You are on page 1of 8

‫" كتابة نهاية مختلفة لرواية " القاهرة الجديدة‬

‫جنى شمس‬

‫كان المجتمع المصري في الثالثينيات يتسم باتفرقة ال طبقية الشديده حيث كان ذوي السلطة فقط هم األغنياء غنى فاحش‪،‬‬

‫‪JUNE‬ما في البرلمان و الحكومة " أسرة واحدة" و يختارون‬


‫‪ 8,‬كان كل‬
‫‪2020‬حيث‬
‫تاركين الغالبه ورائهم‪ .‬أنتشر الفساد و المحسوبية في الوطن‪،‬‬
‫‪PEI5‬‬
‫النواب الجدد من بينهم و كانت المناصب ُت باع بمبالغ كبيره؛ و كان كل شئ بالواسطه‪ ،‬حيث ال تنفع الشهادة الجامعيه دون واسطه و‬
‫" "‬

‫ال يعيش المواطن حياه كريمه دون واسطه‪ .‬في وسط المجتمع الذي أمتاز باألختالفات الشديده في الفكر‪ ،‬تظهر شخصيه مثال للرذيلة‬

‫و الحقاره‪ ،‬و هي شخصيه محجوب عبد الدائم‪ .‬إن هذا الفاسد‪ ،‬دائمًا على أتم أستعداد أن يتنازل عن كرامتة أو رجولته أو أي شئ ‪،‬‬

‫فقط في سبيل الرفعة و المال‪ ،‬و باألختصار‪ ،‬في سبيل مصلحتة‪ .‬فهو لم يمانع أن يكون لديه " قرنان في الرأس" ‪ ،‬و أن يتجاهل‬

‫عادات مجتمعة الشرقي‪ ،‬بتزوجه من إحسان‪ ،‬عشيقة البك مقابل وظيفة في الدرجة السادسة‪ .‬باإلضافة إلى كل ذلك‪ ،‬فهو إبن عاق و‬

‫ال يشفق على والدية الفقيران الغالبه‪ ،‬حتى بعد ترقيته و تمنى لو توفوا‪ .‬و يقنع نفسه أنه " ضحيه" للطبقيه و المحسوبية و يحاول أن‬

‫يقتل كل ما بداخله من ضمير أو الشعور بالذنب‪ .‬يريد هذا الحقير‪ ،‬أن يحصل على كل األشياء الجيده في الحياة‪ ،‬و إن لم ُتحقق كل‬

‫آماله‪ ،‬لسخطه على واقعة سخطًا شديدًا‪ ،‬و إن شعر أن هناك أحد في مكانه أعلى منه‪ ،‬لحقد عليه و عقد مقارنه طويله بينه و بين هذا‬

‫الشخص‪ ،‬و باألخص أصدقائه‪ .‬كل هذه األشياء تؤكد على مبدأ محجوب‪ ،‬و هو " الدين‪ +‬العلم‪ +‬الفلسفة‪ +‬األخالق = طظ" و هذا‬

‫يدل على تحرره من القيم و العقائد و المجتمع‪ .‬و شخصية بهذه الصفات‪ ،‬تستحق نهاية مالئمه لصفاته‪ ،‬هو و من سانده‪.‬‬

‫نظرات الناس تحاوطهم من كل إتجاه‪ ،‬يحاول محجوب أن يقتل شعور اليأس بداخله‪ ،‬بينما تغرق إحسان في بحر من أفكار الندم و‬

‫األشتياق للماضي‪ .‬يتأمل محجوب في تذكره القطار المؤدي بيه لمنفاه في أسوان‪ ،‬قائًال لنفسه‪:‬‬

‫أهذه هي نهاية كفاحي من أجل الحياه؟ أهذا هو جزائي؟ هل تعود أيام فبراير السوداء؟ أهذه بداية الفقر و نهايه العز؟‬ ‫‪-‬‬

‫أأستطيع تخطي هذة المحنة الخطيرة بالدرع الواقي‪ :‬طظ؟ أأتمكن من تجاهل المصاعب التي تنتظرني في موطني الجديد‬

‫الذي ُأجِب رت علية؟ أهكذا أنتهى المجد بهذه السرعة الرهيبة؟ أيكون الحل هو األنتحار و الخالص من هذة األفكار؟‬

‫ال يزال محجوب ينكر الواقع و يواجة صعوبة في مواجهتة و تصديق أن هذة نهاية أيام العز‪ .‬يتنبأ محجوب مستقبلة‪ ،‬يتنبأ أنة سيعود‬

‫أليام فبراير السوداء‪ ،‬و يرى المعاناة في أنتظارة‪ .‬جاء في تفكيرة أصدقائة القدام‪ ،‬علي طه و مأمون رضوان‪ ،‬و غمغم في نفسة‬

‫قائًال‪:‬‬

‫ترى كيف حال الصحافي األشتراكي الذي ضيع وقتة في الدفاع عن الوطن‪ ،‬أحمق من ُيعرض نفسة لهاذا الخطر‪ ،‬و‬ ‫‪-‬‬

‫يرمي بنفسة في فك األسد فقط من أجل الذي يسمونة المبادئ‪ .‬و مأمون‪ ،‬أبن أفقر الحارات و المحافظات‪ ،‬الشيخ‬

‫العظيم‪ ،‬الذي يدعوا لألساطير و يصدق في حقيقتها‪ ،‬ترى كيف حاله في عملة الجديد في فرنسا؟ أقرأوا عن ما حدث؟‬

‫ماذا يظنوا بي؟ طظ‪ ،‬هل ألحق بهم في يوم من األيام بعد هذة الفضيحة؟ طظ‪ ،‬يجب علي أن أنساهم و أن أنسى الماضي‬

‫و أحاول التعايش في الحاضر‪.‬‬

‫و في لحظة مفاجئه‪ ،‬أحمرت عينا محجوب إحمرارالدم و بدأ بالتعرق عند التفكير في شخصيه كان في يوم من األيام يعتبرها مثلة‬

‫األعلى‪ ،‬الشخص الذي فضحة و وضع نهاية لمستقبلة‪ ،‬إبن بلدة‪ .‬وصفة محجوب بالوغد و الخائن الذي أنهى قصة كفاحة و وضعة‬

‫في هذا الموقف‪ ،‬و ردد في نفسة‪:‬‬

‫‪Page 1|8‬‬
‫" "‬

‫كم أتمنى أن أنتقم منة أشد أنتقام‪ ،‬أن أثأر لكرامتي‪ ،‬حتى أن أقتلة؛ ولكن ليس باليد حيلة‪ .‬كم أتمنى أن أراة ُيعذب أمامي‬ ‫‪-‬‬

‫كالحشرة‪ ،‬جزاءًا على ما فعلة بي‪ ،‬كم أتمنى أن ُيعذب أشد عذاب و أن يموت نادمًا على ما فعلة من فضائح و خراب‪.‬‬

‫بينما كان بال إحسان‪ ،‬يفكر في شيئان‪ ،‬حبها األول و النقطة الوحيدة النظيفة و الشريفة في حياتها‪ ،‬علي طه‪ ،‬و أخوتها الذين على‬

‫وشك التشرد‪ ،‬ضحايا ما حدث‪ .‬تجفف إحسان دموعها‪ ،‬بعدما فشلت في التغلب على يأسها و أفكارها التي كانت تؤلمها كل ساعة‪،‬‬

‫أستسلمت لهذة األفكار و بدأت أن تتخيل حياتها إن لم تترك علي طه‪ .‬قالت لنفسها‪ ،‬و هي تندب حظها‪:‬‬

‫كنت سأحصل على حياة كريمة و نظيفة‪ ،‬كان سيمأل الفراغ الذي بداخلي بحبة و فلسفتة‪ ،‬حتى إذا لم أفهمها في بعض‬ ‫‪-‬‬

‫األوقات‪ .‬و أهم شئ هو أنني لم أكن ألنتهي في مثل هذا الحال الصعب‪ ،‬مفضوحة في وسط أهل بلدي‪ ،‬منفيه باألجبار‬

‫ألنني تزوجت من رجل قواد و أجهل ما يخبؤه لي المستقبل من العودة أليام الفقر القاحط و المعاناة و صراعات الدنيا‪.‬‬

‫كانت تفكر إحسان أن والديها هم السبب في كل هذة المشاكل‪ ،‬كيف باعوها لشخص غريب بهذا الشكل؟ ‪ ،‬لماذا لم يعملوا أي عمل‬

‫شريف للصرف عليها و على أخوتها؟ لماذا أستغلوها هذا األستغالل السئ؟ بسبب الفقر؟ أهذا يجعلهم يبيعوا أبنتهم؟ هل يفعلوا نفس‬

‫الشئ مع أخواتها؟ هل يضيعوا مستقبلهم كما فعلوا معها‪ ،‬ليمشوا في الشوارع محاطين بنظرات الناس لهم؟ تمنت أن يكونوا أقوى‬

‫منها في هذا الموقف‪ ،‬و يقفوا أمام والديها إذا طلبوا منهم مثل هذا الطلب‪.‬‬

‫قرر محجوب أن يكسر هذا الصمت‪ ،‬و قرر أن ُيطمِئن إحسان بعدما رأى دموعها‪:‬‬

‫ال تقلقي يا عزيزتي‪ ،‬سندبر أمرنا معًا‪ ،‬إننا في مركب واحدة‪ .‬ال تحملي نفسك فوق طاقتها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لم تستطيع الرد‪ ،‬حيث أنها كانت مغمورة في الماضي و كانت شدة بكاؤها تمنعها من الرد‪.‬‬

‫وصلوا ألسوان بسالمة‪ ،‬و سرعان ما وصلوا‪ ،‬وجدوا منزل صغير يكفيهم هما األثنين‪ ،‬يحتوي فقط على سرير واحد لهم و حمام‬

‫صغير‪ ،‬ليس هناك حتى مطبخ صغير للطهو‪.‬‬

‫قالت إحسان لمحجوب‪:‬‬

‫االزلت تعمل في الوزارة هنا بأسوان في المرتبة السادسه؟‬ ‫‪-‬‬

‫نعم‬ ‫‪-‬‬

‫إذن لماذا ال نعيش في منزل أكثر تحضرًا؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬ال أحد يضمن المستقبل‪ ،‬إن مرتبات الوزارة هنا أقل من القاهرة فيجب أن نحوش المال للطعام و الضروريات‪.‬‬

‫تذكرت إحسان منزل والديها‪ ،‬الذي برغم ضيقه‪ ،‬كان أوسع من هذا المنزل الحقير‪.‬‬

‫‪Page 2|8‬‬
‫" "‬

‫في نفس ذلك الوقت‪ ،‬بعد إقالتة من الوزارة‪ ،‬عاش الوزير " المحترم"‪ ،‬قاسم بك‪ ،‬القدوة لألجيال القادمة‪ ،‬في وحدة شديدة‬

‫بعد أن تركتة زوجتة‪ ،‬أو بمعنى أصح‪ ،‬طليقتة‪ .‬عاش وحدة في منزل صغير‪ ،‬بعدما أخذت الزوجة المنزل الذي كانوا يعيشوا بة‪،‬‬

‫بحكم القانون‪ .‬و ذاق الوزير السابق معاناه الفقير التي كان يستهزئء بها من قبل‪ .‬لم يجد أي عمل حتى حيث رفض جميع الناس أن‬

‫يجعلوا شخص مثلة يعمل لديهم‪ ،‬فجعلت ثروته تقل و تقل‪ ،‬حتى أصبح يعاني من اليأس و واجة أكثر الكوابيس ألمًا له‪ ،‬و هو الفقر‬

‫الشديد‪ .‬لجأ للعديد من أصدقائه القدامى‪ ،‬ولكن لم يساعدة أحد و كان كلما نزل للشارع ليتسكع بين األشجار و الطبيعة‪ ،‬رأى نظرات‬

‫األحتقار في أعين الناس لة‪ .‬حاول األعتذار لزوجته أيضًا ولكنها رفضت مقابلتة و طردته من المنزل‪ .‬أصبح الوزير الطاغي‪،‬‬

‫الخالق للرزيلة‪ ،‬شخص فقير و مديون و يائس‪ .‬لم يتحمل قاسم بك هذة الظروف القاسية و الفقر القاحط و األفكار التي تدور في‬

‫رأسة عن األنتحار و الخالص من هذة األيام و الكوابيس التي كانت تالحقه عن المديونيات التي تكاتلت عليه‪ ،‬و ُأصيب بالسكتة‬

‫القلبية‪ .‬و أنتهت أيام الطاغي الفاسد‪.‬‬

‫رجوعًا لمحجوب عبد الدائم‪ ،‬الذي أخذ يتدنى في المراتب‪ ،‬حتى وصل في خالل أول شهر فقط للدرجة الثامنة‪ ،‬هذا ألن‬

‫الوزارة في اسوان كانت مبنية على أساس المهارات الشخصية و ليس الواسطة التي تعود عليها في القاهرة‪ .‬حاول محجوب أن‬

‫يحافظ على وظيفته بقدر اإلمكان في الدرجة الثامنة لكي يقدر على العيش بطريقة آدمية و الحصول على المأكل و المشرب‪ .‬قبض‬

‫مرتب الدرجه الثامنه في نهايه الشهر‪ ،‬ثالثه جنيهات‪ ،‬جنيه إليجار المنزل لمده شهر‪،‬و الباقي يشربون و يأكلون به‪ .‬حاولوا أن‬

‫يدبروا المال و أن ال يصرفوه في تفاهات‪ .‬ولكن تعامل محجوب مع الموضوع بغباء و قرر أن يشتري زجاجه من الخمر من النوع‬

‫الردئ‪ ،‬له و لزوجته لكي يواجها المشاكل‪ .‬لم يفكر في ضروره هذا المال في المستقبل‪ ،‬و لم يتوقح رفده من الوزارة بعدها بأيام ألنه‬

‫كاد أن يقبل رشوة‪ .‬ثم بعد ذلك أضطروا للشحاته من الفقر‪ .‬من الفقر الشديد‪ ،‬و كانوا يجمعوا مال قليل جدًأ بالكاد يكفي مأكلهم‪ .‬بعد‬

‫فتره من هذه المعاناة بدأ محجوب أن يمرض مرضًا شديدًا في معدته‪ ،‬و لم يملك حق العالج‪ .‬فقرر الجوء آلخر آماله‪ ،‬و هو والدية‪.‬‬

‫قرر الذهاب للقناطر ليتوسل إليهم ليحصل على المال‪ .‬في هذه اللحظة لم تهمه كرامته و أتبع مبدأه الشهير " طظ"‪ ،‬كل ما كان يريده‪،‬‬

‫هو الحصول على المال لشراء العالج حتى إذا أهان نفسه أمام والديه‪ .‬صعد محجوب على أول قطار متجه إلى القناطر‪ ،‬متأهبًا‬

‫لمقابله والديه و متألمًا من المرض‪.‬‬

‫بالنسبة لعلي طه‪ ،‬فهو أستطاع بنجاح أن ينشر الوعي بين المجتمع‪ ،‬و أنه من الواجب أن يقاتلوا من أجل حقوقهم و‬

‫الحصول على المساواة بين الطبقة الفقيرة و الطبقة الحاكمه‪ .‬و نجح في تطبيق األشتراكية‪ .‬أصبح الشعب واعي بحقوقه و ذهب في‬

‫مظاهرات يطالب بالعدالة األجتماعية‪ ،‬كان يهتف الشعب في المظاهرات قائًال‪:‬‬

‫"نريد العدل‪ ،‬نريد الحياة الكريمه و الحرية الفكريه‪".‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪Page 3|8‬‬
‫" "‬

‫أصبح الشعب رافضًا ألي فاسد حقير‪ ،‬و أصبح يطالب بعزل أي شخص من هذة الفئة الحقيره‪ .‬كان علي طه فخور بما فعلة و‬

‫بتحقيق حلمة‪ ،‬أن يفيق وعي و ضمير الشعب‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أصبح علي طه يملك جريدة ينشر بها كل أفكاره السياسيه‬

‫األشتراكيه بكل حريه‪ .‬و بذلك‪ ،‬تكون عوضته الدنيا عن خسارته لحبيبته‪ ،‬إحسان‪.‬‬

‫أما بالنسبه لإلخشيدي فقد تمت إقالته مع تغير الوزاره‪ ،‬و واجه صعوبه رهيبة في الحصول على عمل جديد‪ ،‬خاصه بعد‬

‫المظاهرات التي مألت البالد إلحاله من مثله من الفاسدين‪ .‬فعاش في فتره من الفقر في القاهرة و قرر أن يعود إلى موطتة القناطر‪،‬‬

‫حيث الحياة أرخص و يعود لعملة القديم في القناطر قبل الرفعة‪ .‬قال لنفسه بإحباط شديد‪:‬‬

‫أهكذا أنقل فجأه من الدرجة الخامسة في الوزارة و حياة السلطة و المتعة و المال إلى العودة للحياة الفقيرة في القناطر؟‬ ‫‪-‬‬

‫أهذا يكون جزاء من يكشف فساد هذا الوطن؟‬

‫كان اإلخشيدي مقتنع أنه كشف الفساد بغرض شريف لتطهير الوطن‪ ،‬بينما أنه يعلم جيدًا في نفسة‪ ،‬أنه فعل ذلك أنتقامًا من محجوب‬

‫بسبب رفضة أن يتنازل له عن الدرجة الرابعة مقابل الخامسة‪ ،‬فلوال هذا الموقف‪ ،‬لما أنتقم منة بهذه الطريقة القاسية‪ .‬ركب‬

‫اإلخشيدي أول قطار مؤديًا بة إلى القناطر‪ ،‬راجعًا إلى حياتة القديمه‪ ،‬ساخطًا على حاله و الظروف التي وصل لها‪.‬‬

‫أما اللنسبه إلى محجوب‪ ،‬فعنما وصل إلى القناطر‪ ،‬أتجه مباشره إلى منزل والده‪ .‬في طريقه للمنزل‪ ،‬رأى نظرات الناس‬

‫من حوله‪ ،‬و كأنه قرأ في عينيهم " أنت يا مخادع يا قواد يا حقير"‪ ،‬ولكن كالعاده لم يهتم محجوب بهذه المظاهر األجتماعيه و أنصب‬

‫أهتمامه على هدفة‪ ،‬و هو أن يقنع والده بإعطائه المال للعالج‪ .‬وصل محجوب أمام بيت منزله القديم بالقناطر‪ ،‬و كان أرقى من‬

‫المنزل الذي كان يعيش به في هذا الوقت‪ .‬أستعد لهذه المواجهة و طرق الباب‪ .‬فتح له األب قائًال " من أنت؟" و رأى محجوب والدته‬

‫التي ال تريد حتى أن تنظر في وجهه‪ .‬حاول محجوب الدخول للمنزل ولكن كان يمنعه األب قائًال‪:‬‬

‫أنا ال أسمح ألغراب بالدخول إلى بيتي‬ ‫‪-‬‬

‫أرجوك يا والدي أن أعاني من مرض شديد و األلم قاتل‪ ،‬أرجوك ساعدني ببعض المال‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬و هل لقيت منك أي مساعده عندما كنت أنا مريض و كنا أنا و أمك على أتم أستعداد أن نبيع أثاث المنزل لنساعدك؟‬

‫ثم دفع األب أبنه خارج المنزل‪ ،‬غالقًا الباب بأقصى قوه كعالمه لغضبه الشديد و رفضه أن يساعد محجوب‪ .‬و كأن الزمن ينتقم منه‬

‫على ما فعل‪ .‬الحظ محجوب أن أثاث المنزل تم تجديده و أن أبويه ظهر عليهم الصحة الجيده‪ ،‬بينما هو يعيش في غرفه صغيره و‬

‫حجمه يقل و صحته تتدهور و وجهه أصبح شاحبًا من قله الغذاء‪ .‬قال محجوب في نفسه‪ ،‬حاقدًا و ساخطًا‪:‬‬

‫هل يعيشوا في هذا النعيم و يتركونني لشبح الجوع يقتلني ببطئ؟ هل يتركوا أبنهم بهذه الطريقه؟ أشتروا األثات الجديد‬ ‫‪-‬‬

‫و تحولت حياتهم و تحسنت صحتهم و ال يريدون أعطائي بعض الجنيهات فقط للعالج؟ ألم يروا حالي إلى أين وصل و‬

‫‪Page 4|8‬‬
‫" "‬

‫كيف أصبحت شاحبًا؟ هما لديهم أثاث جديد و أنا أعيش في غرفه بها سريرو حمام فقط‪ ،‬هما صحتهم جيده و أنا أموت‬

‫من المرض‪ ،‬هم يأكلون و أنا جائع‪ .‬طظ‪ .‬على األقل ال أحمل همهم مثلما سبق‪.‬‬

‫و بينما هو غارق في أفكاره‪ ،‬شعر بالدم يجري في جسده بسرعه شديده‪ ،‬و شعر بالطاقة برغم مرضه‪ ،‬عندما رأى أشد كوابيسه‬

‫أمامه‪ ،‬أراد أن ينتقم منه أشد أنتقام‪ ،‬أراد أن يقتله‪ .‬أستدار اإلخشيدي و رأى محجوب أمامه‪ ،‬فضحك ضحكه أستهزاء به‪ ،‬برغم ما‬

‫وصل اإلخشيدي له من حال أيضًا‪ .‬أندفع محجوب بكل قوه نحوه قائًال‪:‬‬

‫يا أيها الوغد!!‬ ‫‪-‬‬

‫و دخل في معركه مع اإلخشيدي‪ ،‬بالضرب و السب كعادته‪ .‬أستمر األثنين في الخناق حتى ُأصيب اإلخشيدي ببعض الجروح‪ ،‬و‬

‫فض أهل القرية هذا الصراع الشديد بين الطرفين‪.‬‬

‫عاد محجوب للمنزل في أسوان‪ ،‬شاعرًا بأنه أطفأ جزء من النار التي كانت بداخله‪ .‬كانت حاله محجوب تسؤ شيأ فشيأ حتى‬

‫أدى به الحال إلى الجلوس في الفراش‪ ،‬كان غير قادرًا على الحركة من كثره التعب‪ ،‬و كان ال يقدر على أكل حبه الفول التي كان‬

‫يتمرد عليها أيام فبراير األسود‪.‬‬

‫أضطرت إحسان أن تشحت في الشوارع لجمع مال عالج زوجها‪ .‬كانت تتمنى لو أن ترى علي طه أمامها في الشوارع و‬

‫تعتذر له عن ما بدر منها و كانت تتمنى لو لم توضع في مثل هذا الموقف و لم تتوقع أن ينتهي بها الحال بالشحاته في الشوارع‪.‬‬

‫فكرت أيضًا في أيام الفرحة و الخمور و األصدقاء من عليه المجتع‪ ،‬كانت تشتاق لهذه األيام أيضًا‪ .‬كانت تجمع إحسان في األسبوع‬

‫الواحد أقل من جنيه‪ ،‬مما كان غير كافيًا لعالج زوجها طريح الفراش‪ .‬تمنى محجوب أن يموت من كثره األلم و لن يفكر لحظه فيما‬

‫تفعله إحسان من أجله‪.‬‬

‫كان مأمون رضوان في أسعد عالقه بينه و بين أسرته و كان في أحسن عالقه مع ربه و ساهم في نشر دعوته الدينيه في‬

‫فرنسا‪ .‬و مع حلول رأس السنه الجديده‪ ،‬قرر مأمون أن يذهب مع عائلته إلى رحلة إلى أسوان‪.‬‬

‫كانت إحسان تنظر إلى أنوار المدينة الساطعه و الزينة التي ُت علق في الشوارع و الميادين‪ ،‬و نظرت إلى حالها‪ ،‬فقيره و‬

‫شحاته و زوجها طريح الفراش بينما يفرح الكل من حولها‪ .‬شعر محجوب بشعور مماثل‪ ،‬كان يقول لنفسه‪:‬‬

‫كنت أتخيل نفسي في ليله رأس السنه‪ ،‬في يدي كأس من الخمر‪ ،‬أحتفل مع عليه القوم ‪ ،‬و األهم‪ ،‬هو أنني كنت سأحتفل‬ ‫‪-‬‬

‫مع إحسان‪ ،‬التي أحبها قلبي‪ .‬ولكن أنا طريح الفراش ليس بإمكاني حتى أكل حبه الفول‪ .‬هل أموت قريبًا من هذه‬

‫الظروف؟‬

‫‪Page 5|8‬‬
‫" "‬

‫بينما كانت تدور إحسان في الشوارع‪ ،‬رآها مأمون‪ ،‬و ُز هل لمنظرها الفقير و جمالها الذي ُأخِفت من التعب و اإلرهاق و‬

‫نفسيتها السيئه و سؤ التغزيه‪ .‬في هذة اللحظه‪ ،‬ظهرت إنسانيه مأمون‪ ،‬ولم يضع في باله ما فعلته إحسان‪ ،‬ألن من تعاليم دينه‪،‬‬

‫الرحمة و الشفقة بالناس‪ ،‬فذهب نحوها بشفقه قائًال‪:‬‬

‫إحسان شحاته؟‬ ‫‪-‬‬

‫مأمون؟‬ ‫‪-‬‬

‫ما الذي أدى بِك لهذا الحال الرهيب؟‬ ‫‪-‬‬

‫فحكت له ما حدث لها و لمحجوب من األحداس البشعه و سوء الحظ‪ .‬فقرر أن يزور بيتهم و يزور محجوب‪ ،‬من باب الرأفة بحاله‪،‬‬

‫فذهب مع إحسان إلى المنزل حيث كان يرقض محجوب‪ .‬قبل الصعود إلى المنزل‪ ،‬وجدت إحسان رساله لها من علي طه‪ ،‬فقالت‬

‫لمأمون أن يذهب هو لمحجوب ليطمأن عليه بينما تقرأ هي الجواب‪ .‬كان يقول علي طه في الجواب الكالم اآلتي‪:‬‬

‫" عزيزتي إحسان‪،‬‬

‫أعلم ما حدث لكي و لزوجك الجديد من سوء‪ ،‬عن نفيكم إلى أسوان و حالتكم الماديه‪ .‬و أتمنى أن تتحسن هذه الحالة في الوقت‬

‫القريب العاجل‪ .‬كتبت لكي ألقول أنني لم اتوقف عن التفكير بِك لحظه واحدة منذ الفراق‪ ،‬ال أنسى شكل عينيكي و هي تنظر لي‬

‫نظره البهجة و السرور و التفاؤل‪ ،‬ال أنسى كالمك عن ضغط أهلك عليك و ال أنسى نظرتك عندما كنت أتكلم عن األشتراكيه‪.‬‬

‫عزيزتي إحسان‪ ،‬كنت أتمنى أن ينتهي بنا الحال بطريقه أفضل‪ ،‬أن نتزوج و نعيش سعداء‪ .‬إنني حتى هذه اللحظه‪ ،‬ال أصدق ما‬

‫أسمعه عنك‪ ،‬ال أصدق أن هذه هي الفتاه الرقيقه التي كنت أغرق في حبها‪ .‬عزيزتي إحسان‪ ،‬كان بودي أن أتزوجك ولكن مبادئي‬

‫تمنعني من الزواج منك‪ ،‬بسبب ما فعلِت‪ ،‬كنت أتمنى أن تكون الظروف أحسن لنتزوج و نعيش معاً‪.‬‬

‫أودعك لألبد‬

‫علي طه"‬

‫باشت الورقة من دموع إحسان‪ ،‬ندمًا على ما فعلته‪ ،‬على عدم تزوجها من الرجل الذي أختاره قلبها‪ ،‬على عدم معارضه أهلها‪.‬‬

‫كانت كل ما تفكر فيه هو غباء قرارها و كره أهلها على إجبارها‪ .‬صعدت إلى منزلها‪ ،‬ووجدت مأمون جالسًا بجانب محجوب يحاول‬

‫أن يهون على محجوب‪ُ ،‬متسائله "لماذا يفعل هذا في حين أن الناس كلها تخلت عنا؟"‬

‫فجأه‪ ،‬توقف محجوب عن الكالم و ُأغلقت عينيه إلى األبد‪ .‬مات محجوب و مات معه ظلمه و أفكاره و قذارته و طمعه‪ .‬قال‬

‫مأمون في نفسه‪:‬‬

‫هذه نهايه كل ظالم طاغي‪ ،‬يقول على الدين خرافات‪ .‬ولن اليجوز على الميت غير الرحمه‪ ،‬هللا يرحمه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪Page 6|8‬‬
‫" "‬

‫في عزاء محجوب‪ ،‬لم يحضر إال زوجته و مأمون‪ .‬كانت زوجته حاضره بجسدها فقط‪ ،‬ولكن كانت تفكر في علي طه و ما‬

‫خسرته في الحياه بسبب عدم الوقوف أمام والديها‪ ،‬و حضر مأمون لتأديه الواجب‪ .‬و حتى لم يحضر والديه حتى‪.‬‬

‫هذه نهايه كل ظالم‪ ،‬فكل من ظلم أو أفسد‪ ،‬يكون جزاؤه عسير و كل من أستهزأ بالدين و المبادئ‪ ،‬ينتقم منه الزمن و‬

‫المجتمع أشد أنتقام‪ ،‬و من يفعل عمًال حسنًا في الدنيا‪ ،‬يلقى جزاءًا حسنًا و جيد‪ ،‬في الدنيا و اآلخرة‪.‬‬

‫‪Page 7|8‬‬

You might also like