You are on page 1of 7

‫منهجية السؤال اإلشكالي المفتوح‬

‫خطوات الكتابة‪:‬‬
‫‪ -1‬التقديم‪ - :‬تمهيد مالئم للموضوع من خالل ربطه بالمجزوءة التي يندرج ضمنها‬
‫السؤال المطروح‪.‬‬
‫‪ -‬تحديد موضوع السؤال والمشكلة التي يثيرها‪.‬‬
‫‪ -‬تحديد المفارقة التي يطرحها السؤال‪( .‬بناء على التقابالت المفاهيمية‬
‫المتضمنة في السؤال)‪.‬‬
‫‪ -‬إعادة صياغة اإلشكال في أسئلة متدرجة‪.‬‬
‫التحليل‪ - :‬استخراج األطروحة المفترضة في السؤال ( فإذا كان السؤال يفيد طلب‬
‫التصديق إثباتا أو نفيا أي يحتمل الجواب بنعم أو ال فاألطروحة تكون متضمنة في‬
‫منطوق السؤال المطروح‪ ،‬وإذا كان السؤال يفيد طلب تعيين التصور فيمكن اقتراح‬
‫أطروحة من بين أطروحات نراها مناسبة للتحليل)‪.‬‬
‫‪ -‬تحليل المحتوى النظري لألطروحة بتفكيك مفاهيمها وأفكارها حيث تشرح‬
‫المفاهيم ثم نقف عند البعد العالئقي للمفاهيم‪.‬‬
‫‪ -‬استحضار البناء الحجاجي للمضامين وكذا المعرفة المالئمة لتحليل‬
‫مضمون السؤال ( أمثلة توضيحية‪ ،‬أفكار‪.)...‬‬
‫‪ - 3‬المناقشة‪ - :‬مناقشة قيمة األطروحة المفترضة في السؤال بإبراز مواطن‬
‫قوتها واستدعاء مواقف فلسفية داعمة لها‪.‬‬
‫‪ -‬مناقشة محدودية األطروحة المفترضة في السؤال بإبراز مواطن ضعفها‬
‫واستدعاء مواقف فلسفية معارضة‪.‬‬
‫‪ -‬يجب المزاوجة بين المناقشة الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫‪ -‬ينبغي الحرص على إدراج أمثلة توضيحية شريطة أن تناسب السياق‬
‫وبعض األقوال الفلسفية شرط شرحها‪.‬‬
‫‪ -4‬التركيب‪ - :‬استخالص نتائج التحليل والمناقشة بدقة‪ (.‬الحرص على ختم‬
‫المقال بخالصة تركيبية تنسجم مع ماورد في مطلب التحليل والمناقشة)‪.‬‬
‫‪ -‬إدراج الرأي الشخصي شريطة أن يكون مدعما ومبنيا‪.‬‬
‫‪ -‬يستحسن إنهاء الموضوع بسؤال إشكالي مفتوح‪.‬‬

‫توجيهات منهجية‬
‫‪ -‬ينبغي للتلميذ أن يق أر السؤال المطروح قراءة متأنية وأن يتجنب القراءة السريعة‬
‫والسطحية للسؤال‪.‬‬
‫‪ -‬ينبغي للتلميذ أن يدرك أن المفاهيم المكونة للسؤال ال قيمة لها في ذاتها وإنما‬
‫قيمتها تكمن في الطريقة التي تتشكل بها المفاهيم والتي تؤثر على نوع المقاربة‬
‫لإلشكالية المطروحة والتي يروم السؤال دفع المترشح للتفكير فيها‪.‬‬
‫‪ -‬هناك قاعدة لسانية تقول‪ :‬كل قول يصرح بشيء‪ ،‬ويسكت عن أشياء‪ .‬فالسؤال‬
‫اإلشكالي يصرح في ظاهره بشيء ويسكت عن أشياء وعلى المترشح أن‬
‫يستجليها من خالل قراءة تشخيصية للطريقة التي بنيت بها مفاهيم السؤال وذلك‬
‫من خالل االستعانة بما تم التوصل إليه‪.‬‬
‫‪ -‬تختلف صيغة السؤال اإلشكالي المفتوح عن صيغة النص والقولة ألن في‬
‫السؤال المفتوح ال توجد أطروحة معطاة كما في القولة‪ ،‬وال أفكار أساسية كما في‬
‫النص‪ ،‬فيبقى إذن االشتغال على المفاهيم المؤسسة لوجود السؤال كرهان‬
‫إشكالي مفتوح على ممكنات متعددة‪.‬‬
‫‪ -‬إن االشتغال على البناء المفاهيمي للسؤال ال يعني البحث عن داللتها المعجمية‬
‫بل البحث عن حمولتها اإلشكالية من خالل طبيعة تعالقها وترابطها بالعالقة مع‬
‫صيغة االستفهام‪( .‬إن الهدف من تحليل مفاهيم السؤال هو تحديد القضية موضوع‬
‫السؤال ومن ثمة االنفتاح على األطروحات الممكنة التي فكرت في تلك القضية)‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن للتلميذ في لحظة المناقشة أن يناقش الرهان الذي اختاره إما "نعم" أو "ال"‬
‫وذلك باستحضار المواقف الفلسفية المدعمة والمعارضة‪ ،‬في أفق بناء تصور‬
‫الموضوع واإلجابة عن المشكل المطروح‪.‬‬
‫‪ -‬من األفضل أن ينهي التلميذ موضوعة بسؤال مفتوح تجسيدا للفلسفة باعتبارها‬
‫محبة الحكمة‪.‬‬

‫نموذج تطبيقي في صيغة السؤال اإلشكالي المفتوح‬


‫هل للتجربة دور في بناء النظرية العلمية؟‬

‫حينما نفكر فلسفيا في المعرفة العلمية‪ ،‬يطرح السؤال عن مسألة جوهرية في العلوم‪،‬‬
‫وهي التي تتعلق بـ"النظرية والتجريب" إذ ال معارف علمية بدون نظريات تقودها وتوجهها‪،‬‬
‫وال حقائق في العلم بدون تجارب تؤكدها وتثبت صدقها‪.‬في هذا الصدد يندرج السؤال المطروح‬
‫داخل مجزوءة المعرفة كمجال عام‪ ،‬وضمن مفهوم النظرية في عالقته بالتجربة كمجال‬
‫خاص‪ ،‬حيث يضعنا السؤال أمام مفارقات مفتوحة على عدة أبعاد‪ :‬بعد يولي أهمية للتجربة‬
‫ويعتبرها أساس النظرية العلمية‪ .‬وبعد آخر يرفض أن تكون التجربة منبع النظرية ألن المبدأ‬
‫الخالق في العلم يوجد في العقل‪ ،‬وبعد ثالث يعتبر أن بناء النظرية العلمية بناء جدلي يتداخل‬
‫فيه العقل والتجربة‪ ،‬هذه األبعاد الثالثة تدفعنا لطرح التساؤالت التالية‪ :‬ما هو األساس الذي‬
‫تقوم عليه النظرية؟ هل هو التجربة أم العقل أم هما معا؟ وما دور كل من التجربة والعقل‬
‫في بناء النظرية العلمية؟ وإذا كان للتجربة دور حاسم في بناء النظرية العلمية فأي دور‬
‫يتبقى للعقل؟ أال يقوم بناء النظرية العلمية على يقين مزدوج يتداخل فيه العقل والتجربة؟‬

‫إن اإلجابة عن التساؤالت السالفة تقتضي العودة إلى مبنى السؤال وتفكيك الصيغة‬
‫التي ورد بها وهي صيغة تفيد طلب التصديق إثباتا أو نفيا ألطروحة يكشف عنها منطوق‬
‫السؤال‪ ،‬والتي تعتبر أن للتجربة دور حاسم في بناء النظرية العلمية بمعنى أن النظرية‬
‫العلمية هي بناء تجريبي ‪ .‬لكن قبل تحليل مضمون السؤال ينبغي أن نقف ابتداء عند‬
‫داللة المفاهيم المؤطرة له‪ ،‬فالنظرية العلمية تركيب عقلي مؤلف من تصورات منسقة‬
‫تروم ربط النتائج بالمبادئ‪ ،‬إنها نسق منطقي وعقلي ترتبط فيه القوانين بمبادئ أولية وفقا‬
‫لنظام فرضي استنباطي يسمح باالنتقال من المقدمات إلى النتائج‪ .‬أما التجربة بالمعنى‬
‫االبستمولوجي فتعني مالحظة الظواهر في شروط معينة يتحكم فيها العالم في أفق معرفة‬
‫حقيقة الظاهرة أو اختبار فرضية ما‪ ،‬وبهذا تكون التجربة أحد آليات المنهج العلمي‪ .‬يكشف‬
‫البعد العالئقي للمفهومين الدور الريادي للتجربة في بناء النظرية العلمية‪ ،‬فهي التي تمنح‬
‫النظرية طابعا علميا‪ ،‬فيصبح العلم هو ما تصدقه التجربة‪ ،‬ويغدو معيار العلمية هنا هو‬
‫المطابقة بين النظرية والواقع‪ ،‬هذه المطابقة تسمح للفيزيائي بأن يتنبأ بما سيحدث فيما بعد‪،‬‬
‫وآية ذلك أن اصطدام كرتين من كرات "البلياردو"‪ ،‬هذا االصطدام القابل للمالحظة‬
‫والقياس يمكن العالم من قياس موقع وكتلة هاتين الكرتين‪.‬‬
‫وتأكيدا على فعالية المنهج التجريبي يقول كلود برنار(‪ ")1878 – 1813‬الحادث‬
‫يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة وتوجهها" هذا القول يلخص خطوات المنهج‬
‫التجريبي التي تتطلب معاينة الظاهرة كما تقدمها الطبيعة تلقائيا‪ ،‬وهذه المعاينة تمثل رؤية‬
‫ساكنة بل تكون دون فكرة سالفة موجهة‪ .‬ثم ميالد فكرة في ذهن العالم تقوده إلى التجربة‪،‬‬
‫والتجربة هي تدخل في الطبيعة حيث يقوم المجرب بمساءلتها واستنطاقها وإرغامها على‬
‫أن تنكشف وتبوح بأسرارها‪،‬فالتجربة تكون مصطنعة ومستحدثة إذ ال تقدمها الطبيعة‬
‫تلقائيا‪ ،‬إنها تجريب فيها تخطيط إنساني وتوجيه معين نحو غرض محدد يرتضيه الباحث‪،‬‬
‫وهذا ما يجعل منها نشاطا موجها بفكرة سابقة‪ .‬فالوثبة األساسية نحو الحقيقة‪ ،‬نحو ما هو‬
‫علمي يكون في الفكرة ألنها هي من تحرك التجربة‪ .‬و للتأكيد على الفرق الحاصل بين‬
‫المالحظة العفوية والتجريب العلمي يورد "برنار" عدة أمثلة نذكر منها على سبيل‬
‫التوضيح مثالين يتجلى المثال األول في عالم الفلك الذي ينظر إلى السماء‪ ،‬فيكتشف كوكبا‬
‫يمر صدفة أمام نظارته‪ ،‬وفي هذه الحالة يكون قد قام بمالحظة منفعلة وعرضية وساكنة‬
‫أي بدون فكرة سابقة‪ .‬لكن إذا ما عاين فلكي اضطرابات في كوكب معين‪ ،‬فعاود النظر‬
‫مرارا قصد البحث عن أسباب هذه االضطرابات‪ ،‬ستكون مالحظة الفلكي موجهة بفكرة‪،‬‬
‫فهي إذن تجربة نشيطة‪ .‬أما في المثال الثاني أحضر "كلود برنار" أرانب قصد إخضاعها‬
‫لتجارب‪ ،‬لكن حدث شيء بالصدفة استرعى انتباهه وهو تبول األرانب على منضدة‬
‫المختبر ‪ ،‬والغريب أن بولها كان فاتح اللون وصافيا وحمضيا مثله مثل بول الحيوانات‬
‫الالحمة‪ ،‬خالفا للمتعارف عليه أن بول الحيوانات العاشبة يكون بالعادة مكدر اللون وغير‬
‫حمضي‪ .‬وكانت هذه بمثابة مالحظة عفوية لم تكن بالحسبان‪ .‬افترض "برنار" أن هذه‬
‫األرانب تم تجويعها لمدة معينة‪ ،‬فاقتاتت من جسمها اضطرارا‪ ،‬هذا االفتراض كان بمثابة‬
‫محرك للتجربة دفعه للتأكد من صحة الفرضية حيث قدم "برنار" لألرانب عشبا ‪ ،‬فأصبح‬
‫بولها مكدر اللون وغير حمضي ( أ ي عاد إلى طبيعته األصل) ثم قام بتجويعها من جديد‬
‫لمدة ‪ 36‬ساعة‪ ،‬فتبولت بوال صافيا وحمضيا‪ ،‬فأعاد تكرار التجربة وحصل على النتيجة‬
‫نفسها‪ ،‬بل طبق نفس التجربة على الخيول فأعطت بدورها نفس النتيجة ليتأكد افتراضه‬
‫بصياغة القانون التالي‪" :‬كلما تم تجويع الحيوان العشبي استحال بوله إلى بول الحيوان‬
‫الالحم"‪ .‬هذه التجربة تمثل نموذجا تطبيقيا من تاريخ العلم‪ ،‬تضاف إلى سلسلة تجارب‬
‫عديدة أظهر من خاللها العلماء أن النظرية ال تتوصل إلى نتائج وتفسيرات دقيقة دون أن‬
‫تستند إلى منهج تجريبي استقرائي‪.‬‬
‫تتأسس القيمة الفلسفية واالبستمولوجية لألطروحة قيد التحليل على أهميتها‬
‫التاريخية ودورها في بناء العلم الحديث الذي كان في معظمه علما تجريبيا يفسر ظواهر‬
‫الطبيعة اعتمادا على قوانين دقيقة يتوصل إليها العالم بعد إجرائه المالحظات وصياغة‬
‫الفرضيات والتجارب‪ ،‬بعيدا عن كل التأمالت الفلسفية والدينية والخرافية التي كانت سائدة‬
‫سلفا‪ .‬للتجربة إذن دور أساسي وحاسم في صياغة القوانين‪ ،‬وبناء النظرية العلمية وهو ما‬
‫كشفت عنه العديد من االنجازات العلمية التي يرجع فضل بلوغها إلى بحوث وتجارب‬
‫العلماء المخبرية‪ .‬لكن السؤال الذي ينبجس بشكل مشروع ويطرح نفسه بإلحاح إذا كانت‬
‫التجربة هي المبتدأ والمنتهى لكل نظرية علمية فأي دور يتبقى للعقل؟ وهل يمكن اإلقرار‬
‫فعال بوجود مالحظة أولية بريئة تتم بالصدفة كما يدعي كلود برنار؟ أليست كل مالحظة‬
‫مثقلة بنظرية صريحة أو مضمرة؟‬
‫بالرغم من أهمية المنهج التجريبي في بناء النظرية إال أن هذا المنهج أثار انتقادات‬
‫وجيهة فإذا كان "برنار" يشترط في المالحظة التجرد من األفكار المسبقة إلى درجة التطابق‬
‫مع آلة التصوير ففي ذلك تشييء للعالم‪ ،‬فليس هناك مالحظة بريئة بل كل مالحظة بتعبير‬
‫باشالر تتم في ضوء نظرية سابقة وانطالقا من تأويل معين للظواهر فهي إذن موجهة من‬
‫خلف‪ .‬فضال عن ذلك أظهر المنهج التجريبي قصورا وعجزا في مسايرة التطور العلمي‬
‫الذي عرفته الفيزياء المعاصرة في تفسيرها للظواهر الكونية الالمتناهية في الصغر كما‬
‫هو الحال مثال مع نظرية ميكانيكا الكوانطم التي أظهرت صعوبة التعيين الدقيق لموضع‬
‫وسرعة اإللكترون في آن واحد ‪ ،‬فإذا أردنا تحديد سرعته البد من إثارة االضطراب في‬
‫موضعه‪ ،‬وإذا أردنا تحديد موضعه‪ ،‬البد من إثارة االضطراب في سرعته‪ ،‬ومن ثم تكون‬
‫الدقة في تحديد أحد الجانبين على حساب الدقة في تحديد الجانب األخر‪ ،‬وهذا المبدأ الذي‬
‫ينطبق على جسيمات الذرة ال يكون ملحوظا في الموضوعات الكبيرة (الماكروسكوبية)‪.‬‬
‫لهذه االعتبارات يعتبر ألبرت إنشتاين (‪ )1955 – 1879‬أن التجربة ليست منبع النظرية‬
‫العلمية‪ ،‬وإنما المبدأ الخالق في العلم يوجد في الرياضيات‪ ،‬فالمعرفة العلمية‪ ،‬من داخل‬
‫علم الفيزياء كنموذج‪ ،‬تتكون من مفاهيم وقوانين ينشئها العقل‪ ،‬ويقوم ببنائها واستنتاجها‬
‫منطقيا‪ ،‬وهذه الممارسة العقلية النظرية هي التي يبحث العالم‪ ،‬بعد إنشائها عن مدى تناسبها‬
‫وتوافقها مع التجريب‪ .‬فالعقل يمنح النسق الفيزيائي بنية (وجوده) وعلى التجربة أن تطابق‬
‫القضايا الناتجة عن النظرية‪ ،‬هذه األخيرة تتولد من االستنباط الرياضي المنطقي وليس‬
‫االستقراء التجريبي‪ ،‬وهذا القول يفهم بالرجوع إلى رد "انشتاين" على "إسحاق نيوتن"‬
‫(‪ )1727- 1642‬بخصوص ثبات كتلة الجسم مهما كانت سرعته‪ ،‬بالقول أن الجسم في‬
‫حركته يصدر طاقة‪ ،‬والطاقة تزيد من حجم كتلته وإذا ما قاربت سرعة الجسم سرعة‬
‫الضوء ستميل كتلة الجسم إلى ما ال نهاية‪ ،‬وهنا تظهر النسبية بين الكتلة (المكان)‬
‫والسرعة (الزمان) وذلك من خالل االستنباط الرياضي‪ .‬لكن إذا كان إنشتاين يولي أهمية‬
‫قصوى للعقل في بناء النظرية العلمية معتبرا أن المبدأ الخالق في العلم ال يوجد في التجربة‬
‫وإنما في العقل الرياضي فإن العقالنية العلمية التي يدعو إليها باشالر (‪)1962- 1884‬‬
‫عقالنية حوارية وجدلية‬
‫تؤمن بالدور المزدوج لكل من العقل والتجربة في بناء المعرفة العلمية ‪ ،‬إنها عقالنية تعكس‬
‫طبيعة الواقع العلمي الجديد‪ ،‬وال تؤمن البتة بوجود مبادئ مطلقة و ثابتة وهو ما يجعل‬
‫منها عقالنية منفتحة لكونها تراجع مبادئها دائما تبعا للمستجدات العلمية‪ ،‬فهي ليست تجريبا‬
‫أعمى (أي ال تمنح للعقل دورا سلبيا فتعتبره صفحة بيضاء تعكس ماهو موجود في الواقع‬
‫التجريبي كما كانت تفعل النزعة التجريبية) ‪ ،‬وليست عقالنية فارغة (أي ليست كتلك التي‬
‫يدعي أنصارها أن بإمكان العقل وحده أن ينتج المعرفة دون الحاجة إلى التجربة) وإنما‬
‫هي تجريب عقالني أو عقالنية تجريبية مطبقة أي عقالنية تختبر مبادئ العقل وأفكاره‬
‫من خالل إخضاعها لتجارب متكررة وتقوم على يقين مزدوج يتداخل فيه العقل والتجريب‪.‬‬
‫نخلص مما تقدم في التحليل والمناقشة أن النظرية العلمية أكبر من أن تختزل في‬
‫منهج واحد سواء كان منهجا تجريبيا استقرائيا أو منهجا رياضيا عقليا والحجة في ذلك أن‬
‫التراكم العلمي الدقيق والمتقدم هو الذي يسترشد بالتوفيق والتكامل االبستمولوجي بين العقل‬
‫والتجربة كما عبر عن ذلك غاستون باشالر‪ .‬هذا التقدم فرض مراجعة مجموعة من‬
‫المفاهيم من ضمنها التجربة التي لم تعد معطاة بل أصبحت مصطنعة خاصة في مجال‬
‫الميكروفيزياء‪ ،‬و الواقع كذلك لم يعد واقعا معطى عن طريق الحواس‪ ،‬بل أصبح واقعا‬
‫مبنيا يقوم العالم ببنائه اعتمادا على الكشوفات العقلية الرياضية‪ ،‬كما أن الخطأ لم يعد عيبا‬
‫كما كانت تدعي النظريات الكالسيكية‪ ،‬بل أضحى تاريخ العلم تاريخ أخطاء‪ .‬لكن إذا كانت‬
‫المعرفة العلمية تآلف بين العقل والتجريب فكيف نتأكد من صدق نظرية ما؟ و ماهو المعيار‬
‫الذي بموجبه نحكم على أن نظرية ما تتصف بالعلمية؟‬

You might also like