You are on page 1of 140

‫فصلية تصدر عن‬

‫السنة العشرون‬
‫العدد التاسع والسبعون ‪ /‬خريف ‪٢٠٢٠‬‬
‫‪No. 79‬‬

‫مدير التحـــريــــر‪:‬‬
‫رائـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــف زريـــــــــــــــــــــــــــــــــق‬

‫محرران مشاركان‪:‬‬
‫نـــــــــــــــبـــــــــــــــيـــــــــــــــل الـــــــــــــــصـــــــــــــــالـــــــــــــــح‬
‫هـــــــــــــــــــنـــــــــــــــــــيـــــــــــــــــــدة غـــــــــــــــانـــــــــــــــم‬

‫المراسالت‪:‬‬
‫«مدار» ‪ -‬فلسطني ‪ -‬رام الله ‪ -‬املاصيون ‪ -‬عمارة ابن خلدون‬
‫فاكس‪02 - 2966205 :‬‬ ‫ص‪.‬ب‪ - 1959 :‬هاتف ‪02 - 2966201 :‬‬
‫صفحة «مدار» اإللكترونية ‪www.madarcenter.org‬‬
‫بريد «مدار» اإللكتروني‪e-mail: madar@madarcenter.org :‬‬

‫‪youtube.com/user/madarcenter01‬‬ ‫(‪)facebook.com/markaz.madar‬‬

‫‪twitter.com/madar_center‬‬

‫االشتراكات السنوية‪ 20 :‬دوالر ًا لألفراد ‪ 30 -‬دوالر ًا للمؤسسات (تشمل نفقات البريد)‬


‫االخـــراج والطبـــاعــــة‪ :‬مؤسسة األيام ‪ -‬رام الله‪ -‬فلسطني‬

‫المواد المنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي المجلة أو المركز‪.‬‬

‫الغالف ‪ :‬مجدي حديد‬


‫كلمة العدد‬

‫للمــروع الصهيونــي‪ ،‬وبالتــايل امتنعــت أيض ـا ً عــن‬ ‫ميــاه كثــرة جــرت يف النهــر منــذ ذلــك اإلعــان‬
‫إصــدار موقــف يعــارض إقامــة دولــة إرسائيــل‬ ‫التاريخــي الــذي أصــدره مجلــس الحاخامــن‬
‫عــام ‪ .١٩٤٨‬وتوصــل حينهــا رئيــس الحكومــة بــن‬ ‫اليهــودي يف أملانيــا‪ ،‬عــام ‪١٨٩٧‬؛ أي قبيــل انعقــاد‬
‫غوريــون مــع القــوى الدينيــة األرثوذكســية لالتفــاق‬ ‫املؤتمــر التأســييس للصهيونيــة يف بــازل‪ ،‬وأدان فيــه‬
‫الشــهري بشــأن عالقــات الديــن والدولــة يف كل مــا‬ ‫الفكــرة الصهيونيــة التــي تقــي بإقامــة وطــن قومي‬
‫يتعلــق بــدور الديــن يف الدولــة وحرمــة الســبت‬ ‫لليهــود يف فلســطني‪ .‬ومــن األســباب التــي أوردتهــا‬
‫واملــدارس الدينيــة وغريهــا‪.‬‬ ‫تلــك األوســاط األرثوذكســية أن املــروع الصهيونــي‬
‫مــاذا حصــل منــذ ذلــك االتفــاق وحتــى اليــوم؟‬ ‫يقــدم فهمــا ً جديــدا ً لليهوديــة‪ ،‬إذ إنــه أصبــح مــن‬
‫وكيــف تطــورت العالقــات وإىل أي مــدى أصبحــت‬ ‫املمكــن أن يكــون املــرء ملحــدا ً دينيـا ً ويهوديـا ً جيــدا ً‬
‫القــوى األرثوذكســية صهيونيــه أكثــر؟ وإىل أي مــدى‬ ‫يف الوقــت نفســه‪ ،‬ألن اليهوديــة لــم تعــد دين ـا ً فقــط‪،‬‬
‫أصبحــت الصهيونيــة يهوديــة أكثــر؟ فهــو موضــوع‬ ‫إنمــا أصبحــت‪ ،‬بموجــب الفهــم الصهيونــي لهــا‪،‬‬
‫طويــل‪ ،‬ونحــاول يف هــذه العــدد اإلجابــة عــى بعــض‬ ‫قوميــة أيضــاً‪ ،‬وتجيــز مفهوميــا ً إمكانيــة وجــود‬
‫التحــوالت يف هــذا املضمــار‪.‬‬ ‫يهــودي غــر متديــن وغــر ملتــزم بتعاليــم الديــن‪.‬‬
‫يف هــذه االفتتاحيــة الرسيعــة والقصرية أود تســجيل‬ ‫واعتقــدت هــذه األوســاط أن ذلــك يشــكل تهديــدا ً‬
‫املالحظــة التاليــة‪ :‬عــى الرغــم مــن أن الروايــة‬ ‫لليهوديــة‪ ،‬وأنــه مــن املمكــن الحفــاظ عــى الوجــود‬
‫الســائدة تتحــدث عــن تحــول مطــرد يف إرسائيــل مــن‬ ‫اليهــودي فقــط باعتبــار اليهوديــة دينــا ً وليــس‬
‫الصهيونيــة لليهوديــة‪ ،‬فإننــي اعتقــد أن هــذه الروايــة‬ ‫قوميــة‪ ،‬وأن بعدهــا الدينــي فقــط هــو القــادر عــى‬
‫ال تمثــل مجمــل الحكايــة‪ .‬لقــد شــهدت إرسائيــل يف‬ ‫اإلبقــاء عليهــا ظاهــرة رسمديــة متميــزة وأصيلــة‪.‬‬
‫مراحــل متعــددة تحــوالت ليرباليــة تبــدو معاديــة‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬جــرى اعتبــار الصهيونيــة بأنهــا‬
‫للديــن يف العقــود األخــرة مثــل االعــراف بحقــوق‬ ‫تدخــل يف عمليــة الخــاص التــي تعــ ّد بجوهرهــا‬
‫املــرأة وحقــوق املثليــن وانتهــاك حرمــة الســبت‬ ‫عميلــة دينيــة‪ ،‬وتعنــي انتظــار املســيح املنتظــر‪،‬‬
‫واألعيــاد وازديــاد تدخــل املحاكــم يف بعــض األمــور‬ ‫عليــه فــإن الصهيونيــة هــي نــوع مــن التدخــل يف‬
‫الدينيــة‪ .‬عليــه يبــدو أن الحكايــة أكثــر تعقيــداً‪،‬‬ ‫املشــيئة اإللهيــة ورضب مــن التجديــف‪ ...‬وقــد وصــل‬
‫واألمــور تأخــذ طابعــا جدليــا مــن مــد وجــزر‪.‬‬ ‫الــراع لدرجــة أنــه جــرت إقالــة أحــد الحاخامــات‬
‫لكــن ممــا ال شــك فيــه أنــه ميــاه مثــرة جــرت‬ ‫اليهــود األملــان لتعبــره عــن تعاطــف مــع الحركــة‬
‫يف النهــر منــذ إعــان ‪ ١٨٩٧‬وحتــى يومنــا هــذا‪ ،‬إذ‬ ‫الصهيونيــة عــام ‪.١٩٠٧‬‬
‫يجلــس يف الحكومــة عــدد كبــر مــن الحاخامــات‬ ‫إال أنــه منــذ ذلــك الوقــت حصلــت أمــور كثــرة‪،‬‬
‫ويتحكمــون يف مفاصــل كثــرة يف الدولــة‪ ،‬ويشــاركون‬ ‫ومــن بينهــا وعــد بلفــور‪ ،‬وصــك االنتــداب عــى‬
‫بكثافــه يف عمليــة االســتيطان‪ ،‬ويــزودون السياســة‬ ‫فلســطني‪ ،‬والــذي أعطــى الحركــة الصهيونيــة اعرتافـا ً‬
‫والسياســيني بخيــال دينــي ومفــردات الهواتيــة تعيــد‬ ‫دوليــاً‪ ،‬والحقــا ً صعــود النازيــة وحصــول الكارثــة‪،‬‬
‫الصهيونيــة إىل أصولهــا الدينيــة‪.‬‬ ‫ممــا خفــف حــدة املعارضــة داخــل هــذه األوســاط‬
‫المحتـــويـــــات‬
‫محور العدد‪ :‬المجتمع الحريدي والدولة‬
‫في إسرائيل‬
‫الســكان الحريديــم بألوانهــم املختلفــة بتغــرات‬ ‫افتتاحية العدد‬
‫اجتماعيــة وتغــرات يف نســب الزيــادة الطبيعيــة‬
‫‪04‬‬
‫العاليــة‪ ،‬وهــي تغــرات تشــ ّكل صــورة جديــدة‬ ‫الحريديم‬
‫لخارطــة تركيــز الحريديــم وتحديــد مواقعهــم يف‬ ‫‪ 09‬تومر فرسيكو‬
‫الحيــز اإلرسائيــي‪.‬‬ ‫ليســت الحريديــة يهوديــة متزمتــة جــدا ً فقــط‪ ،‬كما‬
‫أنهــا ليســت ببســاطة ردا ً عــى الحداثــة؛ بــل ينبغــي‬
‫الحريديم والجيش في ســياق ســؤال الدين‬ ‫فهمهــا واعتبارهــا يهوديــة حداثيــة بالتأكيــد‪ ،‬شــمولية‬
‫‪ 38‬والدولة في إسرائيل‬ ‫وانعزاليــة‪ ،‬كواحــدة مــن عديــد التيــارات التــي تبلــورت‬
‫مهند مصطفى‬ ‫يف القــرن التاســع عــر‪ .‬وبطبيعــة الحــال‪ ،‬فــإن‬
‫ترمــي هــذه الورقــة إىل نقــاش مســألة دمــج‬ ‫للهويــة الحريديــة ســمات خاصــة بهــا‪ ،‬وهــي مختلفــة‬
‫اليهــود املتدينــن األرثوذكســيني (الحقــا‪ :‬الحريديــم)‬ ‫عــن الهويــات اليهوديــة األخــرى‪.‬‬
‫يف الجيــش اإلرسائيــي‪ .‬تنــدرج هــذه املســألة يف‬ ‫ـي‪ ،‬يســعى الكاتــب إىل رســم‬ ‫يف هــذا املقــال التعريفـ ّ‬
‫إرسائيــل يف ســياق عــودة وتصعيــد الــراع حــول‬ ‫الخطــوط العريضــة للهويــة اليهوديــة الحريديــة‪ ،‬ثــم‬
‫ســؤال الديــن والدولــة‪ .‬وتنطلــق الورقــة مــن مقولــة‬ ‫يســتعرض بإيجــاز التيــارات املختلفــة التــي تنضــوي‬
‫أن الدعــوات لدمــج الحريديــم يف الجيــش ال تحــدث يف‬ ‫يف إطارهــا‪ ،‬ومكانــة هــذه التيــارات يف املجتمــع اليهودي‬
‫ســياق تعاظــم التحديــات األمنيــة والعســكرية التــي‬ ‫يف دولــة إرسائيــل‪ ،‬وشــكل انخراطهــا يف السياســة‬
‫تواجههــا إرسائيــل‪ ،‬ممــا يســتوجب تجنيــد املزيــد مــن‬ ‫اإلرسائيليــة‪.‬‬
‫املقاتلــن ملواجهــة هــذه التحديــات‪ ،‬بــل ضمــن رصاع‬
‫يحتــدم يف الســنوات األخــرة حــول الديــن والدولــة‪،‬‬ ‫حيز الحريديم في إسرائيل‬ ‫تطور ّ‬
‫والجيــش هــو مجــرد ســاحة مــن ســاحات الــراع‬ ‫لي كهنر ويوسف شلهاب‬
‫‪24‬‬
‫حــول هــذه املســألة‪ .‬لذلــك‪ ،‬فــإن مســألة تجنيــد‬ ‫تســتعرض هــذه الدراســة انتشــار الســكان‬
‫الحريديــم للجيــش ليســت مســألة عســكرية‪ ،‬بــل‬ ‫الحريديــم يف ارسائيــل وأنمــاط اســتيطانهم وتفحــص‬
‫سياســية واجتماعيــة‪.‬‬ ‫التطــورات التدريجيــة والتغــرات يف املفاهيــم‬
‫االســتيطانية التــي أدت إىل صــورة االســتيطان لــدى‬
‫ّ‬
‫القضائي‬ ‫ّ‬
‫الحريدي والجهاز‬ ‫المجتمع‬ ‫الحريديــم‪ ،‬كمــا هــي عليــه اليــوم‪.‬‬
‫‪ 50‬في إسرائيل‬ ‫انعــزال الســكان الحريديــم يف إرسائيــل مميّــز‬
‫حاييم زيخرمان‬ ‫يف قوتــه وحجمــه ويف طبيعتــه ويف العمليــات التــي‬
‫يســعى هــذا املقــال إىل فحــص العالقــة املتوتــرة‬ ‫يمــر بهــا‪ .‬تنضــم املميــزات الدينيــة ‪ -‬الثقافيــة‬
‫بــن الســ ّكان الحريديــم ومحكمــة العــدل العليــا‬ ‫والديمغرافيــة واالجتماعيــة‪ -‬الثقافيــة للســكان‬
‫يف إرسائيــل‪ ،‬والتــي يعــود مصدرهــا إىل املواجهــة‬ ‫الحريديــم ســوية إىل التنظيــم الحيــزي املتميّــز‬
‫الثقافيّــة مــع هــذه املحكمــة‪ ،‬النابعــة مــن تأويــل‬ ‫ســواء عــى صعيــد املركبّــات والعمليــات الداخليــة أو‬
‫الحريديــم لقراراتهــا محكمــة يف قضايــا الديــن‬ ‫فيمــا يخــص معاملــة البيئــة اإلرسائيليــة لــه‪ .‬يمــر‬
‫واالستعمار الداخيل يف التعامل مع الفلسطينيني‬ ‫والدولــة بأنّهــا تســعى ألن تعيــق تقدّمهــم‪.‬‬
‫داخل إرسائيل‪ ،‬واســتخدام أدوات االســتعمار‬ ‫ويســتعرض املقــال املظاهــرات الوحيــدة التــي‬
‫االســتيطاني والفصل العنــري واالحتالل‬ ‫ظمتهــا القيــادة الحريديّــة يف العقــود األخــرة‬ ‫ن ّ‬
‫الحربــي يف األرايض الفلســطينية املحتلة عام‬ ‫وشــارك يف كل واحــدة منهــا مئــات اآلالف‪ ،‬وهــي‬
‫‪ .1967‬تنظر هذه املادة حول كيفية اســتمرار‬ ‫القضائــي وقراراتــه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مظاهــرات ضــد الجهــاز‬
‫املرشوع االستعماري االستيطاني من خالل الدولة‬ ‫أيضــا يف غيــاب حضــور‬ ‫وينعكــس انعــدام الثقــة ً‬
‫االستيطانية االستعمارية من خالل املقارنة مع‬ ‫ـي عــى مختلــف أذرعــه‬ ‫حريــديّ يف الجهــاز القضائـ ّ‬
‫حاالت استيطانية اســتعمارية أخرى‪ ،‬وتسعى‬ ‫(باســتثناء املحاكــم الدينيّــة اليهوديّــة)‪ .‬هــذا يف‬
‫لتحرير الدراسات االستعمارية االستيطانية من‬ ‫مقابــل القضــاة العــرب الكثرييــن يف مختلــف‬
‫االختطاف من قبل رواية «ما بعد االســتعمار»‬ ‫الدوائــر القضائيّــة‪ ،‬بمــا يف ذلــك املحكمــة العليــا‬
‫املضمرة يف كتابات فرياسيني ويفتاحيل وغوردون‪،‬‬ ‫ومؤخــ ًرا حتّــى نائــب رئيــس املحكمــة العليــا‪.‬‬
‫وهي الرواية املضللة يف حالة إرسائيل‪.‬‬ ‫غيــاب الحريديــم عــن الســلطة القضائيّــة‪ ،‬مقابــل‬
‫حضورهم امللمــوس يف الســلطتني األخريــن‪ -‬الترشيعيّة‬
‫صهيونيــة التيــار الدينــي االســتيطاني‪:‬‬ ‫ً‬
‫مضاعفــا‪ :‬تشــكيل أســاس‬ ‫والتنفيذيّــة‪ -‬يحمــل معنــى‬
‫ّ‬
‫والمؤسسات‬ ‫‪ 75‬السياق التاريخي‪ ،‬األيديولوجيا‪،‬‬ ‫انعــدام الثقــة املذكــور‪ ،‬ونــزع الرشعيّــة عــن القالئــل‬
‫الرسمية في إسرائيل‬ ‫الســاعني لالندمــاج يف الجهــاز‪ .‬ويســعى الجــزء الثانــي‬
‫نبيه بشير‬ ‫مــن املقــال إىل عــرض التحــوّالت الجاريــة داخــل‬
‫يمــر املجتمــع اإلرسائيــي برمتــه‪ ،‬يف العقــود‬ ‫املجتمــع الحريــديّ يف هــذا الســياق بالعقــد األخــر‪.‬‬
‫القليلــة األخــرة‪ ،‬بســرورة تديّــن عميــق عــى جميــع‬
‫األصعــدة الرتبويــة منهــا والثقافيــة والعســكرية‬ ‫من األدب العبري الحديث‪:‬‬
‫إن تعاظــم‬ ‫واإلعالميــة إضافــة إىل الخطــاب الســيايس‪َّ .‬‬ ‫قصيدة وتعليق‬
‫‪60‬‬
‫مؤسســات‬ ‫حضــور املتدينــن يف مناصــب عليــا يف ّ‬ ‫“بــاب الــواد”‪ -‬حاييــم غــوري‪ :‬المجــاز‬
‫ودوائــر حكوميــة مختلفــة وأخــرى غــر حكوميــة‪ ،‬ال‬ ‫“الصهيوني” وإعادة إنتاج المكان‬
‫ومؤسســات التعليــم‬ ‫ّ‬ ‫ســيما الجيــش واإلعــام والثقافــة‬ ‫مالك سمارة‬
‫العــايل وعلــم اآلثــار‪ ،‬وكذلــك توجّ ههــم إىل دور القضــاء‬
‫اإلرسائيليــة وتطوّعهــم للخدمــة املدنيــة‪ ،‬كل ذلــك يعتــر‬
‫مقاالت‬
‫مــؤش عــى تعاظــم مكانــة الديــن يف الحيّــز‬ ‫ّ‬ ‫أكــر‬
‫إعــادة النظــر فــي الحاضــر االســتعماري‪-‬‬
‫العــام وتأثــره يف الخطــاب العــام إضافــة إىل تعزيــز‬
‫ا ســتمر ا ر ا لمشــر و ع ا ال ســتيطا ني‬ ‫‪63‬‬
‫انخــراط التيــارات والفئــات اليهوديــة املتزمتــة دينيًــا‪،‬‬
‫ا ال ســتعما ر ي مــن خــا ل ا لد و لــة‬
‫التــي ناهضــت فيمــا مــى الصهيونيــة‪ ،‬يف املجتمــع‬ ‫االســتيطانية االســتعمارية‪ :‬حالة إسرائيل‬
‫مؤسســاته وثقافاتــه‪ .‬ويــرز هــذا‬ ‫اإلرسائيــي بكافــة ّ‬ ‫وليد سالم‬
‫االنخــراط بصــورة أكثــر وضوحً ــا بــكل مــا يتصــل‬
‫يجادل هــذا املقال بأن الحارض االســتيطاني‬
‫باالســتيطان وبرتكيبــة الجيــش اإلرسائيــي وخطابــه‬
‫االستعماري اإلرسائييل يتجسد يف دولة استيطانية‬
‫العســكري‪-‬الديني الــذي بــات يســتحرض أكثــر‬
‫استعمارية‪ ،‬وتحدد الورقة الخصائص السياسية‬
‫فأكثــر املخيلــة التوراتيــة وأحداثًــا تاريخيــة قديمــة‬
‫واالقتصادية واالجتماعية والقانونية لهذه الدولة‪،‬‬
‫واصطالحــات دينيــة يهوديــة بوصفهــا جــزءًا مــن‬
‫واألدوات املختلفة التي تســتخدمها يف طريقها‬
‫العقيــدة القتاليــة‪.‬‬
‫إىل االكتمال مثل مزج االســتعمار االستيطاني‬
‫الجديــدة‪ ،‬قبــل أن ينتقــل الســتعراض أرضيــة تاريخيــة‬ ‫بين عرق العامل ودم المحارب ‪ -‬جذور الثقافة‬
‫عــن القوقــاز وآســيا الوســطى ورصاع القــوى الدولية يف‬ ‫‪ 96‬االستراتيجية في إسرائيل‬
‫هاتــن املنطقتــن املتداخلتــن جغرافيـا ً وإســراتيجياً‪. .‬‬ ‫إيتمار ريكوفر‬
‫ّ‬
‫يتعقــب هــذا املقــال تطــور الثقافــة اإلســراتيجية‬
‫االحتــال الذي طــال أمده‪ ،‬وتقريــر المصير‬ ‫اإلرسائيليــة ضمــن مســار تدريجــي إىل ثقافــة‬
‫‪ 116‬والحق في االنتخاب‬ ‫إســراتيجية حربيــة قتاليــة‪ ،‬ويرصــد التغيــر الذهنــي‬
‫ياعيل بيردا وإيتمار مان‬ ‫التدريجــي يف النظــرة إىل شــخصية املحــارب اليهــودي‪،‬‬
‫يف مقابــل الحديــث عــن املخطــط االحتــايل اإلرسائييل‬ ‫وهــي عمليــات بــدأت مــع بدايــات فــرة الييشــوف‬
‫لضــم مســاحات واســعة مــن الضفــة الغربيــة تأتــي‬ ‫اليهــودي وتصاعــدت مــع مرحلــة اإلعــان عــن إقامــة‬
‫هــذه املقالــة يف محاولــة لتحديــد ال ّلبنــات القانونيــة‬ ‫الدولــة‪ .‬يف الفصــل النظــري مــن هــذا املقــال‪ ،‬تــم‬
‫األساســية التــي تؤلــف برنامجً ــا مــن شــأنه تحريــر‬ ‫اســتعراض عــدد مــن الخصائــص التــي يتناولهــا‬
‫الفلســطينيني الذيــن يقبعــون تحــت نــر االحتــال‪،‬‬ ‫املقــال بإســهاب‪ ،‬واإلجابــة عليهــا لتتيــح املجــال‬
‫وضمــان تقريــر املصــر لــكال الشــعبني‪ ،‬وإرســاء‬ ‫لتوصيــف ماهيــة الثقافــة اإلســراتيجية لدولــة مــا‪:‬‬
‫دعائــم الديموقراطيــة يف املنطقــة الواقعــة بــن نهــر‬ ‫تــم مــن أجــل توصيــف بعــض هــذه الخصائــص‪،‬‬
‫األردن والبحــر املتوســط‪ ..‬ويكمــن مربــط الفــرس يف أال‬ ‫اســتعراض نظــام الرمــوز والصــور لليهــود مــن فــرة‬
‫يمعــن املــرء النظــر يف انتفــاء الصفــة القانونيــة عــن‬ ‫الييشــوف حتــى الســنوات األوىل إلرسائيــل‪ ،‬مــع تغيــر‬
‫التغيــرات التــي تجــري عــى اإلقليــم الواقــع تحــت‬ ‫الييشــوف ملفاهيمــه يف مــا يتعلــق بنظرتــه إىل «املحارب‬
‫االحتــال‪ ،‬بمــا تشــمله مــن الضــم فحســب‪ .‬فاآلثــار‬ ‫اليهــودي»‪ .‬يدعــي كاتــب املقــال أنــه يف البدايــة قامــت‬
‫التــي يفرزهــا االحتــال الدائــم عــى ممارســة الحقــوق‬ ‫اإلســراتيجية الحربيــة عــى مبــدأ الدفــاع الســلبي‪ ،‬ومع‬
‫السياســية الواجبــة لألفــراد تحتــل القــدر ذاتــه مــن‬ ‫تفاقــم التهديــدات‪ ،‬تــم تغيريهــا إىل الدفــاع النشــط‬
‫األهميــة‪.‬‬ ‫وأخــرا ً اعتمــاد إســراتيجية هجوميــة واســتباقية‬
‫تجــى األثــر العمــي يف الخطــة «د»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ونشــطة‪ .‬وقــد‬
‫نقدية ومراجعات‬‫ّ‬ ‫قراءات‬ ‫التــي حوّلــت اإلســراتيجية الهجوميــة إىل إســراتيجية‬
‫إيهــاب محارمــة‪ ،‬فــي دحــض الســرديات‬ ‫‪126‬‬ ‫معياريــة بمــا فيــه لــدى القيــادة السياســية‪.‬‬
‫اإلسرائيلية‬
‫مراجعة كتاب (عشر خرافات عن إسرائيل)‬ ‫إسرائيل وأذربيجان‪ :‬البدايات‪ ،‬وآفاق الشراكة‬
‫‪ 106‬اإلستراتيجية‬
‫أيمن طالل يوسف‪،‬‬
‫المكتبــة‪ -‬عــرض موجــز ألحدث اإلصــدارات‬
‫ّ‬
‫اإلسرائيلية‬ ‫‪136‬‬ ‫محمود الفطافطة‬
‫إعداد‪ :‬علي زبيدات‬ ‫يهــدف املقــال إىل التعريــف بعالقــة إرسائيــل‬
‫املتناميــة مــع أذربيجــان مــن املنظوريــن اإلســراتيجي‬
‫واالقتصــادي‪ ،‬يف ضــوء توســع إرسائيــل يف عالقاتهــا‬
‫الخارجيــة بعــد نهايــة الحــرب البــاردة‪ ،‬وزوال القطبية‬
‫الثنائيــة واســتبدالها باألحاديــة القطبيــة يف السياســة‬
‫الدوليــة‪ .‬يضــع البحــث يف البدايــة عالقــات إرسائيــل‬
‫ضمــن إطــار نظــري متجــدد مــن خــال تغطيــة‬
‫الواقعيــة والواقعيــة الجديــدة والليرباليــة والليرباليــة‬
‫قواعد النشر في مجلة قضايا اسرائيلية‬
‫ترحب املجلة بالدراسات واملقاالت ومراجعات الكتب التي تكون مواضيعها ذات صلة بالقضايا االرسائيلية وباملشهد‬
‫اإلرسائييل عىل تنوعاته‪.‬‬
‫يشرتط يف املواد املرسلة االلتزام بمنهج البحث العلمي‪ ،‬ويشرتط يف املواد أن ال تكون قدمت للنرش يف اللغة العربية يف أية‬
‫مجلة أخرى‪ ،‬سواء أتم نرشها أم لم يتم‪.‬‬
‫تعرض البحوث عىل محكمني من ذوي االختصاص والخربة‪ ،‬للتقرير بشأن النرش‪.‬‬
‫تقدم البحوث باللغة العربية وترسل مرفقة بتعريف موجز للكاتب إىل بريد مدار اإللكرتوني‪madar@madarcenter.org :‬‬
‫يجب أال يتجاوز عدد الكلمات يف الدراسات املرسلة إىل املجلة ‪ 6000‬كلمة‪ ،‬بما فيها امللخصات والجداول واملراجع‪ ،‬وأن ال‬
‫تتجاوز املقالة ‪ ،3500‬ومراجعة الكتاب ‪ 2000‬كلمة‪.‬‬
‫عىل املواد املرسلة مراعاة قواعد التوثيق واالقتباس بحسب املنهج األكاديمي املتعارف عليه‪ ،‬ووفق التايل‪:‬‬
‫الكتب‪ :‬اسم الكاتب (سنة النرش)‪ .‬اسم الكتاب‪ .‬مكان الصدور‪ :‬اسم دار النرش‪.‬‬
‫مقالة يف كتاب تحرير‪ :‬اسم املؤلف (سنة النرش)‪« .‬اسم املقال»‪ .‬عند‪ :‬اسم املحرر (مح ّرر)‪ ،‬اسم الكتاب‪ .‬مكان النرش‪ :‬اسم‬
‫دار النرش‪ ،‬الصفحات من – إىل‪.‬‬
‫مقال منشور يف مجلة‪ :‬اسم املؤلف (السنة)‪« .‬اسم املقال»‪ ،‬اسم املجلة‪ ،‬املجلد (العدد)‪ ،‬الصفحات من – إىل‪.‬‬
‫كتب مرتجمة‪ :‬اسم املؤلف (سنة صدور الرتجمة)‪ .‬اسم الكتاب‪ .‬اسم املرتجم‪ ،‬مكان النرش‪ :‬اسم دار النرش‪.‬‬

‫محور العدد القادم العالقات اإلسرائيلية‪ -‬اإلفريقية‬


‫محور العدد‪ :‬المجتمع الحريدي والدولة في إسرائيل‬
‫تومار فرسيكو *‬

‫الحريديم‬

‫للهو ّي ة احلريد ّي ة سمات خاصة بها‪ ،‬بطبيعة احلال‪ ،‬وهي‬ ‫ُي ْع تَبر احلريدمي‪ ،‬من وجهة نظر اجلمهور الواسع‪ ،‬يهو ًدا‬
‫مختلفة عن الهويات اليهود ّي ة احلديثة األخرى‪ .‬في هذا املقال‬ ‫محافظني بصرامة على الفرائض الدين ّي ة‪ ،‬و ُي نظر إليهم في‬
‫التقدميي‪ ،‬سأسعى إلى رسم اخلطوط العريضة للهو ّي ة اليهود ّي ة‬
‫ّ‬ ‫يهودي جت ّم د في الزمن وحافظ على شكله كما‬ ‫ّ‬ ‫الغالب كمجتمع‬
‫احلريد ّي ة‪ ،‬ومن ثم سأصف بإيجاز التيارات املختلفة التي‬ ‫كان في العصور الوسطى‪ .‬وفي األبحاث األكادمي ّي ة‪ ،‬غال ًب ا ما‬
‫اليهودي‬
‫ّ‬ ‫تنضوي في إطارها‪ ،‬ومكانة هذه التيارات في املجتمع‬ ‫توصف «احلريد ّي ة» بأنها أصولية يهود ّي ة؛‪ 1‬أي كر ّد فعل متط ّرف‬
‫في دولة إسرائيل وشكل انخراطها في ال سياسة اإلسرائيل ّي ة‪.‬‬ ‫من جانب اليهود ّي ة التقليد ّي ة جتاه التهديدات التي وجدتها في‬
‫يتعي علينا قبل ذلك العودة إلى القرن الثامن عشر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ولكن‪،‬‬ ‫البحثي دقيق أكث ر‪،‬‬‫ّ‬ ‫العصر احلديث‪ ،‬وعلى الرغم من أن الوصف‬
‫ّ‬
‫حتى نفهم كيف اندثرت اليهود ّي ة التقليد ّي ة وتش ك لت احلاجة‬ ‫إال أنّه يعاني من سطح ّي ة معينة؛ إذ إنّ احلريد ّي ة لي ست فقط‬
‫إلى بلورة هويات يهود ّي ة بديلة‪.‬‬ ‫يهود ّي ة متزمتة ج ًدا‪ ،‬كما أنّها لي ست مج ّرد ر ّد على احلداثة‪،‬‬
‫بل ينبغي فهمها واعتبارها يهود ّي ة حديثة‪ ،‬وشمول ّي ة ومغايرة‪،‬‬
‫ّ‬
‫يهودية حديثة‬ ‫ّ‬
‫كهوية‬ ‫ّ‬
‫الحريدية‬ ‫أول‪/‬‬ ‫وواحدة من ع ّدة تيارات نشأت وتبل ّورت في القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫ً‬
‫* باحث يف معهد شالوم هارتمان‪ ،‬ومحارض يف معهد القانون العربي‬
‫اليهود ّي ة ما قبل احلداثة هي اليهود ّي ة احلاخام ّي ة التي‬
‫ودراسة إرسائيل يف جامعة كاليفورنيا – باركيل‪.‬‬
‫عدد ‪79‬‬
‫الحريدية سمات خاصة بها‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬وهي مختلفة عن الهويات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للهوية‬
‫ّ‬
‫اليهودية‬ ‫ّ‬
‫للهوية‬ ‫ّ‬
‫اليهودية الحديثة األخرى‪ .‬يرسم هذا المقال الخطوط العريضة‬
‫ّ‬
‫الحريدية‪ ،‬ومن ثم يصف بإيجاز التيارات المختلفة التي تنضوي في إطارها‪ ،‬ومكانة‬
‫ّ‬
‫اليهودي في دولة إسرائيل وشكل انخراطها في‬ ‫هذه التيارات في المجتمع‬
‫ّ‬
‫اإلسرائيلية‪.‬‬ ‫السياسة‬

‫من كونه يهود ًّي ا»‪ .‬وقد ش ّك لت هذه الفرض ّي ة أرض ّي ة لدعوة دوهام‬ ‫ظهرت في الشتات طوال األلفي سنة املاضية‪ .‬عاش اليهود‪،‬‬
‫إلى منح املواطنة لليهود وم ساواة حقوقهم بحقوق امل سيح ّي ني‬ ‫سوا ًء في البلدان اإلسالم ّي ة أو املسيح ّي ة‪ ،‬كجاليات صغيرة‬
‫فعل‪ُ ،‬دعي اليهود‪ ،‬كبشر‪ ،‬للمرة األولى‪ ،‬لالنخراط‬ ‫في بروسيا‪ً .‬‬ ‫ومتتعوا في الغالب مبكانة نصف‪-‬مستقلة (إدارة ذات ّي ة)‪.‬‬
‫سياسي‪ ،‬والتح ّول إلى مواطنني‪ ،‬كما أنّ املناداة‬
‫ّ‬ ‫في اجل سم ال‬ ‫تنظ م شؤونها الداخل ّي ة بواسطة محاكم‬ ‫كانت اجلالية اليهود ّي ة ّ‬
‫باحلرية وامل ساواة في احلقوق لم ُت سمع في بروسيا فقط‪ ،‬بل‬ ‫دين ّي ة‪ ،‬وتدفع الضرائب للسلطات‪ ،‬وتتعامل معها عبر وسطاء‬
‫في فرنسا وبريطانيا وهولندا‪ ،‬وغيرها من دول أوروبا الغرب ّي ة‪.‬‬ ‫ووجهاء‪ .‬في عهد اإلمبراطوريات التي فرضت سيطرتها على‬
‫غير أنّ هذه العملية كانت لها انعكاسات وتداعيات بعيدة األث ر‪:‬‬ ‫خليط متنوع وكبير من الشعوب‪ُ ،‬ا ْع ُت ِب ر اليهود مجموعة عرق ّي ة‬
‫احلصول على حقوق معناه تفكيك اجلالية اليهود ّي ة امل ستقلة‪،‬‬ ‫صغ ّي رة مت ّي زت‪ ،‬كغيرها من املجموعات العرقية (الغجر‪ ،‬الدروز‪،‬‬
‫وهذان األمران يتيحان أيض ًا سيرورة علمنة واسعة النطاق‪.‬‬ ‫العلويني‪ ،‬قبائل الزولو والنابهو)‪ ،‬بعادات وتقاليد وأعراف وطرق‬
‫منت احلريد ّي ة‪ ،‬كهو ّي ة يهود ّي ة حديثة‪ ،‬من تربة األزمة التي‬ ‫عبادة خاصة‪.‬‬
‫أفرزتها تلك التطورات وال سيرورات‪ .‬ظهرت احلريد ّي ة بادىء ذي‬ ‫أخذ هذا الوضع يتغ ّي ر في أوروبا الغرب ّي ة في أواخر القرن‬
‫بدء في أوروبا الشرقية‪ ،‬وخاصة في هنغاريا‪ ،‬ولذلك لم تكن‬ ‫الثامن عشر‪ .‬أعادت تباشير التنوير صياغة طريقة تعريف‬
‫ث ّم ة حاجة لها ملواجهة برامج وخطط لتحرير اليهو د (�‪Eman‬‬ ‫املجموعات واألفراد‪ ،‬إذ دفعت قد ًم ا رؤية اعتبر اإلن سان مبوجبها‪،‬‬
‫‪ )cipation‬ومنحهم حقو ًق ا وم ساواة كاملة‪ ،‬في نهاية القرن‬ ‫في املقام األول‪ ،‬فر ًدا وذاتًا م ستقلة‪ ،‬ساب ًق ا بوجوده اجلماعة‬
‫الثامن عشر‪ّ .‬إل أنّ أس ًس ا أخرى للحداثة‪ ،‬مثل الفردان ّي ة‪ ،‬و ُم ُث ل‬ ‫التي ولد فيها‪ ،‬وقاد ًرا على تقرير مصيره بشكل م ستقل‪.‬‬
‫االستقالل ّي ة‪ ،‬ومنح املعنى والصالح ّي ة لعالم العاطفة والتفكير‪،‬‬ ‫االجتماعي» الذي يش ّك ل أساس اجل سم‬
‫ّ‬ ‫ترتكز فكرة «العقد‬
‫جت ّذرت في نهاية القرن الثامن عش ر‪ .‬وتعتبر احلركة احل سيد ّي ة‪،‬‬ ‫سياسي‪ ،‬وهي فكرة ص ّم مت الدولة القوم ّي ة احلديثة‪ ،‬على‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫التي ظهرت في النصف الثاني من القرن الثامن عش ر‪ ،‬جت سي ًدا‬ ‫مفهوم اإلن سان كفرد ُم ج ّرد‪ ،‬من دون تاريخ وال طائفة أو دين‪،‬‬
‫لتلك األسس واملبادئ واملثل‪ ،‬بل وتتفاخر بها وبوصفها أول‬ ‫يوافق طو ًع ا على التنازل عن قليل من احلرية لصالح أمنه‬
‫حركة نهضو ّي ة دين ّي ة حديثة انبثقت عن التقاليد اليهود ّي ة‪ ،‬فقد‬ ‫وإمكانية حتقيق ذاته‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن سيرورة العلمنة مرتبطة برؤية‬
‫‪/‬الشعوري‪ ،‬وعلى الصلة اخلاصة‬ ‫ّ‬ ‫العاطفي‬
‫ّ‬ ‫أكدت على العامل‬ ‫اإلن سان كفرد له احلرية في تشكيل نف سه ورسم طريقه بصورة‬
‫والرب‪ .‬من هنا‪ ،‬فقد م ّه دت احلركة الدين ّي ة احل سيد ّي ة‬‫ّ‬ ‫بني الفرد‬ ‫م ستقلة‪ .‬تعتبر هذه املفاهيم منافية للمعتقدات التي ترى في‬
‫التقليدي‪ ،‬ولظهور‬ ‫ّ‬ ‫األرض ّي ة النفصال اليهود عن منط احلياة‬ ‫أبنائها‪ ،‬أوال وقبل كل شيء‪ ،‬أعضا ًء في اجل سد العام‪ ،‬مرتبطني‬
‫احلريدي‪ ،‬على ح ّد سواء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التيار‬ ‫به اجتماع ّي ا وملتزمني له فكر ًي ا‪.‬‬
‫صاغت هذه ال سمات واملميزات احلديثة احلركة احلريد ّي ة‪،‬‬ ‫راديكالي بالن سبة لليهود‪ ،‬فقد أ ّدت‬
‫ّ‬ ‫كانت هذه حقبة تغيير‬
‫بيد أنّها ظهرت كر ّد فعل جتاه أحداث تاريخ ّي ة مع ّي نة‪ .‬واجه‬ ‫هذه النظرة املختلفة لإلنسان إلى تغيير النظرة إليهم‪ .‬كأفراد‬
‫خطط ا وبرامج لتحديث احلكومات األوروب ّي ة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اليهودي‬
‫ّ‬ ‫املجتمع‬ ‫م ستقلني‪ُ ،‬اعتبروا‪ ،‬للمرة األولى‪ ،‬بش ًرا قبل أن يكونوا يهو ًدا‪.‬‬
‫تض ّم نت مناهج تعليم دنيو ّي ة حت ّولت إلى مواد تعليم إلزام ّي ة في‬ ‫وكما كتب كريستيان ويلهالم فون دوهام‪ ،‬املوظف الرفيع‬ ‫‪10‬‬

‫املدارس‪ ،‬باإلضافة إلى خطوات تهدف إلى تعميق دمج اليهود‬ ‫«اليهودي هو إن سان أكثر‬
‫ّ‬ ‫البروسي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫امل ستوى في نظام احلكم‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫تضمنت‬ ‫األوروبية‪،‬‬ ‫اليهودي خططا وبرامج لتحديث الحكومات‬ ‫واجه المجتمع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مناهج تعليم دنيوية تحولت إلى مواد تعليم إلزامية في المدارس‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫خطوات تهدف إلى تعميق دمج اليهود في المجتمع العام‪ .‬في مناطق عديدة‪،‬‬
‫ّ‬
‫محلية لحركة التنوير‪ ،‬وقد تبنى اليهود في نطاقها وجهة نظر‬ ‫تطورت اتجاهات‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫اليهودية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫نقدية سعت إلى إحداث إصالحات جادة في التقاليد وإلى «تحديث»‬

‫في عصر احلداثة‪.‬‬ ‫في املجتمع العام‪ .‬في مناطق عديدة‪ ،‬تط ّورت اجتاهات محل ّي ة‬
‫في فرن سا وأملانيا؛ أي في البلدان التي اجتهت نحو التحرير‬ ‫حلركة التنوير‪ ،‬وقد تبنى اليهود في نطاقها وجهة نظر نقد ّي ة‬
‫ومنح اليهود مواطنة مت ساوية‪ ،‬تخلى اليهود عن هويتهم اإلثن ّي ة‬ ‫سعت إلى إحداث إصالحات جادة في التقاليد وإلى «حتديث»‬
‫خاص ة‬ ‫ّ‬ ‫وح ّولوا يهود ّي تهم إلى ديانة؛ أي إلى هو ّي ة عقائد ّي ة‬ ‫اليهودي سيرورة علمنة جماع ّي ة وتخل ًي ا‬
‫ّ‬ ‫اليهود ّي ة‪ .‬شهد املجتمع‬
‫وإميان ّي ة جتد تعبي ًرا لها في مراسم وشعائر مختلفة‪ ،‬وليس‬ ‫التقليدي‪ ،‬وأدت كِ ال ال سيرورتني إلى تفكيك‬‫ّ‬ ‫عن منط احلياة‬
‫أص رت اليهود ّي ة‬ ‫في مصير مشترك‪ .‬خالل القرن التاسع عشر‪ّ ،‬‬ ‫جاليات بأكملها‪.‬‬
‫األرثوذك سية واليهود ّي ة اإلصالح ّي ة‪ ،‬وعلى الرغم من اختالف‬ ‫رفضت احلريد ّي ة ك ّل ذلك‪ ،‬وجعلت من احملافظة على الهو ّي ة‬
‫الطريقة التي تصوغان بها طرائق العبادة والصيغة اإلميان ّي ة‬ ‫اليهود ّي ة التقليد ّي ة هد ًف ا لها‪ .‬غير أنّه ال يجوز لنا أن نقع في‬
‫الديني‬
‫ّ‬ ‫التي تتبنياها‪ ،‬على أنّ يهود ّي ة أتباعهما تتعلق بالبعد‬ ‫اخلطأ‪ ،‬فعلى الرغم من أنّها وضعت نف سها في مواجهة مع‬
‫فقط‪ ،‬أ ّم ا من الناحية القوم ّي ة فإن أولئك اليهود فرنس ّي ون أو‬ ‫سيرورات التحديث‪ ،‬إ ّال ان احلريد ّي ة ذاتها هي حركة حديثة‪.‬‬
‫أملان (أو بريطان ّي ون وهولند ّي ون وبلجيك ّي ون الخ)‪ .‬وقد سمى‬ ‫فقد أ ّك دت بدورها على الفرد‪ ،‬وكانت رد فعل واعية بح ّد ذاتها‪،‬‬
‫ملاني ابن دين موسى» وأمروا بـ «كن يهود ًّي ا‬ ‫هؤالء أنف سهم «أ ّ‬ ‫الطوعي في حياة اإلن سان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كما أنها أولت أهمية بالغة للبعد‬
‫في بيتك وفرنس ًّي ا عند خروجك منه»‪ ،‬وهكذا أقصيت اليهود ّي ة‬ ‫مبا في ذلك حياته الدين ّي ة‪ .‬احلريد ّي ة‪ ،‬بكلمات أخرى‪ ،‬لي ست‬
‫سي‪.‬‬
‫الشخصي والنف ّ‬
‫ّ‬ ‫لتقتصر على البعد‬ ‫محافظة على التقاليد‪ ،‬كما أنّها لي ست أب ًدا جتمي ًدا للحياة‬
‫تأس ست‬ ‫في مقابل مثل هذه الهو ّي ة اليهود ّي ة الدين ّي ة‪ّ ،‬‬ ‫اليهود ّي ة املا قبل حداث ّي ة؛ أي تلك احلياة التي ميكن العثور على‬
‫في القرن التاسع عشر احلركة الصهيون ّي ة التي طرحت‬ ‫تعبيرات أدب ّي ة عنها في أعمال «شالوم عليخكم ومندلي بائع‬
‫هو ّي ة يهود ّي ة قوم ّي ة علمان ّي ة‪َ .‬ب نَت احلركة الصهيون ّي ة هويتها‬ ‫الكتب (أو في م سرحية «كمنجة على ال سطوح»‪ ،‬املبنية على‬
‫اإلثني لليهود ّي ة‪ ،‬التي أعيد‬
‫ّ‬ ‫اجلماعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اليهود ّي ة حول البعد‬ ‫سل سلة قصص لشالوم عليخم والتي في مركزها شخص ّي ة‬
‫تعريفه في صيغتها القوم ّي ة احلديثة‪ .‬رفض الصهيون ّي ون‬ ‫احللب»)‪ ،‬كانت تلك حياة يهود ّي ة بديه ّي ة‪ ،‬يهود ّي ة‬ ‫ّ‬ ‫«طوبيا‬
‫منظومة العبادة والشعائرية الدين ّي ة اليهود ّي ة باعتبارها‬ ‫اليهودي يص لّ ي فيها صالة‬ ‫ّ‬ ‫«طبيع ّي ة» ال مراء فيها‪ ،‬كان الفرد‬
‫سياسي يتمتع‬ ‫ّ‬ ‫منظومة فاسدة ومتخلفة‪ ،‬ونادوا بإقامة إطار‬ ‫الصبح بطريقة عابرة وغير واعية مثلما يلبس رجل األعمال‬
‫فيه اليهود بحق تقرير املصير‪ ،‬وميكنهم من خالله جت سيد‬ ‫في عصرنا ربطة العنق‪ .‬فهاتان العادتان غير عقالنيتني بنفس‬
‫يهود ّي تهم وإنسانيتهم‪.‬‬ ‫وت ارسان ألنهما‪ ،‬بب ساطة‪ ،‬تش ّك الن قاعدة يوم ّي ة مألوفة‪.‬‬ ‫القدر‪ُ ،‬‬
‫وفي مقابل هذه الهويات اليهود ّي ة العصرية (وغيرها من‬ ‫تصيب احلداثة هذا الواقع غير املف ّس ر باخلراب‪ .‬تُرغم‬
‫الهويات مثل التنوير ّي ة أو البوند)‪ ،‬طرح يهود آخرون‪ ،‬بد ًءا من‬ ‫حركة التنوير وسيرورة العلمنة‪ ،‬وإمكانية التح ّرر وظهور‬
‫هنغاريا ومن ث ّم في سائر دول أوروبا‪ :‬احلريد ّي ة‪ ،‬التي كانت‬ ‫القوم ّي ة احلديثة‪ ،‬اليهود على اخلروج من مجتمعاتهم التقليد ّي ة‬
‫وتقليدي‬
‫ّ‬ ‫معاد للحداثة‪،‬‬
‫هوياتي كامل وشامل‪ٍ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫مبثابة إطار‬ ‫والسعي إلى صياغة‪ ،‬وأحيانا إعادة صياغة‪ ،‬هويتهم‪ ،‬وهو ما‬
‫‪11‬‬ ‫يتطلب وع ًي ا ذات ًي ا‪ .‬اضطر اليهود إلى التخلي عن املفهوم‬
‫تقليدي بك ّل تأكيد‪ .‬ومثل‬
‫ّ‬ ‫متش ّدد‪ ،‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬حديث وغير‬
‫اليهود ّي ة اإلصالح ّي ة‪ ،‬واألرثوذك سية احلديثة أو الصهيون ّي ة‪ ،‬فإنّ‬ ‫ضم نًا‪ ،‬والتأ ّم ل بأنف سهم وبهو ّي تهم‪ ،‬والبت في كيفية االندماج‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الحريدية ونشأتها حول الحاخام موشيه سوفير‬ ‫تتمحور كل محاوالت كتابة تاريخ‬
‫َّ‬ ‫(‪ ،)1839 – 1762‬الذي ّ‬
‫يعد «عالمة العصر» وأكبر رجاالت اإلفتاء في العصر الحديث‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫قطعا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحريدية لم‬ ‫إن‬ ‫كهوية متمايزة‪ .‬ال يمكن القول‬ ‫الحريدية‬ ‫لقد صاغ سوفير‬
‫تكن لتتشكل من دون نشاط إنسان ّ‬
‫معين‪ ،‬غير أن سوفير لعب‪ ،‬دونما شك‪ ،‬دوراً‬
‫ّ‬
‫الحريدية‪.‬‬ ‫ً‬
‫مركزيا في تأسيس وترسيخ‬

‫وترفض تبني مفاهيم و ُم ُث ًل حديثة (دميقراط ّي ة‪ ،‬ن سو ّي ة‪ ..‬إلخ)‪.‬‬ ‫أس ست أيضا لهو ّي ة يهود ّي ة جديدة‪ ،‬كما‬ ‫اليهود ّي ة احلريد ّي ة ّ‬
‫واستكمال لرفض االندماج‪ ،‬وضع سوفير بعض ال سمات‬ ‫ً‬ ‫أنها أحدثت إصالحات في مفهوم الشريعة الدين ّي ة (الهالخاه)‬
‫اإليجاب ّي ة للهو ّي ة احلريد ّي ة‪ .‬وأعاد‪ ،‬برفقة حاخامات آخرين‪،‬‬ ‫والعادات‪ -‬إنّها سيرورة إعادة البناء احلداث ّي ة ذاتها‪ .‬غير أن‬
‫صياغة العالقة مع الشريعة (الهلخاه) من جديد‪ ،‬من خالل ثالثة‬ ‫احلريد ّي ة تش ّك لت كهو ّي ة شاملة ال تريد التخلي أو التنازل عن‬
‫مفاهيم‪ :‬األول‪ ،‬إلغاء الهرم ّي ة الداخل ّي ة بني الفرائض‪ .‬م ّي ز اليهود‪،‬‬ ‫أي شيء‪ ،‬ال عن التقاليد‪ ،‬وال عن طقوس العبادة‪ ،‬ال عن البعد‬
‫تقليدي‪ ،‬بني الفرائض املهمة والفرائض األقل أهمية‪ .‬ليس‬ ‫ّ‬ ‫بشكل‬ ‫اإلثني وال عن البنية االجتماع ّي ة املا قبل حداثية‪ 2.‬إذ ق ّدمت‬‫ّ‬
‫فقط أنّ احلفاظ على ال سبت أو الكوشر اعتبرا أهم من ربط‬ ‫نف سها بصورة جلية كهو ّي ة معادية للحداثة‪ ،‬وترفض‪ ،‬خالف اً‬
‫رباطات احلذاء أو منع الرجال من النظر إلى املرأة‪ ،‬بل لب ست‬ ‫للهويات اليهود ّي ة احلديثة األخرى‪ ،‬احلداثة وقيمها (في الوقت‬
‫الشريعة طاب ًع ا جماهير ًي ا وعلن ًي ا‪ ،‬ولذلك كانت الفرائض التي‬ ‫الذي تع ّب ر فيه‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬عن سمات احلداثة)‪.‬‬
‫تقام جها ًرا‪ ،‬والتي ت ستخدم بكل حال ك سمات هو ّي ة إثن ّي ة‪ ،‬أكثر‬
‫خصوصي في البيت‪.‬‬ ‫أهم ّي ة من الفرائض التي تقام بشكل‬ ‫ّ‬
‫الحريدية‪:‬‬ ‫ً‬
‫ثانيا‪ /‬تشكيل وبلورة‬
‫ّ‬
‫مت وانتهى‪ .‬أفتى احلاخام شيلزينغر أنّ‪« :‬ك ّل حكم ملائدة‬ ‫ّ‬ ‫تتمح ّور ك ّل محاوالت كتابة تاريخ احلريد ّي ة ونشأتها‬
‫مساو للوصايا العشر‪ ،‬وك ّل عادة إلسرائيل تساوي الوصايا‬ ‫ٍ‬ ‫حول احلاخام موشيه سوفير (‪ ،)1839 – 1762‬الذي يع ّد «ع َّالمة‬
‫العشر»‪ ،‬وكتب احلاخام سوفير في هذا الشأن‪« :‬في هذا‬ ‫‪3‬‬
‫العصر» وأكبر رجاالت اإلفتاء في العصر احلديث‪ .‬واحلق يقال‪:‬‬
‫اجليل اليتيم الذي نقف فيه اليوم الواجب املق ّدس امللقى على‬ ‫لقد صاغ سوفي ر‪ ،‬من الناحية العمل ّي ة‪ ،‬احلريد ّي ة كهو ّي ة متمايزة‪.‬‬
‫تترس خ مخافة ال سماء في قلوبنا للحفاظ‬ ‫كل واحد منا هو أن ّ‬ ‫ال ميكن القول قط ًع ا إنّ احلريد ّي ة لم تكن لتتشكل من دون‬
‫وللقيام ليس فقط بكل الفرائض بل حتى بأب سط العادات التي‬ ‫معي‪ ،‬غير أن سوفير لعب‪ ،‬دومنا شك‪ ،‬دو ًرا‬ ‫نشاط إنسان ّ‬
‫‪4‬‬
‫أخذناها عن آبائنا املق ّدسني»‪.‬‬ ‫مركز ًي ا في تأسيس وترسيخ احلريد ّي ة‪ ،‬كما كانت له م ساهمة‬
‫كهو ّي ة يهود ّي ة حديثة‪ ،‬طالبت احلريد ّي ة مب سؤول ّي ة طوع ّي ة‬ ‫بالغة األهمية في بلورتها‪.‬‬
‫وشخص ّي ة وتشديد صارم في ك ّل مكان وك ّل زمان‪ .‬بنا ًء على‬ ‫صك الشعار القائل إن «اجلديد من التوراة‬ ‫سوفير هو الذي ّ‬
‫فرض ا تلمود ًّي ا من سياقه)‪ ،‬وبذلك ح ّدد املوقف‬ ‫محرم» (نازعا ً‬
‫ملبدئي‬
‫ّ‬ ‫األولي املناهض للحداثة في احلريد ّي ة‪ .‬أهمية هذا املوقف ا‬
‫ّ‬
‫يؤس سه ليس فقط مع باقي املجتمع‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫الذي‬ ‫العزل‬ ‫في‬ ‫هي‬
‫بني احلريدمي واألرثوذكس ّي ني احلديثني‪ ،‬الذي رغم اعتبارهم‬
‫أساس ا ليهوديتهم ّإل أنّهم لم يرفضوا مبدئ ًي ا روح‬ ‫ً‬ ‫التوراة‬
‫احلداثة‪ ،‬وسعوا لالندماج في املجتمع العام‪ .‬على عك سهم‪ ،‬كانت‬ ‫‪12‬‬
‫احلريد ّي ة انعزال ّي ة وحصر ّي ة‪ ،‬ترفض االندماج ب املجتمع العام‬

‫عدد ‪79‬‬

‫املجتمع الحريديّ يف إرسائيل‪ ..‬يف مهبّ تحوالت قومية وسياسية‪.‬‬


‫ّ‬
‫اليهودية هو الميل المقصود لإلفتاء‬ ‫ّ‬
‫التوجه للشريعة‬ ‫الشكل الثاني الذي ّ‬
‫تغير فيه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اليهودي‬ ‫ق‪-‬التزهدي‪ .‬ففي حين قام الحاخامات في المجتمع‬ ‫المتشدد والمدق‬
‫ّ‬
‫الحريدي بالتشديد وليس‬ ‫ّ‬
‫التقليدي بالتخفيف بحسب الحاجة‪ ،‬قاموا بالمجتمع‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ويقر «في آثامنا الكثيرة الجيل مخترق‬ ‫بالتخفيف‪ .‬الحاخام سوفير يساعد هنا أيضا‬
‫كواد يجب تسييجه بالتوراة‪ ،‬يجب التشديد وليس زيادة الضجيج»‪.‬‬‫ٍ‬

‫وشمول (ح تّى مجاالت احلياة‬‫ً‬ ‫ً‬


‫وتفصيل‪،‬‬ ‫العادات أكثر عد ًدا‪،‬‬ ‫ذلك‪ ،‬ساوت بني أهمية الفرائض‪ ،‬ورفعت مكانة عادات مختلفة‬
‫التي لم يكن لها في ال سابق معنى دين ًي ا)‪ ،‬وصار مطلو ًب ا من‬ ‫لتصير فرائض‪ .‬استخدمت امل ساواة بني أهمية ك ّل الفرائض‬
‫الفرد أن يحرص على تطبيقها بالكامل‪ .‬القيام بالفرائض‬ ‫مبدئي ضد التجديدات‪ :‬التغيير‬
‫ّ‬ ‫من أجل احلاجة لطرح موقف‬
‫التقليدي‪ ،‬ربطة العنق الدين ّي ة املفهومة‬
‫ّ‬ ‫الب سيطة في املجتمع‬ ‫ممنوع ولو كان تغيي ًرا بعادة ب سيطة‪ ،‬إذ ال تق ّل أهمية عادة‬
‫ضم نًا‪ ،‬لم تعد موجودة‪.‬‬ ‫ب سيطة لدرجة يجوز فيها تغييرها‪ .‬القدمي ُي ق ّدس‪ ،‬حتى لو كان‬
‫كما أسلفنا‪ ،‬كان اليهود آنذاك مطالبني بتفعيل وعي‬ ‫عادة ب سيطة‪ .‬يج ّس د احلفاظ على تفاصيل العادات التح ّك م‬
‫ذاتي وإعادة صياغة هويتهم‪ .‬عاش اليهود في عالم ش ِّك لت‬ ‫ّ‬ ‫احلديث في حياة الفرد‪ ،‬وهذا على نقيض ما كان في املجتمع‬
‫فيه احملافظة على الفرائض والتعاليم الدين ّي ة اختيا ًرا طوع ًي ا‪.‬‬ ‫التقليدي‪ ،‬ما قبل احلداثة‪ ،‬حيث كانت العالقة مع الشريعة أكثر‬
‫ّ‬
‫وبطبيعة احلال‪ ،‬فإنّ احلياة الدين ّي ة حت ّولت تلقائ ًّي ا إلى سل سلة‬ ‫مرونة‪ .‬لم يكن طوبيا احلالب يص ّر على االلتزام بكل العادات‬
‫من النشاطات الطوع ّي ة‪ ،‬وهي نشاطات ت ستدعي وع ًي ا ذات ًّي ا‬ ‫«ح تّى أب سطها»‪.‬‬
‫احلريدي نف سه كفرد ُي ؤثر التطبيق الصارم‬ ‫ّ‬ ‫وشرع ّي ة داخل ّي ة‪ .‬رأى‬ ‫التوج ه للشريعة اليهود ّي ة هو‬
‫ّ‬ ‫الشكل الثاني الذي تغ ّي ر فيه‬
‫سؤول بصفة شخصية عن حياته الدين ّي ة‪ ،‬نائ ًي ا‬ ‫لـ «الهالخاه»‪ ،‬وم ً‬ ‫ق‪-‬التزهدي‪ .‬ففي حني قام‬
‫ّ‬ ‫امليل املقصود لإلفتاء املتش ّدد واملد ّق‬
‫بنف سه بقصد عن املجتمع العام‪ 7.‬مثل هذا الواقع يؤ ّدي إلى‬ ‫التقليدي بالتخفيف بحسب‬
‫ّ‬ ‫اليهودي‬
‫ّ‬ ‫احلاخامات في املجتمع‬
‫صياغة هو ّي ة دين ّي ة حديثة مختلفة‪ ،‬ت سهم بدورها في تشجيع‬ ‫احلريدي بالتشديد وليس بالتخفيف‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫احلاجة‪ ،‬قاموا ب املجتمع‬
‫الديني‪.8‬‬
‫ّ‬ ‫التش ّدد والتط ّرف‬ ‫أيض ا ويق ّر «في آثامنا الكثيرة‬‫احلاخام سوفير ي ساعد هنا ً‬
‫أخي ًرا‪ ،‬أضفى احلاخام سوفير على احلريد ّي ة هالة قداسة‬ ‫كواد يجب ت سييجه بالتوراة‪ ،‬يجب التشديد‬ ‫اجليل مخترق ٍ‬
‫جلية وموحدة‪ .‬وقد دعا أتباعه في وصيته (التي ُك تبت في‬ ‫وليس زيادة الضجيج»‪ .‬يجدر االنتباه إلى أن احلاخام سوفير‬
‫العام ‪ ،1836‬قبل ثالث سنوات من وفاته)‪« :‬احذروا من تغيير‬ ‫يشير بوضوح إلى التجديد‪ :‬بسبب أزمة اجليل «املخترق‬
‫‪9‬‬
‫االسم واللغة‪ ،‬ومن ارتداء اللباس األجنبي معاذ الله‪.»...‬‬ ‫كواد»‪-‬أي‪ ،‬ب سبب املخاوف من احلداثة‪ -‬يجب بذل اجلهود‬ ‫ٍ‬
‫فالتم سك باالسماء العبر ّي ة وبلغة اإليديش واملالبس املوحدة‬
‫‪5‬‬
‫للتشديد‪ ،‬وليس للتخفيف‪.‬‬
‫واملميزة يتيح للحريد ّي ة التح ّول إلى هو ّي ة شمول ّي ة‪ ،‬ال تكتفي‬ ‫التقليدي هو من خالل تعزيز‬ ‫ّ‬ ‫التوج ه‬
‫ّ‬ ‫الشكل الثالث لتغ ّي ر‬
‫تؤس س وتقيم ألتباعها‬‫باالنعزال عن محيطها فح سب‪ ،‬وإمنا ّ‬ ‫الفرد وحتويله إلى م سؤول مباشر عن حياته الدين ّي ة‪ .‬قد يبدو‬
‫مجتمعهم املغلق‪.‬‬ ‫جماعي ج ًدا ويلغي‬
‫ّ‬ ‫احلريدي‬
‫ّ‬ ‫هذا االدعاء غري ًب ا؛ إذ إنّ املجتمع‬
‫واصل صهر سوفير‪ ،‬احلاخام عكيفا يوسيف شليزنغر‬ ‫إرادة الفرد أمام إرادة الطائفة والتقاليد‪ .‬هذا صحيح‪ ،‬لكن في‬
‫(من ‪ ،)1922 – 1837‬جهود سوفير الهادفة إلى خلق إنسان‬ ‫الوقت نف سه ُي طلب من الفرد أن يكون متنب ًه ا‪ ،‬وأن ُي حاسب على‬
‫حريدي «كامل»‪ .‬وقد رأى شليزنغر (وآخرون من أتباع مدرسة‬ ‫ّ‬ ‫مكانته الدين ّي ة‪ .‬وكما كتب دافيد سوروت سكني‪ ،‬احلريد ّي ة «مبنية‬
‫‪13‬‬ ‫سوفير) في اليهود ّي ة األرثوذك سية املعاصرة‪ ،‬تهدي ًدا يفوق بكثير‬ ‫تزهدي‪ ،‬واملرتكزة إلى‬
‫ّ‬ ‫على أمناط سلوك ّي ة طوع ّي ة ذات معنى‬
‫تهديد اليهود ّي ة اإلصالح ّي ة‪ ،‬وذلك نظر ًا لتفاخرها بالتش ّدد دين ّي ا‪،‬‬ ‫توس ع متزايد ملجال القداسة في احلياة الدنيو ّي ة»‪ .‬أصبحت‬
‫‪6‬‬
‫ّ‬

‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الديني‪-‬‬ ‫األرثوذكسية الحديثة التي قلص‪ -‬تحت غطاء التزمت‬ ‫عارض شليزنغر نهج‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اليهودية إلى «فكرة دينية» تندمج بالثقافة األوروبية العامة‪ .‬كان معنيا بوجود‬
‫ّ‬
‫ثقافيا‬ ‫ّ‬
‫التعبدي من الحياة‪ ،‬وإنما تشكل «تميزا‬ ‫ّ‬
‫يهودية ال تنحصر في الجانب‬
‫بمعناه الواسع»؛ أي ّ‬
‫هوية شاملة‪.‬‬

‫اخلارجي‪ ،‬واالسم واللغة هي التي حت ِّول مجموعة من الناس إلى‬


‫ّ‬ ‫كما أدرك متا ًم ا أن اليهود ّي ة األرثوذك س ّي ة احلديثة‪ ،‬وفقما كتب‬
‫طائفة أو جماعة‪ ،‬بل حتى إلى شعب‪ .‬فاليهود ال يشكلون أمة‬ ‫ميخائيل سيلفر‪:‬‬
‫سوى من خالل سماتهم الثقاف ّي ة‪ .‬ويقارن شليزنغر األمر‪ .‬في‬ ‫ق لّ صت اليهود ّي ة إلى مجرد فكرة (أو عقيدة) دين ّي ة‪ ،‬ومن‬
‫مكان آخر من كتابه‪ ،‬بالثقافة الوطن ّي ة لدى سائر الشعوب‪ ،‬ومبا‬ ‫هنا لم ت َر أية غضاضة في العملية التربو ّي ة‪ .‬فمعنى أن يكون‬
‫أي القوم ّي ة‪ .12‬وهكذا فإن شليزنغر‬ ‫يسمى «ناشيانليتهامت»؛ ّ‬ ‫مخلص ا هو إبداء منتهى احلرص جتاه صغائر‬ ‫ً‬ ‫املرء أرثوذك س ًي ا‬
‫يشير إلى ضرورة احملافظة على هو ّي ة شاملة‪ ،‬هو ّي ة إثن ّي ة‪،‬‬ ‫األمور ككبائرها‪ ،‬غير أنّ ذلك لم يكن يعني لهم شيئ ًا أمام‬
‫وليس مج ّرد هو ّي ة تعبدية – دين ّي ة فقط‪ .‬وخالفا للمحافظني‬ ‫الثقافي‬
‫ّ‬ ‫واجب التحدث بلغة اإليديش‪ ،‬أو احملافظة على التميز‬
‫على الفرائض الدين ّي ة في الوقت احلالي‪ ،‬والذين يؤكدون على‬ ‫‪10‬‬
‫مبعناه الواسع‪.‬‬
‫أن الشريعة الدين ّي ة اليهود ّي ة «الهالخاه» هي وحدها التي جتعل‬ ‫عارض شليزنغر نهج األرثوذك س ّي ة احلديثة التي ق لّ ص‪-‬‬
‫من اليهود شع ًب ا‪ ،‬أص ّر شليزنغر على أن اليهود هم شعب‬ ‫الديني‪ -‬اليهود ّي ة إلى «فكرة دين ّي ة» تندمج‬ ‫حتت غطاء التزمت‬
‫ّ‬
‫بفضل احملافظة على االسم واللباس واللغة‪ ،‬بل كانوا كذلك‬ ‫بالثقافة األوروب ّي ة العا ّم ة‪ .‬كان معن ًي ا بوجود يهود ّي ة ال تنحصر‬
‫قبل نزول التوراة في سيناء‪.‬‬ ‫التعبدي من احلياة‪ ،‬وإمنا تشكل «متيزا ثقاف ّي ا‬ ‫في اجلانب‬
‫ّ‬
‫لقد كانت احلريد ّي ة هو ّي ة شاملة‪ ،‬تتض ّم ن كل شيء‪ ،‬وت سبق‬ ‫مبعناه الواسع»؛ أي هو ّي ة شاملة‪ .‬في كتابه «ليف هعبري»‬
‫اليهودي‪ ،‬ومن ضمن ذلك إنسانيته‬ ‫ّ‬ ‫أي سمة أخرى يت سم بها‬ ‫العبري)‪ ،‬الذي ُوزِّع على نطاق واسع في بلدان أوروبا‬ ‫ّ‬ ‫(قلب‬
‫أيض ا‪ .‬إن هذه الهو ّي ة هي هو ّي ة شاملة لم يتبقَ منها أي شيء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الشرق ّي ة‪ ،‬عاد شليزنغر وأكد على توجيهات ووصايا احلاخام‬
‫حريدي‪ .‬واحلريدمي هم‬ ‫ّ‬ ‫فاحلريدمي هم أوال وقبل ك ّل شيء‬ ‫سوفير باحملافظة على االسم واللغة واللباس‪:‬‬
‫حريدي‪ .‬استوجبت‬ ‫ّ‬ ‫اليهود الكاملون‪ .‬فليس هناك يهود لي سوا‬ ‫إنّها جذور اليهود ّي ة منذ أيامها األولى‪ ،‬االسم واللغة‬
‫الهو ّي ة احلريد ّي ة انفصاال ج سديا وانفصاال في الوعي‪ ،‬ليس‬ ‫واللباس‪ ،‬الذي حافظ عليه آباؤنا في مصر‪ ،‬وبفضلها نالوا‬
‫أيض ا عن باقي اليهود‪.‬‬ ‫الغربي العام‪ ،‬وإمنا ً‬ ‫ّ‬ ‫فقط عن املجتمع‬ ‫اخلالص‪ ،‬وهي تفوق سائر تعاليم وفرائض التوراة }‪ {...‬وإذا‬
‫سدي يعني اإلقامة في نطاق جماعات‬ ‫فإذا كان اإلنفصال اجل ّ‬ ‫اليهودي منها‪ ،‬ال قدر الله‪ ،‬فإن كل الفرائض‬ ‫ما ُج ِّرد الشعب‬
‫ّ‬
‫مغلقة‪ ،‬فإن اإلنفصال من ناحية الوعي يعني التأكيد على أنّ كل‬ ‫ستبدو أشبه بثياب بال ج سد‪ ،‬ذلك أن هذه األمور تعتبر مبثابة‬
‫من ليس حريد ّي ا ال يعتبر في نهاية املطاف يهود ّي ا‪ .‬لقد ت ّب نت‬ ‫‪11‬‬
‫اليهودي‪ ،‬ومن خاللها أضحينا شع ًب ا‪.‬‬ ‫اجل سم‬
‫ّ‬
‫اليهود ّي ة املا بعد األرثوذكس ّي ة املتط ّرفة التي ظهرت في هنغاريا‬
‫ويؤكد شليزنغر في هذا ال سياق‪ ،‬وفي أجزاء أخرى من مؤلفه‪،‬‬
‫هذا املوقف‪ .‬الهو ّي ة احلريد ّي ة الثقاف ّي ة – اإلثن ّي ة هي التي ح ّددت‬
‫على أن احملافظة وااللتزام بهذه األمور أو (الوصايا) تضاهي‬
‫يهود ّي ة اإلنسان‪ ،‬حتى قبل احملافظة على الفرائض الدين ّي ة‪.‬‬
‫سائر الفرائض والتعاليم األخرى‪ ،‬وأنها شرط ال غنى عنه من‬
‫وفي الوقت الذي تعتبر األرثوذكس ّي ة احلديثة‪ ،‬وأحيانًا‬ ‫اليهودي املؤمن وامللتزم بالتعاليم‬ ‫أجل اخلالص‪ .‬فليس لدى‬
‫ّ‬
‫حتى احلركات غير األرثوذك س ّي ة‪ ،‬يهود ّي ة العلمان ّي ني اليهود‬ ‫والفرائض الدين ّي ة من سبيل لتأكيد أهمية األمر أكثر من ذلك‪.‬‬
‫مشوبة باخللل‪ ،‬فإنّها في نظر احلريد ّي ة (وال سيما في نظر‬ ‫بي أيضا ماهية األمر بقوله‪ :‬إن احلرص على‬ ‫غير أن شليزنغر ّ‬
‫احلريد ّي ة األكثر تط ّر ًف ا وتش ّد ًدا التي ظهرت في هنغاريا‪،‬‬ ‫اليهودي‪ ،‬والتي‬ ‫االلتزام بتلك الفرائض هو الذي يشكل اجل سم‬
‫‪14‬‬
‫ّ‬
‫أيض ا) غير منتقصة‪ ،‬وإمنا مشكوك‬ ‫وفي دوائر حريد ّي ة أخرى ً‬ ‫«من خاللها أصبحنا شع ًب ا»‪ .‬إن احملافظة على وحدة املظهر‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬
‫الحريدية انفصاال جسديا وانفصاال في الوعي‪ ،‬ليس فقط عن‬ ‫ّ‬
‫الهوية‬ ‫استوجبت‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الجسدي‬ ‫الغربي العام‪ ،‬وإنما أيضا عن باقي اليهود‪ .‬فإذا كان االنفصال‬ ‫المجتمع‬
‫يعني اإلقامة في نطاق جماعات مغلقة‪ ،‬فإن االنفصال من ناحية الوعي يعني‬
‫ّ‬
‫يهوديا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫حريديا ال يعتبر في نهاية المطاف‬ ‫أن كل من ليس‬ ‫التأكيد على ّ‬

‫احلريدي تصل إلى قرابة‬


‫ّ‬ ‫ن سبة الليتائيم في صفوف املجتمع‬ ‫فيها‪ .‬صحيح أن العلمان ّي ني ال يعتبرون «أغيا ًرا» وذلك ل سبب‬
‫‪ ،%40‬واحل سيدمي حوالي ‪ ،%35‬وتقدر نسبة ال سفرادمي بنحو‬ ‫أي وقت يشاؤون‪ ،‬ولي سوا‬ ‫ب سيط وهو أنّ في إمكانهم التوبة في ّ‬
‫‪ ،%20‬فيما ينتمي الباقون إلى تيارات فرع ّي ة أخرى‪ .‬غير أنّه ال‬ ‫بحاجة لعملية تهويد‪ .‬لكم من جهة أخرى‪ ،‬فإن ذنوبهم أكبر‬
‫بد من اإلشارة إلى أن هذه التق سيمة هي تق سيمة أول ّي ة وغير‬ ‫ألنّهم ملزمون‪ ،‬كيهود‪ ،‬باحلفاظ على الفرائض الدين ّي ة‪.‬‬
‫دقيقة‪ .‬فاحل سيدمي ينق سمون إلى جماعات وساحات كثيرة‪،‬‬ ‫بعبارة أخرى‪ ،‬خالفا لألرثوذك س ّي ة احلديثة‪ ،‬واحلركات التي‬
‫منها كبيرة وصغيرة‪ ،‬غنية وفقيرة‪ .‬يت سم ال سفرادمي مبدى‬ ‫تدور في فلكها‪ ،‬والتي ترى في اليهود ّي ة منظومة تراتب ّي ة‪ ،‬فإن‬
‫واسع ج ًدا من ال سمات احلريد ّي ة‪ ،‬والعادات والتقاليد واألعراف‪،‬‬ ‫احلريد ّي ة تنظر إلى اليهود ّي ة كمنظومة ثنائ ّي ة‪ .‬فمن وجهة‬
‫فيما ينق سم الليتائيم داخل ًي ا إلى أكثرية معتدلة نسب ًي ا‪ ،‬وأقلية‬ ‫نظر األرثوذكس ّي ة املعاصرة واليهود ّي ة اإلصالح ّي ة هناك يهود‬
‫األورشاليمي»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫انعزالية أكثر تطر ًف ا‪ ،‬تدعى «اجلناح‬ ‫جيدون ويهود جيدون أقل‪ ،‬أما من وجهة نظر احلريد ّي ة فثمة‬
‫وتعتبر اليهود ّي ة احل سيد ّي ة‪ ،‬من ناحية تاريخ ّي ة‪ ،‬املجموعة‬ ‫يهود وغير يهود‪ .‬وقد ص ّرح احلاخام سوفير في العام ‪1811‬‬
‫احلريدي‬
‫ّ‬ ‫األولى‪ ،‬من بني املجموعات التي تك ّون منها اجلمهور‬ ‫‪13‬‬
‫أنّ «املُ َج ِّددين» قطعوا عمل ًي ا صالتهم بالطائفة اليهود ّي ة‪،‬‬
‫حال ًي ا‪ ،‬وقد تش ّك لت كمجموعة مم ّي زة ذات هو ّي ة يهود ّي ة حديثة‪.‬‬ ‫ومن الواضح أن املقصود هنا بالطائفة اليهود ّي ة هي الطائفة‬
‫وقد ش ّق ت هذه املجموعة طريقها مع احلاخام ي سرائيل بن‬ ‫مج د‬ ‫احلريد ّي ة‪ .‬حتى أن احلاخام كوك (أبراهام يهودا) الذي ّ‬
‫اليعازر (بعل شيم توف؛ أي صاحب ال سمعة الطيبة) (بودوليا‪،‬‬ ‫طوال حياته «املنحرفني واخلارجني عن تعاليم الدين» وأ ّك د على‬
‫توفي في العام ‪ ،)1760‬الذي جمع حوله عد ًدا من التالميذ‬ ‫أنّ اخلالص يبدأ منهم بالذات‪ ،‬كان في بداية طريقه حريد ًّي ا‬
‫النفسي –‬
‫ّ‬ ‫واألتباع‪ ،‬وحثّ على حياة دين ّي ة تش ّدد على البعد‬ ‫بكل معنى األمر‪ ،‬وأ ّك د على وجوب «استبعاد جميع الكفرة‬
‫التأملي– وذلك على ح ساب‬ ‫ّ‬ ‫الشعور والنوايا واإلرادة والصدق‬ ‫واملتنصلني من التوراة واإلميان من األخوة القوم ّي ة»‪ 14.‬وال ب ّد‬
‫األهمية التي أولتها احملافل التقليد ّي ة لتع لّ م التوراة‪ .‬وعلى‬ ‫من التأكيد هنا أنّه مع مرور ال سنوات ومتغيرات الزمن‪ ،‬أصبح‬
‫الرغم من أن بن اليعازر لم يتمرد على الشريعة الدين ّي ة‬ ‫اعتدال‪ ،‬وهو ما ينعكس بصورة ملموسة في‬ ‫ً‬ ‫هذا املوقف أكثر‬
‫اليهود ّي ة (الهالخاه) إال أنّه ق لّ ل من شأن الوالء التام والصارم‬ ‫حياة الطائفة احلريد ّي ة في إسرائيل حال ًي ا‪ً .‬إل أنّه حتى في‬
‫لها‪ ،‬بل وداعبت مخ ّي لته أفكار بشأن إمكانية أن تكون بعض‬ ‫نهاية العقد األول من القرن احلادي والعشرين وصف زعيم‬
‫التجاوزات جز ًءا من عبادة الله إذا ما كانت النوايا التي تقف‬ ‫«اجلمهور الليتائي» في ذلك الوقت‪ ،‬احلاخام يوسيف شلوم‬
‫من ورائها إيجاب ّي ة‪.‬‬ ‫الياشيف‪ ،‬العلمان ّي ني بال»متحولني»؛ مبعنى أنّ حكمهم كحكم‬
‫لقد كانت احل سيد ّي ة في بداياتها حركة خالقة وعصيان ّي ة‪،‬‬ ‫غير اليهود من ناحية الشريعة الدين ّي ة اليهود ّي ة (وأنهم كما‬
‫فيما نشأت احلريد ّي ة الليتائية أو «املعارضة» على النقيض‬
‫‪15‬‬
‫قال لي سوا «أطفاال تعرضوا لل سبي»‪ ،‬والذين اعتبروا يهو ًدا)‪.‬‬
‫منها‪ .‬وقد ُأطلقت على اليهود «املعارضني» هذه الت سمية نظ ًرا‬
‫ملعارضتهم للح سيد ّي ة‪ ،‬سواء ب سبب تقليل احل سيدمي من أهمية‬ ‫ثالثا‪ /‬الليتائيم‪ ،‬الحسيديم والسفراديم‪:‬‬
‫ً‬
‫تعلم التوراة وااللتزام الصارم بالشريعة الدين ّي ة‪ ،‬أو ب سبب‬ ‫احلريدي إلى ثالثة تيارات رئيسة‬ ‫ينقسم املجتمع‬
‫ّ‬
‫‪15‬‬ ‫خشيتهم من اجنرار احلركة احل سيد ّي ة إلى م سيحان ّي ة كاذبة‪،‬‬ ‫وهي‪ :‬الليتائيم‪ ،‬احل سيدمي وال سفرادمي‪ .‬صحيح أنّ الن سب‬
‫تأس ست في القرن ال سابع‬ ‫على غرار احلركة «الشبتائية» (حركة ّ‬ ‫الدميغراف ّي ة ما زالت محل جدل وخالف‪ ،‬لكن ميكن القول إنّ‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لم يكونوا في حاجة‬ ‫في المقابل‪ ،‬فإن اليهود المقيمين في البلدان‬
‫ّ‬
‫للمرور بتلك السيرورات التي فرضت على اليهود في البلدان األوروبية‪ .‬إذ لم تشهد‬
‫اإلسالمية سيرورات دمقرطة مدروسة‪ ،‬وعليه لم تطرح هناك أيضا مطالب‬‫ّ‬ ‫البلدان‬
‫ّ‬
‫تتعلق بتحرير اليهود‪ .‬كانت سيرورت التحديث أبطأ وأقل ثورية‪ ،‬كما لم تنشأ فيها‬
‫فردانية سافرة‪ ،‬كالتي ّ‬
‫ميزت الحداثة في أوروبا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واجتماعية لحرية‬ ‫ّ‬
‫فكرية‬ ‫بنية‬

‫هذه‪ ،‬انق سمت احل سيد ّي ة إلى ساحات ومذاهب عديدة أخرى‪،‬‬ ‫عشر بزعامة شبتاي ت سفي‪ ،‬الذي ادعى النبوءة وأقنع عد ًدا‬
‫ونص بت جاليات مختلفة زعماء لها‪ ،‬كل وفق أسلوبه وطريقته‬ ‫َّ‬ ‫من اليهود بأنه جاء إلنقاذهم وإعادتهم إلى «أرض إسرائيل»)‪.‬‬
‫وأفكاره‪ .‬وهكذا أقيمت التيارات احل سيد ّي ة التي نراها حاليا‬ ‫لقد أضحى الصراع بني هذين اجلناحني طي النسيان‬
‫(مثل غور‪ ،‬بعلز‪ ،‬حباد‪ ،‬وما إلى ذلك)‪.‬‬ ‫منذ أمد بعيد‪ ،‬إذ أ ّدت سيرورتان إلى توحيد صفوف املؤيدين‬
‫ثان ًي ا‪ ،‬في القرن التاسع عشر وصلت العلمنة بكامل قوتها‬ ‫واملعارضني للحركة احلريد ّي ة‪ ،‬وإلى تك ّون أرثوذك س ّي ة متش ّددة‬
‫إلى أوروبا الشرقية‪ ،‬سواء من أعلى‪ ،‬بحكم خطط ومشاريع‬ ‫م ّت سقة‪ .‬أوال‪ ،‬فقدت احل سيد ّي ة‪ ،‬ك سائر حركات الصحوة الدين ّي ة‪،‬‬
‫بادرت إليها حكومات الدول املختلفة‪ ،‬بهدف حتقيق التق ّدم‬ ‫تنح ت روح اإلبداع والتم ّرد جان ًب ا‬
‫من زخمها مبرور الوقت‪ .‬فقد ّ‬
‫والتط ّور لصالح شعوبها‪ ،‬أو من أسفل‪ ،‬نظ ًرا لتح ّرر وانفتاح‬ ‫لصالح املأس سة والتوسع‪ .‬كذلك‪ ،‬حت ّولت الكاريزما إلى مجرد‬
‫العالقات بني اجلاليات والطوائف اليهود ّي ة املختلفة‪ ،‬من جهة‪،‬‬ ‫روتني‪ ،‬بل إلى بيروقراط ّي ة‪ :‬ال ميكن حلركة تض ّم في صفوفها‬
‫وتبني أفكار حديثة من قبل أعداد متزايدة من اليهود‪ ،‬من جهة‬ ‫عشرات اآلالف قضاء أم سياتها في حقول مقفرة وابتهاالت‬
‫اليهودي تغيرات بوتيرة سريعة وحادة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أخرى‪ .‬لقد شهد العالم‬ ‫صادقة إلى الله‪ .‬من هنا نشأت احلاجة لوجود قيادة تراتب ّي ة‬
‫ففي مواجهة رياح العلمنة وتفكك اجلاليات والطوائف اليهود ّي ة‬ ‫وأطر اجتماع ّي ة ومؤس سات تعليم ّي ة‪ .‬في أعقاب عملية التوسع‬

‫‪16‬‬

‫عدد ‪79‬‬

‫الثقل السيايس الحريدي يف إرسائيل‪ :‬امتيازات تتحول لتحديات هوياتية‪.‬‬


‫هكذا‪ّ ،‬‬
‫مر كثير من المهاجرين اليهود من البلدان اإلسالمية بسيرورة تذويب وإعادة‬
‫بأن الطريق الصحيحة الوحيدة تتمثل‬ ‫ّ‬
‫وتحولوا إلى حريديم بعدما اقتنعوا ّ‬ ‫تثقيف‪،‬‬
‫ّ‬
‫في أن يكونوا يهودا أتقياء يخشون الله‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ظلت النظرة من جانب الحريديم‬
‫اإلشكناز إلى اليهود السفراديم تتسم بعقلية الوصاية واالستعالء‪.‬‬

‫«الليتائيم» في صفوف اليهود القاطنني في شمال إفريقيا‬ ‫في أوروبا الشرق ّي ة‪ ،‬ش ّك ل أتباع تيار «احل سيدمي» وأتباع تيار‬
‫والدول العرب ّي ة وإيران‪ ،‬وبالتالي لم تتبلور لديهم يهود ّي ة حريد ّي ة‪.‬‬ ‫موح دة‪ ،‬وأضحت املجموعات احلريد ّي ة اليهود ّي ة‬
‫«الليتائيم» جبهة ّ‬
‫احلريد ّي ة ال سفراد ّي ة (الشرق ّي ة) لم تنبثق سوى في إسرائيل‪،‬‬ ‫متوافقة‪ .‬ومن ناحية عمل ّي ة‪ ،‬أصبح احل سيدمي اليوم محافظني‬
‫بداية في صفوف يهود الييشوف القدمي الذي خضع حلكم‬ ‫أكثر من الليتائيم‪ :‬هناك تأثير كبير لتقاليد الصوف ّي ة اليهود ّي ة‬
‫البريطاني‪ ،‬وبعد قيام دولة‬
‫ّ‬ ‫اإلمبراطورية العثمان ّي ة واالنتداب‬ ‫(الكاباله) في ساحات «احلسيدمي»‪ ،‬وعلى ذلك جند أنهم‬
‫إسرائيل‪ ،‬من خالل اندماج املهاجرين من الدول اإلسالم ّي ة في‬ ‫يحرصون على فتاوى مختلفة مرتبطة بالتحرميات اجلنس ّي ة‬
‫اإلشكنازي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫احلريدي‬
‫ّ‬ ‫املجتمع‬ ‫بصورة أشد بكثير‪ ،‬كما أن مالب سهم مخلصة أكثر لطراز‬
‫ابتدا ًء من خم سينات القرن املاضي‪ ،‬جرى استيعاب الشبان‬ ‫القرن الثامن عشر من مالبس «الليتائيم»‪ ،‬وما زالت غالبيتهم‬
‫الذين قدموا من الدول اإلسالم ّي ة إلى إسرائيل في مدارس دين ّي ة‬ ‫تتح ّدث بلغة اإليدش‪ ،‬بينما يتحدث «الليتائيم» باللغة العبر ّي ة‪.‬‬
‫«ليتائ ّي ة»‪ ،‬حيث اكت سبوا فيها الرؤية احلريد ّي ة‪ .‬كان املتدينون‬ ‫في املقابل‪ ،‬فإن اليهود املقيمني في البلدان اإلسالم ّي ة‪ ،‬لم‬
‫احلريدمي في إسرائيل قد انتقدوا املهاجرين من تلك البلدان‬ ‫يكونوا في حاجة للمرور بتلك ال سيرورات التي فرضت على‬
‫ب سبب أمناط حياتهم الدين ّي ة املعتدلة وغير الصارمة‪ .‬وقد ب ّي نوا‬ ‫اليهود في البلدان األوروب ّي ة‪ .‬إذ لم تشهد البلدان اإلسالم ّي ة‬
‫اليهودي احملافظ على الفرائض والواجبات‬ ‫ّ‬ ‫يتعي على‬
‫لهم أنّه ّ‬ ‫سيرورات دمقرطة مدروسة‪ ،‬وعليه لم تطرح هناك أيضا مطالب‬
‫الدين ّي ة أن يرفض رفضا باتا األفكار احلديثة وأن يلتزم حرف ًي ا‬ ‫تتعلق بتحرير اليهود‪ .‬كانت سيرورت التحديث أبطأ وأقل‬
‫بك ّل تفاصيل احملافظة على الفرائض والتعاليم الدين ّي ة‪ ،‬وأن‬ ‫ثور ّي ة‪ ،‬كما لم تنشأ فيها بنية فكر ّي ة واجتماع ّي ة حلرية فردان ّي ة‬
‫يك ّرس وقته لتعلم التلمود‪ ،‬باإلضافة إلى ارتداء املالبس وفق ما‬ ‫سافرة‪ ،‬كالتي م ّي زت احلداثة في أوروبا‪ .‬بناء على ذلك‪ ،‬لم‬
‫درجت عليه العادة في أوروبا الشرق ّي ة في القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫تظهر في تلك الدول حركات يهود ّي ة تنادي بالتنوير واإلصالح‪،‬‬
‫هكذا‪ ،‬م ّر كثير من املهاجرين اليهود من البلدان اإلسالمية‬ ‫ولم حتدث سيرورة علمنة بالدرجة نف سها‪ .‬إنّ العلمنة التي‬
‫ب سيرورة تذويب وإعادة تثقيف‪ ،‬وحت ّولوا إلى حريدمي بعدما‬ ‫شهدتها‪ ،‬البلدان اإلسالم ّي ة‪ ،‬لم تكن سيرورة علمنة مبدئ ّي ة‬
‫اقتنعوا بأنّ الطريق الصحيحة الوحيدة تتمثل في أن يكونوا‬ ‫ومتش ّددة‪ ،‬كالتي جرت في أوروبا بتأثير من احلركة التنوير ّي ة‪.‬‬
‫يهودا أتقياء يخشون الله‪.‬‬ ‫ب املقابل‪ ،‬لم تشهد يهود ّي ة ما قبل احلداثة في هذه البلدان‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ظ لّ ت النظرة من جانب احلريدمي اإلشكناز إلى‬ ‫أيديولوجي أو بقرطة؛ مبعنى إضفاء الصبغة‬ ‫ّ‬ ‫سيرورة تأطير‬
‫اليهود ال سفرادمي تت سم بعقلية الوصاية واالستعالء‪ ،‬ولم ينل‬ ‫األرثوذك سية املتش ّددة‪.‬‬
‫اإلشكنازي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫احلريدي‬
‫ّ‬ ‫السفرادمي مكانة متساوية في املجتمع‬ ‫بعبارة أخرى‪ ،‬خالفا ملا جرى في أوروبا‪ ،‬لم يكن اليهود في‬
‫على اإلطالق‪ .‬في املقابل‪ ،‬ما زالت احلريد ّي ة ال سفراد ّي ة‪ ،‬حتى‬ ‫البلدان اإلسالمية مطالبني ب سلخ أنف سهم عن الهو ّي ة اليهود ّي ة‬
‫انفتاح ا على‬
‫ً‬ ‫يومنا هذا‪ ،‬أكثر اعتداال من ناحية دين ّي ة‪ ،‬وأكثر‬ ‫املا قبل حداث ّي ة‪ ،‬وبناء مجموعة من الهويات اليهود ّي ة احلديثة‪.‬‬
‫اجلمهور العام‪ ،‬كما أنّها ال ترفض التحديث بنفس احلزم‬ ‫على الرغم من أن هؤالء اليهود دخلوا إلى العصر احلديث‬
‫ومشج ًع ا‬
‫ّ‬ ‫والتش ّدد‪ ،‬وتتبنى في الوقت ذاته موقفا إيجاب ًّي ا‬ ‫ك سائر الناس في العالم‪ ،‬إال أنهم احتفظوا مبفاهيم يهود ّي ة‬
‫‪17‬‬
‫أكثر جتاه القوم ّي ة اليهود ّي ة‪ .‬بعد عقدين من التقزمي والضعف‪،‬‬ ‫تقليد ّي ة‪ ،‬وببنية التفكير وعقلية اجلماعة املا قبل حداث ّي ة‪.‬‬
‫ظهرت في ثمانينيات القرن املاضي حركة «شاس» الدين ّي ة‬ ‫من هنا لم تقم حركات موازية حلركتي «احل سيدمي» و‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬
‫أيديولوجي‪ .‬فالسيطرة على أنماط‬ ‫ّ‬
‫الديمغرافي الحريدي كان هناك ثمن‬ ‫لإلنجاز‬
‫حياة جمهور صغير يضم عشرات اآلالف ليست كالسيطرة على مليون نسمة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الدينية‪ ،‬نجد أن النمو يجلب معه أيضا ضعفا وتراجعا‬ ‫ومثلما مرت سائر الحركات‬
‫ّ‬
‫العقائدي‪ .‬ومن هنا فإن الهوامش الواسعة للتيارات‬ ‫في االنضباط والتجانس‬
‫ً‬
‫تنو ًعا متزايدا في المفاهيم والرؤى‪ ،‬وكذلك عملية اندماج في‬ ‫الحريدية تفرز ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اإلسرائيلي العام‪.‬‬ ‫الجمهور‬

‫للمتديني‬
‫ّ‬ ‫تأسست كحركة اجتماع ّي ة وسياس ّي ة‬
‫الشرقية‪ ،‬والتي ّ‬
‫احلريدمي ال سفرادمي (إضافة إلى أوساط واسعة جدا من اليهود‬
‫التقليد ّي ني) حتت زعامة احلاخام عوفاديا يوسيف (‪– 1920‬‬
‫‪ ،)2013‬وم ّك نتهم‪ ،‬للمرة األولى في تاريخ اليهود ال سفرادمي في‬
‫إسرائيل‪ ،‬من امتالك قوة سياس ّي ة ومكانة مركزية في املجتمع‬
‫اإلسرائيلي‪.‬‬
‫ّ‬

‫رابعا‪ :‬من االنعزالية إلى األسرلة‬


‫عند قيام دولة إسرائيل‪ ،‬لم يكن تعداد املجتمع‬
‫احلريدي فيها يتجاوز بضع عشرات اآلالف‪ .‬وقد أتاحت‬ ‫ّ‬
‫تسوية الستاتسكفو (الوضع القائم)‪ ،‬التي مت التوصل إليها‬
‫تأس س في العام ‪1912‬‬ ‫بني حزب «أغودات ي سرائيل» (الذي ّ‬
‫كحركة سياس ّي ة مناوئة للصهيون ّي ة) وبني الوكالة اليهود ّي ة‬
‫برئاسة دافيد بن غوريون‪ ،‬تعاونًا معتدال مع مؤس سات الدولة‪.‬‬
‫كان قيام الدولة في فترة قريبة جدا من وقوع «احملرقة» الناز ّي ة‬
‫الحاخام شاخ‪ :‬أثر عميق عىل املجتمع الحريدي‪.‬‬ ‫(والتي تعرضت خاللها اليهود ّي ة احلريد ّي ة لضربة قاسية)‪ ،‬قد‬
‫ولّ د نو ًع ا من التعويض جعل ق س ًم ا من احلريدمي يبدون تعاط ًف ا‬
‫الصهيوني‪ ،‬وال سيما جماعة‬‫ّ‬ ‫بهذا القدر أو ذاك مع املشروع‬
‫الليتائي‪.‬‬
‫ّ‬
‫«پوعلي أغودات ي سرائيل»‪ ،‬مع أنها كانت مجموعة هامش ّي ة‬
‫حتى رسوخ مكانة احلاخام شاخ كزعيم ال منازع له بني‬
‫من الناحية ال سياس ّي ة‪ .‬لقد تشكلت احلريد ّي ة اإلسرائيل ّي ة في‬
‫احلريدمي‪ ،‬امتلك األدمورات (جمع أدمور‪-‬وهي اختصار ملصطلح‬
‫قسمها األعظم بتأثير من زعامة احلاخام أبراهام يشعياهو‬
‫«س ّي ُدنا وأستاذنا وإما ُم نا»‪ -‬املترجم) مكانة قياد ّي ة في صفوف‬ ‫كارليتس (توفي في العام ‪ )1953‬والذي ّ‬
‫دش ن طريقة التش ّدد‬
‫احلريدي‪ .‬من بني املذاهب احل سيد ّي ة املركز ّي ة كان هناك‬
‫ّ‬ ‫اجلمهور‬
‫الديني وتبنى موق ًف ا صل ًب ا وصار ًم ا في مواجهة العلمان ّي ة‪.‬‬
‫ّ‬
‫مذهب «سامتر» بجناحيه‪ ،‬والذي اشتهر مبوقفه املتش ّدد املعادي‬
‫وعلى إثر ذلك‪ ،‬سرعان ما وجد احلريدمي أنف سهم في خضم‬
‫للصهيون ّي ة‪ ،‬وهناك خم سة مذاهب ح سيد ّي ة كبيرة ش ّك لت م ًع ا‬
‫صراعات ج ّم ة في شؤون الدين والدولة‪ 16.‬ساهم هذان األمران‬
‫حركة «أغودات ي سرائيل» وهي‪ :‬غور‪ ،‬بعلز‪ ،‬شاندز‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫في زيادة ح ّدة اخلالفات بني احلريدمي واملجتمع العام‪ ،‬والتي‬
‫مذهب فيزنيتس املك ّون من جناحني‪ .‬إلى جانب هذه املذاهب‪،‬‬ ‫‪18‬‬
‫اشتدت وتفاقمت في ظ ّل زعامة احلاخام اليعازر مناحيم شاخ‬
‫نشطت مذاهب ح سيد ّي ة صغيرة (مثل‪ :‬كارلن سبينكا سالونيم‪،‬‬
‫(‪ )2001 – 1899‬الذي اشتهر كواحد من كبار رجاالت العصر‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ً‬
‫خطرا‪ ،‬إذ لم يظهر‬ ‫ّ‬
‫السفرادية تبدو أشد‬ ‫ّ‬
‫الحريدية‬ ‫في المقابل‪ّ ،‬‬
‫فإن أزمة القيادة في‬
‫بديل للحاخام عوفاديا يوسيف منذ وفاته في العام ‪ .2013‬فليس اليوم ثمة وجه‬
‫شبه أو مقارنة بين أي حاخام شرقي وبين الحاخام يوسيف‪ ،‬من حيث سلطته‬
‫ّ‬
‫السفرادية المختلفة لزعامته‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الحريدية‬ ‫ّ‬
‫الدينية‪ ،‬وقدرته على إخضاع التيارات‬

‫مرة بأن احلركة الصهيون ّي ة تتحمل امل سؤولية عن إبادة الشعب‬ ‫وغيرها الكثير من املجموعات الصغيرة)‪ .‬ش ّك ل األدمورات‬
‫اليهودي أكثر من هتلر‪ ،‬بكونها حرفت اليهود عن التم ّس ك‬ ‫ّ‬ ‫سيدي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫القانوني للجمهور احل‬
‫ّ‬ ‫اخلم سة املك ّْونني لألغودا ال ِن صاب‬
‫العلماني‬
‫ّ‬ ‫«اإلنسان‬ ‫أن‬ ‫ا‬‫د‬‫ً‬ ‫معتق‬ ‫‪19‬‬
‫ة)‪،‬‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫الدين‬ ‫والتعاليم‬ ‫بالفرائض‬ ‫غير أن الصعود الكاسح للحاخام شاخ‪ ،‬ق لّ ص‪ ،‬كما أسلفنا‬
‫ضيق األفق‪ ،‬ليس له عالم قادم فح سب‪ ،‬فهذا أمر مفروغ منه‪،‬‬ ‫من سلطة هؤالء األدمورات على باقي احلريدمي‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫بل ليس له أيضا عالم احلاضر‪ ،‬ما يدعو إلى الشفقة»‪.‬‬ ‫كان احلاخام شاخ يتمتع بنفوذ هائل‪ ،‬وكزعيم واحد‬
‫ووف ًق ا للحاخام شاخ‪ ،‬شعب إسرائيل موجود في املنفى حتى‬ ‫ووحيد للجمهور الليتائي‪ ،‬كان لديه تأثير بالغ على مجمل‬
‫دولة إسرائيل‪ ،‬وهي ال تش ّك ل بالن سبة له بي تًا حقيق ًي ا‪ .‬عندما‬ ‫احلريدي في إسرائيل‪ .‬وقد فرض إرادته على اجلمهور‬ ‫ّ‬ ‫املجتمع‬
‫تظاهر احلريدمي في أوائل الت سعينيات ضد حكومة إسحق‬ ‫سيدي‪ ،‬فيما وجد املتدينون ال سفرادمي أنف سهم مرغمني‬ ‫ّ‬ ‫احل‬
‫رابني واتفاقيات أوسلو‪ ،‬حرصت مجلة « ِي ِت د نئمان»‪ ،‬ل سان حال‬ ‫على االنصياع إلمالءاته ب سبب إح ساسهم الدائم بالدون ّي ة (لم‬
‫ملتديني احلريدمي الليتائيم‪ ،‬على التأكيد بأنّ احلديث ال يدور‬‫ّ‬ ‫ا‬ ‫تكن زعامة احلاخام عوفاديا يوسيف قد تبلورت وقتئذ‪ ،‬ولكن‬
‫القومي مع الدولة‪ ،‬وإمنا هي‬‫ّ‬ ‫هنا على معارضة بدافع التماهي‬ ‫ُخف الرضوخ املعتاد من جانب‬ ‫تنف أو ت ِ‬
‫أيض ا لم ِ‬ ‫هذه الزعامة ً‬
‫معارضة تتعلق حتدي ًدا بسلوك وسياسة احلكومة احلالية‪ ،‬وذلك‬ ‫مت اتباع نهج «رأي‬ ‫ال سفرادمي)‪ .‬في ظل زعامة احلاخام شاخ‪ّ ،‬‬
‫انطالقا من وجهة نظر مؤداها أنه ليس من املتوقع أو املمكن‬ ‫التوراة»‪ ،‬املرتكز على فكرة أنّه من واجب كبار علماء التوراة‬
‫أن تتمخض هذه ال سياسة عن أي شيء إيجابي‪ ،‬وهذا ب سبب‬ ‫ال يقتصر على اإلفتاء في شؤون الشريعة الدين ّي ة فقط وإمنا‬
‫طبيعة احلكومة املعادية للدين‪ 21.‬وكان احلاخام اليعازر شاخ قد‬ ‫أيض ا في كل شاردة وواردة تُطرح على ب ساط البحث‪ 17.‬وفي‬ ‫ً‬
‫حرص على التأكيد في ك ّل مناسبة على موقفه الرافض لتجنيد‬ ‫هذا ال سياق‪ ،‬استخدم احلاخام شاخ‪ ،‬بصورة دائمة‪ ،‬ما ي سمى‬
‫اإلسرائيلي أو دمجهم في سوق‬
‫ّ‬ ‫ملتديني احلريدمي في اجليش‬‫ّ‬ ‫ا‬ ‫بـ «أوامر ال سلطة الدين ّي ة العليا» وتطلع إلى احتكار هذا املوقع‬
‫العمل‪ ،‬إذ كان اإلنغالق والتقوقع راسخان في قرارة نف سه‪.‬‬ ‫‪22‬‬
‫الديني‪ .‬في عهده‪ ،‬لعب احلاخام شاخ دو ًرا ناف ًذا في صياغة‬ ‫ّ‬
‫على هذه األرضية‪ ،‬ميكننا أن ندرك إلى أي حد بات الوضع‬ ‫رؤية ااحلريدمي في إسرائيل‪ ،‬وأرسى األساس لألجيال املقبلة‪،‬‬
‫مختلفا حال ًي ا‪ .‬ففي العقود األخيرة‪ ،‬الحظنا اجتاها«صهيون ّي ة‬ ‫ذلك األساس الذي نراه ينهار حال ًي ا‪.‬‬
‫بال صهيون ّي ة»‪ ،‬وفقما وصفه الباحث في شؤون املجتمع‬ ‫لقد أكدت زعامة احلاخام شاخ على الهو ّي ة املعاكسة‬
‫احلريدي بنيامني براون‪ .‬فخالل عمليات «األسرلة» (حسب‬ ‫ّ‬ ‫للحريدمي في إسرائيل‪ .‬كانت رؤيته مناوئة للحداثة‪ ،‬كما‬
‫تعبير كيمي كبلن) التي جتد تعبي ًرا لها في تبني أمناط‬
‫‪23‬‬
‫أنه رفض جميع األطر والنظم األيديولوجية العلمان ّي ة‪ ،‬إبتداء‬
‫حياة متباينة على صعيد الثقافة العامة – من قبيل التطلع‬ ‫من األنسنة وانتهاء بالقوم ّي ة‪ .‬ليست األيديولوجيات احلديثة‪،‬‬
‫اإلسرائيلي‬
‫ّ‬ ‫إلى حتسني مستوى املعيشة واإلعجاب باجليش‬ ‫بح سب شاخ‪ ،‬سوى محاوالت متغطرسة لتغيير العالم بقوى‬
‫والتأكيد على استقاللية الفرد‪ ،‬بل حتى النسو ّي ة – تط ّورت‬ ‫وطاقات بشر ّي ة محدودة‪ ،‬وبالتالي ليس أمام اإلنسان من خيار‬
‫رؤية خاصة جتاه الدولة‪ ،‬قوامها‪ :‬التماهي فعل ًي ا مع الدولة‬ ‫سوى الرضوخ أمام سلطة التجلي اإللهي]؛ أي التوراة‪ ،‬وأن كل‬
‫وصراعاتها وحروبها‪ 24 ،‬مبعنى مشاعر وطن ّي ة – قوم ّي ة‪.‬‬ ‫ما عدا ذلك ما هو إال «عبادة أوثان»‪ 18.‬وقد اشتهر احلاخام‬
‫‪19‬‬
‫احلريدي‪ ،‬إلى‬
‫ّ‬ ‫األيديولوجي الذي أصاب املجتمع‬
‫ّ‬ ‫ويرجع الوهن‬ ‫شاخ مبقوالته ضد «مربي األرانب واخلنازير» قاصدا أعضاء‬
‫الدميغرافي لهذا املجتمع‪ ،‬وأزمة القيادة‬
‫ّ‬ ‫سيرورتني‪ :‬التنامي‬ ‫الكيبوت سات العلمان ّي ة‪ .‬كما أنّه رفض الصهيون ّي ة (أملح ذات‬
‫عدد ‪79‬‬
‫حد ذاتها ضرب من الضعف والوهن‪ .‬فها هي هوامش‬ ‫إن «األسرلة» هي في ّ‬
‫ّ‬
‫اإلسرائيلي‬ ‫ّ‬
‫الحريدي الواسعة‪ ،‬آخذة في االندماج أكثر فأكثر في المجتمع‬ ‫المجتمع‬
‫ّ‬
‫العام‪ ،‬سواء على صعيد اختيار المهنة والدراسة في المؤسسات األكاديمية‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حداثية‪،‬‬ ‫الحريدية‪ ،‬أو من ناحية تبني مفاهيم‬ ‫على صعيد السكن خارج التجمعات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتذويت أنماط تفكير حديثة كاإلنسانية والنسوية‪ ،‬واألهم‪ :‬القومية‪.‬‬

‫يوسيف حاييم كانياف سكي (ولد عام ‪ .)1928‬ولكن في نهاية‬ ‫التي يعاني منها‪.‬‬
‫املطاف رجحت كفة مع سكر األخير على مناف سه‪ ،‬و ّ‬
‫مت االعتراف‬ ‫من ناحية دميغرافية‪ ،‬فإن تعداد احلريدمي في إسرائيل‪،‬‬
‫به ككبير علماء التوارة‪ .‬وقد واصل احلاخام كانياف سكي بدوره‪،‬‬ ‫يصل حاليا إلى قرابة مليون نسمة‪ .‬فمعدالت الوالدة املرتفعة‬
‫األيديولوجي للحريد ّي ة الليتوانية ولم يعمل‬
‫ّ‬ ‫عملية تقليص اإلطار‬ ‫والرفاهية النسب ّي ة التي تتيحها امليزانيات ال سخ ّي ة املمنوحة‬
‫‪25‬‬
‫سوى كزعيم «مق ّدس» مينح البركات والتعاويذ‪.‬‬ ‫لهم من قبل الدولة م ّك نتهم من حتقيق ازدهار غير م سبوق‬
‫في املقابل‪ ،‬فإنّ أزمة القيادة في احلريد ّي ة ال سفراد ّي ة تبدو‬ ‫في حجمه‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬للمرة األولى في التاريخ‬
‫أشد خط ًرا‪ ،‬إذ لم يظهر بديل للحاخام عوفاديا يوسيف منذ‬ ‫اليهودي‪ ،‬هناك «مجتمع دارسني» ح سبما وصفه الباحث‬ ‫ّ‬
‫وفاته في العام ‪ .2013‬فليس اليوم ثمة وجه شبه أو مقارنة بني‬ ‫مناحيم فريدمان؛ أي مجموعة أو جمهور ميكن لنسبة كبيرة‬
‫أي حاخام شرقي وبني احلاخام يوسيف‪ ،‬من حيث سلطته‬ ‫ج ًدا من الذكور فيه أن يكرسوا حياتهم لتعلم التوراة يوم ًي ا‪،‬‬
‫الدين ّي ة‪ ،‬وقدرته على إخضاع التيارات احلريد ّي ة ال سفراد ّي ة‬ ‫الدميغرافي كان هناك ثمن‬
‫ّ‬ ‫وطوال اليوم‪ .‬غير أن لهذا اإلجناز‬
‫املختلفة لزعامته‪ .‬صحيح أن الوهن القيادي لدى اجلمهور‬ ‫أيديولوجي‪ .‬فال سيطرة على أمناط حياة جمهور صغير يضم‬ ‫ّ‬
‫الليتائي ساهم بدوره في تقوية الزعامة احل سيد ّي ة (يتمتع‬ ‫ّ‬ ‫عشرات اآلالف لي ست كال سيطرة على مليون نسمة‪ .‬ومثلما‬
‫األدمور غور حال ًي ا بنفوذ هائل ومن ضمن ذلك ب سبب موفده‬ ‫أيض ا‬‫مرت سائر احلركات الدين ّي ة‪ ،‬جند أن النمو يجلب معه ً‬
‫اإلسرائيلي يعقوب ليت سمان)‪ ،‬ولكن اذا ما تذكرنا‬
‫ّ‬ ‫إلى الكني ست‬ ‫العقائدي‪ .‬ومن هنا‬
‫ّ‬ ‫ضع ًف ا وتراج ًع ا في االنضباط والتجانس‬
‫سيدي ينق سم إلى مذاهب عديدة‪ ،‬ف سوف ندرك‬ ‫ّ‬ ‫بأن اجلمهور احل‬ ‫فإن الهوامش الواسعة للتيارات احلريد ّي ة تفرز تن ّو ًع ا متزاي ًدا في‬
‫احلريدي يبحر اآلن بال قبطان‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أنّ املركب‬ ‫اإلسرائيلي‬
‫ّ‬ ‫املفاهيم والرؤى‪ ،‬وكذلك عملية اندماج في اجلمهور‬
‫احلريدي منكشف اآلن‪ ،‬أكثر من أي وقت مضى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فإن املجتمع‬ ‫العام‪.‬‬
‫على أفكار وآراء غريبة‪ ،‬في واقع بات فيه االتصال باإلنترنت‬ ‫احلريدي‪ ،‬فهي‬
‫ّ‬ ‫أما أزمة القيادة التي يعاني منها املجتمع‬
‫حاجة أساسية بالنسبة للكثير من أماكن العمل التي لم‬ ‫مرتبطة بأولئك الذين جاءوا خل ًف ا للحاخام اليعازر شاخ‪ .‬فمنذ‬
‫تعد تتيح االنفصال عن العالم‪ .‬إذا ما خلصنا مجمل هذه‬ ‫أواخر ت سعينيات القرن املاضي‪ ،‬تربع احلاخام يوسيف شلوم‬
‫األيديولوجي‬
‫ّ‬ ‫العوامل‪ ،‬سوف ندرك فو ًرا أن الضعف والترهل‬ ‫اليشيف على منصب كبير علماء التوارة‪ K‬ثم خلفه في هذا‬
‫أصبحا أم ًرا حتم ًي ا‪.‬‬ ‫املنصب منذ العام ‪ 2012‬احلاخام أهرون يهودا ليف شتامين‪.‬‬
‫إن «األس رلة» هي في ح ّد ذاتها ضرب من الضعف والوهن‪.‬‬ ‫وخالفا للحاخام شاخ‪ ،‬لم يرسم الذين تولوا الزعامة بعده ً‬
‫خط ا‬
‫احلريدي الواسعة‪ ،‬آخذة في االندماج‬
‫ّ‬ ‫فها هي هوامش املجتمع‬ ‫احلريدي)‪ ،‬وإمنا‬
‫ّ‬ ‫نهج ا أيديولوج ًي ا («رؤية» ح سب التعبير‬
‫أو ً‬
‫اإلسرائيلي العام‪ ،‬سواء على صعيد‬
‫ّ‬ ‫أكثر فأكثر في املجتمع‬ ‫إنشغلوا بشكل أساسي في أمور الشريعة الدين ّي ة‪ ،‬وحاولوا‬
‫اختيار املهنة والدراسة في املؤسسات األكادمي ّي ة‪ ،‬أو على‬ ‫احملافظة على «الوضع القائم» من الناحية االجتماع ّي ة‪ .‬بعد‬
‫صعيد ال سكن خارج التجمعات احلريد ّي ة‪ ،‬أو من ناحية تب نّي‬ ‫وفاة احلاخام شتامين في العام ‪ ،2017‬نشأ وضع غير مألوف‬
‫احلريدي ير ّك ز أكثر على‬
‫ّ‬ ‫مفاهيم حداث ّي ة‪ .‬كذلك‪ ،‬أصبح املجتمع‬ ‫عمل مبوجبه ولفترة طويلة حاخامان أكبران بالتوازي‪ :‬احلاخام‬ ‫‪20‬‬

‫استقاللية الفرد‪ ،‬إذ جنده يذ ّوت أمناط تفكير حديثة كاإلن سان ّي ة‬ ‫يرحمئيل غرشون أدلشتاين (ولد عام ‪ )1923‬واحلاخام شمرياهو‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السياسي على الحريديم‪ ،‬على الفرضية القائلة بأنه‬ ‫يستند األمل الذي يعلقه اليسار‬
‫ّ‬
‫أيديولوجي متماسك في المسائل المتصلة بمكانة‬ ‫ّ‬
‫المتدينين موقف‬ ‫ليس لدى‬
‫المناطق المحتلة (الضفة الغربية وقطاع غزة)‪ ،‬معارض لالنسحاب‪ ،‬وعليه فإن أي‬
‫يسارية تسعى إلى تسوية تتضمن مثل هذا االنسحاب‪ ،‬لن تشكل رادعا‬ ‫ّ‬ ‫حكومة‬
‫لهم‪ ،‬وهو تقدير محق في واقع األمر‪.‬‬

‫اليهودي‬
‫ّ‬ ‫احلديث بني الدين والدولة‪ ،‬وتبني رؤية أن الشعب‬ ‫والنسو ّي ة‪ ،‬واأله ّم‪ :‬القوم ّي ة‪.‬‬
‫هو شعب كباقي الشعوب‪ .‬تتح ّول احلريد ّي ة من هوية متباينة‬ ‫ال تقتصر القوم ّي ة على مذهب ح سيدوت «حباد» واحلريد ّي ة‬
‫اإلسرائيلي‪ .‬يتح ّول احلريدمي‬
‫ّ‬ ‫لليهودي‬
‫ّ‬ ‫ومتمايزة إلى هوية أخرى‬ ‫ال سفراد ّي ة اللتني ازداد انخراطهما في اللعبة ال سياس ّي ة‪ ،‬في‬
‫إلى إسرائيل ّي ني حريدمي‪.‬‬ ‫أيض ا مالحظة صحوة قوم ّي ة في‬ ‫العقدين األخيرين‪ ،‬إذ ميكن لنا ً‬
‫وال ب ّد من تأكيد ما يلي‪ :‬احلديث ال يدور فقط على‬ ‫صفوف مذاهب ح سيد ّي ة صغيرة‪ ،‬وهامش ّي ة‪ ،‬وكذلك في صفوف‬
‫أيض ا‪ .‬فعندما يصبح احلريدمي‬ ‫اعتدال‪ ،‬وإمنا على علمنة ً‬ ‫احلريدي املعتدل بصورة عامة‪ 26.‬ومن ناحية سياس ّي ة‬
‫ّ‬ ‫املجتمع‬
‫قوم ّي ني ال يتبنون عندها آراء غير حريد ّي ة إلى حد ما فقط‪،‬‬ ‫مييني‪ ،‬وتأييد ملواقف اليمني‬
‫ّ‬ ‫فإنّ احلديث يدور هنا على انزياح‬
‫وإن ا ي ستبدلون هويتهم‪ .‬إنّهم بذلك يتراجعون عن املقاطعة‬ ‫ّ‬ ‫سياسي في إسرائيل‪ ،‬وهذه ظاهرة جلية للغاية‪ ،‬حتى أن‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫احلاسمة ألسس وعناصر احلداثة‪ ،‬ويخ لّ ون بواجب االنعزال وبناء‬ ‫الباحث بار أون خلص إلى تقدير قال فيه‪« :‬لن يكون هناك ما‬
‫األسوار‪ ،‬ويف ّك كون هويتهم الشاملة ويبلورون هو ّي ة إندماجية‬ ‫يدعو إلى االستغراب إذا ما أصبحت أكثرية احلريدمي قوم ّي ة‬
‫مت سقة‪ .‬هذا الدمج هو في ح ّد ذاته نتاج لتذويت احلالة احلداث ّي ة‬ ‫متح ّمسة ومخلصة للدولة وقضاياها»‪ 27.‬وبالفعل فقد دلّ ت نتائج‬
‫وتعزيز لها‪ .‬احلريد ّي ة هي ظاهرة حديثة منذ بدايتها‪ .‬غير أن‬ ‫استطالع للرأي أجراه حاييم دانينو حل ساب برنامج «ممثلو‬
‫عيني‬
‫ّ‬ ‫التف سيرات احلريد ّي ة العين ّي ة للحداثة‪ ،‬واحلريد ّي ة كر ّد فعل‬ ‫اجلمهور» في اجلامعة العبر ّي ة في القدس على أن ‪ %43‬من‬
‫على حتديات العصر احلديث‪ ،‬آخذة بالتغيير اآلن في إسرائيل‪.‬‬ ‫احلريدمي في إسرائيل يع ّرفون أنف سهم كيمين ّي ني و‪ %27‬كـمرك ز‪،‬‬
‫تشهد احلريد ّي ة عملية تفكك وإنهيار‪ ،‬ويتحول خاللها احلريدمي‬ ‫‪28‬‬
‫سياسي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ٪14‬ي سار‪ ،‬فيما قال ‪ %14‬إنّه ليس لديهم أي توجه‬
‫إلى إسرائيل ّي ني حريدمي‪.‬‬ ‫احلريدي نحو تبني القوم ّي ة كمك ّون‬‫ّ‬ ‫إ ًذا‪ ،‬يتجه املجتمع‬
‫ال يشمل هذا االجتاه جميع احلريدمي‪ ،‬إذ إنه يثير بذاته‬ ‫مركزي في هويته‪ .‬وإذا ما صحت وجهة النظر ال سالفة فيما‬
‫احلريدي‪ .‬يشكل «اجلناح‬ ‫ّ‬ ‫ردود فعل حادة في صفوف املجتمع‬ ‫يتعلق باحلريد ّي ة‪ ،‬فإنّ ذلك سيش ّك ل تغيي ًرا جوهر ًي ا للهو ّي ة‬
‫األورشاليمي»‪ ،‬الذي يض ّم تلك األقلية الليتائ ّي ة التي تب نّت‬
‫ّ‬ ‫احلريد ّي ة‪ ،‬ذلك ألنّها لم تعد تعارض القوم ّي ة في نطاق رفضها‬
‫مواقف متطرفة ال تعرف امل ساومة‪ ،‬النموذج األبرز ملجموعة‬ ‫للحداثة‪ .‬كما أنها ال ترى نف سها كجماعة منعزلة في «منفى»‬
‫احلريدي نحو تبني الهو ّي ة اإلسرائيل ّي ة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أفزعها حت ّرك املركز‬ ‫داخل الدولة‪ ،‬وإمنا كجزء من اجلماعة القوم ّي ة اإلسرائيل ّي ة‪.‬‬
‫فتراجعت إلى موقف الدفاع‪ ،‬وراحت تتم سك بقوة أشد بالهو ّي ة‬ ‫خالصة احلديث إنّ احلريد ّي ة كفت عن كونها هو ّي ة شاملة‬
‫احلريد ّي ة الكل ّي ة واملتمايزة‪ .‬ولكن ميكن االفتراض بأنّ الق سم‬ ‫وحصر ّي ة‪ ،‬وإمنا هو ّي ة ت ستوعب وتتضمن عناصر من اخلارج‪.‬‬
‫احلريدي‪ ،‬سيصبح‪ ،‬في غضون أعوام‬ ‫ّ‬ ‫األكبر من املجتمع‬ ‫االنتقال من هو ّي ة متمايزة؛ أي من حريدمي‪ ،‬إلى هو ّي ة‬
‫قليلة‪ ،‬مجتمعا قوم ّي ا في هويته‪ ،‬وميين ًي ا في رؤيته ال سياس ّي ة‪.‬‬ ‫تكتلية مختلطة؛ أي إسرائيل ّي ني حريدمي‪ ،‬هو مبثابة النسخة‬
‫للمتديني‪-‬القوم ّي ني‪ .‬وإذا كان‬
‫ّ‬ ‫اليهود ّي ة األرثوذك س ّي ة املوازية‬
‫ّ‬
‫اإلسرائيلي؟‬ ‫خامسا‪ :‬لماذا يؤيد الحريديم اليمين‬
‫ً‬ ‫احلاخام شاخ قد أصاب حينما أ ّك د على أنّ الصهيون ّي ة تخدم‬
‫‪21‬‬ ‫«األسرلة» احلريد ّي ة هي‪ ،‬كما أسلفنا‪ ،‬حركة ميين ّي ة في‬ ‫فكرة «بيت إسرائيل ككل األغيار»‪ ،‬فإنّ تبني الفكرة القوم ّي ة‬
‫سياسي في‬
‫ّ‬ ‫اخلريطة ال سياس ّي ة اإلسرائيل ّي ة‪ .‬وخالفا للوضع ال‬ ‫الصهيون ّي ة يش ّك ل خطوة على طريق قبول احلريدمي للفصل‬
‫عدد ‪79‬‬
‫الي ساريني الذين هم شيء دنس أصال» معلال ذلك بقوله إنّ‬ ‫إسرائيل‪ ،‬لغاية ما قبل قرابة عقد من الزمن‪ ،‬لم يعد مبقدور‬
‫«الي ساريني يجاهرون عل نًا بكفرهم بالله وبكل شيء»‪ ،‬بينما‬ ‫اإلسرائيلي االفتراض بأنّ األحزاب الدين ّي ة احلريد ّي ة هي‬
‫ّ‬ ‫الي سار‬
‫أعضاء أحزاب اليمني «يتجاوزون الدين كأفراد لكنهم في العلن‬ ‫بيضة القبان بينه وبني أحزاب اليمني‪ ،‬وأنّها «متوجة امللوك» التي‬
‫‪31‬‬
‫يحترمون ويجلون الدين»‪.‬‬ ‫يجب تلبية مطالبها كي توافق على االنضمام ألي مع سكر‪.‬‬
‫الفظ في‬‫من الواضح أن احلاخام شاخ يتعمد التعميم ّ‬ ‫غير أنه ينبغي القول إن هذه الفرضية كانت مجرد أوهام منذ‬
‫هذه االقتباسات‪ ،‬غير أن أقواله تشير إلى التوجه العام‬ ‫األساس‪ .‬حتى عندما رفض احلريدمي القوم ّي ة اإلسرائيل ّي ة‬
‫العاملي انبثق بوحي من‬ ‫ّ‬ ‫املشار إليه آنفا وهو‪ :‬أن الي سار‬ ‫كأيديولوجية غريبة‪ ،‬كانوا يتح ّف ظون من الي سار‪ ،‬وذلك ل سبب‬
‫احلركة التنوير ّي ة‪ ،‬التي انحرفت نحو اجتاهات مناوئة للدين‬ ‫يبش ر‬‫ب سيط‪ ،‬وهو أنّ هذا الي سار‪ ،‬شأنه شأن الي سار الع املي‪ّ ،‬‬
‫اإلسرائيلي هو‪ ،‬من وجهة نظر احلاخام‬
‫ّ‬ ‫والتقاليد‪ .‬فـ «اليمني»‬ ‫احلداثة واألنسنة والليبرال ّي ة‪ ،‬والتق ّدم‪ ،‬إضافة إلى القيم واملثل‬
‫شاخ‪ ،‬الطرف احملافظ أكثر‪ ،‬وبالتالي فهو املتد ّي ن أكثر‪ .‬وكما‬ ‫املناهضة للدين والتقاليد على حد سواء‪ .‬فالي سار‪ ،‬في جوهره‬
‫أ ّك د شاخ فقد «كان هناك دائ ًم ا ضالون ولكن ذلك كان على‬ ‫علماني بصورة مبدئية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫على األقل‪.‬‬
‫الشخصي وليس كنهج»؛‪ 32‬ما يعني ح سب رأيه أن‬ ‫ّ‬ ‫امل ستوى‬ ‫سياسي على احلريدمي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وي ستند األمل الذي يع لّ قه الي سار ال‬
‫أعضاء أحزاب الي سار واليمني على حد سواء‪ ،‬ال يلتزمون‬ ‫أيديولوجي‬
‫ّ‬ ‫ملتديني موقف‬
‫ّ‬ ‫على الفرضية القائلة بأنه ليس لدى ا‬
‫بتحرمي تناول اللحوم واحلليب ومشتقاته في آن واحد‪ ،‬ال بل‬ ‫متماسك في املسائل املتصلة مبكانة املناطق احملتلة (الضفة‬
‫إن هذا األمر يشكل بالنسبة لـ «الي سار» شأنا أيديولوجيا‪،‬‬ ‫الغربية وقطاع غزة)‪ ،‬معارض لالن سحاب‪ ،‬وعليه فإن أي حكومة‬
‫ح سب اعتقاد احلاخام شاخ‪.‬‬ ‫يسار ّي ة تسعى إلى تسوية تتضمن مثل هذا االنسحاب‪ ،‬لن‬
‫الطبيعي»‬
‫ّ‬ ‫وهكذا جند أنّ األحزاب احلريد ّي ة هي «الشريك‬ ‫تشكل رادعا لهم‪ ،‬وهو تقدير محق في واقع األمر‪ .‬ففي العام‬
‫العلماني‪ ،‬ليس ب سبب موقفها جتاه‬ ‫ّ‬ ‫ألحزاب الليكود واليمني‬ ‫‪ 1978‬وفي رسالة وجهها إلى رئيس الوزراء في ذلك الوقت‪،‬‬
‫«أرض إسرائيل»‪ ،‬وإمنا نظ ًرا للموقف الودي املشترك جتاه‬ ‫مناحيم بيغن (الذي أجرت حكومته مفاوضات مع مصر‬
‫التقاليد (وكذلك اليوم بحكم امليول املناهضة لليبرال ّي ة الفظة)‪.‬‬ ‫للتوصل إلى إتفاقية سالم)‪ ،‬أ ّك د احلاخام شاخ قائال بأنه «لي ست‬
‫وال يدور احلديث هنا على خالف بني «حمائم» في مواجهة‬ ‫هناك حاجة أو ضرورة ألخذ امل ستوطنات بعني االعتبار» وأنه و‬
‫«صقور»‪ ،‬وإمنا هو خالف بني محافظني في مواجهة تقدم ّي ني‪.‬‬ ‫«وفقا للشريعة الدين ّي ة‪ ،‬ليس هناك أي مانع للتنازل عن جزء من‬
‫خل ص األمر عضو الكني ست مردخاي جفني بقوله في‬ ‫لقد ّ‬ ‫أرض إسرائيل من أجل ال سالم»‪ 29.‬كذلك فقد عارض احلاخام‬
‫آب ‪ ،2019‬عشية االنتخابات اإلسرائيل ّي ة العامة‪« :‬نحن ذاهبون‬ ‫شاخ قانون ضم هضبة اجلوالن‪ ،‬بل وأكد على أنه ال يجوز‬
‫التقليدي موجود في صفوفه‪ ...‬نحن‬ ‫ّ‬ ‫مع اليمني‪ ،‬ألن اجلمهور‬ ‫سن «قانون أساس‪ :‬القدس عاصمة إسرائيل» في العام ‪.1980‬‬
‫التقليدي في دولة إسرائيل»‪ .‬هذه‬
‫‪33‬‬
‫ّ‬ ‫جزء ال يتجزأ من اجلمهور‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬فقد حرص احلاخام شاخ على التأكيد مرا ًرا‬
‫التصريحات في حد ذاتها؛ أي في ما يتعلق منها مبوقع‬ ‫اإلسرائيلي‪ .‬ففي العام ‪1990‬‬
‫ّ‬ ‫وتكرا ًرا على حتفظه جتاه الي سار‬
‫التقليدي في دولة‬
‫ّ‬ ‫املتديني احلريدمي كجزء من «اجلمهور‬ ‫ّ‬ ‫اإلسرائيلي‬
‫ّ‬ ‫على سبيل املثال قال أنه ثمة في صفوف «الي سار»‬
‫إسرائيل»‪ ،‬تؤكد مجددا على عملية «األسرلة» التي جتتاح‬ ‫«كارهون للتوراة وكارهون للفرائض والتعاليم الدين ّي ة» وأنّ‬
‫احلريدي والتي أخذت تغير بصورة‬ ‫ّ‬ ‫حاليا صفوف املجتمع‬ ‫الليكود هو حزب «أصحاب اإلميان ال ساذج»‪ 30.‬وفي العام‬
‫عميقة طابع هذا املجتمع‪.‬‬ ‫‪ ،1992‬أفتى احلاخام شاخ بأنه «ال يجوز إطال ًق ا التحالف مع‬

‫‪22‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫الهوامش‬
‫‪https://news.walla.co.il/item/3166932‬‬ ‫انظر مثالً‪Samuel C. Heilman and Menachem Friedman, :‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪“Religious Fundamentalism and Religious Jews: The Case‬‬
‫‪ 15‬بنيامني بار أون‪ ،‬نحو دمقرطة بالقيادة الحريديّة؟ عقيدة‬ ‫‪of the Haredim”, in M.E. Marty & R.S. Appleby (eds.),‬‬
‫رأي التوراة يف منعطف القرنني العرشين والواحد والعرشين‪،‬‬ ‫‪Fundamentalism Observed, (The Fundamentalism Project,‬‬
‫(القدس‪ :‬املعهد اإلرسائييلّ للديمقراطيّة‪ ،2011 ،‬ص ‪.76‬‬ ‫‪The University of Chicago Press, 1991), pp. 197-264.‬‬

‫‪ 16‬أنظروا بنيامني براون‪« ،‬اليهوديّة الحريديّة والدولة»‪ ،‬لدى‪ :‬يديديا‬ ‫أنا مدين بالفكرة حول الحريديم كهويّة كاملة إىل لورا باتنيتسكي‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Leora Batnitzky, How Judaism Became a Religion,‬‬
‫ص‪ .‬شترين‪ ،‬بنيامني براون‪ ،‬كاملان نيومان‪ ،‬جدعون كاتس‪ ،‬نري‬
‫كيدار‪ ،‬عندما تلتقي اليهوديّة بالدولة‪( ،‬تل أبيب‪ :‬يديعوت سفريم‪،‬‬ ‫‪ ..2011 (Princeton: Princeton University press),‬حول‬
‫واملعهد اإلرسائييلّ للديمقراطية‪ ،)2015 ،‬ص ‪.98‬‬ ‫الخصائص الحديثة للحريديم‪ ،‬أنظر دراسة رائعة ومعمقة لـ‪:‬‬
‫ديفيد سوروتسكني‪ ،‬األرثوذكسية ونظام الحداثة‪ :‬إنتاج التقليد‬
‫‪ 17‬بنيامني براون‪ ،‬نحو الدمقرطة يف القيادة الحريديّة؟ عقيدة رأي‬ ‫ّ‬
‫اليهودي يف أوروبا الحديثة‪( ،‬تل أبيب‪ :‬كيبوتس همىؤحاد‪.)2011 ،‬‬
‫التوراة يف منعطف القرن العرشين والواحد والعرشين‪( ،‬القدس‪:‬‬ ‫ماعوز كاهانا ‪ ،‬الرشيعة والفكر الديني يف ظل تحديات الزمن‪،‬‬
‫املعهد اإلرسائييلّ للديمقراطية‪.)2011 ،‬‬ ‫(القدس‪ :‬مركز زملان شازار‪.)2015 ،‬‬
‫‪ 18‬بنيامني براون‪ ،2015 ،‬ص ‪.218-217‬‬ ‫‪ 3‬مقتبس عند ميخائيل ك‪ .‬سيليفر‪« ،‬بداية نمو األودثوذكسيّة املتطرّفة‪:‬‬
‫‪« 19‬قتل هتلر ستة ماليني يهوديّ يف الهولوكوست‪ ،‬وهنا يف «أرض‬ ‫اخرتاع التقاليد»‪ .‬لدى‪ :‬يوسف شلمون‪ ،‬أفيعزر رفيتسكي‪ ،‬وآدم‬
‫إرسائيل»‪ ،‬تم جمع اليهود من جميع أنحاء العالم وإخراجهم من‬ ‫فرزيجر‪ ،‬أوثوذكسيّة يهوديّة‪ ،‬جوانب جديدة‪ .‬القدس‪ :‬ماجنس‪،‬‬
‫دينهم من خالل حرمانهم من التعليم اليهوديّ ‪ .‬من قتل ودمر‬ ‫‪ ،)2005‬ص ‪ ،297-344‬االقتباس من صفحة ‪.318‬‬
‫شعب إرسائيل؟ «‪ -‬نقال عن‪ /‬مُقتبس من أفيشاي بن حاييم‪ ،‬رجل‬ ‫‪ 4‬ك ن سوفري‪ ،‬لندن‪ ،1962 ،‬رسالة سا‪ ،‬مقتبس عند سليفر‪،2005 ،‬‬
‫ّ‬
‫الحريدي بحسب الحاخام شاخ‪( ،‬القدس‪ :‬دار‬ ‫ذو رؤية‪ :‬الفكر‬ ‫ص ‪.317‬‬
‫موزايكا للنرش‪ ،)2004 ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ 5‬أسئلة وأجوبة الحاخام سوفري طريقة حياة‪ ،‬رمز ط‪ ،‬مقتبس عند‬
‫‪ 20‬بن حاييم‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫سليفر‪ ،2005 ،‬ص ‪.316‬‬
‫‪ 21‬بن حاييم‪ ،‬ص ‪.227 - 226‬‬ ‫‪ 6‬سوروتسكي ‪ ،2011‬صفحة ‪.289‬‬
‫‪ 22‬بن حاييم‪ ،‬ص ‪.227 - 226‬‬ ‫‪ 7‬انظروا نقاش كهانا حول األهمية املتعاظمة لالختيار الشخيصّ يف‬
‫ّ‬
‫الحريدي‪( ،‬القدس‪ :‬مركز زملان‬ ‫‪ 23‬كيمي كابالن‪ ،‬يف رس الخطاب‬ ‫أوساط الجاليات التي تحرّكت صوب الحريديّة يف القرن التاسع‬
‫شازار‪ 5767 ،‬حسب التقويم العربي)‪.‬‬ ‫عرش‪ ،‬كهانا‪ ،2015 ،‬تحديدًا ص ‪424-427‬‬
‫‪ 24‬بنيامني براون‪ ،2015 ،‬ص ‪.113‬‬ ‫‪ 8‬سوروتسكني ‪ ،2011‬ص ‪.347‬‬
‫‪ 25‬تلقت مكانته رضبة يف بداية أزمة كورونا‪ ،‬فأمر بمواصلة الدراسة يف‬ ‫‪ 9‬موشيه سوفري‪ ،‬كتاب وصايا موىس‪( ،‬القدس‪ :‬مطبعة تسوكرمان‪،‬‬
‫املعاهد الدينيّة رغم حظر وزارة الصحة‪ ،‬األمر الذي ساهم يف ارتفاع‬ ‫‪ ،)1923‬ص ‪.3‬‬
‫معدالت اإلصابة والوفيات لكبار السن من الحريديم أعىل من املتوسط‬ ‫‪ 10‬ميخائيل ك‪ .‬سيليفر‪« ،‬بداية نمو األرثوذكسيّة املتطرّفة‪ :‬اخرتاع‬
‫الوطني‪.‬‬ ‫التقاليد»‪ .‬لدى‪ :‬يوسف شلمون‪ ،‬أفيعزر رفيتسكي‪ ،‬وآدم فرزيجر‪،‬‬
‫‪ 26‬ا بنيامني براون‪ ،2015 ،‬ص ‪.124‬‬ ‫أرثوذكسيّة يهوديّة‪ ،‬جوانب جديدة‪ .‬القدس‪ :‬ماجنس‪،)2005 ،‬‬
‫‪ 27‬بنيامني براون‪ ،2015 ،‬ص ‪.263‬‬ ‫ص ‪ ،297-344‬االقتباس من ص ‪.332‬‬
‫‪ 28‬بنينا بويفر‪« ،‬الصهيونيّة الحريديّة ‪ -‬عرص جديد؟»‪ ،‬موقع كيكار‬ ‫ّ‬
‫العربي‪( ،‬القدس‪ :‬مطبعة تسوكرمان‪،‬‬ ‫‪ 11‬عكيفا يوسف شلزينغر‪ ،‬قلب‬
‫هشبات (ميدان السبت)‪https://www.kikar.co.il/ ،2016/6/2 ،‬‬ ‫‪ ،)1924‬ص ‪ ،39‬التشديد يف األصل‪.‬‬
‫‪abroad/200598.html.‬‬
‫‪ 12‬انظروا بوعز‪ ،‬هوطرر‪ ،‬كتاب «بيت يوسف جديد» املنهج‬
‫‪ 29‬رسالة من الحاخام شاخ إىل رئيس الوزراء مناحيم بيغن‪،‬‬ ‫الرشيعي للحاخام عكيفا يوسف شلزينغر‪ ،‬حول «الجدد»‬
‫‪ُ ،1978/4/18‬نرشت عىل موقع كيكار هشبات‪ ،‬يرسائيل كوهني ‪،‬‬ ‫وأسسه الفكريّة‪ ،‬أطروحة إنهاء يف دراسة التاريخ اليهوديّ ‪ ،‬تورو‬
‫«كشف جافني عن رسالة من الحاخام شاخ إىل بيغن‪ »:‬يجوز إخالء‬ ‫كولج‪2006 ،‬‬
‫املستوطنات» ‪https://www.kikar.co.il/241841. ،2017/8/8 ،‬‬
‫‪ 13‬يعكوف كاتس‪ ،‬الخروج من الغيتو‪( ،‬ترجمة دافيد زينغر)‪( ،‬تل‬
‫‪html.‬‬
‫أبيب‪ :‬عام عوفد‪ ،)1985 ،‬ص ‪.157‬‬
‫انظروا أيضاً بن حاييم‪ ،2004 ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ 14‬الحاخام ابراهام اسحق كوك‪« ،‬آفاق يف النقب»‪ ،‬هبيلس د‪،)1903( ،‬‬
‫‪ 30‬مُقتبس يف براون‪ ،2015 ،‬ص ‪.226‬‬ ‫صفحة ‪ .79‬مقتبس عند رفيتسكي‪ ،1997 ،‬صفحة ‪ .142‬هذا‬
‫‪ 31‬مُقتبس يف بن حاييم‪ ،2004 ،‬ص ‪.133‬‬ ‫املوقف مقبول يف أوساط الحريديّة املتطرّفة‪ .‬هكذا مثال‪ ،‬الشخصية‬
‫‪ 32‬بن حاييم‪ ،2004 ،‬ص ‪.133‬‬ ‫األورشاليمي»‪ ،‬الحاخام تسفي فريدمان‪ ،‬قرر قبل‬
‫ّ‬ ‫املهمة يف «الجناح‬
‫العلماني‬
‫ّ‬ ‫ع ّدة سنوات أ ّنه «يحب تعليم األوالد منذ اللحظة األوىل ّ‬
‫أن‬
‫‪ 33‬شرييت أفيتان كوهني‪« ،‬نحن ذاهبون مع اليمني»‪ ،‬مكور ريشون ‪،‬‬
‫مثل األغيار»‪ -‬يكي أدمكار‪« ،‬وريث الحاخام أويرباخ‪ :‬العلماني هو‬
‫‪.19/8/30‬‬
‫كاألغيار‪ ،‬من األفضل لو لم تقم إرسائيل»‪ ،‬موقع واال ‪.19.6.18‬‬
‫‪23‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫محور العدد‪ :‬المجتمع الحريدي والدولة في إسرائيل‬
‫**‬
‫لي كهنر* ويوسف شلهاب‬

‫تطور ّ‬
‫حيز الحريديم في إسرائيل‬

‫إسرائيل‪ ،‬وأمناط استيطانهم‪ ،‬وتفحص التطورات التدريجية‬ ‫يع ُّد انعزال ال سكان احلريدمي في إسرائيل مم ّي ز ًا في قوته‬
‫والتغيرات في املفاهيم االستيطانية التي أدت إلى صورة‬ ‫وحجمه وفي طبيعته وفي العمليات التي مي ّر بها‪ .‬تنضم‬
‫االستيطان لدى احلريدمي كما هي عليه اليوم‪.‬‬ ‫املميزات الدينية ‪ -‬الثقافية‪ ،‬والدميغرافية‪ ،‬واالجتماعية ‪-‬‬
‫الثقافية لل سكان احلريدمي سوية إلى التنظيم احليزي املتم ّي ز‪،‬‬
‫مقدمة‬ ‫سواء على صعيد املرك ّب ات والعمليات الداخلية‪ ،‬أو فيما يخص‬
‫معاملة البيئة اإلسرائيلية له‪ .‬مي ّر ال سكان احلريدمي بألوانهم‬
‫يتطلب األمر في م ستهل البحث في احليز اجلغرافي‬
‫املختلفة بتغيرات اجتماعية وتغيرات في نسب الزيادة الطبيعية‬
‫للحريدمي تعريف احلريد ّي ة‪ ،‬وهو تعريف مر ّك ب وليس قاط ًع ا‬
‫العالية‪ ،‬وهي تغيرات تش ّك ل صورة جديدة خلارطة تركيز‬
‫ال لبس فيه‪ ،‬ألن مجتمع احلريدمي ذو هوامش واسعة‪.‬‬
‫احلريدمي وحتديد مواقعهم في احليز اإلسرائيلي‪.‬‬
‫يتميز جوهر الدينية احلريد ّي ة بااللتزام بالشريعة اليهودية‬
‫تستعرض هذه الدراسة انتشار السكان احلريدمي في‬
‫مع االلتزام العميق بالتقاليد واألعراف الدينية التي تطورت‬
‫لدى اجلاليات في شرق أوروبا‪ ،‬وبالنزعة إلى تفضيل قرارات‬ ‫* رئيسة قسم الدراسات متعددة املجاالت يف كلية أورنيم‪ ،‬متخصصة يف‬ ‫‪24‬‬
‫الجغرافيا اإلنسانية‪.‬‬
‫احلكم املتش ّددة في أدبيات الشريعة (شلهاب وفريدمان‪،‬‬
‫** محارض يف مجال الجغرافيا االجتماعية والسياسية يف جامعة بار إيالن‬

‫عدد ‪79‬‬
‫ال يوجد لدى اليهودية الشرقية التزام باألعراف والتقاليد شرق ‪-‬األوروبية وال تتوفر‬
‫في الروح الدينية اليهودية الشرقية األصيلة عالقات وتأثيرات الصدمة التاريخية‬
‫المتعلقة بالتعامل مع العصرنة والعلمنة واإلصالح التي عاشتها اليهودية‬
‫األشكنازية‪ .‬وربما بسبب ذلك‪ ،‬طبيعتها معتدلة أكثر‪ .‬وجزء من مميزات الحريدية‬
‫الشرقية اإلسرائيلية اليوم هو تقليد أو محاكاة للحريدية االشكنازية‪.‬‬

‫وبطبيعة احلال ال يوجد لدى اليهودية الشرقية التزام‬ ‫‪1985‬؛ فريدمان‪ .)1991 ،‬ويتجلى هذا التعريف في ترجمته‬
‫باألعراف والتقاليد شرق ‪-‬األوروبية وال تتوفر في الروح‬ ‫إلى أمناط وأساليب احلياة اليومية في حتديد مكانة العائلة‬
‫الدينية اليهودية الشرقية األصيلة عالقات وتأثيرات الصدمة‬ ‫ومكانة الفرد في اجلالية‪ ،‬وفي العالقة بالعمل والتعليم‪ ،‬وفي‬
‫التاريخية املتعلقة بالتعامل مع العصرنة والعلمنة واإلصالح‬ ‫العالقة مع اآلخر ومدى الت سامح جتاهه‪ ،‬وفي اختيار مكان‬
‫التي عاشتها اليهودية األشكنازية‪ .‬ورمبا بسبب ذلك‪،‬‬ ‫ال سكن‪ ،‬وما شابه ذلك من سلوكيات يوم ّي ة‪ ،‬يتجلى ق سم‬
‫طبيعتها معتدلة أكثر‪ .‬وجزء من مميزات احلريدية الشرقية‬ ‫أيض ا في مظاهر خارجية بارزة‪ ،‬مثل اللباس واملظهر‬ ‫منها ً‬
‫اإلسرائيلية اليوم هو تقليد أو محاكاة للحريدية االشكنازية‪،‬‬ ‫اخلارجي‪ .‬ونظ ًرا لعدم وجود تسجيل وتوثيق إحصائي‬
‫وقد ت سللت هذه املميزات إلى داخل الفراغ الذي تركته سياسة‬ ‫رسمي بخصوص االنتماء لل سكان احلريدمي‪ ،‬فإننا ن ستخدم‬
‫استيعاب املهاجرين الشرقيني في سنوات اخلمسينيات‬ ‫االستطالعات والدراسات واملؤشرات اخلاصة لتحديد هوية‬
‫وال ستينيات والتي حط ّم ت ثقافتهم التقليدية األصلية‪.‬‬ ‫مثل من يشهد على نف سه بأنه ي ستجيب في‬ ‫احلريدمي‪ً ،‬‬
‫يثير عدم توفر املعطيات الرسم ّي ة حول ال سكان احلريدمي‪،‬‬ ‫حياته اليومية‪ ،‬وبشكل كامل‪ ،‬لتعليمات احلاخامني‪ ،‬وأن‬
‫كما ذكر‪ ،‬صعوبة في حتديد النطاق اجلغرافي اخلاص‬ ‫طعامه يقتصر على «الكاشير» حسب هيئات احلريدمي‬
‫باحلريدمي وتقدير عددهم في إسرائيل‪ .‬وجرى خالل سنوات‬ ‫(وليس الكاشير لدى احلاخامية العليا)‪ ،‬وأن أوالده يتعلمون‬
‫الثمانينيات تعريف عدة مؤشرات لتحديد هوية جماعات‬ ‫في مؤس سات تعليمية حريد ّي ة‪ ،‬ويص ّرح بأنه ال ميتلك جهاز‬
‫احلريدمي وحتديد أماكنهم‪ ،‬ومن ضمنها ميكن تعداد ما يلي‪:‬‬ ‫تلفزيون في بيته‪.‬‬
‫أمناط التصويت في االنتخابات؛ توزيع الطالب وانتشارهم‬ ‫ومن املهم أن نذكر أن درجة االلتزام بكل هذه القواعد لي ست‬
‫في مؤس سات تعليم احلريدمي؛ اخلدمات اجلماهيرية ذات‬ ‫متجان سة ومن نوع واحد في جميع األطر احلريدية‪ ،‬ف املجتمع‬
‫الصلة؛ إغالق الشوارع أمام املواصالت يوم ال سبت؛ وحتديد‬ ‫احلريدي ليس مجتم ًع ا متجان ًس ا وهو منق سم إلى جماعات‬
‫ّ‬
‫املزج بني احلريدمي (شلهاب وفريدمان ‪.)1985‬‬ ‫فرعية كثيرة متثل ألوانًا اجتماعية وأيديولوجية مختلفة‪ ،‬حيث‬
‫وقد أجريت خالل العقدين األخيرين عدة أبحاث في محاولة‬ ‫التق سيم األساسي هو بني احل سيدمي والليتوانيني (ن سبة إلى‬
‫لتحديد نطاق ال سكان احلريدمي (بيرمان وكلينوڤ‪1998 ،‬؛‬ ‫ليتوانيا) وال سفاردمي (نسبة إلى إسبانيا) (املترجم)‪ .‬ويرجع‬
‫دهان‪1998 ،‬؛ دجاني‪2000،‬؛ چوربيتس وكوهني ‪ -‬كاسترو‪،‬‬ ‫مصدر التق سيم بني احل سيدمي والليتوانيني إلى تطور العالم‬
‫‪2004‬؛جوتليف‪ .)2007 ،‬وأدى تقاطع املعطيات مع املعطيات‬ ‫اليهودي في شرق أوروبا خالل القرن الثامن عشر (تصادوق‪،‬‬
‫األخرى التي جمعت ح سب املؤشرات التي جرى تعريفها هنا‪،‬‬ ‫‪1990‬؛ فريدمان‪،‬؛‪ 1991‬كتسوبر ‪ .)1999‬التيار احلريدي ‪-‬‬
‫إلى املعطيات التي يتطرق إليها هذا البحث‪ ،‬والتي حتدد أن‬ ‫ال سفاردي (احلريدمي الشرقيني) مصدره في بالد الشرق‬
‫عدد احلريدمي في إسرائيل يبلغ اليوم حوالي ‪ 700000‬ن سمة‬ ‫وشمال أفريقيا‪ ،‬وهناك تطورت اليهودية الشرقية وكانت في‬
‫(حوالى ‪ %9‬من مجمل عدد ال سكان في إسرائيل‪ ،‬و‪%12‬‬ ‫األساس دينية ‪ -‬تقليدية‪ ،‬وهو بذلك تيار مختلف في جوانب‬
‫‪25‬‬
‫من مجمل عدد ال سكان اليهود)‪ .‬ويقدر عدد املنازل األسر ّي ة‬ ‫عديدة عن اليهودية احلريدية التي تكونت في أشكناز(غرب‬
‫في املجتمع احلريدي بأكثر من ‪ ،120000‬وتبلغ نسبة الزيادة‬ ‫أوروبا املترجم) (دشان‪.)1994،‬‬
‫عدد ‪79‬‬
‫انتشار السكان الحريديم هو قطري‪ ،‬من الجليل حتى النقب‪.‬ولكن من ناحية انتشار‬
‫الطالب في مؤسسات الحريديم‪ ،‬فيبدو أن المركزين الكبيرين هما في القدس‬
‫وبني براك‪ .‬يشمل هذان المركزان ‪ %90‬من التالميذ في التعليم الحريدي‪ ،‬وهما‬
‫ً‬
‫تقريبا‪.‬‬ ‫متساويان‪ ،‬من حيث الوزن‪،‬‬

‫خارطة انتشار ال سكان احلريدمي في إسرائيل‬ ‫الطبيعية السنوية لدى احلريدمي حوالى ‪ ،%6‬ويرتفع وزنها‬
‫النسبي في صفوف سكان الدولة بصورة م ستمرة‪.‬‬

‫انتشار السكان الحريديم‬


‫انتشار ال سكان احلريدمي هو قطري‪ ،‬من اجلليل حتى‬
‫النقب (كاهان وزيسمان‪2005 ،‬؛ ايزيك‪ .)2006‬ولكن من ناحية‬
‫انتشار الطالب في مؤس سات احلريدمي‪ ،‬فيبدو أن املركزين‬
‫الكبيرين هما في القدس وبني براك‪ .‬يشمل هذان املركزان‬
‫‪ %90‬من التالميذ في التعليم احلريدي‪ ،‬وهما مت ساويان‪ ،‬من‬
‫حيث الوزن‪ ،‬تقري ًب ا؛ (‪ %45‬في القدس و‪ %45‬في بني براك)‪.‬‬
‫العشرة باملائة املتبقون موزعون على أنحاء البالد‪.‬‬
‫وتظهر معطيات رسم اخلرائط الشامل أن اجلزء الرئي سي‬
‫من ال سكان احلريدمي (حوالى ‪ )%87‬يتركز في مركز البالد‪،‬‬
‫وحوالى ‪ %90‬من هؤالء يقيمون في القدس‪ ،‬بني براك‪،‬‬
‫أشدود‪ ،‬موديعني عيليت‪ ،‬بتار عيليت‪ ،‬رمات بيت شيمش‬
‫وإلعاد‪ ،‬وينضم إلى هذه البلدات أماكن أخرى‪ ،‬مثل بيتح‬
‫تكفا‪ ،‬كريات يعرمي (طلز‪-‬ستون)‪ ،‬نتانيا‪ ،‬عمانوئيل وغيرها‪.‬‬
‫أوجد بروز البلدات األولى احل ّي ز الذي ميكن ت سميته» املثلث‬
‫(املصدر‪ :‬كهنر‪ :‬رساله دكتوراه‪ ،‬لم تنرش بعد)‬ ‫احلريدي»‪ ،‬ورأس هذا املثلث هو املراكز احلريدية الكبيرة في‬
‫يعرض النموذج احليزي النتشار ال سكان احلريدمي ثالثة‬ ‫القدس وبني براك وأشدود‪.‬‬
‫مبان بارزة ومختلفة‪ :‬املركزان القدميان الكبيران في القدس‬ ‫ٍ‬ ‫ويتركز في احمليط الشمالي حوالى ‪ %7‬من مجمل‬
‫وبني براك؛ املراكز احلريدية في مدن مختلطة‪ ،‬فيها نسب‬ ‫ال سكان احلريدمي ويشمل املراكز التالية‪ :‬حتصور اجلليلية‪،‬‬
‫مختلفة من حيث احلجم بني السكان العلمانيني‪ ،‬املتدينيني‬ ‫صفد‪ ،‬طبريا‪ ،‬ريخ سيم‪ ،‬مجدال هعيمق‪ ،‬زخرون يعقوب‪،‬‬
‫كضواح للمراكز‬
‫ٍ‬ ‫واحلريدمي؛ ومدن احلريدمي اجلديدة التي تتطور‬ ‫يبنيئيل‪ ،‬حيفا‪ ،‬كريات آتا وكرميئيل‪ .‬ويتركز في احمليط‬
‫القدمية الكبيرة‪.‬‬ ‫اجلنوبي (باستثناء أشدود) حوالى ‪ %6‬من إجمالي ال سكان‬
‫سنتناول املركزين الكبيرين‪ ،‬في القدس وبني براك‪،‬‬ ‫احلريدمي‪ ،‬ويشمل البلدات التالية‪ :‬تفراح‪ ،‬أوفاكيم‪ ،‬نتيڤوت‪،‬‬
‫كمعطيات أولية‪ :‬فهما املركزان الكبيران واألقدمان ويضمان‬ ‫عراد‪ ،‬كريات جات‪ ،‬قوميميوت‪ ،‬كريات مالخي‪ ،‬يروحام‪ ،‬بئر‬
‫اجلزء األكبر من ال سكان احلريدمي ومؤس ساتهم املختلفة‪ ،‬وهما‬ ‫ال سبع وغيرها‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫احملركان للعمليات التي تص ّم م انتشار احلريدمي‪ .‬وبتعبير آخ ر‪،‬‬


‫عدد ‪79‬‬
‫احلريدمي‪ ..‬بحث دائم عن ح ّيز خارج دائرة التأثيرات‪.‬‬

‫انتشار السكان احلريدمي بإقامة مدن احلريدمي اجلديدة‬ ‫الهرمي للحريدمي في‬
‫ّ‬ ‫فإن القدس وبني براك هما رأسا ال سلم‬
‫(غونني‪ ،1995‬شلهاب ‪ ،1993‬شلهاب ‪ .)1997‬وكانت بداية‬ ‫إسرائيل‪ .‬مراكز احلريدمي في املدن اإلسرائيلية األخرى‪ ،‬ومثلها‬
‫املرحلة في مطلع سنوات الت سعينيات (ولكن سبق ذلك محاولة‬ ‫ضواحي احلريدمي اجلديدة‪ ،‬هي في األساس حصيلة القيود‬
‫غير ناجحة في عقد سنوات الثمانينيات)‪ ،‬حني اقيمت بيتار‬ ‫احليز ّي ة واالقتصادية على النمو والتوسع في املركزين القدميني‪.‬‬
‫عيليت وبعدها موديعني عيليت‪ ،‬إلعاد‪ ،‬ورمات بيت شيمش‪،‬‬ ‫أدت عوامل الضغط الدميغرافي والطبيعة السكانية وضعف‬
‫التي تشكل جز ًءا من مدينة تطوير قدمية‪ ،‬ولم يجر التخطيط‬ ‫قدرة األسر املعيشية اخلاصة بالتنافس على احليز السكني‬
‫لها منذ البداية لتكون بلدة للحريدمي‪ ،‬وهي شبيهة ج ًدا مبدن‬ ‫في ال سوق احلرة إلى اخلروج من املراكز الكبيرة إلى بلدات‬
‫احلريدمي اجلديدة‪ .‬إقامة هذه املدن اجلديدة وتطويرها ‪ -‬وهي‬ ‫احمليط‪ ،‬عل ًم ا بأن تعريف «احمليط» في ال سياق احلريدي يتغ ّي ر‬
‫تؤدي دور الضواحي احلريدية ‪ -‬له هدفان‪ :‬الغرض منه‪ ،‬في نظر‬ ‫مع الوقت وف ًق ا لظروف الفترة واملجتمع في الوقت نف سه‪ .‬وهكذا‬
‫احلريدمي‪ ،‬هو تزويد م ساكن رخيصة ألولئك الذين ال ي ستطيعون‬ ‫فقد كانت َم وجة اخلروج األولى‪ ،‬قبل نحو أربعة عقود‪ ،‬إلى املدن‬
‫احلصول على م ساكن في املراكز القدمية‪ ،‬ومتكينهم بذلك من‬ ‫الصغيرة التي كانت في ال سابق قرى ‪ -‬مثل ريشون لت سيون‪،‬‬
‫محمي» من الناحية االجتماعية‬
‫ّ‬ ‫العيش داخل «ح ّي ز حريدي‬ ‫املديني وجت ّذر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اتس ع طابعها‬‫رحوبوت وبيتح تكفا‪ .‬وحني ّ‬
‫والثقافية‪ ،‬ولكن التطوير املديني من هذا النوع ليس مجرد‬ ‫وارتفعت أسعار املباني ال سكنية فيها وف ًق ا لذلك‪ ،‬لم تعد هذه‬
‫عملية طبيعية غير منظمة‪ ،‬إذ تتدخل فيه سياسات التخطيط‪.‬‬ ‫مت توجيه هذه الهجرة‬ ‫املدن تشكل هد ًف ا لهجرة احلريدمي‪ ،‬و ّ‬
‫تربط هذه العملية وهذه ال سياسيات ما بني الطلبات الشديدة‬ ‫إلى بلدات التطوير‪ .‬ومن حتصور اجلليلية وصفد (التي تقيم‬
‫للحيز ال سكني عند ال سكان احلريدمي واإلسكان في مشاريع‬ ‫فيها جماعات حريدية قدمية) في الشمال وحتى يروحام في‬
‫استيطانية سابقة وأكثر اتسا ًع ا‪ .‬استند اإلسكان والتطوير في‬ ‫اجلنوب ال توجد بلدة تطوير ال ت سكنها جماعة حريدية‪ ،‬ولكن‬
‫مدن احلريدمي اجلديدة في مراحل التأسيس إلى بنية حتتية‬ ‫اجلماعات احلريدية ازدهرت في مدن قليلة فقط‪ :‬مدينة أشدود‬
‫أساسية ضعيفة على صعيد اخلدمات احمللية‪ ،‬وكانت تبعيتها‬ ‫تشذ عن القاعدة في درجة منو احليز احلريدي في داخلها‪.‬‬
‫للمراكز القدمية كبيرة‪.‬‬ ‫وظلت أحياء ومباني سكن احلريدمي في غالبية مدن التطوير‬
‫‪27‬‬ ‫ومع مرور الوقت‪ ،‬ارتفع م ستوى البنية املدينية ومركباتها‬ ‫صغيرة وغير متطورة (شلهاب‪.)1993 ،‬‬
‫املختلفة‪ ،‬ومنا عدد سكان هذه املدن وتضخم‪ ،‬وأصبحوا أكثر‬ ‫ومتثلت املرحلة األخيرة واجلديدة (حتى اليوم) في تطور‬
‫عدد ‪79‬‬
‫تتطور في ترتيبات التعارف بين الجنسين‪ ،‬وهي ليست عفوية بل منظمة حسب‬
‫ً‬
‫قواعد ثابتة‪ ،‬أيضا تقاليد وأعراف صارمة بخصوص مصادر الدعم االقتصادي لألزواج‬
‫الشابة؛ ففي مجتمع تعتبر فيه الدراسة في المدرسة الدينية الشغل األساسي‬
‫للشباب‪ ،‬ال يستطيع العريس المستقبلي إعالة أسرة‪ ،‬وبالتأكيد ال تتوفر لديه الموارد‬
‫االقتصادية لتمويل الشقة وشراء األثاث‪.‬‬

‫كي ي ستولي سكان حريدمي آخرون على مكانهم‪ ،‬وي ستمر هذا‬ ‫تركي ًب ا‪ ،‬وتطورت في صفوفهم نخبة بيروقراطية وسياسية‬
‫احلي نف سه‪ .‬ميكن‬
‫ّ‬ ‫األمر حتى سيطرة احلريدمي الكاملة على‬ ‫مقابل منو نخبة كهذه في مجتمع احلريدمي بشكل عام‪.‬‬
‫أن يحدث دخول ال سكان احلريدمي في أعقاب إقامة مدرسة‬ ‫وفي حني كانت هذه املدن في البداية تشكل خيا ًرا ال بديل‬
‫دينية أو مؤس سة توراتية مشابهة في مبنى ّ‬
‫مت إخالؤه أو مبنى‬ ‫له بالنسبة للحريدمي‪ ،‬فقد أصبحت اليوم ‪ -‬وعلى األقل ق سم‬
‫ق ّل استخدامه موجود في منطقة غير تابعة للحريدمي‪ ،‬أو في‬ ‫ً‬
‫مفضل‪.‬‬ ‫منها ‪ -‬هد ًف ا‬
‫أعقاب استيالء جماعة من احل سيدمي أو محفل آخر‪ ،‬بشكل‬
‫منظم‪ ،‬على عدد من املباني (شلهاب وفريدمان‪ ،1985،‬چونني‬ ‫آليات تطور االنتشار ّ‬
‫الحيزي‬
‫‪ ،1995‬كهنر‪ ،2005،‬چونني‪.)2007‬‬
‫تطور احليز احلريدي وتوسع بواسطة آليتني تتغ ّي ر‬
‫اآللية الثانية لتصميم احل ّي ز احلريدي وتطويره هي البناء‬
‫أهميتهما ووزنهما حسب الزمان واملكان‪ ،‬مع أنه جرى‬
‫املخصص للحريدمي‪ ،‬وبخالف اآللية األولى‪ ،‬فإن هذه اآللية‬
‫استخدامهما بالتوازي خالل فترة طويلة‪ .‬اآللية األولى ت سمى‬
‫لي ست قوة بلدية غير منظ ّم ة‪ ،‬بل نتاج مبادرة ‪ -‬سواء مبادرة‬
‫«الت سلل والوراثة» (‪ ،)invasion and succession‬وهي عملية‬
‫قادة جمهور محليني أو عاملني محترفني أو سلطات حاكمة‪.‬‬
‫معروفة جرى بحثها كثير ًا‪ ،‬حيث تتسلل جماعة اجتماعية‬
‫مبان سكنية وأحياء منفصلة للحريدمي‪،‬‬ ‫البداية هي بناء ٍ‬ ‫معينة إلى داخل احليز ال سكني اخلاص بجماعة أخرى‪ ،‬وتنتشر‬
‫وأوجها هو بناء مدن احلريدمي اجلديدة‪ .‬وعلى ما يبدو‪ ،‬ال‬ ‫وتتوسع في هذا احليز‪ ،‬وتضغط وتدفع اجلماعة األصلية وحت ّل‬
‫يوجد في إسرائيل قطاع سكاني يتمتع باستجابة عامة‬ ‫محلها‪ .‬وكما هو معروف في مدن أميركية وأوروبية كثيرة‪ ،‬فإن‬
‫الحتياجاته السكنية مثل قطاع احلريدمي‪ .‬وما مييز البناء‬ ‫أيض ا يوسعون انتشارهم بواسطة الت سلل‬ ‫ال سكان احلريدمي ً‬
‫املخصص للحريدمي هو كونه مرحلة انتقالية تظهر اعترا ًف ا‬ ‫والوراثة‪ ،‬ولكن احلالة عند احلريدمي تختلف عن النموذج‬
‫بتمايز احلريدمي وشرعية هذا التمايز ‪ -‬التمايز احليزي على‬ ‫األميركي في نقطتني مهمتني‪ :‬األولى ‪ -‬ت سلل احلريدمي إلى‬
‫األقل ‪ -‬وذلك بخالف مفاهيم بوتقة (فرن) االنصهار التي سادت‬ ‫حي أو منطقة سكنية يتم تنفيذه فقط حني تتنشأ في املكان‬
‫في ال سنوات األولى لقيام الدولة‪ .‬وال شأن لنا هنا لنفحص‬ ‫النزعة ملغادرته‪ .‬ال يبادر احلريدمي أو يضعون خطة ترك ال سكان‬
‫هل هذا االعتراف ناجم عن فهم للتعددية الثقافية وانفتاح‬ ‫السابقني لهم‪ ،‬ولكنهم يعرفون كيف يستغلون املغادرة القائمة‬
‫ال سلطات املختلفة‪ ،‬أو أنه ال يوجد هنا سوى إرضاء لقطاع‬ ‫حي‬‫أو املتطورة‪ .‬النقطة الثانية ‪ -‬تسلل السكان احلريدمي إلى ّ‬
‫من ال سكان يزداد وزنه الدميغرافي واالنتخابي وال سياسي‪.‬‬ ‫ما ال يرافقه هبوط في أسعار املباني ال سكنية‪ ،‬وفي بعض‬
‫اآلليتان املذكورتان‪ ،‬على أي حال‪ ،‬تصممان خارطة ال سكان‬ ‫األحيان العكس هو الصحيح ‪ -‬فأسعار الشقق في املناطق‬
‫احلريدمي في إسرائيل‪.‬‬ ‫التي ي سكنها احلريدمي متيل إلى االرتفاع‪.‬‬
‫ويجب أن نتذكر أمام هاتني اآلليتني اللتني توسعان‬ ‫تقوم خالل عملية ت سلل احلريدمي نواة طليعية منهم انتقلت‬ ‫‪28‬‬
‫املناطق السكنية اخلاصة بالسكان احلريدمي‪ ،‬أن احتياجات‬ ‫احلي‬
‫في حي معني بتشجيع ال سكان احملليني على ترك ّ‬ ‫لل سكن ّ‬
‫عدد ‪79‬‬
‫وسواء أكان الحيز الحريدي يشكل ً‬
‫جزء ا من النسيج المديني العام أم كان هذا‬
‫الحيز بلدة مستقلة للحريديم‪ ،‬فهناك تقارب وجوار مع البنى التحتية والخدمات‬
‫التي توفرها المدينة التي يتركز فيها الحريديم أو المدينة القريبة‪ .‬قسم غير قليل‬
‫من تجارة الحريديم والخدمات التي يستهلكونها هي خاصة بهم‪ ،‬ولذلك يفضل‬
‫ً‬
‫السكان الحريديم نظام تزويد مستقال‪.‬‬

‫ويقع عبء ترتيب امل سكن ‪ -‬ترتيب في اللغة الدارجة لدى‬ ‫اإلسكان لدى هؤالء ال سكان غير عادية من حيث حجمها‬
‫احلريدمي ‪ -‬وإعالة األسرة الشابة في السنوات األولى‪ ،‬على‬ ‫ووتيرة تطورها؛ إذ تبلغ ن سبة الزيادة ال سنوية لدى ال سكان‬
‫أيض ا في معظم‬ ‫األقل‪ ،‬بعد الزواج‪ ،‬على كاهِ ل الوالدين‪ ،‬وهم ً‬ ‫احلريدمي‪( %6‬مقابل‪ %1.4‬عند مجمل ال سكان في إسرائيل)‪،‬‬
‫األحيان‪ ،‬يفتقرون إلى املال العائلي الذي ميكنهم من حتمل‬ ‫ويبلغ معدل اإلجناب عند املرأة في مجتمع احلريدمي ‪7.7‬‬
‫هذا العبء‪ ،‬وذلك لكون توراتهم هي إميانهم ً‬
‫أيض ا‪ ،‬وحني يبادر‬ ‫(مقابل ‪ 2.6‬طفل في املعدل اإلسرائيلي العام)‪ ،‬وسن الزواج‬
‫إلى التعارف بني شاب وفتاة طرف خارجي (الوالدان‪ ،‬أبناء‬ ‫املبكر ‪ -‬خاصة لدى البنات ‪ -‬والضغط االجتماعي من أجل‬
‫العائلة‪ ،‬احلاخامون‪ ،‬األصدقاء املتزوجون وغيرهم)‪ ،‬وعندما‬ ‫إجناب الطفل األول في ال سنة األولى من الزواج‪ ،‬جتعل الفترة‬
‫يكون التعارف غير عفوي‪ ،‬تتطور «قواعد ال سوق» اخلاصة‬ ‫العمرية الفاصلة بني جيل الوالدين وجيل األبناء قصيرة ج ًدا‪.‬‬
‫بقيم الزواج للتوافق بني الزوجني احملتملني‪ .‬القيمة األكثر‬ ‫ُأ َس ر احلريدمي التي ال تزال شابة وبدون أساس اقتصادي‬
‫أهمية اخلاصة بالشاب هي التلميذ الذكي أو املتفوق‪.‬‬ ‫وطيد مضطرة لالهتمام بتوفير امل سكن ألبنائها املتزوجني‪.‬‬
‫كل أب يرغب أن تتزوج ابنته شا ًب ا متفو ًق ا في التوراة‪ ،‬وكل‬ ‫ويعزز الطابع االجتماعي ‪ -‬الثقافي لدى احلريدمي النزعة‬
‫أب م ستعد أن يدفع الكثير ج ًدا كي «يفوز» بعريس كهذا‪.‬‬ ‫الطبيعية إلى التكتل والتجمع في أماكن ال سكن‪ ،‬وهذا بدوره‬
‫وبطبيعة احلال‪ ،‬فإن عدد املتفوقني قليل ووف ًق ا لقواعد الطلب‬ ‫يزيد القيود على مدى حرية اختيار امل سكن لدى األزواج الشابة‪،‬‬
‫والعرض فإن «اسعارهم» عالية ج ًدا‪ .‬وميكن أن يضع طالب‬ ‫أصل ألسباب اقتصادية‪ ،‬وهذا يلقي‬ ‫ً‬ ‫مقلص ة‬
‫ّ‬ ‫وهذه احلرية‬
‫شرط ا مسب ًق ا ويطلب «الترتيب الكامل» (ويعني‬ ‫ً‬ ‫ذكي كهذا‬ ‫م سؤولية أكبر على عاتق اجلماعة‪.‬‬
‫ذلك أن الشقة وكل تكاليف معيشة العائلة يقدمها والدا الفتاة)‬ ‫ال يخضع موضوع الزواج لدى احلريدمي‪ ،‬الذي يشكل‬
‫وذلك قبل أن يوافق على االلتقاء مع العروس املنتظرة‪ .‬وعليه‬ ‫أساس وجود العائلة التي تعتبر احلجر األساس لبقاء‬
‫فإن إمكانيات والدي العروس االقتصادية هي قيمة مهمة‬ ‫اجلماعة احلريدية وتطورها وازدهارها‪ ،‬لعمليات عفوية من‬
‫بالنسبة لزواج الفتاه احلريدية‪ ،‬وذلك إضافة إلى مؤهالتها‬ ‫قبل جيل الشاب‪ .‬ونظ ًرا ألهمية هذا املوضوع‪ ،‬فهو يخضع‬
‫وجمالها‪ .‬ويبدأ موسم التوسط لزواج البنات في وقت دراستهن‬ ‫لألشراف الكامل للتوسط املُمأسس من أجل الزواج ولقواعد‬
‫مواز للمدرسة‬‫في ال سيمينار ‪ -‬دار متعلمات ‪( -‬وهو معهد ٍ‬ ‫سلوكية تشكل جز ًءا من آداب املجتمع احلريدي‪ ،‬رغم أنها‬
‫الثانوية العامة في إسرائيل) وهذا األمر يولّ د احل سد والتوتر‬ ‫ليست «شريعة»‪ .‬تتطور في ترتيبات التعارف بني اجلنسني‪،‬‬
‫على خلفية املقارنة بني العرسان املنتظرين‪ .‬في احلاالت‬ ‫وهي لي ست عفوية بل منظمة ح سب قواعد ثابتة‪ً ،‬‬
‫أيض ا‬
‫العادية غير املتطرفة‪ ،‬وهي الق سم األكبر من حاالت التوسط‬ ‫تقاليد وأعراف صارمة بخصوص مصادر الدعم االقتصادي‬
‫للزواج‪ ،‬يق ّس م الترتيب االقتصادي ‪ -‬نصف ترتيب ‪ -‬بني عائلة‬ ‫لألزواج الشابة؛ ففي مجتمع تعتبر فيه الدراسة في املدرسة‬
‫العريس وعائلة العروس‪ .‬وحتى في هذا الوضع ً‬
‫أيض ا‪ ،‬يكون‬ ‫الدينية الشغل األساسي للشباب ‪ -‬توراتهم هي إميانهم ‪ -‬ال‬
‫ثقيل ج ًدا وال يحتمل بالن سبة ملعظم‬‫العبء املرتبط بزواج األبناء ً‬ ‫ي ستطيع العريس امل ستقبلي إعالة أسرة‪ ،‬وبالتأكيد ال تتوفر‬
‫‪29‬‬ ‫اآلباء واألمهات الذي يرعون عائالت كثيره األوالد‪ .‬ومع كل ذلك‪،‬‬ ‫لديه ‪ -‬ولدى والديه في معظم األحيان ‪ -‬املوارد االقتصادية‬
‫فهذه هي التقاليد املطبقة بشكل كامل‪ ،‬ومن واجب املجتمع‬ ‫لتمويل الشقة وشراء األثاث‪.‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وحيدا ‪ -‬على التأثير‬ ‫يشكل ازدهار مدن الحريديم الجديدة مثال ‪ -‬وهو ليس‬
‫المتبادل بين االلتزامات واالضطرارات الحيزية ‪ -‬االقتصادية والمواقف السياسية‬
‫واأليديولوجية‪ .‬المدينتان الكبيرتان الجديدتان المخصصتان للحريديم ‪ -‬بيتار‬
‫عيليت وموديعين عيليت ‪ -‬قائمتان خارج حدود ما يسمى «الخط األخضر»‪.‬‬

‫طابع مديني مع كل ما ينطوي على ذلك‪ ،‬من ناحية م ستوى‬ ‫احلريدي حل جميع املشاكل الناجمة عنها (فريدمان‪،1997‬‬
‫معيشة ال سكان وجودة حياتهم‪ .‬لم يعد االكتظاظ ال سكاني‬ ‫زيلبرشالچ ‪ ،1998‬هوروڤيتس‪.)2006‬‬
‫اإلقليمي اخلاص باملدينة ضرور ًي ا إلحراز كل امتيازاتها‬ ‫يدور املؤثرون املركزيون في اختيار منطقة ال سكن حول‬
‫التقليدية‪ .‬ومبا أن التطور تقني فإن ال سكان احلريدمي ال‬ ‫محور العائلة ‪ -‬اجلماعة‪ ،‬ومقاييس اختيار مكان السكن‬
‫يخشون هذا التطور‪ .‬يتطلب هذا القول التفسير‪ :‬تعتبر‬ ‫في املجتمع احلريدي هو القرب من بني براك والقدس أو‬
‫الروح الدينية لدى احلريدمي العصرنة أساس ومصدر العلمنة‬ ‫مكان إقامة الوالدين‪ ،‬سعر الشقة وإمكانيات التمويل (قرض‬
‫والتخلي عن الدين ولذلك تعارضها بشدة‪ ،‬ولكن رفض الروح‬ ‫اإلسكان والهبات واجلماعة التي تشكل عامل جذب حاسم‪،‬‬
‫الدينية عند احلريدمي للعصرنة هو رفض مم ّي ز؛ فهي ترفض‬ ‫خاصة حني يدور احلديث عن جماعة منظمة من طائفة‬
‫عالم القيم والثقافة العصرية ولكنها مستعدة لتقبل اجلانب‬ ‫احل سيدمي نف سها أو عن بلورة مجموعة من خريجي مدرسة‬
‫املتعلق باألدوات واآلالت العصرية‪ُ .‬ي عتبر هذا اجلانب حياد ًي ا‬ ‫دينية معينة حول كنيس ومؤسسات تعليمية خاصة تناسب‬
‫من ناحية القيم ولذلك فهو ليس خطي ًرا‪ .‬ولذلك فإن مجتمع‬ ‫العائلة)‪ .‬وقد أضافت احللول املتعددة التي سنفصلها الح ًق ا‬
‫احلريدمي مستعد الستخدام واستعمال تكنولوجيات مختلفة‬ ‫مقياس ا جدي ًدا يشبه الضغط االجتماعي على النحو التالي‪»،‬‬
‫ً‬
‫ومتنوعة شريطة ّال تستخدم كعوامل نقل ملضامني ثقافية‪.‬‬ ‫ك لّ هم يتوجهون اليوم إلى‪ »...‬وما شابه ذلك (زيلبرشالچ‪،1998 ،‬‬
‫ت س ّه ل املواصالت واالتصاالت على مجتمع احلريدمي الصعوبات‬ ‫ايزيك ‪2005/11/8‬؛ كرويزر ‪2006/5/22‬؛ يوسكوڤيتس‬
‫املتعلقة باحل ّي ز ومتكنه من اقتحام إطار احل ّي ز املكتظ املق ّي د‬ ‫‪.)2006/3/12‬‬
‫وإقامة مراكز حريدمي بأحجام مختلفة في أماكن بعيدة عن‬ ‫وسواء أكان احليز احلريدي يشكل جز ًءا من الن سيج املديني‬
‫املراكز التقليدية الكبيرة‪ ،‬القدس وبني براك (شلهاب‪.)1991،‬‬ ‫العام أم كان هذا احليز بلدة م ستقلة للحريدمي‪ ،‬فهناك تقارب‬
‫خلقت مرحلة الهجرة إلى بلدات التطوير القائمة في‬ ‫وجوار مع البنى التحتية واخلدمات التي توفرها املدينة التي‬
‫غالبيتها الساحقة في مناطق احمليط مصاعب جديدة ووجهات‬ ‫يتركز فيها احلريدمي أو املدينة القريبة‪ .‬ق سم غير قليل من‬
‫نظر جديدة في التعامل مع مواقع مراكز احلريدمي‪.‬‬ ‫جتارة احلريدمي واخلدمات التي يستهلكونها هي خاصة بهم‬
‫وتعتبر الضواحي الشمالية منطقة أكثر خضرة‪ ،‬ومناخها‬ ‫من حيث طبيعتها‪ ،‬ومطالبها بأن تكون « كاشير»‪ ،‬ولذلك‬
‫أفضل وأكثر ات سا ًع ا وجودة احلياة فيها أح سن‪ .‬ولكن غالبية‬ ‫يفضل ال سكان احلريدمي نظام تزويد م ستق ًال‪ ،‬سواء أكان ذلك‬
‫البلدات في هذه الضواحي ال ت ستطيع «التحليق» رغم أنها‬ ‫يتم مباشرة عن طريق ال سكان احملليني أنف سهم أم باالعتماد‬
‫تعتبر أقرب إلى املركز‪ .‬صفد وطبريا‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬ال‬ ‫على املراكز الكبيرة القدمية‪.‬‬
‫تكبران وال تت سعان ألن جمهور احلريدمي يعتبرهما بلدات‬
‫شرقية وروحانية أكثر من الالزم (براسليڤ وحباد هما‬ ‫المجتمع‪ ،‬التكنولوجيا واالنتشار‪:‬‬
‫اجلماعتان األكبر في هاتني املدينتني) (اريئيلي ‪27.6.2006‬؛‬
‫العالقات المتبادلة‬
‫ايزيك ‪.)8.11.2005‬‬
‫مك نّت تطورات املواصالت واالتصاالت البلدات الصغيرة‬ ‫‪30‬‬
‫ويعاني احلريدمي في الضواحي اجلنوبية من «وصمة‬
‫الواقعة خارج التواصل املديني الكبير من التطور كبلدات ذات‬
‫النقب»‪ ،‬مثل بقية ال سكان في إسرائيل‪ .‬فهي تعتبر شرقية‬
‫عدد ‪79‬‬
‫يمكن أن نرى حسب المعطيات التي ُجمعت أنه من مجموع كل البلدات التي فيها‬
‫تركيز للحريديم خارج القدس‪ ،‬بني براك وأشدود (وهي رؤوس»المثلث الحريدي»)‬
‫هناك حوالى ‪ ٪50‬من السكان الحريديم (أي حوالى ‪ 125,000‬نسمة) يسكنون في‬
‫مدن الحريديم الجديدة؛ بيتار عيليت‪ ،‬موديعين عيليت‪ ،‬العاد ورمات بيت شيمش‪،‬‬
‫وذلك رغم كونها مرحلة االستيطان األحدث واألكثر خصوصية‪.‬‬

‫«اخلط األخضر» (رومت ‪2003‬؛ روبنشطاين ‪2006/6/20‬؛‬ ‫(جمهور شرقي كبير)‪ ،‬وذات طقس صعب‪ ،‬إضافة إلى كونها‬
‫شرچاي‪ .)2007،‬عارضت قيادة احلاخامني احلريدمي خالل‬ ‫منطقة بعيدة‪ .‬يتكون ق سم كبير من اجلمهور احلريدي‬
‫سنوات طويلة االستيطان خارج حدود اخلط األخضر‪ ،‬وذلك‬ ‫في الضواحي اجلنوبية من «التائبني العائدين إلى الدين»‬
‫كي تتجنب «التحرش باألغيار»‪ ،‬وقادت خط ًا سياس ًي ا بدا‬ ‫ومكانتهم في ال سلم الهرمي في صفوف احلريدمي متدنية‪،‬‬
‫معتدل و»حمائم ًي ا» في املواضيع التي كانت وال تزال في‬ ‫ً‬ ‫ومع ذلك فهناك انطباع بأن الضواحي احلريدية في اجلنوب‬
‫بؤرة التوترات ال سياسية في إسرائيل‪ .‬وقد رافق تأسيس‬ ‫أكثر مت س ًك ا بالتوراة وليتوانية (نسبة إلى ليتوانيا ومدارسها‬
‫بيتار عيليت تخبطات وترددات‪ ،‬إن لم نقل اعتراضات‪ ،‬من‬ ‫الدينية األكثر عن ًف ا وتشد ًدا في الدراسة) وأكثر احترا ًف ا‪،‬‬
‫قبل األوساط وال ساحات املركز ّي ة في قيادة احلريدمي‪ ،‬ولكن‬ ‫حيث تأس ست هذه اجلماعات حول مدارس دينية ليتوانية‬
‫الصعوبات االقتصادية ع تّمت وغطت على املبادئ‪ ،‬وكانت‬ ‫معتبرة (ربينوڤتش ‪2006/3/7‬؛ اريئيلي ‪2006/6/27‬؛ ايزيك‪،‬‬
‫احللول املقترحة أقوى وأمنت‪ .‬واليوم ال توجد عائلة واحدة‬ ‫‪2005/11/8‬؛ راڤيتس‪.)2006/7/26 ،‬‬
‫من احلريدمي ال يسكن أحد أبنائها أو أقاربائها في بلدات‬ ‫تكمن املشكلة األساسية املتعلقة باستيطان احلريدمي في‬
‫خارج «اخلط األخضر»‪ ،‬رغم أنه في ال سنوات األولى التي‬ ‫الضواحي في طبيعة اختيار العائلة احلريدية ملكان السكن‪:‬‬
‫مرت على إقامة مدن احلريدمي كان هناك من يدعي «نحن‬ ‫تختار هذه العائلة مكان السكن حيث تستطيع ممارسة‬
‫لسنا مستوطنني‪ ،‬نحن نريد فقط حلو ًال للسكن وال يهمنا‬ ‫حياتها الدينية حسب التقاليد التي اعتادت عليها‪ .‬حسب‬
‫أين»‪ -‬واليوم تشكل إمكانية اإلخالء في امل ستقبل تهدي ًدا‬ ‫ذلك‪ ،‬فهي تفضل أن تكون قريبة من مراكز احلريدمي الكبيرة‬
‫حقيق ًي ا للوجود االقتصادي لعائالت كثيرة في صفوف‬ ‫في بني وبراك والقدس‪ .‬ال يفرح حاخامو جماعات احلريدمي‬
‫احلريدمي وملواقفهم في ال سياقات ال سياسية ح سب ذلك‪.‬‬ ‫بإرسال أتباعهم ورعاياهم إلى أماكن نائية خو ًف ا من احتمال‬
‫أصبحت مدن احلريدمي اجلديدة إ ًذا أحد أسباب (وليس‬ ‫حدوث خلل في جودة حياتهم الدينية‪ .‬من جهة ثانية‪ ،‬هناك‬
‫السبب الوحيد) انزياح وانتقال جماعات احلريدمي سياس ًي ا‬ ‫رؤساء سلطات محلية علمانيون يجفلون من استيعاب سكان‬
‫وأيديولوج ًي ا إلى «اليمني»‪.‬‬ ‫حريدمي‪ ،‬إما ب سبب دوافع انتخابية أو‪ ،‬وبدرجة ال تقل عن‬
‫وكان هناك تناسق كبير من حيث الترتيب الزمني بني‬ ‫ذلك‪ ،‬ب سبب طموحهم في احملافظة على الطابع االجتماعي‬
‫التغييرات التي ذكرناها هنا والتغيرات في فهم تخطيط‬ ‫‪ -‬الثقافي ال سائد في املدينة‪ ،‬وجتنب الصورة احلريد ّي ة التي‬
‫حكومة إسرائيل لالستيطان‪.‬‬ ‫تفرض أمناط حياه على احمليط واجلوار‪.‬‬
‫ولم يكن هناك حتى بداية سنوات الثمانينيات اعتراف‬ ‫مثال ‪ -‬وهو ليس‬ ‫يشكل ازدهار مدن احلريدمي اجلديدة ً‬
‫بوجود املجتمع احلريدي كمجتمع منفصل ضمن إطار‬ ‫وحي ًدا ‪ -‬على التأثير املتبادل بني االلتزامات واالضطرارات‬
‫سياسة اإلسكان العام‪ ،‬وكان الفهم التخطيطي تكامل ًي ا‬ ‫احليزية ‪ -‬االقتصادية واملواقف السياسية واأليديولوجية‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫وموح ًدا وناج ًم ا‪ ،‬بالطبع‪ ،‬عن أيديولوجيا «فرن االنصهار» التي‬ ‫املدينتان الكبيرتان اجلديدتان املخصصتان للحريدمي ‪ -‬بيتار‬
‫امتدت سنوات طويلة‪ .‬جرى في اتخاذ القرار املتعلق بتأسيس‬ ‫عيليت وموديعني عيليت ‪ -‬قائمتان خارج حدود ما ي سمى‬

‫عدد ‪79‬‬
‫يكون لذلك عالقة باحتياجات ال سكان الذين هم موضوع هذه‬ ‫«بيتار» كبلدة للحريدمي ألول مرة ك سر هذا املبدأ بشكل واضح‪،‬‬
‫ال سياسة‪ً .‬‬
‫وبدل من الوضع الذي كان فيه ال سكان احلريدمي‬ ‫وذلك بحكم كون «بيتار» مدينة احلريدمي األولى التي تقام‬
‫مرفوضني واعتبار تكتلهم غير شرعي‪ ،‬أصبحوا مصد ًرا‬ ‫خارج حدود اخلط األخضر بدعم من احلكومة اإلسرائيلية‬
‫لإلسكان ال سريع (شلهاب‪.)1997 ،‬‬ ‫(وقد سبق ذلك فقط م ستوطنة عمانوئيل التي كانت أصغر‬
‫ولكن‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬لم تنجح ألسباب مختلفة)‪ .‬وميكن في‬
‫المدن الجديدة في الضواحي‬ ‫مخصص ا للحريدمي كانت‬ ‫ً‬ ‫احلقيقة أن جند قبل ذلك‪ ،‬بنا ًء‬
‫بدايته في حي «شومري أمونيم» بني بيت اوجنرين ومعبر‬
‫ميكن أن نرى ح سب املعطيات التي ُج معت أنه من مجموع‬
‫مندلباوم (عام ‪ )1962‬واستمراريته في بناء متواصل ألحياء‬
‫كل البلدات التي فيها تركيز للحريدمي خارج القدس‪ ،‬بني‬
‫مخصصة للحريدمي على طول املقطع الشمالي خلط الهدنة‬
‫براك وأشدود (وهي رؤوس»املثلث احلريدي») هناك حوالى ‪٪50‬‬
‫في القدس (شلهاب وفريدمان ‪1985‬؛ شلهاب‪1997‬؛ رابيتس‪،‬‬
‫من ال سكان احلريدمي (أي حوالى ‪ 125,000‬ن سمة) ي سكنون‬
‫‪26.7.2006‬؛ چونني‪ .)2007،‬ومع كل ذلك‪ ،‬وفي كل هذه األحياء‪،‬‬
‫في مدن احلريدمي اجلديدة؛ بيتار عيليت‪ ،‬موديعني عيليت‪،‬‬
‫لم يكن هناك تدخل مباشر للحكومة مثلما كان األمر عليه‬
‫العاد ورمات بيت شيمش‪ ،‬وذلك رغم كونها مرحلة االستيطان‬
‫في تأسيس «بيتار عيليت»‪ .‬لي ست هذه الشراكة بني احلكومة‬
‫األحدث واألكثر خصوصية‪.‬‬
‫ومجتمع احلريدمي مبنية على التقارب األيديولوجي أو على‬
‫بدأت عملية االستيطان احلريدي اجلديد في عام ‪،1988‬‬ ‫التطابق في الفهم اإلستراتيجي‪ ،‬وإمنا على املالءمة اجلزئية‬
‫مع تأسيس بيتار عيليت‪ .‬أقيمت هذه املدينة بعد فشل‬ ‫بني شبكات املصالح العديدة‪ :‬كانت احلكومة معنية ببناء بلدة‬
‫محاولة إقامة مستوطنة اسمها «هدار بيتار»‪ ،‬وهذه احملاولة‬ ‫جديدة في املناطق احملتلة عام‪ 1967‬وكان احلريدمي يبحثون‬
‫فشلت في جتنيد عدد كاف من امل ستوطنني‪ .‬وقد اتخذ القرار‬ ‫عن حلول للضائقة ال سكنية‪ .‬وش ّك ل ال سكان احلريدمي في هذه‬
‫بإقامة بلدة للحريدمي اسمها بيتار عيليت من قبل سلطات‬ ‫احلالة مخزن قوة بشرية كامنا لتحقيق ال سياسة اإلقليمية‪:‬‬
‫التخطيط في وزارة اإلسكان وهو قرار ُي ع ّب ر‪ ،‬كما ذكرنا‪،‬‬ ‫احملتاجون لل سكن ذوو اإلمكانيات القليلة كانوا دائ ًم ا أداة‬
‫عن تغيير في نظرة ال سلطات إلى االنفصال أو االنعزال‬ ‫بأيدي ال سلطات لتنفيذ سياسة تخطيط أيديولوجية‪ ،‬دون أن‬

‫نتنياهو مصافحا رئيس بلدية مستوطنة بيتار عيليت الحريدية‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫حي ما ووراثة السكان السابقين سيظل ُيبقي النسيج‬
‫تسلل السكان الحريديم إلى ّ‬
‫ّ‬
‫للحي كما كان عليه من قبل؛ أي أن هذا النسيج ال يناسب احتياجات‬ ‫الطبيعي‬
‫السكان الحريديم وهؤالء مضطرون لالنتظام فيه بحلول مرتجلة وعسيرة‪ .‬في‬
‫مقابل ذلك‪ ،‬في البناء المخصص للسكان الحريديم‪ ،‬ومن ضمن ذلك المدن‪ ،‬هناك‬
‫البرامج والتفصيالت التقنية لالحتياجات الخاصة للساكنين المنتظرين‪.‬‬

‫منطقة سكن احلريدمي األكبر في إسرائيل‪ .‬املشاكل مع‬ ‫احليزي احلريدي‪ :‬ألول مرة يحصل هذا االنعزال على الشرعية‬
‫أراضي الفل سطينيني وجدار الفصل واملشاكل األمنية من‬ ‫‪-‬أقله على الصعيد العملي‪ -‬وعلى م ساعدات كبيرة من‬
‫شأنها أن تؤثر سلب ًي ا على هذه اإلمكانية‪ .‬تعتبر موديعني‬ ‫ال سلطات احلاكمة‪ .‬تقع هذه البلدة غربي «غوش عتصيون»‬
‫عيليت في نظر احلريدمي بلدة ليتوانية نخبو ّي ة للشباب‬ ‫خارج اخلط األخضر وعلى بعد نحو ‪ 1.5‬كم منه‪ .‬وقد أثار‬
‫االشكنازيني املُثقفني من النوعية اجل ّي دة‪ ،‬توفر أط ًرا تعليمية‬ ‫مكانها املثير للمشاكل كمستوطنة وصعوبات الوصول إليها‬
‫وحيا ًة اجتماعية متنو ّع ة‪ .‬وفي آذار ‪ 2008‬أصبحت السلطة‬ ‫في ال سنوات األولى حتفظات لدى قادة التيارات احلريدية‬
‫احمللية في موديعني عيليت بلدية‪.‬‬ ‫األساسية‪ .‬لقد قدم امل ستوطنون األوائل من جماعات صغيرة‬
‫نشأ في منتصف سنوات الت سعينيات منوذج فرعي جديد‬ ‫وفقيرة في مجتمع احلريدمي‪ ،‬ولكن لم ِ‬
‫يأت أبناء جماعات‬
‫من بلدات احلريدمي ‪ -‬رمات بيت شيمش ‪ -‬وهي توسيع كبير‬ ‫احلريدمي الكبيرة واألوساط الليتوانية الكبيرة لل سكن في‬
‫يختلف في طابعه عن مدينة بيت شيمش القدمية‪ .‬ي سكن‬ ‫م ستوطنة‪ .‬وحدث التغير في االجتاه والنزعة مع النجاح‬
‫في رمات بيت شيمش حوالى ‪ 30‬ألف شخص ون سبة الزيادة‬ ‫األولي في تثبيت البلدة وتعزيزها وفي إدارتها‪ ،‬وخاصة‪ ،‬في‬
‫ّ‬
‫السنوية فيها ‪ %10‬ويتعلم في مؤس سات تعليم احلريدمي‬ ‫حت سني ُس بل الوصول إليها من خالل ربطها بشارع األنفاق‬
‫فيها ‪ 14000‬طالب‪ .‬يقيم في رمات بيت شيمش أ احلريدمي‬ ‫وتأسيس شركة مواصالت توفِ ر خدمات الباصات بوتيرة‬
‫الليتوانيون‪ ،‬وتتميز رمات بيت شيمش ب بكون سكانها من‬ ‫عالية وبتكلفة متدنية‪.‬‬
‫احل سيدمي‪ .‬وعدد ال سكان املخطط له لل سكن هناك ‪ 50‬ألف‬ ‫وبعد سنوات قليلة من تأسيس بيتار عيليت أقيمت‬
‫نسمة بينما يبلغ معدل عدد أفراد األسرة ‪ 6‬أنفار‪ .‬ووفق‬ ‫موديعني عيليت ‪ -‬في عام ‪ .1991‬وبخالف سابقتها كانت‬
‫أنظمة زيادة كهذه أصبح ح ّي ز سكن احلريدمي هو السائد‬ ‫موديعني عيليت مبادرة فردية حظيت منذ البداية مبباركة‬
‫في املدينة ويشكل بلد َة حريدمي قائمة بح ّد ذاتها‪.‬‬ ‫قيادة احلريدمي‪ ،‬خاصة قيادة الليتوانيني‪ .‬كانت بدايتها‬
‫البلدة األخيرة في سل سلة بلدات احلريدمي في الضواحي‬ ‫مثل كريات سيفر التي توسعت وضمت بداخلها براعم‬
‫هي إلعاد التي أقيمت عام ‪ 1988‬وفي عام ‪ 2007‬أصبحت‬ ‫مستوطنة مجاورة وأحياء إضافية انضمت إليها‪ .‬املدينة‬
‫السلطة احمللية فيها بلدية‪ .‬جرى التخطيط إللعاد ضمن إطار‬ ‫مجاورة ملدينة موديعني من جهة الشمال‪ ،‬على حدود اخلط‬
‫مخطط «بلدات النجوم»‪ -‬وهو مشروع استيطاني ميتد من‬ ‫األخضر وقد حظيت مبباركة ودعم احلاخامني ألنها ال تقع‪،‬‬
‫وادي عارة حتى منطقة موديعني وهدفه تشكيل إسفني يهودي‬ ‫في األساس‪ ،‬بني قرى عربية‪ ،‬ويعتبر مكان وجودها في‬
‫بني البلدات العربية على جانبي اخلط األخضر‪ُ .‬وضعت في‬ ‫منطقة حتظى بإجماع إسرائيلي‪ .‬موديعني عيليت هي‬
‫سنوات ال ستينيات خطة إلقامة سبع مدن كبيرة نسب ًي ا‬ ‫مدينة احلريدمي الثالثة من حيث كبرها (بعد القدس وبني‬
‫وس ميت «خطة النجوم ال سبعة»‪ ،‬وفي سنوات الت سعينيات‬ ‫ُ‬ ‫براك) وهي «مدينة احلريدمي امل ستقبلية»‪ ،‬ح سب احلريدمي‪.‬‬
‫جرى توسيع اخلطة إلى ‪ 12‬بلدة قروية وضاحية‪ .‬لم تتميز‬ ‫جيل سكانها الصغير‪ ،‬االحتياطي الكبير من األراضي‬
‫‪33‬‬
‫إلعاد مع بداية اإلسكان بالسكان احلريدمي فقط‪ ،‬بل بتشكيلة‬ ‫في محيطها ومكانها اجلغرافي بني القدس وتل أبيب هي‬
‫من ال سكان احلريدمي واملتدينني‪ :‬كان حوالى ثلث ال سكان‬ ‫عوامل تخلق إمكانية لتكوين مدينة كبيرة تتشكل في داخلها‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ال يمكن التغاضي عن حقيقة أن أنماط حياة جمهور الحريديم وجمهور العلمانيين‬
‫كبيرا ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جدا ال يتيح الدمج والتكامل‪ ،‬وأن هذا االختالف يفرض الفصل‬ ‫تبرز اختالفا‬
‫التام بين الجمهورين‪ .‬فالفجوات تتسع مع التطرف الذي يميز األطراف في كال‬
‫الوسطين‪ ،‬وال يمكن أن تعيش الحريدية المتطرفة والعلمانية المحاربة معًا أو‬
‫ً‬
‫تسكنا سوية‪.‬‬

‫ذلك إلى إسكان مبادرين ورجال أعمال من غير احلريدمي‪ .‬ومن‬ ‫اجلدد من احلريدمي االشكنازمي من أوساط مختلفة‪ ،‬والثلث‬
‫شأن استغالل األراضي في هذه املجاالت أن يشكل مصادر‬ ‫من احلريدمي ‪ -‬ال سفاردمي (الشرقيني) والثلث األخير من‬
‫لصندوق ال سلطة احمللية‪.‬‬ ‫املتدينني غير احلريدمي‪ .‬ومع مرور ال سنني ّ‬
‫قل عدد املجموعة‬
‫ينشئ جوهر وجود سلطة محلية حريدية م ستقلة عدة‬ ‫الثالثة ونزع أفرادها إلى ترك املدينة التي أصبح طابعها‬
‫مصاعب وقيود‪ ،‬ميكن التغلب على ق سم منها ب سهولة ن سبية‪،‬‬ ‫احلريدي أبرز‪.‬‬
‫وقسم منها يكون ح لّه صعب ًا نسبي ًا (شلهاب‪ .)1998 ،‬الق سم‬
‫ال سهل ناجم عن عدم توفر التأهيل املهني واإلداري املناسب‪،‬‬ ‫مدن الحريديم ‪ -‬الصعوبات‪،‬‬
‫والق سم األصعب نابع من تقاليد طويلة األمد في معاجلة‬ ‫التحديات واألفضليات‬
‫املشاكل من خالل رؤية خصوصية ضيقة تأخذ في احل سبان‬
‫لنزعة َس َك ن جمهور احلريدمي في الضواحي وتوزي ُعه‬
‫فقط ظروف بقاء جماعات احلريدمي‪ ،‬إضافة إلى القيود الدينية‬
‫اجلغرافي عدة أبعاد وإسقاطات‪ :‬وجود مشروع استيطاني‬
‫‪ -‬الشرعية (في فهم احلريدمي) لعمل ال سلطات‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن‬
‫للحريدمي وتوزيع جغرافي يستلزم شبكة موصالت خاصة‬
‫جناح مدن احلريدمي مرتبط بتطوير وبناء قيادة بلدية ذات قدرات‬
‫ومم ّي زة ت ستجيب لطابع طلبات احلريدمي للمواصالت‪ ،‬وهو‬
‫إدارية مدعومة بتأييد قيادة احلاخامني احمللية والقطرية‪ ،‬وتدير‬
‫طابع مختلف عن الطابع العادي في نطاقه (‪ %76‬من سكان‬
‫عالقات متبادلة مع جهاز احلكم العام في إسرائيل‪.‬‬
‫مدن احلريدمي اجلديدة يحتاجون املواصالت العامة) وفي توزيعه‬
‫وفي ال سياق االجتماعي‪ ،‬تطرح مدن احلريدمي في الضواحي‬
‫غير العادي من حيث الزمن واحل ّي ز وتركيبته العمرية وتوزيعه‬
‫عدة صعوبات ميكن اعتبارها حتديات‪ ،‬وعلى أي حال‪ ،‬ميكن‬
‫اجلندري‪ ،‬مع كل ما يعني ذلك بالنسبة للصعوبة الناجمة عن‬
‫تفسيرها بأساليب مختلفة‪ ،‬حسب الشخص املشاهد والباحث‪.‬‬
‫مطالب املرونة في تخطيط نظام املواصالت‪.‬‬
‫الظاهرة األبرز واألكثر َتَي زًا هي الفصل اجلغرافي بني األجيال‪:‬‬
‫تتسبب نسبة املشاركة املتدنية في سوق العمل عند‬
‫ت ستقطب هذه التجمعات األجيال الشابة في مجتمع احلريدمي‬
‫احلريدمي (وفي كل األحوال العمل الذي تقدم التقارير حوله)‬
‫وبذلك ُت ْب عِ ُد جغراف ًي ا ق س ًم ا غير قليل من األجيال الشابة عن‬
‫وكبر العائلة والكثافة السكنية بصعوبات تتعلق بقدرة السلطة‬
‫أهاليهم ومعلميهم البالغني‪ .‬هذا التباعد الطبيعي واملفهوم‬
‫احمللية على فرض الضرائب‪ :‬كلما ارتفعت نسبة ال سكان‬
‫في كل مجتمع‪ ،‬محفوف ب املشاكل عند اجلماعات التقليدية‬
‫احلريدمي في البلدة تنخفض القدرة على فرض الضرائب‬
‫مثل مجتمع احلريدمي‪ ،‬حيث يعتبر إرشاد الوالدين وإشراف‬
‫البلدية ب سبب ارتفاع نسبة التخفيضات في ضريبة األرنونا‪.‬‬
‫املجتمع أمو ًرا حيوية لتنشئة العائلة الشابة تنشئ ًة مالئمة‬
‫وستكون السلطة احمللية التي كل سكانها من احلريدمي‬
‫حلياة اجلماعة‪ .‬اجلانب اخلاص بالتحدي في هذا الوضع هو‬
‫معتمدة على مصادر متويل خارجية‪ ،‬وعلى احلكومة في‬
‫في الفرصة املتوفرة لدى جيل الشباب لبناء وتصميم حياته‬
‫األساس‪ ،‬ويجب على ال سلطة احمللية احلريدية‪ ،‬من أجل‬
‫بصورة م ستقلة أكثر‪ُ .‬ي ظهر االطالع على تاريخ بيتار عيليت‬ ‫‪34‬‬
‫تقليص هذا االعتماد‪ ،‬أن تط ّور استغالل األراضي الواسعة‬
‫عن كثب أن ُب ْع د التحدي هذا كانت فترته قصيرة‪ ،‬ومن نصيب‬
‫في مجاالت التجارة واخلدمات والتشغيل والعمل‪ ،‬حتى لو أدى‬
‫عدد ‪79‬‬
‫وثقافتهم‪ ،‬وي ستطيع العلمانيون في القدس أو في مدن أخرى‬ ‫امل ستوطنني في مراحلها األولى فقط‪.‬‬
‫أن يروا بنظرات ايجابية هجرة احلريدمي إلى اخلارج والتي‬ ‫وعلى امل ستوى التقني فإن ت سلل ال سكان احلريدمي إلى‬
‫من شأنها ان تخفف ضغط احلريدمي الرامي إلى توسيع‬ ‫حي ما ووراثة السكان السابقني سيظل ُي بقي النسيج‬ ‫ّ‬
‫مناطق سكنهم باجتاه احساء العلمانيني‪.‬‬ ‫للحي كما كان عليه من قبل؛ أي أن هذا الن سيج‬‫ّ‬ ‫الطبيعي‬
‫وإذا ما أكدنا على األفضليات أو رأينا النواقص‪ ،‬أو‬ ‫ال يناسب احتياجات ال سكان احلريدمي وهؤالء مضطرون‬
‫بحثنا وفحصنا االفضليات مقابل النواقص ورأينا املوازنة‬ ‫لالنتظام فيه بحلول مرجتلة وع سيرة‪ .‬في مقابل ذلك‪،‬‬
‫ّ‬
‫بحل‬ ‫بينها‪ ،‬فال ميكن جتاهل النطاق الرقمي اخلاص‬ ‫في البناء املخصص لل سكان احلريدمي‪ ،‬ومن ضمن ذلك‬
‫م سألة سكن احلريدمي في املدن اجلديدة (كما يظهر ذلك‬ ‫مدن احلريدمي‪ ،‬هناك البرامج حول استعماالت األراضي‬
‫في ال سنوات اخلمس عشرة األخيرة‪ ،‬كما ذكر أعاله) وقدرته‬ ‫والتفصيالت التقنية لالحتياجات اخلاصة للساكنني‬
‫على االستجابة لتوقع ‪ 100000‬شقة في ال سنوات العشرين‬ ‫املنتظرين‪ .‬ويبدو أنه ال حاجة ألن نعدد هنا جميع ما‬
‫القادمة (روبنشطاين‪2006 /6 /٢٠ ،‬؛ بار ‪ -‬ايلي ‪.)2007‬‬ ‫في قائمة املالئمات النابعة من تنوع اجلماعات الفرعية‬
‫حل كهذا‬ ‫مفتوح ا وماث ًال السؤال املتعلق مبساعدة ّ‬
‫ً‬ ‫ويبقى‬ ‫في صفوف السكان احلريدمي‪ ،‬ومن التزاماتها بالتقاليد‬
‫للمجتمع اإلسرائيلي برمته‪.‬‬ ‫التعليمية اخلاصة بها‪ ،‬ونسبة األطفال العالية في صفوفها‪،‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬ال ميكن التغاضي عن حقيقة أن أمناط‬ ‫وما ي ستلزمه كل ذلك بالن سبة ملقدار املخصصات للمؤس سات‬
‫حياة جمهور احلريدمي وجمهور العلمانيني تبرز اختال ًف ا‬ ‫العامة مثل الكنس ومعاهد التعليم واملناطق اخلضراء‬
‫كبي ًرا ج ًدا ال يتيح الدمج والتكامل‪ ،‬وأن هذا االختالف يفرض‬ ‫والفصل بني املشاة واملواصالت بالوسائل املتحركة من أجل‬
‫الفصل التام بني اجلمهورين‪ .‬فالفجوات تتسع مع التطرف‬ ‫سالمة األطفال‪ .‬كما أنها مفهومة ضمن ًا املعضلة الناجمة‬
‫الذي مييز األطراف في كال الوسطني‪ ،‬وال ميكن أن تعيش‬ ‫عن االحتياجات املضخمة الستعماالت األراضي وهي بشكل‬
‫احلريدية املتطرفة والعلمانية احملاربة مع ًا أو تسكنا سوي ًة‪.‬‬ ‫عام تبادلية أو متغيرة ‪ -‬مثل األراضي للمؤس سات العامة‬
‫ولكن هناك بع ًدا آخ َر لتطوير مدن مخصصة للحريدمي‬ ‫واألراضي اخلضراء‪ ،‬إذ إن توسيع األراضي الستعمال معني‬
‫على مستوى السياسة التخطيطية خارج نطاق املخططات‬ ‫يأتي على ح ساب االستعمال لغرض آخر‪ .‬كما أن احلاجة‬
‫التفصيلية املصغرة‪ .‬تطرح مدن احلريدمي اجلديدة مبد ًأ‬ ‫ملالءمة املباني السكنية والشقق لالحتياجات اخلاصة بالعائلة‬
‫شا ًذا‪ :‬لم يحظ أي مجتمع ثقافي إسرائيلي مب ساعدات‬ ‫احلريدية مفهوم ٌة ضم نًا ً‬
‫أيض ا (تشرتشمان وفرانكل‪.)1992 ،‬‬
‫رسمية وباعتراف عام بشرعية انفصاله احليزي وانغالقه‬ ‫وبقدر ما يأخذ البناء املخصص لغرض معني في احل سبان‬
‫االجتماعي مثل ال سكان احلريدمي‪ .‬ومن املفارقات‪ ،‬أن هذا‬ ‫مسبق ًا االحتياجات اخلاصة بالسكان احلريدمي‪ ،‬تكون‬
‫التطور في الروح الدينية لدى احلريدمي من احملتمل أن ينال‬ ‫مرتبطة أيض ًا مبخصصات وبرامج السلطات احلاكمة‪ ،‬وهذه‬
‫الدعم والتشجيع بالذات من القطب الثقافي ‪ -‬األيديولوجي‬ ‫ال سلطات بدأت في الفترة األخيرة فقط مبالءمة التخطيط‬
‫اآلخر‪ :‬مقاربة ما بعد العصرنة اخلاصة بنسبية التعددية‬ ‫للتشكيالت السكانية املختلفة (تشرتشمان‪.)1993،‬‬
‫الثقافية والتي تضعف عمليات الدمج والتكامل ستعتبر‬ ‫وكما ذكرنا فإن أفضليات أو نواقص مدن احلريدمي‬
‫مدن احلريدمي رائ ًدا لالنفصال على أساس ثقافي وإنتاج‬ ‫في الضواحي تتوقف على املشاهد أو املراقب‪ ،‬فإن جمال‬
‫ف سيف ساء إقليمي مكون من شظايا جماعات ومجتمعات‬ ‫أو جاذبية املكان هو ح سب نظر الشخص ال ساكن فيه‪.‬‬
‫القاسم املشترك بينها واملسؤولية املتبادلة تتآكالن باستمرار‬ ‫وهكذا يستطيع احلريدمي الساكنون في هذه املدن أن‬
‫وتنتظر بدورها قطاعات أخرى العملية التي من شأنها أن‬ ‫يتمتعوا ح سب قولهم‪ ،‬لعدم وجود ناس علمانيني في حيهم‪،‬‬
‫تفتت وحتطم املجتمع اإلسرائيلي أو ما تبقى منه‪.‬‬ ‫ولكون أطفالهم ال يشاهدون سلوكيات تتناقض مع تربيتهم‬

‫‪35‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫تؤول إلى الصفر‪ ،‬خاصة على ضوء اسمها‪ ،‬الذي له دالالت‬ ‫خالصة‬
‫سياسية واقعية وحالية‪ ،‬وهو إضافة لذلك‪ ،‬يذ ّك ر باسم فريق‬ ‫بسبب الطلب املستمر إليجاد حلول إضافية لسكن‬
‫كرة قدم (وحتى اليوم ال يزال يكتب البعض اسم املدينة داخل‬ ‫ال سكان احلريدمي‪ ،‬جرى في ال سنوات األخيرة بحث إمكانيتني‬
‫عالمتي اقتباس ‪ .)....‬وقد أثبت الواقع العكس‪ :‬حني تكون‬ ‫إضافيتني لتأسيس مدينة جديدة للحريدمي‪ :‬اإلمكانية األولى‬
‫الضغوط من أجل طلب ال سكن كبيرة جد ًا‪ ،‬تصبح أيض ًا‬ ‫التي عرضت هي إقامة مدينة جديدة في جنوب البالد‪ ،‬بني‬
‫احللول الركيكة مجدية ومطلوبة‪.‬‬ ‫بئر السبع وعراد‪ ،‬واإلمكانية الثانية التي بلغ البحث فيها‬
‫حل‬‫احلل أو ّ‬
‫ّ‬ ‫على أي حال‪ ،‬سواء مت اختيار هذا‬ ‫مرحلة متقدمة أكثر هي إقامة مدينة في الشمال على أرض‬
‫آخر‪ ،‬فإنه من الواضح أن احلاجة إلى حلول إضافية‬ ‫بلدة حريش املتروكة في غالبيتها والقائمة في منطقة وادي‬
‫ملشكلة السكن‪ ،‬تغ ِّي ر صورة احليز احلريدي في إسرائيل‬ ‫عارة‪ ،‬بجوار شارع رقم ‪( 6‬فلختر‪2006 ،‬؛ ايخلير‪207 ،‬؛ بار ‪-‬‬
‫اآلن‪ ،‬وستغيرها في املستقبل القريب‪ .‬وإذا ما أضفنا‬ ‫ايلي‪2007،‬؛ روبنشطاين‪2006 /6 /٢٠،‬؛ كرويزر‪ .)2006 ،‬وقد‬
‫إلى ذلك التغييرات االجتماعية والتشغيلية التي حتدث‬ ‫دار نقاش حاد حول هذين االقتراحني بني اجلهات املختلفة‬
‫في هذا املجتمع‪ ،‬فإننا‪ ،‬وبدون شك‪ ،‬أمام عملية تغيير‬ ‫حل ي ستجيب‬ ‫عند احلريدمي‪ .‬يعتقد املؤيدون لالقتراح أن كل ّ‬
‫حيزي واجتماعي مثيرة جد ًا لالهتمام‪ .‬إن ظاهرة الزيادة‬ ‫حل جيد‪ ،‬بينما يدعي‬ ‫للحاجة امللحة حلل مشكلة ال سكن هو ّ‬
‫الدميغرافية ال سريعة جد ًا في صفوف سكان منفصلني‪،‬‬ ‫املعارضون أن كل محاولة لتوطني احلريدمي في الضواحي‬
‫ومع االفتراض بأنه ال يتوقع حدوث تغيير في ن سبة الزيادة‬ ‫النائية مآله الفشل مسبق ًا‪ .‬وتعتقد هذه اجلهات أن احلل‬
‫الطبيعية في امل ستقبل القريب‪ ،‬ومع االلتزامات واحملاوالت‬ ‫بالتأكيد هو إقامة مدينة جديدة للحريدمي ولكن من أجل‬
‫احلكومية إليجاد حلول مناسبة لهذا الواقع‪ ،‬جتعل هذه‬ ‫ذلك يجب توفير احتياطي من األراضي في مركز البالد‬
‫القضية مميزة على امل ستوى الوطني‪ ،‬حتى لو لم يغيروا‬ ‫وبالقرب من مراكز احلريدمي الكبيرة في منطقة «املثلث‬
‫بشكل جوهري القواعد األساسية النتشار احلريدمي احليزي‬ ‫احلريدي» (زلت سمان‪27 .6 .2007 ،‬؛ ايخلير‪ .)2007 ،‬يذ ّك ر‬
‫ومراكز الثقل التقليدية لهذا االنتشار‪.‬‬ ‫هذا اجلدل مبا دار حول احتماالت جناح مدينة بيتار عيليت‬
‫(ترجمة عن العبرية‪ :‬محمد كيال)‬ ‫حني إقامتها‪ .‬كان هناك من ادعى أن فرص جناح املدينة‬

‫‪36‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫قائمة المراجع‬
‫• ايزيك‪ ،‬ي‪« .‬حيز الحريديم‪ ،‬االنتشار الجغرايف لجمهور الحريديم يف‬
‫ترشين الثاني‪.)2006 ،‬‬
‫إرسائيل» ‪ -‬تقرير لوزارة الدفاع‪ .‬رمات چان‪ .‬إصدار چال ‪ -‬ترشين‬
‫• تصادوق‪ ،‬ش‪ .‬مميزات يف مجتمع الحريديم‪ .‬تل أبيب‪ :‬النارش غري‬ ‫الثاني ‪( .2006‬بالعربية)‪.‬‬
‫معروف‪( .1990 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫• ايزيك يعقوب ‪ ،‬صحايف حريدي‪ ،‬مقابلة بتاريخ ‪2005/11/8‬‬
‫• ترشتشمان‪ ،‬أ‪ .‬وفرنكل أ‪ .‬الخطوط املوجهة للمباني السكنية للحريديم‬ ‫(بالعربية)‪.‬‬
‫يف إرسائيل‪ .‬حيفا‪ :‬التخنيون‪( 1992 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫• آيخلري‪ ،‬ي‪« .‬قررنا إقامة بلدتني للحريديم تلبية الحتياجات السنوات‬
‫• ترشتشمان‪ ،‬أ‪ .‬مالءمة التخطيط الحيزي لجماعات فرعية من‬ ‫القادمة» كاف عتونوت دتيت‪ ،‬ملحق السكن‪ .‬سيڤان‪)2007( ،‬‬
‫سكان إرسائيل‪ .‬حيفا‪ :‬مركز دراسة املدينة واملنطقة‪ ،‬كلية‬ ‫(بالعربية)‪.‬‬
‫الهندسة املعمارية وبناء املدن يف التخنيون‪( 1993 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫• اريئييل كوبي‪ ،‬صحايف ورجل إعالم‪ ،‬مقابلة بتاريخ ‪2006/6/27‬‬
‫• كاهان‪ ،‬ب‪ .‬وزيسمان‪ ،‬أ‪« .‬يف طولها وعرضها ‪ -‬مرشوع خاص»‪ ،‬يتيد‬ ‫(بالعربية)‪.‬‬
‫نئمان‪( 22 .‬نيسان ‪ ،)2005‬ص ‪( 98 - 105‬بالعربية)‪.‬‬
‫• بار اييل‪ ،‬أ‪« .‬حلول قضايا السكن يف مجتمع الحريديم ‪ :‬مدن الحريديم‪،‬‬
‫• كتسوڤر‪ ،‬ي‪« .‬رحلة إىل بالد الساحات»‪ ،‬بنيم (‪ )1999( )9‬ص ‪- 31‬‬ ‫سوق قروض اإلسكان الثانوي وإخالء وبناء»‪ ،‬هآرتس‪ 27 ،‬شباط‪،‬‬
‫‪( .24‬بالعربية)‪.‬‬ ‫‪( 2007‬بالعربية)‪.‬‬
‫• كرويزر‪ ،‬أ‪ .‬اإلسكان عند جمهور الحريديم ‪ -‬صورة الوضع أيار‬ ‫• جوتليب‪ ،‬د ‪ .‬الفقر والسلوك يف سوق العمل يف مجتمع الحريديم‪،‬‬
‫‪ ،2006‬القدس‪ :‬جماعة هيئة البناء الكامل‪ ،‬دائرة وضع الخطط‬ ‫القدس ‪ :‬معهد فان لري‪( 2007 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫والتطوير‪( .2006 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫• چونني‪ ،‬ع‪ .‬القدس تعاظم القوة وااللتحام‪ .‬القدس‪ :‬معهد‬
‫• كرويزر أبراهام‪ ،‬محرتف ليتواني صاحب مكتب للنرش واإلسرتاتيجية‪،‬‬ ‫فلورسهايمر لدراسة السياسات‪( 2007 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫مقابلة بتاريخ ‪( 2007/5/22‬بالعربية)‪.‬‬
‫• چورفيتس‪ ،‬ن‪ .‬وكوهني كاسرتو‪ ،‬أ‪ .‬االنتشار الجغرايف واملميزات‬
‫• ربينوڤتش بيني‪ ،‬صحايف يف صحيفة «يتاد نيئمان» ويف السابق يف‬ ‫الديمغرافية‪ ،‬االجتماعية واالقتصادية للسكان الحريديم‬
‫صحيفة محلية للجماعة يف اوفكيم‪ ،‬مقابلة بتاريخ ‪2006/3/7‬‬ ‫يف إرسائيل ‪ .1996 - 2001‬القدس املكتب املركزي لإلحصاء‪،‬‬
‫(بالعربية)‪.‬‬ ‫‪.2004‬‬
‫• راڤيتس ابراهام‪ ،‬عضو كنيست من حزب ديچل هتوراه‪ ،‬مقابلة بتاريخ‬ ‫• دغاني‪ ،‬أ‪ .‬ودغاني‪ ،‬ر‪ .‬طلب اإلسكان يف مجتمع الحريديم ‪ .‬تل ابيب‪:‬‬
‫‪( 2006/7/26‬بالعربية)‪.‬‬ ‫جيوكارتوغرافيا‪( 2000 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫• روبنشطاين موشيه‪ ،‬مدير لواء حيفا ‪ -‬وزارة اإلسكان‪ ،‬مقابلة بتاريخ‬ ‫• دهان‪ ،‬م‪ )1998( .‬السكان الحريديم والسلطة املحلية‪ .‬القدس‪ :‬معهد‬
‫‪( 2006/6/20‬بالعربية)‪.‬‬ ‫القدس لدراسة إرسائيل‪( 1998 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫• روتم‪ ،‬ت‪« .‬نحن؟ مستوطنون؟ حاشا اهلل»‪ .‬هآرتس‪ 29( .‬حزيران‪،‬‬ ‫• دشان‪ ،‬ش‪ « .‬الروح الدينية عند الرشقيني‪ :‬الجمهور‪ ،‬الحاخامون‬
‫‪( )2003‬بالعربية)‪.‬‬ ‫واإليمان»‪ ،‬دورية الفني (‪( 44 - 58 ،)1994( )9‬بالعربية)‪.‬‬
‫• شلهاب‪ ،‬ي‪ .‬وفريدمان م‪ .‬توسع يف ظل االنغالق‪ :‬السكان الحريديم‬ ‫• هوروڤيتس‪ ،‬ي‪ ..‬الحرب عىل البيت ‪ -‬مرشوع خاص‪ .‬ملحق كولوت‬
‫يف القدس‪ .‬القدس‪ :‬معهد القدس لدراسة إرسائيل‪1985 ،‬‬ ‫بكهياله‪( 14 ،‬كانون األول ‪( )2006‬بالعربية)‪.‬‬
‫(بالعربية)‪.‬‬
‫• زيلربشالچ‪ ،‬د‪« .‬إسكان حسب األصول‪ ،‬أمالك غري منقولة ملجتمع‬
‫• شلهاب‪ ،‬ي‪ .‬بلدة داخل مدينة كبرية‪ :‬جغرافية االنفصال‬ ‫الحريديم» ‪ -‬يوم درايس‪ .‬تل أبيب‪ :‬غلوبس (‪.)1998‬‬
‫واالستكمال‪ .‬القدس‪ :‬معهد القدس لدراسة إرسائيل‪1991 ،‬‬
‫• زلتسمان بنحاس‪ ،‬املدير العام لرشكة األمالك غري املنقولة نيئوتهبسچا‪،‬‬
‫(بالعربية)‪.‬‬
‫مقابلة بتاريخ ‪( 2006/6/27‬بالعربية)‪.‬‬
‫• شلهاب‪ ،‬ي‪ .‬اإلدارة والحكم يف مدينة الحريديم‪ .‬القدس‪ :‬معهد‬
‫• يوسكوڤيتس يويس‪ ،‬مستشار نائب وزير املواصالت أبراهام الفرت‪،‬‬
‫فلورسهايمر لدراسة السياسات‪( 1997 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫الكنيست ال ‪ ،17‬مقابلة بتاريخ ‪( 2006/3/12‬بالعربية)‪.‬‬
‫• رشچاي‪ ،‬ن‪« .‬الحريديم مسؤولون عن حوايل نصف زيادة سكان‬
‫• كهنر‪ ،‬يل‪« .‬عمليات انتشار السكان الحريديم يف حيفا»‪ ،‬يف‪ :‬بار‪ -‬چال‪ ،‬ي‬
‫املستوطنات» هآرتس‪ 24( ،‬آب‪( )2007 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫‪ .‬وعنبار‪ ،‬م‪( .‬محرران) من منطقة إىل محيط ‪ -‬أربعون عاما يف‬
‫‪Berman, E. & Klinov, R. Sect, subsidy and sacrifice: an‬‬
‫البحث الجغرايف يف جامعة حيفا‪ ،‬حيفا‪ :‬قسم الجغرافيا ومكتب‬
‫‪economist’s view of ultra - orthodox jews. Cambridg:‬‬
‫رسم الخرائط الجغرافية عىل اسم روبني حايكني‪ ،‬جامعة حيفا‪،‬‬
‫‪National bureau of economic research, inc., 1998.‬‬
‫‪( 2005‬بالعربية)‪.‬‬
‫‪Gonen, A. Between City and Suburb. Aldershot: Avebury, 1995‬‬
‫• فريدمان‪ ،‬م‪ .‬مجتمع الحريديم يف إرسائيل ‪ -‬اتجاهات وعمليات‬
‫‪Shilhav, Y. “The emergence of ultra - orthodox neighborhoods‬‬
‫القدس‪ ،‬معهد القدس لدراسة إرسائيل‪( .1991 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫‪in Israeli urban centers”. In: Ben - Zadok, E. Local‬‬
‫‪Community and Israeli State Policy. New York: State‬‬ ‫• فريدمان‪ ،‬م‪ .‬توصيات ملرشوع مدينة الحريديم موديعني عيليت‪.‬‬
‫‪University of New York Press, 1993‬‬ ‫القدس‪ :‬وزارة اإلسكان والبناء‪( 1997 ،‬بالعربية)‪.‬‬
‫• فلخرت‪ ،‬ن ‪ « )2006( .‬النقب الحريدي»‪ ،‬يديعوت أحرونوت‪1( .‬‬
‫‪37‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫محور العدد‪ :‬المجتمع الحريدي والدولة في إسرائيل‬
‫مهند مصطفى*‬

‫الحريديم والجيش في سياق‬


‫سؤال الدين والدولة في إسرائيل‬

‫بل سياسية واجتماعية‪.‬‬ ‫ترمي هذه الورقة إلى نقاش م سألة دمج اليهود املتدينني‬
‫على العكس متام ًا‪ ،‬فإن هذه الدعوات جاءت في ظل توجه‬ ‫األرثوذكس (الحق ًا‪ :‬احلريدمي) في اجليش اإلسرائيلي‪ .‬تندرج‬
‫اجليش واملؤس سة الع سكرية نحو حتويل اجليش اإلسرائيلي‬ ‫هذه امل سألة في إسرائيل في سياق عودة الصراع وتصعيده‬
‫إلى جيش مهني‪ ،‬وفي سياق تراجع معدالت التجند للجيش‬ ‫حول سؤال الدين والدولة‪ ،‬حيث تندرج م سألة دمج احلريدمي‬
‫عموم ًا في املجتمع اإلسرائيلي‪ ،‬بعد صعود مجاالت أخرى باتت‬ ‫في اجليش ضمن هذا ال سؤال‪ .‬وتنطلق الورقة من مقولة‬
‫ال تقل أهمية للحراك االجتماعي واالقتصادي وحتى ال سياسي‪،‬‬ ‫أن الدعوات لدمج احلريدمي في اجليش ال حتدث في سياق‬
‫من احلراك الذي تضمنه وتوفره اخلدمة الع سكرية‪ .‬تعتبر م سألة‬ ‫تعاظم التحديات األمنية والعسكرية التي تواجهها إسرائيل‪،‬‬
‫اخلدمة الع سكرية للحريدمي من املواضيع الصراعية الكبيرة‬ ‫مما ي ستوجب جتنيد املزيد من املقاتلني ملواجهتها‪ ،‬بل ضمن‬
‫في املجتمع اإلسرائيلي‪ ،‬خاصة‪ ،‬وأن م سألة التجند للوحدات‬ ‫صراع يحتدم في ال سنوات األخيرة حول الدين والدولة‪ ،‬واجليش‬
‫القتالية يعتبر مؤشر ًا على استعداد الفرد خلدمة املجموعة‪،‬‬ ‫هو مجرد ساحة من ساحات الصراع حول هذه امل سألة‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فهو مؤشر اجتماعي قبل أن يكون حاجة ع سكرية صافية‪.‬‬ ‫فإن م سألة جتنيد احلريدمي للجيش لي ست م سألة ع سكرية‪،‬‬
‫‪38‬‬
‫في املقابل‪ ،‬ترفض القيادة الدينية األرثوذكسية فكرة التجند‬ ‫جامعي في العلوم ال سياس ّي ة‪ ،‬مدير عام مدى الكرمل‬
‫ّ‬ ‫* باحث ومحاضر‬
‫‪ -‬املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية‪ -‬حيفا‬
‫عدد ‪79‬‬
‫شهدت سنوات الثمانينيات بداية التفكير الجدي بكسر الوضع القائم فيما يتعلق‬
‫بتجنيد المتدينين اليهود‪ ،‬حيث تشكلت أول لجنة لفحص هذه المسألة‪ ،‬ولحقتها‬
‫لجان عديدة ُمحاولة صياغة منظومة لتجنيد المتدينين‪ .‬فقد شهد التصدع‬
‫القومي العلماني تصعيدًا منذ سنوات الثمانينيات وخاصة التسعينيات‪ ،‬بسبب‬
‫تحول إدارة هذا التصدع من سياسات التسوية إلى سياسات األزمة‪.‬‬

‫بات مضطر ًا لضمان هذا النمط من الع سكرية الدينية‪ ،‬إن‬ ‫اإللزامي للجيش‪ ،‬ل سببني‪ :‬األول‪ ،‬تعليم التوراة لليهودي املتدين‬
‫صح التعبير‪ ،‬ولكنه في الوقت نفسه يفقد مكانته كبوتقة‬ ‫مدى احلياة هي مهمة معتبرة‪ ،‬وال يجب التوقف عنها حتت‬
‫صهر للمجموعات اليهودية املختلفة‪ ،‬تلك املهمة القومية التي‬ ‫أي ظرف من الظروف‪ ،‬فض ًال عن كونها ت ساهم بتعزيز أمن‬
‫شكلت إحدى نقاط القوة في الع سكرية اإلسرائيلية‪ 3.‬ي ساهم‬ ‫إسرائيل بواسطة احلماية الربانية التي يضمنها تعليم التوراة‬
‫افتقاد فكرة بوتقة الصهر‪ ،‬وإعادة إنتاج التصدعات االجتماعية‬ ‫في أوساط الشعب اليهودي‪ .‬وثاني ًا‪ ،‬إعفاء املتدينني من اخلدمة‬
‫والطبقية داخل اجليش‪ ،‬في تآكل فكرة اجليش اإلسرائيلي‬ ‫الع سكرية مكفول في اتفاق مت توقيعه قبل قيام دولة إسرائيل‪،‬‬
‫كجيش الشعب‪ ،‬وهو مصطلح يتكرر في القاموس ال سياسي‬ ‫بني دافيد بن غوريون وحاخامات «أغودات ي سرائيل»‪ .‬وكان ادعاء‬
‫والعسكري اإلسرائيلي‪ ،‬لكنه يحمل معاني سوسيولوجية مهمة‬ ‫القيادة الدينية أن العالم الديني لليهود مت تدميره في شرق‬
‫جد ًا‪ ،‬ففكرة جيش الشعب تعتمد على التجنيد اإلجباري‪ ،‬وهذا‬ ‫أوروبا ب سبب الكارثة اليهودية‪ ،‬ويجب إعادة بنائه من جديد‬
‫األمر ي ستلزم م ستوى عالي ًا من الثقة بني املواطن واحلكومة‪،‬‬ ‫في دولة إسرائيل‪.‬‬
‫وإثبات احلكومة أنها ت ستحق هذه الثقة‪ ،‬وفي اللحظة التي‬ ‫حافظت اليهودية األرثوذك سية على مركز منظومتها الدينية‪،‬‬
‫يتم فيها ك سر هذه الثقة‪ ،‬إلى جانب صعود الشعور بغياب‬ ‫متمثلة في تعليم التوراة‪ .‬فالتوراة كانت مركز اخلطاب اليهودي‬
‫االنصاف في صفوف املتجندين‪ ،‬ستضيع فكرة «جيش‬ ‫األرثوذك سي بعد عام ‪ ،1948‬واستمرت كذلك بعد عام ‪1967‬‬
‫الشعب»‪ 4.‬حذر عوفر شيلح (عضو كني ست حالي عن حزب‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬وت ّك يفها مع دولة إسرائيل كان من أجل احلفاظ‬
‫يوجد م ستقبل) في كتابه املهم حول ال سياسة األمنية في‬ ‫على هذه املركزية‪ .‬وكانت معارضتها لتجنيد طالب مدارسها‬
‫إسرائيل‪ ،‬من إنتاج جزر م ستقلة حريدية كبيرة داخل اجليش‪،‬‬ ‫الدينية التوراتية في اجليش اإلسرائيلي نابعة من اخلوف من‬
‫من شأنها دفعه إلى التخلي عن مهمته املركزية واالنشغال كل‬ ‫تدنيس هذا املقدس بعلمنته وصهينته‪ ،‬رغم أنها لم ت سلم من‬
‫‪5‬‬
‫الوقت بواقع معقد داخله‪.‬‬ ‫تصدعات أصابت منظومتها بفعل ضغط الصهيونية العلمانية‬
‫ساهمت التحوالت الدميغرافية احلاصلة للقواعد االجتماعية‬ ‫والدينية عليها‪.‬‬
‫للجيش اإلسرائيلي كـ"جيش الشعب"‪ ،‬وخاصة احلضور الكبير‬ ‫جتدر اإلشارة في هذا الصدد‪ ،‬إلى أن بن غوريون وافق‬
‫ألبناء الصهيونية الدينية وحتى األرثوذكسية في املؤسسة‬ ‫على هذا االتفاق خشية أن تقوم القيادات الدينية األرثوذك سية‬
‫الع سكرية واألمنية‪ ،‬إلى انتاج حقل معرفي جديد في إسرائيل‬ ‫مبعارضة قيام دولة يهودية أمام جلنة األمم املتحدة التي‬
‫يبحث في العالقة بني الدين واملؤسسة العسكرية‪ .‬تنطلق‬ ‫فحصت م سألة فل سطني وتق سيم البالد عشية عام ‪ .1948‬أراد‬
‫أغلب التوجهات من أن تديني املؤس سة الع سكرية نابع من‬ ‫بن غوريون بناء إجماع يهودي على فكرة إقامة دولة يهودية‬
‫حتوالت حدثت داخل التيار الديني القومي نف سه أيديولوجيا‬ ‫في فل سطني‪ 2.‬في هذا ال سياق أدى النقاش الطويل بشأن‬
‫وثيولوجيا‪ 6.‬وإلى بداية حتول داخل التيار األرثوذك سي حديث ًا‪.‬‬ ‫جتنيد املتدينني في اجليش اإلسرائيلي إلى وجود منطني من‬
‫ففي كانون الثاني ‪ 1999‬مت تشكيل أول فرقة ع سكرية من‬ ‫اجلندية‪ ،‬فاجلنود املتدينون يفضلون اخلدمة بشكل منفرد‬
‫‪39‬‬
‫املتدينني احلريدمي‪" -‬ناحل"‪ .‬ومع ذلك فإن تأويالت دينية‬ ‫وضمن مجموعات دينية حتافظ على منط احلياة الديني‪،‬‬
‫أرثوذك سية ال تزال تلعب دور ًا في إعاقة اندماج أبناء اليهودية‬ ‫وبفصل الرجال عن النساء في وحداتهم الع سكرية‪ ،‬واجليش‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ال تقوم دائرة اإلحصاء المركزية اإلسرائيلية بتقسيم السكان اليهود حسب تدينهم‬
‫خالل عملية اإلحصاء السكاني‪ ،‬ولكنها تتبع طرق إحصائية دقيقة جدًا في تحديد‬
‫درجة التدين للسكان اليهود وأنماط التدين لديهم‪ ،‬وهنالك عالقة واضحة عند‬
‫اليهود بين أنماط التدين وبين درجة التدين‪ ،‬فالمجتمع الحريدي يتمتع بمميزات‬
‫سوسيولوجية خاصة به تختلف عن المميزات االجتماعية لباقي اليهود من جهة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫في حزيران ‪.1947‬‬ ‫األرثوذك سية الدينية بشكل كبير في اجليش‪ ،‬وذلك على عكس‬
‫تبي قراءة في اتفاق الوضع القائم أنه لم يتم‬
‫في احلقيقة‪ّ ،‬‬ ‫أبناء الصهيونية الدينية الذين تشكل العسكرية قيمة دينية‬
‫التطرق بتاتا إلى موضوع اخلدمة العسكرية‪ ،‬وإمنا إلى أربع‬
‫‪7‬‬
‫لديهم ولي ست قومية فقط‪.‬‬
‫قضايا أساسية للحياة الدينية‪ :‬السبت‪ ،‬الطعام (كوشير)‪،‬‬ ‫يشير زئيف دروري‪ ،‬أن التدين داخل اجليش نابع من حرص‬
‫التعليم واألحوال الشخصية‪ .‬ولكنه أشار إلى أن الطرفني‬ ‫اجليش على احلفاظ على شرعيته‪ ،‬ومكانته‪ .‬فاجليش مفتوح‬
‫يؤكدان أنه لن يكون هناك «فرض أو متييز في الشؤون التي‬ ‫لكل القطاعات االجتماعية والثقافية في املجتمع اليهودي‪،‬‬
‫تتعلق بالدين»‪ .‬الفرض والتمييز كلمتان متناقضتان في هذا‬ ‫وهو يحاول إدارة هذا االختالف الثقافي من خالل تلبية‬
‫ال سياق‪ ،‬يظهران تباع ًا في النص نف سه‪ ،‬وميكن من خاللهما‬ ‫االحتياجات الثقافية لكل مجموعة ثقافية عبر بناء هيكليات‬
‫فهم توجه كل طرف لتغيير نظام اخلدمة الع سكرية أو احلفاظ‬ ‫تنظيمية واضحة تلبي هذه احلاجات‪ ،‬مم أدى إلى حضور‬
‫عليها‪ .‬فعلى الرغم من أن االتفاق لم ُي شر بكلمة واحدة لهذا‬ ‫الدين وموضعته كجزء من الثقافة التنظيمية للجيش‪ .‬وبحسب‬
‫املوضوع‪ ،‬يتضح أنه يتم استعماله في ال سجال حوله‪ .‬فمن‬ ‫دروري‪ ،‬أصبحت االعتبارات الدينية ُم ؤثرة أو مت ساوية التأثير‬
‫يطالبون بتجنيد املتدينني ينطلقون من مفهوم التمييز‪ ،‬ومن‬ ‫مع االعتبارات املهنية العسكرية‪ 8.‬بطبيعة احلال‪ ،‬رك زّت معظم‬
‫يطالبون بإلغاء اخلدمة اإللزامية للمتدينني ينطلقون من مفهوم‬ ‫الدراسات على تأثير أبناء الصهيونية الدينية على اجليش‪،‬‬
‫الفرض‪ .‬التمييز بني من يخدم ومن ال يخدم وغياب حتقيق‬ ‫نحو تديني اجليش‪ ،‬غير أن هذا املقال لن يناقش هذه الشريحة‬
‫امل ساواة في العبء‪ ،‬خطاب سيظهر في ال سنوات األخيرة ملن‬ ‫الدينية‪ ،‬التي ترى أص ًال في اخلدمة الع سكرية جزء ًا من العقيدة‬
‫يدفع نحو جتنيد املتدينني اليهود‪ .‬والفرض بالقوة لنمط حياة‬ ‫واالميان‪ ،‬بل بالشريحة احلريدية التي ترى تناقض ًا بني االثنتني‪،‬‬
‫ال يتالءم مع منط احلياة الديني املتمثل في تعليم التوراة مدى‬ ‫رغم تعديل مواقفها حول هذا التناقض في العقدين املاضيني‪.‬‬
‫احلياة‪ ،‬خطاب ي ستعمله من يرفض فرض التجنيد اإللزامي‬ ‫سيشير البحث الحق ًا أن سنوات الثمانينيات شهدت بداية‬
‫للمتدينني باعتباره مخالف ًا لروح الوضع القائم‪ ،‬الذي يضمن‬ ‫التفكير اجلدي بكسر الوضع القائم فيما يتعلق بتجنيد‬
‫منط حياة ديني ًا للمتدينني‪.‬‬ ‫املتدينني اليهود‪ ،‬فأول جلنة تشكلت لفحص هذه املسألة تشكلت‬
‫في الثمانينيات‪ ،‬وحلقتها جلان عديدة ُم حاولة صياغة منظومة‬
‫الحريديم في إسرائيل‪ :‬معطيات ديمغرافية‬ ‫لتجنيد املتدينني‪ ،‬يعتبر الباحثان اإلسرائيليان آشار كوهن‬
‫وباروخ زي سر أن التصدع القومي العلماني شهد تصعيد ًا‬
‫ال تقوم دائرة اإلحصاء املركزية اإلسرائيلية بتق سيم ال سكان‬
‫منذ سنوات الثمانينيات وخاصة الت سعينيات‪ ،‬ب سبب حتول‬
‫اليهود حسب تدينهم خالل عملية اإلحصاء السكاني‪ ،‬ولكنها‬
‫إدارة هذا التصدع من خالل سياسات الت سوية إلى سياسات‬
‫تتبع طرق إحصائية دقيقة جد ًا في حتديد درجة التدين‬ ‫‪9‬‬
‫األزمة (وما ميكن أن نطلق عليه أيض ًا السياسة التصارعية)‪.‬‬
‫لل سكان اليهود وأمناط التدين لديهم‪ ،‬وهنالك عالقة واضحة عند‬
‫سعي كل طرف حل سم اخلالف‬ ‫ّ‬ ‫وتنطلق سياسات األزمة من‬
‫اليهود بني أمناط التدين وبني درجة التدين‪ ،‬ف املجتمع احلريدي‬ ‫لصاحله‪ ،‬وفيما يتعلق ب سؤال الدين والدولة‪ ،‬أدت سياسات‬ ‫‪40‬‬
‫يتمتع مبميزات سوسيولوجية خاصة به تختلف عن املميزات‬ ‫األزمة إلى اهتراء تدريجي في اتفاق الوضع القائم الذي وقع‬
‫عدد ‪79‬‬
‫اإلسرائيلي للدميقراطية‪ ،‬والذي يعتمد في جزء كبير منه‬ ‫االجتماعية لباقي اليهود من جهة‪ ،‬وحتى تختلف عن التيار‬
‫على معطيات دائرة اإلحصاء املركزية اإلسرائيلية‪ ،‬وفيها‬ ‫الديني القومي‪ .‬لهذا ومن خالل هذه املميزات ال سوسيولوجية‬
‫ي ستعرض أهم املعطيات حول املجتمع املتدين‪ ،‬ومنها املشهد‬ ‫ومن خالل تواجد احلريدم في مناطق جغرافية معزولة ميكن‬
‫الدميغرافي‪ 12.‬وصل عدد املتدينني احلريدمي في إسرائيل‬ ‫بطرق إحصائية وم سحية دقيقة معرفة أعدادهم ون سبتهم داخل‬
‫في عام ‪ 2017‬إلى أكثر من مليون نسمة (حتديد ًا ‪1,033,000‬‬ ‫املجتمع اليهودي‪ .‬املعطيات الواردة مأخوذة من تقرير أعدته‬
‫نسمة)‪ .‬وذلك مقابل ‪ 750‬الف ًا عام ‪ .2009‬يعتبر النمو ال سكاني‬ ‫وزارة الصناعة والتجارة والتشغيل اإلسرائيلية‪ ،‬والتي هدفت‬
‫للحريدمي كبير ًا جد ًا‪ ،‬حيث استقر على ‪ %4,4‬في ال سنة منذ عام‬ ‫إلى دمج احلريدمي في سوق العمل‪ ،‬وتضمنت في سياق هذا‬
‫‪ ،2009‬وذلك مقابل نسبة منو تصل إلى ‪ %1,9‬ملجمل ال سكان‬ ‫التقرير معطيات إحصائية جديدة حول هذه املجموعة ال سكانية‪.‬‬
‫في إسرائيل‪ ،‬و‪ %1,4-‬للنمو ال سكاني في املجتمع اليهودي‬ ‫ق سم التقرير املجتمع اليهودي في إسرائيل إلى مجموعات‬
‫حتديد ًا‪ .‬يعود النمو السكاني الكبير للمجتمع احلريدي إلى‬ ‫سكانية مختلفة ح سب درجة التدين‪ ،‬ويظهر من هذا التق سيم‬
‫متازج عوامل عديدة‪ ،‬أهمها معدالت والدة عالية والزواج في جيل‬ ‫النتائج التالية‪:11‬‬
‫مبكر‪ .‬ارتفعت نسبة احلريدمي من مجمل سكان إسرائيل من‬
‫ال سكان ‪ %‬مجمل ‪ %‬من اليهود‬
‫‪ %10‬عام ‪ 2009‬إلى ‪ %12‬عام ‪ .2017‬وإذا استمرت هذه التوجهات‬
‫(باآلالف) ال سكان اإلسرائيليني‬
‫(باآلالف‬
‫الدميغرافية فإن املجتمع احلريدي سوف يضاعف نف سه عددي ًا‬
‫كل ‪ 16‬عام ًا‪ .‬مقابل ‪ 50‬عام ًا في املجتمع اليهودي عموم ًا‪،‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪79.6‬‬ ‫‪6128.4‬‬ ‫مجمل اليهود‬
‫و‪ 37-‬عام ًا لدى سكان إسرائيل‪ .‬غير أن التوقعات تشير أنه‬ ‫‪13.6‬‬ ‫‪10.8‬‬ ‫‪833.2‬‬ ‫حريدمي‬
‫سيكون هنالك تراجع في منو ال سكان في املجتمع احلريدي‬
‫‪10.7‬‬ ‫‪8.5‬‬ ‫‪656.4‬‬ ‫متدينون‬
‫ب سبب تراجع التكاثر الطبيعي في امل ستقبل وارتفاع جيل‬
‫الزواج‪ ،‬وخروج املرأة املتدينة للعمل‪ ،‬فض ًال عن االندماج في‬ ‫‪11.9‬‬ ‫‪9.4‬‬ ‫‪726.9‬‬ ‫محافظون متدينون‬
‫‪13‬‬
‫التعليم األكادميي واملهني‪.‬‬ ‫‪22.7‬‬ ‫‪18.1‬‬ ‫‪1390.4‬‬ ‫محافظون غير متدينني‬
‫يتميز املجتمع املتدين بكونه مجتمع ًا فت ّي ًا‪ ،‬حيث تصل‬
‫‪41.1‬‬ ‫‪32.7‬‬ ‫‪2521.2‬‬ ‫علمانيون‬
‫نسبة الشريحة اجليلية ‪ 19-0‬في هذه املجموعة إلى ‪ %58‬من‬
‫مجمل املتدينني املتزمتني في إسرائيل‪ ،‬مقابل ‪ %30‬من مجمل‬ ‫يتضح من اجلدول‪ ،‬أن احلريدمي يشكلون حوالى ‪ %14‬من‬
‫ال سكان اليهود‪ .‬تدل هذه املعطيات أن املجتمع احلريدي أصغر‬ ‫املجتمع اليهودي‪ ،‬ولكن ال يتوقف األمر عند هذه الن سبة‪ .‬تشير‬
‫جيلي ًا من املجتمع اليهودي عموم ًا‪.‬‬ ‫املعطيات أن معدل التكاثر الطبيعي في صفوف املجموعة‬
‫احلريدية يصل إلى أكثر من ‪( %7‬مقارنة مع نسبة ‪ 2.2‬عن‬
‫كما ذكر سابق ًا‪ ،‬تعتمد التوقعات الدميغرافية املستقبلية‬
‫املرأة اليهودية وحوالى ‪ %3.5‬عند املرأة العربية)‪ ،‬ما يدل أن هذه‬
‫للمجموعة احلريدية على املعطيات احلالية‪ ،‬وتشير التقديرات أن‬
‫املجموعة ال سكانية سوف تزيد من ن سبتها ال سكانية خالل‬
‫نسبة احلريدمي ستصل عام ‪ 2030‬إلى حوالى ‪ %16‬من مجمل‬
‫العقد األخير‪ .‬يشكل األطفال احلريدمي (‪ 14-0‬عام ًا) حوالى‬
‫سكان إسرائيل‪ ،‬في هذا العام سيصل عدد احلريدمي حتى اجليل‬
‫‪ %20‬من هذه الشريحة العمرية في املجتمع‪ ،‬ما يدل أن هذه‬
‫‪ ،20‬إلى حوالى مليون ن سمة‪ ،‬فضال عن أن ن سبتهم من الشريحة‬
‫املجموعة ستتحول خالل العقدين القادمني إلى قوة سكانية‬
‫اجليلية نف سها ستصل إلى ‪ %25‬من مجمل هذه الشريحة‬
‫كبيرة‪ ،‬ما ينعكس أيض ًا على قوتها السياسية‪ .‬تعبر حركتان‬
‫في إسرائيل؛ أي أن ربع سكان إسرائيل حتى جيل ‪ 20‬سنة‪،‬‬
‫سياسيتان عن هذه املجموعة ال سكانية؛ حركة شاس‪ ،‬وهي‬
‫سيكونون حريدمي‪ .‬فيما سيصل عدد احلريدمي في العام ‪2033‬‬
‫متثل احلريدمي الشرقيني‪ ،‬ويهدوت هتوراة وهي متثل احلريدمي‬
‫مليوني ن سمة‪ .14‬ووفق التوقعات الدميغرافية نفسها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إلى حوالى‬
‫األشكناز‪.‬‬
‫ستجاوز عدد احلريدمي في إسرائيل عدد املواطنني الفل سطينيني‬
‫‪41‬‬ ‫في إسرائيل في العام ‪ .2043‬وفي العام ‪ ،2060‬ستصل نسبة‬ ‫تعتمد الفقرات التالية على قراءة حتليالت الكتاب ال سنوي‬
‫احلريدمي من مجمل اليهود في إسرائيل إلى حوالي ‪.%40‬‬ ‫للمجتمع املتدين املتزمت (احلريدمي) الذي يصدره املعهد‬

‫عدد ‪79‬‬
‫شكلت مسألة تجنيد المتدينين الحريديم للجيش إحدى المسائل التي تلعب دورًا‬
‫في الصراع بين الحريديم ومجموعة األغلبية اليهودية غير المتدينة‪ ،‬بما في ذلك‬
‫ُ‬
‫الصهيونية الدينية‪ ،‬التي تقدس الخدمة العسكرية‪ .‬وجرت في الماضي محاوالت‬
‫ّ‬
‫تشريعية وتسويات سياسية عديدة للوصول إلى صيغة للتعامل مع هذه المسألة‪.‬‬

‫‪ 1948‬أعلن ي سرائيل غليلي قائد الهاغناه عن إعفاء احلريدمي‬ ‫وتشير املعطيات التي أوردها تقرير معهد «شموئيل نئمان»‬
‫من اخلدمة العسكرية‪ ،‬واقتصار مهمتهم على حماية األماكن‬ ‫في معهد التخنيون في حيفا أن معدل الزيادة في عدد احلريدمي‬
‫التي ي سكنون فيها بعد تدريبهم على ذلك‪ .‬في كانون الثاني‬ ‫في إسرائيل يتراوح بني ‪ 7-4‬ب املائة في ال سنة‪ ،‬ما يعني أن‬
‫‪ ،1951‬بعث دافيد بن غوريون برسالة لوزارة الدفاع وقائد هيئة‬ ‫احلريدمي يضاعفون عددهم كل ‪ 16-10‬سنة‪ 15.‬وح سب تقرير‬
‫األركان‪ ،‬موضح ًا لهم بأنه قرر إعفاء طالب املدارس الدينية من‬ ‫صدر بعنوان «إسرائيل ‪ ،»2028‬فإنه إذا استمرت املؤشرات‬
‫اخلدمة الع سكرية‪ ،‬ألنهم «يعملون» بدراسة التوراة‪ ،‬وما داموا‬ ‫الدميغرافية احلالية للحريدمي في االجتاه نف سه‪ ،‬ف ستشكل‬
‫‪20‬‬
‫كذلك فإنه سيتم إعفاؤهم‪.‬‬ ‫نسبتهم في العام ‪ ،2028‬حوالى ُخ مس السكان اليهود في‬
‫شكلت مسألة جتنيد املتدينني احلريدمي للجيش إحدى‬ ‫إسرائيل‪ ،‬وسيشكل الطالب احلريدمي الذين سيلتحقون بالصف‬
‫امل سائل التي تلعب دور ًا في الصراع بني احلريدمي ومجموعة‬ ‫األول حوالى ‪ %40‬من مجمل طالب الصف األول اليهود في‬
‫األغلبية اليهودية غير املتدينة‪ ،‬مبا في ذلك الصهيونية الدينية‪،‬‬ ‫العام نفسه‪ 16.‬وح سب تنبؤات دائرة اإلحصاء املركزية‪ ،‬املعتمدة‬
‫التي تُقدس اخلدمة الع سكرية‪ .‬وجرت في املاضي محاوالت‬ ‫على ال سمات الدميغرافية احلالية للحريدمي في إسرائيل‪ ،‬فإن‬
‫تشريع ّي ة وتسويات سياسية عديدة للوصول إلى صيغة للتعامل‬ ‫عددهم سيصل في العام ‪ 2059‬إلى حوالى أربعة ماليني ومائة‬
‫مع هذه املسألة‪ُ .‬ب عيد إقامة دولة إسرائيل‪ ،‬توصل رئيس‬ ‫ألف نسمة‪ ،‬وسيشكلون حوالى ‪ %35‬من مجمل ال سكان في‬
‫احلكومة حينها دافيد بن غوريون إلى ت سوية مع املتدينني في‬ ‫إسرائيل‪ ،‬بينما ستشكل شريحة اجليل ‪ 19-0‬احلريدية في‬
‫تشرين األول عام ‪ 1948‬بإعفائهم من التجنيد‪ ،‬لي ستمروا في‬ ‫العام نف سه ما يقارب ‪ %50‬من مجمل ال سكان في الدولة (وليس‬
‫دراستهم في املدارس الدينية (ييشيفوت)‪ .‬كان عدد الطالب‬ ‫اليهود فقط)‪ 17.‬وتوضح املعطيات أن معدل التكاثر الطبيعي‬
‫املتدينني في ذلك الوقت يصل إلى حوالى ‪ 400‬طالب‪ .‬في هذا‬ ‫للمرأة املتد ّي نة احلريدية يصل إلى ‪ %6.5‬مقارنة مع ‪ %2.9‬في‬
‫ً ‪18‬‬
‫املجتمع اليهودي عموم ا‪.‬‬
‫الحريديم والجيش‪ :‬بصمات متبادلة‪.‬‬ ‫حدد قانون اخلدمة العسكرية من هو احلريدي‪ ،‬بأنه‬
‫«الشخص الذي درس في مؤس سة تعليمية حريدية‪ ،‬معرفة‬
‫كذلك ح سب القانون‪ ،‬وذلك خالل الفترة العمرية من ‪ 14‬عام ًا‬
‫حتى ‪ 18‬عام ًا»‪ .‬إذن‪ ،‬يتبنى قانون اخلدمة الع سكرية تعريف‬
‫الشاب احلريدي بح سب خلفيته التعليمية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد‬
‫بقي ساري ًا في‬ ‫رفضت احملكمة العليا هذا التعريف الذي ّ‬
‫القانون حتى كانون األول ‪ ،2018‬معتبرة أن هذا التعريف واسع‬
‫‪19‬‬
‫جد ًا‪ ،‬وقد يشمل بالضرورة شباب ًا لي سوا بحريدمي‪.‬‬

‫تجنيد الحريديم في الجيش‪ :‬تخبط وغياب الحسم‬


‫‪42‬‬
‫أعفت القيادة الصهيونية الشباب احلريدي من اخلدمة‬
‫الع سكرية بصورة غير رسمية خالل حرب ‪ .1948‬ففي آذار‬
‫عدد ‪79‬‬
‫تجددت المحاوالت لترتيب مسألة تجنيد المتدينين مع إقامة لجنة «طال»‪ ،‬على‬
‫اسم القاضي تسيفي طال‪ ،‬والتي أقيمت عام ‪ ،1999‬في عهد حكومة أيهود باراك‪.‬‬
‫أقيمت اللجنة في أعقاب التماس للمحكمة العليا‪ ،‬حيث أصدرت المحكمة هذه‬
‫المرة قرارًا أكثر وضوحًا بعدم صالحية وزير الدفاع منح إعفاء شامل لطالب المدارس‬
‫الدينية من الخدمة العسكرية بدون مسوغ قانوني ينظم هذه المسألة‪.‬‬

‫ديان‪ ،‬بحصر عدد املتجندين احلريدمي بـ‪ 800‬طالب فقط‪ .‬في‬ ‫ال سياق‪ ،‬ميكن القول إن بن غوريون اتخذ قرار إعفاء املتدينني‬
‫العام ‪ 1970‬مت االلتماس للمحكمة العليا ضد عدم جتنيد ‪5000‬‬ ‫من اخلدمة في اجليش ألربعة أهداف مركزية‪:‬‬
‫طالب متدين من املدارس الدينية‪ ،‬وقد أصدرت احملكمة قرار ًا‬ ‫األول‪ :‬رأب التوتر الذي كان ميكن أن يتصاعد في الدولة‬
‫أشارت فيه أنها ال تفضل البت في املوضوع‪ ،‬بل تركه لقرار‬ ‫اجلديدة وهي في أمس احلاجة إلى تأسيس مرحلة بناء‬
‫السلطات السياسية بهذا الشأن‪ .‬ومع صعود الليكود للحكم‪،‬‬ ‫األمة بهدوء‪.‬‬
‫كانت حركة أغودات يسرائيل شريك ًا في احلكومة برئاسة‬ ‫الثاني‪ :‬لم يكن عدد طالب املدارس الدينية كبيرا‪ ،‬وهو ثمن‬
‫مناحيم بيغن‪ ،‬قرر األخير إلغاء الت سوية التي كانت مفروضة‬ ‫ميكن دفعه بالنسبة له من أجل احلفاظ على حالة الهدوء‬
‫على احلريدمي من أجل التجند‪ ،‬حتى لو كانت بأعداد قليلة‪.‬‬ ‫املجتمعي القائم‪.‬‬
‫مت في العام ‪ 1986‬تشكيل جلنة كاهن برئاسة عضو‬ ‫ثالثا‪ :‬كان بن غوريون يعتقد أن إسرائيل واملجتمع اليهودي‬
‫الكني ست مناحيم كاهن من حزب العمل‪ ،‬وهو حاخام يهودي‪.‬‬ ‫سيتطوران في اجتاه حتييد الدين عن املجال العمومي‬
‫قدمت اللجنة توصياتها في العام ‪ ،1988‬واقترحت العودة إلى‬ ‫واختفائه‪ ،‬حيث أن عدد احلريدمي سيضل قلي ًال ويتضاءل‬
‫الوضع الذي كان قائم ًا قبل عام ‪ ،1975‬والذي يعني إعفاء طالب‬ ‫من الوقت‪.‬‬
‫املدارس الدينية املعترف بها‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬اقترحت اللجنة‬
‫رابعا‪ :‬ك سب شرعية إسرائيل كمركز لليهودية األرثوذك سية بعد‬
‫بناء أطر تعليم ّي ة تعطي شهادة تأهيل أكادميي يتعلم بها طالب‬
‫تدمير املراكز اليهودية في أعقاب الكارثة‪.‬‬
‫املدارس الدينية أبناء الشريحة اجليلية ‪ 24-18‬عام ًا‪ ،‬بحيث‬
‫يتم اختيار أفضل ‪ 200‬طالب وإعفاءهم من اخلدمة الع سكرية‬ ‫إال أن توقعات بن غوريون األربعة ذهبت هباء الرياح‪،‬‬
‫واالستمرار بتعليمهم‪ ،‬أما الباقني فيتم جتنيدهم مدة عام‬ ‫وأهمها ازدياد عدد طالب املدارس اليهودية املتزمتة الذين باتوا‬
‫‪21‬‬
‫فقط‪ ،‬غير أن توصيات اللجنة لم يتم تطبيقها بشكل كامل‪.‬‬ ‫يستغلون هذه التسوية إلعفائهم من اخلدمة العسكرية‪ .‬كما‬
‫أن نفوذهم ال سياسي زاد في احلكومات وبات ينظر لهم بأنهم‬
‫جتددت احملاوالت لترتيب مسألة جتنيد املتدينني مع إقامة‬
‫يحصلون على حقوق وامتيازات ب سبب نفوذهم ال سياسي‬
‫جلنة «طال»‪ ،‬على اسم القاضي ت سيفي طال‪ ،‬والتي أقيمت‬
‫دون أن يشاركوا في اخلدمة الع سكرية‪ .‬وبات موضوع جتنيد‬
‫عام ‪ ،1999‬في عهد حكومة أيهود باراك‪ .‬أقيمت اللجنة في‬
‫الطالب اليهود املتدينني مطلب ًا من أحزاب غير دينية‪ ،‬لدوافع‬
‫أعقاب التماس للمحكمة العليا في كانون األول ‪ ،1998‬في هذا‬
‫سياسية انتخابية ولدوافع أيديولوجية‪ .‬على كل حال‪ ،‬استمر‬
‫الشأن‪ ،‬حيث أصدرت احملكمة هذه املرة قرار ًا أكثر وضوح ًا بعدم‬
‫الوضع القائم الذي صكه بن غوريون حتى عام ‪ ،1998‬حيث‬
‫صالحية وزير الدفاع منح إعفاء شامل لطالب املدارس الدينية‬
‫أصدرت احملكمة العليا قرار ًا يقضي بأن ازدياد عدد املتدينني‬
‫من اخلدمة الع سكرية بدون م سوغ قانوني ينظم هذه امل سألة‪.‬‬
‫الذين يتم إعفاؤهم من اخلدمة الع سكرية بناء على الت سوية‬
‫وقد جاءت جلنة طال من أجل صياغة إطار قانوني يتم من خالله‬
‫ال سابقة حتتاج إلى ناظم جديد يتم من خالل تشريع قانوني‬
‫ت سوية هذه امل سألة‪ .‬مت تقدمي تقرير اللجنة في عام ‪ ،2000‬وفي‬
‫‪43‬‬ ‫جديد ينظم هذه امل سألة‪.‬‬
‫العام ‪ 2002‬مت سنّ قانون «طال» الذي ُي ّك ن من إعفاء احلريدمي‬
‫من اخلدمة الع سكرية ح سب الشروط الواردة فيه‪.‬‬ ‫خالل األعوام ‪ ،1970-1968‬طالب وزير الدفاع آنذاك‪ ،‬موشيه‬

‫عدد ‪79‬‬
‫قامت الحكومة عام ‪ 2014‬بسن قانون «المساواة في العبء» وهو فعليًا تعديل‬
‫لقانون األمن عام ‪ .1986‬تمثل هدف القانون بزيادة عدد الطالب المتدينين الذين‬
‫يتجندون للجيش وبعدها دمجهم في سوق العمل اإلسرائيلي‪ .‬وقد أشار التعديل‬
‫إلى أنه في حالة رفض الجمهور الحريدي توفير عدد محدد من المتجندين للجيش‪،‬‬
‫فإن الحكومة ستتعامل معه مثل رافضي الخدمة العسكرية للمجموعات األخرى‪.‬‬

‫منظومة بديلة للتجنيد مكان منظومة قانون طال‪ ،‬بهدف إلغاء‬ ‫مبوجب القانون‪ ،‬فإن املتدين اليهودي في جيل ‪ ،22‬يختار‬
‫تأجيل جتنيد طالب املدارس الدينية بدون أفق ُم حدد‪ .‬قاطعت‬ ‫بني إمكانيتني‪ :‬االستمرار في التعليم أو العمل‪ .‬من يختار‬
‫األحزاب الدينية اللجنة اجلديدة‪ ،‬وأعلنت أنها لن تتعاون معها‪،‬‬ ‫العمل ميكنه االختيار بني خدمة ع سكرية قصيرة من سنة‬
‫وبعد شهر ونصف من تشكيلها قام رئيس احلكومة نتنياهو‬ ‫وأربعة شهور وبني اخلدمة املدنية مدة عام بدون أج ر‪ ،‬مع إمكانية‬
‫بإلغاء اللجنة في أعقاب معارضة األحزاب الدينية التي كانت‬ ‫أن يعمل مبهنة أخرى‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬أقر القانون توسيع أطر‬
‫حكومته تتكئ عليها في أعقاب انتخابات ‪ ،2009‬والتي مهدت‬ ‫اخلدمة العسكرية داخل اجليش من الوحدة اخلاصة ب املتدينني‬
‫‪25‬‬
‫لعودة نتنياهو كرئيس للحكومة من جديد‪.‬‬ ‫(وحدة ناحل) وفرض القانون على الطالب الذين ال يخضعون‬
‫بعد انتخابات ‪ ،2013‬وصعود حزب يوجد م ستقبل (ييش‬
‫‪22‬‬
‫لهذه التسوية‪.‬‬
‫عتيد) برئاسة يائير لبيد‪ ،‬والذي كان مفاجأة االنتخابات‬ ‫إذن‪ ،‬جاءت اللجنة لبناء أرضية قانونية يتم االستناد عليها‪،‬‬
‫بحصوله على ‪ 19‬مقعد ًا‪ ،‬والذي رفع في برنامج حزبه اجلديد‬ ‫متكن احلكومة من إعفاء الطالب املتدينني اليهود من اخلدمة‬
‫مبدأ امل ساواة في العبء‪ ،‬شكل نتنياهو حكومته اجلديدة بدون‬ ‫الع سكرية‪ ،‬دون إغالق الباب أمام من يريد ذلك ضمن أطر‬
‫األحزاب الدينية احلريدية‪ .‬مت على أثر ذلك تشكيل جلنة بيري‬ ‫ع سكرية خاصة بهم‪ .‬على كل حال‪ ،‬مت تشريع ما عرف بقانون‬
‫(على اسم رئيس جهاز األمن العام ال سابق‪ ،‬وعضو حزب‬ ‫«طال»‪ 23‬في العام ‪ 2002‬بأغلبية ‪ 51‬عضو كنيست ومعارضة‬
‫يوجد مستقبل‪ -‬يعقوب بيري)‪ .‬أقرت اللجنة بأن احلكومة‬ ‫‪ 41‬عضو‪ .‬مت نشر القانون في العام ‪ ،2002‬ومت حتديد مدته‬
‫سوف تفرض عقوبات اقتصادية على املدارس الدينية التي لن‬ ‫بخمس سنوات‪ ،‬مع إمكانية متديد العمل به خلمس سنوات‬
‫تلتزم بتحقيق عدد املجندين املطلوب‪ ،‬في املقابل ستتم مكافأة‬ ‫أخرى (حتى العام ‪.)2012‬‬
‫املدارس الدينية اقتصادي ًا في حالة استوفت عدد املتجندين‬ ‫في أيلول ‪ ،2005‬أعلنت الدولة للمحكمة العليا أن قانون طال‬
‫من صفوفها‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬أوصت اللجنة بأنه في حالة لم‬ ‫فشل‪ ،‬فلم ت ستطع احلكومة توسيع عدد املتجندين احلريدمي‬
‫يتم استيفاء عدد املتجندين فإنه سيتم فتح إجراءات جنائية‬ ‫للجيش‪ ،‬فمنذ تشريعه عام ‪ ،2002‬جنحت احلكومة في جتنيد‬
‫‪26‬‬
‫ضد املتخلفني عن التجنيد‪.‬‬ ‫أعداد قليلة جد ًا من أبناء املدارس الدينية‪ ،‬ال بل إن اجليش‬
‫مت في أعقاب قرارات جلنة بيري تشكيل جلنة جديدة برئاسة‬ ‫أعلن أن عدد الذين يتم رفضهم للخدمة الع سكرية ازداد منذ‬
‫اييليت شاكيد‪ ،‬من البيت اليهودي‪ ،‬حزب الصهيونية الدينية‬ ‫سنّ القانون بصورة كبيرة‪ ،‬ما أدى إلى الوصول إلى نتيجة أن‬
‫الذي كان شريك ًا في احلكومة‪ ،‬حيث كان نفتالي بينيت‪ ،‬رئيس‬ ‫‪24‬‬
‫مهمة جتنيد املتدينني للجيش في إطار قانون طال قد فشلت‪.‬‬
‫احلزب‪ ،‬في حتالف «أخوة» مع يائير لبيد‪ ،‬وعمال مع ًا على فرض‬ ‫على ضوء فشل قانون طال‪ ،‬أصدرت احملكمة العليا في‬
‫شروطهما على نتنياهو عشية تشكيل االئتالف احلكومي‪ .‬كان‬ ‫شباط ‪ 2012‬قرار ًا مفاده أن قانون طال يعتبر قانونا غير‬
‫هدف اللجنة صياغة قانون جتنيد جديد حول جتنيد أبناء‬ ‫دستوري‪ ،‬ومبا أن القانون مت متديده مرتني مدة خمس سنوات‬
‫املدارس الدينية احلريدية في اجليش‪ ،‬اخلدمة املدنية وسوق‬ ‫(‪ )2012-2002‬فإن الكني ست ال ت ستطيع متديده مرة أخرى‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫العمل‪ ،‬وذلك على ضوء توصيات جلنة بيري‪ .‬ورغم التحالف‬ ‫ورغم معارضة األحزاب الدينية‪ ،‬شكلت احلكومة «جلنة امل ساواة‬
‫بني يوجد م ستقبل والبيت اليهودي‪ ،‬إال أنهما اختلفا على بند‬ ‫في العبء» برئاسة عضو الكني ست حنان بل سنر لصياغة‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ساهم تجنيد المتدينين في الجيش‪ ،‬سواء من أبناء الصهيونية الدينية أو‬
‫الحريديم‪ ،‬في تأقلم المؤسسة العسكرية اإلسرائيلية مع هذا الواقع في أنظمتها‬
‫الداخلية‪ ،‬وساهم في توسيع المهام المناطة بالمؤسسة الدينية العسكرية‪ ،‬بما‬
‫يتعدى اإلجراءات الروتينية مثل مراقبة الطعام‪ ،‬وتقديم المشورة الدينية للقرارات‬
‫العسكرية‪ ،‬مثل تحديد المتوفى‪ ،‬ومسائل رفات الجنود والمفقودين وغيرها‪.‬‬

‫احملكمة العليا ألغت هذا القانون حتت ادعاء أنه ال يحقق‬ ‫العقوبات االقتصادية واجلنائية ضد املتخلفني عن التجنيد‪.‬‬
‫امل ساواة بني أولئك املفروض عليهم التجنيد‪ 28.‬أثار إلغاء القانون‬ ‫وبعد تدخل نتنياهو أقرت جلنة شاكيد بند اإلجراءات اجلنائية‬
‫غضب األحزاب احلريدية على احملكمة العليا‪ ،‬وأعاد النقاش‬ ‫في قانون امل ساواة في العبء‪ 27.‬في آذار ‪ 2014‬عرض القانون‬
‫من جديد حول سؤال جتنيد املتدينني حيث تطالب األحزاب‬ ‫الذي صاغته جلنة شاكيد على الكني ست‪ ،‬ومت إقراره بالقراءة‬
‫املتدينة مرة أخرى ب سن قانون جديد ُم عدل يتالءم من طلباتها‪،‬‬ ‫الثانية والثالثة‪.‬‬
‫بينما تطالب األحزاب األخرى ال س ّي ما حزب ي سرائيل بيتينو‬ ‫قامت احلكومة عام ‪ 2014‬ب سن قانون «امل ساواة في العبء»‬
‫برئاسة أفيغدور ليبرمان الذي شغل منصب وزير الدفاع ب سن‬ ‫وهو فعلي ًا تعديل لقانون األمن عام ‪ .1986‬متثل هدف القانون‬
‫قانون ال يتجاوب مع ما تطلبه األحزاب املتدينة‪ ،‬األمر الذي هدد‬ ‫بزيادة عدد الطالب املتدينني الذين يتجندون للجيش وبعدها‬
‫استمرار احلكومة‪ ،‬مما دفع ليبرمان نف سه إلى االن سحاب منها‪.‬‬ ‫دمجهم في سوق العمل اإلسرائيلي‪ .‬وقد أشار التعديل إلى‬
‫في أعقاب نتائج انتخابات آذار ‪ ،2015‬وتراجع قوة حزب‬ ‫أنه في حالة رفض اجلمهور احلريدي توفير عدد من املتجندين‬
‫يوجد مستقبل‪ ،‬وتشكيل نتنياهو حلكومته اجلديدة بدون‬ ‫للجيش في العام ‪ 2017‬والذي يصل إلى ‪ 5200‬طالب‪ ،‬فإن‬
‫لبيد‪ ،‬وعودة األحزاب الدينية إلى االئتالف احلكومي‪ ،‬مت إدخال‬ ‫احلكومة ستتعامل معه بنفس أدوات التعامل مع رافضي‬
‫تعديل على القانون ُب عيد تشكيل احلكومة مباشرة‪ ،‬ومت إلغاء‬ ‫اخلدمة الع سكرية للمجموعات األخرى وتفرض عليهم عقوبات‬
‫العقوبات اجلنائية على طالب املدارس الدينية‪ ،‬على األقل حتى‬ ‫مالية وإدانات جنائية‪ .‬بينما إذا و ّف ر اجلمهور احلريدي هذا‬
‫عام ‪ .2023‬تشير صيرورة ال سجال اإلسرائيلي والقانوني حول‬ ‫العدد‪ ،‬فستقوم احلكومة بإعفاء الباقني من اخلدمة العسكرية‬
‫جتنيد املتدينني إلى غياب القدرة على ح سم املوضوع‪ ،‬النابع‬ ‫بعد تأجيل خدمتهم للجيل ‪.26‬‬
‫من ميزان القوى ال سياسي في املشهد ال سياسي اإلسرائيلي‪،‬‬ ‫مت مع تشكيل احلكومة اجلديدة في أعقاب انتخابات عام‬
‫ولكنه يدل من اجلهة األخرى‪ ،‬وهذا هو األهم‪ ،‬على أن األطراف‬ ‫‪ ،2015‬ودخول األحزاب املتدينة إلى احلكومة وخروج حزب‬
‫تسعى إلى حسم هذه املسألة ك ّل لتوجهاته األيديولوجية‪،‬‬ ‫«يوجد مستقبل»‪ ،‬وبسبب تبعية احلكومة لألحزاب احلريدية‪،‬‬
‫واحل سم ال ينبع من حاجة ع سكرية‪ ،‬بل من حتوالت في املجتمع‬ ‫إلغاء التعديل الذي قامت به احلكومة ال سابقة‪ ،‬ومت سن قانون‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬استحضرت من جديد سؤال الدين والدولة في‬ ‫جديد يتيح تأجيل جتنيد املتدينني حتى عام ‪ ،2023‬غير أن‬
‫العقود الثالثة املاضية‪.‬‬
‫بعد الفراغ الذي ُوجد في أعقاب القانون القدمي‪ ،‬يدور نقاش‬
‫داخل االئتالف احلكومة وخارجه حول سنّ قانون اإلعفاء من‬
‫اخلدمة الع سكرية‪ .‬حيث تطالب األحزاب احلريدية ب سن قانون‬
‫يتجاوب مع توجهاتها من املوضوع‪ ،‬بينما تطالب أحزاب‬
‫أخرى ب سن قانون يتالءم من احتياجات اجليش‪ ،‬حيث أعلن‬
‫‪45‬‬ ‫ليبرمان أن أي القانون يراد تشريعه عليه أن ُي صاغ بناء على‬
‫توصية اجليش وليس توصية األحزاب الدينية‪ .‬في البداية‬
‫عدد ‪79‬‬

‫الحاخام الحريدي يويل شوارتز يتحدث إىل الجنود قبيل أحد االجتياحات لغزة‪.‬‬
‫تجنيد الحريديم في الجيش‪:‬‬ ‫وحتديد ًا في اذار ‪ ،2018‬هددت األحزاب احلريدية بأنها لن‬
‫تفكيك الجيش كبوتقة صهر‬ ‫تصوت على ميزانية الدولة إذا لم يتم سن قانون اإلعفاء‬
‫من اخلدمة الع سكرية‪ ،‬وكانت احلكومة على شفا ال سقوط‬
‫ساهم جتنيد املتدينني في اجليش‪ ،‬سواء من أبناء‬
‫جراء هذا القرار‪ .‬حينها بعث حزب الليكود برسالة لألحزاب‬
‫الصهيونية الدينية أو احلريدمي‪ ،‬في تأقلم املؤس سة الع سكرية‬
‫احلريدية بأن إصرارهم على سن القانون في ذلك الوقت قبل‬
‫اإلسرائيلية مع هذا الواقع في أنظمتها الداخلية‪ ،‬وساهم في‬
‫اكتمال النقاش حوله سيؤدي إلى تقدمي االنتخابات‪ .‬رغم أن‬
‫توسيع املهام املناطة ب املؤسسة الدينية العسكرية‪ ،‬مبا يتعدى‬
‫هنالك ادعاء مفاده أن تهديد األحزاب املتدينة لم يكن جدي ًا‪،‬‬
‫اإلجراءات الروتينية مثل مراقبة الطعام‪ ،‬وتقدمي املشورة الدينية‬
‫فقد مت التوصل إلى ت سوية بتأجيل سن القانون حتى اكتمال‬
‫للقرارات الع سكرية‪ ،‬مثل حتديد املتوفى‪ ،‬وم سائل رفات اجلنود‬
‫بي هشاشة تهديد‬ ‫النقاش حوله‪ ،‬وهذا ما مت فع ًال‪ ،‬األمر الذي ّ‬
‫واملفقودين وغيرها‪.‬‬
‫األحزاب احلريدية‪ ،‬والتي عاودت بتهديد أكثر وضوح ًا بأنه‬
‫تشير معطيات مركز املعلومات والبحث التابع للكنيست‬
‫في حالة عدم سن قانون اإلعفاء من اخلدمة الع سكرية فإنها‬
‫أن عدد احلريدمي الذين جتندوا للجيش في الفترة ‪-2013‬‬
‫سوف تنسحب من احلكومة‪ ،‬ما يعني إسقاطها‪ .‬على كل‬
‫‪ 2016‬ارتفع بن سبة ‪%45‬؛ أي‪ ،‬من ‪ 1972‬مجند ًا عام ‪2013‬‬
‫حال‪ ،‬قامت احلكومة‪ ،‬وحتديد ًا وزير الدفاع آنذاك ليبرمان‪،‬‬
‫إلى ‪ 2850‬مجند ًا عام ‪ .2016‬غير أن املعطيات تشير إلى‬
‫بصياغة اقتراح قانون بناء على توصية جلنة عينها هو داخل‬
‫تراجع عدد املجندين احلريدمي من مجموعة الهدف خالل هذه‬
‫اجليش‪ ،‬وشكلت توصيات اللجنة أساس القانون الذي اقترح‬
‫الفترة‪ ،‬ففي عام ‪ ،2013‬وصلت ن سبة املجندين احلريدمي من‬
‫على احلكومة تبنيه‪.‬‬
‫مجموعة الهدف التي مت حتديدها إلى ‪ ،%99‬وتراجعت إلى‬
‫يتضمن القانون الذي صاغه اجليش‪ ،‬بادعاء ليبرمان‪،‬‬
‫‪ %89‬عام ‪ .2016‬جتدر اإلشارة إلى أنه في العام ‪ 2017‬جتند‬
‫زيادة عدد املتجندين املتدينني للجيش بشكل تدريجي‪،‬‬
‫للجيش ما يقارب ‪ 3070‬مجند ًا حريدي ًا‪ ،‬غير أن ن سبتهم من‬
‫بحيث يشمل إعطاء امتيازات لهم‪ ،‬بينما سيتم فرض غرامات‬
‫مجموعة الهدف غير معروفة‪ ،‬ألن األخيرة لم يتم حتديدها‬
‫اقتصادية على الذين يتخلفون عن التجنيد‪ ،‬وإلغاء العقوبات‬
‫أصال‪ .‬وهكذا وصل عدد اجلنود احلريدمي في اجليش عام‬
‫اجلنائية التي كانت موجودة في القانون ال سابق‪ ،‬وقد صرح‬
‫‪ 2018‬إلى ‪ 7250‬جندي ًا حريدي ًا‪ ،‬وتوضح املعطيات أن ‪%19‬‬
‫نتنياهو بأنه بعد إقرار القانون في القراءة التمهيدية سوف‬
‫منهم يخدمون في م سارات ع سكرية عامة في اجليش‪،‬‬
‫يعقد اجتماع ًا لكل مركبات االئتالف احلكومة لنقاش القانون‬
‫بينما يخدم الباقون (‪ )%81‬في م سارات خاصة باجلنود‬
‫والوصول إلى تسوية بصدده‪ .‬وأعلنت األحزاب احلريدية‬
‫‪30‬‬
‫احلريدمي‪.‬‬
‫(يهدوت هتوراه وشاس) أنها ستصوت ضد القانون‪ ،‬بينما‬
‫جدول‪ :‬عدد املجندين احلريدمي‬
‫أعلن حزب يوجد م ستقبل من املعارضة عن تأييده القانون‪،‬‬
‫في سنوات التجنيد ‪2017--2013‬‬
‫‪2017‬‬
‫ال س ّي ما وأن احلزب أعلن أن صيغة القانون اجلديدة ال‬
‫نسبة الذين جتندوا من‬ ‫عدد الذين‬ ‫هدف‬ ‫سنة‬ ‫تختلف كثير ًا عن صيغة قانون «امل ساواة في العبء» ال سابق‬
‫مجموعة هدف التجنيد‬ ‫جتندوا‬ ‫التجنيد‬ ‫التجنيد‬ ‫الذي سنته احلكومة ال سابقة‪ ،‬عندما كان احلزب عضو ًا في‬
‫االئتالف احلكومي‪ .‬وقد ذكرت وسائل إعالم إسرائيلية أن‬
‫‪%99‬‬ ‫‪1972‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫‪2013‬‬
‫األحزاب احلريدية ستحاول إسقاط القانون بصيغته احلالية‪،‬‬
‫‪%96‬‬ ‫‪2203‬‬ ‫‪2300‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫ومن أجل ذلك توصلت إلى ت سوية مع القائمة املشتركة بحيث‬
‫تصوت األخيرة ضد القانون‪ ،‬بينما تصوت األحزاب احلريدية‬
‫‪%92‬‬ ‫‪2475‬‬ ‫‪2700‬‬ ‫‪2015‬‬
‫ضد قانون منع رفع األذان‪ 29.‬وبقي القانون عالق ًا حتى اآلن‬
‫‪%89‬‬ ‫‪2850‬‬ ‫‪3200‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫ولم يتم احل سم فيه حتى مع تشكيل احلكومة اجلديدة احلالية‬
‫في إسرائيل‪.‬‬ ‫‪46‬‬
‫‪3070‬‬ ‫لم ُي خدد‬ ‫‪2017‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫في وحدة «نيت سح يهودا» وهي وحدة معروفة بعنفها اليومي‬ ‫وصل عدد اجلنود احلريدمي في اجليش اإلسرائيلي في‬
‫جتاه الفل سطينيني‪.‬‬ ‫العام ‪ 2018‬إلى حوالي ‪ 7200‬جندي‪ ،‬أغلبهم يخدمون ضمن‬
‫جدول يوضح م سارات‬ ‫م سار ي سمى «نيت سح» (‪ .)%42‬بينما يخدم ‪ %19‬منهم في‬
‫اخلدمة الع سكرية للحريدمي في اجليش‬ ‫وحدات اجليش املختلفة‪ 31.‬ويخدم اجلنود في م سار نيت سح‬

‫ما يقدم للمجندين في املسار‬ ‫مميزات اخلدمة‬ ‫جمهور الهدف‬ ‫امل سار‬

‫احملافظة بشكل كامل على منط اخلدمة في وحدة «نيت سح يهودا»‬


‫ُم خصص للحريدمي أبناء الشريحة‬
‫احلياة احلريدية‪ ،‬ويتم مرافقة ت ستمر مدة سنتني‪ ،‬وسنة تطبيقية‬
‫اجليل ّي ة ‪ .21-18‬يشكلون ‪%42‬‬ ‫مسار نيت سح‬
‫اجلنود من طرف حاخامات جمعية يستطيع خاللها اجلنود إكمال‬
‫من اجلنود احلريدمي في اجليش‪.‬‬
‫تعليمهم الثانوي‪ ،‬املهني أو الديني‪.‬‬ ‫«نيت سح يهودا»‬

‫ُم خصص للشريحة اجليلية ‪-18‬‬


‫‪ ،21‬والذي جنحوا في اختبار احملافظة بشكل كامل على منط متتد اخلدمة لعامني‪ ،‬وثمانية أشهر‬
‫حيتس» في كتيبة‬
‫«حيتس‬ ‫وحدة «‬
‫املسارات القتالية‪ ،‬وللجنود الراغبني احلياة احلريدية‪ .‬تكون مرافقة إضافية حتضيرية لالندماج بسوق‬
‫املظليني‬
‫العمل‪.‬‬ ‫باحلفاظ على منط حياة حريدي حاخامات للجنود أيام ال سبت‪.‬‬
‫في اجليش ضمن كتيبة املظليني‪.‬‬

‫احلفاظ على منط حياة حريدي‪،‬‬


‫مخصص للرجال فقط‪ ،‬ومرافقة‬
‫متتد اخلدمة لعامني‪ ،‬وعام ثالث‬ ‫ُم خصص للحريدمي من أبناء‬
‫دينية خالل أيام السبت‪ ،‬درس‬ ‫وحدة تومر في كتيبة غفعاتي‬
‫إلكمال الدراسة‪.‬‬ ‫الشريحة اجليلية ‪.21-18‬‬
‫ديني يومي‪ ،‬طعام ح سب الشروط‬
‫الدينية‪ ،‬وصالة جماعية‪.‬‬

‫ُم خصص ألبناء الشريحة اجليلية‬


‫‪ ،21 -18‬ويشمل اخلدمة في‬
‫يتميز املسار باكتساب مهنة خالل‬ ‫احلفاظ على منط حياة حريدي‪،‬‬
‫سالح اجلو‪ ،‬والبحر‪ ،‬والدفاع املدني‬
‫اخلدمة‪ ،‬تشمل اخلدمة تأهيل‬ ‫مخصص للرجال فقط‪ ،‬ومرافقة‬
‫واالستخبارات العسكرية‪ ،‬وقسم‬
‫في اللغة اإلجنليزية والرياضيات‪،‬‬ ‫دينية خالل أيام السبت‪ ،‬درس‬ ‫مسارات دمج احلريدمي (شاحر)‪.‬‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬والقوى البشرية‪،‬‬
‫ومهارات مهنية أخرى تساعد املجند‬ ‫ديني يومي‪ ،‬طعام ح سب الشروط‬
‫واملؤسسة الدينية العسكرية‪.‬‬
‫على اخلدمة في اجليش‪.‬‬ ‫الدينية‪ ،‬وصالة جماعية‪.‬‬
‫يشكلون ‪ %28‬من املجندين‬
‫احلريدمي في اجليش‪.‬‬

‫متتد اخلدمة ألربع سنوات‪ ،‬اثنتان‬


‫منها تعليمية‪ ،‬واثنتان خدمة في‬ ‫ُم خصص للحريدمي حتى جيل‬
‫املسار احلريدي‪ .‬ويشمل اكت ساب‬ ‫‪ ،23‬الذي جتندوا بعد اكت سابهم‬
‫مسار أكادميي‬
‫لقب بكالوريوس‪ ،‬واالندماج في‬ ‫ملهنة ويرغبون في توسيع جتربتهم‬
‫‪47‬‬ ‫اخلدمة العسكرية مبا يتالءم مع‬ ‫املهنية خالل اخلدمة العسكرية‪.‬‬
‫ذلك‪.‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫الشعبية‪ ،‬وجتنيد كل فئات املجتمع‪ .‬ما يعني أن امل سألة‬ ‫دفعت حالة التديني في املؤسسة العسكرية قيادات‬
‫ل ست احلاجة الع سكرية‪ .‬يتم طرح م سألة جتنيد املتدينني‬ ‫ع سكرية من داخلها للتحذير من التطرف الديني في اجليش‪.‬‬
‫للجيش في ظل تراجع معدالت التجنيد لدى الفئات األخرى‬ ‫في العام ‪ ،2011‬أرسل رئيس ق سم القوى البشرية‪ ،‬آفي زامير‪،‬‬
‫في املجتمع اإلسرائيلي‪ ،‬وهو أمر يؤكد أن امل سألة تتجاوز‬ ‫رسالة إلى قائد اجليش يطالبه فيها بوقف التطرف الديني‬
‫ال سؤال الع سكري إلى ال سؤال ال سياسي وبناء إسرائيل‬ ‫في املؤس سة الع سكرية واجليش‪ 32.‬اعتمد زامير في رسالته‬
‫كدولة نيوليبرالية وقومية في الوقت نف سه‪.‬‬ ‫على تقرير أعدته م ستشارة قائد اجليش غيال خليفي ‪ -‬أمير‪،‬‬
‫ال نعلم إن كان الطرفان ‪ -‬املؤيدون للخدمة االلزامية‬ ‫التي ا ّدعت في تقريرها أن القواعد االجتماعية اجلديدة في‬
‫واملعارضون لها ‪ -‬يعلمان أن جتنيد اليهود املتدينني سوف‬ ‫اجليش تفرض تصورات دينية متطرفة علىيه‪ .‬وظهر في‬
‫يغير اجليش ويغير تدين املتدينني أيض ًا‪ .‬واذا كان الدافع‬ ‫تقارير أخرى أن املؤس سة الدينية الع سكرية اجتاحت شعبة‬
‫نحو جتنيد املتدينني من منطلقات علمانية قومية وم ساواة‬ ‫التربية في اجليش‪ ،‬وسيطرت عليها‪ ،‬وتزود اجلنود مبوا ّد‬
‫في حتمل العبء‪ ،‬فإن تغلغل املتدينني احلريدمي إلى اجليش‬ ‫تعليمية وتنظم لقاءات تربوية تؤكد على املفاهيم الدينية‪،‬‬
‫سوف يعزز التوجهات الدينية داخل املؤس سة الع سكرية‪ ،‬وهي‬ ‫لدرجة أن مراقب الدولة أشار إلى هذه الظاهرة‪ ،‬وخاصة‬
‫صيرورة لعب فيها أبناء الصهيونية الدينية دور ًا كبير ًا‪ ،‬وسوف‬ ‫بعد مشهد قيام حاخام اجليش ال سابق‪ ،‬حاييم رونت سكي‪،‬‬
‫يتعمق األمر مع دخول املتدينني األرثوذك سيني األكثر تزمت ًا‬ ‫بالتنقل بني اجلنود وتشجيعهم قبل الذهاب إلى املعركة في‬
‫من أبناء الصهيونية الدينية‪ .‬ولكن التفاعل لن يكون من اجتاه‬ ‫احلرب على غزة ‪ 2009/2008‬م ستخد ًم ا خطا ًب ا دين ًّي ا‪ ،‬وهذه‬
‫واحد‪ .‬فاجليش سوف يؤثر على الشرائح الدينية املتدينة نحو‬ ‫لي ست من وظائفه كحاخام ع سكري للجيش‪ 33.‬والح ًق ا أدخل‬
‫اجتاهني؛ تبنيهم للصهيونية في صيغتها الدينية املتطرفة‪،‬‬ ‫اجليش ق س ًم ا تربو ًّي ا وتعليم ًّي ا ًّ‬
‫خاص ا يقوم على تعزيز ال ُه و ّي ة‬
‫حتى صيغة تتجاوز الصهيونية الدينية ذاتها‪ ،‬وأيضا سوف‬ ‫اليهودية في صفوف اجلنود‪ ،‬حيث يجري التعامل مع اجليش‬
‫ت ساهم في اندماجهم في سوق العمل والتعرف على املجال‬
‫‪34‬‬
‫كـ"جيش يهودي"‪.‬‬
‫العمومي غير املتدين‪ .‬بدأ اجليش يبني ويتبنى منظومات‬
‫ومسارات خاصة داخله يستطيع من خاللها استيعاب‬ ‫خاتمة‪ :‬بين تديين الجيش وصهينة الحريديم‬
‫املتدينني‪ ،‬وبذلك يفقد اجليش دوره كبوتقة صهر للشرائح‬ ‫تطرح مسألة جتنيد املتدينني احلريدمي في اجليش‬
‫اليهودية املختلفة في املجتمع اإلسرائيلي‪ ،‬فضال أنه يحول‬ ‫اإلسرائيلي مسألة ُوجهة دولة إسرائيل في الفترة التي‬
‫اجليش في جوانب منه إلى شركة تأهيل مهني للشباب املتدين‪.‬‬ ‫فيها مزيج بني التوجهات النيوليبرالية االقتصادية‬
‫فكما أن النخب القدمية انتقلت إلى الوحدات التكنولوجية في‬ ‫والتوجهات القومية الدينية‪ .‬فمن جهة حتاول الدولة أو‬
‫اجليش‪ ،‬وترى فيه محطة للتقدم املهني بعد اخلدمة الع سكرية‪،‬‬ ‫أحزاب األغلبية غير املتدينة دمج احلريدمي في اجليش‬
‫فإن اجليش يلعب الدور نف سه مع املتدينني اليهود‪ .‬لذلك فإن‬ ‫اإلسرائيلي وسوق العمل‪ ،‬حيث يتم الربط بني االندماجني‬
‫كال الطرفني السياسيني واأليديولوجيني املتصارعني على‬ ‫في اخلطاب اإلسرائيلي العام‪ ،‬وبني الرغبة في سحب‬
‫م سألة فرض التجنيد اإللزامي على املتدينني سيفقدان ع املهما‬ ‫الدولة من سياسات العطايا املالية واالمتيازات االجتماعية‬
‫الصافي الذي يتصارعون من أجله‪ ،‬فالعلمانيون الذين يدفعون‬ ‫االقتصادية التي تقدمها لهذه املجموعة‪ ،‬ومن جهة أخرى في‬
‫نح جتنيد املتدينني سيجدون أن اجليش بات أكثر تدينا‪،‬‬ ‫محاولة صهينة هذه املجموعة عبر انخراطها في اجليش‪،‬‬
‫واملعارضون للتجنيد إال بأعداد قليلة سيجدون أن شبابهم‬ ‫وحتملها العبء الع سكري‪ ،‬وذلك على الرغم من أن التحديات‬
‫صاروا أكثر صهيونية‪.‬‬ ‫األمنية والعسكرية إلسرائيل ال تستدعي التعبئة العسكرية‬

‫‪48‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫لدراسة السياسات الوطنية‪.)2008 ،‬‬ ‫الهوامش‬
‫‪ . 17‬أحمد حليحل‪ ،‬التكاثر الطبيعي يف صفوف النساء اليهوديات‬
‫‪ . 1‬يوحنان برييس واليعازر بن‪-‬رفائيل‪ ،‬القرب والرصاع‪ :‬تصدعات يف‬
‫واملسلمات يف إرسائيل حسب درجة تدينهم يف السنوات ‪-1997‬‬
‫املجتمع اإلرسائييل‪( ،‬تل أبيب‪ :‬منشورات عام عوبيد‪ ،)2006 ،‬ص ‪.127‬‬
‫‪( ،2009‬القدس‪ :‬دائرة اإلحصاء املركزية‪( .)2011 ،‬بالعربية)‬
‫‪ . 2‬برييس وبن‪-‬رفائيل‪ ،‬القرب والرصاع‪ ،...‬ص ‪127‬‬
‫‪ . 18‬غال وليبل (محرران)‪ .‬بني الطاقية الدينية والقلنسوة‪ ،‬ص‪.3 :‬‬
‫‪ . 3‬مئري الرن وغابي شفر‪ ،‬الخدمة العسكرية يف إرسائيل‪ :‬تحديات‪،‬‬
‫‪ . 19‬أوريانا املايس‪ ،‬الخدمة العسكرية للحريديم‪ ،‬والحريديم سابقا‪،‬‬
‫خيارات وتداعيات (تل ابيب‪ :‬معهد دراسات األمن القومي‪ ،)2015 ،‬ص‪:‬‬
‫(القدس‪ :‬مركز املعلومات والبحث ‪ -‬الكنيست‪ ،)2018 ،‬ص‪.2 :‬‬
‫‪.47-43‬‬
‫‪ . 20‬تسفنيا دروري‪« ،‬تجنيد أبناء املدارس الدينية»‪ ،‬مجلة عايل‪-‬مشمريت‪،‬‬
‫‪ . 4‬يغيل ليفي‪ ،‬القائد اإللهي‪ ،‬تديني الجيش يف إرسائيل (تل أبيب‪:‬‬
‫‪ ،)1958( ،5‬ص‪ .20-10 :‬وأيضا‪ :‬دروري‪ ،‬بني اإليمان والخدمة‬
‫منشورات عام عوبيد‪ ،)2015 ،‬ص‪.290-288 :‬‬
‫العسكرية‪ ،‬ص‪.12 :‬‬
‫‪ . 5‬عوفر شيلح‪ ،‬الشجاعة لالنتصار‪ :‬السياسة األمنية اإلرسائيلية (تل‬
‫‪ . 21‬لجنة كاهن‪ ،‬توصيات لجنة الخارجية واألمن بشأن «فحص جديد إلعفاء‬
‫أبيب‪ :‬منشورات مسكل‪ )2015 ،‬ص‪.89-79 :‬‬
‫طالب املدارس الدينية من الخدمة العسكرية»‪ ،1986 ،‬ص‪.4296-4279 :‬‬
‫‪ . 6‬بوعز كوهن‪ »،‬أمر ديني بلباس عسكري‪ :‬الخدمة العسكرية والجمهور‬
‫‪ . 22‬لجنة طال‪ ،‬تقرير اللجنة لصياغة نظام مناسب لتجنيد أبناء‬
‫الديني‪-‬القومي»‪ ،‬يف‪ :‬تصورات يف نهضة إرسائيل‪ ،‬مجلد ‪ ،2012 ،22‬ص‪:‬‬
‫املدارس الدينية‪( ،‬القدس‪ :‬الكنيست‪.)2000 ،‬‬
‫‪.358-325‬‬
‫‪ . 23‬قانون طال‪ :‬هو االسم املتداول إعالميا ً وجماهريياً‪ ،‬ولكن قانونياً‪ ،‬فإن‬
‫‪ . 7‬زئيف دروري‪ ،‬بني اإليمان والخدمة العسكرية‪ :‬كتيبة الناحال‬
‫الحديث يدور عن تعديل قانون التجنيد اإللزامي‪.‬‬
‫الحريدية‪ -‬مخاطر وآمال (القدس‪ :‬معهد فلوسهايمر لدراسة‬
‫‪ . 24‬دافنا براك ‪ -‬إيرز‪« ،‬تجنيد سباب املدارس الدينية‪ :‬من التسوية إىل‬
‫السياسات‪.)2005 ،‬‬
‫الخالف‪ ،‬يف‪ :‬دفورا هكوهن وموشيه ليسك (محرران)‪ .‬مفرتق قرارات‬
‫‪ . 8‬زئيف دروري‪" .‬البعد بني القلنسوة والطاقية اليهودية‪ :‬كيف يواجه الجيش‬
‫حاسمة وقضايا مفتاحية‪( ،‬سديه بوكر‪ :‬معهد بن غوريون لدراسة‬
‫اإلرسائييل صريورة التدين؟"‪ ،‬يف‪ :‬رئوبني غال وتمري ليبل (محرران)‪ .‬بني‬
‫إرسائيل والصهيونية‪ ،)2010 ،‬ص ‪.39-13‬‬
‫الطاقية الدينية والقلنسوة‪ :‬الدين‪ ،‬السياسة والجيش يف إرسائيل‪.‬‬
‫‪ . 25‬عاموس هرئيل‪ ،‬لتعلم كل أم عربية‪ :‬خطوط لشخصية الجيش‬
‫(بن شيمن‪ :‬منشورات مودان‪ ،)2012 ،‬ص‪.124 :‬‬
‫اإلرسائييل الجديد (حيفا‪ :‬منشورات زمورا بيتان‪.)2013 ،‬‬
‫‪ . 9‬آرش كوهن وباروخ زيرس‪ ،‬من التكيف إىل التصعيد (تل أبيب‪ :‬منشورات‬
‫‪ . 26‬لجنة بريي‪ ،‬تقرير اللجنة لصياغة نظام بشأن تجنيد أبناء املدارس‬
‫شوكن‪ ،)2003 ،‬ص‪.186 :‬‬
‫الدينية (القدس‪ :‬الكنيست‪.)2013 ،‬‬
‫‪ . 10‬شوكي فريدمان‪ ،‬اهرتاء الوضع القائم يف عالقة الدين والدولة‬
‫‪ . 27‬لجنة شاكيد‪ ،‬تقرير اللجنة لصياغة نظام بشأن تجنيد أبناء‬
‫(القدس‪ :‬املعهد اإلرسائييل للديمقراطية‪.)2019 ،‬‬
‫املدارس الدينية (القدس‪ :‬الكنيست‪.)2014 ،‬‬
‫‪ . 11‬الياهو بن موشيه‪ ،‬تغيري يف مبنى وتركيبة السكان يف إرسائيل‬
‫‪ . 28‬عمري ليفي سدان‪« ،‬املحكمة العليا ألغت قانون تجنيد الحريديم الذي‬
‫حسب القطاع الثقايف‪ -‬الديني يف العقدين القادمني وانعكاساته‬
‫يعفيهم من الخدمة العسكرية»‪ ،‬موقع واال‪ ،2017\9\12 ،‬أنظر الرابط‪:‬‬
‫عىل سوق العمل‪( ،‬القدس‪ :‬وزارة الصناعة والتجارة والتشغيل‪،‬‬
‫‪https://news.walla.co.il/item/3096575‬‬
‫‪ .)2011‬ص‪.28 :‬‬
‫‪ . 29‬ساريت ابيطن كوهن‪« ،‬األذان مقابل التجنيد ‪ -‬الصفقة بني الحريديم‬
‫‪ . 12‬يل كهنر‪ ،‬غلعاد ملئاخ ومايا حوشن‪ ،‬الكتاب السنوي للمجتمع‬
‫والقائمة املشرتكة»‪ ،‬ماكور ريشون‪ ،2018\6\26 ،‬أنظر الرابط‪https:// :‬‬
‫الحريدي يف إرسائيل ‪( ،2017‬القدس‪ :‬املعهد اإلرسائييل للديمقراطية‪،‬‬
‫‪www.makorrishon.co.il/news/57893/‬‬
‫‪ .)2017‬بالعربية‪.‬‬
‫‪ . 30‬املايس‪ ،‬الخدمة العسكرية للحريديم‪ ،‬والحريديم سابقا‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪ . 13‬كهنر‪ ،‬ملئاخ وحوشن‪ ،‬الكتاب السنوي‪ ،...‬ص ‪.11‬‬
‫‪ . 31‬املايس‪ ،‬الخدمة العسكرية للحريديم‪ ،‬والحريديم سابقا‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪ . 14‬كهنر‪ ،‬ملئاخ وحوشن‪ ،‬الكتاب السنوي‪ ،...‬ص ‪.15‬‬
‫‪ . 32‬كوبي بن‪-‬سمحون‪" ،‬اهلل يحفظ‪ ،......‬ص ‪.26-24‬‬
‫‪ . 15‬كهنر‪ ،‬ملئاخ وحوشن‪ ،‬الكتاب السنوي‪ ،...‬ص ‪15‬‬
‫‪ . 33‬كوبي بن‪-‬سمحون‪" ،‬اهلل يحفظ‪ ،......‬ص ‪.24‬‬
‫‪ . 16‬اييل هوروفيتش وبرودوت ديفيد‪ ،‬إرسائيل ‪ :2028‬تصور وإسرتاتيجية‬
‫‪ .‬كوبي بن‪-‬سمحون‪" ،‬اهلل يحفظ‪ ،......‬ص ‪.....26‬‬ ‫‪34‬‬
‫اقتصادية ‪ -‬اجتماعية يف العالم املعولم‪( ،‬حيفا‪ :‬مركز شموئيل نآمان‬

‫‪49‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫محور العدد‪ :‬المجتمع الحريدي والدولة في إسرائيل‬
‫حاييم زيخرمان*‬

‫ّ‬
‫القضائي في إسرائيل‬ ‫ّ‬
‫الحريدي والجهاز‬ ‫المجتمع‬

‫أ‪ّ .‬‬
‫مقدمة‬
‫تستعني املجموعة العرب ّي ة بأدوات القضاء العا ّم لتوازِن بذلك‬
‫السياسي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ضعفها‬ ‫اإلسرائيلي إلى ع ّدة مجموعات لك ّل‬ ‫ينقسم املجتمع‬
‫ّ‬
‫الق ّوة السياس ّي ة لهاتني املجموعتني متشابهة‪ ،‬وتنعكس‬ ‫واحدة منها جدول أعمال منفصل وأيديولوجيات مختلفة‪ .‬ث ّم ة‬
‫بـ ‪ ٪13‬تقري ًب ا من أعضاء الكنيست لك ّل واحدة منهما (‪15‬‬ ‫مجموعتا أقل ّي ة مهمتان على نحو خاص‪ ،‬وهما‪ :‬املجموعة‬
‫مقع ًدا للقائمة املشتركة و‪ 16‬مقع ًدا ألحزاب «شاس» و«يهدوت‬ ‫ال سكان ّي ة احلريد ّي ة‪ ،‬التي تش ّك ل ‪ ٪13‬من س ّك ان إسرائيل‪،‬‬
‫هتوراة» في الكني ست الـ ‪ .)23‬حت ّولت األحزاب احلريد ّي ة منذ‬ ‫واملجموعة ال سكان ّي ة العرب ّي ة التي تش ّك ل ‪ ٪21‬منها‪ .‬تستعني‬
‫ال سبعينيات وصعود الليكود إلى س ّدة احلكم‪ ،‬إلى شريكة‬ ‫مبؤس سة مختلفة من أجل‬ ‫ّ‬ ‫ك ّل واحدة من هذه املجموعات‬
‫طبيع ّي ة في االئتالفات املختلفة‪ .‬باملقابل‪ ،‬بقي الن ّواب العرب‬ ‫حتقيق أقصى ما ميكن حتقيقه من احتياجات املجموعة‪،‬‬
‫قابعني في املعارضة‪ّ .‬إل أنّ الصورة معاكسة في ما يتع لّ ق‬ ‫وهذا ما سأت ّوسع به في هذا املقال‪ .‬ففي حني يح ّق ق املجتمع‬
‫التوج ه‬
‫ّ‬ ‫باحملاكم‪ .‬ففني حني ميتنع احلريدمي‪ ،‬بشكل ثابت‪ ،‬عن‬ ‫السياسي‪ ،‬من‬
‫ّ‬ ‫احلريدي احل ّد األقصى من قوته في احلقل‬ ‫ّ‬
‫إلى محكمة العدل العليا ويع ّب رون عن ثقة متدن ّي ة بها بلغت‬ ‫خالل االنضمام إلى أحزاب االئتالف واحلكومات املختلفة‪،‬‬
‫‪50‬‬
‫نسبي‪ ،‬من إدارة‬‫ّ‬ ‫‪ ٪6‬فقط‪ُ 1،‬ي كثر ال س ّك ان العرب‪ ،‬بشكل‬ ‫* محاضر في ق سم احلقوق‪ ،‬الكل ّي ة األكادمي ّي ة أونو‪.‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫يسعى هذا المقال إلى فحص العالقة المتشككة بين السكان الحريديم ومحكمة‬
‫ّ‬
‫الثقافية مع المحكمة العليا‪،‬‬ ‫العدل العليا‪ ،‬والتي يعود مصدرها إلى المواجهة‬
‫ّ‬
‫النابعة من تأويل الحريديم لقرارات المحكمة في قضايا الدين والدولة بأنها تسعى‬
‫ألن تعيق ّ‬
‫تقدمهم‪.‬‬

‫احلريدي في احل ّي ز‬
‫ّ‬ ‫هذا املقال تأثي ًرا مباش ًرا على ال سلوك‬ ‫إجراءات قضائ ّي ة في احملكمة العليا من خالل االلتماسات‬
‫اإلسرائيلي‪ .‬في ظل انعدام الثقة في ال سلطة القضائ ّي ة ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫العموم ّي ة املختلفة‪ .‬ينعكس هذا األمر في نسب الثقة املرتفعة‬
‫احلريدي‬
‫ّ‬ ‫ملجتمع‬‫ا‬ ‫يجد‬ ‫‪-‬‬ ‫الثالث‬ ‫ة‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ملركز‬ ‫ا‬ ‫سلطات‬ ‫إحدى ال‬ ‫العربي جتاه احملكمة العليا‪ .‬يق ّدم‬
‫ّ‬ ‫التي يع ّب ر عنها اجلمهور‬
‫صعوبة في تب نّي أمناط انصياع عبر تذويت قواعد اللعبة‬ ‫ّ‬
‫مؤش ر الدميقراط ّي ة اإلسرائيل ّي ة ل سنة ‪ 2019‬معطيات مفاجئة‪:‬‬
‫الدميقراط ّي ة‪ .‬االنصياع للقانون عند احلريدمي هو اضطرار‬ ‫ملؤس سة التي مينحها ال س ّك ان العرب أعلى درجة من الثقة‬ ‫ا ّ‬
‫خارجي نابع من اخلشية من العقوبات‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هي احملكمة العليا‪ ،‬التي حازت على ‪( ٪56‬في حني حصلت‬
‫‪2‬‬

‫مؤس سات موازية إلى إخالل‬


‫ّ‬ ‫وتطوير‬ ‫الثقة‬ ‫انعدام‬ ‫يؤدي‬ ‫قد‬ ‫ك ّل املؤس سات األخرى على ‪ ٪40‬وأق ّل)‪ .‬عمل ًي ا‪ ،‬نسب الثقة‬
‫في استقرار السلطة القضائ ّي ة وضعضعة في مكانتها في‬ ‫التي مينحها ال س ّك ان العرب للمحكمة العليا أعلى بدرجة‬
‫اإلسرائيلي بشكل عا ّم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املجتمع‬ ‫واحدة من نسبة الثقة التي ميحنها ال س ّك ان اليهود (‪٪55‬‬
‫ي سعى اجلزء الثاني من املقال إلى عرض التح ّوالت اجلارية‬
‫‪3‬‬
‫مقابل ‪.)٪56‬‬
‫احلريدي في هذا ال سياق في العقد األخي ر‪ .‬تدفع‬ ‫ّ‬ ‫داخل املجتمع‬ ‫يسعى هذا املقال إلى فحص العالقة املتش ِّك كة بني‬
‫األكادميي‪ ،‬التي مي ّر بها احلريدمي‪ ،‬آالف الشباب‬
‫ّ‬ ‫ثورة التعليم‬ ‫ال س ّك ان احلريدمي ومحكمة العدل العليا‪ ،‬والتي يعود مصدرها‬
‫والشابات احلريدمي إلى كلية احلقوق‪ .‬مئات احملامني املتدربني‬ ‫إلى املواجهة الثقاف ّي ة مع احملكمة العليا‪ ،‬النابعة من تأويل‬
‫احلريدمي يت ّم تأهيلهم ك ّل سنة‪ ،‬ويندمجون في العمل الذي‬ ‫احلريدمي لقرارات احملكمة في قضايا الدين والدولة بأنّها‬
‫يشمل تراف ًع ا يوم ًي ا في احملاكم‪ .‬ي سعى املقال لالدعاء بأنّ‬ ‫ت سعى ألن تعيق تق ّدمهم‪.‬‬
‫اإلسرائيلي س ُي حدث‬
‫ّ‬ ‫دخول الشباب احلريدمي إلى عالم القضاء‬ ‫كما سأستعرض الح ًق ا في هذا املقال‪ ،‬كانت املظاهرات‬
‫القضائي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫احلريدي العا ّم من اجلهاز‬
‫ّ‬ ‫تغيي ًرا حقيق ًّي ا في املوقف‬ ‫نظ متها القيادة احلريد ّي ة في العقود األخيرة‪،‬‬‫الوحيدة التي ّ‬
‫في إطار هذا التغيير‪ ،‬ميكن اإلشارة إلى التعاون املتزايد بني‬ ‫والتي شارك في كل واحدة منها مئات اآلالف‪ ،‬ضد اجلهاز‬
‫القضائي‪ ،‬وفي املدى املنظور ميكن‬
‫ّ‬ ‫ال س ّك ان احلريدمي واجلهاز‬ ‫القضائي وقراراته‪ .‬كذلك‪ ،‬انعكس انعدام الثقة ً‬
‫أيض ا في غياب‬ ‫ّ‬
‫اإلسرائيلي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القضائي‬
‫ّ‬ ‫تو ّق ع ازدياد الثقة احلريد ّي ة باجلهاز‬ ‫القضائي على مختلف أذرعه‬
‫ّ‬ ‫حريدي في اجلهاز‬
‫ّ‬ ‫حضور‬
‫(باستثناء احملاكم الدين ّي ة اليهود ّي ة)‪ .‬هذا في مقابل القضاة‬
‫ّ‬
‫الثقافية‪:‬‬ ‫ب‪ .‬المواجهة‬ ‫العرب الكثيرين في مختلف الدوائر القضائ ّي ة‪ ،‬مبا في ذلك‬
‫الحريديم ومحكمة العدل العليا‬ ‫احملكمة العليا‪ ،‬ومؤخ ًرا ح تّى نائب رئيس احملكمة العليا‪.‬‬
‫يحمل غياب احلريدمي عن السلطة القضائ ّي ة‪ ،‬مقابل‬
‫ت تّسم عالقات احلريدمي واحملكمة العليا بأزمة صعبة‬
‫حضورهم امللموس في ال سلطتني األخريني ‪ -‬التشريع ّي ة‬
‫متواصلة منذ عقود‪ .‬بح سب احلريدمي‪ ،‬فإنّ احملكمة العليا‪-‬‬
‫مبا في ذلك قضاتها املتد ّي نون ‪ -‬اتّبعت في قراراتها ً‬ ‫والتنفيذ ّي ة ‪ -‬معنى مضاع ًف ا‪ :‬تشكيل أساس انعدام الثقة‬
‫خط ا‬
‫املذكور‪ ،‬ونزع الشرع ّي ة عن القالئل ال ساعني لالندماج في‬
‫ليبرال ًي ا ضعضع تسوية الوضع القائم بشكل ُم تّسق‪ .‬ينعكس‬
‫اجلهاز‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫اخلالف بني احلريدمي ومحكمة العدل العليا في ثالثة جوانب‬
‫مركز ّي ة‪:‬‬ ‫متلك املواجهة التي ستوصف في القسم األول من‬

‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬
‫تتسم عالقات الحريديم والمحكمة العليا بأزمة صعبة متواصلة منذ عقود‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بحسب الحريديم‪ّ ،‬‬
‫المتدينون ‪ -‬اتبعت‬ ‫فإن المحكمة العليا‪ -‬بما في ذلك قضاتها‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ليبراليا ضعضع تسوية الوضع القائم بشكل ُمتسق‪.‬‬
‫ً‬ ‫في قراراتها خطا‬

‫منصفة‪ ،‬بحيث ح سمت احملكمة‪ ،‬بح سب رؤيتها‪ ،‬عبر «حتييد»‬ ‫‪-‬الديني للدولة‪ :‬جزء من‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي‬
‫ّ‬ ‫ضعضعة زاحفة للطابع‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القوة ال سياس ّي ة احلريد ّي ة وااللتفاف على الصراع‬ ‫اليهودي للدولة‪،‬‬‫ّ‬ ‫مس ت الطابع‬
‫قرارات محكمة العدل العليا ّ‬
‫في نظر احلريدمي‪ ،‬ال توجد شرعية لالنتقال من الت سوية‬ ‫مبا كان يبدو مثل تغيير بطيء للوضع القائم (ال ستاتوس‬
‫االجتماع ّي ة‪-‬ال سياس ّي ة إلى الت سو ّي ة القضائ ّي ة‪.‬‬ ‫كوو) في إسرائيل‪ .‬هكذا مثال كانت القرارات التي م ّك نت من‬
‫ملؤسسات الدين ّي ة‪ :‬لم تؤ ّث ر قرارات محكمة‬
‫ضعضعة مكانة ا ّ‬ ‫تشغيل املراكز التجار ّي ة يوم ال سبت وم ّس ت مبكانة يوم ال سبت‬
‫العدل العليا على تغيير الوضع القائم فقط‪ ،‬بل أضعفت‬ ‫ملدني الذي عقد‬ ‫كيوم راحة‪ ،‬واالعتراف في إسرائيل بالزواج ا ّ‬
‫ملؤس سات الدين ّي ة الرسم ّي ة‪ .‬ففيما يتع لّ ق‪ ،‬مث ًال‪،‬‬
‫بشكل م ّت سق ا ّ‬ ‫اليهودي» والتي‬
‫ّ‬ ‫خارجها‪ ،‬قرارات متك ّررة حول سؤال «من هو‬
‫باحملاكم الدين ّي ة‪ ،‬لم متنع حقيقة تأسيس تلك احملاكم قبل‬ ‫القضائي في‬ ‫ّ‬ ‫وس عت الفجوة بني تعريف الشريعة والتعريف‬ ‫ّ‬
‫قيام الدولة احملكمة العليا من إخضاعها لسلطتها ح تّى على‬ ‫مسألة الهو ّي ة اليهود ّي ة‪ ،‬واالعتراف احملدود مبكانة التيارات‬
‫امل ستوى املوضوع يّ‪ 6.‬بعد ذلك بع ّدة سنوات‪ ،‬ق ّررت احملكمة‬
‫‪4‬‬
‫غير األرثوذك س ّي ة في إسرائيل‪.‬‬
‫العليا أنّه ال توجد للمحاكم الدين ّي ة صالحية ألن تكون ُم َح َّك مة‬ ‫بدأ الصراع على الوضع القائم في إسرائيل قبل قيام‬
‫في شؤون النفقة‪ ،‬وبذلك أوقفت التقاليد التي كانت م تّبعة في‬ ‫الدولة‪ ،‬مع الطلبات التي وضعها زعماء احلريدمي أمام قيادات‬
‫احملاكم ح تّى في فترة ما قبل قيام الدولة‪.‬‬ ‫الدولة اآلخذة بالتش ّك ل‪ ،‬كشرط لعدم معارضتهم لقيام الدولة؛‬
‫أضيف إلى ذلك قرارات احملكمة التي أضعفت من ق ّوة‬ ‫هذه الطلبات‪ ،‬التي أ ّدت إلى «رسالة الوضع القائم» املشهورة‬
‫التدخ ل في جوهر‬ ‫ّ‬ ‫احلاخام ّي ة الكبرى وحاخامات املدن‪ ،‬عبر‬ ‫التي أرسلها بن غوريون إلى قيادات احلريدمي عام ‪.1947‬‬
‫التبريرات ذات الصلة ملنح شهادة «كوشر»‪ ،‬والقرارات التي‬ ‫وجزئي‬
‫ّ‬ ‫وعلى الرغم من أن الرسالة تط ّرقت بشكل ضعيف‬
‫تدخ لت في تركيبة املجالس الدين ّي ة‪ ،‬من خالل حتديد أنّه يجب‬ ‫ّ‬ ‫فقط للقضايا األربع في مواضيع‪ :‬ال سبت‪ ،‬األحوال الشخص ّي ة‪،‬‬
‫شمل نساء ومندوبي حركات غير أرثوذك س ّي ة كأعضاء في‬ ‫العمومي‬
‫ّ‬ ‫الكوشر والترب ّي ة احلريد ّي ة‪ّ ،‬إل أنّ الصراع على الطابع‬
‫املجلس‪ .‬ومن أجل إحباط القرار بض ّم هؤالء املندوبني‪ ،‬رفض‬ ‫لدولة إسرائيل في هذه املواضيع‪ ،‬ومواضيع أخرى‪ ،‬كانت األكثر‬
‫الديني في القدس عقد اجتماع له م ّدة طويلة‪ ،‬لكنّ‬ ‫املجلس‬ ‫ً‬
‫وهبوط ا‪،‬‬ ‫توت ًرا في العقود األولى للدولة‪ 5.‬شهد الصراع صعو ًدا‬
‫ّ‬
‫احتجاج ا رمز ًي ا فقط‪ ،‬إذ لم يكن بوسعها تغيير‬ ‫ً‬ ‫ذلك كان‬ ‫وفي أغلب احلاالت لم يحقق احلريدمي انتصارات في تلك‬
‫تدخ لت محكمة العدل‬ ‫األحكام القضائ ّي ة‪ .‬في حاالت أخرى‪ّ ،‬‬ ‫ال سنوات‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬حمل الصراع طاب ًع ا اجتماع ًي ا سياس ًي ا‬
‫العليا بإجراءات الدفن‪ ،‬بعد أنّ أجبرت شركة «كديشا» أن متنح‬ ‫العمومي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وبدا أنّ قضية الوضع القائم س تُس ّوى في املجال‬
‫ً‬
‫تاريخ ا‬ ‫أقارب أحد املوتى احلق بأن يحفروا على شاهد قبره‬ ‫في قراراتها املتع لّ قة بقضايا الدين والدولة‪ ،‬حسمت‬
‫أجنب ًي ا‪ ،‬على عكس اإلجراء املتبع حتى ذلك احلني‪.‬‬ ‫محكمة العدل العليا إحدى أه ّم اخلالفات في دولة إسرائيل؛‬
‫على الرغم من أنّ احلريدمي ال يرون بأنّ للمؤس سات الدين ّي ة‬ ‫أي أنّ ذلك احل سم كان في امل ساحة التي ال يشارك فيها‬
‫الرسم ّي ة قيمة خاصة‪ ،‬ومن أنّهم يفض لّ ون ا ّ‬
‫ملؤس سات األهل ّي ة‪-‬‬ ‫السياسي أو‬
‫ّ‬ ‫احلريدمي‪ .‬كانت التسوية على املستوى‬
‫املجتمع ّي ة‪ ،‬مثل اجلهات اخلاصة امل سؤولة عن منح تصاريح‬ ‫االجتماعي س تُعتبر شرع ّي ة ألنّها اعتبرت لعبة منصفة‪ .‬بينما‬ ‫ّ‬
‫ملؤسسات‬ ‫مس محكمة العدل العليا بهذه ا ّ‬ ‫الكوشر‪ّ ،‬إل أنّ ّ‬ ‫ُاعتبر استخدام احملكمة‪ ،‬صاحبة الرؤية العلمان ّي ة الليبرال ّي ة‪،‬‬ ‫‪52‬‬
‫ع زّز االدعاء بأنّ هذه احملكمة ت سعى لاللتفاف على سيرورات‬ ‫كوسيلة لتغيير الوضع القائم عن طريق احل سم‪ ،‬كلعبة غير‬

‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬
‫قانونية السياسة‬ ‫تتفق محكمة العدل العليا التي تتناول‪ ،‬بين الفينة واألخرى‪ ،‬سؤال‬
‫الحريدي‪ ،‬مع الموقف الذي بحسبه يجب السعي لتغيير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحكومية تجاه المجتمع‬
‫التسويات القائمة‪ .‬وذلك من خالل قرارات تناولت توزيع موارد ّ‬
‫مالية‪ ،‬أو من خالل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحريدي‪.‬‬ ‫قرارات عملت على جوانب متعلقة بنمط الحياة‬

‫أساس ّي ة‪ :‬التغيير األول‪ ،‬توسيع اآلفاق واملعرفة العا ّم ة‪ ،‬وفي‬ ‫الت سوية االجتماع ّي ة والستخدام أدوات احل سم بهدف فرض‬
‫ملهني‪ .‬التغيير الثاني‪ ،‬املشاركة في‬ ‫مرحلة الحقة التعليم ا ّ‬ ‫أجندة اجتماع ّي ة في دولة إسرائيل‪.‬‬
‫األمني من خالل اخلدمة الع سكر ّي ة أو املدن ّي ة‪ .‬التغيير‬
‫ّ‬ ‫العبء‬ ‫ذاته‪ :‬بدأ‬ ‫احلريدي ذاته‬
‫ّ‬ ‫القرارات القضائ ّي ة التي م ّس ت باجلمهور‬
‫الثالث‪ ،‬االندماج في دائرة التشغيل اإلسرائيل ّي ة ودفع الضرائب‬ ‫تدريجي في أيديولوجيا احلريدمي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫منذ ال سبعينيات‪ ،‬تغيير‬
‫املباشرة للخزينة العا ّم ة‪ ،‬عبر حتديد أهداف قابلة للقياس‬ ‫احلريدي األبرز في‬ ‫ّ‬ ‫قاد احلاخام إليعازر شاخ‪ ،‬الذي كان القائد‬
‫لزيادة عدد املندمجني‪ .‬انعكس هذا املطلب من احلريدمي‪ ،‬الذي‬ ‫متشنج ا يدعو إلى العزلة وتأسيس مجتمع‬ ‫ً‬ ‫تلك الفترة‪ً ،‬‬
‫خط ا‬
‫يدعوهم إلى تغيير منط حياتهم والبدء باالندماج في احل ّي ز‬ ‫احلريدي‪ 7.‬بد ًءا من عام ‪ 1977‬ودخول األحزاب‬ ‫ّ‬ ‫الدراسني‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬في احلكومة الـ ‪ 33‬مع إخراج األحزاب احلريد ّي ة‬‫ّ‬ ‫احلريد ّي ة لالئتالف‪ ،‬خضعت حكومة إسرائيل ل سيرورة انفصال‬
‫من االئتالف‪ ،‬واتخاذ مجموعة من القرارات االقتصاد ّي ة وغير‬ ‫مؤس سات‬ ‫ّ‬ ‫احلريدمي عن باقي الس ّك ان‪ .‬ق ّوت احلكومات‬
‫االقتصاد ّي ة الهادفة إلى تعزيز إمكانية حتقيق التغييرات‬ ‫التعليم احلريد ّي ة‪ُ ،‬أزيل التقييد على عدد الرافضني للخدمة‬
‫املذكورة‪ ،‬من خالل استخدام مطلب تشغيل الزوجني («استنفاد‬ ‫الع سكر ّي ة وزادت ميزانيات احلريدمي بشكل دائم‪ .‬واملفارقة أنّ‬
‫قدرة الدخل»)‪ ،‬كشرط للحصول على هبات اقتصاد ّي ة‪.‬‬ ‫سياسي بني احلريدمي واحلكومة م ّك ن من االنفصال‬ ‫ّ‬ ‫االرتباط ال‬
‫وح تّى في هذه احلالة‪ ،‬يظهر بوضوح أنّ احملكمة العليا‬ ‫االجتماعي للمجموعة ال سكان ّي ة احلريد ّي ة عن باقي الشعب‪،‬‬ ‫ّ‬
‫تُستخدم كوكيل تغيير مهم ملطلب التغيير الذي تصاعد‬ ‫سياسي‪ ،‬لكن من‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫مللعب‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫الدائم‬ ‫باالحتكاك‬ ‫سماح‬ ‫مع ال‬
‫في العقد األخير‪ .‬تتفق محكمة العدل العليا التي تتناول‪،‬‬ ‫‪8‬‬
‫دون مشاركة فاعلة من اجلمهور ذاته‪.‬‬
‫بني الفينة واألخرى‪ ،‬سؤال قانون ّي ة ال سياسة احلكوم ّي ة جتاه‬ ‫خط طت احلكومة وأقامت‪ ،‬خالل الثمانينيات والتسعينيات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫احلريدي‪ ،‬مع املوقف الذي بح سبه يجب ال سعي‬ ‫ّ‬ ‫املجتمع‬ ‫عد ًدا من البلدات احلريد ّي ة املتجانسة‪ ،‬التي هدفت إلى دعم‬
‫لتغيير التسويات القائمة‪ .‬وذلك من خالل قرارات تناولت‬ ‫‪9‬‬
‫سيرورة الفصل واستيعاب ك ّل املجموعة ال سكان ّي ة احلريد ّي ة‪.‬‬
‫توزيع موارد مال ّي ة‪ ،‬أو من خالل قرارات عملت على جوانب‬ ‫احلريدي داخل مناطق جغراف ّي ة مح ّددة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫انعزل اجلمهور‬
‫مثل‪ ،‬قامت احملكمة‬ ‫احلريدي‪ .‬هكذا‪ً ،‬‬
‫ّ‬ ‫متع لّ قة بنمط احلياة‬ ‫حيث حتيط األحياء والبلدات احلريد ّي ة ذاتها بـ «جدران من‬
‫العليا بإلغاء تسوية تأجيل اخلدمة العسكر ّي ة وطالبت م ّرة‬ ‫أول‪ ،‬منع‬ ‫القداسة»‪ ،‬جدران افتراضية لها هدف مضاعف‪ً :‬‬
‫تلو األخرى بإيجاد ت سو ّي ة مت ساوية أكثر‪ ،‬تهدف إلى دفع‬ ‫خروج احلريدمي منها‪ ،‬وثان ًي ا منع دخول الثقافة اخلارج ّي ة إلى‬
‫احلريدي نحو اخلدمة الع سكر ّي ة أو املدن ّي ة‪ .‬في فرصة‬‫ّ‬ ‫الشباب‬ ‫داخل تلك اجليوب احلريد ّي ة‪ .‬هكذا‪ ،‬فرضت القيادة احلريد ّي ة‪،‬‬
‫أخرى‪ ،‬ألغت محكمة العدل العليا تسوية بشأن ضمان الدخل‬ ‫مب ساعدة الدولة‪« ،‬التعليم احلاجز» الذي منع االتصال بني‬
‫للـ «أڤرِخيم» (تالميذ املدارس الدين ّي ة الشباب املتزوجون في‬ ‫احلريدي واآلخرين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أبناء املجتمع‬
‫ال سنوات األولى بعد الزواج)‪ ،‬وص ّع ب بذلك على عائالت مجتمع‬ ‫ّإل أنّ املعطيات الدميغراف ّي ة‪ ،‬التي تظهر وزن املجتمع‬
‫الدارسني ذات الدخل الشحيح‪ 10.‬في عدد من احلاالت‪ ،‬ألغت‬ ‫اإلسرائيلي‬ ‫احلريدي اآلخذ بالتزايد ب سرعة‪ ،‬تؤ ّث ر على املجتمع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اجلندري امل تّبع عند مجموعات مع ّي نة في‬ ‫ّ‬ ‫احملكمة الفصل‬ ‫كك ّل ‪ .‬في اجليل الثالث لإلسرائيل ّي ة‪ ،‬يتوقع اجلمهور‬
‫‪53‬‬ ‫احلريدي‪ .‬م سألة أخرى وأكثر صعوبة‪ ،‬هي اخلشية‬ ‫‪11‬‬
‫ّ‬ ‫املجتمع‬ ‫احلريدي أن ُي حدث تغيي ًرا حقيق ًي ا‬ ‫اإلسرائيلي من املجتمع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلريدي‪ ،‬إن‬
‫ّ‬ ‫تدخ ل محكمة العدل العليا بشؤون التعليم‬ ‫من ّ‬
‫ملجتمعي‪ ،‬من خالل ثالثة تغييرات‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي وا‬
‫ّ‬ ‫في منط حياته‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تشدد الخط الناشط‬ ‫ّ‬
‫الحريدية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫السياسية‬ ‫الحريدي هو ّأنه كلما زادت ّ‬
‫القوة‬ ‫ّ‬ ‫الشعور‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للمحكمة العليا بكل ما يتعلق بقضايا الدين والدولة والحريديم‪ ،‬وهو اتجاه وصل‬
‫ذروته خالل فترة رئاسة القاضي أهارون براك للمحكمة العليا‪.‬‬

‫متك ّررة للوصول إلى حلول مت ساوية بطرق مختلفة‪ .‬مع ذلك‪،‬‬ ‫كان ذلك مبضامني التعليم أو بطريقة قبول التالميذ‪ .‬تنبع‬
‫في نهاية األمر‪ ،‬احملكمة العليا هي التي أ ّدت إلى التغييرات‬ ‫الصعوبة اخلاصة في قضية التعليم من أنّ احلديث ال يدور‬
‫التي ُو ِص فت أعاله‪.‬‬ ‫عن تدخل في العالقة املباشرة بني احلريدمي والدولة‪ ،‬بل بتدخل‬
‫وفي الوقت الذي كانت فيه اإلجنازات ال سياس ّي ة ضد‬ ‫مباشر في عالقات احلريدمي الداخل ّي ة‪ ،‬بينهم وبني أنف سهم‪.‬‬
‫احلريدمي مؤقتة‪ ،‬إذ ُاشترطت عودتهم إلى احلكومة عام ‪2015‬‬ ‫ميكن االستنتاج من املذكور أعاله أنّ محكمة العدل العليا‬
‫بإلغاء كل القرارات ال سابقة التي م ّس ت بهم‪ ،‬كانت قرارات‬ ‫احلريدي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كانت في طليعة التغييرات االجتماع ّي ة في ال سياق‬
‫احملكمة‪ ،‬غال ًب ا‪ ،‬ال رجوع فيها‪ .‬مت تّع احلريدمي على امل ستوى‬ ‫لكن هذه الصورة لي ست دقيقة‪ .‬فعلى مدى سنوات طوال‬
‫االنتخابي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫سياسي‪ ،‬بق ّوة كبيرة‪ ،‬أكبر بكثير من وزنهم‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫التدخ ل وحاولت م ّرة تلو‬‫ّ‬ ‫امتنعت محكمة العدل العليا عن‬
‫وح ّق قوا بفضلها جناحات كثيرة على مدى سنني طويلة في‬ ‫األخرى أن تعيد كرة احل سم إلى ملعب اجلهات احلاكمة‪.‬‬
‫السلطتني‪ ،‬التشريع ّي ة (الكنيست) والتنفيذ ّي ة (احلكومة)‪،‬‬ ‫مثل في موضوع جتنيد تالميذ املدارس الدين ّي ة‪،‬‬ ‫هذا ما كان ً‬
‫عبر مترير قرارات وقوانني مختلفة ارتبط جزء منها بالطابع‬ ‫فقد م ّرت سنني كثيرة بني االلتماس الذي ُق ّدم ضد قانون‬
‫احلريدي نفسه‪ّ .‬إل‬
‫ّ‬ ‫اليهودي للدولة‪ ،‬واجلزء اآلخر باجلمهور‬
‫ّ‬ ‫فعلي‪ .‬خالل‬ ‫ّ‬ ‫«طال» وإلغاء محكمة العدل العليا له بشكل‬
‫أنّ ال سلطة القضائ ّي ة كانت ال ساحة ال سلطو ّي ة التي لم تنجح‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬طالبت احملكمة الدولة‪ ،‬م ّرة تلو األخرى‪ ،‬بأن تقوم‬
‫فيها الق ّوة السياس ّي ة احلريد ّي ة بالتأثير عليها‪ .‬بل على‬ ‫القضائي‪ .‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التدخ ل‬ ‫بفعل نشط مي ّك ن من االستغناء عن‬
‫احلريدي هو أنّه كلما زادت الق ّوة ال سياس ّي ة‬
‫ّ‬ ‫العكس‪ ،‬الشعور‬ ‫أيض ا في قرار احملكمة في قضية «يكتوئيلي» التي‬ ‫ما كان ً‬
‫اخلط الناشط للمحكمة العليا بك ّل ما يتع لّ ق‬
‫احلريد ّي ة‪ ،‬تش ّدد ّ‬ ‫دارت حول م ستحقات ضمان الدخل للـ «أڤرِخيم»‪ ،‬وهو قرار‬
‫بقضايا الدين والدولة واحلريدمي‪ ،‬وهو اجتاه وصل ذروته خالل‬ ‫صدر بعد عشر سنني من تقدمي االلتماس‪ ،‬وبعد محاوالت‬

‫‪54‬‬

‫عدد ‪79‬‬

‫حريديون يف اشتباك مع الرشطة أثناء احتجاجات مناوئة للمحكمة العليا‪.‬‬


‫ثقة الحريديم في محكمة العدل العليا متدنية‪ ،‬إلى درجة ّ‬
‫أن الناشطين الحريديم‬
‫ّ‬
‫تقليدي‪ ،‬عن االستئناف أمامها حول مظالم متعلقة بالجمهور‬ ‫امتنعوا‪ ،‬بشكل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحريدي‪ ،‬العتقادهم أنه ال يوجد أي احتمال فعلي لقبول استئنافاتهم‪.‬‬

‫على الثقافة الدميقراط ّي ة التوافق ّي ة في إسرائيل‪ ،‬من خالل‬ ‫فترة رئاسة القاضي أهارون براك للمحكمة العليا‪ .‬هكذا‪ ،‬مث ًال‪،‬‬
‫ّ ‪15‬‬
‫فرض أجندة اجتماع ّي ة على املنظومة ال سياس ّي ة ك ل ها‪.‬‬ ‫ص ّرح عضو الكني ست الراحل أفراهام رفيتس عند تقاعد‬
‫تف سير آخر هو أنّ احملكمة تعكس مواقف ليبرال ّي ة تط لّ بت‬ ‫الرئيس براك‪« :‬ألول م ّرة في هذا القرن يكون فيها إنسان‬
‫تغيير الوضع القائم والفصل بني احل ّي ز العا ّم واحل ّي ز اخلاص‪.‬‬ ‫كمعاد للدين لك نّه حت ّول إلى العدو األكبر‬ ‫ٍ‬ ‫لم يصف نف سه‬
‫في هذا ال سياق‪ُ ،‬ط رح ادعاء بأنّ احملكمة تتخذ ّ‬
‫توج ًه ا مبن ًي ا‬ ‫نلخ ص ونقول بأنّه العدو‬ ‫لرؤية الوجود اليهود ّي ة‪ ...‬ميكن أن ّ‬
‫ليبرالي للح ّي ز‪ ،‬بح سبها يجب التمييز بني احل ّي ز‬‫ّ‬ ‫على مفهوم‬ ‫رقم واحد ملفاهيمنا األساس ّي ة كحلقة في ال سل سلة اليهود ّي ة‬
‫اخلاص الذي ميكن فيه للفرد أن يفعل ما يشاء‪ ،‬وبني احل ّي ز‬ ‫ّ‬
‫‪12‬‬
‫الطويلة األمد»‪.‬‬
‫العا ّم‪ ،‬حيث ال تؤخذ بعني االعتبار سمات عين ّي ة مثل الدين‬ ‫خط ا قضائ ًي ا صار ًم ا‬ ‫هل اتبعت احملكمة العليا‪ ،‬عم ًدا‪ً ،‬‬
‫والثقافة‪ .‬بحسب هذا الرأي‪ ،‬تستخدم احملكمة قوتّها اخلاصة‬ ‫ضد احلريدمي؟ ال يوجد إجماع حول هذا األمر‪ .‬تعتقد الغالبية‬
‫لفرض وجهة نظر ومفاهيم «اجلمهور املتن ّور» على املجال‬ ‫ال ساحقة من احلريدمي‪ ،‬وضمنها القيادة ال سياس ّي ة احلريد ّي ة‪،‬‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬وذلك على الرغم من أنّ غالبية الشعب‬ ‫ّ‬ ‫العمومي‬
‫ّ‬ ‫أنّ احملكمة العليا معادية لهم في قراراتها‪ .‬ي ّدعي الباحث في‬
‫ال تدعم وجهة النظر هذه‪.‬‬ ‫احلريدي‪ ،‬بنيامني بار أون أنّ «احلريدمي يرون باحملكمة‬ ‫ّ‬ ‫املجتمع‬
‫التف سير الثالث املمكن هو أنّ وجهة نظر احملكمة غير‬ ‫العليا واحدة من أكثر اجلهات التي تش ّك ل خط ًرا على قيم‬
‫موج هة ضد احلريدمي حتدي ًدا‪ ،‬بل هي جزء من اجتاه أوسع‬ ‫ّ‬ ‫اليهود ّي ة»‪ 13.‬لكن‪ ،‬في نظر آخرين فإنّ احملكمة العليا ال تصدر‬
‫ناجت عن اجليل اجلديد والناشط الذي قاده رئي سا احملكمة‬ ‫أحكا ًم ا استثنائ ّي ة ضد احلريدمي‪ .‬هذا ما ادعاه براك بعد‬
‫العليا مئير شمغار ومن بعده القاضي براك‪ .‬بحسب‬ ‫تقاعده من القضاء‪ 14.‬بح سب توجهه‪ ،‬ال تنبع قرارات احملكمة‬
‫هذا املفهوم‪ ،‬منحت احملكمة نف سها دو ًرا جدي ًدا‪« :‬الراعي‬ ‫احلريدي من مفاهيم أيديولوج ّي ة مختلفة‪ ،‬بل من‬ ‫ّ‬ ‫في ال سياق‬
‫الروحي» الذي يح سم في اخلالفات األيديولوج ّي ة في املجتمع‬
‫ّ‬ ‫ساتي للمحكمة في نقد ال سيرورات املُ ْع َت لَّ ة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الدور املؤس‬
‫اإلسرائيلي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫خط متش ّدد ضد‬ ‫يف ّس ر من يعتقد بأنّ احملكمة تع ّب ر عن ٍّ‬
‫ومهما كانت اإلجابة‪ ،‬فإنّ ثقة احلريدمي في محكمة العدل‬ ‫املجموعة ال سكان ّي ة احلريد ّي ة رأيهم من خالل ع ّدة تف سيرات‪:‬‬
‫العليا متدنية‪ ،‬إلى درجة أنّ الناشطني احلريدمي امتنعوا‪،‬‬ ‫كابح ا يوازن الق ّوة السياس ّي ة‬ ‫ً‬ ‫األول‪ ،‬أنّ احملكمة تش ّك ل‬
‫تقليدي‪ ،‬عن االستئناف حملكمة العدل العليا حول‬ ‫ّ‬ ‫بشكل‬ ‫للحريدمي‪ .‬تش ّك ل األحزاب احلريد ّي ة غال ًب ا بيضة الق ّب ان في‬
‫أي‬
‫احلريدي‪ ،‬العتقادهم أنّه ال يوجد ّ‬
‫ّ‬ ‫مظالم متعلقة باجلمهور‬ ‫االئتالفات‪ ،‬وتعمل كـ «مجموعة مصلحة» ميكنها تقري ًب ا مترير‬
‫فعلي لقبول استئنافاتهم‪ .‬في غالبية االستئنافات‬ ‫ّ‬ ‫احتمال‬ ‫ك ّل قرار في الب رملان وفي احلكومة‪ ،‬رغم أنّها مت ّث ل مجموعة‬
‫احلريدي‬
‫ّ‬ ‫التي ناقشت قضايا اتصلت بشكل مباشر باجلمهور‬ ‫صغيرة من بني مجمل ال س ّك ان‪ .‬لذلك‪ ،‬رفضت احملكمة أن‬
‫لم يطلب احلريدمي االنضمام للدفاع عن أنف سهم‪ ،‬مفترضني‬ ‫خاص ا‪ ،‬وسعت‬ ‫ً‬ ‫تنظر إليهم كمجموعة أقل ّي ة تستحق دفا ًع ا‬
‫أنّها «لعبة محسومة مسب ًق ا»‪ .‬هكذا‪ ،‬مث ًال‪ ،‬في االستئنافات‬ ‫مثل‪ ،‬كان هناك ادعاء بأنّ‬ ‫إلى جلم ق ّوتها بطريقة قضائ ّي ة‪ً .‬‬
‫التي طالبت بإلغاء تسويات التجنيد‪ ،‬لم حتاول قيادة اجلمهور‬ ‫تأجيل اخلدمة في اجليش يعكس تفاهمات سياس ّي ة تعود‬
‫احلريدي الدفاع عن موقفها وطرحه أمام احملكمة‪ .‬نتيجة ذلك‬
‫ّ‬ ‫إلى األيام األولى للدولة‪ ،‬والتي احترمتها ك ّل حكومات إسرائيل‬
‫‪55‬‬ ‫تدخ ل محكمة‬ ‫أيض ا بد ًءا من العام ‪ّ .2002‬‬ ‫واحترمتها الكني ست ً‬
‫أنيطت مهمة الدفاع عن القانون بالنيابة العا ّم ة‪ ،‬التي من‬
‫املمكن أنّها لم تفلح في أن تطرح أمام احملكمة األيديولوجيا‬ ‫العدل العليا في تسوية تأجيل اخلدمة وإلغائها‪ ،‬يش ّك ل التفا ًف ا‬
‫عدد ‪79‬‬
‫فغص ت شوارع‬ ‫اآلباء‪ ،‬م سيرة ضخمة شارك فيها مئات اآلالف‪ّ ،‬‬ ‫احلريد ّي ة في موضوع الضرورة الروح ّي ة لدراسة التوراة‪.‬‬
‫بني براك والقدس باالحتجاج ضد ّ‬
‫تدخ ل احملكمة وال سلطة‬ ‫احلريدي من قرارات احملكمة في قضايا‬
‫ّ‬ ‫وصل اإلحباط‬
‫احلريدي‪ ،‬وتعالت صرخاتهم بشعار «ال مت ّس وا‬
‫ّ‬ ‫في التعليم‬ ‫الدين والدولة إلى نقطة الغليان األولى عام ‪ ،1999‬في فترة‬
‫مب سيحي»‪ُ .‬ح مل املعتقلون على األكتاف في أبهى مالبس‬ ‫رئيس احملكمة أهرون براك‪ .‬كان هذا على خلفية ع ّدة قرارات‬
‫احلريدي ك لّه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ال سبت‪ ،‬ليتح ّولوا إلى ممثلني عن اجلمهور‬ ‫احلريدي‪ 16.‬في حينه‪ ،‬خرج احلريدمي‬
‫ّ‬ ‫للمحكمة م ّس ت ب املجتمع‬
‫على مختلف أجزائه‪.‬‬ ‫في مظاهرة ضخمة ضد احملكمة‪ ،‬وصل عدد املشاركني فيها‬
‫بعد أن وصل االتفاق إلى طريق م سدود‪ ،‬متّت بلورة حل‬ ‫بحسب تقديرات كثيرة إلى نصف مليون‪ 17.‬لم تقتصر ق ّوة‬
‫وسط بني األطراف وأطلق سراح األهل‪ .‬في ال سنة الدراس ّي ة‬ ‫املظاهرة على عدد املشاركني‪ ،‬بل بتجميع صفوف احلريدمي‬
‫مؤس سة‬‫ّ‬ ‫التالية ‪ -‬وبتصديق من وزارة املعارف ‪ -‬أقيمت‬ ‫ضد من – برأيهم ‪ -‬ي سعى لتقييدهم‪ .‬وضد الشعار املشهور‬
‫تعليم ّي ة منفصلة في مدينة عمنوئيل للتلميذات احل سيديات‪.‬‬ ‫«كل شيء خاضع للمحكمة» الذي ُن سب لرئيس احملكمة العليا‬
‫لم يوافق ك ّل احلريدمي حينها (واليوم) على طريقة إدارة‬ ‫حينها‪ ،‬حمل املتظاهرون مناشير كتب عليها «توراة إسرائيل‬
‫املدرسة في عمنوئيل وعلى الفصل الذي كان هناك‪ ،‬وفي‬ ‫غير خاضعة للمحكمة»‪.‬‬
‫أماكن أخرى‪ ،‬بني الطوائف وبني القطاعات املختلفة وبني‬ ‫نقطة غليان أخرى بني احملكمة العليا والسكان احلريدمي‬
‫املولودين كحريدمي والتائبني‪ .‬رأى الكثير منهم في ذلك‬ ‫كانت في عام ‪ 2010‬حول قضية عمنوئيل‪ 18.‬كان االدعاء في‬
‫مرفوض ا يجب إزالته من املجتمع‪ ،‬كما أن امللتم سني‬ ‫ً‬ ‫سلو ًك ا‬ ‫االلتماس الذي ق ّدم للمحكمة أنّه في مدينة عمنوئيل هناك‬
‫احلريدي‪ .‬لكن اجلميع اتفق‬
‫ّ‬ ‫في القضية كانوا من املجتمع‬ ‫فصل على خلفية طائف ّي ة بني تلميذات املدارس احلريد ّي ة‪،‬‬
‫للتدخ ل في العمل‬‫ّ‬ ‫على شيء واحد‪ :‬الدولة لي ست مخ ّولة‬ ‫بحيث انق سمت املدرسة إلى تلميذات إشكنازيات يدرسن مبا‬
‫‪19‬‬
‫احلريدي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التربوي‬
‫ّ‬ ‫سيدي» من جهة‪ ،‬وتلميذات شرق ّي ات يدرسن‬ ‫ّ‬ ‫مي «الفرع احل‬ ‫ُس ّ‬
‫مظاهرة أخرى‪ ،‬الثالثة عد ًدا‪ ،‬كانت سنة ‪ 2014‬حول قضية‬ ‫مي «الفرع العا ّم»‪ .‬أمرت محكمة العدل العليا بإلغاء‬ ‫مبا ُس ّ‬
‫التجنيد‪ .‬عمو ًم ا‪ ،‬ومنذ قيام الدولة ال يتج نّد تالميذ املدارس‬ ‫مؤس سة تعليم ّي ة واحدة تتع لّ م فيه‬
‫الفصل ودمج الفرعني في ّ‬
‫الدين ّي ة للجيش‪ ،‬وضمن ذلك يق ّدمون طلب تأجيل خدمتهم‬ ‫التلميذات من مختلف القطاعات‪.‬‬
‫الع سكر ّي ة ح تّى إنهاء دراستهم أو بعد أن يصلوا إلى جيل‬ ‫فظ ا في منط احلياة‬ ‫تدخ ًل ًّ‬
‫اعتبر احلريدمي هذا القرار ّ‬
‫اإلعفاء‪ .‬في سنة ‪ ،1998‬بعد خم سني سنة بالضبط من بلورة‬ ‫احلريدي وم ًّس ا في أغلى ما لديهم ‪ -‬تربية األوالد‪ ،‬ورفضوا‬ ‫ّ‬
‫الت سوية التاريخ ّي ة على يد بن غوريون‪ ،‬ق ّررت محكمة العدل‬ ‫قبول قرار احملكمة‪ .‬وعندما أمرت وزارة التربية والتعليم دمج‬
‫مؤج لي التجنيد‪ ،‬هناك‬ ‫العليا أنّه ب سبب العدد الكبير من ّ‬ ‫الطالب‪ ،‬ق ّرر أهالي الطالبات اإلشكنازيات عدم إرسال بناتهم‬
‫مفص ل في هذا الشأن‪ .‬وفي عام ‪ ،2002‬سنّ‬ ‫ّ‬ ‫حاجة لتشريع‬ ‫للمدرسة وق ّوضوا بذلك قرار احملكمة بدمج املؤس ستني‪ .‬نظر‬
‫الكني ست «قانون طال» الذي ح ّدد أنّه بإمكان تالميذ املدارس‬ ‫إدموند ليفي‪ ،‬القاضي املتم ّرس باحملكمة العليا‪ ،‬وهو متد ّي ن‬
‫الدين ّي ة االستمرار بالتع لّ م فيها‪ ،‬أو أن يختاروا التج نّد للجيش‬ ‫أيض ا‪ ،‬إلى رفض اإلشكناز ّي ني دمج بناتهم مع البنات‬ ‫وشرقي ً‬‫ّ‬
‫أو التط ّوع للخدمة املدن ّي ة‪ .‬بعد مرور عشر سنوات‪ ،‬في عام‬ ‫الشرق ّي ات إهانة‪ ،‬وق ّرر ‪ -‬بعد أن فرض عليهم الغرامات‪ ،‬التي‬
‫ميس‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،2012‬ألغت محكمة العدل العليا هذا القانون ألنّه‬ ‫أيض ا في تنفيذ القرار ‪ -‬أن ي سجن أهالي التلميذات‬ ‫لم تفد ً‬
‫احلريدي‬
‫ّ‬ ‫باملساواة‪ .‬ق ّررت احملكمة أنّ التمييز بني الشاب‬ ‫بتهمة ازدراء احملكمة‪.‬‬
‫احلريدي‪ ،‬ال ميكنه أن يكون موجو ًدا في دولة‬‫ّ‬ ‫والشاب غير‬ ‫مت في شهر حزيران ‪ 2010‬اعتقال ‪ً 35‬‬
‫رجل حريد ًي ا‪ ،‬من‬
‫دميقراط ّي ة تتأسس على قيم امل ساواة‪ .‬في عام ‪ ،2013‬وعلى‬ ‫س ّك ان عمنوئيل‪ ،‬بتهمة اإلخالل بأمر احملكمة وازدرائها‪ .‬بينهم‬
‫خلفية تأسيس احلكومة الـ ‪ ،33‬التي كانت خارجة عن القاعدة‬ ‫كانت أقلية من األهل ال سفاردمي الذين درست بناتهم في الفرع‬
‫ولم تشمل األحزاب احلريد ّي ة‪ ،‬عادت خشية حقيق ّي ة من تغيير‬ ‫سيدي‪ .‬س ّب ب هذا االعتقال مواجهة شديدة بني احملكمة‬ ‫ّ‬ ‫احل‬
‫الوضع القائم وسنّ قانون ُي لزم بتجنيد احلريدمي للجيش‪ ،‬حتى‬ ‫‪56‬‬
‫العليا وال سكان احلريدمي‪ ،‬الذين جت نّدوا جمي ًع ا‪ ،‬بأمر من‬
‫ولو جزئ ًي ا‪ .‬ومع أنّ املظاهرة لم تكن ضد احملكمة العليا فقط‪،‬‬ ‫كبار القادة احلريدمي‪ ،‬لصالح املعتقلني‪ .‬رافقت عملية اعتقال‬
‫عدد ‪79‬‬
‫الطالب اجلامع ّي ني احلريدمي بألف باملئة‪ .‬جرى هذا باألساس‬ ‫على عكس سابقتيها‪ّ ،‬إل أنّ محكمة العدل العليا كانت بنظر‬
‫خاص ة متنح احلريدمي بيئة‬ ‫ّ‬ ‫على خلفية وجود أحرام جامع ّي ة‬ ‫احلريدمي العامل الذي أ ّدى إلى خلق أزمة التجنيد بإلغائها‬
‫تعليم تالئم ثقافتهم‪ .‬موضوع احلقوق هو على رأس قائمة‬ ‫قانون طال سنة ‪.2012‬‬
‫مجاالت التعليم‪ 23.‬في بحث أجري بطلب من مجلس التعليم‬ ‫احلريدي باحملكمة‬
‫ّ‬ ‫ينعكس انعدام الثقة املتواصل للجمهور‬
‫تبي أنّه في سنة ‪ 2014‬درست ‪ 348‬امرأة و‪546‬‬ ‫العالي‪ّ ،‬‬ ‫سنوي الذي ينشره املعهد‬
‫ّ‬ ‫العليا في ّ‬
‫مؤش ر الدميقراط ّي ة ال‬
‫يتبي من املعطيات أنّ هذا هو‬ ‫رجل موضوع احلقوق‪ .‬كما ّ‬
‫‪24‬‬ ‫ً‬ ‫اإلسرائيلي للدميقراط ّي ة‪ .‬بح سب معطيات ا ّ‬
‫ملؤش ر‪ ،‬حوالي ‪٪80‬‬ ‫ّ‬
‫أكثر املواضيع املطلوبة عند الرجال احلريدمي (وبفارق كبير‬ ‫احلريدي يع ّب ر عن انعدام ثقة أو ثقة بدرجة قليلة‬
‫ّ‬ ‫اجلمهور‬ ‫من‬
‫عن املواضيع التي تليه)‪ ،‬ومن أكثر املواضيع املطلوبة عند‬ ‫باحملكمة العليا‪ 20.‬وصل م ستوى انعدام ثقة إلى حضيض‬
‫‪25‬‬
‫النساء احلريديات‪.‬‬ ‫غير م سبوق في مؤشر العام ‪ 2016‬حيث ع ّب ر ‪ ٪6‬فقط من‬
‫تش ّك ل دراسة احلقوق أكثر املواضيع شعب ّي ة في التعليم‬ ‫احلريدي عن الثقة في احملكمة العليا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اجلمهور‬
‫احلريدي لع ّدة أسباب‪ُ :‬ي عتبر موضو ًع ا رفيع‬ ‫ّ‬ ‫األكادميي‬
‫ّ‬ ‫تبرز هذه املعطيات أكثر على خلفية الثقة الواضحة التي‬
‫امل ستوى ومحتر ًم ا‪ ،‬فيه استنفاد لقدرة التحليل في الدراسة‬ ‫مينحها اجلمهور اإلسرائيلي للمحكمة العليا‪ ،‬وهي أعلى‬
‫الدين ّي ة‪ ،‬وهذه حقيقة ت سهم في شعب ّي ة موضوع احلقوق في‬ ‫اإلسرائيلي جتاه‬
‫ّ‬ ‫بكثير من الثقة التي يشعر فيها املجتمع‬
‫أوساط الرجال احلريدمي خ ّريجي املدارس الدين ّي ة‪ ،‬ومي ّك ن من‬ ‫املؤس سات األخرى‪ 21.‬كما أنّه في أوساط املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫غالبية‬
‫العمل وك سب األرباح ال سريعة نسب ًي ا بفضل فترة التدريب‬ ‫احلريدي ذاته ميكن تو ّق ع وجود م ستوى أعلى من الثقة في‬‫ّ‬
‫القصيرة‪ ،‬كما مي ّك ن من العمل امل ستقل واملرن‪ ،‬واألهم‪ -‬أنّه‬ ‫مؤس سات أخرى‪ ،‬مثل احلكومة واجليش‪ .‬بكلمات أخرى‪:‬‬
‫‪22‬‬

‫ال يتط لّ ب معرفة م سبقة في العلوم العا ّم ة‪ ،‬وعلى رأسها‬ ‫احلريدي باحملكمة العليا إلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تؤش ر ن سبة انعدام ثقة املجتمع‬
‫الرياضيات واإلجنليز ّي ة‪ ،‬وهي خلفية يفتقدها خ ّريجو جهار‬ ‫احلريدي واحملكمة العليا‪ ،‬على‬
‫ّ‬ ‫أزمة خاصة وطويلة بني املجتمع‬
‫‪26‬‬
‫احلريدي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التعليم‬ ‫باملؤس سات األخرى‪ ،‬وعلى عكس‬ ‫ّ‬ ‫عكس عالقة هذا املجتمع‬
‫كيف تتماشى الشعب ّي ة املرتفعة لدراسة احلقوق مع خلفية‬ ‫عالقة غير احلريدمي باحملكمة العليا‪.‬‬
‫القضائي؟ ميكن القول‬
‫ّ‬ ‫الصراع بني ال س ّك ان احلريدمي واجلهاز‬ ‫ومع انعدام الثقة املذكور‪ ،‬يكون االبتعاد بني املجتمع‬
‫إنّ األفضليات املذكورة لدراسة احملاماة‪ ،‬وتوافرها في «األحرام‬ ‫اإلسرائيلي أم ًرا حتم ًي ا‪ ،‬يدفع‬
‫ّ‬ ‫القضائي‬
‫ّ‬ ‫احلريدي واجلهاز‬
‫ّ‬
‫املخص صة‪ ،‬تش ّك ل وزنًا مضا ًدا‪ .‬هذا‬ ‫ّ‬ ‫اجلامع ّي ة احلريد ّي ة»‬ ‫بال سكان احلريدمي إلى االستمرار باالنغالق داخل جدرانهم‬
‫على الرغم من أنّ جز ًءا من الطالب اجلامع ّي ني احلريدمي‪ ،‬ال‬ ‫ميس هذا الواقع باحتماالت‬‫مع تطوير أدوات مجتمع ّي ة بديلة‪ّ .‬‬
‫ي سعون للعمل في مهنة احملاماة بشكل مباشر‪ ،‬بل يدرسون‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬وقد يؤ ّدي إلى‬
‫ّ‬ ‫احلريدي باحل ّي ز‬
‫ّ‬ ‫اندماج املجتمع‬
‫احلقوق من أجل أن يترقوا في إطار اخلدمة العا ّم ة أو ي سعون‬ ‫تشويهات قانون ّي ة في حاالت مع ّي نة وإلى أضرار في حقوق‬
‫لفروع قضائ ّي ة ال تشمل الترافع أمام احملكمة‪ ،‬مثل تنفيذ‬ ‫القضائي ذاته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األفراد وفي النها ّي ة إلى إضعاف اجلهاز‬
‫صفقات عقار ّي ة‪ .‬وآخرون ي سعون حتدي ًدا لدراسة املوضوع‬
‫احلريدي في ال ساحة التي‬ ‫ّ‬ ‫بهدف أن يكونوا صوتًا للجمهور‬
‫ج‪ .‬رياح التغيير‬
‫ّ‬
‫لم يكن مشار ًك ا فيها حتى اآلن‪ .‬في ك ل حال من األحول‪،‬‬
‫ستكون لدراسة احلقوق عمو ًم ا‪ ،‬ولتأهيل احلريدمي واحلريديات‬ ‫ي سعى هذا الفصل لالدعاء بأنّ الصراع الطويل بني ال س ّك ان‬
‫كمحامني ومحاميات حتدي ًدا‪ ،‬تأثير مباشر على تخفيف‬ ‫حقيقي‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬ ‫القضائي على أعتاب حت ّول‬
‫ّ‬ ‫احلريدمي واجلهاز‬
‫الصراعات املذكورة بني املع سكرين‪ ،‬على ع ّدة أصعدة‪.‬‬ ‫القضائي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫على خلفية مشاركة متزايدة حلريدمي في العالم‬
‫اإلسرائيلي‬
‫ّ‬ ‫يدفع هذا التح ّول إلى تعميق شرعية جهاز القضاء‬
‫القضائي املخترق للشارع احلريدي‬ ‫ّ‬ ‫أ ّو ًل‪ُ ،‬ي حدث اخلطاب‬
‫في نظر احلريدمي وإلى بناء ثقة به‪.‬‬
‫احلريدي‪ .‬في مقابل خطاب‬ ‫ّ‬ ‫تغيي ًرا عمي ًق ا داخل عالم القيم‬
‫‪57‬‬ ‫اجلماعي النابع من األيديولوجيا احلريد ّي ة‪ ،‬يتط ّور‬ ‫ّ‬ ‫الواجبات‬ ‫منذ مطلع هذا القرن‪ُ ،‬ف تحت أبواب ا ّ‬
‫ملؤس سات األكادمي ّي ة‬
‫فرداني‪ ،‬منبعه في القضاء‬ ‫احلريدي خطاب‬
‫ّ‬ ‫في الشارع‬ ‫أمام ال س ّك ان احلريدمي‪ .‬وخالل عقد واحد‪ ،‬تضاعف عدد‬
‫ّ‬
‫عدد ‪79‬‬
‫املواجهة إلى هبوط حاد في الثقة التي مينحها احلريدمي‬ ‫الغربي‪ .‬كما يعمل عدد غير قليل من احملامني احلريدمي في‬ ‫ّ‬
‫للمحكمة العليا‪ .‬تع ّب ر القيادة احلريد ّي ة عن انعدام ثقة عميقة‬ ‫إطار خطاب احلقوق‪ ،‬في البيئة داخل املجتمع‪ ،‬وفي البيئة‬
‫لدرجة أنّها امتنعت عن املشاركة في مداوالت مبدئ ّي ة في‬ ‫منظ مة «بات ميلخ» التي تق ّدم م ساعدة‬ ‫اإلسرائيل ّي ة العا ّم ة‪ .‬مثل ّ‬
‫محكمة العدل العليا‪ ،‬على الرغم من أنّها تؤ ّث ر بشكل مباشر‬ ‫ومنظ مة «نوعار كِ َه لَخا» الذي يهتم‬ ‫ّ‬ ‫ومأوى لنساء حريد ّي ات‪،‬‬
‫على املجتمع ك لّه‪ .‬لقد امتنع احلريدمي‪ ،‬مثال‪ ،‬عن املثول أمام‬ ‫الطائفي‪ ،‬والعيادة القانون ّي ة «حريدمي‬
‫ّ‬ ‫مبكافحة ظواهر التمييز‬
‫مت خالله تداول‬ ‫احملكمة وتقدمي االدعاءات طيلة العقد الذي ّ‬ ‫احلريدي‬
‫ّ‬ ‫اجلامعي‬
‫ّ‬ ‫تأس ست في احلرم‬ ‫حلقوق اإلن سان» التي ّ‬
‫قضية تأجيل خدمة احلريدمي في اجليش‪.‬‬ ‫في أكادمي ّي ة أونو‪ ،‬إلى جانب جهات أخرى تعمل في التمثيل‬
‫في ظ ّل انعدام ثقة احلريدمي بالسلطة القضائ ّي ة‪ ،‬إحدى‬ ‫القانوني للمصالح احلريد ّي ة أمام الدوائر العا ّم ة‪ .‬يؤ ّدي هذا‬‫ّ‬
‫ال سلطات املركز ّي ة الثالث‪ ،‬سيجد ال سكان احلريدمي صعوبة‬ ‫اخلطاب إلى تعميق شرعية الدوائر القضائ ّي ة في الشارع‬
‫اإلسرائيلي وتبني سلوكيات انصياع‬ ‫ّ‬ ‫باالندماج في احل ّي ز‬ ‫احلريدي‪ ،‬وتغيير نقطة التوازن بني املؤسسات املجتمع ّي ة‬ ‫ّ‬
‫القضائي‬
‫ّ‬ ‫داخل ّي ة‪ .‬سيؤ ّدي البعد بني ال س ّك ان احلريدمي واجلهاز‬ ‫ملؤس سات القضائ ّي ة الرسم ّي ة‪.‬‬ ‫وا ّ‬
‫اإلسرائيلي إلى أن ي ستمر احلريدمي في االنغالق بني جدران‬ ‫ّ‬ ‫القضائي من الداخل‬
‫ّ‬ ‫ثان ًي ا‪ ،‬يؤدي التع ّرف إلى اجلهاز‬
‫مجتمعهم وتطوير أدوات مجتمع ّي ة بديلة‪ .‬قد يؤ ّدي هذا الواقع‬ ‫إلى إزالة احلواجز ومنح الشرع ّي ة إلتاحة احملاكم بدرجة أكبر‬
‫ملس بحقوق‬ ‫إلى تشويهات قضائ ّي ة في حاالت مع ّي نة وإلى ا ّ‬ ‫لل س ّك ان احلريدمي‪ُ .‬ي خ ّف ف وجود محامني حريدمي ودخول اللغة‬
‫القضائي ذاته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األفراد وفي النهاية إلى إضعاف اجلهاز‬ ‫احلريدي اإلحجام واخلوف من اجلهاز‬
‫ّ‬ ‫القانون ّي ة إلى املجتمع‬
‫احلريدي ذاته في‬
‫ّ‬ ‫يش ّك ل التغيير احلاصل داخل املجتمع‬ ‫القضائي‪ ،‬ومت ّك ن األفراد من استنفاد حقوقهم من خالل‬
‫ّ‬
‫العقد األخير‪ ،‬والذي يقود إلى دخول الكثير من احلريدمي إلى‬ ‫االعتماد على وكالء من داخل مجتمعهم‪.‬‬
‫األكادمييا لدراسة احلقوق ومهنة احملاماة‪ ،‬مح ّف زًا لتغيير‬ ‫القانوني إلى داخل العالم‬
‫ّ‬ ‫ثال ًث ا‪ ،‬يؤ ّدي دخول اخلطاب‬
‫الليبرالي داخل املجتمع‬
‫ّ‬ ‫االجتاه‪ .‬يؤ ّدي منو خطاب احلقوق‬ ‫احلريدي‪ ،‬باألساس في إطار اجلهات واجلمع ّي ات احلريد ّي ة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الديني‪ ،‬إلى ازدهار‬ ‫ّ‬ ‫احلريدي إلى جانب خطاب الواجبات‬ ‫ّ‬ ‫احلريدي أمام محكمة العدل العليا وإلى‬
‫ّ‬ ‫إلى إسماع الصوت‬
‫احلريدي وتع ّدد اآلراء داخله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫منظ مات حقوق ّي ة داخل املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫مشاركة احلريدمي‪ ،‬ح تّى ولو بواسطة العبني ثانو ّي ني‪ ،‬في‬
‫القضائي ك لّه‪ ،‬وفي حاالت مع ّي نة‬
‫ّ‬ ‫وبهذا‪ ،‬يبدأ حوار مع اجلهاز‬ ‫اللعبة القضائ ّي ة‪ .‬هكذا ً‬
‫مثل في االلتماس الذي ُق ِّدم للمطالبة‬
‫مع احملكمة العليا ذاتها‪.‬‬ ‫بفرض املواضيع التعليم ّي ة األساس ّي ة على املدارس الدين ّي ة‬
‫تدريس احلقوق ملجموعة سكان ّي ة تفتقد غالبيتها إلى البنية‬ ‫اجلامعي‬
‫ّ‬ ‫اليهود ّي ة‪ ،‬حيث طلبت نقابة الطالب في احلرم‬
‫التحتية لدراسة املدنيات‪ ،‬ال مينح صندوق مع ّدات تشغيل ّي ة‬ ‫تنض م لاللتماس كمجيبة‬ ‫احلريدي في أكادمي ّي ة أونو أن ّ‬
‫ّ‬
‫احلريدي‪ .‬ميكن أن‬
‫ّ‬ ‫فقط‪ ،‬بل يغ ّي ر اخلطاب داخل املجتمع‬ ‫احلريدي في محكمة‬‫ّ‬ ‫على االلتماس‪ .‬يعالج إسماع الصوت‬
‫‪27‬‬

‫يخفف وجود محامني‪ -‬وفي امل ستقبل ح تّى قضاة‪ -‬حريدمي‪،‬‬ ‫العدل العليا‪ ،‬إلى ح ّد كبير‪ ،‬الشرخ الذي ُوصف في الفصل‬
‫ميكنهم أن يتواسطوا بني املجتمعني‪ ،‬إلى درجة كبيرة‪،‬‬ ‫«ب» أعاله‪.‬‬
‫املواجهة املذكورة‪ ،‬عن طريق زيادة الثقة وتعميق الشرعية‬
‫احلريدي‬
‫ّ‬ ‫القضائي‪ ،‬وفي ذلك مساهمة للمجتمع‬ ‫ّ‬ ‫للجهاز‬ ‫د‪ .‬تلخيص‬
‫القضائي ك لّه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وللجهاز‬
‫القضائي‬
‫ّ‬ ‫منذ األيام األولى إلسرائيل‪ ،‬دخل اجلهاز‬
‫ترجمة من العبرية‪ :‬إياد برغوثي‬ ‫احلريدي‪ .‬أ ّدت هذه‬
‫ّ‬ ‫اإلسرائيلي في مواجهة مع املجتمع‬
‫ّ‬

‫‪58‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫(‪ .)2001/5/11‬االدعاءات ضد إلغاء قرار تسوية التجنيد على يد محكمة العدل‬ ‫الهوامش‬
‫العليا‪ ،‬طرحها ع ّدة باحثني في القانون‪ .‬انظروا مثال يديديا شطيرن‪« ،‬النشاط‬ ‫‪ 1‬إجمالي الذين أجابوا «ال يوجد عندي ثقة بامل ّرة» أو «بدرجة منخفضة»‪ .‬متّت معاجلة‬
‫القضائيّ في ذروته»‪ ،‬يديعوت أحرونوت (‪.)2012/2/26‬‬ ‫‪ .2016‬هذه املعطيات‬‫مؤشرات الدميقراط ّية بني السنوات ‪2016--2002‬‬ ‫البيانات من ّ‬
‫‪ 16‬هكذا مثال في قرار احلكم الذي ألغى التسوية بشأن تأجيل خدمة احلريدمي في‬ ‫املؤسسات األخرى‪ .‬انظروا‪:‬‬ ‫مع‬ ‫مقارنة‬ ‫ة‬‫ي‬ ‫احلريد‬ ‫الثقة‬ ‫عدم‬ ‫معطيات‬ ‫أعلى من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اجليش‪ ،‬والذي قامت على أثره جلنة طال‪ .‬انظروا م‪.‬ع‪.‬ع ‪ 97/3267‬روبنشتاين‬ ‫متار هرمان وآخرون‪ ،‬مؤشر الدميقراط ّية اإلسرائيل ّية ‪( .2016‬القدس‪ ،‬املعهد‬
‫األمن‪ ،‬ق‪.‬ح (‪ ،)1998( 481 )5‬وكذلك عدد من القرارات األخرى في‬ ‫ضد وزير األمن‬ ‫اإلسرائيليّ للدميقراطيّة‪.)2016 ،‬‬
‫باڤلي‪ ،‬م‪.‬ه‪89 .‬؛ قرارات بشأن‬
‫قضايا الدين والدولة املذكورة أعاله‪ .‬مثال في قضية باڤلي‬ ‫‪ %52 2‬من املسلمني‪ %71 ،‬من الدروز‪ %73 ،‬املسيحيّني‪.‬‬
‫ميرتس‪ ،‬م‪.‬ه ‪ ،93‬م‪.‬ع‪.‬ع‪96/5016 .‬‬ ‫تركيبة املجالس الدين ّية انظروا قضية كتلة ميرتس‬ ‫‪( .2019‬القدس‪ ،‬املعهد‬
‫‪ 3‬متار هرمان وآخرون‪ ،‬مؤشر الدميقراط ّية اإلسرائيل ّية ‪2019‬‬
‫حورڤ ضد وزير املواصالت‪ ،‬ق‪.‬ح (‪ .)1997( 1 )4‬قرار احلكم األخير تناول‬ ‫اإلسرائيلي للدميقراط ّية‪.)2019 ،‬‬
‫ّ‬
‫موضوع إغالق شارع بار إيالن في القدس للسفر أيام السبت‪ ،‬وسعى عمل ًيا حلل‬ ‫‪ 4‬م‪.‬ع‪.‬ع ‪ 04/5026‬ديزاين ‪ – 22‬شارق ديلوكس أثاث م‪.‬ض‪ .‬ضد رئيس فرع‬
‫وسط بني األطراف‪ .‬مع ذلك‪ ،‬نقل احلسم إلى محكمة العدل العليا دفع احلريدمي‬ ‫والرفاه‪ ،‬ق‪.‬ح (‪38 )1‬‬
‫تصاريح العمل يوم السبت‪ ،‬قسم املراقبة وزارة العمل والرفاه‬
‫إلى هجوم ضده‪ .‬على خلفية املظاهرة جتدر اإلشارة إلى أن تلك الفترة كانت مهمة‬ ‫للتجار واملستقلني ضد وزير‬ ‫(‪ ;)2005‬ق‪.‬م‪.‬ع‪.‬ع ‪ 17/3660‬االحتاد العام ّ‬
‫لسبب واحد‪ :‬قضية أرييه درعي التي استمرت خمس سنوات كانت على وشك‬ ‫الداخلية (نُشر في نڤو‪ ;)2017/10/26 ،‬م‪.‬ع‪.‬ع ‪ 03/2232‬فالنة ضد احملكمة‬
‫االنتهاء واحلسم‪ ،‬حيث ياخللفية كان شعور عند احلريدمي الشرق ّيني أن درعي لوحق‬ ‫يافا‪ ،‬ق‪.‬ح (‪ ;)2006( 496 )3‬م‪.‬ع‪.‬ع ‪ 68/58‬شاليط‬ ‫الدين ّية اللوائ ّية تل أبيب يافا‬
‫واألشكنازي الذي كان ممثاله األساس ّيان هما النيابة‬
‫ّ‬ ‫العلماني‬
‫ّ‬ ‫على بد النظام‬ ‫ضد وزير الداخل ّيةة‪ ،‬ق‪.‬ح (‪ ;)1970( 477 )2‬م‪.‬ع‪.‬ع ‪ 95/5070‬نعمات‪-‬‬
‫مت التعبير عن هذه املشاعر في انتخابات عام ‪ 1999‬التي‬ ‫العا ّمة واحملكمة‪ .‬وقد ّ‬ ‫حركات نساء عامالت ومتطوعات ضد وزير الداخل ّيةة‪ ،‬ق‪.‬ح (‪;)2002( 721 )2‬‬
‫حصل فيها حزب «شاس» على ‪ 17‬مقع ًدا‪ .‬انظروا حاييم زيخرمان‪ ،‬أسود أزرق‪-‬‬ ‫م‪.‬ع‪.‬ع ‪ 99/2597‬رودريجز ضد وزير الداخل ّية‪ ،‬ق‪.‬ح (‪;)2005( 721 )6‬‬
‫أبيض‪( .‬تل أبيب‪ :‬يديعوت سفرمي‪ ،)2014 ،‬ص ‪.217‬‬ ‫أبيض‬ ‫الديني بئر السبع (نُشر في موقع نڤو‪،‬‬ ‫‪ 10/5875‬احلركة التقليد ّية ضد املجلس‬
‫ّ‬
‫حريدمي‪،‬‬
‫‪ 17‬شاي آيزنبرغ «عقد على مظاهرة النصف مليون» موقع االنترنت بحدري حريدمي‬ ‫‪.)2016/2/11‬‬
‫‪2009/2/22‬‬ ‫‪ 5‬مثال في مظاهرات السبت أو في النضال من أجل تعليم القادمني اجلدد في السنوات‬
‫‪ 18‬م‪.‬ع‪.‬ع ‪ 08/1067‬جمعية «نوعار كهلخاه» ضد وزارة التربية والتعليم (نُشر في‬ ‫األولى للدولة‪ .‬انظروا توم سيجف‪ -1949 ،‬اإلسرائيل ّيون األوائل‪( .‬تل أبيب‪ :‬كيتر‪،‬‬
‫ناڤو‪.)2010/9/14 ،‬‬ ‫‪ ،)1984‬ص ‪218-188‬‬
‫‪ 19‬انظروا مثال كوبي نحشوني‪« ،‬الراڤ عوڤاديا‪ :‬ال تتوجهوا للدوائر القضائ ّية»‪.‬‬ ‫‪ 6‬م‪.‬ع‪.‬ع ‪ ٩٢/1000‬باڤلي ضد احملكمة الدينيّة الكبيرة ق‪.‬ح (‪.)1994( 221 )2‬‬
‫‪Ynet 20.6.2010 www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-3907523,00.html.‬‬ ‫حريدي عليه‬
‫ّ‬ ‫يوجه لأليديولوجيا التي بحسبها كل رجل‬ ‫‪ 7‬املصطلح مجتمع الدارسني ّ‬
‫اإلسرائيلي‬
‫ّ‬ ‫‪ 20‬معتمد على معاجلة معطيات مؤشرات الدميقراط ّية التي أصدرها املعهد‬ ‫يخصص حياته لدراسة التوراة‪ ،‬من دون موعد إنهاء مح ّدد‪ .‬انظروا مناحم‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫مؤشر‬ ‫ّ‬ ‫للدميقراط ّية خالل السنوات ‪ .2015-2003‬في سنة ‪ 2016‬عرض‬ ‫السيرورات‪( .‬القدس‪ :‬معهد‬
‫احلريدي‪ :‬اجلذور‪ ،‬االجتاهات‪ ،‬السيرورات‬ ‫ّ‬ ‫املجتمع‬ ‫فريدمان‪،‬‬
‫احلريدي بشكل منفصل‪ .‬متار هرمان‬ ‫ّ‬ ‫الدميقراط ّية معطيات الثقة عند اجلمهور‬ ‫القدس لدراسة إسرائيل‪.1991 ،‬‬
‫اإلسرائيلي‬
‫ّ‬ ‫‪( .2016‬القدس‪ ،‬املعهد‬ ‫وآخرون‪ ،‬مؤشر الدميقراط ّية اإلسرائيل ّية ‪2016‬‬ ‫للتوسع في هذا املوضوع انظروا حاييم زيخرمان‪« ،‬حريديات إسرائيل ّيات في ثالثة‬ ‫ّ‬ ‫‪8‬‬
‫للدميقراطيّة‪ ،)2016 ،‬ص ‪.165‬‬ ‫أجهزة»‪ ،‬تربوت دميقراطيت ‪( )2017( 131 ,17‬فيما يلي‪ :‬زيخرمان «حريديات‬
‫احلريدي في مؤسسات احلكم في العقد األخير» بارملنت‬ ‫ّ‬ ‫‪ 21‬ياعل هدار‪« ،‬ثقة اجلمهور‬ ‫إسرائيليّات في ثالثة أجهزة»)‪.‬‬
‫مؤشر الدميقراط ّية اإلسرائيل ّية‬ ‫‪ .) 2009( 63‬انظروا أيضًا هرمان وآخرون‪ّ ،‬‬ ‫‪ 9‬احلديث عن البلدات بيتار عيليت‪ ،‬كريات سفر (اليوم‪ :‬موديعني عيليت)‪ ،‬عمنوئيل وفي‬
‫احلريدي واجلمهور‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،2016‬ص ‪ ،21‬حيث ُكتب‪« :‬الفجوة األكبر بني اجلمهور‬ ‫‪2016‬‬ ‫والهرمي للمجموعة‬ ‫زي‬
‫مرحلة معينة مدينة إلعاد‪ .‬انظروا لي كهنر‪ ،‬تط ّور املبنى احل ّي ّ‬
‫ّ‬
‫احلريدي يتجلّى في العالقة مع احملكمة العليا‪ ٪61.5 :‬من اجلمهور‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي غير‬
‫ّ‬ ‫السكان ّية احلريد ّية في إسرائيل (أطروحة لنيل الدكتوراه في الفلسفة‪ ،‬جامعة حيفا‪-‬‬
‫احلريدي يثقون بها مقاال ‪ ٪6‬فقط من احلريدمي»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي غير‬
‫ّ‬ ‫قسم اجلغرافيا ودراسة البيئة‪.)2009 ،‬‬
‫‪ ،2016‬ص ‪ .185‬نسبة ثقة‬ ‫‪ 22‬هرمان وآخرون‪ّ ،‬‬
‫مؤشر الدميقراط ّية اإلسرائيل ّية ‪2016‬‬ ‫‪ 10‬م‪.‬ع‪.‬ع ‪ 00/4124‬يكتوئيلي ضد وزير الشؤون الدين ّيةة‪ ،‬ق‪.‬ح (‪)2010( 142 )1‬‬
‫احلريدي)؛ ‪%53‬‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي غير‬
‫ّ‬ ‫احلريدمي باجليش كانت ‪ ٪93( ٪66‬عند اجلمهور‬ ‫(فيما يلي‪ :‬قضية يكتوئيلي)‪.‬‬
‫احلريدي); ‪ %34‬بالشرطة‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي غير‬
‫ّ‬ ‫بالسلطات احملل ّية (‪ %55‬عند اجلمهور‬ ‫مثل في قضية الفصل في املواصالت العا ّمة‪ ،‬انظروا‪ :‬انظروا م‪.‬ع‪.‬ع‪.‬‬ ‫‪ 11‬هذا ما كان ً‬
‫احلريدي); ‪ %28‬باحلكومة (‪ %29‬اجلمهور‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي غير‬
‫ّ‬ ‫(‪ %43‬عند اجلمهور‬ ‫‪ 07/746‬ريغن ضد وزارة املواصالت‪ ،‬ق‪.‬ح (‪ ;)2011( 530 )2‬في قضية عدم‬
‫اليهودي غير‬
‫ّ‬ ‫احلريدي); ‪ %25‬بالكنيست (‪ %28‬عند اجلمهور‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي غير‬
‫ّ‬ ‫إسماع النساء كمذيعات في محطة اإلذاعة احلريد ّية «كول برماه»‪ ،‬انظروا س‪.‬ا‪.‬م‬
‫احلريدي)‪ .‬كما‬
‫ّ‬ ‫اليهودي غير‬
‫ّ‬ ‫احلريدي); ‪ %19‬باألحزاب (‪ %14‬عند اجلمهور‬ ‫ّ‬ ‫‪ 14/6897‬إذاعة كول برماه م‪.‬ض‪ .‬ضد كولخ‪ -‬فوروم نساء متدينات (نُشر في‬
‫ميكن أن نرى‪ ،‬في غالبية املؤسسات‪ ،‬هناك مالءمة بني املجموعة السكان ّية احلريد ّية‬ ‫نڤو‪ )9.12.2015 ،‬وكذلك في موضوع «الفتات احلشمة» التي وضعت في مدينة‬
‫واجلمهور اليهوديّ غير احلريديّ‪ .‬لكن ليس مبا يتعلّق باحملكمة العليا‪.‬‬ ‫بيت شيمش‪ ،‬انظروا التماس ‪ 17/5338‬رئيس بلدية بيت شيمش ضد فيليب‬
‫احلريدي‪( .‬القدس‪:‬‬‫‪ 23‬جلعاد مآلخ‪ ،‬عن طهارة اللقب‪ -‬التعليم األكادميي في الوسط احلريدي‬ ‫(نُشر في نڤو‪.)2017/12/4 ،‬‬
‫معهد فلورسهامير‪ ،)2014 ،‬ص ‪.23-24‬‬ ‫‪ 12‬انظروا إيالن مرسيانو «عضو الكنيست‪ :‬أهرون براك ح ّول نفسه إلى العدو رقم‬
‫‪ 24‬مجلس التعليم العالي‪ ،‬اخلطة اخلماسية ملجلس التعليم العالي‪-‬جلنة التخطيط‬ ‫‪www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-3303824,00. 14.9.2006 Ynet »1‬‬
‫‪ :2016‬بحث تقييم وتوصيات‬ ‫وامليزانيات للس ّكان احلريدمي للسنوات ‪:2016--2011‬‬ ‫‪html.‬‬
‫القادمة‪ ،‬القدس‪ ،2016 ،‬ص ‪.51-52‬‬ ‫للسنوات اخلمس القادمة‬ ‫الشعب»‪( ،‬القدس‪ ،‬املعهد‬
‫‪ 13‬بنيامني بار أون‪ ،‬حريدمي (خائفون) من «سلطة الشعب»‬
‫‪ 25‬انظروا مثال يائير إتنجر‪« ،‬املزيد من احلريدمي يتوجهون لدراسة احلقوق»‪ ،‬هآرتس‬ ‫اإلسرائيليّ للدميقراطيّة‪ ،)2012 ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪https://www.haaretz.co.il/misc/1.1070511. 29.12.2005‬‬ ‫‪ 14‬انظروا آفي شيف‪« ،‬القاضي براك‪ :‬أريد أن أرى قاض ًيا حريد ّيا في العليا»‪ ،‬موقع‬
‫‪ 26‬أ ملحي و م‪ .‬بارئيل‪ .‬أجتهدت فوجدت‪ ،‬ص ّدق‪ :‬سمات التالميذ احلريدمي املدعومني‬ ‫حردمي‪ .2015/9/3 ،‬في التقرير ُاقتبس براك ً‬
‫قائل‪« :‬أنا ال‬ ‫االنترنت بحدري حردمي‬
‫‪59‬‬ ‫من صندوق «كماح» في املسارات األكادمي ّية واملهن ّيةة‪( .‬القدس‪ :‬وزارة الصناعة‪،‬‬ ‫أفكر أن احملكمة العليا ضد احلريدمي‪ .‬نسبة اخلسارات عند احلريدمي ليست أعلى‬
‫التجارة والتشغيل‪ ،)2012 ،‬ص ‪.19-20‬‬ ‫منها عند غير احلريدمي»‪.‬‬
‫‪ 27‬م‪.‬ع‪.‬ع‪ 10/3752 .‬روبنشتاين ضد الكنيست (نُشر في نڤو‪.)17.9.2014 ،‬‬ ‫‪ 15‬يتسحاك روط «محكمة العدل العليا فوق الدميقراط ّية» يتد نئمان ‪19‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫من األدب العبري الحديث‪ :‬قصيدة وتعليق‬
‫مالك سمارة‬

‫«باب الواد»‪ :‬المجاز «الصهيوني» وإعادة إنتاج المكان‬

‫نخصص في هذه املساحة من مجلة «قضايا إسرائيلية» زاوية دائمة لترجمة قصائد من عيون الشعر العبري‬
‫احلديث‪ ،‬وتقدميها للقارئ العربي في قالب نقدي؛ والهدف من ذلك فتح نوافذ جديدة للمعرفة والسؤال في‬
‫العبري على وجه التحديد‪ ،‬الذي ظ ّل اجلهد البحثي والترجمي‬
‫ّ‬ ‫مجال الثقافة اإلسرائيلية عمو ًم ا‪ ،‬ومجال الشعر‬
‫تنفك عن اخلطاب اإلسرائيلي؛ هي تساهم في تشكيله بقدر‬ ‫ّ‬ ‫فيه فقي ًرا إلى ح ّد بعيد‪ ،‬رغم أنّ القصيدة ال‬
‫نتقص ى بصماتها في الوعي واملخيال و«اإليثوس» اإلسرائيلي اجلمعي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ما تتب نّاه وتتض ّم نه‪ ،‬ومن هنا لنا أن‬
‫‪ ،)2018‬وهو من شعراء «اجليل املؤسس» في‬
‫‪،)2018--1923‬‬
‫اخترنا أن نق ّدم في هذه الزاوية قصيدة «باب الواد» حلاييم غوري ((‪1923‬‬
‫إسرائيل‪ ،‬على اعتبار أن قصيدته تلك‪ ،‬التي ّ‬
‫حل نت وغ نّاها مطربون إسرائيليون كثر‪ ،‬ستصبح إحدى القصائد املركز ّي ة في‬
‫بناء الوعي القومي اإلسرائيلي‪ ،‬وفي التأريخ شعر ًّي ا حلرب النكبة‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫احملرر‬

‫عدد ‪79‬‬
‫هنا ك نّا عائلة واحدة‪..‬‬
‫‪---‬‬
‫يا باب الواد‪..‬‬
‫سيأتي يوم ربيعي ويتف تّح قرن الغزال‬
‫سفوح حمرتَها‬
‫َ‬ ‫وتك سو شقائق النعمان اجلبا َل وال‬
‫ومن سي سلك هذا الطريق‪ ...‬عاب ًرا آثار أقدامنا‬
‫ال ب ّد ّ‬
‫وأل ين سانا نحن‪ ...‬نحن باب الواد‬
‫حاييم غوري‬
‫‪---‬‬
‫على جرف املدينة املق ّدسة‪ ،‬ينبثق م سلك باب الواد‪،‬‬
‫متوس ًط ا طرق‬
‫ّ‬ ‫مس ّي ًج ا بالصخور واألشجار احلرج ّي ة‪،‬‬ ‫باب الواد‪ -‬حاييم غوري‬
‫ظل جلبال وسط فل سطني‪ ،‬من‬ ‫املواصالت من املدينة وإليها‪ًّ ،‬‬ ‫هنا كنت عاب ًرا‪ ..‬وقفت مبحاذاة حجر‬
‫دفاع أخير ق ّدمته الطبيعة للمدينة‬ ‫اخلليل إلى رام الله‪َّ ،‬‬
‫وخط ٍ‬ ‫وطريق أسفلت أسود‪ ..‬وصخور وتالل‬
‫ض ّد الغزاة القادمني‪ ،‬للمفارقة‪ ،‬من الغرب‪ ،‬وكأن اجلغرافيا‬ ‫ويهب ن سيم البحر‬ ‫بطي ًئ ا يهبط امل ساء‪..‬‬
‫ّ‬
‫كانت تنبئ مبا تخ ّب ئه األقدار‪ .‬هذا املوقع اإلستراتيجي‬
‫ومن وراء بيت مح سير‬
‫جعل منه ساحة قتال مكلفة‪ ،‬وال مناص منها‪ ،‬في الكثير‬
‫تتألأل النجمة األولى‬
‫من املالحم الزاخر بها تاريخ املدينة‪ ،‬منذ احلروب الصليبية‬
‫إلى حرب النكبة‪.‬‬ ‫‪---‬‬

‫على هذا النحو‪ ،‬كان منتهى حملة ريتشارد قلب األسد‬ ‫باب الواد‬
‫عند ضفتي الوادي‪ ،‬وكذا تك ّب دت حملة إبراهيم علي باشا‪،‬‬ ‫ن سألك أن تتذ ّك ر أسماءنا إلى األبد؛‬
‫القادمة من مصر‪ ،‬خ سائر فادحة أجبرتها على االنكفاء‪،‬‬ ‫القوافل ش ّق ت دربها نحو املدينة‪...‬‬
‫واندلعت على عتباته إحدى أشد املعارك ضراوة بني اإلجنليز‬ ‫وعلى قوارع الطريق ي ستلقي موتانا‬
‫واألتراك في احلرب العاملية األولى‪ ،‬وأخي ًرا شهد هذا الطريق‬ ‫ُ‬
‫حديد صامت‪ ...‬مثل رفاق ال سالح‬
‫ٍ‬ ‫وهيكل‬
‫على أفدح خ سائر العصابات الصهيون ّي ة خالل حرب عام‬
‫‪---‬‬
‫ملتوج هة من مناطق‬
‫‪ ،1948‬حني كانت األرتال الصهيونية‪ ،‬ا ّ‬
‫ال سهل ال ساحلي لك سر احلصار عن م ستوطنات غربي‬ ‫هنا ذاب القطران والرصاص حتت الشمس‬
‫القدس‪ ،‬مت ّر حتت مدافع وبنادق ق لّ ة من مقاتلي جيش‬ ‫وم ّرت الليالي تومضها النار وال سكاكني‬
‫التحرير العربي‪ ،‬ج لّ هم جت ّم ع من قرى القدس‪ ،‬عمواس ويالو‬ ‫هنا ي سكن األسى واملجد م ًع ا‬
‫وبيت مح سير وبيت نوبا وساريس وغيرها‪ ،‬ح تّى أجبروا قادة‬ ‫في مد ّرعة محترقة‪ ...‬واسم لشخص ما مجهول‬
‫احلركة الصهيون ّي ة على شقّ طريق التفافي بديل أكثر وعورة‬ ‫‪---‬‬
‫وأطول م سافة‪ ،‬بعد أن تو ّق ف القتال العنيف الذي خاضته‬
‫يا باب الواد‪...‬‬
‫فرقة من قوات النخبة «البلماح»‪ ،‬بقيادة إسحق رابني‪،‬‬
‫وأنا أمشي‪ ..‬طاو ًي ا هذا الطريق بصمت‬
‫مدعومة بفرق أخرى من «الهاغاناه»‪ ،‬عند ال سيطرة على‬
‫‪61‬‬ ‫باب الواد‪ ،‬من دون تأمني خاصرته الغربية في اللطرون‪ ،‬ما‬ ‫أتذكرهم واح ًدا واح ًدا‬
‫ّ‬
‫سيظل مغل ًق ا حتى حرب عام ‪.1967‬‬ ‫يعني أن هذا الطريق‬ ‫هنا قاتلنا جن ًب ا إلى جنب على املنحدرات والوعور‬
‫عدد ‪79‬‬
‫فصل من فصولها‬ ‫ً‬ ‫كسبتها الدولة اإلسرائيلية الوليدة‪،‬‬ ‫سردي‪ ،‬تبدو‬‫ّ‬ ‫تلك املق ّدمة‪ ،‬على ما فيها من اختزال‬
‫موسو ًم ا بـ«اخل سارة» أكثر من النصر‪ ،‬وكان للمقاومة‬ ‫كافية الستدراك االختزال املجازي الذي تقوم عليه خامتة‬
‫زمن كان‬ ‫العربية فيه اليد العليا في معظم املراحل؛ في ٍ‬ ‫حاييم غوري‪ ،‬حني يقول‪ ،‬قاف زًا على الرومان والصليبيني‬
‫اخلطاب الصهيوني فيه‪ ،‬والشعر من ضمنه‪ ،‬مفع ًم ا مبفردات‬ ‫واأليوبيني واألتراك واإلجنليز‪ ،‬ومن ظ لّ وا دونهم ً‬
‫أهل‬
‫القوة والزه ّو واجللد‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬فإن غوري ال يجاوز سياق زمنه‪،‬‬ ‫ولعل في «بطن الشاعر»‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫للبالد‪« :‬نحن باب الواد»‪،‬‬
‫رب ا‪ ،‬حني يؤكد على‬ ‫بقدر ما يك سوه بع ًدا آخر‪ ،‬أكثر «عن ًف ا» ّ‬ ‫من شعراء اجليل املؤسس ور ّواد «أغاني أرض إسرائيل»‬
‫ثنائية «املجد والتضحية»‪ ،‬فيقول‪« :‬هنا يسكن األسى واملجد‬ ‫ومؤس سي حركة «أرض إسرائيل الكاملة» الح ًق ا‪ ،‬معاني‬
‫م ًع ا‪ /‬في مدرعة محترقة واسم لشخص ما مجهول»‪ .‬يقحم‬ ‫مر ّم زة ومشحونة بأيديولوجيا «نفي املنفى»‪ ،‬و«العودة‬
‫أيض ا ضمن صفوف «البلماح»‪ ،‬لكن في‬ ‫الشاعر‪ ،‬الذي قاتل ً‬ ‫إلى التاريخ»‪ ،‬وإلى «أرض بال شعب»‪ .‬على هذا النحو‪ ،‬ال‬
‫قطاع النقب‪ ،‬الفداء هنا ضمن مفردات البطولة‪ ،‬ويط ّب عهما‬ ‫منفي في ال سرد ّي ة‬
‫ّ‬ ‫وجود لـ«اآلخر» في قصيدة غوري‪ ،‬هو‬
‫شرط ا للنصر فح سب‪ ،‬بل‬ ‫ً‬ ‫في جوهر معنوي واحد؛ ال‬ ‫وفي املجاز‪ ،‬وفي حدود اللغة‪ ،‬التي تقوم فيها «نحن»‬
‫والستحقاق املكان‪ ،‬وتذويته في األنا الصهيونية على مذبح‬ ‫الواسعة‪ ،‬في عز مسعاها نحو اجلمعية ونكران الذات‪،‬‬
‫الدم‪ .‬هكذا يعاد رسم املكان في املخيال‪ ،‬كما يعاد رسمه‬ ‫مقام «األنا» القوم ّي ة الضيقة‪ ،‬في حلظة تذويت «أدبية»‬
‫في الوقع‪ ،‬حيث ال تزال بقايا املركبات احملترقة مرصوفة‬ ‫ملشهد ّي ة تضحية وبطولة ال يحمل شخوصها أسما ًء‪ ،‬وال‬
‫على قوارع باب الواد‪ ،‬وعلى املنحدر الصخري نصب تذكاري‬ ‫ألقا ًب ا‪ ،‬ويذوبون في الـ«نحن» اليهود ّي ة‪ ،‬التي عندها يكون‬
‫موج هة إلى الطريق الذي بات يحمل اسم‬ ‫على شكل صواريخ ّ‬ ‫منتهى تاريخ باب الواد ومبتدؤه‪.‬‬
‫«طريق رقم ‪ »1‬اليوم في إسرائيل‪ ،‬وبني الصورتني‪ ،‬الواقع‬ ‫نعي اختال ًف ا موضوع ًّي ا في قصيدة‬
‫لكن إذا كان لنا أن ّ‬
‫والرمز‪ ،‬التضحية والبطولة‪ ،‬أهل «الواد» مغ ّي بون‪.‬‬ ‫غوري‪ ،‬فذلك على األغلب في كونها تو ّث ق‪ ،‬في أعقاب حرب‬

‫‪62‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫محور العدد‪ :‬المجتمع الحريدي والدولة في إسرائيل‬
‫*‬
‫وليد سالم‬

‫إعادة النظر في الحاضر االستعماري‪-‬‬


‫استمرار المشروع االستيطاني االستعماري‬
‫من خالل الدولة االستيطانية االستعمارية‪ :‬حالة إسرائيل‬

‫حاالت استيطانية استعمارية أخرى‪ ،‬وت سعى لتحرير الدراسات‬ ‫ملخص‬


‫االستعمارية االستيطانية من االختطاف من قبل رواية «ما بعد‬ ‫يجادل هذا املقال بأن احلاضر االستيطاني االستعماري‬
‫االستعمار» املضمرة في كتابات فيراسيني ويفتاحيل وغوردون‪،‬‬ ‫اإلسرائيلي يتج سد في دولة استيطانية استعمارية‪ ،‬وحتدد‬
‫وهي الرواية املضللة في حالة إسرائيل‪.‬‬ ‫الورقة اخلصائص السياسية واالقتصادية واالجتماعية والقانونية‬
‫لهذه الدولة‪ ،‬واألدوات املختلفة التي ت ستخدمها في طريقها إلى‬
‫مقدمة‬ ‫اإلكتمال مثل مزج االستعمار االستيطاني واالستعمار الداخلي‬
‫في مقاله في مجلة الدراسات الفل سطينية عام ‪ ،2013‬يقدم‬ ‫في التعامل مع الفل سطينيني داخل إسرائيل‪ ،‬واستخدام أدوات‬
‫لورينزو فيراسيني (فيراسيني‪ 2013 ،‬أ) أحد حتليالته للوجود‬ ‫االستعمار االستيطاني والفصل العنصري واالحتالل احلربي‬
‫اإلسرائيلي في فل سطني‪ .‬يقترح فيراسيني أن هذا الوجود‬ ‫في األراضي الفل سطينية احملتلة عام ‪ .1967‬تنظر هذه املادة‬
‫ميكن وصفه بأنه «منوذج سيطرة استيطاني ‪ -‬استعماري‬ ‫حول كيفية استمرار املشروع االستعماري االستيطاني من‬
‫ناجح داخل دولة إسرائيل عام ‪ .1948‬وقد حدث حتول في هذا‬ ‫خالل الدولة االستيطانية االستعمارية من خالل املقارنة مع‬
‫‪63‬‬
‫النموذج نحو االحتالل عام ‪ .1967‬بناء على أطروحة دكتوراه‬
‫* أستاذ مساعد ‪ -‬معهد جامعة القدس للدراسات واألبحاث‪.‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫لم يكن البريطانيون مستعمرين لألرض التاريخية لليهود‪ ،‬بل لفلسطين (بما في‬
‫ذلك يهودها الفلسطينيون الذين لم يكونوا ً‬
‫جزء ا من الصهيونية وخططها)‪ .‬كانت‬
‫الخطط البريطانية والصهيونية المشتركة تهدف إلى تغيير المشهد الفلسطيني‬
‫لفلسطين لتحويله إلى «وطن قومي» لليهود من خالل عملية هندسة اجتماعية‬
‫استعمارية‪.‬‬

‫امل ستوطن عن كونه م ستوطنا بعد قيام الدولة بنجاح كنتيجة‬ ‫حول القضية (سالم ‪ ،)2019‬يقترح هذا املقال قراءة أخرى جتاه‬
‫للمشروع االستعماري االستيطاني‪.‬‬ ‫هذين االفتراضني‪ .‬يتشابه املشروع االستعماري اإلسرائيلي‬
‫يعتقد فيراسيني أن البنية االستعمارية للهيمنة خارجية‪،‬‬ ‫كثي ًرا مع املشاريع االستعمارية ‪-‬االستعمارية األخرى‪ ،‬ولكنه‬
‫وبالتالي تهدف إلى «إعادة إنتاج نفسها» في حني يرمي‬ ‫على عك سها‪ ،‬ال يزال بعي ًدا عن أن يصبح طبيعيا‪ .‬وبد ًال من‬
‫االستيطان‪-‬االستعماري إلى «إبطال نف سه» من خالل التحول‬ ‫ذلك‪ ،‬فهو مشروع استعماري‪-‬استيطاني قيد التكوين يحمل‬
‫إلى دولة قومية جديدة عندما يصبح املستوطن مواط نًا‪،‬‬ ‫إستراتيجية واحدة ينفذها فاعلون متعددون‪ :‬أحدهم هو احلركة‬
‫وحينها تنتهي العالقة التي كانت قائمة سابق ًا بني املستوطنني‬ ‫الصهيونية كفاعل غير دوالني‪ .‬والثاني هو دولة إسرائيل نف سها‬
‫وال سكان األصليني (فيراسيني‪ ،2013 ،‬ص ‪ .)28‬عند تطبيق‬ ‫التي قامت مبتابعة املشاريع االستعمارية االستيطانية داخل‬
‫هذا التمييز على املشروع الصهيوني‪ ،‬وجد فيراسيني أنه جنح‬ ‫إسرائيل منذ عام ‪ 1948‬وفي املناطق الفل سطينية األخرى التي‬
‫في بناء دولة إسرائيل‪ ،‬ولكن كما كتب في إحدى مالحظاته‬ ‫احتلتها إسرائيل في عام ‪ ،1967‬وذلك بالتنسيق ‪ /‬التعاون مع‬
‫اخلتامية‪ ،‬مت وضع الفل سطينيني داخل إسرائيل حتت حكم‬ ‫املنظمات االستيطانية االستعمارية غير الدوالنية كحركة غوش‬
‫ع سكري إسرائيلي‪ ،‬وهو ما فهمه على أنه خطوة إلى الوراء‬ ‫اميونيم مثال‪ .‬تهدف هذه املقالة إلى امل ساهمة في فهم ماهية‬
‫نحو االستعمار بد ًال من االستعمار االستيطاني الذي تصور‬ ‫احلاضر االستعماري االستيطاني في إسرائيل‪ ،‬وما ميكن أن‬
‫أنه إنتهى بعد قيام الدولة (فيراسيني‪ ،2013 ،‬ص ‪ .)42‬من‬ ‫تكون احتماالت م ستقبله‪.‬‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬يرى أن االحتالل اإلسرائيلي بعد عام ‪ 1967‬هو‬ ‫بالنسبة إلى فيراسيني‪ ،‬ال يوجد شيء اسمه «دولة‬
‫وضع استعماري (وليس استعماري ًا استيطاني ًا) (فيراسيني‪،‬‬ ‫استيطانية استعمارية» (فيراسيني‪ ،2013 ،‬ب)‪ .‬ما يحدث‬
‫‪ ،2013‬ص ‪ .)42‬وبنا ًء على ذلك‪ ،‬تُطرح األسئلة التالية‪ :‬هل مت‬ ‫أن الدولة التي تنبثق من «مشروع استعماري‪-‬استعماري»‬
‫االنتهاء من املشروع االستعماري االستيطاني الصهيوني في‬ ‫تصبح دولة عادية مبجرد جناحها في إقامة دولتها وأصلنة‬
‫دفعة واحدة أم أنه مشروع قيد التقدم في مراحل متعددة؟ كيف‬ ‫م ستوطنيها‪ .‬وعلى عكس باتريك وولف الذي اعتبر «املشروع‬
‫ميكن للمرء أن يفهم آليات هذا املشروع داخل أراضي ‪/1948‬‬ ‫االستعماري االستيطاني هو بنية وليس مجرد حدث» (وولف‪،‬‬
‫وفي أراضي ‪1967‬؟ أين تتقارب هذه اآلليات وأين تختلف في‬ ‫‪ ،)2006‬يعتقد فيراسيني أن احلاضر االستعماري ال ميكن أن‬
‫احلالتني؟ ملاذا يعتبر مفهوم الدولة االستعمارية االستيطانية في‬ ‫يكون أكثر من مجتمع استيطاني يتم فيه أصلنة امل ستوطنني‪،‬‬
‫ً‬
‫مرفوض ا من قبل فيراسيني؟‬ ‫اقتراح ا‬
‫ً‬ ‫خدمة املشروع االستعماري‬ ‫وهو يكتب‪:‬‬
‫كم من الوقت ي ستغرق املشروع االستعماري االستيطاني حتى‬ ‫«الحظ باتريك وولف في فقرة يتم االستشهاد بها كثي ًرا‪ ،‬أن‬
‫ينجح ويبطل نف سه؟ ما هي عالمات ومعايير هذا اإلبطال؟‬ ‫«غزو امل ستوطنني هو بنية وليس حد ًث ا»‪ ،‬ومن الصحيح ً‬
‫أيض ا‬
‫متى يصبح املستعمرون املستوطنون أصليني؟ ما هو دور‬ ‫أن البنية ت سعى باستمرار إلى نقطة نهاية محددة» (فيراسيني‪،‬‬
‫ووزن ال سكان األصليني ومقاومتهم وكفاحهم املعلن والصامت‬ ‫‪ ،2011‬ص‪ )3.‬كما عنون فيراسيني مقاال آخر في عام ‪2017‬‬
‫في العملية؟ وأخي ًرا‪ ،‬ما هو «احلاضر االستعماري» في حالة‬ ‫بعنوان «إنهاء االستيطان االستعماري‪ :‬اقتل املستوطن فيه‬ ‫‪64‬‬
‫إسرائيل مقارنة باحلاضر االستعماري للحاالت االستعمارية‬ ‫وأنقذ الرجل» (فيراسيني‪ ،)2017 ،‬ووفق ًا لفيراسيني يتوقف‬
‫عدد ‪79‬‬
‫بعد عام ‪ ،1948‬مضت إسرائيل عمليا في «االستئصال من خالل اإلدماج الشكلي‬
‫والجزئي» للفلسطينيين كمواطنين إسرائيليين أفراد محرومين من االعتراف بأي‬
‫حقوق جماعية‪ .‬اعتبرتهم إسرائيل مواطنين من الدرجة الثانية في دولة يهودية‪،‬‬
‫بينما تركتهم تحت حكم عسكري حتى عام ‪ ،1966‬خاضعين لمصادرة األراضي وفق‬
‫قانون فرض عليهم‪.‬‬

‫‪ .1967‬كل هذه األجزاء لم تغير هويتها الفل سطينية‪ ،‬حافظت‬ ‫االستيطانية األخرى؟‬
‫على روايتها‪ ،‬وبالتالي بقي الصدام بني السكان األصليني‬ ‫حتاول هذه املقالة التحقق من هذه األسئلة وستقترح‬
‫وامل ستوطنني امل ستعمرين على ح سابهم قائما بعكس ما ذهب‬ ‫مخطط ًا نظري ًا للد ولة االستيطانية االستعما رية‪..‬‬
‫إليه فيراسيني‪ .‬وبالتالي اعترف قرار اجلمعية العامة لألمم‬
‫املتحدة ‪ 273‬لعام ‪ 1949‬بإسرائيل في عضوية األمم املتحدة‬ ‫نتائج االستعمار االستيطاني الصهيوني قبل ‪1948‬‬
‫بشرط تنفيذ قرار األمم املتحدة ‪ 181‬لعام ‪( 1947‬خطة التقسيم‬
‫لم تكن حرب إنهاء االستعمار هي التي خلقت «إسرائيل ما‬
‫لدولتني إسرائيل وفل سطني على أرض فل سطني التاريخية)‪،‬‬
‫بعد االستعمارية» ومجتمعها احلديث في فل سطني بعد فترة من‬
‫والقرار ‪ 194‬لعام ‪ .1948‬القرار األول سيقلص حجم إسرائيل‬
‫«النضال الوطني» كما يدعي أنصارها (آيزنشتات‪ .1967 ،‬ص‪.‬‬
‫إلى أصغر من امل ساحة التي قامت عليها عام ‪ ،1948‬والثاني‬
‫‪ ،6-1‬ورام‪ .)2002 ،‬كانت ما ي سمى بـ «حرب استقالل إسرائيل»‬
‫يعالج حق الالجئني الفل سطينيني في العودة‪ .‬ال يزال قرارا األمم‬
‫ثورة م ستوطنني م ستعمرين متردوا ضد االنتداب البريطاني‪،‬‬
‫املتحدة هذين غير مطبقني حتى اآلن‪ ،‬وميثالن ال سبب األول لعدم‬
‫وقاموا بإجالء الشعب الفل سطيني األصلي الذي سكن البالد‬
‫اعتبار إسرائيل مشروعا استيطانيا استعماريا منتهيا حيث ال‬
‫منذ عهود‪ .‬لم يكن البريطانيون م ستعمرين لألرض التاريخية‬
‫تزال ت ستولي على أراض ال تنتمي إليها مبوجب القرار ‪ ،181‬وال‬
‫لليهود‪ ،‬بل لفلسطني (مبا في ذلك يهودها الفلسطينيون‬
‫ت سمح بعودة الجئي ‪ 1948‬مبوجب القرار ‪ .194‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫الذين لم يكونوا جز ًءا من الصهيونية وخططها)‪ .‬كانت اخلطط‬
‫لم حتصل على اعتراف الالجئني الفل سطينيني بشرعيتها‪ .‬بل‬
‫البريطانية والصهيونية املشتركة تهدف إلى تغيير املشهد‬
‫على العكس من ذلك‪ ،‬ما زال هؤالء الالجئون أنف سهم ي سعون‬
‫الفل سطيني لفل سطني لتحويله إلى «وطن قومي» لليهود من‬
‫إلى إعمال حقهم في العودة بعد أن «استأصلتهم هذه الدولة‬
‫خالل عملية هندسة اجتماعية استعمارية‪ .‬وعد إعالن بلفور‬
‫دميوغراف ًي ا» (روحانا وصباغ‪.)2015 ،‬‬
‫عام ‪ 1917‬بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطني وتعاون‬
‫بعد عام ‪ ،1948‬مضت إسرائيل عمليا في «االستئصال‬ ‫االنتداب البريطاني مع احلركة الصهيونية لتنفيذ اإلعالن وذلك‬
‫من خالل اإلدماج الشكلي واجلزئي» للفل سطينيني كمواطنني‬ ‫حتى النصف الثاني من األربعينيات عندما شعرت املنظمات‬
‫إسرائيليني أفراد محرومني من االعتراف بأي حقوق جماعية‪.‬‬ ‫الصهيونية أنها لم تعد بحاجة إلى بريطانيا كدولة ُأ ّم ملشروعها‬
‫اعتبرتهم إسرائيل مواطنني من الدرجة الثانية في دولة يهودية‪،‬‬ ‫بعد ذلك احلني‪.‬‬
‫بينما تركتهم حتت حكم ع سكري حتى عام ‪ ،1966‬خاضعني‬
‫واصلت الدولة اإلسرائيلية التي تأس ست في أيار ‪1948‬‬
‫ملصادرة األراضي وفق قانون فرض عليهم‪ ،‬وعدم االعتراف‬
‫املمارسات االستعمارية االستيطانية على حساب الشعب‬
‫والتمييز على جميع امل ستويات (جريس‪ .)1973 ،‬هذا الوضع‬
‫الفلسطيني األصلي‪ .‬مت إجالء غالبية الفلسطينيني؛ بقيت‬
‫املوصوف بـ «االستعمار الداخلي» (زريق‪ )1979 ،‬ساد ً‬
‫أيض ا‬
‫أقلية من ‪ 150‬ألفا داخل إسرائيل وطرد ما بني ‪ 750‬إلى ‪900‬‬
‫بعد عام ‪ ،1966‬وظهر سافرا في خطة ‪ 1976‬لتهويد اجلليل‪،‬‬
‫ألف نسمة إلى خارج فل سطني من قبل العصابات الصهيونية‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫واإلخالء امل ستمر لبدو النقب من أماكن إقامتهم‪ .‬في هذا املقال‪،‬‬
‫إضافة إلى ذلك خضعت األجزاء املتبقية من فل سطني للحكمني‬
‫يتم تقدمي مفهوم «االستعمار الداخلي» على أنه املمارسات‬
‫األردني واملصري في الضفة الغربية وغزة من عام ‪ 1948‬إلى عام‬
‫عدد ‪79‬‬
‫انتقلت الدولة اإلسرائيلية من االعتماد على بريطانيا كدولة أم إلى االعتماد على‬
‫الواليات المتحدة كبديل‪ ،‬وفي غضون ذلك‪ ،‬قامت الحركة المسيانية في الواليات‬
‫المتحدة بدعم المشروع االستيطاني االستعماري اإلسرائيلي ‪،‬وساعدت إسرائيل‬
‫على التوسع في الضفة الغربية في محاولة لضم كامل مساحتها‪ .‬وأظهر بحث‬
‫جديد أن هنالك ‪ 60‬ألف مستوطن من أصل أميركي في الضفة الغربية‪.‬‬

‫األصلي» لتح سني وضع حقوقهم املدنية كما إدعى يفتاحئيل‬ ‫االستعمارية االستيطانية املستخدمة داخل ًي ا مثل نزع ملكية‬
‫وسموحة (يفتاحئيل‪ ،2012 ،‬سموحة ‪ ،)1997‬ومع ذلك‪ ،‬ال يزال‬ ‫وتشريد «بقايا» ال سكان األصليني داخل البالد‪ ،‬واستبدالهم‬
‫هذا التح سن مشكو ًك ا فيه‪ ،‬حيث يتم توجيه الهيكل العنصري‬ ‫ب املستوطنني االستعماريني الصهاينة‪.‬‬
‫إلسرائيل خلدمة املنتصر‪.‬‬ ‫يتم التمثيل في البنية ال سياسية لالستعمار الداخلي جزئ ًي ا‬
‫في الواقع كان على اإلسرائيليني أن يظهروا في العقود‬ ‫من خالل ما وصفه فان دن بيرغ بدميقراطية األسيا د (�‪Her‬‬
‫ال سابقة على أنهم يهود و «دميقراطيون» في الوقت نف سه‪ .‬ومع‬ ‫‪ )renvolk Democracy‬تشمل الدميقراطية للم ستوطنني من‬
‫ذلك‪ ،‬مت قلب هذه الصورة في ظل حكومة نتنياهو اليمينية‬ ‫جهة واملمارسات االستعمارية االستيطانية إلى جانب الفصل‬
‫في عام ‪ ،2015‬والتي ركزت بشكل أكبر على «اليهودية» بد ًال‬ ‫العنصري والتمييز ضد ال سكان األصليني من جهة أخرى‬
‫من «دميقراطية» الدولة‪ .‬لذلك‪ ،‬جتاوز قانون القومية لعام ‪2018‬‬ ‫على طريقة العالقة بني األسياد واألتباع (فان دن بيرغ‪.)1981 ،‬‬
‫إعالن االستقالل باإلشارة فقط إلى اليهودية دون أي ذكر‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يبدو أن مفهوم االستعمار الداخلي يتوافق أكثر مع‬
‫للدميقراطية أو احلقوق املتساوية وخفض مكانة اللغة العربية‬ ‫مصطلح «دميقراطية املستوطنني» الذي صاغه مايكل مان‪.‬‬
‫التي كانت اللغة الرسمية الثانية إلسرائيل قبل قانون القومية‬ ‫ح سب مان‪ ،‬فإن الدميقراطية ال تنطبق في هذه احلالة إال‬
‫(بشارة‪ ،2018 ،‬زحالقة‪ .)2018 ،‬ونتيجة لهذه املمارسات‪ ،‬خلقت‬ ‫على امل ستوطنني‪ .‬واألكثر إثارة لالهتمام هو أن مان يشرح في‬
‫إسرائيل نوعني من الالجئني الفل سطينيني‪ :‬أولئك الذين نزحوا‬ ‫كتابه «اجلانب املظلم من الدميقراطية» أنه كلما كانت ممارسة‬
‫خارجها؛ أي الالجئون الفل سطينيون الذين ما زالوا ي سعون‬ ‫دميقراطية امل ستوطنني أكثر عم ًق ا بينهم‪ ،‬كلما أصبحت أكثر‬
‫للحصول على حقهم في العودة من جهة‪ ،‬واملرحلون داخلها‪.‬‬ ‫إجرا ًم ا في مواجهة ال سكان األصليني» (مان‪ ،2004 ،‬ص‪.)3.‬‬
‫كما مت خلق «عرب إسرائيل»‪ ،‬الذين ال يشعرون أنهم جزء من‬ ‫في إسرائيل هنالك «دميقراطية يهودية استيطانية»‪ ،‬وبالتالي‬
‫النظام اإلسرائيلي‪ ،‬لكنهم ي سعون إلى حقهم في تقرير املصير‬ ‫فهي ت ستبعد غير اليهود وتقوض حقوقهم املدنية وال سياسية‬
‫على وطنهم امل سروق‪.‬‬ ‫‪ -‬باإلضافة إلى اعتبارهم أعداء داخليني واستمرار االستيالء‬
‫مقابل ذلك تواصل إسرائيل استيراد مهاجرين [يهود] جدد‬ ‫على ملكية أراضيهم وممارسة التطهير العرقي ضدهم‪ .‬وبهذا‬
‫لتوطينهم على أرض الفل سطينيني (مبا في ذلك في األراضي‬ ‫املعنى‪ ،‬فإن «دميقراطية املستوطنني» تتخطى دميقراطية األسياد‬
‫احملتلة بعد عام ‪)1967‬؛ وهذا يطرح سؤا ًال حاسم ًا عما إذا كان‬ ‫(هيرن فولك)‪.‬‬
‫هؤالء مهاجرين أم م ستوطنني م ستعمرين‪.‬‬ ‫أيض ا‪ ،‬ولكن كوسيلة‬‫تشمل دميقراطية امل ستوطنني التمييز ً‬
‫اجلانب االستيطاني االستعماري هو السمة املشتركة‬ ‫لتقويض قدرة األصليني على مقاومة االستعمار الداخلي‪ .‬يحاول‬
‫في جميع احلاالت العاملية املعنية‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬هناك‬ ‫األصليون هنا ال سعي إلدخال حت سينات على حقوقهم‪ ،‬فال‬
‫اختالفات‪ ،‬حيث شهدت حاالت االستيطان االستعمارية األخرى‬ ‫ميكنهم ‪ -‬بأي حال من األحوال ‪ -‬حتدي حقوق اإلثنية امل سيطرة‪،‬‬
‫في أستراليا وكندا والواليات املتحدة األميركية‪ ،‬القضاء على‬ ‫واملعروفة على أنها إثنوقراطية في خدمة اإلثنية السائدة‬
‫‪66‬‬
‫ال سكان األصليني‪ .‬أما في حالة إسرائيل‪ ،‬فال يزال ال سكان‬ ‫(بوتنشتون‪ .)1993 ،‬وتكون هذه في أفضل أحوالها «إثنوقراطية‬
‫األصليون في فل سطني يقاتلون من أجل استقاللهم ودولتهم‬ ‫منفتحة» أو «دميقراطية إثنية» توفر الفرص لـ «بقايا الشعب‬
‫عدد ‪79‬‬
‫عندما يتعلق األمر بفاعلي المشروع االستيطاني االستعماري في الضفة الغربية‪،‬‬
‫تدير دولة إسرائيل هذا المشروع مباشرة وبهذه الطريقة‪ ،‬واصلت مسار الفاعلين‬
‫غير الدوالنيين الصهاينة الذين أسسوا إسرائيل في عام ‪ .1948‬من جهة أخرى‬
‫أنشأت إسرائيل ودعمت جهات فاعلة غير دوالنية جديدة بعد عام ‪ 1967‬مثل غوش‬
‫إيمونيم‪ ،‬والحركة لكامل أرض إسرائيل‪.‬‬

‫‪ .)2016‬كما أكد ممداني (ممداني‪ )1998 ،‬على أن االعتراف‬ ‫الكاملة‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬تأسست منظمة التحرير الفلسطينية‬
‫بحقوق املواطنة واحلقوق األصلية أمر ضروري جلميع اإلثنيات‪.‬‬ ‫في عام ‪ 1965‬كمنظمة لالجئني الذين يكافحون من أجل حق‬
‫مبا أن هذه الشروط لم تتحقق‪ ،‬كانت النتيجة استمرار‬ ‫العودة‪ .‬هذه املقاومة نف سها متنع حدوث الشرط الذي اقترحته‬
‫إسرائيل ككيان استعماري‪-‬استعماري بعد عام ‪ .1948‬وف ًق ا‬ ‫فيراسيني إلكمال املشروع االستعماري االستيطاني؛ أي إنهاء‬
‫للشروط املذكورة أعاله‪ ،‬لن يتم أصلنة امل ستوطنني اإلسرائيليني‪.‬‬ ‫االستقاللية الذاتية للشعب األصلي‪ .‬ويتصل الشرطان اآلخران‬
‫لذا قام فيراسيني بتعديل شروطه في عام ‪ ،2015‬قائ ًال‪« :‬ال ميكن‬ ‫لفيراسيني بالتحرر «من اإلشراف واملراقبة اخلارجية‪ ،‬وإنشاء‬
‫تأصلن املستوطنني االستعماريني‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ميكنهم االستمرار‬ ‫األشكال السياسية والثقافية السيادية احمللية‪ ...‬وترويض‬
‫في محاولة أن يصبحوا أصليني‪)Veracini, 2015: p.270( ».‬‬ ‫املشهد الذي كان ُي نظر إليه ذات مرة على أنه غريب» (فيراسيني‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص ‪ .)28‬ومن بني هذه الشروط‪ ،‬يبدو أن الشرط الثالث‬
‫حتقق جزئي ًا في وسط إسرائيل (منطقة غوش دان)‪.‬‬
‫بعد ‪ :1967‬مرحلة لما بعد النزاع أم استكمال‬
‫المشروع االستيطاني االستعماري؟‬ ‫فيما يتعلق بالشرط الثاني‪ ،‬انتقلت الدولة اإلسرائيلية من‬
‫االعتماد على بريطانيا كدولة أم إلى االعتماد على الواليات‬
‫بعد اتفاقيات أوسلو لعام ‪ ،1993‬تعامل خبراء ت سوية النزاع‬
‫املتحدة كبديل‪ ،‬وفي غضون ذلك‪ ،‬قامت احلركة املسيانية‬
‫واملانحون مع الوضع في فل سطني على أنه دخل حقبة ما بعد‬
‫في الواليات املتحدة بدعم املشروع االستيطاني االستعماري‬
‫النزاع‪ ،‬وقفزوا بذلك عن مرحلة إنهاء االحتالل (حنفي وطب ر‪،2006 ،‬‬
‫اإلسرائيلي وساعدت إسرائيل على التوسع في الضفة الغربية‬
‫ص ‪ .)14-13‬وبعد حرب ‪ ،1967‬مت إلنظر إلى دولة إسرائيل‬
‫في محاولة لضم كامل مساحتها‪ .‬وأظهر بحث جديد أن‬
‫مبوجب قرارات األمم املتحدة باعتبارها «محتلة» خارج حدودها‬
‫هنالك ‪ 60‬ألف م ستوطن من أصل أميركي في الضفة الغربية‬
‫لعام ‪ ،1948‬وكأن ح سابات ‪ 1948‬قد متت ت سويتها بالفعل‪،‬‬
‫(هيرستشهورن ‪.)2017‬‬
‫وكأنها لي ست كيانا استيطانيا استعماريا في حالة توسع‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن املفتاح هنا يتعلق بعالقة املشروع االستعماري‬
‫قدم علماء االستعمار االستيطاني مثل باتريك وولف‬
‫االستيطاني بال سكان األصليني‪ .‬لن تتم ت سوية شرعية املشروع‬
‫مشروع إسرائيل بعد عام ‪ 1967‬على أنه مشروع استيطاني‬
‫االستعماري االستيطاني حتى يتم حل التناقضات املتعلقة‬
‫استعماري‪ ،‬وفي املقابل ط ّور بعض علماء الدراسات االستعمارية‬
‫بهذه القضية (حماد‪ ،1984 ،‬ص ‪ .)90-89‬وأضاف زريق أن‬
‫أساس ا إلى تطورات‬
‫ً‬ ‫االستيطانية اآلخرين آراء أخرى‪ ،‬ت ستند‬
‫ذلك يتطلب من إسرائيل االعتراف بالظلم التاريخي املرتكب‪،‬‬
‫الت سعينيات‪ .‬كتب فيراسيني‪:‬‬
‫والتخلي عن االمتيازات لليهود‪ ،‬واالعتراف باحلقوق الفردية‬
‫«ما هو أمام أعيننا ليس حالة صراع؛ إنها مرحلة ما بعد‬ ‫واجلماعية‪ ،‬مبا في ذلك عودة الالجئني الفل سطينيني‪ .‬وأضاف أنه‬
‫االستعمار (نادرا ما تكون مرحلة ما بعد النزاع سلمية)‪ .‬مت‬ ‫أيض ا إيقاف مصادرة األراضي وإعادة األراضي‬ ‫سيتعني عليها ً‬
‫حل الصراع من أجل فل سطني الكبرى في عام ‪ 1948‬وطويت‬ ‫إلى أصحابها مع االعتراف بحقوق املرحلني داخل ًي ا والقرى غير‬
‫‪67‬‬ ‫صفحته في عام ‪( « 1967‬فيراسيني‪ ،2015 ،‬ص ‪.)268‬‬ ‫املعترف بها‪ .‬كما يجب عليها التوقف عن استيراد م ستوطنني‬
‫توصل فيراسيني إلى هذا االستنتاج نظ ًرا العتقاده أن إغالق‬ ‫إضافيني من اخلارج لإلقامة في األراضي الفل سطينية (زريق‪،‬‬
‫عدد ‪79‬‬
‫املدن حتى داخل املناطق الفلسطينية ذات الكثافة السكانية‬ ‫عام ‪« 1992‬كان ُم ص ِ ّن ًع ا هائ ًال» للفلسطينيني «(فيراسيني‪،‬‬
‫العالية (الصالح‪ ،)2011 ،‬الستيعاب حوالي ‪ 647836‬م ستوط نًا‬ ‫أيض ا يتصل بأفكار «ما بعد النزاع «و‬ ‫‪ ،2013‬ص ‪ ،)42‬ولكنه ً‬
‫في نهاية عام ‪ ،2018‬منهم ‪ 427800‬في الضفة الغربية و‪220036‬‬ ‫«ما بعد االستعمار» كمرحلة حتل بعد االستعمار واالستعمار‬
‫في القدس الشرقية (ال سالم اآلن)‪ .‬تضمن ذلك أيضا إعادة‬ ‫أيض ا‪ .‬رمبا تبع فيراسيني هنا التفكير القائل إن‬ ‫االستيطاني ً‬
‫نشر القوات من غزة لوضعه حتت «نظام ال سجون» (زحالقة‪،‬‬ ‫املشروع االستيطاني االستعماري اإلسرائيلي قد مت إصالحه‬
‫‪ .)2017‬إلى جانب ذلك‪ ،‬استمرت في إحاطة املدن الفل سطينية‬ ‫في فترة أوسلو ليصبح حول «االنفصال» كما اقترح يفتاحيل‬
‫ب املستوطنات االستعمارية‪ .‬كما فرضت قيود ًا على حرية التنقل‬ ‫وجوردون اللذان ادعى األول بينهما أن االستعمار االستيطاني‬
‫داخل كل محافظة فل سطينية‪ ،‬ومن محافظة إلى أخرى‪ .‬وصف‬ ‫توقف بعد أوسلو ومت استبداله بـ «زحف الفصل العنصري»‬
‫عزمي بشارة هذا الوضع بـ «الفصل العنصري االستعماري»‬ ‫(يفتاحيل‪ ،2012 ،‬ب)‪ ،‬وأشار الثاني إلى أنه بحلول منتصف‬
‫(بشارة‪ ،2005 ،‬ص ‪ ،)19‬والذي يشمل االستيالء على األرض‪،‬‬ ‫التسعينيات‪ ،‬حل «الفصل العنصري» محل «االستعمار‬
‫ويجعل حياة الناس مروعة وال حتتمل في الوقت نف سه‪ .‬إلى‬ ‫االستيطاني» ألن إسرائيل تخلت عن جهودها إلدارة احلياة‬
‫جانب هذين اجلانبني من الهيمنة التي حددها بشارة‪ ،‬هناك‬ ‫اليومية للفلسطينيني (جوردون‪ :2012 ،‬ص‪.)292 - 291 .‬‬
‫ثالث هو االحتالل احلربي الذي يحكم باألوامر الع سكرية لتعزيز‬ ‫مقابل ذلك يعتبر يفتاحيل وجوردون الوجود اإلسرائيلي في‬
‫التوسع االستيطاني‪ .‬وقد كتبت هنيدة غامن عن املكونات الثالثية‬ ‫منطقة ما بعد ‪ 1967‬استيطاني ًا استعماريا خالل العقود الثالثة‬
‫للهيمنة‪ :‬االستعمار االستيطاني والفصل العنصري واالحتالل‬ ‫األولى‪ .‬يدعم فيراسيني فكرة اإلنتقال إلى الفصل العنصري‬
‫احلربي (غامن‪ .)2018 ،‬باإلضافة إلى هذه املكونات الثالثة‪ ،‬هناك‬ ‫بعد ‪ 1992‬في مقالته‪ ،‬ولكنه‪ ،‬في مقابل جوردون ويفتاحيل‪ ،‬ال‬
‫عنصر االستعمار اجلديد لل سيطرة على ال سوق الفل سطينية‬ ‫يرى «فل سطني الكبرى» سواء لإلسرائيليني أو الفل سطينيني‪،‬‬
‫الذي ُي ّس ره بروتوكول باريس لعام ‪ ،1994‬إلى جانب ما أسميه‬ ‫وبالتالي فهو يرى وجود حالة احتالل حربي ال حالة استيطان‬
‫تعزيز «االقتصاد السياسي االستيطاني‪-‬االستعماري»‬ ‫استعماري في الفترة من ‪ 1967‬إلى ‪.1993‬‬
‫للمستوطنات االستعمارية‪ ،‬كما متت إضافة إنشاء السلطة‬ ‫يتضمن هذا التقدير خط ًأ قات ًال‪ :‬فمن ناحية‪ ،‬اختارت‬
‫الفل سطينية كمظهر زائف لالستقالل وحلالة ما بعد نزاع‪.‬‬ ‫إسرائيل م سار نقل املدن الفل سطينية ذات الكثافة ال سكانية‬
‫السلطة والفصل ليسا «مصنعي الفلسطينيني» كما‬ ‫العالية إلى ال سلطة الفل سطينية (ثم إلى حماس في غزة)‪ ،‬ومن‬
‫يدعي فيراسيني‪ ،‬حيث أن الهوية الفل سطينية تعود إلى العهد‬ ‫ناحية أخرى‪ ،‬احتفظت باألراضي في يديها مبا في ذلك القدس‬
‫العثماني (اخلالدي‪ ،1998 ،‬كيم رلنج وميجدال‪ .)1998 ،‬الهوية‬ ‫الشرقية واملنطقة ج التي تتكون من ثلثي الضفة الغربية‪ .‬يعتبر‬
‫الفلسطينية‪ ،‬منفصلة عن الهوية العربية‪ ،‬وقد مت تعزيزها أيضا‬ ‫التخلي عن امل سؤولية عن ال سكان مع احلفاظ على ال سيطرة‬
‫من قبل منظمة التحرير الفل سطينية في ال ستينيات من القرن‬ ‫االستيطاني االستعماري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫على األرض أم ًرا محور ًي ا في املشروع‬
‫املاضي‪ .‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬فإن إنشاء ال سلطة الفل سطينية‬ ‫أيض ا مع خطط لنمو متواصل لعدد امل ستوطنني‬ ‫ويأتي ذلك ً‬
‫على جزء محدود من األرض احملتلة عام ‪ 1967‬عزز تفتيت الهوية‬ ‫بشكل كبير في الضفة الغربية في غضون بضع سنوات‪.‬‬
‫الفل سطينية من قبل إسرائيل‪.‬‬ ‫وتتعلق اخلطط األخرى ذات الصلة باحلفاظ على مشكلة‬
‫عندما يتعلق األمر بفاعلي املشروع االستيطاني االستعماري‬ ‫الالجئني الفل سطينيني دون حل واحلفاظ على ضم القدس‬
‫الشرقية وتوسيعها على ح ساب الضفة الغربية‪ ،‬وال سيطرة‬
‫التوسع االستيطاني‪ :‬وقائع عنيفة‪( .‬أ‪.‬ف‪.‬ب)‬
‫على مصادر املياه وموارد البحر امليت‪ ،‬واملوارد الطبيعية للضفة‬
‫الغربية (مركز أريج)‪ .‬أبعد من ذلك‪ ،‬كان التوسع االستيطاني‬
‫وراء فشل عملية أوسلو في التوصل إلى اتفاق كما هو مقرر‬
‫في أيار ‪ ،1999‬تبعه فشل قمة كامب ديفيد عام ‪ 2000‬في‬
‫حتقيق «اتفاق الوضع الدائم»‪ .‬وقد تكثف التوسع االستيطاني‬ ‫‪68‬‬
‫خاصة بعد تولي الليكود احلكم من عام ‪ 1977‬من خالل بناء‬

‫عدد ‪79‬‬
‫ً‬
‫واحدا يشمل جميع الفلسطينيين من النهر إلى البحر‪:‬‬ ‫ً‬
‫نظاما‬ ‫أنشأت إسرائيل‬
‫نظام يعزلهم عن أراضيهم‪ ،‬إلى جانب نزع الملكية واالجتثاث والترحيل في‬
‫ً‬
‫النقب والجليل والضفة الغربية والقدس الشرقية أيضا‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬قامت‬
‫إسرائيل بتجزئة الفلسطينيين لتسهيل السيطرة عليهم من جهة‪ ،‬ومنع ظهور‬
‫إستراتيجية فلسطينية مشتركة من جهة أخرى‪.‬‬

‫في األراضي احملتلة‪.‬‬ ‫في الضفة الغربية‪ ،‬تدير دولة إسرائيل هذا املشروع مباشرة‬
‫وكانت إعادة االنتشار اإلسرائيلي من جانب واحد من قطاع‬ ‫وبهذه الطريقة‪ ،‬واصلت دولة إسرائيل مسار الفاعلني غير‬
‫غزة في عام ‪ 2005‬وتفكيك املستوطنات االستعمارية من كل من‬ ‫الدوالنيني الصهاينة الذين أس سوا إسرائيل في عام ‪.1948‬‬
‫جنني وغزة من اإلجراءات التي استخدمها املشروع االستيطاني‬ ‫من جهة أخرى أنشأت إسرائيل ودعمت جهات فاعلة غير‬
‫االستعماري الصهيوني إلعادة توزيع وتركيز أالستيطان‬ ‫دوالنية جديدة في املشروع االستعماري للم ستوطنني بعد عام‬
‫االستعماري على مرتفعات اجلوالن والقدس الشرقية وداخل‬ ‫‪ 1967‬مثل غوش إميونيم‪ ،‬واحلركة لكامل أرض إسرائيل التي‬
‫إسرائيل كما صرح آرييل شارون في حينه (مواسي‪،2014 ،‬‬ ‫نشأت بعد حرب ‪ 1967‬مباشرة‪ .‬لذلك‪ ،‬لم تكن هناك حاجة إلى‬
‫ص ‪ .)156-150‬ومن جهة أخرى فإن االنسحاب من غزة لم يؤد‬ ‫«بلد أم» خارجي ملثل هذا املشروع‪ ،‬كما كان احلال في فترة‬
‫إلى استقاللها‪ ،‬ألنها ال تزال حتت احلصار من اخلارج‪ ،‬وتفكيك‬ ‫ما قبل عام ‪ .1948‬شجعت احلكومة املنظمات االستعمارية‬
‫امل ستوطنات من جنني لم يعفها من االحتالل الع سكري‪ .‬وهناك‬ ‫االستيطانية مثل مجلس يشع ‪ -‬اجلاليات اليهودية في يهودا‬
‫اليوم ً‬
‫أيض ا دعوات إلعادة احتالل غزة وإعادة بناء امل ستوطنات‬ ‫ال سامرة وغوش قطيف‪ ،‬لتلقي امل ساعدة من املنظمة الصهيونية‬
‫االستعمارية في جنني‬ ‫الع املية والوكالة اليهودية ومنظماتهم املترابطة لتعزيز املشروع‬
‫في أحد مقاالته‪ ،‬يشير فيراسيني (‪ 2013‬أ) إلى بعض‬ ‫االستعماري االستيطاني‪ .‬ويتم تأمني األموال األخرى من قبل‬
‫عالمات فشل املشروع االستعماري االستيطاني في الضفة‬ ‫املليارديرات اليهود مثل ايرفينغ موسكوفيتش وغيرهم‪ ،‬ومن‬
‫الغربية‪ .‬إحدى هذه العالمات تتعلق بعدم اندماج املستوطنني‬ ‫الصناديق امل سيانية في الواليات املتحدة وأوروبا‪ ..‬إسرائيل‪،‬‬
‫في الضفة الغربية (عملية التأصلن)‪ .‬بخصوص هذه النقطة‪،‬‬ ‫كدولة استعمارية استيطانية هي احملرك الرئي سي وراء املشروع‬
‫يجب القول إن فكرة الصهيونية لي ست دمج امل ستوطنني مع‬ ‫االستعماري االستيطاني الذي تديره كمواصلة للمشروع‬
‫الفل سطينيني في الضفة الغربية‪ ،‬بل ضمهم مع األرض التي‬ ‫االستعماري االستعماري الصهيوني ولي ست أ ًم ا له‪ ،‬لذلك‪ ،‬من‬
‫استحوذوا عليها إلى إسرائيل باعتبارها جزءا من « أرض‬ ‫غير احملتمل أن يحدث صراع بني هذا املشروع وإسرائيل كما‬
‫إسرائيل الكاملة» كما جاء في قانون القومية‪ ،‬وهكذا سيتكرر‬ ‫كان احلال بني املشروع االستعماري الصهيوني االستعماري‬
‫ضم القدس الشرقية إلسرائيل عام ‪ . 1967‬من عام ‪ 1979‬إلى‬ ‫ملا قبل عام ‪ 1948‬وبلده األم بريطانيا‪.‬‬
‫عام ‪ ،1981‬أطلقت إسرائيل األمرين الع سكريني ‪ 783‬و ‪،892‬‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬ال تزال إسرائيل ككيان استيطاني ‪-‬‬
‫وبذلك وصلت نسبة األراضي التي ضمت إلى إسرائيل إلى‬ ‫استعماري في طور التكوين‪ ،‬بحاجة إلى بلد أم حلمايتها‬
‫‪ ،٪42‬ال تشمل مناطق النفوذ كما يطلق عليها على سبيل‬ ‫ودعمها ضد التهديدات القادمة من ال سكان األصليني والدول‬
‫املثال‪ ،‬حيث يصل تأثير معاليه أدوميم (القريبة من القدس)‬ ‫املجاورة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬حتتاج إسرائيل إلى بلد أم ملنحها‬
‫إلى البحر امليت مثال‪ .‬في عام ‪ ،1984‬اتبعت إسرائيل مراجعة‬ ‫نو ًع ا من الشرعية الدولية في غياب االعتراف الدولي الكامل بها‪،‬‬
‫قوانني الطوارئ بطريقة ت سمح بتطبيق القانون اإلسرائيلي على‬ ‫وتلعب الواليات املتحدة دور الدولة األم إلسرائيل من خالل الدعم‬
‫‪69‬‬ ‫الضفة الغربية دون احلاجة إلى تغيير القوانني واحدا تلو اآلخر‬ ‫الع سكري واالقتصادي وال سياسي‪ ،‬وكذلك املشاركة من خالل‬
‫(هاندل‪ ،2012 ،‬ص‪.)734-731 .‬‬ ‫م ساعدة الدولة اإلسرائيلية في مشروع االستعمار االستعماري‬

‫عدد ‪79‬‬
‫ي ستمر منطق اإلستئصال كميزة قياسية بني ما قبل ‪/‬‬ ‫سمح هذا التعديل مبساواة املستوطنني املستعمرين مع‬
‫ما بعد عام ‪ 1948‬وفترة ما بعد عام ‪ .1967‬وقد مت التعبير‬ ‫املواطنني اإلسرائيليني اآلخرين في إسرائيل‪ .‬في وقت الحق‪،‬‬
‫عن منطق اإلستئصال بالطرد واملجازر واحلرمان من اجلنسية‬ ‫ارتبطت جامعة آرييل مبؤس سات التعليم العالي في إسرائيل‪،‬‬
‫والتمييز بجميع الوسائل‪ .‬بخالف هذه اإلجراءات‪ ،‬ال يتضمن‬ ‫وحدث الشيء نف سه فيما يتعلق ب املجالس البلدية للم ستوطنني‪.‬‬
‫املشروع االستيطاني االستعماري الصهيوني السماح‬ ‫إلى جانب الضم إلى إسرائيل‪ ،‬هنالك إجراءات أخرى موازية‬
‫بالزيجات املختلطة‪ ،‬ويرتبط السبب بالهدف اإلسرائيلي‬ ‫بهدف فرض امل ستوطنني باعتبارهم ال سكان األصليون بالقوة‪.‬‬
‫للحفاظ على «نقاء الدم اليهودي» امل ستخدم ً‬
‫أيض ا في تعريف‬ ‫تشمل هذه اإلجراءات إزالة الفتات الطرق التي تشير إلى املواقع‬
‫من هو اليهودي‪.‬‬ ‫الفل سطينية‪ ،‬واستخدام مفهوم [قانوني] جديد هو «ال سكان‬
‫أنشأت إسرائيل نظا ًم ا واح ًدا يشمل جميع الفل سطينيني‬ ‫احملليون»‪ ،‬لفرض امل ستوطنني وتلفيق حقوق لهم في الضفة‬
‫من النهر إلى البح ر‪ :‬نظام يعزلهم عن أراضيهم‪ ،‬إلى جانب نزع‬ ‫الغربية‪ ،‬كما حدث مع احملكمة العليا قرار ‪ 24‬أيار ‪ 2018‬بشأن‬
‫امللكية واالجتثاث والترحيل في النقب واجلليل والضفة الغربية‬ ‫اخلان األحمر‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬حرمت الدولة الفل سطينيني من‬
‫أيض ا‪ .‬وفي الوقت نف سه‪ ،‬قامت إسرائيل‬ ‫والقدس الشرقية ً‬ ‫اجلنسية وقسمتهم بطريقة تسهل الضم الفعلي لكل منطقة ج‬
‫بتجزئة الفلسطينيني لتسهيل السيطرة عليهم من جهة‪،‬‬ ‫املمثلة لثلثي الضفة الغربية وتتوج الحقا بضم قانوني‪.‬‬
‫ومنع ظهور إستراتيجية فل سطينية مشتركة من جهة أخرى‪.‬‬ ‫يتعلق الفشل اآلخر في رأي فيراسيني بتراجع الهجرة إلى‬
‫في مناطق عام ‪ ،1967‬مت دمج منوذج الهيمنة املوصوف ً‬
‫أيض ا‬ ‫إسرائيل‪ ،‬فقد رأى فيراسيني هذا التراجع على أنه قد مينع‬
‫مع نظام لترتيبات اإلقامة املؤقتة وذلك بعكس الطابع الدائم‬ ‫تهويد مناطق ما بعد عام ‪ ،1967‬ومع ذلك‪ ،‬بلغ عدد املستوطنني‬
‫الذي مييز املواطنة‪ ،‬على أسس جغرافية وسياسية‪ .‬شمل ذلك‬ ‫في الضفة الغربية والقدس الشرقية حوالي ‪ 647836‬مستوطنا‬
‫نظام اإلغالق لعام ‪1993‬؛ الفصل بني الضفة الغربية وقطاع‬ ‫في نهاية عام ‪ ،2018‬وف ًق ا لتقديرات من منظمة ال سالم اآلن‬
‫غزة؛ وبينهما وبني القدس الشرقية‪ .‬وتق سيم الضفة الغربية‬ ‫املذكورة ساب ًق ا‪ ،‬وفي الضفة الغربية فقط (بدون القدس الشرقية)‪،‬‬
‫إلى مناطق (أ) و (ب) و (ج) مع أنظمة مختلفة لكل منطقة‪،‬‬ ‫بلغ النمو الطبيعي للمستوطنني ‪ ٪3.9‬في عام ‪ ،2016‬وهو ما‬
‫وتق سيم اخلليل إلى خ ‪ 1‬و خ ‪ 2‬مت دمجها ً‬
‫أيض ا مع ترتيبات‬ ‫ُي ترجم إلى ‪ 15765‬مقي ًم ا جدي ًدا كل عام (دملوني‪ .)2017 ،‬تعني‬
‫مختلفة للمواطنة‪ .‬اعتبر فلسطينيو القدس الشرقية «مواطنني‬ ‫هذه األرقام أنه في غضون ‪ 20‬عا ًم ا تقري ًب ا‪ ،‬باالعتماد فقط على‬
‫أردنيني مقيمني في إسرائيل» (سالم‪ .)2018 ،‬وكان فل سطينيو‬ ‫النمو الطبيعي‪ ،‬سيكون املستوطنون مليون دون إضافة الزيادة‬
‫الضفة الغربية قبل أوسلو يعتبرون «مواطنني أردنيني يقيمون‬ ‫في عدد سكان م ستوطني القدس الشرقية‪ .‬هذا‪ ،‬وتوجد أغلبية‬
‫في املناطق التي تديرها إسرائيل»‪ ،‬وبعد أوسلو عرفوا كما‬ ‫يهودية بالفعل في املنطقة «ج» من الضفة الغربية (‪427،800‬‬
‫الغزيني أيضا على أنهم «سكان فلسطينيون في مناطق متنازع‬ ‫مستوطن وف ًق ا ملنظمة السالم اآلن مقابل حوالي ‪300،000‬‬
‫عليها» (سالم‪ .)1998 ،‬وبعد صدور قانون القومية أصبحوا‬ ‫فل سطيني كانوا يعيشون فيها بحلول نهاية عام ‪2018‬‬
‫يعتبرون كغرباء يعيشون في أرض إسرائيل فيما تقتصر‬
‫حقوقهم على احلقوق الفردية‪ .‬خلقت هذه الترتيبات املختلفة‬ ‫المشترك بين ‪ 1948‬و‪1967‬‬
‫للمواطنة ‪ /‬اإلقامة نو ًع ا من «األقلمة» بحيث نشأت أجندة محلية‬
‫ت سير عملية الضم اجلاري للمنطقة «ج» إلسرائيل قدم ًا‪،‬‬
‫لكل مكان‪ ،‬لكل منها أن يكافح من أجلها بشكل منفصل‪ .‬في‬
‫بينما هناك صمت حول مصير املنطقتني «أ» و «ب»‪ ،‬وكان‬
‫الوقت نف سه‪ ،‬بقي الالجئون في اخلارج بدون حل‪.‬‬
‫هنالك الكثير من الدعوات العتبار غزة دولة فل سطينية مع‬
‫ما هي االحتماالت الناشئة عن هذا الوضع؟ تقدم احلكومة‬ ‫محاوالت إقناع مصر بإضافة أجزاء من سيناء إلى م ساحتها‬
‫اإلسرائيلية طريقتني للقضاء على فلسطينية املنطقة «ج»‬ ‫الصغيرة (بن أرييه‪ ،)2005 ،‬وهو ما رفضته مصر‪ .‬أو ملجرد‬
‫في الضفة الغربية للفلسطينيني‪ .‬إحداهما هي تهجير‬ ‫نقل فل سطيني غزة إلى اخلارج إذا لم يتحقق «الهدوء» جتاه‬
‫فلسطينيي هذه املناطق إلنشاء مجتمع يهودي خالص هناك‬ ‫‪70‬‬
‫إسرائيل‪ ،‬كما أعلن نتنياهو في آب ‪ 2019‬أثناء زيارته ألوكرانيا‬
‫وضمه إلى إسرائيل (‪ .)Booth, 2016‬وثان ًي ا‪ ،‬القضاء على‬ ‫(نتنياهو‪)2019 ،‬‬
‫عدد ‪79‬‬
‫على ضوء التجارب الدولية‪ ،‬يمكن القول إن المشروع االستعماري االستيطاني‬
‫الناجح يمر بمرحلتين رئيسيتين‪ .‬األولى هي عندما يكون المشروع قيد التنفيذ‪،‬‬
‫والثانية عندما يصبح المشروع دولة استيطانية استعمارية‪ .‬انهارت بعض الدول‬
‫االستيطانية االستعمارية الناشئة في مرحلة الحقة مثل جنوب أفريقيا‪ ،‬وتم‬
‫الحفاظ على أخريات مثل الواليات المتحدة وكندا ونيوزيلندا وأستراليا‪.‬‬

‫الواليات املتحدة »إمبراطورية املستوطنني» كما وصفها الباحث‬ ‫هويتهم الفل سطينية من خالل «منح» اجلنسية اإلسرائيلية‪،‬‬
‫عزيز رنا (‪)Rana, 2014‬‬ ‫وبالتالي تأكيد ضم الضفة الغربية (جليك‪ ،)2014 ،‬كما اعتمد‬
‫الفئة الثالثة ما زالت بدون شرعية وال إعتراف كامل من‬ ‫الرئيس اإلسرائيلي رؤوفني ريفلني والوزيرة تسيبي حوتوبيلي‬
‫الشعب األصلي والدول احمليطة بها مثل إسرائيل مبا هي‬ ‫االقتراح األخير‪ ..‬إلى جانبهم‪ ،‬هناك آخرون يدعون لتوسيع‬
‫دولة استيطانية استعمارية في طور التوسع حيث ال توجد‬ ‫حدود القدس بإضافة معالي أدوميم وغوش عتصيون إلى‬
‫حدود محددة لها في دستور مقنن‪ ،‬ولديها اعتراف مشروط‬ ‫حدودها البلدية (‪ .)Pileggi, 2017‬مقترحات أخرى قدمها‬
‫من األمم املتحدة‪ .‬تشابه إسرائيل بذلك الواليات املتحدة التي‬ ‫املستوطنون واليمينيون تدعو إلى نقل كامل للفلسطينيني‬
‫أعلنت استقالل م ستوطنيها في عام ‪ ،1776‬ثم استمرت كدولة‬ ‫إلى خارج فل سطني‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬دعا حزب زهوت بقيادة‬
‫استيطانية استعمارية في التوسع في وقت الحق على مدى‬ ‫موشيه فيجلني إلى تغيير وضع الفل سطينيني داخل إسرائيل‬
‫عقود حتى استقرت‪ ،‬مبا في ذلك التوسع األهم الذي مت من‬ ‫من خالل منحهم فقط حقوق اإلقامة املشروطة بخدمتهم في‬
‫‪ 1840‬إلى ‪ 1848‬نتيجة حروب الواليات املتحدة مع املك سيك‪.‬‬ ‫اجليش وإظهار الوالء للدولة‪ .‬كما يطالب احلزب بفرض ال سيادة‬
‫وميكن القول بصورة واثقة إنه ال توجد سوى دراسات‬ ‫اإلسرائيلية على احلرم الشريف في القدس (املوقع اإللكتروني‬
‫نادرة في املقاربة االستيطانية االستعمارية حول استمرار‬ ‫حلزب زيهوت)‪.‬‬
‫املشروع االستعماري االستيطاني من قبل الدول االستيطانية‬ ‫إعادة التنظير حول «الدولة‬
‫االستعمارية‪ ،‬فقد مت نقل املراجعات حول احلاالت الناجحة‬ ‫االستيطانية االستعمارية»‬
‫املذكورة منهم إلى دراسات ما بعد االستعمار‪ .‬لهذا ال سبب دعت‬ ‫تُع َّرف الدولة عادة بأنها هيكل حلكم الشعب الذي يعيش‬
‫هذه الورقة إلى »حترير» حتليل الدولة االستيطانية االستعمارية‬ ‫على أراض معينة ؛ حيث الشعب يخلق دولته في هذه احلالة‪.‬‬
‫من االختطاف االنفرادي من دراسات ما بعد االستعمار وإعادة‬ ‫ال ينطبق التعريف العام للدولة على الدول االستيطانية‬
‫حتليلها إلى إطارها الطبيعي للمراجعة‪ :‬إطار الدراسات‬ ‫االستعمارية‪ .‬في هذه احلاالت‪ ،‬تنتج الدولة أمة من امل ستعمرين‬
‫االستعمارية االستيطانية‪.‬‬ ‫امل ستوطنني على ح ساب القضاء على الشعب األصلي‪ .‬الدولة‬
‫ودعما لهذا النهج‪ ،‬قام العالم املصري مجدي حماد بتق سيم‬ ‫التي مت إنشاؤها هي ممثل اإلثنوس بد ًال من الدميوس كما‬
‫مراحل املشروع االستعماري االستيطاني إلى ثالث مراحل؛‬ ‫أكد مايكل مان في كتابه املذكور ساب ًق ا‪ .‬على ضوء التجارب‬
‫األول يتعلق بإنشاء كيان اجتماعي للم ستوطنني من خالل‬ ‫الدولية‪ ،‬ميكن القول إن املشروع االستعماري االستيطاني الناجح‬
‫الهجرة‪ ،‬والثاني هو االنتقال إلى هيئة استعمارية استيطانية‬ ‫مير مبرحلتني رئيسيتني‪ .‬األولى هي عندما يكون املشروع‬
‫تلعب دو ًرا سياس ًي ا يهدف إلى إقامة دولة‪ ،‬ويأتي أخي ًرا الثالث‬ ‫قيد التنفيذ‪ ،‬والثانية عندما يصبح املشروع دولة استيطانية‬
‫عن طريق إنشاء دولة استعمارية استيطانية‪ .‬وأكد حماد أن‬ ‫استعمارية‪ .‬انهارت بعض الدول االستيطانية االستعمارية‬
‫هناك أربع آليات تستخدم لتنفيذ هذه املراحل‪ :‬الهجرة املكثفة‬ ‫الناشئة في مرحلة الحقة مثل جنوب أفريقيا‪ ،‬ومت احلفاظ على‬
‫‪71‬‬
‫للمستوطنني‪ ،‬تليها الهيمنة املنتظمة‪ ،‬ثم من خالل الغزو من‬ ‫أخريات مثل الواليات املتحدة وكندا ونيوزيلندا وأستراليا‪ .‬وتعتبر‬
‫الداخل‪ ،‬تليها في النهاية إقامة دولة املستوطنني واقتالع السكان‬
‫عدد ‪79‬‬
‫على األراضي‪ .‬يعتبر فيراسيني هذه اخلطوة كدليل على الوضع‬ ‫األصليني (حماد‪.)1984 ،‬‬
‫االستعماري الذي «ستعيد فيه القوة االستعمارية» استعمارها‬ ‫تقترح هذه املقالة تعريف الدولة االستيطانية االستعمارية‬
‫وتخلق «احتال ًال دائم ًا» يقوم على الفصل العنصري‪ ،‬ما يجعل‬ ‫على أنها مزيج من الدولة االستيطانية االستعمارية والدولة‬
‫الفل سطينيني غير مرئيني (فيراسيني‪ ،2013 ،‬ص ‪.)34-33‬هناك‬ ‫االستعمارية الداخلية‪ .‬األول‪ ،‬مبعنى أنها تواصل جلب‬
‫ميزة لهذا القول في التعبير عن الفصل العنصري امل ستمر‬ ‫مستوطنني من اخلارج يصورون على أنهم مهاجرون ومنحهم‬
‫في أراضي ما بعد عام ‪.1967‬من ناحية أخرى‪ ،‬فقد فشل في‬ ‫حقوقهم في األراضي احملتلة من ال سكان األصليني‪ .‬وفي املقابل‬
‫رؤية أجزاء أخرى مثل املشروع االستعماري االستيطاني احلالي‬ ‫تواصل رفض حق عودة الالجئني األصليني إلى بلدهم األصلي‪،‬‬
‫ال ساعي للحلول محل الفل سطينيني‪ .‬كما أنه ال يعترف بحقيقة‬ ‫وترفض أي عملية حيوية نحو مصاحلة كاملة معهم‪ .‬والثاني‪،‬‬
‫أن قدرة ال سلطة الفل سطينية على حتقيق إنهاء االستعمار‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬يشير إلى ممارساتها االستعمارية جتاه «بقايا»‬
‫من خالل املفاوضات وصلت إلى منتهاها بعد الفشل املتتالي‬ ‫ال سكان األصليني داخل األراضي التي استحوذت عليها‪ ،‬والتي‬
‫ملفاوضات «الوضع الدائم» في كامب ديفيد ‪ ،2000‬وعملية مؤمتر‬ ‫يتم التعبير عنها مبصادرة أراضيهم واألساليب االستعمارية‬
‫أنابوليس بني عباس وأوملرت ‪ ،2008-2007‬وتبع ذلك مبادرات‬ ‫األخرى‪ .‬وتتمثل اخلصائص الرئي سية لهذه الدولة مبا يلي‪:‬‬
‫ميتشل وكيري (‪ )2015 -2009‬كمراحل مختلفة لهذا الفشل‪.‬‬ ‫من الناحية ال سياسية‪ ،‬هي دولة توسعية دون حدود محددة‬
‫دستور ًي ا‪ ،‬ودون اعتراف ال سكان األصليني بتوسعها‪ .‬نظامها‬
‫خالصة ومالحظات ختامية‬
‫السياسي هو «دميقراطية استيطانية» حصرية للمستوطنني‬
‫هنالك طرق مختلفة لعرض املشروع اإلسرائيلي قبل عام‬ ‫ومجرمة ضد الشعب األصلي (مان‪)2004 ،‬‬
‫‪ 1948‬واستمراره بعد عام ‪ .1967‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬يرى شافير‬ ‫من الناحية االقتصادية‪ ،‬لديها اقتصاد سياسي استعماري‬
‫تواصال للطرق االستعمارية االستيطانية بني املرحلتني (شافير‪،‬‬ ‫استيطاني مستند لأليديولوجيا؛ مبعنى أن االستثمارات‬
‫‪ .)2002‬ويفحص بشارة هاتني املرحلتني على أنهما استيطان‬ ‫النيوليبرالية التي تتم داخل املستوطنات االستعمارية ستكون‬
‫أيض ا مع بعض االختالفات‪ ،‬حيث بالنسبة‬ ‫‪-‬استعماري‪ ،‬ولكن ً‬
‫في خدمة التوسع االستعماري للمستوطنني (الغازي‪.)2012 ،‬‬
‫له‪ ،‬ال يوجد فصل عنصري داخل إسرائيل ضد الفل سطينيني‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬عندما يتم تشغيل عمال فل سطينيني في‬
‫هناك‪ ،‬ولكن هناك تاريخ من «االستعمار الداخلي» و «األس رلة»‬ ‫االقتصاد اإلسرائيلي‪ ،‬فلن ُي سمح باالندماج االجتماعي معهم‬
‫(بشارة‪ ،2002 ،‬ص ‪ .)56‬وفي كتاب آخر‪ ،‬يذكر أنه كان هناك‬ ‫(شافي ر‪ ،)2002 ،‬فاجتماع ًي ا‪ ،‬يتم بناؤها على مفهوم الهوية اإلثنية‬
‫فصل عنصري إسرائيلي ضد الفل سطينيني داخل إسرائيل‬ ‫اخلالصة (أإلثنوس مقابل الدميوس كما رأى مايكل مان)‪ ،‬وعلى‬
‫في فترة احلكم الع سكري الذي استمر حتى عام ‪( 1966‬بشارة‬ ‫اندماج الدين مع القومية‪ ،‬وبالتالي إعطاء األولوية للصراعات‬
‫‪ 2002‬ب‪ ،‬ص ‪)168‬‬ ‫اإلثنية على االنقسامات الطبقية (يفتاحيل‪ ،2012 ،‬وحماد‪.)1984 ،‬‬
‫يتحدث فيراسيني‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬عن التحول إلى‬ ‫من الناحية القانونية‪ ،‬هي دولة بدون دستور يحدد حدودها‬
‫االحتالل بعد عام ‪ 1967‬مصحو ًب ا باالنفصال بعد عام ‪.1992‬‬ ‫لذلك‪ ،‬فهي دولة ما فوق إقليمية تعتبر أي يهودي في جميع‬
‫ينظر هذا املقال إلى هذه النسخة من فيراسيني (املقدمة‬ ‫أنحاء العالم مؤه ًال للحصول على جن سيتها وألن يصبح جز ًءا‬
‫أيض ا جزئ ًي ا من قبل يفتاحئيل وجوردون) كنتيجة لفهمه‬ ‫ً‬ ‫من دميوسها‪.‬‬
‫الضيق ملا سيترك لـ «احلاضر االستيطاني االستعماري»‬ ‫هل ستؤدي هذه املكونات‪ ،‬عندما يحني الوقت‪ ،‬للترانسفير‬
‫بعد أن «يبطل نف سه» عند جناحه في إنشاء دولة كما يدعي‬ ‫اجلديد للفلسطينيني؟ أم هل سيتم عكس االستعمار‬
‫(فيراسيني‪ .)2017 ،2015 ،2013 ،2011 ،‬بل على العكس‪ ،‬تقدم‬ ‫االستيطاني كما حصل في اجلزائر وزميبابوي؟ في فل سطني‪،‬‬
‫هذه املقالة مفهوم «الدولة االستعمارية االستيطانية» للمساهمة‬ ‫اتخذ إنهاء االستعمار شكل «إنهاء االستعمار االسمي» كما‬
‫في توسيع «احلاضر االستعماري االستيطاني» وبالتالي جعل‬ ‫اعتقد فيراسيني‪ ،‬فقد مت في عام ‪ 1994‬تأسيس سلطة‬
‫دراسات االستيطان االستعماري أكثر صلة‪.‬‬ ‫‪72‬‬
‫فل سطينية ما بعد استعمارية على الشعب ولكن بدون سيادة‬

‫عدد ‪79‬‬
no.3 (2015), pp. 205-225. ‫الهوامش‬
• Salem, Walid. »Jerusalemites and the Issue of Citizenship in • Al Khalidi, Rashid. The Palestinian identity: The
the Context of Israeli Settler-Colonialism, Journal of Holy Construction of Modern National Consciousness.Columbia
Land and Palestine Studies, Vol.16.no.1(2018). University Press, 1998.
• Salem, Walid. Who is Eligible to Exist? The Dynamics of • Ben Arieh, Yehoshua. »Trilateral Land Exchange Between
Inclusion and Exclusion of Settler colonialism: The Case of Israel, The Palestinian Authority and Egypt: A Solution
Palestine (Ph.D. Thesis),Cyprus: Near East University, 2019. for Promoting Peace between Israel and the PA,” in Mahdi
• Smooha, Sammy. »Ethnic Democracy: Israel as an Abdul Hadi (ed) Palestinian Israeli Impasse. Jerusalem:
Archetype, Israeli Studies, Vol.2, no, 2 (1997). PASSIA, 2005, pp. 247-271.
• Van den Berghe, Pierre.The Ethnic Phenomenon, New York: • Booth, William. «Israeli minister wants to annex half of West
Elsevier, 1981. Bank — but what about the Palestinians who live there?”,
• Veracini, Lorenzo (2011),»Introducing Settler Colonial The Washington Post, 8/6/2016 https://www.washingtonpost.
Studies,” Settler Colonial Studies 1, no.1 (2011). com/news/worldviews/wp/2016/06/08/israeli-minister-
wants-to-annex-half-of-west-bank-and-kick-out-the-
• Veracini, Lorenzo. »The other shift: Settler Colonialism,
palestinians/
Israel, and the Occupation,” Journal of Palestine Studies,
vol.XLII, no.2 (Winter, 2013A) pp. 26-42. • Butenscheon, Nils. Politics of Ethnocracies: Strategies
and Dilemmas of Ethnic Domination. Oslo: Institute for
• Veracini, Lorenzo, and Cavanagh, Edward. »Editors
Statsvitenskap, Department of Political Science, 1993
Statement”, Settler Colonial Studies Journal, vol.3. no.1. p.1.
(2013B) • Dilmoni, Yigal »Settlement is Alive and Well” Haaretz
Newspaper, p.5. (13/3/2017)
• Veracini, Lorenzo. »Can Settler Colonial Studies Offer to
an Interpretation of the Conflict in Israel- Palestine,» Settler • Eisenstadt, S. N. Israeli Society. New York: Basic Books,
Colonial Studies, Vo.5, no.3 (2015) Pp.268-271. 1967.
• Veracini, Lorenzo. «Decolonizing settler colonialism: Kill • Glick, Caroline. The Israel solution: A one State Plan for
the Settler in Him and Save the Man,” American Indian Peace in the Middle East. Crown Publishing Group, 2014.
Culture and Research Journal, vol.41, no.1. (2017), pp.1-18. • Hanafi, Sari and Tabar,Linda. The Palestinian Globalized
• Wolfe, Patrick. (2006).” Settler Colonialism and the Elite. Ramallah: Muwatin, 2006.
Elimination of the Native” Journal of Genocide Research 8, • Hirschhorn, Sara. City on a Hilltop: American Jews and the
no.4, (2006) pp. 387-409. Israeli Settler Movement. Harvard University Press, 2017
• Yiftachel, Oren. »Between Colonization and Creeping • Kimmerling, Baruch, and Migdal,Joel. The Palestinian Peo-
Apartheid in Israel- Palestine,» in Na‘eem Jenah, Pretending ple.Harvard University Press, 1998.
Democracy, and Israel as an Ethnocracy. South Africa: The • Mamdani, Mahmoud. (1998). »When Does a Settler Beco�
Afro-Middle East Center, 2012B me a Native? Reflections of the Colonial Roots of citizens�
• Zureik, Elia. The Palestinians in Israel: A Study of Internal hip in Equatorial and South Africa». Citizanship Rights in
Colonialism. London: Routledge and Kegan Paul, 1979. Africa. https://citizenshiprightsafrica.org/wp-content/up�
• Zreik,Raef.. «When Does a Settler Become a Native (With loads/1998/05/mamdani-1998-inaugural-lecture.pdf
Apologies to Mamdani)‘‘ Constellations, vol.23, no.3 • Mann, Michael. The Dark Side of Democracy. Cambridge
(September 2016) University Press. 2004.
• Masalha, Nur.Palestinians in Israel: Israel the State for
Reports all its citizens and Absentees. Al-Galil Center for Social
Research, 1993.
• Arij Center Reports. Retrieved from www.arij.org
• Netanyahu comments during his visit to Ukraine about
• Peace Now website; Retrieved from www.peacenow.org
Transferring the Gazans (20/8/2019).Retrieved from www.
• Zehut Party, Retrieved from www.zehutinternational.com haaretz.com
• Pileggi Tamar and TOI Staff. »Bennett vows to pursue
‫املراجع العربية‬ Ma’ale Adumim annexation this month”. The Times of Is�
rael, 1/1/2017 https://www.timesofisrael.com/bennett-vows-
‫ الرأسمالية‬:‫ «رشكة ماتركس يف بلعني‬.2012 ‫ غادي‬،‫ •الغازي‬
to-pursue-maale-adumim-annexation-in-january/
‫ سياسة‬.‫ ساري وآخرين‬،‫ يف حنفي‬.»‫االستيطانية يف األرايض املحتلة‬
• Rana, Aziz. The Two Faces of American Freedom. Harvard
‫ ترشيح الحكم االرسائييل يف األرايض‬:‫اإلقصاء الشامل‬
University Press, 2014.
،2012 ،‫ مركز دراسات الوحدة العربية‬:‫ بريوت‬.‫الفلسطينية املحتلة‬
.640-619 .‫ص‬ • Rouhana, Nadimand Khoury-Sabbagh, Arij.” Settler Colonial
Citizenship: Conceptualizing the Relationship between Israel
73 :‫ رام اهلل‬،‫ الخطاب السيايس املبتور ودراسات اخرى‬.‫عزمي‬،‫ •بشارة‬ and Its Palestinian Citizens,” Settler Colonial Studies, Vol.5,
‫ أ‬2002 ،‫مركز مواطن‬

79 ‫عدد‬
‫ •رام‪ ،‬يوري‪ « .‬الذاكرة والهوية‪ :‬سوسيولوجيا نقاش التاريخ يف ارسائيل»‪.‬‬ ‫ •بشارة‪ ،‬عزمي‪ .‬لئال يفقد املعنى‪ :‬مقاالت من سنة االنتفاضة االوىل‪،‬‬
‫يف انطون شلحت (محرر)‪ ،‬ذاكرة دولة وهوية‪ :‬دراسات نقدية حول‬ ‫رام اهلل‪ :‬مركز مواطن‪ 2002 ،‬ب‬
‫الصهيونية وإرسائيل‪ .‬رام اهلل‪ :‬مركز مدار‪ ،2002 ،‬ص‪.24-19:‬‬ ‫ •بشارة‪ ،‬عزمي‪ .‬من يهودية الدولة إىل شارون‪ .‬رام اهلل‪ :‬مركز مواطن‪،‬‬
‫ •زحالقة‪ ،‬جمال‪ ..‬قانون القومية‪ :‬دستور االبرتهايد االرسائييل‪ .‬مجلة‬ ‫‪2005‬‬
‫الدراسات الفلسطينية‪ ،‬مجلد ‪ ،29‬عدد ‪( 116‬خريف ‪ )2018‬ص‬ ‫ •بشارة‪ ،‬عزمي‪ « .‬قانون القومية‪ :‬كم مرة سيتم اإلعالن عن إنشاء دولة‬
‫‪.35-15‬‬ ‫ارسائيل»‪ ،‬موقع عرب ‪2018/7/24 ،48‬‬
‫ • زحالقة‪ ،‬جمال يف مقابلة تلفزيونية مع تلفزيون «إحنا» (‪« .)2017‬‬ ‫‪h t t p s : / / w w w. a r a b 4 8 . c o m / % D 9 % 8 5 % D 9 % 8 2 % D 8 %‬‬
‫النظام االرسائييل واالبرتهايد من عائلة واحدة» ‪www.a7na.tv‬‬ ‫‪A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%‬‬
‫‪A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D9%85%D9%‬‬
‫ •سالم‪ ،‬وليد‪« .)1998(.‬مشكلة الالجئني من منظور املواطنة»‪ ،‬مجلة‬ ‫‪82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%‬‬
‫شؤون تنموية‪ .‬مجلد‪ 7‬عدد ‪1‬و ‪ )1998( ،2‬ص‪.77-65:‬‬ ‫‪88%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/2018/‬‬
‫ •شافري‪ ،‬غرشون‪ « .‬األرض والعمل والسكان يف املستوطنات الصهيونية»‪.‬‬ ‫‪07/24/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-‬‬
‫يف شلحت‪ ،‬أنطوان (محرر)‪ .‬ذاكرة‪ ،‬دولة وهوية‪ .‬رام اهلل‪ :‬مدار‪ :‬املركز‬ ‫‪%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9‬‬
‫الفلسطيني للدراسات اإلرسائيلية‪ ،2002 ،‬ص ‪.175-143‬‬ ‫‪%85%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D9%85-‬‬
‫‪%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D8%B3%D9%88%D9%81-‬‬
‫ •غانم‪ ،‬هنيدة و دكور‪ ،‬عازر (محرران)‪ .2018 .‬إرسائيل واألبرتهايد‪.‬‬ ‫‪%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86%D9%88%D9%86-‬‬
‫رام اهلل‪:‬مدار(املركز الفلسطيني للدراسات اإلرسائيلية)‪2018 ،‬‬ ‫‪%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85-%D8%A5%D8%B3‬‬
‫ •موايس‪ ،‬حسني‪ « .‬الجليل ومخططات التحول الديمغرايف»‪ .‬مجلة‬ ‫‪%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84.‬‬
‫الدراسات الفلسطينية‪ .‬العدد ‪ )2014( ،99‬ص‪.156-150 :‬‬ ‫ •جريس‪ ،‬صربي‪ .‬العرب يف إرسائيل‪ .‬بريوت‪ :‬مؤسسة الدراسات‬
‫ •هاندل‪ ،‬آرييل‪ « .‬تأريخ زمني لالحتالل»‪ .‬يف حنفي‪ ،‬ساري وآخرين‪.‬‬ ‫الفلسطينية‪1973 ،‬‬
‫سياسة اإلقصاء الشامل‪ :‬ترشيح الحكم االرسائييل يف األرايض‬ ‫ •جوردون‪ ،‬نيف‪ « .)2012( .‬من االستعمار االستيطاني إىل الفصل‪:‬‬
‫الفلسطينية املحتلة‪ .‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪،2012‬‬ ‫استكشاف بنية االحتالل االرسائييل» يف حنفي‪ ،‬ساري وآخرين‪.‬‬
‫ص‪.785-717 .‬‬ ‫سياسة اإلقصاء الشامل‪ :‬ترشيح الحكم االرسائييل يف األرايض‬
‫ • وثيقة حيفا‪www.mada-research.org .2007 .‬‬ ‫الفلسطينية املحتلة‪ .‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪،2012‬‬
‫ •يفتاحئيل‪ ،‬أورن‪ .‬االثنوقراطية‪ :‬سياسة األرض والهوية يف إرسائيل‬ ‫ص‪.322 -283 .‬‬
‫‪ -‬فلسطني‪ .‬رام اهلل‪ :‬مدار (املركز الفلسطيني للدراسات االرسائيلية)‪،‬‬ ‫ •حماد‪ ،‬مجدي‪ .‬النظام السيايس االستيطاني‪ ،‬دراسة مقارنة‪:‬‬
‫‪.2012‬‬ ‫إرسائيل وجنوب أفريقيا‪ .‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫‪.1984‬‬

‫‪74‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫مقاالت‬
‫*‬
‫نبيه بشير‬

‫صهيونية التيار الديني االستيطاني‪ :‬السياق التاريخي‪،‬‬


‫ّ‬
‫والمؤسسات الرسمية في إسرائيل‬ ‫األيديولوجيا‪،‬‬

‫التيارات والفئات اليهودية املتزمتة دين ًي ا‪ ،‬التي ناهضت فيما‬ ‫استهالل‬


‫مؤس ساته‬
‫مضى الصهيونية‪ ،‬في املجتمع اإلسرائيلي بكافة ّ‬ ‫واضح ا ج ًدا أن املجتمع اإلسرائيلي برمته مير‬
‫ً‬ ‫لقد بات‬
‫وضوح ا بكل ما‬
‫ً‬ ‫وثقافاته‪ .‬ويبرز هذا االنخراط بصورة أكثر‬ ‫في العقود القليلة األخيرة ب سيرورة تد ّي ن عميق على جميع‬
‫يتصل باالستيطان وبتركيبة اجليش اإلسرائيلي وخطابه‬ ‫األصعدة؛ التربوية منها والثقافية والعسكرية واإلعالمية‪،‬‬
‫الع سكري‪-‬الديني الذي بات ي ستحضر أكثر فأكثر املخيلة‬ ‫إضافة إلى اخلطاب السياسي‪ .‬إنَّ تعاظم حضور املتدينني‬
‫التوراتية وأحدا ًث ا تاريخية قدمية واصطالحات دينية يهودية‬ ‫مؤس سات ودوائر حكومية مختلفة‬ ‫ّ‬ ‫في مناصب عليا في‬
‫بوصفها جز ًءا من العقيدة القتالية‪ .‬لقد توقفت دراسات عديدة‬ ‫وأخرى غير حكومية‪ ،‬ال سيما اجليش واإلعالم والثقافة‬
‫حول املوضوع األخير‪َّ ،‬إل أنَّ االستيطان وخطابه لم يحظيا‬ ‫توج ههم‬‫ومؤسسات التعليم العالي وعلم اآلثار‪ ،‬وكذلك ّ‬ ‫ّ‬
‫حتى اللحظة باالهتمام املالئم‪ .‬تر ّك ز الورقة احلالية على‬ ‫إلى دور القضاء اإلسرائيلية وتط ّوعهم للخدمة املدنية‪ ،‬كل‬
‫القضية األولى بصورة خاصة مع عدم إغفال بقية القضايا‬ ‫ذلك يعتبر أكبر ّ‬
‫مؤش ر على تعاظم مكانة الدين في احل ّي ز‬
‫األخرى ذات الصلة‪.‬‬ ‫العام وتأثيره في اخلطاب العام‪ ،‬إضافة إلى تعزيز انخراط‬
‫‪75‬‬
‫ت سعى الدراسة إلى استعراض هذه ال سيرورة‪ ،‬والتركيز أكثر‬ ‫* محاضر جامعي وباحث متخصص في دراسة الثيولوجيا اليهودية‪.‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫لجأت الصهيونية منذ لحظة نشأتها إلى الدين اليهودي‪ ،‬بعقائده وشعائره‬
‫تصوراتها وتنفيذ مخططاتها المختلفة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومؤسساته‪ ،‬واستخدمته في صياغة‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والتصورات األيديولوجية الصهيونية‬ ‫أهمها مخططات االستيطان وتسويق المثل‬
‫وتعزيزها بين الطوائف اليهودية المنتشرة في أنحاء المعمورة‪.‬‬

‫أن «الصهيونية» لي ست أيديولوجيا جامدة ومتش ّك لة من‬ ‫على تلك اجلوانب املتعلقة بصورة أكبر باخلطاب الديني املترجم‬
‫التوج ه والتص ّور‪ ،‬وإمنا هي كأي أيديولوجيا‬
‫ّ‬ ‫عناصر أحادية‬ ‫إلى نشاطات سياسية واستيطانية ذات أبعاد إستراتيجية‪،‬‬
‫والتوج هات‬
‫ّ‬ ‫أخرى فإنها تقوم على العديد من التص ّورات‬ ‫والعودة إلى مشارب هذه التح ّوالت وأصولها وسياقات ظهورها‬
‫املتصارعة واملتباينة‪ ،‬وتتح ّول وتتغ ّي ر مع مرور الوقت مبا‬ ‫ملؤس سة ال سياسية‬
‫أو تع زّزها‪ ،‬وتوضيح ش ّدة تأثيرها على ا ّ‬
‫يتالءم مع حيثيات الواقع وتفاعالته املختلفة وم ستجداته‪.‬‬ ‫الرسمية‪.‬‬
‫لهذا‪ ،‬ال ميكننا احلديث عن «الصهيونية» كأيديولوجيا جامدة‬ ‫ي تّسم موضوع الدراسة احلالية بكونه موضو ًع ا مرك ًب ا‬
‫بل هي دائمة التح ّول‪ 2‬مع ثبات بعض األسس والتي تخضع‬ ‫ومعق ًّدا في العديد من أوجهه وال يحتمل التب سيط واالختزال‪،‬‬
‫بني الفينة والفينة لتأويالت مختلفة‪ ،‬كما أنها تُفهم بصورة‬ ‫لهذا هناك ضرورة لالنطالق من األدبيات األكادميية ذات الصلة‬
‫مغايرة بني التيارات السياسية واحلزبية الصهيونية وبني‬ ‫املنشورة‪ ،‬والتركيز على أهم خالصاتها‪ ،‬واالبتعاد بعض الشيء‬
‫املجموعات اإلثنية املختلفة‪ .‬ومما ال شك فيه‪ ،‬أن تشكيلة‬ ‫عن التوصيف واستعراض عملية استبطان هذه التح ّوالت التي‬
‫وتوج هاتها‬
‫حكومات إسرائيل في العقد األخير وسياساتها ّ‬ ‫تعود بداياتها إلى نهاية القرن التاسع عشر وال تزال قائمة‪،‬‬
‫ُت ّس د مختلف هذه التح ّوالت‪ ،‬مبا في ذلك خطابها‬ ‫خاص ًة وأن هناك أدبيات مكتوبة بالعربية أو مترجمة من العبرية‬
‫ال سياسي الالهوتي‪-‬الع سكري واإلستراتيجي والتوسع‬ ‫توقفت عندها بإسهاب‪ 1.‬وعليه‪ ،‬ت ستند الدراسة احلالية إلى هذه‬
‫االستيطاني وتعزيزه‪.‬‬ ‫األدبيات بصورة خاصة‪ ،‬وإلى التقارير الصحافية واستطالعات‬
‫قامت احلركة الصهيونية العمالية بصورة عامة‪ ،‬وحزب‬ ‫الرأي الصادرة في ال سنني األخيرة والتي لم تلق حتى اآلن‬
‫العمل التاريخي (حزب مبام) بصورة خاصة‪ ،‬بتجنيد‬ ‫أصدا ًء في الدراسات واألبحاث األكادميية املع ّم قة‪.‬‬
‫التص ّورات الدينية بصفتها تص ّورات «قومية» وثقافية‪،‬‬
‫واستحضار األحداث والشخصيات اليهودية التوراتية‬ ‫مقدمة‬
‫والتاريخية في كافة مشاريعها‪ ،‬ولكن صدر ذلك من دوافع‬
‫جلأت الصهيونية منذ حلظة نشأتها إلى الدين اليهودي‪،‬‬
‫أيديولوجية باألساس لتجنيد الطوائف اليهودية للمشروع‬
‫ومؤسساته‪ ،‬واستخدمته في صياغة‬ ‫ّ‬ ‫بعقائده وشعائره‬
‫الصهيوني‪َّ .‬إل أنَّ التيار الديني اخلالصي الصهيوني قد‬
‫ّ‬
‫تص ّوراتها وتنفيذ مخططاتها املختلفة‪ ،‬أهمها مخط طات‬
‫ح ّول هذه الدوافع األيديولوجية إلى مشروع ديني ي تّصل‬
‫االستيطان وتسويق املثل والتص ّو رات األيديولوجية‬
‫بالتاريخ اليهودي القدمي‪ ،‬وص ّور املشروع الصهيوني بر ّم ته‬
‫الصهيونية وتعزيزها بني الطوائف اليهودية املنتشرة في‬
‫كامتداد لـ»مملكة إسرائيل» القدمية ومثلها وغاياتها‪ .‬من هنا‪،‬‬
‫أنحاء املعمورة‪ .‬بات من الواضح في أيامنا أن املجتمع‬
‫يص ّر التيار اخلالصي الصهيوني على أن نشاطه ومشاريعه‬
‫اإلسرائيلي م ّر‪ ،‬وال يزال‪ ،‬في مرحلة صهر الصهيونية‬
‫هي استكمال للمشاريع الصهيونية الكالسيكية‪ ،‬بعد أن‬
‫مبؤسسات‬ ‫ّ‬ ‫والعديد من التأويالت الدينية اليهودية العنصرية‬
‫أفلست احلركة الصهيونية بصيغتها العمالية‪ ،‬وحتقي ًق ا‬
‫ومؤسسة‬
‫ّ‬ ‫الدولة وبرامجها التربوية ومشاريع االستيطان‬
‫لنبوءات األنبياء والعودة إلى ممالك اليهود القدمية‪.‬‬
‫اجليش‪ .‬لقد تن ّبه العديد من الباحثني إلى هذا التح ّول وهو‬
‫إذا حاولنا أن نشير بإيجاز إلى احملطات الرئي سة التي‬ ‫‪76‬‬
‫ال يزال في مهده‪ .‬ولكن من املهم مبكان اإلشارة بداية إلى‬
‫تركت آثارها البالغة على صعيد جتنيد التيارات الدينية‬
‫عدد ‪79‬‬
‫قامت الحركة الصهيونية العمالية بصورة عامة‪ ،‬وحزب العمل التاريخي (حزب مبام)‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تصورات «قومية» وثقافية‪ .‬إل‬ ‫التصورات الدينية بصفتها‬ ‫بصورة خاصة‪ ،‬بتجنيد‬
‫ّ‬
‫أن التيار الديني الخالصي الصهيوني حول هذه الدوافع األيديولوجية إلى مشروع‬ ‫َّ‬
‫وصور المشروع الصهيوني ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫برمته كامتداد‬ ‫ديني يتصل بالتاريخ اليهودي القديم‪،‬‬
‫لـ»مملكة إسرائيل» القديمة ومثلها وغاياتها‪.‬‬

‫انصهار الخطاب الديني في الصهيونية‪:‬‬ ‫املختلفة إلى املشروع الصهيوني‪ ،‬ميكننا أن نشير إلى‬
‫لمحة تاريخية‬ ‫احملط ات‪ ،‬وهي‪ )1 :‬نشوء الهوت يهودي‬ ‫ّ‬ ‫عدد قليل من هذه‬
‫جديد قام بتأويل التراث اليهودي من جديد بحيث ينسجم‬
‫تاريخ ًي ا‪ ،‬حت َّدت الصهيونية العقيدة اليهودية التي سادت‬
‫مع الصهيونية وأهدافها (حركة همزراحي والح ًق ا الفكر‬
‫منذ القرنني األول والثاني للميالد وحتى القرن العشرين‪ .‬وفق‬
‫الديني القومي الذي وضع أس سه أبراهام كوك)؛ ‪ )2‬وعد‬
‫هذه العقيدة‪ ،‬فإنَّ شتات اليهودي وتوزّعهم بني مختلف البالد‬
‫بلفور الذي ُص ِّور بوصفه رخصة من املجتمع الدولي لليهود‬
‫يتوج ب عليهم انتظار امل سيح املنتظر لل ّم‬
‫هو عقاب إلهي‪ ،‬وأنه ّ‬
‫إلنشاء دولتهم في فل سطني‪ )3 ،‬احملرقة النازية التي ج ّس دت‬
‫شملهم وتأسيس مملكته على األرض‪ .‬لقد تع زّزت هذه العقيدة‬
‫بغض البشرية جمعاء لليهود‪ ،‬األمر الذي دفع بالعديد من‬
‫في أعقاب النتائج الكارثية للتم ّرد اليهودي ضد احلكم الروماني‬
‫القيادات والتيارات الدينية إلى حضن الصهيونية؛ ‪ )4‬النكبة‬
‫في عهد القيصر أدريانوس‪ ،‬والذي استمر بني ال سنتني ‪-132‬‬
‫الفل سطينية وانتصار احلركة الصهيونية في حرب ‪،1948‬‬
‫‪ 136‬للميالد‪ ،‬واملشار إليه في املعجم الصهيوني بتعبير «مت ّرد‬
‫اللذان ص ّورا على أنهما معجزة إلهية أنصفت اليهود‪ ،‬وأعادت‬
‫بار كوخبا»‪ .‬أفضى هذا التم ّرد‪ ،‬وفق التراث اليهودي‪ ،‬إلى اندثار‬
‫لهم االعتبار بعد طول غياب‪ ،‬بوصفها إشارة إلهية لرضى‬
‫كامل للوجود اليهودي في فل سطني وبالد الشام (باستثناء‬
‫الرب عنهم بعد عقابهم الطويل والشديد في الشتات؛ ‪)5‬‬
‫العراق) وقتل مئات اآلالف من اليهود ودمار جميع حواضرهم‪.‬‬
‫نتائج حرب حزيران ‪ 1967‬التي ص ِّورت كمعجزة إلهية أخرى‬
‫نلمس في خضم التح ّوالت اجلوهرية التي اجتاحت القارة‬
‫جاءت لتعزيز املعجزة ال سابقة والتأكيد عليها وعلى وقوف‬
‫األوروبية‪ ،‬شرقها وغربها‪ ،‬في أعقاب الثورة الفرنسية (‪)1789‬‬
‫الرب إلى جانب املشروع الصهيوني؛ ‪ )6‬نتائج حرب تشرين‬
‫ونشوء حركات حت ّرر في النصف األول من القرن التاسع‬
‫األول ‪ 1973‬التي أ ّدت إلى وضع ح ّد ل سطوة احلركة العمالية‬
‫عشر (ال سيما في البلقان واليونان وبلغاريا وإيطاليا)‪،‬‬
‫الصهيونية‪ ،‬واحتكارها السلطة‪ ،‬وبروز جنم األيديولوجيا‬
‫وظهور تيارات إجنيلية إجنليزية رفعت شعار «إعادة بناء‬
‫اليمينية التي جت ّس دت بصورة خاصة في حزب حيروت‪،‬‬
‫اململكة اليهودية في األرض املقدسة» وترحيل كافة اليهود‬
‫والتيار الديني اخلالصي املتج ّس دة في حركة غوش إميونيم‬
‫إليها‪ ،‬وحركات معادية لليهود رأت في ال سكان اليهود ج س ًم ا‬
‫االستيطانية؛ ‪ )7‬اعتالء حزب حيروت سدة احلكم في ‪1977‬‬
‫غري ًب ا في البلدان األوروبية التي تش ّك لت حدي ًث ا كدول قومية‬
‫وتعزيز قوى اليمني الصهيوني منذ ذلك احلني وحتى يومنا‪،‬‬
‫قائمة على أسس إثنية (باستثناء فرنسا)‪ ،‬نلمس ظهور‬
‫وهي قوى مق ّربة بغالبيتها من التص ّورات واخلطابات الدينية؛‬
‫تأويالت الهوتية‪-‬سياسية يهودية جديدة (منذ ثالثينيات القرن‬
‫‪ )8‬اعتماد سياسة اقتصادية ليبرالية وتفاقم األزمة السكنية‬
‫التاسع عشر)‪ ،‬ثارت ضد التأويالت السابقة للعقيدة اليهودية‪،‬‬
‫بني شرائح إسرائيلية ضعيفة ومستضعفة‪ ،‬أهمها شرائح‬
‫واقترحت تأويالت جديدة منسجمة مع «روح العصر»‪ ،‬يقوم‬
‫شرقية واسعة قريبة من التد ّي ن واخلطاب الديني‪ ،‬وكذلك‬
‫جوهرها على أنَّ مصير الشعوب يق ّرره أبناؤها ونشاطهم‬
‫الطوائف احلريدية التي رأت ضرورة إلى اعتماد سياسة‬
‫الدنيوي – السياسي واالقتصادي والعسكري – ال القدر‬
‫‪77‬‬ ‫براغماتية مع احلركة الصهيونية ودولة إسرائيل بغية‬
‫اإللهي‪ ،‬وأنَّ النشاط البشري يؤ ّث ر على القضاء والقدر اإلله ّي ني‪.‬‬
‫احلصول على بعض املكاسب املادية‪.‬‬
‫ومن بني أهم احلاخامات الذين طرحوا مثل هذه التأويالت‬
‫عدد ‪79‬‬
‫تعالت أصوات كافة التيارات اليهودية الدينية التي عارضت هذه التأويالت‬
‫والطروحات الجديدة ضد الصهيونية‪ ،‬باستثناء قلة قليلة من الشخصيات‬
‫ً‬
‫الدينية التي انضمت إلى المؤتمر الصهيوني‪ .‬أنشأت هذه الشخصيات الحقا‬
‫(‪ ،)1902‬وبتشجيع كبير من طرف قيادات الحركة الصهيونية‪ ،‬كتلة «همزراحي»‬
‫ضمن المؤتمر الصهيوني بالرغم من التصادم الجلي بين األفكار التي تنادي بها‬
‫الصهيونية وبين التراث اليهودي الديني‪.‬‬

‫الشخصيات الدينية مع الفكرة القومية األوروبية واستوعبتها‬ ‫(‪،1878 1798-‬‬ ‫اجلديدة نذكر احلاخام الصربي يهودا القلعي‬
‫وسعت إلى م ّدها باألبعاد اليهودية الدينية‪ ،‬وذلك خال ًف ا لكافة‬ ‫‪ ،)Rabbi Yehudah Alkalai‬واحلاخام البولندي ت سڤي هيرش‬
‫التيارات الدينية اليهودية التي حاربت هذه الفكرة الطارئة‬ ‫كاليشر (‪ .)Rabbi Zvi Hirsch Kalischer ،1795-1874‬م ّرت‬
‫بقوة كبيرة‪ .‬وألهمية هذه احلركة على صعيد األفكار اجلديدة‬ ‫هذه التأويالت ب سيرورات عديدة‪ ،‬ولكنها حافظت على جوهرها‪،‬‬
‫التي أتت بها‪ ،‬والتي ال تزال تالزم التيار الصهيوني الديني‬ ‫وأعيدت صياغتها باصطالحات علمانية‪ ،‬بصورة كبيرة ومؤثرة‬
‫االستيطاني إلى يومنا‪ ،‬نتوقف عند أهمها‪ )1 :‬تأكيد احلركة‬ ‫في أعقاب سلسلة املذابح التي اقترفتها اجلماهير والسلطات‬
‫على الثالوث املق ّدس‪« :‬توراة إسرائيل»‪« ،‬شعب إسرائيل»‪،‬‬ ‫الروسية ضد ال سكان اليهود (املشهورة بعبارة «عواصف في‬
‫«أرض إسرائيل»‪ ،‬بحيث يكمل كل ضلع من هذه األضلع‬ ‫النقب»‪ .)1882-1881 ،‬ما أن نشأت احلركة الصهيونية حتى‬
‫الثالثة الضلعني اآلخرين ويغ ّذيهما‪ ،‬وال ميكن ألحدهم الثبات‬ ‫كانت جميع أفكارها األساس مبلورة حول ضرورة إنشاء‬
‫دون الضلعني اآلخرين؛ ‪ )2‬نشأت احلركة الصهيونية لتقترح‬ ‫كيان سياسي م ستقل لليهود أسوة بجميع الشعوب األخرى‬
‫حل للم سألة اليهودية بعد أن أضحى جل ًي ا أن «الشتات» لم‬ ‫ًّ‬ ‫على أن يكون هذا الكيان خارج القارة األوروبية‪ ،‬وقد انسجم‬
‫يعد وط نًا لليهود وال بعد من «العودة» إلى «األرض املوعودة»؛‬ ‫هذا املطلب مع اخلطابني االستعماري والكولونيالي؛ إنشاء‬
‫‪ )3‬لم تظهر الصهيونية للحفاظ على ج سد شعب إسرائيل‬ ‫هذا الكيان على أسس علمية وتكنولوجية جديدة؛ تطبيع‬
‫فحسب‪ ،‬بل والعودة إلى أحضان اليهودية التقليدية‪ ،‬والتط ّه ر‬ ‫شخصية اليهودي وإعادة عالقته مع الطبيعة واألرض بعد‬
‫من األدران التي حلقت الشعب اليهودي على مدار إقامته بني‬ ‫أن اعتاد اليهود في أوروبا على مدار قرون طويلة من الزمان‬
‫غير اليهود في الشتات‪ ،‬إضافة إلى كونها بلسم الضائقة‬ ‫العيش ضمن أمناط حياة تهيمن عليها الغربة مع الطبيعة‬
‫الروحانية التي يعاني منها الشعب؛ ‪ )4‬بالرغم من حقيقة‬ ‫والعمل اجل سدي والزراعي‪.‬‬
‫أن احلركة الصهيونية حركة علمانية على صعيد قاداتها‬ ‫تعالت أصوات كافة التيارات اليهودية الدينية التي عارضت‬
‫ومفكريها والقائمني على تنفيذها َّإل أنها تتم تّع بقيمة دينية‬ ‫هذه التأويالت والطروحات اجلديدة ضد الصهيونية‪ ،‬باستثناء‬
‫النج ار؛ ‪)5‬‬
‫بالغة األهمية كاملطرقة بيدي احل ّداد واملنشار بيدي ّ‬ ‫قلة قليلة من الشخصيات الدينية التي انضمت إلى املؤمتر‬
‫إنَّ االستيطان في فل سطني وال سعي نحو إقامة دولة يهودية‬ ‫الصهيوني‪ .‬أنشأت هذه الشخصيات الح ًق ا (‪ ،)1902‬وبتشجيع‬
‫على ترابها هي فريضة دينية بالغة األهمية؛ ‪ )6‬يفضي‬ ‫كبير من طرف قيادات احلركة الصهيونية‪ ،‬كتلة «همزراحي»‬
‫جناح الصهيونية إلى تعزيز الدين اليهودي وازدهاره وذلك ألنَّ‬ ‫ضمن املؤمتر الصهيوني بالرغم من التصادم اجللي بني‬
‫االستيطان يعتبر جدا ًرا متي نًا أمام االندماج مع بقية الشعوب‬ ‫األفكار التي تنادي بها الصهيونية وبني التراث اليهودي‬
‫واإلقامة بينها‪.‬‬ ‫الديني‪ .‬بنظرة استرجاعية‪ ،‬ميكننا اجلزم بأن أهمية هذه الكتلة‬
‫استدعى سكان يافا اليهود أحد رجال الدين من بلدة‬ ‫على صعيد الفكر الديني تفوق كثي ًرا وزنها ال سياسي في‬
‫‪78‬‬
‫يطلق عليها حال ًي ا اسم داوغاوبلس وتقع في لطوانيا ويدعى‬ ‫حينه‪ .‬فقد سعت جاهدة إلى صهر األفكار احملورية التي نادت‬
‫أبراهام إسحق هكوهن كوك (‪ -1865‬القدس ‪ )1935‬لتولية‬ ‫بها الصهيونية بالعقيدة والتراث اليهودي‪ .‬لقد تصاحلت هذه‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ً‬
‫حاليا اسم‬ ‫استدعى سكان يافا اليهود أحد رجال الدين من بلدة يطلق عليها‬
‫داوغاوبلس وتقع في لطوانيا ويدعى أبراهام إسحق هكوهن كوك (‪ -1865‬القدس‬
‫‪ )1935‬لتولية منصب حاخام المدينة‪ .‬قبل كوك المنصب وهاجر إلى فلسطين‪،‬‬
‫وسرعان ما ّ‬
‫تحول إلى أحد أهم الشخصيات الدينية لسعيه صهر التراث اليهودي‬
‫والصهيونية سوية‪ً ،‬‬
‫تماما كما فعل قبل ذلك أعضاء كتلة همزراحي‪.‬‬

‫إلى تقويض املشروع الصهيوني ونزع الشرعية الدينية عنه‪،‬‬ ‫منصب حاخام املدينة‪ .‬قبل كوك املنصب وهاجر إلى فل سطني‪،‬‬
‫َّإل أنَّ صدور «وعد بلفور» ومن ثم اعتالء احلركة النازية س ّدة‬ ‫وسرعان ما حت ّول إلى أحد أهم الشخصيات الدينية ل سعيه‬
‫احلكم في أملانيا واحملرقة في أعقاب ذلك‪ ،‬قد دفعت جميعها‬ ‫صهر التراث اليهودي والصهيونية سوية‪ ،‬متا ًم ا كما فعل‬
‫بنسب كبيرة من هؤالء احلريد ّي ني وقياداتهم إلى إعادة النظر‬ ‫قبل ذلك أعضاء كتلة همزراحي‪ ،‬ومن قبلهم حاخامات منذ‬
‫في بعض أوجه محاربتهم للحركة الصهيونية؛ إذ و ّف رت احلركة‬ ‫منتصف القرن التاسع عشر كاحلاخام يهودا القلعي وت سڤي‬
‫الصهيونية ملجأ آم نًا لهم في فل سطني‪ .‬كذلك‪ ،‬جتدر اإلشارة‬ ‫هيرش كاليشر وغيرهما‪َّ ،‬إل أنه لم يكتف بالكتابات الصحافية‬
‫إلى أنَّ الطوائف احلريدية مبجملها طوائف فقيرة‪ ،‬لم ت ستطع‬ ‫واملواعظ بل دأب على وضع مقاربة الهوتية وفكرية جديدة‬
‫حت ّم ل الهجرة إلى فل سطني واإلقامة بها من دون م ساعدة مالية‬ ‫إلضفاء الشرعية الدينية على املشروع الصهيوني بكامله‪،‬‬
‫واقتصادية كبيرة من طرف احلركة الصهيونية‪ ،‬خاصة أنهم‬ ‫والتأكيد على أنَّ الصهيونية لي ست سوى قشرة للثمرة؛ رداء‬
‫قد خ سروا كافة أمالكهم في أوروبا‪ .‬بالرغم من جميع ذلك‪َّ ،‬إل‬ ‫جديد ألفكار يهودية لطاملا كانت كامنة في العقيدة والتراث‬
‫أنَّ القيادات احلريدية بقيت على موقفها املبدئي بعدم إضفاء‬ ‫والضمير اليهودي‪.‬‬
‫الشرعية الدينية على الصهيونية‪ ،‬ولكنها جنحت في االعتماد‬ ‫لقد كانت احلركة الصهيونية في أشد احلاجة إلى مثل‬
‫على سياسة براغماتية في تعاملها مع احلركة الصهيونية‬ ‫هذه األصوات الدينية لتجنيد املهاجرين اليهود من جميع‬
‫ومؤس سات دولة إسرائيل بعد إقامتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بقاع األرض وإقناعهم مبشروعيتها دين ًي ا‪ .‬ولكن لتعزيز هذا‬
‫نظرت احلركة العمالية الصهيونية‪ ،‬وهي احلركة األكبر‬ ‫االجتاه ومكانة هذه األصوات كان عليها بداية ّ‬
‫احلط من مكانة‬
‫مؤس سات احلركة الصهيونية منذ نشأتها وحتى سنة‬ ‫ضمن ّ‬ ‫الطائفة اليهودية الفلسطينية احمل لّ ية وقياداتها‪ .‬وقد تس نّى لها‬
‫‪ ،1977‬إلى التراث اليهودي مبجمله – عقيدة وكتب ًا مق ّدسة‬ ‫فعل ذلك في ضوء هزمية اإلمبراطورية العثمانية في احلرب‬
‫وتراث ًا نقلي ًا وشريعة – بوصفه ترا ًث ا ثقاف ًي ا ووثيقة تاريخية‬ ‫وفعل‪ ،‬قامت احلركة الصهيونية في‬ ‫العاملية األولى وسقوطها‪ً .‬‬
‫تشهد على حضور اليهود على مدار أمد طويل من التاريخ‬ ‫سنة ‪ 1920‬بتأسيس سريع للمجلس الديني األعلى لليهود‬
‫كجماعة إثنية تش ّك لت هويتها في فل سطني‪ .‬فقد استخدمت‬ ‫من أصول غربية (اإلشكناز) في فل سطني‪ ،‬ومت تعيني احلاخام‬
‫احلركة الصهيونية التوراة بوصفها وثيقة ملكية لفلسطني‬ ‫كوك رئي ًس ا له‪ .‬ومع تعزيز االنتداب البريطاني في فل سطني‪،‬‬
‫تشير من دون أدنى شك إلى حضور الشعب اليهودي بوصفه‬ ‫تدهورت حالة الطائفة اليهودية الفلسطينية احمل لّ ية وقياداتها‬
‫مجموعة إثنية متم ّي زة في فل سطني‪ .‬كما وقامت بتأويل الرموز‬ ‫وحت ّولت سري ًع ا إلى محل احتقار واستهزاء من طرف املهاجرين‬
‫الدينية وأعيادها بوصفها رموزًا وأعيا ًدا قومية ال دينية‪ .‬فعلى‬ ‫اليهود اإلشكناز وقيادات احلركة الصهيونية‪.‬‬
‫سبيل املثال‪ ،‬قامت بتأويل عيد الفصح بوصفه عيد الربيع‬ ‫تغلغل الفكر الديني التوفيقي اجلديد بني كافة الطوائف‬
‫واحلرية‪ ،‬بينما اعتبر على مدار التاريخ اليهودي بوصفه عيد‬ ‫اليهودية‪ ،‬باستثناء الطوائف التي يطلق عليها الطوائف‬
‫نزول األحكام الدينية على موسى‪ .‬وكذلك بخصوص عيد األنوار‪،‬‬ ‫احلريدية‪ ،‬وهي طوائف يهودية أوروبية‪ ،‬وتر ّك زت غالبيتها في‬
‫‪79‬‬
‫الذي يذ ّك ر املؤمن بضرورة تطهير بيت املقدس من جميع‬ ‫شرق القارة األوروبية‪ .‬فقد سعت قيادات الطوائف احلريدية‬
‫مظاهر الشرك وعبادة األوثان‪ ،‬بينما قامت احلركة الصهيونية‬
‫عدد ‪79‬‬
‫قامت الحركة الصهيونية في سنة ‪ 1920‬بتأسيس سريع للمجلس الديني األعلى‬
‫لليهود من أصول غربية (اإلشكناز) في فلسطين‪ ،‬وتم تعيين الحاخام كوك ً‬
‫رئيسا‬
‫له‪ .‬ومع تعزيز االنتداب البريطاني في فلسطين‪ ،‬تدهورت حالة الطائفة اليهودية‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتحولت سريعا إلى محل احتقار واستهزاء من‬ ‫الفلسطينية المحلية وقياداتها‬
‫طرف المهاجرين اليهود اإلشكناز وقيادات الحركة الصهيونية‪.‬‬

‫يسرائيل (وهي منظمة تضم غالبية التيارات احلريدية‪،‬‬ ‫بتأويله على أنه عيد بانتصار الث ّوار اليهود (املكابيون) ضد‬
‫تأس ست في بولندا في سنة ‪ 1912‬ألغراض دينية محضة)؛‬ ‫احلكم الروماني في فل سطني‪ .‬ولكنها‪ ،‬نظرت إلى الدين اليهودي‬
‫وحركة هبوعيل عمزراحي‪ ،‬التي تشارك حركة همزراحي األم‬ ‫بوصفه قي ًدا يعيق تق ّدم واندماج الشخص اليهودي في بيئة‬
‫بالعديد من طروحاتها ولكنها تؤ ّك د بصورة أكبر على القيم‬ ‫العالم احلديثة‪ ،‬ونظرت إلى املتدينني اليهود ب املجمل بصورة‬
‫االشتراكية؛ وبوعلي أغودات ي سرائيل التي انش ّق ت عن منظمة‬ ‫سلبية بوصفهم جتسي ًدا ليهود الشتات الذين ال يزالون‬
‫أغودات ي سرائيل ب سبب ميل أعضائها للقيم االشتراكية؛ وقائمة‬ ‫يحملون أردانه بوعيهم وأمناط حياتهم ولباسهم ومأكلهم‬
‫االحتاد الديني غير احلزبي (وهي قائمة انش ّق ت عن أغودات‬ ‫ومشربهم‪ 3.‬سعت احلركة الصهيونية على مدار ال سنني إلى‬
‫ي سرائيل ب سبب اعتراض منظمة أغودات ي سرائيل املشاركة‬ ‫علمنة املتدينني اليهود واحل ّد من سطوتهم على بعض الطوائف‬
‫ملؤسسات الوطنية التي أقامتها احلركة الصهيونية)‪.‬‬ ‫في ا ّ‬ ‫واستبدالهم بقيادات صهيونية علمانية تنتمي إلى املعسكر‬
‫حتالفت جميع هذه األطراف في ‪ 1949‬خلوض االنتخابات في‬ ‫العمالي االشتراكي‪ .‬سادت هذه النظرة في هذه احلركة وال‬
‫قائمة مشتركة (القائمة الدينية املتحدة) وفازت بـ‪ 16‬مقع ًدا في‬ ‫تزال‪ .‬ويرى ق سم كبير من الباحثني أنَّ الدين اليهودي كان وال‬
‫الدورة األولى للكني ست وشاركت في االئتالف احلكومي‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫يزال عنص ًرا مركز ًي ا في األيديولوجيا الصهيونية‪َّ 4،‬إل أنه أخذ‬
‫لم يدم هذا التحالف‪ ،‬وخاض كل حزب (باستثناء قائمة االحتاد)‬ ‫مظه ًرا وحضو ًرا أكبر منذ اعتالء حركة حيروت إلى س ّدة احلكم‬
‫االنتخابات وحده في الدورة الثانية للكنيست في سنة ‪1951‬‬ ‫في عام ‪ ،1977‬كما أوضحنا في دراسات سابقة وسنرى كذلك‬
‫(وحصلت جميعها على ‪ 15‬مقع ًدا‪ ،‬ولكن احلظ األوفر كان من‬ ‫في معرض الدراسة احلالية‪.‬‬
‫نصيب هبوعيل همزراحي التي حازت على ‪ 8‬مقاعد وحدها)‪.‬‬ ‫ب املقابل‪ ،‬فقد نشأت في سنة ‪ 1925‬احلركة التصحيحية‬
‫أما في الدورة الثالثة للكنيست (‪ )1955‬فقد حتالفت أغودات‬ ‫على يد فالدميير زئيف جابوتن سكي (أودي سا ‪ – 1880‬نيويورك‬
‫ي سرائيل مع بوعلي أغودات ي سرائيل ضمن قائمة مشتركة‬ ‫ً‬
‫حامل للذاكرة‬ ‫‪ ،)1940‬والتي نظرت إلى التراث اليهودي بوصفه‬
‫(«جبهة دينية توراتية») وحازت على ‪ 6‬مقاعد‪ .‬كما حتالفت‬ ‫التاريخية والوجدان اليهودي‪ .‬ونظرت إلى اليهود املتدينني‬
‫همزراحي مع هبوعيل همزراحي كقائمة مشتركة (حتت اسم‬ ‫سامح ا من احلركة العمالية‪ .‬حت ّولت‬ ‫ً‬ ‫بصورة إيجابية وأكثر ت‬
‫«جبهة دينية قومية») في هذه الدورة وحازت على ‪ 11‬مقع ًدا‪.‬‬ ‫هذه احلركة التصحيحية إلى حزب سياسي من اليوم األول‬
‫احتد احلزبان في سنة ‪ 1956‬ليش ّك ال م ًع ا حز ًب ا واح ًدا وهو‬ ‫لقيام إسرائيل هو حزب حيروت بقيادة مناحيم بيغن (برست في‬
‫حزب املفدال‪.‬‬ ‫روسيا البيضاء ‪ – 1913‬القدس ‪ .)1992‬من شأن هذه النظرة‬
‫اعتمد حزب املفدال سياسة براغماتية ودخل االئتالفات‬ ‫خصوص ا أن تترك‬
‫ً‬ ‫املتبينة إلى التراث اليهودي عمو ًم ا واملتدينني‬
‫احلكومية التي ش ّك لتها احلركة العمالية حتى سنة ‪،1976‬‬ ‫آثا ًرا بالغة الح ًق ا على تقارب احلركات والتيارات الدينية إلى‬
‫بالرغم من أن الثالوث املق ّدس املذكور آن ًف ا ش ّك ل القاعدة‬ ‫حزب حيروت واألحزاب اليمينية األخرى وابتعادها عن األحزاب‬
‫األساسية للحزب‪ .‬في أعقاب حرب تشرين األول ‪ ،1973‬نشأت‬ ‫العمالية وتلك املع ّرفة إسرائيل ًي ا ي سارية‪.‬‬
‫حركة غوش إميونيم على يد جنل أبراهام كوك‪ ،‬هو ت سفي‬ ‫مع اإلعالن عن إقامة إسرائيل‪ ،‬كانت هناك العديد من‬ ‫‪80‬‬
‫يهودا كوك (زوميل في ليتوانيا ‪ – 1891‬القدس ‪ ،)1982‬بهدف‬ ‫احلركات والقوائم واألحزاب الدينية‪ ،‬أهمها همزراحي وأغودات‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إستراتيجيا‪ ،‬منذ نهاية السبعينيات‬ ‫يبدو أن التيار الصهيوني الديني يعتمد مخططا‬
‫وحتى يومنا‪ ،‬يرمي إلى التأثير على الوعي اليهودي بعامة واإلسرائيلي بخاصة من‬
‫خالل أنشطته والوزارات التي يطالب بتوليها ضمن االئتالفات الحكومية‪ ،‬أهمها‬
‫وزارة المعارف‪ ،‬للتأثير على األجيال القادمة عبر صياغة المعارف التي ينكشف إليها‬
‫وبلورة ذاكرته التاريخية وهويته‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫كخطوة نحو تغيير الوعي والثقافة ال سياسية في إسرائيل‪.‬‬ ‫العمل بقوة لالستيطان في األراضي الفل سطينية احملتلة عام‬
‫جناح ا كبي ًرا في جميع‬
‫ً‬ ‫وفي احلقيقة‪ ،‬فقد جنح هذا التيار‬ ‫‪ .1967‬لقد تط ّرف ت سفي كوك كثي ًرا في تب نّيه منظومة الدمج‬
‫وتخط ى جميع هذه األهداف‪ ،‬كما سنلمس في‬ ‫ّ‬ ‫أهدافه‪ ،‬ال بل‬ ‫بني التراث اليهودي والعقيدة وبني الصهيونية‪ .‬ومن بني جملة‬
‫معرض الدراسة احلالية‪ .‬فقد ح ّق ق مشروع االستيطان جناحات‬ ‫األمور التي أ ّك د عليها‪ ،‬نذكر تأكيده على أن دولة إسرائيل‬
‫كبرى‪ ،‬وإدغام اخلطاب ال سياسي العام في إسرائيل بالقيم‬ ‫احلديثة هي الدولة التي حت ّدث عنها أنبياء بني إسرائيل على‬
‫والتص ّورات واملفاهيم الدينية‪ ،‬ج ّر أجزاء واسعة من املجتمع‬ ‫طول الزمان؛ امل ساواة بني أهمية األدوات امل ستخدمة في الصالة‬
‫احلريدي املناهض مبدئ ًي ا للصهيونية إلى املشاركة الفاعلة‬ ‫كفريضة دينية وبني الدبابات بوصفها «أدوات مق ّدسة» إلقامة‬
‫في مشاريع االستيطان والتق ّرب من املجتمع اإلسرائيلي العام‬ ‫الفريضة التوراتية الحتالل البالد‪ .‬تركت هذه احلركة آثا ًرا‬
‫بواسطة اخلدمة العسكرية أو اخلدمة املدنية‪ ،‬فرض الروايات‬ ‫بالغة على األعضاء الشباب في حزب املفدال‪ ،‬وأ ّدت به إلى أن‬
‫والتص ّورات الدينية في مناهج التربية والتعليم احلكومية وغير‬ ‫يتح ّول إلى حزب أيديولوجي مييني وم ساند كبير للم ساعي‬
‫احلكومية‪ ،‬احتالل مناصب مرموقة في وسائل اإلعالم املركزية‬ ‫الرامية إلى االستيطان في «أرض إسرائيل التاريخية الكاملة»‪،‬‬
‫وإنشاء وسائل وقنوات إعالمية مؤ ّث رة‪ ،‬استجالب الدعم املادي‬ ‫من النهر إلى البحر‪ ،‬وحلي ًف ا حلركة غوش إميونيم في جميع‬
‫الهائل من الطوائف اليهودية في الواليات املتحدة لتمويل أجزاء‬ ‫مساعيها االستيطانية ونشاطاتها التربوية‪.‬‬
‫واسعة من نشاطاتها‪.‬‬ ‫وفق العديد من املراقبني‪ ،‬يبدو أن التيار الصهيوني الديني‬
‫يتم ّث ل أحد العناصر املستجدة على مشهد التد ّي ن‬ ‫ً‬
‫مخطط ا إستراتيج ًي ا‪ ،‬منذ نهاية ال سبعينيات وحتى‬ ‫يعتمد‬
‫اإلسرائيلي في دخول املجتمع املتش ّدد دين ًي ا (املطلق عليه‬ ‫يومنا‪ ،‬يرمي إلى التأثير على الوعي اليهودي بعامة واإلسرائيلي‬
‫في املعجم اإلسرائيلي‪ :‬املجتمع احلريدي) وتق ّربه الشديد إلى‬ ‫بخاصة من خالل أنشطته والوزارات التي يطالب بتوليها ضمن‬
‫املجتمع اإلسرائيلي‪ ،‬ما أفضى بالتالي إلى تب نّي العديد من‬ ‫االئتالفات احلكومية‪ ،‬أهمها وزارة املعارف‪ ،‬للتأثير على األجيال‬
‫أوجه األيديولوجيا الصهيونية والوعي والتص ّورات اإلسرائيلية‬ ‫القادمة عبر صياغة املعارف التي ينكشف إليها وبلورة ذاكرته‬
‫– ومن بني جملة األمور‪ ،‬فقد أ ّدى ذلك إلى أن يش ّك ل املجتمع‬ ‫التاريخية وهويته‪ ،‬ووزارة البناء واإلسكان إلقامة املستوطنات‬
‫احلريدي حال ًي ا نحو ‪ %35‬من امل ستوطنني في الضفة الغربية‬ ‫وتعزيزها‪ 5،‬ووزارة الداخلية ألنها الطرف األهم في كل ما‬
‫والطرف الشرقي للقدس‪.‬‬ ‫يتعلق بتحويل امليزانيات املختلفة واملنح والتخطيط للبلدات‬
‫تؤ ّك د العديد من األبحاث في العقود الثالثة األخيرة على‬ ‫واملستوطنات اجلديدة‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬جاء في شهادة‬
‫ازدياد مطرد بتد ّي ن املجتمع اإلسرائيلي وعلى تغ ّول اخلطاب‬ ‫مؤس سي حركة‬ ‫الباحث زئيف دروري خالل مقابلته مع أحد ّ‬
‫الديني في مجمل أوجه احلياة املختلفة في إسرائيل‪ ،‬ال‬ ‫غوش إميونيم وعضو الكني ست حنان فورات أن هذا التيار قد‬
‫سيما تعزيز اخلطاب الديني في الوعي والثقافة السياسية‬ ‫وضع إستراتيجية جديدة منذ مطلع الثمانينيات ترمي إلى‬
‫والعسكرية وتص ّوراتهما واخللط بني املفاهيم السياسية والدينية‬ ‫دفع األبناء املنتمني إلى التيار القومي الصهيوني لالنضمام‬
‫‪81‬‬ ‫وأهدافها‪ .‬كما نشهد ظهور أمناط جديدة من التد ّي ن ً‬
‫أيض ا‬ ‫إلى اجليش والعمل في أجهزة اإلعالم بغية إجراء تغييرات‬
‫ت ستبطن جميع هذه امل ستجدات وتصوغها على شكل وعي‬ ‫مؤس سة اجليش واإلعالم‪،‬‬
‫عميقة في مواقع صنع القرار في ّ‬
‫عدد ‪79‬‬
‫يتمثل أحد العناصر المستجدة على مشهد ّ‬ ‫ّ‬
‫التدين اإلسرائيلي في دخول المجتمع‬
‫دينيا (المطلق عليه في المعجم اإلسرائيلي‪ :‬المجتمع الحريدي) في‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫المتشدد‬
‫ّ‬
‫المجتمع اإلسرائيلي‪ ،‬ما أفضى بالتالي إلى تبني العديد من أوجه األيديولوجيا‬
‫والتصورات اإلسرائيلية – ومن بين جملة األمور‪ ،‬فقد ّأدى ذلك‬
‫ّ‬ ‫الصهيونية والوعي‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫إلى أن يشكل المجتمع الحريدي حاليا نحو ‪ %35‬من المستوطنين في الضفة‬
‫الغربية والطرف الشرقي للقدس‪.‬‬

‫مبختلف مشاربه العقدية والثقافية حماس ًّي ا وخلق ج ًّوا من‬ ‫يقوم في أساس مختلف مناحي احلياة في إسرائيل‪ 7.‬ال شك‬
‫«نشوة االنتصار األسطوري»‪ ،‬كما يصفها اإلسرائيليون دو ًم ا‪،‬‬ ‫في أن دراسة هذا اخلطاب وهذه الظواهر اجلديدة في املجتمع‬
‫فقد كان و ْق ع نتائج حرب تشرين األول كارث ًي ا في نفوسهم‪،‬‬ ‫اإلسرائيلي وحتليلها وإعادتها إلى مركباتها األساس والوقوف‬
‫وطغى اخلوف والعجز العظيمني على مشاعرهم‪ .‬وبينما‬ ‫عند غاياتها ومنطلقاتها يع ُّد ً‬
‫عمل شا ًق ا وواس ًع ا ج ًدا ال ميكن‬
‫ُم نحت «الدولة»‪ ،‬في أعقاب حرب حزيران‪ ،‬سلطة وسمات‬ ‫اإلحاطة به من جميع جوانبه في بضع أبحاث قليلة‪.‬‬
‫فوق‪-‬بشرية‪ ،‬فقد كشفت نتائج حرب تشرين األول ضعف هذا‬ ‫نشهد أنَّ إسرائيل‪ ،‬مجتم ًع ا وثقافة وسياسة‪ ،‬متر منذ‬
‫الكيان اإلسرائيلي ووهنه‪ ،‬ما أثار مجد ًدا مخاوف وذكريات من‬ ‫نهاية السبعينيات بتح ّوالت عميقة بالغة األهمية على ُص ُع د‬
‫احملرقة وما آلت اليه الطوائف اليهودية في أوروبا في احلقبة‬ ‫جلي‬
‫عدة‪ ،‬وميكننا أن نلمس إفرازات هذه التح ّوالت على نحو ّ‬
‫النازية‪ ،‬األمر الذي يف ّس ر إلى ح ّد بعيد امل ساعي اإلسرائيلية‬ ‫وواضح منذ منتصف الثمانينيات‪ .‬يعود مصدر هذه التح ّوالت‬
‫الرامية منذ ذلك احلني إلى تصوير العرب عمو ًم ا والفل سطين ّي ني‬ ‫بصورة مركزية إلى خصائص األيديولوجيا الصهيونية والثقافة‬
‫خصوص ا كناز ّي ني جدد‪.‬‬
‫ً‬ ‫السياسية الشرق أوروبية‪ ،‬إضافة إلى النتائج املتناقضة‬
‫يقف في صلب هذه التح ّوالت محور مزدوج يشمل م سألتني‬ ‫للحربني (حزيران ‪ 1967‬وتشرين األول ‪ .)1973‬فبينما كان‬
‫أساسيتني‪ :‬إعادة تعريف الصهيونية من جديد‪ ،‬إن كان‬ ‫وقع إحدى نتائج حرب حزيران على املجتمع اإلسرائيلي‬

‫‪82‬‬

‫احلريدمي في صلب التحوالت املجتمعية والسياسية في إسرائيل‪.‬‬ ‫عدد ‪79‬‬


‫نشهد منذ ثمانينيات القرن العشرين ظهور توجهات في المجتمع اإلسرائيلي‬
‫الحد من هيمنة التأويالت الصهيونية‪ ،‬كما وضعها التيار العمالي منذ‬ ‫ّ‬ ‫تحاول‬
‫مطلع القرن العشرين‪ ،‬واستبدالها بتأويالت أخرى تعود بالنظرة الصهيونية إلى ما‬
‫قبل العصر الحديث‪ ،‬وتركز على الدور المركزي لألفكار الدينية في صقل الصهيونية‬
‫ّ‬
‫ومدها بالبعد الثقافي‪-‬التاريخي‪.‬‬

‫ما هي َّإل نتاج للتح ّوالت الثقافية التي جرت في املجتمع‬ ‫بصيغتها النقدية اليسارية أو بصيغتها النقدية اليمينية‬
‫وال سياسة اإلسرائيل ّي ني والتي جت س ّدت على نحو كبير ج ًدا‬ ‫والدينية‪ ،‬ومحاولة قطاعات وشرائح واسعة في املجتمع‬
‫في حت ّول احلكم إلى أيدي قائمة الليكود (قائمة جتمع بني‬ ‫والسياسة اإلسرائيل ّي ني خوض معارك جماهيرية وقضائية‬
‫حزب «حيروت» التاريخي وأطراف حزبية أخرى) في عام ‪.1977‬‬ ‫وسياسية تسعى إلى تقويض «السياسة االحتادية» التي ط املا‬
‫ويضيف أنَّ هذه الثقافة السياسية اجلديدة تتغ ّذى من مشارب‬ ‫اتسمت بها السياسية اإلسرائيلية في تعاملها مع املجتمع‬
‫التعص ب‬
‫ّ‬ ‫الصهيونية بتأويالتها اليمينية‪ ،‬والتي تعتمد على‬ ‫اليهودي الداخلي‪ ،‬ومع الطوائف اليهودية في جميع أنحاء‬
‫القومي العنصري والقوة الع سكرية (اجلدار احلديدي) وتضع‬ ‫املعمورة‪ .‬تتميز هذه ال سياسة بعدم فصلها بشكل قاطع في‬
‫األمة واألرض والتشكيك الدائم بنوايا غير اليهود في صلب‬ ‫أيض ا من جانب‬ ‫م سائل مبدئية متنازع عليها‪ ،‬كما تتميز ً‬
‫خطابها‪ .‬ويردف الباحث ً‬
‫قائل‪ ،‬إنَّ هذه الثقافة اجلديدة‪ ،‬والتي‬ ‫آخر ببح ّث ها على التأقلم املتبادل والتوصل إلى حلول وسط‪،‬‬
‫تبشر بصيغة جديدة للصهيونية‪ ،‬إمنا تدمج بني الفكرة‬ ‫واخلضوع إلى اتفاقيات بني األطراف املتنازعة‪ ،‬وذلك ألن مثل‬
‫القومية احلديثة والقيم التقليدية والتراث الديني‪ 8 .‬ونقرأ‬ ‫هذه ال سياسة تقوم على األسس املشتركة بني غالبية املواطنني‬
‫عند باحثني آخرين (دان هورفيتس وموشي لي ساك)‪ ،‬اللذين‬ ‫البت في‬
‫وشرائحهم اإلثنية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬وحتاول عدم ّ‬
‫ينطلقان من مقاربة نظرية أخرى مغايرة (النظرية الوظيفية)‪،‬‬ ‫ح ّل امل سائل اجلوهرية واملبدئية وتأجيلها إلى أمد بعيد‪ ،‬ويطلق‬
‫أننا نشهد منذ نهاية السبعينيات حت ّوالت عميقة في الثقافة‬ ‫على هذا النوع من ال سياسة ً‬
‫أيض ا تعبير «ال سياسة التوفيقية»‪.‬‬
‫ال سياسية اإلسرائيلية‪ ،‬ال سيما في املع سكر الديني‪ ،‬الذي‬ ‫سعت شرائح مختلفة في إسرائيل منذ منتصف‬
‫ناهض الصهيونية في ال سابق‪ ،‬ولكنه حت ّول إلى طرف آخر‬ ‫ال سبعينيات‪ ،‬وال تزال‪ ،‬إلى احل ّد من هذه ال سياسة االحتادية‬
‫يتب نّى عقيدة «أرض إسرائيل الكاملة»‪ ،‬إ ّال أنه يرفض األسس‬ ‫واستبدالها بأخرى مغايرة تقوم على الفصل واحل سم في‬
‫العلمانية التي تقوم عليها العقيدة الصهيونية‪ .‬وعليه‪ ،‬فإننا‬ ‫املسائل املتنازع عليها‪ .‬تبدو إحدى جتليات هذه املطالب‬
‫أمام ظاهرة مميزة وجديدة جتمع بني جانبي «الصقور» على‬ ‫بصورة جلية في الصراع القائم في املجتمع وال سياسة في‬
‫الصعيد ال سياسي ولكنه غير صهيوني أو معاد للصهيونية‬ ‫إسرائيل حول مسألة الطابع الثقافي للدولة واملطالبة بسن‬
‫‪9‬‬
‫الكالسيكية‪.‬‬ ‫دستور ومكانة املستوطنات وجتنيد أبناء املجتمع املتزمت دين ًي ا‬
‫تُع ُّد الفئات احلريدية املجموعة املركزية في إسرائيل التي‬ ‫(احلريدي)‪ .‬يطلق الباحثون على هذا النوع من ال سياسة تعبير‬
‫جتمع في توجهاتها ومطالبها طرفي هذا املركز املزدوج‪ .‬فإنها‬ ‫طغيان ح سم األكثرية‪ ،‬والذي يقول‪ :‬تتم تّع األغلبية‪ ،‬مهما تكن‬
‫حتاول‪ ،‬من جهة واحدة‪ ،‬إعادة تعريف الصهيونية من جديد‪،‬‬ ‫ضئيلة‪ ،‬ب سلطة في اتخاذ القرارات امللزمة للجميع‪ .‬تت سم‬
‫بينما تطالب من جهة أخرى بتعزيز مكانة الشريعة الدينية‬ ‫هذه ال سياسة بإضفائها ج ًوا مشحونًا ومتوت ًرا وعدائ ًي ا على‬
‫اليهودية وإخضاع جميع املواطنني‪ ،‬بني علمان ّي ني ومتدينني‬ ‫األطراف املتنازعة وظهور خالفات أخرى جديدة‪ ،‬ميكن لها أن‬
‫وتقليد ّي ني‪ ،‬ل سلطتها‪ .‬ومن اجلانب اآلخ ر‪ ،‬ت سعى أطراف واسعة‬ ‫تهدد االستقرار االجتماعي وال سياسي القائمني في بعض‬
‫‪83‬‬ ‫في املجتمع اإلسرائيلي إلى تعزيز اخلصائص اليمينية في‬ ‫األحيان‪ .‬نقرأ‪ ،‬على سبيل املثال ال احلصر‪ ،‬عند أحد الباحثني‬
‫الصهيونية (أحزاب وحركات علمانية ميينية)‪ ،‬كما أنَّ هناك‬ ‫اإلسرائيل ّي ني (سامي سموحه) أنَّ هذه «الثقافة اجلديدة»‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬
‫التدين في المجتمع‬ ‫تشير جميع البيانات بين السنتين ‪ 2009 -1991‬إلى تعزيز‬
‫ّ‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬حتى بين الفئة العلمانية التي أصبحت تميل أكثر فأكثر إلى تبني‬
‫ّ‬
‫التصورات والمفاهيم العلمانية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تصورات ومفاهيم دينية ودمجها مع‬

‫وارتفعت النسبة مجد ًدا وفق بيانات االستطالع الثالث (‪،)2009‬‬ ‫أطرفا أخرى‪ ،‬يسارية‪ ،‬باملفاهيم اإلسرائيلية‪ ،‬تقوم بدورها‬
‫ما يشير إلى أن جز ًءا كبي ًرا من هؤالء املهاجرين قد تب نّوا مع‬ ‫في تعزيز اخلصائص املدنية للصهيونية (حزب «ميرتس»‬
‫مرور الوقت قي ًم ا يهودية وتق ّربوا أكثر فأكثر للتراث اليهودي‬ ‫و»جمعية حقوق املواطن» ومنظمات مدنية أخرى)‪ .‬إ ّال أنَّ جميع‬
‫والتص ّورات الدينية‪ ،‬إضافة إلى ارتفاع نسبة املتدينني في‬ ‫هذه األطراف‪ ،‬اليمينية والي سارية‪ ،‬ال ته ّدد األساس األولي‬
‫املجتمع اإلسرائيلي بسبب نسبة التكاثر الطبيعي العالية‬ ‫واملركزي للصهيونية الكالسيكية وصهيونية احلركة العمالية‪.‬‬
‫بينهم‪.‬‬ ‫ولكننا نشهد منذ ثمانينيات القرن العشرين ظهور توجهات‬
‫نذكر من بني النتائج املثيرة التي يشير إليها االستطالع‬ ‫في املجتمع اإلسرائيلي حتاول احل ّد من هيمنة التأويالت‬
‫الثالث‪ ،‬انخفاض ش ّدة التوتّر القائم بني الفئات املتدينة وبني‬ ‫الصهيونية‪ ،‬كما وضعها التيار العمالي منذ مطلع القرن‬
‫قياس ا‬
‫الفئات العلمانية في املجتمع اإلسرائيلي في سنة ‪ً ،2009‬‬ ‫العشرين‪ ،‬واستبدالها بتأويالت أخرى تعود بالنظرة الصهيونية‬
‫باالستطالعني ال سابقني‪ ،‬وكذلك األمر بخصوص م سألة عالقة‬ ‫إلى ما قبل العصر احلديث‪ ،‬وتركز على الدور املركزي لألفكار‬
‫يهود إسرائيل بالطوائف اليهودية خارج البالد‪ ،‬األمر الذي من‬ ‫الدينية في صقل الصهيونية وم ّدها بالبعد الثقافي‪-‬التاريخي‪.‬‬
‫شأنه أن يشير إلى تعزيز التص ّورات الدينية والقومية اليهودية‬ ‫بعبارات أخرى‪ ،‬مت ّث ل هذه التأويالت اجلديدة محاولة إلعادة‬
‫قياسًا باالستطالع األول‪ .‬ب املجمل‪ ،‬تشير جميع البيانات بني‬ ‫قراءة اليهودية من جديد استنا ًدا إلى األيديولوجية الصهيونية‪،‬‬
‫السنتني ‪ 2009 -1991‬إلى تعزيز التد ّي ن في املجتمع اإلسرائيلي‪،‬‬ ‫وكأن املراد هو القول إنَّ الصهيونية كانت كامنة في اليهودية‬
‫حتى بني الفئة العلمانية التي أصبحت متيل أكثر فأكثر إلى‬ ‫منذ القدم‪ ،‬وأن املبشرين بالصهيونية ومفكريها قد جنحوا‬
‫تب نّي تص ّورات ومفاهيم دينية ودمجها مع التص ّورات واملفاهيم‬ ‫في الولوج إلى بطن اليهودية واستنباط الصهيونية منها‬
‫العلمانية‪ 12.‬فقد انخفضت نسبة الذين ال يتقيدون بالفرائض‬ ‫وصياغتها بعبارات حديثة غير دينية ظاهر ًي ا‪.‬‬
‫الدينية في املجتمع اإلسرائيلي من ‪ %21‬في سنة ‪ 1991‬إلى‬ ‫ظهر في الت سعينيات منط جديد من الهوية اإلسرائيلية‬
‫نسبة ‪ %16‬في سنة ‪ .2009‬وأشار غالبية امل ستبينني إلى أنهم‬ ‫اليهودية التي جتمع وتو ّف ق بني أمناط حياة علمانية وبني‬
‫أصبحوا يتقيدون أكثر بالفرائض الدينية ويقرأون بالكتب‬ ‫عناصر شعائرية دينية‪ ،‬األمر الذي أتاح الفرصة أمام شرائح‬
‫املقدسة وكتب التراث اليهودي أكثر من السابق‪ .‬أشار ‪%71‬‬ ‫علمانية معينة في املجتمع اإلسرائيلي إلى استبطان عناصر‬
‫من امل ستبينني في االستطالع الثالث إلى أنه من املهم واملهم‬ ‫دينية والتصالح معها لتعزيز الهوية الذاتية واجلمعية‪ 10.‬أعد‬
‫ج ًدا لهم القراءة في الكتب املقدسة وكتب التراث اليهودي‪،‬‬ ‫مركز «آبي حاي» بالتعاون مع املعهد اإلسرائيلي للدميقراطية‬
‫في القدس‪ ،‬استطالع رأي أجري على ثالث فترات متباعدة‬
‫الثقل السياسي احلريدي‪ :‬معادلة متغيرة‪.‬‬
‫(‪ )2009 ،1999 ،1991‬وذلك لرصد أهم التح ّوالت الطارئة‬
‫على املجتمع اإلسرائيلي بكل ما يتعلق بقيمه وهوية أبنائه‬
‫وبناته وعالقتهم باخلطاب الديني وهوية الدولة وخصائص‬
‫قياس ا باالستطالع األول (‪ ،)1991‬نشهد‬ ‫ً‬ ‫‪11‬‬
‫ظاهرة التدين‪.‬‬
‫ً‬
‫انخفاض ا بعالقة اإلسرائيل ّي ني‬ ‫في االستطالع الثاني (‪)1999‬‬
‫بالدين والتراث اليهودي‪ ،‬وذلك ب سبب الهجرة الكبيرة من بالد‬ ‫‪84‬‬
‫االحتاد السوفييتي ساب ًق ا‪َّ .‬إل أنَّ هذا االنخفاض قد توقف‬

‫عدد ‪79‬‬
‫تغييرا ً‬
‫كبيرا حصل على هذا الصعيد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أما بخصوص عدد المقاعد في الكنيست‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫ً‬
‫مقعدا فقط‪،‬‬ ‫ففي حين نال المتدينون في الكنيست األولى عام (‪ )1949‬ستة عشر‬
‫من خالل قائمة واحدة أطلق عليها اسم (جبهة دينية ّ‬
‫موحدة)‪ ،‬فقد نالت األحزاب‬
‫ً‬
‫مقعدا‪ ،‬تنتمي إلى ثالث‬ ‫الدينية في الكنيست التاسعة عشرة لسنة (‪ )2013‬ثالثين‬
‫قوائم دينية هي شاس‪ ،‬يهدوت هتوراه‪ ،‬والبيت اليهودي‪.‬‬

‫األحزاب الدينية في الكنيست التاسعة عشرة لسنة (‪)2013‬‬ ‫وأشار ‪ %24‬إلى أنهم يقومون بزيارة قبور األولياء‪ ،‬ونحو ‪%13‬‬
‫ثالثني مقع ًدا‪ ،‬تنتمي إلى ثالث قوائم دينية هي شاس‪ ،‬يهدوت‬ ‫ي ستشيرون رجال الدين باألمور الشخصية‪ .‬كما وأشار نحو‬
‫هتوراه‪ ،‬والبيت اليهودي‪ .‬إ ًذا هناك زيادة هائلة (تصل إلى‬ ‫‪ %80‬من مجمل امل ستبينني في االستطالع الثالث إلى إميانهم‬
‫نحو ‪ )%80‬في عدد مقاعد املتدينني في الب رملان اإلسرائيلي‪،‬‬ ‫بالرب‪ %67 ،‬أشاروا إلى أن الشعب اليهودي هو شعب مميز‬
‫مخص صة ملتدينني في بقية األحزاب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إضافة إلى مقاعد أخرى‬ ‫وهو الشعب املختار‪ ،‬وأفاد ‪ %34‬أن الشخص اليهودي الذي ال‬
‫توص ل الباحث ليئون مزراحي إلى‬ ‫بخصوص حركة شاس‪ّ ،‬‬ ‫يتقيد بالفرائض الدينية فإنه يه ّدد كافة الشعب اليهودي‪ .‬يعتقد‬
‫ملؤس س حركة‬‫التوج ه ال سياسي غير املتط ّرف ّ‬ ‫ّ‬ ‫أنه بالرغم من‬ ‫يتعي على‬ ‫‪ %61‬من مجمل اليهود في املجتمع اإلسرائيلي أنه ّ‬
‫شاس وقائدها األسبق عوفاديا يوسيف‪ ،‬فقد اعتمد مع مرور‬ ‫دولة إسرائيل التق ّي د بالتراث الديني في إدارة احلياة العامة‪.‬‬
‫التوج ه ال سياسي العام املتط ّرف‬
‫ّ‬ ‫توج ًه ا أكثر قر ًب ا من‬
‫الزمن ّ‬ ‫ولكن نشهد‪ ،‬إلى جانب ذلك‪ ،‬أن نصف املجتمع اإلسرائيلي‬
‫جلمهوره‪ ،‬وكانت الضائقة السكنية تعتبر من أهم األسباب‬ ‫ممن يعتبرون أنف سهم علمان ّي ني قد تراجعوا مع مرور الزمن عن‬
‫التي أفضت به إلى إضفاء الشرعية على انتقال مناصريه‬ ‫التقيد ببعض الفرائض الدينية‪ ،‬ومطالعة كتب التراث اليهودي‪،‬‬
‫‪14‬‬
‫لل سكن في امل ستوطنات املقامة على أراضي حدود ‪. 67‬‬ ‫وأنهم يشعرون أكثر من ذي قبل بأنهم أبعد عن الدين‪ .‬ولكن‬
‫كذلك ميكننا ملس هذا التغيير احلاصل في اخلريطة‬ ‫ليس من شأن ذلك اإلشارة إلى تراجعهم عن تعزيز هويتهم‬
‫ال سياسية اإلسرائيلية على صعيد شدة تأثير األحزاب والقوائم‬ ‫اليهودية‪ ،‬بل ميكن تف سير ذلك بأنهم يشعرون باالستياء من‬
‫التي كانت تُع ُّد في ال سابق أحزا ًب ا ترجح كفة امليزان في‬ ‫تعاظم قوة اخلطاب الديني وش ّدة تأثير الدين في مختلف‬
‫مفاوضات تشكيل احلكومة بني حزب العمل (مباي) والتكتل‬ ‫مناحي احلياة في إسرائيل‪ .‬في حال تصادم القيم الدميقراطية‬
‫خصوص ا منذ انتخابات الكنيست لعام (‪)1977‬‬ ‫ً‬ ‫(حيروت)‪،‬‬ ‫مع الشريعة اليهودية‪ ،‬أشار ‪ %44‬فقط إلى وجوب تفضيل القيم‬
‫وحتى انتخابات عام (‪ .)1988‬غير أننا نلمس منذ انتخابات‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬بينما أشار ‪ %36‬إلى موقف وسطي ‪ -‬حتى بني‬
‫عام (‪ )1992‬وحتى انتخابات الكنيست لعام (‪ )2015‬ضعف‬ ‫الفئة التي تع ّرف نفسها بأنها علمانية (ونسبتهم ‪- )%16‬‬
‫األحزاب احلريدية وخسارة مكانتها السابقة (ترجيح ّ‬
‫كف‬ ‫والبقية (‪ )%20‬تقول بوجوب تفضيل الشريعة‪ .‬مييل العديد من‬
‫امليزان) وذلك ب سبب وقوفها بشكل كلي وشامل ومن دون قيد‬ ‫الباحثني إلى االدعاء القائل إنَّ أحد أهم نتائج تعزيز التد ّي ن‬
‫أو شرط إلى جانب املع سكر اليميني‪َّ ،‬إل أنَّ ضعف املع سكر‬ ‫في املجتمع اإلسرائيلي يتم ّث ل في التشكيك أكثر فأكثر بغير‬
‫اليساري وعدم قدرته في العقد األخير على تشكيل حكومة‬ ‫اليهود‪ ،‬وبالتالي فإننا أمام التق ّرب إلى األيديولوجيات اليمينية‬
‫قوية قد ساهم في دفع بعض األحزاب احلريدية‪ ،‬مثل حزب‬ ‫أكثر فأكثر واالبتعاد عن أيديولوجيات ي سارية تؤكد على ع املية‬
‫شاس‪ ،‬إلى أحضان اليمني‪ .‬أما في االنتخابات األخيرة (آذار‬
‫‪13‬‬
‫القيم اإلنسانية وأهميتها في كافة املجتمعات‪.‬‬
‫‪ ،)2020‬فقد انخفض عدد مقاعد املتدينني إلى ‪ 9( 16‬شاس‪،‬‬ ‫أما بخصوص عدد املقاعد في الكنيست‪ ،‬فإنَّ تغيي ًرا‬
‫ويهودوت هتوراه) وحصلت قائمة «ميينا» (‪ 6‬مقاعد) التي‬ ‫كبي ًرا حصل على هذا الصعيد‪ .‬ففي حني نال املتدينون في‬
‫‪85‬‬ ‫تتب نّى اخلطاب الديني‪ ،‬ولكنها ليست قائمة دينية بل تر ّك ز‬ ‫الكني ست األولى عام (‪ )1949‬ستة عشر مقع ًدا فقط‪ ،‬من خالل‬
‫أكثر على االستيطان بصورة أكبر‪.‬‬ ‫قائمة واحدة أطلق عليها اسم (جبهة دينية م ّوحدة)‪ ،‬فقد نالت‬
‫عدد ‪79‬‬
‫تغييرا ً‬
‫كبيرا حصل على هذا الصعيد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أما بخصوص عدد المقاعد في الكنيست‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫ً‬
‫مقعدا فقط‪،‬‬ ‫ففي حين نال المتدينون في الكنيست األولى عام (‪ )1949‬ستة عشر‬
‫من خالل قائمة واحدة أطلق عليها اسم (جبهة دينية ّ‬
‫موحدة)‪ ،‬فقد نالت األحزاب‬
‫ً‬
‫مقعدا‪ ،‬تنتمي إلى ثالث‬ ‫الدينية في الكنيست التاسعة عشرة لسنة (‪ )2013‬ثالثين‬
‫قوائم دينية هي شاس‪ ،‬يهدوت هتوراه‪ ،‬والبيت اليهودي‪.‬‬

‫املسبقة‪ ،‬تق ّرر إنشاء مستوطنات بلدية كبيرة تعتمد التنظيم‬ ‫أزمة السكن واستفحال أسعار األراضي‪:‬‬
‫على جميع األوجه ومتطلبات التخطيط‪ ،‬تكون قريبة من احلواضر‬ ‫االستيطان الحريدي والسياسات الحكومية‬
‫واملدن الكبرى (تل أبيب والقدس) ومن مراكز الصناعة والتجارة‬ ‫تعتبر إسرائيل من بني أكثر البالد ارتفا ًع ا بأسعار الشقق‬
‫تربطها بها شبكة طرقات متقدمة‪ .‬اعتمد هذا املخطط توفير‬ ‫السكنية في العالم؛ إذ يصل سعر شقة سكنية فيها ب املع ّدل إلى‬
‫أماكن سكنية رخيصة الثمن لفئات محدودة الدخل من جهة‪،‬‬ ‫ً‬
‫معاش ا شهر ًي ا (في نهاية سنة ‪ ،2014‬وفق جداول األسعار‬ ‫‪140‬‬
‫وإشباع رغبات احلركات الدينية والقومية بالتوسع وإنشاء مملكة‬ ‫التي تصدر عن وزارة اإلسكان في إسرائيل)‪ .‬وللمقارنة‪ ،‬فقد بلغ‬
‫إسرائيل الثالثة‪ً .‬‬
‫وفعل‪ ،‬نشهد أن التجمعات االستيطانية الكبرى‬ ‫ً‬
‫معاش ا شهر ًي ا‪ ،‬وفي‬ ‫مع ّدل سعر الشقة في سنة ‪ 1961‬نحو ‪41‬‬
‫فعل منذ مطلع الثمانينيات (مثل بسغات‬ ‫بدأ التخطيط لها ً‬ ‫معاش ا شهر ًي ا‪ ،‬بينما بلغ في سنة ‪2008‬‬‫ً‬ ‫‪ 1976‬بلغ نحو ‪54‬‬
‫زئيف‪ ،1982 -‬جفعات زئيف ‪ ،1983-‬بيتار عيليت – ‪،1985‬‬ ‫ً‬
‫معاش ا‬ ‫نحو ‪ 103‬معاشات شهرية‪ ،‬وفي سنة ‪ 2013‬بلغ نحو ‪137‬‬
‫وموديعني – ‪ ،)1986‬وتع زّزت املستوطنات التي أقيمت قبل ذلك‬ ‫قياس ا مبع ّدل‬
‫شهر ًي ا‪ 15.‬ويبدو أن األسعار في طور االرتفاع الدائم ً‬
‫مثل مستوطنة أرئيل‪ ،‬وازداد عدد املستوطنني خمسة أضعاف‬ ‫املعاشات الشهرية‪.‬‬
‫بني السنتني ‪ .1986 -1981‬إلى جانب فئة الصهاينة املتدينني‪،‬‬
‫تستخدم حكومات إسرائيل املختلفة حقيقة كونها أكبر‬
‫مت التركيز في هذه املرحلة على فئتني سكانيتني هما الشرق ّي ون‬ ‫ّ‬
‫محتكر لألراضي؛ إذ تبلغ نسبة األراضي التي تسيطر عليها‬
‫واحلريد ّي ون‪ ،‬ألنهما الفئتان اللتان عانتا بصورة خاصة من األزمة‬
‫الدولة نحو ‪ ،%93‬إضافة إلى استخدامها للضائقة السكانية‬
‫السكنية‪ ،‬وكان يسهل جتنيدهما للمشروع الفتقارهما للموارد‬
‫الناجتة عن سياساتها لتدفع بفئات اجتماعية عديدة لالنتقال‬
‫املالية املطلوبة لشراء الشقق ال سكنية‪.‬‬
‫للسكن في املستوطنات املقامة في الضفة الغربية والطرف‬
‫توص ل بعض الباحثني إلى خالصة مفادها أن‬ ‫وعليه‪ ،‬فقد ّ‬ ‫‪16.‬‬
‫الشرقي للقدس‬
‫إسرائيل تعتمد سياستني متناقضتني في الوقت نفسه‪ :‬سياسة‬
‫مؤسسة االستيطان‪ ،‬حتى مطلع الثمانينيات‪ ،‬واملك ّونة‬ ‫اعتمدت ّ‬
‫ليبرالية اقتصاد ًي ا في إسرائيل وسياسة رفاه اجتماعي في‬
‫أساس ا من أشخاص منتمني إلى التيار الديني املسيحاني‪ ،‬على‬ ‫ً‬
‫املستوطنات‪ 18.‬فقد أصدرت حركة «ال سالم اآلن» اإلسرائيلية وثيقة‬
‫دوافع دينية خالصية إلعادة تأسيس مملكة إسرائيل لتحقيق رؤى‬
‫تلخص فيها الدعم املالي الهائل الذي تنفقه احلكومات اإلسرائيلية‬
‫األنبياء‪ .‬وفق إيرز مغور‪ ،‬فقد اتخذت حكومة الليكود برئاسة بيغن‬
‫نلخ ص أهم ما‬‫على االستيطان في الضفة الغربية‪ 19.‬وفيما يلي ّ‬
‫في مطلع الثمانينيات قرا ًرا إستراتيج ًي ا ي سعى إلى التعامل‬
‫جاء فيها‪ .‬ب املع ّدل تقوم حكومات إسرائيل بتخصيص مليار شيكل‬
‫مع االحتجاجات العارمة ضد األزمة السكنية خاصة بني الفئات‬
‫سنو ًي ا للمستوطنات (بني سنة ‪ 2001‬وسنة ‪ 2012‬على أقل تقدير)‪،‬‬
‫الشرقية من جهة‪ ،‬وتنظيم م سألة االستيطان بحيث تكون مدروسة‬
‫ومخص صات األمن والتحصني‬ ‫ّ‬ ‫إلى جانب امليزانيات االعتيادية‬
‫على صعد عديدة‪ ،‬اقتصاد ًي ا وتخطيط ًي ا واجتماع ًي ا وسياس ًي ا‬
‫وشق الطرق‪ .‬ووصلت الذروة في سنة ‪ 2003‬حني ح ّولت احلكومة‬
‫وعلى صعيد البنية التحتية‪ 17.‬أوكلت احلكومة اإلسرائيلية هذه‬
‫أكثر من ‪ 1.7‬مليار شيكل فائض للمستوطنات‪ .‬ووفق بيانات‬
‫املهمة لوزارة البناء واإلسكان بقيادة دافيد ليفي‪ .‬توصلت الوزارة‬
‫دائرة اإلحصاء املركزية في إسرائيل‪ ،‬بينما زاد عدد املستوطنني‬ ‫‪86‬‬
‫يتعي تغيير سياسة االستيطان‪ ،‬فبدل‬ ‫ّ‬ ‫إلى قرار مفاده أن‬
‫(في الضفة الغربية والطرف الشرقي للقدس) بنسبة ‪ %5‬في سنة‬
‫إقامة مستوطنات صغيرة متناثرة تفتقر إلى التنظيم والدراسة‬
‫عدد ‪79‬‬
‫نلمس منذ انتخابات عام (‪ )1992‬وحتى انتخابات الكنيست لعام (‪ )2015‬ضعف‬
‫ّ‬
‫األحزاب الحريدية وخسارة مكانتها السابقة (ترجيح كف الميزان) وذلك بسبب‬
‫أن ضعف المعسكر اليساري‬‫وقوفها غير المشروط إلى جانب المعسكر اليميني‪َّ ،‬إل َّ‬
‫وعدم قدرته في العقد األخير على تشكيل حكومة قوية قد ساهم في دفع بعض‬
‫األحزاب الحريدية‪ ،‬مثل حزب شاس‪ ،‬إلى أحضان اليمين‪.‬‬

‫‪ %4‬من مجمل ال سكان‪.‬‬ ‫ملخص صة للم ستوطنات بن سبة ‪.%38‬‬ ‫‪ 2011‬فقد زادت التحويالت ا ّ‬
‫وب املجمل‪ ،‬فإنَّ وزارة اإلسكان تقوم بتحويل ما نسبته ‪%17‬‬ ‫كما ونشرت احلركة تقري ًرا يكشف عن األموال املشبوهة (أميركية‬
‫من ميزانياتها إلى املستوطنات‪ ،‬والذي ي ساوي نحو نصف مليار‬ ‫املصدر) التي تتد ّف ق إلى امل ستوطنات وحركات االستيطان من بنوك‬
‫شيكل؛ و‪ %29‬من ميزانية متويل بناء املباني العامة ح ّولت إلى‬ ‫مشهورة بغ سيل األموال وتعامالتها مع عالم اجلرمية واملخدرات‪،‬‬
‫املستوطنات‪.‬‬ ‫‪ %94‬من هذه األموال وردت من جهات ال تفصح عن هويتها‪،‬‬
‫تقوم حكومات إسرائيل بتخصيص ميزانيات للبناء في‬ ‫ولكن املؤكد هو أنها جاءت من بنوك مشهورة بتعاملها مع جهات‬
‫املخص صة للبناء‬ ‫املستوطنات تبلغ ثالثة أضعاف امليزانيات‬ ‫مشبوهة وغ سل األموال مقرها في بنما واجلزر العذراء بصورة‬
‫ّ‬
‫داخل اخلط األخض ر‪.‬‬ ‫خاصة‪ 20.‬كذلك‪ ،‬فقد نشرت صحيفة هآرتس تقري ًرا كشف عن أن‬
‫منظمات أميركية (شرعية) قد ح ّولت بني ال سنتني ‪ 2013 -2008‬ما‬
‫تقع غالبية املستوطنات ضمن ما يطلق عليه تعبير «األفضلية‬
‫قيمته مليار شيكل معفاة من الضريبة إلى املستوطنات وجهات‬
‫تخص ص‬
‫ّ‬ ‫الوطنية»‪ ،‬األمر الذي يعني أن العديد من امليزانيات‬
‫استيطانية في إسرائيل ألغراض مختلفة‪ 21،‬منها متويل ال سالح‬
‫بصورة استثنائية لهذه املستوطنات‪ ،‬ويحصل املستوطنون على‬
‫الشخصي للمستوطنني ومتويل أدوات احلراسة‪ 22،‬وصناديق‬
‫مثل إلى إعفاء املستوطن من ‪%69‬‬ ‫تخفيضات ضريبية‪ ،‬تصل ً‬
‫أخرى تقوم بتمويل األعمال اإلرهابية للم ستوطنني‪ 23.‬على سبيل‬
‫من قيمة األرض في حال شرائه لها (عل ًم ا أن جميع املستوطنني‬
‫املثال‪ ،‬كشف أحد تقارير صحيفة هآرتس أعده الصحافيان نير‬
‫كانوا يحصلون فيما مضى على األرض ب املجان)‪.‬‬
‫ح سون وأوري بالو‪ ،‬أن نصف ميزانية جمعية إلعاد الناشطة في‬
‫أما بخصوص الفرق بأسعار املساكن داخل اخلط األخضر‬ ‫قرية سلوان تصل من مصادر «مشبوهة» غير مص ّرح بها‪ .‬وصلت‬
‫فيصل ب املع ّدل إلى ‪ %44‬أكثر من تلك القائمة في املستوطنات‬ ‫ميزانية هذه اجلمعية في ال سنوات الثماني منذ سنة ‪ 2008‬إلى‬
‫القريبة من تلك البلدات داخل اخلط األخض ر‪.‬‬ ‫‪24‬‬
‫نحو نصف مليار شيكل‪.‬‬
‫وبينما أنفقت وزارة التربية والتعليم في سنة ‪ 2010‬ما مع ّدله‬ ‫هنالك مئات الصناديق الصهيونية املنتشرة في جميع أنحاء‬
‫‪ 4,915‬شيكال سنو ًي ا للطالب داخل اخلط األخض ر‪ ،‬فقد أنفقت‬ ‫العالم لتجنيد األموال‪ ،‬وأكبرها «الصندوق اليهودي القومي»‬
‫الوزارة في ال سنة نف سها ما مع ّدله ‪ 8,034‬شيكال سنو ًي ا للطالب‬ ‫املنتشر في ‪ 45‬دولة‪ ،‬وتقوم بتجنيد أموال إلسرائيل بصورة عامة‬
‫في املستوطنات (باستثناء املستوطنتني احلريديتني بيتار عيليت‬ ‫وللمستوطنات بصورة خاصة‪ .‬وجتدر اإلشارة إلى أن اجلهات‬
‫وموديعني عيليت)‪ .‬كذلك‪ ،‬أنفقت الوزارة في ال سنة نف سها ما ن سبته‬ ‫االستيطانية التي تتل ّق ى هذه األموال تنشط كذلك في العديد من‬
‫ملخص صة للبناء في املستوطنات‪.‬‬‫أكثر من ‪ %13‬من ميزانيتها ا ّ‬ ‫النشاطات الدينية وتعزيز الدين في مختلف أنحاء احلياة في‬
‫تقوم وزارة الداخلية بتحويل ما قيمته نحو ‪ 7,000‬شيكل لكل‬ ‫‪25‬‬
‫ملؤس سات العامة‪.‬‬
‫إسرائيل‪ ،‬ال سيما في اجليش وا ّ‬
‫أسرة من املستوطنني سنو ًي ا أكثر من األسرة املقيمة داخل اخلط‬ ‫تخص ص وزارة اإلسكان للمستوطنات ميزانيات تبلغ أربعة‬ ‫ّ‬
‫األخض ر‪ .‬وبينما تساهم وزارة الداخلية ب املع ّدل ما نسبته ‪%33.5‬‬ ‫ملخص صة للبلدات داخل اخلط األخض ر‪ .‬كذلك‪،‬‬
‫أضعاف امليزانيات ا ّ‬
‫‪87‬‬ ‫من ميزانيات السلطات احمللية داخل اخلط األخض ر‪ ،‬فإنها تساهم‬ ‫ملخص صة‬
‫فقد قامت وزارة اإلسكان بتحويل ‪ %34‬من ميزانيتها ا ّ‬
‫مبا ن سبته ‪ %57.3‬من ميزانيات ال سلطات احمللية في امل ستوطنات‪.‬‬ ‫للبناء القروي إلى امل ستوطنات‪ ،‬عل ًم ا بأن ن سبة امل ستوطنني هي‬
‫عدد ‪79‬‬
‫حاليا (‪ )2017‬أكثر من مليون نسمة‪ .‬تعاني فئة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الحريديين‬ ‫يصل عدد السكان‬
‫ّ‬
‫الحريديين من ضائقة سكنية متفاقمة منذ سنين طويلة (منذ نهاية الستينيات)‪،‬‬
‫ويعود ذلك إلى رغبتهم بالسكن ضمن مجتمعاتهم المحلية فقط‪ ،‬إضافة إلى‬
‫مؤسسات‬‫ّ‬ ‫أن حكومات إسرائيل وكذلك‬ ‫كونهم من الطبقات الفقيرة‪ .‬ويبدو َّ‬
‫االستيطان تستغل هذه الحقيقة بصورة كبيرة‪.‬‬

‫مناهضة املجتمع احلريدي املبدئية للصهيونية ولدولة إسرائيل‪َّ ،‬إل‬ ‫كذلك‪ ،‬تقوم الوزارة بتحويل ما قيمته ‪ 6,675‬شيكال للسلطة احمللية‬
‫أنَّ تبعيته باخلدمات التي تقدمها الدولة قد ق ّوض هذه املناهضة‬ ‫(ضمن امليزانية االعتيادية) في امل ستوطنة عن كل م ستوطن‪ ،‬بينما‬
‫شي ًئ ا فشيئا مع مرور الوقت‪ ،‬إلى أن أصبحنا أمام واقع يش ّك ل‬ ‫تقوم بتحويل ما قيمته ‪ 5,757‬شيكال للسلطة احمللية داخل اخلط‬
‫فيه احلريديون نسبة كبيرة من مجمل املستوطنني في الضفة‬ ‫األخضر عن كل فرد‪ .‬كذلك ضمن ميزانيات التطوير‪ ،‬فإن دولة‬
‫الغربية والطرف الشرقي للقدس‪ .‬حتى لو أخذنا بالتحليل القائل‬ ‫إسرائيل ت ساهم مبا قيمته ‪ 568‬شيكال للم ستوطن‪ ،‬بينما ت سهم‬
‫إنَّ انتقال ن سب كبيرة من احلريد ّي ني لل سكن في امل ستوطنات ال‬ ‫ما قيمته ‪ 341‬شيكال للمقيم داخل اخلط األخض ر‪.‬‬
‫ينبع من دوافع سياسية أو أيديولوجية‪ ،‬ولكن الواقع مبتغيراته‬ ‫بينما تصل نسبة املستوطنني إلى ‪ %4‬من مجمل سكان‬
‫وديناميكيته يتغ لّ ب بالتالي على املواقف املبدئية‪ ،‬ويجد احلريدي‬ ‫إسرائيل‪َّ ،‬إل أنهم يحصلون على ‪ %14.1‬من ميزانيات وزارة‬
‫نف سه أمام خيار مفاده ضرورة الدفاع عن اإلمكانية الوحيدة‬ ‫ملخص صة ملوازنة ميزانيات السلطات‬
‫الداخلية‪ .‬وضمن امليزانيات ا ّ‬
‫املتاحة أمامه لل سكن‪ ،‬أال وهي إمكانية ال سكن في املستوطنات‪،‬‬ ‫احمللية‪ ،‬حصل كل مستوطن في سنة ‪ 2011‬على ‪ 1,088‬شيكال‪،‬‬
‫إذ إن ال سكن هناك يؤ ّم ن له العديد من االمتيازات االقتصادية‬ ‫في مقابل ‪ 327‬شيكال للمقيم ضمن اخلط األخض ر‪.‬‬
‫والرفاه االجتماعي التي يفتقر لها سكان إسرائيل‪ .‬ويبدو أن‬ ‫حصلت املستوطنات في سنة ‪ 2011‬على ما ن سبته ‪ %25‬من‬
‫قيادات التيار الديني الصهيوني تعي هذا األمر جي ًدا‪ .‬فقد جاء‬ ‫يطلق عليه «منحة وزير الداخلية»‪ ،‬وهي الفائض ب امليزانية التي‬
‫على ل سان فنحاس ولرشطاين‪ ،‬مدير عام مجلس املستوطنات‬ ‫يقوم الوزير بتوزيعها وفق اعتباراته الشخصية‪ .‬فبينما بلغت‬
‫ال سابق‪ ،‬على سبيل املثال‪« :‬ال أتوقع شي ًئ ا من ال سكان احلريد ّي ني‬ ‫حصة كل مستوطن ‪ 78.1‬شيكل من هذه املنحة‪ ،‬بلغت حصة‬
‫(في امل ستوطنات)‪ .‬فحتى لو أنهم وصلوا إلى هنا من دون دوافع‬ ‫املقيم داخل اخلط األخضر من هذه املنحة ‪ 9.4‬شيكل فقط‪.‬‬
‫أيديولوجية‪ ،‬فلن يتخ لّ وا بسهولة عن بيوتهم» في حال عودة‬
‫تخص صها‬
‫ّ‬ ‫ملخص صة للتطوير التي‬
‫أما بخصوص املنح ا ّ‬
‫‪27‬‬
‫املفاوضات بني فل سطني وإسرائيل‪.‬‬
‫احلكومة لصالح مشاريع مح ّددة‪ ،‬يحصل كل م ستوطن على ‪70.1‬‬
‫بح سب بيانات دائرة ال سكان والهجرة‪ ،‬فقد أقام أكثر من ‪421‬‬ ‫شيكل بينما يحصل كل مقيم داخل اخلط األخضر على ‪27.2‬‬
‫ألف مستوطن في نهاية سنة ‪ 2016‬في الضفة الغربية (باستثناء‬ ‫وتخص ص وزارة الداخلية ميزانيات استثنائية‬ ‫شيكل فقط‪ .‬كما‬
‫ّ‬
‫الطرف الشرقي للقدس) وغور األردن‪ ،‬يتوزّعون بني مدن (‪،184,000‬‬ ‫خاصة للمستوطنات‪ .‬فقد حصلت املستوطنات على أكثر من‬
‫ما نسبته ‪ )%43‬وبلدات تخضع لسلطة املجالس اإلقليمية‬ ‫‪ 124‬مليون شيكل في سنة ‪ 2011‬من وزارة الداخلية كميزانية‬
‫(‪ ،146,000‬ما نسبته ‪ ،)%35‬وبلدات تتم تّع ب سلطة املجالس احمللية‬ ‫خاصة متنح للمستوطنات فقط‪.‬‬
‫(‪ ،91,600‬ما نسبته ‪ .)%22‬واعتما ًدا على البيانات املنشورة في‬
‫يصل عدد ال سكان احلريد ّي ني حال ًي ا (‪ )2017‬أكثر من مليون‬
‫موقع بلدية القدس‪ ،‬يصل عدد املستوطنني في الطرف الشرقي‬
‫ن سمة‪ 26.‬تعاني فئة احلريد ّي ني من ضائقة سكنية متفاقمة منذ‬
‫للقدس نحو ‪ 226‬ألف ًا يتوزّعون بني ‪ 11‬مستوطنة‪ .‬ينتج أن عدد‬
‫سنني طويلة (منذ نهاية ال ستينيات)‪ ،‬ويعود ذلك إلى رغبتهم‬
‫املستوطنني في األراضي احملتلة عام ‪ 1967‬يصل إلى أكثر من‬
‫بال سكن ضمن مجتمعاتهم احمللية فقط‪ ،‬إضافة إلى كونهم من‬
‫‪ 647‬ألف مستوطن‪ ،‬منهم أكثر من ‪ 124‬ألف مستوطن حريدي‬
‫مؤس سات‬
‫الطبقات الفقيرة‪ .‬ويبدو أنَّ حكومات إسرائيل وكذلك ّ‬ ‫‪88‬‬
‫في الضفة الغربية ونحو ‪ 100‬ألف م ستوطن حريدي في الطرف‬
‫االستيطان تستغل هذه احلقيقة بصورة كبيرة‪ .‬بالرغم من‬
‫الشرقي للقدس‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن نحو ‪ 224,000‬مستوطن حريدي‬
‫عدد ‪79‬‬
‫توصلت الدراسة الحالية إلى َّ‬
‫أن عدد السكان المنتمين إلى المجتمع الحريدي الذي يقيم‬
‫في مستوطنات أقيمت في األراضي المحتلة عام ‪ 1967‬بلغ أكثر من ‪ 225‬ألف مستوطن‬
‫(ما نسبته ‪ %22.5‬من المجتمع الحريدي‪ ،‬ونحو ‪ %35‬من المستوطنين هناك)‪.‬‬

‫املجتمع احلريدي الذي يقيم في مستوطنات أقيمت في األراضي‬ ‫يقيمون في هاتني املنطقتني‪ ،‬ويش ّك لون نحو ‪ %35‬من مجمل‬
‫احملتلة عام ‪ 1967‬بلغ أكثر من ‪ 225‬ألف مستوطن (ما نسبته‬ ‫املستوطنني في الضفة الغربية والطرف الشرقي للقدس‪.‬‬
‫‪ %22.5‬من املجتمع احلريدي‪ ،‬ونحو ‪ %35‬من املستوطنني هناك)‪.‬‬ ‫توصلت الدراسة احلالية إلى أنَّ عدد ال سكان املنتمني إلى‬

‫االستيطان احلريدي في الضفة الغربية‬


‫(باستثناء الطرف الشرقي للقدس)‬
‫عدد ال سكان عدد ال سكان عدد السكان‬ ‫سنة‬
‫املوقع‬ ‫املستوطنة‬
‫في سنة ‪ 1992‬في سنة ‪ 2006‬في سنة ‪2016‬‬ ‫التأسيس‬

‫‪384‬‬ ‫‪340‬‬ ‫‪364‬‬ ‫محاذية لقرية كي سان‪ ،‬جنوب شرق بيت حلم‬ ‫‪1981‬‬ ‫معاليه عاموس‬

‫‪698‬‬ ‫‪450‬‬ ‫‪187‬‬ ‫مقامة على أراضي قرية نعلني‪ ،‬ومحاذية لقريتي خربثا وصفا‬ ‫‪1981‬‬ ‫متتياهو‬
‫بني بيت حلم واخلليل‪ ،‬مقامة على أراضي منطقة القانوب‬
‫‪583‬‬ ‫‪257‬‬ ‫‪237‬‬ ‫‪1983‬‬ ‫ميت سد (أسفار)‬
‫شمال شرق سعير‬
‫في وادي قانا‪ ،‬شرق قلقيلية‪ ،‬مقامة على أراضي قريتي‬
‫‪3,253‬‬ ‫‪2,583‬‬ ‫‪3,150‬‬ ‫‪1983‬‬ ‫عمانوئيل‬
‫دير إستيا وجينصافوط‬
‫‪665‬‬ ‫‪264‬‬ ‫‪220‬‬ ‫شمال رام الله‪ ،‬مقامة على أراضي قريتي بيتللو واجلانية‬ ‫‪1984‬‬ ‫نحلئيل‬

‫غرب بيت حلم‪ ،‬مقامة على أراضي قرى حوسان ونحالني‬


‫‪49,343‬‬ ‫‪29,126‬‬ ‫‪2,160‬‬ ‫‪1988‬‬ ‫بيتار عيليت‬
‫واجلبعة ووادي فوكني‬
‫‪64,179‬‬ ‫غرب رام الله‪ ،‬مقامة على حدود خط الهدنة على أراضي‬
‫‪34,482‬‬ ‫‪2,400‬‬ ‫‪1991‬‬ ‫موديعني عيليت‬
‫*‬
‫(‪)68,179‬‬ ‫قرى بيت سيرا وبيت عور التحتا وصفا‬
‫**‬
‫‪4,000‬‬ ‫‪2,800‬‬ ‫‪-‬‬ ‫جنوب رام الله‪ ،‬مقامة على أراضي قرية كفر عقب‬ ‫تل صهيون‬
‫حي أغان هأيالوت‬
‫شمال مدينة القدس‪ ،‬أقيمت على أراض تابعة لقرى النبي‬ ‫الغربي (حي جديد أقيم‬
‫‪1,200‬‬ ‫؟‬ ‫؟‬ ‫‪1983‬‬
‫صموئيل واجليب وبيتونيا‬ ‫في سنة ‪ 2004‬ضمن‬
‫مستوطنة جفعات زئيف)‬
‫‪124,305‬‬ ‫‪70,302‬‬ ‫‪8,718‬‬ ‫العدد اإلجمالي‬
‫* انسلخ أحد أحياء مستوطنة موديعني عيليت في مطلع سنة ‪ 2016‬ليعود إلى مكانته السابقة (قبل سنة ‪ )1996‬كمستوطنة مستقلة حتمل االسم "غنيه موديعني" ضمن‬
‫املجلس اإلقليمي مطيه بنيامني‪ .‬وهي مستوطنة يسكنها احلريديون فقط‪ ،‬وقد بلغ عدد سكانها في مطلع سنة ‪ 2016‬نحو ‪ 800‬أسرة (أي نحو ‪ 4,000‬استنا ًدا إلى‬
‫افتراض أن كل أسرة تتك ّون من خمسة أفراد)‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫** يعتبر «تل صهيون» أحد أحياء مستوطنة كوخاف يعقوب‪.‬‬
‫املصادر‪ :‬الكتاب اإلحصائي السنوي لدائرة اإلحصاء املركزية (‪ ،)2016‬سنوات متفرقة؛ كهنر‪ ،‬لي‪“ .‬ما بني الغيتو‪-‬سياسة واجليو‪-‬سياسة‪ :‬مستوطنات حريدية في الضفة‬
‫الغربية‪ "،‬مجلة نظرية ونقد ‪( 47‬شتاء ‪ ،)2016‬ص ‪.69 -68‬‬
‫عدد ‪79‬‬
‫اتضح مما جاء أعاله أنه بات من الواضح في أيامنا َّ‬
‫أن المجتمع اإلسرائيلي ّ‬
‫مر وال يزال‬
‫يمر في مرحلة صهر الصهيونية وبعض التأويالت الدينية اليهودية العنصرية‬
‫مؤسسات الدولة‪ ،‬ال سيما وزارات اإلسكان والداخلية والتربية‬ ‫والفاشية مع مختلف ّ‬
‫ّ‬
‫وتوجهاتها‬ ‫أن حكومات إسرائيل في العقد األخير‬ ‫والتعليم‪ .‬ومما ال شك فيه‪َّ ،‬‬
‫التحول بشكل جلي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتشكيالتها ُت ّ‬
‫جسد هذا‬

‫‪28‬‬
‫االستيطان احلريدي في األحياء القائمة في الطرف الشرقي للقدس‬
‫عدد ال سكان احلريد ّي ني عدد ال سكان احلريد ّي ني‬ ‫سنة‬
‫املوقع‬ ‫املستوطنة‬
‫في املستوطنة ‪ 2007‬في املستوطنة ‪2017‬‬ ‫التأسيس‬

‫‪16,800‬‬ ‫‪14,911‬‬ ‫شمال شرق مدينة القدس‪ ،‬مقامة على أراضي قرية شعفاط‬ ‫‪1995‬‬ ‫رمات شلومو‬
‫شمال مدينة القدس‪ ،‬مقامة على أراضي قرى لفتا وبيت‬
‫‪38,322‬‬ ‫؟‬ ‫‪1974‬‬ ‫رموت ألون‬
‫إكسا وبيت حنينا‪ ،‬شمال غرب مدينة القدس‬
‫جنوب مدينة القدس‪ ،‬مقامة على أراضي شرفات وبيت‬
‫‪3,321‬‬ ‫؟‬ ‫‪1971‬‬ ‫غيلو‬
‫صفافا وبيت جاال‬

‫‪450‬‬ ‫؟‬ ‫شمال شرق مدينة القدس‪ ،‬أقيمت على أراضي العيسوية وشفعاط‬ ‫‪1971‬‬ ‫التلة الفرنسية‬

‫احلي اليهودي‬
‫‪2,106‬‬ ‫؟‬ ‫داخل البلدة القدمية‬ ‫‪*1968‬‬
‫في البلدة القدمية‬
‫شمال شرق مدينة القدس‪ ،‬أقيمت على أراضي قريتي‬
‫‪3,639‬‬ ‫؟‬ ‫‪1972‬‬ ‫معالوت دفنا‬
‫لفتا والشيخ ج ّراح‬
‫شمال مدينة القدس‪ ،‬أقيمت على أراضي قريتي حزما‬
‫‪17,283‬‬ ‫؟‬ ‫‪1970‬‬ ‫نفيه يعقوب‬
‫وبيت حنينا‬
‫شمال مدينة القدس‪ ،‬أقيمت على أراضي القرى بيت حنينا‬
‫‪4,026‬‬ ‫؟‬ ‫‪1982‬‬ ‫ب سغات زئيف‬
‫وشعفاط وعناتا‬
‫جنوب شرق مدينة القدس‪ ،‬أقيمت على أراضي قريتي‬ ‫جبل أبو غنيم‬
‫‪2,640‬‬ ‫؟‬ ‫‪1997‬‬
‫صور باهر وبيت ساحور‬ ‫(حومات شموئيل)‬

‫جنوب شرق مدينة القدس‪ ،‬أقيمت على أراضي قرى الشيخ‬


‫‪750‬‬ ‫؟‬ ‫تلبيوت الشرقية ‪1973‬‬
‫سعد وأبو طور وصور باهر‬
‫أراض تابعة لقريتي‬
‫شمال شرق مدينة القدس‪ ،‬أقيمت على ٍ‬
‫‪6,393‬‬ ‫؟‬ ‫**‬
‫‪1968‬‬ ‫رمات أشكول‬
‫لفتا وشعفاط‬
‫أراض تابعة لقريتي‬
‫شمال شرق مدينة القدس‪ ،‬أقيمت على ٍ‬
‫‪3,000‬‬ ‫‪2,860‬‬ ‫جفعات همفتار ‪1970‬‬
‫لفتا والشيخ ج ّراح‬

‫‪98,730‬‬ ‫العدد اإلجمالي‬


‫‪90‬‬
‫* لقد كانت حارة اليهود قائمة منذ القرن التاسع عشر‪َّ ،‬إل أنها هُ ّجرت أثناء حرب ‪.1948‬‬
‫** هي سنة بداية بناء احلي‪ ،‬يصعب معرفة متى ّ‬
‫مت إسكانها فعل ًيا‪ ،‬ولكن من املؤكد أن بضع مئات األسر كانت قد أقامت فيها في منتصف السبعينيات‪.‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫سكانها ينتمون إلى الطبقة الوسطى الذين يبحثون عن‬ ‫فيما يلي ن سب احلريد ّي ني في امل ستوطنات املختلفة في‬
‫جودة حياة أفضل وال ي ستطيعون شراء بيوت مالئمة لهم‬ ‫أواسط سنة ‪ :2017‬رمات شلومو (‪)%97‬؛ رموت ألون (‪)%76‬؛‬
‫في أماكن أخرى في إسرائيل‪ 29.‬وقد أضاف بعض الباحثني‬ ‫غيلو (‪)%10.2‬؛ التلة الفرن سية (‪)%7.5‬؛ احلي اليهودي في‬
‫اآلخرين مؤخ ًرا صن ًف ا إضاف ًي ا من امل ستوطنات يطلقون‬ ‫البلدة القدمية (‪)%50‬؛ معالوت دفنا (‪ ،%81‬أقيمت في‬
‫عليه «مستوطنون على مضض»‪ ،‬ويقصدون بذلك تلك‬ ‫املنطقة احلرام التي فصلت بني الطرفني الشرقي والغربي)؛‬
‫املستوطنات التي يقيم فيها سكان ال خيارات كثيرة أمامهم‬ ‫نفيه يعقوب (‪)%70‬؛ ب سغات زئيف (‪)%10‬؛ جبل أبو غنيم‬
‫‪30‬‬
‫للسكن‪ ،‬وقد اختاروا بالتالي السكن في مستوطنة معينة‪.‬‬ ‫(حومات شموئيل‪)%13.5 ،‬؛ تلبيوت الشرقية (‪)%5‬؛ رمات‬
‫إن حاجة األشخاص املنتمني إلى املجتمع احلريدي‬ ‫أشكول (‪)%73‬؛ رمات همفتار (‪.)%100‬‬
‫للمساكن ضمن مجتمع محلي حريدي متجانس‪،‬‬ ‫جتدر اإلشارة إلى أن موقع البلدية ال يشير إلى عدد‬
‫ومؤسسات تعليمية ودينية مميزة‪ ،‬ومنطقة خاصة بهم –‬ ‫ّ‬ ‫احلريد ّي ني وغيرهم صراحة‪ ،‬بل يشير إلى عدد ون سبة األطفال‬
‫كل ذلك يح ّول املجتمع احلريدي إلى مجتمع إقليمي ج ًدا‬ ‫في رياض األطفال اخلاصة باحلريد ّي ني‪ ،‬وكذلك إلى عدد‬
‫بطابعه (أي مجتمع له احتياجات جغرافية)‪.‬‬ ‫ونسبة طالب املدارس اخلاصة باحلريد ّي ني‪ .‬في ظل نسبة‬
‫ولكن هل يتم ّي ز املجتمع احلريدي‪ ،‬من اجلهة األخرى‪،‬‬ ‫اخلصوبة العالية بني احلريد ّي ني فقد الحظت أن ن سبة أطفال‬
‫أيض ا؟ بعبارات أخرى‪ ،‬هل ميكن إسكان‬ ‫بطابع غير إقليمي ً‬ ‫رياض األطفال واملدارس ت ساوي ثلث عدد ال سكان احلريد ّي ني‬
‫املجتمع احلريدي في كل بقعة جغرافية بشرط م ّده بالبنية‬ ‫في العديد من التجمعات احلريدية‪ .‬لذا فقد قمت باحت ساب‬
‫مؤس سات مجتمعية ودينية وتربوية واالهتمام‬ ‫التحتية من ّ‬ ‫هذه الن سبة بصورة تقريبية (على سبيل املثال‪ ،‬إذا كان عدد‬
‫بتواصلها مع مجتمعاتها احمللية وجتمعاتها السكانية‬ ‫األطفال في رياض األطفال هو ‪ 200‬وعدد طالب املدارس ‪،150‬‬
‫عبر م ّد شبكة من املواصالت العامة فيما بينها؟ هل تطغى‬ ‫قمت بجمعهما وضربهما بثالث للحصول على عدد ال سكان‬
‫أهمية شبكة العالقات فيما بني التجمعات احلريدية على‬ ‫احلريد ّي ني‪.)1,050 :‬‬
‫أهمية اخلصائص املجتمعية الداخلية احمل ّددة لكل جتمع‬ ‫جتدر اإلشارة إلى أنَّ عدد احلريد ّي ني ونسبتهم في‬
‫حريدي؟ وعليه‪ ،‬تشير الفكرة األساسية للمقالة إلى االختيار‬ ‫املستوطنات أكبر مما جاء في هذين اجلدولني‪ ،‬إذ إنَّ‬
‫بني «املكانة داخل املجتمع احمللي» (ال ُب عد اإلقليمي) وبني‬ ‫هناك فئات منهم متوزعة بني مختلف املستوطنات األخرى‬
‫«موقع املجتمع احمللي» (ال ُب عد غير‪-‬اإلقليمي)‪.‬‬ ‫بن سب أصغر ولم ندرجها ضمن هاتني القائمتني‪ ،‬وباملجمل‬
‫خال ًف ا للمعتقد السائد في الرأي العام اإلسرائيلي‬ ‫ميكن القول إنَّ عدد هؤالء يصل إلى نحو ‪ 30,000‬م ستوطن‬
‫والعاملي‪ ،‬فإنَّ فئة املستوطنني اليهود في الضفة الغربية‬ ‫بالتقريب‪ .‬ينتج أن عددهم حال ًي ا يصل إلى نحو ‪.223,000‬‬
‫والطرف الشرقي للقدس وغور األردن تتقاسمها ثالث فئات‬ ‫كذلك‪ ،‬من املهم مبكان اإلشارة إلى أن دخول أسر حريدية‬
‫سكانية (وفق متغير التدين)‪ ،‬هي‪ :‬الفئة املنتمية للتيار‬ ‫قليلة إلى أحياء تسكنها فئات سكانية يهودية أخرى مختلفة‬
‫الديني‪-‬القومي‪ ،‬الفئة املنتمية إلى املعسكر احلريدي‪،‬‬ ‫من شأنه أن يفضي إلى دخول أسر حريدية أخرى‪ ،‬وفي‬
‫وفئة العلمان ّي ني‪ .‬فكل واحدة من هذه الفئات الثالث تصل‬ ‫املقابل تخرج أسر غير حريدية في احلي خو ًف ا من انخفاض‬
‫باملجمل إلى ن سبة كبيرة من فئة امل ستوطنني‪ .‬وفق ورقة‬ ‫قيمة عقاراتهم‪ ،‬إضافة إلى التخ ّوف من تغ ّول منط حياة‬
‫بحثية إحصائية نشرها مجلس االستيطان (االسم الرسمي‬ ‫احلريد ّي ني املتش ّدد دين ًي ا‪.‬‬
‫هو مجلس ييشع – مجلس البلدات اليهودية في يهودا‬ ‫من ال سائد في األدبيات البحثية تق سيم امل ستوطنات‬
‫والسامرة وقطاع غزة) في نهاية كانون الثاني ‪ ،2017‬وصل‬ ‫بني فئتني‪ ،‬األولى أيديولوجية واألخرى غير أيديولوجية‪.‬‬
‫عدد املستوطنني في الضفة الغربية وغور األردن (باستثناء‬ ‫املقصود من هذا التق سيم هو القول إنَّ بعض امل ستوطنات‬
‫الطرف الشرقي للقدس) إلى ‪ 421,400‬م ستوطن‪ 31.‬أما في‬ ‫تأس ست بفعل دوافع أيديولوجية‪ ،‬أو أن سكانها يقيمون‬
‫قد ّ‬
‫‪91‬‬ ‫الطرف الشرقي للقدس‪ ،‬فيصل عدد املستوطنني هناك‬ ‫هناك بفعل دوافعهم األيديولوجية‪ .‬أما الصنف الثاني؛‬
‫إلى نحو ‪ 210,000‬يتوزّعون في عشرات امل ستوطنات (بلدات‬ ‫امل ستوطنات غير األيديولوجية‪ ،‬فاملقصود هو أن غالبية‬
‫عدد ‪79‬‬
‫نحو ‪( 420,000‬بح سب دائرة اإلحصاء املركزية اإلسرائيلية)‪،‬‬ ‫م ستقلة وأحياء داخل البلدات الفل سطينية وفي محيطها)‪.‬‬
‫ويصل عددهم في الطرف الشرقي (وفق موقع بلدية القدس)‬ ‫وتضيف هذه الورقة أن مع ّدل الزيادة ال سكانية في هذه‬
‫إلى نحو ‪ .250,000‬استنا ًدا إلى البيانات التي توفرها بلدية‬ ‫امل ستوطنات في العقد األخير يصل إلى ‪ %4.7‬سنو ًي ا (وهي‬
‫القدس (وفق بيانات منتصف سنة ‪ 34،)2016‬فإنَّ أكثر من‬ ‫ن سبة أكبر بكثير من الن سبة التي كانت قائمة قبل عقد‪،‬‬
‫‪ 113,000‬حريدي يقيمون في الطرف الشرقي للقدس‪ ،‬وذلك‬ ‫والتي بلغت آنذاك‪ %3.9 :‬سنو ًي ا)‪ ،‬وتبلغ ضعفني ونصف من‬
‫يشمل أحياء ال ينظر إليها اإلسرائيليون كمستوطنات‬ ‫املعدل العام في إسرائيل (‪ ،%1.9‬ب سبب الهجرة والتكاثر‬
‫وإمنا يعتبرونها أحيا ًء في القدس‪ ،‬بالرغم من أنها أقيمت‬ ‫الطبيعي)‪ .‬ي سكن نحو ‪ %43‬من مجمل امل ستوطنني اليهود‬
‫على أراض احتلت في العام ‪ 35 .1967‬أما عدد امل ستوطنني‬ ‫في الضفة الغربية (باستثناء القدس) وغور األردن في ثالث‬
‫احلريد ّي ني في الضفة الغربية خارج احلدود البلدية للقدس‬ ‫م ستوطنات كبرى في محيط القدس (هي‪ :‬موديعني عيليت‪،‬‬
‫بح سب االصطالح اإلسرائيلي فوصل في نهاية سنة ‪2015‬‬ ‫وبيتار عيليت‪ ،‬ومعليه أدوميم) وفي م ستوطنة أرئيل في‬
‫إلى نحو ‪ 123,000‬م ستوطن‪ .‬ينتج أن ن سبة امل ستوطنني‬ ‫محيط نابلس‪ ،‬حيث يسكن في هذه املستوطنات الكبرى‬
‫احلريد ّي ني في الضفة الغربية والطرف الشرقي للقدس م ًع ا‬ ‫نحو ‪ 190‬ألف ًا‪ .‬إلى جانب ذلك‪ ،‬ي سكن في م ستوطنات أصغر‬
‫تش ّك ل ما ن سبته ‪ %35‬من مجمل امل ستوطنني‪ .‬يبلغ عدد‬ ‫منتشرة في الضفة الغربية نحو ‪ 100‬ألف (ما ن سبته نحو‬
‫ال سكان احلريد ّي ني في إسرائيل والضفة الغربية (مبا في ذلك‬ ‫‪ ،)%22‬بينما يقيم نحو ‪ 150‬ألفا (نحو ‪ )%35‬م ستوطن‬
‫الطرف الشرقي للقدس) أكثر من ‪ 900‬ألف (ما ن سبته ‪%11‬‬ ‫ضمن مستوطنات صغيرة تتبع إدار ًي ا لستة مجالس‬
‫من مجمل عدد ال سكان)‪ .‬أضف إلى ذلك أن درجة خصوبة‬ ‫إقليمية‪ .‬وجتدر اإلشارة إلى أن مجتمع امل ستوطنني هو‬
‫املرأة احلريدية كبيرة ج ًدا وتصل حال ًي ا إلى نحو ‪7‬؛ أي أن‬ ‫مجتمع شاب ج ًدا‪ ،‬إذ إنَّ ‪ %53‬فقط من امل ستوطنني ينتمون‬
‫مع ّدل الن ساء احلريديات إجناب نحو ‪ 7‬أطفال خالل فترة‬ ‫إلى الفئة العمرية أكثر من ‪ 18‬سنة‪ ،‬بينما تصل ن سبة‬
‫خصوبتها‪ .‬وباملقابل‪ ،‬نشهد ارتفا ًع ا بدرجة خصوبة املرأة‬ ‫هذه الفئة في إسرائيل إلى ‪%73‬؛ ما يعني أن نحو نصف‬
‫اليهودية املتدينة في إسرائيل وامل ستوطنات م ًع ا‪ ،‬إذ بلغت‬ ‫امل ستوطنني ينتمون إلى فئة ما دون جيل ‪ 18‬سنة‪ ،‬وهو ما‬
‫في مطلع الثمانينيات ‪ 3.8‬وارتفعت في سنة ‪ 2014‬إلى أن‬ ‫يعني بالتالي أنَّ مع ّدل اخلصوبة والتكاثر بينهم سيكون‬
‫ّ‬
‫وتتوض ح أكثر‬ ‫بلغت ‪ 36. 4.2‬تبدو هذه األعداد والن سب كبيرة‬ ‫هو األعلى في ال سنوات القليلة القادمة‪ .‬كذلك‪ ،‬نشهد أن‬
‫حني نشير إلى أن نحو ‪ %58‬من املجتمع احلريدي ينتمي‬ ‫املستوطنتني احلريديتني بيتار عيليت وموديعني عيليت هما‬
‫إلى الفئة العمرية ‪( 19-0‬بينما تبلغ النسبة باملعدل في‬ ‫أكبر جتمعني في البالد يشهدان ن سبة زيادة عالية ج ًدا‬
‫‪37‬‬
‫بقية الفئات ال سكانية في إسرائيل نحو ‪.)%29‬‬ ‫قياس ا ببقية التجمعات األخرى في إسرائيل وفي الضفة‬ ‫ً‬
‫أما بخصوص مستوطنة معليه أدوميم املع ّرفة على‬ ‫الغربية‪ ،‬إذ تصل ن سبة الزيادة ال سكانية في األولى إلى‬
‫أنها بلدية م ستقلة واملتاخمة للقدس من الطرف الشرقي‬
‫‪32‬‬
‫‪ %5.6‬وفي الثانية ‪ %5.3‬سنو ًي ا‪.‬‬
‫على طريق أريحا‪ ،‬فإن عدد ال سكان احلريد ّي ني هناك غير‬ ‫أشارت الباحثة جانيت أبو لغد في مطلع الثمانينيات إلى‬
‫واضح‪ ،‬وذلك رمبا ب سبب الصراع احلاد القائم هناك منذ‬ ‫أن امل ستوطنات املقامة في الطرف الشرقي للقدس – مثل‬
‫نشأتها وحتى يومنا بني السكان والسلطة احمللية من جهة‬ ‫رمات أشكول‪ ،‬والتلة الفرن سية‪ ،‬ونفيه يعقوب‪ ،‬وجيلو‪ ،‬وتلبيوت‬
‫وبني أطراف حريدية ت سعى إلى ال سكن في هذه امل ستوطنة‬ ‫الشرقية‪ ،‬ورموت وغيرها – اختفت من النقاش األكادميي في‬
‫من جهة أخرى‪ .‬ولكن يبدو وفق تقديرات مختلفة أن ن سبة‬ ‫‪33‬‬
‫سياق احلديث عن سياسة االستيطان في الضفة الغربية‪.‬‬
‫احلريد ّي ني هناك تصل إلى نحو ‪ %10‬فقط (أي نحو ‪4,000‬‬ ‫ونشهد أن هذا االختفاء ال يزال قائ ًم ا حتى يومنا هذا‪ ،‬ال‬
‫م ستوطن)‪.‬‬ ‫سيما بني صفوف الباحثني النقد ّي ني ومختلف اجلمعيات‬
‫اتضح مما جاء أعاله أنه بات من الواضح في أيامنا‬ ‫واألطر املنتمية إلى الي سار اإلسرائيلي املناهض لالستيطان‬
‫أنَّ املجتمع اإلسرائيلي م ّر وال يزال مير في مرحلة صهر‬ ‫في الضفة الغربية‪ ،‬باستثناء إصدارات حركة «السالم‬ ‫‪92‬‬
‫الصهيونية وبعض التأويالت الدينية اليهودية العنصرية‬ ‫اآلن»‪ .‬يصل عدد امل ستوطنني في الضفة الغربية حال ًي ا‬

‫عدد ‪79‬‬
‫ال سكن بني هذه الشريحة من جانب‪ ،‬وانخراطها املت سارع‬ ‫مؤس سات الدولة‪ ،‬ال سيما وزارات‬‫ّ‬ ‫والفاشية مع مختلف‬
‫ومؤس سة اجليش‪ ،‬وإعادة تأويلها‬
‫ّ‬ ‫في اخلطاب الصهيوني‪،‬‬ ‫اإلسكان والداخلية والتربية والتعليم‪ .‬لقد ن ّبه العديد من‬
‫للصراع برمته‪ .‬من شأن جميع هذه التح ّوالت الباطنية‬ ‫الباحثني إلى هذا التح ّول وهو في مهده‪ ،‬منذ نهاية‬
‫التي أتينا على استعراضها وتوقفنا عند بعضها اآلخر‬ ‫ال سبعينيات‪ .‬ومما ال شك فيه‪ ،‬أنَّ حكومات إسرائيل في‬
‫أن يضفى بع ًدا آخر جدي ًدا على الصراع الفلسطيني‬ ‫وتوج هاتها وتشكيالتها ُت ّس د هذا التح ّول‬
‫ّ‬ ‫العقد األخير‬
‫اإلسرائيلي كصراع ينبثق من املخيال الديني الالهوتي‬ ‫بشكل جلي‪ .‬ويبقى موضوع انخراط الشرائح اليهودية‬
‫وحتويل الصراع من صراع على الوجود إلى صراع يدفع‬ ‫املتزمتة دينيا في إسرائيل في مشاريع االستيطان من‬
‫عجلة التاريخ إلى الوراء من أجل إعادة بناء «مملكة إسرائيل»‬ ‫القضايا اخلطرة التي ستترك أثرها البالغ في املستقبل‬
‫التوراتية املتخيلة‪ ،‬ال سيما في ضوء حقيقة انخراط العديد‬ ‫القريب على طبيعة الصراع اإلسرائيلي الفل سطيني من‬
‫من الشرائح االسرائيلية واليهودية العلمانية وغير املتزمتة‬ ‫حيث اخلطاب ال سياسي والتخطيط اإلستراتيجي والصراع‬
‫دين ًي ا في هذا االجتاه‪.‬‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ال سيما في ضوء حقيقة استفحال أزمة‬

‫‪93‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫فأكثر‪.‬‬ ‫الهوامش‬
‫يُنظر‪:‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪ 1‬يُنظر عىل سبيل املثال‪ :‬نبيه بشري‪ .‬جدلية الديني السيايس يف إرسائيل‪:‬‬
‫‪Sammy Smooha. “Class, Ethnic, and National Cleavages and‬‬ ‫حركة شاس كحالة دراسية‪( ،‬رام اهلل‪ :‬مدار ‪ -‬املركز الفلسطيني‬
‫‪Democracy in Israel,” in Larry Diamond and Ehud Sprinzak‬‬ ‫للدراسات اإلرسائيلية‪)2006 ،‬؛ نبيه بشري‪ ،‬عودة إىل التاريخ املق ّدس‪:‬‬
‫‪(eds.), Israeli Democracy under Stress, (Lynne Rienner‬‬ ‫الحريدية والصهيونية؛ (دمشق وبريوت‪ :‬قدمس للنرش والتوزيع‪،‬‬
‫‪Publishers, Boulder, CO, 1993), p309-342.‬‬
‫‪)2005‬؛ يئري شيلغ‪ .‬املتدينون الجدد‪ :‬نظرة راهنة عىل املجتمع الديني‬
‫لالستفاضة‪ ،‬يُنظر كذلك‪:‬‬ ‫يف إرسائيل‪ ،‬ترجمة سعيد عيّاش‪( ،‬رام اهلل‪ :‬مدار ‪ -‬املركز الفلسطيني‬
‫”‪Erik Cohen. “The Changing Legitimations of the State of Israel,‬‬ ‫للدراسات اإلرسائيلية‪)2002 ،‬؛ وتجدر اإلشارة إىل ظهور دراسات‬
‫‪in Peter Medding (ed.), Israel: State and Society, 1948-1988,‬‬ ‫وأبحاث وأطروحات دكتوراه عديدة بالغة األهمية يف السنني األخرية‬
‫‪Studies in Contemporary Jewry, Vol. 5 (New York: Oxford‬‬ ‫باللغة العربية‪ ،‬أهمها مجموعة دراسات (‪ 20‬دراسة) حرّرها ونرشها عالم‬
‫‪University Press, 1989), p148-165; Ilan Peleg. Begin’s Foreign‬‬ ‫النفس الرئيس األسبق للجيش اإلرسائييل د‪ .‬رؤوبني غال (رؤوبني غال‬
‫‪Policy, 1977-1983: Israel’s Move to the Right, (New York:‬‬ ‫وتمري ليبل (محرران)‪ .‬ما بني الطاقية الدينية والقبعة العسكرية‪:‬‬
‫‪Greenwood Press, 1987.‬‬
‫الدين والسياسة والجيش يف إرسائيل ‪( ،‬بلدة بن شيمن‪ :‬دار النرش‬
‫يُنظر‪:‬‬ ‫‪9‬‬ ‫مودين‪ - 2012 ،‬بالعربية))‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فقد أعد مركز «آبي حاي»‬
‫‪Dan Horowitz and Moshe Lissak. Troubles in Utopia: The‬‬ ‫بالتعاون مع املعهد اإلرسائييل للديمقراطية يف القدس‪ ،‬استطالع رأي‬
‫‪Overburdened Polity of Israel, (New York: SUNY Press,‬‬ ‫أجري عىل ثالث فرتات متباعدة (‪ )2009 ،1999 ،1991‬وذلك لرصد‬
‫‪1989), p99.‬‬ ‫أهم التحوّالت الطارئة عىل املجتمع اإلرسائييل بكل ما يتعلق بقيمه وهوية‬
‫‪ 10‬خلص استطالع الرأي التايل إىل هذه الخالصة من خالل تتبع تطوّر هذه‬ ‫أبنائه وبناته وعالقتهم بالخطاب الديني وهوية الدولة وخصائص ظاهرة‬
‫الظاهرة بدءًا من سنة ‪ 1991‬وحتى سنة ‪ .2009‬يُنظر‪ ،‬أريان وآخرون‪،‬‬ ‫التدين (آرش أريان‪ ،‬وآخرون‪ .‬يهود إرسائيليون ‪ -‬صورة ذاتية‪ :‬عقائد‬
‫يهود إرسائيليون ‪ -‬صورة ذاتية‪...‬‬ ‫وتمسك بالرتاث وقيم يهود يف إرسائيل ‪( ،2009 -‬القدس‪ :‬مركز «آبي‬ ‫ّ‬
‫‪ 11‬يُنظر‪ :‬أريان وآخرون‪ ،‬يهود إرسائيليون ‪ -‬صورة ذاتية‪ ...‬وقد نرشت‬ ‫حاي» بالتعاون مع املعهد اإلرسائييل للديمقراطية‪.))2012 ،‬‬
‫دراسات حول استطالع الرأي األول باللغة اإلنجليزية‪ .‬يُنظر‪:‬‬ ‫‪ 2‬يُنظر‪ :‬رائف زريق‪« .‬إرسائيل‪ :‬خلفية أيديولوجية وتاريخية»‪ ،‬ضمن‬
‫‪Charles Liebman and Elihu Katz (eds.), The Jewishness of Israelis:‬‬ ‫كميل منصور (محرّر)‪ ،‬دليل إرسائيل العام – ‪( ،2011‬بريوت‪ :‬مؤسّ سة‬
‫‪Responses to the Guttman Report, (Albany, NY, SUNY Press,‬‬ ‫الدراسات الفلسطينية‪ ،)2011 ،‬ص ‪( 58-1‬وقد أعيد نرش هذه املادة‬
‫‪1997).‬‬ ‫مؤخّرًا ضمن دليل إرسائيل العام – ‪.)2020‬‬
‫‪ 12‬يُنظر حول هذا املوضوع‪ ،‬املرجع التايل‪:‬‬ ‫‪ 3‬يُنظر‪ ،‬زئيف دروري‪« ،‬املنطقة الفاصلة بني الطاقية الدينية والقبعة‬
‫‪Ben-Rafael and Y. Peres. Is Israel One? Religion, Nationalism‬‬ ‫العسكرية‪ :‬كيف يتعامل الجيش اإلرسائييل مع عملية التديّن؟»‪ ،‬ضمن‬
‫;)‪and Multiculturalism Confounded, (Brill, Leiden, 2005‬‬ ‫كتاب رؤوبني غال وتمري ليبل (محرّران)‪ ،‬ما بني الطاقية الدينية‬
‫”‪Gershon Shaked. “Israeli Society and Secular Jewish Culture,‬‬ ‫والقبعة العسكرية‪ :‬الدين والسياسة والجيش يف إرسائيل‪( ،‬بلدة بن‬
‫‪in Charles Liebman and Elihu Katz (eds.), The Jewishness‬‬ ‫شيمن‪ :‬دار النرش مودين‪ - 2012 ،‬بالعربية)‪ ،‬ص‪ ،150 -115‬وخاصة‬
‫‪of Israelis: Responses to the Guttman Report, (Albany, NY,‬‬ ‫‪.119 -117‬‬
‫‪SUNY Press, 1997), 159-168.‬‬
‫‪ 4‬يُنظر‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عمانويل غوتمان‪« ،‬الدين يف السياسة اإلرسائيلية‪:‬‬
‫أما سامي سموحة فريفض هذا التفسري‪ ،‬ويعتقد أن كل ذلك ال يعني اقرتاب‬ ‫عنرص موحِّ د ومفرِّق»‪ ،‬ضمن مويش ليساك وعمانويل غوتمان (محرّران)‪،‬‬
‫العلمانيّني إىل التديّن بل هو محاولة إلثراء الهوية الشخصية للعلماني‬ ‫الجهاز السيايس اإلرسائييل‪( ،‬تل أبيب‪ :‬عام عوبيد‪[ 1979 ،‬بالعربية]‪.‬‬
‫بعنارص ثقافية يهودية‪ .‬يُنظر‪ ،‬سامي سموحة‪« .‬هل إرسائيل (دولة)‬ ‫وباإلنجليزية‪:‬‬
‫حقا؟»‪ ،‬لدى أوري كوهن وآخرون‪ ،‬إرسائيل والحداثة‪( ،‬برئ‬ ‫غربية ً‬
‫‪Emanuel Gutmann, “Religion in Israeli Politics,” Jacob M. Landau‬‬
‫السبع‪ :‬معهد بن غوريون لدراسة إرسائيل‪ ،)2006 ،‬ص‪.83 -49‬‬ ‫‪(ed.), Man, State and Society in Contemporary Middle East,‬‬
‫‪ 13‬يُنظر‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬املرجع التايل الذي يتعامل مع استطالع‬ ‫‪(New York: Praeger, 1972), p 122-134.‬‬
‫الرأي األول (‪:)1991‬‬ ‫‪ 5‬حول الدور الهائل لهذه الوزارة يف إقامة املستوطنات وتعزيزها‪ ،‬يُنظر‪:‬‬
‫‪Charles S. Liebman “Cultural Conflict in Israeli Society,” in‬‬ ‫إيرز مغور‪« ،‬الدولة‪ ،‬السوق‪ ،‬واملستوطنات‪ :‬سياسة وزارة البناء واإلسكان‬
‫‪Charles Liebman and Elihu Katz (eds.), The Jewishness of‬‬ ‫واالنتقال من البؤر املسيحانية للنمو املديني يف مطلع الثمانينيات»‪،‬‬
‫‪Israelis: Responses to the Guttman Report, (Albany, NY,‬‬ ‫سوتسيولوجيا يرسائيليت‪ ،‬العدد ‪ ،)2015( 16‬ص ‪.167 -140‬‬
‫‪SUNY Press, 1997), p103-118.‬‬
‫‪ 6‬زئيف دروري‪« ،‬املنطقة الفاصلة بني الطاقية الدينية والقبعة العسكرية‪:‬‬
‫‪ 14‬يُنظر‪:‬‬ ‫كيف يتعامل الجيش اإلرسائييل مع عملية التديّن؟»‪ ،‬ضمن كتاب‬
‫‪Nissim Leon “Rabbi ‘Ovadia Yosef, the Shas Party, and the Arab-‬‬ ‫رؤوبني غال وتمري ليبل (محرّران)‪ ،‬ما بني الطاقية الدينية والقبعة‬
‫‪Israeli Peace Process,” Middle East Journal 69(1), (2015),‬‬ ‫العسكرية‪ :‬الدين والسياسة والجيش يف إرسائيل‪( ،‬بلدة بن شيمن‪:‬‬
‫‪379-395.‬‬ ‫دار النرش مودين‪ - 2012 ،‬بالعربية)‪.132 -131 ،150 -115 ،‬‬
‫يُنظر كذلك بشري‪ ،‬جدلية الديني السيايس‪..‬‬ ‫‪ 7‬لقد أفردت دراسة مستفيضة لهذا الشأن‪ ،‬يُنظر‪ :‬بشري‪ ،‬عودة إىل التاريخ‬
‫‪ 15‬يُنظر‪ ،‬تلخيص للصحافية االقتصادية دفنة مئور املنشور يف‬ ‫املق ّدس‪ ،...‬وكذلك‪ ،‬شيلغ‪ ،‬املتدينون الجدد‪ ،...‬ومن الجدير بالذكر َّ‬
‫أن‬
‫‪94‬‬
‫الصحيفة االقتصادية ‪ The Marker‬اإلرسائيلية‪ 18 ،‬حزيران ‪2014‬‬ ‫ما أشارت إليه هاتان الدراستان باملجمل‪ ،‬عىل صعيد الخلفية التاريخية‬
‫(يظهر يف الرابط التايل‪http://www.themarker.com/wallstreet/ :‬‬ ‫يتغي مع مرور الوقت بل تع ّزز أكثر‬‫ّ‬ ‫وتوصيف االتجاهات العامة‪ ،‬لم‬

‫عدد ‪79‬‬
‫‪ 28‬ال تتوافر بيانات دقيقة بشأن التوزيع الديمغرايف للحريديّني يف القدس‬ ‫‪.)moneytime2/1.2352062‬‬
‫يف السنوات املاضية قبل سنة ‪( 2002‬إذ اعتمد إجراء استطالع رأي‬ ‫‪ 16‬يُنظر مقالة أ‪.‬د ليف أستاذ االقتصاد السيايس يف جامعة بن غوريون يف‬
‫اجتماعي)‪ ،‬إذ لم تعتمد مراكز األبحاث املختلفة‪ ،‬ال سيما دائرة اإلحصاء‬ ‫النقب التالية‪« :‬بيبي يعني بيت يف األرايض املحتلة» يف املجلة اإللكرتونية‬
‫املركزية ومعهد القدس لدراسة إرسائيل‪ ،‬درجة التدين كمتغري إحصائي‬ ‫«اللّسعة» ‪ 6‬ترشين الثاني ‪( 2011‬بالعربية‪ ،‬يف الرابط التايل‪http:// :‬‬
‫ولم تتعامل مع الحريديّني كفئة سكانية قائمة بذاتها بل ساد التوزيع بني‬ ‫‪www.haokets.org/2011/11/06/%D7%91%D7%99%D7%91‬‬
‫السكان وفق االنتماء الديني فقط (يهود‪ ،‬مسلمون‪ ،‬مسيحيون وآخرون)‪.‬‬ ‫‪%D7%99-%D7%96%D7%94-%D7%91-%D7%91%D7%A9‬‬
‫وال شك أن دخول فئات حريدية إىل أحياء يهودية شيئًا فيشء قد جرى‬ ‫‪.)/%D7%98%D7%97%D7%99%D7%9D‬‬
‫عىل مدار سنني طويلة‪ ،‬األمر الذي يعترب عقبة أمام الباحثني لرصد عدد‬ ‫‪ 17‬إيرز مغور‪« ،‬الدولة‪ ،‬السوق‪ ،‬واملستوطنات‪ :‬سياسة وزارة البناء واإلسكان‬
‫السكان الحريديّني يف هذه األحياء عىل مدار السنني‪.‬‬ ‫واالنتقال من البؤر املسيحانية للنمو املديني يف مطلع الثمانينيات»‪،‬‬
‫‪ 29‬حول هذا التقسيم‪ ،‬يُنظر املرجع التايل‪:‬‬ ‫سوتسيولوجيا يرسائيليت‪ ،‬العدد ‪ ،)2015( 16‬ص ‪.167 -140‬‬
‫‪Nissim Leon. “Self-Segregation of the Vanguard: Judea and‬‬ ‫‪ 18‬يُنظر‪ ،‬حسام جريس وإمطانس شحادة‪ .‬دولة رفاه املستوطنني‪:‬‬
‫‪Samaria in the Religious-Zionist Society,” Israel Affairs‬‬ ‫االقتصاد السيايس للمستوطنات‪( ،‬رام اهلل‪ :‬مدار‪.)2013 ،‬‬
‫‪21(3),( 2015), p348-360.‬‬ ‫تفضل دولة إرسائيل‬ ‫ّ‬ ‫‪ 19‬حركة السالم اآلن‪ .‬ثمن املستوطنات أو كيف‬
‫‪ 30‬حول هذا الصنف‪ ،‬يُنظر كهنر‪ ،‬املصدر السابق‪ .‬يُنظر كذلك‪ :‬يل كهنر‪.‬‬ ‫املستوطنات وجمهور املستوطنني؟‪ ،‬صيف ‪ .2013‬ولالستفاضة‬
‫نمو البناء الهرمي والحيّزي للسكان الحريديّني يف إرسائيل‪ ،‬أطروحة‬ ‫حول هذا املوضوع‪ ،‬يُنظر‪ ،‬جريس وشحادة‪ .‬دولة رفاه املستوطنني‪.....‬‬
‫الدكتوراه‪ ،‬جامعة حيفا‪ ،‬حيفا‪.2009 ،‬‬ ‫‪ 20‬يُنظر‪ :‬إيالن شيزف‪( ،‬إعداد)‪« ،‬حركة السالم اآلن‪ .‬مصادر تمويل تسع‬
‫‪ 31‬يُنظر‪ ،‬ورقة تقدير موقف مجلس املستوطنني‪ ،‬صدرت يف ‪ 31‬كانون‬ ‫جمعيات مقرّبة من اليمني اإلرسائييل وشفافيتها”‪ ،‬كانون األول ‪.2015‬‬
‫الثان ي ‪ 2017‬يف موقع املجلس‪ .‬يُنظر الرابط التايل‪http://www.my� :‬‬ ‫يُنظر ملخص باإلنجليزية منشور يف موقع الحركة (‪http://peacenow.‬‬
‫‪esha.org.il/?CategoryID=335&ArticleID=7428.‬‬ ‫‪org.il/en/whos-funding-the-right-wing-organizations-in-‬‬
‫‪ 32‬جميع هذه البيانات مأخوذة عن ورقة تقدير املوقف املذكورة يف الهامش‬ ‫‪ israel).‬أما التقرير فقد صدر باألصل بالعربية‪ ،‬يُنظر‪.peacenow.www :‬‬
‫‪.31‬‬ ‫‪.pdf.december15/report‬‬
‫‪ 33‬يُنظر يف املصدر التايل (ص ‪:)25‬‬ ‫‪ 21‬يُنظر‪ :‬أوري بالو‪« ،‬منظمات أمريكية حوّلت نحو مليار شيكل‬
‫‪Janet Abu-Lughod. “Israeli Settlements in Occupied Arab Lands:‬‬ ‫للمستوطنات خالل السنني الخمس األخرية وحظيت بإعفاء رضيبي»‪.‬‬
‫‪Conquest to Colony,” Journal of Palestine 11(2), (1982), pp.‬‬ ‫موقع هآرتس‪( 2015/12/7 ،‬بالعربية) ‪https://www.haaretz.co.il/‬‬
‫‪news/politics/1.2792839‬‬
‫‪16-54.‬‬
‫‪http://www.haaretz.com/settlementdollars/1.690056?da‬‬
‫‪ 34‬يُنظر الرابط التايل يف موقع البلدية‪https://www.jerusalem.muni.il/ :‬‬
‫‪( te=1449490421160‬باإلنجليزية)‬
‫‪City/Neighborhood/Statistics/Pages/default.aspx‬‬
‫ّ‬
‫‪ 22‬يُنظر‪ ،‬كذلك التقرير التايل الذي يركز عىل صندوق أمريكي يميني يطلق‬
‫‪ 35‬يُنظر‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬األعداد التي تشري إليها الباحثة يل كهنر يف مقالتها‬
‫عىل نفسه تعبري‪ ،Central Fund of Israel :‬املنشور يف املوقع التايل‪:‬‬
‫التالية‪ :‬يل كهنر‪« ،‬ما بني الغيتو‪-‬سياسة والجيو‪-‬سياسة‪ :‬مستوطنات‬
‫‪http://www.youpost.co.il/world/local/2019--q-q.‬‬
‫حريدية يف الضفة الغربية‪ »،‬مجلة نظرية ونقد ‪( 47‬شتاء ‪ ،)2016‬ص‬
‫‪( .87 -65‬تشري يف مطلع املقالة ص ‪ 65‬إىل أن عدد املستوطنني الحريديّني‬ ‫‪ 23‬يُنظر تقرير الصحايف اليهودي األمريكي ‪ ،Richard Silverstein‬املهتم‬
‫ألفا! ولكنها بذلك تستثني املستوطنني‬ ‫وفق بيانات سنة ‪ 2014‬هو ‪ً 120‬‬ ‫بشأن تمويل صناديق أمريكية لالستيطان‪ ،‬املنشور عرب الرابط التايل‪:‬‬
‫‪http://www.richardsilverstein.com/2009/11/10/u-s-non-profit-‬‬
‫الحريديّني يف الطرف الرشقي للقدس)‪ .‬تجدر اإلشارة إىل أن موقع البلدية‬ ‫‪central-fund-of-israel-supports-settler-reign-of-terror.‬‬
‫ال يشري إىل عدد الحريديّني وغريهم رصاحة بل يشري إىل عدد ونسبة‬ ‫ً‬
‫كامل يف الرابط التايل‪http://www.haaretz.co.il/news/ :‬‬ ‫‪ 24‬يُنظر التقرير‬
‫األطفال يف رياض األطفال الخاص بالحريديّني وكذلك إىل عدد ونسبة‬ ‫‪education/.premium-1.2873480.‬‬
‫طالب املدارس الخاصة بالحريديّني‪ .‬يف ظل نسبة الخصوبة العالية بني‬
‫‪ 25‬يُنظر جميع املصادر املذكور أعاله التي تركز عىل مسألة تجنيد األموال‪.‬‬
‫الحريديّني فقد قمت باحتساب هذه النسبة بصورة تقريبية (عىل سبيل‬
‫املثال‪ ،‬إذا كانت نسبة األطفال ‪ %20‬ونسبة الطالب ‪ %10‬قمت بتقدير‬ ‫‪ 26‬وفق تقديرات الخبري مئري غال‪ ،‬مدير عام جمعية «فرسوم غال»‬
‫نسبة الحريديّني‪ %15 :‬من مجمل سكان املستوطنة)‪.‬‬ ‫املتخصص بهذا املجتمع‪ ،‬فقد وصل عدد السكان الحريديّني يف سنة‬
‫‪ 2011‬إىل نحو ‪ 950‬ألف‪ .‬يُنظر حول ذلك‪ ،‬يئري أطنغري‪« ،‬كم حريدي‬
‫‪ 36‬استنا ًدا إىل الجدول رقم أ‪ 6/‬الوارد يف املرجع التايل‪ :‬جلعاد مآلخ وماية‬
‫يعشون يف إرسائيل؟ يتعلّق بهوية الخبري اإلحصائي الذي تسأله»‪،‬‬
‫حوشن ويل كهنر (محررون)‪ ،‬الكتاب اإلحصائي السنوي للمجتمع‬
‫صحيفة هآرتس ‪( 21.4.2011‬يف الرابط‪http://www.haaretz.co.il/ :‬‬
‫الحريدي يف إرسائيل ‪( ،2016‬القدس‪ :‬املعهد اإلرسائييل للديمقراطية‬
‫)‪.news/education/1.1171794‬‬
‫ومعهد القدس لدراسة إرسائيل‪ ،)2016 ،‬ص ‪.43-42‬‬
‫‪ 27‬مقتبس لدى تمار روتم‪« ،‬نحن مستوطنون؟ معاذ اهلل»‪ ،‬هآرتس‪،‬‬
‫‪ 37‬استنا ًدا إىل الجدول رقم أ‪ 1/‬الوارد يف املصدر التايل‪ :‬جلعاد مآلخ وماية‬
‫‪ 23‬أيلول ‪( 2003‬متوافر عىل الرابط‪http://www.haaretz.co.il/ :‬‬
‫حوشن ويل كهنر (محررون)‪ ،‬الكتاب اإلحصائي السنوي‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫‪misc/1.912534).‬‬

‫‪95‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫مقاالت‬
‫*‬
‫د‪.‬إيتمار ريكوفر‬

‫بين عرق العامل ودم المحارب ‪-‬‬


‫‪١‬‬
‫جذور الثقافة اإلستراتيجية في إسرائيل‬

‫‪٢‬‬
‫وتعاظم الهجرة (العلياه)‪ ،‬وحشد الدعم الدولي إلقامة الدولة‪.‬‬ ‫توضيح من هيئة التحرير‪:‬‬
‫توج ه أبناء‬
‫وكلما اقتربنا من قيام الدولة حدث تغيير في ّ‬ ‫ّ‬
‫توخ ًي ا للدقة وللحفاظ على روح النص‪ ،‬استخدمنا املفاهيم‬
‫الييشوف إلى املجال األمني ‪ ،‬وبات دم احملارب م ساوي ًا لعرق‬ ‫واملفردات كما أوردها الكاتب‪ ،‬مع التأكيد على أنها تعبر عن‬
‫العامل‪.‬‬ ‫وجهة نظره وليس عن وجهة نظر دورية «قضايا إسرائيلية»‪.‬‬
‫في األدبيات التي تتناول الدراسات األمنية‪ ،‬هناك منوذجان‬
‫رئيسيان مبقدورهما تبيان كيفية بلورة إستراتيجية قتالية‪،‬‬
‫مدخل‬
‫وهما النموذج املادي والنموذج الثقافي‪ .‬يعتقد الفيلسوف‬
‫ح سب مقياس قيم الييشوف اليهودي في بداية القرن‬
‫األملاني فريدريش هيغل‪ ،‬الذي رفع لواء النموذج املادي‪،‬‬
‫العشرين‪ ،‬لم تكن مهنة احلراسة غير مركزية فح سب؛ بل كان‬
‫أن الكينونة حتدد الوعي؛ أي أن مصدر التفكير هو من‬
‫ُي نظر إليها على أنها هروب من العمل اليدوي الشاق‪ .‬صحيح‬
‫العالم امللموس‪ ،‬الذي يتم إدراكه على أساس منطق ثابت‬
‫أنه كانت هنالك أهمية تُولى لألمن‪ ،‬لكن لم يتم إدراج احلراسة‬
‫‪٣‬‬
‫(لوجوس)‪ ،‬وهو الذي يضفي على العالم بنية وشكال‪.‬‬
‫ضمن اهتماماتهم‪ .‬بل إنّ ما كان في مقدمة اهتماماتهم هو إحياء‬
‫في مجال العالقات الدولية‪ ،‬يعتبر النهج البنيوي عنص ًرا‬
‫الصحراء‪ ،‬واستيطان األرض‪ ،‬وإقامة املؤس سات الصهيونية‪،‬‬
‫مهم ًا في النموذج الثقافي‪ .‬هذا النهج هو ذاتي‪ ،‬وليس ماد ًي ا‬
‫‪96‬‬
‫وال عقالن ًي ا‪ ،‬ويتعامل مع األفكار والهويات والقيم كمصممة‬ ‫* محاضر جامعي‪ /‬وباحث متخصص في دراسات احلرب والعالقات‬
‫للعالم املادي‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن منشأ التغييرات في تعريف استخدام‬ ‫بني املجتمع واجليش‪ -‬جامعة بار إيالن‪.‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫تتميز منظومة الرموز والصور‪ ،‬من فترة الييشوف ولغاية السنوات األولى للدولة‪،‬‬
‫بإحداث انقالب في صورة المحارب اليهودي‪ .‬لقد تعرضت منظمات الحراسة النتقادات‬
‫واسعة من قبل عمال األرض‪ ،‬بل واعتبرت أنها ّ‬
‫تهرب من العمل اليدوي الشاق‪.‬‬

‫أن تظهر هذه العوامل في أشكال تعبيرية عديدة ومتنوعة مثل‪:‬‬ ‫‪٤‬‬
‫القوة يعود إلى تغييرات في الوعي‪.‬‬
‫القصائد والشعر‪ ،‬والصور‪ ،‬واألساطير‪ ،‬والطقوس‪ ،‬واالحتفاالت‪،‬‬ ‫جتري في الدراسات املعن ّي ة باإلستراتيجية واألمن معاينة‬
‫وما إلى ذلك‪ ،‬ومن أجل تفاعل أوسع مجموعة من املشاركني‬ ‫النموذج الثقافي من خالل أربعة مناهج رئي سية‪ ،‬وهي‪ :‬الثقافة‬
‫وأكثرها تن ّوع ًا في احلدث‪ ،‬وبالتالي جعلها ُم ل ًك ا ملجتمع بأسره‪.‬‬ ‫التنظيمية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والع املية‪ ،‬واإلستراتيجية‪.‬‬
‫يتم ذلك عن طريق إضافة طبقات من اإلثارة وال سحر والتبجيل‬ ‫يقترح املقال معاينة النموذج الثقافي‪ ،‬ومن بني التوجهات‬
‫واإللهام إلى احلدث املعني‪ .‬يضيف جون ستون أنه من أجل تناول‬ ‫املختلفة يقترح التمحور في نهج الثقافة اإلستراتيجية ذات‬
‫الثقافة اإلستراتيجية لبلد ما‪ ،‬يجب على املرء أن يفحص ما‬ ‫األهمية الكبيرة‪ ،‬وذلك لكونها نظاما يتم تع لّ مه في عملية‬
‫إذا كانت هناك تغييرات على م ّر السنني‪ ،‬من خالل فحص‬ ‫التنشئة االجتماعية‪ ،‬حيث يغرس املجتمع قيمه بني املواطنني‪،‬‬
‫نقطة البداية التي بدأت عندها الثقافة اإلستراتيجية ومقارنة‬ ‫وبعد تذويتها تغدو هذه القيم جزء ًا ال يتجزأ من سلوك الدولة‬
‫النقطة الزمنية التي مت فحصها بنقطة البداية تلك‪ .‬من أجل‬ ‫في األحداث األمنية‪ .‬من شأن رد فعل املجتمع الذي ذ ّوت ثقافته‬
‫وصف الثقافة اإلستراتيجية لبلد ما‪ ،‬يقترح جونستون معاجلة‬ ‫اإلستراتيجية ‪ -‬أن يتفاعل مع األحداث املختلفة بطريقة ميكن‬
‫عدد من العوامل‪:‬‬ ‫تقديرها والتنبؤ بها‪ .‬كلما كانت الثقافة اإلستراتيجية متج ّذرة‬
‫‪ .1‬دور احلرب في نظر املجتمع (هل هو أمر مقبول‪ ،‬أم انحراف‬ ‫‪٥‬‬
‫وراسخة‪ ،‬ك لّ ما كان من األسهل تقييم استجاباتها لألحداث‪.‬‬
‫عن القاعدة؟)‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬حتدد الثقافة اإلستراتيجية اجتاه صياغة‬
‫‪ .2‬الطريقة التي ينظر بها املجتمع إلى العالقة مع اخلصوم‬ ‫إستراتيجية قتالية‪ ،‬خاصة في احلديث عن دولة حديثة املنشأ‪.‬‬
‫(تصور لعبة محصلتها صفر ‪zero-sum game‬‬ ‫مت في ال سنوات األخيرة إجراء عدد من األبحاث‪ ٦‬التي تناولت‬
‫مقابل استعداد حلل وسط)‪.‬‬ ‫الثقافة اإلستراتيجية اإلسرائيلية واملعنية بأمن الدولة‪ ،‬وفي‬
‫‪ .3‬تصور لنجاعة استخدام القوة (هل باإلمكان ال سيطرة على‬ ‫االستمرارية والتغيرات فيها‪ .‬في كتابه‪ ،‬يبحث أدام سكي في‬
‫نتائج األزمة من خالل استخدام القوة‪ ،‬وما جدوى استخدام‬ ‫تأثير الثقافة اإلستراتيجية اإلسرائيلية على الثورة في الشؤون‬
‫القوة الع سكرية حلل األزمة؟)‪.‬‬ ‫العسكرية ‪ )Affairs Military in Revolutuion( RMA‬وذلك‬
‫‪ .4‬األعراف والتقاليد املتراكمة على م ّر السنني‪ ،‬والتي تنظم‬ ‫في ك ّل من إسرائيل والواليات املتحدة وروسيا‪ ،‬كما ويبحث‬
‫العالقة بني النخب املختلفة‪.‬‬ ‫في تأثير الثقافة اإلستراتيجية على التغييرات في صياغة‬
‫اإلستراتيجية القتالية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن أدامسكي‪ ،‬وكما هو‬
‫األمر في األبحاث األخرى‪ ،‬ال يبحث في كيفية تش ُّك ل الثقافة‬
‫ثقافة‬ ‫ثقافة‬
‫استراتيجية‬ ‫استراتيجية‬ ‫اإلستراتيجية اإلسرائيلية‪ ،‬وعليه ي سعى هذا املقال إلى إلقاء‬
‫قتالية‬ ‫متهادنة‬ ‫بعض الضوء على هذه القضية‪.‬‬

‫ميكن اعتبار ثالثة مؤشرات بأنها انعكاسات للثقافة‬


‫اإلستراتيجية‪ :‬الرموز والصور‪ ،‬ودرجة النزعة العسكرية‪،‬‬ ‫ما هي الثقافة اإلستراتيجية؟‬
‫ونظام األعراف والتقاليد والعادات التي تنظم قواعد ال سلوك‬ ‫يع ّرف إيان جونستون‪ ٧‬الثقافة اإلستراتيجية بأنها نظام‬
‫‪97‬‬
‫بني الرتب‪ ٨.‬يشكل تآزر العناصر جميعها مجتمع ًة ثقافة‬ ‫متكامل من القيم والرموز والصور واملمارسات التي حتدد​​‬
‫إستراتيجية لبلد ما‪ ،‬وهذا أكبر من مجموع مكوناته‪.‬‬ ‫مبرور الوقت إلى مدى كبير ال سلوك ال سياسي األمني‪ .‬ميكن‬
‫عدد ‪79‬‬
‫يعبر الشعار الذي تبنته منظمة هشومير ‪« -‬سقطت يهودا بالدم والنار‪ ،‬ستقوم‬ ‫ّ‬
‫يهودا بالدم والنار» ‪ -‬عن المزاج الجديد‪ ،‬في حين عارضت غالبية أفراد الييشوف هذا‬
‫الموقف‪ ،‬بل ورفضوا شعار هشومير المذكور وكذلك شخصية المحارب اليهودي‬
‫الجديد‪.‬‬

‫البالد إلى الزراعة أولوية وطنية عليا‪ .‬كان ال سؤال الذي ساور‬ ‫مراحل تطور الثقافة اإلستراتيجية اإلسرائيلية‬
‫املجتمع اليهودي‪ :‬هل بإمكان اليهود حماية البلدات اليهودية؟‬ ‫شخصية المحارب اليهودي الجديد‪ ،‬وتطور النهج الدفاعي‬
‫حراس ا بد ًوا للدفاع عن حياتهم‬
‫ً‬ ‫استخدم أهل "العلياه" األولى‬ ‫في العام ‪ 66‬من القرن امليالدي األول‪ ،‬بدأت سل سلة من‬
‫وممتلكاتهم‪ ،‬وكانوا حتت رحمة احلرس البدوي الذي استغل‬ ‫الثورات ضد اإلمبراطورية الرومانية في ""أرض إسرائي ل""‪ .‬انتهت‬
‫ذلك أكثر من مرة بابتزازهم ورفع أجره باستمرار‪ .‬اقتراح "بار‬ ‫الثورة الكبرى‪ ،‬بقيادة شمعون بار غيورا‪ ٩،‬بخراب الهيكل الثاني‪.‬‬
‫أيد يهودية‬‫غيورا" الذي تاله "هشومي ر" بنقل مهمة احلراسة إلى ٍ‬ ‫كما جرى قمع ثورة الشتات التي قام بها اليهود املنفيون في‬
‫‪ -‬قوبل بالرفض في أغلب احلاالت‪ ،‬فقد تخ ّوف املزارعون من أن‬ ‫اإلسكندرية في مصر عام ‪ ،116‬وقمعت بوحشية من قبل‬
‫ينتقم الحارس البدوي منهم عند فقدانه وظيفته‪ .‬كما اعترضوا‬ ‫اإلمبراطورية الرومانية‪ .‬وشكلت ثورة باركوخبا التي اندلعت‬
‫على أعضاء هشومير من وجهة النظر االجتماعية والدينية‬ ‫عام ‪ 132‬احللقة األخيرة في سلسلة الثورات‪ ،‬وقد بدأت‬
‫وباعتبارهم لم ينصاعوا لتعاليم الدين والشرائع‪ .‬تدريج ًي ا‪،‬‬ ‫بانتصارات لكنها فشلت‪ .‬مت في عام ‪ 135‬نفي بقايا يهود‬
‫بدأ "هشومي ر" يكت سب زخ ًم ا‪ ،‬وحت ّول من ظاهرة مغمورة إلى‬ ‫"أرض إسرائي ل"‪ .‬بعد فشل أعمال التمرد‪ ،‬اجتمع ال سنهدرين‬
‫حركة جتتذب املتطوعني‪ .‬باإلضافة إلى احلراسة الساكنة‪ ،‬بدأوا‬ ‫وقرروا أنه ال ينبغي لليهود القتال ضد محتل‪ ،‬بل يجب أن‬
‫ب املبادرة ألنشطة مثل املطاردات بنطاق ض ّي ق‪ ،‬واستخدام تدابير‬ ‫يطأطئوا رؤوسهم وأن ّ‬
‫يغض وا الطرف ويتقدموا من أجل البقاء‪.‬‬
‫انتقامية وردع محدود‪ ،‬وبالتالي بدأوا في التعبير عن النهج‬ ‫وبخالف صارخ للطبيعة السلبية الساكنة التي سادت لنحو‬
‫‪١٢‬‬
‫اجلديد للمحارب اليهودي في "أرض إسرائي ل"‪.‬‬ ‫‪ 1700‬عام‪ ،‬عملت احلركة الصهيونية كحركة ثورية ناشطة‪.‬‬
‫كما ينعكس التغيير في النظرة إلى منظمة هشومير‬ ‫يوضح أدام سكي‪ ١٠‬أن الرواية الصهيونية‪ ،‬ورغبة يهود‬
‫مت من أجل رعاية وجتديد هذه النزعات‪،‬‬‫في مكانة الشهداء‪ّ .‬‬ ‫الييشوف في «أرض إسرائيل» كانت التحرر من صورة يهودي‬
‫استخدام أبطال يهود من املاضي كحلقة وصل مع احملارب‬ ‫املنفى فاقد الثقة والذي يقبل باالنصياع لسلطة أصحاب‬
‫اليهودي اجلديد‪ .‬سع ًي ا وراء توسيع شهرتهم ورفع مكانتهم‪،‬‬ ‫ال سيادة‪ .‬كانت رغبتهم هي حتويل شعب الكتاب ليكون شعب‬
‫على سبيل املثال‪ ،‬صدر كتاب "يزكور" عام ‪ 1911‬تخليد ًا‬ ‫احملراث والبندقية؛ أي بناء طبقة عاملة كبيرة‪ ،‬قوية ج سديا‬
‫لذكرى عدد من املقاتلني والعمال الذين قتلوا على أيدي‬ ‫ومنتجة على ح ساب ال سعي وراء املعرفة والذكاء‪ .‬لقد فاض‬
‫العصابات العربية‪ .‬يش ّك ل هذا الكتاب أول محاولة لتمجيد‬ ‫الشغف اخلفي في نفوس أبناء الييشوف اليهودي ليصبحوا‬
‫عدد من املقاتلني الذين سقطوا في املعركة‪ ١٣‬مع ّ‬
‫قط اع الطرق‬ ‫قوة ع سكرية كبيرة‪ ،‬واحلماسة لفرصة التضحية بدمائهم من‬
‫العرب‪ .‬لقد ُك ِت ب في ذكرى ثالثة حراس سقطوا في اجلليل‪،‬‬ ‫‪١١‬‬
‫أجل الوطن‪.‬‬
‫"أبناء املكابيني‪ ،‬أحفاد بار غيورا وبار كوخبا‪ ،‬تعالوا لنرث‬ ‫تتميز منظومة الرموز والصور‪ ،‬من فترة الييشوف ولغاية‬
‫مكان األبطال الذين سقطوا في حربهم من أجل حريتهم‬ ‫ال سنوات األولى للدولة‪ ،‬بإحداث انقالب في صورة احملارب‬
‫وفداء لشعبهم"‪ ١٤.‬لقد كان طموحهم هو اإلضفاء على اليهودي‬ ‫اليهودي‪ .‬لقد تعرضت منظمات احلراسة النتقادات واسعة‬
‫اجلديد طابع املواصل لدرب اليهودي املتمرد والبطل والقوي‪،‬‬ ‫من قبل عمال األرض‪ ،‬بل واعتبرت أنها ته ّرب من العمل‬
‫وذلك كنقيض لصورة اليهودي (اجلالوتي) في املنفى‪ .‬ومن‬ ‫اليدوي الشاق‪ .‬لقد فاق احتالل العمل احتالل احلراسة من‬ ‫‪98‬‬
‫هنا جاءت حاجة احلركة الصهيونية إلى إحياء الرموز وخطاب‬ ‫حيث األهمية‪ ،‬وأكد معظم سكان الييشوف على أن عودة يهود‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬
‫عنصر آخر في تشكل الثقافة اإلستراتيجية للدولة هو درجة النزعة العسكرية في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المجتمع‪ .‬من أجل توصيفها‪ ،‬يجب أوال فحص جذورها‪ .‬وفقا لباروخ كيمرلينغ‪ ،‬فإن‬
‫النزعة العسكرية التي نشأت خالل الييشوف وأثناء حرب االستقالل (ولكنها لم‬
‫تصل بعد إلى ذروتها كما في العقدين األولين من قيام الدولة) هي العسكرية‬
‫المدنية‪.‬‬

‫للبطولة اليهودية‪ .‬من أجل القيام بذلك‪ ،‬متت االستعانة بأبطال‬ ‫البطوالت األسطورية‪ .‬كما لم يكن من قبيل الصدفة ت سمية‬
‫الكتاب املقدس املألوفني‪ ،‬وحتى األعياد الدينية ُأسبغ عليها‬ ‫منظمة احلراسة "بار غيورا" على اسم بطل يهودي يعود إلى‬
‫تفسير مختلف عن التقاليد الدينية امل تّبعة‪ ،‬وذلك من أجل تفخيم‬ ‫الثورة الكبرى ضد اإلمبراطورية الرومانية‪ .‬ويع ّب ر الشعار الذي‬
‫شخصية احملارب اليهودي‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬فإنّ عيد "الغ‬ ‫تبنته منظمة هشومير ‪" -‬سقطت يهودا بالدم والنار‪ ،‬ستقوم‬
‫بعوم ر"؛ وهو ح سب التقاليد اليهودية يرمز إلى نهاية فترة احلداد‬ ‫يهودا بالدم والنار" ‪ -‬عن املزاج اجلديد‪ .‬في حني عارضت غالبية‬
‫على موت تالميذ احلاخام عكيفا‪ ،‬بات عيد ًا للبطولة ورمزها بار‬ ‫أفراد الييشوف هذا املوقف‪ ،‬بل ورفضوا شعار هشومير املذكور‬
‫كوخبا‪ .‬كذلك األمر بالنسبة إلى عيد األنوار (حانوكا)‪ ،‬حيث‬ ‫‪١٥‬‬
‫وكذلك شخصية احملارب اليهودي اجلديد‪.‬‬
‫الدافع الرئي سي‪ ،‬وف ًق ا للتقاليد‪ ،‬هو املعجزة املكشوفة (معجزة‬ ‫في املقابل‪ ،‬ومن أجل رفع مكانة املقاتل اليهودي اجلديد‪،‬‬
‫علبة الزيت) فقد بات يوم عطلة يتم فيه ت سليط الضوء على‬ ‫ش ّدد أعضاء هشومير والهاغاناة على الصدامات العنيفة‬
‫حروب املكابيني كرمز للبطولة واألمجاد‪ .‬ومقابل األغنية التقليدية‬ ‫بني عرب "أرض إسرائي ل" ويهودها‪ .‬وميكن توضيح ذلك من‬
‫"معوز ت سور يشوعتي" وفيها رجاء اخلالص من قوة الله‪ ،‬وتعبير‬ ‫خالل البطوالت التي نُسبت إلى املدافعني عن تل حاي وعلى‬
‫عن التمجيد واالمتنان واإلميان باخلالق‪ ،‬بدأوا ينشدون "الذي‬ ‫رأسهم يوسف ترومبلدور‪ ،‬وما أعقبها من مواجهات‪ ،‬مثل‬
‫ينطق ببطوالت اليهود والذي يعددها‪ ،‬في كل جيل‪ ،‬يكون هو‬ ‫أحداث النبي موسى عام ‪ 1920‬وأحداث أيار (مايو) ‪.1921‬‬
‫البطل الذي سيجلب اخلالص للشعب‪ .‬اسمعوا جيدا! في تلك‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬فإن تفاصيل أحداث تل حاي كما حدثت‬
‫األيام الغابرة كان املكابي ينقذ ويفدي‪ .‬بينما اليوم كل شعب‬ ‫فع ًال على أرض الواقع‪ ١٦‬تكاد تكون لم تنشر الب تّة‪ .‬لقد كان‬
‫إسرائيل‪ ،‬سيتحد ويصنع اخلالص"(كلمات‪ :‬منشيه رابينا)‪.‬‬ ‫التركيز على مقتل العمال الذين سقطوا دفا ًع ا عن امل ستوطنة‪.‬‬
‫أيض ا على فعل اإلنسان‪" :‬نحمل‬ ‫أغنية أخرى للحانوكا تؤكد ً‬ ‫كتبت قصائد ومقاالت وصدرت كتب متجيد ًا ألحداث تل حاي‪،‬‬
‫املشاعل في الليالي املظلمة ‪ ...‬لم حتدث املعجزة‪ ،‬ولم جند سراج‬ ‫مثل "أغنية ل سجناء عكا" لزئيف جابوتنسكي ‪ ،‬ونشر أبراهام‬
‫الزيت‪ ،‬إلى الوادي ذهبنا‪ ،‬واألحمال علينا‪ ،‬وحفرنا بالصخر‬ ‫برويدس قصيدته "في اجللي ل" في "دافار ليلدمي" (دافار لألوالد)‬
‫حتى سالت دماؤنا‪ ،‬وليكن نور" (كلمات‪ :‬أهارون زئيف)‪ ١٨.‬أي‬ ‫وكتب آبا حوشي قصيدة "في اجلليل في تل حاي"‪ .‬بينما كتب‬
‫نح وا جانبا موضوع املعجزات وحرمان الله لليهود من‬ ‫أنهم ّ‬ ‫بيرل كاتسينلسون في مقاله في ذكراهم‪" :‬شهداء حراسة‬
‫الصعود إلى جبل سيناء وح ّولوه إلى أغنية مديح لبطولة اليهود‬ ‫الوطن"‪ ١٧،‬حتى أنه قام بتأليف صالة "يزكور" خاصة لذكراهم‪.‬‬
‫التي هي من صنع اإلنسان‪.‬‬ ‫إنّ ما مي ّي ز قصة تل حاي هو في تفضيل العمال اليهود خليار‬
‫على الرغم من أن النهج األمني لالستيطان اليهودي هو‬ ‫ال سقوط على أرض املعركة والذود عن النفس وعدم التراجع‬
‫دفاعي (مع التحول إلى الدفاع النشط)‪ ،‬إال أنه في تلك املرحلة‬ ‫كما كان يحدث في املاضي‪ .‬في هذه ال سل سلة من األحداث‬
‫لم يكن نتيجة الثقافة اإلستراتيجية‪ ،‬التي لم تتبلور بعد‪ .‬في‬ ‫مت بناء أسطورة البطولة الدفاعية‪.‬‬
‫ذاك الوقت‪ ،‬لم يكن من املمكن توصيف الثقافة اإلستراتيجية‬ ‫شكل الكتاب املقدس (التوراة) أداة لغرس حب الوطن والثورة‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬ألنها باستثناء املك ّون األول الذي بدأ يتبلور‪ ،‬ال تزال‬ ‫في شخصية احملارب‪ ،‬حيث كان أهل الهجرة الثانية (عالياه)‬
‫‪99‬‬ ‫املكونات األخرى غير ذات أهمية أو أن تأثيرها ضئيل‪ .‬في املرحلة‬ ‫يتن ّق لون في جميع أنحاء البالد ومعهم الكتاب املقدس كدليل‬
‫التالية‪ ،‬حيث يكون هناك انتقال من النهج الدفاعي إلى الهجومي‪،‬‬ ‫جغرافي‪ ،‬كما كانوا يتحققون بواسطته من األماكن التاريخية‬

‫عدد ‪79‬‬
‫اليعازر وباروخ كيم رلينغ وكثيرون غيرهم‪ ٢١‬أن الدولة اجلديدة‬ ‫ليكتسب املك ّون العسكري ً‬
‫أيض ا مضمونًا وتبدأ بالتبلور‪-‬الثقافة‬
‫كانت مهتمة بتوثيق الرابط بني املجتمع واجليش وحتويل‬ ‫اإلستراتيجية اإلسرائيلية ذات اخلصائص الهجومية‪.‬‬
‫اجليش إلى مدرسة لألمة‪ ،‬بحيث يضع القوة في قلب الهوية‬
‫اليهودية اجلديدة‪ .‬مبوازاة ذلك‪ ،‬فرضت القيادة تصور ًا واس ًع ا‬ ‫نحو تشكل ثقافة إستراتيجية ‪-‬‬
‫لألمن يكاد يشمل كل مجاالت املجتمع‪ .‬لقد بلغ هذا االجتاه‬ ‫االنتقال من نهج دفاعي إلى نهج هجومي‬
‫ذروته بشكل رئي سي بعد قيام الدولة (وهي فترة غير مدرجة‬
‫بعد أن أدرك أبناء الييشوف حقيقة أنهم مضطرون للدفاع‬
‫في هذا املقال) ولكن جذوره بدأت بالنقاش حول طريقة عمل‬
‫عن أنف سهم‪ ،‬بدأت تتجذر وتتبلور في سنوات العشرينيات‬
‫احلركة الصهيونية في وقت مبكر من بداية فترة الييشوف‪.‬‬
‫والثالثينيات الهوية اجلماعية للجيل الناشئ في "أرض‬
‫لقد ش ّك ل التطوع إلسكان البالد وزراعة أراضيها مسألة رافقها‬
‫إسرائي ل" يراودهم اإلح ساس بال سيادة على املناطق التي رأوا‬
‫شرخ داخل احلركة الصهيونية‪ ،‬وجرى إطالق كنية "الناشطني"‬
‫فيها بالدهم منذ والدتهم‪ ،‬ونظرتهم إلى أنف سهم كعامل قوي‬
‫على أنصار التطوع في حني أطلقت ت سمية "انصار الوضع‬
‫ومهم في املعركة لل سيطرة على "أرض إسرائي ل"‪ .‬لقد حدت هذه‬
‫القائم" على املعارضني‪ .‬كما كان معظم النشطاء املبادرين‬
‫الروح بجيل األبناء (املهاجرون الذين ولدوا ونشأوا في "أرض‬
‫ينتمون إلى احلركة العمالية في "أرض إسرائي ل"‪ ،‬ومت التعبير‬
‫إسرائي ل") إلى عدم االحتماء في ظل آبائهم‪ .‬بل حترر جيل‬
‫عن النشاط بشكل أساسي في الرغبة في استيطان األرض‬
‫األوالد من الروح الدفاعية‪ ،‬وصاغوا بدي ًال هجوم ًي ا يغرسونه في‬
‫وزراعة أراضيها‪ .‬بعد أن استق ّروا في أنحاء البالد ‪ -‬نشأت‬
‫صفوف التنظيمات ال سرية واجليش الناشئ‪.‬‬
‫احلاجة حلماية أراضيهم‪ .‬أو ًال من النشاط اإلجرامي كالسرقة‬
‫لقد مت ّي ز التغيير في رؤية األمور مبستويني‪ :‬عقلية‬
‫والنهب‪ ،‬ثم النشاط القومي العدائي مثل القتل وأعمال الشغب‪،‬‬
‫األصالنيني والنشاط القتالي الفعال في مواجهة عقلية‬
‫وما شابه ذلك‪.‬‬
‫ال سكان األصليني‪ ،‬رأى جيل اآلباء (أعضاء من موجات الهجرة‬
‫نحو نهاية احلرب الع املية األولى‪ ،‬ازداد متاثل جيل األوالد‬
‫(عالياه) األولى والثانية) الذين نشأوا على تشيرنيحوف سكي‬
‫مع النزعة العسكرية كطريقة شرعية حل ّل املشاكل‪ .‬كما‬
‫وبيرديتشف سكي واقع "أرض إسرائي ل" كمكان ينبغي التشبث‬
‫أن روح الع سكرة بني شباب الييشوف لم تنحصر بالقيم‬
‫به وأن ي ستمدوا منه قوة الروح‪ ،‬وقد استندت مشاعرهم إلى‬
‫املجردة واألفكار العامة فح سب‪ ،‬بل كانت نتيجة اخلبرات‬
‫االرتباط الثقافي‪-‬التاريخي مع مناطق البالد‪ .‬في املقابل ‪،‬‬
‫التي اكتسبوها والتجارب القتالية والعسكرية التي مر ّوا بها‪.‬‬
‫رأى جيل األوالد أن "أرض إسرائي ل" هي شيء ملموس‪ ،‬وكانوا‬
‫وكانت إقامة وحدات ع سكرية حصرية لليهود‪ ،‬قد جعلت جيل‬
‫يتماثلون مع مناظر البالد وبالذات مع املواقع التراثية التي‬
‫األوالد يشعر بأن الصراع العربي ‪ -‬اليهودي ‪ -‬البريطاني‬
‫ترمز إلى البطولة مثل‪ :‬م سادا‪ ،‬موديعني‪ ،‬إلخ‪ ،‬وش ّك لت جتاربهم‬
‫ميكن ح لّه بالعنف املنظم‪ .‬في ذلك الوقت‪ ،‬كانت هناك رغبة‬
‫الشابة جز ًءا ال يتجزأ منها‪ .‬كذلك هو األمر على م ستوى‬
‫واستعداد قويان لاللتحاق باجليش البريطاني للمساعدة‬
‫النف س ّي ة القتالية‪ ،‬كان الفارق بني األجيال كبي ًرا‪ .‬في حني أن‬
‫في احتالل البالد‪ ،‬إال أن قائد القوات البريطانية‪ ،‬اجلنرال‬
‫اجليل اآلباء كان يكتفي عادة بالتعبير عن الرغبة واألمل في‬
‫إدموند أللنبي‪ ،‬اختار عدم إشراك متطوعي الييشوف‬
‫أن تتبع البالد لهم‪ ،‬رأى جيل األبناء في أنف سهم جيل القتال‪:‬‬
‫اليهودي في املعارك‪ ،‬مما ت سبب في خيبة أمل كبيرة لديهم‪.‬‬
‫نضال ضد الكتاب األبيض‪ ،‬وصراع في العرب وحتى مكافحة‬
‫لقد تب ّدد الشعور القائم على املسيانية‪ ،‬مصحو ًب ا باألمل‬ ‫‪١٩‬‬
‫صورة يهود املنفى اجلالوتيني‪.‬‬
‫بانبعاث قوة يهودية التي ستقوم بقوة ال سالح بإعادة احتالل‬
‫عنصر آخر في تش ّك ل الثقافة اإلستراتيجية للدولة هو‬
‫أرض اآلباء واألجداد‪ ،‬وح لّ ت مكانه احلقيقة احملزنة املتمثلة‬
‫درجة النزعة العسكرية في املجتمع‪ .‬من أجل توصيفها‪،‬‬
‫في وجود احتالل جديد‪ ،‬وهذه املرة البريطاني‪ ،‬وعليه من‬
‫يجب أو ًال فحص جذورها‪ .‬وف ًق ا لباروخ كيم رلينغ‪ ٢٠،‬فإن النزعة‬
‫األفضل ليهود «أرض إسرائيل» أن يدافعوا عن أنف سهم من‬
‫الع سكرية التي نشأت خالل الييشوف وأثناء حرب االستقالل‬
‫‪٢٢‬‬
‫خالل إنشاء ميليشيا شعبية خاضعة للسيادة اليهودية‪.‬‬ ‫‪100‬‬
‫(ولكنها لم تصل بعد إلى ذروتها كما في العقدين األولني‬
‫بناء عليه‪ ،‬فإن الروح الدفاعية توافقت بشكل جيد مع تراجع‬
‫من قيام الدولة) هي الع سكرية املدنية‪ .‬كما يعتقد أوري بن‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ّ‬
‫التحول في شخصية المحارب اليهودي‬ ‫من األحداث البارزة التي سلطت الضوء على‬
‫ُ‬
‫إلى المبادر والهجومي‪ ،‬كانت الملحمة التي بنيت حول الصعود إلى حانيتا في عام‬
‫‪ .1938‬فقد جرى بناء حانيتا‪ ،‬الواقعة في الجليل الغربي‪ ،‬باستخدام نمط «الجدار‬
‫والبرج»‪ ،‬لكن هذه المستوطنة كانت غير عادية ألنها أقيمت في قلب منطقة عربية‪.‬‬

‫جتتمع كل مك ّونات الثقافة اإلستراتيجية‪ :‬الرموز والصور‪،‬‬ ‫درجة النزعة الع سكرية ألهالي الييشوف ب سبب خيبة أملهم‬
‫ودرجة الع سكرة واألعراف والتقاليد والعادات‪.‬‬ ‫من عدم إشراكهم في احتالل البالد‪ ،‬لكنها كانت مجرد خيبة‬
‫من األحداث البارزة التي سلطت الضوء على التح ّول في‬ ‫أمل مؤقتة سرعان ما استبدلت بفهم ضرورة احلاجة للقتال‬
‫شخصية احملارب اليهودي إلى املبادر والهجومي‪ ،‬كانت امللحمة‬ ‫من أجل «أرض إسرائيل»‪.‬‬
‫التي ُب نيت حول الصعود إلى حانيتا في عام ‪ .1938‬فقد‬ ‫مع اندالع أحداث ‪ ،1939-1936‬حني حتولت أعمال الشغب‬
‫جرى بناء حانيتا‪ ،‬الواقعة في اجلليل الغربي‪ ،‬باستخدام منط‬ ‫العربية إلى أعمال منظمة ومخطط لها ضد الييشوف اليهودي‪،‬‬
‫"اجلدار والبرج"‪ ،‬لكن هذه امل ستوطنة كانت غير عادية ألنها‬ ‫بدأ يتبلور الرأي باحلاجة إلى تغيير أمناط العمل‪ .‬ولدت هذه‬
‫أقيمت في قلب منطقة عربية‪ .‬كما تط لّ ب بناء حنيتا جتني ًدا‬ ‫الفكرة عام ‪ 1936‬بني مجموعة من النخبة الصهيونية التي‬
‫جماع ًي ا للمتطوعني الذين ساعدوا في تأسي سها‪ ،‬وأضيفت‬ ‫خدمت في الهاغاناه‪ ،‬والتي طالبت قادة الييشوف باتخاذ‬
‫إليهم الوحدات القتالية امليدانية التي أس سها إسحق سديه‪،‬‬ ‫نهج هجومي‪ .‬حتى ذلك احلني‪ ،‬كانت امل ستوطنات اليهودية‬
‫والذين جاءوا للدفاع عن املكان من هجوم متوقع من العرب‪.‬‬ ‫التي تعرضت للهجوم‪ ،‬قد انكفأت على ذاتها‪ ،‬وندرت حاالت‬
‫غداة الهجوم‪ ،‬وألول مرة‪ ،‬صدرت األوامر إلى إسحق سديه بشن‬ ‫الهجمات املضادة‪ .‬طالبت املجموعة بتب نّي النهج الهجومي‪.‬‬
‫هجوم مضاد‪ .‬وامللفت أنه في رواية األحداث متت اإلشادة بدور‬ ‫أما قيادة الييشوف‪ ،‬والتي كانت تخشى على مكانتها‪ ،‬فقد‬
‫الوحدات امليدانية املقاتلة ومتجيد دورها‪ ،‬وذلك بخالف أماكن‬ ‫وسط ا يخضع مبوجبه أبناء اجليل الشاب ل سلطة‬‫اقترحت ح ًال ً‬
‫أخرى التي كان عامل االستيطان فيها حاس ًم ا‪ .‬كانت هذه هي‬ ‫القيادة القدمية‪ ،‬وفي املقابل تؤكد القيادة فكرة أن املشكلة‬
‫املرة األولى التي يتم فيها إبراز وظيفة املقاتل اليهودي اجلديد‬ ‫العربية ميكن ح لّ ها‪ ،‬بل ينبغي حلها عسكر ًي ا‪ ٢٣.‬ستكون هذه‬
‫املبادر والناشط‪ ،‬ومت تعريف مهمته على أنها مهمة صهيونية‬ ‫هي البراعم األولى لعنصر آخر مييز الثقافة اإلستراتيجية‬
‫‪٢٤‬‬
‫وطنية ال تق ّل أهمي ًة عن شخصية العامل العبري‪.‬‬ ‫للدولة؛ أي األعراف والتقاليد التنظيمية‪ .‬لم يكن هذا املكون‬
‫أسطورة أخرى ترمز إلى متجيد النهج الهجومي هي أسطورة‬ ‫أساس ًي ا على اإلطالق حتى اآلن‪ ،‬ألن املنظمات األمنية في‬
‫الق لّ ة مقابل الكثرة والشعور باحلصار‪ .‬هكذا جند أن أحد جتليات‬ ‫"أرض إسرائي ل" كانت في املراحل األولى من التطور ولم تتكيف‬
‫حرب االستقالل املتجذرة والراسخة في الوعي العام‪ ،‬هي‬ ‫إلى حينه مع التجربة التنظيمية الفعلية‪ ،‬ولم تراكم الذاكرة‬
‫بوصفها حرب الق لّ ة في مواجهة الكثرة‪ .‬كتب بن غوريون في‬ ‫التنظيمية‪ .‬في املرحلة التالية‪ ،‬أصبح احلل العسكري تدريجي ًا‬
‫مذكراته‪" :‬ال يعرف تاريخ العالم أمثلة كثيرة عن حرب القالئل‬ ‫هو قيمة الييشوف اليهودي وخياره وأيديولوجيته‪.‬‬
‫ضد الكثيرين مثلما حدث مع إسرائيل الفتية"‪ ٢٥.‬إن ظاهرة الفرد‬
‫في مواجهة الكثيرين ليس لها دائما أساس حقيقي في واقع‬
‫ّ‬
‫تشكل ثقافة إستراتيجية قتالية هجومية‬
‫املعارك التي دارت في حرب االستقالل‪ ٢٦.‬لكن‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫لم يدم االجتاه الدفاعي مط ّوال‪ ،‬وفي البداية انتقل من طريقة‬
‫ذلك‪ ،‬كان الشعور بالقلة هو ال سائد بني أبناء الييشوف‪ .‬لقد‬ ‫عمل دفاعية سلبية إلى دفاعية متفاعلة ونشطة‪ ،‬ثم انتهى‬
‫جت لّ ى هذا الشعور في مواجهة االنتداب البريطاني‪ ،‬وفي في‬ ‫إلى صياغة نهج هجومي‪ .‬خالل تلك الفترة؛ أي من نهاية‬
‫‪101‬‬ ‫مواجهة عرب "أرض إسرائي ل" وخاصة في مواجهة اجليوش‬ ‫الثالثينيات حتى نهاية حرب االستقالل‪ ،‬أصبح بال‘مكان‬
‫العربية الغازية‪ .‬ميكن تف سير أصول الشعور بالق لّ ة من خالل‬ ‫احلديث عن الثقافة اإلستراتيجية اإلسرائيلية‪ ،‬ألنه ألول مرة‬
‫عدد ‪79‬‬
‫األراضي وتطهير القرى واحتالل املدن العربية وتوسيع احلدود‬ ‫معارضة الدول العربية ألي تسوية بني اليهود والعرب فيما يتعلق‬
‫وخلق تواصل إقليمي بني امل ستوطنات اليهودية‪ .‬لقد حولت‬ ‫بتق سيم البالد؛ وكذلك في الوضع البائس ليهود أوروبا بعد‬
‫اخلطة "د" النهج الهجومي إلى إستراتيجية معيارية‪ .‬ويتضح‬ ‫الكارثة؛ وبعالقات القوة العددية بني اليهود والعرب في الشرق‬
‫ذلك من االجتماع الذي سبق إعالن قيام الدولة بأسبوع‪ ،‬والذي‬ ‫األوسط‪ .‬بدورها‪ ،‬كررت قيادات الدولة هذه الفكرة ل سنوات عديدة‬
‫قررت فيه القيادة ال سياسية عدم إدراج حدود الدولة في إعالن‬ ‫في جميع اإلشارات إلى حرب االستقالل‪ ،‬وكثير ًا ما قارن بن‬
‫االستقالل‪ ،‬حيث اعتقدوا أن هذه احلدود لن حتدد باتفاقيات‬ ‫غوريون في خطاباته فترة حرب االستقالل وانتصار اجليش‬
‫دبلوماسية بل بالقوة‪ ٣١.‬إذ خلص بن غوريون هذا االجتماع‬ ‫اإلسرائيلي باستخدامه القوة الرمزية ألبطال الكتاب املقدس‪،‬‬
‫بقوله‪" :‬بإمكانكم أن تطلقوا عليه ت سمية وقف إطالق النار‪،‬‬ ‫مثل انتصار داود على جوليات‪ ،‬وانتصار يهوشع بن نون على‬
‫أو ت سمية ‪ .Chimidanchik‬لقد حان الوقت ألن نتوقف عن‬ ‫‪٢٧‬‬
‫امللوك الواحد والثالثني‪ ،‬وكذلك حروب املكابيني‪.‬‬
‫باحلل ال سحري‪ .‬ال سحر هو إميان بالكلمات‪ .‬أي‬ ‫ّ‬ ‫اإلميان‬ ‫اكت سب عنصر الع سكرة زخم ًا وأصبح محوري ًا في تكوين‬
‫شخص ال يؤمن بال سحر والكلمات ‪ -‬يفهم أن األمر سوف‬ ‫الثقافة اإلستراتيجية اإلسرائيلية‪ .‬لكن ليس كل استخدام‬
‫‪٣٢‬‬
‫يتوقف على م سألة احل سم بالقوة"‪.‬‬ ‫للقوة الع سكرية‪ ،‬أو كل حرب‪ ،‬يجعل املجتمع ع سكر ًي ا‪.‬‬
‫كان بن غوريون أكثر اعتدا ًال من قادة امل ستوى الع سكري‬ ‫وف ًق ا لكيمرلينغ‪ ٢٨،‬لم تكن الع سكرة في إسرائيل هي حكم‬
‫ومن زعيم «مبام» ي سرائيل جليلي فيما يتعلق بتوسيع حدود‬ ‫الع سكر‪ ،‬بل هي ع سكرة مدنية يتم فيها وضع االعتبارات‬
‫الدولة‪ .‬ويجدر التأكيد هنا بأن بن غوريون رأى في احلرب‬ ‫التي تُع َّرف على أنها األمن القومي على سلم األولوية بتدريج‬
‫ظاهرة تدميرية‪ ،‬ونظ ًرا ألنه تخوف من النزعة الع سكرية‬ ‫أعلى من االعتبارات السياسية واالقتصادية وما شابهها‪.‬‬
‫التي تشكل في نظره خط ًرا على كل اجلمهور‪ ،‬وعلى‬ ‫وتقوم هذه الع سكرة حني يكون استخدام القوة الع سكرية‬
‫أسس الدميقراطية اإلسرائيلية الناشئة‪ ٣٣.‬طالب بن غوريون‬ ‫حلل امل سألة املدرجة على جدول أعمال الدولة ذا قيمة عليا‪،‬‬
‫بإشراف مدني على اجليش وإخضاعه لل سيادة ال سياسية‪.‬‬ ‫ويجري التعامل معه كالطريق الشرعي حلل امل سألة العالقة‪.‬‬
‫لذلك لم ي سمح بن غوريون للقيادة الع سكرية بأن متلي‬ ‫شكلت أعمال حركة التم ّرد نقطة التح ّول في طبيعة مناهضة‬
‫عليه التحركات ال سياسية والع سكرية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد أدرك‬ ‫االنتداب البريطاني‪ .‬وفي تشرين الثاني ‪ ،1945‬مت تنفيذ‬
‫أنه يجب االستعداد للحرب‪ ،‬وذلك للحيلولة دون اإلبادة‪ .‬مع‬ ‫أول عملية ع سكرية‪ ،‬والتي لم تكن مرتبطة بالهجرة غير‬
‫اقتراب نهاية احلرب‪ ،‬وهي املرحلة التي اتضخ تفوق للجيش‬ ‫جلي‪ ،‬واحلديث عن ليلة‬ ‫الشرعية‪ ،‬بل كانت ذات طابع سياسي ّ‬
‫اإلسرائيلي على معظم اجليوش العربية مجتمعة‪ ،‬قال بن‬ ‫القطارات‪ ،‬حيث مت تفجير خطوط ال سكك احلديدية في ‪153‬‬
‫غوريون‪" :‬ل سنا أحرا ًرا في استخدام قوتنا الع سكرية‪ .‬حتى‬ ‫موق ًع ا مختل ًف ا في أنحاء البالد‪ .‬تبعت هذه العملية سل سلة‬
‫الدول األكبر واألقوى منا لي ست حرة متا ًم ا في هذا املجال‪.‬‬ ‫عمليات إضافية ضد البريطانيني‪ ،‬ما وضع ح ًدا للجدل بني‬
‫‪٣٤‬‬
‫في عاملنا كل األمور مترابطة"‪.‬‬ ‫‪٢٩‬‬
‫املعتدلني والناشطني حول طبيعة معارضة نظام االنتداب‪.‬‬
‫صحيح أن بن غوريون عمل بهذه الروح ضد الع سكريني‬ ‫لقد جرت قولبة هذه التحوالت في أيديولوجية مدعومة من‬
‫الذين وضعوا نصب أعينهم تفضيل املصالح العسكرية على‬ ‫الهيئات السياسية في الييشوف اليهودي‪ .‬كما شهدت حرب‬
‫املصالح السياسية‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬رغبة القيادة العسكرية‬ ‫االستقالل نشوء تعاون وتفاهم بني القيادة القدمية وجيل‬
‫(بشكل رئي سي يغئال ألون وي سرائيل جليلي) في تعزيز‬ ‫األبناء‪ ،‬حيث أصبحت األيديولوجية الهجومية التي حظيت‬
‫نفوذهما وحتى احتالل أراض إضافية‪ ،‬أو عدم االن سحاب من‬ ‫بقبول معظم الشباب في "أرض إسرائي ل"‪ ،‬عنص ًرا مركز ًي ا‬
‫األراضي احملتلة في سيناء (أبو عقيلة ومشارف رفح)‪ .‬الحظ‬ ‫في سياسة الدولة الفتية‪.‬‬
‫بن غوريون نزعة النشاط املفرط جلليلي‪ ،‬والفجوة املتزايدة‬ ‫إحدى العواقب العملية حلقيقة أن احلل للقضاء على العرب‬
‫في التصورات ال سياسية واإلستراتيجية‪ .‬لذلك أص ّر على‬ ‫هو ع سكري وليس سياس ًي ا فح سب كانت بلورة اخلطة "د"‪،‬‬
‫استبعاد جليلي عن كل ما له عالقة بقيادة هيئة األركان‬ ‫‪٣٠‬‬
‫ليس فقط كخطة عملياتية‪ ،‬ولكن كخطة حتمل أمر تنفيذها‪.‬‬ ‫‪102‬‬
‫‪٣٥‬‬
‫وإدارة احلرب‪.‬‬ ‫كانت اخلطة "د" عملية ع سكرية هدفت إلى ال سيطرة على‬

‫عدد ‪79‬‬
‫إحدى العواقب العملية لحقيقة أن الحل للقضاء على العرب هو عسكري وليس‬
‫ً‬
‫سياسيا فحسب كانت بلورة الخطة «د»‪ ،‬ليس فقط كخطة عملياتية‪ ،‬ولكن كخطة‬
‫تحمل أمر تنفيذها‪ .‬كانت الخطة «د» عملية عسكرية هدفت إلى السيطرة على‬
‫األراضي وتطهير القرى واحتالل المدن العربية وتوسيع الحدود وخلق تواصل‬
‫إقليمي بين المستوطنات اليهودية‪.‬‬

‫الوالء احلزبي أوال‪ ،‬كما أراد قادة الهاغاناه والبلماح‪ .‬أما اخليار‬ ‫الثقافة اإلستراتيجية اإلسرائيلية ‪ -‬األعراف‬
‫الثاني فكان بناء جيش جديد وضمنه بلورة تقاليد تنظيمية‬ ‫والعادات والتقاليد التنظيمية‬
‫وضبط إجراءات عمل جديدة بني مختلف امل ستويات‪ ،‬وهذا ما‬ ‫في الفترة التي نبحثها‪ ،‬مت‪ ،‬وألول مرة‪ ،‬دمج العنصر‬
‫أراده بن غوريون‪ .‬وإذ أرادت الهاغاناه‪ ،‬إجراء تغيير تدريجي‬ ‫األخير الذي مييز الثقافة اإلستراتيجية إلسرائيل ‪ -‬املعايير‬
‫في عملية االنتقال إلى جيش نظامي‪ ،‬دفع بن غوريون نحو‬ ‫والعادات والتقاليد التنظيمية‪ .‬فمنذ بداية االستيطان وحتى‬
‫‪٣٧‬‬
‫االنتقال السريع والفوري‪ .‬وهنا أيضا كانت الغلبة لتوجهه‪.‬‬ ‫األربعينيات من القرن املاضي‪ ،‬لم يكن هناك معايير أخالقية‬
‫العالقة بني الهاغاناه وقيادة أركانها لم تتوافق ورغبة بن غوريون‪،‬‬ ‫وتقاليد تنظيمية في املنظمات األمنية‪ .‬على الرغم من وجود‬
‫لذلك وضع أركان الهاغاناه في امتحان صعب‪ ،‬وحاول عزل‬ ‫إجراءات وأعراف وتقاليد في األجهزة األمنية‪ ،‬إال أن أثرها‬
‫رئي سها ي سرائيل جليلي من منصبه‪ ،‬الذي شغل منصب القائم‬ ‫أساس ا إلى أن التنظيمات الع سكرية‬
‫ً‬ ‫كان طفي ًف ا‪ ،‬ويرجع ذلك‬
‫بأعمال رئيس أركان اجليش ورئيس أركان القيادة القطرية‪.‬‬ ‫كانت حديثة العهد‪ ،‬ولم تتم بلورة التقاليد واملعايير التنظيمية‬
‫هناك عدة دوافع وراء رغبة بن غوريون في التخلص من جليلي‪.‬‬ ‫بعد‪ .‬شهدنا منذ أربعينيات القرن املاضي فصاع ًدا مأسسة‬
‫أو ًال‪ ،‬رأى به ممث ًال حلزب «مبام»‪ ،‬ومنافس ًا صاحب تأثير‬ ‫املنظمات املختلفة (الهاغاناه‪ ،‬البلماح‪ ،‬الهستدروت‪ ،‬األحزاب‪،‬‬
‫سياسي كبير على املجتمع واحلركة الصهيونية‪ .‬أما الدافع‬ ‫اللجنة التنفيذية للهستدروت وغيرها) بحيث أصبح هذا العامل‬
‫الثاني‪ ،‬ذو الصلة مبوضوع هذا البحث‪ ،‬فهو اخلالفات بشأن‬ ‫املعياري مكونًا مه ّم ا‪.‬‬
‫طبيعة اجليش االسرائيلي الناشئ‪ .‬فقد كان جليلي القائد‬ ‫خالل فترة الييشوف‪ ،‬كانت أعراف وعادات وتقاليد الهاغاناه‬
‫األكثر نفو ًذا والذي نشأ في الهاغاناه‪ ،‬والذي دفع باجتاه إرساء‬ ‫هي التي متلي العالقة املتبادلة‪ ،‬وبعد ذلك‪ ،‬وقبل قيام الدولة‪،‬‬
‫أسس اجليش على موروث الهاغاناه‪ ،‬وذلك في كل ما يتعلق‬ ‫حاول بن غوريون بل وجنح في ترسيخ طريقته في مجال األمن‪.‬‬
‫بطبيعة التنظيم والروح القتالية وعقيدة احلرب والطابع الشعبي‪.‬‬ ‫للقيام بذلك‪ ،‬وكي تنجح مهمته‪ ،‬رأى أنه من املناسب أن تتولى‬
‫في خطابه في ‪ 2‬متوز ‪ 1948‬أمام مجلس مبام (حزب‬ ‫شخصيات موالية له شخصيا رئاسات األجهزة األمنية‪ ،‬كما‬
‫العمال املوحد)‪ :‬أكد جليلي‪:‬‬ ‫فض ل أن يكون كبار القادة قد خدموا في اجليوش النظامية‬ ‫ّ‬
‫«نحن بحاجة إلى جيش يواصل تقاليد وقيم الهاغاناه‬ ‫بحيث ميكنهم ب سرعة إنشاء جيش نظامي ومنضبط ومدرب‪.‬‬
‫والبلماح‪ .‬جيش مبني على االنضباط واإلخالص وال يحرم‬ ‫لم يعد احلديث عن جيش دفاعي كما في فترة "الهغاناه" ‪،‬‬
‫اجلنود من حريتهم‪ ،‬وهذا ال يتعارض مع انتمائهم ال سياسي‬ ‫بل جيش هجومي ينقل القتال إلى ما وراء حدود الدولة‪ .‬من‬
‫موال للجوهر القومي‬ ‫ٍ‬ ‫للحركة‪ ...‬نحن بحاجة إلى جيش‬ ‫أجل حتقيق الرؤية‪ ،‬ح سبما رأى بن غوريون‪ ،‬فقد احتاج إلى‬
‫االجتماعي الستقالل إسرائيل وليس للمكاتب الوزارية‪ ...‬ل سنا‬ ‫تغيير الت سل سل القيادي الهرمي القائم‪ ،‬وهو أمر من شأنه‬
‫جيش غريب‪ ،‬بل‬ ‫ً‬ ‫بحاجة إلى جيش أجنلو سك سوني‪ ،‬وال إلى‬ ‫‪٣٦‬‬
‫أن يؤدي إلى تغييرات في التقاليد التنظيمية‪.‬‬
‫إلى حضور أرض‪-‬إسرائيلي متجذر في واقعنا اخلاص‪ ...‬علينا‬ ‫دار أثناء نشوء اجليش جدل جوهري ومبدئي حول طبيعة‬
‫‪٣٨‬‬
‫أن نتج نّب وض ًع ا نك سب فيه النظام‪ ،‬ونفقد البأس والروح»‪.‬‬ ‫هذا اجليش الناشئ‪ .‬وكان ال سؤال احملوري فيما إذا كان‬
‫‪103‬‬
‫لألسباب املذكورة‪ ،‬كان بن غوريون مهت ًم ا بتفكيك قيادة‬ ‫سيتم اإلبقاء على العرف الذي ساد في الهاغاناه‪ ،‬ومفاده‬

‫عدد ‪79‬‬
‫من أجل توصيف املكونني األولني‪ ،‬مت استعراض نظام‬ ‫البلماح‪ ٣٩.‬وقد ش ّك ل البلماح كيانًا عسكر ًي ا داخل اجلهاز‬
‫الرموز والصور لليهود في "أرض إسرائي ل"‪ ،‬وذلك من فترة‬ ‫األمني‪ ،‬ورفض أن يقبل مرجعية بن غوريون دومنا حتفظ‪ ،‬بل‬
‫الييشوف حتى ال سنوات األولى للدولة‪ .‬مع إنشاء تنظيم بار‬ ‫سعى ألن يشكل مصدر إلهام ق َي مي للشبيبة وللجيش الناشئ‪.‬‬
‫غيورا‪ ،‬أصبح مجال األمن مه ًم ا‪ ،‬وبدأ الييشوف في تغيير‬ ‫لم يكن س ًرا أن بن غوريون لم يكن هو الذي رعى البلماح‪ ،‬بل‬
‫مفاهيمه مبا يتعلق بنظرته إلى احملارب اليهودي‪ .‬لقد رأى‬ ‫إن البلماح ترعرع وبنى مجده في الفناء املغاير‪ ،‬وقد تعامل بن‬
‫جيل األبناء أنفسهم عام ًال قوي ًا ومهم ًا في املنطقة‪ ،‬ما دفعهم‬ ‫غوريون مع البلماح مبشاعر مختلطة ما بني التقدير والتشكيك‪.‬‬
‫إلى التحرر من الروح الدفاعية ألسالفهم‪ ،‬واالنتقال إلى البديل‬ ‫التقدير نظ ًرا لدور البلماح في مشروع الهجرة غير الشرعية‬
‫الهجومي‪ ،‬والذي يتم سكون به ويغرسونه في صفوف اجليش‬ ‫وفي معارك حرب االستقالل‪ ،‬بينما ش ّك ك في موروث عفا عليه‬
‫اآلخذ بالتبلور‪ .‬لقد اقترن االنتقال من النهج الدفاعي إلى النهج‬ ‫الزمن ال يتماشى مع جيش نظامي‪ .‬إذ اشتمل تراث البلماح‬
‫الهجومي بالتحوالت النف سية‪ ،‬إذ إنّ ممارساتهم قد خلقت في‬ ‫على عالقات غير رسمية بني اجلنود والقادة وعلى امل ساواة‬
‫الييشوف شعو ًرا بال سيادة احلقيقية على البالد‪ ،‬وبات احملارب‬ ‫بينهم‪ ،‬ورمبا كان بن غوريون يخشى أن تنعكس هذه العالقة‬
‫منوذج ا ثقاف ًي ا واجتماع ًي ا يحتذى به‪ ٤١.‬كما أن التشديد‬
‫ً‬ ‫اليهودي‬ ‫الداخلية اخلاصة والثقافة التنظيمية للبلماح على رتابة العالقة‬
‫على دون ّي ة إسرائيل مقابل الدول العربية خالل حرب االستقالل‪،‬‬ ‫داخل اجليش‪ .‬كما أنه لم تتطابق أمناط االنتقال من الطبيعة‬
‫قد حتولت إلى ملحمة قومية تبرر االدعاء بأنه على الدولة أن‬ ‫ال ِس ر ّي ة التي عمل فيها البلماح خالل فترة الييشوف مع‬
‫تنشئ جيشها والذي ش ّك ل عام ًال مه ّم ا في خلق الروح القتالية‪.‬‬ ‫متطلبات تنظيم عسكرية نظامي للدولة‪ ،‬سواء بشأن تنظيم‬
‫اخلاص تني الثانية والثالثة‬
‫ّ‬ ‫كما تتعاطى مسألة العسكرة مع‬ ‫هرمي ومنضبط‪ ،‬أم بشأن الوالء ل سل سلة القيادة واخلضوع‬
‫أعاله‪ .‬فإن روح الع سكرة التي تطورت في إسرائيل خالل حرب‬ ‫الكامل لل سلطة املدنية‪ .‬بعد عام من املداوالت بشأن تفكيك‬
‫االستقالل هي الع سكرة املدنية التي بدأت جذورها مع إنشاء‬ ‫البلماح‪ ،‬جرى ح ّل ألويته‪ .‬ليش ّك ل إدماج هذا املك ّون املرحلة‬
‫حركة بار غيورا‪ ،‬بل وأكثر من ذلك مع تبلور العقيدة الع سكرية‬
‫‪٤٠‬‬
‫األخيرة في بناء الثقافة اإلستراتيجية اإلسرائيلية‪.‬‬
‫للهاغاناه‪ .‬لقد ط ّور جيل األبناء الروح الهجومية‪ ،‬والتي تشكل‬
‫فيها حياة احملارب جتربة تكوينية ومبلوِرة‪ ،‬ونهجا ميكن من‬ ‫الخالصة‬
‫خالله ح ّل الصراع العربي ‪ -‬اليهودي ‪ -‬البريطاني بواسطة‬ ‫تطورت الثقافة اإلستراتيجية اإلسرائيلية ضمن مسار‬
‫القوة الع سكرية‪ .‬في البداية قامت اإلستراتيجية على مبدأ‬ ‫تدريجي إلى ثقافة إستراتيجية حربية قتالية‪ .‬شهدت العملية‬
‫الدفاع ال سلبي‪ ،‬ومع تفاقم التهديدات‪ ،‬مت تغييرها إلى الدفاع‬ ‫التي تزامنت مع بدايات الييشوف اليهودي في «أرض‬
‫النشط‪ ،‬وأخير ًا اعتماد إستراتيجية هجومية واستباقية‬ ‫إسرائيل»‪ ،‬تغيي ًرا ذهن ًي ا في النظرة إلى شخصية احملارب‬
‫ونشطة‪ .‬وقد جت لّ ى األثر العملي في اخلطة "د"‪ ،‬التي ح ّولت‬ ‫اليهودي اجلديد‪ .‬في الفصل النظري‪ ،‬مت استعراض عدد من‬
‫اإلستراتيجية الهجومية إلى إستراتيجية معيارية مبا فيه لدى‬ ‫اخلصائص‪ ،‬واإلجابة عليها لتتيح املجال لتوصيف ماهية‬
‫القيادة السياسية‪.‬‬ ‫الثقافة اإلستراتيجية لدولة ما‪:‬‬
‫قبيل إقامة الدولة‪ ،‬بدأ إرساء األعراف والتقاليد التنظيمية‬ ‫‪1 .‬وظيفة احلرب في نظر املجتمع‪.‬‬
‫في مجال األمن‪ .‬ليشكل هذا العامل ال سمة الرابعة في بلورة‬
‫‪ 2 .‬كيف ينظر املجتمع إلى العالقة مع اخلصوم‪.‬‬
‫الثقافة اإلستراتيجية للدولة‪ ،‬وقد ساهم ً‬
‫أيض ا في تكوين الثقافة‬
‫‪ 3 .‬تصور بشأن جدوى استخدام القوة‪.‬‬
‫اإلستراتيجية وحت ّولها من دفاعية إلى هجومية‪.‬‬
‫‪4 .‬املمارسة التراكمية (األعراف والتقاليد) على م ّر ال سنني‬
‫ترجمة من العبرية‪ :‬أمير ّ‬
‫مخ ول‬
‫والتي تنظم العالقة بني النخب املختلفة‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫‪David C. Rapoport. «A Comparative Theory of Military and Political‬‬ ‫الهوامش‬
‫‪Types» in Samuel Huntington (Ed.) Changing Patterns of Military‬‬
‫‪Politics. (New-York: Free Press, 1962), Pp. 71-101.‬‬
‫‪ .1‬بو ّدي أن أشكر الربوفسور ياجيل ليفي من الجامعة املفتوحة عىل املساعدة‬
‫‪ .٢٢‬شابريا‪ .‬سيف الحمامة‪2002 ،...‬‬ ‫الكبرية يف التوجيه واملشورة يف كتابة املقال‪.‬‬
‫‪ .٢٣‬للتوسّ ع حول مطلب قيادة الييشوف ورد فعلها‪ ،‬انظر‪ :‬جاد برزيالي‪.‬‬ ‫‪ .2‬إليوت كوهني‪ .‬القيادة العليا‪ :‬رجال عسكريون أم رجال دولة ‪ -‬من‬
‫الديمقراطية يف الحروب‪ :‬الخالف والتوافق يف إرسائيل‪( .‬تل أبيب‪ :‬سفريات‬ ‫سيقود الحروب ؟ (تل أبيب‪ :‬معرخوت‪ ،)2003 ،‬ص ‪130-129‬‬
‫هبوعليم ‪ ،)1992‬ص ‪44-40‬؛ شابريا‪ .‬سيف الحمامة‪ ،2002 ،...‬ص ‪- 392‬‬ ‫‪ .3‬يرمياهو يوفيل‪« .‬الحكمة والواقع والخطاب الفلسفي عند هيغل»‪ .‬عييون‬
‫‪394‬؛ كيمرلينغ‪« ،‬العسكرة يف املجتمع اإلرسائييل»‪ ،‬ص ‪.141 - 123‬‬ ‫املجلد ‪ ،)1986/1985( 26‬ص ‪.99‬‬
‫‪4. Dale C. Copeland.“The Constructivist Challenge to Structural.‬‬
‫‪ .٢٤‬شابريا‪ .‬سيف الحمامة‪.2002 ،...‬‬ ‫‪Realism,” International Security, Vol. 25, No. 2 (2000), pp. 187-212‬‬
‫‪ .٢٥‬دافيد بن غوريون‪ .‬هيلحم يرسائيل‪( .‬تل أبيب‪ :‬حزب عمال أرض إرسائيل‬ ‫‪; Alexander Wendt. «Anarchy Is What States Make of It: The Social‬‬
‫(مباي)‪ ،)1951 ،‬صفحة ‪.351‬‬ ‫‪Construction of Power Politics,» International Organization 46, no.‬‬
‫‪ .٢٦‬ملزيد من املعلومات حول ميزان القوى خالل حرب االستقالل‪ ،‬انظر ألون‬ ‫‪2.(1992), Pp. 391-425.‬‬
‫كاديش وبنيامني زئيف كيدار‪ .‬القلّة مقابل الكثرة؟ تأمالت يف ميزان‬ ‫‪ .٥‬أمرية جلني‪ .‬ديناميات التفاوض ‪ -‬من النظرية إىل التطبيق‪( .‬تل أبيب‪:‬‬
‫القوى الكمي يف معارك يهودا همكابي وحرب االستقالل‪( .‬القدس‪:‬‬ ‫راموت‪ ،)1996 ،‬ص ‪.211 - 209‬‬
‫ماغنيس الجامعة العربية‪ ،1996( ،‬ص ‪194‬؛ ايالن عميتسور‪« .‬توازن القوى‬ ‫‪6. Michael Handel. «The Evolution of Israeli strategy: The Psychology‬‬
‫والجهوزية الحربية»‪ .‬ضمن ألون كاديش (محرر) حرب االستقالل – نقاش‬ ‫‪of Insecurity and the Quest for Absoulute Security». In Murray‬‬
‫‪Williamson, Knox Macgregor, Alvin Bernstein (eds) The Making of‬‬
‫مستجد‪( .‬إرسائيل‪ :‬وزارة الدفاع‪)2005 ،‬؛ يهوشع بن أرييه‪« .‬بداية تأريخ‬ ‫‪strategy: rulers, states, and war. (Cambridge: Cambridge University‬‬
‫حرب االستقالل»‪ .‬ضمن انظر ألون كاديش وبنيامني زئيف كيدار‪ .‬القلّة‬ ‫‪Press, 1996) ; Dima, Adamsky. The Culture of Military Innovation:‬‬
‫مقابل الكثرة؟ تأمالت يف ميزان القوى الكمي يف معارك يهودا همكابي‬ ‫‪The Impact of Cultural Factors on the Revolution in Military Affairs‬‬
‫وحرب االستقالل‪( .‬القدس‪ :‬ماغنيس الجامعة العربية‪.1996( ،‬‬ ‫‪in Russia, the U.S.A and Israel. (California: Stanford University‬‬
‫‪ .٢٧‬شابريا‪ .‬سيف الحمامة‪2002 ،...‬؛ كاديش‪ ،‬وكيدار‪ .‬القلّة مقابل الكثرة‪...،‬‬ ‫‪Press, 2010); Gregory F. Giles. Continuity and Change in Israel’s‬‬
‫‪ .٢٨‬كيمرلينغ‪« ،‬العسكرة يف املجتمع اإلرسائييل»‪.129،‬‬ ‫)‪Strategic Culture. (USA: Defense Threat Reduction Agency, 2002‬‬
‫‪7. Alastair Johnston. «Thinking about strategic culture», International‬‬
‫‪ .٢٩‬بن أليعازر‪ .‬من منظار البندقية‪1995 ،... :‬؛ بن أليعازر‪« .‬املجتمع‬ ‫‪Security. 19- 4 (1995), Pp. 38-47.‬‬
‫العسكري واملجتمع املدني يف إرسائيل‪2001 ،...‬؛ يوآف جيلرب‪ .‬نواة لجيش‬ ‫‪8. Alastair Johnston. «Thinking about strategic culture», International‬‬
‫عربي نظامي‪( .‬القدس‪ :‬ياد بن تسفي‪)1986 ،‬؛ يوآف جيلرب‪ ،‬جذور الزنبق‪.‬‬ ‫‪Security. 19- 4 (1995), Pp. 38-42 ; Jeannie Johnson. «Strategic‬‬
‫(تل أبيب‪ :‬وزارة الدفاع‪.)1992 ،‬‬ ‫‪Culture: Refining the Theoretical Construct». In Jeffrey A. Larsen‬‬
‫‪ .٣٠‬مركز املعلومات‪ .‬التحركات العملياتية يف حرب قيام الدولة‪( .‬إرسائيل‪:‬‬ ‫‪(ed) Comparative Strategic Cultures Curriculum, (USA: Defense‬‬
‫خدمة املطبوعات‪.)1973 ،‬‬ ‫‪Threat Reduction Agency, 2006)..‬‬
‫‪ .٣١‬بن أليعازر‪ .‬من منظار البندقية‪ .1995 ،... :‬ص‪ 268-252.‬؛ مئري باعيل‪.‬‬ ‫‪ .9‬كان شمعون بار غيورا من قادة التمرد‪ ،‬وحقق انتصارات كبرية ضد املحتل‬
‫استقالل ‪( .1949-1948‬تل أبيب‪ :‬وزارة الدفاع‪ ،)1990 ،‬ص ‪.49-40‬‬ ‫الروماني‪ ،‬ولغاية سقوطه‬
‫‪10. Adamsky. The Culture of Military Innovation…., 2010‬‬
‫‪ .٣٢‬أرشيف الدولة (‪ )1948‬بروتوكوالت ‪ ، 1948/5/13 - 1948/4/18‬الصفحة ‪.70‬‬
‫‪ .٣٣‬زهافا أوستفيلد‪ .‬والدة الجيش‪ ،‬املراحل الرئيسية يف بناء الجيش بقيادة‬ ‫‪ .١١‬أنيتا شابريا ‪ ،‬أنيتا‪ .‬سيف الحمامة‪ :‬الصهيونية والقوة ‪.1948 - 1881‬‬
‫بن غوريون‪( .‬تل أبيب‪ :‬معرخوت‪ ،)1994 ،‬ص ‪.74-70‬‬ ‫(تل أبيب‪ :‬عم عوفيد‪.)2002 ،‬‬
‫‪ .١٢‬عوزيئيل ليف‪ .‬بار غيورا وهاشومري‪ ،‬من فكرة أمنية إىل منظمة أمنية‬
‫‪ .٣٤‬يف األيام األوىل لحرب االستقالل ‪ ،‬قال بن غوريون‪« :‬لم أكن أب ًدا عسكريًا ‪ ...‬لم‬
‫‪( .1914-1907‬تل أبيب‪ :‬معرخوت‪)1985 ،‬‬
‫أكره أب ًدا الحرب والنزعة العسكرية كما أكرهها اآلن ‪ ...‬ال أعرف كارثة أعظم وأشمل‬ ‫‪ .١٣‬عىل الرغم من أن القتىل لم يسقطوا يف معركة بطولية بل أصيبوا بنريان كمني‪،‬‬
‫أيضا للمنترصين» شموئيل‬ ‫من الحرب‪ .‬إنها كارثة ليس فقط للمهزومني ولكن ً‬
‫فقد كانت هناك محاولة إلضفاء البطولة عىل سقوطهم‪.‬‬
‫كوهني‪ -‬شيني‪ .‬يف حذاء مغرب وربطة عنق‪( ،‬تل أبيب‪ :‬معرخوت‪ ،)2002 ،‬ص‬ ‫‪ .١٤‬إعالن نعي من بوعيل تسيون يف أعقاب موت ثالثة شبان يف ربيع عام‬
‫‪ .17-16‬وواصل بن غوريون يف التعبري عن معارضته لظاهرة النزعة العسكرية‪،‬‬ ‫‪ .1909‬نقالً عن‪ :‬يونتان‪ ،‬فرنكل‪« ،‬كتاب هيزكور من عام ‪ - 1911‬مالحظة‬
‫وذلك عىل عتبة املعارك الحاسمة يف نهاية حرب االستقالل قائال‪« :‬إما عسكرة بالدنا‬ ‫حول األساطري القومية يف فرتة الهجرة (العلياه) الثانية»‪ ،‬يهدوت زمانينو‪،‬‬
‫أو الهجرة واالستيطان ‪ ،‬فال مفر من الحرية‪ .‬إننا ال نرفض العسكرة جوهريا‪ ،‬إننا‬ ‫‪ ،)1988( 4‬ص ‪.90‬‬
‫ال نريد أن ننشئ يف البالد ال نسخة سيئة وال جيدة السبارطة»‪ .‬أنظروا ديفيد بن‬ ‫‪ .١٥‬أنيتا شابريا‪ .‬اليهود الجدد اليهود القدامى‪( .‬تل أبيب‪ :‬عم عوفيد‪،)1997 ،‬‬
‫غوريون ‪ .‬مذكرات الحرب ‪( ،‬تل أبيب‪ :‬دار نرش وزارة الدفاع‪ ،)1982 ،‬ص ‪.524‬‬ ‫ص ‪175-155‬؛ ليف‪ .‬بار غيورا وهاشومري‪.1985....‬‬
‫‪ .٣٥‬عن محاولة عزل يرسائيل جالييل من منصبه و»تمرد الجنراالت» الذي أعقب‬ ‫‪ .١٦‬هذا عىل الرغم من حقيقة أن الحدث نفسه كان فاشالً‪ .‬لم تصل تعزيزات يف‬
‫هذه املحاولة يمكن مراجعة مئري باعيل ورونني عزرئيل‪ .‬االنشقاق يف ‪.1948‬‬ ‫الوقت املناسب‪ ،‬وتم إخالء تل حاي وكفار جلعادي بعد الحادث‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬
‫(رمات إيفعال‪ :‬مركز جالييل‪ ،)1991 ،‬ص ‪.209-202‬‬ ‫‪ .١٧‬بريل كاتسينلسون‪ )1902( .‬أخبار ومحادثات ورسائل‪ .‬أحدوت‬
‫‪ .٣٦‬باعيل وعزريئيل‪ .‬االنشقاق يف ‪ ...1948‬ص ‪.194 - 190‬‬ ‫هعفوداه‪ ،‬حزب العمال يف «أرض إرسائيل»‪ :‬كتيب ‪( .29‬تل أبيب‪،)1902 ،‬‬
‫‪ .٣٧‬أوستفيلد‪ .‬والدة الجيش‪ ،1994 ...‬ص ‪.78‬‬ ‫صفحة ‪.1‬‬
‫‪ .٣٨‬زروبافيل جلعاد وماتي ميجد (محرران)‪ .‬كتاب البلماح ‪( ،‬تل أبيب‪:‬‬ ‫‪ .١٨‬للتوسع باملوضوع وألمثلة إضافية‪ ،‬راجع‪ :‬شابريا‪ .‬سيف الحمامة‪.2002 ،...‬‬
‫هكيبوتس همؤوحاد‪ ،)1955 ،‬الصفحات ‪.76 – 71‬‬ ‫‪ .١٩‬شابريا‪ .‬سيف الحمامة‪.2002 ،...‬‬
‫‪ .٣٩‬عامل آخر ال يقل أهمية فيما يتعلق بنفور بن غوريون من البلماح – هو‬ ‫‪ .٢٠‬باروخ كيمرلينغ‪« .‬العسكرة يف املجتمع اإلرسائييل»‪ .‬تيئوريا وبيكورت ‪4‬‬
‫نظرته إىل البلماح كأداة طيّعة يف أيدي حزب مابام ألن البلماح كان متماثال مع‬ ‫(‪ ،)1993‬ص ‪.129‬‬
‫حركة الكيبوتس املوحد وكبار قادته كانوا أعضاء يف األحزاب األم مع التنويه بأن‬ ‫‪ .٢١‬ملزيد من املعلومات‪ ،‬انظر‪ :‬يهوشفاط هركابي‪ .‬الحرب واإلسرتاتيجية‪( .‬تل‬
‫هذا ليس يف جوهر هذا املقال‪.‬‬ ‫أبيب‪ :‬معرخوت ‪ )1990‬؛ كيمرلينغ‪« .‬العسكرة يف املجتمع اإلرسائييل»؛ أوري‬
‫‪ .٤٠‬أوستفيلد‪ .‬والدة الجيش‪ ،1994 ...‬ص ‪720‬؛ أنيتا شابريا‪ .‬من إقالة رئيس‬ ‫بن أليعازر‪ .‬طريقة التوجيه‪ :‬تشكيل العسكرة اإلرسائيلية ‪.1936-1956‬‬
‫القيادة العسكرية حتى حل البلماح‪( .‬تل أبيب‪ :‬حديكيل‪.)1985 ،‬‬ ‫(تل أبيب‪ :‬دفري‪ .)1995 ،‬أوري بن أليعازر‪« .‬املجتمع العسكري واملجتمع املدني‬
‫‪105‬‬ ‫يف إرسائيل‪ :‬مظاهر مناهضة العسكرة والنزعة العسكرية الجديدة يف عرص ما‬
‫‪ .٤١‬من منظار البندقية‪1995 ،... :‬؛ دوف بن يهودا‪ .‬الجهاز االمني‪ ،‬تاريخه‪،‬‬
‫وبنيته وسياسته‪( .‬تل أبيب‪ :‬منشورات حيمد يديعوت أحرونوت‪.)2009 ،‬‬ ‫بعد الهيمنة»‪ .‬لدى ‪ :‬ماجد الحاج وأوري بن أليعازر (محرران)‪ .‬باسم األمن‪:‬‬
‫شابريا‪ .‬سيف الحمامة‪.2002 ،...‬‬ ‫علم اجتماع السالم والحرب يف عرص متغري‪(.‬حيفا‪ :‬جامعة حيفا‪.)2001 ،‬‬
‫عدد ‪79‬‬
‫مقاالت‬
‫*‬
‫أيمن طالل يوسف‬
‫*‬
‫محمود الفطافطة‬

‫إسرائيل وأذربيجان‪ :‬البدايات‪ ،‬وآفاق الشراكة اإلستراتيجية‬

‫خاص ًة أرمينيا وإيران وروسيا؛ بهدف إقامة عالقات معها وصلت‬ ‫تهدف هذه الدراسة إلى التعريف بعالقة إسرائيل املتنامية‬
‫إلى درجة الشراكة اإلستراتيجية واالقتصادية‪ ،‬وقد ساهمت‬ ‫مع أذربيجان من املنظورين اإلستراتيجي واالقتصادي‪ ،‬في‬
‫عوامل الطاقة وأنابيب البترول واخلطر اإليراني واالعتبارات‬ ‫ضوء توسع إسرائيل في عالقاتها اخلارجية بعد نهاية احلرب‬
‫اجليوبوليتيكية في تعزيز هذه الشراكة‪.‬‬ ‫الباردة‪ ،‬وزوال القطبية الثنائية واستبدالها باألحادية القطبية‬
‫منهجية البحث وصفية حتليلية‪ ،‬حيث مت استقاء املعلومات‬ ‫في ال سياسة الدولية‪ .‬يضع البحث في البداية عالقات إسرائيل‬
‫واملعطيات من مصادر متنوعة‪ ،‬بالرغم من ق لّ تها‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ضمن إطار نظري متجدد من خالل تغطية الواقعية والواقعية‬
‫حتليل هذه املعطيات ومناقشتها وتف سير ها للوصول إلى‬ ‫اجلديدة والليبرالية والليبرالية اجلديدة‪ ،‬قبل أن ينتقل الستعراض‬
‫مالحظات ختامية‪.‬‬ ‫أرضية تاريخية عن القوقاز وآسيا الوسطى وصراع القوى‬
‫الدولية في هاتني املنطقتني املتداخلتني جغرافي ًا وإستراتيجي ًا‪.‬‬
‫مقدمة‬ ‫لعبت إسرائيل على وتر خالفات أذربيجان مع دول اجلوار؛‬
‫أدى انهيار االحتاد ال سوفييتي في عام ‪ 1991‬وتفككه إلى‬ ‫‪106‬‬
‫* أستاذ العلوم السياسية والعالقات الدولية في اجلامعة العربية األميركية‪-‬جنني‬
‫‪ 15‬جمهورية متباعدة الرؤى واملشارب السياسية واجلغرافية‬ ‫* أستاذ العالقات الدولية ومؤسس « باحثون بال حدود» ــ فلسطني‬

‫عدد ‪79‬‬
‫ُبعيد تفكك اإلمبراطورية السوفييتية احتلت إقامة عالقات مع جمهورية‬
‫أذربيجان أولوية خاصة في السياسة الخارجية اإلسرائيلية‪ ،‬نظرًا العتبارات سياسية‬
‫واقتصادية وإستراتيجية‪ .‬وكان أول اتصال إسرائيلي مع الرئيس األذري حيدر‬
‫علييف في عام ‪ ،1993‬حينما قام أفرايم سنيه (حزب العمل) بزيارة باكو عاصمة‬
‫أذربيجان‪.‬‬

‫إن إسرائيل تؤيد هذا االجتاه ألنه من وجهة نظرها أنه في‬ ‫إلى متهيد األرضيات املالئمة أمام العديد من دول العالم مبا‬
‫حالة مت تبني النموذج اإلسالمي في احلكم في بعض هذه‬ ‫فيها أميركا وإسرائيل وتركيا والصني والهند وإيران وروسيا‬
‫اجلمهوريات‪ ،‬فإن ذلك يؤدي إلى تعزيز العالقات العربية مع‬ ‫وباكستان والسعودية إلى زيادة االهتمام بآسيا الوسطى‬
‫هذه الدول‪ ،‬هذا فض ًال عن دعم إسرائيل الواضح إلى التجربة‬ ‫وجمهورياتها املتعددة التي متتلك الشيء الكثير من كل شيء‪.‬‬
‫العلمانية في تركيا‪ ،‬واعترافها املباشر بهذه اجلمهوريات لتعزيز‬ ‫واجهت جمهوريات القوقاز وآسيا الوسطى في الوقت نف سه‬
‫‪2‬‬
‫الدور التركي‪ ،‬ومن ورائه الدور اإلسرائيلي في هذه املنطقة‪.‬‬ ‫مشاكل عديدة مستعصية مثل الفقر والبطالة والتضخم وضعف‬
‫لكن النجاحات الواضحة والالفتة للنظر في هذه املنطقة‬ ‫االقتصاد املسيطر عليه من قبل الدولة على شاكلة االقتصاد‬
‫كانت من نصيب تركيا‪ ،‬ألن التدخل التركي لم يكن مثالي ًا ح امل ًا‬ ‫املوجه لألنظمة االشتراكية التوتاليتارية‪ ،‬فض ًال عن أن اقتصاديات‬
‫يركز فقط على العالقات والروابط الثقافية‪ ،‬بل امتدت عالقات‬ ‫هذه الدول‪ ،‬مباشرة بعد االنفصال عن االحتاد ال سوفيتي ال سابق‪،‬‬
‫تركيا مع هذه الدول إلى االقتصاد والعالقات الواقعية املنفعية‪،‬‬ ‫وبدرجة كبيرة على الزراعة مع استثمارات محدودة‬
‫ٍ‬ ‫كانت تعتمد‬
‫خاصة في ظل حاجة هذه الدول إلى امل ساعدات االقتصادية‬ ‫جد ًا في هذا املجال‪ ،‬خاصة االستثمارات اخلارجية‪.‬‬
‫املباشرة وغير املباشرة‪ .‬ومع نهاية احلرب الباردة وتراجع أهمية‬ ‫في عام ‪ ،1992‬انضمت اجلمهوريات اإلسالمية في آسيا‬
‫تركيا اإلستراتيجية في عيون الدول الغربية بعد زوال التهديد‬ ‫الوسطى إلى منظمة التعاون االقتصاد ي �‪Economic Coop‬‬
‫الشيوعي‪ ،‬ما دفعها إلى إعادة أولويات سياستها اخلارجية‬ ‫‪ eration Organization‬باالشتراك مع تركيا وإيران وباك ستان‬
‫‪3‬‬
‫حيث كان القوقاز أحد هذه األولويات‪.‬‬ ‫وأفغانستان‪ .‬كانت إيران أكبر املستفيدين من هذه الشراكة‬
‫لم تُظهر إسرائيل ح ساسية خاصة أو الفتة للنظر بشأن‬ ‫االقتصادية والثقافية اجلديدة‪ ،‬حيث استطاعت تطوير روابط‬
‫التمدد التركي في آسيا الوسطى والقوقاز‪ ،‬ال سيما أن‬ ‫ثقافية مع بعض هذه اجلمهوريات‪ ،‬خاصة الناطقة بالفارسية‬
‫العالقة مع تركيا تطورت بشكل متسارع بعد إقامة عالقات‬ ‫مثل طاجيكستان من خالل تأسيس منظمة الشعوب الناطقة‬
‫دبلوماسية كاملة معها في أعقاب انهيار احلرب الباردة‬ ‫بالفارسية (إيران وأفغانستان وطاجيكستان) ‪ ،‬وروابط مشتركة‬
‫وانتهاء حرب اخلليج الثانية‪ ،‬وظهور متغيرات في العالقات‬ ‫مع تركمستان القريبة منها جغرافي ًا وثقافي ًا‪ ،‬واشتراكهما‬
‫الدولية وال سياسة اإلقليمية‪ .‬في حقيقة األمر‪ ،‬ارتأى الكثير‬ ‫مع دول أخرى في اقت سام ثروات بحر قزوين خاصة الغاز‬
‫من ال سياسيني وصناع القرار واخلبراء اإلسرائيليني ‪Think‬‬
‫‪1‬‬
‫الطبيعي‪.‬‬
‫‪ Tanks‬التعاون مع األتراك من خالل جهد منظم ومشترك‬ ‫رأت إسرائيل في اجلمهوريات اإلسالمية التي انفصلت‬
‫بهدف محاربة النموذج اإليراني « األصولي»‪ ،‬حيث أن ميكا‬ ‫عن االحتاد ال سوفييتي ال سابق سوق ًا استهالكي ًة للصناعات‬
‫هاريش اعتبرت النفوذ التركي خالل فترة الت سعينيات في هذه‬ ‫اإلسرائيلية‪ ،‬فض ًال عن االستثمارات الضخمة في هذه األسواق‬
‫املنطقة ميكن أن ُي شكل جسر عبور إلسرائيل والستثماراتها‬ ‫خاصة في املجال النفطي‪ .‬واحلقيقة أن تصريحات قادة هذه‬
‫‪4‬‬
‫املالية واالقتصادية ومشاريعها السياسية إلى آسيا الوسطى‪.‬‬ ‫الدول تعكس أمنوذج ًا سياسي ًا معين ًا‪ ،‬وهو منوذج فصل‬
‫‪107‬‬
‫منطقي ًا وطبيعي ًا‪ ،‬لم تكن تركيا وإيران وإسرائيل هي‬ ‫الدين عن الدولة‪ ،‬والغرب عموم ًا يؤيد هذا التوجه بقوة‪ ،‬كما‬

‫عدد ‪79‬‬
‫‪7‬‬
‫ال سوفييتية معادة لل سامية في تلك احلقبة التاريخية‪.‬‬ ‫القوى الفاعلة الوحيدة في آسيا الوسطى‪ ,‬فقد دخلت دول‬
‫ُب عيد تفكك اإلمبراطورية ال سوفييتية احتلت إقامة عالقات‬ ‫وقوى أخرى على اللعبة العظيمة ‪Great Game in Central‬‬
‫مع جمهورية أذربيجان أولوية خاصة في السياسة اخلارجية‬ ‫‪ Asia‬خاصة روسيا التي تعتبر هذه املنطقة جزء ًا من إرثها‬
‫‪8‬‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬نظر ًا العتبارات سياسية واقتصادية وإستراتيجية‪.‬‬ ‫التاريخي واإلمبراطوري‪ ،‬ال سيما في زمن القياصرة واحلقبة‬
‫وكان أول اتصال إسرائيلي مع الرئيس األذري حيدر علييف‬ ‫السوفييتية‪ ،‬فض ًال عن الصني املهتمة بتطوير عالقات‬
‫في عام ‪ ،1993‬حينما قام أفرامي سنيه (حزب العمل) بزيارة‬ ‫اقتصادية واستكشاف األسواق ملنتجاتها املتنامية في هذه‬
‫باكو عاصمة أذربيجان‪ ،‬حيث بدأت العالقة التجارية بالنمو‬ ‫الدول‪ ،‬وبهدف حتديث منطقة زينجيانغ‪ -‬ترك ستان الصينية‪-‬‬
‫خاصة في الصناعات الغذائية االستهالكية‪ ،‬وحينها بدأت‬ ‫ذات الغالبية املسلمة املتاخمة جلمهوريات آسيا الوسطى‪،‬‬
‫الشوكوالتة واخلمور واملشروبات الغازية اإلسرائيلية في غزو‬ ‫وحملاربة أي محاولة لتصدير منوذج إسالمي أصولي‪ ،‬ولتشجيع‬
‫‪9‬‬
‫األسواق األذرية‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫العلمانية‪.‬‬
‫لكنّ العامل احلاسم واملهم الذي قرب بني البلدين كان‬ ‫وقد سعت إسرائيل لتحقيق مجموعة من األهداف من خالل‬
‫تواجد أقلية يهودية صغيرة نسبي ًا من حيث العدد‪ ،‬لكنها قوية‬ ‫تواجدها في بعض دول آسيا الوسطى‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫وفاعلة من حيث التأثير ال سياسي واالقتصادي في أذربيجان‪,‬‬ ‫منع قيام أي جتمع إسالمي غير عربي مناهض إلسرائيل‬
‫ومنذ بداية ت سعينيات القرن العشرين كان عدد اليهود األذريني‬ ‫ومعاد ملصاحلها في آسيا الوسطى‪ ،‬بحيث يتحالف مع الدول‬ ‫ٍ‬
‫ال يتجاوز ‪ 20‬ألف نسمة‪ ،‬إضافة إلى أن نسبة منهم ّ‬
‫فض لت‬ ‫العربية في الشرق األوسط لعزلها دولي ًا‪.‬‬
‫الهجرة إلى إسرائيل‪ ،‬ألنه لم يكن هناك قيود أو معيقات‬ ‫محاربة أي «منوذج أصولي إسالمي» يكون مقرب ًا من فكر‬
‫فرضتها احلكومة األذرية على هجرتهم خارج أذربيجان‪،‬‬ ‫القاعدة أو من الفكر ال سلفي اجلهادي‪ ،‬بحيث ميكن أن يطور‬
‫وكنتيجة لتوجه احلكومة األذرية والرئيس علييف بعدم تعزيز‬ ‫له امتدادات مع إيران الثورة ومنوذجها الشيعي‪.‬‬
‫«األصولية الدينية» داخل البالد‪ ،‬فقد ّ‬
‫فض ل االبتعاد قدر اإلمكان‬ ‫تبديد أي محاولة من هذه الدول لتصدير تقنيات نووية أو‬
‫عن إقامة عالقات وثيقة أو طبيعية جد ًا مع إيران الشيعية‬ ‫حتى أسلحة ورثتها عن اإلمبراطورية ال سوفيتية ال سابقة إلى‬
‫والثورية القائمة على أساس تصدير الثورة خارج حدودها‪ ،‬ما‬ ‫« دول أو مجموعات إرهابية معادية» مثل إيران أو سورية أو‬
‫أه ل أذربيجان للدخول في عالقات أقوى مع إسرائيل والغرب‬ ‫ّ‬ ‫ليبيا أو حتى باك ستان أو منظمات مثل القاعدة وحزب الله‬
‫عموم ًا‪ ،‬هذا مع العلم أن عدد األذريني ال ساكنني في إيران‬ ‫‪6‬‬
‫واجلماعات الوهابية األخرى‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫يتجاوز عدد سكان أذربيجان نف سها‪.‬‬
‫كان هناك حماس أذري كبير لفتح قنوات اتصال مع‬
‫بداية العالقة مع أذربيجان‬
‫اإلسرائيليني في ظل سياسة االنفتاح الكبير على الغرب‬
‫تشير أغلب املصادر التاريخية إلى أنّ اليهود من أصول‬
‫والواليات املتحدة‪ ،‬طمع ًا في احلصول على استثمارات جديدة‬
‫اجلبال واألشكناز واجلورجيني عاشوا في أذربيجان املعاصرة‬
‫وتكنولوجيا متطورة‪ ،‬وهذا دفع أذربيجان إلى فتح حوار‬
‫بسالم وهدوء ورفاهية اقتصادية منذ نهاية القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫إستراتيجي شامل مع اإلسرائيليني ملعرفة آفاق التعاون معهم‬
‫حيث أضحت العاصمة اآلذرية (باكو) من أهم أماكن جتمع‬
‫في كل املجاالت‪ .‬في عام ‪ 1993‬بذل علي كارميوف‪ ،‬مدير عام‬
‫اليهود في القوقاز‪ ،‬وتزامن ذلك من بدايات استكشاف البترول‬
‫وزارة اخلارجية األذرية‪ ،‬جهود ًا كبيرة لتنسيق اجتماع بني‬
‫في بحر قزوين‪ ،‬وتذكر املصادر نف سها أن شركة قزوين البحر‬
‫الرئيس األذري ورئيس الوزراء اإلسرائيلي إسحق رابني‪ ،‬كما‬
‫األسود الروسية العاملة في مجال الطاقة كانت مملوكة من‬
‫أن ميمت غومارندوف‪ ،‬رئيس بلدية باكو‪ ،‬كان أول من اتصل‬
‫قبل عائلة روتشيلد اليهودية‪ ،‬والتي توسعت في استثماراتها‬
‫مع اإلسرائيليني من أجل احلصول على متويل إلقامة فنادق‬
‫في أذربيجان والقوقاز قبيل احلرب الع املية الثانية‪ ،‬ومع انتهاء‬
‫ومنتجعات سياحية في العاصمة األذرية‪ ،‬كما وسعى إلى‬
‫احلرب العاملية الثانية في عام ‪ 1945‬تدفق آالف اليهود‬ ‫‪108‬‬
‫توقيع معاهدة توأمة مع مدينة حيفا بهدف تعميق التعاون‬
‫األشكناز إلى أذربيجان على اعتبار أنها كانت أقل اجلمهوريات‬
‫‪11‬‬
‫في مجاالت أكبر وأوسع‪.‬‬
‫عدد ‪79‬‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫ساهمت بداية تحوالت جديدة في البيئة اإلقليمية الواسعة إلسرائيل‬
‫تدريجي في إعالء شأن العالقات مع أذربيجان‪ ،‬ففي منتصف التسعينيات بدأت‬
‫إسرائيل تلتفت أكثر إلى المشروع النووي اإليراني‪ ،‬وتحذر من مخاطره عليها‬
‫وعلى أمن المنطقة‪ .‬ورأت إسرائيل في أذربيجان ساحة خلفية مهمة في التصدي‬
‫للمشروع النووي‪.‬‬

‫إسرائيل‪.‬‬ ‫في املقابل‪ ،‬كان هناك تردد إسرائيلي من املضي قدم ًا‬
‫ترى إسرائيل في أذربيجان مركب ًا مهم ًا من مركبات إعادة‬ ‫وب سرعة في تعزيز التعاون مع أذربيجان لعدة اعتبارات مهمة‬
‫إحياء سياسات األطراف التي تراها جزء ًا من منظومتها‬ ‫منها عدم الرغبة اإلسرائيلية في عزل عالقاتها مع أرمينيا‪،‬‬
‫اإلستراتيجية العامة في ال سنوات األخيرة‪.‬‬ ‫جارة أذربيجان وعدوتها اللدود‪ ،‬عن سياق عالقاتها مع دول‬
‫ترى إسرائيل في عالقتها مع أذربيجان أهمية رمزية إلى‬ ‫القوقاز عموم ًا خاصة أذربيجان‪ ،‬ال سيما أن الدولتني ‪ -‬أرمينيا‬
‫جانب األهمية اإلسرائيلية‪ ،‬فأذربيجان دولة م سلمة وشيعية‬ ‫وأذربيجان ‪ -‬كانتا وما زالتا في وضع اشتباك مع بعضهما‬
‫وعضو في منظمة مؤمتر الدول اإلسالمية‪ ،‬وهذا يحمل أهمية‬
‫‪12‬‬
‫البعض في ناغورني غارا باخ‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫كبيرة إلسرائيل من الناحية الرمزية‪.‬‬ ‫من جانبها فضلت إسرائيل‪ ،‬إتباع سياسة احلياد اإليجابي‬
‫شكلت العالقات مع أذربيجان بالنسبة إلسرائيل فرصة‬ ‫والدبلوماسية الهادئة في إدارة عالقاتها وحتالفاتها في هذه‬
‫ال تعوض في الكثير من احملاور‪ ،‬وازدادت أهمية هذه الدولة‬ ‫املنطقة احل ساسة واحليوية لعوامل جيو إستراتيجية وجيو‬
‫تباع ًا بالنسبة إلسرائيل‪ ،‬إذ كانت إسرائيل تتعامل مع هذه‬ ‫اقتصادية‪ ،‬مع األخذ باالعتبار املتغير األرمني والعام لَني‬
‫اجلمهورية بداية تعام ًال عادي ًا‪ ،‬في إطار اإلجناز الرمزي؛ أي‬ ‫التركي واإليراني‪ ،‬ألن أي وجود إسرائيلي ساطع والمع سياسي ًا‬
‫إقامة عالقات مع دولة م سلمة‪ ،‬ورمبا رأت إسرائيل في املوضوع‬ ‫واقتصادي ًا في أي من البلدين ميكن أن يثير حفيظة األرمن‬
‫االقتصادي الرافعة الوحيدة للعالقات مع أذربيجان إلى جانب‬ ‫واألذريني واألتراك واإليرانيني وحتى الروس واجلورجيني‪ ،‬ورغبة‬
‫الرافعة الرمزية‪ ،‬فالبحث عن الطاقة بالنسبة إلسرائيل كان‬ ‫منهم في عدم إزعاج تركيا على وجه اخلصوص بعالقة وثيقة‬
‫موضوع ًا يتعلق باألمن القومي اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫مع جمهورية أرمينيا في ضوء العالقة املتوترة معها في قضية‬
‫مذبحة األرمن والدعم التركي املتواصل ألذربيجان في نزاعها مع‬
‫إال أن بداية حتوالت جديدة في البيئة اإلقليمية الواسعة‬
‫أرمينيا‪ 13 .‬لكنّ احلقائق والسياسات واالستثمارات اإلسرائيلية‬
‫بشكل تدريجي في إعالء شأن العالقات مع‬‫ٍ‬ ‫إلسرائيل ساهمت‬
‫على أرض الواقع أثبتت أن إسرائيل انحازت بشكل واضح نحو‬
‫أذربيجان‪ ،‬ففي منتصف الت سعينيات بدأت إسرائيل تلتفت‬
‫عالقة وثيقة مع أذربيجان وتركيا في محاولة منها لتشكيل‬
‫أكثر إلى املشروع النووي اإليراني‪ ،‬وحتذر من مخاطره عليها‬
‫محور مناوئ إليران وروسيا في القوقاز‪.‬‬
‫وعلى أمن املنطقة‪ .‬ورأت إسرائيل في أذربيجان ساحة خلفية‬
‫مهمة في التصدي للمشروع النووي‪ ،‬وليس صدفة أن يكون‬ ‫يرى بعض الباحثني وجود أربعة عوامل لعبت دور ًا في بلورة‬
‫نتنياهو أول م سؤول إسرائيلي كبير يزور أذربيجان عام ‪1997‬‬ ‫توجهات إسرائيل نحو تعزيز عالقتها مع أذربيجان‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫عندما شغل منصب رئيس احلكومة‪ ،‬وساعد على توثيق‬ ‫احملور اإليراني‪ ،‬حيث شكلت أذربيجان بالنسبة إلسرائيل‬
‫العالقات متاهي الرؤية بني البلدين حول تقييم اخلطر اإليراني‪.‬‬ ‫ساحة خلفية تنطلق منها في حربها ضد إيران ومشروعها‬
‫رأت إسرائيل في تعميق العالقات الدبلوماسية مع أذربيجان‬ ‫النووي‪.‬‬
‫‪109‬‬ ‫فرصة إستراتيجية كبيرة‪ ،‬وجتلى ذلك في الزيارات التي قام‬ ‫البحث عن مصادر بديلة للطاقة‪ ،‬وذلك يتعلق بأمن الطاقة‬
‫بها م سؤولون إسرائيليون قبل عام ‪ 2003‬وبعد ذلك‪ .‬فقبل عام‬ ‫القومي‪ ،‬إذ يشكل النفط األذري ‪ %40‬من واردات النفط إلى‬

‫عدد ‪79‬‬
‫تعتبر أذربيجان إحدى الدول المركزية التي تستورد الصناعات العسكرية من‬
‫إسرائيل‪ ،‬وقد تطورت العالقات بين البلدين إلى مستوى من التعاون دفع إسرائيل‬
‫إلى فتح خط إنتاج للطائرات بدون طيار في أذربيجان‪ ،‬ما يدل على الثقة المتبادلة‪.‬‬
‫وتعتبر العالقات العسكرية بين الطرفين على الصعيد االقتصادي شبيهة بتلك‬
‫العالقات التي كانت بين تركيا وإسرائيل في الماضي‪.‬‬

‫وتعتبر أذربيجان إحدى الدول املركزية التي تستورد‬ ‫‪ ،2003‬زار نتنياهو أذربيجان عام ‪ ،1997‬عندما شغل في ذلك‬
‫الصناعات العسكرية من إسرائيل‪ ،‬وقد تطورت العالقات‬ ‫الوقت منصب رئيس الوزراء‪ ،‬وهذه الزيارة كانت داللة على بداية‬
‫بني البلدين إلى م ستوى من التعاون دفع إسرائيل إلى فتح‬ ‫تبلور تصور إسرائيلي ألهمية هذه الدولة في املرحلة املقبلة‪،‬‬
‫خط إنتاج للطائرات بدون طيار في أذربيجان‪ ،‬ما يدل على‬ ‫‪15‬‬
‫سيما مع بداية احلديث عن خطر املشروع النووي اإليراني‪.‬‬
‫الثقة املتبادلة‪ .‬وتعتبر العالقات العسكرية بني الطرفني على‬ ‫إال أن تعميق العالقات بني البلدين في األلفية اجلديدة أدى‬
‫الصعيد االقتصادي شبيهة بتلك العالقات التي كانت بني‬ ‫إلى زيادة عدد الزيارات‪ ،‬كم ًا ونوع ًا‪ ،‬بني الدولتني‪ ،‬خاصة زيارة‬
‫تركيا وإسرائيل في املاضي‪ ،‬وتلك التي تتشكل بني إسرائيل‬ ‫م سؤولني إسرائيليني‪ ،‬ففي عام ‪ 2009‬زارها الرئيس اإلسرائيلي‪،‬‬
‫‪19‬‬
‫والهند في الوقت الراهن‪.‬‬ ‫حينذاك‪ ،‬شمعون بيريس‪ ،‬كما زارها رئيس الوزراء أيهود أوملرت‬
‫ميكن القول إن تطور العالقات بني الدولتني كان أسرع‬ ‫عام ‪ ،2010‬وزارها أفيغدور ليبرمان عندما شغل منصب وزير‬
‫من حيث عمقها وشكلها‪ ،‬ومتاهي الدولتني في التوجهات‬ ‫الشؤون اإلستراتيجية‪ ،‬وبعدها وزير اخلارجية ثالث مرات (‪،2010‬‬
‫السياسية‪ ،‬واملصالح اإلستراتيجية املشتركة مع أي دولة‬ ‫‪ .)2014 ،2012‬وفي العام ‪ ،2013‬زار وزير اخلارجية األذري‬
‫أخرى حاولت إسرائيل تطوير عالقتها بها في وسط آسيا‬ ‫إسرائيل‪ ،‬إذ ُأعتبرت هذه الزيارة في غاية األهمية ودلي ًال على‬
‫‪20‬‬
‫والشرق األوسط‪.‬‬ ‫العالقات القوية بني الدولتني‪ .16‬وتوجت هذه الزيارات بزيارة وزير‬
‫الدفاع موشي يلعون عام ‪ ،2014‬التي ُأعتبرت تتويج ًا للتعاون‬
‫أمل الطاقة وأنابيب البترول‬
‫‪17‬‬
‫األمني والع سكري بني البلدين‪.‬‬
‫واجهت أذربيجان مباشرة بعد االستقالل معضلتني‬ ‫لقد جاءت زيارة وزير الدفاع ال سابق موشي يعلون ألذربيجان‬
‫رئيسيتني فيما يتعلق بالنفط‪ :‬أولهما اإلصرار الروسي على‬ ‫عام ‪ 2014‬دلي ًال على عمق العالقات العسكرية بني البلدين‪،‬‬
‫اعتبار بحر قزوين مجرد بحيرة مغلقة وليس بحر ًا‪ ،‬وبالتالي‬ ‫خاصة فيما يتعلق بالتجارة العسكرية بينهما‪ ،‬وقد أعقب‬
‫فإنّ ما تنتجه البحيرة هو ملك لكل الدول املطلة عليها مع بقاء‬ ‫الزيارة سجال عام في إسرائيل حول تزويد أذربيجان بال سالح‬
‫شكل من أشكال الوصاية الروسية على أذربيجان‪ ،‬وغيرها من‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬خاصة على خلفية الصراع الدموي بينها وبني‬
‫اجلمهوريات السوفيتية السابقة‪ .‬أما املعضلة الثانية فتمثلت‬ ‫أرمينيا‪ ،‬إذ أنها قد ت ستعمل األسلحة اإلسرائيلية في حربها‬
‫في نقل مصادر الطاقة إلى اخلارج على اعتبار أن أذربيجان‬ ‫ضد أرمينيا‪ ،‬أو ميكن أن تشكل األسلحة دافع ًا لدى أذربيجان‬
‫بلد حبيس‪ ،‬وليس له موانئ بحرية‪ 21،‬ال سيما في ظل املعركة‬ ‫لتصعيد التوتر مع أرمينيا‪ .‬إال أن إسرائيل الرسمية ردت على‬
‫الشرسة بني تركيا وروسيا على استضافة أنابيب الطاقة من‬ ‫هذا ال سجال بالتأكيد أن العالقات واملصالح التي تربط إسرائيل‬
‫قزوين‪ .‬في الوقت نف سه كان إمتام مشروع خط أنابيب باكو ــــ‬ ‫مع أذربيجان هي عالقة عميقة وال تُقارن بالعالقات مع أرمينيا‪،‬‬
‫تبلي سي ـ سيحان نقطة حتول كبيرة في عالقات إسرائيل بكل‬ ‫واحلقيقة أن أذربيجان لي ست الدولة الوحيدة املوجودة في حالة‬
‫من أذربيجان وتركيا‪ ،‬ففي احتفال تدشني اخلط الذي حصل‬ ‫صراع مع جيرانها‪ ،‬وتزودها إسرائيل باألسلحة‪ ،‬خاصة في‬
‫‪110‬‬
‫في مدينة سيحان التركية على البحر املتوسط في متوز ‪2006‬‬
‫‪18‬‬
‫أفريقيا‪.‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫تنمو عالقات إسرائيل االقتصادية مع أذربيجان وبقية دول آسيا الوسطى‬
‫بوتيرة متصاعدة في مجاالت البنى التحتية واالتصاالت وتكنولوجيا المعلومات‬
‫والسياحة والمقاوالت والتعدين والزراعة والطب وصناعات النبيذ والتأمينات‬
‫بفعل نشاط اللوبي اليهودي األذري‪ ،‬الذي ُيعد أكبر اللوبيات اليهودية في القوقاز‬
‫وآسيا الوسطى‪ ،‬هذا اللوبي كان له دور كبير في إقناع إسرائيل في عام ‪ 2003‬ببناء‬
‫مستشفى باكو بتكلفة ‪ 40-30‬مليون دوالر‪.‬‬

‫فيما يتعلق مبصادر الطاقة‪ ،‬ودعمها ألرمينيا في حربها ضد‬ ‫بدعم ومشاركة أميركية فاعلة‪ ،‬كان احلضور اإلسرائيلي الفت ًا‬
‫أذربيجان‪ ،‬فض ًال عن أهمية عدم إخضاع أذربيجان « البتزازات‬ ‫للنظر ممث ًال بوزير ال ُب نى التحتية حينها بنيامني بن اليعازر‪،‬‬
‫إيرانية» في ضوء العالقة ال سيئة بني البلدين على خلفيات‬ ‫الذي كان جال س ًا مع ممثلي ‪ 36‬دولة شاركت في حفل تدشني‬
‫تاريخية وسياسية ومصاحلية‪ ،‬وفي ضوء اعتقادات وادعاءات‬ ‫‪22‬‬
‫األنبوب اجلديد‪.‬‬
‫إيرانية تعتبر أذربيجان جزء ًا من الدولة اإليرانية تاريخي ًا‪،‬‬ ‫األهم من املشاركة اإلسرائيلية في تدشني هذا اخلط البترولي‬
‫انفصلت عنها بفعل تقاطع مصالح دول كبرى بعد احلرب‬ ‫الكبير‪ ،‬كان التفكير اإلستراتيجي اإلسرائيلي املتقدم لفتح‬
‫الع املية الثانية‪.‬‬ ‫خط تابع لهذا املشروع في إيالت بهدف نقل بترول أذربيجان‬
‫سيطرت الطاقة ومشتقاتها على العالقة التجارية‬ ‫والقوقاز إلى األسواق اآلسيوية‪ ،‬ال سيما أن إيالت ال تبعد أكثر‬
‫واالقتصادية الصاعدة بني إسرائيل وأذربيجان منذ العام ‪،1991‬‬ ‫من ‪ 600‬كم من ميناء سيحان التركي‪ .‬وبالرغم من أن إسرائيل‬
‫وبح سب ال سفير اإلسرائيلي ال سابق في باكو ‪Arthur Lenk‬‬ ‫تتحفظ كثير ًا على مصادر حصولها على الطاقة من األسواق‬
‫استوردت إسرائيل ما قيمته مليار دوالر من البترول والغاز‬ ‫الدولية بصورة عامة‪ ،‬إال أنها آثرت هذه املرة الترويج اإلعالمي‬
‫األذري في ال سنوات األخيرة‪ ،‬وهذا الرقم مرشح لالرتفاع في‬ ‫لوصول أول شحنة من بترول خط باكو‪ -‬تبلي سي‪ -‬سيحان‬
‫ال سنوات املقبلة إلى أكثر من ذلك‪.‬‬ ‫بشكل الفت‪ ،‬رمبا‪ ،‬للتركيز على‬‫ٍ‬ ‫في متوز ‪ 2006‬إلى موانئها‬
‫على كل حال‪ ،‬تنمو عالقات إسرائيل االقتصادية مع‬ ‫العالقة اإلستراتيجية املتنامية مع أذربيجان‪ ،‬وإلرسال رسائل‬
‫أذربيجان وبقية دول آسيا الوسطى بوتيرة متصاعدة في‬ ‫لدوائر إقليمية وع املية حول قدرتها للتأثير على األحداث في‬
‫مجاالت البنى التحتية واالتصاالت وتكنولوجيا املعلومات‬ ‫القوقاز‪ ،‬وأن لها مصادر لتوجيه االعتبارات األمنية واالقتصادية‬
‫والسياحة واملقاوالت والتعدين والزراعة والطب وصناعات النبيذ‬ ‫في هذه املنطقة من العالم‪ ،‬ولبعث رسائل ضمنية إلى مصر‬
‫والتأمينات بفعل نشاط اللوبي اليهودي األذري‪ ،‬الذي ُي عد أكبر‬ ‫والقيادة املصرية التي كانت مترددة في تصدير الغاز إلى‬
‫اللوبيات اليهودية في القوقاز وآسيا الوسطى‪ ،‬ومن اجلدير‬ ‫إسرائيل‪ ،‬ومفاد هذه الرسائل أن إسرائيل قادرة على تأمني‬
‫بالذكر هنا أن هذا اللوبي كان له دور كبير في إقناع إسرائيل‬ ‫مصادر جديدة للطاقة‪ .‬وفي نهاية عام ‪ ،2006‬كانت أذربيجان‬
‫في عام ‪ 2003‬لبناء م ستشفى باكو بتكلفة ‪ 40-30‬مليون‬ ‫تزود إسرائيل بحولي ‪ %15‬من احتياجاتها النفطية مع توقع‬
‫دوالر‪ ،‬حيث ُي ع ّد هذا امل ستشفى األفضل في القوقاز وآسيا‬ ‫أن ترتفع هذه النسبة باطراد في السنوات القادمة في ظل‬
‫ً ‪23‬‬
‫الوسطى من حيث التجهيزات والتأسيس واملعدات واإلمكانيات‬ ‫ازدياد اإلقبال على الطاقة ع املي ا‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫واخلبرات الطبية‪.‬‬ ‫وفض ًال عن القيمة االقتصادية والبترولية لهذا األنبوب‪،‬‬
‫في هذا ال سياق يجب التشديد على أن املوافقة املبدئية‬ ‫إ ّال أن له أبعاد ًا وأصدا ًء إستراتيجية كبرى تنضوي في ظل‬
‫األميركية على خطوات إسرائيل في التوغل في أذربيجان وآسيا‬ ‫الشراكة التركية‪ -‬اإلسرائيلية‪ -‬األذرية مدعومة مبظلة أميركية‬
‫‪111‬‬ ‫وغربية عريضة‪ ،‬حيث تهدف الدول األربع من وراء هذه الشراكة‬
‫الوسطى عامل مهم وتغير محوري داعم ل سياسات إسرائيل‬
‫في التنسيق مع تركيا‪ ،‬القتحام أذربيجان من خالل العالقات‬ ‫املتنامية في قطاع الطاقة إلى إضعاف النفوذ الروسي خاصة‬
‫عدد ‪79‬‬
‫‪28‬‬
‫شركات النفط الدولية‪.‬‬ ‫التجارية واالقتصادية والثقافية واملعلوماتية‪/‬اإلعالمية‪ ،‬حيث‬
‫إن أذربيجان تبقى واحدة من الدول القليلة ذات األغلبية‬ ‫إنّ إسرائيل أبدت اهتمام ًا خاص ًا في حتويل خبراتها التقنية‬
‫املسلمة التي تعترف بإسرائيل بشكل كامل‪ ،‬وتطبع العالقات‬ ‫املتطورة في قطاعات الري والزراعة واألدوية إلى أذربيجان‪ .‬إن‬
‫الدبلوماسية مع الدولة اليهودية‪ ،‬حتى أنه قيل إنه ال يوجد‬ ‫اللوبي في الواليات املتحدة األميركية كان العب ًا مركزي ًا في تعزيز‬
‫بلد في أوراسيا تربطه عالقات أوثق أو أكثر دف ًئ ا مع إسرائيل‬ ‫العالقات بني إسرائيل وأذربيجان‪ ،‬فمن جهة استفادت إسرائيل‬
‫من أذربيجان‪ ،‬وقد ذهب العديد من خبراء ال سياسة اخلارجية‬ ‫من ساحة إستراتيجية خلفية إليران‪ ،‬ومن جهة أخرى وجدت‬
‫أبعد من ذلك ليشمل العالم عندما وصف أذربيجان بأنها أقرب‬ ‫أفق ًا واسع ًا لالستثمار االقتصادي في مجاالت الطاقة والزراعة‬
‫‪29‬‬
‫شريك إسالمي إلسرائيل‪.‬‬ ‫والصناعة وال سالح‪ .‬أما أذربيجان‪ ،‬فقد استطاعت الولوج إلى‬
‫وملخص القول هنا‪ ،‬إنّ إسرائيل في عام ‪ 2011‬استوردت‬ ‫مراكز اتخاذ القرار األميركي والتأثير عليه مبا يخدم مصالح‬
‫حوالى ‪ 19‬مليون برميل من النفط األذري بقيمة ‪ 2.1‬مليار‬ ‫النخبة امل سيطرة على البالد‪ ،‬ويضمن املصالح األذرية أمام‬
‫دوالر‪ ،‬في حني وصل حجم التبادل التجاري بني البلدين في‬
‫‪25‬‬
‫الضغوط الروسية واألرمينية‪.‬‬
‫العام نف سه إلى ما يقارب ‪ 4‬مليارات دوالر‪ ،‬وهذا ما يجعل من‬ ‫لقد لعب اللوبي اليهودي واملنظمات اليهودية دور ًا كبير ًا‬
‫أذربيجان الدولة األولى في اجلمهوريات امل ستقلة عن االحتاد‬ ‫في تعزيز العالقات اإلسرائيلية االذرية‪ ،‬من جهة‪ ،‬وفي تعزيز‬
‫السوفييتي من حيث التبادل التجاري والعالقات االقتصادية‬ ‫العالقات األميركية االذرية‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬وقد رأت املنظمات‬
‫‪30‬‬
‫مع إسرائيل‪.‬‬ ‫اليهودية الداعمة إلسرائيل أن منطقة القوقاز حتمل مكنون ًا‬
‫كبير ًا من االستثمار االقتصادي ومصادر الطاقة الذي قد‬
‫ت ستفيد منه إسرائيل بشكل كبير‪ .‬كما ساهمت جماعات‬
‫كتحد مشترك ألذربيجان وإسرائيل‬
‫ٍ‬ ‫إيران‬
‫الضغط اليهودية في الضغط على الكونغرس لسن قوانني‬
‫ُي عتبر احملور األمني املتعلق بإيران عام ًال في تعزيز العالقات‬
‫أميركية تدعم اجلمهوريات امل ستقلة حديث ًا في القوقاز‪ .‬وقد‬
‫اإلسرائيلية ـــ األذربيجانية‪ ،‬ففي العام ‪ 2012‬أحبطت القوات‬
‫تضمنت هذه التشريعات تقدمي دعم خاص ملشاريع اقتصادية‬
‫األمنية األذربيجانية عملية هجوم ضد ال سفارتني اإلسرائيلية‬
‫إسرائيلية‪ ،‬حتديد ًا‪ ،‬في التطوير االقتصادي في الزراعة والصحة‬
‫واألميركية في العاصمة باكو‪ ،‬وقادت حتقيقات األجهزة األمنية‬ ‫‪26‬‬
‫ومجاالت أخرى‪.‬‬
‫األذرية أن ‪ 22‬متورط ًا في العملية تدربوا بواسطة عمالء من‬
‫إن العالقة املتنامية بني أذربيجان وإسرائيل جتلت‪ ،‬في بعض‬
‫إيران‪ .‬وقد تعمق التعاون بني البلدين ضد إيران في أعقاب‬
‫صورها‪ ،‬في أن تتحول باكو إلى املزودة الكبرى إلسرائيل بالنفط‪،‬‬
‫هذه احلادثة‪ ،‬إذ صرح دبلوماسيون أميركيون عام ‪ 2012‬أن‬
‫حيث إن أكثر من ‪ % 40‬من االستهالك النفطي اإلسرائيلي‬
‫أذربيجان سمحت إلسرائيل باستعمال مطاراتها وقواعدها‬
‫مصدره الدولة القوقازية التي تتمتع باحتياطيات مهمة في‬
‫الع سكرية قرب احلدود مع إيران في حال قررت إسرائيل‬
‫بحر قزوين‪ .‬وبح سب اخلبراء فإن هناك بعد ًا إستراتيجي ًا آخر‬
‫‪31‬‬
‫مهاجمة القواعد النووية اإليرانية‪.‬‬
‫للعالقة النفطية بني تل أبيب وباكو‪ :‬فالنفط اآلذري مير عبر‬
‫تشير إيليا بورمتان في مقالة لها حتت عنوان «إسرائيل‬
‫أنبوب ‪( BTC‬باكو ‪ -‬تبلي سي ‪ -‬تشيهان) من جورجيا إلى‬
‫والعناق اخلفي ألذربيجان» إلى الدور الذي تلعبه إسرائيل‬
‫ال سواحل التركية شمال شرق املتوسط‪ ،‬حيث يجري شحنه‬
‫في وسط آسيا والقوقاز في مجاالت التج سس‪ ،‬والت سليح‬
‫عبر البحر من هناك إلى إسرائيل‪ 27.‬وتعتبر إسرائيل سادس‬
‫والتدريب العسكري واخلدمات السياحية وقطاع العمال‬
‫أكبر م ستورد لصادرات النفط األذربيجاني‪ ،‬مع اإلشارة إلى‬
‫والتجارة والزراعة‪ ،‬وت سويق منتجات الهاي‪-‬تك‪ .‬وتشير تقارير‬
‫أن إحدى املؤسسات التابعة لـ « شركة النفط احلكومية‬
‫إعالمية ودبلوماسية أن املوساد اإلسرائيلي لديه قاعدة كبيرة‬
‫جلمهورية أذربيجان» سوكار» تشارك في أعمال التنقيب عن‬
‫في أذربيجان يقوم من خاللها بجمع املعلومات االستخباراتية‬
‫النفط والغاز قبالة سواحل إسرائيل‪ .‬وهذا املشروع هو األول‬
‫عن إيران‪ ،‬ورمبا التخطيط لتنفيذ هجمات مستقبلية عليها‪،‬‬
‫من نوعه لشركة «سوكار» خارج منطقة بحر قزوين والذي من‬ ‫‪112‬‬
‫وتخطيط وتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب‪ ،‬حيث شهدت إيران‬
‫شأنه أن ي سهم في حتقيق أهداف املؤس سة بأن تصبح إحدى‬

‫عدد ‪79‬‬
‫حسب صحيفة الصانداي تايمز‪ ،‬للموساد اإلسرائيلي مواقع متقدمة في أذربيجان‬
‫للتنصت على إيران وجمع معلومات استخبارية عنها‪ ،‬مما حدا بإيران بعد النشر في‬
‫بشكل رسمي على أذربيجان‪ ،‬بادعاء أن الذين ينفذون عمليات‬‫ٍ‬ ‫الصحيفة أن تحتج‬
‫االغتيال ضد علماء الذرة اإليرانيين يهربون إلى أذربيجان‪.‬‬

‫وتترستان بال سالح واملال‪ ،‬وقد تعزز هذا االعتقاد بعدما قامت‬ ‫في ال سنوات املاضية‪ ،‬قبل توقيع االتفاق النووي في فيينا‪،‬‬
‫‪ Axis Information and Analysis‬وهي منظمة أمنية تراقب‬ ‫سلسلة من االغتياالت التي طالت علماء ذرة إيرانيني أو‬
‫الوضع األمني واالستخباري واإلستراتيجي في القوقاز باإلشارة‬ ‫‪32‬‬
‫مهندسني وعاملني في املنشآت النووية اإليرانية‪.‬‬
‫إلى تواجد حوالي ‪ 15000‬من ال سلفيني اجلهاديني في أذربيجان‬ ‫فح سب صحيفة الصانداي تاميز‪ ،‬فإن املوساد اإلسرائيلي‬
‫في مهمة جهادية في القوقاز وجنوب روسيا‪ ،‬رمبا اس تُخدموا‬ ‫له مواقع متقدمة في أذربيجان للتنصت على إيران وجمع‬
‫من قبل جهات تركية وأذرية وإسرائيلية وحتى أميركية مل ساعدة‬ ‫معلومات استخبارية عنها‪ ،‬مما حدا بإيران بعد النشر في‬
‫احلركة االنفصالية في الشيشان في محاولة لنزع جنوب روسيا‬ ‫بشكل رسمي على أذربيجان‪ ،‬بادعاء أن‬ ‫ٍ‬ ‫الصحيفة أن حتتج‬
‫امل سلم عن ج سد الدولة الروسية‪ ،‬هذا فض ًال عن تواجد أعداد‬ ‫الذين ينفذون عمليات االغتيال ضد علماء الذرة اإليرانيني‬
‫من أنصار ونشطاء حزب التحرير في أذربيجان والقوقاز داعني‬ ‫‪33‬‬
‫يهربون إلى أذربيجان‪.‬‬
‫إلى استبدال الدول العلمانية الوطنية في العالم اإلسالمي‬ ‫وفي قلب التعاون األذربيجاني‪-‬اإلسرائيلي تقع مخاوف‬
‫‪35‬‬
‫بخالفة إسالمية‪.‬‬ ‫كليهما من إيران‪ ،‬فبالنسبة إلسرائيل فإنّ القادة اإليرانيني‬
‫لقد ساهمت الثورة اإليرانية في عام ‪ 1979‬في إعادة االعتبار‬ ‫ه ّددوها بالتدمير واإلزالة واالقتالع من منطقة الشرق األوسط‬
‫لدور العامل الديني في احلياة العامة‪ ،‬إ ّال أن انطالقة اإلحيائية‬ ‫من أيام اخلميني‪ ،‬مرور ًا برف سنجاني‪ ،‬وانتها ًء بأحمدي جناد‪.‬‬
‫الدينية خاصة الشيعية منها حدثت في أعقاب استقالل البالد‬ ‫كما وثبت في أكثر من مناسبة الدعم اإليراني املقدم للمنظمات‬
‫عن االحتاد ال سوفييتي في عام ‪ ،1991‬حيث بدأت األموال‬ ‫املقاومة إلسرائيل في املنطقة‪ ،‬فض ًال عن معارضة إيران العلنية‬
‫اإليرانية بالتدفق لبناء امل ساجد واملدارس الدينية‪ .‬في عام ‪1992‬‬ ‫لعملية ال سالم في الشرق األوسط ومض ّي ها قدم ًا ببرنامجها‬
‫وصل عدد أفراد احلزب اإلسالمي األذربيجاني إلى أكثر من‬ ‫النووي وصدى ذلك على أمن إسرائيل‪ .‬أما التخوف األذري من‬
‫‪ 150‬ألف عنص ر‪ ،‬ومع زيادة دائرة نشاطاته االجتماعية واخليرية‬ ‫إيران فيكمن في عالقات الت سليح التي تربط إيران بأرمينيا‬
‫والسياسية داخل أذربيجان قامت احلكومة األذرية بسحب‬ ‫وروسيا‪ ،‬ودعم إيران لبعض علماء الدين األذريني الشيعة‪،‬‬
‫الترخيص املمنوح للحزب على أرضية أن زعيم احلزب علي‬ ‫واستخدامهم إلثارة غضب الشارع األذري ضد احلكومة في‬
‫أكرم علييف قام باستالم أموال من اخلارج‪ ،‬وإنّ بعض أعضاء‬ ‫باكو‪ ،‬خاص ًة فيما يتعلق بارتباطها بعالقات متنامية مع‬
‫احلزب قد اتُّهموا من قبل ال سلطات بالتج سس لصالح إيران‪،‬‬ ‫إسرائيل‪« ،‬فإيران األصولية» تتعارض في طريقة حياتها‬
‫‪36‬‬
‫وإنّ سلوكهم يهدد املصالح الوطنية ألذربيجان‪.‬‬ ‫‪34‬‬
‫وسياساتها مع أذربيجان العلمانية املعانقة للغرب وإسرائيل‪.‬‬
‫كان من تداعيات انهيار االحتاد ال سوفييتي واستقالل‬ ‫على امل ستوى األمني االستخباري‪ ،‬هناك تبادل للمعلومات‬
‫أذربيجان في عام ‪ 1991‬زيادة درجة التخوف اإليراني من إمكانية‬ ‫حول واقع املنظمات اإلسالمية احملاربة في القوقاز‪ ،‬وفي جنوب‬
‫تأثير أذربيجان امل ستقلة على األقلية األذرية الكبيرة املتواجدة‬ ‫روسيا‪ ،‬بسبب تداخل اجلغرافيا بني الشيشان وداغستان مع‬
‫داخل إيران‪ ،‬حيث تصل نسبتها إلى ما يقارب ‪ %20-15‬من‬ ‫أذربيجان‪ ،‬وبح سب صحيفة هآرتس وبعض املصادر اإلعالمية‬
‫ال سكان احملليني‪ ،‬وقد تعمق التوجس اإليراني من النوايا األذرية‬ ‫اإلسرائيلية األخرى‪ ،‬فإنّ هناك تواجد ًا جلماعات سلفية جهادية‬
‫‪113‬‬
‫مع وصول الرئيس أبوفاز ال سيبي إلى ال سلطة في باكو‪،‬‬ ‫في باكو تقوم بتزويد املقاتلني في الشيشان وداغستان‬
‫حيث طرح برنامج ًا قومي ًا أذري ًا‪ ،‬يعكس تفاؤله الشخصي من‬
‫عدد ‪79‬‬
‫كان من تداعيات انهيار االتحاد السوفييتي واستقالل أذربيجان في عام ‪1991‬‬
‫زيادة درجة التخوف اإليراني من إمكانية تأثير أذربيجان المستقلة على األقلية‬
‫األذرية الكبيرة المتواجدة داخل إيران‪ ،‬حيث تصل نسبتها إلى ما يقارب ‪ %20-15‬من‬
‫السكان المحليين‪ ،‬وقد تعمق التوجس اإليراني من النوايا األذرية مع وصول الرئيس‬
‫أبوفاز السيبي إلى السلطة في باكو‪.‬‬

‫بعمل ع سكري منفرد ضد املفاعالت النووية اإليرانية‪ ،‬حيث‬ ‫إمكانية توحيد جمهورية أذربيجان مع أذربيجان الغربية في‬
‫توفر مثل هذه العالقة إلسرائيل التواجد بالقرب من احلدود‬ ‫إيران لتوحيد الشعب األذري من جديد في التاريخ املعاصر‪،‬‬
‫األذرية‪ -‬اإليرانية‪ ،‬وجمع معلومات عبر العديد من وسائط‬ ‫ليعيش في ظالل دولة قومية واحدة‪ .‬وقد وضع أبوفاز خطة‬
‫التج سس احلديثة‪ ،‬سو ًاء بعلم ال سلطات األذرية أو عدم علمها‪.‬‬ ‫يتم تطبيقها على مدى خمس سنوات إلعادة توحيد أذربيجان‬
‫الكبرى‪ ،‬ما ولّ د مشاعر الغضب واالستياء والشعور بالتهديد‬
‫مالحظات ختامية‬
‫‪37‬‬
‫من «اخلطر األذري اجلديد‪».‬‬

‫استفادت إسرائيل من تفكك النظام ثنائي القطبية الذي‬‫ْ‬ ‫ُي ضاف إلى ذلك أن الرؤية األميركية‪-‬اإلسرائيلية املشتركة‬
‫ساد في فترة احلرب الباردة ‪ 1991-1945‬من خالل توسيع دائرة‬ ‫إزاء إيران تنطلق من الرهان على أنه في ظل النظام الع املي‬
‫خياراتها وبدائلها السياسية في تعاطيها مع العالم اخلارجي‪،‬‬ ‫اجلديد سيكون ملنطق تَي القوقاز وآسيا الوسطى دو ٌر‬
‫وتنويع عالقاتها الدولية مع العديد من دول العالم التي أعادت‬ ‫جيوسياسي مهم نظر ًا ألنهما املستودعان الكبيران احلاويان‬
‫عالقات دبلوماسية كاملة معها بعد تغير في طبيعة‬ ‫ٍ‬ ‫ربط‬ ‫للطاقة خالل القرن احلالي‪ ،‬وبقراءة ملعطيات هاتني املنطقتني‬
‫املصالح وموازين القوى في ال سياسة الدولية‪ ،‬مبا فيها دول‬ ‫جند أن إيران هي حلقة الوصل البرية بينهما من جهة ومع‬
‫آسيا الوسطى والقوقاز‪ ،‬وقد جاءت زيارة الرئيس اإلسرائيلي‬ ‫‪38‬‬
‫اخلليج العربي والشرق األوسط من جهة أخرى‪.‬‬
‫إلى كل من كازاخ ستان وأذربيجان في حزيران ‪ 2009‬؛ لتعكس‬ ‫خالل حرب كاراباخ األخيرة بني أرمينيا وأذربيجان منذ‬
‫درجة االهتمام العالي من جانب ال نُّخبة اإلسرائيلية بكتلة‬ ‫حد‬
‫العام ‪ ،1993‬عانت القوات األذرية واملدنيون األذريون على ٍ‬
‫الياب سة الهائلة املمتدة من تركيا غرب ًا وحتى الصني شرق ًا‪.‬‬ ‫سواء بفعل الضربات القوية التي وجهها لهم اجليش األرميني‬
‫دخلت إسرائيل في عالقات خاصة مع أذربيجان على‬ ‫الذي ثبت أنه كان مدعوم ًا من إيران وروسيا‪ ،‬خاصة أن اجليش‬
‫اعتبار أنها جز ٌء من هذه الكتلة الضخمة الغنية باملوارد‬ ‫األذري كان سيء الت سليح والتدريب‪ .‬لكن مع بدء تدفق آالف‬
‫واألسواق وإمكانيات االستثمار‪ ،‬كما أدركت إسرائيل أن عليها‬ ‫الالجئني األذريني هرب ًا من القتال إلى كل من إيران وتركيا‪،‬‬
‫أن تكون جزء ًا من لعبة دولية كبرى تتنافس فيها ً‬
‫قوى دولية‬ ‫أخذت املشاعر الوطنية والدينية ترتفع في إيران مطالبة‬
‫مختلفة‪ ،‬أقوى منها‪ ،‬وأكثر امتالك ًا للقدرات منها‪ ،‬ولهذا ج نّدت‬ ‫احلكومة اإليرانية مب ساعدة « اإلخوان األذريني الشيعة» الذين‬
‫إسرائيل كل إمكانياتها العسكرية والتسليحية واالقتصادية‪،‬‬ ‫ُذبحوا بال رحمة على يد اجليش األرميني واملسلحني األرمن‬
‫واستخدمت اللوبي اليهودي في دول آسيا الوسطى والقوقاز‬ ‫‪39‬‬
‫في كاراباخ‪.‬‬
‫وفي الواليات املتحدة من أجل أن تنجح في مهمتها في خلق‬ ‫تكتسب العالقة اإلستراتيجية بني إسرائيل وأذربيجان أهمية‬
‫عالقة تشبيك مع جمهوريات وشعوب هذه املنطقة‪.‬‬ ‫خاصة في ظل احلديث املتزايد عن إمكانيات قيام إسرائيل‬

‫‪114‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫والثمانينيات‪ .‬انظر‪ :‬مصطفى‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫الهوامش‬
‫‪ . 21‬أذربيجان‪ ...‬نريان عىل بحر قزوين‪ ،‬مجلة العربي‪( ،‬إبريل ‪،)1998‬‬ ‫‪ .1‬مع هذا بقي النموذج اإليراني يف الحكم والسياسة واإلدارة العامة غري‬
‫ص‪.56-52.‬‬ ‫مقبول عند حكام وشعوب هذه املنطقة ألنها عاشت تاريخيا ً يف ظل تجارب‬
‫‪ .22‬أذربيجان‪ ...‬نريان عىل بحر قزوين‪ ،‬مجلة العربي‪( ،‬إبريل ‪،)1998‬‬ ‫علمانية‪ ،‬وليس يف قبضة رجال الدين أو املال‪ .‬انظر‪:‬‬
‫ص‪.56‬‬ ‫‪Philip Robins, “Between Sentiments and Self Interest: Turkey’s‬‬
‫‪23. Alexander Murinson, “Azerbaijan-Turkey-Israel Relations:‬‬ ‫‪Policy Toward Azerbaijan and Central Asian States”, The Middle‬‬
‫‪the Energy Factor”, The Middle East Review of International‬‬ ‫‪East Journal, Vol. 47, No. 4, (1993), p. 604‬‬
‫‪Affairs, vol.12, no.3, (sep.2008),‬‬ ‫‪ .2‬حميد حمد السعدون‪ ،‬الطوق مخاطر التحالف الرتكي اإلرسائييل‪،‬‬
‫‪ 24‬محمد رفعت اإلمام‪« ،‬االسرتاتيجية اإلرسائيلية يف القوقاز‪ :‬اللعب عىل‬ ‫(عمان‪ :‬دار وائل‪ ،)2002 ،‬ص‪.92‬‬
‫املتناقضات»‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،154‬مجلد ‪( ،38‬أكتوبر ‪،)2003‬‬ ‫‪3 Sabri Sayari, “Turkey: The Changing European Security‬‬
‫ص ‪.135-128‬‬ ‫‪Environment and The Gulf Crisis”, Middle East Journal, Vol 46,‬‬
‫‪ .25‬مصطفى‪ ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪No.1, (winter 1992), P.1‬‬
‫‪26. Alexander Murinson, The Ties Between Israel and Azerbaijan,‬‬ ‫‪4 . Jerusalem Post, International Edition, Nov. 27, 1993, see also‬‬
‫‪(Ramat Gan: The Begin-Sadat center for Strategic Studies,‬‬ ‫‪Christian Science Monitor, Sep. 9, 1993‬‬
‫ ‪2015), p. 7‬‬ ‫‪5 . India News, Vol. xxxiii, No.2, January 15, 1994, pp.1-5‬‬
‫‪ .27‬شاشة نيوز‪ .‬إرسائيل وأذربيجان‪ :‬تحالف اسرتاتيجي‪ ،‬شوهد‬ ‫‪6 . Ruykichi Imai, “Asian Ambitions, Rising Tensions”, The‬‬
‫بتاريخ ‪،2020/8/15‬‬ ‫‪Bulletins of the Atomic Scientists, Vol. 49, No. 5, (June 1993),‬‬
‫‪https://www.shasha.ps/news/57478.html‬‬ ‫‪P.34‬‬
‫‪ .28‬مأمون سويدان‪« .‬عالقات إرسائيل مع جمهوريات االتحاد‬ ‫‪7 Shamkhal Abilov , “The Azerbaijan – Israel Relations : A non‬‬
‫السوفيتي السابقة األوربية»‪ ،‬يف‪ :‬عاطف أبو سيف‪ ،‬عالقات‬ ‫‪– Diplomatic But Strategic Partnership” , Turkish Journal of‬‬
‫‪weekly Studies , Vol. 8, (2009) , pp.147-167‬‬
‫إرسائيل الدولية‪( .‬رام اهلل‪ :‬املركز الفلسطيني للدراسات‬
‫‪8 Elmar Mammadyarov,” Azerbaijan Beyond Energy”, The‬‬
‫اإلرسائيلية « مدار»‪ ،)2014 ،‬ص‪.227‬‬ ‫‪Journal of International Security Affairs, Vol. 13, (Nov. 2007),‬‬
‫رس العالقات‬
‫‪ . 29‬مريفت عوف‪ .‬أكرب حليف إسالمي إلرسائيل‪ ...‬ما ّ‬ ‫‪P.1-3‬‬
‫االستثنائيّة بني أذربيجان وإرسائيل؟‪ ،‬موقع ساسة بوست‪،‬‬ ‫‪9 Mammadyarov, p. 5‬‬
‫شوهد يف ‪،2020/8/15‬‬ ‫‪10 Shireen Hunter, “Will Azerbaijan New Rulers Safeguard‬‬
‫‪https://www.sasapost.com/the-relations-between-israel-and-‬‬ ‫‪Western Interests”, Middle East International, (July 24, 1994),‬‬
‫‪azerbaijan/‬‬ ‫‪P.19‬‬
‫”‪30 Mahir Khalifa Zadeh , “Israel – Azerbaijan Alliance and Iran‬‬ ‫‪11 Ehud Yaari, A Luxury we cannot Afford, The Jerusalem Report,‬‬
‫‪, Middle East Review of International Affairs , Vol. 17, No. 1,‬‬ ‫‪(June 17, 1993), p. 28‬‬
‫‪(Spring 2013) , pp. 56-70‬‬ ‫‪ . 12‬تستفيد أذربيجان من عالقتها مع إرسائيل يف مسألة رصاعها مع‬
‫‪ .31‬يعتقد باحثون أن املحور اإليراني هو العمود الفقري للعالقات بني‬ ‫أرمينيا حول هذا اإلقليم‪ ،‬وتشكل هذه املسألة قضية قومية من الدرجة‬
‫البلدين‪ ،‬حيث يدخل هذا املحور يف مصالح الدولتني فيما يتعلق باألمن‬ ‫األوىل يف أذربيجان التي تعتقد أن عالقتها مع إرسائيل سوف تساعدها يف‬
‫القومي للبلدين وأمن الطاقة واالقتصاد وغريها من املصالح املشرتكة‪ .‬وقد‬ ‫رصاعها مع أرمينيا يف هذه املسألة‪ ،‬سواء عىل املستوى العسكري أو عىل‬
‫وصف فؤاد اهوندوف مستشار الرئيس الهام علييف العالقات مع إيران‬ ‫املستوى الدبلومايس‪ ،‬خاصة يف الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬انظر‪ :‬مهند‬
‫عىل النحو التايل‪ « :‬إيران ال تحب التعاون بيننا وبني إرسائيل‪ ...‬جزء من‬ ‫مصطفى‪« ،‬العالقات اإلرسائيلية األذربيجانية‪ :‬عندما يتحول قطاع املصالح‬
‫اإلرسائيليني هم أذريون‪ ،‬ومن السهل علينا العمل معهم‪ ،‬إيران هي املشكلة‬ ‫االسرتاتيجية إىل عالقات دبلوماسية كاملة»‪ ،‬قضايا إرسائيلية‪ ،‬العدد ‪،64‬‬
‫وليست إرسائيل»‪ .‬انظر‪ :‬مصطفى‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫(‪ ،)2016‬ص‪.14 .‬‬
‫‪ .32‬مهند مصطفى‪« :‬مشهد العالقات الخارجية اإلرسائيلية»‪ ،‬يف‪ :‬تقرير مدار‬ ‫‪13 Jacob Abadi, “Israel’s Quest for Normalization with Azerbaijan‬‬
‫االسرتاتيجي ‪ ،2017‬رام اهلل‪ :‬املركز الفلسطيني للدراسات اإلرسائيلية‪،‬‬ ‫‪and the Muslim States of Central Asia”, Journal of Third World‬‬
‫‪ ،2017‬ص‪.123‬‬ ‫‪Studies, Vol. 19, No. 2, (Jan 2002), P.63-73‬‬
‫‪ .33‬مصطفى‪« :‬مشهد العالقات الخارجية اإلرسائيلية»‪ ،‬ص‪.123‬‬ ‫‪ .14‬مصطفى‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪34. Ilya Bourtman, “Israel and Azerbaijan’s Furtive Embrace”,‬‬ ‫‪ .15‬مصطفى‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪Middle East Quarterly, Vol.X!!!, No.3, (Summer 2006) ,PP. 47-‬‬ ‫‪ .16‬وصف شمعون برييس أذربيجان‪ ،‬خالل زيارة الوزير األذري بأن موقعها‬
‫‪57‬‬ ‫الجغرايف يحولها إىل دولة مفتاحية يف املنطقة‪ .‬انظر‪ :‬ليلخ فايتسمان‪ :‬وزير‬
‫‪35. Bourtman, PP. 47-57‬‬
‫خارجية أذربيجان ‪ :‬نحن نموذج للعالقات بني دولة مسلمة وإرسائيل‪،‬‬
‫‪36. Tadeusz Swietochowski, “Azerbaijan: The Hidden Faces of‬‬
‫هارتس‪.2013/5/4 ،‬‬
‫‪Islam”, World Policy Journal, Vol. 19, No. 3 (Fall, 2002), pp.‬‬
‫‪ .17‬غاليا لندشرتاوس‪ :‬إرسائيل ــ أذربيجان‪ :‬عالقات خاصة مقابل‬
‫‪69-76‬‬
‫‪37. Swietochowski, p. 70‬‬ ‫التقييدات‪ ،‬مجلة» عدكان اسرتاتيجي»‪ ،‬املجلد ‪ ،17‬العدد ‪،)2015( ،4‬‬
‫‪38. Anar Valiyev , “Azerbaijan – Iran Relations: Quo Vadis , Baku‬‬ ‫ص‪.61‬‬
‫‪, PONARS Eurasia Policy Memo , No. 244, September 2012 ,‬‬ ‫‪ .18‬يائري أورون‪ :‬ال تعطوا األذريني سالحاً‪ ،‬صحيفة هآرتس‪.2016/10/20 ،‬‬
‫‪Institute of European , Russian and Eurasian Studies , pp. 1-5.‬‬ ‫‪ .19‬مصطفى‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪39. Emil Souleimanov and Ondrej Ditrych, “Iran and Azerbaijan:‬‬ ‫‪ . 20‬تشبه الباحثة اإلرسائيلية (غاليا ليند شرتاوس) العالقات بني البلدين بتلك‬
‫‪115‬‬
‫‪A Contested Neighborhood”, Middle East Policy, vol.14, (July‬‬ ‫العالقات القوية والعميقة التي كانت بني إرسائيل وايران يف الخمسينيات‬
‫‪2007), PP.101-110‬‬ ‫والستينيات‪ ،‬ومع تركيا يف التسعينيات‪ ،‬ومع جنوب أفريقيا يف السبعينيات‬

‫عدد ‪79‬‬
‫مقاالت‬
‫**‬
‫ياعيل بيردا * وإيتمار مان‬

‫االحتالل الذي طال أمده‪ ،‬وتقرير المصير‬


‫والحق في االنتخاب‬

‫اإلجراء‪ .‬وقد تشمل هذه اآلثار تعزيز حملة مقاطعة إسرائيل‪،‬‬ ‫‪ -1‬مقدمة‬
‫أو فرض املزيد من القيود التجارية على البالد عندما ت سعى‬ ‫قد ال متضي احلكومة اإلسرائيلية اجلديدة‪ ،‬التي تولّ ت زمام‬
‫البلدان األوروبية وغيرها إلى جت نّب التواطؤ مع هذه املخالفة‬ ‫احلكم مؤخ ًرا‪ُ ،‬ق د ًم ا في تنفيذ اخلطط الرامية إلى ضم أجزاء من‬
‫اجلديدة التي ترتكبها إسرائيل‪ ،‬أو الدفع باجتاه تقدمي طلب‬ ‫الضفة الغربية‪ ،‬التي اح تُلت في العام ‪ ،1967‬وقد ال ُت ْق دِم على‬
‫للمدعية العامة للمحكمة اجلنائية الدولية للتحقيق في احلالة‬ ‫تنفيذها‪ .‬ففي نظر احملامني الدوليني‪ ،‬تنتفي الصفة القانونية‬
‫في فل سطني‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يصعب االفتراض بب ساطة بأن يفضي‬ ‫عن هذا التحرك‪ .‬ووف ًق ا للقانون الدولي‪ُ ،‬ي حظر االستيالء الدائم‬
‫هذا الضغط اخلارجي إلى تقويض السيطرة العسكرية‬ ‫على األراضي عن طريق احلرب‪.‬‬
‫الراسخة التي تفرضها إسرائيل على األرض التي احتلها في‬ ‫ولذلك‪ ،‬حذر بعض املراقبني‪ ،‬ومن جملتهم حكومات أجنبية‪،‬‬
‫العام ‪ .1967‬فالنضال في مواجهة االحتالل ينبغي أن ينطوي‬ ‫احلكومة اإلسرائيلية من اآلثار القانونية املترتبة على هذا‬
‫على ممارسة الضغط على امل ستوى اخلارجي وإعادة تشكيل‬
‫* ياعيل بيردا‪ ،‬باحثة ومحاضرة في ق سم علم االجتماع واالنثروبولوجيا‬
‫فهمنا القانوني وال سياسي لهذا املكان على امل ستوى الداخلي‪.‬‬ ‫في اجلامعة العبرية‬
‫‪116‬‬
‫ولكن ما الذي يعنيه «إعادة التشكيل»؟‬ ‫** ايتمار مان‪ ،‬باجث ومحارض يف كلية القانون يف جامعة حيفا‬

‫عدد ‪79‬‬
‫تستدعي المحاولة التي تبذلها الحكومة في سبيل تحويل ّ‬
‫«ضمها الزاحف» إلى‬
‫ضم بحكم األمر الواقع الخروج بتفسيرات جديدة للقواعد المألوفة‪ .‬فبموجب‬
‫القانون الدولي العام‪ ،‬تتمثل هذه القواعد بصورة محددة في القواعد التي يقررها‬
‫قانون االحتالل (القانون اإلنساني الدولي) من جانب‪ ،‬والقانون الدولي لحقوق‬
‫اإلنسان من جانب آخر‪.‬‬

‫تقرير املصير لكال الشعبني‪ ،‬وإرساء دعائم الدميقراطية في‬ ‫يكمن الهدف الذي نتوخاه في طرح سؤال عن العالقة التي‬
‫املنطقة الواقعة بني نهر األردن والبحر املتوسط‪ .‬ونحن نحدد‪،‬‬ ‫جتمع بني حق األفراد في املشاركة ال سياسية ‪ -‬وال سيما احلق‬
‫في هذه املقالة املقتضبة‪ ،‬ال لّ بنات القانونية األساسية التي تؤلف‬ ‫في االنتخاب ‪ -‬واحلق اجلماعي في تقرير املصير‪ .‬فقد أرسى‬
‫هذا البرنامج‪ .‬ويكمن مربط الفرس في ّأل ميعن املرء النظر في‬ ‫مسار األحداث التاريخية التي شهدتها فلسطني‪ ،‬ومن بعدها‬
‫انتفاء الصفة القانونية عن التغييرات التي جتري على اإلقليم‬ ‫إسرائيل‪ ،‬وجهة نظر متميزة إزاء تقرير املصير‪ ،‬حيث َت ِس م هذه‬
‫الواقع حتت االحتالل‪ ،‬مبا تشمله من الضم فح سب‪ .‬فاآلثار‬ ‫الوجهة سيا ًق ا استعمار ًي ا محد ًدا في حقبة وقعت بني حربني‪.‬‬
‫التي يفرزها االحتالل الدائم على ممارسة احلقوق ال سياسية‬ ‫وح سب هذا الفهم‪ُ ،‬ي عد االنفصال إلى دولتني متجانستني من‬
‫الواجبة لألفراد حتتل القدر ذاته من األهمية‪.‬‬ ‫ً‬
‫شرط ا ال بد من حت ُّق قه إلعمال تقرير املصير‬ ‫الناحية اإلثنية‬
‫ويقدم املبحث الثاني من هذه املقالة ً‬
‫عرض ا موج زًا يتناول‬ ‫لكال الشعبني الفلسطيني واإلسرائيلي اليهودي‪ .‬وقد ترسخ‬
‫احلاجة إلى منوذج جديد في القانون الدولي‪ ،‬بحيث ُي قصي‬ ‫هذا الفهم الذي يت سم بنزعته االنفصالية وتأصل في هذه‬
‫االفتراضات القانونية املسبقة القائمة على اعتماد الفصل‪،‬‬ ‫املنطقة منذ أن طرحته السلطات البريطانية‪ ،‬ثم تطور إلى خطة‬
‫والتي ت سود حول هذه املنطقة‪ .‬ويجيب املبحث الثالث من املقالة‬ ‫التق سيم التي صدرت عن األمم املتحدة في العام ‪ .1947‬ولكن‬
‫ينبغي لنا أن نزيل ما علق بهذا الفهم من رواسب‪ ،‬بصرف‬
‫عن ال سؤال «كيف أفضى بنا احلال إلى هنا؟» ‪ -‬مبعنى كيف‬
‫النظر عما يبدو عليه من إحكام ورسوخ‪ .‬وهذا ال يعني بالضرورة‬
‫أصبحنا ملتزمني التزا ًم ا ال ضرورة له على اإلطالق بوجهة‬
‫أن كال الشعبني الفل سطيني واإلسرائيلي اليهودي يجب أن‬
‫نظر انفصالية إزاء تقرير املصير؟ أما املبحث الرابع فيخرج‬
‫يقررا مصيرهما في دولة واحدة‪ .‬فنحن نفترض أن االنتخاب‬
‫بوجهة نظر بديلة حول تقرير املصير‪ ،‬وهي وجهة تقوم في‬
‫قد مي ّد يد العون في حتديد العالقة القائمة بني تقرير املصير‬
‫ّ‬
‫ويوض ح‬ ‫أساسها على سيادة الشعب‪ ،‬دون ال سيادة اإلقليمية‪.‬‬
‫وإقامة الدولة على أسس ترتكز على امل ساواة والدميقراطية‪.‬‬
‫هذا املبحث الطريقة التي نفهم بها احلقوق الفردية ضمن هذا‬
‫(ونحن لم نشهد مثل هذه األسس بعد)‪.‬‬
‫السياق‪ .‬ويخلص املبحث اخلامس إلى خامتة مقتضبة ‪ -‬تن ّم‬
‫عن األمل في أن تشجع هذه املقالة على إطالق املزيد من‬ ‫ت ستدعي احملاولة التي تبذلها احلكومة في سبيل حتويل‬
‫النقاش‪.‬‬ ‫«ض ّم ها الزاحف» إلى ضم بحكم األمر الواقع اخلروج بتف سيرات‬
‫جديدة للقواعد املألوفة‪ .‬فبموجب القانون الدولي العام‪ ،‬تتمثل‬
‫هذه القواعد بصورة محددة في القواعد التي يقررها قانون‬
‫‪ -2‬نموذج جديد في القانون الدولي‬
‫االحتالل (القانون اإلن ساني الدولي) من جانب‪ ،‬والقانون الدولي‬
‫في يوم ‪ 12‬كانون األول ‪ ،2019‬خرجت جلنة األمم املتحدة‬ ‫حلقوق اإلنسان من جانب آخر‪ .‬والضم الذي يطال الضفة‬
‫للقضاء على التمييز العنصري بتوصية من املؤكد أنها أثارت‬ ‫الغربية والقدس الشرقية بحكم األمر الواقع قائم ً‬
‫أصل‪ ،‬ح سبما‬
‫استغراب أي شخص يتابع النقاش القانوني الدولي الذي‬ ‫يتجلى على نحو صارخ وسافر في وجود عدد ال ي ستهان به من‬
‫‪117‬‬ ‫تدور رحاه حول فل سطني‪/‬إسرائيل‪ .‬فقد اقترحت هذه اللجنة‬ ‫امل ستوطنات اليهودية‪ .‬ونحن في حاجة إلى برنامج من شأنه‬
‫في سياق اخلطاب الذي وجهته إلسرائيل «بأن تضمن الدولة‬ ‫حترير الفل سطينيني الذين يقبعون حتت نير االحتالل‪ ،‬وضمان‬
‫عدد ‪79‬‬
‫من الصعوبة أن نبالغ في بيان مدى ابتعاد هذه التوصيات عن المفاهيم القانونية‬
‫الدولية السائدة في هذه المنطقة‪ .‬فاألهمية التي يكتسيها العمل األساسي‬
‫على إعادة تشكيل القانون الدولي‪ ،‬حسب سريانه على هذه المنطقة‪ ،‬يتخطى‬
‫السلطة الممنوحة للجنة األمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري باعتبارها‬
‫جهة تفسر القانون الدولي بشوط بعيد‪.‬‬

‫كما لو كان مبدأ ثاب تًا في خطة الضم التي وضعتها إسرائيل‪.‬‬ ‫الطرف امل ساواة في املعاملة بني جميع األشخاص في األقاليم‬
‫ومع ذلك‪ ،‬تعتبر الوثيقة الصادرة عن جلنة األمم املتحدة‬ ‫الواقعة حتت سيطرتها الفعلية واخلاضعة لواليتها القضائية‪،‬‬
‫للقضاء على التمييز العنصري بوضوح أن األرض الفل سطينية‬ ‫بوسائل منها ضمان املساواة في احلصول على اجلنسية‬
‫أرض محتلة‪ .‬وتشدد اللجنة على حق جميع ال سكان املقيمني‬ ‫واحلماية القانونية واملزايا االجتماعية واالقتصادية [‪( »]...‬وقد‬
‫في هذا اإلقليم الواقع حتت سيطرة إسرائيل في تقرير‬ ‫أبرزنا ما نؤكده باخلط املائل)‪ .‬وبهذه العبارات‪ ،‬تتناول اللجنة‬
‫مصيرهم‪ .‬وتؤكد أن نظام الفصل الذي تنفذه إسرائيل بني‬ ‫«واق ًع ا يشهد قيام دولة واحدة»‪ ،‬وتتولى فيه إسرائيل حكم إقليم‬
‫الفل سطينيني واليهود‪ ،‬والذي ت سري مبوجبه قوانني مختلفة‬ ‫برمته‪ .‬وال تتحقق هذه ال سيطرة إال من خالل نظام يقوم على‬
‫على سكان مختلفني يقيمون في اإلقليم نف سه‪ ،‬يتعارض مع‬ ‫فرض قيود صارمة على احلركة وإنفاذ الرقابة‪ ،‬ومتييزه مبزيج‬
‫اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري‪ .‬فكيف‬ ‫من االنتماءات ال سياسية (املواطنون‪ ،‬واملقيمون‪ ،‬واملت سللون‪،‬‬
‫للمرء أن يفهم املطالبة مبنح املواطنة‪ ،‬في الوقت الذي يحافظ‬ ‫واألجانب)‪.‬‬
‫فيه على القاعدة الصارمة التي استقر عليها القانون الدولي‬ ‫وللوهلة األولى‪ ،‬تضرب التوصية ب املساواة في منح االنتماء‬
‫في مواجهة الضم؟‬ ‫ال سياسي عرض احلائط مبا صدر عن األمم املتحدة من قرارات‬
‫وتكمن اإلجابة‪ ،‬التي نعتقد أنها إجابة مقنعة‪ ،‬في الواقع‬ ‫على مدى عقود‪ .‬فهل يعني منح ا َ‬
‫ملواط نة نهاية النضال الذي‬
‫الذي يشهد قيام احتالل ال ُي عرف مداه‪ 1.‬فهذا االحتالل طال‬ ‫يخوضه الفل سطينيون في سبيل إقامة دولتهم؟ وهل يق ّوض‬
‫أمده (حيث بلغ ‪ 53‬عا ًم ا اآلن) إلى ح ّد غدا معه القانون الدولي‬ ‫حق الفل سطينيني واإلسرائيليني في تقرير مصيرهم؟ وقد تبعث‬
‫حلقوق اإلن سان عاج زًا بب ساطة عن ال سماح بإقصاء ال سكان‬ ‫التوصية بأن متنح إسرائيل املواطنة «جلميع األشخاص في‬
‫القابعني حتت نير االحتالل من املشاركة ال سياسية‪ .‬وبينما‬ ‫األقاليم الواقعة حتت سيطرتها الفعلية واخلاضعة لواليتها‬
‫محتل‪ ،‬ينبغي أن ميلك أولئك‬‫ً‬ ‫يبقى وضع هذا اإلقليم إقلي ًم ا‬ ‫القضائية» ‪ -‬وهذا يعني الفل سطينيني املقيمني في الضفة‬
‫الفل سطينيون الذين يريدون إسماع صوتهم في اختيار احلكومة‬ ‫الغربية ‪ -‬الدهشة في نفس املرء‪ .‬ولو كان لنا أن نهتدي بالتعبير‬
‫التي مت سك بزمام ال سيطرة الفعلية عليهم احلقوق الواجبة لهم‬ ‫الوارد في القرار ‪ 2334‬الصادر عن مجلس األمن‪ ،‬يبدو أن‬
‫في االنتخاب‪ .‬وهم ال يتخلون عن حقهم في تقرير املصير‪ ،‬وال‬ ‫هذه التوصية تتناقض مع اإلدانة القاطعة التي وجهتها األمم‬
‫عن امل سار الذي يفضي بهم إلى إقامة دولتهم امل ستقلة‪ .‬وينبغي‬ ‫املتحدة «جلميع التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الدميغرافي‬
‫منح املواطنة من جانب واحد باعتبارها تدبي ًرا تصحيح ًي ا في‬ ‫وطابع ووضع األرض الفل سطينية احملتلة منذ عام ‪.»1967‬‬
‫حال بقي تقرير املصير الواجب للفل سطينيني بعيد املنال‪.‬‬ ‫ونقل القراران ‪ 242‬و‪ 338‬الصادران عن اجلمعية العامة لألمم‬
‫ومن الصعوبة أن نبالغ في بيان مدى ابتعاد هذه التوصيات‬ ‫املتحدة املطلب الصريح الذي طالب فيه املجتمع الدولي إسرائيل‬
‫عن املفاهيم القانونية الدولية السائدة في هذه املنطقة‪ .‬فاألهمية‬ ‫باالنسحاب من األراضي التي حتتلها مبوجب صفقة لل سالم‪.‬‬
‫التي يكت سيها العمل األساسي على إعادة تشكيل القانون‬ ‫ويبدو أن منح املواطنة لل سكان املقيمني في الضفة الغربية‬
‫‪118‬‬
‫الدولي‪ ،‬ح سب سريانه على هذه املنطقة‪ ،‬يتخطى ال سلطة‬ ‫يشجع على استمرار وجود إسرائيل وقد يجري التشبث به‬

‫عدد ‪79‬‬
‫الطريق أمام املنطق الذي يسم اخلصائص الدميغرافية «لآلخر»‬ ‫املمنوحة للجنة األمم املتحدة للقضاء على التمييز العنصري‬
‫‪ -‬وهو منطق جت ّس د في الهدف الوجودي الذي توخته احلركة‬ ‫باعتبارها جهة تف سر القانون الدولي بشوط بعيد‪ .‬ويرسي هذا‬
‫القومية اليهودية في حتقيق األغلبية واحملافظة عليها‪ .‬وقد‬ ‫العمل‪ ،‬لو كان له أن يبلغ مرحلة الكمال في إعداده‪ ،‬النواة التي‬
‫خ لّ فت هذه اخلطة وه ًم ا وراءها‪ ،‬وهو ْ‬
‫وه م الدولة الفل سطينية‬ ‫ينبني عليها منوذج قانوني دولي جديد برمته لفهم هذه املنطقة‪.‬‬
‫العربية التي لم تبصر النور‪ .‬فتحت ستار فهم محدد ملبدأ‬ ‫وقد طرح البرنامج ال سياسي الرئي سي ملنظمة التحرير‬
‫ً‬
‫ارتباط ا‬ ‫تقرير املصير في القانون الدولي ‪ -‬وهو فهم يرتبط‬ ‫الفل سطينية‪ ،‬على مدى تاريخه‪ ،‬دولة فل سطينية دميقراطية‬
‫وثي ًق ا بال سالم الذي ارتآه االستعمار في سياقات إقليمية‬ ‫واحدة في إقليم فل سطني التاريخية بأكمله‪ .‬ومن وجهة نظر‬
‫أخرى ‪ -‬أسهم التق سيم في رفد الظروف التي أفضت إلى‬ ‫أقرب إلى وجهتنا‪ ،‬برزت عدة مقترحات تدعو إلى منح امل ساواة‬
‫تهجير العرب الفل سطينيني ق س ًرا من ديارهم ورفض عودتهم‬ ‫في املشاركة ال سياسية في إسرائيل ‪ /‬فل سطني على صفحات‬
‫إليها‪ .‬و ُأ َ‬
‫قصي الالجئون الفل سطينيون من املواطنة في إسرائيل‬ ‫الكتابات القانونية على مدى األشهر القليلة املاضية‪ .‬وما ُي عد‬
‫‪ -‬الدولة اجلديدة التي أقيمت ضمن حدود خطة الهدنة الذي‬ ‫جدي ًرا بالذكر بوجه خاص تلك األعمال التي نشرها أريئيل‬
‫اتُّفق عليه في معاهدة رودس‪ 4.‬وانتهى املطاف بخطة التقسيم‬ ‫زمياخ وساري باشي مؤخ ًرا‪ 2،‬حيث يعرب هذا املؤلفان‪ ،‬صراح ًة‬
‫إلى ترسيخ الفصل وإخراجه في صورة الوقائع ال سياسية التي‬ ‫أو ضم نًا‪ ،‬عن القلق الذي ي ساورهما من أنه دون إتاحة فرصة‬
‫نعيشها وتشكيلها في فهمنا العام لتقرير املصير في هذه‬ ‫أمام الفل سطينيني الذين يرزحون حتت ال سيطرة الع سكرية‬
‫املنطقة‪ ،‬ورمبا منذ ذلك العهد‪.‬‬ ‫اإلسرائيلية لإلدالء بأصواتهم في املؤس سات اإلسرائيلية‪ ،‬فإن‬
‫وقد ُورثت الفكرة التي تقول إن تقرير املصير ي ستدعي‬ ‫احلكم الدميقراطي لكال اجلماعتني سيكون أم ًرا من ضرب‬
‫وجود مجموعة متجانسة إثن ًي ا من املواطنني من إطار قانوني‬ ‫املستحيل‪ .‬ولكن هل ملقترح مبنح حقوق االنتخاب مع نًى‬
‫دولي تش َّك ل في أثناء فترة ما بني احلربني الع امليتني‪ .‬وترسخت‬ ‫قانوني وسياسي؟ من املفيد‪ ،‬في هذا املقام‪ ،‬أن نستعرض‬
‫هذه الفكرة وتأصلت في فل سطني‪ ،‬ومن ثم في إسرائيل‪،‬‬ ‫حملة مقتضبة عن التاريخ الذي عاشته منطقتنا‪.‬‬
‫وعملت على إدامة وجهة نظر إقصائية‪ ،‬لم تكن طبيعية وال‬
‫الزمة في أي حال من األحوال‪ .‬وترى وجهة النظر هذه‪ ،‬التي‬ ‫‪ -3‬بين تقرير المصير وحقوق األفراد‬
‫بتنا نعرفها اليوم متام املعرفة‪ ،‬أن مشاركة الفلسطينيني في‬
‫ال تُع ّد الثنائية بني إعمال احلقوق القومية من خالل تقرير‬
‫اإلطار ال سياسي الذي تعتمده إسرائيل لم يكن يتناسب مع‬
‫املصير وحقوق األفراد في املشاركة ال سياسية حقيقة يجري‬
‫حق اليهود في تقرير مصيرهم‪ .‬ومما له أهميته في هذا املقام‬
‫عليها التحليل‪ ،‬وال هي كانت موجودة على الدوام‪ .‬وميكن‬
‫أن اإلسرائيليني اليهود كانوا يتب نّون وجهة النظر هذه‪ ،‬بصور‬
‫القول إن جلنة بيل (‪ )1937‬هي أول من خرج بافتراض هذه‬
‫مختلفة‪ ،‬ويتقاسمونها بني كل انتماءاتهم السياسية تقري ًب ا‪.‬‬
‫الثنائية‪ 3.‬فقد أع ّدت هذه اخلطة مجموعة من ضباط االستعمار‬
‫وح سبما ذكرنا أعاله‪ ،‬أبدت منظمة التحرير الفل سطينية على‬
‫البريطاني‪ ،‬حيث متحورت في صياغتها حول احلجج األمنية‬
‫مدى تاريخها تأييدها خلطة ترمي إلى إقامة دولة فلسطينية‬
‫بصورة محددة‪ .‬ومتثلت املسألة األساسية التي تناولتها اخلطة‬
‫دميقراطية واحدة على جميع بقاع فل سطني التاريخية‪ .‬ولكن لم‬
‫في الطريقة التي تتكفل بتهدئة «الثورة العربية» (‪)1939-1936‬‬
‫يكن لهذه اخلطة أن تخرج إلى حيز الوجود من خالل املشاركة‬
‫(الثورة الفلسطينية الكبرى) وتأمني االستقرار في هذه املنطقة‪.‬‬
‫في الهياكل السياسية التي أنشأتها إسرائيل‪ ،‬بل كانت تقوم‬
‫وكانت اإلجابة التي أوصت اللجنة بها تكمن في فصل يهود‬
‫في أساسها على رفض االعتراف بإسرائيل بصفتها دولة‪.‬‬
‫ً‬
‫فصل دميغراف ًي ا‬ ‫فلسطني عن سكانها املسلمني واملسيحيني‬
‫وكانت أغلبية اليهود في فل سطني يعتقدون‪ ،‬ورمبا دون وجه‬
‫قدر اإلمكان‪ .‬وقد اعتمدت اجلمعية العامة لألمم املتحدة هذه‬
‫معقول‪ ،‬أن اخلطة التي ارتأتها منظمة التحرير الفلسطينية‬
‫اخلطة في القرار ‪« - 191‬خطة التق سيم» ‪ -‬بعد أن وضعت‬
‫كانت ت سعى إلى طردهم‪.‬‬
‫احلرب الع املية الثانية أوزارها‪.‬‬
‫‪119‬‬ ‫ولم تكن هذه البنية القائمة على الصراع بني جماعتني‬
‫وجاء الدعم ال سياسي الذي أبدته سلطات االنتداب للتق سيم‬
‫قوميتني منفصلتني تتسم باالستقرار منذ البداية‪ .‬ففي نهاية‬
‫ر ًدا على الصراع‪ ،‬وال سيما إبان الثورة‪ .‬فقد م ّه د هذا الصراع‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ممارسات االحتالل عىل األرض‪ :‬قانون الغاب‪.‬‬

‫إسرائيل في أعقاب حرب العام ‪ ،1967‬استدعى األمر إجراء‬ ‫املطاف‪ ،‬لم يبرح عدد معتبر من ال سكان الفل سطينيني العرب‬
‫تغييرات قانونية كان لها شأنها‪ .‬ودون الضم ‪ -‬الذي لم يكن‬ ‫ديارهم وأراضيهم في إسرائيل نف سها عقب العام ‪ .1948‬وقد‬
‫يخفى انتفاء الصفة القانونية عنه في األصل مبوجب القانون‬ ‫نالت هذه اجلماعة احلقوق في االنتخاب على الفور بعد إقامة‬
‫الدولي العرفي ‪ -‬كان القانون الذي ميكن أن ي سري على‬ ‫دولة إسرائيل تقري ًب ا‪ .‬وح سب االفتراض الذي ي سوقه ح سن‬
‫الفلسطينيني في الضفة الغربية وغزة يتمثل في القانون‬ ‫جبارين‪ ،‬فقد ُم نحت هذه احلقوق في سياق القمع الذي يعادي‬
‫اإلنساني الدولي‪ ،‬وال سيما قانون االحتالل‪ .‬وبينما لم ت س لّ م‬ ‫احلريات‪ ،‬وليس في سياق االختيار احلر في ظل عقد اجتماعي‬
‫إسرائيل بصفة رسمية بأن هذه األراضي كانت أراضي «محتلة»‬ ‫يرتكز على امل ساواة‪ 5.‬وكان املنطق الذي وقف وراء الفصل‪ ،‬والذي‬
‫قط‪ ،‬فقد عملت على تطبيق الئحة الهاي ل سنة ‪ 1907‬إلى جانب‬ ‫جتسد في خطة التقسيم‪ ،‬سائ ًدا حتى بعد أن حصل هؤالء‬
‫بعض من أحكام اتفاقية جنيف الرابعة‪ ،‬التي كانت حتكم مثل‬ ‫على احلقوق في االنتخاب‪ .‬فهذا الفصل فرض بصفة رسمية‬
‫هذه احلاالت‪ .‬وهذا إطار قانوني قاصر ال ي سعه أن يحكم جماعة‬ ‫في م سته ّل األمر من خالل القيود التي فرضتها إسرائيل على‬
‫من ال سكان على مدى ردح طويل من الزمن‪ .‬ففي العام ‪،2003‬‬ ‫حركة سكان البلدات والقرى الفل سطينية‪ ،‬وقوانني الطوارئ‬
‫دفع بن نفتالي وشاني بحجة مفادها وجوب إنفاذ القانون‬ ‫االستعمارية التي حكمت من بقي من الفل سطينيني في أرض‬
‫الدولي حلقوق اإلنسان وتطبيقه على الفل سطينيني في األرض‬ ‫وطنهم‪ .‬ففي العام ‪ ،1966‬انقضى عهد احلكومة العسكرية‪،‬‬
‫التي اح تُلت في العام ‪ .1967‬فح سبما جاء على ل سانهما‪،‬‬ ‫ولكن الفصل اإلثني بقي سائ ًدا ومهيم نًا من خالل توليفة من‬
‫خلق تطبيق القانون اإلنساني الدولي وقوانني احلرب فرا ًغ ا‬ ‫القيود الرسمية وغير الرسمية التي ُف رضت على إجراءات‬
‫‪6‬‬
‫حرم هؤالء الفل سطينيني من احلماية الواجبة حلقوق اإلن سان‪.‬‬ ‫التخطيط والتنمية احلضرية‪ ،‬ومن خالل نظام تعليمي منفصل‬
‫ومع ذلك‪ ،‬لم يترك الضم بحكم األمر الواقع‪ ،‬والذي متخض‬ ‫يخص الفل سطينيني العرب دون غيرهم‪.‬‬ ‫‪120‬‬

‫عن الفشل الذي واكب عملية أوسلو والتوسع اإلقليمي‬ ‫ومع االحتالل الذي طال أراضي جديدة وقعت حتت سيطرة‬
‫عدد ‪79‬‬
‫التي ميلكها الفلسطينيون ملكية خاصة عقب إقامة إسرائيل‬ ‫واالقتصادي والقانوني الذي شهدته سيطرة إسرائيل على‬
‫بوقت وجيز‪ ،‬ولكن ما عاد من املمكن الدفاع عن هذا االنتهاك‬ ‫كل منحى من مناحي حياة الفل سطينيني‪ ،‬فرا ًغ ا على صعيد‬
‫الذي ميس امل ساواة اليوم‪ .‬وبالنظر إلى وقائع التراتبية الهرمية‬ ‫احلقوق فح سب‪ ،‬بل إنه أفضى إلى اإلفراط في إنفاذ هذه‬
‫العنصرية في الضفة الغربية‪ ،‬صار خطاب املساواة «سريال ًي ا»‪،‬‬ ‫السيطرة وإحكامها كذلك‪ .‬فالفلسطينيون يخضعون فعل ًي ا‬
‫ح سب املالحظة التي أوردها أحد املعلقني على صفحات جريدة‬ ‫حلكم أجهزة الدولة اإلسرائيلية وأسواقها‪ ،‬و ُي حرمون مع ذلك من‬
‫«هآرتس»‪ 8.‬ولكن الواقع الذي يشهد على أن احملكمة تخرج بهذا‬ ‫املشاركة ال سياسية في إجراءات اتخاذ القرارات‪ .‬ولتأكيد ذلك‪،‬‬
‫احللم الغريب يعكس‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬واقع السيطرة اإلسرائيلية‬ ‫يتبوأ احلق في احلماية من التمييز‪ ،‬وحتى احلق في االنتخاب‪،‬‬
‫املفرطة التي تواجهها هذه احملكمة‪.‬‬ ‫موقع الصدارة في إطار حقوق اإلن سان‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فحتى بعد أن‬
‫ولو كان في مقدورنا أن نطرح األعباء التي نحملها‬ ‫غدا الرأي الذي خرج به شاني وبن نفتالي يحظى بقدر متزايد‬
‫مبجموعنا على ظهورنا ‪ -‬وهي أن وجهة النظر التي ترى أن‬ ‫من القبول‪ ،‬فقد بدا أنه لم يكن من املمكن إدراج هذين احلقني‬
‫تقرير املصير يرتبط بالضرورة بالفصل ‪ -‬ف سوف نكتشف‬ ‫ضمن حالة تشهد قيام االحتالل‪ .‬وكان االفتراض الضمني ‪-‬‬
‫إمكانيات جديدة يزخر القانون الدولي حلقوق اإلنسان بها‪.‬‬ ‫الذي لم يظهر أن أح ًدا لم ُي ثر الت ساؤالت حوله ‪ -‬يكمن في‬
‫فدون هذا اإلرث االستعماري الذي حتوم الشكوك حوله ويرجع‬ ‫أن قاعدة التخصيص التي تنطبق على قانون احلرب كان في‬
‫في تاريخه إلى حقبة ما بني احلربني الع امليتني‪ ،‬يتضح أمام‬ ‫وسعها أن تتجاوز احلق في املشاركة ال سياسية في املجتمع‬
‫ناظرينا أن القانون الدولي حلقوق اإلنسان ي ستطيع بالفعل‬ ‫ال سياسي‪ .‬وهذا دليل على اإلطار القانوني الدولي القدمي‪ ،‬الذي‬
‫أن يشكل األساس الذي ترتكز عليه املشاركة ال سياسية التي‬ ‫وطد أواصر الفكرة األساسية التي تتمحور حول التق سيم أو‬
‫يخوضها شعب يخضع لالحتالل‪ .‬وتُعد احلقوق التي ميلكها‬ ‫ورس خها في الطريقة التي سلكها القانون الدولي في‬ ‫الفصل ّ‬
‫شعب من الشعوب القابعة حتت نير االحتالل في املشاركة‬ ‫تأطير الواقع املشهود في هذه املنطقة‪.‬‬
‫بديل للمشاركة‪ ،‬في حال لم تكن‬ ‫ال سياسية وامل ساواة مصد ًرا ً‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يترك الضم بحكم األمر الواقع‪ ،‬أو «واقع الدولة‬
‫بعض ا مبوجب عقد‬ ‫جماعة من اجلماعات مرتبطة ببعضها ً‬ ‫الواحدة»‪ ،‬آثا ًرا على احلياة اليومية في كل ناحية من نواحيها‪.‬‬
‫سياسي واحد‪ .‬وتؤدي هذه احلقوق عملها خالل الفترة االنتقالية‬ ‫فالضم الفعلي ُي عد مختل ًف ا بقدر ق سوة االحتالل الع سكري‬
‫إلى حني إعمال تقرير املصير من خالل مؤس سات سياسية‬ ‫والتعقيد الذي يلفه والعنف الذي ميارسه‪ .‬وهو يعني أن‬
‫جديدة‪ .‬وميكن أن يتأتى هذا األمر عن طريق االنفصال عن‬ ‫مؤسسات الدولة وأجهزتها وأسواقها تتغلغل في عمق املجتمع‬
‫الدولة القائمة باالحتالل‪ ،‬أو عن طريق إفراز تغيير في بنيتها‬ ‫(الفل سطيني) القابع حتت نير االحتالل‪ .‬فال ُي عد الضم بحكم‬
‫األساسية‪.‬‬ ‫األمر الواقع نتيج ًة مباشر ًة ملشروع التوسع االستيطاني‬
‫فح سب‪ ،‬بل إنه ناجم كذلك عن التبعية االقتصادية ومنظومة‬
‫‪ -4‬تقرير المصير يعود إلى الشعب‬ ‫الرقابة الشاملة التي تتحكم في تنقل الفلسطينيني وحركتهم‪.‬‬
‫ينبع احلق في تقرير املصير من ارتباط شعب ما بأرضه‪.‬‬ ‫وهو ين ّم عن ال سيطرة املفرطة التي يفرضها تغلغل الدولة‬
‫ومع ذلك‪« ،‬يفهم القانون الدولي الراهن ال سيادة على أنها‬ ‫اإلسرائيلية في حياة الفل سطينيني اليومية وفي اقتصادهم‬
‫‪9‬‬
‫يتوالها الشعب‪ ،‬على نحو يع ّب ر عن احلق في تقرير املصير»‪.‬‬ ‫ومجتمعهم‪ ،‬وهو ما ي ستدعي من الشعب أن يتخذ قراراته‬
‫وال تتج سد ال سيادة واحلقوق القومية في اإلقليم نف سه‪ ،‬أو حتى‬ ‫بشأن التصويت واالنتخاب‪.‬‬
‫وفضل عن‬‫ً‬ ‫في الدولة ال سالفة ذات ال سيادة‪ ،‬وإمنا في الشعب‪.‬‬ ‫وقد أيدت احملكمة العليا اإلسرائيلية في قرار أصدرته‬
‫ذلك‪ُ ،‬ي عد احلق في تقرير املصير مبوجب وجهة النظر هذه ح ًق ا‬ ‫مؤخ ًرا بشأن إلغاء قانون سعى إلى االستيالء على املمتلكات‬
‫ثاب تًا‪ ،‬حتى لو تأخر إعماله على أرض الواقع بفعل االحتالل أو‬ ‫الفلسطينية اخلاصة في األرض احملتلة لغايات مشروع‬
‫الغزو‪ .‬فإذا كان تقرير املصير ح ًق ا غير قابل للتصرف ويتج سد‬ ‫التوسع اليهودي‪ ،‬احلق في املساواة لصالح كل شخص‬
‫‪121‬‬ ‫في الشعب‪ ،‬فلماذا تؤثر املشاركة في احلياة ال سياسية عليه؟‬ ‫حلِ ق به الضرر من التشريعات اإلسرائيلية‪ 7.‬وتقول احملكمة‬
‫ال ُي عد الضم الفعلي الذي يطال الضفة الغربية املرة األولى‬ ‫بوضوح إن قوانني مشابهة ي ّس رت وضع اليد على األراضي‬

‫عدد ‪79‬‬
‫ينبع الحق في تقرير المصير من ارتباط شعب ما بأرضه‪ .‬ومع ذلك‪« ،‬يفهم القانون‬
‫الدولي الراهن السيادة على أنها يتوالها الشعب‪ ،‬على نحو ّ‬
‫يعبر عن الحق في‬
‫تقرير المصير»‪ .‬وال تتجسد السيادة والحقوق القومية في اإلقليم نفسه‪ ،‬أو حتى‬
‫في الدولة السالفة ذات السيادة‪ ،‬وإنما في الشعب‪.‬‬

‫حاولوا أن يعودوا أدراجهم إلى ديارهم ومنازلهم‪ .‬وبالن سبة ملن‬ ‫التي يواجه فيها الفل سطينيون هذا الوضع على الرغم من‬
‫تبقى من الفل سطينيني‪ ،‬مثلت املواطنة في املقام األول وض ًع ا‬ ‫البي الذي َي ِس م م ساره القانوني والظروف ال سياسية‬‫االختالف ّ‬
‫يكفل عدم إبعادهم مبوجب قانون «مكافحة التسلل»‪ .‬فقد خضع‬ ‫احمليطة به‪ .‬ففي الواقع‪ ،‬خاض الفل سطينيون جتربة مهمة‬
‫هؤالء الفل سطينيون‪ ،‬شأنهم في ذلك شأن الفل سطينيني في‬ ‫ً‬
‫مفرط ا من ال سيطرة في دولة لم يختاروا هم‬ ‫شهدوا فيها قد ًرا‬
‫الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬للحكم من خالل أنظمة الطوارئ‬ ‫أن يكونوا من مواطنيها‪ .‬فعلى مدى الفترة الواقعة بني العامني‬
‫والقوانني األمنية‪.‬‬ ‫‪ 1948‬و‪ ،1952‬شارك ال سكان الفل سطينيون العرب الذين لم‬
‫واألهم من ذلك بالنسبة ملن بقي من الفل سطينيني في‬ ‫يبرحوا أرضهم في إسرائيل عقب النكبة في االنتخابات‬
‫إسرائيل أن املشاركة السياسية لم تكن تنطوي على التنازل‬ ‫حتى في الوقت الذي لم يكونوا فيه مواطنني بعد‪ .‬فلم ُي نح‬
‫نتاج ا‬
‫عن حقوقهم في تقرير املصير‪ .‬بل كانت هذه املشاركة ً‬ ‫الفلسطينيون‪ ،‬الذين خضعوا حلكم احلكومة العسكرية التي‬
‫للضرورات العمالنية التي أفرزها احتالل ال ُي علم مداه وكان‬ ‫امتدت بني العامني ‪ 1949‬و‪ ،1966‬املواطنة إال في العام ‪.1952‬‬
‫جاث ًم ا على األراضي التي كانت مقر ًرا أنها من نصيب الدولة‬ ‫وقد شارك هؤالء في االنتخابات قبل صدور قوانني املواطنة‬
‫العربية‪ .‬وفي واقع احلال‪ ،‬فنحن نرى اليوم القائمة املشتركة‬ ‫الرسمية‪.‬‬
‫شكل من أشكال تقرير‬ ‫ً‬ ‫في الكنيست اإلسرائيلي متارس‬ ‫يخطه جبارين‪ ،‬فعندما أدلى الفلسطينيون‬ ‫ّ‬ ‫وحسبما‬
‫املصير القومي الواجب للفل سطينيني من خالل املؤس سات‬ ‫بأصواتهم للمرة األولى في االنتخابات اإلسرائيلية‪ ،‬كانت‬
‫التابعة «للدولة اليهودية»‪ .‬ودون وجود دولة فلسطينية تتمتع‬ ‫التعريفات اإلسرائيلية الرسمية مت ّي ز «دولة إسرائيل» عن‬
‫ب سيادتها على إقليمها‪ ،‬فإن ما ي ّس ر لهؤالء أن يفعلوا ذلك‬ ‫«املناطق احملتلة» أو «املناطق اإلدارية» التي كانت أغلبية‬
‫يكمن في ممارسة حقوقهم الفردية في االنتخاب‪.‬‬ ‫الفلسطينيني تقطنها‪ 10.‬وكانت هذه املناطق مصنفة باعتبارها‬
‫ويرد االعتراف باحلق في التصويت في املادة ‪ 25‬من العهد‬ ‫تقع ضمن الدولة العربية في خطة التق سيم‪ .‬وقد عزى بن‬
‫الدولي اخلاص باحلقوق املدنية وال سياسية‪ .‬ويكمن أحد الفروق‬ ‫غوريون ال سياسة التي انتهجتها حكومته على هذا الصعيد‬
‫املهمة التي تف ّع ل احلق في االنتخاب في االختالف القائم بني‬ ‫إلى غياب حتديد وضع املناطق احملتلة أو اإلدارية‪« :‬من غير‬
‫مبدأ تقرير املصير وحق األفراد في املشاركة في تلك اإلجراءات‬ ‫احلكمة أن نعلن أننا لن نعود إلى املناطق احملتلة‪ ،‬ومن غير‬
‫التي تش ّك ل إدارة الشؤون العامة‪ .‬وح سب التف سير الذي تورده‬ ‫احلكمة أن نعلن أننا سنعود إليها»‪ 11.‬ومن امللفت أن هذه‬
‫جلنة األمم املتحدة املعنية بحقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫الكلمات يتردد صداها في املواقف التي تبنتها احلكومات‬
‫اإلسرائيلية حيال الضفة الغربية منذ العام ‪ 1967‬وحتى يومنا‬
‫«تعتبر احلقوق املنصوص عليها في املادة ‪ 25‬من العهد‬
‫هذا‪ .‬وهي تعكس موق ًف ا يتمحور حول الضم بحكم األمر الواقع‪.‬‬
‫متصلة بحق الشعوب في تقرير مصيرها وإن كانت متميزة‬
‫عنه‪ .‬فتتمتع الشعوب مبوجب احلقوق املشمولة في املادة ‪)1(1‬‬ ‫وقد احتلت مشاركة من بقي من الفل سطينيني في تعداد‬
‫بحرية تقرير مركزها ال سياسي واختيار شكل دستورها أو‬ ‫العام ‪ ،1948‬الذي سبق إجراؤه عقد االنتخابات للمرة األولى في‬
‫نوع حكمها‪ .‬وتتناول املادة ‪ 25‬حق األفراد في املشاركة بكل‬ ‫إسرائيل‪ ،‬قد ًرا بال ًغ ا من األهمية‪ .‬فقد ُأجري هذا التعداد في‬ ‫‪122‬‬

‫ما يعني إدارة الشؤون العامة من عمليات‪».‬‬ ‫خض ّم حملة دعت إلى نفي «املت سللني»‪ ،‬وهم الالجئون الذين‬

‫عدد ‪79‬‬
‫واألهم من ذلك بالنسبة لمن بقي من الفلسطينيين في إسرائيل أن المشاركة‬
‫السياسية لم تكن تنطوي على التنازل عن حقوقهم في تقرير المصير‪ .‬بل كانت‬
‫هذه المشاركة ً‬
‫نتاجا للضرورات العمالنية التي أفرزها احتالل ال ُيعلم مداه وكان‬
‫ً‬
‫مقررا أنها من نصيب الدولة العربية‪.‬‬ ‫ً‬
‫جاثما على األراضي التي كانت‬

‫حسب املسمى الذي ُي طلق عليه في أحيان أكثر توات ًرا في‬ ‫ويكت سي هذا التمييز التحليلي أهمية بالغة‪ .‬فقد يحترم‬
‫النقاشات القانونية الدولية ‪ -‬في صميم احلق احلصري الذي‬ ‫ً‬
‫كامل‪،‬‬ ‫املرء حق الفل سطينيني في تقرير مصيرهم احترا ًم ا‬
‫متلكه الدولة‪ .‬وبنا ًء على ذلك‪ ،‬يجوز اعتبار أي تف سير من‬ ‫في الوقت الذي يتوخى فيه اجلدية بشأن حقوق األفراد في‬
‫تف سيرات القانون الدولي التي تفترض أن دولة ما يترتب عليها‬ ‫املشاركة في اتخاذ القرارات التي تشكل واقعهم الراهن‪ .‬وعند‬
‫واجب منح شعب بعينه املواطنة على أنه ينطوي على إشكالية‬ ‫إنزال وجهة النظر هذه على مدن من قبيل رام الله ونابلس‬
‫كبيرة‪ .‬ولكن ينبغي للمرء مرة أخرى أن ينظر بعناية في فكرة‬ ‫وبيت حلم‪ ،‬قد يعتقد املرء أن حقوق االنتخاب في إسرائيل قد‬
‫تقرير املصير التي ال تقوم على الفصل‪ .‬وال تقع إسرائيل حتت‬ ‫تُلحق الضرر بتدبير احلكم الذاتي الذي يتمتع به الفل سطينيون‬
‫هذا الواجب‪ ،‬ولها احلرية في االن سحاب من األرض التي حتتلها‬ ‫في ظل ال سلطة الفل سطينية‪ .‬وال ميكن أن يبتعد هذا األمر‬
‫واإلحجام عن السماح للفلسطينيني فيها ب املشاركة السياسية‬ ‫هذا الواقع‪ .‬فالقانون الدولي ي سمح بوجود املواطنة املزدوجة‬
‫في مؤس ساتها‪ .‬وإن امتنعت إسرائيل عن ذلك ‪ -‬سواء في‬ ‫بال مواربة‪ .‬وليس ثمة سبب يحول دون منح حقوق االنتخاب‬
‫الوقت الذي تفرض فيه الضم الرسمي أم ال تفرضه ‪ -‬فال‬ ‫في كال الدولة القائمة باالحتالل التي تتحكم في حياة الناس‬
‫ميكن أن يشكل االحتالل عقبة أمام احلقوق ال سياسية الواجبة‬ ‫وفي الدولة الفل سطينية القابعة حتت احتاللها‪ ،‬والتي ال يزال‬
‫لألفراد‪ .‬ولذلك‪ ،‬يوصي أحد التف سيرات املعاصرة للقانون الدولي‬ ‫في وسعها أن تضطلع بهذا الدور‪.‬‬
‫بأن متنح إسرائيل هذه اإلمكانية جلميع الفل سطينيني الذين‬ ‫وما انفكت احلكومة اإلسرائيلية توظف نظرة االحتالل‬
‫يقيمون في الضفة الغربية‪ .‬ويصعب على املرء أن يرى كيف‬ ‫الذي يشهد التحول‪ ،‬والذي استقته من احتالل العراق على يد‬
‫يت سنى إلسرائيل‪ ،‬بخالف ذلك‪ ،‬أن تتفادى انتهاك املادة ‪ 3‬من‬ ‫الواليات املتحدة األميركية‪ ،‬من أجل االلتفاف على احملظورات‬
‫اتفاقية القضاء على جميع التمييز العنصري‪ ،‬التي حتظر‬ ‫املفروضة على استخدام املوارد الطبيعية في األرض احملتلة‬
‫«العزل العنصري والفصل العنصري»‪.‬‬ ‫ملا فيه مصلحة ال سلطة القائمة باالحتالل‪ .‬ولكن ثمة وجه آخر‬
‫ويعد الوضع في قطاع غزة مختل ًف ا من الناحية القانونية‪.‬‬ ‫لهذا القرار الذي أثار االعتراض والنفور‪ ،‬وأيدته احملكمة العليا‬
‫فمنذ «فك االرتباط» في العام ‪ ،2005‬تثور الت ساؤالت حول ما إذا‬ ‫اإلسرائيلية‪ 12.‬فلو كان الطابع املتحول لالحتالل يستدعي‬
‫ً‬
‫«محتل» أم ال‪ ،‬باعتبار ذلك م سألة من‬ ‫كان هذا القطاع سيبقى‬ ‫االعتراف باالحتياجات طويلة األمد‪ ،‬فينبغي االعتراف بأنه ال‬
‫م سائل القانون الدولي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وح سب االقتباس الذي أوردناه‬ ‫ميكن إسقاط احلقوق ال سياسية إلى ما ال نهاية‪ .‬وال يعني منح‬
‫أعاله‪ ،‬فليس في وسع إسرائيل أن تغير «التكوين الدميغرافي‬ ‫الفلسطينيني حقوق االنتخاب التي يستحقونها بالضرورة أننا‬
‫وطابع ووضع األرض الفل سطينية احملتلة منذ عام ‪.»1967‬‬ ‫ً‬
‫احتمال‬ ‫نتطلع إلى م ستقبل تقوم فيه دولة واحدة‪ .‬ويبقى ذلك‬
‫وحتول إسرائيل في الواقع العملي بني الغزيني وبني املشاركة‬ ‫قائ ًم ا‪ ،‬ولكن ح املا ميلك الناس حقوق االنتخاب على قدم امل ساواة‬
‫ال سياسية في دولة فل سطينية حتى لو لم يكونوا يخضعون‬ ‫فيما بينهم‪ ،‬ففي وسعهم حينئذ أن يوظفوها للم ساعدة في‬
‫لالحتالل بصفة رسمية‪ .‬ولذلك‪ ،‬ينبغي توجيه الدعوة لهؤالء ً‬
‫أيض ا‬ ‫إعداد أي إطار سياسي يريدونه‪ ،‬مبا يشمله من دولة واحدة‬
‫‪123‬‬ ‫للمشاركة في العملية السياسية اإلسرائيلية‪ ،‬إذا ما اختاروا‬ ‫أو دولتني اثنتني أو كونفدرالية‪.‬‬
‫ذلك‪ .‬فإسرائيل ال تزال هي الدولة التي حتدد وبأقصى درجات‬ ‫وبطبيعة احلال‪ ،‬يقع احلق في املواطنة ‪ -‬أو «اجلنسية»‬
‫عدد ‪79‬‬
‫في أرض محتلة‪.‬‬
‫وعلينا أن نبدأ في تخ ُّي ل ما يعنيه ذلك‪ ،‬في الواقع العملي‪،‬‬
‫بالنسبة ألعداد متزايدة من الفلسطينيني الذين يطالبون‬
‫بحقوق االنتخاب في إسرائيل‪ .‬فبادئ ذي بدء‪ ،‬قد ال جتد‬
‫هذه املطالب آذانًا مصغية‪ .‬وقد تفضي ممارسة الضغط إلى‬
‫إعمال جزء منها شي ًئ ا فشي ًئ ا ‪ -‬وذلك ال يخلو من اإلح ساس‬
‫بالتهديد من جانب احلكومة اإلسرائيلية والتيار الرئيسي‬
‫الذي يغلب على املجتمع اإلسرائيلي‪ .‬ولكن يصعب وضع حد‬
‫لهذه الدورة املتعاقبة حال بدئها ب سبب ال سيطرة املفرطة التي‬
‫تفرضها إسرائيل على حياة الفل سطينيني بجميع جوانبها‪.‬‬
‫واألمر اآلخر الذي نعلمه هو أن الفل سطينيني يحصلون على‬
‫قدر أكبر من ال سلطة ال سياسية ضمن املنظومة اإلسرائيلية‪.‬‬ ‫الفلسطينيون تحت االحتالل‪ :‬أكثر من شكل للتمييز واالضطهاد‪.‬‬
‫بل إنهم قد ميلكون القدرة على التصويت على تدابير تُعنى‬
‫بإعمال تقرير مصيرهم وإنفاذه‪ .‬وقد يتمثل أحد هذه التدابير‬ ‫القوة الظروف املعيشية األساسية التي يحيونها‪.‬‬
‫في خالفة الدولة اإلسرائيلية‪.‬‬
‫ويتعلق آخر اعتراض من االعتراضات التي ترد في هذا‬
‫وال يخطئن أحد في أنه ال ي ساورنا شك في أن هذا البرنامج‬ ‫ال سياق بضرورة احملافظة على األمن واالستقرار وصونهما‬
‫سوف يحرز التقدم ب سالم بكل مراحله‪ .‬فمما ال يخفى أنه‬ ‫شرط ا ي سعى القانون الدولي‬ ‫ً‬ ‫في املنطقة‪ .‬فهذا ً‬
‫أيض ا ُي عد‬
‫يصطدم مع مصالح احلكومة اإلسرائيلية‪ ،‬وأن احلكومة‬ ‫إلى إعماله وإنفاذه‪ .‬ولعل األهم من ذلك أنه ليس في وسعنا‪،‬‬
‫اإلسرائيلية سوف تبذل ما في وسعها لوأده وتعطيله‪ .‬وقد‬ ‫أناس ا نعمل في هذه البالد ونعيش فيها‪ ،‬أن نولي قدرا‬
‫بصفتنا ً‬
‫يبدو هذا البرنامج‪ ،‬إذا ما قارنّاه بخيارات أخرى‪ ،‬في صورة‬ ‫أكبر من االهتمام ب سالمتنا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ينبغي للمرء أن يق ّر بأن‬
‫أكثر أمانًا من صورة الصراع‪ ،‬حيث ي ستطيع أن ينقذ األرواح‬ ‫االحتالل الذي ال يعلم أحد مداه يحرم العديد من سكان هذه‬
‫الغالية وأن يكسب التعاطف من جانب بلدان العالم‪ ،‬مبن فيها‬ ‫املنطقة‪ ،‬فل سطينيني كانوا أم يهو ًدا‪ ،‬من الشعور باألمان إلى‬
‫اليهود اإلسرائيليون‪.‬‬ ‫أقصى احلدود‪ .‬ونحن نعتقد بأن هذا االقتراع العام الذي ينزع‬
‫برنامج ا يعنى بحقوق االنتخاب واملواطنة‬
‫ً‬ ‫ومما ال مراء فيه أن‬ ‫نزعة تصحيحية هو وحده الذي ميكنه أن يأخذ بيد السكان‬
‫ال يناسب جميع الشعوب التي تقبع حتت نير االحتالل الطويل‬ ‫على اختيار القواعد التي تؤ ّم ن لهم اإلح ساس باألمان بحق‪.‬‬
‫ً‬
‫ضئيل إلى حد ال يي سر‬ ‫األمد‪ .‬فتعداد هذه الشعوب قد يكون‬
‫تأمني الثقل االنتخابي في البلد الذي يرزح حتت االحتالل‪ ،‬مما‬
‫‪ -5‬الخالصة‬
‫يجعل ممارسة تقرير املصير من خالل العملية االنتخابية في‬
‫ذلك البلد أم ًرا من ضرب امل ستحيل‪ .‬وفي نهاية املطاف‪ ،‬ميلك‬ ‫تُعد مشاركة الفل سطينيني في احلياة ال سياسية ضرورة‬
‫الشعب الذي يعاني من وطأة االحتالل الكلمة الفصل فيما‬ ‫يقتضيها االحتالل الذي طال أمده إلى حني حتقيق تقرير‬
‫إذا كان يريد ال سعي إلى إعادة تشكيل القانون ال ساري إبان‬ ‫مصيرهم وإعماله مبوجب اتفاق‪ .‬ويعرض هذا الوضع موق ًف ا‬
‫عهد االحتالل الذي ال ُي عرف مداه‪ .‬وفي ال سياق ال سياسي الذي‬ ‫يرفض في الوقت نفسه انعدام الصفة القانونية للضم‬
‫نعيشه نحن‪ ،‬تبني وجهة النظر الدميغرافية التي ال متيل إلى‬ ‫بحكم األمر الواقع‪ ،‬في حني يتم سك بحقنا كلنا في تقرير‬
‫الفصل وجهة نظرة جديرة ب املتابعة‪.‬‬ ‫مصيرنا‪ .‬كما يؤ ّم ن هذا املوقف م ساحة للمشاركة ال سياسية‬
‫للفل سطينيني على مدى هذه الفترة االنتقالية‪ ،‬حيث ال يجوز أن‬
‫(ترجمه من اإلنكليزية‪ :‬ياسني ال سيد)‬ ‫«أشخاص ا محميني»‬
‫ً‬ ‫يقعوا رهينة بعد اآلن لوضعهم بصفتهم‬ ‫‪124‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫الهوامش‬
6. Orna Ben-Naftali and Yuval Shany, «Living in denial: the :‫ انظر‬.1
application of human rights in the occupied territories»,Isr. Aeyal Gross, The Writing on the Wall: Rethinking the
L. Rev. 37, 17 (2003). International Law of Occupation (2017) (especially
‫ قرية سلواد ضد‬،17/1308 ‫ الدعوى رقم‬،‫ محكمة العدل العليا‬.7 Chapter 2 on the “indeterminacy of occupation”).
Nevo( ‫ قاعدة بيانات نيفو القانونية‬،)2020 ‫ حزيران‬2( ‫الكنيست‬ 2. Ariel Zemach, «The Emerging Right of West Bank
‫ عىل املوقع‬،)‫ بالعربية‬،‫ (عن طريق االشرتاك‬،)Legal Database Palestinians to Israeli Citizenship», 42 U. Penn. J. In’tl
:‫اإللكرتوني‬ L. (forthcoming, 2020); Sari Bashi, «Human Rights in
Indefinite Occupation: Palestine», Cardozo J. Int’l and
h t t p s : / / s u p r e m e d e c i s i o n s . c o u r t . g o v. i l / H o m e /
Comp. L. (forthcoming, 2020).
D o w n l o a d ? p a t h = H e b r e w Ve r d i c t s \ 1 7 \ 0 8 0 \ 0 1 3 \
v48&fileName=17013080.V48&type=2. ‫ وتمثلت املحطة‬.‫يقوم هذا الفهم يف أساسه عىل محطات تاريخية‬ .
8. Mautner, «The High Court’s Surrealism» (“Hasurealism ‫األوىل فيما طرحه اللورد كورزون بشأن تقسيم البنغال يف العام‬
Shel Bagatz), Ha’aretz, Jun. 13, 2020 https://www.haaretz. ‫ وشملت املحطة‬.‫ للفصل بني البنغال الهندوس واملسلمني‬1906
co.il/opinions/.premium-1.8914436. ‫الثانية معاهدة لوزان التي رأت أن ترحيل السكان يحقق التجانس‬
9. Orna Ben Naftali, Aeyal Gross and Keren Mchaeli, «Illegal .‫ بل ويعد رضوريًا له‬،‫اإلثني ويتواءم مع إعمال تقرير املصري القومي‬
Occupation: The Framing of the Occupied Palestinian 4. Catriona Drew, «Remembering 1948: Who’s Afraid of
Territory», 23 Berkeley J. Int’l L. 551 (2005). International Law in the Israeli-Palestinian Conflict?», in
10. Hassan Jabareen, …, 2014 Raimond Gaita & Gerry Simpson (eds.), Who is Afraid
of International Law? (Melbourne: Monash University
‫ يف مقال حسن‬21 ‫ (يف الهامش‬2014 ,… ,Hassan Jabareen .11
Publishing, 2017); See also Umut Özsu, Formalizing
)‫جبارين‬ Displacement: International Law and Population
‫ يش دين ضد الحاكم‬،2164 ‫ الدعوى رقم‬،‫ محكمة العدل العليا‬.12 Transfers. (Oxford University Press, 2015) 
‫ قاعدة بيانات‬،)2011 ‫ كانون األول‬12( ‫العسكري يف الضفة الغربية‬ 5. Hassan Jabareen, «Hobbesian Citizenship: How the
،‫ (عن طريق االشرتاك‬،)Nevo Legal Database( ‫نيفو القانونية‬ Palestinians Became a Minority in Israel», in Will Kymlica
.https://bit.ly/38bcKN4 :‫ عىل املوقع اإللكرتوني‬،)‫بالعربية‬ and Eve Pföstl, (eds), Multiculturalism and Minority
Rights in the Arab World, (Oxford University Press, 2014) 

125

79 ‫عدد‬
‫قراءات ّ‬
‫نقدية ومراجعات‬
‫*‬
‫إيهاب محارمة‬

‫في دحض السرديات اإلسرائيلية‬


‫مراجعة كتاب «عشر خرافات عن إسرائيل»‬

‫تقديم‬ ‫عنوان الكتاب‪Ten Myths About Israel :‬‬


‫احت لّت السرديات االستعمارية اإلحاللية اإلسرائيلية أهمية‬ ‫المؤلف‪ :‬إيالن بابيه ‪.Ilan Pappe‬‬
‫كبرى قبل نشوء إسرائيل ولدى إقامتها وعلى مدى تطورها‬ ‫مكان النشر‪ :‬بروكلين‪ ،‬نيويورك‪ ،‬الواليات المتحدة‬
‫في العقود املاضية؛ وهي ال تزال تتبوأ مكانة مهمة في الوعي‬ ‫األميركية‪.‬‬
‫اجلمعي اإلسرائيلي كما في رؤاهم امل ستقبلية بشأن فل سطني‪،‬‬
‫دار النشر‪Verso. :‬‬
‫ومن هنا تأتي أهمية النظر في هذه ال سرديات ا ِ ّ‬
‫ملؤس سة‬
‫ودحضها‪ .‬وهذا هو موضوع هذا الكتاب الذي يتصدى ملجموعة‬ ‫سنة النشر‪.2017 :‬‬
‫من األفكار أو «اخلرافات» كما يصفها املؤلف‪ ،‬واملرتبطة بخطاب‬ ‫عدد الصفحات‪ 171 :‬صفحة‪.‬‬
‫إسرائيل وروايتها‪ .‬ويشتمل الكتاب على ثالثة أق سام موزعة‬
‫على عشرة فصول‪ ،‬يحاول املؤلف في كل فصل دحض واحدة‬
‫من اخلرافات‪ .‬في الق سم األول‪ ،‬يتناول املؤلف ست خرافات‬
‫‪126‬‬
‫يرى بأن لها جذو ًرا تاريخية تبنتها املؤسسة اإلسرائيلية‬
‫باحث‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة ال سياسات‪.‬‬ ‫*‬

‫عدد ‪79‬‬
‫اإلعالمية والعسكرية واألكادميية‪ .‬وفي القسم الثاني‪ ،‬ينتقل‬
‫لتقدمي ثالث خرافات يرى بأنها موجودة في الوقت احلاضر‪.‬‬
‫وفي الق سم األخير‪ ،‬يفند املؤلف حل الصراع بني الفل سطينيني‬
‫واإلسرائيليني استنا ًدا إلى «حل الدولتني» عا ًّدا إ ّي اه خرافة أخرى‬
‫دعمتها إسرائيل‪.‬‬

‫ٌ‬
‫‪ .1‬خرافة «فلسطين أرض فارغة»‬
‫يتناول هذا الفصل خرافة تاريخية قام عليها اخلطاب‬
‫اإلسرائيلي ‪ -‬الصهيوني على مدى ال سنوات املاضية‪ ،‬وهي‬
‫أرض ا فارغة وقاحلة وشبه صحراوية وأن‬ ‫أن فل سطني كانت ً‬
‫الصهاينة هم من قاموا ببنائها وزراعتها‪ .‬جند هذه اخلرافة‬
‫ُم ست لّ ًة من إحدى املقوالت الصهيونية التأسي سية‪ ،‬وهي أن‬
‫لشعب بال أرض»‪ ،‬والتي‬
‫ٍ‬ ‫أرض بال شعب و ُم نحت‬ ‫«فلسطني ٌ‬
‫أرض ا خصبة لالنتشار في مجاالت اإلعالم واملناهج‬ ‫وجدت ً‬
‫الدراسية في إسرائيل‪ .‬كما يرى املؤلف بأن إسرائيل لم‬
‫تكتف بنشر هذه الرواية وسط املجتمع اإلسرائيلي فح سب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بل صدرتها إلى أوروبا والواليات املتحدة‪.‬‬
‫لفحص هذه الرواية يحاول املؤلف أن يجيب عن بعض‬
‫األسئلة‪ ،‬من بينها‪ :‬من منح هذه األرض اسم «فل سطني»؟‪ 1‬وهل‬
‫الفل سطيني وحركته الوطنية بدأ مع اتفاقية سايكس بيكو‬ ‫يوجد مجتمع فل سطيني قبل قيام «إسرائيل»؟ وهل تفاعل هذا‬
‫عام ‪ 1916‬ومن ثم مع حقبة االنتداب البريطاني عام ‪،1918‬‬ ‫املجتمع مع محيطه العربي؟ وكيف نشأت القومية الفل سطينية‬
‫وذلك قبل أن يتج سد بشكل حقيقي مع التق سيمات اإلدارية‬ ‫قبل وصول الصهيونية؟ مشي ًرا إلى أنّ هذه األسئلة ألهمته‬
‫التي ساعدت احلركة الصهيونية على إعادة تصميم احلدود‬ ‫للبحث في جذور الوجود الفلسطيني من جهة‪ ،‬والكيانية‬
‫ووضع تصور جغرافي لـ «أرض إسرائيل»‪ .‬يرى بابيه بأنّ‬ ‫ً‬
‫وأرض ا‪ ،‬وعا ًّدا أنّ‬ ‫ال سياسية من جهة ثانية؛ شع ًب ا ونخ ًب ا‬
‫املشروع االستعماري منذ تأسي سه قام على أساس جتزئة‬ ‫الفضاء اجليوسياسي الذي ُي دعى اليوم إسرائيل أو فل سطني‬
‫الفلسطينيني وحركتهم الوطنية وتفتيتهم‪ ،‬وذلك بهدف تسهيل‬ ‫كان دول ًة معترفا بها منذ العصر الروماني‪ ،‬وأن هناك إجماعا‬
‫ال سيطرة عليهم‪.‬‬ ‫واسعا بني الباحثني على أن الرومان هم الذين منحوا األرض‬
‫وباحملص لة‪ ،‬يف نّد هذا الفصل الرواية الصهيونية االستعمارية‬
‫ّ‬ ‫اسم «فل سطني»‪.‬‬
‫التي ش ّك كت بوجود شعب فل سطيني متفاعل مع محيطه‬ ‫والواقع أن الفل سطينيني أسهموا في تشكيل حركة وطنية‬
‫العربي‪ ،‬ومنفتح على التغيير والتحديث‪ ،‬وله حركة وطنية‬ ‫فل سطينية تعود جذورها إلى عام ‪ 1882‬وذلك قبل أن تزداد‬
‫ت سعى ملقاومة املشروع االستعماري‪ .‬ويخلص إلى أن املجتمع‬ ‫أهميتها مع مطلع عشرينيات القرن املاضي؛‪ 2‬إذ إن انهيار‬
‫الفل سطيني بدأ تعريف نف سه على األساس القومي (األمة)‬ ‫احلقبة العثمانية والسعي األوروبي الستعمار البالد العربية‬
‫خالل القرنني التاسع عشر والعشرين‪ ،‬م ستفي ًدا من بعض‬ ‫عمل على تقوية احلركة الوطنية الفل سطينية ومتكينها منذ‬
‫املقومات الرئيسية‪ ،‬من بينها‪ :‬املشاعر الوطنية والدينية‬ ‫أن بدأت الصهيونية بوضع بصمتها في فل سطني بحصولها‬
‫‪127‬‬ ‫والوالءات احمللية والعروبة‪ ،‬وباالستفادة ً‬
‫أيض ا من كون تاريخ‬ ‫على وعد بلفور عام ‪.1917‬‬
‫فل سطني وثقافتها مرتبطني بالع املني العربي واإلسالمي‪.‬‬ ‫يؤ ّك د بابيه بأنّ التأثير االستعماري على الشعب‬
‫عدد ‪79‬‬
‫من خالل العودة التاريخية إلى جذور الصهيونية الحديثة في القرن الثامن عشر‪،‬‬
‫ّ‬
‫مهمين الستغالل‬ ‫يبين الباحث أن «حركة التنوير اليهودية»‪ ،‬طرحت مشروعين‬‫ّ‬
‫الديانة اليهودية‪ ،‬وهما؛ إعادة تعريف اليهودية بوصفها حركة وطنية‪ ،‬والحاجة‬
‫الستعمار فلسطين من أجل إعادة اليهود إلى الوطن القديم الذي طردوا منه من‬
‫قبل الرومان وتأسيس دولة لليهود فيها‪.‬‬

‫ٌ‬
‫شعب بال أرض»‬ ‫‪ .2‬خرافة «اليهود‬
‫عليها‪ ،‬وكذلك تتبع العديد من تصريحات القادة ال سياسيني‬
‫في ذلك احلني‪ ،‬ولعل أبرزها تصريح الرئيس األميركي جون‬ ‫يجري البحث في الفصل الثاني‪ ،‬في أسئلة لط املا مثلت‬
‫آدامز (‪ )1826-1735‬حينما قال‪« :‬أمتنى أن يعود اليهود إلى‬ ‫جوهر املشروع االستيطاني الصهيوني في فل سطني‪ ،‬وهي؛‬
‫يهودا كأمة م ستقلة»‪.‬‬ ‫هل كان املستوطنون اليهود شع ًب ا؟ هل كان لفكرة وجود‬
‫وي ستأنف بابيه في هذا الفصل دحض أطروحات الباحثني‬ ‫الدولة اليهودية أن حتصل لوال دعم بريطانيا والواليات‬
‫األيديولوجيني املعاصرين حول الفترة الزمنية املمتدة طيلة القرن‬ ‫املتحدة األميركية؟ كيف ارتبطت الصهيونية مبعاداة ال سامية‬
‫التاسع عشر‪ ،‬والتي يرى بأنها تؤثر في احلقوق األساسية‬ ‫واإلمبريالية؟ كيف حتولت الصهيونية من مترين فكري وثقافي‬
‫للسكان األصليني الفلسطينيني‪ .‬وكذلك يرى بأن أطروحة‬ ‫إلى مشروع سياسي؟ هل أصبحت الصهيونية حركة معترفا‬
‫«اليهود بال أرض» زاوجت بني املشروع االستعماري الغربي ودور‬ ‫بها دول ًي ا؟ هل يؤيد جميع اليهود في العالم إسرائيل؟‬
‫ثيودور هرت سل وقادة الصهيونية القادمني من أوروبا الشرقية‪،‬‬ ‫لإلجابة عن هذه األسئلة‪ ،‬بحث املؤلف في رواية وسائل‬
‫ألفكار تهدف إلى حل املسألة اليهودية في أوروبا‬
‫ٍ‬ ‫واحلاملني‬ ‫اإلعالم واملؤس سات األكادميية الصهيونية‪ ،‬والتي تشير إلى‬
‫من خالل تهجير اليهود إلى فل سطني‪ .‬ولتوضيح ذلك‪ ،‬ي سلط‬ ‫أن اليهود هم ال سكان األصليون لفل سطني‪ ،‬ولذلك ي ستحقون‬
‫املؤلف الضوء على الدافع االستعماري لبريطانيا واستخدام‬ ‫كل الدعم للعودة إلى وطنهم‪ .‬وكذلك بحث املؤلف في رواية‬
‫مفهوم العودة اليهودية إلى فل سطني واملت سق مع ظهور رؤى‬ ‫املؤس سة اإلسرائيلية القائلة‪« :‬إنّ اليهود كانوا شع ًب ا بال أرض»‬
‫ثقافية وفكرية جديدة للصهيونية في أوروبا‪.‬‬ ‫والتي تسير جن ًب ا إلى جنب مع االدعاء «أنّ فلسطني كانت‬
‫«شعب بال أرض» لم تكن لترى‬
‫ٌ‬ ‫وباحملص لة‪ ،‬بدا أنّ أطروحة‬
‫ّ‬ ‫أرض ا بال شعب»‪ ،‬مضي ًف ا بأنّ هذه الرواية اإلسرائيلية سعت‬ ‫ً‬
‫النور لوال رؤية بريطانيا بإمكانية وجود وطن قومي لليهود في‬ ‫من خالل هذا الربط إلى التأكيد على أنّ العالم امل سيحي قد‬
‫‪3‬‬
‫فلسطني واملتزاوجة مع مصاحلها اإلستراتيجية في املنطقة‪.‬‬ ‫أ ّي د‪ ،‬ملصلحته اخلاصة‪ ،‬وفي حلظة معينة في التاريخ احلديث‪،‬‬
‫فكرة اليهود كأمة يجب أن «تعود» ذات يوم إلى األرض املقدسة‪.‬‬

‫‪ .3‬خرافة «الصهيونية هي اليهودية»‬ ‫يرى بعض األكادمييني املؤيدين إلسرائيل أن هذا الطرح‬
‫ساعد بريطانيا في احلصول على موطئ قدم بالقوة في‬
‫يش ّدد هذا الفصل على أنّ الصهيونية تالعبت بالديانة‬ ‫فل سطني‪ .‬وللتح ّق ق من ذلك‪ ،‬عاد املؤلف إلى بدايات املشروع‬
‫اليهودية ألسباب تتعلق ب املشروع االستعماري في فلسطني‪.‬‬ ‫االستعماري في فل سطني ومحاولة ال سيطرة عليها‪ ،‬وذلك من‬
‫ويفحص بابيه هذه األطروحة من خالل اختبار ال سياق التاريخي‬
‫خالل البحث في حملة نابليون بونابرت في مطلع القرن التاسع‬
‫الذي ُولد فيه هذا االفتراض‪ ،‬ويرى بأن الصهيونية عملت دو ًم ا‬
‫عشر وم ساعيها للحصول على م ساعدة اليهود مقابل تقدمي‬
‫على استبعاد فكرة أنّ اليهود الذين عاشوا في القرن الثامن‬
‫وعد لهم بإقامة دولة في فل سطني‪ .‬كما عمل املؤلف على فهم‬‫ٍ‬
‫عشر في فل سطني‪ ،‬واليهود األرثوذكس في القرن التاسع عشر‬ ‫‪128‬‬
‫محاوالت احلركة الالهوتية االستعمارية التي وضعت «عودة»‬
‫والقرن العشرين‪ ،‬رفضوا فكرة الدولة اليهودية‪.‬‬
‫اليهود إلى فل سطني في قلب خطة إستراتيجية لل سيطرة‬
‫عدد ‪79‬‬
‫للضفة الغربية وقطاع غزة عام ‪.1967‬‬ ‫من خالل العودة التاريخية إلى جذور الصهيونية احلديثة في‬
‫يبي الباحث أن «حركة التنوير اليهودية»‪،‬‬
‫القرن الثامن عشر‪ّ ،‬‬
‫‪ .4‬خرافة «الصهيونية ليست االستعمار»‬ ‫طرحت مشروعني مه ّم ني الستغالل الديانة اليهودية‪ ،‬وهما؛‬
‫إعادة تعريف اليهودية بوصفها حركة وطنية‪ ،‬واحلاجة الستعمار‬
‫يهتم الفصل الرابع بادعاء مهم قام عليه اخلطاب‬ ‫فل سطني من أجل إعادة اليهود إلى الوطن القدمي الذي طردوا‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬وهو أنّ «الصهيونية حركة َت رر وطنية ولي ست‬ ‫منه من قبل الرومان وتأسيس دولة لليهود فيها‪.‬‬
‫استعمارية»‪ .‬يتضمن هذا الفصل‪ ،‬على غرار ما سبق‪ ،‬تفني ًدا‬
‫يرى بابيه بأن هذه األفكار القت ترحي ًب ا من قبل ثيودور‬
‫للرواية اإلسرائيلية والبعد االستيطاني العنصري في املشروع‬
‫هرتسل ورفاقه بوصفها أفضل حل للمسألة اليهودية‪ .‬كما يؤكد‬
‫االستعماري اإلسرائيلي الذي يبرئ إسرائيل ويعطي اليهود‬
‫على أنّ أفكار هذه احلركة أصبحت أكثر أهمية بعد املذبحة‬
‫حق تشكيل حركة حترر وطنية‪ ،‬بينما يعتبر مقاومة ال سكان‬
‫الروسية بحق اليهود عام ‪ ،1881‬وظهور برنامج حركة «أحباء‬
‫األصليني على أنها «إرهاب» و»تطرف»‪.‬‬
‫صهيون أو هواة صهيون» بقيادة هرت سل الذي دعا إلى بناء‬
‫يحاجج هذا الفصل بأنّ الصهيونية تع ّد حرك ًة استيطانية‬ ‫م ستعمرات جديدة في فل سطني‪ .‬يشير املؤلف بأنّ هذه األفكار‪،‬‬
‫استعمارية وليست استعما ًرا كالسيك ًي ا‪ .‬وميكن توضيح‬ ‫رواج ا لها في املجتمع األوروبي واألميركي‪ ،‬إال أنها‬
‫وإن القت ً‬
‫هذا االختالف من خالل ثالثة جوانب‪ ،‬وهي؛ (أ) االستعمار‬ ‫ً‬
‫شكل من‬ ‫ُرفضت من قبل رجال دين يهود بارزين‪ ،‬واعتبروها‬
‫االستيطاني يبني م ستوطنات مصممة من أجل البقاء الدائم‬ ‫أشكال التحديث والعلمنة‪.‬‬
‫أراض‬
‫وليس املؤقت؛ (ب) االستعمار االستيطاني ي سيطر على ٍ‬ ‫يؤكد املؤلف من خالل قراءته التاريخية بأن اليهود في‬
‫في بلد أجنبي‪ ،‬بينما االستعمار الكالسيكي يهدف لل سيطرة‬ ‫أوروبا‪ ،‬مارسوا الهودية حتى النصف األول من القرن التاسع‬
‫على املوارد الطبيعية؛ (ج) االستعمار االستيطاني ال يخدم‬ ‫عشر‪ ،‬بطريقتني؛ األولى‪ :‬حياة محافظة تقوم على رفض‬
‫دول ًة أ ّم ا بينما الكالسيكي ميثل مصالح ٍ‬
‫دولة أ ّم خارج البلد‬ ‫أشكال التحديث‪ ،‬والثانية‪ :‬حياة علمانية وتختلف بشكل‬
‫املُ ستع َم ر‪.‬‬ ‫بسيط عن مجتمعات غير اليهود من حيث االنفتاح‪ .‬في‬
‫الص دد إلى أنه قد تطورت خالل‬ ‫وجتدر اإلشارة في هذا ّ‬ ‫املقابل‪ ،‬وخالل النصف األخير من القرن التاسع عشر‪ ،‬برزت‬
‫السنوات األخيرة أدبيات عديدة معمقة في االستعمار‬ ‫«احلركة اإلصالحية اليهودية»‪ ،‬وهي حركة رفضت بشدة تعريف‬
‫االستيطاني‪ ،‬وتوصلت إلى أن املشكلة الرئي سية لهذا الشكل‬ ‫اليهودية على أنها قومية أو أمة‪ ،‬ورفضت إنشاء دولة يهودية في‬
‫االستعماري أن الوطن اجلديد املُ ستع َم ر مأهول بال سكان‬ ‫فل سطني‪ ،‬وذلك قبل أن يتحول موقفها من مناهضة الصهيونية‬
‫األصليني‪ .‬ولذا يرى املؤلف أنّ املستوطنون األوائل فوجئوا‬ ‫إلى تأييدها‪ ،‬بعد إنشاء دولة إسرائيل عام ‪ .1948‬ويحاجج‬
‫مبواجهة ال سكان األصليني لهم منذ وطأت أقدامهم أرض‬ ‫الباحث هنا أنه وبصرف النظر عن احلركة اإلصالحية‪ ،‬فإن‬
‫فلسطني‪ ،‬ولذلك لم يجدوا وسيلة سوى التخلص منهم‪،‬‬ ‫اليهود الليبراليني رفضوا ً‬
‫أيض ا إلى جانب رجال الدين االدعاء‬
‫وهذا ما حصل في النكبة عام ‪ .1948‬وتقوم هذه األدبيات‬ ‫بأن الصهيونية قدمت احلل ملشكالت اليهود في أوروبا‪ ،‬ويعتبر‬
‫باألساس على أطروحة باتريك وولف الذي يرى بأن االستعمار‬ ‫بأنّ قادة الصهيونية‪ ،‬منذ مطلع القرن التاسع عش ر‪ ،‬استخدموا‬
‫االستيطاني في فل سطني مدفوع «مبنطق اإلبادة» ‪The Logic‬‬ ‫«الكتاب املقدس» لتبرير االستعمار في فل سطني نظ ًرا لرفض‬
‫‪ ،))of Elimination‬وهذا يعني أنّ امل ستوطنني ي ستخدمون‬ ‫مشروع الصهيونية‪ .‬ويضيف بأن الصهيونية استخدمت‬
‫‪4‬‬
‫دو ًم ا وسائل من أجل إزالة السكان األصليني وإبادتهم‪.‬‬ ‫مفردات تشدد على استصالح فل سطني بهدف إنشاء مشروع‬
‫تكشف أدبيات عديدة أغلبها في حقل دراسات االستعمار أنّ‬ ‫يهودي علماني واشتراكي استعماري في األرض املقدسة‬
‫فهم الصهيونية بوصفها استعما ًرا استيطان ًي ا ال يساعدنا‬ ‫(مب ساعدة الله)‪ .‬وكما يشير أن توظيف «الكتاب املقدس» ال‬
‫على فهم املشروع اإلسرائيلي فح سب‪ ،‬بل وعلى فهم املقاومة‬ ‫يزال ي ستخدم لدى احلكومة اإلسرائيلية‪ ،‬ويشير في هذا الصدد‬
‫‪129‬‬ ‫الفل سطينية؛ فالعديد من اخلرافات اإلسرائيلية ‪ -‬الصهيونية‬ ‫إلى استخدام وزير العدل اإلسرائيلي ييغال آلون الكتاب املقدس‬
‫تضع املقاومة الفل سطينية إما ضمن مقاربة العنف‪ ،‬أو في‬ ‫لتشريع االستيطان في الضفة الغربية بعد احتالل إسرائيل‬

‫عدد ‪79‬‬
‫تطورت خالل السنوات األخيرة أدبيات عديدة معمقة في االستعمار االستيطاني‪،‬‬
‫وتوصلت إلى أن المشكلة الرئيسية لهذا الشكل االستعماري أن الوطن الجديد‬
‫ستعمر مأهول بالسكان األصليين‪ .‬ولذا يرى المؤلف ّ‬
‫أن المستوطنون األوائل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الم‬
‫فوجئوا بمواجهة السكان األصليين لهم منذ وطأت أقدامهم أرض فلسطين‪،‬‬
‫ولذلك لم يجدوا وسيلة سوى التخلص منهم‪.‬‬

‫األوائل بشأن كيفية نقل الفل سطينيني من أرضهم‪ ،‬وذلك قبل‬ ‫مقاربة العداء لليهود أو ال سامية‪.‬‬
‫وقوع النكبة‪ ،‬ويرى بأن أصحاب املوقف األول دعوا إلى نقل‬ ‫تبقى هناك م سألة مه ّم ة أكدها املؤلف‪ ،‬وهي أن املجتمع‬
‫الفل سطينيني طو ًع ا‪ ،‬بينما نادى أصحاب املوقف الثاني بنقل‬ ‫األهلي الفل سطيني أ ّدى دو ًرا مه ًم ا في مقاومة هذا املشروع‬
‫الفلسطينيني ق س ًرا‪ .‬ويف نّد بابيه هذين الرأيني م ًع ا‪ ،‬ويرى‬ ‫االستعماري‪ ،‬من خالل اإلشارة إلى أنّ الفل سطينيني انخرطوا‬
‫بأن احلديث عن النقل الطوعي عبارة عن خدعة‪ ،‬إذ كانت‬ ‫نخ ًب ا وفالحني مع مختلف املنظمات واحلركات التي ت سعى إلى‬
‫اإلستراتيجية التدريجية تهدف إلى الوصول لعملية نقل وتطهير‬ ‫الوحدة العربية واالستقالل وتقرير املصير‪ ،‬وذلك على امل ستويني‬
‫عرقي وجماعي ضخمة‪ ،‬وهذا ما حدث عام ‪ .1948‬وي ستشهد‬ ‫الشعبي واملؤس سي بتأسيس «اللجنة العربية العليا» عام ‪.1930‬‬
‫املؤلف في هذا اإلطار مبا كتبه املؤلف نف سه في كتابه التطهير‬ ‫ويؤكد بابيه بأنّ الفل سطينيني عام ‪ 1947‬اقترحوا دولة موحدة‬
‫‪6‬‬
‫الفلسطينيني‪،‬‬
‫سطني‪ 5،‬وكتاب نور مصاحلة طرد الفلسطينيني‬ ‫العرقي في فل سطني‬ ‫وحدوية تستوعب جميع من فيها بشرط إنهاء االستعمار‬
‫‪7‬‬
‫سطينيني‪.‬‬
‫وكتاب بيني موريس مولد مشكلة الالجئني الفل سطينيني‬ ‫الصهيوني‪ ،‬إال أن األمم املتحدة فضلت خيار تقسيم األرض‬
‫وكما يدحض املؤلف أطروحة ثالث روايات أخرى تدور حول‬ ‫إلى دولة عربية ودولة يهودية‪.‬‬
‫مغادرة الفلسطينيني وطنهم طواعي ًة عام ‪ ،1948‬والقائلة إنّ‬
‫الفل سطينيني يتحملون م سؤولية ما حدث ألنهم رفضوا خطة‬ ‫‪ .5‬خرافة «غادر الفلسطينيون وطنهم‬
‫ً‬
‫جيوش ا‬ ‫األمم املتحدة للتق سيم عام ‪ ،1947‬وإن إسرائيل حاربت‬ ‫طواعية عام ‪»1948‬‬
‫عربية قوية‪ ،‬وأن إسرائيل مدت يدها لل سالم بينما رفض العرب‬
‫يناقش الفصل اخلامس من الكتاب قضية رئيسية بوصفها‬
‫ال سالم‪.‬‬ ‫ً‬
‫مجال بحث ًي ا مه ًم ا لدى األكادمييني اإلسرائيليني‪ ،‬وهي م سألة‬
‫ويختتم إيالن بابيه هذا الفصل بالتأكيد على أن هذه‬ ‫ً‬
‫فضل عن الكيفية‬ ‫تهجير الفل سطينيني من أرضهم عام ‪،1948‬‬
‫الروايات خرافة كونها تتجاهل الطبيعة االستعمارية للحركة‬ ‫التي مت تنفيذ التهجير‪ ،‬سواء بالقوة أو باالتفاق‪.‬‬
‫الصهيونية‪ ،‬وتتجاهل واقع التطهير العرقي للفلسطينيني‪.‬‬
‫ير ّك ز هذا الفصل على دراسة ال سياقات التي ظهر فيها‬
‫ويرى بوجوب تعريف االستعمار اإلسرائيلي وسياساته امل ستمرة‬
‫نقل الفل سطينيني من أرضهم عام ‪ ،1948‬والدور احلاسم الذي‬
‫حتى يومنا هذا على أنها جرمية حرب وجرمية ضد اإلنسانية‪،‬‬
‫قام به الرواد األوائل للصهيونية‪ ،‬والكيفية التي متت من خاللها‬
‫وهذه جرمية توصف بأنها تطهير عرقي بحق الفل سطينيني‪.‬‬
‫عملية تهجير الفل سطينيني من أرضهم‪ .‬ومبا أن عملية طرد‬
‫الفل سطينيني وتهجيرهم أصبحت مع مرور الوقت أكثر فه ًم ا‬
‫‪ .6‬خرافة «نكسة حزيران ‪ :1967‬ال خيار أمام‬ ‫وأعمق تف سي ًرا في سياق االستعمار االستيطاني اإلسرائيلي‪،‬‬
‫ّ‬
‫إسرائيل إل الحرب»‬ ‫يرى املؤلف بأن طرد الفل سطينيني من أرضهم ّم ثل بالنسبة‬
‫يتناول الفصل السادس من الكتاب خرافة تاريخية أخرى‬ ‫للصهيونية احلمض النووي للدولة اليهودية احلديثة‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫حول حرب حزيران ‪ ،1967‬وكيف تعاملت إسرائيل مع هذه‬ ‫يكشف هذا الفصل عن تبلور موقفني لدى رواد الصهيونية‬
‫احلرب بصفتها مفروضة عليها ال خيارها‪ .‬ويعني ذلك أن‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ويبين بابيه أن دمج الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل كان خطة ظهرت منذ‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫عام ‪ ،1948‬حتى لو تم تنفيذها عام ‪ ،1967‬وذلك خالفا للرواية اإلسرائيلية القائمة‬
‫أن إسرائيل استغلت بروز قضايا خالل خمسينيات‬ ‫بشأن حرب ‪ .1967‬ويرى ّ‬
‫وستينيات القرن الماضي من أجل صناعة رأي غربي بأن الراديكالية الناشئة في‬
‫المشرق العربي قد تبتلع إسرائيل‪.‬‬

‫إسرائيل م ستعدة للتفاوض مع مصر حول م ستقبل شبه‬ ‫إسرائيل ُأجبرت على وضع الضفة الغربية وقطاع غزة وبعض‬
‫جزيرة سيناء ومع سورية حول مرتفعات اجلوالن‪ ،‬ولكن ليس‬ ‫األراضي العربية رهن احلكم الع سكري املباشر في انتظار‬
‫على الضفة الغربية وقطاع غزة‪.‬‬ ‫موقف عربي وفل سطيني على استعداد لل سالم مع إسرائيل‪.‬‬
‫ويرى املؤلف بأنّ قراءة حرب ‪ 1967‬غير ممكنة بدون العودة إلى‬
‫‪ .7‬خرافة «إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة‬ ‫نكبة الفل سطينيني عام ‪ ،1948‬إذ اعتبرت النخبة ال سياسية‬
‫والعسكرية والثقافية اإلسرائيلية أن حربها عام ‪ 1948‬كانت‬
‫في الشرق األوسط»‬
‫فرصة ضائعة‪ ،‬وأنّ حرب عام ‪ 1967‬تعتبر فرصة تاريخية‬
‫يوضح الفصل السابع خرافتني مترابطتني مع بعضهما‬ ‫لتصحيح اخلطأ واستكمال احتالل فل سطني بالكامل‪.‬‬
‫ٌ‬
‫«احتالل م ستنير»‪ ،‬وبأنّ‬ ‫البعض‪ ،‬وهما أنّ االحتالل اإلسرائيلي‬ ‫ويبي بابيه أن دمج الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل‬ ‫ّ‬
‫إسرائيل دولة دميقراطية‪ .‬تقوم خرافة «االحتالل امل ستنير» على‬ ‫كان خطة ظهرت منذ عام ‪ ،1948‬حتى لو مت تنفيذها عام ‪،1967‬‬
‫حال حتت االحتالل‪،‬‬ ‫فكرة أنّ الفلسطينيني أصبحوا أفضل ً‬
‫وذلك خال ًف ا للرواية اإلسرائيلية القائمة بشأن حرب ‪ .1967‬ويرى‬
‫وبأنّ إسرائيل جاءت بنوايا حسنة الحتالل األرض ولكنها‬ ‫أنّ إسرائيل استغلت بروز قضايا خالل خم سينيات وستينيات‬
‫اضطرت التخاذ مواقف صارمة بحق الفل سطينيني ب سبب‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬ومن أهمها وصول الضباط األحرار إلى ال سلطة‬
‫عنفهم جتاه اإلسرائيليني‪ .‬كما تقوم اخلرافة الثانية على‬ ‫في مصر وانقالب الضباط العراقيني على الهاشميني في‬
‫فكرة أن إسرائيل دولة دميقراطية حميدة‪ ،‬وت سعى لل سالم مع‬ ‫العراق‪ ،‬واخلشية من رد سوري من مرتفعات اجلوالن‪ ،‬من أجل‬
‫جيرانها العربي‪ ،‬وتضمن امل ساواة جلميع مواطنيها‪ .‬وفي هذا‬ ‫صناعة رأي غربي بأن الراديكالية الناشئة في املشرق العربي‬
‫الص دد‪ ،‬يع ّد إيالن بابيه بأنّ االمتحان احلقيقي ألي دميقراطية‬
‫ّ‬ ‫قد تبتلع إسرائيل‪ ،‬وهذا ما شجع النخب الع سكرية لتشجيع‬
‫م ستنيرة هو م ستوى ت سامحها نحو ال سكان الذين يعيشون‬ ‫فكرة ال سيطرة على باقي األرض‪.‬‬
‫داخل البقعة اجلغرافية التي حتكمها‪ .‬ولهذا رأى بأنّ إسرائيل‬
‫ينتقل املؤلف للرد على هذه اخلرافة بالقول إنّ االستيالء‬
‫منذ عام ‪ 1948‬حتكم الفل سطينيني بطريقة غير شرعية وغير‬
‫على الضفة الغربية على وجه اخلصوص‪ ،‬مبواقعها التوراتية‬
‫دميقراطية وحترمهم من أي حقوق إنسانية أو مدنية‪.‬‬
‫القدمية‪ ،‬كان هد ًف ا صهيون ًي ا قبل عام ‪ .1948‬وكما يضيف‬
‫ولنفي هاتني اخلرافتني‪ ،‬سرد املؤلف العديد من األحداث‬ ‫بأن مشروع أكبر قدر ممكن من األرض مع أقل عدد ممكن‬
‫ً‬
‫احتالل م ستني ًرا ولي ست دولة‬ ‫التي تؤكد بأن إسرائيل لي ست‬ ‫من العرب والفلسطينيني‪ ،‬كان مشرو ًع ا صهيون ًي ا‪ ،‬ميكن‬
‫دميقراطية‪ .‬ومن أهم هذه األحداث أنه ال ميكن لدولة دميقراطية‬ ‫فهمه من خالل ثالثة قرارات أصدرتها احلكومة اإلسرائيلية‬
‫أن تقوم بطرد ال سكان األصليني وتهجيرهم‪ ،‬كما حصل عام‬ ‫أول‪ :‬ال تقوم إسرائيل بدون الضفة‬‫بعد احلرب مباشرةً‪ ،‬وهي؛ ً‬
‫‪ ،1948‬وأن تقوم بطرد الفل سطينيني من مدنهم ودفعهم للعيش‬ ‫الغربية –يهودا وال سامرة– وميكن فهم ذلك من خالل مشروع‬
‫في غيتوهات كما حصل في حيفا وصفد ووادي عارة واملثلث‪،‬‬ ‫ييغال ألون‪ .8‬ثان ًي ا‪ :‬أن سكان الضفة الغربية وقطاع غزة لن‬
‫‪131‬‬
‫وأن تقوم مبجزرة مثل مجزرة كفر قاسم في تشرين األول عام‬ ‫يتم دمجهم في دولة إسرائيل بوصفهم مواطنني‪ ،‬وثال ًث ا‪ :‬أن‬
‫‪ ،1956‬وأن تقوم بإطالق النار على الالجئني الذين يحاولون‬
‫عدد ‪79‬‬
‫الثاني ‪ ،1947‬وبعد ذلك عادت بجهود لقيادات أميركية بعد‬ ‫استعادة أراضيهم ومحاصيلهم بعد عام ‪.1948‬‬
‫نك سة حزيران ‪ ،1967‬ومن ثم أصبحت حجر الزاوية التفاق‬ ‫ويضيف بابيه بأنه ال ميكن لدولة دميقراطية أن تخضع‬
‫أوسلو من خالل ما بات معرو ًف ا «حل الدولتني»‪ .‬ويضيف املؤلف‬ ‫ُخ مس السكان القاطنني حتت إدارتها للحكم العسكري‬
‫أنه ال يوجد سبب في العالم يجعل املُ ستع َم ر يتطوع لتق سيم‬ ‫واستنا ًدا ألنظمة وقوانني تعسفية‪ ،‬وأن تق ّي د املواطنة وقوانني‬
‫وطنه ملُ ستعمِ ر غريب‪ ،‬وهذا يجعلنا نفهم أنّ هذه العملية لم‬ ‫متعلقة مبلكية األرض وقوانني متنح اليهودي حق العودة‬
‫تكن عادلة‪ ،‬ولذا ال ميكننا اإلشارة إلى أن أوسلو تع ّد عملية‬ ‫ومتنعه على الفل سطيني‪ ،‬وأن متارس التمييز ضد املواطنني‬
‫سالم حقيقية‪.‬‬ ‫الفل سطينيني في إسرائيل‪ ،‬وأن تُق سم األرض إلى مجتمعات‬
‫ث ّم يواصل بابيه دحض هذه اخلرافة بالقول عن إنكار حق‬ ‫يهودية حداثية ومجتمعات فلسطينية صغيرة ومعزولة‬
‫العودة إنّ الالجئني الفل سطينيني تعرضوا حلمالت عديدة من‬ ‫ومقطوعة‪ ،‬وأن تقوم بالعقاب اجلماعي من قبيل العدوان‬
‫القمع واإلهمال‪ ،‬بدأت بعد عام ‪ 1948‬في اجتماع لوزان في‬ ‫الع سكري وهدم البيوت واالعتقاالت التع سفية وبناء جدار عازل‪/‬‬
‫ني سان ‪ 1949‬واستبعاد مشكلة الالجئني من أجندة الصراع‪،‬‬ ‫عنصري واالغتياالت‪ ،‬وأن تقوم دولة بتشكيل عصابات ملضايقة‬
‫وبعد ذلك عملت إسرائيل منذ عام ‪ 1967‬على إقناع العالم بأن‬ ‫الناس وتدمير ممتلكاتهم‪.‬‬
‫الصراع في فل سطني يبدأ اآلن فقط؛ وقد قبلت العديد من‬ ‫واختتم الفصل باإلشارة إلى عدد من األكادمييني‬
‫األنظمة العربية والدولية بهذه الفكرة‪ .‬ومع توقيع اتفاقية أوسلو‪،‬‬ ‫والصحافيني والفنانني اليهود الذين بدأوا بإدانة خرافة‬
‫واضح ا اختفاء قضية الالجئني‪ ،‬وهي االتفاقية التي أشارت‬
‫ً‬ ‫بات‬ ‫دميقراطية إسرائيل‪ ،‬وأثنى على الذين بدأوا بتحدي هذه‬
‫لهم في فقرة فرعية وغير مرئية وبكلمات ب سيطة‪ .‬ث ّم يضيف‬ ‫األساطير وتصوير إسرائيل على أنها من مجموعة الدول‬
‫بابيه أنّ إسرائيل خلقت منذ عام ‪ 1993‬حقائق على األرض ال‬ ‫املصنفة غير دميقراطية وأنها دولة إثنوقراطية‪ ،‬وأنها دولة‬
‫رجعة فيها من خالل توسيع البناء واالستيطان‪ .‬وفي املقابل‪،‬‬ ‫أبارتهايد أو دولة استعمار استيطاني‪.‬‬
‫رأت ال سلطة الفل سطينية طيلة هذه الفترة في املفاوضات‬
‫الطريقة الوحيدة التي ميكن بها إقامة الكيان الفلسطيني‬
‫وإعادة الالجئني الفل سطينيني‪.‬‬
‫‪ .8‬خرافة «أساطير أوسلو»‬
‫بح سب املؤلف‪ ،‬لم تقف إسرائيل ههنا‪ ،‬بل عملت على لوم‬ ‫يتناول هذا الفصل خرافة معاصرة قام عليها اخلطاب‬
‫الفل سطينيني أمام العالم بأنهم سبب فشل عملية ال سالم‪،‬‬ ‫اإلسرائيلي منذ خمسة وعشرين عا ًم ا‪ ،‬وهي أنّ اتفاق إعالن‬
‫وذلك بسبب دعوة ياسر عرفات وحتريضه الفلسطينيني‬ ‫املبادئ املعروف باسم اتفاق أوسلو ُي ع ّد عملية سالم حقيقية‪،‬‬
‫إلشعال االنتفاضة الثانية‪ .‬واستنا ًدا إلى تقارير إسرائيلية‪،‬‬ ‫وأن ياسر عرفات بتحريضه الفلسطينيني على إشعال‬
‫يشير املؤلف إلى أنّ هذه محض خرافة‪ ،‬إذ تشير احلقيقة‬ ‫االنتفاضة الثانية هو من ق ّوض عملية ال سالم‪ .‬يشير املؤلف‬
‫أن االنتفاضة الفل سطينية كانت مظاهرة حاشدة لعدم الرضا‬ ‫بشأن هاتني األسطورتني‪ ،‬إلى أنّ فشل أوسلو ال يقوم على‬
‫فضل عن أنّ عدم الرضا تفاقم بسبب‬ ‫ً‬ ‫عن اتفاقية أوسلو‪،‬‬ ‫روج ت لها إسرائيل‪ ،‬بل باألحرى على‬ ‫هذه األساطير التي ّ‬
‫األعمال االستفزازية التي قام بها آرييل شارون عند زيارته‬ ‫سببني آخرين‪ ،‬وهما؛ أولوية التق سيم اجلغرافي أو اإلقليمي‬
‫إلى امل سجد األقصى في أيلول ‪ .2000‬كما يضيف املؤلف من‬ ‫باعتباره األساس احلصري لل سالم‪ ،‬وإنكار حق عودة الالجئني‬
‫خالل تقارير ومقابالت مع ضباط إسرائيليني‪ ،‬أن إحباط اجليش‬ ‫الفل سطينيني واستبعاده‪.‬‬
‫اإلسرائيلي ب سبب انسحابه في صيف عام ‪ 2000‬من جنوب‬ ‫ويحاول بابيه في هذا الفصل أن يدحض هذه اخلرافة من‬
‫لبنان‪ ،‬جعله يبدو ضعي ًف ا أمام اإلسرائيليني‪ ،‬وهذا ما حفز‬ ‫خالل ت سليط الضوء على هذين ال سببني املباشرين لفشل‬
‫القيادة اإلسرائيلية إلى إعادة إظهار القوة من خالل التأكيد‬ ‫أوسلو‪ .‬فعن التق سيم اجلغرافي‪ ،‬يرى املؤلف بأنها فكرة قدمية‬
‫على السيطرة على الضفة الغربية‪ ،‬والترويج إلى أن اجليش‬ ‫وتعود إلى عام ‪ ،1937‬وظهرت ضمن تقرير جلنة بيل امللكية‪،‬‬
‫اإلسرائيلي هو اجليش الذي ال ُي قهر‪.‬‬ ‫لكن الفكرة رفضها الفل سطينيون‪ ،‬وقد أعيد تبنيها الح ًق ا من‬ ‫‪132‬‬

‫وفي ضوء ما ورد‪ ،‬بدا أن اإلصرار على التق سيم واستبعاد‬ ‫قبل األمم املتحدة بقرار تق سيم فل سطني الصادر في تشرين‬

‫عدد ‪79‬‬
‫وفي ضوء ما ورد‪ ،‬بدا أن اإلصرار على التقسيم واستبعاد عودة الالجئين من جدول‬
‫أعمال أوسلو يحققان إلسرائيل إعادة االنتشار‪ ،‬وإعادة تنظيم سيطرتها على‬
‫الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وهذا ما وضع الفلسطينيين ونظامهم السياسي أمام‬
‫نظام استعماري جعل حياتهم أسوأ مما كانت عليه قبل‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫املتزايدة للمقاومة الفل سطينية‪.‬‬ ‫عودة الالجئني من جدول أعمال أوسلو يحققان إلسرائيل إعادة‬
‫ويختتم بابيه حديثه في هذا الفصل بأن السياسة‬ ‫االنتشار‪ ،‬وإعادة تنظيم سيطرتها على الضفة الغربية وقطاع‬
‫اإلسرائيلية في قطاع غزة‪ ،‬فاقمت األزمة اإلنسانية‪ ،‬وأدت إلى‬ ‫غزة؛ وهذا ما وضع الفل سطينيني ونظامهم ال سياسي أمام‬
‫إيجاد مكان غير قابل للحياة في حلول العام ‪ .2020‬واستنا ًدا‬
‫‪9‬‬
‫نظام استعماري جعل حياتهم أسوأ مما كانت عليه قبل‪.‬‬‫ٍ‬
‫إلى تقرير منظمة األمم املتحدة للتجارة والتنمية‪10،‬حذر املؤلف‬
‫من حالة اإلبادة واإلعدام اجلماعي هناك‪.‬‬ ‫‪ .9‬خرافة «أساطير غزة»‬
‫ّ‬ ‫يتناول بابيه في هذا الفصل ال سياسة اإلسرائيلية جتاه‬
‫‪ .10‬خرافة «حل الدولتين هو السبيل الوحيد‬ ‫قطاع غزة منذ القرن املاضي‪ ،‬وكذلك يعمل على دحض اخلرافة‬
‫لتحقيق السالم»‬ ‫التي تُر ّوج لها إسرائيل بهدف تضليل الرأي العام بشأن أسباب‬
‫كحل نهائي‬ ‫يحاول املؤلف دحض خرافة «حل الدولتني» ٍ‬ ‫«العنف» املستمر في القطاع‪ .‬وفي هذا ال سياق‪ ،‬يعرض املؤلف‬
‫للصراع الفل سطيني ‪ -‬اإلسرائيلي؛ إذ يعتمد في تقدمي هذه‬ ‫ثالثة جوانب رئي سية‪ ،‬وهي أنّ حركة املقاومة اإلسالمية «حماس»‬
‫األسطورة على شكل االستعمار احلالي في فل سطني‪ .‬ويشير‬ ‫هي حركة إرهابية‪ ،‬وأن إسرائيل هدفت من خالل انسحابها من‬
‫إلى أن حل الدولتني‪ ،‬هو أسطورة إسرائيلية كان يقصد بها‬ ‫قطاع غزة عام ‪ 2005‬إلى تقدمي بادرة سالم جتاه الفل سطينيني‬
‫إيجاد أفضل حل للمشكلة اليهودية‪ .‬ويذكر املؤلف أن القيادة‬ ‫في القطاع‪ ،‬وأن العدوان الع سكري أعوام ‪ 2008‬و‪ 2012‬و‪ 2014‬جتاه‬
‫اإلسرائيلية سعت من خالل هذا الطرح إلى حتقيق نقطتني‬ ‫القطاع هو دفاع عن النفس‪ .‬وقد أشار املؤلف إلى أن ال سياسة‬
‫مهمتني‪ ،‬وهما ضمان عيش اليهود في فل سطني وليس في‬ ‫اإلسرائيلية في قطاع غزة تُعد تهدي ًدا مباش ًرا للوجود الفل سطيني‬
‫مكان آخ ر‪ ،‬وإثبات صحة رواية أنّ إسرائيل واليهودية هما الشيء‬ ‫حيث مييل إلى وصف هذه ال سياسة‪ /‬األفعال على أنها إبادة‪.‬‬
‫نف سه‪ .‬مبعنى أن ما تقوم به إسرائيل تفعله باسم اليهودية‪ ،‬وأن‬ ‫ويبقى شاغل املشروع االستعماري في فلسطني هو‬
‫نقد ل سياستها هو مباشر ًة معاداة لل سامية‪ ،‬وهنا ال يكون‬
‫أي ٍ‬ ‫احل ّد من العرب أو الفل سطينيني في أرض فل سطني‪ .‬ويرى‬
‫االنتقاد مباشر ًة إلسرائيل بل لليهودية ً‬
‫أيض ا‪ .‬زد على ذلك أنّ‬ ‫بابيه أنّ إسرائيل من خالل سياستها في القطاع منذ عام‬
‫إسرائيل سعت من خالل دعم «ح ّل الدولتني» إلى تطبيق أفضل‬ ‫‪ 1948‬عملت على حتويل قطاع غزة إلى أكبر مخيم لالجئني‬
‫طريق إلبقاء الضفة الغربية حتت ال سيطرة اإلسرائيلية دون دمج‬ ‫الفل سطينيني‪ .‬وما زاد في تعقيد األوضاع في قطاع غزة هو‬
‫ال سكان األصليني‪ ،‬وهي التي ت سيطر على منطقة «ج» التي‬ ‫إتاحة اتفاقية أوسلو لإلسرائيليني التأكيد على وضع القطاع‬
‫‪11‬‬
‫ت ساوي م ساحتها ‪ 60‬في املئة من م ساحة الضفة الغربية‪.‬‬ ‫منفصل عن الضفة الغربية وباقي‬‫ً‬ ‫بوصفه كيانًا جغراف ًي ا‬
‫بنا ًء على ذلك‪ ،‬وفي ظل الصمت الدولي‪ ،‬يرى املؤلف بأنّ‬ ‫املناطق الفلسطينية‪.‬‬
‫مسرحية ح ّل الدولتني ستنتهي في يوم من اإليام‪ ،‬بسالم‬ ‫وقد أفرد املؤلف مساح ًة مهمة للحديث عن التبريرات‬
‫أو عنف‪ ،‬ولكن في كلتا احلالتني ال شيء مينع إسرائيل من‬ ‫اإلسرائيلية ل سياستها ضد قطاع غزة‪ ،‬ورأى أن تبني إسرائيل‬
‫‪133‬‬ ‫استكمال استعمارها في فل سطني‪.‬‬ ‫أليديولوجيا التطهير العرقي في ‪ 1948‬بوصفها األداة الرئي سية‬
‫ويختم بابيه هذا الفصل بتوصية مفادها بأن تاريخ فلسطني‬ ‫لقيام الدولة اليهودية‪ ،‬لن مير دون القضاء على القوة ال سياسية‬
‫عدد ‪79‬‬
‫ويختم بابيه هذا الفصل بتوصية مفادها بأن تاريخ فلسطين وجغرافيتها‬
‫ومواردها الطبيعية وحركة االستيطان منذ القرن التاسع عشر على هذه األرض ال‬
‫تستوجب بحث مسألة التغير الديمغرافي وإعادة رسم الخرائط بين الفلسطينيين‬
‫واإلسرائيليين فحسب‪ ،‬بل القضاء على اإليديولوجيات الصلبة في إسرائيل‪.‬‬

‫ال يزال دحض هذه األساطير العشرة التي تقوم عليها‬ ‫وجغرافيتها ومواردها الطبيعية وحركة االستيطان منذ القرن‬
‫ال سرد ّي ة اإلسرائيلية يحتاج إلى مزيد من األبحاث والدراسات‪.‬‬ ‫التاسع عشر على هذه األرض ال تستوجب بحث مسألة‬
‫فالكتاب من الكتب املهمة التي تساعد الباحثني والدارسني في‬ ‫التغير الدميغرافي وإعادة رسم اخلرائط بني الفل سطينيني‬
‫الصراع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي‪ ،‬وذلك لقدرته على تقدمي تفكيك‬ ‫واإلسرائيليني فح سب‪ ،‬بل القضاء على اإليديولوجيات الصلبة‬
‫منهجي للمصطلحات الواجب اعتمادها لتفسير االستعمار‬ ‫في إسرائيل من خالل ظهور قوى يهودية تقدمية في إسرائيل‬
‫اإلسرائيلي في فل سطني‪ .‬فاألبحاث حول القضية الفل سطينية‬ ‫وخارجها حتتج ضد ما يقوم به ال سياسيون اإلسرائيليون‪،‬‬
‫تواجه العديد من الصعوبات‪ ،‬وال سيما أنّ مصطلح احتالل‬ ‫وتقف جتاه األكاذيب التي يروجونها في اإلعالم وتدعم حمالت‬
‫امل ستخدم في األدبيات الفل سطينية ال يصلح وحده لتف سير‬ ‫مقاطعة إسرائيل‪ .‬باإلضافة إلى مسألة كون الفلسطينيني‬
‫الظلم الذي يعيشه الفل سطينيون داخل أو خارج فل سطني‪.‬‬ ‫يحتاجون إلى ح ّل مسألة التمثيل وتطوير خطاب ح ّل الدولة‬
‫وأما عن مصطلح االستعمار‪ ،‬فقد أشار املؤلف إلى صعوبة‬ ‫عمل سياسي‪.‬‬‫الواحدة إلى ٍ‬
‫تطبيقه بسهولة على املاضي؛ فنحن هنا لسنا أمام أمة‬
‫بيضاء لسكانها األصليون ممالكهم اخلاصة‪ .‬واألمر ذاته‬ ‫خاتمة‬
‫بالنسبة إلى الفصل العنصري أو اإلبادة اللذين ال يعمالن‬
‫ال ميكن تصنيف كتاب عشر خرافات عن إسرائيل على‬
‫سوى على التخ لّ ص من ال سكان األصليني‪ .‬وإذا ما جتاوزنا‬
‫أنه كتاب في التاريخ‪ ،‬أو في ال سياسة‪ ،‬أو في اإلعالم فقط‪،‬‬
‫العقبة االصطالحية‪ ،‬يظل مصطلح االستعمار االستيطاني‬
‫بل هو كل ذلك‪ ،‬إلى جانب أهميته اإلنسانية التي تنطلق‬
‫العنصري اإلحاللي الذي يهدف إلى إحالل شعب مح ّل شعب‪،‬‬
‫من الدعوة إلى إنشاء دولة دميقراطية مدنية تضم جميع‬
‫وذلك بال سيطرة على أكبر قدر من فل سطني وأقل قدر من‬
‫سكانها‪ .‬فالكتاب وإن كان لواحد من أبرز املؤرخني اجلدد‪ ،‬إال‬
‫الفل سطينيني‪ ،‬األقرب إلى الفهم األشمل واألعمق‪.‬‬
‫أنه ال يبحث في التاريخ فح سب‪ ،‬بل ي ستند عليه‪ ،‬في دحض‬
‫مينح الكتاب الباحثني في القضية الفلسطينية فرص ًة‬ ‫اخلرافات واألساطير اإلسرائيلية‪ .‬وهذا ما تناوله املؤلف الذي‬
‫مه ّم ة لفهم ال سياسة الصهيونية ‪ -‬اإلسرائيلية وتطورها في‬ ‫عمل على تشريح خرافات تاريخية ومعاصرة قام عليها املشروع‬
‫فل سطني حتى يومنا هذا‪ ،‬ويك ّون لديهم صورة أوضح عن هذه‬ ‫االستعماري اإلسرائيلي في فل سطني‪ ،‬وال سيما أن املؤلف تناول‬
‫السياسة املتنامية في ظل صعود قوى اليمني والشعبوية في‬ ‫العديد من األدبيات التي بحثت في نشأة الصهيونية‪ ،‬وتأثير‬
‫إسرائيل والعالم‪ .‬وقد حاول هذا الكتاب االستناد على الشرعية‬ ‫قادتها‪ ،‬وعالقتهم مع املشروع االستعماري األوروبي للسيطرة‬
‫األخالقية في حل الصراع العربي – اإلسرائيلي بالعودة إلى‬ ‫على فل سطني منذ أواخر القرن التاسع عشر‪ .‬فالكتاب ُي ّع د‬
‫جذور الصراع وليس باالستناد على م سألة الشرعية فقط‬ ‫ً‬
‫عمل بحث ًي ا مه ًم ا بالنظر إلى املصادر األولية التي قدمها املؤلف‬
‫لألراضي التي احتلتها إسرائيل منذ عام ‪ .1967‬وبالنظر إلى‬ ‫واستند عليها ليس للر ّد على أساطير إسرائيل فح سب‪ ،‬بل‬
‫هذا الكتاب والعديد من الكتب التي تناولها املؤرخون اجلدد‪،‬‬ ‫ولفهمها؛ إذ يرى أنه ال ميكن من أجل إثبات صحة احملرقة‬
‫يقدم املؤلف رؤيته عن االستعمار اإلسرائيلي وتط ّوره‪ ،‬وبشكل‬ ‫اليهودية في أملانيا أن يت ّم جتريد شعب من أرضه واالدعاء بأنه‬
‫من شأنه أن ي ساعد على فهم أفضل وأوسع ملاضي الصراع‬ ‫غير موجود‪ ،‬وأنهم تركوا أرضهم طواعية‪ ،‬وذلك في مقابل أن‬ ‫‪134‬‬
‫مع إسرائيل وحاضره وم ستقبله‪.‬‬ ‫الشعب اليهودي املظلوم لم يكن عنده وطن‪.‬‬
‫عدد ‪79‬‬
‫الهوامش‬

‫وقواعد عسكرية دائمة يف املناطق املذكورة‪ ،‬وإقامة روابط مع زعماء‬ ‫فلسطني؟ (الدوحة‪/‬بريوت‪ :‬املركز‬
‫‪ .1‬آالن غريش‪ ،‬عال َم يُطلق اسم فلسطني‬
‫وشخصيات يف الضفة الغربية لتشجيعهم عىل إقامة إطار حكم‬ ‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪.)2012 ،‬‬
‫ذاتي‪ ،‬وضم قطاع غزة بسكانه األصليني؛ أي بعد نقل الالجئني منه‬ ‫‪2.‬‬ ‫‪Rashid Khalidi, Palestinian Identity: The Construction of‬‬
‫إىل الضفة الغربية ومناطق أخرى‪ ،‬ووضع خطوط الحدود الدقيقة‬ ‫‪Modern National Consciousness (New York: Columbia‬‬
‫بعد سماع رأي رئيس هيئة األركان‪ ،‬وتكوين سلطة عليا ملعالجة‬ ‫‪University Press, 1997).‬‬
‫مشكالت املناطق املحتفظ بها‪ ».‬للمزيد ينظر‪:‬‬ ‫‪ .3‬إبراهيم نجم‪ ،‬أمني عقل‪ ،‬عمر أبو النرص‪ ،‬وليد الخالدي‪ ،‬جهاد‬
‫وآفاقها‪ ،‬سلسلة‬
‫أحمد حنيطي‪ ،‬السياسة اإلرسائيلية تجاه األغوار وآفاقها‬ ‫فلسطني العربية (بريوت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪.)2009 ،‬‬
‫القضية الفلسطينية وآفاق املستقبل (بريوت‪ :‬مؤسسة الدراسات‬ ‫‪4.‬‬ ‫‪Patrick Wolfe, “Settler colonialism and the elimination of‬‬
‫الفلسطينية‪ ،)2016 ،‬ص ‪.14-12‬‬ ‫‪the native”, Journal of Genocide Research, vol. 8, no. 4‬‬
‫أوسلو‪ :‬دراسة تحليلية‬
‫‪ .9‬جميل هالل‪ ،‬النظام السيايس الفلسطيني بعد أوسلو‬ ‫‪(2006).‬‬
‫نقدية (بريوت ورام اهلل‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية واملؤسسة‬ ‫فلسطني‪( ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الدراسات‬
‫‪ .5‬إيالن بابيه‪ ،‬التطهري العرقي يف فلسطني‬
‫الفلسطينية لدراسة الديمقراطية‪ /‬مواطن‪.)1998 ،‬‬ ‫الفلسطينية‪.)2007 ،‬‬
‫‪10. “Report on UNCTAD Assistance to the Palestinian People:‬‬ ‫‪ .6‬نور الدين مصالحة‪ ،‬طرد الفلسطينيني‪ :‬مفهوم الرتانسفري يف الفكر‬
‫‪Developments in the Economy of the Occupied Palestinian‬‬ ‫‪( ،1948‬بريوت‪ :‬مؤسسة الدراسات‬‫والتخطيط الصهيوني ‪1948--1882‬‬
‫‪Territory,” United Nations Conference on Trade and‬‬ ‫الفلسطينية‪.)1992 ،‬‬
‫‪Development, July, 2015, accessed on: 16/3/2020, at:‬‬
‫‪http://bit.ly/2D9BPbR‬‬
‫‪ .7‬بيني موريس‪ ،‬مولد مشكلة الالجئني الفلسطينيني‬
‫الفلسطينيني‪ ،‬ترجمة عماد‬
‫عواد‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة ‪( 406‬الكويت‪ :‬املجلس الوطني للثقافة‬
‫‪ .11‬نصت اتفاقية أوسلو (‪ )2‬املوقعة يف أيلول ‪ 1995‬بني منظمة‬ ‫والفنون واآلداب واملركز القومي للرتجمة ‪ -‬مرص‪.)2013 ،‬‬
‫التحرير الفلسطينية وإرسائيل‪ ،‬عىل تقسيم األرايض الفلسطينية‬
‫إىل ثالث مناطق‪ ،‬وهي؛ مناطق (أ)‪ :‬تخضع للسيطرة الفلسطينية‬ ‫‪ .8‬خطة إرسائيلية مقدمة من وزير العدل اإلرسائييل يغال آلون‬
‫الكاملة أمنيًا وإداريًا وتبلغ مساحتها ما نسبته ‪ 18‬يف املئة من‬ ‫عام ‪ ،1967‬سعت لوضع تصور يهدف إىل إنجاز تسوية تضمن‬
‫مساحة الضفة الغربية اإلجمالية‪ .‬ومناطق (ب) تقع فيها املسؤولية‬ ‫السيطرة واالستيالء عىل األرض التي تعود ملكيتها للفلسطينيني‬
‫عن النظام العام عىل عاتق السلطة الفلسطينية‪ ،‬وتبقى إلرسائيل‬ ‫وبأقل عدد منهم‪ .‬ولتحقيق ذلك‪ ،‬استند ألون عىل ما ييل‪« :‬الحدود‬
‫ً‬
‫وخطا يقطع البحر امليت يف‬ ‫الرشقية يجب أن تكون نهر األردن‪،‬‬
‫السلطة الكاملة عىل األمور األمنية‪ ،‬وتبلغ مساحتها ‪ 18.3‬يف املئة من‬
‫مساحة الضفة الغربية اإلجمالية‪ .‬ومناطق (ج) تقع تحت السيطرة‬ ‫منتصفه‪ ،‬وإنشاء نظام دفاعي وتحقيق وحدة أرايض البلد وتأمينها‬
‫الكاملة للحكومة اإلرسائيلية‪ ،‬وتشكل ‪ 61‬يف املئة من املساحة الكلية‬ ‫من الناحية الجغرافية االسرتاتيجية من خالل ضم رشيط يرتاوح‬
‫للضفة الغربية‪.‬‬ ‫عرضه بني ‪ 15-10‬كم عىل امتداد غور األردن ورشيط عرضه بضعة‬
‫كيلومرتات بني القدس والبحر امليت وضم جبل الخليل بسكانه أو‬
‫ضم «صحراء يهودا» عىل األقل‪ ،‬وإقامة مستوطنات مدنية وزراعية‬

‫‪135‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫حصل الكتاب على جوائز عديدة‬

‫المكتبة‬
‫إعداد‪ :‬علي زبيدات‬
‫منها جائزة «ناتان» لألدب اليهودي في‬
‫الواليات املتحدة‪.‬‬

‫المستعربون‪ ،‬أسطورة‬ ‫اسم الكتاب‪ُ :‬‬


‫إسرائيلية‬
‫المؤلف‪ :‬متي فريدمان‬ ‫ّ‬
‫الناشر‪ :‬كنيريت‬
‫اسم الكتاب‪ :‬ليلهامر‪ ،‬ملف مفتوح‬ ‫تاريخ النشر‪2020 :‬‬
‫المؤلف‪ :‬ناعم نحمان تيفر‬ ‫ّ‬ ‫عدد الصفحات‪256 :‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬قالوا إنه كان هنا حلم‬
‫الناشر‪ :‬نيف‬ ‫يعمل مؤلف هذا الكتاب صحافي ًا‬ ‫رائع‪ ،‬لكن؛ عندما جئت لرؤيته لم‬
‫تاريخ النشر‪2020/06 :‬‬ ‫وعمِ ل سابق ًا ُمراس ًال ُدولي ًا لوكالة األنباء‬ ‫أجد شيئًا‬
‫عدد الصفحات‪210 :‬‬ ‫‪ AP‬في عدد من الدول منها مصر ولبنان‬ ‫المؤلف‪ :‬أمير بن فورات‬ ‫ّ‬
‫يتناول الكتاب أحـــداث مــا ُعــرف‬ ‫وفي العاضمة الروسية موسكو‪.‬‬ ‫الناشر‪ :‬بارديس‬
‫بقضية ليلهامر‪ ،‬وهــي قضية حدثت‬ ‫ُيــقـ ّدم املؤلف في كتابه هــذا قصة‬ ‫تاريخ النشر‪2020/06 :‬‬
‫في السبعينيات ر ًدا على عملية ميونخ‪،‬‬ ‫حقيق ّية لثالثة عمالء من ًأصــل عربي‬ ‫عدد الصفحات‪134 :‬‬
‫وكان هدف وحدة قيساريا التابعة جلهاز‬ ‫هم يتسحاك الهارب من حلب‪ ،‬جمليئيل‬ ‫ُيق ّدم الكاتب سر ًدا تاريخ ًيا لتط ّور‬
‫املوساد هو اغتيال القيادي الفلسطيني‬ ‫الذي وصل إسرائيل من دمشق وحبكوك‬ ‫املنظومة الصهيون ّية وحتــولــهــا عن‬
‫علي حسن سالمة املُلقب بأبو حسن‪.‬‬ ‫املولود في اليمن‪ .‬يتناول الكتاب جوانب‬ ‫النموذج الصهيوني‪-‬االشتراكي‪ ،‬والذي‬
‫فشلت العملية ومت قتل نــادل مغربي‬ ‫ُمختلفة من حياة العمالء الثالثة‪ ،‬أهمها‬ ‫يوضح الكاتب كيف‬ ‫ُيسميه «حلم ًا رائع ًا»‪ّ ،‬‬
‫بــريء ُيدعى أحمد بوشيقي‪ ،‬وقامت‬ ‫صراع الهويات الذي عايشوه وانتصار‬ ‫تبخر هذا احللم بعد أن كانت األحزاب‬ ‫ّ‬
‫السلطات النرويجية باعتقال أفــراد‬ ‫ال ُبعد اليهودي فــي هويتهم وعملهم‬ ‫الصهيونية االشتراك ّية واحلركة العمالية‬
‫الوحدة وسجنهم‪ .‬يقوم الكاتب بتناول‬ ‫أيضا‬‫لصالح إسرائيل ‪ ،‬هذا ويتطرق ً‬ ‫التي أقامت مؤسسات الدولة ُمهيمنة وما‬
‫الفشل الذريع الذي حصل خالل العملية‪،‬‬ ‫إلى رفضهم من قِ َبل املُجتمع اإلسرائيلي‬ ‫لبثت أن تالشى ُحلمها‪.‬‬
‫وسلسلة املسؤولني املُــذنــبــن‪ ،‬ويقوم‬ ‫بفِ عل أصولهم العربية ومعاناتهم على‬
‫بكشف زيف ادعاءاتهم التي يعتبرها‬ ‫هوامش املُجتمع‪ ،‬رغــم كونهم وكما‬
‫ادعــاءات كاذبة راح ضح ّيتها مقاتلون‬ ‫«أبطال»‪ ،‬إذ شاركوا في عمليات‬ ‫ً‬ ‫يصفهم‬
‫‪136‬‬
‫إسرائيليون في السجون‪.‬‬ ‫جتسس مهمة في عواصم عربية ع ّدة‪.‬‬
‫ُيذكر أن الكتابة عن مواضيع الفشل‬
‫عدد ‪79‬‬
‫االســتــخــبــاراتــي ليست جــديــد ًة على‬
‫الكاتب‪ ،‬إذ ق ّدم ساب ًقا كتا ًبا عن العميل‬
‫اإلسرائيلي في سوريا «إيلي كوهني»‪.‬‬

‫اسم الكتاب‪ :‬ضوء من داخل الشق‬


‫ّ‬ ‫المحارب في الكتاب‬ ‫اسم الكتاب‪ُ :‬‬
‫– أفكار حول المرض‪ ،‬التضامن‬
‫قدس‬ ‫الم ّ‬‫ُ‬
‫ومعنى الحياة في فترة الكورونا‬
‫المؤلف‪ :‬أيال نيومن‬ ‫ّ‬ ‫اسم الكتاب‪ُ :‬محمد القرآن واليهود‬
‫المؤلف‪ :‬آفي ساجي‬
‫ّ‬ ‫الناشر‪ :‬تسميرت‬ ‫المؤلف‪ :‬نير تسورف‬ ‫ّ‬
‫الناشر‪ :‬كرمل‬
‫تاريخ النشر‪2020/07 :‬‬ ‫الناشر‪ :‬تسميرت‬
‫تاريخ النشر‪2020/08 :‬‬
‫عدد الصفحات‪304 :‬‬ ‫تاريخ النشر‪2020/08 :‬‬
‫عدد الصفحات‪295 :‬‬
‫يبحث الكاتب في شخص ّية املُقاتل‬ ‫عدد الصفحات‪512 :‬‬
‫يقوم الكتاب بالتعاطي مع األسئلة‬
‫وصفاته في الكتاب املُق ّدس‪ ،‬إذ ُيجيب‬ ‫يتناول الكاتب القرآن في سياق ما‬
‫الوجودية في فترات األوبئة‪ ،‬حيثُ ُيعتبر‬
‫على أسئلة مثل قوانني احلــرب لدولة‬ ‫يسميه «تنامي املعادة للسام ّية»‪ ،‬حيث‬
‫لقا ًء للفلسفة واحلياة في أيامنا‪ ،‬حيث‬
‫إســرائــيــل‪ ،‬واالخ ــت ــاف بــن املقاتل‬ ‫يقوم بقراءة الظاهرة في السياق العربي‬
‫يتناول تقويض النظام‪ ،‬وفهم العالم كما‬
‫التوراتي واملقاتلني في زمنه‪ .‬كما يأتي‬ ‫والفلسطيني و»تأ ّثرها» من القرآن‪ ،‬كما‬
‫تعطيل التقارب واخلوف والذعر‪ ،‬عدا عن‬
‫على قضايا مثل‪ :‬طــهــارة املقاتلني‪،‬‬ ‫يدعي تفنيد الرواية الفلسطينية استدال ًال‬
‫عالقة اإلنسان باملكان‪ ،‬وعالقة اإلنسان‬
‫اغتصاب النساء في املعارك‪ ،‬التعامل‬ ‫بعدد من اآليــات التي تتطرق لليهود‬
‫مع أقرانه والتكافل والعالقات اإلنسانية‪.‬‬
‫مع شهداء األعداء‪ ،‬وأثره في املسيحية‬ ‫ومدينة القدس ونحوها‪ .‬هذا وي ّدعي‬
‫بروفسور آفي ساجي ُمحاضر في‬
‫واإلسالم الح ًقا‪ .‬هذا ويأتي الكتاب وفق‬ ‫الكاتب أن القرآن قام بنسخ عدد من‬
‫قسم الفلسفة في جامعة بــار إيــان‪،‬‬
‫الكاتب لغرض توضيح اللبس وتصليح‬ ‫الــســور واألحـــداث والشخصيات من‬
‫ُمختص بالتفسير والثقافة في الفلسفة‪.‬‬
‫األخطاء املُتداولة في األكادميية وبني‬ ‫التوراة‪ ،‬و ُيحاول الكاتب إثبات ذلك في‬
‫اجلمهور العريض حول شخصية املُقاتل‬ ‫الكتاب‪.‬‬
‫في التوراة‪.‬‬ ‫الكاتب خدم في املخابرات على مدار‬
‫أربعة عقود ويخدم في وحــدة اإلعالم‬
‫العربي حال ًيا‪.‬‬

‫‪137‬‬

‫عدد ‪79‬‬
‫بــن اليهود والفلسطينيني‪ ،‬التالقي‬
‫والتباعد بني اللغة والثقافة العبرية واللغة‬
‫والثقافة العربية‪ ،‬وتشكيل تراتبية عرقية‬
‫بني اليهود األشكناز واليهود الشرقيني‪.‬‬

‫ّ‬
‫الدينية‪:‬‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬الصهيونية‬
‫دين قومية وسياسة‬
‫اسم الكتاب‪ :‬العودة لألندلس‬
‫المؤلف‪ :‬نوعم حداد‬‫ّ‬
‫المؤلف‪ :‬يوفال عفري‬‫ّ‬ ‫الناشر‪ :‬كرمل‬
‫الناشر‪ :‬ماغنس‬
‫تاريخ النشر‪2020/07 :‬‬
‫تاريخ النشر‪2020 :‬‬
‫عدد الصفحات‪292 :‬‬
‫عدد الصفحات‪372 :‬‬
‫اســم الكتاب‪ :‬األمــل والــيــأس في‬ ‫ُيلقي الكتاب الضوء على الصهيونية‬
‫ُيق ّدم هذا الكتاب قراءة جديدة في علم‬
‫العرق‪ ،‬الفضاء‬ ‫هوامش المدينة‪ِ :‬‬ ‫الدينية من الناحية األيديولوجية وظاللها‪،‬‬
‫األنساب لدى اليهود السفارديني من خالل‬
‫والجندر في حي هتكفا في تل‬ ‫إذ ُيناقش خصائص الفكر الديني‬
‫أصوات املثقفني اليهود في مطلع القرن‬
‫أبيب‬ ‫الصهيوني من وجهة النظر السائدة‪ ،‬في‬
‫العشرين‪ ،‬وهي فترة تكوينية في التاريخ‬
‫المؤلف‪ :‬طال شمور‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وأيضا في الرأي العام‪،‬‬ ‫احلقل البحثي‬
‫اليهودي احلديث‪ .‬إذ يتتبع الكتاب تنقلهم‬
‫الناشر‪ :‬جامعة حيفا‬ ‫و ُيــقـ ّدم إضــاءات مه ّمة على االنقسام‬
‫بني األندلس وما ُيسميه الكاتب «أرض‬
‫تاريخ النشر‪2020/02 :‬‬ ‫الصهيوني األيديولوجي القائم بني الدين‬
‫إسرائيل»‪ ،‬بني الشرق األقصى والشرق‬
‫عدد الصفحات‪228 :‬‬ ‫والعلمانية‪ .‬يتناول الهوية الصهيونية‬
‫األوسط‪ ،‬بني برلني ومدريد والقدس‪.‬‬
‫ُيجري الكاتب بحثه في هذا الكتاب‬ ‫الدينية وتش ّكلها على مــدار السنوات‬
‫يقوم الكاتب بترسيم اخلالفات‬
‫حول «حي األمل» جنوب مدينة تل أبيب‪،‬‬ ‫وتفاعلها مع ُمفرزات احلداثة‪ ،‬وعالقتها‬
‫والصور التي ش ّكلت اإلسبانية كمشروع‬
‫الــذي يقطنه يهود شرقيون تقليديون‪،‬‬ ‫مع اجليش والعسكرتاريا والسياسة‪.‬‬
‫أدبي ومتعدد‪ ،‬كنقطة التقاء للشبكات‬
‫ويتم ّيز هذا احلي بالوصم‪ ،‬إذ عاد ًة ما‬
‫اإلمبراطورية للتجارة في القطن واحلرير‬
‫ُيشاع عنه الفقر والبطالة والعنف‪ .‬يقوم‬
‫واألفيون‪ ،‬وتبادل املخطوطات‪ .‬يعرض‬
‫بتفحص مشاعر سكان احلي عبر‬ ‫الباحث ّ‬
‫الكتاب حقيقة التشظي واالنقسامات‪.‬‬
‫مقابلتهم‪ ،‬ليجد أن عملية الوصم اجلارية‬
‫ومجموعة مــن متثيالت والــرفــض في‬
‫بحقهم هي سبب رئيسي في حالة الكآبة‪.‬‬
‫الفضاء اليهودي العربي‪ .‬يتيح ذلك‬
‫ُيجري الباحث هنا بح ًثا اجتماع ًيا على‬
‫إعادة النظر في القضايا األساسية التي‬
‫أحوال املدينة وهوامشها عبر مقاربتها‬
‫ظهرت مع القرن العشرين وما زالت‬ ‫‪138‬‬
‫بواسطة هذا النموذج البحثي‪.‬‬
‫ترافق اليهود حتى يومنا هذا‪ :‬الصراع‬
‫الكاتب هو انثروبولوجي وباحث‬
‫عدد ‪79‬‬
‫لليهودية‪ ،‬وأن اليهود قبائل مت نفيهم من‬ ‫ُمدن‪ ،‬وحاصل على دكتوراة في املجال‪.‬‬
‫أرضهم هذه أسطورة مسيحية ُمعادية‪.‬‬
‫ويتساءل فــي نهاية الكتاب‪ :‬إلى‬
‫أي مدى حملت الصهيونية التي ُولدت‬
‫نتيجة ُمالحقة اليهود صورة ُمالحقيهم‬
‫ال ُعنصريني؟‪.‬‬

‫اســم الــكــتــاب‪ :‬وحــدة االستطالع‪:‬‬


‫الكبرى‬ ‫ّ‬
‫عمليات الوحدة ُ‬
‫المؤلف‪ :‬آفنير شور وآفيرم هلوي‬ ‫ّ‬ ‫اسم الكتاب‪ :‬عرق م َّ‬
‫تخيل‬ ‫ِ ُ‬
‫الناشر‪ :‬يديعوت‬
‫المؤلف‪ :‬شلومو ساند‬ ‫ّ‬
‫تاريخ النشر‪2020/07 :‬‬
‫الناشر‪ :‬ريسلينج‬
‫عدد الصفحات‪320 :‬‬
‫تاريخ النشر‪2020/03 :‬‬
‫وسع ًا لعمل‬
‫ُيعتبر هذا الكتاب توثيق ًا ُم ّ‬
‫اسم الكتاب‪ :‬من العالم الروحاني‬ ‫عدد الصفحات‪130 :‬‬
‫وحدة االستطالع‪ ،‬مكتوب على يد جنود‬
‫ليهودية الهيكل الــثــانــي –‬ ‫ُيحاول هذا الكتاب اإلجابة على عدد‬
‫عملوا في الوحدة‪ ،‬يصفون مشاعرهم ُقبيل‬
‫فصول في لفائف صحراء يهودا‬ ‫تخص اليهود منها‬ ‫ّ‬ ‫من األسئلة التي‬
‫العمليات التي يقومون بها‪ ،‬كالدخول إلى‬
‫وكتب أخرى‬ ‫ُ‬ ‫مثل‪ :‬هل كانت العنصرية دائ ًما نو ًعا من‬ ‫ً‬
‫ُغرفة فيها أوالد وأخذهم رهائن‪ ،‬أو قبل‬
‫المؤلف‪ :‬يعقوب ليخت‬ ‫ّ‬ ‫نتاجا‬
‫أيضا ً‬ ‫التكبر السيئ أم أنها كانت ً‬
‫التوجه إلى ُدول ُمعادية إلسرائيل خلطف‬ ‫ّ‬
‫الناشر‪ :‬بياليك‬ ‫ثقاف ًيا منت من قبل النخب الفكرية؟ ما‬
‫قيادات في التنظيمات الفلسطينية‪ ،‬ال‬
‫تاريخ النشر‪2020 :‬‬ ‫هو مصدر «الكراهية» املسيحية لليهود‬
‫س ّيما وأنّه يضطر لالحتفاظ بقسم كبير‬
‫عدد الصفحات‪268 :‬‬ ‫وملـــاذا استمرت هــذه الكراهية مدة‬
‫من هــذه األمــور لنفسه‪ ،‬ولــن يستطيع‬
‫كــان الــبــروفــســور ليخت مــن أوائــل‬ ‫طويلة؟ ملاذا لم يختف الرهاب من اليهود‬
‫قصها حتى على أحفاده‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الباحثني فــي لفائف صــحــراء يهودا‪،‬‬ ‫(اليهودوفوبيا)؟ ومتى بدأ؟ هل كان ذلك‬
‫يتطرق هذا الكتاب إلى ما ُيسمح‬
‫يتطرق يهودا في هذا الكتاب إلى الفترة‬ ‫في النصف الثاني من القرن التاسع‬
‫لكاتبي الكتاب التطرق له‪ ،‬وهما آفنر‬
‫التكوينية لليهودية والتي كانت خلفية نشوء‬ ‫عشر عندما متــت صياغة مصطلح‬
‫شور اجلندي في الوحدة وآفرمي هلوي‬
‫املسيحية‪ ،‬ويتناول في املقاالت التي تختص‬ ‫«معاداة السامية» أم في بداية نشوء‬
‫نائب رئيسها‪ .‬يأتي الكتاب على بعض‬
‫باملجال واملصادر القدمية التي أتت على‬ ‫احلضارة املسيحية في حوض البحر‬
‫العمليات مثل خطف ضباط سوريون‪،‬‬
‫املوضوع‪ ،‬هذا وجند آراءه عن قوة إعادة‬ ‫األبيض املتوسط​​القدمي؟‬
‫واغتيال خليل الوزير «أبــو جهاد» في‬
‫اللقاء باألدب العبري القدمي والذي‪ ،‬على‬ ‫يفترض الكاتب أن املسيحية هي‬
‫تونس وخطف الشيخ عبد الكرمي عبيد‬
‫الرغم من قدمه‪ ،‬يتضح وفق ما يقول إنه‬ ‫املــســؤولــة أكــثــر مــن أي عــامــل آخــر‬
‫‪139‬‬ ‫في لبنان‪.‬‬
‫في احلقيقة واجه حتديات روحية‪ ،‬بعضها‬ ‫عن تشكيل الطابع املنعزل واخلائف‬
‫ليس بعي ًدا ّعما ُيقابله اليوم‪.‬‬
‫عدد ‪79‬‬
This Issue
Much water has flowed in the river since the historic announcement by the Jewish Rabbinical Council
in Germany, in 1897, that is, prior to the founding Zionist Conference in Basel, an announcement which
condemned the Zionist idea of establishing a Jewish national homeland in Palestine. Among the reasons
cited by those Orthodox circles was that the Zionist project provides a new understanding of Judaism, en�
abling a person to be a religious atheist and a good Jew at the same time, as Judaism was no longer merely
a religion but had become, through the Zionist understanding of it, a nation, as well, one which conceptu�
ally permits the existence of non-religious Jews who do not adhere to religious teachings. Those circles
thought that this posed a threat to Judaism, and that the Jewish existence could only be maintained by
considering Judaism as a religion, not a nation, such that only its religious aspect was capable of keeping
it a timeless, distinct and authentic phenomenon. On the other hand, Zionism was seen as interfering in
the process of salvation, which in its religious essence meant waiting for the Messiah; thus, Zionism was
a form of interference in the divine will and a kind of blasphemy. The conflict reached the point where one
of the German Jewish rabbis was dismissed for expressing sympathy with the Zionist movement in 1907.
However, since that time, many events have unfolded, including the Balfour Declaration, a mandate
instrument over Palestine that gave the Zionist movement international recognition, and, later, the rise
of Nazism and the occurrence of the Holocaust, all of which diminished the level of opposition within
those circles to the Zionist project, such that they refrained from issuing a position opposing the estab�
lishment of the State of Israel in 1948. At that time, Israeli Prime Minister David Ben-Gurion reached
a well-known agreement with the Orthodox religious forces on the relations between religion and the
state, that is, all matters related to the role of religion in the state, the sanctity of the Sabbath, religious
schools, and so on.
How has history unfolded since that agreement? How have relations developed, and to what extent
have the Orthodox forces become more Zionist, while Zionism has become more Jewish? This is a
lengthy topic, and we attempt, in this issue, to highlight some of the changes in this field. In this short
opening, I would like to note that, although the prevailing narrative speaks of a steady transformation
in Israel from Zionism to Judaism, I think that this narration does not represent the whole story. Israel
has witnessed several liberal transformations that appear hostile to religion in recent decades, such as
recognition of the rights of women and homosexuals, the violation of the sanctity of the Sabbath and
holidays, and the increasing interference of the courts in some religious matters. Thus, the story ap�
pears to be more complex and dialectical in its ebbs and flows.
Undoubtedly, however, many interesting waters have flowed in the river since the 1897 announce�
ment. Currently, a significant number of rabbis occupy seats in government, control many matters of
the state, participate, heavily, in the process of settlement, and provide politics and politicians with
religious imagination and theological terms that return Zionism to its religious origins.

You might also like