون مدركا هلم
- 967 -
اصال وال حيصل هلم شئ منه قطعا غري وجدان الرؤية وغري االلتذاذ هبا {شعر}:
وال أحد يصطاد عنقاء فاسرتح * واال تكون حامل الفخ دائما
والنقصان الذي يتوهم يف الرؤية من كون املرئي حماطا ومدركا مفقود يف ذلك
املوطن وجمرد ثبوت الرؤية بال جهة وااللتذاذ احلاصل للرائي من تلك الرؤية ال نقص وال
قصور فيها اصال بل من كمال انعام املرئي واحسانه اجالء مجاله الكامل حملرتقي انئرة
حمبته وارواؤهم من زالل رؤيته وتشريفهم بوصال حضرته من غري ان يعود شئ من النقص
والقصور اىل جناب قدسه تعاىل وبدون ثبوت اجلهة واالحاطة يف حضرة أنسه سبحانه
{شعر}:
ازان طرف نپذيرد كمال او نقصان * وزين طرف شرف روزگار من ابشد
{ترمجة}:
يف جمدكم ال يلحق النقصان من * هذا ويل فيه الوف كرامة
او نقول لو كانت املقابلة واحملاذاة شرطا يف حصول الرؤية ينبغي ان تكون شرطا
يف جانب الرائي أيضا لكوهنا شرطا يف جانب املرئي فان املقابلة نسبة قائمة ابملتقابلني
اعين الرائي واملرئي فلزم ان ال يرى احلق سبحانه االشياء وال تكون صفة رؤية االشياء
اثبتة له تعاىل وتقدس وذلك خمالف للنصوص القرآنية قال هللا تعاىل وهللا مبا تعملون بصري
و هو السميع البصري وسريى هللا عملكم وايضا هو نقص وسلب للصفة الكاملة منه
تعاىل (فان قيل) ان الرؤية يف الواجب تعاىل عبارة عن العلم ابالشياء ال أهنا أمر آخر وراء
العلم مستلزم للجهة (أجيب) ال شك ان الرؤية من الصفات الكاملة اثبتة للواجب
سبحانه ابالستقالل بنص القرآن وارجاعها اىل العلم ارتكاب خالف (الظاهر) ولو سلم
اهنا من اقسام العلم ال يلزم منه عدم اشرتاط احملاذاة فيها فان العلم على قسمني قسم ال
يشرتط فيه حماذاة املعلوم وقسم آخر تشرتط فيه احملاذاة وهو املسمى ابلرؤية وهذا القسم
اعلى اقسام العلم يف املمكنات وحاصل يف مرتبة اطمئنان القلب وال أمن يف املعقوالت
من معارضة الوهم واخلايل عن تلك املعارضة امنا هو احملسوس ومن ههنا طلب اخلليل
- 968 -
على نبينا وعليه الصالة و السالم رؤية احياء املوتى ليطمئن قلبه مع وجود االميان واليقني
به (ينبغي) ان يعلم ان الرؤية اليت هي من الصفات الكاملة اذا مل تكن يف الواجب تعاىل
من اين جاءت للمكن فان كل كمال حاصل للمكن هو عكس الكمال الذي يف مرتبة
الواجب تعاىل وتقدس وحاشا ان يكون يف املمكن ما ليس للواجب تعاىل فان املمكن
هو عني النقص يف حد ذاته فان كان فيه كمال فهو عارية من مرتبة حضرة الوجوب
تعالت وتقدست اليت هي عني كل خري وكمال {شعر}:
ما جئت من بييت بشئ امنا * اعطيتين ما يب ونفسي بعض ذا
(وجواب آخر) عن أصل السؤال ان هذا االعرتاض متمش يف وجود الواجب تعاىل
وتقدس فكما انه ينفي الرؤية ينفي الوجود من جناب قدسه تعاىل فهذا االعرتاض ليس
بوارد لكونه مستلزما للمحال العقلي بيانه ان الواجب سبحانه اذا كان موجودا يكون
ألبتة يف جهة من جهات العامل من فوق وحتت وقدام وخلف وميني ومشال وذلك مستلزم
لالحاطة والتحديد املستلزم للنقص املنايف لاللوهية تعاىل هللا وتقدس عن ذلك (فان قيل)
ميكن ان يكون يف مجيع جهات العامل فال يلزم االحاطة والتحديد (اجيب) ان كونه يف
مجيع جهات العامل ال ينفي االحاطة والتحديد فانه على هذا التقدير ايضا يكون وراء
الع امل ألبتة فان االثنينية الزمة للغريية االثنان متغايران قضية مقررة عند ارابب املعقول
وذلك مستلزم للتحديد (ال خيفى) ان طريق التفصي من امثال هذه الشبهات املموهة
الغري احلقة التزام الفرق بني احكام الغيبة واحكام الشهادة وعدم قياس الغائب على
الشاهد فانه ميكن ان يكون بعض االحكام صادقا يف الشاهد وكاذاب يف الغائب وكماال
يف الشاهد ونقصا يف الغائب فان تباين االحكام اثبت خصوصا اذا كان بني املواطن بون
بعيد ما للرتاب ورب االرابب رزقهم هللا سبحانه االنصاف حت ال ينكروا النصوص
القرآنية هبذه التومهات والتخيالت املشتبهة وال يكذبوا االحاديث الصحيحة النبوية ينبغي
االميان ابمثال هذه االحكام املنزلة حميال كيفيتها على العلم الالكيفي معرتفا بقصور
االدراك عن معرفتها ال انه ينبغي نفي تلك االحكام ابنتفاء االدراك فانه بعيد عن
- 969 -
السالمة والصواب فانه ميكن ان تكون اشياء كثرية صادقة يف نفس االمر وتكون
مستبعدة عن ادراك عقولنا الناقصة فلو كان العقل كافيا لكان مثل ايب علي سينا الذي
هو مقتدى ارابب املعقول حمقا يف مجيع االحكام العقلية غري غالط فيها واحلال انه اخطأ
يف مسئلة واحدة وهي الواحد اليصدر عنه اال الواحد ما هو واضح للناظر املنصف أبدين
أتمل وطعن فيه االمام الفخر الرازي يف هذا املقام هبذه العبارة والعجب ممن يفين عمره يف
تعليم اآللة العاصمة عن اخلطأ يف الفكر وتعلمها مث اذا جاء اىل هذا املطلب االشرف
وقع منه اشياء يضحك منها الصيبان وعلماء اهل السنة شكر هللا تعاىل سعيهم يثبتون
مجيع االحكام الشرعية سواء كانت معقولة املعن او ال وال ينفوهنا بعلة عدم ادراك
كيفيتها مثل عذاب القرب وسؤال منكر ونكري والصراط وامليزان وامثاهلا مما عجزت عقولنا
الناقصة عن ادراكه وهؤالء الكرباء جعلوا مقتداهم الكتاب والسنة وجعلوا عقوهلم اتبعة
هلما فان ظفروا ابدراكها فبها واال يقبلون االحكام الشرعية وحيملون عدم االدراك على
قصور فهمهم ال اهنم كغريهم يقبلون ما تقبله وتدركه عقوهلم ويردون ما يعجز عن ادراكه
عقوهلم اال يعلمون ان بعثة االنبياء عليهم الصالة و السالم امنا هي بواسطة قصور العقول
عن ادراك بعض املطالب املرضية للموىل سبحانه والعقل وان كان حجة ولكنه ليس حبجة
كاملة واحلجة الكاملة امنا متت ببعثة االنبياء عليهم الصالة و السالم قال هللا تعاىل وما
كنا معذبني حت نبعث رسوال (ولنرجع) اىل أصل الكالم فنقول ان املقابلة واحملاذاة وان
كانت شرطا يف رؤية الشاهد ولكن ميكن ان ال يكون ذلك شرطا يف الغائب كما ان
الغائب موجود وليس يف جهة من جهات املوجودات اصال فكما انه منزه عن مجيع
اجلهات بال رؤية الرائي ال تكون جهة من اجلهات اثبتة له بعد الرؤية ايضا وتكون املقابلة
واحملاذاة مفقودة هناك فأي استبعاد واي استحالة هنا ورؤية الالكيفي ال كيفية فانه ال
سبي ل للكيفي اىل الالكيفي ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه وقياس الرؤية املنزهة عن
الكيف على الرؤية املتكيفة بكيف املتعلقة مبرئيات غري مناسب وبعيد عن االنصاف وهللا
سبحانه املوفق للصواب.
- 970 -
{املكتوب اخلامس واالربعون اىل موالان سلطان السرهندي يف علو شان قلب
املؤمن واملنع عن ايذائه نقل ابملعين}
احلمد هلل رب العاملني و الصالة و السالم على رسوله حممد و آله امجعني اما بعد
فاعلموا ان القلب جار هللا سبحانه وليس شئ اقرب اىل جناب قدسه كالقلب اايكم
وايذاءه اي قلب كان مؤمنا كان او عاصيا فان اجلار وان كان عاصيا حيمى فاحذروا من
ذلك واحذروا فانه ليس بعد الكفر الذي سبب ايذاء هللا تعاىل ذنب مثل ايذاء القلب
فانه اقرب مايصل اليه سبحانه واخللق كلهم عبيد هللا سبحانه والضرب واالهانة لعبد اي
شخص كان يوجب ايذاء مواله فما شأن املوىل الذي هو املالك على االطالق فال
يتصرف يف خلقه اال ابلقدر ال ذي امر به فانه ليس بداخل يف االيذاء بل هو امتثال المر
هللا تعاىل مثل الزاين البكر حده مائة سوط فلو زاد احد على مائة كان ظلما وداخال يف
االيذاء واعلموا ان القلب افضل املخلوقات واشرفها وكما ان االنسان افضلها المجاله
ومجعه ما يف العامل الكبري كذلك القلب جلامعيته ما يف االنسان وكمال بساطته وامجاليته
فانه كلما كان الشئ اشد امجاال واكثر مجعية يكون اقرب اىل جنابه تعاىل وان ما يف
االنسان اما هو من عامل اخللق او عامل االمر والقلب برزخ بينهما ويف مراتب العروج يعرج
مما يتضمنها لطائف االنسان اىل اصوله مثال يكون عروجه اوال اىل املاء مث اىل اهلواء مث
اىل النار مث اىل اصول اللطائف مث اىل االسم اجلزئي الذي هو ربه مث اىل كليه مث اىل ما
شاء هللا تعاىل خبالف القلب فانه ليس له اصل يعرج اليه بل يكون العروج منه اوال اىل
الذات تعالت وانه ابب غيب اهلوية لكن الوصول من طريق القلب وحده بغري ذلك
التفصيل متعسر و امنا يتيسر الوصول بعد امتام ذلك التفصيل اال ترى ان اجلامعية
والوسعة فيه امنا تكون بعد طيه تلك املراتب التفصيلية واملراد من القلب ههنا هو القلب
اجلامع البسيط ال املضغة اللحمية.
- 971 -
{املكتوب السادس واالربعون اىل حضرة املخدوم زاده حممد سعيد مد ظله
العايل يف بيان العروج والنزول نقل ابملعىن}
حنمده ونستعينه ونصلي على سيدان وموالان وشفيع ذنوبنا حممد وآله وأصحابه
اعلموا ان هللا سبحانه اظهر يل ان يف الكائنات نقطة هي مركز العامل الظلي وتلك النقطة
امجال مجيع العامل والعامل بتمامه تفصيل لذلك االمجال وتلك النقطة كالشمس يف السماء
هبا يتنور ما يف اآلفاق فكل من يصل اليه الفيض منه سبحانه يكون بتوسل تلك النقطة
وتلك النقطة حماذية لنقطة غيب اهلوية وتلك النقطة كائنة يف مرتبة النزول فما مل يكن
النزول يف هذه املرتبة من اهلبوط واالسفلية ال يكون العروج اىل تلك املرتبة املسماة بغيب
اهلوية وهذا النزول يف الدعوة والتكميل ويف ذلك النزول الذي يكون يف مرتبة تلك النقطة
يتخيل كان الوجه اىل العامل والظهر اليه سبحانه وظهر ان هذا التوجه اىل العامل واالنقطاع
عنه سبحانه امنا هو اىل املوت فاذا جاء وقت الوصال انعكس احلال ففي هذه النشأة
الفراق والشوق من اجلانبني واملالقاة امنا تكون بعد املوت وظهر معن احلديث القدسي
اال طال شوق االبرار اىل لقائي واان اليهم الشد شوقا واعلم انه مع حتقق النزول يف هذه
املرتبة ليس بني السالك وبني هللا سبحانه حجاب بل احلجب كلها مفقودة ولكن التوجه
اىل هللا سبحانه مفقود بل التوجه مثة بتمامه اىل اخللق فهذا مقام الدعوة وقد يقع النزول
من تلك النقطة اليت هي مركز دائرة العامل الظلي اىل النقطة اليت هي مركز دائرة العدم وهو
مقام الكفر ابهلل تعاىل واالنكار له سبحانه ولالنبياء عليهم الصالة و السالم وآلايته تعاىل
ويقع العروج عن تلك النقطة اىل مركز دائرة االصل اليت هي دائرة مقامات االنبياء عليهم
السالم وتلك النقطة اليت ذكرانها ظلمانية غاية الظلمة فالنزول يف ذلك املقام لتنويره
واشراقه أمر عظيم القدر و مقابلها نقطة االسالم وهي النقطة اليت يقع العروج اليها بعد
هذا النزول الظلماين ومصباح تلك النقطة الظلمانية كلمة ال اله اال هللا و السالم.
( )1قوله ال يرد القضاء اخل أخرجه الرتمذي عن سلمان الفارسي رضي هللا عنه.
( )2قوله كان رسول هللا اخل اخرجه البغوي يف شرح السنة عن أمية بن خالد.
- 973 -
االعتبار مع عدم اعتبارهم هذا يف الواقع وفاقوا اقراهنم يف امثال هذه املواضع قال املخرب
الصادق عليه الصالة و السالم يوزن مداد العلماء بدم الشهداء يوم القيامة فيرتجح مداد
العلماء سبحان هللا وحبمده قد صار ذاك املداد وسواد الوجه ابعثا على عزهتم ورفعتهم
وبلغ من احلضيض اىل االوج درجاهتم نعم {ع}:
و يف الظلمات من ماء احلياة
قال الشاعر {شعر}:
غالم خوشيتنم خواند الله رخسارى * سياه روى من كرد عاقبت كارى
وهذا الفقري وان مل يكن الئقا ابن جيعل نفسه يف عداد جنود الدعاء ولكن مبجرد
اسم الفقر والحتمال اجابة الدعاء ال جيعل نفسه فارغا من دعاء الدولة القاهرة و يكون
رطب اللسان ابلدعاء والفاحتة بلسان احلال والقال ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم.
{ا ملكتوب الثامن واالربعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد مد
ظله العايل يف بيان سر اقربيته تعاىل وبيان ان انكشاف كنه الذات ابلعلم احلضوري}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (اعلم) ان
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
أقربيته تعاىل مربوطة ابلعلم احلضوري الذي تعلق ابصل املعلوم ال بظل من ظالله و
بصورة من صوره فان ذلك نصيب العلم احلصويل فالعلم احلصويل ال يكون يف احلقيقة
علم نفس الشئ بل علم صورة من صوره و يكون اجلهل متحققا ابلنسبة اىل نفس ذلك
الشئ سبحان هللا قد قالوا للجهل ابلشئ علما بذلك الشئ وكأهنم تصوروا صورة الشئ
وظله عني الشئ وزعموا علم تلك الصورة علم ذلك الشئ وذلك ممنوع ودعوى العينية
غري مسموعة فان بني الشئ وصورته نسبة االثنينية وكلما ثبتت نسبة االثنينية فالتغاير
الزم االثنان متغايران قضية مقررة من قضااي ارابب املعقول وأيضا ان العلم بصورة الشئ
كيف يكون مستلزما للعل م بذلك الشئ كما هو فان صورة الشئ متثال ظاهر الشئ ظهر
متلبسا أبحكام املرآة وكم من دقائق شئ واسراره ليس منها يف الصورة اسم وال رسم
- 974 -
{شعر}:
لو صور النقاش صورة ذا املنا * وا حرييت ما حيليت يف غنجه
وليت ظاهر الشئ يظهر بصرافته يف صورة الشئ و يكون الباطن موقوفا ومسكوات
عنه فانه اذا ثبت ان ظاهر الشئ يظهر يف صورة الشئ متلبسا ابحكام احملل واملرآة على
ما مر ال يبقى الظاهر على صرافته يقينا بل تعرض له هيئة أخرى فالصورة كما اهنا حمرومة
من ابطن الشئ حمرومة ايضا من ظاهره فال يكون علم تلك الصورة مستلزما لعلم ذلك
الشئ كما هو ابلضرورة وابجلملة ان املعلوم هو ما يكون كائنا يف الذهن وملا كان الكائن
يف الذهن الصورة يكون املعلوم ايضا هو تلك الصورة وملا كانت بني الصورة والشئ نسبة
التباين والتغاير ال يكون علم الصورة مستلزما لعلم الشئ كما هو والعلم احلضوري هو
الذي يكون احلاضر فيه يف املدركة نفس الشئ من غري ان يتخلل يف البني شئ من الظل
والصورة فيكون املعلوم يف هذا العلم هو نفس الشئ ال صورة من صوره فيكون العلم
احلضوري اشرف بل يكون العلم هو فقط ال غري و يكون ما سواه من العلم احلصويل
جهال مشتبها بصورة العلم واملتصف ابجلهل املركب من يزعم جهله علما وال يدري ابنه
ال يدي فال يكون للعلم احلصويل اىل ذاته وصفاته تعاىل سبيل وال تكون الذات و
الصفات الواجبية تعالت و تقدست معلومة هبذا العلم فان هذا العلم يف احلقيقة علم
بصورة املعلوم ال بنفس املعلوم كما مر وال سبيل للصورة يف حضرته جل سلطانه حت
يظن العلم ابلصورة علما ابالصل وان قال البعض ان احلق سبحانه وان مل يكن له مثل
ولكن له تعاىل مثال ولكن هذه الصورة املثالية على تقدير ثبوهتا غري تلك الصورة املنفية
اليت يتعلق هبا العلم ميكن ان تكون الصورة كائنة يف املثال الذي هو اوسع املخلوقات وال
تكون اثبتة يف الذهن وهذا احلديث القدسي ال يسعين ارضي وال مسائي ولكن يسعين
قلب عبدي املؤمن خمصوص بقلب العبد املؤمن الذي معاملته مغايرة ملعاملة سائر الناس
لتشرفه ابلفناء والبقاء وختلصه من احلصول وحتققه ابحلضور فان كان هناك التوسع فهو
ابعتبار احلضور ال ابعتبار احلصول {ع}:
- 975 -
مستفاد من مرتبة االصل ولكن الدرك يف االصل جمهول الكيفية ويف الظل معلوم الكيفية.
{املكتوب التاسع واالربعون اىل جناب حضرة املري حممد نعمان يف بيان ان
العلم احلضوري للعارف بنفسه يتلعق به تعاىل}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ينبغي ان يعلم ان العلم احلصويل هو
ابلنس بة اىل اآلفاق والعلم احلضوري ابلنسبة اىل االنفس فاذا ظهرت معاملة اقربيته تعاىل
لعارف اتم املعرفة وحصلت وكان العارف متحليا هبذا املقام العايل يكون حكم تلك
األنفس يف حقه حكم اآلفاق ويتبدل العلم احلضوري املتعلق هبا علما حصوليا ويف هذا
الوقت يعرض القربيته تعاىل حكم االنفس والعلم احلضوري الذي كان اوال متعلقا
ابالنفس يكون حينئذ متعلقا بتلك االقربية ال مبعن انه جيد نفسه عني الواجب تعاىل
ويظن ان العلم املتعلق بنفسه متعلق بعينه ابلواجب سبحانه فان هذا هو بعينه معاملة
التوحيد ومتعلق مبقامات القرب وهناية القرب هي االحتاد واالقربية غري ذلك ومعاملته شئ
آخر ينبغي جماوزة االحتاد واالعرتاف ابالثنينية حت يتصور االقربية وال يقعن القاصر من
لفظ االثنينية يف التوهم وال يزعمن ان االحتاد فوق االثنينية فان االثنينية اليت هي دون
االحتاد مقام العوام كاالنعام وهذه االثنينية اليت هلا الوف مزية على االحتاد مقام االنبياء
الكرام عليهم الصالة و السالم كما ان الصحو الذي دون السكر هو حال العوام
والصحو الذي بعد السكر مقام اخلواص بل اخص اخلواص وكما ان االسالم الذي قبل
كفر الطريقة اسالم عوام اهل االسالم واالسالم الذي بعد كفر الطريقة اسالم اخص
ا خلواص والعجب ان العارف وان مل ير نفسه واجبا تعاىل ولكن العلم احلضوري املتعلق
بنفس العارف يتعلق ابلواجب و يكون علمه بنفسه الذي هو حضوري حصوليا {ع}:
وكم يف العشق من عجب عجيب
والعقل املعتقل ال يهتدى اىل هذه الدقيقة بل جيعلها راجعة اىل مجع الضدين قال
واحد من ا لعارفني عرفت ريب جبمع االضداد ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران
- 977 -
{املكتوب اخلمسون اىل القاضي نصر هللا يف بيان الفرق بني استدالل العلماء
الراسخني واستدالل ارابب الظاهر ابالثر على املؤثر}
ان االستداالل ابالثر على املؤثر وابملخلوق على اخلالق جل سلطانه شغل علماء
الظاهر وشغل العلماء الراسخني ايضا الذين هم كمل ورثة االنبياء عليهم الصالة و
السالم علماء الظاهر حيصلون من العلم بوجود املخلوق العلم بوجود اخلالق وجيعلون
وجود االثر دليال على وجود املؤثر وحيصلون االميان واليقني بوجود املؤثر والعلماء
الراسخون الذين قطعوا درجات كماالت الوالية وبلغوا مقام الدعوة اليت هي خاصة
االنبياء عليهم الصالة و السالم ابالصالة أيضا يستدلون ابالثر على املؤثر بعد حصول
التجليات واملشاهدات ويكتسبون هبذا الطريق ايضا امياان ابملؤثر احلقيقي فاهنم يعرفون يف
آخر االمر ان كلما كان مشهودا ومتجليا هلم كان ظال من ظالل املطلوب متسحقا
للنفي وعدم االميان ويتيقنون ان االميان ابلالكيفي ال يتيسر يف هذا املوطن من غري
استدالل فالجرم يقبلون على االستدالل ويطلبون املطلوب بال حيلولة الظالل وملا كانت
هلؤالء الكرباء حمبة قوية جلناب قدسه تعاىل حبيث جعلوا ما سواه فداء له سبحانه فال جرم
يصلون اىل املطلوب احلقيقي من طريق االستدالل لقوله صلّى هللا عليه و سلّم املرء مع
من أحب ويتخلصون من مضيق التجليات والظهورات املشوبة ابلظالل ويعدون حنو
اصل االصل واملقام الذي يبلغ فيه علم علماء الظاهر يصل فيه هؤالء االكابر ابنفسهم
منجذبني جبذابت احملبة وحيصل هلم االتصال الالكيفي وهذا الفرق امنا نشأ من طريق
احملبة فكل من هو حمب منقطع عن غري احملبوب متصل به ومن ليست فيه هذه يكتفي
ابلعلم ويغتنم ذلك بل رمبا يبلغ هؤالء الكرباء مبلغا ال يبلغ فيه علم العلماء وهناية العلم
على تقدير الصحة اىل دهليز املطلوب والذي هو واصل اىل املطلوب فهو مع املطلوب
واملعية ال ترتك دقيقة ال تكون نصيبا هلم قال واحد من الكرباء {ع}:
- 978 -
{املكتوب احلادي واخلمسون اىل املال شري حممد الالهوري يف بيان الفرق بني
تصديق القلب ويقينه}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (سؤال) قال بعض حمققي املتكلمني
ان حقيقة االميان قبول القلب وانقياده ابملؤمن به فما معن ذلك وهل القبول واالنقياد
عبارة عن نفس التصديق ويقني القلب ابملؤمن به او امر زائد عليهما (اجلواب) ان قبول
القلب غري يقينه وان مل يكن غري التصديق ولكنه متفرع على اليقني فان القلب ال خيلو
بعد حصول اليقني من احدى احلالتني اما التسليم واالنقياد ابملؤمن به او اجلحود به
واالنكار عليه وعالمة التسليم واالنقياد رضاء القلب ابملؤمن به وانشراح الصدر له
وعالمة اجلحود واالنكار كراهة القلب ابملصدق به وضيق الصدر عليه قال هللا تبارك و
تعاىل فمن يرد هللا ان يهديه يشرح صدره لالسالم ومن يرد ان يضله جيعل صدره ضيقا
حرجا كأمنا يصعد يف السماء اآلية وحصول التسليم واالنقياد للقلب ابملؤمن به بعد
حصول التصديق واليقني به واليقني به مبحض املوهبة االهلية جل سلطانه وبصرف كرمه
الالمتناهي ومن ههنا قيل ان االميان موهبة اهلية ومنشأ اجلحود واالنكار بعد حصول
اليقني والتصديق ابملصدق به رسوخ الصفات الردية يف النفس االمارة ومترهنا فيها لكوهنا
جمبولة على حب اجلاه والرايسة ومطبوعة على عدم قبول تبعية احد وتقليده تريد ان
يصدقها ويقبلها كل احد وهي ال تقلد احدا وال تتبع وال تستسلم فردا من االفراد وال
تنقاد وما ظلمهم هللا ولكن كانوا انفسهم يظلمون وقد خلص هللا سبحانه طائفة مبحض
فضله وكرمه من هذا املرض اجلبلي وشرفهم بشرف تسليم االنبياء وانقيادهم عليهم الصالة
و السالم الذين هم هداة االانم اىل سبل السالم والصراط املستقيم ووعد هلم جبنات النعيم
- 979 -
اليت هي حمل رضائه تعاىل وترك طائفة على طورهم ومل خيلصهم من تلك الرذائل جربا
وقهرا ومل جي ذهبم اىل هذه الدولة ولكن ابلغ يف بيان الصراط املستقيم وتبشري املصدق
املطيع وانذار املكذب العاصي ابرسال الرسل وانزال الكتب واقام احلجة على الفريقني.
{املكتوب الثاين و اخلمسون اىل الفقري حممد هاشم الكشيمي يف بيان فناء
القلب و النفس و زوال العلم احلصويل و احلضوري}
الفناء عبارة عن نسيان ما سوى احلق سبحانه وما سواه تعاىل على قسمني آفاقي
وانفسي فنسيان اآلفاقي عبارة عن زوال العلم احلصويل ابلنسبة اىل اآلفاق ونيسان
االنفسي عبارة عن زوال العلم احلضوري ابلنسبة اىل االنفس فان العلم احلصويل يتعلق
ابآلفاق والعلم احلضوري ابالنفس وزوال العلم احلصويل ابالشياء مطلقا وان كان متعسرا
لكونه نصيب االولياء ولكن زوال العلم احلضوري مطلقا عسري جدا ونصيب الكمل من
االولياء يكاد يكون جتويزه بل تصوره حماال عند اكثر العقالء لزعمهم عدم حضور املدرك
عند املدرك سفسطة فان حضور الشئ عند نفسه ضروري عندهم فزوال العلم احلضوري
وان كان حملة ال يكون جموزا عندهم فكيف اذا كان زوال هذا العلم مطلقا حبيث ال يعود
ابدا والنسيان االول الذي هو ابلنسبة اىل العلم احلصويل يتعلق بفناء القلب والنسيان
الثاين الذي هو ابلنسبة اىل العلم احلضوري مستلزم لفناء النفس الذي هو امت وأكمل
وحقيقة الفناء امنا هي يف هذا املوطن والفناء االول كالصورة هلذا الفناء وكالظل له فان
العلم احلصويل ظل العلم احلضوري يف احلقيقة فيكون فناؤه ظل فناء هذا ابلضرورة
وحبصول هذا الفناء تستقر النفس يف مقام االطمئنان وتصري راضية عن احلق سبحانه
ومرضية له تعاىل وبعد البقاء والرجوع تتعلق معاملة التكميل واالرشاد هبا وهلا يتيسر
اجلهاد والغزا مع طبائع العناصر االربعة املختلفة اليت هي اركان البدن وكل واحد منها
يقتضى امرا من االمور غري ما يقتضيه اآلخر ويريد شيئا من االشياء خالف ما يريده
اآلخر وهذه الدولة غري م تيسرة لواحدة من اللطائف وهي اليت تصلح االاننية االبليسية
- 980 -
الناشئة من عنصر النار بسياستها وتورث االعتدال للقوة الشهوية والغضبية وسائر
االوصاف الذميمة اليت فيها شركة للبهائم واحليواانت حبسن تربيتها سبحان هللا قد صار
شر اللطائف خريها قال عليه الصالة و السالم خياركم يف اجلاهلية خياركم يف االسالم
اذا فقهوا {تنبيه} عالمة نسيان السوى عدم حضوره يف القلب وعالمة زوال العلم
احلضوري بنفس العامل انتفاء العامل ابلكل عينا وأثرا حت يتصور زوال العلم واملعلوم عنه
فان العلم واملعلوم يف ذلك املوطن نفس العامل فما مل يزل نفس العامل ال ينتفي العلم
واملعلوم والفناء االول هو فناء اآلفاق والفناء الثاين فناء االنفس الذي هو حقيقة الفناء.
{املكتوب الثالث واخلمسون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم
مد ظله يف بيان زوال العني واالثر وجودا وشهودا}
الرحيم قال هللا تعاىل هل اتى على االنسان حني من الدهر مل يكن
الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
شيئا مذكورا بلى اي رب قد أتى على االنسان حني من الدهر مل يكن شيئا مذكورا ال عينا
وال اثرا وال شهودا وال وجودا مث يصري بعد ذلك ان شئت حيا حبياتك وابقيا ببقائك
ومتخلقا ابخالقك بل صار ابقيا بك بفضلك يف عني الفناء وفانيا فيك يف عني البقاء
لتالزم بينهما وحصول كمال كل واحد منهما بوجود اآلخر مثله مثل انسان القي يف
معدن ملح حت صار شيئا فشيئا منصبغا ابحكام امللح اىل ان صار كله ملحا ما بقي
منه عني وال اثر فال جرم ابيح قتله وقطعه وحل اكله وبيعه وشراؤه فلو بقي منه عني او
اثر ملا جاز ذلك ولنعم ما قيل يف الشعر الفارسي {شعر}:
سگى كاندر منك زار اوفتدگم گردد اندر وى * من اين درايى پر شور از منك
كمرت منيدامن
فان قلت انك قد كتبت يف املكاتيب والرسائل ان زوال العني واالثر امنا يكون
شهوداي ال وجوداي الستلزامه االحلاد والزندقة ورفعه االثنينية الثابتة بني العبودية والربوبية
فما معن زوال العني واالثر يف الوجود ايضا هنا (قلت) انصباغ الشئ ابلشئ حبيث يصري
- 981 -
احدمها منخلعا عن احكامه ومنصبغا ابحكام اآلخر ال يوجب رفع االثنينية عنهما حت
يكون احلادا وزندقة فان االنسان امللقى يف معدن امللح ما احتد مع امللح وما زالت
االثنينية بل حصل له من جوار امللح وسلطانه فناء عن نفسه وعن صفاته وبقاء ابمللح
واحكامه مع بقاء االثنينية غاية ما يف الباب ان هذه االثنينية شبيهة ابثنينية الظل مع
االصل ال استقالل هلا ويف تلك االثنينية الزائلة نوع استقالل يف نظر العوام فاالثنينية ابقية
بعد فال إحلاد وال زندقة واما منعي يف الكتب والرسائل عن الزوال الوجودي فمحمول
على قصور فهم العوام فاهنم يفهمون منه رفع االثنينية ويقعون يف االحلاد والزندقة تعاىل
هللا عما يقول الظاملون علوا كبريا بقي ان الشبح الذي يقع من ذلك االنسان بعد
صريورته ملحا حكميا هو يف احلقيقة صورة امللح الذي انصبغ ذلك االنسان بصبغه ال
صورة االنسان اال انه قيس ذلك امللح احلكمي مبقياس شبح ذلك االنسان وصور بصورته
ال انه بقي شبح ذلك االنسان فبقى اثره {تنبيه} ذلك الشبح يف امللح الذي قيس
مبقياس صورة االنسان ممكن بل واقع وأما ما حنن بصدده فليس كذلك فللّه املثل االعلى
فهو سبحانه ال يتحد مع شئ وال يتحد معه شئ وال يتصل ابالشياء وال ينفصل عنها
واالشياء ايضا غري متصلة به سبحانه وال منفصلة عنه تعاىل سبحان من ال يتغري بذاته
وال بصفاته وال يف امسائه حبدوث االكوان فهو سبحانه اآلن كما كان على صرافة التنزيه
والتقديس فهو تعاىل قريب من العامل ومع العامل ابلقرب واملعية اجملهولة كيفيتهما ال كقرب
اجلسم مع اجلسم وال كقرب اجلسم مع العرض وابجلملة ان صفات االمكان ومسات
احلدوث كلها مسلوبة عن جناب قدسه عروج االولياء ال يزيد يف قربه سبحانه للعبد
ووصول االصفياء ال حيصل اتصاله مع هللا والفناء والبقاء احوال للعرفاء غري ما فهمها
العقالء وزوال العني واالثر له معن ال يفهمه إال من رزق ذلك كما سيجئ حتقيقه
فاستمع كالم هذه الطائفة حبسن الظن والقبول وال تفهم منه مدلوله الظاهري ومدلوله
املطابقي فانه رمبا تغلط فيه غلطا فاحشا فتضل وتضل وهللا سبحانه املوفق امللهم للصواب
(فان قلت) قد جوزت زوال العني واالثر من االنسان فما تقول فيما جاء يف القرآن اجمليد
- 982 -
يف شأن خامت الرسل عليه وعليهم الصلوات و التسليمات قل امنا اان بشر مثلكم يوحى
اىل وما جاء يف احلديث النبوي امنا اان بشر أغضب كما يغضب البشر[ ]1وليس هذا اال
لبقاء االثر من االنسانية (قلت) ليس كذلك وال داللة فيه على بقاء االثر اال انه ملا اريد
ارجاع االنسان الكامل بعد الفناء والبقاء اىل العامل ودعوة اخللق اىل احلق سبحانه ركبت
فيه الصفات البشرية واخلصائص االنسانية الزائلة بعد كسر سورة تلك الصفات لتحصل
املناسبة بينه وبني العامل بعد ما زالت ويفتح هللا ابب االفادة واالستفادة بينه وبني العامل
بتلك املناسبة واحلكمة األخرى يف ارجاع هذه الصفات البشرية واحلاقها بعد زواهلا ابتالء
املكلفني واختبار املدعوين ليميز اخليبث من الطيب ويعتزل املكذب من املصدق وحيصل
االميان ابلغيب بعد ما لبس االمر وسرت احلال برجوع تلك الصفات قال هللا تبارك و
تعاىل ولو جعلناه ملكا جلعلناه رجال وللبسنا عليهم ما يلبسون (فان قال) قائل ما معن
زوال العني واالثر من االنسان الكامل واحلال ان ظاهره دائم على الصفات البشرية أيكل
ويشرب وينام ويسرتيح قال هللا يف شأن االنبياء عليهم الصالة و السالم وما جعلناهم
جسدا ال أيكلون الطعام (قلت) الفناء والبقاء من صفات الباطن ال تعلق للظاهر هبما
ابالصالة فان الظاهر دائم على احكامه والباطن ينخلع ويتلبس (فان قيل) لطائف الباطن
متعددة كلها متحقق ابلفناء والبقاء او بعضها فأي بعض هو (قلت) املتحقق هبما امنا
هو لطيفة النفس اليت هي يف احلقيقة حقيقة االنسان املشار اليها ابشارة قول اان فهي
االمارة ابلسوء اوال واملطمئنة آخرا والقائمة بعداوة الرمحن جل شأنه ابتداء والراضية به
واملرضية عنها انتهاء فهي شر االشرار وخري االخيار زاد شره شر ابليس وزاد خريه على
خري اهل التسبيح والتقديس {تنبيه} ليس معن الفناء والزوال هو الفناء الوجودي والزوال
الوجودي ومعن البقاء ابهلل هو زوال االمكان من املمكن رأسا وحصول الوجوب له اثنيا
فانه حمال عقلي والقول بذلك كفر بل هو خلع ولبس مع بقاء االمكانية مثل خلع ولبس
اثبته ارابب املعقول يف العناصر بطريق الكون والفساد اال اهنم ابقوا هيوالها اثبتا يف
( )1قوله امنا اان بشر اخل اخرجه مسلم واحلاكم عن جابر رضي هللا عنه.
- 983 -
احلالني مع تبدل الصور النوعية وحنن ال نقول ابهليوىل وال بثبوبته بل نقول ان الفناء
والبقاء اعدام واجياد من القادر املختار جل شأنه جاء يف اخلرب لن يلج ملكوت السموات
من مل يولد مرتني كأنه اشار اىل االجياد الثاين ابلوالدة الثانية وامنا قالوا البقاء ابهلل جتوزا
وتشبيها لزوال الصفات الرذيلة وحصول االخالق احلميدة كاهنا شبيهة بصفات مرتبة
الوجوب تعالت وتقدست وقد حققت يف غري موضع ان ذات املمكن هو العدم ليس اال
هو فال معن لزواله فان املمكن ممكن يف مجيع االحوال حال الفناء والبقاء كما كان يف
حال عدمهما والواجب تعاىل واجب على االستمرار و الدوام ال يلحق جبناب قدسه شئ
وال ينفصل عنه امر ولنعم ما قيل يف الشعر الفارسي {شعر}:
سياه روئ ز ممكن دردو عامل * جدا هر گز نشد وهللا اعلم
(وال خيفى ) عليك ان بقاء االمكان يف املمكن ليس عبارة عن بقاء االثر يف
املمكن وبقاء ثبوته يف مرتبة من مراتب الثبوت فانه مناف للفناء االمت والفاين هبذا الفناء
بعد رد األماانت اىل اهلها ورد الظالل املنعكسة فيه اىل اصلها من الوجود وتوابعه كلها
من الصفات الكاملة والنعوت الفاضلة حلق هو ابلعدم الصرف الكامل يف العدمية حبيث
مل يوجد فيه اضافة وال نسبة اىل شئ وال اسم وال رسم فان وجود االضافة يف العدم ينبئ
عن ثبوته ولو يف اجلملة.
{املكتوب الرابع واخلمسون اىل خاجنهان يف اتباع الشرع املبني وحماربة اعداء
الدين}
رزقكم هللا سبحانه التوفيق على مرضياته وسلمكم وجعلكم معززا وحمرتما ابلنيب
وآله االجماد عليه وعليهم الصلوات و التسليمات {شعر}:
ألقوا سعادة دارين مبعركة * ما رامها احد ماذا على البطل
ان التلذذات الدنياوية والتنعمات الفانية امنا تكون هنيئة مريئة اذا حصل يف
ضمنها العمل مبقتضى الشريعة الغراء واجتمعت بتنعمات اآلخرة و اال فحكمها حكم
- 984 -
السم القاتل املموه ابلسكر ليغرت به االبله فيا اسفي لو مل تعاجل برتايق احلكيم املطلق ومل
تتالف حالوهتا مبرارة االوامر والنواهي الشرعية وابجلملة ان امللك االبدي ميكن حتصيله
أبدىن سعي وحركة على وفق الشريعة اليت مبناها على السهولة ويزول وخيرج من اليد أبدىن
غفلة وفراغ وكذلك ينبغي استعمال العقل املدرك وان ال يعوض امللك األبدي ابجلوز
واملوز مثل االطفال وتلك اخلدمة اليت انتم قائمون هبا لو مجعتموها ابتيان احكام الشريعة
املصطفوية على مصدرها الصالة و السالم والتحية فقد عملتم عمل االنبياء عليهم
الصالة و السالم ونورمت الدين املتني وعمرمتوه وحنن الفقراء لو اجتهدان سنني وعذبنا
أرواحنا ال نلحق يف هذا العمل وال ندرك غبار امثالكم البزاة {شعر}:
ألقوا سعادة دارين مبعركة * ما رامها احد ماذا على البطل
اللهم وفقنا ملا حتب وترضى بقية املرام ان رافعي رقيمة الدعاء الفاضلني اخلواجه
حممد سعيد واخلواجه حممد اشرف من االصحاب املخصوصني فكلما راعيتم احواهلما
تكون موجبة المتنان الفقراء امركم اعلى وشأنكم ارفع.
ابلدنيا مشكال لكونه مجع الضدين ولكن ملا إخرتمت هذا الوضع عليكم ابختيار خدمة
دروابن ان صحت نيتكم فهي داخلة يف الغزو وعمل حسن ولكن تصحيح النية مشكل
واليوم انتم يف هذه اخلدمة اليت هلا حسن يف اجلملة ولعل غدا أيمرونكم خبدمة أخرى
تكون عني الوابل وابجلملة االمر مشكل ينبغي التيقظ ما على الرسول اال البالغ و
السالم.
{املكتوب السادس واخلمسون اىل جناب اخلواجه حممد عبد هللا ابن شيخ
حضرة شيخنا واخلواجه مجال الدين احلسني بن اخلواجه حسام الدين امحد يف
التأسف على فوت الصحبة املاضية واالمياء اىل اسرار جديدة وما يناسب ذلك}
ليكن قرة العينني ومسرة االذنني اخلواجه حممد عبد هللا واخلواجه مجال الدين
احلسني متحليني جبمعية صورية ومعنوية والعجب اهنما قد اختارا تغافال ال تغافل مثله
وعدم الرأفة واملرمحة حيث مل يصال اىل سرهند مع وجود قرب اجلوار ومل يسأال عن حال
هذا الغريب ومل يؤداي حقوق املودة وماذا اقول خلواجه حممد افضل فانه يعد نفسه ابعد
عنهما يف املودة مبراحل بل هو خائف من مودتنا وما أقول للمري منصور فانه يتمين
الصبح دائما ولكن ال خيرج متنيه من القوة اىل الفعل ومن قول الفقهاء العظام الراضي
ابلضرر ال يستحق النظر العسكر وان كان حبر الظلمات ولكنه متضمن ملاء احلياة وهنا
بعناية هللا سبحانه حيصل من اجلواهر ولو على سبيل الندرة ما لو حصل يف مواضع أخرى
شبحه لكان مغتنما وكل مبارز اكتسب قدرا وقيمة امنا يتيسر له ذلك حني إستياالء
االعداء و السالمة وان كانت يف الزاوية ولكن دولة الغزو والشهادة يف املعركة و الزاوية امنا
هي مناسبة الهل السرت وارابب الضعف وقد ورد يف احلديث املؤمن القوي خري من
املؤمن الضعيف وحال الرجال االقوايء املبارزة يف املعركة الكربى قل كل يعمل على
شاكلته فربكم اعلم مبن هو اهدى سبيال وملا كنت متوجها اىل العسكر بعد مضي مدة
الرخصة واالذن تركت ولدي حممد سعيد يف البيت ابلضرورة وملا تفكرت يف الفيوض
- 986 -
والربكات والعلوم واملعارف احلاصلة بعد مفارقته ندمت على مفارقته وطلبته مغتنما
للفرصة فجاء الصغار والكبار كلهم رجاء ان ينالوا من هذه الربكات والعجب كأين من
طائفة املالمتية ويف زمرة القلندرية مع اين ممتاز من الفريقني ومغاير هلما ويل معاملة على
حدة امسعوا مشة من العلوم اجلديدة وهذا عنوان مكتوب قال هللا تعاىل هل اتى على
االنسان حني من الدهر مل يكن يشئا مذكورا بلي اي رب قد اتى على االنسان حني من
الدهر مل يكن شيئا مذكورا ال عينا وال اثرا وال شهودا وال جودا اىل آخره وانتم قد رأيتم يف
بعض املكاتيب اين جعلت القول ابلزوال الوجودي من قبيل االحلاد والزندقة وههنا كتبت
هبذه العبارة وعاجلت ذلك بكرم هللا سبحانه و تعاىل {ع}:
وقس من حال بستاين ربيعي
وهذه الدول كلها من بركات هذه الواقعات لوالها ملا وجدت تلك ربنا امتم لنا
نوران و اغفر لنا انك على كل شئ قدير وملا كان موالان حممد مراد متوجها اىل تلك
احلدود كتبنا كلمتني العاقبة ابخلري.
{املكتوب السابع واخلمسون اىل موالان محيد االمحدي يف بيان حدوث العامل
ورد عبيد العقل الفعال}
احلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد املرسلني ان هللا تعاىل موجود
بذاته ووجوده سبحانه بنفسه وهو تعاىل قد كان على ما عليه اآلن و يكون على ذلك
اىل اب د اآلابد وال سبيل للعدم السابق والعدم الالحق اىل جناب قدسه تعاىل فان وجوب
الوجود احقر خدام ذلك اجلناب املقدس وسلب العدم اذل كناسي ذاك احلرمي احملرتم وما
سواه تعاىل املسمي ابلعامل من العناصر واالفالك والعقول والنفوس والبسائط واملركبات
كلها موجودة ابجياد هللا تعاىل وخمرجة من العدم اىل الوجود والقدم الذايت والقدم الزماين
كالمها اثبتان جلناب قدسه تعاىل فقط واحلدوث الذايت والزماين كائن لغريه تعاىل كما انه
خلق االرض يف يومني أخرج السموات والكواكب بعد خلق االرض من العدم اىل الوجود
- 987 -
يف يومني قوله تعاىل خلق االرض وقوله تعاىل فقضاهن سبع مسوات يف يومني مصداق
هذا الكالم سفيه بل منكر لنص القرآن من يتفوه بقدم بعض ما سواه كاالفالك وما فيها
وبسائط العناصر والعقول والنفوس وقد انعقد امجاع املليني اىل حدوث ما سواه تعاىل
وحكموا بوجوده بعد العدم السابق ابالتفاق كما صرح به االمام حجة االسالم الغزايل يف
رسالته املنقذ عن الضالل وكفر مجاعة قالوا بقدم بعض اجزاء العامل فاحلكم بقدم شئ من
املمكنات خروج عن امللة ودخول يف الفلسفة وكما ان العدم السابق كائن ملا سواه تعاىل
العدم الالحق ايضا الحق به فتنتثر الكواكب وتنشق السموات وتندك االرض واجلبال
وتلحق ابلعدم كما نطق به نص القرآن وانعقد عليه امجاع مجيع الفرق االسالمية قال هللا
تعاىل يف كالمه اجمليد فاذا نفخ يف الصور نفخة واحدة ومحلت االرض واجلبال فدكتا دكة
واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية وقال اذا الشمس كورت
واذا النجوم ا نكدرت واذا اجلبال سريت وقال اذا السماء انفطرت واذا الكواكب انتثرت
وقال اذا السماء انشقت وقال كل شئ هالك اال وجهه له احلكم واليه ترجعون ووردت
يف القرآن امثال ذلك آايت كثرية واجلاهل ينكر فناء هؤالء جبهله ويرد النصوص القرآنية
مفتتنا ابملموهات الفلسفية وابجلملة ان اثبات العدم الالحق يف املمكنات كاثبات العدم
السابق فيها من ضرورايت الدين واالميان به الزم وما قال بعض العلماء من ان سبعة
اشياء ال يتطرق عليها الفناء بل تكون ابقية وهي العرش والكرسي واللوح والقلم واجلنة
والنار والروح ال مبعن ان هذه االشياء ال تقبل الفناء وليست فيها قابلية الزوال حاشا من
ذلك وكال بل مبعن ان القادر املختار جل شأنه يفين بعد الوجود من يشاء ويبقي من
يشاء حلكم ومصاحل يفعل هللا ما يشاء وحيكم ما يريد والح من هذا البيان ان العامل
جبميع اجزائه مستند اىل الواجب تعاىل وحمتاج اليه سبحانه يف الوجود والبقاء فان البقاء
عبارة عن استمرار الوجود يف زمان اثن واثلث اىل ما شاء هللا تعاىل ليس فيه امر زائد
على الوجود مسمى ابلبقاء فيكون نفس الوجود واستمراره مستندا ومفوضا اىل ارادته
تعاىل وماذا يكون العقل الفعال حت يدبر االشياء وتكون احلوادث مستندة اليه ويف نفس
- 988 -
وجوده وثبوته الف كالم فان حتققه وحصوله مبنت على املقدمات الفلسفية املموهة وكلها
غري اتمة على اصول مجيع الفرق االسالمية واالبله من يصرف االشياء عن القادر املختار
جل شأنه ويسندها اىل مثل هذا االمر املوهوم بل يلحق لالشياء الوف من العار من ان
تكون مستندة اىل منحوت الفلسفي بل االشياء بعدمها راضية من ان يكون استنادها اىل
جمعول سفسطي حمرومة من سعادة االنتساب اىل قدرة القادر املختار جل سلطانه كربت
كلمة خترج من افواههم ان يقولون اال كذاب.
{املكتوب الثامن واخلمسون اىل اخلواجه صالح الدين االحراري يف بيان ان
خلق املمكنات ووجودها يف مرتبة الوهم}
كان هللا ومل يكن معه شئ وملا اراد ان يظهر كماالته املكنونة طلب كل اسم من
امسائه تعاىل مظهرا من املظاهر ليجلي كماالته يف ذلك املظهر وال قابل ملظهرية الوجود
وتوابعه غري العدم فان مظهر الشئ ومرآته مباين ومقابل لذلك الشئ واملباين واملقابل
للوجود هو العدم فقط فعني احلق سبحانه بكمال قدرته يف عامل العدم لكل اسم من
امسائه مظهرا من املظاهر وخلقه يف مرتبة احلس والوهم يف اي وقت اراده على اي طور
شاء خلق االشياء مت شاء وجعل املعاملة االبدية مربوطة هبا (ينبغي) ان يعلم ان املنايف
للعدم هو اخل ارج ال الثبوت العارض له يف مرتبة احلس والوهم فانه ال منافاة بينهما وثبوت
العامل يف مرتبة احلس والوهم ال يف مرتبة اخلارج حت يكون منافيا له فيجوز ان يعرض
للعدم ثبوت يف مرتبة احلس والوهم وحيصل له هناك بصنع هللا جل سلطانه اتقان ورسوخ
و يكون يف تلك املرتبة حيا وعاملا وقادرا ومريدا وبصريا ومسيعا ومتكلما بطريق االنعكاس
والظلية وال يكون له يف مرتبة اخلارج اسم وال رسم وال يكون شئ غري ذات الواجب
وصفاته تعاىل اثبتا وموجودا يف اخلارج وهبذا املعن ميكن ان يقال وهو اآلن كما كان
ومثال ذلك النقطة اجلوالة والدائرة املوهومة فان املوجود هو النقطة فقط والدائرة معدومة
يف اخلارج ال اسم منها فيه وال رسم ومع ذلك عرض هلا يف مرتبة احلس والوهم ثبوت
- 989 -
وحصل هلا يف تلك املرتبة بطريق الظلية اانرة واشراق ومن هذا التحقيق حصل االستغناء
عن املقدمات املبسوطة اليت ذكرها الشيخ حميي الدين واتبعوه يف تكوين العامل من بيان
التنزالت والتعينات العلمية واخلارجية واثبات احلقائق واالعيان الثابتة يف مرتبة علم
الواجب تعاىل واثبات عكوسها يف اخلارج الذي هو ظاهر الوجود وتسمية آاثره خارجية
كما ال خيفى على املنصف الناظر يف كالمهم املطلع على اصطالحهم وهبذا التحقيق
صار معلوما ان ال موجود يف اخلارج غري احلق جل وعال ال االعيان وال آاثر االعيان بل
ثبوت هؤالء يف مرتبة احلس والوهم وال حمذور يف ذلك أصال فان ذلك ليس مبوهوم اثبت
ابخرتاع الوهم حت يرتفع ابرتفاع الوهم بل ثبوته بصنع هللا جل شأنه يف مرتبة الوهم وله
يف تلك امل رتبة تقرر واتقان واستحكام صنع هللا الذي اتقن كل شئ (واتضح) من هذا
البيان ان حقائق املمكنات عدمات عرض هلا يف موطن علم الواجب متيز وتعني وصارت
اثبتة يف مرتبة احلس والوهم مرة اثنية بصنع هللا تعاىل وصار بعض منها مرااي االمساء االهلية
جل شأنه وصار يف تلك املرتبة بطريق الظلية واالنعكاس حيا وعاملا وقادرا ومريدا وبصريا
ومسيعا ومتكلما وحتقيق الشيخ ومتابعيه ان حقائق املمكنات صور االمساء االهلية العلمية
اليت هي احد التنزالت اخلمسة الوجودية وابجلملة ان حقائق املمكنات يف فهم هذا الفقري
عدمات وعند الشيخ وجودات متنزلة وحضرة الشيخ اثبت اراءة الكثرة يف اخلارج وقال ان
الصور العلمية املتكثرة اليت هي حقائق املمكنات وعرب عنها ابالعيان الثابتة صارت
منعكسة يف مرآة ظاهر الوجود تعاىل الذي ال موجود غريه يف اخلارج وعرض هلا اراءة يف
اخلارج وصارت ترى كأهنا موجودة يف اخلارجة وال موجود يف احلقيقة يف اخلارج غري الذات
تعالت وقال ان كل واحدة من الصور العلمية حتدث هلا يف وقت من االوقات نسبة
جمهولة الكيفية بظاهر الوجود الذي هو كاملرآة لتلك الصور وتصري تلك النسبة سببا
لكوهنا مرئية يف اخلارج وهذه النسبة ليست مبعلومة الحد حت ان االنبياء عليهم الصالة
و السالم مل يطلعوا على هذا السر وقال الظهار تلك الصور يف اخلارج بعد حصول تلك
النسبة اجملهولة الكيفية خلقا و اجيادا لالشياء و على التحقيق السابق الذي اهتدى إليه
- 990 -
هذا الفقري كما ان األشياء ال وجود هلا يف اخلارج كذلك كوهنا مرئية فيه ايضا على
اللونيتها ال وجود فيه للغري وال اراءة وال شأن فان ثبتت له اراءة فهي يف مرتبة الوهم وان
كان له ثبوت فهو ايضا بصنع هللا تعاىل يف مرتبة الوهم وابجلملة ان ثبوته واراءته يف مرتبة
واحدة ال ان ثبوته يف موضع وارائته يف موضع آخر مثال ان الدائرة املوهومة الناشئة من
النقطة اجلوال ة كما ان ثبوهتا يف مرتبة الوهم ال يف اخلارج اراءته ايضا يف تلك املرتبة فانه ال
رسم هلا يف اخلارج حت تصري مرئية فيه غاية ما يف الباب انه رمبا يظن االراءة الومهية اراءة
خارجية كما اذا رأى الرائي الصور املثالية يف عامل املثال يف اليقظة حبس الباطن فيخال انه
ي راها يف عامل الشهادة حبسب الظاهر وامثال هذا االشبتاه تقع كثريا وجيد السالك مرتبة
من املراتب مشتبهة أبخرى فيحكم على ذاك حبكم هذا ففيما حنن فيه ان تلك الدائرة
املوهومة اليت صارت مرتسمة يف اخليال ترى يف مرتبة هي مرتسمة فيها ببصر اخليال
ويتخيل اهنا ترى يف اخلا رج بعني الرأس وليس كذلك فانه ال اسم هلا يف اخلارج الذي هو
حمل النقطة اجلوالة وال رسم حت تكون مرئية فيه وصورة الشخص اليت صارت منعكسة يف
املرآة على هذا املنوال ايضا فانه ال ثبوت هلا يف اخلارج وال ارآءة بل ثبوهتا واراءهتا كالمها
يف مرتبة اخليال وهللا سبحانه اعلم فما ظنه الشيخ قدس سره خارجا واثبت لالشياء
االراءة واملرئية فيه بطريق االنعكاس ليس هو خارجا بل مرتبة الوهم قد حصل هلا ثبات
وتقرر بصنع هللا جل شأنه وتوهم اهنا خارج واخلارج ما وراء ذلك فانه مبعزل عن شهودان
واحساسنا وما هو مشهود وحمسوس ومعقول ومتخيل لنا كلها داخلة يف دائرة الوهم
واملوجود اخلارجي هو ما وراء وراء افهامنا ال جمال هناك للمرآتية واي صورة تنعكس يف
تلك احلضرة واملرااي والصور كلها يف مراتب الظالل اليت تتعلق بدائرة الوهم واحلس ربنا آتنا
من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا.
رزق هللا سبحانه االستقامة على جادة الشريعة املصطفوية على صاحبها الصالة و
السالم والتحية وجعلنا مشغوال جبناب قدسه ابلكلية (أيها) الولد العزيز صاحب التميز
ان احلوادث اليومية ملا كانت ابرادة واجب الوجود جل سلطانه ومشيته ينبغي ان جيعل
العبد ارادته اتبعة الرادته تعاىل وان يعتقد احلوادث عني مراداته وان يكون ملتذا هبا فان
كان املقصود العبودية ينبغي اكتساب هذه النسبة واال فانكار للعبودية ومعارضة مبواله
وقد ورد يف احلديث القدسي من مل يرض بقضائي ومل يصرب على بالئي فليطلب راب
سوائي وليخرج من حتت مسائي نعم قد كان الفقراء واملساكني ومتعلقاتكم مسرتحيني
ومرفهة االحوال برعايتكم ومحايتكم وحيث ان هلم صاحبا يكفيهم ذلك وحسن ثنائكم
وذكركم اجلميل ابق جزاكم هللا سبحانه ابجلزاء العاجل واآلجل و السالم.
{املكتوب الستون اىل ولد شيخه اخلواجه عبد هللا يف بيان عدمية ذات
االنسان وبيان ان ذاته هي النفس الناطقة مع بيان فناء النفس والقلب وزوال العلم
احلصويل}
هو احلق املبني سبحانه من ال يتغري بذاته وال بصفاته وال يف امسائه حبدوث
االكوان فان كل تغري وتلون وقع يف حدوث االكوان فامنا هو يف مراتب العدم ومل يتطرق
اىل حضرة الوجود تعاىل وتقدس تنزل وال تبدل ال يف اخلارج وال يف العلم اصال بيانه ان
احلق سبحانه ملا اراد ان يظهر كماالته الذاتية والصفاتية واالمسائية وان جيليها يف جمايل
االشياء ومراايها عني لكل كمال يف مراتب العدم نقيض ذلك الكمال املقابل له واملتميز
عن سائر االعدام ابالضافة اليه ليكون مرآة له فان مرآءة الشئ مقابل الشئ وسبب
لظهوره وبضدها تتبني االشياء واالعدام اليت فيها قابلية الن تكون مرااي للكماالت
اوجدها يف مرتبة احلس والوهم يف اي وقت اراد واعطاها االستقرار واالستحكام وجعل
مجيع تلك الكماالت منعكسة فيها وصري تلك االعدام بذلك االنعكاس حيا وعاملا
وقادرا ومريدا وبصريا ومسيعا ومتكلما يف تلك املرتبة ولكن قد كان حمسوسا انه قد
- 992 -
يتصرف اوال يف العدم من غري ان جيعل فيه شئ آخر وجيعل هو بذلك التصرف مالئما
ولينا مث يظهر فيه الكمال كما ان الشمع جيعل اوال لينا ومالئما مث يصور بعد ذلك صورا
و اشكاال (ينبغي) ان يعلم ان املراد هنا من العدم هو العدم اخلارجي املقابل للوجود
اخلارجي فال يكون منافيا الجياده الواقع يف مرتبة الوهم مع اان نقول ان املنايف للعدم هو
الوجود الذي نقيضه وال يصري العدم وجودا وأما اذا كان موجودا ال يلزم منه حمذور اصال
كما قالوا يف الوجود انه من املعقوالت الثانوية وال وجود هلا يف اخلارج بل هي معدومة فيه
(فعلم) من هذا التحقيق ان حقائق االشياء اعدام انعكست فيها كماالت مرتبة الوجود
تعالت وتقدست وحصلت هلا ابجياد هللا تعاىل حتقق وثبوت ومهي واستقرار واستمرار يف
مرتبة احلس والوهم وكان ذوات االشياء تلك االعدام وانعكاس الكماالت فيها مبثابة
قواها وجوارحها وبعد متهيد هذه املقدمات نذكر يف بيان املقصد االصلي الذي يتعلق
ابلوالية اخلاصة كلمات ينبغي استماعها بسمع العقل (اعلم) ارشدك هللا وهداك سواء
الطريق ان حقيقة االنسان وذاته العدم الذي هو حقيقة النفس الناطقة اليت يعرب عنها يف
االبتداء ابلنفس االمارة وكل فرد من افراد االنسان يشري بلفظ اان اليها فتكون ذات
االنسان هي النفس االمارة وتكون سائر لطائف االنسان كالقوى واجلوارح هلا وحيث ان
العدم شر حمض يف حد ذاته مل يشم رائحة من اخلريية تكون النفس ايضا شرا حمضا ال
تكون فيها رائحة من اخلريية ومن خباثتها وجهلها تدعي الكماالت الظاهرة فيها بطريق
االنعكاس والظلية لنفسها وتنسب قيام تلك الكماالت الثابتة ابصلها اىل نفسها وتزعم
نفسها بتلك الكماالت كاملة وخريا وتكتسب من هذه احليثية دعوى السيادة وتشرك
نفسها برهبا يف الكماالت وتظن احلول والقوة من نفسها وتزعم نفسها متصرفة وتريد ان
يكون الكل اتبعا هلا وحتب نفسها اكثر من الكل وحتب غريها لنفسها ال الجلهم ومن
هذه التخيالت الفاسدة تكتسب عداوة ذاتية ملوالها وال تذعن ابحكامها املنزلة بل تتبع
هواها وورد يف احلديث القدسي عاد نفسك فاهنا انتصبت ملعادايت وبعث هللا سبحانه
االنبياء عليهم السالم من كمال رأفته ورمحته رمحة للعاملني ليدعوا اخللق اىل احلق سبحانه
- 993 -
وليخربوا بيوت االعداء وليدلوها على موالها وليخلصوها من جهلها وخبثها وليطلعوها
على شرها ونقصها فمن ادركته السعادة االزلية أجاب دعوة هؤالء االكابر ورجع من
جهله وخبثه وصار منقادا لالحكام املنزلة (ينبغي) ان يعلم ان طريق تزكية النفس على
نوعني طريق يتعلق ابلرايضات واجملاهدات وهو طريق االانبة وخمصوص ابملريدين والطريق
الثاين طريق اجلذب واحملبة وهو طريق االجتباء ويتعلق ابملرادين شتان ما بني الطريقني
الطريق االول سري اىل جانب املطلوب والطريق الثاين جر حنو املقصود وبني السري واجلر
فرق كثري وتفاوت فاحش فاذا اريد لصاحب دولة بسابق الكرم اجلر من طريق االجتباء
يعطي له اجلذب واحملبة جلناب القدس ويوصل به اىل املقصود جرا جرا فاذا كان فيما بني
هؤالء من ادركته السعادة يوصل به اىل حد الفناء ويتخلص من رؤية السوى وعلمه
وجياوز به اآلفاق واالنفس ونسيان اآلفاق مربوط بفناء القلب ونسيان االنفس موقوف
على فناء النفس االمارة ويف االول زوال العلم احلصويل ويف الثاين زوال العلم احلضوري
وزوال العلم احلضوري ال يتصور ما مل يتحقق زوال النفس احلاضرة وما دامت النفس
احلاضرة قائمة فالعلم احلضوري موجود فان العلم احلضوري عبارة عن النفس احلاضرة ال
امر زائد عليها فالزوال الشهودي يف فناء النفس يكون عبارة عن زواهلا الوجودي خبالف
الزوال الشهودي الذي اعترب يف فناء القلب فانه ليس مبستلزم لزوال وجود القلب فان
الشهود هناك زائد على الشاهد وفناء احدمها ليس مبستلزم لفناء اآلخر (تنبيه) ال يتخيلن
االبله ان زوال النفس احلاضرة حاصل ايضا يف مقام البقاء ابهلل الذي هو ميسر الرابب
التوحيد الوجودي فان احلاضر مثة هو احلق سبحانه ال نفس السالك الفانية الان نقول ان
احلاضر يف ذلك املقام هو نفس السالك وقد تصورها السالك بعنوان احلقية واحلق
سبحانه منزه ومربأ من هذا التعني واحلضور وهذا من قبيل ما قيل {ع}:
وصار الفأر يف رؤايه انقة
وامنا هنا زوال العلم ابلنفس احلاضرة وهو من اقسام العلم احلصويل ال زوال النفس
احلاضرة املستلزم لزوال العلم احلضوري وزوال النفس احلاضرة عبارة عن زوال عينها واثرها
- 994 -
{املكتوب احلادي والستون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد مد
ظله يف بيان ان رؤية العارف لبعض املظاهر تصري له سببا للعروج يف بعض االحيان
وما يناسب ذلك}
اذا وقعت معاملة العارف يف صرف الذات تعالت وتقدست وسقطت مجيع
النسب واالعتبارات ففي ذاك املوطن يتعسر العروج ويعسر اخلروج من غري عالقة وتعلق
ويف ذلك الوقت حبكم النظرة االوىل لك رمبا ميدالنظر االول اىل املظاهر اجلميلة يف ذاك
املقام ويرقى اىل فوق ابلسرعة ويوصل من اجملاز الذي قيل له قنطرة احلقيقة اىل احلقيقة
ولكن االجتناب عن النظرة الثانية اليت ورد يف حقها النظرة الثانية عليك الزم يف ذلك
الوقت فاهنا مضرة وسم قاتل فكيف يتصور منه االمداد واالعانة وما جعل هللا لك يف
احلرام شفاء وقد صار حمسوسا انه اذا وقع النظر الثاين ابلطمع الفاسد يرى مرميا خاليا
كسائر احلجر واملدر والذين يعتقدون النظرة الثانية والثالثة والرابعة املتعلقة ابملظاهر
اجلميلة مفيدة ويزعموهنا من اسباب العروج اىل احلقيقة فهم ارابب االستدراج واحلقيقة
الذين يزعمون اهنم يعروجون اليها من عامل اجملاز قوله تعاىل قل للمؤمنني يغضوا من
ابصارهم كاف يف رد هذه اجلماعة ورمبا تكون ظلمات اجلوار انفعة يف تلك الوقعة وكفر
اجلريان وفسقهم ممدا يف هذه املعاملة حت انه كلما تزيد الظلمة يزيد االمداد ال ملا قيل ان
الفيوض الواردة على املستغرقني يف ظلمة الغفلة ال تصل اليهم لعدم قابليتهم هلا بل تتوجه
اىل من يكون يف جوارهم ابحلضور واجلمعية وهو يرتقي بفيوض اآلخرين فان االمر ليس
كذلك النه ميكن ان يقال ان تلك الفيوض الواردة ال تصل اىل حوايل ذلك العارف
بواسطة علو درجته فضال عن ان متده يف العروج وشأن هؤالء االكابر عال ال ينفع يف
شؤهنم كل عمل وفيض بل مثة سر دقيق منكشف الرابب ذلك احلال والقدر املمكن
اظهاره ان الظلمة ايضا حيتاج اليها الجل كمال ظهور النور ولعلكم مسعتم وبضدها تتبني
- 995 -
االشياء وملا كان ارتكاب الظلمة منهيا عنه اعتربت ظلمة اجلوار ايضا من كمال الكرم
وجعلت انفعة يف ظهور النور الذي هو نور االنوار (فان قيل) كيف ال يكون للطاعات
والعبادات خصوصا اداء الفرائض نفع يف ذلك املوطن ومل ال متد يف العروج (قلت) مل ال
تكون انفعة ومل ال متد يف العروج ولكن النفع واالمداد املعتد هبما املتحققان سابقا ليسا
حباصل يف ذلك الوقت وليس هلا نفع كنفع االسباب اخلارجية املذكورة فيما سبق وامثاهلا
وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا انك انت العليم
احلكيم و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب الثاين والستون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم مد
ظله العايل يف بيان انتفاء الفناء الوجودي عن االنسان بناء على عدمه الذايت}
ان حقيقة االنسان وذاته هي النفس الناطقة املشار اليها لكل فرد من افراد
االنسان بلفظ اان وحقيقة النفس الناطقة العدم وقد تومهت نفسها بواسطة انعكاس
الوجود والصفات الوجودية موجودة وحية وعاملة وقادرة ابالستقالل وزعمت هذه
الصفات الكاملة من احلياة والعلم وغريمها من نفسها وقائمة هبا وتيقنت نفسها هبذا
التوهم كاملة وخريا ونسيت خباثتها ونقصها الذاتيني الناشئني من العدم الذي هو شر
حمض فاذا ادركتها عناية هللا سبحانه وخلصتها من اجلهل املركب وتصديق الكاذب تعرف
ان هذه الكماالت من حمل آخر ال منها وال اهنا قائمة هبا وتعلم ان حقيقتها وذاهتا العدم
الذي هو شر حمض ونقص خالص فاذا غلبت هذه الرؤية بكرم هللا تعاىل وسلمت
الكماالت اىل صاحبها ابلتمام وادت هذه االمانة اىل اهلها ابلكلية ووجدت نفسها
عدما حمضا ومل تشم يف نفسها رائحة من اخلريية فحينئذ ال يبقى منها اسم وال رسم وال
عني وال اثر فان العدم ال شئ حمض ال ثبوت له يف مرتبة من املراتب فلو حتقق له فرضا
ثبوت يف مرتبة من املراتب ملا كانت مجيع الكماالت مسلوبة عنه فان الثبوت عني
الكمال بل ام الكماالت فلزم من هذا التحقيق ان يكون هذا الفناء امت واكمل ال حاجة
- 996 -
اىل زوال وجود الفاين اصال فانه مل يثبت له وجود اصال حت يتصور الزوال بل كان عدميا
مثبتا نفسه بتوهم الوجود وملا زال ذلك التوهم وحتقق ابلعدم الصرف بقي هالكا وال شيئا
حمضا فال يكون بد من الزوال الشهودي وال حيتاج اىل الزوال الوجودي وهللا سبحانه اعلم
حبقيقة احلال.
االثر بينهما شركة وملا حصلت للموهوم بكرم هللا تعاىل شركة مع املوجود يف ترتب
االحكام وترتب اآلاثر على املوهوم ترتبها على املوجود انبعثت يف املوهوم احملروم اطماع
ورجااي من املوجود وحصلت له بشارات حصول دولة القرب واالتصال ابملوجود
{شعر}:
هينئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع
ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العشيم (ينبغي) ان يعلم ان القرب
واالتصال كلما تصورا وتعقال بغري املعن الذي ذكر ال يكوانن من غري تشبيه وجتسيم اال
ان يؤمنوا هبما ومل يشتغلوا بكفيتهما ويفوضومها اىل علم هللا تعاىل وحيث حلق هبذه
االلفاظ نوع بيان ساغ ان خنرجها من املتشاهبات ونلحقها ابجململ او املشكل وهللا
سبحانه اعلم حبقيقة احلال.
{املكتوب الرابع والستون اىل حضرة اخلواجه حممد سعيد وحضرة اخلواجه
حممد معصوم سلمهما هللا سبحانه وابقامها يف بيان الفناء االمت املربوط بزوال العني
واالثر مع حتقيق وجود الواجب سبحانه وبيان زوال العدم من املمكن وبقاء الثبوت
وعروجاته}
الفناء االمت امنا يتحقق اذا حصل زوال العني واالثر عن الفاين ومل يبق منه اسم وال
رسم (فان قيل) اذا كانت حقيقة املمكنات االعدام اليت متايزت ابالضافة وصارت جمايل
امساء الواجب وصفاته سبحانه كما حققت ذلك يف مكاتيب لزم ان ال يبقى من العدم
الذي هو حقيقته اسم وال رسم يف املمكن على تقدير حصول هذا الفناء وان ال يكون
فيه شئ غري الوجود الصرف فان زوال احد النقيضني مستلزم حلصول اآلخر لئال يلزم
ارتفاع النقيضني معا والوجود عند الصوفية عني الواجب تعاىل او اخص صفاته سبحانه و
على كال التقديرين يلزم قلب احلقيقة وهو مستلزم لالحلاد والزندقة (اجيب) ان نقيض
العدم ليس هو ذاك الوجود الذي هو حقيقة الواجب تعاىل او اخص صفاته الذاتية
- 998 -
للمكن يف مرتبة الوهم واحلس وترتب عليه اآلاثر وصار مرآة لكماالت مرتبة حضرة
الوجوب تعالت وتقدست بعد زوال العدم وصار ذات املمكن وحقيقته كالعدم الزائل
وكان هذا الثبوت قبل زوال العدم من صفات العدم مثبتا له يف مرتبة احلس والوهم وقد
صار ذلك الثبوت اآلن بعد زوال العدم انئبا منابه يف كونه ذات املمكن وانتساب
الصفات اليه وقيام معاملة العدم به وقيام معاملة نيابة العدم هذه منوط ببقاء نقيض ذلك
الثبوت وبقاء االمكان فاذا ترقت املعاملة من نقيض الثبوت ومل يبق للوجود ما يقابله بل
مل يبق للعدم جمال املقابلة به ومل يبق لالمكان مساغ فيه فحينئذ تتبدل املعاملة غري املعاملة
وتقع بني اجللساء والندماء مغايرة ومبادلة فينبغي طلب سرأو ادىن مثة وكل حمل فيه شوب
االمكان وجمال العدم ولو ابلنقاضة فهو داخل يف قاب قوسني فاذا شرع االمكان والعدم
يف الرحيل وقرعت هلما مقرعة التحويل تستقبل كماالت او ادىن ال مبعن ان املمكن يصري
يف ذلك الوقت ذات الواجب يعين عينه بل مبعن ان قيامه يكون ابلذات البحت تعالت
ويزول قيامه الذي كان بظل من ظالل الذات تعالت {ع}:
ليس من غاب يف االله اهلا
وقيام هذا العارف بذات واجب الوجود كقيام صفاته بذاته سبحانه و تعاىل بل
قيامه مبرتبة ليست الصفات ملحوظة فيها اصال وان مل يكن للصفات انفكاك عن الذات
اال ان قيام الصفات ازيل وابدي وهي قدمية وقيامه ليس أبزيل و هو متسم بسمة احلدوث
ولكن للصفات نقائض من االعدام كعدم العلم وعدم القدرة مثال ومعاملة هذا العارف
قد ترقت من نقاضة االعدام كما حققنا (ال خيفى) ان املعاملة اذا ترقت من نقاضة العدم
يتحقق الوجوب ويصري املمكن واجبا وهو حمال (أجيب) امنا يصري املمكن واجبا اذا
عرض له الوجود اخلارجي وال ثبوت للممكن يف غري مرتبة الوهم واحلس فمن اين يتصور
يف حقه وجوب الوجود وظهر من هذا البيان بني قيام العارف وقيام الصفات فرق آخر
وهو ان قيام الصفات ابعتبار الوجود اخلارجي وقيام العارف ابعتبار الوجود الومهي وان
كان له ثبات واستقرار وكان مبدأ لآلاثر (ينبغي) أن يعلم ان بقاء صدور اان من العارف
- 1000 -
مربوط ببقاء العدم الذي هو حقيقته فاذا زال العدم مل يبق ألان مورد حت يطلق عليه
ومعاملة الثبوت بعد زوال العدم وان كانت طويلة الذيل وصار الثبوت ذاات للممكن
ولكن ال مورد لكلمة اان هناك وكأن وضع لفظ اان كان للحقيقة العدمية حيث تنفر من
احلقيقة الثبوتية نعم ان اجلزء االعظم يف املمكن هو العدم وصار املمكن ممكنا من العدم
واتسعت معاملة املمكن من العدم واحتياج املمكن امنا نشأ من العدم واحلدوث الالزم
لالمكان امنا ترتب على العدم وكثرة املمكن منشعبة من جهة العدم واالمتياز فيه ايضا
حصل من العدم واجلود يف حقه مستعار وهو ايضا ابلتخيل والتوهم ولو كان له ثبات
واستقرار (واعلموا) ان الصفات القائمة بذات الواجب جل سلطانه تظهر الذات عز
شأ هنا بتمامها بلون كل واحدة منها ال ان بعض الذات يكون متصفا بصفة وبعض آخر
منها متصفا بصفة أخرى فانه ال تبعض يف حضرة الذات وال جتزي بل هي بسيط حقيقي
وكل حكم يثبت مثة فهو ابعتبار الكلية كما قالوا ان ذات هللا تعاىل كلها علم وكلها قدرة
وكلها ارادة والقيام الذي حيصل للعارف بذات الواجب جل سلطانه بال مالحظة االمساء
والصفات ايضا من هذا القبيل حيث تظهر ابلكلية بلونه وتبدي مرآتيتها بتشخصه على
عكس مرااي اخر فهم من فهم {شعر}:
اتقيم اي سعد القيامة من حال * وة منطق عطلت به الببغاء
ومثل هذا الظهور اعين ظهور املرآة بلون الصورة ابلكلية ان حصل للعارف بعد
الفناء االمت بقاء بذلك الظهور يكون أكمل تعيناته لكونه وجودا موهواب حقانيا قد تيسر
له ابلوالدة الثانية وهذا التعني مع حدوثه وامكانه ملا كان انشئا من مرتبة اجلمع له مزية
وفضل على تعينات اخر ليست انشئة من تلك املرتبة كمزية حروف القرآن وكلماته على
حروف وكلمات أخر وان كان كلها متسمة بسمة احلدوث وابله من يرى هذا التعني من
اقتصار نظره على الظاهرمساواي لتعينات أخر و تزعم مساواة حروف القرآن وكلماته مع
حروف كلمات اخر فاعرف فضل العارف من ههنا وقس مزيته على اآلخرين على مزية
كالم هللا عز وجل على كالم اآلخرين {شعر}:
- 1001 -
خاب الذي قد يرى ذا القبح كاحلسن * و فاز من كان فيه حدة البصر
وقال احملجوبون يف حق حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم انه بشر وتصوروه
كسائر البشر فانكروه ابلضرورة وتصوره اصحاب الدولة وارابب السعادة بعنوان الرسالة
والرمحة للعاملني واعتقدوه ممتازا من سائر الناس فتشرفوا بدولة االميان وصاروا من اهل
النجاة {تنبيه} اذا اورد يف اثناء اداء بعض املطالب العالية املتعلقة بذاته الواجب جل
شأنه وصفاته بواسطة ضيق ميدان العبارة الفاظ مومهة بصفات املمكن املستلزمة للنقص
والقصور ينبغي ان يصرف تلك االلفاظ عن ظاهرها وان يعتقد جناب قدسه تعاىل منزها
ومربأ عن مجيع صفات النقص ومسات القصور واطلق بعض االلفاظ الذي مل يرد به الشرع
على حضرته تعاىل بتقليد املشائخ العظام بطريق التجوز مثل املرآتية وغريها واان خائف
مشفق منه ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او اخطأان (فان قيل) انه قد يقع يف عبارتك لفظ
التجلي والظهور الظلي وأمثاهلما فيلزم منه تنزل الوجود يف مراتب الظهورات كما قال به
املشائخ وانت تنكر على ذلك فما وجه ما ذكرت هنالك (قلت) ان التنزل امنا يلزم اذا
قلنا ان املظهر عني الظاهر كما قال اآلخرون واما اذا مل نقل انه عينه ال يلزم التنزل وخمتار
هذا الفقري عدم عينية الظاهر ابملظهر وهللا سبحانه املوفق.
{املكتوب اخلامس والستون اىل موالان صفر امحد الرومي يف بيان ان كل صفة
من صفات العارف وكل لطيفة من لطائفه تظهر بعنوان كلية ذاته بعد بقاء ذاته}
(اذا) أعطي العارف الكامل التام املعرفة بعد بقاء الذات الصفات الكاملة
واالخالق احلميدة تظهر كل صفة من تلك الصفات متصفة بعنوان كلية ذاته ال ان
بعض ذاته يكون متصفا بصفة وبعضا آخر متصفا بصفة أخرى مثال تكون ذاته بتمامها
علما و بتمامها بصرا و بتمامها مسعا كما قال حمققوا الصوفية يف صفات الواجب جل
شأنه ذات هللا تعاىل كلها علم وكلها قدرة وكلها مسع وكلها بصر مثال ومن ههنا يرى
املؤمنون احلق سبحانه يف اجلنة بال جهة فاهنم يكونون بكليتهم ابصارا فاذا كانوا بكليتهم
- 1002 -
ابصارا كيف يكون هناك جمال للجهة قالوا ان ما تيسر لعوام املؤمنني يف اآلخرة بعد اللتيا
واليت يتيسر لالولياء الذين هم خواص املؤمنني يف الدنيا فيكون ما هو نسبة يف حق هؤالء
نقدا هلؤالء ينبغي ان يقيس نسبتهم من ذلك {ع}:
وقس من حال بستاين ربيعي
ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم (وكذلك) كل لطيفة من
لطائف ذلك العارف تظهر بوصف كليته فيصري العارف بتمامه لطيفة الروح وبتمامه
لطيفة القلب و على هذا القياس سائر اللطائف االنسانية من النفس الناطقة والسر و
اخلفى واالخفي و على هذا املنوال ايضا كل جزء من اجزائه وكل عنصر من عناصره
أيخذ حكم الكل مثال جيد العارف نفسه ابلتمام عنصر الرتاب وبتمامه عنصر املاء فاذا
انصبغت لطيفة القلب اليت هي احلقيقة اجلامعة بلون الكل وزال تعلقه الذي كان ابملضغة
القلبية وبقيت املضغة خالية يف ذلك الوقت كاجلسد اخلايل عن الروح يتخيل انه ما
اصاهبا يف هذا اجملئ والذهاب غبار من هذا الطريق بل هي على صرافتها االصلية كحبة
بقيت يف قدر مغلي غري مطبوخة حبيث مل تؤثر فيها احلرارة ومل يصبها املاء غاية ما يف
الباب اهنا بعد رفع ذلك التعلق وبعد اخللو تكون منصبغة بلون سائر االجزاء وأتخذ
حكم الكل كأجزاء اخر.
{املكتوب السادس والستون اىل حممد مقيم القصوري يف جواب سؤاله عن
معىن اجملاز قنطرة احلقيقة}
سأل اخي حممد مقيم انه أبي معن قالوا اجملاز قنطرة احلقيقة اعلم ان اجملاز ظل
احلقيقة ومن الظل اىل االصل طريق سلطاين ولعلهم هبذا االعتبار قالوا من عرف نفسه
فقد عرف ربه فان معرفة الظل مستلزمة ملعرفة االصل فان الظل كائن على صورة اصله
فيكون سببا النكشاف االصل الن صورة الشئ ما ينكشف به ذلك الشئ لكن ينبغي
ان يعلم ان اجملاز امنا يكون قنطرة احلقيقة اذا مل يدخل يف البني تعلق ابجملاز ومل ينجر االمر
- 1003 -
اىل نظرة اثنية وقنطرة احلقيقة هي النظرة االوىل اليت قال املخرب الصادق عليه و على آله
الصالة و السالم يف حقها النظرة االوىل لك وكانه اشار بلفظ لك اىل حصول هذه
الدولة واما اذا دخل التعقلق ابجملاز يف البني عياذا ابهلل سبحانه واجنر االمر اىل النظرة
الثانية فذلك اجملاز سد يف طريق الوصول اىل احلقيقة فضال عن ان يكون قنطرة بل هو
صنم يدعو اىل عبادته وغول يضل عن طريق احلقيقة بغوايته وهلذا قال املخرب الصادق
بياان ملضرة النظرة الثانية النظرة الثانية عليك واي شئ يكون اضر مما يصد عن احلق
ويشغل ابلباطل (ينبغي) ان يعلم ان النظرة االوىل امنا تكون انفعة اذا مل تكون عن اختيار
واما اذا كانت ابالختيار فحكمها حكم النظرة الثانية قوله تعاىل قل للمؤمنني يغضوا من
ابصارهم كاف يف اثبات هذا املطلب ومل يفهم جهالء الصوفية الناقصون معن هذه
العبارة فغلطوا وخلطوا وطفقوا يشغفون ابلصور اجلميلة وينخدعون بغنجهم ودالهلم بطمع
اهنم جيعلوهنم وسيلة الوصول اىل احلقيقة ومعراجا حلصول املطلوب كال ان ذلك هو عني
سد طريق املطلوب وحاجب عن حصول املقصود والذي زين يف نظرهم هو الباطل وهم
قد وقعوا يف الغرور ابنه احلقيقة وزعم مجع منهم حسن تلك الصور ومجاهلم حسن عني
احلق جل شأنه ومجاله وظنوا التعلق هبم عني التعلق ابحلق وزعموا مشاهدهتم عني مشاهدة
احلق حت قال بعضهم {شعر}:
امروز چون مجال تو ىب پرده ظاهر است * در حريمتكه وعدهء فردا براى چيست
تعاىل هللا عما يقول الظاملون علوا كبريا ماذا ظن هؤالء القاصرون احلق سبحانه
وماذا زعموا حسنه ومجاله تعاىل اما مسعوا انه اذا وقعت شعرة من شعر حور اجلنان اليت
هي من خملوقاته سبحانه فرضا يف الدنيا ملا اظلمت الدنيا من اضاءهتا واشراقها ابدا وقد
ثبت احرتاق جبل الطور واندكاكه بتجل واحد من جتليات احلق جل وعال وسقوط كليم
هللا على نبينا وعليه افضل الصالة و السالم مغشيا عليه من ذلك التجلي مع علو منزلته
و زايدة قربه ورفعته بنص القرآن وهؤالء مع قصور عقوهلم هذه يرون احلق سبحانه بال
حجاب يف مجيع االوقات ويتعجبون من وعد الرؤية األخروية لقد استكربوا يف أنفسهم
- 1004 -
وعتوا عتوا كبريا وعلماء اهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل سعيهم بذلوا غاية جهدهم
يف اثبات الرؤية األخروية برباهني نقلية وخالفوا يف ذلك مجيع الفرق فانه مل يقل برؤية احلق
جل وعال غري اهل السنة احد من الفرق املخالفني مليوهم وغري ملييهم بل عدوها من
احملال العقلي واهل النسة ايضا قالوا اهنا بال كيف واهنا خمصوصة بتلك النشأة وهؤالء
املهوسون يزعمون حصول هذه الدولة الباهرة يف هذه النشأة الفانية وصاروا مسرورين
مبنامهم وخياهلم ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا و السالم على من اتبع
اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله امت الصلوات واكمل التسليمات.
{املكتوب السابع والستون اىل املري منصور يف بيان حقيقة الكائنات وبيان
الفرق بني مكشوف حضرة شيخنا ومكشوف صاحب الفتوحات}
ان عرصة هذه الكائنات اليت تتخيل معاينة ومشهودة و منبسطة و مسطحة و
طويلة و عريضة هي عند حضرة الشيخ حميي الدين بن العريب واتبعيه حضرة الوجود الذي
ال موجود يف اخلارج غريه وذلك الوجود هو ذات احلق سبحانه الذي يسموهنا ظاهر
الوجود الذي بواسطة انعكاسه يف الصور العلمية املتكثرة اليت يسموهنا ابطن الوجود
ويقال هلا االعيان الثابتة وتلبسه هبا يتخيل متكثرا ومنبسطا وطويال وعريضا مع كونه على
وحدته وبساطته ويقولون ان مشهود الكل وحمسوس اجلميع من العوام واخلواص يف هذه
الصفحة يف الكسوة الكونية ويف الصور واالشكال املتمايزة هو حضرة احلق سبحانه يتوهم
للعوام عاملا والعامل مل خيرج من موطن العلم اصال ومل يشم رائحة من الوجود اخلارجي
والظا هر يف مرآة حضرة الوجود هو عكوس تلك الصور العلمية اوقعت العوام يف توهم
[]1
الوجود اخلارجي بظهورها يف اخلارج ملوالان اجلامي عليه الرمحة (رابعي)
جمموعهء كون را بقانون سبق * كردمي تفحص ورقا بعد ورق
( )1الرابعي ملوالان اجلامي مرت ترمجته يف أول اجللد الثاين وقد التزمت ان اثبت اصول االبيات غالبا يف هذا اجللد تربكا
واعتمادا على الرتاجم السابقة فليتنبه منه عفي عنه.
- 1005 -
گشتيم مهه چشم نديدمي درو * جز ظل صفات آمده اثبت درو هم
احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا
ابحلق.
{ املكتوب الثامن والستون اىل الفقري حممد هاشم الكشمي يف حتقيق مرتبة
الوهم اليت ظهر العامل يف تلك املرتبة وما يناسب ذلك}
ان قولنا للعامل موهوما ال مبعن انه منحوت الوهم وجمعوله كيف يكون منحوت
الوهم فان الوهم ايضا من مجلة العامل بل مبعن ان احلق سبحانه خلق العامل يف مرتبة الوهم
وان مل يك ن الوهم موجودا يف ذلك الوقت ولكنه كان يف علم هللا تعاىل ومرتبة الوهم عبارة
عن ظهور بال كون ووجود كمثل دائرة انشئة من جوالن النقطة اجلوالة حيث ان هلا ظهورا
وال وجود واحلكيم املطلق جل سلطانه خلق العامل يف تلك املرتبة و اعطى الظهور احملض
ثبوات وثباات واخرجه من الغلط اىل الصحة ومن الكذب اىل الصدق وجعله نفس االمر
اولئك بيدل هللا سيئاهتم حسنات واملرتبة املوهومة مرتبة عجيبة ال مزامحة هلا ابملوجود اصال
وال تدافع وال تثبت له جهة من اجلهات وال حد وال هناية كما ال تنازع للدائرة املوهومة
مع النقطة اجلوالة املوجودة وال جهة من اجلهات اثبتة هلا معها ومل حيدث يف النقطة هناية
اصال من حدوث الدائرة املوهومة حيث ال ميكن ان يقال ان النقطة يف ميني الدائرة او يف
مشاهلا او يف قدامها أو يف خلفها او فوقها او حتتها وثبوت هذه اجلهات للدائرة امنا هو
ابلنسبة اىل االشياء اليت هلا ثبوت يف مرتبتها واما ما هو كائن يف مرتبة أخرى فليس شئ
من هذه اجلهات بثابت للدائرة معها وايضا مل يثبت هلذه النقطة حد و هناية حبدوث تلك
الدائرة بل هي على صرافتها وهلل املثل األعلى ينبغي ان يعلم من هذا البيان حال العامل مع
صانع العامل جل شأنه أبنه مل حيدث له سبحانه من اجياد العامل حد وال هناية ومل حتصل له
جهة من اجلهات وهذه النسبة كيف تتصور هناك فانه ال اسم من هؤالء يف تلك املرتبة
العلياء وال رسم حت تتصور النسب وطائفة من املخذولني تومهوا من قصور نظرهم
- 1007 -
حصول هذه النسب وثبوت اجلهات يف حق صانع العامل جل شأنه مع العامل ونفوا رؤيته
تعاىل وزعموها حماال وقدموا جهلهم املركب وتصديقهم للكاذب على الكتاب والسنة
وظنوا انه لو كان احلق سبحانه مرئيا لكان يف جهة من جهات الرائي وذلك مستلزم
للحد والنهاية وقد علم من التحقيق السابق ان ال شئ يف حقه سبحانه من هذه النسب
مع العامل سواء أ ثبتت الرؤية او ال فتكون الروية وال حتدث اجلهة كما حتقق هذا املعن اما
علموا ان هذا احملذور الزم ايضا يف وقت وجود العامل فان الصانع تعاىل يكون يف جهة
من العامل و يكون ايضا وراء العامل وهو مستلزم للحد و النهاية فان قالوا انه يف مجيع
جهات العامل فما يقولون يف حق لزوم احلد والنهاية الالزم للورائية وايضا الفساد واحملذور
يف ثبوت اجلهة امنا هو الستلزامها النهاية وهي بنفسها الزمة هنا واخلالص من هذا
املضيق امنا هو يف اختيار قول الصوفية اعين قوهلم للعامل موهوما فيحصل التخلص حينئذ
من اشكال اجلهة والنهاية وال حمذور يف القول أبنه موهوم اصال فان له احكاما صادقة
كاملوجود واملعاملة االبدية والتنعمات والتعذيبات السرمدية مربوطة به واملوهوم الذي قال
به السوفسطائية اجملانني شيئ آخر فانه خمرتع الوهم ومنحوت اخليال شتان ما بينهما
(ولنرجع) اىل اصل الكالم فنقول انه ال جهة للدائرة املوهومة الناشئة من النقطة اجلوالة
ابلنسبة اليها بل هي خارجة من مجيع جهاهتا فلو صارت تلك الدائرة فرضا بتمامها بصرا
لرأت النقظة من غري جهة البتة الن اجلهة مفقودة بينهما وفيما حنن فيه ايضا لو صار
الرائي بتمامه بصرا ورأى احلق جل وعال بال جهة اي حمذور يلزم فيه واملؤمنون يرونه
سبحانه يف اجلنة بكليتهم وال يثبت جهة اصال وحبكم ختلقوا ابخالق هللا حتصل هذه
الدولة لالولياء يف الدنيا ويصريون بكليتهم بصرا وان مل تكن رؤية فاهنا خمتصة ابآلخرة
ولكن هلا حكم الرؤية وامنا قلت ختلقوا ابخالق هللا فاهنم قالوا يف الواجب تعاىل ذاته كلها
بصر وكلها مسع وكلها علم وللمتخلقني نصيب من هذه االخالق ألبتة وكل صفة من
صفاهتم أتخذ يف ذلك املقام حكم كليتهم فيصريون بكليتهم بصرا مثال و يعطي سائر
املؤمنني هذه النسبة يف اآلخرة فيتشرفون هنالك بدولة الرؤية ان شاء هللا تعاىل وال يلزم
- 1008 -
على هذا التقدير حمذور واشتباه اصال وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال.
وتدارك التقصري اليوم ممكن فينبغي اغتنام الفرصة دون ان يسوف يف االمر ويؤخر قال
حضرة اخلواجه احرار قدس سره كنا مع مجاعة من الدراويش فجرى الكالم بيننا يف
الساعة املست جابة املودعة يف يوم اجلمعة ابهنا اذا تيسرت ماذا ينبغي ان يطلب من هللا
ايل قلت ينبغي ان يطلب فيها صحبة
تعاىل فيها فقال كل احد كالما فلما بلغت النوبة ّ
ارابب اجلمعية فان مجيع السعادات ميسرة يف ضمنها وارسلنا بعض نقول املكاتيب
مصحواب ابلرافع رزق هللا سبحانه اال نتفاع به مث ان اخي الشيخ كرمي الدين جاء منذ مدة
ولعله يكتب اليكم من احواله واملتوقع من االحباب الدعاء ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا
انك على كل شئ قدير و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و
على آله الصلوات و التسليمات.
{املكتوب احلادي والسبعون اىل جناب املخدوم زاده حممد عبيد هللا يف بيان
التمييز بني دقائق املوهوم الذي هو العامل وبني املوجود احلقيقي الذي هو صانع
العامل}
و هلل املثل االعلى ان النقطة اجلوالة اليت نشأت منها الدائرة يف الوهم كما اهنا
موجودة يف اخلارج موجودة يف الوهم ايضا ولكن وجوده هناك بال نقاب ظهور الدائرة
وهنا هبذا النقاب وكوهنا موجودة يف اخلارج ال مبعن ان هلا يف كال املرتبتني وجودا على
حدة كال بل هلا وجودا واحدا يف اخلارج والوهم هناك بال نقاب الدائرة وهنا مع النقاب
وهذه الدائرة املوهومة اليت هلا ظهور يف الوهم بال وجود امنا حدثت من غلط احلس فان
جعلت يف تلك املرتبة موجودة واعطيت ثباات واستقرارا وظهورا ابلوجود خلرجت من غلط
احلس ألبتة وصارت من مجلة نفس االمر وترتبت عليها احكام صادقة فلهذه الدائرة يف
الوهم حقيقة وصورة فحقيقتها هي النقطة اجلوالة اليت هي هبا قائمة وصورهتا هي الدائرة
نفسها اليت عرض هلا فيه ثبوت وثبات وهذه الصورة وان مل تكن عني تلك احلقيقة لثبوت
احكام متمايزة فيها ولكنها ليست ببعيدة عن احلقيقة ومنفكة عنها فان املتخيل هبذا
- 1010 -
مخسني الف سنة قوله تعاىل تعرج املالئكة والروح اليه يف يوم كان مقداره مخسني ألف
سنة إشارة اىل ذلك والشيخ بنفسه ايضا معرتف ببعد الطريق هذا وهلذا قال ابحلرية وال
يظنن االبله من بعد الطريق ان احلق سبحانه بعيد فانه سبحانه قريب بل اقرب اىل العبد
من نفس العبد بل هذا البعد امنا هو ابعتبار الدرك و املعرفة ال ابعتبار املكان واملسافة
والنقطة االخرية من الدائرة أقرب النقط اىل املبدأ ولكن ملا جعل ظهرها اىل جانب املبدأ
ووجهها اىل طرف آخر وقع وجدانه مع وجود قربه من املبدأ بعيدا ومربوطا بطي مجيع
النقط {شعر}:
اى كمان وتريها بر ساخته *صيد نزديك تو دور انداخته
هركه دور انداز ترا و دور تر * از چنني صيداست او مهجورتر
نعم من مل يقاس شديد البعد ال يعرف قدر القرب ما صنع هللا سبحانه فهو خري
و السالم على من ابتع اهلدى.
{املكتوب الثاين والسبعون اىل جناب اخلواجه حسام الدين امحد يف بيان ان
تلوينات العسكر متكني الرابب اجلمعية مع جواب استفساره عن قراءة املولد}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد تشرفت مبطالعة الصحيفة الشريفة
ومالحظة املالطفة املنيفة املرسلة ابسم هذا الفقري على وجه الكرم والشفقة هلل سبحانه
احلمد واملنة على صحتكم وعافيتكم وعدم خلوكم عن تفقد احوال االحباب املهجورين
واحوال فقراء هذه احلدود واوضاعهم مستوجبة للحمد حيث ان يف عني البالء عافية ويف
مظان التفرقة مجعية واالوالد واالحباب الذين يف الرفاقة متر اوقاهتم على اجلمعية واحواهلم
يف الرتقي والتزايد والعسكر يف حقهم خانقاه حمض ونصيبهم يف عني تلوينات العسكر
مجعية وهم يف عني التعلقات الشت اليت هي من لوازم هذا املوطن متوجهون اىل مطلب
واحد ومشغوفون به ال شغل ال حد معهم وال ضرر عليهم من احد ومع ذلك هم
مسلوبوا االعتبار وبدولة احلبس والقيد هلم اشتهار اي له من حبس ال يشرتى يف عوضه
- 1012 -
اخلالص جبوز واي له من قيد ليس لالطالق يف جنبه مقدار موز احلمد هلل سبحانه واملنة
على ذلك و على مجيع نعمائه (أيها املخدوم) فان املقصود من ارسال الكتاب اىل قرة
العني اظهار التحسر على فوت بعض النعم اليت كان حصوهلا متوقعا يف جوار الوطن
واجملئ اىل العسكر والصحبة فيه مربوط بصالحهم فان معرفتهم ابوضاع العسكر أكثر
واطالعهم على نفع هذا املوطن وضرره ازيد واوفر واندرج فيها انه ان كتبت انه ال
تصيبهم آفة يذهبون هناك الغيب عند هللا تعاىل ولكن محدا هلل سبحانه مل تصب احدا
من ا الصحاب والرفقاء بكرم هللا سبحانه آفة التفرقة اىل اآلن مع كثرة االختالط ابرابب
التفرقة ومل ميتنع احد منهم عن املطلب واندرج ايضا ما يف ابب قراءة املولد ما املضايقة يف
نفس قرآءة القرآن وقراءة القصائد النعتية واملناقب بصوت حسن واملنهي عنه هو حتريف
حروف القرآن وتغيريها والتزام رعاية اوزان النغمة وترديد الصوت هبا بطريق االحلان مع
تصفيق مناسب هلا غري مباح يف الشعر ايضا فان قرأوا على هنج ال يقع حتريف يف كلمات
القرآن وال تتحقق الشرائط املذكورة يف قراءة القصائد وكانت قراءهتا بغرض صحيح فما
املانع حينئذ[ ]1ايها املخدوم قد يقع يف خاطر الفقري انه ما مل ينسد هذا الباب مطلقا ال
ميتنع عنه املهوسون فلو جوزان يف القليل لينجر اىل الكثري قليله يفضي اىل كثريه قول
مشهور و السالم.
{املكتوب الثالث والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد يف
اسرار صفة احلياة اليت هي فوق العلم وبيان ان العلم كما انه من الصفات الزائدة
كذلك هي من الشئون الغري الزائدة أيضا وكذا سائر الصفات}
اعلم ان حضرة الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره ومتابعيه الذين اثبتوا
التنزالت اخلمس اعتربوا التعني االول من امجال حضرة العلم وقالوا له احلقيقة احملمدية
( )1اعلم أنه قد مر املنع عن قراءة املولد مطلقا يف مكاتيب عديدة ومراده قدس سره هو هذا الذي ذكره هنا وامنا أطلق
هناك للعلة املذكورة هنا فال سند يف منعه عنه للوهابيني خذهلم هللا ومن حيذو حذوهم عفي عنه.
- 1013 -
عليه و على آله الصالة و السالم واعتقدوا انكشاف ذلك التعني جتليا ذتيا واعتقدوا ما
فوقه الالتعني الذي هو مرتبة الذات البحت واالحدية اجملردة من مجيع النسب
واالعتبارات (ال خيفى) ان فوق شأن العلم شأن احلياة اليت العلم اتبع هلا وهي ام مجيع
الصفات علما وغريه وسواء كان العلم حصوليا او حضوراي وشأن احليوة هذا شأن عظيم
الشأن وحكم سائر الشئون والصفات يف جنبه حكم اجلداول ابلنسبة اىل البحر احمليط
والعجب ان الشيخ املعظم مل يسر يف هذه اململكة الوسيعة ومل يقتطف من رايضها ازهار
العلوم واملعارف هذا الشأن وان كان اىل حضرة الذات تعالت اقرب وللجهالة وعدم
االدراك انسب ولكن ملا كان فيه شائبة التنزل والظلية كان من مظان العلم واملعرفة قل او
كثر وملا وقع السري هلذا الفقري بكرم هللا سبحانه يف ذلك الشأن عظيم الشأن صار
مشهودا ان الشيخ له حجرة حتت ذلك املقام مبسافة بعيدة وانه اختار االقامة فيه ولعله
انل من هذا املقام حظا وافرا يف اآلخر واطالق بعد املسافة يف مثل هذه االبعاد الال
كيفية ميكن ابعتبارين ضيق ميدان العبارة او ان صورة ذلك البعد املثالية مشهودة يف عامل
املثال يف صورة بعد املسافة سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا انك انت العلم احلكيم و
السالم على من اتبع اهلدى.
(فصل ابخلري) لزم من هذا البيان ان ال يكون العلم اثبتا يف مرتبة احلياة اليت فوقه
سواء كان حصوليا او حضوراي فاذا مل يكن اثبتا يف مرتبة احلياة كيف يكون اثبتا يف مرتبة
حضرة الذات جل شأنه اليت هي فوق الفوق فاذا مل يكن العلم اثبتا يكون نقيضه اثبتا
تعاىل هللا سبحانه عن ذلك علوا كبريا والتفصي من هذا االشكال مبين على معرفة دقيقة
قل من تكلم هبا من اولياء هللا تعاىل (ينبغي) ان يعلم ان علم الواجب جل شأنه كما انه
من الصفات الثمانية احلقيقية الزائدة كما قال اهل احلق كذلك هو من الشئون
واالعتبارات الذاتية الغري الزائدة ايضا وحيث ان القسم االول من الصفات الزائدة على
الذات تعالت فمتعلقه ايضا مما سوى الذات املقدسة سواء كان ذلك السوى عاملا او
صفات زائدة فان كلما هو متسم بسمة الظلية وعرض له اسم الزايدة ال يكون الئقا
- 1014 -
جبناب مرتبة حضرة الذات املقدسة وال يكون له تعلق جبناب قدسه تعاىل سواء كان ذلك
العلم حصوليا او حضوراي فان كان حضوراي فهو ايضا متعلق بظل من ظالل حضرة
الذات وان كان بني العلم والعامل واملعلوم احتاد فان هذا االحتاد ايضا ظل من ظالل املرتبة
املقدسة ال عينها وان ظن مجع عينيتها والقسم الثاين الذي هو من الشئون الذاتية الغري
الزائدة متعلقه حضرة الذات فقط تعالت وتقدست واعلى مما يتعلق مبا سوى الذات
وابجلملة ان العلم ان كان زائدا فتعلقه مقصور على ما سوى الذات والعلم الذي ليس
بزائد بل جمرد اعتبار فتعلقه مقصور على حضرة الذات تعالت وتقدست والعلم املنتفي يف
مرتبة خضرة الذات هو العلم الزائد الغري الالئق بتلك املرتبة املقدسة الذي هو ظل شأن
العلم الغري الزائد وال يلزم من انتفاء ذلك العلم ثبوت نقيضه الذي هو اجلهل فانه اذا مل
يك ن هناك جمال للعلم الذي هو من الصفات الكاملة كيف يكون لنقيضه الذي هو
نقص من القدم اىل الرأس جم ال الثبوت يف تلك احلضرة غاية ما يف الباب ان هذين
النقيضني كالمها يكوانن مسلوبني عن تلك احلضرة وال يلزم حمذور اصال قال واحد من
العارفني عرفت ريب جبمع االضداد وكأنه ال يصل اىل ذلك املقام االقدس بواسطة علوه
واحد من هذين النقيضني[ ]1فاذا كان مجيع النسب واالعتبارات مسلوبة عن تلك احلضرة
فالعلم وعدم العلم اللذان من مجلة النسب يكوانن مسلوبني ايضا والذي ال بد له من
النسب واالعتبارات وال يكون فيه رفع النقيضني وال مجعهما هو املمكن وخالق النسب
واالعتبارات منزه عن النسب واالعتبارات وقياس الغائب على الشاهد ممتنع يف ذلك
املوطن او نقول ان انتفاء العلم اخلاص ال يستلزم عدم العلم املطلق بل يستلزم عدم العلم
اخلاص الذي هو متضمن لشائبة الظلية فعلى هذا التقدير ال يلزم حمذور اصال وال يكون
ارتفاع النقيضني فافهم (ينبغي) أن يعلم ان العلم الذي هو من الشئون الذاتية ال مناسبة
له اصال اب لعلم الذي هو من الصفات الزائدة وان كان اصل هذا العلم هو ذاك العلم فان
( )1قوله أن هذين النقيضني اخل وهذا من مجلة مصطلحات الصوفية وقد أخذه عنهم بعض اصحاهبم من أرابب
املعقول فاشتهر بينهم ايضا فهم يستعملونه فيما بينهم وال يدرون معناه.
- 1015 -
الصفات الزائدة ظل الشأن الذايت ومثة كله انكشاف يف انكشاف وحصول يف عني
احلضور ومن علو درجته ال يقدر اجلهل ان يقع يف الطرف املقابل له وان يقوم بنقاضته
خبالف صفة العلم فان اجلهل قائم بنقاضتها وان كان وقوعه غري جائز واحتمال النقيض
له هذا صار ابعثا على احنطاطه ومنعه من التعلق جبناب القدس فان كل كمال فيه
احتمال النقيض اي كمال كان ال جمال له يف تلك احلضرة القدرة اليت اثبتوها يف تلك
املرتبة املقدسة مثال هي القدرة اليت ال عجز يف مقابلته خبالف صفة القدرة فان فيها
احتمال النقيض وان مل يكن واقعا و على هذا القياس مجيع الشئون والصفات الواجبية
تعالت وتقدست فاذا مل يكن لشان العلم مناسبة بصفة العلم اصال كيف يكون لعلم
املخلوقات مناسبة هبذا الشأن عظيم الشأن وكيف يتصور له تعلق بتلك املرتبة املقدسة اال
ان يكون من احلق سبحانه رعاية وعناية للعبد فاعطي النكشافه الناقص جالء من عند
انكشافه واعطاه البقاء االكمل من عنده بعد الفناء االمت ففي هذا الوقت ميكن ان حيصل
له تعلق الكيفي بتلك املرتبة املقدسة ويبلغ مبلغا يقصر دونه االصل ويصل اىل اصل
االصل متجاوزا مرتبة االصل وهذه خصوصية امتاز هبا بنو آدم وفتح هلم طريق الرتقي
حت يتجاوزون االصل واصل االصل ايضا ويبلغون مبلغا يبقى االصل كالظل يف الطريق
ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم و السالم.
{املكتوب الرابع والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم يف
شرح كالم صاحب الفصوص يف بيان جتلي الذات وحتقيق الرأي اخلاص حبضرة
شيخنا ومل يتم هذا املكتوب اتفاقا}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قال الشيخ بن العريب قدس سره
والتجلي من الذات ال يكون اال بصورة املتجلي له فاملتجلي له ما رأي سوى صورته يف
مرآة احلق وما رأى احلق وال ميكن ان يراه واملراد من مرآة الذات هو الشأن الذايت الذي
ظله االسم الزائد الذي هو مبدأ لتعني املتجلى له فان لكل اسم زائد هو مبدأ لتعني من
- 1016 -
تعينات املخلوقات اصال يف مرتبة الذات وهو الشان الذي هو جمرد اعتبار يف الذات كما
حققت يف غري موضع وليس املراد منه الذات مطلقا فان املطلق ال يكون مرآة للمقيد وملا
كانت املرآة مقيدة مثل الصورة الكائنة فيها واصال الصل تلك الصورة ال جرم يتجلى
املرآة يف نظر املتجلى له بصورته الكائنة فيها من غري زايدة وال نقصان الن جتلي ذلك
الشان وظهوره يف هذه املرتبة اليت وقع التجلي فيها ال يكون اال هبذه الصورة اليت كان
املتجلى له عليها اال ان ظهوره هبذه الصوة لفنائه وعدم تعلقه ابلعامل مشروط بتوسط
االسم الظلي الذي هو مبدأ لتعني صورة املتجلى له وهذه املرآة املقدسة مباينة لسائر
املرااي فان ظهور الصورة يف تلك املرااي كائن يف زاوية من زواايها وال تظهر املرااي أبعيان
الصورة احلالة فيها ملباينة بينهما خبالف هذه املرآة املقدسة فان الصورة غري حالة فيها وال
حاصلة يف زاوية من زواايها لعدم احلالية واحمللية يف تلك احلضرة ولو حسا وعدم التبعض
والتجزي يف تلك املرتبة املقدسة ولو ومها بل تظهر هذه املرآة املقدسة بكليتها بصورة
املتجلى له تكون هي مرآة وصورة فاملتجلى له ما رأى سوى صورته يف مرآة احلق الذي
هو شان الذات الذي ظهر بصورة املتجلى له وما رأى احلق املطلق وال الشان اخلاص
على النهج التنزيهي والنمط التقديسي وال ميكن ان يراه هذا مبين على رأي الشيخ يف
نفي امكان الرؤية التنزيهية واثبات الرؤية يف الظهورات التشبيهية اجلامعة اللطيفة بطريق
التمثل واملثال وهو كما ترى خمالف ملا اتفق عليه علماء اهل السنة شكر هللا تعاىل سعيهم
من ان رؤيته تعاىل يف الدنيا جائزة غري واقعة ويف اآلخرة بال كيف واقعة ال يكون بتمثل
ومثال {شعر}:
يراه املؤمنون بغري كيف * وادراك وضرب من مثال
الن رؤية التمثل رؤية كيف وأيضا ليست رؤية له تعاىل بل رؤية خملوق اوجده
واظهره بطريق التمثل وهو تعاىل وراء التمثل واملثال ووراء التوهم واخليال وكل ذلك خملوق
له تعاىل والعجب من كرباء العرفاء اهنم تسلوا ابلتشبيه عن التنزيه وابحلادث عن القدمي اذ
اكتفوا ابملثال وعكفوا على التمثال وظين ان ذلك املرض حدث هلم من قوهلم ابلتوحيد
- 1017 -
واالحتاد واصرارهم على قصور حكمهم ابن العامل هو احلق سبحانه فال جرم تكون رؤية
اي فرد من افراد العامل رؤية له تعاىل عندهم لالحتاد بينهما و من ههنا قال بعضهم
ابلشعر الفارسي{شعر}:
امروز مجال تو ىب پرده ظاهر است * در حريمت كه وعدهء فردا براى چيست
اال ان الشيخ خص من بني ذلك االفراد فردا خاصا جامعا حصل بطريق التمثل
وهو ال جيدي نفعا وكانه قدس سره بوفور علمه ابلكتاب والسنة واقوال العلماء تنبه على
شناع ة القول ابطالق الرؤية واحلكم ابن رؤيتهم مطلقا رؤية له سبحانه ومع ذلك لغلبة
السكر وقوة حال التوحيد ما ختلص عن مضيق التشبيه مطلقا وما تفرغ لتحصيل
كماالت التنزيه مفردا بل زعم ان املنزه الصرف قاصر وانقص وحمدد له تعاىل كاملشبه ففر
عن التنزيه الصرف وجزم أبن الكمال يف اجلمع بني التشبيه والتنزيه واحلكم ابن احدمها
عني اآلخر لريتفع التحديد والتقييد مطلقا وال خيفى عليك ان التشبيه معدوم يف اخلارج
عنده وامنا املوجود يف اخلارج هو التنزيه الصرف فال يكون احدمها حمددا ومقيدا لآلخر
على قياس الوجود والعدم اخلارجيني فان العدم غري حمدد للوجود وال العكس فان الوجود
على اطالقه مع العدم اطالقه مع الوجود غري مقيد أحدمها ابآلخر ولو كان العدم حمددا
للوجود لكان ينبغي ان حيكم أبن الكمال يف اجلمع بني الوجود والعدم و يكون احدمها
عني اآلخر وهو سفسطة ظاهرة فال يكون القول ابلتنزيه الصرف حتديدا له تعاىل وال
يكون اجلمع كماال بل نقصا واحلاقا للناقص ابلكامل ومعلوم ان املركب من الناقص
والكامل انقص بقي الصور املسماة ابالعيان الثابتة عنده اثبتة يف العلم وهي ايضا ال
تستلزم حتديد املوجود اخلارجي حت حيكم ابالحتاد والعينية بينهما وبينه وامنا حيدد املوجود
اخلارجي املوجود اخلارجي مثله واما املوجود العلمي فال حيدد املوجود اخلارجي وال يزامحه
لتباين املرتبتني اال ترى ان تصور شريك الباري وثبوته يف العلم ليحكم عليه ابالستحالة ال
يزاحم الباري تعاىل املوجود يف اخلارج وال حيدده وال يقيد اصال حت يتمحل يف دفعه
متحال غري واقع ابن احدمها عني اآلخر هذا ولنرجع اىل كالم الشيخ يف التجلي الذايت وما
- 1018 -
يناسبه فنقول ذكر الشيخ بعد ذكر هذا التجلي ما حاصله ان هذا التجلي هناية
التجليات وغاية العروجات وما بعد هذا اال العدم احملض فال تطمع وال تتعب نفسك
بتحصيل العروج فوقه والوصول وراءه فال مقام اعلى من هذه الدرجة يف التجلي الذايت.
{املكتوب اخلامس والسبعون اىل هذا احلقري حممد هاشم الكشمي يف بيان
جتلي افعاله وجتلي صفاته وجتلي ذاته سبحانه و تعاىل وهذا املكتوب كأنه تتمة
للمكتوب السابق}
ليعلم اخي اخلواجه حممد هاشم الكشمي ان جتلي االفعال عبارة عن ظهور فعل
احلق سبحانه للسالك على هنج يرى افعال العباد ظالل ذلك الفعل وجيد ذلك الفعل
اصل تلك االفعال ويعتقد قيام تلك االفعال بذلك الفعل الواحد وكمال هذا التجلي هو
ان ختتفي تلك الظالل عن نظره ابلتمام وتكون ملحقة ابصلها وجتد فاعل تلك االفعال
بال حس وال حركة كاجلماد وما قاله ارابب التوحيد الوجودي ابلعينية وقالوا الكل هو امنا
هو يف ذلك املوطن حيث رأوا هذه االفعال املتكثرة الصادرة من العباد فعل فاعل واحد
جل شأنه وهناك اختفاء انتساب االفعال اىل فعلتها وحدوث االنتساب فيها اىل فاعل
واحد ال اختفاء نفس االفعال واحلاقها ابصلها شتان ما بينهما وان كاد ان خيفى على
البعض وجتلي الصفات عبارة عن ظهور صفات احلق سبحانه للسالك على هنج يرى
صفات العباد ظالل صفات الواجب جل سلطانه وان جيد قيامها ابصوهلا فيجد علم
املمكن مثال ظل علم الواجب وقائما به وكذلك جيد قدرته ظل قدرته تعاىل وقائمة هبا
وكمال هذا التجلي هو ان ختتفي تلك الصفات الظاللية عن نظر السالك ابلتمام وتكون
ملحقة ابصوهلا وجيد نفسه الذي كان موصوفا هبذه الصفات خاليا عنها كاجلماد بال
حياة وال علم وال جيد يف نفسه اثرا من الوجود وكماالته وتوابعه حت ال يكون هناك ذكر
وال توجه وال حضور وال شهود فلو كان بعد اللحوق ابالصل توجه فهو متوجه من نفسه
اىل نفسه وان حضور فحاضر بنفسه مع نفسه ونصيب السالك من هذا املقام حصول
- 1019 -
حقيقة الفناء واالضمحالل وانتفاء انتساب الكماالت اليت كان ينسبها اىل نفسه بزعمه
واداء االمانة اليت كان يظن هتمة وكذاب اهنا من نفسه اىل اهل االمانة وزوال مورد كلمة اان
ايضا على حد لو تشرف ابلبقاء ال يكون موردا الان وال يقدر ان يعرب عن نفسه ابان وان
وجد نفسه عني اصله ال يتي سر له جمال اطالق اان على ذلك االصل وال يقدر ان يقول
انه عني االصل فان االاننية قد زالت عنه وقول اان احلق امنا هو لعدم حصول هذه النسبة
واجراء سبحاين على اللسان لعدم الوصول اىل هذه الدولة ولكن ينبغي محل صدور امثال
هذه االلفاظ عن االكابر على توسط احواهلم واعتقاد كماهلم وراء هذا القيل والقال
والفناء الذي هو حقيقة االمنحاء واالضمحالل وان كانت منتهى جتلي الصفات ولكن
حصوله من اشعة جتلي الذات وما مل تتجل الذات ال تتيسر دولة الفناء بل ال يتم جتلي
الصفات ايضا ما مل جتد مل تتخلص ومن جتلي الذات تزول بقية العارف اليت ترى له
كاجلماد وتلك البقية هي العدم الذي هو اصل مجيع املمكن وقد حصل له من انعكاس
صفات حضرة الوجوب تعالت وتقدست فيه امتياز وتشخص وكان هبذه املرآتية ممتازا من
اعدام اخر وملا صارت تلك الظالل املنعكسة ملحقة ابصوهلا مل يبق بني تلك االعدام ما
به االمتيازوصار هذا العدم اخلاص ايضا ملحقا ابلعدم املطلق فحينئذ مل يبق من العارف
اسم وال رسم ال تبقي وال تذر كما ان الوجود وتوابع الوجود ودعه وراح كذلك هذا العدم
فارقه ايضا وحلق ابصله واسرتاح (ينبغي) ان يعلم ان امتياز هذا العدم من اعدام اخر
الذي حصل بواسطة حصول ظالل الصفات فيه كان ابعتبار التوهم ويف احلقيقة مل يكن
فيه ظل اصال مثل مرااي اخر فان حصول الصور فيها ابعتبار التوهم فاذا كان حصول
الظالل فيها ابعتبار التوهم يكون امتيازه ايضا ومهيا فكما ان وجود املمكن ابعتبار التوهم
يكون عدمه ايضا ابعتبار التوهم فما اعطي يف خارج دائرة الوهم موضع قدم فان الوجود
والعدم يف احلقيقة على صرافة اطالقهما ما لذاك عرض تنزل وال هلذا حصل ترق ومن
كمال اقتدار الصانع تعاىل خلق العامل يف مرتبة الوهم من ذاك وهذا وأتقنه وجعل املعاملة
االبدية واجملازاة السرمدية منوطة به وما ذلك على هللا بعزيز وما قلت فيما سبق ان
- 1020 -
حصول دولة الفناء من اشعة جتلي الذات يعين ان حصول نفس جتلي الذات بعد
حصول دولة الفناء ما مل تتخلص مل جتد والفرق بني اشعة التجلي ونفس التجلي كالفرق
بني اسفار الصبح وطلوع الشمس فان يف وقت االسفار ظهور اشعة جتلي الشمس وبعد
الطلوع نفس جتلي الشمس ورمبا ال يشرف البعض بنفس التجلي مع ظهور اشعة التجلي
وال يوصل به اىل تلك الدولة القصوى بواسطة عروض بعض العوارض كما يدرك االسفار
وال يدرك الطلوع بعروض علة مساوية او ارضية وايضا ال حاجة يف شهود االسفار اىل
كمال قوة الباصرة وشهود الشمس هو الذي يستدعي كمال قوة الباصرة وحدة النظر اال
ترى ان ا خلفاش قادر على ادراك االسفار وعاجز عن ابصار الشمس يف النهار وابصار
الشمس يستدعي ان حيصل له بصر آخر ورمبا يكون يف السالك استعداد اشعة التجلي
وال يكون فيه استعداد نفس التجلي واخلفاش فيه استعداد مشاهدة اشعة جتلي الشمس
وليس فيه استعداد نفس جتلي الشمس ها اان اقول كالما عاليا لعله يكون انفعا وبعد
انصرام جتلي الصفات وبعد حصول فناء الصفات والذات يستقبل العارف جتل كانه
دهليز جتلي الذات وكانه برزخ بني جتلي الصفات وجتلي الذات والذي يرتقي من هذا
التجلي له نصيب من جتلي الذات بقدر استعداده وهذا التجلي الربزخي بزعم هذا الفقري
اصل لذاك التجلي الذايت الذي قال الشيخ بن العريب قدس سره يف حقه هذه العبارة
والتجلي من الذات ال يكون اال بصورة املتجلى له فاملتجلى له ما رأى سوى صورته يف
مرآة احلق وما رأى احلق وال ميكن ان يراه وقال هلذا التجلي منتهى التجليات ومل يقل
مبقام فوقه وقال وما بعد هذا التجلي اال العدم احملض فال تطمع وال تتعب يف حتصيل
العروج والرتقي فوقه فال مقام اعلى من هذه الدرجة يف التجلي الذايت والعجب ان
الوصول اىل املطلوب احلقيقي فيما وراء هذا التجلي والشيخ خيوف وحيذر عنه بقوله تعاىل
وحيذركم هللا نفسه ويهدد فلو مل نطمع حنن املهجورون املتحريون فيه ومل نتعب حلصوله
ماذا كنا فعلناه غري التسلي من اجلوهر النفيس بقطعات اخلزف غاية ما يف الباب ان
النصيب من كل مرتبة مناسب لتلك املرتبة فالنصيب امليسر من الالكيفي يكون الكيفيا
- 1021 -
ال سبيل للكيف اىل الالكيفي فاملعرفة اليت تتعلق بتلك املرتبة ليست كمعرفة تتعلق
ابلكيفي فانه ال جمال هلذه املعرفة هناك العلم يف ذات هللا سبحانه جهل اي ليس علما
من جنس العلم املتعلق بعلم املمكن فانه من مقولة الكيف وال كيف مثة واملنع من التفكر
يف ذات هللا سبحانه امنا هو بواسطة انه تعاىل وراء التفكر والتخيل ووجد انه تعاىل امنا
ميكن به سبحانه ال ابلفكر واخليال ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من امران رشدا وكان
ينبغي للشيخ قدس سره ان يقول وما بعد هذا التجلي اال الوجود الصرف والنور احملض
وامنا قال وما بعد هذا التجلي اال العدم ابعتبار ان العامل ظل الصفات والتفوق والرتقي
من الصفات اجتهاد وسعي يف اعدام نفسه وليس كذلك فان العارف اذا مل يرتق من
الصفة اليت هي ا صله ومل يتفوق الشئون واالعتبارات الذاتية ماذا يكون فعله والي شئ
يكون جميئه والفناء والبقاء اللذان تيسرا له يف كل مرتبة جراه للتجاوز اىل ما فوق اصله
فتجاوز ببقاء االصل عن االصل ووصل اىل اصل االصل {شعر}:
حيرق ابلنار من ميس هبا * ومن هو النار كيف حيرتق
فلو وص ل الشيخ قدس سره اىل اصل ذلك الظل ملا خاف من الرتقي اىل فوق ومل
خيوف ولكن حسن الظن يقتضى ترقي هذا الشيخ املعظم بفضل هللا جل سلطانه من
هذا املقام وادراكه حقيقة االمر ال ينبغي وزن حاله العظيم مبيزان قاله ولعله قال ذلك يف
االبتداء والتوسط مث جاوزه مبراحل من استوى يوماه فهو مغبون وهللا سبحانه املوفق وماذا
اكتب من التجلي الذايت وماذا اقدر ان اكتب فانه ذوقي فمن ذاق عرف ومن مل يذق مل
يدر {ع}:
بلغ الرياع اىل هنا فتكسرا
و القدر املمكن اظهاره ان التجلي الذايت يف حق العارف الذي ذكر فناءه فيما
سبق دائمي وما هو كالربق لغريه على الدوام يف حقه بل التجلي الربقي ليس هو جتليا
ذاتيا يف احلقيقة وان قالوا له جتليا ذتيا بل هو جتلي شأن من شئون الذات سريع االستتار
فانه مت ما حصل التجلي الذايت من غري مالحظة الشئون واالعتبارات فالدوام الزم له
- 1022 -
واالستتار غري متصور فيه وتلوينات التجليات تنبئ عن الصفات والشئوانت وحضرة
الذات منزهة ومربأة من التلوينات وال جمال فيها لالستتار ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء
وهللا ذوالفضل العظيم.
{املكتوب السادس والسبعون اىل املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم يف بيان
علو شأن العلم واملرتبة املقدسة فوقه املعرب عنها ابلنور الصرف}
اعلم ان شأن العلم وان كان اتبعا لشأن احلياة ولكن للعلم يف مرتبة حضرة الذات
تعالت وتقدست بعد سقوط اعتبار الصفات والشئون شأن ليس هو للحياة فضال عن
سائر الصفات والشئون ويف موطن التجرد عن مجيع النسب مرتبة ال جتوز اطالق غري
النور على نفسها أظن ان لل علم ايضا جماال فيها ال ذاك العلم الذي يقال له حصوليا او
حضوراي فانه مع قسميه اتبع للحياة بل هو الكيفي والمثلي كحضرة الذات تعالت
وتقدست وكله شعور ال كيفي بال اعتبار العامل واملعلوم وفوق تلك املرتبة مرتبة أخرى ال
جمال فيها للعلم كسائر الشئون ال شئ هناك غري النور الذي هو اصل ذلك الشعور
الالكيفي والالمثلي فاذا كان ظل ذلك النور الكيفيا والمثليا ماذا نقول من الكيفية
االصل الذي هو عني النور ماذا نقدر ان نقول ومجيع الكماالت وجوبية وامكانية ظالل
النور وقائمة ابلنور ووجود الكل صار وجودا ومبدأ لآلاثر من النور واملرتبة االوىل ملا
كانت فيه رائحة االحنطاط من مرتبة حضرة النور الصرف واجلامع للشعور هو النور قال
املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم يف حقه انه خملوق وعرب عنه احياان
ابلعقل حيث قال اول ما خلق هللا العقل واحياان ابلنور وقال اول ما خلق هللا نوري
وكالمها شئ واحد فانه نور وعقل وشعور وحيث نسب النيب صلّى هللا عليه و سلّم اىل
نفسه وقال نوري ميكن ان نقول ان هذه املرتبة هي احلقيقة احملمدية والتعني االول ال تلك
احلقيقة والتعني االول املتعارفان بل لو كان ذلك التعني ظال من ظالل ذلك التعني فهو
ايضا مغتنم كما ان املراد من هذا العقل ليس هو ذاك العقل الذي قال الفالسفة انه
- 1023 -
الصادر االول من الواجب تعاىل بطريق االجياب وجعلوه مصدر الصدور الكثرة (ينبغي)
ان يعلم ان كل موطن فيه تعني فيه رائحة من االمكان ومعه شوب من العدم الذي صار
ابعثا على تعني الوجود ومتيزه وبضدها تتبني االشياء وصفات الواجب جل شأنه هي اليت
عرض هلا التعني والتميز فهي مع وجود قدمها ليست بواجبة لذواهتا بل واجبة لذات
الواجب تعاىل وحاصل ذلك وجوب ابلغري الذي هو من اقسام املمكن وان كان
التحاشي الزما من اطالق لفظ االمكان يف الصفات القدمية لكونه مومها للحدوث
واملناسب هناك اطالق الوجوب جمليئها من ذات الواجب تعاىل ولكن لالمكان فيها جمال
يف احلقيقة لعدم وجوهبا لذواهتا بل لغريها وان مل يقولوا ابلغريية وارادوا ابلغري الغري املصطلح
ولكن االثنينية مقتضية للغريية االثنان متغايران قضية مقررة من قضااي ارابب العقول (و
العجب) ان الشيخ حميي الدين بن العريب قال لالثنني من التعينات تعينا وجوبيا وللثالثة
امكانية ويف احلقيقة يف كل التعينات مسة الظلية ورائحة االمكان وان كان بني ممكن
وممكن فرق كثري وكان احدمها قدميا واآلخر حاداث ولكن الكل غري خارج من دائرة
االمكان ويف الكل رائحة من العدم (واايك) وختيل املرتبة الثانية اليت هي النور الصرف
واملتعني ابلالتعني ذاات حبتا واحدية جمردة مثل اآلخرين فانه ايضا حجاب من احلجب
النورانية ان هلل سبعني الف حجاب من نور وظلمة وان مل يكن تعينا ولكنه حجاب
املطلوب احلقيقي وان كان آخر احلجب وهو تعاىل وراء الوراء وهذا النور الصرف ملا مل
يكن داخال يف دائرة التعني كان منزها ومربأ من ظلمة العدم وهلل املثل األعلى ومثل ذلك
النور كمثل تشعشع نور الشمس الذي هو حاجب لقرصها انتشر من عني القرص وصار
حجااب هلا ويف احلديث حجابه النور وهذه املرتبة العلياء فوق التجليات الذاتية فضال عن
جتليات االفعال والصفات فان التجلي بال شوب التعني غري متصور وهذا املقام فوق
مجيع التجليات ولكن منشأ التجليات الذاتية هو هذا النور الصرف والتجلي امنا يتصور
بواسطته ولواله ملا حصل التجلي وحقيقة الكعبة الرابنية اظنها حضرة ذلك النور الذي
هو مسجود اجلميع واصل مجيع التعينات فاذا كان مالذ التجليات الذاتية وملجؤها ذلك
- 1024 -
النور ماذا يزيد يف مدحه كونه مسجودا لآلخرين فاذا شرف هللا سبحانه بكمال فضله
وعنايته عارفا من الوف ابلوصول اىل هذه الدولة وخصه ابلفناء والبقاء يف هذا املوطن
ميكن ان ينال بقاء هبذا النور وحظا وافرا من الفوق وفوق الفوق وان يتجاوز من النور
ابلنور فيصل اىل أصل النور ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم وهذه
املعارف كما اهنا وراء طور النظر والفكر وراء طور الكشف والشهود ايضا وارابب
الكشف والشهود يف فهم هذه العلوم كأرابب العلم والعقل ال بد يف االهتداء اىل درك
هذه احلقائق مبتابعة االنبياء عليهم الصالة و السالم من نور فراسة النبوة (ينبغي) ان يعلم
ان هذا النور حاشاه من أن تكون فيه شائبة االمكان فيكون ممكنا ومن جنس اجلوهر
والعرض بل هو مرتبة ال ميكن اطالق شئ عليها غري النور وان كان ذلك الغري وجوب
الوجود فان الوجوب دونه {تنبيه} ال يتوهم احد من هذا البيان ان خرق مجيع احلجب
عن الذات تعالت قد حتقق يف حق هذا العارف لكون هذا النور آخر احلجب على ما
مر وهو ممتنع حلديث نقلوه ان هلل سبعني ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفت
الحرقت سبحات وجه ما انتهى اليه بصره من خلقه الن مثة حتقق وبقاء ابحلجب اليت
كل منها معد لآلخر ال خرق احلجب شتان ما بينهما ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا
من أمران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب السابع والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد يف
اسرار حقيقة القرآن اجمليدمع بيان دقائق العجز واملعرفة وحقيقة الصالة والكلمة
الطيبة}
احلمد هلل ال ذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا
ابحلق وبعد مرتبة النور الصرف اليت وجدها الفقري حقيقة الكعبة الرابنية وبينها مرتبة عالية
جدا وهي حقيقة القرآن اجمليد السبحاين و الكعبة املعظمة امنا صارت قبلة اآلفاق
وتشرفت بدولة املسجودية للكل حبكم القرآن اجمليد االمام قرآن واملأموم االول كعبة
- 1025 -
معظمة وهذه املرتبة املقدسة مبدأ لوسعة حضرة الذات الالكيفية وايضا ان مبدأ امتياز
تلك احلضرة الالكيفي والالمثلي هو هذه الدرجة العليا والوسعة يف تلك الدرجة املقدسة
ليست هي حبسب الطول والعرض فان ذلك من مسات النقص واالمكان بل هي امر من
مل يتحقق به ال يدريه وكذلك االمتياز يف تلك املرتبة املقدسة ليس هو ابملزايلة و املباينة
فان ذلك مستلزم للتبعض والتجزي اللذين من لوازم اجلسم واجلسماين تعاىل هللا سبحانه
عن ذل ك وال يتصور يف ذلك املوطن فرض شئ غري شئ فان الغريية تنبئ عن االثنينية بل
ال جمال فيه للفرض لكونه من قبيل فرض احملال من مل يذق مل يدر.
وما أبديك من طريي عالمه * واضحى مثل عنقاء وهامه
وللعنقاء بني الناس اسم * ومل يك السم طريي استدامه
وكل شئ يفرض يف ذلك املوطن وان كان فرض احملال ويتعمق النظر يف ذلك
الشئ ال يظهر فيه امر له اختصاص بذلك الشئ احملقق وال يوجد يف شئ آخر مفروض
ومع ذلك يكون االمتياز بني ذينك الشيئني املفروضني كائنا وابئنا وتكون احكام كل
منهما متميزة عن احكام اآلخر فسبحان من مل جيعل للخلق اليه سبيال اال ابلعجز عن
معرفته و العجز عن املعرفة نصيب االكابر االولياء وعدم املعرفة غري العجز عن املعرفة
مثال احلكم بعدم االمتياز يف ذلك املوطن املقدس ووجدان كل كمال ذايت عني اآلخر
كما قالوا ان العلم عني القدرة والقدرة عني االرادة عدم املعرفة ابمتياز ذلك املوطن
واحلك م ابالمتياز يف ذلك املوطن واالعرتاف بعدم وجدان كنه ذلك االمتياز عجز عن
معرفة امتياز ذلك املوطن وعدم املعرفة جهل والعجز عن املعرفة علم بل العجز متضمن
للعلمني علم الشئ والعلم بعدم وجدان كنه ذلك الشئ من غاية عظمة ذلك الشئ
وكربايئه فلو ادرجنا فيه علما اثلثا ايضا لساغ وهو علم االنسان بعجزه وقصوره الذي هو
مؤيد ملقام عبديته وعبوديته ويف عدم املعرفة اليت هو اجلهل رمبا يكون ذلك اجلهل مركبا
اذا مل يعرف جهل نفسه انه جهل بل زعم انه علم ويف العجز عن املعرفة جناة اتمة من
هذا املرض بل ال جمال فيه هلذا املرض لكونه معرتفا بعجزه فلو كان عدم املعرفة و العجز
- 1026 -
عن املعرفة متساويني لكان اجلهالء كلهم عرفاء وكان جهلهم واسطة لكماهلم بل هناك
كل من كان اجهل يكون اعرف فان املعرفة هناك يف عدم وجدان املعروف ويف العجز
عن املعرفة هذه املقدمة صادقة فان كل من يكون اعجز عن املعرفة يكون اعرف ابملعارف
والعجز عن املعرفة مدح يشبه الذم وعدم املعرفة ذم صرف ليست فيه رائحة املدح رب
زدين علما بكمال العجز عن معرفتك سبحانك فلو الحظ الشيخ حميي الدين ابن العريب
قدس سره هذا الفرق الذي اهتدى اليه هذا الفقري ملا ذكر العجز عن املعرفة ابجلهل اصال
وملا عده من عدم العلم قطعا حيث قال منا من علم ومنا من جهل فقال العجز عن درك
االدراك ادراك وبعد ذلك بني علوم الشق االول وابهى هبا واعتقدها من نفسه وقال خامت
االنبياء أيخذ هذه العلوم من خامت الوالية وعن خبامت الوالية احملمدية نفسه فصار من هذه
اجلهة مورد املطاعن اخلالئق وشراح الفصوص صرفوا يف توجيهات هذا الكالم مهمهم
وعند الفقري ميكن ان يقال ان هذا الكالم يف احلقيقة ادون من ذلك العجز بل ال مناسبة
لديه لكونه مربوطا ابلظالل والعجز يف موطن االصل سبحان هللا ان قائل هذا القول هو
الصديق رضي هللا عنه كما قالوا وهو رأس العرفاء ورئيس الصديقني فاي علم يسبق ذلك
العجز وأي قادر يكون اسبق قدما من ذاك العاجز نعم اذا قال يف حق استاذ الصديق
يعين النيب عليه و على آله الصالة و السالم ما قال كيف ال يقول ذلك يف حق الصديق
والعجب ان الشيخ هبذا القيل والقال وهبذا الشطح من املقال يظهر يف النظر من املقبولني
ويشاهد يف عداد االولياء املكرمني {ع}:
ال عسر يف امر مع الكرام
نعم رمبا حيصل التأذي من الدعاء ورمبا حيصل السرور واالبتهاج من الشتم وااليذاء
والذين يردون الشيخ يف خطر والذين يقبلونه ويقبلون كالمه ايضا يف خطر ينبغي ان يقبل
الشيخ وينبغي ان ال يقبل كلماته املخالفة هذا هو الطريق الوسط يف قبول الشيخ وعدم
قبوله الذي هو اختيار هذا الفقري وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال (ولنرجع) اىل أصل
الكالم فنقول ان هذه املرتبة املقدسة اليت قلنا اهنا حقيقة القرآن ال جمال فيها الطالق
- 1027 -
النور ايضا وبقي النور يف الطريق كسائر الكماالت الذاتية ال يوجد هناك شئ اصال غري
الوسعة الالكيفية واالمتياز الالمثلي فلو كان املراد من قوله تعاىل قد جاءكم من هللا نور
القرآن ميكن ان ذلك ابعتبار االنزال والتنزيل كما يومي اليه كلمة جاءكم وفوق هذه
املرتبة املقدسة مرتبة عالية جدا وهي حقيقة الصالة اليت صورهتا قائمة يف عامل الشهادة
ابملصلني من ارابب النهاية ولعل فيما ورد يف قصة املعراج يف قوله صلّى هللا عليه و سلّم
حكاية قف اي حممد ان هللا يصلي[ ]1امياء اىل حقيقة الصالة هذه نعم ان العبادة اليت
تكون الئقة مبرتبة التنزه والتجرد لعلها تكون صادرة عن مراتب الوجوب وتظهر من
اطوارالقدم فالعبادة الالئقة جبناب قدسه تعاىل هي الصادرة من مراتب الوجوب ال غري
فهو العابد واملعبود ويف هذه املرتبة املقدسة كمال الوسعة الالكيفية واالمتياز الالمثلي فان
حقيقة الكعبة وحقيقة القرآن جزآها والصالة هي جامعة جلميع كماالت مراتب العبادات
وكائنة على نسبة اصل االصل فان املعبودية الصرفة متحققة فيها وحقيقة الصالة اليت هي
جامعة جلميع العبادات عبادة يف هذه املرتبة للمرتبة املقدسة اليت فوقها واستحقاق
املعبودية الصرفة اثبت هلا فاهنا اصل الكل ومالذ اجلميع وتقصر الوسعة ايضا دون هذا
املوطن ويبقى االمتياز يف الطريق وان كان الكيفيا والمثليا و منتهى اقدام الكمل من
االنبياء واكابر االولياء عليهم الصلوات و التسليمات اوال وآخرا اىل هناية مقام حقيقة
الصالة اليت هي هناية عبادة العباد وفوق ذلك املقام مقام املعبودية الصرفة اليت ال شركة
فيها الحد بوجه من الوجوه حت يضع قدمه اىل فوق وكل مقام فيه شوب عبادة وعابد
فيه جمال للقدم كالنظر واذا وقعت املعاملة اىل املعبودية الصرفة يقصر القدم ويتم السري
ولكن حبمد هللا سبحانه مل مينع من النظر فيها بل له فيها جمال بقدر االستعداد {ع}:
لو مل يكن هذا لكان بالء
ميكن ان يكون يف امر قف اي حممد اشارة اىل قصور القدم هذا يعين قف اي حممد
وال تضع قدمك فوق ذلك فانه ال جمال للقدم فوق مرتبة الصالة اليت هي صادرة عن
( )1قوله قف اي حممد اخل أورده القسطالين يف املواهب اللدنية يف قصة املعراج.
- 1028 -
مرتبة الوجوب ومرتبة جترد حضرة الذات وتنزهها تعالت وتقدست وحقيقة الكلمة الطيبة
ال اله اال هللا تتحقق يف ذلك املقام ونفي عبادة اآلهلة الغري املستحقة للعبادة يتصور يف
ذلك املوطن واثبات املعبود احلقيقي الذي ال مستحق للعبادة غريه حيصل يف ذلك املقام
وكمال االمتياز بني العابدية واملعبودية يظهر ههنا وميتاز فيه العابد من املعبود كما ينبغي
ان ميتاز ويعلم ان معن ال اله اال هللا ابلنسبة اىل حال املنتهيني ال معبود اال هللا كما تقرر
يف الشرع انه معن هذه الكلمة ومالحظة ال مقصود وال موجود ابلنسبة اىل االبتداء
والوسط وال مقصود فوق ال موجود فانه روزنة ال معبود اال هللا (ينبغي) ان يعلم ان الرتقي
يف النظر يف ذلك املوطن وحدة البصر فيه مربوطة ابلصالة اليت هي شغل املنتهيني وسائر
العبادات لعلها متد يف تكميل الصالة وتتال يف نقصها ولعله من هذا الوجه قالوا يف حق
الصالة اهنا حسن لذاهتا كاالميان وسائر العبادات ليست حسنا لذواهتا.
{املكتوب الثامن والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد
واخلواجه حممد معصوم يف اظهار االشتياق اايهم واالشفاق عليهم مع ذكر مثرات
العسكر}
احلمد هلل والصالة و السالم على رسول هللا وان كان االوالد الكرام مشتاقني الينا
ومريدين لدوام صحبتنا وحنن ايضا متمنني حلضورهم ومالقاهتم ولكن ما ذا نفعل ال
حيصل مجيع املتمنيات {ع}:
جتري الرايح مبا ال تشتهي السفن
واين ارى بقائي يف العسكر على هذا الطور بال اختيار وال رغبة مغتنما واعتقد
ساعة واحدة يف هذه العرصة افضل من ساعات كثرية يف سائر االمكنة وقد يتيسر هنا ما
ال يعلم تيسر متثاله يف مواضع أخرى ومعارف هذا املوطن ممتازة من سائر املعارف واحوال
هذا اجملمع ومقاماته ليست مما يناهلا كل عارف واملنع الذي ورد من جانب السلطان اراه
روزنة رضاء موالي العزيز الشان واظن سعاديت يف هذا احلبس وخصوصا يف اايم املشاجرة
- 1029 -
هذه امور ومعاملة عجيبة ويف اوقات التفرقة هذه غنج ودالل ومالطفة غريبة ولكن كلما
حتصل دولة جديدة عجيبة يوما فيوما يقع االوالد يف اخلاطر ويضطرب الفؤاد من امل
اهلجر والبعاد وعدم نيل املالقاة واظن ان شوقي اكثر وازيد من شوقكم وغالب عليه ومن
املقرر ان الولد ال يريد مثل ما يريد الوالد اايه وان كانت قضية االصالة والفرعية مقتضية
عكس ذلك فان االصل ال احتياج له والفرع حمتاج اىل االصل من القدم اىل الرأس ولكن
جرت املعاملة على ذلك وثبت اشد الشوق لالصل {ع}:
درخانه بكدخداى ماند مهه چيز
الدهلي يف جواركم وآكره ايضا قريب منكم و السالم.
{املكتوب التاسع والسبعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم يف
اسرار ذات العارف املوهوبة الالكيفية وحتقيق جتلي الذات والرؤية االخروية وما
يناسب ذلك}
فاذا ترقت معاملة العارف من الشئون والصفات وتعدت من وجوه اعتبارات
الذات تعالت وتقدست وحصل هلا التفوق من املقام الذي عربان عنه حبقيقة الصالة
يكون التوجه واملتوجه مثة بال كيف كاملتوجه اليه فانه ال سبيل للكيفي اىل الالكيفي
وذلك املتوجه هو ذات العارف بعد حذف مجيع الوجوه واالعتبارات عنه والكنه عبارة
عن هذه الذات اجملردة املتوجهة اىل ذات معروفها وكنهه مطلوهبا بنفسها ال ابلوجه
واالعتبار وامنا قلت ان الكنه عبارة عن الذات اجملردة فان كنه الشئ هو ما يكون وراء
مجيع وجوه الشئ واعتباراته وذات الشئ ايضا ما يكون وراء مجيع وجوه الشئ واعتباراته
فان كلما يالحظ من وجوه الشئ واعتباراته توجد ذات الشئ وراء ذلك كلها ال جمال
الثبات امر يف مرتبة الذات اصال وكل شئ يثبت مثة فهو داخل يف الوجوه واالعتبارات
والذات ما وراء ذ لك ال يتصور يف ذلك املقام امر غري النفي والسلب فان كان فيه علم
ابالمتياز فبالسلب وان كان تعبري وتفسري فبالسلب أيضا وكل شئ ال جمال فيه لالثبات
- 1030 -
وال ميكن عنه التعبري بغري السلب فهو جمهول الكيفية وله نصيب من الالكيفي والتوجه
الذي يثبت يف مرتبة الذات يكون عني ذات املتوجه ال وجه من وجوه الذات وال اعتبار
من اعتباراهتا فان مجيع الوجوه واالعتبارات صارت مسلوبة عنها ومل يبق شئ غري الذات
االحد فيكون لذاك التوجه الذي هو عني الذات نصيب من الالكيفي ابلضرورة فصح ان
التوجه واملتوجه يكوانن مثة بال كيف كاملتوجه اليه وان كان بني الكيفي و الكيفي فرق
كثري ما للرتاب ورب االرابب وهلذا اثبتنا يف التوجه واملتوجه نصيبا من الالكيفي
والالكيفي احلقيقي هو املتوجه اليه فقط فاذا كان ذاك املمكن وكنْ هه جمهول الكيفية وال
ميكن اثبات شئ فيها كيف تكون ذات الواجب تعاىل اليت هي يف كمال اللطافة
والتقدس والتنزه مدركة وماذا حيصل منها {شعر}:
من مل يكن ذا خربة عن نفسه * هل يقدر االخبار عن هذا وذا
واعطى ارحم الرامحني من كمال رأفته ورمحته املمكن الذي متصف ابلكيف
ابلتمام نصيبا من الالكيفي ليحصل له حضور وشعور ابلالكيفي احلقيقى {ع}:
ولالرض من كأس الكرام نصيب
وما قيل من استحالة معرفة كنه الذات لعلهم ارادوا ابملعرفة املعرفة املتعارفة اليت من
عامل الكيف وتعلقها ابلالكيفي حمال واما اذا اتصل امر من عامل الكيفي بالكيفي ابتصال
الكيفي وانل من تلك الدولة العظمى حظا وافرا مل يكون حماال (معرفة) غريبة ومسئلة
دقيقة عجيبة قلما ظهرت اىل اآلن من أهل الكشف والعرفان ان هذه الذات اجملررة اليت
هلا نصيب من الالكيفي وبينت ابلتفصيل خمصوصة بعارف اتم املعرفة واصل اىل حضرة
الذات اجملردة تعالت وتقدست وحصل له الفناء والبقاء يف تلك الدرجة العليا وهذه
الدولة اثر ذلك البقاء الذايت وسائر املمكنات سوى هذا العارف ال نصيب هلم من
الذات اصال وليست هلم ذات قطعا حت تكون صفاهتم قائمة هبا بل مجيع وجودهم
ظالل االمساء والصفات وعكوس الشئون واالعتبارات قائمة ابصوهلا اليت هي االمساء
والصفات ال ابمر يعرب عنه ابلذات واللطائف السبع لالنسان الذي هو امجع مجيع
- 1031 -
املمكنات سواء كانت خفيا او اخفى آاثر الصفات وجسمانيها وروحانيها ظالل االمساء
واعتبارات الذات تعالت وتقدست ما اودع فيها شئ من نفس الذات وما جعل قيامها
بتلك الذات (فان قيل) ال قيام لالمساء والصفات ابنفسها بل قيامها ابلذات تعالت
وتقدست فكيف يقوم الغري هب ا (قلت) ان الغري امنا ال يقوم هبا اذا كان موجودا وأما اذا
حصل له ثبوت واستقرار يف مرتبة التوهم فلم ال يكون قائما هبؤالء فانه اضعف (وما قلت
وكتبت ان ذات املمكن عدم فهو كقولنا املمكن ال ذات له ذاته عدم وال ذات له كالمها
مبعن واحد وان ابدى التحقيق الفلسفي تغايرا بني هذين املفهومني ولكن ال مفهوم له
ويف احلقيقة مرجعهما ومآهلما واحد والعدم ال نفع فيه لنفسه وماذا جيدي لغريه وال يقدر
امساك نفسه فكيف ميسك غريه وحتقيق املبحث ان عكوس االمساء والصفات ملا ظهرت
يف مرآة العدم يرى قيامها يف الظاهر بتلك املرآة وتتخيل املرآة كالذات هلا ابعتبار قيامها
هبا ويف احلقيقة قيامها أبصلها ال تعلق هلا ابملرآة اصال وال شغل هلا مبرآة العدم يف غري
التوهم واين اجملال جلوهرية تلك املرآة وذاتيتها ههنا والعدم ال قابلية له الن يكون عرضا
فكيف يكون جوهرا وهذا العارف اتم املعرفة الواصل اىل مرتبة الذات تعالت وتقدست
احلاصل له البقاء ابلذات الذي حكمه حكم عنقاء املغرب يف مجيع االوقات لكونه عزيز
الوجود وغريب الوقوع اعطى بعد الفناء والبقاء ذاات يكون قيام ظالل االمساء والصفات
وعكوسها اليت هي حقيقته بتلك الذات كما ان قيام اصوهلا اليت هي االمساء والصفات
حب ضرة الذات يكون قيام ظالل تلك االمساء والصفات بظل تلك الذات اليت اعطيها
العارف فيكون ذلك العارف مركبا من اجلوهر والعرض و يكون سائر أفراد املمكن جمرد
االعراض ال شائبة فيهم من اجلوهرية نعم ما قال صاحب الفتوحات املكية من ان العامل
اعراض جمتمعة قائمة بذات واحدة ولكن ذهل الشيخ هنا عن دقيقتني احدامها انه مل
يستثن العارف االكمل من هذا احلكم واثنيتهما انه جعل قيامه ابلذات االحد واحلال ان
قيامه ابصله الذي هو االمساء والصفات ال ابلذات تعالت وان كان قيام االمساء
والصفات ابلذات فان حلضرة الذات كمال االستغناء عن العامل فكيف ميكن قيام العامل
- 1032 -
بتلك الدرجة العليا وماذا يكون العامل حت يكون فيه هوس القيام بتلك الذروة القصوى
{شعر}:
ما متاشا كنان كوته دست * تو درخت بلند ابالئى
ومعاملة هذا العارف خارجة عن معاملة العامل وحكمه مستثن من احكام العامل
وهو حبكم املرء مع من احب انل ابحملبة الذاتية معية ابصل االصل متجاوزا اصله وافن
نفسه يف اصل االصول واكرمه اكرم االكرمني مبقتضى هل جزاء االحسان االّ االحسان
ببقائه مكافاة لفنائه وجعله ابقيا مبا قد فين فيه وصريه مظهرا لذاته وامسائه وصفاته وجعله
مرآة جامعة فكان حكم سائر افراد العامل يف جنب هذا العارف العاشق حكم القطرة
ابلنسبة اىل البحر احمليط فان االمساء والصفات ال قدر هلا يف جنب حضرة الذات وال
مقدار وللقطرة قدر ابلنسبة اىل البحر وهؤالء ميكن ان يقال ليس هلا ذلك يف جنب تلك
ينبغي ان يقيس علم هذا العارف ومعرفته ودركه وادراكه من ههنا ابلنسبة اىل اآلخرين وان
يفهم مثة عظم شانه وعلو منزلته ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذوالفضل العظيم
وهذا العارف الذي تشرف ابلبقاء الذايت واعطى ذاات يكون قيام صفاته مثل العلم والقدرة
هبا كما كان قيامها اوال ابصوهلا كسائر افراد العامل ال يعود اليه بوجود هذا البقاء االكمل
اطالق كلمة اان اليت قد زالت عنه وال يقدر اطالق اان يف مرتبة من مراتب البقاء فإن
البقاء االكمل متفرع على الفناء االمت الذي مل يرتك من اطالق كلمة اان امسا وال رمسا ومل
يبق له جماال الزائل ال يعود قضية مشهورة والذي يعود فليس هو بزائل بل كان مغلواب
ومستورا مث قوي بعروض عارض وغلب فان املغلوب قد يلغب ينبغي ان يعلم ان النصيب
من مرتبة الذات تعالت وتقدست خمصوص هبذا العارف الذي صار ابقيا حبضرة الذات
وقامت به الصفات واي قسم من الفناء والبقاء حصله غريه يكون نصيبه من االمساء
والصفات ال من الذات تعالت وتقدست وان مل يكن لالمساء والصفات انفكاك عن
الذات تعالت ولكن النصيب من الذات غري النصيب من الصفات وان اوقع عدم
انفكاك الصفات عن الذات مجاعة يف توهم احتاد النصيب من الصفات وعينيته ابلنصيب
- 1033 -
احلاصل من الذات ولكن لكل منهما عالمات وامارت على حدة وعلوم ومعارف
خمصوصة ال خيفى ذلك الرابب الوصول اىل هذه الدولة العظمى ولكن ال خيفى عليك
ان التجلي الذايت ليس مبخصوص هبذا العارف بل جيوز ان يتيسر التجلي الذايت لغريه
ايضا ولكن ال يكون له نصيب من نفس الذات فان التجلي يستدعي حنوا من الظلية
فانه ظهور يف مرتبة اثنية والنصيب من نفس الذات الذي مر ذكره ال يتحمل شائبة من
الظلية و يكون هاراب عن نفس التجلي والظهور ايضا وظهور الذات بصفة من الصفات
هو ايضا ظهور الذات يف مرتبة اثنية ولكنه ليس جتليا ذاتيا بل جتلي اعتبار من اعتبارات
الذات تعالت وتقدست فان الذات عز شأهنا جامعة جلميع االعتبارات بل منزهة عن
اجلميع فال يكون جتلي اعتبار من االعتبارات جتليا ذاتيا (فان قيل) ان الشيخ حميي الدين
ابن العريب قدس سره واتبعوه قدس هللا أسرارهم قالوا للتعني االول تعينا ذاتيا وهو ظهور
الذات ابلتعني العلمي اجلملي الذي هو اعتبار من اعتبارات الذات وان كانت له جامعية
(أجيب) ان معتقد هذا الدرويش هو ان هذا الظهور العلمي اجلملي الذي عربوا عنه
ابلتعني االول ليس هو أيضا جتليا ذاتيا بل هو جتلي شأن من شؤانت الذات والذات
جامعة جلميع الشئون واالعبتارات بل فوق مجيع الشئون واالعبتارات واعتبار العلم هناك
كسائر اعتبارات الذ ات اليت ايدي وصوهلا قاصرة عن ذيل غنا تلك املرتبة املقدسة (فان
قيل) ان الظهور يف مرتبة اثنية مقصور على العلم فان يف اخلارج نفس الذات تعالت
فيكون ظهورها يف مرتبة اثنية يف موطن العلم فان الظهور اما يف العلم او يف اخلارج ومل
يبني الشق الثالث حت يثبت فيه الظهور (قلت) ان القادر الذي ظهر بشأن العلم الذي
هو اعتبار من اعتبارات الذات يقدر ان يظهر على هنج يكون ظهور اعتبار العلم بعضا
من ذلك الظهور اجلامع بل يظهر على هنج ال يكون العتبار العلم وال لسائر االعتبارات
فيه جمال و يكون مرتبة ذلك الظهور اجلامع ما وراء مرتبة اخلارج ومرتبة العلم ابن يكون
ظال للخارج واعلى من مرتبة العلم وجعل جتلي الذات مقيدا ابلتعني العلمي من قبيل
حصر حبر يف كوز بل من قبيل طلب الشراب من السراب قال الشاعر {شعر}:
- 1034 -
ظل آخر يف عامل املثال جامع يكون مرآة للظل اجلامع العلمي وهذا الظل اجلامع املثايل
الذي يظهر بصورة لطيفة يف عامل املثال يكون بصورة االنسان الذي هو امجع املخلوقات
وحديث ان هللا خلق آدم على صورته ميكن ان يكون واردا هبذا االعتبار ولكن رؤية احلق
سبحانه هي ما تكون وراء الظهورات والصور وتكون من عامل الكيفي والمثلي ينبغي
االميان ابلرؤية االخروية دون ان يشتغل بكفيتها وكميتها ومليتها ال مناسبة خللق اآلخرة
ووجود ها خبلق الدنيا ووجودها اصال حت تقاس احكام احدامها على احكام األخرى
والبصر هناك غري البصر الذي هنا والفهم واالدراك هناك غري الفهم واالدراك اللذين هنا
هلا الدوام واالبد وهلذه الفناء والزوال وهلا كمال النظافة ومتام اللطافة وهلذه غاية اخلبث
وهناية الكثافة وال شيخ قدس سره ال يثبت للحق جل وعال ظهورا يف خارج موطن العلم
وال جيوز فيما وراء اجملايل واملظاهر شهودا ومشاهدة ورؤية {ع}:
وذلك رأي غري ما هو رأيهم
فماذا نفعل ال أحد يف هذه العرصة غري الشيخ قدس سره فاحياان حناربه واحياان
نصاحله وهو الذي اسس كالم املعرفة والعرفان وشرحه وبسطه وهو الذي تكلم من
التوحيد واالحتاد ابلتفصيل وبني منشأ التعدد والتكثر وهو الذي اعطى الوجود ابلكلية
احلق جل وعال وجعل العامل موهوما ومتخيال وهو الذي اثبت للوجود التنزالت وميز
احكام كل منها عن احكام اآلخر وهو الذي اعتقد العامل عني احلق وقال كله هو مع
ذلك وجد مرتبة تنزيه احلق سبحانه وراء العامل واعتقد احلق سبحانه منزها ومربأ من الرؤية
واالدراك واملشائخ املتقدمون على الشيخ ان تكلموا يف هذا الباب تكلموا ابالشارات
والرموز ومل يشتغلوا ابلشرح والتفصيل والذي جاؤا من بعد الشيخ من هذه الطائفة اختار
أكثره م تقليد الشيخ وساق الكالم على طبق اصطالحه وحنن املتأخرون العاجزون ايضا
استفضنا من بركاته ونلنا حظا وافرا من علومه ومعارفه جزاه هللا سبحانه عنا خري اجلزاء
غاية ما يف الباب انه ملا كان كل من مظان اخلطأ وجمال الصواب خمتلطا ابآلخر حبكم
البشرية واالنسان احياان خمطئ واحينا مصيب فال جرم كان الالزم جعل املوافقة الحكام
- 1036 -
السواد االعظم الذين هم اهل احلق عالمة للصواب وخمالفتهم دليال للخطأ ااي من كان
القائل و ااي ما كان املقول قال املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم عليكم
ابلسواد االعظم ومقرر ايضا ان تكميل الصناعة بتالحق االفكار واختالف االنظار وان
كان ميكن ان يقال لسيبويه انه ابين احكام علم النحو ولكن النحو الذي حصل له
بتالحق افكار املتأخرين واختالف انظارهم كمال وتنقيح شئ آخر حيث حدث فيه زينة
أخرى حت ميكن ان يقال انه نوع آخر وعرض عليه احكام على حدة ربنا آتنا من لدنك
رمحة وهئ لنا من امران رشدا.
{املكتوب الثمانون ايضا اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم سلمه
هللا يف بيان استناد االشياء اىل ذات العارف املوهوبة}
احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا
ابحلق عليهم الصلوات و التسليمات اعلم ان للظل اىل اصله طريقا سلطانيا ال حائل
بينهما مقدار تبنة اصال فان كان بينهما حيلولة فامنا هي اقباله على نفسه واعراضه من
االصل والظل ليس اال حامل اماانت االصل فان كل ما فيه من حسن الوجود وكماله
وتوابعه مستفاد من االصل ونصيبه من غري توسط االصل لعله العدم وهو ال شئ حمض
وجمرد اعتبار وهذا الظل نسي اصله من كمال جهالته وزعم اماانته من قبل نفسه فخان
يف االمانة وظن نفسه مع وجود قبحه الذايت حسنا وكامال ولكن مع وجود اقباله على
نفسه واعراضه عن اصله له حمبة وميل طبيعي اىل أصله عرف او مل يعرف بل حمبته لنفسه
متعلقة يف احلقيقة ابصله فان احلسن والكمال الذين مها متعلقا احملبة من االصل ال منه
فانه ليس له شئ غري العدم والقبح حت تتعلق به احملبة كما حقق غري مرة فاذا زال عنه
بكرم هللا سبحانه مرض االاننية والعجب وختلص من اجلهل املركب الذي فيه واعرتف
بكون االمانة من اهل االمانة وحصل له االعراض عن نفسه بدل االقبال على نفسه
وتبدل اعراضه عن االصل ابالقبال عليه فحينئذ يستمسك حببل السعادة بيده وحيصل له
- 1037 -
رجاء الوصول اىل االصل غاية ما يف الباب ان العامل ملا كان ظالل االمساء والصفات
الواجبية كان اصوهلا هي االمساء والصفات وهذه الظالل اعراض قائمة ابصوهلا اليت هي
االمساء والصفات ليس بينها جوهر حت تكون قائمة به وقال النظام من املعتزلة حبكم
الكذوب قد يصدق مطلعا على هذا السر العامل بتمامه اعراض ال جوهر حت يقوم به
ولكنه اخطأ يف قوله بقيام هذه االعراض ابنفسها غافال عن اصوهلا اليت تقوم هبا وقال
الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره من الصوفية ان العامل اعراض جمتمعة وجعل قيامها
بذات هللا جل وعال ال ابالمساء والصفات اليت هي اصوهلا فيا ليت شعري ما معن القيام
ابلذات اجملردة عن الوجوه واالعتبارات وال معن للقيام مثة اال اختصاص الناعت ابملنعوت
وال نعت مثة فال قيام وايضا ان القيام من مجلة الوجوه واالعتبارات املتعينة فال معن الثباته
يف تلك املرتبة املقدسة فاذا كان افراد العامل ظالل االمساء والصفات فال جرم يكون
وصوهلا اىل اصوهلا اليت هي االمساء والصفات فلو وصل اىل اصول االصول ايضا ال يكون
منتهى ا اىل الذات اجملردة املقدسة وال يقدر ان يتجاوزها وال جمال هناك لالصالة ايضا فان
مثة غنا ذاتيا عن الكل ال اسم فيه وال صفة وال شان وال اعتبار فال يكون للعامل من مرتبة
الذات املقدسة نصيب غري احلرمان وال يكون للوصل واالتصال فيه جمال ولكن قد جرت
عادة هللا سبحان ه ابن يعطي بعد قرون متطاولة وازمنة متباعدة من كمال رمحته ورأفته
لصاحب دولة بعد الفناء االمت بقاء اكمل وامنوذجا من الذات االقدس فكما ان قيامه
كان اوال ابصله الذي هو االمساء والصفات يكون اآلن قائما بذلك االمنوذج وجمموع
تلك االعراض السابقة اليت كانت تكون تلك الذات املوهوبة حقيقتها و ينتهي كماله
االنساين اىل هنياته وتتم النعمة يف حقه ها اان اقول كالما ينبغي حسن االصغاء ان القيام
بتلك الذات املوهوبة ليس خمصوصا بذلك العارف بل قيام مجيع افراد العامل اليت هي
اعراض جمتمعة كما كان اوال ابالمساء والصفات جعل اآلن مربوطا بتلك الذات املوهوبة
وجعل الكل قائما بتلك الذات املوهوبة {شعر}:
ليس على هللا مبستنكر * ان جيمع العامل يف واحد
- 1038 -
وسر خالفة االنسان اليت جاءت يف قوله تعاىل اين جاعل يف االرض خليفة
يتحقق ههنا وحقيقة خرب ان هللا خلق آدم على صورته تتضح مثة وما قلت من انه يعطي
امن وذجا من الذات االقدس فهو من ضيق ميدان العبارة واال فأين اجملال هناك لالمنوذج
واي شئ يظهر بصورته واين اجملال مثة للصورة (ينبغي) ان يعلم ان مثل هذا العارف ال
يكون متعددا يف عصر واحد فانه اذا ظهر بعد قرون متطاولة كيف يتصور تعدده يف
عصر واحد فلو عينا مدة ظهور مثل هذه الدولة ملا صدقه غري االقلني ربنا آتنا من لدنك
رمحة وهئ لنا من امران رشدا (ينبغي) ان يعلم ان العارف الذي شرف ببقاء الذات تكون
تلك الذات املوهوبة الكيفية وتكون وراء مجيع الوجوه واالعتبارات والذات اليت هلا نصيب
من الالكيفي هلا طريق سلطاين اىل الذات اجملردة الالكيفية وتكون الذات املوهوبة هي كنه
العارف فان الكنه عبارة عما هو وراء مجيع الوجوه واالعتبارات وهذه الذات ما وراء مجيع
االعتبارات وال كنه لسائر افراد العامل فان مجيع وجودها وجوه واعتبارات وال ذات هلا ما
وراء االعتبارات حت يقال هلا كنها فاذا مل يكن هلا كنه ماذا يكون هلا نصيب من كنه
االصل والذي له سبيل اىل الكنه هو الكنه واي مناسبة للوجه مع الكنه وكأن الكنه وقع
حماذاي للكنه وللوجه احنراف من الكنه فكيف يصل اىل الكنه بل كلما يكون حركته وسريه
اكثر يقع من الكنه ابعد {شعر}:
لن تبلغ الكعبة العلياء اي بدوي * ان الطريق الذي متشي اىل اخلنت
واطالق حماذاة الكنه الكنه من ضيق جمال العبارة واال كيف تتصور احملاذاة يف تلك
احلضرة ولكن تطلق احملاذاة على سبيل التجوز لتمثل ذلك املعن الالكيفي بصورة مثالية
متكيفة ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او اخطأان (امسع) انه ملا حصل الفراد العامل اليت هي
اعراض جمتمعة قيام بذات العارف املوهوبة كما مر حصلت هلا ايضا نسبة ابلذات
االقدس جل شأهنا بتوسط ذات العارف املذكورة وحصل هلا نصيب من تلك املرتبة
املقدسة من هذه احليثية فان ذات هؤالء هي عني ذات العارف كأهنا حصل هلا بتوسط
ذواهتا ارتباط الكيفي بذات الكيفية ومع ذلك انتساهبا اىل الذات االقدس بتوسط
- 1039 -
العارف فان تلك الذات يف احلقيقة هي ذات العارف امسع كالما غريبا ان كل احد له
انتساب اىل الذات االقدس بذاته ووصول الكيفي اىل تلك املرتبة املقدسة له اصالة
واستقالل يف اخذ الفيوض والربكات من تلك املرتبة املقدسة وال توسط يف البني
والوسائط امنا هي فيما دون تلك املرتبة املقدسة ولكل احد من الواصلني اىل تلك املرتبة
املنزهة نصيب بقدر استعداده بطريق االصالة وهللا سبحانه اعلم حبقائق االمور كلها و
السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب احلادي والثمانون اىل اخلواجه مجال الدين احلسني يف تعبري واقعته}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات ليعلم الولد االعز ان الصحيفة الشريفة اليت
ارسلتها قد وصلت وحيث كانت متضمنة خلرب العافية واجلمعية الصورية واملعنوية اورثت
الفرح والسرور وكتبت الواقعة اليت ظهرت وطلبت تعبريها وهي اين كنت مرة يف صدد
التوضئ فسقطت مغشيا عل ّي وصرت كأنه خرج الروح من بدين وملا افقت رأيت نورا
المعا كالشمس حت غشي عل ّي من غاية لطافته كما اذا رأى شخص حمبوبه فينمحي يف
اشعة مجاله وال يبقى منه اسم وال رسم ليكن مكشوفا لولدي ومعلوما ان االنسان مركب
من لطائف سبعة مشهورة ولكل لطيفة معاملة على حدة واحوال ومواجيد خمتصة هبا
وكانت احوال ولدي واذواقه متعلقة بلطيفة القلب اىل اآلن وكان متلوان بتلوينات القلب
واآلن قد ورد هذا الوارد القوي اىل لطيفة روحك وادخلها يف تصرفه ان امللوك اذا دخلوا
قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة وملا كانت الروح اليت هي منشأ االدراك والشعور
مغلوبة الوارد كان الغشي نقد الوقت ومعاملتك يف ذلك الوقت متعلقة بلطيفة الروح وقد
وقع يف حلقة هذا اليوم نوع امداد واعانة يف تكميل هذه النسبة وشوهد ظهور اثرها وعلم
انه قد حصل هلا وسعة وهي بعد يف صدد السراية رزق هللا سبحانه امتامها والواقعة الثانية
اليت كتبتها انك رأيت تالقي الثراي ببنات نعش يف بييت تعبري هذه الواقعة مناسب لتعبري
الواقعة األوىل وحيث ظهر اجتماع نسبة القلب بنسبة الروح بتالقي هذين القسمني من
- 1040 -
الكواكب وحيث ان يف الثراي انتظام الكواكب فهو مناسب ابلقلب وحيث ان يف بنات
ا لنعش انتشارا فهو مناسب ابلروح فان ظهرت الواقعة الثانية بعد الواقعة األوىل فصحيحة
ودالة على اجتماع النسبتني وان ظهرت اوال فذلك ايضا صحيح فانه كثري ما حتصل
النبسة وال تظهر فأريت اوال حصوهلا مث ظهرت بواقعة اثنية وهللا سبحانه اعلم ابلصواب
سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا و السالم.
{املكتوب الثاين والثمانون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد
واخلواجه حممد معصوم مد ظلهما يف اظهار آالم املهاجرة مع بعض البشارات}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ليكن اوالدي الكرام متحققني
ابجلمعية الصورية واملعنوية ال اجد يف هذه االسفار و احملن شيئا من اآلالم مساواي ملفارقة
اوالدي االعزة وقلما اكون فارغا عن تذكارهم وكلما كان وصول النعم من املنعم احلقيقي
اكثر يكون تذكر االحبة النائني ازيد واوفر والسوانح اجلديدة تكتب يوما فيوما يف املسودة
وتنقل اىل البياض ولكن من الذي يدركها ومن حيتظ هبا واخلواجه حممد هاشم مغتنم فان
فيه استعداد فهم الكالم و يكون ملتذا يف اجلملة ولكنه صار يف سفر امجري هذا من شدة
احملن من املخلصني الصحيحي االعذار ال يرافقون اال قليال حسبنا هللا ونعم الوكيل الرفقاء
قليلون واالذواق ايضا قليلة أليس هللا بكاف عبده بلى مث اين ملا كنت ليلة حمزوان ومتأملا
من مفارقتكم رأيت بعد صالة التهجد انكما االخوين ذهبتما مع واحد من هؤالء
االصحاب عند وكيل سلطان لتكونوا مالزمني له ومتييز من يصلح املالزمة مفوض اىل
ذلك الوكيل فكل من يراه قابال للمالزمة أيخذه مالزما ويكتبون لونه وعالئمه على ورق
فكتبوا من بني الثالثة لونكما واخذوكما للمالزمة ومل يكتبوا لون الثالث من االصحاب
ومل يقبلوه للمالزمة واان اسئلكما انه مل مل يكتبوا لونه فتقوالن انه قرب وجهه اىل وجهه
وقت كتابة اللون وأتمل فيه أتمال اتما فقال ان به سوادا او قال لفظا قريبا من ذلك فلم
يكتب محدا هلل سبحانه قد اطمئن القلب من جانبكما حيث قبلوكما ولكن بقي اخلاطر
- 1041 -
متأملا من طرف هذا الثالث من االصحاب حيث مل يقبلوه وليت يقبلونه ملالزمة مالزمي
السلطان العاقبة ابخلري.
{املكتوب الرابع والثمانون اىل احلافظ عبد الفغور يف بيان آداب هذه الطريقة
العلية}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ينبغي لطالب هذا الطريق بعد
تصحيح العقائد مبوجب آراء اهل احلق شكر هللا تعاىل سعيهم وبعد تعلم االحكام
الفقهية و العمل مبقتضى العلم ان يصرف مجيع اوقاته يف ذكر هللا جل شأنه بشرط ان
يكون ذلك الذكر مأخوذا من الشيخ الكامل املكمل فانه ال حيصل الكامل من الناقص
وينبغي تعمري االوقات ابلذكر على هنج ال يشتغل بعد اداء الفرائض والسنن املؤكدة بشئ
غري الذكر اصال حت يرتك تالوة القرآن ونوافل العبادات أيضا ويشتغل ابلذكر ابلوضوء
- 1042 -
وبغري الوضوء قائما وقاعدا وال خيلو عنه يف جميئه وذهابه ووقت أكله ونومه {شعر}:
أال فاذكروا رب الربااي فانه * جالء القلوب والغذاء الرواح
وليشتغل ابلذكر على الدوام حت ال يبقى يف ساحة الصدر من غري املذكور اسم
وال رسم وال خيطر ما سوى املذكور يف قلبه بطريق اخلطرة ايضا فلو تكلف يف احضار
الغري ال يتيسر له ذلك بواسطة نسيان القلب غري املذكور وذلك النسيان اعين نسيان
القلب مجيع ما سوى املطلوب مقدمة حصول املطلوب ومبشر ابلوصول اليه وماذا اكتب
من حصول املطلوب والوصول احلقيقي اىل املقصود فان ذلك وراء الوراء {شعر}:
كيف الوصول اىل سعاد ودوهنا * قلل اجلبال ودوهنن خيوف
فاذا امت االخ االعز هذا الدرس بعناية هللا سبحانه يطلب درسا آخر وهللا سبحانه
املوفق و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب اخلامس والثمانون اىل حضرة املخدوم اخلواجه حممد معصوم يف
التحريض على حفظ االوقات}
احوال هذه احلدود واوض اعها مستوجبة للحمد املسؤل من هللا سبحانه سالمتكم
واستقامتكم فاذا تيسر الوصول مبشية هللا تعاىل اىل امجري وحصلت النجاة من هذه
العقبات الشديدة واحلر املفرط اكتب لكم كتااب واطلبكم ان شاء هللا تعاىل عليكم
ابجلمعية وصرف اهلمة يف مراضي املوىل جل شأنه ابلتمام حذر الوقوع يف الفراغ واستيفاء
حظ النفس واملؤانسة التامة ابالهل والعيال فيقع الفتور يف معاملة مهمة فال حيصل شئ
غري احلرمان والندامة وال جيدي الندامة شيئا وعليكم ابغتنام هذه الصحبة وصرف
االوقات يف اهم االمور ما على الرسول اال البالغ واملعارف اجلديدة اليت حررت كلها
درسكم بعد درس اايكم وسردها بل ينبغي ان جتتهدوا يف مطالعتها ابجلدو اجلهد فلعله
تنكشف روزنة من مكنوانهتا فتكون رأس مال سعادتكم وقد وجدت بشارة يف مادتكم
وكتبتها يف مكتوب وفوضته اىل اخلواجه حممد هاشم الكشمي ليوصله اليكم ولعل هللا
- 1043 -
سبحانه ال يضيعكم بكرمه ويقبلكم ولكن عليكم ابخلوف واالشفاق واايكم وصرف
االوقات يف اللهو واللعب فال يبقى للصبحة أتثري وكونوا ملتجئني ومتضرعني اىل حضرة
احلق سبحانه وعليكم االختالط ابهل احلقوق بقدر الضرورة واستمالة خواطرهم وعاشروا
اجلماعة املستورة ابلوعظ والنصيحة وال تبخلوا يف حقهم ابالمر ابملعروف والنهي عن
املنكر ورغبوا مجيع اهل البيت يف الصالة و الصالح واتيان االحكام الشرعية فانكم
مسئولون عن رعيتكم وقد اعطاكم هللا سبحانه العلم ونسئله تعاىل ان يرزقكم العمل على
وفقه واالستقامة عليه آمني.
مباشرة املباح على انفسهم هو حتصيل ظهور اخلوارق اليت هي واجبة عليهم وشرط نبوهتم
ال الوصول اىل درجات القرب االهلي جل سلطانه فان االنبياء عليهم الصلوات والتحيات
جمتبون فيجرهبم بسلسلة جذب احملبة جرا جرا ويوصل هبم اىل درجات القرب االهلي جل
شأنه بال مشقة منهم والطريق الذي حيتاج فيه للوصول اىل درجات القرب االهلي جل
سلطانه اىل الرايضات واجملاهدات هو طريق االانبة واالرادة الذي هو طريق املريدين
وطريق االجتباء هو طريق املرادين واملريدون يذهبون أبرجلهم ابملشقة واحملنة واملرادون
حيملون اىل منزل املقصود ابال عزاز واالكرام ويوصل هبم اىل درجات القرب بال حمنة منهم
(ينبغي) ان يعلم ان الرايضات واجملاهدات من شرائط طريق االانبة واالرادة واهنا ليست
بشرط يف طريق االجتباء ومع ذلك هي انفعة مثال اذا حصل محل شخص جرا جرا وهو
مع ذلك اجلر يستعمل سعيه ايضا فال شك أنه اسرع ذهااب من الذي ال يستعمل سعيه
وان جاز ان يكون اجلر وحده احياان اقوى واجدى من اجلر املركب املذكور فالسعي
واملشقة ال يكون شرط كمال الوصول يف طريق االجتباء كما انه ليس بشرط يف نفس
الوصول نعم فيه احتمال النفع ولو يف بعض احملال وفوائد الرايضات ومنافع اجملاهدات
اليت هي عبارة عن االقتصار على ضرورايت املباح كثرية الرابب االجتباء ايضا بغري املعن
املذكور مثل دوام اجلهاد االكرب وطهارة الباطن ونظافته من التلويثات الدنيوية فان كل
حوائج ضرورية ليست بداخلة يف الدنيا وكلما هو فضول فداخل يف الدنيا والنفع اآلخر
يف الرايضة واالقتصار على الضرورة قلة احملاسبة واملؤاخذة االخرويتني واهنا سبب الرتفاع
الدرجات االخروية فان مسرة اآلخرة تكون اضعاف حمنة الدنيا فظهر لرايضات االنبياء
وجماهداهتم عليهم الصالة و السالم وجوه اخر غري الوجوه الذي ذكرانه آنفا فاتضح ان
الرايضة واالقتصار على ضرورايت املباح وان مل تكن شرطا للوصول يف طريق االجتباء
ولكنها حممودة يف حد ذاهتا ومستحسنة بل ابلنظر اىل الفوائد املذكورة ضرورية والزمة ربنا
آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا من أمران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى.
- 1045 -
{املكتوب السابع والثمانون اىل موالان صاحل الكواليب يف بيان اسرار مرادية
حضرة شيخنا ومريديته مد ظله العايل}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اان مريد هللا ومراد هللا ايضا وسلسلة
إراديت متصلة ابهلل تعاىل بال توسط ويدي انئب مناب يد هللا تعاىل واراديت متصلة مبحمد
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم بوسائط كثرية فبيين وبينه يف الطريقة النقشبندية احدى
وعشرون واسطة ويف الطريقة القادرية مخس وعشرون واسطة ويف الطريقة الچشتبة سبع
وعشرون واسطة واراديت ابهلل تعاىل ال تقبل الوساطة كما مر فاان مريد حممد رسول هللا
صلّى هللا عليه و سلّم وجمتمع معه يف مرشد واحد ايضا مقتف اثره صلّى هللا عليه و سلّم
واان وان كنت طفيليا يف خوان هذه الدولة ولكين ما جئت بال دعوة واين وان كنت اتبعا
ولكين لست خاليا من االصالة واين وان كنت امة ولكين شريك يف الدولة ال ابلشركة اليت
يقوم عنها دعوى املساواة فان ذلك كفر بل شركة اخلادم مع املخدوم وما مل اطلب مل
احضر يف سفرة هذه الدولة وما مل ادع مل امد يدي اىل هذه الدولة واين وان كنت اويسيا
ولكن يل مرب حاضر وانظر وان كان شيخي يف الطريقة النقشبندية عبد الباقي رضي هللا
تعاىل عنه ولكن املتكفل برتبييت هو الباقي جل جالله وعم نواله واين تربيت ابلفضل
وذهبت من طريق االجتباء و سلسليت سلسلة رمحانية واان عبد الرمحن فان ريب رمحن جل
شأنه وعم احسانه ومريب ارحم الرامحني وطريقيت طريقة سبحانية الين ذهبت من طريق
التنزيه ومل ارد من االسم والصفة غري الذات االقدس تعالت وتقدست وهذا السبحاين
ليس هو ذاك السبحاين الذي قال به البسطامي فانه ال مساس له هبذا فانه ما ختلص من
دائرة االنفس وهذا ما وراء االنفس واآلفاق وهو تشبيه كسى لباس التنزيه وهذا تنزيه مل
يصبه غبار التشبيه وذاك فائر من منبع السكر وهذا منفجر عن عني الصحو ومل جيعل
ارحم الرامحني اسباب الرتبية يف حقي غري املعداة ومل جيعل العلة الفاعلية يف تربييت غري
فضله واهتمامه تعاىل وتقدس واعتناؤه من كمال كرمه يف حقي ال جيوز ان يكون لفعل
الغري مدخل يف تربييت او ان اكون اان متوجها يف هذا املعن اىل الغري فاان مرىب االله جل
- 1046 -
{املكتوب الثامن والثمانون اىل حضرة املخدوم زاده العايل املرتبة اخلواجه
حممد سعيد سلمه هللا تعاىل يف اسرار خلة اخلليل واثبات التعني الوجودي}
ان احلق سبحانه اذا شرف عبدا بدولة خلته اليت هي ابالصالة خمصوصة حبضرة
ابراهيم على نبينا وعليه الصالة و السالم وجعله ممتازا ابلوالية االبرامهية جبعله انيسه وندميه
ويورد يف البني نسبة االنس وااللفة اليت هي من لوازم اخللة وملا حصلت يف البني نسبة
اخللة اليت من لوازمها االنس وااللفة ارتفع من النظر قبح اخالق اخلليل وكراهة اوصافه
فانه لو كان قبح يف النظر لكان ابعثا على النفرة وعدم االلفة وهي منافية ملقام اخللة اليت
هي الفة ابلكلية (فان قيل) ان ارتفاع قبح أوصاف اخلليل عن النظر يف مرتبة اجملاز ظاهر
فانه جيوز ان يغلب نسبة اخللة يف ذلك املوطن فتسرت قبح أوصاف اخلليل واما يف مرتبة
احلقيقة اليت فيها العلم ابالشياء كما هي فال جيوز فيها ظهور القبيح غري قبيح وكونه
مغلوب نسبة اخللة (قلت) ان يف كل قبيح وجها من وجوه احلسن فيمكن ان يرى ذلك
القبيح حسنا ابلنظر اىل ذلك الوجه احلسن وحيكم حبسنه (ينبغي) ان يعلم ان ذاك القبيح
وان مل يعرض له حسن مطلق ولكن ملا كان وجهه احلسن ملحوظا ومنظورا للموىل جل
شأنه كان حبكم اال ان حزب هللا هم الغالبون غالبا على سائر وجوهه القبيحة وجعل كلها
يف لونه وصريها مستحسنة اولئك يبدل هللا سيئاهتم حسنات (اعلم) ارشدك هللا تعاىل
سواء الصراط ان النسبة بني اخللة واحملبة عموم وخصوص مطلقا فان اخللة عامة واحملبة
فردها الكامل فان افراط االنس وااللفة هو احملبة اليت هي ابعثة على اهليمان ومورثة لعدم
القرار وعدم الراحة واخللة بتمامها انس والفة واسرتاحة واحملبة هي اليت عرضت هلا كيفية
- 1047 -
أخرى وصارت ممتازة من سائر افراد اخللة وكاهنا صارت جنسا آخر واخلاصية اليت امتازت
احملبة هبا عن سائر افراد اخللة هي احلزن واالمل ونفس اخللة كلها عيش يف عيش وفرح يف
فرح وانس يف انس ولعله من هذه احليثية اعطى هللا سبحانه و تعاىل خليله على نبينا
وعليه الصالة و السالم اجر عمله يف الدنيا اليت هي داراحملن ويف اآلخرة ايضا قال هللا
تعاىل وآتيناه اجره يف الدنيا وانه يف اآلخرة ملن الصاحلني فاذا كانت احملبة منشأ االمل
واحلزن فكل فرد تكون احملبة فيه غالبا يكون االمل واحلزن فيه ازيد ومن ههنا قيل كان
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم متواصل احلزن وقال عليه الصالة و السالم ما اوذي نيب
مثل ما اوذيت فان الفرد الكامل من افراد االنسان يف حصول احملبة كان هو النيب صلّى
هللا عليه و سلّم وان كان هو عليه الصالة و السالم حمبواب ولكن ملا حصلت يف البني
نسبة احملبة كان احملبوب كاحملب واهلا ومشغوفا وقد ورد يف احلديث القدسي اال طال
شوق االبرار اىل لقائي واان اليهم الشد شوقا (وههنا) سؤال مشهور وهو ان الشوق امنا
يكون اىل املفقود وال شئ مفقود عن حضرته تعاىل فكيف يكون فيه الشوق وما يكون
اشد الشوق (واجلواب) ان مقتضى كمال احملبة هو رفع االثنينية واحتاد احملب مع احملبوب
وحيث ان ه ذا املعن مفقود فالشوق موجود وملا كان متين االحتاد يف جانب احملبوب الن
احملب لعله يقنع مبجرد وصال احملبوب كان اشد الشوق يف جانب احملبوب ابلضرورة و
يكون تواصل احلزن من صفة احلبيب (فان قيل) ان احلق سبحانه قادر على مجيع االمور
وكلما يريده ميسر له فال يكون شئ مفقودا يف حقه حت يتحقق الشوق (اجيب) ان متين
امر غري ارادته ومراده تعاىل ال يتخلف عن ارادته ولكن جيوز ان يوجد متين امر وال توجد
االرادة حبصوله وال يراد وجوده {ع}:
وكم يف العشق من عجب عجيب
واحياان يكون املطلوب يف العشق جمرد االمل وال يكون الوصل ملحوظا اصال بل
يراد الوصل ويهرب من اتصال احملبوب وهذا قسم من اقسام جنون العشق بل من حماسن
العشق من مل يذق مل يدر (ولنرجع) اىل اصل الكالم فنقول ان اخللة مقام عال جدا وكثري
- 1048 -
الربكة وكل من فيه انس والفة وسكونة واطمئنان مع اآلخر يف عامل اجملاز كل ذلك من
ظالل مقام اخللة وكذلك كل حظ ولذة واطمئنان ابلصور احلسنة واملظاهر اجلميلة انشئة
من مقام اخللة واحملبة شئ آخر فان فيها كيفية أخرى فلو مل يكن يف البني خلة وانس
والفة ملا وجد مركب اصال وال ينضم جزء جبزء آخر خصوصا اذا كانت بينهما نسبة
التضاد بل ملا ينضم وجود اىل ماهية ما أصال بل ال يدخل شئ من العامل حتت اجياد
الواجب تعاىل فان احملرك لسلسلة االجياد والباعث على وجود االشياء هو احلب فأحببت
ان اعرف فخلقت اخللق حديث قدسي واحلب فرد كامل من اخللة كما مر فلو مل تكن
اخللة ملا وجد شئ من االشياء وال جيتمع شئ بشئ وال حيصل بني الشيئني الفة ووجود
العامل ونظامه كالمها مربوطان ابخللة فلو مل تكن خلة لكان النظام كالوجود مفقودا
فكانت اخللة أصل االجياد من جانب املوجد ومن املوجود فان الذي جعل املمكن
مأنوسا لقبول الوجود واورده يف قيد االجياد هو اخللة بل العدم ايضا مطمئن ومسرتيح يف
بيت خلوته بدولة اخللة مؤانس بال شيئيته بل مؤتلف وموانس بنقيضه ايضا وهلذا صار
مرآة لكم االته وواسطة لوجود املمكنات فكانت اخللة اكثر بركة من مجيع االشياء وكانت
بركاهتا شاملة للموجود واملعدوم فاذا علمت معارف مقام اخللة ودقائقها وعموم بركاته
وعلمت ايضا ان مقام اخللة ابالصالة خمصوص حبضرة ابراهيم على نبينا وعليه الصالة و
السالم وان واليته والية ابراهيمية فاعلم انه قد ظهر هلذا الفقري اآلن بتوسط بركات هذه
املعارف ان التعني االول هو تعني حضرة الذات تعالت وتقدست حبضرة الوجود وذلك
التعني االول هو رب حضرة اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم وهلذا كان هو امام
الكل اين جاعلك للناس اماما وصار سيد البشر مأمورا مبتابعته اتبع ملة ابراهيم حنيفا
وكل نيب جاء بعده كان مأمورا مبتابعته وسائر التعينات مندرجة يف ضمن هذا التعني
الوجودي سواء كان تعينا علميا مجليا او تفصيليا وميكن ان يكون من ههنا ذكر نبينا
صلّى هللا عليه و سلّم ابراهيم عليه السالم ابالبوة وذكر سائر االنبياء على مجيعهم الصالة
و السالم ابالخوة فلو ذكر سائر االنبياء ابلبنوة جلاز فان تعيناهتم مندرجة يف تعينه الذي
- 1049 -
هو التعني العلمي اجلملي على ما قالوا وما ورد يف الصالة املأثورة من قوله صلّى هللا عليه
و سلّم كما صليت على ابراهيم ميكن ان يكون من جهة ان الوصول اىل حضرة الذات
تعالت وتقدست بدون توسط التعني االول الذي هو التعني الوجودي وبال امتام
الكماالت الوالية االبراهيمية غري ميسر فانه هو العقبة األوىل لتلك املرتبة املقدسة وهو
الذي صار مرآة لغيب الغيب فاورد ابطن البطون اىل عرصة الظهور فال بد حينئذ لكل
احد من توسطه وأمر هللا سبحانه خامت االنبياء عليه وعليهم الصالة و السالم مبتابعته
ليصل بتبعيته اىل واليته مث يتبخرت منها اىل حضرة الذات جل شأنه (فان قيل) لزم من
هذا البيان ان يكون ابراهيم افضل من خامت الرسل على مجيعهم الصالة و السالم واحلال
ان االمجاع على افضلية خامت الرسل على مجعيهم ولزم ايضا ان يكون التجلي الذايت
نصيب حضرة اخلليل ابالصالة و يكون لغريه بتبعيته ومن املقرر عند اكابر الصوفية ان
التجلي الذايت ابالصالة خمصوص خبامت الرسل ولغريه بتبعيته (اجيب) ان الوصول اىل
الذات كتجلي الذات تعالت وتقدست على قسمني ابعتبارالنظر و ابعتبار القدم يعين ان
الواصل اما النظر او الناظر بنفسه والوصول النظري نصيب اخلليل عليه السالم ابالصالة
فان اقرب التعينات اىل حضرة الذات هو التعني االول الذي هو ربه كما مر وما مل يوصل
اىل ذلك التعني ال ينفذ النظر اىل ما ورائه والوصول القدمي نصيب احلبيب ابالصالة فانه
حمبوب رب العاملني ويوصل ابحملبوبني اىل حمل يعجز عنه االخالء اال ان يذهبوا فيه بتبعيته
والالئق ابخلليل ان يصل نظره اىل مقام يصل اليه رئيس احملبوبني عليه و على آله الصالة
و السالم وان ال يقصر يف الطريق وابجلملة ان جتلي الذات من وجه خمصوص ابخلليل
وغريه اتبع له ومن وجه خمصوص خبامت الرسل وغريه اتبع له عليه و على آله الصالة و
السالم وملا كان الوجه الثاين اقوى وادخل يف مراتب القرب كانت مناسبة التجلي الذايت
خبامت الرسل اكثر وازيد وكان هو صلّى هللا عليه و سلّم أفضل من اخلليل ومن سائر
االنبياء ابلضرورة فكان الفضل الكلي نصيب احلبيب واخلليل من بني األنبياء وان كان
أحدمها أفضل من اآلخر وملا كان موسى عليه و على نبينا الصالة و السالم رئيس احملبني
- 1050 -
كما كان نبينا صلّى هللا عليه و سلّم رئيس احملبوبني كان له حبكم املرء مع من احب معية
حبضرة الذات ابلضرورة ليست هي لغريه وله ايضا يف تلك احلضرة منزلة ال مدخل فيها
لغريه وامنا انل ذلك بواسطة حمبته فقط ولكن هذا الفضل راجع اىل جزئي ميكن ان يقال
انه عديل للكلي فان اجلم الغفري من االنبياء اتبعون له يف ذلك املقام ومع ذلك الفضل
الكلي هو ما كان نصيب اخلليل واحلبيب عليهما الصالة و السالم وان كان كل منهما
اتبعا لآلخر من وجه حيث ان اخلليل أصل يف الوصول النظري واحلبيب اتبع له فيه
وعكسه يف الوصول القدمي ويف اخلاطر ان اكتب ما ظهر يل من الكماالت والفضائل
املخصوصة حبضرة الكليم على نبينا وعليه الصالة و السالم يف ورقة على حدة ان شاء
هللا تعاىل (ينبغي) ان يعلم ان االنبياء اذا وصلوا اىل حضرة الذات تعالت وتقدست
بتوسط نيب من االنبياء عليهم الصالة و السالم ال يكون ذلك النيب حائال بني حضرة
الذات وبني هؤالء االنبياء بل هلم من حضرة الذات نصيب ابالصالة غاية ما يف الباب
ان وصوهلم اىل تلك الدرجة مربوط بتبعية ذلك النيب عليه وعليهم الصالة و السالم
خبالف أمة نيب وصلت بتوسطه فان ذلك النيب حائل يف البني اال ان يكون لفرد من أفراد
االمة نصيب من حضرة الذات ابالصالة فاحليلولة مثة ايضا مفقودة وتبعيته له موجودة
وقليل ما هم بل أقل (فان قيل) فعلى هذا التقدير ما يكون الفرق بني ذلك الفرد من
االمة وبني سائر االنبياء فان احليلولة مفقودة يف كليهما والتبعية موجودة (اجيب) ان
تبعية ذلك الفرد من االمة ابعتبار التشريع فانه ما مل يتبع شريعة نيب ال يصل والتبعية يف
االنبياء ابعتبار ان وصول النيب املتبوع اىل تلك الدرجة اوال وابلذات ووصول غريه اثنيا
وابلعرض فان املطلوب من الدعوة هو احملبوب وغريه امنا يدعي بتطفله ويطلب بتبعيته
ولكن الكل جلساء على سفرة واحدة ومستوفون للتذذات والتنعمات يف جملس واحد
على تفاوت درجاهتم واالمم هم الذين ينالون من زالهتم و أيكلون من فضالهتم اال ان
يكون فرد من افرادهم خمصوصا بكرم هللا جل شأنه فيصري جليس جملس االكابر كما مر
{ع}:
- 1051 -
يظهرخالف ما هو املقرر من شخص فينبغي التخيل انه ماذا يرد على رأسه وما يطلق
عليه من الطعن واملالمة يظنون انه يفضل اخلليل على احلبيب وجيعل احلبيب جزء من
اخلليل حيث يعتقد ان سائر التعينات مندرجة يف التعني االول وان دفع تومههم ذلك فيما
مر وأجاب جوااب شافيا ولكن ال يعلم اهنم يكتفون بذلك الدفع ويتشفون بذلك اجلواب
الشايف او ال ماذا نفعل فانه ال عالج للجهل والعناد والتعصب اال ان يقلب مقلب
القلوب بقدرته الكاملة قلوهبم وصريهم قابلني الستماع احلق ينبغي ان يدرك علو شأن
حضرة اخلليل من أمر اتبع الذي صدر منه سبحانه اىل حبيبه فانه ما مناسبة املتبوع
ابلتابع ولكن احملبوبية اليت صارت نصيب خامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم
رجحت على مجيع الفضائل ومراتب القرب وجعلته صلّى هللا عليه و سلّم اسبق قدما من
الكل ال يساوي ألف مرتبة من مراتب القرب لنسبة واحدة من نسب احملبوبية واحملب يرى
حمبوبه اعز من نفسه فاين للغري جمال دعوى املشاركة معه (فان قيل) انك كتبت يف
رسائلك ان رب اخلليل ايضا شأن العلم كما انه رب احلبيب عليهما الصالة و السالم
والفرق انه هناك ابلتفصيل وهنا ابالمجال (اجيب) ان تلك املعرفة امنا كانت قبل الوصول
اىل حقيقة والية اخللة هذه وملا حتققت حبقيقة هذه الوالية ظهرت املعاملة كما هي وكأن
تلك املعرفة كانت متعلقة بظل هذه احلقيقة وهللا سبحانه امللهم للصواب فاتضح من هذا
البيان ان الوجود ليس بعني الذات بل تعني اسبق من سائر تعينات الذات تعالت
وتقدست ومن قال بعينية الوجود للذات فقد ظن التعني ال تعينا وزعم غريالذات ذاات
واملناقشة يف قول الغري ال حاصل فيها فانه جئ به لضيق ميدان العبارة (فان قيل) ما
نسبة هذا التعني االول الوجودي الذي وجدته بذاك التعني االول العلمي اجلملي الذي
وجده اآلخرون وهل بني هذين التعينني تعني آخر او ال (اجيب) ان التعني الوجودي
فوق التعني العلمي وما قالوا ان فوق التعني العلمي مرتبة حضرة الذات والالتعني هو هذا
التعني الوجودي وجدوه عني الذات وحكموا بعينية الوجود للذات وبني هذين التعينني
شأن احلياة اليت هي اقدم مجيع الشؤانت وبعدها شأن العلم امجاال وتفصيال وهو اتبع هلا
- 1053 -
ولكن ال يظهر مظهرية هذا التعني املتوسط يف النظر ومناسبته حبضرة الذات تعالت ازيد
من الكل واالستغناء الذايت واضح فيه جدا ولكن يفهم ان فيوضه وبركاته مستفاضة
خصوصا على الروحانيني وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال سبحانك ال علم لنا اال ما
علمتنا انك انت العليم احلكيم {تنبيه} ان ما مر فيما سبق من ان الوصول النظري
نصيب اخلليل ابالصالة والوصول القدمي نصيب احلبيب عليهما الصالة و السالم
ابالصالة ال مبعن ان هناك شهود ومشاهدة او للقدم جمال مثة فانه ال جمال هناك لشعرة
فضال عن القدم بل هو وصول جمهول الكيفية فان ارتسم يف الصورة املثالية ابلنظر
فوصول نظري وان ابلقدم فوصول قدمي واال فالقدم والنظر كالمها واهلان ومتحريان يف
تلك احلضرة جل شأهنا و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب التاسع والثمانون اىل القاضي امساعيل الفريد آابدي يف شرح كالم
الشيخ روزهبان البقلي مع بيان بعض دقائق التوحيد الوجودي}
قال الشيخ الويل روزهبان البقلي قدس سره يف تبيني غلطات الصوفية وغلط آخر
اهنم يقولون ال كل هو ويريدون جبميع هذه اجلزئيات املتفرقة احلادثة ذاات واحدة ويقول
بعضهم ببعض ابلرمز ما حنن اال هو فيكون هلؤالء الكفار مائة الف اله ورب العاملني
تعاىل وتقدس منزه من مجع احملداثت وتفرقتها واحد ال سبيل اليه للجزء وال يقبل احللول
وال يكون متلوان وهم كفار هبذا القول ال يعرفون هللا وال يعرفون انفسهم فان كان االنسان
حقا كيف يكون فانيا وغلط القوم يف روح وغلط هؤالء يف اجلسم قاتلهم هللا سبحانه
انتهى (ال خيفى ) ان عبارة الكل هو وان مل تكن متعارفة فيما بني قدماء الصوفية قدس
هللا اسرارهم ولكن كان بينهم مثل اان احلق وسبحاين وما يف جبيت سوى هللا وامثاهلا مما
يعسر تعداده ومؤدي هذه العبارات وتلك العبارة واحد {شعر}:
اذا ما تعدى املاء عن مفرق فال * تفاوت يف مقدار رمح وارماح
مثل موزون مشهور وهذه العبارة شائعة ذائعة فيما بني متأخري الصوفية ويقولون
- 1054 -
الكل هو بال تكلف ويصرون على هذا القول اال ان القليل منهم هلم تردد يف هذه العبارة
وامثاهلا بل يظهرون صورة االنكار عليها وما يفهمه هذا الفقري من معن قوهلم الكل هو
ان مجيع هذه اجلزئيات املتفرقة احلادثة ظهور ذات واحدة تعالت وتقدست كما اذا
انعكست صورة زيد يف مرااي متعددة وظهرت فيها فيقال الكل هو يعين ان مجيع هذه
الصور اليت ظهرت يف مرااي متعددة ظهور ذات واحدة لزيد فهنا اي جزئية واحتاد واي
حلول وتلون بل ذات زيد مع وجود الصور كلها على صرافتها وحالتها االصلية ما زادت
هذه الصور فيها شيئا وما نقصت ال اسم للصور فيما فيه ذات زيد وال رسم حت حيصل
هلا معها نسبة من نسب اجلزئية واالحتاد واحللول والسراين ينبغي ان يطلب سرا آلن كما
كان يف هذا املكان فان مرتبته سبحانه و تعاىل كما مل يكن للعامل فيها جمال قبل الظهور
ال يكون له فيها جمال ايضا بعد الظهور فال جرم يكون اآلن كما كان (والعجب) ان
كثريا من أكابر متقدمي الصوفية فهموا من هذه العبارة املمزوجة بشهد التوحيد معن
احللول واالحتاد وكفروا قائليها وضللوهم وبعضهم يوجه هذه العبارة على هنج ال مناسبة له
مبذاق قائليها بوجه وال نسبة قال صاحب العوارف ان صدور اان احلق من احلالج
وسبحاين من ايب يزيد البسطامي كان بطريق احلكاية يعين من احلق سبحانه و تعاىل فلو
مل يكن بطريق احلكاية بل كان فيه شائبة احللول واالحتاد نرد قائلي هذه االقوال كما نرد
النصارى لقوهلم ابحللول واالحتاد وقد اتضح من التحقيق السابق انه ال حلول يف هذه
العبارة الشبيهة ابلشطح واالحتاد واحلمل فيها امنا هو ابعتبار الظهور والشهود ال ابعتبار
الوجود كما فهموا ومحلوا على احللول واالحتاد وكان هذه املسئلة يعين مسئلة التوحيد
الوجودي مل تكن حمررة وملخصة فيما بني متقدمي الصوفية كما ينبغي وكل من كان منهم
مغلوب احلال ظهر منه كلمة يف التوحيد شبيهة ابلقول ابالحتاد وهو مل يطلع على سرها
من غلبة السكر ومل يصرفها من ظاهرها الذي يفهم منه شائبة احللول واالحتاد وملا وصلت
النوبة اىل الشيخ االجل حميي الدين بن العريب قدس سره شرح هذه املسئلة الدقيقة من
كمال املعرفة وبوهبا وفصلها ودوهنا تدوين الصرف والنحو ومع ذلك مل يفهم مجع من
- 1055 -
هذه الطائف ة مراده فخطأوه وطعنوا فيه وأطلقوا عليه لسان املالم والشيخ حمق يف أكثر
حتقيقات هذه املسئلة والطاعنون فيه بعيدون عن الصواب ينبغي ان يعرف جاللة شأن
الشيخ ووفور علمه من حتقيق هذه املسئلة ال ان يرده ويطعن فيه وكلما مير على هذه
املسئلة زمان تصري واضحة ومنقحة بتالحق أفكار املتأخرين وتبعد عن شبهات احللول
واالحتاد أال ترى ان النحو الذي صار اآلن واضحا ومنقحا بتالحق أفكار املتأخرين من
النحويني مل يك ن فيه ذلك التنقيح والوضوح يف زمان سيبويه واالخفش فان تكميل
الصناعة بتالحق االفكار وقد ابحث االمام االعظم واالمام ابو يوسف يف مسئلة خلق
القرآن ستة أشهر وجرى بينهما الرد والنقض مث استقر رأيهما على ان من قال ان القرآن
خملوق يصري كافرا وطول هذه املنازعة امنا كان لعدم تنقيح هذه املسئلة يف ذلك الوقت
واآلن حيث كانت منقحة بتالحق االفكار نقول لو كان حمل النزاع هو احلروف
والكلمات الدالة على الكالم النفسي فال شك اهنا حادثة وخملوقة وان كان املراد هو
املدل والت فقدمية وغري خملوقة وهذا التنقيح من بركات تالحق االفكار (ولنرجع) اىل أصل
الكالم فنقول ان هلذه العبارة معن آخر بعيدا عن احللول واالحتاد يعين ان الكل معدوم
واملوجود هوهللا تعاىل ال ان الكل موجود ومتحد معه تعاىل فان هذا الكالم ال يتلكم به
ابله فكيف يتصور صدوره عن االكابر ولكن اذا كان ما سوي احملبوب مستورا عن نظر
هؤالء االكابر عند غلبة احملبة ومل يبق غريه يف شهودهم وهم يقولون الكل هو يعين ان
مجيع هذا الذي يرى اثبتا موهوم ومتخيل واملوجود هو هللا تعاىل فعلى هذا التقدير ليست
فيها شائبة اجلزئية واالحتاد وال مظنة احللول والتلون ومع ذلك ال يستحسن هذا الفقري
أمثال هذه العبارة وان كانت مربأة من هذه املفاسد الهنا ليست بالئقة مبرتبة تقديسه
وتنزيهه تعاىل وما مقدار هؤالء املوجودات حت تكون مظاهر له تعاىل {ع}:
يف أي مرآة يكون مصورا
وأين فيها استحقاق ان تكون حممولة عليه تعاىل ولو ابعتبار الظهور والشهود فان
كانت مظهرا فمظهر لظل من ظالل كماالته تعاىل ولعل بني ذلك الظل الذي صارت
- 1056 -
املوجودات مظهرا له وبني الذات تعالت وتقدست الوفا من احلجاب امل تسمع ان هلل
تع اىل سبعني الف حجاب من نور وظلمة فحمل مظهر ظل من ظالل كماله سبحانه
عليه تعاىل من غري حتاش والقول ابنه هو سوء ادب وكمال جرأة ولكن ملا كان صدور
ذلك يف غلبة احلال واستيالء السكر ليس مبذموم جدا وكذلك اعتقاد مشهودهم عني
احلق على التوجيه الثاين ومحله عليه تعاىل هبذا االعتبار ايضا سوء ادب بل خالف الواقع
فان ذلك املشهود ايضا ظل من ظالل كماالته تعاىل وهو تعاىل وراء الوراء مث وراء الوراء
وأيضا ان كل ما هو مشهود ومستحق للنفي فال يكون احلق جل وعال قال اخلواجه
النقشبند قدس سره كلما يكون مسموعا ومرئيا ومدركا فهو غري احلق سبحانه ينبغي نفيه
حبقيقة كلمة ال وما هو خمتار هذا الفقري يف هذه املسئلة واملناسب لشأن التقديس والتنزيه
عبارة الكل منه ال مبعن يقتصر عليه علماء الظاهر ويقولون ان صدور اخللق كله منه فان
هذا وان كان صادقا ولكن مع ذلك هنا عالقة أخرى ايضا مل يهتد العلماء اليها وامتازت
الصوفية ابدراكها ووجداهنا وهي االرتباط بني االصالة والظلية يعين ان وجود املمكن انش
من وجود الواجب تعاىل وظل لوجوده سبحانه وكذلك حياته انشئة من صفة حياته
سبحانه وظل لتلك احلياة املقدسة و على هذا القياس العلم والقدرة واالرادة وغريها فالعامل
على رأي الصوفية صادر من احلق سبحانه وظل لكماالته وانش من تلك الكماالت
املنزهة مثال الوجود الذي اعطيه املمكن ليس هو امر على حدة مستقل برأسه بل هو
وجود الواجب تعاىل وكذلك احلياة والعلم وغريمها مما اعطيه املمكن ليست امورا ثبت هلا
االستقالل من الواجب تعاىل بل هي مع وجود صدورها عن الواجب تعاىل ظالل
كماالته سبحانه وصورها وامثاهلا واالهتداء اىل هذا االرتباط يعين ارتباط االصالة والظلية
رفع معاملة الصوفيني اىل اعلى عليني واوصلهم اىل الفناء والبقاء وجعلهم متحققني
ابلوالية اخلاصة وملا مل يتيسر لعلماء الظاهر هذه الرؤية واالهتداء مل يصبهم نصيب من
الفناء والبقاء ومل يتحققوا ابلوالية اخلاصة والصوفية وجدوا كماالهتم ظالل كماالت
الواجب وعلموا ان الوجود وتوابع الوجود عكوس تلك الكماالت فال جرم مل يروا انفسهم
- 1057 -
غري حاملي اماانت كماالته سبحانه ومل جيدوا انفسهم سوى ان يكونوا مرااي لتلك
الكم االت فاذا أدوا هذه االماانت حبكم ان هللا أيمركم ان تؤدوا االماانت اىل اهلها اآلية
اىل اهل االماانت واعطوا هذه الكماالت ابلتمام اىل االصل ذوقا جيدون انفسهم
معدومني ميتني فانه ملا ذهب الوجود واحلياة اىل االصل بقوا معدومني وميتني فتحقق
الفناء للمولوي الرومي رمحه هللا {شعر}:
فاذا عرفته انت من هو اوال * ونسبت نفسك حنو حضرته العال
وعرفت انك ظل من اي من درى * كن فارغا حيا وميتا من مال
فمن تشرف ابلبقاء بعد الفناء اعطي الوجود وتوابع الوجود من الصفات الكاملة
مرة اثنية ويتحقق ابلوالدة الثانية لن يلج ملكوت السموات من مل يولد مرتني {ع}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها
اهلي قد اطلق من ضيق العبارة االلفاظ اليت مل يرد الشرع ابطالقها كالظلية وغريها
واقول ان وجود املمكن ظل وجود الواجب تعاىل وصفاته ظالل صفاته الكاملة وأان
خائف وجل من هذه االطالقات واذ قد سبق اولياؤك ابطالق هذه العبارات نرجو العفو
واملعافاة ربنا ال تؤاخذان ان نسينا او اخطأان (ينبغي) ان يعلم انه قد اتضح من التحقيق
السابق ان الصوفية القائلون بكالم الكل هو ال يعتقدون احتاد العامل ابحلق جل وعال وال
يثبتون احللول والسراين واحلمل الذي حيصل من كالمهم هذا فامنا هو ابعتبار الظهور و
الظلية ال ابعتبار الوجود والتحقق وان توهم من ظاهر عباراهتم االحتاد الوجودي ولكن
حاشاهم من ان يكون مرادهم ذلك فانه كفر واحلاد فاذا كان محل احدمها على اآلخر
ابعتبار الظهور والشهود ال ابعتبار الوجود كان معن الكل هو الكل منه فان ظل الشئ
انش من ذلك الشئ وان كانوا يقولون وقت غلبة احلال الكل هو ولكن يكون مرادهم من
هذه العبارة يف احلقيقة الكل منه فال جمال يف الطعن يف كالمهم واحلكم بتضليل قائليه
وتكفريهم (اعلم) ان ظل شئ عبارة عن ظهور الشئ يف مرتبة اثنية او اثلثة او رابعة مثال
ان صورة زيد املنعكسة يف املرآة ظل زيد وظهوره يف مرتبة اثنية وزيد يف احلقيقة يف مرتبة
- 1058 -
وجوده االصلي اظهر نفسه يف املرآة ابلظل من غري ان يطرأ له يف ذاته وصفاته تلون وتغري
كما مر ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير و السالم على من اتبع
اهلدى.
رؤية البصر ايضا وحتول املطلوب من السماع اىل املعانقة وال يدرون ان حصول هذا املعن
يف االصل الذي هو البصرية ايضا مبين على التوهم والتلبس فماذا يصيب للبصر الذي
هو فرع عليها يف هذا النشأة ومن اين حتصل هلا الرؤية ويف الرؤية القلبية وقع جم غفري
من الصوفية يف التوهم وحكموا بوقوعها خبالف الرؤية البصرية فانه مل يقع يف توهم وقوعها
اال الناقصون من هذه الطائفة وهو خمالف ملا عليه اهل السنة واجلماعة شكر هللا تعاىل
سعيهم (فان قيل) ا ذا كان للموقن به صورة يف عامل املثال يلزم ان للحق سبحانه صورة
هناك (اجيب) ان الصوفية قد جوزوا ان يكون للحق سبحانه مثال وان مل يكن له تعاىل
مثل وجوزوا ظهوره سبحانه يف املثال بصورة كما قرر صاحب الفتوح قدس سره كون
الرؤية اال خروية ايضا بصورة جامعة لطيفة مثالية وحتقيق هذا اجلواب ان صورة املوقن به
ليست هي صورة احلق سبحانه يف املثال بل هي صورة مكشوف صاحب االيقان الذي
تعلق ايقانه به وذلك املكشوف بعض وجوه احلق سبحانه واعتباراته ال ذاته جل وعال
وهلذا اذا بلغت معاملة العارف الذات ال يظهر له مثل هذه التخيالت وال يتخيل رؤية وال
مرئي اصال فانه ال صورة لذاته االقدس سبحانه يف املثال حت تظهر له ويرى ايقانه
بصورة الرؤية او نقول ان يف عامل املثال صور املعاين ال صور الذوات وحيث ان العامل
بتمامه مظاهر االمساء والصفات ال يكون له نصيب من الذاتيات كما حققته يف مواضع
متعددة فيكون بتمامه من قسم املعاين ابلضرورة وتكون له صورة يف املثال ويف الكماالت
الوجوبية كل مرتبة فيها الشأن والصفة اليت قيامها ابلذات تعالت ومن قبيل املعاين لو
كانت هلا صورة يف املثال ولو ابلنقص لساغ وأما ذاته سبحانه فحاشاها من ان تكون هلا
صورة يف مرتبة من املراتب فان الصورة مستلزمة للتحديد والتقييد وذا ليس مبجوز يف اي
مرتبة كان واين اجملال للمراتب اليت كلها خملوقة هلل تعاىل ان جيعل اخلالق سبحانه حمدودا
و مقيدا وكل من جوز املثال يف حضرته سبحانه و تعاىل فهو ابعتبار الوجوه واالعبتارات
ال ابعتبار عني الذات تعالت وان كان جتويز املثال يف وجوه الذات واعتباراهتا ايضا ثقيال
على هذا الفقري اال ان جيوز ذلك يف ظل من الظالل البعيدة (فاتضح) من هذا البيان ان
- 1060 -
{املكتوب احلادي والتسعون اىل موالان طاهر البدخشي يف جواب سؤاله عن
الفرق بني املعرفة واالميان احلقيقي وغري ذلك}
بعد احلمد والصلوات وتبليغ الدعوات اهني ان صحيفة اخي االعز املرسلة صحبة
الشيخ سجاول قد وصلت احلمد هلل سبحانه على سالمتكم وعافيتكم وقد اندرجت فيها
اسئلة متعددة فكتبنا يف جواهبا ما خطر يف اخلاطر ينبغي ان يالحظه ابلتوجه الكامل
(ال سؤال االول) ما الفرق بني املعرفة واالميان احلقيقي (وجوابه) ان املعرفة غري االميان فان
املعرفة يعرب عنها ابلفارسية بشناخنت واالميان يعرب عنه بگرويدن ورمبا حتصل املعرفة ابملعن
املذكور وال حيصل االميان أال ترى ان اهل الكتاب كانت هلم معرفة نبينا عليه و على آله
- 1061 -
الصالة و السالم وعرفوا انه نيب كما قال هللا يعرفونه كما يعرفون ابناءهم ولكن ملا مل
حيصل هلم التصديق بواسطة العناد مل يتحقق االميان (واملعرفة) ايضا منقسم اىل قسمني
مثل االميان صورة املعرفة كصورة االميان وحقيقة املعرفة كحقيقة االميان وصورة االميان هي
ما اكتفى به احلق سبحانه من كمال رأفته ورمحته يف الشريعة للنجاة األخروية وهو
تصديق القلب مع وجود انكار النفس االمارة ومتردها وصورة املعرفة هي ايضا كون املعرفة
مقصورة على تلك اللطيفة مع وجود جهل االمارة وحقيقة املعرفة هي خروج النفس
االمارة من جهالتها ابجلبلية وحصول املعرفة هلا وحقيقة االميان هي تصديق النفس بعد
حصول املعرفة هلا واطمئناهنا بعد خروجها من االمارية اليت هي كانت طبيعية هلا (فان
قيل) قد اعترب يف الشريعة التصديق القليب فگرويدن هذا هل هو عني التصديق او امر
وراءه فان كان وراءه يلزم ان يعترب يف االميان ثالثة اجزاء االقرار والتصديق وگرويدن وهو
خالف ما هو مقرر عند العلماء و يكون العمل عند من اعتربه من االميان جزءا رابعا
(أجيب) ان كرويدن هو عني التصديق فان التصديق الذي هو احلكم عبارة عن االذعان
املعرب عنه يف الفارسية بگ رويدن (فان قيل) اذا عرف اهل الكتاب نبينا صلّى هللا عليه و
سلّم بعنوان النبوة فقد حكموا بنبوته ابلضرورة وحصل هلم االذعان املعرب عنه بگرويدن
فان احلكم على هذا التقدير عني هذا االذعان فلم ال يكون االميان متحققا يف حقهم
وأبي علة ال خيرجون من الكفر (قلت) قد عرفوه بعنوان النبوة ولكن مل حيصل لقلبهم
االذع ان بواسطة التعصب والعناد حت حيصل هلم احلكم بنبوته فانه رمبا حيصل املعرفة
والتصور وال حيصل االذعان حت يوجد التصديق ويتحقق االميان وخيرجون من الكفر
الفرق دقيق امسع وارجع اىل وجدانك ومع وجود العناد ميكن ان نيب هللا فعل كذا وال
ميكن ان يقول انه نيب هللا ما مل حيصل االذعان فان يف الصورة األوىل تصورا فقط واحالة
اىل معرفة مشهورة ويف الصورة الثانية تصديقا مبنيا على االذعان فاذا مل يوجد االذعان
كيف يتصور وجود التصديق وايضا ليس املقصود يف الصورة األوىل اثبات النبوة بل اثبات
الفعل ويف الصورة الثانية اثبات النبوة والعناد ال جيتمع معه فكيف يتصور وجود االذعان
- 1062 -
فلو حصل التصديق واحلكم فرضا بال حصول االذعان فهو ايضا داخل يف التصورات
وصورة التصديق وما مل حيصل االذعان ال حتصل حقيقة التصديق فال حيصل االميان وهذه
املسئلة من امهات مسائل علم الكالم ودقيقة جدا حت عجز يف حلها فحول العلماء
وزاد بعضهم ركنا اثلثا يف االميان ابالضطرار وقال بزايدة گرويدن على التصديق والذين
قالوا بعينية التصديق بگرويدن مل حيل هذا املعن كما ينبغي بل اكتفى ابالمجال ومضى
احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا امسع ان املركب التقييدي
وا ملركب التوصيفي مثل نيب هللا وهذا النيب وان كاان متضمنني للحكم أبنه نيب ومشتملني
على معرفته بعنوان النبوة ولكن حصول التصديق أبنه نيب موقوف على االذعان الذي هو
مثبت لالميان غالم زيد فعل كذا ورجل صاحل حكم بكذا كالمها صحيح بال اذعان
واملعرفة بعنوان الغالمية وع نوان الصالحية اثبتة يف كليهما ولكن ال اذعان فيهما حت
حيصل التصديق ابلغالمية و الصالحية (فان قيل) انك قلت ان اذعان النفس بعد اذعان
القلب وعربت عن اذعان النفس ابالميان احلقيقي واحلال ان الفالسفة وارابب املعقول
اخذوا يف التصديق مطلق اذعان النفس ومل يتكلموا يف اذعان القلب (قلت) ان ارابب
املعقول يريدون ابلنفس يف بعض االطالقات الروح ويف بعض االطالقات القلب وابجلملة
ان تدقيقاهتم الفلسفية يف حمال اخر واكثرها مما ال طائل فيه وهم معطلون وعاجزون يف
هذه املسئلة وحكمهم فيها حكم العوام ونوبة التدقيق مثة انتهت اىل الصوفية فاهنم
يتلبسون ابحكام كل لطيفة ويرتقون من مجيع اللطائف ابلسري والسلوك ويفرقون النفس
من القلب والروح من السر ومييزون بني اخلفي واالخفى وال يعلم حصول نصيب من
هؤالء الرابب املعقول غري معرفة اساميها وقد اعتقدت الفالسة النفس االمارة شيئا
عظيما وعدوها من اجملرد ات ومل جير اسم القلب والروح على ألسنتهم ومل يبد من السر
واخلفي واالخفى عالمة ان هلل سبحانه ملكا يسوق االهل اىل االهل (وجواب) آخر ان
أرابب العقول امنا ذكروا اذعان النفس نظرا اىل االحكام العادية والعرفية لكوهنا قريبة اىل
فهمهم وكالمنا يف تصديقات االحكام الشرعية وللنفس انكار عليها ابلذات فاين
- 1063 -
االذعان وهذا االنكار انكار موصل للمنكر اىل حد عداوة صاحب تلك االحكام نعوذ
ابهلل من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا وقد ورد يف احلديث القدسي عاد نفسك فاهنا
انتصبت ملعادايت وارحم الرامحني مل جيعل اذعان النفس من كمال رأفته منظورا يف اوائل
احلال وجعل النجاة مربوطة ابذعان القلب فلو تيسر اذعان النفس اثنيا مبحض كرمه
سبحانه و تعاىل فهو نور وسرور ووصول اىل درجات الوالية وحصول حقيقة االميان وقد
كتبتم انه ينبغي ان تكتبوا جوااب موافقا لفهم الفقري وادراكه حت ميكن يل فهمه ماذا
اصنع امل سئلة دقيقة جدا وحلها ايضا بال دقة مشكل بل نفس احلل يقتضى الدقة فما
ذنب العبارة وكان ينبغي لكم ان تتفكروا هذا اوال حت ال جترتؤا على سؤال حل مثل هذا
ملعم ي فال تلوموين ولوموا انفسكم (السؤال الثاين) ان الزهاد والعباد هل هم مشرفونا ّ
ابالميان احلقيقي او ال (جوا به) أهنم ان بلغوا مرتبة املقربني وصارت نفوسهم مطمئنة فقد
بلغوا مرتبة االميان احلقيقي (والسؤال الثالث) ان اصحاب املعرفة االمجالية اليت منشوها
الكفر احلقيقي كيف ميكن ان يقال هلم العرفاء مل يفهم معن هذه العبارة كما ينبغي وانتم
تكتبون العبارة مغلقة ومتنعون اآلخرين من ذلك فان كان املقصود ان كافر الطريقة ابي
معن يقال له انه عارف (فجوابه) ان كافر الطريقة ايضا عرف احلق سبحانه ابلواحدانية
وجعل ما سواه ممحوا و متالشيا فهو عارف ولكنه ليس بعارف مطلقا النه خرج من
دائرة التمييز فاذا رجع اىل التمييز يصري عارفا مطلقا و يكون مشرفا ابالميان احلقيقي و
السالم.
{املكتوب الثاين والتسعون اىل الفقري هاشم الكشمي يف جواب سؤاله عن
مساع الصوفية كالم احلق سبحانه ومكاملتهم معه تعاىل}
قد سألتم انه ما معن ما قاله بعض العرفاء من اان نسمع كالم احلق سبحانه او
تقع بيننا وبينه مكاملة كما نق ل عن االمام اهلمام جعفر الصادق رضي هللا عنه انه قال ما
زلت اردد اآلية حت مسعتها من املتكلم هبا ويفهم ذلك ايضا من الرسالة الغوثية اليت هي
- 1064 -
منسبوبة اىل حضرة الشيخ عبد القادر اجليالين قدس سره وما حتقيق ذلك عندك (اعلم)
ارشدك هللا تعاىل ان كالم احلق سبحانه و تعاىل كذاته وسائر صفاته ال كيفي وال مثلي
ومساع الكالم الالكيفي ايضا ال كيفي فانه ال سبيل للكيفي اىل اللكيفي فال يكون ذلك
السماع مربوطا حباسة السمع فاهنا متكيفة ابلكيف ابلكلّية فان كان هناك للعبد مساع
فهو بتلق روحاين فان هلا يعين الروح نصيبا من الالكيفي وبال توسط احلروف والكلمات
وايضا لو كان الكالم من العبد فهو ايضا ابلقاء روحاين بال حروف وكلمات و يكون
هلذا ا لكالم نصيب من الالكيفي حيث يكون مسموعا لالكيفي مع اان نقول ان الكالم
اللفظي الذي يصدر عن العبد يسمعه احلق سبحانه و تعاىل بسماع الكيفي بال توسط
احلروف والك لمات وبال تقدمي وأتخري اذ ال جيري عليه تعاىل زمان يسع فيه التقدمي
والتأخري فلو كان يف ذلك املوطن من العبد مساع فهو سامع بكليته وان كالم فمتكلم
بكلتيه فالعبد بتمامه مسع وبتمامه لسان وقد مسعت الذرات املخرجة يعين من ظهر آدم
قول الست بربكم يوم امليثاق بكليتهم من غري واسطة واجابوه وكانوا بتمامهم امساعا
وبتمامهم ألسنا فانه لو كان السمع متميزا من اللسان ملا حيصل السماع والكالم
الالكيفيني وال يكون الئقا ابرتباط املرتبة الالكيفية ال حيمل عطااي امللك اال مطاايه غاية
ما يف الباب ان ذلك املعن املتلقى الذي اخذه من طريق الروحانية يتمثل اثنيا يف عامل
اخليال الذي هو يف االنسان متثال عامل املثال بصورة احلروف والكلمات املرتبة ويرتسم
ذلك التلقي وااللقاء بصور السماع والكالم اللفظي فان لكل معن صورة يف ذلك العامل
وان كان ذلك املعن منزها عن الكيف ولكن يكون ارتسام املنزه عن الكيف ايضا هناك
بصورة مكيفة بكيف فان الفهم واالفهام املقصودين من االرتسام مربوطان هبا فاذا وجد
السالك املتوسط يف نفسه حروفا وكلمات مرتتبة واحس مساع الكالم اللفظي يتخيل انه
قد مسع هذه الكلمات من االصل واخذه من هناك بال تفاوت وال يدري ان هذه
احلروف والكلمات صور خيالية لذلك املعن املتلقى وذلك السماع والكالم اللفظي متثال
ذلك السماع والكالم الالكيفي والعارف التام املعرفة ينبغي ان مييز حكم كل مرتبة عن
- 1065 -
األخرى وال يلبس حكم احديهما حبكم األخرى فسماع هؤالء االكابر وكالمهم املربوطني
مبرتبة الكيفية من قبيل التلقي وااللقاء الروحانيني وهذه الكلمات واحلورف اليت يعرب هبا
عن ذلك املعن املتلقى من عامل الصور املثالية والذين يظنون اهنم يسمعون احلروف
والكلمات من هللا سبحانه فريقان فريق يقولون ان هذه احلروف والكلمات احلادثة
املسموعة دوال على الكالم النفسي القدمي وهؤالء احسن حاال من الفريق الثاين والفريق
الثاين يطلقون القول بسماع كالم احلق جل شأنه ويعقتدون احلروف والكلمات املرتبة
املسموعة كالم احلق جل وعال وال يفرقون بني ما هو الئق جبناب قدسه تعاىل وبني ما
هو ليس بالئق به وهم اجلهال البطال مل يعرفوا ما جيوز عليه وما ال جيوز عليه تعاىل
سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا انك أنت العليم احلكيم والصالة و السالم على خري
البشر وآله وأصحابه االطهر.
{املكتوب الثالث والتسعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد سعيد يف
حتقيق التعني االول الوجودي وبيان الفرق بني مبادئ تعينات احلبيب واخلليل والكليم
عليهم الصلوات و التسليمات}
والذي صار مكشوفا يف اآلخر بكرم هللا وفضله سبحانه و تعاىل هو ان التعني
االول حلضرة الذات تعالت وتقدست هو تعني حضرة الوجود واحمليط جبميع االشياء
واجلامع جلميع االضداد واخلري احملض وكثري الربكة حت ان االكثرين من مشائخ هذه
الطائفة قالوا انه عني الذات ومنعوا كونه زائدا على الذات تعاىل وفيه غاية الدقة وكمال
اللطافة حبيث ال يكاد بصر كل شخص يدركه وال يقدر متييزه من االصل وهلذا بقي تعينه
خمتفيا اىل هذه املدة ومل يتميز من املتعني وعبده جم غفري بزعم انه هو هللا ومل يطلبوا
معبودا ومطلواب ما وراءه واعتقدوا انه هو املبدأ لآلاثر اخلارجية وظنوا انه املكون للحوادث
اليومية وهذا التمييز اعين متييز احلق عما دون احلق كان دولة مدخرة هلذا املسكني العاجز
املتأخر ونفى مشاركة غري املعبود مع املعبود سبحانه و تعاىل كان حصة ابقية من االنبياء
- 1066 -
عليهم الصالة و السالم خمتبية مللتقط ما سقط من موائدهم هذا احلمد هلل الذي هداان
هلذا كنا لنهتدي لوال ان هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق وقد صار مكشوفا ان هذا
التعني االول الوجودي هو رب خليل الرمحن على نبينا وعليه الصالة و السالم ومبدأ
تعينه وتعني خلته وصار مكشوفا ايضا ان مركز هذا التعني الذي هو جزؤه االشرف وفيه
نسبة االقربية ابالصل من بني االجزاء اآلخر هو رب حبيب هللا ومبدأ تعينه وتعني حمبته
عليه و على مجيع االنبياء الصلوات و التسليمات (فان قيل) اذا كان التعني االول رب
اخلليل فما معن قول نبينا عليهما الصالة و السالم اول ما خلق هللا نوري (قلت) ان
مركز الدائرة اسبق اجزاء الدائرة وايضا ان للجزء تقدما على الكل فيكون مبدأ تعينه صلّى
هللا عليه و سلّم الذي عرب عنه بنوري اسبق من الكل ابلضرورة ومركز الدائرة وان كان
جزء من الدائرة والدائرة كال له ولكنه جزء نشأ منه سائر اجزاء الكل فان مجيع اجزاء
حميط الدائرة ظالل ذلك اجلزء الذي هو مركز تلك الدائرة فلو مل يكن ذلك اجلزء ملا كان
من الدائرة اسم وال رسم (فاتضح) ان رب حضرة اخلليل ومبدأ تعينه هو التعني االول
ومنشأ التعني االول الذي هو اجلزء واملركز واشرف اجزاء تلك الدائرة رب حضرة خامت
الرسل وعليهم الصالة و السالم ومبدأ تعينه فيكون اسبق الكل هو حقيقة خامت النبوة و
يكون منشأ ظهور اآلخرين ايضا هي ومن ههنا ورد يف احلديث القدسي يف شأن حبيب
هللا لوالك ملا خلقت االفالك وملا اظهرت الربوبية فاذا كان مبدأ تعني خامت الرسل عليه
وعليهم الصالة و السالم مركز دائرة التعني االول الذي هو مبدأ تعني اخلليل عليه السالم
فال جرم تكون الوالية احملمدية اليت منشؤها احملبة مركز الوالية اخلليلية اليت منشؤها اخللة
والوالية اخلليلية مع وجود اوليتها ال تكون حائلة وحاجزة بني الوالية احملمدية وبني حضرة
الذات تعالت وتقدست ف ان ملركز الدائرة سبقة ذاتية على الدائرة فال يكون اخللف حائال
للسلف بل االمر ابلعكس (ووجه آخر) لسبق هذا املركز وقربه امسع انه كلما يتعمق يف
السري يف هذه النقطة اليت هي املركز يتميز احملب من احملبوب من تلك النقطة اليت
حاصلها احملبة وتظهر صورة دائرة مركزها احملبوبية وحميطها احملبية وتلك احملبية هي مبدأ
- 1067 -
الوالية املوسوية واحملبوبية هي مبدأ الوالية احملمدية على صاحبها الصالة و السالم فهذا
املركز الذي هو احملبوبية اسبق من ذاك املركز الذي هو احملبة وصار دائرة واقرب اىل حضرة
الذات فان للمركز سبقة وقراب ليسا للدائرة فكانت الوالية احملمدية اسبق من الوالية
املوسوية ايضا واقرب (ووجه آخر) لسبقة الوالية احملمدية وقرهبا امسع انه كلما يتعمق يف
السري يف هذا املركز الذي هو احملبوبية بفضل هللا سبحانه و تعاىل تعرض هلذا املركز ايضا
صورة دائرة يرى مركزها حمبوبية صرفة ويظهر حميطها حمبوبية ممتزجة ابحملبية وهي نصيب فرد
من افراد امته بتبعيته عليه و على آله الصالة و السالم بل بتبعية الوالية املوسوية على
صاحبها الصالة و السالم اليت هلا مناسبة مبحيط الدائرة ومن ههنا قيل ان الوالية احملمدية
مركز يف مجيع االوقات وكيفية احملبية ايضا من بركات تلك الوالية فان املركز الثاين امنا
صار دائرة ابمتزاجها به وظهر منه مركز آخر (ينبغي) ان يعلم ان هذا املركز الثالث اورث
للمعاملة ترقيا كثريا وجعلها أقرب من االقرب {ع}:
ال عسر يف أمر مع الكرام
وما أظهر زايدة على ذلك من هذه االسرار والدقائق وماذا يقال ويبني مما وراء
التعني االول اكثر من ذلك وان مل يكن وراء التعني االول لكونه جزءه او جزء جزئه
بواسطة او بواسطتني ولكنه بعيد عن التعني االول يف النظر الكشفي مبراحل واقرب منه
اىل املطلوب مبنازل (فان قيل) ان كل كمال ميسر للجزء ميسر للكل فان الكل عبارة عن
ذلك اجلزء مع اجزاء اخر فما وجه حصول السبقة والقرب للجزء دون الكل (قلت) ان
الكمال الذي حيصل للجزء ابالصالة حيصل ذلك للكل بتبعيته للجزء ال ابالصالة وال
شك ان لالصالة سبقة ليست هي للتبعية ولالصل قرب ليس هو للفرع فلو كان مركز
الدائرة اسبق قدما من الدائرة يف كماالته املخصوصة به لساغ (والتحقيق) يف اجلواب ان
كمال اجلزء امنا يسري يف الكل اذا كان ذلك الكمال انشئا من ماهية اجلزء االصلية واما
اذا كان الكمال عارضا للجزء بعد انقالب ماهيته ال يلزم ان يسري ذلك الكمال يف
الكل فان ذلك اجلزء مل يبق جزء لذلك الكل بعد انقالب ماهيته حت يسري الكمال فيه
- 1068 -
مثال اذا جعل جزء من الورق بعمل االكسري ذهبا وانقلب من ماهية الورق اىل ماهية
الذهب ال ميكن ان يقال ان كماالت هذا اجلزء الذهبية تسري يف الفضة اليت هي كله
فان ذلك اجلزء مل يبق جزأ هلا بعد االنقالب حت تسري كماالته فافهم وقس عليه معرفة
ما حنن فيه (فان قيل) ان التعني االول الوجودي هل له وجود يف اخلارج او ثبوت علمي
فقط وكل واحد من هذين الشقني غري صحيح فانه ال موجود يف اخلارج عند هؤالء
االكابر غري ذات واحدة تعالت وال ا سم يف ذلك اخلارج من التعينات والتنزالت وال رسم
ولو قلنا ابلثبوت العلمي يلزم ان يكون التعني العلمي سابقا عليه وهو خالف املقرر
(أجيب) انه اثبت يف نفس االمر فلو قيل ابلثبوت اخلارجي مبعن ان له ثبوات فيما وراء
العلم ايضا لساغ وهللا سبحانه امللهم للصواب.
{املكتوب الرابع والتسعون اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم
سلمه هللا يف بيان دقائق الكمال واجلمال الذاتيني ومرتبة مقدسة فوق مرتبتهما
ونصيب تعينات احلبيب واخلليل والكليم عليهم الصالة و السالم من تينك املرتبتني
و حظ حضرة شيخنا منها}
ان احلق سبحانه مجيل يف حد ذاته واحلسن واجلمال الذاتيني اثبتان له ال ذلك
احلسن واجلمال اللذان ندركهما ونتعقلما ونتخيلهما ومع ذلك يف تلك احلضرة مرتبة
أقدس ال ميكن الوصول اىل تلك املرتبة من غاية عظمتها وكربايئها وال ميكن توصيفها
ابحلسن واجلمال والتعني االول الذي هو التعني الوجودي تعني ذلك الكمال واجلمال
الذاتيني وظلهما االول وتلك املرتبة االقدس اليت ال جمال فيها للحسن واجلمال أيضا ليس
فيها تعني أصال فاهنا من غاية عظمتها وكربايئها ال تكون متعينة بتعني أصال {ع}:
يف أي مرآة يكون مصورا
و مع ذلك أودع يف مركز دائرة التعني االول سر وكيفية من تلك املرتبة االقدس
وعبيت فيه عالمة من تلك املرتبة املقدسة املنزهة عن العالمة فكما ان التعني االول منشأ
- 1069 -
الوالية اخلليلية كذلك ذلك السر والكيفية املودعني يف مركز دائرة التعني منشأ للوالية
احملمدية على صاحبهما الصالة و السالم والتحية ولذينك احلسن واجلمال الذاتيني الذين
التعني االول ظلهما شباهة ابلصباحة اليت هي يف عامل اجملاز من قبيل حسن اخلد ومجال
اخلال ولذلك السر والكيفية املودعني يف املركز مناسبة ابملالحة اليت هي وراء رشاقة القد
وصباحة اخلد ووراء حسن العني ومجال اخلال وامنا هو أمر ذوقي من مل يعط ذوقا ال
يدركه قال الشاعر {شعر}:
يب ظبية فيها املالحة كلها * من يل بوصف مجاهلا ودالهلا
فاعرف التفاوت بني هاتني الواليتني من هذا البيان وان كان كلتامها انشئتني من
قرب الذات تعالت وتقدست ولكن مرجع إحديهما كماالت الذات ومعاد األخرى
صرف الذات تعالت فاذا كانت املالحة فوق الصباحة فالوصول اىل املالحة امنا يتصور
بعد طي مجيع مراتب الصباحة وما مل يتيسر الوصول اىل مجيع مراتب الوالية االبراهيمية ال
يتيسر الوصول اىل حقيقة هذه الوالية اليت هي ذروة الوالية احملمدية العليا على صاحبيهما
الصالة و السالم وميكن ان يكون كون نبينا صلّى هللا عليه و سلّم مأمورا مبتابعة ملة
ابراهيم عليه السالم الن يصل بواسطة تلك املتابعة اىل حقيقة واليته مث يرتقي منها اىل
حقيقة والية نفسه اليت وقع التعبري عنها ابملالحة ويتحقق هبا وحيث كان لنبينا صلّى هللا
عليه و سلّم مناسبة ذاتية مبركز والية اخللة اليت هي أقرب اىل حضرة امجال الذات
ومناسبته مبحيط الدائرة أقل لكون وجهها اىل تفصيل كماالت الذات فما َملْ يتحقق
بكماالت حميط تلك الدائرة أيضا ال تتم والية اخللة ومن ههنا ورد يف الصالة املأثورة كما
صليت على ابراهيم ليتيسر له كماالت والية اخللة ابلتمام كما كانت ميسرة لصاحب
تلك الوالية على نبينا وعليه الصالة و السالم وملا كان املكان الطبيعي للوالية احملمدية
نقطة مركز دائرة الوالية اخلليلية عليهما الصالة والتحية وسريه صلّى هللا عليه و سلّم ايضا
مقصورا على مركز تلك الدائرة تعسر خروجه منه ودخوله يف حميط الدائرة واكتساب
كماالته ابلضرورة لكون ذلك خالف مقتضى طبيعته فاقتضى احلال أن يكون متوسط
- 1070 -
من أفراد أمته عليه و على آله الصالة و السالم يكون بتبعيته صلّى هللا عليه و سلّم يف
عني ذلك املركز وتكون له مناسبة مبحيط تلك الدائرة من وجه آخر حت يكتسب
كماالت تلك املرتبة ويتحقق حبقيقتها وحبكم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من
عمل هبا يتحقق نبيه املتبوع بتلك الكماالت ايضا ويتم مراتب الوالية اخلليلية وبيان سر
هذا املعمى على ما ظهر هلذا الفقري ان نقطة مركز دائرة والية اخللة اليت امتازت عن سائر
نقطها ابحملبة وان كانت بسيطة ولكن ملا كانت متضمنة العتبار احملبية واحملبوبية ظهرت
منها صورة دائرة حميطها اعتبار احملبية ومركزها اعتبار احملبوبية ومنشأ الوالية املوسوية اعتبار
احملبية اليت هي حميط الدائرة ومنشأ الوالية احملمدية اعتبار احملبوبية اليت هي مركز الدائرة
ينبغي أن يتصور حصول الوالية احملمدية ههنا وبعد مضي ألف سنة عرضت ملركز هذه
الدائرة الثانية اليت احلقيقة احملمدية مربوطة هبا وسعة أيضا وظهر فيه أعتباران فظهر يف
صورة دائرة مركزها احملبوبية الصرفة وحميطها احملبوبية املمتزجة ابحملبية ومنشأ الوالية االمحدية
مركز هذه الدائرة وأمحد اسم اثن للنيب صلّى هللا عليه و سلّم وهو عليه الصالة و السالم
معروف فيما بني أهل السموات هبذا االسم كما قالوا وميكن أن تكون بشارة عيسى عليه
السالم الذي صار من أهل السموات بقدوم النيب صلّى هللا عليه و سلّم ابسم أمحد
لذلك وهلذا االسم املبارك قرب كثري من الذات االحد وأقرب اليها من ذاك االسم الثاين
يعين االسم املبارك حممد مبرحلة واحدة كما بني وهذا االسم امتاز من االسم املبارك أحد
حبلقة ميم واحدة وهي مبدأ احملبة اليت صارت ابعثة على الظهور واالظهار وأيضا امليم
الذي اندرج يف أمحد من مقطعات احلروف القرآنية املنزلة يف اوائل السور ومن االسرار
الغامضة وحلرف امليم هذا خصوصية خاصة به صلّى هللا عليه و سلّم وتلك اخلصوصية
صارت ابعثة على حمبوبيته صلّى هللا عليه و سلّم وجعلته فائقا على الكل (ولنرجع) اىل
أصل الكالم فنقول ان حميط تلك الدائرة اليت هي عبارة عن احملبوبية املمتزجة ابحملبية منشأ
والية فرد من افراد امته عليه و على آله الصالة و السالم كان له مناسبة مبحيط الدائرة
مع حصول الوالية احملمدية واملركزية وانه اكتسب كماالته وعلم أن هذه الدولة الثانية يعين
- 1071 -
مناسبته مبحيط الدائرة واكتساب كماالته حصلت له من طريق الوالية املوسوية وكان هو
بتطفل هاتني الواليتني جامعا لكماالت املركز واحمليط ومن املقرر ان كل كمال حاصل
لالمة حاصل لنيب تلك االمة أيضا حبكم من سن سنة حسنة احلديث فتيسر له صلّى هللا
عليه و سلّم بتوسط هذا الفرد كماالت حميط تلك الدائرة أيضا ومتت والية اخللة يف حقه
عليه الصالة و السالم واقرتن دعاء اللهم صل على حممد كما صليت على ابراهيم بعد
ألف سنة ابالجابة وكان املسئول مستجااب ومعاملته صلّى هللا عليه و سلّم بعد متام والية
اخللة مع ذاك السر الذي أودع يف املركز الذي عرب عنه ابملالحة وأرجع ذلك الفرد من
ذلك املقام اىل العامل حلراسة امته واختلى بنفسه الكرمية مع احملبوب يف حجرة غيب الغيب
{شعر}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها * وللعاشق املسكني ما يتجرع
(ينبغي) أن يعلم أن حميط املركز الثالث وان كان يرى أصغر ابلنسبة اىل حميط مركز
التعني االول ولكنه أمجع فان كلما هو أقرب اىل حضرة الذات يكون أمجع ينبغي أن يعلم
صغره كصغر االنسان فانه مع وجود الصغر فيه أمجع مجيع أصناف العامل وأيضا ان
الشخص الذي حتق ق بكماالت هذا احمليط وخرج من امجال املركز اىل تفصيل احمليط زال
عنه عدم املناسبة ابحمليط والتفصيل الذي كان فيه أوال وذهب من تفصيل اىل تفصيل من
غري تكلف وحتقق بكماالت ذاك التفصيل أيضا (امسع) انه مع وجود كمال االقتدار ملا
كان نظام العامل منوطا ابحلكمة البد يف تربية احملبوبني أيضا من وجود االسباب وان مل
يكن وجود السبب غري العلل وسوى نقاب القدرة سنة هللا اليت قد خلت من قبل ولن
جتد لسنة هللا تبديال {تنبيه} اعلم ان النيب وان حصل بعض الكماالت بتوسط فرد من
أفراد أمته ووصل اىل بعض املقامات بتوسله ولكن ال يلزم من ذلك نقص ذاك النيب ومزية
ذلك الفرد عليه فان ذلك الفرد امنا انل ذاك الكمال مبتابعة ذاك النيب ووصل اىل هذه
الدولة بتطفله فذاك الكمال يف احلقيقة من ذلك النيب ونتيجة املتابعة له وما مثل ذلك
الفرد اال كمثل خادم يصرف اخلرج من خزائن خمدومه ويهيئ له البسة مزينة لتكون ابعثة
- 1072 -
على مزيد حسنه ومجاله وزايدة حشمته وجالله فاي نقص مثة يف املخدوم واي مزية
للخادم عليه واالمداد امنا يكون نقصا اذا كان من االقران واما اذا وقع من اخلدام
والغلمان فهو عني الكمال وموجب الزدايد اجلاه واجلالل والناقص من خيلط أحدمها
ابآلخر ويقع يف توهم املنق صة أال يرون ان امللوك أيخذون البالد واالمالك ابمداد اخلدم
واحلشم ويفتتحون القالع وال يعلم من هذا االمداد غري حصول العظمة واالهبة للملوك
وال يظهر أيضا شئ من شرف اخلدم واحلشم وعزهتم واالمم خدام االنبياء عليهم السالم
وغلماهنم فيحصل االمداد منهم اىل هؤالء االكابر فكيف يتوهم منه منقصتهم وما يقولونه
ان هؤالء االكابر ليسوا حمتاجني اىل امداد أصال ومجيع مراتب الكمال حاصل هلم ابلفعل
مكابرة صرحية فان هؤالء االكابر أيضا عباد هللا سبحانه يرجون دائما من فيوض فضله
وبركات رمحته ويريدون الرتقي على الدوام وقد ورد يف احلديث من استوى يوماه فهو
مغبون وقال صلّى هللا عليه و سلّم سلوا يل الوسيلة وورد أيضا يف االحاديث الصحاح
كان رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم يستفتح بصعاليك املهاجرين وهذه كلها طلب
امداد واعانة والذين ال جيوزون امداد االمم واعانتهم يف حق هؤالء الكرباء نظرهم واقع يف
عظمة االنبياء وعلو درجاهتم فلو وقع نظرهم اىل عبوديتهم أيضا وصار احتياجهم اىل
موالهم معلوما لديهم ملا انكروا امداد االمم وال يستبعدون اعانة اخلدام والغلمان ربنا أمتم
لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير والصالة و السالم على نبينا و على مجيع
االنبياء العظام واملالئكة الكرام.
وربطت هبا معاملة على حدة وأصل هذه الوالية وان كانت والية نبيه اليت هي الوالية
احملمدية على صاحبها الصالة و السالم اليت هي ابالصالة انشئة من احملبوبية الصرفة
ولكن ملا انضمت اىل هذه الوالية كيفية من الوالية املوسوية اليت هي ابالصالة انشئة من
احملبية الصرفة وصارت منصبغة بصبغها أيضا عرضت هلا هيئة أخرى بل ميكن ان يقال
اهنا صارت حقيقة أخرى وامثرت مثرة أخرى وانتجت نتيجة أخرى ونعم ما قال {شعر}:
از اين افيون كه ساقى در مى افگند * حريفانرا نه سر ماند ونه دستار
ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيئ لنا من أمر ران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى.
{فصل ابخلري} فلو اظهرت مشة من تلك املعاملة اليت هي مربوطة بتلك الوالية
قطع البلعوم وذبح احللقوم فاذا قال أبو هريرة رضي هللا عنه يف اظهار بعض العلوم الذي
أخذه من رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قطع البلعوم ماذا يقال يف حق غريه وقد جعل
هللا سبحانه غوامض االسرار االهلية بينه وبني اخص اخلواص من عباده ومل يرتك االجانب
ان حيوموا حواليها وحضرة خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم الذي هو رمحة
للعاملني اظهر هذه االسرار املصونة من كمال معرفته ووفور رأفته اليب هريرة وغريه وآثرهم
هبذه الدرر املكنونة ملا عرف قابليتهم لتميز الشر من خريه واان املفلس القليل البضاعة
خائف وجل من تذكر تلك االسرار وخطورها وال اجد يف نفسي مع سوء حايل هذا
وعدم استعدادي مناسبة بتلك املطالب العليا ولكين اعرف واعرتف أبنه {ع}:
ال عسر يف أمر مع الكرام
نعم ينبغي هلل ان يكون هكذا وهذا الكرم يليق به سبحانه وكرمه تعاىل لنا ليس يف
هذا اليوم فقط بل ملا أخذ قبضة الرتاب الذي خلقنا منه من االرض جعله خليفة نفسه
وصريه قيوم االشياء نيابة عن نفسه وعلمه امساء مجيع االشياء بال واسطة وجعل املالئكة
الذين هم عباده املكرمون تالمذته وأمرهم مع جاللة شأهنم بسجوده وطرد ابليس الذي
كان ملقبا مبعلم امللكوت وكان له شأن عظيم يف العبادة والطاعة وأبعده عن عز حضوره
المتناعه عن سجوده وعدم تعظيمه وتوقريه وجعله ملعوان وملوما ومطعوان واعطى لذاك
- 1074 -
الرتاب قدرة ومهة حتمل هبا ثقل االمانة اليت أبت السموات واالرض واجلبال أن حيملنها
وأشفقن منها وأعطاه أيضا قوة قابلية لرؤية خالق السموات واالرض الذي هو منزه عن
الكيف ومتعال عن املثال مع كونه مكتنفا ابلكيف واملثال مع ان اجلبل صار قطعا قطعا
مع صالبته بتجل واحد منه سبحانه وصار رمادا فذلك هللا الذي هو قدمي االحسان
وأرحم الرامحني قادر على ان يبلغ امثالنا العاجزين درجات السابقني وجيعلنا شركاء دولتهم
بتطفلهم {شعرا}.
فاذا اتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا.
{تنبيه} اعلم ان حضرة احلق سبحانه على تنزيهه وتقديسه دائما منزه عن صفات
احلدوث ومربأ من مسات النقصان وال سبيل للتبدل والتغري اىل حضرته جل سلطانه وال
جمال هناك لالتصال واالنفصال وجتويز احلالية واحمللية مثة كفر واحلكم ابالحتاد والعينية
عني االحلاد والزندقة وان حصل اخلواص عباده سبحانه و تعاىل قرب ووصل اىل تلك
احلضرة ولكن ليس ذلك من قبيل قرب اجلسم ابجلسم وال من جنس اتصال اجلوهر
ابلعرض فلو كان هناك قرب فهو منزه عن الكيف وان كان وصل فمربأ أيضا عن الكم
واألين ومجيع معامالت هؤالء االكابر يف تلك احلضرة من العامل الالكيفي ونسبة العامل
الكيفي اىل العامل الالكيفي كنسبة القطرة اىل البحر احمليط كيف ال فان ذلك ممكن وهذا
واجب تعاىل وذاك كائن يف ضيق املكان والزمان وهذا منزه عن ضيق الزمان واملكان نعم
ميدان العبارة متسع يف ذاك العامل وضيق يف هذا العامل لعلوه من العبارة وبعده عن االشارة
وقد أعطى أرحم الرامحني خواص عباده نصيبا من العامل الالكيفي وسريا فيه وشرفهم
مبعامالت الكيفية فلو عرب عن ذاك الالكيفي ابلكيفي فرضا لكان ابعد من تعبري البالغني
عن لذة اجلماع لالطفال بلذة العسل والسكر فان كلتا هاتني اللذتني من عامل واحد وذاك
املعرب به و املعرب عنه من العاملني املتباينني فمن عرب عن الالكيفي ابلكيفي وأجرى احكام
الكيفي على الالكيفي حق له أن يكون موردا للطعن والطرد وأن يتهم ابالحلاد والزندقة
- 1075 -
ابلضرورة فكون تلك االسرار دقيقة وغموضة امنا جاء من جهة العبارة والتعبري ال من
جهة التحقق واحلصول فان حتقق االنسان بتلك االسرار كمال االميان والتعبري عنها بعبارة
كيفية عني الكفر واالحلاد ينبغي أن يستعمل من عرف هللا كل لسانه يف هذا املقام ربنا
أمتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ قدير احلمد هلل أوال وآخرا والصالة و السالم
على رسوله دائما وسرمدا.
شريك له وحلقة امليم هو طوق العبودية الذي ميز العبد من املويل فالعبد هو حلقة امليم
ولفظ االحد امنا ورد لتعظيمه واظهار اختصاصه عليه و على آله الصالة و السالم
{شعر}:
و من كان هذا امسه صاح فاعلمن * يكون مسماه اعز وأكرما
و بعد مضي ألف سنة اجنرت معاملة تلك الوالية اىل هذه الوالية وانتهت الوالية
احملمدية اىل الوالية االمحدية وبقيت معاملة طوقي العبودية اىل طوق واحد ومتكن يف
مكان الطوق االول حرف االلف الذي هو رمز اىل ربه صلّى هللا عليه و سلّم وصار
حممد أمحد عليه و على آله الصالة و السالم فان ملضي االلف أتثريا يف تغري األمور
العظام (بيانه) ان طوقي العبودية عبارة عن حلقيت امليمني املندرجني يف االسم املبارك
حممد وميكن ان يكون هذان الطوقان اشارة اىل تعينيه عليه الصالة و السالم أحدمها
تعينه اجلسدي البشري واثنيهما تعينه الروحي امللكي وتعينه اجلسدي وان وقع فيه الفتور
بواسطة عروض املوت وقوى تعينه الروحي ولكن كان بقي أثر ذلك التعني فلزم مضي
ألف سنة حت يزول ذلك االثر أيضا وال يبقى رسم من ذلك التعني فلما مضى ألف سنة
ومل يبق أثر من ذاك التعني وانقطع طوق واحد من طوقي العبودية وطرأ عليه الزوال و
الفناء وقعد ألف االلوهية الذي ميكن ان يقال له أنه كالبقاء ابهلل صار حممد أمحد
ابلضرورة وانتقلت الوالية احملمدية اىل الوالية االمحدية فمحمد عبارة عن التعينني وأمحد
كناية عن تعني واحد فحسب و يكون هذا االسم أقرب اىل حضرة االطالق وابعد من
العامل (فان قيل) ما معن الفناء والبقاء الذين قررمها املشائخ وجعلوا الوالية مربوطة هبما
وما معن هذا الفناء والبقاء اللذين ذكرهتما يف التعني احملمدي (أجيب) ان الفناء والبقاء
اللذين الوالية مربوطة هبما الفناء والبقاء الشهوداين فان كان هناك فناء وزوال فباعتبار
النظر وان بقاء وثبات فهما أيضا ابعتبار النظر وهناك استتار الصفات البشرية ال زواهلا
وفناء هذا التعني ليس كذلك بل هنا حتقق الزوال الوجودي للصفات البشرية واالخنالع
من اجلسمانية اىل الروحانية ويف جانب البقاء أيضا وان مل يكن العبد حقا ومل تنفك عنه
- 1077 -
العبودية ولكنه يقع اىل احلق سبحانه أقرب وحتصل له زايدة املعية و يكون عن نفسه أبعد
و يكون ارتفاع االحكام البشرية عنه أزيد (ينبغي) أن يعلم ان هذا العروج احملمدي الذي
هو مربوط ابنتفاء الصفات البشرية وان رقت معاملته عليه و على آله الصالة و السالم
اىل الذروة العليا وخلصته من جذابت الغري والغريية ولكن صارت املعاملة اىل امته صلّى
هللا عليه و سلّم أضيق وقل نور هدايته الذي كان بواسطة املناسبة البشرية وقل أيضا
توجهه اىل احوال هؤالء املتأخرين العاجزين وتوجه بكليته اىل القبلة احلقيقية ويل لرعااي ال
يلتفت السلطان اىل حاهلم و يكون بكليته متوجها اىل حمبوبه ومن ههنا استولت ظلمات
الكفر والبدعة بعد ألف سنة ونقص نور االسالم والسنة ربنا أمتم لنا نوران واغفر لنا انك
على كل شئ قدير.
والعدم.
{املكتوب الثامن والتسعون اىل احلاج عبد اللطيف اخلوارزمي يف بيان ضرر
االلتذاذ من احلسن الصوري}
اعلم ان كال من اخلري والكمال واحلسن واجلمال يف أي مكان كان أثر الوجود
الذي هو خري حمض وخمصوص بواجب الوجود جل سلطانه فكما أن الوجود منعكس يف
املمكن من تلك احلضرة بطريق الظلية جاء احلسن واجلمال أيضا من تلك املرتبة بطريق
الظلية وذات املمكن بواسطة عدمه الذايت شر حمض وقبح ونقص ولكن هذا احلسن
واجلمال اللذين مشهودين يف املمكن وان جاء من الوجود ولكن ملا ظهرا يف مرآءة العدم
أخذا حكم املرآءة و انال نصيبا من القبح وعرض هلما النقص وملا كان يف املمكن قبح
ذايت ال جيد من احلسن اخلالص لذة مقدار ما جيد من هذا احلسن مع كون ذاك مبدأ هلذا
فان مناسبته هبذا أزيد ككناس جيد من الرائحة املنتنة بواسطة أنسيته وألفته هبا لذة ال جيد
مر مرة من حملة العطارين مثلها من الرائحة الطيبة كما ورد يف قصة مشهورة ان كناسا ّ
فسقط مغشيا عليه من فرط الرائحة الطيبة فمر به واحد من االكابر فلما اطلع على سر
معاملته أمر أبن حيشو يف أنفه قطعة روث ففعلوا فأفاق وقام ومضي لسبيله.
{املكتوب التاسع والتسعون اىل جناب السيد املري مؤمن البلخي يف اظهار
شكر النعم الظاهرية والباطنية املفاضة من بركات اكابر ما وراء النهر رمحهم هللا
تعاىل}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى من مل يشكر الناس مل يشكر هللا ان
حقوق علماء ما وراء النهر ومشائخها شكر هللا تعاىل سعيهم يف ذمة امثالنا العاجزين
املتأخرين بل يف ذمة كافة أهل االسالم يف بالد اهلند ليست مما يدرج بياهنا يف ضمن
التقرير وحيز التحرير فاان قد اكتسبنا االعتقاد الصحيح على وفق آراء أهل السنة
- 1079 -
واجلماعة كثر هللا امثاهلم يف االمصار من حتقيقات هؤالء االكابر وحصلنا صحة العمل
مبوجب أقوال العلما ء احلنيفة رضي هللا تعاىل عنهم من تدقيقاهتم وسلوك طريقة الصوفية
العلية قدس هللا اسرارهم يف هذه الداير أيضا مستفاد من بركات تلك البقعة الشريفة
وحتقيق مقام اجلذبة والسلوك والفناء والبقاء والسري اىل هللا والسري يف هللا اليت كلها مربوطة
مبرتبة الوالية اخلاصة مفاضة من فيوض اكابر هذه العرصة املتربكة وابجلملة ما به صالح
الظاهر وفالح الباطن مأخوذ من هناك {شعر}:
شكر فيض تو چن چون كند اى ابر هبار * كه أگرخار و اگر گل مهه پرودء
تست
حرسها هللا سبحانه وأهاليها من اآلفات والبليات حبرمة سيد السادات عليه و
على آله الصالة و التسليمات واالصحاب الذين يردون من تلك الداير العليا اىل هذه
الداير السفلى حلاجة ما يظهرون ألطاف احلضرات ذوي الربكات القاطنني هناك ابلنسبة
اىل هذا احلقري خصوصا اشفاق مالزمي حضرة معدن االرشاد واهلداية ومنبع االفادة
واالفاضة سلمه هللا تعاىل ويقولون ان جلنابه العايل حسن ظن بك وانه طالع بعض
علومك ومعارفك احملررة واستحسنها ومثل هذه البشارات من االكابر يكون ابعثا على
ازدايد الرجاء واجلرأة على حترير بعض االذواق واملواجيد وملا ورد الشيخ أبو املكارم الصويف
يف هذه االايم واظهر أنواع الطافكم وأصناف اشفاقكم اجرتأان على التصديع بكلمات
اعتمادا على كرمكم وحيث ان االخ حممد هاشم الذي هو من االحباب املخلصني ارسل
بعض نقول مسودات هذا الفقري يف صحبة الصويف املشار اليه اكتفينا بذلك ومل ندرج يف
هذه الصحيفة حرفا من علوم هذه الطائفة العلية ومعارفهم ونرجو من عناية احلضرة
وا شفاقه ان ال جيعله منسيا من الدعاء بسالمة اخلامتة ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا
من امران رشدا وخنص كال من احلضرات العالية الدرجات جناب النقيب النجيب مالذ
اهل هللا السيد مريك شاه وجناب عالمة الورى موالان حسن وجناب انصر الشريعة
وحافظ امللة القاضي تولك ادام هللا بركاهتم ابلدعوات ويسلم اوالد الفقري ايضا اىل خمادمينا
- 1080 -
{املكتوب املويف مائة اىل الشيخ نور احلق يف كشف سر حمبة يعقوب ليوسف
عليهما السالم مع بيان بعض اسرار عجيبة وعلوم غريبة}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد استفسر اخي االعز الشيخ نور
احلق عن حمبة يعقوب ليوسف على نبينا وعليهما الصلوات و التسليمات ابالهتمام
والشوق التام وكان شوق انكشاف هذا املعن يف هذا الفقري ايضا منذ مدة وملا كان شوقه
عالوة على شوق هذا الفقري صرت متوجها بكلييت اىل كشف هذه الدقيقة بال اختيار
فظهر يف ابدئ النظر ان خلقته وحسنه ومجاله على نبينا وعليه الصالة و السالم ليست
من جنس خلقة النشأة الدنيوية وحسنها ومجاهلا بل ان مجاله من جنس مجال اهل اجلنة
وصار مشهودا ان صباح ته مع كوهنا يف هذه النشأة هلا مشاهبة حبسن احلور والغلمان مث
كتبت ما كان مفاضا يف هذا الباب بعد ذلك بكرم هللا وفضله تعاىل ابلتفصيل وارسلته
اليكم سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا {شعر}:
وامسكوين ورى املرأي كدرهتم * اقول ما قال يل أستاذي االزيل
(فان قيل) ما وجه افراط حمبة يعقوب ليوسف عليهما السالم وقد قال هللا تعاىل
يف حقه وحق آابئه الكرام اويل االيدي واالبصار اان اخلصاهم خبالصة ذكرى الدار واهنم
جل وعال مناسبا لشأنعندان ملن املصطفني االخيار فكيف يكون التعلق مبا دون احلق ّ
االنبياء اويل االيدي واالبصار وكيف يسع املصطفني املخلصني حمبة املخلوقني ال يقال ان
ذلك ليس بتعلق مبا دون احلق تعاىل فان املخلوق ليس اال مرآة حسنه ومجاله تعاىل كما
قالت الصوفية وجوزوا شهود الوحدة يف مرآة الكثرة واثبتوا املشاهدات واملكاشفات يف
جمايل صور املمنكات ومظاهرها يف هذه النشأة سوى الرؤية االخروية الن مثال هذا
الكشف والشهود مما يظهر للسالكني يف هذه النشأة الفانية وقت غلبات التوحيد
وخواص االمة يكادون يستنكفون عنها ويتحاشون فاذا كانت معاملة خواص االمة هكذا
- 1081 -
فكيف حيتمل ثبوت هذه االحوال يف حق االنبياء املصطفني االخيار بل تصور هذا املعن
يف حقهم عني الوابل (قلت) ان جواب هذا السؤال مبين على مقدمة وهي ان حسن
اآلخرة ومجاهلا وكذلك التلذذات والتنعمات يف ذلك املوطن ليست كحسن الدنيا ومجاهلا
وال كالتلذذات وال تنعمات فيها فان ذاك احلسن واجلمال خري يف خري وذاك التلذذ والتنعم
مرضي عند املوىل جل شأنه ومقبول وكل هذا احلسن واجلمال شر ونقص ومجيع هذا
التلذذ والتنعم غري مقبول وغري مستحسن وهلذا كانت دار اآلخرة دار الرضا ودار الدنيا
دار غضب املوىل (فان قيل) اذا كان احلسن واجلمال يف املمكن مستعارا من مرتبة حضرة
الوجوب تعالت وتقدست ومل يكن املمكن شيئا غري ان يكون مرآة ومظهرا لذلك احلسن
واجلمال فان املمكن ليس له شئ بل كلما فيه مستعار من حضرة الوجوب فمن اين جاء
التفاوت بني املوطنني ومل كان احدمها مرضيا ومقبوال واآلخر غري مقبول وغري مستحسن
(قلت) جواب هذا مبين على مقدمات (املقدمة األوىل) ان العامل بتمامه جمايل امساء
الواجب ومظاهر صفاته جل شأنه ومرااي كماالته االمسائية والصفاتية (املقدمة الثانية) ان
صفات الواجب وان كانت داخلة يف دائرة الوجوب ولكن ملا ثبت هلا االحتياج يف
الوجود وا لقيام اىل حضرة الذات تعالت كانت فيها رائحة من االمكان والوجوب الذايت
غري مق طوع يف حقها فان وجوهبا ليس لنفسها بل لذات الواجب وان مل يقولوا هلا غري
الذات ولكن البد من الغريية فان االثنينية كائنة بينهما االثنان متغايران قضية مقررة من
قضااي أرابب املعقول ومع ذلك ال ينبغي اطالق االمكان يف حقها لكونه مومها للحدوث
الن كل ممكن حادث عندهم وال ينبغي جتويز الوجوب ابلغري ايضا يف ذلك املوطن النه
موهم النفكاكها عن حضرة الذات تعالت وتقدست (املقدمة الثالثة) ان كلما فيه رائحة
االمكان فيه جمال للعدم يف حد ذاته وان كان حصوله حماال فان استحالته ما جاءت من
نفسه بل من حمل آخر (املقدمة الرابعة) ان امساء الواجب وصفاته تعاىل كما ان هلا يف
جانب وجودها حسنا ومجاال كذلك هلا يف جانب احتماهلا للعدم ايضا حسن ومجال وان
كان ثبوت هذا احلسن يف مرتبة الوهم واحلس ومناسبا للعدم وكان متسعارا من اجلوار الن
- 1082 -
العدم ال نصيب له يف حد ذاته غري الشر والقبح والوجود هو الذي بكليته خري وكمال
وبتمامه حسن ومجال (ينبغي) ان يعلم ان احلسن الذي حيس يف العدم كحنظل غلف
ابلسكر وأوهم انه حلو (املقدمة اخلامسة) انه قد الح بكرم هللا تعاىل ابلنظر الكشفي ان
جانب عدم املمكن قد حصلت له الرتبية يف هذه النشأة بكمال االقتدار وثبت له يف
مرتبة احلس والوهم ابلصنع الكامل ثبات واستقرار وجعل مظهرا حلسن الصفات ومجاهلا
الكائنني يف جانب احتماهلا للعدم واتضح ايضا ان جانب وجود املمكن يرجح يف النشأة
االخروية و جيعل مظهرا حلسن الصفات ومجاهلا الكائنني يف جانب وجودها فاذا علمت
هذه املقدمات اخلمس صار التفاوت بني حسن هذه النشأة ومجاهلا وبني حسن تلك
النشأة ومجاهلا واضحا وكان حسن احدى النشأتني وقبح األخرى الئحا وصار املرضي
متميزا من غري املرضي ومن هذه التحققات احنل هذا السؤال واتضحت املقدمة اليت كان
السؤال االول مبنيا عليها كما ال خيفى على الفطن املتأمل فاذا اتضحت هذه املقدمة
أقول يف جواب السؤال االول بفضل هللا جل شأنه انه قد صار معلوما ابلكشف الصريح
ان وجود يوسف على نبينا وعليه الصالة و السالم وان ظهر يف هذه النشأة ولكن وجوده
من النشأة االخروية على خالف وجود سائر موجودات هذه النشأة وأنه قد رجح جانب
وجوده وجعل مظهرا للحسن واجلمال املتعلقني بوجود االمساء والصفات وانتفى عنه تعلق
شائبة العدمية بنفسه او ابصله وجعل هو وأصله طاهرا من علة العدم الذي هو منشأ كل
قبح ونقص ومل يرتك فيه غري استيالء نور جانب الوجود الذي هو نصيب أهل اجلنة
فكان التعلق حبسنه ومجاله كالتعلق حبسن اجلنة ومجاهلا وحسن أهلها ومجاهلم حممودا
ابلضرورة ونصيبا للكل وكلما كان احملب أكمل يكون تعلقه حبسن تلك النشأة ومجاهلا
أزيد و يكون قدمه يف مراضي املويل جل شأنه أسبق فان التعلق بتلك النشأة وحمبتها عني
التعلق بصاحب تلك النشأة وحمبته فان تلك النشأة ليست اال طلسم حكمته ونقاب
مجاله كرداء الكربايء وهللا يدعو اىل دار السالم نص قاطع يف هذا االمر وهللا يريد اآلخرة
حجة واضحة هلذا املعن والذي جعل التعلق ابآلخرة كالتعلق ابلدنيا مذموما وجعله مغايرا
- 1083 -
للتعلق ابملوىل جل شأنه فهو مل يعلم حقيقة اآلخرة كما هي وقاس الغائب على الشاهد
مع وجود الفارق البني فلو اطلعت رابعة املسكينة على حقيقة اجلنة كما هي ملا كانت يف
فكر احراق اجلنة وملا اعتقدت التعلق هبا مغايرا للتعلق مبوالها وقال آخر ان يف آية منكم
من يريد الدنيا ومنكم من يريد اآلخرة شكاية من الفريقني اعطاهم هللا سبحانه االنصاف
كيف يتصور أن يدعو هللا تعاىل اىل اجلنة مث يشكو ممن جييب دعوته فلو كان التعلق
بذلك املوطن املقدس مذموما او كانت فيه شائبة الذم ملا كانت اجلنة دار الرضا والرضا
هو هناية مراتب القبول بل كانت مثل الدنيا مغضواب عليها وعلة الغضب وابعث الذم
العدم الذي هو اصل كل قبح ونقص وصار نصيبا للدنيا وسببا لكوهنا ملعونة وملا حصل
التربي من العدم زالت شائبة الذم والقبح وكان عدم الرضا وعدم املقبولية نصيب االعداء
ومل يبق غري الرضا والقبول والوجود والنور وغري الوصل والوصول والراحة والسرور أصال
قال املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم ان اجلنة قيعان وان غراسها قولك
سبحان هللا واحلمد هلل وال اله اال هللا وهللا أكرب واملعن التنزيهي الذي ظهر ههنا يف كسوة
احلروف والكلمات يتمثل هناك بصورة الشجر و يكون التعلق بذلك الشجر والتلذذ منه
عني التعلق والتلذذ ابملعن التنزيهي و على هذا القياس وما بينه الصوفية العلية من االسرار
والدقائق يف التوحيد واالحتاد ونزلوا على املظاهر اجلميلة يف هذه النشأة وعشقوها واثبتوا
يف ضمن ذلك شهودا ومشاهدة واعتقدوا حسن تلك املظاهر ومجاهلا عني حسن املوىل
ومجاله حت قال بعضهم ذقتك يف كل طعام لذيذ وقال اآلخر {شعر}:
امروز چون مجال تو در پرده ظاهرست * در حريمت كه وعدهء فردا براى چيست
وقال الثالث {شعر}:
ما هم قوم بشرب املاء من عطش * اال رأوا ما هو املقصود يف قدح
صدق أمثال هذه الكلمات بعيد عن فهم هذا الفقري ووجدانه يف هذه النشأة وال
أجد هنا طاقة حتمل هذه الدقائق وال أراها قابلة لقبول هذه الدولة فلو كانت فيها طاقة
وقابلية ملا كانت مغضواب عليها وملا قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم الدنيا معلونة والالئق
- 1084 -
ابلكرامات والقابل هلذه املقامات هو اجلنة ذقتك يف كل طعام لذيذ صادق على طعام
اجلنة ال على طعام الدنيا الذي هو خملوط مباء العدم املسموم وهلذا مل يستحسن ارتكاب
ذلك (وعند) هذا الفقري جنة كل شخص عبارة عن ظهور االسم االهلي الذي هو مبدأ
تعني ذلك الشخص وظهر ذلك االسم بصورة االشجار واالهنار وبصورة احلور والقصور
وبصورة الولد ان والغلمان فكما أن يف االمساء االهلية تفاوات ابعتبار العلو والسفل وابعتبار
اجلامعية وعدمها كذلك يف اجلنات أيضا تفاوت مبقدارها فلئن اثبت الشهود واملشاهدة
يف ضمن ذلك الظهور فهو حسن ومستحسن ووضع شئ يف موضعه وأما اطالق أمثال
هذه الكلمات يف غري هذا املوضع فجراءة ووضع شئ يف غري موضعه وكأن الصوفية
العلية من فرط حمبتهم للمطلوب وكمال اشتياقهم اليه اغتنموا كل ما وصل اىل مشام
أرواحهم من رائحة املطلوب وظنوه من استيالء سكر احملبة عني املطلوب واملقصود
وعاملوا معه معاملة العشاق اليت تليق بنفس املطلوب واحتظوا منه حبظوظ وافرة وأثبتوا
املشاهدة واملكاشفة قال واحد من االكابر {شعر}:
ببوي تو ازجاج هم مست بيخود * زهر سوكه آواز اپى برآيد
نعم امثال هذه املعامالت جموزة يف العاشقية وعدم القرار واالسرتاحة من غلبة احملبة
بل مستحسنة الهنا الجل هللا سبحانه و تعاىل وانش من شوق لقاء املطلوب املتفرد
وخلطأهم حكم الصواب ولسكرهم حكم الصحو وورد يف اخلرب سني بالل عند هللا شني
{شعر}:
بر اَ ْش َهد تو خنده زند اَ ْس َهد بالل
(ينبغي) أن يعلم أن مكشوف هذا الفقري هو ان رؤية كل شخص جنيت يف اجلنة
أيضا على مقدار ذلك االسم االهلي الذي هو مبدأ تعينه وشخصه ويظهر ذلك االسم يف
كسوة االشجار واالهنار واحلور والغلمان مبعن أن تلك االشجار واالهنار وغريها مما كان
مظاهر ذلك االسم املقدس يكون حكمها زماان بكرم هللا تعاىل حكم الناظور وتصري
وسيلة اىل رؤية ذلك الشخص الغري املتكيفة مث تعود اىل حالتها االصلية وتشغله ابنفسها
- 1085 -
وهكذا اىل أبد اآلبدين كالتجلي الربقي الذايت الذي اثبتوه يف هذه النشأة فان جتلي
الذات يف حجب االمساء والصفات دائمي يف حق املستعدين لتلك الدولة وبعد مدة
ترتفع حجب االمساء والصفات وتتجلى حضرة الذات بال حجب االمساء والصفات
وحيث ان ذلك االسم االهلي اعتبار من اعتبارات الذات تعالت يكون متعلق رؤية كل
شخص ذلك االعتبار الذايت الذي هو رب ذلك الشخص ابلضرورة (وال يتوهم) هنا
أحد تبعضا وجتزاي فان الذات تعالت بتمامها ذلك االعتبار ال ان بعض الذات ذلك
االعتبار وبعض آخر منها اعتبار آخر فان ذلك عالمة النقص واحلدوث تعاىل هللا عن
ذلك (قالوا) ان ذات هللا تعاىل متامها علم ومتامها قدرة ومتامها ارادة وان كان كل اعتبار
متام الذات ولكن املرئي هو ذلك االعتبار ال اعتبارات اخر ينبغي ان يطلب سر ال تدركه
االبصار من ههنا (ال يقال) اذا مل يكن متيز بني االعتبارات وكان كل واحد منها عني
الذات فما معن جعل متعلق الرؤية اعتبارا من بني اعتبارات كثرية الان نقول ان هذه
االعتبارات وان كانت عني الذات بل كل واحد منها عني اآلخر وليس بينها التميز
واالمتياز الكيفيني املعتربين عند مأسوري عامل الكيف ولكن بينها امتياز ال كيفي والذين
ختلصوا من العامل الكيفي واتصلوا ابلعامل الالكيفي ابتصال ال كيفي ال خيفى عليهم هذا
االمتياز الالكيفي بل هو واضح عندهم وجيدونه كامتياز االذن من العني نعم من كان
مبدأ تعينه اسم جامع فله من مجيع اعتبارات الذات تعالت وتقدست نصيب على سبيل
االعتدال على تفاوت الدرجات ولو على سبيل االمجال ورؤيته متعلقة جبميعها ولكن ملا
كان ضيق جامعية االمجال الذي هو نصيبه الزما له دائما يكون االدراك واالحاطة
مفقودين يف حقه و يكون ال تدركه االبصار صادقا ومن أصدق من هللا حديثا (ينبغي)
يعلم أنه اذا شرف هللا سبحانه عبدا بدولة الفناء االمت بكرمه وخلصه من قيد العدم الذي
كان هو ماهيته ومل يرتك منه عينا وال أثرا يهب له بعد مثل هذا الفناء وجودا شبيها
بوجود النشأة االخروية ومتعلقا برتجيح جانب وجود املمكن و يكون مظهرا لكماالت
جانب وجود االمساء والصفات االهلية وقد ذكر حتقيق وجه ذلك فيما سبق وكان يوسف
- 1086 -
على نبينا وعليه الصالة و السالم مشرفا هبذه الدولة بوجوده االول وهذا العارف تشرف
هبا بوجوده الثاين ابلوالدة الثانية وملا كان ذاك جبليا اعطاه احلسن الظاهر أيضا وهذا ملا
حصل بعد جتشم الكسب اكتفى فيه بنور الباطن وادخر له احلسن الظاهر يف اآلخرة
ومثل هذا العارف بعد االنبياء عليهم الصالة و السالم عزيز الوجود وأقل قليل ومثل هذا
العارف وان مل يكن نبيا ولكن له بتبعية االنبياء شركة يف دولة خاصة ابالنبياء عليهم
الصلوات وهو وان كان طفيليا ولكنه جالس على سفرة نعمتهم وان كان خادما ولكنه
جالس مع املخدومني وان كان اتبعا ولكنه مصاحب ابملتبوعني ورمبا مينح أسرارا يغبطه
االنبياء عليهم السالم فيها كما أخرب به املخرب الصادق عليه و على آله الصالة و السالم
ولكن مثل هذه املعاملة داخل يف فضل جزئي والفضل الكلي امنا هو لألنبياء عليهم
السالم وهذا الفضل أيضا ملا تيسر له بسبب متابعته اايهم كان منهم وليس العارف غري
حامل أماانهتم وآية ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني اهنم هلم املنصورون وان جندان هلم
الغالبون نص قرآين رفع شأن هؤالء االكابر فوق شأن غريهم ونصرهم على الكل وجعلهم
غالبني (فان قيل) ان هذا العارف الذي وهب له هذا الوجود بعد الفناء االمت هل هو
هبذا الوجود أيضا يف مرتبة احلس والوهم كسائر موجودات هذه النشأة أو خرج من هذه
املرتبة فان خرج فهل عرض له وجود خارجي أو ال ومن املقرر عند القوم أنه ال موجود يف
اخلارج غري احلق سبحانه و تعاىل (قلت) ان ما هو صار معلوما يف آخر االمر انه خرج
وصار منسواب اىل نفس االمر ومرتبة الوهم وان كان حكمها حكم نفس االمر ابعتبار
الثبات والتقرر ولكنها يف احلقيقة مل تكن نفس االمر فان نفس االمر وراء تلك املرتبة
وكأن هذه املرتبة برزخ بني الوهم واخلارج وموجودات النشأة االخروية كلها كائنة يف مرتبة
نفس االمر بل الصفات الواجبية سوى الصفات الثمانية احلقيقية كلها يف تلك املرتبة وال
موجود يف مرتبة اخلارج غري الذات االقدس وغري صفاته الثمانية فظهر للموجودات ثالث
مراتب مرتبة الوهم اليت هي نصيب اكثر أفراد هذه النشأة واالنبياء عليهم الصالة و
السالم خارجون أبمجعهم عن هذه املرتبة وكذلك املالئكة الكرام عليهم السالم فان
- 1087 -
وجودهم مناسب لوجود النشأة االخروية وصار أقل أولياء العظام مشرفا هبذه الدولة ايضا
وختلص من مرتبة الوهم وصار ملحقا بنفس االمر (املرتبة) الثانية مرتبة نفس االمر وفيها
صفات الواجب وأفعاله تعاىل واملالئكة الكرام أيضا موجودون يف تلك املرتبة ووجود
ا لنشأة االخروية أيضا اثبت يف تلك املرتبة وكذلك االنبياء واالقل من االولياء أيضا
خرجوا اىل تلك املرتبة وامنا الفرق ان صفات الواجب جل شأنه يف مركز ذلك املقام الذي
هو أشرف اجزائه وسائر املوجودات يف أطراف ذلك املركز واكنافه على حسب االستعداد
(واملرتبة) الثالثة مرتبة اخلارج واملوجود هناك الذات وصفات الواجب الثمانية فان كان فرق
فامنا هو ابعتبار املركز وغري املركز فان االشرف أنسب ابالقدس (فان قيل) ما مزية اخلروج
من مرتبة الوهم اىل مرتبة نفس االمر وأي قرب مربوط به (قلت) ان منشأ كل خري وكمال
وحسن ومجال هو الوجود وكلما يكون حصول القوة واالستقرار للوجود أزيد تكون تلك
الصفات أكمل وال شك ان وجود النفس االمري أقوى وأثبت من الوجود الومهي فيكون
اخلري والكمال فيه أمت وأكمل ابلضرورة وأي كالم يف قرب من كان موجودا يف مرتبة
صفاته وأفعاله تعاىل وحصل له جوار صفات اخلالقية والرازقية وغريمها (ينبغي) ان يعلم ان
ثبوت العدم وكذلك ثبوت الكماالت اليت ملحوظ فيها شائبة العدم وان كانت تلك
الكماالت من الكماالت الصفاتية كله يف مرتبة احلس والوهم فانه مامل حيصل التربي من
العدم ابلكلية ومل يزل عني العدم واثره ال يكون الئقا ابلوصول اىل مرتبة نفس االمر وان
كان يف الثبوت الومهي ابعتبار القوة والضعف درجات فانه كلما كان العدم أقوى يكون
التعلق مبرتبة الوهم أمت واذا ضعف يكون التعلق أقل وكثري من االولياء الذين جاوزوا مراتب
العدم ومل يبق فيهم شئ من العدم غري االثر وان مل يكونوا داخلني يف مرتبة نفس االمر ما
دام هذا االثر ابقيا ولكنهم يتجاوزون مرتبة الوهم ويصلون اىل نقطتها االخرية ويصريون
من نظار مرتبة نفس االمر وحيصلون نصيبا من هذا املقام و يكون حمسوسا ان االنبياء
الكرام واملالئكة العظام عليهم الصالة و السالم وكذلك بعض متابعي االنبياء وان كان
أقل وصلوا اىل هن اية مرتبة نفس االمر ولكل منهم هناك موطن خاص ومقام على حدة
- 1088 -
على تفاوت درجاهتم ويشاهد احلروف والكلمات القرآنية ايضا هناك ويرى مقام هؤالء
فوق مقام األنبياء عليهم الصالة و السالم وكأهنا خرجت من هذا املقام وصارت برزخا
بني هذا املقام وبني مقام فوقه قبل الوصول إليه واختارت االقامة هناك فان املقام الفوقاين
خمصوص بذات الواجب وصفاته تعاىل وال موجود يف اخلارج غريه سبحانه و تعاىل وملا
كانت يف هذه احلروف والكلمات مسات احلدوث ليست فيها قابلية الوصول اىل ذلك
املقام ولكنها اسبق قدما من مجيع موجودات تلك املرتبة وهلا متسك ابذايل مدلوالهتا
والكرباء الذين يقيمون يف منتهى مرتبة نفس االمر انظرون اىل مرتبة فوقانية وكاهنم
بكليتهم صاروا أبصارا من كمال شوقهم اليها والعجب ان هؤالء االكابر مع وجود هذا
التوطن واالقامة هلم حبكم املرء مع من أحب معية مع حمبوهبم جمهولة الكيفية وهم معه بال
انفسهم ومأنوسون ومألوفون به بال احتاد االثنينية وملا لوحظ يف ذلك االثناء معية احلروف
والكلمات القرآنية بتلك املرتبة املقدسة علم انه ال نسبة هلذه املعية مبعية اآلخرين واهنا
عالية جدا ال ميكن ادراكها لكوهنا مربوطة أببطن البطون واين اجملال هناك لفهم املخلوقني
ومن علو شأن هذه احلروف والكلمات املقدسة ورد القرآن كالم هللا غري خملوق ويعلم ان
الكالم النفسي هو هذه احلروف والكلمات كما حققه القاضي عضد وقال ان هذه
احلروف والكلمات هي الكالم القدمي النفسي بال تقدمي وأتخري وجعل التقدمي والتأخري
عائدا اىل قصور اآلالت احلادثة (فان قيل) لو كانت هذه احلروف والكلمات كالما
نفسيا ينبغي أن تكون داخلة يف مرتبة اخلارج وقد مر آنفا اهنا ال تكون داخلة يف ذلك
املقام فما وجه ذلك (قلت) ان هذه احلروف والكلمات حيث كانت مركوزة يف االذهان
ابلتقدمي والتأخري يظهر هبذه املالحظة يف النظر الكشفي عدم دخوهلا يف مرتبة اخلارج
ابلضرورة وملا لو لوحظت مرة اثنية بال مالحظة التقدمي والتأخري شوهدت داخلة فيها
وملحقة ابصلها بل متحدة هبا فاي نسبة ملعيتها مبعية اآلخرين فان فيها احتادا وال جمال
لالحتاد يف معية اآلخرين سبحان هللا اذا كان هذه احلروف والكلمات القرآنية نفس
الكالم القدمي السبحاين يكون ظهوره يف هذه النشأة خبالف سائر الصفات القدمية
- 1089 -
بنفسه فان احلروف والكلمات على هذا التقدير نفسه وليس له نقاب غري التقدمي
والتأخري العارضني من جهة قصور آلة التكلم فاقرب االشياء اىل جناب قدس احلق جل
وعال الذي هو القرآن اجمليد اجلى واظهر يف عامل الظالل أبصالته من غري ان يصيبه غبار
الظلية وجعل التقدمي والتأخري حجااب لعيون احملجوبني وهلذا كان افضل العبادة تالوة
القرآن اجمليد وكانت شفاعته اسرع قبوال من شفاعة اآلخرين سواء كانت شفاعة ملك
مقرب او نيب مرسل وال ميكن تفصيل النتائج والثمرات املرتتبة على تالوة القرآن وكثريا ما
توصل التايل اىل حمل ال جمال فيه لذرة (فان قيل) هل هذه الدولة خمصوصة ابحلروف
والكلمات القرآنية او اشرتكت معها يف هذه الدولة حروف سائر الكتب املنزلة وكلماهتا
وكانت كالما قدميا نفسيا كمثلها (قلت) للكل شركة يف هذه الدولة والفرق الذي يتمثل
يف نظر كشفي هو ان القرآن اجمليد كانه مركز الدائرة وسائر الكتب املنزلة بل مجيع ما يقع
به التكلم من االزل اىل االبد كانه حميط تلك الدائرة فكان القرآن اصل الكل واشرف
مجيع الكتب فان املركز اشرف اجزاء الدائرة واصل مجيع نقط الدائرة وسائر النقط كاهنا
تفصيله وهو امجاهلا قال هللا تعاىل وانه لفي زبر االولني (فان قيل) قد علم من التحقيق
السابق ان الشهود واملشاهدة يف ضمن املظاهر اجلميلة كما قالوا غري واقع يف هذه النشأة
وال قابلية يف هؤالء ملظهرية تلك املرتبة املقدسة فهل هلا حتقق يف هذه النشأة يف غري هذه
املظاهر او ال (قلت) ان معتقد هذا الفقري هو ان نصيب هذه النشأة االيقان فقط
والرؤية البصرية واملشاهدة اليت هي عبارة عن الرؤية القلبية على تفاوت الدرجات نتيجة
ذلك االيقان ومثراته املربوطة ابآلخرة نقل صاحب التعرف الذي هو من اكابر هذه
الطائفة العلية يف كتابه امجاع املشائخ يف هذا الباب وقال وامجعوا على انه تعاىل ال يرى
يف الدنيا ابالبصار وال ابلقلوب اال من جهة االيقان (فان قيل) ان من املقرر عند هذه
الطائفة العلية ان لليقني مراتب ثالاث علم اليقني وعني اليقني وحق اليقني وقالوا ان علم
اليقني عبارة عن االستدالل ابالثر على املؤثر كيقني حاصل بوجود النار مثال من طريق
االستدالل ابلعلم بوجود الدخان وعني اليقني عبارة عن رؤية النار نفسها مثال وحق
- 1090 -
اليقني عبارة عن التحقق ابلنار مثال فاذا فقدت الرؤية القلبية أيضا كيف يتحقق عني
اليقني وكيف يصدق امجاع املشائخ على عدم الرؤية مطلقا (قلت) لعل مراده ابالمجاع
امجاع املشائخ املتقدمني واملتأخرون حكموا على خالف ذلك وجوزوا الرؤية القلبية وهذا
احلكم مل يثبت عند هذا الفقري وهذه الدرجات الثالث اليت بينوها لليقني كلها داخلة يف
علم اليقني مل خترج بعد من االستدالل ومل تتحول من العلم اىل العني وما قالوا يف متثيل
عني اليقني من رؤية النار ليس هو رؤية النار بل رؤية الدخان اليت استدلوا هبا على وجود
النار فكما انه كان يف علم اليقني استدالل من العلم بوجود الدخان على وجود النار
كذلك هنا استدالل من رؤية الدخان على وجود النار وهذا اليقني الثاين امت من اليقني
االول لقوة دليله فان هناك علما ابلدليل وهنا رؤية الدليل وكذلك يف حق اليقني حتقق
ابلدخان ال ابلنار واستدالل به على النار وهذا اليقني أمت من كل من اليقينني السابقني
واكمل فانه استدالل بنفسه الذي صار دخاان على وجود النار وبني االنفس واآلفاق فرق
واضح قال هللا تعاىل سنريهم آايتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حت يتبني هلم أنه احلق وقال
هللا تعاىل ويف االرض آايت للموقنني ويف انفسكم افال تبصرون وكلما يرى يف اآلفاق
واالنفس آايت املطلوب ال نفس املطلوب فكان املرئي يف اآلفاق واالنفس هو الدخان
الذي هو آية النار ال النار فتكون املعاملة يف اآلفاق واالنفس هي االستدالل الذي هو
حقيقة علم اليقني واما حق اليقني فينبغي تشخيصها فيما وراء اآلفاق واالنفس سبحان
هللا كيف قرر االكابر وجدان املطلوب يف االنفس واعتقدوا خارج االنفس مما ال حاصل
فيه قال واحد منم {شعر}:
ال تطف يف كل صوب مثل اع * مى فان الكل معك يف العبا
وقال اآلخر {شعر}:
چن جلوهء آن مجال بريون زتو نيست * اپدردامن وسر جبيب اندركش
وقال الثالث {شعر}:
فلو سعت ذرة يف عمرها طلبا * خريا و شرا ترى يف نفسها اكتمنا
- 1091 -
قال صاحب الفصوص التجلي من الذات ال يكون اال بصورة املنجلى له وقال
غريه م ن االكابر ان أهل هللا كلما يرون بعد الفناء والبقاء يرونه يف انفسهم وكلما يعرفون
يعرفونه يف انفسهم وحريهتم يف وجود انفسهم ويف انفسكم افال تبصرون وعند هذا الفقري
االنفس ايضا كاآلفاق مما ال حاصل فيه خالية عن وجدان املطلوب فيها وال نصيب منه
هلا والذي يف اآلفاق واالنفس هو االستدالل على املطلوب والداللة على املقصود
والوصول اىل املطلوب مربوط مبا وراء اآلفاق واالنفس ومنوط مبا سوى السلوك واجلذبة
فان السلوك سري آفاقي واجلذبة سري انفسي فيكون السلوك واجلذبة والسري اآلفاقي
واالنفسي كلها داخلة يف السري اىل هللا وما قالوا ان السلوك والسري اآلفاقي يف السري اىل
هللا واجلذبة والسري االنفسي يف السري يف هللا ماذا نصنع ظهر هلم كذلك وظهر يل هكذا
سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا واين القدرة ملثلي املسكني اآلكل من فضلتهم ان
يتكلم على خالف مذاقهم ولكن ملا ترقت املعاملة من التقليد قال ما انله خالف القوم
أو وافقهم والتزام أيب يوسف بعد ترقيه من التقليد موافقة أيب حنيفة الذي هو استاذه
خطأ ربنا ال تؤآخذان ان نسينا أو اخطأان (فان قيل) اذا كان هذه الدرجات الثالث من
اليقني داخلة يف علم اليقني فما يكون عني اليقني عندك (قلت) ان عني اليقني عبارة عن
تلك احلالة اليت هي للدخان مع النار فاذا انتهى املستدل اىل منتهى درجة الدليل الذي
هو الدخان حتدث فيه أيضا حالة اثبتة للدخان مع النار وعند هذا الفقري هذه احلالة
معرب عنها بعني اليقني فانه فوق علم االستدالل ووراء اآلفاق واالنفس وملا ارتفع حجاب
االستدالل م ن البني الذي هو هناية مرتبة العلم خرج االمر من العلم اىل الكشف
ابلضرورة واجنر من الغيب اىل الشهود واحلضور (ينبغي) ان يعلم ان الشهود واحلضور غري
الرؤية واالحساس اال ترى ان شهود الشمس لضعيف البصر وقت انتشار شعاعها
حاصل خبالف الرؤية فاهنا غري متحققة {تنبيه} ان للتحقق ابلدخان درجتني وانه شامل
لعلم اليقني وعني اليقني على التحقيق الذي ذكرانه فانه ما مل يطو مجيع نقط الدخان يف
التحقق به ومل ينته اىل نقطته االخرية فهو علم اليقني فان كل نقطة بقيت حجاب مستلزم
- 1092 -
لالستدالل فاذا حتقق جبميع النقط و انتهى اىل النقطة االخرية خرج من االستدالل الن
احلجب قد ارتفعت ابلتمام وثبت له عني اليقني كنفس الدخان فافهم وماذا أكتب من
حق اليقني فان كمال حتققه مربوط ابلنشأة االخروية فان كان منه نصيب يف الدنيا فهو
خمصوص أبخص اخلواص الذي كان السري االنفسي الذي له مشاهبة حبق اليقني داخال
عنده يف علم اليقني وكان االنفس لديه يف حكم اآلفاق وصار علمه احلضوري املتعلق
ابالنفس علما حصوليا وحصل له عني اليقني فيما وراء اآلفاق واالنفس وقليل ما هم
{خامتة} حسنة يف بيان احلسن واجلمال احملمديني على صاحبهما الصالة و السالم
الذين مها متعلق حمبة رب العاملني وانه صلّى هللا عليه و سلّم كان بذلك اجلمال حمبوب
رب العاملني جل شأنه (اعلم) ان يوسف على نبينا وعليه الصالة و السالم وان كان
ابلصباحة اليت كانت فيه حمبوب يعقوب عليه السالم ولكن نبينا خامت الرسل عليه و
عليهم الصالة و السالم ابملالحة اليت هي فيه حمبوب خالق االرض والسموات وخلق
االرض والسماء واملكان والزمان بطفيليته صلّى هللا عليه و سلّم كما ورد (ينبغي) ان يعلم
ان اخللق احملمدي ليس كخلق سائر افراد االنسان بل ال مناسبة له خبلق فرد من افراد
العامل وهو صلّى هللا عليه و سلّم مع وجود النشأة العنصرية خلق من نور احلق جل وعال
كما قال عليه و على آله الصالة و السالم خلقت من نور هللا وهذه الدولة مل تتيسر
لغريه صلّى هللا عليه و سلّم وبيان هذه الدقيقة هو انه قد مر فيما سبق ان الصفات
الثمانية احلقيقية الواجبية وان كانت داخلة يف دائرة الوجوب ولكن فيها بواسطة احتياجها
اىل حضرة الذات رائحة االمكان فاذا كان يف الصفات احلقيقية القدمية جمال لرائحة
االمكان يكون يف الصفات االضافية الواجبية ثبوت االمكان ابلطريق األوىل وعدم قدمها
اول دليل على االمكانية فيها وقد علم ابلكشف الصريح ان خلقته صلّى هللا عليه و سلّم
انشئة من االمكان الذي هو متعلق ابلصفات االضافية ال االمكان الذي هو كائن يف
سائر افراد العامل وكلما يطالع صحيفة ممكنات العامل بدقة النظر ال يشاهد وجوده صلّى
هللا عليه و سلّم فيها بل يكون منشأ خلقته وامكانه صلّى هللا عليه و سلّم يف عامل
- 1093 -
املمكنات بل يكون فوق هذا العامل فال جرم ال يكون له ظل وأيضا ان ظل كل شخص
يف عامل الشهادة الطف من ذلك الشخص فاذا مل يكن الطف منه صلّى هللا عليه و سلّم
يف العامل كيف يتصور له ظل (امسع) ان صفة العلم من الصفات احلقيقية وداخلة يف دائرة
املوجود اخلارجي فاذا عرضت هلا االضافة وانقسمت هبا على العلم االمجايل والعلم
التفصيلي مثال تكون تلك االقسام من الصفات االضافية وداخلة يف مرتبة نفس االمر
اليت هي مقر الصفات االضافية ويشاهد ان العلم االمجايل الذي صار من الصفات
االضافية نور ظهر يف النشأة العنصرية بعد االنصباب من االصالب اىل األرحام املتكثرة
مبقتضى حكم ومصاحل بصورة االنسان الذي هو على أحسن تقومي وصار مسمى مبحمد
وأمحد (ينبغي) ان يستمع كمال االستماع ان هذا القدر من االمجال وان جعل العلم
املطلق مقيدا وأخرجه من احلقيقة اىل االضافة ولكن مل حتصل منه زايدة يف املقسم اصال
ومل يقيده شئ قطعا فان امجال العلم نفس العلم ال انه امر زائد منضم اىل العلم خبالف
تفصيل العلم فانه يقتضى جزئيات متكثرة حت يتصور التفصيل والعجب من قيد كان
مظهرا لالطالق والعجب من مقيد صار نفس املطلق ينبغي ان يالحظ مثل هذه اللطافة
يف مطلق العلم ابلنسبة اىل الذات فانه ميكن ان يكون العلم نفس العامل ونفس املعلوم كما
انه كائن يف العلم احلضوري خبالف صفات اخر فاهنا ليست فيها هذه القابلية فانه ال
ميكن ان يقال ان القدرة عني القادر وعني املقدور واالرادة عني املريد وعني املراد فللعلم
احتاد مع ذات العامل واضمحالل فيه ليس ذلك لغريه ينبغي ان يدرك من ههنا قرب أمحد
من االحد فان الواسطة بينهما صفة العلم اليت له احتاد ابملطلوب فكيف يكون للحجابية
فيها جمال وايضا يف العلم حسن ذايت ليس هو لغريه من الصفات وهلذا أحب صفات
الواجب عند احلق جال وعال بزعم هذا الفقري هو صفة العلم وحيث ان يف حسنه شائبة
الالكيفية فاحلس قاصر عن ادراكه وادراك ذاك احلسن على وجه التمام مربوط ابلنشأة
االخروية اليت هي موطن الرؤية فاذا رأوا هللا هظ عز و جل يدركون مجال حممد صلّى هللا
عليه و سلّم وان أعطي يوسف عليه السالم يف هذه النشأة ثلثي احلسن وقسم الثلث
- 1094 -
الباقي للكل ولكن احلسن يف النشأة االخروية هو احلسن احملمدي واجلمال هو اجلمال
احملمدي عليه الصالة و السالم فانه حمبوب احلق جل سلطانه وكيف يكون حلسن
اآلخرين مشاركة حبسن صفة العلم فان حسنها بواسطة احتادها ابملطلوب عني حسن
املطلوب وملا مل يكن هذا االحتاد لغريها ليس فيه هذا احلسن فاخللقة احملمدية عليه و على
آله الصالة و السالم مع وجود احلدوث مستندة اىل قدم الذات تعالت وكانت أحكامها
أيضا منتهى ة اىل وجوب الذات وكان حسنه حسن الذات من حيث أنه ليس فيه شائبة
غري احلسن فلما كان كذلك صار متعلق احملبة اجلميل املطلق وكان حمبوبه ان هللا مجيل
حيب اجلمال (فان قيل) ان قوله تعاىل حيبهم يدل على ان حمبة احلق سبحانه متعلق بغريه
صلّى هللا عليه و سلّم أيضا و يكون اآلخرون ايضا حمبوبيه سبحانه و تعاىل فما وجه
ختصيصه صلّى هللا عليه و سلّم مع كوهنا موجودة يف غريه (قلت) احملبة قسمان قسم
يتعلق بذات احملب وقسم يتعلق بغري ذاته والقسم االول حمبة ذاتية وهي اعلى أقسام احملبة
فانه ال حيب أحد شيئا مثل حبه لنفسه وأيضا هذا القسم من احملبة أحكم وأوثق فاهنا ال
تزول بعروض عارض و أيضا متعلق هذا القسم حمبوب صرف ليست فيه شائبة احملبية
خبالف القسم الثاين فاهنا عرضية وقابلة للزوال ومتعلقه وان كان من وجه حمبواب ولكن فيه
حمبية أيضا من وجوه متعددة وحيث كان حسن خامت الرسل و مجاله عليه الصالة و
السالم مستندين اىل حسن حضرة الذات تعالت ومجاهلا كما مر يكون القسم االول
الذي هو متعلق ابلذات متعلقا به عليه و على آله الصالة و السالم ابلضرورة و يكون
صلّى هللا عليه و سلّم بتعلق احملبة كالذات حمبواب صرفا وملا مل تكن هذه الدولة ميسرة لغريه
وقل نصيبهم من احلسن الذايت يتعلق هبم من احملبة القسم الثاين وجيعلهم حمبواب من وجه
واحملبوب املطلق هو النيب صلّى هللا عليه و سلّم فانه كذات احملب حمبوب دائما و يكون
حمسوسا ان غلبة احملبة اليت هي يف موسى للحق سبحانه وكان هو بتلك احملبة رئيس
احملبني مثلها يف احلق سبحانه حلضرة خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم وكلما
يغوص هذا الفقري يف حبر هاتني احملبتني ليدرك التفاوت بينهما قوة وضعفا وجيد احملبة اليت
- 1095 -
هي يف اخلالق أشد من حمبة املخلوق حبكم أال ان حزب هللا هم الغالبون ال يظهر
التفاوت أصال وكأن هاتني احملبتني وزنت مبيزان العدالة متساويتني ومل يقع بينهما تفاوت
ابلزايدة والنقصان مقدار شعرة (فان قيل) ان الصوفية العلية حكموا بكون متام افراد العامل
مظاهر االمساء االهلية وجماليها ووجدوا حقائق االشياء عني تلك االمساء واعتقدوا ان
االشياء ظالل االمساء فجعلوا متام العامل ظهور االمساء االهلية فما وجه ختصيص ظهور
بعض االمساء خبلقته صلّى هللا عليه و سلّم كما مر (قلت) ان حقائق االشياء عند
الصوفية هي االعيان الثابتة اليت هي عبارة عن الصور العلمية لالمساء االهلية ال االمساء
االهلية أنفسها وقالوا ان هذا العامل هو ظهور تلك الصور العلمية وان قالوا انه ظهور
االمساء ايضا على سبيل التجوز بل الصورة العلمية للشئ عندهم عني ذلك الشئ ال
شبح ذلك الشئ ومثاله وما قاله هذا الفقري يف خلقته صلّى هللا عليه و سلّم ظهور نفس
االسم االهلي جل شأنه ال ظهور الصورة العلمية لذلك االسم شتان ما بني نفس الشئ
وبني صورته العلمية أال ترى ان النار اذا تصورت يف االذهان أين هلا االشراق واالضاءة
وقد كان كمال النار ومجاهلا هو االشراق واالضاءة وليس يف صورهتا العلمية غري شبحها
ومثاهلا قبله أرابب املعقول أو ال بل قالوا اهنا عني النار ولكن كشفنا الصريح مكذب
لقول من قال ابلعينية وصورة النار العلمية ليست غري شبح النار املوجودة يف اخلارج و
يكون حمسوسا ان كلما حتقق له ثبات وتقرر بصنع هللا تعاىل يف مرتبة الوهم وما هو ظهور
االسم االهلي كما مر يف خلقته صلّى هللا عليه و سلّم امكانه من قبيل امكان الصفات
االضافية ووجوده أيضا مثل وجود تلك الصفات يف نفس االمر وال يقع النظر على أحد
يكون ظهورا لالسم االهلي جل سلطانه غري النيب صلّى هللا عليه و سلّم اال القرآن اجمليد
فانه أيضا ظهور نفس اسم اهلي كما ذكرت مشة منه فيما سبق غاية ما يف الباب ان منشأ
الظهور القرآين من الصفات احلقيقية ومنشأ الظهور احملمدي من الصفات االضافية
فبالضرورة قالوا لذلك قدميا وغري خملوق وهلذا حاداث وخملوقا ومعاملة الكعبة الرابنية
أعجب من هذين الظهورين االمسيني فان هناك ظهور معن تنزيهي بال كسوة الصور
- 1096 -
واالشكال فان الكعبة اليت هي مسجود اليها جلميع اخلالئق ليست بعبارة عن احلجر
واملدر وليست هي ايضا سقفا وجدرا فانه لو مل تكن هذه فرضا تكون الكعبة كعبة ابقية
على حاهلا ومسجودا اليها فهناك ظهور وال صورة أصال وهذا من أعجب العجائب
(امسع امسع) انه وان مل يكن الحد شركة يف هذه الدولة اخلاصة احملمدية[ ]1ولكن يدرك
هذا القدر انه قد بقيت بقية من تلك الدولة وهي اخلاصة به بعد ختليقه وتكميله عليه و
على آله الصالة و السالم فان الزايدة والفضلة من لوازم خوان ضيافة الكرماء لتكون
نصيبا للخدمة وحصة فاعطيها واحد من أمته صلّى هللا عليه و سلّم وجعلت مخري طينته
وجعل بتبعيته ووراثته شريك دولته اخلاصة به عليه و على آله الصالة و السالم {ع}:
ال عسر يف أمر مع الكرام
و هذه البقية كبقية طينة آدم عليه السالم حيث كانت نصيبا خللقة النخلة كما
قال عليه و على آله الصالة و السالم اكرموا عمتكم النخلة فاهنا خلقت من بقية طينة
آدم بلى {ع}:
و لالرض من كأس الكرام نصيب
(فان قيل) قد جعل الشيخ حميي الدين بن العريب واتباعه احلقيقة احملمدية عبارة
عن حضرة امجال العلم وقالوا له تعينا اوال وجتليا ذاتيا واعتقدوا ما فوقه الالتعني الذي هو
حضرة الذات البحت وأنت جعلته قسما من العلم وادخلته يف الصفات االضافية اليت
هي دون الصفات احلقيقية فما وجه ذلك (قلت) ان الشيخ حميي الدين بن العريب ال
يقول بوجود موجود يف اخلارج غري احدية الذات اجملردة وال يثبت الوجود للصفات ولو
كانت حقيقية يف غري العلم فيكون التعني االول عنده ابلضرورة علما امجاليا ويتصور
( )1قوله يف هذه الدولة اخلاصة احملمدية اخل االشارة اىل ما سبق ذكره هنا وهو كون خلقته صلّى هللا عليه و سلّم ظهور
االسم االهلي دون ان تكون ظهور صورة ذلك االسم العلمية كخلقة من سواه وليس املراد هبا النبوة والرسالة أو
خامتتيهما كما زعم املعاندون فاهنا ال مدخل هلا هنا وال خطرت ببال االمام قدس سره هنا قطعا كما ال خيفي على
املنصف
- 1097 -
ثبوت الصفات بعده فان ثبوهتا فرع ثبوت العلم فانه ال يقول بثبوهتا يف غري العلم فيكون
العلم اسبق من الكل وجامعا جلميع الكماالت والذي صار مكشوفا لدى الفقري هو ان
الصفات احلقيقية الثمانية كالذات موجودة يف اخلارج والتفاوت امنا هو ابعتبار املركزية
وعدم املركزية كما مر وهذا القول موافق آلراء علماء أهل السنة واجلماعة شكر هللا
سعيهم حيث قالوا ان وجود الصفات زائدة على وجود الذات و على هذا التقدير ال
معن جلعل التعني االول عبارة عن العلم االمجايل بل ال جمال الطالق التعني أيضا واسبق
مجيع الصفات صفة احلياة وصفة العلم اتبعة هلا فتقدمي العلم عليها غري متصور خصوصا
اذا انضم قيد اىل العلم فانه ادون من مطلق العلم وداخل يف االضافية كما مر نعم اذا
قالوا للعلم االمجايل انه تعني اول للعلم فله مساغ و يكون تعينه الثاين علما تفصيليا (فان
قيل) ان الشيخ حميي الدين قال للعلم االمجايل أنه حقيقة حممدية واعتقد هذه النشأة
العنصرية ظهوره فهل مراده من الظهور ظهور نفس االسم كما قلت انت أو ظهور صورة
ذلك االسم كما هو يف سائر املمكنات (قلت) مراده ظهور صورة االسم فان التعني
االول عنده قدس سره تعني علمي فانه قال للتعينني االولني تعينا علميا وللتعينات الثالثة
االخرية تعينا خارجيا والتعني العلمي هو صورة شأن العلم الذي قال انه عني الذات يف
اخلارج واثبت صورته يف العلم وتلك الصورة العلمية اليت هي احلقيقة احملمدية ظهرت يف
النشأة العنصرية بصورة انسانية حممدية وابجلملة أن كل مقام فيه ظهور فهو ظهور الصورة
العلمية عند الشيخ وان كانت صفات الواجب جل شأنه فالصفات ال وجود هلا عنده يف
غري العلم وال موجود عنده يف اخلارج غري الذات البحت (فان قيل) يف تلك املرتبة احتاد
العلم والعامل واملعلوم وحاصل ذلك هو العلم احلضوري فال يكون لصورة االسم هناك جمال
الن حصول الصورة امنا هو يف العلم احلصويل واحلاضر يف العلم احلضوري هو نفس
املعلوم ال صورته (قلت) ان تلك املرتبة ليست هي مرتبة الذات البحت وهلذا قال هلا
تعينا وتنزال فال تكون موجودة يف اخلارج فاذا مل تكن موجودة يف اخلارج البد هلا من
الثبوت العلمي وهلذا قال هلا تعينا علميا والبد للثبوت العلمي من صورة املعلوم فلزم من
- 1098 -
هذا البيان ان يف العلم احلضوري أيضا صورة للمعلوم مع وجود حضور نفس املعلوم وان
احلاضر ليس هو املعلوم اخلالص بل تطرق اليه االعتبار واخرجه من النفس اىل الصورة وال
يدرك فهم كل احد هذه الدقة ومن مل يصل اىل الذات البحت بوصول الكيفي ال يدرك
هذه الدقيقة سبحان هللا اي قدرة واستطاعة ملثلي الفقري العاجز املتأخر ان يتكلم مبعارف
اكابر االنبياء أويل العزم بعد ألف سنة من بعثة خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و
السالم ويبني دقائق كماالت املبدأ يف شفري املعاد {شعر}:
ولكن سيدي أعلى مقامي * فحقت يل مباهايت اهلالل
كأين تربة فيها سحاب ال * ربيع ممطر ماء زالال
فلو يل ألف ألسنة وأثين * هبا ما ازددت اال انفعاال
احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا
ابحلق وقد كان يف خاطري ان اكتب مشة من بيان الصباحة واملالحة الواردتني يف احلديث
النبوي أخي يوسف اصبح واان املح وان اتكلم يف هذا الباب ابلرمز واالشارة ولكن رأيت
ان الرمز واالشارة قاصر يف اداء املقصود واملستمعون عاجزون عن فهمه ومقطعات
احلروف القرآنية كلها رموز واشارات اىل حقائق االحوال ودقائق االسرار الكائنة بني
احملب واحملبوب ولكن من الذي يدركها ويفهمها والعلماء الراسخون الذين حكمهم حكم
خدام حبيب رب العاملني وغلمانه وان كان هلم اطالع عليها ملا أنه جيوز أن يكون
للخدام اطالع على بعض اسرار خمادميهم اخلفية بل جيوز أن تكون بني اخلادم واملخدوم
معاملة بطريق تبعيت ه للمخدوم وان يكون اخلادم شريكا له يف دولته اخلاصة به بتطفله
ولكنهم لو اظهروا مشة من هذا البيان يكونون خونة ومهلكني انفسهم ويصدق يف حقهم
قطع البلعوم الذي قاله أبو هريرة رضي هللا عنه يضيق صدري وال ينطلق لساين نقد
الوقت ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا يف أمران وثبت أقدامنا وانصران على القوم الكافرين و
السالم عليكم و على سائر من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله
واصحابه الربرة التقى.
- 1099 -
{املكتوب احلادي واملائة اىل الشيخ عبد هللا يف املنع من تفسري آايت القرآن
وأتويلها على طبق مذاق الفالسفة}
سلمكم هللا سبحانه وعافاكم عن البليات قد أرسلت كتاب تبصرة الرمحن الذي
كنتم ارسلتموه وقد طالعت بعض مواضعها فوجدت ان ملصنفه ميال عظيما اىل مذهب
الفالسفة حبيث يكاد جيعل احلكماء مساوين لالنبياء عليهم الصالة و السالم ووقع النظر
على آية يف سورة هود قد فسرها على طرز احلكماء خالف طور االنبياء وسوى بني قول
احلكماء واالنبياء عليهم السالم وقال يف بيان معن هذه اآلية أولئك الذين ليس هلم
ابتفاق االنبياء واحلكماء اال النار احلسي أو العقلي اخل وأين اجملال التفاق احلكماء مع
وجود امجاع االنبياء وأي اعتبار يف قوهلم يف العذاب األخروي خصوصا اذا كان خمالفا
لقول االنبياء عليهم السالم ومقصود الفالسفة من اثبات العذاب العقلي هو رفع العذاب
احلسي الذي وقع امجاع االنبياء على ثبوته وبني اآلايت القرآنية موافقا ملذاق احلكماء يف
مواضع أخر أيضا وان مل يكن خمالفا للمذهب املبني فمطالعة هذا الكتاب ال خيلو عن
مضرات خفية بل جلية واعتقدان اظهار هذا املعن الزما وكتبنا يف ذلك كلمات وان
كانت تصديعا و السالم.
{املكتوب الثاين واملائة اىل جناب املري حممد نعمان يف الرتغيب يف اجملاهدات
واالنزواء وتربية طاليب احلق جل وعال}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى اعلم ان احوال هذه احلدود
وأوضاعها مستوجبة للحمد هلل سبحانه احلمد واملنة دائما و على كل حال ومل اطلع على
احوالكم من مدة مديدة واملرجو أنكم قلبتم ذلك الورق وبدلتم الكسل ابلعمل وتوجهتم
من الفراغ اىل اجملاهدة فان الوقت وقت العمل واالشتغال ال موسم االكل واملنام ينبغي
اعداد نصف الليل للنوم والنصف اآلخر للطاعة والعبادة فان مل يكن قدرة اختيار هذه
- 1100 -
اهلمة ينبغي ان يلتزم ثلث الليل من النصف اىل السدس ينبغي ان يسعى لئال يقع فتور يف
دوام هذه الدولة وينبغي ان خيتلط ابلناس وان ينبسط اليهم مقدار ما تؤدي به حقوقهم
الضرورة تقدر بقدرها واالنبساط اىل اخلالئق زايدة على قدر احلاجة من الفضول وداخل
فيما ال يعين ورمبا يتفرع عليه مضرات كثرية ويصري داخال يف حمظورات الشريعة والطريقة
والشيخ الذي يفرط يف االنبساط اىل املريدين خيرجهم من االرادة ابلضرورة ويوقع الفتور
يف طلبهم عياذا ابهلل سبحا نه من ذلك ينبغي ان يدرك قبح هذا املعن وان يسلك
ابلطالبني على وجه يكون سببا النسهم وألفتهم ال موجبا لنكرهتم ونفرهتم واالنزواء من
اخلالئق ضروري فان االختالط واالئتالف معهم بال داع وال حاجة سم قاتل وهذا املعن
ميسر لكم بتوفيق هللا تعاىل ابلسهولة وماذا يصنع أرابب االبتالء فاهنم مشغولون مع
أرابب التفرقة دائما ينبغي لكم ان تعرفوا قدر هذه النعمة و العمل مبقتضاها وعليكم
بكمال االستخبار عن حال الطالبني وابلتوجه اىل تربيتهم ظاهرا وابطنا وما اكتب أزيد
من ذلك.
{املكتوب الرابع واملائة اىل احلضرات ذوي الربكات حضرة املخدوم زاده
اخلواجه حممد سعيد وحضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم يف بشارهتما
ابلوصول اىل بعض املراتب}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى مل يكتب االوالد الكرام منذ مدة
شيئا من أحواهلم الظاهرة والباطنة ولعل ذلك بسبب طرو النسيان والذهول عن حال
املهجورين بواسطة متادي اايم املفارقة ولنا أيضا أرحم الرامحني أليس هللا بكاف عبده
مورث التسلي للغرابء احملرومني والعجب ان اخلاطر متوجه اىل أحوالكم دائما مع عدم
التفاتكم هذا كله ومريد لكمالكم وقد كنت امس عقدت جملس السكوك بعد صالة
- 1102 -
الصبح فظهر ان اخللعة اليت كانت يل انفصلت عين وتوجهت اىل خلعة أخرى مكاهنا
فوقع يف اخلاطر أن هذا اخللعة الزائلة هل يعطاها شخص ام ال وكنت أمتين اهنا أعطيها
ولدي االرشد حممد معصوم فرأيت بعد حملة ان ولدي قد أعطيها وألبسها ابلتمام وكانت
تلك اخللعة الزائلة كناية عن معاملة القيومية اليت تتعلق ابلرتبية والتكميل وكانت هي
الباعثة على ارتباط هذه العرصة اجملتمعة فاذا انتهت معاملة هذه اخللعة اجلديدة اىل
آخرها وصارت مستحقة للخلع نرجو من كمال الكرم ان يعطيها ولدي االعز حممد
سعيد وهذا الفقري يسأل ذلك ابلتضرع على الدوام ويفهم أثر االجابة وجيد ولدي
مستحقا هلذه الدولة {ع}:
ال عسر يف أمر مع الكرام
و االستعداد أيضا من عطائه سبحانه و تعاىل {شعر}:
ما جئت من بييت بشئ أوال * ومنحتين ما يب وأين بعض ذا
قال هللا تعاىل اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور واعلموا ان الشكر
عبارة عن صرف العبد مجيع ما أنعم هللا عليه من اجلوارح والقوى الظاهرية والباطنية اىل ما
خلقها هللا واعطاه الجله لواله ملا حصل الشكر وهللا املوفق ومثل هذه العلوم من االسرار
اخلفية وان قلناه جهارا ولكنه الزم االخفاء لئال يفتنت الناس مث ان ذاك املشكل الذي كان
يف من ان تلك املعاملة لعلها يف عامل املثال قد احنل يف هذه االايم ومل يبق فيه خفاء أصال
ولعل لروحانية اخلواجه معني الدين أيضا مدخال يف هذا املعن ولعل ذلك املشكل ابق يف
خاطر حممد معصوم.
{املكتوب اخلامس واملائة اىل الشيخ حسن الربكي يف جواب كتابه الذي كتبه
لبيان احواله ويف احلث على احياء السنة والتحذير عن ارتكاب البدعة}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد سرت صحيفة أخي االعز الشيخ
حسن أحسن هللا حاله بوصوهلا وقد اندرج فيها من العلوم واملعارف فزادت مطالعتها
- 1103 -
فرحا على فرح محدا هلل سبحانه كله علوم صحيحة ومعارف صادقة مطابقة للكتاب
والسنة موافقة العتقاد الفرقة الناجية رزق هللا سبحانه االستقامة واوصل اىل منتهى
املقاصد العلية وكتبت من رفع البدع مشة اي هلا من نعمة عظيمة لو وفق شخص لرفع
بدعة من البدع يف مثل هذا الوقت الذي تراكمت فيه ظلمات البدعة وأحيا سنة من
السنن وقد ورد يف األحاديث الصحيحة من احيا سنة ميتة فله ثواب مائة شهيد فليعلم
درجة هذا العمل من ههنا ولكن ينبغي ان يراعى دقيقة وهي ان ال ينجر االمر اىل ايقاظ
الفتنة وان ال تكون احلسنة الواحدة ابعثة على سيئات كثرية فان الزمان آخر االزمان
وأوان ضعف االسالم واالميان وحصل االفراح واملسرات أيضا من مطالعة الرسالة اليت
ارسلتها احلمد هلل سبحانه املوافقة يف العلوم هلذا الفقري كثرية ويف الكشف مطابقة
واالنظار أيضا عالية وقد كنت فوضت كتابك الذي كان متضمنا لالحوال والعلوم
واالستفسارات اىل أخي حممد هاشم الكشمي ليحضره وقت حترير اجلواب فاضاعه اتفاقا
وهلذا وقع التوقف يف تفصيل االجوبة وما بقي منها يف اخلاطر كتبت جوابه وجمملها اهنا
أحوال مستحسنة وعلوم صحيحة مث انه ينبغي لكم السعي البليغ يف تربية اوالد املرحوم
املغفور له موالان امحد وتعليمهم ورعاية اهلداية ابآلداب الظاهرية والباطنية وعليكم بداللة
سائر االصحاب الفقراء بل مجيع أهل االسالم الكائنني يف تلك البقعة على الشريعة
والتزام السنة وهتديدهم وحتذيرهم عن ارتكاب البدعة وهللا سبحانه املوفق وقد أرسل اليكم
اخلواجه حممد هاشم نقول بعض مكاتيب اجللد الثالث نفعكم هللا هبا وأوقات الفقري
خمتلفة فاحياان تظهر الرغبة يف تسويد العلوم واملعارف بال اختيار ويف بعض االوقات
تظهر النفرة من الكتابة مع افاضة االسرار الغريبة حبيث ال يستطاب أخذ القلم ابليد فبناء
على ذلك يقع الفتور يف تفصيل جواب كتبكم اليت وصلت وال اقدر ان اكتب شيئا
ابلتكلف وبقية االحوال مستوجبة للحمد وقد تيسر التخلص بعناية هللا سبحانه من رفاقة
العسكر ادام هللا لنا االستقامة وجلميع االصحاب الكائنني هناك دعوات خمصوصة و
السالم.
- 1104 -
{املكتوب السادس واملائة اىل حضرات املخادمي سلمهم هللا سبحانه يف بيان
يب صلّى هللا عليه و سلّم وانل منه البشارات العليا}
واقعته اليت رأي فها النّ ّ
قد وصلت الصحيفة الشريفة من أوالدي الكرام محدا هلل سبحانه على ما كانوا
على الصحة والعافية واكتب املعاملة اليت ظهرت اليوم جديدة ينبغي استماعها بكمال
االصغاء كنت البارحة اليت هي ليلة السبت ذهبت اىل جملس السلطان فلما رجعت منه
بعد مضي مقدار ثالث ساعات من الليل ومسعت من احلافظ ثالثة أجزاء من القرآن
ومضى من الليل أزيد من ست ساعات تيسر النوم وحيث كان يب تعب الليل منت بعد
حلقة الصبح فرأيت النيب صلّى هللا عليه و سلّم قد كتب االجازة للفقري كما هو عادة
املشايخ من كتابة االجازة للخلفاء وواحد من أصحايب املخلصني متصد هلذه املعاملة
فظهر يف تلك االثناء ان يف امضاء االجازة حنوا من الفتور ووجه الفتور أيضا معلوم يف
ذلك ا لوقت فحمل الذي هو متصد هلذه اخلدمة من أصحايب تلك االجازة اىل مالزمته
صلّى هللا عليه و سلّم مرة اثنية وكتب النيب صلّى هللا عليه و سلّم على ظهرها اجازة
أخرى او أمر الغري بكتابتها مل أقدر على تشخيص ذلك ولكنه ابلنسبة اليه صلّى هللا عليه
و سلّم معلوم وبعد الكتابة زينها خبتمه عليه و على آله الصالة و السالم ومضمون تلك
االجازة هو أنه قد أعطيت اجازة اآلخرة عوضا عن اجازة الدنيا واعطيت نصيبا من مقام
الشفاعة والكاغد أيضا طوالين وكتب فيه سطور كثرية واان اسأل من املتصدي لتلك
اخلدمة ان ااي منهما األوىل وااي منهما الثانية وأان أجدين يف ذلك الوقت يف حمل واحد مع
النيب صلّى هللا عليه و سلّم وأعاشره كالولد مع الوالد وليس حضوره وحضور أهل بيته
غريبا يل واان أخذت ذلك الكاغد بيدي ولففته وكنت داخال يف حرمه الشريف كاالوالد
احملارمي وأتمرين امهات املؤمنني يف حضوره صلّى هللا عليه و سلّم ببعض اخلدمات
ابالهتمام التام وتقول كنت منتظرة لك ينبغي أن تفعل كذا وكذا فعرضت االفاقة يف تلك
االثناء وارتفع من اخلاطر وجه ذلك الفتور وابلقدر اليسري من فتح العني زالت
- 1105 -
خصوصيات تلك الواقعة من اخلاطر معاينة ولعله بقي يف خاطركم اين قد كنت ذكرت
كالما يف هذا ال باب أكثر من ذلك من أن العجب أن هذه النسبة العليا ال تظهر على
مقدارها وكان خيطر يف اخلاطر أن ظهورها لعله يكون ذخرية الجل اآلخرة ويتيسر نعم
البدل فحصل من هذه الواقعة التشفي من تلك الرتددات الوقت وقت قرب القيامة وقت
تراكم الظلمات فاي خريية فيه واي نورانية اال ان يروجها احلضرة املهدي عليه الرضوان
مؤيدا ابخلالفة الظاهرية وقد امرت اليوم شكرا للنعمة بطبخ اطعمة متنوعة لروحانيته صلّى
هللا عليه و سلّم وأن يعقدوا جملس السرور ولعل رافعي الكتب أيضا أيكلون من تلك
االطعمة مث اين قد كنت كتبت يف مكتوب يف بيان واقعة ظهرت أنه مل يقبل واحد من
االصحاب معكما ملالزمة السلطان مث ظهر بعد زمان أنه قد قبل هو أيضا مبحض الكرم
وظهر آاثر القبول هلل سبحانه احلمد واملنة على ذلك و على مجيع النعماء ويف هذه االايم
تظهر معارف غريبة وعلوم عجيبة وكأن ذلك الورق صار مرقوما وظهرت املعاملة لآلخر
االوالد بعيدون ومعاملة العمر قريبة واىل ما ينجر االمر ونصرب قائلني اخلري فيما صنع هللا
ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيئ لنا من أمران رشدا و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب السابع واملائة اىل اخلواجه حممد أشرف يف بيان سبب وقوع الفتور
يف نسبة الرابطة وااللتذاذ ابلطاعة}
بعد احلمد هلل والصالة وتبليغ الدعوات اهني أنه قد وصلت صحيفة اخي االعز
محدا هلل سبحانه على ما كانوا على الصحة والعافية وقد سئلتم أنه ما السبب يف انه إذا
طرأ الفتور يف نسبة الرابطة ال يوجد االلتذاذ بسائر الطاعات اعلموا ان الوجه الذي صار
سببا لفتور نسبة الرابطة ما نع عن االلتذاذ ابلطاعات وسبب الفتور احياان يكون قبضا
واحياان كدورة طارية بواسطة ارتكاب زالت وان كانت قليلة والوجه االول ليس مبذموم بل
هو من لوازم سلوك الطريقة وينبغي تدارك عروض الوجه الثاين ابلتوبة واالستغفار اىل أن
يرتفع أثره بكرم هللا سبح انه وحيث ان التمييز بني القبض والكدورة يستدعي دقة النظر
- 1106 -
{الكتوب الثامن واملائة اىل املال طاهر اخلادم يف بيان املعامالت املتعلقة ابصل
االصل وهذه املعرفة منقولة ابملعىن}
ان املعاملة اليت تتعلق ابصل االصل على نوعني نوع ميكن معرفتها بصورة مثالية او
ابمر آخر وهذه املعاملة موقتة بوقت كون السري يف مقامات هلا مناسبة او مشاكلة ابلعامل
ولو ابلوجه واالسم وذلك اىل هناية مقام الرضا فاذا تيسر السري لشخص فوق مقام الرضا
ال يكون له شئ معلوما ال بصورة مثالية وال أبمر آخر فحينئذ يكون لذلك العارف علم
مبحض حصول مقامات فوقانية من غري أن يكون له شئ منها معلوما حت ان اسم النبوة
والرسالة وامثاهلما أيضا مفقودة يف هذه املقامات وأظن أن احلق سبحانه سيعطي يف دار
اخللد علم تلك املقامات وهناية هذا السري اىل مرتبة خمصوصة ال ختفى على ارابهبا و
السالم.
{املكتوب التاسع واملائة اىل حضرة املخدوم زاده اخلواجه حممد معصوم سلمه
هللا سبحانه يف بيان أن اجياد العامل يف مرتبة الوهم ولكنه بواسطة االستقرار وتعلق
االجياد به صار منسواب اىل نفس االمر وهذه املرتبة وراء مرتبة العلم واخلارج وبيان أن
الوحدة والكثرة كلتيهما يف نفس االمر وحتقيق أن فناء السالك مع وجود الثبات
واالستقرار أبي معىن يكون وهذا املكتوب بقي غري اتم بواسطة حوادث االايم}
اعلم أن مرتبة الوهم عبارة عن مرتبة يكون فيها ظهور بال وجود كما ان صورة زيد
مثال اذا كانت متومهة يف املرآة ف هناك ظهور بال وجود النه ال صورة يف املرآة أصال وليس
هلا ثبوت فيها غري الظهور الومهي وقد الح ابلكشف الصحيح والشهود الصادق أن احلق
سبحانه خلق العامل من كمال اقتداره يف تلك املرتبة واعطاه بصنعه الكامل ظهورا حمضا
وان كان يف تلك املرتبة ظهورا بال كون ووجود ولكن ملا صار العامل خملوقا يف تلك املرتبة
- 1107 -
كان ظهورا مع وجود فان اجياده تعاىل يكون مثبتا و موجدا وملا كان ظهورا مع وجود
كان يف مرتبة نفس االمر وترتبت عليه أحكام وآاثر صادقة ومرتبة الوهم هذه وراء مرتبة
العلم واخلارج ومشاهبتها ومناسبتها مبرتبة اخلارج أزيد من مناسبة مرتبة العلم هبا وثبوهتا
شبيه بثبوت خارجي خبالف الثبوت العلمي الذي يقال له وجودا ذهنيا فانه يف الطرف
املقابل للوجود اخلارجي والظهور الذي هو يف مرتبة الوهم له أيضا شبه اتم ابلظهور
اخلارجي خبالف مرتبة العلم فان هناك بطوان وكموان وكأنه وقع يف مرتبة الوهم ظل من
مرتبة اخلارج فاوجد العامل فيها بظل اخلارج فال يكون يف نفس اخلارج موجود غري الذات
االحدية و يكون العامل مع هذا التعدد والتكثر موجودا يف ظل اخلارج ابجياد هللا تعاىل
بوجود ظلي ويف خارج نفس االمر وحدة ويف ظل خارج نفس االمر كثرة كما أن املطابق
لنفس االمر يف العلم أيضا كثرة فتكون الوحدة والكثرة كلتامها يف نفس االمر و يكون
لكل منهما اعتبار على حدة وال حمذور فيه كما ان هذا اخلارج والوجود للعامل ظليان
كذلك سائر صفاته من احلياة والعلم والقدرة وغريها أيضا ظالل صفات الواجب جل
سلطانه بل النفس االمر الذي يثبت يف اثبات العامل أيضا ظل نفس االمر الكائن يف
مرتبة اخلارج {شعر}:
ما جئت من بييت بشئ أوال * ومنحتين ما يب واين بعض ذا
قال هللا تعاىل وتقدس امل تر اىل ربك كيف مد الظل (فان قيل) انك كتبت يف
رسائلك أن ما يف الظل كله من االصل وليس يف يد الظل شئ غري محل اماانت االصل
فاذا رد السالك املستعد مجيع ما يف يده من اخلري والكمال والوجود وتوابع الوجود حبكم
الظلية اىل أصله ووجد نفسه خاليا من مجيع الكماالت يصري متحققا ابلفناء
واالضمحالل ابلضرورة وال يبقى منه اسم وال رسم فما حاصل هذا الكالم وما معن رد
الكماالت اىل االصل وابي اعتبار يكون فناء السالك واضمحالله مع وجود ثباته
واستقراره (قلت) ان هذا الفناء يشبه حال شخص لبس أثواب العارية ويعلم أهنا ليس له
بل لغريه وامنا لبسها بطريق العارية فاذا غلبت هذه الرؤية واستولت استيالء اتما ميكن ان
- 1108 -
يعطي تلك االثواب مع وجود التلبس هبا لصاحبها وجيد نفسه عرايان حت ينفعل
ويستحي من جلسائه بسبب عريه من الثياب وجير نفسه اىل زاوية وحيث ان السالك
صار خملوقا يف مرتبة التوهم والتخيل يكفيه الفناء التخيلي أيضا فان استيالء هذا التخيل
يوصله اىل اليقني القليب وجيعله ذوقيا وجدانيا فيوجد ما هو املقصود من الفناء
واالضمحالل الن املقصود من الفناء زوال التعلق ابلظل وحصول التعلق ابالصل وملا
صار رجوع الظل اىل االصل يقينا وذوقيا ووجدانيا زال التعلق ابلظل ابلضرورة وجاء
مكانه التعلق ابالصل فلو مل حيصل هذا التخيل ملا تيسر دولة زوال التعلق ابلظل بل مدار
سلوك هذا الطريق عل ى التوهم والتخيل واالحوال واملواجيد اليت هي املعاين اجلزئية يف هذا
الطريق امنا تدرك ابلوهم والتجليات والتلوينات امنا تشاهد للسالكني يف مرآة اخليال فلوال
الوهم لقصر الفهم ولوال اخليال السترت احلال مل يوجد يف هذا الطريق شئ انفع من الوهم
واخليال وجاء أكثر ادراكهما وانكشافهما مطابقا للواقع والذي يقطع مسافة مخسني ألف
سنة كائنة بني العبد والرب يف مدة قليلة بكرم هللا تعاىل ويوصل العبد اىل درجات عالية
هو الوهم والذي جيعل دقائق غيب الغيب واسراره منكشفة يف مرآته ويطلع السالك
املستعد عليها هو اخليال ومن شرافة الوهم اختار احلق سبحانه خلق العامل يف تلك املرتبة
وجعلها حمال لظهور كماالته ومن جاللة اخليال جعله هللا امنوذجا لعامل املثال الذي هو
اوسع مجيع العوامل حت قالوا بوجود صورة فيه ملرتبة الوجود ايضا وحكموا ابن هللا سبحانه
ليس له مثل ولكن له مثال وهلل املثل االعلى والذي حيسه العارف يف مرآة خياله ويرتقي
بذوق وجدانه هو صور االحكام الوجوبية (فان قيل) قد اتضح من التحقيق السابق أن
الفناء ابعتبار التخيل وان كان موصال اىل يقني قليب وجعله ذوقيا ووجدانيا وترتبت عليه
أحكام صادقة ال ابعتبار التحقق وأنت بنفسك كتبت يف بعض رسائلك ان هذا الفناء
ابعتبار الوجود وانه زوال العني واالثر فما حقيقة هذه املعاملة (قلت) ملا كان رجوع وجود
الظل اىل االصل يقينيا وذوقيا ووجدانيا حكم بزوال الوجود ايضا ابلضرورة وقيل ابرتفاع
العني واالثر (فان قيل) ان هذا احلكم ابلفناء الوجودي مع ثبوت الفاين واستقراره هل هو
- 1109 -
صادق أو كاذب.
{املكتوب العاشر واملائة اىل املخدوم زاده حممد معصوم أيضاً سلمه هللا يف
بيان ان معاملة العارف تبلغ مبلغا ال حتصل فيه صورة معلوم أصال فحينئذ تكون له
كل ذرة من الذرات طريقا سلطانيا اىل املطلوب وبيان ان حب مثل هذا العارف
ينجر اىل حب احلق وبغضه اىل بغضه سبحانه وهكذا حكم تعظيم آل النيب صلّى هللا
عليه و سلّم واهانتهم ابلنسبة اليه صلّى هللا عليه و سلّم وهذه املعارف نقلت
ابملعىن}
اذا بلغ العارف معاملته اىل االصل بعد طي مقامات الظل يكون حينئذ علمه
املتعلق ابالشياء مربأ من قيد الظلية يعين تكون االشياء معلومة له من غري أن حيصل فيه
منها شئ فانه كلما حصل فيه شئ يكون ظل ذلك الشئ يف العقل وصورته ال عني ذلك
الشئ كما قيل يف تعريف العلم هو حصول صورة الشئ يف العقل ال شك ان الصور
احلاصلة من الشئ يف العقل شبح ومثال لذلك الشئ ال عينه كما يشهد به الكشف
الصريح وا الهلام الصحيح فحينئذ ال يثبت هذا العارف للعامل نسبة ابحلق سبحانه سوى
نسبة الصانعية واملصنوعية و يتحاشى من القول ابلظلية والعينية واملرآتية وهذه املعاملة
مربوطة ابلكماالت الذاتية فان للذات غنا ذاتيا عن العامل ان هللا لغين عن العاملني خبالف
بعض مراتب االمساء والصفات فان هذه النسبة متصورة فيها فما مل يتعد العارف من تلك
املقامات ومل يصل اىل أصل االصل ليس له نصيب من هذه النسبة وكل ذرة من الذرات
تكون للعارف يف هذا املقام طريقا سلطانيا اىل جناب قدس احلق جل شأنه خبالف العلم
احلصويل فان العامل يف تلك الصورة جيذب كل شئ اىل جانب نفسه ويصري بنفسه مرآة
جلميع االشياء وكذلك يف صورة الظلية واملرآتية جيذب كل شئ صاحب ذلك العلم اىل
نفسه وال يرتك نظر بصريته ينفذ اىل ما وراءه فاذا ختلص بكرم هللا سبحانه عن قيد
حصول الظلية تصري له كل ذرة من ذرات املوجودات عرضا كانت أو جوهرا آفاقية كانت
- 1110 -
أو أنفسية ابب غيب الغيب (ينبغي) أن يعلم أن ذلك الشخص كما انه كان سابقا مرآة
جلميع االشياء وكلما فعل فعله الجل نفسه وكلما صدر عنه كان راجعا اليه ابلضرورة
نوى او مل ينو وملا منع اآلن مرآة نفسه عن املرآتية وامتنع من التقيد ابلظل وصار مثل
صندوق الرحي كلما يلقي فيه ال يبقى فال جرم كلما يفعل ال يفعله لنفسه بل يفعله
الجل احلق سبحانه نوى أو مل ينو فان النية امنا هي يف أمر حمتمل ال يف أمر متيقن
فحينئذ ينجر حب هذا العارف اىل حبه تعاىل وبغضه اىل بغضه سبحانه وكذلك تعظيمه
وتوقريه تعظيم وتوقري للحق سبحانه واهانته واساءة االدب معه تنجر اىل اهانة هللا
سبحانه واساءة األدب معه وكانت هذه النسبة الصحاب النيب صلّى هللا عليه و سلّم
معه صلّى هللا عليه و سلّم على تفاوت درجاهتم حيث ان حبهم وبعضهم مثمران حلبه
وبعضه صلّى هللا عليه و سلّم قال عليه الصالة و السالم من احبهم فبحيب أحبهم ومن
أبغضهم فببغضي أبغضهم وهذه النسبة أيضا اثبتة يف آل النيب معه صلّى هللا عليه و سلّم
ولكن ظهور هذه النسبة يف علي املرتضى وفاطمة الزهراء واحلسنني رضي هللا عنهم أمت
ويشاهد سرايتها يف بقية االئمة االثين عشر ايضا وال حيس هذه النسبة فيما وراءهم و
السالم.
{املكتوب احلادي عشر واملائة اىل الشيخ نور حممد التهاري يف بيان بعض
االسرار املتعلقة مبقام قاب قوسني أو أدىن وبيان سر عدم وجدان العارف الكامل
مشاله وهذه املعارف أيضا منقولة ابملعىن}
اعلم ان يف معاملة قاب قوسني يف الظاهر لوان من املظهر وذلك لعدم حصول
ذهاب العني واالثر من السالك للسالك خبالف معاملة أو ادىن فانه ال يبقى فيها حكم
وال اثر من املظهر أصال فيكون املظهر يف هذه املرتبة الثانية أمرا مستفادا من مرتبة
الوجوب ابلضرورة وهو خلق للعارف خاص به اعطيه بعد امتام معاملة االصل وميكن ان
يعرب عنه ابفاضة الصورة ا يضا وهذا سر غامض جدا ولعل تفصيله يثبت يف موضع آخر
- 1111 -
ان شاء هللا تعاىل فيكون املظهر يف هذه املعاملة امرا مل يتطرق اليه رائحة من العدم وليس
لشائبة االمكان فيه جمال فلو اثبتنا انفعاال يف تلك املرتبة يكون ذلك من نفسه لنفسه ال
من الغري فانه مل يبق فيها رسم من الغري {شعر}:
ولوجهه من وجهه قمر * ولعينه من عينه كحل
وان كان االنفعال الذي يثبت يف مرتبة قاب قوسني ايضا حقا والظهور فيها ظهور
االصل ولكنه ليس خاليا من شائبة الظلية والئقا بتلك املرتبة العليا واالنفعال الذي يليق
بتلك املرتبة املقدسة هو ما ال يكون لرائحة الظلية اليه سبيل وال يكون للغري مدخل يف
البني بوجه من الوجوه فان الغري غري خال عن لوث العدم ونقص االمكان فلو كانت
انفعاالت مراتب الظالل لذلك لساغ فيما هنالك (ينبغي) ان يعلم أن يف معاملة او ادىن
الذي ذكرت مشة منها ال جيد العارف الكامل مشاله وسره ان مشاله اخذ حكم اليمني الن
الشمال كان من مقتضيات العدم فلما زالت احكام العدم ما بقي اال الوجود الصرف
وليس مثة مشال بل كلتا يديه سبحانه ميني فافهم وال تقع يف الزندقة فاذا عرفت هذه
االسرار الغامضة واملعارف الغريبة فامسع قال هللا تعاىل مث دىن فتدىل اعلم ان حتقيق هذا
الدنو بعد حتقيق اسرار او ادىن الذي ذكر فيما سبق فانه ما بقي حكم واثر يف العارف
ومل يتربأ من لوث العدم ليست له لياقة هبذا الدنو وبعد حتقق هذا الدنو تدل وهو متوجه
اىل النزول فاذا حتقق التديل ورجع العارف اىل اخللق فحينئذ تظهر صورة قوسني وان مل
يبق من القوس االول اثر وحكم ولكن ملا تشرف ابلتديل يتوهم يف ذلك الوقت صورة
القوسني وامنا قال[ ]1بعد التديل فكان قاب قوسني ابعتبار ان الثابت حينئذ صورة
القوسني ال حقيقتهما أو أدىن بل ادىن اذ ما بقي من القوس الثاين هناك اثر وال حكم
فليس قوسني ههنا حقيقة وهذه املعارف من اسرار هللا سبحانه يظهرها على أخص
اخلواص من عباده و السالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله
( )1مقول القول وكان قاب قوسني يعين وامنا قال هللا تعاىل يف القرآن العظيم يف حق نبيه الكرمي فكان قاب قوسني بعد
حتقق التديل حيث قال قبله مث دىن فتدىل ابعتبار اخل عفي عنه.
- 1112 -
{املكتوب الثاين عشر واملائة اىل القاضي اسلم يف بيان ان صفاته تعاىل ال عني
ذاته سبحانه وال غري ذاته}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ما أحسن ما قال علماء اهل السنة
شكر هللا تعاىل سعيهم من ان الصفات الثمانية احلقيقية لواجب الوجود ال هو وال غريه
وهذه املعرفة وراء طور العقل وامنا وجدوها بنور الفراسة وبربكة متابعة االنبياء عليهم
الصالة و السالم وارابب املعقول يفهمون من هذه العبارة ارتفاع النقيضني ومل يعلموا ان
احتاد املكان والزمان من شروط حصول التناقض فاذا مل يكن للزمان واملكان جمال يف تلك
احلضرة كيف يتصور فيها التناقض وما تصرف العلماء يف لفظ الغري لدفع التناقض وأرادوا
ابلغري معن خاصا ال حاجة اليه اصال بل النظر الكشفي مينع هذا التخصيص ويثبت
نفي الغريية ابي معن كانت وجند ان صفاته تعاىل كما اهنا ليست عني ذاته االقدس بل
زائدة ليست غري ذاته ايضا ولو كانت زائدة وثبتت نسبة االثنينية بينها وبني الذات وقد
ختلف هنا القضية املقررة لدى ارابب املعقول من ان االثنني متغايران ونقضت اصوهلم وما
قلتم من انه وراء طور العقل مبعن ان العقل ال يهتدي اليه قاصر عن ادراكه ال انه حيكم
خبالفه كيف حيكم خبالفه وهو مل يتصوره بعد بل هو خارج عن حيطة ادراكه فكيف
يتصور حكمه ابثباته ونفيه ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيئ لنا من امران رشدا.
{املكتوب الثالث عشر واملائة اىل املال سلطان السرهندي يف بيان ان صفاته
تعاىل متصفة ابحلياة والعلم وسائر الكماالت ويف حتقيق معىن قيام الصفات بذاته جل
سلطانه}
اعلم ان صفات واجب الوجود اليت هي قائمة بذاته سبحانه مثل احلياة والقدرة
والعلم وغريها ال مناسبة هلا من كمال التقدس والتنزه بصفات املمكن اصال فان صفات
- 1113 -
املمكن أعراض قائمة ابجلواهر وصفات الواجب جل سلطانه مقومات اجلواهر فان قيام
اجلواهر امنا هو هبا وأيضا ان صفات املمكن مجاد حمض حكمها حكم امليت ليس هلا
نصيب من احلياة والعلم وغريمها ولكن املمكن يصري بتوسطها حيا وعاملا وقادرا واما هي
انفسها فليست حبية وال عاملة وال قادرة خبالف صفات واجب الوجود تعاىل وتقدس فاهنا
يف نظر هذا احلقري الكشفي حية عاملة كموصوفها ومدركة لكماالهتا املندرجة فيها
ومشغوفة هبا ولكن علمها يفهم من قبيل العلم احلضوري ال العلم احلصويل وكذلك كل
صفة وشأن تثبت يف مرتبة الوجوب تنكشف كلها بثبوت احلياة والعلم هلا تظهر يف النظر
نورا صرفا وكأن ذلك النور بتمامه حياة وبتمامه علم وانكشاف وهااتن الصفتان
الكاملتان بينتان وواضحتان هناك خبالف صفات اخر من القدرة واالرادة وغريمها فاهنا ال
تنكشف هناك هبذا الوضوح نعم ان ما هو الالزم يف ذلك املوطن هو انكشاف
الكماالت وهو متعلق بصفة العلم وملا كان العلم اتبعا للحياة البد من صفة احلياة ايضا
والقدرة واالرادة مربوطتان ابملقدور واملراد وميكن االكتفاء من السمع والبصر ابلعلم
واملقصود من الكالم هو االفادة والتكوين امنا هو للمكوانت ومع ذلك ملا كانت كل
صفة جامعة كانت هذه الصفات الكاملة فيها اثبتة ظهرت أو مل تظهر (ال يقال) يلزم
من هذا البيان قيام املعن ابملعن فان الصفات اذا كانت حية وعاملة البد من قيام احلياة
والعلم هبا (الان نقول) كلتامها قائمتان بذات الواجب تعاىل إحدامها ابالصالة واألخرى
ابلتبعية كما قال العلماء يف بقاء االعراض ان العرض وبقاء العرض كليهما قائمان مبحمل
العرض (وحتقيق) هذا املبحث ان قيام صفات الواجب بذاته االقدس ليس هو كقيام
العرض ابجلوهر كال بل هو شبيه بقيام املصنوع ابلصانع فان الصانع قيوم املصنوع وان
كان هناك اتصاف وفقد ذلك االتصاف هناال بل هو كقيام الشئ بذاته وامنا الفرق ان
هناك زايدة والزايدة غري متصورة هنا ولكن تلك الزايدة غري موصلة اىل حد الغريية فاهنم
قالوا وال غريه فكان التغاير االعتباري اثبتا يف املوضعني والقيام متحققا وحصول
االتصاف هنا من قبيل اتصاف االنسان ابالنسانية واتصاف اجلوهرية ابجلوهر بل اقول
- 1114 -
ان مرتبة الذات االقدس والصفات احلقيقية املقدسة القائمة هبا ليست فيها مالحظة
الصفات واالتصاف أصال ال يف حضرة الذات مالحظة املوصوفية وال يف الصفات
مالحظة الصفاتية فاذا مل يكن للوجود ووجوب الوجود جمال يف تلك احلضرة كيف يكون
للصفة واال تصاف فيها جمال فاهنا فرع الوجود ال جمال يف ذلك املوطن املقدس لشئ غري
النور وهو أيضا الكيفي فان كان فيه حياة فهو نور وان كان علم فهو أيضا نور و على
هذا القياس فلو اثبت هلذا النور االقدس الالكيفي ظهور يف مرتبة اثنية بال تغري وانتقال ال
يكون القابل ملظهريته شئ غري الوجود وهلذا كان التعني االول عند هذا احلقري هو التعني
الوجودي وسائر التعينات اتبعة هلذا التعني االول وان مل يكن الطالق لفظ التعني ههنا
جمال مبقتضى علوم هذا الفقري ولكن ملا صار هذا اللفظ متعارفا فيما بني القوم حنن أيضا
جرينا على اصطالحاهتم واخرتان املساهلة يف اطالقه ربنا أمتم لنا نوران واغفر لنا انك على
شئ قدير.
{املكتوب الرابع عشر واملائة اىل حممد هاشم الكشمي يف حتقيق صفات
الواجب تعاىل وبيان كيفية تعلق علمه تعاىل بكماالته وبيان انه البد للمعىن من القيام
ابلعني ولكن ال حيتاج فيه اىل اثبات احملل وبيان التعني الوجودي ومبادئ تعينات
االنبياء املتبوعني واالنبياء التابعني واملالئكة الكرام على االنبياء وعليهم الصالة و
السالم ومبادئ تعينات االولياء وعوام املؤمنني والكفار وموجودات النشأة االخروية}
ان الصفات احلقيقية اليت نثبتها يف مرتبة حضرة الذات ال حيدث من ذلك االثبات
تعني وال تنزل يف تلك احلضرة تعالت وتقدست وال تثبت مرتبة أخرى وراء املرتبة األوىل
وال يتصور انفكاكها منها بوجه من الوجوه وما مل تتحقق مرتبة اثنية ومل حيصل انفكاك
بوجه من الوجوه ال يتصور تعني وال تنزل وكأن حضرة الذات والصفات يف مرتبة واحدة
وكأن الصفات مع وجود الزايدة عني الذات تعالت وتقدست وهذه الصفات وان كانت
تفصيل الكماالت املندرجة يف حضرة الذات ولكن حكمها ممتاز عن حكم سائر
- 1115 -
االمجال والتفصيل فان االمجال امنا يكون يف مرتبة ليس فيها تفصيل بل مرتبة التفصيل
دون مرتبة االمجال وهذا املعن مفقود يف تلك احلضرة فان التفصيل فيها يف عني مرتبة
االمجال وهذه املعرفة وراء طور العقل وامنا اهتدى اليه النظر الكشفي وعلم الواجب الذي
تعلق هبذه الصفات يف تلك املرتبة كعلمه بذاته وبكماالته املندرجة يف ذاته علم حضوري
وهذه الصفات مع وجود زايدهتا عني العامل وحضورمها كحضور نفس العامل ومن كمال
احتادمها حبضرة الذات قال جم غفري من الصوفية بعينية الصفات ابلذات وانكروا على
زايدة الصفات ومنعوا قوهلم ال هو وأثبتوا قوهلم ال غريه والكمال هو أن يثبت ال غريه مع
وجود التصديق بال هو وان يسلب الغريية مع وجود الزايدة وهذا الكمال موافق لعلوم
االنبياء عليهم الصلوات و التسليمات ومطابق آلراء الفرقة الناجية أهل السنة واجلماعة
شكر هللا سعيهم (ينبغي) ان يعلم ان االنكشاف الذايت يف املرتبة اليت يتعلق حبضرة الذات
والصفات املقدسة من قبيل العلم احلضوري فان للصفات املقدسة ايضا حكم حضرة
الذات كما مر وامنا قلت انه من قبيل العلم احلضوري فان العلم احلضوري عبارة عن
حضور نفس العامل وحيث ان الصفات ليست عني العامل ينبغي ان ال يكون علمها علما
حضوراي ولكن ملا مل تنتزع منها صورة وحضور أنفسها كائن كان علمها من قبيل العلم
احلضوري واالنكشاف الذي يتعلق بصفة العلم من قبيل العلم احلصويل وامنا قلت من
قبيل العلم احلصويل فان العلم احلصويل عبارة عن صورة حاصلة من املعلوم يف العقل وقد
صار حمققا عند هذا الفقري ومكشوفا انه ال انتقاش لصورة شئ من االشياء يف علم
الواجب جل سلطانه وان علمه تعاىل ليس حمال لصورة من صور املعلومات فكيف يتصور
حصول الصورة يف ذات العامل تعاىل بل لعلمه سبحانه تعلق مبعلوم وانكشافه له تعاىل من
غري ان تثبت صورة من معلوم يف العلم وموطن العلم خال من النقوش ومصفى من الصور
العلمية ومع ذلك ال يعزب عن علمه مثقال ذرة يف االرض وال يف السماء ولكن يكون
مكشوفا أن علمه تعاىل اذا تعلق مبعلوم تنتزع منه بسبب هذا التعلق صورة تقوم بعلمه
تعاىل من غري ان حيدث يف العلم شئ من احللول واحلصول فلما انتزع من املعلوم بسبب
- 1116 -
التعلق صورة وقامت ابلعلم بل ابلعامل صح كونه من قبيل العلم احلصويل فاذا تعلقت صفة
العلم بكماالته املندرجة يف ذاته تعاىل تنتزع هبذا التعلق من تلك الكماالت صور علمية
وتقوم ابلعلم وان مل يثبت حلوهلا وحصوهلا يف العلم (فان قيل) قد اثبت هلذه الصور
العلمية قياما بصفة العلم ولكن مل يعلم ما حمل ثبوت هذه الصور فان املعن كما أنه ال بد
له من القيام ابلعني البد له من حملية العني أيضا (قلت) نعم البد للمعن من القيام
ابلعني ولكن ال حاجة اىل اثبات احملل له أصال فان املقصود من اثبات احملل للمعن امنا
هو اثبات قيامه ال انه امر زائد على القيام فاذا قيل يف اجلواهر اجملردة املمكنة اليت هي
كالظالل لتلك الصور العلمية وتلك الصور مبادئ تعينات تلك اجلواهر اهنا مل يثبت هلا
حمل وال مكان بل ال حاجة اليه أصال فال جمال للتعجب ان مل يكن الصول تلك اجلواهر
اجملردة حمل اايك وتصور هذه الصور العلمية كاالعراض اليت تقوم ابلغري فيذهب بك الوهم
يف اثبات احملال هلا على قياس االعراض فان هذه الصور العلمية اصول تلك اجلواهر اليت
هبا تقوم االعراض بل مبادئ تعيناهتا فكيف تقاس هي على االعراض بل نقول يف
االعراض أيضا أن املقصود من اثبات احملل هلا امنا هو الثبات قيامها ابحملل ال ان احملل
مقصود ابالستقالل (وحتقيق) ذلك ان هذه الصور العلمية كائنة يف مرتبة الوجوب وال
جمال للمحل وامل كان هناك وال يتصور فيها غري القيام أال ترى ان صفاته تعاىل احلقيقية
قائمة حبضرة ذاته االقدس وال حالية هناك وال حملية وما قالوا من الثبوت الذهين واخلارجي
فامنا هو منقسم عليهما يف مرتبة االمكان فانه ال جمال يف تلك احلضرة للخارج وال للعلم
فاذا مل يكن للوجود في ها جمال كيف يكون للذهين واخلارجي اللذين مها من اقسامه فيها
جمال وكيف يتصور فيها ظرفية العلم واخلارج للوجود فهذه الصور العلمية تكون اثبتة
وقائمة بصفة العلم وال يكون شئ من الثبوت العلمي واخلارجي متحققا فيها بل يكون
اثبتة وقائمة بصفة العلم وال يكون شئ من الثبوت العلمي واخلارجي متحققا فيها بل
يكون الوجود العلمي واخلارجي عارا عليها لكونه من صفات االمكان ومسات احلدوث
فان كل ممكن حادث عندهم والوجود وان كان اثبتا يف مرتبة الوجوب ولكن مل تثبت
- 1117 -
ظرفية العلم واخلارج لذلك الوجود النه ال جمال فيها للظرفية واملظروفية (استمع) استماعا
كامال ان صورة املعلوم عبارة عن نفس العلم فما يكون معن حصوهلا وحلوهلا يف العلم
وقال املتأخرون من الصوفية العلية ان الصور العلمية اليت هي عبارة عن األعيان الثابتة
وحقائق املمكنات ثبوهتا يف العلم فقط ويف خارج العلم مل تصل اليها رائحة من الوجود
ولكن ملا وقعت عكوس تلك الصور العلمية يف مرآة ظاهر الوجود الذي ال موجود يف
اخلارج غريه صارت تتوهم أهنا موجودة يف اخلارج كما ان الصورة اذا انعكست يف املرآة
تتوهم اهنا يف املرآة فيا ليت شعري ما مراد هؤالء الكرباء وما معن حصول الصور يف العلم
وما الصور يف الشاهد االنفس العلم ويف الغائب علمه تعاىل أزيل قدمي بسيط وحداين
تعلق مبعلومات متكثرة حصلت من تعلقه صور متعددة متميزة لتلك املعلومات من غري
أن يثبت حصوهلا وحلوهلا يف ذلك العلم االزيل كيف حتصل الصور املتعددة فيه وهو
يستلزم التبعض واالنقسام للمحل وفرض شئ فيه غري شئ وهو يوجب الرتكيب املنايف
للقدم واالزلية (والعجب) ان أرابب املعقول اثبتوا الصورة احلاصلة من املعلوم يف الذهن
واعتقدوا حلوهلا يف الذهن ال يف العلم فان تلك الصورة عندهم عني العلم ال اهنا حالة يف
العلم واملتبادر من عبارة متأخري الصوفية حصول تلك الصورة يف العلم الذي يقولون له
ابطن الوجود وهو سبحانه اعلم (ينبغي) أن يعلم ان تلك الصور العلمية اليت ثبتت من
تعلق صفة العلم بكماالته تعاىل الذاتية تلوح يف النظر الكشفي ان هلا حياة وعلما
واالنكشاف املناسب للعلم احلضوري ابلنسبة اىل الكماالت املندرجة فيها اثبت هلا كما
بينا حتقيق هذا املبحث يف مكتوب ابلتفصيل فاذا بقي خفاء من غرابة هذه املعرفة
واحتيج اىل االستكشاف واالستفسار فلرياجع هناك فاذا اتضح من البيان السابق ان ذاته
تعاىل االقدس وصفاته املقدسة يف مرتبة واحدة وانه مل حتدث يف تلك احلضرة من كون
وجود الصفات زائدا على وجود الذات تنزل وتعني أصال فاعلم ان هلذه املرتبة املقدسة
اليت هي مرتبة حضرة الذات مع الصفات ظهورا اوال يف مرتبة اثنية بال تبديل وال تغيري
وهو عند هذا احلقري على وجه الكشف والشهود حضرة الوجود الذي هو خري حمض
- 1118 -
وكمال صرف وفيه قابلية ظهور مجيع الكماالت بطريق الظلية وهذه الدولة مل تتيسر لغري
الوجود وهلذا لو تعلق هبذه املرتبة املقدسة علم وانتزعت كماالهتا كما مر يكون أول شئ
ينتزع من تلك احلضرة حضرة الوجود ألبتة والكماالت اآلخر تكون توابعه ومن ههنا
اعتقد اجلم الغفري من الصوفية وغريهم ان الوجود عني الذات وظنوا تعني الوجود ال تعينا
وثبوت هذا التعني االسبق ما وراء العلم واخلارج كما بني حتقيق هذا املعن يف مواضع
متعددة وحضرة الوجود هذا جامع جلميع الكماالت الذاتية والصفاتية بطرق الظلية امجاال
وهلذه املرتبة اجلامعة االمجالية تفصيل ميكن ان يقال له تعينا اثنواي واول شئ ظهر يف
مرتب ة التفصيل صفة احلياة اليت هي أم مجيع الصفات وصفة احلياة هذه كاهنا ظل صفة
احلياة اليت يف مرتبة حضرة الذات تعالت وال هو وال غريه صادق يف حقها خبالف هذا
الظل فانه ملا ظهر يف مرتبة وراء مرتبة حضرة الذات ال يكون ال غريه اثبتا يف حقه ألبتة
بل يكون متسما بسمة الغريية وبعد صفات احلياة صفة العلم بطريق الظلية كما مر يف
صفة احلياة وهذه الصفة جامعة جلميع الصفات وصفة القدرة واالرادة وغريمها مع وجود
استقالهلا كاالجزاء هلا فان هلذه الصفة نوع احتاد حبضرة الذات وليس ذلك االحتاد لغريمها
الن يف صورة العلم احلضوري احتاد العامل واملعلوم والقدرة مل تتحد ابملقدور والقادر قط
وهذا االحتاد ليس هو أيضا يف االرادة اليت هي ختصيص أحد املقدورين و على هذا
القياس وعند هذا احلقري مبدأ تعني اخلليل على نبينا وعليه الصالة و السالم التعني االول
الذي هو التعني الوجودي ومركز هذا التعني الذي هو اشرف اجزائه مبدأ لتعني خامت
الرسل عليه و على آله الصالة و السالم ابالصالة كما ذكر حتقيق هذا املبحث يف
مكتوب ابلتفصيل وحيث ان والية اخلليل عليه السالم والية اسرافيلية يكون مبدأ تعني
اسرافيل عليه السالم هو هذا التعني الوجودي ألبتة ومبدأ تعني كل نيب ورسول ابالصالة
حصة من حصص هذا التعني االول الوجودي فلو كان لشخص من االمم نصيب من
هذا التعني الوجودي بربكة متابعته لالنبياء عليهم الصالة و السالم وكانت حصة من
حصص ذلك التعني أو نقطة من نقطه مبدأ تعينه فهو جموز بل واقع وما مل يكن يف هذا
- 1119 -
التعني مبدأ تعني ال يكون للوصول اىل حضرة الذات ابالصالة جمال ومبادئ تعينات
املالئكة العلية الذين هم مقربوا حضرة الذات أيضا يف هذا التعني الوجودي فان الوصول
اىل حضرة الذات مربوط به (ينبغي) ان يعلم ان صفة العلم اليت ظهرت يف مرتبة تفصيل
التعني الوجودي وان كانت حصة من حصص ذلك التعني الوجودي ولكن ملا كانت هلا
جامعية صارت كأهنا نفس الوجود جامعة جلميع حصص ذلك التعني وهلا أيضا امجال
وتفصيل واالمجال له حكم مركز الدائرة والتفصيل له حكم احمليط فمركز هذا التعني
العلمي الذي هو امجال كأنه ظل مركز ذلك التعني االول الوجودي وهبذا العالقة تيقن
مجاعة ان مبدأ تعني خامت الرسل على نبينا وعليه الصالة و السالم امجال حضرة العلم
وليس كذلك بل هذا االمجال ظل مبدأ تعينه عليه و على آله الصالة و السالم الذي هو
مركز التعني االول الوجودي كما مر وأيضا اعتقدوا امجال العلم هذا تعينا أوال واعتقدوا
املرتبة الفوقانية ال تعينا وظنوها عني حضرة الوجود نعم اهنا عني الوجود ولكنها منسوبة
اىل التعني كما مر (ال خيفي) ان التعني االول وان كانت حصصه املندرجة فيه مبادئ
تعينات االنبياء الكرام واملالئكة العليني العظام عليهم الصالة و السالم ولكن ملا كان
االمجال كائنا يف تلك املرتبة ال يعلم مبادئ كل منهم ابلتفصيل على حدة وال تكون
مسماة ابسم وملا عرض التفصيل عليها صارت مبادئ كل متميزة وصار كل مبدأ مسمى
ابسم على حدة مثال حصة من ذلك التعني االول الوجودي مسيت ابسم احلياة وحصة
أخرى ابسم العلم على هذا القياس وصار مشهودا ان اسم احلياة ابعتبار جامعيتها مبدأ
لتعني املالئكة العليني العظام عليهم السالم وملا كان لروح هللا على نبينا وعليه الصالة و
السالم مناسبة ابملل االعلى كان له نصيب من هذا املقام وحيث ان للمهدي عليه
الرضوان مناسبة خاصة بروح هللا فهو أيضا راج من هذا املقام (ينبغي) ان يعلم ان كل
واحد من ال صفات الثمانية اليت عرض هلا التفصيل يف مرتبة التعني الثاين مبدأ لكل نيب
ذي شأن مقتدا به فالعلم مثال مبدأ تعني خامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم
والقدرة مبدأ تعني عيسى عليه السالم والتكوين مبدأ تعني آدم عليه السالم وجزئيات
- 1120 -
هذه االمساء الكلية املقدسة مبادئ تعينات سائر االنبياء عليهم الصالة و السالم فكل
طائفة من هؤالء الكرباء هلا مناسبة ابسم خاص وبنيب مقتدى به كان جزئيات ذلك
االسم مبادئ تعيناهتم ومبادئ تعينات االولياء الذين هم على قدم نيب من االنبياء
املقتدى هبم عليهم الصالة و السالم جزئيات جلزئيات االسم الذي هو مبدأ لتعني ذلك
النيب عليه السالم وكذلك تعني سائر املؤمنني جزئيات جلزئيات االسم الذي هو مبدأ
لتعني نيب كان هؤالء على قدمه ومبادئ تعينات الكفار متعلقة ابسم املضل وممتازة من
التعينات املذكورة (فاذا علمت) مبادئ تعينات املمكنات فاعلم ان متامية دائرة الوجوب
ابنتهاء هذه التعينات اىل منتهاها والشروع بعد ذلك يف دائرة املمكنات وملا أراد احلق
سبحانه من كمال كرمه واحسانه ان يفيض فيوضاته وانعاماته على الغري وان ينشر خزائنه
شيئ
خلق اخللق ووهب هلم من كماالت وجوده وتوابعه من غري ان ينفك من هناك ٌ
ويلحق هنا فان ذلك من مسات النقص تعاىل هللا عن ذلك علوا كبريا واملقصود من اخللق
افاضة االنعام واالحسان عليهم ال تكميل الكماالت االمسائية والصفاتية وتتميمها
ابلتوصل هبم حاشاه سبحانه من ذلك وكال فان صفاته تعاىل كاملة يف حد ذاهتا ال
احتياج هلا اىل ظهور ومظهر أصال وكل كمال حاصل يف تلك احلضرة جل شأهنا ابلفعل
ال ابلقوة حت يكون حصوله مربوطا أبمر فان كان يف حضرته سبحانه شهود ومشاهدة
فهما من نفسه لنفسه تعاىل وان كان علم ومعلوم فهو سبحانه بنفسه عامل وبنفسه معلوم
وكذلك هو سبحانه متكلم يف نفسه وسامع بنفسه ومجيع الكماالت مفصلة هناك
ومتميزة لكن بعنوان الالكيفية فانه ال سبيل للكيفي اىل الالكيفي وما هو اخللق حت
يكون مرآة لكماالته سبحانه {ع}:
يف أي مرآة يكون مصورا
وما يكون العامل حت يفصل ذلك االمجال وحضرته سبحانه تفصيل يف عني
االمجال ووسعة يف عني الضيق وملا كان التفصيل والوسعة هناك الكيفيني يتوهم ان
االمجال ال بد له من التفصيل وهو مربوط خبلق العامل وان تكميل ذلك االمجال هبذا
- 1121 -
التفصيل واحلق ان هناك امجاال وتفصيال كما مر وهللا واسع عليم (ينبغي) ان يعلم ان
خلق هذا العامل واقع يف مرتبة ال مزامحة بينها وبني تلك املرتبة املقدسة أصال وال مدافعة
ووجود أحد املوجودين وان كان مقتضيا لتحديد وجود اآلخر لكن هذه القاعدة مفقودة
هنا فان وجود العامل مل حيدث حتديدا وال هناية لذلك الوجود االقدس ومل يثبت فيه نسبة
وال جهة أصال أال ترى ان صورة زيد املتومهة يف املرآة ثبوهتا كائن يف مرتبة ال مزامحة بني
هذا الثبوت وثبوت زيد الذي هو اصل تلك الصورة اصال وال مدافعة وثبوت هذه الصورة
مل حيدث يف ثبوت أصلها حتديدا وال هناية ومل يورث له نسبة أصال وال جهة ووجود العامل
كوجود تلك الصورة كائن يف مرتبة الوهم ال مزامحة بينه وبني أصله املوجود يف اخلارج ومل
حيدث من هذا الثبوت الومهي حتديد وال هناية وال جهة يف االصل وهلل املثل االعلى (وقد
فهم) من هذا التحقيق حقيقة ما قالوا ان العامل اثبت يف مرتبة الوهم يعين ان العامل خلق
يف مرتبة شبيهة مبرتبة الوهم الثابتة للصورة املنعكسة يف املرآة ابلنسبة اىل أصلها الذي هو
موجود يف اخلارج بل ميكن ان يقال ان اطالق الوجود اخلارجي يف تلك املرتبة املقدسة
أيضا من قبيل التشبيه والتنظري فانه ال جمال هناك للخارج فاذا تقاصر الوجود عن تلك
املرتبة االقدس ماذا يكون اخلارج وانه فرعه وقسمه (خامتة حسنة) ان مجيع مبادئ
التعينات املذكورة هذه سواء كان تعينا وجوداي امجاليا أو تفصيليا ابلنسبة اىل ممكنات هذه
النشأة الدنيوية ووجود موجودات هذه النشأة وتشخصاهتا مربوط بتلك املبادئ العالية
واما املوجودات االخروية فقد تشاهد اهنا ليست منوطة بتلك املبادئ املذكورة بل مبادئ
تعيناهتا أمور اخر وتلك األمور عند هذا الفقري كماالت ذاتية مل يصب ذيلها املطهر غبار
من الظلية ومندرجة يف تلك املرتبة االقدس مفصلة ومتميزة يف تلك املرتبة املقدسة
بتفصيل ومتيز الكيفيني وكل واحد من تلك الكماالت املفصلة الذاتية املقدسة مبدأ تعني
موجود من موجودات تلك النشأة األخروية ووجود أهل اجلنة كأنه ال مساس له بتلك
التعينات الوجودية االمجالية والتفصيلية اليت تتعلق ابلنشأة الدنيوية وموجودات تلك النشأة
كأهنا مواجهة لتلك املرتبة املقدسة على عكس موجودات هذه النشأة فاهنا قليلة النصيب
- 1122 -
من املواجهة وماذا أبني من موجودات تلك النشأة الدائمة فان هلا نصيبا وحظا من تلك
املرتبة املقدسة ال ميكن وصفه {ع}:
هنيئا الرابب النعيم نعيمها
{شعر}:
و من بعد هذا ما يدق صفاته * وما كتمه احظى لدى وامجل
ربنا ال تؤاخذان ان نسينا أو أخطأان و السالم على من اتبع اهلدى.
{املكتوب اخلامس عشر واملائة اىل اخلواجه أيب املكارم يف التحريض على
خدمة خلق هللا تعاىل}
رزق هللا سبحانه االستقامة على حد االعتدال ومركز العدالة ومن الدولة العظيمة
جعل هللا سبحانه عبدا خمصوصا ببعض الفضائل واملزااي فيحيل مفتاح حوائج مجاعة من
عباده اىل يد تصرفه وجيعله مالذا وملجأ لتلك اجلماعة ومن نعمه سبحانه جعل مجع من
اخلالئق الذين هم عياله تعاىل مرتبطني به فيفوض تربيتهم اليه والسعيد من يقوم حبمد
هذه الدولة والعاقل من يؤدي شكر هذه النعمة ويعد اخلدمة مبال صاحبه سعادة نفسه
ويعتقد تربية عبيد مواله وامائه شرف رأسه محدا هلل سبحانه على أن أهل تلك البقعة
رطب اللسان بذكره اخلري واجلاري على ألسنتهم أحاديث كرمه ال غري.
{املكتوب السادس عشر واملائة اىل موالان الشيخ غالم حممد يف بيان معىن
قوله تعاىل ان يف ذلك لذكرى اآلية وبيان اعرتاضات أخر}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى (قال الشيخ) االجل قدس سره يف
كتابه العوارف يف الباب الثاين منه يف بيان معن قوله تعاىل ان يف ذلك لذكرى ملن كان
له قلب أو القى السمع وهو شهيد قال الواسطي اي لذكرى لقوم خمصوصني ال لسائر
- 1123 -
الناس وهم الذين قال هللا تعاىل فيهم او من كان ميتا فأحييناه وقال الواسطي أيضا
املشاهدة تذهل واحلجبة تفهم الن هللا تعاىل اذا جتلى لشئ خضع له وخشع قال الشيخ
وهذا الذي قاله الواسطي صحيح يف حق أقوام وهذه اآلية حتكم خبالف هذا االمر القوام
آخرين وهم ارابب التمكني جيمع هلم بني املشاهدة والفهم ال خيفى ان ما قاله الواسطي
اوال يدل على أن الذكرى ال هل التمكني خصوصا الهنم الذين أحياهم هللا بعد املوت اي
ابقاهم بع د الفناء وأهل التلوين الفنآء هلم وال بقاء فال حياة هلم موهوبة اثنية الهنم يف
وسط الطريق والفناء والبقاء من أحوال االنتهاء وقوله الثاين ان ذكره يف بيان اآلية يدل
على ان الذكرى الهل التلوين يف حال االحتجاب واالستتار ال يف وقت املشاهدة
واملكاشفة النه اوان الذ هول فينايف هذا القول قوله االول وان ذكر هذه املعرفة يف توسط
حاله يف موضع آخر ال يف بيان هذه اآلية فال منافاة وال إعرتاض للشيخ قدس سره الن
ما قاله الواسطي صحيح يف أقوام اي الهل التلوين وهذه اآلية حتكم خبالف هذا االمر
لقوم آخرين وهم أرابب التمكني الن الواسطي بني يف معن اآلية ان الذكرى خمصوص
ابرابب التمكني الهنم هم االحياء بعد املوت ال اهل التلوين غاية ما يف الباب أنه ذكر
اثنيا معرفة برأسها يف بيان أحوال اهل التلوين ال تعلق هلا ببيان اآلية فال اعرتاض عليه
ابهنا ختالف حكم اآلية الن اآلية وردت يف حق قوم وهذه املعرفة بيان الحوال قوم آخرين
ولو أن الواسطي مل خيص الذكرى ابهل التمكني اوال وأثبت الذكرى الهل التلوين أيضا يف
حال احتجاهبم بقوله الثاين ملا حصل املنافاة بني قوليه وملا ورد اعرتاض الشيخ عليه
والظاهر عندي أن اآلية الكرمية بيان حال الفريقني فمن كان له قلب هم أرابب القلوب
الذين تلونت احواهلم وهم أصحاب التلوين وقوله تعاىل أو ألقى السمع وهو شهيد بيان
حال اهل التمكني فاهنم القوا مسعهم للفهم يف حال عني الشهود اال ان الذكرى للقوم
االول يف بعض االوقات وللثاين يف مجيع االحوال كما ترى ولو قال الشيخ قدس سره
وهذه اآلية حت كم خبالف هذا االمر لقوم آخرين أيضا لكان انسب وكلمة او ملنع اخللو
فال ينايف اجلمع بني الفريقني يف الذكرى مث قال الشيخ بعد ذلك فموضع الفهم حمل
- 1124 -
احملادثة واملكاملة وهو مسع القلب وموضع املشاهدة بصر القلب فمن هو يف سكر احلال
يغيب مسعه يف بصره ومن هو يف حال الصحو والتمكني ال يغيب مسعه يف بصره لتملكه
انصية احلال ويفهم ابلوعاء الوجودي املستعد لفهم املقال الن الفهم مورد االهلام والسماع
واالهلام والسماع يستدعيان وعاء وجوداي وهذا الوجود يكون موهواب منشأ انشاء اثنيا
للمتمكن يف مقام الصحو وهو غري الوجود الذي يتالشى عند ملعان نور املشاهدة ملن
جاوز على ممر الفناء اىل مقار البقاء انتهى قوله فموضع الفهم حمل احملادثة واملكاملة اي
مع هللا هظ عز و جل يغيب مسعه يف بصره اي ال يفهم وقت املشاهدة وهو حال أهل
التلوين يذهل عند املشاهدة كما قاله الواسطي ال يغيب مسعه يف بصره اي يفهم يف عني
املشاهدة وهو حال أهل التمكني جيمع هلم بني املشاهدة والفهم ما مر ملن جاوز متعلق
بقوله موهواب اي موهواب ملن جاوز الفناء ووصل اىل البقاء ال خيفى أنه ما معن املشاهدة
يف أهل التلوين واملشاهدة امنا تكون يف الذات كما قالوا وهو غري واصل بعد اىل الذات
فاألوىل يف حقه املكاشفة ابلصفات املتخيلة املتلونة وما هو يف الذات ال تلوين له وال
تغري وليس يف تلك احلضرة املقدسة اترة الذهول وأخرى الشعور بل شعور يف عني
الذهول وفهم يف نفس الشهود والظاهر من كالم الشيخ قدس سره جواز وقوع املشاهدة
يف الدنيا ببصر القلب وصاحب التعرف قدس سره و هو امام الطائفة منع رؤيته تعاىل يف
الدنيا ابلبصر وابلقلب معا وادعى االمجاع عليه وقال وامجعوا على أنه تعاىل ال يرى يف
الدنيا ابالبصار وابلقلوب االّ من جهة االيقان وما قاله صاحب التعرف قدس سره أقرب
اىل الصواب عندي بل هو الصواب الن ما يتخيل أنه سبحانه يرى فامنا هو رؤية خيال
اي كشف صورة يف اخليال لاليقان الذي حصل للقلب وللموقن به أيضا صورة كوشفت
للقلب فاهنم جوزوا املثال للحق سبحانه وان مل يكن له تعاىل مثل فللّه املثل االعلى وامنا
أرتسم يف اخليال صورة االيقان وصورة املوقن به وان مل يكن له تعاىل صورة يف الواقع الن
املعاين احلاصلة للقلب ولسائر اللطائف بل كلما وجد ويوجد هلا صورة يف اخليال الذي
هو متثال املثال الذي هو أوسع العوامل كلها فليس ههنا اال ايقان للقلب وصورة ايقان
- 1125 -
وصورة موقن به متثل يف اخليال بصورة رؤية ومرئي وال رؤية يف احلقيقة للقلب له تعاىل
فضال ع ن أن يكون للبصر وامنا هي رؤية مثالية للقلب متثل ايقانه بصورة الرؤية ومتثل
املوقن به بصورة املرئي فظن منه أنه رآ ه حقيقة وما هي اال رؤية خيالية بل نقول ان صورة
املوقن ليست صورة مثالية للحق سبحانه بل صورة كشف تعلق االيقان به وظهرت يف
اخليال وحاش هلل أن يكون له تعاىل صورة ولو يف اخليال وامنا هو صورة لبعض مكشوفات
قلب السالك من الوجوه واالعتبارات اليت هلا تعلق ابلذات تعالت وهلذا اذا وصل العارف
اىل الذات تعالت ال يتخيل له مثل هذا اخليال فليس لذاته تعاىل صورة ولو يف املثال
واخليال وليس له تعاىل مثال عندي كما ال مثل له سبحانه اذ الصورة تستلزم احلد والنهاية
ولو يف مرتبة من املراتب وهو سبحانه منزه من التحديد والتقييد ومجيع املراتب خملوقة له
تعاىل فافهم احلمد هلل الذي أعطاان سلطان اخليال وجعله مرآة حلصول صور معاين
الكمال ولوال اخليال ملا أدركنا درجات االتصال عن دركات االنفصال وملا علمنا واردات
االحوال فان لكل معن وحال صورة فيه ان كوشفت يدرك به ذلك املعن واحلال فشأن
اللطائف السبع السري والسلوك واالنتقال من حال اىل حال وشأن اخليال ارائته درجات
السري والسلوك احلاصلة للسالك بصورها املرتسمة فيه واراءة مزيد الرغبة اىل الفوق وأيضا
ابراءته حيصل السري على بصرية ويتيسر السلوك على معرفة وبسلطانه خيرج السالك عن
اجلهل و يكون من أهل العلم فللّه سبحانه دره و السالم على من اتبع اهلدى.
بتالوة اآلايت ومساعها وتصري مرااي منبئة عن عظيم اجلالل اىل آخر ما قال يف أتييد هذا
التوجيه وشرحه وخيطر ببايل بكرم هللا املتعاىل ان الظهر نظم القرآن البالغ اىل حد االعجاز
والبطن تفسريه وأتويله على اختالف صفاء الفهم على دقيق املعاين وغامض السر واحلد
هناية مراتب الكالم وهو شهود املتكلم هبا وهو التجلي النعيت املنبئ عن عظيم اجلالل
واملطلع ما هو فوق ذلك التجلي النعيت وهو التجلي الذايت املعرى عن النسب
واالعتبارات أثبت حلد الكالم وهنايته مطلعا فيكون املطلع وراء الكالم ووراء هنايته
والكالم صفته تعاىل وشهود املتكلم يف مرآة تلك الصفة جتل لتلك الصفة وهناية ملراتب
كماهلا واالطالع على وراء تلك التجلي يكون ابلرتقي منه اىل التجلي الذايت ال حمالة
فالوصول اىل الذات ههنا يكون بتوسط صفة الكالم وبتوسل تالوة النظم القرآين الدال
على تلك الصفة فالبد من اخلطوتني خطوة من النظر الدال اىل املدلول الذي هو الصفة
واخلطوة الثانية من الصفة اىل املوصوف قال العارف قدس سره خطواتن وقد وصلت وما
ذكر الشيخ قدس سره اال اخلطوة األوىل وأمت هبا هذا السري وقيد فائدة التالوة هبا ال غري
سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا انك أنت العليم احلكيم وقال الشيخ قدس سره بعد
ذلك انه قد نقل عن جعفر الصادق رضي هللا عنه وعن آابئه الكرام أيضا انه خر مغشيا
اردد اآلية حت مسعتها من املتكلم هبا
عليه وهو يف الصالة فسئل عن ذلك فقال ما زلت ّ
فالصويف ملا الح له نور انصية التوحيد والقى مسعه عند مساع الوعد الوعيد وقلبه
ابلتخلص عما سوى هللا تعاىل صار بني يدي هللا تعاىل حاضرا شهيدا يرى لسانه أو
لسان غريه يف التالوة كشجرة موسى عليه السالم حيث أمسعه هللا تعاىل منها خطابه اايه
ابين اان هللا فاذا كان مساعه من هللا واستماعه اىل هللا صار مسعه بصره وبصره مسعه وعلمه
عمله وعمله علمه وعاد آخره اوله واوله آخره اىل ان قال فاذا حتقق الصويف هبذا الوصف
صار وقته سرمدا وشهوده مؤبدا ومساعه متواليا متجددا قوله فالصويف ملا الح له نور
انصية التوحيد بيان لقول االمام رضي هللا عنه وشرح لسماعه من املتكلم ابن الصويف ملا
غلب عليه حال التوحيد وزال عن نظره شهود الغري صار بني يدي هللا حاضرا شهيدا جيد
- 1127 -
كلما مسع كالما من نفسه او من غريه انه مسعه من هللا سبحانه ويرى لسانه ولسان غريه
كشجرة موسى عليه السالم فاالمام كلما كرر اآلية مسعها من نفسه ومن لسانه اىل ان
الح له يف اثناء التكرار حال التوحيد فسمعها من املتكلم هبا وان كان صدر منه ومن
لسانه فانه وجد لسانه حينئذ كالشجرة املوسوية فالكالم الظاهر من اللسان كالكالم
الظاهر من تلك الشجرة يف أنه كالم هللا سبحانه اقول وابهلل سبحانه العصمة والتوفيق ان
املسموع من الشجرة املوسوية كان كالم هللا سبحانه ال حمالة حت لو انكره احد كان كافرا
واملسموع من االلسنة ليس يف احلقيقة كالم هللا وان ختيل الصويف يف غلبة التوحيد انه
كالم هللا حت لو انكره احد ال يكون كافرا بل يكون حمقا صادقا النه حصل من حركة
اللسان واعتماد املخارج وال كذلك يف الشجرة فأين احد الكالمني من اآلخر فان االول
حتقيقي واآلخر ختييلي والعجب من الشيخ االجل قدس سره انه ابلغ ههنا يف التوحيد
حت جعل التخييلي حتقيقيا وجعل الكالم الصادر من العبد يف غلبة احلال صادرا من
احلق سبحانه وقد انكر يف موضع آخر من كتابه االقوال الصادرة يف التوحيد من اراببه يف
غلبة احلال ومحلها على احلكاية من هللا سبحانه فرارا من شائبة توحيد احللول واالحتاد وما
فر هنا من شوب احللول بل حكم ابالحتاد والعينية واحلق يف هذا املقام ان احلكم ابالحتاد
والعينية يف غلبة احلال ختييلي ال حتقيقي سواء كان االحتاد يف الذات او يف الصفات او يف
االفعال فسبحان من ال يتغري بذاته وال بصفاته وال يف امسائه حبدوث االكوان وال يتحد
معه احد وال يتحد صفات احد مع صفاته تعاىل وال افعال احد مع افعاله سبحانه فهو
سبحانه هو هو واملمكن ممكن حادث يف الذات ويف الصفات واالفعال احلكم ابالحتاد
بني القدمي واحلادث من تلوينات العشق وغلبات احملبة والسكر فال يؤاخذ عليهم بشائبة
احللول ومظنة ااالحتاد املستلزمة للكفر واالحلاد فاهنا غري مرادة هلم حاشا هلل سبحانه ان
يكون مرادهم ما هو غري الئق جبناب قدسه تعاىل فاهنم اولياء هللا واحباؤه سبحانه
احملفوظون من جتويز ما ال جيوز على هللا والذين تشبهوا هبم من غري حال وبدون صدق
املقال وتكلموا بكلماهتم وفهموا منها غري مراداهتم فوقعوا يف االحلاد والزندقة حت اثبتوا
- 1128 -
احللول واالحتاد مع هللا سبحانه وحكموا بصريورة املمكن واجبا فهم الزاندقة اخلارجة من
املبحث قاتلهم هللا اىن يؤفكون والخيفى ان ما ذكره الشيخ قدس سره يف بيان قول االمام
رضي هللا عنه وان صدق يف حق قوم من أهل التلوين الذين استوىل عليهم السكر وغلب
عليهم التوحيد ولكين حلسن ظين بشأن االمام ال اجوز صدقه يف حقه رضي هللا عنه النه
عندي من اكابر ارابب التمكني والصحو ال يلتبس عنده املتخيل ابملتحقق والسماع من
الغري ابلسماع من احلق سبحانه فليطلب لكالمه حممل حسن مناسب حلاله غري هذا
الوجه وهو انه ميكن ان يسمع العبد كالم الرب العايل بال كيف كما مسع موسى عليه
السالم يف الطور (فان قلت) ما معن مساع الكالم من هللا تعاىل وال يسمع اال ما هو
حرف وصوت (قلت) ممنوع أال يرى ان هللا تعاىل يسمع كالمه بال حرف وصوت فجاز
ان يكون العبد اذا صار متخلقا ابخالقه تعاىل يسمع بال حرف وصوت واالستحالة
ببديهة الوهم الناشئة من قياس الغائب على الشاهد مع وجود الفارق كيف يقاس
والشاهد يف مضيق الزمان املقتضى للرتتب والتقدم والتأخر والغائب ال جيري عليه زمان
وال تقدم وال أتخر وال ترتب فجاز يف الغائب ثبوت اشياء ال جيوز يف الشاهد فليفهم
وهللا سبحانه اعلم ابلصواب (والتحقيق) ان السماع ان كان حباسة السمع فالبد ان
يكون املسموع حرفا أو صوات وأما اذا كان السماع لكل جزء من أجزاء السماع غري
خمصوص ابحلاسة فجاز أن حيصل بال حرف وصوت من املسموع فاان نسمع بكليتنا
وبكل جزء من أجزائنا كالما ليس من جنس احلروف وان كان يتخيل يف اخليال ابحلروف
واالصوات اخليالية فعلم ان الكالم املأخوذ املسموع بكليتنا كان اوال جمردا عن احلرف
والصوت وتلبس اثنيا يف اخليال ابحلرف والصوت اخليايل ليقرب من الفهم واالفهام على
اان نقول ما هو اعجب منه وهو ان هللا تعاىل يسمع كالمنا املركب من احلروف
والكلمات املرتتبة املتقدمة املتأخرة لكن مساعه تعاىل امنا يكون بال توسط حرف وكلمة
وبال ترتب وتقدم وأتخر الن الكالم املركب املرتتب املتقدم املتأخر يقتضى زماان وال جيري
عليه سبحانه زمان وهو تعاىل خلق الزمان فلما جاز مساع الكالم املركب من احلروف
- 1129 -
والكلمات بال توسط حرف وكلمة فأوىل ان جيوز مساع كالم ليس من جنس احلروف
واالصوات فافهم وال تكن من القاصرين وال من العقالء اجلاهلني وهللا سبحانه امللهم
للصواب والذي اهلمت به اثنيا بعد تسويد هذا املسطور يف حتقيق هذا الكالم ان فهم
العبد املستعد ملخاطبه تعاىل واخذه منه سبحانه امنا يكون اوال بتلقي روحاين بال توسط
صوت ونداء مث يتمثل هذا املعن املتلقى يف سلطان اخليال الذي فيه ارتسم صور االشياء
كلها بصورة حرف وصوت الن االفادة واالستفادة يف عامل الشهادة ال تكون اال بتوسط
االلفاظ واحلروف وجيوز ان يطلق على هذا التلقي مساع بال كيف ايضا الن الكالم بال
كيف فالبد ان يكون مساعه أيضا بال كيف اذ ال سبيل لكيف اىل ما ال كيف فيه صح
ان جي وز ان يسمع كالمه تعاىل اجملرد من احلرف والصوت بال كيف مث بعد ذلك يتمثل
ذلك الكالم يف اخليال بصورة حرف وكلمة ليحصل االفادة واالستفادة يف عامل االجسام
ايضا ومن مل يطلع على هذه الدقيقة يزعم بعض منهم وهم احسن حاال اهنم يسمعون
كالمه تعاىل لكن بتوسط حروف وكلمات حادثة دالة عليه وبعضهم اطلقوا القول ابهنم
يسمعون كالمه تعاىل ومل يفرقوا بني ما يليق بشانه تعاىل وما ال يليق وهم اجلهال البطالون
مل يفرقوا ما جيوز على هللا تعاىل عما ال جيوز واحلق ما حققت بفضل هللا سبحانه
واحسانه تعاىل قوله صار مسعه بصره وبصره مسعه اىل ان قال وعاد آخره اوله وأوله آخره
اي اخذ مسعه حكم بصره وبصره حكم مسعه اي مسع بكليته وبصر بكليته وعلم بكليته
ال أنه مسع ببعضه وبصر ببعضه اآلخر مثال فحينئذ ال يكون السمع غري البصر مث بني
قوله وعاد آخره اوله وأوله آخره خلفائه وحاصله ان هللا سبحانه خاطب الذر بقوله ألست
بربكم فسمعت النداء بال واسطة على غاية الصفا مث مل تزل الذرات تتقلب يف االصالب
وتنتقل يف االرحام حت برزت اىل اجسادها فاحتجبت ابحلكمة عن القدرة وتراكم
ظلماهتا ابلتقلب يف االطوار فاذا أراد هللا ابلعبد حسن االستماع ابن يصريه صوفيا صافيا
ال يزال يرقيه يف رتب التزكية والتحلية حت خيلص اىل فضاء القدرة ويزال عن بصريته
النافذة حجاب احلكمة فيصري مساعه أبلست بربكم كشفا وعياان وتوحيده وعرفانه تبياان
- 1130 -
وبرهاان حيث اخذ لسانه ولسان غريه يف حقه حكم شجرة موسى يسمع منه كالمه تعاىل
كما مسع موسى من تلك الشجرة فصح انه عاد آخره أوله واوله آخره حيث مسع كالمه
تعاىل آخرا كما مسع اوال و على هذا محل قول البعض انه قال اان اذكر خطاب الست
بربكم اي كان ذلك اخلطاب الذي أمسع اآلن منه تعاىل على االلسنة وال خيفى عليك ان
اخلطاب االول منه تعاىل كان حتقيقا ومساع الذر منه تعاىل كان على سبيل احلقيقة وهذا
اخلطاب املأخوذ املسموع من االلسنة امنا يكون خطاب هللا تعاىل على سبيل التخيل
والتوهم كما مر فاين احدمها من اآلخر فالعجب كل العجب ان الشيخ مع جاللة قدره
جعل احدمها عني اآلخر ومل يفرق بني املتحقق واملتخيل وما هو اال عني السكر وصرف
التوحيد مثله مثل قول اان احلق وسبحاين وليس يف جبيت سوى هللا واعجب من هذا ما
قال بعد ذلك فاذا حتقق الصويف هبذا الوصف صار وقته سرمدا اخل ال يذهب عليك ان
الصويف يف هذا املقام ما حتقق اال ابلتجلي املعنوي الصفايت كما مر وهو مقام التلوين ال
غري فمن اين صار وقته سرمدا ومشهوده مؤبدا وما الدوام والسرمد للوقت اال يف الوصول
اىل الذات تعالت والتجلي الذايت وكذلك الشهود واملشاهدة ال يكون اال ابلوصول اىل
الذات تعالت كما قالوا وما حصل يف مرتبة الصفات يسمى ابملكاشفة فالشهود ودوامه
هو نصيب ارابب التمكني الواصلني اىل الذات ال اهل التلوين املقيدين ابلصفات فاهنم
أرابب القلوب وأصحاب التقلب سبحانك ال علم لنا اال ما علمتنا انك أنت العليم
احلكيم.
ويتخايل له أن من قال كلمات يف بعض غلباته كان مضمرا لشئ مما زعموه مثل قول
احلالج اان احلق وما حيكى عن ايب يزيد من قوله سبحاين حاشا نعتقد يف أيب يزيد أنه
يقول ذلك االّ على معن احلكاية عن هللا تعاىل وهكذا ينبغي أن نعتقد يف قول احلالج
ذلك ولو علمنا انه ذكر ذلك القول مضمرا لشئ من احللول رددانه كما نردهم انتهى فيا
ليت شع ري ما معن احلكاية عن هللا تعاىل وما وجه ختصيص أرابب السكر مبثل هذا
القول على معن احلكاية اللهم اال أن يقال انه قدس سره اراد ان القائل مبثل هذا القول
ان كان هو العبد كما هو الظاهر عند االكثر فالبد أن يكون حكاية من هللا تعاىل فان
العبد ال يصري راب لكن القائل به يف احلقيقة هو الرب سبحانه ولسان العبد مثل الشجرة
املوسوية فال اعرتاض على احلالج وال تعرض على ايب يزيد قدس هللا تعاىل اسرارمها
والظاهر من عبارة الشيخ انه لو مل حيمل على معن احلكاية يفهم منه احللول وليس كذلك
اذ جيوز أن يقول ذلك عند غلبات التوحيد واستتار ما سوى الواحد املشهود عند ملعان
نور الشهود بال شائبة حلول واحتاد فمعن قوله اان احلق عند اختفائه عن نظره لست اان
بشئ وامنا املوجود احلق ال اين متحد مع احلق او حال يف احلق فانه كفر ومناف للتوحيد
الشهودي فان املشهود فيه ليس اال الواحد االحد و على تقدير احللول واالحتاد املشهود
متعدد ولو على صفة االحتاد واحلالية (قوله) ومنهم من يستبيح النظر اىل املستحسنات
اشارة اىل هذا الوهم اي احللول والعجب من الشيخ االجل انه يفهم من امثال هذه
العبارات االحتاد واحللول واحلال أن املتبادر من هذه االقوال الظهور وهو وراء احللول الن
احللول كينونة نفس شئ يف شئ مثل كينونة نفس زيد يف البيت والظهور كينونة عكس
شئ مثل كينونة عكس زيد يف املرآة واالول حمال يف مرتبة الوجوب ونقص لتلك املرتبة
املقدسة والثاين ال منع لثبوته وال نقص عند اصوله فان االول يسلتزم التغري املنايف للقدم
والثاين ال يستلزم كما ال خيفى فلو ظهرت الكماالت الوجوبية يف مرااي االعدام واالمكان
مل يلزم منه حلول تلك الكماالت يف تلك املرااي وال تغريها وال انتقاهلا املنايف للقدم وامنا
هو ظهور واراءة كمال يف مرآة فتجويز شهود كماالته تعاىل يف مرااي االمكان ليس جتويزا
- 1132 -
حللول تلك الكما الت فيها بل هو جتويز لظهور الكمال يف املرآة وال نقص فيه وان كان
اجملوز ملثل هذا الشهود صاحب نقص وغري مستقيم على اجلادة لكن املقصود دفع هتمة
احللول عنه ال اثبات كماله وكونه على شئ وهللا سبحانه أعلم حبقائق االمور كلها.
{املكتوب التاسع عشر واملائة اىل املري منصور يف بيان اختيار العزلة}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى وقد اطاب الوقت صحائف أخي
االعز بورودها متعاقبة محدا هلل سبحانه مل يتطرق الفتور والتلوين اىل حمبتكم للفقراء
وارتباطكم هبم مع وجود اسباب عدم املناسبة بل زادت قوة يف ذلك االرتباط رزق هللا
سبح انه االستقامة على حمبة هذه الطائفة اليت هي رأس بضاعة السعادة أيها املشفق قد
غلب شوق االنزواء يف هذه الفرصة فاخرتت القعود يف زاوية حت ال أذهب اىل املسجد
لغري صالة اجلمعة ومجاعة االوقات اخلمسة تنعقد يف تلك الزاوية وصار طريق مالقاة
الناس مسدودا ومتر االوقات على مجعية اتمة وكأن متمن مجيع العمر تيسر اآلن محدا هلل
سبحانه على ذلك وبقية االحوال الصورية أيضا مقرونة ابلعافية واالوالد وسائر املتعلقني
على مجعية وقدم اخلواجه عبد هللا على دهلي قبل شهر رمضان املبارك محدا هلل سبحانه
قد حصل اخلواجه يف جميئه هذا فوائد كثرية وقلب الورق ابلتمام وختلص من غلبات
التوحيد وخاض يف حبر التنزيه ومتوجه اىل العمق والقعر وذاهب من الظاهر اىل الباطن بل
اىل ابطن البطون وتفصيل االحوال ملا قدم احلافظ هباء الدين هناك احلناه اليه.
{املكتوب العشرون بعد املائة اىل املرزا حسام الدين أمحد يف حل عبارات
مكتوب متضمن لالسرار}
احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى قد تشرفت مبطالعة الصحيفة الشريفة
املرسلة اىل هذا الفقري على وجه الشفقة والرأفة وقد اندرج فيها ان لواحد من االعزة
اعرتاضات على عبارات املكتوب الذي كتبته من امجري فينبغي كتابة شئ يف حلها وملا
- 1133 -
كتب بعض االصحاب بتعيني مواضع االشتباه كتبنا يف حلها مقدمات مبقياس التعيني
وهللا سبحانه اهلادي اىل سبيل الرشاد (أيها املخدوم) املكرم ان السري املرادي والسري
املريدي كل منها أمر يتعلق بوجدان صاحب ذلك السري ال انه الزام أمر يتعلق ابلغري فال
جمال اذا لطلب احلجة والربهان على اثباته ومع ذلك اذا أعطى هللا سبحانه شخصا قوة
قدسية والحظ يف أحوال صاحب ذلك السري وأوضاعه مالحظة اتمة وشاهد الفيوض
والربكات والعلوم واملعارف االهلية اليت هو ممتاز هبا ميكن ان حيكم بكون سريه سريا مراداي
من غري احتياج اىل دليل أصال كما حيكم بكون نور القمر مستفادا من نور الشمس بعد
مالحظة قرب القمر من الشمس وبعده عنها ومقابلته هبا واجتماعه معها وان مل يكن
هذا املعن حجة لغري ارابب احلدس وايضا قال حضرة شيخنا قدس سره يف اوائل حال
سري هذا الفقري ان سريه سري مرادي ولعل االصحاب أيضا مسعوا منه هذا الكالم وانشد
هذين البيتني من املثنوي معتقدا أبهنما مطابقان حلال هذا الفقري {شعر}:
عشق معشوق خفي وستري * عشق عشاق بطبل ونفري
غري ان الثاين مضن للبدن * عشق معشوق مزيد يف السمن
وكل من وصل من املرادين كان سريه على طريق االجتباء وطريق االجتباء ليس
خمصوصا ابالنبياء عليهم السالم صرح بذلك صاحب العوارف قدس سره يف بيان
اجملذوب السالك والسالك اجملذوب وقال لطريق املريدين طريق االانبة ولطريق املرادين
طريق االجتباء قال هللا تعاىل هللا جيتيب اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب نعم ان طريق
االجتباء ابالصالة خمصوص ابالنبياء عليهم الصالة و السالم ولالمة كسائر الكماالت
بتبعيتهم ال انه خمصوص ابالنبياء مطلقا ال نصيب منه لالمة أصال فانه غري واقع (أيها
املخدوم) ان وصول الفيض اىل السالك بتوسط خري البشر وحيلولته عليه الصالة و
السالم أمنا هو قبل ان تنطبق حقيقة السالك احملمدي املشرب على احلقيقة احملمدية وقبل
ان تتحد هبا فاذا حصل االحتاد بني هاتني احلقيقتني يف مقامات العروج بكمال متابعته
بل مبحض الفضل ارتفع التوسط من البني فان التوسط امنا هو حني املغايرة ويف االحتاد ال
- 1134 -
متوسط وال متوسط له وال حاجب وال حمجوب بل املعاملة يف مقام االحتاد ابلشركة ولكن
ملا كان السالك اتبعا وملحقا وطفيليا لزم ان تكون تلك الشركة من قبيل شركة اخلادم
ابملخدوم (وما قلت) من انه حيصل حلقيقته انطباق على حقيقته صلّى هللا عليه و سلّم
واهنا تتحد هبا بيانه ان احلقيقة احملمدية جامعة جلميع احلقائق ويقال هلا حقيقة احلقائق
وحقائق اآل خرين كاالجزاء هلا او كاجلزئيات الن السالك لو كان حممدي املشرب
فحقيقته كاجلزئي لتلك الكلية وحممولة عليها وان كان غري حممدي املشرب فحقيقته
كاجلزء ابلنسبة اىل الكل وغري حممولة عليها فان عرض حلقيقة غري حممدي املشرب احتاد
يف اثناء العروج امنا يكون ذلك حبقيقة نيب هو على قدمه وتكون حممولة على تلك
احلقيقة وحتصل له شركة معه يف الكماالت املناسبة به ولكن تكون تلك الشركة من قبيل
شركة اخلادم ابملخدوم كما مر فاذا حصل لذلك اجلزئي بعالقة كمال املتابعة بل مبحض
الفضل حمبة خاصة لكليه وأخذ شوق الوصول اليه بيده يشرع القيد الذي جعل الكلي
جزئيا بفضل هللا تعاىل يف الزوال وبعد زواله ابلتدريج حيصل لذلك اجلزئي انطباق على
ذلك الكلي واحلاق به وما قلت من انه اذا حصل له حمبة خاصة فهي كما حصلت هلذا
الفقري مبحض الفضل حت قلت يف غلبات تلك احملبة ان حمبيت حلضرة احلق سبحانه امنا
هي من جهة كونه تعاىل رب حممد صلّى هللا عليه و سلّم وتعجب امليان اتج وغريه من
االصحاب من هذا الكالم وأظن انه مل خيرج من خاطركم أيضا وما مل حيصل مثل هذه
احملبة كيف يتصور اللحاق واالحتاد ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم
ولنبني حقيقة التوسط وعدم التوسط ينبغي ان يسمع حبسن االستماع اعلم ان يف طريق
اجلذبة ملا كان اجلذب واجلر من جانب املطلوب وكانت العناية االهلية متكلفة حلال
الطالب ال يقبل الوساطة ابلضرورة ويف طريق السلوك ملا كانت االانبة من طرف الطالب
البد فيه من وجود الوسائط والوسائط وان كان ال حيتاج اليها يف نفس اجلذبة ولكن
متامية اجلذبة منوطة ابلسلوك فان مل ينضم السلوك الذي هو عبارة عن اتيان االحكام
الشريعة من التوبة والزهد وغريمها اىل اجلذبة فتلك اجلذبة غري اتمة بل ابرت وقد رأيت كثريا
- 1135 -
من اهلنود واملالحدة فيهم جذبة ولكن ملا مل يكونوا متحلني مبتابعة صاحب الشريعة عليه
و على آله الصالة و السالم والتحية ليس هلم نصيب غري صورة اجلذبة وحاهلم خراب
وابرت (فان قيل) ان حصول اجلذب يستدعي حنوا من احملبوبية فكيف جيوز يف حق الكفار
الذين هم اعداء هللا كون نصيب من اجلذبة (قلت) ميكن ان يكون يف بعض الكفار حنو
من معن احملبوبية و يكون ذلك ابعثا حلصول اجلذب ولكن ملا مل يكونوا متحلني مبتابعة
صاحب الشريعة عليه الصالة و السالم بقوا خاسرين خمذولني ومل تزدهم تلك اجلذبة غري
احلجة عليهم حيث آذنت ابستعدادهم ومل خيرجوه من القوة اىل الفعل بسبب اجلهل
والعناد وما ظلمهم هللا ولكن كانوا انفسهم يظلمون فاذا تيسر الوصول اىل املطلوب يف
طريق اجلذبة مبتابعة صاحب الشريعة اليت هي عبارة عن السلوك يكون بال واسطة وبال
حيلولة أمر قالوا لو دليتم[ ]1بدلو لوقعتم على هللا يعين لو اجنذبتم واجنررمت اىل حضرة احلق
سبحانه ووصلتم اىل ابطن البطون ال يكون بينكم وبني احلق جل وعال حيلولة امر
وحجابيته ولعله بقي يف خاطركم الشريف أيضا ما قاله حضرة شيخنا قدس سره ان تيسر
الوصول للعبد اىل احلق سبحانه من طريق املعية بينه وبينه تعاىل يكون بال توسط امر ألبتة
فانه هو املناسب للمعية والواسطة امنا هي يف سلسلة الرتبية اليت هي عبارة عن السلوك
وطريق املعية واحد من طرق اجلذبة وحديث املرء مع من احب ايضا يؤيد ذلك فانه ملا
ثبتت املعية بني شخص وبني حمبوبه فقد ارتفعت الواسطة (امسع) ان لكل ظل طريقا
واضحا اىل أصله وال حائل بينهما اصال فلئن حصل للظل بعناية هللا جل شأنه ميل اىل
اصله وحصل له اجنذاب اليه وحلوق به يكون ذلك بال حيلولة امر ألبتة وحيث ان ذلك
االصل اسم من االمساء االهلية ال يكون بني االسم وبني مسماه حائل ألبتة و يكون
وصول الظل من هذا الطريق اىل اصل االصل الذي هو مسمى ذلك االسم بال توسط
( )1قوله لو دليتم بدلو اخل هذا آخر حديث طويل اخرجه الرتمذي عن ايب هريرة رضي هللا عنه ولفظه والذي نفس
حممد بيده لو انكم دليتم حببل اىل االرض السابعة السفلى هلبط على هللا مث قرأ هو االول واآلخر اآلية قال الرتمذي
حديث غريب
- 1136 -
امر وأيضا ان كل من كان واصال اىل حضرة الذات تعالت بوصول الكيفي فتوسط امر
وحيلولته مفقود يف حقه فاذا ارتفعت حيلولة صفات الواجب وحجابيتها يف صورة
الوصول اىل حضرة الذات فكيف يكون حليلولة غري الصفات وحجابيته جمال (فان قيل)
اذا مل جيز انفكاك الصفات عن الذات فما معن ارتفاع حيلولة الصفات من بني الواصل
واملوصول الي ه (قلت) اذا حصل للسالك وصول اىل أصله الذي هو اسم من االمساء
االهلية والسالك ظله وحتقق السالك به ال يكون بينه وبني حضرة الذات تعالت توسط
وحيلولة ألتبة كما ال حيلولة بني االسم ومسماه فعلى هذا ال يلزم ارتفاع وال انفكاك وقد
مر مثل هذا التحقيق آنفا يف بيان احتاد حقيقة السالك ابحلقيقة احملمدية وقد مرت أيضا
مشة من هذا البيان عند بيان وصول الظل اىل اصله {تنبيه} وال يظن أبله من عدم
التوسط الذي ذكر يف طريق اجلذبة وغريها االستغناء عن تبعية خري البشر عليه و على
آله الصالة و السالم فان ذلك كفر وزندقة وأنكار على الشريعة احلقة وقد مر آنفا اجلذبة
بال انض مام السلوك إليه الذي هو عبارة عن اتيان االحكام الشريعة غري اتمة وابرت ونقمة
ظهرت يف صورة النعمة وامتت احلجة على صاحبها وابجلملة قد بلغ مرتبة اليقني
ابلكشف الصحيح واالهلام الصريح ايضا انه ال يتيسر دقيقة من دقائق هذا الطريق وال
معرفة من معارف القوم بال وساطته ووساطة متابعته عليه الصالة و السالم وفيوض هذا
الطريق وبركاته ال حتصل للمنتهى كاملبتدئ واملتوسط بال تبعيته وتطفله صلّى هللا عليه و
سلّم {شعر}:
و من احملال املشي يف طرق الصفا * اي سعد من غري اتباع املصطفى
وزعم افالطون االبله نفسه مستغنيا عن االنبياء عليهم السالم بسبب الصفاء
الذي حصل لنفسه من الرايضات واجملاهدات وقال حنن قوم مهذبون ال حاجة بنا اىل
من يهذبنا (ينبغي) ان يعلم ان هذا الصفاء الذي حيصل ابلرايضات بال توسط متابعة
االنبياء حكمه حكم حناس اسود طلي ابلذهب اوسم غلف ابلسكر والذي يقلب حقيقة
النحاس ذهبا خالصا وخيرج النفس من االمارية اىل االطمئنان هو متابعة االنبياء عليهم
- 1137 -
الصالة و السالم واحلكيم املطلق جل وعال امنا قرر بعثة االنبياء ووضع شرائعهم لتعجيز
النفس االمارة وختريبها ومل جيعل ختريبها بل اصالحها يف غري متابعة االنبياء عليهم السالم
فمن ارتكب ألوفا من الرايضات واجملاهدات بال متابعة هؤالء االكابر ال ينقص من
اماريتها مقدار شعرة بل تزيد يف طغياهنا وعنادها {ع}:
كل خمتار العليل علة
وازالة مرضها الذايت منوطة ابلتمسك بشرائع االنبياء عليهم السالم وبدونه خرط
القتاد (ينبغي) ان يعلم ان اجلذبة وان كانت ال بد هلا من السلوك سواء كانت مقدمة
عليه او مؤخرة عنه ولكن الفضل لتقدم اجلذبة على السلوك فان السلوك حينئذ خادمها
ويف أتخري اجلذبة يكون خمدومها الن اجلذب حينئذ امنا يتيسر له بدولة السلوك ويف تقدم
اجلذبة ليس كذلك فانه على هذا التقدير بنفسه مدعو ومطلوب وهلذا كان مرادا وذاك
مريدا ورأس املرادين ورئيس احملبوبني حممد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فان املقصود
الذايت واملدعو االول يف هذه الدعوة هو عليه و على آله الصالة و السالم وغريه امنا دعوا
بتطفله سواء كانوا مرادين أومريدين لواله ملا خلق هللا اخللق وملا أظهر الربوبية كما ورد فاذا
كان كل من سواه طفيليه وكان هو صلّى هللا عليه و سلّم مقصودا أصليا من هذه الدعوة
فال جرم يكون الكل حمتاجني اليه وأيخذون الفيوض والربكات بتوسطه عليه و على آله
الصالة و السالم فلو قيل للكل اله من هذه احليثية جلاز فان الكل متبعون له ال أيخذون
كماال اال بتوسطه فانه اذا كان وجود من سواه ال يتصور بدون وجوده كيف تتصور
كماالهتم اليت هي اتبعة للوجود بدون توسطه عليه الصالة و السالم نعم ينبغي حملبوب
رب العاملني ان يكون كذلك (امسع) قد صار مكشوفا ان حمبوبيته صلّى هللا عليه و سلّم
كائنة مبحبته تعاىل املتعلقة بذاته البحت بال مالحظة الشئون واالعتبارات وصارت حضرة
الذات حمبوبة بتلك احملبة خبالف حمبوبية غريه صلّى هللا عليه و سلّم فاهنا كائنة ابحملبة
املتعلقة ابلشئون واالعتبارات ومتلبسة ابالمساء والصفات أو بظالل االمساء والصفات
على تفاوت الدرجات {شعر}:
- 1138 -
هللا تعاىل يف وقت آخر ترتك تلك املعرفة ويرتقى اىل مقام فوقاين قد اندرج يف املكتوب
الشريف ان امثال هذه الكلمات املمزوجة ابلشطح لو كتبها أرابب السكر جلاز ولكن
اظهار أرابب الصحو امثال هذه الكلمات مستبعد جدا (أيها املخدوم) ان كل من كتب
هذه الكلمات فمنشؤه السكر مل حيرك القلم يف هذا الباب بال مزج السكر غاية ما يف
الباب ان يف السكر مراتب كثرية وكلما كان السكر أكثر يكون الشطح أغلب وأوفر
وسكر البسطامي هو ما يصدر عنه قول لوائي أرفع من لواء حممد بال حتاش فكل من
حاله الصحو ال يظن به أنه ال سكر معه أصال فانه عني القصور ألن الصحو اخلالص
نصيب العوام ومن رجح الصحو فمراده غلبة الصحو ال الصرف وكذلك كل من يرجح
السكر فمراده غلبه السكر ال السكر اخلالص فانه آفة أال ترى ان اجلنيد قدس سره مع
كونه رئيس أرابب الصحو وترجيحه الصحو على السكر له عبارات كثرية ممزوجة ابلسكر
يعسر تعدادها قال العارف هو املعروف وقال لون املألون اانئه وقال احملدث اذا قرن
ابلقدمي مل يبق له أثر وصاحب العوارف من كمل أرابب الصحو ومع ذلك يف كتابه من
املعارف السكرية ما ال ميكن شرحه وهذا الفقري قد مجع بعض معارفه السكرية يف ورق
ومن بقااي السكر جتويز افشاء االسرار ومنه املباهات واالفتخار ومنه ادعاء املزية على
االغيار فلو كان صحو خالص يكون افشاء االسرار حينئذ كفرا واعتقاد االفضلية على
الغري شركا وبقية السكر يف الصحو كامللح املصلح للطعام فلو مل يكن ملح يكون الطعام
معطال {شعر}:
فلو مل يكن عشق وهيمان عاشق * ملا كان من يصغي وما كان سامر
وقد محل صاحب العوارف قدس سره قول قدمي هذه على رقبة كل ويل الصادر
عن الشيخ عبد ال قادر قدس سره على السكر وليس مراده اثبات القصور هلذا القول كما
توهم فانه عني حممدة له بل بيان الواقع يعين ان صدور مثل هذا الكالم املنبئ عن
املباهات واالفتخار ليس هو بال بقية سكر فان التكلم ابمثال هذا الكالم يف الصحو
اخلالص عسري وكل هذه الدفاتر اليت كتبها هذا الفقري يف علوم هذه الطائفة العلية
- 1141 -
واسرارهم كأنه تقرر يف خاطركم الشريف أنه كتبها عن صحو خالص بال مزج السكر
حاشا وكال من ذلك فانه حرام منكر وجزاف ونسج للكالم والذين ينسجون الكالم
املتصفون بصحو خالص كثري فلم ال ينسجون االقوال على هذا املنوال وال حيركون هبا
قلوب الرجال {شعر}:
خليلي ما هذا هبذل وامنا * حديث عجيب من بديع الغرائب
(أيها املخدوم) ان امثال هذه الكلمات املنبئة عن افشاء االسرار املصروفة عن
الظاهر قد صدرت عن مشائخ الطريقة قدس هللا اسرارهم يف كل وقت وصار ذلك
عادهتم املستمرة ليس هو أمر ابتدعه هذا الفقري واخرتعه ليس هذا أول قارورة كسرت يف
االسالم فما كل هذا االضطراب واجلدال فان صدر لفظ ال يطابق ظاهره بعلوم الشريعة
ينبغي ان يصرفه عن الظاهر أبدىن توجه وان جيعله مطابقا بعلوم الشريعة دون أن يتهم
مسلما فاذا كان اشاعة فاحشة وافضاح فاسق حراما ومنكرا يف الشريعة فافضاح مسلم
مبجرد اشتباه كيف يكون مناسبا وأي تدين يف النداء من بلد اىل بلد وطريق االسالمية
والشفقة هو أنه اذا صدر عن شخص كلمة ظاهرها خمالف للعلوم الشرعية ينبغي ان ينظر
اىل قائله أنه من هو فان كان ملحدا وزنديقا ينبغي ان يرده وان ال يشتغل ابصالحه وان
كان من املسلمني وكان له اميان ابهلل ورسوله ينبغي ان جيتهد يف اصالح كالمه وان حيمله
على حممل صحيح وان يطلب حله من قائله فلو عجز عن حله ينبغي ان ينصحه فان
األمر ابملعروف والنهي عن املنكر هو الرفق لكونه قريبا من االجابة فان مل يكن املقصود
االجابة بل كان تفضيحا فهو أمر آخر رزق هللا تعاىل التوفيق واعجب من ذلك أنه يفهم
من املكت وب الشريف أنه قد طرأ االشتباه واالحنراف على مالزميكم أيضا بعد استماع
مكتوب هذا الفقري من ذاك العزيز ويشبه ان يكون انعكاسا وكان ينبغي هلم ان حيلوا
مظان االشتباه أبنفسهم من غري ان يطرح هلذا الفقري وان يسكنوا الفتنة فماذا أقول يف
حق سائر االصحاب ابن بعضهم مل يدفع االشتباه ومل تسمح نفسه بذلك واختار
السكوت مع وجود القدرة على الدفع {شعر}:
- 1142 -
النقطة الفوقانية اليت هي كاالصل أزيد من قطعه جلميع النقط التحتانية اليت هي كالظالل
هلا (فان قيل) يلزم من هذا البيان فضل خواص هذه االمة على االنبياء عليهم السالم
(قلت) ال يلزم ذلك أصال وامنا يلزم شركة خواص هذه االمة مع االنبياء يف تلك الدولة
ومع ذلك يف االنبياء كماالت كثرية ومزااي عديدة خمتصة هبم واخص اخلواص من هذه
االمة لو ترقى غاية الرتقي ال يصل رأسه اىل قدم أدىن االنبياء وأين اجملال للمساوات
واملزية بعد قال هللا تعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني عليهم الصلوات و
التسليمات فلو ترقى فرد من افراد االمة بتطفل نبيه وتبعيته فوق بعض االنبياء عليهم
السالم امنا يكون ذلك بعنوان اخلادمية والتبعية ومن املعلوم أنه ما نسبة اخلادم اىل أقران
املخدوم غري اخلادمية والتبعية واخلادم الطفيلي طفيلي يف مجيع الوقت واحلقيقة احملمدية
اليت هي حقيقة احلقائق على ما انكشف هلذا الفقري يف آخر االمر بعد طي مجيع مراتب
الظالل هي التعني احليب وظهوره الذي هو مبدأ الظهورات ومنشأ خلق املخلوقات كما
ورد يف احلديث القدسي املشهور كنت كنزا خمفيا فأحببت ان اعرف فخلقت اخللق
العرف واول شئ جاء اىل منصة الظهور من ذلك الكنز اخلفي كان احلب الذي صار
سببا خللق اخلالئق فلو مل يكن هذا احلب ملا انفتح ابب االجياد وكان قدم العامل راسخا
ومستقرا يف العدم وينبغي ان يطلب سر حديث لواللك ملا خلقت االفالك وملا اظهرت
الربوبية يف هذا املقام (فان قيل) ان صاحب الفتوحات املكية جعل التعني االول الذي
هو احلقيقة احملمدية عبارة عن امجال العلم وأنت قلت يف رسائلك ان التعني االول هو
التعني الوجودي وجعلت مركزه الذي هو اشرف اجزائه واسبقها عبارة عن احلقيقة
احملمدية وظننت تعني حضرة االمجال ظل هذا التعني الوجودي وتكتب اآلن ههنا ان
التعني االول هو التعني احليب وانه حقيقة حممدية فما وجه التوفيق بني هذه االقوال
(قلت) كثريا ما يظهر ظل شئ بصورة اصله وجيعل السالك مشغوال ومشغوفا بنفسه
فذانك التعينان من ظالل التعني االول ظهرا للسالك وقت العروج بصورة اصلهما الذي
هو التعني االول احليب (فان قيل) كيف يستقيم القول ابن التعني الوجودي ظل التعني
- 1144 -
احليب واحلال ان للوجود سبقة على احلب فان احلب فرع الوجود قلت ان هذا الفقري قد
حقق يف رسائله ان احلق سبحانه و تعاىل موجود بذاته ال ابلوجود وكذلك صفاته الثمانية
احلقيقية موجودة بذاته جل شأنه ال ابلوجود فانه ال جمال للوجود بل للوجوب يف تلك
املرتبة الن الوجود والوجوب كليهما من االعتبارات واول اعتبار ظهر الجياد العامل هو
احلب مث بعده اعتبار الوجود الذي هو مقدمة اجياد العامل فان حلضرة الذات تعالت بال
اعتبار هذا احلب والوجود استغناء عن العامل وعن اجياد العامل ان هللا لغين عن العاملني نص
قاطع والقول بظلية التعني العلمي االمجال لذينك التعينني ابعتبار اهنما من اعتبارات
حضرة الذات بال مالحظة الصفات وامللحوظ يف هذا التعني هو الصفة الذي هي كالظل
للذات (ينبغي) ان يعلم انه اذا أجيل النظر يف التعني االول الذي هو التعني احليب ابلدقة
واالمعان يعلم بفضل هللا سبحانه ان مركز ذلك التعني هو احلب الذي هو احلقيقة
احملمدية وحميطه ال ذي هو كالدائرة يف صورة املثال وكالظل لذلك املركز هو اخللة اليت هي
احلقيقة االبراهيمية فكان احلب اصال واخللة كالظل له وجمموع املركز واحمليط الذي هو
دائرة واحدة تعني اول و مسمى ابسم اشرف أجزائه واسبقها الذي هو املركز الذي هو
عبارة عن احلب ويف النظر الكشفي ايضا يظهر ابعتبار اصالة ذلك اجلزء وغلبته تعينا
حبيا ومن حيث ان حميط الدائرة كالظل ملركزها وانش منه وان ذلك املركز اصل ومنشأ له
لو قيل للمحيط تعينا اثنواي ايضا جلاز ولكن ليس يف النظر الكشفي تعينان بل تيعن
واحد مشتمل على احلب واخللة اللذين مها املركز واحمليط والتعني الثاين يف النظر الكشفي
هو التعني الوجودي الذي هو كالظل للتعني االول كما مر فاذا كان املركز اصال للمحيط
ال بد للمحيط يف الوصول اىل املطلوب من توسط املركز فان الوصول اىل املطلوب من
طريق املركز الذي هو اصل الدائرة وامجاهلا ينبغي ان يعرف من هذا البيان مناسبة حبيب
هللا واحتاده خبليل هللا عليهما الصالة و السالم وملا كان االصل واسطة للظل يف الوصول
اىل املطلوب ال جرم اراد اخلليل توسط حبيب هللا ومتن ان يكون داخال يف عداد امته
عليهما الصالة و السالم كما ورد يف اخلرب (فان قيل) اذا كانت املعاملة هكذا فما معن
- 1145 -
امر حبيب هللا مبتابعة ملة خليل هللا عليهما الصالة و السالم ومل قال صلّى هللا عليه و
سلّم يف بيان الصالة و السالم على نفسه الشريفة كما صليت وكما سلمت على ابراهيم
(قلت) ان حقيقة الشئ كلما كانت اعلى واقرب اىل التنزيه يكون مظهر تلك احلقيقة يف
عامل العناصر اسفل و يكون تلبسه ابلصفات البشرية اكثر فوصول ذلك املظهر اىل تلك
احلقيقة بطريق العروج يكون متضمنا للعسر وامللة اليت اعطاها هللا سبحانه البراهيم على
نبينا و عليه الصالة و السالم طريق واضح للوصول اىل احلقيقة االبراهيمية اليت هي واقعة
يف جوار احلقيقة احملمدية كما مر وابراهيم عليه السالم وصل هناك من هذا الطريق وهلذا
امر صلّى هللا عليه و سلّم مبتابعة ملته ليصل هبا اىل حقيقة احلقائق وقال صلّى هللا عليه و
سلّم كما صليت وكما سلمت الن الصالة والرمحة عليه عليه السالم امنا هي بعد حصول
دولة الوصول اىل احلقيقة مع اان نقول ان الفاضل يؤمر يف بعض االحيان مبتابعة املفضول
وال يلزم من ذلك االمر ابملتابعة قصور يف فاضليته قال هللا تعاىل لنبيه عليه و على آله
الصالة و السالم وشاورهم يف االمر واالمر مبشورة االصحاب ال خيلو من تضمن االمر
مبتابعتهم واال فما فائدة املشورة (واعلم ان حقيقة) الصديق رضي هللا عنه يعين ربه من
االمساء االهلية الذي هو مبدأ تعينه ظل احلقيقة احملمدية بال توسط امر على هنج كلما هو
كائن يف تلك احلقيقة اثبت لذلك الظل بطريق التبعية والوراثة ومن ههنا كان هو رضي
هللا عنه اكمل ورثة هذه االمة وافضلهم قال عليه الصالة و السالم ما صب هللا شيئا يف
صدري اال وقد صببته يف صدر ايب بكر (والح) ايضا ان احلقيقة االسرافيلية ايضا هي
تلك احلقيقة احملمدية ال بطريق االصالة والظلية كما يف احلقيقة الصديقية حيث كانت
ظال لتلك احلقيقة بل يف كليهما اصالة هنا ال ظلية حائلة وامنا الفرق بينهما ابلكلية
واجلزئية فان حقيقته صلّى هللا عليه و سلّم كلية وهلذا كانت تلك احلقيقة منسوبة اىل امسه
عليه الصالة و السالم وحقائق املالئكة الكرام عليهم السالم انشئة من احلقيقة االسرافيلية
(فان قيل) هل جيوز ان يرتقي العارف من حقيقته اليت هي عبارة عن االسم االهلي الذي
هو ربه بعد الوصول اليها او ال (قلت) ان الوصول اىل تلك احلقيقة بعد طي مراتب
- 1146 -
السلوك الذي قالوا انه عبارة عن متامية السري اىل هللا على نوعني احدمها وصول اىل ظل
من ظالل ذلك االسم الذي ظهر يف املظاهر الوجوبية يف صورة حقيقته وبرز بوصف
أصله وهذا االشتباه كثري الوقوع يف هذا الطريق وعقبة عظيمة على السالك اال ان يتيسر
خملص من هذه العقبة مبحض فضل هللا تعاىل وال شك ان هذا الرتقي من هذا الظل
الشبيه ابحلقيقة جائز بل واقع واما اذا وقع الوصول اىل نفس احلقيقة فال جيوز الرتقي منها
بال تطفل احد وتبعيته فان تلك احلقيقة هناية مراتب استعداده الذايت واما اذا وصل اىل
حقيقة غريه اليت هي فوق حقيقته بطريق التطفل فجائز بل واقع وهذا السري كأنه سري
قسري وراء السري الطبيعي االستعدادي كما مرت مشة من ذلك عند بيان الوصول اىل
احلقيقة احملمدية (فان قيل) هل جيوز الرتقي من احلقيقة احملمدية اليت هي حقيقة احلقائق
وال حقيقة فوقها من حقائقها املمكنات او ال وأنت كتبت يف رسائلك ان الرتقي من
احلقيقة احملمدية قد وقع فما حقيقة هذه املعاملة (قلت) ال جيوز فان فوقها مرتبة الالتعني
ووصول املتعني اليها وحلوقه هبا حمال والقول ابلوصول واللحوق بال تكيف جمرد تفوه
يتسلى به قبل الوصول اىل حقيقة املعاملة وأما بعد الوصول اىل حقيقة االمر فاحلكم بعدم
الوصول واللحوق الزم النه ليس فيه شائبة الريب وما كتبت انه قد وقع الرتقي من احلقيقة
احملمدية فاملراد من تلك احلقيقة ظل تلك احلقيقة الذي قالوا انه عبارة عن امجال حضرة
العلم ومعرب عن ه ابلوحدة كان يف ذلك الوقت اشتباه الظل ابالصل وملا تيسر التخلص
مبحض فضل هللا جل سلطانه من ذلك الظل وسائر الظالل علم ان الرتقي من حقيقة
احلقائق غري واقع بل غري جائز فان رفع القدم منها ووضعها فيما فوقها وضع القدم يف
الوجوب وخروج من االمكان وذلك حمال عقال وشرعا (فان قيل) يلزم من هذا التحقيق
ان الرتقي من تلك احلقيقة غري واقع خلامت الرسل عليه وعليهم الصالة و السالم ايضا
(قلت) انه صلّى هللا عليه و سلّم أيضا مع علو شأنه وجاللة قدره ممكن دائما ال خيرج
من االمكان قط وال يلحق ابلوجوب اصال فانه مستلزم للتحقق اباللوهية تعاىل هللا ان
يكون له ند وشريك دع ما ادعته النصاري يف نبيهم اخل (فان قيل) قد اتضح من التحقيق
- 1147 -
السابق ان الوصول اىل حقيقة احلقائق واللحوق واالحتاد هبا بتطفله ووراثته صلّى هللا عليه
و سلّم اثبت لآلخرين ايضا وشركتهم له يف كماله اخلاص به صلّى هللا عليه و سلّم كائنة
فعلى هذا التقدير ما الفرق بني املتبوع االصلى وبني التابع الطفيلي يف هذا الكمال الذي
هو متضمن لرفع احلجاب وارتفاع الواسطة وفوق مجيع الكماالت واي مزية يف املتبوع
واالصل ليست هي يف التابع والطفيلي (قلت) ان وصول اآلخرين اىل تلك احلقيقة
وحلوقهم هبا من قبيل حلوق اخلادم ابملخدوم ووصول الطفيلي اىل االصيل فان كان
الواصل من اخص خواص االمة الذين هم االقلون فهو خادم وان كان من االنبياء عليهم
السالم فهو ايضا طفيلي واخلادم الذي هو انئل حصة مما يف يد املخدوم اي شركة له مع
املخدوم واي عزة له واي مزية يف جنبه والطفيلي وان كان جليسا وشريكا يف اللقمة
ولكن الطفيلي طفيلي ووصول اخلدمة بتبعية املخدوم اىل امكنة عالية واكلهم من االطعمة
املخصوصة به ونيلهم االعزاز واالحرتام من عظمة شأن املخدوم وعلو منزلته وكأنه يلحق
للمخدوم حينئذ عزة أخرى من جهة حلوق خدمه به مع وجود عزته الذاتية ويزيد بذلك
قدره ويرتفع شأنه (أمسع مساعا حسنا) انه قد ورد يف احلديث النبوي على صاحبه الصالة
و السالم من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل هبا فاملتبوع كلما كان التابع له يف
سنته احلسنة اكثر يكون اجره مثل اجورهم ازيد واوفر و يكون موجبا الزدايد منزلته
فكيف يكون للتابعني شركة مع املتبوع وكيف تتوهم املساواة بينهما (امسع امسع) انه جيوز
ان يكون مجاعة يف مقام واحد وشركاء يف دولة واحدة ولكن يكون مع كل منهم معاملة
على حدة واليكون الحد منهم اطالع على اآلخر اال ترى ان ازواج النيب صلّى هللا عليه
و سلّم يكن معه يف اجلنة يف مقام واحد ويتناولن من طعام واحد وشراب واحد ولكن
املعاملة اليت تكون مع النيب صلّى هللا عليه و سلّم ال تكون معهن وااللتذاذ والسرور
اللذان يكوانن له صلّى هللا عليه و سلّم ال يكوانن هلن فلو كانت هلن شركة هناك معه يف
مجيع االمور يلزم افضليتهن على الكل كأفضليته صلّى هللا عليه و سلّم فان االفضلية هنا
مبعن كثرة الثواب عند هللا (فان قيل) ان هذا التعني احليب الذي هو التعني االول واحلقيقة
- 1148 -
احملمدية هل هو ممكن او واجب حادث او قدمي وقد قال صاحب الفصوص للتعني
االول حقيقة حممدية وعرب عنه ابلوحدة وكذلك قال للتعني الثاين واحدية واثبت االعيان
الثابتة اليت هي حقائق املمكنات عنده يف تلك املرتبة وقال لكال التعينني تعينا وجوبيا
واعتقد قدمهما وقال للتعينات الثالثة الباقية اعين الروحي واملثايل واجلسدي تعينا امكانيا
فما معتقدك يف هذه املسئلة (قلت) ال تعني عند هذا الفقري اصال وال متعني اي تعني
جيعل الالمتعني متعينا وهذه االلفاظ موافقة ملذاق حضرة الشيخ حميي الدين واتباعه قدس
هللا تعاىل اسرارهم فان وقع مثل هذه االلفاظ يف عبارات الفقري ينبغي ان نعتقده من قبيل
صنعة املشاكلة و على كل حال اقول ان ذلك التعني تعني امكاين وخملوق وحادث قال
صلّى هللا عليه و سلّم اول ما خلق هللا نوري وورد يف احاديث آخر تعني وقت خلقة
ذلك النور ايضا كما ورد قبل خلق السموات أبلفي عام وامثاله وكلما هو خملوق ومسبوق
ابلعدم فهو ممكن وحادث فاذا كانت حقيقة احلقائق اليت هي اسبق احلقائق خملوقة
وممكنة تكون حقائق اآلخرين خملوقة وممكنة وحادثة ابلطريق األوىل والعجب من الشيخ
قدس سره من اين حيكم للحقيقة احملمدية بل حقائق مجيع املمكنات اليت قال هلا اعياان
اثبتة ابلوجوب ويعتقد قدمها وخيالف قول نبيه صلّى هللا عليه و سلّم واملمكن ممكن
جبميع اجزائه وممكن بصورته وحقيقته الي شئ يكون التعني الوجويب حقيقة املمكن
وحقيقة املمكن ينبغي ان تكون ممكنة ألبتة فان املمكن ال اشرتاك له مع الواجب تعاىل
اصال وال انتساب غري ان يكون املمكن خملوقة و هو سبحانه خالقه والشيخ لعدم متييزه
بني الواجب واملمكن حيث قال بنفسه بعدم التميز بينهما ال يبايل من ان يقول للواجب
ممكنا وللممكن واجبا فلو سومح يف ذلك فهو من كمال الكرم والعفو ربنا ال تؤاخذان ان
نسينا او اخطأان (فان قيل) انك قد اثبت يف رسائلك بني الواجب تعاىل واملمكن نبسة
االصالة والظلية (وقلت) يف حق املمكن انه ظل الواجب تعاىل وكتبت ايضا ان الواجب
تعاىل ابعتبار االصالة حقيقة للممكن الذي هو كالظل له وفرعت على ذلك معارف
كثرية فلو قال الشيخ قدس سره ايضا للواجب حقيقة املمكن هبذا االعتبار اي حمذور
- 1149 -
يلزم منه ومل يكون ملوما به (قلت) ان مثل هذه العلوم اليت تثبت بني الواجب تعاىل
واملمكن نسبة ومل يرد هبا الشرع كلها من املعارف السكرية ولعدم االطالع على حقيقة
املعاملة ولعدم ادراك كنه االمر وماذا يكون املمكن حت يكون ظل الواجب تعاىل وكيف
يكون للواجب تعاىل ظل فان الظل موهم لتوليد املثل ومنبئ عن شائبة عدم كمال لطافة
االصل فاذا مل يكن حملمد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم من لطافته ظل كيف يكون
إل له حممد ظل واملوجود يف اخلارج ابلذات وابالستقالل هو حضرة الذات تعالت وصفاته
الثمانية احلقيقية وما سواها أايما كان صار موجودا ابجياده تعاىل وممكن وخملوق وحادث
وال شئ من املخلوق بظل خلالقه وليس له انتساب اىل اخلالق تعاىل غري املخلوقية وغري ما
ورد به الشرع وهذا العلم بظلية العامل ينفع للسالك يف الطريق نفعا كثريا ويؤديه جبذبه اىل
االصل فاذا طوي بكمال العناية منازل الظالل ووصل اىل االصل جيد بفضل هللا تعاىل ان
هذا االصل ايضا حكمه حكم الظل ليس له لياقة ابملطلوبية لكونه متسما بسمة االمكان
وان امل طلوب ما وراء حيطة االدراك والوصل واالتصال ربنا آتنا من لدنك رمحة وهئ لنا
من أمران رشدا.
{فصل} قد كان منبع الفضائل والكماالت موالان حسن الكشمريي الدهلوي
وحصل آماله ارسل رسالة اىل هذا الفقري وادرج فيها اسئلة
احسن هللا سبحانه احواله ّ
متعددة وطلب حلها وملا كا ن حلها متضمنا الظهار بعض االسرار مع بعض موانع اخر
ما اجرتأ الفقري على حترير اجلواب وأمر الوقت ابلتعلل ولكن ملا كان للمشار اليه حقوق
عظيمة على ذمة الفقري حيث تشرف حبسن داللته بدولة احلضور عند صاحب الوالية
حاوي طريق اندراج النهاية يف البداية فاخذ منه تعليم الف ابء يف هذا الطريق واستفاد يف
خدمته فيوضات وبركات غري متناهية ادرج حل بعض اسئلته اليت هلا مناسبة بعلوم هذه
الرسالة يف ذيل هذه الرسالة ابلضرورة وهللا سبحانه اهلادي اىل سبيل الرشاد (وقد سأل)
ان الكماالت الصورية واملعنوية والظاهرية والباطنية والعلمية والعملية والدنيوية واالخروية
وما ميكن يف نوع البشر كلها حاصل حلضرة خري البشر صلّى هللا عليه و سلّم اىل يوم
- 1150 -
احلشر ومتمكنة فيه ابلفعل كما يفهم من حديث اان سيد ولد آدم وال فخر وآدم ومن
دونه حتت لوائي يوم القيامة فعلمت علم االوليني واآلخرين وامثاهلا وما كان مشروطا
بشروط او موقوفا على وقت حيصل له أبحسن الوجوه ألبتة فعلى هذا التقدير ملاذا يكون
حزنه صلّى هللا عليه و سلّم املوصوف ابلدوام املعروف ابلكثرة وما سبب ذلك فان
السبب للحزن والغم فقدان شئ يطلبه ويريده ألبتة (أيها املخدوم) ان استبعاد وجود احلزن
وفقدان الكمال ابلنسبة اىل خامت الرسل عليه و على آله الصالة و السالم والتحية نظرا
اىل جاهه وجالله احملمدي وعناية هللا جل سلطانه الشاملة حلاله يف حاله ومآله عليه
الصالة و السالم مسلم ومستحسن واذا نظران اىل عبديته وعجزه البشري صلّى هللا عليه
و سلّم والحظنا عزته وجالله وعظمته وكربايءه واستغناءه تعاىل الذاتيات ال يستبعد
حصول حزن له او فقدان كمال من كماالته تعاىل الغري املتناهية يف حقه صلّى هللا عليه
و سلّم أيضا بل ذلك الئق حبال العبودية قوله تعاىل وال حييطون به علما وقوله تعاىل ال
تدركه االبصار كالمها شاهدان عدالن هلذا املعن ويثبتان الفقدان يف حق الكل نعم ان
املمكن وان بلغ الدرجات العلى ماذا يدرك من حقيقة الواجب وماذا ينال احلادث من
القدمي وكيف حييط املتناهي مبا هو غري متناه وما كتبوه من ان كل كمال ممكن احلصول
لنوع البشر فهو حاصل فيه صلّى هللا عليه و سلّم ابلفعل نعم ان الفضل الكلي على
الكل خمصوص به عليه الصالة و السالم ولكن جيوز ان يكون كمال راجع اىل فضل
جزئي خمصوصا ببعض االنبياء الكرام او املالئكة العظام عليهم الصالة و السالم وال
يوجب ذلك قصورا يف فضله صلّى هللا عليه و سلّم الكلي اصال وقد وردت احاديث
صحيحة بكون بعض الكماالت يف افراد االمة حت يغبطه االنبياء عليهم السالم واحلال
ان الفضل الكلّي على مجيع افراد االمة لالنبياء عليهم السالم وايضا قد ورد يف احلديث
ان للشهداء يف سبيل هللا مزية على االنبياء أبشياء حيث ان الشهداء ال احتياج هلم اىل
الغسل ومل يشرع صالة اجلنازة على الشهداء كما هو مذهب االمام الشافعي واالنبياء ال
بد هلم من الصالة وقال يف القرآن اجمليد وال تقولوا ملن يقتل يف سبيل هللا اموات بل أحياء
- 1151 -
اآلية وقال يف حق االنبياء موتى وهذه كلها فضائل جزئية ال تستلزم القصور يف فضل
االنبياء الكلي فيمكن ان يطرأ عليه صلّى هللا عليه و سلّم حزن وغم بسبب فقدان هذه
الفضائل اجلزئية و يكون ذلك احلزن سببا حلصول االستعداد والوصول اىل تلك الفضائل
أبن جتتمع الشهادة مثال مع النبوة ولئن سلمنا ان مجيع كماالت مجيع افراد االنسان
حاصلة له صلّى هللا عليه و سلّم ابلفعل نقول ان مهته صلّى هللا عليه و سلّم ملا كانت
عالية مل يكتف بتلك الكماالت بل اشتاق اىل ما فوقها قائال هل من مزيد وملا كان
حصول الكماالت الفوقانية للبشر خارجا عن حد االمكان كان دوام احلزن وافراط الغم
نقد وقته صلّى هللا عليه و سلّم وحتقيق هذا املبحث وهللا اعلم حبقيقة احلال ان مدار
االمر يف الطريقة واحلقيقة ويف القربة واملعرفة على الفناء و على زوال الصفات البشرية
واالحوال االمكانية {شعر}:
ومن مل يكن يف حب مواله فانيا * فليس له يف كربايه سبيل
وكلما يبقى من وجود البشرية يكون حجاب الطريق بقدره وارتفاع الصفات
البشرية ابلكلية غري ممكن يف حق الكل سواء كان من اخلواص او من اخص اخلواص قال
الشيخ فريد الدين العطار{شعر}:
اال ترى سيد الكونني ما وصال * لكنه فقر فدع عن نفسك التعبا
واراد بكنه الفقر زوال الصفات البشرية واالحكام االمكانية ابلكلية وحصول ذلك
غري متصور لكونه مستلزما لقلب احلقائق فان املمكن اذا ترقى واخنلع من امكانيته يصري
واجبا ألبتة وذلك حمال عقال وشرعا وما قاله واحد من االعزة {شعر}:
لو نفض املمكن أغربة االمكان * ال يبقى سوى واجب
حممول على التمثيل والتشبيه ال على التحقيق والتقرير فانه غري واقع قال واحد من
االعزة {شعر}:
سواد الوجه يف الدارين صاح * من املخلوق اصال ال يزول
(فان قيل) ان بقاء احكام االمكان وآاثره ظاهر يف مقام قاب قوسني فان قوس
- 1152 -
الوجوب وقوس االمكان كليهما قائمان فيه وأما مقام او ادىن الذي هو ابالصالة
خمصوص به صلّى هللا عليه و سلّم فما معن بقاء احكام االمكان فيه (قلت) ان ما به
االمتياز بني الوجوب واالمكان هو العدم الذي هو احد طريف االمكان فان الطرف
اآلخر من االمكان الذي هو الوجود مشرتك بني الوجوب واالمكان ويف مقام او ادىن
تشرع احكام تلك العدم يف الزوال فريتفع االمتياز من بني القوسني ال ان االمكان يرتفع
ابلكلية وينقلب وجواب فانه حمال كما مر وامنا الفرق ان يف مقام قاب قوسني ال ختلص
من احلجب الظلمانية اليت هي من آاثر العدم ويف مقام او ادىن لو وجدت احلجب فهي
نورانية وانشئة من طرف الوجود االمكاين وميكن محل معن ذلك البيت الذي مر على
هذا التوجيه ابن يراد من نفض غبار االمكان زوال احكام العدم اليت هي كدورة ابلكلية
(فان قيل) اذا زال طرف العدم عن االمكان وارتفع ما به االمتياز من بني الوجوب
واالمكان ومل يبق فيه غري الوجود الذي هو طرف آخر من االمكان وقدر متشرك بينه
وبني الوجوب فقد اخنلع االمكان عن حقيقته وصار ملحقا ابلوجوب الذي هو الوجود
الصرف ولزم قلب احلقيقة وكان معن البيت املذكور اعين مل يبق فيه شئ غري الواجب
حمموال على حقيقته (قلت) ان الوجود الذي هو أحد طريف االمكان ظل الوجود الذي
هو اثبت يف الوجود ال عينه وذاك الوجوب الذي حدث يف املمكن بسبب زوال طرفه
العدم هو وجوب ابلغري الذي هو قسم من املمكن ال وجوب ابلذات حت يلزم انقالب
احلقيقة وذلك الن ارتفاع هذا العدم ما جاء من جهة املمكن حت يصري واجبا ابلذات
ويلزم احملال بل ارتفاع هذا العدم من املمكن امنا هو الستيالء وجود الواجب وقهر
الوجوب الذايت للممكن الذايت واملتبادر من الوجوب املذكور يف املصراع السابق هو
الوجوب الذايت ال الوجوب ابلغري والقول بكون الوجود قدرا مشرتكا بني الواجب واملمكن
فهو من قبيل االشرتاك اللفظي ال املعنوي وان قالوا انه كلي مشكك فانه ال شركة لوجود
املمكن مع وجود الواجب يف احلقيقة اصال حت تتصور الكلية واجلزئية (فان قيل) فما
معن الفناء والبقاء الل ذين قال هبما الصوفية وجعلوا الوالية عبارة عنهما فانه اذا مل يتصور
- 1153 -
ارتفاع الصفات البشرية كيف يتصور الفناء (قلت) ان الفناء الذي هو معترب يف الوالية
ابعتبار الشعور والشهود فانه عبارة عن نسيان ما سوى احلق سبحانه ال ارتفاع ما سواه
غاية ما يف الباب ان صاحب ذلك الفناء رمبا يظن يف غلبات السكر عدم الشعور
ابالشياء عدم االشياء وبتومهه ارتفاع ما سواه تعاىل ويتسلي بذلك فاذا ترقى من ذلك
مبحض فضله تعاىل وتشرف بدولة الصحو وصار صاحب متيز يعلم ان ذلك الفناء كان
نسيان االشياء ال انعدام االشياء فلو زال بسبب هذا النيسان شئ فامنا هو التعلق
ابالشياء الذي كان متمكنا ومذموما ال نفس االشياء فاهنا قائمة على صرافتها ممتنع
نفيها واعدامها {ع}:
سياهى از حبشى كى رودكه خود رنگ ست
فاذا حصل بفضل هللا تعاىل هذه الرؤية والتمييز زال ذلك التسلي وقعد مكانه
احلزن والغم وعدم االسرتاحة وتيقن ان وجوده مرضي ال يكون بسعيه واهتمامه معدوما
وعلم ان نقص االمكان وقصور احلدوث الزمان له دائما والعجب ان العارف كلما يرتقي
اىل فوق و يكون عروجاته اكثر يكون رؤية النقص والقصور فيه ازيد و يكون عدمي القرار
والراحة وتشبه معاملة هذا العارف بقصة تلميذ رسن اتب حيث قال الستاذه على وجه
التعجب كلما يكون عملي ازيد اقع أبعد ولعله من ههنا قال عليه الصالة و السالم كما
ورد اي ليت رب حممد مل خيلق حممدا وقال ايضا صلّى هللا عليه و سلّم ما أوذي نيب مثل
ما اوذيت ويشبه ان يكون املراد هبذه االذية رؤية النقص والقصور املوجبة لكمال احلزن
وا لغم فان سائر االذية ميكن ان يقال اهنا كانت يف سائر االنبياء اكثر فان نوحا عليه
السالم كان بني قومه تسعمأة ومخسني عاما ورأى منهم انواع االذية ونقل ان قومه رموه
حني دعاهم اىل االميان ابالحجار حت سقط مغشيا عليه من كثرة االحجار كاالمطار
فكان مستورا حتت االحجار فلما أفاق شرع اىل الدعوة وعامله قومه ابملعاملة السابقة
وهكذا اىل ان يبلغ الكتاب اجله ينبغي ان يعلم ان رؤية النقص والقصور هذه ليست هي
من البعد بل هي القرب واحلضور فان الكدورة القليلة يف احملل النوراين ترى يف النظر كثرية
- 1154 -
والكدورة الكثرية يف احملل الظلماين ترى يسرية وامنا قلت فيما سبق ان مدار االمر يف
القرب واملعرفة على الفناء فان السالك ما مل يفن عن نفسه ومل خيرج من الصفات البشرية
واالمكانية ابلكلية ال يصل اىل املطلوب فان اجتماعه مع املطلوب من قبيل اجتماع
النقيضني فان ثبوت العدم ضروري يف االمكان ويف الوجوب سلبه ضروري وما مل يصل
اىل املطلوب ماذا يدرك من كماالت املطلوب ال يدرك الشئ اال مبا يضاده ويغايره قضية
مقررة عند ارابب املعقول اال ترى ان الصيب الذي ال يعرف لذة اجلماع اذا وصفت له
لذته ليقال انه حلو ال مر وهو يتوهم حالوته كحالوة النبات والعسل البتة فانه ال حالوة
يف وجدانه غريها وهذه اللذة ليست هي لذته بل هي لذة جمعولة وخمرتعة ابخرتاع وهم
ذلك الصيب ويف احلقيقة هي راجعة اليه ال اىل ذاك فالعارف كلما حيكي من املطلوب من
قبل نفسه بال اعالم منه امنا يكون حاكيا من نفسه واذا مدحه كان مادحا لنفسه قال
عارف يف هذا امل قام ميكن ان يكون ضمري حبمده يف قوله تعاىل وان من شئ اال يسبح
حبمده راجعا اىل الشئ يعين ال يسبح شئ وال يقدس وال ميدح اال نفسه هلذا قال
البسطامي سبحاين العادة التسبيح اليه ونعم ما قيل ابلفارسية املثنوية أشعار{ع}
اى شده هم در مجال خويشنت * مى پرست هم خيال خويشنت
قسم خلقان زان مجال وزان كمال * هست گر بر هم هنى مشت خيال
گرز معشوقت خياىل در سرست *نيست معشوق آن خيال ديگر است
قال صاحب الفصوص والتجلي من الذات ال يكون اال بصورة املتجلى له
فاملتجلى له ما رأى سوى صورته يف مرآة احلق وما رأى احلق وال ميكن ان يراه وقال
اب مكان الرؤية على وجه املتابعة ال على وجه التحقيق فان الرؤية يف الدينا جائزة ويف
اآلخرة واقعة وملا كان فناء السالك ابلكلية ممتنعا وكان الوصول اىل املطلوب واالتصال به
بدونه ممنوعا ومل تتصور املعرفة بدون الوصول لزم العجز عن املعرفة ابلضرورة وصار العجز
عن املع رفة عني املعرفة ال يقال ان العجز عن املعرفة كيف يكون عني املعرفة فانه نقيضها
الن العجز عن املعرفة عبارة عن معرفة ابنه ال يعرف قال الصديق االكرب رضي هللا تعاىل
- 1155 -
عنه العجز عن درك االدراك ادراك فسبحان من مل جيعل للخلق اليه سبيال اال ابلعجز عن
معرفته قال واحد من االكابر {شعر}:
سبحانه من خالق اوصافه من كربايه * القى على تراب عجز فيه عقل انبياه
فاذا كان االنبياء عليهم الصالة و السالم عاجزين يف معرفة صفة كربايئه وقال
املالئكة الكرام عليهم السالم سبحانك ما عرفناك حق معرفتك واعرتف الصديق رضي
هللا عنه الذي هو رئيس هذه االمة اليت هي خري االمم ابلعجز فمن ذا الذي يدعي املعرفة
بعد هؤالء اال ان يظن جهله املركب معرفة ويعتقد غري احلق حقا وهذا العجز عن املعرفة
هو هناية هناايت مراتب العروج ومنتهى غاايت مدارج القرب ومن مل يصل اىل النقطة
االخرية ومل يطو مراتب التجليات والظهورات ومل جيد الوصل واالتصال الذين كان مسرورا
هبما مدة كثرية عني االنفصال ال يكون مشرفا بدولة هذا العجز وال يتخلص عن اجلهل
ابهلل ومعرفة غري احلق حقا (فان قيل) فعلى هذا ما معن وجوب معرفة هللا تعاىل (قلت)
معن وجوب املعرفة هو ان كل ما ورد به الشرع يف معرفة الذات والصفات االهلية فمعرفته
واجبة وكل معرفة تستفاد من غري الشريعة فاطالق معرفة احلق عليها جراءة عند هذا
الفقري وحكم على احلق جل وعال ابلظن والتخمني اتقولون على هللا ماال تعلمون ولعله
لذلك قال سراج االمة وامام االئمة االمام االعظم الكويف رضي هللا تعاىل عنه سبحانك
ما عبدانك حق عبادتك ولكن عرفناك حق معرفتك وان كان هذا القول ثقيال على
االكثر ولكنه قابل للتوجيه الوجيه فان حق املعرفة ان يعرف احلق جبميع ما نطقت به
الشريعة من كماالته وتنزيهاته وتقديساته تعاىل النه مل يبق ما وراءه معرفة حت تكون
مانعة عن املعرفة (فان قيل) للعوام شركة يف هذه املعرفة مع اخلواص بل مساواة فيلزم ان
تكون معرفة عوام املؤمنني مثل معرفة االنبياء عليهم الصالة و التسليمات فان حق املعرفة
حصل للكل وهذه املسئلة تشبه ما قال االمام االعظم االميان ال يزيد وال ينقص وقالوا
هناك انه يلزم من هذه العبارة ان يكون اميان عوام املؤمنني مثل اميان االنبياء عليهم
السالم (قلت) ان حاصل هذه الشبهة القوية مبنية على دقيقة اهتدى اليها هذا الفقري
- 1156 -
مبحض الفضل والكرم وهي ان حق املعرفة هو ان يلحق بتلك املعارف الشرعية احلاصلة
للعارف العجز عن املعرفة مثال وردت الشريعة بثبوت صفة العلم للواجب تعاىل وذلك
العلم غري متكيف وغري متكم كذاته تعاىل وخارج عن حيطة ادراكنا فمن عرف ذلك
العلم قياسا على علمه فهو مل يعرفه بل املعرفة هناك جمعول ومهه وخمرتع خياله ال معرفة
علم احلق الذي هو صفته الكاملة ففي هذه الصورة مل توجد نفس املعرفة فضال عن حق
امل عرفة فان اجنرت معاملته من القياس والتخمني اىل العجز ووجد بوجدانه وحاله انه ال
ميكن معرفته وايقن انه ال نصيب له من ذلك غري االميان بثبوت تلك الصفة الكاملة
فحينئذ قد حصل له نفس املعرفة وحق املعرفة فكان اصل املعرفة هو حق املعرفة يف
احلقيقة وما ليس حبق املعرفة ليس ابصل املعرفة فلم يكن للعوام شركة مع اخلواص يف حق
املعرفة واين املساواة بعد (فان قيل) اذا كان حق املعرفة نفس املعرفة يلزم ان ال يكون يف
العوام نفس املعرفة لعدم حق املعرفة فيهم (قلت) ان للمعرفة صورة وحقيقة واملعرفة اليت
هي عني حق املعرفة هي حقيقة املعرفة املربوطة ابلعجز عن املعرفة وصورهتا هي ما مل تبلغ
حد هذا العجز ومل تتخلص من شائبة املقايسة على صفات االمكان كما مر ومن كمال
فضله تعاىل اعترب صورة املعرفة يف نفس االميان وجعل النجاة مربوطة هبا كما اعترب صورة
االميان ايضا وجعل دخول اجلنة مرتتبا عليها وصورة املعرفة كافية يف صورة االميان واما
حقيقة االميان فالبد فيها من حقيقة املعرفة فعلم من هذا التحقيق ان لالميان ايضا فردين
صورة و حقيقة وما هو نصيب العوام هو الصورة وما اعطيه اخلواص هو احلقيقة فلم يكن
اميان العوام مثل اميان االنبياء عليهم السالم الذين هم اخص اخلواص فان ذاك االميان غري
هذا االميان ال مماثلة بينهما وملا كان العجز عن املعرفة مأخوذا يف حقيقة االميان وكانت
املعرفة ابنه ال يعرف موجودة فيها ال جرم يكون الزايدة والنقصان مفقودين فيها فانه ال
احتمال لتفاوت درجات املعرفة يف سلب املعرفة وتفاوت الدرجات امنا هو يف الثبوت فال
يكون يف حقيقة االميان زايدة وال نقصان وهللا سبحانه اعلم حبقيقة احلال (فان قيل) يلزم
على هذا التقرير ان تكون علوم الصوفية ومعارفهم الكشفية ساقطة عن حيز االعتبار وان
- 1157 -
ال تكون معرفة احلق جل وعال مربوطة هبا اصال فان حق املعرفة حصل ابلعلوم الشرعية
ومل تبق معرفة حت يكتسبها الصوفية ابلسعي واالجتهاد فلم تثبت للصوفية مزية على
العلماء يف معرفة احلق جل شانه اصال (قلت) ان علوم الصوفية ومعارفهم الكشفية
معدات لذلك العجز الذي يتيسر للمنتهىني منهم اىل هناية النهاية وهؤالء االكابر
يتدرجون يف مدارج تلك املعارف الكشفية اىل ان يتشرفوا بدولة الوصول اىل ذلك العجز
فتكون معارف هؤالء االصفياء معتربة لكوهنا وسيلة حلصول حق املعرفة وذريعة الوصول
اىل تلك احلقيقة (فان قيل) اذا ثبت العجز عن املعرفة وكان الكمال منحصرا يف العجز
فما معن اعتبار الصوفية ثالثة مراتب يف املعرفة وما يكون املراد بعلم اليقني وعني اليقني
وحق اليقني (قلت) ان هلذا الفقري مشاجرة يف هذه املسئلة مع القوم وهؤالء االكابر
اعتربوا هذه املراتب الثالث ابلنسبة اىل ذاته تعاىل واثبتوا علم اليقني وعني اليقني وحق
اليقني يف حضرته جل شأنه ويف التمثيل الذي اوردوه لذلك قالوا للعلم ابلنار احلاصل من
االستدالل ابلدخان علم اليقني ابلنسبة اىل النار وقالوا لرؤية النار عني اليقني وللتحقق
ابلنار حق اليقني وهذا الفقري نزل هذه املراتب الثالث اىل اآلايت الدالة على ذات
الواجب جل سلطانه وقال ابلعلم والعني واحلق يف الدوال ال يف املدلول فانه اجل واعلى
من العلم والعني واحلق ويف التمثيل اثبت العلم والعني واحلق ابلنسبة اىل الدخان ال
ابلنسبة اىل النار فان العلم ابلدخان اذا حصل ابالستدالل فهو علم اليقني ابلنسبة اىل
الدخان املستلزم للنار واذا حصلت رؤية الدخان واستدل به لوجود النار فهو عني اليقني
ابلنسبة اىل الدخان واذا حصل التحقق ابلدخان واستدل به على وجود النار فهو حق
اليقني ابلنسبة اىل الدخان وهذا االستدالل امت من االستدالل السابق فان ذاك استدالل
من اآلفاق وهذا استدالل من االنفس حلصول التحقق ابلدخان وأيضا ان الدخان واسطة
يف عني اليقني ويف حق اليقني ليس بواسطة بل النسبة اليت هي كائنة للدخان مع النار
حتصل تلك النسبة بعينها للمستدل فيصل اىل اعال مدارج القرب الذي هو ما وراء العلم
والعني واحلق (ال يقال) اذا ارتفعت الواسطة فقد حتققت الرؤية اليت هي عني اليقني (الان
- 1158 -
{ املكتوب الثاين والعشرون واملائة اىل نور حممد التهاري يف بيان ان الطريق
املوصل اىل جناب قدس احلق تعاىل اثنان}
الرحيم احلمد هلل و سالم على عباده الذين اصطفى ان الطريق الر ْمحَن َّ
ب ْسم هللا َّ
املوصل اىل جناب قدسه تعاىل اثنان طريق يتعلق بقرب النبوة على ارابهبا الصالة والتحية
وهو موصل اىل اصل االصل والواصلون من هذا الطريق ابالصالة هم االنبياء عليهم
السالم واصحاهبم الكرام ويشرف به ايضا من اريد له ذلك من سائر اولياء االمة العظام
وان كانوا قليلني بل اقل وال توسط يف هذا الطريق وال حيلولة وكل من أيخذ الفيض من
هؤالء الواصلني أيخذه من االصل بال توسط احد وليس احدهم حائال لآلخر وطريق
يتعلق بقرب الوالية واالقطاب واالواتد والبدالء والنجباء وعامة اولياء هللا تعاىل واصلون
من هذا الطريق وطريق السلوك عبارة عن هذا الطريق بل اجلذبة املتعارفة ايضا داخلة فيه
وفيه التوسط واحليلولة ومقتدى الواصلني من هذا الطريق ورئيسهم ومنبع فيض هؤالء
االكابر علي املرتضى كرم هللا تعاىل وجهه الكرمي وهذا املنصب العظيم الشان متعلق به
وكأن قدمي النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف هذا املقام على فرقه املبارك كرم هللا تعاىل
وجهه وحضرة الفاطمة وحضرات احلسنني شركاء معه يف هذا املقام واظن انه كرم هللا
وجهه كان مالذ هذا املقام قبل النشأة العنصرية ايضا كما ان بعد النشأة العنصرية كل من
وصل اليه الفيض واهلداية من هذا الطريق وصل بتوسطه فانه عند نقطة منتهى هذا
الطريق ومركز هذا املقام متعلق به وملا مت دوره كرم هللا وجهه فوض هذا املنصب العظيم
- 1159 -
القدر وسلمه اىل حضرات احلسنني على الرتتيب وبعدمها اىل كل واحد من االئمة االثين
عشر على الرتتيب والتفصيل وكل من وصل اليه الفيض واهلداية يف اعصار هؤالء االكابر
وكذلك بعد ارحتاهلم وصل بتوسطهم وحبيلولتهم وان كان من االقطاب وجنباء الوقت وكان
مالذ اجلميع وملجأ الكل هؤالء االكابر فانه ال بد لالطراف من اللحوق ابملركز اىل ان
وصلت النوبة اىل الشيخ عبد القادر اجليالين قدس سره وملا بلغت النوبة اليه فوض
املنصب امل ذكور اليه قدس سره وال يشاهد على هذا املركز احد بني االئمة املذكورين وبني
الشيخ قدس سره ويفهم وصول الفيوض والربكات يف هذا الطريق اىل اي فرد كان من
[]1
االقطاب والنجباء بتوسطه الشريف فان هذا املركز مل يتيسر لغريه وهلذا قال {شعر}:
أفلت مشوس االولني ومشسنا * ابدا على أفق العلى ال تغرب
واملراد ابلشمس مشس فيضان اهلداية واالرشاد ومن أفوهلا عدم الفيضان املذكور
وملا تعلقت املعاملة اليت كانت اوال متعلقة ابالولني ابلشيخ بعد وجوده وصارهو واسطة
وصول الرشد واهلداية كما كان االولون قبله و يكون وصول الفيض ايضا بتوسطه ما
دامت معاملة التوسط ابقية صح قوله {شعر}
افلت مشوس االولني ومشسنا البيت
(فان قيل) ان هذا احلكم منتقض مبجدد االلف الثاين فانه قد اندرج يف مكتوب
من مكتوابت اجللد الثاين يف بيان معن جمدد االلف الثاين ان كلما يصل اىل االمة يف
تلك املدة من انواع الفيض امنا يصل بتوسطه سواء كانوا اقطااب او اواتدا او بدالء او
جنباء يف ذلك الوقت (قلت) ان جمدد االلف يف هذا املقام انئب مناب حضرة الشيخ
قدس سره وهذه املعاملة مربوطة به نيابة عن حضرة الشيخ كما قالوا ان نور القمر
مستفاد من نور الشمس فال حمذور (فان قيل) ان معن جمدد االلف الذي ذكر فيما سبق
مشكل الن عيسى عليه السالم ينزل يف املدة املذكورة واملهدي عليه الرضوان ايضا يظهر
يف تلك املدة ومعاملتهما اجل واعلى من ان أتخذا الفيوض بتوسط احد (قلت) ان
( )1من قصيدة مطلعها ما يف املناهل منهل مستعذب * اال ويل فيه االلذ االطيب عفي عنه.
- 1160 -
جيعلها خالصة لوجهه الكرمي وان ينفع هبا اخوان الصفاء النفع العميم انه لطيف بعباده
رؤف رحيم و صلى هللا على سيدان حممد ذي اخللق العظيم وآله وصحبه الذين أتهبوا
ليوم عظيم
***
{يقول الراجي من ربه نيل االماين * عبد احلميد فردوس املكي اخلالدي االفغاين
مصحح الكتب العربية * ابملطبعة املريية * غفر هللا له ولوالديه وحملبيه وللمسلمني}
احلمد هلل الذي نورقلوب العارفني بنور اليقني * وشرح صدور الواصلني ابملشاهدة
فكانوا هداة الدين * فأعربوا عن احلقائق االهلية بلسان احلق املبني * والصالة و السالم
على سيدان حممد املبعوث رمحة للعاملني * ترمجان لسان القدم * ومنبع احلكمة واحلكم *
من أويت فصل اخلطاب وجوامع الكلم *و على آله واصحابه هداة االمم * والتابعني هلم
ابحسان اىل يوم الدين *وبعد فقد مت حبمد هللا الوهاب * طبع الكتاب املستطاب *
املوسوم ابلدرر املكنوانت النفيسه * يف تعريب املكتوابت الشريفة * لالمام الكامل
املكمل ذي اجلناحني * املرشد اجملدد لاللف الثاين بال ريب وال مني * العالمة االستاذ
الشيخ الرابين * واهليكل الصمداين * سيدي وموالي الشيخ امحد السرهندي *االفغاين *
النقشبندي * نفع هللا به آمني والتعريب للعامل الفاضل الكامل اجلامع بني علمي الظاهر
والباطن العالمة الشيخ حممد مراد القزاين املكي فلّله در مؤلفه فقد أفاد وأجاد * بلغه هللا
واايان املراد * وشكر سعيه ونفع به كما نفع أبصله انه مسيع قريب جميب * ومل أنلوا جهدا
يف التصحيح مث نرفعه ملالحظة املؤلف فيطبع بعد ذلك وذلك يف املطبعة املريية * الكائنة
مبكة احملمية * يف ظل ظل هللا يف االرض * وخليفته يف الطول والعرض *ملك الربين
وخاقان البحرين واملمالك اليت ال حتصى * خادم احلرمني الشريفني واملسجد االقصى
*موالان السلطان املظفر املعان احملفوظ ابلقرآن والسبع املثاين * موالان السلطان الغازي
(عبد احلميد) خان الثاين * اللهم انصره نصرا تعز به الدين * وتنجز وعد وكان حقا
- 1162 -
علينا نصر املؤمنني * ووفقه ووزراءه وقضاته وعماله ملا حتب وترضى يف كل وقت وحني *
بنظر وادارة مديرها من للمكارم يبدي * شويكي زاده عبد الغين افندي * والتصحيح
مبصاحبة العامل الفاضل الشيخ عبد هللا زبري وكان متام الطبع * وختام الرتتيب والوضع *
يف اليوم السابع عشر من شهر ربيع االول من عام السابع عشر والثالمثائة وااللف * من
هجرة من خلقه هللا على أكمل وصف *صلّى هللا عليه و على آله * وكل انسج على
منواله * ما طاف ابلبيت العتيق طائف ،ووقف بعرفة واقف *وملا بدا بدر متامه * وفاح
مسك ختامه * قلت مؤرخا
درر زهت ابلطبع اي صاح * ام غادة جليت ابفراح
ام روضة مأنوسة مجعت * للروح والرحيان والراح
ام ذا كتاب عربت وعلت * الفاظه ابلطبق اي صاحي
سر الطريقة واحلقيقة قد *ابداه فيه لنا ابيضاح
للفاضل الشيخ الذكي مرا * د من امد بفيض فتاح
فاهلل يعلي قدره ابدا * ابالنبيا والسيد املاحي
من غري كاف مت ارخه * تعريب مكتوب ابفصاح
182 448 682 5 1317
***
حدود سنة ثالمثأة اايم املقتدر ابهلل العباسي او قبلها التابعة اآلن من حدود سنة احدى
وستني وتسعمائة لدولة الروسية فلما بلغ سلمه هللا تعاىل ست سنني شرع يف قراءة العلوم
اخذ القرآن اجمليد اوال من ابويه مث من خاله الشيخ املال حسن الدين الذي هو من اكرب
تالمذة املال امسعيل القشقاري املشهور يف تلك البالد وشرع يف قراءة الصرف يف سن
تسع وقرأ عوامل اجلرجاين يف سن احدي عشرة والزم خاله املذكور اىل ان بلغ عمره مثاين
عشرة سنة وقرأ يف تلك املدة عليه من النحو واملنطق واالخالق والفقه اىل شرح العقائد
النسفية للتفتازاين وكان معيدا لدروسه وهبذا حصل له ملكة جيدة فيما قرأ وبعد ذلك
سافر اىل بلدة قزان يف اول ربيع من عام تسعني ومائتني والف واختار مدرسة العالمة
شهاب الدين القزاين املرجاين صاحب الناظورة وغريها من التآليف الكثرية ولكن مل يوفق
لالقامة هناك بل سافر منها قاصدا خبارى وما وراء النهر صحبة واحد من السياحني اال
انه توقف اثناء سفره هذا يف بلدة طرويسكي مقدار سنتني واختار لالقامة هناك مدرسة
املرحوم احلاج املنال شرف الدين واملنال حممد جان وقرأ عليهما شرح العقائد وسلم العلوم
يف املنطق مع حواشيه وهو غري السلم املنورق املنظوم املستعمل يف بالد العرب بل هو
منثور واكرب من املذكور وامجع لقواعد املنطق اال أنه خملوط مبسائل الفلسفة خصوصا
حاشيته املشهورة للقاضي مبارك الكوفاموي اهلندي وكان له شغف اتم به حت كتبه
وحاشيته املذكورة وحاشية املنال حسن بيده وحفظه من اوله لكونه رائجا يف بالده والناس
ال بد هلم من ان يرغبوا ملا هو رائج عند اهل زمانه وبالده وكان يعتقد كاهل بالده ان ال
كمال فوق الذي حيويه هذا الكتاب وحاشيته املذكورة وهلذا كان ال يفارقهما يف سفره
وحضره مث توجه اىل خبارى من طريق طاشكند واقام بطاشكند مقدار شهرين وكان حيضر
درس شرح العقائد وشرح حكمة العني عند بعض علمائها مث دخل خبارى سنة ثالث
وتسعني وحضر درس شرح العالمة الدواين على هتذيب املنطق للعالمة التفتازاين من اوله
عند املنال عبد هللا املفيت السرطاوي القزاين واملنال عبد الشكور الرتكماين رمحهما هللا فأمت
حبث احلمد يف مدة ستة اشهر بقراءة اربعة من حواشيه على ما هو عادة تلك البالد يف
- 1164 -
هذه االزمنة االخرية فيقرأونه هبذه الكيفية اىل حبث املوضوع يف مدة اربع سنني مث يرتكونه
قبل الوصول اىل مقصود الفن وهكذا عادهتم يف مجيع الكتب فطرأ الفتور على حتصيله
بعد اطالعه على ذلك وتيقن ان خبارى مل تبق معدان للكماالت كما كان اوال وان شهرهتا
امنا هي ابلنظر اىل حاهلا االول وعلم يقينا ان االقامة فيها على هذه احلالة تضييع للوقت
ال غري وحرمان من املقصود فخرج منها يف اول الربيع متوجها اىل طاشكند اثنيا قاقام هبا
وبنواحيها سنتني وحضر درس علمائها املتداول هناك واقام يف رابط بعض املشائخ يف
نواحيها مدة معلما وصادف عنده كثريا من كتب التصوف ابلعربية والفارسية وكتب السري
ايضا فطالعها كلها ابلشوق وااللتذاذ واستيقن ان ما ظنه كماال نقص حمض وانه تضييع
للوقت وان الكمال فيما وراءه ورأى النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف منامه أثناء مطالعته
كتب السري وتشرف ابالانبة يف الطريقة على يد بعض املشائخ يف تلك الناحية مث اراد
الرجوع اىل خبارى اثنيا فدله بعض احبابه على التوجه اىل احلجاز وشوقه اىل ذلك فخرج
من طاشكند يف اواسط سنة مخس وتسعني يف رفاقة بعض اعيان بالده اجملاورين
بطا شكند متوجها اىل احلجاز فسلكوا طريق مسرقند وقرشي وعذار وبلخ وكابل وجالل
آابد وپشاور والهور وأمرتسر فتو قفوا هناك مجعة واحدة بسبب انكسار اجلسر يف طريق
اببور الرب فرجعوا من هناك اىل الهور اثنيا فسلكوا طريق ملتان فسقر بقر فحيدر آابد
السند فكراچي فبمباي فاقاموا هناك مدة شهر رمضان وبعد العيد ركبوا البابور ووصلوا
اىل جدة بعد مثانية عشر يوما ودخلوا مكة املكرمة يف اواخر شوال وبعد ان حج يف السنة
املذكورة توجه اىل املدينة املنورة فدخل هناك اوال يف مدرسة امني آغا مث حتول بعد شهر
اىل مدرسة الشفا مث ان تقل منها بعد مثانية اشهر اىل املدرسة احملمودية بسبب ان مدرسها
الذي كان جاء من اآلستانة يف العام املذكور وأحدث االمتحان لقبول الطلبة يف املدرسة
املذكورة فحضر دروس العلوم الدينية كالفقه واحلديث والتفسري عند علمائها الكبار
وانكب على مطالعة العلوم العربية خصوصا الفنون الثالثة والعروض فحصل منها شيئا
صاحلا وطالع اكثر االحياء وسائر كتب التصوف وقرأ التوضيح يف االصول مع حاشيته
- 1165 -
التلويح على واحد من علماء بالده وكان جاور يف املدينة يف العام املذكور وامت حفظ
القرآن يف العام الذي دخل املدينة وانل االجازة من كبار علماء املدينة الذين حضر
دروسهم من االهايل واجملاورين يف سائر الفنون والعلوم ودخل الطريقة النقشبندية اجملددية
عند قطب وقته واملشار اليه ابلبنان يف الطريقة واحلقيقة يف عصره والذي ال يشق له غبار
فيهما موالان الشيخ حممد مظهر قدس هللا سره وروح روحه ونور ضرحيه وكان له قدس
سره يف حقه عناية اتمة والتفات خاص وقد اثن عليه مرارا عند خواص اصحابه حني
غيبوبته اخربه بذلك وبشره مبا هنالك املرحوم املخدوم امساعيل افندي التوسي الذي كان
من خواص اصحابه وانظر كتبه رمحه هللا تعاىل وقال املرتجم سلمه هللا رأيت مرة يف املنام
حني كنت يف صحب ة سيدي حممد مظهر قدس سره بيتا عاليا يف صحراء واسعة وحوله
اصحاب سيدي الشيخ ويف ايديهم املخدوم االعظم الشيخ امحد هباء الدين حفظه هللا
تعاىل ولد شيخنا يريدون ان يدخلوه يف البيت املذكور ويتداولونه من يد اىل يد جييؤن به
اترة اىل الباب واترة اىل الطاقة وال يقدرون على ادخاله بوجه ما الن العتبة عالية جدا
واحلقري انظر اليهم من بعيد واضحك متعجبا من عدم قدرهتم على االدخال فلما تبني يل
عجزهم اخذته من ايديهم ووضعته يف العتبة وقلت له ادخل البيت فدخل انتهى قال
فكان االمر كذلك الن شيخنا املذكور ملا تويف بقي املخدوم املذكور حفظه هللا يف سن
عشرة فاخذه سيدي السيد حممد صاحل الزواوي املكي قدس هللا سره وروح روحه ونور
ايل لالقراء فقرأ على مدة حياة
ضرحيه يف حجر تربيته فلما جاء به مكة املكرمة سلمه ّ
سيدي املذكور وسنتني بعد وفاته ايضا واستفاد طريقة اجداده ايضا يف تلك املدة حت
محلته ا ىل املدينة سنة عشر وثالمثائة والف ووضعته يف عتبة ابب آابئه واجداده العالية
وهو اآلن جالس يف مسند آابئه الكرام رزقه هللا تعاىل حسن االستقامة واحلمد هلل على
ذلك وحني كان يستفيد يف صحبة شيخه املذكور من االسرار ويستضئ فيها ابنواع
االنوار وحصل له فيها احوال القلب وسائر اللطائف يف مدة يسرية وشاهد حصوهلا يف
عامل املثال بصور االنوار اذ غدر عليه الدهر الغدار حيث حصل له مرض شديد سلب
- 1166 -
عنه الصرب والقرار فلزمه تبديل اهلواء ابلسفر اىل بالده فحصل االذن من شيخه ابنواع
احليلة اذ كان غري راض مبفارقته لعدم جميئ اواهنا فسافر اىل وطنه وبعد ان اقام به عدة
اشهر كر راجعا اىل احلجاز يف عامه ذلك وبعد ان حج يف العام املذكور اقام مبكة املكرمة
ومل يرجع اىل املدينة املنورة وحضر صحبة موالان الشيخ العالمة عبد احلميد افندي
الداغستاين قدس هللا سره وروح روحه ونور ضرحيه مث سافر اىل وطنه اثنيا وعاد يف عامه
اىل احلجاز ودخل املدينة اوال يف هذه النوبة من طريق ينبع واقام هبا مثانية عشر يوما مث
توجه اىل مكة املكرمة واقام هبا ايضا بعد امتام احلج وحضر صحبة موالان الشيخ عبد
احل ميد افندي املذكور واستفاد منه الطريقة وحضر درس سنن ايب داود عنده يف رمضان
وكان حيضر دروس بعض علمائها الكبار يف فنون شت وبينما هو يف صدد الرجوع اىل
املدينة بنية التشمر على صحبة شيخه املذكور وقصر وقته عليها اذ جاءه خرب وفاة شيخه
املذكور قدس سره سنة احدى وثالمثائة والف فرجع عن عزميته ابلضرورة والتزم صحبة
موالان الشيخ عبد احلميد قدس سره ولكن خانه الدهر اخلؤن ايضا حيث تويف آخر العام
املذكور شيخه املربور املذكور ايضا فحصل له غاية القلق واالضطراب حيث ذاق طعم
شراب القوم وادرك كنهه وتيقن ان ال كمال سوى مشرهبم ذوقا وحاال كما قال االمام
الغزايل قدس سره وهو يف غاية العطش ومل ينل منه مقصوده ومل حيصل بغيته فهم ابملسافرة
اىل اهلند الخذ الطريقة من كبار املشائخ هناك ال الجل غرض آخر ولكن ملا جلس
موالان السيد حممد صاحل الزواوي مكان الشيخ عبد احلميد افندي قدس سرمها اطمئن
خاطره وحضر صحبته وصار يستفيد منه الطريقة ولكن ملا سافر السيد املذكور يف رجب
عام اثنني وثالمثائة عاد عليه القلق واالضطراب اثنيا فشرع حينئذ يف تعريب الرشحات
لدفع اهلموم عن نفسه ابشغاهلا به ورجاء حصول النفع لالخوان وورد اليه من املدينة
املنورة من السيد املذكور مع قافلة رجب ورقة االجازة واالستخالف يف مكانه مشرتكا مع
واحد من اخوانه اجلاويني فزاد حتريه واضطرابه من ذلك النه كان معتقدا انه مل يضع قدمه
يف الطريقة بل مل حيصل له مناسبة هبا بعد فكتب اىل شيخه بطلب االقالة منه فلم يقله
- 1167 -
بل ملا عاد مكة املكرمة يف العام الثاين اكد االجازة ابلباس اخلرقة اايمها يف جممع كافة
االخوان وابالجازة قوال وكتب له اجازة خمصوصة يف سائر العلوم على ظهر رسالة االمم
للشيخ ابراهيم الكوراين وكان خيلفهما مبكة املكرمة حني توجهه اىل املدينة املنورة وكان
يبذل يف حقه انواع العناايت وصنوف االلطاف وملا قدمه تعريب الرشحات بعد عوده اىل
مكة املكرمة استحسنه وامره تعريب املكتوابت ايضا فاعتذره ابنه مشكل جدا ويف غاية
الصعوبة فقال ان هللا يعينك حبرمة املشائخ الكرام وانه {ع}:
ال عسر يف امر مع الكرماء
فعرهبا ايضا امتثاال المره فاستحسنه غاية االستحسان وسر به هناية السرور وقابله
مبا عربه بعض العلماء منتخبا من املكتوابت وعزم على طبعه بعد طبع الرشحات ولكن
اخرتمته املنية قدس سره قبل بلوغه تلك االمنية سنة طبع فيها الرشحات وقد كتب له
اجازة اثلثة على ظهر كتابه حصر الشارد من اسانيد الشيخ عابد يف الطريقة وسائر العلوم
والفنون وكتب فيها هذه العبارة وانه له من امسه نصيب وكما انه مريد فهو مراد وانه
حيصل منه نفع اتم للعباد انتهى وقد بشره ابملرادية واحملبوبية مشافهة مرارا ولكنه مع هذه
كلها ال يغرت هبا بل دائما يف خوف ووجل من املسؤلية عند هللا ابجللوس يف هذا املكان
وهلذا ترك حضور احللقة مرة بعد االعتذار على االخوان واذنه اايهم ابلذهاب اىل اي حمل
شاؤا ولكن ملا مل يرتك االخوان ذيله وجاءه املالم من كل طرف بتضييع حمل املشائخ وتركه
اايه خاليا يف حياته عاد اليه اثنيا لكن ابلتصريح ابنه غري مستحق له وانه امنا جيلس فيه
لكونه مأمورا من جانب مشائخه ويؤكد ذلك دائما ويعتقده من قلبه ويشهد على ذلك
كل احد لئال يكون مسؤال عند هللا تعاىل ولذلك ال خيتار اوضاع املشائخ وال حيب ان
ميشي احد خلفه وقت املشي او حيمل احد سجادته او ان يتكلم مع الناس على طور
املشائخ ابيراد كلمات الصوفية وبيان اصطالحاهتم كما هو ديدن مشائخ الوقت بل
يتكلم مع كل احد كالما مناسبا حلاله وصنعته ال سرتا حلاله بل لئال يكون منه دعوى ما
ليس فيه ولو ضمنا وكان يف حياة شيوخه كلما حيضر عندهم حيضر بغاية اخلوف من
- 1168 -
ظهوره عند بصر بصريهتم بصورة واحدة من االخالق الذميمة وابجلملة انه ال يرى يف
نفسه شيئا من كماالت القوم وكل من اراد منه الطريقة يقول ليس عندي شئ اطلبها من
اهلها وامنا اجلس يف هذا احملل امتثاال المر مشائخي فان احل يف الطلب يقبله ابلضرورة
خوفا من البخل والكتمان وكذلك من راجع اليه يف شئ من علوم القوم يبني له ما وصل
اليه مبطالعة كتب القوم او من مشائخه مشافهة وعنده مجلة من أتليفات مشائخه
كاملكتوابت املعصومية واملقامات املظهرية واملعموالت املظهرية ورسائل موالان امحد سعيد
وموالان حممد مظهر قدس سرمها واملقامات الدهبيدية ومناقب االمام الرابين وغريمها من
كتب التصوف وقد طالع كلها مرارا وما سواها ايضا يف خزاانت الكتب يف املدنية املنورة
وطالع العوارف والفتوحات املكية والفصوص مع عدة من شروحه وحواشيه حبيث اطلع
على حقيقة مذهب الشيخ حميي الدين ابن العريب كما انه مطلع على حقيقة مذهب
االمام الرابين قدس سرمها كما ينبغي حبيث قلما خيفى عليه دقيقة من دقائقهما علما
وكذلك طالع شروح التائية الكربى وشرح اللمعات ولوائح اجلامي وشرح الرابعيات وشرح
ا خلمرايت له وابجلملة اعتناؤه بكتب التصوف ازيد من اعتنائه بغريها ومع ذلك ال خيلو
ايضا من مطالعة كتب التفسري واحلديث والسري وتراجم املشائخ والعلماء وتواريخ االمم
ويتمين دائما ان ميضي عمره بعد عبادة هللا تعاىل يف مطالعة هذه الفنون ومذاكرهتا مع
اهلها وله من الت صانيف تعريب الرشحات وذيله وقد طبع يف مكة املكرمة سنة سبع
وثالمثائة من جيب شيخه السيد حممد صاحل الزواوي قدس سره واتريخ قزان وبلغار اال انه
مل يتم اىل اآلن لتوقفه على ترمجة بعض تواريخ الروسية بل لتوقفه على ارادة هللا تعاىل
وتعريب املكتوابت هذا وما وضع يف هامش اجللد االول من ترمجة احوال االمام الرابين
وما وضع يف هامش اجللد الثاين من تعريب املبدأ واملعاد ورسائل أخر مل تنتشر بعد ومدار
تعيشه حيصل من كرماء اهل بالده بقدر الكفاية والسرت خصوصا اصحاب تكيته اليت هو
ساكن هبا اآلن مبكة املكرمة وهم الذين عرفوه حني جهله الناس واخرجوه من زاوية
اخلمول اىل عرصة الظهور واالشتهار واشرتوا له هذه التكية ابلف ذهب عثماين وال
- 1169 -
ينسونه يف كل عام من احساانهتم جزاهم هللا سبحانه خري اجلزاء وعمر دنياهم واخراهم
وكذلك سائر اهل االحسان وطبع هذا الكتاب ايضا من مجلة احساانت اهل بالده
ولوالهم مل ا تيسر طبعه ونشره وهو ليس ابثر قليل بل هو اثر جليل امتاز هذا الزمان
املسعود عما قبله بنشره فيه وقد قيل ان املرحوم السلطان عبد العزيز رمحه هللا تعاىل امر
العالمة السيد داود البغدادي بتعريبها اعين مكتوابت االمام الرابين ووعده ابنعامات
جزيلة بعد االمتام زايدة على ما عينه له حني االشتغال بتعريبه من املصارف الالزمة وشرع
فيه ولكن خانه الزمان وحيل بني الع ري والنزوان وشراب من كأس احلمام قبل ان يتم وخيرج
يف امليدان وهلل سبحانه يف كل امور حكم ولكل وقت حادث قل او جم وابجلملة انه
كلما يفتح بصره يقع نظره على احساانت اهل ممالك قزان وليس يف ذمته حقوق
لسواهم يف ابب االحسان اال ان يكون من اهل اجلاوة بعض االخوان جزى هللا اجلميع
خري جزائه وعاملهم بلطفه يوم جزائه واحلمد هلل رب العاملني والصالة و السالم على سيد
املرسلني و على آله وصحبه امجعني مت بقلم بعض اصحابه على سبيل االختصار وخري
الكالم ما قل ودل.
{للشيخ ايب حممد عبد هللا بن القاسم الشهرزوري رمحه هللا تعاىل يف التصوف}
ملعت انرهم وقد عسعس الليل * ومل احلادي وحار الدليل
فتأملتها وفكري من البني *عليل وحلظ عيين كليل
وفؤادي ذاك الفؤاد املعن * وغرامي ذاك الغرام الدخيل
مث قابلتها وقلت لصحيب * هذه النار انر ليلى فميلوا
فرموا حنوها حلاظا صحيحا * تفعادت خواسئا وهي حول
مث مالوا اىل املالم وقالوا * خلب ما رأيت ام ختييل
فتجنبتهم وملت اليها * واهلوى مركيب وشوقي الزميل
- 1170 -
صحيفة {فهرست اجللد الثاين من تعريب مكتوابت االمام الرابين قدس سره}
{متت فهرست اجللد الثاين}
***
- 1173 -
القرب وتسفله متعددة كثرية منها النظر اىل مذهبه وطريقته وسريته ان كان صاحب
مذهب وطريقة ومنها مطالعة آاثره وأتليفاته ان كان صاحب اثر وأتليف كما قيل
{شعر}:
ان آاثران تدل علينا * فانظروا بعدان اىل اآلاثر
ومنها املراجعة اىل اقوال من تكلموا يف حقه ابجلرح والتعديل اذا كان صدور ذلك
عنهم ابالنصاف عاراي عن االغراض الفاسدة واالعتساف فأان حبول هللا تعاىل وقوته اذكر
كل ذلك على حدة بعنوان املنظرة (فاملنظرة االوىل) يف ذكر نسبه الشريف امجاال وما وقع
يف حقه من البشارة قبل والدته أما نسبه الشريف فهو قدس سره سيدان وسندان وويل
نعمتنا االمام الرابين اجملدد واملنور لاللف الثاين موالان الشيخ امحد ابن الشيخ عبد االحد
ابن الشيخ زين العابدين ابن الشيخ عبد احلي ابن الشيخ حممد ابن الشيخ حبيب هللا ابن
االمام رفيع الدين ابن اخلواجه نور ابن اخلواجه نصري الدين ابن اخلواجه سليمان ابن
اخلواجه يوسف ابن اخلواجه عبد هللا ابن اخلواجه اسحق ابن اخلواجه عبد هللا ابن اخلواجه
ش عيب ابن اخلواجه امحد ابن اخلواجه يوسف ابن اخلواجه شهاب الدين املعروف
بفرخشاه الكابلي اب ن اخلواجه نصري الدين ابن اخلواجه حممود ابن اخلواجه سليمان ابن
اخلواجه مسعود ابن اخلواجه عبد هللا الواعظ االصغر ابن اخلواجه عبد هللا الواعظ االكرب
ابن اخلواجه ايب الفتح ابن اخلواجه اسحق ابن اخلواجه ابراهيم ابن اخلواجه انصر ابن
سيدان عبد هللا ابن سيدان امري املؤمنني عمر الفاروق رضي هللا عنهما وعنهم امجعني وكان
آابؤه الكرام واجداده العظام كلهم من اكابر العلماء االعالم وصلحاء فضالء االانم (وأما
البشارة) احلاصلة يف حقه قبل وجوده فاعلم ان امر البشارة اغلبه مبين على الظن الغالب
فاهنا ال تكون أبن شخصا امسه فالن واسم ابيه فالن وحليته كذا وقبيلته كذا يظهر يف
زمان كذا ويف مكان كذا بل يذكر فيها مجلة من سرية املبشربه او زمانه او قبيلته كالبشارة
بوجود املهدي رضي هللا عنه ولذا ال يزال يوجد من يدعي انه هو املهدي املوعود وليس
كلهم يدعي ذلك ابلكذب والباطل بل لوجود بعض العالمات الواردة يف حقه فيه
- 1175 -
وكالبشارة الواردة يف حق االئمة اجملتهدين مثل لو كان الدين يف الثراي لتناوله رجال ويف
رواية رجل من أبناء فارس ومثل يوشك ان يضرب الناس ويف رواية يوشك الناس ان
يضربوا اكباد االبل يطلبون العلم فال جيدون عاملا اعلم ويف رواية افقه من عامل املدينة ومثل
ال تسبوا قريشا فان عاملها ميأل طباق االرض علما فان احملققني اهل االنصاف محلوا
االول على البشارة بوجود االما االعظم ايب حنيفة والثاين على البشارة بوجود امام دار
اهلجرة مالك ابن انس والثالث على البشارة بظهور االمام الشافعي رضي هللا عنهم
امجعني وكل ذلك حبسب الظن الغالب حيث وجدت االوصاف املذكورة فيهم بل ال
يستبعد حصول اليقني بذلك للمحبني واملنكر املعاند الشقي ال يزيده ذلك اال انكارا
وعنادا واستكبارا كما أننا ال نزال جند املتعصبني اىل اآلن ينكرون محل احلديث االول
على البشارة ابالمام االعظم رضي هللا عنه بل املتوغل يف اجلهالة واملتنكص على عقبيه يف
تيه الضاللة ال يستنكف من التفوه ابالنكار على وجود القائل بذلك وهذا ال يضر إال
نفسه فان القائل بذلك ليس من اتباع االمام االعظم رضي هللا عنه فقط بل احملققون من
غريهم كالسيوطي وابن حجر اهليتمي والشعراين مصرحون بذلك فهذا املنكر ان اطلع
على ذلك ومع هذا انكر وجود القائل به فهو معاند غوي سابح يف حبر العناد والسفاهة
وان مل يطلع فهو جاهل غيب خائض يف تيار الغفلة واجلهالة فحقه ان يسكت وأيكل
ويشرب وينهق مع ما ينهق دون ان ينعق هبذا الكالم ويسلم العلم الهله بل نقول ان من
ال ناس من ينكر وجود املهدي مع ورود احاديث كثرية يف حقه حت قيل اهنا بلغت حد
التواتر املعنوي ولذا قيل ان من انكر املهدي فقد كفر وهذا كما ان اهل الكتابني ينكرون
وجود البشارة يف كتبهم بوجود النيب صلّى هللا عليه و سلّم مع كوهنا مآلنة هبا عند
املؤمنني بيقني فاذا ع رفت هذا فاعلم ان االمر يف حق االمام الرابين رضي عنه ايضا
كذلك فما وافقه قدس سره ابلقرائن محله احملبون عليه قدس سره بغلبة الظن واملنكر ال
يزيده ذلك اال انكارا وعنادا واستكبارا وتصديق املصدق نفعه راجع اليه وكذا انكار
املنكر ضرره عائد عليه ان احسنتم احسنتم النفسكم وان اسأمت فلها ومن يعمل مثقالذرة
- 1176 -
خريا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره واملؤمن جيب عليه حسن الظن أبي مؤمن كان اذا
كان مستور احلال فكيف ابالولياء االخيار الذين صنف يف مناقبهم جملدات كبار وملؤا
الدنيا ابنواع اآلاثر ومل يزل اتباعهم قدوة خري االمم يف مجيع االقطار ونوروا الدنيا كلها
ابنوار املعارف كشمس النهار و هللا املوفق واملعني وهو اآلخذ بنواصي االخيار واالشرار
«البشارة االوىل» قوله صلّى هللا عليه و سلّم يكون يف أميت رجل يقال له صلة يدخل
اجلنة بشفاعته كذا وكذا اورده االمام السيوطي يف مجع اجلوامع ووجه محل هذا احلديث
عليه انه قدس سره ملا طبق طريقة الصوفية القائلني بوحدة الوجود على الشريعة الغراء
تطبيقا شافيا وبينها بياان وافيا يف بعض مكاتيبه قال يف آخره احلمد هلل الذي جعلين صلة
بني البحرين ومصلحا بني الفئتني واشتهر هبذا اللقب فيما بني اصحابه وهلم اطالع على
احلديث املذكور ومل يروا احدا محله على احد على ممر الدهور ورأوا يف االمام رضي هللا
عنه لياقة بتلك املنقبة الشريفة مع ما مسعوا منه قدس سره مرارا أبن النيب صلّى هللا عليه و
سلّم بشره يف بعض احلضرات والوقايئع بشفاعة كذا وكذا فحملوا احلديث املذكور عليه
قدس سره واي استبعاد يف ذلك واي حمذور فيما هنالك بل هذا الوصف اظهر فيه قدس
سره من الشمس وابني من االمس فإن صح هذا احلمل فبها واال فال يالم احد على
حسن ظن بويل من االولياء العظام رضي هللا عنهم امجعني {شعر}:
زعم املنجم والطبيب كالمها * ال حتشر االجساد قلت اليكما
ان صح قولكما فلست خباسر * او صح قويل فاخلسار عليكما
(قال) شيخنا قدس سره يف هامش املناقب االمحدية بعد ذكر احلديث املذكور قد
راجعت النسخ القدمية من مجع اجلوامع للسيوطي وتبويبه كنز العمال لعلي املتقي فوجدت
احلديث فيها كذلك مطلقا مث اطلعت على اخلصائص الكربى للسيوطي فوجدته هناك
بلفظ صلة ابن أشيم مقيدا فان كانت هذه الزايدة من الرواة او النساخ فاالحتمال ابق
وان كان من تشعب طرق احلديث فال جمال الحد يف الكالم وهم يعين اصحاب االمام
رضي هللا عنه لعدم االطالع عليها غري ملومني وقد وقع مثل ذلك لكثري من الشراح فتنبه
- 1177 -
انتهى بت غيري يسري (البشارة الثانية) ما نقل عن شيخ االسالم امحد اجلامي روح هللا روحه
ونور ضرحيه قال مولينا اجلامي قدس سره يف نفحات األنس ما خالصة معربه قيل لشيخ
االسالم امحد اجلامي قدس سره اان قد اطلعنا على مقامات املشائخ ووقفنا على ما صدر
عنهم من احلاالت والكرامات وال نعرف واحدا منهم ظهر منه مثل ما صدر عنك من
احلاالت فقال ما من رايضة فعلها ويل من األولياء اال وقد فعلت مجيعها وقت الرايضة
وزدت عليها ايضا فكل حال من االحوال وكل كيفية من الكيفيات اعطاها احلق سبحانه
اولياءه متفرقة اعطاها امحد يعين نفسه بفضله وكرمه جمتمعة واذا ظهر يف كل اربعمائة سنة
شخص امسه امحد يكون آاثر عناايته تعاىل يف حقه ايضا مثل ذلك يراه مجيع اخللق انتهى
وبني وفاة الشيخ امحد اجلامي ووالدة االمام الرابين قدس سرمها اربعمائة ومخس وثالثون
سنة وحيث مل يظهر بينهما من االولياء احد هبذا االسم وبتلك االوصاف محلوا كالم
الشيخ على االمام رضي هللا عنهما مبوجب غلبة الظن وقد أتيد هذا مبا وقع يف بعض
مقامات شيخ االسالم امحد اجلامي قدس سره حيث قال فيها قال يعين الشيخ يظهر من
بعدي سبعة عشر نفرا مثلي كل منهم يسمى ابمسي وآخرهم يظهر بعد االلف ويكون هو
اكربهم واعظمهم و هللا سبحانه اعلم (البشارة الثالثة) ما نقل عن الشيخ خليل البدخشي
قدس سره نقل عنه انه قال سيظهر يف سلسلة خواجكان قدس هللا اسرارهم شخص
كامل من اهلند يكون عدمي النظري يف عصره واي اسفي على اين ال ادرك زمانه انتهى
وحيث انه مل يظهر يف اهلند احد يف طريقة خواجكان ظهور االمام الرابين محل عليه
ابلضرورة و هللا سبحانه أعلم ويف هذا القدر كفاية للمسرتشد و هللا سبحانه املوفق
(املنظرة الثانية يف والدته ونشأته قدس سره) ولد قدس سره سنة 971احدى وسبعني
وتسعمائة يف بلدة سهرند بكسر السني املهملة وسكون اهلاء وكسر الراء وسكون النون
والدال املهلمة كذا ضبطه يف سبحة املرجان وقال فيها اهنا بلدة عظيمة بني دهلي والهور
على الشارع انتهى (وقال ) يف الروضة القيومية ان حمل بلدة سرهند كان اوال غابة مهولة
مملوءة ابلسباع وكان امسها ابهلندية سيهرند يعين غابة االسود فان سيه ابهلندية االسد
- 1178 -
ورند الغابة وهلذا يكتب يف ضرب السكة سيهرند وكان اول بنائها يف عهد السلطان فريوز
شاه واول من توطن هبا االمام رفيع الدين املذكور اجلد السادس لالمام الرابين قدس سره
فسميت البلدة هبذا االسم واشتهرت به انتهى يعين ان امسها طابقها ظاهرا وابطنا فاهنا لو
كانت اوال غابة االسود الظاهرة فقد صارت بعد غابة اسود عامل احلقيقة واملعاين وافاد ان
استعمال هذا االسم على االصل خمصوص ابلسكة وهو كذلك فانه ال يستعمل اال
بتقدمي الراء على اهلاء واسكاهنا او حبذف الياء وفتح الراء هكذا سهرند واستخرجوا اتريخ
والدته من لفظ خاشع 971وعرض له قدس سره بعد اايم من والدته ما يعرض على
الصبيان من املرض فجاء به والده شيخه شاه كمال الكيهتلي القادري فقال له شيخه ال
ختف انه يكون ذا عمر طويل وصاحب احوال سنية وأخذه من يده بكمال اجلذبة وجعل
لسانه يف فيه فأفاض عليه وقتئذ فيوض النسبة القادرية من لسانه فنشأ يف حجر تربية
والده حملي بدرر االدب واخذ عنه مبادى كتب العرب وحفظ يف صغر سنه القرآن
واسكت بتحبري صوته سواجع البستان واستظهر عدة من املتون يف انواع العلوم مع اتقان
املنطوق منها واملفهوم مث رحل اىل سيالكوت فقرأ هناك على موالان كمال الدين
الكشمريي بعض كتب املعقوالت يف غاية التحقيق والتدقيق وكان املذكور من فحول
علماء عصره صاحب حتقيق وتدقيق متصفا ابلورع و التقوى وكان له شرب اتم من
مواجيد القوم ايضا وهو استاذ موالان عبد احلكيم السيالكويت واخذ احلديث عن مولنا
يعقوب الكشمريي الصريف وكان هو من كبار حمققي زمانه وقد اخذ احلديث يف احلرمني
احملرتمني من كبار احملدثني كابن حجر املكي وعبد الرمحن ابن فهد املكي وكان من خلفاء
موالان حسني اخلوارزمي الكربوي قيل انه ابيعه يف السلسلة الكربوية واخذ هذه الطريقة
بواسطته وحصل اجازة كتب احلديث والتفسري وبعض كتب االصول كالتفاسري الثالثة
للواحدي واسباب النزول وتفسري البيضاوي وسائر مؤلفاته كمنهاج الوصول و الغاية
القصوى وغريمها وكاجلامع الصحيح للبخاري مع مجيع مؤلفاته االخر وكاملشكاة ومشائل
الرتمذي واجلامع الصغري للسيوطي وغري ذلك من العامل الرابين القاضي هبلول البدخشاين
- 1179 -
واخذ عنه ايضا املسلسل ابالولية الرامحون يرمحهم الرمحن تبارك وتعاىل ارمحوا من يف
االرض يرمحكم من يف السماء وقد اخذ القاضي املذكور احلديث من كبار علماء احلرمني
احملرتمني كالعالمة احملدث عبد الرمحن بن فهد املكي ومل يبلغ من العمر سبعة عشر سنة
اال وقد فرغ من حتصيل العلوم الدرسية وحتقيقها وتشييد بنيان مولويته ابحكام املعقول
واملنقول والفروع واالصول وتدقيقها وقد استفاد يف اثناء حتصيله الطريقة القادرية واجلشتية
من والده املاجد فأجازه يف هذين الطريقني وشهد له حبصول انوار الفريقني فاشتغل يف
حياة والده املاجد بدرس العلوم الظاهرية للطالبني وتعليم الطريقة ايضا للسالكني وصنف
يف تلك االثناء بعض الرسائل كالرسالة التهليلية ورسالة رد الروافض ورسالة اثبات النبوة
وكان له يد طوىل يف العلوم االدبية وكان من الفصاحة والبالغة وسرعة االستحضار وشدة
الذكاء والفطنة جبانب عظيم ومكان مكني روي انه قدس سره اتى مرة يف تلك االثناء
منزل ايب الفيض العالمي الشيعي املتخلص ابلفيضي وكان املذكور وقتئذ مشتغال بتصنيف
تفسري بكلمات غري منقوطة ويف معاونته يف االمر املذكور عدة من العلماء املتبحرين
كموالان مجال الدين التالوي وغريه فلما رآه الفيضي سر به وقال قد سد علينا اآلن
ابواب الكالم وتعسر االتيان بعبارات غري معجمة يفصح عن املرام والتمس منه ان حيرر
بعض عبارات من النوع املذكور يناسب املقام فاخذ القلم يف احلال وشرع يف التحرير من
غري تفكر ابلبال وكتب اشياء كثرية من النوع املذكور بعبارات انيقة مع كمال البسط يف
املقال فتحري من كمال فصاحته وبالغته وسرعة استحضاره وبداهته الفحول من الرجال
واتفقت كلمتهم على انه مؤيد من عند املبدأ الفياض املتعال فصار الفيضي بعد ذلك
كلما استعصاه الكالم يف افادة املرام يستمد من حبره الزاخر حت اهناه على الوجه املذكور
اىل اآلخر وكان ذلك قبل مالقاته اخلواجه حممد الباقي ابهلل قدس سره (املنظرة الثالثة) يف
استفادته الطريقة النقشبندية من شيخه اخلواجه حممد الباقي ابهلل قدس سره وبلوغه فيها
مرتبة الكمال والتكميل ووصوله اىل ما يعجز عن ادراكه العقل العقيل وتنويره بنور الطريقة
العامل من العلماء الفضالء وارابب التاج والتخت و االكليل (اعلم) انه قدس سره مع
- 1180 -
وجود هذه الكماالت والفضائل كان عطشان القلب خصوصا للطريقة النقشبندية وكان
قد طالع بعض الرسائل املؤلفة فيها وكان كثري االشتياق ملالقاة واحد من ارابهبا وملا تويف
والده املاجد عام غز خرج بعد سنة من وفاته من منزله بنية اداء احلج وملا دخل بلدة
دهلي كرسي سلطنة بالد اهلند ووصل هناك اىل صحبة شيخه الشيخ حممد الباقي ابهلل
قدس سره بداللة بعض اصحابه جذبته جذابت العناية االزلية ودلته اىل الدولة السرمدية
وانشده لسان السعادة االبدية هذه االشعار احلكمية {اشعار}:
اي من يروم طواف البيت ابجلسد * واجلسم يف بلد والروح يف بلد
ماذا تروم وماذا انت فاعله * مبهرجا يف التقى للواحد الصمد
ان الطواف بال قلب وال بصر * على احلقيقة ال يشفي من الكمد
بدل طوافك ابملطاف بال صفا * بطواف حضرة كعبة اآلمال آخر
فتنبه على تلك الدقيقة وانكشف له ما مل ينكشف قبل من احلقيقة فاستعمل
أفكاره االملعية واستنسب ان يؤخر ما يف قلبه من النية حيث مل تكن نيته على سبيل
الفرضية بل كانت جملرد االشواق القلبية فبايعه بعد يومني من مالقاته يف الطريقة
النقشبندية العلية والزم صحبته السنية ورجح طلب صاحب البيت على طلب البيت
وترمن لسان حاله هبذا البيت:
اليك اي منييت حجي ومعتمري * ان حج قوم اىل ترب واحجار
وجد يف الطلب مبتقضى استعداده العايل ومل يضيع دقيقة بلعل وليت و تفرس فيه
شيخه املذكور كمال القابلية وعلو الفطرة و مسو االستعداد بل وجد فيه مجيع االوصاف
اليت كان مبشرا بوصول املوصوف هبا اليه وحتقق انه هو هذا الشخص املبشر بلقائه وارث
كماالته والزايدة عليه فبذل يف حقه انواع االلتفات واصناف العناايت وبلغه بقوة جذبه
بفضله سبحانه وتعاىل من الكماالت اىل اقصى الغاايت وظهر له بربكة توجهاته السنية
املصادفة حمللها يف مدة يسرية من احلاالت ما ال يظهر لغريه عشر عشريه يف عدة من
السنوات فبعد مضي شهرين وعدة اايم على هذا احلال وحصول غاية السعي وبذل
- 1181 -
اجملهود من الطرفني هبذا املنوال اجازه شيخه يف الطريقة املذكورة اجازة مطلقة اتمة وامره
ابلرجوع اىل وطنه وافاضته الفيوضات اىل قلوب العامة واحال تربية كثري من مريديه عليه
وضمهم وقت انصرافه اىل وطنه اليه فجلس بعد عوده اىل بلده على مسند االرشاد
ودست االفادة وشرع يف هداية الطالبني وتربية السالكني بكمال النشاط يف االرشاد
واالفاضة فاجتمع لديه كثري من املستعدين حت صار شيخه بعيد ذلك يستفيد منه
الفيوضات اجلديدة كسائر املستفيدين وليس هذا كالما صادرا على سبيل املبالغة و
االطراء بل امر واقع مشهور عند اراببه بال امرتاء وطار صيت ارشاده يف اايم قالئل مسري
القطا واالمطار وانتشرت كماالته وقوة افاضته يف سائر االقطار فتهافت عليه العلماء
والفضالء والكمالء واالمراء من مجيع الداير القتباس االنوار فبذل هلم انواع العناايت
حسب االقتدار ومشر عن ساق اجلد يف احياء الشريعة احملدية وحتزم يف اعادة انوار السنن
النبوية وانتصب القامة شعائر الطريقة االمحدية وكان حيرض اصحابه كلهم ابلتمسك
بعروة الشريعة العلية واحياء السنة النبوية السنية والعمل مبا فيها واالجتناب عن كل ما
ينافيها كما هو اساس الطريقة النقشبندية وكان حيث على ذلك امراء عصره وحكام دهره
بواسطة مكاتيب عديدة حت استنارت أقطار اهلند وما يليها بنور السنة وعادت الشريعة
احملمدية بعد ان كادت تعوج مستقيمة سديدة وقد نشأ يف حجر تربيته خلفاء علماء
اجالء وكمالء فضالء ادالء كل واحد منهم رافع راايت العلوم والوية الوالية وجامع
اشتات الفنون وانصب بنودها رواية ودراية فقام هؤالء الكرام وكذا اوالده العظام بعده
بنشر طريقته العلية وبث سريته السنية بني اخلاص والعام حت انتشرت انوار فيضه يف
اسرع االوقات اىل اطراف العا مل وعمت اسرار فضله من ادركته العناية االزلية من بين آدم
وال زالت اىل يومنا هذا تتزايد يوما فيوما بواسطة خلفاء خلفائه واوالد اوالده وهلم جرا
حبيث مل يبق مملكة من ممالك االسالم اال وفيها من ينورها بطريقته من االعالم بفضل هللا
امللك العالم ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء و هللا ذوالفضل العظيم (املنظرة الرابعة) يف
بيان من اثن عليه من معاصريه وشهد له ابنه جمدد االلف الثاين فاول من اثن عليه
- 1182 -
شيخه اخلواجه حممد الباقي ابهلل وقد تقدم انه صار يستفيد منه كبعض املستفيدين وذلك
فان االمام قدس سره وان كان استفاد من شيخه املذكور الطريقة النقشبندية اال ان احلق
سبحانه منحه اعلى من ذلك وازيد مما هنالك كما بني ذلك يف بعض مكاتيبه وهلذا
مسيت الطريقة اخلاصة به الطريقة اجملددية فكان شيخه يستفيد منه تلك الطريقة اخلاصة
به وكان يعظمه تعظيم املريد شيخه حت نقل انه اتى حجرته وقتا من االوقات فصادفه يف
االستغراق فأراد اخلادم اخباره مبجيئه فمنعه ورد الباب هبينة ورجع ميشي اهلوينا خوفا من
انقطاع استغراقه وقعد خارج احلجرة اىل ان قام االمام وسأل من ابلباب فقال الفقري حممد
الباقي فخرج مسرعا وقام بكمال االدب والتواضع وقد بشره ببشائركثرية رآها يف وقائعه
وكتب ميدحه بعلو االستعداد وكمال القابلية اىل بعض احبائه ووصى مجيع مريديه وقت
موته ابتباعه (نقل) عن املري حممد نعمان الذي هو من اعاظم اصحاب اخلواجه حممد
الباقي ومن اكابر السادات ان اخلواجه ملا خصصه بعد التعميم ابتباع االمام قال له على
سبيل التحرج واالستن كاف من اتباعه ان توجه قبلة الفقري ليس اال جنابكم فقال له
اخلواجه ابخلشونة ما تظن انت يف الشيخ امحد فان الوفا من النجوم امثالنا تتالشى
وتضمحل يف اشعة انوار مشسه انتهى فلومل يوجد يف حقه قدس سره اال هذه الشهادة
الصادقة من شيخه لكفت دليال على فضله الشامخ وقدمه الراسخ فكيف اذا وجد غريها
من شيخه ومن كمالء مشائخ عصره وفضالء علماء دهره اما ما صدر من شيخه يف
مدحه فلنثبت هنا بعضا منه لالستشهاد (فمنها) ما كتبه اىل بعض احبائه من كبار وقته
هبذا العنوان يف اوائل وصوله اىل صحبته ان رجال من سهرند يسمى الشيخ امحد كثري
العلم قوي العمل وقد صحبه الفقري اايما وشاهد من احواله عجائب كثرية يشبه ان يكون
مشسا يتنور العامل منه احلمد هلل قد حصل يل اليقني ابحواله الكاملة وله اقرابء واخوة كلهم
من صلحاء الرجال ومن طبقة العلماء وصحب الداعي عدة منهم ووجدهم من اجلواهر
العالية وهلم استعدادات عجيبة وللشيخ املذكور اوالد واطفال وكلهم اسرار اهلية وابجلملة
انه شجرة طيبة انبته هللا نباات حسنا (ومنها ما بشره به) مشافهة مرارا ابنه قطب الوقت
- 1183 -
وقطب االقطاب الذي رآه يف املنام عند اجازة شيخه اخلواجكي االمكنكي ووقت نزوله
يف بلدة سهرند مرارا كثرية وهي مشهوردة ويف ذيل تعريب الرشحات جلامع هذه احلروف
وغريه ايضا مسطورة (ومنها ) ما قال يف حقه ايضا اين قد تشيخت يف هذه السنني
الثالثة او االربعة ولعبت اايما احلمد هلل مل يكن لعيب هذا وفتحي هذا الدكان بال فائدة
حيث ظهر مثله يف عرصة الوجود (ومنها) ما قال اين جئت هبذا البذر من خبارى و
مسرقند و زرعته يف ارض اهلند الكثرية الربكة وكان سعينا واجتهادان يف تربية الطالبني اىل ان
تبلغ معاملته اىل انتهائها وملا فرغت من امره جررت نفسي من املشيخة واحلت الطالب
عليه (ومنها) ما كتب اليه يبلغ هللا تعاىل اىل مرتبة الكمال واالكمال {ع}:
ولالرض من كأس الكرام نصيب
ال تكلف وما هو حقيقة احلال يكتب قال الشيخ االنصاري اان مريد اخلرقاين
ولكن لو كان اخلرقاين يف هذا الوقت لكان مريدا يل مع كونه شيخي فاذا كانت صفة
هؤالء الذين ختلصوا عن الصفة هكذا فلم ال يبذل اسارى آاثر الصفات ارواحهم يف لوازم
الطلب ومل ال يتوجهون اىل مكان وصل منه اىل مشام ارواحهم رائحة املطلوب وتوقفنا
وامهالنا اآلن ليس من جهة االستغناء وعدم املباالة بل ننتظر االشارة {شعر}:
اذا ما اراد الطمع مين منييت * لقلت على رأسي القناعة احجار
هذا هو حقيقة احلال اليت حترر يهدينا هللا سبحانه ملا هو املهم وخيلصنا من
العجب والغرور وبقية املقصود ان جناب معدن السيادة املري صاحل النيسابوري سلمه هللا
قد اظهر الطلب وحيث كان الوقت غري مقتض هلذا مل ير تضييع اوقاته من مقتضى
االسالمية فال جرم ارسلناه اىل صحبتكم يصري ان شاء هللا تعاىل حمظوظا على قدر
استعداده وجي د متام اللطف وكمال التوجه (ومنها) ما كتبه ايضا يبلغ هللا سبحانه الفقراء
واملساكني العاجزين بربكات االولياء املنتخبني اىل مقاصدهم منذ مدة مل يصدر مين عرض
اخللوص على ديوان ملجأ الوالية نعم ميكن ان جتعل هذه الكلمة الواحدة قاصدا جلناب
صادق احلال احلمد هلل بتصور هذا القسم وماذا اكتب غريه فان حترير كلمات الدراويش
- 1184 -
اىل حضرتكم من غاية عدم احلياء وحكاية االوضاع الصورية ال مناسبة هلا اصال واحلاصل
ينبغي لنا ان نعرف حدان وان حنرتز من الفضول واملطلوب الدعاء (ومنها) ما كتبه اليه
ايضا ليكن مسند االرشاد اوسع وأنور ان مسودة الرسالة اليت يف طريقة خواجكان جعلها
اخلواجه برهان كحل البصر للمشتاقني احلمد هلل اهنا عالية جدا ولطيفة ولكن رمبا خيطر
يف البال التماس تفتيش احوال حضرة اخلواجه احرار قليال لعله يظهر امور اخر ايضا وملا
تشرفت مبطالعة تلك اللطيفة الغيبية يف ذاك اليوم خطر خاطر يف اثناء النعاس ان طرف
اليسار أعين عامل االرواح يتعلق به فلما حضرت حصل الرتدد من جهة ضعف احلافظة انه
من كان املشار اليه ولكن الظن الغالب ان االشارة كانت اىل حضرة اخلواجه احرار قدس
سره البد يرى ذلك يف طبقات واحد من االئمة ميكن ان يظهر شئ (وأيضا) يفهم من
كلماته معن العصمة (وأيضا) يظهر يف بعض املنامات انه خلق يف أصل اخللقة مندرج
النهاية يف البداية ما العجب انه لو كان خملوقا يف القابلية املطلقة اليت هي فوق نقطة العلم
وحتت مقام الوحدة نرجو ان تبصر هناك ايضا (وايضا) نرجو ان تنظر اىل مقام الفاروق
رضي هللا عنه انه دخل املقام املذكور على طريق النزول او جاء من طريق آخر ولعل
املخلوقية فوق النقطة صارت سببا لعدم التقرب من ذاك املقام نرجو التفتيش والعناية
واخلاطر منتظر جدا (والتماس) آخر نرجو التوجه ايضا يف ابب فناء البشرية ان له مقاما
يف غري مقام الفناء يف هللا او انه منحصر يف الدخول يف هذا املقام واجلماعة الذين
يظهرون اهنم خملوقون فوق هذا املقام الظاهر اهنم حمفوظون هكذا وال حاجة هلم اىل جتشم
الكسب يف ظهور فناء البشرية (وايضا) ان الذين فنوا وامنحوا حتت مقام الوحدة وان
ساروا من طريق اجلذبة قيومية او غريها ايضا حمفوظون من العود اىل وجود البشرية
(وايضا) نرجو النظر اىل بيت اجلربوت الذي هو مقام االنبياء عليهم الصالة والسالم
ينبغي ان يكون هناك ايضا مقام جيعل امينا من العود املذكور (وايضا) نرجو احالة النظر
يف مقام الفناء يف هللا لعل له طريقا آخر غري هذا الطريق الظاهر ابلتفصيل ولعل بعض
االعزة دخلوا من ذلك الطريق وبقية االحوال املتوقفة معلومة له كما ينبغي واسامي
- 1185 -
مقامات كثرية وعالماهتا غري معلومة لنا فكيف ميكن ان نكتب التعبريات انشاء هللا يكون
ما هو املرضي والسالم على حممد صادق ومجيع االخوان واالعزة انتهى وهبذه الفقرة
االخرية يعلم علو املقامات اجملددية اخلاصة به (ومنها) ما كتبه يف أواخر عرائضه اليت كان
ارسلها اليه لبيان احواله وهي مندرجة يف اول اجللد االول من املكتوابت وما ذكر من
الكشوف طريقه عرضي جدا وصحيح ومستقيم ومستحسن حيث ينكشف اشياء بال
قول ولسان وال حاجة اىل بيان مجيع الوجوه وما يلزم بيانه بني وقت املالقاة هذا شهادة
شيخه ومدحه (واما) غريه فهم كثريون ال يعلم عددهم اال هللا وأما الكرباء منهم املشار
اليهم ابلبنان فكالشيخ فضل هللا الربهان فوري وموالان حسن الغوثي وموالان عبد احلكيم
السيالكويت وموالان مجال الدين التالوي وموالان يعقوب الصريف شيخه وموالان حسن
القباداين وموالان مريكشاه وموالان مري مؤمن البلخيني وموالان جان حممد الالهوري وموالان
عبد السالم الديوكي والشيخ عبد احلق احملدث الدهلوي يف آخر أمر بعد ان ضيع يف
خمالفته برهة من عمره وغريهم من فضالء دهره وكمالء عصره كل اولئك اثن عليه مبا هو
اهله ورد على من اساء االدب يف حقه وتكلم مبا ال يليق بشأنه وكلهم كانوا يتهافتون
على معارفه ويسرتوحون بعوارفه (أما الشيخ فضل هللا الربهانفوري) فقد نقل عنه نقال
صحيحا انه كان يبتهج بسماع اوصافه اجلميلة ويلتذ ابستماع معارفه اجلليلة ويقول ان
كلما يقوله قطب االقطاب يعين االمام قدس سره ويكتبه من اسرار احلقيقة صحيح
واصيل وهو صادق فيه ومتحقق به وعالمة صدق املقال وعلو احلال هي االتباع على
وجه الكمال ويل اخالص اتم وحب عام جلنابه من ظهر الغيب قال ذلك بعد ان ذكر
عنده بعض اوصاف االمام قدس سره وكمال اتباعه للسنة السنية وهلذا ملا حبس االمام
على ما سيذكر جعل الشيخ املذكور الدعاء خبالصه وردا لنفسه بعد اوقات الصلوات
اخلمس وكلما ااته احد من طرف سهرند لالانبة واالسرتشاد كان يقول له والعجب انك
تسكن يف جواره يعين االمام وتكون مريدا حملل آخر وترتكون الشمس وتستضيئون
ابلنجوم (وأما الشيخ حسن الغوثي) فقد كان يثين عليه مبا هو اهله وميدحه مبا يليق بعلو
- 1186 -
مقامه وقد كتب يف وصفه يف كتابه الذي صنفه يف بيان مناقب االولياء هذه العبارات
ابالنشني مسند احملبوبية وصدر آراء حمفل وحدانية خداوند مقام فردية صاحب مرتبهء
قطبية اخل (وأما موالان عبد احلكيم السيالكويت) فقد كان يعظمه تعظيما بليغا يليق مبثله
من مثله ويشنع على املنكرين ابشد التشنيع ويقر بكونه جمدد االلف الثاين ويكتب هذا
الوصف يف مكاتيبه املرسلة اليه بل قيل انه اول من اطلق هذا الوصف عليه ونقل عنه
هذه العبارة يف رد شبهة بعض املخالفني ان القدح يف كالم الكرباء من غري فهم مرادهم
جهل وليس له نتيجة حسنة فرد كالم ملجأ املشيخة ومعدن العرفان الشيخ امحد من
اجلهل وعدم الفهم كتبه الفقري عبد احلكيم وقد ثبت بنقل الثقات انه دخل يف قيد ارادة
االمام قدس سره وهو الظن به (اتى) سهرند واحد من مريدي الشيخ مري حممد مؤمن
البلخي بنية االانبة والتوبة والسلوك على يد االمام الرابين قدس سره وبلغه سالم كل من
شيخه املذكور والسيد مريكشاه والشيخ حسن القباداين وقاضي القضاة تولك مث قال ان
شيخي مري حممد مؤمن الكربوي يقول لو مل مينعين كرب السن وبعد املسافة الوصلت
نفسي اىل مالزم ته وافنيت بقية عمري يف خدمته واقتبست من انوار احواله ما ال عني
رأت وال اذن مسعت وحيث ان هذه املوانع موجودة فاملأمول ان يعد هذا املهجور الصوري
واحلاضر املعنوي من خملصيه احلاضرين وان يكون متوجها اىل احواله ابلتوجهات الغائبية
وافاضات االنوار القدسية وقال انه امرين مببايعتكم نيابة عنه فقام وابيعه عنه مث قال وقت
انصرافه ان االعزة هناك يلتمسون ان ترسل اليهم بعض املكاتيب املشتملة على احلقائق
العالية فكتب االمام قدس سره املكتوب التاسع والتسعني وارسله اليه مع بعض املكاتيب
املشتملة للمعارف السامية ونقل عن بعض االعزة الذي جاء اهلند من بلخ انه قال ملا
وصل املكتوب املذكور اىل املري املشار اليه وطالعه قام ورقص من كمال البهجة والسرور
وقال لو كان سلطان العارفني وسيد الطائفة وامثاهلما احياء يف هذا الوقت لكانوا يف
خدمته انتهى (ونقل) مثل ذلك عن بعض حمققي ذلك الوقت الذي كان يف صحبته كثري
من العرفاء والعلماء وكان له اطالع اتم على كلمات القوم واحواهلم حيث قال حني مسع
- 1187 -
خرافات بعض املعاندين ان احلق ان مزاج اهل الزمان ليس اليئقا الدراك دقايئق حقائق
هذا العزيز فلو كان يف اايم السلف لعرفوا قدره ومرتبته ودرجة كالمه والورد املتأخرون
كلمات ه يف كتبهم لالستدالل هبا واالستشهاد وفطرة ارابب العصر يف ادراك كلماته كفطرة
سائر اجلهالء يف ادراك حكم احلكماء انتهى (وقال واحد) من العلماء العاملني املتورعني
ومن املقتدى هبم يف ذلك العصر يف بيان تصانيفه ان كتب القوم ورسائلهم اما تصنيف
او أتليف والتصنيف ان حيرر الشخص ما هو حاصله من العلوم واالسرار والنكات
واملقامات والتأليف ان جيمع الشخص كلمات غريه برتتيب جيد وقد مضت مدة مديدة
من ارتفاع التصنيف من العامل وامنا بقي التأليف فقط واان وان مل اكن من مريديه ولكن
احلق واالنصاف ان مكاتيبه ورسائله الواقعة يف هذا الزمان االخري تصنيفات ال أتليفات
فاين كلما امعنت النظر فيها ال ارى فيها نقال عن الغري اال على الندرة والضرورة وعامتها
مكشوفاته وملهماته اخلاصة به وكلها عالية مقبولة مستحسنة وموافقة للشريعة الغراء
انتهى (وقال واحد) من اقضى قضاة العصر املذكور يف جواب من سأل عنه قدس سره
ان االحوال الباطنية املنسوبة هلذه الطائفة العلية خارجة عن ادراكنا ولكن الذي اعرفه ان
اطواره واوضاعه يعين االمام قدس سره قد اورثتنا يقينا جديدا صادقا يف طور االولياء
املتقدمني فاان كلما طالعنا يف كتب السلف ما صدر عن كمل املتقدمني من الرايضات
العجيب ة والطاعات الغريبة كان خيطر ببالنا لعل مريديهم كتبوها على سبيل املبالغة وملا
شاهدت اوضاعه واطواره زال عين تلك الرتددات كلها بل رمبا خيطر ببايل ان حمرري تلك
االحوال رمبا فرطوا فيها ومل يكتبوها ابلتمام انتهى (وأما الشيخ عبد احلق احملدث
الدهلوي) فانه وان كتب يف اوائل امره بعض االعرتاضات على بعض معارفه مبوجب
البشرية ولوازم املعاصرة اال انه ادركته العناية االهلية يف اآلخر فتاب عما سلف اتب هللا
عليه واظهر رجوعه ذلك يف مكتوب كتبه اىل حسام الدين امحد من خلفاء موالان
اخلواجه حممد الباقي ابهلل قدس سره مضمونه ان صفاء ابطن الفقري يف هذه االايم يف حق
الشيخ امحد سلمه هللا تعاىل متجاوز عن احلد مل يبق حجاب البشرية والغشاوة اجلبلية يف
- 1188 -
البني وال ادري ان هذا من اين االنصاف وحكم العقل مع قطع النظر عن رعاية اخوة
الطريقة يقتضيان عدم خمالفة امثال هؤالء االكابر وان ال يؤذي ويساء اشباه هؤالء االعزة
وقد احس يف ابطين بطريق الذوق والوجدان شيئا يكل اللسان عن تقريره و هللا مقلب
القلوب ومبدل االحوال ولعل ارابب الظاهر يستبعدون ذلك واان ال ادري ما احلال و
على اي مثال ومنوال انتهى وكتب ايضا على اوالده يف مكتوب طويل عريض ما
مضمونه ان املسودات اليت كتبتها اعرتاضا على كالم امليان الشيخ امحد سلمه هللا تعاىل
اغسلوا كلها ابملاء فان الغبار احلاصل يف اخلاطر ابلنسبة اليه قد تبدل صفاء انتهى و ال
خيفى على النبيه من هذا ان اعرتاضه اوال امنا كان مبوجب البشرية وهو كذلك فان كالم
املنكرين كله من هذا القبيل اال ان احلق سبحانه خيتص برمحته من يشاء وينجيه من هاوية
االنكار ويؤويه اىل جنة التصديق ابوليائه ونعم دار القرار ويبقى البعض على ما هو فيه
من انر االنكار وبئس القرار واختلف يف سبب رجوع الشيخ من انكاره ظاهرا قيل رأى
النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف املنام وهو يوخبه على انكاره وقيل تفاءل يف حقه ابلقرآن
العظيم فخرج فان يك كاذاب فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم وقيل
خرج مرة رجال ال تلهيهم جتارة وال بيع عن ذكر هللا وقيل امنا كان اعرتاضه عليه حبسب
مكتوب جمعول عليه من طرف بعض اعدائه فلما وقف على ذلك رجع واتب واعتذر
لالمام قدس سره عما صدر فعذر وانقلب اىل الصفاء الكدر ومل يبق منه اثر وال مانع من
اجتماع كل ذلك وحيث ثبت رجوعه عن ذلك علم انه ممن ادركته العناية االهلية ابي
طريق كان (تنبيه) قد تقدم انه امر اوالده بغسل تلك املسودات والظاهر اهنم فعلوا ذلك
ومع ذلك نرى اآلن انه بقي منها بعض النقول حيث وقفنا على رسالة لبعض الفحول
ابلفارسية ردها عليه ردا بليغا كلمة كلمة وأجاب عن كل اعرتاض أبجوبة شافية جزاه هللا
سبحانه خري اجلزاء وهو موالان العالمة الشيخ وكيل امحد السكندر فوري سلمه هللا
سبحانه{ع}:
وبح بسم من اهوى ودعين من الكن
- 1189 -
وهؤالء الذين ذكرانهم اكثرهم ممن ادركوا يف اواخر عمرهم اوائل ظهور االمام قدس
سره واما الذين ادركوا زمان كمال ظهوره وابيعوه او اقتبسوا من انواره من احملققني
واملدققني فال حيصي عددهم اال هللا لو حاول شخص ذكرهم القتضى جملدات كثرية وقد
ألف ابلفارسية مناقب شت وأما هذه الوريقات فلم نقدر ان نثبت فيها اال قطرة من تلك
البحار ومن مجلة كبار مريديه السيد آدم البنوري واملري حممد نعمان البدخشي والشيخ
اتج الدين اهلندي صاحب الرسالة التاجية املذكور ترمجته يف خالصة االثر فانه صحبه
بعد وفات اخلواجه حممد الباقي ابهلل قدس سره مث أبتلى مبرض االنكار مع من أبتلوا مث
ادركته العناية االهلية السباب يطول شرحها واتب وأانب وصار ابعثا على رجوع كثري من
املنكرين وقصته مذكورة يف كتب املناقب الرابنية ولالمام قدس سره مكاتيب اليه بعضها
مندرج يف مجلة املكتوابت و بعضها غري مندرج فيها بل مسطور يف املناقب تركنا ذكره
خوف االطالة فان فيما ذكر من املكاتيب كفاية للمكتفي و هللا اهلادي (املنظرة اخلامسة)
يف ابتالء االمام قدس سره حبسد احلسدة اللئام وطعن اجلهلة كاالنعام واعرتاضات
املعرتضني من العوام الذين يعدون انفسهم من فضالء االانم وما اصابه بسبب ذلك من
االذية واآلالم اىل لقاء امللك العالم (ال خيفى) على اللبيب املتدرب اجملرب لالمور ان
الشهرة ابلفضل والكمال مع حسد االقران وطعن اجلهالة كالشخوص مع الظالل ال
يفرتقان يف غالب االحوال سنة هللا اليت قد خلت يف عباده خذ من ابينا آدم عليه السالم
وامرر بنظرك من مضى من االعالم اىل هذه االايم فهل ترى فيهم احدا مل يبتل بذلك كال
ولذلك قيل {شعر}:
ان حيسدوين فاين غري الئمهم * قبلي من الناس اهل الفضل قد حسدوا
فاحلسد من اجلهال هو عالمة وجود النعمة يف احملسود من امللك املتعال فانه لوال
النعمة ملا وجد احلسد ولذا قال االمام الغزايل رمحه هللا تعاىل واستحقر من ال حيسد وال
يقذف واستقصر من ابلكفر والضالل ال يعزف وهلل در القائل {شعر}:
وأسوأ اايم الفت يوم ال يرى * له احد يزري عليه وينكر
- 1190 -
(وقال) االمام السيوطي رمحه هللا تعاىل يف كتابه التحدث بنعمة هللا ومما انعم هللا به
على ان اقام يل عدوا يؤذيين وميزق يف عرضي ليكون يل اسوة ابالنبياء واالولياء قال
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اشد الناس بالء االنبياء مث العلماء مث الصاحلون رواه
احلاكم وقال كعب االحبار اليب موسى اخلوالين كيف جتد قومك لك قال مكرمني
مطيعني قال ما صدقتين التوراة اذا وامي هللا ما كان رجل حليم يف قوم قط اال بغوا عليه
وحسدوه رواه البيهقي مث قال واعلم انه ما كان كبري يف عصر قط اال كان له عدو من
السفلة اذ االشراف مل تزل تبتلي ابالطراف فأعداء االنبياء معروفة مث اخذ يعد من ابتلى
بشماتة االعداء من الصحابة ومن بعدهم وخمتصران هذا ال يتحمل ذكرهم ومن له ادىن
املام ابلتواريخ والرتاجم ال خيفى عليه احواهلم حت قيل ال يكون الصديق صديقا حت
يشهد سبعون صديقا ابنه زنديق (فاذا متهد ذلك) فاعلم ان لالمام الرابين قدس سره من
ذلك حظا اوف ونصيبا اوفر كيف ال فانه جمدد االلف الثاين وهل يتيسر التجديد
ابلسهولة بال تغيري هذا وانكار ذاك وتقبيح هذا وتوبيخ ذاك هيهات فان التجديد هو
تغيري االطوار واهليئات وازالة املنكرات واهلنات وتبديل السيئات ابحلسنات مع شيوع انواع
البدع واخلرافات وفشو أصناف الضاللة واجلزافات خصوصا املقلدين ابرابب التوحيد
الوجودي فاهنم كانوا انتشروا يف مجيع اآلفاق وخلعوا ربقة الشريعة عن االعناق وكانوا
ينقلون الكلمات املشعرة بظاهرها ابلتوحيد الوجودي عن اجلنيد وايب يزيد البسطامي
واضراهبما من اكابر الصوفية لتأييد مذهبهم الباطل وتروجيه بني العوام كاالنعام فكان
االمام الرابين قدس سره يرد عليهم ابشد رد ويصرح ابهنم املالحدة والزاندقة حقا
مقصودهم ابطال الشريعة الغراء ومل يبال ايضا من ختطئة اجلنيد وايب يزيد فيما اعجزه
أتويل كالمهما وتوجيهه كما ستطلع عليه يف اثناء مكاتيبه (قال) موالان شاه عبد العزيز
ابن شاه ويل هللا الدهلوي رمحهما هللا سبحانه وتعاىل وملا استوت هذه الطريقة يعين معرفة
التوحيد ونضجت وسلك بعض انقصي الفهم طريق االحلاد يف فهم كلمات عرفاء الطريقة
مبرور االزمنة واختذوا هذه املعرفة الغامضة وسيلة البطال الشريعة وتكليفاهتا وشاع مذهب
- 1191 -
بعض الشيوخ الذي كان بظاهره واضعا قدمه يف وادي االحلاد شيوعا اتما وراج بني الناس
رواجا عاما اظهر عناية احلق سبحانه حضرة الشيخ امحد السهرندي قدس سره يف الوجود
والقى اليه علوما غريبة ليكون من قبيل تعديل احلار ابلبارد والرطب ابليابس حت تستقر
وترتشح اهليئة االعتدالية يف اذهان الناس ويرتفع الباطل املمزوج ابحلق ابلكلية وهذا هو
مصداق معن اجملددية انتهى ومن كان شأنه هذا هل يسلم من اذية الناس وطعنهم فيه
وهبتهم اايه وافرتائهم عليه كما قال االمام قدس سره هذا الكالم يف بعض مكاتيبه وضم
اىل ذلك اجتماع اجلم الغفري من الفضالء والعلماء والكمالء اتركني طرقهم اليت كانوا
سالكني اايها قبل وال حاجة اىل بيان ما حيصل ملشائخهم االول لذلك من احلقد واحلسد
والضغينة يف حق االمام قدس سره فيما هنالك واخرتاع املكائد واحليل اللقائه يف املهالك
اترة ابغراء الناقصني ابنه يهني كرباء املشائخ الكرام كاجلنيد وشيخ بسطام واترة بتنفري
القاصرين ابنه ينكر التوحيد الوجودي الذي هو املتفق عليه بني املتأخريين من املشائخ
االعالم واترة ابغفال املخلصني ابنه ينكر مشائخه العظام ويدعي االصالة يف الوصول اىل
امللك العالم واترة ابنه ينوي اخلروج عن طاعة االمام اىل غري ذلك من االفرتاآت وانواع
البهتان اليت ال تصدر عن فرد من افراد اهل االسالم (اما ما) تقولوا عليه يف حق املشائخ
الكرام فهو افرتاء حمض يف حق هذا االمام فان من تتبع كالمه جيده مشحوان بتعظيمهم
غاية التعظيم ويقر بفضل االسالف العظام غري انه ملا رأى تشبث بعض املبطلني ببعض
كلمات هؤالء الكرباء كان يؤول كالمهم بتأويل حسن ويوجهه بتوجيه مستحسن واذا
اعجزه التأويل كان ينسبهم اىل اخلطأ يف الكشف ويردفه ببيان انه صدر منهم يف اوائل
حاهلم واهنم جاوزوه اىل مراتب كثرية يف هناية كماهلم وإهنم معذورون يف ذلك اخلطأ
الكشفي بل مأجورون كاخلطأ االجتهادي وهكذا قال ايضا يف مسئلة التوحيد الوجودي
ي عرف ذلك من تتبع كالمه ابالنصاف وابعد عن نفسه االعتساف فأين االهانة واين
االحتقار واين النفي واين االنكار بل امنا فعل ذلك حفظا لناموس الشريعة الغراء وصوان
لساحة هؤالء الكرباء عما كان ينسبه املبطلون اليهم ويتقولونه عليهم ونصحا هلؤالء
- 1192 -
املبطلني وغريهم ممن عساه ان يقتدي هبم يف ذلك ويتمذهب مبذهبهم الباطل فيما هنالك
فهل يعد هذا من املثالب او من اعلى املناقب واسن املطالب ولكن ملا كان ديدن ارابب
االغراض ااثرة الفنت والشرور كانوا ال يتحاشون من ارتكاب انواع البهتان واقوال الزور
ومن مل جيعل هللا له نورا فما له من نور (قال) بعض الفضالء ان أقوى سبب هيجان هذه
الفتنة هو انكار التوحيد الوجودي واثبات التوحيد الشهودي فان امساع اكثر الناس
واذهاهنم كانت مملوءة مبسئلة التوحيد الوجودي مذ اربعمائة سنة يعين من عهد الشيخ
االكرب حميي الدين ابن العريب اىل عصره قدس سره وانكار حضرة اجملدد مسئلة وحدة
الوجود ليس كانكار علماء الظاهر بل هو يصدق املقام الذي يتكلم فيه الوجودية
ويسلمه ويقول ان املقصود احلقيقي فوق هذا املقام ويثبت الغريية بني احلق واخللق على
هنج ال يكون خمال لوحدة الوجود احلقيقي املتحقق يف اخلارج احلقيقي خبالف الوجودية
فاهنم يثب تون العينية بني احلق واخللق انتهى وهذا الكالم كالم من حقق كالم االمام وظفر
بغاية املرام ومن تتبع مكتوابته املتعلقة ببيان هذه املسئلة مبتدائ من املكتوب احلادي
والثالثني من اجللد االول اىل آخر املكتوابت الشريفة يظهر له احوال االمام قدس سره يف
هذه املسئلة وغريها ظهور الشمس يف برجها (واما حديث انكار مشائخه العظام)
ودعوى الوصول بال واسطة احد اىل امللك العالم فهو ايضا من افرتاآت احلسدة اللئام
حاشاه من ذلك مث حاشا نعم قد بني يف املكتوب السابع والثمانني اسرار املريدية واملرادية
فاخذ بعض ارابب الغرض من بعض عباراته هذا الذي ادعوه عليه كذاب وهبتاان مع اقراره
فيه بوجود التوسط والوسائط يف طريقة املريدية كما ال خيفى على الناظر فيه ومن مجلة من
كاد يزل قدمه فيه الشيخ عبد احلق الدهلوي رمحه هللا تعاىل لوال ان تداركه هللا سبحانه
بلطفه كما قدمنا وقد اجاب عنه االمام قدس سره يف املكتوب احلادي والعشرين واملائة
من اجللد الثالث فراجعه ان شئت (واما مسئلة اخلروج) عن طاعة االمام فحاشا مث حاشا
من ذلك فانه قدس سره كان اول من ينصح الناس بطاعة االمام وانقياد احلكام واالتفاق
وااللتئام التام وحيذر سوء عواقب املخالفة واجملادلة واخالل االستسالم ولكن ملا كان هذا
- 1193 -
االمر من آلة العجزة من اخذ الثار واالنتقام وسريع التأثري يف بلوغ املرام للحسدة اللئام
صار االعداء يتشبثون ابذايل هذا السبب بكل وجه ممكن ومل أيلوا جهدا يف هتييج اخلاطر
ولو من رجل متمكن وقد كان اكثر اركان دولة سلطان الوقت جهانكريخان حت حرمه
والوزير االعظم من الرفضة وكان املفيت ايضا منهم وكان سهام االمام الرابين قدس سره
مفوقة حنوهم دائما وكان ال خيلو من ردهم وجتهيلهم وحتميقهم وتسفيههم دائما كما ال
خيفى على من طالع مكتوابته قدس سره زايدة على ما صنفه من الرسالة املستقلة يف
ردهم حت قيل انه ارسل هذه الرسالة اىل عبد هللا خان االوزبكي اجلنكزي اكرب خوانني
االزبك يف خبارى و أشهرهم ليعرضوها على الروافض يف بالد العجم من الصفوية وكان
كبريهم وقتئذ شاه عباس املشهور فان قبلوها فبها ونعمت واال فيجوز قتاهلم وسيب
ذراريهم ففعله عبد هللا خان املذكور واخذ اهلراة وبالد خراسان منهم بعد ان مضت من
استيالئهم عليها قريبا من مائة سنة وصار حيارهبم دائما ويسيب ذراريهم ويوصلهم اضرارا
كليا اىل آخر عمره كما هو مشهور يف التواريخ وكان ضغائن الروافض واحقادهم عليه
قدس سره هبذه االسباب مما ال ميكن وصفه حبيث لو ظفروا به ملزقوه متزيقا وكانوا ينتهزون
الفرصة لذلك وملا بلغهم ما عليه احلسدة اللئام فرحوا به واتفقوا معهم على نصب شراك
املكائد واملكاره ووشوا به اىل السلطان الذي كان قلما يفيق من السكر بواسطة مقربيه
من الروافض قائلني ابنه يدعي التفوق على الكل حت على الصديق واظهروا له املكتوب
احلادي عشر من اجللد االول من مجلة عرائضه على شيخه يف بيان ما ظهر له من الوقائع
يف اثناء سريه تصديقا لزعمهم يف دعواهم فأرسل اليه السلطان يطلبه عنده مع اوالده
واكرب خلفائه الهالكهم فأرسل اليه شاه جهان ولد السلطان املذكور واحدا من خواصه
مع املفيت عبد الرمح ن ومعهما الرواية الفقهية يف جواز سجود التحية للسالطني قائال أبنه
لو سجد للسلطان فأان متكفل خلالصه من شر السلطان وكان خملصا لالمام الرابين
وخبريا ابن االعداء امنا يظفرون ببلوغ مناهم من تركه السجود للسلطان فلم يقبله االمام
قائال ابن هذه رخصة والعزمية تركه وال ملجأ اىل هذه الرخصة خصوصا ملن يقتدي به
- 1194 -
غريه واملوت حق ال منجأ منه فرتك اوالده وأكابر اصحابه احتياطا وتوجه بنفسه مع
بعض اصحابه فلما دخلوا على السلطان سأله عن مضمون املكتوب املذكور فأجابه
جوااب مقنعا حيث مل يكن اهال لدرك احلقائق واالسرار فطاب وقته وامره ابالنصراف
مصحواب ابلسالمة فلما رأى احلساد ان قلب السلطان قد طاب وان سعيهم قد ضاع
وخاب قلبوا ظهر اجملن وقالوا للسلطان انه مستحق لالذية واحملن فانه كثري االتباع وقوي
الشوكة لو ختلص من هنا الحدث االختالل والفنت اما ترى اىل استكباره عليكم
واستخفافه بكم حيث مل يسجد سجود التحية بل وال حياكم ابلتحية العادية وكان االمام
على ما قيل مل يسلم عليه وقت دخوله لكونه سكران فاثر فيه هذه السعاية وظهر بصفة
الغضب والغواية وسلب عن نفسه حلية الرعاية وبعد ان جرى الكالم يف حقه بني أهل
اجمللس ودار امر السلطان حببسه قدس سره يف قلعة كواليار املشهورة بغاية احلصانة واملتانة
يف تلك الداير فحبس يف احملبس املذكور جناب االمام كما حيبس سواجع احلمام يف
قفص اللئام واسترتت طلعته البهية من االانم كما يسترت انوار بدر التم حبجب الغمام ويف
ذلك يقول سحبان اهلند السيد غالم علي املتخلص ابزاد {شعر}:
لقد برع االقران يف اهلند ساجع * وجدد فن العشق اي للمغرد
فال عجب ان صاده متقنص * امل تر يف االسالف قيد اجملدد
ويف هذه املعاملة هلل سبحانه حكم خفية ومصاحل جليلة فهي حمنة جلية ومنحة
جزيلة (منها) ان االمام الرابين قدس سره اطلع ابلكشف الصحيح ان وراء ما بلغه من
املقامات مقامات اخرى كثرية عالية جدا وان الوصول اليها موقوف على الرتبية اجلاللية
وقد كانت تربيتها كلها بطريق اجلمال وانه ادرك ابلكشف ايضا انه يناهلا بعد ان يرتىب
بتلك الرتبية فاخرب اصحابه يوما انه يصيبه بالء وحمنة فيما بني اخلمسني والستني ليحصل
له تلك املنحة فوقع االمر كما اخرب وانل من تلك املقامات حظا اوفر (ومنها) ان الوفا
من الكفار والوفا من الفساق والفجار احملبوسني قد تشرفوا بشرف االميان واالسالم
والتوبة اىل هللا سبحانه من مجيع املعاصي واآلاثر وصار بعضهم من الفضالء االعالم كل
- 1195 -
ذلك بربكة قدومه قدس سره يف ذاك احملبس الظالم حت قيل ان واحدا من كرباء أمراء
اهلنود اجملوس الذي كان حاضرا يف جملس السلطان وقت تشريف صاحب االيقان اسلم
يف ذلك اجمللس ملا رأى من شدة صالبة االمام قدس سره يف الدين وتعرضه للموت بعدم
املباالة بشدة غضب السلطان لتيقنه ان ذلك ال يكون اال من شدة قوة االميان واستيالء
نور االيقان وقيل ان وزير السلطان عني لتولية حراسته يف احلبس اخاه وكان من غالة
الروافض قصدا بذلك اجراء كمال الشدة ابالمام فلما رأى منه املذكور انواع الكرامة
وعدم االنزعاج وكمال الوقار بل االبتهاج التام يف ذاك احملبس اتب اىل هللا تعاىل ونفض
عن نفسه غبار الرفض وحتلى حبلية السنية وصار من مجلة احملبني واملخلصني فيا هلا من
نعمة جزيلة يف صورة نقمة جليلة وهلذا كان االمام قدس سره راضيا من السلطان وممنوان
من معاملته هذا وداعيا له ابخلري وكان بعض اصحابه يقصدون االيقاع ابلسلطان وكانوا
مقتدرين على ذ لك ولكن كان االمام مينعهم مما هنالك يف النوم واليقظة وأيمرهم ابلدعاء
للسلطان ابخلري حيث صار سببا حلصول ما كان يتمناه طول عمره ويقول ان اضرار
السلطان اضرار جبميع اخللق يعرف صدق ذلك ابملراجعة اىل مكاتيبه اليت كتبها من
احلبس اىل اوالده وخلص اصحابه وهي مندرجة يف اجللد الثالث (وقد صح) بنقل الثقات
ان شاهجان ولد السلطان جهانكري ملا خرج على ابيه بطلب السلطنة ومل يتيسر له الفتح
والظفر مع كثرة اتباعه وكون امراء ابيه معه يف الباطن شكا حاله اىل واحد من اولياء
عصره فقال ان الظفر موقوف على اتفاق اربعة من اقطاب ذلك الوقت عليه وقد إتفق
ثالثة منهم عليه دون الرابع وهو اكربهم وهو حضرة االمام اجملدد قدس سره فجاء عنده
والتمس منه الدعاء ابلفتح والظفر فمنعه االمام الرابين من خمالفة ابيه ونصحه وامره
ابلرجوع اىل موافقته وبشره بصريورة السلطنة اليه عن قريب بعد موت ابيه فقبل كالمه
ورجع عما رامه فكيف يسند احلسدة اليه اخلروج عليه قاتلهم هللا اىن يؤفكون فلما
اعتكف االمام يف القلعة املذكورة عدة من االعوام قيل ثالثة وقيل اثنان ندم السلطان عما
فعله يف هذا الشان السباب يطول شرحها فاخرجه من احلبس واكرم واحسن اليه أبنواع
- 1196 -
األحسان وصار من مجلة املخلصني واألخوان لكن أمره ابالقامة يف معسكره مدة من
الزمان مث اطلق سراحه واعاده اىل وطنه حمفوفا ابالجالل و االحرتام فعاد ابلوف من
الفتوح على ما كان فيه اوال من االحوال واملقامات اليت يعجز عن وصفها السنة االقالم
وال يدركها اال من كان له من هللا األلطاف اخلفية وانواع الفتوح فصار يصدر عنه قدس
سره من احلقائق والدقائق واملعارف واالسرار ما ال يقدر على فهمها ودركها اال اوالده
العظام وخلفاؤه الكبار فتم هبا مكاتيبه الشريفة ثالث جملدات كبار ولذلك ترى ما اندرج
يف اجللد الثالث غري الئق بكل سالك سيار بل ال بد الدراكها يف اجلملة من اكتحال
بصر البصرية بكحل العناية واالنوار بل ال بد له من امداد روحانيته قدس سره كما اقر به
املشائخ ذووا الكماالت واالستبصار و هللا اهلادي اىل سبيل الرشاد ومنه املبدأ واليه املعاد
(وامنا) اطنبنا يف بيان كيفية هذه الواقعة المرين (احدمها) ان بعض املنكرين اشاعوها بوجه
آخر خمالف للواقع فاردان اظهار حقيقة احلال (واثنيهما) اعالم ان االولياء الكبار بل
االنبياء العظام مل يزالوا مبتلني ابنواع البلية واملصائب ليتأسي هبم اولياء زماننا وصلحاؤهم
ويتسلوا ولئال يسئ عوام زماننا ظنهم ابولياء عصرهم اذا رأوهم مبتلني ابمثال هذه البلية
وهذا اراه من اللوازم ملن يشتغل بنشر مناقب الصاحلني واكثر الناس امهلوه بل كتبوا
اوصافهم امللكية دون لوازمهم البشرية فظن العوام اهنم منسلخون منها ابلكلية فتعلقت هبم
حمبتهم التامة مث نظروا اىل من اشتهروا يف عصرهم ابلصالح والتقوى والوالية فوجدوهم
متلبسني ابللوازم البشرية فساء ظنهم هبم فتضرروا ضررا كليا حيث حرموا من بركاهتم بل
صاروا يف مقام الطعن فيهم وقدحهم وذمهم ومل يدروا ان االسالف ايضا كانوا كذلك ما
داموا يف الدنيا ومل يشعروا ان هذه اللوازم البشرية هي القباب االهلية املذكورة يف احلديث
القدسي اوليائي حتت قبايب ال يعرفهم غريي كما قال االمام الرابين قدس سره ومن هذا
القبيل صدور بعض الزلة من بعض املشهورين ابلصالح والوالية فاهنا رمبا تكون يف حقه
سببا لرتقيه كما بسط هذا الشيخ حميي الدين ابن عريب قدس سره يف موضع من فتوحاته
قال يف احلكم معصية اورثت ذال وافتقارا خري من طاعة اورثت عزا واستكبارا فاعلم ذلك
- 1197 -
وظن خريا ابولياء هللا وال تسئ الظن هبم بسبب ما صدر عنهم احياان من الزلة بناء على
حكم ومصاحل واعتقداهنم غري معصومني و هللا سبحانه يتوىل هداك (وملا) انل االمام
قدس سره من هللا ما أم له وبلغ ما أمله وبلغ الكتاب اجله انداه منادي احلق فاجاب
النداء وانضم ابلرفيق االعلى والتحق وكان ذلك يوم الثالاثء الثامن والعشرين من صفر
سنة اربع وثالثني والف ودفن يف مقربة سهرند روح هللا تعاىل روحه ونور ضرحيه ونفعنا
بربكة انفاسه الشريفة وحمبته املنيفة ورزقنا من شفاعته وحشران حتت لوائه مع حمبيهم
ومجاعتهم آمني وأتريخ وفاته رفيع املراتب وهذا الرابعي ايضا على سبيل التعمية
{رابعي}:
آنك خبموشى سخن آموخت مرا * ات رفت بدامان عزا دوخت مرا
ميجست بگريه دل ز سال سفرش * ابر آمد وگفتا غم دل سوخت مرا
(املنظرة السادسة يف بيان من انكره بعد فوته ومن مدحه واثن عليه اعلم) ان
الناس كما كانوا يف حقه فرقتني يف حياته بسبب اختالف املشارب واالغراض واملقاصد
كذلك افرتقوا يف حقه بعد فوته ايضا على هاتني الفرقتني لالسباب املذكورة فمن مبغض
قادح وحمب مادح وان كان بني الفريقني بوان بعيدا ابن كان االول شقيا والثاين سعيدا
فهذا يف اجلنة وذاك يف السعري (قال) الشيخ ويل هللا الدهلوي ولقد جرت على االمام
قدس سره سنة هللا تعاىل وعادته يف انبيائه من قبل ابيذاء الظلمة واملبتدعني وانكار
الفقهاء املتقشفني وذلك ليزيد هللا يف درجاته ويلحق به احلسنات من بعد وفاته اىل ان
قال واب جلملة قد بلغ امره اىل ان ال حيبه اال مؤمن تقي وال يبغضه اال فاجر شقي فال
حاجة لنا اىل الذب والدفع عن االمام اهلمام رضي هللا عنه وال اىل اقامة الدالئل العقلية
والنقلية على جواز ما ادعاه انتهى أبدىن تغيري يعين ان حقيقة ما عليه االمام قدس سره
ظاهرة وبينة وبطال ن ما عليه اخلصم وال شيئيته ايضا جلية ومستبينة وانوار معارف االمام
منتشرة ومنبسطة يف مجيع اآلفاق واالقطار ال يقدر اخلصم العنيد على سرتها بغيوم
اجلحود واالنكار بل كان انكارهم سببا لشدة ظهور ذلك النور وزايدة االنتشار وهلل در
- 1198 -
والناهني عن املنكر صالة وسالما دائمني ما تكررت العشااي والبكر (اما بعد) فقد
اخربين اجلم الغفري الثقات والبالغون حد التواتر مقبولوا الرواايت ابن اوالد الشيخ امحد
الفاروقي السرهندي النقشبندي ومريديهم املوجودين اآلن سالكون مناهج الشريعة
املستقيمة مالزمون الطاعة واجلماعة على الطريق احلنفية السهلة القومية واهنم اخذوا
الطريقة املذكورة عن والدهم املذكور وليس فيها ما خيالف الشريعة الغراء ويوقع يف حمذور
وهذا مما ال مرية فيه وال ريب النين احطت علما آبداب الطريقة النقشبندية واخذهتا عن
مجاعة زهاد اجالء عظماء واذا تقرر هذا فليعلم ان للشيخ امحد مكتوابت واقعة ابللغات
الفارسية مبنية على قواعد السادات الصوفية ابصطالحاهتم املرضية بل له رضي هللا عنه
اصطالحات خاصة رضية وال مشاحة فيها وقد تصدى بعض مبغضي الطريقة النقشبندية
والشيخ املذكور وعرب بعض مواضع من املكتوابت وحرف وغال مبا يوجب القيل والقال
وصدره ابلسؤال وطلب مين الكتابة عليه قبل كل فامتنعت تدينا وقد احل عل ّي مرارا كثرية
فاجبته ابحلديث السابق من خري اسالم املرء ترك ما ال يعنيه مث زاد يف اللجاج و قال
اسأل عمن سب ونقص و ذكركال ما ال يستطاع ذكره على لسان مسلم ولو حكاية
فحينئذ اجبته شفاها ابللسان مبا هو مقرر عند ادىن الطلبة ويف مجيع الكتب يف ابب
الردة وطلب الكتابة ايضا من مجاعة علماء اتقياء حنفية وشافعية فلم يوافقوه على ذلك
بل اجابوه ابحلق املخالف هلواه وكتب عليه شخص من الفضالء اخذا بظاهر الفاظ
التعريب احملرف مع امكان التأويل ووافقه مجاعة ممن ال يعبأ هبم وزاد بعض جهال يف
اهلذرمة وطغى وبعضهم نقش ما رسم له فحاكاه كالبغبغاوليته ان كتب فهم وهل يفهم
ولو ظفر بكتابة املوافق اجلاهل املتعنت ال جرى عليه مقتضى لفظه شرعا ان مل ينكره النه
عرض ابلعماء االجالء الذين ال يصلح ان يكون تلميذ هلم فعليه من هللا ما يستحقه وقد
اعتذر عنهما بعض العلماء االجالء يف تعريضه ولوال عنه وجهل االول وجهل الثاين
حلكمنا بكفرمها ولكن ملا كان هلما نوع عذر ابعتبار ان العوام ال يكلفون اال مبعرفة
املسائل اجللية دون املسائل اخلفية هذه املسئلة من املسائل اليت ختفى على مثلهما من
- 1200 -
العوام اعرضنا عن احلكم بذلك ولكن مثل هذين اجلاهلني ينبغي أتديبهما وزجرمها عن
اخلوض فيما ال وصول الذهاهنما اليه انتهى فما احسن هذا االعتذار الدال على جهلهما
املبني حلاهلما وما للكاتب من االعتذار و هلل دره ومع هذا فقد حموا ما كتباه وانكراه بغاية
الذلة واالستغفار ويكفيهما ذلك خزاي وتعزيرا يف سائر االعصار قال علماؤان انكار الكفر
ت وبة وقد رد بعض االفاضل على هذا املعرب املتبع هلواه احملرف لكالم الشيخ ابلتعريب
ومزجه ابلدسائس وزيف كالمه وكالم من يعد فاضال وسرد كالم الشيخ املذكور بلفظه
الفارسي وعربه ابلواقع فاطال وحسن التأويل واملقال وقرظ عليه مجاعة علماء اجالء
واالحرى ترك التعريب احملتاج اىل التأويل الن لبعض االلفاظ اذا وقعت فارسية حكما واذا
وقعت عربية حكما آخر قاله علماؤان يف اماكن متعددة من كتب الفتاوى ذكر عالمة
املذهب قاضيخان يف فتاواه املشهورة يف الشروط املفسدة للبيع رجل اشرتى شيئا على ان
حيمله البائع اىل منزل املشرتي ان قال ذلك ابلعربية ال جيوز وان قاله ابلفارسية جاز الن
العربية تفرق بني احلمل وااليفاء والفارسية ال تفرق ويكون احلمل مبنزلة االيفاء انتهى
واحلاصل ان الفاظ املكتوابت الصادرة من الشيخ ابللغة الفارسية ابصطالح القوم
ولساهنم حيث كانت ساملة عن وصمة قائلها شرعا وال حمذور فيها ولو بوجه ضعيف ال
يلتفت اىل التعريب املخل احملتاج اىل التأويل بل يرتك كالم املتكلم بلفظه عربيا او فارسيا
اخلايل عن التعريب ملوافقة الشرع الشريف كما اخربين من تقدم وال نتكلف لتعريبها وان مل
يتغري معناها ومدلوهلا فكيف مع التغيري املوقع يف حمذور لو فرض وال يقدح يف الشيخ
تعريب ذلك املتعنت مع براءته كما ذكر وليت شعري اي حاجة داعية اىل التعريب لنكفر
به مسلما ما هذا اال جرأة وافرتاء بال مراء فان تكفري املسلم امر عظيم قال يف البحر انقال
عن الفتاوى الصغرى الكفر شئ عظيم فال اجعل املؤمن كافرا مت وجدت رواية انه ال
يكفر انتهى مث قال فيه قال يف اخلالصة اذا كان يف املسئلة وجوه توجب الكفر ووجه
واحد مينع التكفري فعلى املفيت ان مييل اىل الوجه الذي مينع التكفري حتسينا للظن ابملسلم
انتهى مث قال والذي حيرر ان ال يفت بتكفري مسلم امكن محل كالمه على حممل حسن
- 1201 -
او كان يف كفره اختالف ولو رواية ضعيفة وهذا الذي ادين هللا به واعتقده مث ان الفقري
يف شغل شاغل من مثل هذه اخلرافات والكتابة عليها والتقريظ واملوافقة ابلواقعات اليومية
املتعني على بياهنا ابمر الدولة العلية ادامها هللا تعاىل وادام احساهنا على سائر الربية وامنا
اخربين من تقدم ذكره ان ما وقع من التعريب والتحريف والكتابة عليه واملوافقة لو ظهر
واصغى اليه مسع اهل العناد القام الفتنة النائمة الداعية اىل الفساد وختريب البالد واضرار
املسلمني والعارفني والعباد والعلماء والزهاد واملشائخ االجماد وطلب مين كتابة ما تيسر
لدفع هذه املضار العديدة أبلفاظ وجيزة مفيدة فوجبت عل ّي يعين الكتابة وسطرت ما
ذكر حلقن الدماء واالنتصار للعلماء والصلحاء واملشائخ االتقياء و هللا سبحانه نسأل ان
يوفقنا ملا حيبه ويرضا ه ويصون لساننا وقلمنا عن اضرار الناس وال جيعلنا ممن يطيع هواه
قال ذلك الفقري اىل هللا تعاىل عبد هللا عتاقي زاده احلنفي القائم خبدمة الفتوى ابم القرى
مكة املشرفة عفي عنهما مبنه وبكرمه حامدا مصليا مكربا مهلال مت (قوله) االحرى ترك
التعريب اخل (قلت) هذا اذا كان لغرض نفساين ابلتحريف اما اذا كان لغرض صحيح
ساملا عن التحريف فال مانع من ذلك وبه جرت عادة العلماء قدميا وحديثا و هللا يعلم
املفسد من املصلح وهو أعلم بكل شئ (ومنها) تقريظ العالمة الشيخ حسن ابن الشيخ
حممد مراد التونسي املكي وهو مقدار كراسة مساء ابلعرف الندي يف نصرة الشيخ امحد
السهرندي قد ادرج فيه عوارف املعارف وضمنه لطائف املنن ومنن اللطائف وهو حري
ابن يقال انه من الفتوحات املكية او من االهلامات امللكية قال رمحه هللا تعاىل {ب ْسم هللا
الرحيم} وبه العون احلمد هلل الذي اوضح الحبابه سبل اهلداايت * وفتح هلم ابب الرمحَن َّ
َّ
الفهم عنه بسابق العناايت * وعصمهم من طريق اهلوى وطروق الغفالت والغواايت *
وخصهم بتشريف املكاملات ولطيف االشارات * والصالة والسالم على سيدان حممد
رسول من فطر االرض والسموات * اىل كافة اخللق ابلدالالت * الواضحة واآلايت
البينات * (وبعد) فاين قد كنت وقفت على سؤال ورد من مجاعة من اهلند مضمونه ما
قول العلماء يف حق امحد السرهندي الكابلي القائل كذا وكذا ابلفاظ كثرية مسطورة يف
- 1202 -
السؤال مدعني اهنا نقلت من كتابه املشهور وقد كتب عليه اذ ذاك مجاعة قائلون بكفره
ايل وما قدر
اغرتارا بظاهر بعض االلفاظ ولغري ذلك فلما أتملته ظهر يل حبسب ما وصل ّ
يل اذ ذاك من الفهم ان بعض عباراته ال يصدر اال من عارف وإن بعضها غريب يف تلك
املنازل ال يصدر اال من جمازف بل بعضها يؤدي اىل الكفر ال حمالة فلذلك امتنعت من
الكتابة بعد االحلاح عل ّي يف طلبها ومحدت هللا سبحانه على ذلك اىل ان اراد هللا سبحانه
وتعاىل اظهار احلق واحماق الباطل فحرك لذلك عاملا يقال الشيخ حممد بك فكتب رسالة
ميز ف يها ألفاظ الشيخ املذكور رمحة هللا عليه عن غريها وبني ان كتابه امنا هو ابلفاظ
فارسية وان فيما عرب منها يف السؤال تغيريا ابلزايدة والنقصان وتبديل بعض االلفاظ
ابملكر والطغيان ونقل عبارات الشيخ ابعياهنا من الكتاب املذكور اعانة ملن طلب الوقوف
عليها واظهارا ملا هو الصواب وتربعا ابجلواب عما اشكل ظاهره منها اذ مل يكن ذلك
ايل الكتب عليها
واجبا عليه وال مندواب كما ستقف عليه ان شاء هللا تعاىل مث ارسل هبا ّ
وقد كتب عليها وحيد دهره وفريد عصره شيخنا وبركتنا الشيخ امحد البشبيشي ادام هللا
تعاىل النفع به وفسح لنا يف مدته آمني فاعتذرت اليه مرارا ورمت بذلك فرارا فزاد االحلاح
وتقوى االقرتاح فالزمت نفسي العمل مبقتضى قوله {شعر}:
ما ال يكون فال يكون حبيلة * ابدا و ما هو كائن سيكون
سبق القضاء مبا يكون بعلمه * سيان منك حترك وسكون
فالح اجلواب وتيسرت االسباب فشرعت مستعينا ابمللك الوهاب راجيا منه
احلماية واصابة الصواب فقلت وابهلل سبحانه التوفيق قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم
قد أجاركم هللا من ثالث خالل ان ال يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا مجيعا وان ال يظهر
اهل الباطل على اهل احلق وان ال جتتمعوا على ضاللة رواه ابو داود مث قلت النفوس
مفطورة على حب احلق فهو مقصدها يف مجيع احنائها ال تسكن اال لديه وال تركن اال
اليه وله تفيض االعني وتتحرك القلوب وااللسن ولوال حيول بينه وبينها من آاثر الرعوانت
وشدة ميلها اىل الشهوات ملا انفكت عنه وقتا من االوقات فلذلك قوي الرجاء يف الرجوع
- 1203 -
اليه ووقوع االتفاق عليه وحينئذ فال خيفى على كل لبيب يقظ ان الشيخ امحد السرهندي
الكابلي ويل من اولياء هللا تعاىل وله قدم راسخ مبحافظته على الشريعة ومناظرته اهل
احلقيقة والدليل على ذلك اما حمافظته فلما شاع وذاع من شهرة علمه ابنتشار تالمذته
وتالمذة تالمذته واوالده وحفدته كلهم علماء ومنهم من بلغ درجة االكابر حت عزله
النظري يف غالب البالد كاسالمبول وما وراء النهر ومصر وغريها وقد وفد منهم مجاعة اىل
احلرمني الشريفني ممن بلغ مكة منهم العامل املشهور الشيخ فرخ قد كثر متابع له هبا اىل
اآلن فانه كان املرجع هبا ومنهم قطب اوانه وامنوذج زمانه شيخنا وبركتنا الشيخ حممد
قاسم الالهوري قدس سره وروح ضرحيه آمني قرأت اان ورفيق يل عليه يف املطول واخربان
انه ختمه تدريسا نيفا وستني مرة ومنهم الشيخ املتفنن حممد النقشبند نزيل عني الزمان
مددان وبركتنا شيخا الشيخ حممد بن سليمان كان يعظمه ويكرمه غاية االكرام وما ذاك
اال رعاية ملقام الشيخ امحد رمحه هللا ابكرام كل من ينتسب اليه ملا عنده من زايدة العلم
بكمال فضله وحتقق مقامه مبقتضى ال يعرف الفضل اال ذووه ومنهم العالمة الشيخ حممد
مراد ذكر انه اآلن ب سالمبول يدرس هبا وانه ذو اتباع ومنهم الشيخ احملقق العارف ابهلل
تع اىل الشيخ بدر الدين ومنهم العالمة الشيخ يوسف الدين ومنهم الويل العارف ابهلل
تعاىل الشيخ حممد معصوم ذكر يل بعض االخوان من مدرسي مكة املشرفة من ابناء الروم
انه اجتمع هبؤالء الثالثة وكان كثريا ما يذكر الشيخ بدر الدين ويقول ما رأيت يف زماننا
هذا مثله يف كثرة علمه وعمله ومداومته على الذكر وأما الدليل على مناظرته الهل
احلقيقة فان من له ادىن فهم يدرك ان عبارات كتابه اهلنا هللا سبحانه وتعاىل بفهمها
وجعلنا من طالبه ليست جارية على اصطالح الفقهاء الهنا ال تصدر اال عن ارابب
االحوال فهي دالة على انه من اهل احلقيقة عند من بصره هللا تعاىل الن الكالم صفة
املتكلم وقد قالوا اعرف الرجال ابحلق وال تعرف احلق ابلرجال وقال الشيخ زروق رمحه هللا
تعاىل يف شرحه حلزب الشاذيل رمحه هلل تعاىل واعلم ان الكالم صفة املتكلم و مآقيك
اظهر على فيك اىل ان قال وابجلملة ان احزاب املشائخ صفة احواهلم ونكتة مقاهلم
- 1204 -
ومرياث علومهم واعماهلم وبذلك جروا يف كل امورهم ال ابهلوي يعين ان مجيع اقواهلم
وافعاهلم ليست مقصودة هلم بنوع تكلف او نوع تصرف كما يدل عليه كالم الشيخ
القشريي اآليت بل مجيع ما يقع منهم من احلركات والسكنات تصدر عنهم حبسب
احواهلم فهي آاثرها الدال ة عليها ال حمالة فظهر هبذا ملن ثبته هللا تعاىل ونور بصريته ان
سيدي الشيخ امحد رمحه هللا تعاىل اثبت القدم فيما تقدم على ان مجاعة منهم مل يصنفوا
كتااب حرصا على امتثال ما كلفوا به من كتمان هذه العلوم كما سيأيت انشاء هللا تعاىل
قال ابن عطاء رمحه هللا تعاىل يف لطائف املنن كان ابو احلسن الشاذيل رمحه هللا تعاىل مل
يصنع كتااب وكذلك شيخنا ابو العباس رمحه هللا مل يصنع يف هذا الشان شيئا والسبب يف
ذلك ان علوم هذه الطريقة علوم التحقيق وهي ال تتحملها عقول عموم اخللق ولقد
مسعت شيخنا ااب العباس يقول مجيع ما يف كتب القوم عبارات يف سواحل من حبر
التحقيق انتهى املراد قوله يف سواحل اخل كناية عن بعدها عن افهام اهل الظاهر ملا
يقصدونه من استعمال الفاظ خاصة هبم جمملة واملعاين ملشكلة الظواهر حتاميا عن الظهور
املوجب لوقوع اخلالف منهم فلهذا جيد من صنف منهم كتااب ابلغ يف كتمان معانيه حبيث
ال يستعمل شيئا مما استعمله غريه من املعاين اال على طريق االنفاق وحينئذ التمييز بني
اصطالح الفقهاء واصطالحهم ال يكاد خيفى على احد فنعلم حينئذ ان كتاب العارف
ابهلل تعاىل الشيخ امحد رمحه هللا تعاىل وامدان مبدده امنا هو يف علوم احلقيقة وانه جار على
اصطالح القوم ودال على كمال احواله وعلو مقامه بال ريب هذا واين ادين هللا سبحانه
وتعاىل بذلك ومبا عن شيخنا الشيخ حممد بن سليمان نفعنا هللا تعاىل به من ان الشيخ
امحد رمحه هللا تعاىل جمدد طريق القوم وكفى هبذا االستشهاد ملن وفقه هللا تعاىل للتسليم
وحسن االعتقاد وحيث ثبت ما له من املقام فال يلتفت ملن اراد نفيه عنه قال الشيخ
زروق رمحه هللا تعاىل يف الشرح فان قلت قد تكلم بعض الناس يف الشيخ ابن سبعني
كالما فاحشا يوجب عدم اعتباره فكيف يلتفت اىل علومه واذكاره قلت ال يقبل قول إال
بربهان وال يؤخذ شئ اال بتبيان وقد ثبت كونه من اهل العلم والعرفان ونقل كونه من
- 1205 -
اصحاب احلقايق واالحوال بل حقق ذلك مجاعة ممن اتى بعده من الرجال فال يلتفت اىل
انكار املنكر يف اسقاط مرتبته وكذا من كان على طريقه فلئن كان للعلم حرمة فللعلماء
ايضا حرمة واملوفق يلتمس املعاذير واملنافق يتبع العيوب بل حيدث هبا بغري حق وال اجهل
ممن يتعصب ابلباطل ومنكر ملا هو به جاهل فانظر وفقك هللا تعاىل وأتمل يف عبارة
الشيخ زروق رح وما فيها من الفوائد النورانية حيث رد قول اجملرح بعدم البيان مث عارضه
مبجرد ثبوت صفة العلم له مث اثبت له كونه من اصحاب احلقائق واالحوال مبجرد النقل مث
ح قق له ذلك مبن بعده من الرجال حيث ذكروه بذلك من غري تعرض لطول املدة
وقصرها مث اكد الرد بقوله فال يلتفت اخل مث اشار اىل حكمه على مقتضى الشرع وانه ال
خصوصية له بقوله وكذا من كان على طريقته مث التفت اىل تعظيم جانب العلماء مبجرد
كوهنم علماء للتحريض على ذلك كما قابل ذلك بذم املنكر والتشديد عليه جبعله
كاملنافق ومقابلة فعله بفعله املوافق مث ذم التعصب ووصف صاحبه وذا جلهل املركب
بكوهنما ال اجهل منهما فاذا علمت هذا فتأمل ايضا يف اكتفاء الشيخ رح يف الرد مبجرد
ثبوت صفة العلم فكيف مبن منحه هللا تعاىل فضيلة انتشاره يف البالد زايدة على ذلك مث
يف التفاته رح لثبوت كونه من اصحاب احلقائق واالحوال مبجرد النقل فكيف مبن كتبت
يف مناقبه اجمللدات واثبتت له فيها انواع الكرامات وشهد له بذلك انتشار اآلاثر الدالة
على اتصافه بذلك اي االنتشار فاين قد رأيت مناقبه يف جملد ضخم واخربت بثانية منها
للشيخ حممد هاشم الكشمي وقد كتب سيد علماء اهلند جامع املعقول واملنقول املال عبد
احلكيم السيالكويت ما لفظه ان التكلم على كالم الوارث للطريقة احملمدية الشيخ امحد
السرهندي جهل وسفه وداللة على عدم الوقوف على اصطالحات الصوفية اىل آخر ما
اطاله رمحه هللا تعاىل وقد وضع على هذا اخلط ختمه و هو اآلن بيد اوالد الشيخ رمحه هللا
تعاىل والذي نعلم اآلن من نسخ كتابه املشهور يف احلرمني الشريفني ثالث نسخ نسخة
اتمة ثالث جملدات ابملدينة املنورة ونسختان خمرومتان مبكة املشرفة مث يف اكتفائه رح
مبجرد ذكر مجاعة بعده فكيف مبن مضى عليه زمان طويل بعد ذلك فان عمر الشيخ
- 1206 -
امحد نور هللا ضرحيه نيف وستون سنة ومذ تويف اىل اآلن حنو ستني سنة فهذه حنو مائة و
مخس عشرة سنة ابعتبار اسقاط مدة بدايته على ان كثريا من اولياء هللا حمفوظون من
وقت الرضاع يف بطون امهاهتم فعليه فهي حنو مائة وعشرين سنة فكيف فيه التجريح بعد
هذه املدة وبعد ما ثبت له من االشتهار املتصل مبن ذكر من كتابه واوالده وتالمذته اىل
يومنا هذا فهل خيفى على احد ان هذا االّ ابب اظهار الفساد نسأل هللا العظيم يف درئه
ورد كيد قاصده يف حنره مث هل هذا السؤال اال مزلة ومغلطة الهل احلرمني الشريفني حيث
مل يذكروا فيه الشيخ رمحه هللا معرفا أبوصافه بل ذكروه جمهوال خصوصا مع ما احدثوا فيه
من التغيري والزايدة والنقصان وهل هذا اال هوى للنفس واتباع للشيطان اما خيشى فاعلوه
من تعجيل عقوبة هللا تعاىل غرية منه عليه اما يعتقدون املوقف والفضيحة بني يديه وما
احسن ما قيل {شعر}:
تذكر يوم أتيت هللا فراد * وقد نصبت موازين القضاء
وهتكت الستور عن املعاصي * وجاء الذنب مكشوف الغطاء
واحسن منه وابلغ منه واسرع رشقا يف النحور قول من جيمع الناس ليوم ال ريب
فيه واليه النشور يعلم ما يف السموات واالرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون و هللا عليم
بذات الصدور لعمر هللا اهنم لفي امر ال ينادي وليده وال يفارق عنيده وكاين هبم وقد
انعكس عليهم االمر أفأمنوا مكر هللا وصروف الدهر كيف وهو كما قيل {شعر}:
سرور الدهر مقرون حبزن * فكن منه على وجل شديد
ففي ميناه كأس من جلني * ويف يسراه قيد من حديد
نعوذ اب هلل من مكر هللا نعوذ ابهلل من مقت هللا نعوذ ابهلل من سخط هللا وال خيفى
ان كالم الشيخ امحد اسكنه هللا تعاىل يف حظرية قدسه ومتعه مبوارد انسه ليس جاراي على
ظاهره كما تقدم وال جيوز له استعمال االلفاظ الظاهرة املعاين حيث كان يف هذا العلم
لوجوب كتمانه قال يف روضة املريدين قال جعفر بن حممد الصادق رضي هللا تعاىل عنهما
هنينا عن اظهار هذا العلم لغري اهله كما هنينا عن الزان وال اقامة لدين هللا تعاىل اال هبذا
- 1207 -
العلم وقال ان هللا عز وجل فضح من ابح بسره وعلمه اىل غري اهله وعن ايب هريرة رضي
هللا عنه قال حفظت عن رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وعائني فاما احدمها فبثثته فيكم
واما اآلخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم وعن ابن عباس رضي هللا عنهما انه قال اين العلم
يف قوله تعاىل يتنزل االمر بينهن لو قلت لكفرمتوين وعن عل ّي رضي هللا عنه قال ان بني
جنيب علما لو قلته خلضبتم هذه من هذه ارادوا رضي هللا عنهم بذلك العلوم علوم احلقيقة
كما صرح بذلك فأهل التمكني ال يظهرون معاين الفاظهم الن مجيعها متعلق ابهلل تعاىل
فهي اسرار بينهم وبينه وهلذا كان خطأ احلالج واابحة دمه من حيث اظهاره ما يكتم
واعالنه مبا يسر كما يف حل الرموز وفيه ما كل قلب يصلح للسر وال كل صدف ينطبق
على الدر وقيل اليب يزيد رح ما لنا ال نفهم كثريا ما تقول قال الن كالم االخرس ال
يفهمه غري امه (قال) الشيخ القشريي رمحه هللا يف الرسالة وهذه الطائفة يستعملون الفاظا
فيما بينهم قصدوا هبا الكشف عن معانيهم النفسهم بعضهم من بعض واالمجال والسرت
ع لى من ابينهم يف طريقتهم لتكون معاين الفاظهم مشتبهة على االجانب غرية منهم على
اسرارهم ان تشيع يف غري اهلها اذ ليست حقائقهم جمموعة بنوع تكلف او جملوبة بضرب
تصرف بل هي معاين اودعها هللا تعاىل يف قلوب قوم واستخلص حلقائقها اسرار قوم
ويقولون االسرار معتقة عن رق االغيار ويطلق السر على ما يكون مصوان بني العبد
واحلق سبحانه وتعاىل من االحوال وعليه حيمل قول من قال اسراران بك مل يفتضهن وهم
واهم انتهى ملخصا فمن علم ان قصدهم كتمان السر واالمجال والسرت وان ظاهر اللفظ
غري مراد هلم ال يعرتضهم قطعا فاملعرتض على ويل هللا سبحانه وتعاىل الشيخ امحد رح
ابعتياده مرتكب ما ال حيل غري عامل مبقاصدهم هذا وقد تلقت العلماء رضي هللا عنهم
ونفعنا هبم خلفا عن سلف اقوال هذه الطائفة من غري التفات منهم اىل اشكال ظواهرها
مع علمهم حبقائقها وما تقتضيه من االحتاد واحللول والتجسيم وغريها لعلمهم ابستحالة
كون شئ من ذلك مقصودا هلم وهو معن قول الشيخ زروق رح فلذلك قبل كالمهم اي
على ما هو عليه وان كان مشكال فاذا النظر اىل كمال احواهلم ال اىل ظواهر اقواهلم وهذا
- 1208 -
كتاب كمال اهل الطريقة ومعدن احلقيقة الشيخ ابراهيم بن عبد الكرمي اجليلي قدس سره
ونور ضرحيه املسمى ابالنسان الكامل وسائر مؤلفاته ومؤلفات العارف ابهلل تعاىل الشيخ
حميي الدين بن عريب قدس سره وسائر كتب القوم اىل يومنا هذا تشرتي ابغلى الثمن
وتستكتب ويتعب يف حتصيلها ومقابلتها مع العلم مبا فيها من االشكاالت املتكاثرة منها
يف االنسان الكامل قوله ابنقضاء عذاب جهنم وذهاب اثرها وعود ابليس لعنه هللا اىل ما
كان عليه من مكان القرب اىل هللا تعاىل ومنها ما يف عينيته قوله ان السبع الطباق حتت
قوائمي ورجلي على الكرسي وسقف بييت العرش ومنها ما يف مواقع النجوم البن عريب رح
ان هلل سبحانه لساان يتكلم به واذان يسمع هبا واما مشكالت الفتوحات فأشهر من ان
تذكر فلو نظر العلماء رمحهم هللا اىل ظواهر هذه الكتب ملا توقف احد منهم يف احلكم
بتكفري مؤلفيها لكنهم ملا علموا احواهلم مل يلتفتوا اىل املشكل من اقواهلم وقد شاع هذا و
احلمد هلل حبيث ال يكاد عامل جيهله اآلن حت انسيت اشكاالهتم وكأهنا مل تكن واقبل
الناس عليها لذلك ابالقبال التام حت صار العلماء يتربكون ويعتنون مبطالعتها بل
وتدريسها حت ال يكاد خيلو عامل من بعضها ومن االطالع عليها فان قلت اذا كان عدم
التعرض ال يكاد جيهل فكيف قلت يف اول الرسالة وقد كتب عليه مجاعة قائلني بكفره
اغرتارا بظاه ر بعض االلفاظ وهل هذا اال تعرض منهم قلت قد مر قريبا ابن اهل السؤال
دلسوا ولبسوا واهنم متبعون اغراضا فاسدة واهنم مل يعرفوا الشيخ رمحه هللا بل ومل يذكروا من
نسبه شيئا لعلمهم ملا فيه من صريح مناقضتهم فان والد الشيخ وجده رمحهم هللا قد ثبتت
هلما الوالية ونسبه ي تصل أبمري املؤمني عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه وقد أخذ الطريقة
عن والده وجده ابلسند املتصل اىل سيد العارفني ابهلل تعاىل الشيخ عبد القادر الكيالين
كما يف مناقبه قدس سره لتلميذه العارف ابهلل الشيخ بدر الدين غري املتقدم فلما مل
يذكروا شيئا من هذا بل حذفوه وقولنا حذفوه لغوي جتهيال لتميم غرضهم بزعمهم اقتضى
ذلك تكفريه ال حمالة النه على هذا التقدير ليس ممن ال يتعرض هلم بل هو فرد من افراد
الناس فلو ذكر موصوفا ابوصافه اليت اشتهر هبا او بعض النسب ولو الفاروقي فقط
- 1209 -
ونقلت الفاظه بعينها من غري تغيري ملا تعرض له احد وما كفره احد منهم قطعا اال ترى
اان لو سئلنا عما يف مواقع النجوم بصورة ما يقول علماء الدين رضي هللا عنهم يف حق
حممد بن عريب القائل ابن هلل سبحانه لساان يتكلم به وله اذن يسمع هبا او عن مقالة
الشيخ عبد القادر رح رأيت ريب بعني رأسي بصورة ما يقول العلماء رضي هللا عنهم يف
حق عبد القادر ولد ام اخلري القائل رأيت ريب بعني رأسي فهل يتوقف احد يف تكفري
املسؤول عنه على ما فرض جهالته خبالف ما لو قيل يف االول يف حق الويل العارف ابهلل
تعاىل الشيخ االكرب حميي الدين ابن حممد بن علي بن حممد علي ابن العريب احلامتي
الطائي قدس سره ونور ضرحيه ويف الثاين يف حق سيد العارفني وقبلة الوافدين الشيخ حميي
الدين عبد القادر اجليالين جعلنا هللا سبحانه يف بركاته وامداده حيث مل يتعرض له احد
من العلماء كما نقدم وفيما حنن بصدده كذلك ملا كان السؤال بصورة ما يقول العلماء
رضي هللا عنهم يف حق امحد السرهندي الكابلي مل يتوقف احد يف تكفريه وما توقف اال
من كان له علم بشهرته او بطرف منها او كان له معرفة ابصطالح القوم فاستدل ببعض
عبارات السؤال على مقامه خبالف ما لو كان بصورة الشيخ العامل العارف ابهلل تعاىل
مسلك املريدين وموصل السالكني اجلامع بني الطريقة واحلقيقة من مأل علمه اآلفاق شيخ
وقته على االطالق الشيخ امحد السرهندي الكابلي الفاروقي النقشبندي ابن العاف ابهلل
تعاىل الشيخ عبد االحد ابن ويل هللا العارف ابهلل تعاىل الشيخ زين العابدين نفعنا هللا
سبحانه وتعاىل به القائل كذا وكذا ابلفاظه بعينها او تعريبها حيث مل يتعرض هلا بال ريب
(فان قلت) قال الشيخ عبد الوهاب الشعراين رمحه هللا تعاىل قد اندرس العمل ابخالق
القوم يف هذا الزمان حت ال يكاد العبد جيد احدا من املتشيخني فيه يتخلق بشئ من
أخالق القوم فان مقام االرادة قد عز يف هذا الزمان فكيف مبقامات العارفني انتهى فعلى
هذا ال يكون الشيخ امحد من املشائخ وال كتابه مثل كتبهم (قلت) ليس يف عبارته ما
يقتضي انقطاعهم ليلزم ذلك بل مفهومها عزهتم كما صرح به يف آخر مقدمته بقوله مل
اقصد بقويل يف كثري من االخالق مل ار له فاعال الفخر وامنا اقصد به بيان عزته ليلقي
- 1210 -
االخوان ابهلم اىل االهتمام بتحصيله والتخلق به ال غري على انه ذكر يف االربعني ومائة
ان أصحاب النوبة سبعون واهنم مبصر اآلن سنة ستني وتسعمائة (فان قلت) ليس أهل
هذا الزمان كاملتقدمني فال يستحق الشيخ امحد ان يعامل معاملتهم فتسلم له اقواله
(قلت) ان اردت سلب املشاهبة عن اجملموع فمسلم وليس الكالم فيه وان اردته عن كل
فرد فرد فغري مسلم فقد روي عن رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم انه قال يف كل قرن من
اميت سابقون و عنه صلّى هللا عليه و سلّم انه قال امنا مثل اميت كمثل حديقة قام عليها
صاحبها فاجتث رواكبها وهيأ مساكنها وحلق سعفها فأطعمت عاما فوجا مث عاما فوجا
مث عاما فوجا فلعل آخرها طعما يكون اجودها قنواان واطوهلا مشراخا والذي بعثين ابحلق
نبيا ليجدن ابن مرمي من اميت خلقا من حواريه وعنه صلّى هللا عليه و سلّم انه قال خري
اميت اوهلا وآخرها ويف وسطها الكدر و عنه صلّى هللا عليه و سلّم انه قال مثل اميت مثل
املطر ال يدرى اوله خري ام آخره واالحاديث يف هذا املعن كثرية جدا على ان هؤالء القوم
ال يغريهم الزمان فال فرق بني املتقدم واملتأخر والظاهر واخلفي والصديق والويل يف ان
الزمان ال يكدر انوارهم وال حيط مقدارهم فاهنم مع املوقت ال مع االوقات وعن بعض
العارفني ان ه قال ان هلل تعاىل عبادا كلما اشتدت ظلمة الوقت قويت انوار قلوهبم فهم مثل
الكواكب كلما قويت ظلمة الليل قوي اشراقها كما يف لطائف املنن واما كتابه نفع هللا
تعاىل به يسر لنا سلوك طريقته فغالب الظن فيه حيث مل اطلع على مجيعه انه لو كان
معراب لفاق او ساوى ملا يظه ر من دقة الفاظه اليت وقفت عليها ولعمري انه حلري بقوله
{شعر}:
ما ضرين ان مل اكن متقدما * فالسبق يعرف أخر املضمار
وها اان اذكر لك ما تستكن به نفسك وتراض وتقبض به انشاء هللا عناد التعرض
واالعرتاض قال الشيخ زروق رح يف وصيته عند عد الشبه ومن ذلك قول بعض الصوفية
اان هو وهو اان مما يوهم االحتاد واحللول وقد وقع كثري من هذا النوع البن الفارض وابن
العريب والتسرتي وابن سبعني مع امانتهم يف العلم وظهورهم يف الداينة فعلى املؤمن يف
- 1211 -
ذلك ان يكون قائما مع احلق ابلكالم يف القول ال يف القائل يف مثل اولئك القوم وما
كان من كالمهم موافقا للكتاب والسنة فاان اعتقده وما كان خمالفا فاان اكل علمه الراببه
منزها قليب عن اعتقاد ظاهره واايهم كذلك انتهى خمتصرا وقوله واايهم كذلك اي وانزههم
ايضا عن اعتقاد ظاهره فاهنم ال يعتقدونه الهنم منهيون عنه كما تقدم وقال الشيخ
الشعراين رح يف لطائف املنن وقد يكون سبب االنكار جهل املنكر مبصطلح القوم وعدم
ذوقه ملقاماهتم فالعاقل من ترك االنكار وجعل ما مل يفهمه من مجلة جمهوالته ال سيما ولن
يبلغنا عن احد منهم ما خيالف الشريعة ابدا ورمبا تكلم العارف يف شعره او غريه على
لسان احلق تعاىل ورمبا تكلم على لسان رسوله صلّى هللا عليه و سلّم ورمبا تكلم على
لسان القطب فيظن بعضهم ان ذلك على لسانه هو فيبادر على االنكار وقد مسعت
سيدي عليّا اخلواص يقول اقل درجات االدب مع القوم ان جيعلهم املنكر كأهل الكتاب
ال يصدقهم وال يكذهبم وكان سيدي علي بن وفا يقول التسليم للقوم أسلم واالعتقاد
فيهم أغنم واالنكار عليهم سم ساعة يف ذهاب الدين ورمبا تنصر بعض املنكرين ومات
على ذلك نسأل هللا تعاىل العافية انتهى فان اردت اي اخي عدم االنكار فأجل مرآة
قلبك فانك تشهدهم من خيار الناس ويقل انكارك واال فمن الزمك كثرة االنكار النك
ال تنظر يف مرآتك اال صورة نفسك فافهم انتهى خمتصرا وقال يف حل الرموز بعد كالم
ولقد انصف ابو حامد الغزايل حيث اجرى هذه الطائفة من الرجال يف كتابه املنعوت
ابحياء علوم الدين فقال عند ذكرهم هؤالء قوم غلبت عليهم االحوال فقال احدهم
سبحاين وقال اآلخر ما أعظم شأين وقال اآلخر اان هللا وقال اآلخر ما يف جبيت اال هللا
فهؤالء قوم سكارى وجملس السكارى يطوى وال حيكى معناه ونسلم اليهم احواهلم وال نرد
عليهم اقواهلم الن كالمهم نطق عن ذوق وذوق عن شوق ومن ذاق فقد عرف ومن مل
يذق فال حرج عليه اذا سلم واعرتف انتهى كالمه املقدس رح وقال يف مقدمة شرح اتئبة
االمام العارف ابهلل تعاىل ابن حبيب الصفدي وجيب حتسني الظن ابولياء هللا تعاىل فان
اساء ة الظن بعموم املؤمنني حرام فكيف ابولياء هللا تعاىل وهلل تعاىل يف خلقه اسرار ال
- 1212 -
اطالع للعوام عليها بل يطلع عليها من شاء من خاصته انظر اىل ما وقع من اخلضر عليه
السالم من خرق السفينة وقتل الغالم وقوله بعد ذلك وما فعلته عن امري فسلم هلم
حاهلم وال تتابعهم فيما ال يوافق ظاهره الشرع ولقد صنف فيهم اهل العناية هبم مصنفات
ونصروهم فيها واولوا احواهلم واقواهلم املخالفة لظاهر الشرع ليس هذا حمل ذكره وشرط
جواز االعرتاض ان يكون ممن احاط بعلم الظاهر والباطن واال فهو قاصر فيسعى يف
اصالح نفسه اوال انتهى وذكر شيخنا السيد امحد احلموي نفعنا هللا بربكته وبركة علومه
آمني يف ذيله على كتابه درر العبارات يف آخر جواب أجاب به عن سؤال ورد اليه من
زبيد عن الفاظ وردت مشكلة يف أشعار مشائخ الطريقة العارفني ابهلل تعاىل فقال بعد ان
أجاب بتخريج ذلك على االستعارات التمثيلية ما نصه فان عجزت عن التخريج على
هذا املنوال وعسر عليك انتزاع حالة تطابق هبا احلالة املنتزعة من الشعر فاعتقد ان ذلك
هو الواقع يف نفس االمر وان قصر ادراكك عنه فسلم الهل هللا واعتقد براءهتم ونزاهتهم
من كل عيب ونقص واايك ان خيطر ببالك ما يقع فيه كثري من الناس ممن حرم التوفيق
من محل كالمهم بفهمه القاصر ونظره الفاتر على غري مرادهم مما ال يليق ابجلناب االهلي
مث جيعل ذلك سببا للوقيعة فيهم من غري مستند له يف ذلك اال حمض جهله وقصور عقله
وظنه ان فهمه وعقله متناه يف الكمال حبيث ال يقصر عن شئ اصال بل كلما خرج منه
فهو ابطل وحمال فان ذلك والعياذ ابهلل منشأ احلرمان واخلسران ومن أين جيب ان ال يهب
هللا الوليائه اال ما يدركه عقل هذا اجلاهل القاصر بل ما مقدار عقله ابلنسبة للعلوم
الكسبية فضال عن الوهبية واايك ايضا حي ث عجزت عن التنزيل على هذا القانون ان
تبالغ يف التكلف والتأويل واحلمل على ما تعتقد من املعاين كما يفعله كثري من احملبني
املعتقدين وان كان مقصدهم يف ذلك مجيال وغرضهم صحيحا لكنه يؤدي اىل ارتكاب
تكلفات ابردة مهملة خترج الكالم عن رونقه وهبجته وتؤدي اىل محله على معان يف غاية
الركاكة والسفالة فرتك ذلك واالعراض عنه وتلقي الكالم ابلقبول والتسليم واالعتقاد التام
على سبيل االمجال وعدم العرض ملعانيه واالعرتاف ابلعجز عنه كما هو طريق السلف رح
- 1213 -
من التفويض يف متشابه القرآن حت يفتح هللا تعاىل ابملعاين الصحيحة ذوقا احسن واسلم
(قلت) وما يدل على ان كالمهم رضي هللا عنهم ليس جمراي على ظاهره ما حكي ان
الشيخ االكرب حميي الدين ابن العريب قدس سره ملا انشد قوله {شعر}:
اي من يراين وال اراه * كم ذا اراه وال يراين
قال بعض اخوانه كيف تقول انه ال يراك وانت تعلم انه يراك فقال له مرجتال
{شعر}:
اي من يراين جمرما * وال اراه آخذا
كم ذا اراه منعما * وال يراين الئذا
قال بعض املشائخ من هذا وشبهه تعلم ان كالم الشيخ وامثاله مؤول وانه ال
يقصد ظاهره وامنا له حمامل تليق به وكفاك شاهدا هذه اجلزئية الواحدة واحسن الظن وال
تنتقد بل اعتقد وللناس يف هذا املعن كالم كثري والتسليم اسلم و هللا سبحانه بكالم
اوليائه اعلم انتهى كالم شيخنا نفع هللا به «قلت» امنا شبه شيخنا رح التفويض يف
متشابه القوم ابلتفويض يف متشابه كالمه تعاىل يف قوله كما هو طريق السلف اخل الن
هؤالء القوم ختلقوا وحتققوا جبميع االمساء والصفات اال لفظة اجلاللة كما هو مقرر و معن
التخلق حتلي العبد بتلك االمساء والصفات بقدر االمكان واما التحقق فهو ذهاب تعني
صفة العبد وظهور صفة هللا تعاىل فيه قال هباء الدين يف شرح امساء هللا تعاىل واما التحقق
حبقائقها فذلك بتجلي االسم على سر العبد وسراينه يف روحانيته سراين النار يف اعماق
اجلمرة حبيث يفين تعني العبد وتكون حقيقة االسم املنجلي بعينها هي حقيقة العبد حت
يرتفع التمييز يف مشاهدته بل ترتتب احكام احلقيقة االمسية على احلقيقة العبدية ان بلغ
التحقق هبا كماهلا كما قيل {شعر}:
اان من اهوى ومن اهوى اان * حنن روحان حللنا بدان
فاذا ابصرتين ابصرته * واذا ابصرته ابصرتنا
واالشارات اىل هذه املرتبة كثرية يف مقاالت القوم ابللغات املختلفة وهذا امر ذوقي
- 1214 -
ال يسع طور العبارة اكمال شرحها وال يفي اال بشئ يسري من االشارات هبا انتهى وهبذا
تبني وجه التشبيه وبقوله حفظه هللا تعاىل واايك ايضا ان تبالغ يف التكلف والتأويل اخل ومبا
تقدم من وجود كتمان هذا العلم تعلم ان تعرض الفقهاء لكالمهم ابلشروح والتحشية
واجلواب عن اشكاالهتا مما ال ينبغي ملا يف مجيع ذلك من املخالفات ملقصودهم نعم ان
أرادوا بذلك تسهيله على اهله كما فعله القشريي رمحه هللا تعاىل حيث قال يف ابب شرح
الفاظهم وحنن نريد بشرح هذه االلفاظ تسهيال لفهم من يريد الوقوف على معانيها من
سالكي طريقهم ومتبعي سننهم او كان ذلك شفقة منهم على العوام من اعتقادهم
ظواهرها فال أبس لكن قد سلك هذين املسلكني مجاعة فال احتياج اليهما اآلن اال ان
يكون اصطالح حا دث فال أبس فان القوم مل يصطلحوا على وضع وامنا اصطلحوا على
استعمال االلفاظ املخصوصة مبعن ان كال منهم يستعملها يف معان يضعها هلا ملا علمت
من حرصهم على الكتمان واالصطالح على معن واحد يفوته وتوضيح ذلك انك جتد
شراح الفاظهم يذكرون للفظ معاين كثرية وقد جيمع ما بني كتابني او ثلثة من املعاين
للفظة واحدة فلم جتدها تتفق اصال فيكون اجملموع لذلك اللفظ فمن ذلك العبودية قال
الشيخ القشريي رمحه هللا تعاىل يف كتابه منشور اخلطاب العبودية موافقة االمر ومفارقة
الزجر العبودية ترك التدبري ورؤية التقصري العبودية رفض االختيار بصدق االفتقار العبودية
اداء ما هو عليك وشكر ما هو اليك العبودية حسن القضاء وترك االقتضاء انتهى وقال
الشيخ مجال الدين ابو القاسم القازآابدي يف كتابه خالصة احلقائق قال الكتاين رح
العبودية ترك االختيار ومالزمة الذل واالفتقار وقال ذوالنون املصري العبودية ان تكون
عبده على كل حال كما انه ربك يف كل حال وقال اهل االشارة العبودية التفويض اىل
اخلبري البصري و رؤية التقصري يف طاعة امللك القدير وقال عامل العبودية ان يرضى العبد مبا
يفعل الرب و قال ابو عثمان رمحه هللا العبودية اتباع االمر على مشاهدة اآلمر وقال
عيسى عليه السالم العبودية ترك الدعوى واحتمال البلوى وحب املوىل انتهى وهكذا يف
غالب الفاظهم وامنا اقتصر بعضهم على معن واحد تسهيال لطالب ذلك كما تقدم عن
- 1215 -
القشريي رح قال ابن عطاء رح يف لطائف املنن قال اجلنيد دخلت على السري السقطي
فوجدته متغريا فقلت ما ابلك اي أستاذ متغريا فقال دخل شاب آنفا فقال ما التوبة فقلت
ان ال تنسي ذنبك فقال بل التوبة ان تنسي ذنبك فما تقول انت اي ااب القاسم فقلت
القول عندي كما قال الشاب الين اذا كنت يف حال اجلفاء مث نقلين اىل حال الصفاء
أذكر اجلفاء وقت الصفاء جفاء فقال الشيخ رح كالم السري امت من كالمهما كالمهما
خيص حاهلما وكالم السري مهيع مورد السالكني انتهى خمتصرا فظهر انه ال حصر يف
االصطالح وان الكالم صفة دالة على حال املتكلم كما تقدم وعليه فال حصر
الصطالحاهتم كما ال حصر الحواهلم وال اعرتاض على من تعرض للبيان بقصد ما تقدم
اذا كان اهال لذلك هذا وأما توقف الفقهاء واملشائخ عن املسارعة اىل التكفري واجياهبم
العمل مبا يقتضي نفيه وان تكرر املثبت حبيث يكون النايف عشر عشريه وتصحيح القول
بعده تكفري اهل البدع وترجيحه فال خيفى كثرة النقول يف ذلك على من طالع كتب
الفروع و العقائد وشفاء القاضي عياض رح غري اهنا ليست مما حنن بصدده وامنا فيها
استلزام كون عدم التعرض للشيخ رح اولواي والكالم فيما حنن بصدده كثري لكن فيما ذكر
كفاية ملا اوردانه من تنبيه الغافلني وحتذير املتعصبني عن الوقوع يف املهالك ابلتعرض
للشيخ امحد رح ابلسوء املخالف لقوله صلّى هللا عليه و سلّم اذكروا مواتكم خبري
واالعرتاض عليه مبا ال علم هلم به او التعرض لذريته ابالذية فان اكرامهم اكرام له واذيتهم
اذية له مستلزمة للدخول فيمن آذنه هللا سبحانه حبرب كما روي عن ايب هريرة رضي هللا
عنه أنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان هللا عز وجل قال من عادى يل وليا
فقد آذنته ابحلرب حلديث بطوله قال املسعودي رح يف شرح فالذي يتخلص من كالم
علماء الشريعة واحلقيقة ان الويل هو املتقرب اىل ربه تعاىل ابلعلم والعمل انتهى فمن من
هللا سبحانه وتعاىل عليه ابالتقان وخمالفة النفس والشيطان تنبه ملراقبته تعاىل وتدارك ما
احدثه من اخللل والنقصان ومن خذل عطلت حواسه وابء ابخلسران وال خيفى ان سعي
اهل السؤال امنا هو تكثري اجوره ورفع درجاته نفعنا هللا تعاىل بربكاته كما قال الشيخ
- 1216 -
الشعراين رح حني وقع له مثل هذا حيث قال ان حسادي حيرفون عين مسائل مل اقل هبا
قط مث يكتبون هبا سؤاالت يستفتون عنها العلماء فيفتون حبسب السؤال مث يدورون
خبطوط العلماء على الناس فيحصل يل من ذلك اجور ال حتصى من كثرة الوقوع يف
عرضي بغري حق فلو اين كنت مؤاخذا احدا من هذه االمة ملا رضيت يوم القيامة ابعمال
واحد منهم طول عمره يف غيبة واحدة (قلت) و اوف دليل على علو مقام الشيخ امحد
رح رفع الدرجات بعد املمات ابستدامة العمل حبيث رزقه العلم خصوصا وهو يف
االنتشار اىل يومنا هذا والولد الصاحل خصوصا وهو متعدد واذية اخللق خصوصا وهي
عامة له ولذريته فتوفر هذه االسباب مع ما يلحقه من عموم دعاء اخللق وخصوصه دليل
ظاهر على ما ذكر مث ملا مضى شهر بعد كتب هذه الرسالة وفد رجل يقال له الربزجني
ايل ابلسالم
مكة املشرفة وكان القائل بكفر الشيخ رمحه هللا وجعلنا يف بركاته مث ارسل ّ
قائال بلغين انكم كتبتم رسالة فمرادى الوقوف عليها وكان ظين انه اذا اطلع عليها يطلب
بيان ما ذكر فيها من االحاديث وما ادعي يف السؤال من التغيري والتحريف وما ذكر من
النقول النقول الدالة على عدم التعرض للشيخ رح وما نقل عن كتب القوم من
املشكالت وما ذكر من الوقوف على مناقب الشيخ رح وتعدد نسخ كتابه وصحة
االخبار ابلوافدين اىل مكة املشرفة من اوالد الشيخ رح وتالمذته وما ذكر من لالستشهاد
والت نظري وغريها للوقوف على مجيع ذلك وااليقان ملا ان هذه جادة اهل االنصاف و
ترجيحه للحاسة الباطنة على الظاهرة ولذلك مسحت نفسي ابرساهلا اليه حاال رجاء
ظهور احلق ووقوع االتفاق عليه فلما بلغته ابدر اىل مطالعتها وامر بكتبها فكتبها له
شخص مث ااتين هبا فسألته هل كتب مناهيها قال ال فقلت ال بد من كتبها فاهنا بتتماهتا
ارجع اليها واذكر له ذلك فراح مث رجع فقال كلمته فاىب وقال ما حيتاج فقلت له وهل
قابلها قال ال قلت اذا هي غري الرسالة ملا هو مقرر من حتريف كتبة الزمان وملا وقع بني
احلاستني من انعكاس الرجحان وملا حصل يل ما هو قريب من اليقني من انه مفت الهل
السؤال ومعني هلم يف التغيري لينقل عين ما ليس يل من املقال وليجد للبحث فيه اجملال اذ
- 1217 -
هي بدون ذلك حمصنة ابلوايل املتعال واشد على شأهنم من وقع النبال كتبت هذه الكتابة
سائال من فضل املطلع عليها ان ال يعتمد على اجملردة من املناهي ومن الزايدة وانه اذا
وجد عليها كتابة قادحة فيها تعرضات على من يتقي هللا تعاىل وخيشاه من العلماء فان
كانت صوااب فاان اول من يذعن هلا ويعتقدها واال فليعلم املطلع عليها براءيت منها ويعتقد
الصواب هذا وقد كتب الشيخ حممد بيك نسخة من هذا قبل هذه الزايدة فهي ايضا
صحيحة وان كان اترخيها مثل املغرية فان الفرق ظاهر لوجود املناهي يف هذه دون تلك
وايضا تقابل مع هذه فاهنا ال ختالفها اال بزايدة املناهي هذه ويف اوهلا وآخرها بعض الفاظ
قليلة ال خيتلف هبا املعن واحلاصل ان نسبة ما خيالف هذه اىل غري صحيحة اصال ومما
يفرق به ايضا بني املغرية وهذه التاريخ فان اتريخ اجملردة عن املناهي هكذا حتريرا قبيل فجر
يوم اجلمعة مستهل شهر مجادي االخرى سنة اربع وتسعني والف واتريخ املعتمدة ما سرته
قريبا و هللا سبحانه وتعاىل ويل التوفيق واحلمد هلل رب العاملني اوال وآخرا وابطنا وظاهرا
وهو حسيب ونعم ا لوكيل وال حول وال قوة اال ابهلل العلي العظيم قاله الفقري اىل هللا تعاىل
حسن ابن مراد التونسي احلنفي عفى هللا عن اجلميع مبنه وكرمه آمني و صلى هللا على
سيدان حممد النور الذايت الساري يف مجيع آاثر االمساء والصفات و على آله وصحبه
وسلم جنزت قبيل عصر السبت اثمن شهر هللا تعاىل رجب األصم سنة اربع وتسعني
والف (رسالة الشيخ العالمة والعمدة الفهامة منبع العلوم واملعارف منشأ االسرار
واللطائف معدن الدقائق الفرعية واالصلية خمزن احلقائق الشرعية والعقلية قدوة فحول
العلماء اسوة اعاظم الفضالء مظهر االلطاف االهلية ومصدر اإلسرار الالمتناهية الشيخ
امحد البشبيشي املصري االزهري الشافعي رمحه هللا تعاىل ونور ضرحيه املتويف سنة 1096
ست وتسعني والف وأتريخ وفاته مات البشبيشي هكذا) قال يف خالصة االثر :بسم هللا
الرمحن الرحيم امحد هللا سبحانه على نعمه املتكاثرة واشكره على آالئه املتوالية املتظافرة *
واصلي واسلم على افضل العاملني سيدان حممد خامت االنبياء واملرسلني * و على آله
وصحبه امجعني * والتابعني هلم ابحسان اىل يوم الدين (اما بعد) فقد وقفت على هذه
- 1218 -
الرسالة اليت وضعها الفاضل الشيخ حممد بيك لبيان كالم الشيخ العارف ابهلل تعاىل امحد
الفاروقي النقشبندي فوجدته قد اجاد فيما افاد وبني اصطالح الشيخ ومقاصده بكالم
الشيخ نفسه يف مواضع متعددة من مكاتيبه وال شبهة يف ان االلفاظ املصطلح عليها
حقيقة عند أهلها فيما اصطلحوا عليه وال تدل على غريه اال جمازا فالفاظه حبسب
اصطالحه ال تدل اال على معان صحيحة ال خمالفة يف شئ منها ملا وردت به الشريعة
املطهرة وحيث كان كذلك فال حتتاج اىل أتويل اصال فاحلكم بتكفريه مبين على اجلهل
ابصطالحه ومقاصده وقد صرح غري واحد ابن اجلاهل ابصطالح الصوفية ال جيوز له ان
خيوض يف كالمهم الن ذلك يوقعه يف رمي اولياء هللا تعاىل ابلكفر والزندقة كما وقع ذلك
لغري واحد ومنهم الشيخ امحد املذكور كما اخربين بذلك من خربه عندي يفيد اليقني بل
تكاثرت االخبار بذلك حت كادت تبلغ حد التواتر وملا ذكر ابن املقري يف روضه ما
حاصله ان من شك يف تكفري طائفة ابن العريب فهو كافر قال شيخ االسالم زكراي يف
شرحه هذا حبسب ما فهمه كبعضهم من ظاهر كالمهم فان ظاهره عند غريهم االحتاد
وغريه مما هو مكفر واحلق اهنم مسلمون اخيار وكالمهم جار على اصطالحهم كسائر
الصوفية وهو حقيقة عندهم يف مرادهم وان افتقر عند غريهم ممن لو اعتقد ظاهره كفر اىل
التأويل اذ اللفظ املصطلح عليه حقيقة يف معناه االصطالحي جماز يف غريه فاملعتقد منهم
ملعناه معتقد ملعن صحيح وال يقدح فيه ظاهر كالمهم املذكور عند غري الصوفية ملا قلناه
النه قد يصدر عن العارف ابهلل تعاىل اذا استغرق يف حبر التوحيد والعرفان حبيث تضمحل
ذاته يف ذاته وصفاته يف صفاته ويغيب عن كل ما سواه عبارات تشعر ابحللول واالحتاد
لقصور العبارة عن بيان الذي ترقى اليه وليست يف شئ منها كما قاله العالمة التفتازاين
وغريه انتهى وقد صرح شيخ شيوخنا الربهان اللقاين رمحه هللا أبن احلسني احلالج قتل مبا
مل يتأمله من امر بقتله يعين ولو أتمل كالمه وفهم مقصوده ما وجد له مساغا لقتله اذا
تقرر ذلك علمت ان العارف ابهلل تعاىل الشيخ امحد املذكور من املسلمني االخيار
املرشدين اىل هللا تعاىل الن الفاظه منصرفة حبسب اصطالحه اىل املعاين اليت قصدها
- 1219 -
موافقة للشريعة ال حتتاج اىل أتويل اصال كما بني هو تلك املعاين الصحيحة اليت ارادها
من الفا ظه يف مواضع كثرية من مكتوابته ابلفارسية وقد قرئ ذلك عندي حبضرة مجاعة
يعرفون الفارسية امنت تواطئهم على الكذب وال خمالفة يف شئ من املعاين اليت بينها ملا
تقرر يف شرعنا وال يقدح فيه ظاهر لفظه املذكور الذي يفهمه من مل يعرف اصطالحه
على ان الظاهر القابل للتأويل ال يكفر صاحبه مبجرد ذلك الظاهر بل بعد الوقوف على
انه يعتقد ذلك الظاهر اما اذا مل يعلم انه يعتقد ذلك الظاهر ولفظه قابل للتأويل فاان
نؤوله وال حنكم بكفره كما يفيده قول شيخ االسالم وان افتقر عند غريهم اىل أتويل وكالم
هذا الرجل بفرض ان ال اصطالح له قابل للتأويل كيف وقد وجد له اصطالح فعلى
تقديره ال حيتاج اىل اصطالح اصال وال يضره ان الفاظه هذه مل توجد ملن تقدمه من القوم
ملا علمت من ان االصطالح ال مشاحة فيه وان خالف اصطالح من سبقه وابجلملة
فاملكفرون له فهموا من ظاهر لفظه ولفظ آخر مفرتي عليه امورا معلوما نفيها من الدين
ابلضرورة حبيث ال يتوقف يف التكفري مبا فهموه فقيه وال متفقه بل وال جاهل ابلكلية اذ
فهمهم ذلك شاركهم فيه كل جاهل واملعاند يرغب يف اخراج املسلمني من االسالم ابدىن
شبهة ال سيما قوما مشهورين ابلصالح يرشدون العباد اىل هللا سبحانه وتعاىل وقد ذم
السبكي هؤالء ا لطائفة الذين يتساهلون يف تكفري املسلمني وذلك النه ملا سئل عن
تكفري اهل االهواء والبدع قال اعلم اان نستعظم القول ابلتكفري النه حيتاج اىل امرين
عزيزين احدمها حترير املعتقد وهو صعب من جهة االطالع على ما يف القلب وختليصه
عما يشتبه وحتريره ويكاد الشخص يصعب عليه اعتقاد نفسه فضال عن اعتقاد غريه
الثاين احلكم أبن ذلك كفر وهو صعب من جهة صعوبة علم الكالم ومأخذه ومتييز احلق
من غريه وامنا حيصل ذلك لرجل مجع صحة الذهن ورايضة النفس واعتدال املزاج
والتهذيب بعلوم النظر واالمتالء من العلوم الشرعية وعدم امليل واهلوى وبعد حتصيل
االمرين ميكن القول ابلتكفري او عدمه مث بعد ذلك اما ان يكون التكفري بشخص خاص
فشرط مع ذلك اعرتاف الشخص به وهيهات ان حيصل واما البينة يف ذلك فصعب قبوهلا
- 1220 -
الهنا حتتاج يف الفهم اىل ما قدمناه اىل ان قال ولقد رأيت تصانيف مجاعة يظن هبم اهنم
من اهل العلم ويشتغلون بشئ من رواية احلديث ورمبا كان هلم نسك وعبادة وشهرة ابلعلم
تكلموا ابشياء ورووا أشياء تنبئ عن جهلهم العظيم وتساهلهم يف نقل الكذب الصريح
واقدموا على تكفري من ال يستحق التكفري وما سبب ذلك اال ما هم عليه من فرط
اجلهل والتعصب والنشأة على شئ مل يعرفوا سواه وهو ابطل ومل يشتغلوا بشئ من العلم
حت يفهموا بل هم يف غاية الغباوة انتهى وقد غفل املكفرون عن اصطالحه لعدم تتبعهم
لكالمه او اعتقادهم ان اصطالح املتأخر ال بد ان يكون موافقا الصطالح املتقدم ومل
مييلوا اىل التأويل مع ما يرده اما لغباوة او حقد على ان يف كالم املتصدي لتكفريه اعرتافا
بعدم فهم مراده حيث قال يف آخر كالمه او اراد شيئا فقصرت عنه عبارته بل اعرتافا
بعدم تكفريه اذ هو من الزم اعرتافه بعدم فهم مراده فقد اعرتف ابنه اذا اراد معن
صحيحا قصرت عنه عبارته ال يكون كافرا فكيف وعبارته ال تقصر عن افادة املعن
الصحيح يظهر ذ لك للمتأمل املنصف ويف كالم السعد وغريه ما يفيد ان العربة ابملراد ال
ابلعبارة القاصرة عنه حيث قال هو وغريه فيما نقله شيخ االسالم والنه قد يصدر عن
العارف ابهلل تعاىل اذا استغرق يف حبر التوحيد عبارات تشعر ابحللول واالحتاد لقصور
العبارة عن بيان حاله الذي ترقى اليه فهذا صريح او كالصريح أبن العبارة القاصرة اليت
تشعر ابلكفر كاحللول واالحتاد ال يكفر صاحبها بل هناك امور ال شبهة للمكفر فيها
اصال منها تكفريه بقوله ان الكعبة ال يراد هبا خصوص االبنية ومنها ما ذكره بعض الطلبة
فيما يتعلق ابلوجود وجعله قياسا ونتيجة فانه لو ادرك الستحىي ان يكتب ما كتبه ولكره
ان يطلع عليه أحد ممن له نسبة اىل العلم والعجب ان هذا املكفر ممن ينكر على من
يقول بكفر طائفة ابن العريب ويعرتف ابصطالحهم وحيمل ألفاظهم على معانيها املرادة
هلم او يؤول حت كاد يتعبد ابلفاظ ابن العريب حت اغرت بظاهر عبارته يف الفصوص وقال
ابميان فرعون مع انه قيل انه مكذوب عليه لتصرحيه يف غري ذلك الكتاب ببقائه على كفره
هذا الشيخ عبد الوهاب من اهل الكشف حت انه ذكر اطالعه على اجلنة والنار وامليزان
- 1221 -
والصراط وتلقاه الناس منه ابلقبول وهو ادرى بكالم القوم من غريه قال يف كتاب
اليواقي ت واجلواهر يف اعتقاد االكابر قال الشيخ يف الباب الرابع والستني وثلثمائة اعلم انه
ال ميوت احد من اهل التكليف اال مؤمنا عن عيان وحتقق ال مرية فيه وال شك لكن من
العلم ابهلل و االميان به خاصة وما بقي االّ هل ينفعه ذلك ام ال ويف القرآن العظيم فلم
يَك ينفعهم امياهنم ملا رأوا أبسنا قال وقد حكي هللا عن فرعون انه قال آمنت انه ال اله اال
الذي آمنت به بنوا اسرائيل وأان من املسلمني فلم ينفعه هذا االميان واطال يف ادلة انه مل
ينفعه اميانه قلت قال الشعراين فكذب و هللا وافرتى من نسب اىل الشيخ حميي الدين انه
يقول بقول امي ان فرعون وهذا نصه يكذب الناقل ومجهور العلماء قاطبة على عدم قبول
اميانه واميان مجيع من آمن يف اليأس الن شرط االميان االختيار وصاحب اميان اليأس
كامللجأ اىل االميان واالميان ال ينفع صاحبه اال عند القدرة على خالفه حت يكون املرأ
خمتارا والن متعلق االميان هو الغيب واما من يشاهد نزول املالئكة بعذابه فهو خارج عن
موضع االميان و هللا اعلم انتهى املقصود منه فهال اول هلذا ايضا بل هذا اويل ابلتأويل
الن ذاك طعن فيه كثري من ائمة عصره وغريهم وحكموا بتكفريه ومل نسمع طعنا يف هذا
الرجل عن احد يعتد به فان قال ان تقدم ابن العريب مقتض لرتجحه يقال له التقدم ال
يقتضي الرتجيح بل لو نظر لذلك ثبت يف ابن العريب ما قيل فيه اذ هو متأخر ابلنسبة
ملن قبله من القوم حت جعل بعضهم هذا من مجلة الرد عليه حيث قال ان ما صدر عنه
وعن طائفته ليس من اصطالح القوم وان قال ان ابب السلوك واالستغراق قد سد بعد
ابن العريب فقد اراد سد ابب ال وصول له إليه وال قدرة له عليه وبعد التسليم اقل القليل
ان يكون هذا الرجل اوىل ابلتأويل من فرعون فان بقاء فرعون على كفره يدل عليه ظواهر
الكتاب والسنة وصرفهما عن ظاهرمها بغري دليل ال جيوز وجزم بكفره ايضا مجاهري العلماء
حت كادوا جيمعون عليه االّ من شذ بل حكى بعضهم فيه االمجاع ففي الزواجر البن
حجر اهليتمي اخذ علماء االمة وجمتهدوها الذين عليهم املعول من اآلية االوىل اعين قوله
تعاىل فلم يك ينفعهم امياهنم ملا رأوا أبسنا امجاعهم على كفر فرعون ورواه الرتمذي يف
- 1222 -
تفسريه يف سورة يونس من طريقني وقال يف احدمها حديث حسن ويف اآلخر حديث
حسن غريب صحيح وروى ابن عدي والطرباين انه صلّى هللا عليه و سلّم قال خلق هللا
حيىي بن زكراي يف بطن امه مؤمنا وخلق فرعون يف بطن امه كافرا واما ما حكاه عنه يف
سورة يونس بقوله عز من قائل حت اذا ادركه الغرق قال آمنت انه ال اله اال الذي آمنت
به بنوا اسرائيل واان من املسلمني فهو ما ينفعه اىل آخر عبارته الكافية الشافية القائل هو
يف اثنائها بعد نقله عبارة ابن العريب اليت اخذ منها نسبة القول بصحة اميان فرعون البن
العريب فهل هذا الكالم مقرر او مردود فما وجه رده قلت قال ابن حجر ليس هذا
الكالم مقررا وان كنا نعتقد جاللة قائله فان العصمة ليست اال لالنبياء اىل ان قال على
انه نقل عن بعض كتب ذلك االمام انه صرح فيها ابن فرعون مع هامان وقارون يف النار
واذا اختلف كالم امام فيؤخذ منه ما يوافق االدلة الظاهرة ويعرض عما خيالفها اىل ما
طاب له اشتباه مما فيه رد لكثري من اجلهالء فجعله امجاعا ومل يعول على من خالف واما
أتويل كالم هذا الرجل فلم مينع منه مانع بل صرح العلماء ابن كثريا من اللفظ املوهم ال
يلتفت اىل ايهامه حيث امكن محله اىل حممل صحيح وكانه ظن ان ادخال الكافر يف
االميان اسهل من ادخال املسلم يف الكفر وهو ظن فاسد الان نستصحب االصل يف كل
منهما حت حتقق ما خيرجه عن ذلك االصل فاالصل يف املسلم بقاؤه على اسالمه حت
تتحقق ما خيرجه عنه واالصل يف الكافر بقاؤه على كفره حت نتحقق ما خيرجه عنه فظهر
ان التأويل للمسلم ليبقى على اسالمه اوىل من التأويل للكافر بل ال جيوز احلكم ابسالم
الكافر بغري دليل اذ االصل بقاؤه على كفر وال جيوز االقدام على تكفري املسلم حت
يتحقق ما يعتقده من املكفرات كما يدل عليه كالم السبكي رمحه هللا وقد بلغين ان شأن
هؤالء القوم يعين املكفرين اهنم ينظرون اىل املسائل اليت يكون بعض العلماء خمالفا فيها ملا
اطبق عليه اجلمهور ويقيم ادلة لنفسه يستدل هبا على ما خالف فيه فيأخذون قول ذلك
املخالف ويضعونه يف رسالة ويسردون عليها ما أقامه هو من االدلة وينسبوهنا اىل انفسهم
ويرسلوهنا اىل البلدان حت اشاعوا تلك االقوال املخالفة ملا عليه مجهور العلماء فمن ذلك
- 1223 -
القول ابميان فرعون ومن ذلك اختيارهم ان واهنن الغرانيق العلى من قول النيب صلّى هللا
عليه و سلّم اىل غري ذلك مما اشتملت عليه الرسائل اليت يبعثون هبا اىل البلدان فيأخذها
ضعيف العقل قليل العلم فيغرت هبا وتصري هي معتقده فان قصدوا بذلك صرف العامة
عن اعتقاد ما عليه اجلمهور اىل اعتقاد ما شذ به واحد او اثنان مثال فهذا من االفساد ال
من االصالح واالرشاد اذ الذي عليه مجهور العلماء هو احلقيق ابالعتماد يف االعتقاد وان
قصدوا بذلك اظهار دعوى االجتهاد وانه صارت فيهم قوة الرتجيح والرد على االئمة
فهذا ال يثبت دعواهم اذ ال متيز هلم بذلك اذ كل من له ادىن اشتغال ابلعلم اذا اطلع
على هذا القول وادلته امكنه ان يقول مثل ما يقولون ابن يقول والذي اختاره يف هذه
املسئلة كذا ويسرد ادلة صاحب القول كما يسردوهنا وان مل يفهم املسئلة وال شيئا من
ادلتها على انه ال يتوهم فيهم احد تلك االهلية بل اهل وطنهم حت اآلخذين عنهم ال
يثبتون هلم اهلية التعليم فضال عن مرتبة االجتهاد فاهلل اعلم مبقاصدهم مث انتقلوا من ذلك
اىل تكفري املسلمني وأما من افت ابن من اول كالم ذلك الرجل فهو كافر فهو جاهل اي
جاهل معتوه وقد اخربين بذلك من له به خلطة اتمة من اهل العلم فاين ال أعرفه واخربت
انه ليس فيه اهلية إلقراء مقدمة ايب الليث فضال عن غريها وامنا جيلس للكذب على
العوام يقري هم مقدمة ايب الليث او غريها من الكتب الوعظيات ووافقه آخر اخربين من
يعرفه انه قرأ امثلة التصريف على بعض موايل الروم وال عالقة له بفقه وال حديث وال
غريمها من العلوم الدينية ولوال عنه وجهل االول وجهل الثاين حلكمنا بكفرمها ولكن ملا
كان هلما نوع عذر ابعتبار ان العوام ال يكلفون اال مبعرفة املسائل الظاهرة دون املسائل
اخلفية وهذه املسئلة من املسائل اليت ختفى على مثلمها من العوام اعرضنا عن احلكم
بذل ك ولكن مثل هذين اجلاهلني ينبغي أتديبهما وزجرمها عن اخلوض فيما ال وصول
الذهاهنما اليه و هللا اعلم ابلصواب واليه املرجع واملآب وحسبنا هللا ونعم الوكيل وال حول
وال قوة اال ابهلل العلي العظيم و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه امجعني والتابعني
هلم ابحسان اىل يوم الدين قاله الفقري امحد البشبيشي املصري االزهري الشافعي رحم هللا
- 1224 -
من اتبع احلق واظهر اخلفي من اجللي هذا من قبيل اثبات فضيلة شئ ابثبات نقص ضده
كما قيل ان األشياء تتبني بضدها فان هنا بني نقص الطائفة الثالثة الذين ال يقدرون
متييز بعض مراتب وجودات املخلوقات من الواجب ابهنم ملا مل مييزوا بينهما اثبتوا للممكن
ما للواجب ووجدوا انفسهم عني احلق خبالف الطائفة االويل فاهنم ميزوا بينهما ومل يثبتوا
ما ال حدمها لآلخر فتأمل تعرفه واال فتتحري وال تستعجل حت تستويف الكالم وحتيطه من
اوله اىل آخره منه عفي عنه.
صورة ما كتبه العالمة العامل ابهلل تعاىل الشيخ عبد هللا العباسي الشافعي املكي
رمحه هللا تعاىل
بسم هللا الرمحن الرحيم حامدا ومصليا وبعد فقد وقفت على ما كتبه العالمة
االوحد اهلمام اال جمد موالان وسيدان الشيخ امحد بلغه هللا تعاىل كل مقام امحد فما
وجدت لكتابة غريه معن اذ املعول عليه كالمه فاهلل اسأل وبنبيه وآله وصحبه اتوسل ان
يدمي النفع به جباه سيد االولني واآلخرين سيدان حممد صلّى هللا عليه و سلّم قاله الفقري
اىل هللا تعاىل عبد هللا العباسي الشافعي.
صورة ما كتبه سنجقدار العالمة القاسم املكي احلنفي عامله هللا تعاىل بلطفه
اجللي واخلفي
بسم هللا الرمحن الرحيم وبه العون احلمد هلل محدا يليق جبالله والصالة والسالم على
سيدان حممد وآله وصحبه صالة تليق بكماله (أما بعد) فقد احطت هبذا السؤال والرسالة
واالجوبة نظرا وأتملتها وأ معنتها فكرا فرأيت ان النقص يف السؤال ابلتبديل الذي يدل
على ان فاعله صاحب نقص وحظ نفس وافرتاء وتسويل اما الرسالة فقد اظهرت لقائلها
الفضل واجلاللة كثر هللا تعاىل امثاله وجعل للمتقني ظالله اما االجوبة فكل جواب مبين
على فهم اجمليب من اخلطأ واالخذ ابلظاهر بال ريب واما اجلواب امللحق ابلسؤال
لصاحب الرسالة فهو املبني ال حمالة وهو جواب موالان وشيخنا وبركتنا الشيخ امحد فهو
من كل جواب امحد وما لنا اال اتباع امحد فعليه االعتماد يف املبدأ واملعاد كيف ال وهو
- 1225 -
اجلامع بني املعقول واملنقول واحلاوي جلميع الفنون من الفروع واالصول فسب هللا يف مدته
وجعلنا ممن يقوم حبجته ويف الرسالة واجلواب ما فيه كفاية الويل االلباب من ادلة السنة
والكتاب ومقامنا التسليم الهل الباطن ففيه السالمة للدين يف الظاهر و الباطن و التخلق
ابخالق من سلف ممن مضى وزلف قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ذروا العارفني احملدثني
من اميت ال تنزلوهم اجلنة وال النار حت يكون هللا تعاىل الذي يقضي فيهم يوم القيامة قال
املناوي رمحه هللا تعاىل مجع حمدث اسم مفعول ابلفتح اي ملهم وهو من القي يف نفسه
شئ على وجه االهلام واملكاشفة من املأل االعلى فظهر ان املراد هبم اجملاذيب الذين يبدو
منهم ما خيالف ظاهره الشرع فال يتعرض له بشئ انتهى نقله العالمة السيوطي يف اجلامع
الصغري عن اخلطيب وصححه فاذا كان هذا يف احملدثني الذين هم امللهمون اجملاذيب فما
ابلك بشيخ اكرب قد ظهر ارشاده يف االصغر واالكرب وسرى سره يف القلوب ونور كيف
ال يلتمس لكالمه ما يليق مبقامه فلكل مقام مقال ولكل ويل حال وجمال جعلنا هللا تعاىل
من املعتقدين ال من املنتقدين ومن املصلحني ال من املفسدين املتعنتني ومن املتبعني ال
من املتبدعني وافاض علينا من بركات اوليائه اهل حق اليقني ربنا اغفر لنا والخواننا الذين
سبقوان ابالميان وال جتعل يف قلوبنا غال للذين آمنوا ربنا انك رؤف رحيم ربنا افرغ علينا
صربا وتوفنا مسلمني قاله الفقري اىل هللا تعاىل قاسم بن سنجقدار املكي احلنفي حامدا
ومصليا اه .
صورة ما كتبه شيخ احلرم املكي السيد حممد افندي احلسيين رمحه هللا تعاىل
وطيب ثراه وجعل اجلنة منقلبه ومثواه)
(بسم هللا الرمحن الرحيم) احلمد هلل الذي انعم وتفضل على من يشاء من عباده
ابلكمال ووفقه لبسط السلوك يف طريقة احلقيقة ابالجالل امحد هللا سبحانه وتعاىل على
ما وهبنا من االنعام واالفضال و صلى هللا على نبيه الكرمي السيد احلكيم سيدان حممد
صلى هللا عليه و على آله واصحابه اهل اجملد والكمال صالة دائمة ابلغدو واآلصال
وسل م تسليما (اما بعد) فقد وقفت على السؤال الذي صوره صاحل االورنك آابدي
- 1226 -
وحممد عارف وعبد هللا الكوكين من توابع صاحل املذكور فوجدته قد ذكروا فيه اقواال
وزعموا اهنم استخرجوها من مكتوابت الشيخ االجل اهلمام االكمل يف الطريقة النقشبندية
بل االمام منبع العلوم واملعارف منشأ االسرار واللطائف العارف ابهلل تعاىل الشيخ امحد
الفاروقي احلنفي النقشبندي رمحه هللا تعاىل واعلى درجاته وحيث كان مكتوابت الشيخ
رمحه هللا تعاىل ابلفارسية عربوها اىل االلفاظ العربية مبقدار معرفتهم و مقتضى مرادهم نعوذ
ابهلل من اتباع النفس واهلوى وارسلو هلا اىل فالن امحد جماوري املدينة املنورة مث بعد وصول
ذلك السؤال اليه علق رسالة بتكفري الشيخ امحد املذكور بسبب االقوال املكتوبة يف
السؤال املالمية خلاطر املرسل اليه وتصدى الثبات كفره هبا وهيهات ان يثبت وطلب من
قاضي املدينة املنورة ومفتيها وعلمائها ان يكتبوا على ذلك السؤال على وفق مراده
فامتنعوا عن ذلك وردوا عليه كالما واجوبة تليق ابلعلماء العاملني بعلومهم مث بعد ذلك
اتى اىل مكة املشرفة فسأ ل الكتابة على السؤال املذكور من قاضيها ومفتيها وعلمائها
ايضا فما احد وافقه على ذلك واجابوه بقوهلم هذا االمر الذي ارتكبته عظيم فما يوافقك
يف تكفري مسلم اال كل هالك وال وافقه ابلكتابة من العلماء على ذلك اال آحاد من
الناس ممن ال معرفة له ابلطريقة وبعضهم وافقه ملالمية هواه وبعضهم ال علم له رأسا و ال
حقيقة فحصل ما حصل من القيل والقال بسبب فعل هذا الضال وهو فعل ذلك لتبع
هوى من ارسل اليه السؤال او ما علموا قوله صلّى هللا عليه و سلّم ال طاعة ملخلوق يف
معصية اخلالق فما ابلك يف حقوق العباد ال سيما فيمن اراد تكفري ويل وهو اعلم العباد
فيا ويل من جترأ ان ربك لباملرصاد فبموجب ما افرتوا على الشيخ امحد النقشبندي
ومكتوابته احتاج االمر اىل تتبع مكتوابت املرحوم الشيخ امحد املذكور وتعريب الفاظه
الفارسية اىل العربية على وجه يتضح احلق به على يد عامل له علم ابلعربية والفارسية
وحيث كان االمر كذلك صرف الشيخ االجل العامل الفاضل الشيخ حممد بيك مهته
العلية 1و طلب مجيع مكتوابت الشيخ امحد وقابل االقوال اليت يف ورقة السؤال مع
اي انبياء هللا تعاىل الذين ارسلهم هللا ابحلق ولزم علينا االميان هبم وتصديقهم فاالضافة
- 1227 -
مكتوابت املرحوم فوجد بعضها غري موافق هلا بسبب التحريف وترك بعض االلفاظ وزايدة
اخرى اليت ارتكبها هذا الظريف فكتب الرسالة وبني فيها اصطالحات السادات
النقشبندية ومقاصد الشيخ امحد رمحه هللا تعاىل واراد بذلك اظهار احلق فان اتباع احلق
احق ولينحل االشكال ولريتفع القيل والقال فعرب االلفاظ الفارسية اىل العربية واحسن
واهتم واتقن وارتفع من اهل احلق سوء الظن بل رجع الكفر على من جترأ بتكفري املسلم
وندم كثري ممن كتب على السؤال املذكور والزم الندم رجاء ان يدخل حتت قوله صلّى هللا
عليه و سلّم التوبة الندم ملا ظهر هلم ان مبن االمر على اهلوى والغرض والبهتان الذي فهم
من الزايدة والنقصان والتجرأ الذي ال يليق ابملسلم فعله بل وال يقبله انسان قال صلّى هللا
عليه و سلّم من آذى مسلما فقد آذاين فكيف يكون حال من جترأ على التحريف وقوله
عليه الصالة والسالم اذكروا حماسن مواتكم وكفوا عن مساويهم وقوله عليه الصالة
والسالم من حسن اسالم املرأ تركه ما ال يعنيه فظهر احلق وزهق الباطل ان الباطل كان
زهوقا فينبغي حلكام تلك الداير ان خيرجوا منها من هو مثل هؤالء املتجرئني بل جيب ان
يؤدهبم حبسب ما يقتضي اقواهلم وافعاهلم و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه
امجعني قال ذلك وكتبه افقر عباد هللا الغين حممد ابن حسن احلسيين شيخ احلرم املكي
عفى هللا عنهما وعن املسلمني امجعني.
صورة ما كتبه السيد على بن السيد حممدا املعروف بكاله زاده الدايربكري
املكي رمحه هللا تعاىل
بسم هللا الرمحن الرحيم وبه نستعني رب ليس اهلدى غري هداك وال آالء اال آالك
حنمدك اللهم اي مفيض االنوار واي مزين قلوب العارفني ابالسرار افض علينا انوار رمحتك
ويسر لنا الوصول اىل كمال معرفتك وهب لنا منك حمبتك وصل على حممد لسان
حجتك و على آله واصحابه خري بريتك و على اوليائك املراتضني املتمسكني بشريعة
1
الدين مالبسة
- 1228 -
خري خليقتك جبالل عزتك وكمال رأفتك (أما بعد) فاين ملا وقفت على املكتوابت
الفارسية اليت كتبها مشس فلك االرشاد وبدر اوج الطريقة والسداد وحمور دائرة الفضائل
والكماالت والرشاد القطب الرابين والغوث الصمداين املرحوم املقدس املربور االوحدي
العارف اب هلل تعاىل الشيخ امحد السرهندي الفاروقي النقشبندي قدس هللا سره العزيز
ومعرهبا الذي عربه العمدة العالمة والزبدة الفهامة الفاضل االكمل واحملقق االجل العارف
ابصطالحات السادات الصوفية والعامل بقواعدها املرضية حممد بيك وعني هللا ترعى لساان
عربه فاحسن واجاد وبناان نقله اىل البياض من السواد واتقن وامعن وافاد وشرح وفصل
وبني ما هو املراد جعل هللا تعاىل عمله مربورا وسعيه مشكورا وجزاه يف الدارين جزاء
موفورا فبعد ما اوضح املعرب الفاضل وبني ما هو املراد من مكتوابت الشيخ الكامل
وصرح ابنه ال خمالفة يف مكتوابت الشيخ للشرع الشريف قطعا ال اصال وال فرعا لقيتها
منطوية على احلقائق من الفوائد املرموزة مشتملة على الدقائق من الفرائد املكنوزة متزنة
مبيزان الشريعة الغراء ممتلئة بلوائح تعجز عن ادراكها القوى الهنا معرب عنها بلسان
السادات الصوفية وحمررة على اصطالحات مشارب تلك الطائفة العلية ال لغو فيها وال
أتثيم اال قيال صوااب ومقاال كخالص الترب مذااب فيا له من كتاب فاخر تعقد عليها
اخلناصر وقد تصدى بعض مبغضي الطريقة النقشبندية والشيخ املذكور جلمع الرتهات
وعرب بعض مواضع من املكتوابت وغري وبدل وحرف ابلنقص والزايدات فيا ويل من
غري وبدل وحرف وغوى يف بيداء التعدي وتعسف وتكلف واي خسران من جترأ عليه
ابطالة لسان االعرتاض الناشئ عن التعصب والعناد واي طغيان من تصدى عليه ابلتكفري
املنبعث عن دانءة النفس وادعاء التعني واالنفراد ولئن سلم عدم التغيري و التحريف
فبمجرد عدم وصول احد اىل غور مكتوب من املكتوابت اليت كتبت على اصطالحات
خفية لقوم موقوفة على السماع ال يلزم ان يكون يف نفس تلك املكتوابت شئ من اخلطأ
والزلل واالعوجاج فهال ميكن ان يكون اخلطأ يف الناظر اليها من قصور الفهم وقلة التأمل
وسائر املوانع يف املزاج الن العقول متفاوتة مبراتب اىل العاشر وكذا القوى واحلواس
- 1229 -
واملشاعر فكثريا ما يقع لالنسان انه مرة يعلم ويصل اىل غور شئ من اجللي واخلفي ومرة
يصل اىل اخلفي ويتوقف يف االمر اجللي وفهمه ال يفي فهكذا علم املخلوق العاجز فمرة
يفتح عليه ابب الوصول ومرة يظهر له حاجز واما العلم بكل شئ واالحاطة حبقيقته يف
كل زمان ويف كل حال فذا يف حيز االمتناع النه من شأن عامل الغيب والشهادة الكبري
املتعال فاملنصف املتأمل العامل اذا مل يصل اىل حقيقة معن وغوره من املعاين املقصودة يف
العبارات اخلفية وتعسر عليه العثور فهو ال خيطئ قائلها بل حيمل على نفسه اخلطأ
والقصور فيستمد ممن عنده مفاتيح الغيب وبيده مقاليد االمور وال يتكلف يف محل
الكالم على امر بعيد من خمالفة الشرع واجياب التكفري الشديد والتكفري امر عظيم ال
يتجرأ عليه اال من هو غافل او جاهل لئيم قال يف البحر والذي حترر انه ال يفت بتكفري
مسلم امكن محل كالمه على حممل حسن او كان يف كفره اختالف ولو رواية ضعيفة
انتهى واذا تقرر هذا فكيف من جترأ او أطال لسان االعرتاض على االولياء املتجردين عن
جالبيب ابداهنم املنخرطني يف سلك اجملردات الواصلني اىل حبر احلقيقة اخلائضني يف جلة
حبر الوصول اىل توحيد الذات العاملني الثابتني على الصراط املستقيم العايل حاهلم وشأهنم
ولساهنم عن خمالفة الشرع القومي وقد وقف على تلك املكتوابت ومعرهبا علماء مكة
املشرفة زادها هللا تعظيما وتشريفا وتلقوها حبسن القبول يف امللفوظ واملدلول بيض هللا
وجوه اعماهلم وساعدهم ابلطافه اخلفية يف حاهلم ومآهلم فاقتفيت صدوران الفضالء اعزهم
هللا حبرمة االنبياء ابالقبال و االمضاء علما مين أبين لست من عداد هؤالء الكرماء ولكن
ال أبس ابن يقتفي هبم ميال وحمبة وطفيليا العزتنا االجالء فعلى احلكام ووالة االمور ان
يسعوا يف أتديب امثال هؤالء املتجرئني ابلسعي املوفور وان ال خيلوهم يف ضالهلم القدمي
بل ي نبغي ان يهتموا يف التأديب والزجر ابالهتمام العظيم حت ينقطع القيل والقال بني
اآلحاد وينسد ابب التعصب والتجرأ وينعدم الفساد و هللا سبحانه يقول احلق وهو يهدي
السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل قاله تراب اقدام الفقهاء وخادم حمافل العلماء العبد الفقري
اىل هللا تعاىل الصمد السيد علي ابن حممد املدعو كاله زاده جعلهما هللا من الفائزين
- 1230 -
ابحلسن وزايدة حامدا ومصليا وحمسبال وحموقال ومهلال واحلمد هلل رب العاملني.
ومنها ما كتبه العالمة الشيخ مرشد الدين بن امحد املرشدي تغمده هللا بفغرانه
ورمحه هللا سبحانه مع اسالفه :بسم هللا الرمحن الرحيم احلمد هلل وسالم على عباده الذين
اصطفى (وبعد) فيقول الفقري اىل ربه الغين مرشد الدين بن امحد املرشدي احلنفي العمري
اين وقفت على الرسالة املعربة عن الفارسية لشيخ الطريقة واحلقيقة العالمة املرحوم املقدس
املربور الشيخ امحد الفاروقي النقشبندي واملعرب هلا العالمة والعمدة الفهامة الشيخ حممد
بي ك بني كالم صاحب الرسالة ورد على من حرفه فظهر على احسن الوجوه فجزاه هللا
سبحانه خري اجلزاء يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وقد وقف على الرسالة املعربة علماء
مكة املشرفة فكتبوا عليها بعد ان أتملوا كالمه وفهموه وتبني هلم بطالن قول من تكلم
على صاحب املكتوابت وجترئه فنقول اللهم اران احلق حقا وارزقنا اتباعه واران الباطل
ابطال وارزقنا اجتنابه فوجب على كل من كان بيده القلم والسيف ان ينصر االسالم
واملسلمني ويؤيد اولياء هللا تعاىل فهم يف احلقيقة هم العلماء العاملون و صلى هللا على
سيدان حممد وآله وصحبه وسلم تسليما.
ومنها ما كتبه شيخ االسالم مفيت االانم مبدينة الرسول عليه السالم موالان السيد
اسعد أسعد هللا تعاىل حاله يف الدارين صاحب الفتاوى االسعدية كتبه اول مرة يف اوائل
رجب سنة ثالث وتسعني والف :بسم هللا الرمحن الرحيم رب زدين علما وفهما وكد من
امتأل قلبه حسدا وظلما احلمد هلل الذي فتح على قلوب اوليائه انوار اليقني ومنح من
اختص من اصفيائه بفيوضات يعجز عن فهم معانيها كثري من املتكلمني والصالة
والسالم على سيدان حممد خامت االنبياء واملرسلني و على آله واصحابه واتبعيهم ابحسان
اىل يوم الدين (وبعد) فقد شاع يف االقطار احلجازية ذكر سؤال ورد من اهلند فيه كلمات
غامضة خفية مث بعد مدة عرض عل ّي الكتب عليه ابلرد على قائله وهو رجل امسه امحد
السرهندي فاذا فيه كلمات بعيدة املعن ركيكة العبارة و املبن واخربت انه معرب من
الفارسية وال يؤمن ان تكون الرتمجة غري مطابقة للواقع خصوصا مع تظاهر حامله بعداوة
- 1231 -
اتمة بال مدافع فلم ينشرح صدري للكتابة على ما مل يقع عندي فيه حتقيق ولعلمي ابن
للمشائخ اصطالحات اتفقوا عليها ال تظهر اسرارها اال ابعالمهم او بنور التوفيق قال
العالمة ابن عباد يف شرح احلكم العطائية ان كالم االولياء منوط على اسرار مصونة
وجواهر حكم مكنونة ال يكشفها االّ هم وال يتبني حقائقها اال ابلتلقي عنهم فلذلك
رددته بغري كتابة عليه مث جعل يعرضه على كل غث ومسني فيكتبون عليه ما ال يفهمون
ويتكلمون مبا ال يعلمون فيما ال يعلمون ولكن سيجزون به يوم يقوم الناس لرب العاملني
مث جاءين بعض االخوان واخربين حبقيقة املكتوابت وأحسبه صادقا لصالح ظاهره وافادين
ان فيه زايدة ونقصاان اخرجت املكتوابت عن موضعها وان مل يكن يف مجيعها بل يف
جمموعها ورأيت أتويالت حضرة الشيخ حممد فرخ شاه عند ذكر املالمحة من املكتوابت
الرابع والتسعني من اجللد ا لثالث من املكتوابت قال وقد استشكل تلك بعض املعاندين
ابنه اذا كان حصول اخللة والوالية احملمدية له صلّى هللا عليه و سلّم موقوفا على توسط
واحد فرد بعد الف سنة يلزم منه انه صلّى هللا عليه و سلّم مل يكن حبيبا وال خليال وهو
خالف احلديث فانه صلّى هللا عليه و سلّم مسى نفسه حبيبا وخليال وجوابه ما قال
الشعراين يف العهود واملواثيق اذا بلغك عن صويف ما خيالف الشرع فامحله على سبعني
حممال فاذا مل تقنع بذلك نفسك فارجع اليها ابللوم وقل هلا حيتمل كالم اخيك سبعني
حممال وال حتملت نه على حممل واحد وقد اجاب رمحه هللا بنفسه عن هذه االشكال وغريه
يف التنبيه يف آخر املكتوب وافتتاحه مسوق لبيان وجه اتباع احلبيب مللة ابراهيم اخلليل
عليه السالم لقوله تعاىل مث اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا ومقصوده ان الوالية
االبراهيمية مبنزلة السلم للعروج اىل احلقيقة احملمدية فأمر صلّى هللا عليه و سلّم ابتباعه
ليحصل له بواسطة االتباع مناسبة ابلوالية االبراهيمية وتكون معراجا للعروج اىل احلقيقة
احملمدية اليت هي املقام االعلى فوصل صلّى هللا عليه و سلّم من ذلك الطريق اىل مقامه
االعلى واحتظ من تلك الوالية يف ممره بقدر االمجال كما يدل عليه قوله فبالضرورة كان
اخلروج من هنالك والدخول يف حميط الدائرة داللة صرحية على أنه صلّى هللا عليه و سلّم
- 1232 -
يف عني املركز االقرب اىل ذات احلق تعاىل وغاية االمر ان ظهور تفصيل كماالت احمليط
مشروط ابلشروط املذكورة وقوله قدس سره ما مل يتيسر الوصول جلميع املقامات
االبراهيمية ال يتيسر الوصول للحقيقة احملمدية مؤول ابنه ليس املراد بلفظ احلقيقة عني
املركز املعرب عنه ابملالحة بل املراد املركز جبميع كيفياته وخصوصياته وحيتمل ان يكون
ظهور بعض دقائق ذلك املقام منوطا حبصول مجيع مراتب احمليط وال حمذور يف ذلك الن
اصل ذلك املقام الذي ال اقرب منه يف مراتب القرب االهلي اثبت له صلّى هللا عليه و
سلّم حيث اتضح ان مقام احملبوبية واملالحة حاصل له صلّى هللا عليه و سلّم وكذا هو
حميط بطريق االمجال ابحمليط الذي هو الصباحة واخللة فتحقق انه صلّى هللا عليه و سلّم
متحقق بكل من مقامي اخللة والصباحة واحملبوبية واملالحة ال كما فهمه املعاندون فقالوا
انه صلّى هللا عليه و سلّم مل يكن له مقام احملبوبية واخللة اال بعد الف سنة اال يرى ما يف
آخر املكتوب املنبئ لسر الصالة املنطوقة حيث كتب فيه ان والية اخللة متت له صلّى هللا
عليه و سلّم ومل يكتب انه حصل له انتهى من كشف الغطاء عن اذهان االغبياء حلفيده
فرخشاه وكذلك رأيت أتويل مقام الصديقية وكوهنا عرض رؤاي ال غري وابب التأويل
لكالم االولياء مفتوح وال خري يف احلكم بكفر مسلم فكيف بويل من اولياء هللا تعاىل
اسأل هللا العصمة واهلداية اىل سواء الطريق وقد صدر عن االولياء من الكالم املشكل ما
هو اعظم من ذلك فتلقاه العلماء رضي هللا عنهم ابلقبول خلفا عن سلف من غري
التفات اىل اشكال ظاهره مع علمهم حبقيقته وما يقتضيه نظرا اىل كمال احواهلم ال اىل
ظاهر اقواهلم و هللا تعاىل اعلم كتبه الفقري اىل هللا تعاىل السيد اسعد احلنفي املدين املفيت
السلطاين غفر هللا له ولوالديه وجلميع املسلمني آمني وحسبنا هللا ونعم الوكيل وال حول
وال قوة اال ابهلل العلي العظيم و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه امجعني واحلمد
هلل رب العاملني.
ومنها ما كتبه موالان املفيت املذكور اثنيا يف صفر سنة 1094اربع وتسعني والف
بسم هللا الرمحن الرحيم احلمد هلل الذي محى حوزة اوليائه بصيانة علماء الدين وصمى
- 1233 -
واصمى من سعى يف اطفاء نور الوالية بقهره املتني واعز من اعز دينه الشامخ العماد
الراسخ االصول السامي االواتد والصالة والسالم االمتان االكمالن على سيدان حممد
الذي رفع مقامه وشفعه يف اخلالئق يوم القيامة و على آله وأصحابه واتبعيهم ابحسان
ايل السؤال الذي ورد من
اىل يوم الدين خصوصا أوليائه العاملني (أما بعد) فانه ملا رفع ّ
اهلند لكتابيت عليه يف اوائل رجب املرجب سنة 1093ثالث وتسعني والف فامتنعت
عن ذلك كما ذكرته قبل ذلك مث عرض عل ّي اثنيا يف اواخر شهر صفر اخلري سنة
1094اربع وتسعني والف مرات متعددة وجعل حامله يلتمس مين الكتابة عليه بكل
حيلة ويتوسل لذلك بكل سبب ووسيلة فامتنعت غاية االمتناع المر اهلمين اايه ريب بال
تكلف وال اصطناع مث ورد املدينة املنورة رجل هندي من اتباع الشيخ امحد السرهندي
امسه ال شيخ جالل الدين البطحي وعرب بعض كلمات ما يف السؤال للشيخ امحد
السرهندي وأفادين هو وغريه ممن اثق بعلمهم وداينتهم ان السؤال املذكور على خالف ما
يف نفس االمر ووافق ظين الواقع واحلمد هلل وعرضها عل ّي فتأملتها ورأيتها حرية ابلقبول
بل جديرة ابن تكون اتجا على رأس املكاتبات والنقول فكتبت عليها ابلتحسني وجدير
ابن حتسن بل واين ملثلي ان يقول للحسن انت احلسن ولكن ملا كانت نصرة االولياء من
أعظم القرابت واقوى املثوابت احببت ان اتشبه ابهل الصاحلات لعل الفيض االهلي
يشملين بربكتهم انه ويل املكرمات فكتبت ما هو اعاله مث يف سلخ مجادي الثانية سنة
اربع وتسعني والف ارسل الينا من مكة املكرمة تعريب الشيخ حممد بيك وأتييد شيخ
االسالم مرجع اخلاص والعام االستاذ الكامل العامل الفاضل الناصر لدين هللا تعاىل
والناصر لعباد هللا الشيخ شهاب الدين امحد البشبيشي املصري فقام شكر هللا تعاىل سعيه
لالنتصار على ساق ردعا بذلك اهل العناد والشقاق والشيخ الكامل النحرير الفاضل
بقية اهل اخلري والصالح الراقي على مراقي العلم والفالح الشيخ عبد هللا العباسي
الشافعي وموالان شيخ االسالم ببلد هللا احلرام العامل احملقق والفاضل املدقق اكليل رؤس
االفاضل وواسطة عقد احملررين ذوي الفضائل عبد هللا افندي عتاقي زاده غفر هللا ذنبه
- 1234 -
ومن احلسن زاده والشيخ الصاحل اجلهبذ الفاحل املفيد الناصح اخي يف هللا وحميب هلل الشيخ
حسن بن حممد مراد التونسي والشيخ العامل ذو الفضائل واملكارم املتلقي للعلوم عن
االساتذة االكارم الشيخ قاسم سنجقدار وغريهم من فحول علماء بلد هللا احلرام فال
حيتاج اىل ذكرهم بعد ذكر شيخ ام القرى وقد قيل كل الصيد يف جوف الفرا فلما رأيت
ذلك الح يل سر قوله صلّى هللا عليه و سلّم الذي رواه يف معامل التنزيل بقول هللا عز
وجل من اهان يل وليا فقد ابرزين ابحملاربة واين الغضب الوليائي كما يغضب الليث
للجرو احلديث ودعاين مقلب القلوب ان اقتفي آاثرهم واين اقول ويف قوهلم الدليل
االعظم وفيهم البحر املتلطم وعند مقالتهم تلقى عصى التسيار وما وراء عبادان دار و هللا
يقول احلق وهو يهدي السبيل كتبه الفقري اىل ربه القدير اسعد احلنفي مث املدين حامدا
مصليا حموقال مهلال و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه امجعني واحلمد رب
العاملني مت انتهى ما تعلق به املرام من كلمات هؤالء االعالم رؤساء االانم مصابيح الظالم
وقد تركت بعضا منها خوف االطالة واالمالل واكتفاء هبذا القدر عن ذكر الكل
ابلكمال فان يف ذلك كفاية ملن ادركته العناية ولنذكر هنا كلمات من سواهم من العلماء
العظام والفضالء الفخام حرصا على ارشاد من اسرتشد وحتاميا عن ختييب ظن من
اسرتفد (قال) سحبان اهلند موالان املرحوم السيد غالم علي املعروف آبزاد البلكرامي يف
ترمجته قدس سره هو من اعيان سرهند ومن مفاخر اهل اهلند اجملدد لاللف الثاين والربهان
الساطع على اشرفية النوع االنساين سحاب هاطل روى العرب والعجم امطاره نري اعظم
بلغ املشارق واملغارب انواره جامع العلوم الظاهرة والباطنة خازن الكنوز البارزة الكامنة
وهو يف صغر سنه حفظ القرآن وأفحم بتحبري صوته سواجع البستان ويف االبتداء تلمذ
على أبيه االوحد موالان الشيخ عبد االحد واستفاد منه مجا من العلوم مث ارحتل اىل
سيالكوت وقرأ على موالان كمال الدين الكشمريي بعض كتب املعقوالت يف هناية
التحقيق والتدقيق واخذ احلديث عن موالان يعقوب الكشمريي وتناول احلديث املسلسل
ابالولية بواسطة واحدة عن الشيخ عبد الرمحن الذي كان من كرباء احملدثني ابهلند وتعاطى
- 1235 -
عنه أجازة كتب التفسري والصحاح الست وسائر مقروآته ويف عمر سبعة عشر سنة فرغ
من حتصيل العلوم الدرسية واشتغل ابلتدريس والتصنيف فصنف يف تلك االايم رسالة
لطيفة فارسية وعربية مث ارحتل من سهرند اىل دهلي واخذ الطريقة النقشبندية عن عبد
الباقي وللخواجه املذكور يف حق اجملدد عناايت عظيمة وكلمات كرمية مث جلس اجملدد
على مسند االرشاد والتلقني ومأل من فيضه السموات واالرضني ونشأ يف حجر تربيته
اخللفاء االجالء كل واحد منهم آية ومركز لدائرة الوالية وصلت سلسته من اهلند اىل ما
وراء النهر والروم والشام والغرب وله مكتوابت يف ثالث جملدات ابلفارسية هي حجج
قواطع على تبحره وبراهني سواطع على تبصره ومسعت ان عرهبا بعض العلماء ولكن ما
رأيت املكتوابت املعربة انتهى ابدىن اختصار يقول راقم هذه االحرف قد اشتهر يف
االلسنة أتليف حممد بيك االوزبكي املسمى بعطية الوهاب الذي مر ذكره بتعريب
املكتوابت النه عرب فيه بعض اجلمل من املكتوابت اعين اليت حرفها املعاند واال مل يتصد
احد فيما علمنا لتعريب املكتوابت ابلتمام كما ذكران يف ديباجة تعريبنا للمكتوابت واال
ملا اشتغلنا به نعم قد عرب بعض اجلمل منها بتعريب كنز اهلداايت الذي مجع فيه شئ
من مكتوابت االمام اجملدد وشئ من مكتوابت االمام حممد معصوم قدس سرمها وانتخب
ايضا من مكتوابت اجملددية بعض املشايخ الفضالء انتخااب جيدا ابلتعريب وال زال
العلماء واملشايخ يعربون منها ما تعلق به غرضهم قدميا وحديثا واال فلم اعثر على تعريبها
ابلتمام و هللا سبحانه أعلم (مث قال) موالان غالم علي البلكرامي يف ترمجة مال حممود
اجلونفوري الفاروقي صاحب الشمس البازغة يف احلكمة وال ريب انه مل يظهر ابهلند مثل
الفاروقيني احدمها يف علم احلقايق وهو موالان الشيخ امحد السهرندي املقدم ذكره والثاين
يف العلوم احلكمية واالدبية وهو املال حممود صاحب الرتمجة انتهى ما تعلق به الغرض من
النقل عن سبحة املرجان (نقل) يف اهلدية اجملددية نقال عن موالان الشيخ عبد العزيز
الدهلوي رمحه هللا ما معربه كانت الوآلايت رائجة ومتداولة يف قرب زمانه املسعود صلّى
هللا عليه و سلّم بني الصحابة والتابعني وتبع التابعني وهلم جرا اىل زمان اجلنيد واقرانه مث
- 1236 -
هلم جرا اىل زمان رؤساء القادرية والچشتية وصار طريق حتصيلها مدوان ومبواب ومفصال
خبالف طريق اخللة فاهنا مل يذكرها احد يف تلك العهود املتطاولة ومل يبني طريق حتصيلها
فاختفى طريق حتصيل ذلك املقام وراء حجب االختفاء واالستتار اىل ان مرت عليه الف
سنة فاظهر احلق سبحانه حضرة اجملدد قدس سره وجعله منشأ ظهور هذا املقام الذي
كان مودعا ومكنوان يف جوهره الشريف صلّى هللا عليه و سلّم فتيسر سلوك هذا الطريق
آلالف من الطالبني بربكة وجوده قدس سره وطفيليته واحلمد هلل على ذلك واآلن نبني
الطريقة على وجه ينكشف به اختصاص ذاك املقام ابتباع اجملدد قدس سره كالشمس يف
رابعة النهار (اعلم) ان الطرق كانت قبل اجملدد كلها من طريق احملبية واحملبوبية كانوا
يسلكون اوال طريق احملبية مث كانوا يفوزون اخريا مبرتبة احملبوبية وكانوا يسعون سعيا بليغا يف
لوازم احملبية كذكر اجلهر والوجد والشوق واالنكسار والتضرع والصرب والتوكل وطلب
مرضاة احملبوب احلقيقي ومراقبة صفاته خصوصا االحاطة واملعية واالستغراق يف التوحيد
الفعلي وجعل نفسه كامليت بني يدي الغسال ورؤية صفاته وصفات غريه مستهلكة يف
صفاته تعاىل بل جعل ذاته مندجمة يف ذاته تعاىل ومشاهدة حسنه ومجاله تعاىل يف كل
مظهر اىل ان كانوا يفوزون ابالنوار والتجليات يف ابتداء السلوك وابلفناء والبقاء يف انتهائه
وكانوا يشعرون ابالحتاد بل يدعونه كقوهلم {ع}:
اان من اهوى و من اهوى اان
اىل ان علم اخلضر عليه السالم الذكر اخلفي حلضرة اخلواجه عبد اخلالق قدس سره
الذي كان ارهاصا للطريقة اجملددية مث حصلت الطراوة والنضارة هلذا املعن يف عهد
اخلواجه النقشبند قدس سره ولكن امتزجت العلوم التوحيدية هبذه النسبة يف عهد حضرة
اخلواجه عبيد هللا االحرار قدس سره وغلبتها حت اوصل حضرة اجملدد قدس سره كل
ذلك اىل البطون يعين بلغها اىل هنايتها وحصلها وحازها ابلكمال واظهر من حاق صدره
طريقا اىل احملبوب فألغيت تلك التكلفات وزالت الشوق والوجد واحلاالت والتضرعات
فكل ما هو موجود فهو يف القلب والروح والسر واخلفي واالخفى وعناصر البدن حت
- 1237 -
تقع االنوار والتجليات من ابطن السالك اي يصدر ويظهر منه وينجر االمر ابلتدريج اىل
مقام اخللة ومعن احملبية هو العاشقية ومعن احملبوبية هو املعشوقية ومعن اخللة املصاحبة
والصديقية وكان االمر سابقا العاشقية واملعشوقية وهنا االشتياق والتضرع من اجلانبني
واملعاملة من الطرفني ويف العاشقية الصيحة والقلق واالضطراب ودق الرأس ابالبواب
واجلدران ويف املعشوقية الغنج والدالل والفخر واملباهات هذا هو بيان طريق اخللة على
االمجال ومن اراد تفصيلها فليصحب واحدا من اتباع اجملدد عدة من السنني يعين برعاية
شروطه وآدابه مث لينظر اىل وجدانه ولرياجع فيه ماذا يظهر له وراء الطريقني السابقني
انتهى (وقال) صاحب جواهر احلقائق يف كتابه املذكور على ما نقله عنه يف اهلدية
اجملددية ما معربه ان االمام الرابين الشيخ امحد السرهندي من اكابر الصوفية وجامع بني
العلوم الظاهرية والباطنية وصاحب املقامات العلية والكرامات اجللية وكان اكثر العلماء
والعرفاء يعظمونه ويوقرونه وذهب الفاضل احملق موالان عبد احلكيم السيالكويت اىل جمدديته
وقال انه جمدد املائة احلادية عشر واشتهر يف زماننا هذا مشاهري العرفاء يف اهلند والسند
والعرب والعجم خصوصا يف الروم والشام والعراق وبالد االكراد وسائر البلدان يف سلسلته
اشتهارات اما و هو الذي نشر انواع العلوم واالسرار وحاز يف شرح مقامات الطريقة
قصب السبق على السابقني و هو صار معززا بفهم املقطعات القرآنية وامتاز حبصول
اسرار املتشاهبات الفرقانية وهو الذي انكشف له امساء االنبياء الذين مضوا ابرض اهلند
واتباعهم وبني مقاماهتم ودرجاهتم وهو الذي بني ابعالم اهلية مراتب الوالية والنبوة
والرسالة وكماالت اويل العزم ومقامات اخللة واحملبة واظهر خصوصيات سيد االنبياء عليه
وعليهم الصالة والسالم وقدس هللا روحه وروح سائر االولياء وافاض علينا من فتوحهم
آمني انتهى وهذا قطرة من حبار مناقب هذا االمام اهلمام قدس سره ونبذة من احواله
الظاهرة مجعناها هنا رجاء ان ينتفع هبا بعض من مل يقف على كنه اخباره او مسع من
املعاندين خالف الواقع وهو من اصحاب االذهان القاصرة وليس القصد منه استيفاء
مجيع كماالته الظاهرة او التعرض لبيان بعض خصائصه الباطنة كال فان هذا مما ال يرام
- 1238 -
وال ميدح من رامه بل يالم واىن لنملة عرجاء مساحة مسافة السماء الفسيحة االرجاء وان
كان االسلم حوالة معرفة احواله على مالحظة آاثره ومطالعة اقواله فانه ال شئ ادل على
معرفة الشئ من االستدالل آباثره عليه ولذا قيل {شعر}:
ان آاثران تدل علينا * فانظروا بعدان اىل االاثر
خصوصا آاثره قدس سره حيث عمت انوارها كافة االقطار حت قال بعض
املشائخ املشائخ ان االمام ترك بعده كرامتني املكتوابت واالوالد قلت فانه الثالث وهو
اخللفاء العظام الكرام فان طريقته كما انتشرت بواسطة اوالده انتشرت ايضا بواسطة
خلفائه وكذلك اوالد اوالده وخلفاء خلفائه وهلم جرا اىل عصران هذا حيث ال تزال
تنتشر وتزداد يوما فيوما اىل كافة االقطار على مرور الدهور واالعصار فهل يكون شئ
ادل على علو شأنه قدس سره من هذه وهل حيتاج من امعن النظر فيها اىل االستدالل
بشئ آخر على معرفة احواله كال {شعر}:
وليس يصح يف االذهان شئ * اذا احتاج النهار اىل الدليل
اال ان املشارب ملا كانت خمتلفة واالنكار واملعاندة واملخالفة ونشر االابطيل
واالراجيف جارية غري مفقودة والتقليد يف اكثر ابناء الزمان غالبا والتحقيق مفقودا رأينا
االصل ح هلم التداوي من داء االنكار مبرهم نقل اقوال هؤالء العلماء العظام رمحهم هللا
تعاىل الذين كتبوا ما كتبوا حملض ابطال الباطل واحقاق احلق من غري شائبة االغراض
النفسانية والوساوس الشيطانية فمن اختار التقليد فليقلد هؤالء االعالم وليرتك قول اللئام
ومن رفع رأسه عن حضيض التقليد اىل قلل االستدالل وذرى التحقيق فليجل نظره يف
جمايل آاثره قدس سره ولريجع بصره هل يرى فيها من فطور مث لريجع البصر كرتني ينلقب
اليه البصر خاسئا وهو حسري ويرتمن لسان حاله هبذه االبيات بعد اعرتافه ابلتقصري
{اشعار}:
اعجب به من سائر ما عاقه * حجب املراتب الوصفوا مرائي
حت انتهى ملا بدا بنهاية * للسائرين وراء وراء وراء
- 1239 -
امساعيل وذلك الين حني خرجت من البصرة مررت به وهو يف قرية خارج البصرة وقد
تقدم امره اايي ابلسفر فلما اتيته للوداع اوصاين ببعض الوصااي فلهذا قلت وانتفاعنا
بلفظه * واستماعنا لوعظه * واطالعنا على حقيقته * واشرافنا على طريقته * فرأيناها
الطريقة املثلى * والقول الذي مل يزل يف كل العصور ميلى * جامعة حلقائق الطرائق
وخالصات احلقائق وال ينكر منها حرفا اال امحق او منافق «قال» امامنا الشافعي رضي
هللا عنه االنكار فرع من النفاق وذلك الن املنافقني لو مل ينكروا على رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم آلمنوا به ظاهرا وابطنا ولقد طرق مسعي بعض مقاالت منقولة عن املزورين *
وجهاالت منسوبة اىل بعض املشهورين * وانكار امور عليها مدار العلماء العاملني *
املتقدمني منهم واملتأخرين * فوضعت رسالة مثبتة ملا انكروه ومبتتة ملا زوروه * احتسااب
لوجه هللا االكرم وانتصارا السم هللا االعظم ونصحا المة حممد صلّى هللا عليه و سلّم *
كيال يقعوا يف ورطة االنكار وكيال يبقي االخ املنكر على االصرار * فيؤل به اىل دخول
النار * ملا اشتهر انه خيشى عليه من سوء اخلامتة نعوذ ابهلل من ذلك ومسيتها (الرمحة
اهلابطة يف ذكر اسم الذات والرابطة) ورتبتها على سبعة ابواب الباب االول يف وصية
االخ البار * مبصاحبة االخيار * وجمانبة االشرار * الباب الثاين يف النقل املوجب للذات
* يف ذكر اسم الذات * الباب الثالث يف تعريف رابطة اويل االجتباء * وثبوت الرابطة
لكل انسان شاء او اىب * الباب الرابع يف القول االسن * واستحباب الرابطة احلسن *
الباب اخلامس يف قول اهل االصطفاء * يف رابطة املصطفى * صلّى هللا عليه و سلّم *
الباب السادس يف القول اجململ * يف رابطة االولياء الكمل * الباب السابع يف نصح
املنكرين اخلاص والعام * حلصول حسن اخلتام * وجعلت اخلطاب لواحد يف مجيع
االبواب رجاء ان يتوجه اىل هذا الكالم بقلبه * وان يقبل على ربه * ويستغفر من ذنبه *
و هللا اسأ ل ان مين على من أتملها بعني االنصاف ابتباع الصواب * وان جيعلنا واايه ممن
اانب * وان يهب لنا رضاه انه الكرمي الوهاب *
(الباب االول) يف وصية االخ البار * مبصاحبة االخيار * وجمانبة االشرار * اعلم
- 1241 -
ايها االخ بصرين هللا واايك طريق احلق واهلدى * وازال من قلوبنا داء احلسد وجنبنا
االعتدا * انك يف زمان دين اهله اتباع اهلوى * ورفض التقوى * وطي املليح * ونشر
القبيح * ووصل الطالح * وهجر الصالح * واشاعة البهتان * وكتمان االحسان *
وجمانبة من قال هللا * ومصاحبة من اختذ هواه * اذا ذكروا ال يذكرون * واذا رأوا آية
يستسخرون * ويطنبون ابلنميمة و على الغيبة ال يقتصرون * واخواهنم ميدوهنم يف الغي مث
ال يقصرون * يبارز امثلهم امللك القدير * كي يذكر عند االمري والوزير * ويعمل ما
يوجب اخللود يف النار * لكي ميدح بني الفجار * فكره وذكره تَ ْكرير هات * وتقرير
الرتهات واضاعة االوقات * واحلرص على املوبقات * وبغض املتقني * وحمبة الفاسقني *
واخفاء النصائح * وابداع الفضائح * واظهار الود * واضمار احلقد * ونزع احلياء *
والتقمص ابلرايء * ونفي التواضع والرب * واثبات العجب والكرب * اىل قول الزور وان كثر
جينحون * وبه يفرحون * وعليه ما يربحون * وعن ذكر هللا و اقل جيمحون * واذا مسعوه
يكلحون * و على فاعله يقدحون * فال جرم اهنم ابخلطاء قائلون * وعن الصواب
عادلون * واىل املراء مائلون * و على االفرتاء حاصلون * اذ هم رحلوا عن نوادي العدل
ويف بوادي اجلهل هم انزلون * فاولئك كاالنعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون * قلوهبم
حبب الفساد مشغوفة * و على كسب مال العباد ملهوفة * وعن ذكر رهبم مصروفة *
يبذل احدهم يف اجلهاالت والضالالت والتخليطات والتخبيطات مجيع قواه * ويعرض
عن ذكر ربه ابئعا دينه ابقل من نواه * وال تطع من اغفلنا قلبه عن ذكران واتبع هواه * ان
اطلت ابلغيبة لسانك * واصغيت هلا آذانك * عظموا حني رؤيتهم لك شأنك * ورفعوا
مكانك * واذا غبت عنهم اظهروا عدوانك * وقرروا هبتانك * فال مليحك شيعوه * وال
قبيحك يدعوه * قلوهبم مملوءة حسدا * كأهنم مل يروا احلشر غدا * اكثرهم طوي بساط
اهلدى * كأهنم خلقوا سدا * وال يزالون يف قال وقيل * ومن مل يوافقهم يرمونه ابالابطيل *
فمن التعطيل ان حنن بذكرهم نطبل * فال حاجة اىل التطويل * وما أبرئ نفسي ان
النفس المارة ابلسوء اال ما رحم ريب * واالعرتاف ابالقرتاف والتوبة ان شاء هللا تعاىل
- 1242 -
دأيب * والرجاء وحسن الظن ابهلل حسيب * رحم هللا الشيخ القوي حيث يقول {اشعار}:
فؤاد ال يقر له قرار * واجفان مدامعها غزار
وليل طال ابالفكار حت * ظننت الليل ليس له هنار
ومل ال والتقي حلت عراه * وابن على بنيه االنكسار
ليبك معي على الدين البواكي * فقد اضحت مواطنه قفار
واضحى ال تقام له حدود * وامسى البني له شعار
وعاد كما بدا فينا غريبا * هنالك ما له يف اخللق جار
فقد نقضوا عهودهم جهارا * اسروا ابلعداوة مث ساروا
فعليك اي اخي حبسن االعتقاد وسلوك سبيل الرشاد وال يغرك ختبيط اهل العناد
قال الفضيل اتبع طرق اهلدى وال يضرك قلة السالكني واايك وطرق الضالل وال تغرت
بكثرة اهلالكني وذلك انه ال تزر وازرة وزر اخرى وعن قريب جتتمع اخلالئق يف االخرى
وميتاز الذين ظلموا والذين هلم البشرى فعليك بصحبة من ينهضك حاله ويدلك على هللا
مقاله واهتد مبقال افضل مرسل صدق مقاله صلّى هللا عليه و سلّم ما نور االفق كوكب
الفلك وهالله امنا مثل اجلليس الصاحل وجليس السوء كحامل املسك وانفخ الكري فحامل
املسك اما ان حيذيك واما ان تبتاع منه واما ان جتد منه رائحة طيبة وانفخ الكري اما ان
حيرق ثيابك واما ان جتد منه رحيا خبيثة وقوله صلّى هللا عليه و سلّم خياركم الذين اذا رؤوا
ذكر هللا وهذان احلديثان يصلحان ان يكوان دليال للتوجه والرابطة الن من الفاظهما
ومعانيهما ما هو مطابق للواقع كما اهنما يرغبان يف صحبة الصاحلني فانه صلّى هللا عليه
و سلّم شبه الصاحل حبال املسك مث ذكر انه حيصل من جمالسته احدى ثالث فوائد واحدة
مقطوع هبا وهي وجدان الريح اذ ال مانع فقال اما ان حيذيك اي يعطيك بال عوض
والعطا هنا اما افادة علم بال سؤال واما افادة حال بتوجه من ذي كمال قيل ونظرة منه
ان صحت اليه على * سبيل ود ابذن هللا تغنيه * واما قوله فاما ان تبتاع منه اي تسأله
فيجيبك مبا ينفعك هذا من حيث اللسان او تستمد منه فيمدك بروحانيته وهذا من
- 1243 -
حيث اجلنان وقد جيمع بينهما وهذا االخذ واالعطاء الروحاين عند اهله مدرك ابلوجدان
كاحملسوس فانكار من مل يسلك سبيلهم ال يلتفت اليه اذ ال يستوي االعمى والبصري كما
ال يستوي املسك والكري واىن لالبكم الفصاحة وحسن التقرير واما قوله واما ان جتد منه
رحيا طيبة اي يسري اليك من حاله ما تنتفع به وهذه اجلملة مطابقة ظاهرا لفعل التوجه
من وجه اذ هو انعكاس حاصل ابلفعل اترة من غري استدعاء واليه االشارة ابما ان
حيذيك واترة ابالستدعاء والفعل واليه االشارة بتبتاع منه واترة انعكاس من غري استدعاء
وال فعل واليه االشارة بتجد منه رحيا طيبة عرب ابلوجدان دون غريه من االلفاظ الن
اجلليس يدرك بذوقه ما يسري اليه من قلب جليسه الصاحل واذا كانت الطباع تسرق فمن
ابب االوىل ان القلوب املنرية تسرق وحتصل الفائدة من اجلليس الصامت وال معن هلا
سوى سريان حاله يف جليسه ومن املعلوم ان من جالس شخصا سيما اذا كان اجللوس
على طريق احملبة واالعتقاد ال بد ان ترسم صورته يف ذهنه فمهما تذكره ختيل صورته فان
كان الشخص من احباب هللا فتخيل صورته يدعو اىل حمبته والشوق اليه وحمبته مطلوبة
والشوق اليه حمبوب فتخيل صورته حمبوب اذ من تصور موصوفا تصور صفاته فاذا كانت
صفاته حمبوبة عند هللا فتصوره املوجب لتصور صفاته احملبوبة حمبوب وال معن للرابطة
سوى هذا وال يراتب عاقل يف ان االنسان خمتار يف حركاته الظاهرة وتصوراته الباطنة اذ ال
حجر عليه من جهة الشارع اال ان حترك يف معصية او اىل معصية وكذا ان تصور فعل
معصية كمن يتصور انه يزين فهذا خمطور خبالف من تصور انه أييت حرثه فال منع من
ذلك وان قوله صلّى هللا عليه و سلّم خياركم الذين اذا رؤوا ذكر هللا فهذا كالشرح لقوله
او جتد منه رحيا طيبة جعل جمرد رؤيتهم حمصلة لذكر هللا وذلك الهنم منسبون اىل ذكر هللا
واذا رأى املنسوب ذكر املنسوب اليه وهو عني الذكر ال سيما اذا كانت رؤيتهم على
طريق احملبة واالعتقاد الصحيح فانه حيصل هبا رفع احلجاب عن القلب فينتقش فيه ذكر
هللا فان كانت رؤية مع جمالسة فهذه ابلغ من حصول الذكر بسبب انعكاس انوار القلوب
ولتتيقن اي اخي وجتزم أبين مل اذكر لك مجيع ذلك عن ظن وختمني ال والذي وسعت
- 1244 -
رمحته كل شئ بل عن جتربة وحتقيق والشفيق جيتهد يف النصيحة فقل ملن مل يسلك هذا
السبيل ومل يذق من شرابه السلسبيل شعر:
على نفسه فليبك من ضاع عمره * وليس له فيها نصيب وال سهم
واحلاصل ان صحبة الصاحلني حمتاج اليها وقد قالوا الرفيق قبل الطريق وتطهري
القلب عن الصفات املذمومة كالكرب والعجب والرايء وحمبة الدنيا وحنوها فرض على كل
مسلم ابمجاع العلماء الن مجيع الطاعات يرتتب وجودها واالحسان فيها على تطهري
القلب ويكفيك قوله صلّى هللا عليه و سلّم ان يف اجلسد ملضغة اذا صلحت صلح اجلسد
كله احلديث وتطهري القلب ال حيصل على الوجه املراد اال بصحبة مرشد كامل وأتمل
عهود الشعراين الكربى يتحقق عندك صحة هذا القول قال احلبيب سيدي عبد هللا اب
علوي احلداد عليكم بصحبة االخيار والتأدب آبداهبم مع التعظيم البالغ هلم وحسن الظن
الصادق فيهم فامنا قل انتفاع اهل الزمان ابلصاحلني من حيث قلة التعظيم هلم وضعف
الظن هبم فحرموا بسبب ذلك بركاهتم ومل يشاهدوا كراماهتم حت تومهوا ان الزمان خال من
االولياء وهم حبمد هللا كثريون ظاهرون وخمفيون وذلك الن ظهورهم يف كل زمان ال بد
منه ومن اعتقد غري ذلك خيشى عليه تكذيب النيب عليه السالم فانه قال ال تزال طائفة
من اميت ظاهرين على احلق حت تقوم الساعة وصفهم ابلظهور وهو شامل للشهرة كالغلبة
والنصرة فاعتقاد خالفه مهجور او حمظور فان قيل املراد ابلطائفة اهل السنة وهم ظاهرون
وهلل احلمد فيقال ال شك ان مذهب السنة هو احلق وان اهل السنة ابلنسبة اىل فرق هذه
االمة هم الطائفة لكن للحق شروط ال يتم اال هبا وليس كل فرد من اهل السنة جامع
الشروط فخواص اهل السنة ابلنسبة اىل عوامهم هم الطائفة ومنهم اجملتهدون يف االحكام
والعقائد الدينية واجملاهدون العالء كلمة هللا فان قيل بل املراد ابلطائفة اهل العلم من
الفقهاء واملدرسني من اهل السنة فيقال وهذا حق ايضا وهل الطائفة احملقة املهدية اال
اهل العلم لكن ان كان هذا الفقيه املدرس عدال جامعا لشروط االسالم فضال عن االميان
فضال عن االحسان واملسلم من سلم املسلمون من لسانه ويده مع ان هذه املقامات اليت
- 1245 -
وردت هبا الشريعة ال يكون العبد حمقا ظاهرا وابطنا حت يتصف هبا واما الفقهاء
واملدرسون الذين يقرؤن درس الغيبة ويقررون مسائل الريبة ويقعون يف االخيار ويزدرون
ابلفقراء ويتذللون للجهلة واحلمقى من االغنياء والتجار وكادوا يعبدون االمراء مع ما
يشاهد من اكلهم احلرام والكرب والعجب والرتفع على االانم فهؤالء فسقة االانم وقد
تعرف الفسقة مجلة من العلوم واالحكام وهم اقبح حاال من العوام واين هم واين الطائفة
الظاهرة على احلق على الدوام وامنا املراد ابلطائفة العدول من العلماء العاملني واملشائخ
الكاملني الذين يصدق عليهم قوله صلّى هللا عليه و سلّم حيمل هذا العلم من كل خلف
عدوله ينفون عنه حتريف الغالني وانتحال املبطلني فهذا احلديث مصرح ابن العدول
حيملونه الن غريهم ال يعرف منه شيئا والعدول ابلظاهر والباطن الظاهرون اليوم كاملرشد
الكامل العامل العامل العارف املاجد الشيخ خالد واالكابر من اتباعه واانس من احلرمني
وبغداد واليمن نعرفهم و هللا اعلم بعباده وبالده ومن ال نعرفهم اكثر فهؤالء على هدى
من رهبم والسعيد من كان من حزهبم اما الشيخ خالد فلما هو مشاهد من علو مهته
وعدم مباالته مبا سوى هللا من ملك وغريه ومجيل مروءته وحسن خلقته وغزارة علمه
واتقانه العلوم العقلية وتبحره خصوصا يف العلوم الشرعية كما انه وعاء العلوم اللدنية وما
جيري التباعه و اتباع اتباعه من االحوال السنية والكشوف االهلية واالذواق واملواجيد
وغري ذلك مما رأيناه ووجدانه وشهدانه وقد اشرت منه اىل مجل يف االساور العسجدية ال
يدرك معانيها اال من له قلب ومن ذلك عظيم شفقته ورأفته ابملسلمني واعتنائه ابمة حممد
صلّى هللا عليه و سلّم الذي محله على ان وجه اىل كل قطر قطرا حييي به اموات القلوب
واىل كل افق بدرا يهدي به اىل املطلوب فيا هلا من نعمة جيب شكرها على املسلمني
وكفرها ال يكون اال من ضعيف الدين عدمي اليقني ليس هو من املتقني فان املتقي ما
حتمله النفس على احلسد وال يؤل به اتباع اهلوى اىل جحود فضل اهل التقوى واما اكابر
اتبا عه فلما شهدان من بعضهم الذين رأيناهم من العمل ابلعلم والنصيحة والتعليم وحسن
السرية واخالص السريرة اليت تدل عليها عدم التفاهتم اىل اخللق اال لنفعهم واعتمادهم
- 1246 -
على احلق يف خفضهم ورفعهم واستغراقهم يف العبادة واهنماكهم فيما يوجب هلم السعادة
فال شك اهنم من خالصة الطائفة املذكورة وممن ذكرهم هللا يف آية سورة فعليك اي اخي
مبحبة هذه الطائفة وصحبتهم وخدمتهم واالنتساب اليهم فاهنم قوم ال يشقى جليسهم
فكيف حمسوهبم وفقين هللا واايك وهو اكرم االكرمني.
(الباب الثاين) يف النقل املوجب للذات يف ذكر اسم الذات اعلم ايها االخ شغلين
هللا واايك بذكر امسه االعظم ان اكثر العلماء ابهلل واجلهم نصيبا من هللا و امجلهم شهودا
هلل وأفضلهم صحوا مع هللا وامثلهم حموا يف حمبة هللا الذين تكون بدايتهم هللا وهنايتهم هللا
و على ذلك اكثر العارفني من املتقدمني واملتأخرين قال هللا واذكر اسم ربك وامسه اجلامع
هللا وهو علم الذات الواجب الوجود لذاته قال ثعلب اسم مفرد فيه توحيد جمرد قال تعاىل
قل هللا مث ذرهم يف خوضهم يلعبون فان قيل هذا ال داللة فيه النه نزل ردا على من قال
ما انزل هللا على بشر من شئ فلما ألزم بكتاب موسى فلم جيب قيل له قل هذا اجلواب
ان مل يقله فيقال ما يلزم من كونه ردا انه غري متعبد به فان قولنا ايضا ال اله اال هللا رد
على من جعل مع هللا اهلا آخر فهما سيان ويف صحيح مسلم عن أنس رضي هللا عنه ان
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم قال ال تقوم الساعة حت ال يقال يف االرض هللا هللا ويف
رواية ال تقوم السا عة على احد يقول هللا هللا فهذا احلديث مصرح ابن هللا هللا من االقوال
اليت تقال وانه اذا انصرم الزمان مل يبق احد يذكر هللا هبذا القول وحينئذ تقوم الساعة
فكالم هللا سبحانه وتعاىل وكالم رسوله صلّى هللا عليه و سلّم فيهما اهلداية للموفق العامل
هبذا الذكر والكفاية للمشكك املنصف والنكاية للمتعصب املتصلف واما كالم العلماء
احملققني اجلامعني بني الفقه وغريه من العلوم الشرعية فقد قال االمام حجة االسالم
الغزايل يف االحياء يف كتاب رايضة النفس عند ذكر فوائد اخللوة وعند ذلك يلقنه اي
يلقن الشيخ املريد ذكرا من االذكار حت يشتغل به لسانه وقلبه فيجلس مثال ويقول هللا
هللا او سبحان هللا او ما يراه الشيخ من الكلمات انتهى قال االمام احلرب اجلليل النواوي
الذي قال فيه التقي السبكي {شعرا}:
- 1247 -
عن شهود االغيار واستوىل عليه مراقبة احلق وشهوده حينئذ يكون مستغرقا يف حقائق
اجلم ع االحدي والشهود السرمد الفردي فاالنسب حلاله االعراض عما يذكر ابالغيار
واستغراقه فيما يناسب حاله من ذكر اجلاللة فقط الن ذلك فيه متام لذاته ومتام مسرته
ونعمته و منتهى اربه وحمبته بل لو اراد قهر نفسه اىل الرجوع اىل شهود غريه حت ينفيه او
تعلق به خاطره مل تطا وعه نفسه املطمئنة ملا شاهدت من احلقائق الوهبية واملعارف الذوقية
والعوارف اللدنية وقد فتحنا لك اباب تستدل مبا ذكرانه يف فتحه على ما وراه فافهم
مقاصد القوم الساملني من كل حمذور ولوم وسلم هلم تسلم وال تنتقد حقيقة من حقائقهم
تندم بل قل فيما مل يظهر لك و هللا اعلم انتهى وقال العالمة الشيخ عبد الرؤف املناوي
يف شرحه الكبري على اجلامع الصغري يف شرح قوله صلّى هللا عليه و سلّم اذكر هللا فانه
عون لك على ما تطلب قال اذكر هللا ابلقلب ابن تقول ال اله اال هللا مع اخالص والذكر
ثالث نفي واثبات واثبات بغري نفي واشارة بغري تعرض لنفي وال ثبات فاالول قول ال اله
االّ هللا والذكر به قوام كل جسد وموافق ملزاج كل احد الثاين امسه الشريف اجلامع وهو هللا
اسم جالل حمرق ليس كل احد يطبق الذكر به والثالث ذكر االشارة وهو هو فدوام ذكر
ال اله اال هللا سبب لليقظة من الغفلة وذكر هللا سبب للخروج عن اليقظة يف الذكر اىل
وجوه احلضور مع املذكور وذكر هو هو سبب للخروج عن ما سوى املذكور وقال ايضا
يف شرح قوله صلّى هللا عليه و سلّم من سره ان حيب هللا ورسوله فليقرأ القرآن قال نظرا يف
املصحف مث قال بعد كالم كان بعض املشائخ الصوفية اذا سلك مريدا اشغله بذكر
اجلاللة وكتبها هلا يف كفه وامره ابلنظر اليها حال الذكر قالوا هذا اول شئ يرفع كما قاله
عبادة ابن الصامت ويبقى بعده على اللسان حجة فيتهاون الناس فيه حت يذهب
بذهاب مجلته مث تقوم الساعة على شرار الناس ليس فيهم من يقول هللا هللا واما كالم
احملققني من الصوفية اجلامعني بني العلم الظاهر والباطن فقد قال الشيخ العارف امحد
الغزايل اخو حجة االسالم يف رسالته التجريد يف كلمة التوحيد اعلم ان السالك له ثالث
منازل فاملنزل االول عامل الفناء واملنزل الثاين عامل اجلذبة واملنزل الثالث عامل القبضة فاجعل
- 1249 -
ذكرك يف عامل الفناء ال اله اال هللا ويف اجلذبة هللا هللا ويف عامل القبضة هو هو انتهى
ابختصار وقال الشيخ عفيف الدين التلمساين يف كتابه الكربيت االمحر العارفون على ان
افضل العبادات حفظ االنفاس مع هللا ويكون دخوهلا وخروجها بذكر اجلاللة وهو قولك
هللا هللا وال اله اال هللا وهو الذكر اخلفي الذي ال تتحرك به الشفتان انتهى وقال العارف
ابهلل الشيخ عبد السالم بن مشيش يف آخر صالته على النيب صلّى هللا عليه و سلّم
املشهورة هللا هللا هللا ان الذي فرض عليك القرآن لرادك اىل معاد انتهى وقال ابن عطاء
هللا الشاذيل يف كتابه مفتاح الفالح الذكر الرابع هللا ويسمى املفرد الن ذاكره مشاهد
جلالل هللا وعظمته قال هللا تعاىل قل هللا مث ذرهم يف خوضهم يلعبون وقال يف ابب ذكر
اخللوة منه وليكن ذكرك االسم اجلامع وهو هللا واحذر ان يفوه به لسانك وليكن القلب
هو القائل واالذن مصغية هلذا الذكر حت ينبعث الناطق يف سرك فاذا احسست بظهور
الناطق فيك ابلذكر فال ترتك حالتك اليت كنت عليها انتهى وقال االمام العارف الشيخ
عبد الوهاب الشعراين يف العهود الصغرى اخذ علينا العهد ان ال ميضي علينا يوم وال ليلة
حت نذكر هللا عز وجل بتكرير اجلاللة اربعا وعشرين الف مرة عدد االنفاس الواقعة يف
الثالث مائة وستني درجة انتهى وقال العارف الشيخ يوسف الكوراين يف قوله صلّى هللا
عليه و سلّم موتوا قبل ان متوتوا وظاهر صفات امليت ان ال يرىي وال يتكلم وال يتحرك وال
يعجز احد ان يغمض عينيه ويسكن ويسكت مقدار ثلثة انفاس او مقدار استطاعته فقد
قال صلّى هللا عليه و سلّم اذا امرتكم فأتوا منه ما استطعتم فاذا فعل ذلك فقد مات واتى
ابستطاعته يف ظاهره فاذا اضاف عليه هللا هللا هللا ابلقلب دون اللسان فقد شارك اخلاص
ابلقدم وان جعل ذلك مرجعه يف كل ما وجد فراغه صار من السالكني اخلواص على قدر
انسه ابهلل هللا هللا و على قدر ث باته فيه يكون من الفائزين الذين ال خوف عليهم وال هم
حيزنون ونقل مجيع ما ورد من كالم العلماء يف ذكر اجلاللة امر متعسر جدا بل متعذر اذ
حيتاج اىل صرف زمان وتتبع مجيع الكتب التفسريية واحلديثية والصوفية والكتب يف هذه
الفنون ال حصر هلا فمن املستحيل الوقوف عليها ومن ال يكتفي ابمام واحد من هؤالء
- 1250 -
االئمة ال خري فيه وقضية الشبلي املشهورة ال ختفى على من هو له مطالعة يف سري
الصاحلني ذكرها غري واحد منهم الفخر الرازي يف اسرار التنزيل ومنهم ابن عطاء هللا يف
مفتاح الفالح ان رجال سأل الشبلي مل تقول هللا وال تقول ال اله اال هللا فقال ان الصديق
اعطى ماله فلم يبقى معه شئ فتخلل ابلكساء بني يدي النيب صلّى هللا عليه و سلّم فقال
له وما خليت لعيالك فقال هللا فكذا اان اقول هللا فقال السائل اريد اعلي من هذا فقال
الشبلي استحي من ذكر كلمة النفي يف حضرته والكل نوره فقال السائل اريد اعلى من
هذا فقال الشبلي اخاف ان اموت على االنكار فال اصل اىل االقرار فقال السائل اريد
اعلى من هذا فقال الشبلي قال هللا تعاىل لنبيه صلّى هللا عليه و سلّم قل هللا مث ذرهم يف
خوضهم يلعبون فقام السائل فزعق زعقة فقال الشبلي هللا فزعق اثنيا فقال الشبلي هللا
فزعق اثلثا ومات فاجتمع اقارب الفت وتعلقوا ابلشبلي وادعوا عليه الدم ومحلوه اىل
اخلليفة فاذن هلم فدخلوا عليه وادعوا الدم فقال اخلليفة للشبلي ما جوابك فقال روح
حنت فرنت ومست فصاحت ودعيت فسمعت فعلمت فاجابت فما ذنيب فصاح اخلليفة
خلوا سبيله ونظري هذا السؤال ما ذكره الشيخ االكرب حميي الدين يف الفتوحات انه سأل
احد شيوخه مل تقولون هللا وال تقولون ال اله اال هللا فقال ما مسعت وال رأيت احدا يقول
اان هللا غري هللا فاان اقول كما يقول هللا انتهى وههنا عبارة مجيلة ينبغي ان نوقفك عليه
لنعلم كيف اعتناء العلماء هبذا الذكر قال القاضي عياض يف منت الشفاء يف وصف اولياء
هللا هلجني بصادق قوله قل هللا مث ذرهم يف خوضهم يلعبون قال الشارح اخلفاجي يعين ان
هؤالء املخلصني هلل املختصني به الذين شغلوا ظاهرهم وابطنهم مبحبته وردهم دائما ذكر
هللا واالعراض عما سواه ممتثلني هبذه اآلية مقصود املصنف التمثل هبا متثل الشبلي ملن
قال له اوصين فقال عليك ابهلل ودع ما سواه وكن معه وذرهم يف خوضهم يلعبون مث قال
وههنا حبث وهو انه قيل ان ذكر هللا بتكرير لفظ اجلاللة بدعة ال ثواب فيها قال اخلطاب
يف شرح خمتصر الشيخ خليل سئل العز بن عبد السالم عمن يقول هللا هللا مقتصرا على
ذلك هل هو مثل سبحان هللا وحنوه فأجاب ابنه بدعة مل ينقل مثله عن احد من السلف
- 1251 -
والذكر املشروع ال بد فيه من ان يكون مجلة مفيدة واالتباع خري من االبتداع وحنوه ما
أفتاه البلقيين يف قوم ال يزالون يقولون حممد حممد كثريا مث يقولون مكرم معظم فاجاب ابنه
ترك ادب وبدعة مل تنقل قال اخلفاجي اقول ما ذكره يف اسم النيب صلّى هللا عليه و سلّم
من كونه بدعة ظاهر النه مع كونه مل يتعبد مبثله داخل فيما هني عنه لقوله تعاىل ال جتعلوا
دعاء الرسول بينكم كدعاد بعضكم بعضا وأما ذكر هللا فقد ورد االمر به ووعد ذاكره
ابلثواب يف آايت وأحاديث ال حتصى كقوله تعاىل الذاكرين هللا كثريا والذاكرات ويف
احلديث القدسي من شغله ذكري عن مسئليت اعطيته أفضل ما أعطي السائلني اىل غري
ذلك ومل يقيد بقيد على ان الذاكر قصده التعظيم والتوحيد فهو اذا قال هللا مالحظا
ملعناه فكأنه قال معبودي واجب الوجود مستحق جلميع احملامد ومل يزل العلماء والصلحاء
يفعلونه من غري نكري وكان االستاذ البكري يفعله ويقول بعده أستغفر هللا مما سوى هللا
وكل شئ يقول هللا ويف جملسه اجلة العلماء واملشائخ وهذا هو احلق وقد صنف يف رد
مقالة ابن عبد السالم هذه عدة رسائل رأيناه وممن صنف فيها القطب القسطالين
والعارف ابهلل املرصفي والشيخ عبد الكرمي اخللويت وبه افت من عاصرانه اللهم احشران يف
زمرة الذاكرين وال جتلعنا من الغافلني انتهى فيكفي ما اوردانه من كالم اخلفاجي مع ان
الشيخ عبد الوهاب الشعراين ذكر ان العز بن عبد السالم سئل اميا أفضل أو اويل للذاكر
االشتغال بذكر اجلاللة او ال اله اال هللا فاجاب ابن ال اله اال هللا أفضل للمبتدئ واجلاللة
افضل للمنتهي انتهى على اان ال نسلم قول هللا مفردا وامنا هو مجلة فعلية النه منادى وايء
النداء احملذوفة انئبة مناب الفعل فال شبهة عليك ان كنت جاهال وان كنت عاقال
فاك تف بكالم واحد من هؤالء االئمة فامسع امسعك الرب قول هللا من داخل القلب وال
جعلك ممن يتعصب فيحجب قول بعض املتوجهني اىل هللا بلغه ربه ما يتمناه اعوذ ابهلل
من الشيطان الرجيم {اشعار}:
ان الشياطني انواع منوعة * منها املوسوس واآليت بتلبيس
وشرها من كمثل الناس صورته * فرخ الرجيم اخو االغوى بتأسيس
- 1252 -
ان قلت هللا قال احذر تقله فذا * ال فضل فيه فقل مه ضنأ جغموس
اذكر قل هللا واحذر ان متيل اىل * قول الغوي وتلبيس البليس
شرح اخلفاجي ينفي كل وسوسة * فال تبال بوسواس بن طعموس
واتل العهود ومفتاح الفالح كذا * شرح املناوي واهجر كل دعبوس
هو الغيب اجلهول وهو ذو محق * يصغي اىل كل ذي زور وتدليس
من الغزايل والرازي والنووي * والشاذيل االيل من كل اريس
والقسطالين والبكري قدوته * من ذا خيالفهم من اجل جعسوس
اتنكرون علينا ان نقلدهم * اي شيعة االفك كال زمرة السوس
اي ويح قوم بغوا والبغي مهلكهم * على كرام اويل ذكر وتقديس
هللا هللا قبح فيه عندكم * هللا اكرب اي غارات قدوس
فعليك اي أخي ابالقبال على هللا واالشتغال بذكر هللا خصوصا هبذا االسم االعظم
الذي حصل به الفضل لال اله اال هللا فلو قاهلا مكلف ومل يتمها به كفر فال تطع من
انكر وعن احلق استكرب فتقول حني تقرب وحتشر اي ليتين مل اختذ فالان خليال لقد اضلين
عن الذكر بعد اذ جاءين وكان الشيطان لالنسان خذوال وفقين هللا واايك لالقبال عليه
ابلذكر املوجب للفوز لديه.
(الباب الثالث) يف تعريف رابطة اويل االجتبا وثبوت الرابطة لكل انسان شاء او
اىب اعلم أيها االخ وفقك هللا لسلوك الصراط املستقيم وعصمين واايك من الشيطان
الرجيم ان الرابطة عبارة عن تعلق القلب بشئ لشئ على وجه احملبة وهذا التعلق اترة
يكون حممودا واترة يكون مذمووما واترة يكون مباحا النه ال خيفى اما ان يكون مأمورا
او ال فاالول حممود كحب هللا وحب رسوله صلّى هللا عليه و سلّم واحلب يف هللا وحب
ما يقرب اليه والثاين هو ان يكون منهيا عنه او ال فاألول مذموم كحب احملرمات
واملكروهات وان مل يرتتب على املكروهات عقاب النه يرتتب عليها عتاب والثاين املباح
- 1253 -
كحب االنسان اهله وولده ابلطبع اجلبلي الذي ال انفكاك عنه الحد فقد مشل هذا
التقسيم االحكام اخلمسة فان احملمود يندرج فيه الواجب واملندوب واملذموم يتضمن احلرام
واملكروه واملباح معلوم دخوله حتت غري املنهي عنه وهو قولنا اوال فتعلق القلب حاصل
لكل انسان فلو تنبه املنكر لعلم ان ما ينكره عني ما يستحضره وان الذي جيهله هو الذي
يفعله من الرابطة اليت ينفي ثبوهتا مع فعله اايها فيه من اساءة االدب مع هللا تعاىل ما ال
ميكن جحده ولعلم انه يتأكد عليه ان يعمل عمال يزيل عنه هذا البالء الذي اهلكه من
حيث ال يشعر لشدة سكره يف غفلته وذلك انه اذا كرب تكبرية االحرام سرح يف اودية
االفكار واالوهام واعرض عن ربه ونسي نفسه نسوا هللا فانسيهم انفسهم واشتغل اما
برابطة وقفه او ملكه او حرفته أو زوجته ان كانت نفسه مفتونة هبا او ولده او تقرير
مسئلة يلقيها ابليس اليه ليخرجه من صالته مفلسا او خماطبة من يرجتي منه زكاة او
صدقة فيقول اايك نعبد وهو مقبل على معبوده الشهودي ورابطته اليت هي نصب عينه
ويستمر على هذه احلالة حت يسلم فاذا سلم التسليمة االويل شرع ابالنكار على الرابطة
اليت يفعلها العلماء العارفون يف وقت خمصوص ليحصل بواسطتها انتفاء الغفلة حت يقبلوا
على رهبم يف صالهتم وذكرهم بقلب حاضر وقد ورد عل ّي سؤال من بعض املعرتضني وهو
ان الرابطة اليت أتمرون املريد هبا ال ختلو بقرينة االمر هبا من ان يكون حكمها االجياب او
الندب ومها امران شرعيان ال بد هلما من دليل واالدلة الكتاب والسنة واالمجاع والقياس
وغريها من االدلة راجع اليها فما الدليل على ندب الرابطة او وجوهبا وايضا ال شك ان
النيب صلّى هللا عليه و سلّم شيخ الصحابة الهنم اخذوا عنه االذكار وغريها فلم يبلغنا انه
امرهم بتصور صورته اليت هي اكمل الصور االنسانية فلو امرهم لنقل ال سيما اذا كان
ذلك واجبا الن الواجب مما تتوافر الدواعي على نقله انتهى فأقول اجلواب عن هذا
السؤال من وجوه االول ان الرابطة اليت أنمر املريد ابمر السادة النقشبندية الذين هم قال
الشهاب ابن حجر يف الفتاوى الصغرى عن طريقتهم اهنا الطريقة الساملة من كدورات
جهلة الصوفية مندوبة الهنا من الوسائل املوجبة لدفع اخلطرات ونفي الغفلة والوسائل هلا
- 1254 -
حكم املقاصد واالمر الذي مل ي نه عنه الشرع يسوغ فعله اما على طريق االابحة ان ادى
اىل مباح او الندب ان اوجب مندواب او الوجوب ان حصل واجبا ال حيصل بغريه فقد
حصل لنا ابلتجربة وحنن قوم اكثر من عدد التواتر اان اذا تصوران الرابطة انتفت عنا
االغيار كلها وبقي هذا الغري وحده فنعرض عنه حينئذ وه ذا مثل انسان له اعداء فتودد
اىل بعضهم وسلطه على ابقيهم فاذا اهلكهم عنه مل يبق اال واحد فيقدر على ازالته فيزيله
وهذا وجه ينبغي للمنصف ان يتأمله فانه ظاهر احلسن مطابق للواقع الن الرابطة ليست
مرادة لعينها بل مرادة لغريها الثاين قولكم ال ختلو بقرينة االمر هبا من ان يكون حكمها
االجياب او الندب اقول ال نسلم ان غري الشارع اذا امر ابمر ان يكون حكمه االجياب
او الندب وان االنسان قد أيمر غريه بفعل مباح لغرض ما من االغراض له او للمأمور
وقد أيمر الطبيب املريض بشرب بعض االدوية فان كان امتثال امر الطبيب واجبا او
مندواب فم ا نستعمله من قبيله الثالث قولكم ومها شرعيان ال بد هلما من دليل اقول هذا
بناء على قولنا ان الرابطة توصل اىل امر مندوب وما اوصل اىل املندوب مندوب فالدليل
موجود ال على قولكم كل مأمور به ال خيلو من ان يكون حكمه االجياب او الندب ملا
ذكران من ان غري امر الشارع قد خيلو منهما ويكون لغرض ما الرابع قولكم واالدلة
الكتاب اقول وهل يعزب عن الكتاب شئ وهو قد مجع كل رطب وايبس قال هللا تعاىل
اي ايها الذين آمنوا اتقوا هللا وابتغو اليه الوسيلة والوسيلة ابالعمال الصاحلة وال تكون
االعمال صاحلة اال ابالخالص وال يكون العمل خالصا اال اذا خال عن الشوائب وقد
حصل لنا ابلتجربة أان اذا اشتغلنا ابلرابطة خلت اعمالنا عن شوائب الغفلة والعمل يف
الغفلة غري معتد به النه يكتب للعبد من صالته ما عقل منها فهي من الوسائل املوجبة
لزوال الغفلة وزوال الغفلة مقصود وما اوصل اىل املقص مقص ومن لوازم زوال الغفلة
احلضور وهو من أشرف الوسائل فالرابطة املوجبة لزوال الغفلة املوجب للحضور من
اشرف الوسائل اخلامس قولكم والسنة اقول وهل يشذ عن كالم النيب صلّى هللا عليه و
سلّم وحتت كل كلمة من كالمه من حبار املعاين ما يتوصل به اىل خري قال صلّى هللا عليه
- 1255 -
و سلّم امنا االعمال ابلنيات وامنا لكل امرئ ما نوى واالعمال بدنية وقلبية فاحلركات
والتصورات املباحة اذا نوى هبا االنسان الطاعة او التقوى هبا عليها فله ما نوى ولو مل
يدرك مراده فكيف اذا حتقق له حصول املراد وال خيفي ان قول اجلائع للشبعان انت جائع
مثال ال يوجب له جوعا فكذلك قول املعرتض ما نرى صحة ما ترونه ما يوجب عدم
صحة رؤيتنا فعليه ان يقول ما تدعونه حقا فانتم وشأنكم وال يسوغ له غري ذلك ان
نصح نفسه السادس قولكم واالمجاع اقول قد امجع اهل فن التصوف على عمل الرابطة
وقرره منهم اجلم الغفري وهو عندهم طريق مشهور وامجاعهم على عمل يف مذهبهم حجة
جيب قبوهلا على من متذهب مبذهبهم وسنورد اقاويلهم انشاء هللا وال يسوغ لغريهم
االعرتاض عليهم مبا مل حيط به علما السابع قولكم والقياس اقول قال الفقهاء يسن
للمصلي ان ال جياوز بصره اشارته وذلك النه امجع للهم وادفع للتفرق فكذلك الرابطة
تستعمل لدفع االغيار و استجالب احلضور الثامن قولكم فما الديل على ندب الرابطة
اخل اقول الدليل يطلب من اجملتهد ال من املقلد وامنا على املقلد تصحيح النقل فان طلبتم
دليال من كالم اهل الفن فسيأيت على انه ال يلزمه ايراد غري كالم النقشبندية كما انه ال
يلزمنا ان لو طلب منا نص ملسئلة يف الفقه ايراد كالم غري الشافعية التاسع قولكم مل تبلغنا
انتهى اقول ما يلزم من عدم بلوغه اايكم عدم ثبوته وال يلزم من جهلكم به عدم علم
غريكم به ولعله بلغكم وجهلتموه ومر عليكم ومل تعرفوه وهل للصحبة معن سوى انطباع
صورة النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف مرآة القلب الذي رآه مؤمنا او انطباع صورة
الشخص املؤمن يف ذهن النيب عليه السالم ولوال ذلك مل يعد يف الصحابة من رآه النيب
صلّى هللا عليه و سلّم و هل امر اوضح من دعاء النيب صلّى هللا عليه و سلّم اىل مبايعته
املستلزمة للرؤية املستلزمة ال انطباع الصورة واذا انطبعت الصورة يف الذهن ظهرت لرائيها
يف خميلته مهما تذكر املرئي شاء او اىب ولو كان عدوا فاستحضار صورة النيب صلّى هللا
عليه و سلّم وختيلها الذي هو املراد بقولنا تصورها حمبة له واشتياقا اليه ال يقول مبنعها اال
امحق خبيث فاالمر مبستلزم شيئا مستلزما شيئا آخر امر بذلك الشئ اآلخر العاشر
- 1256 -
قولكم ال سيما اذا كان واجبا اقول مل يقل احد من اهل التصوف بوجوب الرابطة وال
ابستحباهبا لذاهتا بل ملا توصل اليه من احملاب واملريد يلقن الرابطة وهو خمري يف فعلها
وتركها فان ظهرت له فائدهتا أتكد عليه فعلها وان تركها فقد ترك اداب من اآلداب هذا
كله يف البداايت واما يف النهاايت فال رابطة له سوى استغراقه يف شهود من ليس كمثله
شئ فما هو صورة متثل وال تقابل وال تقبل احلادي عشر قدران مع هذا كله انه ال دليل
لنا وال عمل هبذا العمل احد قبلنا وامنا حنن عملنا ملا نرى من فائدته فهل ورد فيمن تصور
صورة حمبوبه وختيل انه يقبل يده او رجله او يضعه على رأسه او جبهته او يعتنقه او
يدخله يف قلبه هني من الكتاب او السنة او االمجاع او القياس {شعر}:
يل سادة من عزهم * أقدامهم فوق اجلباه
ان مل اكن منهم فلي * يف حبهم عز وجاه
واذا تقرر عندان انه حيصل بواسطة الرابطة انتفاء الغفلة فاالشتغال هبا من مهمات
آداب الطريق اذ من املعلوم ان زوال الغفلة مطلوب وهو مفتاح السعادات وان احلضور
روح العبادات وزوال الغفلة ال يكون اال بنزول رمحة هللا تعاىل على عبده ومن اسباب
نزول الرمحة ذكر الصاحلني وعند ذكر الصاحلني تنزل الرمحة وذكرهم من لوازم حمبتهم
وحمبتهم فرض لقوله صلّى هللا عليه و سلّم وهل الدين اال احلب يف هللا والبغض يف هللا
احلديث وحمبتهم حمبة هللا لقوله صلّى هللا عليه و سلّم حاكيا عن هللا تعاىل اوجبت حمبيت
للمتحابني يف احلديث وعداوهتم حماربة مع هللا لقوله تعاىل على لسان نبيه صلّى هللا عليه
و سلّم من عادى يل وليا فقد آذنته ابحلرب احلديث فما استعمله الصفوة من عباد هللا
عني ما حكاه صلّى هللا عليه و سلّم فالذي ارى انك تصم مسعك عن االفرتاء وال
تصحب من كذب وامرتى وتصون لسانك عن املراء وتنقاد للحق وختضع ويف ردي عن
طريقي ال تطمع وان تعدل كل عدل ال ينفع {شعر}:
و هللا اان ما اقنع * بسوى الوجه املربقع
فليواصلين بكلي * هو او يقصي ويقطع
- 1257 -
بكيفياهتا كما سرتاها ان شاء هللا يف ابب رابطة االولياء عصمين هللا واايك من االنكار
ووفقنا التباع النيب املختار وحمبة الصادقني االبرار
(الباب الرابع) القول االسن يف استحباب الرابطة احلسن اعلم ايها االخ ارشدك
هللا ان الرابطة من مجلة الوسائل املوصلة اىل احلضور يف عبادة هللا والوسائل هلا حكم
املقاصد قال سيدي احلبيب عبد هللا ابعلوي احلداد يف كتابه احتاف السائل احلضور مع
هللا روح العبادات وهو املقص منها وبه يعبأ احملققون واالعمال اليت تصدر مع الغفلة
يروهنا اىل العقوبة واحلجاب اقرب منها اىل املكاشفة والثواب فالرابطة تفيد احلضور
واحلضور يفيد رفع احلجاب فالرابطة تفيد رفع احلجاب ورفع احلجاب مطلوب وكل ما
افاد امل طلوب مطلوب فالرابطة مطلوبة فقد هلك من ال رابطة له وكل انسان له رابطة
لكن شواهد الرمحة اهلابطة قل ان كنتم حتبون هللا فاتبعوين حيببكم هللا فرابطة رسول هللا
صلّى هللا عليه و سلّم دائمة و اسناها وامساها قوله صلّى هللا عليه و سلّم يل وقت ال
يسعين فيه غري ريب ورابطة االولياء قوله صلّى هللا عليه و سلّم حاكيا عن هللا تعاىل ما
وسعين ارضي وال مساوايت احلديث ورابطة املريدين قوله صلّى هللا عليه و سلّم حاكيا عن
ربه تعاىل ايضا وجبت حمبيت احلديث وهذا امر ال يدركه االنسان اال ابلذوق والوجدان
فان احببت اي اخي ان تسلك سبيل الرمحة اهلابطة وتكون لك على التقوى مرابطة
فعليك بطريق الرابطة فاهنا تعلق القلب وتعلق القلب بطاعة هللا ورسوله منتج حملبة هللا
ورسوله والرابطة حيصل هبا زوال الغفلة ومجع القلب على هللا وذهاب القسوة من القلب
واخلشوع ونزول الرمحة وكل ذلك يثمر احملبة فاين اي اخي قد حققت ذلك وابصرت ربح
من سلك هذه املسالك وتيقنت انك غر مل تدر ما هنالك او مغرور تلقي نفسك يف
االنكار الذي هو افضح املهالك إفرتى اين اصغي لتعذالك او اميل اىل زخرف اقوالك او
خيفى عل ّي دقيق احتيالك هيهات هيهات ذلك {شعر}:
فال تلحين فيما اعاين فامنا * غرامي كهل والعذول رضيع
دعاين اهلوى حت ادعى الغيب انين * شهادته واحلاضرون هجوع
- 1259 -
ذكرانها وانت تشهد ان سببه تعلق ابلقلب وال تكتموا الشهادة وذلك النك شديد
االعتناء بتحصيل مقاصدك فاذا كربت للصالة ظهرت لك صورها وصارت قبلتك اليت
تسجد اليها ونسيت ما سواها لتعلق قلبك هبا واستيالئها عليه وانتقاشها يف نفسك فانه
حيصل لك وجيوز لك استحضار هذه املثالب وحنن حيرم علينا السعي يف حب هذه
املطالب وانت حمق وحنن مبطلون أهكذا يكون االنصاف ما هذا اال االعتداء واخلالف
الثالث قولك انه جائز اقول من املعلوم ان االصل يف االشياء احلل ما مل تشبت احلرمة
فكل شئ مل ينه الشرع عنه فهو مباح وفعله جائز فحركات االنسان وتصوراته املباحة
فعلها جائز فان اوصلت اىل مندوب ففعلها مندوب فالرابطة فعلها ابعتبار االصل جائز
وابعتبار ما توصل اليه مندوب الرابع عدم علمك حبصول مطالبنا ما جيوز لك سلبنا وال
االنكار علينا مبا مل حتط به علما كما ال يلزم من جهلك عدم وقوع مقصودان اخلامس قد
علم وقرر واشتهر ان املصلي يسن له النظر اىل موضع سجوده يف مجيع صالته ويسن
لالعمى ومن هو يف ظلمة ان تكون حالته كحالة النظر حملل سجوده واملراد من ذلك مجع
القل ب واحلضور وعدم التفرقة وهذا من انواع الرابطة أفال جتعل ختيل الرابطة كتخيل
االعمى النظر اىل موضع سجوده يف مجيع صالته حلصول الفائدة فان املقصد واحد اال
ان اهل الرابطة يفعلوهنا يف غري وقت الصالة ليحصل هلم مجع القلب على الدوام
وليتوصلوا هبا اىل رابطة الصالة وهي ان تعبد هللا كأنك تراه السادس اذا عمل قوم بلغ
عددهم التواتر عمال واثبت كل منهم فائدته وقرر منفعته فهل جيوز الحد تكذيبهم مع
استحالة تواطئهم على الكذب ومع ان عيوهنم عيون الناس اهل العلم والفضل وما انت
وعلمك ابلنسبة اليهم اال كفحام عند جوهري أو كمن حيفظ حروف اهلجاء ليناظر هبا
الفخر الرازي فاالوىل انك تعرتف هلم واذا فاتتك صحبتهم ال تفوتك حمبتهم واذا مل حتبهم
فال تسبهم {شعر}:
واذا كنت ابملدارك عرا * مث ابصرت حاذقا ال متار
واذا مل تر اهلالل فسلم * الانس رأوه ابالبصار
- 1261 -
السابع قد علمت ان احكام الشرع ال تثبت اال بدليل وان يكون نصاال حمتمال
وال عاما خمصوصا ككل بدعة ضاللة ملا يلزم عليه من الفساد اذ من البدعة ما هو واجب
ولو تنزلنا وفرضنا ان عمل الرابطة ال دليل لنا عليه وامنا فعلناه ملا حصل لنا من الفائدة
ابلتجربة فاالنكار علينا من اي وجه وما دليله ولقد اصبت بقويل يف الرسالة املهملة
احلروف {شعر}:
حسد املرأ واملراد مراد هللا * ما المرئ سواه عماد
ما اراد االله اسعاد مم * لوك واردى مراده احلساد
الثامن وهو ضرب مثل امر امللك طبيبه احلاذق احلكيم مبداواة اهل مملكته من
امراض غلبت على اكثرهم اضرها البطن حت آلت ابالكثر اىل عدم القيام ابخلدمة وكان
الطبيب حكيما ماهرا وعاملا راسخا وعارفا كامال ومن يؤت احلكمة فقد اويت خريا كثريا
فقال يف نفسه تنفيذ هذا االمر من اهم املهمات واوجب الواجبات وتعليمه ملن يتأهل
للقيام بعمله موجب لدوام االجر واملثوابت وخري العمل ما نفع واذا مات ابن آدم انقطع
عمله اال من ثالث احدها علم ينتفع به فعمد اىل بعض املرضى ممن تفرس فيه وعرف انه
يكون اهال للقيام هبذه الوظيفة وتنفيذها على الوجه املراد اذا عويف فعاجله حت عويف مث
علمه الطب واحلكمة واخربه ابالدوية وخواصها واعطاه دواء البطن وقال له خذ هذا
الدواء وانفع به الناس وال تسأل عليه اجرا وكن حمتسبا لتكون لك املنزلة الرفيعة عند امللك
فان احب االعمال اىل امللك عملك هذا فقال مسعا وطاعة فنظر النائب بعد خروجه من
عند احلكيم يف دواء البطن ما هو فاذا هو عسل ابيض فقال احلمد هلل فيه شفاء للناس
فأاته شخص امحق مثلك ايها االخ بصرك هللا بعيبك ووفقك لرتقيع جيبك فقال ما هذا
الذي عندك فقال دواء البطن للمبطونني فقال ارين اايه فاظهره له يف ظرف خمتوم على
فيه فاشتمه من قبله فقال له ما هذا دواء البطن هذا سم اتيت هتلك الناس به هذا سم
ساعة فقال اي اخي هذا عسل مصفى هذا للذين آمنوا هدى وشفاء والذين ال يؤمنون يف
آذاهنم وقر وهو عليهم عمى فذقه حت تعلم فقال له ما أنت اعلم مين وال اعرف من ذاق
- 1262 -
هذا هلك ايها الناس هذا ما انزل هللا به من سلطان واكثر الناس محقى * وشبه الشئ
منجذب اليه * فرتك الناس التداوي به مع شدة حاجتهم اليه بسبب كالم هذا االمحق
املغرور فال يزال يتكلم يف ذم الدواء واملداوي واملتداوي ويصد عنه من اراد شفاء مرضه
الذي عطله عن خدمة امللك وستذكرون ما اقول لكم ولتعلمن نبأه بعد حني التاسع من
املعلوم اان مل نبتكر شيئا جديدا وامنا قلدان من تقدمنا من العلماء العاملني واالكابر
العارفني من اهل املذاهب االربعة كما سرتى تقريرهم الرابطة وكيفياهتا بل اقسم ان مجيع
حركايت وسكنايت يف الطريقة هو ما هو عليه ائمة مذهيب الشافعية وقد استوفت كتبهم
مجيع ما نتعاطاه من االعمال املخصوصة فما وجه االنكار علينا مع اتباعنا أئمة الدين
والعلماء العاملني كالغزايل والنووي والقاضي زكراي وابن حجر والشعراين واملناوي اتظن ان
انكارك ما يتوجه على اولئك السادة االبرار واالولياء االخيار واويل االنوار واالسرار اما
ختشى حماربة الواحد القهار اما علمت ان االنكار عليهم يؤل بصاحبه اىل سوء اخلامتة
ودخول النار تظن ان انكارك ظاهرا واعرتافك ابطنا ليس من التلبيس ومشاكلة ابليس
وجحدوا هبا واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا تنبه لنفسك ايها املغرور واخش عواقب
االمور انك ميت واهنم مي تون وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون وهذا السؤال ما
حيتمل هذه االجوبة وامنا اوردانها نصيحة وافادة وترغيبا وترهيبا ولكل امرئ ما نوى
ونسأل هللا ان مين عليك ابهلداية وسلوك سبيل االبرار وان جينبك االصرار يف سبيل
االشرار انه ويل املؤمنني واعلم اي اخي ان سبب االنكار احد االمرين ال خيلو من احدمها
كل منكر اجلهل وهو االكثر وعدم العمل ابلعلم وهو االغلب على من ينتسب اليه فان
كنت جاهال اي أخي فال تقف ما ليس لك به علم فتقع يف الظلم وال تقل هذا حالل
وهذا حرام لتحكم بغري ما انزل هللا ومن مل حيكم مبا انزل هللا فأولك هم الكافرون وان
كنت عاملا فاعمل اي اخي بعلمك وال تتبع اهلوى فيضلك عن سبيل هللا وما احسن ما
قلت يف الرسالة املهملة احلروف اما و هللا للعلم و العمل مها املراد و الدراكهما ارسل
الرسل اىل االمم كمحمد صلّى هللا على روحه ما عود ماس وآل وماد وكصاحل ولوط و
- 1263 -
رسول عاد وال احد امهلهما اال وهلك حاال وحال املعاد وآل امره اىل اسوء مهاد وهل
اهلدى حاصل اال لسالك سلكهما وواصل اىل سوح وداد ملكهما وحاله امللك اساور
هداه وحلله وامده واصلح عمله ال و هللا ال ود اال وده وال مد االمده وال موائد اال
موائده وال عوائد اال عوائده وال هدي اال هداه وال معول اال على ما اسداه {اشعار}:
هو امللك املطاع وما سواه * له ملك ومملوك وطائع
هو املوىل املراد وما عداه * كآل ما عال صحراء المع
وهل آل كماء الورد امسى * و هل احد رآه وهو طامع
وحد اهلك وادعه ال * إله سواه وهو هللا سامع
اال ّ
اما و هللا ما موالك ساه * و ال اله وال واه وهالع
هو احلكم املصور وهو عدل * و حول هللا مسموع املسامع
له ملك السماء وكل ملك * و مالكه ومردوع ورادع
طرا حملهم املصارع
اما وهداه هلو هللا موىل السوى * ّ
اما وعاله هلو الدهر سام * و معلوم السمو لدى املطالع
اما وعلوه هلل داع * اىل دار السالم اال مسارع
اما و هللا ما هو صاح االاله * واحد صمد وواسع
اوحده ومل ار ما سواه * و مل اره سواه لدى املطالع
اما آالؤه دهرا أراها * كمدرار السماء اما أطالع
امل ار ما أرى الكرماء ملا * مسوا و هم االوىل حلس الصوامع
ارى صرحا له روح وراح * و لوال الروح مل اسل املدامع
ولوال الراح ما للروح سكر * و لوال السكر ما للصرح صادع
امل اعلم وهل علم كعلم امرئ * اعلى مطامعه املدامع
دعاه احملو اطوارا عدادا * وصار مسامر الصحو املطاوع
- 1264 -
وعن زيد بن اسلم رضي هللا عنه خرج عمر رضي هللا عنه ليلة حيرس فرأى مصباحا يف
بيت واذا عجوز تنفش صوفا وتقول:
على حممد صالة االبرار * صلى عليه الطيبون االخيار
قد كنت قواما بكاء ابالسحار * اي ليت شعري واملنااي اطوار
هل جتمعين و حبييب الدار
فجلس عمر يبكي ويف احلكاية طول وروي ان عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما
خ درت رجله فقيل له اذكر احب الناس اليك يزل عنك فصاح وا حممداه فانتشرت قال
واعلم من احب شيئا آثره وآثر موافقته واال مل يكن صادقا يف حبه وكان مدعيا فالصادق
يف حب النيب عليه السالم من تظهر عالمات ذلك عليه قال أنس بن مالك رضي هللا
عنه قال يل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم اي بين ان قدرت متسي وتصبح ليس يف قلبك
غش الحد فافعل مث قال اي بين ذلك سنيت ومن أحب سنيت فقد احبين ومن احبين كان
معي يف اجلنة ومن عالمات حب رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كثرة ذكره وتعظيمه
وتوقريه عند ذكره واظهار اخلشوع واالنكماش مع مساع امسه كان اصحاب النيب صلّى هللا
عليه و سلّم بعده ال يذكرونه اال خشعوا و اقشعرت جلودهم وبكوا وكذلك كثري من
التابعني قال بعضهم احملبة دوام الذكر للمحبوب وقال آخر إيثار احملبوب على مجيع
املصحوب وقال آخر امليل الدائم ابلقلب اهلائم وقال آخر موافقة احلبيب يف املشهد
وامل غيب وقال آخر ان هتب كلك ملن احببت وحقيقة احلب امليل اىل ما يوافق االنسان
وتكون موافقته له اما ابدراكه كحب الصور اجلميلة واالصوات احلسنة واالطعمة واالشربة
اللذيذة واشباهها مما كل طبع سليم مائل اليها ملوافقتها له او استلذاذه ابدراكه حباسة
عقله وقلبه معاين شريفة ابطنة كمحبة الصاحلني والعلماء واهل املعروف واملأثور عنهم
السري اجلميلة واالفعال احلسنة فان طبع االنسان مائل اىل الشغف ابمثال هؤالء حت يبلغ
التعصب بقوم لقوم والتشيع من امة اىل اخرى اىل ما يؤدى اىل اجلال عن االوطان وهتك
احلرم واخرتام النفوس وهو صلّى هللا عليه و سلّم جامع للمعاين املوجبة للمحبة كلها
- 1266 -
انتهى وقال الشهاب بن حجر يف شرح اهلمزية عند قول الناظم فامالء السمع من حماسن
ميليها عليك االنشاد واالنشاء فاهنا حتدث للسامع سكرا و ارحية و طراب و حترك النفس
اىل جهة حمبوهبا فيحصل بتلك احلركة والشوق ختيل احملبوب واحضاره يف الذهن وقرب
صورته من القلب واستيالؤها على الفكر فيحصل للروح ما هو اعجب من سكر الشراب
وال ّذ من عناق الشواب {شعر}:
سلوى عن حمبتك احملال * و لو اي منييت عز الوصال
و اين شبيه حسنك يف الربااي * فتنسى اذ يكون به اتصال
على ان ليس وصلك يل بكاف * فكيف ومانعي منه الدالل
فما بيين وبني سناك بون * فعيين يف حلاظك ال تزال
و لو ان الغبار ازيل عنها * احلتين حمال ال ينال
فوا عجباه من سكناك داري * و حق احلق مسكنك اجلبال
ووا املاه من هذا التنائي * و مع هذا لبهجتك انفصال
اتبعدين لشؤم قبيح جرمي * حبييب اي ذنب ال يقال
و اي شفيع حق تقبلوه * و اي تنصل لكم يقال
و حقك امنا عذري اعرتايف * ابن عظيم ذنيب ال يزال
و علمي ان ماء موىل عفو * و ظين ان انئله اانل
اال اي ليت شعري اي وقت * ارى اين المخصك النعال
حبييب كيف عنك اطيق صربا * وأنت اخلالص احملض اجلمال
و هل اال مجالك شام طرف * بغري اضافة لوال اخليال
ظهرت فبان وجهك يف املرااي * بال حصر وذاك هو الظالل
فما هو انت اال انت لكن * الجل الوهم قيل بدا اهلالل
فتلك ذكا وبدر التم سارا * و قد حالمها منك النوال
- 1267 -
الصالة والسالم عليه النه اذا واظب املصلي على ذلك تدوم عليه غادايت انواره الكرمية
احملمدية {شعر}:
ابيب ايها النيب الكرمي * و الرسول املطهر املعصوم
و احلبيب االمسى الزكي املرجى * و املراد املقرب الصهميم
و اخلليل الذي جنا قاب قوسني * و حيث اخلطاب والتكليم
و الضيا الذي به عمر الكون * ومن قبل رمسه معدوم
و احلليم الذي له اخللق املن * صوص يف الذكر انه لعظيم
و اجلواد الذي على كل خملوق * اله انعم وفضل قدمي
و الشجاع الذي اذا صال فاملوت * له السيف والغماد اجلسوم
هتلك اجلمع ابالشارة ان شئت * و لكنك الرؤف الرحيم
و املطاع الذي ميت أتمر السحب * اتت حسبما تقول اهليوم
ترسل الغيث حيث ما تقصد الغوث * فما يف النبات قط هشيم
فريى اجلدب هاراب خوف بطش اخلصب * فالشكر يف الرخا مقيم
فالنت الغياث و الغوث ذو احلظوة * و االصطفاء واملعلوم
و املالذ الذي مت امه املكروب * زالت مهومه والغموم
و املهاب الذي لو انتهر العامل * مالت امساؤه والرسوم
من جياريك يف مساء املعايل * او يباريك أيهذا الوسيم
سعدت عني من رآك * و كذا من رؤاي سناك يروم
بدأب الدهر يف رضاك عسى تلقاه * منك الرضوان والتكرمي
فهو ساع للعهد راع فيا خيبة * من فاته لك التعظيم
اي شئ يف امللك او ملكوت * هللا ما انت اصله املوسم
او ما جابر روى عنك الصدق * ملن فيه عندان مرسوم
- 1269 -
قسمته وهتذيب حمبته وان الرجل ليعانق الرجل وان بينه وبينه البعد مما بني املشرق واملغرب
وقلب العارفني يكتب وقلب املريدين يكتب فيه انتهى وقال سيد الطائفة جنيد واقرب
الطرق اىل حصول املقصود دوام ربط القلب ابلشيخ واستفادة علم الواقعات منه حت
يفين تصرفه يف تصرف الشيخ انتهى وقال احملقق االردبيلي شارح املشكاة يف رسالته املكية
الشرط السابع دوام ربط القلب ابلشيخ واستفادة علم الواقعات منه من جهة االرادة
التامة النه الرفيق يف الطريق قال هللا تعاىل اي أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وكونوا مع الصادقني
وقال تعاىل اي أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وابتغوا اليه الوسيلة مث قال فصل املريد ان تيقن ان
روحانية الشيخ غري متحيزة مبوضع دون موضع وكل ما يكون غري متحيز استوت عليه
االمكنة كلها ففي اي موضع يكون املريد ال تفارقه روحانية الشيخ وان كانت تفارق
شخصيتها والبعد امنا يتعلق ابملريد واذا تذكر املريد الشيخ بقلبه قرب اليه فيتعلق قلبه به
فاستفاد منه فاذا احتاج املريد اىل الشيخ ليحل واقعته يستحضره بقلبه ويسأله عما
يشاهده ال ابللسان الظاهر بل بلسان القلب فيلهمه روح الشيخ معن الواقعة عقيب
السؤال وامنا تيسر له ذلك بواسطة ربط قلبه ابلشيخ ومن هذا الوجه يفصح له لسان
القلب وينفتح له طريق القلب اىل هللا تعاىل فيجعله حمداث انتهى وقال سيدي ابراهيم
الدسوقي اي اوالدي ان صح عهدكم معي فاان منكم قريب فان اخذمت عهدي وعملتم
بوصييت ومسعتم كالمي ولو ان احدكم ابملشرق واان ابملغرب رأيتم شبح شخصي فمهما
ورد عليكم شئ من مشكالت سركم او شئ تستخريون فيه ربكم فوجهوا وجهك واطبقوا
عني حسكم وافتحوا عني قلبكم فانكم تروين جهارا وتستشريوين يف مجيع اموركم فمهما
قلته لكم فاقبلوه وامتثلوه وليس هذا خاصا يل بل عام بكل شيخ صدقتم يف حمبته وقد
يعلم ذلك شيخكم وق د ال يعلمه هكذا جرت سنة اولياء هللا مع مريديهم انتهى وقال
الشيخ امحد بن ابراهيم بن عالن الصديقي يف شرح قصيدة الشيخ امحد بن عبد الدائم
االنصاري الشاذيل الشهري اببن بنت امليلق قدس سره اليت اوهلا {شعر}:
من ذاق طعم شراب القوم يدريه * ومن دراه غدا ابلروح يشربه
- 1271 -
النيب صلّى هللا عليه وسلّم النه انئبه قال الشيخ عبد الوهاب الشعراين يف رسالته مدارج
السالكني االدب السابع ان خييل خيال شيخه بني عينيه وهو عندهم من اهم اآلداب
وآكدها وقال ايضا يف البحر املورود اعلم اي اخي ان ربط احدان قلبه بشيخه حي او
ميت ينفعنا ولو مل يكن ذلك الشيخ يف علم هللا شيخا الن ربطنا حقيقة امنا هو الستناده
اىل هللا ال لذاته وحمال ان يوجد احلق تعاىل عند السراب الذي ظنه الظمآن ماء ويفقد
عند عبد من عباده مشهور ابلصالح مع ان السراب ليس له حقيقة خبالف الصاحل له
وجود وحقيقة فافهم انتهى وقال الشيخ اتج الدين احلنفي يف كتابه املشهور ابلتاجية
الثانية طريقة الرابطة ابلشيخ الذي وصل اىل مقام املشاهدة وحتقق ابلتجليات الذاتية فان
رؤيته مبقتضى هم الذين اذا رؤوا اذكر هللا فينبغي ان حتفظ صورته يف اخليال وتتوجه
للقلب الصنوبري حت حتصل الغيبة والفناء عن النفس وان وقفت عن الرتقي فينبغي ان
جتعل صورة الشيخ على كتفك االمين يف خيالك وتعترب من كتفك اىل قلبك امرا ممتدا
وأتيت ابلشيخ على ذلك االمر املمتد وجتعله يف قلبك فانه يرجى لك حصول الغيبة
والفناء انتهى وقال الشيخ ابراهيم ابن عمر املال االحسائي يف رسالته فان مل متكنه
مصاحبة الشيخ لتعذره ببعده عنه فعليه ابحضاره يف خياله ويعتقد انه يف حضرته
وصحبته ويتصور نفسه كاهنا بني يديه وحيفظ ذلك التصور يف خياله ويفين يف وجود
الشيخ بكليته مث يتوجه من وجود الشيخ اىل هللا تعاىل ويتكلف ذلك ويكرره مرة بعد
اخرى اىل ان يشرق النور االهلي على لطيفته اشراقا يكشف الغطاء عن اسرار املعاين
فيكون ابهلل ال بغريه وال بنفسه انتهى والكالم يف الرابطة ال هناية له وفيما ذكرانه كفاية
للموفق فتأمل بفهمك وميز علمهم من علمك وانظر هل حصل لك من العلم ما حصل
الدانهم وهل وجدت من اليقني ما وجد ادىن من واالهم هيهات ههيات كما ال يستوي
ساسة احلمري واصحاب امللوك كذلك ال يستوي اهل الشهوات واتباع اهل السلوك
{اشعار}:
هم القوم ان جتهل وان كنت تعلم * لقد شهدوا احملبوب والناس قد عموا
- 1273 -
اىل هللا فروا ابلقلوب ليحصلوا * لديه فيا بشراهم حني ميموا
هلم مهم ملا تزل تعتدي هبم * اىل رتب يسمو اليها التقدم
فهم بني سالك الطريق اىل احلمى * وبني اخي وجد يشيب ويهرم
وبني اخي سكر وذا واجل الفنا * وبني اخي فكر يغيب ويلجم
وبني اخي صفو وهذا مشرف * وبني اخي حمو وهذا مكرم
وبني اخي سعي وبني اخي هوى * وبني اخي دهش وهذا مهيم
وبني اخي شوق وبني متيم * وبني اخي ذوق ينم ويعظم
فهذا لسب مثل ماذا مدله * وهذا سليب مثل ما ذاك مغرم
جتاروا اىل حمبوهبم وتسابقوا * وقاموا على االقدام والناس نوم
اذا ذكر املوىل تطيش عقوهلم * وذا الطيش اهن العيش لو كنت تفهم
سواء عليهم ان قدحت وان مدح * تهم امنا القوم االوىل يف املالهم
رضوا عنك يف احلالني اذ أنت عبد من * احبوا وكال يصدر السوء منهم
فاعلم ذلك واايك يف الطعن على اهل هذه املسالك فانه يوقع يف املهالك و هللا
يتوىل هداك.
(الباب السابع) يف نصح املنكرين اخلاص والعام حلصول حسن اخلتام فامنا
االعمال ابلنيات اي ايها الذين آمنوا توبوا اىل هللا توبة نصوحا عسى ربكم ان يكفر عنكم
سيأتكم ويدخلكم جنات جتري من حتتها االهنار يوم ال خيزي هللا النيب والذين آمنوا معه
نورهم يسعى بني ايديهم وابمياهنم يقولون ربنا امتم لنا نوران واغفر لنا انك على كل شئ
قدير واعلم ايها االخ ان الدين النصحية وان من افرض النصائح ان ينصح االنسان نفسه
وال يدخلها مداخل السوء وال يلقيها يف مهالك االنكار على اولياء هللا فان كان انكارك
عن جهل فيجب عليك التثبت اوال ومطالعة كتب العلماء املشتملة على سريهم
وارشادهم وتعبدهم وحيرم عليك انكار ما مل تعلم قال هللا تعاىل وال تقف ما ليس لك به
- 1274 -
علم وقد آل االمر ا ىل ان االمور ثلثة امر تبني لك رشده فاتبعه وامر تبني لك غيه
فاجتنبه وامر اختلف فيه فارجعه اىل عامله هذا وما انكرته غري خمتلف يف صوابه وامنا عليه
مجهور العلماء العاملني فيا ليت شعري انكارك هذا على االمام سفيان ام على جنيد
سيد الطائفه اتنكر على من مل يعمل اال بنصوص اهل مذهبه واهل مذهبك ومل يسلك
اال سبيلهم وقد اوردان كالمه واريناكه لتعلمه وهم اكابر العلماء واهل السياسة واحلكماء
واهل السيادة واالدابء واهل العبادة والنجباء اترى يرتك الغزايل والفخر الرازي وابو احلسن
الشاذيل وابن عطاء هللا وابن داود والشعراين وابن حجر وحنوهم ويصار اليك ما اظن ذلك
ما ارى من يرتك قوهلم وأيخذ قولك ويدع سريهتم ويتبع سريتك اال معتوها قد ذهبت
حجاه او شقيا متبعا هواه قد اضله الشيطان واغواه وبلغ منه مناه فال حول وال قوة اال
ابهلل اال اخربك مبا آل بك االنكار اليه لقد صدر منك انك قلت ينبغي ان جيعل هللا بني
عينيه بدل الرابطة فاقول ان كنت تعتقد ان هللا شبه شيئا من خلقه الدال عليه قولك بدل
الرابطة فانت جمسم او انه ال خيلو من كينونته يف شئ او على شئ فانت حلويل او
جهوي تعاىل هللا تعاىل عن ذلك علوا كبريا وان كنت تقصد انه سبحانه منزه عن املكان
وانه ل يس كمثله شئ وان كل ما خطر ابلبال فاهلل خبالفه فاعلم ان الرابطة يتصرف فيها
عاملها ويقررها اترة جالسة واترة قائمة واترة قارة مارة وكيف شاء وذلك على هللا حمال
وانك قد اخطأت يف التعبري واسأت يف التقدير فاين تنزيهك ملن ليس كمثله شئ وهو
السميع البصري اال انبئك مبا اوصلك االنكار اليه حررت قراطيس ووصيت اابليس
يصدون املسلمني عن هذا االمر النفيس الذي من الزم املتلبس به التسبيح والتقديس
وصالة الليل وصالة الضحى واحياء ما بني العشائني والطلوعني مهما امكن وذكر هللا
على الدوام والكف عن اكثر اآلاثم ان مل يكن عن مجيعها فانظر كيف نصحت امة حممد
صلّى هللا عليه و سلّم اببعاد امته عن سنته اي أيها الذين آمنوا ال ختونوا هللا ورسوله وختونوا
أماانتكم وانتم تعلمون افلم يدبروا القول بل جاءهم ابحلق بل اتيناهم بذكرهم وانك
لتدعوهم اىل صراط مستقيم ام على قلوب اقفاهلا اترى رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم
- 1275 -
يرضى عنك هبذا فليحذر الذين خيالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم
هذا تنبيه وتذكرة وما يتذكر اال من ينيب اال ادلك على ما هو خري لك من انكارك
الطريقة واورادها االنكار على من يرتكب الكبائر اجملمع على حترميها وانت تراه يف بلدك
مقبال و مدبرا وتسمعه ابذنك ليال وهنارا وانكار ذلك واجب عليك فانظر كيف تركت
الواجب واشتغلت مبا ال يعنيك بل يسوءك ويعيبك اال ادلك على ما هو اوجب من هذا
ايضا ان أتمر اهلك بطاعة هللا وترك معاصيه وتعلمهم ما جيب عليهم من امور دينهم قبل
ان يطالبوك يوم القيامة فاهنم رعيتك وانت مسؤل عنهم فامهالك اايهم دليل على عدم
داينتك اال ادلك على ما هو اعم من هذا ان حتجر نفسك عن معاصي هللا وتكف
جوارحك خصوصا لسانك الذي يكبك يف قعر جهنم من كثر كالمه كثر سقطه ومن
كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه كانت النار اوىل به فكم من فرية حققتها وكم
خديعة دققتها وكم غيبة رققتها وكم طعن اشعته وكم زور اذعته وكم عورة كشفتها واذكر
يوم تشهد عليهم السنتهم ويود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا اال ادلك على ادق من هذا
طهر قلبك من اخلديعة واخليانة والغش واحلقد واحلسد والطمع والرايء والعجب وحب
التكاثر واملباهات والفخر والكرب الذي محلك على عدم تسليم احلق الهله قال يف
االحياء من مل يكن له نصيب من هذا العلم اخاف من سوء اخلامتة وادىن النصيب
التصديق به وتسليمه والرابطة من مجلة مسائل هذا العلم ولكنك تطالع يف ابب النزاع
وهي ليست فيه امنا هي يف مجلة اخلرب وصلة املوصول والعائد معلوم اذ هو مفهوم املنطوق
ومنطوق املفهوم كانك تطالع يف ابب الزكاة وقسم الصدقات والوقف ليست هي هناك
امنا هي يف ابب الطهارة واركان الصالة اشرفها الطمأنينة كما ان احلج الوقوف بعرفة
ولعلك تطالع يف ابب النون فصل اجليم وهي يف ابب اهلمزة فصل الدال فدع اجلدال
وامسع هذا املقال العلم علمان علم يف القلب فذاك العلم النافع وعلم على اللسان فذاك
حجة هللا على ابن آدم {شعر}:
شكوت اىل وكيع سوء حفظي * فأرشدين اىل ترك املعاصي
- 1276 -
ابحلرب ويف لفظ من آذى وليا فقد استعجل حماربت واين له ابلسالمة ويف حديث مرفوع
من عادي اولياء هللا فقد ابرز هللا ابحملاربة رواه اهل االمانة ويف آخر قدسي من اخاف
وليا فقد ابرزين ابلعداوة واان لثائر الوليائي يوم القيامة وفيما اوحى هللا اىل موسى عليه
السالم من اهان وليا او اخافه فقد ابرزين ابحملاربة وابراين وعرض يل نفسه ودعاين اليها
واان اسرع شئ اىل نصرة اوليائي افيظن الذي حياربين ان يقوم يل او يظن الذي يعاديين ان
يعجزين او يظن الذي يبارزين ان يسبقين او يفوتين وكيف واان الثائر هلم يف الدنيا واآلخرة
ال أكل نصرهتم اىل غريي انتهى فقد اوضحنا لك القول املبني وافصحنا عن احلق املستبني
فادفع الشك ابليقني وراجع اصول هذه النقول وتثبت مبا نقول فما بعد العني ما يقال
وماذا بعد احلق اال الضالل فارحم نفسك واستغفر عما اودعت امسك واترك اهل
الشكوك والظنون قل هللا مث زرهم يف خوضهم يلعبون وهذا آخر ما قصدته من املقال
العريض املري املقبول لدى كل مؤمن عن قميص اهلوى عري ومن خبث الباطن بري واان
املسكني الضعيف حسني الدوسري غفر هللا له ما مضى ومن عليه ابلرضى انه خري
مسؤول واكرم مأمول و صلى هللا على سيدان افضل رسول و على آله واصحابه اهل
القرب والوصول ما تعني احلق وتبني الصدق آمني
ابلشمس الذي هو يف رابع السماء فكما ال ميكن ادراك الذرة اال بدخول الشمس من
اخلوخة فان الشعاع اذا دخل منها تقوم الذرة عليه يف هيئة خيط مبقدار وسع اخلوخة
وضيقها كذلك الذرة اليت كانت يف عامل العمي اذا ذابت ابشراق احلق حني نظر اليها
قال هللا مث استوى اىل السماء وهي دخان فتحقق منها اجلهات الست املنزه ابريها عنها
فقا ل هلا ولالرض ائتيا طوعا او كرها قالتا أتينا طائعني فما ظهر من الوجود ليس اال من
ذوابن الذرة على نفسها من هيبة نظر الناظر الباطن الظاهر والعلوايت كلها مبنزلة اخليط
الشعاعي ابدي الظهور وان اختلفت النشآت بظهور مقتضيات املتقابالت فاخلوخة اليت
ال تسد يف النشأتني هي احلقيقة املسماة حبقيقة احلقائق وهي احلقيقة احملمدية عليها
افضل الصلوات واكمل التحيات وخيط الوجودات السيالة قائم ابلشعاع احملمدي يف كل
بيت مقدس من آدم اىل انقراض هذا العامل ابنعدام البيت الذي يصلح الن يكون مكان
اخلوخة املذكورة نبوة وصديقية فان االنبياء صلوات هللا وسالمه عليهم مقدسون قلبا وقالبا
عن التوجه اىل غري هللا فقلوهبم بيوت احلق يف النشأة الدنيوية والكتب املنزلة عليهم مأدبة
احلق ومائدته ولساهنم هو الداعي اىل هللا سراجا منريا وال ترفع مائدة اال بوضع االخرى
قال هللا ما ننسخ من آية او ننسها أنت خبري منها او مثلها فالشرائع السالفة نسخت
ابملائدة احملم دية واليبت احملمدي كان اعظم البيوت املقدسة ال جرم نزلت مائدته اعم
املوائد قال هللا تعاىل وما أرسلناك اال كافة للناس فال ترفع مائدته اصال بل يوضع طعام
بدل طعام آخر واملائدة حباهلا رمحة من ربه وفضال كما ان موائد االنبياء عليهم السالم
انتهت فال يؤكل عليها اال طعام خيص هبا كذلك ينبغي ان يغلب الطاعم القدر املشرتك
من املطاعم يف مجيع املوائد عليها فيطعم منها كما يطعم وهو يطعم وال يطعم فاحلمد هلل
الذي مجع بني النيب والصديق اثين اثنني اذ مها يف الغار اذ يقول لصاحبه ال حتزن ان هللا
معنا فاملائدة حنمد هللا ممدودة ولكن ال يطعمها اال كل صديق يصلح أن يكون ملن انزلت
هي عليه صديقا ويف اهلجرة اىل احلق عن الباطل يف مجيع االحوال رفيقا شفيقا
واختصاص ايب بكر رضي هللا عنه ابلنيب صلّى هللا عليه و سلّم من بني االمة النه رأس
- 1279 -
الصديقني ورئيسهم وما زفت املائدة املنزلة على حممد صلّى هللا عليه و سلّم اال يف زمنه
وآمن الناس به اثنيا بعد ارتدادهم وقاتل من فرق بني الصالة والزكاة حت قال لو منعوين
عناقا كانوا يؤدوهنا اىل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم لقاتلتهم عليها فأيد الدين بعد
اهندامه بقت اله اهل الردة ومانعي الزكاة قال عليه السالم حنن نقاتل على التنزيل وابو بكر
يقاتل على التأويل ومعناه بيان مقتضى املقامني من النبوة والصديقية ال احلصر كما يدل
عليه ورود اخلرب الصحيح يف مقاتلة ايب تراب رضي هللا عنه مع البغاة ايضا فكل من كان
مهته أتييد الدين ف هو صديق زمانه يطعم من املائدة سواء طعم غريه او مل يطعم اال ان
الصديق الهل زمانه ال بد وان يسعى اطعام غريه ايضا واالولياء كلهم بيوت اذن هللا ان
ترفع ويذكر فيها امسه يسبح له فيها ابلغدو واآلصال رجال ال تليهم جتارة وال بيع عن
ذكر هللا واقام الصالة وايتاء الزكاة خيافون يوما تتقلب فيه القلوب واالبصار ليجزيهم هللا
احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله و هللا يرزق من يشاء بغري حساب وهؤالء الصديقون
قائمون على املائدة اىل ان يرث هللا االرض ومن عليها متد املائدة على قلوهبم اليت ال
يسعها غري هللا فيلهم التعرض يف اايم دهرهم للنفحات الرابنية امتثاال لقوله عليه السالم
ان لربكم يف اايم دهركم نفحات اال فتعرضوا هلا وال يتعرض هلا اال الراسخ يف العلم فاهنم
من اهل التأويل اذ ليس تقلبهم متعلق سوى التفادي ابرواحهم للحبيب احلقيقي من فرط
احلب كالصديق يف الغار وايب تراب يف الفراش والطريق اليه صلّى هللا عليه و سلّم بعده
منحصر يف هذين هلذا يدل على ذلك امره عليه السالم بسد اخلوخات اىل املسجد اال
خوختيهما او خوخة احدمها وسلسلة املشائخ كلهم منتهية اىل النيب صلّى هللا عليه و سلّم
من طريق ايب تراب رضي هللا عنه االّ السلسلة الذهب وهي للنقشبندية فاهنا واصلة اىل
النيب عليه السالم من طرق اربع احدها اىل اخلضر عليه السالم واثنيها اىل الصديق من
طريق االمام جعفر رضي هللا عنهم فانه اخذ من جده قاسم بن حممد والقاسم اخذ من
ابيه حممد وحممد اخذ من ابيه ايب بكر رضي هللا عنهم واثلثها ورابعها اىل على كرم هللا
وجهه م ن طريق سيد الطائفة جنيد وطريق سلطان العارفني ايب يزيد البسطامي والجل
- 1280 -
هذا مسيت هذه السلسلة بسلسلة الذهب وفضلت على غريها من النسب وأسود غاابت
التأويل كلهم مطوقون هبذه السلسلة العظيمة اليت هي ادراج النهاية يف البداية فيذوق
املبتدئ فيها چاشنيا اي ذوقا من غيب اهلوية وال حيصل يف غري هذه الطريقة الذوق
املذكور اال بعد الرايضات الشاقة ورمبا ايضا ال حيصل بعدها والسر يف ذلك ان االسد
من شأنه ان يصطاد فيطعم ويطعم غريه وال يطوق بسلسلة الذهب اال االسود واملنتهي يف
هذه السلسلة هو املطوق هبا فهو يف صيد احلقائق واملعارف أسد املعارك يف وقته يطعم
ويطعم كما كان وحيد زمانه وفريد اوانه واعرف العارفني ابهلل يف دورانه تغمده هللا مبغفرته
ورضوانه ونعمه مبشاهدة مجاله يف اعلى جنانه حيث فين عن حظوظ نفسه وغين مبا كان
يومه خريا من امسه انعم هللا عليه جبالئل نعمه الصورية واملعنوية وفضائل حكمه الدنيوية
واالخروية فكان يتعرض لنفح ات ربه يف أايم دهره صائدا لغزالن عوامل الغيب مبخالب
املشاهدة والعيان قائدا هلا اىل مضيق الشهادة مبساعدة فرسان البيان معجزا للفرس كلهم
بفروسيته فعجزوا عن حتديه ولو يف ادين عبارة امليدان وانتفعوا مبوائد بيانه على قدر
اذهاهنم واحتظوا بعوائد عيانه بعد طلوع بدر برهاهنم فاقتضى احلال ان ينتفع هبا العرب
كانتفاع العجم ليتحقق بني الفريقني انه كان ليث هذه االجم كان على احلقيقة بياان
للشريعة والطريقه:
فما كان املسمى غاصب االسم * توجد يف طريقته االنيقة
حري ان يعم الناس طرا * بشرعته وهي له سليقه
حسام احلق مسلول من الغمد * ضياء الصدق اظهر يل بريقه
كالم هللا فرقته ثالث * فميز أنت من كل فريقه
طريق ايب تراب كان ميشي * كصديق له يف احلب ليقه
و ال تتعب بتمييز اخلالئق * فهم أيتوك من مدن سحيقه
و أنت الكعبة العظمى حبق * حقيق ان تطاف على احلقيقة
فذق طعم املعارف كي جتدها * فقد ذاق الصفا من ذاق ريقه
- 1281 -
واحملققون متفقون على ان املعرفة ال حتصل اال مبتابعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم ومتابعته
موقوفة على العلم مبا جيب متابعته فيه فاعلم ان للنيب عليه السالم قوال وفعال وحاال
فالقول يتعلق بلسانه والفعل يتعلق بظاهره وحاله يتعلق بباطنه فمتابعته صلّى هللا عليه و
سلم يف قوله ان ال جيري على لسانه ما خيالف شرعه عليه السالم مثل الغيبة والكذب
والكالم الذي فيه ايذاء للمسلم وغري ذلك وان يتكلم مبا يكون سببا لنورانية قلبه مثل
قراءة القرآن واالدعية امل أثورة عن النيب عليه السالم ويرغب عباد هللا اىل شريعته وجيب ان
يكون يف قراء ة القرآن واالدعية حبيث يعرب بلسانه عما يف قلبه فانه لو مل يكن كذلك كان
شاهد الزور هذا اذا كان عاملا واما اذا كان اميا فليعتقد بقلبه ان القرآن كالم هللا عز وجل
فيشرع يف قرائته ابلتعظيم وحضور القلب مبالحظة عظمة ربه الكرمي ومتابعة فعله عليه
السالم وان يزين ظاهره بشريعته وال يرتك سنته وآدابه فانه مبقدار ما ترك منها ينقص من
دينه وايضا متابعته عليه السالم يف فعله مبعاونة االخوان املؤمنني بيده وسائر اجلوارح فيما
حيتاجون اليه كله موجب صفاء ونور خصوصا اذا كانت معاونته يف قضاء حوائج
املتوجهني اىل جناب احلق سبحانه الن هللا تعاىل أظهر هذه الطائفة حملبته فيجب منهم
دوام التوجه اليه اذ قلبهم يف حالة التوجه اىل احلق مرآة مصقولة يظهر فيها مجاله وقد يقع
هلم التوجه بواسطة البشرية اىل االكل والشرب واللباس وغري ذلك فيتكدر ابطنهم مبقدار
تعلق ظاهرهم ابالمور املذكورة الالزمة هلم ابلضرورة ومبقدار ذلك الغبار حيجبون من
مشاهدة مجاله فصاحب الدولة الذي وفقه هللا لكفاية امورهم الضرورية له نصيب اتم من
معانيهم ضرورة اذ كفايته المورهم سبب رجوعهم اىل حاهلم من مشاهدة احلق فكانه هو
الذي وجههم اىل هللا ابلدوام واحسن من هذا يف حتقيق هذا الكالم ان يقال املوفق
لقضاء حوائج املتوجهني اىل هللا ان كان شاكرا لربه مبا انعم عليه من التوفيق املذكور فهو
مظهر امسه الكايف تبارك اذ الشكر منه يدل على انه ما اسند االمر اىل نفسه حيث قال
احلمد هلل الذي جعل كفاية امور وليه على يدي فهو حينئذ متخلق ابالسم الكايف وورد
يف احلديث النبوي ان من ختلق خبلق من اخالق هللا فهو حمرم على النار ولباطن النيب
- 1283 -
صلى هللا عليه و سلم مراتب من النفس والقلب والسر وغريها وقد أعطاه احلق عز امسه
حبسب كل مرتبة منها كما ال يناسب تلك املرتبة وجيب على املسلم متابعته يف تلك
املراتب وال تتيسر املتابعة املذكورة اال ابلوقوف على آداهبا ومعرفة آداهبا على حسب
الكمال ليس يف وسع احد من االنبياء واالولياء ولكن للمجتهد فيها على قدر حاله من
تلك الكماالت نصيب فمتابعته يف مرتبة نفسه ان خيالف هواها ملجما هلا عن امليل اىل
خالف الشرع فاذا داوم على هذا حتصل لنفس املتابع مناسبة اتمة بنفسه عليه السالم
وبقدر املناسبة ينجذب نفس املتابع من نفس املتبوع مثل الفتيلة اليت جتذب النار اىل
نفسها بواسطة دخان الزيت فيرتقي عن درجة التقليد بقدر اجنذابه عن صفات النيب عليه
السالم وقس على هذا متابعته له يف سائر املراتب لتحصيل الكماالت املناسبة للتك واذا
كملت املناسبة بينه وبني النيب عليه السالم بواسطة املناسبة حق للمرء ان يكون حمبواب هلل
تعاىل قال هللا قل ان كنتم حتبون هللا فاتبعوين حيببكم هللا فيطلعه احلق حينئذ على اسراره
يف امللك وامللكوت وهذه احملبة عائدة اىل النيب عليه السالم اذ اتصافه ابوصاف النيب عليه
السالم سبب هلا وان كان استعداده لذلك االتصاف حمض فضل هللا وكرمه ولو ابصرت
بعني احلقيقة وجدت احلق هو احملبوب لذاته وهو احملب ايضا حيبهم وحيبونه كالم له فال
حيب سواه النه العلة اذ صاحب اجلمال ال حيب املرآة لذاهتا بل الهنا آلة ملشاهدته
جلماله واحلق سبحانه تعاىل يف مرآة وجودات االنبياء واالولياء مبقدار استعدادهم يتجلي
بذاته وصفاته وكل مرآة صقالتها حبسب االستعداد اكثر فالتجليات فيها امت وأظهر وهلذا
وقع التفاضل بني االن بياء بعضهم على بعض اشارة اىل ما قلنا من التفاضل وملا كان
استعداد املرآة احملمدي صلّى هللا عليه و سلّم اكمل من اجملموع ال جرم ظهور آاثر
التجليات حبسب الذات والصفات فيه امت من الكل وامته بواسطة متابعته هلم منها
نصيب اتم فألبسوا لذلك من هللا تعاىل خلعة اخلريية ابلنسبة اىل االمم املتقدمة كما قال
هللا كنتم خري امة اخرجت للناس ومن ههنا قال عليه السالم ولقد متن اثنا عشر الف نيب
ان يكون من اميت اذ علم املتمنون ان حصول تلك املراتب العلية موقوفة مبتابعته عليه
- 1284 -
السالم فعلو مهمهم اقتضى ان يكون هلم الكمال املوقوف مبتابعته فتمنوا ان يكونوا من
امته واذا علم انه ال تنال مرتبة من مراتب الكمال اال مبتابعة النيب عليه السالم فيعلم ايضا
ان متابعته صلّى هللا عليه و سلّم على حسب الكمال امنا هو يكون القلب منزها عن
التعلق بغري احلق سبحانه منقطعا عن العالئق البدنية والعوائق الكونية ابلكلية وانقطاع
القلب عن غري هللا ال حيصل اال بلسع حية احلب لكبده املشوي بنار الشوق والقلق
واحملبة وان كانت من املواهب لكن ظهور هذه املوهبة ابلتدريج موقوفة على حصول
شرائط مالكها ختلية القلب عما سوى احملبوب احلقيقي وللوصول اىل حصول هذه الدولة
العظمى طريقة ما سلكها احد اال وصل املقصود وهي ان يذكر اسم احملبوب احلقيقي
ابتداء بلسانه و حيضره بقلبه منزال امسه على مسماه احمليط علمه ابالشياء من غري فتور يف
هذا الذكر حت يغوص حديث النفس يف القلب بذكره فاذا رأى قلبه ذاكرا للمحبوب
واحنصر يف ذكره حديث النفس ينبغي ان ال يرضى بذلك فيرتك الذكر بل يداوم على
الذكر حت يلتذ قلبه من ذكره فيرتقى ابملداومة املذكورة ايضا اىل ان ينقطع قلبه عن
االلتذاذ بغريها من سائر اللذات الدنيوية واالخروية فال يبقى لقلبه حينئذ متعلق سواه
فيكون كله مشغوال حبيث لو اراد ان حيب غريه ولو ابلتكلف ما ميكن من ذلك واملكاملة
واملناجاة اللتان حيصالن للسالك امنا مها يف هذه احلالة فيصري حينئذ حبيث لو تكلم مع
احد كان الكالم معه وكذا لو نظر اىل احد كان انظرا اليه وهذا هو احلضور املنزه عن
ايل ابلنوافل حت احبه
الغيبة املعرب عنه يف احلديث القدسي بقوله وال يزال عبدي يتقرب ّ
فاذا احببته كنت مسعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده
الذي يبطش به ورجله الذي ميشي به وعقله الذي يعقل به فحينئذ ال متنعه االشغال
الص ورية الضرورية عن هذه العالقة احلبية املعنوية اذ متكن ابطنه عن مناجاة احلق وهو
بظاهره مع اخللق فهو كائن ابئن وهذا املعن عبارة عن بلوغ السالك كما قالت رابعة
رضي هللا عنها {شعر}:
ولقد جعلتك يف الفؤاد حمدثي * واحبت جسمي من اراد جلوسي
- 1285 -
ان ينحي عن قلبه غري احلق بقول ال اله ويالحظ احلق عز وجل ابملعبودية واحملبوبية يف
قول اال هللا حبيث يضمر يف قلبه كل مرة يقوهلا ان ال معبود اال هللا وليكن اشتغاله ابلذكر
منزها عن الرتك وتطرق الفتور فاذا عرضته غفلة فليعتقد من ابب التمثيل ان كان معه در
مثني عدمي النظري وهو اآلن ضالة فيتحزن لذلك بال ريب كذلك يتحزن من فوات احلالة
املذكورة وهذا التحزن عالمة أتثر القلب عن الذكر فاذا داوم على هذه احلالة يصل اىل
مقام لو ترك الذكر بلسانه فالقلب مشغول به ولكن ال يكتفي بذلك بل يستوعب اوقاته
لالشتغال به على القاعدة املقررة للنقشبندية من الصاق اللسان ابحلنك االعلى وحبس
النفس يف السرة ورعاية احلركات الثالث مبتداي من السرة ومنتهيا اىل القلب واحلركة
الوسطى اىل املنكب االمين يف النفي واالثبات اىل ان يصل مرتبة يغلب ذكر احلق على
سائر االشياء ويداوم على الذكر حت يتدارج اىل انفراد حقيقة القلب ابملذكور الستيالء
سلطان احملبة عليه فال يبقى يف القلب حمبة الغري فيتحقق تعلقه ابحلق فيستوي على عرشه
االعظم متكلما مسيعا بصريا مريدا قديرا وحصول هذه السعادة للقلب أمنا هو الن هللا
تعاىل خلق القلب حبيث ما ميكنه اال ان يكون متعلقا بشئ فاذا انقطع تعلقه عن الغري
ابلطريق املذكور مل يبق اال انه يتعلق ابحلق سبحانه اراد العبد او مل يرد ويف هذه املرتبة
يصري الذكر صفة ذاتية للقلب وحقيقه الذكر اليت هي منزهة عن احلرف والصوت تتحد
مع جوهر القلب املعرب عنه ابلنكتة الذاتية فيحيط احلبيب بفضاء القلب بعد احاطة ذكره
ابلفضاء املذكور وشتان ما بني االحاطتني فان احاطة احلبيب بفضاء القلب امنا هي
نتيجة احملبة املفرطة املسماة ابلعشق فيرتقى من هذا املقام اىل ان يفين الوجود املوهوم يف
الوجود احلقيقي فيصري الذاكر عني املذكور وتتبدل الذاكرية ابملذكورية فيظهر للذاكر
حينئذ حقيقة قوهلم ال يذكر هللا اال هللا واذا حكم بفناء وجوده املوهوم فيحكم بفناء مجيع
االشياء املوهومة ايضا فيتجلي له قوله تعاىل كل شئ هالك اال وجهه ويكشف مجال قوله
ملن امللك اليوم هلل الواحد القهار عن وجهه براقع االستتار فيكون موحدا حقيقيا كما قال
{شعر}:
- 1287 -
عن كالم اهل هللا بل نستقبله ابلصدق والتصديق فطوىب ملن كان قابليته قابلة لقبول
اهلداية مثل الصديق فينفق هلل ما عنده من املال وال خيشى من ذي العرش الفاقة واالقالل
وروي ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم ملا امر ابنفاق االموال انفق ابو بكر رضي هللا عنه
مجيع ماله فجاء اىل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم كساء مربوط طرفاه بشوكة النخل
فسأله النيب عليه السالم ما إدخرت لعيالك قال هللا ورسوله مث اتى جربيل يف زي الصديق
اىل رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وقال ان هللا امر اهل السموات كلها ان يوافقوا ااب
بكر يف زيه كرام ة له اللهم وفقنا وسائر املسلمني ملوافقته واحلمد هلل رب العاملني و صلى
هللا على سيدان حممد وآله وصحبه امجعني مث احلمد هلل على االمتام والصالة والسالم
االكمالن على خري االانم وآله وصحبه الربرة الكرام (متت الفقرات)
الر ِ
حيمالر ْمحَ ِن َّ بِس ِم ِ
هللا َّ ْ
احلمد هلل يف املبدأ واملعاد والصالة على حبيبه حممد وآله االجماد( ،أما بعد) فهذه
رسالة شريفة متضمنة الشارات لطيفة رائقة واسرار دقيقة فائقة لالمام اهلمام حجة هللا
على االانم قدوة االقطاب واالواتد وقبلة االبدال واالفراد كاشف أسرار السبع املثاين
اجملدد لاللف الثاين االويسي الرمحاين والعارف الرابين شيخ االسالم واملسلمني شيخنا
وامامنا الشيخ امحد الفاروقي نسبا واحلنفي مذهبا والنقشبندي مشراب ال زال مشوس
هدايته على افق العلى ساطعة والناس يف رايض افاضته راتعة و هللا املستعان وعليه
التكالن فمن تلك االشارات واالسرار ما قاله وقع يف قلب درويش حمبة هذه الطريقة
فاوصلته العناية االهلية اىل واحد من خلفاء خواجكان قدس هللا اسرارهم فاخذ عنه طريقة
هؤالء االكابر والزم صحبته فحصل له بربكة توجهه جذبة اخلواجكان اليت حتصل من
جهة االستهالك يف صفة القيومية وتيسر له ايضا شرب من طريق اندراج النهاية يف
البداية وبعد حتقق هذه اجلذبة تقرر االمر على السلوك وبلغ هذه الطريقة برتبية روحانية
اسد هللا الغالب كرم هللا تعاىل وتقدس وجهه املقدس اىل هنايتها يعين اىل االسم الذي هو
ربه وعرج من هذا االسم مبدد روحانية حضرة اخلواجه النقشبند قدس هللا تعاىل سره اىل
القابلية االوىل اليت هي معرب عنها ابحلقيقة احملمدية على صاحبها الصالة والسالم والتحية
وتيسر االستعالء من ذاك احملل ابمداد روحانية عمر الفاروق رضي هللا عنه اىل ما فوق
تلك القابل ية ووقع الرتقي من ذاك احملل برتبية روحانية حضرة خامت الرسالة على صاحبها
الصالة والسالم والتحية اىل املقام الذي فوق تلك القابلية اليت هي مبثابة التفصيل له وهو
كاالمجال هلا وذلك املقام هو مقام االقطاب احملمدية وحصل لذلك الدرويش وقت
الوصول اىل ذلك املقام حنو من االمداد من روحانية حضرة اخلواجه عالء الدين العطار
الذي هو خليفة اخلواجه النقشبند قدس سرمها وقطب االرشاد وهناية عروج االقطاب اىل
- 1293 -
هذا املقام ودائرة الظلية تنتهي يف هذا املقام وبعد ذلك اما اصل خالص او اصل ممتزج
ابلظل وطائفة االفراد ممتازون ابلوصول اىل هذه الدولة ويقع لبعض االقطاب عروج اىل
املقام املمتزج مبصاحبة االفراد وحيصل هلم النظر اىل اصل املمتزج ابلظل واما الوصول اىل
االصل اخلالص او النظر اليه فهو خاصة االفراد على تفاوت درجاهتم ذلك فضل هللا
يؤتيه من يشاء و هللا ذو الفضل العظيم وانل ذلك الدرويش بعد وصوله لذاك املقام الذي
هو مقام االقطاب خلعة قطبية االرشاد من سيد الدارين عليه الصالة والسالم على سبيل
العناية وجعل ممتازا هبذا املنصب وبعد ذلك صارت عناية احلق جل شأنه وعم احسانه
شاملة حاله وجعلته متوجها اىل فوق واوصلته اىل اصل ممتزج مبرتبة واحدة وتيسر له الفناء
يف ذلك املقام كما تيسر يف املقامات السابقة وحصل له الرتقي بعونه تعاىل اىل مقام
االصل حت وصل اىل اصل االصل وجاء له املدد يف هذا العروج االخري الذي هو عروج
اىل مقامات االصل من روحانية حضرة الغوث االعظم الشيخ حميي الدين عبد القادر
اجليالين قدس هللا تعاىل س ره االقدس وأوصلوه اىل اصل االصل بعد العبور به من تلك
املقامات بقوة التصرف وارجعوه من هناك اىل العامل كما ارجعوه اليه من كل مقام وقد
حصل لذلك الدرويش اصل نسبة الفردية اليت العروج االخري خمصوص هبا من والده
املاجد وقد ظفر هبا والده املاجد من عزيز موصوف جبذبة قوية ومشهور خبوارق سنية
ولكن مل يعد ذلك الدرويش تلك النسبة بواسطة ضعف بصريته وقلة ظهورها شيئا سوى
قطع منازل السلوك ومل يلتفت اليها اصال وايضا ان هذا الدرويش قد وجد املدد يف كونه
موفقا للعبادات النافلة خصوصا الداء صالة النوافل من والده وهذه السعادة حصلت
لوالده املاجد من شيخه يف سلسلة الچشتية وايضا قد منح هذا الدرويش العلم اللدين من
حضرة اخلضر على نبينا وعليه الصالة والسالم لكن كان ذلك قبل أن يتعدي ويرتقي من
مقام االقطاب وأما بعد عبوره من ذلك املقام وحصول الرتقيات اىل املقامات العالية
فأخذ العلوم من حقيقة نفسه جيد يف نفسه بنفسه من نفسه ومل يبق للغري جمال أن يدخل
يف البني وأيضا وقع هلذا الدرويش وقت النزول الذي هو عبارة عن السري عن هللا ابهلل
- 1294 -
عبور عن مقامات مشائخ السالسل االخر وانل من كل مقام نصيبا أوفر وصارت
مشائخ ذلك املقام ممدين له ومعاونني يف أمره ومنحوه نصيبا من خالصة نسبهم وقع
العبور أوال يف مقام اكابر الچ شتية قدس هللا أسرارهم وحصل له حظ وافر من ذلك املقام
وأول من أمد من هؤالء املشائخ العظام هو روحانية حضرة اخلواجه قطب الدين واحلق أن
له يف ذلك املقام شأان عظيما وهو رئيس ذلك املقام وبعد ذلك وقع العبور على مقام
أكابر الكربوية قدس هللا اسرارهم وهذان املقامان كالمها متساواين ابعتبار العروج ولكن
هذا املقام واقع على ميني ذاك الطريق االعظم وقت النزول من فوق واملقام االول واقع يف
يساره وهذا الطريق االعظم طريق يذهب منه بعض اكابر أقطاب االرشاد اىل مقام الفردية
ويصل ون اىل هناية النهاايت واما االفراد احملضة فلهم طريق آخر ال ميكن املرور من ذلك
الطريق االعظم بال رتبة القطبية وهذا املقام واقع بني مقام الصفات وبني ذاك الطريق
االعظم وكأنه برزخ بني هذين املقامني وله نصيب من كليهما وأما املقام االول فهو واقع
اىل جانب آخر من الطريق االعظم فنصيبه من الصفات قليل وبعد ذلك وقع العبور على
مقام اكابر السهروردية الذين جاؤا بعد الشيخ شهاب الدين السهروردي قدس هللا
أسرارهم وهذا املقام متحلي بنور اتباع السنة السنية على مصدرها الصالة والتحية ومزين
بنورانية مشاهد فوق الفوق والتوفيق للعبادات رفيق ذاك املقام وبعض السالكني الغري
الواصلني الذين هم مشغولون بعبادات النوافل ويطمئنون هبا وجدوا نصيبا من ذاك املقام
بواسطة مناسبتهم له والعبادات النافلة مناسبة هلذا املقام ابالصالة وأما الباقون سواء كانوا
مبتدئني او منتهيني فمناسبتهم هلا بواسطة مناسبتهم هلذا املقام وهذا املقام لطيف وعال
جدا والنورانية اليت تشاهد يف هذا املقام قليلة يف غريه ومشائخ هذا املقام بسبب اتباعهم
السنة عظيموا الشأن ورفيعوا القدر وهلم امتياز اتم من بني ابناء جنسهم والذي تيسر هلم
يف هذا املقام مل يتيسر الرابب مقامات اخر وان كانوا فوقهم ابعتبار العروج مث انزلوين اىل
مقام اجلذبة وهذا املقام جامع ملقامات جذابت غري متناهية وانزلوين من هناك ايضا وهناية
مراتب النزول مقام القلب الذي هو احلقيقة اجلامعة واالرشاد والتكميل يتعلقان ابالنزال
- 1295 -
اىل هذا املقام فانزلوين اىل هنا وقبل أن حيصل التمكني يف هذا املقام وقع العروج اثنيا
فرتك االصل يف ذلك الوقت مثل الظل وراءه فمن هذا العروج الذي كان يف مقامات
القلب حصل التمكني والسالم (ومنها) ان قطب االرشاد الذي يكون جامعا للكماالت
الفردية أيضا عزيز الوجود جدا يظهر مثل هذا اجلوهر النفيس بعد قرون متطاولة وأزمنة
متكاثرة فيصري العامل الظلماين بنور ظهوره نورانيا ونور ارشاده وهدايته شامل جلميع العامل
وكل رشد وهداية واميان ومعرفة حتصل يف العامل من حميط العرش اىل مركز الفرش امنا
حتصل من طريقه وتستفاد بواسطته وال يصل أحداىل هذه الدولة بدون توسطه ونور
هدايته حميط جبميع العامل كالبحر احمليط وهذا البحر كانه منجمد ال يتحرك ابدا فاذا كان
شخص متوجها اىل هذا العزيز وكان خملصا له او كان هو متوجها حلال طالب فكان
روزنة تفتح يف قلب الطالب وقت ذلك التوجه فيصري الطالب رايان من ذلك البحر من
ذلك الطريق على قدر توجهه واخالصه وكذلك اذا كان شخص مشغوال ابلذكر االهلي
حيصل له مثل هذه االفادة وان مل يكن متوجها اىل هذا العزيز ال من جهة االنكار بل
لعدم معرفته اايه ولكن االفادة يف الصورة االوىل أكثر منها يف الصورة الثانية واما اذا كان
شخص منكرا هلذا العزيز أو كان هو متأذاي منه فهو حمروم من حقيقة الرشد واهلداية وان
كان مشغوال بذكر هللا عز و جل فان انكاره يكون سدا يف طريق الفيض من غري أن
يكون هذا العزيز متوجها لعدم أفادته وقاصدا لضرره وأمنا فيه صورة الرشد واهلداية دون
احلقيقة والصورة العارية عن املعن قليلة النفع والذين فيهم اخالص وحمبة هلذا العزيز يصل
اليهم ايضا نور الرشد واهلداية مبجرد تلك احملبة وان خلوا من التوجه املذكور والذكر االهلي
جل شأنه والسالم على من اتبع اهلدى (ومنها) ان أول ابب فتح هلذا الدرويش ال نفس
الوجدان كان فيه ذوق الوجدان مث تيسر نفس الوجدان وفقد ذوق الوجدان مث صار نفس
الوجدان مف قودا مثل ذوق الوجدان فاحلالة الثانية حالة الكمال والوصول اىل درجة الوالية
اخلاصة والثالثة مقام التكميل والرجوع اىل اخللق للدعوة واحلالة السابقة كمال يف جهة
اجلذبة فقط فاذا انضم اليها السلوك ومت حصلت احلالة الثانية مث الثالثة وليس للمجذوب
- 1296 -
اجملرد عن السلوك م ن احلالة الثانية والثالثة نصيب أصال فالكامل املكمل هو اجملذوب
السالك مث السالك اجملذوب وما سوامها فليس بكامل وال مكمل أصال فال تكن من
القاصرين والصالة والسالم على خري البشر سيدان حممد وآله االطهر (ومنها) ان هذا
الدرويش تشرف يف اواخر ربيع االخري خبدمة عزيز من خلفاء هذه الطائفة العلية واخذ
عنه طريقة هؤالء االكابر وأستسعد يف منتصف رجب من ذلك العام حبضور النقشبندية
الذي فيه اندراج النهاية يف البداية فقال له ذلك العزيز ان نسبة النقشبندية عبارة عن هذا
احلضور وبعد عشرة أعوام كاملة وعدة أشهر جتلت النهاية اليت كانت ظهرت يف البداية
من وراء عدة حجب البداايت واالوساط خبرق تلك احلجب يف النصف االول من ذي
القعدة وحصل اليقني ابنه كان يف البداية صورة من ذلك االسم وتكلم من تلك اجلفون
واسم من ذلك املسمى شتان ما بينهما وحقيقة االمر أنكشفت هنا وسر املعاملة ظهر
ههنا من مل يذق مل يدر والصالة والسالم على سيد األانم وآله الكرام واصحابه العظام
(ومنها) واما بنعمة ربك فحدث كان هذا الدرويش يوما من االايم قاعدا يف حلقة
أصحابه وكان ينظر اىل نقصانه وقصوره وقد غلب فيه هذا النظر حبيث رأى نفسه
غريمناسب جدا هلذا الوضع يعين للمشيخة ففي تلك االثناء رفعوه من تراب املذلة حبكم
من تواضع هلل رفعه هللا ونودي يف سره هبذا النداء غفرت لك وملن توسل بك أتى بواسطة
أو بغري واسطة اىل يوم القيامة وشرفوه هبذا املعن مكررا اىل حد مل يبق فيه جمال للريب
واحلمد هلل سبحانه على ذلك محدا كثريا طيبا مباركا فيه مباركا عليه وكما حيب ربنا
ويرضى والصالة والسالم على رسوله سيدان حممد وآله كما ينبغي له وحيرى مث أمروه
ابفشاء هذه الواقعة {شعر}:
واذا اتى ابب العجوز خليفة * اايك اي صاح ونتف سبالكا
ان ربك واسع املغفرة (ومنها) أن السري اىل هللا هو عبارة عن سري اىل اسم من
امساء هللا جل شأنه هو مبدأ تعني السالك والسري يف هللا عبارة عن السري يف ذلك االسم
اىل أن ينتهي اىل حضرة الذات االحدية اجملردة عن اعتبار االمساء والصفات والشؤن
- 1297 -
واالعتبارات وهذا التفسري امنا يصح اذا كان املراد ابالسم املبارك هللا مرتبة الوجوب يعين
الذات املستجمعة جلميع االمساء والصفات وأما اذا كان املراد به هو الذات البحت فقط
فيكون السري يف هللا ابملعن املذكور داخال يف السري اىل هللا وال يتحقق السري يف هللا على
هذا التقدير أصال فان السري يف نقطة هناية النهاايت غري متصور فانه مت تيسر الوصول
اىل تلك النقطة يقع الرجوع اىل العامل بال توقف وهذا الرجوع معرب عنه ابلسري عن هللا
ابهلل وهذه املعرفة خمصوصة ابلواصلني اىل هناية النهاايت ومل يتكلم هبا من اولياء هللا تعاىل
أحد غري هذا الدرويش هللا جيتيب اليه من يشاء واحلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم
على سيد املرسلني حممد وآله أمجعني (ومنها) ان االقدام متفاوتة يف كماالت الوالية
فجمع يكون فيهم استعداد حصول درجة واحدة من درجات الوالية وبعض آخر يكون
فيه استعداد درجتني منها وطائفة فيهم استعداد ثالث درجات وقوم فيهم قابلية اربع
درجات وآحاد تكون مستعدة خلمس درجات وهم االقلون وحصول الدرجة االوىل من
هذه الدرجات اخلمس مربوطة بتجلي االفعال والثانية منوطة بتجلي الصفات والثالثة
االخرية مربوطة ابلتجليات الذاتية على تفاوت درجاهتا واكثر اصحاب هذا الدرويش هلم
مناسبة للدرجة الثالثة من الدرجات املذكورة وقليل منهم هلم مناسبة للدرجة الرابعة
واالقلون للخا مسة اليت هي هناية درجات الوالية والكمال املعترب عند هذا الدرويش امنا
هو فيما وراء هذه الدرجات ومل يظهر هذا الكمال بعد زمان االصحاب الكرام رضوان
هللا تعاىل عليهم أمجعني وهو فوق كمال اجلذبة والسلوك وغدا يظهر هذا الكمال يف
حضرة املهدي ان شاء هللا تعاىل والصالة والسالم على خري الربية (و منها) ان نزول
الواصلني اىل هناية النهاية وقت رجوع القهقري اىل أسفل الغاية ومصداق الوصول اىل
هناية النهاية هو عني هذا النزول اىل غاية الغاية ومت وقع النزول بتلك اخلصوصية يكون
صاحب الرجوع متوجها اىل عامل االسباب بكليته ال أن بعضه متوجها اىل احلق وبعضه
اآلخر اىل اخللق فان هذا عالمة عدم الوصول اىل هناية النهاية وعدم النزول اىل غاية
الغاية وغاية ما يف الباب يقع للطائف صاحب الرجوع توجه خاص اىل اجلناب االقدس
- 1298 -
جل سلطانه وقت اداء الصالة اليت هي معراج املؤمن ويبقى هذا التوجه اىل متام الصالة
وبعد الفراغ منها يكون متوجها بكليته اىل اخللق ولكن املتوجه اىل جناب القدس وقت
اداء الفرائض والسنن هي اللطائف الست ويف وقت اداء النوافل ألطف تلك اللطائف
فقط ميكن ان يكون يف حديث يل مع هللا وقت اشارة اىل هذا الوقت اخلاص املخصوص
ابلصالة والقرينة على تعيني تلك االشارة يف حديث وقرة عيين يف الصالة والعالوة على
هذه القرينة الكشف الصحيح واالهلام الصريح وهذه املعرفة من املعارف املخصوصة هبذا
الدرويش وأما املشائخ فقد اعتقدوا الكمال يف اجلمع بني التوجهني واالمر اىل هللا سبحانه
والسالم على من اتبع اهلدى والتزم شريعة املصطفى عليه و على آله امت الصلوات وأكمل
التسليمات (ومنها) قال املشائخ ان مشاهدة أهل هللا بعد الوصول اىل مرتبة الوالية امنا
هي يف االنفس فان املشاهدة اآلفاقية اليت كانت ميسرة يف أثنآء الطرق وقت السري اىل
هللا غري معتربة والذي انكشف هلذا الدرويش ان املشاهدة يف االنفس ايضا غري معتربة
كاملشاهدة يف اآلفاق فان تلك املشاهدة ليست هي مشاهدة احلق سبحانه فانه تعاىل
منزه عن الكيف والكم ال تسعه املرآة املكيفة سواء كانت مرآة اآلفاقي او مرآة االنفس
فانه تعاىل ليس بداخل للعامل وال خارجا عنه وال متصال به وال منفصال عنه فشهوده
ورؤيته تعاىل ايضا ليسا يف العامل وال يف خارج العامل وال متصلني به وال منفصلني عنه وهلذا
قالوا للرؤية االخروية اهنا بال كيف فهي خارجة عن حيطة العقل والوهم وأما يف الدنيا
فقد انكشف هذا السر خلواص اخلواص وان مل يكن رؤية ولكنه كالرؤية وهذه دولة
عظمى قل من استسعد هبا بعد زمان االصحاب رضوان هللا تعاىل عليهم أمجعني وهذا
القول وان كان اليوم مستبعدا وغري مقبول لدى االكثر اال انه ال أبس يف اظهار النعمة
العظمى قبله القاصرون او ال وهذه النسبة تظهر غدا بتلك اخلصوصية يف حضرة املهدي
ان شاء هللا تعاىل والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى صلوات هللا
وتسليماته عليه و على آله واصحابه أمجعني (ومنها) اذا حضر الطالب عند شيخ ينبغي
له أن أيمره ابالستخارة ويكرر االستخارة من ثالثة اىل سبعة فاذا مل يظهر بعد تكرار
- 1299 -
االستخارة تذبذب يف الطالب يتسرع يف امره فيعلمه اوال طريق التوبة وأيمره بصالة ركعيت
التوبة فان وضع القدم يف هذا الطريق بال توبة غري انفع ولكن ينبغي ان يكتفي يف
حصول التوبة بقدر االمجال وحييل تفصيله على مرور االايم فان اهلمم قاصرة يف هذه
االايم جدا فاذا كلف القاصرون بتحصيل تفصيل التوبة اوال فال جرم انه يستدعي مدة
ف رمبا يقع الفتور على طلبه يف تلك املدة فيحرم من املطلب بل ال يتم التوبة ايضا وبعد
ذلك يعلمه طريقا مناسبا الستعداده ويلقنه ذكرا موافقا لقابليته ويبذل التوجه يف امره
ويراعي االلتفات يف حقه ويبني له آداب الطريقة وشرائطه ويرغبه يف متابعة الكتاب
والسنة وآاثر ال سلف الصاحلني ويعلمه أن الوصول اىل املطلوب بغري هذه املتابعة حمال
ويعلمه ايضا ان الكشوف والوقائع اذا كانت خمالفة للكتاب والسنة ولو كان مقدار شعرة
ال يعتربها اصال بل يكون مستغفرا منه وينصحه بتصحيح العقائد على مقتضى آراء
الفرقة الناجية اهل السنة واجلماعة وأيم ره بتعلم االحكام الفقهية الضرورية والعمل مبوجبه
ويؤكد يف هذا الباب فان الطريان يف هذا الطريق بدون جناحي االعتقاد والعمل ال ميكن
ان يتيسر ويرشده ابلتأكيد اىل رعاية االحتياط يف اللقمة واالجتناب من احملرم واملشتبه
ومينعه عن اكل كلما جيده والتناول من كل حمل حيصله من غري ان يصحح يف هذا الباب
فتوى الشريعة الغراء وابجلملة البد للسالك من ان جيعل كرمية وما أاتكم الرسول فخذوه
وما هناكم عنه فانتهوا نصب عينيه واحوال الطالبني ال ختلو عن احد االمرين اما ان
يكونوا اصحاب كشف ومعرفة او ارابب جهل وحرية وكلتا هاتني الطائفتني مساويتان يف
الوصول بعد طي املنازل ورفع احلجب ال مزية الحدمها على اآلخر يف نفس الوصول
ومثلهما مثل شخصني وصال اىل الكعبة الشريفة بعد طي املنازل البعيدة اال أن أحدمها
استعمل نظره يف منازل الطريق وتفرج فيها وعلم كل واحد منها ابلتفصيل على قدر
استعداده وغمض الثا ين عينيه منها ومل يطلع على تفاصيلها وهذان الشخصان مساواين
يف نفس الوصول اىل الكعبة ال زايدة الحدمها فيه على اآلخر وان تفاوات يف معرفة منازل
الطريق وعدمها وكذا هنا وأما بعد الوصول اىل املطلوب فالبد لكل منها من اجلهل الن
- 1300 -
املعرفة يف ذات هللا تعاىل جهل وعجز عن املعرفة ينبغي ان يعلم ان قطع منازل عن طي
املقامات العشرة وطي هذه املقامات العشرة منوطة هبذه التلجيات الثالثة جتلي االفعال
وجتلي الصفات وجتلي الذات وكل من هذه املقامات سوى مقام الرضا مربوط بتجلي
االفعال وجتلي الصفات واما مقام الرضا فهو مربوط بتجلي الذات تعالت وتقدست
وابحملبة الذاتية املستلزمة ملساواة ايالم احملبوب النعامه ابلنسبة اىل احملب فال جرم مت حتقق
الرضا ترتفع الكراهة وكذلك بلوغ مجيع تلك املقامات اىل حد الكمال امنا هو وقت
حصول التجلي الذايت الذي نيط به الفناء االمت واما حصول نفس تلك املقامات التسعة
فهو يف التجلي االفعايل والتجلي الصفايت مثال اذا شاهد قدرته تعاىل الكاملة يف نفسه
ويف مجيع االشياء يرجع اىل التوبة ويبادر اىل االانبة بال اختيار ويصري خائفا ووجال وجيعل
الورع شيمته ويلتزم الصرب على النوائب لكوهنا من مقد راته تعاىل ويرتك االضطراب واجلزع
ومت عرف ان موىل النعم هو هللا تعاىل واالعطاء واملنع فعله وصفته عز و جل يكون يف
مقام الشكر ابلضرورة ويرتسخ قدمه يف مقام التوكل ومت جتلى له لطفه ورأفته تعاىل يكون
يف مقام الرجاء ومت شاهد عظمته وكربايءه تعاىل تظهر الدنيا الدنية يف نظره حقرية
وعدمية االعتبار فال جرم حيصل فيه الرغبة عنها وخيتار الفقر ويزهد فيها لكن ينبغي أن
يعلم أن حصول هذه املقامات ابلتفصيل والرتتيب خمصوص ابلسالك اجملذوب واما
اجملذوب السالك فطي هذه املقامات امجايل ابلنسبة اليه فان العناية االزلية جعلته مبتلى
مبحبة ال يقدر معها أن يشتغل بتفاصيل تلك املقامات ويف ضمن تلك احملبة حصلت له
زبدة تلك املقامات وخالصة هاتيك املنازل على الوجه االمت على وجه مل تتيسر لصاحب
التفصيل والسالم على من اتبع اهلدى (ومنها) ينبغي للطالب ان يهتم بنفي اآلهلة الباطلة
اآلفاقية واالنفسية وكلما يقع يف فهمه وومهه يف جانب اثبات املعبود ابحلق جيعله أيضا
داخال حتت النفي ويكتفي مبجرد موجوديته تعاىل وان مل يكن للوجود أيضا جمال يف ذلك
املوطن وكان طلبه تعاىل من ما وراء الوجود جديرا ولقد أحسن علماء أهل السنة يف قوهلم
بزايدة وجود واجب الوجود على ذاته سبحانه وتعاىل والقول بعينية الوجود ابلذات وعدم
- 1301 -
اثبات امر وراء الوجود من قصور النظر قال الشيخ عالء الدولة فوق عامل الوجود عامل
امللك الودود وملا وقع الرتقي هلذا الدرويش اىل ما فوق عامل الوجود كنت أعد نفسي من
أهل االسالم من جهة العلم لتقليدي فقط حني كنت مغلوب احلال وابجلملة أن كلما
حيصل يف حوصلة املمكن يكون ممكنا ابلطريق االوىل فسبحان من مل جيعل للخلق اليه
سبيال اال ابلعجز عن معرفته وال يظن أحد من هذا الفناء يف هللا والبقاء ابهلل ان املمكن
يصري واجبا فان ذلك حمال ومستلزم لقلب احلقائق واذا مل يصر املمكن واجبا ال يكون
نصيب املمكن من ادراك الواجب سوى العجز {شعر}:
هيهات عنقاء ان يصطاده أحد * فارم الشراك واال دام فيه هوا
وعايل اهلمة امنا يطلب مطلبا ال حيصل منه شئ وال يظهر منه اسم وال رسم
وطائفة من الناس يطلبون مطلبا جيدونه عني أنفسهم وحيصلون القرب منه واملعية به
{ع}:
لكل من االنسان شأن خيصه
والسالم( .و منها) قال حضرة اخلواجه النقبشند قدس سره االقدس ان مرآة كل
واحد من املشائ خ هلا جهتان وأما مرآيت فلها ست جهات أظن ان أحدا من خلفاء هذه
الطائفة العظيمة مل يبني هذه الكلمة القدسية اىل هذا الزمان بل مل يتكلم فيها أحد
ابالشارة والرمز فكيف ميكن هلذا احلقري قليل البضاعة ان يقدم على شرحها وان حيرك
لسانه يف كشفها ولكن ملا كشف هللا سبحانه مبحض فضله عن سر هذا املعن هلذا
احلقري وأظهر حقيقته كما ينبغي خطر يف اخلاطر ان ينظم هذا الدر املكنون ببنان البيان
يف سلك التحرير وان يورده بلسان الرتمجانية يف حيز التقرير فشرع يف هذا الباب بعد اداء
االستخارة واملسئول من هللا سبحانه العصمة والتوفيق ينبغي أن يعلم ان املراد من املرآة
قلب العارف الذي هو برزخ بني الروح والنفس واراد ابجلهتني جهة الروح وجهة النفس
فاذا وصل املشائ خ اىل مقام القلب ينكشف هلم جهتاه ويفاض فيه علوم كل واحد من
املقامني املذكورين ومعارفهما املناسبتان للقلب خبالف الطريق الذي امتاز به حضرة
- 1302 -
اخلواجه واندرجت النهاية فيه يف البداية فيكون ملرآة القلب فيه اجلهات الست وبيان
ذلك انه قد انكشف الكابر هذه الطريقة العلية ان كلما هو اثبت الفراد االنسان من
اللطائف الست أعين النفس والقلب والروح والسر واخلفي واألخفى فهي اثبتة للقلب
وحده أيضا فاراد ابجلهات الست هذه اللطائف الست فسري سائر املشايخ على ظاهر
القلب وسري هؤالء االكابر يف ابطن القلب ويصلون هبذا السري اىل ابطن بطونه وتنكشف
علوم هذه اللطائف ومعارفها يف مقام القلب أعين العلوم املناسبة ملقام القلب هذا هو
بيان الكلمة القدسية املنسوبة حلضرة اخلواجه قدس هللا سره وهلذا احلقري يف هذا املقام
بربكة هؤالء االكابر مزيد يف مزيد وتدقيق بعد حتقيق وحبكم كرمية وأما بنعمة ربك فحدث
يظهر رمزا من ذاك املزيد واشارة من ذلك التدقيق ومنه سبحانه العصمة والتوفيق فاعلم ان
قلب القلب أيضا متضمن للطائف الست على قياس القلب لكن ال يظهر يف قلب
القلب لطيفتان من اللطائف الست املذكورة بطريق اجلزئية وذلك اما لضيق الدائرة أو
لسر آخر ومها لطيفة النفس ولطيفة االخفى وكذا احلال يف القلب الذي يف املرتبة الثالثة
اال انه ال يظهر فيه اخلفي أيضا وكذا احلال يف القلب الذي يف املرتبة الرابعة اال انه ال
يظهر فيه السر ايضا مع ظهور القلب والروح فيه ويف املرتبة اخلامسة ال يظهر الروح فيه
ايضا فما بقي اال قلب حمض وبسيط صرف ال اعتبار فيه لشيئ اصال ومما ينبغي ان يعلم
ههنا من بعض املعارف العالية ليتوسل به اىل ما هو هناية النهاية وغاية الغاية فأقول
بتوفيق هللا سبحانه ان جيمع ما ظهر يف العامل الكبري تفصيال فهو ظاهر يف العامل الصغري
امجاال ونعين ابلعامل الصغري االنسان فاذا صقل العامل الصغري ونور ظهر فيه بطريق املرآتية
مجيع ما يف العامل الكبري تفصيال النه ابلصقالة والتنوير اتسع وعاؤه فزال حكم صغره وكذا
احلال يف القلب الذي نسبته مع العامل الصغري كنسبة العامل الصغري مع العامل الكبري من
االمجال والتفصيل فاذا صقل العامل االصغر الذي هو عامل القلب ورفعت الظلمة الطارية
عليه ظهر فيه بطريق املرآتية ايضا ما يف العامل الصغري تفصيال وهكذا احلال يف قلب
القلب ابلنسبة اىل القلب من االمجال والتفصيل وظهور التفصيل فيه بعد أن كان جممال
- 1303 -
بسبب التصفية والنورانية و على هذا القياس القلب الذي يف املرتبة الثالثة والقلب الذي
يف املرتبة الرابعة يف االمجال والتفصيل وظهور التفصيل الذي يف املراتب السابقة فيهما
بسبب الصقالة والنورانية وكذا القلب الذي يف املرتبة اخلامسة فانه مع بساطته وعدم
اعتبار شئ فيه يظهر فيه بعد التصفية الكاملة ما ظهر يف مجيع العوامل من العامل الكبري
والصغري واالصغر وما بعدمها من العوامل كما مر فهو الضيق االوسع والبسيط االبسط
واالقل االكثر وما خلق شئ من االشياء هبذه الصفة وما وجد احد اشد مناسبة بصانعه
تعاىل وتقدس من هذه اللطيفة البديعة فال جرم يظهر فيه من عجائب آايت صانعه
سبحانه ما ال يظهر يف احد من خلقه ولذا قال تعاىل يف احلديث ال يسعين ارضي وال
مسائي ولكن يسعين قلب عبدي املؤمن والعامل الكبري وان كان اوسع املرااي للظهور اال انه
لكثرته وتفصيله ال مناسبة له مع من ال كثرة فيه اصال وال تفصيل فيه رأسا واحلري
للمناسبة هو الضيق االوسع والبسيط االبسط واالقل االكثر كما ال خيفى فاذا بلغ
العارف االمت معرفة واالكمل شهودا هذا املقام العزيز وجوده والشريف رتبته يصري ذلك
العارف قلبا للعوامل كلها والظهورات مجيعها وهو املتحقق ابلوالية احملمدية واملشرف
ابلدعوات املصطفوية على صاحبها الصالة والسالم والتحية فاالقطاب واالواتد واالبدال
داخلون حتت دائرة واليته واالفراد واآلحاد وسائر فرق االولياء مندرجون حتت انوار
هدايته ملا هو النائب مناب رسول هللا واملهدي هبدي حبيب هللا وهذه النسبة الشريفة
العزيز وجودها خمصوصة ابحد املرادين ليس للمريدين من هذا الكمال نصيب هذا هو
النهاية العظمى والغاية القصوى ليس فوقه كمال وال أكرم منه نواال لو وجد بعد الوف
سنة مثل هذا العارف الغتنم ويسري بركته اىل مدة مديدة وآجال متباعدة وهو الذي
كالمه دواء ونظره شفاء وحضرة املهدي سيوجد على هذه النسبة الشريفة من هذه االمة
اخلرية ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء و هللا ذو الفضل العظيم وحصول هذه الدولة
القصوى منوط ابمتام طريقي السلوك واجلذبة تفصيال مرتبة بعد مرتبة وأكمال مقام الفناء
االمت والبقاء االكمل درجة بعد درجة وهذا ال يتيسر اال بكمال متابعة سيد املرسلني
- 1304 -
ايضا بربزخيتها االصلية وجتد النهاية يف الرجوع اىل البداية وحيث ان القلب من عامل
االرواح (يعين لكونه من عامل االمر والالمكاين) يتوطن ايضا يف الربزخية والنفس املطمئنة
اليت فيها لون من عامل االمر لكوهنا برزخا بني القلب والبدن تقيم هناك ايضا والبدن
العنصري الذي مركب من العناصر االربعة يستقر يف عامل الكون واملكان ويشتغل ابلطاعة
والعبادة فاذا وقعت املخالفة بعد ذلك والعناد يف اجلملة تكون منسوبة اىل طبائع العناصر
مثال اجلزء الناري طالب للعناد واملخالفة ابلذات يظهر منه نداء اان خري منه مثل ابليس
اللعني واما النفس املطمئنة فقد ختلصت من العناد فاهنا صارت راضية من احلق جل
سلطانه وكذلك احلق سبحانه كان راضيا عنها والعناد ال يتصور من الراضي واملرضي فان
صدر هناك عناد فهو من القالب ويشبه أن يكون خري البشر عليه الصالة والسالم عرب
ابجلهاد االكرب عن هذا العناد االبليسي الذي منشاؤه اجلزؤ القاليب وما ورد من أسلم
شيطاين فاملراد به الشيطان اآلفاقي الذي هو قرينه عليه السالم فانه وان انكسرت صولة
هذا الشيطان ايضا وخرج من التمرد لكن ما ابلذات ال ينفك عن الذات أو الشيطان
االنفسي فان اسالمه ليس مستلزما النتفاء عناده ابلكلية فانه مع اسالمه جيوز أن يرتك
العزمية ويرتكب الرخصة بل جيوز ارتكاب الصغرية أيضا بل ميكن أن يكون حسنات
االبرار سيئات املقربني من هذا القبيل أيضا وبقاء هذا العناد امنا هو لالصالح والرتقي
فان بعد حصول هذه االمور اليت هناية النقص هنا برتك االوىل حيصل من الندامة والتوبة
واالستغفار ما يكون موجبا لرتقيات غري متناهية ومت استقر البدن العنصري يف مقره بعد
مفارقة اللطائف الست وعروجها اىل عامل االمر ال جرم يكون خليفتها يف هذا العامل هو
هذا البدن العنصري واذا وجد بعد ذلك اهلام فهو يكون اىل املضغة اليت هي اخلليفة
احلقيقية للجامعة القلبية وما ورد يف احلديث النبوي من قوله عليه الصالة والسالم من
أخلص هلل أربعني صباحا ظهرت ينابيع احلكمة من قلبه على لسانه فاملراد به و هللا
سبحانه أعلم هو هذه املضغة وقد تعني هذا املراد يف حديث آخر كما قال عليه الصالة
والسالم انه ليغان على قليب فان عروض الغني على املضغة ال على احلقيقة اجلامعة فاهنا
- 1306 -
قد خرجت من الغني ابلكلية وورد ايضا احاديث أخر يف تقلب القلب كما قال عليه
الصالة والسالم قلب املؤمن بني اصبعني من أصابع الرمحن اخل وقال صلى هللا تعاىل عليه
وآله وسلم قلب املؤمن كريشة يف ارض فالة اخل وقال عليه الصالة والسالم اللهم ثبت
قليب على طاعتك والتقلب وعدم الثبات اثبتة هبذه املضغة الن احلقيقة اجلامعة ال تقلب
هلا اصال بل هي مطمئنة راسخة على اال طمئنان واخلليل على نبينا وعليه الصالة والسالم
ملا طلب اطمئنان القلب اراد به املضغة ال غري الن قلبه احلقيقي قد كان مطمئنا بال ريب
بل نفسه ايضا كانت مطمئنة بسياسة قلبه احلقيقي قال صاحب العوارف قدس سره ان
االهلام صفة النفس املطئنة اليت عرجت يف مقام القلب وان التلوينات والتقليبات حينئذ
تكون صفات النفس املطمئنة وهو كما ترى خمالف لالحاديث املذكورة ولو تيسر العروج
من هذا املقام الذي اخرب الشيخ عنه تعلم االمر كما هو عليه والح صدق ما اخربت به
وطابق الكشف واالهلام ابالخبارات النبوية على صاحبها الصالة والسالم والتحية ولقد
تعلم ان ما أخربت به من خالفة املضغة وورود االهلام عليها وصريورهتا صاحب أحوال
وتلوينات مما كرب على املتعصبني اجلاهلني القاصرين عن حقيقة االمر وثقل عليهم فماذا
يقولون يف االخبار النبوية عليه وعلى آله الصالة والسالم حيث قال ان يف جسد بين آدم
ملضغة اذا صلحت صلح اجلسد كله واذا فسدت فسد اجلسد كله اال وهي القلب جعل
صلى هللا تعاىل عليه وآله وسلم املضغة هي القلب على سبيل املبالغة وانط صالح اجلسد
وفساده بصالحها وفسادها فيجوز هلذه املضغة ما جيوز للقلب احلقيقي وان كان على
سبيل النيابة واخلالفة واعلم ان الروح ملا فارق اجلسد ابملوت الذي هو قبل املوت وجد
العارف الواصل روحه غري داخل يف اجلسد وال خارج عنه وال متصل معه وال منفصل عنه
ووجد أن للروح تعلقا مع اجلسد لصالح اجلسد بل لغرض يعود اىل الروح كماله ايضا
وذلك التعلق هو منشأ الصالح واخلري يف اجلسد ولوال ذلك التعلق لصار اجلسد حبذافريه
شرا ونقصا وهذا احلال للواجب تعاىل مع الروح وغريه فانه تعاىل غري داخل يف العامل وال
خارج عنه وال متصل معه وال منفصل عنه وله سبحانه تعلق مع العامل خلقا وابقاء وافاضة
- 1307 -
للكماالت والنعم واخلريات (فان قلت) ان علماء أهل احلق ما تكلموا يف الروح مثل هذا
الكالم بل كادوا مل جيوزوه وأنت تلزم وفاقهم يف القليل والكثري فما وجهه قلت العامل
حبقيقة الروح قليل منهم فهم مع قلتهم امنا مل يتكلموا بكشف الكماالت الروحية واكتفوا
ابالمجال اجتنااب عن سوء فهم العوام ووقوعهم يف الضالل فان الكماالت الروحية شبيهة
صورة اب لكماالت الوجوبية والفرق دقيق ال يطلع عليه اال الراسخون من العلماء فرأوا
املصلحة يف االمجال بل يف االنكار عن بيانه والكشف عن حقيقته فال ينكرون كماالته
اليت سبق ذكرها والعبد الضعيف امنا بينه وكشف عن بعض خواصه اعتمادا على علمه
الصحيح وكشفه الصريح بعون هللا سبحانه وتوفيقه وصدقة حبيبه عليه الصالة والسالم
وآله الكرام مع ازالة شبهة مانعة عن البيان فافهم ومما ينبغي أن يعلم ان اجلسد كما
استفاد من الروح كماالت ال حتصى فالروح ايضا اكتسب من اجلسد فوائد عظمى حيث
صار مسيعا بصريا متكلما متجسدا جبسد مكتسبا مباشرا الفعال انسبت بعامل االجساد
وملا صارت النفس املطمئنة ملحقة ابلروحانيني كما مر بيانه جلس العقل مكانه يف عامل
االجسام نيابة عنها ومسي بعقل املعاد وصار فكره حينئذ مقصورا على أمور اآلخرة وصار
فارغا عن تفكر امور املعيشة ومستحقا للفراسة بواسطة النور الذي اعطيه وهذه املرتبة
هي هناية مراتب كماالت العقل وال يعرتض الناقص هنا ابنه ينبغي أن تكون هناية مراتب
كماالت العقل متحققة يف نسيان املعاش واملعاد معا وان ال يبقى فيه فكر غري احلق
سبحانه وتعاىل شيئا دنيا وأخرى الان نقول ان هذا النسيان قد حصل له يف اثناء الطريق
يف مرتبة الفناء يف هللا وهذه املرتبة عالية من تلك املرتبة مبراحل فان هنا رجوع العلم بعد
حصول اجلهل وعود الفرق بعد حتقق اجلمع وحصول االسالم احلقيقي بعد جتاوز كفر
الطريقة اليت هي يف مرتبة اجلمع والفالسفة ارابب السفه اثبتوا للعقل اربع مراتب وزعموا
ان كماالت العقل منحصرة فيها وهذا من كمال جهلهم (قلت) قد عكف املتفلسفة
على قوهلم هذا عكوف اليهود على عجل السامري ومل يعتقدوا وجود كمال وراء ما قالوا
بل ومل خيطروه ابلبال ( نبهنا هللا واايهم عن نوم الغفلة آمني) ال ميكن معرفة حقيقة العقل
- 1308 -
وكماالته التابعة اايه ابلعقل والوهم بل البد ملعرفته من الكشف الصحيح واالهلام الصريح
املقتبس من انوار مشكاة النبوة صلوات هللا تعاىل وتسليماته على مجيع االنبياء واملرسلني
عموما و على افضلهم حبيب هللا خصوصا (فان قيل) قد وقع يف عبارة املشايخ ان العقل
ترمجان الروح فما يكون معناه قلت ان العلوم واملعارف اليت تؤخذ من املبدأ الفياض
ابلتلقي الروحاين أيخذها القلب الذي هو من عامل االرواح ويرتمجها العقل وحيررها
ويلخصها وجيعلها حبيث يفهمها املتعلقون بعامل اخللق فلوال ترمجته اايها لكان فهمها
متعسرا بل متعذرا وحيث كانت املضغة القلبية خليفة احلقيقة اجلامعة القلبية أخذ حكم
االصل وصار تلقيه ايضا تلقيا روحانيا حمتاجا اىل الرتمجان ينبغي أن يعلم انه جييئ زمان
على عقل املعاد حيصل له فيه شوق جماورة النفس املطئمنة على حد يرتك القالب خاليا
اىل ان يوصلها اىل مقامها فيتقرر التعقل والتذكر حينئذ اىل املضغة القلبية ان يف ذلك
لذكرى ملن كان له قلب وح يصري القلب ترمجان نفسه فتقع معاملة العارف حينئذ على
القالب وحيصل االنقياد وقتئذ للجزء الناري الذي كان يظهر نداء اان خري منه من طبعه
ويتشرف ابالسالم احلقيقي ابلتدريج فيزال عنه اخللعة االبليسية ويوصل به اىل مقام
النفس املطمئنة االصلي وجي عل انئب منابه فصار خليفة القلب احلقيقي يف القالب هي
املضغة وانئب مناب النفس املطمئنة فيه هو اجلزء الناري {ع}:
حناس وجودي ابهلوى صار عسجدا
واجلزء اهلوائي له مناسبة ابلروح وهلذا يزعمه السالك وقت عروجه ووصوله اىل مقام
اهلواء احياان حقا ويبقى مبتلى به كما يقع مثل هذا الشهود يف مقام الروح و يبقى
السالك مبتلى هبا كما قال بعض املشائخ عبدت الروح ثالثني سنة بزعم انه احلق سبحانه
وملا ترقيت من ذلك املقام امتاز احلق من الباطل وهذا اجلزء اهلوائي يصري يف القالب قائما
مقام الروح بواسطة مناسبته اايها وحيصل له يف بعض االمور حكم الروح واجلزء املائي فيه
مناسبة للحقيقة اجلامعة القلبية وهلذا يصل فيضه اىل مجيع االشياء وجعلنا من املاء كل
شئ حي ورجوعه اىل املضغة القلبية واجلزء االرضي الذي هو اجلزء االعظم يف القالب
- 1309 -
يصري حاكما وغالبا يف القالب بعد تطهريه من التلويث والدانئة واخلسة اليت هي صفات
ذاتية له وكلما هو موجود يف القالب أيخذ حكمه ويتلون بلونه وذلك بواسطة جامعيته
التامة ومجيع اجزاء القالب اجزاؤه يف احلقيقة وهلذا صارت كرة االرض مركز العناصر
واالفالك ومركزها مركز العامل ففي هذا الوقت متت معاملة القالب ايضا وحتققت هناية
العروج والن زول وصار الكمال والتكميل نقد الوقت وهذه هي النهاية اليت فيها رجوع اىل
البداية اعلم ان الروح وان وصلت مع مجيع توابعها اىل مقرها بطريق العروج لكن ملا
تعلقت هبا تربية القالب مل يكن هلا بد من التوجه اىل هذا العامل ومت متت معاملة القالب
والنفس والعقل متوجهة اىل جناب قدسه جل سلطانه وأعرضت على القالب ابلكلية
وكان القالب ايضا متوجها اىل مقام العبودية بكليته فالروح متمكنة مبراتبها يف مقام
الشهود واحلضور ومعرضة عن رؤية ما سواه تعاىل وعلمه ابلكلية والقالب راسخ يف مقام
الطاعة والعبودية ابلتمام وهذا هو مقام الفرق بعد اجلمع و هللا سبحانه املوفق للكماالت
وهلذا الدرويش يف هذا املقام قدم خاص وهو رجوع الروح مبراتبها اىل عامل اخللق لتدعو
اخللق اىل احلق جل وعال فتأخذ الروح حينئذ حكم القالب وتكون اتبعة له ويبلغ االمر
حدا اذا كان القالب حاضرا تكون الروح ايضا حاضرة وان كان القالب غافال تكون
الروح ايضا غافلة اال يف وقت اداء الصالة فان الروح متوجهة فيه اىل اجلناب االقدس
مبراتبها وان كان القالب غافال فان الصالة معراج املؤمن ينبغي ان يعلم ان رجوع هذا
الواصل الواقع بكليته من اكمل مقامات الدعوة وهذه الغفلة سبب حضور مجع كثري
والغافلون غافلون عن هذه الغفلة واحلاضرون جاهلون هذه الرجعة وهذا املقام من قبيل
املدح مبا يشبه الذم ال يدركه فهم كل قاصر فان بينت كماالت هذه الغفلة ال يتمن احد
احلضور وهذه هي الغفلة اليت اورثت خلواص البشر فضيلة على خواص امللك وهذه هي
الغفلة اليت جعلت حممدا رسول هللا تعاىل رمحة للعاملني وهذه هي الغفلة اليت اورثت
الولياء العشرة مزية على اولياء العزلة وهذه هي الغفلة اليت ترجح الصحو على السكر
وهذه هي الغفلة اليت جعلت النبوة افضل من الوالية وهذه هي الغفلة اليت اورثت لقطب
- 1310 -
االرشاد افضلية على قطب االبدال وهذه هي الغفلة اليت احلضور خادمه االحقر وهذه
هي الغفلة اليت تنزل ابلصورة وترفع يف احلقيقة وهذه هي الغفلة اليت جتعل اخلواص
مشتبهني ابلعوام وتصري قبااب لكماالهتم {ع}:
فيا هلا قصة يف شرحها طول
القليل يدل على الكثري والقطرة تنبئ عن الغدير والسالم على من اتبع اهلدى
والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله من الصلوات امتها ومن التسليمات اكملها
(ومنها) ان حضرة خامت الرسالة صلّى هللا عليه و سلّم ممتاز من بني االنبياء عليهم الصالة
والسالم ابلتجلي الذايت وخمصوص هبذه الدولة اليت هي فوق مجيع الكماالت ولكمل
اتبعيه صلّى هللا عليه و سلّم نصيب من هذا املقام اخلاص ال يقال يلزم على هذا التقدير
ان يكون كمل االولياء افضل من سائر االنبياء عليهم السالم وهذا خالف معتقد اهل
السنة واجلماعة وهذا الفضل ليس جبزئي حت يرفع به الشبهة بل هو كلي فان تفاضل
الرجال امنا هو ابلقرب االهلي جل سلطانه وكل فضيلة سواه فهي دون ذلك الان نقول ال
يلزم ذلك فانه ال يلزم من كون النصيب هلم من ذلك املقام وصوهلم اليه والفضيلة مربوطة
ابلوصول وهذا مفقود يف حق الكمل فان هناية عروج كمل االولياء من هذه االمة اليت
هي خري االمم اىل حتت اقدام االنبياء عليهم الصلوات والتسليمات حت ان الصديق
ا الكرب رضي هللا عنه الذي هو أفضل مجيع البشر بعد االنبياء عليهم السالم هناية عروجه
اىل حتت قدم نيب هو دون سائر االنبياء عليهم السالم غاية ما يف الباب ان لكمل اولياء
هذه االمة مع كوهنم يف املقام التحتاين نصيبا اتما من كماالت مقام فوق الفوق اليت هي
خمتصة بنبيه م عليه الصالة والسالم فان اخلادم ابي مكان كان يصل اليه شئ من نصيب
خمدومه واخلادم البعيد جيد بطفيلية خمدومه ما ال يتيسر للمقربني بدون دولة اخلدمة ينبغي
أن يعلم أن هذا التوهم حيصل للمريدين احياان ابلنسبة اىل شيوخهم وحصول مقامات
شيوخهم يكون ابعثا على توهم املساواة هلم وحقيقة املعاملة هي ما ذكران فان حصول
املساواة امنا هو على تقدير الوصول اىل تلك املقامات ال على تقدير حصوهلا فقط فانه
- 1311 -
طفيلي وال يتومهن احد من هذا أن املريد ال يكون مساواي لشيخه فان االمر ليس كذلك
فان املساواة جائزة بل واقعة لكن الفرق بني حصول ذلك املقام وبني الوصول اليه دقيق
ال يهتدي اليه كل مريد البد فيه من كشف صحيح واهلام صريح و هللا سبحانه امللهم
للصواب والسالم على من اتبع اهلدى (ومنها) أن درويشا سئل انه ما السبب يف انه
يظهر لسالك هذا الطريق حالة وتبقى زماان مث تتوارى بعد ذلك مث تظهر اثنيا بعد مدة مث
تتوارى اثنيا بعد ذلك وهكذا اىل ما شاء هللا جوابه أن لالنسان سبع لطائف ومدة دولة
كل لطيفة وسلطنته على حدة فاذا ورد وارد على الطف تلك اللطائف ونزل حال قوي
تنصبغ كلية السالك بلون تلك اللطيفة وصبغها ويسري ذلك احلال على مجيع اللطائف
وما دامت دولة تلك اللطيفة اثبتة فتلك احلالة ابقية ومت انقضت مدة دولة تلك اللطيفة
تزول تلك احلالة فاذا رجعت تلك احلالة بعد ذلك فال ختلو من حالني فاما أن يرجع اىل
تلك اللطيفة نفسها فطريق الرتقي حينئذ مسدود على السالك واما أن ترجع اىل لطيفة
أخرى فطريق الرتقي حينئذ مفتوح فمعاملة هذه اللطيفة ايضا مثل معاملة اللطيفة االوىل
فان ذلك احلال اذا رجع بعد زواله ال يكون خاليا من احلالني وهكذا حال مجيع اللطائف
فاذا سرى ذلك احلال يف مجيع اللطائف بطريق االصالة فقد انتقل من احلالية وصار مقاما
وحمفوظا من الزوال و هللا سبحانه أعلم حبقيقة احلال والصالة والسالم على سيد البشر
وآله االطهر (ومنها) قال هللا تعاىل اي أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم
واشكروا هلل ان كنتم أايه تعبدون حيتمل أن يكون الشرطية قيدا لالمر ابالكل أي كلوا من
مستلذات ما رزقناكم ان صح منكم ان ختصوه ابلعبادة ولو مل يصح منكم ذلك بل كنتم
عابدين ملهيات انفسكم فال أتكلوا من مستلذاته لكونكم مرضى ابملرض الباطين
واملستلذات من املرزوقات سم قاتل لكم واذا زال املرض الباطين منكم صح لكم تناول
املستلذات فسر صاحب الكشاف الطيبات هنا ابملستلذات نظرا اىل طلب الشكر
(ومنها) قال بعض املشايخ قدس هللا تعاىل اسرارهم من عرف هللا ال يضره ذنب اي
الذنب الذي اكتسب قبل املعرفة الن االسالم جيب ما كان قبله وحقيقة االسالم هو
- 1312 -
معرفة هللا سبحانه على طريقة الصوفية بعد الفناء والبقاء فيجب حصول هذه املعرفة
الذنوب اليت كانت حاصلة قبلها وميكن ان يراد ابلذنب الذنب الذي حيصل بعد هذه
املعرفة فرياد ابلذنب الذنب الصغري ال الكبري الن اولياء هللا حمفوظون عنه او عدم ضره
بعدم االصرار والتدارك بال فصل ابلتوبة واالستغفار وجيوز ان يكون معناه ال يصدر عنه
ذنب الن عدم صدور الذنب ملزوم بعدم ضره فذكر الالزم واراد امللزوم وما توهم
امل الحدة من هذه العبارة من ان يسع للعارف ارتكاب الذنوب بعدم ضرها فباطل قطعا
وزندقة صرحيا اولئك حزب الشيطان اال ان حزب الشيطان هم اخلاسرون ربنا ال تزغ
قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة انك انت الوهاب و صلى هللا تعاىل على
سيدان حممد وآله وسلم وابرك وارجو من هللا الكرمي الواسع مغفرته ان ال يضر الذنب
املكتسب قبل املعرفة للعارف املتحقق حبقيقة االسالم وان كان ذلك الذنب من قبل
املظامل وحقوق العباد ملا هو سبحانه املالك على االطالق وقلوب العباد بني اصبعيه من
اصابعه يقلبها كيف يشاء ومطلق االسالم جيب من الذنوب ما سوى املظامل وحقوق
العباد كما ال خيفى فان حلقيقة الشئ وكماله مزيد ليس ملطلقه (ومنها) ان احلق سبحانه
موجود بذاته ال ابلوجود خبالف سائر املوجودات فاهنا موجودة ابلوجود فال يلزم احتياجه
تعاىل يف املوجودية اىل الوجود فال يقال حينئذ ان وجوده تعاىل عني ذاته ال زائد عليه لئال
يلزم احتياجه اىل الغري فان القول بعينية الوجود حيتاج اىل ادلة متطاولة ويستلزم املخالفة
جلمهور أهل السنة واجلماعة فاهنم ال يقولون بعينية الوجود بل يقولون بزايدته وال خيفى ان
احلكم بزايدة الوجود مستلزم الحتياج الواجب تعاىل وتقدس اىل الغري فسواء قلنا انه تعاىل
موجود بوجود زائد او انه موجود بذاته واخذان الوجود عرضا عاما يكون كالم مجهور
متكلمي اهل احلق صحيحا ويندفع اعرتاض املخالفني ابالحتياج ابلكلية والفرق بني
القول ابنه تعاىل موجود بذاته ال دخل للوجود فيه أصال وبني القول ابنه موجود بوجود
هو عني ذات ه واضح وهذه املعرفة مما خصين هللا تعاىل هبا احلمد هلل سبحانه على ذلك
والصالة والسالم على رسوله (ومنها) من خصائص احلق سبحانه انه موجود بذاته غري
- 1313 -
حمتاج اىل الوجود يف موجوديته سواء قلنا الوجود عني ذاته او زائد عليه فان احملذور الزم
على كال التقديرين وحيث ان عادته تعاىل جارية ابن يظهر يف مجيع مراتب االمكان
امنوذجا من كل ما هو اثبت يف مرتبة الوجوب علمه احد او مل يعلمه جعل امنوذج تلك
اخلاصة املذكورة آنفا يف عامل االمكان نفس الوجود فانه وان كان من املعقوالت الثانية غري
موجود يف اخلارج اال اننا اذا فرضنا وجوده يكون موجودا بذاته ال بوجود آخر خبالف
سائر املوجودات فاهنا حمتاجة يف موجوديتها اىل الوجود وذواهتا غري كافية فيها فاذا كان
الوجود الذي له مدخل يف موجودية االشياء موجودا يف ذاته غري حمتاج اىل وجود آخر
فما العجب اذا كان خالق الوجود ابالستقالل موجودا بذاته غري حمتاج اىل وجود اصال
واستبعاد البعداء خارج عن املبحث و هللا سبحانه امللهم للصواب فان قيل ان مراد
احلكماء واالشعري وبعض املتصوفة بقوهلم بعينية الوجود بذاته تعاىل هو عني ما قلته يف
املعرفة السابقة من ان واجب الوجود موجود بذاته ال ابلوجود فان مبن القول ابنه موجود
بوجود هو عني ذاته على انه موجود بذاته ال ابلوجود قلت فعلي هذا التقدير ال يكون
بني هذا القول وبني قول من يقول بزايدة الوجود تقابل وكان ينبغي ان يقول اهل احلق يف
مقابلة قوهلم انه تعاىل موجود بوجود ال ابلذات فان اثبات زايدة الوجود على هذا التقدير
مستدرك وحيث حاولوا اثبات الزايدة دل ذلك على ان خالف الفريقني ليس يف نفس
الوجود بل يف وصفه ابنه عني الذات او زائد عليه يعين ان كال الفريقني قائالن ابنه تعاىل
موجود ابلوجود ال خالف بينهما يف ذلك وامنا اخلالف بينهما يف عينيته وزايدته (يقول
املعرب اختلفوا يف فهم معن الع ينية واحملققون على انه ليس شئ وراء الذات والوجود من
متنزعات العقل فقط و هللا اعلم) (فان قيل) اذا كان الواجب موجودا بذاته ال ابلوجود
فما يكون معن قولنا انه تعاىل موجود فان املوجود ما قام به الوجود وال وجود ههنا اصال
على قولك (اجيب) نعم ان الوجود الذي يكون الواجب موجودا به مفقود يف الواجب
لكن مل ال جيوز ان يقال انه موجود ابعتبار قيام الوجود الذي هو عرض عام ومقول
وحممول عليه ابحلمل االشتقاقي ابلواجب تعاىل وال حمذور يف ذلك والسالم (ومنها) ال
- 1314 -
اعبد معبودا يكون داخال يف حيطة الشهود او مرئيا او معلوما او يسعه الوهم واخليال
اصال فان املشهود واملرئي واملعلوم واملوهوم املتخيل مصنوعة وحمدثة كالشاهد والرائي
والعامل والواهم واملتخيل {ع}:
آن لقمه كه در دهان نگنجد طلبم
واملقصود من السري والسلوك خرق احلجب وجودية كانت او امكانية حت يتيسر
الوصل العراين وليس املقصود منه ان يصيد املطلوب ويقيده {شعر}:
هيهات عنقاء ان يصطاده احد * فارم الشراك واال دام فيه هوا
بقي ان الرؤية يف اآلخرة حق نؤمن به وال نشتغل بكيفيته لقصور فهم العوام عن
دركه ال لعدم ادراك اخلواص فان هلم نصيبا من ذلك املقام يف الدنيا وان مل تسم رؤية
والسالم على من اتبع اهلدى (ومنها) ان كلما يعلم ويعرف فهو مقيد وعن صرافة
االطالق متنزل واملطلوب هو الذي يكون منزها ومربأ عن مجيع القيود فينبغي طلبه مما
وراء الشهود واملعرفة وهذه املعاملة وراء طور العقل فان العقل يعد الطلب فيما وراء
الشهود واملعرفة حماال {شعر}:
راز درون پرده زرندان مست پرس * كني حال نيست صوفئ عاىل مقامرا
(ومنها) أن املطلق على صرافة اطالقه مل يتطرق اليه قيد من القيود اصال ولكن
مت ظهر يف مرآة املقيد ينصبغ عكسه ابحكام تلك املرآة ويرى مقيدا وحمدودا فال جرم
يدخل حينئذ يف حيطة الشهود واملعرفة فاالكتفاء ابلشهود واملعرفة اكتفاء بعكس من
عكوس ذلك املطلوب وعايل اهلمة ال يقنع ابجلوز واملوز ان هللا سبحانه حيب معايل اهلمم
جعلنا هللا سبحانه من أرابب معايل اهلمم حبرمة سيد البشر عليه و على آله الصلوات
والتسليمات (ومنها) رأيت نفسي يف أوائل احلال أطوف مبكان ومجع آخر شركاء معي يف
ذلك الطواف ولكن بطء سري هؤالء اجلماعة على حد ال يقطعون مسافة ثالثة اقدام اىل
أن امت أان دورة واحدة فعلم يف تلك االثناء ان هذا املكان هو ما فوق العرش وهؤالء
اجلماعة الطائفون هم املالئكة الكرام على نبينا وعليهم الصالة والسالم و هللا خيتص
- 1315 -
برمحته من يشاء و هللا ذو الفضل العظيم (ومنها) أن قباب أولياء هللا تعاىل هي أوصافهم
البشرية حيث ان كلما حيتاج اليه سائر افراد البشر حيتاج اليه هؤالء االكابر ايضا والوالية
ال خترجهم من االحتياج وغضبهم ايضا مثل غضب سائر افراد الناس واذا قال سيد
االنبياء عليه وعليهم الصالة والسالم أغضب كما يغضب البشر كيف ال يصدر الغضب
من االولياء وكذلك هؤالء االكابر شركاء لسائر الناس يف االكل والشرب ومعاشرة االهل
والعيال ومؤانستهم فان التعلقات الشت اليت هي من لوازم البشرية ال تزول عن العوام
واخلواص قال هللا سبحانه يف حق االنبياء عليهم الصالة والسالم وما جعلناهم جسدا ال
أيكلون الطعام وقال الكفار الذين اقتصر نظرهم على الظاهر ما هلذا الرسول أيكل
الطعام وميشي يف االسواق فمن اقتصر نظره على ظواهر اهل هللا صار حمروما وكان
مصداق خسر الدنيا واآلخرة واقتصار النظر على الظاهر هذا هو الذي جعل أاب جهل
وأاب هلب حمرومني من دولة االسالم ورمامها يف اخلسران االبدي والسعيد هو الذي كف
نظره عن ظواهر أهل هللا ونفذت حدة نظره اىل أوصافهم الباطنية واقتصر عليها فهم كنيل
مصر بالء للمحجوبني وماء للمحبوبني والعجب أن الصفات البشرية تظهر من أهل هللا
على حد ال يظهر مثلها من سائر الناس ووجهه أن الظلمة والكدورة يكون ظهورمها يف
حمل طيب مصفى أشد وأزيد وان كانتا قليلتني خبالف احملل غري املصفى فاهنما ال يظهران
بتلك املثابة وان كاان أزيد ولكن ظلمة الصفات البشرية تسري يف كلية العوام وحتيط
بقوالبهم وقلوهبم وارواحهم واما يف اخلواص فهي مقصورة على القالب والنفس ويف أخص
اخلواص مقصور على القالب فقط والنفس مربأة عنه وأيضا ان هذه الظلمة يف العوام
موجبة للخسارة والنقصان ويف اخلواص موجبة للنضارة والرجحان وظلمة اخلواص هي اليت
تزيل ظلمة العوام وترث التصفية لقلوهبم والتزكية لنفوسهم فلوال هذه الظلمة ملا كانت يف
اخلواص مناسبة للعوام فيكون طريق االفادة واالستفادة مسدودا وهذه الظلمة ال متكث يف
اخلواص كثريا حت جتعلهم مكدرين بل يظهر من وراها ندامة واستغفار يغسل ظلمات
وكدورات اخر كثرية ويورث الرتقي وهذه الظلمة مفقودة يف املالئكة وهلذا كان طريق
- 1316 -
الرتقي مسدودا ف يهم واطالق اسم الظلمة عليها من قبيل املدح مبا يشبه الذم والعوام
كاالنعام يعدون الصفات البشرية الصادرة من اهل هللا كصفاهتم البشرية فيحرمون هبذا
االعتقاد بركاهتم وقياس الغائب على الشاهد فاسد ولكل مقام خصوصية على حدة
ولكل حمل لوازم مستقلة والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على
آله الصلوات والتسليمات (ومنها) ان االنسان ما دام مبتال ابلعلم واملعرفة ومنقشا بنقوش
السوى فهو حقري وعدمي االعتبار ونسيان السوى شرط هذه الطريقة والفناء فما عداه
قدم أول فيه وما مل تطهر مرآة الباطن من صدأ االمكان فظهور آاثر حضرة الوجوب فيها
حمال فان مجع العلوم االمكانية مع املعارف الوجوبية من قبيل اجلمع بني األضداد وههنا
سؤال قوي وهو ان العارف اذا تشرفت ابلفناء ورجع القهقري لتكميل الناقصني تعود اليه
العلوم اليت كانت زائلة عنه أوال فعلى هذا التقدير اجتمعت فيه العلوم االمكانية ابملعارف
الوجوبية وانت قلت ابنه مجع بني الضدين (اجيب) ابن العارف الباقي ابهلل طرأ عليه يف
هذا الوقت حكم الربزخية فكانه برزخ بني الوجوب واالمكان ومنصبغ بلون كل من
هذين املقامني فاي اشكال على هذه الصورة اذا اجتمعت فيه علوم كال املقامني
ومعارفهما فان حمل اجتماع الضدين مل يبق واحدا بل صار كانه متعدد فال مجع (ومنها)
ان العلوم الزائلة يف مرتبة الفناء أذا رجعت بعد البقاء ال يلزم منها نقص يف كمال العارف
بل كماله يف هذا الرجوع بل تكميله مربوط به فان العارف بعد البقاء متخلق ابخالق هللا
تعاىل وعلم االشياء يف الواجب تعاىل عني الكمال وضده موجب للنقص احملال فكذا
حال العارف املتخلق ابخالق املوىل املتعال والسر فيه ان العلم يف املمكن حيصل حبصول
صورة املعلوم فيه فال جرم يتأثر العامل حبصول صورة املعلوم فيه وكلما كان العلم ازيد كان
التأثر يف العامل اكثر فيكون التغري والتلون فيه اوسع وابسط فيكون نقصا فالبد للطالب
من ن في هذه العلوم كلها ونسيان االشياء مجلتها والعلم يف الواجب ليس كذلك اذ هو
سبحانه منزه عن أن حيل فيه صور االشياء املعلومة بل تنكشف االشياء عليه تعاىل مبجرد
تعلق العلم هبا فسبحان من ال يتغري بذاته وال بصفاته وال ابفعاله حبدوث االكوان
- 1317 -
والعارف املتخلق يصري علمه هبذه الصفة فال حيل فيه صور املعلومات فال أتثر يف حقه
فال تغري وال تلون فال يكون نقصا بل كماال هذا السر من خواص االسرار االهلية خص
هللا سبحانه وتعاىل به من يشاء من عباده بربكة حبيبه عليه و على آله أمت الصلوات
وأ كمل التسليمات (ومنها) أن هذا الدرويش تشرف مبقام الرضاء بعد مضي اثنيت عشرة
سنة من ابتداء اانبته جعلت النفس اوال مطمئنة واستسعد بعد ذلك هبذه السعادة تدرجيا
مبحض الفضل والكرم وما مل ينعكس عكس رضائه جل سلطانه مل يتشرف هبذه الدولة
فرضيت النفس املطمئنة عن موالها ورضي موالها عنها احلمد هلل سبحانه على ذلك
محدا كثريا طيبا مباركا فيه مباركا عليه وكما حيب ربنا ويرضى والصالة والسالم على رسوله
حممد وآله كما ينبغي له وحيرى فان قيل اذا رضيت النفس عن موالها فما معن طلب
دفع البالء قلت ان الرضاء عن فعل املوىل ال يستلزم الرضاء عن فعل خملوقه بل رمبا يكون
الرضاء عن فعل املخلوق مستقبحا مثل الكفر واملعاصي حيث يكون الرضاء عنهما رضاء
عن اخللق القبيح وكراهة القبيح واجبة فاذا كان املوىل غري راض ابلقبيح كيف يكون العبد
راضيا به بل العبد مأمور يف هذه الصورة ابلشدة والغلظة فالكراهة عن املخلوق ال تكون
منافية للرضاء عن خالقه فيكون طلب دفع البالء مستحسنا والذين مل يفرقوا بني الرضاء
ابلفعل وبني كراهة املفعول بقوا يف عقدة االشكال يف وجود الكراهة بعد حصول الرضاء
وتكلفوا يف دفعه وقالوا ان وجود الكراهة مناف حلال الرضاء ال ملقامه واحلق ما حققته
اب هلام هللا سبحانه وتعاىل والسالم على من اتبع اهلدى (ومنها) كنت أمتن من مدة أن
يظهر يل وجه وجيه يف عدم قراءة الفاحتة خلف االمام يف مذهبنا احلنفي ومل يكن ترك
القراءة الفرض والعدول عن القراءة احلقيقية اىل القراءة احلكمية معقوال مع أنه ورد يف
حديث نبوي ال صال ة اال بفاحتة الكتاب ومع ذلك كنت أترك القراءة ابلضرورة رعاية
للمذهب فان االنتقال عن املذهب احلاد وكنت أعد هذا الرتك من قبيل الرايضة واجملاهدة
فاظهر احلق سبحانه بربكة رعاية املذهب يف اآلخر حقيقة املذهب احلنفي يف ترك قراءة
املاموم فظهرت القرآءة احلكمية يف النظر أحسن من القراءة احلقيقية وذلك فان االمام
- 1318 -
واملأموم كالمها واقفان يف مقام املناجاة ابالتفاق الن املصلي يناجي ربه ويقدم االمام يف
ذلك املقام وجيعل مقتدى به فاالمام كلما يقرأ يقرأ على لسان القوم كما ان قوما اذا اتوا
عند ملك عظيم حلاجة جيعلون واحدا منهم رئيسا هلم حت يعرض حاجتهم عن لسان
الكل فان تكلم الباقون ايضا مع تكلم الرئيس يكون ذلك داخال حتت سوء االدب
وموجبا لسخط امللك فتكلم هؤالء اجلماعة احلكمي الذي يؤدي بلسان الرئيس احسن
من تكلم احلقيقي وكذلك حال قراءة املأموم مع وجود قراءة االمام داخل يف الشغب
ومستبعد عن االدب وموجب للتفرق املنايف لالجتماع واكثر املسائل اخلالفية بني احلنفي
والشافعي من هذا القبيل يكون الرجحان يف الظاهر يف املذهب الشافعي ويكون التأييد
والتقوية يف الباطن واحلقيقة يف جانب احلنفي وقد اظهروا هلذا الفقري يعين من عامل الغيب
ان احلق يف اخلالفيات يف جانب احلنفي وهم يرون التكوين من الصفات احلقيقية وهو
وان كان يرى يف الظاهر انه راجع اىل القدرة واالرادة ولكن يظهر بدقة النظر ونور الفراسة
انه صفة على حدة و على هذا القياس سائر اخلالفيات وكذلك االمر يف اخلالفيات
الفقهية فان الصواب فيها يف جانب احلنفي يف اكثر املسائل ويف االقل تردد وقد قال يل
النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف الواقعة يف اواسط االحوال انت من اجملتهدين يف علم
الكالم فمن هذا الوقت هلذا احلقري رأي خاص وعلم خمصوص يف كل مسئلة من املسائل
الكالمية واكثر املسائل اخلالفية اليت فيها نزاع بني االشاعرة واملاتريدية وان كان يظهر فيها
يف االبتداء ان احلق يف جانب االشاعرة ولكن اذا امعن فيها النظر بنور الفراسة يتضح ان
احلق يف جانب املاتريدية ورأي هذا الفقري موافق آلراء العلماء املاتريدية يف مجيع املسائل
الكالمية اخلالفية واحلق أن هلؤالء االكابر بواسطة اتباع السنة السنية على صاحبها
الصالة والسالم والتحية شأان عظيما مل يتيسر ذلك الشان ملخالفيهم بواسطة خلط
الفلسفيات وان كان كال الفريقني من أهل احلق وماذا أكتب من علو شأن رئيسهم االمام
االجل واهلمام االكمل ايب حنيفة رضي هللا عنه فانه اعلم اجملتهدين واورعهم واتقاهم قال
االمام الشافعي رضي هللا عنه الفقهاء كلهم عيال أيب حنيفة نقل عن االمام الشافعي
- 1319 -
رضي هللا عنه انه ملا زار قرب أيب حنيفة ترك اجتهاده وقال استحيي منه أن أعمل يف
حضوره برأيي وأخالفه فرتك قنوت الفجر وقراءة الفاحتة خلف االمام نعم امنا يعرف عظمة
شأن أيب حنيفة اال مام الشافعي واذا نزل عيسى على نبينا وعليه الصالة والسالم غدا
يعمل مبذهب أيب حنيفة رضي هللا عنه كمال قال حممد اپرسا قدس سره يف الفصول
الستة (يعين يوافق رأيه كما حققه يف مواضع) وهذه العظمة كافية له ال يعادهلا مائة
عظمة اخرى قال حضرة شيخنا قدس سره قرأت الفاحتة خلف االمام مدة مث رأيت
االمام االعظم ليلة يف املنام ينشد قصيدة غراء يف مدحه يفهم منها أن كثريا من االولياء
كانوا على مذهيب فرتكت قراءة الفاحتة خلف االمام من هذا الوقت (ومنها) ان كامال
جييز انقصا بتعليم الطريقة ويف ضمن اجتماع املريدين الناقصني يتم امر ذلك الناقص اجملاز
ايضا وقد اجاز حضرة اخلواجه النقشبند قدس سره ملوالان يعقوب اجلرخي بتعليم الطريقة
وقال له اي يعقوب كلما وصل اليك مين اوصله اىل خلق هللا وقد مت امر موالان يعقوب
بعد ذلك يف خدمة اخلواجه عالء الدين العطار قدس سره وهلذا عد موالان عبد الرمحن
اجلامي يف النفحات من مريدي اخلواجه عالء الدين العطار اوال مث ينسبه اىل اخلواجه
النقشبند اثنيا ومن هذا القبيل ان بعض الكمالء جييز بتعليم الطريقة ملريد فيه استعداد
درجة واحدة من درجات الوالية بعد حصول تلك الدرجة وذلك املريد كامل من وجه
وانقص من وجه وكذلك حال مريد فيه استعداد درجتني او ثالث درجات من درجات
الوالية يف انه كامل من وجه وانقص من وجه فانه ما مل يوصل اىل هناية النهاايت يكون
يف كل درجة من الدرجات كمال من وجه ونقص من وجه ومع ذلك جييزه الشيخ الكامل
بتعليم الطريقة بعد حصول مرتبة استعداد فلم تكن االجازة موقوفة على الكمال املطلق
ينبغي ان يعلم ان النقص وان كان منافيا لالجازة ولكن ملا اانب الكامل املكمل الناقص
مناب نفسه بعديده كيده فال يتعدي ضرره و هللا اعلم حبقائق االمور كلها (ومنها) ان ايد
داشت عبارة عن دوام حضور حضرة الذات تعالت وتقدست وهذا املعن يتخيل الرابب
القلوب ايضا يف بعض االحيان بواسطة جامعية القلب فان كلما هو يف االنسان فهو
- 1320 -
اثبت للقلب وحده وان كان الفرق ابالمجال والتفصيل موجودا فيتيسر حضور ذات احلق
سبحانه وتعاىل سبيل الدوام يف مرتبة القلب ايضا ولكن هذا املعن صورة ايدداشت ال
حقيقته وميكن ان يكون املراد ابندراج النهاية يف البداية هو هذا اليادداشت الصوري واما
حقيقته فامنا حتصل بعد تزكية النفس وتصفية القلب ولكن اذا كان املراد حبضرة الذات
مرتبة الوجوب اليت الذات فيها جامعة للصفات الوجوبية يتصور حصول ايداشت مبجرد
الوصول اىل شهود هذه املرتبة بعد طي مجيع املراتب االمكانية ويتحقق هذا املعن أيضا
يف التجليات الصفاتية فان مالحظة الصفات ليست مبنافية حلضور حضرة الذات تعالت
وتقدست على هذا التقدير وأما اذا كان املراد هبا مرتبة االحدية اجملردة اليت هي معراة عن
مجيع االمساء والصفات والنسب واالعتبارات فحصول ايدداشت امنا يتصور بعد طي
مجيع املراتب االمسائية والصفاتية والنسبية واالعتبارية وكل موضع بني فيه هذا الفقري
ايدداشت أراد به املعن االخري وان كان اطالق احلضور غري مالمي يف تلك املرتبة كما ال
خيفى على اراببه فاهنا متعالية عن احلضور والغيبة والبد يف اطالق احلضور من مالحظة
صفة من الصفات واملناسب للفظ احلضور هو تفسري ايدداشت ابملعن الثاين فاطالق
النهاية على ايدداشت على هذا التقدير امنا هو ابعتبار الشهود واحلضور فانه ال جمال
للشهود واحلضور فوق هذه املرتبة بل فيه اما جهل وحرية واما معرفة ولكن هذه املعرفة
ليست املعرفة اليت تعرفها انت فان معرفتك هي املعرفة االمسائية والصفاتية وهذا املقام فوق
معرفة االمساء والصفات مبراحل كثرية والصالة والسالم على خري البشر و على آله االطهر
(ومنها) ان متامية هذا الطريق ابلوصول اىل هناية النهاايت مربوطة بطي املقامات العشر
املشهورة اليت اوهلا التوبة وآخرها الرضاء وال يتصور مقام فوق مقام الرضاء يف مراتب
الكمال حت الرؤية االخروية ايضا وامنا يظهر حقيقة مقام الرضاء يف اآلخرة وحصول بقية
املقام يف اآلخرة غري متصور فانه ال معن للتوبة هناك وال جمال للزهد فيها وال يتصور
التوكل مثة وال احتمال للصرب هنالك نعم يتصور فيها الشكر ولكنه من شعب الرضاء ال
امر مباين له فان قيل رمبا يفهم الرغبة يف الدنيا من الكامل املكمل ويشاهد منه ما هو
- 1321 -
مناف للتوكل ويظهر منه اجلزع الذي هو مناف للصرب وتوجد فيه الكراهة اليت هي ضد
الرضاء فما وجه ذلك اجيب ان حصول هذه املقامات خمصوص ابلقلب والروح وحيصل
هذه املقامات يف النفس املطمئنة ايضا ابلنسبة اىل اخص اخلواص واما القالب فهو خال
من هذا املعن وال نصيب له منه وان انكسرت سورته وشدته قال شخص للشبلي انت
تدعي احملبة ومسانتك هذه تنايف احملبة فقال الشبلي يف جوابه {شعر}:
أحب قليب وما درى بدين * ولو درى ما أقام يف السمن
فاذا ظهر يف قالب الكامل ما ينايف تلك املقامات ال يضر ذلك يف حصول تلك
املقامات ابلنسبة اىل ابطنه وال ينافيه وأما غري الكامل فتظهر نقائض تلك املقامات يف
كليته حبيث اذا كان راغبا يف الدنيا يكون راغبا بظاهره وابطنه ومنايف التوكل يكون شامال
لصورته وحقيقته ويظهر فيه اجلزع قلبا وقالبا وتبدو فيه الكراهة روحا وبدان وهذه االشياء
هي اليت جعلها احلق سبحانه قباب أوليائه وجعل هبا اكثر الناس حمرومني من كماالهتم
ويف ابقاء هذه االشياء يف االولياء حكمة غامضة وهي عدم امتياز احلق عن الباطل الذي
هو من لوازم هذه الدار اليت هي حمل االبتالء ويف ابقائها فيهم ولو حبسب الصورة ترقيهم
فانه لو ارتفعت هذه االشياء عن االولياء ابلكلية النسد طريق ترقيهم ولصاروا حمبوسني
يف مقام خمصوص كامللك والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و
على آله أمت الصلوات واكمل التسليمات (ومنها) اهلي ما هذا الذي جعلت اولياءك
ابطنهم زالل اخلضر من ذاق منه قطرة انل احلياة االبدية و ظاهرهم ّسم قاتل من نظر اليه
مات ابملوت األبدي وهم الذين ابطنهم رمحة و ظاهرهم زمحة من اطلع على بواطنهم فهو
منهم ومن اقتصر نظره على ظواهرهم فهو من معاديهم و ظاهرهم كالشعري وابطنهم
كاحلنطة بظاهرهم من عوام البشر وبباطنهم من خواص امللك بصورهتم يف االرض
ومبعناهم يف الفلك ال يشقى جليسهم ويسعد انيسهم أولئك حزب هللا أال ان حزب هللا
هم املفلحون و صلى هللا تعاىل على سيدان حممد وآله وسلم (ومنها) ان احلق سبحانه قد
أخفى اولياءه على وجه ال يكون لظاهرهم خرب عن كماالهتم الباطنية فكيف من عداهم
- 1322 -
وقد حصلت لباطنهم نسبة الالكيفي والالمثلي وهي ايضا الكيفية وحيث ان ابطنهم من
عامل االمر فله ايضا نصيب من الالكيفي فالظاهر الذي هو كيفي من القدم اىل الرأس
كيف يدرك حقيقتها بل يكاد ينكر نفس حصول تلك النسبة من غاية اجلهل وعدم
املناسبة وميكن ان يعلم نفس حصول النسبة ولكن ال يدري ان متعلقها من هو بل رمبا
ينفي متعلقها احلقيقي وكل ذلك لعلو تلك النسبة ودنو الظاهر واما الباطن فهو مغلوب
تلك النسبة وخارج عن الشهود واملعرفة فما يدريه انه ماذا حصل فيه ومبن يتعلق حاصله
فال جرم ال يكون سبيل اىل املعرفة سوى العجز عن املعرفة وهلذا قال الصديق االكرب
رضي هللا عنه العجز عن درك االدراك ادراك نفس االدراك عبارة عن النسبة اخلاصة اليت
العجز عن ادراكها الزم الن صاحب هذا االدراك مغلوب ال يعلم ادراكه وغريه ال يعلم
حاله كما مر (ومنها) كان شخص ممن يتلبس بلباس الصوفية مبتال ابلبدعة االعتقادية
وكان يل تردد يف حقه فرأيت اتفاقا أن االنبياء عليهم الصالة والسالم كلهم جمتمعون
وكلهم يقولون بلسان واحد يف حقه انه ليس منا فخطر يف خاطري يف تلك االثناء أن
استفسرهم عن حال شخص آخر كان يل تردد فيه أيضا فقالوا يف حقه كان منا نعوذ ابهلل
سبحانه من سوء االعتقاد ومن طعن انبيائه االجماد (ومنها) قد اظهروا هلذا الفقري أن
الفاظ القرب واملعية واالحاطة االهلية الواقعة يف القرآن من مجلة املتشاهبات القرآنية كاليد
والوجه وكذلك لفظ االول واآلخر والظاهر والباطن وأمثاهلا فنقول إن احلق سبحانه قريب
ولكن ال ندري معن قربه أنه ما هو وكذلك نقول انه االول ولكن ال نعلم أن املراد
ابالول ما هو ومعن القرب واالولية الذي حيصل يف حيطة علمنا وفهمنا فهو سبحانه
منزه ومربأ منه وما يظهر يف كشفنا وشهودان فهو تعاىل متعال عنه والقرب واملعية اللذان
وجدمها بعض املتصوفة بطريق الكشف واعتقد احلق سبحانه قريبا ومعا بذلك املعن
الكشفي فليس ذلك مبستحسن وله قدم يف مذهب اجملسمة وما قاله بعض العلماء يف
أت ويله ابلقرب العلمي فهو مثل أتويل اليد ابلقدرة والوجه ابلذات فهو جموز عند جموزي
ال تأويل وحنن ال جنوز التأويل بل حنيل علمه على هللا تعاىل العلم عند هللا سبحانه والسالم
- 1323 -
على من اتبع اهلدى (ومنها) كنت اؤدي صالة الوتر احياان يف اول الليل واحياان يف آخره
فأريت يف ليلة من الليايل أن االنسان اذا انم بنية اداء الوتر يف آخر الليل يكتب له
احلسنات يف مجيع الليل اىل ان يصلي الوتر فكلما يؤخر الوتر يكون احسن وانفع ومع
ذلك ليس منظور الفقري يف أتخري الوتر وتعجيله سوى متابعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم
وال اعدل شيئا من الفضيلة مبتابعته صلّى هللا عليه و سلّم وكان صلّى هللا عليه و سلّم
يصلي الوتر يف اول الليل احياان ويف آخره اخري وارى سعاديت يف التشبه به صلّى هللا
عليه و سلّم يف مجيع االمور وان كان ذلك التشبه حبسب الصورة فقط وبعض الناس
جيعلون لبعض السنن دخال يف احياء الليايل وامثاهلا والعجب من قصور فهمهم واان ال
اشرتي الوفا من احياء الليايل بنصف متابعة وملا اردت االعتكاف يف العشر االخري من
رمضان مجعت اصحايب وقلت هلم ال تنووا شيئا غري اتباع السنة ماذا يكون تبتلنا
وانقطاعنا نقبل مائة من التعلق مبتابعة واحدة وال نقبل الفا من التبتل واالنقطاع بال توسل
متابعة {شعر}:
من كان يف قصره احلسناء قد فرغا * من التلذذ ابلبستان واخلضر
رزقنا هللا سبحانه كمال متابعته عليه الصالة والسالم (ومنها) كان مجع من
الدراويش ذات يوم قاعدين عندي قال هذا الفقري من كمال حمبته به صلّى هللا عليه و
سلّم ان حمبته صلّى هللا عليه و سلّم قد استولت على هنج احب هللا سبحانه لكونه رب
حممد صلّى هللا عليه و سلّم فتحري احلاضرون من هذا الكالم ولكن مل يكن فيهم جمال
لالنكار واملخالفة وهذا الكالم نقيض كالم رابعة حيث قالت قلت له صلّى هللا عليه و
سلّم يف املنام ان حمبة احلق سبحانه قد استولت على هنج مل يبق حمل حملبتك وهذان
الكالمان وان كاان ينبئان عن السكر ولكن يف كالمي اصالة وقالت هي يف عني السكر
واان يف ابتداء الصحو وكالمها يف مرتبة الصفات وكالمي بعد الرجوع عن مرتبة الذات
فانه ال جمال يف مرتبة الذات ملثل هذا الكالم فان مجيع النسب قاصرة عن تلك املرتبة
هناك كله حرية وجهل بل هناك نفي احملبة ابلذوق ال يرى السالك نفسه البقاء ابحملبة
- 1324 -
هناك واحملبة امنا هي يف مرتبة الصفات فقط وما يقال من احملبة الذاتية ليس املراد هبا
الذات االحدية بل الذات مع بعض اعتباراهتا فمحبة رابعة امنا هي يف مرتبة الصفات و
هللا سبحانه امللهم للصواب والصالة والسالم على سيد البشر وآله االطهر (ومنها) أن
شرافة العلم على مقدار شرافة املعلوم فكلما يكون املعلوم أشرف يكون العلم به أعلى
فيكون علم الباطن الذي امتاز به الصوفية اشرف من علم الظاهر الذي هو نصيب
علماء الظواهر على قياس شرافة علم الظاهر ابلنسبة اىل علم احلجامة واحلياكة فيكون
رعاية آداب الشيخ الذي أخذ عنه علم الباطن أزيد من أضعاف رعاية آداب االستاذ
الذي استفاد منه علم الظاهر وكذلك رعاية آداب االستاذ يف علم الظاهر يكون أزيد من
أضعاف رعاية آداب استاذ احلجامة واحلياكة وهذا التفاوت جار أيضا فيما بني أصناف
العلوم الظاهرية فان استاذ علم الكالم والفقه أوىل واقدم من أستاذ علم النحو والصرف
واالستاذ فيهما أوىل من استاذ العلوم الفلسفية مع ان الفلسفة ليست بداخلة يف العلوم
املعتربة فان اكثر مسائلها ال طائل فيها وال حاصل واقل مسائلها الذي اخذوها عن
الكتب االسالمية وتصرفوا فيه ليس خبالية عن اجلهل املركب فانه ال جمال للعقل يف ذلك
املوطن فان طور النبوة وراء طور العقل النظري (ينبغي) أن يعلم أن حقوق الشيخ فوق
حقوق مجيع ارابب احلقوق بل ال نسبة بني حقوق الشيخ وبني سائر احلقوق بعد
انعامات احلق سبحانه واحساانت رسوله عليه الصالة والسالة بل الشيخ احلقيقي للكل
هو رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم والوالدة الصورية وان كانت من الوالدين ولكن
الوالدة املعنوية خمصوصة ابلشيخ والوالدة الصورية منشأ حلياة أايم معدودة وأما الوالية
املعنوية فهي مستلزمة حلياة ابدية والذي يكنس جناسة املريد املعنوية بقلبه وروحه ويطهر
كرشه هو الشيخ وقد حيس يف التوجهات اىل بعض املريدين واملسرتشدين لتطهري
جناساهتم الباطنية ان التلوث يسري أيضا لصاحب التوجه وجيعله مكدرا اىل مدة والشيخ
هو الذي يوصل بتوسله اىل هللا عز و جل الذي هو فوق مجيع السعادات الدنيوية
واالخروية والشيخ هو الذي بوسيلته تتزكى النفس االمارة اليت هي خبيثة ابلذات وتطهر
- 1325 -
حيصل الفناء واملوت الذي يكون قبل املوت عبارة عن مفارقة اللطائف الست لطيفة
القالب وسر بقاء احلس واحلركة يف القالب بعد مفارقة تلك اللطائف قد بني يف مواضع
اخر ينبغي ان يطلبها منها وهذا الورق ال يسع التفصيل وامنا يتكلم هنا ابالشارة والرموز
وال يلزم ان جيتمع مجيع اللطائف يف مقام واحد مث تطري منه بل رمبا يتفق القلب والروح
على ذلك واحياان ثالث وآونة أربع وما ذكر اوال فهو امت واكمل وخمصوص ابلوالية
احملمدية وما عداه فهو قسم من اقسام الوالية واذا رجعت تلك اللطائف الست اىل
القالب بعد مفارقتها عنه ووصوهلا اىل مقام القدس وتلوهنا بصبغه حيصل له تعلق به سوى
التعلق احليب واتخذ حكم القالب وبعد االمتزاج حيصل هلا ايضا قسم من الفناء واتخذ
حكم امليت ففي هذا الوقت يتجلي هلا بتجل خاص وحتصل هلا حياة جديدة وتتحق
مبقام البقاء ابهلل وتتحلي ابخالق هللا فحينئذ اذا اعيد اىل العامل بعد ان كسى تلك اخللعة
تنجر املعاملة من الدنو اىل التديل وتبدو مقدمة التكميل فان مل يرجع ومل حيصل التديل
بعد الدنو يكون من اولياء العزلة فال ميكنه تربية الطالبني وتكميل الناقصني هذا حديث
بداية الطريق وهنايته بطريق الرمز واالشارة ولكن فهمه بغري قطع املنازل حمال والسالم على
من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة والسالم (ومنها) أن احلق
سبح انه متكلم من االزل اىل االبد بكالم واحد ليس هو متبعضا ومتجزائ فان السكوت
واخلرس حمال يف حقه تعاىل ما العجب اذا كان هناك من االزل اىل االبد آن واحد اذ ال
جيري عليه سبحانه زمان فكيف يقع يف آن واحد غري كالم واحد بسيط وقد صار هذا
الكالم الواحد منشأ القسام كثرية من الكالم ابعتبار تعدد تعلقات شت اذا تعلق مبأمور
مثال نشأ منه أمر وان تعلق مبنهي حصل هني وان ابخبار ظهر خرب غاية ما يف الباب ان
االخبار عن املاضي واالستقبال أوقع مجعا يف االشكال وتقدم الدال وأتخره أدي هبم اىل
مالحظة تقدم املدلول وأتخره وال اشكال يف احلقيقة فان املاضي واملستقبل من صفات
امتداد خمصوصة به حصل ذلك االمتداد ابعتبار انبساط ذلك اآلن وحيث ان ذلك اآلن
حباله يف مرتبة املدلول وليس فيها انبساط اصال ال جمال فيه للماضي واالستقبال قال
- 1327 -
ارابب املعقول ان للماهية الواحدة ابعتبار الوجود اخلارجي لوازمات شت وابعتبار الوجود
الذهين لوازمات اخرى فاذا جاز تباين الصفات واللوازم يف شئ واحد ابعتبار تغاير
الوجود واهلوية جاز ذلك يف الدال واملدلول اللذين متغايران يف احلقيقة ابلطريق االوىل
(وما قيل) من انه من االزل اىل االبد آن واحد فهو من ضيق العبارة واال ال جمال لآلن
ا يضا هناك واطالقه أيضا ثقيل هنا كاطالق الزمان (ينبغي) أن يعلم ان املمكن اذا وضع
قدمه يف خارج دائرة االمكان جيد االزل متحدا ابالبد وقد وجد النيب صلّى هللا عليه و
سلّم ليلة املعراج يف مقامات العروج يونس عليه السالم يف بطن احلوت وكان طوفان نوح
عليه السالم موجودا ورأى أهل اجلنة يف اجلنة واهل جهنم يف جهنم ورأى عبد الرمحن بن
عوف الذي هو من اغنياء الصحابة رضي هللا عنهم متأخر الدخول يف اجلنة مبقدار
مخسمائة سنة نصف يوم من أايم القيامة وسأله عن سبب أتخره وأجاب هو عن عقباته
وكل ذلك صار مشهودا يف مثل آن واحد ليس فيه سعة للماضي واالستقبال وقد ظهر
هلذا احلقري ايضا هذه احلالة يف بعض االوقات بصدقة حبيبه عليه الصالة والسالم وجد
فيها املالئكة يف السجود آلدم عليه السالم ومل يرفعوا رؤسهم من السجود ورأى مالئكة
العليني (العالني) ممتازا عنهم فاهنم مل يكونوا مأمورين ابلسجدة (كما ذكره الشيخ حميي
الدين ابن عريب) وهم مستهلكون ومستغرقون يف مشهودهم واالحوال املوعود هبا يف
اآلخرة صارت يف تلك اآلن وحيث مرت على هذه الواقعة مدة مل يبني احوال اآلخرة
تفصيال لعدم اعتماده على حافظته لكن ينبغي ان يعلم ان هذه احلالة كانت لروح النيب
صلّى هللا عليه و سلّم وجسده مجيعا ومشهوده كان ابلبصر والبصرية معا فان حصلت
هي لغريه يكون طفيليا وتبعية ومقصورا على الروح والبصرية (ومنها) ان التكوين احدى
صفات واجب الوجود احلقيقية واالشاعرة يروهنا من الصفات االضافية ويزعمون ان
القدرة واالرادة كافيتان يف االجياد ولكن احلق اهنا صفة حقيقية برأسها سوى القدرة
واالرادة وبيان ذلك ان القدرة هي صحة الفعل والرتك واالرادة ختصيص أحد هذين
الطرفني فتكون رتبة القدرة مقدمة على رتبة االرادة والتكوين الذي نعده من الصفات
- 1328 -
احلقيقية رتبته بعد رتبة القدرة واالرادة وحكمه اجياد الطرف املخصص ابالرادة فالقدرة
مصححة للفعل واالرادة خمصصة له والتكوين موجده فالبد حينئذ من التكوين وهو مبثابة
االستطاعة الكائنة مع الفعل اليت اثبتها علماء أهل السنة يف العباد وال شك ان هذه
االستطاعة بعد ثبوت القدرة بل بعد تعلق االرادة وحتقق االجياد مربوط هبذه االستطاعة
بل هي موجب للفعل وطرف الرتك غري متصور هنا وحال صفة التكوين هو هذا يعين
االجياد به بطريق االجياب وهذا االجياب ال يضر يف حتقق االختيار يف الواجب تعاىل فان
ثبوته بعد حتقق القدرة اليت هي مبعن صحة الفعل والرتك وبعد تعلق االرادة خبالف ما
قال به الفالسفة فاهنم زعموا ان الشرطية االوىل يعين ان شاء فعل واجب الصدق وان
الشرطية الثانية ممتنع الصدق وينفون االرادة فانه صريح يف االجياب تعاىل هللا سبحانه عن
ذلك علوا كبريا واالجياب احلاصل بعد تعلق االرادة وختصيص أحد املقدورين مستلزم
لالختيار ومؤكد له ليس بناف له وقد وقع كشف صاحب الفتوحات أيضا موافقا لرأي
الفالسفة حيث يعتقد الشرطية االوىل يف القدرة واجبة الصدق والثانية ممتنعة الصدق
وهذا قول ابالجياب ويلزم على هذا تعطل صفة االرادة فان ختصيص أحد املتساويني
منتف هنا فان أثبت هذا املعن يف التكوين فله مساغ وهذا الفرق تدقيق قل من سبق
ب بيانه وعلماء املاتريدية وان أثبتوا هذه الصفة ولكنهم مل يقتفوا أثر حدة النظر هذه وقد
جعلهم أتباع السنة السنية ممتازين هبذه املعرفة من بني سائر املتكلمني وهذا احلقري من
مقتطفي أزهارهم ثبتنا هللا سبحانه على معتقداهتم احلقة حبرمة سيد املرسلني عليه و على
آله أمت الصلوات واكمل التسليمات (ومنها) أن رؤية املؤمنني احلق عز و جل يف اآلخرة
حق وهذه مسئلة مل يقل جبوازها أحد من فرق االسالم والفالسفة غري اهل السنة
واجلماعة والباعث على انكارهم هو قياس الغائب على الشاهد وهو قياس فاسد فان
املرئي اذا كان غري مكيف تكون الرؤية املتعلقة به ايضا غري مكيفة ينبغي االميان هبا وان
ال يشتغل بكيفيتها وقد أظهروا هذا السر اليوم خلواص االولياء وان مل تكن رؤية ولكنها
ليست ببعيدة كانك تراه ويراه املؤمنون غدا كلهم بعني رؤسهم ولكنهم ال يدركون شيئا ال
- 1329 -
تدركه االبصار وامنا جيدون شيئني العلم اليقيين ابلذي يرونه وااللتذاذ املرتتب على الرؤية
وغري هذين من لوازم الرؤية كلها مفقودة وهذه املسئلة من أغمض مسائل علم الكالم
وطور العقل عاجز يف اثباهتا وتصويرها وقد أدركها متابعوا االنبياء من العلماء والصوفية
بنور الفراسة املقتبس من انوار النبوة وكذلك سائر املسائل الكالمية الذي يعجز العقل يف
اثباهتا ويتحري وجدها العلماء بنور الفراسة فقط والصوفية بنور الفراسة والكشف والشهود
والفرق بني الكشف والفراسة كثري واملسائل اليت قال هبا اهل السنة وانكرها املخالفون
ابلتزام طور العقل كلها من هذا القبيل اعين اهنم ادركوها بنور الفراسة والكشف الصحيح
فان اوضحوها ابلدالئل فمقصودهم منه التصوير والتنبيه ال اثباهتا ابلنظر والدليل فان نظر
العقل عاجز عن اثباهتا وتصويرها (والعجب) من العلماء اهنم يقيمون انفسهم يف هذه
املسائل يف مقام االستدالل ويريدون اثباهتا ابلدالئل ويلزمون املخالفني احلجة وهذا ال
يتيسر وال يتم ويزعم املخالفون من ذلك ان هذه املسائل ايضا مزيفة وغري اتمة مثال أن
العلماء اثبتوا االستطاعة مع الفعل وهذه املسئلة من املسائل احلقة اليت صارت معلومة
بنور الفراسة والكشف الصحيح ولكن ادلتهم اليت اوردوها يف اثباهتا مزيفة وغري اتمة
واقوى ادلتهم يف ذلك عدم بقاء االعراض يف زمانني للزوم قيام العرض ابلعرض وهو حمال
وحيث اعتقد املخالفون هذا الدليل مزيفا وغري اتم تيقنوا ان هذه املسئلة ايضا غري اتمة
ومل يدروا ان مقتداهم ومستندهم يف هذه املسئلة وامثاهلا هو نور الفراسة املقتبس من انوار
النبوة وهذا من تقصريان حيث جنعل احلدسي والبديهي نظراي يف نظر املخالف وجنتهد يف
اثباته ابلتكلفات غاية ما يف الباب ان احلدس والبديهة ليسا حبجة على املخالف وال ضرر
لنا يف ذلك فانه ال يلزمنا شئ سوى االعالم والتبليغ فمن كان فيه حسن النشأة
االسالمية يقبلها بال اختيار ومن ليس فيه ذلك ال يريد سوى االنكار وما احسن طريق
اصحاب شيخ االسالم الشيخ ايب منصور املاتريدي حيث اهنم يقتصرون على املقاصد
ويعرضون عن التدقيقات الفلسفية وامنا نشأ النظر واالستدالل على طريقة الفلسفي بني
علماء اهل السنة واجلماعة من الشيخ ايب احلسن االشعري واراد هو ان يتم وحيفظ
- 1330 -
معتقدات اهل السنة ابالستدالالت الفلسفية وهذا عيب وموجب جلسارة املخالفني على
الطعن يف اكابر الدين وترك لطريق السلف ثبتنا هللا سبحانه على متابعة آراء اهل احلق
املقتبسة من انوار النبوة على صاحبها الصالة والسالم والتحية يقول املعرب عفي عنه لقد
صد ق االمام قدس سره يف قوله سلكوا مسلك الفلسفة يف االستدالل وقد كثر ذلك يف
القرن اخلامس وبعده ونضج ذلك يف عصر الطوسي مث يف عصر القاضي عضد والتفتازاين
والدواين وعصر حمشيه حت فشى ذلك يف سائر االقطار وتنوسي طريق السلف يف أكثر
االمصار وقد اعرتف التفتازاين بذلك يف ديباجة شرحه للعقائد النسفية حيث قال فيها مث
ملا نقلت الفلسفة اىل العربية وخاض فيها االسالميون حاولوا الرد على الفالسفة فيما
خالفوا فيه الشريعة فخلطوا ابلكالم كثريا من الفلسفة ليحققوا مقاصدها فيتمكنوا من
ابطاهلا وهلم جرا اىل ان ادرجوا فيه معظم الطبيعيات واالهليات وخاضوا يف الرايضات
حت كاد ال يتميز عن الفلسفة لوال اشتماله على السمعيات انتهى كالم التفتازاين قلت مل
حيصل هذا الغرض فانه مل ينقل عن احد اهتداء فلسفي وتركه مذهبه ولكن عليه السالم
ضرره وانتشر شرره بني املسلمني حيث زعموا ان هذا من ضرورايت الدين ومن مل يعرفه مل
يعد من املسلمني وتركوا ما هو أهم هلم يف أمر الدين من حفظه من تعرضات املخالفني
املوجودين ابالشتغال برد املوهومني وملا تنبه على وخامة هذا االمر بعض اذكياء الفضالء
املتأخرين رموهم ابلضاللة والزيغ يف الدين ومل يتحاشوا عن تكفريهم واخراجهم من الدين
فاان هلل واان اليه راجعون {شعر}:
اذا كنت ال تدري فتلك مصيبة * وان كنت تدري فاملصيبة اعظم
وجمال الكالم يف هذا الباب كثري ولكن خوف االطناب واالمالل مينعين من ذلك
انتهى ما قاله املعرب عفي عنه (ومنها) حبكم كرمية واما بنعمة ربك فحدث تظهر هذه
النعمة العظمى قد حصل هلذا الفقري يقني ابملعتقدات الكالمية على وفق آراء اهل احلق
يعين اهل السنة واجلماعة على هنج يكون اليقني احلاصل ابلنسبة اىل اجلى البديهيات يف
حكم الظنيات بل الومهيات مثال اذا وازنت اليقني احلاصل بكل واحد من املسائل
- 1331 -
الكالمية ابليقني احلاصل بوجود الشمس اغار على اطالق اسم اليقني على الثاين يف
جنب اليقني االول يقبل ارابب العقول هذا املعن او ال ولعلهم ال يقبلونه فانه وراء طور
نظر العقل وليس للعقل الذي نظره مقصور على الظاهر نصيب من هذا املقام سوى
االنكار وحقيقته هذه املعاملة هي ان اليقني امر قليب واليقني الذي حيصل يف القلب
بوجود الشمس امنا هو بتوسط احلواس اليت حكمها حكم اجلواسيس واليقني الذي حيصل
فيه مبسئلة من املسائل الكالمية ليس هو بتوسط شئ وامنا تلقاه من حضرة الوهاب جل
وعال بطريق االهلام واخذه عنه بال واسطة شئ فكان اليقني االول مبثابة علم اليقني
واليقني الثاين مبثابة عني اليقني وشتان ما بينهما ع
هل املسموع كاملرئي قط
فمت صارت ساحة صدر الطالب مبحض فضل احلق جل وعال خالية عن مجيع
املرادات ومل يبق فيها مقصود غري احلق سبحانه يتيسر يف ذلك الوقت ما هو املقصود من
خلقته ويصري حينئذ مؤداي حقيقة العبودية فاذا اريد ارجاعه بعد ذلك لرتبية الناقصني
مينحه احلق سبحانه ارادة واختيارا من لدنه ويكون جمازا يف التصرفات القولية والفعلية
وخمتارا فيها كالعبد املأذون ويف هذا املقام الذي هو مقام التخلق ابخالق هللا كلما يريده
صاحب االرادة يريده لغريه ويكون منظوره مصاحل غريه ال مصاحل نفسه كما هو حال
ارادة الواجب تعاىل بل هلل املثل االعلى وال يلزم من ذلك لزوم وقوع كلما يريده صاحب
هذه االرادة بل هذا غري جائز فانه شرك وال تطيقه العبودية كيف وقد قال هللا سبحانه
حلبيبه انك ال هتدي من احببت ولكن هللا يهدي من يشاء فاذا وقعت ارادة سيد البشر
يف ورطة التوقف ماذا يكون غريه وكيف يكون هلم جمال يف ذلك وال يلزم ايضا ان يكون
مجيع مرادات صاحب االرادة هذا مرضيا عند احلق سبحانه واال ملا نزل من احلق سبحانه
اعرتاض على بعض أفعاله واقواله صلّى هللا عليه و سلّم كما قال هللا سبحانه ما كان لنيب
ان يكون له اسرى االية وملا كانت للعفو عنه معن كما قال هللا تعاىل عفا هللا عنك مل
اذنت هلم اآلية فان العفو امنا يتصور يف التقصريات على ان مجيع مرادات احلق سبحانه
- 1332 -
ليس مرضيا له تعاىل كالكفر واملعاصي (ومنها) امامي يف هذا الكالم كالم هللا ومقتداي
يف هذا االمر القرآن اجمليد فلوال هداية القرآن ملا انفتح الطريق اىل عبادة املعبود ابحلق ويف
هذا الطريق ينادي كل لطيف والطف بنداء اان هللا وجيعل السالك مبتال بعبادته فان كان
كيفيا يظهر نفسه يف صورة الكيفي وان كان تشبيها جيلي نفسه هبيئة التنزيه واالمكان
ههنا ممتزج ابلوجوب واحلدوث خمتلط ابلقدم فان كان ابطال يظهر بصورة احلق وان كانت
ضاللة تنجلي بشكل اهلداية والسالك املسكني كاملسافر االعمى يتوجه اىل كل واحد
منها قائال هذا ريب و هللا سبحانه ميدح نفسه خبالق السموات واالرض ويقول انه رب
املشرق واملغرب فاذا عرضت هذه الصفات (يعين خالقية السموات واالرض اخل) على
اآلهلة املتخيلة وقت العروج أتىب عنها بال اختيار وتتوجه على الزوال فال جرم يعرض
السالك عن الكل قائال ال احب اآلفلني وال جيعل قبلة توجهه غري ذات واجب الوجود
احلمد هلل الذي هداان هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هداان هللا لقد جاءت رسل ربنا ابحلق
(ومنها) حن ن كنا اربعة اشخاص يف مالزمة شيخنا وكنا ممتازين من بني االخوان عند
الناس وكان لكل واحد منا ابلنسبة اىل شيخنا اعتقاد على حدة ومعاملة خاصة وعلم
الفقري يقينا ان مثل هذه الصحبة واالجتماع وشبه هذه الرتبية واالرشاد مل يوجد بعد زمانه
صلّى هللا عليه و سلّم أصال وشكرت هللا سبحانه حق شكره على هذه النعمة العظمى
حيث اين وان مل اتشرف بشرف صحبة خري البشر صلّى هللا عليه و سلّم لكين مل اكن
حمروما من سعادة هذه الصحبة وقال حضرة شيخنا يف كل واحد من هؤالء الثالثة ان
فالان يراين صاحب تكميل وال يراين صاحب ارشاد وكان مرتبة االرشاد عنده فوق مرتبة
التكميل وفالن ليس له شغل بنا وقال يف حق اآلخر ان له انكارا فينا وانل كل واحد منا
نصيبا على قدر اعتقاده (ينبغي) ان يعلم ان اعتقاد املريد افضلية شيخه واكمليته من
مثرات احملبة ونتائج املناسبة اليت هي سبب االفادة واالستفادة ولكن ينبغي ان ال يفضل
شيخه على قوم قد تقرر أفضليتهم يف الشرع فانه افراط يف احملبة وهو مذموم وقد كانت
خرابية الشيعة وضاللتهم من جهة افراط يف حمبة أهل البيت واعتقد النصارى عيسى عليه
- 1333 -
السالم اهلا من افراط حمبتهم اايه ووقعوا يف اخلسارة االبدية (واما) اذا فضل شيخه على
من سواهم فه و جائز بل هذا واجب يف الطريقة وهذا التفضيل ليس ابختيار املريد بل لو
كان املريد مستسعدا يظهر فيه هذا االعتقاد بال اختيار منه فيكتسب كماالت الشيخ
بواسطته فلو كان هذا التفضيل ابختيار املريد وابلتكلف فهو غري جائز وال ينتج شيئا
(ومنها) ان الدرجة العلياء يف النفي واالثبات بكلمة طيبة ال اله اال هللا هي ان كلما يدرك
ابلكشف والشهود ينبغي ان يدخله حتت كلمة ال وان ظهر بوصف التنزيه الصرف وال
مثليا حمضا ويف جانب االثبات ال يكون نصيب غري التكلم ابلكلمة املستثناة الصادر
مبواطأة القلب {شعر}:
هيهات عنقاء ان يصطاده احد * فارم الشراك واال دام فيه هوا
والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصلوات
والتسليمات (ومنها) ان احلقيقة القرآنية وحقيقة الكعبة الرابنية فوق احلقيقة احملمدية على
مظهرها الصالة والتحية وهلذا صارت احلقيقة القرآنية امام احلقيقة احملمدية وحقيقة الكعبة
الرابنية مسجود احلقيقة احملمدية ومع ذلك حقيقة الكعبة الرابنية فوق احلقيقة القرآنية فان
هنا اي يف حقيقة الكعبة الرابنية مجيع الالصفاتية والاللونية ال متسع يف ذلك املوطن
للشؤن واالعتبارات وال جمال يف تلك احلضرة للتنزيه والتقديس {ع}:
آجنا مهه آنست كه برتر زبيانست
وهذه معرفة مل حيرك هبا احد من اولياء هللا شفته ومل يتكلم من هذه املقولة ابلرمز
واالشارة وشرف هذا الدرويش هبذه املعرفة العظمى وامتاز هبا من بني ابناء جنسه كل
ذلك بصدقة حبيب هللا وبركة رسول هللا عليه و على آله من الصلوات أفضلها ومن
التسلي مات اكملها (ينبغي) ان يعلم ان صورة الكعبة كما اهنا مسجود صور االشياء
كذلك حقيقة الكعبة مسجود حقائق تلك االشياء واقول قوال عجبا مل يسمعه احد وما
اخربه خمرب ابعالم هللا سبحانه واهلامه تعاىل اايي بفضله وكرمه وهو انه جيئ زمان بعد
مضي الف وكذا سنة من رحلته صلّى هللا عليه و سلّم تعرج فيه احلقيقة احملمدية من
- 1334 -
مقامها وتتحد مبقام حقيقة الكعبة ويعرض حينئذ للحقيقة احملمدية اسم احلقيقة االمحدية
وتكون مظهرا للذات االحد جل سلطانه ويتحقق كال االمسني املباركني مبسمى واحد
ويبقى املقام السابق خاليا من احلقيقة احملمدية اىل ان ينزل عيسى عليه السالم ويعمل
بشريعته صلّى هللا عليه و سلّم حينئذ تعرج احلقيقة العيسوية من مقامه وتستقر يف مقام
احلقيقة احملمدية اليت بقيت خالية يقول املعرب قد استصعب هذا الكالم كثري من الناس
يف زمنه واستفسروه عنه وقد كتب يف حله مكاتيب عديدة اوله املكتوب الثامن واملائتان
من اجللد االول وذكره ايضا يف املكاشفة الغيبية ولكن الذي تقرر لديه قدس سره يف
اآلخر هو ان احلقيقة احملمدية فوق حقيقة الكعبة وفوق سائر احلقائق كما هو عند
اجلمهور كذلك والغلط رمبا يقع يف الكشوفات كما قاله قدس سره (ومنها) لوال الكلمة
الطيبة ال ا له اال هللا ملا يرينا شئ طريقا اىل جناب قدسه تعاىل وملا يكشف شئ النقاب
عن وجه التوحيد وملا يفتح لنا شئ ابواب اجلنات وقد يقلع ابستعمال معول كلمة ال
امثال اجلبال من الصفات البشرية وينتفي بربكة تكرار هذا النفي عوامل من التعلقات
ويبطل به تلك اآلهلة الباطلة ويثبت هبا املعبود ابحلق جل شأنه ويقطع السالك مدارج
العامل االمكاين مبددمها ويرتقي العارف اىل معارج الفضاء الوجويب بربكتها وهي اليت تؤدى
من جتليات االفعال اىل جتليات الصفات وتوصل من جتليات الصفات اىل جتليات الذات
{شعر}:
ات جباروب ال نروىب راه * نرسى در سراى اال هللا
والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله امت الصلوات
واكمل التسليمات (ومنها) كتب الشيخ شرف الدين املنريي يف بعض مكتوابته ينبغي ان
ال يقرأ املعوذتني يف صالة الفرض فان ابن مسعود رضي هللا عنه خمالف للجمهور يف
هاتني الصورتني فال ين بغي قراءهتما يف الفرض القطعي وكان هذا الفقري ايضا ال يقرأمها
حت اظهروا هلذا الفقري ذات يوم كأن املعوذتني حاضراتن تشتكيان من املخدوم يف ابب
املنع عن قراءهتما يف الفرض واخراجهما من القرآن فمن ذاك الوقت امتنعت من تركهما
- 1335 -
وشرعت يف قراءهتما يف الفريضة وكلما اقرأ ومها يف الفريضة اشاهد احواال عجيبة واحلق
انه اذا رجعنا اىل علم الشريعة ال يظهر وجه املنع عن قراءهتما يف الفرض بل هو القاء
الشبهة يف قطيعة هذا احلكم اجملمع عليه من ان ما بني الدفتني من القرآن مع ان ضم
السورة من الواجبات اليت هي ظنية فال وجه ملنع قراءهتما اصال ولو كانتا ظنيتني ولو على
فرض احملال فان قراءهتما على طريق الضم اىل الفاحتة فالعجب من الشيخ املقتدي مثل
هذا الكالم كل العجب والصالة والسالم على سيد البشر وآله االطهر (ومنها) ان احلظ
الوافر من طريق الصوفية بل من ملة االسالم امنا هو لشخص تكون فيه الفطرة التقليدية
وجبلة املتابعة ازيد فان مدار االمر هنا على التقليد ومناط االمر يف هذا املوطن على
املتابعة يوصل تقليد االنبياء عليهم الصالة والسالم اىل درجات عليا وتؤدي متابعة
االصفياء اىل معارج عظمى وحيث كانت هذه الفطرة يف ايب بكر الصديق رضي هللا عنه
ازيد سارع اىل سعادة تصديق النبوة بال توقف وصار رئيس الصديقني وحيث كان
استعداد التقليد والتبعية يف ايب جهل اقل مل يكن مستعدا بتلك السعادة وصار مقتدى
امللعونني وكلما ينال املريد من الكمال امنا يناله بتقليده شيخه خطأ الشيخ افضل من
صواب املريد ومن ههنا متن ابو بكر رضي هللا عنه سهو النيب صلّى هللا عليه و سلّم
حيث قال اي ليتين سهو حممد وقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف شأن بالل رضي هللا
عنه سني بالل عند هللا شني فان بالال رضي هللا عنه لكونه عجميا كان يقول يف االذان
اسهد ابلسني املهملة وكان االسهد منه عند هللا تعاىل اشهد فيكون خطأ بالل افضل من
صواب غريه {شعر}:
از اشهد تو خنده زند اسهد بالل
وقد مسعت بعض االعزة يقول ان اخلطأ الواقع يف بعض االدعية املنقولة عن بعض
املشائخ اذا قرأها املتابعون بذلك اخلطأ الصادر من املشائخ تكون مؤثرة وان قرأها
صحيحة ال تكون مؤثرة ثبتنا هللا سبحانه على تقليد انبيائه ومتابعة أوليائه حبرمة حبيبه
عليه و على مجيع األنبياء واملرسلني و على متابعيهم الصلوات والتسليمات (يقول املعرب
- 1336 -
تركت هنا فصال واحدا لكونه قدس سره رجع عنه كما ذكره يف بعض مكتوابته فلم
استحسن نشر القول املرجوع عنه ابلتعريب اه ) (ومنها) ان السالك اذا وقع سريه يف
تفاصيل االمساء والصفات صار طريق وصوله اىل حضرة الذات جل سلطاهنا مسدودا
فانه ال هناية لالمساء والصفات حت ميكن الوصول اىل املقصد االقصى بعد قطعها وقد
اخرب املشائخ من هذا املقام ابنه ال هناية ملراتب الوصول فانه ال هناية لكماالت احملبوب
واملراد ابلوصول هنا وصول اىل االمساء والصفات واملسعود هو الذي يقع سريه يف االمساء
والصفات بطريق االمجال وصار واصال اىل حضرة الذات ابلسرعة والواصلون اىل الذات
يلزمهم الرجوع للدعوة بعد وصوهلم اىل هناية النهاايت وعدم الرجوع غري متصور يف ذلك
املوطن خبالف ا ملتوسطني فانه ال يلزمهم الرجوع بعد وصوهلم اىل هناية استعدادهم بل
ميكنهم ان يرجعوا وميكنهم ايضا ان ال يرجعوا وخيتاروا االقامة هناك فمراتب الوصول
متصورة اىل املنتهيني ابلتمام بل الزمة واما املتوسطون الذين سلكوا مسلك تفاصيل
االمساء والصفات فال هناية يف حقهم ملراتب الوصول وهذا العلم من مجلة العلوم
املخصوصة ابلفقري والعلم عند هللا سبحانه (ومنها) ان مقام الرضا فوق مجيع مقامات
الوالية وحصول هذا املقام العايل بعد متام السلوك واجلذبة (فان) قيل ان الرضا عن ذات
احلق سبحانه وصفاته وافعاله تعاىل واجب ويف نفس االميان مأخوذ فال بد منه لعامة
املؤمنني فما يكون معن حصوله بعد متام السلوك واجلذبة (اجيب) ان للرضا صورة
وحقيقة كسائر اركان االميان ففي االوائل حتقق الصورة ويف النهاية حتقق احلقيقة فما مل
يظهر ما ينايف الرضا حتكم الشريعة حبصول الرضا كالتصديق القليب حيث حيكم حبصوله
يعين ببقائه ودوامه ما مل يوجد ما ينافيه وما حنن بصدده حصول حقيقة الرضا ال صورته و
هللا سبحانه أعلم (ومنها) ينبغي السعي حت يتيسر العمل ابلسنة واالجتناب عن البدعة
خصوصا البدعة اليت تكون رافعة للسنة قال عليه الصالة والسالم من احدث يف ديننا
هذا ما ليس منه فهو رد وأعجب من حال مجاعة حيدثون يف الدين مع وجود اكماله
وامتامه اشياء يطلبون بتلك احملداثت تكميل الدين وال يبالون مبا عسى يكون ذلك
- 1337 -
املخرتع رافعا للسنة مثال ارسال ذنب العمامة بني الكتفني سنة وقد اختار مجع ارساله من
طرف اليسار وكان منظورهم يف ذلك التشبه ابملوتى وقد اقتدى هبم مجع كثري يف هذا
الفعل وال يدرون ان هذا العمل رافع للسنة ومؤد اىل البدعة وموصل اىل احلرمة ايهما
افضل التشبه ابملوتى أو التشبه مبحمد رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم وهو الذي تشرف
ابملوت قبل املوت فان يطلبوا التشبه ابمليت فالتشبه به اوىل والعجب ان نفس العمامة
بدعة يف كفن امليت فكيف ذنبها وبعض املتأخرين استحسن العمامة يف كفن امليت اذا
كان من العلماء وعند الفقري الزايدة نسخ والنسخ عني الرفع ثبتنا هللا سبحانه على متابعة
السنة السنية املصطفوية على مصدرها الصالة والسالم والتحية ويرحم هللا عبدا قال آمينا
(يقول املعرب عفي عنه قد شدد االمام الرابين قدس سره يف البدعة تشديدا كثريا يف غري
موضع من مكاتيبه وحيق له ذلك فلوال هذا الستغرقت ظلمات البدعة مجيع بالد اهلند
وماوراء النهر وال خيالف قوله يف ذلك قول العلماء االسالف رمحهم هللا حيث قسموا
البدعة على حسنة وسيئة وأرادوا ابحلسنة ما يكون له اصل يف الصدر االول ولو اشارة
كبناء املنائر واملدارس والرابطات وتدوين الكتب وترتيب الدالئل وحنو ذلك والسيئة ما
ليس له اصل فيه اصال فاالمام قدس سره ال يطلق اسم البدعة على القسم االول لوجود
اصله يف الصدر االول فال يكون مبتدعا وحمداث بل خيصه ابلقسم الثاين فقط لكونه
مبتدعا وحمداث حقيقة ولقوله صلّى هللا عليه و سلّم وكل بدعة ضاللة فالنزاع بينهما لفظي
اعين يف اطالق اسم البدعة على القسم االول وعدم اطالقه قال سيدي الشيخ حممد
مظهر قدس سره يف املقامات السعيدية وكان والدي رضي هللا عنه يقول البدعة احلسنة
عند االمام الرابين قدس سره داخلة يف السنة وال يطلق عليها اسم البدعة مبوجب كل
بدعة ضاللة والنزاع لفظي بينه وبني العلماء القائلني بوجود احلسن يف البدعة واثبت هذا
اببلغ الوجوه يف رسالة الرابطة انتهى وقال يف هامشه قوله لفظي اي فكل بدعة مل ختالف
السنة وهي البدعة احلسنة عند العلماء داخلة عند االمام الرابين يف السنة وامنا كتب ذلك
ردا للوهابية القائلني بعدم احلسن يف البدعة اصال متمسكني بقول االمام الرابين قدس
- 1338 -
سره انتهى قلت وكون هذا النزاع لفظيا امنا هو بينه وبني العلماء املتقدمني واما املتأخرون
الذي وسعوا ذيل البدعة احلسنة وادخلوا فيها كثريا من البدعة السيئة خصوصا يف زمنه
ويف بالده قدس سره كما رد عليهم افعاهلم املخصوصة اليت ليس هلا اصل يف الصدر االول
ومل يرد حبسنها نقل من العلماء املتقدمني املتشرعني فالنزاع بينه وبينهم معنوي حقيقي
فادر ذلك ايضا وقد وقع يف كثري من مكاتيبه منعه عن قراءة املولد بعلة البدعة ولكن هذا
املنع من وصف قراءة املولد ال من اصلها كما فصل ذلك يف املكتوب الثاين والسبعني من
اجللد الثالث فاعرف ذلك ايضا وامنا اطنبنا يف ذلك لئال يغرت بظاهر كالمه اجلاهلون
انتهى كالم املعرب) (ومنها) ا ظهروا هلذا الدرويش ذات يوم احوال اجلن فرأيت أن اجلن
يطوفون يف االزقة مثل بين آدم ومع كل جين ملك موكل واجلين ال يقدر رفع رأسه والنظر
اىل ميينه ويساره من خوف ذلك امللك املوكل حبيث صاروا كاحملبوسني واملقيدين وليس
فيهم جمال املخالفة اصال اال ان يشاء ريب شيئا وظهر يف ذلك الوقت كأن يف يد املوكل
مطرقة من حديد اذا احس قليال من خمالفة اجلين يكفي أمره بضربة واحدة منه {شعر}:
ان الذي خلق السماء والثرى * ابدى قواي فوق كل االقواي
(ومنها) ان الويل كلما جيده من الكمال وكلما يصل اليه من الدرجات امنا هو
بطفيل متابعة نبيه فلوال متابعة نيب ملا حيصل نفس االميان فكيف يفتح الطريق اىل
الدرجات العلى فلو حصل لويل فضل من الفضائل اجلزئية او درجة من الدرجات العليا
مما ليس حباصل لنيب فرضا يكون للنيب ايضا نصيب كامل من ذلك الفضل ومن تلك
الدرجة فان حصول ذلك الكمال للويل امنا هو بواسطة متابعته للنيب ونتيجة من نتائج
اتباع سننه فال جرم يكون للنيب حظ وافر ونصيب اتم من ذلك الكمال قال عليه الصالة
والسالم من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل هبا ولكن الويل سابق يف حصول
هذا الكمال ومقدم يف الوصول اىل تلك الدرجة وقد جوزوا مثل هذا القسم من الفضل
على النيب النه فضل جزئي ال يعارض الفضل الكلي الذي يف النيب وما قال صاحب
الفصوص من ان خامت االنبياء أيخذ العلوم واملعارف يعين املعارف املخصوصة عن خامت
- 1339 -
الوالية راجع اىل هذه املعرفة اليت امتاز هبا هذا الفقري وهي موافقة للشريعة من مجيع
الوجوه وقد تكلف شراح الفصوص يف تصحيحه وقالوا ان خامت الوالية خازن خامت النبوة
فلو أخذ امللك شيئا من خزينته يعين بواسطة اخلازن ال يلزم منه نقص اصال وحقيقة االمر
ما حققته ومنشأ التكلف عدم الوصول اىل حقيقة املعاملة و هللا سبحانه اعلم حبقائق
االمور كلها والصالة والسالم على سيد البشر وآله االطهر يقول املعرب مثال الفضل
اجلزئي احلاصل لغري النيب كالفضل احلاصل للمجتهدين ابستنباط االحكام الشرعية من
ادلتها وتدوينها وحصول فتوح البلدان ونشر االميان واالسالم فيها للخلفاء والسالطني
فتلك الفضائل اثبتة هلؤالء اوال مث للنيب صلّى هللا عليه و سلّم اثنيا ومن هذا القبيل ما
ذكره االمام قدس سره يف املكتوب السادس من اجللد الثاين والرابع والتسعني وغريه من
اجللد الثالث وقد اجاب قدس سره يف بعض مكتوابته مبثل ما نقل هنا من شراح
الفصوص ولكل وجهة فتذكر وتبصر انتهى (ومنها) والية الويل جزئية من اجزاء نبيه عليه
الصالة والسالم والويل وان حصلت له درجات عليا تكون تلك الدرجات جزئية من
اجزاء درجات ذلك النيب واجلزء وان حصلت له عظمة لكن البد له من ان يكون اقل
من الكل الكل اعظم من اجلزء قضية بديهية واالمحق هو الذي يتخيل عظم اجلزء ويزعمه
اعظم من الكل وال يدري ان الكل عبارة ذلك اجلزء وعن اجزاء أخر (ومنها) ان صفات
الواجب تعاىل وتقدس ثالثة اقسام القسم االول الصفات االضافية كاخلالقية والرازقية
والقسم الثاين الصفات احلقيقية ولكن فيها شائبة االضافة كالعلم والقدرة واالرادة والسمع
والبصر والكالم والقسم الثالث حقيقية صرفة كاحلياة فاهنا ال مزج فيها من االضافة ونعين
ابالضافة التعلق ابلعامل والقسم الثالث اعلى االقسام الثالثة وامجعها ومن امهات الصفات
وصفة العلم مع وجود اجلامعية فيها اتبعة لصفة احلياة وتنتهي دائرة الصفات والشئوانت
اىل احلياة وابب الوصول اىل املطلوب هو هذه الصفة وحيث كانت صفة احلياة فوق
صفة العلم فال جرم يكون الوصول اىل ذلك املوطن بعد طي مراتب العلم سواء كان علم
الظاهر والباطن وسواء كان علم الشريعة او الطريقة والذي دخل من ذلك الباب اقل قليل
- 1340 -
وامنا يرمقون بعيوهنم من بعيد وهم قليلون فلئن بينت رمزا من اسرار ذلك املقام قطع
البلعوم {شعر}:
ومن بعد هذا ما يدق بيانه * وما كتمه احظى لدي وامجل
والسالم على من اتبع اهلدى والتزم متابعة املصطفى عليه و على آله الصالة
والسالم (ومنها) ان احلق سبحانه منزه عن املثل ليس كمثله شئ ولكن جوزوا له تعاىل
مثاال ومل جيوزوا له املثل وهلل املثل االعلى وارابب السلوك واصحاب الكشوف يتسلون
ابملثال ويطمئنون ابخليال يظهرون الالكيفي مبثال الكيفي وجيلسون الوجوب بصورة
االمكان والسالك العاجز يظن املثال عني ذي املثال ويزعم الصورة عني ذي الصورة ومن
ههنا يرى صورة احاطة احلق سبحانه وتعاىل ابالشياء ويشاهد مثال تلك االحاطة يف
العامل فيتخيل ان املشهود هو حقيقة احاطة احلق سبحانه وتعاىل وليس كذلك بل احاطته
سبحانه وتعاىل ال مثلية وال كيفية ومنزهة من أن تكون مشهودة ومكشوفة الحد وحنن
نؤمن ان احلق سبحانه حميط بكل شئ ولكن ال نعرف أن احاطته ما هي واليت نعرفها
هي شبه تلك االحاطة ومثاهلا ال حقيقتها و على هذا القياس قربه ومعيته تعاىل يف أن
املشهود واملكشوف منهما هو الشبه واملثال ال حقيقته فان حقيقتهما جمهولة الكيفية
نؤمن انه تعاىل قريب منا وانه معنا ولكن ال نعرف أن حقيقة قربه ومعيته تعاىل ما هي
وميكن أن يكون املراد مبا ورد يف احلديث النبوي من قوله عليه صالة والسالم يتجلي ربنا
ضاحكا ابعتبار الصورة املثالية فان حصول كمال الرضا يرى يف املثال بصورة الضحك
وميكن ان يكون اطالق اليد والوجه والقدم واالصبع ايضا ابعتبار الصورة املثالية هكذا
علمين ريب و هللا خيتص برمحته من يشاء و هللا ذو الفضل العظيم و صلى هللا على سيدان
حممد وآله وسلم وابرك (ومنها) فان فهم يف عبارة االمام قدس سره يف بيان االحوال
واملواجيد والعلوم واملعارف تناقض وتدافع ينبغي أن حيمله على اختالف االوقات وتنوع
االوضاع فان لكل وقت احواال ومواجيد على حدة ويف كل وضع علوم ومعارف مستقلة
فال يكون يف احلقيقة تناقص وتدافع ومثل هذا مثل االحكام الناسخة واملنسوخة حيث
- 1341 -
ترى بعد النسخ والتبديل متناقضة فاذا لوحظ اختالف االوقات واالوضاع يرتفع التناقض
والتدافع وهلل سبحانه حكم ومصاحل يف ذلك فال تكن من املمرتين و صلى هللا تعاىل على
سيدان حممد وآله وسلم وابرك قال العبد الضعيف اجلامع هلذه النكات البديعة الرائقة
حممد صديق البدخشي الكشمي امللقب ابهلداية قد وقع الفراغ من تسويد هذه املعارف
العالية الشريفة املسماة ابملبدأ واملعاد يف أواخر شهر رمضان املبارك حني االعتكاف يف
سنة 1019الف وتسعة عشر {اشعار}:
اين نسخه كه مبدأ ومعاد است بنام * ز انفاس نفيس حضرة فخر كرام
چون كرد هدايت اقتباس از سر صدق * در سال هزارو نوزده گشت متام
صديق هدايت كه شدش چرخ بكام * ماان كه ز صدق شد هدايت فرجام
زين خود چه عجب وليك حتقيق اينست * گز جوش شراب امحدي ايفته جام
(متت رسالة املبدأ واملعاد)
عطية الوهاب الفاصلة بني اخلطأ والصواب أتليف العالمة الصاحل املفيد
الناصح موالان الشيخ حممد بيك نزيل مكة املكرمة شكر هللا سعيه وهي
اليت قرظ عليها علماء احلرمني وغريهم
بعض احملبني ان اكتب رسالة مشتملة على اجوبة اعرتاضات املعرتضني الذين اعرتضوا
على الشيخ االجل واالمام االكمل والعارف االجمد الشيخ امحد النقشبندي الفاروقي
السرهندي رمحه هللا تعاىل بكلماته اليت يف مكتوابته لعدم فهمهم مقصوده هبا
ومبصطلحاته وغريوا و حرفوا بعض الفاظه ألن يوقعوا الفساد واجلدال والقتال بني اخللق
واتبعيه به ويصدوا الناس عن اهلداية واالرشاد الذي حيصل هلم بصحبة أوالده واتباعه
الذين هم مستقيمون على جادة الشريعة وموصلون اىل احلقيقة واملعرفة وأمهين واكد عل ّي
بذلك وكرر عل ّي السؤال له ليظهر احلق ويبطل الباطل ويزول الفساد الذي بني املسلمني
والظن السوء الذي حصل للناس يف حق الشيخ واوالده وأتباعه خصوصا الهل احلرمني
الشريفني زادمها هللا تعاىل شرفا بسبب االستفتاء والسؤال الذي ورد من اهلند يف اثناء
ثالث وتسعني والف وافتاء بعض طلبة العلم يف احلرمني الشريفني فاجبت لدفع هذه
املفسدة واالصالح بني املسلمني واظهار احلق بينهم ونفي التهمة يف حق العامل العامل
املتقي ولقوله تعاىل وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على االمث والعدوان وبلغين ان
الرسالة اليت كتبها بعض علماء احلرمني الشريفني يف اثبات الطعن يف الشيخ امحد رمحه هللا
تعاىل أرسلها مع االستفتاء بعالمة بعض علماء احلرمني الشريفني مبوجب ذلك السؤال
واالستفتاء احملرف املعرب من االلفاظ الفارسية على خالف مراد الشيخ امحد رمحه هللا
ومقصوده لعدم اطالعهم على حقيقة االمر اىل اهلند واسالمبول وما وراء النهر ليظهر
الفساد واخلصومة بني توابع الشيخ وغريهم بسببه ألن يف كل هذه البلدان للشيخ اتباعا
ومريدين وما ارسلها إال ليظن الناس الظن السوء يف حق الشيخ ألن فتوى علماء احلرمني
عندهم معتربة فاذا وصلت إليهم الرسالة مع االستفتاء يظنون ظن السوء يف حقهم ألبتة
فلدفع هذا الشر والعمل ابحلديث يف السؤال اذا ظهر الفنت والبدع أو سب أصحايب
فليظهر العامل علمه فمن مل يفعل فعليه لعنة هللا واملالئكة والناس امجعني انتهى .ومن اقبح
الفنت والبدع ذم العامل املتقي الذي هو صاحب احلال والقال والعارف الرابين واحلرب
الصمداين وجامع املعقول واملنقول كتبت هذه الرسالة بعون هللا تعاىل وتوفيقه اللهم أران
- 1343 -
احلق حقا وارزقنا اتباعه وأران الباطل ابطال وارزقنا اجتنابه اللّهم اان نسئلك العفو والعافية
وحسن اخلامتة وذكرت فيها الفاظ املكتوابت للشيخ رمحه هللا وعباراهتا الفارسية بعينها
ليظهر للمنصف الصادق دفع احملذورات اليت نشأت من عدم فهم املعرتضني مصطلحاته
ومراده الذي اراد بكالمه ومن تركهم بعض الفاظها من كالمه ومن تعريب الفاظها
الفارسية على خالف مقصوده ومراده ودفع قول من يقول ما ذكرته ليس يف املكتوابت
والعجب من الطاعن كيف يثبت االميان لفرعون وقد ثبت كفره عند العلماء ويشنع على
الشيخ امحد رمحه هللا وهو من العلماء العاملني العارفني ويرتكب ما ال ينبغي يف حقه
فلنشرع اآلن يف املقصود بتوفيق هللا تعاىل وأتييده سبحانه.
(اجلواب االول) لقول املعرتضني يف صورة السؤال (وبعد) فما يقول العلماء الذين
هم ورثة االنبياء والفضالء الذين هم دعاة اخللق اىل الطريق السواء يف حق امحد
السرهندي الكابلي الذي قال (اي يف رسالة املبدأ واملعاد) بتفضيل حقيقة الكعبة على
حممد صلّى هللا عليه و سلّم مستدال أبن صورة الكعبة مسجود اليها للصورة احملمدية
فكذلك حقيقة الكعبة مسجود اليها للحقيقة احملمدية وملا ألزمه اهل بالده بلزوم تفضيل
صورة الكعبة ايضا على صورة حممد صلّى هللا عليه و سلّم بعني ذلك الدليل بل اوىل
التزمه وقال ينبغي ان يعلم ان صورة الكعبة ليست عبارة عن احلجر واملدر اذ لو فرض
عدمها لكانت الكعبة كعبة ومسجودة للخالئق قال يف املكتوب املويف مائة من اجللد
الثالث الكعبة املسجود اليها للخلق ليست هي احلجر والطني وال السقف واجلدران الن
تلك لو زالت ك انت الكعبة مكاهنا وامنا الكعبة هلا ظهور وال صورة هلا وهذا من اعجب
العجائب انتهى مث قال (يف املبدأ واملعاد) بل صورة الكعبة مع كوهنا من عامل اخللق هي
يف لون احلقائ ق االمرية واعجوبة يعجز العقالء عن تشخيصها اىل ان قال نعم ان مل تكن
كذلك مل تكن مستحقة الن تكون مسجودا اليها الفضل املوجودات انتهى وقال ان
املراد حبقيقة الكعبة هي احلقيقة االمحدية اليت هي تعينه االمكاين االمري وابحلقيقة
احملمدية تعينه االمكاين اخللقي ال تعينه الوجويب فبعد مضي ألف سنة تغلب الروحانية
- 1344 -
اليت لالمحدية على البشرية اليت كانت للمحمدية فينصبغ عامل خلقه بصبغ عامل االمر فما
رجع من خلقه اىل احملمدية يعرج حت يلتحق ابالمحدية ويتحدان ال انه يعرج عن
الوجوب فان العروج عن التعني االول الوجويب ال معن له انتهى وقال يف املكتوب التاسع
واملائتني ينبغي ان يعلم ان حقيقة كل شئ عبارة عن التعني الوجويب الذي تعني امكاين
ذلك الشخص ظل ذلك التعني الوجويب وهو اسم من امساء هللا تعاىل كالعليم ونقل كالم
الشيخ ابن العريب قال الشيخ يف رسالة القدس ان االكوان ظالل االمساء اآلهلية واالمساء
ظالل الشئون الذاتية لذلك الشئ وهو اسم من االمساء اآلهلية كالعليم وذلك االسم رب
ذلك الش خص ومبدأ الفيوض الوجودية له وتوابعها اىل ان قال فاذا متهد هذا فنقول ان
حممدا صلى هللا تعاىل عليه وسلم مركب من عامل اخللق واالمر واالسم اآلهلي الذي هو ربه
شأن العليم والذي يريب عامل امره هو املعن الذي صار مبدأ لذلك الشأن وحقيقة الكعبة
ايضا ذلك املعن واذا كانت حقائق االشياء االمساء االهلية وحقيقة الكعبة فوق تلك
االمساء كانت متبوعة حلقائق االشياء فلزم ان تكون مسجودة للحقيقة احملمدية انتهى
(اعلم ان الشيخ رمحه هللا ما قال ان حقيقة الكعبة افضل من احلقيقة احملمدية بل قال يف
مكتوبه ان حقيقة الكعبة فوق احلقيقة احملمدية صلّى هللا عليه و سلّم فتوهم بعض الناس
من هذا الكالم ان الكعبة املعظمة افضل من النيب صلّى هللا عليه و سلّم واحلال انه عليه
الصالة والسالم افضل املخلوقات واشرف الربايت قلنا وابهلل العصمة والتوفيق وبيده ازمة
التحقيق ان ذلك التوهم امنا نشأ من محل لفظ احلقيقة على ذات الشئ وتشخصه وهو
مبين على اجلهل عن اصطالح هذه الطائفة العلية وعدم االطالع على حقيقة كالم
شيخنا رضي هللا عنه فان حقيقة الشئ عندهم اسم اهلي هو مبدأ لتعني ذلك الشئ
ووجوده وذلك الشئ كالظل والعكس لذلك االسم واالسم واسطة الفيوض بني احلضرة
القدسية وبني ذلك الشئ كما أن الشأن الذايت واسطة بني ذلك االسم املقدس وبني
الذات املنزه العلي على ما جرت عليه العادة االهلية من توسيط الوسائط ورعاية املناسبات
بني املفيض واملستفيض قال الشيخ حميي الدين بن العريب قدس سره يف رسالة القدس ان
- 1345 -
االكوان ظالل االمساء االهلية واالمساء ظالل الشؤن الذاتية وعند الشيخ امحد رمحه هللا
ابعتبار الظهور هلل تعاىل مراتب مرتبة الالتعني وهو مرتبة الذات البحت وعند الصوفية
يطلق عليه هذه االمساء االحدية الذاتية واالحدية املطلقة واالحدية الصرفة وعامل الالهوت
وازل االزل وخفاء اخلفاء وبطون البطون وغيب اهلوية والثاين مرتبة التعني الوجودي واحليب
والثالث مرتبة احلياة والرابع مرتبة العلم اجلملي وهي مرتبة الوحدة والشأن التفصيلي وهو
الواحدية واالعيان الثابتة وهي مرتبة االمساء عند القوم وعامل اجلربوت وحقيقة احملمدية
عبارة عن اسم العليم عند الشيخ أمحد رمحه هللا وعندهم مرتبة االمساء مرتبة الوحدة والعلم
اجلملي ايضا وهذه املراتب كلها قدمية ازلية تقدمي بعضها على البعض ابلذات ال ابلزمان
وللعامل مراتب االول مرتبة االرواح وهو عامل االمر وامللكوت والثاين مرتبة عامل املثال
والثالث مرتبة عامل الشهادة وهو عامل اخللق والناسوت وعند الشيخ امحد رمحه هللا حممد
صلى هللا عليه وسلم مركب من عامل االمر واخللق وامسه صلّى هللا عليه و سلّم امحد
ابعتبار عامل أمره وحممد ابعتبار عامل خلقه واسم هللا تعاىل الذي هو مريب عامل أمره وهو
مظهره يقال له احلقيقة االمحدية وهي املعربة حبقيقة الكعبة وامسه تعاىل الذي هو مريب عامل
خلقه صلّى هللا عليه و سلّم يقال له احلقيقة احملمدية واملراد ابحلقيقة احملمدية اليت فوقها
حقيقة الكعبة التعني االمكاين النوري وحبقيقة الكعبة التعني الوجويب وصرح بذلك يف
املكتوب التاسع واملائتني من اجللد االول بقوله (ابيد دانست) كه حقيقة شخص عبارت
از تعني وجوىب ست كه تعني امكاين آن شخص ظل آن تعني ست وآن تعني وجوىب
امسى ست از امساء اهلى كالعليم والقدير وگومي كه حقيقة شخصى چنانكه تعني وجوىب
اورا گويند تعني امكاىن اورا نيز گويند انتهى ملخصا (معربه) ينبغي ان يعلم ان حقيقة
الشخص عبارة عن التعني اإلمكاين ظل ذلك التعني الوجوىب الذي التعني الوجويب وهو
اسم من امساء هللا تعاىل كالعليم والقدير واقول ان حقيقة الشخص كما تكون التعني
الوجويب كذلك تكون التعني االمكاين الذي هو ظله انتهى ملخصا ولفظ احلقيقة ال
يطلق على هللا تعاىل بل على اسم من امساء هللا تعاىل الذي هو مبدأ تعني ذلك الشئ
- 1346 -
وحقيقته الوجوبية فال يرد عليه ان امساء هللا تعاىل توقيفية فاذا متهد هذا فاعلم ان لنبينا
صلّى هللا عليه و سلّم حبسب تقلبه يف اطواره وانواره كماالت ال حتصى ومقامات ال
تستقصى فله عليه الصالة والسالم ابعتبار هذا الوجود العنصري وارشاده هلذا العامل
الظلماين اسم مبارك هو حممد صلّى هللا عليه و سلّم انش من حقيقته وهو اسم اهلي
يناسب تربية هذا العامل السفلي مسمى حبقيقة حممدية وله عليه الصالة والسالم ابعتبار
وجوده الروحاين املريب لعامل امللكوت النوراين اسم آخر هو امحد انش عن اسم وشأن اهلي
هو مبدأ واصل للحقيقة احملمدية يناسب تربية ذلك العامل العلوي مسمى ابحلقيقة
االمحدية املعربة حبقيقة الكعبة الرابنية اي املريب للكعبة ومثبتها وله عليه الصالة والسالم
وراء هذين التعينني اللذين مها كاالحياز الطبيعية له عليه الصالة والسالم عروجات ال تعد
واسرار ال تنفد واليها يشري قوله صلّى هللا عليه و سلّم (يل مع هللا وقت) ال يسعين فيه
ملك مقرب وال نيب مرسل وهبا يومئ قوله تعاىل وكان قاب قوسني او ادىن وهو مورد
السر االصطفائي واحملبوبية الصرفة وهي مناط الفضل ومدار التفوق فثبت ان التفوق امنا
هو لبعض كماالته ومراتبه عليه الصالة والسالم على بعض وان حقيقة الكعبة الرابنية
بعض من حقائقه العالية وجزء من حقيقته اجلامعة الشاملة فبطل توهم التفوق واضمحل
حديث االفضلية وهذا الذي ذكرانه نبذة مما حققه شيخنا وامامنا يف جواب مسائل سئل
عنه يف املكتوب التاسع واملائتني من مكتوابت اجللد االول وينبغي ان يعلم ان فضل
احلقيقة على احلقيقة ال يوجب فضل الصورة على الصورة جلواز ان حيصل للصورة مع
حقيقتها اليت هي رهبا قرب واتصال مل يتيسر للصورة االخرى وهذا فيما حنن فيه أظهر من
ان خيفى الن كمال القرب امنا هو ابلفناء والبقاء والعروج املخصوص ابلبشر وغري
االنسان الكامل له مقام معلوم مث أعلم ان لفظ احلقيقة احملمدية يف عبارات شيخنا
وامامنا على معان خمتلفة واحناء شت فمت قوبلت ابحلقيقة االمحدية والكعبة الرابنية يراد
هبا ماذكرانه سابقا من انه اسم اهلي مناسب لرتبية العامل السفلي ومت ذكرت مطلقة
يقصد هبا احلقيقة اجلامعة للحقيقة احملمدية واالمحدية والكعبة الرابنية وهي املعربة حبقيقة
- 1347 -
احلقائق وهي احلقيقة اليت ال واسطة بينها وبني الذات املقدس كما ذكر شيخنا رمحه هللا
يف آخر مكتوب من اجللد الثالث له قبيل وصاله ابايم قليلة ان احلقيقة احملمدية ظهور
اول وح قيقة احلقايق انتهى ويف املكتوب االول من اجللد الثاين من املكتوابت املعصومية
(حقيقة كعبه انشئ از مقام معبوديت ومسجوديت ست كه آن حقيقة ذات حق ست
جل سلطانه ابعتبار شان از شؤن واعتبارى از اعتبارات نه ذات حق كه معرى از نسب
واعتبار ست كه آن مرتبهء عليارا ابعامل غناى ذاتست) انتهى (معربه) حقيقة الكعبة
انشئة من مقام املعبودية واملسجودية اليت هي ذات هللا ابعتبار شأن من شؤانته واعتبار
من االعتبارات ال الذات املعرات عن النسب واالعتبارات حاصله ان النيب صلّى هللا عليه
و سلّم مركب من عامل االمر واخللق وله امسني امحد وحممد فاالول يطلق عليه صلّى هللا
عليه و سلّم ابالعتبار االول والثاين ابالعتبار الثاين واحلقيقة االمجالية ابصطالح القوم
التعني االول واحلقيقة التفصيلية وهي التعني الثاين ابصطالحهم ظل التعني االول وهي اي
احلقيقة االمجالية اسم من امساء هللا تعاىل وظلها عامل امره عليه الصالة والسالم وظل
التعني الثاين عامل امره مع خلقه عليه الصالة والسالم والتحية ويف التعني االول مراتب
الشؤانت وفيه شأن االمحدية والكعبة وعند الشيخ امحد رمحه هللا فيه شأن فوق شأن
وعنده الصفات زائدة على الذات موجودة بوجود زائد وهو مذهب مجهور املتكلمني ويف
شرح العقائد ملوالان جالل الدين الدواين ولكنهم خيالفون يف كون الصفات عني ذاته او
غري ذاته او ال هو وال غريه فذهب املعتزلة والفالسفة اىل االول ومجهور املتكلمني اىل
الثاين واالشعري اىل الثالث انتهى ومقامها وراء الصور العلمية اليت هي يف املراتب العلمية
وليس التعني العلمي اجلملي تعينا اوال وهو صفة العلم اليت هي من الصفات احلقيقة
الزائدة وال التعني االول لذاته تعاىل كما هو عند القوم الن الصفات عنده غري الذات
اشار اليه بقوله يف املكتوب التاسع واملائتني من اجللد االول (وشك نيست كه حصول
شأين اگر چه جمرد أعتبار ست نيز تقاضاى آن مكيندكه فوق آن معن زايد ديگر
ابشد) (معربه) وال شك ان حصول الشان وان كان جمرد اعتبار ولكن يقتضي ان يكون
- 1348 -
فوقه معن آخر زائد انتهى فاحلقيقة احملمدية هي التعني االمكاين كما اشار اليه بقوله يف
ذلك املكتوب مراد از حقيقت حممدى دراينجا أمكاىن خلق ست (معربه) املراد من
احلقيقة احملمدية ههنا تعينه االمكاين اخللقي انتهى وفوقها حقيقة الكعبة الشك فيها وهو
الشأن الوجويب يف التعني االول ويتوجه اليها يف الصالة فصح قوله يف املبدأ واملعاد حقيقة
قرآىن وحقيقة كعبهء رابىن فوق حقيقة حممديه ست على مظهرها الصالة والسالم ان
احلقيقة القرآنية والكعبة الرابنية فوق احلقيقة احملمدية على مظهرها الصالة والسالم انتهى
وليس يف املبدأ واملعاد لفظ التفضيل وال لفظ االفضل بل فيه لفظ التفوق (واجلهلة فهموا
منه االفضلية ولقد قال االمام قدس سره وغريه أيضا ان الصفات االهلية بعضها فوق
ب عض فاحلياة فوق الكل مث العلم مث القدرة مث االرادة مث التكوين وال يلزم من ذلك افضلية
بعضها على بعض) الن االفضلية مبعن كثرة الثواب وهي ال تتصور هنا ويف شرح املواقف
ان املالئكة وان كانوا فوق البشر يعين يف بعض االمور لكن االفضلية مبعن كثرة الثواب
للبشر انتهى فاذا عرجت احلقيقة احملمدية يف السري يف هللا تكون الشؤانت اليت توجه
صلّى هللا عليه و سلّم اليها قبل العروج كالظالل هكذا اىل غري النهاية فاذا مسعت
عبارات املكتوابت وحاصلها فاعلم انه ال يصلح اعرتاض املعرتضني على املكتوب املويف
مائة من اجللد الثالث الكعبة املسجود اليها اخل وعباراته املعربة هكذا الكعبة املسجود
اليها للخالئق ليست هي عبارة عن احلجر واملدر واجلدران والسقف الهنا لو مل تكن
ابلفرض والتقدير ال تزال الكعبة كعبة ومسجودا اليها فههنا ظهور وليس الصورة فيه وهذا
من اعجب العجائب انتهى فال يلزم القبح لقائله بقول الشخص الذي كتبه يف آخر دفرت
السؤال يف جوابه ما نصه والقول ابن الكعبة ليست هي البنية وامنا هي شئ يعجز العقل
عن تشخيصه واهنا يف صورة االمر قبح سادس عشر النه رد لآلايت املتكاثرة واالحاديث
املتواترة انتهى كيف يلزم القبح ملن يقول ان الكعبة ليست هذه البنية مع ان أكثر الفقهاء
صرحوا به وهو مذهب أيب حنيفة رضي هللا عنه ويف شرح الطحاوي الكعبة اسم للعرصة
فان احليطان لو وضعت يف موضع آخر وصلي اليها ال جيوز ويف التهذيب املعترب التوجه
- 1349 -
اىل مكان البيت دون البناء حت لو صلى فوق الكعبة جاز وعند الشافعي البناء معترب
ويف فتاوي االوحدي الكعبة اذا رفعت عن مكاهنا لزايرة اصحاب الكرامة ففي تلك احلالة
جازت صالة املتوجهني اىل ارضها ويف الظهريية الكعبة هي العرصة واهلواء اىل عنان
السماء عندان ويف فتاوى احلجة الصالة يف ايب قبيس واجلبال والتالل الشاخمة جائزة و
على ظهر الكعبة جائزة الن ال قبلة من االرض السابعة اىل السماء السابعة حبذاء الكعبة
اىل العرش انتهى وهذه الرواايت نقلت من كنز العباد وقال فقهاء احلنفية واملالكية الكعبة
والقبلة عندان هي البقعة احملدودة اىل السماء دون البناء والبناء تبع وعالمة ملعرفة القبلة
حت لو وضع هذا البناء يف موضع آخر ال جيوز تعظيمه يعين ابلسجود اليها واال فتعظيم
حصى احلرم ايضا مطلوب فضال عن بناء الكعبة ولو اهندم البناء والعياذ ابهلل الكعبة ابقية
بدليل ان االنبياء واالولياء استقبلوا وطافوا هلذه البقعة مدة الفني ومائتني واربعني سنة ومل
يكن هناك بناء وعند الشافعية كذلك اال يف حق من يصلي يف الكعبة أو على سطحها
فانه فرض عليه ان يستقبل اىل البناء وأقله قدر ثلثي ذراع حت لو صلى داخل الكعبة
متوجها اىل الباب املفتوح ال جيوز عندهم اال اذا كانت العتبة مرتفعة قدر شرب وزايدة
بدليل ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم صلى داخل البيت متوجها اىل الباب وامر برده
ولوال ان الكعبة بناء أو شاخص ملا امر برد الباب وقال بعضهم قبلة الداخل البناء وقبلة
اخلارج ايضا البناء فاذا مل يكن البناء وال الشاخص يصلى اىل البقعة ضرورة والقبلة اسم
للبقعة والعرصة قالوا هو الصواب كما يف البحر انتهى فما يقول العلماء العظام يف حق
من يقبح قائل ذلك القول املذكور وهو قول احلنفية واملالكية ويلزم منه هذه القباحة
الشنيعة يف حقهم ايضا بينوا تؤجروا ومما يدل على ان حقيقة الكعبة غري هذا البناء ما
روى الطرباين يف االوسط عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما ان رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم قال ان الكعبة هلا لسان وشفتان ولقد اشتكت فقالت اي رب قل عوادي او
قل زواري فاوحى هللا عز و جل اين خالق بشرا خشعا سجدا حينون اليك كما حتن
احلمامة اىل بيضها وما روى الفاكهي عن على بن أيب طالب رضي هللا عنه قال خلق هللا
- 1350 -
تعاىل البيت قبل االرض والسموات أبربعني سنة وكان غثاء على املاء وما روى الفاكهي
ايضا عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال الكعبة خلقت قبل االرض أبلفي عام قيل وكيف
خلقت قبل االرض وهي من االرض قال اهنا كان عليها ملكان يسبحان هللا تعاىل ابلليل
والنهار ألفي سنة فلما أراد هللا تعاىل ان خيلق االرض دحاها من حتت الكعبة يف وسط
االرض هكذا يف االعالم اتريخ بلد هللا احلرام انتهى وما اخرج اجلندي عن الزهري قال اذا
كان يوم القيامة رفع هللا الكعبة اىل بيت املقدس فتمر بقرب النيب صلّى هللا عليه و سلّم
فتقول السالم عليك اي رسول هللا ورمحة هللا وبركاته فيقول النيب صلّى هللا عليه و سلّم اي
كعبة هللا ما حال اميت فتقول اي حممد اما من وفد ايل فاان القائمة بشأنه واما من مل يفد
ايل من امتك فانت قائم بشأنه كذا يف تفسري الدر املنثور وعن جابر رضي هللا عنه قال
قال عليه الصالة والسالم زفت الكعبة اىل قربي فتقول السالم عليك اي حممد فاقول
وعليك السالم اي بيت هللا ما صنع بك اميت فتقول من ااتين فاان اكفيه وأكون له شفيعا
ومن مل أيتين فانت تكفيه وتكون له شفيعا ويف التشويق قال وهب بن الورد كنت اطوف
اان وسفيان الثوري ابلبيت فانقلب سفيان وبقيت يف الطواف فدخلت احلجر فصليت
حتت امليزاب فبينما اان ساجد اذ مسعت كالما بني استار الكعبة واحلجارة وهو يقول اي
جربيل اشكو اىل هللا مث اليك ما يصنع هؤالء الطائفون من تفكههم يف احلديث ولغطهم
وسهوههم قال وهب فعرفت ان البيت شكى اىل جربائيل عليه السالم وقال علي بن
موفق دخلت يف احلجر فسمعت البيت يقول لئن مل ينته الطائفون حويل عن معاصى هللا
تعاىل الصرخن صرخة ارجع اىل املكان الذي جئت عنه ويف االحياء النتفضن نفضة وفيه
ايضا أن الكعبة حتشر كالعروس املزفوف وكل من حجها متعلق ابستارها يسعون معها
حت تدخل اجلنة فيدخلون معها ومما يدل ان حقيقة الكعبة غري اجلدران والسقف
واحلجر واملدر كالم الشيخ حميي الدين ابن العريب يف الفتوحات املكية حيث قال وكانت
بيين وبينها يف زمان جماوريت هبا مراسالت وتوسالت وقد ذكرت ما كان بيين وبينها من
املخاطبات يف جزء مسيته اتج الرسائل ومنهاج الوسائل حيتوي فيما أظن على سبع رسائل
- 1351 -
لكل شوط من االشواط السبعة رسالة مين اىل الصفة االهلية اليت تتجلى يل يف ذلك
الشوط ولكن ما عملت تلك الرسالة وال خاطبتها هبا اال بسبب حادث وذلك اين كنت
عليها افضل نشأيت واجعل مكاهنا يف جملى احلقائق دون مكانيت وأذكرها من حيث ما
هي اال نشأة مجادية يف اوىل درجة من املولدات وأعرض عما خصها هللا به من اعلى
الدرجات وذلك مين يف حقها لغلبة احلال عل ّي فال شك ان احلق اراد ان ينبهين عما اان
عليه من سكر احلال فاقامين من مضجعي يف ليلة ابردة مقمرة فيها رش مطر فتوضأت
وخرجت اىل املطاف ابنزعاج شديد فقبلت احلجر وشرعت يف الطواف فلما جئت اىل
ا مليزاب رأيتها فيما خيل يل قد مشرت أذايهلا واستعدت فلما وصلت اىل الركن الشامي
ارادت أن تدفعين بنفسها وترمي يب عن الطواف هبا وهي تتوعدين ابلكالم أمسعه ابذين
واظهر هللا يل فيها حرجا شديدا حبيث مل أقدر على الرباح من موضعي ذلك فتسرتت
ابحلجر ليقع الضرب منها عليه وجعلته كاجملن بيين وبينها وامسعها و هللا وهي تقول كم
تضع من قدري وترفع من قدر بين آدم وتفضل العارفني عل ّي وعزة من له العزة ال اتركنك
تطوف يب فرجعت اىل نفسي وعلمت أن هللا تعاىل يريد أتدييب وقال فوجدهتا فيما خيل
يل قد ارتفعت عن االرض بقواعدها مشمرة االذايل كاالنسان اذا أراد أن يثب من مكانه
جيمع عليه ثيابه وهي يف صورة اجلارية احلسناء مل ار احسن منها وال يتخيل يل أحسن
منها فشكرت هللا على ذلك وزال اجلزع الذي كنت اجده من الكعبة فارجتلت أبياات يف
احلال يف مدحها اخاطبها هبا واستنزهلا عن ذلك احلرج الذي عاينته منها فما زلت اثن
عليها يف تلك االبيات والكعبة تتسع وتنزل بقواعدها اىل مكاهنا وتظهر السرور مبا امسعها
ايل ابلطواف فرميت
من مدحها اىل ان عادت اىل حاهلا كما كانت وامنتين واشارت ّ
نفسي على املستجار وما يف مفصل اال وهو يضطرب من قوة احلال اىل ان سرت عين
وصاحلتها واودعتها شهادة التوحيد عند تقبيل احلجر فخرجت الشهادة يف صورة سلك
وانفتح يف احلجر االسود مثل الطاق حت نظرت اىل طول احلجر فرأيته حنو ذراع فسألت
عنه بعد ذلك من اجملاورين فقال يل رأيته كما ذكرت يف طول ذراع االنسان ورأيت
- 1352 -
الشهادة مثل الكية استقرت يف قعر احلجر وانطبق احلجر عليها وانسد ذلك الطاق واان
انظر اليه فقالت يل هذه امانة عندي ارفعها لك اىل يوم القيامة فشكرت الكعبة على
ذلك ومن ذلك الوقت وقع الصلح بيين وبينها وخاطبتها بتلك الرسائل السبع فزادت
فرحا وابتهاجا حت جاءتين بشرى منها على لسان رجل صاحل قال رأيت الكعبة البارحة
يف النوم وهي تقول سبحان هللا ما يف احلرم من يطوف يب اال فالن ومستك يل ابمسك وما
أدري أين مضي الناس مث قمت ودخلت يف املطاف وانت طائف هبا وحدك مل أر معك
يف الطواف أحدا فقالت انظر اليه هل ترى طائفا آخر قلت ال و هللا وال أراه اان فشكرت
هللا على هذه البشرى من مثل ذلك الرجل فتذكرت قول رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم
الرؤاي الصاحلة يراها الرجل املسلم أو ترى له انتهى فاذا عرفت انه صلّى هللا عليه و سلّم
مركب من عامل االمر واخللق فال يرد االعرتاض أيضا على قول الشيخ رمحه هللا تعاىل يف
املكتوب السادس والتسعني من اجللد الثالث ملا فرت تعينه اجلسدي وهو عامل خلقه ابملوت
قوي تعينه الروحي لكن كان لتعينه اجلسدي بقية وهي توجهه اىل العامل السفلي فلما
مضى الف سنة زالت تلك البقية وغلب روحانيته صلّى هللا عليه و سلّم على بشريته
وعرجت احلقيقة احملمدية اىل احلقيقة االمحدية واحلقت هبا اىل آخره كما سيجيئ تفصيله
يف جواب املكتوب السادس والتسعني ان شاء هللا تعاىل ابنه (متعلق على قوله فال يرد
فيما سبق) ثبت يف االحاديث ان جسد النيب صلّى هللا عليه و سلّم ابق ال يفن الن
مراده ابلفناء والزوال للجسد فناء صفاته البشرية وزواهلا من االكل والشرب والنوم والتوجه
اىل العامل السفلي وغري ذلك ال زوال اجلسد ابلكلية بل صفاته وانه صار كالروح ويف
املكتوب الرابع والتسعني من اجللد الثالث اشار بزواله اىل ان معناه زوال توجهه صلّى هللا
عليه و سلّم اىل عامل الشهادة وغرقة يف حبر مشاهدة مجال ذات هللا تعاىل وترقى درجاته
صلّى هللا عليه و سلّم بعبادات امته ودعائها له ورجوع ثواهبا اليه صلّى هللا عليه و سلّم
مبقتضى من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل هبا ويف عمدة املريد جبوهرة التوحيد
للشيخ ابراهيم اللقاين قيل ان الصالة على النيب صلّى هللا عليه و سلّم لطلب نيل
- 1353 -
كمال يف وسعة كرم هللا تعاىل معلق عليه اذ ال غاية لفضل هللا تعاىل وانعامه فهو صلّى
هللا عليه و سلّم دائم الرتقي يف حضرات القرب وسوابق الفضل وال بدع أن حيصل له
بصالة امته زايدات يف ذلك ال غاية وال انتهاء هلا وقد قال االمام الغزايل أما صالة هللا
على نبيه صلّى هللا عليه و سلّم و على املصلني عليه فمعناه افاضة انواع الكرامات
ولطائف النعم عليه وأما صالتنا وصلوات املالئكة عليه صلّى هللا عليه و سلّم يف اآلية
فهو سؤال وابتهال يف طلب تلك الكرامة ورغبة يف افاضتها عليه صلّى هللا عليه و سلّم
الن اجتماع قلوب اجلمع اجلم له أتثري يف االجابة كما يف عرفة واجلمعة واالستسقاء
وغريها انتهى ويف كشف االسرار البن عباد رمحه هللا قيل اليب عبد هللا حممد النيسابوري
انه قال امران ابلصالة والسالم على النيب صلّى هللا عليه و سلّم فقيل انه ينتفع بدعائنا
قال النيسابوري اال ترى اىل قوله صلّى هللا عليه و سلّم سلوا يل من هللا تعاىل الوسيلة
ليعلم أن الغين ابحلقيقة هو هللا تعاىل وقال احلليمي جيوز ان هللا تعاىل جعل اعطاءه
الوسيلة موقوفا على دعائنا وكذلك الشفاعة انتهى بعبارته فاذا أراد هللا تعاىل له صلّى هللا
عليه و سلّم عزا وشرفا ودرجة وافاض عليه الفيوض والرمحة فرتقى رتبته يوما فيوما حت
مضى بعد رحلته ألف سنة ومت الدور الكامل لون عامل خلقه بلون عامل أمره صلى هللا
تعاىل عليه وسلم واحتد به يف اللطافة وخص هللا تعاىل عروجه اىل عامل أمره صلّى هللا عليه
و سلّم بعد ألف سنة النه دور كامل مشتمل على مراتب االعداد وهي أربعة اآلحاد
والعشرات و املئا ت وااللوف والنه يكون ظهور سلطنة كل اسم من امساء هللا تعاىل اىل
ألف سنة واذا مضى الف ظهرت غلبة اسم آخر اىل االلف اآلخر كذا ذكره احلسني بن
معني الدين امليبدي يف الفواتح صوفية چويند هر زمان نوبت ظهور سلطنت امسى ست
وچون نوبت او منقضى شود مستور گردد ودور امسى كه نوبت دولتش رسيده ابشد
وأدوا ر كواكب سبعه كه هريك هزار سالست آبن مربوط ست كل يوم هو يف شأن
اشارت آبنست ان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون انتهى (وقال تعاىل أيضا يدبر
االمر من السماء اىل االرض مث يعرج اليه يف يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون وليكن
- 1354 -
هذا أيضا من ذلك األمر الذي دبره يف ألف سنة) وهلذا بعث اكثر أويل العزم ابلرتتيب
وكانت الفاصلة من بعث بعضهم اىل بعث بعض آخر ألف سنة وروى الواقدي يف
املنتخب كان بني آدم ونوح عليهما السالم عشرة قرون والقرن مائة سنة وبني نوح وابرهيم
عليهما السالم عشرة قرون وبني ابراهيم وموسى عليهما السالم عشرة قرون اخل وهذه
احلقائق اليت كشفت للشيخ رمحه هللا تعاىل ال مؤاخذة عليه حبسب الشرع غايتها أنه ما
قاهلا أحد وفيها اصطالح جديد وال مناقشة يف االصطالح ويف عني العلم العلم علمان
علم املكاشفة وهو نور يظهر يف القلب فيشاهد به الغيب وهو متحقق فورد حيئنذ اذا
دخل النور يف القلب أنشرح وعاين الغيب وانفسخ أي احتمل البالء وحفظ السر ومل
يصرح به لفقد الرواية وورد حينئذ أن من العلم كهيئة املكنون ال يعلمه اال أهل املعرفة ابهلل
انتهى ولفظ لفقد الرواية يدل صرحيا على ان بعض الكشوفات ال تدل عليه الرواية وذكر
يف آخر الباب االول يف العوارف وال مشاحة يف االلفاظ انتهى فظهر بطالن قول
املعرتضني.
(اجلواب الثاين) لقوهلم وقال يف املكتوب الثامن والثمانني من اجللد الثالث من
مكتوابته الن امة كل نيب امنا يصلون اىل هللا بوسيلته ووساطته ونبيها حائل بينها وبني هللا
تعاىل اال فرد من افراد هذه االمة يعين نفسه فان نصيبه من هللا تعاىل ابالصالة من الذات
العلية انتهى اعلم اين وجدت يف املكتوب املذكور هذه العبارة مع الفاظ زائدة ال يلزم
احملذور معها وهي مگر آنكه فردي از افراد امت را ابصالت از حضرت ذات تعاىل
نصيب بود اينجا نيز حيلولهء نىب مفقود ست وتبعية او موجود عليه الصالة والسالم
انتهى عبارته معناه اال فرد من افراد هذه االمة له نصيب من حضرة ذات هللا تعاىل
ابالصالة من الوالية بال حيلولة النيب صلّى هللا عليه و سلّم مع وجود تبعيته له صلّى هللا
عليه و سلّم واعلم ان السالك اذا فرغ من السري اىل هللا وشرع يف السري يف هللا مبتابعته
للنيب صلّى هللا عليه و سلّم ووساطته فاذا جذبه هللا اليه بكمال فضله وكرمه ارتفع
الوسائط كلها بينه تعاىل وبني هذا احملبوب السالك حت مسعه وبصره ورجله ومجيع القوى
- 1355 -
الظاهرة وهي وسائط وآالت ظاهرة ومع هذا يرفع هللا تعاىل منه هذه القوى الظاهرة فاذا
وصل العارف اىل هذه املرتبة أيخذ العلم من هللا تعاىل بال واسطة وهو العلم اللدين كما
كان للخضر عليه السالم ونصيب بعض العارفني ابهلل تعاىل وعلمناه من لدان علما
ويقال هلذه املرتبة يف اصطالحهم قرب النوافل دل عليه ما اخرجه البخاري عن ايب هريرة
رضي هللا تعاىل عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم عن هللا تعاىل وال يزال
عبدي املؤمن يتقرب اىل ابلنوافل حت احبه فاذا أحببته كنت مسعه الذي يسمع به وبصره
الذي يبصر به ويده اليت يبطش هبا ورجله اليت ميشي هبا احلديث وقوله صلّى هللا عليه و
سلّم يل مع هللا وقت ال يسعين فيه ملك مقرب وال نيب مرسل فمن وصل اىل هذه املرتبة
جيذبه هللا اليه بفضله أيخذ املعارف واالسرار بال واسطة من هللا تعاىل فال يلزمه شئ بقوله
اخذت العلم من هللا تعاىل بال واسطة فمن ينكر هذه املرتبة فهو ينكر احلديث الصحيح
وما وقع يف الفصوص يف فصل شيت عليه السالم مع شرحه ملوالان اجلامي رمحه هللا يدل
على اخذ العارف الكامل العلم من هللا تعاىل بال واسطة (عبارة الفصوص مع شرحه)
فاملرسلون من كوهنم اولياء ال يرون ما ذكرانه من العلم الذي يعطي صاحبه السكوت اال
من مشكاة خامت االولياء فكيف من دوهنم من االولياء وان كان خامت االولياء اتبعا يف
احلكم ملا جاء به خامت الرسل من التشريع فذلك ال يقدح يف مقامه وال يناقض ما ذهبنا
اليه من ان املرسلني ال يرون هذا العلم اال من مشكاة خامت االولياء فانه من وجه يكون
انزل مرتبة من الرسول اخلامت من حيث رسالته كما أنه من وجه يكون أعلى وقد ظهر يف
ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا اليه من ان الفاضل جيوز أن يكون مفضوال من وجه يف
فضل عمر يف اسارى بدر ابحلكم فيهم ويف أتبري النخل فما يلزم الكامل ان يكون له
التقدم يف كل شئ وساق الكالم اىل ان قال انه أي خامت االولياء اتبع لشرع خامت الرسل
يف الظاهر كما هو أخذ عن هللا يف السر بال واسطة انتهى وسيجئ تفصيله يف آخر
اجلواب احلادي والعشرين قال موالان اجلامي قدس سره يف خطبة شرح الفصوص أما بعد
فاعلم ان احلكم الفائضة من احلق سبحانه على قلوب مجيع عباده وخلص عبيده على
- 1356 -
انواع منها ما يفيض عليهم بواسطة املالئكة املقربني ابلفاظ وعبارات حمفوظة عن التغيري
مرادة تالوهتا وهو القرآن املنزل على نبينا صلّى هللا عليه و سلّم بواسطة الروح االمني
ومنها ما يفيض عليهم بواسطة او بغري واسطة معاين صرفة او معربة بعبارات غري متلوة
ومن هذا القبيل االحاديث القدسية فهي اما ما فاضت عليه صلّى هللا عليه و سلّم معاين
صرفة لكنه كساها اكسية عباراته اخلالصة او بعبارات خمصوصة غري مرادة ضبطها
وتالوهتا وهذا النوع ليس خمصوصا ابالنبياء عليهم الصالة والسالم بل يعم االولياء
وصاحلي املؤمنني (ومنها) ما يفيض من بعض الكمل على بعض انتهى ونقصوا من كالم
الشيخ امحد رمحه هللا لفظة بتبعيته بعد قوله من الذات العلية فيصري الكالم معها هكذا
فان نصيبه من هللا تعاىل ابالصالة من الذات العلية ابلتبعية اي بتبعيته للنيب صلّى هللا عليه
و سلّم انتهى فحينيذ ال حمذور فيه وال قبح وهذه االلفاظ الفارسية للجواب الثالث اآليت
بعده تبعية در فرد امت ابعتبار تشريعست ات متابعة شريعت نىب نكند ز سد وتبعيت در
انبيا مر نيب را عليه الصالة والسالم ابعتبار آنست كه نيب متبوع را يعين حممدا صلّى هللا
عليه و سلّم وصول آبن درجة اوال وابلذات ست وديگرانرا اثنيا وابلعرض چه مطلوب از
دعوة حمبوبست ديگرانرا بطفيل او خوانند وبه تبعية او طلبند اما مهه كس جليس يك
سفره اند ودر يك جملس على تفاوت الدرجات استيفاء تلذذات وتنعمات ميفرمايند
امتانندكه زله بردار ايشانند والش خوار ايشان مگر فردى از افراد ايشاانن كه بكرم
خداوندى جل شأنه خمصوص شود وجليس جملس اكابر گردد چنانكه گذشت مع ذلك
امت امت ست وپيغمرب پيغمرب هر چند سرافراز گردد وعلو بسيار پيدا كند دولت ست
كه به پريوى او به پيغمربى برسد قال هللا تعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان املرسلني اهنم
هلم املنصورون اآلية.
(اجلواب الثالث) لقوهلم وقال ان املطلوب من الدعوة هو احملبوب يعين النيب عليه
الصالة والسالم والباقون مطلوبون بتبعيته وبطفيليته اال فرد من افراد امته فانه ليس بتبعيته
بل مبحض كرم هللا تعاىل (اعلم) اهنم غريوا قول الشيخ رمحه هللا ابلزايدة والنقصان وهو يف
- 1357 -
االصل هكذا (ترمجة االلفاظ الفارسية السابقة آنفا) التبعية يف فرد االمة ابعتبار التشريع
فانه ما مل يتبع شريعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم مل يصل اىل املطلوب وتبعية االنبياء لنبينا
صلوات هللا وسالمه عليه وعليهم ابعتبار ان النيب املتبوع يعين حممدا صلّى هللا عليه و
سلّم وصوله اىل تلك الدرجة العليا اوال وابلذات ووصول االنبياء سواه اليها اثنيا وابلعرض
الن املطلوب من الدعوة والضيافة هو احملبوب ويطلب غريه بطفيليته وبتبعيته لكن كلهم
جالسون على سفرة واحدة يف جملس واحد على تفاوت الدرجات ومستوفون للتلذذات
والتنعمات عليها واممهم حيملون الزلة اليت تبقى بعد اكلهم على السفرة وال جيلسون مع
االنبياء على السفرة اال فرد من افراد امتهم وهو خمصوص وجليس جملس االكابر كما مر
ومع ذلك االمة أمة والنيب نيب وان وصل ذلك الفرد العز والعلو فهو الدولة اليت وصلها
بتبعيته للنيب صلّى هللا عليه و سلّم قال هللا تبارك وتعاىل ولقد سبقت كلمتنا لعبادان
املرسلني اهنم هلم املنصورون اآلية انتهى ابلفاظه وقوله اال فرد من افراد امتهم مستثن من
قوله واممهم حيملون الزلة ال من قوله والباقون مطلوبون بتبعيته وبطفيليته كما فهمه
املعرتضون بسبب حتريفهم عبارة الشيخ رمحه هللا وليست هذه العبارة يف مكتوبه بل العبارة
اليت كانت فيه هي ما مر آنفا ومعرهبا هذه العبارة اليت ذكرهتا وغرضهم هبذا التحريف
اثبات القبح على الشيخ رمحه هللا بعدم تبعيته للنيب صلّى هللا عليه و سلّم الذي فهموه
من العبارة اليت غريوها مع ان الشيخ رمحه هللا ينادي ابعلى صوته بقوله فان من مل يتبع
شريعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم مل يصل اىل املطلوب كرات ومرات يف اكثر مكتوابته
وهم صم بكم عمي ال يسمعون وال يبصرون مكتوابته ابالنصاف مع ان الشيخ رمحه هللا
تعاىل قيد أكثر اقواله بتبعية النيب صلّى هللا عليه و سلّم وابلفرض والتقدير ان وجد قوله
يف بعض املواضع غري مقيد هبذا القيد فعلى املنصف الذكي ان حيمله على املقيد وال جيوز
تقبيح املسلم فكيف من كان متقيا عاملا صاحلا زاهدا ورعا.
(اجلواب الرابع) لقوهلم قال يف املكتوب السابع والثمانني من اجللد الثالث ان هللا
مل جيعل يف حقي من اسباب الرتبية غري املعدات ومل جيعل العلة الفاعلية يف تربييت غري
- 1358 -
فضله ومن كمال كرمه وغريته عل ّي مل جيوز يف حقي ان يكون لفعل الغري مدخل يف تربييت
او ان اتوجه فيه اىل غريه تعاىل اين مرابه تعاىل و جمتىب كرمه الذي ال يتناهى انتهى اعلم
ان الشيخ قدس سره اراد من الغري غري النّيب صلّى هللا عليه و سلّم النه صرح بقوله فان مل
يتبع شريعة النيب صلّى هللا عليه و سلّم مل يصل اىل املطلوب والفاظه الفارسية يف املكتوب
االثنني والعشرين ومائة من اجللد الثالث وصول احدى را مبطلوب ىب توسط او عليه
الصالة و السالم حمال ابشد فهو سيد االنبياء واملرسلني ارساله رمحة للعاملني (اجلواب
اخلامس) لقوهلم وقال يف هذا املكتوب اين مريد هللا ومراده وسلسلة اراديت متصلة ابهلل من
غري توسط احد ويدي انئب يد هللا وان سلسلة اراديت وان اتصلت مبحمد رسول هللا
صلّى هللا عليه و سلّم بوسائط كثرية يف الطريقة النقشبندية والچشتية والقادرية اال ان
اراديت ابهلل متصلة من غري واسطة حممد فاين مريد حملمد ورفيقه فاننا اخذان عن شيخ
واحد انتهى (اعلم) ان لفظ املكتوب بدون التغيري الذي غريوه ابلنقص والزايدة فيه هكذا
اراديت متصلة اىل هللا تعاىل بال واسطة أي بال واسطة غري النّيب صلّى هللا عليه و سلّم
واراديت حملمد صلّى هللا عليه و سلّم بوسائط كثرية يف الطريقة النفشبندية احدى وعشرون
ويف الطريقة القادرية مخسة وعشرون والچشتية سبعة وعشرون واراديت ابهلل تعاىل ال يرى
فيها قبول الوسائط كما مر فاان ايضا مريد حممد صلّى هللا عليه و سلّم وايضا مرشدي
ومرشده واحد يعين هللا تعاىل واان اتبعه صلّى هللا عليه وسلّم انتهى فال قبح فيه ومر
جواب بال واسطة يف بيان قرب النوافل وقوهلم من غري واسطة حممد افرتاء عليه والفاظه
الفارسية ارادهء من مبحمد صلّى هللا عليه وسلّم بوسائط كثري ست در طريقه نقشبنديه
بيست ويك واسطه درميانست ودر طريقهء قادريه بيست وبنج ودر طريقهء چشتيه
بيست هفت وارادهء من ابهلل تعاىل قبول وسائط ننمايد چنانكه گذشت بسل هم من
مريد رسول هللا ام صلّى هللا عليه وسلّم وهم مهپريهء او.
(اجلواب السادس) لقوهلم وقال يف هذا املكتوب ايضا ان طريقي سبحاين فان
طريقي التنزيه منه دخلت على الذات االقدس مل التفت امسه وصفته ولكن قول سبحاين
- 1359 -
مين ليس كقول من ايب يزيد البسطامي فانه ال مساس بقوله بقولنا فان قوله خرج من
دائرة اال نفس وقولنا وراء اآلفاق و االنفس وقوله كسي لباس التنزيه وقولنا تنزيه مل ميسه
غبار التشبيه وق وله صدر عن السكر وقولنا صدر عن عني الصحو انتهى (اعلم) ان قول
الشيخ امحد رمحه هللا تعاىل ان طريقي سبحاين اي منسوب اىل السبحان وهو تنزيه هللا
تعاىل والياء فيه للنسبة ال ايء املتكلم كما فهمه املعرتضون اي ايها العلماء رضي هللا عنكم
انظروا اىل هؤالء املعرتضني كيف يعرتضون على الرجل العامل العامل املتقي وهم ما يفرقون
بني ايء املتكلم وايء النسبة مع انه رمحه هللا صرح بنسبة التقابل والتباين بني لفظ سبحاين
الذي صدر عن ايب يزيد البسطامي رمحه هللا وبني لفظ سبحاين الذي يف مكتوبه النه فيه
ايء النسبة ويف سبحاين ايب يزيد البسطامي ايء املتكلم وهذا من قبيل جتنيس التلفيق
وكيف جيوز هلم تقبيحه هبذا العقل واالدارك الذي ال يفرق بني ايء املتكلم وايء النسبة مع
ان عبارته تدل على ايء النسبة صرحيا وهي هذه سلسليت السلسلة الرمحانية واان عبد
الرمحن وريب ارحم الرامحني فطريقي الطريق السبحاين وذهبت من سبيل التنزيه وما اردت
من االسم والصفة اال الذات االقدس تعاىل هذا السبحاين ليس كسبحاين الذي قاله ابو
يزيد البسطامي النه ال مساس له هبذا السبحاين النه خرج من دائرة االنفس وهذا ما وراء
االنفس واآلفاق وسبحاين ايب يزيد تشبيه لبس لباس التنزيه وهذا السبحاين تنزيه حمض ما
وصله غبار التشبيه وذلك السبحاين تفور من منبع السكر وهذا السبحاين نبع من عني
الصحة والفاظه الفارسية سلسلهء من رمحاىن ست كه من عبد الرمحن ام چه رب من
رمحن ست ومرىب من أرحم الرامحني وطريقهء من طريقهء سبحاىن ست كه از راه تنزيه
رفته ام واز اسم وصفة جز ذات اقدس تعاىل خنواسته ام اين سبحاىن نه آن سبحاىن ست
كه بسطامى آبن قائل گشته ست كه آنرا ابين مساس نه آن از دائرهء نفس بر آمده
واين ما وراء انفس وآفا قيست وآن تشبيه ست كه لباس تنزيه پوشيده ست واين تنزيه
ست كه كردى از تشبيه بوى نرسيده وآن از سر چشمهء سكر جوش زده ست واين از
عني صحو بر آمده ارحم الرامحني در حق من أسباب تربيت را غري از معدات نداشته
- 1360 -
وعلة فاعلى در تربيهء من غري از فضل خود نساخته از كمال كرم اهتمام وغريتى كه در
حق من دارد تعاىل جتويز منى فرمايدكه فعل ديگر برادر تربيهء من مدخلى ابشد واي من
بديگرى درين معن متوجه كردم مرابى اهلى ام جل شأنه و جمتباى فضل وكرم انمتناهى
او تعاىل ع ابكرميان كارها دشوار نيست انتهى.
(اجلواب السابع) لقوهلم وقال يف املكتوب املويف مائة من اجللد الثالث وان كان
حممدا رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم مل يكن أحد يشاركه يف الدولة اخلاصة به اال أنه
بعد ختليقه وتكميله صلّى هللا عليه و سلّم بقيت من طينته بقية جعلت مخرية طينيت
فجعلوين بتبعيته ووراثته شريك دولته اخلاصة انتهى اعلم انه ما وقع جعلوين بياء املتكلم
يف مكتوبه وهي حمرفة بل يف مكتوبه هذه العبارة وان مل يكن احد شريكه يف هذه الدولة
اخلاصة احملمدية لكن هذا القدر يدرك أن من دولته اخلاصة به صلّى هللا عليه و سلّم بعد
ختليقه وتكميله بقيت بقية الن من لوازم اهل الكرم ان تبقي بقية يف سفرهتم بعد اكلهم
وهي نصيب اخلدام وتلك البقية اعطيت الحد أصحاب الدولة من امته صلّى هللا عليه و
سلّم وجعلها مخرية طينته فجعل شريك دولته اخلاصة عليه و على آله الصلوات
والتسليمات انتهى وال يلزم منه قبح على قائله وقد فهم املعرتضون من هذه العبارة انه
ادعي ختم النبوة كما صرح به يف آخر هذا السؤال يف جوابه ونصه وقوله انه خلق من
طينته وانه شريك دولته اخلاصة قبح اثمن الن دولته اخلاصة ليست اال ختم النبوة ضرورة
ان الرسالة والنبوة واحملبة واخللة والوالية غري خمتصة به صلّى هللا عليه و سلّم انتهى انظروا
اي اخواين كيف فهموا من هذا القول مع انه صرح يف مكتوابته يف مواضع كثرية ابنه صلّى
هللا عليه و سلّم خامت الرسالة والنبوة ومراده ابلدولة اخلاصة مرتبة الفناء االمت وهو خمتص
ابلنيب صلّى هللا عليه و سلّم عند الصوفية (بل املراد به التجلي الدائمي كما صرح به يف
كثري من مكاتيبه) ويكون لبعض امته بتبعيته ووراثته للنيب صلّى هللا عليه و سلّم ايضا
فحينئذ يكون متخلقا ابخالقه وهو املراد ابلطينة ويعطي له الوجود الوهيب ويكون مع
النيب صلّى هللا عليه و سلّم يف اجلنة مبوجب قوله تعاىل ومن يطع هللا والرسول فاولئك مع
- 1361 -
الذين انعم هللا عليهم من النبيني اآلية وحديث املرء مع من احب وهو الشركة يف دولته
اخلاصة فمن يشنع على من يريد هبذه املعية اليت تفهم من الكتاب والسنة الشركة معه
صلّى هللا عليه و سلّم فما حكمه بينوا تؤجروا واملراد ابلطينة االخالق احلميدة االصلية
احلقيقية للنيب صلّى هللا عليه و سلّم واال لكان قربه عند قرب النيب صلّى هللا عليه و سلّم
كما كان قرب الشيخني رضي هللا عنهما اخرج الديلمي عن ابن عباس رضي هللا عنهما
قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم خلقت اان وابو بكر وعمر من طينة واحدة واخرج
البخاري يف اترخيه وغريه اكرموا عمتكم النخلة فاهنا خلقت من طينة آدم انتهى ومن
خلقة النخلة اليت ال تساوي بين آدم يف الفضل والكرامة من طينة آدم عليه السالم ال يلزم
النقص يف سيدان آدم عليه السالم فكذا يف النيب صلّى هللا عليه و سلّم فكيف ال يتشرف
فرد من بين آدم هبذه الفضيلة وهو اشرف من النخلة وحيتمل أن الشيخ رمحه هللا قال هذا
ابعتبار جده الن سيدان عمر كان جسده بقية طينة النيب صلّى هللا عليه و سلّم والشيخ
من أوالده و على تقدير التسليم على ان املراد ابلطينة الطينة احلقيقية ال اجملازية ال يلزم
قبح هبذا القول الصادر من الشيخ رمحه هللا أيضا ال سيما اذا قلنا انه ملا كان للشيخ رمحه
هللا تعاىل نسبتان جليلتان احدامها نسبية واالخرى حسبية فاالول انتسابه اىل سيدان عمر
رضي هللا عنه ال نه فاروقي والثاين انتسابه اىل طريقة الصديق رضي هللا عنه ومها رضي هللا
تعاىل عنهما قد خلقا مع النيب صلّى هللا عليه و سلّم من طينة واحدة ملا جاء يف احلديث
فيكون التخلق الثابت هلما بال واسطة اثبتا له ابلواسطة ولذا انصب له الفيض صبا
وذلك فضل هللا يؤتيه من يشا ء و هللا ذو الفضل العظيم وقوله وان مل يكن احد يشركه
فيها صريح ابنه ال يدعي النبوة وال الشركة فيها كما يفهم املعرتضون.
(اجلواب الثامن) لقوهلم وقال يف املكتوب الثالث والسبعني و املائة من اجللد
االول أن كلما يصح ان يرى ويعلم نفي ذلك بكلمة ال ضروري فاملطلوب املثبت ما وراء
ذلك ويلزم منه أن كل ما هو مشهود حممد صلّى هللا عليه و سلّم مستحقا للنفي فان
حممدا صلّى هللا عليه و سلّم مع علو شأنه كان بشرا والبشر متسم بسمة احلدوث
- 1362 -
واالمكان وماذا يدرك البشر من خالق البشر واملمكن من الواجب واحلادث من القدمي
جلت عظمته وكيف حي يط وال حييطون بشئ من علمه نص قاطع (اعلم ان هذا القول يف
االصل يوافق قول سيدان وموالان الشيخ هباء الدين النقشبند قدس سره وألفاظه هر چه
ديده شد وشنيده شد آن مهه غري اوست بكلمة ال نفى ابيد كرد انتهى (قال يف احلديقة
الندية وكان الشيخ ابو اسحق االسفرائين يقول مجيع ما قاله املتكلمون يف التوحيد قد
مجعه اهل احلق يف كلمتني االوىل اعتقاد ان كل ما تصور يف االوهام فاهلل تعاىل خبالفه
والثانية اعتقاد ان ذاته سبحانه ليست كالذوات وال معطلة عن الصفات انتهى فانظر اىل
انصافه مع جاللة قدره حيث مساهم اهل احلق واستحسن كالمهم غاية استحسان وهؤالء
االراذل ميزقون عرض كمل امة حممد صلّى هللا عليه و سلّم هبذا الكالم الذي استحسنه
مثل من مسي يف علم الكالم ابالستاذ االسفرائين على االطالق ونقل مثل اوليهما عن
ابب مدينة العلم كرم هللا وجهه حيث قال كلما خطر يف ابلك او ختيلته خبيالك فاهلل وراء
ذلك) ويف هذا املكتوب الذي هو يف بيان كلمة ال اله اال هللا عبارته سئل ان كلما جيئ
يف العلم والبصر نفيه بكلمة ال ضروري الن املطلوب املثبت ما وراء البصرية والعلم فيلزم
منه ان مشهود حممد صلّى هللا عليه و سلّم ايضا للنفي الئق واملطلوب املثبت ما وراء
ذلك متحقق اي اخي ان حممدا صلّى هللا عليه و سلّم مع ذلك الشأن العلي بشر وبعالمة
احلدوث واالمكان متسم والبشر من خالق البشر اي شئ يدرك وماذا يدرك املمكن من
الواجب وكيف حييط ابلقدمي احلادث وال حييطون به علما نص قاطع يف حق مجيع
اخلالئق نبيا كان او غريه وهلذا قيل سبحانك ما عرفانك حق معرفتك وهلذه الكلمة
معنيان احدمها يف نفي معرفته تعاىل و الثاين ابلكنه معن ذكر ال اله اال هللا واملعن االول
ان كل ما يصح ان يرى يف بصرية احد من البشر او يسمع او يعلم من املكاشفات
واملشاهدات نفي ذلك بكلمة ال ضروري فاملطلوب املثبت وهو ذاته تعاىل وراء تلك
املعرفة اليت جاءت يف بصريته او علمه الن هللا تعاىل وراء الوراء الذي خطر يف ابل البشر
وال يعرف احد كنه ذاته تعاىل اال هو الن ذاته وكماالته تعاىل غري متناهية والسري يف هللا
- 1363 -
تعاىل ال هناية له وهلذا قيل سبحانك ما عرفانك حق معرفتك واملعن الثاين ان كلما يرى
يف بصرية السالك او يعلم من احلوادث الكونية نفي الوجود االصلي واحلقيقي عنه بكلمة
ال اله ضروري ويثبت هذا الوجود االصلي احلقيقي ملا وراء ذلك الكون وهو هللا تعاىل ابال
هللا وكذا وقع يف فصل اخلطاب خلواجه حممد اپرسا رضي هللا عنه بعد الكراسني من اوله
يف بيان ذكر ال اله اال هللا انه مركب من النفي واالثبات فالذاكر يف طرف النفي ينفي
وجود مجيع احملداثت االصلي ويف طرف االثبات يثبت وجود القدمي جل وعال انتهى فاذا
علمت هذا ايها احملقق الصادق فافهم انه ال يلزم قبح لقائل هذا القول وكيف يلزمه وهو
عني االميان ومجع ك ثري من االولياء قائلون ابملعنيني الذين بينتهما قال املعرتضون وقوله ان
مشهوده صلّى هللا عليه و سلّم واجب النفي بال مع دعواه أنه وصل اىل كنه الذات
البحت هو وولداه قبح سابع عشر انتهى القول بوصوله اىل كنه الذات تعالت افرتاء عليه
كما بينته وما قال الشيخ هبذه العبارة من ان مشهوده صلّى هللا عليه و سلّم واجب النفي
بال ومقصوده رمحه هللا تعاىل كما أنه ال يدركها أحد اال هو ويف حق النيب ايضا السري يف
هللا غري متناه وهو ايضا دائما يف الرتقي يف املشاهدات والتجليات والعلوم ليست منحصرة
يف حقه ايضا الن معلومات هللا غري متناهية كذلك ذاته تعاىل وصفاته قال الصوفية كان
النيب صلّى هللا عليه و سلّم يرتقي يف كل يوم يف معرفة هللا تعاىل وعلمه به من درجة اىل
مائة درجة ويستزيد منها وال ينحصر فيها ويستغفر من احلال الذي هي أدون ابلنسبة اىل
احلال الذي فوقه وينفيها لسعة استعداده صلّى هللا عليه و سلّم هكذا اىل غري النهاية
بدليل قوله تعاىل وقل رب زدين علما وحلديث مسلم عن االغر املزين قال قال رسول هللا
صلّى هللا عليه و سلّم أنه ليغان على قليب واين الستغفر هللا يف اليوم مائة مرة اي انه
ليغطى أبستار انوار جتليات هللا تعاىل ومشاهداته على قليب واين الستغفر هللا تعاىل من
انوار التجليات اليت هي أدون ابلنسبة اىل االنوار اليت هي فوقها واعالها اىل غري النهاية
ويف احلديث كل يوم ال أزداد علما يقربين من هللا ال بورك يل يف طلوع مشسه وقول
املعرتضني يف بعض رسائلهم ومن هذا النمط ما رأيته حلفيده من رسالة مساها بكشف
- 1364 -
الغطاء فانه قال رأيت النيب صلّى هللا عليه و سلّم وهو يقول كنت يف هم أميت يوم القيامة
اين اذا شفعت هلم من جيوزهم الصراط ويوصلهم اىل اجلنة فلما رأيت هذا الرجل يشري اىل
الشيخ أمحد السرهندي اطمأننت وذلك اين كلما شفعت يف طائفة من العصاة اسلمهم
اليه فيوصلهم اىل اجلنة ويرجع واسلم اليه طائفة أخرى فيوصلهم ويرجع وهكذا اىل آخره
انتهى ما وجدته يف رسالة كشف الغطاء وهي موجودة ههنا يف مكة املكرمة هكذا افرتى
املعرتضون على الشيخ رمحه هللا تعاىل وايضا يف هذه الرسالة للمعرتض ان أوالد الشيخ
امحد يلقنون ملريديهم أبنه نيب وشريك يف نبوته صلّى هللا عليه و سلّم هذا افرتاء عليهم.
(اجلواب التاسع) لقوهلم وقال يف املكتوب التاسع واالربعني من اجللد الثالث ال
خيفى انه ملا حصلت يل النسبة احلضورية بذات الواجب جل سلطانه لزم ان يكشف كنه
ذاته جل سلطانه وان يعلم بكنه ذاته كما هو وهذا وان كان خمالفا ملا هو مقرر عند
العلماء لكنه علم حضوري متعلق بذات الواجب تعاىل فهو كالرؤية ابلنسبة اىل ذاته
فاالنكشاف موجود والدرك مفقود اعلم ان هذا القول ليس يف املكتوب املذكور وما صرح
به يف املكتوب املويف مائة من اجللد الثالث يدل على خالفه وهو نعم صاحب الدولة
الذي مبدأ تعينه االسم اجلامع على سبيل االعتدال على تفاوت الدرجات ولو على
سبيل االمجال له من مجيع اعتبارات الذات تعالت وتقدست نصيب ورؤيته جبميعها
متعلقة لكن ملا كان ضيق جامعية االمجال الذي هو نصيبه الزما له دائما فاالحاطة
والدرك يف حقه ايضا مفقودة وكرمية ال تدركه االبصار صادقة وفيه أيضا الذي هو معتقد
هذا الفقري أن نصيب هذه النشأة الدنيوية ايقان الن رؤية البصر واملشاهدة اليت هي عبارة
عن رؤية القلب على تفاوت الدرجات نتيجة ومثرة مربوطة ابآلخرة ويف التعرف رؤية هللا
تعاىل يف هذه النشأة ال تكون ابلبصر وال ابلقلب غري االيقان انتهى (قلت ما ذكره
املعرتض مذكور يف املكتوب الثامن واالربعني من اجللد املذكور لكن يف قوله حتريف
ابلزايدة والنقصان وعبارته الصحيحة انه قال ملا بني أن العلم املتعلق بذات الواجب
حضوري ال حصويل ال خيفى ان اذا ثبت العلم احلضوري ابلنسبة اىل ذات الواجب كما
- 1365 -
مر لزم أن يكون كنه الذات منكشفا ومعلوما كما هو وهو خالف ما تقرر عند العلماء
وأقول هذا العلم احلضوري املتعلق ابلذات من قبيل الرؤية اليت يثبتوهنا ابلنسبة اليه تعاىل
وهناك االنكشاف موجود والدرك مفقود وكذا هنا االنكشاف موجود والدرك مفقود اخل
وليس فيه ذكر نفسه ال حبصول احلضور وال بغريه وهذا القول هنا يف ص 65فانظروا
كيف بدلوا و حرفوا مثل اليهود عليهم ما يتسحقونه انتهى) وابلفرض والتسليم املتكلمون
قائلون مبعرفة كنه ذاته تعاىل كما ذكر يف شرح الطوالع لعبد هللا ايب القاسم البيضاوي يف
معرفة ذات هللا تعاىل فذهب احلكماء والغزايل منا اىل ان الطاقة البشرية ال تفي مبعرفة
ذات هللا تعاىل الن معرفة ذاته تعاىل اما ابلبداهة او ابلنظر وكل منهما ابطل أما االول
فالن ذاته تعاىل غري متصور ابلبداهة ابالتفاق واما الثاين فالن املعرفة املستفادة اما ابحلد
او ابلرسم وكل منهما ابطل ام ا احلد فالنه تعاىل بسيط واما الرسم فالنه ال يفيد الكنه
وخالف املتكلمون احلكماء ومنعوا احلصر فاان ال نسلم ان طريقة املعرفة منحصرة يف
البديهة والنظر فانه جيوز ان يعرف ابالهلام وتصفية النفس وتزكيتها عن الصفات الذميمة
والزمهم املتكلمون ابن حقيقته تعاىل هو الوجود اجملرد وهو معلوم عندهم ابلبديهة واحلق
ان هذا االلزام ليس بصواب فان حقيقته تعاىل عندهم هو الوجود اخلاص والوجود املعلوم
هو الوجود املطلق العارض للوجود اخلاص وال يلزم من العلم ابلعارض العلم ابملعروض
انتهى فان كانوا قائلني مبعرفة كنه ذاته تعاىل فال حمذور فيه.
(اجلواب العاشر) لقوهلم قال يف اهلداية التاسعة عشر من كنز اهلداايت خماطبا
لولديه مل يزل داعي الوصال ينادي يف سري اجب السلطان فانه يدعوك فطار طري مهيت
اىل ابب القدس فوصلت اىل سرادق عال فقيل يل السلطان ليس يف البيت فعلمت ان
ذلك مقام حقيقة الكعبة الرابنية فاسرعت اىل ما وراء ذلك وعرجت اىل مقامات
الصفات احلقيقية املوجودة بوجود زائد وهي وراء الصور العلمية للصفات يف مرتبة التعني
احليب فعرجت عنه اىل اصول الصفات وهي الشئون الذاتية واالعتبارات احملضة يف ذاته
تعاىل مث اىل الذات البحت اجملردة عن النسب واالعتبارات وانتما ايها االخوان يعين ولديه
- 1366 -
كنتما معي يف كل مقام من تلك املقامات انتهى اعلم ان كنز اهلداايت ليس من
مصنفات الشيخ رمحه هللا تعاىل و على تقدير التسليم ال يلزم من هذا القول على قائله
شئ اذ يظهر للسالك يف السري اىل هللا ويف هللا املشاهدات واملكاشفات وهي وراء طور
العقل فيعجز الناس عن فهمها وهو يذكر ملريديه وحمبيه مبوجب واما بنعمة ربك فحدث
او بغلبة السكر وكثري من االولياء ذكروها من هذا القسم فال حمذور فيه.
(اجلواب احلادي عشر) لقوهلم وقال يف املكتوب اخلامس والتسعني من اجللد
الثالث والييت وان كانت مرابة الوالية احملمدية واملوسوية ومتطفلة على واليتهما لكنها
جامعة هلما ومركبة من نسبيت احملبية واحملبوبية فان حممدا صلّى هللا عليه و سلّم رئيس
احملبوبني و موسى رئيس احملبني لكن يف والييت أمر آخر ومعاملة على حدة بذلك االمر
مربوطة حبيث ان اصلها من الوالية الناشئة ابالصالة عن احملبوبية الصرفة وانضمت اليها
والية موسى الناشئة عن احملبية الصرفة وانصبغت بلوهنا ايضا وصارت وجودا آخر وحقيقة
اخرى وامثرت مثرة اخرى وانتجت نتيجة اخرى انتهى اعلم انه ال يلزم منه ان واليته أمجع
من دائرة والية حممد و موسى عليهما الصالة والسالم وليس يف قوله لفظ امجع اسم
التفضيل بل فيه ان والييت وان كانت مرابة الوالية احملمدية صلّى هللا عليه و سلّم ووالية
موسى عليه السالم وبطفيلهما والييت مركبة من نسبيت احملبوبية واحملبية ورئيس احملبوبني
سيدان وموالان حممد صلّى هللا عليه و سلّم ورئيس احملبني سيدان موسى عليه السالم ولكن
املعاملة مع والييت بوسيلة متابعة خامت الرسل عليه الصالة والسالم امر آخر ومعاملة على
حدة هبا مربوطة وان كان اصل هذه الوالية والية نيب صلّى هللا عليه و سلّم وهي الوالية
احملمدية اليت منشأها ابالصالة النسبة احملبوبية الصرفة ولكن ملا انضم اليها نشأة الوالية
املوسوية اليت نشأت ابالصالة عن احملبية الصرفة وانصبغت بلوهنا ايضا صارت وجودا آخر
بل حقيقة اخرى وامثرت مثرة اخرى انتهى يعين لواليته مناسبة هبما ومزج بوجه هبما
ونشأت منهما ومها اصلها وهي فرعهما وال حمذور فيه مث ذكر الفاظه الفارسية وحنن
اسقطناها لعدم احلاجة اليها.
- 1367 -
(اجلواب الثاين عشر) لقوهلم وقال يف املكتوب الثالث والتسعني من اجللد الثالث
بعدما ذكر حنوا من ذلك وهذا املركز ايضا يتصور بصورة دائرة مركزها احملبوبية الصرفة
وحميطها احملبوبية املمتزجة مع احملبية وهي نصيب فرد من افراد امته يعين نفسه انتهى اعلم
ا ن الذي فيه هذه العبارة وحميطها احملبوبية املمتزجة مع احملبية وهي نصيب فرد من افراد
امته بتبعيته له صلّى هللا عليه و سلّم بل بتبعيته ايضا للوالية املوسوية على نبينا و عليه
الصالة و السالم فال قبح فيه وترك املعرتضون لفظ بتبعيته له صلّى هللا عليه و سلّم.
(اجلواب الثالث عشر) لقوهلم مث قال وليعلم ان حميط هذه الدائرة له تقدم كثري
على الدائرتني وهي اقرب اىل هللا بكثري انتهى اعلم ان هذه العبارة ليست يف هذا
املكتوب وابلفرض والتسليم ال حمذور فيه ايضا الن الدائرة االوىل دائرة العلم والثانية له
دائرة اخللة والثالثة دائرة احملبوبية وهي اقرب اىل هللا تعاىل.
(اجلواب الرابع عشر) لقوهلم وقال يف املكتوب التاسع عشر من اجللد الثالث
كانت االنبياء واملرسلون يفرون من البالء واان يف عني البالء يف عافية انتهى اعلم ان يف
املكتوب املذكور هكذا واجتنبوا عن البالء ما استطعتم فان الفرار مما ال يطاق من سنن
املرسلني عليهم الصلوات والتسليمات وحنن يف عني البالء مع عافية فللّه سبحانه احلمد
انتهى ابلفاظ يعين به أن البالء الذي ال يطاق الفرار منه سنة وأما الصرب يف البالء املطاق
فالصابر فيه يثاب وايضا الصابر يف البالء الذي ال يقدر ان يفر منه يثاب ومن كان يف
مقام الرضاء فالبالء عنده راحة ونعمة قال هللا تعاىل وليبلي املؤمنني منه بالء حسنا ومثل
هذه االعرتاضات ال يوردها من له أدىن دراية وداينة وقس على هذا غريه من االعرتاضات
يف رد الشيخ رمحه هللا بتغيري عباراته.
(اجلواب اخلامس عشر) لقوهلم وقال ال كرامة اجل مما بينته من احلقائق واملعارف
اليت تعجز الناس من بياهنا وهل كانت معجزة لرسول صلّى هللا عليه و سلّم اال كالما
معجزا انتهى علم ان هذه العبارة ليست يف املكتوب التاسع عشر وابلفرض والتسليم ان
ثبت هذا الكالم من الشيخ رمحه هللا ال حمذور النه ما شبه كالمه ابلقرآن بل احلقائق
- 1368 -
واملعارف يف حق عدم درك كنهها كبطن القرآن وشبهها به ببعض الوجوه واخلارق
للعادات من االولياء هو معجزة النيب صلّى هللا عليه و سلّم فال جيوز تشنيعه هبذا القول
كما شنع عليه املعرتضون بقوهلم يف آخر السؤال وهو وقوله هل معجزة حممد صلّى هللا
عليه و سلّم اال كالم معجز وتشبيه كالمه ابلقرآن يف االعجاز قبح رابع عشر.
(اجلواب السادس والسابع عشر) لقوهلم وقال يف املكتوب الثاين من اجللد االول
[صوابه من اجللد الثاين] الصفات السبعة اما ممكنة أو واجبة ال سبيل اىل االول الستلزام
حدوثها وعدم اتصاف احلق هبا أزال وال اىل الثاين الن الواجب الوجود لذاته واحد
ولقوهلم مث قال وحل هذا االشكال على ما أظهروه هلذا الفقري وهو ان هللا تعاىل موجود
بذاته ال ابلوجود ال على ان الوجود عينه وال على انه زائد وصفات الواجب تعاىل
موجودة بذاته ال جمال للوجود يف ذلك املوطن قال الشيخ عالء الدولة فوق عامل الوجود
عامل امللك الودود فال يتصور نسبة االمكان والوجوب أيضا يف ذلك املوطن الن االمكان
والوجوب نسبة بني املاهية والوجود فحيث ال وجود ال امكان وال وجوب وهذه املعرفة
وراء طور النظر والفكر انتهى اعلم ان هذا القول ليس يف هذا املكتوب (قلت هذا
الكالم يف املكتوب الثاين من اجللد الثاين) وقد ذكر يف كثري من مكاتيبه أنه تعاىل موجود
بذاته وال حمذور يف كالمه كما بينه صاحب الرسالة هذه ويف املكتوب الثاين والعشرين و
امل ائة من اجللد الثالث ما نصه وهو حضرة احلق سبحانه موجود بذاته ال بوجود الن
للوجود بل للوجوب ال مدخل يف تلك املرتبة الن الوجود والوجوب كالمها من االعتبارات
واول االعتبارات الذي ظهر الجياد العامل هو احلب والثاين اعتبار الوجود وهو مقدمة
االجياد الن حضرة الذات تعالت بال اعتبار هذا احلب وبال اعتبار هذا الوجود له استغناء
عن العامل واجياده والتعني العلمي اجلملي ظل ذينك التعينني ابعتبار أهنما للذات بال
مالحظة الصفات ويف هذا التعني العلمي اجلملي مالحظة الصفة وهي كالظل للذات
جل شأنه انتهى ولذاته تعاىل تقدم ذايت على صفاته والوجود العام صفة من صفاته تعاىل
وموطن الذات مقدم على موطن الصفات تقدما ذاتيا فيصح قول من يقول الوجود ليس
- 1369 -
يف موطن الذات وال حيمل عليها يف ذلك املوطن الن يف ذلك املوطن ال يعترب شئ الن
مرتبة الالتعني والذات البحت والذات املقتضى بكسر الضاد مقدم على الوجود العام
املقتضي بفتح الضاد والوجود الذي ينفي عن الذات جل شأنه هو من املنتزعات العقلية
واملعق والت الثانية فال حمذور فيه مثال ذات اجلسم مقدم على وجود البياض ومقابله
فيصح ان يقال اجلسم ابعتبار تلك املرتبة السابقة على البياض ال ابيض وال ال ابيض فان
قلت اجلسم يف اخلارج ابيض فكيف يكون يف اخلارج ال أبيض وال ال ابيض قلت هو يف
اخلارج أبيض بعد حتقق البياض فيه ولكنه يف املرتبة السابقة على البياض ال ابيض وال ال
ابيض وليس ذلك من ارتفاع النقيضني املستحيل الن املستحيل ارتفاعهما حبسب نفس
االمر مطلقا ال حبسب مرتبة من املراتب فان االمور اليت ليست بينهما عالقة التقدم
والتأخر واملعية ليس لبعضها يف مرتبة اآلخر وجود وال عدم هكذا يف احلاشية القدمية.
(اجلواب الثامن عشر) لقوهلم وقال يف بعض مكاتيبه (يف املكتوب 216من
اجللد االول) ان عبد القادر قدس سره نزوله كان اىل مرتبة الروح فقط وانه ينقص يف
االرشاد اذ كلما كان النزول امت كان االرشاد اكمل انتهى اعلم ان هذا كذب وفرية بال
مرية يف اي مكتوب قاله وابلفرض والتقدير ال يلزم قبح لقائل هذا القول.
(اجلواب التاسع عشر) لقوهلم وقال يف املكتوب الرابع والتسعني من اجللد الثالث
وما يقال من ان االنبياء ال حيتاجون اىل االستمداد وان الكماالت حاصلة هلم ابلفعل
صريح املكابرة اعلم أن هذه العبارة ليست فيه وان كانت ابلفرض والتقدير فمراده أن
االنبياء والرسل صلوات هللا تعاىل وسالمه عليهم كلهم حمتاجون اىل رمحة هللا وفضله ألن
يف احلديث الصحيح ان هلل مائة رمحة أما واحدة منها فبثها يف الدنيا وادخر تسعة
وتسعني لآلخرة وفيه ايضا سلوا يل الوسيلة.
(اجلواب املويف عشرين) لقوهلم وقال يف املكتوب الثامن والثمانني من اجللد
الثالث وجود العامل ونظامه كالمها مربوطان ابخللة وهي ابرك االشياء وبركاهتا شاملة
للموجود واملعدوم وهي ابالصالة خمصوصة اببراهيم عليه السالم وواليتها والية ابراهيمية
- 1370 -
وان الوصول اىل حضرة الذات تعالت وتقدست بدون توسط التعني االول الوجودي
وبدون التوسل جبميع كماالت الوالية االبراهيمية غري ميسر الن اول قباب املرتبة احلضرة
القدسية هي الهنا مرآة غيب وليس الحد بد من توسطه وهلذا امر خامت االنبياء مبتابعته
ليصل مبتابعته اىل والية نفسه ومنها يتبخرت اىل حضرة الذات انتهى (اعلم) اهنم تركوا منه
بعض عبارته وبيانه ودفع اشكاله سيجئ يف اجلواب اآليت ان شاء هللا تعاىل.
(اجلواب احلادي و عشرون) لقوهلم وقال يف املكتوب الرابع والتسعني من اجللد
الثالث ان التعني االول وهو التعني الوجودي منشأ الوالية االبراهيمية وفوق ذلك مرتبة
الذا ت االقدس اليت ال يسعها شئ من التعينات لكن سرها ودعت يف مركز دائرة التعني
االول وهو منشأ الوالية احملمدية ومجال حميط الدائرة يشبه الصباحة ومجال املركز يشبه
املالحة وهي فوق الصباحة فالوصول اىل املالحة امنا يتصور بعد طي مراتب الصباحة وما
مل يتيسر الوصول اىل مجيع املقامات االبراهيمية ال ميكن الوصول اىل الذروة العليا اليت هي
الوالية احملمدية وال يتيسر ومن هنا امر النيب صلّى هللا عليه و سلّم مبتابعة ملة ابراهيم
ليصل اىل واليته اليت عرب عنها ابملالحة بتوسل الوصول اىل الوالية االبراهيمية وملا مل يكن
للنيب صلّى هللا عليه و سلّم مناسبة ابلوالية االبراهيمية لكون مكانه الطبيعي نقطة مركز
دائرة الوالية اخلليلية وسريه مقصور على رأس مركز تلك الدائرة فبالضرورة وصوله اىل حميط
الدائرة واكتساب كماالت تلك احمليط تعسر عليه النه خالف مقتضى طبعه فالبد من
متوسط من افراد امته يكون له بتبعيته مناسبة يف عني املركز وله من طريق آخر مناسبة
مبحيط الدائرة ليكتسب ذلك الفرد كماالت تلك املرتبة احلقيقية ويتحقق حبقيقتها مث
بتوسطه حيصل للنيب صلّى هللا عليه و سلّم تلك الكماالت ويتحقق هبا فيتحقق بعد
ذلك بكماالت نفسه صلّى هللا عليه و سلّم مبقتضى من سن سنة حسنة فله اجرها واجر
من عمل هبا فجاء هذا الفرد وانسب حميط الدائرة وحصل الكماالت االبرهيمية وامنا
حصلت هذه املرتبة الثانية من الوالية املوسوية فحصل هذا الفرد الوالية العظمى اجلامعة
لكماالت املركز واحمليط فحصل للنيب صلّى هللا عليه و سلّم بتوسط هذا الفرد كماالت
- 1371 -
حميط الدائرة وتيسرت له والية اخللة وحصلت له والية احملبوبية وهي واليته صلّى هللا عليه
و سلّم وقبل دعاؤه صلّى هللا عليه و سلّم بقوله اللّهم صل على حممد و على آل حممد
كما صليت على ابراهيم بعد الف سنة انتهى اعلم اان نذكر اوال الفاظه الفارسية مث نذكر
م عرهبا مع شرح الفاظها املغلقة ليندفع اشكال املعرتضني عليه لعدم فهمهم ويظهر
حتريفهم العبارة من هذا املكتوب (مث ذكر الفاظه الفارسية وحنن اقتصران على معربه و هو)
اذا كانت املالحة فوق الصباحة فالوصول اىل املالحة بعد طي مراتب الصباحة وال يتيسر
الوصول اىل حقيقة ه ذه الوالية اليت هي الذروة العليا والوالية احملمدية على صاحبها
الصالة والسالم والتحية حت يصل اىل مجيع مقامات الوالية االبراهيمية اي مجيع
املقامات اليت يتوقف عليها حصول الوالية احملمدية ومراده ابملالحة الوالية احملمدية
وابلصباحة الوالية االبراهيمية على صاحبها الصالة والسالم والتحية وحبقيقة هذه الوالية
كنهها مع كنه مجيع فروعها والوالية احملمدية هي اصل مجيع الوالايت ومرجعها ومركزها
وفوقها وكل الوالايت جلميع االنبياء والرسل مندرجة فيها ونشأت منها ووالايهتم عليهم
الصالة والسالم اجزاء واليته صلّى هللا عليه و سلّم ولكل جزء منها مقامات ومراتب
وكانت حاصلة لنبينا صلّى هللا عليه و سلّم بعضها تفصيال وبعضها امجاال وكانت مجيع
مقامات االبراهيمية حاصلة له صلّى هللا عليه و سلّم تفصيال اال بعض شئوانهتا وهو كان
حاصال له صلّى هللا عليه و سلّم جممال ونسبة ذلك البعض اىل الوالية احملمدية كنسبة
الورقة اىل الشجرة والشعرة اىل االنسان والقطرة اىل البحر بل اقل قليل فاذا مل تكن تلك
الورقة والشعرة والقطرة يف الشجر واالنسان والبحر مع اهنا اجزاء منها ال تكون انقصة ال
يف العقل وال يف النقل فان حصلت تلك الورقة والشعرة والقطرة هلا بواسطة شئ ال يتصور
أنه كملها وكانت انقصة وكذا ال يقال غري املؤمن ملن ال يرفع احلجر واملدر عن الطريق مع
ان يف احلديث الصحيح االميان بضع وسبعون شبعة أعالها قول ال اله اال هللا وأدانها
اماطة االذى عن الطريق واحلاصل ان لكل شئ أجزاء مقومة وأجزاء غري مقومة له
كالشعر لالنسان والورق للشجر ومتامية دائرة اخللة حبصول اجلزء الغري املقوم ال حبصول
- 1372 -
املقوم ويف بعض املكاتيب من اجللد الثالث صرح ابن احلقيقة احملمدية حقيقة احلقائق
وغريها أجزاء هلا انتهى والعاقل تكفيه االشارة وهلذا أمر خامت الرسل مبتابعة ملة ابراهيم
صلى هللا تعاىل عليه وسلم ليصل صلّى هللا عليه و سلّم بوسيلة هذه املتابعة حلقيقة واليته
مبقدار فضله واستعداده صلى هللا تعاىل وسلم عند هللا تعاىل ومنها اىل حقيقة واليته اليت
عرب عنها ابملالحة واملراد حبقيقتها كنهها مع كنه مجيع فروعها وشئوهنا كما مر وملا كان
لنبينا صلّى هللا عليه و سلّم مناسبة ذاتية أمت مبركز دائرة والية اخللة الذي هو اقرب اىل
حضرة امجال الذات ومبحيطها الذي هو تفصيل كماالت الذات تعالت اقل املراد ابملركز
االصل واملرجع واملقدم واملقر واحليز الطبيعي كما مر ووالية كل نيب وويل جزء والية نبينا
صلى هللا تعاىل عليه وسلم ولكل نيب وويل وصلت الوالية منها وهو صلى هللا عليه وسلم
الكل وهي لكل ويل بطريق الظلية واستهالك الظل ابالصل ال يقال له كمله واشار ابملركز
اىل الوحدة والبساطة وابلقرب اىل االحدية فما مل يتحقق بكماالت حميط تلك الدائرة
مفصال بقدر فضله واستعداده عند هللا تعاىل حبصول ذلك الشان الواحد اجململ كما مر
مع ان مجيع املقامات والشئوانت كانت حاصلة له صلى هللا عليه وسلم تفصيال مبقدار
فضله اال ذلك الشأن الواحد اجململ ال تتم والية اخللة تفصيال مبقدار فضله واستعداده
عند هللا تعاىل ولفظ ال تتم يدل على ان والية اخللة كانت حاصلة له صلى هللا عليه و
سلم جممال وهلذا جاءت يف الصالة املأثورة كما صليت على ابراهيم اي جاء فيها كما
صليت اخل ومعناها اللّهم صلى على حممد مبقدار فضله واستعداده عندك كما صليت
على ابراهيم مبقدار فضله واستعداده عندك اللّهم اعط مرتبة خلتك حممدا مبقدار فضله
واستعداده ع ندك كما اعطيتها ابراهيم مبقدار فضله واستعداده عندك حت تتيسر كماالت
الوالية االبراهيمية بتمامها ايضا له صلى هللا عليه وسلم مفصال مبقدار فضله واستعداده
عند هللا تعاىل ولفظ بتمامها أيضا يدل على حصوهلا له صلى هللا تعاىل عليه وسلم جممال
كما كانت حاصلة لصاحبها مبقدار فضله واستعداده عند هللا تعاىل وملا كان املكان
الطبيعي للوالية احملمدية مركز دائرة الوالية اخلليلية وسريه صلّى هللا عليه و سلّم ايضا
- 1373 -
مقصورا على السري املركزي لتلك الدائرة تعسر خروجه صلّى هللا عليه و سلّم منه ودخوله
فيها الكتساب كماالهتا اي اكتساب تفصيلها وهذه العبارة تدل على حصول الوالية
احملمدية للنيب صلّى هللا عليه و سلّم وحصوهلا يدل على حصول الوالية االبراهيمية للنّيب
صلى هللا عليه و سلم ألن الوالية االبراهيمية موقوف عليها حصول الوالية احملمدية
وحصول املوقوف يدل على حصول املوقوف عليه ووجوده وخروجه منه خالف مقتضى
الطبيعة النه احليز الطبيعي له صلّى هللا عليه و سلّم فالبد أن يكون فرد من أمته صلّى هللا
عليه و سلّم متوسطا كائنا بتبعيته صلّى هللا عليه و سلّم يف عني املركز ومن طريق آخر له
مناسبة مبحيط تلك الدائرة اشار بقوله من طريق آخر اخل اىل قول الصوفية ابن كل ويل
من أمته صلّى هللا عليه و سلّم على قلب نيب من االنبياء صلوات هللا عليهم امجعني ويف
حبر املعاين قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ان هلل تعاىل يف االرض ثلثمائة وليا قلوهبم على
قلب آدم عليه السالم وله أربعون قلوهبم على قلب موسى عليه السالم وله سبعة قلوهبم
على قلب ابراهيم عليه السالم وله مخسة قلوهبم مثل قلب جربيل عليه السالم وثلثة قلوهبم
على قلب ميكائيل عليه السالم وله واحد قلبه مثل قلب اسرافيل عليه السالم هبم يرفع
هللا تعاىل البالء عن هذه االمة حت يكتسب كماالت تلك املرتبة اليت هي ذلك الشأن
اجململ غ ري املقدم وغري املوقوف عليه الذي نسبته اىل الوالية احملمدية كنسبة القطرة اىل
البحر وهذا الفرد مبنزلة اآللة كالسيف للمجاهد فالقاطع هو اجملاهد ويسند القطع اىل
السيف جمازا (أو كاخلادم ابلنسبة اىل املخدوم أو كاخلازن ابلنسبة اىل امللك وال حمذور يف
اكتساب املخدوم وامللك شيئا بواسطة اخلادم واخلازن ويتحقق هبا) والنيب املتبوع حبكم من
سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل هبا بتوسط وصوله وخدمته وتبعية نبيه صلّى
هللا عليه و سلّم اليها يتحقق بتلك الكماالت وهي تفصيل اخللة مبقدار فضله وشرفه
صلّى هللا عليه و سلّم عند هللا تعاىل ايضا وتتم له املراتب الوالية اخلليلية مع ذلك الشأن
اجململ غري املقدم الذي كانت مجيع مقامات الوالية حاصلة له صلّى هللا عليه و سلّم
سواه واالعمال الصاحلة للنيب صلّى هللا عليه و سلّم قسمان قسم ابملباشرة هبا وقسم غري
- 1374 -
املباشرة هبا وهي االعمال الصاحلة للنيب صلّى هللا عليه و سلّم مبباشرة أمته هبا مبوجب من
سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل هبا (وكذلك سائر الكماالت والفضائل قسم
منها حصل له صلّى هللا عليه و سلّم حال حياته وقسم حصل له صلّى هللا عليه و سلّم
بعد مماته وال يزال حيصل اىل يوم القيامة بواسطة أمته كفتوح البلدان واظهار دينه على
سائر االداين وانتشاره اىل اقطار االرض واستنباط االحكام وتدوين العلوم اىل غري ذلك
مما ال خيفى على احد) وللنيب صلّى هللا عليه و سلّم يتيسر كماالت حميط تلك الدائرة
مبقدار فضله واستعداده عند هللا تعاىل حبصول ذلك الشأن اجململ وان كانت حاصلة له
صلّى هللا عليه و سلّم مفصلة غري ذلك الشأن ومتت الوالية اخلليلية ايضا له صلّى هللا
عليه و سلّم ابحلاق ذلك الشأن اجململ غري املقدم الذي يدل عليه لفظة متت ونسبته اىل
الوالية احملمدية كنسبة القطرة اىل البحر ودعاء اللّهم صل على حممد كما صليت على
ابراهيم ق رن ابالجابة مبقدار فضله واستعداده بعد الف سنة بدعاء االمة حلصول ذلك
الشأن اجململ غري املقدم ال لغريه من الكماالت الهنا كانت حاصلة له صلّى هللا عليه و
سلّم مفصال والكماالت حاصلة له صلّى هللا عليه و سلّم يف السري يف هللا اآلن ايضا يوما
فيوما الن السري يف هللا غري متناه وكماالته وفيوضه تعاىل ال حتصى والتعد وبدعاء امته له
صلّى هللا عليه و سلّم أفاض هللا عليه التجليات الغري املتناهية كما مر بيانه من كتاب
عمدة املريد للشيخ ابراهيم اللقاين ومن كشف االسرار البن العماد فلرياجع اليه يف آخر
اجلواب االول حت يظهر احلق وللنيب صلّى هللا عليه و سلّم بعد متام والية اخللة معاملة
ابلسر والنشأة الذي اودع يف املركز الذي عرب ابملالحة وفوض النيب صلّى هللا عليه و سلّم
حراسة امته وحمافظتها اليه الرشادهم اىل صراط مستقيم يف زمانه واستغرق يف مشاهدة
مجال غيب الغيب واشتغل ابحملبوب و هللا اعلم حاصله ان للنيب صلّى هللا عليه و سلّم
عروجا ونزوال فعروجه يف حني حياته صلّى هللا عليه و سلّم من عامل الشهادة اىل عامل
املثال ومنه اىل عامل امللكوت واالرواح ومنه اىل مرتبة الواحدية ومنها اىل الوحدة وهي
املسماة ابحلقيقة احملمدية وعامل الشئوانت وهي مركزه وحقيقته صلّى هللا عليه و سلّم
- 1375 -
وامجال ذاته تعاىل وهذه املرتبة خاصة بنبينا صلّى هللا عليه و سلّم ولبعض افراد امته
نصيب منها بطفيله صلّى هللا عليه و سلّم وهذا العروج من عامل الكثرة اىل الوحدة اليت
هي اقرب اىل ذاته تعاىل ونزوله من الوحدة اىل الكثرة والتفصيل اىل عامل الشهادة هلداية
امته وكان هذان السريان للنيب صلّى هللا عليه و سلّم دائمني يف حني حياته صلّى هللا عليه
و سلّم ومجيع الكماالت املمكنة للبشر يف الدنيا حاصلة له صلّى هللا عليه و سلّم بعضها
بواسطة جربيل عليه السالم وغريه من املالئكة الكرام قال هللا تعاىل علمه شديد القوى
ذو مرة وقال النيب صلّى هللا عليه و سلّم ان روح القدس نفث يف روعي وبعضها بال
واسطة مع انه صلّى هللا عليه و سلّم افضل من جربيل عليه السالم وبعد انتقاله صلّى هللا
عليه و سلّم اىل عامل القدس والرفيق االعلى له عروج فقط ومقره يف مركز دائرة اخللة الذي
هو الوحدة وكانت حركته صلّى هللا عليه و سلّم يف حني حياته اىل عامل الشهادة قسرية ال
طبيعية واىل عامل القدس طبيعية ففوض حراسة امته صلّى هللا عليه و سلّم اىل فرد من أفراد
امته وله هذه املرتبة بطفيله صلّى هللا عليه و سلّم كما صرح الشيخ رمحه هللا يف املكتوب
الثامن عشر و امل ائة من اجللد الثالث وقال ال يظن أحد ان السالك ال حيتاج اىل متابعة
النيب صلّى هللا عليه و سلّم النه كفر واحلاد وزندقة والدقيقة من الدقائق واملعرفة من
املعارف اليت هلؤالء القوم ال حتصل هلم اال بتوسطه ومتابعته وحيلولته صلّى هللا عليه و
سلّم سواء كان مبتدائ او متوسطا ومنتهيا {بيت}:
حمالست سعدى كه راه صفا * توان رفت جز در پى مصطفى
معن البيت اي سعدي هذا امر مستحيل ان يصل احد اىل الطريق املستقيم بال
تبعية النيب صلّى هللا عليه و سلّم (بل قلما خيلو مكتوب من مكاتيبه من التأكيد واملبالغة
بتلك املتابعة) وما حصل لذلك الفرد من الكماالت فهو له صلّى هللا عليه و سلّم وهو
مبنزلة اآللة واخلادم ويف املواهب يف بيان خصائصه صلّى هللا عليه و سلّم قال الشافعي
رمحه هللا ما من خري يعمله أحد من امته صلّى هللا عليه و سلّم اال والنيب اصل فيه قال يف
حتقيق النضرة فجميع حسنات املسلمني واعماهلم الصاحلة يف صحائف نبينا صلّى هللا
- 1376 -
عليه و سلّم زايدة على ما له من االجر مع مضاعفة ال حيصيها اال هللا تعاىل الن كل
مهتد وعامل اىل يوم القيامة حيصل له اجره اىل أن قال وهبذا جياب عن االستشكال يف
دعاء القارئ له صلّى هللا عليه و سلّم بزايدة الشرف مع العلم بكماله صلى هللا عليه و
سلم يف سائر انواع الشرف انتهى واهبم الشيخ امحد رمحه هللا ذلك الفرد من امته صلّى هللا
عليه و سلّم وما قال اان ذلك الفرد فيمكن ان يكون ذلك الفرد اخلضر والياس عليهما
السالم او غريمها ويف املواهب يف بيان خصائص امته صلّى هللا عليه و سلّم نعم هو اي
عيسى عليه السالم واحد من هذه االمة ملا ذكر من وجوب اتباعه لنبينا صلّى هللا عليه و
سلّم واحلكم بشريعته وساق الكالم اىل ان قال وكذلك من يقول من العلماء بنبوة اخلضر
عليه السالم وصحح يف االصابة انه نيب وانه ابق اىل اليوم فانه اتبع الحكام هذه االمة
وكذا الياس على ما صححه ابو عبد هللا القرطيب انه حي ايضا وليس يف الرسل من يتبعه
رسول اال نبينا صلّى هللا عليه و سلّم وكفى هبذا شرفا هلذه االمة زادها هللا شرفا انتهى وما
وقع يف الشفاء و الفتاوى من ان تنقيص النيب صلّى هللا عليه و سلّم كفر فهو ابلنسبة اىل
ما هو غري كماالت هللا تعاىل وصفاته وتعلم النيب صلّى هللا عليه و سلّم من جربيل عليه
السالم وهو الذي يدل عليه قوله تعاىل علمه شديد القوى ذو مرة مع ان جربيل عليه
السال م مفضول والنيب افضل منه وكذا مس الشيطان مجيع اوالد آدم وقت تولدهم اال
عيسى عليه السالم وكذا قوله عليه السالم اان اول من يرفع رأسه بعد النفخة فاذا اان
مبوسى آخذا بقائمة من قوائم العرش فال ادري اقام قبلي او جوزي بصعقة الطور رواه
البخاري ويف البدور السافرة للسيوطي رمحه هللا يف بيان الصعقة وهذه الغشية لالنبياء اال
موسى فانه حصل فيه تردد فان مل حيصل له فيكون قد حوسب بصعقة يوم الطور وهذه
فضيلة عظيمة يف حقه ولكن ال توجب افضليته على نبينا صلّى هللا عليه و سلّم الن
الشئ اجلزئي ال يوجب أمرا كليا انتهى وغريها من االمثلة اليت تدل على تفضيل املفضول
على الفاضل ليس كلها من قبيل التنقيص املذموم وترقي الدرجات اليت للنيب صلّى هللا
عليه و سلّم يوما فيوما يف الربزخ ال يدل على تنقيصه صلّى هللا عليه و سلّم مع ان كل
- 1377 -
درجة من الدرجات اليت حصلت له صلّى هللا عليه و سلّم اليوم اعلى مما قبله اىل غري
النهاية فكيف يقال ملن يقول كل الدرجات اليت حصلت له صلّى هللا عليه و سلّم أعلي
مما قبله وهو متصف جبميع صفات الكمال انه نقصه صلّى هللا عليه و سلّم و هللا اعلم
وليس يف كالم الشيخ امحد رمحه هللا ما يدل على النقص ويف الشفاء قال حبيب بن
الربيع التأويل يف لفظ صريح ال يقبل ويف آخر املكتوب الرابع والتسعني من اجللد الثالث
يف جواب من توهم من هذا الكالم يف بيان املالحة واخللة ان ذلك الفرد كمل النيب صلّى
هللا عليه و سلّم صرح ابن ذلك الفرد خادم واتبع للنيب صلّى هللا عليه و سلّم كلما حصل
له فهو من خزائنه صلّى هللا عليه و سلّم فاذا جاء العبد واخلادم هبدية اىل املخدوم وقبلها
منه ال يلزم به نقص وذكر لدفع هذا الوهم كالما كثريا يدفعه فمن اراد الوقوف عليه
فلرياجع اليه ولدفع هذا الوهم منثل هبذه املسئلة املعقولة املكشوفة ابحملسوسة ابن نتصور
بستاان عظيما حوله سور وهو مبنزلة دائرة اخللة وقصرا مرتفعا غاية االرتفاع يف وسط هذا
البستان وهو مبنزلة املركز وقد دخل فيه النيب صلّى هللا عليه و سلّم ورأى كلما فيه تفصيال
االّ شيئا قليال مث ارتقى النيب صلّى هللا عليه و سلّم على ذلك القصر واستغرق يف
مشاهدة مجال ذاته تعاىل فيه ال يتوجه وال يلتفت اىل البستان والسور الذي هو اسفل من
مكانه العايل صلّى هللا عليه و سلّم وذلك الفرد من اخلدام والعبيد يبلغ حقيقة هذا
البستان وسوره اليه صلّى هللا عليه و سلّم ابعتبار بعض الوجوه الذي هو جممل كاملالئكة
السياحني يف االرض يبلغونه صلّى هللا عليه و سلّم سالم امته وصالهتم ويزيد هللا تعاىل
شرفه ودرجته بواسطة دعائهم وصالهتم يوما فيوما فليس فيه نقصه صلّى هللا عليه و سلّم
مع انه يعلم صالة كل فرد فرد من االمة وحيصل ثواهبا له صلّى هللا عليه و سلّم بواسطة
املالئكة واالمة فافهم وروى امحد والنسائي واحلاكم حديث تبليغ املالئكة صالة االمة اليه
صلّى هللا عليه و سلّم وترقي الدرجات للنيب صلّى هللا عليه و سلّم يف الربزخ يوما فيوما
بسبب اعماله بنفسه صلّى هللا عليه و سلّم الن االعمال الصاحلة المته فهي يف احلقيقة
اعماله صلّى هللا عليه و سلّم مبقتضى حديث من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من
- 1378 -
عمل هبا وان فرضنا ان هذا املبحث ينجر اىل الفضل اجلزئي ال يلزم احملذور ايضا النه
جائز عند العلماء وان مل يفهمه الناس ويدل على الفضل اجلزئي احاديث كثرية منها ما
يف رواية الرتمذي قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم يقول هللا تعاىل املتحابون يف جاليل هلم
منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء وروى ابو داود عن عمر رضي هللا عنه قال قال
رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان من عباد هللا الانسا ما هم ابنبياء وال شهداء يغبطهم
االنبياء والشهداء يوم القيامة مبكانتهم من هللا قالوا اي رسول هللا ختربان من هم قال هم قوم
حتابوا بروح هللا من غري ارحام بينهم وال اموال يتعاطوهنا احلديث وصدر من املشائخ
رمحهم هللا ايضا اقوال تدل على الفضل اجلزئي وحصول مرتبة اخللة للنيب صلّى هللا عليه و
سلّم بدعاء امته منها قول الشيخ حميي الدين ابن العريب يف الفتوحات املكية يف الباب
التاسع واخلمسني و اخلمسمائة ال ينال اخللة حممد صلّى هللا عليه و سلّم صاحب
الوسيلة يف جنته وما انهلا اال بدعاء امته اين امته من فضيلته ومع هذا بدعائهم كانت
حملمد الوسيلة واملدعو له ارفع من الداعي ويف موضع آخر من هذا الباب قال انل حممد
صلّى هللا عليه و سلّم الوسيلة واخللة بدعاء أمته ولذلك أمرهم ابلصالة عليه كما انه
صلّى هللا عليه و سلّم أمرهم ان يسئلوا الوسيلة اليه انتهى ويف الفصوص وجيوز ان يكون
الفاضل مفضوال من وجه كما مر بيانه وهو فاملرسلون من كوهنم اولياء ال يرون ما ذكرانه
اال من مشكاة خامت االولياء فكيف من دوهنم اخل اي ال يرون االنبياء من العلم الذي
يعطي صاحبه السكوت اال من مشكاة ذلك الويل مع ان االنبياء افضل منه انتهى قال
موالان جالل الدين الدواين يف رسالته يف بيان تشبيه كما صليت على ابراهيم ان تفضيل
املفضول على الفاضل ابعتبار بعض الوجوه جائز اذ يف احلديث ان هلل عبادا ليسوا ابنبياء
يغبطهم االنبياء انتهى ملخصا ويف البيضاوي يف تفسري قوله تعاىل هل اتبعك على ان
تعلمين مما علمت رشدا وال ينايف نبوته وكونه صاحب شريعة ان يتعلم من غريه ما مل يكن
شرطا يف ابواب الدين فان الرسول ينبغي ان يكون اعلم ممن ارسل اليه فيما بعث من
اصول الدين وفروعه ال مطلقا انتهى واخلضر عليه السالم نيب يف قول وليس بنيب يف قول
- 1379 -
وعليه اكثر العلماء كذا يف تفسري اجلاللني وفيه ايضا روى البخاري حديث أن موسى
أوحى هللا اليه ان يل عبدا مبجمع البحرين هو اعلم منك ويف املواهب روى امحد والدارمي
والطرباين عن ايب عبيدة قالوا اي رسول هللا هل أحد خري منا اسلمنا معك وجاهدان معك
قال نعم قوم يكون من بعدكم يؤمنون يب ومل يروين واسناده حسن وصححه احلاكم انتهى
ويف املشكاة عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال قال رسول هللا صلّى هللا عليه و
ي اخللق اعجب اليكم امياان قالوا املالئكة قال وما هلم ال يؤمنون وهم عند رهبم
سلّم ا ّ
قالوا فالنبيون قال وما هلم ال يؤمنون والوحي ينزل عليهم قالوا فنحن قال وما لكم ال
ايل
تؤمنون واان بني اظهركم قال فقال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ان أعجب اخللق ّ
امياان لقوم يكونون من بعدي جيدون صحفا فيها كتاب يؤمنون مبا فيها وعن بريدة قال
اصبح رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم فدعى بالال فقال مبا سبقتين اىل اجلنة ما دخلت
اجلنة قط اال مسعت حشحشتك امامي احلديث ويف شرح العقائد العضدية للجالل
الدواين فان افضل موضوعة للزايدة يف معن املصدر بوجه ما اعم من ان يكون من مجيع
الوجوه او جبميع صفات الفضائل من حيث اجملموع والذي وقع اخلالف فيه ههنا هو
ال رجحان هبذا الوجه اعين من حيث الثواب ال الرجحان من الوجوه االخر فال ينايف ذلك
رجحان الغري يف آحاد الفضائل االخر وال يف جمموع الفضائل من حيث اجملموع ومتام
تفصيله يف احلواشي اجلديدة لنا على الشرح اجلديد للتجريد انتهى وما صدر من الشيخ
امحد رمحه هللا من كشف مقا م اخللة والوالية وغريمها مثل ما صدر من االولياء وما اخذ
عليهم احد وذكر االمام الشعراين يف اليواقيت واجلواهر عن بعض العارفني هبذه العبارة
اعلم ان النبوة مل ترتفع مطلقا وامنا ارتفع نبوة التشريع فقط ويف الفتوحات املكية يف الباب
السبعني و املائتني ان النبوة وان انقطعت يف هذه االمة حبكم التشريع فما انقطع املرياث
منها فمنهم من يرث بنبوة ومنهم من يرث برسالة ومنهم من يرث برسالة ونبوة معا قال
الشيخ الشعراين يف الطبقات عن الشيخ ايب املواهب الشاذيل انه قال ان مثل الفقراء
واالولياء الصادقني ككنز صاحب اجلدار وقد يعطي هللا من جاء يف آخر الزمان ما حجبه
- 1380 -
عن اهل العصر االول فان هللا تعاىل اعطى حملمد صلّى هللا عليه و سلّم ما مل يعط االنبياء
الذين مضوا قبله واي هلل العجب من املتفقهني الذين ينكرون ما قاله االولياء ويصدقون مبا
وصل اليهم من فقيه واحد ورمبا يكون اسناده يف ذلك القول اىل دليل ضعيف وما ذلك
و هللا اال احلرمان انتهى (تنبيه) اعلم ان حاصل هذا الكالم للشيخ امحد رمحه هللا يف بيان
اخللة ومراده منه ان مرتبة اخللة امر كلي وله حصص ولكل نيب حصة منها على قدر
استعداده وشرفه النه اراد هبا تفصيل كماالت ذات هللا تعاىل ولكل نيب حاصل تفصيل
كماالت ذاته تعاىل بقدر استعداده وشرفه وخص ابراهيم عليه السالم ابخللة لشهرته هبا
ولنبينا صلّى هللا عليه و سلّم خلة على قدر أستعداده وشرفه وهي أشرف وأعلى درجة
من اخللة اليت لغريه صلّى هللا عليه و سلّم من االنبياء عليه السالم واملراد ابلصالة يف قول
اللهم صل على حممد كما صليت على ابراهيم اخللة والرمحة معناه اللّهم أعط اخللة والرمحة
حممدا صلّى هللا عليه و سلّم بقدر أستعداده وشرفه عندك كما أعطيتها على ابراهيم عليه
السالم بقدر استعداده وشرفه عندك ولنبينا صلّى هللا عليه و سلّم حصلت حصة اخللة يف
حني حياته وهي أشرف وأعلى من حصة اخللة اليت البراهيم عليه السالم ابعمال نفسه
صلّى هللا عليه و سلّم وهكذا ترتقى درجة اخللة والرمحة لنبينا صلّى هللا عليه و سلّم يوما
فيوما يف الربزخ أيضا الهنا غري متناهية ابعماله صلّى هللا عليه و سلّم بنفسه ال بغريه وهي
االعمال الصاحلة المته صلّى هللا عليه و سلّم مبوجب حديث من سن سنة حسنة فله
أجرها وأجر من عمل هبا واالعمال الصاحلة لالمة كلها سنة حسنة سنها النيب صلّى هللا
عليه و سلّم واالمة كاآللة حلصول تلك االعمال الصاحلة للنيب صلّى هللا عليه و سلّم
كالسكني للقاطع فاسناد كسب كماالت اخللة اىل فرد من أفراد أمته صلّى هللا عليه و
سلّم اسناد جمازي كاسناد القطع اىل السكني ومقر النيب صلّى هللا عليه و سلّم فوق مرتبة
اخللة وهي الوالية احملمدية ومرتبة احملبوبية وهي أشرف وأعلى من اخللة ودعاء ذلك الفرد
واالمة بقول اللهم صل على حممد كما صليت على ابراهيم المتام مرتبة اخللة للنيب صلّى
هللا عليه و سلّم بقدر استعداده وشرفه عند هللا تعاىل قرن ابالستجابة ودعاؤهم له صلّى
- 1381 -
هللا عليه و سلّم الزدايد شرفه والرمحة والقرب يف مرتبة احملبوبية ودرجته عند هللا تعاىل
بقوهلم اللّهم صل على حممد كما صليت على ابراهيم ابق اىل يوم القيامة وهذه املعاين
اليت ذكرهتا يدل عليها كالم الشيخ امحد رمحه هللا على بعضها بداللة لفظه وعبارته و
على بعضها ابشارته واقتضائه وال خيفى فهم هذه املعاين من كالمه على طالب العلم
سليم الطبع املنصف الذي استحضر من علم اصول الفقه واملعاين والبيان مبحث داللة
اللفظ وعبارته واشارته واقتضائه ومنطوقه ومفهومه واحلقيقة واجملاز والصريح والكناية و هللا
اعلم وحاصل مجيع هذه االقوال اليت اعرتض املعرتضون هبا ينجر اىل حصول بعض
كماالت اخللة للنيب صلّى هللا عليه و سلّم بتوسط ذلك الفرد الغري املعني و اىل وصول
ذلك الفرد اىل بعض العلوم من هللا تعاىل بال توسط واىل شركته للنيب صلّى هللا عليه و
سلّم بتبعيته له صلّى هللا عليه و سلّم يف بعض املعارف والدرجات وقد عرفت جواب
كلها تفصيال وغاية ما فيه من القبح هو الفضل اجلزئي وال نسلم انه يفهم من كالم
الشيخ رمحه هللا ابملعن الذي بينته لكالمه وان سلم فهو جائز عند مجيع العلماء والصوفية
كما مر بيانه فالفضل اجلزئي عبارة عن زايدة شئ قليل مما حسنه الشرع أعم من ان
يرتتب عليه الثواب أوال كاملباح والفضل الكلي عبارة عن كثرة الثواب وزايدته وأخذ العلم
من هللا تعاىل بال توسط مرشد وشيخ جائز أيضا كما يدل عليه كالم غوث الثقلني عبد
القادر اجليالين رضي هللا عنه يف فتوح الغيب وقد يكون للمريد سر ال يطلع عليه شيخه
وللشيخ سر ال يطلع عليه مريده الذي قد دىن سريه على عتبة ابب شيخه فاذا بلغ املريد
حالة شيخه افرد عن الشيخ وقطع عنه فتواله احلق عز و جل فيعظمه عن اخللق مجلة
فيكون الشيخ كالداية وال رضاع بعد احلولني ويف النفحات قال الشيخ عبد هللا الرتوغيدي
طوىب ملن مل يكن له وسيلة اليه غريه قال الشيخ الشعراين يف الطبقات عن الشيخ اتج
الدين بن عطاء هللا وقد جي ذب هللا العبد فال جيعل عليه منة لالستاذ قال موالان اجلامي
قدس سره يف خطبة شرح الفصوص اعلم ان احلكمة الفائضة من احلق سبحانه على
قلوب كمل عباده وخلص عبيده انواع منها ما يفيض عليهم بواسطة املالئكة املقربني
- 1382 -
ابلفاظ وعبارات حمفوظة عن التغيري والتبديل مرادة تالوهتا وهو القرآن ومنها ما يفيض
عليهم بواسطة او بغري واسطة معاين صرفة ومن هذا القبيل احلديث القدسي وهذا النوع
ليس خمصوصا ابالنبياء عليهم الصلوات والتسليمات بل يعم االولياء وصاحلي املومنني
ومنها ما يفيض من بعض الكمل على بعض كما يفيض من روح نبينا صلّى هللا عليه و
سلّم على خواص متابعيه انتهى ويف منبع الكماالت حكى االمام الشعراين عن بعض
العارفني انه كان يقول ان الرجل ال يكمل عندان يف مقام العلم حت يكون علمه عن هللا
عز و جل بال واسطة اىل ان قال كما اخذه اخلضر عليه السالم وفيه ايضا عن بعضهم
انه كان يقول اذا كمل العارف يف مقام العرفان اورثه هللا تعاىل علما بال واسطة ويف
الفتوحات املكية يف بيان احوال االقطاب وكل اصناف هذه العلوم عنده اي القطب
علوم اهلية ما اخذها اال عن هللا سبحانه بال واسطة ويف مرصاد العباد اما التجلي العلمي
فمثمر لظهور حقائق العلوم بال واسطة انتهى ووقع يف اقوال املشائخ يف مواضع كثرية ما
يدل على اخذ العلم عن هللا تعاىل بال واسطة فمن اراد الوقوف عليه فلرياجع اىل كتبهم
وما يدل على اخذ العلم عن هللا تعاىل بال واسطة يف مكتوب من املكتوابت للشيخ امحد
السرهندي رمحه هللا يوافق هذه االقوال وهو صرح ابنه ال يصل احد اىل هذا املقام اال بعد
متابعته للنيب عليه الصالة والسالم كما مر و هللا اعلم.
(اجلواب الثاين والثالث والعشرون) لقوهلم وقال يف املكتوب السادس والتسعني
من اجللد الثالث ان الوالية احملمدية وان كانت انشية من مقام احملبوبية اال انه ليس هناك
حمبوبية صرفة بل فيها نشأة من احملبية ايضا وهذا املزج وان مل يكن له ابالصالة لكنه مينع
من احملبوبية الصرفة وان الوالية االمحدية انشئة من صرف احملبوبية وليس فيها شائبة احملبية
اصال وهذه الوالية اسبق من االوىل وأقدم مبرحلة ولقوهلم وقال يف املكتوب الرابع
والتسعني ان النيب صلّى هللا عليه و سلّم اختفى يف خلوة غيب الغيب ورد هذا الفرد
املتوسط م ن أمته حلراسة االمة وحمافظتها وليعلم ان حميط مركز الدائرة الثالثة يعين احلاصلة
وان كان اصغر من حميط التعني االول ولكنه امجع منه واقرب اىل حضرة الذات وكلما
- 1383 -
كان اقرب اىل حضرة الذات كان امجع كاالنسان ابلنسبة اىل العامل االكرب فانه وان صغر
لكنه امجع واشرف انتهى اعلم ان جواب القولني مبجموعهم هو ان النيب صلّى هللا عليه و
سلّم قال علماء أميت كأنبياء بين اسرائيل ووجه الشبه فيه ان العلماء العاملني يرشدون
أمته صلّى هللا عليه و سلّم اىل الصراط املستقيم ويهدوهنم اىل سبيل معرفة هللا تعاىل
العظيم كأنبياء بين اسرائيل فصح حراستهم االمة وهذا الفرد منهم ومشهور عند الصوفية
رضوان هللا عليهم أمجعني ان قطب الوقت وهو الغوث حيرس أمته صلّى هللا عليه و سلّم
وكذلك االواتد واالبدال والنجباء والنقباء والنيب صلّى هللا عليه و سلّم كان دائما مستغرقا
يف مشاهدة مجال ذاته تعاىل يف مقام قاب قوسني أو أدىن خصوصا بعد انتقاله صلّى هللا
عليه و سلّم اىل املأل االعلى ويزيد شرفه يوما فيوما فانه فوض حراسة أمته اىل فرد من
أمته وما توجه اىل العامل السفلي مبوجب ما زاغ البصر وما طغى فال قبح فيه حت يلزم
الذم لقائل هذا القول وأما قوهلم وقال يف املكتوب املويف مائة من اجللد الثالث امسع ان
هذه الدولة احملمدية اخلاصة به وان مل يكن أحد يشركه فيها اال أن بعد ختليق بدنه
وتكميله بقيت من طينته بقية اىل آخر ما تقدم مكرر وقد مر جوابه يف السؤال السابع.
(اجلواب الرابع والعشرون) لقوهلم وقال يف املكتوب احلادي عشر من اجللد
االول بعد ان ذكر مقاما قال مر عليه اخللفاء مث قال واليه طريقان أحدمها رؤية النقص
حت انه يرى كل من يف العامل حت الكافر االفرجني وامللحد والزنديق أفضل من نفسه
ويرى نفسه أسوأ منهم انتهى اعلم ان كل املخلوقات من حيث هم خملوق هللا ومصنوعاته
عاقبتهم مبهمة عسى ان يؤمن الكافر وعاقبته أيضا مبهمة عسى ان يكفر ابعتبار وكل
شئ خلقناه بقدر وهم من حيث كوهنم مظهر صفات اجلالل يراهم أفضل من نفسه
وكلهم على صراط مستقيم هبذا االعتبار كما قال بعض العرفاء يف بيان قوله تعاىل ما من
دابة اال هو آخذ بناصيتها ان ريب على صراط مستقيم قال أبو مدين رمحه هللا {شعر}:
ال تنكر الباطل يف طوره * فانه من بعض ظهوراته
واعلم ان هللا تعاىل اذا أراد العارف ان ال حيصل له العجب يظهر له احلكمة اليت
- 1384 -
يف خلق الكافر وغريه من املخلوقات وال جتدها يف نفسه فيفضله على نفسه هبا فيصل به
اىل الدرجة العليا مما يضيق عن االحاطة هبا نطاق البيان وينكشف له تسبيح كل شئ
قال هللا تعاىل وان من شئ اال يسبح حبمده ولكن ال تفقهون تسبيحهم فال حمذور فيه
وقد ورد فال تزكوا أنفسكم ولعل املعرتض حيسب نفسه خريا من كل شئ وهذا من ورثة
الشيطان نعوذ ابهلل من ذلك.
(اجلواب اخلامس والعشرون) لقوهلم مث قال ليعلم ان االنبياء اذا وصلوا اىل حضرة
الذات بتبعية نيب من االنبياء ال يكون ذلك النيب حائال بينهم وبني الذات وهلم نصيب
ابالصالة من حضرة الذات غاية ما يف الباب ان وصوهلم اىل تلك الدرجة مربوط بتبعية
ذلك النيب خبالف االمم فاهنم اذا وصلوا بتوسل انبيائهم يكون االنبياء حائلني اال فردا من
افراد هذه االمة يعين نفسه فانه أيخذ ابالصالة من حضرة الذات وله نصيب منها
واحليلولة بينه وبني الذات مفقودة والتبعية موجودة وقليل ما هم بل اقل انتهى اعلم ان
هذا القول مكرر وجوابه مر يف السؤال الثاين فلريجع اليه.
(اجلواب السادس و العشرون والسابع و العشرون والثامن و العشرون
والتاسع والعشرون) لقوهلم وقال يف املكتوب السادس والتسعني من اجللد الثالث ان
حملمد صلّى هللا عليه و سلّم طوقي عبودية يعين حلقيت امليم ومها اشاراتن اىل تعينيه االول
تعينه اجلسدي وهو بشريته والثاين تعينه الروحي وهو ملكيته وملا فرت تعينه اجلسدي
ابملوت قوي تعينه الروحي ولكن كان لتعينه اجلسدي بقية فلما مضى الف سنة زالت
تلك البقية ومل يبق لتعينه اجلسدي اثر فانقطع طوق عبودية جسده وطرأ عليه الزوال
والفناء فقام الف االلوهية مقامه فصار حممد امحد وانتقلت الوالية احملمدية اىل الوالية
االمحدية انتهى ولقوهلم وقال يف املكتوب التاسع واملائتني من اجللد االول ان نبوته صلّى
هللا عليه و سلّم تتعلق ابلنشأة العنصرية ابعتبار احلقيقة احملمدية بل ابعتبار احلقيقتني
احملمدية واالمحدية لكن غلبت نشأته العنصرية احملمدية على امللكية االمحدية لتحصيل
املناسبة بينه وبني االمة فتتأتى االفادة واالستفادة وهلذا أمر بقوله امنا اان بشر مثلكم فأكد
- 1385 -
البشرية مبماثلتهم وبعد ارحتاله عن النشأة العنصرية غلب جانب الروحانية ونقص جانب
البشرية ونقص نورانية الدعوة وغلب الظلمة وملا مضى من رحلته الف سنة غلب جانب
الروحانية وعدمت البشرية و انصبغت بصبغ عامل االمر فبالضرورة رجع عامل خلقه اىل عامل
االمر واحتدت احملمدية ابالمحدية انتهى ولقوهلم وقال يف موضع آخر ان احلقيقة احملمدية
تبقى شاغرة حت أييت عيسى عليه السالم فيعرج اليها فينزهلا فكأنه يقول انه حينئذ تغلب
بشريته فتوجد املناسبة بينه وبني االمة فتتأتى االفادة واالستفادة حينئذ واما قبل ذلك فال
يصح االشارة لغلبة روحانيته فوجب ان يكون ذلك الفرد هو بزعمه انتهى ولقوهلم وقال
يف املكتوب التاسع و املائتني من اجللد االول و من هنا يعين من اجل أن بعد مضى الف
سنة ال يبقى من التعني اجلسدي اثر نقلوا عن الشرائع املتقدمة ان بعد مضي الف سنة
من رحلة كل واحد من اويل العزم من الرسل العظام يبعث رسول أخر انتهى اعلم أن
ايضاح اجوبة هذه االعرتاضات االربعة يظهر ابن نذكر اصطالحات الشيخ أمحد رمحه
هللا اوال ليدفع شبهتهم وذلك أن النيب صلّى هللا عليه و سلّم مركب من عامل اخللق وهو ما
يقبل اخلرق والتجزي وااللتئام ومن عامل االمر و هو ما ال يقبل اخلرق و التجزي و االلتئام
ورب عامل خلقه صلّى هللا عليه و سلّم العلم ورب عامل امره شأن العلم ومنشؤه فاحلقيقة
احملمدية ههنا عبارة عن حقيقته االمكانية العنصرية واحلقيقة االمحدية كناية عن حقيقته
االمكانية االمرية النورية والنيب صلّى هللا عليه و سلّم ابعتبار عامل امره يريب عامل ملكوت
السموات واالرض وابعتبار عامل خلقه يرشد العامل العنصري ملناسبة عامل خلقه ابلبشرية
وابلعامل العنصري وبعد انتقاله صلّى هللا عليه و سلّم من العامل العنصري اىل العامل الروحاين
انتقصت هذه املناسبة بسبب انتقاص آاثر النشأة العنصرية كاالكل والشرب والنوم
واملرض وغري ذلك من الصفات اجلسمانية العنصرية وبقي فيه من الصفات البشرية التوجه
اىل العامل السفلي الرشاد امته وبعد مضي الزمان املديد زال هذا التوجه وااللتفات اىل
العامل العنصري أيضا وهو املراد عنده بفناء جسمه صلّى هللا عليه و سلّم ال اهليكل
املخصوص اجلسدي كما فهمه املعرتض من كالمه واستغرق يف حبر مشاهدة مجال ذاته
- 1386 -
تعاىل واراد الشيخ أمحد رمحه هللا ابلفناء ما أراده القاضي عياض رمحه هللا يف الشفاء يف
القسم الثالث فيما جيب للنيب صلّى هللا عليه و سلّم او جيوز عليه فظاهرهم واجسادهم
وبنيتهم متصفة ابوصاف البشر طرأ عليها ما يطرأ على البشر من االعراض واالسقام
واملوت والفناء ونعوت االنسانية وأرواحهم وبواطنهم متصفة ابعلى من اوصاف البشر
متعلقة ابملأل االعلى انتهى واالولياء ال يتوجهون اىل نعمة اجلنة من االكل والشرب
ومرادهم يف اجلنة رضاء هللا ولقاؤه تعاىل فكيف يلتفتون اىل النعمة الدنيوية اخلسيسة
وغلبت روحانيته صلّى هللا عليه و سلّم على جسمانيته وقرب جسمانيته اىل الروحانية
وهذا معن عروج احلقيقة احملمدية وحلاقها ابحلقيقة االمحدية وخلو مكاهنا صلّى هللا عليه
و سلّم مع ان جسده الشريف ابق على حاله ال يبلي منه شئ واملراد بعروج سيدان
عيسى عليه السالم بعد نزوله اىل املقام احملمدي قيامه مقامه صلّى هللا عليه و سلّم
الرشاد امته وترويج شريعته وتبعيته له صلّى هللا عليه و سلّم كما كان صلّى هللا عليه و
سلّم قبل عروج حقيقته يهدي اخلالئق ويرشدهم وبعد ارحتاله صلّى هللا عليه و سلّم اىل
عامل القدس والرفيق االعلى انتقص نورانية هدايته وارشاده وظهرت الظلمة وهلذا قال بعض
أصحابه صلّى هللا عليه و سلّم ما فرغت من دفنه صلّى هللا عليه و سلّم اال قد وجدت
قليب متفاوات كما ورد يف رواية الرتمذي عن أنس رضي هللا عنه وما نفضنا ايدينا عن
الرتاب واان لفي دفنه حت انكران قلوبنا ويدل على هذا املراد من زوال اجلسد قوله يف
املكتوب التاسع و املائتني من اجللد االول مت مضى الف سنة غلب جانب روحانيته
على بشريته صلّى هللا عليه و سلّم يعين صفات جسده على هنج لون متام جانب بشريته
بلون نفس الروح وانصبغ عامل خلقه بلون عامل امره انتهى وما قال زال عامل خلقه ابلكلية
وفين جسده ويف قول املعرتضني ما يدل عليه ايضا وهو وانصبغت بصبغ عامل االمر
وبعض كالمه يفسر بعضه فان يالحظ املنصف ال يعرتض عليه البتة وهو املراد بقول
الشيخ امحد رمحه هللا وواحد من طوقي العبودية انقطع وزال واشار بقوله وقام الف
االلوهية اليت مبنزلة البقاء ابهلل مقام الطوق املنقطع اىل ان احلقيقة االمحدية مظهر اسم هللا
- 1387 -
املستجمع جلميع صفات الكمال ومرتبة هذا القرب من هللا تعاىل افضل من التوجه اىل
العامل السفلي العنصري فاذا عرفت هذا فاعلم انه ال يصح قول املعرتضني فينزهلا فكانه
يقول انه حينئذ اخل النه ما قال رمحه هللا هذا وال يفهم من كالمه فمن اين يفرتونه الن
كالمه ال يدل على هذا املعن ومعرب الفاظه واذا نزل عيسى عليه السالم واتبع شريعة
خامت الرسل عليه وعليهم الصالة والسالم يعرج من مقامه اىل مقام احلقيقة احملمدية ويصل
اليه بتبعيته للنيب صلّى هللا عليه و سلّم انتهى ويقوي دينه صلّى هللا عليه و سلّم انتهى
واملراد بزوال اثر التعني اجلسدي بعد مضي الف سنة وانكسار احد طوقي العبودية وهو
عبارة عن امليم االول من اسم حممد واقامة ألف االلوهية مقامه واالخنالع من اجلسد اىل
الروح وزوال هذا التوجه اىل العامل السفلي لالرشاد والتفاته صلّى هللا عليه و سلّم اليه ال
ابالء اجلسد كما مر بيانه فال يرد اعرتاض املعرتضني عليه ابن جسده صلّى هللا عليه و
سلّم ال يفن و هو يقول بفنائه غاية االمر ان هذه املسئلة كشفية ما وردت فيها الرواية مث
ذكر الفاظه الفارسية وحنن تركناها لالستغناء عنها.
(اجلواب الثالثون) لقوهلم و قال يف املكتوب احلادي عشر من اجللد االول املقام
الذي كنت رأيت نفسي فيه ملا الحظته رأيت اخللفاء الثالثة قد عربوا عليه اىل ان قال
ويف أثناء مالحظة ذلك املقام مرة اثنية رأيت مقامات أخر بعضها فوق بعض وملا وصلت
اىل مقام فوق املقام السابق علمت انه مقام ذي النورين رضي هللا تعاىل عنه وقد مر عليه
بقية اخللفاء وهذا املقام أيضا مقام التكميل واالرشاد وهكذا مقامات فوق ذلك سنذكرها
وظهر يل فوق هذا املقام مقام آخر فلما وصلت اليه علمت انه مقام الفاروق رضي هللا
عنه وقد مر عليه بقية اخللفاء وفوقه مقام آخر هو مقام الصديق االكرب رضي هللا عنه وقد
مر عليه بقية اخللفاء وفوقه ال يعرف مقام اال مقام الرسول صلّى هللا عليه و سلّم وظهر
يل يف حماذاة مقام الصديق مقام آخر أعظم منه وأنوار مل يقع نظري على مثله قط وكان
ارفع من مقام الصديق ارتفاع الصفة عن وجه االرض وعلمت انه مقام احملبوبني وذلك
يف و وجدتاملقام ملون ومنقش ورأيت نفسي ملوان ومنقشا من انعكاس ذلك املكان ّ
- 1388 -
نفسي لطيفا يف لون اهلواء أو قطعة غيم منتشرة يف اآلفاق ورأيت حضرة الشيخ الكبري
يعين اخلواجه النقشبند يف مقام الصديق ورأيت نفسي يف ذلك املقام احملاذى له املذكور
انتهى اعلم أن كالم الشيخ رمحه هللا هذا ال حمذور فيه وال يلزم منه فوقيته على اصحاب
النيب صلّى هللا عليه و سلّم ومن يقف على مصطلحاته ال يشتبه عليه ما ال حمذور فيه
واعلم ان الوصول إ ما نظري أو قدمي فالنظري ما يصل اليه السالك ابلنظر كوصولنا اىل
الشمس والقمر وحنن على وجه االرض والوصول القدمي ما يصل اليه من املطلوب
ابلقدم كما يصل أحد اىل الشمس يف السماء الرابعة ببدنه او روحه وهو قسمان احدمها
ملكي مسكين ابالصالة وهو عبارة عن وصوله اىل املرتبة اليت هي مسكنه ومأواه وملكه
والثاين غريه وهو عبارة عن وصوله اىل تلك املرتبة ابلتبع والعارية وال يكون ملكه وال يقدر
أن يسكنها اال برضاء صاحب املرتبة او خبدمته فاذا فهمت هذا فاعرف ان مراد الشيخ
رمحه هللا تعاىل من الوصول اىل هذه املقامات ابلتبع بطريق العارية او اخلدمة او ابلنظر فال
حمذور فيه على انه رأى ذلك يف واقعة يف اثناء سلوكه ومع ذلك اجاب عنه يف كثري من
مكاتيبه.
(اجلواب احلادي والثالثون) لقوهلم وقال يف الفصل الثالث من اجللد االول ان
هناية كم ال والية اولياء االمة اخلاصة الغوثية وهناية كمال والية اهل والية االنبياء يف اولياء
االمة االمامة وهناية كمال كماالت النبوة يف غري النيب اخلالفة وقد ظهر يل سر هذا املعين
ففي احلقيقة خالفة الشيخني رضي هللا عنهما استقامت وكانت يف غاية القوة والعدل
الن جانب ك ماالت النبوة فيهما كان اكمل واغلب من جانب كماالت الوالية وشرعت
الفنت يف خالفة ذي النورين لكونه برزخا بني والية النيب ونبوته عليه الصالة والسالم
وكمل اخللل اىل الغاية يف خالفة امري املؤمنني على رضي هللا عنه لغلبة جانب الوالية فيه
كرم هللا وجهه لكنه ملا كان صاحب مرتبة االمامة احلقيقية وحدها مستقال هبا مل يقتل يف
أمر اخلالفة وقتل ذو النورين فيه لعدم اختصاصه ابحد املرتبتني ويف نظري ان والية علي
رضي هللا عنه أول الشروع يف االمامة اجملردة انتهى اعلم ان ذلك ظهر له يف كشفه رمحه
- 1389 -
هللا وهو ال خيالف الشرع فما الذي وجده املعرتضون فيه مما يلزم به القبح مع اين ما
وجدت هذه العبارة اليت أوردها يف اجللد االول (ليست هي فيه بل فيه بيان كيفيات
والايت اخللفاء الراشدين رضوان هللا عليهم أمجعني).
(اجلواب الثاين والثالثون) لقوهلم (قال يف املكتوب املائتني والستني من اجللد
االول) ليعلم ان منصب النبوة ختم خبامت الرسل لكن من كماالت ذلك املنصب بطريق
التبعية التباعه نصيب كامل وكانت هذه الكماالت يف طبقة الصحابة اكثر ويف التابعني
قليل مث استرتت وغلبت والية الكماالت الظلية لكن أرجو انه بعدما مضت ألف سنة
تتجدد تلك الدولة وتظهر الكماالت االصلية وتسترت الظلية انتهى اعلم انه مت استرتت
الكماالت اليت كانت ظاهرة يف زمان النيب صلّى هللا عليه و سلّم واصحابه والتابعني رضي
هللا تعاىل عنهم امجعني الذين هم أئمة خري القرون كما قال النيب صلّى هللا عليه و سلّم
خري القرون قرين مث الذين يلوهنم مث الذين يلوهنم احلديث عادت البدعة والظلمة حت
مضى الف سنة وبعد ذلك استفاد كثري من الناس من خدمة الشيخ رمحه هللا واوالده
واخذوا الطريقة والذكر منهم و تعلموا طريق السلوك حت شاعت طريقتهم يف البلدان
واالكناف واالطراف وهو املراد بقوله لكن ارجو بعد ما مضت الف سنة اخل وحنن
نتعج ب على اعرتاضات املعرتضني من هذه االقسام الواهية و على عقوهلم الفاسدة
وكيف يقبل الناس كالمهم وال يزجروهنم وهذا آخر ما تصدينا جبوابه (مث ذكر املؤلف هنا
بعض كلماته الدالة على شدة متسكه ابلشريعة وغاية ورعه وهناية احتياطه ووصيته بذلك
الوالده واتباعه وحنن اسقطناه الغناء االصباح عن املصباح) وينبغي للمنصف احملقق ان
حيمل كالم االولياء الذي ظاهره ال يوافق الشرع على حممل حسن او يسكت واالقول
اليت صدرت عن االولياء من هذا النمط كثرية منها يف كتاب تلبيس ابليس البن اجلوزي
قول ايب طالب املكي ليس على اخللق اضر من اخلالق وقول ايب يزيد البسطامي يل معراج
كما كان للنيب صلّى هللا عليه و سلّم وقوله سبحاين ما اعظم شاين حسيب من نفسي
حسيب قيل اليب يزيد ان اخللق كلهم حتت لواء حممد صلّى هللا عليه و سلّم فقال لوائي
- 1390 -
اعظم من لواء حممد لوائي من نور حتته اجلن واالنس مع النبيني و قوله اراد موسى ان يري
هللا تعاىل و اان ما اردت بل هو الذي اراد ان يراين سبحاين وقول ايب سعيد اخلراز اكرب
ذنيب اليه معرفيت اايه قال السراج وانكرت مجاعة من العلماء على ايب سعيد أمحد بن
عيسى اخلراز ابلفاظ وجدوها يف كتاب صنفه وهو كتاب السر ومنها قوله عبد طائع ما
اذن له ولزم التعظيم هلل فقدس ربه روحه وقول ايب حممد موسى الفرغاين الواسطي من ذكر
افرتى ومن صرب اجرتى اايك ان تالحظ حبيبا او كليما وانت جتد اىل مالحظة احلق
سبيال فقيل له افال اصلي عليهم فقال صل عليهم بال وقار وال جتعل هلا يف قلبك من
مقدار وقد ذكر ابو حامد الغزايل يف كتابه االحياء ان بعضهم قال للربوبية سر لو ظهر
لبطل النبوة وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم وللعلماء ابهلل سر لو اظهروه لبطلت
االحكام قال ابن عقيل وقد حكي عن الشبلي انه قال ان حممدا صلّى هللا عليه و سلّم
ليشفع يف امته واان اشفع بعده يف اهل النار حت ال يبقى فيها احد وذكر يف النفحات ان
الشيخ امحد العزايل رمحه هللا يقول ان الشيخ ااب القاسم الكركاين كان ال يقول البليس
أبليس بل اذا أراد ان يذكر امسه قال انه خواجهء خواجكان سرور مهجوران وقال عني
القضاة اهلمداين مسعت من بركة قدس سره يقول مسعت فتحا قال قال ابليس ما يف العامل
احد اشقى مين قال هذا وبكى وقال جوامنرد آجناكه ابليس ست ترا راه نيست واين
دولت از كجا آوردى جربيل صفت ابيدكه ديدهء او در مجال ابليس نظر كند وكتب
عني القضاة يف املكتوب لكن من ههنا قال حسني بن منصور ما صحت الفتوة اال
المحد وابليس واحسرات اما تسمع انه قال ان الفتوة مسلمة الثنني امحد وابليس اي فت
هذان االثنان متصفان بصفات الكمال وغريمها ليس اال اطفال الطريق وقال الشيخ عبد
الكرمي اجليلي يف كتاب املناظرة االهلية يف بيان الفرق بني الغافر و الغفور ان الغافر هو
الذي يغفر الذنوب اال الشرك والغفور هو الذي يغفر الشرك ايضا ان هللا ال يغفر ان
يشرك به و يغفر ما دون ذلك ملن يشاء بيان حال الغافر وان هللا يغفر الذنوب مجيعا
بيان حال الغفور وهذا القول انظر بعدم خلود الكفار يف النار اخل وقول الشيخ عبد
- 1391 -
القادر اجليالين قدس سره قدمي هذه على رقبة كل ويل وقوله حكاية عن هللا تعاىل اي
غوث اان كنون املكان ليس يل مكان سوى سر سر االنسان يف القلب وهكذا صدرت
كلمات كثرية من االولياء انهيك هذا القدر فالتأويل لكالم البعض دون البعض خالف
االنصاف وقال االمام الشعراين قدس سره يف كتاب العهود واملواثيق اذا بلغك عن القوم
انه يتكلم مبا خيالف الشريعة فامحل كالمه على سبعني حممال فاذا مل تقنع بذلك نفسك
فارجع عليها ابللوم وقل هلا حيتمل كالم اخيك سبعني حممال وال حتملينه على حممل واحد
فانت مريضة انتهى اخرج ابو داود عن أنس رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلّى هللا
عليه و سلّم ثالث من اصل االميان الكف عمن قال ال اله اال هللا ال تكفره بذنب وال
خترجه من االسالم بعمل واجلهاد ماض واخرج البخاري عن ايب ذر رضي هللا عنه قال
قال رسول هللا صلّى هللا عليه و سلّم ال يرمي رجل رجال ابلفسوق وال يرميه ابلكفر إالّ
ارتدت عليه ان مل يكن صاحبه كذلك واخرج الرتمذي عن وائلة قال قال رسول هللا صلّى
هللا عليه و سلّم ال تظهر الشماتة الخيك فريمحه هللا ويبتليك ويف البحر يف الفتاوى
الصغرى الكفر شئ عظيم فال اجعل املؤمن كافرا مت وجدت رواية انه ال يكفر انتهى
ويف اخلالصة وغريمها اذا كان يف املسئلة وجوه توجب الكفر ووجه واحد مينع الكفر فعلى
املفيت ان مييل اىل الوجه الذي مينع التكفري حتسينا للظن ابملسلم انتهى ويف التتارخانية ال
يكفر ابحملتمل الن الكفر هناية يف اجلناية فيستدعي هناية يف العقوبة ومع االحتمال ال
هناية حتصل انتهى ويف اخلالصة انكار الكفر توبة وجحود الكفر اسالم وفيها ايضا ال
يكون الكفر كفرا حت يعتقده القائل انتهى قال العلماء رمحهم هللا التزام الكفر كفر ال
لزوم الكفر كذا يف املواقف و الفتاوى و هذه الرواايت يف حق من صدرت عنه كلمات
الكفر صحوا وليست يف حق من صدرت عنه حالة السكر النه يعفى فال جيوز تكفريه
وقد صرح الشيخ رمحه هللا بسكره يف املكتوب الثامن عشر و املائة من اجللد الثالث اللهم
اراناحلق حقا وارزقنا اتباعه واران الباطل ابطال وارزقنا اجتنابه اللّهم اان نعوذ بك من شرور
انفسنا و من سيّئات أعمالنا اللّهم وفقنا ملا حتب وترضى سبحانك اللّهم وحبمدك اشهد
- 1392 -
ان ال اله اال انت استغفرك اللهم واتوب اليك و صلى هللا على سيدان حممد وآله وصحبه
أمجعني قال مؤلف هذه الرسالة املباركة فرغت من تنسيخ هذه الرسالة املسماة بعطية
الوهاب الفاصلة بني اخلطأ والصواب اثين ربيع االول يف سنة اربع وتسعني والف وأفضل
الصالة والسالم على صاحب الشفاعة واللواء املعقود والكرم واجلود مت.
{اخطار}
قد مر يف أوائل هامش اجللد االول الرد منا والتشنيع على من ينكر وجود البشارة
بوجود االمام ايب حنيفة رضي هللا عنه يف احلديث النبوي فتوهم البعض اين اردت بذلك
بعض فضالء هذا العصر الذي انتشر بعض آتليفه يف االمصار وليس االمر كذلك فاين مل
أوفق بعد ملطالعة أتليفاته بل عنيت بذلك بعض وهابية اهلنود املتمردة املبغضة لالمام
خصوصا وسائر االئمة عموما خذهلم هللا تعاىل والجل دفع التهمة حرران ذلك.
(احلقري حممد مراد)